22جريدة كلنا سوريون العدد

Page 1

‫حناول أن تكون فضا ًء إعالميّاً مفتوحاً على‬ ‫الشأن السور ّي‪ ،‬وتشارك السوريّني حياتهم يف‬ ‫بالد النزوح‪ ،‬ونسعى ألن تكون ساحة لتبادل‬ ‫الرأي وتبادل املعلومة‪ ،‬حماولة جادّة للمساهمة‬ ‫يف صناعة إعالم سور ّي جديد وج ّدي‪ ،‬يساهم‬ ‫ب��دوره يف صياغة وعي وط ّ‬ ‫ين س��ور ّي جامع‪،‬‬ ‫يؤ ّسس لصياغة اهلويّة الوطنيّة اجلامعة ‪.‬‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية‬ ‫العدد ‪ - 22 -‬السنة األوىل‬

‫‪ /7‬كانونالثاني‪2015 /‬‬

‫‪newspaper.allsyrians.org‬‬

‫‪ 12‬صفحة‬

‫هل سيكون ‪2015‬عام املبادرات؟‬ ‫الطريق إىل موسكو مت ّر من طهران‬

‫ملفّات القضاء املدن ّي تنتظر الدعم‬

‫مبادرات الوهم‬ ‫«جعجعة» موسكو‬ ‫و«تشبيح» طهران‬

‫يعتقد ح ّكام موسكو وطهران أ ّنه كلّما أسرعوا في إنجاز‬ ‫ح ّل سياسيّ لألزمة السوريّة كلّما استطاعوا تحقيق مصالح‬ ‫أكبر‪ ،‬يدفعهم إلى ذلك جملة معطيات وظروف قد تكون بنظرهم‬ ‫مناسبة ج ّداً إلنجاز هذا الحلّ‪ ،‬وأنّ الوقت الحاليّ هو الفرصة‬ ‫التي قد ال تعوّ ض‪.‬‬ ‫أوّ ل هذه المعطيات‪ ،‬أنّ اإلدارة االمريكيّة تشهد خالل ما‬ ‫تب ّقى من فترة رئاسة أوباما انكفا ًء واضحا ً في الساحة الدوليّة‪،‬‬ ‫هذا االنكفاء مر ّده إلى الخسارة الكبيرة التي لحقت بحزب أوباما‬ ‫في انتخابات الكونغرس األخيرة األمر الذي جعل منه عاريا ً من‬ ‫أيّة قوّ ة يمكن أن تسنده في ا ّتخاذ قرارات نوعيّة‪ ،‬وخصوصا ً‬ ‫على الصعيد الدوليّ ‪.‬‬ ‫ثاني هذه المعطيات‪ ،‬أنّ وضع المعارضة السوريّة يمرّ‬ ‫اآلن في أسوأ حاالته خصوصا ً بعد الفشل الذريع الذي أصاب‬ ‫واجهتها السياسيّة ‪ -‬أي االئتالف الوطنيّ ‪ -‬وانكشاف عمق‬ ‫الخالفات والتناقضات بين كتله ومكوّ ناته‪.‬‬ ‫ثالث هذه المعطيات‪ ،‬اشتداد ح ّدة الخالفات في صفّ الدول‬ ‫الداعمة للمعارضة السوريّة وخصوصا ً الخليجيّة منها‪.‬‬ ‫يضاف إلى ك ّل ذلك‪ ،‬معرفتهم العميقة بأنّ النظام السوريّ‬ ‫هو قاب قوسين أو أدنى من االنهيار‪ ،‬وأنّ االستمرار في حقنه‬ ‫بالمقوّ يات لم يعد يجدي‪ ،‬وبالتالي فإ ّنهم يجدون أنفسهم (موسكو‬ ‫وطهران) أمام احتمالين ال ثالث لهما‪ ،‬إمّا أن ينجزوا بأسرع‬ ‫وقت ممكن حلاّ ً سياسّيا ً يُبقي على مصالحهم‪ ،‬أو أن ينهار هذا‬ ‫النظام المتداعي أصالً ممّا يعني خسارة كبيرة لهم‪.‬‬

‫كلّنا سوريون ‪ -‬عدسة عبد إدلب‬

‫تحقيقات العدد‬ ‫ فنون تتح ّدى املوت‬‫ رحلة اجل ّرة والبدائل يف درعا‬‫ شهادات مع وقف التنفيذ‬‫ أرش ملحاً على باب ك ّل خيمة وأمضي‬‫ املقاتل األمريكي «جوردان»‬‫‪ -‬هل سيحمل مطار «أبو الظهور» السالم؟‬

‫لننتظر ونرَ‬

‫ص‪6‬‬ ‫ص‪6‬‬ ‫ص‪6‬‬ ‫ص‪7‬‬ ‫ص‪7‬‬ ‫ص‪7‬‬

‫ص‪2‬‬

‫أثبتت روسيا على ما يبدو أ ّنها األكثر‬ ‫فهما ً لطبيعة سورية السياس ّية‪ ،‬فهي –‬ ‫على عكس القوى الدول ّية واإلقليم ّية‬ ‫أي من األطراف السورية المتصارعة‪ ،‬ال مع‬ ‫األُخرى ‪ -‬لم تحرق أشرعتها كاملة مع ّ‬ ‫النظام وال مع معارضيه ال ُكثر‪ ،‬رغم أنّ موقفها كان واضحا ً ومنذ بداية الحراك في‬ ‫السوري‪ ،‬وهي من هذه‬ ‫سورية في آذار ‪ 2011‬في دعمه الالمحدود لنظام الرئيس‬ ‫ّ‬ ‫الزاوية تبدو األكثر قدر ًة على التأثير في قرارات مختلف هذه األطراف‪.‬‬ ‫حممد اجلرف‬ ‫ّ‬

‫حقوق الناس‪..‬‬ ‫إلى أين؟‬ ‫ص‪8‬‬ ‫مرت على‬ ‫سنتين ون ّيف ّ‬ ‫عشرات اآلالف من الدعاوى‬ ‫التي تحوي على حقوق الناس‪ ،‬وهي تقبع في أحد أقبية مدينة حلب‬ ‫الحرة‪ ،‬حيث تحيط بها مخاطر التلف‪ ،‬إن لم يكن بقصف النظام‬ ‫ّ‬ ‫احملامي عبّاس املوسى‬ ‫المجرم‪ ،‬فالرطوبة والعفن ستالحقها‪.‬‬

‫(الفوبيا) على مدى عقود‬ ‫من االستبداد‬ ‫ص‪9‬‬

‫منذ أن استولى حافظ األسد على‬ ‫القوة‬ ‫الحكم في سور ّية‪ ،‬ولجأ إلى ّ‬ ‫والتعسف واالستبداد من أجل بقائه‬ ‫ّ‬ ‫ورث الحكم إلى ابنه ب ّ‬ ‫شار‪ ،‬وح ّتى رفض‬ ‫رئيسا ً لها‪ ،‬ومن ث ّم ّ‬ ‫الشعب لنظام االستبداد وخروجه ثائراً ضدّه‪ ،‬أي منذ ما يقارب‬ ‫الخمسين عاما ً وح ّتى يومنا هذا‪،‬‬ ‫ريم احلاج‬

‫المرأة والفردوس قراءة في‬ ‫لوحات الفنّان رياض الش ّعار‬ ‫ص ‪10‬‬

‫يلون بمهارة نساءه‪ ،‬قوس قزح‪ ،‬هامسات‬ ‫ّ‬ ‫يثرثرن عن أشياء ويوم ّيات‪ ،‬بعضها حدث‬ ‫وبعضها لن يحدث‪ ،‬يتبادلن الشتائم والغيظ‬ ‫يتحدّ ثن عن رجل غائب عاطالت عن العمل موجودات في نفس‬ ‫والعادي أحيانا ً في المقهى‬ ‫اللحظة في المسافة الوسطى بين الرغبة‬ ‫ّ‬ ‫وأحيانا ً وحيدات يسترجعن رائحة رجل لن يعود‪ .‬سهف عبد الرمحن‬

‫الخاصة‬ ‫يومّيات ‪2014‬‬ ‫ّ‬ ‫بسورية‬

‫ص‪3‬‬

‫األول‬ ‫الشهر ّ‬ ‫يصعد معركته االستباق ّية بـ «الترغيب والترهيب» و«االئتالف»‬ ‫‪« 1/1‬داعش»‬ ‫ّ‬ ‫يعتبره «تنظيما ً إرهاب ّياً»‪.‬‬ ‫‪« 1/3‬جيش المجاهدين» الوليد يعلن الحرب على «داعش»‬ ‫السوري لحضور مؤتمر «جنيف ‪»2‬‬ ‫‪ 1/8‬بان كي مون أرسل دعوة لالئتالف‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1/9‬عشرات المعارضين يجتمعون في «قرطبة»‬ ‫‪ 1/11‬كيلو‪ :‬ال تقارنوا «جبهة النصرة» بـ»داعش»‬ ‫‪ 1/20‬نشر‪ 50‬ألف صورة لـ ‪ 11‬ألف معتقل قتلهم النظام‪...‬‬ ‫كلّنا سوريون‬

‫«العدل أساس الملك»‬

‫ص‪4‬‬

‫عبارة ك ّنا نقرؤها ونطرب لها‪ ،‬وكأ ّنها تقول‬ ‫لنا‪ :‬إنّ الحياة ال تستقيم دون قضاء عادل‪.‬‬ ‫الحديث ع��ن ال��ع��دل وال��ق��ض��اء في‬ ‫سور ّية حديث شائك ومع ّقد‪ ،‬بدءاً‬ ‫من انتشار الفساد في مفاصل العمل‬ ‫األمني‬ ‫التغول‬ ‫القضائي‪ ،‬وصوالً إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهيمنته المطلقة على القضاء والتشريعات‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬وبعد انقضاء نحو أربع سنوات على انطالق شرارة الثورة‪ ،‬وخروج أكثر‬ ‫من نصف مساحة سور ّية عن سيطرة النظام‪ ،‬أين هو القضاء؟‬ ‫وكيف تعاملنا معه؟‬ ‫ْ‬ ‫حاولت أن‬ ‫القضائي؟ وهل‬ ‫هل نجحت قوى الثورة بتقديم صورة جديدة للتعامل‬ ‫ّ‬ ‫الموحد؟‬ ‫تفرض سلطة العدل والتشريع‬ ‫إعداد‪ :‬باسل العبداهلل‬ ‫ّ‬

‫المشكلة األساسيّة عند طهران وموسكو أنّ نظرتهم لح ّل‬ ‫األزم��ة السوريّة لم تتب ّدل بشكل نوعيّ طوال عمر الثورة‬ ‫السوريّة‪ ،‬وال يزال الوهم لدى ساسة هاتين الدولتين أنّ بإمكانهم‬ ‫الحفاظ على النظام أو على القسم األكبر منه‪ ،‬متجاهلين حقائق‬ ‫كثيرة‪ ،‬أوّ لها وأهمّها‪ ،‬أنّ النظام بصيغته القديمة قد انتهى وأنّ‬ ‫إعادته إلى الحياة أصبحت وهما ً مجنوناً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الخطة في‬ ‫في الوقت الذي تسرع موسكو لتوفير عناصر‬ ‫جانبها السياسيّ تستمرّ إيران باستعراض قدرتها العسكريّة‬ ‫«التشبيحيّة» متناسية ‪ -‬وبمكابرة تعكس حجم األزمة التي‬ ‫تعصف بها ‪ -‬أنّ كل َمن تحاول إيصال رسالتها «التشبيحيّة» لهم‬ ‫ال يزالون يخوضون هذه الحرب بالوكالة وأ ّنهم ‪ -‬أي خصومها ‪-‬‬ ‫غير مبالين بإخراجها من مأزقها ال بل إ ّنهم مستمتعون برؤيتها‬ ‫وهي ُتستنزف وتتخبّط في المستنقع السوريّ ‪.‬‬ ‫في وجه المبادرة الروسيّة اإليرانيّة عقبات كثيرة‪ ،‬فالحشد‬ ‫الذي يجمعه الروس للجلوس على مقاعد المعارضة يعرف‬ ‫السوريّون جي ّداً أنّ معظمهم هو جزء من الطابور الخامس‬ ‫الذي يعمل تحت إدارة النظام واخترق به جسد الثورة السوريّة‪،‬‬ ‫وبالتالي فإ ّنه من الصعب تمرير هذه الخدعة على الشعب‬ ‫السوريّ الذي دفع ثمنا ً باهظا ً خالل سنوات ثورته؛ يضاف إلى‬ ‫ذلك أنّ األطراف الدوليّة واإلقليميّة التي ُتعنى باألزمة السوريّة‪،‬‬ ‫والتي لها مصالحها االستراتيجيّة فيها‪ ،‬تملك الكثير من األوراق‬ ‫ومن الطموحات ومن القوّ ة‪ ،‬األمر الذي يم ّكنها من إفشال أيّ‬ ‫ح ّل سيحاول الروس واإليرانيّون تمريره‪.‬‬ ‫في خض ّم ك ّل هذه التعقيدات يبدو وضع السوريّين كلّهم بك ّل‬ ‫تصنيفاتهم الدينيّة والقوميّة والطائفيّة والسياسيّة ‪ ....‬هو األسوأ‪،‬‬ ‫فهم الذين دفعوا وسيدفعون ثمن ك ّل شيء‪ ،‬وهم األبعد عن تقرير‬ ‫مصيرهم ومصير بلدهم‪.‬‬ ‫إذا كان الح ّل السياسيّ هو المخرج الوحيد لهذه المعضلة‬ ‫الكبيرة‪ ،‬وهو البداية إلنهاء هذه المأساة التي تتوالى فصولها‬ ‫بعبثيّة فظيعة‪ ،‬إلاّ أ ّنه ال ب ّد من القول‪ :‬إنّ أيّ حلّ‪ ،‬وأ ّيا ً يكن‬ ‫مصدره‪ ،‬ال يأخذ بعين االعتبار السبب الرئيسيّ الذي فجّ ر هذه‬ ‫الثورة ‪ -‬والذي يمكن تلخيصه بأنّ النظام السوريّ هو نظام غير‬ ‫قابل للحياة وأنّ استبداله بنظام آخر هو الح ّل الوحيد للمعضلة‬ ‫السوريّة ‪ -‬سيكون ضربا ً من الوهم وسيعني مزيداً من استنزاف‬ ‫سوريّة ودمارها واستمراراً لمأساة شعبها‪.‬‬ ‫وإذا اعتقد بعض «الساسة» السوريّين أ ّنهم سيعبرون لعبة‬ ‫الكبار إلى مصالحهم وإرضاء مرجعيّاتهم على حساب سوريّة‬ ‫وشعبها فإ ّنهم سيرتكبون خطأهم القاتل ‪...‬والذي لن يكون أحد‬ ‫ض ّده‪ ،‬لوال أ ّنه سيطيل من عمر المأساة السوريّة ومن حجم‬ ‫خسارات الشعب السوريّ ‪.‬‬

‫ب ّسام يوسف‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫تناغم المسارين‬ ‫يسود االعتقاد بأنّ التزامن في التحرّ ك بين‬ ‫مبادرة «دي ميستورا» وبين المبادرة الروسيّة‪،‬‬ ‫ت صدفة‪ ،‬فالغرب عموماً‪ ،‬واألمريكيّون‬ ‫لم يأ ِ‬ ‫خصوصاً‪ ،‬ال يوجد لديهم تصوّ ر ناجز بعد عن‬ ‫طبيعة الح ّل السياسيّ في سوريّة في الوقت‬ ‫الراهن‪ ،‬لذا فهم من جهة يس ّدون الفراغ عبر‬ ‫الترحيب الظاهريّ بمبادرة المبعوث الدوليّ «دي‬ ‫ميستورا» (هي باألساس أفكار عامّة غامضة‬ ‫وغير ناضجة‪ ،‬ال كمشروع وال كمبادرة يمكن‬ ‫أن يعوّ ل عليها فعل ّياً) لك ّنها بالمقابل تو ّفر الوقت‬ ‫المطلوب ريثما تنضج التسوية المرضي عنها‪،‬‬ ‫خاصّة ونحن نتح ّدث عن «تجميد» للصراع‬ ‫في منطقة معيّنة‪ ،‬هي هنا مدينة حلب‪ ،‬أو ع ّدة‬ ‫مناطق ُي ّتفق عليها‪ ،‬تبني مع الوقت ‪ -‬يُق ّدر الزمن‬ ‫األوّ لي لها من سنتين إلى ثالث ‪ -‬قاعدة شعبيّة من‬ ‫الناس المتضرّ رين مباشرة من القتال‪ ،‬يكونون‬ ‫هم أصحاب المصلحة والحُماة للواقع المجمّد‪،‬‬ ‫يُعمّم النموذج في حال نجاحه‪ ،‬وهم بهذا الموقف‬ ‫يُظهرون بأ ّنهم يتماشون مع رغبة المجتمع الدوليّ‬ ‫في تحريك الملفّ السوريّ ‪ ،‬وبأ ّنهم ال يزالون‬ ‫يهتمّون لمأساة الشعب السوريّ المستمرّ ة منذ‬ ‫أربع سنوات إلاّ قليالً‪ ،‬لك ّنهم عمل ّياً‪ ،‬وفي الواقع‬ ‫ير ّكزون جهدهم السياسيّ والعسكريّ واإلعالميّ‬ ‫على أولويّة محاربة إره��اب تنظيم «داعش»‬ ‫وإره��اب التنظيمات األخرى التي تنتمي لفكر‬ ‫القاعدة بالعموم باعتباره الخطر الرئيسيّ اآلن‬ ‫حسب وجهة نظرهم‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن الجهة‬ ‫الثانية يسمحون للروس باللعب في الوقت الضائع‬ ‫مع يقينهم بأ ّنهم (الروس) ال يستطيعون فرض‬ ‫أيّ ح ّل على طرفي النزاع دون الموافقة الغربيّة‬ ‫عموما ً واألمريكيّة على رأسها؛ هي إذن تلهية‬ ‫أو ترضية للروس الغاضبين من «المؤامرة‬ ‫األمريكيّة» على نظامهم المشاكس دون أن يكون‬ ‫لها أيّة قيمة فعليّة على األرض‪ ،‬بينما الروس‬ ‫من جهتهم يحاولون جهدهم ‪ -‬بتفاهم ضمنيّ ‪ ،‬إلى‬ ‫ح ّد ما مع األمريكيّين‪ ،‬وهم ليسوا بعيدين عن‬ ‫اإليرانيّين أيضا ً في هذا الخصوص ‪ -‬إلعادة الدم‬

‫لننتظر ونرَ‬

‫ونر‪ ،‬هكذا عادة ما يكون ر ّدي لمن‬ ‫لننتظر َ‬ ‫يسألني عن تو ّقعاتي بخصوص أيّة مبادرة جديدة‬ ‫للح ّل في سورية‪ .‬فعلى العموم ال يجب الحكم‬ ‫مُسبقا ً على النتائج‪ ،‬لكنّ مؤتمر موسكو‪ 1‬يأتي في‬ ‫سياق مُنفصل‪.‬‬ ‫أثبتت روسيا على ما يبدو أ ّنها األكثر فهما ً‬ ‫لطبيعة سورية السياسيّة‪ ،‬فهي – على عكس‬ ‫القوى الدوليّة واإلقليميّة األُخ��رى ‪ -‬لم تحرق‬ ‫أشرعتها كاملة مع أيّ من األطراف السورية‬ ‫المتصارعة‪ ،‬ال مع النظام وال مع معارضيه‬ ‫ال ُكثر‪ ،‬رغم أنّ موقفها كان واضحا ً ومنذ بداية‬ ‫الحراك في سورية في آذار ‪ 2011‬في دعمه‬ ‫الالمحدود لنظام الرئيس السوريّ ‪ ،‬وهي من هذه‬ ‫الزاوية تبدو األكثر قدر ًة على التأثير في قرارات‬ ‫مختلف هذه األطراف‪.‬‬ ‫هذا الفهم مبنيّ على حقيقة أنّ سورية تعني‬ ‫لروسيا أكثر بكثير ممّا تعنيه للواليات الم ّتحدة‬ ‫والمعسكر الغربيّ الموصوف خطأ بـ «أصدقاء‬ ‫الشعب السوريّ » ففي الذهنيّة االستراتيجية‬ ‫الروسيّة‪ ،‬ونتيجة لالنطباعات الزمنيّة التي تكوّ نت‬ ‫بنا ًء على التجارب التاريخية ُتش ّكل سورية العمق‬ ‫االستراتيجيّ لروسيا في منطقة الشرق األوسط‪،‬‬ ‫وهي ُتدرك أ ّنها إذا خسرت سورية فستخسر آخر‬ ‫موقع لها في هذه البقعة الجغرافيّة الحسّاسة‪.‬‬ ‫«واستمرار األولويّات االستراتيجية لروسيا‬ ‫القيصريّة األرثوذكسيّة – يقول أحمد داوود‬ ‫أوغلو في كتابه العمق االستراتيجي ‪ -‬يتوازى مع‬ ‫األولويّات االستراتيجيّة لال ّتحاد السوفي ّتي المُلحد‬ ‫السابق‪ ،‬وسيبقى مستمرّ اً مع أيّ نظام روسيّ‬ ‫يتولّى الحكم‪ .‬ومن هنا تبدو أه ّميّة المعطيات الثابتة‬ ‫كالتاريخ والجغرافية على الذهنيّة االستراتيجيّة‬ ‫للمجتمعات»‬ ‫ً‬ ‫من هنا‪ ،‬ال نستغرب كثيرا هذا الدفاع الكبير‬ ‫من قبل الروس عن نظام األسد رغم ك ّل مآخذهم‬ ‫عليه لنتذ ّكر أنّ االعتراض األقسى على النظام‬ ‫السوريّ أتى بالذات من الرئيس الروسي فالديمير‬ ‫بوتين عندما صرّ ح في حزيران من عام ‪2013‬‬ ‫أ ّنه كان بوسع الرئيس السوريّ ب ّ‬ ‫شار األسد تفادي‬ ‫نشوب الحرب في بالده من خالل تلبية مطالب‬ ‫التغيير بقدر أكبر من السرعة‪ .‬ووقتها أضاف‬ ‫بوتين في تصريحات أدلى بها لشبكة ‪ RT‬الرسميّة‬ ‫الروسيّة أنّ سورية كانت جاهزة لتغييرات جا ّدة‪،‬‬ ‫وكان يتعيّن على القيادة السوريّة إدراك ذلك في‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫إلى مكانتهم الدوليّة التي تضرّ رت كثيراً جرّ اء‬ ‫العزلة الغربيّة والعقوبات االقتصاديّة التي يت ّم‬ ‫فرضها عليهم تباعا ً بسبب األزمة األوكرانيّة‪.‬‬ ‫من المعروف للجميع أنّ محاوالت الروس ‪-‬‬ ‫ومعهم اإليرانيّين ‪ -‬هي إنقاذ ما يمكن إنقاذه من‬ ‫النظام القائم مع السعي للحفاظ على رأس النظام‪،‬‬ ‫إن أمكن‪ ،‬صحيح أ ّنه يوجد بعض التجاوب من‬ ‫قِبل بعض المعارضين‪ ،‬وهم ليسوا ُكثر‪ ،‬رغم‬ ‫أ ّنهم ال يقتصرون على معارضي الداخل فحسب‪،‬‬ ‫ترتق بعد إلى مستوى تشكيل قناعة عامّة‬ ‫لك ّنها لم‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫مؤثرة يقبل بها ج ّل السوريّين‪ .‬ناهيكم عن أهميّة‬ ‫قبول األطراف اإلقليميّة والدوليّة؛ لذا‪ ،‬ح ّتى وإن‬ ‫نجح ال��روس في جمع بعض المعارضين مع‬ ‫النظام في موسكو‪ ،‬فهذا لن يؤ ّدي إلى نتيجة ج ّدية‬ ‫في ظ ّل غياب األط��راف األساسيّة في األزمة‬ ‫السوريّة‪ ،‬فالروس ال يتم ّتعون بالمصداقيّة لدى‬ ‫قسم من الشعب السوريّ على األقلّ‪ ،‬وبالتالي‬ ‫هو ليس وسيطا ً نزيهاً‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪،‬‬ ‫فهم يحملون المسؤوليّة الرئيسيّة في بقاء األزمة‬ ‫السوريّة طوال هذه الم ّدة‪ ،‬وكذلك لهم الدور األه ّم‬ ‫في بقاء النظام القائم وبقاء رأس النظام نفسه‪،‬‬ ‫وهذا أيضا ً يصبّ في كسب الوقت لألطراف‬ ‫الفاعلة في األزمة السوريّة‪.‬‬ ‫في تصوّ ري الشخصيّ أنّ عدم الممانعة‬ ‫من قبل األمريكيّين للتحرّ ك الروسيّ ال يعدو‬ ‫كونه بروتوكوالً شكل ّيا ً لتفاهم ضمنيّ مكشوف‬ ‫لكال الطرفين‪ ،‬بأنّ أوان الح ّل لألزمة السوريّة‬ ‫لمّا يحن بعد‪ ،‬لكن بالنسبة لإليرانيّين فاألمر‬ ‫مختلف‪ ،‬حيث تتنامى القناعة لدى السوريّين‬ ‫بالعموم بأنّ الدور اإليرانيّ بات قو ّيا ً (ال أريد‬ ‫أن أستخدم عبارة حاسماً) في الحالة السوريّة‪،‬‬ ‫وتملك أوراقا ً خطيرة في ملفّ األزمة السوريّة‬ ‫ ليست الوحيدة‪ ،‬لك ّنها هي التي تعنينا اآلن ‪-‬‬‫لذا يتو ّقف أمر حلحلة األزمة السوريّة على مدى‬ ‫التفاهم األمريكيّ ‪ -‬اإليرانيّ بخصوصها‪ ،‬كما‬ ‫بخصوص قضايا إيرانيّة عديدة داخليّة وإقليميّة‬ ‫(طبعا ً هنا الموقف األمريكيّ هو الحاسم في ظ ّل‬

‫الوقت المناسب والبدء‬ ‫التغييرات‪.‬‬ ‫ه���ذه ال��م��آخ��ذ‬ ‫م���ج���رّ د تفصيل‬ ‫الروس‪،‬‬

‫ب��إج��راء هذه‬ ‫ك���ان���ت‬ ‫مزعج لدى‬ ‫اع����ت����م����دوا‬ ‫ل��ت��ب��ري��ر‬

‫ّ‬ ‫تمت للحقيقة بصلة‪،‬‬ ‫موقفهم على «ا ّدعاءات» ال‬ ‫من قبيل أنّ روسيا قلقة للغاية إزاء مصير‬ ‫المسيحيّين‪ ،‬خاصّة أتباع المذهب األرثوذكسيّ‬ ‫في المنطقة‪ .‬كما صرّ ح بذلك وزير الخارجيّة‬ ‫ّ‬ ‫لمحطة‬ ‫الروسيّ سيرجي الف��روف في مقابلة‬ ‫الميادين في أيّار ‪ .2013‬وطبعا ً هذا الموقف‬ ‫يُذ ّكر بالموقف القيصريّ الروسيّ من أرثوذكس‬ ‫السلطنة العثمانيّة وال��ذي أسفر عن اتفاقيّة‬ ‫«كوتشوك قاينارجه ‪»Küçük Kaynarca‬‬ ‫ع��ام ‪ 1774‬وح��رب ال��ق��رم م��ا بين ‪-1853‬‬ ‫‪ .1856‬و ُتعتبر االمتيازات التي حصل عليها‬ ‫األرثوذوكس الذين كانوا تحت الحماية العثمانيّة‬ ‫أولى المؤ ّ‬ ‫شرات على اعتبار الوحدة الداخليّة‬ ‫للدولة مقياسا ً ها ّما ً لوضعها على المستوى‬ ‫الدوليّ ‪ ،‬إذ انسلخ األرمن واألقلّيّات غير المسلمة‬ ‫تباعا ً عن الدولة العثمانيّة نتيجة لشرط الحماية‬ ‫الذي ت ّم وضعه في تلك االتفاقيّة‪.‬‬ ‫هذا الموقف الصادر من رأس الدبلوماسيّة‬ ‫الروسيّة ال يعكس الب ّتة الحرص على سيادة‬ ‫واستقالل وسالمة سورية كما ورد في نصّ‬ ‫الدعوة التي وُ جهت من الخارجيّة الروسيّة إلى‬ ‫الشخصيّات المشاركة في المؤتمر‪.‬‬ ‫لماذا نتح ّفظ على مؤتمر موسكو؟‬ ‫من التسريبات التي أوردتها صحيفة «الحياة»‬ ‫اللندنيّة‪ ،‬ومن نصّ الدعوة سابقة الذكر والتي‬ ‫نشرها السياسي سمير العيطة في صفحته على‬ ‫موقع التواصل االجتماعيّ «فيسبوك» ي ّتضح أنّ‬ ‫مدخالت موسكو هي أق ّل بكثير من مخرجات‬ ‫جنيف‪ ،1‬وهي تاليا ً تأسيس لمؤتمر جديد موسكو‪1‬‬ ‫ينفصل كلّ ّيا ً عن ك ّل المبادرات والمؤتمرات‬ ‫السابقة‪ .‬ففي جنيف‪ 2‬كان النظام السوريّ مصرّ اً‬ ‫على بند مكافحة اإلرهاب‪ ،‬واعتبره أوّ لو ّيا ً على ما‬ ‫عداه‪ .‬فيما كان وفد المعارضة المفاوض يحاجج‬

‫غياب الدور القويّ للمعارضة السوريّة بشقيّها‬ ‫السياسيّ والعسكريّ ‪ ،‬وغياب الموقف الموحّ د من‬ ‫المشاريع المطروحة‪ ،‬ناهيكم عن تغييب موقف‬ ‫واع‬ ‫الشارع السوريّ المدنيّ وسحقه بفعل فاعل ‪ٍ -‬‬ ‫ومجرم من جهة النظام‪ ،‬قاصر ومجرم من جهة‬ ‫غالبيّة المعارضة ‪ -‬أيضا ً غياب المشروع الوطنيّ‬ ‫الواضح والجامع عن الجميع) باعتقادي لقد نجح‬ ‫النظام اإليرانيّ ح ّتى اآلن في فرض نفسه كقوّ ة‬ ‫إقليميّة يُحسب حسابها في المنطقة‪ ،‬حيث بات‬ ‫العبا ً يتحرّ ك جهاراً نهاراً‪ ،‬متح ّديا ً الجميع‪ ،‬بعد‬ ‫أن كانت خطواته حذرة وغير معلنة في الكثير‬ ‫منها‪ ،‬إذن نحن أم��ام معضلة حقيقيّة‪ ،‬حيث‬ ‫القرار السوريّ المستق ّل غائب ‪ -‬بش ّقيه الرسميّ‬ ‫والمعارض ‪ -‬ومصير سوريّة أصبح ليس بيد‬ ‫أبنائها السوريّين‪ ،‬بل يقرّ ره اآلخ��رون‪ ،‬وكون‬ ‫اآلخرين هو تعبير عن ع ّدة العبين‪ ،‬فهذا األمر‬ ‫سيتر ّتب عليه بالضرورة تنافس على المصالح‬ ‫بينهم (بما تحويه ماد ّيا ً ومعنو ّياً) ك ٌل منهم ‪ -‬حسب‬ ‫قوّ ته وأه ّميّة دوره ‪ -‬النتزاع أكبر قدر منها على‬ ‫حساب أبناء البلد الذي يُدمّر بالكلّيّة‪ ،‬وكون اإلدارة‬ ‫األمريكيّة الحاليّة على ما بتنا نعرفها من ضعف‬ ‫وتر ّدد‪ ،‬فلن نتو ّقع حلاّ ً قريبا ً يُنهي معاناة الشعب‬ ‫السوريّ ومأساته الرهيبة‪ ،‬هنا سأعيد موقفي‬ ‫وأر ّكز على ضرورة الفعل الوطنيّ السوريّ اآلن‬ ‫ كلّما كان اآلن أفضل وأجدى ‪ -‬يُعيد االعتبار‬‫للقرار الوطنيّ السوريّ المستق ّل شيئا ً فشيئاً‪،‬‬ ‫وصوالً للفعل الوطنيّ المقرّ ر لصالح البلد بكليّته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫األدق‪ ،‬ما تب ّقى من البلد وهذا لن يكون اآلن ما‬ ‫لم يتو ّفر نقد ج ّديّ وش ّفاف أمام الشعب السوريّ‬ ‫لألداء السابق (ليس المطلوب جلد ال��ذات‪ ،‬بل‬ ‫تبيان مكامن الخطأ والقصور من أجل التجاوز‬ ‫الحقاً) وتوجّ ه صادق لك ّل الوطنيّين السورييّن‬ ‫للتشارك والتفاعل بينهم وصوالً للعمل المشترك‪،‬‬ ‫األمر الذي سيُعيد الثقة واألمل للسوريّين رغم‬ ‫انهاكهم وإحباطهم‪ ،‬ليعودوا‬ ‫الحاضن الشعبيّ‬ ‫َ‬ ‫الذي ال يمكن من دونه أن ينجح أيّ عمل‪ ،‬فما‬ ‫بالكم بثورة شعبيّة!‬ ‫مروان حممّد‬

‫بموضوعة الحكومة االنتقاليّة‬ ‫التي ستمهّد لرحيل األسد على‬ ‫اعتبارها األولويّة المطلقة‪ .‬ما‬ ‫أضحى اآلن هو التالي‪:‬‬ ‫م��ك��اف��ح��ة اإلره����اب‬ ‫ل���ه���ا ال��ش��رع��يّ��ة‬ ‫األولى لدى الدول‬ ‫اإلقليميّة والدوليّة‬ ‫المعنيّة‪ ،‬ويبدو أنّ‬ ‫المعارضة الذاهبة‬ ‫إلى موسكو اقتنعت وتورّ طت بهذه األولويّة‪ .‬فيما‬ ‫موضوعة الحكومة االنتقاليّة غير موضوعة على‬ ‫جدول األعمال بحسب التسريبات ذاتها‪.‬‬ ‫عند مراقبة الوقائع على األرض‪ ،‬وفي الشمال‬ ‫خصوصاً‪ ،‬وفي مقابل إعالن تنظيم «داعش»‬ ‫إمارته على المنطقة الشرقيّة (الر ّقة‪ -‬دير الزور)‬ ‫ت ّتجه جبهة النصرة إلعالن إمارتها على حلب‬ ‫إدلب وريفهما‪ ،‬وحسب المعلومات الواردة في‬ ‫هذه األونة‪ ،‬فإنّ جبهة النصرة تستع ّد لشنّ هجوم‬ ‫شامل على حركة حزم المدعومة أمريك ّياً‪ ،‬لتتفرّ غ‬ ‫فيما بعد لح ّل مشكلتها الوحيدة المتب ّقية مع فصائل‬ ‫الجبهة الشاميّة‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬الشمال بعيد عن أيّ اهتمام روسيّ ‪ ،‬وهو‬ ‫بعُهدة دي ميستورا سياس ّياً‪ ،‬والشرق والشمال‬ ‫الشرقيّ تحت سيطرة تنظيم «داع��ش» الذي‬ ‫يبدو أ ّنه ال يتر ّنح كثيراً بتأثير ضربات التحالف‪.‬‬ ‫النصرة حدودها مورك‪ ،‬وهي لم ُتقاتل أو تناصر‬ ‫في حمص التي ستكون من نصيب النظام مع‬ ‫المنطقة الجنوبيّة‪.‬‬ ‫من المرجح أنّ مهمّة موسكو‪ 1‬ستكون إعادة‬ ‫تأهيل سلطة سوريّة مُرتقبة (كما ذكرنا‪ ،‬لم ي َ‬ ‫ُؤت‬ ‫على ذكر الحكومة االنتقاليّة في التسريبات)‬ ‫في الوسط والساحل والجنوب تمهيداً لمحاربة‬ ‫اإلرهاب القادم من الشمال‪ .‬األمر الذي سيكرّ س‬ ‫التقسيم واقع ّياً‪ ،‬ألنّ البدء بأيّة بقعة على أمل‬ ‫توسيع نموذجها ً مستقبالً يعني فصل هذه البقعة‬ ‫عن بقيّة األرض السوريّة‪.‬‬ ‫يحتاج السوريّون إلى أفكار سوريّة‪ ،‬إلى‬ ‫سلعة سوريّة‪ ،‬يُنتجونها هم ومن ث ّم يعملون على‬ ‫تسويقها إقليم ّيا ً ودول ّياً‪ ،‬أفكاراً تأخذ بعين االعتبار‬ ‫السياسة قبل األمن كما ذكرنا في مقالة سابقة‪.‬‬ ‫ونر‪.‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬لننتظر َ‬

‫حممّد اجلرف‬

‫قراءة سياسية‬

‫ماذا يريد الروس من اللقاء‬ ‫المرتقب في موسكو؟‬ ‫ما خلّفته المعارك اليوميّة المستمرّ ة منذ أربع سنوات‪ ،‬ولّد لدى‬ ‫معظم أبناء الشعب حالة من القبول بأيّ ح ّل كان إليقاف تلك الحرب‬ ‫التي باتت مه ِّددة لوجودهم‪ ،‬فيما ال تدلّل الوقائع الجارية على األرض‬ ‫إلاّ على تصاعد ح ّدة نيرانها‪ ،‬مع فقدان السوريّين للتأثير الحاسم في‬ ‫مجرياتها‪.‬‬ ‫في هذه األج��واء اليائسة تأتي الدعوة لعقد لقاء في موسكو‪،‬‬ ‫ثمان وعشرين ّ‬ ‫ً‬ ‫ممثالً للمعارضة بحسب الرؤية الروسيّة‪،‬‬ ‫موجهة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫كشخصيّات مستقلّة‪ ،‬وكأعضاء مح َّددين في االئتالف وهيئة التنسيق‪،‬‬ ‫للتشاور مع وفد النظام الذي أعلن عن موافقته مب ّكراً‪ ،‬في وضع‬ ‫آليّات حوار سوريّ ‪ -‬سوريّ دون أيّة ورقة عمل مسبقة‪ .‬فهل ينجح‬ ‫اللقاء في تحقيق بعض من التق ّدم على طريق الح ّل الذي ينتظره‬ ‫السوريّون على أحرّ من الجمر؟ أم أ ّنه لن يخلّف سوى المزيد من‬ ‫التعقيد‪ ،‬كما جرى في اللقاء الماضي‪ ،‬في مؤتمر جنيف الثاني قبل‬ ‫عام كامل؟‬ ‫إنّ البحث عن مخارج ممكنة لما وصلت إليه األمور في درجة‬ ‫االستعصاء‪ ،‬يبرز تلك األهميّة القصوى لجلوس ّ‬ ‫ممثلي المعارضة‬ ‫والنظام إلى طاولة حوار‪ ،‬حيث تظهر استحالة الحسم العسكريّ ‪ ،‬مع‬ ‫الضعف المتزامن لقوّ ات النظام وقوى الثورة المسلّحة‪ ،‬على حساب‬ ‫التنازع العسكريّ المشت ّد على الجغرافية السوريّة بمشاركة غير‬ ‫السوريّين‪ ،‬بدءاً من إعالن دولة اإلسالم القاعديّ على قسم واسع‬ ‫في الشمال الشرقيّ من البالد‪ ،‬والتم ّدد الملحوظ لجبهة النصرة في‬ ‫الشمال الغربيّ منها‪ ،‬مروراً بسيطرة حزب هللا والميليشيات الشيعيّة‬ ‫األخرى على مناطق واسعة من دمشق ح ّتى جبال القلمون‪ ،‬وصوالً‬ ‫للتصريح اإليرانيّ الفاقع عن قيام جيش شعبيّ لثورتهم اإلسالميّة في‬ ‫سوريّة كما في العراق واليمن‪ ،‬وحيث ال أفق واضح لح ّل سياسيّ ‪،‬‬ ‫مع التمسك الروسيّ بتفسير مختلف لمقرّ رات جنيف التي ت ّم التوصل‬ ‫إليها منذ أيلول ‪ ،2012‬لكنّ الدعوة للحوار تتطلّب وكما دلّت جولته‬ ‫السابقة إلى التحضير المسبق‪ ،‬ح ّتى ال يتكرّ ر الفشل في التوصل إلى‬ ‫التفاهم حول األولويّات‪ ،‬في محاربة اإلرهاب أم في تشكيل هيئة‬ ‫الحكم االنتقاليّ ‪ ،‬وح ّتى ال نشهد بعد الفشل ذبحا ً للدجاجة وكسراً‬ ‫للبيضة‪ ،‬دون التوصّل إلى ح ّل اللغز المحيّر في أسبقيّة إحداهما على‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫ربّما تكون هذه التو ّقعات المسبقة ضربا ً من الرفض‪ ،‬ومساهمة‬ ‫في تأجيج النيران المشتعلة‪ ،‬لكنّ ما يبرز من تصريحات ومواقف‬ ‫قبل اللقاء‪ ،‬قد يُسهم بتشكيل نظرة أكثر موضوعيّة‪ ،‬بعيداً عن ثنائيّة‬ ‫التفاؤل واإلحباط‪ ،‬فإذا كانت الغاية من توجيه الدعوة ألفراد مح ّددين‬ ‫رؤية روسيّة‪ ،‬لتمثيل ك ّل أطياف المعارضة‪ ،‬فإنّ المواقف المتباينة‬ ‫لتلك الشخصيّات‪ ،‬قد يجعل من اللقاء المرتقب مساحة للخالف فيما‬ ‫بينهم‪ ،‬بدل التشاور بين النظام والمعارضة‪ ،‬وربّما تصل لمنح النظام‬ ‫مخرجا ً بحث عنه طويالً‪ ،‬لتشكيل حكومة جديدة ممّن يقبل بالعمل‬ ‫تحت سلطته‪ ،‬بمسمّى حكومة وطنيّة‪ ،‬بدالً من انتقاليّة‪ ،‬ليستعيد بذلك‬ ‫بعضا ً من شرعيّته المفقودة‪ ،‬وليزيد من أمد الحرب وتعقيدات الوضع‬ ‫السوريّ ‪ ،‬كذلك فإنّ ما حصل ويحصل على األرض السوريّة‬ ‫وللشعب السوريّ ‪ ،‬ال يترك مجاالً للحديث عن إرادة شعب وعن‬ ‫ّ‬ ‫التدخالت اإلقليميّة والدوليّة‪،‬‬ ‫تمثيل أيّ طرف لها‪ ،‬ففي ظ ّل ك ّل تلك‬ ‫قد يبدو أيّ حوار سوريّ ‪ -‬سوريّ مجرّ د ضجّ ة إعالميّة‪ ،‬مالم‬ ‫يستند إلى فعل دوليّ ‪ ،‬لفرض الح ّل الممكن الوصول إليه بالحوار‬ ‫كتفصيالت وكمح ّددات‪ ،‬بعد التفاهم الدوليّ على الخطوط العامّة‪،‬‬ ‫فالصراع على األرض السوريّة‪ ،‬لم يعد صراعا ً سور ّياً‪ ،‬بقدر ما هو‬ ‫صراع إقليميّ بين ايران من جهة وبين السعوديّة وقطر وتركيّا من‬ ‫جهة ثانية‪ ،‬وبقدر ما هو صراع دوليّ بين الغرب بقيادة الواليات‬ ‫الم ّتحدة مع روسيا‪ ،‬وهكذا فإنّ الدعوة الروسيّة لهذا اللقاء دون أيّ‬ ‫تفاهم دوليّ مسبق‪ ،‬ال توحي إلاّ بالتمسّك الروسيّ بموقفهم الثابت‬ ‫ممّا يجري في سوريّة‪ ،‬وبتفسيرهم السابق لمقرّ رات جنيف‪ ،‬دون أيّة‬ ‫أه ّميّة للتطمينات التي يق ّدمونها لبعض المعارضين‪ ،‬محاولين إخراج‬ ‫األسد من المأزق الذي وقع فيه‪ ،‬بدالً من إخراجه من س ّدة الحكم التي‬ ‫يصرّ الجميع على ال شرعيّته فيها‪ ،‬بعد ك ّل ما تسبّب به من كوارث‬ ‫مازالت مستمرّ ة‪.‬‬ ‫بهذه المؤ ّ‬ ‫شرات التي تسبق اللقاء المرتقب‪ ،‬ثمّة ما هو جدير‬ ‫بالتو ّقف عنده مل ّياً‪ ،‬فإذا كان االئتالف الوطنيّ وهيئة التنسيق كتجمّعين‬ ‫سياسيّين للمعارضة ال يرون في تلك الدعوة ما هو مشجّ ع للحضور‪،‬‬ ‫وسواء حضر البعض من أعضائهم أم لم يحضر‪ ،‬فإنّ ما يريده‬ ‫الروس من ذلك اللقاء ال يوحي إلاّ بخروجهم عن الح ّل السياسيّ ‪،‬‬ ‫الذي ال يرى المجتمع الدوليّ بديالً عن ضرورة التوصّل إليه مع‬ ‫كا ّفة األطراف المعنيّة بالشأن السوريّ ‪ ،‬خروجا ً باتجاه المنفذ الوحيد‬ ‫الذي ال يرى األسد غيره منذ البداية‪ ،‬مسارعين كما يبدو لعقده بعيداً‬ ‫عن المظلّة الدوليّة‪ ،‬كاختراق على الجبهة السوريّة في صراعهم‬ ‫الدوليّ القائم مع الغرب‪ ،‬في خطوة استباقيّة ال تختلف كثيراً عمّا‬ ‫فعلوه ويفعلوه في أوكرانيا‪ ،‬األمر الذي يشير إلى االحتمال األكبر‬ ‫في الموت السريريّ لفكرة الح ّل السياسيّ لدى ك ّل الالعبين الدوليّين‪،‬‬ ‫موتا ً ال يحمل معه سوى المزيد من الكوارث‪ ،‬مع اللجوء إلى تنمية‬ ‫فكرة الحسم العسكريّ ‪ ،‬التي يمكن أن تجد طريقها عبر تشكيل قوّ ات‬ ‫المعارضة المعتدلة‪ ،‬أو فيما يجري من إعادة هيكلة لقوّ ات المعارضة‬ ‫الموجودة على األرض‪ ،‬كما في صيغة الجيش األوّ ل أو سواها‪،‬‬ ‫حسما ً عسكر ّيا ً ال يمكن القفز فوقه إلسقاط نظام األسد المتهالك‪،‬‬ ‫عندما يغيب البحث عن صيغة حكم انتقاليّ معه‪ ،‬من أجل توفير القوّ ة‬ ‫السوريّة الوطنيّة الالزمة لمحاربة اإلرهاب اإلسالميّ ‪ ،‬الذي يزداد‬ ‫في سيطرته على مناطق أوسع من البالد‪.‬‬ ‫لؤي حاج بكري‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫قراءة سياسية‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫الخاصة بسورية‬ ‫يومّيات ‪2014‬‬ ‫ّ‬

‫الشهر األوّ ل‬ ‫‪« 3/27‬إعالن الكويت»‪ :‬االئتالف السوري كممثل‬ ‫‪« 1/1‬داعش» يصعّد معركته االستباقيّة بـ «الترغيب رسمي للشعب دون أن يحسم موضوع منحه مقعد‬ ‫والترهيب» و«االئتالف» يعتبره «تنظيما ً إرهاب ّياً»‪ .‬سورية‬ ‫‪« 1/3‬جيش المجاهدين» الوليد يعلن الحرب على ‪ 3/28‬مفاوضات بين الحرّ والنظام بشأن هدنة في‬ ‫«داعش»‬ ‫جنوب دمشق‬ ‫‪ 1/8‬بان كي مون أرس��ل دع��وة لالئتالف السوريّ الشهر الرابع‬ ‫لحضور مؤتمر «جنيف ‪»2‬‬ ‫‪ 4/1‬النظام يجمّد مفاوضاته مع حمص القديمة‬ ‫‪ 1/9‬عشرات المعارضين يجتمعون في «قرطبة»‬ ‫‪4/3‬‬ ‫‪ 1/11‬كيلو‪ :‬ال تقارنوا «جبهة النصرة» بـ»داعش» الكويت ترفض ا ّتهام أمريكا لوزير العدل واألوقاف‬ ‫‪ 1/20‬نشر‪ 50‬ألف صورة لـ ‪ 11‬ألف معتقل قتلهم بـ»دعم اإلرهاب» في سورية‬ ‫النظام‬ ‫‪ 4/5‬أص��دق��اء س��وري��ة‪ :‬انتخابات األس��د «مهزلة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1/22‬أكراد سورية يشكلون حكومة محليّة عشيّة جنيف ديمقراطيّة»‬ ‫‪ 1/23‬كيري‪ :‬ال سالم في سورية بوجود األسد‬ ‫العداء لالجئين السوريّين في لبنان يثير ردود فعل‬ ‫‪ 1/24‬مفاوضات جنيف تبدأ في قاعتين منفصلتين‬ ‫غاضبة‬ ‫‪ 1/25‬وفد المعارضة ووفد السلطة السوريين في قاعة ‪ 4/6‬انسحاب المعارضة من «مرصد‪»45‬‬ ‫واحدة في مفاوضات يديرها اإلبراهيميّ‬ ‫‪ 4/7‬النظام يقصف حرستا بغازات سامّة‬ ‫‪ 1/27‬النظام سمح لألطفال والنساء االمحاصرين في ‪« 4/10‬داعش» ّ‬ ‫يعزز قبضته على البوكمال لوصل‬ ‫حمص بالمغادرة‬ ‫دير الزور باألنبار‬ ‫ك الحصار اليونسيف‪ 5.5 :‬مليون طفالً ّ‬ ‫‪ 1/28‬نداءات من داخل مدينة حمص لف ّ‬ ‫تأثروا بالصراع في سورية‬ ‫المستمرّ منذ ‪ 600‬يوم‬ ‫‪ 4/12‬تحقيقات بريطانيّة وأميركيّة وتركيّة في هجمات‬ ‫الشهر الثاني‬ ‫كيميائيّة على ضواحي دمشق‬ ‫‪ 2/1‬انقطاع المياه عن دمشق وريفها وأنباء عن سيطرة ‪ 4/14‬عشرات المصابين بغاز سا ّم في حماة وإدلب‬ ‫المعارضة على المنابع‬ ‫‪ 4/19‬مسؤولون أميركيّون‪ :‬األسد يص ّفي قادة عسكريين‬ ‫ً‬ ‫االئتالف السوريّ يعلن تسليم اإلبراهيميّ قوائم أوّ ليّة منعا لتقويض سلطته‬ ‫بثالثين ألف معتقل بسجون النظام‬ ‫‪ 4/22‬الخارجيّة اإليطاليّة‪ :‬المجتمع الدوليّ لن يعترف‬ ‫‪ 2/2‬مقتل عبد القادر الصالح القائد العسكريّ للواء باالنتخابات السوريّة‬ ‫التوحيد بحلب‬ ‫‪ 4/23‬ن��زوح جماعي من حلب على وقع البراميل‬ ‫ّ‬ ‫‪« 2/3‬داعش» تدعو مسيحييّ الرقة لإلسالم أو دفع المتفجّ رة‬ ‫الجزية‬ ‫‪ 4/25‬مجزرة في ريف حلب في سوق شعبيّ في مدينة‬ ‫وظهور أوّ ل كتيبة نسائيّة داعشيّة تتجوّ ل مع أسلحتها األتارب‬ ‫بالر ّقة‬ ‫‪ 4/26‬فابيوس‪ :‬ال أدلّة على استخدام النظام غازات‬ ‫‪ 2/4‬القدوة يق ّدم استقالته‬ ‫سامّة‬ ‫‪ 2/6‬األمم الم ّتحدة ت ّتهم النظام السوريّ والمعارضة ‪« 4/30‬داعش» يصلب شابين ويعدم ‪ 8‬بينهم طفالن‬ ‫بارتكاب انتهاكات ّ‬ ‫بحق األطفال‬ ‫الشهر الخامس‬‬‬‬‬‬‬‬ ‫االئتالف يطالب مجلس األمن الدوليّ بفرض تدابير ‪ 5/1‬اإلعالن عن تشكيل جبهة ثوّ ار جنوب سورية‬ ‫تحت الفصل السابع فيما يتعلّق بالكيميائيّ السوريّ‬ ‫ريف درعا الغربي‬ ‫‪“ 257 ”2/7‬قتيالً بقصف على حلب‬ ‫‪ ”24“ 5/2‬شخصا بينهم األسد تقدموا بطلبات الترشح‬ ‫موسكو تستخدم (الفيتو) ض ّد قرار دوليّ إنسانيّ‬ ‫لالنتخابات الرئاسية السورية‬ ‫‪ 2/8‬جهاديّون بريطانيّون يقاتلون في سورية يه ّددون ‪ 5/3‬تنفيذ «صفقة» حمص يبدأ باإلفراج عن ‪ 70‬إيران ّيا ً‬ ‫باستهداف لندن والبيت األبيض‬ ‫ولبنان ّيا ً معتقلين لدى «الجبهة اإلسالميّة»‬ ‫‪ 1400‬مقاتل سعوديّ في سورية أغلبهم أحداث وهناك ‪ 5/8‬إنجاز اتفاق حمص القديمة ينتظر دخول المساعدات‬ ‫نزعة لعودتهم إلى الوطن‬ ‫إلى نبل والزهراء‬ ‫‪« 2/9‬النصرة» ت ّتهم والي «داعش» في دير الزور ‪ 5/10‬آخر مسلّحي المعارضة السورية يغادرون حمص‬ ‫بسرقة خمسة ماليين دوالر‬ ‫‪ 5/13‬برنامج الغذاء العالمي‪ 6.5 :‬مليون سوريّ‬ ‫النظام يخلي مطار كويرس إلى مطار النيرب و»داعش» بالداخل يحتاجون لمساعدات‬ ‫ينتشر في محيطه دون معارك‬ ‫‪ 5/14‬استقالة اإلبراهيمي من الوساطة في سورية‬ ‫‪ 2/10‬راهبات دير معلوال المحتجزات في سورية ‪ 5/15‬توصّل المعارضون في حي القدم بدمشق إلى‬ ‫يظهرن في فيديو‬ ‫هدنة مؤ ّقتة مع النظام‬ ‫‪ 2/13‬استقالة وزير الدفاع في الحكومة السوريّة المؤ ّقتة ‪ 5/16‬اإلفراج عن صحفيّين بريطانيّين اختطفا بسورية‬ ‫أسعد مصطفى‬ ‫‪ 5/17‬واشنطن تص ّنف «داع���ش» و«النصرة»‬ ‫ّ‬ ‫‪ 2/15‬نزوح ‪ 2700‬سوريّ من منطقة القلمون السوريّة‬ ‫منظمتين إرهابيّتين‬ ‫الى لبنان‬ ‫‪ 5/23‬فيتو روسي صيني ض ّد مشروع قرار فرنسي‬ ‫‪ 2/16‬اإلبراهيمــيّ يعلن فشــل جنيــف ‪2‬‬ ‫إلحالة الملف السوري للمحكمة الجنائيّة‬ ‫‪ 2/17‬اتفاقيّة بين قوّ ات النظام والمعارضة في ريف ‪ 5/27‬األردنّ وسورية يتبادالن طرد السفراء‬ ‫دمشق‬ ‫الشهر السادس‬ ‫ّ‬ ‫‪ 2/19‬هيومن رايتس ووتش تتهم النظام باستخدام ‪ 6/1‬لبنان يه ّدد السوريّين الالجئين على أراضيه بنزع‬ ‫صواريخ مزوّ دة بقنابل عنقوديّة‬ ‫صفة «نازح» عنهم‬ ‫‪ 2/21‬عشرات القتلى بتفجير في معبر بين سورية ‪ 6/3‬بدء انتخابات الرئاسيّة التي ّ‬ ‫نظمها نظام األسد في‬ ‫وتركيا‬ ‫سورية أمام معارضة عالميّة لهذه االنتخابات‬ ‫‪ 2/23‬مجلس األمن يدعو النظام إلى وقف الغارات ‪ 6/4‬النظام يعلن فوز األسد بوالية رئاسية ثالثة وبنسبة‬ ‫على المدنيّين‬ ‫‪%88.7‬‬ ‫الشهر الثالث‬ ‫‪ 6/6‬مجموعة السبع‪ :‬انتخابات سورية زائفة‬ ‫‪ 3/1‬مقاتلو «داعش» انسحبوا من أعزاز نحو ريف ‪ 6/11‬االئتالف يفتتح مكتبا ً في بروكسل لمالحقة جرائم‬ ‫األسد‬ ‫حلب الشرقي‬ ‫‪ 3/3‬بدء حملة لتلقيح ‪ 10‬ماليين طفل ض ّد شلل األطفال ‪ 6/12‬الجنائيّة‪ :‬األسد يترأس قائمة منفذي جرائم الحرب‬ ‫‪ 3/7‬وافق اللواء سليم إدريس على االستقالة من رئاسة بسورية‬ ‫‪ ”9 “6/15‬قادة يستقيلون من الجيش الحر ويعتذرون‬ ‫هيئة أركان الجيش الحرّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 3/9‬تحـرير راهـبات دير معلوال بعد تأخر في إطالق للثوار لنقص المساعدات‬ ‫‪ 6/16‬النظام يسيطر على كسب‬ ‫معتقالت سوريّات‬ ‫‪ 3/10‬اليونيسف سوريا من بين «أخطر االماكن على ثوّ ار حوران يسيطرون على «تل الجموع» بدرعا‪،‬‬ ‫والنظام يخسر ‪ 150‬عنصراً بين قتيل وأسير‬ ‫االرض» بالنسبة لألطفال‬ ‫‪« 3/14‬داعش» تتم ّدد إلى قرى ريف حلب المحيطة ‪« 6/20‬المجلس التشريعي الكرديّ » في سورية يعلن‬ ‫عن فتح باب التر ّ‬ ‫شح لمنصب «حاكم مقاطعة الجزيرة»‬ ‫بمعقلها في جرابلس‬ ‫‪ 3/15‬واشنطن‪ :‬ترشح األسد أمر «مثير لالشمئزاز» ‪ 6/26‬خالف بين رئيس االئتالف ورئيس حكومته‬ ‫‪« /3/16‬وثائق دمشق»‪ 50 :‬ألف مستند من مل ّفات المؤ ّقتة يطيح باألركان‬ ‫‪ 6/30‬المجلس العسكريّ المعارض بسورية يرفض‬ ‫االستخبارات السوريّة‬ ‫‪ 3/20‬الجيش النظامي يستعيد قلعة الحصن من مقاتلي قرار حلهّ‬ ‫الشهر السابع‬ ‫المعارضة‬ ‫‪ 3/22‬نبيل العربي‪ :‬مقعد سورية في القمّة العربيّة التي ‪ 7/1‬ع��رض عسكري لـ»تنظيم ال��دول��ة» بالرقة‬ ‫وتستعرض صاروخ سكود‬ ‫تستضيفها الكويت ال يزال خالي‬ ‫‪ 3/24‬تركيا تسقط طائرة حربيّة سوريّة ودمشق تع ّده ‪« 7/2‬تنظيم الدولة» يحكم سيطرته على البوكمال‬ ‫اعتداء سافراً‬ ‫السورية‬ ‫‪ 3/25‬المعارضة تدخل السمرا والجيش الحر يسيطر ‪ 7/4‬الجربا والبرزاني يبحثان مواجهة «داعش»‬ ‫‪« 7/5‬داعش» يسيطر على أغلب الحقول النفطية في‬ ‫على تلة استراتيجية بريف الالذقية‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫دير الزور‬ ‫‪ 7/9‬البحرة يخلف الجربا برئاسة االئتالف السوري‬ ‫المعارض‬ ‫‪ 7/10‬اإليطالي دي ميستورا يخلف اإلبراهيمي مبعوثا‬ ‫أمم ّيا ً لسورية‬ ‫‪ 7/12‬انتشال رضيعة بعد ‪ 16‬ساعة تحت األنقاض‬ ‫في حلب‬ ‫‪ 7/14‬الجيش اإلسرائيليّ يستهدف بمدفعيّته مراكز‬ ‫عسكريّة في األراضي السوريّة‬ ‫‪ 7/15‬البحرة‪ :‬العودة إلى المناطق المحرّ رة عنوان‬ ‫المرحلة المقبلة‬ ‫‪ 7/16‬األسد يقسم على الرئاسة في قبو قصره‬ ‫‪« 7/19‬داعش» ترجم امرأة ح ّتى الموت بتهمة الزنا‬ ‫بريف الر ّقة‬ ‫‪ 7/20‬طفل لبناني ين ّكل بآخر سوري ويثير موجة سخط‬ ‫في مواقع التواصل‬ ‫‪ 7/22‬المعارضة السوريّة تقيل حكومة طعمة‬ ‫‪ 7/25‬األمم المتحدة تسيّر أوّ ل قافلة إغاثة إلى سورية‬ ‫دون موافقة األسد‬ ‫الشهر الثامن‬ ‫‪ 8/1‬عشيرة الشعيطات في سورية تنتفض على‬ ‫«داعش» بعد نقض عهدها‬ ‫‪ 8/4‬ماكين‪ :‬جرائم األسد ال مثيل لها منذ عهد هتلر‬ ‫‪ 8/7‬تنظيم داعش يقتحم اللواء ‪ 93‬في ريف الرقة‬ ‫ويسيطر على مساكن الضبّاط‬ ‫‪ 8/9‬موظف «محاسب وزارة العدل» في الحكومة‬ ‫المؤ ّقتة يسرق ‪ 80‬ألف دوالر!‬ ‫‪ 8/10‬كلينتون‪ :‬داعش ظهر بسبب الفشل في مساعدة‬ ‫ثوار سورية‬ ‫‪ 8/12‬حملة «في الساحل» ض ّد األسد‪ ،‬الكرسي إلك‬ ‫والتابوت لوالدنا‬ ‫‪« 8/15‬داعش» يمنع تدريس الكيمياء والفلسفة في‬ ‫الرقة لـ»عدم اعتماد الما ّدتين على هللا»‬ ‫‪ 8/16‬االئتالف السوري يقيل ممثلي المجلس العسكري‬ ‫فيه بناء على قرارات هيئة األركان‬ ‫‪ 8/19‬سقوط «المليحة» بيد النظام السوري‬ ‫‪ 8/22‬البنتاغون يعتبر «داعش» تهديدا غير مسبوق‬ ‫وأن القضاء عليه يستوجب ضربه‬ ‫‪ 8/23‬بريطانيا‪ :‬ال يمكن أن نعمل مع األسد لمواجهة‬ ‫«داعش»‬ ‫‪ 8/24‬الر ّقة تحت السيطرة الكاملة لتنظيم «داعش»‬ ‫‪ 8/27‬طائرات استطالع أميركية تحلّق فوق سورية‪...‬‬ ‫وغارات على «داعش»‬ ‫‪ 8/30‬النظام‪ :‬أيّ عمل عسكريّ في سورية دون‬ ‫موافقتنا هو «عدوان»‬ ‫الشهر التاسع‬ ‫‪ 9/8‬دي ميستورا يزور سورية ألوّ ل مرّ ة‬ ‫‪« 9/9‬صرخة»‪ ..‬حملة مناهضة للنظام في الساحل‬ ‫السوريّ‬ ‫‪ 9/10‬كيري‪ :‬سنوسّع التحالف ض ّد «داعش» ولن نض ّم‬ ‫إيران‬ ‫ّ‬ ‫‪ 9/14‬االئتالف‪ :‬دي ميستورا سيفشل بحال تبنى سياسة‬ ‫من سبقوه‬ ‫‪ 9/16‬بدء العمليات العسكرية ض ّد «داعش»‬ ‫‪ 9/17‬ضربات موضعيّة لـ «داعش» في سورية‪...‬‬ ‫‪« 9/18‬داعش» يسيطر على ‪ 60‬قرية في عين العرب‬ ‫(كوباني)‬ ‫‪ ”300 “9/20‬مقاتل كرديّ يصلون من تركيا لمحاربة‬ ‫«داعش» في سورية‬ ‫‪ 9/22‬االئتالف يح ّل مجلس القيادة العسكريّة العليا‬ ‫‪ 9/23‬شهداء مدنيّون في أولى غارات التحالف الدوليّ‬ ‫على سورية‬ ‫‪ 9/24‬بالتزامن مع قصف التحالف مواقعه‪ ،‬تنظيم‬ ‫«داعش» يتق ّدم في محيط عين العرب (كوباني) بريف‬ ‫حلب‬ ‫‪ 9/26-25‬طائرات التحالف تقصف ‪ 12‬موقعا ً نفط ّيا ً لـ‬ ‫«داعش» شرقيّ سورية‬ ‫‪ 9/27‬التحالف يشنّ أولى ضرباته في محافظة حمص‬ ‫السوريّة‬ ‫‪ 9/28‬انضمام ‪ 1500‬مقاتل كرديّ تركيّ إلى وحدات‬ ‫الحماية للتص ّدي لـ « داعش»‬ ‫‪ 9/30‬نحو ‪ 4‬آالف طلعة جوّ يّة‪ ،‬ومليار دوالر تكلفة‬ ‫الحرب على تنظيم «داعش» لغاية اآلن‬ ‫الشهر العاشر‬ ‫‪« 10/1‬داع��ش» تذبح سبعة رجال وثالث نساء في‬ ‫محافظة حلب‬ ‫‪ 10/4‬الجيش الحرّ يقرر إرسال ألف مقاتل للدفاع عن‬ ‫عين العرب (كوباني)‬ ‫‪ 10/7‬أنقرة بادلت رهائنها ل��دى تنظيم «الدولة‬ ‫اإلسالميّة» بـ ‪ 180‬جهاد ّيا ً بينهم أجانب‪.‬‬ ‫‪ 10/8‬الرئيس الفرنسي يؤيد انشاء منطقة عازلة بين‬ ‫سوريا وتركيا‬ ‫‪10/9‬‬ ‫تركيا وافقت على دعم تدريب وتجهيز المعارضة‬

‫السورية المعتدلة‬ ‫‪ 10/11‬واشنطن‪ :‬الدعم التركي ضروري لمنع سقوط‬ ‫عين العرب (كوباني)‬ ‫‪ 10/12‬حكومة النظام تصادر بيوت السوريّين المقيمين‬ ‫في دول الخليج‬ ‫‪ 10/13‬المعارضة السورية تنتخب طعمة رئيسا ً‬ ‫لحكومتها المؤ ّقتة‬ ‫‪ ”40 “10/14‬عضواً ينسحبون من اجتماع الهيئة‬ ‫العامة لــ»االئتالف الوطني»‬ ‫‪ 10/18‬مقاتلو عين العرب (كوباني) أوقفوا «داعش»‬ ‫واستعادوا زمام المبادرة‬ ‫‪ 10/19‬االئ��ت�لاف‪ :‬مشاركة المعارضة بالعمليّات‬ ‫العسكريّة ض ّد «داعش» مرهونة بدعم وتسليح «الجيش‬ ‫الحر»‬ ‫‪ 10/20‬تسليح األكراد يفجّ ر أزمة بين واشنطن وأنقرة‬ ‫‪10/26‬‬ ‫«داعش» يقصف الحدود التركيّة‬ ‫‪« 10/29‬البيشمركة» القادمة من العراق تدخل عين‬ ‫العرب (كوباني) من تركيا‬ ‫‪ 10/30‬جبهة النصرة تنتزع أراض من الجيش الحرّ‬ ‫في إدلب‬ ‫‪ 10/31‬دي ميستورا يقترح إقامة «مناطق مجمّدة»‬ ‫في سورية‬ ‫الشهر الحادي عشر‬ ‫‪« 11/1‬معروف» ينسحب من أبرز معاقله في «جبل‬ ‫الزاوية»‬ ‫‪ 11/2‬وزير الدفاع األمريكيّ ينتقد إستراتيجيّة أوباما‬ ‫في سورية‬ ‫‪ 11/3‬تنظيم غير مسبوق لعاشوراء في قلب دمشق‬ ‫‪ 11/4‬المبعوث األممي إلى سورية‪ :‬وقف القتال وبدء‬ ‫العملية السياسيّة يوقف تم ّدد «داعش»‬ ‫ً‬ ‫تحذير أممي‪« :‬داعش» يتق ّدم باتجاه حلب بعيدا عن‬ ‫عين العرب (كوباني)‬ ‫‪ 11/6‬مقتل خبير متفجّ رات فرنسيّ في مجموعة‬ ‫خراسان بغارة أميركيّة على سورية‬ ‫‪ّ 11/7‬‬ ‫ممثل االئتالف السوريّ في تركيا‪ :‬جبهة النصرة‬ ‫تلعب دور «داعش»‬ ‫‪ 11/9‬سلطات النظام تسوق الشبّان للخدمة االحتياطيّة‬ ‫‪ 11/10‬األسد عن مبادرة المبعوث األممي لـ»تجميد»‬ ‫القتال في حلب‪ :‬جديرة بالدراسة‬ ‫‪ 11/12‬العربي‪ :‬جهود ميستورا في دمشق قد تسفر عن‬ ‫ح ّل لألزمة‬ ‫مقاتلون أك��راد يتق ّدمون بإحدى مناطق عين العرب‬ ‫(كوباني)‬ ‫‪ ”27 “11/18‬قتيالً في مجزرة يرتكبها النظام بريف‬ ‫حلب‬ ‫‪ 11/22‬الفيصل والفروف يتوافقان‪ :‬جنيف‪ 1‬لح ّل أزمة‬ ‫سورية‬ ‫‪ 11/23‬إنقاذ ‪ 300‬الجئ سوريّ بعد جنوح سفينتهم‬ ‫في المتوسّط‬ ‫‪ 11/24‬االئتالف يعلن شروطه لقبول ّ‬ ‫خطة دي ميستورا‬ ‫‪ 11/25‬مجزرة لطيران النظام السوريّ في الر ّقة توقع‬ ‫‪ 63‬قتيالً‬ ‫‪ ”21 “11/29‬قتيالً في قصف جوّ يّ على درعا وعدد‬ ‫الغارات يبلغ رقما ً قياس ّيا ً‬ ‫نظام األسد يعدم ‪ 131‬معتقال في الفرع (‪)215‬‬ ‫الشهر الثاني عشر‬ ‫‪ 12/2‬أنباء عن ا ّتفاق هدنة جديد في حيّ الوعر‬ ‫الحمصيّ‬ ‫‪ 12/3‬الالذقيّة‪ ،‬ارتفاع جنونيّ في األسعار وصقيع يقتل‬ ‫المواطنين‬ ‫‪ 12/5‬الخارجية األمريكيّة‪ :‬النظام السوريّ اليزال‬ ‫يستخدم األسلحة الكيماويّة‬ ‫‪ 12/8‬أكثر من ‪ّ 30‬‬ ‫منظمة إنسانيّة توجّ ه نداء لمطالبة‬ ‫دول بإعادة إسكان الجئين سوريّين‬ ‫‪ 12/10‬فصائل ثورية تعلن اندماجها بشكل كامل مع‬ ‫حركة «أحرار الشام»‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 12/15‬اال ّتحاد األورو ّب��يّ يؤيّد خطة األمم المتحدة‬ ‫إليجاد «هدنة « في سورية‬ ‫‪ 12/16‬آموس‪ :‬لم يعد لدينا كلمات لوصف الوحشية‬ ‫التي تشهدها سورية‬ ‫‪ 12/17‬االئتالف يرى «المبادرة الروسيّة « نزعا ً‬ ‫للشرعيّة عنه‬ ‫‪ 12/18‬الثوار يتقدمون في «مخيم حندرات»‬ ‫‪« 12/19‬جند األقصى» يرجم سيّدتين بتهمة «الزنا»‬ ‫في سراقب‬ ‫‪ 12/20‬مقتل ‪ 15‬في قصف لطائرات النظام السوريّ‬ ‫على الر ّقة‬ ‫‪ 12/24‬البحرية اإليطاليّة تنقذ أكثر من ألف مهاجر‬ ‫وتنتشل خمسة جثث‬ ‫ً‬ ‫‪ 12/30‬دي ميستورا يرسل ممثال له إلى «محادثات‬ ‫موسكو «‬ ‫‪ 12/31‬عشرات األسر تنزح من الغوطة الشرقيّة‬ ‫المحاصرة إلى دمشق‬ ‫كلّنا سوريون‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫أحوال‬

‫«العدل أساس الملك»‬ ‫عبارة كنّا نقرؤها ونطرب هلا‪ ،‬وكأنّها تقول لنا‪ :‬إ ّن احلياة ال تستقيم دون قضاء عادل‪.‬‬ ‫احلديث عن العدل والقضاء يف سوريّة حديث شائك ومعقّد‪ ،‬بدءاً من انتشار الفساد يف مفاصل العمل القضائ ّي‪ ،‬وصوالً إىل‬ ‫التغوّل األم ّ‬ ‫ين وهيمنته املطلقة على القضاء والتشريعات‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬وبعد انقضاء حنو أربع سنوات على انطالق شرارة الثورة‪ ،‬وخروج أكثر من نصف مساحة سوريّة عن سيطرة‬ ‫ْ‬ ‫حاولت‬ ‫النظام‪ ،‬أين هو القضاء؟ وكيف تعاملنا معه؟ هل جنحت قوى الثورة بتقديم صورة جديدة للتعامل القضائ ّي؟ وهل‬ ‫أن تفرض سلطة العدل والتشريع املو ّحد؟‬ ‫وقاض‪ ،‬فيصبح أحدهم قاضياً؛ أو جمموعة أشخاص وجدوا يف أنفسهم الكفاءة فأنشؤوا‬ ‫دورة خالل أسبوع‪ ،‬وتوقيع من شيخ ٍ‬ ‫هيئات شرعيّة هنا وهناك‪.‬‬ ‫يف ظ ّل هيمنة العشوائيّة وتع ّدد احملاكم واستسهال الفتاوى‪ ،‬إىل أين حنن ذاهبون؟ وأ ّي مستقبل ينتظر سوريّة؟‬ ‫تساؤل‪ ،‬و ّجهناه إىل بعض العاملني يف الشأن القضائ ّي يف املناطق اخلارجة عن سيطرة النظام‪ .‬ونودر فيما يلي إجاباتهم‪.‬‬ ‫احملاميّة عفراء حييى عالمو‪:‬‬ ‫ال يختلف اثنان على فساد كثير في مؤسّسات الدولة‬ ‫وخاصّة القضاء‪ ،‬في ظ ّل النظام األسديّ ؛ وبعد تحرير‬ ‫مناطق شاسعة من سيطرة النظام‪ ،‬أصبح التفكير‬ ‫بإنشاء قضاء نزيه يضبط األمر ويعطي ك ّل ذي ّ‬ ‫حق‬ ‫ح ّقه‪ .‬بدأت المحاكم ذات الطابع الدينيّ تنتشر على نحو‬ ‫غير مسبوق بسبب ّ‬ ‫تدخل المشايخ والدعوة إلى أسلمة‬ ‫الثورة‪ ،‬وهذه المحاكم ينقصها الكثير الكثير من الخبرة‬ ‫وتفتقد للكفاءات وال تتم ّتع باستقالليّة بسبب تبعيّتها‬ ‫للفصائل العسكريّة وتع ّددها دون ضرورة‪.‬‬ ‫وللعلم‪ ،‬فقد كانت المحاكم خالل حكم البعث مدنيّة‪،‬‬ ‫وقبل ذلك وعلى مدار عقدين إثر االستقالل كانت‬ ‫كذلك‪ ،‬واألغلبيّة لم تختر آنذاك المحاكم الشرعيّة‪.‬‬ ‫والسؤال اآلن‪ ،‬بين المدنيّ والشرعيّ ‪ ،‬إلى أين نحن‬ ‫ذاهبون؟‬ ‫أعتقد أ ّنه لن يكون قضاء سورية مستقبالً شرع ّيا ً بل‬ ‫مدن ّياً‪ ،‬ألنّ الحضارة السوريّة بُنيت على تع ّدد األديان‬ ‫والتعايش‪ ،‬وسيكون شرع ّيا ً في األمور الشخصيّة‪ ،‬وأمّا‬ ‫بالنسبة للقوانين األخرى فستكون مدنيّة والقضاء مدن ّياً‪،‬‬ ‫بما ال يخالف الشريعة اإلسالميّة باعتبارها المصدر‬ ‫األساسيّ للقوانين‪.‬‬ ‫القاضي حسني احلسن‪:‬‬ ‫لألسف‪ ،‬الواقع القضائيّ في المناطق المحرّ رة أو‬ ‫الخارجة عن سيطرة النظام من أسوأ مكوّ نات الثورة‪،‬‬ ‫وقد تمّت السيطرة عليه من قبل محامين من ضعاف‬ ‫النفوس ومشايخ متشوّ قين للسلطة‪.‬‬ ‫فعندما ت ّم انشقاقنا عن النظام المجرم والتحاقنا بالثورة‪،‬‬ ‫ك ّنا نحلم بمجتمع (أفالطونيّ ) يعتمد على التكنوقراط‪،‬‬ ‫ك ّل يعمل باختصاصه لكن اصطدمنا بالواقع السيء‬ ‫المرير ووجدنا أ ّنه ‪ -‬وبسرعة فائقة ‪ -‬ت ّم تشكيل هيئات‬ ‫شرعيّة ترفض وجودنا وترفع شعار تطبيق الشريعة‬ ‫اإلسالميّة‪ ،‬كما ترفض وجودنا على أساس أ ّننا من‬ ‫قضاة النظام ونطبّق القانون الوضعيّ الكافر‪ .‬وهم من‬ ‫ال ُجهّل‪ ،‬فح ّتى الشريعة اإلسالميّة ال يعرفونها‪ ،‬ومن‬ ‫باب أولى جهلهم بالقانون السوريّ ‪.‬‬ ‫إضافة إلحداث ما يسمّى – زوراً ‪ -‬المعهد العالي‬ ‫للقضاء‪ ،‬الذي تهيمن عليه مجموعة منبوذة أساسا ً من‬ ‫المكوّ ن القانونيّ ‪ ،‬وتعمل بأجندة سياسيّة تحت غطاء‬ ‫الدين والشريعة اإلسالميّة بحجّ ة بدعة جديدة أسموها‬ ‫قضاء الواقع وهو أقرب لقضاء ساقط!!‬ ‫بالمقابل‪ ،‬لم يكن مجلس القضاء الذي ض ّم أغلب‬ ‫القضاة المنش ّقين عن النظام بالمستوى المطلوب منه‪،‬‬ ‫ومنذ تأسيسه كان ضعيفا ً بإدارته‪ ،‬ولم يف ّكر أعضاؤه‬ ‫بمواجهة هذه الطفيليّات التي تع ّدت على منطقته وما‬ ‫زال يتخبّط بذلك ويتج ّنب المواجهة‪.‬‬ ‫كذلك المحامون‪ ،‬الذين انشغلوا بالخالفات فيما بينهم‬ ‫على تشكيل موحّ د لهم‪ ،‬فمنهم من التحق بالهيئات‬ ‫الشرعيّة‪ ،‬وما يسمّى المعهد العالي للقضاء‪ ،‬ومنهم من‬ ‫نأى بنفسه وانشغل بالعمل السياسيّ وابتعد عن العمل‬ ‫القانونيّ ‪.‬‬ ‫أ ّم��ا السبيل للخروج من هذا الواقع‪ ،‬فهو تعاون‬ ‫القضاة والمحامين الذين يؤمنون بدولة العدل والقانون‬ ‫وتنقية أنفسهم أوّ الً من ضعاف النفوس الذين يقفون‬ ‫في المنطقة الرماديّة‪ ،‬ومن ث ّم الوقوف بمواجهة هذه‬ ‫الهيئات التي تهيمن على األرض‪ ،‬وخاصّة بعد أن‬ ‫أثبتت هذه الهيئات فشلها في تحقيق العدالة‪ ،‬وعرف‬ ‫المواطن السوريّ الذي يعيش في ظ ّل هذه الهيئات أ ّنهم‬ ‫أصغر من تحمّل هذه المهمّة المق ّدسة‪.‬‬ ‫احملامي غزوان قرنفل (مدير جتمّع احملامني السوريّني‬ ‫األحرار)‬ ‫أل ّنها تملك مشروعا ً وتسعى لتحقيقه‪ ،‬بادرت مب ّكراً‬ ‫القوى اإلسالميّة لوضع يدها في المناطق المحرّ رة‬ ‫على قطاعي التعليم والقضاء‪ ،‬واستعانت في سبيل‬ ‫ذلك‪ ،‬ليس فقط بفرض هيئاتها الشرعيّة محاكمها بقوّ ة‬ ‫السالح الذي تتز ّنر به كتائبها‪ ،‬وإ ّنما أيضا ً بدعم ماليّ‬ ‫غير محدود عبر هيئة علماء الشام والدعم الخليجيّ‬ ‫لها وإنشائها ما يسمّى بـ (المعهد العالي للقضاء) في‬ ‫أوغرلو بغازي عينتاب‪ ،‬حيث بدأت باستقدام ما هبّ‬ ‫ودبّ من الملتحين وأنصاف المتعلّمين وأئمة المساجد‬ ‫وبعض المحامين‪ ،‬مستغلّة حاجة الناس لدخل شهريّ‬ ‫تقتات به‪ ،‬وأصبحت مفرخة تخرّ ج (قضاة) خالل‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫أسبوع وتطلق يدهم في محاكم الداخل‪.‬‬ ‫تلك المحاكم التي ال يربط بينها رابط قانونيّ ‪ ،‬وك ّل‬ ‫محكمة تطبّق قانونها‪ ،‬وغالبا ً ما ُتصدر أحكاما ً متناقضة‬ ‫على وقائع متماثلة‪ ،‬بعضها يستنبط أحكامه من الشريعة‬ ‫اإلسالميّة كما يفهمها من يدير تلك المحكمة‪ ،‬وبعضها‬ ‫يطبّق «القانون العربيّ الموحّ د» الذي هو عبارة عن‬ ‫تقنين للشريعة اإلسالميّة‪ ،‬ومشروع قانون لم يقرّ ه أيّ‬ ‫برلمان ولم يُطبّق في أيّة دولة عربيّة‪،‬‬ ‫بل‪ ،‬إنّ محامي حلب األحرار الذين انبطحوا للهيئات‬ ‫الشرعيّة هم من قرّ ر تطبيق هذا القانون دون أن يكون‬ ‫أحد منهم ّ‬ ‫مطلعا ً عليه! وبعد إقراره ا ّتصل أحدهم بزميل‬ ‫في القاهرة يرجوه (تدبير) نسخة منه عبر مكاتبها بأيّ‬ ‫شكل!!‬ ‫لم تق َّدم إس��اءة للثورة كما قُ ّدمت من قبل الهيئات‬ ‫الشرعيّة التي تاجرت بشرع هللا وأجهضت أيّ عمل‬ ‫قضائيّ فاعل وحقيقيّ من القضاة المنش ّقين‪ ،‬ومنعتهم‬ ‫بالتهديد والوعيد من مباشرة عملهم في المناطق‬ ‫المحرّ رة تحت زعم أ ّنهم من أزالم النظام! وأ ّنهم‬ ‫يطبّقون قانون األسد!‬ ‫الغريب والالفت‪ ،‬أنّ ثمّة الكثير من المناطق‬ ‫المحرّ رة فيها محاكم شرعيّة‪ ،‬وبنفس الوقت‪ ،‬فيها‬ ‫محاكم للنظام‪ ،‬وقضاتها يمارسون عملهم بك ّل‬ ‫حرّ يّة ويقبضون رواتبهم من النظام ويطبّقون‬ ‫القانون السوريّ ! بينما مُنع القضاة المنش ّقون‬ ‫والمحامون من إقامة محاكم مدنيّة‪ ،‬و ُك ّفر من‬ ‫يطلب ويعمل على ذل��ك!!! (سلقين ‪ -‬كفر‬ ‫تخاريم) مثاالً‪.‬‬ ‫الهيئات الشرعيّة ومحاكمها كانت خنجراً‬ ‫مسموما ً في ظهر الثورة‪ ،‬كما هي أسلمة‬ ‫الثورة‪.‬‬ ‫احملامي حممود قطيش‬ ‫لقد كانت – ومازالت ‪-‬العدالة‬ ‫مطلبا ً لجميع الشعوب‪،‬‬ ‫وأغ��ل��ب ال��ث��ورات‬ ‫وال��ت��غ � ّي��رات في‬ ‫ال���ع���ال���م ك���ان‬ ‫مطلبها العدالة‪،‬‬ ‫س���واء العدالة‬ ‫االج��ت��م��اع� ّي��ة أو‬ ‫العدالة القانونيّة‪.‬‬ ‫مع سقوط مراكز النظام في بعض المناطق وخروجها‬ ‫من تحت السيطرة‪ ،‬بات مُلحّ ا ً أن تتواجد هيئات ‪ -‬أو‬ ‫آليّة ‪ -‬لح ّل الخالفات بين الناس‪ ،‬فت ّم اللجوء إلى الوجهاء‬ ‫وبعض الثوار‪ ،‬ومع تع ّدد الكتائب والفصائل ظهر‬ ‫ّ‬ ‫وتبت في‬ ‫وجوب وجود محاكم تكون حياديّة للجميع‪،‬‬ ‫دعاوي الناس‪ ،‬فت ّم إيجاد محاكم مختلطة من قانونيّين‬ ‫وعلماء دين‪ ،‬عملت لفترة‪ ،‬لكنّ الخالف حول القانون‬ ‫الواجب التطبيق ظهر ليعلن ضعف هذه المحاكم وعدم‬ ‫اعتمادها على قانون موحّ د يكون مرجعاً‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬كان من المفروض أن ي ّتفق أهل االختصاص‬ ‫من محامين وقضاة للتوافق على قانون واجب التطبيق‪،‬‬ ‫وتشكيل محاكم تطبّقه كي ال تسود الفوضى ‪ -‬كما‬ ‫حصل فعالً ‪ -‬وجعلت الناس تطالب بحكم تنظيم الدولة‬ ‫أو النصرة‪ ،‬ألنّ لها محاكم قادرة على تطبيق األحكام‬ ‫وال تتساهل مع المخطئين‪ ،‬وهي من أه ّم أسباب سقوط‬ ‫كتائب الثوّ ار وعدم استمرار القاعدة الشعبيّة بااللتفاف‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة‬ ‫حولها وتوجّ ههم نحو تلك التنظيمات المتطرّ فة‬ ‫أكثر‪.‬‬ ‫لقد كان من الممكن تطبيق القوانين السوريّة القائمة‪،‬‬ ‫أل ّنه ال عالقة لها بالنظام‪ ،‬باستثناء بعض القوانين‬ ‫الخاصّة‪ ،‬لكنّ حالة التجاذب حول المرجعيّة للقوانين‬ ‫والدستور ال��ذي يمكن أن يطبّق ساهم في تكبير‬ ‫الخالف‪ ،‬وبالتالي‪ :‬إعطاء دور القضاء لغير أهله‬ ‫ساهم في غياب العدل عن المناطق المحرّ رة‪ ،‬وفي هذا‬ ‫االختالف في الرأي يجب االستمرار بتطبيق القوانين‬ ‫السوريّة القائمة ح ّتى انتخاب هيئة شرعيّة وبرلمان‬ ‫منتخب يشرّ ع لقوانين جديدة تتماشى مع القوانين‬ ‫العالميّة في الدول الديمقراطيّة‪.‬‬ ‫القاضي أمين الكراد‬ ‫أرى أنّ ما يقوم به حال ّيا ً بعض األشخاص أو الهيئات‬ ‫من عمل قضائيّ في ظ ّل قيام الثورة هو خطوة جيّدة‬

‫ّ‬ ‫يمت للقضاء‬ ‫وﻻ سيّما للتوثيق مبدئ ّياً‪ ،‬إلاّ أنّ عملهم ﻻ‬ ‫بأيّة صلة؛ ولكن إذا ك��ان عملهم من أج��ل وضع‬ ‫الخطوات األولى في سبيل قيام مؤسّسة القضاء‪ ،‬فأرى‬ ‫أ ّنهم يُشكرون عليه‪ ،‬وإن كان بعيداً عن عمل مؤسّسة‬ ‫القضاء‪.‬‬ ‫أمّا بشأن الفتاوى واألحكام التي يصدرونها‪ ،‬ففي‬ ‫ظ ّل الثورات من المعروف أ ّنه تصدر أحكام تتطلّبها‬ ‫ظروف الفترة التي تصدر فيها‪ ،‬رغم عدم قناعتي بها‬ ‫لمخالفتها الشرع من وجهة نظري ومخالفتها الواقع‬ ‫والحقيقة‪.‬‬ ‫طموحنا أن نوجد مؤسّسة قضاء تتم ّتع باالستقالل‪،‬‬ ‫وتكون أحكامها عنوان الحقيقية‪ ،‬وأن تقيم العدل لتحقيق‬ ‫بناء وقوّ ة بلدنا‪.‬‬ ‫احملامي أمحد مقطفي (عضو حمكمة كلّة والشؤون القانونيّة‬ ‫حّ‬ ‫التاد اجلمعيّات اإلغاثيّة)‬ ‫األصل استقالل القضاء لضمان العدل‪ ،‬والقضاء هو‬ ‫الشيء الوحيد غير المستقلّ‪ ،‬وك ٌل يعمل قضاء على‬ ‫هواه ال للعدل إ ّنما لتغطية جرائمهم‪ ،‬والك ّل باسم الدين‬ ‫يعمل‪ ،‬والك ّل يحمل وكالة إالهيّة‪ ،‬والناس ُتظلم والظلم‬ ‫ظلمات‪ ،‬وكلّنا في ظلمات وكلّنا‬ ‫شركاء ومسؤولون‪.‬‬ ‫القاضي حممّد أن��ور جمنيّ‬ ‫(رئيس جملس القضاء احل ّر‬ ‫املستق ّل)‬ ‫ق��ام��ت ال��ث��ورة ال��س��ور ّي��ة‬ ‫مطالبة بالحرّ يّة والكرامة‪،‬‬ ‫وبدأت برجالها الحقيقيّين‬ ‫ثورة سلميّة تطالب‬ ‫ب��ال��دول��ة‬

‫ال��م��دن��يّ��ة‪،‬‬ ‫ال��ق��ان��ون وال��م��ؤسّ��س��ات‪،‬‬ ‫دول����������ة‬ ‫ّ‬ ‫وبث النعرات‬ ‫وبعد دفع النظام با ّتجاه عسكرة الثورة‬ ‫الطائفيّة‪ ،‬وعند خروج بعض المناطق من سيطرة‬ ‫ّ‬ ‫النظام‪ ،‬ونظراً‬ ‫لتجذر النظام في بنية الدولة السوريّة‪،‬‬ ‫لم يفرّ ق الثوّ ار حاملو السالح بين النظام والدولة‬ ‫فأسقطوا الدولة قبل إسقاط النظام؛ وبدأت االنحرافات‬ ‫تطال الثورة‪ ،‬خاصّة أدلجة الثورة لصالح البعض‬ ‫واستغالل هذه األدلجة لمصالح ضيّقة‪ .‬وقد ظهر ذلك‬ ‫جل ّيا ً في القضاء‪ ،‬حيث قامت بعض الكتائب وخاصّة‬ ‫الراديكاليّة منها والتي استغلّت العاطفة الدينيّة لترفع‬ ‫شعار «تطبيق الشريعة» تحقيقا ً لغاياتها التي ّ‬ ‫تمثلت‬ ‫باستكمال السيطرة العسكريّة بالسيطرة القانونيّة من‬ ‫خالل محاكمها وما يسمّى قضاتها‪ .‬وفي سبيل تحقيق‬ ‫أهدافهم كان ال ب ّد لهم من إقصاء رجال القانون‪ ،‬وكان‬ ‫لهم ذلك من خالل تغيير القانون السوريّ واستبداله‬ ‫بالشريعة اإلسالميّة‪ ،‬بحجّ ة أ ّنه قانون كافر‪ ،‬كما قاموا‬ ‫بإقصاء القضاة بحجّ ة أ ّنهم قضاة النظام‪ ،‬خالفا ً للحقيقة‬ ‫من أ ّنهم قضاة الدولة السوريّة‪.‬‬ ‫هم طبعا ً ال يريدون قضاة حقيقيّين‪ ،‬وإ ّنما أشخاصا ً‬ ‫معظمهم أ ّميّون من الناحية القانونيّة وح ّتى الشرعيّة‪،‬‬ ‫ليح ّقق قادة الكتائب مصالحهم وسيطرتهم‪.‬‬ ‫وهنا نشأت ما تسمّى بالمحاكم الشرعيّة‪ ،‬وهي ليست‬ ‫بنيانا ً متكامالً‪ ،‬وإ ّنما ك ّل محكمة هي أشبه (بدكانة)‬ ‫يقوم عليها أشخاص لم يعرفوا القانون يوماً‪ ،‬يطبّقون‬ ‫ما يطلقون عليه الشريعة اإلسالميّة وفق فهمهم لها‪.‬‬ ‫ورغم اختالف هذه المحاكم عن بعضها‪ ،‬لكنّ هنالك‬ ‫قواسم مشتركة بينها‪ ،‬وهي عدم احترام حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫وعدم وجود نصّ قانونيّ واضح‪ ،‬وعدم وجود هيكليّة‬ ‫للمحاكم‪ ،‬وع��دم وج��ود ضمانات للتقاضي‪ .‬إضافة‬ ‫لغياب حجّ يّة القرار القضائيّ ‪ ،‬وتطبيق القانون على‬ ‫الضعيف دون القويّ ‪.‬‬

‫وقد استغلّت بعض القوى هذه الفوضى وهذه الحالة‬ ‫لتبدأ مشاريعها مفضّلة مصالحها على مصالح الشعب‪،‬‬ ‫فكانت معاهد القضاة الشرعيّين وخاصّة ما ُسمّي‬ ‫«المعهد العالي للقضاء» الذي أنشأته رابطة العلماء‬ ‫السوريّين تصديراً لما ُسمّي «القانون العربيّ الموحّ د»‬ ‫المستوحى من الشريعة اإلسالميّة‪ ،‬لتخرّ ج قضاة جلّهم‬ ‫ال يحملون إجازة في الحقوق‪ ،‬وخالل أسبوع‪ ،‬ليتح ّكموا‬ ‫برقاب الناس وأموالهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ك ّل ذلك‪ ،‬يعتبر في نظر القانون المحليّ والدوليّ‬ ‫جرائم يحاسبون عليها‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬نجد أنّ المعارضة السياسيّة غيّبت‬ ‫العنصر القانونيّ في ك ّل أعمالها‪ ،‬ربّما عن إهمال‬ ‫أو عن سوء نيّة‪ ،‬واألخطر أنّ جزءاً منهم انخرط‬ ‫في مشاريع هذه المحاكم ومعاهدها‪ ،‬وبسبب غياب‬ ‫المحاسبة مازال قسم منهم يظهرون على أ ّنهم ّ‬ ‫ممثلون‬ ‫للشعب السوريّ ومتح ّكمون بقراره‪.‬‬ ‫رغم هذا الوضع المأساويّ ‪ ،‬ال ب ّد لنا نحن رجال‬ ‫القانون من وجود رؤية واضحة صريحة‪ ،‬لنفرضها‬ ‫على السياسيّين‪ ،‬وهي إعالن أنّ الدولة القادمة هي دولة‬ ‫القانون والمؤسّسات‪ ،‬دولة المواطنة وحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫دولة تلتزم بالمواثيق والمعاهدات الدوليّة‪ ،‬ومن ث ّم نبدأ‬ ‫بها على األرض بالتعاون مع القوى المدنيّة‪ ،‬وصوالً‬ ‫لتأسيس سلطة قضائيّة مستقلّة‪.‬‬ ‫(حمام ومدرّب يف جمال حقوق اإلنسان)‬ ‫علي حممّد شريف ٍ‬ ‫لعب االستبداد وأدوات���ه القهريّة‪ ،‬وسريان حالة‬ ‫الطوارئ والقوانين العرفيّة المزمن دوراً ها ّما ً في‬ ‫إلحاق السلطة القضائيّة بمنظومة الفساد واإلفساد‪ ،‬بل‬ ‫وجعل هذه السلطة أداة من أدوات االبتزاز والظلم‪،‬‬ ‫وإرهاب المواطن‪ ،‬وشرعنة انتهاكات النظام الواسعة‬ ‫لحقوق اإلنسان وتجاوزاته على الدستور والقوانين‪.‬‬ ‫وكان من النتائج الخطيرة لفساد الجهاز القضائيّ‬ ‫فقدان ثقة الشعب بالقضاة والمحاكم‪ ،‬وبالقوانين‬ ‫المطبّقة فيها‪ ،‬ولجوء كثير من الناس في‬ ‫سبيل االقتصاص وتحصيل الحقوق إلى‬ ‫كيانات عشائريّة وعصابات «مافيويّة»‬ ‫خارجة عن القانون‪.‬‬ ‫ك أنّ غياب العدالة الدوليّة عن االنتصاف‬ ‫ال ش ّ‬ ‫للشعب السوريّ واالنتصار لثورته العادلة‪ ،‬والفراغ‬ ‫الحاصل بسبب فشل القوى السياسيّة ومخلّفات الفساد‪،‬‬ ‫والفوضى‪ ،‬وانعدام األمن‪ ،‬وانتشار مظاهر بدائيّة‬ ‫رعناء ا ّتخذت لها شعار «الشرعيّة» وما استتبعه‬ ‫من مظالم أفسح في المجال ‪ -‬مؤ ّقتا ً ‪ -‬للقوى الظالميّة‬ ‫المتطرّ فة كي تحاول نشر فكرها الماضويّ ‪ ،‬وتطبيق‬ ‫مفاهيمها المتخلّفة في التشريع و القضاء بما ينسجم مع‬ ‫مشروعها في بناء خالفتها!‬ ‫وكان أحرى بقوى المعارضة السياسيّة التي نالت‬ ‫في بدايات الثورة اعترافا ً شعب ّيا ً واسعا ً أن تقوم بأولى‬ ‫مهامّها إلى جانب مسؤوليّتها في تطبيق نموذج مدنيّ‬ ‫إداريّ وخدميّ ‪ ،‬وبالتوازي في تجميع وتأهيل الكوادر‪،‬‬ ‫وإيجاد حلول قضائيّة إسعافيّة‪ ،‬ومن ث ّم خلق نظام‬ ‫قضائيّ بديل‪ ،‬وفي إحداث محاكم مدنيّة وجزائيّة في‬ ‫المناطق المحرّ رة تقضي في حوائج الناس المختلفة‪،‬‬ ‫وتلبّي رغبتهم الجامحة في تطبيق العدالة‪.‬‬ ‫ال يمكن الحكم على مستقبل القضاء في سوريّة‪،‬‬ ‫فالثورة لم تنتصر بعد‪ ،‬والتجربة السوريّة لم تبدأ‪ ،‬وقد‬ ‫أبدينا بعض أسباب جنوح الحالة القضائيّة في سوريّة‬ ‫بإيجاز شديد‪ .‬بل‪ ،‬إنّ المق ّدمات التي سقناها وثقافة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫شعب وحضارته الممت ّدة آلال ٍ‬ ‫تعزز‬ ‫ف من السنين‪،‬‬ ‫التفاؤل بوجود دستور حضاريّ حديث يق ّدس الحياة‬ ‫ويكفل الحرّ يّات والحقوق‪ ،‬ويضمن العدالة والمساواة‪،‬‬ ‫ويؤسّس لنظام قضائيّ مستق ّل في ظ ّل سيادة قانون‬ ‫مدنيّ عصريّ وتقاليد قضائيّة حضاريّة راسخة‪.‬‬ ‫إنّ الضامن الحقيقيّ لمستقبل القضاء في سوريّة‪،‬‬ ‫أوّ الً وقبل القوى السياسيّة والثوريّة‪ ،‬هم النخب‬ ‫المعنيّة المتخصّصة بالشأن القضائيّ ‪ ،‬وأعني بها‬ ‫ّ‬ ‫منظمات‬ ‫رجال القضاء والمحامين الشرفاء‪ ،‬كذلك‬ ‫المجتمع المدنيّ ‪ ،‬بتحمّل مسؤوليّتهم والقيام بدورهم في‬ ‫اإلعداد واالستعداد‪ ،‬وفي تهيئة ك ّل ما تتطلّبه المرحلة‬ ‫المقبلة لدولة القانون والمواطنة في سوريّة المدنيّة‬ ‫الديمقراطيّة‪.‬‬

‫إعداد‪ :‬باسل العبداهلل‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫ملف العدد‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫المسيحّيون السورّيون ودورهم في الثورة السورّية*‬

‫لطاملا فاخر السوريّون بفسيفساء جمتمعهم بكافّة أطيافه‬ ‫القوميّة والدينيّة‪ ،‬حتّى جميء نظام البعث واألسد األب‪،‬‬ ‫ليعمل هذا النظام املستب ّد على خنر اجملتمع والعبث فيه‬ ‫وحماولة تسخريه خلدمة بقائه‪ .‬وبعد أربعني عاماً من الظلم‬ ‫واالستبداد‪ ،‬ثار هذا الشعب مبعظم مكوّناته ‪ -‬إن مل نقل‬ ‫مجيعها ‪ -‬وكان املسيحيّون جزءاً أصيالً من هذا احلراك‪ ،‬كما‬ ‫أنّهم جزء أصيل من اجملتمع السوريّ‪ ،‬ولكنّهم اليوم يعيشون‬ ‫بني نارين‪ ،‬إمّا البقاء يف أرضهم وحتمّل متاجرة النظام بهم‪،‬‬ ‫أو اهلجرة وترك الديار وإفراغ املنطقة من سكّانها األصليّني‪.‬‬ ‫املسيحيّون السوريّون بني الواقع وهواجس املستقبل هو موضوع‬ ‫حوارنا يف هذا العدد‪ ،‬ويس ّرنا أن نستضيف‪:‬‬ ‫األستاذ فؤاد إيليّا‪ ،‬املعارض السور ّي املعروف والشيخ‬ ‫اإلجنيل ّي‪.‬‬ ‫األستاذ إبراهيم مَلكي‪ ،‬الناشط احلقوق ّي واملعارض السياس ّي‬ ‫املعروف قادماً من مدينة القامشلي منذ أيّام قليلة‪.‬‬ ‫األستاذ كرم دولة‪ ،‬عضو اهليئة السياسيّة يف املن ّظمة‬ ‫اآلثوريّة الدميقراطيّة‪.‬‬ ‫المسيحي‬ ‫أستاذ فؤاد‪ ،‬لو تحدّ ثنا عن تاريخ الوجود‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وباألخص السريان؟‬ ‫وتوزعهم‬ ‫في سورية‬ ‫ّ‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬إ ّنه تاريخ قديم منذ نشوء المسيحيّة‬ ‫حيث انتشروا وب ّ‬ ‫شروا في هذه األرض وال يزالون‪...‬‬ ‫والسريان موجودون في ك ّل سورية قبل الفتح اإلسالميّ‬ ‫وهم منتشرون حال ّيا ً في الجزيرة السوريّة وحمص‬ ‫وريفها وحلب ودمشق ومعلوال وصيدنايا وغيرها‪...‬‬ ‫رواد النهضة العرب ّية في بداية‬ ‫أستاذ إبراهيم‪ّ ،‬‬ ‫القرن العشرين كانوا في معظمهم من المسيح ّيين‪.‬‬ ‫ويقال إنّ هذا ما أدّى إلى انكفاء المسلمين العرب‬ ‫وتفضيلهم الديكتاتور ّيات المسلمة على الديمقراط ّيات‬ ‫المسيح ّية؟‬ ‫إبراهيم َملكي‪ :‬غير صحيح فروّ اد الفكر مسلمين‬ ‫ومسيحيّين انطلقوا من مبدأ ضرورة نشر الوعي وايجاد‬ ‫فكر حداثي في المنطقة‪ ...‬ورغم أنّ التقارب المسيحيّ‬ ‫الغربيّ أعطاهم طابع األكثريّة‪ .‬إلاّ أّنه لم هناك هذا‬ ‫الفصل الح ّدي بل كانوا جميعا ً قوميّين عروبيّين في‬ ‫غالبيّتهم‪.‬‬ ‫لمسيحيي‬ ‫السياسي‬ ‫أستاذ كرم‪ ،‬كيف ترى الحراك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سورية في ظل ّ حكم األسد وقبله؟‬ ‫كرم دولة‪ :‬أحبّ أوّ الً أن أنوّ ه إلى أنّ هناك إشكاليّة‬ ‫تتعلّق بالرابطة أو الهويّة السوريّة فهي تحتاج إلى‬ ‫إعادة إنتاج على قاعدة مصالحة مع التاريخ فالوجود‬ ‫المسيحيّ لم يكن دينيّا بل كان قوم ّياً‪ ،‬وقبل اإلسالم‬ ‫سكن السريان واآلشوريّون واآلراميّون هذه المنطقة‬ ‫منذ عصور المدن األولى‪ ...‬فالمسيحيّون هم السوريّون‬ ‫الذين بقوا على مسيحيّتهم‪ .‬أمّا الحراك السياسيّ فقد‬ ‫قام على حوامل وطنيّة وليست دينيّة وهذا ما تؤ ّكده‬ ‫انتاجات روّ اد النهضة بفكرهم المدنيّ والحضاريّ‬ ‫واالمثلة كثيرة‪.‬‬ ‫السياسي‬ ‫اإلسالمي‬ ‫صح أنّ الحراك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أستاذ فؤاد‪ ،‬إذا ّ‬ ‫قد ارتبط بالمشيخة ‪ -‬وباعتبارك تحمل موروثا ً كنس ّيا ً‬ ‫وموروثا ً سياس ّيا ً أيضا ً ‪ -‬هل كان للكنيسة دور في‬ ‫تحريك السياسة المسيح ّية؟‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬ما قبل األسد والبعث كان الجواب نعم‪،‬‬ ‫لكن بعد مصادرة الحرّ يّات والرؤية السياسيّة‪ ،‬وإفراغ‬ ‫المجتمع من السياسة‪ ،‬انكفأت الكنيسة ولم تتم ّكن من أن‬ ‫تلعب دوراً سياس ّيا ً إلاّ في مساحة ج ّد ضئيلة‪.‬‬ ‫الكنسي؟‬ ‫أستاذ فؤاد‪ ،‬هل سيطر النظام على المنبر‬ ‫ّ‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬نعم‪ ،‬شيء من هذا القبيل‪ ،‬وليس فقط‬ ‫على المنبر الكنسيّ ‪ ،‬بل على كا ّفة المنابر الدينيّة‪.‬‬ ‫أستاذ إبراهيم‪ ،‬بصفتك حقوق ّياً‪ ...‬كيف تق ّيم أبرز‬ ‫تعرض لها المسيح ّيون في ظل ّ نظام‬ ‫االنتهاكات التي ّ‬ ‫األسد األب واالبن؟‬ ‫إبراهيم َملكي‪ :‬ك ّل الشعب السوريّ تعرّ ض للقهر‬ ‫والظلم وليس المسيحيّون فقط‪ .‬ولكن أقول إن المسيحيّين‬ ‫ومنهم السريان‪ ،‬أصيلون على هذه األرض‪ ،‬وال نقبل‬ ‫أن ينتزع هويّتنا الوطنيّة أحد‪ .‬ونعمل بالتشارك مع‬ ‫اآلخرين في بناء هذا الوطن‪.‬‬ ‫أستاذ إبراهيم‪ ،‬مع التنويه أنّ ضيوفنا الثالثة‬ ‫تعرضوا لالعتقال من قبل نظام األسد‪ ،‬هل كانت نسبة‬ ‫ّ‬ ‫المسيح ّيين المعارضين كبيرة أيضاً؟‬ ‫إبراهيم َملكي‪ :‬نعم‪ ،‬كنسبة‪ .‬لكنّ كا ّفة المث ّقفين وحملة‬

‫الربيع الدائم في سورية‬ ‫ّ‬ ‫خطته دماء شبابنا‪ ،‬والذي‬ ‫توظيفا ً للتفاؤل الذي‬ ‫لم ينت ِه رغم ك ّل ما يجري وجرى‪ ،‬والمسعى اللتقاء‬ ‫وجهات النظر المختلفة‪ ،‬والعمل على جعلها قابلة‬ ‫للتعايش في بلد عرف الحضارة منذ عصور‪ ،‬وانحدر‬ ‫فيما بعد بسبب االستصحار السياسيّ والثقافيّ ‪ ،‬الب ّد من‬ ‫مجهود جماعيّ ‪.‬‬ ‫ورغم أنّ التباينات كبيرة بين أطياف المعارضة‬ ‫السوريّة في ظ� ّل تسارع األح��داث في المنطقة‪،‬‬ ‫ودخول معايير جديدة ومستج ّدة قد تفرضها الحرب‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫الفكر – بغض النظر عن انتمائهم الدينيّ – كانوا هدفا ً‬ ‫لهذا النظام‪ ،‬باعتبارهم حوامل التغيير واالنتقال من‬ ‫االستبداد إلى الديمقراطيّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة اآلثور ّية الديمقراط ّية‬ ‫أستاذ كرم‪ ،‬أنتم في‬ ‫ّ‬ ‫تأسست‬ ‫السياسي‬ ‫(منظمة قديمة في الحراك‬ ‫السوري ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قومي) ألم يكن من األنسب االنخراط في‬ ‫على أساس‬ ‫ّ‬ ‫األحزاب التقدّ م ّية السور ّية بدل االنكفاء على الذات؟‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة عام ‪ 1957‬تحت‬ ‫كرم دول��ة‪ :‬تأسّست‬ ‫شعار «من أجل الوجود والحرّ يّة» ورفعت شعار‬ ‫تالزم النضالين القوميّ والديمقراطيّ ‪ ،‬والقومي ألجل‬ ‫إحياء الهويّة اآلشوريّة السريانيّة كجزء وطنيّ آصيل‬ ‫من النسيج السوريّ ؛ فالمظلوميّة التي تعرّ ض لها‬ ‫اآلشوريّون السريان كانت مضاعفة‪ ،‬شعور باالقصاء‬ ‫والصهر في القوميّة العربيّة‪ ،‬وهناك االستبداد‪ ،‬وقد‬ ‫حاولوا رفع هذا الجور المضاعف إلاّ أّن فشل مشروع‬ ‫دولة المواطنة والمساواة قاد إلى تهميشهم وإقصائهم؟‬ ‫ّ‬ ‫كمنظمة؟‬ ‫وكيف ترى رصيدكم في الشارع‬ ‫كرم دول��ة‪ :‬ال يمكن تحديد رصيد معيّن‪ ،‬ولكنّ‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة اكتسبت شرعيّتها نتيجة االستحقاقات التي‬ ‫خاضتها واالعتقاالت التي تعرّ ضت لها من سبعينات‬ ‫القرن الماضي وال تزال‪ ،‬وقد تم ّكنت من االنفتاح على‬ ‫النافذة الوطنيّة ابتدا ًء من العام ‪ ،2000‬من إعالن‬ ‫دمشق إلى المجلس الوطنيّ واالئتالف‪.‬‬ ‫أستاذ فؤاد‪ ،‬مع انطالق الثورة ورفع شعار (واحد‬ ‫واحد واحد‪ ...‬الشعب السوري واحد)‪ .‬الحظنا مشاركة‬ ‫عدد ال بأس به من المسيح ّيين في الحراك‪ ،‬لك ّنهم‬ ‫انكفؤوا الحقا ً إلى صامتين أو مؤ ّيدين؟‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬هذا حقيقة‪ ،‬ونستطيع أن نعزو ذلك إلى‬ ‫مطبّين وقعت فيهما الثورة السوريّة‪ ،‬أحدها ظهور‬ ‫التنظيمات األصوليّة‪ ،‬واآلخر هو عسكرة الثورة؛‬ ‫خاصّة أنّ المسيحيّين باإلجمال ال يحبّون السالح‬ ‫ويجنحون للسلميّة‪ ،‬ذلك ما أشعرهم بالخوف وجعلهم‬ ‫يتراجعون‪ ،‬ليس خوفا ً من األسد‪ ،‬بل إلحساسهم بخطر‬ ‫يه ّدد وجودهم بالذات‪.‬‬ ‫يخوف النظام المسيح ّيين دائما ً بأنّ‬ ‫أستاذ إبراهيم‪ّ ،‬‬ ‫هذه الثورة إرهاب ّية سلف ّية (حسب زعمه) فهل يصدّ ق‬ ‫المسيحي هذا االدّ عاء؟‬ ‫الشارع‬ ‫ّ‬ ‫إبراهيم َملكي‪ :‬ال أعتقد ذلك‪ ،‬فالمسيحيّون والسريان‬ ‫دخلوا معترك الثورة عبر األحزاب وعبر اإلعالن‪،‬‬ ‫وسلميّة الثورة الت��زال موجودة‪ ،‬وإنْ تمايلت حينا ً‬ ‫فسوف تعود‪ ،‬والثورة منتصرة بمشاركة ك ّل مكوّ نات‬ ‫المجتمع السوريّ ‪ ،‬وسوف تبقى ثورة حرّ يّة وكرامة‪،‬‬ ‫عنوانها دولة مدنيّة ديمقراطيّة‪ ،‬وسورية لجميع أبنائها‪.‬‬ ‫أستاذ كرم‪ ،‬اليخفى أ ّنه جرى اإليحاء (إنْ من‬ ‫الخارج أو من النظام) أنّ الثورة السور ّية هي ثورة‬ ‫المكونات‪،‬‬ ‫س ّن ّية‪ ،‬ال مكان فيها لباقي‬ ‫ّ‬ ‫عرب ّية إسالم ّية ُ‬ ‫ّ‬ ‫السوري‬ ‫كمنظمة‪ ،‬ماذا فعلتم لكسب ثقة الشارع‬ ‫أنتم‬ ‫ّ‬ ‫والسرياني‬ ‫المسيحي‬ ‫المكون‬ ‫وإقناعه بمشاركة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالثورة؟‬ ‫ّ‬ ‫ك��رم دول���ة‪ :‬ت��ك��اد ت��ك��ون المنظمة اآلث��وريّ��ة‬ ‫الديمقراطيّة‪ ،‬أكثر فصيل سياسيّ في الداخل السوريّ‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة‬ ‫ق ّدم تضحيات‪ .‬فأكثر من ‪ 33‬كادر من كوادر‬ ‫تعرّ ضوا لالعتقال‪ ،‬منهم اثنان من أعضاء اللجنة‬ ‫المركزيّة «كبلاير موشي كوريّة» الذي اليزال معتقالً‬ ‫والدكتور «سمير إبراهيم» وقد دفعنا ثمنا ً باهظا ً‬

‫ح ّتى في حاضنتنا االجتماعيّة بسبب بعض انحرافات‬ ‫ّ‬ ‫فالمنظمة ترى أنّ مشروع السريان اآلشوريّين‬ ‫الثورة‪،‬‬ ‫سوريّ وطنيّ بامتياز على أرضيّة المواطنة والدولة‬ ‫التشاركيّة‪.‬‬ ‫أستاذ ف��ؤاد‪ ،‬ماجرى مع راهبات معلوال أثبت‬ ‫الدولي‪ ،‬لكن هناك‬ ‫كذب النظام وفضحه أمام المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫تصرفات أخرى جعلت المسيح ّيين ينكفئون (اختطاف‬ ‫ّ‬ ‫األب بولو واختطاف المطرانين في حلب والهجوم‬ ‫على كسب وتهديد محردة) كيف يؤ ّثر ذلك في الشارع‬ ‫المسيحي عموماً؟‬ ‫ّ‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬بشكل سلبيّ بالتأكيد‪.‬‬ ‫أستاذ ف��ؤاد‪ ،‬أنتم في المعارضة السور ّية كيف‬ ‫التصرفات لبعض فصائل‬ ‫يمكن أن تحدُّوا من هذه‬ ‫ّ‬ ‫المعارضة كجبهة النصرة مثالً؟‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬ال أستطيع التحديد كيف يمكن التحاور‬ ‫مع جبهة النصرة التي ترفع شعارات «دولة اإلسالم‬ ‫« واإلسالم منها براء‪ .‬وال ترتبط بالهويّة السوريّة وال‬ ‫بالهويّة الوطنيّة الديمقراطيّة‪ ،‬وال أعتقد أنّ لمشروعهم‬ ‫نصيب في المستقبل‪ ،‬فالتاريخ يسير إلى األمام وال‬ ‫يمكن أن يعود إلى الخلف‪.‬‬ ‫لمسيحيي‬ ‫أستاذ إبراهيم‪ ،‬اليوم هناك هجرة كبيرة‬ ‫ّ‬ ‫سورية‪ ،‬وهناك معلومات تقول إنّ ‪ %60‬من سريان‬ ‫متخوفون‬ ‫الجزيرة غدوا خارج سورية اليوم‪ ،‬والباقي‬ ‫ّ‬ ‫ويف ّكرون بالهجرة‪ ،‬ماذا فعلتم كقيادات مسيح ّية للحدّ‬ ‫من هذه الهجرة؟‬ ‫إبراهيم َملكي‪ :‬أعود ألقول إ ّننا كمسيحيّين‪ ،‬مكوّ ن‬ ‫أساسيّ من مكوّ نات هذا البلد تعرّ ضنا للقتل والتشريد‬ ‫مثل أيّ مكون آخر‪ ،‬وأعتقد أنّ الهجرة طالت جميع‬ ‫المكوّ نات السوريّة وزي��ادة هجرة المسيحيّين تعود‬ ‫ألالعيب النظام وكذبه‪ ،‬وهو المسؤول األوّ ل عن هذه‬ ‫الهجرة‪.‬‬ ‫أستاذ كرم‪ ،‬هناك معلومات من داخل مدينة الر ّقة‬ ‫عن وجود عوائل مسيح ّية الزالت تعيش تحت سلطة‬ ‫تنظيم الدولة وتتعايش مع قوانينه‪ ،‬لماذا برأيك؟‬ ‫كرم دولة‪ :‬إنْ وجدت هكذا حاالت فهي ال تتجاوز‬ ‫عدد أصابع اليد‪ ،‬ومعلوماتي أ ّنها عائلة واحدة ‪ -‬أحد‬ ‫التجّ ار ‪ -‬وهم يف ّكرون بالهجرة أيضاً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الخط اليوم‬ ‫أستاذ كرم‪ ،‬تنظيم الدولة ودخوله على‬ ‫يخلق مشكلة استثنائ ّية‪ ،‬كيف يمكن حل ّ تلك المشكلة؟‬ ‫كرم دولة‪ :‬هاجس الخوف من البديل اإلسالميّ‬ ‫المتطرّ ف كالنموذج العراقيّ في ‪ 2003‬كان عامالً‪،‬‬ ‫والهجرة المسيحيّة في العراق قلّلت الوجود المسيحيّ‬ ‫وباألخصّ السريان اآلشوريّين إلى أق ّل من الثلث‪،‬‬ ‫فالعامل النفسيّ والذهنيّ بمفهوم «دولة الرعيّة وليس‬ ‫المواطنة» كان عامالً مه ّما ً بالنظر إلى أ ّنه في ك ّل ّ‬ ‫هزة‬ ‫عنفية مرّ ت على المنطقة كانت على حسابهم‪ ،‬نتيجة‬ ‫المذابح والهجرات القسريّة التي تعرّ ضوا لها‪ .‬ورغم‬ ‫ذلك كان التفاعل السياسيّ واالجتماعيّ مع الثورة‬ ‫حاضراً من اللحظة األول��ى‪ ،‬رغم التعامل الخاطئ‬ ‫في التعميم والتعامل مع المسيحيّين ككتلة صماء‪ ،‬فهم‬ ‫كغيرهم بمقارنة النسبة العدديّة‪ ،‬ح ّتى في حجم الهجرة‪.‬‬ ‫المسيحي في‬ ‫أستاذ فؤاد‪ ،‬هل تخشى على الوجود‬ ‫ّ‬ ‫سورية الغد؟‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬أبداً‪.‬‬ ‫ولماذا؟‬

‫القائمة على تنظيم «داعش» إلاّ أنّ العمل السوريّ‬ ‫ السوريّ على ردم الفجوة بين فري َقي «المتفائلين»‬‫و«المتشائمين» من الوضع السوريّ يجب أن يكون‬ ‫أشمل؛ هذا العمل يجب أن يتجاوز اآلليّات البالية التي‬ ‫استخدمتها المعارضة السوريّة – أغلب المعارضة‬ ‫عايشت الحقبة االستبداديّة الطويلة ‪ -‬والتي تتعاطى بر ّد‬ ‫الفعل وليس بآليّات سياسية تنطلق من الواقع السوريّ‬ ‫ّ‬ ‫بالتدخل الخارجيّ والدعم‬ ‫المرير‪ .‬فالمتفائلون يلوّ حون‬ ‫التدخل الذي لم يكن إلاّ‬ ‫ّ‬ ‫األمميّ ‪ .‬أمّا المتشائمون من‬ ‫حالة ضارّ ة وداعمة لنظام افتعل الجرائم وحارب‬ ‫الشعب باسم التطرّ ف الذي كان أحد داعميه‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬الب ّد من مشاركة كا ّفة األطراف السياسيّة‪،‬‬

‫ومنهم اإلسالميّون‪ ،‬بك ّل إشارات االستفهام الكثيرة‬ ‫التي تدور حول آليّة تعاطيهم مع الواقع السوريّ ‪،‬‬ ‫واالنحراف الفئويّ الذي واجهوا به الربيع السوريّ ‪،‬‬ ‫ومحاولة استحواذهم على ك ّل شيء اسما ً ومضموناً‪.‬‬ ‫لك ّل ذلك‪ ،‬يجب الوصول والتشبيك والتخطيط من أجل‬ ‫المرحلة االنتقاليّة في سورية‪.‬‬ ‫كان أوّ ل ما جمعنا‪ :‬االنتفاضة السلميّة‪ ،‬التي‬ ‫تعرّ ضت للقمع العسكريّ العنيف من النظام األسديّ ‪،‬‬ ‫والذي حاول جاهداً قتل ك ّل ثورتنا بجهازه األمنيّ‬ ‫واستغالله االنقسامات الطائفيّة واالستفادة من التش ّتت‬ ‫والتباينات داخل صفوفنا كمعارضة‪ ،‬أمّا الخدمة األكبر‬ ‫التي قُ ّدمت له فاستغلّها وساهم بها‪ ،‬فهي توافد السالح‬

‫فؤاد إيليّا‪ :‬هذه األرض لنا‪.‬‬ ‫لكن المسيح ّيين صاروا في أور ّبا اليوم؟‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬ويحلمون بالعودة‪.‬‬ ‫هل سيعودون إنْ هدأت األوضاع قليالً؟‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬إن هدأت األوض��اع وتح ّقق ما كانوا‬ ‫ينشدونه من دولة ديمقراطيّة‪ ،‬سيعودون‪ ،‬وأنا أعرف‬ ‫الكثير من أبناء المهاجرين المتشوّ قين الذين يحلمون‬ ‫بالعودة إلى بالدهم‪.‬‬ ‫أستاذ إبراهيم‪ ،‬ماذا ستفعلون لحماية وضمان‬ ‫حقوق المسيح ّيين في سوريا الغد؟‬ ‫إبراهيم َملكي‪ :‬المسيحيّون جزء من الشعب السوريّ‬ ‫ويالقون من الظلم ما يالقيه ك ّل السوريّون‪ ،‬والثورة ال‬ ‫تميّز بين المسيحيّ وغير المسيحيّ فهي ثورة للخالص‬ ‫من االستبداد بك ّل أشكاله والنظام هو من خلق هذا‬ ‫الوضع المأساوي المع ّقد‪ ،‬وزواله سيكنس معه الكثير‬ ‫من هذا الحيف‪ ،‬والدولة الديمقراطيّة المدنيّة هي الكفيل‬ ‫والضامن لحقوق ك ّل السوريّين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة مشروع‬ ‫أستاذ ك��رم‪ ،‬هل لديكم في‬ ‫لمسيحيي سورية؟‬ ‫مستقبلي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كرم دولة‪ :‬مشروع السريان اآلشوريّين في سورية‬ ‫المستقبل هو مشروع الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة‬ ‫ّ‬ ‫لحق األف���راد والجماعات أي‬ ‫الضامنة والكفيلة‬ ‫«اإلق��رار الدستوريّ بالتنوّ ع القوميّ ومنها الهويّة‬ ‫القوميّة للسريان اآلشوريّين كمكوّ ن اصيل من النسيج‬ ‫الوطنيّ السوري»‪.‬‬ ‫أستاذ كرم‪ ،‬األكراد يطالبون بحقوق مع ّينة‪ ،‬هل‬ ‫لديكم حقوق مماثلة تطالبون بها؟‬ ‫كرم دولة‪ :‬نعم‪ ،‬االعتراف بالوجود والهويّة القوميّة‪،‬‬ ‫واعتبار اللغة السريانيّة لغة وثقافة سوريّة وطنيّة‪.‬‬ ‫أستاذ ف��ؤاد‪ ،‬ماذا تقول للمسيح ّيين السور ّيين‬ ‫بمناسبة عيد الميالد؟‬ ‫فؤاد إيليّا‪ :‬أقول لهم ك ّل عام وأنتم بخير‪ ...‬ميالد‬ ‫مجيد‪ .‬ثقوا بالثورة‪ .‬وثقوا بأنّ هذا البلد يسير إلى‬ ‫النصر‪ ...‬وإلى الدولة الديمقراطيّة المنشودة‪.‬‬ ‫أستاذ إبراهيم‪ ،‬ماذا تقول للسور ّيين بمناسبة عيد‬ ‫الميالد؟‬ ‫إبراهيم مّلكي‪ :‬أف��راح المسيحيّين هي أف��راح‬ ‫السوريّين جميعاً‪ ،‬وكذا أحزانهم وأتراحهم‪ ..‬لن نقبل‬ ‫بالتميّز عن اآلخرين‪ ،‬وسندفع ضريبة الحرّ يّة والكرامة‬ ‫كأيّ جزء ومكوّ ن في هذا البلد‪ ،‬وانخراطنا في هذه‬ ‫الثورة أل ّنها ثورة على االستبداد‪ ،‬وليس أل ّنها دينيّة‪..‬‬ ‫إ ّنها ثورة من أجل الحرّ يّة والكرامة من درعا ح ّتى‬ ‫القامشلي‪.‬‬ ‫أستاذ كرم‪ ،‬بمناسبة عيد الميالد ورمز ّيته‪ ...‬هل‬ ‫أنت متفائل بعيد الميالد القادم؟‬ ‫كرم دول��ة‪ :‬أنا متفائل بشكل كبير‪ ،‬والمشروع‬ ‫الديمقراطيّ سيُنجز بأي ٍد سوريّة‪ .‬وأتوجّ ه برسالة‬ ‫إلى األخوة المسيحيّين بمؤسّساتهم الدينيّة والسياسيّة‬ ‫لالنخراط أكثر في الثورة والعمل الوطنيّ ‪ .‬ورسالة‬ ‫أخرى إلى ك ّل القوى المعارضة‪ ،‬إنّ مسؤوليّة الوجود‬ ‫المسيحيّ والسريان اآلشوريّين هي مسؤوليّة الجميع‬ ‫والب ّد من الح ّد من إطالق الشعارات الال وطنيّة وإعادة‬ ‫الثورة السوريّة إلى إطارها الوطنيّ الجامع كما بدأت‪.‬‬ ‫*((عن برنامج قراءة في العمق من إذاعة نسائم سوريا بتاريخ ‪-24‬‬ ‫‪))2014-12‬‬

‫حوار‪ :‬سامر نقشبندي‬

‫والمحاربين األجانب على األرض‪ ،‬ونموّ وانتشار‬ ‫الفصائل اإلسالميّة‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬مازال النظام يصول ويجول في قتل‬ ‫أبناء بلدنا‪ ،‬ويتالعب بالحالة السياسيّة التي بدأت ُتنفرج‬ ‫بالنسبة إليه‪ ،‬بسبب تش ّتتنا كمعارضة‪ ،‬وبسبب الركض‬ ‫خلف خلق جبهات جديدة دون إنهاء القديمة‪ ،‬فقط‬ ‫للحصول على الشهرة اإلعالميّة‪ ،‬أو من أجل أموال‬ ‫ما سيت ّم فتحه منها‪.‬‬ ‫مع ك ّل هذا وذاك‪ ،‬مازال الكثير من شباب سورية‬ ‫يعملون بصمت ض ّد ك ّل تلك التك ّتالت السياسيّة‬ ‫واإلعالميّة‪ ،‬ومازال الربيع يُنبت أزهاره‪.‬‬

‫عبد اهلل الشمّال‬ ‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫شهادات مع وقف التنفيذ‬

‫اضطرّ وا لترك الوطن والعيش في بال ٍد ال تهت ّم‬ ‫ّ‬ ‫يمت‬ ‫بشهاداتهم‪ ،‬فبدأ ك ّل منهم يبحث عن عمل ال‬ ‫لشهادته بصلة‪ ،‬فمنهم من يعمل في البناء والبعض‬ ‫في المحلاّ ت واآلخر في المعامل؛ هذه حال أصحاب‬ ‫الشهادات السورييّن في تركيا حيث لجؤوا إليها‪ ،‬ففي‬ ‫«باتمان» التي استقبلت الكثير من السوريّين‪ ،‬هنالك‬ ‫محامون وأطبّاء ومهندسون يجدون صعوبة بالغة‬ ‫في تسيير أمور حياتهم‪ ،‬كونهم ال يستطيعون إلاّ أن‬ ‫يعملوا في اختصاصهم‪ ،‬والدولة ال تع ّدل شهاداتهم‪،‬‬ ‫وعدم ممارسة المهنة يجعل صاحبها ينسى المعلومات‬ ‫التي اكتسبها وتعلّمها في سنوات دراسته الجامعيّة‪،‬‬ ‫لذلك فهؤالء يعانون بشكل مضاعف‪.‬‬ ‫حمامون دون عمل‬ ‫المحامي السوريّ «حمزة حسن» يقول‪ :‬خرجت‬ ‫من دمشق منذ شهرين ألنّ النظام أصبح شرسا ً ج ّداً‪،‬‬ ‫يعتقل على الكلمة‪ ،‬وأتيت لباتمان‪ ،‬بقيت م ّدة دون‬ ‫عمل‪ ،‬كوني ال أعرف الكورديّة أو التركيّة‪ ،‬ومنذ‬ ‫شهر استأجرت ندوة مدرسة السوريّين في باتمان‪،‬‬ ‫وب��دأت أعمل فيها‪ ،‬وهي ن��دوة صغيرة ج � ّداً لبيع‬ ‫البسكويت والبطاطا وغيرها‪.‬‬ ‫توجّ هنا إلى مجلس فرع نقابة المحامين األتراك في‬ ‫باتمان‪ ،‬التقينا برئيس مجلس الفرع المحامي «أحمد‬ ‫سفيم» وسألناه‪ :‬لماذا ال يستطيع المحامي السوريّ‬ ‫ممارسة مهنته في باتمان؟ فأجاب‪ :‬ح ّتى يستطيع‬ ‫ممارسة المهنة يجب أن يكون حامالً الجنسيّة التركيّة‪،‬‬ ‫وأن تكون شهادته من الجامعات التركيّة‪.‬‬ ‫هنا استوضحنا أكثر من األستاذ «سفيم» بسؤال‪:‬‬ ‫ولك ّنكم تقبلون المحامين الذين حصلوا على شهادتهم‬ ‫من قبرص أو جورجيا أو كازاخستان؟ فقال‪ :‬نعم ألنّ‬ ‫نظام الجامعة في قبرص وتركيا واحد‪ ،‬أمّا الحاصل‬ ‫على شهادته من جورجيا أو كازاخستان فيتطلّب أن‬ ‫يكون المحامي ترك ّيا ً ويعرف اللغة التركيّة ويع ّدل‬ ‫شهادته‪ ،‬أي يلزم أن يق ّدم ع ّدة مواد في الجامعات‬

‫التركيّة وينجح فيها‪ ،‬حينئذ تصبح شهادته من‬ ‫الجامعات التركيّة‪.‬‬ ‫اختتمنا اللقاء بسؤاله‪ :‬وماذا فعلتم ألجل زمالئكم‬ ‫من المحامين السوريّين الالجئين في باتمان؟‬ ‫أج��اب األستاذ «سفيم» رئيس فرع المحامين‬ ‫األت��راك في باتمان‪ :‬هنالك محاميان سوريّان في‬ ‫باتمان أحدهما من حلب‪ ،‬وك��ان يعمل في مح ّل‬ ‫للزجاج‪ ،‬لألسف ال ّ‬ ‫يحق لهما العمل بوظيفة حكوميّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫للتدخل‪ ،‬ولكن حاولنا عن‬ ‫ونحن ليست لدينا صالحيّة‬ ‫طريق العالقات الخاصّة أن نؤمّن لهما عمالً ولم‬ ‫نو ّفق‪.‬‬ ‫مهندسون يهاجرون‬ ‫يقول الشابّ ال��س��وريّ أش��رف حسين‪ :‬أن��ا من‬ ‫قامشلو حاصل على شهادة المعهد الزراعيّ وإجازة‬ ‫في الجيولوجيا‪ ،‬غادرت قامشلو كوني كنت مطلوبا ً‬ ‫للخدمة اإللزاميّة‪ ،‬عملت هنا في معمل للبرغل‪ ،‬ث ّم في‬ ‫شركة للجصّ ‪ ،‬وعملت في السيراميك‪ ،‬واآلن أدرّ س‬ ‫في مدرسة السوريّين هنا‪ .‬وال أدري ماذا يحمل الغد‬ ‫لي‪.‬‬ ‫قمنا بزيارة غرفة المهندسين األتراك في باتمان‪،‬‬ ‫وسألنا رئيس الغرفة المهندس «محرّ م توزون» كيف‬ ‫يمكن أن يعمل المهندس السوريّ هنا؟ فأفادنا السيّد‬ ‫«توزون» بالتالي‪ :‬المهندس السوريّ ال يستطيع أن‬ ‫يعمل هنا بشكل رسميّ ‪ ،‬وال نستطيع دفع راتب له‪،‬‬ ‫ولكن نستطيع إيجاد عمل خاصّ له‪ ،‬وقد كان هنا‬ ‫مهندس سوريّ وجدنا له عمالً في معمل للسيراميك‬ ‫عمل فيه لم ّدة س ّتة أشهر وبعدها غادر إلى أوربّا‪،‬‬ ‫وعدد المهندسين السوريّين هنا قليل ج� ّداً‪ ،‬كونهم‬ ‫يأتون لتركيا ومنها إلى أوربّا‪ ،‬بالرغم من الحاجة‬ ‫لهم هنا‪ ،‬كون الهندسة ليست كالحقوق أو الطبّ‬ ‫فاألخيران يتطلّبان اإلذن بالعمل وتعديل الشهادة‬ ‫وغيرها من الشروط‪ ،‬أمّا الهندسة فعمل تقنيّ وال‬ ‫نحتاج إلى توظيفهم‪ ،‬بل إيجاد عمل لهم‪ ،‬خاصّة‬ ‫وأن أجر المهندس السوريّ أق ّل من أجر المهندس‬ ‫التركيّ ‪ ،‬ولدينا رغبة بمجيء المهندسين السوريّين‬ ‫إلى هنا كي يعملوا ويأخذوا الخبرة ليعودوا مستقبالً‬ ‫إلى بلدهم ويبنوه بعلمهم وسواعدهم‪.‬‬ ‫أطبّاء ميارسون مهنتهم‬ ‫الوضع مختلف بالنسبة لألطبّاء‪ ،‬فالحكومة‬ ‫تتغاضى عنهم عندما يفتحون عيادات خاصّة بهم‪.‬‬ ‫أخبرنا الطبيب السوريّ «أوجدان رشيد» أنا طبيب‬ ‫أسنان من قامشلو‪ ،‬غادرتها منذ سنة ونصف بعد أن‬ ‫حدثت فيها حاالت خطف وابتزاز لألطبّاء‪ ،‬كما أنّ‬

‫رحلة الجرّة والبدائل‬ ‫في درعا‬

‫الكهرباء كانت تنقطع بشكل مستمرّ وأجهزتنا تعمل‬ ‫على الكهرباء‪ ،‬فأتيت إلى تركيا إستناداً إلى وعد من‬ ‫معارفي بأن يؤمّنوا لي عقداً مع مشفى في إزمير‪،‬‬ ‫لك ّنهم أخلفوا بوعدهم‪ ،‬فأتيت إلى باتمان وفتحت عيادة‬ ‫خاصّة بي‪ ،‬لكن ال حقوق لنا هنا‪ ،‬ح ّتى أنّ الدولة ال‬ ‫تعتبرنا الجئين‪ ،‬وتق ّدمت بمشروع للحكومة السوريّة‬ ‫المؤ ّقتة من أجل فتح مركز س ّنيّ لمعالجة السوريّين‬ ‫في باتمان وأن يكون هذا المركز خير ّيا ً تقريباً‪،‬‬ ‫ولكن لم يأتني جواب‪ ،‬بالرغم من أنّ هذه (الحكومة)‬ ‫تصرف أمواالً طائلة في أمور ال فائدة منها‪ ،‬وهنا‬ ‫عياداتنا معرّ ضة لإلغالق في أيّ وقت‪ ،‬نعاني من‬ ‫ذلك وال خيارات أمامنا‪.‬‬ ‫ولكي نتعرّ ف على الوضع المهنيّ والقانونيّ ‪،‬‬ ‫توجّ هنا إلى غرفة األطبّاء والتقينا برئيس الغرفة‬ ‫الدكتور «ذو الفقار جبه» الذي قال‪:‬‬ ‫األطبّاء السوريّون ال يستطيعون ممارسة مهنة‬ ‫الطبّ بشكل رسميّ في تركيا كونه ممنوع عليهم‬ ‫قانوناً‪ ،‬وليس بيدنا إعطاؤهم اإلذن‪ ،‬فألجل ممارسة‬ ‫الطبّ يجب أن يكون الطبيب ترك ّيا ً وحاصالً على‬ ‫شهادته من جامعة تركيّة‪ ،‬وهنا في غرفة األطبّاء‬ ‫لم يراجعنا أيّ طبيب سوريّ لطلب المساعدة‪ ،‬وكما‬ ‫سمعنا هنالك البعض منهم فتح عيادات خاصّة بهم‪،‬ـ‬ ‫وهذا ممنوع بشكل رسميّ ‪ ،‬وطبعا ً إن ت ّم كشف ذلك‬ ‫سيت ّم إغالق عياداتهم وا ّتخاذ اإلج��راءات بحسب‬ ‫القانون‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أين احلكومة املؤقتة؟‬ ‫يتساءل أصحاب الشهادات ‪ -‬عموما ً ‪ -‬عن عمل‬ ‫ّ‬ ‫تتدخل كي‬ ‫الحكومة السوريّة المؤ ّقتة‪ ،‬ولماذا ال‬ ‫تنهي معاناتهم‪ ،‬كونهم الفئة األكثر تضرّ راً من بين‬ ‫الدارسين؟ وكيف أنّ هذه (الحكومة) ّ‬ ‫تمثل الشعب‪،‬‬ ‫في حين أنّ اآلالف من أصحاب الشهادات يعانون‬ ‫ّ‬ ‫للموظف العادي في‬ ‫يوم ّياً‪ ،‬بينما الراتب الشهريّ‬ ‫الحكومة المؤ ّقتة يتجاوز ألفي دوالر أمريكيّ ؟!‬

‫بامتان ‪ -‬احملامي‪ :‬علي كولو‬

‫فنون تتح ّدى الموت‬

‫رغ��م ك� ّل البراميل التي تساقطت على‬ ‫سراقب في األشهر الماضية‪ ،‬رغم ك ّل الدمار‬ ‫الذي خلّفته ومعاناة النزوح نهاراً وليالً لم‬ ‫يتو ّقف نشاط شباب سراقب من الناحية الفنيّة‪،‬‬ ‫فقد نشطوا بأكثر من مجال إن كانت لوحات‬ ‫تمثيليّة ناقدة أو غنائية هادفة‪.‬‬ ‫فريق تجمّع شباب سراقب كانت بدايته في‬ ‫‪ 2006‬وهو عبارة عن مجموعة من الشباب‬ ‫الهواة للمسرح‪ ،‬انخرطوا مع بداية الثورة في‬ ‫ّ‬ ‫تشخص‬ ‫صفوفها وبدؤوا بتقديم لوحات فنيّة‬ ‫عيوب المتسلّقين على الثورة والذين تاجروا‬ ‫بها‪ ،‬ومعاناة النازحين‪ ،‬وتعترض على ك ّم‬ ‫األفواه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتألّف الفريق من مجموعة من الشباب المثقف‬ ‫الواعي‪ ،‬يعالج الفساد الذي بدأت أعراضه واضحة‬ ‫للعيان وينتقد بشكل ب ّناء ما تمارسه القوى الموجودة‬ ‫على األرض بشكل واضح‪ُ ،‬تكتب نصوصه بأسلوب‬ ‫فنيّ ساخر يكتبها «محمّد ّ‬ ‫خطاب» ويقوم بإخراجها‬ ‫«أحمد ّ‬ ‫خطاب» ويشارك بتمثيلها مع وليد شالش‬ ‫وإيهاب بكور وباقي أعضاء التجمّع «بديع ّ‬ ‫خطاب‪،‬‬ ‫وحسين حسّان‪ ،‬ومحمود عوض‪ ،‬وغيث حسّان»‪،‬‬ ‫ق ّدم التجمّع ح ّتى اآلن تسعة مشاهد تمثيليّة حملت‬ ‫جميعها نفس العنوان «كرمالك يا بلدي» ولكن لك ّل‬ ‫مشهد موضوع مختلف حسب األوض��اع الراهنة‪،‬‬ ‫ففي أحد المشاهد يطرح الفريق وبجرأة مشكلة خطف‬ ‫ّ‬ ‫الملثمين ويتو ّقع قيام ثورة ثانية‬ ‫الناشطين من قِبل‬ ‫ّ‬ ‫على من يك ّم األفواه‪ ،‬وفي مشهد آخر يسلطون الضوء‬ ‫على ارتفاع أسعار الوقود وكيفيّة تأمينها بعد تر ّدي‬ ‫أوضاع غالبيّة الشعب‪ ،‬هذا ويت ّم تصوير المشاهد‬ ‫بإمكانيّات متواضعة (هاتف محمول) يُعتبر أداة‬ ‫التصوير الوحيدة لديهم‪ ،‬أمّا خشبة مسرحهم فيمكن أن‬ ‫تكون أيّ غرفة كانت أو أن تكون بين أشجار الزيتون‬ ‫أثناء نزوحهم من البلدة أو في «خيمة األحبّة» كما ت ّم‬ ‫تسميتها لصاحبها الف ّنان «أبو الصفا»‬ ‫ما يطمح إليه الفريق في األ ّي��ام القادمة‪ ،‬تقديم‬ ‫عروضهم على خشبة المسرح أمام جمهور وفي‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫أكثر من مكان‪ ،‬يعاني «تجمّع شباب سراقب» من قلّة‬ ‫اإلمكانيّات وعدم وجود داعم لنشاطهم‪ ،‬وحسب ما قاله‬ ‫المخرج‪ :‬بأنّ أكثر من جهة حاولت تب ّني أعمالهم لك ّنهم‬ ‫رفضوا وذلك أل ّنهم ال يرغبون بأن تسيّس أعمالهم‪.‬‬ ‫وبعيداً عن القذائف والبراميل‪ ،‬هنالك خيمة سمّيت‬ ‫بـ «خيمة األحبّة» لصاحبها الف ّنان «أبو الصفا»‬ ‫الذي لم يُعرف قبل الثورة بغنائه حيث كان يعمل‬ ‫في حفر اآلبار اإلرتوازيّة‪ ،‬ولكنّ روح الثورة سرت‬ ‫فيه منذ اليوم األوّ ل وراح يكتب كلمات األهازيج‬ ‫ويشدو بها في المظاهرات‪ ،‬كلماته كانت بسيطة‬ ‫وعادة ما ير ّكبها على لحن شعبيّ من ألحان المدينة‬ ‫(عتابا موليّا) أو أيّ غناء آخر مو ّقع يُلهب به حماس‬ ‫الجماهير‪ ،‬ح ّتى أ ّنه في بعض التظاهرات عندما يمتنع‬ ‫«أبو الصفا» عن الغناء لسبب ما‪ ،‬تهتف الجموع‬ ‫باسمه لتنهال دموعه ويقاوم مرضه ويصعد إلى‬ ‫المياكروفون لتص ّفق له الجماهير‪ ،‬ويعتبر «أبو‬ ‫الصفا» أنّ اإلعالميّين قصّروا في ح ّقه؛ سجّ ل بعض‬ ‫أغانيه على اليوتيوب فهو حديث في عالقته مع‬ ‫وسائل التواصل االجتماعيّ ‪ ،‬وأنشد «أبو الصفا»‬ ‫لك ّل مجريات الثورة‪ ،‬غ ّنى لحريّة سوريّة وكرامتها‪،‬‬ ‫ويفخر بأوّ ل أغانيه والتي حملت اسم (نحنا اللي طلبنا‬ ‫يا عالم حرّ يّة) شاركته في غنائها ابنته صفاء (سوريّة‬ ‫الغالية هللا يحميها‪ ،‬ثورة كرامه بروحي بفديها) وغ ّنى‬ ‫لثوّ ار سراقب (حيّوا اللواء حيّوا جبهة سراقب‪ ،‬حيّوا‬ ‫األبطال ما بتهاب المصاعب) غ ّنى للشهداء وألمّهاتهم‬

‫تحقيقات‬

‫ويكاد يكون مؤرّ خ لك ّل مجريات الثورة غنا ًء‬ ‫ح ّتى عُرف بف ّنان ثورة سراقب‪ ،‬فقد سجّ ل ‪38‬‬ ‫أغنية للثورة‪ ،‬كان يسجّ ل أغانيه على الهاتف‪،‬‬ ‫ث ّم اضطرّ لبيع سيارته لشراء آلة «األورغ»‬ ‫لتصاحبه في غنائه وكان ي��ر ّدد دائما ً «أنا‬ ‫سأظ ّل أغ ّني لبلدي وثورته ما دمّت ح ّياً»‪.‬‬ ‫«ف ّنان الثورة في سراقب» كما يحبّ أن‬ ‫يناديه الجميع‪ ،‬والذي بدوره أتت البراميل في‬ ‫األيّام األخيرة على بيته‪ ،‬لم يتو ّقف عن الغناء‬ ‫ومازال يغ ّني للثورة‪.‬‬ ‫باإلضافة للتمثيل والغناء الشعبيّ غرّ د‬ ‫الف ّنان المعروف «محمود الق ّدور» صاحب‬ ‫الصوت العذب والعزف األنيق على آلة العود والذي‬ ‫لم يثنِه االعتقال لم ّدة سنة في بداية الثورة عن الغناء‬ ‫لها‪ ،‬فقد غ ّنى الف ّنان محمود أولى أغنياته «للقُصير»‬ ‫عندما كانت محاصرة‪ ،‬والتي كتب كلماتها شاعر‬ ‫سعوديّ ‪ ،‬كما غ ّنى للشهيد من كلمات الشاعر عبد‬ ‫ّ‬ ‫وحث الكتائب والفصائل من الجيش‬ ‫العليم زيدان‪،‬‬ ‫الحرّ على التوحّ د في أغنيته «ل ّم الشمل» للشاعر‬ ‫مدحت ق ّدور (يا كتايب يا فصايل ال ما ينفع) كما‬ ‫غ ّنى «خاين العهود» للشاعر مدحت الق ّدور‪ ،‬وأغنية‬ ‫«يا رجال الشام» التي كتب كلماتها شادي مدحت‬ ‫يتوان الف ّنان محمود الق ّدور عن الغناء‬ ‫ق ّدور‪ ،‬هذا ولم‬ ‫َ‬ ‫لألطفال الذين استشهدوا إثر قصف الطيران فقد غ ّنى‬ ‫للطفلة الشهيدة ندى محمّد عوني التي كتب كلماتها‬ ‫أبو الصفا (معقول أنتم يا عرب ما ّأثرت فيكم ندى)‪،‬‬ ‫وقد غ ّنى لتعب السوريّين وتشرّ دهم والرعب الذي‬ ‫يعيشه أطفالهم في أغنيته «سوريّة تعب الحكي» التي‬ ‫كتب كلماتها الشاعر عبد العليم زيدان (سوريا تعب‬ ‫الحكي سوريا بيكفي بكي تعبت دموع الناس واتجرّ ح‬ ‫اإلحساس) وقام بالتوزيع الموسيقيّ لجميع أغانيه‬ ‫الف ّنان أحمد ق ّدور‪ ،‬وجميع أغاني الف ّنان «محمود‬ ‫الق ّدور» مسجلّة في «راديو ألوان»‪ .‬وهكذا لم تتو ّقف‬ ‫مسيرة الفنّ في سراقب ولم يتو ّقف شبابها عن اإلبداع‬ ‫مصرّ ين بف ّنهم على فعل حياة تتح ّدى الموت‪.‬‬

‫فلك اخلالد‬

‫أكثر من سبعين كيلو متر ذهابا ً ومثلها إيابا ً انطالقا ً من‬ ‫بلدتها بريف درعا تقطعها أ ّم أحمد شهر ّيا ً للحصول على‬ ‫جرّ ة غاز من العاصمة دمشق‪.‬‬ ‫أ ّم أحمد‪ ،‬البالغة من العمر ‪ 50‬عاماً‪ ،‬تخاطر بحياتها‬ ‫ك ّل شهر للحصول على جرّ ة الغاز بعد أن ارتفع سعرها‬ ‫في منطقتها إلى مبالغ خياليّة تعجز عن شرائها‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫«يتراوح سعر جرّ ة الغاز في منطقتنا من (‪ 6000‬إلى‬ ‫‪ )7500‬ليرة سوريّة‪ ،‬بالمقابل راتب زوجي ال يتجاوز‬ ‫(‪ )23‬ألف ليرة سوريّة يذهب جزء منه إيجاراً للمنزل‬ ‫ال��ذي نقطنه بعد أن نزحنا من قريتنا إثر استهدافها‬ ‫بالبراميل المتفجّ رة والقصف المدفعيّ من قبل قوّ ات‬ ‫النظام» وتضيف‪« :‬أخاطر بحياتي ك ّل شهر في رحلة‬ ‫الغاز‪ ،‬حيث أقوم باال ّتصال بأحد أقربائي في دمشق الذي‬ ‫يؤمّن لي بدوره جرّ ة الغاز بثمنها الحكوميّ والبالغ ‪1400‬‬ ‫ليرة سوريّة فيما تكلّفني أجرة المواصالت ‪ 2000‬ليرة‬ ‫سوريّة للعودة إلى منزلي»‪.‬‬ ‫اجلنون والعقاب‬ ‫يعود سبب أزمة الغاز في المناطق المحرّ رة إلى سياسة‬ ‫الحرمان التي ي ّتبعها النظام كعقوبة جماعيّة‪ ،‬فمنذ ثالثة‬ ‫أشهر عادت أزمة الغاز إلى الظهور وارتفع سعر جرّ ة‬ ‫الغاز إلى مبالغ خياليّة وصل إلى ‪ 12‬ألف ليرة سوريّة‪.‬‬ ‫أبو محمّد في األربعين من عمره ف َقد ورشته في‬ ‫ّ‬ ‫المحطة بعد سيطرة قوّ ات‬ ‫المنطقة الصناعيّة بدرعا‬ ‫النظام السوريّ ‪ ،‬يقول‪« :‬ال يمكنني شراء جرّ ة غاز مهما‬ ‫انخفض ثمنها‪ ،‬فبعد فقداني لورشتي في المنطقة الصناعيّة‬ ‫وتعرّ ضي إلصابة أفقدتني أحد أطرافي‪ ،‬أعمل اليوم على‬ ‫بسطة صغيرة أبيع فيها السجائر وبعض المواد الغذائيّة‪،‬‬ ‫ما يكاد يؤمّن لنا أبسط متطلّبات الحياة‪ ،‬من خبز وبعض‬ ‫الخضار التي غالبا ً ما يرتفع سعرها هي األخرى ونعجز‬ ‫عن شرائها‪ ،‬فما بالكم بجرّ ة غاز يصل ثمنها إلى ‪11000‬‬ ‫ليرة سوريّة‪ ،‬إ ّنه الجنون بعينه»‪.‬‬ ‫بعض البدائل‬ ‫لجأ أبو محمّد وغيره إلى البدائل «كببور» الكاز‬ ‫وموقد الحطب؛ أ ّم سعيد استغنت عن جرّ ة الغاز بشكل‬ ‫نهائيّ ‪ ،‬وبات «ببور» الكاز وسيلتها الرئيسيّة للطهي‬ ‫وأعمال المنزل كتسخين المياه‪ ،‬تقول أ ّم سعيد‪« :‬بالرغم‬ ‫ممّا يخلّفه من دخان أسود (شحار) على جدران المنزل‬ ‫وزيادة في األعباء على كاهلي‪ ،‬إلاّ أ ّنني أفضل من غيري‬ ‫فلديّ القدرة الماليّة على شراء بعض الوقود الذي ارتفع‬ ‫ثمنه هو اآلخر‪ ،‬وغالبا ً ما أعتمد على خلط ما ّدتي البنزين‬ ‫والمازوت بنسب معيّنة واستخدامها إلشعال «الببور»‬ ‫بدالً من الكاز ّ‬ ‫لتعذر الحصول عليه في منطقتنا»‪.‬‬ ‫بين ليلة وضحاها ترتفع أسعار الوقود ومشت ّقاته‪،‬‬ ‫حيث يت ّم إخفاؤها من السوق وأماكن بيعها لتظهر بعد‬ ‫ع ّدة أيّام بأسعار مرتفعة تبلغ الضعف أو أكثر‪ ،‬ومنها‬ ‫ما ّدة الغاز التي تش ّكل عصب الحياة في ك ّل منزل‪ ،‬وقد‬ ‫باتت ُتلقي بثقلها على كاهل العائلة المنهكة ماد ّياً‪ ،‬فتجارة‬ ‫الغاز المهرّ ب إلى األحياء الخارجة عن سيطرة النظام‬ ‫تدرّ أرباحا ً ال يُستهان بها‪ ،‬حيث تنتقل الجرّ ة من مكان‬ ‫آلخر‪ ،‬وبين هذه التن ّقالت يرتفع سعرها حوالي ‪1000‬‬ ‫ليرة سوريّة لتصل إلى المواطن بأكثر من ‪ 6000‬ليرة‬ ‫سوريّة‪.‬‬ ‫بسطة أم تاجر؟‬ ‫أبو عليّ تاجر يبيع الوقود ومشت ّقاته في المناطق‬ ‫المحرّ رة بدرعا ومنها ما ّدة الغاز‪ ،‬يوضّح أسباب ارتفاع‬ ‫ثمنها قائالً‪« :‬سعر جرّ ة الغاز يح ّدده الشخص الذي يقوم‬ ‫بتأمينه لنا من مناطق خاضعة لسيطرة النظام‪ ،‬حيث‬ ‫يقوم بتجميع كميّات معيّنة لك ّل تاجر على مدار الشهر‬ ‫ويفرض علينا سعراً مح ّدداً‪ ،‬يقوم هو بوضعه ال يمكننا‬ ‫مجادلته به مستغلاّ ً أه ّميّة جرّ ة الغاز في حياة األهالي‪ ،‬كما‬ ‫أنّ تكلفة نقل الحمولة من منطقة إلى أخرى والمخاطر‬ ‫التي تتعرّ ض لها الحمولة من ّ‬ ‫قطاع طرق أو استهداف‬ ‫الطرق الفرعيّة بالقصف الجويّ أو المدفعيّ من قبل قوّ ات‬ ‫النظام‪ ،‬إضافة إلى أُجرة السيّارة واليد العاملة كلّها أمور‬ ‫تح ّدد السعر النهائيّ لجرّ ة الغاز‪ ،‬وال ننكر حصولنا على‬ ‫ربح يُعتبر ‪ -‬نوعا ً ما – مقبوالً‪ ،‬ال يتجاوز ‪ 500‬ليرة‬ ‫سوريّة للجرّ ة الواحدة»‪ .‬تنتشر في اآلونة األخيرة ظاهرة‬ ‫بسطات بيع جرار الغاز في مدن وقرى وبلدات درعا‬ ‫وريفها‪ ،‬لكنّ كثيراً من األهالي يعزف عن شرائها‪ ،‬بسبب‬ ‫التالعب بوزنها البالغ ‪ 25‬كغ رسم ّياً‪ ،‬فيما يت ّم إفراغ ما‬ ‫بين ‪ 5‬كغ إلى ‪ 10‬كغ من الجرّ ة وتباع بأسعار تتراوح ما‬ ‫بين ‪ 6000‬و‪ 7000‬ليرة سوريّة‪.‬‬ ‫إنقاص وزن!‬ ‫أبو محمود يفضّل الشراء من تجّ ار معتمدين بدالً عن‬ ‫بسطات الغاز‪ ،‬على الرغم من ارتفاع سعر الجرّ ة لديهم‪،‬‬ ‫يقول‪« :‬اشترت زوجتي جرّ ة غاز من إحدى البسطات‬ ‫في بلدتي‪ ،‬لك ّنها لم تخدمنا إلاّ عشرة أيّام فقط‪ ،‬فالجرّ ة ت ّم‬ ‫إنقاص وزنها وخسرنا ثمنها البالغ ‪ 6300‬ليرة سوريّة‪،‬‬ ‫فمنذ تلك الحادثة أقوم شخص ّيا ً بشرائها من تاجر معتمد‬ ‫وفي حال نقصان وزنها استرجع نقودي دون مشاكل‬ ‫ُتذكر»‪.‬‬

‫درعا – سارة احلوراني‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫تحقيقات‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫ُّ‬ ‫أرش ملحاً على باب ّ‬ ‫كل خيمة وأمضي‬

‫حبال الغسيل المتدلّية بين الخيمة واألخ��رى‪ ،‬ال‬ ‫يتع ّدى طولها متراً واحداً في مخيّم «قدر أرتا قيا»‬ ‫الواقع بمدينة سوروج التركيّة‪ ،‬المخيّم المفتوح لنازحي‬ ‫مدينة عين العرب (كوباني)‪.‬‬ ‫بين الخيمة والخيمة حبل غسيل معلّق عليه ثيابهم‬ ‫إلى جانب خساراتهم وحنينهم وبؤسهم‪ ،‬ك ّل حبل غسيل‬ ‫بإمكانك أن تعلّق عليه مدينة وجرحا ً وحلما ً اليزال يقفز‬ ‫برأسه المشاكس فوق باب ك ّل خيّمة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نتخطى بداية المخيّم يم ّد برأسه سؤال‪ ،‬كيف‬ ‫ونحن‬ ‫لخيمة أن تصبح بيتا ً كامالً‪ ،‬ومن ث ّم تتحوّ ل لمدينة؟‬ ‫وفيما بعد لوطن؟‬ ‫خيمة واحدة تحتمل ك ّل أوجه التناقضات المعيشيّة‪،‬‬ ‫مطبخ وحمّام وغرفة للنوم والستقبال الضيوف‪،‬‬ ‫والستقبال الذكريات القادمة مع الريح القادمة ليالً من‬ ‫جهة عين العرب (كوباني)‪.‬‬ ‫أمام ك ّل خيمة أحذية كثيرة‪ ،‬حذاء األب‪ ،‬حذاء األ ّم‪،‬‬ ‫أحذية األطفال الموضوعة أمام باب الخيمة‪ ،‬أحذية‬

‫مبلّلة بالطين‪ ،‬بالغبار‪ ،‬كأ ّنها بلحظة ما تحمل ك ّل الغربة‬ ‫التي يعيشها س ّكان المخيّم‪ .‬الحذاء قد يتحوّ ل بالنسبة‬ ‫للاّ جئ إلى أكثر من وسيلة للمشيّ ‪ ،‬قد يتحوّ ل لبيت‬ ‫وملجأ لطفل يحلم في هذا الشتاء القاسي فقط بحذاء‬ ‫بالستيكيّ يمنع المطر والوحل من التسرّ ب لقدميه‪.‬‬ ‫ال شيء يساوي حذاء بالستيك ّيا ً قو ّيا ً بالنسبة لالجئ‬ ‫وحيد أمام باب خيمته‪ ،‬ح ّتى الحذاء حينما يأتي في‬ ‫الوقت المناسب قد يصلح تعويضا ً عن وطن منسيّ ‪،‬‬ ‫حبال الغسيل تصلح هي األخ��رى لتكون تعويض‬ ‫وطن‪ ،‬إبريق الشايّ الموضوع على الحطب بديل آخر‬ ‫ص ُغرت‬ ‫لوطن آخر‪ ،‬فكلّما تو ّغلنا أكثر في المخيّم كلّما َ‬ ‫المفاهيم التي كانت كبيرة‪ ،‬وكبُرت التفاصيل الصغيرة‪.‬‬ ‫عشر من عمرها‬ ‫«بشرى» صبيّة في السابعة‬ ‫َ‬ ‫تنظر إلينا من خيمتها بحسرة‪ ،‬تتمعّن بلباسنا‪ ،‬بأحذيتنا‬ ‫عال وتهمس لنا‪ :‬كنت مثلكنّ ‪،‬‬ ‫الجلديّة‪ ،‬تبكي بصوت‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫كنت أهت ّم بنفسي‪ ،‬وألبس ثيابا جميلة‪ ،‬وكان الجميع‬ ‫ينظرون إليّ حينما أمشي مثلما أفعل أنا اآلن‪.‬‬ ‫تبكي «ب��ش��رى» ك ّل‬ ‫ذكرياتها‪ ،‬تطفو بحيرة‬ ‫بكاء في عينيها العسليّتين‬ ‫الجميلتين‪ ،‬تبكي وتغمض‬ ‫عينيّها بحثا ً عن صورة‬ ‫لها خ���ارج قهر وب��ؤس‬ ‫هذا المخيّم الذي أنساها‬ ‫أنوثتها‪ ،‬المخيّم الذي يتمعّن‬ ‫بطمس م�لام��ح الجمال‬ ‫على وجهها وشعرها‬ ‫الكستنائيّ الجميل‪ ،‬الجمال‬ ‫ال يناسب المخيّمات‪ ،‬كان‬ ‫هذا لسان حال «بشرى»‬ ‫وهي تبكي‪.‬‬ ‫عار أن يكون هذا‬ ‫أيّ‬ ‫ٍ‬ ‫الجمال ربيب المخيّمات يا‬ ‫هللا‪.‬‬ ‫ن��م��ض��ي م���ن خيمة‬ ‫ألخ���رى‪ ،‬ونحن نالحظ‬ ‫الجمال كيف يمرّ أمامنا‬ ‫وهو متخفٍّ تحت ألبسة‬ ‫وشال كبير‪ ،‬الجمال‬ ‫بالية‬ ‫ٍ‬

‫المقاتل األميركي «جوردان»‬ ‫أجرت الـ ‪ BBC‬مقابلة مع المقاتل األمريكيّ «جوردان‬ ‫موستون» الذي انض ّم إلى (وحدات حماية الشعب الكرديّ )‬ ‫للقتال ض ّد «داعش» والتنظيمات اإلرهابيّة األخرى وهذا بعض‬ ‫ما قاله «حضرت للقتال منذ أسبوعين ونصف تقريباً‪ ،‬وأثناء‬ ‫قتالي أصيبت ساقي اليسرى‪ ،‬وكذلك ساعدي األيسر بقذيفة‬ ‫هاون»‪.‬‬ ‫تح ّدث «موستون» إلينا من قاعدة عسكريّة في «ديريك»‬ ‫ولم يتر ّدد بشأن وجوده هناك قائالً «بعد ك ّل ما حدث خالل‬ ‫السنتين الماضيتين أخذت «داعش» تتم ّدد وتبسط سيطرتها‬ ‫على األرض‪ ،‬وفي ك ّل مرّ ة كانت تحت ّل منطقة تجبر قاطنيها‬ ‫على ا ّتباع عقيدتهم وإلاّ قتلوهم‪ .‬أنا لم أستطع أن أتحمّل مشاهدة‬ ‫ذلك يحصل بتلك الطريقة للناس من رجال ونساء وأطفال»‪.‬‬ ‫وأضاف «لقد سئمنا من سماع الحكومة األميركيّة تقول‪ :‬إنّ‬ ‫الحروب التي تدور في العراق وسوريّة هي بشأن مشاكل‬ ‫محلّيّة تخصّهم‪ ،‬إ ّنها مسألة إنسانيّة ألنّ البشر هناك ينتمون إلى‬ ‫اإلنسانيّة‪ ،‬هذا ببساطة يعنيني»‪.‬‬ ‫بلغ األمر ذروت��ه بالنسبة لـ «لموستون» بعد قطع رأس‬ ‫«جيمس فولي» من قبل «داعش» ث ّم أردف «لقد صلّيت طويالً‪،‬‬ ‫ولك ّنني بدأت البحث عن سبيل للمساعدة ودفع األذى عن البشر‪،‬‬ ‫إلى أن وجدت موقعا ً على الفيس بوك لـ ‪( YPG‬وحدات حماية‬ ‫الشعب الكرديّ ) وسألتهم إذا كان باستطاعتي االنضمام إليهم»‪.‬‬ ‫وأخبرنا أ ّنه تل ّقى ترحيبا ً ال يوصف سواء من الناس أو المقاتلين‬ ‫األكراد‪ ،‬وعلّل ذلك بقوله «لم أحمل معي إليهم إلاّ الحبّ »‪.‬‬ ‫«ه��ؤالء الشباب يبحثون عن أ ّي��ة مساعدة ممكنة من أجل‬ ‫الديمقراطيّة االجتماعيّة‪ ،‬على غرار النمط األوربيّ ‪ ،‬لقد كانوا‬ ‫على الدوام سنداً لألمريكيّين خالل تواجدنا في المنطقة لذلك‬ ‫شعرت بالفخر عندما انسحبت القوّ ات األميركيّة من المنطقة»‪.‬‬ ‫وثمّن عاليا ً دور المجتمع الكرديّ وقال‪« :‬إنّ الجميع يتعامل مع‬ ‫بعضه وكأ ّنهم أقارب‪ ،‬وقد لمست ذلك عندما كنت في المشفى‪،‬‬ ‫بعد إصابتي‪ ،‬شاهدت عائالت ال تجمعها صلة قرابة مع جرحى‬ ‫المشفى جاءت لتطمئنّ على المصابين‪ ،‬وح ّتى الجيش فعل ذلك‬ ‫ُرض‪ ،‬وليقرّ ر فيما إذا‬ ‫نحو م ٍ‬ ‫ليرى إن كان ك ّل شيء يسير على ٍ‬ ‫كانت حالة الجريح تؤهّله لمغادرة المشفى‪ ،‬وعلى الفور تتل ّقفهم‬ ‫تلك العائالت للمكوث في بيوتها ريثما يتعافون كل ّياً» وختم قائالً‬ ‫«لم نعد نرى هذه الطقوس الثقافيّة للمجتمع هنا»‪.‬‬

‫‪https://m.soundcloud.com/bbc-world-service/this-is‬‬‫‪my-job-this-is-who-i-am-im-a-protector‬‬

‫كلّنا سوريّون‬ ‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫الذي يُخفي نفسه لكيال يخدشه الوحل‪ ،‬القسوة‪ ،‬القهر‪،‬‬ ‫والبؤس‪ ،‬والذكريات‪.‬‬ ‫وأنت تنظر للخيم وهي مرصوفة بد ّقة متناهية جانب‬ ‫بعضها البعض‪ ،‬كأ ّنها مت ّفقة مسبقا ً على جعل ألم المخيّم‬ ‫واحداً‪ ،‬ألما ً يُقاس بالمسافة الفاصلة بين الخيمة والخيمة‬ ‫«بحبل غسيل» وحذاء موضوع أمام باب الخيمة بقهر‪.‬‬ ‫ال طفولة في المخيّمات‪ ،‬كاذب ك ّل َمن يتح ّدث عن‬ ‫األطفال في المخيّمات‪ ،‬ك ّل طفل يتحوّ ل لرقم بقائمة‬ ‫الالجئين‪ ،‬ك ّل طفل يتحوّ ل لوجه طينيّ بائس وحذاء‬ ‫مهترئ ال يمنع المطر من التسلّل لقدميه الصغيرتين‪،‬‬ ‫ك ّل طفل يتحوّ ل ألمنية قديمة معلّقة برحم والديّه‪ ،‬لقسوة‬ ‫ووجع بدائيّ ‪ ،‬الجمال قاتل‪ ،‬الطفولة قاتلة بالخيم‪.‬‬ ‫نمشي‪ ،‬نكمل سيرنا داخل مخيّم «قدر أرتا قيا»‬ ‫نمشي وتغدو ك ّل خيمة ذكرى موحلة عن سابقتها‪ ،‬ال‬ ‫وجع يختلف من خيمة ألخرى‪ ،‬تماما ً كحبال الغسيل‬ ‫الممت ّدة بين الخيمة واألخرى‪ ،‬تماما ً كاألحذية المرصوفة‬ ‫أمام باب ك ّل خيمة‪ ،‬ك ّل األشياء تتشابه في المخيّمات‪،‬‬ ‫األوجاع‪ ،‬األحذية‪ ،‬البكاء‪،‬‬ ‫المالمح واأللم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أسأ ُل تلك الصب ّية التي‬ ‫تضع وشاحا ً على وجهها‬ ‫لتخفي مالمحها‪:‬‬ ‫هل الحبّ يخفق داخل‬ ‫المخيّم بقلوب ه��ؤالء‬ ‫الفتيات الجميالت؟‬ ‫تضحك بخجل تهمس‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫حملت حبّي معي من‬ ‫عين ال��ع��رب (كوباني)‬ ‫وأوص��ل��ت��ه م��ع��ي لهذه‬ ‫الخيمة‪ ،‬وسأحمل ُه معي‬ ‫إلى أيّ مكان أذهب إليه‪،‬‬ ‫هو الحبّ الذي عرفته فيها‬ ‫ولن أتخلّى عنه‪ ،‬حتى لو‬ ‫تخلّى ع ّنا العالم بأكمله‪.‬‬ ‫قبل أن أخرج من المخيّم‬ ‫أرى م��ن ب���اب الخيمة‬ ‫األخيرة امرأتين عجوزين‬ ‫تجاوزتا السبعين‪ ،‬تجلسان‬ ‫ب��ه��دوء داخ����ل الخيمة‬

‫تشربان الشاي‪ ،‬تدعواني لداخل الخيمة‪ ،‬أبتسم وأطلب‬ ‫منهما التقاط صورة لهما‪ ،‬تطلبان م ّني بعض الوقت‬ ‫لترتيب نفسيهما وشاليهما أل ّنهما كما تقوالن‪:‬‬ ‫«تبهدلنـا في المخيّم‪ ..‬خلينـا بالصـورة نطلـع‬ ‫مر ّتبـات» أضحـك‪ ،‬أبتــسم وأغصّ بالبـكاء أيضـاً‪،‬‬ ‫وأنا ألتقط الصورة لهما‪ ،‬أشرد بعيداً‪ ،‬هل استطاعت‬ ‫الخيمة أن تسلب هاتين المرأتين روح الجمال وحبّ‬ ‫الحياة؟‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪ ،‬حينما تكون مجرّ د شاهد على المأساة‪ ،‬وأنت‬ ‫تعبر الخيم‪ ،‬وأنت تعبر الطين‪ ،‬تعبر الوجوه والمالمح‬ ‫التي تتقصّد أن ُتخفي نفسها وراء األوشحة‪ ،‬تف ّكر أ ّنه لم‬ ‫يعد هناك فرق بين السماء واألرض‪ ،‬المخيّمات قادرة‬ ‫على محو ك ّل التفاصيل وإبقاء الوجع فقط‪ ،‬ليصبح‬ ‫وجع السماء ووجع األرض واحداً‪ ،‬واحداً‪.‬‬ ‫مخيّم (قدر أرتا قيا) مخيّم لالجئين الكرد من عين‬ ‫العرب (كوباني) بمدينة سوروج التركيّة‪.‬‬

‫وداد نيب‬

‫هل سيحمل مطار «أبو الظهور» السالم؟‬ ‫بعد هزيمة قوّ ات األسد في معسكريّ‬ ‫وادي الضيف والحامديّة في منطقة معرّ ة‬ ‫النعمان بدأت بعدها فوراً عمليّة ضغط‬ ‫ناشطي ال��ث��ورة على القوى المسلّحة‬ ‫لتحرير مطار «أبو الظهور» العسكريّ ‪،‬‬ ‫وبالمقابل واص��ل طيران نظام األسد‬ ‫محاوالته الدؤوبة لتوتير خطوط التماس‬ ‫بين قوّ اته في مطار «أب��و الظهور»‬ ‫العسكريّ وبين قوى الثورة المسلّحة‬ ‫المرابطة على تخومه‪ ،‬وبلغ عدد طلعات‬ ‫طيران األسد خالل أسبوع ‪ 500‬طلعة‬ ‫طيران مستهدفا ً المنطقة المحيطة بالمطار من ت ّل‬ ‫الضمان شرقا ً وح ّتى سراقب غرباً‪ ،‬ومن سنجار‬ ‫جنوبا ً وح ّتى حوضة المطخ شماالً‪.‬‬ ‫وقائع امليدان‬ ‫ويفسّر ناشطو الثورة هذا التصعيد العدوانيّ‬ ‫على أ ّنه ر ّد على نتائج هزيمة قوّ ات نظام األسد‬ ‫في الحامديّة ووادي الضيف وإلرض��اء مؤيّديه‬ ‫في االنتقام من الحاضنة الشعبيّة للثورة‪ ،‬وايجاد‬ ‫مخرج وطريق آمن لسحب قوّ اته المحاصرة داخل‬ ‫المطار‪.‬‬ ‫بالمقابل ينتظر أه��ال��ي جنود نظام األس��د‬ ‫المحاصرين داخل المطار منذ ما يزيد عن عامين‬ ‫ونصف ما سيؤول إليه مصير ألف عسكريّ بين‬ ‫ضابط وصفّ ضابط وجنديّ وشبّيح‪ ،‬يت ّم إمدادهم‬ ‫بالحوّ امات‪ ،‬وق��د تو ّقف إق�لاع الطائرات منه‬ ‫منذ حصاره في منتصف العام ‪ ،2012‬وكانت‬ ‫ق��وّ ات المعارضة سيطرت في صيف ‪2012‬‬ ‫على المساكن التابعة للمطار‪ ،‬ودمّرت عدداً من‬ ‫الطائرات بداخله‪ ،‬قبل أن تنسحب وتفرض حصاراً‬ ‫عليه بغية إبقائه خارج الخدمة‪.‬‬ ‫كما خاضت قوّ ات المعارضة معركة أخرى في‬ ‫أواخر العام ‪ ،2013‬سيطرت خاللها على ع ّدة‬ ‫نقاط من جهة الباب الرئيسيّ ‪ ،‬وتم ّكنت من اقتحام‬ ‫قرية «الخشير» المحاذية لسور المطار من الجهة‬ ‫الشماليّة الشرقيّة‪ ،‬لك ّنها عادت وانسحبت بسبب‬ ‫طبيعة األرض السهليّة‪ ،‬وقلّة الذخيرة لديهم‪.‬‬ ‫ويع ّد مطار «أبو الظهور» أحد أكبر المطارات‬ ‫في المنطقة الشماليّة‪ ،‬وثاني أه ّم مطار عسكريّ‬ ‫في سوريّة‪ ،‬ويبلغ مساحته ‪ 8‬كيلو متر مربّع‪ ،‬وفيه‬

‫‪ 22‬هنكاراً لطائرات الميغ ‪ 21‬وميغ ‪ ،23‬ويتبع‬ ‫إدار ّيا ً للواء ‪ 14‬الموجود في حماة‪ ،‬ويع ّد المطار‬ ‫شبه خارج عن الخدمة عسكر ّيا ً منذ أكثر من سنتين‬ ‫ونصف تقريباً‪ ،‬بسبب هجمات الثوّ ار المتكرّ رة‬ ‫عليه‪ ،‬إلاّ أ ّنه يحتوي على دبّابات وعربات مدرّ عة‪،‬‬ ‫وأكثر من س ّتة مدافع (‪23‬مم) ّ‬ ‫موزعة على أطراف‬ ‫المطار‪ ،‬وتقوم ق��وّ ات األس��د باستهداف القرى‬ ‫المجاورة للمطار يوم ّيا ً بقذائف الهاون والدبابات‪،‬‬ ‫وأمهلت قوّ ات المعارضة منذ يوم السبت (‪/12/27‬‬ ‫‪ )2014‬قوّ ات األسد المتمركزة في مطار «أبو‬ ‫الظهور» العسكريّ آخر معاقل النظام في ريف‬ ‫إدلب أسبوعا ً لالنشقاق‪.‬‬ ‫جردة لألضرار‬ ‫وبحسب ناشطين كانت فصائل مقاتلة أبرزها‬ ‫جبهة النصرة‪ ،‬وحركة أحرار الشام‪ ،‬وجبهة ثوّ ار‬ ‫«أبو الظهور» قد حشدت عدداً كبيراً من اآلليّات‬ ‫الثقيلة حول المطار‪ ،‬وأمام إصرار الثوّ ار على‬ ‫تحرير المطار وتع ّنت ق��وّ ات نظام األس��د على‬ ‫البقاء‪ ،‬الب ّد من استعراض ما دفعه األبرياء من‬ ‫أهالي منطقة «أبو الظهور» وما حولها من قتل‬ ‫وتدمير وتهجير‪ ،‬وال يمكن معرفة الحصيلة النهائيّة‬ ‫سواء في البشر أو األموال أو الممتلكات‪ ،‬أو في‬ ‫نتائجها اآلنيّة والبعيدة المدى‪ ،‬ومع ذلك ال ب ّد من‬ ‫إجراء جردة مرحليّة للخسائر واألضرار والمآسي‬ ‫التي أصابت المدنيّين‪ ،‬ومثل هذه الجردة ضروريّة‬ ‫في الوقت الحاضر لع ّدة أسباب‪:‬‬ ‫أوّ الً ‪ -‬ألنّ وضع المنطقة دخل مرحلة الخطر‬ ‫الكبير جرّ اء القتل والتدمير والتدهور المعيشيّ‬ ‫والصحيّ في حياة الناس‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪ -‬من المه ّم إبراز الحقائق أمام المجتمع‬

‫ّ‬ ‫والمنظمات المختصّة‪ ،‬لكي‬ ‫ال��دول��يّ‬ ‫تتحسّس مدى معاناة الشعب السوريّ ‪،‬‬ ‫فتعمل على مساعدته ودعمه‪.‬‬ ‫ثالثا ً ‪ -‬لكشف زي��ف ن��ظ��ام األس��د‬ ‫اإلرهابيّ ‪ ،‬وفضح الشروحات الطوباويّة‬ ‫وتصوير األسد على أ ّنه يحارب اإلرهاب‪،‬‬ ‫وفي الحقيقة يقتل ويدمّر ويهجّ ر المدنيّين‬ ‫الذين قالوا له‪( :‬ارحل!)‪.‬‬ ‫إزاء ك � ّل ذل��ك ال ب � ّد من االستعانة‬ ‫باألرقام‪ ،‬لكي تكون الشاهد على ما آل‬ ‫إليه وضع منطقة «أبو الظهور» وما‬ ‫حولها وال ب ّد من مالحظتين‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬إنّ الهدف ليس تقييما ً لألحداث باألرقام‪،‬‬ ‫إ ّنما للتمعّن بها وفي مضمونها‪ ،‬وداللة ذلك ُتغني‬ ‫عن الشرح والتحليل وتضليل إعالم نظام األسد‪.‬‬ ‫والثانية‪ :‬هذه األرقام تستند إلى دراسة ميدانيّة‬ ‫وفي تواريخ مختلفة‪ ،‬ومصادر متنوّ عة كالمشافي‬ ‫الميدانيّة والمراصد‪ ،‬وناشطي الثورة‪.‬‬ ‫نتائج قصف طيران نظام األسد على منطقة‬ ‫«أبوالظهور» وما حولها‪:‬‬ ‫‪ - 1‬عدد المهجّ رين من مناطقهم ‪ 17‬ألف‬ ‫مهجّ ر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ - 2‬عدد الشهداء ‪ 350‬شهيدا غالبيّتهم من‬ ‫األطفال والنساء‪.‬‬ ‫‪ - 3‬عدد المؤسّسات المه ّدمة ‪ 220‬مؤسّسة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬عدد المنازل المحروقة ‪ 1200‬منزالً‪.‬‬ ‫‪ - 5‬عدد القرى المدمّرة والمسلوبة ‪ 9‬قرى‬ ‫وهي‪« :‬ت ّل سلمو‪ ،‬وبويطيّة‪ ،‬وبياعيّة صغيرة‪،‬‬ ‫وبياعيّة كبيرة‪ ،‬وأم جرين‪ ،‬والحميديّة‪ ،‬والخشير‪،‬‬ ‫ووريدة‪ ،‬وحميمات الداير»‬ ‫ّ‬ ‫‪ -6‬عدد المدارس المدمّرة ‪ 25‬مدرسة‪ ،‬وتوقف‬ ‫العمليّة التربويّة منذ عامين‪ ،‬وأفرغت المنطقة من‬ ‫الكوادر العلميّة والتقنيّة واإلداريّة‪.‬‬ ‫وفي إحصاءات أخرى فإنّ قطاع الزراعة قد‬ ‫ّ‬ ‫الموظفين والعمّال‬ ‫ُدمّر بشكل كلّيّ ‪ ،‬وتجاوز عدد‬ ‫الذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم ثلثيّ القوى العاملة‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬هل ستشهد منطقة‬ ‫مطار «أبو الظهور» العسكريّ بعد التحرير براعم‬ ‫ربيع جديد يحمل السالم؟‬

‫مصطفى فرحان‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫اقتصاد و قانون‬

‫الهتك مريم‪« ،‬شاهدة ملكة» في محكمة جنايات دولّية ‪2/1‬‬ ‫َ‬ ‫(تنشر بالتزامن مع جمموعة من وسائل اإلعالم السوريّة)‬‬

‫الخميس‪ ،‬الثاني عشر من كانون الثاني عام ‪،2012‬‬ ‫اع ُتقلت مريم (اسم مستعار) أثناء مرورها في سوق‬ ‫شعبيّ يدعى «سوق المناطي» في حي جوبر بدمشق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المزة‬ ‫واقتيدت إلى فرع المخابرات الجويّة في منطقة‬ ‫حيث بقيت هناك ألربعة أشهر‪ ،‬ع ُّذبت واغ ُتصبت‪،‬‬ ‫وحملت بجنين نتيجة االغتصاب وفقدته نتيجة التعذيب‬ ‫الوحشيّ ‪ ،‬قبل أن يُطلق سراحها بعد أن أُجبرت على‬ ‫االعتراف بقتل ضابط‪ ،‬مرّ ت أشهر بعد ذلك‪ ،‬لتعتقل‬ ‫مريم للمرّ ة الثانية‪ ،‬وتمضي في االعتقال الثاني أكثر‬ ‫من عام وثمانية أشهر‪ ،‬من جديد ّ‬ ‫عذبت وأوذي��ت‬ ‫واغ ُتصبت‪ ،‬قبل أن يطلق سراحها وهي تحمل في‬ ‫أحشائها جنينا ً ال تعرف من أبوه وال ما تصنع به‪،‬‬ ‫وضعت مريم طفلها في مشفى ميدانيّ في النبك بريف‬ ‫دمشق وأسمته محمّد‪ ،‬بعد حوالي العام على إطالق‬ ‫سراحها‪ ،‬تروي مريم لـ «سوريّتنا» للمرّ ة األولى‬ ‫تفاصيل أكثر من عامين أمضتها في المخابرات‬ ‫الجويّة‪ ،‬ومريم ليست الوحيدة‪.‬‬ ‫االعتقال األوّل «من جوبر إىل العدويّ»‬ ‫اقتيدت مريم إلى فرع المخابرات الجويّة في منطقة‬ ‫ّ‬ ‫المزة‪ ،‬وبدأ التحقيق معها بعرض صور لرجال ونساء‬ ‫من ذات الحيّ الذي تسكنه‪ ،‬وتقول‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫إ ّنها كانت تعرف البعض من تلك الوجوه‪ ،‬لكنها‬ ‫أنكرت تلك المعرفة‪ ،‬فبدأ تعذيبها وضربها‪.‬‬ ‫تستمرّ جلسة التعذيب‪ ،‬من نصف ساعة ح ّتى‬ ‫ساعتين‪ ،‬تتعرّ ض فيها المعتقلة لش ّتى أنواع الضرب‬ ‫والتعذيب‪ ،‬وقالت‪ :‬إ ّنها كانت تقسم بالمق ّدسات الدينيّة‬ ‫اإلسالميّة بأ ّنها ال تملك أيّ معلومات‪ ،‬لكنّ ذلك كان‬ ‫يجعل المح ّققين يعذبونها أكثر‪.‬‬ ‫تقول مريم‪:‬‬ ‫إ ّنها وصلت إلى مرحلة من اإلجهاد نتيجة التعذيب‬ ‫أصبحت فيها ترجو المح ّققين والعناصر كي يتو ّقفوا‬

‫عن تعذيبها وتشير «كنت أرجوهم باسم هللا ونبيّه‪،‬‬ ‫فكان ضربي يزداد إثر ذلك‪ ،‬ث ّم حاولت أن أرجوهم‬ ‫باسم «اإلمام عليّ » إلاّ أنّ ذلك لم يوقف تعذيبي بل زاد‬ ‫منه» إذ كانوا يظ ّنون أ ّنها تسخر من معتقداتهم‪ ،‬رغم‬ ‫أنّ عدداً منهم ال ينتمي إلى الطائفة العلويّة‪ ،‬وتقول‪ :‬إنّ‬ ‫بينهم لبنانيّين عرفتهم من لهجاتهم‪.‬‬ ‫وبعد أسبوع من التعذيب المتواصل الذي كان من‬ ‫ضمنه الحرق والتعرية واإلهانة‪ ،‬شتمت مريم ب ّ‬ ‫شار‬ ‫األسد أمام المح ّقق‪ ،‬راجية من ذلك التصرّ ف الموت‬ ‫«دعوت هللا أن يصيب ب ّ‬ ‫شار األسد بالمرض والموت‬ ‫بوجه المح ّقق مباشرة كي يقتلني‪ ،‬قلت (هللا يشلّو ويذلّو‬ ‫لب ّ‬ ‫شار األسد متل ما ذلّنا) كنت أعلم أنّ جملة مماثلة‬ ‫لها جواب واحد بالنسبة لهم وهو قتلي‪ ،‬فاقتادوني إلى‬ ‫زنزانة منفردة‪ ،‬وجر ّدت من مالبسي بشكل كامل‪ ،‬في‬ ‫درجة حرارة منخفضة ج ّداً‪ ،‬رُبطت قدماي وعلّقت‬ ‫من السقف بشكل مقلوب وتعرّ ضت خالل هذه الفترة‬ ‫لحرق بأعقاب السجائر واعتداء جنسيّ ‪ ،‬فضالً عن‬ ‫الضرب المتواصل‪ ،‬بقيت مريم في المنفردة لم ّدة‬ ‫ثمانية وأربعين ساعة وتصف المكان الذي احتجزت‬ ‫فيه بالمخيف‪.‬‬ ‫لم يكن ما ترويه مريم في تفاصيله مفاجئا ً ج ّداً لـ‬ ‫«آية مه ّنا» المعالجة النفسيّة والمختصّة في علم النفس‬ ‫العياديّ ‪ ،‬والتي ّ‬ ‫اطلعت على قضيّة مريم‪« ،‬مه ّنا»‬ ‫قالت في إجابتها على سؤال «سوريّتنا» حول مدى‬ ‫تقاطع المعلومات التي أدلت بها مريم مع معلومات‬ ‫سمعتها من معتقلين سوريّين أخرين‪ :‬إنّ هناك نحو‬ ‫‪ ٪ 60‬من معلومات مريم يتقاطع تماما ً مع ما أدلى‬ ‫به معتقلون سابقون في فروع أمنيّة سوريّة أخرى‪،‬‬ ‫فطريقة التعذيب وتفاصيله هي أكبر قاسم مشترك بين‬ ‫قصّة مريم وقصص أخرى رواها معتقلون سابقون‬ ‫بينهم رجال‪.‬‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫عامر حممّد‬

‫حقوق الناس‪ ..‬إلى أين؟‬

‫هيستريا العقوبة‬

‫النظام يعدم شبّانا ً معارضين‪ ،‬الجيش الحرّ ين ّفذ‬ ‫اعدامات ّ‬ ‫بحق شبّيحة النظام‪« ،‬داعش» تعدم سوريّين‬ ‫مدنيّين وجنود وقيادات في الجيش الحرّ ‪ .‬تلك وغيرها‬ ‫ّ‬ ‫بحق السوريّين‪،‬‬ ‫من العقوبات الهيستريّة التي تن ّفذ‬ ‫وينظر البعض للمعاقبين فيها على أ ّنهم أبطال‬ ‫وضحايا‪ ،‬أوينظر آخرون إليهم على أ ّنهم مجرمون‬ ‫يستح ّقون العقوبة‪.‬‬ ‫والسؤال‪ ،‬هل هذه عقوبات عادلة؟ وهل تح ّقق الغاية‬ ‫المرجوّ ة منها؟‬ ‫ما هي العقوبة؟‬ ‫تعرّ ف العقوبة شرعا ً بأ ّنها‪ :‬الجزاء المقرّ ر على‬ ‫عصيان أمر هللا وارتكاب ما حُظر عنه‪ ،‬فهي الزواجر‬ ‫والنواهي التي وضعها هللا‪.‬‬ ‫وتعرّ ف العقوبة في القوانين الوضعيّة بأ ّنها‪ :‬جزاء‬ ‫يُفرض باسم المجتمع على شخص مسؤول جزائ ّيا ً‬ ‫عن جريمة‪ ،‬بناء على حكم قضائيّ صادر من محكمة‬ ‫مختصّة‪ ،‬ويُفضي المفهوم الحديث للعقوبة إلى تحقيق‬ ‫غاية جديدة من العقوبة وهي اإلصالح‪ ،‬لذلك يفضّل‬ ‫الكثيرون القول بأ ّنها جزاء وعالج‪ .‬ومن التعريفين‬ ‫نجد أنّ العقوبة في الشرع والقوانين الوضعيّة هي‪:‬‬ ‫قانونيّة ‪ -‬شخصيّة – قضائيّة‪.‬‬ ‫قانونيّة العقوبة‪:‬‬ ‫«ال عقوبة إلاّ بنصّ قانونيّ » أيّ أ ّن��ه ال يجوز‬ ‫تجريم أيّ شخص واعتباره مجرما ً إلاّ بناء على نصّ‬ ‫قانونيّ ويجب أن يكون هذا النصّ القانونيّ صادراً عن‬ ‫جهة مخوّ لة بحكم الدستور بإصدار القوانين كالسلطة‬ ‫التشريعيّة مثالً‪.‬‬ ‫فعل الشخص ح ّتى يعتبر جريمة الب ّد أن يكون هذا‬ ‫الفعل منصوصا ً عليه في القانون كجريمة‪ ،‬وعقوبته‬ ‫مح ّددة‪ ،‬مقدارها منصوص عليه في القانون وطريقة‬ ‫إيقاعها أيضاً‪ ،‬وال ّ‬ ‫يحق أليّة جهة تجريم األفعال ما لم‬ ‫يكن قد أُنيط بها ذلك وفقا ً للدستور‪.‬‬ ‫شخصيّة العقوبة‪:‬‬ ‫ال يجوز إيقاع العقوبة إلاّ على من ارتكب الجريمة‪،‬‬

‫وتصفُ مريم آليّة عمليّات االغتصاب بالتالي‬ ‫«يت ّم النداء على اسم المعتقلة و ُتقاد إلى غرفة أخرى‬ ‫وتغتصب فيها‪ ،‬كانت عمليّات االغتصاب مستمرّ ة‬ ‫طوال فترة اعتقالي لم ّدة أربعة أشهر‪ ،‬وتكون مترافقة‬ ‫مع إهانات وإذالل شديدين‪ ،‬هدف المُغتصبين هو‬ ‫إذالل المعتقلة وليس المتعة الجنسيّة» تقول الشاهدة‪:‬‬ ‫إ ّنها تعرّ ضت لالغتصاب بمع ّدل مرّ ة واحدة في اليوم‪،‬‬ ‫واستمرّ ذلك ح ّتى ما قبل إطالق سراحها‪ ،‬فيما حملت‬ ‫بجنين في المعتقل وفقدته نتيجة الضرب المستمرّ ‪،‬‬ ‫وتذك ُر أنّ أخريات حملن بأج ّنة نتيجة ذلك‪ ،‬وأجهضن‬ ‫نتيجة الضرب أيضا ً على الصدر والظهر والبطن‪،‬‬ ‫فيما ال تستطيع أن تؤ ّكد ما إذا كان المح ّققون والعناصر‬ ‫يقصدون ضربهن بغرض إجهاض األج ّنة أم ال‪.‬‬ ‫تعرّ ضت مريم الغتصاب خلفيّ وأماميّ ‪ ،‬وزاد من‬ ‫ح ّدة وتكرار اغتصابها الحادثة التي شتمت فيها ب ّ‬ ‫شار‬ ‫األسد‪ ،‬وتقول‪ :‬إ ّنها شاهدت وجوه بعض عناصر الفرع‬ ‫المُغتصبين‪ ،‬فيما أخفى آخرون وجوههم‪ ،‬هؤالء كانوا‬ ‫يختارون المعتقالت الغتصابهنّ وفق جدول عبثيّ ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بحق نساء وفتيات من عمر‬ ‫فيما سجل االغتصاب‬ ‫السابعة عشرة وح ّتى الخمسين عاماً‪ ،‬قام به ضبّاط‬ ‫وعناصر على ح ّد سواء‪.‬‬ ‫يستعمل االغتصاب كسالح وبشكل ممنهج في‬ ‫المعتقالت السوريّة‪ ،‬كما يؤ ّكد عبد الكريم ريحاوي‬ ‫رئيس الرابطة السوريّة لحقوق اإلنسان‪ ،‬يقول‪ :‬إنّ‬ ‫ما تدلي به مريم يتقاطع بشكل كامل مع عشرات‬ ‫الشهادات األخرى‪ ،‬وإنّ الهدف من عمليّات االعتداء‬ ‫الجنسيّ ليس انتزاع معلومات من المعتقلين‪ ،‬بقدر ما‬ ‫هو محاوالت إلذاللهم‪ ،‬ويشير ريحاوي إلى أنّ مجلس‬ ‫األمن أصدر قراراً بمالحقة جناة عمليّات االعتداء‬ ‫الجنسيّ في المحاكم الدوليّة‪ ،‬وح ّتى في محاكم سوريّة‬ ‫القادمة‪ ،‬مشيراً إلى أنّ السلطات السوريّة تستخدم‬

‫االغتصاب كسالح دائم‪.‬‬ ‫يبلغ ع��دد المعتقالت اللواتي ك��نّ مع مريم في‬ ‫المخابرات الجويّة في اعتقالها األوّ ل‪ ،‬أكثر من ‪150‬‬ ‫معتقلة تتراوح أعمارهنّ بين ‪ 17‬عاما ً ح ّتى ‪ 60‬عاما ً‬ ‫وتذكر أ ّنها شاهدت أطفاالً معتقلين منهم دون الثانية‬ ‫عشرة‪ ،‬تعرّ ضوا للضرب كذلك من قبل المح ّققين‪،‬‬ ‫لك ّنها تصفه بالعذاب األقلّ‪ ،‬وكانت شاهدة على حاالت‬ ‫قُتلت فيها المعتقالت من ش ّدة التعذيب واالغتصاب وال‬ ‫تعلم ماذا فُعل بجثثهنّ ‪.‬‬ ‫يئست مريم من إطالق سراحها من فرع الجويّة‪،‬‬ ‫ووصلت لحالة سيئة نفس ّيا ً وجسد ّياً‪ ،‬وتصف فترة‬ ‫االعتقال األوّ لى بأ ّنها قرّ بتها من الموت مراراً وكانت‬ ‫تنتظر حدوثه‪ ،‬فيما تصف اغتصابها بأ ّنه كان متكرّ راً‬ ‫بشكل يفوق اغتصاب أخريات‪.‬‬ ‫وجّ ه المح ّققون لـ مريم تهمة قتل ضابط في الجيش‬ ‫السوريّ «أيمن جوابرة» خالل اشتباك مسلّح في حي‬ ‫جوبر‪ ،‬وتهمة تقديم الذخيرة والسالح للجيش الحرّ ‪،‬‬ ‫ووقعت على التهم وأطلق سراحها في حيّ العدوي‬ ‫ّ‬ ‫متأخر من‬ ‫بدمشق مع أربعة عشرة معتقلة في وقت‬ ‫الليل‪.‬‬ ‫بعد إطالق سراحها من المخابرات الجويّة‪ ،‬توجّ هت‬ ‫مريم إلى حيّ جوبر وبقيت هناك لفترة قصيرة‪ ،‬قبل‬ ‫أن يقضي معظم أفراد عائلتها نتيجة قص ٍ‬ ‫ف ‪ -‬من قبل‬ ‫القوّ ات النظاميّة ‪ -‬ببرميل متفجّ ر‪ ،‬البرميل دمّر س ّتة‬ ‫أبنية بشكل كامل‪ ،‬فنجت هي مع شقيقها من عمليّة‬ ‫القصف الذي ت ّم في وقت كانت فيه خارج المنزل‪،‬‬ ‫فانتقلت إلى منطقة بين عربين وجوبر‪ ،‬حيث عملت‬ ‫في مهنتها السابقة «التمريض» مع مصابين مدنيّين‬ ‫وعسكريّين من الجيش الحرّ ‪ ،‬واع ُتقلت هناك للمرّ ة‬ ‫الثانية‪...‬‬

‫وال يجوز بأيّ شكل من‬ ‫األشكال أن تمت ّد العقوبة‬ ‫إلى غيره من أفراد أسرته‬ ‫أو ح ّتى جماعته‪ ،‬كما ال‬ ‫يجوز أن تعاقب مجموعة‬ ‫كاملة ب��ج��ري��رة إج��رام‬ ‫شخص ينتمي إليها‪ ،‬فلو‬ ‫أنّ شخصا ً ارتكب فعالً‬ ‫وهذا الفعل مجرّ م بأحكام‬ ‫القانون‪ ،‬فال يجوز اعتبار‬ ‫أسرته أو المكوّ ن الذي‬ ‫ينتمي إليه مجرمين‪.‬‬ ‫قضائيّة العقوبة‪:‬‬ ‫ال يجوز تجريم أيّ شخص إلاّ وفق نصّ قانونيّ‬ ‫واضح وال توقع العقوبة عليه إلاّ بعد صدور حكم‬ ‫قضائيّ قطعي‪ ،‬أي أ ّنه يجب أن يكون الحكم قد استنفذ‬ ‫ك ّل مراحل الطعن واالستئناف؛ وهنا الب ّد من توضيح‬ ‫أنّ الجهة القضائيّة يجب أن تكون مُش ّكلة وفق أسس‬ ‫ّ‬ ‫بأدق تفاصيلها‬ ‫قانونيّة وأن تتبع أصول المحاكمات‬ ‫أثناء المحاكمة؛ وأه ّم هذه األصول هو إعطاء الم ّتهم‬ ‫حق الدفاع عن نفسه‪ ،‬كما يجب إعطاؤه ّ‬ ‫ّ‬ ‫حق المحاكمة‬ ‫على درجات‪ ،‬أيّ ح ّقه في استئناف الحكم والطعن به‬ ‫أمام محاكم الدرجة األعلى‪.‬‬ ‫هيسرتيا‬ ‫أمّا يجري اليوم في سورية‪ ،‬من اعتقال للمواطنين‬ ‫وإعدامهم بدون محاكمات‪ ،‬وتسليم مصير المواطنين‬ ‫لمزاجيّات شخصيّات وضبّاط أم��ن‪ ،‬فهو الجريمة‬ ‫بعينها وفقا ً لك ّل الشرائع السماويّة والوضعيّة‪.‬‬ ‫وإنّ أغلب األطراف السوريّة التي تمتلك سلطات في‬ ‫مناطقها تن ّفذ عقوبات ّ‬ ‫بحق المواطنين بشكل هيستيريّ‬ ‫دون أدن��ى م��راع��اة ألص��ول المحاكمات وبشكل‬ ‫اعتباطي‪ ،‬وأحيانا ً‬ ‫ّ‬ ‫بحق أبرياء ولمجرّ د وجود عالقة‬ ‫قرابة أو عالقة إثنيّة مع المجرم الحقيقيّ ‪ ،‬فمعتقالت‬ ‫النظام ممتلئة بمواطنين أبرياء اع ُتقلوا لمجرّ د الشبه أو‬ ‫القرابة مع من يُعتبرون مجرمين بنظر النظام‪ ،‬كما أ ّنه‬ ‫ت ّم اختطاف وقتل الكثيرين من قبل كتائب مسلّحة بسبب‬ ‫انتمائهم الطائفيّ أو اإلثنيّ ‪.‬‬ ‫إنّ ُتو ّفر الشروط السابقة في العقوبة‪ :‬قانونيّة ‪-‬‬ ‫شخصيّة – قضائيّة‪.‬‬ ‫يساهم في تش ّكل وع��ي جمعيّ بعدالة العقوبة‪،‬‬ ‫وبالتالي يعطيها فاعليّة لتحقيق غاياتها االجتماعيّة‪،‬‬ ‫ويبعد العقوبة عن شبهة االنتقام‪ ،‬ويبعدنا عن الفوضى‬ ‫واالختالل‪ ،‬ويصون حياتنا من العبث ومن االنحراف‬ ‫ويرتقي بنا لنكون مجتمعا ً متحضّراً‪.‬‬

‫احملامي حممّد محو‬

‫سنتين ونيّف م��رّ ت على عشرات اآلالف من‬ ‫الدعاوى التي تحوي على حقوق الناس‪ ،‬وهي تقبع في‬ ‫أحد أقبية مدينة حلب الحرّ ة‪ ،‬حيث تحيط بها مخاطر‬ ‫التلف‪ ،‬إن لم يكن بقصف النظام المجرم‪ ،‬فالرطوبة‬ ‫والعفن ستالحقها‪.‬‬ ‫إلى متى سوف تبقى هذه المل ّفات حبيسة ذاك القبو؟‬ ‫وهل ستنجو من قصف النظام الذي ال يكاد يتو ّقف‬ ‫عن مدينة حلب؟ وإن نجت من القصف‪ ،‬هل ستنجو‬ ‫من عوامل الطبيعة (الرطوبة والعفن) أم أنّ للجهات‬ ‫المختصة كالما ً آخر؟‬ ‫يف املكتب القانون ّي‬ ‫من خالل المقابالت التي أجريناها‬ ‫قمنا بتوجيه هذه األسئلة للجهات المعنيّة؛‬ ‫وب��س��ؤال المحامي «ياسين ه�لال»‬ ‫الرئيس السابق للمكتب القانونيّ للمجلس‬ ‫المحلّيّ لمدينة حلب الحرّ ة حول وضع‬ ‫المستودع أج��اب‪ :‬خ�لال الس ّتة أشهر‬ ‫التي عملت فيها بالمجلس كان المستودع‬ ‫تحت يد المجلس وندفع بدل اإليجار‬ ‫والمستودع عبارة عن قبو ليس فيه منفذ للنور وال‬ ‫للهواء وهو عرضة للقصف‪ ،‬وأضاف «هالل»‪ :‬لقد‬ ‫واجه المجلس ّ‬ ‫ممثال بالمكتب القانونيّ ع ّدة مشاكل مع‬ ‫فصائل عسكريّة حاولت وضع يدها على المستودع‬ ‫ألسباب كثيرة ‪ -‬لسنا بصدد ذكرها ‪ -‬والمستودع اآلن‬ ‫بحوزة هيئة محاميّ حلب األحرار‪.‬‬ ‫ث ّم اهليئة‬ ‫قمنا بالتوجّ ه إلى مقرّ هيئة محامي حلب األحرار‬ ‫بحيّ الشعّار بحلب وقابلنا أحد أعضاء المكتب التنفيذيّ‬ ‫المحامي أحمد الشبلي وبسؤاله عن األضابير وعددها؟‬ ‫وكيف ت ّم نقلها؟‬ ‫وماهي نظرة الهيئة المستقبليّة لها؟‬ ‫فأجاب أنّ هذه األضابير تحتوي على حقوق مدنيّة‬ ‫(بيع ‪ -‬شراء ‪ -‬رهن ‪ -‬إيجار – تركات ‪ -‬وأحوال‬ ‫مدنيّة‪ ،‬ودعاوى عمّاليّة) ويق ّدر عددها بمائة وعشرين‬ ‫ألف وأكثر‪.‬‬ ‫في الشهر الثامن من العام ‪ 2012‬قام طيران النظام‬ ‫بقصف مبنى المحاكم المدنيّة في حيّ الشعّار فسارع‬

‫محامو حلب األح��رار وعلى نفقتهم الخاصّة بتعبئة‬ ‫المل ّفات الموجودة في المبنى ونقلها إلى مكان آخر‪.‬‬ ‫بعدها ُسلّم المستودع للمكتب القانونيّ في المجلس‬ ‫المحلّيّ لمدينة حلب الحرّ ة لم ّدة تسعة أشهر‪ ،‬ث ّم عاد‬ ‫المستودع للهيئة‪ .‬خالل السنتين الماضيتين عكفت‬ ‫الهيئة على إعداد مشروع أتمتة هذه األضابير من أجل‬ ‫حفظ نسخ إلكترونيّة عنها في حال ال قدر هللا تلفت‬ ‫هذه األضابير جرّ اء القصف‪ ،‬وقامت الهيئة بمراسلة‬ ‫ع ّدة جهات داعمة لتدعم هذا المشروع الذي تق ّدر‬ ‫كلفته المبدئيّة بـ ‪ 80‬ألف دوالر‪ ،‬ومن هذه الجهات‬ ‫وزارة العدل في الحكومة السوريّة المؤ ّقتة‪ ،‬وبعد ع ّدة‬ ‫اجتماعات مع وزير العدل القاضي فائز الظاهر تمّت‬ ‫الموافقة مبدئ ّيا ً على دعم المشروع ولكن لم يُصادق‬ ‫عليه بسبب إقالة الحكومة وتحوّ لها إل��ى حكومة‬ ‫تصريف أعمال‪.‬‬ ‫وعد الوزير‬

‫وفي اللقاء الذي أجريناه مع وزير العدل في الحكومة‬ ‫السوريّة المؤ ّقتة القاضي فائز الظاهر صرّ ح لنا بما‬ ‫يلي‪« :‬أوّ الً‪ :‬وقبل ك ّل شيء‪ ،‬إنّ هذه األضابير ليست‬ ‫مُلكا ً للوزارة وال ملكا ً ألحد‪ ،‬وإ ّنما هي ملك ألصحاب‬ ‫الحقوق التي تحميها هذه الدعاوى‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬لقد تل ّقينا مشروع من محامي حلب األحرار‬ ‫حول أتمتة هذه األضابير‪ ،‬وبعد ع ّدة لقاءات وتشاورات‬ ‫ت ّم قبول المشروع‪ ،‬وت ّم رفعه من قبل الوازرة لرئاسة‬ ‫الوزراء ضمن موازنة عام ‪ ،2015‬وبمجرّ د المصادقة‬ ‫على الموازنة سيدخل هذا المشروع حيّز التنفيذ إن شاء‬ ‫هللا في األيّام القليلة اآلتية‪ ،‬ووزارة العدل اآلن بصدد‬ ‫نقل مل ّفات قضائيّة من عدد محافظات سوريّة أخرى»‪.‬‬ ‫متى؟‬ ‫وها نحن اليوم في العام ‪ 2015‬الذي وُ عدنا أن يت ّم‬ ‫فيه تنفيذ هذا المشروع‪ ،‬ولن نقف متفرّ جين‪ ،‬بل سنسلك‬ ‫ك ّل السبل وسنطرق ك ّل األب��واب للبدء بهذا العمل‬ ‫الوطنيّ الذي يمسّ حياة السوريّين‪ ،‬ك ّل السوريّين‬ ‫تأسيسا ً لحقوقهم في المستقبل‪.‬‬

‫احملامي‪ :‬عبّاس املوسى‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫مجتمع‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪9‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫(الفوبيا) على مدى عقود من االستبداد‬ ‫منذ أن استولى حافظ األس��د على الحكم في‬ ‫سوريّة‪ ،‬ولجأ إلى القوّ ة والتعسّف واالستبداد من أجل‬ ‫بقائه رئيسا ً لها‪ ،‬ومن ث ّم ورّ ث الحكم إلى ابنه ب ّ‬ ‫شار‪،‬‬ ‫وح ّتى رفض الشعب لنظام االستبداد وخروجه ثائراً‬ ‫ض ّده‪ ،‬أي منذ ما يقارب الخمسين عاما ً وح ّتى يومنا‬ ‫هذا‪ ،‬انتشرت ‪ -‬في ظ ّل هذا التع ّنت ‪ -‬الكثير من‬ ‫االضطرابات النفسيّة لدى األفراد‪،‬‬ ‫ولع ّل أبرزها (الفوبيا)‪.‬‬ ‫تعرّ ف الموسوعة الحرّ ة الـ‬ ‫(الفوبيا) أو الرُّ هاب كمرض‬ ‫نفسيّ بأ ّنه “خوف متواصل من‬ ‫مواقف أو نشاطات معيّنة عند‬ ‫حدوثها أو مجرّ د التفكير فيها‬ ‫أو أجسام معيّنة أو أشخاص‬ ‫عند رؤيتها أو التفكير فيها”‪.‬‬ ‫لهذا الرهاب تفرّ عات كثيرة‬ ‫وظالل مختلفة‪ ،‬حيث تغلغلت‬ ‫ح ّتى أصغر تفاصيل حياة‬ ‫األف���راد‪ .‬طبعاً‪ ،‬انتها ًء‬ ‫بأكبرها مفصليّة‪ ،‬ولع ّل‬ ‫(الفوبيا) تلك قد ُكسرت‬ ‫ن��وع��ا ً م��ا م��ن��ذ أرب��ع‬ ‫سنوات‪ ،‬ولكن ح ّل‬ ‫مكانها (فوبيات)‬ ‫أخ����رى دون أن‬ ‫ُت��م��ح��ى ال��ق��دي��م��ة؛‬ ‫بمعنى ّ‬ ‫أدق‪ ،‬إنّ تلك‬ ‫الحاالت قد ُكسرت نوعا ً ما ومن ث ّم عادت للترسّخ‬ ‫ثانية وبشكل أكبر مع حاالت أكبر ش ّدة وقسوة كنتيجة‬ ‫طبيعيّة للموت والحرب الحاصلة‪.‬‬ ‫سابقاً‪ ،‬ثمّة قول منتشر ج ّداً بين الجميع “الحيطان‬ ‫لها آذان” وإنْ عكس هذا من شيء‪ ،‬فإ ّنه يعكس حجم‬ ‫الرهاب الذي كان منتشراً في تلك الفترة‪ ،‬حيث كان‬ ‫الخوف من المخابرات يحت ّل الدرجة األولى‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى انتشار أوه��ام المراقبة واالضطهاد بمختلف‬ ‫درجاتها وح ّدتها‪ ،‬فلم يكن ثمّة َمن يتجرّ أ على توجيه‬ ‫أيّ انتقاد للنظام الحاكم أو أليّ مسؤول أو أليّة‬ ‫جهة من الحكومة‪ ،‬ح ّتى وإنْ كان وحيداً في غرفة‬

‫مع ذاته‪ ،‬فـ “الحيطان لها آذان!”‪ ،‬وكان النتشار‬ ‫المخبرين بشكل كبير األثر األكبر في ترسيخ هذه‬ ‫االضطرابات‪.‬‬ ‫ويمكننا أن نرى بوضوح مدى تغلغل ذلك الخوف‬ ‫في حياة األغلبيّة‪ ،‬فإنْ حدث وتجرّ أ أحدهم بانتقاد ما‪،‬‬ ‫أو إنْ حدث وش ّكت أجهزة المخابرات في أحدهم‪،‬‬ ‫فُ��ت��ح��ت ف��وق‬ ‫فإنّ ويالت جه ّنم تكون قد‬ ‫رأس������ه‪.‬‬

‫االع���ت���ق���ال ه��و‬ ‫طبعاً‪ ،‬سيكون‬ ‫المصير الطبيعيّ له؛ عندها – عادة ‪ -‬يت ّم االبتعاد‬ ‫عن عائلة المعتقل قدر اإلمكان من قِبل األصدقاء‬ ‫واألقرباء‪ ،‬وتغدو هذه العائلة شبه منبوذة‪ ،‬وإن‬ ‫حدث وت ّم إطالق سراح المعتقل فإ ّنه حتما ً سيكون‬ ‫مرفوضا ً من قِبل الجميع‪ ،‬ليس بسبب إدراكهم جرمه‬ ‫أو اعتقادهم بخطئه وإ ّنما خوفا ً على أنفسهم من‬ ‫ك‬ ‫أن يُلبَّسوا هم تهمه الملتصقة به‪ ،‬أو أن يت ّم الش ّ‬ ‫بضلوعهم في تلك التهم‪ ،‬لذا فيكون األسلم لهم االبتعاد‬ ‫عن المعتقل السّابق‪ ،‬وعن عائلته أيضاً‪ ،‬وستظ ّل تلك‬ ‫التهمة ملتصقة به مدى حياته‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬لم يتغيّر جوهر هذه (الفوبيا) وإ ّنما يمكننا‬ ‫القول تغيّر شكلها أو مظهرها‪ ،‬إضافة إلى (فوبيات)‬

‫جديدة مرتبطة بالقصف واألسلحة‪ ،‬حيث بات سماع‬ ‫صوت طائرة ‪ -‬وإن كان ضعيفا ً ‪ -‬يثير الذعر في‬ ‫قلوب الجميع‪ ،‬وخاصّة عند األطفال‪ ،‬حيث تحوّ لت‬ ‫عندهم في المناطق التي تتعرّ ض للقصف باستمرار‬ ‫ّ‬ ‫يتجزأ منهم‪ ،‬الخوف من أص��وات‬ ‫إل��ى ج��زء ال‬ ‫الطيران‪ ،‬أصوات إطالق الرصاص‪ ،‬مرور عناصر‬ ‫الجيش‪ ،‬القتل التعسّفيّ ‪ ،‬وغيرها من األحداث التي‬ ‫تحوّ لت إلى شيء يوميّ ‪.‬‬ ‫وك��أنّ تلك الجرعات لم تكن كافية‬ ‫عند مختلف أف��راد الشعب لتظهر‬ ‫(فوبيا) جديدة منذ ما يقارب‬ ‫ال��ع��ام م��ن تنظيم “داع���ش”‪،‬‬ ‫حيث أ ّدى انتشار هذا التنظيم‬ ‫مع ما يمارسه من سلوكيّات‬ ‫القتل والصلب واالعتقال وتقطيع‬ ‫ال��رؤوس واألط��راف وغيرها من‬ ‫تلك السلوكيّات الدمويّة‪ ،‬إلى إضافة‬ ‫ذعر جديد إلى السابق‪ ،‬ولع ّل حجم‬ ‫الذعر الذي نشره هذا التنظيم في‬ ‫المناطق المسيطر عليها يعادل‬ ‫حجم الذعر من النظام األسديّ ‪.‬‬ ‫يمكننا أن نتخيّل مدى‬ ‫التشوّ هات النفسيّة التي يعاني‬ ‫منها أفراد الشعب على مدى‬ ‫الزمن‪ ،‬ويمكننا أن نتخيّل مدى‬ ‫عقود من‬ ‫تغلغل هذا التشوّ ه في دواخل األطفال خاصّة‪ ،‬ابتدا ًء‬ ‫من خوفهم فقدان أو خسران أحد أفراد العائلة وخاصّة‬ ‫األهل‪ ،‬وانتها ًء بالخوف والذعر من تعرّ ضهم هم‬ ‫أنفسهم للتعذيب أو القتل أو االعتقال أو الصلب‪،‬‬ ‫مروراً بالخوف من التهجير وفقدان المسكن والجوع‬ ‫والعطش وغيرها‪.‬‬ ‫وربّما كان تغلغل تلك (الفوبيات) في دواخل معظم‬ ‫أفراد الشعب السوريّ ‪ ،‬سيحتاج إلى سنوات من الدعم‬ ‫والعالج النفسيّ واالجتماعيّ لتجاوزه والتخلّص‬ ‫منه‪ ،‬فليس من السهل أبداً تجاوز تلك االضطرابات‬ ‫في دواخل اإلنسان‪ ،‬أو ح ّل ك ّل تلك العقد التي تش ّكلت‬ ‫على مدى سنوات طويلة من الزمن‪.‬‬

‫ريم احلاج‬

‫الموت في زمن الحرب‬

‫الموت في الحالة الطبيعيّة أمر بديهيّ ومسلّم به ال‬ ‫عاقل ينكره وال جبّار يقتله ومع ذلك يستحيل علينا‬ ‫أن نتصوّ ره إذا ما تعلّق األمر بذواتنا‪ ،‬فك ّل م ّنا مقتنع‬ ‫في الالشعور بخلوده الشخصيّ ‪.‬‬ ‫منذ القدم كان موقف اإلنسان من الموت موقفا ً‬ ‫متميّزاً ومتناقضا ً بعيداً عن التماسك‪ ،‬فقد أنكره عندما‬ ‫كان األمر يتعلّق بموته هو ور ّده إلى العدم‪ ،‬ومن ث ّم‬ ‫آمن به‪ ،‬ولك ّنه بدا له قاسيا ً ومؤلما ً عندما تعلّق األمر‬ ‫بموت من أحبّ “ول ٌد‪ ،‬أب‪ ،‬زوجة” وحاول أن يضفي‬ ‫عليه طابعا ً عرض ّيا ً ‪ -‬تق ّدم في السنّ ‪ ،‬حادث ما ‪ -‬في‬ ‫محاولة الشعوريّة للهروب من كونه ضرورة‪ ،‬وعادة‬ ‫صا ً من الميّت فينسى مساوئه‬ ‫ما كان ي ّتخذ موقفا ً خا ّ‬ ‫ويتذ ّكر محاسنه (اذكروا محاسن موتاكم‪ ،‬وال تجوز‬ ‫على الميّت إلاّ الرحمة) وكان حزن البدائيّ على‬ ‫موت ذويه و َمن أحبّ حافزاً على التأمّل‪ ،‬ومع تقبّله‬ ‫مرغما ً للحقيقة المرّ ة وهي مفارقة أجساد أحبائه‪ ،‬إلاّ‬ ‫أ ّنه لم يستطع أن يقتنع ال شعور ّيا ً بفنائهم المطلق‪.‬‬ ‫لقد ّ‬ ‫مثلت ظاهرة الموت هذه حافزاً ليتأمّل أرواح‬ ‫موتاه التي ظلّت تحوم حوله وفي مخيّلته على هيئة‬ ‫أشباح وتأتيه في أحالمه خيراً أو شرّ اً وذلك تبعا ً‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫لموقفه قبل الموت من الميّت‪ ،‬ومن هنا ابتدعت‬ ‫مخيّلته العفاريت والجنّ ‪ ،‬ولكي يهرب ال شعور ّيا ً‬ ‫من حقيقة أنّ الموت فناء أبديّ ابتدع حالة التقمّص‬ ‫والخلود فكانت أغلب الشعوب البدائيّة تدفن مع‬ ‫موتاها أدواتهم التي قد يحتاجونها في العالم اآلخر‪،‬‬ ‫ح ّتى أنّ بعض هذه الشعوب كانت تدفن مع الميّت‬ ‫زوجته وإن كان ملكا ً حاشيته‪.‬‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬فإنّ اإلنسان منذ القدم لم يعترض‬ ‫على موت إنسان آخر في حال وقف عائقا ً أمام تلبية‬ ‫احتياجاته الغرائزيّة البدائيّة‪ ،‬ولم يكن لديه أيّ تر ّدد‬ ‫في إحداث هذا الموت فقد كان البدائيّ قاسيا ً وعنيفاً‪،‬‬ ‫بل وأش ّد عنفا ً من الحيوانات المفترسة وكان عليه‬ ‫أن يقتل و بطبيعة الحال فقد قتل (وال تنسب إليه تلك‬ ‫الغريزة التي يُقال إ ّنها تكبح جماح الحيوانات عن‬ ‫قتل وافتراس نوعها) وكانت ّ‬ ‫جثة الخصم المصروع‬ ‫المم ّدد أمامه تشعره بشيء من النشوة كونها ّ‬ ‫تمثل‬ ‫انتظاره‪ ،‬والمعضلة الكبرى التي واجهت اإلنسان‬ ‫هي أ ّنه قد يُصرع بسهم خصمه ويقع حدث الموت‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫وانطالقا ً من إيمانه ال شعور ّيا ً بعدم فنائه‪ ،‬فقد‬

‫شاركه الدين ح ّل هذه المعضلة بأن اعتبر الموت‬ ‫ليس فناء‪ ،‬بل هو برزخ بين الحياة الدنيا القصيرة‬ ‫والفانية والتي هي دار بالء وابتالء وحياة اآلخرة‬ ‫والتي هي دار خلود ونعيم وبقاء‪ ،‬وهكذا غدا الموت‬ ‫من أجل هدف نبيل ومق ّدس مطلبا ً ومطلوباً‪ ،‬بل واجبا ً‬ ‫وجزاؤه الخلود في الفردوس (اطلبوا الموت توهب‬ ‫لكم الحياة) وح ّتى موت الخصم لم يعد فناء أبد ّيا ً بل‬ ‫إ ّنه و بعد أن يُقتل سيُلقى به في نار جه ّنم خالداً مخلّداً‬ ‫ليسوم أنواع العذاب وهكذا صار الموت محبّبا ً (نحن‬ ‫قوم نحبّ الموت حبّكم للحياة) وغدا الموت بشكله‬ ‫الطبيعيّ كضرورة فيه شيء من الكمد والحسرة‬ ‫تحسّرها خالد بن الوليد (لقد شهدت مائة زحف أو‬ ‫زهاء‪ ،‬وما في بدني موضع شبر إلاّ وفيه ضربة‬ ‫بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنذا أموت‬ ‫على فراشي حتف أنفي فال نامت أعين الجبناء)‪.‬‬ ‫بالعودة إلى الهدف النبيل الذي يجعل الموت‬ ‫واجبا ً مق ّدسا ً ومحبّباً‪ ،‬فهذا الهدف يختلف تبعا ً لثقافة‬ ‫ك ّل شعب‪ ،‬فقد يكون لمصلحة زعيم قبيلة أو دكتاتور‬ ‫دولة وقد يكون دفاعا ً عن وطن وشعب أو قيمة‬ ‫أخالقيّة وإنسانيّة وأ ّيا ً كان الهدف فعاد ًة ما يت ّم إلباسه‬ ‫لبوسا ً أخالق ّيا ً ويبدأ الساسة والجنراالت بشيطنة‬ ‫الخصم وإلقاء محاضراتهم على أتباعهم عن البطولة‬ ‫ّ‬ ‫الممثلين لكال‬ ‫والشرف‪ ،‬ويتولّى سارقو المق ّدس‬ ‫الخصمين إضفاء بُعد الخلود على الموت ويتسابق‬ ‫الفقراء والبسطاء إليه مستخدمين ك ّل األساليب‬ ‫وأقذرها لإلجهاز على الخصم‪.‬‬ ‫هكذا‪ُ ،‬تلقي الحرب البشر في صحراء غرائزيّتهم‬ ‫وتعرّ يهم من ك ّل القيم التي راكمها العقل البشريّ‬ ‫خالل رحلة أنسنته الممت ّدة من كهفه إلى ناطحات‬ ‫سحابه‪ ،‬وعندما يصبح الموت جماع ّيا ً نتيجة استخدام‬ ‫أنواع األسلحة المتطوّ رة بك ّل أشكالها يبدو األمر مثيراً‬ ‫للهلع والذعر بشكل كبير وعلى نطاق واسع ويغدو‬ ‫ً‬ ‫حقيقة يوميّة صارخة وماثلة للجميع ويالحق‬ ‫الموت‬ ‫الجميع أحالم يقظة وكوابيس وتركل الصدمة قيم‬ ‫الحضارة إلى سلّة المهمالت ويبدأ اإلنسان يتآلف مع‬ ‫موته الذي يغدو شبحا ً يسكن في ك ّل الزوايا‪ ،‬وألنّ‬ ‫الموت اختطف الكثير من األحبّة فأهالً به‪ ،‬ولكن‬ ‫لتكن الطريقة رحيمة‪.‬‬

‫مسري العل ّي‬

‫من مستب ّد‬ ‫إلى آخر‬ ‫ي��وم الخميس ‪ ،18/12/2014‬استفاق أهالي بلدة‬ ‫سراقب في ريف إدلب على جثتين‪ ،‬قيل إنّ ّ‬ ‫ملثمين قد رموا‬ ‫بهما جانب مشفى “الشفاء” ليتبيّن أنّ الجثتين هما لسيّدتين‪،‬‬ ‫وقد ت ّم رجم إحداهما ح ّتى الموت وقُتلت الثانية برصاصة‬ ‫في الرأس‪ ،‬وأنّ تنفيذ الحكم قد ت ّم بنا ًء على حكم صادر من‬ ‫المحكمة الشرعيّة في سرمين وت ّم تنفيذ الرجم بالقرب من‬ ‫قرية النيرب والتي ال تبعد كثيراً عن سرمين‪.‬‬ ‫تروي “سماح” (‪ 45‬عاماً‪ ،‬من أهالي سراقب) القصّة‬ ‫قائلة‪ :‬هذه المرّ ة باسم الدين واال ّدعاء بتطبيق (شرع هللا)‬ ‫من فصائل كثيرة‪ ،‬وك ّل منهم ي ّدعي تطبيق (شرع هللا)‪،‬‬ ‫ولسان حال الناس يقول “من تحت الدلف لتحت المزراب”‬ ‫فأين الحرّ يّة التي ُثرنا من أجلها؟ تتساءل “سماح” وتتابع‬ ‫لنا رواية الواقعة‪ :‬المه ّم أ ّنه وقع خطأ بين رجل وامرأة‬ ‫فاقتحمت البيت مجموعتان من الجند واألحرار وعدد من‬ ‫التكفيريّين كي يقبضوا على المشتبه بهم بالجرم المشهود‬ ‫وألقي القبض على من وُ جد في المنزل (رجل وامرأتان)‬ ‫الحادث كان و ْقعه كبيراً بالنسبة ألهل المدينة‪ ،‬ولكنّ ما‬ ‫تداوله الناس من أخبار بعد يوم من إلقاء القبض عليهم‪ ،‬بأ ّنه‬ ‫سين ّفذ بهم حكم الموت (رجما ً بالحجارة) كان أكبر وأقسى‬ ‫بالنسبة ألهل المدينة‪.‬‬ ‫توضح “سماح” بات الناس يتساءلون في حيرة‪ ،‬هل‬ ‫الموت أصبح سهالً إلى هذه الدرجة؟ بسهولة يكون الحكم‬ ‫وبسهولة يكون التنفيذ! وتضيف‪ :‬لقد انقسم الشارع بين قلّة‬ ‫من المؤيّدين للحكم وأكثريّة من المعارضين للحكم من قِبل‬ ‫هذه المجموعات التكفيريّة‪ ،‬ح ّتى البيوت اختلفت في الرأي‬ ‫فالخطأ واقع‪ ،‬أمّا الجزاء فهل يمكن أن يكون بهذه السرعة؟‬ ‫وتتابع “سماح” أال يجوز أن يحكموا عليهم بالسجن عسى‬ ‫هللا يغيّر ما في أنفسهم‪ ،‬أم أنّ دم السوريّ أصبح مستباحا ً‬ ‫ً‬ ‫قائلة‪ :‬أمضينا الليل‬ ‫لدى النظام ولدى هؤالء أيضاً؟ وتردف‬ ‫والجميع مذهول من هول ما سيحدث ولم يعرف النوم‬ ‫طريقا ً ألحد‪ ،‬أل ّنه وتحت هذه الذريعة‪ ،‬يصبح ك ّل بيت‬ ‫معرّ ض لالقتحام وبأيّة لحظة‪.‬‬ ‫تقول “سماح” في الصباح‪ ،‬استيقظت على ضوضاء‬ ‫ُ‬ ‫خرجت ألعرف ما الذي يجري؟‬ ‫وصراخ في الشارع‪،‬‬ ‫كانت المرأة ذات العشرين ربيعاً‪ ،‬التي ا ّتهم زوجها‬ ‫بالخطأ تقف عند قبر والدها وصغيرتها على صدرها تبكي‬ ‫لبكاء أمّها التي تشكو لوالدها وتقول‪:‬‬ ‫(قوم يا يوب‪ ،‬قوم لتشوف أشو بدهن يعملوا بجوزي‪ ،‬ما‬ ‫سمحولي أدافع عنه‪ ،‬ما حدا منهم خلاّ ني أحكي كلمة ‪ ...‬أنا‬ ‫بحبّك يا يوب وبحبّ جوزي‪ ...‬أشو هالمصيبة إلّي ابتليت‬ ‫فيها مين بدو يعيلني أنا وهالصغيرة بعد رجم جوزي؟!‪)..‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وعرفت فيما‬ ‫خرجت من المقبرة‪،‬‬ ‫وبعد وقت ليس بالقصير‬ ‫بعد بأ ّنه ت ّم إبالغها بتنفيذ الحكم منذ الصباح‪.‬‬ ‫وتخبرنا “سماح” أ ّنه أثناء ذلك ا ّتجه الناس إلى مكان‬ ‫التنفيذ فوجدوا حفرتين وبجانب ك ّل حفرة أك��وام من‬ ‫الحجارة‪ ،‬وجاؤوا بالمشتبه بهما “هند وليلى” والمشتبه به‬ ‫“ياسر” من أهالي بلدة سراقب‪ ،‬والناس في حيرة من أمرهم‬ ‫ُ‬ ‫سمعت إحدى صديقاتي وهي مدرّ سة من‬ ‫وتقول “سماح”‬ ‫أهل البلدة تدعى “هدى” تدعو هللا بالموت لهذه الجماعات‬ ‫التكفيريّة التي ال تعرف من اإلسالم إلاّ القتل وتقول‪ :‬اقترح‬ ‫الكثيرون البارحة أن نخرج إلى الشار ع لنصرخ ال ال‬ ‫للقتل ال للدولة اإلسالميّة ال للتطرّ ف والظلم‪ ،‬نعم للمدنيّة‪،‬‬ ‫فال يمكن لمن سار في وجه ب ّ‬ ‫شار الطاغية أن يصمت على‬ ‫ظلم المجموعات المتطرّ فة‪ ،‬والتي ال تعرف من اإلسالم‬ ‫سوى القتل‪ ،‬وهدفها إرهاب الناس ليرضخوا‪ ،‬ويظهر بأ ّنهم‬ ‫من يحكمون المدينة وأمر الناس بيدهم‪ ،‬وتتابع “هدى”‬ ‫لنفرض وأليّ سبب من األسباب وقعت “ليلى” أ ّم الولدين‬ ‫والمدعو “ياسر” في الخطأ‪ ،‬ولكن أن يكون العقاب الرّ جم‬ ‫((واللاَّ تِي‬ ‫فهذا لن يؤيّده أحد وهللا في محكم آياته قال‪َ :‬‬ ‫ِين ْال َفا ِح َش َة مِنْ ن َِسا ِئ ُك ْم َفاسْ َت ْش ِه ُدوا َع َلي ِْهنَّ أَرْ َب َع ًة ِم ْن ُك ْم‬ ‫َيأْت َ‬ ‫ت َح َّتى َي َت َو َّفاهُنَّ ْال َم ْو ُ‬ ‫ت أَ ْو‬ ‫َفإِنْ َش ِه ُدوا َفأَمْ سِ ُكوهُنَّ فِي ْال ُبيُو ِ‬ ‫َيجْ َع َل للاهَّ ُ َلهُنَّ َس ِبيالً)) آية (‪ )15‬سورة النساء‪.‬‬ ‫تتابع “سماح”‪ :‬وبالعودة إلى سير الحدث‪ ،‬عندما حضر‬ ‫القاضي راعه أنّ المتواجدين من الحضور في المكان أكثر‬ ‫ممّا كان يتو ّقع‪ ،‬والنقمة بادية على وجوه الجميع والشرّ ر‬ ‫يتطاير من أعينهم‪ ،‬فتراجع عن الحكم م ّدعيا ً عدم استيفائه‬ ‫الشروط‪ ،‬والحقيقة أ ّنه ق ّدر حجم الغضب عند الحاضرين‪.‬‬ ‫ال يمكن أن تستطيع مجموعة أو مجموعات الحكم‬ ‫والسيطرة على شعب ق ّدم ك ّل ما يملك من أجل حرّ يّته‬ ‫وحرّ يّته فقط‪ ،‬سنبقى نثور ونموت‪ ،‬ونموت ونثور ح ّتى‬ ‫تزهر حرّ يتنا‪.‬‬ ‫فمن ثار منذ أربع سنوات على طغيان دكتاتور مستب ّد‬ ‫ليقع تحت نير مستب ّد جديد من نوع آخر‪ ،‬استبداد مجموعات‬ ‫تكفيريّة تقرأ تعاليم الدين وتفسّرها بما يتناسب مع غلوّ ها‪،‬‬ ‫وذلك في محاولة إلرهاب الشعب الذي ثار يطالب بحرّ يته‪،‬‬ ‫ال يمكن أن يت ّم إخضاعه لطغاة جُدد‪.‬‬

‫يب‬ ‫أسرار السراق ّ‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪10‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫السوري والباحث‬ ‫حوار مع المعارض‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي «رياض درار»‬ ‫ّ‬

‫يف سعيها إىل فتح فضاء احلوار مع االجتاهات الفكريّة‬ ‫السوريّة‪ .‬التقت صحيفة «كلّنا سوريّون» األستاذ «رياض‬ ‫درار» وكان احلوار التالي‪:‬‬ ‫«الحركات الجهاد ّية سيطرت عليها‬ ‫• ‬ ‫الفوضى العلم ّية والفكر ّية‪ ،‬م ّما ش ّكل لديها أزمة‬ ‫تقرب من‬ ‫أخالق وأزمة قيادة‪ ،‬فهي فاسدة مفسدة ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتنطع‬ ‫هو على شاكلتها من أهل الغرور والجهل‬ ‫والكبر والقسوة‪ ،‬وتبعد الصالحين وته ّمشهم بل‬ ‫توصفون في كتاباتكم الحركات‬ ‫وتقتلهم‪ »...‬كذلك‬ ‫ّ‬ ‫الجهاد ّية‪ ،‬ما هو منهجكم في التصدّ ي لهذه‬ ‫الحركات؟‬ ‫‌أ‪ .‬درار‪ :‬في الحقيقة هي حركات جهاديّة‬ ‫تجاوزاً‪ ،‬فالجهاد مراتب وأوّ له جهاد النفس‪ ،‬وهنا‬ ‫نالحظ هذا االستعالء لدى المجاهدين‪ ،‬ما ينفي‬ ‫عنهم صفة الداعية‪ ،‬الذي يصبو إلى بذل الجهد‬ ‫إليصال األفكار الصالحة للناس وللمخالفين بحسن‬ ‫ال ُخلق قبل فرض القانون‪ ..‬والجهاد بالحجّ ة قبل‬ ‫اإلكراه الذي يناقض الدين‪ .‬اليوم ال نعرف من‬ ‫الجهاد إلاّ ما ين ّفر ويك ّفر‪ ،‬فالجهاد اليوم هو عنف‬ ‫فقط‪ ،‬وقد أخرج م ّدعو الجهاد اليوم مفهوم القتال‬ ‫عن مناقبيّته وعن روحه وعن أهدافه‪ ،‬وقد سيطرت‬ ‫الفوضى عليهم بانعدام المرجعيّات المؤهَّلة والتي‬ ‫تنظر إلى مفهوم الجهاد من خالل مقاصده الدعويّة‬ ‫ال من خالل القتل واالنتحار وغياب الهدف‪،‬‬ ‫فالعوام ومحدودو الفهم هم من يتق ّدمون بال أدب‬ ‫وال احترام ألهل العلم والناصحين والمرشدين‪،‬‬ ‫ممّا ش ّكل أزم��ة أخ�لاق بسبب الش ّدة والغلظة‬ ‫واالفتقار إلى الرحمة وانعدام الرشد وغياب العفو‪،‬‬ ‫وتعال‪ ،‬وبغياب‬ ‫وما يرافق ذلك من عُجب وغرور‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫القيادة الراشدة تق ّدم الجهلة وك ّل متنطع جاء وقد‬ ‫امتأل كبراً وقسوة‪ ،‬وه��ؤالء الذين اله ّم لهم إلاّ‬ ‫التناطح على الرئاسة عبر استخدام القوّ ة‪ ،‬لن يقبلوا‬ ‫صالحا ً وال فهيما ً وال فقيّها ً بينهم (والفقيه هو من‬ ‫يدرك المصلحة في الزمان ال من يحفظ الكتب‬ ‫ويعبدها كاألوثان) لذلك تجد التهم لديهم جاهزة‬ ‫لتخويف الصالحين وتهميشهم‪ ،‬وربّما تصفيتهم‪،‬‬ ‫أل ّنهم يكشفون عُوارهم وكذب ا ّدعاءاتهم‪.‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫رياض درار‪ ،‬باحث إسـالم ّي ومعارض سـياسـ ّي‪ ،‬عمل مدرّسـاً‬ ‫يف مدارس دير الزور وخطيبـاً يف مسـاجدها‪ ،‬تع ّرض للسـجن‬ ‫مخـس سـنوات لدفاعـه عن حقوق ال ُكرد واتّهامـه النظام‬ ‫باغتيال الشـيخ معشـوق اخلزنـو ّي‪ ،‬ومازال‪ ،‬يعمل من أجل‬ ‫الدفاع عن حقوق اإلنسـان والعمل على إحيـاء اجملتمـع املدن ّي‬ ‫والوصول إىل دولة املواطنة‪.‬‬

‫إذا‪ ،‬ه���ذه ليست‬ ‫حركات جهاديّة‪ ،‬بل‬ ‫هي حركات استبداديّة‬ ‫ال مشروع لها تعتمد‬ ‫التش ّدد والحرْ فيّة في‬ ‫ت��ف��س��ي��ر ال��ن��ص��وص‬ ‫وتكفير المخالف‪ ،‬والتش ّدد هو تطرّ ف فكريّ‬ ‫وعنف ما ّديّ أو معنويّ ‪ ،‬وهو يعني الناحية البعيدة‬ ‫من ك ّل شيء ويأخذ معنى ال ُغلوّ وتجاوز الح ّد‬ ‫ويرتبط باالنغالق والتعصّب للرأي ورفض اآلخر‬ ‫وكراهيته‪ ،‬وقد يقود إلى استباحة دمه‪.‬‬ ‫باختصار‪ ،‬إنّ معالجة التش ّدد ال تكون بتش ّدد‬ ‫مماثل‪ ،‬وال ب ّد من تفكيك أسباب التش ّدد ومن ث ّم‬ ‫معالجة مخاطره‪ ،‬ويجب التفريق بين معالجة‬ ‫التطرّ ف الفكريّ الذي يجب أن يكون باألساليب‬ ‫السياسيّة والفكريّة‪ ،‬ومعالجة التطرّ ف الما ّديّ‬ ‫والسلوك العنفيّ الذي يكون باألساليب األمنيّة‬ ‫والبوليسيّة‪.‬‬ ‫مدني‪،‬‬ ‫عندما تقولون‪« :‬اإلس�لام دين‬ ‫• ‬ ‫ّ‬ ‫علماني» كيف يمكننا التعامل‬ ‫واإلسالم في جذره‬ ‫ّ‬ ‫النص المقدّ س‬ ‫مع نصوص غير القابلة للنقاش؟‬ ‫ّ‬ ‫أال يتعارض مع العلمان ّية؟ وما هو أفق اإلسالم‬ ‫السياسي في سورية؟‬ ‫ّ‬ ‫أ‌‪ .‬درار‪ :‬النصّ في جذره علمانيّ إذا كان‬ ‫المراد عدم الفصل بين الحياة الدنيا والمعاش فيها‬ ‫وما يتعلّق بإدارة الحياة وتنظيم الشؤون الدينيّة‪،‬‬ ‫فاألصل أنّ النصّ وضع قواعد عامّة للتعايش‬ ‫ّ‬ ‫يتدخل في شكل اإلدارة‬ ‫والتفاهم بين الناس ولم‬ ‫وتسيير الحكومات وتركها للناس الذين هم أدرى‬ ‫بشؤون دنياهم‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ال يوجد إسالم سياسيّ‬ ‫وإ ّنما يوجد مسلمون يمارسون السياسة‪ ،‬وبحكم‬ ‫التع ّدد المجتمعيّ واختالف الناس‪ ،‬الذي هو ُس ّنة‬ ‫َخلقيّة‪ ،‬وحرّ يّة االعتقاد دون إكراه في الدين‪ ،‬صار‬ ‫الزما ً أن يرسم الناس قواعد اإلدارة بينهم بحسب‬ ‫الحاجة في المكان والزمان‪ ،‬مع قبول التغيّر‬ ‫المستمرّ دون ارتباط بدين‪ ،‬ألنّ الدين شيء ثابت‬ ‫ال يتغيّر‪ ،‬فال يجب أن ُنقيّد المتغيّر بالثابت وال ُنلزم‬ ‫الثابت بالمتغيّر؛ مشكلتنا أ ّننا رسمنا قواعد اإلدارة‬ ‫يوم كانت دولة اإلسالم إمبراطوريّة‪ ،‬ومازال هذا‬ ‫الفهم مقيِّداً لحركتنا السياسيّة لم يتغيّر‪ ،‬واعتبرناه‬ ‫من الدين وهو حاجات قوم في زمانهم وليس‬ ‫إلزاما ً دين ّياً‪ .‬لذلك‪ ،‬ال أفق لإلسالم السياسيّ ‪ ،‬وإ ّنما‬ ‫على المسلمين االنخراط في السياسة على أرضيّة‬ ‫البرامج االجتماعيّة‪ ،‬وليس على أرضيّة العقائد‬ ‫المتصارعة والمتنافرة‪.‬‬ ‫بعض اإلسالم ّيين يفرضون الحجاب‬ ‫• ‬ ‫على تلميذات االبتدائ ّية (نتذ ّكر رفعت األسد كوجه‬ ‫آخر للعملة) ويحذفون حصص العلوم األساس ّية‬ ‫لحساب دروس الديانة‪ ،‬كيف تنظرون إلى مسألة‬ ‫ديني‪،‬‬ ‫التعليم ومحاولة البعض تحويله إلى تعليم‬ ‫ّ‬ ‫ح ّتى سادت حالة «أسلمة التعليم»؟‬ ‫‌أ‪ .‬درار‪ :‬هذا هو جذر المسألة‪ ،‬التصلّب‬

‫والتش ّدد الدينيّ واال ّدعاء العلمانيّ المزيّف‪ ،‬ألنّ‬ ‫الدين الصحيح والعلمانيّة الصالحة‪ ،‬كالهما‪،‬‬ ‫ينشد التسامح والتساهل والتآلف وحرّ يّة االعتقاد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التدخل في الحياة الشخصيّة للناس‬ ‫وبالتالي عدم‬ ‫وإ ّنما النصيحة والتذكير‪.‬‬ ‫األصل أنّ التعليم عا ّم وشامل‪ ،‬وفي ك ّل فروع‬ ‫المعرفة والحياة‪ ،‬والدين فقط يربطه بالتعليم‬ ‫الفضيلة والمثل العليا‪ ،‬وليس الفقهيّات في العبادة‬ ‫والمعامالت‪ ،‬هذا يجمّد المجتمع عند مسائل الحالل‬ ‫والحرام‪ ،‬ح ّتى يضيّق على المجتمع ويربط الحياة‬ ‫بالفقيه‪ ،‬الذي يؤسّس للمؤسّسة الدينيّة بما نراه‬ ‫ونعرف من فسادها وإفسادها‪ ،‬ومن تبرير أفعال‬ ‫الح ّكام واستبدادهم وجعل الناس تحت رحمتهم‪...‬‬ ‫العلمانيّة في هذه المسألة تحرّ رت من القيود‬ ‫الكهنوتيّة وفتاواها الضيّقة فا ّتسع المجال للعلوم لما‬ ‫لقيت من حرّ يّات وقدرة على اقتحام المجهول‪..‬‬ ‫وال ننسى أنّ الم ّتصفين بالعلمانيّة في بالدنا جلّهم‬ ‫ال يدرك منها إلاّ أن يباح له ك ّل شيء فيفعل ما‬ ‫يريد‪ .‬لذلك‪ ،‬ليس لدينا حكومات علمانيّة‪ ،‬ووصفها‬ ‫بالعلمانيّة يعتبر تج ّنيا ً وافتئاتا ً على العلمانيّة‪.‬‬ ‫ُتطرح في اآلون��ة األخيرة العديد من‬ ‫• ‬ ‫المبادرات‪ :‬تجميدات «دي ميستورا» لقاءات‬ ‫موسكو وال��ق��اه��رة‪ ،..‬ول��ك��نّ ال��ح��رب والقتل‬ ‫مستمران في طول سورية وعرضها‪ ،‬هل مازال‬ ‫ّ‬ ‫السياسي في سورية؟‬ ‫ّ‬ ‫هنالك مجال للحل ّ‬ ‫لاّ‬ ‫أ‌‪ .‬درار‪ :‬لن يكون في سورية ح ٌل إ الح ّل‬ ‫السياسيّ ؛ ال يوجد قرار دوليّ من أجل إنهاء األزمة‪،‬‬ ‫والمتداخلون فيها تع ّددوا وتنوّ عوا‪ ،‬وسبب فشل أيّة‬ ‫مبادرة كثرة األصابع فيها‪ .‬لذلك‪ ،‬ليس للسوريّين‬ ‫إلاّ أن يدوسوا على جراحهم ويبدؤوا نزع شوكهم‬ ‫بأيديهم‪ .‬لقد كان هناك اجتهاد كثير أثبتت األحداث‬ ‫خطأه‪ ،‬وكان هناك عناد كبير جمّد المبادرات أو‬ ‫أجّ لها‪ ،‬وأعتقد أنّ مبادرة «دي ميستورا» ليست‬ ‫كاملة‪ ،‬إ ّنما يمكن البناء عليها إذا شملت مناطق‬ ‫أخرى مع حلب وبضمانات دوليّة كاملة؛ والمبادرة‬ ‫لدى مركز الحوار اإلنسانيّ أوسع وأشمل‪ ،‬وعمل‬ ‫عليها مجموعة من السوريّين بمشاركة أعضاء‬ ‫المركز وآخرين‪ .‬أمّا المبادرات األخرى فأراها‬ ‫نوعا ً من تسويق السياسات الفاشلة‪ ،‬وهي تحاول‬ ‫ّ‬ ‫المؤثرة معتمدة على‬ ‫فتح ثغرة في مواقف الدول‬ ‫عجز االئتالف‪ ،‬وعلى اندفاع هيئة التنسيق إلثبات‬ ‫الوجود والفاعليّة‪ .‬أعتقد أ ّنه بدون قرار دوليّ‬ ‫لمواجهة التنظيمات (النصرة وتنظيم الدولة) التي‬ ‫طغت على المشهد‪ ،‬فإنّ البالد ذاهبة إلى التقسيم‬ ‫واستمرار الحرب سنين طويلة‪.‬‬ ‫األستاذ «رياض درار» شكراً جزيالً لكم‪.‬‬ ‫• ‬

‫حاوره ّ‬ ‫بشار فستق‬

‫الحروب اإلسالمّية والجهاد في سبيل اهلل‬

‫بعد عرض الحروب التي خاضها اليهود ومن‬ ‫ث ّم المسيحيّون باسم الربّ إلعالء دينهم‪ ،‬الب ّد من‬ ‫التطرّ ق للحروب التي خاضها المسلمون إلعالء‬ ‫دين اإلسالم‪ ،‬تحت مسمّى الجهاد في سبيل هللا‪.‬‬ ‫بدأ الجهاد في عصر الرسول محمّد‪ ،‬تحت‬ ‫مسمّى غزوات والتي بلغ عددها ‪ 28‬غزوة‪ ،‬ح ّقق‬ ‫أهدافه من دون قتال في تسعة منها‪ ،‬بلغ عدد‬ ‫ضحايا هذه الغزوات حوالي األلف من الطرفين‪،‬‬ ‫وبعد وفاة الرسول محمّد في المدينة المنوّ رة‪،‬‬ ‫بايع المسلمون أبي بكر الصديق‪ ،‬الذي خاض ما‬ ‫عُرف بحروب ال��ر ّدة‪ ،‬وت ّم توحيد أغلب أجزاء‬ ‫شبه الجزيرة العربيّة ودخل المسلمون في حروب‬ ‫مع القوى العظمى حينذاك‪ ،‬الفرس والبيزنطيّين‪،‬‬ ‫وفي عهد عمر بن الخطاب استولى المسلمون‬ ‫على مصر وفارس والعراق والشام‪ ،‬استمرّ العهد‬ ‫الراشديّ ثالثين سنة (‪.)661-632‬‬ ‫لع ّل أبرز ما امتاز به العصر األمويّ (‪-661‬‬ ‫‪750‬م) كثرة الفتوحات شرقا ً وغرباً‪ ،‬وبلوغ الدولة‬ ‫اإلسالميّة أقصى اتساع لها‪ ،‬فامت ّدت رقعتها من‬ ‫الصين شرقا ً إلى حدود فرنسا غرباً‪ ،‬حيث أنّ‬ ‫الخلفاء العباسيين‪ ،‬الذين ورثوا هذه الخالفة الكبيرة‬ ‫المترامية األطراف‪ ،‬عجزوا عن االحتفاظ بك ّل ما‬ ‫فُتح من أقاليم في عهد أسالفهم األمويّين‪ ،‬ويشير‬ ‫ابن كثير إلى خصوصيّة الفتوحات التي اشتهر‬ ‫بها العصر األمويّ ويقول‪« :‬وكانت سوق الجهاد‬ ‫قائمة في بني أميّة ليس لهم شغل إلاّ ذلك‪ ،‬قد‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫علت كلمة اإلسالم في مشارق األرض ومغاربها‬ ‫وبرّ ها وبحرها‪ ،‬وقد أذلّوا الكفر وأهله‪ ،‬وكان في‬ ‫جيوشهم الصالحون والعلماء وكبار التابعين‪ ،‬في‬ ‫ك ّل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر هللا بهم دينه‪،‬‬ ‫فكان سوق الجهاد قائما ً في القرن األوّ ل من بعد‬ ‫الهجرة إلى انقضاء دولة بني أميّة في بالد الروم‬ ‫والترك والهند» وقد اقترن بفتوحات بني أميّة‬ ‫انتشار اإلسالم واللغة العربيّة‪ ،‬فعصر بني أميّة‬ ‫هو العصر الذي اتخذت فيه الدولة طابعها العربيّ‬ ‫اإلسالميّ بشكل نهائيّ ‪ ،‬ح ّتى أنّ العروبة واإلسالم‬ ‫هما الملمحان البارزان اللذان اتسمت بهما البالد‬ ‫المفتوحة في العصر األمويّ ‪.‬‬ ‫ث ّم قام العهد العباسيّ (‪1258-750‬م)‪ ،‬حيث‬ ‫حدثت المعارك على طول سلسلة جبال طوروس‪،‬‬ ‫ممّا م ّكن العباسيّون من الدخول إلى آسيا الصغرى‬ ‫ح ّتى مضيق البوسفور‪ .‬وحكم العباسيّون الهند بعد‬ ‫قضائهم على الدولة األمويّة‪ ،‬وقاموا بتوسيع رقعة‬ ‫الدولة العباسيّة ففتحوا كشمير وألملتان وقندهار‪،‬‬ ‫كما استولوا على صقلّية وإيطاليا‪.‬‬ ‫داع لسرد تفصيليّ حول مسيرة‬ ‫ليس هناك من ٍ‬ ‫الفتوحات اإلسالميّة‪ ،‬فهو أمر ت ّم التطرّ ق إليه‬ ‫بكثرة‪ ،‬ومعلوم لدى الكثيرين‪ ،‬ولن نشير إلى‬ ‫المجازر التي قامها العباسيّون باألمويين‪ ،‬لكونه‬ ‫موضوع جدل لم يُحسم‪ ،‬ولست بوارد إثبات أو‬ ‫نفي حدوثها‪ ،‬لكن الب ّد من تسليط الضوء على‬ ‫النقطة األساسيّة‪ ،‬وهي تشابه مسيرة األدي��ان‬

‫ثقافة‬

‫الثالث في االنتشار وبسط السلطة السياسيّة تحت‬ ‫اسم الدين عن طريق الحروب‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫نفي السير اإلسالميّة لهذا التشابه غير أ ّننا نلمس‬ ‫طابع التعصّب بتسميتها «فتوحات» ال غزوات‬ ‫أو ح��روب‪ ،‬تمييزاً لها عن المسيرة اليهوديّة‬ ‫والمسيحيّة‪ ،‬فهي باعتقادهم ليست حروباً‪ ،‬بل هي‬ ‫جها ٌد إلعالء كلمة هللا ودينه‪ ،‬أال وهو اإلسالم‬ ‫حكماً‪ .‬لكن ما هو االختالف بين تسمية الفتوحات‬ ‫وتسمية الحروب الصليبيّة وحروب تطهير األرض‬ ‫المق ّدسة التي وعد هللا بها اليهود؟‬ ‫يدافع المؤمنون المسلمون عن «الفتوحات‬ ‫اإلسالميّة» بأ ّنها قامت تحت أم��ر هللا وآياته‬ ‫القرآنيّة‪ ،‬األم��ر ال��ذي هو مشابه تماما ً للحجج‬ ‫اليهوديّة والمسيحيّة‪ ،‬الذين قاموا بحروبهم بناء‬ ‫على كالم هللا في التوراة واإلنجيل‪ ،‬كما سبق وت ّم‬ ‫اإلشارة إليه في مقاالت سابقة‪ ،‬فاعتبار ك ّل معتنق‬ ‫ّ‬ ‫الحق يمنحه القناعة المطلقة‬ ‫لدين ما‪ ،‬أنّ دينه هو‬ ‫بوجوب الدفاع عنه وشرعيّة الحروب التي قامت‬ ‫باسمه وطريقة انتشاره وتحويله إلى أمر ال يقبل‬ ‫الجدل فيه‪ ،‬تماما ً كما يفعل المسلمون باعتبارهم‬ ‫للحروب اإلسالميّة بأ ّنها فتوحات شرعيّة لنشر‬ ‫ّ‬ ‫الحق‪ .‬وهذا ما يضعنا اليوم أمام سؤال‬ ‫الدين‬ ‫وجوديّ حول النسبيّة والمطلق في المعتقدات وما‬ ‫تأتي به من حروب دامية لم تتخلّص البشريّة من‬ ‫آثارها ح ّتى يومنا هذا‪.‬‬

‫لينا احلكيم‬

‫في اإلعادة إفادة‬

‫ح ّريّة املرأة‬

‫قاسم حممّد أمني‬ ‫(‪)1908 – 1863‬‬

‫*‪ ...‬صارت غاية التم ّدن أن ينال الفرد أقصى ما يمكن من‬ ‫االستقالل والحرّ يّة‪ ،‬ذلك ألنّ اإلنسان تر ّقى في فكره‪ ،‬فهو يرى‬ ‫أنّ تسليم نفسه إلى تصرّ ف الحاكم أمر ال تسلّم به منزلته من‬ ‫اإلنسانيّة وال ي ّتفق مع راحته وسعادته‪ .‬ولهذا فهو ال يقبل أن‬ ‫يتنازل ألحد عن حرّ يّته وال أن يأتمن أحداً عليها ولو كان أقرب‬ ‫الناس إليه وال يسمح بأن يترك إلى الحكومة إلاّ بقدر ما يلزم‬ ‫تركه لتتم ّكن من تأدية وظيفتها وهي المحافظة على األمن العا ّم‬ ‫في الداخل والمدافعة عن سياج األمّة في الخارج‪ .‬وأيضا ّ القيام‬ ‫باألعمال التي تعود منفعتها على الجميع‪.‬‬ ‫بحسب هذا الشرط يخضع الفرد إلى ما تقرّ ره عليه من‬ ‫األعمال واألموال أمّا إذا أرادت الحكومة أو أيّ فرد من الناس‬ ‫أن يدخل في عمل من أعماله أو شأن من شؤونه الخاصّة فإ ّنه‬ ‫يشعر بثقل الضغط عليه ويجد في نفسه ألم الظلم‪.‬‬ ‫فالحريّة هي قاعدة تر ّقي النوع اإلنسانيّ ومعراجه إلى‬ ‫السعادة ولذلك ع ّدتها األمم التي أدركت سرّ النجاح من أنفس‬ ‫حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫من المعلوم أنّ المقصود من الحرّ يّة هنا هو استقالل اإلنسان‬ ‫في فكره وإرادت��ه وعمله متى كان واقفا ً عند حدود الشرائع‬ ‫محافظا ً على اآلداب وعدم خضوعه بعد ذلك في شيء إلرادة‬ ‫غيره اللّه ّم إلاّ في أحوال مستثناة كالجنون والطفوليّة ح ّتى بالنسبة‬ ‫لألطفال مُميت لعزيمتهم ورجحوا أن يُترك الطفل يتصرّ ف في‬ ‫نفسه بحرّ يّته وإ ّنما على والديه إرشاده ونصحه‪.‬‬ ‫فهذه الحرّ يّة على ما بها من سعة هي التي يجب أن تكون‬ ‫أساسا ً لتربية نسائنا‪.‬‬ ‫يتعجّ ب بعض الناس من طلبي تخويل الحرّ يّة للنساء‬ ‫ّ‬ ‫الرق ولو فهموا معنى الحرّ يّة لما‬ ‫ويتساءلون هل هنّ في قيد‬ ‫اختلفوا معنا في الرأي‪.‬‬ ‫ليس مرادنا أن نقول أنّ المرأة اليوم تباع وتشترى في‬ ‫األسواق ولكن ليس الرقيق هو اإلنسان الذي يباح االتجار به‬ ‫فقط بل الوجدان السليم يقضي بأنّ ك ّل من لم يملك قياد فكره‬ ‫وإرادته وعمله ملكا ً تا ّما ً فهو رقيق‪.‬‬ ‫ال أظنّ أنّ القارئ المنصف يختلف معي في الرأي إن قلت‬ ‫أنّ المرأة في نظر المسلمين على الجملة ليست إنسانا ً تا ّما ً وأنّ‬ ‫الرجل منهم يعتبر أنّ له ّ‬ ‫حق السيادة عليها ويجري في معاملته‬ ‫معها على االعتقاد والشواهد على ذلك كثيرة‪.‬‬ ‫فليس من األدب في كثير من العائالت أن يجلس الرجال مع‬ ‫النساء أو أن يأكلن معهم وقد رأيت مراراً أنّ الرجل يجلس على‬ ‫مائدة الطعام وامرأته تطرد الذباب عنه وبنته تحمل قلّة الماء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الفظة‬ ‫نعم إنّ معاملة الرجل للمرأة على هذه الطريقة‬ ‫ً‬ ‫المستهجنة تشاهد في الغالب في بعض الطبقات خصوصا في‬ ‫بالد األرياف لكنّ استعباد المرأة في الطبقات األخرى وفي‬ ‫المدن موجود على أشكال أخرى‪ ،‬فالرجل الذي يحجر على‬ ‫امرأته أن ال تخرج من بيتها لغير سبب سوى مجرّ د رغبته في‬ ‫أن ال تخرج‪ ،‬ال يحترم حرّ يّتها فهي من هذه الجهة رقيقة بل‬ ‫ّ‬ ‫الرق‪ ،‬وال يقال إنّ عدد‬ ‫سجينة والسجن أش ّد سلبا ً للحرّ يّة من‬ ‫الرجال الذين يسجنون نساءهم صار اليوم قليالً‪ ،‬فإ ّنه وإن ق ّل‬ ‫بالنسبة إلى الماضي لكن كلّنا نعلم أنّ من النادر ج ّداً أن تكون‬ ‫المرأة متروكة إلرادتها واختيارها في ذهابها وإيابها‪ ،‬على أنّ‬ ‫كالمنا اآلن إ ّنما هو في مقام المرأة في نفس أغلب الرجال وما‬ ‫يجب عليها في اعتقادهم أن تعمل به وأن تكون عليه فسواء ق ّل‬ ‫احتباس المرأة أو لم يقلّ‪ ،‬فالمرأة المقصورة في بيتها التي ال‬ ‫تفارقه تعتبر عندهم خير امرأة ولو أخذ المسلمون برأي الجهّال‬ ‫من فقهائهم ‪ -‬وهم أهل الرأي عندهم ‪ -‬لرأوا من الواجب عليهم‬ ‫أن يسجنوا نساءهم وأن ال يسمحوا لهنَّ بالخروج إلاّ لزيارة‬ ‫األقارب في العيدين ورأوا من األفضل أن ال تخرج من بيتها‬ ‫في جميع األحوال‪ ،‬وقد ع ّدوا من مفاخرهم أن ال تخرج المرأة‬ ‫من خدرها إلاّ محمولة إلى قبرها؟‬ ‫ّ‬ ‫الحق للرجل في سجن زوجته ينافي الحرّ يّة‬ ‫ك أنّ تقرير‬ ‫وال ش ّ‬ ‫التي هي ّ‬ ‫حق طبيعي لإلنسان‪...‬‬ ‫*من كتاب (المرأة الجديدة) – مطبعة الشعب ‪ – 1911‬صفحة (‪)33 – 28‬‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫العدد ‪22‬‬

‫ثقافة‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫ثورة فنّان ثائر‬

‫(ز ّخ رصاص على الناس العزّل يا حيف‪ ...‬وأطفال بعمر الورد تقتلهم كيف؟)‬

‫في لقاء مع موقع «قنطرة» يقول سميح «المشاهد‬ ‫التي رأيناها في األيّام األولى صدمتني‪ ،‬فخرجت معي‬ ‫أغنية (يا حيف) خالل ساعتين‪ ،‬بعد تدقيق بشكل كبير‬ ‫حول صحّ ة ما يحدث‪ ،‬ألنّ الموضوع خطير جداً‪،‬‬ ‫فأمسكت العود وخرجت الكلمات وخرج اللحن‪ ،‬وفي‬ ‫اليوم التالي مباشرة قمت بتسجيلها»‪.‬‬ ‫منذ اليوم األوّ ل القت األغنية رواجا ً منقطع النظير‪،‬‬ ‫فقد ر ّددها الناس في الساحات والشوارع وفي أغلب‬ ‫المظاهرات‪ ،‬وح ّتى في المساجد‪ ،‬مع أنّ الغناء يُعتبر‬ ‫من المحرّ مات في الدين اإلسالميّ ‪ ،‬لكن الثورة كسرت‬ ‫هذا الشيء‪ ،‬وهذا دليل على أنّ الثورة ق ّدست حراكها‪.‬‬ ‫بهذه األغنية أعلن سميح شقير انتماءه للثورة منذ‬ ‫أيّامها األولى‪ ،‬كيف ال وهو َمن ب ّ‬ ‫شر بزوال الطغيان‬ ‫ك‬ ‫وبقاء المدن‪ ،‬وقطع ‪ -‬كما قطع معه الكثيرون ‪ -‬الش ّ‬ ‫باليقين على أنّ ما يجري ليس مجرّ د احتجاجات في‬ ‫بقعة جغرافيّة محدودة‪ ،‬وإ ّنما هي ثورة شعب يطالب‬ ‫بحريّته التي انتظرها طويالً وص ّفق لها ور ّددها غنائ ّيا ً‬ ‫في حفالت سميح‪ ،‬الذي تربّى منذ والدته في السويداء‬ ‫ جبل العرب‪ ،‬على قصص وبطوالت الثورة السوريّة‬‫الكبرى ووعى أنّ الوطن هو فوق الطوائف والمذاهب‬ ‫ينتم إلى أيّ حزب سياسيّ وظ ّل‬ ‫واألحزاب‪ ،‬لذلك لم ِ‬ ‫مستقلاّ ً يكتب ويلحّ ن ويغ ّني لك ّل أبناء الشعب السوريّ‬ ‫بك ّل أطيافهم‪ ،‬كتب وغ ّنى للحصادين (واعدنا هل‬ ‫البيادر نسري تحت جناح الليل) وللشهداء (رجع الخيل‬ ‫يا عين ال تدمعيلو) األغنية التي طالما و ّدعنا شهداء‬ ‫الثورة على نغماتها‪ ،‬غ ّنى سميح ألمّهات المعتقلين الذين‬ ‫غيّبتهم الزنازين وستظ ّل أغنيته (هي يا سجّ اني ‪ ...‬هي‬ ‫يا عتم الزنزانة) تتر ّدد في زوايا أقبية الطغاة وسجونهم‬ ‫حاملة ألم وأمل ك ّل المعتقلين الحالمين بالحرّ يّة‪.‬‬ ‫بعد أغنيته (يا حيف) غ ّنى سميح لحريّة الشعب‬ ‫السوريّ ‪ ،‬وغ ّنى لحمص ومأساتها ولحلب وقلعتها‬ ‫وتاريخها‪ ،‬وكانت آخر أغنياته (عتاب البحر) فيطلب‬ ‫ّ‬ ‫المعذبين في تغريبتهم (قادر‬ ‫منه أن يتر ّفق بالسوريّين‬ ‫يا بحر موجك قادر يكسر خاطر كل مهاجر)‬ ‫كذلك‪ ،‬غ ّنى سميح للحريّة واألح���رار من ك ّل‬ ‫األطياف (لي صديق من كردستان اسمه شيفان) وغ ّنى‬

‫لمحجوب (بعدك عايش‬ ‫ببالنا فالحينا وعمّالنا‬ ‫ينادوا يا محجوب) بنكهة‬ ‫سودانيّة‪ ،‬وغ ّنى لسانتيغو‪،‬‬ ‫أنشد للجوالن وفلسطين‬ ‫والمقاومة‪ ،‬وغ ّنى لأل ّم‪،‬‬ ‫فطلب أن ت��ر ّد له صفاء‬ ‫روحه وجمال الكون الذي‬ ‫أضاعه في ازدحام المدن‪.‬‬ ‫ك��ت��ب س��م��ي��ح أغ��ل��ب‬ ‫كلمات أغانيه معتمداً على الكلمة الشعبيّة الدارجة‬ ‫والبسيطة والجملة السهلة المعبّرة‪ ،‬كما لحّ ن وغ ّنى‬ ‫للكبيرين‪ :‬دروي��ش والماغوط‪ .‬امتازت جمل شقير‬ ‫اللحنيّة ببساطتها وروحها الشعبيّة وقصرها ممّا جعلها‬ ‫مستساغة الوقع على األذن وقريبة إلى إيقاع الشارع‬ ‫ونبضه‪ ،‬وهذا ما جعل أغانيه تدرج على ك ّل لسان‬ ‫وبحق‪ ،‬يُعتبر سميح شقير مؤسّسا ً‬ ‫ّ‬ ‫وتدخل ك ّل بيت؛‬ ‫ألغنية سوريّة خالصة كلمة ولحناً‪ ،‬تحمل ه ّم ووجع‬ ‫السوريّ ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إنسان ّيا‪ ،‬ق ّدم سميح العديد من الف ّنانين من أبرزهم‬ ‫الف ّنانة سهير شقير صاحبة الصوت القويّ ‪ ،‬وكتب‬ ‫الموسيقى التصويريّة للعديد م��ن المسلسالت‬ ‫والمسرحيّات‪ ،‬واعتمد في حفالته على مرافقة فرقة‬ ‫موسيقيّة مؤلّفة من عدد قليل من العازفين أغلبهم من‬ ‫األصدقاء‪ ،‬وكلّنا يذكر المضايقات األمنيّة الكثيرة التي‬ ‫كان يتعرّ ض لها سميح من قِبل األجهزة األمنيّة‪ ،‬ولم‬ ‫يتسنّ له تسجيل أعماله وتوزيعها بشكل جيّد إلاّ بعد أن‬ ‫عمّت شهرته‪ ،‬من أعماله (يا باح ويا باح) عمل خاصّ‬ ‫باألطفال‪.‬‬ ‫شارك سميح في الكثير من المهرجانات العالميّة‬ ‫كمهرجان األغنية الملتزمة في الجزائر عام ‪،1984‬‬ ‫ومهرجان مناهضة العنصريّة بدعوة من مجلس بلديّة‬ ‫لندن‪ ،‬عام ‪.1994‬‬ ‫درس سميح في المعهد العالي للموسيقى في كييف‬ ‫ أوكرايينا‪ ،‬وفي تلك الفترة أقام ع ّدة حفالت كبيرة‬‫في ك ّل من موسكو وكييف وبيتر سبورغ‪ ،‬ث ّم عاد إلى‬ ‫سوريّة عام ‪ ،1994‬كما كان له مشاركة في المهرجان‬ ‫العالميّ للحرّ يّة في مدينة (كولن) األلمانيّة‪.‬‬ ‫إبّان الثورة أحيا العديد من األمسيات الغنائيّة على‬ ‫المسارح األور ّبيّة‪ ،‬أنشد فيها لحريّة سوريّة وشعبها‬ ‫ومجّ د الثورة منها‪ :‬السويد‪ ،‬لوس انجلوس‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫وفي ألمانيا‪ ،‬وفي المعهد العربيّ بباريس‪ ،‬ولندن‪.‬‬ ‫يتوان الف ّنان سميح شقير عن الغناء للثورات‬ ‫لم‬ ‫َ‬ ‫العربيّة‪ ،‬فقد غ ّنى لثورة تونس (تونس عروسة الثورة)‪،‬‬ ‫التحيّة لسميح ف ّنان سوريّة األصيل الذي حمل ه ّم وطنه‬ ‫وشعبه والدعاء له بطول العمر‪.‬‬ ‫أسعد شالش‬

‫المرأة والمق ّدس‬

‫قراءة في لوحات الفنّان رياض الش ّعار‬ ‫ّ‬ ‫الخط في تأسيس اللوحة ورسم معالمها األوّ ليّة‪،‬‬ ‫بدالً من‬ ‫ويستمرّ نموّ ها اللونيّ ليغدو تفوّ ق اللون والضوء على‬ ‫التأليف البصريّ والتكوين واضحاً‪ ،‬فمن المجهد البحث‬ ‫ّ‬ ‫الخط كتعبير صريح وكحالة حاضرة في لوحة‬ ‫عن‬ ‫الف ّنان رياض الشعّار‪ ،‬إ ّنه يبدأ عمله كملوّ ن بضربات‬ ‫ّ‬ ‫الخط ضمنها ويغدو عبارة‬ ‫لونيّة سريعة وحرّ ة‪ ،‬ليختفي‬ ‫عن تجاور ضربتين لونيّتين‪ ،‬أو أثراً سريعا ً لفرشاة‬ ‫عابرة‪.‬‬ ‫لوحته انفجار لونيّ يطيح بالعديد من العناصر‬ ‫األساسيّة ويفتح باب التجريب والبحث في إمكانيّات‬ ‫اللون على مصراعيه‪ ،‬ممّا يجعل منه ف ّنانا ً مجرِّ با ً‬ ‫وملوِّ ناً‪ ،‬والتجريب لديه قائم على اللون واإليقاع‪.‬‬ ‫إ ّن��ه يلوّ ن بمهارة نساءه‪ ،‬قوس ق��زح‪ ،‬هامسات‬ ‫يثرثرن عن أشياء ويوميّات‪ ،‬بعضها حدث وبعضها لن‬ ‫يحدث‪ ،‬يتبادلن الشتائم والغيظ يتح ّدثن عن رجل غائب‬ ‫عاطالت عن العمل موجودات في نفس اللحظة في‬ ‫المسافة الوسطى بين الرغبة والعاديّ أحيانا ً في المقهى‬ ‫وأحيانا ً وحيدات يسترجعن رائحة رجل لن يعود‪.‬‬ ‫الف ّنان التشكيليّ رياض الشعّار من مواليد مدينة‬ ‫سلميّة – حماة عام ‪ ،1964‬ش��ارك في العديد من‬ ‫المعارض الجماعيّة وأقام العديد من المعارض الفرديّة‬ ‫آخرها في العاصمة األردنيّة عمّان‪ ،‬لوحاته مقتناة في‬ ‫العديد في البلدان‪.‬‬ ‫الشكل الفنيّ​ّ‬ ‫في الصياغة الشكليّة للّوحة يعتمد الف ّنان على اللون‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫ال تستطيع ضبط الحزمة اللونيّة التي يعمل عليه‬ ‫الف ّنان؛ فتارة‪ ،‬يذهب باتجاه األزرق وتدرّ جاته وصوالً‬ ‫إلى ضربات حارّ ة صغيرة تجعل من الفضاء اللونيّ‬ ‫مو ّقعا ً بتوقيعات إيقاعيّة حا ّدة‪ ،‬وتارة‪ ،‬يعكس اللون‬ ‫دورته فتغدو تدرّ جات األحمر من البرتقاليّ والورديّ‬ ‫وصوالً إلى تأكيدات إيقاعيّة بضربات باردة توقف‬ ‫التصاعد اللونيّ ‪ .‬في أغلب أعماله غاللة من الرماديّات‬ ‫الشفيفة تعطي طابعا ً دخان ّيا ً ألجواء اللوحة‪ ،‬تضفي‬ ‫عليها مسحة من الحلم في جوّ ها العا ّم‪.‬‬ ‫على صعيد اإليقاع‪ ،‬يعمل الف ّنان على إيقاعين‬ ‫بصريّين في لوحته‪ ،‬إيقاع خلفيّ هامس متصاعد‪،‬‬ ‫وإي��ق��اع أم��ام��يّ ص��ارخ وح��اض��ر ب��وض��وح ّ‬ ‫موثق‬ ‫بضربات لونيّة تحمل تضا ّداً مع البنية اللونيّة للخلفيّة‪،‬‬ ‫يستخدم الف ّنان منهجا ً تلوين ّيا ً يعتمد على الضربات‬ ‫الحرّ ة المتعاكسة والتي تحيل المتل ّقي إلى بؤرة اللوحة‪،‬‬ ‫وهو أقرب منهج ّيا ً إلى االنطباعيّين في أسلوب التلوين‬

‫‪11‬‬

‫شهيد اإلنسانّية‬

‫صديقي لم يكن بطالً من أبطال الثورة‪ ،‬لم‬ ‫يخرج في مظاهرة وال مسيرة‪ ،‬لم يكن ناشطا ً في‬ ‫اإلغاثة وال إعالم ّيا ً يقامر بحياته لنقل ما يحدث‬ ‫في البلد‪ ،‬لم يكن معتقالً وال مقاتالً‪ ،‬لم يكن مواليا ً‬ ‫وال شبّيحا ً ولم يكن حياد ّيا ً وال متعصّباً‪ ،‬لم يكن‬ ‫شهيد القضيّة هنا أو هناك ليحظى بتأبين وطنيّ‬ ‫حار سواء أكان موال ّيا ً أم معارضاً‪ ،‬كان إنسانا ً‬ ‫وحسب‪ ،‬فهل ّ‬ ‫يحق لي أن أسمّيه شهيد اإلنسانيّة؟‬ ‫في سنويّته الثانية ثمّة إلحاح يُطبق الخناق‬ ‫على روحي ويطوّ قني بضرورة أن أحكي حكايته‬ ‫قبل أن يطويها النسيان كقصص الكثيرين الذين‬ ‫ماض لهم وال حيوات في‬ ‫تحوّ لوا إلى أرقام ال‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫دوّ امة الحرب التي تبتلعنا أحياء وأمواتا‪ .‬صديقي‬ ‫الذي لم أجد قبره لم ّدة عامين‪ ،‬ولم أعرف أين ت ّم‬ ‫دفنه ح ّتى وصلتني صورة القبر الذي ض ّم ما بقي من‬ ‫جسده‪ ،‬لم يجدوا له قبراً شاغراً فدفنوه في قبر قريب‬ ‫له يحمل شاهدة باسمه‪ ،‬لم يكن لديهم الوقت لكتابة‬ ‫اسمه أيضا ً لتغدو ذكرى رفاته نسيا ً منس ّياً‪.‬‬ ‫صديقي الذي عانى من صراع وحشيّ مع السرطان‬ ‫لسنوات طويلة‪ ،‬جاهده بك ّل ما فيه من عشق للحياة‪،‬‬ ‫ال يمكن أن أحصي عدد العمليّات التي خاضها إلزالة‬ ‫األورام التي كانت تتوالد بكثافة في ك ّل جسده‪ ،‬ما أن‬ ‫ينتهي من ورم ح ّتى يبرز اآلخر‪ ،‬ولن أسرد هنا عن‬ ‫جلسات الكيماويّ واألشعّة التي كافحها مطوّ الً‪ ،‬إذ‬ ‫يكفي أن تكون أيّامه األخيرة ملحمة ال يفقه أوجاعها‬ ‫إلاّ من خاض مرارة واقع الحرب وعجز اإلنسانيّة‪.‬‬ ‫في نهاية سنة ‪ 2012‬شهدت المنطقة التي يقطن‬ ‫فيها أش ّد االشتباكات وأقساها لتكون فاتحة ألوبرا‬ ‫الحرب األبديّة التي ستص ّم أرواحنا بسيمفونيّات من‬ ‫أصوات موت شاء أن ّ‬ ‫يعذبنا قبل أن ينهشنا‪ ،‬رفض‬ ‫صديقي المريض أن يغادر منزله خاف من الموت‬ ‫خارج بيته‪ ،‬بقي وحيداً يحرس جدرانا ً تحاول مقاومة‬ ‫التص ّدع واالنهيار تحت وطأة الحرب كجسده المنهك‬ ‫تحت وطأة السرطان‪ ،‬حين ماتت أمّه لم يستطع‬ ‫الخروج لدفنها أو ح ّتى وداعها فالمنطقة كانت تد ّكها‬ ‫المدافع والطائرات على مدار اليوم‪ ،‬واالشتباكات‬ ‫فيها ال تعي معنى مصطلح السكون أو ح ّتى التقاط‬ ‫األنفاس‪ ،‬منطقة تحاصرها الق ّناصة التي تتصيّد ّ‬ ‫بلذة‬ ‫القتل من أجل القتل‪ ،‬ك ّل ما يتحرّ ك‪ ،‬الحيوان قبل‬ ‫اإلنسان‪ ،‬كان في مراحله األخيرة من السرطان‬ ‫يعيش على المس ّكنات لتخفيف األلم المتفاقم‪ ،‬اختفت‬ ‫األدوية في المدينة وأطبق الحصار على المنطقة في‬ ‫الليالي التي ك ّنا فيها نراوغ مقاومة التغطية المتالشية‬ ‫لتهبنا بضع ساعات لالطمئنان على من نحبّ تحت‬ ‫الحصار‪ ،‬كان يحكي لي عن تصفيات ك ّل من يُشتبه‬ ‫به في مداخل األبنية‪ ،‬عن األصوات التي تلهج بطلب‬ ‫الرحمة قبل أن تغدو جثثا ً مرميّة في مدخل بنائه ال‬

‫يجرؤ أحدهم على انتشالها‪ ،‬يح ّدثني عن رائحة تلك‬ ‫األجساد المتع ّفنة يرسم لهم في ليله الطويل حكايات‬ ‫لها أسماء وذكريات وأحبّة وأصحاب لينسى أوجاعه‪،‬‬ ‫أكثر ما ك��ان يؤلمني أ ّن��ي لم أتم ّكن من إيصال‬ ‫المس ّكنات إليه التي استطعت تأمينها‪ ،‬كان يطلب م ّني‬ ‫وصف علبة المس ّكن ليتخيّل شعور السكينة‪ ،‬أضعها‬ ‫أمامي وأح ّدثه عنها وكيف ستصله وكيف سيرتاح من‬ ‫آالمه‪ ،‬ضاق الحصار لم ّدة أسبوع قبل انتهاء العام‪،‬‬ ‫انقطعت اال ّتصاالت والكهرباء والماء‪ ،‬وهبط البرد‬ ‫ليشارك الحرب في تقاسم غنائم الموت‪ ،‬لم أتم ّكن‬ ‫من االطمئنان عليه اضطررت حينها أن أكون خارج‬ ‫المدينة‪ ،‬وأن أكون جزءاً من مراسم دفن شهيد لم‬ ‫نستطع أن نجد له قبراً يض ّم رفات قلبه الذي اتسع‬ ‫لك ّل الوطن‪ ،‬وللمصادفة كان ذلك في الوقت الذي‬ ‫مات صديقي فيه منس ّيا ً تحت وطأة الحرب والحصار‬ ‫مرّ ت‬ ‫وانقطاع اال ّتصاالت والكهرباء والماء‪.‬‬ ‫أيّام ع ّدة قبل أن يت ّم اكتشاف موته‪ ،‬قبل أن يصلوا إلى‬ ‫ّ‬ ‫جثته المتفسّخة التي امتزجت رائحتها مع روائح جثث‬ ‫َمن كانت قصص أرواحهم مؤنسة ليله الطويل‪...‬‬ ‫مات وحيداً وبقيت أسئلة النهايات في سنويّته اليوم‬ ‫تحاصرني‪ ،‬هل عانى من آالم رهيبة قبل أن يسلّم‬ ‫الروح؟ لم يكن هناك ماء هل فقد مخزونه من الماء‪،‬‬ ‫من الشمع‪ ،‬من الطعام؟ هل نهشه الصقيع؟ هل كان‬ ‫يحلم بعلبة المس ّكن؟‬ ‫كيف مات‪ ،‬وكيف أصبح نسيا ً منس ّياً‪ ،‬كرقم‪ّ ،‬‬ ‫كجثة‬ ‫متفسّخة ال تختلف عن الجثث الملقاة في أز ّقة المدينة‬ ‫وشوارعها؟ هل كان محظوظا ً أ ّنهم وجدوا له قبراً ما‪،‬‬ ‫ال يشتكي صاحبه من مشاركة صديقي المهد األخير؟‬ ‫هل كان يجب أن يموت بالرصاص أو القذائف ح ّتى‬ ‫أسمّيه شهيداً؟‬ ‫أال يكفي الموت تحت الحصار ليغدو صديقي شهيد‬ ‫اإلنسانيّة في حرب شيّأت اإلنسان؟‬

‫م ّي الفارس‬

‫الفنّان التشكيل ّي رياض الشعّار من مواليد مدينة سلميّة – محاة‬ ‫عام ‪ ،1964‬شارك يف العديد من املعارض اجلماعيّة وأقام العديد من‬ ‫املعارض الفرديّة آخرها يف العاصمة األردنيّة عمّان‪.‬‬ ‫وفرش اللون على المساحة‪.‬‬ ‫تشعر أمام هذا التجريب اللونيّ الجميل بأنّ العمل‬ ‫يفتقر إلى تأليف بصريّ خلاّ ق ولالشتقاقات الشكلّية‬ ‫التي تغني البنية الذهنيّة للمتل ّقي وتعطي العمل طابع‬ ‫السؤال مع تلك اإلجابات العاطفيّة اللونيّة الحاضرة‬ ‫في اللوحة‪.‬‬ ‫يف اخلطاب البصر ّي‬ ‫ينطلق الف ّنان في معظم لوحاته من ذات الجدليّة التي‬ ‫سادت في اللوحة الحمويّة (المرأة ‪ -‬الحلم والمكان ‪-‬‬ ‫الفردوس) وتطوّ رت بتطوّ ر أساليب الف ّنانين العاملين‬ ‫في هذا المفهوم واختالف مشاربهم الثقافيّة وهواجسهم‬ ‫الذاتيّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتشظى المكان في لوحات الف ّنان إلى ضربات‬ ‫لونيّة ويفقد أبعاده الواقعيّة‪ ،‬وبالكاد يحتفظ بمنضدة هنا‬ ‫وإيحاء كرسيّ هناك فال شبابيك ال أبواب ال أشجار‪،‬‬ ‫أجواء دخانيّة تفضي إلى مقهى‪ ،‬إ ّننا داخل لعبة المدينة‬ ‫ال شيء يوحي بالخالء‪ ،‬ح ّتى األزرق بتدرّ جاته العديدة‬ ‫ليس سماء وال يفضي إلى السماء‪.‬‬ ‫ومع هذا الهبوط للمكان من منزلة الفردوس إلى‬ ‫ضبابيّة اليوميّ والعاديّ وتحوّ له إلى واقع نفسيّ أقرب‬ ‫إلى الحلم الممكن‪ ،‬تنزل المرأة سلّم الحلم بسرديّاتها‬ ‫اليوميّة والعاديّة مع أخريات يتشاركن الحديث عن‬ ‫رغبات وتفاصيل صغيرة‪ ،‬وفي بعض اللوحات نجدها‬ ‫متروكة للحظتها الخاصّة وحيدة في فضاء لونيّ‬ ‫مضطرب وعاصف‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬هي المرأة الحلم الممكن ال المرأة الحلم‬

‫المستحيل استعادت جزءاً من واقعيّتها وهبطت من‬ ‫الفردوس لنراها في المقهى تارة وتارة أخرى في عالم‬ ‫عاطفيّ لونيّ بنوازعها الداخليّة وشهواتها الخاصّة‪،‬‬ ‫والمكان داخليّ نفسيّ عاطفيّ ملوّ ن بذاتيّة الرؤيا‬ ‫وخصوصيّتها‪ ،‬إذ انتزع الف ّنان منه عناصر المق ّدس‬ ‫وفقد فردوسيّته والطابع الروحيّ ليغدو أكثر صلة‬ ‫بالواقع النفسيّ الباطنيّ مع بعض الدالالت الواقعيّة‪،‬‬ ‫ضمن هذه التقاطعات الحاصلة بين المرأة والمكان في‬ ‫لوحة الف ّنان أسلوبا ً وصياغة بصريّة‪ ،‬والتي نتج عنها‬ ‫تقاطع مفاهيميّ إلى درجة التماهي‪ .‬إذاً‪ ،‬هي المرأة‬ ‫الحلم الممكن في المكان الحلم الممكن‪ .‬هكذا‪ ،‬أنزل‬ ‫الف ّنان المرأة من الحلم المستحيل بعد أن نزع عن‬ ‫المكان عناصره الفردوسيّة‪.‬‬

‫سهف عبد الرمحن‬ ‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪ /7‬كانون الثاني ‪2015/‬‬

‫بدنا حنكي‬

‫ّ‬ ‫لكل‬ ‫مقام‬ ‫مقال‬

‫في المثلّية المجتمعّية السورّية‬

‫لع ّل أبرز ما تك ّ‬ ‫شفت عنه وقائع‬ ‫الثورة السوريّة طوال أربع سنوات‬ ‫ّ‬ ‫ومثلت أه ّم عوامل ضعف هذه الثورة‬ ‫هي حالة المثليّة التي تعاني منها البُنى‬ ‫المجتمعيّة المكوّ نة للمجتمع السوريّ ‪،‬‬ ‫ذلك أنّ تلك الفسيفساء الجميلة التي‬ ‫ت��ز ّي��ن شكله ال��خ��ارج��يّ ل��م تعكس‬ ‫جماليّتها إلى الداخل‪ ،‬ولم تجسّدها عالقات عميقة وجسور تواصل‬ ‫تجعل من اآلخر شريكا ً حقيق ّيا ً في صياغة أطر ومالمح الهويّة‬ ‫الوطنيّة السوريّة الجامعة‪ ،‬بل كانت طوال سنين االستبداد مالذاً‬ ‫للنكوص إلى ما دون ذلك‪ ،‬لم يكن ما يجمع المكوّ نات السوريّة‬ ‫ْ‬ ‫ألقت بظلّها الثقيل على‬ ‫رابطة وطنيّة حقيقيّة‪ ،‬بل سلطة مستب ّدة‬ ‫وتشظيها‪ ،‬لك ّنها لم تسمح قطّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعززت انكفاءها‬ ‫تلك المكوّ نات‬ ‫بشطط االنعتاق من حبل القهر الذي يكبّل أيّ نزوع للتعبير‬ ‫عمّا فوق هذا االنتماء صراحة أو ما دونه علناً‪ ،‬وكما المثليّة‬ ‫الجنسيّة حالة شذوذ عن التكوين الطبيعيّ وانحراف سلوكيّ عن‬ ‫منظومة القيم األخالقيّة العامّة‪ ،‬فإنّ المثليّة الدينيّة أو القوميّة أو‬ ‫الطوائفيّة هي حالة شذوذ وطنيّ وانحراف سلوكيّ وحياتيّ عن‬ ‫منظومة الروابط الوطنيّة والقانونيّة الجامعة‪ ،‬وتلك هي آفة هذا‬ ‫المشرق منذ تكوينه المعاصر‪ ،‬وهي اآلفة التي ّ‬ ‫غذتها ونمّتها نظم‬ ‫االستبداد التي تعاقبت على حكم سوريّة منذ استقاللها‪ ،‬فاالستبداد‬ ‫ّ‬ ‫يتجذر إلاّ في المجتمعات التي تعاني من الضحالة‬ ‫ال ينمو وال‬ ‫الوطنيّة والمثليّة المجتمعيّة التي تجعل من ك ّل مكوّ ن لها منكفئا ً‬ ‫على نفسه وبيئته الما دون وطنيّة ويجد فيها مالذاً يأمن فيه على‬ ‫نفسه من (شرور) و (آثام) التواصل مع اآلخر وخلق الشراكة‬ ‫الوطنيّة التي طالما يعتبرها المستب ّد خطراً جسيما ً يحيق به ويه ّدد‬ ‫وجوده ودوام سلطانه‪ ،‬فيسعى دائما ً ّ‬ ‫ك بين‬ ‫لبث أجواء الريبة والش ّ‬ ‫تلك المكوّ نات‪ ،‬بل ويسعى إلى تصنيع وخلق األسباب التي تزيد‬ ‫ّ‬ ‫والتشظي بين المكوّ نات لترى ك ّل منها فيه‬ ‫وتعمّق من االنقسام‬ ‫حاميا ً لها من اآلخر الذي ُهيّئ لها أ ّنه يريد ابتالعها وإفناءها‪،‬‬ ‫فيصوّ ر الكرد كانفصاليّين والس ّنة كمتطرّ فين‪ ،‬والمسـيحيّين‬ ‫كعمـالء والدروز كباطنيّين والعلويّـين كمســتأثرين‪ ،‬ولم يُسمح‬ ‫ّ‬ ‫قط لك ّل هؤالء بالتعبير عن أنفسهم كسوريّين‪.‬‬ ‫كانت س��ور ّي��ة ه��ؤالء جميعا ً بوصفها اإلط��ار الوطنيّ‬

‫جديد أجهزة العام ‪2015‬‬

‫أعلنت شركة سامسونج أ ّنها ستبدأ في إنتاج هواتف بشاشات‬ ‫قابلة لالنحناء خالل هذا العام‪ ،‬وأجهزة تابلت جديدة بشاشة أكبر‬ ‫وإمكانات أكثر تطوّ راً تنافس بها اآلي باد بقوّ ة‪ .‬كما قرّ رت شركة‬ ‫ّ‬ ‫يتخطى قياسه الـ‪9.7‬‬ ‫آبل أن تتخلّى عن فكرة الجهاز الذي ال‬ ‫بوصة إلى جهاز جديد بشاشة ‪ 12.9‬بوصة‪.‬‬

‫توفيــق دنيـــا‬

‫بسام يوسف‬ ‫َ‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫سنفرشها على شرفة السّنة الجديدة؛ هذه األحالم‪ ،‬ونرتاح من عتلها على الظهور‬ ‫المكسورة‪ ،‬طوال التقاويم الوعرة كتاريخ عبوس‬ ‫ننتهز أنّ الليل عتيق‪ ،‬متلف‪ ،‬نعسان‪ ،‬يدير لنا قفاه‪ ،‬وهو يداول نوبته كحارس لألبد‬ ‫سنقول لها‪ :‬يا سنة! انتقي منها ما تريدين‪ ،‬تد ّفئي على لهيبها إن شئت‪،‬‬ ‫فالبرد قارس‪ ،‬كما العادة‪ ،‬في العقود الفزعانة من القرون المؤلّفة‬ ‫ها كلّها تحت جنحك‪ ،‬في مرمى بصيرتك‬ ‫لم نربط لها خيطا ً بأصابعنا الملتهية بطيّ العناوين كورقة للنسيان‬ ‫كلّها كلّها‪ ،‬كي ال تقولي‪ :‬وحدهم السوريّون‪ ،‬يخدعون المستقبل‪،‬‬ ‫إذ يكثرون من القرابين كي يعمى عن حمولة زائدة معلّقة على األكتاف كزوّ ادات الترحال‬ ‫هاك !تلك خربانة كت ّفاحات معطوبة‪ ،‬ألقي بها في خوابي األمس‬ ‫وتلك صدئت‪ ،‬افركيها على جرح في األرض يرت ّد مندمالً كوشم على زند‬ ‫هذه فضفاضة كثوب مضحك‪ ،‬وتلك ضاقت فال تصلح إلاّ لدمى األوالد‬ ‫وهذه أضغاث‪ ،‬تلك منامات‪ ،‬هذه أحالم يقظة‪،‬‬ ‫وتلك أفلتت من كتب التفاسير كي ال تظ ّل أسيرة الحدس‬ ‫وهذه ج ّففناها على ال ّنار الهادئة للصبر ّ‬ ‫فتبخر فيها البريق كقعر جرّ ة مائلة‬ ‫وهذه من بقايا طموح فاشل كان على وشك أن يصير أيقونة للمنال‬ ‫وتلك هرمت كأحصنة‪ ،‬جرّ يها من عرفها برفق وأطلقي عليها رصاصة الرحمة‪،‬‬ ‫ولكن بعيداً‪ ..‬بعيداً‬ ‫فلم نعد نحتمل‪ ،‬يا سنة !‬ ‫أمّا تلك التي تح ّدقين فيها كلغز‬ ‫ليست لنا‪ ،‬ال نعرف كيف وال متى علقت بخطواتنا كالشوك‬ ‫انظري‪ ،‬قارني‪ ،‬أو ليس لألحالم قسمات‪ ،‬مالمح‪ ،‬ومض اللمحة األولى‪ ،‬فتشبه أصحابها؟‬ ‫افعلي ما شئت‪ ،‬قايضي بها على اليوم الناقص من شباط‪ ،‬ما شئت‪ ،‬وال تقولي‪ :‬السوريّون‪،‬‬ ‫يتستغلّون االزدحام قبيل الصبح فيتن ّكرون بأحالم من «البالة»‬ ‫وهذه هذه التي ال تمأل العين‪ ،‬خ ّدج‪ ،‬لها الحاضنة هنا بين األضالع‪،‬‬ ‫امنحينا استراحة عاشق فربّما اكتملت‪ ،‬فال نلقي بها للحيتان‬ ‫هي كثيرة يا سنة ! كثيرة‪ ،‬فلن تمرّ ي بها كلّها‪ ،‬فوقتك محدود بساعة الصفر‬ ‫خذي الباقيات اقرئيها على مهل‬ ‫احكيها ألحفادك أو كرّ يها وانسجيها كواحدة من أساطير الشعوب‬ ‫ولكن سنسأل قبل أن تصيح مفاتيح أبوابك كديكة الفجر‬ ‫ألم يخطر ببال السّنة؛ المغرورة كعروس؟‬ ‫لماذا نحن واألحالم هكذا؟‬ ‫نق ّل وتزداد‬ ‫نكبر وتصغر‬ ‫سالم حلوم‬ ‫تماماً‪ ،‬كما اللّيل والنهار يطول الواحد منهما على حساب اآلخر‪.‬‬

‫انطلق مشروع أرشيف المطبوعات السوريّة في‬ ‫‪ 21‬كانون األوّ ل ‪،2014‬‬

‫ونشرات‪ ،‬ويجمع كا ّفة المطبوعات في الموقع‪،‬‬ ‫ويصلح األخطاء الطباعيّة‪.‬‬

‫بنسخة تجريبيّة جاهزة لالستثمار‪ ،‬وذلك بدعم‬ ‫مالي من ّ‬ ‫منظمة ‪ NPA‬النرويجيّة‪ ،‬ودعم إعالميّ من‬ ‫الشبكة السوريّة لإلعالم المطبوع‪ ،‬كموقع مستق ّل ال‬ ‫يتب ّنى توجّ ها ً سياس ّيا ً أو حزب ّيا ً أو دين ّياً‪ ،‬لتحسين الواقع‬ ‫التسويقيّ لتلك المطبوعات‪ ،‬التي تنتشر على عشرات‬ ‫المواقع اإللكترونيّة‪.‬‬

‫ويتيح محرّ ك البحث في األرشيف تحليل مل ّفات‬ ‫الـ ‪ PDF‬إلى نصوص للبحث فيها أو عنها بحسب‬ ‫أماكن صدورها‪ ،‬أو ضمن نطاق زمنيّ مح ّدد‪.‬‬ ‫كما يتيح الموقع ألصحاب المطبوعات إمكانيّة‬ ‫إضافة أعدادهم الجديدة لألرشيف من خالل صفحة‬ ‫مخصّصة للرفع‪ ،‬أو من خالل إرسالها مباشرة عبر‬ ‫البريد اإللكترونيّ‬

‫ويق ّدم المشروع أرشيفا ً لإلصدارات القابلة للطبع‬ ‫والتي تحمل سمة «الوثيقة» من صحف ومجلاّ ت‬

‫‪info@syrianprints.org‬‬

‫ّ‬ ‫ري‬ ‫خاليا لمعالجة داء‬ ‫السك ّ‬

‫ن��ج��ح ع��ل��م��اء ب��ري��ط��ان � ّي��ون في‬ ‫استحداث خاليا منتجة لألنسولين‪،‬‬ ‫أشبه بالخاليا الطبيعيّة في البنكرياس‬ ‫باستخدام خاليا جذعيّة جنينيّة من أجل‬ ‫عالج الداء الس ّكريّ ‪ ،‬وبكميات كبيرة‬ ‫تكفي لزراعتها في أجساد المرضى‬ ‫ولألغراض الصيدالنيّة‪.‬‬

‫‪Omran Kayali‬‬

‫المدير العام‬

‫وحدهم السورّيون‪،‬‬ ‫يخدعون المستقبل‬

‫أرشيف المطبوعات السورّية‬ ‫في موقع واحد ‪WWW.SYRIANPRINTS.ORG‬‬

‫الجامع لهم أكبر خطر وجوديّ يته ّدد سلطة االستبداد‪ ،‬فكان‬ ‫من الطبيعيّ ج ّداً أن نرى في حمأة الصراع مشاهد مروّ عة‬ ‫لفتك بعض السوريّين ببعضهم اآلخر وكأنّ ال شيء يجمعهم‬ ‫أو يربط بينهم‪ ،‬وك��ان طبيع ّيا ً أن تفرز أدوات تلك السلطة‬ ‫المستب ّدة ك ّل تلك الوحشيّة والدمويّة في حرب بعض السوريّين‬ ‫على بعضهم اآلخ��ر‪ ،‬وأن تجد األشخاص واألدوات التي‬ ‫وأعلن العلماء أنّ العالج الجديد‬ ‫تمارس تلك الوحشيّة التي ربّما ال تراها بين األعداء أنفسهم‪،‬‬ ‫نجح مخبر ّيا ً في القضاء على الس ّكريّ‬ ‫ناهيك عمّا يفترض أ ّنهم شركاء في الـ (وطن) و (المواطنة)‪.‬‬ ‫لدى الفئران في غضون ‪ 10‬أيّام‪.‬‬ ‫المثليّة المجتمعيّة السوريّة ليست جزءاً من التكوين األزليّ‬ ‫والطبيعيّ للسوريّين‪ ،‬بل هي م��رض ع��ارض ابتليت فيه‬ ‫بدل ما تضربوا قنابل‬ ‫المكوّ نات السوريّة بفعل فيروس االستبداد الذي هو على الدوام‬ ‫وق��ذائ��ف‪ ،‬ض��رب��وا م ّته‬ ‫نقيض المواطنة التي ال تنتج أيّة مظلوميّة لفئة ما تجعلها تنكفئ‬ ‫أو كاسة ت��ش��ااي‪ ،‬وإذا‬ ‫عن سياقات شراكتها الوطنيّة‪ ،‬وال تتيح لفئة ما تفوّ قا ً نوع ّيا ً‬ ‫مصرّ ين عالقتل‪ ...‬اقتلوا‬ ‫وكم ّيا ً تجعلها تتعملق على باقي الفئات والمكوّ نات‪ .‬االستبداد آفة‬ ‫ال��وق��ت بشغالت مفيدة‬ ‫السوريّين التي حرمتهم من خلق وبناء جسور تواصل بينهم تتيح للبلد ‪ .................‬إي‬ ‫لهم خلق مساحات‬ ‫ٍ‬ ‫تالق وطنيّة ترقى على انتماءات ما دونها العمى!!!‬ ‫وتح ّد من مغاالة وشطط ما فوقها‪ ،‬فالجامع الوطنيّ هو وحده‬ ‫ ألن إذا استمر مسلسل القتل والتدمير والتهجير‬‫سفينة نوح التي تنقذ المؤمنين بسوريّتهم من الغرق في طوفان‬ ‫سنتين كمان‪ ،‬رح تبقى المعونات في المستودعات‬ ‫الموت والدم الذي الب ّد أن يُغرق صانعيه ومسبّبيه‪.‬‬ ‫غزوان قرنفل ما في مواطن يحتاج إلها!!!‬

‫رئيس التحرير‬

‫مقامات‬

‫هيئة التحرير‬ ‫حسين برو ‪ّ -‬‬ ‫بشار فستق‬ ‫غزوان قرنفل ‪ -‬ثائر موسى ‪ -‬عزّة البحرة‬

‫االخراج الفني‬ ‫منير األيوبي‬

‫االعتراف بخطيئته المهنّية‬

‫ص��در عن «دار ال��ر ّي��س» كتاب‬ ‫«مالك الثورة وشياطينها – عامان في‬ ‫شمال سوريا» للصحفيّ اللبنانيّ «فداء‬ ‫عيتاني» في نهاية ‪ ،2014‬وفيه يروي‬ ‫سيرة الثورة السوريّة‪ ،‬منذ بداياتها‪،‬‬ ‫وكيف تطوّ رت‪ ،‬ويقول عيتاني عن‬ ‫كتابه‪:‬‬ ‫تعمّدت ألاّ أراعي أحداً‪ ،‬وأن أكتب‬ ‫ح ّتى عن اضطراري لحمل السالح‬ ‫وهو خطيئة في مهنتي‪...‬‬

‫شي _ تتمنى _ يصير _‬ ‫سألت بياع العنب من‬ ‫في_‪#2015‬‬ ‫وين؟‬ ‫أكبر أمنية أتمناها من‬ ‫قال لي‪:‬‬ ‫قلبي تنتهي ال��ح��رب في‬ ‫ال���ع���ن���ب دوم����ان����ي‪،‬‬ ‫سوريا وينعم الشعب باألمن‬ ‫والزرع حوراني‪ ،‬والحلو‬ ‫واالستقرار‪ .‬سعود‬ ‫من حمص العدية‪ ،‬السمك‬ ‫أشياء كثيره بس صح صح أتمنى زوال نظام من الالدقية‪ ،‬والتفاح جوالني‪ ،‬بس يرحل الطاغي‪،‬‬ ‫األسد البعثي وتحرر سوريا الحبيبة‪.‬‏أحمد‬ ‫كل شي بيصير‪...‬‬ ‫تتحرر سوريا من بشار الجرذ‪.‬‬ ‫سميح شقير في ‪ 6‬دقائق عبر مركز السويداء‬ ‫كل العاطلين عندنا يتوظفون وأنا أولهم‪ .‬أميرة اإلعالمي‬ ‫‪http://www.youtube.com/watch?v=BxwuTz21XwY‬‬

‫فريق العمل‬ ‫سكرتاريا ‪ :‬نور العبدالهلّ‬ ‫التدقيق اللغوي ‪ :‬فلك الخالد‬ ‫الموقع اإللكتروني ‪ :‬باسل العبداهلل‬

‫اآلراء الواردة في كلّنا سورّيون تعبّر عن رأي الكاتب‬ ‫و ال تعبّر بالضرورة عن رأي الصحيفة‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.