اﻟﺤﻤﺪ ﷲ وﺣﺪه ،واﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ ﻧﺒﯿﱢﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻰ آﻟﮫ وﺻﺤﺒﮫ ،وﺑﻌﺪ: ﻓﻘﺪ اﻃﱠﻠﻌﺖُ ﻋﻠﻰ ﻧُﺒﺬة ﻣﺨﺘﺼﺮةٍ ﺑﻌﻨﻮان: ـ ﺑﻘﻠﻢ اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﺸﯿﺦ: ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺤﺴﻦ اﻟﺒﺪر ،ﻓﺄﻟﻔﯿﺘُﮭﺎ ﻧﺒﺬة ﻣﻔﯿﺪة ،ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ دروس ﻗﯿﱢﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﯿﺪة ﺗُﺴﺘﻔﺎد ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ ـ وھﻜﺬا ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻌﺒﺎدات ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ھﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ـ وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺞ
ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﯾَﺠﺘﻤﻊ ﻟﮫ اﻟﻌﺎﻟَﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ أﻗﻄﺎر اﻷرض ﻓﻲ ﺑﻠﺪ اﷲ اﻟﺤﺮام ﯾﺘﻠﻘﻮن ﺗﻌﺎﻟﯿﻢ اﻟﻤﻨﺎﺳﻚ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب اﷲ وﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟِﮫ ،ﻓﮭﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ دورة ﺗﻌﻠﯿﻤﯿﺔ ﯾﺮﺟﻌﻮن ﺑﻌﺪھﺎ إﻟﻰ ﺑﻼدھﻢ وﻗﺪ ﺻﺤﱠﺤﻮا ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻓﻤﺎ أﻋﻈﻢ ھﺬا اﻟﺤﺞ وﻗﺪ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﯿﮫ ﻟِﺨَﻠﯿﻠِﮫ إﺑﺮاھﯿﻢ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم} :وأَذﱢن ﻓِﻲ اﻟﻨﱠﺎسِ ﺑِﺎﻟﺤﺞﱢ ﯾﺄﺗﻮكَ رِﺟﺎﻻً وﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺿَﺎﻣِﺮٍ ﯾَﺄﺗﯿﻦ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﻓَﺞﱟ ﻋَﻤِﯿﻖٍ ﻟِﯿﺸْﮭَﺪُوا ﻣَﻨﺎﻓِﻊَ ﻟَﮭُﻢ{، وإﻧﱠﮫ واﺟﺐٌ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻤﺎء أن ﯾُﺒﯿﱢﻨﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻓﻊ وﯾﺸﺮﺣﻮھﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﯾﺴﺘﻔﯿﺪوا ﻣﻦ ﺣﺠﱢﮭﻢ، وﻓﻲ ھﺬه اﻟﻨﺒﺬة اﻟﻤﺸﺎر إﻟﯿﮭﺎ ﻣﺸﺎرﻛﺔٌ ﻓﻲ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﮭﺬا اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﻌﻈﯿﻢ ـ ﺟﺰى اﷲ ﻣﺆﻟﱢﻔَﮭﺎ اﻟﺸﯿﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﺧﯿﺮَ اﻟﺠﺰاء ـ وﻧﻔﻊ ﺑﺠﮭﻮده اﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﮭﺎ ﻓﯿﮭﺎ وﻓﻲ ﻏﯿﺮھﺎ. وﺻﻠﱠﻰ اﷲ وﺳﻠّﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﯿﱢﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻰ آﻟﮫ
.وﺻﺤﺒﮫ ھـ١٤٢٠ / ٨ / ٦
٥
اﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ،واﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ اﻟﻨﺒﯿﯿﻦ وإﻣﺎم اﻟﻤﺮﺳﻠﯿﻦ ،ﻧﺒﯿﱢﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻰ آﻟﮫ وﺻﺤﺒﮫ أﺟﻤﻌﯿﻦ ،أﻣﺎ ﺑﻌﺪ: ﻓﺈنﱠ اﻟﺤﺞ ﻣﺪرﺳﺔ إﯾﻤﺎﻧﯿﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﯾﺘﻠﻘﻰ ﻓﯿﮫ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻟﺪروسَ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ واﻟﻌِﺒﺮ اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻓﻲ ﺷﺘﻰ اﻟﻤﺠﺎﻻت ،وﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﺑﻮاب اﻟﺪﯾﻦ )) اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ واﻟﻌﺒﺎدات واﻟﺴﻠﻮك ،(( ... وﯾﺘﻔﺎوﺗﻮن ﻓﻲ ﻗﻮة ﺗﺤﺼﯿﻠﮭﺎ وﺣﺴﻦ اﻛﺘﺴﺎﺑﮭﺎ ﺗﻔﺎوﺗﺎً ﻋﻈﯿﻤﺎً ﺑﯿﻦ ﻣﻘﻞﱟ وﻣﺴﺘﻜﺜﺮٍ ،واﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﺑﯿﺪ اﷲ وﺣﺪه. وﻟﺬا رأﯾﺖُ أنﱠ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﯿﺪ اﺳﺘﺨﻼص ﺟﻤﻠﺔ
٦
ﻣﻦ اﻟﺪروس اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﻤﺴﺘﻔﺎدة ﻓﻲ اﻟﺤﺞ، واﻟﻤﺘﻌﻠّﻘﺔ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺧﺎﺻﺔ؛ إذ ھﻮ اﻷﺳﺎس واﻷﺻﻞ اﻟﺬي ﺗُﺒﻨﻰ ﻋﻠﯿﮫ اﻷﻋﻤﺎل، وﯾﻘﻮم ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺪﯾﻦ ﻛﻠّﮫ ،وھﻲ ﻣﺠﺮّد إﺷﺎرة إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺪروس اﻟﻤﺴﺘﻔﺎدة ﻓﯿﮫ ،وإﻻﱠ ﻓﺈنﱠ ﻣﺎ ﯾُﺴﺘﻔﺎد ﻓﯿﮫ ﻣﻦ دروسٍ وﻓﻮاﺋﺪ أﻣﺮ ﯾﻔﻮق اﻟﺤﺼﺮ ،وﻻ ﯾﺒﻠﻐﮫ اﻟﻌﺪﱡ. وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻋﺪد ھﺬه اﻟﺪروس اﻟﻤﺴﺘﺨﻠﺼﺔ ھﻨﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ درﺳﺎً ،راﻋﯿﺖ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺘﺠﺎﻧﺴﺔ ﻓﻲ ﺣﺠﻤﮭﺎ وﻃﺮﯾﻘﺔ ﻃﺮﺣﮭﺎ ،واﷲَ أﺳﺄل أن ﯾﻨﻔﻊ ﺑﮭﺬا اﻟﺠﮭﺪ وأن ﯾﺘﻘﺒﱠﻠﮫ ﺑﻘﺒﻮل ﺣﺴﻦ ،إﻧﱠﮫ ﻧﻌﻢ اﻟﻤﺠﯿﺐ.
٧
ﻻ رﯾﺐ أن اﻟﺤﺞ ﻣﻦ أﻓﻀﻞ اﻟﻄﺎﻋﺎت وأﺟ ﱢ ﻞ اﻟﻘُﺮُﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻘﺮﱠب ﺑﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻢ إﻟﻰ رﺑﱢﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺑﻞ ھﻮ ﻋﺒﺎدةٌ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدات اﻟﺘﻲ اﻓﺘﺮﺿﮭﺎ اﷲ وﺟﻌﻠﮭﺎ إﺣﺪى اﻟﺪﻋﺎﺋﻢ اﻟﺨﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﯾﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺪﯾﻦُ اﻹﺳﻼﻣﻲﱡ اﻟﺤﻨﯿﻒ ،واﻟﺘﻲ ﺑﯿﱠﻨﮭﺎ رﺳﻮل اﷲ ﺑﻘﻮﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﺼﺤﯿﺢ )) :ﺑُﻨﻲ اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﺧﻤﺲ :ﺷﮭﺎدة أن ﻻ إﻟﮫ إﻻّ اﷲ وأنﱠ ﻣﺤﻤّﺪاً رﺳﻮل اﷲ ،وإﻗﺎمِ اﻟﺼﻼة ،وإﯾﺘﺎءِ اﻟﺰﻛﺎة، وﺻﯿﺎمِ رﻣﻀﺎن ،وﺣﺞﱢ اﻟﺒﯿﺖِ (().(١ وﺛﺒﺖ ﻋﻨﮫ ﻓﻲ أﺣﺎدﯾﺚَ ﻛﺜﯿﺮةٍ ﺗﺮﻏﯿﺐُ أﻣّﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ وﺣﺜﱡﮭﻢ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ،وﺑﯿﱠﻦ ﻟﮭﻢ ﻣﺎ ﯾَﻐﻨﻤﻮﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ ﻣﻦ أﺟﻮرٍ ﻋﻈﯿﻤﺔٍ وﺛﻮابٍ ﺟﺰﯾﻞ وﻏﻔﺮانٍ ﻟﻠﺬﻧﻮب. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(٨:وﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٦:
٨
روى ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ أنﱠ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺎل ﻟﻌﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻋﻨﺪ إﺳﻼﻣﮫ: )) أﻣَﺎ ﻋﻠِﻤﺖَ أنﱠ اﻹﺳﻼم ﯾﮭﺪم ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺒﻠﮫ ،وأنﱠ اﻟﮭﺠﺮة ﺗﮭﺪم ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺒﻠﮭﺎ ،وأنﱠ اﻟﺤﺞ ﯾﮭﺪم ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺒﻠﮫ (().(١ وروى اﻟﺸﯿﺨﺎن ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ )) :ﻣﻦ ﺣﺞّ وﻟﻢ ﯾﺮﻓﺚ وﻟﻢ ﯾﻔﺴﻖ رﺟﻊ ﻛﯿﻮم وﻟﺪﺗﮫ أﻣﱡﮫ (() ،(٢وروى ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ )) :اﻟﻌﻤﺮة إﻟﻰ اﻟﻌﻤﺮة ﻛﻔﱠﺎرةٌ ﻟﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ،واﻟﺤﺞ اﻟﻤﺒﺮور ﻟﯿﺲ ﻟﮫ ﺟﺰاءٌ إﻻّ اﻟﺠﻨﺔ (().(٣ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢١: ) (٢ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ،(١٥٢١: )رﻗﻢ.(١٣٥٠: ) (٣ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٣٤٩:
وﻣﺴﻠﻢ
٩
وﻗﺪ ﺣﺞ ﺻﻠﻮاتُ اﷲ وﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻌﺎﺷﺮة ﻣﻦ اﻟﮭﺠﺮة اﻟﻨﺒﻮﯾﺔ ﺣﺠّﺘَﮫ اﻟﺘﻲ رﺳﻢ ﻓﯿﮭﺎ ﻷُﻣﱠﺘﮫ ﻋﻤﻠﯿﺎ ﻛﯿﻔﯿﺔ أداء ھﺬه اﻟﻔﺮﯾﻀﺔِ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔِ وﺣﺚّ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻘّﻲ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﯾﺼﺪر ﻣﻨﮫ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل وأﻗﻮال ،ﻓﻘﺎل )) :ﺧﺬوا ﻋﻨّﻲ ﻣﻨﺎﺳﻜَﻜﻢ ﻓﻠﻌﻠّﻲ ﻻ أﻟﻘﺎﻛﻢ ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣﻲ ھﺬا (() ،(١ﻓﺴُﻤﱢﯿﺖ ﺣﺠّﺔَ اﻟﻮداع ،وﻓﯿﮭﺎ ﻧﺰل ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ﻗﻮلُ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻛﻤﻠﺖ ﻟﻜﻢ ﺩﻳﻨﻜﻢ ﻭﺃﲤﻤﺖ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻧﻌﻤﱵ ﻭﺭﺿﻴﺖ ﻟﻜﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺩﻳﻨﺎً{ ]ﺳﻮرة :اﻟﻤﺎﺋﺪة، اﻵﯾﺔ .[٣ إنﱠ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﻣﺴﻠﻢ ﻗﺪِم ﻷداء ھﺬه اﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ أنْ ﯾﺠﺘﮭﺪ ﺗﻤﺎم اﻻﺟﺘﮭﺎد ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ھﺪي اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ وﻛﯿﻔﯿﺔ أداﺋﮫ ﻟﻤﻨﺎﺳﻜﮫ ﻟﯿﺴﻠﻚ ﻣﻨﮭﺠﮫ وﻟﯿﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢٩٧:
١٠
وﻟﯿﻘﺘﻔﻲ أﺛﺮه وﻟﯿﺄﺧﺬ ﻋﻨﮫ ﻣﻨﺎﺳﻜﮫ ،وﻟﯿﺘﺄﺗّﻰ ﻟﮫ ﺑﺬﻟﻚ اﻹﺗﯿﺎنُ ﺑﺎﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﺎم واﻟﻜﻤﺎل ،إذ ﻻ ﻛﻤﺎل ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻄﺎﻋﺔ وﻓﻲ ﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻋﺎت إﻻّ ﺑﺎﻻﻗﺘﻔﺎء ﻵﺛﺎر اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﯾﻢ واﻟﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﮭﺎﺟﮫ. ﻻ رﯾﺐ أنﱠ ﻛﻞﱠ ﻣﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻷرض ﺗﺘﺤﺮّك ﻧﻔﺴﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻷﯾّﺎم اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ﺷﻮﻗﺎً ﻷداء ھﺬه اﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ،وﻃﻤﻌﺎً ﻓﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ ھﺬا اﻟﻨﺴﻚ اﻟﺠﻠﯿﻞ ،وﻣﺤﺒّﺔً ﻟﺮؤﯾﺔ ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﻌﺘﯿﻖ؛ إذ إنﱠ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺟﻤﯿﻌَﮭﻢ ﺻِﻠﺘُﮭﻢ ﺑﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام وﺛﯿﻘﺔٌ ،وھﻲ ﺗﻨﺸﺄُ ﻣﻨﺬُ ﺑﺪء اﻧﺘﻤﺎءِ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻟﺪﯾﻦ اﻹﺳﻼم ،وﺗﺴﺘﻤﺮﱡ ﻣﻌﮫ ﻣﺎ ﺑﻘﯿﺖ روﺣﮫ ﻓﻲ ﺟﺴﺪه ،ﻓﺎﻟﺼﺒﻲ ﱡ اﻟﺬي ﯾﻮﻟﺪ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم أوّلُ ﺷﻲء ﯾﻄﺮقُ ﺳﻤﻌَﮫ ﻣﻦ ﻓﺮاﺋﺾ اﻹﺳﻼم أرﻛﺎﻧُﮫ اﻟﺨﻤﺴﺔُ اﻟﺘﻲ أﺣﺪھﺎ ﺣﺞﱡ ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام، واﻟﻜﺎﻓﺮ إذا أﺳﻠﻢ وﺷﮭﺪ أن ﻻ إﻟﮫ إﻻّ اﷲ وأنﱠ
١١
ﻣﺤﻤﺪاً ﻋﺒﺪه ورﺳﻮﻟﮫ أوّلُ ﻣﺎ ﯾُﻮﺟﱠﮫ إﻟﯿﮫ ﻣﻦ ﻓﺮاﺋﺾ اﻹﺳﻼم ﺑﻘﯿّﺔُ أرﻛﺎﻧﮫ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﮭﺎدﺗﯿﻦ وھﻲ :إﻗﺎمُ اﻟﺼﻼة وإﯾﺘﺎءُ اﻟﺰﻛﺎة وﺻﻮمُ رﻣﻀﺎن وﺣﺞ ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ،وأوّلُ أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﺑﻌﺪ اﻟﺸﮭﺎدﺗﯿﻦ اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ اﻟﺘﻲ اﻓﺘﺮﺿﮭﺎ اﷲ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎده ﻓﻲ ﻛﻞﱢ ﯾﻮمٍ وﻟﯿﻠﺔٍ، وﺟَﻌَﻞَ اﺳﺘﻘﺒﺎل ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ﺷﺮﻃﺎً ﻣﻦ ﺷﺮوﻃﮭﺎ ،ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻗﺪ ﻧﺮﻯ ﺗﻘﻠﱡﺐ ﻭﺟﻬﻚ ﰲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﻠﻨﻮﻟِﻴﻨﻚ ﻗﺒﻠﺔ ﺗﺮﺿﺎﻫﺎ ﻓﻮﻝﱢ ﻭﺟﻬﻚ ﺷﻄﺮ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﺍﳊﺮﺍﻡ ﻭﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﻓﻮﻟّﻮﺍ ﻭﺟﻮﻫﻜﻢ ﺷﻄﺮﻩ{ ]اﻟﺒﻘﺮة،
،[١٤٤ﻓﺼِﻠﺔُ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ﻣﺴﺘﻤﺮةٌ ﻓﻲ ﻛﻞﱢ ﯾﻮمٍ وﻟﯿﻠﺔٍ ﯾﺴﺘﻘﺒﻠﮫ ﻣﻊ اﻟﻘﺪرة ﻓﻲ ﻛﻞﱢ ﺻﻼة ﯾﺼﻠﯿﮭﺎ ﻓﺮﯾﻀﺔ ﻛﺎﻧﺖ أو ﻧﺎﻓﻠﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﺴﺘﻘﺒﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎء).(١ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻧﻈﺮ :اﻟﺤﺞ ﻓﻀﻠﮫ وﻓﻮاﺋﺪه ،ﻟﻠﻮاﻟﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ اﻟﺸﯿﺦ ﻋﺒﺪ =
١٢
وﻟﮭﺬا ﻓﺈنﱠ ھﺬه اﻟﺼﻠﺔ اﻟﻮﺛﯿﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﺑﮭﺎ ھﺬا اﻻرﺗﺒﺎطُ ﺑﯿﻦ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺴﻠﻢ وﺑﯿﺖ رﺑّﮫ ﺑﺼﻔﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة ﺗﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻢ وﻻ ﺑﺪﱠ إﻟﻰ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﻤُﻠِﺤﱠﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺟﱡﮫ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻌﺘﯿﻖ ﻟﯿﻤﺘِﻊ ﺑﺼﺮه ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫ وﻟﯿﺆدّي اﻟﺤﺞ اﻟﺬي اﻓﺘﺮﺿﮫ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ إذا اﺳﺘﻄﺎع إﻟﯿﮫ ﺳﺒﯿﻼً ،ﻓﺎﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﺘﻰ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺤﺞ ﺑﺎدر إﻟﯿﮫ أداءً ﻟﮭﺬه اﻟﻔﺮﯾﻀﺔِ ورﻏﺒﺔً ﻓﻲ ﻣﺸﺎھﺪة اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي ﯾﺴﺘﻘﺒﻠﮫ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ ﺻﻠﻮاﺗﮫ} ،ﻓِﻴﻪِ ﺁﻳﺎﺕ ﺑﻴﻨﺎﺕ ﻣﻘَﺎﻡ ﺇِﺑﺮﺍﻫِﻴﻢ{ ]آل ﻋﻤﺮان .[٩٧ وﻟﮭﺬا ﻓﺈنﱠ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﯿﻚ أﺧﻲ اﻟﺤﺎج أن ﺗﺤﻤﺪ اﷲ ﻛﺜﯿﺮاً ﻋﻠﻰ ﻧﻌﻤﺘﮫ ﻋﻠﯿﻚ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ، ﺑﺎﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﻷداء ھﺬه اﻟﻄﺎﻋﺔ ،واﻟﻘﺪوم ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ ھﺬه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اﻟﻤﺤﺴﻦ اﻟﺒﺪر ﺣﻔﻈﮫ اﷲ )ﺿﻤﻦ ﻣﺠﻤﻮع :ﻗﺒﺲ ﻣﻦ ھﺪي اﻹﺳﻼم ص ١٢٨ :ـ .(١٣٣
١٣
اﻟﻌﺒﺎدة ،واﻟﺘﺸﺮف ﺑﺮؤﯾﺔ ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﻌﺘﯿﻖ ﻗﺒﻠﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﺸﺎرق اﻷرض وﻣﻐﺎرﺑﮭﺎ ،وأن ﺗﺠﺘﮭﺪ ﻓﻲ ﺗﻜﻤﯿﻞ أﻋﻤﺎل اﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ أﺣﺴﻦ وﺟﮫ وأﻛﻤﻞ ﺣﺎل دون إﺧﻼلٍ أو ﺗﻘﺼﯿﺮٍ ودون إﻓﺮاط أو ﺗﻔﺮﯾﻂ ،ﺑﻞ ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻰ ھَﺪْيٍ ﻗﺎﺻﺪٍ وﻃﺮﯾﻖٍ ﻣﺴﺘﻘﯿﻢٍ ﻣُﺘﱠﺒِﻌﺎً ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻟﺮﺳﻮﻟﻚ اﻟﻜﺮﯾﻢ ،ﺗﺒﺘﻐﻲ ﺑﻌﻤﻠﻚ ھﺬا ﻣﺮﺿﺎةَ رﺑﱢﻚ ،وﻧﯿﻞَ ﺛﻮاﺑﮫ ،وﻣﻐﻔﺮةَ اﻟﺬﻧﻮب ،وﻟﺘﻌﻮدَ إﻟﻰ ﺑﻼدك ﺑﻌﺪ ھﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ وذﻧﺒُﻚ ﻣﻐﻔﻮرٌ ،وﺳﻌﯿٍﻚ ﻣﺸﻜﻮرٌ، وﻋﻤﻠُﻚ ﺻﺎﻟﺢٌ ﻣُﺘَﻘﺒﱠﻞٌ ﻣﺒﺮورٌ ،ﺑﺤﯿﺎةٍ ﺟﺪﯾﺪةٍ ﺻﺎﻟﺤﺔٍ ﻣﻠﯿﺌﺔٍ ﺑﺎﻹﯾﻤﺎن واﻟﺘﻘﻮى ،ﻋﺎﻣﺮةٍ ﺑﺎﻟﺨﯿﺮ واﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ،زاﺧﺮةٍ ﺑﺎﻟﺠﺪ واﻻﺟﺘﮭﺎد ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺔ اﷲ. إنﱠ اﻟﺤﺞ ﻓﺮﺻﺔٌ ﻋﻈﯿﻤﺔٌ ﻟﻠﺘﺰوﱡد ﻓﯿﮫ ﻣﻦ زاد اﻵﺧﺮة ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔ إﻟﻰ اﷲ واﻹﻧﺎﺑﺔ إﻟﯿﮫ واﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﮫ واﻟﺴﻌﻲ ﻓﻲ ﻣﺮﺿﺎﺗﮫ ،وﻣﻦ ﺧﻼل
١٤
اﻟﺤﺞ وﻣﻨﺎﺳﻜﮫ ﯾﺘﮭﯿﱠﺄ ﻟﻠﺤﺎج ﻓُﺮَصٌ ﻛﺜﯿﺮةٌ ﻟﺘﻠﻘﻲ اﻟﺪروس اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ واﻟﻌﺒَﺮ اﻟﻤﺆﺛﱢﺮة واﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ واﻟﺜﻤﺎر اﻟﻜﺮﯾﻤﺔ اﻟﯿﺎﻧﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﯿﺪة واﻟﻌﺒﺎدة واﻷﺧﻼق ﺑﺪءاً ﺑﺄوّل ﻋﻤﻞٍ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺤﺞ ﯾﻘﻮم ﺑﮫ اﻟﻌﺒﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﻘﺎت واﻧﺘﮭﺎء ﺑﺂﺧﺮ ﻋﻤﻞ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺤﺞ ﺑﻄﻮافِ ﺳﺒﻌﺔِ أﺷﻮاطٍ ﯾﻮدﱢع ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﺎجﱡ ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ،وھﻮ ﺑﺼﺪقٍ ﻣﺪرﺳﺔٌ ﺗﺮﺑﻮﯾﱠﺔٌ إﯾﻤﺎﻧﯿﺔٌ ﻋﻈﯿﻤﺔٌ ﯾﺘﺨﺮّج ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن اﻟﻤﺘﻘﻮن ،ﻓﯿﺸﮭﺪون ﻓﻲ ﺣﺠﱢﮭﻢ اﻟﻤﻨﺎﻓﻊَ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔَ واﻟﺪروسَ اﻟﻤﺘﻨﻮﱢﻋﺔَ واﻟﻌِﻈﺎتِ اﻟﻤﺆﺛﱢﺮةَ ،ﻓﺘﺤﯿﻰ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻘﻠﻮب وﯾﺘﻘﻮّى اﻹﯾﻤﺎن ،ﯾﻘﻮل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ: }ﻭﺃﺫﱢﻥ ﰲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﳊﺞ ﻳﺄﺗﻮﻙ ﺭﺟﺎﻻً ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺿﺎﻣﺮ ﻳﺄﺗﲔ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﻓﺞ ﻋﻤﻴﻖٍ ﻟﻴﺸﻬﺪﻭﺍ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﳍﻢ{ ]اﻟﺤﺞ ،[٢٧،٢٨ وﻣﻨﺎﻓﻊ اﻟﺤﺞ ﻻ ﺗُﺤﺼﻰ وﻓﻮاﺋﺪه ﻻ ﺗُﺴﺘﻘﺼﻰ، وﻋﺒﺮُه ودروﺳُﮫ اﻟﻤﺴﺘﻔﺎدة ﻣﻨﮫ ﻻ ﯾﺤﺎط ﺑﮭﺎ، وﺳﻮف ﻧﻘﻒ ﺑﺈذن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﺧﻼل ھﺬه
١٥
اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﻃﯿّﺒﺔ وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺪروس اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﺣﺞ ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ،وﺑﺎﷲ وﺣﺪه اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ.
١٦
ﺗﻘﺪّم اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞِ اﻟﺤﺞ ورﻓﻌﺔِ ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ وأﻧﱠﮫ ﻣﻦ أﺟﻞﱢ اﻟﻌﺒﺎدات وأﻋﻈﻢ اﻟﻘُﺮُﺑﺎت وأﻧﱠﮫ رﻛﻦٌ ﻣﻦ أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ وأﺳﺎس ﻣﻦ أُﺳُﺴﮫ اﻟﻤﺘﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﮭﺎ ﯾﻘﻮم وﻋﻠﯿﮭﺎ ﯾُﺒﻨﻰ ،وﺗﻘﺪّم اﻹﺷﺎرةُ إﻟﻰ أنﱠ اﻟﺤﺞ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ واﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ واﻟﺪﻧﯿﻮﯾﺔ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺤﺼﯿﮫ اﻟﻤُﺤﺼﻮن وﻻ ﯾﻘﺪر ﻋﻠﻰ ﻋﺪّه اﻟﻌﺎدﱡون ،وﻓﻲ ذﻟﻚ ﯾﻘﻮل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ} :ﻭﺃﺫﻥ ﰲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﳊﺞ ﻳﺄﺗﻮﻙ
ﺭﺟﺎﻻً ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺿﺎﻣﺮٍ ﻳﺄﺗﲔ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﻓﺞﱟ ﻋﻤﻴﻖ ﻟﻴﺸﻬﺪﻭﺍ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﳍﻢ ﻭﻳﺬﻛﺮﻭﺍ ﺍﺳﻢ ﺍ ﰲ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺭﺯﻗﻬﻢ ﻣﻦ ﲠﻴﻤﺔ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ ﻓﻜﻠﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺃﻃﻌﻤﻮﺍ ﺍﻟﺒﺂﺋﺲ ﺍﻟﻔﻘﲑ ﺛﻢ ﻟﻴﻘﻀﻮﺍ ﺗﻔﺜﻬﻢ ﻭﻟﻴﻮﻓﻮﺍ ﻧﺬﻭﺭﻫﻢ ﻭﻟﻴﻄّﻮﻓﻮﺍ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﺘﻴﻖ{
]اﻟﺤﺞ ٢٧ـ ،[٢٩ﻓﺎﻟﺤﺞ ﻣﻠﻲءٌ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ واﻟﺪﻧﯿﻮﯾﺔ ،واﻟﻼّم ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ:
١٧
}ﻟﻴﺸﻬﺪﻭﺍ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﳍﻢ{ ھﻲ ﻻم اﻟﺘﻌﻠﯿﻞ وھﻲ ﻣﺘﻌﻠﱢﻘﺔ ﺑﻘﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﺃﺫﱢﻥ ﰲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﳊﺞ ﻳﺄﺗﻮﻙ ﺭﺟﺎﻻً ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺿﺎﻣﺮ{ اﻵﯾﺔ ،أي :إن ﺗﺆذﱢن ﻓﯿﮭﻢ ﺑﺎﻟﺤﺞ ﯾﺄﺗﻮك ﻣﺸﺎة ورﻛﺒﺎﻧﺎً ﻷﺟﻞ أن ﯾﺸﮭﺪوا أي ﯾﺤﻀﺮوا ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻟﮭﻢ واﻟﻤﺮاد ﺑﺤﻀﻮرھﻢ اﻟﻤﻨﺎﻓﻊ ﺣﺼﻮﻟﮭﺎ ﻟﮭﻢ. وﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻵﯾﺔ }ﻣﻨﺎﻓﻊ {ھﻮ ﺟﻤﻊُ ﻣﻨﻔﻌﺔٍ ،وﻧﻜﱠﺮ اﻟﻤﻨﺎﻓﻊَ؛ ﻷﻧﱠﮫ أراد ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻣﺨﺘﺼﺔً ﺑﮭﺬه اﻟﻌﺒﺎدة دﯾﻨﯿّﺔً ودﻧﯿﻮﯾﺔً ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدات ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ. روى اﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮه ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ: }ﻟﻴﺸﻬﺪﻭﺍ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﳍﻢ{ ﻗﺎل: )) ﻣﻨﺎﻓﻊُ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻣﻨﺎﻓﻊُ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة ،ﻓﺄﻣّﺎ ﻣﻨﺎﻓﻊ اﻵﺧﺮة ﻓﺮﺿﻮان اﷲ ،وأﻣﺎ ﻣﻨﺎﻓﻊ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻓﻤﺎ ﯾﺼﯿﺒﻮن ﻣﻦ ﻟﺤﻮم اﻟﺒُﺪْنِ ﻓﻲ ذﻟﻚ واﻟﺬﺑﺎﺋﺢِ
١٨
واﻟﺘﺠﺎرات (().(١ وروى ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﻋﻦ ﻣﺠﺎھﺪ رﺣﻤﮫ اﷲ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ } :ﻟﻴﺸﻬﺪﻭﺍ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﳍﻢ{ ،ﻗﺎل)) : اﻟﺘﺠﺎرة وﻣﺎ أرﺿﻰ اﷲ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻵﺧﺮة (().(٢ وروى اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ اﻟﻄﺒﺮي ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮه ﻋﻦ ﻣﺠﺎھﺪ رﺣﻤﮫ اﷲ } :ﻟﻴﺸﻬﺪﻭﺍ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﳍﻢ{ ﻗﺎل)) : اﻷﺟﺮُ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة واﻟﺘﺠﺎرةُ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ (().(٣ ﻓﺎﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﺘﻲ ﯾُﺤﺼﱢﻠﮭﺎ اﻟﺤﺠﯿﺞ وﯾَﺠﻨﻮﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺠﮭﻢ ﻟﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ﻋﺪﯾﺪة وﻣﺘﻨﻮﱢﻋﺔ: ـ ﻣﻨﺎﻓﻊُ دﯾﻨﯿﺔٌ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدات اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ واﻟﻄﺎﻋﺎت اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻜﻮن إﻻ ﻓﯿﮫ. ـ وﻣﻨﺎﻓﻊُ دﻧﯿﻮﯾﺔٌ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﺴﺐ وﺣﺼﻮل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١أورده اﻟﺴﯿﻮﻃﻲ ﻓﻲ اﻟﺪر اﻟﻤﻨﺜﻮر ).(٣٧/٦ ) (٢ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ).(٣٦/٢ ) (٣ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺒﯿﺎن ).(١٤٧/١٠
١٩
اﻷرﺑﺎح اﻟﺪﻧﯿﻮﯾﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺳﯿﺎق آﯾﺎت اﻟﺤﺞ ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﺒﻘﺮة} :ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺟﻨﺎﺡ ﺃﻥ ﺗﺒﺘﻐﻮﺍ ﻓﻀﻼ ﻣﻦ ﺭﺑﻜﻢ{ ]اﻟﺒﻘﺮة .[١٩٨ روى أﺑﻮ داود وﻏﯿﺮه ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻗﺎل )) :ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺘﻘﻮن اﻟﺒﯿﻮعَ واﻟﺘﺠﺎرة ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻢ واﻟﺤﺞ ﯾﻘﻮﻟﻮن :أﯾﺎمُ ذﻛﺮ ،ﻓﺄﻧﺰل اﷲ: }ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺟﻨﺎﺡ ﺃﻥ ﺗﺒﺘﻐﻮﺍ ﻓﻀﻼ ﻣﻦ ﺭﺑﻜﻢ{ (().(١ وروي ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺔ أﻧﱠﮫ ﻗﺎل )) :ﻻ ﺣﺮج ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﺮاء واﻟﺒﯿﻊ ﻗﺒﻞ اﻹﺣﺮام وﺑﻌﺪه (().(٢ ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻣﯿﻦ اﻟﺸﻨﻘﯿﻄﻲ رﺣﻤﮫ اﷲ )) :وﻗﺪ أﻃﺒﻖ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ أنﱠ ﻣﻌﻨﻰ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١رواه أﺑﻮ داود )رﻗﻢ ،(١٧٣٤:ورواه وﻛﯿﻊ وﺳﻌﯿﺪ ﺑﻦ ﻣﻨﺼﻮر واﺑﻦ أﺑﻲ ﺷﯿﺒﺔ وﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﯿﺪ واﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺪر اﻟﻤﻨﺜﻮر ﻟﻠﺴﯿﻮﻃﻲ ).(٥٣٤/١ ) (٢رواه اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ ).(٢٨٢/٢
٢٠
ﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺟﻨﺎﺡ ﺃﻥ ﺗﺒﺘﻐﻮﺍ ﻓﻀﻼ ﻣﻦ
ﺭﺑﻜﻢ{ :أﻧﱠﮫ ﻟﯿﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎج إﺛﻢٌ وﻻ ﺣﺮجٌ إذا اﺑﺘﻐﻰ رﺑﺤﺎً ﺑﺘﺠﺎرة ﻓﻲ أﯾّﺎم اﻟﺤﺞ إن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻻ ﯾﺸﻐﻠﮫ ﻋﻦ ﺷﻲء ﻣﻦ أداء ﻣﻨﺎﺳﻜﮫ (().(١ وﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﺪﻧﯿﻮﯾﺔ أﯾﻀﺎً ﻟﻠﺤﺠﺎج ﻣﺎ ﯾﺼﯿﺒﻮﻧﮫ ﻣﻦ اﻟﺒُﺪن واﻟﺬﺑﺎﺋﺢ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: }ﻟﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﺇﱃ ﺃﺟﻞٍ ﻣﺴﻤﻰ ﺛﻢ ﳏﻠﱡﻬﺎ ﺇﱃ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﺘﻴﻖ{. إﻻّ أنﱠ ﻣﺎ ﯾﺤﺼﱢﻠﮫ اﻟﺤﺎج ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﻊ دﯾﻨﯿﺔ ﻓﻲ ﺣﺠﮫ ﻻ ﺗﻘﺎرن ﺑﮭﺬه اﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﺪﻧﯿﻮﯾﺔ؛ إذ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ ﻣﻦ اﻷﺟﻮر اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﺜﻮاب اﻟﺠﺰﯾﻞ وﻣﻐﻔﺮة اﻟﺬﻧﻮب وﺗﻜﻔﯿﺮ اﻟﺴﯿﱢﺌﺎت وﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ﻣﻤّﺎ ﻻ ﯾﺤﺼﻰ ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺎﻟﮭﺎ اﻟﺤﺎجﱡ إن ﻛﺎن ﻣﺘﱠﻘﯿﺎً ﷲ ﻓﻲ ﺣﺠﮫ ﺑﺎﻣﺘﺜﺎل أواﻣﺮه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١أﺿﻮاء اﻟﺒﯿﺎن ).(٤٨٩/٥
٢١
واﺟﺘﻨﺎب ﻧﻮاھﯿﮫ ،وأيﱡ ﺧﯿﺮ أﻋﻈﻢ وأيﱡ رﺑﺢ أﺟﻞﱡ ﻣﻦ أن ﯾﺨﺮج اﻟﺤﺎج ﻣﻦ ﺣﺠﮫ ﻛﯿﻮم وﻟﺪﺗﮫ أﻣّﮫ ﺑﻼ إﺛﻢ وﻻ ﺧﻄﯿﺌﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻓﻤﻦ ﺗﻌﺠﻞ ﰲ ﻳﻮﻣﲔ ﻓﻼ ﺇﺛﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻣﻦ ﺗﺄﺧﺮ ﻓﻼ ﺇﺛﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﳌﻦ ﺍﺗّﻘﻰ{ ]اﻟﺒﻘﺮة ،[٢٠٣وﻗﺪ اﺧﺘﺎر اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ ﻓﻲ
ﺗﻔﺴﯿﺮه ﻟﮭﺬه اﻵﯾﺔ ﺑﻌﺪ أن ذﻛﺮ أﻗﻮال أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎھﺎ أنﱠ اﻟﻤﺮاد )) ﻓﻤﻦ ﺗﻌﺠّﻞ ﻓﻲ ﯾﻮﻣﯿﻦ ﻣﻦ أﯾّﺎم ﻣﻨﻰ اﻟﺜﻼﺛﺔ ،ﻓﻨﻔﺮ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻼ إﺛﻢ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻟﺤﻂﱢ اﷲِ ذﻧﻮﺑَﮫ إن ﻛﺎن ﻗﺪ اﺗّﻘﻰ اﷲ ﻓﻲ ﺣﺠﮫ ،ﻓﺎﺟﺘﻨﺐ ﻓﯿﮫ ﻣﺎ أﻣﺮه اﷲ ﺑﺎﺟﺘﻨﺎﺑﮫ ،وﻓﻌﻞ ﻓﯿﮫ ﻣﺎ أﻣﺮه اﷲ ﺑﻔﻌﻠﮫ ،وأﻃﺎﻋﮫ ﺑﺄداﺋﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﻠّﻔﮫ ﻣﻦ ﺣﺪوده ،وﻣﻦ ﺗﺄﺧّﺮ إﻟﻰ اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ... ﻓﻼ إﺛﻢ ﻋﻠﯿﮫ ﻟﺘﻜﻔﯿﺮ اﷲ ﻟﮫ ﻣﺎ ﺳﻠﻒ ﻣﻦ آﺛﺎﻣﮫ وإﺟﺮاﻣﮫ إن ﻛﺎن اﺗّﻘﻰ اﷲ ﻓﻲ ﺣﺠﮫ ﺑﺄداﺋﮫ
٢٢
ﺑﺤﺪوده (().(١ ﺛﻢ ذﻛﺮ رﺣﻤﮫ اﷲ ﺗﻈﺎھﺮ اﻷﺧﺒﺎر ﻋﻦ رﺳﻮل اﷲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﻮﻟﮫ )) :ﻣﻦ ﺣﺞ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ وﻟﻢ ﯾﺮﻓﺚ وﻟﻢ ﯾﻔﺴﻖ ﺧﺮج ﻣﻦ ذﻧﻮﺑﮫ ﻛﯿﻮم وﻟﺪﺗﮫ أﻣّﮫ (() ،(٢وﻗﻮﻟﮫ )) :اﻟﺤﺞ اﻟﻤﺒﺮور ﻟﯿﺲ ﻟﮫ ﺟﺰاء إﻻﱠ اﻟﺠﻨﺔ (() ،(٣وﻗﻮﻟﮫ )) :ﺗﺎﺑﻌﻮا ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺞ واﻟﻌﻤﺮة ﻓﺈﻧﮭﻤﺎ ﯾﻨﻔﯿﺎن اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺬﻧﻮب ﻛﻤﺎ ﯾﻨﻔﻲ اﻟﻜﯿﺮُ ﺧﺒﺚ اﻟﺤﺪﯾﺪ (().(٤ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺒﯿﺎن ).(٣٠٩/٢ ) (٢أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ،(١٥٢١: )رﻗﻢ.(١٣٥٠: ) (٣أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٣٤٩:
وﻣﺴﻠﻢ
) (٤أﺧﺮﺟﮫ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ) ،(١١٥/٥واﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻜﺒﯿﺮ )رﻗﻢ ،(١١١٩٦:وﺻﺤﺤﮫ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ )رﻗﻢ.(١٢٠٠:
٢٣
ﻓﮭﺬه اﻟﻨﺼﻮصُ ﺗﺪلﱡ ﻋﻠﻰ أنﱠ ﻣﻦ ﺣﺞ ﻓﻘﻀﺎه ﺑﺤﺪوده ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻣﺮه اﷲ ﻓﮭﻮ ﺧﺎرج ﻣﻦ ذﻧﻮﺑﮫ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺟﻞّ وﻋﻼ} :ﻓﻼ ﺇﺛﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﳌﻦ ﺍﺗّﻘﻰ{ أي :اﺗﻘﻰ اﷲ ﻓﻲ ﺣﺠﮫ ﺑﻔﻌﻞ اﻷواﻣﺮ واﺟﺘﻨﺎب اﻟﻨﻮاھﻲ ،وﻻ رﯾﺐ أنﱠ ھﺬه ﻓﻀﯿﻠﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ وﻣﻨﻔﻌﺔ ﺟﻠﯿﻠﺔ ﺗﺴﺎرع ﻓﻲ ﻧﯿﻠﮭﺎ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﻤﺆﻣﻨﺔ وﺗﻄﻤﻊ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﯿﻠﮭﺎ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﺼﺎدﻗﺔ ،ﻓﻠﻠّﮫ ﻣﺎ أﺟﻠّﮭﺎ ﻣﻦ ﻓﻀﯿﻠﺔ وأﻋﻈﻤﮭﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻨﻘﻠﺐ اﻟﺤﺎج إﻟﻰ ﺑﻠﺪه ﺑﻌﺪ ﻗﻀﺎﺋﮫ ﻟﺤﺠﱢﮫ وذﻧﺒﮫ ﻣﻐﻔﻮر، ﻗﺪ ﺧﺮج ﻣﻦ ذﻧﻮﺑﮫ وآﺛﺎﻣﮫ ﻃﺎھﺮاً ﻧﻘﯿﺎ ﻛﯿﻮم وﻟﺪﺗﮫ أﻣّﮫ ﻟﯿﺲ ﻋﻠﯿﮫ ذﻧﺐ وﻻ ﺧﻄﯿﺌﺔ إذا ﻛﺎن ﻣﺘّﻘﯿﺎً رﺑﱠﮫ ﻓﻲ ﺣﺠﱢﮫ.
٢٤
ﺑﻞ إنﱠ اﻟﺮبﱠ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﻣﻦ ﻋﻈﯿﻢ ﻛﺮﻣﮫ وﺟﻤﯿﻞ إﺣﺴﺎﻧﮫ ﺑﻌﺒﺎده اﻟﺤﺠﯿﺞ ﯾﺒﺎھﻲ ﻣﻼﺋﻜﺘﮫ ﺑﺤﺠﺎج ﺑﯿﺘﮫ اﻟﺤﺮام ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻘﻔﻮن ﺟﻤﯿﻌُﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯿﺪ ﻋﺮﻓﺔ وﯾﻘﻮل )) :اﻧﻈﺮوا إﻟﻰ ﻋﺒﺎدي أﺗﻮﻧﻲ ﺷُﻌﺜﺎً ﻏُﺒﺮاً ﺿﺎﺣﯿﻦ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﻓﺞﱟ ﻋﻤﯿﻖ أﺷﮭﺪﻛﻢ أﻧﻲ ﻗﺪ ﻏﻔﺮتُ ﻟﮭﻢ (().(١ وﺑﮭﺬا ﯾﺘﺒﯿّﻦ أنﱠ اﻟﺤﺎج ﯾﻌﻮد ﻣﻦ ﺣﺠﮫ ﺑﺄﻛﺒﺮ رﺑﺢ وأﻋﻈﻢ ﻏﻨﯿﻤﺔ أﻻ وھﻲ ﻣﻐﻔﺮة رﺑﱢﮫ ﻟﺬﻧﺒﮫ، ﻓﯿﺒﺪأ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺞ ﺣﯿﺎة ﺟﺪﯾﺪة ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻣﻠﯿﺌﺔ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١أﺧﺮﺟﮫ اﺑﻦ ﺧﺰﯾﻤﺔ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ )رﻗﻢ،(٢٨٤٠: وﺿﻌّﻔﮫ اﻟﺸﯿﺦ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ اﻟﻀﻌﯿﻔﺔ )رﻗﻢ.(٦٧٩: وﻟﻠﺠﻤﻠﺔ اﻷوﻟﻰ أﻋﻨﻲ إﻟﻰ ﻗﻮﻟﮫ )) :ﻏﺒﺮاً (( ﻣﻨﮫ ﺷﺎھﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻋﻨﺪ أﺣﻤﺪ ) ،(٢٢٤/٢وﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة ﻋﻨﺪ أﺣﻤﺪ أﯾﻀﺎً ) ،(٣٠٥/٢واﺑﻦ ﺧﺰﯾﻤﺔ )رﻗﻢ ،(٢٨٤٠:واﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺪرك ) ،(٤٦٥/١وﻏﯿﺮھﻢ.
٢٥
ﺑﺎﻹﯾﻤﺎن واﻟﺘﻘﻮى ﻋﺎﻣﺮة ﺑﺎﻟﺨﯿﺮ واﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ ،إﻻﱠ أنﱠ ﺣﺼﻮلَ ھﺬا اﻷﺟﺮ ﻣﺸﺮوطٌ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪّم ﺑﺄن ﯾﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﺻﺤﯿﺢ ﺑﺈﺧﻼص وﺻﺪق وﺗﻮﺑﺔ ﻧﺼﻮح ﻣﻊ ﻣﺠﺎﻧﺒﺔٍ ﻟﻤﺎ ﯾُﺨﻞﱡ ﺑﮫ ﻣﻦ رﻓﺚٍ وﻓﺴﻮقٍ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ﺟﺐﱠ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﮫ وﺧﺮج ﻣﻨﮫ اﻟﺤﺎج ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﺎل اﻟﺮاﺋﻌﺔ ،ﻛﯿﻮم وﻟﺪﺗﮫ أﻣﮫ ﺑﻼ إﺛﻢ وﻻ ﺧﻄﯿﺌﺔ.
٢٦
إنﱠ ﻣﻦ أﺟﻞﱢ اﻟﺪروس اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻔﯿﺪھﺎ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺣﺠّﮫ ﻟﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام وﺟﻮبَ إﺧﻼص اﻟﻌﺒﺎدات ﻛﻠﱢﮭﺎ ﷲ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ، ﻓﺎﻟﻤﺴﻠﻢ ﯾﺒﺪأ ﺣﺠﱠﮫ أولﱠ ﻣﺎ ﯾﺒﺪأ ﺑﺈﻋﻼن اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ وﻧﺒﺬ اﻟﺸﺮك ،ﻗﺎﺋﻼً )) :ﻟﺒﯿﻚ اﻟﻠّﮭﻢﱠ ﻟﺒّﯿﻚ ،ﻟﺒﯿﻚ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﻚ ﻟﺒّﯿﻚ ،إنﱠ اﻟﺤﻤﺪ واﻟﻨﻌﻤﺔ ﻟﻚ واﻟﻤﻠﻚ، ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﻚ (( ،ﯾﻘﻮﻟﮭﺎ وﯾﺮﻓﻊ ﺑﮭﺎ ﺻﻮﺗﮫ ،وھﻮ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﺴﺘﺸﻌﺮ ﻣﺎ دﻟﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ وﺟﻮب إﻓﺮاد اﷲ وﺣﺪه ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدة واﻟﺒﻌﺪِ ﻋﻦ اﻟﺸﺮك ،ﻓﻜﻤﺎ أنﱠ اﷲَ ﻣﺘﻔﺮّد ﺑﺎﻟﻨﱢﻌﻤﺔ واﻟﻌﻄﺎء ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ،ﻓﮭﻮ ﻣﺘﻔﺮﱢدٌ ﺑﺎﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ﻻ ﻧِﺪﱠ ﻟﮫ ،ﻓﻼ ﯾُﺪﻋﻰ إﻻﱠ اﷲ ،وﻻ ﯾُﺘﻮﻛّﻞ إﻻﱠ ﻋﻠﻰ اﷲ ،وﻻ ﯾُﺴﺘﻐﺎث إﻻﱠ ﺑﮫ ،وﻻ ﯾُﺼﺮف أيﱡ ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع
٢٧
اﻟﻌﺒﺎدة إﻻﱠ ﻟﮫ ،وﻛﻤﺎ أنﱠ اﻟﻌﺒﺪ ﻣُﻄﺎﻟَﺐٌ ﺑﻘﺼﺪ اﷲ وﺣﺪه ﻓﻲ اﻟﺤﺞ ،ﻓﮭﻮ ﻣُﻄﺎﻟَﺐٌ ﺑﻘﺼﺪه وﺣﺪه ﻓﻲ ﻛﻞﱢ ﻋﺒﺎدة ﯾﺄﺗﯿﮭﺎ وﻛﻞّ ﻃﺎﻋﺔ ﯾﺘﻘﺮّب ﺑﮭﺎ ،ﻓﻤﻦ ﺻﺮف ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻐﯿﺮ اﷲ أﺷﺮك ﺑﺎﷲ اﻟﻌﻈﯿﻢ ،وﺧﺴﺮ اﻟﺨﺴﺮان اﻟﻤﺒﯿﻦ ،وﺣﺒﻂ ﻋﻤﻠﮫ، وﻟﻢ ﯾﻘﺒﻞ اﷲ ﻣﻨﮫ ﺻﺮﻓﺎً وﻻ ﻋﺪﻻً. ﻟﻘﺪ ﺟﺎء اﻹﺳﻼم ﺑﮭﺬا اﻹھﻼل اﻟﻌﻈﯿﻢ، اﻹھﻼل ﺑﺘﻮﺣﯿﺪ اﷲ وإﺧﻼص اﻟﺪﯾﻦ ﻟﮫ واﻟﺒﻌﺪِ ﻋﻦ اﻟﺸﺮك ﻛﻠّﮫ ﺻﻐﯿﺮه وﻛﺒﯿﺮه ،دﻗﯿﻘﮫ وﺟﻠﯿﻠﮫ، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻤﺸﺮﻛﻮن ﻋﺒّﺎدُ اﻷﺻﻨﺎم واﻷوﺛﺎن، ﯾُﮭﻠّﻮن ﻓﻲ إﺣﺮاﻣﮭﻢ ﺑﺎﻟﺤﺞ ﺑﺎﻟﺸﺮك واﻟﺘﻨﺪﯾﺪ، ﻓﻜﺎﻧﻮا ﯾﻘﻮﻟﻮن ﻓﻲ ﺗﻠﺒﯿﺘﮭﻢ )) :ﻟﺒّﯿﻚ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﻚ إﻻﱠ ﺷﺮﯾﻜﺎً ھﻮ ﻟﻚ ،ﺗﻤﻠﻜﮫ وﻣﺎ ﻣﻠﻚ (( ،ﻓﯿُﺪﺧﻠﻮن ﻣﻊ اﷲ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ آﻟﮭﺘﮭﻢ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔَ ،وﯾﺠﻌﻠﻮن ﻣﻠﻜﮭﺎ ﺑﯿﺪه ،وھﺬا ھﻮ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮل اﷲ ﻋﻨﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ} :ﻭﻣﺎ ﻳﺆﻣِﻦ ﺃَﻛْﺜَﺮﻫﻢ ﺑِﺎ ِﺇِﻻﱠ ﻭﻫﻢ
٢٨
ﻣﺸﺮِﻛُﻮﻥ] {ﯾﻮﺳﻒ ،[١٠٦أي ﻣﺎ ﯾﺆﻣﻦ أﻛﺜﺮھﻢ ﺑﺎﷲ ﺑﺄﻧﱠﮫ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺮازق اﻟﻤﺪﺑّﺮ إﻻﱠ وھﻢ ﻣﺸﺮﻛﻮن ﻣﻌﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎدة أوﺛﺎﻧﺎً ﻻ ﺗﻤﻠﻚ ﺷﯿﺌﺎً وأﺻﻨﺎﻣﺎً ﻻ ﺗﻨﻔﻊ وﻻ ﺗﻀﺮّ وﻻ ﺗﻌﻄﻲ وﻻ ﺗﻤﻨﻊ ﺑﻞ ﻻ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺷﯿﺌﺎً ﻟﻨﻔﺴﮭﺎ ﻓﻀﻼً ﻋﻦ أن ﺗﻤﻠﻜﮫ ﻟﻐﯿﺮھﺎ. روى اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ اﻟﻄﺒﺮي ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻗﺎل )) :ﻣِﻦ إﯾﻤﺎﻧﮭﻢ إذا ﻗﯿﻞ ﻟﮭﻢ ﻣَﻦ ﺧﻠﻖ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻣﻦ ﺧﻠﻖ اﻷرض ،وﻣﻦ ﺧﻠﻖ اﻟﺠﺒﺎل؟ ﻗﺎﻟﻮا :اﷲ ،وھﻢ ﻣﺸﺮﻛﻮن ((. وﻋﻦ ﻋﻜﺮﻣﺔ أﻧﱠﮫ ﻗﺎل )) :ﺗﺴﺄﻟﮭﻢ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﮭﻢ وﻣﻦ ﺧﻠﻖ اﻟﺴﻤﻮات واﻷرض ﻓﯿﻘﻮﻟﻮن :اﷲ، ﻓﺬﻟﻚ إﯾﻤﺎﻧﮭﻢ ﺑﺎﷲ ،وھﻢ ﯾﻌﺒﺪون ﻏﯿﺮَه ((. وﻋﻦ ﻣﺠﺎھﺪ ﻗﺎل )) :إﯾﻤﺎﻧﮭﻢ ﻗﻮﻟﮭﻢ :اﷲ ﺧﺎﻟﻘﻨﺎ وﯾﺮزﻗﻨﺎ وﯾﻤﯿﺘﻨﺎ ،ﻓﮭﺬا إﯾﻤﺎنٌ ﻣﻊ ﺷﺮك ﻋﺒﺎدﺗﮭﻢ ﻏﯿﺮه ((.
٢٩
وﻋﻦ اﺑﻦ زﯾﺪ ﻗﺎل )) :ﻟﯿﺲ أﺣﺪ ﯾﻌﺒﺪ ﻣﻊ اﷲ ﻏﯿﺮَه إﻻﱠ وھﻮ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﺎﷲ ،وﯾﻌﺮف أنﱠ اﷲَ رﺑﱡﮫ، وأنﱠ اﷲ ﺧﺎﻟﻘُﮫ ورازﻗُﮫ وھﻮ ﯾﺸﺮك ﺑﮫ ،أﻻ ﺗﺮى ﻛﯿﻒ ﻗﺎل إﺑﺮاھﯿﻢ} :ﺃﻓﺮﺃﻳﺘﻢ ﻣﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﻌﺒﺪﻭﻥ ﺃﻧﺘﻢ ﻭﺁﺑﺎﺅﻛﻢ ﺍﻷﻗﺪﻣﻮﻥ ﻓﺈﻧﱠﻬﻢ ﻋﺪﻭ ﱄ ﺇﻻﱠ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﳌﲔ{ ]اﻟﺸﻌﺮاء ٧٥ـ ،[٧٧ﻗﺪ ﻋﺮف أﻧﱠﮭﻢ ﯾﻌﺒﺪون ربﱠ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ﻣﻊ ﻣﺎ ﯾﻌﺒﺪون ،ﻗﺎل :ﻓﻠﯿﺲ أﺣﺪ ﯾﺸﺮك إﻻﱠ وھﻮ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﮫ ،أﻻ ﺗﺮى ﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺮب ﺗﻠﺒﱢﻲ ﺗﻘﻮل :ﻟﺒّﯿﻚ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﻚ إﻻﱠ ﺷﺮﯾﻜﺎً ھﻮ ﻟﻚ، ﺗﻤﻠﻜﮫ وﻣﺎ ﻣﻠﻚ ،اﻟﻤﺸﺮﻛﻮن ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻘﻮﻟﻮن ھﺬا (().(١ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺸﺮﻛﻮن زﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﯾﻘﺮﱢون ﺑﺄنﱠ ﺧﺎﻟﻘَﮭﻢ ورازﻗَﮭﻢ وﻣﺪﺑّﺮ ﺷﺆوﻧﮭﻢ ھﻮ اﷲ ،ﺛﻢ ھﻢ ﻣﻊ ھﺬا اﻹﻗﺮار ﻻ ﯾُﺨﻠِﺼﻮن اﻟﺪﯾﻦ ﻟﮫ ،ﺑﻞ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺒﯿﺎن ) ٧٧/٨ـ .(٧٨
٣٠
ﯾﺸﺮﻛﻮن ﻣﻌﮫ ﻏﯿﺮَه ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎدة ﻣﻦ اﻷﺷﺠﺎر واﻷﺣﺠﺎر واﻷﺻﻨﺎم وﻏﯿﺮھﺎ ،وﻗﺪ ﺟﻠﻰ اﷲ ھﺬا اﻷﻣﺮَ وﺑﯿّﻨﮫ ﻓﻲ ﻣﻮاﻃﻦ ﻛﺜﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ ،ﻛﻘﻮﻟﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ} :ﻭﻟﺌﻦ ﺳﺄﻟﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ
ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﺳﺨﺮ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻘﻤﺮ ﻟﻴﻘﻮﻟﻦ ﺍ ﻓﺄﻧـﻰ ﻳﺆﻓﻜﻮﻥ{ ]اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت ،[٦١واﻵﯾﺎت ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ
ﻛﺜﯿﺮة. ﻗﺎل اﻟﺤﺎﻓﻆ اﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ رﺣﻤﮫ اﷲ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮه: )) ﯾﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻘﺮﱢراً أﻧﱠﮫ ﻻ إﻟﮫ إﻻﱠ ھﻮ؛ ﻷنﱠ اﻟﻤﺸﺮﻛﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻌﺒﺪون ﻣﻌﮫ ﻏﯿﺮَه ﻣﻌﺘﺮﻓﻮن أﻧﱠﮫ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞّ ﺑﺨﻠﻖ اﻟﺴﻤﻮات واﻷرض ،واﻟﺸﻤﺲ واﻟﻘﻤﺮ ،وﺗﺴﺨﯿﺮ اﻟﻠﯿﻞ واﻟﻨﮭﺎر ،وأﻧﱠﮫ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺮازق ﻟﻌﺒﺎده ،وﻣﻘﺪﱢر آﺟﺎﻟِﮭﻢ واﺧﺘﻼﻓﮭﺎ، واﺧﺘﻼف أرزاﻗﮭﻢ ﻓﻔﺎوت ﺑﯿﻨﮭﻢ ،ﻓﻤﻨﮭﻢ اﻟﻐﻨﻲ واﻟﻔﻘﯿﺮ .وھﻮ اﻟﻌﻠﯿﻢ ﺑﻤﺎ ﯾﺼﻠﺢ ﻛﻼ ﻣﻨﮭﻢ ،وﻣﻦ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻟﻐﻨﻰ ﻣﻤّﻦ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻟﻔﻘﺮ ،ﻓﺬﻛﺮ أﻧﱠﮫ
٣١
اﻟﻤﺴﺘﺒﺪُ ﺑﺨﻠﻖ اﻷﺷﯿﺎءَ اﻟﻤﺘﻔﺮّدُ ﺑﺘﺪﺑﯿﺮھﺎ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻠِﻢَ ﯾُﻌﺒﺪ ﻏﯿﺮه؟ وﻟِﻢَ ﯾﺘﻮﻛّﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮه؟ ﻓﻜﻤﺎ أﻧﱠﮫ اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﮫ ﻓﻠﯿﻜﻦ اﻟﻮاﺣﺪَ ﻓﻲ ﻋﺒﺎدﺗﮫ ،وﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ ﯾﻘﺮّر ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻘﺎم اﻹﻟﮭﯿﺔ ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺘﻮﺣﯿﺪ اﻟﺮﺑﻮﺑﯿﺔ ،وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺸﺮﻛﻮن ﯾﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﺬﻟﻚ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻘﻮﻟﻮن ﻓﻲ ﺗﻠﺒﯿﺘﮭﻢ :ﻟﺒّﯿﻚ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﻚ إﻻﱠ ﺷﺮﯾﻜﺎً ھﻮ ﻟﻚ، ﺗﻤﻠﻜﮫ وﻣﺎ ﻣﻠﻚ (( .اھـ).(١ وھﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﯾﻜﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ، اﻻﺳﺘﺪﻻل ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻔﺎر ﺑﺎﻋﺘﺮاﻓﮭﻢ ﺑﺮﺑﻮﺑﯿﺔ اﷲ ﺟﻞّ وﻋﻼ ﻋﻠﻰ وﺟﻮب ﺗﻮﺣﯿﺪه ﻓﻲ ﻋﺒﺎدﺗﮫ، وإﺧﻼص اﻟﺪﯾﻦ ﻟﮫ ،وﻟﺬﻟﻚ ﯾﺨﺎﻃﺒﮭﻢ ﻓﻲ ﺗﻮﺣﯿﺪ اﻟﺮﺑﻮﺑﯿﺔ ﺑﺎﺳﺘﻔﮭﺎم اﻟﺘﻘﺮﯾﺮ ،ﻓﺈذا أﻗﺮّوا ﺑﺮﺑﻮﺑﯿﺘﮫ اﺣﺘﺞّ ﺑﮭﺎ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﱠﮫ ھﻮ اﻟﻤﺴﺘﺤﻖ ﻷنْ ﯾُﻌﺒﺪ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺗﻔﺴﯿﺮ اﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ ).(٣٠١/٦
٣٢
وﺣﺪه ،ووﺑﱠﺨﮭﻢ ﻣﻨﻜﺮاً ﻋﻠﯿﮭﻢ ﺷﺮﻛﮭﻢ ﺑﮫ ﻏﯿﺮه، ﻣﻊ اﻋﺘﺮاﻓﮭﻢ ﺑﺄﻧﱠﮫ ھﻮ اﻟﺮب وﺣﺪه؛ ﻷنﱠ ﻣﻦ اﻋﺘﺮف ﺑﺄﻧﱠﮫ اﻟﺮب وﺣﺪه ﻟﺰِﻣﮫ أن ﯾﺨﻠﺺ اﻟﻌﺒﺎدة ﻛﻠّﮭﺎ ﻟﮫ ،وﺑﮭﺬا ﯾﺘﺒﯿّﻦ أنﱠ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺄنﱠ اﷲ ھﻮ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺮازق اﻟﻤﻨﻌﻢ اﻟﻤﺘﺼﺮّف اﻟﻤﺪﺑّﺮ ﻟﺸﺆون اﻟﺨﻠﻖ ﻻ ﯾﻜﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ،وﻻ ﯾُﻨﺠﻲ ﻣﻦ ﻋﺬاب اﷲ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗُﺨﻠﺺ اﻟﻌﺒﺎدةُ ﻛﻠﱡﮭﺎ ﷲ وﺣﺪه ،ﻓﺎﷲ ﻻ ﯾﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﻋﺒﺎده ﺗﻮﺣﯿﺪھﻢ ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﺮﺑﻮﺑﯿﺔ إﻻﱠ إذا أﻓﺮدوه ﺑﺘﻮﺣﯿﺪ اﻟﻌﺒﺎدة، ﻓﻼ ﯾﺘّﺨﺬون ﻟﮫ ﻧﺪا ،وﻻ ﯾﺪﻋﻮن ﻣﻌﮫ أﺣﺪاً ،وﻻ ﯾﺘﻮﻛﱠﻠﻮن إﻻﱠ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻻ ﯾﺼﺮﻓﻮن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدة إﻻﱠ ﻟﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ،ﻓﻜﻤﺎ أﻧﱠﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ اﻟﻤﺘﻔﺮّد ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ، ﻓﮭﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ اﻟﻤﺘﻔﺮّد ﺑﺠﻤﯿﻊ أﻧﻮاع اﻟﻌﺒﺎدة. وﻟﮭﺬا ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻠﺬﯾﻦ ﺻﺮﻓﻮا اﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻐﯿﺮه، ﻣﻊ أﻧﱠﮭﻢ ﯾﻌﻠﻤﻮن أﻧّﮫ ﺧﺎﻟﻘﮭﻢ ورازﻗﮭﻢ} :ﻓﻼ ﲡﻌﻠﻮﺍ ﺃﻧﺪﺍﺩﺍً ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ{ ]اﻟﺒﻘﺮة ،[٢٢ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﺒﺎس
٣٣
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ: )) أيْ ﻻ ﺗﺸﺮﻛﻮا ﺑﺎﷲ ﻏﯿﺮَه ﻣﻦ اﻷﻧﺪاد اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﻔﻊ وﻻ ﺗﻀﺮ ،وأﻧﺘﻢ ﺗﻌﻠﻤﻮن أﻧﱠﮫ ﻻ ربﱠ ﻟﻜﻢ ﯾﺮزﻗﻜﻢ ﻏﯿﺮُه ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘﻢ أنﱠ اﻟﺬي ﯾﺪﻋﻮﻛﻢ إﻟﯿﮫ اﻟﺮﺳﻮل ﻣﻦ ﺗﻮﺣﯿﺪه ھﻮ اﻟﺤﻖ اﻟﺬي ﻻ ﺷﻚ ﻓﯿﮫ (().(١ وﻗﺎل ﻗﺘﺎدة )) :أي ﺗﻌﻠﻤﻮن أنﱠ اﷲ ﺧﻠﻘﻜﻢ وﺧﻠﻖ اﻟﺴﻤﻮات واﻷرض ،ﺛﻢ ﺗﺠﻌﻠﻮن ﻟﮫ أﻧﺪاداً (().(٢ إنﱠ اﻟﻨﱢﻌﻤﺔَ ﻋﻠﻰ أﻣﱠﺔ اﻹﺳﻼم ﻋﻈﯿﻤﺔٌ ﺑﮭﺪاﯾﺘﮭﻢ إﻟﻰ ﺗﻮﺣﯿﺪ اﷲ ﻓﻲ رﺑﻮﺑﯿﺘﮫ وأﻟﻮھﯿﺘﮫ وأﺳﻤﺎﺋﮫ وﺻﻔﺎﺗﮫ ،واﻟﻨﻌﻤﺔُ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﺑﺘﻮﻓﯿﻘﮭﻢ إﻟﻰ اﻹھﻼل ﺑﺘﻮﺣﯿﺪ اﷲ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻏﯿﺮُھﻢ ﯾﮭﻞﱡ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١رواه اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮه ).(١٦٤/١ ) (٢رواه اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮه ).(١٦٤/١
٣٤
ﺑﺎﻟﺸﺮك واﻟﺘﻨﺪﯾﺪ ،ﻓﻠﮫ اﻟﺤﻤﺪُ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﯿﻘﮫ وإﻧﻌﺎﻣﮫ وھﺪاﯾﺘﮫ ﺣﻤﺪاً ﻛﺜﯿﺮاً ﻃﯿّﺒﺎً ﻣﺒﺎرﻛﺎً ﻓﯿﮫ ﻛﻤﺎ ﯾﺤﺐ رﺑﱡﻨﺎ اﻟﻜﺮﯾﻢُ وﯾﺮﺿﻰ.
٣٥
ﺗﻘﺪّم ﻣﻌﻨﺎ ﺑﯿﺎنُ ﻓﻀﻞِ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ وأﻧﱠﮭﺎ ﻣﺸﺘﻤﻠ ٌﺔ ﻋﻠﻰ اﻹھﻼل ﺑﺘﻮﺣﯿﺪ اﷲ ،وﻧﺒﺬ اﻟﺸﺮك؛ وﻟﮭﺬا ﻗﺎل اﻟﺼﺤﺎﺑﻲ اﻟﺠﻠﯿﻞ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻒ ﺣﺠﱠﺔ اﻟﻨﺒﻲﱢ ﻗﺎل: )) ﻓﺄھﻞﱠ ﺑﺎﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ،ﻟﺒّﯿﻚ اﻟﻠّﮭﻢﱠ ﻟﺒّﯿﻚ ،ﻟﺒّﯿﻚ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﻚ ﻟﺒّﯿﻚ ،إنﱠ اﻟﺤﻤﺪ واﻟﻨﻌﻤﺔ ﻟﻚ واﻟﻤﻠﻚ ،ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﻚ (() ،(١ﻓﻮﺻﻒ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ھﺬا اﻹھﻼل ﺑﺄﻧﱠﮫ إھﻼلٌ ﺑﺎﻟﺘﻮﺣﯿﺪ؛ ﻷنﱠ ﻓﯿﮫ اﻹﺧﻼصَ ﷲ وﻧﺒﺬَ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢١٨:
٣٦
اﻟﺸﺮك ،وھﺬا ﯾﺪلﱡ أﯾﻀﺎً ﻋﻠﻰ أنﱠ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎ ِ ت أﻋﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎتِ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔِ ﻟﯿﺴﺖ أﻟﻔﺎﻇﺎً ﻣﺠﺮّدة ﻻ ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎن؛ ﺑﻞ ﻟﮭﺎ ﻣﻌﻨﻰً ﻋﻈﯿﻢ ،وﻣﺪﻟﻮل ﻋﻤﯿﻖ ،أﻻ وھﻮ روح اﻟﺪﯾﻦ وأﺳﺎﺳﮫ وأﺻﻠﮫ اﻟﺬي ﯾﻨﺒﻨﻲ ﻋﻠﯿﮫ ﺗﻮﺣﯿﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ. وﻟﮭﺬا ﻓﺈنﱠ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﻣﻦ أھﻞﱠ ﺑﮭﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ أن ﯾﺴﺘﺤﻀﺮ ﻣﺎ دﻟّﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ ،وأن ﯾﻌﺮفَ ﻣﺎ ﺗﻀﻤّﻨﺘﮫ ﻣﻦ دﻻﻟﺔ؛ ﻟﯿﻜﻮن ﺻﺎدﻗﺎً ﻓﻲ إھﻼﻟﮫ ،ﻣﻮاﻓﻘﺎً ﻛﻼﻣُﮫ ﺣﻘﯿﻘﺔَ ﺣﺎﻟﮫ، ﺑﺤﯿﺚ ﯾﻜﻮن ﻣﺴﺘﻤﺴﻜﺎً ﺑﺎﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ،ﻣﺤﺎﻓﻈﺎً ﻋﻠﯿﮫ، ﻣﺮاﻋﯿﺎً ﻟﺤﻘﻮﻗﮫ ،ﻣﺠﺎﻧﺒﺎً ﺗﻤﺎم اﻟﻤﺠﺎﻧﺒﺔ ﻟﻨﻮاﻗﻀﮫ وﻣﺎ ﯾﻀﺎدّه ﻣﻦ اﻟﺸﺮك واﻟﺘﻨﺪﯾﺪ ،ﻓﻼ ﯾﺴﺄلُ إﻻﱠ اﷲ ،وﻻ ﯾﺴﺘﻐﯿﺚ إﻻﱠ ﺑﺎﷲ ،وﻻ ﯾﺘﻮﻛّﻞ إﻻﱠ ﻋﻠﻰ اﷲ ،وﻻ ﯾﻄﻠﺐ اﻟﻤﺪدَ واﻟﻌﻮنَ واﻟﻨﺼﺮَ إﻻﱠ ﻣﻦ اﷲ ،وﻻ ﯾﺼﺮف أيﱠ ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻌﺒﺎدة إﻻﱠ ﷲ وﺣﺪه ،اﻟﺬي ﺑﯿﺪه ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ اﻟﻌﻄﺎءُ واﻟﻤﻨﻊ
٣٧
واﻟﻘﺒﺾ واﻟﺒﺴﻂ واﻟﻨﻔﻊ واﻟﻀﺮ} ،ﺃﻣﻦ ﳚﻴﺐ ﺍﳌﻀﻄﺮ ﺇﺫﺍ ﺩﻋﺎﻩ ﻭﻳﻜﺸﻒ ﺍﻟﺴﻮﺀ ﻭﳚﻌﻠﻜﻢ ﺧﻠﻔﺎﺀ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﺇﻟﻪ ﻣﻊ ﺍ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﺎ ﺗﺬﻛّﺮﻭﻥ{ ]اﻟﻨﻤﻞ .[٦٢
واﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻘﻮل ﻓﻲ ﺗﻠﺒﯿﺘﮫ )) :ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﻚ (( ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻋﺎﻟﻤﺎً ﺑﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺸﺮك، ﻣُﺪرِﻛﺎً ﻟﺨﻄﺮه ،ﺣﺬِراً ﺗﻤﺎم اﻟﺤﺬر ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﯿﮫ ،أو ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ أﺳﺒﺎﺑﮫ ووﺳﺎﺋﻠﮫ وﻃﺮﻗﮫ؛ إذ ھﻮ أﻋﻈﻢ ذﻧﺐ ﻋُﺼِﻲَ اﷲُ ﺑﮫ ،وﻟﮭﺬا رُﺗّﺐَ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻵﺧﺮة ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾُﺮﺗﱠﺐ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮه ﻣﻦ اﻟﺬﻧﻮب ،ﻣﻦ إﺑﺎﺣﺔ دﻣﺎء أھﻠﮫ وأﻣﻮاﻟﮭﻢ ،وﺳﺒﻲِ ﻧﺴﺎﺋﮭﻢ وأوﻻدھﻢ ،وﻋﺪمِ ﻣﻐﻔﺮﺗﮫ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺬﻧﻮب إﻻﱠ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻨﮫ ،ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺇﻥ ﺍ ﻻ ﻳﻐﻔﺮ ﺃﻥ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﻭﻳﻐﻔﺮ ﻣﺎ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ ﳌﻦ ﻳﺸﺂﺀ ﻭﻣﻦ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﺎ ﻓﻘﺪ ﺍﻓﱰﻯ ﺇﲦﺎً ﻋﻈﻴﻤﺎً{ ]اﻟﻨﺴﺎء ،[٤٨وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺇﻥ ﺍ ﻻ ﻳﻐﻔﺮ ﺃﻥ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﻭﻳﻐﻔﺮ ﻣﺎ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ ﳌﻦ ﻳﺸﺂﺀ ﻭﻣﻦ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﺎ ﻓﻘﺪ ﺿﻞﱠ ﺿﻼﻻً
٣٨
ﺑﻌﻴﺪﺍً{ ]اﻟﻨﺴﺎء ،[١١٦وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺇﻧﱠﻪ ﻣﻦ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﺎ ﻓﻘﺪ ﺣﺮﻡ ﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﳉﻨﺔ ﻭﻣﺄﻭﺍﻩ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﻣﺎ ﻟﻠﻈﺎﳌﲔ ﻣﻦ ﺃﻧﺼﺎﺭ{ ]اﻟﻤﺎﺋﺪة ،[٧٢وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻟﻘﺪ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻴﻚ ﻭﺇﱃ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻚ ﻟﺌﻦ ﺃﺷﺮﻛﺖ ﻟﻴﺤﺒﻄﻦ ﻋﻤﻠﻚ ﻭﻟﺘﻜﻮﻧﻦ ﻣﻦ ﺍﳋﺎﺳﺮﻳﻦ ﺑﻞ ﺍ ﻓﺎﻋﺒﺪ ﻭﻛﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻛﺮﻳﻦ{ ]اﻟﺰﻣﺮ
،[٦٥،٦٦واﻵﯾﺎت ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ ﻛﺜﯿﺮة ﺟﺪا ،ﯾﺤﺬﱢر ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺮبﱡ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﻋﺒﺎدَه ﻣﻦ اﻟﺸﺮك ﺑﮫ ،وﯾﺒﯿّﻦ ﻟﮭﻢ ﺷﺪﱠةَ ﺧﻄﺮه وﻋِﻈﻢَ ﻣﻐﺒﱠﺘﮫ وﺳﻮء ﻋﺎﻗﺒﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﻓﺎﻋﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻵﺧﺮة. ﻓﺎﻟﺸﺮك ﻋﺎﻗﺒﺘﮫ وﺧﯿﻤﺔ ،وﻧﮭﺎﯾﺘﮫ أﻟﯿﻤﺔ، وأﺧﻄﺎره ﺟﺴﯿﻤﺔ ،وﻻ ﯾﺮﺑﺢ ﻓﺎﻋﻠُﮫ ﻣﻦ وراﺋﮫ ﺷﯿﺌﺎً إﻻﱠ اﻟﺨﯿﺒﺔَ واﻟﺤﺮﻣﺎن واﻟﻤﺬﻟّﺔ واﻟﺨﺴﺮان، وھﻮ أﻋﻈﻢ ذﻧﺐ ﻋُﺼﻲَ اﷲ ﺑﮫ؛ ﻷﻧﱠﮫ أﻇﻠﻢ اﻟﻈﻠﻢ؛ إذ ﻣﻀﻤﻮﻧﮫ ﺗﻨﻘّﺺُ ربﱢ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ،وﺻﺮف ﺧﺎﻟﺺِ ﺣﻘّﮫ ﻟﻐﯿﺮه ،وﻋﺪلُ ﻏﯿﺮه ﺑﮫ؛ وﻷﻧﱠﮫ
٣٩
ﻣﻨﺎﻗﺾٌ ﻟﻠﻤﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ واﻷﻣﺮ ،وﻣﻨﺎفٍ ﻟﮫ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ وﺟﮫ ،وﻓﯿﮫ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻤﻌﺎﻧﺪة ﻟﺮبﱢ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ واﻻﺳﺘﻜﺒﺎرِ ﻋﻦ ﻃﺎﻋﺘﮫ ،واﻟﺬلﱢ ﻟﮫ؛ وﻷنﱠ ﻓﯿﮫ ﺗﺸﺒﯿﮭﺎً ﻟﻠﻤﺨﻠﻮق ﺑﺎﻟﺨﺎﻟﻖ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺗﻘﺪّس ،وﻛﯿﻒ ﯾُﺠﻌَﻞُ ﻣﻦ ﻻ ﯾﻤﻠﻚ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﺿﺮا وﻻ ﻧﻔﻌﺎً وﻻ ﻣﻮﺗﺎً وﻻ ﺣﯿﺎةً وﻻ ﻧﺸﻮراً ،ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﻏﯿﺮه ﺷﺒﯿﮭﺎً ﺑﻤﻦ ﻟﮫ اﻟﺨﻠﻖُ ﻛﻠﱡﮫ ،وﻟﮫ اﻟﻤﻠﻚ ﻛﻠّﮫ ،وﺑﯿﺪه اﻟﺨﯿﺮ ﻛﻠّﮫ ،وإﻟﯿﮫ ﯾﺮﺟﻊ اﻷﻣﺮ ﻛﻠّﮫ ،ﻓﺄزِﻣﱠﺔ اﻷﻣﻮر ﺑﯿﺪه ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ،وﻣﺮﺟﻌﮭﺎ إﻟﯿﮫ ،ﻓﻤﺎ ﺷﺎء ﻛﺎن ،وﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺸﺄ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ،ﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻟﻤﺎ أﻋﻄﻰ ،وﻻ ﻣﻌﻄﻲ ﻟﻤﺎ ﻣﻨﻊ ،اﻟﺬي إذا ﻓﺘﺢ ﻟﻠﻨﺎس رﺣﻤﺔ ﻓﻼ ﻣﻤﺴﻚ ﻟﮭﺎ، وﻣﺎ ﯾﻤﺴﻚ ﻓﻼ ﻣﺮﺳﻞَ ﻟﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه. إنﱠ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﻣﺴﻠﻢ أن ﯾﺤﺬر ﻣﻦ اﻟﺸﺮك أﺷﺪﱠ اﻟﺤﺬر ،وأن ﯾﺨﺎف ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﯿﮫ أﺷﺪﱠ اﻟﺨﻮف ،ﻓﮭﺬا ﻧﺒﻲﱡ اﷲ وﺧﻠﯿﻠﮫ إﺑﺮاھﯿﻢُ ﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺋﮫ} :ﻭﺍﺟﻨﺒﲏ ﻭﺑﲏ ﺃﻥ ﻧﻌﺒﺪ ﺍﻷﺻﻨﺎﻡ ﺭﺏ
٤٠
ﺇﻧّﻬﻦ ﺃﺿﻠﻠﻦ ﻛﺜﲑﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ{ ]إﺑﺮاھﯿﻢ ،[٣٥،٣٦ﻓﺨﺎف ﻣﻦ ذﻟﻚ ودﻋﺎ رﺑﱠﮫ أن ﯾﻌﺎﻓﯿﮫ وﺑﻨﯿﮫ ﻣﻦ ﻋﺒﺎدﺗﮭﺎ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﺨﻠﯿﻞ ﯾﺴﺄل اﷲ أن ﯾﺠﻨّﺒﮫ وﯾﺠﻨﱢﺐ ﺑﻨﯿﮫ ﻋﺒﺎدة اﻷﺻﻨﺎم ،ﻓﻤﺎ ﻇﻨّﻚ ﺑﻐﯿﺮه؟ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﺘﯿﻤﻲ رﺣﻤﮫ اﷲ)) : وﻣﻦ ﯾﺄﻣﻦُ ﻣﻦ اﻟﺒﻼء ﺑﻌﺪ إﺑﺮاھﯿﻢ (() ،(١ﻓﮭﺬا وﻻ رﯾﺐ ﯾﻮﺟﺐ ﻟﻠﻘﻠﺐ اﻟﺤﻲ اﻟﺨﻮفَ ﻣﻦ اﻟﺸﺮك وﺷﺪّةَ اﻻﺣﺘﺮاز ﻣﻨﮫ ،وﺳﺆالَ اﷲ دوﻣﺎً وأﺑﺪاً اﻟﻌﺎﻓﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﯿﮫ ،وھﺬا أﯾﻀﺎً ﯾﺘﻄﻠّﺐ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﻤﺆﻣﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻋﺎﻟﻤﺎً ﺑﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺸﺮك وأﺳﺒﺎﺑﮫ ،وﻣﺒﺎدﺋﮫ وأﻧﻮاﻋﮫ؛ ﻟﺌﻼﱠ ﯾﻘﻊ ﻓﯿﮫ ،وﻟﮭﺬا ﻗﺎل ﺣﺬﯾﻔﺔ ﺑﻦ اﻟﯿﻤﺎن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ )) :ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﯾﺴﺄﻟﻮن رﺳﻮل اﷲ ﻋﻦ اﻟﺨﯿﺮ ،وﻛﻨﺖ أﺳﺄﻟﮫ ﻋﻦ اﻟﺸﺮ ﻣﺨﺎﻓﺔ أن أﻗﻊ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١رواه اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮه ).(٢٢٨/٨
٤١
ﻓﯿﮫ (( ،رواه اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﯿﮭﻤﺎ).(١ وذﻟﻚ أنﱠ ﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺮف إﻻﱠ اﻟﺨﯿﺮ ﻗﺪ ﯾﺄﺗﯿﮫ اﻟﺸﺮ وﻻ ﯾﻌﺮف أﻧﱠﮫ ﺷﺮﱞ ،ﻓﺈﻣّﺎ أن ﯾﻘﻊ ﻓﯿﮫ ،وإﻣﱠﺎ أن ﻻ ﯾﻨﻜﺮَه ﻛﻤﺎ ﯾﻨﻜﺮه اﻟﺬي ﻋﺮﻓﮫ؛ وﻟﮭﺬا ﻗﺎل ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ )) :إﻧﱠﻤﺎ ﺗﻨﻘﺾ ﻋﺮى اﻹﺳﻼم ﻋﺮوة ﻋﺮوة إذا ﻧﺸﺄ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺮف اﻟﺠﺎھﻠﯿﺔ (().(٢ إنﱠ اﻟﺒﻌﺪَ ﻋﻦ اﻟﺸﺮك ﻛﻠﱢﮫ وإﺧﻼصَ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ﷲ أﺻﻞٌ ﯾﺠﺐ أن ﺗُﺒﻨﻰ ﻋﻠﯿﮫ ﻛﻞﱡ ﻃﺎﻋﺔ ﯾﺘﻘﺮّب اﻟﻌﺒﺪُ ﺑﮭﺎ إﻟﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،اﻟﺤﺞﱡ وﻏﯿﺮُه ،وﻗﺪ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺤﺞﱢ} :ﻭﺃﺫﱢﻥ ﰲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﳊﺞ ﻳﺄﺗﻮﻙ ﺭﺟﺎﻻً ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺿﺎﻣﺮٍ ﻳﺄﺗﲔ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﻓﺞ ﻋﻤﻴﻖ ﻟﻴﺸﻬﺪﻭﺍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻧﻈﺮ :ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(٣٦٠٦:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٨٤٧: ) (٢اﻧﻈﺮه ﻣﻊ ﺗﻌﻠﯿﻖ ﻣﻔﯿﺪ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ )ص.(٢٠١:
٤٢
ﻣﻨﺎﻓﻊ ﳍﻢ ﻭﻳﺬﻛﺮﻭﺍ ﺍﺳﻢ ﺍ ﰲ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺭﺯﻗﻬﻢ ﻣﻦ
ﲠﻴﻤﺔ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ ﻓﻜﻠﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺃﻃﻌﻤﻮﺍ ﺍﻟﺒﺂﺋﺲ ﺍﻟﻔﻘﲑ ﺛﻢ ﻟﻴﻘﻀﻮﺍ
ﺗﻔﺜﻬﻢ ﻭﻟﻴﻮﻓﻮﺍ ﻧﺬﻭﺭﻫﻢ ﻭﻟﻴﻄّﻮﻓﻮﺍ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﺘﻴﻖ ﺫﻟﻚ ﻭﻣﻦ ﻳﻌﻈﱢﻢ ﺣﺮﻣﺎﺕ ﺍ ﻓﻬﻮ ﺧﲑ ﻟﻪ ﻋﻨﺪ ﺭﺑﻪ ﻭﺃُﺣﻠّﺖ ﻟﻜﻢ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ ﺇﻻﱠ ﻣﺎ ﻳﺘﻠﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﺎﺟﺘﻨﺒﻮﺍ ﺍﻟﺮﺟﺲ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﺛﺎﻥ ﻭﺍﺟﺘﻨﺒﻮﺍ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺰﻭﺭ ﺣﻨﻔﺂﺀ ﻏﲑ ﻣﺸﺮﻛﲔ ﺑﻪ ﻭﻣﻦ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﺎ ﻓﻜﺄﻧﱠﻤﺎ ﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺂﺀ ﻓﺘﺨﻄﻔﻪ ﺍﻟﻄﲑ ﺃﻭ ﲥﻮﻱ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﰲ ﻣﻜﺎﻥ ﺳﺤﻴﻖ{ ]اﻟﺤﺞ ٢٧ـ .[٣١
ﻓﺤﺬّر ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﯿﺎق اﻟﻜﺮﯾﻢ اﻟﻤﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻟﺤﺞ ﻣﻦ اﻟﺸﺮك ،وأﻣﺮ ﺑﺎﺟﺘﻨﺎﺑﮫ ،وﺑﯿّﻦ ﻗﺒﺤَﮫ وﺳﻮءَ ﻋﺎﻗﺒﺘِﮫ ،وأنﱠ ﻓﺎﻋﻠَﮫ ﺑﻔﻌﻠﮫ ﻟﮫ ﻛﺄﻧﱠﻤﺎ ﺧﺮﱠ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﺘﺨﻄﻔُﮫ اﻟﻄﯿﺮُ أو ﺗﮭﻮي ﺑﮫ اﻟﺮﯾﺢُ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺳﺤﯿﻖ ،ﻛﻤﺎ أﻧﱠﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﻗﺪ أﻣﺮ ﻧﺒﯿﱠﮫ إﺑﺮاھﯿﻢ ﻓﻲ اﻵﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺒﻞ ھﺬه اﻵﯾﺎت ﺑﺘﻄﮭﯿﺮ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﻌﺪ أن ﺑﻮّأه ﻣﻜﺎﻧﮫ ،وﻧﮭﺎه ﻋﻦ اﻹﺷﺮاك ﺑﺎﷲ ،وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ} :ﻭﺇﺫ ﺑﻮﺃﻧﺎ
٤٣
ﻹﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺸﺮﻙ ﺑﻲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻭﻃﻬﺮ ﺑﻴﱵ ﻟﻠﻄﺂﺋﻔﲔ ﻭﺍﻟﻘﺂﺋﻤﲔ ﻭﺍﻟﺮﻛﱠﻊِ ﺍﻟﺴﺠﻮﺩ{ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺑﺬﻟﻚ
اﻵﯾﺎت اﻟﻤﺘﻌﻠّﻘﺔُ ﺑﺎﻟﺤﺞ ﻣﺤﻔﻮﻓﺔً ﺑﺎﻟﺘﺤﺬﯾﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺮك ،واﻟﻨﮭﻲ ﻋﻨﮫ ،وﺑﯿﺎن ﺳﻮء ﻋﺎﻗﺒﺘﮫ ،ﻣﻤّﺎ ﯾﺪلﱡ أﻋﻈﻢ دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻨﺎﻋﺔِ اﻟﺸﺮك وﻋِﻈﻢِ ﺧﻄﻮرﺗﮫ ،ﺣﻤﺎﻧﺎ اﷲ وإﯾّﺎﻛﻢ ﻣﻨﮫ ،ورَزﻗﻨﺎ اﻹﺧﻼص ﻓﻲ اﻟﻘﻮل واﻟﻌﻤﻞ.
٤٤
إنﱠ ﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ﺷﺄﻧﺎً ﻋﻈﯿﻤﺎً ودﻻﻻت ﻋﻤﯿﻘﺔ ،وﻗﺪ ﺳﺒﻖ اﻟﺤﺪﯾﺚُ ﻋﻦ دﻻﻻت ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ وﻧﺒﺬ اﻟﺸﺮك ،وھﻲ ﺑﻼ رﯾﺐ ﻛﻠﻤﺎت ﻋﻈﯿﻤﺔ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎنٍ ﺟﻠﯿﻠﺔٍ ،وﻣﻘﺎﺻﺪَ ﻧﺒﯿﻠﺔٍ ،وﻓﻮاﺋﺪَ ﺟﻤّﺔ ،وﻗﺪ ﻧﺒّﮫ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻋِﻈﻢ ﺷﺄن ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت وﻋِﻈﻢ ﻣﺎ اﺷﺘﻤﻠﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﻊَ وﻓﻮاﺋﺪ ،وﻗﺪ ﺗﻨﺎول ھﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﺑﻮﻓﺎء وزﯾﺎدة ﻓﻲ اﻟﺒﺴﻂ واﻟﺒﯿﺎن اﻹﻣﺎمُ اﻟﻌﻼّﻣﺔ اﺑﻦ اﻟﻘﯿّﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ ﺗﮭﺬﯾﺐ اﻟﺴﻨﻦ).(١ ﻗﺎل رﺣﻤﮫ اﷲ )) :وﻗﺪ اﺷﺘﻤﻠﺖ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﻠﺒﯿّﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﻋﺪَ ﻋﻈﯿﻤﺔٍ وﻓﻮاﺋﺪ ﺟﻠﯿﻠﺔ ،(( ...ﺛﻢّ ذﻛﺮ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺗﮭﺬﯾﺐ اﻟﺴﻨﻦ ) ٣٣٧/٢ـ .(٣٤٠
٤٥
رﺣﻤﮫ اﷲ إﺣﺪى وﻋﺸﺮﯾﻦ ﻓﺎﺋﺪة ،وﻟﻌﻠﱢﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻘﺎم أﻟﺨﱢﺺ ﺟﻤﻠﺔً ﻃﯿّﺒﺔً ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﺷﺘﻤﻠﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ﻣﻤّﺎ ذﻛﺮه رﺣﻤﮫ اﷲ: ﻓﻤﻦ ھﺬه اﻟﻔﻮاﺋﺪ أنﱠ ﻗﻮﻟﻚ )) :ﻟﺒّﯿﻚ (( ﯾﺘﻀﻤّﻦ إﺟﺎﺑﺔ داعٍ دﻋﺎك ،وﻣﻨﺎدٍ ﻧﺎداك ،وﻻ ﯾﺼﺢ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ وﻻ ﻋﻘﻞ إﺟﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻻ ﯾﺘﻜﻠّﻢ وﻻ ﯾﺪﻋﻮ ﻣﻦ أﺟﺎﺑﮫ ،ﻓﻔﻲ ھﺬا إﺛﺒﺎت ﺻﻔﺔ اﻟﻜﻼم ﷲ. وﻣﻨﮭﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﺗﺘﻀﻤّﻦ اﻟﻤﺤﺒﺔ ،وﻻ ﯾُﻘﺎل ﻟﺒّﯿﻚ إﻻﱠ ﻟﻤﻦ ﺗﺤﺒّﮫ وﺗﻌﻈﱢﻤﮫ ،وﻟﮭﺬا ﻗﯿﻞ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎھﺎ :أﻧﺎ ﻣﻮاﺟﮫ ﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﺐ ،وأﻧﱠﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﮭﻢ :اﻣﺮأة ﻟﺒّﺔ ،أي ﻣﺤﺒﺔ ﻟﻮﻟﺪھﺎ. وﻣﻨﮭﺎ :أنﱠ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ﺗﺘﻀﻤّﻦ اﻟﺘﺰام دوام اﻟﻌﺒﻮدﯾﺔ ،وﻟﮭﺬا ﻗﯿﻞ :ھﻲ ﻣﻦ اﻹﻗﺎﻣﺔ ،أي أﻧﺎ ﻣﻘﯿﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻚ. وﻣﻨﮭﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﺗﺘﻀﻤّﻦ اﻟﺨﻀﻮع واﻟﺬلّ ،أي ﺧﻀﻮﻋﺎً ﺑﻌﺪ ﺧﻀﻮع ،ﻣﻦ ﻗﻮﻟﮭﻢ :أﻧﺎ ﻣُﻠﺐﱟ ﺑﯿﻦ
٤٦
ﯾﺪﯾﻚ ،أي ﺧﺎﺿﻊ ذﻟﯿﻞ. وﻣﻨﮭﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﺗﺘﻀﻤّﻦ اﻹﺧﻼص ،وﻟﮭﺬا ﻗﯿﻞ: إﻧﱠﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻠُﺐﱢ ،وھﻮ اﻟﺨﺎﻟﺺ. وﻣﻨﮭﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﺗﺘﻀﻤّﻦ اﻹﻗﺮار ﺑﺴﻤﻊ اﻟﺮب ﺗﻌﺎﻟﻰ؛ إذ ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ أن ﯾﻘﻮل اﻟﺮﺟﻞ ﻟﺒّﯿﻚ ﻟﻤﻦ ﻻ ﯾﺴﻤﻊ دﻋﺎءَه. وﻣﻨﮭﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﺗﺘﻀﻤّﻦ اﻟﺘﻘﺮّب ﻣﻦ اﷲ ،وﻟﮭﺬا ﻗﯿﻞ :إﻧﱠﮭﺎ ﻣﻦ اﻹﻟﺒﺎب ،وھﻮ اﻟﺘﻘﺮّب. وﻣﻦ ھﺬه اﻟﻔﻮاﺋﺪ :أﻧﱠﮭﺎ ﺟُﻌﻠﺖ ﻓﻲ اﻹﺣﺮام ﺷﻌﺎراً ﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ ﺣﺎل إﻟﻰ ﺣﺎل ،وﻣﻦ ﻣَﻨﺴﻚ إﻟﻰ ﻣﻨﺴﻚ ،ﻛﻤﺎ ﺟُﻌﻞ اﻟﺘﻜﺒﯿﺮُ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة ﺳﺒﺒﺎً)(١؛ ﻟﻼﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ رﻛﻦ إﻟﻰ رﻛﻦ ،وﻟﮭﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻨﺔ أن ﯾُﻠﺒﱢﻲ ﺣﺘﻰ ﯾﺸﺮع ﻓﻲ اﻟﻄﻮاف ﻓﯿﻘﻄﻊُ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ،ﺛﻢﱠ إذا ﺳﺎر ﻟﺒّﻰ ﺣﺘﻰ ﯾﻘﻒ ﺑﻌﺮﻓﺔ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻓﻲ اﻷﺻﻞ )) :ﺳﺒﻌﺎً (( ،وھﻮ ﺗﺼﺤﯿﻒ.
٤٧
ﻓﯿﻘﻄﻌﮭﺎ ،ﺛﻢﱠ ﯾﻠﺒّﻲ ﺣﺘﻰ ﯾﻘﻒ ﺑﻤﺰدﻟﻔﺔ ﻓﯿﻘﻄﻌﮭﺎ، ﺛﻢ ﯾﻠﺒﱢﻲ ﺣﺘﻰ ﯾﺮﻣﻲ ﺟﻤﺮة اﻟﻌﻘﺒﺔ ﻓﯿﻘﻄﻌﮭﺎ، ﻓﺎﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ﺷﻌﺎر اﻟﺤﺞ واﻟﺘﻨﻘﻞ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﻤﻨﺎﺳﻚ، ﻓﺎﻟﺤﺎجﱡ ﻛﻠّﻤﺎ اﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ رﻛﻦ إﻟﻰ رﻛﻦ ﻗﺎل)) : ﻟﺒّﯿﻚ اﻟﻠﱠﮭﻢﱠ ﻟﺒّﯿﻚ (( ،ﻛﻤﺎ أنﱠ اﻟﻤﺼﻠﻲ ﯾﻘﻮل ﻓﻲ اﻧﺘﻘﺎﻟﮫ ﻣﻦ رﻛﻦ إﻟﻰ رﻛﻦ )) اﷲ أﻛﺒﺮ (( ،ﻓﺈذا ﺣﻞﱠ ﻣﻦ ﻧﺴﻜﮫ ﻗﻄﻌﮭﺎ ،ﻛﻤﺎ ﯾﻜﻮن ﺳﻼم اﻟﻤﺼﻠﱢﻲ ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻟﺘﻜﺒﯿﺮه. وﻣﻦ ﻓﻮاﺋﺪھﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﺷﻌﺎرُ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ،ﻣﻠﱠﺔُ إﺑﺮاھﯿﻢ ،اﻟﺬي ھﻮ روح اﻟﺤﺞ وﻣﻘﺼﺪه ،ﺑﻞ روح اﻟﻌﺒﺎدات ﻛﻠﱢﮭﺎ واﻟﻤﻘﺼﻮد ﻣﻨﮭﺎ ،وﻟﮭﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔُ ﻣﻔﺘﺎحَ ھﺬه اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺘﻲ ﯾُﺪﺧﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﮭﺎ. وﻣﻨﮭﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﻣﺘﻀﻤّﻨﺔ ﻟﻤﻔﺘﺎح اﻟﺠﻨﺔ وﺑﺎب اﻹﺳﻼم اﻟﺬي ﯾُﺪﺧﻞ ﻣﻨﮫ إﻟﯿﮫ ،وھﻮ ﻛﻠﻤﺔ اﻹﺧﻼص واﻟﺸﮭﺎدة ﷲ ﺑﺄﻧﱠﮫ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ.
٤٨
وﻣﻨﮭﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﻣﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻤﺪ ﷲ اﻟﺬي ھﻮ ﻣﻦ أﺣﺐﱢ ﻣﺎ ﯾﺘﻘﺮّب ﺑﮫ اﻟﻌﺒﺪ إﻟﻰ اﷲ ،وأول ﻣﻦ ﯾُﺪﻋﻰ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ أھﻠﮫ ،وھﻮ ﻓﺎﺗﺤﺔ اﻟﺼﻼة وﺧﺎﺗﻤﺘﮭﺎ. وﻣﻨﮭﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﻣﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﺮاف ﷲ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ﻛﻠّﮭﺎ ،وﻟﮭﺬا ﻋﺮّﻓﮭﺎ ﺑﺎﻟﻼم اﻟﻤﻔﯿﺪة ﻟﻼﺳﺘﻐﺮاق أي اﻟﻨﻌﻢُ ﻛﻠﱡﮭﺎ ﻟﻚ ،وأﻧﺖ ﻣﻮَﻟّﯿﮭﺎ واﻟﻤﻨﻌﻢ ﺑﮭﺎ. وﻣﻨﮭﺎ :أﻧﱠﮭﺎ ﻣﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺄنﱠ اﻟﻤﻠﻚ ﻛﻠّﮫ ﷲ وﺣﺪه ،ﻓﻼ ﻣﻠﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻟﻐﯿﺮه. وﻣﻦ ھﺬه اﻟﻔﻮاﺋﺪ أنﱠ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ﻣﺘﻀﻤّﻨﺔ ﻟﻺﺧﺒﺎر ﻋﻦ اﺟﺘﻤﺎع اﻟﻤﻠﻚ واﻟﻨﻌﻤﺔ واﻟﺤﻤﺪ ﷲ ،وھﺬا ﻧﻮعٌ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﯿﮫ ،ﻏﯿﺮُ اﻟﺜﻨﺎء ﺑﻤﻔﺮدات ﺗﻠﻚ اﻷوﺻﺎف اﻟﻌﻠﯿّﺔ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﺎع اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﺘﻀﻤّﻦ ﻟﻠﻘﺪرة ﻣﻊ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﻤﺘﻀﻤﻨﺔ ﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﻨﻔﻊ
٤٩
واﻹﺣﺴﺎن واﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻊ اﻟﺤﻤﺪ اﻟﻤﺘﻀﻤّﻦ ﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺠﻼل واﻹﻛﺮام اﻟﺪاﻋﻲ إﻟﻰ ﻣﺤﺒّﺘﮫ ،ﻓﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﻈﻤﺔ واﻟﻜﻤﺎل واﻟﺠﻼل ﻣﺎ ھﻮ أوﻟﻰ ﺑﮫ ،وھﻮ أھﻠﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ،وﻓﻲ ذﻛﺮ اﻟﻌﺒﺪ ﻟﮫ وﻣﻌﺮﻓﺘﮫ ﺑﮫ ﻣﻦ اﻧﺠﺬاب ﻗﻠﺒﮫ إﻟﻰ اﷲ وإﻗﺒﺎﻟﮫ ﻋﻠﯿﮫ واﻟﺘﻮﺟّﮫ ﺑﺪواﻋﻲ اﻟﻤﺤﺒﺔ ﻛﻠّﮭﺎ إﻟﯿﮫ ﻣﺎ ھﻮ ﻣﻘﺼﻮد اﻟﻌﺒﻮدﯾﺔ وﻟﺒﱡﮭﺎ. وﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ أنﱠ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺎل )) :أﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ أﻧﺎ واﻟﻨﺒﯿّﻮن ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻲ :ﻻ إﻟﮫ إﻻﱠ اﷲ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ،ﻟﮫ اﻟﻤﻠﻚ وﻟﮫ اﻟﺤﻤﺪ ،وھﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺷﻲء ﻗﺪﯾﺮ (( ،وﻗﺪ اﺷﺘﻤﻠﺖ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﻌﯿﻨﮭﺎ ،وﺗﻀﻤّﻨﺖ ﻣﻌﺎﻧﯿﮭﺎ. وﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ أﯾﻀﺎً أنﱠ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ﻣﺘﻀﻤّﻨﺔ ﻟﻠﺮدﱢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﻣﺒﻄﻞ ﻓﻲ ﺻﻔﺎت اﷲ وﺗﻮﺣﯿﺪه، ﻓﮭﻲ ﻣﺒﻄﻠﺔ ﻟﻘﻮل اﻟﻤﺸﺮﻛﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻃﻮاﺋﻔﮭﻢ وﻣﻘﺎﻻﺗﮭﻢ ،وﻣﺒﻄﻠﺔٌ ﻟﻘﻮل اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وﻣﻦ
٥٠
ﺗﺄﺛّﺮ ﺑﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻄّﻠﯿﻦ ﻟﺼﻔﺎت اﷲ اﻟﺘﻲ ھﻲ ﻣﺘﻌﻠّﻖ اﻟﺤﻤﺪ ،وﻣﺒﻄﻠﺔ ﻟﻘﻮل ﻣﺠﻮس اﻷﻣﺔ، اﻟﻘﺪرﯾﺔ اﻟﺬﯾﻦ أﺧﺮﺟﻮا ﻋﻦ ﻣﻠﻚ اﻟﺮبﱢ وﻗﺪرﺗﮫ أﻓﻌﺎلَ ﻋﺒﺎده ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ واﻟﺠﻦﱢ واﻹﻧﺲ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺜﺒﺘﻮا ﻟﮫ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻗﺪرة ،وﻻ ﺟﻌﻠﻮه ﺧﺎﻟﻘﺎً ﻟﮭﺎ ،ﻓﻤﻦ ﻋﻠﻢ ﻣﻌﻨﻰ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت وﺷﮭﺪھﺎ وأﯾﻘﻦ ﺑﮭﺎ ﺑﺎﯾﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻄﻮاﺋﻒ اﻟﻤﻌﻄّﻠﺔ. وﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ أﯾﻀﺎً أنﱠ ﻓﻲ إﻋﺎدة اﻟﺸﮭﺎدة ﻟﮫ ﺑﺄﻧﱠﮫ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ﻟﻄﯿﻔﺔً ،وھﻲ أﻧﱠﮫ أﺧﺒﺮ أﻧﱠﮫ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ﻋﻘِﺐ إﺟﺎﺑﺘﮫ ﺑﻘﻮﻟﮫ :ﻟﺒّﯿﻚ ،ﺛﻢ أﻋﺎدھﺎ ﻋﻘﺐ ﻗﻮﻟﮫ )) :إنﱠ اﻟﺤﻤﺪ واﻟﻨﻌﻤﺔ ﻟﻚ واﻟﻤﻠﻚ ،ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﻚ (( ،وذﻟﻚ ﯾﺘﻀﻤّﻦ أﻧﱠﮫ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﻤﺪ واﻟﻨﻌﻤﺔ واﻟﻤﻠﻚ واﻷول ﯾﺘﻀﻤّﻦ أﻧﱠﮫ ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ﻓﻲ إﺟﺎﺑﺔ ھﺬه اﻟﺪﻋﻮة ،وھﺬا ﻧﻈﯿﺮ ﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺷﻬﺪ ﺍ ﺃﻧﱠﻪ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻﱠ ﻫﻮ ﻭﺍﳌﻼﺋﻜﺔ ﻭﺃﻭﻟﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻﱠ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﳊﻜﻴﻢ{ ]آل ﻋﻤﺮان
٥١
،[١٨ﻓﺄﺧﺒﺮ ﺑﺄﻧﱠﮫ ﻻ إﻟﮫ إﻻﱠ ھﻮ ﻓﻲ أول اﻵﯾﺔ، وذﻟﻚ داﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﺷﮭﺎدﺗﮫ وﺷﮭﺎدة ﻣﻼﺋﻜﺘﮫ وأوﻟﻲ اﻟﻌﻠﻢ ،وھﺬا ھﻮ اﻟﻤﺸﮭﻮد ﺑﮫ ،ﺛﻢﱠ أﺧﺒﺮ ﻋﻦ ﻗﯿﺎﻣﮫ ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ ،وھﻮ اﻟﻌﺪل ،ﻓﺄﻋﺎد اﻟﺸﮭﺎدة ﺑﺄﻧﱠﮫ ﻻ إﻟﮫ إﻻﱠ ھﻮ ﻣﻊ ﻗﯿﺎﻣﮫ ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ. ﻓﮭﺬه ﺟﻤﻠﺔٌ ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﻘﻄﻮف اﻟﻜﺮﯾﻤﺔ ﻣﻤّﺎ ﺗﻀﻤّﻨﺘﮫ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎتُ اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ، ﻛﻠﻤﺎتُ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ،وھﻲ وﻻ رﯾﺐ ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ أھﻤﯿﺔ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﻔﮭﻢ ﻣﻌﺎﻧﻲ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ،وأنﱠ ﺣﺴﻦ اﻻھﺘﻤﺎم ﺑﺬﻟﻚ ﯾﻌﯿﻦ اﻟﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ اﻹﺗﯿﺎن ﺑﮭﺬه اﻟﻌﺒﺎدة ﻋﻠﻰ أﻛﻤﻞ وﺟﮫ وأﺣﺴﻦ ﺣﺎل.
٥٢
إنﱠ ﻣﻦ اﻟﺪروس اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻔﯿﺪھﺎ اﻟﺤﺎج ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻌﺘﯿﻖ وﯾﻘﻮم ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ :اﻟﻄﻮاف ﺑﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام، وﯾﺮى اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻛﻠّﮭﻢ ﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﺬﻟﻚ ﻃﺎﻋﺔ ﷲ واﻣﺘﺜﺎﻻً ﻷﻣﺮه ﻣﺎ ﯾﻔﯿﺪه ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻘﺎم ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﺑﻌﻈﻢ ﺷﺄن ھﺬه اﻟﻌﺒﺎدة وﺟﻼﻟﺔ ﻗﺪرھﺎ وﻗﻮة وﻗﻌﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺠﺘﻤﻊ ذﻟﻚ اﻟﻜﻢﱡ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﺑﻠﺒﺎس واﺣﺪ ،وﻋﻠﻰ ھﯿﺌﺔ واﺣﺪة ،ﻣﺴﺘﺪﯾﺮﯾﻦ ﺣﻮل ﺑﯿﺖ اﷲ ،ﻣﺴﺒﱢﺤﯿﻦ وﻣﮭﻠّﻠﯿﻦ وﻣﻜﺒّﺮﯾﻦ، ﯾﺪﻋﻮن رﺑﱠﮭﻢ اﻟﻜﺮﯾﻢ وﯾﻨﺎﺟﻮﻧﮫ وﯾﺴﺄﻟﻮﻧﮫ وﯾﺒﺘﮭﻠﻮن إﻟﯿﮫ ،ﻛﻞﱡ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﯾﻄﻮف أﺷﻮاﻃﺎً ﺳﺒﻌﺔ ،ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ ﯾﺒﺘﺪﺋﻮن ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد وﯾﻨﺘﮭﻮن إﻟﯿﮫ ،واﻟﻄﻮاف ھﻮ اﻟﺪوران ﺣﻮل
٥٣
اﻟﻜﻌﺒﺔ ﺳﺒﻊ ﻣﺮّات ﺗﻌﺒّﺪاً ﷲ ﺑﻨﯿّﺔ اﻟﻄﻮاف ،ﻣﺒﺘﺪﺋًﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد وﻣﻨﺘﮭﯿﺎً إﻟﯿﮫ ،ﺟﺎﻋﻼً اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻋﻦ ﯾﺴﺎره ،واﻟﻤﺴﻠﻤﻮن إﻧﱠﻤﺎ ﯾﻔﻌﻠﻮن ذﻟﻚ ﻃﺎﻋﺔ ﷲ واﺗﺒﺎﻋﺎً ﻟﺮﺳﻮل اﷲ ،وﺣﻆﱡ ﻛﻞّ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﻤﺎل ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻌﺒﺎدة ھﻮ ﺑﺤﺴﺐ ﺣﻈﱢﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﯾﻢ . واﻟﻄﻮاف ھﻮ أوّل ﻋﻤﻞ ﯾﻘﻮم ﺑﮫ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ،روى اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﺎ ﻗﺎﻟﺖ )) :إنﱠ أولَ ﺷﻲء ﺑﺪأ ﺑﮫ ﺣﯿﻦ ﻗﺪم اﻟﻨﺒﻲ أﻧﱠﮫ ﺗﻮﺿّﺄ ﺛﻢ ﻃﺎف (() ،(١وروى ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻓﻲ ﺻﻔﺔ ﺣﺠّﺔ اﻟﻨﺒﻲ وﻓﯿﮫ ... )) :ﺣﺘﻰ إذا أﺗﯿﻨﺎ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻌﮫ اﺳﺘﻠﻢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(١٦٤١:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢٣٥:
٥٤
اﻟﺮﻛﻦ ﻓﺮﻣﻞ ﺛﻼﺛﺎً وﻣﺸﻰ أرﺑﻌﺎً (() ،(١وروى اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ )) :أنﱠ رﺳﻮل اﷲ ﻛﺎن إذا ﻃﺎف ﻓﻲ اﻟﺤﺞ أو اﻟﻌﻤﺮة أولَ ﻣﺎ ﯾﻘﺪم ﺳﻌﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻃﻮاف وﻣﺸﻰ أرﺑﻌﺔ ،ﺛﻢ ﺳﺠﺪ ﺳﺠﺪﺗﯿﻦ ]أي ﺻﻠﻰ رﻛﻌﺘﯿﻦ[ ،ﺛﻢ ﯾﻄﻮف ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﺎ واﻟﻤﺮوة (()،(٢ واﻷدﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺮوﻋﯿﺔ اﻟﻄﻮاف ﺑﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ﻣﺘﻈﺎﻓﺮة ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ،وﺗﻮاﺗﺮ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻨﻘﻞ ﻋﻦ رﺳﻮل اﷲ ،وھﺬا ﻓﯿﮫ دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ أنﱠ ھﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻗُﺮﺑﺔ إﻟﻰ اﷲ وﻃﺎﻋﺔ ﯾﺤﺒﮭﺎ اﷲ ﻣﻦ ﻋﺒﺎده ﺷﺮﻋﮭﺎ ﻟﮭﻢ وأﻣﺮھﻢ ﺑﮭﺎ ورﻏّﺒﮭﻢ ﻓﻲ ﻓﻌﻠﮭﺎ ،وﺟﻌﻠﮭﺎ ﻣﻨﺴﻜﺎً ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺳﻚ ﻗﺼﺪ ﺑﯿﺘﮫ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ).(٨٩٣/٢ ) (٢ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(١٦١٦:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢٦١:
٥٥
اﻟﺤﺮام ،ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﺃﺫﱢﻥ ﰲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﳊﺞ ﻳﺄﺗﻮﻙ ﺭﺟﺎﻻً ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺿﺎﻣﺮٍ ﻳﺄﺗﲔ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﻓﺞﱟ ﻋﻤﻴﻖ ﻟﻴﺸﻬﺪﻭﺍ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﳍﻢ ﻭﻳﺬﻛﺮﻭﺍ ﺍﺳﻢ ﺍ ﰲ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺭﺯﻗﻬﻢ ﻣﻦ ﲠﻴﻤﺔ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ ﻓﻜﻠﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺃﻃﻌﻤﻮﺍ ﺍﻟﺒﺂﺋﺲ ﺍﻟﻔﻘﲑ ﺛﻢ ﻟﻴﻘﻀﻮﺍ ﺗﻔﺜﻬﻢ ﻭﻟﻴﻮﻓﻮﺍ ﻧﺬﻭﺭﻫﻢ ﻭﻟﻴﻄّﻮﻓﻮﺍ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﺘﻴﻖ{
]اﻟﺤﺞ ٢٧ـ ،[٢٩وﻗﺪ ﻋﮭﺪ اﷲ إﻟﻰ ﻧﺒﯿّﮫ وﺧﻠﯿﻠﮫ إﺑﺮاھﯿﻢ واﺑﻨﮫ ﻧﺒﻲ اﷲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ اﻟﺴﻼم أن ﯾﻘﻮﻣﺎ ﺑﺘﻄﮭﯿﺮ اﻟﺒﯿﺖ وﺗﺸﯿﯿﺪ أرﻛﺎﻧﮫ وﺗﮭﯿﺌﺘﮫ ﻟﻠﻄﺎﺋﻔﯿﻦ واﻟﻘﺎﺋﻤﯿﻦ واﻟﺮﻛﻊ اﻟﺴﺠﻮد ،ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻋﻬﺪﻧﺎ ﺇﱃ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻭﺇﲰﺎﻋﻴﻞ ﺃﻥ ﻃﻬﺮﺍ ﺑﻴﱵ ﻟﻠﻄﺎﺋﻔﲔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻛﻔﲔ ﻭﺍﻟﺮﻛﱠﻊ ﺍﻟﺴﺠﻮﺩ{ ]اﻟﺒﻘﺮة ،[١٢٥وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﺇﺫ ﺑﻮﺃﻧﺎ ﻹﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺸﺮﻙ ﺑﻲ ﺷﻴﺌﺎً ﻭﻃﻬﺮ ﺑﻴﱵ ﻟﻠﻄﺂﺋﻔﲔ ﻭﺍﻟﻘﺂﺋﻤﲔ ﻭﺍﻟﺮﻛّﻊ ﺍﻟﺴﺠﻮﺩ{ ]اﻟﺤﺞ .[٢٦ وﻣﻤﱠﺎ ﺗﻘﺪّم ﯾﺘﺒﯿّﻦ أنﱠ اﻟﻄﻮاف ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ اﻟﻌﺘﯿﻖ ﻋﺒﺎدة ﺟﻠﯿﻠﺔ وﻃﺎﻋﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﯾﺤﺒّﮭﺎ اﷲ ﻣﻦ
٥٦
ﻋﺒﺎده ،وﺷﺮﻋﮭﺎ ﻟﮭﻢ وأﻣﺮھﻢ ﺑﮭﺎ ،ورﺗّﺐ ﻟﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﮭﻢ ﻟﮭﺎ اﻟﺜﻮاب اﻟﻌﻈﯿﻢ واﻷﺟﺮ اﻟﺠﺰﯾﻞ؛ ﺑﻞ إنﱠ اﻟﻄﻮاف ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ رﻛﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎن اﻟﺤﺞ، ﻛﻤﺎ أﻧﱠﮫ أﯾﻀﺎً رﻛﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎن اﻟﻌﻤﺮة ،وھﺬا ﯾﺪل ﻋﻠﻰ ﻋِﻈﻢ ﺷﺄن اﻟﻄﻮاف ﻋﻨﺪ اﷲ ورﻓﯿﻊ ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ؛ إذ ﻻ ﯾﺘﻢﱡ اﻟﺤﺞ إﻻﱠ ﺑﮫ ،وﻻ ﺗﺘﻢﱡ اﻟﻌﻤﺮة إﻻﱠ ﺑﮫ. ﺛﻢﱠ إنﱠ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻘﺎم اﻟﻌﻈﯿﻢ ﯾﺘﻠﻘﻰ درﺳﺎً ﻋﻈﯿﻤﺎً ،وﻓﺎﺋﺪة ﺟﻠﯿﻠﺔ ،وھﻮ أنﱠ ھﺬه اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ ـ أﻋﻨﻲ اﻟﻄﻮاف ـ إﻧﱠﻤﺎ ﺷُﺮﻋﺖ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻮﻃﻦ ﻓﻘﻂ ﺣﻮل ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ﻛﻤﺎ دﻟّﺖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻨﺼﻮصُ اﻟﻤﺘﻘﺪّﻣﺔُ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ وﻏﯿﺮُھﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﻮص ،وھﻲ ﻛﺜﯿﺮة ﺟﺪا ،وﺑﮭﺬا ﯾﻌﻠﻢ اﻟﻤﺴﻠﻢ أنﱠ اﻟﻄﻮاف ﻓﻲ ﻏﯿﺮ ھﺬا اﻟﻤﻮﻃﻦ ﻓﻲ أيﱢ ﻣﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻻ ﯾُﺸﺮع ،وﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﺪلﱡ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺮوﻋﯿﺘﮫ ،ﺑﻞ ھﻮ ﺿﻼل وﺑﺎﻃﻞ، وﺗﺴﻮﯾﺔ ﻟﺒﯿﻮت اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﯿﻦ ﺑﺒﯿﺖ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺬي
٥٧
أﻣﺮ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﺑﺈﻗﺎﻣﺘﮫ ﻟﺬﻛﺮه وﻃﺎﻋﺘﮫ ،واﻟﺘﻮﺟّﮫ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﻋﺒﺎدﺗﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ،وﻻ ﺧﻼف ﺑﯿﻦ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺑﻄﻼن اﻟﻄﻮاف ﻓﻲ أي ﺑﻘﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎع ،وﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن ﻣﻦ اﻷﻣﻜﻨﺔ ﺳﻮى ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ،ﻓﻼ ﯾﺠﻮز اﻟﻄﻮاف ﺣﻮل اﻟﻘﺒﺎب وﻻ اﻟﻘﺒﻮر وﻻ اﻷﺿﺮﺣﺔ وﻻ اﻷﺷﺠﺎر وﻻ اﻷﺣﺠﺎر وﻻ ﻏﯿﺮھﺎ ،واﻟﻨﻘﻮل ﻋﻦ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب ﻛﺜﯿﺮة ﺟﺪا ،وﻟﻌﻠﱢﻲ أﺷﯿﺮ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻛﻼﻣﮭﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﯾﺴﻤﺢ ﺑﮫ ھﺬا اﻟﻤﻘﺎم. ﻗﺎل اﻹﻣﺎم اﻟﻨﻮوي رﺣﻤﮫ اﷲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ اﻟﻤﺠﻤﻮع ﺷﺮح اﻟﻤﮭﺬّب )) :وﻻ ﯾﺠﻮز أن ﯾُﻄﺎف ﺑﻘﺒﺮه ... ـ وذﻛﺮ أﻣﻮراً ﺛﻢ ﻗﺎل ـ :وﻻ ﯾُﻐﺘﺮﱡ ﺑﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻛﺜﯿﺮﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻮام وﻓﻌﻠﮭﻢ ذﻟﻚ ،ﻓﺈنﱠ اﻻﻗﺘﺪاء واﻟﻌﻤﻞ إﻧﱠﻤﺎ ﯾﻜﻮن ﺑﺎﻷﺣﺎدﯾﺚ وأﻗﻮال اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻻ ﯾُﻠﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﻣﺤﺪﺛﺎت اﻟﻌﻮام وﻏﯿﺮھﻢ وﺟﮭﺎﻻﺗﮭﻢ ،وﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﯿﺤﯿﻦ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ
٥٨
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﺎ :أنﱠ رﺳﻮل اﷲ ﻗﺎل )) :ﻣﻦ أﺣﺪث ﻓﻲ أﻣﺮﻧﺎ ھﺬا ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻣﻨﮫ ﻓﮭﻮ ردﱞ (()،(١ وﻓﻲ رواﯾﺔ ﻟﻤﺴﻠﻢ )) :ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻋﻤﻼً ﻟﯿﺲ ﻋﻠﯿﮫ أﻣﺮﻧﺎ ﻓﮭﻮ ردﱞ (() ،(٢وﻋﻦ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ )) :ﻻ ﺗﺠﻌﻠﻮا ﻗﺒﺮي ﻋﯿﺪاً ،وﺻﻠﱡﻮا ﻋﻠﻲﱠ ،ﻓﺈنﱠ ﺻﻼﺗَﻜﻢ ﺗﺒﻠﻐﻨﻲ ﺣﯿﺜﻤﺎ ﻛﻨﺘﻢ (( ،رواه أﺑﻮ داود ﺑﺈﺳﻨﺎد ﺻﺤﯿﺢ) ،(٣وﻗﺎل اﻟﻔﻀـﯿﻞ ﺑﻦ ﻋﯿﺎض رﺣﻤﮫ اﷲ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎه )) :اﺗﱠﺒﻊ ﻃﺮقَ اﻟﮭﺪى وﻻ ﯾﻀﺮّك ﻗﻠّﺔُ اﻟﺴﺎﻟﻜﯿﻦ ،وإﯾّﺎك وﻃﺮق اﻟﻀﻼﻟﺔ وﻻ ﺗﻐﺘﺮﱠ ﺑﻜﺜﺮة اﻟﮭﺎﻟﻜﯿﻦ ((، وﻣﻦ ﺧﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﮫ أنﱠ اﻟﻤﺴﺢَ ﺑﺎﻟﯿﺪ وﻧﺤﻮه أﺑﻠﻎ ﻓﻲ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(٢٦٩٧:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٧١٨: ) (٢ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٧١٨: ) (٣ﺳﻨﻦ أﺑﻲ داود )رﻗﻢ.(٢٠٤٢:
٥٩
اﻟﺒﺮﻛﺔ ،ﻓﮭﻮ ﻣﻦ ﺟﮭﺎﻟﺘﮫ وﻏﻔﻠﺘﮫ؛ ﻷنﱠ اﻟﺒﺮﻛﺔ إﻧﱠﻤﺎ ھﻲ ﻓﯿﻤﺎ واﻓﻖ اﻟﺸﺮع ،وﻛﯿﻒ ﯾُﺒﺘﻐَﻰ اﻟﻔﻀﻞُ ﻓﻲ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ اﻟﺼﻮاب (( ،اھـ ﻛﻼﻣﮫ رﺣﻤﮫ اﷲ).(١ وﻗﺎل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ اﷲ)) : وﻗﺪ اﺗﻔﻖ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﱠﮫ ﻻ ﯾُﺸﺮع اﻟﻄﻮاف إﻻﱠ ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ اﻟﻤﻌﻤﻮر ،ﻓﻼ ﯾﺠﻮز اﻟﻄﻮاف ﺑﺼﺨﺮة ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ،وﻻ ﺑﺤﺠﺮة اﻟﻨﺒﻲ ،وﻻ ﺑﺎﻟﻘﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ ﻋﺮﻓﺎت ،وﻻ ﻏﯿﺮِ ذﻟﻚ (().(٢ وﻗﺎل رﺣﻤﮫ اﷲ )) :ﻟﯿﺲ ﻓﻲ اﻷرض ﻣﻜﺎن ﯾُﻄﺎف ﺑﮫ ﻛﻤﺎ ﯾُﻄﺎف ﺑﺎﻟﻜﻌﺒﺔ ،وﻣﻦ اﻋﺘﻘﺪ أنﱠ اﻟﻄﻮاف ﺑﻐﯿﺮھﺎ ﻣﺸﺮوع ﻓﮭﻮ ﺷﺮﱞ ﻣﻤّﻦ ﯾﻌﺘﻘﺪ ﺟﻮاز اﻟﺼﻼة إﻟﻰ ﻏﯿﺮ اﻟﻜﻌﺒﺔ ،ﻓﺈنﱠ اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻤﺎ ھﺎﺟﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺻﻠﱠﻰ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮ ﺷﮭﺮاً إﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻗﺒﻠﺔَ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﻤﺠﻤﻮع ﺷﺮح اﻟﻤﮭﺬب ) ٢٠٦/٨ـ .(٢٠٧ ) (٢اﻟﻔﺘﺎوى ).(٥٢٢/٤
٦٠
اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ھﺬه اﻟﻤﺪة ،ﺛﻢﱠ إنﱠ اﷲ ﺣﻮّل اﻟﻘﺒﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ ،وأﻧﺰل اﷲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮآن ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺒﻘﺮة ،وﺻﻠﱠﻰ اﻟﻨﺒﻲﱡ واﻟﻤﺴﻠﻤﻮن إﻟﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ وﺻﺎرت ھﻲ اﻟﻘﺒﻠﺔ ،وھﻲ ﻗﺒﻠﺔ إﺑﺮاھﯿﻢ وﻏﯿﺮه ﻣﻦ اﻷﻧﺒﯿﺎء. ﻓﻤﻦ اﺗّﺨﺬ اﻟﺼﺨﺮةَ اﻟﯿﻮم ﻗﺒﻠﺔ ﯾﺼﻠﱢﻲ إﻟﯿﮭﺎ ﻓﮭﻮ ﻛﺎﻓﺮ ﻣﺮﺗﺪﱞ ﯾُﺴﺘﺘﺎب ،ﻓﺈن ﺗﺎب وإﻻﱠ ﻗُﺘﻞ ،ﻣﻊ أﻧﱠﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻠﺔً ،ﻟﻜﻦ ﻧﺴﺦ ذﻟﻚ ،ﻓﻜﯿﻒ ﺑﻤﻦ ﯾﺘّﺨﺬھﺎ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﯾُﻄﺎف ﺑﮫ ﻛﻤﺎ ﯾﻄﺎف ﺑﺎﻟﻜﻌﺒﺔ، واﻟﻄﻮاف ﺑﻐﯿﺮ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻟﻢ ﯾﺸﺮﻋﮫ اﷲ ﺑﺤﺎل ... (( ،إﻟﻰ آﺧﺮ ﻛﻼﻣﮫ رﺣﻤﮫ اﷲ).(١ وﺑﮭﺬا اﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺬي ذﻛﺮه اﻹﻣﺎم اﻟﻨﻮوي وﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ وﻏﯿﺮُھﻤﺎ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﯾﺘﺒﯿّﻦ ﻋِﻈﻢُ ﻓﺴﺎد اﻟﻄﻮاف ﺑﺄيﱢ ﻣﻜﺎن ﺳﻮى ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام اﻟﺬي أذن اﷲ ﺑﺎﻟﻄﻮاف ﺣﻮﻟﮫ وﺷﺪّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﻔﺘﺎوى ) ١٠/٢٧ـ .(١١
٦١
ﺧﻄﺮه ،وأﻣّﺎ ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﮫ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﮭّﺎل ﻣﻦ اﻟﻄﻮاف ﺣﻮل اﻟﻘﺒﻮر أو اﻟﻘِﺒﺎب أو اﻷﺿﺮﺣﺔ أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ﻓﻜﻞﱡ ذﻟﻚ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ دﯾﻦ اﷲ؛ ﺑﻞ ھﻮ ﻣﻦ وﺣﻲ اﻟﺸﯿﻄﺎن وﻣﻦ ﺗﺸﺮﯾﻊ إﺑﻠﯿﺲ ،وإﻻﱠ ﻓﺄﯾﻦ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ :ﻓﻠﯿﻄّﻮﻓﻮا ﺑﻘﺒﺮ ﻓﻼن أو ﺑﻀﺮﯾﺢ ﻓﻼن أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،ﺗﻌﺎﻟﻰ اﷲ ﻋﻤّﺎ ﯾﺼﻔﻮن ،وﺳﺒﺤﺎن اﷲ ﻋﻤّﺎ ﯾﺸﺮﻛﻮن.
٦٢
ﻛﺎن اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻓﯿﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﻋﻦ ﻓﻀﻞ اﻟﻄﻮاف ﺑﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ،ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ھﻲ رﻛﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎن اﻟﺤﺞ واﻟﻌﻤﺮة، وأﻧّﮭﺎ إﻧﱠﻤﺎ ﺗُﺸﺮع ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻜﺎن ﻓﻘﻂ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻟﻴﻄّﻮﻓﻮﺍ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﺘﻴﻖ{ ،ﻓﻼ ﯾﺠﻮز اﻟﻄﻮاف ﺑﺎﻟﻘِﺒﺎب أو اﻟﻘﺒﻮر أو اﻷﺿﺮﺣﺔ وﻏﯿﺮھﺎ؛ ﻟﻤﺼﺎدﻣﺔ ھﺬا اﻷﻣﺮ ﻷﺻﻮل اﻟﺸﺮﯾﻌﺔ وﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺘﮫ ﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ،وﻟﻤﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ ﺗﺸﺮﯾﻚ اﻟﻤﺨﻠﻮق وﺗﺴﻮﯾﺘﮫ ﺑﺎﻟﺨﺎﻟﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ،وﻗﺪ ﻣﻀﻰ اﻟﺤﺪﯾﺚُ ﻋﻦ ھﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻣﻔﺼّﻼً ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء، وأﻣﱠﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ ھﻨﺎ ﻓﺴﯿﻜﻮن ﺑﺈذن اﷲ ﻋﻦ درس آﺧﺮ وﻓﺎﺋﺪة أﺧﺮى ﯾﻔﯿﺪھﺎ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﯾﺼﻞ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ﻟﯿﻄﻮف ﺑﮫ؛ إذ ﯾُﺸﺮع ﻟﮫ ﻓﻲ
٦٣
ھﺬا اﻟﻤﻘﺎم ﺗﻘﺒﯿﻞُ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ،واﺳﺘﻼمُ اﻟﺮﻛﻦ اﻟﯿﻤﺎﻧﻲ ﻃﺎﻋﺔ ﷲ واﺗّﺒﺎﻋﺎً ﻟﺮﺳﻮل اﷲ ،وﻗﺪ وردت أدﻟّﺔ ﻋﺪﯾﺪة ﻓﯿﮭﺎ ﺑﯿﺎنُ ﻣﺸﺮوﻋﯿﺔ ذﻟﻚ، وأنﱠ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻌﻠﮫ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺪم ﺑﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام. روى اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻗﺎل )) :رأﯾﺖ رﺳﻮل اﷲ ﺣﯿﻦ ﯾﻘﺪم ﻣﻜﺔ إذا اﺳﺘﻠﻢ اﻟﺮﻛﻦ اﻷﺳﻮد أول ﻣﺎ ﯾﻄﻮف ﯾﺨﺐﱡ ﺛﻼﺛﺔ أﻃﻮاف ﻣﻦ اﻟﺴﺒﻊ (() ،(١وروى ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل )) :ﻟﻤﺎ ﻗﺪم اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻜﺔ دﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﺎﺳﺘﻠﻢ اﻟﺤﺠﺮ ،ﺛﻢ ﻣﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﯾﻤﯿﻨﮫ ،ﻓﺮﻣﻞ ﺛﻼﺛﺎً وﻣﺸﻰ أرﺑﻌﺎً ،(( ... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(١٦٠٣:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢٦١:
٦٤
اﻟﺤﺪﯾﺚ).(١ وھﻜﺬا اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﯾُﻘﺒﱢﻠﻮن اﻟﺤﺠﺮَ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه اﺗّﺒﺎﻋﺎً ﻟﮫ واﻗﺘﺪاء ﺑﮭﺪﯾﮫ وﻟﺰوﻣﺎً ﻟﺴﻨّﺘﮫ ،ﻻ ﻻﻋﺘﻘﺎد ﻣﻨﮭﻢ أنﱠ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ﯾﻨﻔﻊ وﯾﻀﺮّ ،أو ﯾُﻌﻄﻲ و ﯾﻤﻨﻊ ،وﻟﮭﺬا ﻗﺎل أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺒﱠﻞ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد )) :إﻧﱢﻲ ﻷﻋﻠﻢ أﻧﱠﻚ ﺣﺠﺮ ﻣﺎ ﺗﻨﻔﻊ وﻻ ﺗﻀﺮ ،وﻟﻮﻻ أﻧﻲ رأﯾﺖ رﺳﻮل اﷲ ﯾﻘﺒّﻠﻚ ﻣﺎ ﻗﺒّﻠﺘﻚ (( ،رواه اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ).(٢ ﻗﺎل اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ اﻟﻄﺒﺮي رﺣﻤﮫ اﷲ )) :إﻧﱠﻤﺎ ﻗﺎل ذﻟﻚ ﻋﻤﺮ؛ ﻷنﱠ اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻧﻮا ﺣﺪﯾﺜﻲ ﻋﮭﺪ ﺑﻌﺒﺎدة اﻷﺻﻨﺎم ،ﻓﺨﺸﻲ ﻋﻤﺮ أن ﯾﻈﻦﱠ اﻟﺠﮭﺎل أنﱠ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ).(٨٩٣/٢ ) (٢ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(١٥٩٧:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢٧٠:
٦٥
اﺳﺘﻼم اﻟﺤﺠﺮ ﻣﻦ ﺑﺎب ﺗﻌﻈﯿﻢ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺠﺎر، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺮب ﺗﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﺎھﻠﯿﺔ ،ﻓﺄراد ﻋﻤﺮ أن ﯾﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس أنﱠ اﺳﺘﻼﻣَﮫ اﺗﱢﺒﺎعٌ ﻟﻔﻌﻞ رﺳﻮل اﷲ ،ﻻ ﻷنﱠ اﻟﺤﺠﺮ ﯾﻨﻔﻊ وﯾﻀﺮ ﺑﺬاﺗﮫ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻘﺪه ﻓﻲ اﻷوﺛﺎن (( .اھـ ﻛﻼﻣﮫ رﺣﻤﮫ اﷲ).(١ أﻣّﺎ ﻣﺎ ﯾُﺮوى ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ أﺑﻲ ﺳﻌﯿﺪ أنﱠ ﻋﻤﺮ ﻟﻤﺎ ﻗﺎل ھﺬا ﻗﺎل ﻟﮫ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ )) :إﻧﱠﮫ ﯾﻀﺮ وﯾﻨﻔﻊ (( ،وذﻛﺮ أنﱠ اﷲ ﻟﻤﱠﺎ أﺧﺬ اﻟﻤﻮاﺛﯿﻖ ﻋﻠﻰ وﻟﺪ آدم ﻛﺘﺐ ذﻟﻚ ﻓﻲ رقﱟ وأﻟﻘﻤﮫ اﻟﺤﺠﺮ، ﻗﺎل :وﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل اﷲ ﯾﻘﻮل )) :ﯾُﺆﺗﻰ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد وﻟﮫ ﻟﺴﺎن ذﻟﻖ ،ﯾﺸﮭﺪ ﻟﻤﻦ اﺳﺘﻠﻤﮫ ﺑﺎﻟﺘﻮﺣﯿﺪ (( ،ﻓﺈنﱠ ھﺬا ﻻ ﯾﺜﺒﺖ ﻋﻦ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ،ﻗﺎل اﻟﺤﺎﻓﻆ اﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري)) : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻧﻘﻠﮫ اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺢ ).(٤٦٣/٣
٦٦
وﻓﻲ إﺳﻨﺎده أﺑﻮ ھﺎرون اﻟﻌﺒﺪي ،وھﻮ ﺿﻌﯿﻒ ﺟﺪا (() ،(١ﻓﺄﺑﻮ ھﺎرون ھﺬا ،راوي ھﺬا اﻷﺛﺮ ﻣﺘﺮوك اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﺪ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ،وﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ ﻛﺬﱠﺑﮫ ،ﻗﺎل اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻓﯿﮫ )) :ﻣﺘﺮوك اﻟﺤﺪﯾﺚ ((، وﻗﺎل ﺣﻤﺎد اﺑﻦ زﯾﺪ )) :ﻛﺎن أﺑﻮ ھﺎرون اﻟﻌﺒﺪي ﻛﺬاﺑﺎً ،ﺑﺎﻟﻐﺪاة ﺷﻲء وﺑﺎﻟﻌﺸﻲﱢ ﺷﻲء (( ،وﻗﺎل اﻟﺠﻮزﺟﺎﻧﻲ )) :ﻛﺬاب ﻣﻔﺘﺮي (( ،وﻗﺎل اﺑﻦ ﺣﺒﺎن: )) ﻛﺎن ﯾﺮوي ﻋﻦ أﺑﻲ ﺳﻌﯿﺪ ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺜﮫ، ﻻ ﯾﺤﻞ ﻛَﺘْﺐُ ﺣﺪﯾﺜﮫ إﻻﱠ ﻋﻠﻰ ﺟﮭﺔ اﻟﺘﻌﺠّﺐ (()،(٢ ﻓﻜﯿﻒ ﯾُﻌﺘﺪﱡ ﺑﺮواﯾﺔ ﻣﻦ ھﺬه ﺣﺎﻟﮫ ﻋﻨﺪ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ. ﺛﻢﱠ إنﱠ اﻟﻤﺸﺮوع ھﻮ ﺗﻘﺒﯿﻞ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ﻓﻘﻂ أو اﺳﺘﻼﻣﮫ ﺑﺎﻟﯿﺪ إن ﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺒﯿﻞ، أو اﻹﺷﺎرة إﻟﯿﮫ إن ﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ اﻷﻣﺮﯾﻦ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري ).(٤٦٢/٣ ) (٢اﻧﻈﺮ :ﺗﮭﺬﯾﺐ اﻟﻜﻤﺎل ﻟﻠﻤﺰي ) ٢٣٢/٢١ـ .(٢٣٦
٦٧
وﻛﺬﻟﻚ ﯾُﺸﺮع اﺳﺘﻼم اﻟﺮﻛﻦ اﻟﯿﻤﺎﻧﻲ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺼﺤﯿﺤﯿﻦ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻗﺎل )) :ﻟﻢ أَرَ رﺳﻮل اﷲ ﯾﺴﺘﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ إﻻﱠ اﻟﺮﻛﻨﯿﻦ اﻟﯿﻤﺎﻧﯿﯿﻦ (()،(١ وﺑﮭﺬا ﯾُﻌﻠﻢ أﻧﱠﮫ ﻻ ﯾُﺸﺮع اﺳﺘﻼم ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ ﺳﻮى اﻟﺮﻛﻨﯿﻦ اﻟﯿﻤﺎﻧﯿﻦ ،وھﻤﺎ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد واﻟﺮﻛﻦ اﻟﯿﻤﺎﻧﻲ ،ﻗﺎل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ اﷲ )) :وﻻ ﯾَﺴﺘﻠﻢ ﻣﻦ اﻷرﻛﺎن إﻻﱠ اﻟﺮﻛﻨﯿﻦ اﻟﯿﻤﺎﻧﯿﯿﻦ دون اﻟﺸﺎﻣﯿﯿﻦ ،ﻓﺈنﱠ اﻟﻨﺒﻲ إﻧﱠﻤﺎ اﺳﺘﻠﻤﮭﻤﺎ ﺧﺎﺻﺔ؛ ﻷﻧﱠﮭﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﻋﺪ إﺑﺮاھﯿﻢ، واﻵﺧﺮان ھﻤﺎ داﺧﻞ اﻟﺒﯿﺖ ،ﻓﺎﻟﺮﻛﻦ اﻷﺳﻮد ﯾُﺴﺘﻠﻢ وﯾُﻘﺒﱠﻞ ،واﻟﯿﻤﺎﻧﻲ ﯾُﺴﺘﻠﻢ وﻻ ﯾُﻘﺒﱠﻞ، واﻵﺧﺮان ﻻ ﯾُﺴﺘﻠﻤﺎن وﻻ ﯾُﻘﺒﱠﻼن ،واﻻﺳﺘﻼم ھﻮ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(١٦٠٩:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢٦٩:
٦٨
اﻟﻤﺴﺢ ﺑﺎﻟﯿﺪ ،وأﻣﺎ ﺳﺎﺋﺮ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺒﯿﺖ وﻣﻘﺎم إﺑﺮاھﯿﻢ وﺳﺎﺋﺮ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷرض ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺟﺪ وﺣﯿﻄﺎﻧﮭﺎ وﻣﻘﺎﺑﺮ اﻷﻧﺒﯿﺎء واﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﻛﺤﺠﺮة ﻧﺒﯿّﻨﺎ وﻣﻐﺎرة إﺑﺮاھﯿﻢ ،وﻣﻘﺎم ﻧﺒﯿّﻨﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺼﻠﱢﻲ ﻓﯿﮫ ،وﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺑﺮ اﻷﻧﺒﯿﺎء واﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ وﺻﺨﺮة ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﻓﻼ ﺗُﺴﺘﻠﻢ، وﻻ ﺗُﻘﺒّﻞ ﺑﺎﺗﻔﺎق اﻷﺋﻤﺔ (().(١ وﻟﮭﺬا ﻓﺈنﱠ ﻣﻦ اﻟﺪروس اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻔﯿﺪھﺎ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻘﺎم أنﱠ اﻟﺘﻘﺒﯿﻞ واﻻﺳﺘﻼم ﻻ ﯾُﺸﺮع إﻻﱠ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻜﺎن؛ إذ ﻟﻢ ﺗﺄت اﻟﻨﺼﻮص ﺑﻤﺸﺮوﻋﯿﺔ ھﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ ھﺬﯾﻦ اﻟﻤﻮﺿﻌﯿﻦ ،واﻟﻤﺴﻠﻢ إﻧﱠﻤﺎ ﯾﻘﻮم ﺑﺬﻟﻚ ﻃﺎﻋﺔ ﷲ واﺗّﺒﺎﻋﺎً ﻟﺮﺳﻮﻟﮫ ،ﻻ ﻻﻋﺘﻘﺎد ﻣﻨﮫ أنﱠ ﻓﯿﮭﻤﺎ ﺟﻠﺐَ ﻧﻔﻊ أو دﻓﻊ ﺿﺮﱟ ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺑﯿﺎن ذﻟﻚ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ).(١٢١/٢٦
٦٩
ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﻠﻤﺔ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﮭﺎ أﻣﺎم اﻟﻨﺎس ﻣﻌﻠﱢﻤﺎً ﻟﮭﻢ وﻣﻮﺟﱢﮭﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺒﱠﻞ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد. وﻗﺪ دﻟّﺖ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻤﺘﻘﺪّﻣﺔ ﻋﻠﻰ أنﱠ اﻟﺘﻤﺴّﺢ ﺑﺤﯿﻄﺎن اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻏﯿﺮِ اﻟﺮﻛﻨﯿﯿﻦ اﻟﯿﻤﺎﻧﯿﯿﻦ وﺗﻘﺒﯿﻞ ﺷﻲء ﻣﻨﮭﺎ ﻏﯿﺮ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ﻟﯿﺲ ﺑﺴﻨﺔ ،ودﻟّﺖ أﯾﻀﺎً ﻋﻠﻰ أنﱠ اﺳﺘﻼم ﻣﻘﺎم إﺑﺮاھﯿﻢ وﺗﻘﺒﯿﻠَﮫ ﻟﯿﺲ ﺑﺴﻨّﺔ؛ إذ ﻟﻢ ﯾُﺆﺛﺮ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وإذا ﻛﺎن ھﺬا ﻻ ﯾُﺸﺮع ﻓﻲ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،وﻣﻌﻠﻮم أنﱠ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻷﻣﺎﻛﻦ ﺣﺮﻣﺘﮭﺎ دون اﻟﻜﻌﺒﺔ ،وﻻ ﯾُﺸﺮع ﻓﻲ ﻣﻘﺎم إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﺬي ﻗﺎل اﷲ ﻓﯿﮫ} :ﻭﺍﺗّﺨﺬﻭﺍ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻣﺼﻠّﻰ{ ]اﻟﺒﻘﺮة ،[١٢٥وﻣﻌﻠﻮم أنﱠ ﻣﻘﺎم إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﺬي ﺑﺎﻟﺸﺎم وﻏﯿﺮھﺎ وﺳﺎﺋﺮ ﻣﻘﺎﻣﺎت اﻷﻧﺒﯿﺎء دون ھﺬا اﻟﻤﻘﺎم اﻟﺬي أﻣﺮ اﷲ ﺑﺎﺗّﺨﺎذه ﻣُﺼﻠّﻰ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﯾُﺸﺮع ﻣﺴﺤﮫ وﻻ ﺗﻘﺒﯿﻠﮫ
٧٠
ﻟﻌﺪم وﺟﻮد دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺮوﻋﯿﺔ ذﻟﻚ ،ﻓﻌﻠﻢ أ ﱠ ن ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﻘﺎﻣﺎت ﻻ ﺗُﻘﺼﺪ ﻟﻠﺼﻼة ﻓﯿﮭﺎ ،وﻻ ﯾُﺘﻤﺴّﺢ ﺑﮭﺎ ،وﻻ ﯾﻘﺒّﻞ ﺷﻲء ﻣﻨﮭﺎ ،ﺑﻞ ﻻ ﯾﻘﺒّﻞ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻷرض إﻻﱠ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد).(١ وأﻣﱠﺎ ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﮫ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﮭﺎل اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺘﮭﺎﻓﺘﻮن ﻋﻠﻰ اﻷﺿﺮﺣﺔ واﻟﻘﺒﺎب وﻏﯿﺮھﺎ ،ﻓﯿﻘﺒّﻠﻮﻧﮭﺎ وﯾﺘﻤﺴّﺤﻮن ﺑﮭﺎ ،وﯾﺘﺒﺮّﻛﻮن ﺑﮭﺎ وﯾﻄﻠﺒﻮن ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻤﺪد واﻟﻌﻮن وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،ﻓﻜﻞﱡ ذﻟﻚ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻲ ﺷﻲء ،ﺑﻞ ھﻮ ﻣﻦ اﻟﻀﻼل اﻟﻤﺒﯿﻦ واﻟﺒﮭﺘﺎن اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ﻗﺎل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ اﷲ:
))
وأﻣﱠﺎ اﻟﺘﻤﺴّﺢُ
ﺑﺎﻟﻘﺒﺮ أيﱠ ﻗﺒﺮ ﻛﺎن وﺗﻘﺒﯿﻠُﮫ وﺗﻤﺮﯾﻎُ اﻟﺨﺪﱢ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻤﻨﮭﻲٌ ﻋﻨﮫ ﺑﺎﺗّﻔﺎق اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻟﻮ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻧﻈﺮ :اﻟﻔﺘﺎوى ﻻﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ ).(٤٧٦/١٧
٧١
ﻗﺒﻮر اﻷﻧﺒﯿﺎء ،وﻟﻢ ﯾﻔﻌﻞ ھﺬا أﺣﺪ ﻣﻦ ﺳﻠﻒ اﻷﻣﺔ وأﺋﻤّﺘﮭﺎ ،ﺑﻞ ھﺬا ﻣﻦ اﻟﺸﺮك (().(١ا.ھـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﻔﺘﺎوى ) ٩١/٢٧ـ .(٩٢
٧٢
إنﱠ ﻣﻦ اﻟﺪروس اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻔﯿﺪھﺎ اﻟﺤﺎجﱡ ﻣﻦ ﺣﺠﱢﮭﻢ ﻟﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ﻣﻌﺮﻓﺔ أھﻤﯿّﺔ اﻟﺴﻨّﺔ وﺿﺮورة اﻟﺘﻘﯿّﺪ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻋﻤﺎل اﻟﺤﺞ ،وھﺬا ﯾﻈﮭﺮ ﺟﻠﯿﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻛﺜﯿﺮٍ ﻣﻦ اﻟﺤﺠّﺎج ،ﻓﺘﺮاھﻢ ﯾُﻘﺒﻠﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﺬﱢﻛﺮ وﺣﻠﻖ اﻟﻌﻠﻢ ،وﯾُﻜﺜِﺮون ﻣﻦ ﺳﺆال اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﻦ ﺻﻔﺔ اﻟﺤﺞ وﻛﯿﻔﯿﺘﮫ وأرﻛﺎﻧﮫ وواﺟﺒﺎﺗﮫ وﻧﻮاﻗﻀﮫ وﻣﺒﻄﻼﺗﮫ ﺑﺎھﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻎ وﺗﺤﺮﱟ دﻗﯿﻖ، وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻣﻦ ﯾﺴﺘﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺣﺠﱢﮫ ﻗﻮلَ اﻟﻨﺒﻲﱢ )) : ﺧﺬوا ﻋﻨﻲ ﻣﻨﺎﺳﻜﻜﻢ (() ،(١ﻓﺎﻟﺤﺞ ﻻ ﯾﻜﻮن ﻣﻘﺒﻮﻻً ﻋﻨﺪ اﷲ إﻻﱠ إذا أﺧﺬ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﯿﮫ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﺮﺳﻮل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢٩٧:
٧٣
،وﻟﺰم ﻓﯿﮫ ھﺪﯾَﮫ ،واﻗﺘﺪى ﻓﯿﮫ ﺑﺴﻨّﺘِﮫ دون إﻓﺮاطٍ أو ﺗﻔﺮﯾﻂٍ ،ودون ﻏﻠﻮﱟ أو ﺟﻔﺎءٍ ،ودون زﯾﺎدةٍ أو ﺗﻘﺼﯿﺮٍ ،ﻓﺈذا أﻟﺰم اﻟﻤﺴﻠﻢُ ﻧﻔﺴَﮫ ﻓﻲ ﺣﺠّﮫ ﺑﺴﻨّﺔ اﻟﻨﺒﻲ ،وﻗﯿّﺪھﺎ ﺑﮭﺪﯾﮫ أﻓﺎد ﻣﻦ ذﻟﻚ أنﱠ ﻟﺰوم اﻟﺴﻨﺔ واﺗّﺒﺎع اﻟﮭﺪي ﻣﺄﻣﻮر ﺑﮫ ﻓﻲ ﻛﻞﱢ ﻃﺎﻋﺔ ،ﻓﻜﻤﺎ أﻧﱠﮫ ﻣﺘﺤﺘّﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ أﺣﺪ اﻷﺧﺬ ﺑﻤﻨﺎﺳﻜﮫ ،ﻓﺈﻧﱠﮫ ﻣﺘﺤﺘّﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ أﺣﺪ اﻷﺧﺬ ﺑﮭﺪﯾﮫ ﻓﻲ ﻛﻞﱢ ﻃﺎﻋﺔ ،وﻟﮭﺬا ﻗﺎل ﻓﻲ ﺷﺄن اﻟﺼﻼة )) :ﺻﻠّﻮا ﻛﻤﺎ رأﯾﺘﻤﻮﻧﻲ أﺻﻠﱢﻲ (() ،(١وﻗﺎل ﻋﻤﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﺷﺄن ﻛﻞﱢ ﻃﺎﻋﺔ )) :ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻋﻤﻼً ﻟﯿﺲ ﻋﻠﯿﮫ أﻣﺮﻧﺎ ﻓﮭﻮ ردﱞ (() ،(٢وﻓﻲ رواﯾﺔ )) :ﻣﻦ أﺣﺪث ﻓﻲ أﻣﺮﻧﺎ ھﺬا ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻣﻨﮫ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ.(٦٣١: ) (٢ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٧١٨:
٧٤
ﻓﮭﻮ ردﱞ (().(١ ﻓﻜﻞ ﻋﻤﻞ ﻻ ﯾﻜﻮن ﻋﻠﻰ ھﺪي اﻟﺮﺳﻮل ﻓﺈنﱠ اﷲ ﻻ ﯾﻘﺒﻠﮫ ﻛﻤﺎ دلﱠ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻨﻄﻮق ﻗﻮﻟﮫ )) :ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻋﻤﻼً ﻟﯿﺲ ﻋﻠﯿﮫ أﻣﺮﻧﺎ ﻓﮭﻮ ردﱞ (( ،ﻓﺈﻧﱠﮫ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ أنﱠ ﻛﻞﱠ ﺑﺪﻋﺔ أُﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ اﻟﺪﯾﻦ ﻟﯿﺲ ﻟﮭﺎ أﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب وﻻ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ ،ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﺪع اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﻘﻮﻟﯿﺔ أو ﻣﻦ اﻟﺒﺪع اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻌﺒّﺪﯾﺔ ،ﻓﻤﻦ أﺧﺒﺮ ﺑﻐﯿﺮ ﻣﺎ أﺧﺒﺮ اﷲ ﺑﮫ ورﺳﻮﻟﮫ أو ﺗﻌﺒﱠﺪ ﺑﺸﻲء ﻟﻢ ﯾﺄذن اﷲ ﺑﮫ وﻻ رﺳﻮﻟﮫ وﻟﻢ ﯾﺸﺮﻋﮫ ،ﻓﺈﻧﱠﮫ ﯾﻜﻮن ﻣﺮدوداً ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﮫ ﻏﯿﺮ ﻣﻘﺒﻮل ،ﻛﻤﺎ أنﱠ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﯾﺪلﱡ ﺑﻤﻔﮭﻮﻣﮫ أنﱠ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻋﻤﻼً ﻋﻠﯿﮫ أﻣﺮ اﷲ ورﺳﻮﻟﮫ ،وھﻮ اﻟﺘﻌﺒّﺪ ﷲ ﺑﺎﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(٢٦٩٧:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٧١٨:
٧٥
واﻷﻋﻤﺎل اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻣﻦ واﺟﺐ وﻣﺴﺘﺤﺐ ،ﻓﻌﻤﻠُﮫ ﻣﻘﺒﻮل وﺳﻌﯿُﮫ ﻣﺸﻜﻮر. وروى أﺑﻮ داود واﻟﺘﺮﻣﺬي واﺑﻦ ﻣﺎﺟﮫ وﻏﯿﺮُھﻢ ﻋﻦ اﻟﻌﺮﺑﺎض ﺑﻦ ﺳﺎرﯾﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل )) :ﺻﻠﱠﻰ ﺑﻨﺎ رﺳﻮل اﷲ ذات ﯾﻮم، ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺑﻮﺟﮭﮫ ،ﻓﻮﻋﻈﻨﺎ ﻣﻮﻋﻈﺔً ﺑﻠﯿﻐﺔ، ذرﻓﺖ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻌﯿﻮن ،ووﺟﻠﺖ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻘﻠﻮب ،ﻓﻘﻠﻨﺎ: ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ ،ﻛﺄﻧﱠﮭﺎ ﻣﻮﻋﻈﺔ ﻣﻮدﱢع ﻓﺄوﺻِﻨﺎ. ﻓﻘﺎل :أوﺻﯿﻜﻢ ﺑﺘﻘﻮى اﷲ واﻟﺴﻤﻊ واﻟﻄﺎﻋﺔ وإن ﺗﺄﻣﱠﺮ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻋﺒﺪ ،ﻓﺈﻧﱠﮫ ﻣﻦ ﯾﻌﺶ ﻣﻨﻜﻢ ﻓﺴﯿﺮى اﺧﺘﻼﻓﺎً ﻛﺜﯿﺮاً ،ﻓﻌﻠﯿﻜﻢ ﺑﺴﻨﱠﺘﻲ وﺳﻨﱠﺔ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﯾﻦ اﻟﻤﮭﺪﯾﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﻌﺪي ،ﻋﻀﱡﻮا ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻨﻮاﺟﺬ ،وإﯾّﺎﻛﻢ وﻣﺤﺪﺛﺎت اﻷﻣﻮر ،ﻓﺈنﱠ
٧٦
ﻛﻞﱠ ﺑﺪﻋﺔ ﺿﻼﻟﺔ (().(١ وﻗﻮﻟﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ )) :ﻛﻞﱠ ﺑﺪﻋﺔ ﺿﻼﻟﺔ (( ھﻮ ﻣﻦ ﺟﻮاﻣﻊ اﻟﻜﻠﻢ ﻻ ﯾﺨﺮج ﻋﻨﮫ ﺷﻲء ،وھﻮ أﺻﻞ ﻋﻈﯿﻢ ﻣﻦ أﺻﻮل اﻟﺪﯾﻦ ،وھﻮ ﺷﺒﯿﮫ ﺑﻘﻮﻟﮫ )) :ﻣﻦ أﺣﺪث ﻓﻲ أﻣﺮﻧﺎ ھﺬا ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻣﻨﮫ ﻓﮭﻮ ردﱞ (( ،ﻓﻜﻞﱡ ﻣﻦ أﺣﺪث ﺷﯿﺌﺎً وﻧﺴﺒﮫ إﻟﻰ اﻟﺪﯾﻦ وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﮫ أﺻﻞ ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻦ ﯾﺮﺟﻊ إﻟﯿﮫ ﻓﮭﻮ ﺿﻼﻟﺔٌ ،واﻟﺪﯾﻦ ﺑﺮيء ﻣﻨﮫ ،وھﻮ ﻣﺮدود ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﮫ ﻏﯿﺮ ﻣﻘﺒﻮل ﻣﻨﮫ ،ﻓﺪِﯾﻦ اﷲ ﻣﺒﻨﻲﱞ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﯿﻦ ﻋﻈﯿﻤﯿﻦ وأﺳﺎﺳﯿﻦ ﻣﺘﯿﻨﯿﻦ. أﺣﺪھﻤﺎ :أﻻﱠ ﻧﻌﺒﺪ إﻻﱠ اﷲ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ. واﻟﺜﺎﻧﻲ :أن ﻻ ﻧﻌﺒﺪه إﻻﱠ ﺑﻤﺎ ﺷﺮﻋﮫ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن رﺳﻮﻟﮫ ،ﻻ ﻧﻌﺒﺪه ﺑﺎﻷھﻮاء واﻟﺒﺪع ،ﻗﺎل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻨﻦ أﺑﻲ داود )رﻗﻢ ،(٤٦٠٧:وﺳﻨﻦ اﻟﺘﺮﻣﺬي )رﻗﻢ ،(٢٦٧٦:وﺳﻨﻦ اﺑﻦ ﻣﺎﺟﮫ )رﻗﻢ.(٤٢،٤٤:
٧٧
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺛﻢ ﺟﻌﻠﻨﺎﻙ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﺎﺗﱠﺒﻌﻬﺎ ﻭﻻ ﺗﺘّﺒﻊ ﺃﻫﻮﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺇﻧﱠﻬﻢ ﻟﻦ ﻳﻐﻨﻮﺍ ﻋﻨﻚ ﻣﻦ ﺍ ﺷﻴﺌﺎً{ ]اﻟﺠﺎﺛﯿﺔ ،[١٨وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺃﻡ ﳍﻢ ﺷﺮﻛﺂﺀ ﺷﺮﻋﻮﺍ ﳍﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺎ ﱂ ﻳﺄﺫﻥ ﺑﻪ ﺍ] {اﻟﺸﻮرى ،[٢١
ﻓﻠﯿﺲ ﻷﺣﺪٍ أن ﯾﻌﺒﺪَ اﷲ إﻻﱠ ﺑﻤﺎ ﺷﺮﻋﮫ رﺳﻮﻟﮫ ﻣﻦ واﺟﺐ وﻣﺴﺘﺤﺐ ،ﻻ ﻧﻌﺒﺪه ﺑﺎﻷﻣﻮراﻟﻤﺤﺪﺛﺔ اﻟﻤﺒﺘﺪﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ أﺻﻞ ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﯾﻦ وﻻ أﺳﺎس ﻟﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮع ،وﻟﯿﺲ ﻷﺣﺪٍ أن ﯾﻌﺒﺪ إﻻﱠ اﷲ وﺣﺪه ،ﻓﻼ ﯾُﺼﻠﱠﻰ إﻻﱠ ﷲ ،وﻻ ﯾُﺼﺎم إﻻﱠ ﻟﮫ ،وﻻ ﯾُﺤﺞﱡ إﻻﱠ إﻟﻰ ﺑﯿﺘﮫ ،وﻻ ﯾُﺘﻮﻛﱠﻞ إﻻﱠ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻻ ﯾﺼﺮف ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدة إﻻﱠ ﻟﮫ) ،(١وﻗﺪ ﺟﻤﻊ اﷲ ﺑﯿﻦ ھﺬﯾﻦ اﻷﺻﻠﯿﻦ اﻟﻌﻈﯿﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ} :ﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺟﻮ ﻟﻘﺎﺀ ﺭﺑﻪ ﻓﻠﻴﻌﻤﻞ ﻋﻤﻼ ﺻﺎﳊﺎً ﻭﻻ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﻌﺒﺎﺩﺓ ﺭﺑﻪ ﺃﺣﺪﺍً{ ]اﻟﻜﮭﻒ ،[١١٠ﻓﺎﻟﻌﻤﻞ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻧﻈﺮ :ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ﻻﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ ) ٨٠/١ـ .(٨١
٧٨
اﻟﺼﺎﻟﺢ ھﻮ اﻟﻤﻮاﻓﻖ ﻟﻠﺸﺮع اﻟﻤﻄﮭّﺮ ،واﻟﺨﺎﻟ ُ ﺺ ھﻮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾُﺮد ﺑﮫ إﻻﱠ وﺟﮫ اﷲ ،وھﻤﺎ رﻛﻨَﺎ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺘﻘﺒّﻞ ،ﻓﺈنﱠ اﻟﻌﻤﻞ إذا ﻛﺎن ﺧﺎﻟﺼﺎً وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺻﻮاﺑﺎً ﻟﻢ ﯾُﻘﺒﻞ ،وإذا ﻛﺎن ﺻﻮاﺑﺎً وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺧﺎﻟﺼﺎً ﻟﻢ ﯾُﻘﺒﻞ ﺣﺘﻰ ﯾﻜﻮن ﺧﺎﻟﺼﺎً ﺻﻮاﺑﺎً، واﻟﺨﺎﻟﺺ ﻣﺎ ﻛﺎن ﷲ ،واﻟﺼﻮاب ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻨﺔ. ﻓﺎﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﻣﺴﻠﻢ ﯾﺮﺟﻮ ﻟﻨﻔﺴﮫ اﻟﻔﻮز واﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻵﺧﺮة أن ﯾُﻠﺰم ﻧﻔﺴَﮫ ﺑﮭﺪي اﻟﺮﺳﻮل ،وأن ﯾﻘﯿّﺪ ﻋﻤﻠَﮫ ﺑﺴﻨﱠﺘﮫ ،وأن ﯾﺤﺬرَ ﺗﻤﺎم اﻟﺤﺬر ﻣﻦ ﻣﻔﺎرﻗﺔ ھﺪﯾﮫ ،وﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺳﻨّﺘﮫ واﺗﺒﺎع ﻏﯿﺮ ﺳﺒﯿﻠﮫ؛ إذ ھﻮ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻘﺪوةُ واﻷﺳﻮة ﻷﻣﱠﺘﮫ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺷﺄﻧﮫ} :ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﻜﻢ ﰲ ﺭﺳﻮﻝ ﺍ ﺃﺳﻮﺓ ﺣﺴﻨﺔٌ ﳌﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺟﻮ ﺍ ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﺫﻛﺮ ﺍ َﻛﺜﲑﺍً{ ]اﻷﺣﺰاب ،[٢١ وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺍﻟﻨﱯ ﺃﻭﱃ ﺑﺎﳌﺆﻣﻨﲔ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ{ ]اﻷﺣﺰاب
٧٩
،[٦أي )) :ھﻮ أﺣﻖﱡ ﺑﮭﻢ ﻓﻲ ﻛﻞﱢ أﻣﻮر اﻟﺪﯾﻦ واﻟﺪﻧﯿﺎ ،وأوﻟﻰ ﺑﮭﻢ ﻣﻦ أﻧﻔﺴﮭﻢ ﻓﻀﻼً ﻋﻦ أن ﯾﻜﻮن أوﻟﻰ ﺑﮭﻢ ﻣﻦ ﻏﯿﺮھﻢ ،ﻓﯿﺠﺐ ﻋﻠﯿﮭﻢ أن ﯾﺆﺛﺮوه ﺑﻤﺎ أراده ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﮭﻢ وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺤﺘﺎﺟﯿﻦ إﻟﯿﮭﺎ ،وﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﮭﻢ أن ﯾﺤﺒﱡﻮه زﯾﺎدة ﻋﻠﻰ ﺣﺒﱢﮭﻢ ﻷﻧﻔﺴﮭﻢ ،وﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﮭﻢ أن ﯾﻘﺪﱢﻣﻮا ﺣﻜﻤﮫ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻤﮭﻢ ﻷﻧﻔﺴﮭﻢ ،وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈذا دﻋﺎھﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺸﻲء ودﻋﺘﮭﻢ أﻧﻔﺴُﮭﻢ إﻟﻰ ﻏﯿﺮه وﺟﺐ ﻋﻠﯿﮭﻢ أن ﯾﻘﺪﱢﻣﻮا ﻣﺎ دﻋﺎھﻢ إﻟﯿﮫ وﯾﺆﺧﱢﺮوا ﻣﺎ دﻋﺘﮭﻢ أﻧﻔﺴُﮭﻢ إﻟﯿﮫ ،وﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﮭﻢ أن ﯾﻄﯿﻌﻮه ﻓﻮق ﻃﺎﻋﺘﮭﻢ ﻷﻧﻔﺴﮭﻢ ،وﯾﻘﺪﱢﻣﻮا ﻃﺎﻋﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻤﯿﻞ إﻟﯿﮫ أﻧﻔﺴﮭﻢ وﺗﻄﻠﺒﮫ ﺧﻮاﻃﺮُھﻢ (().(١ وﻻ رﯾﺐ أنﱠ ھﺬا ﯾﺘﻄﻠّﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﺟﺘﮭﺎداً ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺴﻨﺔ ،وﺑﺬﻻً ﻟﻠﻮﻗﺖ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻓﺘﺢ اﻟﻘﺪﯾﺮ ).(٢٦١/٤
٨٠
ھﺪي اﻟﺮﺳﻮل ،وذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﺳﺆال أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺠﻠﻮس ﻓﻲ ﺣﻠﻖ اﻟﺬﱢﻛﺮ اﻟﺘﻲ ﯾﺒﯿّﻦ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﻼلُ واﻟﺤﺮام ،وﻗﺮاءة اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ واﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﻤﻔﯿﺪة اﻟﻤﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺎن ذﻟﻚ، ﻟﯿﺘﺴﻨّﻰ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻘﯿﺎمُ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدة ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﺻﺤﯿﺢ وﻧﮭﺞ ﺳﻠﯿﻢ ،ﻣﻮاﻓﻖٍ ﻟﮭﺪي اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﯾﻢ .
٨١
ﻻ رﯾﺐ أنﱠ ﯾﻮم ﻋﺮﻓﺔ ﯾﻮمٌ ﻋﻈﯿﻢٌ ﻣﻦ أﯾﺎم اﷲ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ،وﻣﺠﻤﻊٌ ﻛﺒﯿﺮٌ ﻣﻦ ﻣﺠﺎﻣﻊ اﻟﺨﯿﺮ واﻹﯾﻤﺎن واﻟﺘﻘﻮى ،وﻣﻮﺳﻢٌ رﺣﺐٌ ﺟﻠﯿﻞٌ ﻣﻦ ﻣﻮاﺳﻢ اﻟﻄﺎﻋﺔ واﻟﻌﺒﺎدة ،ﯾﻮمٌ ﺗﻜﺜﺮ ﻓﯿﮫ اﻟﻌﺒﺮات، وﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻓﯿﮫ اﻟﺪﻋﻮات ،وﺗﺘﻨﺰّل ﻓﯿﮫ اﻟﺮﺣﻤﺎت، وﺗُﻘﺎل ﻓﯿﮫ اﻟﻌﺜﺮات ،وﺗُﻐﻔﺮ ﻓﯿﮫ اﻟﺰﻻّت ،ﯾﻮم رﺟﺎء وﺧﺸﻮع ،وذلّ وﺧﻀﻮع ،إﻧﱠﮫ ﯾﻮمٌ ﻛﺮﯾﻢٌ ﻣﺒﺎركٌ ،ﻟﻢ ﺗﻄﻠﻊ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ ﯾﻮم أﻓﻀﻞ ﻣﻨﮫ، ﻗﺪ ﺧُﺺﱠ ﺑﻤﺰاﯾﺎً ﻛﺮﯾﻤﺔٍ ،وﺧﺼﺎﺋﺺَ ﻋﻈﯿﻤﺔٍ، وﺻﻔﺎتٍ ﺟﻠﯿﻠﺔٍ ،ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﯿﺴﺮ ﺣﺼﺮھﺎ ،وﻻ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ اﺳﺘﻘﺼﺎؤھﺎ. إﻧﱠﮫ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي أﻛﻤﻞ اﷲ ﻓﯿﮫ ﻟﮭﺬه اﻷﻣﺔ اﻟﺪﯾﻦ ،وأﺗﻢﱠ ﻓﯿﮫ ﻟﮭﻢ اﻟﻨﻌﻤﺔ؛ إذ ﻓﯿﮫ ﻧﺰل ﻗﻮل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻛﻤﻠﺖ ﻟﻜﻢ ﺩﻳﻨﻜﻢ ﻭﺃﲤﻤﺖ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻧﻌﻤﱵ ﻭﺭﺿﻴﺖ ﻟﻜﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺩﻳﻨﺎً{ ]اﻟﻤﺎﺋﺪة ،[٣وﻟﻢ ﯾﻨﺰل
٨٢
ﺑﻌﺪھﺎ ﺣﻼل وﻻ ﺣﺮام. روى اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﻃﺎرق ﺑﻦ ﺷﮭﺎب ﻗﺎل: )) ﺟﺎء رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﯿﮭﻮد إﻟﻰ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،إﻧﱠﻜﻢ ﺗﻘﺮؤون آﯾﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻜﻢ ،ﻟﻮ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﯿﮭﻮد ﻧﺰﻟﺖ ﻻﺗّﺨﺬﻧﺎ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻋﯿﺪاً ،ﻗﺎل :وأيﱡ آﯾﺔ؟ ﻗﺎل :ﻗﻮﻟﮫ} :ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻛﻤﻠﺖ ﻟﻜﻢ ﺩﻳﻨﻜﻢ ﻭﺃﲤﻤﺖ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻧﻌﻤﱵ{ ،ﻓﻘﺎل ﻋﻤﺮ :واﷲ إﻧﻲ ﻷﻋﻠﻢ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻧﺰﻟﺖ ﻓﯿﮫ ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ واﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ،ﻋﺸﯿﺔ ﻋﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﯾﻮم ﺟﻤﻌﺔ (().(١ وﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم اﻟﻜﺮﯾﻢ اﻟﻤﺒﺎرك ﯾﻜﺜﺮ ﻋُﺘﻘﺎء ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(٤٦٠٦:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(٣٠١٧:
٨٣
اﷲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ،وﯾﺠﻮد ﻓﯿﮫ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎده اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ، وﯾﺒﺎھﻲ ﺑﮭﻢ ﻣﻼﺋﻜﺘﮫ اﻟﻤﻘﺮّﺑﯿﻦ ،روى ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﺎ :أنﱠ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺎل )) :ﻣﺎ ﻣﻦ ﯾﻮمٍ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أن ﯾﻌﺘﻖ اﷲ ﻓﯿﮫ ﻋﺒﺪاً ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ﻣﻦ ﯾﻮم ﻋﺮﻓﺔ ،وإﻧﱠﮫ ﻟﯿﺪﻧﻮ ﺛﻢ ﯾﺒﺎھﻲ ﺑﮭﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ،ﻓﯿﻘﻮل :ﻣﺎ أراد ھﺆﻻء (()،(١ ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺮ رﺣﻤﮫ اﷲ )) :وھﺬا ﯾﺪل ﻋﻠﻰ أﻧﱠﮭﻢ ﻣﻐﻔﻮرٌ ﻟﮭﻢ؛ ﻷﻧﱠﮫ ﻻ ﯾُﺒﺎھﻲ ﺑﺄھﻞ اﻟﺨﻄﺎﯾﺎ واﻟﺬﻧﻮب إﻻﱠ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻮﺑﺔ واﻟﻐﻔﺮان (().(٢ وروى اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﻓﻲ ﻣﺴﻨﺪه ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ،ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺎل: )) إنﱠ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾُﺒﺎھﻲ ﻣﻼﺋﻜﺘﮫ ﻋﺸﯿﺔ ﻋﺮﻓﺔ ﺑﺄھﻞ ﻋﺮﻓﺔ ،ﯾﻘﻮل :اﻧﻈﺮوا إﻟﻰ ﻋﺒﺎدي أﺗﻮﻧﻲ ﺷﻌﺜﺎً ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٣٤٨: ) (٢اﻟﺘﻤﮭﯿﺪ ).(١٢٠/١
٨٤
ﻏﺒﺮاً (().(١ ﻗﺎل اﻹﻣﺎم اﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ رﺣﻤﮫ اﷲ ﻓﻲ ﻣِﯿﻤِﯿﱠﺘﮫ اﻟﺸﮭﯿﺮة: ﻓـﻠـﻠّـﮫ ذاك اﻟـﻤـﻮﻗـﻒُ اﻷﻋـﻈـﻢُ ﻛﻤﻮﻗﻒ ﯾﻮم اﻟﻌﺮض ﺑﻞ ذاك أﻋﻈـﻢ
وﯾﺪﻧﻮ ﺑـﮫ اﻟـﺠـﺒﱠـﺎر ﺟـﻞﱠ ﺟـﻼﻟـﮫ ﯾـﺒـﺎھـﻲ ﺑـﮭﻢ أﻣـﻼﻛَـﮫ ﻓﮭـﻮ أﻛـﺮم ﯾﻘﻮل :ﻋﺒﺎدي ﻗﺪ أﺗـﻮﻧﻲ ﻣـﺤـﺒـّﺔ وإﻧّـــِﻲ ﺑــﮭــﻢ أﺟــــﻮد وأرﺣـــﻢ ﻓﺄُﺷﮭﺪﻛﻢ أﻧﱢﻲ ﻗﺪ ﻏﻔﺮتُ ذﻧﻮﺑَﮭﻢ وأﻋـﻄـﯿـﺘـﮭـﻢ ﻣـﺎ أﻣـﻠـﻮه وأﻧـﻌــﻢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﻤﺴﻨﺪ ).(٢٢٤/٢
٨٥
ﻓﺒُﺸﺮاﻛﻢ ﯾﺎ أھﻞ ذا اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﺬي ﺑـﮫ ﯾـﻐـﻔـﺮ اﷲ اﻟـﺬﻧـﻮب وﯾـﺮﺣـﻢُ وﻗﻒ اﻟﻔﻀﯿﻞ ﺑﻦ ﻋﯿﺎض رﺣﻤﮫ اﷲ ﺑﻌﺮﻓﺔ ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻧﺸﯿﺞ اﻟﻨﺎس وﺑﻜﺎﺋﮭﻢ ﻋﺸﯿﺔ ﻋﺮﻓﺔ ﻓﻘﺎل )) :أرأﯾﺘﻢ ﻟﻮ أنﱠ ھﺆﻻء ﺻﺎروا إﻟﻰ رﺟﻞ ﻓﺴﺄﻟﻮه داﻧِﻘﺎً ،أﻛﺎن ﯾﺮُدﱡھﻢ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﻻ ،ﻗﺎل :واﷲ، ﻟَﻠﻤﻐﻔﺮةُ ﻋﻨﺪ اﷲ أھﻮنُ ﻣﻦ إﺟﺎﺑﺔ رﺟﻞ ﻟﮭﻢ ﺑﺪاﻧِﻖ (().(١ وﻟﮭﺬا ﻓﺈﻧﱠﮫ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ اﻟﺮاﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺮﺑﺢ واﻟﻤﻐﻨﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم اﻟﻤﺒﺎرك أن ﯾﻜﻮن ﻣﺨﺒﺘﺎً ﻟﺮﺑّﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ،ﻣﺘﻮاﺿﻌﺎً ﻟﮫ ،ﺧﺎﺿﻌﺎً ﻟﺠﻨﺎﺑﮫ، ﻣﻨﻜﺴﺮاً ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ،ﯾﺮﺟﻮ رﺣﻤﺘﮫ وﻣﻐﻔﺮﺗﮫ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺠﻠﺲٌ ﻓﻲ ﻓﻀﻞ ﯾﻮم ﻋﺮﻓﺔ ﻻﺑﻦ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ )ص.(٦٣:
٨٦
وﯾﺨﺎف ﻋﺬاﺑﮫ وﻣﻘﺘﮫ ،ﺗﺎﺋﺒﺎً إﻟﯿﮫ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ذﻧﺐ اﻛﺘﺴﺒﺘﮫ ﯾﺪاه ،وﻛﻞﱢ ﺧﻄﯿﺌﺔ ﻣﺸﺖ إﻟﯿﮭﺎ ﻗﺪﻣﺎه، ﻏﯿﺮَ ﻣﻀﯿّﻊٍ ﻟﻮﻗﺘﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻌﻈﯿﻢ ﺑﺎﻟﺬھﺎب ھﻨﺎ وھﻨﺎك ،أو ﺑﺎﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﻊ ھﺬا وذاك، ﺑﻞ ﯾﻜﻮن ﻣﻘﺒﻼً ﻋﻠﻰ رﺑّﮫ وﻣﻮﻻه ،ﻣﻜﺜﺮاً ﻣﻦ اﻟﺬﱢﻛﺮ واﻟﺪﻋﺎء واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر واﻟﺘﻀﺮّع ،وﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ أﻧﱠﮫ ﻗﺎل )) :ﺧﯿﺮ اﻟﺪﻋﺎء دﻋﺎءُ ﯾﻮم ﻋﺮﻓﺔ ،وﺧﯿﺮ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﮫ أﻧﺎ واﻟﻨﺒﯿّﻮن ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻲ :ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ﻟﮫ اﻟﻤﻠﻚ وﻟﮫ اﻟﺤﻤﺪ وھﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺷﻲء ﻗﺪﯾﺮ (() ،(١ﻓﯿﻮم ﻋﺮﻓﺔ ﯾﻮم اﻟﺪﻋﺎء ،وأﻓﻀﻞ اﻟﺬﱢﻛﺮ ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ، ﻓﻜﺎن ﯾُﻜﺜﺮ ﻣﻦ أﻓﻀﻞ اﻟﺬﱢﻛﺮ ﻓﻲ أﻓﻀﻞ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺘﺮﻣﺬي ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻦ )رﻗﻢ (٣٥٨٥:ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﻋﺒﺪ اﷲ اﺑﻦ ﻋﻤﺮو .وﺣﺴﻨﮫ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ ) ،(٧،٨/٤وﻗﺎل )) :اﻟﺤﺪﯾﺚ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻤﺠﻤﻮع ھﺬه اﻟﺸﻮاھﺪ ((.
٨٧
اﻷﯾﺎم؛ ﻷنﱠ ﺳﯿّﺪ اﻷﯾﺎم ھﻮ ﯾﻮم ﻋﺮﻓﺔ ،وﺳﯿّﺪ اﻷذﻛﺎر ھﻮ ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ ،ﻓﺎﻹﻛﺜﺎر ﻣﻦ ﺳﯿّﺪ اﻷذﻛﺎر ﻓﻲ ﺳﯿّﺪ اﻷﯾﺎم ھﻮ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ واﻟﺘﻮاﻓﻖ. إنﱠ ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔَ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔَ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن رﺳﻮل اﷲ ﯾُﻜﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻋﺮﻓﺔ ھﻲ أﻓﻀﻞُ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،وأﺟﻠﱡﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق، وھﻲ اﻟﻌﺮوة اﻟﻮﺛﻘﻰ وﻛﻠﻤﺔ اﻟﺘﻘﻮى وﻣﻔﺘﺎح دار اﻟﺴﻌﺎدة ،وأﺻﻞ اﻟﺪﯾﻦ وأﺳﺎﺳﮫ ،ورأس أﻣﺮه؛ ﻷﺟﻠﮭﺎ ﻗﺎﻣﺖ اﻷرض واﻟﺴﻤﻮات ،وﺧُﻠﻘﺖ اﻟﺨﻠﯿﻘﺔ وأُرﺳﻠﺖ اﻟﺮﺳﻞ وأﻧﺰﻟﺖ اﻟﻜﺘﺐ، وﻓﻀﺎﺋﻞ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ وﻣﻮﻗﻌﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻮق ﻣﺎ ﯾﺼﻔﮫ اﻟﻮاﺻﻔﻮن وﯾﻌﺮﻓﮫ اﻟﻌﺎرﻓﻮن ،ﺑﻞ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ واﻟﻤﺰاﯾﺎ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎل ،وﻻ ﯾﺪور ﻓﻲ ﺧﯿﺎل ،ﻟﻜﻦ ﯾﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ أن ﯾﻌﻠﻢ أنﱠ ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ ﻻ ﺗُﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﻗﺎﺋﻠﮭﺎ ﺑﻤﺠﺮّد ﻧﻄﻘﮫ ﻟﮭﺎ ﺑﻠﺴﺎﻧﮫ ﻓﻘﻂ دون ﻗﯿﺎم ﻣﻨﮫ ﺑﺤﻘّﮭﺎ وﻓﺮﺿﮭﺎ ،ودون
٨٨
اﺳﺘﯿﻔﺎء ﻷُﺳﺴﮭﺎ وﺷﺮوﻃﮭﺎ ،ﻓﻠﯿﺴﺖ ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ اﺳﻤﺎً ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﮫ ،أو ﻗﻮﻻً ﻻ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻟﮫ ،أو ﻟﻔﻈﺎً ﻻ ﻣﻀﻤﻮن ﻟﮫ ،ﺑﻞ إنﱠ ﻟﮭﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﻣﺪﻟﻮﻻً ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﻓﮭﻤﮫ ،وﻣﻌﻨﻰ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺿﺒﻄﮫ، وﻏﺎﯾﺔً ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺗﺤﻘﯿﻘﮭﺎ؛ إذ ﻏﯿﺮ ﻧﺎﻓﻊ ﺑﺈﺟﻤﺎع أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻨﻄﻖ ﺑﮭﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻓﮭﻢ ﻟﻤﻌﻨﺎھﺎ ،وﻻ ﻋﻤﻞ ﺑﻤﺎ ﺗﻘﺘﻀﯿﮫ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻻ ﳝﻠﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮﻥ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻪ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ﺇﻻﱠ ﻣﻦ ﺷﻬﺪ ﺑﺎﳊﻖ ﻭﻫﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ{ ]اﻟﺰﺧﺮف ،[٨٦أي إﻻﱠ ﻣﻦ ﺷﮭﺪ ﺑﻼ إﻟﮫ إﻻ اﷲ وھﻢ ﯾﻌﻠﻤﻮن ﺑﻘﻠﻮﺑﮭﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﺷﮭﺪوا ﺑﮫ ﺑﺄﻟﺴﻨﺘﮭﻢ. وھﺬا وﻻ ﺷﻚ أﻣﺮٌ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻷھﻤﯿﺔ ﯾﺠﺪر ﺑﻜﻞﱢ ﻣﺴﻠﻢ أن ﯾُﻌﻨﻰ ﺑﮫ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ،وﯾﮭﺘﻢّ ﺑﮫ ﺗﻤﺎم اﻻھﺘﻤﺎم؛ إذ إنﱠ ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ ﻻ ﺗﻨﻔﻊ إﻻﱠ ﻣﻦ ﻋﺮف ﻣﺪﻟﻮﻟﮭﺎ ﻧﻔﯿﺎً وإﺛﺒﺎﺗﺎً ،واﻋﺘﻘﺪ ﺑﺬﻟﻚ وﻋﻤﻞ ﺑﮫ ،أﻣﱠﺎ ﻣﻦ ﻗﺎﻟﮭﺎ وﻋﻤﻞ ﺑﮭﺎ ﻇﺎھﺮاً ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻋﺘﻘﺎد ﻓﮭﻮ اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ ،وأﻣﱠﺎ ﻣﻦ ﻗﺎﻟﮭﺎ وﻋﻤﻞ
٨٩
ﺑﻀﺪّھﺎ وﺧﻼﻓﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮك ﻓﮭﻮ اﻟﻜﺎﻓﺮ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺎﻟﮭﺎ وارﺗﺪّ ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ﺑﺈﻧﻜﺎر ﺷﻲء ﻣﻦ ﻟﻮازﻣﮭﺎ وﺣﻘﻮﻗﮭﺎ ﻓﺈﻧﱠﮭﺎ ﻻ ﺗﻨﻔﻌﮫ وﻟﻮ ﻗﺎﻟﮭﺎ أﻟﻒ ﻣﺮّة ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺎﻟﮭﺎ وھﻮ ﯾﺼﺮف أﻧﻮاﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ﻛﺄن ﯾﺪﻋﻮَ ﻏﯿﺮَ اﷲ أو ﯾﺴﺘﻐﯿﺚ ﺑﻐﯿﺮه أو ﯾﻄﻠﺐَ ﻣﻦ ﻏﯿﺮه اﻟﻤﺪَدَ واﻟﻌﻮنَ واﻟﻨﱠﺼﺮ ﻓﯿﻤﺎ ﻻ ﯾﻘﺪر ﻋﻠﯿﮫ إﻻﱠ اﷲ ،وﻧﺤﻮَ ذﻟﻚ ،ﻓﻤﻦ ﺻﺮف ﻣﻤﺎ ﻻ ﯾﺼﻠﺢ إﻻﱠ ﷲ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدات ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ﻓﮭﻮ اﻟﻤﺸﺮك ﺑﺎﷲ اﻟﻌﻈﯿﻢ ،وﻟﻮ ﻧﻄﻖ ﺑﻼ إﻟﮫ إﻻ اﷲ؛ إذ إنﱠ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﺗﻌﻨﻲ إﺧﻼص اﻟﻌﺒﺎدة ﻛﻠﱢﮭﺎ ﷲ وﻋﺪمَ اﻹﺷﺮاكِ ﺑﮫ ،واﻹﻗﺒﺎلَ ﻋﻠﻰ اﷲ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ﺧﻀﻮﻋﺎً وﺗﺬﻟّﻼً ،وﻃﻤﻌﺎً ورَﻏﺒﺎً ،وإﻧﺎﺑﺔً وﺗﻮﻛّﻼً ،ودﻋﺎءً وﻃﻠﺒﺎً ،ﻓﺼﺎﺣﺐ ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ ﻻ ﯾﺴﺄل إﻻﱠ اﷲ ،وﻻ ﯾﺴﺘﻐﯿﺚ إﻻﱠ ﺑﺎﷲ ،وﻻ ﯾﺘﻮﻛﻞ إﻻﱠ ﻋﻠﻰ اﷲ ،وﻻ ﯾﺮﺟﻮ ﻏﯿﺮ اﷲ
٩٠
وﻻ ﯾﺬﺑﺢ إﻻﱠ ﷲ ،وﻻ ﯾﺼﺮف ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ،وﯾﻜﻔﺮ ﺑﺠﻤﯿﻊ ﻣﺎ ﯾﻌﺒﺪ ﻣﻦ دون اﷲ، وﯾﺒﺮأ إﻟﻰ اﷲ ﻣﻦ ذﻟﻚ).(١
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻧﻈﺮ :ﺗﯿﺴﯿﺮ اﻟﻌﺰﯾﺰ اﻟﺤﻤﯿﺪ )ص.(٧٨:
٩١
إنﱠ ﻣﻦ أﯾّﺎم اﷲ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﯾﻮمُ اﻟﻨّﺤﺮ ،اﻟﯿﻮ ُم اﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ ذي اﻟﺤﺠﺔ ﯾﻮمُ ﻋﯿﺪ اﻷﺿﺤﻰ اﻟﻤﺒﺎرك ،وﻗﺪ ﺳﻤّﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم ﺑﯿﻮم اﻟﻨّﺤﺮ ﻷنﱠ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﯾﺘﻘﺮّﺑﻮن ﻓﯿﮫ إﻟﻰ اﷲ ﺑﻨﺤﺮ ﺑﮭﯿﻤﺔ اﻷﻧﻌﺎم ،ﻓﺎﻟﺤﺠﺎج ﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم ﯾﻨﺤﺮون ھﺪاﯾﺎھﻢ ،واﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻲ ﺷﺘﻰ ﺑﻘﺎع اﻷرض ﯾﻨﺤﺮون ﺿﺤﺎﯾﺎھﻢ ،أوﻟﺌﻚ ﯾﺘﻘﺮّﺑﻮن إﻟﻰ اﷲ ﺑﻨﺤﺮ اﻟﮭﺪاﯾﺎ وھﺆﻻء ﯾﺘﻘﺮّﺑﻮن إﻟﻰ اﷲ ﺑﻨﺤﺮ اﻟﻀﺤﺎﯾﺎ ،ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻟﻜﻞﱢ ﺃﻣﺔ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻨﺴﻜﺎً ﻟﻴﺬﻛﺮﻭﺍ ﺍﺳﻢ ﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺭﺯﻗﻬﻢ ﻣﻦ ﲠﻴﻤﺔ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ ﻓﺈﳍﻜﻢ ﺇﻟﻪ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻠﻪ ﺃﺳﻠﻤﻮﺍ ﻭﺑﺸﺮِ ﺍﳌﺨﺒﺘﲔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺇﺫﺍ ﺫُﻛﺮ ﺍ ﻭﺟِﻠﺖ ﻗﻠﻮﲠﻢ ﻭﺍﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﲠﻢ ﻭﺍﳌُﻘﻴﻤﻲ ﺍﻟﺼﻼﺓِ ﻭﳑﺎ ﺭﺯﻗﻨﺎﻫﻢ ﻳﻨﻔﻘﻮﻥ ﻭﺍﻟﺒﺪﻥ ﺟﻌﻠﻨﺎﻫﺎ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺷﻌﺎﺋﺮ ﺍ ﻟﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﲑ ﻓﺎﺫﻛﺮﻭﺍ ﺍﺳﻢ ﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﻮﺍﻑ
٩٢
ﻓﺈﺫﺍ ﻭﺟﺒﺖ ﺟﻨﻮﲠﺎ ﻓﻜﻠﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺃﻃﻌﻤﻮﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻊ ﻭﺍﳌﻌﱰ ﺨﺮﻧﺎﻫﺎ ﻟﻜﻢ ﻟﻌﻠّﻜﻢ ﺗﺸﻜﺮﻭﻥ ﻟﻦ ﻳﻨﺎﻝ ﺍ ﳊﻮﻣﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺳ ّ ﻭﻻ ﺩﻣﺎﺅﻫﺎ ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻨﺎﻟﻪ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻣﻨﻜﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﺳﺨّﺮﻫﺎ ﻟﻜﻢ ﻟﺘُﻜﺒﺮﻭﺍ ﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﺪﺍﻛﻢ ﻭﺑﺸﺮِ ﺍﳌُﺤﺴﻨﲔ{ ]اﻟﺤﺞ ٣٤ـ
،[٣٧أي :ﻟﯿﺲ اﻟﻤﻘﺼﻮدُ ذﺑﺤَﮭﺎ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ إﻧﱠﻤﺎ ﺷَﺮع ﻟﻜﻢ ﻧَﺤﺮَ ھﺬه اﻟﮭﺪاﯾﺎ واﻟﻀﺤﺎﯾﺎ ﻟﺘﺬﻛﺮوه ﻋﻨﺪ ذﺑﺤﮭﺎ ،ﻓﺈﻧﱠﮫ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺮازق ﻻ أﻧﱠﮫ ﯾﻨﺎﻟﮫ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻟﺤﻮﻣﮭﺎ وﻻ دﻣﺎﺋﮭﺎ ﻓﺈﻧﱠﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ھﻮ اﻟﻐﻨﻲ ﻋﻤّﺎ ﺳﻮاه }ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻨﺎﻟﻪ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻣﻨﻜﻢ{ أي اﻹﺧﻼصُ ﻓﯿﮭﺎ واﻻﺣﺘﺴﺎب واﻟﻨﯿّﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ واﺑﺘﻐﺎء وﺟﮫ اﷲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ،وﻓﻲ ھﺬا أﻋﻈﻢ ﺣﺚﱟ وﺗﺮﻏﯿﺐٍ ﻋﻠﻰ اﻹﺧﻼص ﻓﻲ اﻟﻨّﺤﺮ وأن ﯾﻜﻮن اﻟﻘﺼﺪ ﻓﯿﮫ وﺟﮫ اﷲ وﺣﺪه ،إذ إنﱠ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﯾﻘﺒﻞ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل إﻻّ اﻟﺨﺎﻟﺺ اﻟﺬي ﻻ ﯾُﺒﺘﻐﻰ ﻓﯿﮫ إﻻّ وﺟﮭﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻗﻞ ﺇﻥ ﺻﻼﺗﻲ
٩٣
ﻭﻧُﺴﻜﻲ ﻭﳏﻴﺎﻱ ﻭﳑﺎﺗﻲ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﳌﲔ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ﻭﺑﺬﻟﻚ
ﺃُﻣﺮﺕ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻭﻝ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ{ ]اﻷﻧﻌﺎم .[١٦٢،١٦٣ ﻗﺎل اﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ رﺣﻤﮫ اﷲ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮ ھﺬه اﻵﯾﺔ: )) ﯾﺄﻣﺮه ﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﯾﺨﺒﺮ اﻟﻤﺸﺮﻛﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻌﺒﺪون ﻏﯿﺮ اﷲ وﯾﺬﺑﺤﻮن ﻟﻐﯿﺮ اﺳﻤﮫ أﻧﱠﮫ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﮭﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﻓﺈنﱠ ﺻﻼﺗﮫ ﷲ وﻧُﺴﻜﮫ ﻋﻠﻰ اﺳﻤﮫ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ،وھﺬا ﻛﻘﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ }ﻓﺼﻞﱢ ﻟﺮﺑﻚ ﻭﺍﳓﺮ{ أي :أﺧﻠﺺ ﻟﮫ ﺻﻼﺗﻚ وذﺑﯿﺤﺘﻚ ،ﻓﺈنﱠ اﻟﻤﺸﺮﻛﯿﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻌﺒﺪون اﻷﺻﻨﺎم وﯾﺬﺑﺤﻮن ﻟﮭﺎ، ﻓﺄﻣﺮه اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻤﺨﺎﻟﻔﺘﮭﻢ واﻻﻧﺤﺮاف ﻋﻤّﺎ ھﻢ ﻓﯿﮫ واﻹﻗﺒﺎل ﺑﺎﻟﻘﺼﺪ واﻟﻨﯿﺔ واﻟﻌﺰم ﻋﻠﻰ اﻹﺧﻼص ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻗﺎل ﻣﺠﺎھﺪ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ }ﺇﻥ ﺻﻼﺗﻲ ﻭﻧُﺴﻜﻲ{ ﻗﺎل )) :اﻟﻨﺴﻚ :اﻟﺬﺑﺢ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ واﻟﻌﻤﺮة ((. وﻗﺎل اﻟﺜﻮري ﻋﻦ اﻟﺴﺪّي ﻋﻦ ﺳﻌﯿﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﯿﺮ
٩٤
}ﻭﻧﺴﻜﻲ{ ﻗﺎل )) :ذﺑﺤﻲ (( ،وﻛﺬا ﻗﺎل اﻟﺴﺪّي واﻟﻀﺤﺎك (( ا.ھـ).(١ واﻟﺬﺑﺢ ﻋﺒﺎدة ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻌﺒﺎدات اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻘﺮّب ﺑﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن إﻟﻰ رﺑﱢﮭﻢ ﻧُﺴُﻜﺎً ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ ھَﺪيٍ أو أُﺿﺤﯿﺔٍ أو ﻋﻘﯿﻘﺔٍ أو ﻧﺬر أوﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ،ﻓﻼ ﯾﺠﻮز ﺻﺮفُ ھﺬه اﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ﻛﻤﺎ ﻻ ﯾﺠﻮز ﺻﺮفُ أيﱢ ﻋﺒﺎدةٍ ﻟﻐﯿﺮه ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ،وﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﯿﺢ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻋﻠﻲّ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل :ﺣﺪّﺛﻨﻲ رﺳﻮل اﷲ ﺑﺄرﺑﻊ ﻛﻠﻤﺎت )) :ﻟﻌﻦ اﷲ ﻣَﻦ ذﺑﺢ ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ،وﻟﻌﻦ اﷲ ﻣَﻦ ﻟﻌﻦ واﻟﺪﯾﮫ ،وﻟﻌﻦ اﷲ ﻣﻦ آوى ﻣُﺤﺪِﺛﺎً ،وﻟﻌﻦ اﷲ ﻣﻦ ﻏﯿﱠﺮَ ﻣﻨﺎرَ اﻷرض (() ،(٢واﻟﻠّﻌﻦُ ھﻮ اﻟﻄﺮدُ واﻹﺑﻌﺎد ﻣﻦ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺗﻔﺴﯿﺮ اﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ ).(٣٧٧/٣ ) (٢ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٩٧٨:
٩٥
رﺣﻤﺔ اﷲ ،وأﺧﻄﺮُ ھﺬه اﻷﻣﻮر اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺴﺘﺤﻖﱡ ﻓﺎﻋﻠﮭﺎ ھﺬه اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ھﻮ اﻟﺬّﺑﺢ ﻟﻐﯿﺮ اﷲ؛ وﻟﮭﺬا ﺑﺪأ ﺑﮫ رﺳﻮل اﷲ ،ﻣﻤّﺎ ﯾﺪلّ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻄﻮرة اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻟﮭﺬا اﻷﻣﺮ ،إذ إنﱠ اﻟﺬّﺑﺢ ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ﺷﺮكٌ ،واﻷﻣﻮرُ اﻟﻤﺬﻛﻮرةُ ﻣﻌﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻧﱠﻤﺎ ھﻲ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺋﺮ اﻹﺛﻢ وﻻ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ رﺗﺒﺔ اﻟﺸﺮك ،وﻛﻞﱡ ذﺑﺢٍ ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ﺷﺮكٌ وﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻤﺬﺑﻮحُ اﻟﻤﺘﻘﺮّب ﺑﮫ ﺗﺎﻓﮭﺎً ﺣﻘﯿﺮاً ﻛﺎﻟﺬﺑﺎب وﻧﺤﻮه ﻓﻜﯿﻒ ﺑﻤﻦ ﯾﻘﺮﱢب ﻧﻔﺎﺋﺲ اﻷﻧﻌﺎم وأﻃﺎﯾﺒﮭﺎ. روى اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﻓﻲ اﻟﺰھﺪ وأﺑﻮ ﻧﻌﯿﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﯿﺔ وﻏﯿﺮھﻤﺎ ﻋﻦ ﺳﻠﻤﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻣﻮﻗﻮﻓﺎً ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺈﺳﻨﺎدٍ ﺻﺤﯿﺢٍ أﻧﱠﮫ ﻗﺎل )) :دﺧﻞ رﺟﻞٌ اﻟﺠﻨّﺔَ ﻓﻲ ذﺑﺎب ودﺧﻞ آﺧﺮُ اﻟﻨّﺎرَ ﻓﻲ ذﺑﺎب ،ﻗﺎﻟﻮا :وﻛﯿﻒ ذاك؟ ﻗﺎل :ﻣﺮّ رﺟﻼن ﻣﻤّﻦ ﻛﺎن ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺎس ﻣﻌﮭﻢ ﺻﻨﻢٌ ﻻ ﯾﻤﺮّ ﺑﮭﻢ أﺣﺪٌ إﻻّ ﻗﺮﱠب ﻟﺼﻨﻤﮭﻢ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻷﺣﺪھﻤﺎ :ﻗﺮﱢب ﺷﯿﺌﺎً، ﻗﺎل :ﻣﺎ ﻋﻨﺪي ﺷﻲء ،ﻗﺎﻟﻮا :ﻗﺮﱢب وﻟﻮ ذﺑﺎﺑﺎً
٩٦
ﻓﻘﺮّب ذﺑﺎﺑﺎً وﻣﻀﻰ ﻓﺪﺧﻞ اﻟﻨّﺎر ،وﻗﺎﻟﻮا ﻟﻶﺧﺮ: ﻗﺮﱢب ،ﻗﺎل :ﻣﺎ ﻛﻨﺖُ ﻷُﻗﺮﱢب ﻷﺣﺪٍ ﺷﯿﺌﺎً دون اﷲ ﻓﻀﺮﺑﻮا ﻋﻨﻘﮫ ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨّﺔ (().(١ وھﺬا ﻣﻤّﺎ ﯾﺒﯿّﻦ ﻋﻈﻢ اﻟﺸﺮك وﺷﺪّة ﺧﻄﺮه وﻟﻮ ﻓﻲ اﻟﺸﻲء اﻟﻘﻠﯿﻞ وأﻧﱠﮫ ﯾﻮﺟﺐُ اﻟﻨّﺎر ،ﻓﮭﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻷوّل ﻟﻤﺎ ﻗﺮّب ﻟﮭﺬا اﻟﺼﻨﻢ أرذل اﻟﺤﯿﻮان وأﺧﺴّﮫ وھﻮ اﻟﺬﺑﺎب ﻛﺎن ﺟﺰاؤه اﻟﻨّﺎر؛ ﻹﺷﺮاﻛﮫ ﻓﻲ ﻋﺒﺎدة اﷲ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ھﺬا ﻓﯿﻤﻦ ﻗﺮّب ذﺑﺎﺑﺎً ،ﻓﻜﯿﻒ ﺑﻤﻦ ﯾﺴﺘﺴﻤﻦ اﻹﺑﻞ وﻏﯿﺮَھﺎ ﻟﯿﺘﻘﺮﱠب ﺑﻨﺤﺮھﺎ ﻟﻤﻦ ﻛﺎن ﯾﻌﺒﺪه ﻣﻦ دون اﷲ ﻣِﻦ ﻗﺒﺮٍ أو ﻣﺸﮭﺪ أو ﺣﺠﺮ أو ﺷﺠﺮ أو ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ. ﻗﺎل اﻹﻣﺎم اﻟﺸﻮﻛﺎﻧﻲ رﺣﻤﮫ اﷲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ ﺷﺮح اﻟﺼﺪور )) :وﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎﺳﺪ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ إﻟﻰ ﺣﺪّ ﯾﺮﻣﻲ ﺑﺼﺎﺣﺒﮫ إﻟﻰ وراء ﺣﺎﺋﻂ اﻹﺳﻼم ،وﯾﻠﻘﯿﮫ ﻋﻠﻰ أمﱢ رأﺳﮫ ﻣﻦ أﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎن اﻟﺪﯾﻦ أنﱠ ﻛﺜﯿﺮاً ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﺰھﺪ )ص ،(٣٢،٣٣:واﻟﺤﻠﯿﺔ ).(٢٠٣/١
٩٧
ﻣﻨﮭﻢ ﯾﺄﺗﻲ ﺑﺄﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﯾﻤﻠﻜﮫ ﻣﻦ اﻷﻧﻌﺎم وأﺟﻮد ﻣﺎ ﯾﺤﻮزه ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﺷﻲ ﻓﯿﻨﺤﺮه ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﻘﺒﺮ ﻣﺘﻘﺮّﺑﺎً ﺑﮫ إﻟﯿﮫ راﺟﯿﺎً ﻣﺎ ﯾﻀﻤﺮ ﺣﺼﻮﻟﮫ ﻣﻨﮫ، ﻓﯿﮭﻞّ ﺑﮫ ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ،وﯾﺘﻌﺒّﺪ ﺑﮫ ﻟﻮﺛﻦٍ ﻣﻦ اﻷوﺛﺎن، إذ إﻧﱠﮫ ﻻ ﻓﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺤﺎﺋﺮ ﻷﺣﺠﺎر ﻣﻨﺼﻮﺑﺔ ﯾﺴﻤﻮﻧﮭﺎ وﺛﻨﺎً ،وﺑﯿﻦ ﻗﺒﺮ ﻟﻤﯿﱢﺖ ﯾﺴﻤﻮﻧﮫ ﻗﺒﺮاً، وﻣﺠﺮّد اﻻﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻟﺘﺴﻤﯿﺔ ﻻ ﯾﻐﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﺷﯿﺌﺎً ،وﻻ ﯾﺆﺛﺮ ﺗﺤﻠﯿﻼً وﻻ ﺗﺤﺮﯾﻤﺎً ،ﻓﺈنﱠ ﻣَﻦ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻤﺮ ﻏﯿﺮ اﺳﻤﮭﺎ وﺷﺮﺑﮭﺎ ﻛﺎن ﺣﻜﻤﮫ ﺣﻜﻢ ﻣﻦ ﺷﺮﺑﮭﺎ وھﻮ ﯾﺴﻤﯿﮭﺎ ﺑﺎﺳﻤﮭﺎ ،ﺑﻼ ﺧﻼف ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أﺟﻤﻌﯿﻦ. وﻻ ﺷﻚّ أنﱠ اﻟﻨّﺤﺮ ﻧﻮعٌ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒّﺪ اﷲ اﻟﻌﺒﺎد ﺑﮭﺎ ،ﻛﺎﻟﮭﺪاﯾﺎ واﻟﻔﺪﯾﺔ واﻟﻀﺤﺎﯾﺎ ،ﻓﺎﻟﻤﺘﻘﺮﱢب ﺑﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺒﺮ واﻟﻨﺎﺣﺮ ﻟﮭﺎ ﻋﻨﺪه ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﮫ ﻏﺮض ﺑﺬﻟﻚ إﻻّ ﺗﻌﻈﯿﻤﮫ وﻛﺮاﻣﺘﮫ واﺳﺘﺠﻼب اﻟﺨﯿﺮ ﻣﻨﮫ واﺳﺘﺪﻓﺎع اﻟﺸﺮّ
٩٨
ﺑﮫ ،وھﺬه ﻋﺒﺎدة ﻻ ﺷﻚ ﻓﯿﮭﺎ ،وﻛﻔﺎك ﻣﻦ ﺷ ّﺮ ﺳﻤﺎﻋﮫ وﻻ ﺣﻮل وﻻ ﻗﻮّة إﻻّ ﺑﺎﷲ اﻟﻌﻠﻲّ اﻟﻌﻈﯿﻢ، وإﻧّﺎ ﷲ وإﻧّﺎ إﻟﯿﮫ راﺟﻌﻮن ،واﻟﻨﺒﻲ ﯾﻘﻮل )) :ﻻ ﻋﻘﺮ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم (( ،ﻗﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ]اﻟﺼﻨﻌﺎﻧﻲ[ )) :ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻌﻘﺮون ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺒﺮ ،ﯾﻌﻨﻲ ﺑﻘﺮاً وﺷﯿﺎھﺎً (( رواه أﺑﻮ داود ﺑﺈﺳﻨﺎد ﺻﺤﯿﺢ ﻋﻦ أﻧﺲ اﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ (( .ا.ھـ ﻛﻼم اﻹﻣﺎم اﻟﺸﻮﻛﺎﻧﻲ رﺣﻤﮫ اﷲ) ،(١وﻗﺪ أﺑﻠﻎ ﻓﯿﮫ رﺣﻤﮫ اﷲ ﺑﺎﻟﻨﺼﯿﺤﺔ وأﺣﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺬﯾﺮ ﻣﻦ ھﺬا اﻷﻣﺮ اﻟﺨﻄﯿﺮ ،ﻓﻨﺴﺄل اﷲ اﻟﻜﺮﯾﻢ أن ﯾﻘﯿَﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وأن ﯾﺠﻌﻞَ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ﻛﻠّﮭﺎ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻟﻮﺟﮭﮫ اﻟﻜﺮﯾﻢ ،ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﺴﻨّﺔ ﻧﺒﯿّﮫ ﻣﺤﻤﺪ إﻧﱠﮫ ﺟﻮادٌ ﻛﺮﯾﻢ. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺷﺮح اﻟﺼﺪور ﻟﻠﺸﻮﻛﺎﻧﻲ )ﺿﻤﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻔﺮﯾﺪ ص ٥٢٩:ـ .(٥٣٠
٩٩
١٠٠
إنﱠ أﻋﻤﺎل ﯾﻮم اﻟﻨﺤﺮ اﻟﯿﻮم اﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ ذي اﻟﺤﺠﺔ أرﺑﻌﺔُ أﻋﻤﺎل ﻣﻌﻠﻮﻣﺔٍ ﻣﺸﮭﻮرةٍ ،وھﻲ اﻟﺮﻣﻲ ،ﺛﻢﱠ اﻟﻨﺤﺮ ،ﺛﻢﱠ اﻟﺤﻠﻖ ،ﺛﻢﱠ اﻟﻄﻮاف، واﻟﺤﺪﯾﺚ ھﻨﺎ ﺳﯿﻜﻮن ﻋﻦ ﺣﻠﻖ اﻟﺮأس أو ﺗﻘﺼﯿﺮه ﺗﻌﺒّﺪاً ﷲ وﻃﺎﻋﺔً ﻟﮫ وﺗﻘﺮّﺑﺎً إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم اﻟﻌﻈﯿﻢ ،واﻟﺤﻠﻖ ھﻮ إزاﻟﺔُ ﺷﻌﺮ اﻟﺮأس ﻛﺎﻣﻼً ،واﻟﺘﻘﺼﯿﺮ ھﻮ اﻟﺘﺨﻔﯿﻒ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﺮأس ﻛﻠﱢﮫ ،واﻟﺤﻠﻖ أو اﻟﺘﻘﺼﯿﺮ واﺟﺐ ﻣﻦ واﺟﺒﺎت اﻟﺤﺞ واﻟﻌﻤﺮة ،ﻻ ﯾﺠﻮز ﺗﺮﻛﮫ ،واﻟﺪﻟﯿﻞ ﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻟﺘﺪﺧﻠﻦ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﺍﳊﺮﺍﻡ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍ ﺁﻣﻨﲔ ﳏﻠّﻘﲔ ﺭﺅﻭﺳﻜﻢ ﻭﻣﻘﺼﺮﻳﻦ ﻻ ﲣﺎﻓﻮﻥ{ ]اﻟﻔﺘﺢ ،[٢٧ﻗﺎل اﺑﻦ ﻗﺪاﻣﺔ رﺣﻤﮫ اﷲ )) :وﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﺳﻚ ﻟﻤﺎ وﺻﻔﮭﻢ ﺑﮫ (().(١ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﻤﻐﻨﻲ ).(٣٠٥/٥
١٠١
روى اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻗﺎل )) :ﻟﻤﺎ ﻗﺪم اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻜﺔ أﻣﺮ أﺻﺤﺎﺑﮫ أن ﯾﻄﻮﻓﻮا ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ وﺑﺎﻟﺼﻔﺎ واﻟﻤﺮوة ،ﺛﻢ ﯾﺤﻠّﻮا وﯾﺤﻠﻘﻮا أو ﯾﻘﺼﺮوا (()،(١ ﻓﮭﻮ واﺟﺐ ﻣﻦ واﺟﺒﺎت اﻟﺤﺞ واﻟﻌﻤﺮة ،ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﯾﺤﻠﻖ أو ﯾﻘﺼﺮ ﻟﺰﻣﮫ ﺟﺒﺮان ھﺬا اﻟﻮاﺟﺐ ﺑﺪم، وھﻮ إﺷﻌﺎرٌ ﺑﺎﻧﺘﮭﺎء ﻣﺪّة اﻹﺣﺮام واﻗﺘﺪاء ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﺣﯿﺚ ﺣﻠﻖ رأﺳﮫ وأﻣﺮ أﺻﺤﺎﺑﮫ ﺑﺎﻟﺤﻠﻖ إﻟﻘﺎء ﻟﻠﺘﻔﺚ وإزاﻟﺔ ﻟﻠﺸﻌﺚ ،وھﻮ وﺿﻊ ﻟﻠﻨﻮاﺻﻲ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي رﺑّﮭﺎ ﺧﻀﻮﻋﺎً ﻟﻌﻈﻤﺘﮫ وﺗﺬﻟّﻼً ﻟﻌﺰّﺗﮫ ،وھﻮ ﻣﻦ أﺑﻠﻎ أﻧﻮاع اﻟﻌﺒﻮدﯾﺔ ﷲ . وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻘﻮم اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﮭﺬه اﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ اﻣﺘﺜﺎﻻً ﷲ واﺗﺒﺎﻋﺎً ﻟﺮﺳﻮل اﷲ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ.(١٧٣١:
١٠٢
ﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﻌﻠﻢ أنﱠ ﺣﻠﻖ اﻟﺮأس أو ﺗﻘﺼﯿﺮه ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺘﻌﺒّﺪ واﻟﺘﻘﺮّب ﻻ ﯾﺠﻮز اﻟﻘﯿﺎم ﺑﮫ ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻗﺪ ﺳﺌﻞ اﻹﻣﺎم اﻟﺠﻠﯿﻞ ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ اﷲ ﻋﻦ أﻗﻮام ﯾﺤﻠﻘﻮن رؤوﺳﮭﻢ ﻋﻠﻰ أﯾﺪي اﻷﺷﯿﺎخ ،وﻋﻨﺪ اﻟﻘﺒﻮر اﻟﺘﻲ ﯾﻌﻈﱢﻤﻮﻧﮭﺎ وﯾﻌﺪّون ذﻟﻚ ﻗُﺮﺑﺔ وﻋﺒﺎدة :ھﻞ ھﺬا ﺳﻨﺔ أو ﺑﺪﻋﺔ؟ وھﻞ ﺣﻠﻖ اﻟﺮأس ﻣﻄﻠﻘﺎً ﺳﻨﺔ أو ﺑﺪﻋﺔ؟ ﻓﻘﺎل رﺣﻤﮫ اﷲ )) :ﺣﻠﻖ اﻟﺮأس ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ أﻧﻮاع: أﺣﺪھﺎ :ﺣﻠﻘﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ واﻟﻌﻤﺮة ﻓﮭﺬا ﻣﻤّﺎ أﻣﺮ اﷲ ﺑﮫ ورﺳﻮﻟﮫ ،وھﻮ ﻣﺸﺮوع ﺛﺎﺑﺖ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ وإﺟﻤﺎع اﻷﻣﺔ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻟﺘﺪﺧﻠﻦ
ﺍﳌﺴﺠﺪ ﺍﳊﺮﺍﻡ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍ ﺁﻣﻨﲔ ﳏﻠّﻘﲔ ﺭﺅﻭﺳﻜﻢ ﻭﻣﻘﺼﺮﻳﻦ ﻻ ﲣﺎﻓﻮﻥ{ ،وﻗﺪ ﺗﻮاﺗﺮ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ أﻧﱠﮫ
ﺣﻠﻖ رأﺳﮫ ﻓﻲ ﺣﺠّﮫ وﻓﻲ ﻋﻤﺮه ،وﻛﺬﻟﻚ
١٠٣
أﺻﺤﺎﺑﮫ ،ﻣﻨﮭﻢ ﻣَﻦ ﺣﻠﻖ وﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ ﻗﺼّﺮ، واﻟﺤﻠﻖ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺼﯿﺮ؛ وﻟﮭﺬا ﻗﺎل )) : اﻟﻠّﮭﻢﱠ اﻏﻔﺮ ﻟﻠﻤﺤﻠّﻘﯿﻦ .ﻗﺎﻟﻮا :ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ واﻟﻤﻘﺼﺮﯾﻦ؟ ﻗﺎل :اﻟﻠّﮭﻢﱠ اﻏﻔﺮ ﻟﻠﻤﺤﻠّﻘﯿﻦ .ﻗﺎﻟﻮا: ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ واﻟﻤﻘﺼﺮﯾﻦ؟ ﻗﺎل :اﻟﻠّﮭﻢﱠ اﻏﻔﺮ ﻟﻠﻤﺤﻠّﻘﯿﻦ .ﻗﺎﻟﻮا :ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ واﻟﻤﻘﺼﺮﯾﻦ؟ ﻗﺎل :واﻟﻤﻘﺼﺮﯾﻦ (() ،(١وﻗﺪ أﻣﺮ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔَ اﻟﺬﯾﻦ ﺳﺎﻗﻮا اﻟﮭﺪي ﻓﻲ ﺣﺠّﺔ اﻟﻮداع أن ﯾﻘﺼﺮوا رؤوﺳﮭﻢ ﻟﻠﻌﻤﺮة إذا ﻃﺎﻓﻮا ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ ،وﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﺎ واﻟﻤﺮوة ،ﺛﻢ ﯾﺤﻠﻘﻮا إذا ﻗﻀﻮا اﻟﺤﺞ ،ﻓﺠﻤﻊ ﻟﮭﻢ ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻘﺼﯿﺮ أوﻻً وﺑﯿﻦ اﻟﺤﻠﻖ ﺛﺎﻧﯿﺎ. واﻟﻨﻮع اﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺣﻠﻖ اﻟﺮأس ﻟﻠﺤﺎﺟﺔ ،ﻣﺜﻞ أن ﯾﺤﻠﻘﮫ ﻟﻠﺘﺪاوي ،ﻓﮭﺬا أﯾﻀﺎً ﺟﺎﺋﺰ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ واﻹﺟﻤﺎع ،ﻓﺈنﱠ اﷲ رﺧّﺺ ﻟﻠﻤﺤﺮم اﻟﺬي ﻻ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(١٧٢٧:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٣٠١:
١٠٤
ﯾﺠﻮز ﻟﮫ ﺣﻠﻖ رأﺳﮫ أن ﯾﺤﻠﻘﮫ إذا ﻛﺎن ﺑﮫ أذى ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻻ ﲢﻠﻘﻮﺍ ﺭﺅﻭﺳﻜﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ ﺍﳍﺪﻱ ﳏﻠّﻪ ﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺮﻳﻀﺎ ﺃﻭ ﺑﻪ ﺃﺫﻯ ﻣﻦ ﺭﺃﺳﻪ ﻓﻔﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﺻﻴﺎﻡ ﺃﻭ ﺻﺪﻗﺔ ﺃﻭ ﻧﺴﻚ{ ]اﻟﺒﻘﺮة ،[١٩٦وﻗﺪ ﺛﺒﺖ
ﺑﺎﺗﻔﺎق اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺣﺪﯾﺚُ ﻛﻌﺐ ﺑﻦ ﻋﺠﺮة ﻟﻤﺎ ﻣ ﱠﺮ ﺑﮫ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﺮة اﻟﺤﺪﯾﺒﯿﺔ واﻟﻘﻤﻞ ﯾﻨﮭﺎل ﻣﻦ رأﺳﮫ ﻓﻘﺎل )) :أﯾﺆذﯾﻚ ھﻮاﻣّﻚ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ .ﻓﻘﺎل: اﺣﻠﻖ رأﺳﻚ ،واﻧﺴﻚ ﺑﺸﺎة ،أو ﺻُﻢ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم، أو أﻃﻌﻢ ﻓَﺮَﻗﺎً ﺑﯿﻦ ﺳﺘﺔ ﻣﺴﺎﻛﯿﻦ (() ،(١وھﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﺤّﺘﮫ ﻣﺘﻠﻘًﻰ ﺑﺎﻟﻘَﺒﻮل ﻣﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ. واﻟﻨﻮع اﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺣﻠﻘﮫ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺘﻌﺒّﺪ واﻟﺘﺪﯾّﻦ واﻟﺰھﺪ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﺣﺞ وﻻ ﻋﻤﺮة ،ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﯾﺄﻣﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس اﻟﺘﺎﺋﺐ إذا ﺗﺎب أن ﯾﺤﻠﻖ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ ،(١٨١٤:وﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢٠١:
١٠٥
رأﺳﮫ ،وﻣﺜﻞ أن ﯾُﺠﻌﻞَ ﺣﻠﻖُ اﻟﺮأس ﺷﻌﺎرَ أھﻞ اﻟﻨﺴﻚ واﻟﺪﯾﻦ أو ﻣﻦ ﺗﻤﺎم اﻟﺰھﺪ واﻟﻌﺒﺎدة ،أو ﯾُﺠﻌﻞَ ﻣﻦ ﯾﺤﻠﻖ رأﺳَﮫ أﻓﻀﻞَ ﻣﻤّﻦ ﻟﻢ ﯾﺤﻠﻘﮫ ،أو أدﯾﻦ ،أو أزھﺪ ،أو أنﱠ ﯾﻘﺼﺮ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﺘﺎﺋﺐ ﻛﻤﺎ ﯾﻔﻌﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﺸﯿﺨﺔ إذا ﺗﻮﱠب أﺣﺪاً أن ﯾﻘﺺ ﺑﻌﺾ ﺷﻌﺮه ،وﯾﻌﯿﻦ اﻟﺸﯿﺦ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻘﺺ وﺳﺠﺎدة ﻓﯿﺠﻌﻞ ﺻﻼﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺠﺎدة ،وﻗﺼّﮫ رؤوس اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺗﻤﺎم اﻟﻤﺸﯿﺨﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺼﻠﺢ ﺑﮭﺎ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺪوة ﯾﺘﻮﱢب اﻟﺘﺎﺋﺒﯿﻦ ،ﻓﮭﺬا ﺑﺪﻋﺔ ﻟﻢ ﯾﺄﻣﺮ اﷲ ﺑﮭﺎ وﻻ رﺳﻮﻟﮫ ،وﻟﯿﺴﺖ واﺟﺒﺔ وﻻ ﻣﺴﺘﺤﺒّﺔ ﻋﻨﺪ أﺣﺪ ﻣﻦ أﺋﻤﺔ اﻟﺪﯾﻦ ،وﻻ ﻓﻌﻠﮭﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘﺎﺑﻌﯿﻦ ﻟﮭﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن ،وﻻ ﺷﯿﻮخ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﻤﺸﮭﻮرﯾﻦ ﺑﺎﻟﺰھﺪ واﻟﻌﺒﺎدة ،ﻻ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻻ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺑﻌﯿﻦ وﻻ ﺗﺎﺑﻌﯿﮭﻢ وﻣﻦ ﺑﻌﺪھﻢ ...وﻗﺪ أﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ
١٠٦
أﺳﻠﻢ) ،(١وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺄﻣﺮھﻢ ﺑﺤﻠﻖ رؤوﺳﮭﻢ إذا أﺳﻠﻤﻮا ،وﻻ ﻗﺺّ اﻟﻨﺒﻲ رأس أﺣﺪ ،وﻻ ﻛﺎن ﯾﺼﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﺠﺎدة ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﯾﺼﻠﱢﻲ إﻣﺎﻣﺎً ﺑﺠﻤﯿﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﯾﺼﻠﱢﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺼﻠّﻮن ﻋﻠﯿﮫ ،وﯾﻘﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﻌﺪون ﻋﻠﯿﮫ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺘﻤﯿّﺰاً ﻋﻨﮭﻢ ﺑﺸﻲء ﯾﻘﻌﺪ ﻋﻠﯿﮫ ﻻ ﺳﺠﺎدة وﻻ ﻏﯿﺮِه ...وﻣﻦ اﻋﺘﻘﺪ اﻟﺒﺪع اﻟﺘﻲ ﻟﯿﺴﺖ واﺟﺒﺔ وﻻ ﻣﺴﺘﺤﺒّﺔ ﻗﺮﺑﺔ وﻃﺎﻋﺔ
وﻃﺮﯾﻘﺎً إﻟﻰ اﷲ ،وﺟﻌﻠﮭﺎ ﻣﻦ ﺗﻤﺎم اﻟﺪﯾﻦ وﻣﻤﺎ ﯾُﺆﻣﺮ ﺑﮫ اﻟﺘﺎﺋﺐ واﻟﺰاھﺪ واﻟﻌﺎﺑﺪ ﻓﮭﻮ ﺿﺎل ﺧﺎرج ﻋﻦ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،ﻣﺘّﺒﻊ ﻟﺨﻄﻮات اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ ((. ﺛﻢ ذﻛﺮ رﺣﻤﮫ اﷲ اﻟﻨﻮع اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻖ، وھﻮ أن ﯾﺤﻠﻖ رأﺳﮫ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ اﻟﻨﺴﻚ ﻟﻐﯿﺮ ﺣﺎﺟﺔ وﻻ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺘﻘﺮب واﻟﺘﺪﯾّﻦ ،وذﻛﺮ أنﱠ ﻷھﻞ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻓﻲ اﻷﺻﻞ )) :ﺟﻤﯿﻊ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻷرض ((.
١٠٧
اﻟﻌﻠﻢ ﻓﯿﮫ ﻗﻮﻟﯿﻦ ،ھﻤﺎ رواﯾﺘﺎن ﻋﻦ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ. أﺣﺪھﻤﺎ :أﻧﱠﮫ ﻣﻜﺮوه ،وھﻮ ﻣﺬھﺐ ﻣﺎﻟﻚ وﻏﯿﺮه. واﻟﺜﺎﻧﻲ :أﻧﱠﮫ ﻣﺒﺎح ،وھﻮ اﻟﻤﻌﺮوف ﻋﻨﺪ أﺻﺤﺎب أﺑﻲ ﺣﻨﯿﻔﺔ واﻟﺸﺎﻓﻌﻲ. ﺛﻢ ذﻛﺮ رﺣﻤﮫ اﷲ ﻣﺎ اﺣﺘﺞ ﺑﮫ أھﻞ ﻛﻞﱢ ﻗﻮل).(١ وذﻛﺮ اﻹﻣﺎم اﺑﻦ اﻟﻘﯿّﻢ ﻧﺤﻮ ھﺬا اﻟﺘﻘﺴﯿﻢ اﻟﻤﺘﻘﺪّم ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ زاد اﻟﻤﻌﺎد ،وذﻛﺮ أنﱠ ﻣﻦ أﻧﻮاع ﺣﻠﻖِ اﻟﺮأس ﻣﺎ ھﻮ ﺑﺪﻋﺔ وﺷﺮك ،وھﻮ ﺣﻠﻖ اﻟﺮأس ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﻛﻤﺎ ﯾﺤﻠﻘﮭﺎ اﻟﻤﺮﯾﺪون ﻟﺸﯿﻮﺧﮭﻢ ،ﻓﯿﻘﻮل أﺣﺪھﻢ :أﻧﺎ ﺣﻠﻘﺖ رأﺳﻲ ﻟﻔﻼن ،وأﻧﺖ ﺣﻠﻘﺘﮫ ﻟﻔﻼن ،وھﺬا ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ أن ﯾﻘﻮل :ﺳﺠﺪتُ ﻟﻔﻼن ،ﻓﺈنﱠ ﺣﻠﻖ اﻟﺮأس ﺧﻀﻮع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ) ١١٦/٢١ـ .(١١٩
١٠٨
وﻋﺒﻮدﯾﺔ وذلّ؛ وﻟﮭﺬا ﻛﺎن ﻣﻦ ﺗﻤﺎم اﻟﺤﺞ. ﺛﻢ ذﻛﺮ رﺣﻤﮫ اﷲ أنﱠ ﺷﯿﻮخ اﻟﻀﻼل زﯾّﻨﻮا ﻟﻤﺮﯾﺪﯾﮭﻢ ﺣﻠﻖ رؤوﺳﮭﻢ ﻟﮭﻢ ﻛﻤﺎ زﯾّﻨﻮا ﻟﮭﻢ اﻟﺴﺠﻮد ﻟﮭﻢ) ،(١وﻛﻞﱡ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺸﺮك اﻟﻤﺒﯿﻦ، وﻣﻦ اﻟﺒﮭﺘﺎن اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ﻧﺴﺄل اﷲ اﻟﺴﻼﻣﺔ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١زاد اﻟﻤﻌﺎد ) ١٥٩/٤ـ .(١٦٠
١٠٩
إنﱠ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدات اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻜﺜﺮُ إﻗﺒﺎ ُ ل اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ وﺗﻌﻈﻢُ ﻋﻨﺎﯾﺘُﮭﻢ ﺑﮭﺎ ﻓﯿﮫ ،اﻟﺪﻋﺎءَ اﻟﺬي ھﻮ أﺟﻞﱡ أﻧﻮاع اﻟﻌﺒﺎدة وأﻓﻀﻠُﮭﺎ ،وﻗﺪ وﺻﻔﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﺼﺤﯿﺢ ﺑﺄﻧﱠﮫ ھﻮ اﻟﻌﺒﺎدة؛ ﻟِﻌﻈﻢ ﻣﻜﺎﻧﮫ ﻣﻨﮭﺎ وﻟﺮِﻓﻌﺔ ﺷﺄﻧﮫ ﻓﯿﮭﺎ ،وﻟﺬا وردت اﻟﻨﺼﻮصُ اﻟﻜﺜﯿﺮةُ ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن واﻟﺴﻨﺔ اﻟﺪاﻟﱠﺔُ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﯿﻢ ﺷﺄﻧﮫ ورﻓﯿﻊ ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ، واﻟﻤﺸﺘﻤﻠﺔُ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻮﯾﮫ ﺑﮫ واﻟﺤﺚﱢ ﻋﻠﯿﮫ واﻟﺘﺮﻏﯿﺐِ ﻓﯿﮫ ﺑﻮﺟﻮهٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔٍ ﻣﻦ اﻟﺪﻻﻟﺔ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺑﮫ ﺗﺎرةً ،وﺑﺒﯿﺎنِ ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ وﻣﻨﺰﻟﺘﮫ ﺗﺎرةً ،وﺑﺎﻟﺜﻨﺎءِ ﻋﻠﻰ أھﻠﮫ واﻟﻘﺎﺋﻤﯿﻦَ ﺑﮫ أُﺧﺮى ،وﺑﺬﻛﺮِ ﻋﻈﻢ ﺛﻮاﺑﮭﻢ وﺗﻨﻮﱡع أﺟﻮرھﻢ ﺗﺎرة ،وﺑﺎﻟﺘﺤﺬﯾﺮ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﮭﺎون ﺑﮫ أو اﻻﺳﺘﻜﺒﺎر ﻋﻨﮫ.
١١٠
ﯾﻘﻮل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺭﺑﻜﻢ ﺗﻀﺮﻋﺎً ﻭﺧﻔﻴﺔً ﺇﻧﱠﻪ ﻻ ﻳﺤﺐ ﺍﳌُﻌﺘَﺪﻳﻦ ،ﻭﻻ ﺗُﻔﺴﺪﻭﺍ ﰲ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﻌﺪ ﺇﺻﻼﺣﻬﺎ ﻭﺍﺩﻋﻮﻩ ﺧﻮﻓﺎً ﻭﻃَﻤﻌﺎً ﺇﻥ ﺭﲪﺔَ ﺍ ِﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺍﳌُﺤﺴﻨﲔ{ ]اﻷﻋﺮاف ،[٥٥،٥٦وﯾﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻫﻮ ﺍﳊﻲ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻّ ﻫﻮ ﻓﺎﺩﻋﻮﻩ ﳐﻠﺼﲔ ﻟﻪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﳊﻤﺪ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﳌﲔ] {ﻏﺎﻓﺮ
،[٦٥وﯾﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﺇﺫﺍ ﺳﺄﻟَﻚ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻋﻨﻲ ﻓﺈﻧﱢﻲ ﻗﺮﻳﺐ ﺃُﺟﻴﺐ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﺪﺍﻉِ ﺇﺫﺍ ﺩﻋﺎﻥِ ﻓﻠﻴﺴﺘﺠﻴﺒﻮﺍ ﱄ ﻭﻟﻴﺆﻣﻨﻮﺍ ﺑﻲ ﻟﻌﻠﱠﻬﻢ ﻳﺮﺷﺪﻭﻥ] {اﻟﺒﻘﺮة ،[١٨٦وﯾﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻗﺎﻝ
ﺐ ﻟﻜﻢ ﺇﻥ ﺍﻟّﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻜﱪﻭﻥ ﻋﻦ ﺭﺑﻜﻢ ﺍﺩﻋﻮﻧﻲ ﺃﺳﺘﺠِ ﻋﺒﺎﺩﺗﻲ ﺳﻴﺪﺧﻠﻮﻥ ﺟﻬ ﻨﻢ ﺩﺍﺧﺮﻳﻦ] {ﻏﺎﻓﺮ ،[٦٠واﻵﯾﺎتُ
ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻛﺜﯿﺮةٌ. وﻣﻤّﺎ ﯾﺰﯾﺪ ﻓﻲ اھﺘﻤﺎم اﻟﺤﺠّﺎج ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء وﯾُﻘﻮﱢي إﻗﺒﺎﻟَﮭﻢ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺞﱢ أﻧﱠﮫ ﻗﺪ اﺟﺘﻤﻊ ﻟﮭﻢ ﻓﯿﮫ ﻓﻀﻞُ اﻟﻤﻜﺎن وﺷﺮﻓُﮫ ﻣﻊ ﻓﻀﻞِ اﻟﺰﻣﺎن وﺷﺮَﻓِﮫ ﻣﻊ ﻣﺎ ﯾﻌﺘﺮي أﯾﻀﺎً ﻗﻠﻮﺑَﮭﻢ إذ ذاكَ ﻣﻦ اﻟﺮﱢﻗﱠﺔ واﻟﺨﺸﻮع واﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻰ اﷲ وﻻ ﺳﯿَﻤﺎ ﻓﻲ ﯾﻮمِ ﻋﺮَﻓﺔَ اﻟﺬي ھﻮ أﻋﻈﻢُ اﻷﯾّﺎم وأﺷﺮﻓُﮭﺎ،
١١١
ﻗﺎل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ اﷲ )) :ﻓﺈﻧﱠﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮم أنﱠ اﻟﺤﺠﯿﺞَ ﻋﺸﯿﱠﺔَ ﻋﺮﻓﺔَ ﯾﻨﺰلُ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ ﻣﻦ اﻹﯾﻤﺎن واﻟﺮّﺣﻤﺔ واﻟﻨﱡﻮر واﻟﺒﺮَﻛﺔ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦُ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮُ ﺑﮫ (( ا.ھـ).(١ وﻟﺬا ﺛﺒﺖ ﻋﻦ اﻟﻨﱠﺒﻲﱢ ﻓﻲ ﺗﻌﻈﯿﻢ ﺷﺄن اﻟﺪﻋﺎء ﯾﻮمَ ﻋﺮَﻓﺔَ وﺑﯿﺎنِ ﻓﻀﻠﮫ أﻧﱠﮫ ﻗﺎل )) :ﺧﯿﺮُ اﻟﺪﻋﺎء دﻋﺎءُ ﯾﻮمِ ﻋﺮﻓﺔ (().(٢ ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺮ رﺣﻤﮫ اﷲ )) :وﻓﯿﮫ ـ أي ھﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ ـ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﮫ أنﱠ دﻋﺎءَ ﯾﻮم ﻋﺮﻓﺔ أﻓﻀﻞُ ﻣﻦ ﻏﯿﺮه ...وﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ دﻟﯿﻞٌ ﻋﻠﻰ أنﱠ دﻋﺎءَ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ).(٣٧٤/٥ ) (٢أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺘﺮﻣﺬي ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻦ )رﻗﻢ (٣٥٨٥:ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﻋﺒﺪ اﷲ اﺑﻦ ﻋﻤﺮو .وﺣﺴﻨﮫ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ ) ،(٧،٨/٤وﻗﺎل )) :اﻟﺤﺪﯾﺚ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻤﺠﻤﻮع ھﺬه اﻟﺸﻮاھﺪ ((.
١١٢
ﯾﻮم ﻋﺮﻓﺔ ﻣﺠﺎبٌ ﻛﻠﱡﮫ ﻓﻲ اﻷﻏﻠﺐ (( ا.ھـ).(١ وﻓﻲ اﻟﺤﺞ أﻣﻜﻨﺔٌ ﺧﺎﺻﺔٌ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أن ﯾﻘﻒ ﺑﮭﺎ وﯾﺘﺤﺮّى اﻟﺪﻋﺎء ﻓﯿﮭﺎ ،اﻗﺘﺪاءً ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ﺣﯿﺚ ﺛﺒﺖ ﻋﻨﮫ أﻧﱠﮫ ﻛﺎن ﯾﻘﻒُ ﻓﯿﮭﺎ وﯾﺴﺘﻘﺒﻞُ اﻟﻘِﺒﻠﺔ وﯾﺪﻋﻮ اﷲَ ،وھﻲ ﺑﺎﻷﺧﺺﱢ ﺳﺖﱡ أﻣﺎﻛﻦ :ﻓﻲ ﻋﺮَﻓﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪّم ،وﻓﻲ اﻟﻤﺸﻌﺮ اﻟﺤﺮام ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻓﻀﺘﻢ ﻣﻦ ﻋﺮﻓﺎﺕٍ ﻓﺎﺫﻛﺮﻭﺍ ﺍ َﻋﻨﺪ ﺍﳌﺸﻌﺮِ ﺍﳊﺮﺍﻡ{ ]اﻟﺒﻘﺮة ،[١٩٨وﻋﻠﻰ اﻟﺼﻔﺎ واﻟﻤﺮوة ﻟﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﺟﺎﺑﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ )) :أنﱠ اﻟﻨﺒﻲ ﻛﺎن إذا وﻗﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻔﺎ ﯾُﻜﺒﱢﺮ ﺛﻼﺛﺎً وﯾﻘﻮل :ﻻ إﻟﮫ إﻻّ اﷲ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ،ﻟﮫ اﻟﻤﻠﻚُ وﻟﮫ اﻟﺤﻤﺪُ وھﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺷﻲءٍ ﻗﺪﯾﺮٌ ،ﯾﺼﻨﻊ ذﻟﻚ ﺛﻼث ﻣﺮّات وﯾﺪﻋﻮ ،وﯾﺼﻨﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮوة ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ (().(٢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﺘﻤﮭﯿﺪ ).(٤١/٦ ) (٢اﻧﻈﺮ :ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(١٢١٨:
١١٣
وﯾﻘﻒ ﺑﻌﺪ رﻣﻲ اﻟﺠﻤﺮﺗﯿﻦ اﻟﺼﻐﺮى واﻟﻮﺳﻄﻰ ﻟﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )) :أنﱠ ﻋﺒﺪَ اﷲ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺮﻣﻲ اﻟﺠﻤﺮة اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﺴﺒﻊ ﺣﺼﯿﺎتٍ ﯾﻜﺒﱢﺮ ﻋﻠﻰ إﺛﺮِ ﻛﻞﱢ ﺣﺼﺎةٍ ،ﺛﻢّ ﯾﺘﻘﺪّم ﺣﺘﻰ ﯾُﺴْﮭﻞَ ﻓﯿﻘﻮمُ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞَ اﻟﻘِﺒﻠﺔ ،ﻓﯿﻘﻮمُ ﻃﻮﯾﻼً وﯾﺪﻋﻮ وﯾﺮﻓﻊُ ﯾﺪﯾﮫ ،ﺛﻢّ ﯾﺮﻣﻲ اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﺛﻢّ ﯾﺄﺧﺬ ذات اﻟﺸﻤﺎل ﻓﯿﺴﮭﻞ وﯾﻘﻮمُ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞَ اﻟﻘِﺒﻠﺔ ،ﻓﯿﻘﻮمُ ﻃﻮﯾﻼً وﯾﺪﻋﻮ وﯾﺮﻓﻊُ ﯾﺪﯾﮫ وﯾﻘﻮم ﻃﻮﯾﻼً ،ﺛﻢّ ﯾﺮﻣﻲ ﺟﻤﺮة اﻟﻌﻘَﺒﺔ ﻣﻦ ﺑﻄﻦ اﻟﻮادي ،وﻻ ﯾﻘﻒُ ﻋﻨﺪھﺎ ،ﺛﻢﱠ ﯾﻨﺼﺮفُ ﻓﯿﻘﻮل :ھﻜﺬا رأﯾﺖُ اﻟﻨﺒﻲ ﯾﻔﻌﻠﮫ (().(١ ﻓﮭﺬه ﺳﺘﱠﺔُ ﻣﻮاﺿﻊَ ﺛﺒﺖ أنﱠ اﻟﻨﺒﻲ ﯾﻘﻒ ﻓﯿﮭﺎ وﯾﺘﺤﺮّى اﻟﺪﻋﺎء ،وﯾﺮﻓﻊُ ﯾﺪﯾﮫ ،وﻋﻤﻮﻣﺎً ﻓﺎﻟﺪﻋﺎء ﻟﮫ ﺷﺄنٌ ﻋﻈﯿﻢٌ وﻣﻨﺰﻟﺔٌ ﻋﺎﻟﯿﺔٌ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ.(١٧٥١:
١١٤
ﺑﻞ إنﱠ ﻟﮫ ﺷﺄﻧﺎً ﺑﺎﻟﻐﺎً ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎدات ﻛﻠّﮭﺎ ،ﺑﻞ ھﻮ روح اﻟﻌﺒﺎدة وﻟُﺒﱡﮭﺎ وﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ أﻧﮫ ﻗﺎل )) :اﻟﺪﻋﺎء ھﻮ اﻟﻌﺒﺎدة (().(١ وإذا ﻛﺎن اﻟﺪﻋﺎء ﺑﮭﺬه اﻟﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺮﻓﯿﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻦ ،وﺑﮭﺬه اﻟﺮﺗﺒﺔ اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ ﻣﻨﮫ ،ﻓﺈنﱠ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻨﺎﯾﺘُﮫ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﻋﻈﯿﻤﺔً، واھﺘﻤﺎﻣﮫ ﺑﮫ ﺑﺎﻟﻐﺎً ،وأن ﯾﻜﻮن ﻣﺘﻘﯿّﺪاً ﺑﺸﺮوﻃﮫ، ﻣﺘﺄدﱢﺑﺎً ﺑﺂداﺑﮫ ،ﺣﺬراً ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻣﻮاﻧﻊ إﺟﺎﺑﺘﮫ ،ﻣﺘﺤﺮﯾﺎ اﻷوﻗﺎت اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﻟﻘﺒﻮﻟﮫ، وأھﻢّ ﻣﺎ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻣﻼﺣﻈﺘﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب اﻟﻌﻈﯿﻢ أن ﯾﻜﻮن دﻋﺎء اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺧﺎﻟﺼﺎً ﷲ ﻓﻼ ﯾﺪﻋﻮ إﻻﱠ اﷲ ،وﻻ ﯾﺴﺘﻐﯿﺚ إﻻﱠ ﺑﺎﷲ ،وﻻ ﯾﻄﻠﺐ اﻟﻤﺪد واﻟﻌﻮن واﻟﻨﺼﺮ واﻟﺸﻔﺎء إﻻﱠ ﻣﻦ اﷲ ،وﻻ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١أﺧﺮﺟﮫ أﺣﻤﺪ ) ،(٢٧١/٤واﻟﺘﺮﻣﺬي )رﻗﻢ،(٢٩٦٩: وﻏﯿﺮھﻤﺎ.
١١٥
ﯾﺴﺘﻌﯿﻦ إﻻﱠ ﺑﺎﷲ؛ ﻷنﱠ اﻟﺪﻋﺎء ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪّم ھﻮ اﻟﻌﺒﺎدة ،وﺻﺮف اﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ﺷﺮك أﻛﺒﺮ، ﻧﺎﻗﻞٌ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﱠﺔِ واﻟﻌﯿﺎذ ﺑﺎﷲ ،ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻻ
ﺗﺪﻉ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻨﻔﻌﻚ ﻭﻻ ﻳﻀﺮﻙ ﻓﺈﻥ ﻓﻌﻠﺖ ﻓﺈﻧﱠﻚ ﺇﺫﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺎﳌﲔ ﻭﺇﻥ ﳝﺴﺴﻚ ﺍ ﺑﻀﺮﱟ ﻓﻼ ﻛﺎﺷﻒ ﻟﻪ ﺇﻻﱠ ﻫﻮ ﻭﺇﻥ ﻳﺮِﺩﻙَ ﲞﲑ ﻓﻼ ﺭﺁﺩ ﻟﻔﻀﻠﻪ ﻳﺼﻴﺐ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻳﺸﺂﺀ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻐﻔﻮﺭ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ{ ]ﯾﻮﻧﺲ ،[١٠٦،١٠٧وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: }ﻭﻣﻦ ﻳﺪﻉ ﻣﻊ ﺍ ﺇﳍﺎً ﺁﺧﺮ ﻻ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻟﻪ ﺑﻪ ﻓﺈﻧﱠﻤﺎ ﺣﺴﺎﺑﻪ ﻋﻨﺪ ﺭﺑﻪ ﺇﻧﱠﻪ ﻻ ﻳﻔﻠﺢ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ{ ]اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ،[١١٧وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻫﻮ ﺍﳊﻲ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻﱠ ﻫﻮ ﻓﺎﺩﻋﻮﻩ ﳐﻠﺼﲔ ﻟﻪ ﺍﻟﺪﻳﻦ{ ]ﻏﺎﻓﺮ ،[٦٥وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﺃﻥ ﺍﳌﺴﺎﺟﺪ ﻓﻼ ﺗﺪﻋﻮﺍ ﻣﻊ ﺍ ﺃﺣﺪﺍً{ ]اﻟﺠﻦ ،[١٨واﻵﯾﺎت ﻓﻲ ھﺬا
اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻛﺜﯿﺮة. وﻣﻦ آداب اﻟﺪﻋﺎء ﻣﺎ ذﻛﺮه اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ} :ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺭﺑﻜﻢ ﺗﻀﺮﻋﺎً ﻭﺧﻔﻴﺔً ﺇﻧﱠﻪ ﻻ ﳛﺐ ﺍﳌﻌﺘﺪﻳﻦ
ﻭﻻ ﺗﻔﺴﺪﻭﺍ ﰲ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﻌﺪ ﺇﺻﻼﺣﻬﺎ ﻭﺍﺩﻋﻮﻩ ﺧﻮﻓﺎً ﻭﻃﻤﻌﺎً
١١٦
ﺇﻥ ﺭﲪﺔَ ﺍ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺍﶈﺴﻨﲔ{ ]اﻷﻋﺮاف .[٥٥،٥٦ وإذا ﺟﻤﻊ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻊ اﻟﺪﻋﺎء ﺣﻀﻮر اﻟﻘﻠﺐ وﺟﻤﻌﯿّﺘﮫ ﺑﻜﻠﯿّﺘﮫ ﻣﻊ اﻟﻤﻄﻠﻮب ،وﺻﺎدف وﻗﺘﺎً ﻣﻦ أوﻗﺎت اﻹﺟﺎﺑﺔ ،وﺻﺎدف ﺧﺸﻮﻋﺎً ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ، واﻧﻜﺴﺎراً ﺑﯿﻦ ﯾﺪي اﻟﺮبﱢ ،وذُﻻ ﻟﮫ ،وﺗﻀﺮّﻋﺎً ورﻗﺔً ،واﺳﺘﻘﺒﻞ اﻟﺪاﻋﻲ اﻟﻘﺒﻠﺔ ،وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻃﮭﺎرة ،ورﻓﻊ ﯾﺪﯾﮫ إﻟﻰ اﷲ ،وﺑﺪأ ﺑﺤﻤﺪ اﷲ واﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﯿﮫ ،ﺛﻢ ﺛﻨّﻰ ﺑﺎﻟﺼﻼة ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪه ورﺳﻮﻟﮫ ،ﺛﻢ ﻗﺪم ﺑﯿﻦ ﯾﺪي ﺣﺎﺟﺘﮫ اﻟﺘﻮﺑﺔَ واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر ،ﺛﻢ دﺧﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ ،وأﻟﺢﱠ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،وﺗﻤﻠّﻘﮫ ودﻋﺎه رﻏﺒﺔً ورھﺒﺔً ،وﺗﻮﺳّﻞ إﻟﯿﮫ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﮫ وﺻﻔﺎﺗﮫ وﺗﻮﺣﯿﺪه ،وﻗﺪّم ﺑﯿﻦ ﯾﺪي دﻋﺎﺋﮫ ﺻﺪﻗَﮫ ،ﻓﺈنﱠ ھﺬا اﻟﺪﻋﺎء ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾُﺮدﱡ أﺑﺪاً، وﻻ ﺳﯿﻤﺎ إن ﺻﺎدف اﻷدﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺒﺮ اﻟﻨﺒﻲ أﻧﱠﮭﺎ ﻣﻈﻨّﺔُ اﻹﺟﺎﺑﺔ ،أو أﻧﱠﮭﺎ ﻣﺘﻀﻤّﻨﺔٌ ﻟﻼﺳﻢ اﻷﻋﻈﻢ اﻟﺬي إذا ﺳُﺌﻞ اﷲ ﺑﮫ أﻋﻄﻰ ،وإذا دُﻋﻲ
١١٧
ﺑﮫ أﺟﺎب) ،(١وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻦ أ ﱠ ن اﻟﻨﺒﻲﱠ ﺳﻤﻊ رﺟﻼً ﯾﻘﻮل )) :اﻟﻠّﮭﻢﱠ إﻧﻲ أﺳﺄﻟﻚ ﺑﺄﻧﱢﻲ أﺷﮭﺪ أﻧﱠﻚ أﻧﺖ اﷲ ﻻ إﻟﮫ إﻻﱠ أﻧﺖ ،اﻷﺣﺪ اﻟﺼﻤﺪ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻠﺪ وﻟﻢ ﯾﻮﻟﺪ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﮫ ﻛﻔﻮاً أﺣﺪ ،ﻓﻘﺎل :ﻟﻘﺪ ﺳﺄﻟﺖَ اﷲَ ﺑﺎﺳﻤﮫ اﻷﻋﻈﻢ اﻟﺬي إذا ﺳُﺌﻞ ﺑﮫ أﻋﻄﻰ ،وإذا دُﻋﻲ ﺑﮫ أﺟﺎب (().(٢
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻧﻈﺮ :اﻟﺠﻮاب اﻟﻜﺎﻓﻲ ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ )ص.(٩: ) (٢رواه أﺑﻮ داود )رﻗﻢ ،(١٩٤٣:واﻟﺘﺮﻣﺬي )رﻗﻢ ،(٣٤٧٥:واﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻦ اﻟﻜﺒﺮى )رﻗﻢ ،(٧٦٦٦:واﺑﻦ ﻣﺎﺟﮫ )رﻗﻢ ،(٣٨٥٧:واﺑﻦ ﺣﺒﺎن )رﻗﻢ.(٨٩١،٨٩٢:
١١٨
إنﱠ ﻣﻦ اﻟﺪروس اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻔﯿﺪھﺎ اﻟﺤﺎج ﻣﻦ ﺣﺠّﮫ ﻟﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام أھﻤﯿّﺔَ اﻟﺘﻮﺳّﻂ واﻻﻋﺘﺪال ﻓﻲ اﻷﻣﻮر ﻛﻠّﮭﺎ ،وﻣﺠﺎﻧﺒﺔ اﻟﻐﻠﻮ واﻟﺠﻔﺎء أو اﻹﻓﺮاط واﻟﺘﻔﺮﯾﻂ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺷﺄن ھﺬه اﻷﻣﺔ} :ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ ﺃﻣﺔ ﻭﺳﻄﺎً ﻟﺘﻜﻮﻧﻮﺍ ﺷﻬﺪﺁﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺷﻬﻴﺪﺍً{ ]اﻟﺒﻘﺮة ،[١٤٣واﻟﻤﺮاد ﺑﻘﻮﻟﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ} :ﺃﻣﺔ ﻭﺳﻄﺎً{ أي ﺷﮭﻮداً ﻋﺪوﻻً ،ﻻ ﯾﻤﯿﻠﻮن ﻋﻦ اﻟﺤﻖ،
ﻻ إﻟﻰ ﻏﻠﻮ ،وﻻ إﻟﻰ ﺟﻔﺎء ،ﺑﻞ ﯾﺘﻮﺳّﻄﻮن وﯾﻌﺘﺪﻟﻮن ،واﻟﺤﺞ ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﻌِﺒﺮ اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺷﺪ إﻟﻰ أھﻤﯿﺔ اﻟﺘﻮﺳّﻂ، وﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ أھﻤﯿﺔ اﻻﻋﺘﺪال ،وﻣﻦ أھﻢﱢ ھﺬه اﻟﻤﻮاﻗﻒ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب اﻟﻌﻈﯿﻢ اﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ ھﺪي
١١٩
اﻟﻨﺒﻲﱢ وﺳﻨّﺘﮫ ﻓﻲ رﻣﻲ اﻟﺠﻤﺎر ﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻋﻨﮫ ،ﺛﻢﱠ اﻟﻨﻈﺮُ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ أﺣﻮال اﻟﻨﺎس ﻣﻊ ﺳﻨّﺘﮫ ،ﻓﺈنﱠ ﺣﺎﻟﮭﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺑﯿﻦ ﻏﻠﻮﱟ وﺟﻔﺎء ،وإﻓﺮاط وﺗﻔﺮﯾﻂ ،إﻻﱠ ﻣﻦ وﻓّﻘﮭﻢ اﷲ وأﻛﺮﻣﮭﻢ ﺑﻠﺰوم ﺳﻨّﺘﮫ وﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ھﺪﯾﮫ واﻗﺘﻔﺎء أﺛﺮه . روى اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ واﻟﻨﺴﺎﺋﻲ واﺑﻦ ﻣﺎﺟﮫ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻗﺎل :ﻗﺎل ﻟﻲ رﺳﻮل اﷲ ﻏﺪاة اﻟﻌﻘﺒﺔ وھﻮ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﻗﺘﮫ)) : اﻟْﻘﻂ ﻟﻲ ﺣﺼﻰ ،ﻓﻠﻘﻄﺖ ﻟﮫ ﺳﺒﻊ ﺣﺼﯿﺎت ﻣﻦ ﺣﺼﻰ اﻟﺨﺬف ،ﻓﺠﻌﻞ ﯾﻨﻔﻀﮭﻦّ ﻓﻲ ﻛﻔّﮫ ،وﯾﻘﻮل: أﻣﺜﺎل ھﺆﻻء ﻓﺎرﻣﻮا ،ﺛﻢ ﻗﺎل :أﯾّﮭﺎ اﻟﻨﺎس إﯾّﺎﻛﻢ واﻟﻐﻠﻮﱠ ﻓﻲ اﻟﺪﯾﻦ ،ﻓﺈﻧّﻤﺎ أھﻠﻚ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻗﺒﻠﻜﻢ اﻟﻐﻠﻮﱡ
١٢٠
ﻓﻲ اﻟﺪﯾﻦ (() ،(١وإﺳﻨﺎده ﺻﺤﯿﺢ ﻋﻠﻰ ﺷﺮط ﻣﺴﻠﻢ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ذﻟﻚ ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ اﷲ) ،(٢وﻏﯿﺮه ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ. ﻓﻘﻮﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ )) :أﻣﺜﺎل ھﺆﻻء ﻓﺎرﻣﻮا (( ،أي اﻟﺤﺼﯿﺎت اﻟﺘﻲ اﻟﺘُﻘﻄﺖ ﻟﮫ ﺑﺤﺠﻤﮭﺎ اﻟﻤﺤﺪّد ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ وھﻮ ﺣﺠﻢ ﺣﺼﻰ اﻟﺨﺬف، ﻓﺎﻟﻠﻔﻆ ﻻ ﯾﺘﻨﺎول اﻟﺤﺠﻢ اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﻻ ﯾُﺴﻤﻰ ﺣﺼﺎة ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﯾﺘﻨﺎول اﻟﺤﺠﻢ اﻟﻜﺒﯿﺮ اﻟﺬي ﯾُﺴﻤّﻰ ﺣﺠﺮاً ،ﻓﺎﻟﻤﺸﺮوع ھﻮ اﻟﺘﻮﺳّﻂ ،وﻣﻊ وﺿﻮح ھﺬا اﻷﻣﺮ وﺷﺪّة ﺑﯿﺎﻧﮫ ﻓﺈﻧﱠﻚ إذا ﻗﺎرﻧﺖ ذﻟﻚ ﺑﺤﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻤّﻦ ﺟﮭﻠﻮا ﺳﻨّﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﺗﺠﺪ ﻣﻨﮭﻢ أﻣﺮاً ﻋﺠﺒﺎً ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب ﺑﯿﻦ ﻏﻠﻮﱟ وﺟﻔﺎء وإﻓﺮاطٍ وﺗﻔﺮﯾﻂٍ وزﯾﺎدة وﺗﻘﺼﯿﺮ ،واﻟﺤﻖ ﻗﻮام ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﻤﺴﻨﺪ ) ،(٢١٥/١وﺳﻨﻦ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ) ،(٢٦٨/٥وﺳﻨﻦ اﺑﻦ ﻣﺎﺟﮫ )رﻗﻢ.(٣٠٦٩: ) (٢اﻗﺘﻀﺎء اﻟﺼﺮاط اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻢ ).(٢٩٣/١
١٢١
ﺑﯿﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻼ ﯾﻘﺼُﺮ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﺳﻨﺘﮫ ﺷﺄن أھﻞ اﻟﺘﻔﺮﯾﻂ واﻟﺠﻔﺎء ،وﻻ ﯾﺰﯾﺪ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺷﺄن أھﻞ اﻹﻓﺮاط واﻟﻐﻠﻮّ ،وإﻧﱠﻤﺎ ﯾﻜﻮن ﻋﺪﻻً وﺳﻄﺎً. وﻗﻮﻟﮫ )) :إﯾّﺎﻛﻢ واﻟﻐﻠﻮّ (( ﻋﺎم ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﻮاع اﻟﻐﻠﻮّ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎدات واﻷﻋﻤﺎل؛ إذ اﻟﻌﺒﺮة ﺑﻌﻤﻮم اﻟﻠﻔﻆ ﻻ ﺑﺨﺼﻮص اﻟﺴﺒﺐ ﻓﺎﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻨﮭﻲﱞ ﻋﻦ اﻟﻐﻠﻮّ ﻓﻲ ﻛﻞﱢ أﺣﻮاﻟﮫ ﻣﻤﻨﻮع ﻣﻨﮫ ﻓﻲ ﻛﻞﱢ ﺷﺆوﻧﮫ ،ﻣﺄﻣﻮر ﺑﺎﻗﺘﻔﺎء آﺛﺎر اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﯾﻢ واﺗّﺒﺎع ﺳﻨﺘﮫ ﻓﻲ اﻷﺣﻮال ﻛﻠّﮭﺎ. إنﱠ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﺣﺮﯾﺺ ﺗﻤﺎم اﻟﺤﺮص ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟﯿﺼﺮﻓﮫ ﻋﻦ اﻟﺠﺎدة وﻟﯿﺒـﻌﺪه ﻋﻦ ﺻﺮاط اﷲ اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻢ إﻣّﺎ إﻟﻰ ﻏﻠﻮّ أو إﻟﻰ ﺟﻔﺎء وﻻ ﯾﺒﺎﻟﻲ ﺑﺄيﱢ اﻷﻣﺮ ﻇﻔﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻠﻒ )) :ﻣﺎ أﻣﺮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺄﻣﺮ إﻻّ وﻟﻠﺸﯿﻄﺎن ﻓﯿﮫ ﻧﺰﻏﺘﺎن إﻣّﺎ إﻟﻰ ﺗﻔﺮﯾﻂ وﺗﻘﺼﯿﺮ ،وإﻣّﺎ إﻟﻰ ﻣﺠﺎوزة وﻏﻠﻮّ وﻻ ﯾﺒﺎﻟﻲ ﺑﺄﯾﱢﮭﻤﺎ ﻇﻔﺮ (( ،وھﻮ
١٢٢
ﻗﺎﻋﺪٌ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﺑﺄﻃﺮﻗﮫ ﻻ ﯾﻔﺘﺮُ وﻻ ﯾﻤﻞﱡ ﻣﻦ اﻟﻜﯿﺪ ﻟﮫ واﻟﺘﺮﺑّﺺ ﺑﮫ واﺳﺘﻔﺮاغِ ﻛﺎﻣﻞ اﻟﻮُﺳْﻊ ﻹﺿﻼﻟﮫ وﺻﺮﻓﮫ ﻋﻦ اﻟﺼﺮاط اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻢ واﻟﮭﺪي اﻟﻤﺴﺘﺒﯿﻦ. ﻗﺎل اﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ رﺣﻤﮫ اﷲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ اﻟﻌﻈﯿﻢ إﻏﺎﺛﺔ اﻟﻠﮭﻔﺎن ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﯿﻄﺎن )) :وﻣﻦ ﻛﯿﺪه ـ أي اﻟﺸﯿﻄﺎن أﻋﺎذﻧﺎ اﷲ وإﯾّﺎﻛﻢ ﻣﻨﮫ ـ أﻧﱠﮫ ﯾﺸﺎمﱡ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺘﻰ ﯾﻌﻠﻢ أيﱠ اﻟﻘﻮﺗﯿﻦ ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻗﻮّةُ اﻹﻗﺪام واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،أم اﻻﻧﻜﻔﺎفُ واﻹﺣﺠﺎمُ واﻟﻤﮭﺎﻧﺔُ ،ﻓـﺈن رأى اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﮭﺎﻧﺔَ واﻹﺣﺠﺎمَ أﺧﺬ ﻓﻲ ﺗﺜﺒﯿﻄﮫ وإﺿﻌﺎف ھﻤّﺘﮫ وإرادﺗﮫ ﻋﻦ اﻟﻤﺄﻣﻮر ﺑﮫ وﺛﻘﻠﮫ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﮭﻮﱠن ﻋﻠﯿﮫ ﺗﺮﻛﮫ ﺣﺘﻰ ﯾﺘﺮﻛﮫ ﺟﻤﻠﺔً أو ﯾﻘﺼّﺮ ﻓﯿﮫ وﯾﺘﮭﺎون، وإن رأى اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﻗﻮّةَ اﻹﻗﺪام وﻋﻠﻮﱠ اﻟﮭﻤﱠﺔ أﺧﺬ ﯾﻘﻠّﻞ ﻋﻨﺪه اﻟﻤﺄﻣﻮرَ وﯾﻮھﻤﮫ أﻧﱠﮫ ﻻ ﯾﻜﻔﯿﮫ وأﻧﱠﮫ ﯾﺤﺘﺎج ﻣﻌﮫ إﻟﻰ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ وزﯾﺎدة ،ﻓﯿﻘﺼُﺮُ
١٢٣
ﺑﺎﻷوّل وﯾﺘﺠﺎوز ﺑﺎﻟﺜﺎﻧﻲ ...وﻗﺪ اﻗﺘﻄﻊ أﻛﺜ ُﺮ اﻟﻨﺎس إﻻّ أﻗﻞﱡ اﻟﻘﻠﯿﻞ ﻓﻲ ھﺬﯾﻦ اﻟﻮادﯾﯿﻦ وادي اﻟﺘﻘﺼﯿﺮ ،ووادي اﻟﻤﺠﺎوزة واﻟﺘﻌﺪّي ،واﻟﻘﻠﯿﻞُ ﻣﻨﮭﻢ ﺟﺪا اﻟﺜﺎﺑﺖُ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺮاط اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ رﺳﻮل اﷲ وأﺻﺤﺎﺑﮫ .(١)(( ... ﺛﻢ أﻃﺎل رﺣﻤﮫ اﷲ ﺑﻀﺮب أﻣﺜﻠﺔ ﻛﺜﯿﺮة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻦ ،ﯾﻨﻘﺴﻢ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ أﻗﺴﺎم :أھﻞ ﻏﻠﻮﱟ ،وأھﻞ ﺟﻔﺎء ،وأھﻞ ﺗﻮﺳﻂ واﻋﺘﺪال. إنﱠ اﻻﻋﺘﺪال ﻓﻲ اﻷﻣﻮر ﻛﻠﱢﮭﺎ ،واﻟﺘﻮﺳّﻂ ﻓﯿﮭﺎ ،واﻟﺒﻌﺪَ ﻋﻦ اﻟﻐﻠﻮﱢ واﻟﺠﻔﺎء ھﻮ اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻘﻮﯾﻢ واﻟﺼﺮاط اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻢ اﻟﺬي ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﺴﻠﻜَﮫ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻛﻤﺎ أﻣﺮھﻢ اﷲ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ ،وﻛﻤﺎ أﻣﺮھﻢ ﺑﺬﻟﻚ رﺳﻮﻟﮫ ،ﻓﺎﻟﺘﻮﺳّﻂ ﺣﻘﺎ واﻻﻋﺘﺪال ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١إﻏﺎﺛﺔ اﻟﻠّﮭﻔﺎن ).(١٣٦/١
١٢٤
ھﻮ اﻷﺧﺬُ ﺑﺎﻟﺤﺪﱢ اﻟﺬي ﺣﺪﱠه اﷲ ﻟﻌﺒﺎده ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﯾُﺪﺧﻞُ ﻓﯿﮫ ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻣﻨﮫ ،وﻻ ﯾُﺨﺮج ﻣﻨﮫ ﻣﺎ ھﻮ داﺧﻞ ﻓﯿﮫ ،ﻓﺒﮭﺬا اﻣﺘﺪح اﷲ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،وﺑﮭﺬا أﻣﺮھﻢ ،ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺇﺫﺍ ﺃﻧﻔﻘﻮﺍ ﱂ ﻳﺴﺮﻓﻮﺍ ﻭﱂ ﻳﻘﱰﻭﺍ ﻭﻛﺎﻥ ﺑﲔ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﺍﻣﺎ{ ]اﻟﻔﺮﻗﺎن ،[٦٧وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻻ ﲡﻌﻞ ﻳﺪﻙ ﻣﻐﻠﻮﻟﺔ ﺇﱃ ﻋﻨﻘﻚ ﻭﻻ ﺗﺒﺴﻄﻬﺎ ﻛﻞﱠ ﺍﻟﺒﺴﻂ ﻓﺘﻘﻌﺪ ﻣﻠﻮﻣﺎً ﳏﺴﻮﺭﺍً{ ]اﻹﺳﺮاء ،[٢٩وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﺁﺕ ﺫﺍ ﺍﻟﻘﺮﺑﻰ ﺣﻘﱠﻪ ﻭﺍﳌﺴﻜﲔ ﻭﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﻭﻻ ﺗﺒﺬﱢﺭ ﺗﺒﺬﻳﺮﺍً{ ]اﻹﺳﺮاء ،[٢٦وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻭﻛﻠﻮﺍ ﻭﺍﺷﺮﺑﻮﺍ ﻭﻻ ﺗﺴﺮﻓﻮﺍ{ ]اﻷﻋﺮاف ،[٣١وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: }ﻭﺍﻗﺼﺪ ﰲ ﻣﺸﻴﻚ ﻭﺍﻏﻀﺾ ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻚ{ ]ﻟﻘﻤﺎن .[١٩ وﻗﺪ ﺻﺢّ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ أﻧﱠﮫ ﻗﺎل: )) اﻟﻘﺼﺪَ اﻟﻘﺼﺪَ ﺗﺒﻠُﻐُﻮا (() ،(١أي :ﻋﻠﯿﻜﻢ ﺑﺎﻟﻘﺼﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر ﻓﻲ اﻷﻗﻮال واﻷﻓﻌﺎل ،واﻟﻘﺼﺪُ ھﻮ اﻟﻮﺳﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ ،وﺻﺢ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ أﻧﱠﮫ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ.(٦٤٦٣:
١٢٥
ﻗﺎل ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﻨﺪ وﻏﯿﺮه: )) ﻋﻠﯿﻜﻢ ھﺪﯾﺎً ﻗﺎﺻﺪاً ،ﻓﺈﻧﱠﮫ ﻣﻦ ﯾﺸﺎدﱠ اﻟﺪّﯾﻦ ﯾﻐﻠﺒُﮫ )(١ (( ،وﻛﺎن اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﯾﻘﻮل)) : اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﻻﺟﺘﮭﺎد ﻓﻲ ﺑﺪﻋﺔ (().(٢ ﻓﺪﯾﻦُ اﷲ وَﺳَﻂٌ ﺑﯿﻦ اﻟﻐﺎﻟﻲ ﻓﯿﮫ واﻟﺠﺎﻓﻲ ﻋﻨﮫ، وﺧﯿﺎر اﻟﻨﺎس ھﻢ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﺬﯾﻦ ارﺗﻔﻌﻮا ﻋﻦ ﺗﻘﺼﯿﺮ اﻟﻤﻔﺮﻃﯿﻦ ،وﻟﻢ ﯾﻠﺤﻘﻮا ﺑﻐﻠﻮّ اﻟﻤﻌﺘﺪﯾﻦ، ﺑﻞ ﻟﺰﻣﻮا ھﺪي ﺳﯿﱢﺪِ اﻟﻤﺮﺳﻠﯿﻦ وﺧﯿﺮةِ ربﱢ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ وﻗﺪوةِ اﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌﯿﻦ ﻣﺤﻤّﺪِ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﯿﮫ وﻋﻠﻰ آﻟﮫ وأﺻﺤﺎﺑﮫ أﺟﻤﻌﯿﻦ. ﻓﮭﺬه ﺟﻤﻠﺔٌ ﻣﻦ اﻟﺪروس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١أﺧﺮﺟﮫ أﺣﻤﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﻨﺪ ) ،(٣٥٠،٣٦١/٥وﺻﺤﺤﮫ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺠﺎﻣﻊ )رﻗﻢ.(٤٠٨٦: ) (٢رواه اﻟﻼﻟﻜﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﺷﺮح اﻻﻋﺘﻘﺎد ).(٨٨/١
١٢٦
اﻟﻤﻨﺘﻘﺎة واﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻤﺨﺘﺎرة ،واﻟﺘﻲ ﯾﻔﯿﺪھﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ ﺣﺠﱢﮭﻢ ﻟﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ،واﻟﺤﺞ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪّم ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﺪروس اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ واﻟﻌِﺒﺮ اﻟﺮاﺋﻌﺔ واﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻤﺆﺛﱢﺮة ،إﻻﱠ أنﱠ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺗﺤﺼﯿﻠﮭﺎ واﻛﺘﺴﺎﺑﮭﺎ ﻣﺘﻔﺎوﺗﻮن ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﺗﻌﻲ ﻗﻠﻮﺑُﮭﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﮭﻨﺎك ﻗﻠﺐٌ ﻛﺒﯿﺮٌ ﯾﺴﻊ ﻋﻠﻤﺎً ﻋﻈﯿﻤﺎً ،ﻛﻮادٍ ﻛﺒﯿﺮٍ ﯾﺴﻊ ﻣﺎءً ﻛﺜﯿﺮاً ،وﻗﻠﺐٌ ﺻﻐﯿﺮٌ ،ﻛﻮادٍ ﺻﻐﯿﺮٍ ﯾﺴﻊ ﻋﻠﻤﺎً ﻗﻠﯿﻼً ،وﻗﻠﺐٌ ﻻهٍ ﻏﺎﻓﻞ ﻏﻤﺮﺗﮫ اﻟﻐﻔﻠﺔُ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺪ اﻟﻌﻠﻢُ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻓﯿﮫ، واﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﺑﯿﺪ اﷲ وﺣﺪه ،ﻓﻨﺴﺄﻟﮫ أن ﯾﻤﻦﱠ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎﻓﻊ واﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ ،وأن ﯾﻌﻤﺮَ ﻗﻠﻮﺑَﻨﺎ ﺑﻄﺎﻋﺘﮫ ،إﻧﱠﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﺳﻤﯿﻊ اﻟﺪﻋﺎء ،وھﻮ أھﻞ اﻟﺮﺟﺎء ،وھﻮ ﺣﺴﺒﻨﺎ وﻧِﻌﻢ اﻟﻮﻛﯿﻞ.
١٢٧
١٢٨
• اﻹﺣﺴﺎن ﻓﻲ ﺗﻘﺮﯾﺐ ﺻﺤﯿﺢ اﺑﻦ ﺣﺒﺎن ،ﻻﺑﻦ ﺑَﻠﺒﺎن ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :ﺷﻌﯿﺐ اﻷرﻧﺆوط ،ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ )١٤١٤ھـ(. • أﺿﻮاء اﻟﺒﯿﺎن ﻓﻲ إﯾﻀﺎح اﻟﻘﺮآن ﺑﺎﻟﻘﺮآن، ﻟﻠﺸﯿﺦ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻣﯿﻦ اﻟﺸﻨﻘﯿﻄﻲ ،ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻜﺘﺐ، ﺑﯿﺮوت. • إﻏﺎﺛﺔ اﻟﻠﱠﮭﻔﺎن ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﯿﻄﺎن ،ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ، ﺗﺤﻘﯿﻖ :ﻣﺤﻤﺪ ﺳﯿﺪ ﻛﯿﻼﻧﻲ ،ﻣﻄﺒﻌﺔ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﺎﺑﻲ اﻟﺤﻠﺒﻲ. • اﻗﺘﻀﺎء اﻟﺼﺮاط اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻢ ﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ أﺻﺤﺎب اﻟﺠﺤﯿﻢ ،ﻻﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :د ـ ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ اﻟﻌﻘﻞ ،ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺮﺷﺪ ،اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ )١٤١١ھـ(. • ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﺼﻨﻌﺎﻧﻲ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :د ـ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺮﺷﺪ ،اﻷوﻟﻰ
١٢٩
)١٤١٠ھـ(. • ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻘﺮآن اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ﻻﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ ،ﻃﺒﻌﺔ دار اﻟﺸﻌﺐ. • اﻟﺘﻤﮭﯿﺪ ﻟﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﻃﺄ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ واﻷﺳﺎﻧﯿﺪ، ﻻﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺮ ،ﻣﻄﺒﻌﺔ ﻓﻀﺎﻟﺔ اﻟﻤﺤﻤﺪﯾﺔ )١٣٨٧ھـ(. • ﺗﮭﺬﯾﺐ اﻟﺴﻨﻦ ،ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ ،ﺑﮭﺎﻣﺶ ﻣﺨﺘﺼﺮ ﺳﻨﻦ أﺑﻲ داود ﻟﻠﻤﻨﺬري ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :ﺣﺎﻣﺪ اﻟﻔﻘﻲ، ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻤﺤﻤﺪﯾﺔ. • ﺗﮭﺬﯾﺐ اﻟﻜﻤﺎل ﻓﻲ أﺳﻤﺎء اﻟﺮﺟﺎل ،ﻟﻠﻤﺰي، ﺗﺤﻘﯿﻖ: د .ﺑﺸﺎر ﻋﻮاد ،ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ )١٤١٣ھـ(. • ﺗﯿﺴﯿﺮ اﻟﻌﺰﯾﺰ اﻟﺤﻤﯿﺪ ،ﻟﻠﺸﯿﺦ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻮھﺎب ،اﻟﻤﻜﺘﺐ اﻹﺳﻼﻣﻲ، ﺑﯿﺮوت ،اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ )١٣٩٧ھـ(.
١٣٠
• ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺒﯿﺎن ،ﻻﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ اﻟﻄﺒﺮي ،دار اﻟﻔﻜﺮ )١٤٠٥ھـ(. • اﻟﺠﻮاب اﻟﻜﺎﻓﻲ ﻟﻤﻦ ﺳﺄل ﻋﻦ اﻟﺪواء اﻟﺸﺎﻓﻲ، ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ ،دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ،ﺑﯿﺮوت ،اﻷوﻟﻰ )١٤٠٣ھـ(. • اﻟﺤﺞ ،ﻓﻀﻠﮫ وﻓﻮاﺋﺪه ،ﻟﻠﻮاﻟﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ اﻟﺸﯿﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺤﺴﻦ اﻟﻌﺒﺎد اﻟﺒﺪر ،ﺿﻤﻦ )ﻗﺒﺲ ﻣﻦ ھﺪي اﻹﺳﻼم( ،ﻣﻄﺎﺑﻊ اﻟﺮﺷﯿﺪ. • ﺣﻠﯿﺔ اﻷوﻟﯿﺎء وﻃﺒﻘﺎت اﻷﺻﻔﯿﺎء ،ﻷﺑﻲ ﻧﻌﯿﻢ، دار اﻟﻔﻜﺮ. • اﻟﺪر اﻟﻤﻨﺜﻮر ،ﻟﻠﺴﯿﻮﻃﻲ ،دار اﻟﻔﻜﺮ ،اﻷوﻟﻰ )١٤٠٣ھـ(. • زاد اﻟﻤﻌﺎد ﻓﻲ ھﺪي ﺧﯿﺮ اﻟﻌﺒﺎد ،ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ، ﺗﺤﻘﯿﻖ :ﺷﻌﯿﺐ اﻷرﻧﺆوط ،وﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر اﻷرﻧﺆوط، ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ )١٤٠٢ھـ(. • اﻟﺰھﺪ ،ﻟﻺﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :ﻣﺤﻤﺪ
١٣١
زﻏﻠﻮل ،دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺑﯿﺮوت ،اﻷوﻟﻰ )١٤٠٦ھـ(. • ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻷﺣﺎدﯾﺚ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ ،ﻟﻠﺸﯿﺦ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ، ط ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﺮﯾﺎض ،اﻟﻤﺠﻠﺪ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ )١٤٠٧ھـ( ،واﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ )١٤٠٨ھـ(. • ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻷﺣﺎدﯾﺚ اﻟﻀﻌﯿﻔﺔ ،ﻟﻠﺸﯿﺦ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ،ط ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﺮﯾﺎض ،اﻟﻤﺠﻠﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،اﻟﺮاﺑﻌﺔ )١٤٠٧ھـ(. • اﻟﺴﻨﻦ ،ﻷﺑﻲ داود ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :ﻋﺰت ﻋﺒﯿﺪ اﻟﺪﻋﺎس ،دار اﻟﺤﺪﯾﺚ )ﺣﻤﺺ ـ ﺳﻮرﯾﺔ(. • اﻟﺴﻨﻦ ،ﻻﺑﻦ ﻣﺎﺟﮫ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ وﺗﺮﻗﯿﻢ :ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺆاد ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺎﻗﻲ ،اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ )ﺑﯿﺮوت(. • اﻟﺴﻨﻦ ،ﻟﻠﺘﺮﻣﺬي ،دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ )ﺑﯿﺮوت( )١٤٠٨ھـ(. • اﻟﺴﻨﻦ ،ﻟﻠﻨﺴﺎﺋﻲ ،ط دار اﻟﺮﯾﺎن. • اﻟﺴﻨﻦ اﻟﻜﺒﺮى ،ﻟﻠﻨﺴﺎﺋﻲ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :د ـ ﻋﺒﺪ
١٣٢
اﻟﻐﻔّﺎر اﻟﺒﻨﺪاري ،وﺳﯿﺪ ﻛﺴﺮوي ،دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ )ﺑﯿﺮوت(١٤١١) ،ھـ(. • ﺷﺮح أﺻﻮل اﻋﺘﻘﺎد أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻟﻠﺤﺎﻓﻆ اﻟﻼﻟﻜﺎﺋﻲ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ ﺣﻤﺪان ،ط دار ﻃﯿﺒﺔ. • ﺷﺮح اﻟﺼﺪور ﺑﺘﺤﺮﯾﻢ رﻓﻊ اﻟﻘﺒﻮر، ﻟﻠﺸﻮﻛﺎﻧﻲ ،ﺿﻤﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻔﺮﯾﺪ ،ﻃُﺒﻊ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻘﺔ ﻣﺤﻤﺪ اﺑﻦ إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﻨﻌﻤﺎن. • ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري ،ﻟﻺﻣﺎم اﻟﺒﺨﺎري ،ط دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ،ﺑﯿﺮوت ،ط اﻷوﻟﻰ )١٤١٢ھـ(. • ﺻﺤﯿﺢ اﺑﻦ ﺧﺰﯾﻤﺔ ،ﻻﺑﻦ ﺧﺰﯾﻤﺔ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :د ـ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ اﻷﻋﻈﻤﻲ ،اﻟﻤﻜﺘﺐ اﻹﺳﻼﻣﻲ )ﺑﯿﺮوت(. • ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﺼﻐﯿﺮ ،ﻟﻠﺸﯿﺦ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ، اﻟﻤﻜﺘﺐ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ١٤٠٦) ،ھـ(. • ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ،ﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﻦ اﻟﺤﺠﺎج ،ﺗﺤﻘﯿﻖ:
١٣٣
ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺆاد ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺎﻗﻲ ،ط دار اﻟﺤﺪﯾﺚ. • ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري ﺷﺮح ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري ،ﻻﺑﻦ ﺣﺠﺮ ،دار اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﺑﯿﺮوت. • ﻓﺘﺢ اﻟﻘﺪﯾﺮ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑﯿﻦ ﻓﻨﻲ اﻟﺮواﯾﺔ واﻟﺪراﯾﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ،ﻟﻠﺸﻮﻛﺎﻧﻲ ،دار اﻟﻔﻜﺮ. • اﻟﻔﻮاﺋﺪ ،ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :ﺑﺸﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﯿﻮن، ﻧﺸﺮ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺒﯿﺎن ،اﻷوﻟﻰ )١٤٠٧ھـ(. • ﻣﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﻓﻀﻞ ﻋﺮﻓﺔ وﻣﺎ ﯾﺘﻌﻠّﻖ ﺑﮫ ،ﻻﺑﻦ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ ،دار اﻟﻘﺒﻠﺔ ،اﻷوﻟﻰ )١٤١٣ھـ(. • اﻟﻤﺠﻤﻮع ﺷﺮح اﻟﻤﮭﺬب ،ﻟﻠﻨﻮوي ،ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻣﺤﻤﺪ ﻧﺠﯿﺐ اﻟﻤﻄﯿﻌﻲ ،اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺑﺎﻟﻔﺠﺎﻟﺔ. • ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ،ﻟﺸﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ، ﺟﻤﻊ وﺗﺮﺗﯿﺐ :ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﺎﺳﻢ، ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻤﻌﺎرف ،اﻟﺮﺑﺎط. • اﻟﻤﺴﺘﺪرك ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﯿﺤﯿﻦ ،ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ اﻟﻨﯿﺴﺎﺑﻮري ،دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ.
١٣٤
• اﻟﻤﺴﻨﺪ ،ﻟﻺﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ،اﻟﻤﻜﺘﺐ اﻹﺳﻼﻣﻲ )ﺑﯿﺮوت(١٤٠٥) ،ھـ(. • اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﻜﺒﯿﺮ ،ﻟﻠﻄﺒﺮاﻧﻲ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :ﺣﻤﺪي ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺠﯿﺪ اﻟﺴﻠﻔﻲ ،دار إﺣﯿﺎء اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ )ﺑﯿﺮوت(. • اﻟﻤﻐﻨﻲ ،ﻻﺑﻦ ﻗﺪاﻣﺔ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ :د ـ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﺘﺮﻛﻲ ،ود ـ ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺤﻠﻮ ،ﻃﺒﻊ دار اﻟﮭﺠﺮة ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻘﺔ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﻤﻠﻜﻲ اﻷﻣﯿﺮ ﺗﺮﻛﻲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ آل ﺳﻌﻮد.
١٣٥
• ﺗﻘﺪﯾﻢ ﻓﻀﯿﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻓﻮزان اﻟﻔﻮزان ٥......................................... • • ﺑﯿﺎن أنﱠ اﻟﺤﺞ ﻣﺪرﺳﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ٧............... • ﻓﻲ ﺑﯿﺎن ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﻊ اﻟﺤﺞ ١٤.............. • اﻟﺪﻻﻻت اﻟﻌﻘﺪﯾﺔ ﻓﻲ اﻹھﻼل ﺑﺎﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ٢٢..... • دﻻﻟﺔ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺬﯾﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺮك ٢٩......
• ﻓﻲ ﺑﯿﺎن ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻤﺴﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﺘﻠﺒﯿﺔ
٣٧................................................. • ﻓﻲ اﻟﻄﻮاف ﺑﺒﯿﺖ اﷲ اﻟﺤﺮام ٤٤............... • ﺗﻘﺒﯿﻞ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد واﺳﺘﻼم اﻟﺮﻛﻦ اﻟﯿﻤﺎﻧﻲ ٥٢ • ﻓﻲ ﺑﯿﺎن وﺟﻮب ﻟﺰوم اﻟﺴﻨﺔ واﻷﺧﺬ ﺑﮭﺪي اﻟﺮﺳﻮل ٦٠.................................. • ﻓﻲ ﯾﻮم ﻋﺮﻓﺔ ٦٧................................. • وﺟﻮب اﻹﺧﻼص ﷲ ﻓﻲ اﻟﺬﺑﺢ ٧٥............. • ﻓﻲ ﺣﻠﻖ اﻟﺮأس ٨٢............................... • اﻹﺧﻼص ﷲ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎء ٨٩..................... • ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺬﯾﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﻠﻮﱢ ﻓﻲ اﻟﺪﱢﯾﻦ ٩٧.............
١٣٦
• ﻓﮭﺮس اﻟﻤﺮاﺟﻊ واﻟﻤﺼﺎدر ١٠٥............... • ﻓﮭﺮس اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت ١١١.......................