004-final

Page 1

‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫حترير قول ابن تيمية‬ ‫في‬ ‫اعتباره التفاق املطالع في ر�ؤية الهالل‬

‫الكاتب‬

‫فؤاد بن يحيى الهاشمي‬ ‫نائب املرشف العام‬

‫‪1‬‬


8


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫مقدمة‬ ‫بسم اهلل الرحيم الرمحن ‪ ،‬الكريم املنان ‪ ،‬والصالة والسالم عىل سيد ولد عدنان ‪ ،‬حممد بن عبداهلل‬ ‫اهلاشمي القريش ‪ ،‬وعىل آله وصبحه ومن تبعه بإحسان ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬ ‫فبني يديكم النرشة العلمية الرابعة مللتقى املذاهب الفقهية والدراسات العلمية ‪ ،‬التي هي من نتاج هذا‬ ‫الرصح العلمي ‪ ،‬الذي يسعى جاهدً ا إىل ‪:‬‬ ‫‪ -- -‬التخصص الفقهي الدقيق ‪.‬‬

‫‪ -- -‬جتويد املادة الفقهية وإحكامها ‪.‬‬

‫‪ -- -‬تأطري املناقشات العلمية وضبطها بآداب اجلدل وقوانني املناظرة ‪.‬‬

‫ ‪ --‬إضافة إىل األهداف القريبة والبعيدة املدى واملدونة عىل صفحات امللتقى ‪.‬‬‫ونحن هبذه النرشة نحقق جز ًءا من األهداف املنشودة من ملتقى املذاهب الفقهية ‪ ،‬وقد كان موضوعها‬ ‫هلذا الشهر ‪( :‬حترير قول ابن تيمية يف اعتباره التفاق املطالع يف رؤية اهلالل) والتي هي من إعداد نائب‬ ‫املرشف العام فؤاد بن حييى اهلاشمي الذي كانت له يد السبق يف خدمة هذا امللتقى باالهتامم بشتى املواضيع‬ ‫الفقهية وتدوينها عىل صفحاته ‪.‬‬ ‫وكتب ‪ :‬عامر حممد مدين‬ ‫املرشف اإلعالمي‬

‫‪3‬‬



‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫احلمد هلل وحده والصالة والسالم عىل من ال نبي بعده ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬ ‫اشتهر عن ابن تيمية رمحه اهلل ‪ -‬السيام ما كان بني املعارصين ‪ -‬اعتباره التفاق املطالع يف رؤية اهلالل ‪،‬‬ ‫فإذا رآه قوم لزم الصوم به واإلفطار كل من كان عىل ميزان مطلعهم ‪ ،‬فإذا اختلفت املطالع فال اعتبار للرؤية‬ ‫إال الواقعة يف املطلع الواحد ‪.‬‬ ‫وهذه أمثلة قريبة أد ِّلل عىل شيوع نسبة اعتبار املطالع إىل ابن تيمية رمحه اهلل ‪:‬‬ ‫‪1 -1‬قال الشيخ ابن عثيمني يف الرشع املمتع (‪ « : )321/6‬قال شيخ اإلسالم ‪ :‬تتفق مطالع اهلالل باتفاق‬ ‫أهل املعرفة بالفلك ‪ ،‬فإن اتفقت لزم الصوم وإال فال ‪. » ...‬‬

‫‪2 -2‬ع َّلق حمققا الرشح املمتع « املشيقح وأبا اخليل » عىل كالم الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل السابق بام ييل ‪:‬‬ ‫« وهو مذهب الشافعية ‪ ،‬واختيار شيخ اإلسالم» ‪.‬‬ ‫‪3 -3‬ثم و َّثقا اإلحالة إىل ابن تيمية رمحه اهلل بذكر كتابه « االختيارات » ‪.‬‬

‫‪4 -4‬يف حتقيق الروض املربع « عبد اهلل الطيار ‪ ،‬إبراهيم الغصن ‪ ،‬خالد املشيقح ‪ ،‬عبد اهلل الغصن"‪: 263/4‬‬ ‫« وعند الشافعية واختاره شيخ اإلسالم ‪ :‬أن املعترب اختالف املطالع ‪ ،‬فيلزم الصوم لكل من يوافق بلد‬ ‫الرؤية يف مطلع اهلالل ‪ ،‬دون من خيالفه » ‪.‬‬ ‫‪5 -5‬يقول الشيخ بكر أبو زيد رمحه اهلل يف بحثه يف جملة املجمع الفقهي الدورة الثالثة اجلزء الثاين ص ‪، 840‬‬ ‫وكذا يف كتابه فقه النوازل ‪ « : 222/2‬القول بعدم توحيد الرؤية هو مذهب اجلمهور((( ‪ ،‬منهم األئمة‬ ‫الثالثة ‪ ،‬فلكل قوم رؤيتهم ‪ ،‬واخلالف للحنابلة ‪ ،‬واختار مجاعة منهم مذهب اجلمهور منهم شيخ‬ ‫اإلسالم ابن تيمية ‪ . » ....‬وقد َذك َ​َر ما سبق يف سياق حكايته ملا تضمنته آخر قرارات رابطة العامل‬ ‫اإلسالمي يف املجمع الفقهي ‪.‬‬ ‫‪6 -6‬وال غرو ‪ ،‬فنسبة هذا القول إىل ابن تيمية رمحه اهلل هو الذي حكاه عنه البعيل يف االختيارات ‪ ،‬ص‪: 158 ‬‬ ‫« ختتلف املطالع باتفاق أهل املعرفة هبذا فإن اتفقت لزمه الصوم وإال فال وهو األصح للشافعية ‪،‬‬ ‫وقول يف مذهب أمحد » ‪.‬‬ ‫((( نسبة القول بعدم توحيد الرؤية إىل اجلمهور فيها يشء ‪ ،‬والذي يبدو أن العكس هو الصحيح ‪ ،‬وأن القول بتوحيد الرؤية هو قول‬ ‫اجلمهور ‪ ،‬وإن وقع بينهم بعض اخلالف يف التفاصيل ‪ ،‬وإنام قال باعتبار املطالع الشافعية ‪ .‬انظر ‪ :‬املوسوعة الكويتية مصطلح‬ ‫(رؤية اهلالل ‪ ،‬رمضان ‪ ،‬مطالع) ‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫موسع يف جمموع فتاويه ‪:‬‬ ‫لكن البن تيمية رمحه اهلل كالم َّ‬ ‫ال أقول ‪ :‬إنه ذهب فيه إىل قول آخر يف املسألة فحسب ‪ ،‬بل أقول ‪ :‬إنه قد ض َّعف فيه اعتبار اتفاق املطالع‬ ‫واختالفها يف الرؤية ‪ ،‬حتى قال ‪ :‬إنه خمالف للعقل والرشع((( ‪ ،‬وهو ما يتناقض متاما مع الرتجيح املنقول‬ ‫عنه يف االختيارات ‪ ،‬ثم إن ابن تيمية رمحه اهلل يف هذه الفتوى املوسعة بعد أن ض َّعف القول باعتبار املطالع‬ ‫الواقف عليه‬ ‫يف الرؤية اهلاللية ‪ ،‬ذكر القول الراجح عنده يف هذه املسألة وبني مأخذه وضابطه بتفصيل جيزم‬ ‫ُ‬ ‫بخطأ النسبة املذكورة إليه يف االختيارات ‪.‬‬ ‫ولعل منشأ الغلط يف هذه النسبة راجع إىل ما يقع يف االختصار بحسب العادة من القصور أو اخللل ‪،‬‬ ‫أو أنه باعتبار فهم صانع االختيارات ‪ ،‬وربام يكون أمرا آخر ‪ ،‬فاهلل أعلم ‪ ،‬ومل أضع احتامال يف تقدُّ م هذا القول‬ ‫زمنا ‪ ،‬وأنه كان قوال قديام البن تيمية رمحه اهلل ؛ وذلك ألنه قد وقع ما خيالفها برصيح كالم ابن تيمية رمحه‪ ‬اهلل‬ ‫يف رشح العمدة ‪ ،‬واملعروف أن هذا الكتاب هو من بواكري تواليفه ‪.‬‬ ‫وسأقسم هذا املبحث إىل ثالثة أقسام ‪:‬‬ ‫القسم األول ‪ :‬ما ذكره ابن تيمية يف جمموع الفتاوى ‪.‬‬ ‫القسم الثاين ‪ :‬ما ذكره يف رشح كتاب الصيام من عمدة ابن قدامة ‪.‬‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬إضافات وتتامت ‪.‬‬ ‫* * *‬

‫((( جمموع الفتاوى ‪111/25‬‬

‫‪6‬‬


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫ الق�سم الأول‬

‫ما ذكره ابن تيمية يف جمموع الفتاوى‬ ‫يقول شيخ اإلسالم ابن رمحه اهلل (‪ « : )104/25‬والذين قالوا ال تكون رؤية جلميعها [أي رؤية البلد‬ ‫الواحد ال تكون رؤية جلميع البلدان] كأكثر أصحاب الشافعي ‪:‬‬ ‫‪1 -1‬منهم من حدد ذلك بمسافة القرص ‪.‬‬

‫‪2 -2‬ومنهم من حدد ذلك بام ختتلف فيه املطالع ‪ :‬كاحلجاز مع الشام والعراق مع خراسان ‪.‬‬ ‫وكالمها ضعيف ‪[ :‬يعني التحديد بمسافة القرص ‪ ،‬والتحديد بام ختتلف فيه املطالع]‬

‫‪1 -1‬فإن مسافة القرص ال تعلق هلا باهلالل ‪.‬‬ ‫‪2 -2‬وأما األقاليم فام حد ذلك ؟‬ ‫ثم هذان خطأ من وجهني ‪:‬‬

‫أحدمها ‪ :‬أن الرؤية ختتلف باختالف الترشيق والتغريب ؛ فإنه متى رؤي يف املرشق وجب أن يرى يف‬ ‫املغرب ‪ ،‬وال ينعكس ‪. ..‬‬ ‫الوجه الثاين ‪ :‬أنه إذا اعتربنا حدا كمسافة القرص ‪ ،‬أو األقاليم فكان رجل يف آخر املسافة واإلقليم فعليه‬ ‫أن يصوم ويفطر وينسك ‪ ،‬وآخر بينه وبينه غلوة سهم ال يفعل شيئا من ذلك ‪ ،‬وهذا ليس من دين املسلمني ‪.‬‬

‫فالصواب يف هذا واهلل أعلم ‪ :‬ما دل عليه قوله ﷺ ‪ « :‬صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون‬ ‫وأضحاكم يوم تضحون»((( ‪.‬‬ ‫فإذا شهد شاهدٌ ليلة الثالثني من شعبان أنه رآه بمكان من األمكنة قريب أو بعيد وجب الصوم ‪.‬‬ ‫وكذلك إذا شهد بالرؤية هنار تلك الليلة إىل الغروب فعليهم إمساك ما بقي سواء كان من إقليم أو‬ ‫إقليمني ‪.‬‬ ‫((( أخرجه الرتمذي من حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه وقال ‪ :‬حسن غريب ‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫واالعتبار ببلوغ العلم بالرؤية يف وقت يفيد ‪ :‬فأما إذا بلغتهم الرؤية بعد غروب الشمس ‪ ،‬فاملستقبل‬

‫جيب صومه بكل حال ‪ ،‬لكن اليوم املايض هل جيب قضاؤه ؟ فإنه قد يبلغهم يف أثناء الشهر أنه رؤي بإقليم‬

‫آخر ‪ ،‬ومل ير قريبا منهم ‪.‬‬

‫األشبه أنه إن رؤي بمكان قريب وهو ما يمكن أن يبلغهم خربه يف اليوم األول فهو كام لو رؤي يف‬

‫بلدهم ومل يبلغهم ‪.‬‬

‫وأما إذا رؤي بمكان ال يمكن وصول خربه إليهم إال بعد مىض األول فال قضاء عليهم ‪:‬‬ ‫ألن صوم الناس هو اليوم الذي يصومونه ‪ ،‬وال يمكن أن يصوموا إال اليوم الذي يمكنهم فيه رؤية‬

‫اهلالل ‪ ،‬وهذا مل يكن يمكنهم فيه بلوغه ‪ ،‬فلم يكن يوم صومهم ‪ ،‬وكذلك يف الفطر والنسك ‪ ،‬لكن هؤالء‬

‫هل يفطرون إذا ثبت عندهم يف أثناء الشهر أنه رؤي بناء عىل تلك الرؤية ؟‬

‫لكن إن بلغتهم بخرب واحد مل يفطروا ألنه قد ثبت عندهم يف أثنائه ما يفطرون به ‪ ،‬وال يقضون اليوم‬

‫األول فيكون صومهم تسعة وعرشين كام يقوله من يقول باملطالع إذا صام برؤية مكان ثم سافر إىل مكان‬

‫تقدمت رؤيتهم فإنه يفطر معهم وال يقىض اليوم األول ‪. ..‬‬

‫ثم قال رمحه اهلل ‪ :‬فالضابط أن مدار هذا األمر عىل البلوغ ؛ لقوله ﷺ ‪ « :‬صوموا لرؤيته » فمن بلغه‬

‫أنه رؤي ثبت يف حقه من غري حتديد بمسافة أصال ‪ .‬وهذا يطابق ما ذكره ابن عبد الرب يف أن طريف املعمورة ال‬ ‫يبلغ اخلرب فيهام إال بعد شهر فال فائدة فيه ‪ ،‬بخالف األماكن الذي يصل اخلرب فيها قبل انسالخ الشهر فإهنا‬

‫حمل االعتبار ‪.‬‬

‫فتدبر هذه املسائل األربعة ‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الصوم واإلمساك ‪.‬‬ ‫‪ -2‬ووجوب القضاء ‪.‬‬

‫‪ -3‬ووجوب بناء العيد عىل تلك الرؤية ‪.‬‬

‫‪ -4‬ورؤية البعيد والبالغ يف وقت بعد انقضاء العبادة ‪.‬‬

‫وهلذا قالوا ‪ :‬إذا أخطأ الناس كلهم فوقفوا يف غري يوم عرفة أجزأهم اعتبارا بالبلوغ ‪ ،‬وإذا أخطأه طائفة‬ ‫منهم مل جيزهم إلمكان البلوغ ‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫فالبلوغ هو املعترب ‪ ،‬سواء كان علم به للبعد أو للقلة ‪ ،‬وهذا الذي ذكرته هو الذي ذكره أصحابنا إال‬ ‫وجوب القضاء إذا مل يكن مما يمكنهم فيه بلوغ اخلرب ‪.‬‬ ‫واحلجة فيه ‪ -‬أي عىل عدم القضاء إذا مل يمكنهم فيه بلوغ خرب رؤية اهلالل ‪ -‬أنا نعلم بيقني أنه ما زال‬ ‫يف عهد الصحابة والتابعني ُيرى اهلالل يف بعض أمصار املسلمني بعد بعض ؛ فإن هذا ِمن األمور املعتادة التي‬ ‫ال تبديل هلا ‪ ،‬والبد أن يبلغهم اخلرب يف أثناء الشهر ‪.‬‬ ‫فلو كانوا جيب عليهم القضاء ‪:‬‬ ‫‪1 -1‬لكانت مهمهم تتوفر عىل البحث عن رؤيته يف سائر بلدان اإلسالم كتوفرها عىل البحث عن رؤيته يف‬ ‫بلده ‪.‬‬ ‫‪2 -2‬ولكان القضاء يكثر يف أكثر الرمضانات ‪ ،‬ومثل هذا لو كان لنقل ‪ ،‬وملا مل ينقل دل عىل أنه ال أصل له ‪،‬‬ ‫وحديث ابن عباس يدل عىل هذا » ‪.‬‬ ‫انتهى كالمه رمحه اهلل ‪.‬‬

‫* * *‬

‫‪9‬‬



‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫ الق�سم الثاين‬

‫ما ذكره يف �شرح كتاب ال�صيام من عمدة ابن قدامة‬ ‫يؤكد ما نقلناه عن ابن تيمية رمحه اهلل ‪ :‬أنه يف رشحه لكتاب الصيام من كتاب العمدة البن قدامة ‪ :‬عقد‬ ‫فصال خاصا نقل فيه قول احلنابلة يف هذه املسألة ‪ ،‬ونرصه بام يتفق مع أصل القول الذي انتهى إليه ‪ ،‬ونقلناه‬ ‫عنه يف القسم األول ‪.‬‬ ‫اهلالل ُ‬ ‫َ‬ ‫سائر البلدان الصوم وإن مل يروه‪، ‬‬ ‫فذكر أن قول احلنابلة يف هذه املسألة ‪ :‬أنه إذا رأى‬ ‫أهل بلد لزم َ‬ ‫سواء كان البلدان متقاربني ال خيتلف مطالع اهلالل فيهام أو متباعدين خيتلف ‪.‬‬ ‫ثم َّقرر ابن تيمية هذا القول واستدل له((( ‪.‬‬ ‫لكن فتوى ابن تيمية رمحه اهلل يف جمموع الفتاوى متيزت بأمور ثالثة ‪:‬‬ ‫طوره إىل مرحلة متقدِّ مة ‪ ،‬فإنه بعد‬ ‫وحرره بام يمكن أن يقال ‪ :‬إنه َّ‬ ‫األمر األول ‪ :‬أنه أنضج هذا القول َّ‬ ‫اهلالل ُ‬ ‫َ‬ ‫أهل بلد لزم سائر البلدان الصوم ‪ ،‬فإنه أزاح عنه بعد ذلك ما‬ ‫تقريره لصحة هذا القول ‪ ،‬وأنه إذا رأى‬ ‫يمكن أن يعرتض عليه ‪ ،‬وهو تعذر بلوغ هذه الرؤية لسائر البلدان ‪.‬‬ ‫فقد بينَّ رمحه اهلل أن مدار األمر عىل البلوغ ‪ ،‬فمتى أمكن بلوغ الرؤية لزمت أحكامها ‪ ،‬ومتى تعذرت‬ ‫(((‬ ‫فإنه ال فائدة حينئذ هبذه الرؤية ‪ ،‬فيستقل أصحاب تلك البالد برؤية ختتص هبم بحسب ما يبلغهم ‪.‬‬ ‫األمر الثاين ‪ :‬ترتَّب عىل حترير ابن تيمية رمحه اهلل لقول أصحابه احلنابلة يف هذه املسألة أنه استطاع أن‬ ‫جييب عن اإلمجاع الذي حكاه ابن عبد الرب رمحه اهلل يف االستذكار ‪.‬‬ ‫حيث قال ابن عبد الرب معلق ًَا عىل حديث ابن عباس يف قصة كريب حيث قدم من الشام (‪: ((()283/3‬‬ ‫((( كتاب الصيام من رشح العمدة البن تيمية ‪174 - 170/1‬‬ ‫((( انظر ‪ :‬جمموع الفتاوى ‪112 ، 111 ، 107/25‬‬ ‫((( فعن كريب ‪ « :‬أن أم الفضل بنت احلارث بعثته إىل معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا‬ ‫بالشام فرأينا اهلالل ليلة اجلمعة ثم قدمت املدينة يف آخر الشهر فسألني بن عباس ثم ذكر اهلالل فقال متى رأيتم اهلالل قلت‬ ‫رأيته ليلة اجلمعة قال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال لكنا رأيناه ليلة السبت فال نزال نصومه حتى =‬

‫‪11‬‬


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫“ قد أمجعوا أنه ال تراعى الرؤية فيام أخر من البلدان ‪ ،‬كاألندلس من خراسان ‪ ،‬وكذلك كل بلد له رؤيته إال‬ ‫ما كان كاملرص الكبري ‪ ،‬وما تقاربت أقطاره من بالد املسلمني ‪ ،‬واهلل أعلم ” ‪.‬‬ ‫فقال ابن تيمية بعد أن َّقرر قول أصحابه احلنابلة ‪“ :‬وهذا يطابق ما ذكره ابن عبد الرب يف أن طريف‬ ‫املعمورة ال يبلغ اخلرب فيهام إال بعد شهر فال فائدة فيه بخالف األماكن الذي يصل اخلرب فيها قبل انسالخ‬ ‫الشهر فإهنا حمل االعتبار ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬فام ذكره ابن عبد الرب رمحه اهلل ِمن تعذر الصورة املذكورة يف حال تباعد األقطار [وذلك بحسب‬ ‫زمانه] ال ينايف قول ابن تيمية يف مجاعة أصحابه احلنابلة ؛ ألن الصورة التي أوردها ابن عبد الرب يف تباعد‬ ‫األقطار ليست هي حمل االعتبار يف املسألة ‪ ،‬وذلك ألهنم قيدوا قوهلم يف لزوم الصوم عىل سائر الناس إذا رآه‬ ‫أهل بلد ‪ :‬بأن ذلك إنام هو يف حال بلوغ اخلرب ‪ ،‬ولذلك وقع من ابن تيمية رمحه اهلل تكرير هذا احلرف حتى‬ ‫نص يف كالمه أن البلوغ هو املعترب ‪.‬‬ ‫األمر الثالث ‪ :‬أن ابن تيمية رمحه اهلل ميز قوله يف “جمموع الفتاوى” بام ييل ‪:‬‬ ‫أنه بني أولاً ‪ :‬أن أصل قوله الذي يذهب هو القول الذي صار إليه أصحابه احلنابلة ‪.‬‬ ‫ثم أبان ثان ًيا ‪ :‬أنه ينفرد عنهم بالقول بعدم احلكم بقضاء الصوم للبلد الذي تتعذر فيه بلوغهم الرؤية ‪،‬‬ ‫بخالف أصحابه احلنابلة الذين يوجبون القضاء عىل أهل البلد الذين مل يروا اهلالل يف حال رآه غريهم حتى‬ ‫ولو كان يتعذر بلوغهم اخلرب ‪.‬‬ ‫وقد ذكر الشيخ سمري بن خليل املالكي يف بحث له بعنوان "توحيد رؤية اهلالل"ما ذكرناه يف هذا‬ ‫ِ‬ ‫املقرر يف االختيارات عن بحثه املوجود يف جمموع الفتاوى ‪ ،‬فأورثني ذلك‬ ‫البحث من اختالف كالم ابن تيمية َّ‬ ‫طمأنينة وانرشاحا وهلل احلمد واملنة ‪.‬‬ ‫يقول سمري املالكي بعد أن نقل بعض النقوالت عن ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬وإنام أطلت النقل من كالمه‬ ‫رمحه اهلل لنفاسته ‪ ،‬وهو خيالف ما ذهب إليه يف االختيارات من اعتبار اختالف املطالع ‪ ،‬بينام نص هنا عىل أن‬ ‫= نكمل الثالثني أو نراه فقلت ‪ :‬أفال تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ قال ال هكذا أمرنا رسول اهلل ﷺ » ‪ .‬أخرجه مسلم يف‬ ‫صحيحه ‪. )2495( 126/3‬‬

‫‪12‬‬


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫العربة هي يف بلوغ العلم بالرؤية يف الوقت الذي يؤدى فيه الصوم أو الفطر ‪ ،‬بمعنى أنه لو بلغهم خرب الرؤية‬ ‫بعد ذلك مل يلزمهم قضاء ذلك اليوم ‪ ،‬واهلل أعلم‬ ‫وعليه فإننا يف هذا الزمان ‪ ،‬نرى أن العلم بالرؤية حيصل للجميع يف نفس الوقت عرب وسائل اإلعالم‪، ‬‬ ‫فام املانع من االعتبار برؤية اآلخرين ‪ ،‬خاصة والقائلون هبذا هم من تقدم ذكرهم من األئمة األعالم ؟ ”‬ ‫ظاهر جدً ا ‪ ،‬وقد نرص هذا القول الشوكاين وصديق حسن خان ‪ ،‬ومجاعات كثرية من‬ ‫قلت ‪ :‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫املعارصين وعىل رأسهم حمدث الشام نارص الدين األلباين ‪ ،‬وستأيت إشارة أخرى ‪.‬‬ ‫* * *‬

‫‪13‬‬



‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫ الق�سم الثالث‬

‫�إ�ضافات وتتمات‬ ‫الإ�ضافة الأوىل ‪:‬‬ ‫بالنسبة لكتاب االختيارات العلمية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬والذي صنعه البعيل ‪ :‬أظن واهلل أعلم أن‬ ‫توثيق الكتاب من فتاواه املطبوعة سيكشف لنا عن دقة هذه االختيارات ‪ ،‬فابن تيمية رمحه اهلل له بعض الفتاوى‬ ‫املحررة واملطولة والتي قيدها وضبطها بتفصيل وبيان يصعب بمكان أن خيتزل ‪ ،‬فقد تكون له الفتوى املطولة‬ ‫فتنسب إليه يف االختيارات بأقل من سطر ‪ ،‬وهلذا نجد يف بعض املواضع أن صاحب االختيارات نفسه يطيل‬ ‫يف النقل عن ابن تيمية رمحه اهلل ‪ ،‬وذلك ألن املوطن نفسه يستدعي نقل كالمه بطوله ‪ ،‬وأن التقصري يف ذلك‬ ‫يستلزم اخللل يف نسبة الكالم إىل ابن تيمية رمحه اهلل ‪.‬‬ ‫وقد بات من املؤكَّد أنه قد وقع صاحب االختيارات يف اختصار بعض املواضع التي أ َّثرت عىل هيكل‬ ‫كالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ ،‬ومتام صورته ‪.‬‬ ‫وأعترب بمسألة سفر املرأة بغري حمرم ‪ ،‬فانظر إىل كالمه يف كتابه "تفسري آيات أشكلت" ‪ ،‬وما اشتمل‬ ‫عليه من التحرير والتقرير ‪ ،‬وانظر إىل الفتوى املخترصة عنه يف االختيارات ‪ ،‬يظهر لك الفرق حتى إنه حكي‬ ‫عنه يف هذه املسألة فقط ثالثة أقوال !‬ ‫وجيعل املوضوع من األمهية بمكان ‪:‬‬ ‫أن غالب الكالم الذي ينسب إىل ابن تيمية رمحه اهلل هو مما نقله عنه البعيل يف االختيارات ‪ ،‬كام يف هاتني‬ ‫املسألتني ‪:‬‬ ‫‪1 -1‬املسألة املبحوثة يف اعتباره التفاق املطالع واختالفها يف رؤية اهلالل ‪.‬‬ ‫‪2 -2‬واملثال الذي ذكرته هاهنا يف سفر املرأة من غري حمرم ‪.‬‬

‫وهذا يستدعي العناية هبذا الكتاب العظيم ‪ ،‬وحتريره عىل وجه يطمئن الباحث يف نسبة الكالم إىل‬ ‫صاحبه ‪ ،‬ال أقل ‪ ،‬وال أكثر ‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫الإ�ضافة الثانية ‪:‬‬ ‫شهر رمضان برؤية‬ ‫دعا مجاعة من املعارصين إىل توحيد رؤية اهلالل ‪ ،‬حتى يدخل املسلمون كلهم َ‬ ‫واحدة ‪ ،‬وخيرجون لعيد الفطر برؤية واحدة ‪َّ ،‬‬ ‫وأن هذا هو املناسب لوحدة املسلمني واجتامع كلمتهم ‪ ،‬وأن‬ ‫هذا هو املعنى الذي تظافرت عليه نصوص الوحيني ‪ ،‬ووقع عليه إمجاع املسلمني قديام وحديثا ‪ ،‬و ُع ِقدَ ت‬ ‫من أجل هذه الدعوة احلثيثة الندوات واملؤمترات ‪ ،‬وكتبت فيها األبحاث واملقاالت ‪ ،‬لكن ولألسف ُأ ِ‬ ‫قحم‬ ‫فشوشوا وبلبلوا ‪ ،‬وهم حمل التهمة التي تناط بأدنى‬ ‫بينهم الصحفيون تطفلاً َ ‪ ،‬فمدَّ وا هلا أعناق أوراقهم ‪َّ ،‬‬ ‫أوصافها ‪.‬‬ ‫بيد أنه مل يتحمس هلذه الدعوة طوائف من علامء احلنابلة ِم ْن أعيان العلم والفتوى ‪ ،‬وتعللوا بأن املهم‬ ‫هو وحدة املسلمني يف عقائدهم وسلوكهم ‪ ،‬أما توحيدهم لرؤية اهلالل فليس هو بذاك الذي يستحق أن‬ ‫يتك َّلف له ‪ ،‬ثم هي مسألة خالفية ‪ ،‬والراجح فيها اعتبار اتفاق املطالع ‪.‬‬ ‫هذا ‪ ،‬مع أن الدعوة إىل توحيد رؤية اهلالل هي مقتىض قول احلنابلة ‪ ،‬واشتهر عنهم ‪ ،‬حتى حكي أنه‬ ‫ُحمر ِر مذهب احلنابلة ِمن املتأخرين ‪ :‬شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪.‬‬ ‫من مفرداهتم ‪ ،‬بل هو ً‬ ‫أيضا قول ِّ‬ ‫فألي يشء صار هؤالء املعارصون من احلنابلة ؟‬

‫فقوهلم هذا ليس هو قول أصحاهبم احلنابلة ‪ ،‬وال هو قول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ ،‬مع َّ‬ ‫أن‬ ‫ابن تيمية رمحه اهلل هو املجال الذي ُيرى فيه احلنابلة خارج مذهبهم كام هي العادة والتي قد ال تكون مطردة ‪.‬‬ ‫نظر إىل‬ ‫من املمكن أن يكون منزعهم الدليل كام يف حديث ابن عباس يف قصة كريب ‪ ،‬مع أنه ليس فيه ٌ‬ ‫املطالع ‪ ،‬وإنام فيه اعتبار الرؤية ‪.‬‬ ‫ومن املمكن أن يكونوا قد صاروا إىل أحد املسلكني يف مذهب الشافعي ؟‬ ‫كل ذلك ممكن ‪ ،‬ولكن الذي يبدو يل – والعلم عند اهلل ‪ -‬أن السبب يف ذلك هو شيوع نسبة القول‬ ‫استقر هذا القول ‪ ،‬وصار بمكان كأنه هو القول‬ ‫باعتبار اتفاق املطالع واختالفها إىل ابن تيمية رمحه اهلل حتى‬ ‫َّ‬ ‫املح َّقق يف هذه املسألة ‪.‬‬ ‫ومن هنا تظهر أمهية هذا املبحث يف حترير رأي ابن تيمية يف املسألة ‪ ،‬السيام وأنه قد أصبح قول ابن‬ ‫تيمية املنسوب إليه خطأ وغل ًطا يش ِّغب عىل قول ابن تيمية املح َّقق ‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫الإ�ضافة الثالثة ‪:‬‬ ‫أحب هنا أن نشري إىل مأخذين البن تيمية رمحه اهلل يف تقوية املسلك الذي نزع إليه هؤالء املعارصون‬ ‫من الدعوة إىل توحيد رؤية اهلالل ‪:‬‬ ‫املأخذ األول ‪ :‬أن ابن تيمية رمحه اهلل جعل القول الذي اختاره يف هذه املسألة باعتبار الرؤية الواحدة‬ ‫املتوسط يف املسألة ‪ ،‬وأنه ما ِم ْن قول سواه إال وله لوازم شنيعة ‪ ،‬السيام َم ْن قال‬ ‫جلميع املسلمني ‪ :‬هو القول‬ ‫ِّ‬ ‫(((‬ ‫بالتعدد ‪[ ،‬ومن هؤالء القائلون باعتبار املطالع] ‪ ،‬ثم ذكر هذه اللوازم ‪.‬‬ ‫املأخذ الثاين ‪ :‬هو أن ابن تيمية رمحه اهلل ذكر أن القول بالرؤية الواحدة حيصل به االجتامع الرشعي ‪،‬‬ ‫وأن كل قوم عىل ما أمكنهم االجتامع عليه ‪.‬‬ ‫ثم أجاب عام إذا حصل اخلالف يف دخول الشهر أو خروجه بسبب عدم العلم بالرؤية ‪ ،‬وأنه يقع‬ ‫مفر وال مناص ِمن اخلالف ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن هذا اخلالف ال يرض ؛ ألن هؤالء الذين أفطروا‬ ‫اخلالف هنا أيضا ‪ ،‬فال َّ‬ ‫(((‬ ‫مل يشعروا بمخالفة َم ْن صام ‪ ،‬وإنام الشأن ِمن الشعور بالفرقة واالختالف ‪.‬‬

‫َ‬ ‫القول الذي ذهب إليه متع ِّلال بأنه حيصل به االجتامع الرشعي ‪ ،‬ثم جييب عام‬ ‫فابن تيمية رمحه اهلل يقوي‬ ‫إذا وقعت املخالفة بسبب عدم العلم بالرؤية ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إن هذه املخالفة ال تؤثر عىل االجتامع الرشعي ؛ ألن‬ ‫هؤالء الذين صاموا ‪ ،‬وهؤالء الذين أفطروا مل يشعروا باخلالف ‪ ،‬وإنام الشأن يف الشعور باخلالف ‪ ،‬رمحه اهلل ‪.‬‬ ‫ويف األخري أقول ‪ :‬هلل أبوك يا أبا العباس ؛ كيف فقهت هذا املعنى ‪ ،‬فواهلل ما رأيناك إال تنزع من حيث‬ ‫نزع عمر ‪ ،‬فلم نرى بعدك عبقريا يفري فريك ‪.‬‬ ‫أيضا ‪ :‬أين نحن منك ‪ ،‬وأنت تنظم املسألة فرقا ومج ًعا بمجرد الشعور بالوفاق واخلالف ‪ ،‬وأي‬ ‫وأقول ً‬ ‫خالف أظهر وأبني ِم ْن أن ينقسم املسلمون اليوم يف صيامهم ويف عيدهم إىل فئتني ‪ ،‬بل وثالثة ‪ ،‬بل وأربعة !‬ ‫عىل مرأى ومسمع من العالمَ ‪.‬‬ ‫عىل أن بعض أبناء العرص أحبوا أن يتذاكوا ‪ ،‬وضاق عطنهم أن يستقل املتقدمون باألقوال السابقة ‪،‬‬ ‫((( جمموع الفتاوى (‪. ) 112/25‬‬ ‫((( جمموع الفتاوى (‪. ) 112/25‬‬

‫‪17‬‬


‫الن�شرة ال�شهرية (‪)4‬‬

‫فأعجبهم أن ينفردوا عنهم بقول يستقلون به ‪ ،‬فينسب إليهم ‪ ،‬ويكون من مجلة خمرتعاهتم ‪ ،‬فأحدثوا القول‬ ‫باتفاق املطالع يف الدولة الواحدة حسب رسومها اجلغرافية ‪ ،‬ثم اختالفها بعد ذلك ِم ْن وراء حدودها‬ ‫املتعرجة !‬ ‫اخلرائطية ِّ‬ ‫ثم استحالت املسألة بقدرة قادر إىل طاعة والة البلد ‪ ،‬ففي طاعتهم تتفق املطالع !‬ ‫ثم تطور هذا القول بمكان أن أصحبت املطالع تتفق بني الدول وتصطلح إذا اتفقت السياسات‬ ‫واإلياالت ‪ ،‬ثم إذا اختلفت هذه اختلفت تلك ! وهلل يف خلقه شؤون ‪.‬‬ ‫هذا واهلل أعلم ‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه وسلم تسليام كثريا !‬ ‫* * *‬

‫‪18‬‬




Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.