٣
اﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ،واﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻠﻤﺘﱠﻘﯿﻦ، واﻟﺼﻼةُ واﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ إﻣﺎم اﻟﻤﺮﺳَﻠﯿﻦ ،ﻧﺒﯿﱢﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ،وﻋﻠﻰ آﻟﮫ وﺻﺤﺒﮫ أﺟﻤﻌﯿﻦ. أﻣﱠﺎ ﺑﻌﺪ: ﻓﺈنﱠ ﻟﻠﻌﻘﯿﺪةِ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔِ اﻟﺼﺎﻓﯿﺔِ اﻟﻨﻘﯿﱠ ِﺔ اﻟﻤﺘﻠﻘﱠﺎة ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎبِ واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻣﻜﺎﻧﺔً ﻋﺎﻟﯿﺔً ورﻓﯿﻌﺔً ﻓﻲ اﻟﺪﯾﻦ ،ﺑﻞ إنﱠ ﻣﻨﺰﻟﺘَﮭﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﻨﺰﻟﺔُ اﻷﺳﺎس ﻣﻦ اﻟﺒُﻨﯿﺎن ،واﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ، واﻷﺻﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة ،ﻗﺎل ﺍ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :أَﻟَﻢْ ﺗَﺮَ ﻛَﯿْﻒَ ﺿَﺮَبَ ﺍ ُﻣَﺜَﻼً ﻛَﻠِﻤَﺔً ﻃَﯿﱢﺒَﺔً ﻛَﺸَﺠَﺮَةٍ ﻃَﯿﱢﺒَﺔٍ
٤
أَﺻْﻠُﮭَﺎ ﺛَﺎﺑِﺖٌ وَﻓَﺮْﻋُﮭَﺎ ﻓِﻲ اﻟﺴﱠﻤَﺎءِ{).(١ ﻓﮭﺬا ﺷﺄن اﻟﻌﻘﯿﺪة ،ﺷﺄنٌ ﻋﻈﯿﻢ ،وﻣﻜﺎﻧﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ ،وﻣﻨﺰﻟﺔ رﻓﯿﻌﺔ ،أﻣﺮھﺎ ﻣﺴﺘﻘﺮﱞ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس أھﻠﮭﺎ ،وﻛﺎﻣِﻦٌ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب أﺻﺤﺎﺑﮭﺎ، ﻓﻤﻨﮭﺎ ﯾﻨْﻄَﻠﻘﻮن ،وﻋﻠﯿﮭﺎ ﯾُﻌَﻮﱢﻟﻮن ،وﻷﺟﻠﮭﺎ ﯾُﻨﺎﺿِﻠﻮن ،ﺳَﻤَﺎ ﻗﺪرُھﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳِﮭﻢ ،وﻋَﻠَﺖ ﻣﻜﺎﻧﺘُﮭﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑِﮭﻢ ،ﻓﺘﻤﻜﱠﻨﺖ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻘﻠﻮب، واﺳﺘﻘﺮﱠت ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس ،ﻓﺘﺮﺗﱠﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ واﻧﺒﻨﻰ ﻋﻠﯿﮫ ﺻﻼحٌ ﻓﻲ اﻟﺴﱡﻠﻮك ،واﺳﺘﻘﺎﻣﺔٌ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﮭﺞ ،وﺗَﻤﺎمٌ ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎل ،ودأبٌ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔِ واﻟﻌﺒﺎدة ،وﻟﺰومُ أﻣﺮِ ﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻛﻠﱠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻘﯿﺪةُ أﻋﻈﻢَ ﺗَﻤﻜﱡﻨﺎً ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳِﮭﻢ ،وأﻗﻮى اﺳﺘﻘﺮاراً ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑِﮭﻢ ،ﻛﺎن ذﻟﻚ داﻓﻌﺎً ﻟﮭﻢ ﻟﻜﻞﱢ ﺧﯿﺮ ،ﻣُﻌﯿﻨﺎً ﻟﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة إﺑﺮاھﯿﻢ ،اﻵﯾﺔ.(٢٤) :
٥
ﻓﻼحٍ وﺻﻼحٍ واﺳﺘﻘﺎﻣﺔٍ. وﻣِﻦ ھﻨﺎ ﻋَﻈُﻤﺖ ﻋﻨﺎﯾﺘُﮭﻢ ﺑﮭﺎ ،وزاد اھﺘﻤﺎﻣُﮭﻢ ﺑﮭﺎ اھﺘﻤﺎﻣﺎً وﻋﻨﺎﯾﺔ ﻣﻘﺪﱠﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ اھﺘﻤﺎمٍ وﻋﻨﺎﯾﺔٍ ،ھﻲ ﻋﻨﺪھﻢ أھﻢﱡ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻣِﮭﻢ وﺷﺮاﺑﮭﻢ وﻟﺒﺎﺳِﮭﻢ وﺳﺎﺋﺮ ﺷﺆوﻧﮭﻢ؛ ﻷﻧﱠﮭﺎ ھﻲ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﺣﯿﺎة ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ، ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﯾَﺄَﯾﱡﮭﺎ اﻟﱠﺬِﯾﻦَ ءَاﻣَﻨُﻮا اﺳْﺘَﺠِﯿﺒُﻮا ﷲِ وَﻟِﻠﺮﱠﺳُﻮلِ إِذَا دَﻋَﺎﻛُﻢْ ﻟِﻤَﺎ ﯾُﺤْﯿِﯿﻜُﻢْ{).(١ ﻓﮭﻲ ﺣﯿﺎة ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ ﺣﻘﯿﻘﺔ ،وأﺳﺎسُ ﻧَﻤﺎ ِء أﻋﻤﺎﻟﮭﻢ ،واﺳﺘﻘﺎﻣﺔِ ﺳﻠﻮﻛﮭﻢ ،وﺣﺴﻦِ ﻧَﮭﺠِﮭﻢ وﻃﺮﯾﻘِﮭﻢ ،وﻟﮭﺬا ﻋَﻈُﻤﺖ ﻋﻨﺎﯾﺘُﮭﻢ ﺑﮭﺎ ﻋﻠﻤﺎً واﻋﺘﻘﺎداً ،وﻣﺎ ﯾﺘﺒﻊ ذﻟﻚ وﯾﺘﺮﺗﱠﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﺟﺪﱟ واﺟﺘﮭﺎدٍ واﺳﺘﻘﺎﻣﺔٍ وﻣﺤﺎﻓﻈﺔٍ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ ﺍ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻷﻧﻔﺎل ،اﻵﯾﺔ.(٢٤) :
٦
ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ. إنﱠ اﻟﻌﻘﯿﺪةَ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔَ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔَ اﻟﺼﱠﺎﻓﯿ َﺔ اﻟﻨﻘﯿﱠﺔَ ھﻲ أھﻢﱡ اﻟﻤُﮭﻤﱠﺎت ،وآﻛﺪُ اﻟﻮاﺟﺒﺎت، واﻟﻌﻨﺎﯾﺔُ ﺑﮭﺎ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﺗُﻘﺪﱠم ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﻋﻨﺎﯾﺔٍ واھﺘﻤﺎم ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺘﺄﻣﱠﻞ ﺳﯿﺮةَ ﺳﻠﻔﻨﺎ اﻷﺧﯿﺎر ـ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ وأﺳﻜﻨﮭﻢ اﻟﺠﻨﱠﺔ ،وﺟﺰاھﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺧﯿﺮ اﻟﺠﺰاء ـ ﻧﺮى ﻋِﻈَﻢ ﻋﻨﺎﯾﺘِﮭﻢ ﺑﺎﻟﻌﻘﯿﺪة ،وﺷِﺪﱠةَ اھﺘﻤﺎﻣِﮭﻢ ﺑﮭﺎ ،وأﻧﱠﮭﻢ ﯾُﻘﺪﱢﻣﻮﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻻھﺘﻤﺎم واﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ اﻷﻣﻮر ،ﻓﮭﻲ أﻋﻈﻢُ ﻣﻄﺎﻟﺒِﮭﻢ ،وﻏﺎﯾﺔُ ﻣﻘﺎﺻﺪِھﻢ ،وأَﻧﺒﻞُ وأﺷﺮفُ أھﺪاﻓﮭﻢ ،وﻗﺪ ﺗﻨﻮﱠﻋﺖ ﻋﻨﺎﯾﺘُﮭﻢ ﺑﺎﻟﻌﻘﯿﺪة ﻋَﺒﺮ ﻣﺠﺎﻻتٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔٍ وﺟﮭﻮدٍ ﻣﺘﻨﻮﱢﻋﺔ ،وﻣﻦ ﻋﻨﺎﯾﺘِﮭﻢ ﺑﮭﺎ وھﻮ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺣِﻔﻈِﮭﺎ وﺛﺒﺎﺗِﮭﺎ وﺑﻘﺎﺋﮭﺎ ،ﺗﺄﻟﯿﻔُﮭﻢ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺆﻟﱠﻔﺎت اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ،واﻟﻜﺘﺐَ اﻟﻤﻔﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺗُﻘﺮﱢرُ اﻟﻌﻘﯿﺪة،
٧
وﺗُﺒﯿﱢﻨﮭﺎ وﺗﻮﺿﱢﺤُﮭﺎ وﺗﺬﻛﺮ ﺷﻮاھﺪَھﺎ ودﻻﺋِﻠﮭﺎ، وﺗﺬُبﱡ ﻋﻨﮭﺎ ﻛﯿﺪَ اﻟﻜﺎﺋﺪﯾﻦ ،واﻋﺘﺪاءَ اﻟﻤُﻌﺘَﺪِﯾﻦ، وﺗﻌﻄﯿﻞَ اﻟﻤﻌﻄﱢﻠﯿﻦ ،وﺗﺤﺮﯾﻒَ اﻟﻐﺎﻟﯿﻦ ،وﻧﺤﻮَ ذﻟﻚ ﻣِﻤﱠﺎ ﻗﺪ ﯾُﺤﺎك ﺣﻮﻟﮭﺎ وﺗُﺴﺘﮭﺪف ﺑﮫ ،ﻓﻘﺎم اﻟﺴﱠﻠﻒُ ـ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ـ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻌﻈﯿﻢ ﺑﺠﮭﻮد ﺿﺨﻤﺔ ،وأﻋﻤﺎل ﻛﺒﯿﺮة ،ﺧﺪﻣﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿﺪة ،وﻧُﺼﺮة ﻟﮭﺎ ،وﻗﯿﺎﻣﺎً ﺑﺎﻟﻮاﺟﺐ اﻟﻌﻈﯿﻢ ﺗﺠﺎھﮭﺎ ،وﻛﺘﺒﻮا ﻓﯿﮭﺎ ﺑﯿﺎﻧﺎً وﺗﻮﺿﯿﺤﺎً، واﺳﺘﺸﮭﺎداً واﺳﺘﺪﻻﻻً ﻣﺌﺎت اﻟﻜﺘﺐ ،ﺑﻞ اﻵﻻف ﺑﯿﻦ ﻣﻄﻮﱠل وﻣﺨﺘﺼَﺮ ،وﺑﯿﻦ ﺷﺎﻣﻞ ﻟﺠﻤﯿﻊ أﺑﻮاﺑﮭﺎ ،وﻣﺨﺘﺺ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺒﮭﺎ ،ﺑﯿﻦ ﻣُﺆَﺻﱢﻞ ﻟﻠﺤﻖﱢ واﻟﺼﻮاب ،ورادﱟ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺨﺎﻟﻒ اﻟﻤﺮﺗﺎب ،ﺛﻢﱠ اﻟﻼﱠﺣﻖ ﻣﻨﮭﻢ ﯾﺄﺧﺬ اﻟﻌﻘﯿﺪةَ ﻋﻦ اﻟﺴﺎﺑﻖ واﺿﺤﺔً وﺿﻮح اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ راﺑﻌﺔ اﻟﻨﮭﺎر ،ﺑﯿﱢﻨﺔ ﻻ ﻟَﺒﺲ ﻓﯿﮭﺎ وﻻ
٨
ﻏﻤﻮض؛ ﻟﺼﺤﱠﺔِ ﺷﻮاھﺪھﺎ ،وﺳﻼﻣﺔِ دﻻﺋﻠﮭﺎ وﻗﻮﱠﺗﮭﺎ ،ووﺿﻮﺣﮭﺎ وﺑﯿﺎﻧﮭﺎ ،ﻓﺘﻮارﺛﮭﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن اﻟﻤﺘﱠﺒﻌﻮن ﺟﯿﻼً ﺑﻌﺪ ﺟﯿﻞ ،وﻗﺮﻧﺎً ﺑﻌﺪ ﻗﺮن ،ﻛﻞﱡ ﺟﯿﻞ ﯾﺄﺗﻲ ﯾﺘﻌﺎھﺪھﺎ ﺗﻌﺎھﺪاً ﻋﻈﯿﻤﺎً، وﯾﺮﻋﺎھﺎ رﻋﺎﯾﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﺛﻢﱠ ﯾُﺆدﱢﯾﮭﺎ إﻟﻰ ﻣَﻦ ﺑﻌﺪه ﻛﻤﺎ ھﻲ دون ﺗﻐﯿﯿﺮٍ أو ﺗﺒﺪﯾﻞ أو ﺗﺤﺮﯾﻒ أو ﻧﺤﻮِ ذﻟﻚ ،ﻓﯿﺄﺗﻲ اﻟﺠﯿﻞُ اﻟﺬي ﺑﻌﺪھﻢ ﻓﯿﻌﺘﻨِﻲ ﺑﮭﺎ ﻋﻨﺎﯾﺔَ أﺳﻼﻓﮫ ،وﯾﮭﺘﻢﱡ ﺑﮭﺎ اھﺘﻤﺎمَ ﻣَﻦ ﻗﺒﻠَﮫ ﻓﯿُﺤﺎﻓﻆُ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وھﻜﺬا ﺗﻮارﺛﺘﮭﺎ اﻟﻘﺮون ﺟﯿﻼً ﺑﻌﺪ ﺟﯿﻞ ،وﻻ ﺗﺰال ﻃﺎﺋﻔﺔٌ ﻣﻦ أﻣﱠﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖﱢ ﻣﻨﺼﻮرةً ﻻ ﯾﻀﺮﱡھﻢ ﻣَﻦ ﺧَﺬَﻟَﮭﻢ،وﻻ ﻣَﻦ ﺧﺎﻟَﻔﮭﻢ إﻟﻰ أن ﺗﻘﻮم اﻟﺴﺎﻋﺔ. وﻣﻮﺿﻮع ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ھﻮ ﻋﻦ ﺛﺒﺎت ھﺬه اﻟﻌﻘﯿﺪة ،ﻋﻘـﯿﺪة اﻟﺴﱠـﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟِﺢ ـ رﺣِﻤﮭﻢ ﺍ ـ وﺳﻼﻣﺘﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﯿﯿﺮات ﻋﺒﺮ ﻋﻤﺮ ﻣﺪﯾﺪ
٩
وزﻣﺎن ﻃﻮﯾﻞ ،ﺑﻘﯿﺖ ﺳﺎﻟِﻤﺔً ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔً، ﻓﺎﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ اﻟﻤﻠﺘﺰﻣﯿﻦ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،ھﻲ اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺘﻲ دﻋﺎ إﻟﯿﮭﺎ اﻟﻨﱠﺒِﻲﱡ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم، وھﻲ اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔُ وﻣَﻦ ﺗﺒﻌﮭﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن ،وﺗﻨﺎﻗﻠﻮھﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ، وﺗﻮارﺛﻮھﺎ إﻟﻰ أن وﺻﻠﺖ إﻟﻰ زﻣﺎﻧﻨﺎ ھﺬا ﺻﺎﻓﯿﺔ ﻧﻘﯿﱠﺔ. ﻧﻌﻢ ﺿﻞﱠ ﻋﻨﮭﺎ أﻗﻮامٌ ،واﻧﺤﺮف ﻋﻨﮭﺎ أﻧﺎسٌ ﻛﺜﯿﺮون ،ﺗﻔﺮﱠﻗﺖ ﺑﮭﻢ اﻟﺴﱡﺒُﻞ ،وﺣﺎدوا ﻋﻦ اﻟﺠﺎدﱠة اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ واﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻢ ،وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻨﱠﺒِﻲﱡ اﻟﻜﺮﯾﻢ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم إﻟﻰ أنﱠ ھﺬا ﺳﯿﻘﻊ وﺳﯿﻜﻮن ،ﻓﻘﺎل )) :إﻧﱠﮫ ﻣَﻦ ﯾﻌﺶ ﻣﻨﻜﻢ ﺑﻌﺪي ﻓﺴﯿﺮى اﺧﺘﻼﻓﺎً ﻛﺜﯿﺮاً ،ﻓﻌﻠﯿﻜﻢ ﺑﺴُﻨﱠﺘﻲ وﺳﻨﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﯾﻦ اﻟﻤﮭﺪﯾﯿﻦ ﻣﻦ
١٠
ﺑﻌﺪي ،ﺗَﻤﺴﱠﻜﻮا ﺑﮭﺎ وﻋﻀﻮا ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻨﻮاﺟﺬ، وإﯾﱠﺎﻛﻢ وﻣﺤﺪﺛﺎت اﻷﻣﻮر؛ ﻓﺈنﱠ ﻛﻞﱠ ﻣُﺤﺪَﺛﺔ ﺑﺪﻋﺔ ،وﻛﻞﱠ ﺑﺪﻋﺔٍ ﺿﻼﻟﺔ (() ،(١وﻗﺎل ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻵﺧﺮ: )) وﺳﺘﻔﺘﺮق ھﺬه اﻷُﻣﱠﺔُ ﻋﻠﻰ ﺛﻼث وﺳﺒﻌﯿﻦ ﻓﺮﻗﺔ ،ﻛﻠﱡﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر إﻻﱠ واﺣﺪة (() ،(٢ﻓﺮﻗﺔٌ واﺣﺪةٌ ﺳﻠِﻢ ﻟﮭﺎ دﯾﻨُﮭﺎ ،واﺳﺘﻘﺎم ﻟﮭﺎ ﻣﻨﮭﺠُﮭﺎ، وﺻﺢﱠ ﻟﮭﺎ ﻣﻌﺘﻘﺪُھﺎ؛ ﻷﻧﱠﮭﺎ أﺧﺬﺗﮫُ ﻣﻦ ﻧَﺒﻌِﮫ اﻟﺼﺎﻓﻲ ،وﻣَﻌِﯿﻨِﮫ اﻟﺬي ﻟَﻢ ﯾَﺸُﺒْﮫ أيﱡ ﻛَﺪَر، أﺧﺬﺗﮫ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ﺻﻠﻮات ﺍ وﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﻜﺎن ﺣﻈﱡﮭﻢ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎد وﺳﺎﺋﺮ ﺷﺆون اﻟﺪﱢﯾﻦ اﻟﺴﻼﻣﺔَ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﻜﻤﺔ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١رواه أﺑﻮ داود ) ،(٤٦٠٧واﻟﺘﺮﻣﺬي ).(٢٦٧٦ ) (٢رواه أﺣﻤﺪ ) ،(١٠٢/٤وأﺑﻮ داود )،(٤٥٩٧ وﺻﺤﺤﮫ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ ).(٢٠٣
١١
واﻟﺮﱢﻓﻌﺔ ،وﻛﺎﻧﻮا أﺣﻖﱠ ﺑﮭﺎ وأھﻠَﮭﺎ؛ ﻷﻧﱠﮭﻢ أﺧﺬوھﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﺪرھﺎ وﻣَﻨﺒَﻌﮭﺎ؛ ﻛﺘﺎب رﺑﱢﮭﻢ وﺳﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮭﻢ ،ﺳﻠﻤﮭﻢ ﺍ ﻓﻠﻢ ﺗﺨﻄﻔﮭﻢ اﻷھﻮاء ،وﻟﻢ ﺗﺘﻠﻘﱠﻔﮭﻢ اﻟﺸﱡﺒُﮭﺎت ،وﻟﻢ ﯾَﻤﯿﻠﻮا إﻟﻰ ﻋﻘﻮﻟﮭﻢ أو آراﺋﮭﻢ أو أذواﻗِﮭﻢ أو ﻣﻮاﺟﯿﺪھﻢ، أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ﻃﻠﺒﺎً ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺼﺤﯿﺢ، وإﻧﱠﻤﺎ ﻋﻮﱠﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ . وﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚﱟ أنﱠ ھﻨﺎك أﺳﺒﺎﺑﺎً ﻣﺘﻌﺪﱢدة ﻛﺎﻧﺖ داﻋﯿﺔً ﻟﺒﻘﺎء ھﺬه اﻟﻌﻘﯿﺪة وﺳﻼﻣﺘﮭﺎ واﺳﺘﻘﺮارھﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس أھﻠﮭﺎ ﺑﺘﻮﻓﯿﻖٍ ﻣﻦ اﻟﺮبﱢ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻓﮭﻮ اﻟﻤﻮﻓﱢﻖ وﺣﺪه واﻟﻤَﺎنﱡ ،ﺑﯿﺪه اﻟﻔﻀﻞ ﯾﺆﺗﯿﮫ ﻣﻦ ﯾﺸﺎء ،وﺍ ذو اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ﻓﺘﻮﻓﯿﻖ ﺍ وﺗﺴﺪﯾﺪه وھﺪاﯾﺘُﮫ وإﻋﺎﻧﺘُﮫ ﻟﮭﻢ ھﻮ أﻋﻈﻢُ أﻣﺮ ﺗﺤﻘﱠﻘﺖ ﺑﮫ ﺳﻼﻣﺘُﮭﻢ ،وﻛﺎن ﺑﮫ ﺑﻘﺎءُ ھﺬه اﻟﻌﻘﯿﺪة ﻓﻲ
١٢
ﻧﻔﻮﺳﮭﻢ ،وﺍ ﺧﯿﺮٌ ﺣﺎﻓﻈﺎً ،وھﻮ أرﺣﻢُ اﻟﺮاﺣﻤﯿﻦ. وﻟﮭﺬا ﯾﻠﺰم ﻛﻞﱠ ﻣﺴﻠﻢ أن ﯾُﻘﻮﱢي ﺻﻠﺘَﮫ ﺑﺎ، وأن ﯾﺴﺄﻟﮫ داﺋﻤﺎً اﻹﻋﺎﻧﺔ واﻟﺘﻮﻓﯿﻖ واﻟﺴﺪادَ واﻟﺴﻼﻣﺔَ؛ ﻷنﱠ اﻷﻣﺮَ ﺑﯿﺪه ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ }وَﻣَﺎ ﺗَﻮْﻓِﯿﻘِﻲ إِﻻﱠ ﺑِﺎ ِﻋَﻠَﯿْﮫِ ﺗَﻮَﻛﱠﻠْﺖُ وَإِﻟَﯿْﮫِ أُﻧِﯿﺐُ{).(١ ﻻ ﺷﻚﱠ أنﱠ ھﻨﺎك أﺳﺒﺎﺑﺎً ﻛﺜﯿﺮةً ﺑﻌﺪ ﺗﻮﻓﯿﻖ اﻟﺮﱠبﱢ ﺟﻞﱠ وﻋﻼ وﺣﻔﻈِﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﺜﺒﺎت ھﺬه اﻟﻌﻘﯿﺪة وﺑﻘﺎﺋﮭﺎ واﺳﺘﻘﺮارِھﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس أھﻠﮭﺎ ،وﺳﺒﺒﺎً ﻟﺴﻼﻣﺔ أھﻠﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﯿﱡﺮ واﻟﺘﻠﻮﱡن واﻻﻧﺤﺮاف ،وﻻ ﺷﻚﱠ أﯾﻀﺎً أنﱠ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﻊ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ واﻟﻤﻔﯿﺪ ﻟﮫ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ أن ﯾﻘﻒَ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺑﮭﺎ ﺛﺒﺎت اﻟﻌﻘﯿﺪة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة ھﻮد ،اﻵﯾﺔ.(٨٨) :
١٣
وﺳﻼﻣﺘﮭﺎ؛ ﻟﯿﺘﻌﺎھﺪھﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ،وﻟﯿﺮﻋﺎھﺎ أﺣﺴﻦ اﻟﺮﱢﻋﺎﯾﺔ ﻣﺴﺘﻌﯿﻨﺎً ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻛﻠﱢﮫ ﺑﺎ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ. وﻗﺪ ﺗﻠﺨﱠﺺ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺄﻣﱡﻞ واﻟﻨﱠﻈﺮ ﻟﻜﻼم أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ـ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ـ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب اﻟﻌﻈﯿﻢ أﺳﺒﺎﺑﺎً ﻛﺜﯿﺮةً أدﱠت إﻟﻰ ﺛﺒﺎت اﻟﻌﻘﯿﺪة ﻓﻲ ﻧﻔﻮس أھﻠﮭﺎ وأﺻﺤﺎﺑﮭﺎ ،وإﻟﻰ ﺑﻘﺎﺋﮭﺎ وﺳﻼﻣﺘﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﯿﱡﺮ واﻻﻧﺤﺮاف ،وأوﺟﺰ ﻣﺎ ﺗﯿﺴﱠﺮ ﻟﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﱢﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ: أوﱠﻻً :اﻋﺘﺼﺎمُ أھﻠﮭﺎ ﺑﻜﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ،وإﯾﻤﺎﻧُﮭﻢ ﺑﺠﻤﯿﻊ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،واﻋﺘﻘﺎدُھﻢ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﺑﺄنﱠ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻻ ﯾﺠﻮز ﺗﺮكُ ﺷﻲء ﻣﻨﮫ ،ﺑﻞ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﻣﺴﻠﻢ اﻹﯾﻤﺎنُ واﻟﺘﺼﺪﯾﻖُ ﺑﻜﻞﱢ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،ﻓﺂﻣَﻨﻮا
١٤
ﺑﺠﻤﯿﻊ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻤﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺧﺒﺎر ﻋﻦ ﺍ وأﺳﻤﺎﺋﮫ وﺻﻔﺎﺗﮫ ،وأﻧﺒﯿﺎﺋﮫ ،واﻟﯿﻮم اﻵﺧﺮ، واﻟﻘﺪر ،وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،آﻣﻨﻮا ﺑﮭﺎ إﯾﻤﺎﻧﺎً ﻣُﺠﻤﻼً وﻣﻔﺼﱠﻼً؛ إﯾﻤﺎﻧﺎً ﻣُﺠﻤﻼً ﺑﻜﻞﱢ ﻣﺎ أﺧﺒﺮ ﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﮫ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻹﯾﻤﺎن ،وإﯾﻤﺎﻧﺎً ﻣﻔﺼﱠﻼً ﺑﻜﻞﱢ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﮭﻢ ﻋﻠﻤُﮫ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ } إِﻧﱠﻤَﺎ اﻟﻤُﺆْﻣِﻨُﻮنَ اﻟﱠﺬِﯾﻦَ آﻣَﻨُﻮا ﺑِﺎ ِوَرَﺳُﻮﻟِﮫِ ﺛُﻢﱠ ﻟَﻢْ ﯾَﺮْﺗَﺎﺑُﻮا{) ،(١ھﺬا ﺷﺄﻧﮭﻢ ﻣﻊ ﺟﻤﯿﻊ ﻧﺼﻮص اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﱠﺔ، ﺳﻠﱠﻤﻮا ﺑﺎﻟﺠﻤﯿﻊ ،وآﻣﻨﻮا ﺑﺎﻟﺠﻤﯿﻊ ،وﺷﺄﻧﮭﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺑﻌﺾُ اﻟﺴﱠﻠﻒ )) :ﻣﻦ ﺍ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔُ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻮل اﻟﺒﻼغُ ،وﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺘﺴﻠﯿﻢُ (( ،وﻣَﻦ ﻛﺎن ﻣﻌﺘﺼﻤﺎً ﺑﻜﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ،ﻣﻌﻮﱢﻻً ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ ،ﻣﻌﺘﻤِﺪاً ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ ،ﻓﺈﻧﱠﮫ ﺑﺈذن ﺍ ﺗﺒﺎرك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات ،اﻵﯾﺔ.(١٥) :
١٥
وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺳﯿﻜﻮن ﺣﻠﯿﻔُﮫ اﻟﺜﺎﺑﺖ واﻟﺴﻼﻣﺔ واﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ واﻟﺒُﻌﺪ ﻋﻦ اﻻﻧﺤﺮاف. ﯾﻘﻮل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ ﺍ)) : ﺟِﻤﺎعُ اﻟﻔﺮﻗﺎن ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻖﱢ واﻟﺒﺎﻃﻞِ ،واﻟﮭُﺪى واﻟﻀﻼل ،واﻟﺮﱠﺷﺎد واﻟﻐﻲﱢ ،وﻃﺮﯾﻖ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﻨﺠﺎة وﻃﺮﯾﻖ اﻟﺸﻘﺎوةِ واﻟﮭﻼك؛ أن ﯾﺠﻌﻞ ﻣﺎ ﺑﻌﺚَ ﺍ ُﺑﮫ رﺳﻠَﮫ وأﻧﺰل ﺑﮫ ﻛﺘﺒَﮫ ھﻮ اﻟﺤﻖ اﻟﺬي ﯾﺠﺐُ اﺗﱢﺒﺎﻋﮫ ،وﺑﮫ ﯾﺤﺼﻞ اﻟﻔﺮﻗﺎن واﻟﮭُﺪى واﻟﻌﻠﻢ واﻹﯾﻤﺎن ،ﻓﯿُﺼﺪﱢق ﺑﺄﻧﱠﮫ ﺣﻖﱞ وﺻِﺪقٌ ،وﻣﺎ ﺳﻮاه ﻣﻦ ﻛﻼم ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎس ﯾﻌﺮض ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺈن واﻓﻘﮫ ﻓﮭﻮ ﺣﻖﱞ ،وإن ﺧﺎﻟﻔﮫ ﻓﮭﻮ ﺑﺎﻃﻞٌ ،وإن ﻟَﻢ ﯾﻌﻠﻢ ھﻞ ھﻮ واﻓﻘﮫ أو ﺧﺎﻟﻔﮫ؛ ﻟﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﻜﻼم ﻣُﺠﻤﻼً ﻻ ﯾﻌﺮف ﻣﺮاد ﺻﺎﺣﺒﮫ ،أو ﻗﺪ ﻋﺮف ﻣﺮادَه ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺮف ھﻞ ﺟﺎء اﻟﺮﱠﺳﻮل ﺑﺘﺼﺪﯾﻘﮫ أو ﺗﻜﺬﯾﺒﮫ، ﻓﺈﻧﱠﮫ ﯾُﻤﺴﻚ ﻓﻼ ﯾﺘﻜﻠﱠﻢ إﻻﱠ ﺑﻌﻠﻢ ،واﻟﻌﻠﻢُ ﻣﺎ ﻗﺎم
١٦
ﻋﻠﯿﮫ دﻟﯿﻞٌ ،واﻟﻨﺎﻓﻊُ ﻣﻨﮫ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﮫ اﻟﺮﺳﻮلُ (().(١ ھﺬه ﺧﻼﺻﺔ ﻃﺮﯾﻘﺔ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ـ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ـ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ﯾُﻌﻮﱢﻟﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ،وﺑﮭﺬا اﻟﺘﱠﻌﻮﯾﻞ ﻧﺎﻟﻮا اﻟﺴﱠﻼﻣﺔَ واﻟﺜﺒﺎتَ ،وﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم ـ رﺣﻤﮫ ﺍ ـ ﻓﻲ ﻣﻘﺎم آﺧﺮ؛ ﺑﻞ ﻛﺎن ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ ﯾﻘﻮل )) :ﻣَﻦ ﻓﺎرق اﻟﺪﻟﯿﻞَ ﺿﻞﱠ اﻟﺴﺒﯿﻞ ،وﻻ دﻟﯿﻞ إﻻﱠ ﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﮫ اﻟﺮﺳﻮل ،(٢)(( وﯾﻘﻮل اﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺰ ﻓﻲ ﺷﺮﺣﮫ ﻟﻠﻌﻘﯿﺪة اﻟﻄﺤﺎوﯾﺔ)) : ﻛﯿﻒ ﯾُﺮام اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻋﻠﻢِ اﻷﺻﻮل ﺑﻐﯿﺮ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﮫ اﻟﺮﱠﺳﻮل ،(٣)(( أي أنﱠ ھﺬا ﻏﯿﺮُ ﻣُﻤﻜﻦ ،وﻏﯿﺮُ ﻣﺘَﺄتﱟ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ﻻﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ ) ١٣٥/١٣ـ .(١٣٦ ) (٢اﻧﻈﺮ :ﻣﻔﺘﺎح دار اﻟﺴﻌﺎدة ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ )ص.(٩٠: ) (٣ﺷﺮح اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﻄﺤﺎوﯾﺔ )ص.(١٨:
١٧
ﻓﺈذاً ﺗﻌﻮﯾﻠُﮭﻢ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺍ ،وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم، واﻋﺘﻤﺎدُھﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﯿﮭﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﺒﺒﺎً ﻋﻈﯿﻤﺎً ﻟﺜﺒﺎت ﻋﻘﯿﺪﺗﮭﻢ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﺣﺪٌ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ﯾُﻨﺸﺊ اﻋﺘﻘﺎداً ﻣﻦ ﻗِﺒَﻞ ﻧﻔﺴﮫ ،أو ﯾﺄﺗﻲ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎدٍ أو دﯾﻦ ﻣﻦ رأﯾﮫ وذوْﻗﮫ وﻓِﻜﺮِه ،واﻟﺬﯾﻦ ﯾﻔﻌﻠﻮن ذﻟﻚ ھﻢ أھﻞ اﻷھﻮاء ،وﻟﮭﺬا ﯾُﻔﺎرﻗﮭﻢ اﻟﺜﺒﺎت وﯾﻜﺜﺮ ﻓﯿﮭﻢ اﻟﺘﻨﻘﱡﻞ واﻟﺘﻠﻮﱡن ،ﻛﻤﺎ ﺳﯿﺄﺗﻲ ﺑﯿﺎنُ ذﻟﻚ. أﻣﱠﺎ أھﻞُ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻓﺈﻧﱠﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﺣﺪٌ ﻣﻨﮭﻢ ﯾﻨﺸﺊ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻧﻔﺴﮫ ،ﺑﻞ ﺟﻤﯿﻌُﮭﻢ ﯾُﻌﻮﱢﻟﻮن وﯾﻌﺘﻤﺪون ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ . وھﻨﺎ أﻧﻘﻞ ﻛﻠﻤﺔً راﺋﻌﺔً ﻏﺎﯾﺔً ﻟﺸﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ ﺍ ﯾﻘﻮل ﻓﯿﮫ )) :ﻟﯿﺲ اﻻﻋﺘﻘﺎد
١٨
ﻟﻲ ،وﻻ ﻟِﻤَﻦ ھﻮ أﻛﺒﺮُ ﻣﻨﱢﻲ) ،(١ﺑﻞ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﯾُﺆﺧﺬ ﻋﻦ ﺍ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ ورﺳﻮﻟﮫ وﻣﺎ أﺟﻤﻊ ﻋﻠﯿﮫ ﺳﻠﻒُ اﻷﻣﱠﺔ ،ﯾُﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب ﺍ، وﻣﻦ أﺣﺎدﯾﺚ اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ وﻏﯿﺮھﻤﺎ ،ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﯾﺚ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ،وﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻋﻦ ﺳﻠﻒ اﻷﻣﱠﺔ (().(٢ وﯾﻘﻮل أﯾﻀﺎً رﺣﻤﮫ ﺍ )) :اﻋﺘﻘﺎد اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ رﺿﻲ ﺍ ﻋﻨﮫ واﻋﺘﻘﺎد ﺳﻠﻒ اﻹﺳﻼم ،ﻛﻤﺎﻟﻚ واﻟﺜﻮري واﻷوزاﻋﻲ واﺑﻦ اﻟﻤﺒﺎرك وأﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ وإﺳﺤﺎق ﺑﻦ راھﻮﯾﮫ ،وھﻮ اﻋﺘﻘﺎد اﻟﻤﺸﺎﯾﺦ اﻟﻤﻘﺘَﺪَى ﺑﮭﻢ ﻛﺎﻟﻔﻀﯿﻞ اﺑﻦ ﻋﯿﺎض وأﺑﻲ ﺳﻠﯿﻤﺎن اﻟﺪاراﻧﻲ وﺳَﮭﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١أي :ﻟﯿﺲ ﺷﺄﻧﻲ أن آﺗﻲ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎد ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ أﻧﺸﺌﮫ وأﺧﺘﺮﻋﮫ ،وﻻ أﯾﻀﺎً ﻣَﻦ ھﻮ أﻛﺒﺮ ﻣﻨﱢﻲ ﻛﺎﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ واﻟﺸﺎﻓﻌﻲ وﻣﺎﻟﻚ وﻏﯿﺮھﻢ ﻣﻦ أﺋﻤﱠﺔ اﻟﺪﱢﯾﻦ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﺣﺪٌ ﻣﻨﮭﻢ ﯾﻨﺸﺊ اﻋﺘﻘﺎداً ﻣﻦ ﻗِﺒَﻞ ﻧﻔﺴﮫ. ) (٢ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ).(٢٠٣/٣
١٩
اﻟﺘﺴﺘﺮي وﻏﯿﺮھﻢ ،ﻓﺈﻧﱠﮫ ﻟﯿﺲ ﺑﯿﻦ ھﺆﻻء اﻷﺋﻤﱠﺔ وأﻣﺜﺎﻟﮭﻢ ﻧﺰاع ﻓﻲ أﺻﻮل اﻟﺪﱢﯾﻦ، وﻛﺬﻟﻚ أﺑﻮ ﺣﻨﯿﻔﺔ رﺣﻤﺔ ﺍ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺈنﱠ اﻻﻋﺘﻘﺎدَ اﻟﺜﺎﺑﺖَ ﻋﻨﮫ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪِ واﻟﻘﺪَرِ وﻧﺤﻮِ ذﻟﻚ ﻣﻮاﻓﻖٌ ﻻﻋﺘﻘﺎد ھﺆﻻء ،واﻋﺘﻘﺎدُ ھﺆﻻء ھﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘﺎﺑﻌﻮن ﻟﮭﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن ،وھﻮ ﻣﺎ ﻧﻄﻖ ﺑﮫ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ (().(١ إذاً ھﺬا اﻷﺻﻞ اﻷول أو اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎت ھﺬه اﻟﻌﻘﯿﺪة ﻓﻲ ﻧﻔﻮس أھﻠﮭﺎ: اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ،وﺑﺪون اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ ﻻ ﺳﺒﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﺜﺒﺎت ،وﻻ إﻟﻰ اﻟﺴﻼﻣﺔِ واﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ. ﺛﺎﻧﯿﺎً :اﻋﺘﻘﺎدُھﻢ أي اﻟﺴﻠﻒ ـ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ـ أنﱠ اﻟﻜﺘﺎبَ واﻟﺴﱡﻨﱠﺔَ ﻣﺸﺘﻤﻼن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘَﺪ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ).(٢٥٦/٥
٢٠
اﻟﺤﻖﱢ ﻻ ﻧﻘﺺَ ﻓﯿﮭﻤﺎ ﺑﺄيﱢ وﺟﮫ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮه، ﻓﺈنﱠ اﻟﻤﻌﺘﻘَﺪَ اﻟﺤﻖ ﺑَﯿﱢﻦٌ ﺗَﻤﺎمَ اﻟﺒﯿﺎنِ ،وواﺿﺢٌ ﻛﺎﻣﻞ اﻟﻮﺿﻮح ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺍ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :اﻟﯿَﻮْمَ أَﻛْﻤَﻠْﺖُ ﻟَﻜُﻢْ دِﯾﻨَﻜُﻢْ{ أي :ﻋﻘﯿﺪة وﻋﺒﺎدة وﺳﻠﻮﻛﺎً} ،وَأَﺗْﻤَﻤْﺖُ ﻋَﻠَﯿْﻜُﻢْ ﻧِﻌْﻤَﺘِﻲ وَرَﺿِﯿﺖُ ﻟَﻜُﻢُ اﻹِﺳْﻼَمَ دِﯾﻨﺎً{).(١ ﻓﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﺔ ﺑُﯿﱢﻦ ﻓﯿﮭﻤﺎ ﻛﻞﱡ ﻣﺎ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﯿﮫ اﻟﻨﺎسُ ﻣِﻤﱠﺎ ﯾﺘﻌﻠﱠﻖ ﺑﺎﻻﻋﺘﻘﺎد ،وﻣﺎ ﯾﺘﻌﻠﱠﻖ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدة ،وﻣﺎ ﯾﺘﻌﻠﱠﻖ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ واﻷﺧﻼق واﻟﺴﻠﻮك ،ﺑﻞ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﺼﺤﯿﺢ ﻋﻦ اﻟﻨﱠﺒِﻲﱢ أﻧﱠﮫ ﻗﺎل )) :إﻧﱠﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻧَﺒِﻲﱞ ﻗﺒﻠﻲ إﻻﱠ ﻛﺎن ﺣﻘﺎ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺪلﱠ أﻣﱠﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ ﻣﺎ ﯾﻌﻠﻤﮫ ﻟﮭﻢ ،وﯾُﻨﺬرھﻢ ﺷﺮﱠ ﻣﺎ ﯾﻌﻠﻤﮫ ﻟﮭﻢ (().(٢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة :اﻟﻤﺎﺋﺪة ،اﻵﯾﺔ.(٣) : ) (٢ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ).(١٨٤٤
٢١
ﻓﻠﻤﱠﺎ آﻣﻦ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ إﯾﻤﺎﻧﺎً ﻛﺎﻣﻼً ،واﻗﺘﻨﻌﻮا اﻗﺘﻨﺎﻋﺎً ﺗﺎﻣﺎ ﺑﺄنﱠ دﯾﻨَﮭﻢ اﻋﺘﻘﺎداً وﻋﺒﺎدةً وﺳﻠﻮﻛﺎً ﺑُﯿﱢﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻏﺎﯾﺔَ اﻟﺒﯿﺎن ،اﻟﺘﺰﻣﻮا ﺗَﻤﺎمَ اﻻﻟﺘﺰام ،وﻋﻮﱠﻟﻮا ﻛﺎﻣﻞ اﻟﺘﻌﻮﯾﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ،وﻟﻢ ﯾﺤﺘﺎﺟﻮا أن ﯾﺮﺟﻌﻮا ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب إﻟﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ﺻﻠﻮات ﺍ وﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺜﺒﺘﻮا ﺗﻤﺎم اﻟﺜﺒﺎت ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ،ﻓﺘﺤﻘﱠﻖ ﻟﮭﻢ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺴﻼﻣﺔُ اﻟﺘﺎﻣﱠﺔُ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ. ﻗﺎل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ ﺍ)) : إنﱠ رﺳﻮلَ ﺍ ﺑﯿﱠﻦ ﺟﻤﯿﻊَ اﻟﺪﱢﯾﻦ؛ أﺻﻮﻟَﮫ وﻓﺮوﻋَﮫ ،ﺑﺎﻃﻨَﮫ وﻇﺎھﺮَه ،ﻋِﻠﻤَﮫ وﻋﻤﻠَﮫ ،ﻓﺈنﱠ ھﺬا اﻷﺻﻞ ھﻮ أﺻﻞُ أﺻﻮل اﻟﻌﻠﻢ واﻹﯾﻤﺎن، وﻛﻞّ ﻣَﻦ ﻛﺎن أﻋﻈﻢَ اﻋﺘﺼﺎﻣﺎً ﺑﮭﺬا اﻷﺻﻞ
٢٢
ﻛﺎن أوﻟَﻰ ﺑﺎﻟﺤﻖﱢ ﻋﻠﻤﺎً وﻋﻤَﻼً (().(١ وﯾﻘﺼﺪ ﺑﮭﺬا اﻷﺻﻞ أي اﻟﺘﻌﻮﯾﻞ اﻟﺘﺎﱠمﱡ، واﻻﻋﺘﻤﺎد اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ؛ ﻷﻧﱠﮭﻤﺎ ﻗﺪ ﺑُﯿﱢﻦ ﻓﯿﮭﻤﺎ اﻟﺪﱢﯾﻦُ ﻛﻠﱡﮫ ﻋﻘﯿﺪةً وﻋﺒﺎدةً وﺳﻠﻮﻛﺎً. ﻟﻘﺪ ﺑُﯿﱢﻦ ﻓﯿﮭﻤﺎ اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ اﻟﯿﺴﯿﺮة اﻟﻤﺘﻌﻠﱢﻘﺔ ﺑﺎﻵداب ،ﻛﺂداب ﻗﻀﺎء اﻟﺤﺎﺟﺔ ،وآداب اﻟﻄﮭﺎرة ،وآداب اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،ﻓﮭﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﺗُﺒَﯿﱠﻦ ﻓﯿﮭﻤﺎ ھﺬه اﻵداب اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ، وﯾُﺘﺮك اﻻﻋﺘﻘﺎد دون أن ﯾُﺒﯿﱠﻦ؟! ھﺬا ﻣُﺤﺎلٌ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ أﻧﺲ إﻣﺎم دار اﻟﮭﺠﺮة رﺣﻤﮫ ﺍ )) :ﻣُﺤﺎلٌ أن ﯾﻜﻮن اﻟﻨﱠﺒِﻲﱡ ﺑﯿﱠﻦ ﻟﻸﻣﺔ ﻛﻞﱠ ﺷﻲءٍ ﺣﺘﻰ اﻟﺨِﺮاءةَ وﻻ ﯾﻜﻮن ﺑﯿﱠﻦ ﻟﮭﻢ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ((. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ).(١٥٥/١٩
٢٣
وﻟﮭﺬا ﻓﺎﻟﻘﺮآن واﻟﺴﱡﻨﺔ ﻣﺸﺘﻤﻼن ﻋﻠﻰ اﻟﺨﯿﺮ ﻛﻠﱢﮫ ،واﻟﮭﺪى ﻛﻠﱢﮫ ،واﻟﺮﺷﺎد ﺟﻤﯿﻌﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﯿﺪة واﻟﻌﺒﺎدة واﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ واﻷﺧﻼق ،وﺣﻆﱡ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﻼﻣﺔ واﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﺣﻈﱢﮫ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻣﺎﻟﻚ رﺣﻤﮫ ﺍ )) :اﻟﺴﱡﻨﱠﺔُ ﺳﻔﯿﻨﺔُ ﻧﻮح، ﻣَﻦ رﻛﺒﮭﺎ ﻧﺠﺎ وﻣَﻦ ﺗﺮﻛﮭﺎ ﻏﺮق ((. ﺛﺎﻟﺜﺎً :ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎت اﻟﻌﻘﯿﺪة ﻓﻲ ﻧﻔﻮس أھﻠﮭﺎ؛ أنﱠ أھﻞَ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻘﺮﱠ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﮭﻢ أﻧﱠﮭﻢ ﻓﻲ ﺣﺎل وﻗﻮع أيﱢ ﻧﺰاع أو ﺧﻼف أو ﻧﺤﻮِ ذﻟﻚ ﻻ ﯾُﻌﻮﱢﻟﻮن ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ،وﻻ ﯾﺮﺟﻌﻮن إﻟﻰ ﺷﻲء إﻻﱠ إﻟﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ،وھﻢ ﯾﻌﻠﻤﻮن ﻋﻠﻢ اﻟﯿﻘﯿﻦ أنﱠ اﻟﻨﺰاعَ واﻟﺨﻼف وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ﻻ ﯾﺘﻢﱡ ﺣﻠﱡﮫ ورﻓﻊُ اﻹﺷﻜﺎل ﻓﯿﮫ إﻻﱠ ﺑﺎﻻﻋﺘﻤﺎدِ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ
٢٤
وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺍ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻓﺈن ﺗَﻨَﺎزَﻋْﺘُﻢْ ﻓﻲ ﺷَﻲْءٍ ﻓَﺮُدﱡوهُ إﻟﻰ ﺍ ِوَاﻟﺮﱠﺳُﻮلِ إِن ﻛُﻨﺘُﻢْ ﺗُﺆْﻣِﻨُﻮنَ ﺑِﺎ ِوَاﻟﯿَﻮْمِ اﻵﺧِﺮِ ذَﻟِﻚَ ﺧَﯿْﺮٌ وَأَﺣْﺴَﻦُ ﺗَﺄْوِﯾﻼً{).(١ وﻣﺎ ﻣِﻦ ﺷﻚﱟ أنﱠ ﻣَﻦ ﻛﺎن ھﺬا ﺷﺄﻧُﮫ ﻣﻌﻮﱢ ً ﻻ ﻓﻲ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﯾﻘﻊ ﻓﯿﮭﺎ ﺧﻼفٌ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب رﺑﱢﮫ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،ﻓﺈنﱠ ﺣﻠﯿﻔﮫ اﻟﺜﺒﺎت واﻟﺴﻼﻣﺔ وﻋﺪم اﻻﺿﻄﺮاب واﻟﺘﺬﺑﺬب ،ﻓﮭﻢ داﺋﻤﺎً ﯾُﻌﻮﱢﻟﻮن ﻓﻲ أﻣﻮر اﻟﻨﺰاع وﻓﯿﻤﺎ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻓﯿﮫ اﻟﻨﺎسُ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ،وﻣِﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮم واﻟﻤﺘﻘﺮﱠر أنﱠ ﻛﻞﱠ ﻧﺰاع ﯾﻘﻊ أو ﺧﻼف ﯾﻮﺟﺪ ﻻ ﺣﻞﱠ ﻟﮫ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس إﻻﱠ ﺑﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء ،اﻵﯾﺔ.(٥٩) :
٢٥
وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ؛ ﻷنﱠ اﻵراءَ ﻣﺘﺒﺎﯾﻨﺔٌ ،واﻟﻌﻘﻮ َ ل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔٌ ،ووﺟﮭﺎت اﻟﻨﻈﺮ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪةٌ ،ﻓﻼ ﻣﺠﺎلَ ﻟﺤﻞﱢ اﻟﻨﺰاع ورﻓﻊ اﻟﺨﻼف إﻻﱠ إذا ﻋﺎد اﻟﺠﻤﯿﻊُ ﻋﻮدةً ﺻﺎدﻗﺔً ورﺟﻌﻮا رﺟﻮﻋﺎً ﺣﻤﯿﺪاً إﻟﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ .
ﻓﮭﺬا ﺳﺒﺐٌ ﻋﻈﯿﻢٌ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎت أھﻞ اﻟﺤﻖﱢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖﱢ. راﺑﻌﺎً :ﺳﻼﻣﺔ ﻓﻄﺮﺗِﮭﻢ ،واﻟﻔﻄﺮة ﻧﻌﻤﺔٌ ﻣﻦ ﺍ ﻋﺰﱠ وﺟﻞﱠ ،وﻣِﻨﱠﺔٌ ﻣﻨﮫ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎده ،وھﻮ ﺟﻞﱠ وﻋﻼ ﺗﻔﻀﱠﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎده وﻣَﻦﱠ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﺑﺄن ﺧﻠﻘﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌَﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻄﺮة، ﻛﻤﺎ ﻗﺎل رﺳﻮل ﺍ )) : ﻛﻞﱡ ﻣﻮﻟﻮد ﯾﻮﻟَﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔِﻄﺮة ،ﻓﺄﺑﻮاه ﯾُﮭﻮﱢداﻧﮫ أو ﯾُﻨﺼﱢﺮاﻧﮫ أو
٢٦
ﯾُﻤﺠﱢﺴﺎﻧﮫ (() ،(١ﻓﺨﻠﻘﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻄﺮة ،وأھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﺑﻘﯿﺖ ﻓﻄﺮﺗُﮭﻢ ﺳﺎﻟِﻤﺔً ﻟﻢ ﺗﺘﻐﯿﱠﺮ ،ﺣﻔﻈَﮭﺎ ﺍ ُﻟﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﯿﱡﺮ واﻟﺘﺒﺪﱡل واﻻﻧﺤﺮاف ،وﺑﻘﯿﺔ اﻟﻨﺎس ﺗﻠﻮﱠﺛﺖ ﻓﻄﺮُھﻢ ،وﻟَﺤِﻘَﮭﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاف ﻣﺎ ﻟَﺤﻘَﮭﺎ ،ﺑﯿﻦ ﻣُﻘﻞﱟ وﻣﺴﺘﻜﺜﺮ. وﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻘﺪﺳﻲ ﯾﻘﻮل ﺍ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﺧﻠﻘﺖُ ﻋﺒﺎدي ﺣﻨﻔﺎءَ ﻛﻠﱠﮭﻢ ،وإﻧﱠﮭﻢ أﺗﺘﮭﻢ اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ ﻓﺎﺟﺘﺎﻟﺘﮭﻢ ﻋﻦ دﯾﻨِﮭﻢ (() ،(٢وﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ ﯾﻘﻮل ﺍ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :وَإﻧﱠﮭَﻢْ ﻟَﯿَﺼُﺪﱡوﻧَﮭُﻢْ ﻋَﻦِ اﻟﺴﱠﺒِﯿﻞِ وَﯾَﺤْﺴَﺒُﻮنَ أَﻧﱠﮭُﻢْ ﻣُﮭْﺘَﺪُونَ{) ،(٣ﻓﺎﻟﺸﯿﻄﺎن وﺟﻨﺪُه ﺻﺮﻓﻮا اﻟﻨﺎسَ وﺣﺮﱠﻓﻮھﻢ ﻋﻦ ﻓﻄﺮھﻢ. ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري ).(١٣٨٥ ) (٢ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ )رﻗﻢ.(٢٣٦٥: ) (٣ﺳﻮرة اﻟﺰﺧﺮف ،اﻵﯾﺔ.(٣٧) :
٢٧
وﻟﮭﺬا ﻓﺈنﱠ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﺜﺒﺎت أن ﯾﺠﺘﮭﺪ اﻹﻧﺴﺎنُ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺔِ ﻓِﻄﺮﺗِﮫ ﻄﺮَةَ ﺍ ِاﻟﱠﺘِﻲ ﻓَﻄَﺮَ اﻟﻨﱠﺎسَ ﻋَﻠَﯿْﮭَﺎ ﻻَ ﺗَﺒْﺪِﯾﻞَ }ﻓِ ْ ﻟِﺨَﻠْﻖِ ﺍ ِذَﻟِﻚَ اﻟﺪﱢﯾﻦُ اﻟﻘَﯿﱢﻢُ وَﻟَﻜِﻦﱠ أَﻛْﺜَﺮَ اﻟﻨﱠﺎسِ ﻻَ ﯾَﻌْﻠَﻤُﻮنَ{) ،(١وﺳﻼﻣﺔُ اﻟﻔﻄﺮة ﻣﺮﺗﺒﻄﺔٌ ﺑﺴﻼﻣﺔِ اﻟﻤﺼﺪر ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﺻﺎﺣﺐُ اﻟﻔﻄﺮة اﻟﺴﻠﯿﻤﺔ ﻣﺴﺘﻨﺪاً وﻣﻌﺘﻤﺪاً ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب رﺑﱢﮫ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،ﻓﺈنﱠ ﻓﻄﺮﺗَﮫ ﻻ ﺗﺘﺒﺪﱠل ،وإن ﺳَﻠﱠﻢَ ﻓﻄﺮﺗَﮫ ﻟﻸھﻮاء اﻟﻤﺮدﯾﺔ واﻟﺸﺒﮭﺎت اﻟﻤﻔﺴﺪة واﻵراء اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ واﻟﺘﻜﻠﱡﻔﺎت اﻟﺒﻌﯿﺪة وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ اﻧﺤﺮﻓﺖ ﻓﻄﺮﺗﮫ.
ﺧﺎﻣﺴﺎً :ﺻﺤﱠﺔ ﻋﻘﻮﻟﮭﻢ؛ ﻓﺄھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ أﺣﺴﻦُ اﻟﻨﺎس ﻋﻘﻮﻻً ،وأﺳﻠﻤُﮭﻢ رأﯾﺎً وﻓِﻜﺮاً وﻣﻨﮭﺠﺎً ،ﻟﮭﻢ ﻋﻘﻮلٌ راﺟﺤﺔ ،ﻟﯿﺲ ﻓﯿﮭﺎ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻟﺮوم ،اﻵﯾﺔ.(٣٠) :
٢٨
ﻏﻠﻮﱞ أو ﺟﻔﺎء ﻛﻤﺎ ھﻮ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ ﻏﯿﺮھﻢ ﻣﻦ أھﻞ اﻷھﻮاء واﻟﺒﺪع ،ﻓﺄھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻟﯿﺲ ﻋﻨﺪھﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮل ﻏﻠﻮﱞ ﻛﻤﺎ ﯾُﺮى واﺿﺤﺎً ﻓﻲ أرﺑﺎب اﻟﻜﻼم واﻟﻤﺘﻔﻠﺴﻔﺔ وﻣَﻦ ﻟَﻒﱠ ﻟﻔﱠﮭﻢ ،وﺳﺎر ﻋﻠﻰ ﻣﻨﮭﺠﮭﻢ ﻣِﻤﱠﻦ ﯾُﻨﺤﱢﻲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﺟﺎﻧﺒﺎً، وﯾﻌﺘﻤﺪ ﺗَﻤﺎم اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﮫ وﻓِﻜﺮِه وراﯾِﮫ ،ﻓﻤﺎ رآه ﺻﺤﯿﺤﺎً ﺑﻌﻘﻠﮫ اﻋﺘﻤﺪه ،وﻣﺎ رآه ﺑﺨﻼف ذﻟﻚ ﺗﺮﻛﮫ ،وإن ﻛﺎن ﻗﺎﻟﮫ ﺍ أو ﻗﺎﻟﮫ رﺳﻮل ﺍ ؛ ﻷنﱠ اﻟﻤُﻌﻮﱠلَ ﻋﻨﺪه واﻟﻌِﺒﺮةَ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻮﺻﱠﻠﺖ إﻟﯿﮫ اﻟﻌﻘﻮلُ واﻵراء. وﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮم أنﱠ ﻋﻘﻮلَ اﻟﻨﺎسِ ﻟﯿﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻞ رﺟﻞ واﺣﺪ ،وﻟﮭﺬا ﻟَﻤﱠﺎ ﻛﺎن اﻻﻋﺘﻤﺎدُ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻨﺪ ﻓﺌﺎتٍ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﻜﺜﺮة اﻻﻧﺤﺮاف وﻛﺜﺮة اﻵراء واﻟﻤﺬاھﺐ؛ ﻷنﱠ اﻟﻌﻘﻮلَ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔٌ ،وﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺑﻌﺾُ اﻟﺴﱠﻠﻒ )) :ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻷھﻮاء ھﻮى
٢٩
واﺣﺪاً ﻟﻘﯿﻞ إﻧﱠﮫ اﻟﺤﻖﱡ ،وﻟﻜﻨﱠﮭﺎ أھﻮاء (( ،وﻛﺬﻟﻚ ﻧﻘﻮل :ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻘﻮلُ ﻋﻘﻼً واﺣﺪاً ﻟﻘﯿﻞ إﻧﱠﮫ اﻟﺤﻖﱡ ،وﻟﻜﻨﱠﮭﺎ ﻋﻘﻮلٌ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔٌ. وھﺆﻻء ﯾُﻘﺪﱢﻣﻮن ﻋﻘﻠَﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﮫ اﻟﺮﺳﻮل ،وﯾﺠﻌﻠﻮن اﻟﻌُﻤﺪةَ اﻟﻌﻘﻞَ ،ﻓﻌﻠﯿﮫ ﯾُﻌﻮﱢﻟﻮن ،وﻗﺪ أﻟﺰﻣﮭﻢ أﺣﺪُ اﻟﺴﱠﻠﻒ ﻗﺪﯾﻤﺎً ﺑﺄنﱠ ﻣِﻦ ﻻزمِ ﻗﻮل ھﺆﻻء أن ﯾﻘﻮل أﺣﺪُھﻢ :أﺷﮭﺪ أنﱠ ﻋﻘﻠﻲ رﺳﻮلُ ﺍ ،ﺑﺪﻻً ﻣﻦ أن ﯾﻘﻮل أﺷﮭﺪ أنﱠ ﻣﺤﻤﺪاً رﺳﻮلُ ﺍ ؛ ﻷنﱠ اﻟﻤﻌﻮﱠل واﻟﻤﻌﺘﺪﱠ ﻋﻠﯿﮫ ﻋﻨﺪه ﻋﻘﻠﮫ. ﻓﮭﺬا ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﺤﺮفٌ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ،وھﻮ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻐﻠﻮﱢ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ورﻓﻌﮫ ﻓﻮق ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ، وھﻨﺎك ﺟﺎﻧﺐٌ آﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻨﺤﺮفٌ وھﻮ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺠﻔﺎء ،وھﺬا ﯾﻜﺜﺮ ﻓﻲ ﺿُﻼﱠل اﻟﻤﺘﺼﻮﱢﻓﺔ وﺟُﮭﱠﺎﻟﮭﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﯾُﻨﺤﱡﻮن ﻋﻘﻮﻟَﮭﻢ
٣٠
ﺟﺎﻧﺒﺎً ،ﺛﻢ ﯾَﺪﺧﻠﻮن ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺘﺼﻮﱡف إﻟﻰ أﻣﻮر ﯾُﺴﻤﱡﻮن ﺑﻌﻀﮭﺎ ﺑﺎﻟﺠﺬب أو اﻟﺸﻄﺢ أو اﻟﺠﻨﻮن أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،ﻓﯿﻘﻌﻮن ﻓﻲ أﻧﻮاع ﻗﺒﯿﺤﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاﻓﺎت ﻻ ﯾﻘﺒﻠُﮭﺎ ﻋﻘﻞٌ وﻻ ﯾﺮﺗﻀﯿﮭﺎ ﻓﻜﺮٌ وﯾﺄﻧﻒ ﻣﻨﮭﺎ ﻛﻞﱡ إﻧﺴﺎن ،ﯾﻘﻌﻮن ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻨﺤﯿﺘﮭﻢ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻌﻘﻞ. وأھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ أھﻞ ﺗﻮﺳﱡﻂ واﻋﺘﺪال ،ﻓﻼ ﯾﺘﺠﺎوزون ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﺣﺪﱠه ،وﻻ ﯾُﻨﺤﱡﻮﻧﮫ وﯾُﻠﻐﻮﻧﮫ ،ﺑﻞ ﯾﻀﻌﻮن اﻟﻌﻘﻞَ ﻓﻲ ﺣﺪوده وأُﻃُﺮِه اﻟﻤﺤﺪﱠدة ،وﻛﻤﺎ أنﱠ ﺳﻤﻊَ اﻹﻧﺴﺎنِ ﻟﮫ ﺣﺪﱞ ﻣﻌﯿﱠﻦ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺘﺠﺎوزه، وﻛﺬﻟﻚ ﺑﺼﺮَه وﺳﺎﺋﺮَ ﺣﻮاﺳﱢﮫ ،ﻓﻜﺬﻟﻚ اﻟﻌﻘﻞ. ﻓﺎﻟﻌﻘﻞُ ﻟﮫ ﺣﺪﱞ ﻣﻌﯿﱠﻦ ،ﻓﻤَﻦ ﺣﺎول أن ﯾُﻘﺤِ َﻢ ﻋﻘﻠَﮫ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ ﺣﺪوده وﻣﺠﺎﻟﮫ ﯾﻀﻞﱡ ﻛﻤﺎ ﺿﻞﱠ أﻗﻮامٌ ﻛﺜﯿﺮون.
٣١
وﻟﮭﺬا ﺻﺤﱠﺖ ﻋﻘﻮل أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،وﺳﻠِﻤﺖ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاف؛ ﻷﻧﱠﮭﻢ أﻋﻤَﻠﻮھﺎ ﻓﻲ ﺣﺪودھﺎ اﻟﻤﻌﯿﱠﻨﺔ ،وﻟﻢ ﯾُﮭﻤﻠﻮھﺎ }إِنﱠ ﻓِﻲ ﺧَﻠْﻖِ اﻟﺴﱠﻤَﻮَاتِ وَاﻷَرْضِ وَاﺧْﺘِﻼَفِ اﻟﱠﯿْﻞِ وَاﻟﻨﱠﮭَﺎرِ ﻵﯾَﺎتٍ ﻷوﻟِﻲ اﻷَﻟْﺒَﺎبِ{) (١ﻓﮭﻢ أوﻟﻮا اﻷﻟﺒﺎب اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ واﻟﻌﻘﻮل اﻟﺮاﺟﺤﺔ، وَﺿﻌﻮا ﻋﻘﻮﻟَﮭﻢ ﻓﻲ ﺣﺪﱢھﺎ اﻟﻤﺤﺪود وﻣﺠﺎﻟﮭﺎ اﻟﻤﻌﯿﱠﻦ ،دون ﻏﻠﻮﱟ أو ﺟﻔﺎء ،أو إﻓﺮاطٍ أو ﺗﻔﺮﯾﻂ ،أو زﯾﺎدة أو ﻧﻘﺼﺎن ،ﻓﮭﺬا أﻣﺮ ﻋﻈﯿﻢ ﻛﺎن ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎت ھﺆﻻء ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖﱢ. ﺳﺎدﺳﺎً :ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎت ﻋﻘﯿﺪﺗﮭﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﮭﻢ وﺳﻼﻣﺘﮭﺎ؛ أنﱠ ﻧﻔﻮسَ أھﻞ اﻟﺴﻨﱠﺔ اﻃﻤﺄﻧﱠﺖ ﺑﮭﺬه اﻟﻌﻘﯿﺪة ﻏﺎﯾﺔَ اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ،ﯾﺸﻌﺮ ﻛﻞﱡ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﺑﺮاﺣﺔٍ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﮫ ،وﻃﻤﺄﻧﯿﻨﺔٍ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ،وأُﻧﺲٍ وﺳﻌﺎدةٍ ،ﺑﻞ وﻓﺮحٍ وﻟﺬﱠةٍ ﺑﮭﺬا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة آل ﻋﻤﺮان ،اﻵﯾﺔ.(١٩١) :
٣٢
اﻟﻤﻌﺘﻘَﺪ اﻟﺤﻖﱢ اﻟﺬي أﻧﻌﻢ ﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﮫ ،وھﺬا أﻣﺮٌ ﻻ ﯾَﺠِﺪه أيﱡ ﺻﺎﺣﺐ ھﻮى ،وھﯿﮭﺎت أن ﯾَﺠﺪه ،وﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻘﻮل} :اﻟﱠﺬِﯾﻦَ آﻣَﻨُﻮا وَﺗَﻄْﻤَﺌِﻦﱡ ﻗُﻠُﻮﺑُﮭُﻢْ ﺑِﺬِﻛْﺮِ ﺍِ أَﻻَ ﺑِﺬِﻛْﺮِ ﺍ ِﺗَﻄْﻤَﺌِﻦﱡ اﻟﻘُﻠُﻮبُ{).(١ ﻓﻔﻲ ﻧﻔﻮﺳﮭﻢ ﻃﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ﺗﺎﻣﱠﺔ ،وراﺣﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﺑﮭﺬا اﻟﻤﻌﺘﻘَﺪ اﻟﺤﻖ ،اﻟﺬي ﺗﻠﻘﱠﻮه ﻣﻦ ﻛﺘﺎب رﺑﱢﮭﻢ ،وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮭﻢ ،وﻓﻲ ھﺬا ﯾﻘﻮل اﺑﻦ اﻟﻘﯿّـﻢ ـ رﺣﻤﮫ ﺍ ـ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ اﻟﺼﻮاﻋﻖ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ )) :ﺳﻜﻮنُ اﻟﻘﻠﺐ إﻟﻰ ﺷﻲء ووﺛُﻮﻗﮫ ﺑﮫ ،وھﺬا ﻻ ﯾﻜﻮن إﻻﱠ ﻣﻊ اﻟﯿﻘﯿﻦ ،ﺑﻞ ھﻮ اﻟﯿﻘﯿﻦُ ﺑﻌﯿﻨﮫ ،وﻟﮭﺬا ﺗَﺠﺪ ﻗﻠﻮبَ أﺻﺤﺎب اﻷدﻟﺔ اﻟﺴﻤﻌﯿﺔ ـ ﯾﻌﻨﻲ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ـ ﻣﻄﻤﺌﻨﱠﺔً ﺑﺎﻹﯾﻤﺎن ﺑﺎ وأﺳﻤﺎﺋﮫ وﺻﻔﺎﺗﮫ وأﻓﻌﺎﻟﮫ وﻣﻼﺋﻜﺘﮫ واﻟﯿﻮم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻟﺮﻋﺪ ،اﻵﯾﺔ.(٢٨) :
٣٣
اﻵﺧﺮ ،ﻻ ﯾﻀﻄﺮﺑﻮن ﻓﻲ ذﻟﻚ ،وﻻ ﯾﺘﻨﺎزﻋﻮن ﻓﯿﮫ (().(١ وﯾﻘﻮل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ ﺍ: )) وأﻣﱠﺎ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ واﻟﺤﺪﯾﺚ ﻓﻤﺎ ﯾُﻌﻠﻢ أﺣﺪٌ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺋﮭﻢ وﻻ ﺻﺎﻟِﺢ ﻋﺎﻣﱠﺘﮭﻢ رﺟﻊ ﻗﻂﱡ ﻋﻦ ﻗﻮﻟﮫ واﻋﺘﻘﺎده ،ﺑﻞ ھﻢ أﻋﻈﻢُ اﻟﻨﺎس ﺻﺒﺮاً ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،وان اﻣﺘُﺤِﻨﻮا ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﻤِﺤَﻦ ،وﻓُﺘِﻨﻮا ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﻔﺘﻦ ،وھﺬه ﺣﺎل اﻷﻧﺒﯿﺎء وأﺗﺒﺎﻋﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻘﺪﱢﻣﯿﻦ (().(٢ وﯾﻘﻮل ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻖ اﻹﺷﺒﯿﻠﻲ رﺣﻤﮫ ﺍ)) : واﻋﻠﻢ أنﱠ ﺳﻮءَ اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ أﻋﺎذﻧﺎ ﺍ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻨﮭﺎ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻟِﻤَﻦ اﺳﺘﻘﺎم ﻇﺎھﺮُه وﺻﻠُﺢ ﺑﺎﻃﻨُﮫ ،ﻣﺎ ﺳُﻤﻊ ﺑﮭﺬا ،وﻻ ﻋُﻠِﻢ ﺑﮫ وﷲ اﻟﺤﻤﺪ ،وإﻧﱠﻤﺎ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﺼﻮاﻋﻖ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ ).(٧٤١/٢ ) (٢ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ).(٥٠/٤
٣٤
ﺗﻜﻮن ﻟِﻤَﻦ ﻟﮫ ﻓﺴﺎدٌ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪ ،أو إﺻﺮارٍ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ،وإﻗﺪام ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻈﺎﺋﻢ (().(١ ﻓﮭﺬا ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ أدﱠت إﻟﻰ ﺛﺒﺎت أھﻞ اﻟﺤﻖﱢ ،ﻣﻄﻤﺌﻨﱠﺔً ﺑﺎﻟﺤﻖﱢ ﻧﻔﻮﺳُﮭﻢ، ﺳﺎﻛﻨﺔً ﺑﮫ ﻗﻠﻮﺑُﮭﻢ ،ﻣﺮﺗﺎﺣﺔً ﺗَﻤﺎم اﻻرﺗﯿﺎح. ﻓﻠﻤﺎذا ﻋﻨﮫ ﯾَﻌﺪﻟﻮن؟ وﻟﻤﺎذا ﻟﻐﯿﺮِه ﯾَﻄﻠﺒﻮن وھﻢ ﺑﮫ ﻣﻄﻤﺌﻨﱡﻮن ﻏﺎﯾﺔ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ،ﻣﺮﺗﺎﺣﻮن ﻏﺎﯾﺔ اﻻرﺗﯿﺎح؟ ﺳﺎﺑﻌﺎً :ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎﺗﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺤﻖﱢ :ارﺗﺒﺎﻃُﮭﻢ ﺑﻔﮭﻢ اﻟﺴﱠﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ؛ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻣَﻦ اﺗﱠﺒﻌﮭﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن ،ﻓﮭﻢ ﻣﻊ اﻷﻣﻮر اﻟﻤﺘﻘﺪﱢﻣﺔ ﯾُﻌﻮﱢﻟﻮن ﻓﻲ ﻓﮭﻢ اﻟﻨﺼﻮص وﻣﻌﺮﻓﺔ دﻻﻟﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻋﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻣَﻦ اﺗﱠﺒﻌﮭﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن؛ ﻷنﱠ اﻷﻓﮭﺎمَ ﻗﺪ ﯾﺠﻨﺢُ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻧﻘﻠﮫ اﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﻮاب اﻟﻜﺎﻓﻲ )ص.(١٩٨:
٣٥
ﺑﻌﻀُﮭﺎ وﻗﺪ ﯾﻨﺤﺮف ،ﻟﻜﻦ ﻣَﻦ أﺧﺬ اﻟﺪﱢﯾ َ ﻦ ﻏﻀﺎ ﻃﺮﯾﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﱠﺒِﻲﱢ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻣﻊ زﻛﺎءٍ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ،وﺻﺤﱠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ،وﺣُﺴﻦ رﻏﺒﺔ وﺻِﺪق ،ﻣَﻦ ﻛﺎن ھﺬا ﺷﺄﻧﮫ ﻛﺎن ﺣﻘﯿﻘﺎً ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ واﻟﺴﻼﻣﺔ واﻟﺤﻜﻤﺔ، وﻟﮭﺬا ﯾﺮﺗﺒﻂ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻏﺎﯾﺔ اﻻرﺗﺒﺎط ﺑﻔﮭﻢ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻟﻠﻨﺼﻮص واﻷدﻟﺔ، ﯾﻘﻮل اﻟﺴﱢﺠﺰي رﺣﻤﮫ ﺍ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب )) اﻟﺮد ﻋﻠﻰ ﻣﻦ أﻧﻜﺮ اﻟﺤﺮف واﻟﺼﻮت (( واﺻﻔﺎً أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ )) :ھﻢ اﻟﺜﺎﺑﺘﻮن ﻋﻠﻰ اﻋﺘﻘﺎد ﻣﺎ ﻧﻘﻠﮫ إﻟﯿﮭﻢ اﻟﺴﱠﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ﻋﻦ اﻟﺮﺳﻮل ،أو ﻋﻦ أﺻﺤﺎﺑﮫ رﺿﻲ ﺍ ﻋﻨﮭﻢ ﻓﯿﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﺜﺒﺖ ﻓﯿﮫ ﻧﺺﱞ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب وﻻ ﻋﻦ اﻟﺮﺳﻮل ؛ ﻷﻧﱠﮭﻢ رﺿﻲ ﺍ ﻋﻨﮭﻢ أﺋﻤﱠﺔٌ ،وﻗﺪ أُﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻗﺘﺪاء آﺛﺎرھﻢ واﺗﱢﺒﺎع ﺳﻨﱠﺘِﮭﻢ ،وھﺬا أﻇﮭﺮ ﻣﻦ أن ﯾُﺤﺘﺎج ﻓﯿﮫ إﻟﻰ إﻗﺎﻣﺔ ﺑﺮھﺎن ،واﻷﺧﺬ
٣٦
ﺑﺎﻟﺴﱡﻨﱠﺔ واﻋﺘﻘﺎدھﺎ ﻣِﻤﱠﺎ ﻻ ﻣِﺮﯾﺔ ﻓﻲ وﺟﻮﺑﮫ (().(١ وﻗﺎل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ ﺍ: وﻻ ﺗَﺠﺪُ إﻣﺎﻣﺎً ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺪﱢﯾﻦ ،ﻛﻤﺎﻟﻚ واﻷوزاﻋﻲ واﻟﺜﻮري وأﺑﻲ ﺣﻨﯿﻔﺔ واﻟﺸﺎﻓﻌﻲ وأﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ وإﺳﺤﺎق ﺑﻦ راھﻮﯾﮫ ،وﻣﺜﻞ اﻟﻔﻀﯿﻞ وأﺑﻲ ﺳﻠﯿﻤﺎن وﻣﻌﺮوف اﻟﻜﺮﺧﻲ وأﻣﺜﺎﻟﮭﻢ ،إﻻﱠ وھﻢ ﻣُﺼﺮﱢﺣﻮن ﺑﺄنﱠ أﻓﻀﻞَ ﻋﻠﻤِﮭﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﯿﮫ ﻣُﻘﺘﺪﯾﻦ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ، وأﻓﻀﻞَ ﻋﻤﻠِﮭﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﯿﮫ ﻣُﻘﺘﺪِﯾﻦ ﺑﻌﻤﻞ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ،وھﻢ ﯾَﺮون أنﱠ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔَ ﻓﻮﻗﮭﻢ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﺑﻮاب اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ واﻟﻤﻨﺎﻗﺐ (().(٢ وﯾﻘﻮل اﻵﺟﺮي ـ رﺣﻤﮫ ﺍ ـ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﺮد ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ أﻧﻜﺮ اﻟﺤﺮف واﻟﺼﻮت )ص.(٩٩: ) (٢ﺷﺮح اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻷﺻﻔﮭﺎﻧﯿﺔ )ص.(١٢٨:
٣٧
اﻟﺸﺮﯾﻌﺔ: )) ﻋﻼﻣﺔُ ﻣَﻦ أراد ﺍ ُﻋﺰﱠ وﺟﻞﱠ ﺑﮫ ﺧﯿﺮاً ﺳﻠﻮك ھﺬه اﻟﻄﺮﯾﻖ ،ﻛﺘﺎب ﺍ ﻋﺰﱠ وﺟﻞﱠ وﺳﻨﻦ رﺳﻮﻟﮫ ،وﺳﻨﻦ أﺻﺤﺎﺑﮫ رﺿﻲ ﺍ ﻋﻨﮭﻢ وﻣَﻦ ﺗَﺒﻌﮭﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن رﺣﻤﺔ ﺍ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ أﺋﻤﱠﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﻛﻞﱢ ﺑﻠﺪ ،إﻟﻰ آﺧِﺮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء؛ ﻣﺜﻞ اﻷوزاﻋﻲ وﺳﻔﯿﺎن اﻟﺜﻮري وﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ أﻧﺲ واﻟﺸﺎﻓﻌﻲ وأﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ واﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﺳﻼﱠم، وﻣَﻦ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻃﺮﯾﻘﺘﮭﻢ ،وﻣﺠﺎﻧﺒﺔ ﻛﻞﱢ ﻣﺬھﺐٍ ﻻ ﯾﺬھﺐ إﻟﯿﮫ ھﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء (().(١ وﯾﻘﻮل اﺑﻦ ﻗﺘﯿﺒﺔ ـ رﺣﻤﮫ ﺍ ـ ﻛﻠﻤﺔ ﺟﻤﯿﻠﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب )) :وﻟﻮ أردﻧﺎ ـ رﺣﻤﻚ ﺍ ـ أن ﻧﻨﺘﻘﻞ ﻋﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺤﺪﯾﺚ ،وﻧﺮﻏﺐ ﻋﻨﮭﻢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﺸﺮﯾﻌﺔ ).(٣٠١/١
٣٨
إﻟﻰ أﺻﺤﺎب اﻟﻜﻼم ،وﻧﺮﻏﺐ ﻓﯿﮭﻢ؛ ﻟﺨﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ اﺟﺘﻤﺎعٍ إﻟﻰ ﺗﺸﺘﱡﺖ ،وﻋﻦ ﻧﻈﺎم إﻟﻰ ﺗﻔﺮﱡق ،وﻋﻦ أُﻧﺲٍ إﻟﻰ وَﺣﺸﺔٍ ،وﻋﻦ اﺗﱢﻔﺎق إﻟﻰ اﺧﺘﻼف (().(١ وھﺬا ﯾﻮﺿﱢﺢ أﻧﱠﮫ ﻻ ﯾُﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن اﻟﺜﺒﺎ ُ ت إﻻﱠ ﺑﺎﻻرﺗﺒﺎط اﻟﺘﱠﺎمﱢ ﺑﻔﮭﻢ اﻟﺴﱠﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ،وﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻘﻮل} :وﻣَﻦ ﯾُﺸﺎﻗِﻖِ اﻟﺮﱠﺳُﻮلَ ﻣِﻦ ﺑَﻌْﺪِ ﻣَﺎ ﺗَﺒَﯿﱠﻦَ ﻟَﮫُ اﻟﮭُﺪَى ﻏﯿْﺮَ ﺳَﺒِﯿﻞِ اﻟﻤُﺆْﻣِﻨِﯿﻦَ ﻧُﻮَﻟﱢﮫِ ﻣﺎ ﺗَﻮَﻟﱠﻰ وَﯾَﺘﱠﺒِﻊْ َ وﻧُﺼْﻠِﮫِ ﺟَﮭَﻨﱠﻢَ وَﺳَﺎءَتْ ﻣَﺼِﯿﺮاً{).(٢ ﺛﺎﻣﻨﺎً :ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎﺗِﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖﱢ واﺳﺘﻘﺎﻣﺘﮭﻢ ﻋﻠﯿﮫ :ﺗﻮﺳﱡﻄﮭﻢ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ واﻋﺘﺪاﻟﮭﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺗﺄوﯾﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺤﺪﯾﺚ )ص.(١٦: ) (٢ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء ،اﻵﯾﺔ.(١١٥) :
٣٩
}وﻛﺬﻟﻚ ﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ أﻣﺔ وﺳﻄﺎ{) (١أي :ﺷﮭﻮدًا ﻋﺪوﻻً ،ﻓﻜﺎﻧﻮا وَﺳَﻄﺎً ﻻ ﻏُﻠﻮﱠ وﻻ ﺟﻔﺎء ،وﻻ إﻓﺮاط وﻻ ﺗﻔﺮﯾﻂ ،وﻻ زﯾﺎدة وﻻ ﻧﻘﺼﺎن، وﺗﻮﺳﱡﻄُﮭﻢ ھﻮ ﻟﺰوﻣﮭﻢ ﻟﻠﺤﻖﱢ واﺳﺘﻘﺎﻣﺘُﮭﻢ وﺛﺒﺎﺗﮭﻢ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻣﺠﻨﺎﺑﺘﮭﻢ ﻟﻠﻄﱡﺮُق اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ، ﺳﻮاء ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﮭﺎ ﻣﺎﺋﻼً إﻟﻰ اﻟﻐﻠﻮﱢ أو إﻟﻰ اﻟﺠﻔﺎء ،ﻓﺘﻮﺳﱠﻄﻮا ﻓﻲ اﻟﺤﻖﱢ واﺳﺘﻘﺎﻣﻮا ﻋﻠﯿﮫ، وﺛﺒﺘﻮا ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺘﺜﺒﯿﺖ ﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﮭﻢ، ﻓﻜﺎن ھﺬا ﺳﺒﺒﺎً ﻋﻈﯿﻤﺎً ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎﺗِﮭﻢ، وﺧﯿﺎر اﻷﻣﻮر أوﺳﻄُﮭﺎ ،ﻻ ﺗﻔﺮﯾﻄﮭﺎ وﻻ إﻓﺮاﻃﮭﺎ ،وﻛﻠﱠﻤﺎ ﻛﺎن اﻹﻧﺴﺎنُ ﻣﺘﻮﺳﱢﻄﺎً ﻣﻌﺘﺪﻻً ﻛﺎن أﺣﺮى ﺑﺎﻟﺤﻖﱢ وأوﻟَﻰ ﺑﮫ. ﻗﺎل ﻋﻠﻲﱡ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ ﺍ ﻋﻨﮫ: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻟﺒﻘﺮة ،اﻵﯾﺔ.(١٤٣) :
))
٤٠
إنﱠ
دِﯾﻦَ ﺍ ﺑﯿﻦ اﻟﻐﺎﻟِﻲ واﻟﻤﻘﺼﱢﺮ ،ﻓﻌﻠﯿﻜﻢ ﺑﺎﻟﻨﱡﻤْﺮﻗﺔ
ن ﺑﮭﺎ ﯾﺤﻠﻖ اﻟﻤﻘﺼﱢﺮ ،وإﻟﯿﮭﺎ اﻟﻮﺳﻄﻰ؛ ﻓﺈ ﱠ ﯾﺮﺟﻊ اﻟﻐﺎﻟِﻲ ((. واﻟﺘﻮﺳﱡﻂ ﻻ ﯾﻜﻮن أﺑﺪاً إﻻﱠ ﺑﻠﺰوم اﻟﺤ ﱢ ﻖ وﻋﺪم اﻟﺰﯾﺎدة ﻓﯿﮫ أو اﻟﻨﻘﺺ ﻣﻨﮫ ،ﻓﻤَﻦ ﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن أوﻟَﻰ ﺑﺎﻟﺤﻖﱢ ،وأﺑﻌﺪَ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاف، وأﺣﻖﱠ ﺑﺎﻟﺜﺒﺎت واﻟﺴﻼﻣﺔ ،وﻟﮭﺬا ﻗﺎل )) : اﻟﻘﺼﺪَ اﻟﻘﺼﺪَ ﺗﺒﻠﻐﻮا (( رواه اﻟﺒﺨﺎري)،(١ وﻗﺎل ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم: )) ﻋﻠﯿﻜﻢ ھﺪﯾًﺎ ﻗﺎﺻﺪًا ،ﻓﺈﻧﱠﮫ ﻣَﻦ ﯾﺸﺎدﱠ اﻟﺪﱢﯾﻦَ ﯾَﻐﻠِﺒﮫ (( رواه أﺣﻤﺪ).(٢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري )رﻗﻢ.(٦٤٦٣: ) (٢اﻟﻤﺴﻨﺪ ) ،(٣٥٠،٣٦١/٥وﺻﺤﺤﮫ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ =
٤١
ﻗﺎل اﺑﻦ اﻟﻘﯿﱢﻢ رﺣﻤﮫ ﺍ )) :ﻓﺪﯾﻦُ ﺍ ﺑﯿﻦ اﻟﻐﺎﻟﻲ ﻓﯿﮫ واﻟﺠﺎﻓﻲ ﻋﻨﮫ ،وﺧﯿﺮ اﻟﻨﺎس اﻟﻨﻤﻂ اﻷوﺳﻂ ،اﻟﺬﯾﻦ ارﺗﻔﻌﻮا ﻋﻦ ﺗﻘﺼﯿﺮ اﻟﻤﻔﺮﻃﯿﻦ ،وﻟﻢ ﯾﻠﺤﻘﻮا ﺑﻐﻠﻮﱢ اﻟﻤﻌﺘﺪﯾﻦ ،وﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﺍ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ھﺬه اﻷﻣﺔ وﺳﻄﺎً ،وھﻲ اﻟﺨﯿﺎر اﻟﻌﺪل ،ﻟﺘﻮﺳّﻄﮭﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ اﻟﻤﺬﻣﻮﻣﯿﻦ ،واﻟﻌﺪل ھﻮ اﻟﻮﺳﻂ ﺑﯿﻦ ﻃﺮﻓﻲ اﻟﺠﻮر واﻟﺘﻔﺮﯾﻂ ،واﻵﻓﺎت إﻧّﻤﺎ ﺗﺘﻄﺮّق إﻟﻰ اﻷﻃﺮاف واﻷوﺳﺎط ﻣﺤﻤﯿﺔٌ ﺑﺄﻃﺮاﻓﮭﺎ ﻓﺨﯿﺎر اﻷﻣﻮر أوﺳﺎﻃﮭﺎ (().(١ ﺗﺎﺳﻌﺎً :ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎﺗِﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖﱢ وﺳﻼﻣﺘِﮭﻢ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاف واﻟﺘﻐﯿﱡﺮ :ﻋﺪمُ ﺗﻘﺪﯾﻤﮭﻢ ﻟﻌﻘﻮﻟﮭﻢ وأذواﻗﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺠﺎﻣﻊ )رﻗﻢ.(٤٠٨٦: ) (١إﻏﺎﺛﺔ اﻟﻠﮭﻔﺎن ).(٢٠١/١
٤٢
اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ،وھﺬا أﻣﺮٌ أﯾﻀﺎً ﺳﺒﻘﺖ اﻹﺷﺎرةُ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐٍ ﻣﻨﮫ ،وأﻧﻘﻞ ھﻨﺎ ﻛﻼﻣﺎً ﻷﺑﻲ اﻟﻤﻈﻔﺮ اﻟﺴﻤﻌﺎﻧﻲ ،ﻧﻘﻠﮫ ﻋﻨﮫ اﻟﺘﯿﻤﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ اﻟﺤﺠﺔ ،واﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ اﻟﺼﻮاﻋﻖ، وھﻮ ﻛﻼمٌ ﻋﻈﯿﻢٌ ﻣﺘﯿﻦ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب ،ﯾﻘﻮل ﻓﯿﮫ اﻟﺴﻤﻌﺎﻧﻲ )) :وﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐُ ﻓﻲ اﺗﱢﻔﻘﺎ أھﻞ اﻟﺤﺪﯾﺚ أﻧﱠﮭﻢ أﺧﺬوا اﻟﺪﱢﯾﻦَ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ وﻃﺮﯾﻖ اﻟﻨﻘﻞ ،ﻓﺄورﺛﮭﻢ اﻻﺗﻔﺎق واﻹﺗﻼف، وأھﻞ اﻟﺒﺪع أﺧﺬوا اﻟﺪﱢﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻘﻮﻟﮭﻢ، ﻓﺄورﺛﮭﻢ اﻟﺘﻔﺮﱡق واﻻﺧﺘﻼف ،ﻓﺈن اﻟﻨﱠﻘﻞَ واﻟﺮواﯾﺔ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎت واﻟﻤﺘﻘﻨﯿﻦ ﻗﻞﱠ ﻣﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ، وإن اﺧﺘﻠﻔﺖ ﻓﻲ ﻟﻔﻈﺔٍ أو ﻛﻠﻤﺔٍ ﻓﺬﻟﻚ اﻻﺧﺘﻼف ﻻ ﯾﻀُﺮﱡ ﻓﻲ اﻟﺪﱢﯾﻦ ،وﻻ ﯾﻘﺪحُ ﻓﯿﮫ، وأﻣﱠﺎ اﻟﻤﻌﻘﻮﻻت واﻟﺨﻮاﻃﺮ واﻵراء ﻓﻘﻞﱠ ﻣﺎ
٤٣
ﺗﺘﱠﻔﻖ ،ﺑﻞ ﻋﻘﻞُ ﻛﻞﱢ واﺣﺪ أو رأﯾُﮫ وﺧﺎﻃﺮُه ﯾُﺮي ﺻﺎﺣﺒَﮫ ﻏﯿﺮَ ﻣﺎ ﯾﺮى اﻵﺧﺮ (().(١ ﻓﮭﺬا ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎﺗِﮭﻢ :أﻧﱠﮭﻢ ﻻ ﯾﻘﺪﱢﻣﻮن ﻋﻘﻼً أو رأﯾﺎً أو وَﺟْﺪاً أو ذَوْﻗﺎً ،أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب رﺑﱢﮭﻢ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮭﻢ . وأﻣﱠﺎ أھﻞ اﻷھﻮاء ﻓﺈﻧﱠﮭﻢ ﯾُﻘﺪﱢﻣﻮن ھﺬه اﻷﻣﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ،ﻣﻨﮭﻢ ﻣَﻦ ﯾُﻘﺪﱢم اﻟﻌﻘﻞَ ،وﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ ﯾُﻘﺪﱢم اﻟﺮأي ،وﻣﻨﮭﻢ ﻣَﻦ ﯾُﻘﺪﱢم اﻟﺬﱠوْقَ واﻟﻮَﺟْﺪَ ،وﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ ﯾُﻘﺪﱢم اﻟﺤﻜﺎﯾﺎت واﻟﻤﻨﺎﻣﺎت ،وﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ ﯾُﻘﺪﱢم ﻣﺎ ﺗﮭﻮاه ﻧﻔﺴُﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻣﺮه ﺑﮫ رﺑﱡﮫ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﯾﺘﻔﺎوﺗﻮن وﻟﻜﻞﱢ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﻣﻨﮭﺠﮫ وﻃﺮﯾﻘﮫ وﻣﺴﻠﻜﮫ، أﻣﱠﺎ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻓﻘﺪ ﺳﻠِﻤﻮا ﻣﻦ ھﺬه اﻵﻓﺎت ﻛﻠﱢﮭﺎ ،وﺛﺒﺘﻮا ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺨﺘﺼﺮ اﻟﺼﻮاﻋﻖ )ص.(٥١٨:
٤٤
ﺻﻠﻮات ﺍ وﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﺒًﺎ ﻋﻈﯿﻤﺎً ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎﺗﮭﻢ ،وﻣَﻦ أﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﻤَﻨﮭﻞِ اﻷوﱠل واﻟﻤﻌﯿﻦ اﻟﺼﺎﻓﻲ وﺟﺪ ﺑﻘﯿﱠﺔ اﻟﻤﻮارد ﻛﺪِرة. ﻋﺎﺷﺮاً :ﺣﺴﻦ ﺻﻠﺘِﮭﻢ ﺑﺎ وﺷِﺪﱠة ارﺗﺒﺎﻃﮭﻢ ﺑﮫ واﻋﺘﻤﺎدھﻢ ﻋﻠﯿﮫ ،وھﺬا أﻣﺮٌ أَﺷﺮتُ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﺘﻘﺪﯾﻢ واﻟﺘﻤﮭﯿﺪ؛ ﻷنﱠ اﻟﺘﻮﻓﯿﻖَ ﺑﯿﺪه ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻓﺤﺴُﻨﺖ ﺻِﻠﺘُﮭﻢ ﺑﺎ ،وﻗﻮيَ اﻋﺘﻤﺎدُھﻢ ﻋﻠﯿﮫ ،ﯾﺴﺄﻟﻮﻧﮫ ،وﯾﺴﺘﻌﯿﻨﻮن ﺑﮫ، وﯾﺪﻋﻮﻧﮫ ،وﯾﻄﻠﺒﻮن ﻣﻨﮫ اﻟﺜﺒﺎتَ ،ﻣﺘﱠﺒﻌِﯿﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻧﮭﺞَ ﻧﺒﯿﱢﮭﻢ ﺻﻠﻮات ﺍ وﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﯿﮫ. وﻛﺎن ﻣﻦ دﻋﺎﺋﮫ )) :اﻟﻠﱠﮭُﻢﱠ إِﻧﱢﻲ أَﺳْﺄَﻟُﻚَ اﻟﮭُﺪَى واﻟﺴﱠﺪَادَ (( ،وﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺋﮫ )) :اﻟﻠﱠﮭﻢﱠ إﻧﱢﻲ أَﺳﺄﻟﻚَ اﻟﮭُﺪى واﻟﺘﱡﻘﻰ واﻟﻌﻔﺎفَ واﻟﻐﻨﻰ ((، وﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺋﮫ:
٤٥
)) اﻟﻠﱠﮭﻢﱠ آتِ ﻧُﻔُﻮﺳَﻨَﺎ ﺗَﻘْﻮَاھﺎ ،زَﻛﱢﮭَﺎ أﻧﺖَ ﺧَﯿﺮُ ﻣَ ْ ﻦ زَﻛﱠﺎھَﺎ ،أَﻧﺖَ وَﻟِﯿﱡﮭَﺎ وَﻣَﻮْﻻَھَﺎ (( ،وﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺋﮫ: )) اﻟﻠﱠﮭُﻢﱠ أَﺻْﻠِﺢْ ﻟِﻲ دِﯾﻨِﻲ اﻟﱠﺬِي ھُﻮَ ﻋِﺼْﻤَﺔُ أَﻣْﺮِي ،وَأَﺻْﻠِﺢْ ﻟِﻲ دُﻧْﯿَﺎيَ اﻟﱠﺘِﻲ ﻓِﯿﮭَﺎ ﻣَﻌَﺎﺷِﻲ، وَأَﺻْﻠِﺢْ ﻟِﻲ آﺧِﺮَﺗِﻲ اﻟﱠﺘِﻲ ﻓِﯿﮭَﺎ ﻣَﻌَﺎدِى ،وَاﺟْﻌَﻞِ اﻟﺤَﯿَﺎةَ زِﯾَﺎدَةً ﻟِﻲ ﻓِﻲ ﻛُﻞﱢ ﺧَﯿْﺮٍ ،وَاﺟْﻌَﻞِ اﻟﻤَﻮْتَ رَاﺣَﺔً ﻟِﻲ ﻣِﻦْ ﻛُﻞﱢ ﺷَﺮﱟ (( ،وﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺋﮫ)) : اﻟﻠﱠﮭُﻢﱠ رَبﱠ ﺟَﺒْﺮَاﺋِﯿﻞَ وَﻣِﯿﻜَﺎﺋِﯿﻞَ وَإِﺳْﺮَاﻓِﯿﻞَ، ﻓَﺎﻃِﺮَ اﻟﺴﱠﻤَﻮَاتِ وَاﻷَرْضِ ،ﻋَﺎﻟِﻢَ اﻟﻐَﯿْﺐِ وَاﻟﺸﱠﮭَﺎدَةِ ،أَﻧْﺖَ ﺗَﺤْﻜُﻢُ ﺑَﯿْﻦَ ﻋِﺒَﺎدِكَ ﻓِﯿﻤَﺎ ﻛَﺎﻧُﻮا ﻓِﯿﮫِ ﯾَﺨْﺘَﻠِﻔُﻮنَ ،اھْﺪِﻧِﻲ ﻟِﻤَﺎ اﺧْﺘُﻠِﻒَ ﻓِﯿﮫِ ﻣِﻦَ اﻟﺤَﻖﱢ ﺑِﺈِذْﻧِﻚَ ،إِﻧﱠﻚَ ﺗَﮭْﺪِي ﻣَﻦْ ﺗَﺸَﺎءُ إِﻟَﻰ ﺻِﺮَاطٍ ﻣُﺴْﺘَﻘِﯿﻢٍ (( ،وﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺋﮫ :اﻟﻠﱠﮭُﻢﱠ ﻟَﻚَ أَﺳْﻠَﻤْﺖُ ،وَﺑِﻚَ آﻣَﻨْﺖُ ،وَﻋَﻠَﯿْﻚَ ﺗَﻮَﻛﱠﻠْﺖُ ،وَإِﻟَﯿْﻚَ أَﻧَﺒْﺖُ ،وَﺑِﻚَ ﺧَﺎﺻَﻤْﺖُ ،اﻟﻠﱠﮭُﻢﱠ إِﻧﱢﻲ أَﻋُﻮذُ
٤٦
ﺑِﻌِﺰﱠﺗِﻚَ ،ﻻَ إِﻟَﮫَ إِﻻﱠ أَﻧْﺖَ أَنْ ﺗُﻀِﻠﱠﻨِﻲ ،أَﻧْﺖَ اﻟﺤَ ﱡ ﻲ اﻟﱠﺬِي ﻻَ ﯾَﻤُﻮتُ ،وَاﻟﺠِﻦﱡ وَاﻹِﻧْﺲُ ﯾَﻤُﻮﺗُﻮنَ ((، وﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺋﮫ )) :اﻟﻠﱠﮭُﻢﱠ ﯾَﺎ ﻣُﻘﻠﱢﺐَ اﻟﻘُﻠُﻮبِ، ﺛﺒﱢﺖْ ﻗَﻠْﺒِﻲ ﻋَﻠَﻰ دِﯾﻨِﻚ (( ،وﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺋﮫ)) : اﻟﻠﱠﮭﻢﱠ اھْﺪِﻧَﺎ ﻓِﯿﻤَﻦ ھَﺪَﯾْﺖَ (( ،وﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺋﮫ: )) اﻟﻠﱠﮭﻢﱠ زﯾﱢﻨَﺎ ﺑِﺰِﯾﻨَﺔِ اﻹﯾﻤَﺎنِ ،واﺟْﻌَﻠْﻨَﺎ ھُﺪاةً ﻣُﮭْﺘَﺪِﯾﻦ (().(١ وأﺗﺒﺎﻋُﮫ ﺻﻠﻮات ﺍ وﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﯿﮫ ﯾَﻠﺰﻣﻮن ﻧﮭﺠﮫ ،وﯾﺮﺗﺒﻄﻮن ﺑﺎ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛﻞﱠ وﻗﺖ وﺣﯿﻦ ،ﯾﺴﺄﻟﻮﻧﮫ اﻟﺜﺒﺎتَ واﻟﺴﺪاد واﻹﻋﺎﻧﺔَ واﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ،ﻟﮭﺬا وﻓﱠﻘﮭﻢ ﺍ وأﻋﺎﻧَﮭﻢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١وھﺬه اﻷدﻋﯿﺔ ﻛﻠﱡﮭﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ ،إ ﱠ ﻻ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷﺧﯿﺮة ،ﻓﺎﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻨﺪ أﺣﻤﺪ ) ،(٢٠٠/١) ،(٣٠١/٦واﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ )رﻗﻢ.(١٣٠٥:
٤٧
وﺳﺪﱠدھﻢ ،وﺣﻔﻈَﮭﻢ وﻛﻸھﻢ ﺑﺮﻋﺎﯾﺘِﮫ وﻋﻨﺎﯾﺘِﮫ، وﺣﻔﻈُﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ واﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﺑﯿﺪه وﺣﺪه. ﺛﻢ إنﱠ ھﺬا اﻻرﺗﺒﺎطَ ﻣﻨﮭﻢ ﺑﺎ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ أورَﺛﮭﻢ ﺻﻼﺣﺎً ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎدةِ ،واﺳﺘﻘﺎﻣﺔً ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻮك واﻷﺧﻼق ،وﻟﮭﺬا ﻓﺈنﱠ ﻣﻦ ﻓﻮاﺋﺪ اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺤﻤﯿﺪة وآﺛﺎرھﺎ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ أﻧﱠﮭﺎ ﺗﻨﻌﻜﺲُ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎنِ وﺳﻠﻮﻛﮫ ﻗﻮﱠةً ورِﻓﻌﺔً وﻧَﻤﺎءً وزﻛﺎءً ،وھﺬا ﻣﻦ ﺑﺮﻛﺔ اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ، وﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﻌﮭﺎ وﻓﻮاﺋﺪھﺎ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ،أﻣﱠﺎ اﻟﻌﻘﯿﺪةُ اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ ﻓﺈنﱠ ﻟﮭﺎ ﺷﺆﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ ،وﻟﮭﺬا ﯾﺘﺒَﻊُ ﻓﺴﺎدَ اﻟﻌﻘﯿﺪة ﻓﺴﺎدُ اﻟﻌﻤﻞ وﻓﺴﺎدُ اﻟﺴﻠﻮك، وھﺬا ﻣﻦ ﺷُﺆم اﻻﻋﺘﻘﺎد ،وﻣَﻦ ﯾﺘَﺘَﺒﱠﻊ وﺑﺨﺎﺻﱠﺔ رؤوس اﻟﺒﺎﻃﻞ ودﻋﺎة اﻟﻀﻼل ﯾَﺠِﺪ ھﺬا واﺿﺤﺎً ﺟﻠﯿﺎ ﻓﯿﮭﻢ ،ﻻ ﯾﺮى ﻓﯿﮭﻢ ﻋﻨﺎﯾﺔً ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدة واھﺘﻤﺎﻣﺎً ﺑﮭﺎ وﻣﺤﺎﻓﻈﺔً ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﻻ
٤٨
ﯾﺮى أﯾﻀﺎً ﻓﯿﮭﻢ اﻟﺨُﻠُﻖَ اﻟﻮاﺿﺢ اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﺒﯿﱢﻦ، وإن وُﺟﺪ ﻓﯿﮭﻢ ﺷﻲءٌ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻤﺎ ﻋﻨﺪ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ واﻟﺤﻖﱢ واﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻣﻦ ذﻟﻚ أﻋﻈﻢُ وأﻋﻈﻢُ. وھﺬا ﻣﻦ آﺛﺎر اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﯿﺪة واﻻرﺗﺒﺎط ﺑﺎ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ.
ﺣﺎدي ﻋﺸﺮ :ﯾﻘﯿﻨُﮭﻢ اﻟﺘﱠﺎمﱡ ﺑﮭﺬا اﻟﻤُﻌﺘﻘَﺪ اﻟﺬي اﺳﺘﻘﺎﻣﻮا ﻋﻠﯿﮫ ،وﺑﻌﺪُھﻢ ﻋﻦ ﺗﻌﺮﯾﻀﮫ ﻟﻠﺨﺼﻮﻣﺔ واﻟﺠَﺪَل ،وھﺬا ﺟﺎﻧﺐٌ ﻏﺎﯾﺔٌ ﻓﻲ اﻷھﻤﯿﱠﺔ ﻟﻠﺜﺒﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘَﺪ اﻟﺤﻖﱢ؛ أن ﯾﻜﻮن ﺻﺎﺣﺒُﮫ ﻣﻘﺘﻨﻌﺎً ﺑﮫ ،وأھﻞُ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻟﺪﯾﮭﻢ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺗﺎﻣﱠﺔ وﺛِﻘﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﻤﺎ ھﻢ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ دﯾﻦ وﻣُﻌﺘﻘَﺪ، وﻟﮭﺬا ﻟﻢ ﯾﺤﺘﺎﺟﻮا ﻛﻐﯿﺮھﻢ إﻟﻰ ﻋَﺮْضِ ﻣﺎ ﻋﻨﺪھﻢ ﻋﻠﻰ آراء اﻟﺮﱢﺟﺎل وﻋﻘﻮﻟﮭﻢ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﮭﻮى واﻟﺒﺪﻋﺔ ﺗَﺠﺪُه ﯾﺘﻨﻘﱠﻞ ﺑﯿﻦ
٤٩
اﻟﺮﱢﺟﺎل ،ﯾﺴﺄﻟﮭﻢ وﯾﺴﺘﺸﯿﺮھﻢ ﻓﯿﻤﺎ ھﻮ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ دﯾﻦ؛ ﻷﻧﱠﮫ ﻓﻲ ﺷﻚﱟ ﻣﻨﮫ وﻋﺪم ﺛِﻘﺔ واﻃﻤﺌﻨﺎن ،أﻣﱠﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻓﮭﻮ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺗﺎمﱟ ،ﻻ ﯾﻘﺒﻞ ﻓﻲ ﻋﻘﯿﺪﺗﮫ ﺧﺼﻮﻣﺔً وﻻ ﺟﺪﻻً، ﻓﮭﻮ ﻣﻘﺘﻨﻊٌ ﺑﮭﺎ ﻏﺎﯾﺔ اﻻﻗﺘﻨﺎع ،ﻣﻄﻤﺌﻦﱞ ﺑﮭﺎ ﻏﺎﯾﺔ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن؛ ﻷنﱠ ارﺗﺒﺎﻃَﮫ ﺑﮭﺎ ارﺗﺒﺎطٌ ﺑﻜﺘﺎب رﺑﱢﮫ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ،ﻛﺘﺎب ﺍ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺄﺗﯿﮫ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ وﻻ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﮫ، وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻨﻄﻖ ﻋﻦ اﻟﮭﻮى ،ﻓﮭﻮ ﻣﻄﻤﺌﻦٌ ﻏﺎﯾﺔ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ،وواﺛﻖٌ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﻤﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻘَﺪ ،ﻟﻢ ﯾﺤﺘﺞ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻨﮫ إﻟﻰ ﻋﺮﺿِﮫ ﻋﻠﻰ ﺟﺪﻟِﻲﱟ أو ﻣُﺨﺎﺻِﻢٍ أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،ﺑﻞ ھﻮ ﻣﺎضٍ ﻓﻲ ﻋﻘﯿﺪﺗﮫ ﻋﻠﻰ وﺗﯿﺮةٍ واﺣﺪة ،وﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻖ واﺣﺪ ﻣﻦ أوﱠل أﻣﺮه إﻟﻰ ﻧﮭﺎﯾﺘﮫ ،ﻻ ﺗﺮدّد وﻻ اﺿﻄﺮاب ،وﻻ ﺗﻨﻘﱡﻞ وﻻ
٥٠
ارﺗﯿﺎب. أﻣﱠﺎ أھﻞ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﻓﺸﺄﻧُﮭﻢ آﺧﺮ ،ﻗﺎل ﺍ
ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻣَﺎ ﺿَﺮَﺑُﻮهُ ﻟَﻚَ إِﻻﱠ ﺟَﺪَﻻً ﺑَ ْﻞ ھُﻢْ ﻗَﻮْمٌ ﺧَﺼِﻤُﻮنَ{) ،(١ﻓﺘﺠﺪھﻢ ﯾﻀﻄﺮﺑﻮن وﯾﺮﺗﺎﺑﻮن ،وﯾَﻌﺮﺿﻮن ﻣﺎ ﻋﻨﺪھﻢ ﻋﻠﻰ آراء اﻟﺮﱢﺟﺎل وﻋﻘﻮﻟِﮭﻢ ،وﯾُﻜﺜﺮون اﻟﺘﻨﻘﱡﻞَ ﻓﻲ اﻟﺪﱢﯾﻦ. وأﻧﻘﻞ ھﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻘﺎم ﺟﻤﻠﺔً ﻣﻦ اﻵﺛﺎر ﻋﻈﯿﻤﺔ اﻟﻨﻔﻊ ﻋﻦ اﻟﺴﱠﻠﻒ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ﺗﻌﺎﻟﻰ:
ﻗﺎل ﺣﺬﯾﻔﺔ ﻷﺑﻲ ﻣﺴﻌﻮد )) :إنﱠ اﻟﻀﻼﻟ َﺔ ﺣﻖﱠ اﻟﻀﻼﻟﺔ أن ﺗﻌﺮفَ ﻣﺎ ﻛﻨﺖَ ﺗُﻨﻜﺮ ،وﺗُﻨﻜﺮَ ﻣﺎ ﻛﻨﺖَ ﺗﻌﺮف ،وإﯾﱠﺎك واﻟﺘﻠﻮﱡنَ ﻓﻲ دﯾﻦ ﺍ، ﻓﺈنﱠ دﯾﻦَ ﺍ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻟﺰﺧﺮف ،اﻵﯾﺔ.(٥٨) :
٥١
واﺣﺪٌ (().(١ وﻗﺎل ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ )) :ﻣَﻦ ﺟﻌﻞ دﯾﻨَﮫ ﻏﺮﺿﺎً ﻟﻠﺨﺼﻮﻣﺎت أﻛﺜﺮ اﻟﺘﻨﻘﱡﻞَ (().(٢ وﻗﺎل أﯾﻀﺎً رﺣﻤﮫ ﺍ )) :ﻣَﻦ ﻋﻤﻞ ﺑﻐﯿﺮ ﻋﻠﻢ ﻛﺎن ﻣﺎ ﯾُﻔﺴِﺪ أﻛﺜﺮَ ﻣِﻤﱠﺎ ﯾُﺼﻠِﺢ ،وﻣَﻦ ﻟﻢ ﯾَﻌُﺪﱠ ﻛﻼﻣَﮫ ﻣﻦ ﻋﻤﻠِﮫ ﻛﺜﺮت ﺧﻄﺎﯾﺎه ،وﻣَﻦ ﻛﺜﺮت ﺧﺼﻮﻣﺘُﮫ ﻟﻢ ﯾﺰل ﯾﺘﻨﻘﱠﻞ ﻣﻦ دﯾﻦ إﻟﻰ دﯾﻦ (().(٣ وﻗﺎل ﻣﻌﻦ ﺑﻦ ﻋﯿﺴﻰ )) :اﻧﺼﺮفَ ﻣﺎﻟﻚٌ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ وھﻮ ﻣﺘﱠﻜﺊٌ ﻋﻠﻰ ﯾﺪي ،ﻓﻠَﺤِﻘﮫ رﺟﻞٌ ﯾُﻘﺎل ﻟﮫ أﺑﻮ اﻟﺠﻮﯾﺮﯾﺔ ـ ﻛﺎن ﯾُﺘﱠﮭﻢُ ﺑﺎﻹرﺟﺎء ـ ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ أﺑﺎ ﻋﺒﺪ ﺍ اﺳْﻤَﻊ ﻣﻨﱢﻲ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻹﺑﺎﻧﺔ ﻻﺑﻦ ﺑﻄﺔ ).(٥٠٥/٢ ) (٢اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥٠٣/٢ ) (٣اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥٠٤/٢
٥٢
ﺷﯿﺌﺎً أُﻛﻠﱢﻤُﻚ ﺑﮫ وأﺣﺎﺟّﻚ وأُﺧﺒِﺮُك ﺑﺮأﯾﻲ ،ﻗﺎل: ﻓﺈن ﻏﻠﺒﺘَﻨﻲ؟ ﻗﺎل :ﻓﺈن ﻏﻠﺒﺘُﻚ اﺗﱠﺒَﻌﺘَﻨِﻲ ،ﻗﺎل: ﻓﺈن ﺟﺎء رﺟﻞٌ آﺧﺮ ﻓﻜﻠﱠﻤﻨﺎ ﻓﻐﻠﺒﻨﺎ؟ ﻗﺎل :ﻧﺘﱠﺒﻌﮫ، ﻗﺎل ﻣﺎﻟﻚ :ﯾﺎ ﻋﺒﺪ ﺍ ،ﺑﻌﺚ ﺍ ﻣﺤﻤﺪاً ﺑﺪﯾﻦ واﺣﺪ ،وأراك ﺗﺘﻨﻘﱠﻞ ﻣﻦ دﯾﻦٍ إﻟﻰ دﯾﻦ (().(١ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻘﻀﯿﱠﺔُ إذاً ﻋﻨﺪ ھﺆﻻء ﺗﻨﻘﱡﻼً ﻣﻦ ﺷﺨﺺٍ إﻟﻰ ﺷﺨﺺ ،وﻣِﻦ رأيٍ إﻟﻰ آﺧﺮ، وھﻮ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮل ﻋﻤﺮ اﺑﻦ اﻟﻌﺰﯾﺰ اﻟﻤﺘﻘﺪﱢم)) : ﻣَﻦ ﺟﻌﻞ دﯾﻨَﮫ ﻏﺮﺿﺎً ﻟﻠﺨﺼﻮﻣﺎت أﻛﺜﺮ اﻟﺘﻨﻘﱡﻞَ ((. وﻗﺎل ﻣﺎﻟﻚٌ )) :ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ) (٢إذا ﺟﺎءه ﺑﻌﺾُ ھﺆﻻء أﺻﺤﺎب اﻷھﻮاء ﻗﺎل :أﻣﱠﺎ أﻧﺎ ﻓﻌﻠﻰ ﺑﯿﱢﻨﺔ ﻣﻦ رﺑﱢﻲ ،وأﻣﱠﺎ أﻧﺖَ ﻓﺸﺎكﱞ ،ﻓﺎذھﺐ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥٠٨/٢ ) (٢ﯾﺸﯿﺮ إﻟﻰ أﺣﺪ أﺋﻤﱠﺔ اﻟﺴﱠﻠﻒ ﻟﻢ ﯾُﺴﻤﱢﮫ.
٥٣
إﻟﻰ ﺷﺎكﱟ ﻣﺜﻠﻚ ﻓﺨﺎﺻِﻤﮫ ،ﻗﺎل ﻣﺎﻟﻚ :وﻗﺎل ذﻟﻚ اﻟﺮﱠﺟﻞ :ﯾﻠﺒﺴﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮭﻢ ﺛﻢ ﯾﻄﻠﺒﻮن ﻣﻦ ﯾُﻌﺮﱢﻓﮭﻢ (().(١ ﯾﻌﻨﻲ ﺑﺪﯾﻨﮭﻢ ،ﯾﻠﺒﺴﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮭﻢ أي: أھﻞ اﻷھﻮاء ﺑﺎﻟﺸﻜﻮك واﻟﻈﻨﻮن ،وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ، ﺛﻢ ﯾﻄﻠﺒﻮن ﻣﻦ ﯾُﻌﺮﱢﻓﮭﻢ ﺑﺪﯾﻨﮭﻢ ،وﯾُﺰﯾﻞ ﻋﻨﮭﻢ اﻟﺸﻜﻮكَ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺮﺗﮭﻢ ،ﻓﯿﺄﺗﻮن ﯾَﻌﺮﺿﻮن ﻣﺎ ﻋﻨﺪھﻢ ﻣﻦ آراء وأھﻮاء ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮل اﻟﺮﱢﺟﺎل. وﻗﺎل إﺳﺤﺎق ﺑﻦ ﻋﯿﺴﻰ اﻟﻄﺒﺎع )) :ﻛﺎن ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ أﻧﺲ ﯾَﻌﯿﺐُ اﻟﺠﺪال ﻓﻲ اﻟﺪﱢﯾﻦ وﯾﻘﻮل: ﻛﻠﱠﻤﺎ ﺟﺎءﻧﺎ رﺟﻞٌ أﺟﺪل ﻣﻦ رﺟﻞ أردﻧﺎ أن ﻧﺮدﱠ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﮫ ﺟﺒﺮﯾﻞ إﻟﻰ اﻟﻨﱠﺒِﻲﱢ .(٢)(( وﻗﺎل اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﺼﺮي رﺣﻤﮫ ﺍ )) :رأسُ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥٠٩/٢ ) (٢اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥٠٧/٢
٥٤
ﻣﺎل اﻟﻤﺆﻣﻦ دﯾﻨُﮫ ،ﺣﯿﺜﻤﺎ زال زال دﯾﻨُﮫ ﻣﻌﮫ، ﻻ ﯾﺨﻠﻔﮫ ﻓﻲ اﻟﺮﱢﺟﺎل وﻻ ﯾﺄﺗﻤﻦ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺮﱢﺟﺎل (().(١ ﻓﮭﺬا ﺷﺄنُ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻻ ﯾﻌﺮضُ أﺣﺪٌ ﻣﻨﮭﻢ دﯾﻨَﮫ وﻣﻌﺘﻘﺪَه ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮل اﻟﺮﱢﺟﺎل وأھﻮاﺋﮭﻢ وآراﺋﮭﻢ ،وإﻧﱠﻤﺎ ﯾﻠﺘﺰم ﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ﺻﻠﻮات ﺍ وﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻋﻠﻰ ﺿﻮءِ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ ﺳﻠﻒُ اﻷﻣﱠﺔ. وﻗﺎل ذﻛﻮان )) :ﻛﺎن اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﺼﺮي ﯾﻨﮭﻰ ﻋﻦ اﻟﺨﺼﻮﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﺪﱢﯾﻦ ،وﻗﺎل :إﻧﱠﻤﺎ ﯾُﺨﺎﺻﻢ اﻟﺸﱠﺎكﱡ ﻓﻲ دﯾﻨﮫ (().(٢ أﻣﱠﺎ ﻣَﻦ ﻟﯿﺲ ﻋﻨﺪه ﻓﻲ دﯾﻨﮫ ﺷﻚﱞ ﻓﻠﯿﺲ ﻟﮫ أيّ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺷﻲءٍ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺨﺼﻮﻣﺎت. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥٠٩/٢ ) (٢اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥١٩/٢
٥٥
وﻗﺎل ھﺸﺎم ﺑﻦ ﺣﺴﱠﺎن )) :ﺟﺎء رﺟﻞٌ إﻟﻰ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﺼﺮي ،ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ أﺑﺎ ﺳﻌﯿﺪ ﺗﻌﺎل ﺣﺘﻰ أُﺧﺎﺻِﻤﻚ ﻓﻲ اﻟﺪﱢﯾﻦ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺤﺴﻦ :أﻣﱠﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ أﺑﺼﺮتُ دﯾﻨِﻲ ،ﻓﺈن ﻛﻨﺖَ أﺿﻠﻠﺖَ دﯾﻨَﻚ ﻓﺎﻟﺘﻤِﺴﮫ (().(١ أي :اذھﺐ واﺑﺤﺚ ﻋﻦ دﯾﻨِﻚ ،أﻣﱠﺎ أﻧﺎ ﻓﻮاﺛﻖٌ ﺑﺪﯾﻨِﻲ ،ﻣُﻄﻤﺌﻦﱞ ﻟﮫ ،ﻋﺎرفٌ ﺑﮫ ،ﻟﺴﺖ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﺨﺼﻮﻣﺎت واﻟﺠﺪل. وﻗﺎل أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻨﺎن: اﻷﺻﻢ إﻟﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﮭﺪي ﻓﻘﺎل :ﺟﺌﺖُ أﻧﺎﻇﺮك ﻓﻲ اﻟﺪﱢﯾﻦ ،ﻓﻘﺎل :إن ﺷﻜﻜﺖَ ﻓﻲ ﺷﻲءٍ ﻣﻦ أﻣﺮ ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥٠٩/٢
ﺟﺎء أﺑﻮ ﺑﻜﺮ
٥٦
دﯾﻨِﻚ ﻓﻘِﻒْ ﺣﺘﻰ أﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﺼﻼة ،وإﻻﱠ ﻓﺎذھﺐ إﻟﻰ ﻋﻤﻠﻚ ،ﻓﻤﻀﻰ وﻟَﻢ ﯾﺜﺒﺖ (().(١ وھﺬا ﻓﯿﮫ أنﱠ أھﻞَ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻣﺸﻐﻮﻟﻮن ﺑﻤﺎ ھﻢ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﺣﻖﱟ ،وﺑﻌﺒﺎدة ﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﻘﺎل ﻟﮫ :إن ﺷﻜﻜﺖَ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ أﻣﺮ دﯾﻨِﻚ ﻓﻘِﻒ ﺣﺘﻰ أﺧﺮجَ إﻟﻰ اﻟﺼﻼة ،أي :أﻧﺎ ﻣﺸﻐﻮل ﺑﻄﺎﻋﺔ ﺍ ،أرﯾﺪ أن أُﺻَﻠﱢﻲ ،ﻓﻘِﻒ ﺣﺘﻰ أﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﺼﻼة ﻓﻼ ﺷﺄن ﻟﻲ ﺑﻚ ،وإﻻﱠ ﻓﺎذھﺐ إﻟﻰ ﻋﻤﻠِﻚ ،ﻓﻤﻀﻰ اﻟﺮﱠﺟﻞُ وﻟﻢ ﯾﺜﺒﺖ. ھﺬه ﺟﻤﻠﺔٌ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮل اﻟﻤﻔﯿﺪة ،ﻧﻘﻠﺘُﮭﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب اﻹﺑﺎﻧﺔ ﻻﺑﻦ ﺑﻄﺔ اﻟﻌُﻜﺒُﺮي رﺣﻤﮫ ﺍ، وھﻮ ﻛﺘﺎب ﻋﻈﯿﻢٌ ﻓﻲ ﺑﺎﺑﮫ ،وﺟﻤﯿﻊ ھﺬه اﻟﻨﻘﻮل ﻋﻦ اﻟﺴﱢﻠﻒ رﺣﻤﮭﻢ ﺍ ﺗﻮﺿﺢ ﻣﺘﺎﻧﺔَ اﻟﺪﱢﯾﻦ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥٣٨/٢
٥٧
ﻋﻨﺪھﻢ ،وﻗﻮﱠﺗَﮫ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳِﮭﻢ ،وﺷﺪﱢةَ رﻋﺎﯾﺘِﮭﻢ وﻋﻨﺎﯾﺘِﮭﻢ ﺑﮫ ،وﻋﺪمَ ﺗﻌﺮﯾﻀﮭﻢ ﻟﮫ إﻟﻰ ﺧﺼﻮﻣﺎتٍ أو ﺟﺪل ،أو رأي ﻣﻨﺤﺮف ،أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎﺗﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖﱢ. ﺛﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ :اﻋﺘﻘﺎدُھﻢ ـ أي اﻟﺴﻠﻒ ـ أنﱠ ﻣﺴﺎﺋﻞَ اﻻﻋﺘﻘﺎدِ ﻣﻦ اﻹﯾﻤﺎن ﺑﺎ وأﺳﻤﺎﺋﮫ وﺻﻔﺎﺗﮫ ،واﻟﯿﻮم اﻵﺧﺮ ،وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﺑﮭﺎ اﻟﺮﱡﺳﻞ واﺗﱠﻔﻘﺖ ﻛﻠﻤﺘُﮭﻢ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﺟﻤﯿﻌﮭﺎ أﻣﻮرٌ ﺛﻮاﺑﺖ ،ﻻ ﯾﺪﺧﻠﮭﺎ ﻧﺴﺦٌ أو ﺗﺒﺪﯾﻞ ،أو ﻧﺤﻮُ ذﻟﻚ؛ ﻷنﱠ اﻟﻌﻘﯿﺪةَ ﻟﯿﺴﺖ ﻣِﻤﱠﺎ ﯾﺪﺧﻠﮭﺎ اﻟﻨﺴﺦُ ،وﻟﮭﺬا ﻓﺈنﱠ ﻛﻠﻤﺔَ اﻷﻧﺒﯿﺎء ﻣﺘﱠﻔَﻘَﺔٌ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ أوﱠﻟﮭﻢ إﻟﻰ آﺧﺮھﻢ ،ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ
اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﺼﺤﯿﺢ ﻋﻦ اﻟﻨﱠﺒِﻲﱢ أﻧﱠﮫ ﻗﺎل: اﻷﻧﺒﯿﺎءُ إﺧﻮةٌ ﻣِﻦ ﻋَﻼﱠتٍ ،وأﻣﱠﮭﺎﺗُﮭﻢ ﺷﺘﱠﻰ، ))
٥٨
ودﯾﻨُﮭﻢ واﺣﺪٌ (().(١ ﺛﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ :وﺿﻮحُ ﻋﻘﯿﺪﺗﮭﻢ ـ أي أھـﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ـ وﯾُﺴﺮُھﺎ وﺑُﻌﺪُھﺎ ﻋﻦ اﻟﻐﻤﻮض ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻷﺧﺮى ﺗﺮاھﺎ ﯾﻜﺘﻨﻔُﮭﺎ أﻧﻮاعٌ ﻣﻦ اﻟﻐﻤﻮض وﻋﺪم اﻟﻮﺿﻮح ،وﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﮭﺎت. أﻣﱠﺎ ﻋﻘﯿﺪة أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﮭﻲ واﺿﺤﺔٌ وﺿﻮح اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ راﺑﻌﺔ اﻟﻨﮭﺎر، وھﻲ ﺗﻜﺘﺴﺐ وﺿﻮﺣﮭﺎ ﻣﻦ وﺿﻮح ﻣَﻨﺒﻌِﮭﺎ وﻣﺼﺪرھﺎ. وﻓﻲ ھﺬا ﯾﻘﻮل اﻹﻣﺎم اﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ رﺣﻤﮫ ﺍ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ )) اﻟﺼﻮاﻋﻖ (( ﻓﻲ ﺑﯿﺎن ھﺬه اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺤﻖﱢ ووﺿﻮﺣِﮭﺎ ﻟﻮﺿﻮح ﻣﺼﺪرھﺎ ،ﯾﻘﻮل: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ).(١٨٣٧/٤
٥٩
)) ﻣﺜﻞ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ﻟﻠﺒﺼﺮ ،ﻻ ﯾﻠﺤﻘﮭﺎ إﺷﻜﺎل ،وﻻ ﯾﻐﯿﱢﺮ ﻓﻲ وﺟﮫ دﻻﻟﺘﮭﺎ إﺟﻤﺎل ،وﻻ ﯾﻌﺮﺿﮭﺎ ﺗﺠﻮﯾﺰ واﺣﺘﻤﺎل ،ﺗَﻠِﺞ اﻷﺳﻤﺎعَ ﺑﻼ اﺳﺘﺌﺬان ،وﺗﺤﻞﱡ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻮل ﻣﺤﻞﱠ اﻟﻤﺎء اﻟﺰﱡﻻل ﻣﻦ اﻟﺼﺎدي اﻟﻈﻤﺂن ،ﻓﻀﻠُﮭﺎ ﻋﻠﻰ أدﻟﱠﺔ اﻟﻌﻘﻮل واﻟﻜﻼم ﻛﻔﻀﻞ ﺍ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﺎم ،ﻻ ﯾُﻤﻜﻦ أﺣﺪٌ أن ﯾﻘﺪحَ ﻓﯿﮭﺎ ﻗَﺪْﺣﺎً ﯾُﻮﻗِﻊُ ﻓﻲ اﻟﻠﱠﺒﺲ، إﻻﱠ إن أﻣﻜﻨﮫ أن ﯾﻘﺪحَ ﺑﺎﻟﻈﮭﯿﺮة ﺻﺤﻮاً ﻓﻲ ﻃﻠﻮع اﻟﺸﻤﺲ (().(١ ﻓﺎﻟﺬي ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻘﺪحَ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ اﻟﺴﻠﯿﻤﺔ اﻟﻤﺄﺧﻮذة ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻣ َﺜﻠُﮫ ﻣﺜﻞ رﺟﻞٍ ﯾﺄﺗﻲ إﻟﻰ اﻟﻨﺎسِ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻨﮭﺎر، وﯾﻘﻮل ﻟﮭﻢ :أرﯾﺪ أن أﺛﺒﺖ ﻟﻜﻢ اﻵن أنﱠ اﻟﻮﻗﺖَ ﻟﯿﻞٌ وﻟﯿﺲ ﺑﻨﮭﺎر ،ھﺬا ﻣﺜﻞ ﻟِﻤَﻦ ﯾﺄﺗﻲ وﯾﺮﯾﺪ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻟﺼﻮاﻋﻖ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ ).(١١٩٩/٣
٦٠
أن ﯾُﺸﻜﱢﻚ ﻓﻲ ﺻﺤﱠﺔ اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ اﻟﺴﻠﯿﻤﺔ اﻟﻤﺄﺧﻮذة ﻣﻦ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ ، واﻷﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻓَﺈِﻧﱠﮭَﺎ ﻻَ ﺗَﻌْﻤَﻰ اﻷَﺑْﺼَﺎرُ وَﻟَﻜِﻦْ ﺗَﻌْﻤَﻰ اﻟﻘُﻠُﻮبُ اﻟﱠﺘِﻲ ﻓِﻲ اﻟﺼﱡﺪُورِ{).(١ راﺑﻊ ﻋﺸﺮ :ﻓﻲ ﺛﺒﺎت أھﻞ اﻟﻌﻘﯿﺪة وﺳﻼﻣﺘﮭﻢ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاف ،اﻋﺘﺒﺎرُھﻢ واﺗﱢﻌﺎﻇُﮭﻢ ﺑﺤﺎل أھﻞ اﻷھﻮاء ،وﻗﺪﯾﻤﺎً ﻗﯿﻞ)) : اﻟﺴﻌﯿﺪ ﻣَﻦ اﺗﱠﻌﻆ ﺑﻐﯿﺮه (( ،ﻓﺄھﻞ اﻷھﻮاء اﻟﺬي ﺗﺮﻛﻮا اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ،أورﺛَﮭﻢ ھﺬا اﻟﺘﺮكُ ﺗﺬﺑﺬُﺑﺎً واﻧﺤﺮاﻓﺎً ،وﺗﻨﻘﱡﻼً واﺿﻄﺮاﺑﺎً ،وﺑُﻌﺪاً ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﺜﺒﺎت ،وﻻ ﺗَﺠﺪُ ﻟﺼﺎﺣﺐ ھﻮى ﺛﺒﺎﺗﺎً واﺳﺘﻘﺮاراً ،وإﻧﱠﻤﺎ ھﻢ داﺋﻤﺎً وأﺑﺪاً ﻓﻲ ﺗﻨﻘﱡﻞ ،وأﻧﻘﻞ ھﻨﺎ ﻧﻘﻮﻻً ﻋﻦ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻟﺤﺞ ،اﻵﯾﺔ.(٤٦) :
٦١
وﺻﻒ ﺣﺎل أھﻞ اﻷھﻮاء: ﻗﺎل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم )) :أھﻞُ اﻟﻜﻼم أﻛﺜ ُﺮ اﻟﻨﺎس اﻧﺘﻘﺎﻻً ﻣﻦ ﻗﻮل إﻟﻰ ﻗﻮل ،وﺟﺰﻣﺎً ﺑﺎﻟﻘﻮل ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ،وﺟﺰﻣﺎ ﺑﻨﻘﯿﻀﮫ وﺗﻜﻔﯿﺮ ﻗﺎﺋﻠﮫ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ ،وھﺬا دﻟﯿﻞُ ﻋﺪم اﻟﯿﻘﯿﻦ؛ ﻓﺈنﱠ اﻹﯾﻤﺎنَ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻓﯿﮫ ﻗﯿﺼﺮ ﻟَﻤﱠﺎ ﺳﺄل أﺑﺎ ﺳﻔﯿﺎن ﻋﻤﱠﻦ أﺳﻠﻢ ﻣﻊ اﻟﻨﱠﺒِﻲﱢ ،ﻗﺎل :ھﻞ ﯾﺮﺟﻊ أﺣﺪٌ ﻣﻨﮭﻢ ﻋﻦ دﯾﻨﮫ ﺳﺨﻄﺔ ﻟﮫ ﺑﻌﺪ أن ﯾﺪﺧﻞ ﻓﯿﮫ؟ ﻗﺎل :ﻻ ،ﻗﺎل :وﻛﺬﻟﻚ اﻹﯾﻤﺎن إذا ﺧﺎﻟﻂ ﺑﺸﺎﺷﺘﮫ اﻟﻘﻠﻮب ﻻ ﯾﺴﺨﻄُﮫ أﺣﺪٌ (().(١ ﻓﮭﺬا ﻓﯿﮫ ﻋﺒﺮة وﻋِﻈﺔ ﻣﻦ ﺣﺎل أھﻞ اﻷھﻮاء أﻧﱠﮭﻢ ﻻ ﻗﺮار ﻟﮭﻢ وﻻ ﺛﺒﺎت ،وأﻧﱠﮭﻢ داﺋﻤﺎً وأﺑﺪاً ﻓﻲ ﺗﻨﻘﱡﻞ واﺿﻄﺮاب. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ).(٥٠/٤
٦٢
وﻣِﻤﱠﺎ وﺻﻒ ﺑﮫ أھﻞُ اﻟﻌﻠﻢ أھﻞَ اﻷھﻮاء، وﺑﯿﱠﻨﻮا ﻓﯿﮫ ﺣﺎﻟﮭﻢ ﻗﻮل أﺑﻲ اﻟﻤﻈﻔﱠﺮ اﻟﺴﻤﻌﺎﻧﻲ ﻓﯿﻤﺎ ﻧﻘﻠﮫ ﻋﻨﮫ اﻟﺘﯿﻤﻲ واﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ ،ﻗﺎل )) :وأﻣﱠﺎ إذا ﻧﻈﺮتَ إﻟﻰ أھﻞ اﻟﺒﺪَع رأﯾﺘَﮭﻢ ﻣﺘﻔﺮﱢﻗﯿﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﯿﻦ ،ﺷﯿﻌﺎً وأﺣﺰاﺑﺎً ،ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺠﺪ اﺛﻨﯿﻦ ﻣﻨﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎد ،ﯾُﺒﺪﱢعُ ﺑﻌﻀُﮭﻢ ﺑﻌﻀﺎً ،ﺑﻞ ﯾﺮﺗﻘﻮن إﻟﻰ اﻟﺘﻜﻔﯿﺮ ،ﯾُﻜﻔﱢﺮُ اﻻﺑﻦ أﺑﺎه ،واﻷخُ أﺧﺎه ،واﻟﺠﺎرُ ﺟﺎرَه، وﺗﺮاھﻢ أﺑﺪاً ﻓﻲ ﺗﻨﺎزع وﺗﺒﺎﻏﺾ واﺧﺘﻼف، ﺗﻨﻘﻀﻲ أﻋﻤﺎرُھﻢ وﻟﻢ ﺗﺘﱠﻔﻖ ﻛﻠﻤﺎﺗُﮭﻢ (().(١ وﯾﻘﻮل ﺷﯿﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ ﻓﻲ وﺻﻔﮫ ﻷھﻞ اﻟﮭﻮاء )) :وأﯾﻀﺎً اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻮن ﻷھﻞ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،ھﻢ ﻣَﻈﻨﱠﺔُ ﻓﺴﺎد اﻷﻋﻤﺎل ،إﻣﱠﺎ ﻋﻦ ﺳﻮء ﻋﻘﯿﺪة وﻧﻔﺎق ،وإﻣﱠﺎ ﻋﻦ ﻣﺮض ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺨﺘﺼﺮ اﻟﺼﻮاﻋﻖ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ )ص.(٥١٨:
٦٣
وﺿﻌﻒ إﯾﻤﺎن ،ﻓﻔﯿﮭﻢ ﻣِﻦ ﺗَﺮْكِ اﻟﻮاﺟﺐ، واﻋﺘﺪاء اﻟﺤﺪود ،واﻻﺳﺘﺨﻔﺎف ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق وﻗﺴﻮة اﻟﻘﻠﻮب ﻣﺎ ھﻮ ﻇﺎھﺮٌ ﻟﻜﻞﱢ أﺣﺪ ،وﻋﺎﻣﱠﺔُ ﺷﯿﻮﺧﮭﻢ ﯾُﺮﻣَﻮْن ﺑﺎﻟﻌﻈﺎﺋﻢ ،وإن ﻛﺎن ﻓﯿﮭﻢ ﻣﻦ ھﻮ ﻣﻌﺮوف ﺑﺰھﺪٍ وﻋﺒﺎدة ،ﻓﻔﻲ زھﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎﻣﱠﺔ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ وﻋﺒﺎدﺗﮫ ﻣﺎ ھﻮ أرﺟﺢُ ﻣِﻤﱠﺎ ھﻮ ﻓﯿﮫ ،وﻣِﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮم أنﱠ اﻟﻌﻠﻢَ أﺻﻞُ اﻟﻌﻤﻞ ،وﺻِﺤﱠﺔُ اﻷﺻﻮل ﺗﻮﺟﺐُ ﺻﺤﱠﺔَ اﻟﻔﺮوع (().(١ وﻗﺎل إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﻨﺨﻌﻲ )) :ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺮون اﻟﺘﻠﻮﱡنَ ﻓﻲ اﻟﺪﱢﯾﻦ ﻣﻦ ﺷﻚﱢ اﻟﻘﻠﻮب ﻓﻲ ﺍ ﻋﺰﱠ وﺟﻞﱠ (().(٢ وﻗﺎل ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ أﻧﺲ )) :اﻟﺪاءُ اﻟﻌُﻀﺎل، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ).(٥٣/٤ ) (٢اﻹﺑﺎﻧﺔ ﻻﺑﻦ ﺑﻄﺔ ).(٥٠٥/٢
٦٤
اﻟﺘﻨﻘﱡﻞُ ﻓﻲ اﻟﺪﱢﯾﻦ (( ،وﻗﺎل )) :ﻗﺎل رﺟﻞ :ﻣﺎ ﻛﻨﺖَ ﻻﻋﺒﺎً ﺑﮫ ،ﻓﻼ ﺗﻠﻌﺒﻦﱠ ﺑﺪﯾﻨِﻚ (().(١ ﻓﻤَﻦ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺣﺎل أھﻞ اﻷھﻮاء ﯾَﺠﺪُ أ ﱠ ن ﺣﺎﻟَﮭﻢ ﻓﻲ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻟﻌﺐٌ ﺑﺎﻟﺪﱢﯾﻦ ،ﺗﻨﻘﱡﻞٌ، آراءٌ ،ﻋﻘﻠﯿﺎتٌ ،أﻓﻜﺎرٌ ،أﺷﯿﺎء ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻘﺒﯿﻞ ﻣﺘﻨﻮﱢﻋﺔ وﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻻ ﺛﺒﺎت ﻟﮭﻢ وﻻ ﻗﺮار، ﺣﺘﻰ إنﱠ أﺣﺪَ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﺟﺎء إﻟﻰ أﺣﺪِ ﻛﺒﺎر رؤوس ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻜﻼم ﻓﻲ ﺣﯿﺮة وﺷﻚﱟ واﺿﻄﺮاب ،ﻓﺴﺄﻟﮫ :ﻣﺎذا ﺗﻌﺘﻘﺪ؟ ﻗﺎل :أﻋﺘﻘﺪُ ﻣﺎ ﯾﻌﺘﻘﺪه اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ـ أي ﻣِﻤﱠﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳﻨﱠﺔ رﺳﻮﻟﮫ ـ ﻓﻘﺎل ﻟﮫ :وأﻧﺖ ﻣُﻄﻤﺌﻦﱞ ﺑﺬﻟﻚ ﻣُﻨﺸﺮح اﻟﺼﱠﺪر؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل :أﻣﱠﺎ أﻧﺎ ﻓﻮﺍ ِﻣﺎ أدري ﻣﺎ أﻋﺘﻘﺪ؟ وﺍ ﻣﺎ أدري ﻣﺎ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻹﺑﺎﻧﺔ ).(٥٠٦/٢
٦٥
أﻋﺘﻘﺪ؟ وﺍ ﻣﺎ أدري ﻣﺎ أﻋﺘﻘﺪ؟ وﺑﻜﻰ ﺣﺘﻰ أﺧﻀﻞ ﻟِﺤﯿﺘَﮫ).(١ وذﻟﻚ ﻷنﱠ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔَ أﺻﺒﺤﺖ ﺟﺪﻻً وﺣﻮارًا وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﺎﻟﺬي ﯾﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺣﺎل أھﻞ اﻷھﻮاء ﯾﺠﺪ ﻓﯿﮭﻢ اﻟﻌِﻈﺔَ واﻟﻌِﺒﺮةَ ،وﻛﻤﺎ ﻗﺪﱠﻣﺖ :اﻟﺴﱠﻌﯿﺪ ﻣﻦ اﺗﱠﻌﻆ ﺑﻐﯿﺮه ،ﻓﺼﺎﺣﺐُ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﯾَﺤﻤﺪ ﺍ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ،وﯾﺴﺄﻟﮫ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﯾُﺜﺒﱢﺘَﮫ ﻋﻠﯿﮭﺎ. ﺧﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ :ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺛﺒﺎﺗﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺤﻖﱢ :اﺗﱢﻔﺎقُ ﻛﻠﻤﺘﮭﻢ وﻋﺪمُ ﺗﻔﺮﱡﻗﮭﻢ، أﻣﱠﺎ أھﻞ اﻷھﻮاء ﻓﻘﺪ ﻓﺮﱠﻗﻮا دﯾﻨَﮭﻢ وﻛﺎﻧﻮا ﺷِﯿَﻌﺎً ،ﻛﻞﱡ ﺣﺰب ﺑﻤﺎ ﻟﺪﯾﮭﻢ ﻓﺮﺣﻮن ،ﻗﺎل ﻗﺘﺎدة )) :ﻟﻮ ﻛﺎن أﻣﺮ اﻟﺨﻮارج ھﺪى ﻻﺟﺘﻤﻊ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١اﻧﻈﺮ :ﺷﺮح اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﻄﺤﺎوﯾﺔ )ص.(٢٤٦:
٦٦
وﻟﻜﻨﱠﮫ ﻛﺎن ﺿﻼﻻً ﻓﺘﻔﺮﱠق (() ،(١وﻣﺜﻞ ھﺬا ﻓﻘُﻞ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ أھﻞ اﻟﺒﺪع ،أﻣﱠﺎ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻓﻜﻠﻤﺘﮭﻢ ﻣﺘﱠﻔﻘﺔ ،وأﻣﺮھﻢ ﻣﺠﺘﻤﻊ ،وﻟﯿﺲ ﻋﻨﺪھﻢ ﺗﻔﺮﱡقٌ أو اﺧﺘﻼف ﻓﻲ دﯾﻦ ﺍ ،ﻓﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺎدﱠة ﺳﻮﯾﱠﺔ
وﺻﺮاطٍ ﻣﺴﺘﻘﯿﻢ ،ﯾﺘﻌﺎھﺪون ذﻟﻚ ،وﯾﺘﻮاﺻﻮن ﺑﮫ ،وﯾﺼﺒﺮون ﻋﻠﯿﮫ. ﻗﺎل أﺑﻮ اﻟﻤﻈﻔﺮ اﻟﺴﻤﻌﺎﻧﻲ )) :وﻣِﻤﱠﺎ ﯾﺪلﱡ ﻋﻠﻰ أن أھﻞ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖّ أﻧﻚ ﻟﻮ ﻃﺎﻟﻌﺖَ ﺟﻤﯿﻊ ﻛﺘﺒﮭﻢ اﻟﻤﺼﻨﱠﻔﺔ ﻣﻦ أوّﻟﮭﺎ إﻟﻰ آﺧﺮھﺎ ،ﻗﺪﯾﻤﮭﺎ وﺣﺪﯾﺜﮭﺎ ،وﺟﺪﺗَﮭﺎ ﻣﻊ اﺧﺘﻼف ﺑﻠﺪاﻧﮭﻢ وزﻣﺎﻧﮭﻢ وﺗﺒﺎﻋﺪ ﻣﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﯾﺎر، وﺳﻜﻮن ﻛﻞﱢ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﻗﻄﺮاً ﻣﻦ اﻷﻗﻄﺎر، ﻓﻲ ﺑﯿﺎن اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻋﻠﻰ وﺗﯿﺮةٍ واﺣﺪةٍ وﻧﻤﻂٍ واﺣﺪٍ ،ﯾﺠْﺮون ﻓﯿﮫ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻻ ﯾﺤﯿﺪون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻄﺒﺮي ).(١٧٨/٣
٦٧
ﻋﻨﮭﺎ وﻻ ﯾﻤﯿﻠﻮن ﻋﻨﮭﺎ ،ﻗﻠُﻮﺑﮭﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ واﺣﺪ ،وﻧﻘﻠُﮭﻢ ﻻ ﺗﺮى ﻓﯿﮫ اﺧﺘﻼﻓﺎً وﻻ ﺗﻔﺮّﻗﺎً ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﺎ وإن ﻗﻞّ ،ﺑﻞ ﻟﻮ ﺟﻤﻌﺖ ﺟﻤﯿﻊ ﻣﺎ ﺟﺮى ﻋﻠﻰ أﻟﺴﻨﺘﮭﻢ وﻧﻘﻠﻮه ﻋﻦ ﺳﻠﻔﮭﻢ وﺟﺪﺗﮫ ﻛﺄﻧﮫ ﺟﺎء ﻋﻦ ﻗﻠﺐ واﺣﺪ وﺟﺮى ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن واﺣﺪ ،وھﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ دﻟﯿﻞ أﺑﯿَﻦ ﻣﻦ ھﺬا؟ ﻗﺎل ﺍ ﺗﻌﺎﻟﻰ} :أَﻓَﻼَ ﯾَﺘَﺪَﺑﱠﺮُونَ اﻟﻘُﺮْءَانَ وَﻟَﻮْ ﻛَﺎنَ ﻣِﻦْ ﻋِﻨﺪِ ﻏَﯿْﺮِ ﺍِ ﻟَﻮَﺟَﺪُوا ﻓِﯿﮫِ اﺧْﺘِﻼَﻓﺎً ﻛَﺜِﯿﺮاً{) ،(١وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: }وَاﻋْﺘَﺼِﻤُﻮا ﺑِﺤَﺒْﻞِ ﺍ ِﺟَﻤِﯿﻌﺎً وَﻻَ ﺗَﻔَﺮﱠﻗُﻮا واذْﻛُﺮُوا ﻧِﻌْﻤَﺔَ ﺍ ِﻋَﻠَﯿْﻜُﻢْ إِذْ ﻛُﻨﺘُﻢْ أَﻋْﺪَآءً ﻓَﺄَﻟﱠﻒَ ﺑَﯿْﻦَ ﻗُﻠُﻮﺑِﻜُﻢْ ﻓَﺄَﺻْﺒَﺤْﺘُﻢْ ﺑِﻨِﻌْﻤَﺘِﮫِ إِﺧْﻮَاﻧﺎً{).(3)(( (٢ ﻓﮭﺬا أﯾﻀﺎً ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ أدﱠت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء ،اﻵﯾﺔ.(٨٢) : ) (٢ﺳﻮرة آل ﻋﻤﺮان ،اﻵﯾﺔ.(١٠٣) : ) (3ﻣﺨﺘﺼﺮ اﻟﺼﻮاﻋﻖ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ )ص.(٥١٨:
٦٨
إﻟﻰ ﺛﺒﺎت أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖﱢ ،واﺳﺘﻘﺎﻣﺘﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ ،وﺳﻼﻣﺘﮭﻢ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاف واﻟﺘﻠﻮﱡن واﻟﺘﻐﯿﱡﺮ. وھﺬا اﻷﻣﺮ ھﻮ آﺧﺮ اﻟﻨﻘﺎط اﻟﺘﻲ أردتُ ﺑﯿﺎﻧﮭﺎ ،ﻟﻜﻨﱠﻨﻲ أﻗﻒ ﻋﻨﺪه وﻗﻔﺔ أوﺿﱢﺢ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﻌﺾَ اﻟﺠﻮاﻧﺐ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺘﻲ ﺗُﺒﯿﱢﻦ اﺗﱢﻔﺎقَ أھﻞ اﻟﺴﱠﻨﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﯿﺪة ،وﺳَﯿﺮھﻢ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ وﺗﯿﺮة واﺣﺪة ﻣﻦ أوﱠﻟﮭﻢ إﻟﻰ آﺧﺮھﻢ، إذا ﻧﻈﺮت ﻓﻲ ﻛﻼﻣﮭﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺰﻣﺎن،
وﻧﻈﺮتَ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﮭﻢ أوﱠل اﻷزﻣﺎن ،ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﻨﱠﺒِﻲﱢ ،ﺗﺠﺪ ﻣﺎ ﻋﻨﺪھﻢ ﺷﯿﺌﺎً واﺣﺪاً؛ ﻷﻧﱠﮫ ﻣﺄﺧﻮذٌ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎة واﺣﺪة. ﻓﻘﺪ ﻗﺎل اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ رﺣﻤﮫ ﺍ )) :ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ دﯾﻨﺎً زﻣﻦ اﻟﻨﱠﺒِﻲﱢ ﻓﻠﻦ ﯾﻜﻮن اﻟﯿﻮم دﯾﻨﺎً، وﻟﻦ ﯾﻜﻮن دﯾﻨﺎً إﻟﻰ ﻗﯿﺎم اﻟﺴﺎﻋﺔ ،وﻟﻦ ﯾﺼﻠﺢ آﺧﺮ ھﺬه اﻷﻣﱠﺔ إﻻﱠ ﺑﻤﺎ ﺻﻠﺢ ﺑﮭﺎ أوﱠﻟﮭﺎ ((.
٦٩
ﻓﺄﻧﺖَ إذا ﻧﻈﺮتَ إﻟﻰ ﻋﻘﯿﺪﺗﮭﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،وﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻷزﻣﺎن اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،ﺗﺠﺪھﺎ ﻋﻘﯿﺪةً واﺣﺪة ،وأﺿﺮب ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺑﻌﺾَ اﻷﻣﺜﻠﺔ: ﻓﻤﺜﻼً إذا ﺟﺌﺖَ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ واﻹﺧﻼص ،إﺧﻼص اﻟﻌﻤﻞ ﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﺗﺠﺪُھﻢ ﻛﻠﱠﮭﻢ ﻣﻦ أوﱠﻟِﮭﻢ إﻟﻰ آﺧﺮھﻢ دﻋﺎةً إﻟﻰ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ،ﻛﻠّﮭﻢ ﯾﺪﻋﻮن إﻟﻰ إﺧﻼص اﻟﻌﻤﻞ ﷲ ،ﻛﻠّﮭﻢ ﯾُﺤﺬﱢرون ﻣﻦ اﻟﺸﺮك ﺑﺎ وﺻﺮف ﺷﻲءٍ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدات ﻟﻐﯿﺮ ﺍ.
ﻻﺗﺮى ﻓﯿﮭﻢ ﻣَﻦ ﯾﺪﻋﻮ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺸﺮك أو اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﺘﻮﺣﯿﺪ ،ﻛﻤﺎ ﯾﻔﻌﻠﮫ ﻛﺜﯿﺮٌ ﻣﻦ أھﻞ اﻷھﻮاء ،ﯾﺪﻋﻮن إﻟﻰ أﺷﯿﺎء ﻣﻦ ھﺬه اﻻﻧﺤﺮاﻓﺎت ،وﯾُﺴﻤﱡﻮﻧﮭﺎ ﺑﻐﯿﺮ أﺳﻤﺎﺋﮭﺎ؛ ﻓﯿُﺴﻤﱡﻮن أﻧﻮاﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﺸﺮك ﺗﻮﺳﱡﻼً ،أو
٧٠
ﺷﻔﺎﻋﺔً ،أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ. ﻣﺜﺎل آﺧﺮ :أﻧﱠﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻣﺘﱠﻔﻘﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺤ ﱢ ﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ،واﻟﻨﮭﻲِ ﻋﻦ اﻟﺒﺪع واﻷھﻮاء ،ﻻ ﺗﺮى ﻓﯿﮭﻢ إﻻﱠ اﻟﺪاﻋﯿﺔَ ﻟﻠﺴﱡﻨﱠﺔ ،اﻟﻤﺤﺬﱢرَ ﻣﻦ اﻟﺒﺪع ،ﻻ ﺗﺠﺪ ﻓﯿﮭﻢ ﻣَﻦ ﯾﺤﺴﻦ اﻷھﻮاء وﯾﺮﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﺪع ،أو ﻣَﻦ ﯾُﺤﺎول أن ﯾُﺒﯿﱢﻦَ أنﱠ ﻟﻠﺒﺪع ﻣﺤﺎﺳﻨﺎً ،أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،ھﺬا ﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﻓﻲ أھﻞ اﻟﺴﱡﻨﱠﺔ ،وإﻧﱠﻤﺎ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻣﻦ أوﱠﻟﮭﻢ إﻟﻰ آﺧﺮھﻢ ﯾُﺤﺬﱢرون ﻣﻦ اﻟﺒﺪع واﻷھﻮاء، وﯾﺪﻋﻮن اﻟﻨﺎسَ إﻟﻰ اﻟﺘﻤﺴﱡﻚ ﺑﻜﺘﺎب ﺍ وﺳﻨﱠﺔ ﻧﺒﯿﱢﮫ . ﻣﺜﺎلٌ ﺛﺎﻟﺚ :إﯾﻤﺎﻧﮭﻢ ﺑﺄﺳﻤﺎء ﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ وﺻﻔﺎﺗﮫ؛ ﺗﺠﺪھﻢ ﻣﻦ أوﱠﻟِﮭﻢ إﻟﻰ آﺧﺮھﻢ ﻋﻠﻰ وﺗﯿﺮة واﺣﺪة ،ﯾُﺜﺒﺘﻮن ﷲ ﻣﺎ أﺛﺒﺘﮫ ﻟﻨﻔﺴﮫ ،وﻣﺎ أﺛﺒﺘﮫ ﻟﮫ رﺳﻮﻟﮫ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء
٧١
واﻟﺼﻔﺎت ،وﯾﻨﻔﻮن ﻋﻨﮫ ﻣﺎ ﻧﻔﺎه ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮫ، وﻣﺎ ﻧﻔﺎه ﻋﻨﮫ رﺳﻮﻟﮫ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺎﺋﺺ واﻟﻌﯿﻮب ،وﻻ ﯾُﺤﺮﱢﻓﻮن وﻻ ﯾُﻌﻄﱢﻠﻮن وﻻ ﯾُﻜﯿﱢﻔﻮن وﻻ ﯾُﻤﺜﱢﻠﻮن ،وﻗﺎﻋﺪﺗﮭﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻛﻤﺎ أﺧﺒﺮ ﺍ} :ﻟَﯿْﺲَ ﻛَﻤِﺜْﻠِﮫِ ﺷَﻲْءٌ وَھُﻮَ اﻟﺴﱠﻤِﯿﻊُ اﻟﺒَﺼِﯿﺮُ{) ،(١ﻓﻜﻠﱡﮭﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺎب ﻋﻠﻰ وﺗﯿﺮة واﺣﺪة. أﻣﱠﺎ ﻣَﻦ ﺳﻮاھﻢ ﻓﺘﺠﺪ ﻓﯿﮭﻢ اﻟﻤﺤﺮﱢفُ أو اﻟﻤﻌﻄﱢﻞُ ،أو اﻟﻤﻜﯿﱢﻒُ أو اﻟﻤﻤﺜﻞُ ،أو ﻏﯿﺮُ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻄﺮق ﻣﻊ اﺧﺘﻼف ﻋﺮﯾﺾ ﻟﺪى ﻛﻞﱢ أھﻞ ﻣﺬھﺐ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﺬاھﺐ. ﻣﺜﺎل أﺧﯿﺮ :اﺗﱢﻔﺎق ﻣﻨﮭﺠﮭﻢ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﺔ اﻻﺳﺘﺪﻻل ،وھﺬا أﻣﺮ ﺳﺒﻖ أن أوﺿﺤﺘﮫ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١ﺳﻮرة اﻟﺸﻮرى ،اﻵﯾﺔ.(١١) :
٧٢
ﻓﻄﺮﯾﻘﺘﮭﻢ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺪﻻل واﺣﺪة ،وﻣﻌﺘﻤﺪُھﻢ ﻓﯿﮭﺎ واﺣﺪ ،وھﻮ ﻛﺘﺎب ﺍ وﺳُﻨﱠﺔ رﺳﻮل ﺍ . وﻓﻲ ﺧﺘﺎم ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ أﺗﻮﺟﱠﮫ إﻟﻰ ﺍ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﮫ اﻟﺤﺴﻨﻰ وﺻﻔﺎﺗﮫ اﻟﻌﻠﯿﺎ أن ﯾُﻠﺤﻘﻨﻲ وإﯾﺎﻛﻢ ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﺒﺎده ،وأن ﯾَﻤﻦﱠ ﻋﻠﯿﻨﺎ وﻋﻠﯿﻜﻢ ﺑﻠﺰوم اﻟﺴﻨﱠﺔ واﺗﱢﺒﺎع أﺛﺮ ﺳﻠﻒ اﻷﻣﺔ ،وأن ﯾُﺠﻨﱢﺒﻨﺎ اﻷھﻮاءَ واﻟﺒﺪع ،وأن ﯾَﻤﻨَﺤﻨﺎ ﺻﺤﱠﺔً ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎد ،وﺳﻼﻣﺔً ﻓﻲ اﻹﯾﻤﺎن ،واﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻮك ،وﺣُﺴﻨﺎً ﻓﻲ اﻵداب واﻷﺧﻼق ،وأن ﯾُﻮﻓﱢﻘﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺑﺘﻮﻓﯿﻘﮫ، وأن ﯾﮭﺪﯾﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺳﻮاء اﻟﺴﺒﯿﻞ ،وأن ﯾﺠﻌﻠﻨﺎ ھُﺪاةً ﻣﮭﺘﺪﯾﻦ ،ﻣﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺴﺘﻤﻌﻮن اﻟﻘﻮل ﻓﯿَﺘﱠﺒﻌﻮن أﺣﺴﻨﮫ ،إﻧﱠﮫ وَﻟﻲﱡ ذﻟﻚ واﻟﻘﺎدر ﻋﻠﯿﮫ.
٧٣
ﻭﺻﻠﱠﻰ ﺍ ﻭﺳﻠّﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻭﺃﻧﻌﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪﻩ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻧﺒﻴﻪ ﳏﻤﺪ ،ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺃﲨﻌﲔ*. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ھﻲ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻣﺤﺎﺿﺮة أﻟﻘﯿﺖ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻟﻜﻮﯾﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﯿﻢ اﻟﺮﺑﯿﻌﻲ اﻟﺬي أﻗﺎﻣﺘﮫ ﺟﻤﻌﯿﺔ إﺣﯿﺎء اﻟﺘﺮاث اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ١٤٢٠/٣/٧ھـ أﺛﺎﺑﮭﻢ اﷲ وﺑﺎرك ﻓﻲ ﺟﮭﻮدھﻢ ،وﻗﺪ ﻓُﺮﱢﻏﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﯾﻂ وأَﺟْﺮَﯾْﺖُ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺗﻌﺪﯾﻼتٍ ﯾﺴﯿﺮة ،وﻓﻀﱠﻠﺖُ أن ﺗﺒﻘﻰ ﺑﺄﺳﻠﻮﺑﮭﺎ اﻹﻟﻘﺎﺋﻲ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة ،واﷲ وﺣﺪه اﻟﻤﻮﻓﱢﻖ.