الن�شرة ال�شهرية ()4
حترير قول ابن تيمية في اعتباره التفاق املطالع في ر�ؤية الهالل
الكاتب
فؤاد بن يحيى الهاشمي نائب املرشف العام
1
8
الن�شرة ال�شهرية ()4
مقدمة بسم اهلل الرحيم الرمحن ،الكريم املنان ،والصالة والسالم عىل سيد ولد عدنان ،حممد بن عبداهلل اهلاشمي القريش ،وعىل آله وصبحه ومن تبعه بإحسان ،وبعد : فبني يديكم النرشة العلمية الرابعة مللتقى املذاهب الفقهية والدراسات العلمية ،التي هي من نتاج هذا الرصح العلمي ،الذي يسعى جاهدً ا إىل : -- -التخصص الفقهي الدقيق .
-- -جتويد املادة الفقهية وإحكامها .
-- -تأطري املناقشات العلمية وضبطها بآداب اجلدل وقوانني املناظرة .
--إضافة إىل األهداف القريبة والبعيدة املدى واملدونة عىل صفحات امللتقى .ونحن هبذه النرشة نحقق جز ًءا من األهداف املنشودة من ملتقى املذاهب الفقهية ،وقد كان موضوعها هلذا الشهر ( :حترير قول ابن تيمية يف اعتباره التفاق املطالع يف رؤية اهلالل) والتي هي من إعداد نائب املرشف العام فؤاد بن حييى اهلاشمي الذي كانت له يد السبق يف خدمة هذا امللتقى باالهتامم بشتى املواضيع الفقهية وتدوينها عىل صفحاته . وكتب :عامر حممد مدين املرشف اإلعالمي
3
الن�شرة ال�شهرية ()4
احلمد هلل وحده والصالة والسالم عىل من ال نبي بعده ،أما بعد : اشتهر عن ابن تيمية رمحه اهلل -السيام ما كان بني املعارصين -اعتباره التفاق املطالع يف رؤية اهلالل ، فإذا رآه قوم لزم الصوم به واإلفطار كل من كان عىل ميزان مطلعهم ،فإذا اختلفت املطالع فال اعتبار للرؤية إال الواقعة يف املطلع الواحد . وهذه أمثلة قريبة أد ِّلل عىل شيوع نسبة اعتبار املطالع إىل ابن تيمية رمحه اهلل : 1 -1قال الشيخ ابن عثيمني يف الرشع املمتع ( « : )321/6قال شيخ اإلسالم :تتفق مطالع اهلالل باتفاق أهل املعرفة بالفلك ،فإن اتفقت لزم الصوم وإال فال . » ...
2 -2ع َّلق حمققا الرشح املمتع « املشيقح وأبا اخليل » عىل كالم الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل السابق بام ييل : « وهو مذهب الشافعية ،واختيار شيخ اإلسالم» . 3 -3ثم و َّثقا اإلحالة إىل ابن تيمية رمحه اهلل بذكر كتابه « االختيارات » .
4 -4يف حتقيق الروض املربع « عبد اهلل الطيار ،إبراهيم الغصن ،خالد املشيقح ،عبد اهلل الغصن": 263/4 « وعند الشافعية واختاره شيخ اإلسالم :أن املعترب اختالف املطالع ،فيلزم الصوم لكل من يوافق بلد الرؤية يف مطلع اهلالل ،دون من خيالفه » . 5 -5يقول الشيخ بكر أبو زيد رمحه اهلل يف بحثه يف جملة املجمع الفقهي الدورة الثالثة اجلزء الثاين ص ، 840 وكذا يف كتابه فقه النوازل « : 222/2القول بعدم توحيد الرؤية هو مذهب اجلمهور((( ،منهم األئمة الثالثة ،فلكل قوم رؤيتهم ،واخلالف للحنابلة ،واختار مجاعة منهم مذهب اجلمهور منهم شيخ اإلسالم ابن تيمية . » ....وقد َذك ََر ما سبق يف سياق حكايته ملا تضمنته آخر قرارات رابطة العامل اإلسالمي يف املجمع الفقهي . 6 -6وال غرو ،فنسبة هذا القول إىل ابن تيمية رمحه اهلل هو الذي حكاه عنه البعيل يف االختيارات ،ص: 158 « ختتلف املطالع باتفاق أهل املعرفة هبذا فإن اتفقت لزمه الصوم وإال فال وهو األصح للشافعية ، وقول يف مذهب أمحد » . ((( نسبة القول بعدم توحيد الرؤية إىل اجلمهور فيها يشء ،والذي يبدو أن العكس هو الصحيح ،وأن القول بتوحيد الرؤية هو قول اجلمهور ،وإن وقع بينهم بعض اخلالف يف التفاصيل ،وإنام قال باعتبار املطالع الشافعية .انظر :املوسوعة الكويتية مصطلح (رؤية اهلالل ،رمضان ،مطالع) .
5
الن�شرة ال�شهرية ()4
موسع يف جمموع فتاويه : لكن البن تيمية رمحه اهلل كالم َّ ال أقول :إنه ذهب فيه إىل قول آخر يف املسألة فحسب ،بل أقول :إنه قد ض َّعف فيه اعتبار اتفاق املطالع واختالفها يف الرؤية ،حتى قال :إنه خمالف للعقل والرشع((( ،وهو ما يتناقض متاما مع الرتجيح املنقول عنه يف االختيارات ،ثم إن ابن تيمية رمحه اهلل يف هذه الفتوى املوسعة بعد أن ض َّعف القول باعتبار املطالع الواقف عليه يف الرؤية اهلاللية ،ذكر القول الراجح عنده يف هذه املسألة وبني مأخذه وضابطه بتفصيل جيزم ُ بخطأ النسبة املذكورة إليه يف االختيارات . ولعل منشأ الغلط يف هذه النسبة راجع إىل ما يقع يف االختصار بحسب العادة من القصور أو اخللل ، أو أنه باعتبار فهم صانع االختيارات ،وربام يكون أمرا آخر ،فاهلل أعلم ،ومل أضع احتامال يف تقدُّ م هذا القول زمنا ،وأنه كان قوال قديام البن تيمية رمحه اهلل ؛ وذلك ألنه قد وقع ما خيالفها برصيح كالم ابن تيمية رمحه اهلل يف رشح العمدة ،واملعروف أن هذا الكتاب هو من بواكري تواليفه . وسأقسم هذا املبحث إىل ثالثة أقسام : القسم األول :ما ذكره ابن تيمية يف جمموع الفتاوى . القسم الثاين :ما ذكره يف رشح كتاب الصيام من عمدة ابن قدامة . القسم الثالث :إضافات وتتامت . * * *
((( جمموع الفتاوى 111/25
6
الن�شرة ال�شهرية ()4
الق�سم الأول
ما ذكره ابن تيمية يف جمموع الفتاوى يقول شيخ اإلسالم ابن رمحه اهلل ( « : )104/25والذين قالوا ال تكون رؤية جلميعها [أي رؤية البلد الواحد ال تكون رؤية جلميع البلدان] كأكثر أصحاب الشافعي : 1 -1منهم من حدد ذلك بمسافة القرص .
2 -2ومنهم من حدد ذلك بام ختتلف فيه املطالع :كاحلجاز مع الشام والعراق مع خراسان . وكالمها ضعيف [ :يعني التحديد بمسافة القرص ،والتحديد بام ختتلف فيه املطالع]
1 -1فإن مسافة القرص ال تعلق هلا باهلالل . 2 -2وأما األقاليم فام حد ذلك ؟ ثم هذان خطأ من وجهني :
أحدمها :أن الرؤية ختتلف باختالف الترشيق والتغريب ؛ فإنه متى رؤي يف املرشق وجب أن يرى يف املغرب ،وال ينعكس . .. الوجه الثاين :أنه إذا اعتربنا حدا كمسافة القرص ،أو األقاليم فكان رجل يف آخر املسافة واإلقليم فعليه أن يصوم ويفطر وينسك ،وآخر بينه وبينه غلوة سهم ال يفعل شيئا من ذلك ،وهذا ليس من دين املسلمني .
فالصواب يف هذا واهلل أعلم :ما دل عليه قوله ﷺ « :صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون»((( . فإذا شهد شاهدٌ ليلة الثالثني من شعبان أنه رآه بمكان من األمكنة قريب أو بعيد وجب الصوم . وكذلك إذا شهد بالرؤية هنار تلك الليلة إىل الغروب فعليهم إمساك ما بقي سواء كان من إقليم أو إقليمني . ((( أخرجه الرتمذي من حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه وقال :حسن غريب .
7
الن�شرة ال�شهرية ()4
واالعتبار ببلوغ العلم بالرؤية يف وقت يفيد :فأما إذا بلغتهم الرؤية بعد غروب الشمس ،فاملستقبل
جيب صومه بكل حال ،لكن اليوم املايض هل جيب قضاؤه ؟ فإنه قد يبلغهم يف أثناء الشهر أنه رؤي بإقليم
آخر ،ومل ير قريبا منهم .
األشبه أنه إن رؤي بمكان قريب وهو ما يمكن أن يبلغهم خربه يف اليوم األول فهو كام لو رؤي يف
بلدهم ومل يبلغهم .
وأما إذا رؤي بمكان ال يمكن وصول خربه إليهم إال بعد مىض األول فال قضاء عليهم : ألن صوم الناس هو اليوم الذي يصومونه ،وال يمكن أن يصوموا إال اليوم الذي يمكنهم فيه رؤية
اهلالل ،وهذا مل يكن يمكنهم فيه بلوغه ،فلم يكن يوم صومهم ،وكذلك يف الفطر والنسك ،لكن هؤالء
هل يفطرون إذا ثبت عندهم يف أثناء الشهر أنه رؤي بناء عىل تلك الرؤية ؟
لكن إن بلغتهم بخرب واحد مل يفطروا ألنه قد ثبت عندهم يف أثنائه ما يفطرون به ،وال يقضون اليوم
األول فيكون صومهم تسعة وعرشين كام يقوله من يقول باملطالع إذا صام برؤية مكان ثم سافر إىل مكان
تقدمت رؤيتهم فإنه يفطر معهم وال يقىض اليوم األول . ..
ثم قال رمحه اهلل :فالضابط أن مدار هذا األمر عىل البلوغ ؛ لقوله ﷺ « :صوموا لرؤيته » فمن بلغه
أنه رؤي ثبت يف حقه من غري حتديد بمسافة أصال .وهذا يطابق ما ذكره ابن عبد الرب يف أن طريف املعمورة ال يبلغ اخلرب فيهام إال بعد شهر فال فائدة فيه ،بخالف األماكن الذي يصل اخلرب فيها قبل انسالخ الشهر فإهنا
حمل االعتبار .
فتدبر هذه املسائل األربعة : -1وجوب الصوم واإلمساك . -2ووجوب القضاء .
-3ووجوب بناء العيد عىل تلك الرؤية .
-4ورؤية البعيد والبالغ يف وقت بعد انقضاء العبادة .
وهلذا قالوا :إذا أخطأ الناس كلهم فوقفوا يف غري يوم عرفة أجزأهم اعتبارا بالبلوغ ،وإذا أخطأه طائفة منهم مل جيزهم إلمكان البلوغ .
8
الن�شرة ال�شهرية ()4
فالبلوغ هو املعترب ،سواء كان علم به للبعد أو للقلة ،وهذا الذي ذكرته هو الذي ذكره أصحابنا إال وجوب القضاء إذا مل يكن مما يمكنهم فيه بلوغ اخلرب . واحلجة فيه -أي عىل عدم القضاء إذا مل يمكنهم فيه بلوغ خرب رؤية اهلالل -أنا نعلم بيقني أنه ما زال يف عهد الصحابة والتابعني ُيرى اهلالل يف بعض أمصار املسلمني بعد بعض ؛ فإن هذا ِمن األمور املعتادة التي ال تبديل هلا ،والبد أن يبلغهم اخلرب يف أثناء الشهر . فلو كانوا جيب عليهم القضاء : 1 -1لكانت مهمهم تتوفر عىل البحث عن رؤيته يف سائر بلدان اإلسالم كتوفرها عىل البحث عن رؤيته يف بلده . 2 -2ولكان القضاء يكثر يف أكثر الرمضانات ،ومثل هذا لو كان لنقل ،وملا مل ينقل دل عىل أنه ال أصل له ، وحديث ابن عباس يدل عىل هذا » . انتهى كالمه رمحه اهلل .
* * *
9
الن�شرة ال�شهرية ()4
الق�سم الثاين
ما ذكره يف �شرح كتاب ال�صيام من عمدة ابن قدامة يؤكد ما نقلناه عن ابن تيمية رمحه اهلل :أنه يف رشحه لكتاب الصيام من كتاب العمدة البن قدامة :عقد فصال خاصا نقل فيه قول احلنابلة يف هذه املسألة ،ونرصه بام يتفق مع أصل القول الذي انتهى إليه ،ونقلناه عنه يف القسم األول . اهلالل ُ َ سائر البلدان الصوم وإن مل يروه، فذكر أن قول احلنابلة يف هذه املسألة :أنه إذا رأى أهل بلد لزم َ سواء كان البلدان متقاربني ال خيتلف مطالع اهلالل فيهام أو متباعدين خيتلف . ثم َّقرر ابن تيمية هذا القول واستدل له((( . لكن فتوى ابن تيمية رمحه اهلل يف جمموع الفتاوى متيزت بأمور ثالثة : طوره إىل مرحلة متقدِّ مة ،فإنه بعد وحرره بام يمكن أن يقال :إنه َّ األمر األول :أنه أنضج هذا القول َّ اهلالل ُ َ أهل بلد لزم سائر البلدان الصوم ،فإنه أزاح عنه بعد ذلك ما تقريره لصحة هذا القول ،وأنه إذا رأى يمكن أن يعرتض عليه ،وهو تعذر بلوغ هذه الرؤية لسائر البلدان . فقد بينَّ رمحه اهلل أن مدار األمر عىل البلوغ ،فمتى أمكن بلوغ الرؤية لزمت أحكامها ،ومتى تعذرت ((( فإنه ال فائدة حينئذ هبذه الرؤية ،فيستقل أصحاب تلك البالد برؤية ختتص هبم بحسب ما يبلغهم . األمر الثاين :ترتَّب عىل حترير ابن تيمية رمحه اهلل لقول أصحابه احلنابلة يف هذه املسألة أنه استطاع أن جييب عن اإلمجاع الذي حكاه ابن عبد الرب رمحه اهلل يف االستذكار . حيث قال ابن عبد الرب معلق ًَا عىل حديث ابن عباس يف قصة كريب حيث قدم من الشام (: ((()283/3 ((( كتاب الصيام من رشح العمدة البن تيمية 174 - 170/1 ((( انظر :جمموع الفتاوى 112 ، 111 ، 107/25 ((( فعن كريب « :أن أم الفضل بنت احلارث بعثته إىل معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشام فرأينا اهلالل ليلة اجلمعة ثم قدمت املدينة يف آخر الشهر فسألني بن عباس ثم ذكر اهلالل فقال متى رأيتم اهلالل قلت رأيته ليلة اجلمعة قال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال لكنا رأيناه ليلة السبت فال نزال نصومه حتى =
11
الن�شرة ال�شهرية ()4
“ قد أمجعوا أنه ال تراعى الرؤية فيام أخر من البلدان ،كاألندلس من خراسان ،وكذلك كل بلد له رؤيته إال ما كان كاملرص الكبري ،وما تقاربت أقطاره من بالد املسلمني ،واهلل أعلم ” . فقال ابن تيمية بعد أن َّقرر قول أصحابه احلنابلة “ :وهذا يطابق ما ذكره ابن عبد الرب يف أن طريف املعمورة ال يبلغ اخلرب فيهام إال بعد شهر فال فائدة فيه بخالف األماكن الذي يصل اخلرب فيها قبل انسالخ الشهر فإهنا حمل االعتبار .
قلت :فام ذكره ابن عبد الرب رمحه اهلل ِمن تعذر الصورة املذكورة يف حال تباعد األقطار [وذلك بحسب زمانه] ال ينايف قول ابن تيمية يف مجاعة أصحابه احلنابلة ؛ ألن الصورة التي أوردها ابن عبد الرب يف تباعد األقطار ليست هي حمل االعتبار يف املسألة ،وذلك ألهنم قيدوا قوهلم يف لزوم الصوم عىل سائر الناس إذا رآه أهل بلد :بأن ذلك إنام هو يف حال بلوغ اخلرب ،ولذلك وقع من ابن تيمية رمحه اهلل تكرير هذا احلرف حتى نص يف كالمه أن البلوغ هو املعترب . األمر الثالث :أن ابن تيمية رمحه اهلل ميز قوله يف “جمموع الفتاوى” بام ييل : أنه بني أولاً :أن أصل قوله الذي يذهب هو القول الذي صار إليه أصحابه احلنابلة . ثم أبان ثان ًيا :أنه ينفرد عنهم بالقول بعدم احلكم بقضاء الصوم للبلد الذي تتعذر فيه بلوغهم الرؤية ، بخالف أصحابه احلنابلة الذين يوجبون القضاء عىل أهل البلد الذين مل يروا اهلالل يف حال رآه غريهم حتى ولو كان يتعذر بلوغهم اخلرب . وقد ذكر الشيخ سمري بن خليل املالكي يف بحث له بعنوان "توحيد رؤية اهلالل"ما ذكرناه يف هذا ِ املقرر يف االختيارات عن بحثه املوجود يف جمموع الفتاوى ،فأورثني ذلك البحث من اختالف كالم ابن تيمية َّ طمأنينة وانرشاحا وهلل احلمد واملنة . يقول سمري املالكي بعد أن نقل بعض النقوالت عن ابن تيمية رمحه اهلل " :وإنام أطلت النقل من كالمه رمحه اهلل لنفاسته ،وهو خيالف ما ذهب إليه يف االختيارات من اعتبار اختالف املطالع ،بينام نص هنا عىل أن = نكمل الثالثني أو نراه فقلت :أفال تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ قال ال هكذا أمرنا رسول اهلل ﷺ » .أخرجه مسلم يف صحيحه . )2495( 126/3
12
الن�شرة ال�شهرية ()4
العربة هي يف بلوغ العلم بالرؤية يف الوقت الذي يؤدى فيه الصوم أو الفطر ،بمعنى أنه لو بلغهم خرب الرؤية بعد ذلك مل يلزمهم قضاء ذلك اليوم ،واهلل أعلم وعليه فإننا يف هذا الزمان ،نرى أن العلم بالرؤية حيصل للجميع يف نفس الوقت عرب وسائل اإلعالم، فام املانع من االعتبار برؤية اآلخرين ،خاصة والقائلون هبذا هم من تقدم ذكرهم من األئمة األعالم ؟ ” ظاهر جدً ا ،وقد نرص هذا القول الشوكاين وصديق حسن خان ،ومجاعات كثرية من قلت :وهذا ٌ املعارصين وعىل رأسهم حمدث الشام نارص الدين األلباين ،وستأيت إشارة أخرى . * * *
13
الن�شرة ال�شهرية ()4
الق�سم الثالث
�إ�ضافات وتتمات الإ�ضافة الأوىل : بالنسبة لكتاب االختيارات العلمية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،والذي صنعه البعيل :أظن واهلل أعلم أن توثيق الكتاب من فتاواه املطبوعة سيكشف لنا عن دقة هذه االختيارات ،فابن تيمية رمحه اهلل له بعض الفتاوى املحررة واملطولة والتي قيدها وضبطها بتفصيل وبيان يصعب بمكان أن خيتزل ،فقد تكون له الفتوى املطولة فتنسب إليه يف االختيارات بأقل من سطر ،وهلذا نجد يف بعض املواضع أن صاحب االختيارات نفسه يطيل يف النقل عن ابن تيمية رمحه اهلل ،وذلك ألن املوطن نفسه يستدعي نقل كالمه بطوله ،وأن التقصري يف ذلك يستلزم اخللل يف نسبة الكالم إىل ابن تيمية رمحه اهلل . وقد بات من املؤكَّد أنه قد وقع صاحب االختيارات يف اختصار بعض املواضع التي أ َّثرت عىل هيكل كالم ابن تيمية رمحه اهلل ،ومتام صورته . وأعترب بمسألة سفر املرأة بغري حمرم ،فانظر إىل كالمه يف كتابه "تفسري آيات أشكلت" ،وما اشتمل عليه من التحرير والتقرير ،وانظر إىل الفتوى املخترصة عنه يف االختيارات ،يظهر لك الفرق حتى إنه حكي عنه يف هذه املسألة فقط ثالثة أقوال ! وجيعل املوضوع من األمهية بمكان : أن غالب الكالم الذي ينسب إىل ابن تيمية رمحه اهلل هو مما نقله عنه البعيل يف االختيارات ،كام يف هاتني املسألتني : 1 -1املسألة املبحوثة يف اعتباره التفاق املطالع واختالفها يف رؤية اهلالل . 2 -2واملثال الذي ذكرته هاهنا يف سفر املرأة من غري حمرم .
وهذا يستدعي العناية هبذا الكتاب العظيم ،وحتريره عىل وجه يطمئن الباحث يف نسبة الكالم إىل صاحبه ،ال أقل ،وال أكثر .
15
الن�شرة ال�شهرية ()4
الإ�ضافة الثانية : شهر رمضان برؤية دعا مجاعة من املعارصين إىل توحيد رؤية اهلالل ،حتى يدخل املسلمون كلهم َ واحدة ،وخيرجون لعيد الفطر برؤية واحدة َّ ، وأن هذا هو املناسب لوحدة املسلمني واجتامع كلمتهم ،وأن هذا هو املعنى الذي تظافرت عليه نصوص الوحيني ،ووقع عليه إمجاع املسلمني قديام وحديثا ،و ُع ِقدَ ت من أجل هذه الدعوة احلثيثة الندوات واملؤمترات ،وكتبت فيها األبحاث واملقاالت ،لكن ولألسف ُأ ِ قحم فشوشوا وبلبلوا ،وهم حمل التهمة التي تناط بأدنى بينهم الصحفيون تطفلاً َ ،فمدَّ وا هلا أعناق أوراقهم َّ ، أوصافها . بيد أنه مل يتحمس هلذه الدعوة طوائف من علامء احلنابلة ِم ْن أعيان العلم والفتوى ،وتعللوا بأن املهم هو وحدة املسلمني يف عقائدهم وسلوكهم ،أما توحيدهم لرؤية اهلالل فليس هو بذاك الذي يستحق أن يتك َّلف له ،ثم هي مسألة خالفية ،والراجح فيها اعتبار اتفاق املطالع . هذا ،مع أن الدعوة إىل توحيد رؤية اهلالل هي مقتىض قول احلنابلة ،واشتهر عنهم ،حتى حكي أنه ُحمر ِر مذهب احلنابلة ِمن املتأخرين :شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل . من مفرداهتم ،بل هو ً أيضا قول ِّ فألي يشء صار هؤالء املعارصون من احلنابلة ؟
فقوهلم هذا ليس هو قول أصحاهبم احلنابلة ،وال هو قول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ،مع َّ أن ابن تيمية رمحه اهلل هو املجال الذي ُيرى فيه احلنابلة خارج مذهبهم كام هي العادة والتي قد ال تكون مطردة . نظر إىل من املمكن أن يكون منزعهم الدليل كام يف حديث ابن عباس يف قصة كريب ،مع أنه ليس فيه ٌ املطالع ،وإنام فيه اعتبار الرؤية . ومن املمكن أن يكونوا قد صاروا إىل أحد املسلكني يف مذهب الشافعي ؟ كل ذلك ممكن ،ولكن الذي يبدو يل – والعلم عند اهلل -أن السبب يف ذلك هو شيوع نسبة القول استقر هذا القول ،وصار بمكان كأنه هو القول باعتبار اتفاق املطالع واختالفها إىل ابن تيمية رمحه اهلل حتى َّ املح َّقق يف هذه املسألة . ومن هنا تظهر أمهية هذا املبحث يف حترير رأي ابن تيمية يف املسألة ،السيام وأنه قد أصبح قول ابن تيمية املنسوب إليه خطأ وغل ًطا يش ِّغب عىل قول ابن تيمية املح َّقق . 16
الن�شرة ال�شهرية ()4
الإ�ضافة الثالثة : أحب هنا أن نشري إىل مأخذين البن تيمية رمحه اهلل يف تقوية املسلك الذي نزع إليه هؤالء املعارصون من الدعوة إىل توحيد رؤية اهلالل : املأخذ األول :أن ابن تيمية رمحه اهلل جعل القول الذي اختاره يف هذه املسألة باعتبار الرؤية الواحدة املتوسط يف املسألة ،وأنه ما ِم ْن قول سواه إال وله لوازم شنيعة ،السيام َم ْن قال جلميع املسلمني :هو القول ِّ ((( بالتعدد [ ،ومن هؤالء القائلون باعتبار املطالع] ،ثم ذكر هذه اللوازم . املأخذ الثاين :هو أن ابن تيمية رمحه اهلل ذكر أن القول بالرؤية الواحدة حيصل به االجتامع الرشعي ، وأن كل قوم عىل ما أمكنهم االجتامع عليه . ثم أجاب عام إذا حصل اخلالف يف دخول الشهر أو خروجه بسبب عدم العلم بالرؤية ،وأنه يقع مفر وال مناص ِمن اخلالف ،فقال :إن هذا اخلالف ال يرض ؛ ألن هؤالء الذين أفطروا اخلالف هنا أيضا ،فال َّ ((( مل يشعروا بمخالفة َم ْن صام ،وإنام الشأن ِمن الشعور بالفرقة واالختالف .
َ القول الذي ذهب إليه متع ِّلال بأنه حيصل به االجتامع الرشعي ،ثم جييب عام فابن تيمية رمحه اهلل يقوي إذا وقعت املخالفة بسبب عدم العلم بالرؤية ،فيقول :إن هذه املخالفة ال تؤثر عىل االجتامع الرشعي ؛ ألن هؤالء الذين صاموا ،وهؤالء الذين أفطروا مل يشعروا باخلالف ،وإنام الشأن يف الشعور باخلالف ،رمحه اهلل . ويف األخري أقول :هلل أبوك يا أبا العباس ؛ كيف فقهت هذا املعنى ،فواهلل ما رأيناك إال تنزع من حيث نزع عمر ،فلم نرى بعدك عبقريا يفري فريك . أيضا :أين نحن منك ،وأنت تنظم املسألة فرقا ومج ًعا بمجرد الشعور بالوفاق واخلالف ،وأي وأقول ً خالف أظهر وأبني ِم ْن أن ينقسم املسلمون اليوم يف صيامهم ويف عيدهم إىل فئتني ،بل وثالثة ،بل وأربعة ! عىل مرأى ومسمع من العالمَ . عىل أن بعض أبناء العرص أحبوا أن يتذاكوا ،وضاق عطنهم أن يستقل املتقدمون باألقوال السابقة ، ((( جمموع الفتاوى (. ) 112/25 ((( جمموع الفتاوى (. ) 112/25
17
الن�شرة ال�شهرية ()4
فأعجبهم أن ينفردوا عنهم بقول يستقلون به ،فينسب إليهم ،ويكون من مجلة خمرتعاهتم ،فأحدثوا القول باتفاق املطالع يف الدولة الواحدة حسب رسومها اجلغرافية ،ثم اختالفها بعد ذلك ِم ْن وراء حدودها املتعرجة ! اخلرائطية ِّ ثم استحالت املسألة بقدرة قادر إىل طاعة والة البلد ،ففي طاعتهم تتفق املطالع ! ثم تطور هذا القول بمكان أن أصحبت املطالع تتفق بني الدول وتصطلح إذا اتفقت السياسات واإلياالت ،ثم إذا اختلفت هذه اختلفت تلك ! وهلل يف خلقه شؤون . هذا واهلل أعلم ،وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه وسلم تسليام كثريا ! * * *
18