34 كلنا سوريون العدد

Page 1

‫رمضان دير الزور‬

‫تؤرّخ‬ ‫مآسي‬ ‫شعبها‬ ‫غناء‬

‫ف��ل��م ع��ن حياة‬ ‫«ستيفن هوكينغ»‬ ‫بدون سورية‬

‫ص‪11‬‬

‫ص‪11‬‬

‫حناول أن تكون فضا ًء إعالميّاً مفتوحاً على الشأن السور ّي‪ ،‬وتشارك السوريّني حياتهم يف بالد النزوح‪،‬‬ ‫ونسعى ألن تكون ساحة لتبادل الرأي وتبادل املعلومة‪ ،‬حماولة جادّة للمساهمة يف صناعة إعالم سور ّي‬ ‫جديد وج ّدي‪ ،‬يساهم بدوره يف صياغة وعي وط ّ‬ ‫ين سور ّي جامع‪ ،‬يؤ ّسس لصياغة اهلويّة الوطنيّة اجلامعة ‪.‬‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية‬

‫السنة الثانية‬

‫‪ /9‬متوز ‪2015 /‬‬

‫ص‪5‬‬

‫العدد ‪- 34 -‬‬

‫‪newspaper.allsyrians.org‬‬

‫‪ 12‬صفحة‬

‫االفتتاحية‬

‫أزمة األحزاب‬ ‫والسلطة‬

‫عدسة عبد إدلب‬

‫ريف إدلب ‪ -‬خاص كلّنا سوريّون‬

‫المبادئ الدستورّية وأصول صياغة الدساتير‬

‫تثور انتقادات عديدة حول إسباغ األهميّة االستثنائيّة‬ ‫لموضوع صياغة الدستور ويقول المعترضون‪:‬‬ ‫إنّ جوهر الدستور هو الموضوع ال الشكل‪ ،‬واللغة‬ ‫البسيطة المعتادة كافية لكتابة دستور عصريّ يفي‬ ‫بالغرض‪.‬‬ ‫لكنّ التجارب العمليّة أثبتت خطأ هذا الكالم‪ ،‬ألنّ‬ ‫لصياغة الدستور أهميّة كبرى تتبدّى‪ :‬في ضرورة‬ ‫إنتاج تشريع متطوّ ر ي ّتسم بالوضوح والد ّقة والتناسق‪،‬‬ ‫ويكون مفهوما ً من العموم‪ ،‬سهل التفسير والتطبيق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ونظراً لسموّ النصّ الدستوريّ فإنّ صياغته تتطلب‬ ‫كتابة متأنيّة إلنتاج نصوص جامعة مانعة بعيدة عن‬ ‫الغموض قطعيّة الداللة‪ ،‬كما أنّ سالمة الجانب الشكليّ‬ ‫للدستور ينعكس على سالمة المضمون‪ ،‬ممّا يؤدّي‬ ‫لسهولة الفهم ويسر التطبيق‪.‬‬ ‫فما تعريف الصياغة؟‬ ‫هي عمليّة تحويل القيم المكوّ نة لمادّة الدستور إلى‬ ‫موا ّد دستوريّة صالحة للتنفيذ‪ ،‬وهي التي تحيل القاعدة‬ ‫القانونيّة من فكرة صماء إلى قاعدة تنبض بالحياة‬ ‫وتصلح للتطبيق العمليّ ‪.‬‬ ‫متطلّبات الصياغة الدستوريّة‪:‬‬ ‫تحرص الدول الحديثة على إعداد كوادر متخصّصة‬ ‫بالصياغة وكيفيّة بناء المادّة القانونيّة والدستوريّة‬ ‫والمراحل التي تمرّ بها والدة النصوص التشريعيّة‪ ،‬إنّ‬ ‫توفير الكوادر البشريّة المناسبة يعتبر تحدّيا ً تعاني منه‬ ‫الكثير من الدول مع انعدام مراكز األبحاث القانونيّة‬ ‫وقواعد البيانات المتكاملة لتشريعات الدولة‪.‬‬ ‫األساسيّات الهيكليّة للصياغة الدستوريّة‪:‬‬ ‫ويجب أن تشتمل على المفاصل الرئيسيّة التالية‪:‬‬ ‫أ‌‪ -‬أمر اإلصدار أو التكليف‪ :‬وهو مستند التفويض الذي‬ ‫يخوّ ل اللجنة كتابة الدستور سواء كان مرسوما ً رئاس ّيا ً‬ ‫أو تكليفا ً برلمان ّيا ً أو غير ذلك‪.‬‬ ‫ب‌‪ -‬الديباجة‪ :‬وهي المقدّمة التعريفيّة للدستور التي‬ ‫تحدّد أهدافه وأحكامه العامّة وتكتب غالبا ً على شكل‬ ‫سرد‪ ،‬وأحيانا ً على شكل فقرات‪.‬‬ ‫ج ‪-‬التعريفات‪ :‬إنّ من المجدي أن ترد في بداية الدستور‬ ‫تعريفات للمصطلحات األساسيّة التي سيتكرّ ر ورودها‬ ‫في النصّ ليكون المصطلح منضبطا ً ال يحتمل التأويل‪،‬‬ ‫ومفهوما ً ال يحتاج للتفسير وموجزاً يتالفى اإلطالة‪.‬‬ ‫د‪ -‬األحكام العامّة والموضوعيّة والختاميّة‪ :‬وهو مجمل‬ ‫الموا ّد الدستوريّة التي تش ّكل جسم الدستور‪.‬‬ ‫هـ ‪-‬التقسيمات الرئيسيّة والفرعيّة للفصول واألبواب‬ ‫والفقرات‪ :‬في الصياغة المنهجيّة يت ّم تحديد الطريقة‬ ‫التي ستتبع في تبويب وتصنيف موا ّد الدستور‪.‬‬ ‫و‪ -‬أحكام النفاذ والتطبيق‪ :‬لتحديد آجال التصويت على‬ ‫الدستور ومواعيد نفاذه وسريان أحكامه‪.‬‬ ‫صفات النصّ الدستوريّ ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الوضوح‪ :‬بحيث تؤدّي قراءة المادّة الدستوريّة دوما ً‬ ‫إلى نفس الفهم كائنا ً من كان القارئ‪ ،‬وعليه يفترض‬ ‫بلجنة الصياغة أن تتم ّتع بمهارات فائقة للتنبّؤ بالمعاني‬ ‫التي يمكن أن تخطر ببال القرّ اء بمختلف درجاتهم‪.‬‬ ‫إنّ سرّ نجاح لجان الصياغة يكمن بالمهارة بتركيب‬

‫الجملة التي ال تقبل إلاّ معنى واحداً هو الذي توافق‬ ‫عليه واضعو الوثيقة األولى‪.‬‬ ‫‪ -2‬االنسجام والمتانة‪:‬‬ ‫إنّ المادّة الدستوريّة الصالحة هي المتناسقة والخالية‬ ‫من التناقض والتكرار‪ ،‬فال يجوز مثالّ ورود مادّة‬ ‫دستوريّة تتناقض مع المبادئ الواردة بالديباجة‪ ،‬كما ال‬ ‫يجوز استعمال المصطلح بأماكن مختلفة للداللة على‬ ‫معان مختلفة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إنّ انسجام المادّة الدستوريّة يتطلّب الحذر من إدخال‬ ‫التغييرات على بعض األحكام بالمراحل األخيرة‪.‬‬ ‫لقد ثبت أنّ االستعانة بلجان عديدة للصياغة يؤدّي‬ ‫لسوء إنجاز العمل وانعدام التنسيق نظراً لتباين أساليب‬ ‫عمل ك ّل منهم‪.‬‬ ‫ومن أنجع الحلول لهذه المشكلة‪ :‬اللجوء إلى عدد‬ ‫صغير من خبراء الصياغة ومن ث ّم تكليف شخص‬ ‫واحد لكتابة الصياغة األخيرة لمشروع الدستور‪.‬‬ ‫القواعد اللغويّة للصياغة السليمة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫يتمثل الهدف النهائيّ للصياغة الدستوريّة بإنتاج مادّة‬ ‫دستوريّة ت ّتصف بالتحديد والد ّقة واإليجاز والوضوح‪،‬‬ ‫ولع ّل القواعد اللغويّة التالية تساعد الصائغ لتحقيق‬ ‫ذلك‪:‬‬ ‫‪ -1‬تج ّنب األلفاظ الغامضة والملتبسة «حمّالة األوجه»‪.‬‬ ‫‪ -2‬الحرص على استعمال الكلمة نفسها للمفهوم ذاته‪،‬‬ ‫والبحث عن الكلمة المختلفة للمفهوم المغاير‪.‬‬ ‫‪ -3‬اإليجاز واالبتعاد عن اإلسهاب‪.‬‬ ‫‪ -4‬تج ّنب العبارات اإلنشائيّة التي تتميّز باإلطناب‬ ‫واإلسهاب بالوصف والتقعّر اللغويّ المثير لاللتباس‪.‬‬ ‫‪ -5‬استخدام واو العطف وحرف «أو» بعناية فائقة‪.‬‬ ‫‪ -6‬استخدام الجمل القصيرة للمادّة التشريعيّة‪.‬‬ ‫‪ -7‬استخدام البنود بشكل واضح ومفهوم وعدم فتح‬ ‫أرقام للبنود الفرعيّة قبل االنتهاء من الترقيمات السابقة‬ ‫(ألنّ العرض المحكم مرهون بالتبويب السليم)‬ ‫‪ -8‬استخدام اإلثبات واالبتعاد عن النفي‪.‬‬ ‫‪ -9‬وضع المفهوم األكثر أهميّة بنهاية الجملة بشكل‬ ‫قاطع ال يترك مجاالً لالجتهاد‪.‬‬ ‫‪ -10‬إحكام عالمات الترقيم في مواضعها والترتيب‬ ‫المنطقيّ للتراتيب واستخدام الضمائر بعناية ود ّقة‪.‬‬ ‫‪ -11‬االلتزام بحرفيّة المصطلحات التشريعيّة بتوحيد‬ ‫المصطلحات التي تؤدّي نفس المعنى‪.‬‬ ‫‪ -12‬عدم اإلسراف بإيراد التعاريف‪.‬‬ ‫عيوب الصياغة اللغويّة في بناء الجملة القانونيّة‪:‬‬ ‫أ‪ -‬استخدام الجمل الطويلة والتراكيب المع ّقدة التي تثير‬ ‫االلتباس‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ازدحام الجملة بتراكيب متناقضة يصعب معها فهم‬ ‫أجزاء الجملة‪.‬‬ ‫ج‪ -‬التباعد بين أجزاء الجملة ألنّ األصل أن يكون‬ ‫الفعل متالزما ً مع الفاعل والصفة تالية للموصوف‪ ،‬أمّا‬ ‫التباعد فهو يؤدّي لضياع المعنى‪.‬‬ ‫د‪ -‬التكرار المعيب الذي يخ ّل برصانة التراكيب‪.‬‬ ‫العقبات التي تواجهها لجان الصياغة‪:‬‬ ‫‪ -1‬على لجنة الصياغة أن تكون على دراي��ة تامّة‬

‫بالمضامين الدستوريّة المتوافق عليها‪.‬‬ ‫‪ -2‬يجب أن تتحدّد اآلليّة التي تتل ّقى بها لجنة الصياغة‬ ‫التعليمات والمضامين‪.‬‬ ‫‪ -3‬كثيراً ما تضطرّ لجان وضع الدستور إلدخال‬ ‫تعديالت اللحظات األخيرة إرض��اء لبعض القوى‬ ‫السياسيّة‪ ،‬لذا يتوجّ ب الحذر من التعديالت التي تدخل‬ ‫على مشروع الدستور في اللحظة األخيرة دون تروّ‬ ‫ممّا ّ‬ ‫يؤثر على تناسق الدستور وإمكانيّة نفاذه ‪.‬‬ ‫‪ -4‬الحذر من خطر فقدان النسخة النهائيّة للوثيقة‬ ‫الدستوريّة أل ّنها المرجع لح ّل ك ّل خالف حول صحّ ة‬ ‫التعديالت المتوافق عليها‪.‬‬ ‫التزامات أعضاء لجنة الصياغة‪:‬‬ ‫إنّ مسؤوليّة ه��ؤالء ال تقتصر على شكل النصّ‬ ‫الدستوريّ فحسب‪ ،‬إ ّنما تتعدّى ذلك إلى الموضوع‪.‬‬ ‫كما أنّ اللجنة ملزمة بالتقيّد بحدود التوكيل الممنوح لهم‬ ‫وألاّ يتجاوزوا حدود التفويض‪.‬‬ ‫ومن نافلة القول التذكير بواجب العناية الفائقة بإنجاز‬ ‫عملهم وواجب السرّ يّة في العمل وعدم تسريب أيّة‬ ‫معلومة أثناء التنفيذ‪.‬‬ ‫آليّة عمل لجان الصياغة‪:‬‬ ‫تبنى هيكليّة الجمعيّة التأسيسيّة لوضع الدستور على‬ ‫أساس توزيع المهام بين اللجان الفرعيّة المتعدّدة بهدف‬ ‫التخصّص وتوزيع األعباء واختصار الزمن‪.‬‬ ‫وتختصّ ك ّل لجنة بأحد أبواب الدستور حيث تخرج‬ ‫بمقرّ راتها تباعاً‪ ،‬فتحيل هذه المقرّ رات إلى (أمانة‬ ‫السرّ العامّة)‪ .‬التي تتل ّقى المقرّ رات من كا ّفة اللجان‪،‬‬ ‫وتجمعها وتنسّق محتواها وتقوم بتسليمها إلى لجنة‬ ‫الصياغة‪.‬‬ ‫وتبدأ لجنة الصياغة بمعالجة هذه المقرّ رات وفق‬ ‫تقنيّات وآليّات الصياغة الفنيّة‪.‬‬ ‫وإنّ من المفيد في هذا السياق التذكير بما يلي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬ضرورة وجود بروتوكول «نظام داخليّ » ّ‬ ‫ينظم‬ ‫عمل هذه اللجان وفق قواعد دقيقة تحدّد حاالت ّ‬ ‫تدخل‬ ‫لجان الصياغة في عمل اللجان الفرعيّة وكيفيّة التعاطي‬ ‫مع المقترحات‪.‬‬ ‫ت‌‪ -‬إنّ أمانة السرّ العامّة هي المسؤولة عن حفظ‬ ‫المقرّ رات والمخرجات التي تتل ّقاها من اللجان الفرعيّة‬ ‫ومن واجبها االحتفاظ بنسخ عن هذه المقرّ رات ليت ّم‬ ‫الرجوع إليها في حال فقدان أيّ منها‪.‬‬ ‫ث‌‪ -‬إنّ من مقتضيات األص��ول الحديثة للصياغة‬ ‫القانونيّة االطالع على تجارب الدول الحديثة في كتابة‬ ‫دساتيرها وذلك مراعاة لالتجاه العالميّ الحاليّ في‬ ‫توحيد القوانين والمصطلحات العالميّة وليكون سياق‬ ‫الدستور منسجما ً مع القيم الواردة بالقوانين واالتفاقيّات‬ ‫الدوليّة‪.‬‬

‫المراجع ‪:‬‬ ‫‪ – 1‬اال ّتجاهات الحديثة في صياغة مشاريع القوانين ‪ -‬د‪ .‬محمود‬ ‫صبرة‪.‬‬ ‫‪ – 2‬غموض النصوص الدستور ّية وتفسيرها – د‪ .‬أحمد ّ‬ ‫عزي‬ ‫النقشبندي‪.‬‬ ‫‪ – 3‬فنّ الصياغة القانون ّية ‪ -‬د‪ .‬عبد القادر الشيخلي‪.‬‬

‫احملامي أمحد صوّان‬

‫اهت ّم المجتمع السياسيّ والثقافيّ العربيّ بمفهوم الديمقراطيّة منذ‬ ‫فترة طويلة وشهدت المنابر الثقافيّة والسياسيّة جدالً واسعا ً حول‬ ‫صيغة الديمقراطيّة وأشكالها ومخاطرها وميّزاتها‪ ،‬وكيف يمكن‬ ‫تطبيقها في بالد ال يزال الدين يش ّكل جانبا ً كبيراً من بنيتها الثقافيّة‬ ‫واإليديولوجيّة‪ ،‬وذهب البعض إلى أكثر من ذلك فوصلوا إلى ح ّد‬ ‫وضع فهم للديموقراطيّة في بلداننا أق ّل ما يُقال فيه أ ّنه ال ديموقراطيّ ‪.‬‬ ‫جاءت االنتخابات التشريعيّة التي جرت في ‪ 26‬كانون األوّ ل ‪1991‬‬ ‫في الجزائر وفازت بها الجبهة اإلسالميّة لإلنقاذ بغالبيّة ساحقة وصلت‬ ‫إلى ‪ %82‬بـ ‪ 188‬مقعداً من أصل ‪ 231‬لتزيد من احتدام النقاش‬ ‫حول الديموقراطيّة‪ ،‬ال بل أدّت إلى تفجير واشتعال هذه الخالفات‪،‬‬ ‫وانتقل الخالف من حيّز نظريّ إلى حيّز الفعل المباشر‪ ،‬فأجهضت‬ ‫السلطات الجزائريّة نتائج االنتخابات وش ّنت الحرب على جبهة اإلنقاذ‬ ‫اإلسالميّة وزجّ ت بقادتها في السجن‪ ،‬ودخلت الجزائر في حرب‬ ‫داخليّة قضت على ما يقارب من ‪ 200‬ألف جزائريّ ‪ ،‬ث ّم تتالت‬ ‫التجارب ففازت حماس في االنتخابات الفلسطينيّة وت ّم على أثرها‬ ‫فصل ّ‬ ‫غزة عن الضفة الغربيّة ث ّم جاء فوز «اإلخوان المسلمين» في‬ ‫ّ‬ ‫مصر ليرد عليه «السيسي» بانقالبه‪.‬‬ ‫ثمّة أسئلة ال ب ّد من طرحها هنا وهو‪ :‬هل الحكم الدينيّ الشموليّ أش ّد‬ ‫خطراً على المجتمعات من الدكتاتوريّات الشموليّة العسكريّة؟‪ ،‬وكيف‬ ‫ينشأ الحكم الشموليّ أساساً؟‪ ،‬وهل تش ّكل المرجعيّة اإليديولوجيّة سببا ً‬ ‫كافيا ً لتحديد صيغة نمط هذا الحكم أو ذاك؟‬ ‫ألم تنتج اإليديولوجيا الماركسيّة أحزابا ً شموليّة ودكتاتوريّات فريدة‬ ‫من نوعها؟ ألم تنتج اإليديولوجيّة القوميّة أنظمة فاشيّة وديكتاتوريّة‬ ‫في دول عديدة من العالم ال تبدأ بالنازيّة وال تنتهي عند حافظ األسد‬ ‫أو صدّام حسين أو القذافيّ أو ‪..‬أو ‪..‬؟‬ ‫إنّ الديموقراطيّة ليست فكراً أو مصطلحا ً يمكن صياغة شكله‬ ‫وتفاصيله عبر الصيغ القانونيّة والدستوريّة فقط‪ ،‬إ ّنها حصيلة تفاعل‬ ‫الحياة الثقافيّة والسياسيّة واالجتماعيّة واالقتصاديّة وغيرها لمجتمع‬ ‫ما‪.‬‬ ‫ال تحترم ك ّل األحزاب السياسيّة‪ ،‬وعلى اختالف تلوّ نها في الوطن‬ ‫العربيّ ‪ ،‬الديموقراطيّة وربّما يص ّح القول‪ :‬إ ّنها لم تعرفها كما ينبغي‬ ‫لها في خصوصيّتها ‪ ،‬فالفعل السياسيّ في النخب السياسيّة العربيّة‬ ‫ينحصر في الوصول إلى السلطة وعدا ذلك فهو ليس سوى هزيمة‬ ‫بنظرها‪ ،‬وبال ّتالي فإنّ العمل على صياغة العمليّة الديموقراطيّة‬ ‫كوسيلة ونتيجة للعمليّة السياسيّة‪ ،‬ومن ث ّم الوصول إلى الحكم لم تكن‬ ‫إلاّ فكرة تقال في الحوارات والبرامج واإلعالم ‪ ،‬وال يُؤخذ بها ال في‬ ‫الحياة السياسيّة العامّة وال ح ّتى في الحياة الحزبيّة الداخليّة لألحزاب‬ ‫والتشكيالت السياسيّة‪.‬‬ ‫قد يفسّر هذا هشاشة ك ّل الصيغ الديموقراطيّة في حياتنا السياسيّة‪،‬‬ ‫وقد يفسّر أيضا ً فشل ك ّل التحالفات التي تض ّم أحزابا ً سياسيّة‪ ،‬وال‬ ‫يزال معظم العاملين في الحقل السياسيّ يعتقدون أنّ الهدف الوحيد‬ ‫لألحزاب‪ ،‬من وجهة نظرهم‪ ،‬هو الوصول إلى السلطة أوّ الً‪ ،‬ومن‬ ‫ث ّم يت ّم االنتقال لبناء المجتمع وفق مرجعيّتهم‪ ،‬وينسون أنّ بناء‬ ‫الديمقراطيّة وتكريسها هو المهمّة األولى للعمل السياسيّ وضمانة‬ ‫استمرارها الحقيقيّ وليس الشكليّ ‪ ،‬فليست الديموقراطيّة وجها ّ للسلطة‬ ‫ترسمه كما تشاء‪ ،‬إ ّنها تنظيم وضبط وتجليّات تفاعل الحياة السياسيّة‬ ‫وغير السياسيّة بين قوى المجتمع‪.‬‬ ‫ال يمكن إنتاج مجتمع ديموقراطيّ إلاّ بعمليّة ديموقراطيّة يبدأ دوران‬ ‫ّ‬ ‫يتمخض عن‬ ‫عجلتها من داخل المجتمع وتجلياته الثقافيّة والسياسيّة‪،‬‬ ‫هذا الدوران تعديل مفاهيم السياسة والثقافة لألفراد واألحزاب وفق‬ ‫حاجة المجتمع ودرجة تطوّ ره‪ ،‬هذا يدفع لتطوير العمل السياسيّ ‪،‬‬ ‫الذي سيدفع بدوره لتطوير مفاهيم جديدة‪ ،‬وهكذا تعاد صياغة عالقة‬ ‫األحزاب بالمجتمع وبالسياسة على ضوء التفاعل والتحاور لهذه‬ ‫المفاهيم وحواملها‪ ،‬هنا تصبح الديموقراطيّة مرآة تعكس مدى تطوّ ر‬ ‫العمليّة السياسيّة والثقافيّة واإلعالميّة واالقتصاديّة أليّ مجتمع‪.‬‬ ‫يمكننا أن نالحظ أنّ إنتاج الهيمنة والدكتاتوريّة لم تكن حكراً على‬ ‫األنظمة فقط‪ ،‬فغالبيّة مؤسّساتنا المدنيّة والدينيّة وأحزابنا السياسيّة‬ ‫على اختالف مرجعيّاتها اإليديولوجيّة تحمل نفس المرض‪ ،‬وبال ّتالي‬ ‫فالمشكلة إذاً تكمن في أنّ تعميم وتكريس ثقافة االستبداد واستفحالها‬ ‫هو الذي يؤدّي إلى نشوء النظم الشموليّة وليست هذه اإليديولوجيا أو‬ ‫تلك‪ ،‬هذا ال يعني انتفاء فعل اإليديولوجيا في صياغة ثقافة االستبداد‬ ‫أو في ظهورالنظم الشموليّة‪ ،‬لكنّ ما يحدّد مدى تأثيرها – أي‬ ‫اإليديولوجيا ‪ -‬هو مدى نضج أو قصوراألوجه األخرى في المجتمع‪.‬‬ ‫باختصار إنّ تب ّني األحزاب واألفراد أليّ شعار من شعارات االختالف‬ ‫والديموقراطيّة والمدنيّة والتعدديّة وغير ذلك من المصطلحات لن‬ ‫يكون إلاّ كالما ً في الهواء ما لم تبدأ في حياة المجتمع العاديّة تفاعالت‬ ‫التباين والتنافس واالختالف والصراع السلميّ بين ك ّل مظاهر الحياة‬ ‫السياسيّة واالجتماعيّة والثقافيّة واالقتصاديّة‪ ،‬في هذه المرحلة يمكن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتحطم‬ ‫تحطم وانهيار اإليديولوجيّات والمقدّسات ومعهما‬ ‫لنا أن نشهد‬ ‫أيضا ً ثقافة االستبداد‪.‬‬

‫ب ّسام يوسف‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.