لم
تكن فرنسا لتعترف باستقالل سورية ببساطة ،لوال جهود رجاالت سورية على اختالف مللهم وأطيافهم في السعي الستقالل بالدهم. ص8
ن���ال���ت ال��ص��ح��اف�� ّي��ة ال��س��ور ّي��ة زينة أرح� ّي��م، ج����ائ����زة «م��ص��ط��ف��ى الحسيني» ،عن مقالها ّ «كريمته الحرمة تنتصر ع��ل��ى زي��ن��ة الصحاف ّية بفارق شريط ح��دودي»، لتكون بذلك ّأول سور ّية تحصل على هذه الجائزة.
كيف تقرأ الواقع السياس ّي للمعارضة السوريّة اليوم؟ هل استطاعت أحزاب املعارضة مواكبة الثوّار؟ ما الذي ق ّدمه اجمللس الوط ّ ين واالئتالف ال��س��ور ّي بعد أرب��ع سنوات من الثورة السوريِّة؟ هل كانت الثورة حباجة إىل قيادة سياسيّة؟ ما املطلوب من النخب السياسيّة اليوم إلجناح الثورة والواقع السياس ّي للمعارضة؟ هذه احملاور ،نناقشها مع أستاذ علم االجتماع ومدير دراسات الشرق املعاصر يف جامعة السوربون بباريس ،املعارض السور ّي برهان غليون. ص5
ص12
سياسية ثقافية نصف شهرية
السنة الثانية
/17نيسان 2015 /
السوري إذاً ،هل ّ الج��ئ ب��ش��روط أم هو تحت الحماية الثانو ّية؟
العدد - 29 -
newspaper.allsyrians.org
12صفحة
«ف���ال���ون « Falunمدينة سويديّة تقع إلى الشمال الغربيّ من «إستوكهولم» ،تبعد عنها ما يقارب 250كم ،استقبلت وتستقبل أعداداً من الالجئين السوريّين.
«أبو يزن الحلبي» شهيداً جميالً
ال��ل�اج����ـ����ـ����ئ ب��ش��ـ��ـ��روط هــو ل��ي��ـ��ـ��س الج��ئ��ـ��ـ �ا ً ب���ال���م���ع���ن���ـ���ـ���ى القانونــيّ الدقيــق للمصطلــح ،إ ّنمــا هــو شــخص يخضــع للحمايــة التركيــّة وفــق وضــع خــاصّ يتــ ّم بموجبــه تســجيله فــي جــداول أمنيـّـة كمــا يســجّ ل لــدى المفوضيـّة الســامية لشــؤون الالجئيــن التابعــة لألمــم الم ّتحــدة لحيــن تو ّفــر بلــد لجــوء لــه يقبــل اســتقباله وتوطينــه ،وخـالل ذلــك يمنــح هــذا الشــخص بطاقــة هويــّة خاصّــة كمــا يمنــح الخدمــات التعليميـّـة والصحّ يّة المجّ انيـّـة ،وكذلــك أذونــات العمــل ..لك ّنــه مقيّــد اإلقامــة فــي عــدد مــن المــدن ليــس مــن بينهــا المــدن الكبــرى كإســطنبول وأنقــرة وإزميــر ،كمــا يتعيــّن عليــه إثبــات وجــوده أســبوع ّيا ً أمــام الشــرطة. أمّــا الحمايــة الثانويــّة ،فهــي وضــع قانونــيّ يمنــح لــك ّل شــخص ال ينــدرج ضمــن الصنفيــن الســابقين لك ّنــه مهــ ّدد بخطــر العنــف أو المــوت أو التعذيــب فــي حــال ص9 عــاد أو أعيــد لوطنــه.
“همّام نجّ ار” ،حاصل على شهادة الحقوق في جامعة حلب ويبلغ 34عاماً، عمل مراسالً لشبكة شام اإلخباريّة ،ومراسالً سابقا ً لوكالة “شهبا برس”، ومصوّ راً ميدان ّيا ً في كتائب الصفوة اإلسالميّة حلب القديمة ،ومديراً للمكتب اإلعالميّ لجيش المجاهدين لم ّدة 3أشهر. عاد إلى حلب قادما ً من دولة الكويت ليشارك الثوّ ار حلم الحريّة وسقوط االستبداد والطغيان ،استشهد في استهداف “داعش” مدينة مارع بسيّارة ّ مفخخة.
استغلّت جبهة النصرة هذا األمر وحشدت قوّ اتها في الريف واستغلّت انشغال باقي الفصائل بالتق ّدم وباقتتالها مع النظام ،وكذلك عمل اإلع�لام على إظهار النصرة الفاتح والمقاتل ،إلى أن استتبّ األمر اآلن لها
ص2
الثورة ضرورة وحركة لقد عبّرت الثورة السوريّة عبر شعاراتها األولى ،في أشهرها األولى ،عن أفق طموحاتها في ح ّل التناقض األساس بين درجة نموّ المجتمع، في مجاالته جميعها ،وبين سلطة اﻻستبداد التي صارت معيقا ً مانعا ً وكاتما ً ﻻستحقاقات هذا النموّ ،ويمكن اختصارها بالمواطنة الديمقراطيّة العلمانيّة ،في وطن للجميع محرّ ر وسيّد على مجاله ،هذه اﻻستحقاقات التي تفترض بالضرورة تحرير المجتمع ،من خالل :فتح وتحرير الحقل السياسيّ ،وفتح وتحرير الحقل الثقافيّ الذي من طبيعته أن يشتغل على نقد وبناء القيم العامّة وتعميمها ،فتصير المواطنة عند عموم السوريّين ً قيمة وح ّقا ً وواجباً ،فتتم ّكن -من موقعها كضمير ع��ا ّم -أن تضبط نشاطات القوى في الحقل السياسيّ . هذا المكوّ ن األصيل ،والدافع األصيل ،في الثورة السوريّة ﻻ يمكن أن ينتهي ،ولم ينته، أل ّن��ه ليس خياراً يو ّفر عند الالعبين إمكانيّة التصرّ ف فيه ،لك ّنه يمكن أن ينطمر فيختفي، ولقد انطمر واختفى بفعل إرادات الالعبين التي تخدم مصالح شخصيّة ّ توظف الحزبيّ واإلقليميّ والدوليّ لمصلحتها فتنخرط ،هي بدورها ،في خدمة الحزبيّ واإلقليميّ والدوليّ ،الحال الذي يحصل في ك ّل يوم سوري ،ومع ذلك ،فإنّ الدافع األصيل في الثورة السوريّة ال يزال يتململ ويتوالد ويتحرّ ك تحت هذا الركام معبّراً عن نفسه بظهور وتكاثر المنابر اﻹعالميّة السوريّة، ومراكز الدراسات السوريّة ،ولجان اﻹغاثة وغيرها ،وفي قلق البحث عن تعبيرات سياسيّة جديدة في بنائها ومنطوقها وفي عالقاتها ،بما هي ،جميعها ،نزوع إلى المعرفة ،فالحريّة، فالتضامن الوطنيّ ،فامتالك القوّ ة لبناء سورية الوطن ،وبناء دولة المواطنة. إنّ الذي انطمر واختفى هو الممارسة األولى ،لموجة الثورة األولى ،في ناسها الذين
حناول أن تكون فضا ًء إعالميّاً مفتوحاً على الشأن السور ّي ،وتشارك السوريّني حياتهم يف بالد النزوح ،ونسعى ألن تكون ساحة لتبادل الرأي وتبادل املعلومة، حماولة جادّة للمساهمة يف صناعة إعالم سور ّي جديد وج ّدي ،يساهم بدوره يف صياغة وعي وط ّ ين سور ّي جامع ،يؤ ّسس لصياغة اهلويّة الوطنيّة اجلامعة .
اندفعوا إل��ى ال��ح��واري والساحات مبتهجين ومهلّلين لخالصهم من قمقم اﻻستبداد ،بريئين وفقيرين إلى ك ّل شيء ماعدا الحلم والحماس. أمّا وقد انتهى عهد الحماسة ،وعاد المجتمع السوريّ إلى انكفاء أكثر ،وفقر أكثر ،وخوف أك��ث��ر ،وم��وت أك��ث��ر ،وت��ش��رّ د ق��د خ��رق ك ّل الصفات ،وقد صار إلى االنشغال بالسقف الذي يحمي ،وباللقمة التي تشبع ،وبالح َيل التي تحميه من ك ّل أصناف القتلة ،لك ّنه أخفى ،كعادته ،طعم س ّكر الحريّة خميرة إلى أيّام قادمة ،ال ب ّد ستأتي، وربّما تكون على مرمى غده ،ﻻ يغيّر من هذه الحقيقة المر ّكبة :نهيق خبراء اإلعالم الذين بال خبرة ،الذين يلوكون مفاهيم لم ينشغلوا ،يوماً، في معاناة إنتاجها ،وﻻ بمعاناة فهمها ،مثل: الحواضن االجتماعيّة والحرب األهليّة وغيرها، يعن لهم السوريّ ،يوماً ،سوى أ ّنه قرص ولم ِ الغنيمة في عرس المقتلة. باختصار إذاً ،وبغضّ النظر عن بهلوانات السياسة ومرتزقتها ،وعن اللعبة السمجة لمصالح اآلخرين والخادمين لها ،ثمّة حقيقة راسخة ال يغيّر منها تشبيح سياسيّ أو عسكريّ أو ثقافيّ ، يمكن تلخيصها بالقول: لقد انهار زمن ..وثمّة زمن قادم ،صحيح أ ّنه زمن يبدو اآلن مرتهنا ً لمصالح الالعبين اإلقليميّين والدوليّين ،زم��ن يحاول البعض مصادرته وتفصيله على مقاسات مصالحهم، لك ّنه ورغم ذلك ....وحين سيستعيد المجتمع السوريّ – إن لم يته ّدم بالكامل – قدرته على الفعل سيطلق ثورته في موجة ثانية ،وستكون ّ منظمات وأح��زاب جديدة، أدواتها بالضرورة موجة لن تكون إلاّ كما يريدها الشعب السورّ ي أن تكون ،فأسماء الطغاة ونهجهم حفظها الشعب السوريّ جيّداً على اختالفها وتع ّدد ألوانها، وخميرة طعم الحريّة اليزال مخبّأ في فمه.
ب ّسام يوسف
ص2
ح ّتى أواخ���ر السنة األول���ى م��ن الثورة السوريّة نستطيع القول :إنّ الثورة حافظت على حركيّتها األولى السلميّة الواسعة وعلى خطابها المدنيّ وشعاراتها في الحريّة والكرامة والشعب الواحد رغم استمرار قتل واعتقال وتهجير كوادرها السلميّة. ص3
في بيت عائلة سورية قدمت م� ّ ��ؤخ���راً إل���ى ال��س��وي��د التقت صحيفة «كلّنا س��وريّ��ون» مع اآلنسة «شيشتين» Kerstin Wickanderعمرها 35سنة ّ ويتلخص تعمل في بلدية «فالون» عملها بمساعدة المهجّ رين الجدد ع��ل��ى تسهيل إق��ام��ت��ه��م وتتابع شؤونهم القانونيّة واحتياجاتهم في السكن ،وتؤمّن وثائقهم الالزمة وتتواصل معهم في ح ّل المشاكل التي تعترضهم ،باختصار تعمل ك ّل ما من شأنه أن يساعد القادمين على سير حياتهم بشكل طبيعيّ . ك���ان ال��ح��دي��ث م��ط��وّ الً ح��ول المهاجرين إل��ى السويد وحول اآلليّات الم ّتبعة الستيعابهم ضمن المجتمع السويديّ . ص6
رامي سليمان «رغم الظالم المحيط» ص9 تشاهد أخوي ..تشاهد أخوي.. هذا ما قاله المسعف عندما أصيب «ميشيل عبجي» في منطقة المعادي سوق الخضار إثر استهداف طيران النظام للسوق في األسبوع الفائت ضمن الحملة الشرسة التي يقوم بها النظام على المناطق الخارجة عن سيطرته ص7
(عمل جديد كل ّ يوم ..صفحة مفتوحة لكل ّ الف ّنانين السور ّيين والعرب ،للتضامن مع الشعب مرحب بها… توقيع الحر ّية ،ضدّ العنف ..كل ّ أشكال التعبير التشكيل ّية المعروفة السوري ،مع ّ ّ ّ والحر ّية» عن الف ّنان الصريح مطلوب ،أل ّنه بحدّ ذاته فعل تضامن) هذا تعريف صفحة «الفنّ ّ نفسها ،وهي تكون بذلك من ّأوائل صفحات (الفيسبوك) التي تسهم في نشر الفنّ الجديد ،وقد يصرحوا عن أسمائهم طالبت الف ّنانين الراغبين باالنضمام إليها ألاّ يو ّقعوا بأسماء مستعارة بل أن ّ الحقيق ّية... ص11
2
نشر اإلع�لام ال��روس��يّ عبر (قناة « )RTتسريبات» عمّا أسماه النقاط التي قيل إ ّنه ت ّم التوافق عليها بين النظام و 33شخصا ً حضروا من «المعارضة» السوريّة ،التي قبل النظام وموسكو الجلوس معها في الفترة من 6وح ّتى 9 نيسان الحاليّ في مقرّ مركز االستشراق ال��روس��يّ التابع ل���وزارة الخارجيّة الروسيّة ،وهذه النقاط العشر هي: -1تسوية األزمة السوريّة بالوسائل السياسيّة على أساس توافقيّ وفق مبادئ جنيف 1 - -2مطالبة المجتمع الدوليّ بممارسة الضغوط الج ّديّة والفوريّة على كا ّفة األط��راف العربيّة واإلقليميّة والدوليّة التي تساهم في سفك الدم السوريّ لتنفيذ قرارات مجلس األمن ذات الصلة بمكافحة اإلرهاب ،ووقف كا ّفة األعمال الداعمة ّ المتمثلة بتسهيل مرور اإلرهابيّين إلى لإلرهاب داخ��ل األراض��ي السوريّة وتدريبهم وإيوائهم وتمويلهم وتسليحهم. -3مطالبة المجتمع الدوليّ بالرفع الفوري والكامل للحصار ولكا ّفة اإلجراءات االقتصاديّة القسريّة أحاديّة الجانب المفروضة على الشعب السوريّ ومؤسّساته.
السنة الثانية
النقاط العشر
العدد 29
/ 17نيسان 2015/
االلتزام بتحرير األراضي السوريّةالمحتلّة كا ّفة. الطريق الوحيد إلن��ج��از الح ّلالسياسيّ هو الحوار الوطني السوريّ - السوريّ بقيادة سورية وبدون أيّ ّ تدخل خارجيّ .
المؤمنين بالح ّل السياسيّ . -6دعم وتعزيز المصالحات الوطنيّة التي تساهم في تحقيق التسوية السياسيّة ،ومؤازرة الجيش وال��ق��وّ ات المسلّحة في دع��م وتعزيز المصالحات الوطنيّة التي تساهم في تحقيق التسوية السياسيّة ،وم��ؤازرة الجيش والقوّ ات المسلّحة في عمليّة مكافحة اإلرهاب. -7مطالبة المجتمع الدوليّ بالمساعدة في إعادة الالجئين السوريّين إلى وطنهم والعمل على تهيئة الظروف المناسبة لعودة المهجّ رين. -8إنّ أسّس أيّة عمليّة سياسيّة تكمن في المحددات التالية: الحفاظ على السيادة الوطنيّة. -وحدة سورية أرضا ً وشعباً.
-4نتائج أيّة عمليّة سياسيّة يجب أن تستند إلى السيادة الوطنيّة واإلرادة الشعبيّة التي يت ّم التعبير عنها عبر الوسائل والطرق الديمقراطيّة.
الحفاظ على مؤسّسات الدولة وتطويرهاواالرتقاء بأدائها.
-5إنتاج أيّة عمليّة سياسيّة يت ّم بالتوافق بين السوريّين حكومة وقوى وأحزابا ً وفعاليّات من
رفض أيّة تسوية سياسيّة تقوم على أساسأيّة محاصصة عرقيّة أو مذهبيّة أو طائفيّة.
-9إنّ التسوية السياسيّة ستؤ ّدي إلى تكاتف وحشد طاقات الشعب في مواجهة اإلرهاب وهزيمته ،ويجب أن تؤ ّدي إلى حصر السالح بيد مؤسّسات الدولة. -10مطالبة المجتمع الدوليّ بدعم االتفاق الذي سيت ّم التوصّل إليه حول الح ّل السياسيّ الشامل في لقاءات موسكو تمهيداً العتماده في مؤتمر جنيف.3- لكن أطرافا ً سوريّة حضرت ث ّم انسحبت من اللقاء صرّ حت في المؤتمر الصحفيّ أ ّنها لم توافق على هذه النقاط التي ذكرها اإلعالم الروسيّ .منها الدكتور عارف دليلة ،ومحمّد رحال ،كما صرّ ح عدد ممّن شاركوا في بيانات أصدروها فشل اللقاء ،ومنهم هيئة التنسيق الوطنيّة المعارضة التي قال منسقها العام «عبد العظيم»« :لقد باءت بالفشل». وقد أعلن عدد من الشخصيّات والكيانات المعارضة وتشكيالتها مقاطعة موسكو 2أصالً بعدم الحضور ،مثل تيّار بناء الدولة ،واالئتالف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة بكا ّفة مكوّ ناته.
هيئة التحرير
جبهة النصرة تحاول استغالل األحداث إلبراز نفسها يعلم أغلب المتواجدين في مدينة حلب أنّ وجود جبهة النصرة في الشمال السوريّ ما هو إلاّ تواجد ضئيل ،فقد حشدت النصرة ج ّل قوّ اتها في منطقة إدلب ،بعد العديد من المعارك مع الفصائل السوريّة مثل «حركة حزم» وقبلها «جبهة ثوّ ار سوريا». أمّا في الريف الحلبيّ فهناك تقسيمات أخرى، من «داعش» إلى الجبهة الشاميّة بكا ّفة فصائلها إلى الجبهة اإلسالميّة بفصائلها أيضاً ،أمّا لجبهة النصرة فال يوجد لديها إلاّ حواجز صغيرة حاولت أن تفرض وجودها من خالل تلك الحواجز ،حيث استقرّ ت النصرة بالقرب من شركة الكهرباء في المناطق المحرّ رة (بقرب مدينة هنانو) واإلساءات التي سُجّ لت في تلك المنطقة على النصرة عديدة وكان أهمّها :محاولتها فرض مبالغ ما ّديّة على الس ّكان مقابل الكهرباء ،عوضا ً عن تفتيش واعتقال من أرادت ،إلى أنّ ت ّم التفاهم معهم على صيغة ال تت ّم إلاّ بموافقة كاّفة الفصائل المتواجدة في المنطقة ،عوضا ً عن حاالت الجلد وتجريم ّ التأخر عن الصالة أو قطع اليد في حالة حاالت السرقة. لكن ،وإلى اآلن ،فإنّ اإلعالم في ك ّل انتصار للثوّ ار أو بعد إح��راز أيّ تق ّدم نجده -خاصّة األورينت والجزيرة -ينسب األمر إلى النصرة ويهلّل ويكبّر لها ويق ّدم صور الطاعة بكا ّفة أشكالها .لكنّ النصرة حاولت في األيّام األخيرة اللعب مع الفصائل األخرى على إقواء شوكتها باسم الدين ومحاولة فرض سيطرتها وفرض رايتها رغما ً عن الفصائل وعن أهل المنطقة. فتحالفت مع حزب التحرير الذي ال يملك بدوره أيّ فصيل ،لك ّنه يرفع نفس الراية ويساند الفكر الجهاديّ .وت ّم من خالل هذا التحالف إرهاب المنطقة ورفع راية النصرة في أغلب المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في حلب وريفها، وقاموا باالعتداء على المواطنين الذين حملوا أو رفعوا العلم السوريّ (علم الثورة) وت ّم اختطاف أحد الناشطين (ريّان) بتهم جاهزة منها «الكفر – علمانيّ »...وك ّل هذا إلرهابهم والعمل على فرض أفكارها وفرض ورايتها. هذا األمر ت ّم بعد أن قام النظام األسديّ بعدد من العمليّات في الشمال وهجومه على قرية ريتان واستقراره في قرية بشكوي ،والتي كان للنصرة في تلك المنطقة أكبر حاجز تابع لها ،ولم يعرف أحد سبب انسحابها تلك الليلة من ذاك الحاجز دون إخبار أحد من الفصائل المتواجدة؛ ربّما النشغال بعض القادة بالزواج من القاصرات. في ريف إدلب كان لفصيل أحرار الشام وصقور الشام الفضل األكبر في العمل في إدلب مدينة وريفاً ،واشتراك جبهة النصرة في تلك العمليّات باإلضافة إلى
newspaper@allsyrians.org
العديد من الفصائل الثوريّة المحسوبة على الجيش الحرّ من باقي المناطق في ريف إدلب. لكن استغلّت جبهة النصرة هذا األمر وحشدت قوّ اتها في الريف واستغلّت انشغال باقي الفصائل بالتق ّدم وباقتتالها مع النظام ،وكذلك عمل اإلعالم على إظهار النصرة الفاتح والمقاتل ،إلى أن استتبّ األمر اآلن لها ،وأخذت تقرّ ر وتفرض آرائها ،وأصبحت كما يقول بعض الثوّ ار في منطقة إدلب «إمارة المحيسني» وهنالك ا ّتهامات بأنّ حركة أحرار الشام قد بايعت النصرة ،علما ً أنّ الحركة قد أنكرت هذه االتهامات. مخيّم اليرموك: خالل مقابلته مع قناة القدس الفضائيّة قال أحد قادة كتائب أكناف بيت المقدس :نسّقنا مع جبهة النصرة فقط لتحييد المخيّم عن المعارك الخارجيّة ،وأخذنا عهداً منهم ،وكان بيننا ميثاق ألاّ تدخل «داع��ش» إلى مخيّم اليرموك ،لكن الغدر والخيانة والكذب من قبل جبهة النصرة التي بايعت «داعش» وبعض المجموعات الفلسطينيّة التي سارت على نهجها ونهج «داعش» أ ّدت القتحام المخيّم ،بعد إدخ��ال تلك المجموعات لعناصر من «داعش» في بيوتهم داخل المخيّم. حاولت النصرة مراراً وتكرار اللعب على مصير المخيّم والسيطرة عليه لك ّنها بعد أن اصطدمت بالفصائل الفلسطينيّة وقوّ تها في المخيّم عملت على التحالف مع داعش للقضاء على الفصائل المتواجدة بالمخيّم رغم أنّ الحالة اإلنسانيّة في مخيّم اليرموك ال يمكن وصفها من السوء ،وهناك آالف الفلسطينيّين السوريّين والعديد من العائالت السوريّة التي نزحت إلى المخيّم في فترة ما .وقد حوصر المخيّم من قبل كتائب األسد وميليشياته من طرف والتحالف المستتر بين النصرة و «داعش» من الطرف اآلخر؛ ممّا جعل المخيّم من المناطق األكثر رداءة عالم ّياً ،فقد ذكر «بيير كرينبول» المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل الالجئين الفلسطينيّين (أون���روا) أنّ أوض��اع الالجئين داخل مخيّم اليرموك ،الذي يسيطر تنظيم «داعش» على أجزاء واسعة منهُ ،تح ّتم على المجتمع الدوليّ االستجابة للمآسي ،وتقديم المساعدة اإلنسانيّة آلالف المدنيّين المحاصرين فيه .وقد ت ّم انسحاب التنظيم من المخيّم واستئثار النصرة حال ّيا ً بالسيطرة على أغلب ّ المخيم بعد أن أصبحت هي القوّ ة الكبرى في المخيّم.
قال أنور عبد الهادي مبعوث ّ منظمة التحرير الفلسطينيّة« :إنّ جبهة النصرة هي اآلن الجماعة الرئيسيّة في المخيّم ،وأضاف لـ (رويترز) أنّ التنظيم وجبهة النصرة كيان واحد ويتبادالن المواقع .وواجهت جبهة النصرة ا ّتهامات من خصومها بتسهيل دخ��ول متش ّددي «داع��ش» إلى المخيم ،وبانسحابه من اليرموك تكون جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة هي جماعة المعارضة الرئيسيّة داخل المخيّم. في الجنوب السوريّ : أعلن الجيش السوريّ الحرّ في الجبهة الجنوبيّة رفض أيّ تعامل مع جبهة النصرة بعد أن حاول كثيراً تجاوز انتهاكات واعتداءات النصرة على قاعدة أنّ الهدف اليوم «إسقاط النظام السوريّ » وأنّ «المعارك الثانويّة ليست لصالحنا» .ولكن ما عانى منه أهالي المناطق من ظلم التش ّدد وآالم الجلد والتسلّط التي فرضتها جبهة النصرة، واحتدام األمر بعد أن اعتدت على امرأة كبيرة السنّ واعتقلت بعض القياديّين في الجيش السوريّ الحرّ ،وكذلك ما قامت به عند دخولها معبر نصيب ،بعد أن قام الجيش الحرّ بتحريره «فقامت بالدخول إلى المعبر بالقوّ ة مستغلّة انشغال مقاتلينا بتمشيط المعبر و لوال أن ك ّنا حريصين على عدم سفك الدماء لحصلت هناك الفتنة ،وعندما قاموا بالدخول إلى درعا واعتقال مقاتل من لواء التوحيد دون أمر محكمة ،وأيضا ً لوال أ ّننا ك ّنا حريصين على عدم سفك الدماء لحصلت الفتنة». ك ارتباطه مع وقد أعلن الجيش السوريّ الحرّ ف ّ النصرة التي ك ّفرت الفصائل السوريّة المعروفة باعتدالها والتزامها بمبادئ الثورة رغم أنّ النصرة -عبر تصريحات األمراء وخطاباتهم - تهدر الدماء وتك ّفر الجميع على قاعدة أنّ «كل من ال يؤمن بفكرها فهو كافر» وقد ر ّد الجيش الحرّ «نحن ال نريد الطعن ولكن أين هي مصلحة الشعب السوريّ ومصلحة المسلمين في أن تعلن االرتباط بتنظيم القاعدة؟ هل كان ذلك اإلعالن لمصلحة المسلمين أم لمصلحة نظام األسد ،هل ك ّل من يقول ال يصبح خائن وعميل؟ إذاً لماذا نلوم النظام على ظلمه وطغيانه؟» .الشعب السوريّ طالب بتسليح الجيش الحرّ ولم يطالب باالنضمام للقاعدة فهل هو خائن أيضاً؟ هل يعتبر رفض القاعدة خيانة وعمالة ،وتكفير االئتالف واألرك��ان والجيش الحرّ بطولة ورجولة؟ هل أصابتنا غشاوة ،ح ّتى أصبح التخوين ديدن ك ّل مطبّل ومزمّر على الفيس بوك والتويتر ،وهل يعتبر من أدخ��ل صواريخ التاو التي غيرت موازين القوى على األرض خائن وعميل؟ ما لكم كيف تحكمون ،لماذا يعتبر ك ّل عمل للجيش الحرّ مؤامرة وعمالة وك ّل عمل للقاعدة بطولة وشجاعة؟
باسل العبداهلل
قراءة سياسية
العربي إخفاقات الربيع ّ اإليراني ومشروع االحتالل ّ في التطوّ رات الجارية ،منذ أن أشعل «البوعزيزي» النار في جسده وح ّتى اليوم ،وفي تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية، ثمّة الكثير من اإلخفاقات المتالحقة ،فإذا كان القاسم المشترك في هذه البلدان متجسّداً في تشابه صور الح ّكام الدكتاتوريّين ،وتماثل أساليب سيطرتهم ونهبهم ،وفي تقارب الحياة السياسيّة ،من أحزاب وهيئات شعبيّة ،ومن مجالس تشريعيّة وتنفيذيّة ،تسبّح بحمد القائد الفرد وبوريثه من بعده ،فإنّ ما ظهر بانفجار الغضب الشعبيّ إلسقاط تلك األنظمة ،قد كان مختلفا ً ج ّداً عمّا يمكن لثورات أن تنجزه. ربّما ينظر الكثيرون إلى فشل ثورات الربيع العربيّ ،نتيجة لدور التنظيمات اإلسالميّة ،في سعيها لفرض قوانينها االستبداديّة على الجميع ،سواء باألغلبيّة النسبيّة لصناديق االنتخاب ،أو بقوّ ة السالح تحت راية الجهاد ورفض المبدأ الديمقراطيّ ذي الصبغة الغربيّة العلمانيّة ،في حين يرى قسم آخر بأنّ ذلك الربيع ليس إلاّ فعالً خارج ّياً ،إلعادة رسم الخارطة السياسيّة للمنطقة ،وكأنّ هذه الدول التي نهضت بعد األزمان العثمانيّة واالستعماريّة األور ّبيّة، قد ح ّققت من عوامل التنمية ما يجعلها خطراً داهما ً على المجتمع الدوليّ ودوله الكبرى. إنّ البحث في تلك اإلخفاقات ،قد فتح ويفتح الباب أمام الكثير من التحليالت ،لكنّ ذلك ال يعفي من إلقاء نظرة مختلفة لما يمكن أن تش ّكل سببا ً لتلك اإلخفاقات ،نظرة قد تكون بعيدة عن األسباب ّ التدخل الخارجيّ ، المتعلّقة بأسلمة هذه الثورات أو بكونها حالة من ومتعلّقة بطبيعة تلك األنظمة الدكتاتوريّة الفريدة ،التي لم تكتفِ بإظهار عجزها وهشاشتها ،أمام ذلك الغضب الشعبيّ الذي طالبها بالرحيل ،فاالغتصاب الحقيقيّ للسلطة من قبل المؤسّسة العسكريّة، قبل أن تترسّخ مؤسّسات الدولة الحديثة التي زرعها المحتلّ ،جعل من الجنرال المسيطر على الجيش أمينا ً عا ّما ً للحزب السياسيّ الحاكم ،ورئيسا ً ال يقبل المنافسة في االنتخابات ،التي يجب أن ال تق ّل أصواته فيها عن ال ،%99ورسّخ نظاما ً ب ّدل بموجبه كا ّفة المؤسّسات العامّة من البرلمان إلى النقابات ،بهيئات لمن يج ّندهم كحرّ اس لبقاء القائد األبديّ ،كما حوّ ل عمليّة التنمية االقتصاديّة لمق ّدرات البالد ،إلى شكل ّ منظم من النهب المستمرّ ،من قبل الحاكم وحاشيته ،األمر الذي أوقع هذه المجتمعات في قبضة عصابات ّ العزل ،عصابات اختلفت من اللصوص المه ّددين لحياة الس ّكان سلوكيّاتها مع شعورهم بالخطر القادم ،من الهروب إلى إطالق النيران العشوائيّة ،للحيلولة دون وقوعهم بأيدي أصحاب ال ّدار. إنّ ما آلت إليه تلك الثورات المتفجّ رة ض ّد هذا النوع من الطغاة، بعدم وصولها إلى أهدافها في إقامة أنظمة ديمقراطيّة ،ال يمكن النظر إليها من زاوية المشاريع السياسيّة الفاشلة ،بقدر ما كانت شكالً موضوع ّيا ً النفجار األزمات الحا ّدة التي خلّفها الطغاة في هذه البلدان ،هذه االنفجارات التي لم تستطع تحقيق الهزيمة الكاملة لألنظمة الدكتاتوريّة ،وإن ظهرت بعض مالمح الهزيمة أو التف ّكك عليها ،بل ويمكن القول :إنّ ك ّل ما جرى الحقا ً وبُعيد أيّام االنفجار الشعبيّ الحقيقيّة ،من إعاقة إلقامة أنظمة ديمقراطيّة ،وما مآس متباينة في النوع والش ّدة؛ ليس إلاّ نتيجة حصل ويحصل من ٍ الستمراريّة سيطرة تلك األنظمة في سيطرتها ،وارتباط حجم تلك المآسي ونوعيّتها بشكل وحجم تلك االستمراريّة فيما يبدو. ففي تونس التي حصل فيها انهيار قسم كبير من نظامها الدكتاتوريّ ،بالفرار المب ّكر لحاكمها ،تجري محاوالت إنشاء نظام أكثر ديمقراطيّة ،وبوجود الكثيرين من رموز النظام السابق ،ممّا قد خ ّفف من ح ّدة الصراعات العنفيّة ،بل وإلى ضعف نشاط اإلسالم المتطرّ ف ،على الرغم من تصدير تلك البالد للعدد األكبر من مجاهدي تنظيم «داعش» التكفيرين ،في حين أنّ مقتل الطاغية الليبيّ مب ّكراً وقبل التم ّكن من ضرب البنية االقتصاديّة واالجتماعيّة والعسكريّة لذلك النظام الذي ارتبط باسمه ،قد ساهم في خلق تفتيته إلى نويّات دكتاتوريّة متصارعة ،تعيق ك ّل عمليّات التوصّل إلى ح ّل سياسيّ توافقيّ ،كذلك فإنّ ما جرى في مصر من تنازل سريع وشبه إجباريّ من قبل رأس النظام ،لمؤسّسة الجيش الصانعة للدكتاتوريّات المصريّة المتالحقة ،قد أعاد العسكر للسيطرة على الحياة السياسيّة ،بعد أن حاول اإلخوان فرض قوانين دولتهم التي عملوا ألجلها أكثر من خمسين عاماً ،ممّا أفشل عمليّة التحوّ ل السلميّ إلى نظام ديمقراطيّ ،أمّا ما يتعلّق باليمن التي ماطل دكتاتورها كثيراً بالرحيل أمام ثورة عارمة ،فقد كان أصغر من هيئة دكتاتور ،بدخوله من الشبّاك بعد أن خرج من الباب ،ليكون سنداً للميليشيات الحوثيّة المرتبطة بالمشروع التوسّعيّ اإليرانيّ ، عبر قوّ اته العسكريّة التي لم يت ّم التم ّكن من تحويلها إلى مؤسّسة للدولة. كذلك فإنّ الدكتاتور االبن في سورية ،الذي لم ينجح بإطفاء الثورة التي انتشرت رغم استخدامه للعنف الدمويّ الحا ّد ،لجأ سريعا ً نحو الصيغة الطائفيّة للصراع ،ليشهد المجتمع السوريّ أسوأ حاالت العنف المستعصية على الحلّ ،مع توافد اإلسالميّين المتطرّ فين ،ومع استقدامه العلنيّ للميليشيات الشيعيّة اإلقليميّة. إنّ هذه اإلخفاقات المختلفة باختالف النسب الدالة على تفكيك آليّات األنظمة الدكتاتوريّة ،تش ّكل على ما يبدو نقطة جوهريّة، يمكن االستناد إليها في تحديد المالمح القادمة للمنطقة ،وفي تحديد شكل األنظمة السياسيّة فيها على وجه الخصوص ،لكنّ ما يحصل في سورية واليمن ،وما هو مرتبط به في العراق ولبنان ،يدلّل على ما هو مختلف كلّ ّيا ً عن تحديد هذه المالمح ،حيث لم تعد مسألة قوى مدافعة عن األنظمة الدكتاتوريّة ،بقدر ما تحوّ لت هذه القوى إلى جزء من مشروع التوسّع اإليرانيّ الساعي لتحقيق احتالل حقيقيّ في المنطقة ،ال يتع ّدى دور من يسيرون في ركبه من العرب ،أكثر من كونهم عمالء مأجورين في وطن لم ّ يمثل لهم يوما ً أكثر من مسرح لجرائمهم التي ارتكبوها ّ بحق أبنائه.
لؤي حاج بكري www.allsyrians.org
قراءات
العدد 29
السنة الثانية
/ 17نيسان 2015/
وعي دور الذات الثورّية
«ما في لألبد ،ما في لألبد ..سوريا لنا وما هيّ لبيت األسد».. يعرف السوريّون كلّهم ماذا يعني هذا الشعار الذي يبدو غريبا ً ببداهته الساذجة بالنسبة لمراقب خارجيّ أو لمن كان من ثقافة أخرى .لك ّنه بالنسبة للسوريّين لحمل عزيز ال ولجيرانهم على األقلّ ،بدا وكأ ّنه تجّ ٍل َ يحدث أكثر من مرّ ة في العمر. وبصرف النظر عمّا ستؤول إليه األوض��اع في سورية بعد زمن قريب أو بعيد ،ورغم استمرار ب ّ شار األسد في الرئاسة ،إلاّ أنّ سقوط فكرة األبد «السوريّة»، دين العهد األسديّ ،تعتبر من أه ّم محرّ كات ودوافع الثورة ،وبالتالي من أه ّم انجازاتها التي تحصّلت بالغالي من الدم والمرير من الوقت والخسائر. رغم انقضاء سنوات أربع على بداية الثورة ،ورغم ك ّل ما قيل وفُعل من أطراف عديدة ألجل إثارة حرب أهليّة طائفيّة ،إلاّ أّن االخفاق عموما ً (هناك استثناءات مهمّة ينبغي رؤيتها والتعامل معها) في تحويل الثورة إلى قتال طائفيّ ص��رف ،يعّد واح��داً آخر من أه ّم إنجازات الثورة. إنّ عودة السوريّين إلى الوجود والفعل والعمل على انتزاع مكان ومكانة ،وفتح إمكانيّة لصيرورة مختلفة ومخالفة لسيرة االستبداد عبر الت ّدرب على ممارسة الحياة السياسيّة بك ّل مجاالتها ،رغم ك ّل االخفاقات والعثرات واألم��راض ،هو بح ّد ذاته أيضا ً من ثمار الثورة التي أعادت السوريّين إلى الواقع االجتماعيّ والسياسيّ منه بشكل خاصّ . وكجزء من عودة السوريّين إلى الواقع ،يتقبّل السوريّون اليوم -ولو على مضض -حقيقة ّ أن
التغيّرات الكبرى في حياة الشعوب والثورات ،ال تنتصر بالرغبات والوعود والنوايا ،وال بضربة قاضية؛ إ ّنها صيرورة مع ّقدة تتطلّب إنتاج ثقافة ثوريّة جذريّة شجاعة ومكافحة وطويلة النفس ،تصحّ ح نفسها باستمرار ،وتستدرك ما فاتها من عثرات وارتجال ومساومة في ش ّتى صنوف اإلنتاج الثوريّ فكر ّيا ً ونضال ّياً .كما تطوّ ر إمكانات استنباط أشكال تحالف ونضاالت متع ّددة المستويات في الداخل والخارج. باختصار ،وعلى ضوء تجربة السنوات األربع المنصرمة ينبغي حسم معركة تمثيل الثورة ،لصالح قواها الحقيقيّة الشعبيّة السوريّة حصراً .األمر الذي ير ّتب مواجهات حقيقيّة مع المعارضة الرسميّة ،ومع قوى األمر الواقع الموجودة على األرض بدواعي وأهداف ال عالقة لها بالثورة السوريّة ،بل تعمل بالض ّد منها. وقد كشفت الثورة السوريّة زيف ادعاءات المؤسّسات العالميّة وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها اإلنسانيّة، ناهيك عن القانونيّة والسياسيّة حيال إعالء شأن حقوق اإلنسان والديمقراطيّة في العالم ،ما يؤ ّ شر إلى المزيد من العقبات والصعوبات في وجه السوريّين ،ومزيد من االستفراد بهم من قبل النظام والقوى المتطرّ فة التي تخوض حروبها «العالميّة» على األرض السوريّة ،ما يجعل الصراع متع ّدد المستويات واألقطاب واألهداف، وما يعني أنّ تاريخا ً وجغرافيا جديدين يت ّم ارتسامهما في المنطقة (واستطراداً في العالم) ،وما يتر ّتب على ذلك من مسؤوليّات تقع على عاتق شعوب المنطقة والعالم كا ّفة. ُكثر ينعون الثورة السوريّة ،ويب ّ شرون بالصوملة واألفغنة وغيرهما ..وعلى المقلب اآلخر ،يستبشر آخرون بالنصر عبر «تحرير» هنا وتصريح هناك؛ التفاؤل والتشاؤم وجهان لعملة واحدة ،هي القفز فوق الواقع والهروب من تعقيداته. الواقع الدامي الذي يتطلّب فهما ً وحلاّ ً سواء أكان صوماالً أم سورية جديدة تولد من رحم الدماء واآلالم فالصراع مستمرّ ،ولع ّل مرارته تأتي من االستقرار النسبيّ لتوازن القوى وع��دم ق��درة أح��د الطرفين (وحلفائهما) على إنهاء اآلخر ،ما يحيل إلى ضرورة وعي دور الذات الثوريّة في التأثير على مجريات الصراع رغم تداخله وتشعّبه.
رسالة السّيدة فدوى محمود إلى «موسكو»2 السادة المحترمون ...تحيّة طيّبة؛ أنا فدوى محمود والدة المعتقل ماهر طحّ ان ،ورفيقة ك ّل من المعتقلين الدكتور عبد العزيز الخيّر ،والمهندس إياس عيّاش. أو ّد أوّ الً أن أحيّيكم متمنيّة للقائكم كامل النجاح كخطوة على طريق الح ّل السياسّي للمأساة السوريّة ،النتيجة الطبيعيّة لسنوات الحكم األمنيّ الشموليّ القمعيّ الذي مارسه نظام االستبداد طوال أربعة عقود .وكان من الممكن أن يكون ملتقاكم هذا مناسبة للتذكير بقضيّة المعتقلين والمغيّبين والمخطوفين ،لو كان من ضمن المدعوين بعض من ذويهم ،وقد ارتأينا بسبب عدم الدعوة أن نتوجّ ه لكم بهذه الرسالة للمطالبة بإطالق سراح ك ّل من المعتقلين الثالثة الوارد ذكرهم وهم :الدكتور عبد العزيز الخيّر، وإياس عيّاش اللذين ت ّم اعتقالهما لدى عودتهما من الصين في حرم مطار دمشق الدوليّ برفقة ماهر طحّ ان الذي حضر الصطحابهم ،وذلك لحضور مؤتمر اإلنقاذ الوطنيّ بتاريخ 2012/9/20والذي ضمنت حكومة روسيا اال ّتحاديّة سالمة المشاركين به ،وما أن ت ّم اعتقال الثالثة ح ّتى تنصّلت من تعهّدها ومسؤوليّتها تجاه حمايتهم. غنيّ عن القول ،إنّ أيّة عمليّة سياسيّة في سورية يجب أن تبدأ باإلفراج عن المعتقلين وفي مق ّدمتهم الثالثة السابق ذكرهم سيّما وأ ّنهم من دعاة السلميّة والح ّل السياسيّ ولم يدعموا أيّ طرف مسلّح وقد تناقل بعض الناشطين الجملة الشهيرة للدكتور الخيّر والتي يقول فيها (ال تدعوا كرهكم للنظام القمعيّ يفوق حبّكم لبلدكم) إنّ الدكتور الخيّر من الشخصيّات الوطنيّة والتي تحظى بإجماع الشارع السوريّ على أه ّميّة دوره الوطنيّ وإنّ تغييبه ورفيقيّه وأمثالهم من دعاة الح ّل السياسيّ السلميّ ال يخدم قضيّة االنتقال الديمقراطيّ في سورية وغير خا ٍ ف على أحد أ ّنه ال بديل عن الح ّل السياسيّ التفاوضيّ وفق إعالن جينيف 1الذي يؤسّس لعمليّة االنتقال الديمقراطيّ في سورية وبناء دولة مدنيّة ،دولة المؤسّسات. ُ ّ في الختام ،إننا ندين اعتقالهم ونحمّل النظام السوريّ المسؤوليّة الكاملة عن سالمتهم ونطالبه بإطالق سراح جميع المعتقلين وفي مق ّدمتهم الدكتور الخيّر وماهر طحّ ان وإياس عيّاش. إ ّنني مثلي مثل آالف أمّهات المعتقلين أطالب السلطات ّ بالتدخل إلطالق الروسيّة وعلى رأسها الرئيس فالديمير بوتين سراح ابني ماهر ورفيقيه وكا ّفة المعتقلين السلميّين لدى النظام السوريّ . مع تم ّنياتي لملتقاكم بالنجاح. والدة المعتقل ماهر طحّ ان
newspaper@allsyrians.org
ضحى عاشور
3
هل مازالت في سورية ثورة؟
قبل محاولة اإلجابة عن سؤال هل مازال هناك ثورة في سورية ،دعونا نح ّدد معنى الثورة ،لنرى بعدها إن كان ما يحدث اآلن في سورية ينطبق على معنى كلمة ثورة. باختصار الثورة هي انفجار سلميّ عفويّ أو مدروس لمجتمع أو شعب احتجاجا ً على ظرف ال يمكن احتماله ،يهدف لتغيير الظرف المرفوض من الشعب ليح ّل بدالً منه ظرف أفضل ،وقد يح ّقق الشعب هدفه وقد ال يح ّققه ،في كال الحالتين تبقى الثورة ثورة. ح ّتى أواخ��ر السنة األول��ى من الثورة السوريّة نستطيع القول :إنّ الثورة حافظت على حركيّتها األول��ى السلميّة الواسعة وعلى خطابها المدنيّ وشعاراتها في الحريّة والكرامة والشعب الواحد رغم استمرار قتل واعتقال وتهجير كوادرها السلميّة. لكن في السنة الثانية بدا أنّ الثورة انقسمت قسمين قسم يحاول االستمرار بالتظاهر السلميّ ،هم شباب ورج��ال ونساء وأطفال ،وقسم هم الشباب حملوا السالح بعد ازدياد القناعة أنّ النظام ال يمكن إسقاطه إلاّ بحركة مسلّحة ،تعايش الخيارين معا ً لوقت تجاوز السنة ،لكنّ الحراك السلميّ -أي الثورة بمعناها الحرفيّ -تو ّقف لع ّدة أسباب أوّ لها أنّ معظم األحياء في المدن والبلدات التي كانت منخرطة في الحراك الثوريّ ت ّم قصفها وتهجير أهلها ،وثانيها أنّ معظم الكوادر السلميّة ت ّم قتلها أو اعتقالها أو ذهبت إلى حمل السالح بعد أن تغلغل الخطاب اإلخوانيّ والمال الخليجيّ في إعالم الثورة وعلى األرض ح ّتى أصبح عدد المجموعات العسكريّة المعارضة يزيد عن األلف مجموعة. في السنة الثالثة بدا أنّ التظاهرات بدأت تتالشى لألسباب سابقة الذكر ،ولم يكن هناك سوى المعارك والمجازر التي افتعلها النظام محاولة منه لحرب الصراع في سورية إلى صراع عسكريّ ومن ث ّم
طائفيّ ،على األق ّل كان الحدث العسكريّ هو الطاغي على اهتمام شاشات التلفزة وأحاديث وسائل التواصل االجتماعيّ ،وزادت قناعة السوريّين أنّ الح ّل الذي يوقف النظام عن إيغاله في القتل هو الح ّل العسكريّ ، األمر الذي منح حاملي السالح شرعيّة خوّ لتهم إقامة محميّات وإم��ارات محليّة ومناطقيّة أكثرها ذات واجهة إسالميّة ،وبعضها إم��ارات محليّة مغلقة، كانت تدير أمورها بمعزل عن المحميّات واإلمارات األخ��رى ،كما تح ّدد حاالت الصراع والسالم مع النظام وفق مصالح أمرائها ،وكذلك عالقاتها مع المحميّات واإلمارات األخرى ،ح ّتى أنّ بعضها كانت تدير معارك محليّة مع بعضها البعض ،وتقاتل النظام ك ّل لوحدها بمعزل عن أيّة استراتيجيّة مشتركة ،أو غرف عمليّات موحّ دة مع باقي المحميّات واإلمارات والمجموعات و»الجيوش» المعارضة إلاّ ما ندر، األمر الذي أفسح أمام النظام فسحة وحريّة نسبيّة في التعامل مع هذه الجيوش والمجموعات ك ّل على حدى. ّ ّ كان دخول «داع��ش» على الخط منذ أن سلمها النظام مدينة الر ّقة ،ومن ث ّم إعالن الخالفة اإلسالميّة من قبلها بمثابة تحوّ ل في المشهد السياسيّ في سورية، وفي أغلب األحيان كان «داعش» جيش رديف لجيش النظام ،مارس اضطهاداً لك ّل حالة ثوريّة مدنيّة في المناطق التي احتلتها فقام بإعدام وتجفيف الثورة في مناطقه ،األمر الذي واجهه الشعب بتظاهرات ض ّدها وض ّد جبهة النصرة. اليوم مع نهاية السنة الرابعة نرى أنّ ما يحدث في سوريّة هو حرب الجميع ض ّد الجميع ،حرب بين قوى شعبيّة ض ّد النظام وحرب قوى إسالميّة ض ّد النظام ظاهر ّياً ،لك ّنها قوى منسجمة مع استراتيجيّة النظام العسكريّة والسياسيّة ،كما هي حرب بين هذه القوى اإلسالميّة فيما بينها ،مثلما هي حرب صامتة بين هذه القوى اإلسالميّة والشعب السوريّ ،إضاقة لحرب إقليميّة تت ّم بحضور إيرانيّ ولبنانيّ وإقليميّ من جهة في مواجهة الشعب السوريّ ،والتنظيمات اإلسالميّة المدعومة من قوى إقليميّة بدورها. باختصار إنّ ما يجري وما هو قائم اليوم في سورية، ومنذ سنتين على األق ّل هو حرب إبادة وإفناء ،حرب الجميع ض ّد الجميع ،أمّا الثورة فهي كحلم وإرادة ورغبة مازالت موجودة لك ّنها في حالة كمون ،ربّما تتج ّدد في حال وقفت الحرب وعاد العشرة ماليين سوريّ إلى بلداتهم ومدنهم. فادي.أ.أسعد
ّ الحل في سورية أكبر من األسد ترمجة :شام احلليب
عندما أعلن مبعوث األم��م الم ّتحدة لسورية مؤخراً أنّ ب ّ ّ شار األسد هو ستافان دي ميتسورا «جزء من الح ّل في سورية» كان يعرف بأنّ تصريحه سوف يثير عاصفة. وا ّتهمت المعارضة السوريّة المبعوث األمميّ بأ ّنه يريد العودة عن اإلطار المح ّدد في مؤتمر جنيف ،الذي يدعو إلى تشكيل حكومة انتقاليّة تح ّل مح ّل األسد ،أي أنّ الخطوط العريضة للمؤتمر هي ح ّل بدون األسد. ربّما كان تصوّ ر دي ميتسورا يعكس ببساطة تغير المزاج الدوليّ العا ّم ،حيث لم تعد إزالة األسد هي األولويّة ،بعد تصاعد الحاجة لمكافحة تصاعد «داعش». أو ربّما يكون قد استخدم هذه العبارة لدفع األسد لقبول ّ خطة وقف إطالق النار في حلب، دون الخوض في النتائج الواسعة ل��م��اه� ّي��ة مصير الرئيس السوريّ . الدبلوماسيّة في كثير من األحيان توحي بالغموض ،وهذا ما ينطبق على تصريح السيد دي ميتسورا ،الدبلوماسيّ الدوليّ الخبير. لكنّ تطوّ راً ها ّما ً حدث األسبوع الماضي ووضع جهود المبعوث األمميّ تحت المجهر .حيث اجتمع في مدينة القامشلي ّ ممثلين عن األحزاب الرئيسيّة الكرديّة في سورية ،ودعوا إلى «وحدة سياسيّة وجغرافية» لألكراد في شمال وشمال شرق سورية ضمن سياق «دولة فدراليّة سوريّة». ّ الممثلون أيضا ً إلى توافق عمليّة التنسيق سعى
بين اثنين من األحزاب الكرديّة السوريّة ،حزب اال ّتحاد الديمقراطيّ المقرّ ب من حزب العمّال الكردستانيّ بقيادة عبد هللا أوج�لان ،والمجلس الوطنيّ الكرديّ المقرّ ب من مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وجاء هذا التحرّ ك نحو إجماع كرديّ بسبب قيام
«The National» Michael Young
قوّ ات البشمركة التابعة للبرزاني بمساعدة وحدات حماية الشعب YPGفي عين العرب (كوباني) العام الماضي ،على الرغم من النزاعات السابقة بين أوجالن والبرزاني .ومن المفارقات أنّ هذا لم يثر استياء تركيا التي تربطها عالقات جيّدة ّ التدخل وسيلة لضبط الـ مع البرزاني ،ورأت هذا .YPG وعلى الرغم من أنّ األسد يحاول أن يرسّخ نفسه سياس ّيا ً ببطء وثبات ،يبقى السؤال حول أيّ نوع من سورية سوف يحكم في حال تم ّكنه من البقاء في السلطة. يشير منطق معاداة «داع��ش» إلى أنّ األسد قد يبقى من منصبه في نهاية المطاف ،لك ّنه يشير أيضا ً إلى أنّ الحكم الذاتيّ الكرديّ سوف يكون مقبوالً من قبل العديد من البلدان .وفي كلتا
الحالتين فإنّ الهدف الدوليّ األساسيّ هو تنظيم هياكل ووضعها في المكان الذي يم ّكنها من هزيمة الدولة اإلسالميّة ،ومنع إحياء جماعات مماثلة. إنّ سبب نجاح «داع��ش» هو وج��ود أنظمة سياسيّة حاكمة مختلة منقسمة .لذلك سوف ت ّتخذ جميع التدابير التي تزيد من التماسك السياسيّ في الدول والكيانات العربيّة والتي تم ّكنها من درء إحياء المزيد من الجهاديّين الذين يستفيدون من الفراغات المنتشرة في المنطقة. وبما أ ّنه تت ّم إعادة رسم خارطة الشرق األوسط، خاصّة في سورية والعراق ،فإنّ مصير األسد لم يعد بتلك األه ّميّة ،والمناطق التي يسيطر عليها والممت ّدة من دمشق ح ّتى الساحل السوريّ والمتوافقة على حكمه بشكل أق ّل أو أكثر ،داخل هذه المناطق سوف لن يت ّم التسامح مع ضعف األسد من قبل المجتمع الدوليّ .
ويبدو أنّ األكراد في سورية والعراق قد فهموا هذه الديناميكيّة بشكل جيّد .حيث أ ّنهم لم يدعوا إلقامة دولة كرديّة مستقلّة ،حيث أ ّنها سوف تكون غير مقبولة من قبل ك ّل من إيران وتركيا .ويمكن للمرء أن يتو ّقع نسخة فيدرالية خاصّة لهم تكون أقرب إلى نوع من الترتيب لكونفدراليّة فضفاضة. وبعبارة أخرى فإنّ األكراد بدالً من الحنق على السيّد دي ميستورا ،فيمكن أ ّنهم قد قرؤوا نهاية اللعبة في سورية كشكل من االنفصال الفعّال. وهذا ما يخ ّفف من نظرتهم حول مزايا وعيوب بقاء األسد في السلطة. كما أنّ هناك معلّقين مثل حازم أمين في صحيفة «الحياة» الحظوا بذكاء تطوّ رات مماثلة لهذه اللعبة في العراق ،حيث خلق األكراد والس ّنة والشيعة الخطوط العريضة لكيانات طائفيّة أو عرقيّة ج���دي���دة .وس��اع��دت إي���ران ف��ي دف��ع هذه العمليّة ليكون لها دول أكبر بكثير في منطقة ّ مجزأة ممّا كان عليه دورها حين تسود دولة عربيّة قويّة. وكانت إي��ران على ما يبدو قد وضعت أوّ ل استراتيجيّة لألسد لما يشار إليه بـ «سورية مفيدة» ،وسمحت للشمال والشمال الشرقي للبالد أن يقع خ��ارج سيطرة النظام .وهجوم النظام ّ مؤخراً في منطقة القنيطرة هو في المقام األوّ ل محاولة من جانب إيران لضمان أن تحتفظ لنفسها بحدود المواجهة المفتوحة مع إسرائيل.
لهذا السبب يجب عدم المبالغة في تفسير عبارة السيّد دي ميتسورا ،إطار جنيف هو ك ّل شيء ولك ّنه مات ،والمبعوث األمميّ يعرف ذلك .وهذا هو سبب تج ّنبه الخوض من مناقشة كاملة حول مستقبل األسد ،حيث أنّ قيمة هذه المناقشة في الوقت الحالي هي قيمة دعائيّة فقط .يمكن للمرء أن يتعاطف مع خصوم األسد ،لكنّ الوضع اآلن أكبر منهم ،ومنه.
www.allsyrians.org
4
السنة الثانية
العدد 29
/ 17نيسان 2015/
من الصحف
«مفاوضات» الوطن الواحد والطرف األوحد والمرجع الوحيد معضلة ّ السياسي في الحالة السورّية الحل ّ سامل األخرس -عن صحيفة املستقبل خ�لال عامي 2014-2103بُ��ذل ف��ي اإلع�لام مصطلح «المفاوضات» إليجاد ح ّل للمسألة السوريّة، ّ المكثف ،بقي هذا المصطلح غريبا ً عن ورغم تداوله تجر العادة على طبيعة السياسة الداخليّة السوريّة ،فلم ِ تداوله أو استخدامه أو التطرّ ق إليه ،لدى طرح أيّة مشكلة تتعلّق بالشأن الداخليّ .رغم كثرة المصطلحات والمقوالت والمفاهيم السيّالة في الخطاب السوريّ في مختلف المراحل والمنعطفات التي مرّ ت بها سورية، والتي لغزارتها وتنوّ ع مشاربها وتع ّدد مرجعيّاتها ّ تستحق وكثرة منحوتاتها ،المنقول منها والمستورد، متحفا ً ضخما ً يحفظها تحت عنوان «هذه المصطلحات مرّ ت من هنا» ،وهذا يدلّل على حيويّة وديناميكيّة معان ليست موضع بحثنا في خطابيّة ،كما يد ّل على ٍ هذا المقام. فمصطلح «المفاوضات» الذي يستخدم للداللة على شروع بالحوار والبحث من أجل التوصّل إلى اتفاق، استخدم ح ّتى غدا من مألوف الحياة السوريّة بمختلف المجاالت ،السيّما السياسة واإلع�لام ،وكان حصراً للتعبير عن مباحثات تجري مع أط��راف خارجيّة، أي بين الجانب السوريّ وآخرين ال يحملون الجنسيّة ّ ويمثلون جهات خارجيّة ،دوالً أو مؤسّسات السوريّة سياسيّة أو اقتصاديّة وغيرها .وتج ّنبا ً للمبالغة والوقوع في خطأ النفي المطلق للمفاوضات في الفضاء السياسيّ الداخليّ ،يمكن اإلشارة إلى وجود مساومات وتسويات وترتيبات وصفقات ،وعموالت؛ ضمن آليّات إدارة المصالح والمنافع ،وأيديولوجيّاتها ،ولكن ،تحت تسميات ،اجتماعات أو لقاءات تختتم بصيغة مؤتمرات ومهرجانات. المهم أ ّنها ليست «مفاوضات» ،التي تطلق عادة
عمر ق ّدور -عن موقع املدن اإللكرتون ّي لم تكن النكتة في أن يذهب معارضون سوريّون، ّ ممثل النظام في ويتحمّلوا للمرّ ة الثانية إهانات منتدى موسكو ،فهذه ربما يُسوّ ق تبريرها بذريعة تجاوز اإلهانات الشخصيّة كرمى لتحقيق اختراق سياسيّ .وليست النكتة في أن يرفض ّ ممثل النظام، للمرّ ة الثانية أيضاً ،مجرّ د استالم قائمة بجزء من أسماء المعتقلين ،وأن يُع ّد رفضه داللة على التع ّنت والعنجهيّة ،وعلى عدم احترامه السورييّن! فوق ذلك ليست النكتة في جلوس شخصيّات موالية في مقاعد «المعارضة» ،ومنها شخصيّات تعلن مؤازرتها قوّ ات النظام في الحرب على السوريّين ،فهذه كانت نكتة في «موسكو ،»1وتكرارها يفقدها الطرافة. النكتة الحقيقيّة أتت من ورقة النظام المق َّدمة إلى المنتدى ،وأُقرّ منها البند األوّ ل ،أل ّنها ورقة ال تخفي طموحها في تشغيل المجتمعين ،ومن ث ّم المجتمع
وعرفا ً وقانوناً ،على مباحثات طرفين أو ع ّدة أطراف، لك ّل منهم حقوقه ومكانته واعتباره ،ومطامح ومصالح، يطالب اآلخر باإلقرار بها ،والتعامل على أساسها .وهذا ما كان غائبا ً ومغيّباً ،منذ أكثر من نصف قرن ،عن الخطاب السياسيّ السوريّ الداخليّ ،لصالح حضوره داخل غرف خاصّة بحلقة صلبة مغلقة ،تحتكر ترجمة هذه المصطلحات ،وتسبغ عليها ثوب المعاني العمليّة. كما يترك للحلقة الصلبة ّ حق إشهار نتائج المفاوضات في المهرجانات والمؤتمرات ،واالحتفال بها برفع أنخابها ابتهاجا ،وعقد الرقصات فرحاً ،لتض ّم إلى أرشيف االنتصارات ،وألبوم الصور. بهذه الطريقة كان يت ّم تج ّنب فلسفة وجود أطراف أخرى ،لها حقوق ومصالح واعتبار اجتماعيّ وسياسيّ أو بمعنى ّ أدق أ ّنهم شركاء وأنداد ،األمر المرفوض داخل الفضاء السياسيّ السوريّ ،والذي ال يقبل أيضا ً بتداعياته اإلجرائيّة والقانونيّة والدستوريّة إلاّ بحدود الضرورات البروتوكوليّة. وذلك ألنّ «الوطن» واح��دّ ، تمثله جهة واحدة، ذات مرجع وحيد .وهو الطرف الذي يتملك السلطة والسالح ،ويتبّنى فلسفة الغلبة الخلدونيّة. ويذكر أ ّن��ه عام 2010وبعد أن كثرت دعوات المعارضة السوريّة لعقد مؤتمر مصالحة وطنيّة، طرح صحافيّ سؤاالً على السلطة حول موقفها من فكرة المصالحة الوطنيّة ،فجاءه الجواب ،سؤاالً بصيغة االستهجان واالستنكار :وهل هناك خالف ونزاع ح ّتى ُتطرح فكرة المصالحة الوطنيّة؟! وأعقبه توضيح، مفاده أنّ المصالحة تعني وجود خالف بين طرفين أو أكثر وهذا ما ال يوجد في سورية .حيث أ ّكد هذا التوضيح جهاراً نهاراً ،عدم وجود أطراف في السياسة الداخليّة ،فليس هناك سوى طرف أوحد ومرجع وحيد. ومصطلح أطراف ،إ ّنما هو مُتخيّل أو مبالغ فيه وإذا كان قائما ً فهو يد ّل على أفراد أو جماعات صغيرة، لها ارتباطات خارجيّة معادية ،تتحرّ ك بأوامر وخدمة لمصالحها ،شيء ما أشبه بأعشاب طفيليّة ه ّ شة في حقل خصيب .وال يُغير من هذه الحقيقة ،أي عدم
وجود أطراف ،إنشاء وزارة سمّيت (وزارة المصالحة الوطنيّة) تمّت فبركتها على عجل نتيجة النفجار األوضاع الداخليّة ،وأنيطت مهام هذه الوزارة بجهة داخليّة تتب ّنى فلسفة وطن واحد لجهة واحدة وبفكر وحيد ،ولها ميراث مديد فيها. ورغم رسوخ فكرة انعدام وجود أطراف داخليّة، لها حقوق واعتبار ،وغياب مصطلح المفاوضات في الحيّز الداخليّ ،إلاّ أنّ الحياة السياسيّة السوريّة فرضتها مرّ تين ،األولى عام 1936وسمّيت (معاهدة التعاون والصداقة) والثانية عام 2013وسمّيت مؤتمر جنيف. ففي عام 1936ظهر مصطلح المفاوضات وع ّم تداوله ضمن النخبة السياسية التي تش ّكلت وتبلورت آنذاك ،فتص ّدرت عناوين الصحف المحلّيّة ،وتوسّعت ح ّدة التظاهرات الشعبيّة في ك ّل المناطق السوريّة، لدى انخراط أوساط اجتماعيّة وسياسيّة جديدة لم يسبق لها التواجد على الساحة السياسيّة ،بحيث يمكن القول عنها ،إ ّنها الموجة الثانية العميقة لتش ّكل الوعي الوطنيّ السوريّ ،التي تلت الموجة األولى للثورة السوريّة الكبرى عام .1925 ففي عام 1936كانت الحركة الشعبيّة قد بدأت تتطوّ ر وتقوى شوكتها عبر مطالب ،ذات طابع اقتصاديّ وش ّكلت الدعوات لمقاطعة شركة الكهرباء مدخالً لها ،فكان االض��راب عن استخدام القطار الكهربائيّ واالستهالك المنزليّ ،والتظاهر في الساحات العامّة ،وسيلة لرفض االحتكار الفرنسيّ للشركة التي كانت بلجيكيّة في العهد العثمانيّ ،ث ّم أصبحت امتيازاً برأسمال فرنسيّ .وسبق هذه التظاهرات المطلبيّة، تظاهرات في ك ّل من لبنان وسورية ،رفضا ً إلعالن إدخال نظام احتكار التبغ في آذار 1935القاضي بمنح شركة فرنسيّة -لبنانية (شركة التبغ اللبنانيّة - السوريّة) ّ حق نظام الدمغة بنسخة جديدة من الريجي. فدعا رج��االت الكتلة الوطنيّة في سورية إلى تظاهرات سلميّة انطلقت من الجامع األمويّ بدمشق، لمناهضة احتكار الشركات الفرنسيّة ،ر ّدت عليها سلطات االنتداب الفرنسيّ باعتقال قادة المتظاهرين،
نكتة موسكو
الدولي قاطبة ،بإعادة الوضع في سورية إلى ما كان عليه قبل الثورة .ولع ّل البند السادس منها يحمل أبلغ إشارة عن تصوّ رات النظام للح ّل فهو ينصّ على: «مطالبة المجتمع ال��دول��يّ بالمساعدة على إع��ادة الالجئين إلى وطنهم وتهيئة الظروف المناسبة إلعادة المهجّ رين» .لندع جانبا ً إغفال المسؤوليّة عن تهجير ماليين السوريّين وح ّتى عن استخدام كلمة عامّة مثل «وطنهم» ،ففحوى هذا البند هو تحميل المجتمع الدوليّ مسؤوليّة الدمار الذي ألحقه النظام بالبالد ،ومطالبته بتولّي إعادة إعمارها أو باألحرى تمويل إعادة اإلعمار عن طريق النظام نفسه ،ليتس ّنى لألخير ممارسة ما اعتاد عليه من نهب. ومع أنّ شرح أيّة نكتة يفقدها تأثيرها المضحك إلاّ أنّ قراءة ورقة النظام ضروريّة لفهم ما يريده من الح ّل السياسيّ العتيد ،وضروريّة أيضا ً لمعرفة مقدار «التق ّدم» في موقع حلفائه الروس لجهة فهمهم للمتغيّرات السوريّة ،فإمّا أ ّنهم غير قادرين على إقناع النظام بالح ّد األدنى من متطلّبات الحلّ ،أو أ ّنهم م ّتفقون معه على ورقته ويريدون تسويقها في منتداهم ،على أمل تسويقها دول ّيا ً فيما بعد. نحن ح ّقا ً إزاء ورقة «طموحة» ج ّداً ،فبعد استهاللها بالحديث عن تسوية «األزم��ة السوريّة» بالوسائل السياسيّة على أساس توافقي بناء على جنيف 1تذهب إلى إفراغ هذا البند من مضمونه ،وسيكون واضحا ً في
البنود التالية إبراز ما يرفضه النظام مع عدم وجود أدنى إشارة إلى تصوّ ره عن المستقبل .على سبيل المثال ،النظام يرفض أيّة تسوية تقوم على المحاصصة العرقيّة أو المذهبيّة أو الطائفيّة ،لك ّنه في المقابل ال يشير إلى نوع النظام السياسيّ الذي يكفل للسوريّين حقوقهم .وبعد تطرّ ق ورقته إلى ما تسميه مح ّددات أيّة عمليّة سياسيّة تخلّص في البند الالحق إلى أن «التسوية السياسيّة ستؤ ّدي إلى تكاتف وحشد طاقات الشعب في مواجهة اإلره��اب وهزيمته ،ويجب أن ت��ؤ ّدي هذه التسوية إلى حصر السالح في أيدي مؤسّسات الدولة». وكما نعلم للنظام تفسير خ��اصّ لإلرهاب وصم به الثورة منذ اندالعها وقبل وجود اإلرهاب الدوليّ وسيطرته على جزء من األراضي السوريّة .أي أنّ التسوية من وجهة نظره ينبغي أن تخلص إلى تكاتف وحشد طاقات الشعب حوله ونزع السالح من أيدي معارضيه جميعاً ،على اعتبار أنّ التسوية المنشودة ستكون بقيادته ،بل ستعززها هذه المرّ ة بتفويض دوليّ غير مسبوق .أمّا رفضه المحاصصة فال يمكن فهمه على منوال رفضها من قبل آخرين يريدون دولة ديمقراطيّة ،رفض النظام مبني على رفض اقتسام السلطة تحت أيّ بند ،وعلى رفض أيّ مح ّددات ّ ملخص ورقة دستوريّة تمنعه من احتكار السلطة. النظام هو إبطال ك ّل ما جرى خالل السنوات األربع األخيرة ،والطلب من اآلخرين مساعدته على إعادة
منهم فخري البارودي ونسيب البكري وسيف الدين مأمون وتوفيق الشيشكلي ،ونفيهم إلى الحسكة .أعقب ذلك االضراب الس ّتيني ( 60يوماً) الذي شمل دمشق وعدد من المدن السوريّة ،وسط تعاطف عربيّ إقليميّ أجبر سلطات االنتداب على اإلقرار بوجود أطراف سياسيّة محلّيّة ،لها مكوّ نات الطرف السياسيّ الوطنيّ ، بعد أن تجاهلت هذا الواقع لسنوات ،تهرّ با ً من مطالب السوريّين وح ّقهم بالحرّ يّة واالستقالل .وجاء هذا اإلقرار بوجود طرف سياسيّ وطنيّ ليفرض استحقاق الحوار والتفاوض مع وفد س��وريّ ،ترأّسه هاشم األتاسي وض ّم فارس الخوري وجميل مردم وسعد هللا الجابري عن الكتلة الوطنيّة ،وإدمون حمصي واألمير ّ كممثلين عن الحكومة المحلّيّة، مصطفى الشهابي وألحق بالوفد سكرتيران ،وهما المحاميان إدمون رباط ونعيم أنطاكي ،وعدد من المستشارين السياسيين الشباب منهم محسن برازي وخالد بكداش. كانت هذه المفاوضات التي اعتبر مجرّ د خوضها نصراً ّ مؤزراً للسوريّين ،بمثابة مدرسة عمليّة لتعلم الوطنيّة السوريّة ونموّ ها ،بك ّل ما رافقها من احتجاجات ومطالب متعارضة ،خصوصا ً خارج المدن الرئيسيّة. وكذا الحال مع الدعوة إلى مؤتمر جنيف األوّ ل، والتي بدأت بحدي ٍ ث عن مفاوضات بين ع ّدة أطرف سوريّة ،بهدف إيجاد ح ّل للمسألة السوريّة ،وت ّم ُ طرح مصطلح «المفاوضات» للتداول ،فشاع الحديث عن وج��ود أط��راف وجهات وجبهات سورية معارضة ش ّتى ،كافحته وسائل اإلعالم الرسميّة ،تارة بربط ك ّل األطراف المعارضة للنظام ،بجهات خارجيّة معادية، تماشيا ً مع رؤيته لمصطلح المفاوضات ،المتنافي مع وجود طرف سوريّ خارج عن النظام وسقفه ..وتارة أخرى بفبركة أطراف معارضة من حظيرة النظام، تصلح «لمفاوضات» الوقت المستقطع والدعاية واإلعالم برعاية ووصاية حلفاء السلطة .وهذا األمر يُكسب ظروف وأح��داث عام 1936بسورية بهاء التجربة وغنى المعاني والخبرات ،ويؤ ّكد قول العرب ما أقرب األمس من غدِ.
الزمن إلى الوراء ،وربّما مساعدته أيضا ً على امتالك قدر من القوّ ة أمام االحتالل الحليف الذي استقدمه. مع انعقاد منتدى موسكو كانت قوّ ات النظام تمطر مدينتي حلب وإدلب بالبراميل المتفجّ رة .ستكون نكتة إضافية لو ربطنا بين الحدثين ،أو اعتبرنا تصعيده ذاك نوعا ً من الضغط على مفاوضيه .ففي الواقع هو ليس في وارد اإلعالء من شأنهم على هذا النحو ،وال ح ّتى في وارد إضفاء صفة تمثيليّة من أيّ نوع عليهم ،بل يروقه أكثر طوال المفاوضات إفهامهم ألاّ وزن لهم، وأنّ مجرّ د التحاور معهم هو تنازل منه .لن يكون مه ّما ً أن تنتهي جلسات موسكو بإقرار بند وحيد من ورقة النظام ،وعدم التطرّ ق إلى ورقة «المعارضين» على علاّ تها ،فحلقات منتدى موسكو ستستمرّ إلى أن ُتقرّ كا ّفة بنود الورقة ،وفي ك ّل مرّ ة سيرفض ب ّ شار الجعفري استالم الئحة بأسماء المعتقلين ،الذين ربّما يقتلون في هذه األثناء تحت التعذيب؛ وفي ك ّل مرّ ة سيتش ّكى أعضاء الوفد «المعارض» من عنجهيّة وفد النظام ،ويعتقدون «عن براءة» أ ّنهم يفضحونه أمام وسائل اإلعالم .من هذه الجهة على األق ّل أظهر مقاتلو المعارضة حنكة سياسيّة أكبر في مفاوضة النظام، إذ طالبوا في أكثر من جولة بحضور إيرانيّ ضامن وكان لهم ما أرادوا ،واأله ّم أ ّنهم لم يتصاغروا أمام وفد النظام بل وضعوه في موقعه الصحيح.
لقاء موسكو وفضيحة النظام راتب شعبو – عن «العرب ّي اجلديد» ال حاجة ألن يقرأ المرء بوستات المعارضين السوريين الذين شاركوا في لقاء موسكو ،لكي يتخيّل مقدار التعالي واالستخفاف الذي عوملوا به في العاصمة الروسيّة من وفد النظام .ليس مفاجئاً ،مثالً ،أن يرفض رئيس وفد النظام السوريّ أن يستلم من المعارضين قائمة بأسماء حوالي تسعة آالف معتقل لدى النظام (مع اإلشارة إلى أ ّنها قائمة ال ّ تمثل سوى نسبة ضئيلة من أعداد المعتقلين) .وليس مفاجئا ً أن يتجاوز ب ّ شار الجعفري حدود اللباقة ،في حديثه الصحافيّ ،ويسخر من هؤالء الذاهبين (أغلبهم بني ٍة صادقة) ،في محاولة لفتح ثغرة في هذا الجدار ،لعلّها تساهم في كسر حلقة
newspaper@allsyrians.org
الموت المفرغة. هذا ليس مفاجئا ً ألنّ أولئك المعارضين الذين ذهبوا إلى موسكو ال ّ يمثلون ،في الواقع ،قوّ ة على األرض، تفرض على النظام تنازالً .وألنّ النظام السوريّ تعامل ،دائما ً وفي ك ّل المواضيع ،على مبدأ «من ال قوّ ة له ال ّ حق له» ،فليمت في السجون اآلالف ،وليحرم اآلالف من حرّ يّتهم ،طالما أنّ النظام غير مرغم على إطالق سراحهم ،أو ح ّتى على إطعامهم ومعالجتهم في السجون .هذا هو الفارق بين الدولة والطغمة .الدولة تستخدم القوّ ة التي يفوّ ضها بها المجتمع ،لتطبّق القانون الم ّتفق عليه ،بما يحمي حقوق المواطنين من تعديات مواطنين آخرين ،أو مؤسّسات خاصّة ،أو ح ّتى من مؤسّسات الدولة نفسها ،أمّا الطغمة فتستخدم قوّ ة الدولة لمصالحها ولحفظ ديمومتها على حساب حقوق الناس، ح ّتى أ ّنها تفاوض على حقوق «مواطنيها» لدى القوى األخرى ،فتعتبر إطالق سراح المعتقلين السياسيّين لديها تنازالً تق ّدمه في مقابل كسب سياسيّ ما من الدول التي تطالب باحترام حقوق اإلنسان.
إذا استبعدنا صالح مسلم من الوفد المعارض في موسكو ،سنجد أنّ كامل الوفد ال يملك أيّة قوّ ة عسكريّة، في الوقت الذي تحوّ ل فيه الصراع في سورية إلى صراع عسكريّ .يذهب الوفد المعارض إلى موسكو خاليا ً من أيّة قوّ ة .ال توجد قوّ ة إقليميّة أو عالمية داعمة له ،وال توجد قوّ ة عسكريّة تسانده ،وال ّ يمثل أيّ حراك شعبيّ سلميّ ،بعد أن ت ّم سحق السلميّة ،بفعل بطش النظام من جهة ،وطيش المعارضة من جهة أخرى. إنّ وفد المعارضة هذا إلى موسكو ،هو مجرّ د ّ ممثل افتراضيّ .أقصى ما يمكن لمثل هذا الوفد أن يق ّدمه أن يبرز مطالب السوريّين ،وهذا ليس أمراً بال قيمة .لكن، في المقابل ،قد يسمح هذا الوفد للنظام بعرض صورة يريدها ،وهي أ ّنه نظام منفتح على الحوار .والواقع أنّ هذه الصورة الخارجيّة التي يريد النظام أن يص ّدرها للعالم هي الدافع الوحيد له في هذه المفاوضات. ولكن ،بعد ك ّل شيء ،كان النظام السوريّ الخاسر في جولة موسكو على عكس ما يقوله معلّقون كثيرون .هذا الوفد من المعارضة الذي ذهب إلى موسكو ّ يمثل ما دأب
النظام على تسميتها «المعارضة الوطنيّة» .أشخاص ّ التدخل الخارجيّ ، ض ّد اإلرهاب ،وض ّد الطائفيّة ،وض ّد ومع ذلك ،فإنّ التعالي واالستخفاف الذي تعامل به رئيس وفد النظام كان كافيا ً لفضح حقيقة أنّ النظام السوريّ ال يعادي اإلرهاب أل ّنه إرهاب ،وال الطائفيّة التدخل الخارجيّ أل ّنه ّ ّ تدخل خارجيّ ، أل ّنها طائفيّة ،وال هو يعادي اإلرهاب والطائفيّة وخرق السيادة الوطنيّة فقط حين تكون موجهة ض ّده .أمّا عداؤه الثابت الوحيد فهو لمن يطالب بالعدالة في توزيع السلطة والثروة. كيف يفهم الموالون للنظام غطرسة ب ّ شار الجعفري وطاووسيّته تجاه هؤالء المعارضين «الوطنيّين»، حسب وصف النظام نفسه؟ إذا كان النظام يتعامل بهذا القدر من االستخفاف مع من يعتبرهم ،وتعتبرهم حليفته روسيا ،معارضين معتدلين ووطنيّين ،فمن الطبيعي أن يجد المتطرّ فون اإلسالميّون وك ّل أنواع التطرّ ف المزيد من األنصار والمتفهّمين .هكذا يكشف النظام حقيقته أمام العالم ،وأمام ك ّل مناصر للنظام يمتلك قدرة على التأمل والتفكير.
www.allsyrians.org
العدد 29
حوار العدد
السنة الثانية
/ 17نيسان 2015/
5
حوار مع: الدكتور برهان غليون كيف تقرأ الواقع السياس ّي للمعارضة السوريّة اليوم؟ هل استطاعت أحزاب املعارضة مواكبة الثوّار؟ ما الذي ق ّدمه اجمللس الوط ّ ين واالئتالف السور ّي بعد أربع سنوات من الثورة السوريِّة؟ هل كانت الثورة حباجة إىل قيادة سياسيّة؟ ما املطلوب من النخب السياسيّة اليوم إلجناح الثورة والواقع السياس ّي للمعارضة؟ هذه احملاور ،نناقشها مع أستاذ علم االجتماع ومدير دراسات الشرق املعاصر يف جامعة السوربون بباريس ،املعارض السور ّي برهان غليون. السياسي دكتور برهان ،كيف تقرأ الواقع • ّ للمعارضة السور ّية اليوم؟ د .برهان :أعرف أ ّنه يوجد نقمة عارمة من قبل الشارع السوريّ كلّه -ثوّ ار وغير ثوّ ار -على المعارضة السوريّة أل ّنها كانت تحت مستوى التو ّقعات بكثير وألنّ المتو ّقع كان إنشاء قيادة سياسيّة لثورة عظيمة، فالتضحيات فيها عظيمة ،إلى اآلن والكارثة أيضا ً ال تقارن وهي أكبر كارثة من كوارث العصر ،ولكن في الحقيقة التو ّقعات كانت أيضا ً غير صحيحة ألنّ النظام ولم ّدة خمسين عاما ً مارس التعقيم السياسيّ للمجتمع ،وقتل أيّة إرادة للتحرّ ر أو للتواصل بين الناس ،وكان المجتمع مك ّبالً باألحكام العرفيّة خالل نصف قرن وهناك أجيال متتالية لم تتعلّم التعامل مع بعضها البعض ،أو أن ّ تنظم أمورها السياسيّة ،وهي تدار كمسرح العرائس ،مثل اللعب من قبل المخابرات المتواجدة في المؤسّسات وال��م��دارس وال��وزارات والشارع وفي ك ّل مكان ،فكان من الصعب أن يظهر أشخاص قادرين على تنظيم شؤون المعارضة .ولذلك يجب أن نفهم من أجل أن نعرف كسوريّين كيف ولماذا حصل لنا ذلك؟ ما كان يسمّى أحزابا ً في سورية ،لم تكن كذلك ،بل كانت عبارة عن مجموعات صغيرة مؤلّفة من 20إلى 30شخصا ً أو أكثر بقليل ،يجتمعون في أماكن مغلقة وسرّ يّة ومه ّددين باالعتقال ك ّل يوم، وال يوجد لهم تواصل مع الشارع ،وال يوجد أيّ حزب له تواصل مع الجمهور ،لذلك كانت هذه بقايا معارضات بسيطة ال تملك موهبة التعامل مع الشارع أو تفهمه او تتعامل معه ،وكان شغلها الوحيد هو الهروب من المخابرات ومن االعتقاالت ،فلم تستطع هذه األحزاب توزيع بيان ،ح ّتى ظهور إعالن دمشق في 2001وقد ساهم الناس بتأسيس المنتديات من أجل التفاعل فيما بينهم كمواطنين للتشاور واالتفاق على مستقبل البلد ،وهنا بدأت اللحظة األساسيّة لربيع دمشق أي أ ّنهم حاولوا أن يصنعوا من ذاتهم شعبا ً يف ّكر بالمستقبل وبمصيره ،ولكن قامت المخابرات بإغالق المنتديات واعتقال المشاركين وقمعهم وازداد القمع بعد تلك المرحلة عن قبل؛ لذلك يجب أن ال ننسى تلك الفترة ،فال يوجد في سورية معارضة والثورة شيء آخر غير المعارضة هي شعب وقد يكون من بينهم من يحبّ األسد من الذين شاركوا بالثورة موهومين أ ّنه رجل شابّ ...إلخ .لكنّ الثورة َهبّة شعبيّة واسعة حرّ كت ماليين الناس الذين شعروا أنّ مستقبلهم ضائع وأ ّنهم ُخدعوا خالل الـ 50سنة الماضية ،وأنّ هنالك أمل بعد أن نجحت الثورة التونسيّة وقامت الثورة المصريّة واليمنيّة وبعد أن تحرّ كوا وح ّققوا نتائج عن طريق التجمّعات والتجمهرات ،فشعر السوريّون أنّ هنالك أمل إنْ خرجوا ض ّد العبوديّة وهم لم يخرجوا أل ّنهم مؤمنون بالمعارضة أو ألنّ لديهم قيادة معارضة ،هم خرجوا أل ّنهم لم يعودوا يستطيعون تحمّل هذا النظام الجائر. إذا هي انتفاضة شعب ّية ،ولكن أنتم رجاالت • السياسة في السنة األول��ى للثورة تناطحتم لقيادة الثورة .أنت دكتور برهان في تصريح لك على قناة الوطني قلت إنّ تأسيس الجزيرة بعد تأسيس المجلس ّ الوطني جاء لخدمة الثورة .هل كان كذلك المجلس ّ الوطني أم أ ّنه جاء وفق إرادات خارج ّية المجلس ّ وإقليم ّية؟ د .برهان :ال .نحن أيضا ً قد وقعنا ضمن الثورة بأحابيل الدعايات المغرضة للمخابرات وألعداء الثورة .وبقينا خمسة أشهر ح ّتى ت ّم تكوين المجلس الوطنيّ وبعد ع ّدة مؤتمرات ،وأنا رفضت المشاركة بها أساساً .وأنا لست معارضا ً بمعنى أ ّني أنتمي لحزب أو تيّار معارض، ولم أدخل الثورة كمعارض وأريد قيادة المعارضة، أنا دخلت الثورة كمف ّكر ومث ّقف وأكاديمي يؤيّد ثورة شعبه ويؤيّد الحرّ يّة ،وهذا موقفي قبل الثورة ولم يتغيّر ،وأنا انتقدت النخب والمعارضة سابقاً .وعندما أنشأنا المجلس الوطنيّ لم يكن بإرادات خارجيّة ومن ل ّقبه بمجلس استنبول هم من أرادوا إسقاطه ،ومن آمن بهذا األمر أو ص ّدقه أيضا ً ساهم بإسقاطه والمجلس الوطنيّ كان عبارة عن ائتالف بين القوى السياسيّة الضعيفة واألح��زاب السابقة كإعالن دمشق ،هيئة
newspaper@allsyrians.org
التنسيق رفضت المشاركة به ،واإلخوان المسلمون ّ والمنظمة األشوريّة واألكراد كلّهم تجمّعوا كأحزاب سياسيّة ،وأُضيف لهم من اعتبروا أنفسهم ّ ممثلين عن الحراك الثوريّ كالتنسيقيّات ولجان التنسيق المحلّيّة وكانوا أكبر تمثيل من ك ّل اآلخرين ،وأيضا ً ّ ممثلين لتحرّ كات سياسيّة داخليّة وخارجيّة .والمجلس الوطنيّ كان أوّ ل صيغة تآلفيّة للدفاع عن الثورة السوريّة وكان من الممكن أن يكون القيادة للثورة السوريّة ،إ ّنما دخلت عوامل أخرى ،فاألحزاب لم تتعلّم أن تعمل مع بعضها البعض لخدمة قضيّة واحدة وأصبح ك ّل طرف يريد استغالل المجلس الوطنيّ لتحسين أوضاعه الحزبيّة والسياسيّة ولم يعملوا كفريق وطنيّ بصرف النظر عن انتماءاتهم .واألشخاص والفئات الذين دخلوا في المجلس ،أصبح المجلس بالنسبة لهم إطاراً لتجاذبات وتقاسم الفرص ،ممّا أفشل المجلس الوطنيّ ،أي أ ّنه فشل بالتحوّ ل إلى قيادة يقود العسكر والمقاتلين .وإنّ المجلس الوطنيّ في األشهر الس ّتة األولى خلق وأسّس لعالقات مع الدول كلّها ،ودفع بثالثة قرارات في مجلس األمن الدوليّ وق��راراً في الجمعيّة العموميّة وأسّس تجمّع أصدقاء سورية وكان العنوان للثورة السوريّة وأصبح المحاور الرئيس لها ،والشعب السوريّ قال إنّ «المجلس الوطنيّ ّ يمثلني». هذا كان في لحظة ما ،ولكن فشل المجلس • الوطني ،واجتمعتم في الدوحة وأُجبرتم على تشكيل ّ االئتالف ،وكل ّ الناس تعلم أنّ المعارضة السور ّية أُجبرت على ذلك. د .برهان :أنت ّ تنط من الق ّفة إلى أذنها ،إ ّنني أتح ّدث عن المجلس الوطنيّ ،وسأتح ّدث عن االئتالف فيما بعد، والمجلس الوطنيّ اغتيل من قِبل الناس المتسرّ عين، ح ّتى داخ��ل الثورة كان يقف ض� ّده العرعور الذي كان له شعبيّة من دول أنت ذكرتها وكان يدفع مبالغ ماليّة وكان يشتم وي ّتهم المجلس الوطنيّ باإلضافة إلى جماعات من الداخل كانت ت ّتهم المجلس أيضاً .الذي دمّر المجلس هم من عملوا على ذلك ،ولجان التنسيق أيضا ً ه ّددت باالنسحاب من المجلس إن لم نرضخ لما يريدون ،وكذلك األطراف األخرى ،ك ّل طرف يريد أن يأخذ من المجلس نصيبه قبل تحقيق أيّ شيء ،تسرّ ع الناس .وعدم وجود خبرة للعمل المشترك واعتقاد أنّ الثورة ستنتصر بعد شهرين أوصلنا إلى أنّ ك ّل طرف يريد أن يأخذ حصّته أو أن يمأل جيوبه قبل أن يسقط النظام .هذه األمور جعلت المجلس يعجز عن تحقيق المهام التي يجب أن يح ّققها .وأهمّها أن يكون قائداً للثورة السوريّة والتي يجب أن يكسب ثقة الناس ويجب أن يكون هناك تفاهم بين أطرافه تلتزم به دون ا ّتهامات له أو ألعضائه .الذي قتل المجلس الوطنيّ نحن قتلناه، السوريّون الذين لم نستطع التفاهم داخله .ولكنّ الشيء اإليجابيّ الوحيد الذي حصل في المجلس الوطنيّ هو أ ّننا نجحنا بالتفاهم مع بعض .ولذلك أصبح المجلس الوطنيّ مه ّم وأل ّن��ه كرّ س تفاهم المعارضة وقوى الثورة مع بعض ،وفشل المجلس أيضا ً أل ّننا أغلقناه بعد وصول أشخاص إلى المناصب ولم يريدوا التخلّي عنها ،وهناك أيضا ً أشخاص أساؤوا للمجلس أل ّنهم لم يستفيدوا منه ،أيّ أنّ خبرتنا ضمن النخبة غير مرتبطة بالشعب وهذا يجب أن نعترف به. ذهب المجلس وأتى االئتالف ،أنا ليس لي عالقة به، لم نكوّ نه ولم يعرف أحد أ ّنه سيتكوّ ن ،فقد كان هناك دعوة من قطر لمث ّقفين وسياسيّين وال أحد يعلم من هم، الحضور بحجّ ة وجود ندوة لمناقشة الوضع السوريّ فقط ،ولم يكن هناك فكرة االئتالف ،لذلك ذهبنا ألنّ الدعوة عن سورية ونحن أصحاب مسؤوليّة ،وبعد نقاش وضغوط ت ّم تشكيل االئتالف وأصبح المجلس الوطنيّ ال يريد أحد االعتراف به. نحن ال نريد أن نغوص بالماضي ،السؤال • اليوم ما لذي قدّ مته المعارضة ح ّتى اآلن بعد أربع وطني؟ سنوات كائتالف ومجلس ّ د .برهان :أيضا ً هذا الكالم ال معنى له فمن هي المعارضة؟ من أين جاءت؟ هل نزلت بالباراشوت؟ المعارضة هي نحن ،هي الناس في الشارع ،المعارضة هي تفاعل الناس مع بعضهم ،هي ثقة الناس والشارع باألشخاص الموجودين بالخارج ،وإن فقدت الثقة ال
يوجد عندها معارضة ،ما قيمة المعارضة إن لم يكن لها مصداقيّة مع الناس أو مثلما تكلّمت أنت عنها. االئتالف إلى اآلن يقول إ ّنه المم ّثل • الشرعي الوحيد لكل ّ السور ّيين! ّ ّ الممثل الشرعيّ الوحيد ،بل د .برهان :هو ال يقول إ ّنه ّ الممثل الشرعيّ ،وهذا هو المكسب الوحيد يقول إ ّنه الذي حصلنا عليه من المجتمع الدوليّ كشعب أيّ أ ّنه يوجد عنوان للتعاطي مع الثورة السوريّة ،إنْ تمّت إزاحة هذا العنوان سيصبح لدينا 50عنوان آخر، ويصبح ك ّل شخص ّ يمثل الشعب السوريّ ،أي أ ّننا عدنا إلى أسوأ ممّا نحن عليه اآلن ،والسوء اآلن أيضا ً في المعارضة أ ّنه ال يوجد من يتكلّم باسم الشعب السوريّ أو باسم الثورة .ومشكلة االئتالف اليوم مع أ ّنه ّ وممثل شرعيّ أ ّنه ال يوجد هناك رئيس ونائب موجود ومسؤول عالقات خارجيّة للتعاطي مع دول العالم، أصبح الوضع أنّ الدول ووزراء الخارجيّة يجتمعون مع خمسين عضواً من االئتالف كي يعرفوا رأيهم ،أي كأ ّنه ال يوجد تنظيم. في ظل الوضع الراهن لالئتالف إلى أين • ي ّتجه مصيره؟ د .برهان :هذا كلّه جزء من مشكلتنا كسوريّين جزء من غياب ثقافة التنظيم واإلدارة والعمل السياسيّ والعمل كفريق ،ولذلك تكوّ نت المعارضة ولم تنجح لعدم الثقة الناس بعضهم ببعض ،هذه هي مشكلتنا ،ال يوجد ثقة، وهنا نجح النظام بترسيخ هذا المبدأ بين السوريّين. لكن بالنظر إلى واقع االئتالف فإ ّنه يعيش • أزمة حقيق ّية بتجاذبات سياس ّية إقليمية ودول ّية .هل الوطني أم سيكون مصير االئتالف كمصير المجلس ّ سيتش ّكل ائتالف أوسع؟ د .برهان :أتم ّنى ألاّ نعود للخلف ،فليس هناك إمكانيّة دائما ً للبناء بعد الهدم «إن هدمت بيتا ً قديما ً وال تملك مواد لبناء الجديد قد تبقى في العراء» وأتصوّ ر إنْ لم يت ّم إصالح االئتالف الوطنيّ -ويجب أن يصلّح وأن يصبح أقوى وأن يتطوّ ر إلى مؤسّسة فاعلة أكثر - فسيخرج تشكيل آخر ،هذا هو قانون التاريخ ،وربّما ّ نتعذب ح ّتى ظهور الجسد اآلخر وربّما يظهر ما هو أسوأ من االئتالف ،وكذلك اآلن فاالئتالف أسوأ من المجلس الوطنيّ ،الذي كان لديه هامش حرّ يّة أكبر في التعامل مع الدول وكان أعضاؤه اكثر تنوّ عا ً وكانت مكانته الدوليّة أقوى بكثير وكان احترامه الدولي أقوى، وأيضا ً عالقاته بالداخل كانت أفضل من االئتالف، ولكنه اآلن انتهى وال نريد أن نبكي على األموات، فاالئتالف لديه مشاكل كبيرة إن لم يصلحها فسيقع كالمجلس الوطنيّ . المجلس سيطرت عليه فئة ال تريد مشاركة أو انضمام فئات وقوى أخرى ،وأغلقت الباب رغم أنّ حال الثورة ك ّل يوم ينتج الجديد من أفراد ومجموعات وقوى ،يجب أن ّ تمثل ،وأيضا ً هناك آراء جديدة تتغيّر ،وبذلك منعوا دخولهم ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى لم يتفاعلوا مع قوى الثورة في الداخل من حيث تأمين الدعم. واالئتالف وصل إلى هذه النقطة ،ال أحد من تلك القوى الجديدة تنض ّم له وقد أغلق الباب ،رغم أ ّنى اقترحت تغيير %30منه ك ّل دورة ألنّ القوى الجديدة تنشأ ك ّل يوم ،وكذلك أيضا ً في الميدان تتش ّكل جبهات جديدة، هذا كلّه يجب ان يكون ّ ممثالً بأيّة معارضة. أه ّم مشكلة يعانيها السور ّيون اليوم هي • الثوري .بالعودة إلى انفصال السياس ّيين عن الواقع ّ األحزاب السياس ّية السور ّية سواء أكانت إسالم ّية أو يسار ّية أو ليبرال ّية هناك من يقول إ ّنهم يتحدّ ثون عن السياسة ،ولكن ال يمارسونها ،هل توافق على هذا القول ،ولماذا؟ د .برهان :بالتأكيد .ماهي السياسة ،أنا حزب أو فريق لديّ وجهة نظر أعرضها وأطرحها على الجمهور وأتحاور معه ،إلى أن يتش ّكل لديّ قاعدة اجتماعيّة وأصبح ّ ممثالً لها بنسبة %1أو أكثر كطبقة أو فئة أو مجموعة .وتزداد القوى في داخل المجتمع وتتنافس بين بعضها للحصول على النفوذ أو السلطة وقد تكون السلطة ضمن البرلمان أو غيره ،أي يصبح المجتمع ّ منظما ً ضمن قوى سياسيّة هي األحزاب التي تقترح
أفكاراً وقوانين تتنافس فيما بينها لطرح ما هي أفضل الطرق لتق ّدم المجتمع .وهذا ال يمكن أن يتح ّقق ولم يتح ّقق في سورية رغم وجود برلمان وأحزاب لها اسم ،ولكنها كانت ألعوبة بيد المخابرات .فالبرلمان هو صنيعة األمن وعملهم الوحيد هو تمجيد الرئيس، وذاكرة السوريّين مليئة بالصور ،هتافات بالدم والروح نفديك والتوقيع بالدم وبأالعيب سخيفة ليس لها معنى إلاّ إلغاء السياسة ،وبأنّ هناك زعيم هو الملهم وهو العارف وعليكم أن تصمتوا وتمجّ دوا ،ومن يتكلّم فالسجن مأواه .ولم يكن هناك سياسة ،ومن تكلّم في السياسة في الخمسين سنة الماضية هم فقط من كانوا خارج البالد ،هل كان أحد يستطيع أن يكتب مقاالً سياس ّيا ً من دون أن يأخذه األمن؟ فكلمة صغيرة إن لم تعجبهم يسجنوه ،أو يمنعوه من المغادرة .نحن عايشنا نظاما ً ليس له مثيل ،فقد كان يجرّ د الناس من حقوقهم المدنيّة والسياسيّة .فالشعب جرّ د من تلك الحقوق، وأزالم النظام إن أرادوا السطو على منزل ما فيجدون مئات الطرق الستيالء عليه. الوطني ،هل تفتقد الثورة بالعودة إلى الرمز • ّ السور ّية إليه كــ «غيفارا ومانديال ،وعرب ّيا ً ياسر عرفات ،هل ينقص الثورة هذا الرمز؟ د .برهان :نحن دمّرنا ك� ّل االمكانيّة لبناء رمز بالصراعات حسب اعتقادي ،ولكنه ليس أمراً خطيراً، والرمز اليوم هو الشهيد فهو رمز الثورة السوريّة. اإلنسان الذي خرج ويعلم أ ّنه سيموت ،أو األشخاص الذين كانوا يلبسون كفنهم ويخرجون في التظاهرات، أو األفراد الذين وقفوا عراة الصدر أمام الق ّناصات. والرمز أيضا ً هم المتواجدون على الجبهات ويعرفون أ ّنهم يقاتلون على دمهم وروحهم .والرمز بالنسبة لي هو الالجئ ،والجريح واإلنسان الذي ضحّ ى ،فالثورة رمزها التضحية بك ّل معنى للكلمة. هل نجحت الثورة في أن تكون قض ّية وطن ّية • للسوري ّين؟ د .برهان :أنا أعتقد – اآلن -أ ّنها أصبحت أكثر من ذلك وأصبحت قضيّة إنسانيّة ،والسوريّون اليوم منخرطون بها .والثورة ليست صنيعة خارجيّة أو شيئا ً غريباً ،وح ّتى الذين وقفوا ض ّدها اليوم انخرطوا بها. وال يوجد سوريّ خارج الثورة إمّا مع أو ض ّد. إذاً ما لمطلوب من النخب السياسية السور ّية، • وخاصة أنتم ،إلنجاح الثورة السور ّية واستمرارها؟ ّ د .برهان :المه ّم أن نصل إلى مكان نستطيع أن نقرّ ر مصيرنا مع بعض وألاّ نكون عبارة عن أطراف مش ّتتة تتداولها دول أجنبيّة ،ك ّل دولة لها منطقة نفوذ. أنا أتصوّ ر أ ّنه يجب أن يت ّم أمران :األوّ ل ،أن تقوم المعارضة بإلغاء ك ّل ما ت ّم من انتخابات وقرارات ومنافسات على السلطة وأن تش ّكل مجموعة من 20 شخصاً ،أي تشكيل مجلس حكماء .وهذه كانت فكرتي وقد طرحتها ولكنها قُتلت في االئتالف ،مجموعة ال تريد السلطة وتعلن أ ّنها في المستقبل ال تريد أيّ منصب وأن ُتظهر أنّ أهدافها – فقط -خدمة الثورة وإخ��راج الشعب من المحنة التي وصل إليها ،أي إنتاج أهداف الشعب .وهذا يلزمه عمل كثير وطويل وشخصيّات تترفع عن المناصب وعن المال السياسيّ وعن السرقة .مشكلتنا نحن أ ّننا لم نصل إلى هذه النقطة وما زلنا في بداية الطريق. واألمر الثاني ،هو خلق مؤسّسات بغضّ النظر عن السياسة ،والقيادة السياسيّة ليست ك ّل شيء ،ويجب أن نخلق مؤسّسات على مستوى المجتمع وأحزابا ً سياسيّة، ليس من أجل أن ترتزق من الخارج ،بل أحزابا ً لتنظيم األف��راد بالداخل .وتنظيم المجتمع المدنيّ من أجل األطفال واأليتام والمرأة والجرحى ،وأن ك ّل هذا يجب أن يكون بالداخل ،ولك ّنه ت ّم في الخارج ال بالداخل. ولذلك يجب أن نطوّ ر سياسة التضامن ،ثقافة التضامن فيما بيننا نحن السوريّين على ك ّل المستويات.
ينشر بالتعاون بين إذاعة «نسائم سوريا» وصحيفة «ك ّلنا سور ّيون»
حاوره :سامر نقشبندي www.allsyrians.org
6
السنة الثانية
العدد 29
/ 17نيسان 2015/
تحقيقات
سورّيون في السويد
�وري أتم ّنى أن تحدثيني عن • بما أ ّنني س� ّ السور ّيين تحديداً؟
خاص -استوكهومل -كلّنا سوريون «فالون « Falunمدينة سويديّة تقع إلى الشمال الغربيّ من «إستوكهولم» ،تبعد عنها ما يقارب 250 كم ،استقبلت وتستقبل أعداداً من الالجئين السوريّين. ّ مؤخراً إلى السويد في بيت عائلة سورية قدمت التقت صحيفة «كلّنا سوريّون» مع اآلنسة «شيشتين» Kerstin Wickanderعمرها 35سنة تعمل في ّ ويتلخص عملها بمساعدة المهجرين بلدية «فالون» الجدد على تسهيل إقامتهم وتتابع شؤونهم القانونيّة واحتياجاتهم في السكن ،وتؤمّن وثائقهم الالزمة وتتواصل معهم في ح ّل المشاكل التي تعترضهم، باختصار تعمل ك ّل ما من شأنه أن يساعد القادمين على سير حياتهم بشكل طبيعيّ . كان الحديث مطوّ الً حول المهاجرين إلى السويد وحول اآلليّات الم ّتبعة الستيعابهم ضمن المجتمع السويديّ . برأيك ما هي أه ّم الصعوبات التي يواجهها • القادم الجديد إلى السويد؟ يمكن القول إنّ المشكلتين األساسيّتين هما السكن واللغة هناك نقص حا ّد في أمكنة السكن المخصّصة للقادمين الجدد ،والمشكلة الثانية وهي اللغة التي تضعف من إمكانيّة التواصل مع السويديّين هذا التواصل الضروريّ ج ّداً أليّ قادم جديد ،هناك عقبات أخرى ليست ضاغطة على القادم الجديد بنفس الدرجة، كاختالف الثقافات وتباين العالقة بالقانون واختالف العادات واختالف طبيعة ونوعيّة الطعام والطقس، ولك ّنها كلّها عموما ً هي عقبات الفترة األولى ويمكن التخلّص منها الحقاً.
برأيك ما هي الدوافع الحقيق ّية عند السويد ّيين • إنساني بحت الستقبال المهاجرين ،هل الموضوع هو ّ كما يحاول البعض تصويره ،أو أنّ هناك مصلحة أخرى للسويد ّيين في ذلك؟ لنكن صريحين أنّ الدوافع الحقيقيّة تكمن في العاملين معاً ،فالسويد بلد غنيّ وقسم كبير من السويديّين يتقاعدون سنو ّياً ،وألنّ المجتمع السويديّ هو مجتمع كبير بالسنّ نسب ّياً ،أي أ ّننا باختصار سنجد أنفسنا أمام حاجة ماسّة لليد العاملة والتي يمكن تأمينها من خالل الهجرة ،من ناحية أخرى أنت تعرف أنّ السويد بلد مستقرّ منذ فترة طويلة وهو بعيد عن ك ّل الحروب التي عرفتها البشريّة في القرن الماضي ،وقد يكون لهذا دور في نشوء ثقافة التضامن مع الشعوب التي تتعرّ ض ألزمات وحروب ،لكن الب ّد من القول إ ّنه ليس ك ّل السويديّين يتب ّنون هذا الرأي وإن كانت النسبة الكبيرة منهم تتب ّناه. شهدت السنوات األخ��ي��رة موجات لجوء • كبيرة إلى السويد ،هل تخافين بصفتك سويد ّية على الخصوص ّية السويد ّية؟ شخص ّيا ً لست قلقة من هذا األمر أنا أميل لالعتقاد أنّ إعادة صياغة الهويّات الثقافيّة في المجتمعات هي إغناء لهذه المجتمعات وليست ضعف ،لكن قد ينشأ نوع من التصادم بين القادمين الجدد وبين المجتمع السويديّ مصدره االمتناع عن العمل ،باختصار يجب أن ينتقل القادمون الجدد من صفوف الحاصلين على المعونة االجتماعيّة إلى صفوف دافعي الضرائب وهذا االنتقال ال تكمن أهميّته في الناحية الماليّة فقط ،إنّ أهميّته األساسيّة تكمن في تشكيل ثقافة جديدة للقادم تؤهّله لالنخراط بشكل ج ّدي داخل المجتمع السويديّ .
قد يكون من المب ّكر الحديث عن السوريّين وتجربتهم الجديدة ،لكن يمكنني إبداء مالحظات عامّة ،ال أملك أرقاما ً دقيقة عن عدد السوريّين الجدد في «فالون»، أظنّ أ ّننا استقبلنا السنة الماضية ما يقارب 70سور ّياً، بصراحة تدهشني قدرة السوريّين على االنفتاح على المجتمعات الجديدة وتدهشني نزعة الفضول عندهم للمعرفة والمشاركة ومن الواضح أ ّنهم يحملون أفكاراً جيّدة عن السويد وهم يحاولون بشكل جا ّد االندماج مع المجتمع السويديّ ،ال يجد السوريّون مشكلة مثالً في المشاركة بنشاطات ليست مح ّل اهتمامهم بل يشاركون بدافع الفضول والمعرفة ،يشاركون في نشاطات الكنيسة مثالً ،هناك سوريّون يغامرون بافتتاح مطاعم ال تق ّدم إلاّ األكل السويديّ ويثقون بأ ّنهم سينافسون السويديّين في صناعة طعامهم ،هذا يعكس ثقة السوريّين بأنفسهم وأ ّنهم قادرون على العمل والمنافسة ،ويمكنني القول إنّ السوريّين مضيافين ،وعندما سألتها عن األكالت السوريّة التي تعجبها قالت ضاحكة :األكل السوريّ طيّب مثل «المقلوبة تبولة الفته الحمص وبابا غنوج »....الب ّد من إيراد مالحظة شاهدتها عند السوريّين وهي تعكس اختالف الثقافة بين السوريّ والسويديّ مثالً: عندما يحدث أمر ما في الشارع ،حادث سيّارة مثالً ،فإنّ السوريّين يسرعون للمشاركة بالحدث أو المساعدة بينما يبتعد السويديّون معتبرين أنّ ذلك ليس من شأنهم وأنّ هناك جهة ما هي المسؤولة عن هذا، قلت لها :ربّما يعود هذا إلى غياب الحكومة في سورية وعدم قيامها بدورها ،بينما في السويد فإنّ الحكومة تقوم بدورها بشكل جيّد وعلى هذا األساس فقد تعوّ د السوريّون أن يعالجوا األمور بأنفسهم ،بينما تعوّ د السويديّون أن تعالج الحكومة األمر ،قالت لي :ربّما هذا هو السبب ،لك ّنه في المحصّلة يعكس القدرة عند السوريّين على المبادرة والمساعدة. أحمد مصطفى ،شابّ سوريّ عمره 25سنة ،وصل إلى السويد عن طريق البحر في ،2014\5\26 في «مالمو» المدينة التي تقع جنوب السويد وهي المدينة التي وصل إليها أوّ الً ،أسكنوه يومين في أحد الفنادق (فندق ) Arlofث ّم نقلوه إلى «كامب» خاصّ بالالجئين ،بعد شهر وثالثة أيّام ت ّم إجراء المقابلة معه تمهيداً لمنحه اإلقامة الدائمة وفي 2014\12\30منح اإلقامة ،أمضى في «الكامب» ما يقارب ستة أشهر يقول عن تلك الفترة: إنّ «الكامب» مزدحم إلى ح ّد ما ،قد يسكن في الغرفة أربعة أشخاص أو ثالثة ،يق ّدمون في «الكامب» الطعام مجّ انا ً ونوعيّة األكل جيّدة ويتقاضى ك ّل شخص
ما يقارب « 800كرون» شهر ّياً ،ك ّل أعمال النظافة تقوم بها إدارة «الكامب» وأغلب المشاكل التي تحصل داخله يمكن ر ّدها إلى الظروف التي يعيشها الالجئون داخل «الكامب» من حيث االزدحام وشروط اإلقامة ،كان من الالفت أنّ ما يزيد عن 50بالمئة من الموجودين في «الكامب» هم سورّ يون وأغلبهم ّ «العزاب» الذين غامروا على أمل أن من الشباب ً يتم ّكنوا الحقا من القيام بإجراءات ل ّم الشمل مع آخرين، هناك أطفال سوريّون قدموا لوحدهم بدون عائالتهم، لكنّ هؤالء غالبا ً ال يوضعون في «الكامب» فإمّا أن يوضعوا مع عائالت سويديّة أو في بيوت مخصّصة ّ موظفون مختصّون. لهم يشرف عليها يكمل أحمد يمكنني تلخيص أه ّم الصعوبات التي واجهتها هي السكن واللغة والطقس ،السويديّون شعب طيّب ويحبّ المساعدة ،لك ّنهم يكرهون ج ّداً أن يخدعهم أحد وفي حال شعروا أنّ شخصا ً ما يخدعهم فإ ّنهم يغيّرون تعاملهم تماما ً معه ،أمّا فيما يتعلّق بالصيغة القانونيّة والثبوتيّات الالزمة فإنّ األمور تبدو ميسّرة ّ الموظفون السويديّون بشكل جيّد مع وسهلة ويتعامل ّ الالجئين .هناك سوريّون قدموا وهم يعتقدون أنهم سيجدون ك ّل شيء بالغ السهولة ،وأنّ بإمكانهم أن يجنوا أم��واالً كبيرة بدون عمل ،هذا وهم ،فالسويد بلد يمنحك الفرصة على العمل واإلقامة ويفتح أمامك أبواب الحياة المستقرّ ة ،ولك ّنك ال ب ّد من أن تعمل وال ب ّد من أن تحترم القانون لكي تعيش بشكل الئق ،مشكلتنا كسوريّين تكمن في ثقافة العمل لدينا ،نحن في سورية تعوّ دنا أنّ العمل شطارة وقدرة على التحايل وتحقيق الربح بكا ّفة الطرق األخالقيّة وغير األخالقيّة ،هنا األمر يختلف يجب أن تعمل بشرف وبمهارة وفي ظ ّل القانون لكي تنجح ،ال يصطدم السويديّون معك عندما ّ يستفزهم قد ينظرون إليك مستهجنين ،لك ّنهم تقوم بفعل لن يصطدموا معك ،وعندما يتطوّ ر األمر يستدعون البوليس. أنا اآلن أتعلّم اللغة السويديّة ومكتب العمل يساعدني في البحث عن عمل.
نساء وقفن في وجه العاصفة
يسترحن في الظ ّل كلّما يحملن أكياسا ً ممتلئة ثقيلة، َ َ ُ تعبن من المشي ،راقبتهنّ من بعيد، اقتربت منهنّ َ ُ ُ وحملت وعندما سمعت اللهجة الحلبيّة طلبت مرافقتهنّ ً بعض األكياس ،وبعد أن مشينا طويال في أز ّقة عنتاب القديمة وصلنا إلى مكان ظننته مهجوراً ،دخلنا البيت ليستقبلنا مجموعة من األطفال بضحكاتهم المليئة بالفرح التي ال تعرف أيّ قدر أتى بها إلى هذا المكان. نفس المأساة رن السكن سوية في هذا المكان، الفتيات األربع قرّ َ ً جمعهنّ الفقر والتشرّ د والغربة معا ،إكرام وشيرين، ضياء وأمينة ،تقول إكرام - :أ ّم لطفلين -لم نكن نعرف بعضنا في سورية لقد تعرفنا عندما عبرنا الحدود السوريّة التركيّة ،وجمعنا ألم واحد ،ألم الغربة ،عندما ُ التقيت أنا وأختي شيرين بضياء وأمينة وبدون أن نتكلم مع بعضنا كان هناك شعور بما نحمله من ضياع أحسسنا أ ّننا بحاجة للمساعدة ولم نجد من يساعدنا، ساعدنا بعضنا البعض دون أن نعرف َمن نحن ،ومن أين أتينا ،عبرنا الحدود سويّة وتعرضنا إلطالق
newspaper@allsyrians.org
الرصاص واحتمال الموت سويّة ،كانت ك ّل واحدة م ّنا تنظر في عيون األخرى مح ّدثة إياها نفس المأساة ،تقول شيرين ذو 19عاماً :كان علينا أن نعبر الحدود وك ّل واحدة م ّنا مسؤولة عن طفلين تحمل طفل وتمسك باآلخر ،كان الصغار يبكون وأحيانا ً كثيرة كنت أبكي لبكائهم وفي أحيان أخرى أشعر أ ّنني أكبر منهم وعليّ تحمّل مسؤوليّة عبورهم ،هنا تبدأ بالحديث ضياء من عين العرب «كوباني» 26 عاما ً قائلة :بعد أن وصلنا إلى داخل الحدود التركية بدأ الخوف من الموت أق ّل مالحقة لنا ،وهنا بدأت ك ّل واحدة م ّنا بسرد قصّتها علينا ،كانت قصصنا متشابهة فالنتيجة واحدة – فقدان الزوج والهروب من الموت – وتتابع: لقد قتل زوجي في أحد االشتباكات وترك لي ثالثة أطفال خرجت بهم ألبحث لهم عن مكان آمن ووصلت ُ التقيت بصديقاتي وقرّ رنا بي األقدار إلى هنا بعد أن َ العيش سويّة ،فك ّل واحدة م ّنا تشعر باألمان بمجرّ د وجود األخريات معها ،نعمل بالتطريز على المالبس، لقد تعرّ فنا على مشغل لصاحبه التركيّ ،نذهب إليه ونحضر المالبس المطلوب تطريزها ونبدأ بالعمل، وبعد االنتهاء منها نعيدها له ليدفع لنا المقابل ،وعند يحصلن عليه نتيجة هذا سؤالنا لها عن المبلغ الذي َ العمل والم ّدة الذي يستغرقها تطريز مثل هذه القطع، أجابت :أجرة ك ّل قطعة نطرّ زها 5ليرات تركيّة ،أمّا م ّدة ك ّل قطعة فهو يوم واحد ،نحن األربعة دخلنا في اليوم الواحد 20ليرة تركيّة ،علينا العيش بها ودفع أجرة البيت منها. عندما نعود أمّا أمينة من مساكن هنانو أ ّم لثالثة أطفال أيضاً،
تقول :اعتقل زوجي منذ بداية الثورة وال أخبار عنه ح ّتى اآلن ،ق��رّ رت النزوح عندما ازداد القصف وأصبحت الحياة صعبة ج� ّداً ،أتيت إلى هنا برفقة وبدأن البحث عن العمل إلى أن وجدنا ما صديقاتي َ يس ّد حاجتنا نحن واألطفال ،فنحن أمّهات ثالث لثمانية أطفال علينا تأمين الحليب والحفوضات الثنين منهم، وعلينا تأمين أجرة البيت وتأمين الدواء وإلى ما هنالك من ضروريّات العيش ،فعشرون ليرة تركيّة في اليوم ال تكفي لك ّل ذلك ،األطفال بحاجة لغذاء جيّد ،نضطرّ لشراء الخبز «البايت» أل ّنه أرخص سعراً وعندما نريد أن نشتري الخضار أيضا ً نشتري ك ّل ما يبقى عند البائع من الخضر التي لم يستطع بيعها في اليوم األوّ ل ،وهكذا نو ّفر بعض المال لدفع أجرة البيت، في كثير من األحيان يطلب األوالد بعض الحلوى، ال نعرف بما نجيبهم ،وعند سؤالنا لهنّ عمّا إذا كانت إحداهنّ سمعت عن الحكومة المؤ ّقتة أو االئتالف، أجبن: َ
ال لم نسمع بهكذا اسم ،أمّا عن وضع األطفال الذين هم بعمر الذهاب إلى المدرسة فاألطفال الس ّتة هم بعمر يؤهلهم للذهاب إليها ،لكن إجابة األمّهات كانت: ال نستطيع أن نرسلهم إلى المدرسة وذلك ألسباب ع ّدة أهمّها الوضع الماديّ وما يترتب على ذلك من أقساط وتكاليف الدراسة كشراء الدفاتر واالحتياجات األخرى ،تقول شيرين: أنا حصلت على شهادة الدراسة الثانويّة العامّة في سورية وانا حريصة على ايجاد الفرص دائما ً أحاول من خاللها تعليم األطفال بعض المبادئ العامّة في القراءة والحساب ،وهنا يقاطعها أحد األطفال قائالً: كنت في الصفّ الرابع عندما غادرنا حلب وأنا لم أنس القراءة وأحبّ أن أعود لمدرستي لكنّ أمّي تقول: َ عندما نعود سوف تعيدني إلى مدرستي.
الر ّبان والشراع نتساءل ،أيّ ه ّم تحملين أيّتها المرأة السوريّة؟ وكم رُمي على كاهلك من العذابات التي ال يستطيع مخلوق حملها ،تتحملين مرارة الغربة وقسوة األيّام ،أصبحت األ ّم واألب معا ً وفي ظروف غير عاديّة كنت قادرة على قهرها والوقوف في وجهها واالستمرار في خلق الحياة والتأقلم مع أسوأ الظروف وبدل من أن ّ ت التغلّب عليها تقهرك وتحط من عزيمتك استطع ِ ت فقط س ُتبنى سورية من وقهرها ،بأمثالك أنتِ ،وأن ِ ّ جديد ،بأمثالك أيّتها القاهرة المتمرّ دة حتى على تعبها ستنشأ أجيال تفخرين بأ ّنك من أعالهم وعلّمهم كيفيّة االستمرار والثبات في وجه العاصفة ،وأيّة عاصفة ّ وبحق كنت الربّان والشراع أقوى ممّا نواجه اليوم، الذي سيوصلنا إلى شاطئ األمان .فلك اخلالد
www.allsyrians.org
تحقيقات
أطلق مركز «بيتنا سوريا» بتاريخ 26آذار 2015 فعّاليّة ثقافيّة تحت اسم «مرايا سوريّة» والذي تضمّن أمسية موسيقيّة ،وق��راءة مسرحيّة ،وعرض فلمين سوريّين ،وأمسية شعريّة ،باإلضافة لمعرض لألشغال الفنيّة اليدويّة. «مرايا سوريّة» بدأت فعاليتها بحفلة موسيقيّة عربيّة تركيّة كرديّة ،حيث أحيا الحفل ك ّل من «ميترا أستينج وأسامة دادا وعدنان هورو» واستمرّ هذا العرض لم ّدة ساعة ونصف الساعة ،افتتح الحفل بأغنية «موطني» وبعدها قُ ّدمت باقة من األغاني التراثيّة الكرديّة والعربيّة والتركيّة التي تفاعل معها الجمهور الكبير والذي غصّت فيه قاعة الحفل. في اليوم التالي ،واحتفاالً بيوم المسرح العالميّ قُ ّدمت احتفاليّة مسرحيّة تحت اسم «من مسرحيي المنافي إلى المسرح السوريّ » وت ّم إهداؤها للف ّنانين سمر المعتقلين: كوكش وليلى عوض وزك��ي كورديللو، أشرف عليها «ب ّ شار فستق» ال���ذي قرأ كلمة ي��وم المسرح العالميّ ،وقدم الف ّنان أسعد شالش تقاسيما ً ع��ل��ى آل���ة ال��ع��ود، فيما ق���رأ ك��� ّل من ياسمين األحدب وساندي عيّاش وحسين برو قراءات مسرحيّة للكاتب «سعد هللا ونوس» ،وكتاب آخرين، حيث أ ّكد الحاضرون على أنّ هذه الفعّاليّة أعادتهم إلى زمن المسرح السوريّ ،فيما وُ جّ ه ثناء للقائمين على
العدد 29
/ 17نيسان 2015/
السنة الثانية
مرايا سورية في عنتاب
العرض ،بسبب ما وصفوه باألداء الرائع. ّ الممثل المسرحيّ «حسين برو» أ ّكد «أنّ كثير من المسرحيّين خاصّة الهواة منهم ،باتوا اآلن في بالد المنافي بعد اندالع الثورة» ،معتبراً «أنّ هذه الدعوة أ ّكدت أنّ الباب مازال مفتوحا ً للمسرح ،ومازال الوقت أمامنا للعمل ،وهي دعوة إلعادة تجميع قوانا ،للقاء جديد مليء بالحبّ على هذه الخشبة».
أمّ������ا «ب���ش���ار فستق» فقد وجّ ��ه كلمة بمناسبة «اليوم العالمي للمسرح» معتبراً «أنّ هذه الفعاليّة بداية جديدة للمسرح» ،معبّراً «ع����ن أم��ل��ه ب��أن يستطيع المسرحيّون ال��س��وريّ��ون تقديم ش��يء جديد ،يمسّ ع���م���ق اإلن���س���ان السوريّ » ،وأشار إلى «ضرورة أن يغوص المسرح في القضايا ،وال يقتصر على قشور المواضيع التي يطرحها».
العشاق» وهو العرض الجماهيريّ األوّ ل للفيلم بعد مشاركته في أكثر من مهرجان ،وهو من تصوير وإخ��راج الف ّنان «إي��اد الجرود» ،وإش��راف وإنتاج المخرجة «عليا خ��اش��وق» ،وتعاون ف ّني للكاتب والمخرج «علي سفر» ،من إنتاج عام .2014الفيلم يسلّط الضوء على الطابع السلميّ للثورة السوريّة من خالل جدران بلدة «سراقب» بريف إدلب ،يذكر أنّ إدارة «مهرجان روتردام الدولي »٢٠١٥الهولّنديّ اختارت الفيلم للمشاركة في دورته لهذا العام ،ليكون بذلك الفيلم السوريّ الوحيد الذي يعرض في المهرجان، كما عرض الفيلم في النادي السينمائيّ السوريّ في فرنسا. في اليوم الرابع ،حضر الجمهور رغم األمطار الغزيرة والعواصف لالستماع إلى أمسية شعريّة
في اليوم الثالث ،عُرض الفيلم الوثائقي «دفاتر
للشعراء «عبدالسالم حلّوم ووداد نبي ووائل قيس» والتي جاءت حميمية مسكونة بهاجس الوطن والحبّ
الحب من األرض ،الموت من السماء ّ
7
والسالم ،قرأ فيها الشعراء باقة من قصائدهم الجميلة. وفي اليوم الخامس عرض فيلم «م��اء الفضّة» لـ «وئام بدرخان وأسامة محمّد» الفيلم شارك في مهرجان «كان» ،كما حصل على جائرة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان لندن ،الفيلم تح ّدث عن حصار مدينة حمص من قبل قوّ ات النظام السوريّ ،حيث رصد مشاهد لق ّناص يستهدف الجماهير بالرصاص الحيّ ،وص��وّ ر جثث مشوّ هة ومرمية على قارعة الطريق ،وقتلى يُجرّ ون بالحبال من داخل مباني الدمار الذي يذكر بلوحة «غويرنيكا» لبيكاسو. وطيلة أيّ��ام الفعّاليّة استمرّ معرض لمجموعة «س��ور ّي��ات» لألشغال الف ّنيّة اليدويّة من الصوف
والكروشيه والكنفا بإشراف السيّدة «ميّادة السيّد عيسى». تك ّتالت ثقافيّة باتت تظهر بشكل ّ مكثف في مدينة «غازي عنتاب» التركيّة ،بهدف إعادة إحياء روح الثقافة السوريّة ،وللتأكيد على عراقة تاريخ البلد الذي خرجت منه أوّ ل أبجدية للعالم ،وللتأكيد على أنّ ثورة ّ يتجزأ من الثورة السلميّة. الفنّ واإلبداع جزء ال
حممّد احلاج
تشاهد أخوي ...تشاهد أخوي.... أثناء وجودهم في حيّ طريق الباب بأحد االحتفاليّات الثوريّة ،إذ قام النظام بقصفهم بقنابل عنقودية .مُنع دفنه في مقابر الشهداء في ريف إدلب – فقط -أل ّنه ينتمي إلى مذهب آخر.
يدوّ ي أزيز طائرات األسد في السماء ،قاطعا ً هدوء المكان وأمن القاطنين ،يهرع الجميع من فورهم إلى خارج منازلهم ،خوفا ً من الموت تحت أنقاضها ،بينما يركض وحيداً إلى داخل غرف بيته الحنون ،محتميا ً بجدرانه اآليلة إلى االنهيار.
لم يُصب بأيّة جروح ،يقول« :لقد حمتني جدران البيت الحنونة من الموت واإلصابة ،وت ّم إخراجي من تحت األنقاض سالماً» ،ويعود السرّ في ذلك إلى الما ّدة الطينيّة التي بُني منها المنزل ،فهي وإن سقطت ال تتسبّب سوى برضوض بسيطة ،بينما تحمي طبقاتها المتك ّدسة َمن تحتها مِن النيران والشظايا.
ليالً يبدو نومه أكثر هناء ًة ،فما أن يدخل مملكته الصغيرة المتبقيّة ،ح ّتى يغمره شعور األمان، مستلقيا ً على ما يشبه السرير ،ليأخذه النوم ،دون قلق الغارات ،إلى راحة ّ تعز على كثيرين هذه األيّام.
ويشير مركز دراسات الجمهوريّة الديمقراطيّة في تقريره اإلحصائيّ عن ضحايا جرائم النظام السوريّ ،إلى تجاوز عدد المفقودين المائة ألف س��وريّ ،ح ّتى تشرين األوّ ل ،2014يرجّ ح أنّ قسما ً كبيراً منهم لقوا حتفهم تحت أنقاض المنازل المدمّرة ،في ظ ّل تواضع إمكانيّات إنقاذ المدنيّين أو إخراج جثثهم تحت األنقاض.
مفارقة ليست الوحيدة في بالد باتت تعيش على المفارقات.
أبو صبحي حا ّج خمسينيّ ،رغم إيحاء مالمحه أ ّنه على مشارف السبعين ،آثر البقاء في مدينته «دوم��ا» إلى جانب بيت العائلة ،على أن ينجو بنفسه دون منزله ،الذي ناهز عمره المائة عام، رغم مرارة الحصار ،وقسوة الحرب. وتشير إحصائيّات المجالس المحليّة إلى أنّ ما ال يق ّل عن 750ألف نسمة معظمهم من النساء واألطفال ،محاصرون في مختلف بلدات ومدن الغوطة الشرقيّة منذ حوالي سنتين ،في ظروف إنسانيّة صعبة ،تشمل قطع التيّار الكهربائيّ ، وإم��دادات الماء ،والموا ّد الغذائيّة والتموينيّة، باإلضافة إلى توثيق األمم الم ّتحدة لحاالت اس ُتخدم فيها السالح الكيمائيّ وغاز الكلور ض ّد المدنيّين ّ العزل هناك. هروبه إلى داخل المنزل في الوقت الذي يخرج فيه اآلخرون إلى الشوارع ،ليس ضربا ً من العبث، أو جنونا ً من الولع ،ففي غ��ارة ش ّنها الطيران الحربيّ السوريّ على المدينة األسبوع الماضي، ألقت المروحيّة األسديّة برميالً شديد االنفجار على البلدة ،وبينما هرع الحاج «أبو صحبي» إلى بيته ،سقط البرميل على المنزل عينه ،ورغم انهيار الغرفة التي كان يختبئ فيها فوقه ،إلاّ أ ّنه
newspaper@allsyrians.org
قرب نافورة ال تزال قائمة ،وورود يهت ّم بسقايتها واالهتمام بها ،يجلس «أبو صبحي» متأ ّمالً ما بقي من بيت العائلة ،بيت تزوّ ج فيه ج ّده ،ث ّم أبوه من بعده ،ليتبعهما هو الحقاً ،يستعيد «أبو صبحي» ذكرياته األخيرة قبل بدء الحرب ،حينما كان يجهّز المنزل من جديد ،ليزوّ ج فيه ابنه ،لكن ،ال يبدو أنّ الحرب تكترث بأحالم البسطاء أمثاله ،كما يقول. عزاؤه الوحيد ،أنّ مرارته هذه ،يتقاسمها معه مئات األلوف ،فبحسب تقرير نشرته األمم الم ّتحدة ّ مؤخراً حول أثر الصراع الدائر في البالد منذ أربع سنوات ،على البنية التحتيّة والفوقيّة ،فإنّ ما يقارب 1.2مليون منزل دمّر ،جزئ ّيا ً أو كل ّياً ،ما أجبر قرابة 4.25مليون شخص على التخلّي عن منازلهم. تنحدر دمعة «أبو صبحي» على خ ّده ،ويغصّ حلقه بالمرارة ،بينما يمرّ ر يديه على ما تب ّقى من جدران المنزل ،معتنيا ً بالورود المتناثرة هنا وهناك ،بعالق ٍة صوفيّة عميقة بينهما ،يصرّ الحا ّج الخمسينيّ على أن يزرع الحبّ في األرض ،بينما يُصبّ الموت من السماء.
طريف العتيق
هذا ما قاله المسعف عندما أصيب «ميشيل عبجي» في منطقة المعادي سوق الخضار إثر استهداف طيران النظام للسوق في األسبوع الفائت ضمن الحملة الشرسة التي يقوم بها النظام على المناطق الخارجة عن سيطرته والتي أسفرت عن عدد كبير من الضحايا والجرحى ،وكانت تلك الهجمة أه ّم ما تناقله الناشطون على مواقع التواصل االجتماعيّ وعلى شاشات األخبار األسبوع الفائت. ولكن ضمن تناقل تلك األخبار وتداولها للرأي العام بدأت تعلو أصوات نشاز تشبه األصوات التي ع ّكرت صفو مرحلة جديدة تدخلها مدينة حلب مع إعادة إحياء المدينة المنكوبة والتي بدأت تتلوّ ن بع ّدة ألوان مع انطالقة ذكرى الثورة السوريّة لتبدأ عمليّة التخوين لقوى سواديّة كانت تك ّفر ك ّل من ليس معها فكر ّيا ً وأيديولوجيّا ،مروراً بحادثة تمزيق العلم واالعتداء على الناشطين بحجّ ة أ ّنهم يرفعون «راية عمياء» أي علم االستقالل ،والذي أطلق عليه اسم علم الثورة كرمز للثورة. وعند مرور تلك القوى على حادثة «ميشيل» صديق الثوّ ار كما ُسمّي في (فيديو) ّبثه ناشطون تخليداً لذكراه مستفيدين من لقاءات صوّ رت معه في فيلم اغتيال حلب، كونه رفض الخروج من المكان الذي اعتبره منزله ليدفن فيه أخيراً ،ولكن رفضت تلك القوى التي تعمل على السيطرة والتي التحفت بعباءة الدين لتعتبر نفسها وصية على الشريعة والشرعيّة وتنصّب نفسها حاكما ً بقوّ ة هللا على األرض وتعطي صكوك غفران وت� ّ �وزع بطاقات الدخول إلى الجنة كونها الوصيّة على الدين ،وتكون هي اآلمر الناهي في الحياة الدنيويّة لتص ّنف السوريّين ما بين كافر ومرت ّد ،لتلغي من ال يناسبها وتخرج بكالم مفاده أنّ «ميشيل» ليس بشهيد ولك ّنها لم تطلق هذا الكالم ألنّ «ميشيل» لم ينطق الشهادتين قبل موته كما طلب من أسعفه ،والذي لم يكن يعلم أ ّنه مسيحيّ ،بل كان قد ه ّم إلنقاذه كغيره من الضحايا ،أل ّنه إنسان يجابه الموت المفروض عليه من النظام الطاغية؛ وهذا ما يرجعنا لحادثة مقتل «صالح ص��ادق» حين تعرّ ض ورفاقه للقصف
حاولت أن أبحث عن معنى الشهادة في القرآن الكريم ،فأوّ ل ما وجدته معنى ال عالقة له بالجهاد ،فالشهيد هو الذي يشهد المعامالت والبيع والشراء وغيرها من المعامالت قال تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) أو كما خاطب السيّد المسيح بقوله (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم) أي حاضراً الحدث ،والمعنى الثاني وهو الشهيد على الناس بعد إبالغ الرسالة( ،جئنا من ك ّل أمّة بشهيد وجئنا بك شهيداً على هؤالء) النساء ( .41لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة .143ولم أجد في القرآن الكريم أيّة إشارة لكلمة الشهيد بمعنى من ضحّ ى بحياته أو مات من أجل ِين قُ ِتلُوا) ،أمّا موضوع الشهادة فقد شيء ولكن وجدت (الَّذ َ ذكر في أحاديث الرسول الكريم حين قال (الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل هللا) أمّا اليوم فخرجت ثلّة تناطحت األمر ّ توزع الناس لفسطاطين ولم تكتف بذلك بل أيضا ً صادرت المفاهيم واعتبرتها أ ّنها تخصّ ما تنتمي إليه هي أو ما تريده هي فيقول قائل :ليس من الحكمة أن نسمّي أخانا في اإلنسانيّة ميشيل شهيداً ،فانبرى ّ أعزاء على قلبي وغيروا نقطة البحث إلى توزيع الناس على الج ّنة أو على النار وصبّ نسخ مفاتيح للج ّنة أو النار ومن الكالم غير الالئق، وهل هو في الج ّنة حقيقة أم ال؟ وكأنّ هذا األمر بيد البشر. فالرجل مسيحيّ ومصطلح الشهيد مصطلح إسالميّ وال يجوز أن تطلقه على غير المسلم .وإن قلت ما هم ال ي ّتفقون عليه فتصبح أنت خارجا ً عن طاعة هللا وكاره لدين النبيّ ،وهذا ما قيل في أحد غرف النقاش السياسيّة: «أرى نفسا ً في هذه الغرفة غير صحّ يّ مطلقا ً فإمّا هو جهل بأبجديات الدين فهذا نعلّمه بتشديد الالم أو هو نفس قميء كاره لدين محمّد بن عبد هللا صلى هللا عليه وسلم فهذا ال ينبغي أن يكون بيننا». بينما نجد النظام يحشد قوّ اته ومفاهيمه وح ّتى أبواقه الدينيّة كي ّ يوزعوا الناس أيضاً ،أهل خير وأهل شر، دون التفرقة بين مذهب أو دين ،ولكن النظام يتالعب بهذه المعاني ليخرج ك ّل من وقف معه هم أصحاب الح ّنة، ومن عاداه الويل لهم فهم في نار جه ّنم ونار صواريخه وبراميل حقده. نبيه مسرتيح
www.allsyrians.org
8
السنة الثانية
من حياة رجل
أُعلن استقالل سورية وهي تحت االنتداب الفرنسيّ في 28أيلول 1941بعد استعادة الحلفاء لسيطرتهم على البالد خالل الحرب العالميّة الثانية ،وأُعلن في إثرها «تاج الدين الحسينيّ » كأوّ ل رئيس لسورية المستقلّة .رغم بقاء أكثر أجهزة الدولة تابعة للمفوضيّة الفرنسيّة ،وقد صرّ ح مسؤولو المفوضيّة بعدم وجود أيّة نيّة لتغير فعليّ قبل انتهاء الحرب العالميّة الثانية. وال يعتبر إعالن هذا االستقالل عيداً وطن ّياً ،إ ّنما جالء القوّ ات الفرنسيّة عن سورية وخ��روج آخر جنديّ فرنسيّ منها في 17نيسان 1946هو ما يعتبر عيد الجالء واليوم الوطنيّ السوريّ ،الذي كان تتويجا ً لنضاالت السوريّين الطويلة والشا ّقة. لورنس جديد وليس عبثا ً أن يقال عن الرئيس «شكري القوّ تلي» إ ّنه «رجل االستقالل» ،ففي حديث له مع مجلّة المصوّ ر المصريّة في آذار 1950قال الرئيس «القوّ تليّ » عن مرحلة ما قبل الجالء: ْ «اعترفت دول العالم باستقالل سورية عدا دولة واحدة لم تعترف باالستقالل ،هذه الدولة هي فرنسا التي احتلّت البالد بقوّ ة السالح في 24تمّوز ،1920 ظ ّنا ً منها أنّ سورية هي امتداد لفرنسا عسكر ّيا ً وسياس ّيا ً واقتصاد ّياً .وأضاف عن العالقات واألوضاع الدوليّة: لم تكن فرنسا لتعترف باستقالل سورية ببساطة ،لوال جهود رجاالت سورية على اختالف مللهم وأطيافهم ُ شاركت في الكثير في السعي الستقالل بالدهم ،وقد من المفاوضات مع البريطانيّين أصدقاء الفرنسيّين وشركائهم في الحرب على دول المحور في الحرب العالميّة الثانية ،والمتعلّقة باستقالل سورية التا ّم عن فرنسا ودون أيّ قيد أو شرط». وفصّل «القوّ تلي» في شخصيّة الجنرال البريطانيّ «سبيرس» المكلّف بمراقبة المفاوضات التي تدور بين سورية وفرنسا ،قائالً: «في العام 1944كان الجنرال « السير إدوارد سبيرس» وزيراً مفوّ ضا ً ومندوبا ً فوق العادة لبريطانيا العظمى في سورية ولبنان وكان يراقب المفاوضات
التي تدور بين سورية وفرنسا باهتمام ،إذ كان يهمّه أن تنجح وتؤ ّدي إلى حال من االستقرار بين البلدين ،أل ّنه كان يحبّ الفرنسيّين ويعطف عليهم وأل ّنه كان يو ّد أن يكون شأنه في العرب شأن «لورنس العرب» الذي بزغ نجمه في الحرب العالميّة األولى ».. برق ّية للتفاهم
هنا ،كشف الرئيس «القوّ تلي» للصحفيّ السوريّ «سعيد التلاّ وي» صاحب جريدة الفيحاء الدمشقيّة سابقاً ،بعض األس��رار ،فقد غ��ادر الرئيس سورية مضطرّ اً إلى مصر بعد أوّ ل انقالب عسكريّ في البالد ،والذي قام به الزعيم «حسني الزعيم» عام 1949فيقول: «في ذات يوم من أيّام صيف عام 1944زارني «السير سبيرس» في قصر الزبداني ليقول لي إنّ المستر «تشرشل» بعث ببرقيّة إليه يطلب فيها من رئيس الجمهوريّة السوريّة أن يعمل للتفاهم مع فرنسا، مؤ ّكداً لي أنّ بريطانيا شديدة الحرص على دوام عالقاتها الحسنة مع فرنسا ،تلك العالقات التي تح ّتمها ضرورات الحرب المشتركة». ويعلّق «القوّ تلي» على هذه الرسالة من خالل الحديث لمجلّة المصوّ ر: « ..وق��د فهمت من ه��ذه الرسالة أ ّنها إن��ذار من «تشرشل» لسورية شبيه بإنذار الجنرال «غورو» الفرنسيّ ال��ذي احتلّت على إث��ره فرنسا سورية». يضيف «القوّ تليّ » كيف ر ّد على رسالة «تشرشل» مذ ّكراً بتاريخ االنتداب ومواقفه مؤ ّكداً حتميّة رحيل فرنسا: «كظمت غيظي وقلت للجنرال «سبيرس» إ ّنك يا حضرة الجنرال ال تعرف التاريخ جيّداً ،كان األمير فيصل صديقا ً حميما ً لبريطانيا ،وكان يعلّق عليها اآلمال الكبار للوقوف إلى جانب العرب في سبيل الوصول لنيل حرّ يّتهم واستقاللهم ،ولمّا ذهب إلى لندن عام 1919بدعوة من رئيس الوزارة البريطانيّة المستر «لويد جورج» لمفاوضة الدولة العظمى في المسألة السوريّة ،سلّمه الرئيس البريطانيّ مذ ّكرة تعني أنّ
العدد 29
بريطانيا قرّ رت جعل سورية مستعمرة فرنسيّة ،ث ّم أحاله ل��وزي��ر الخارجيّة للبحث معه ،وه��ذا ب��دوره ا ّتصل بـالمسيو «كيلمنصو» رئيس الوزراء الفرنسيّ وطلب منه موعداً لمقابلة األمير فيصل في باريس ،وانتهت الوعود والعهود عند هذا الح ّد وسافر فيصل إل��ى باريس ودخل في مفاوضات مع الحكومة الفرنسيّة انتهت بوضع مشروع «فيصل – كيلمنصو» وحمله إلى دمشق ،فقوبل المشروع بالرفض ،ث ّم كان ما كان من أمر االحتالل الفرنسيّ وفرض االستعمار على هذه البالد ،وغادرها فيصل وفي نفسه لوعة أل ّنه أراد من صميم قلبه أن تكون بالداً مستقلّة ولكنّ بريطانيا لم ترد ذلك؛ لقد غادر فيصل سورية وليس له فيها سوى كرسيّ بأربعة أرجل ،أمّا أنا يا حضرة الجنرال فلي في هذه البالد تراث س ّتمائة سنة ولي فيها أهل وإخوان استشهدوا في سبيل االستقالل الذي أحرص عليه أنا وشعبي ،فإذا كان المستر «تشرشل» يريد أن يفعل بي ما فعله المستر «لويد جورج» بالمرحوم فيصل فليثق بأنّ هذه الفعلة لن تت ّم ،وليطمئنّ إلى أ ّنه لن يكون لفرنسا مقام في هذه البالد». خاصة رسالة ّ يكمل الرئيس «القوّ تلي» سرد األحداث بالتفصيل: « ..وبعد بضعة أيّام عاد الجنرال «سبيرس» إلى قصر الزبداني وقابلني هناك وقال لي :يا سيّدي إ ّنني أحمل إليكم رسالة خاّصة من المستر «تشرشل» تناولت الرسالة ،فإذا هي تنطوي على تأكيد من رئيس الوزارة البريطانيّة بالعطف على أماني الشعب السوريّ ،وقد صيغت بلهجة و ّديّة غير اللهجة السابقة ،فسررت من ّ لحق الشعب السوريّ ،وسألت هذا التأكيد البريطانيّ الجنرال «سبيرس» عمّا كتب للمستر «تشرشل» فقال لي الجنرال إ ّنه أبرق لرئيس الوزارة بقصّة الكرسي ذو األربعة أرجل ...وهنا أ ّكدت له أنّ سورية ستكون
اإلنشائي عهدنا ّ
(من نصّ خطاب الرئيس األوّ ل لسورية شكري القوّ تلي في عهد االستقالل ،والذي ألقي من شرفة الحكومة) بني وطني: هذا يوم تشرق فيه شمس الحرّ يّة ساطعة على وطنكم فال يخفق ّ الحق تدوّ ي فيه فيه إلاّ علمكم وال تعلو فيه إلاّ رايتكم ،هذا يوم كلمته ،ويوم االستقالل تتجلّى ّ عزته ،يوم يرى الباطل فيه كيف تدول دولته وكيف تضمح ّل جولته... ...أرى لزاما ً علينا في هذا اليوم التاريخيّ األغرّ أن أتوجّ ه واإلكبار يتملّكني والخشوع يمأل جوانب نفسي -بالتحيّةوالتمجيد إلى أرواح الشهداء األبرار الخالدين األطهار الذين غرسوا شجرة االستقالل بيدهم وسقوها بكريم دمهم فغدت في هذا اليوم المبارك وارفة الظالل أصلها ثابت وفرعها في السماء ،أولئك الذين ماتوا ليحيا وطنهم قضوا لتبقى أمّتهم .. بني وطني: أتى على األمّة حين طويل من الدهر ،فقدت فيه سيادتها وأضاعت مكانتها ،جار عليها وتنافس في التح ّكم بها أجانب عنها ح ّتى أوشكت أن تفقد وجودها وتذوب في غيرها وتغدو حديثا ً يُروى وتاريخا ً غابراً يحكى ،ولكنّ أصالة هذه األمّة وما أودعه هللا فيها من أسرار البقاء وما في نيّتها من مناعة ض ّد الفناء ،جعل من هذه الحقبة الطويلة إغفاءة ال موتا ً وثباتا ال فناء.. بني وطني: إنّ هذا االستقالل الذي ظفرنا به بفضل جهاد األمّة وقوّ ة عزمها وا ّتحادها هو أمانة الشهداء في أعناقنا لنورّ ثه أبناءنا سليما ً قو ّيا ً محترماً ،فعلينا ألاّ نفرّ ط فيه وأن نتفانى دونه وأن نحيطه بسياج من دمائنا وأرواحنا ،فاالستقالل مالكه التضحيّة وقوامه الفداء... يا أبناء الوطن: إ ّننا نطوي اليوم صفحة الجهاد في سبيل استقاللنا لنفتح صفحة الجهاد لصيانته وجعله واسطة إلسعاد األمّة ورقيّها وقد تكون صيانة االستقالل ّ أشق من الظفر به ،وليس السبيل -إذاً -بهيّن وال بيسير وما هو أمام إرادة األمّة باألمر العسير ،فلنتذرّ ع إذن بالعزم الماضي و اإلدارة المتينة... ً ّ لقد أورثتنا فقدان السيادة الوطنيّة أجياال وتحكم األجنبيّ فينا قرونا ً طواالً أمراضا ً ثقاالً ،فواجبنا أن نعمل على تقوية أنفسنا وإصالح ما أفسده االستعمار الجتثاث بذور السوء التي بذرها في تربة الوطن الغالي ،وإذا ك ّنا قد جاهدنا ح ّتى زوال االستعمار فعلينا أن نجاهد ح ّتى تعفى أثره ونقضي على ما خلّفه من أسواء ومفاسد... كان االستعمار عقبة كأداء تعترض تق ّدمنا ورقيّنا ،ولن ترقى أمّة مستعبدة ما دامت الحرّ يّة عنصر التق ّدم األوّ ل ،ث ّم ذهب هذا االستعمار إلى غير رجعة وجال الظالمون فما بكت عليهم
newspaper@allsyrians.org
/ 17نيسان 2015/
ملف العدد
دعامة قويّة من دعائم السالم واالستقرار في الشرق األوسط وأ ّنها ستؤ ّدي رسالة الديمقراطيّة واإلنسانيّة خير أداء ي��وم تحرّ ر البالد نهائ ّيا ً من االحتالل األجنبيّ ..»... تاريخ رجل نال الشعب السوريّ استقالله التا ّم بعد ذلك الموقف بسنتين تقريباً ،وغادر الرئيس «شكري القوّ تليّ » بعد انقالب 8آذار العسكريّ من عام 1963سورية إلى لبنان ،حيث تو ّفي في بيروت عام 1967في دار مستأجرة... تقول ابنته الف ّنانة التشكيل ّية هالة: «عندما حملنا نعشه لندفنه في دمشقَ ،م َنعت السلطات آنذاك س ّكان المحافظات السوريّة من الحضور إليها كي ال يشاركوا في التشييع ،وأبقتنا السلطات نحو أربع ساعات على الحدود إلى أن سمحت لنا بالدخول ،ولما وصلنا إلى دمشق ظ ّل النعش محموالً على أصابع الناس ،وهو يطوف ك ّل أحيائها ،ح ّتى وصل إلى الجامع األمويّ حيث صلّوا عليه ثالث مرّ ات ،وعند العودة إلى بيروت لم نستطع تجاوز الحدود إلاّ بعد ساعات من االنتظار الطويل والقاسي .وعندما مُنعنا من إقامة حفل سنويّ على وفاته ،أقمت له في بيروت معرضا ً ف ّن ّيا ً بعنوان (تاريخ أمّة في حياة رجل) وفيه ّ والمؤثرة في حياته». ك ّل اللحظات التاريخيّة المهمّة
عبداهلل منديل
حفنات من الجالء
السماء واألرض وزال��ت العقبة وغدونا غير معذورين إذا نحن قصّرنا بعد اآلن في الجري مسرعين في مضمار التق ّدم واإلص�لاح ...إ ّننا نو ّدع اليوم عهد الهدم وقد كانت له سبله وأساليبه ،ونستقبل عهد البناء وله سبله وأساليبه ،ك ّنا نقارع باألمس األجنبيّ المستعمر باعتباره مصدر ك ّل داء وأساس ك ّل بالء ،فصار لزاما ً علينا أن نحارب اليوم الفقر وأن نب ّدد ظلمات الجهل وعلينا أن نكافح العلل الخلقيّة و النفسيّة كفاحنا لألوباء الجسميّة ،علينا أن نصلح أداة الحكم وأن ننصرف إلى العمران وأن نع ّد الخطط والبرامج اإلنشائيّة بل والتجديديّة االنقالبيّة التي تؤ ّدي إلى رفع مستوى الفرد الخلقيّ والعلميّ واالقتصاديّ واالجتماعيّ ،وأن نفسح المجال أمام الكفايات وأن نصقل المواهب وأن نجلو الصدأ عن عبقريّة هذا الشعب الذي إذا أتيحت له الفرصة أتى في ميدان الحضارة بما أتى به آباؤه األوّ لون. علينا أن نرقى باقتصاديّاتنا بزراعتنا وصناعتنا وتجارتنا إلى المستوى الالئق بشعبنا الذكيّ الفعّال ،علينا أن نقضي على البلبلة الثقافيّة والفوضى في مختلف مرافق العمل ،علينا أن نصل بهمّتنا ودأبنا بين مجد الماضي ومجد اآلتي ،على أنّ هذا المجد الذي نريد أن نشيّد بنيانه وأن ّ نوطد أركانه إ ّنما تقوم قواعده على تعاون أفراد األمّة وتكاتف القوى وتوجيه نشاطها نحو إسعاد الجموع وإعالء شأن الوطن. إنّ مثلنا األعلى الذي نتطلّع إليه ليدعو اليوم أبناء هذه األمّة إلى التجرّ د عن الهوى والترفع عن الصغار وإيثار المصلحة العامّة على الخاصّة والتفاني في رعاية القانون واحترام النظام والوالء للدولة ،ومعرفة أنّ لقاء ك ّل ّ حق للفرد ال ب ّد من واجب عليه. وتقوم قواعد المجد اآلتي من الناحية األخرى على تحلّي الحكومة بالعدل مقرونا ً بالحزم وبالسهر على مصالح الشعب وتغليب سلطان القانون العادل على ك ّل سلطان وتنمية الكفايات ومعرفة أنّ ما كان يجوز في عهد االنتداب واالحتالل قد ال يجوز في عهد السيادة واالستقالل.. وإ ّن��ي ألرج��و على ضوء ما أسلفت أن نمضي في عهدنا اإلنشائيّ في مساواة ال تفرّ ق بين األديان والمذاهب وال تقيم وزنا ً لعصبيّات األع��راق والطوائف ،فنحن ح ّقا ً أمّة واحدة موحّ دة ال أقليّات فيها وال أكثريّات.
صباح يوم األربعاء في 17نيسان ،1946 كانت سورية على موعد مع أوّ ل عيد وطنيّ حقيقيّ لها ،فأفاقت لتستقبل عيد جالء آخر جنديّ فرنسيّ مستعمر ،وكانت دمشق تض ّم في حناياها اآلالف المؤلّفة من الناس الوافدة من ك ّل حدب وصوب ،ومن محافظات سورية ليشاهدوا أوّ ل حفل من نوعه يقام منذ ربع قرن. وقد كتبت جريدة «ب��ردى» الصادرة في نيسان من عام :1946 «وفي التاسعة والنصف تماما ً وصل موكب فخامة رئيس الجمهوريّة السيّد هاشم األتاسي على سيارة مكشوفة والى جانبه دولة رئيس مجلس ال��وزراء ووزي��ر الدفاع السيّد سعد هللا الجابري» ووصفت الجريدة جلوس الحاضرين من ملوك وأمراء ورؤساء ،كما أوردت تفاصيل العرض العسكريّ الذي جرى في شارع القوّ تلي بدمشق .والتقطت مرور وتسلسل الفرق المختلفة التي شاركت في االستعراض بالقول: « ..ومرّ ت بعد ذلك ،فرقة الموسيقى للك ّ شاف ووراءها مفرزة من الكشاف يحمل أفرادها أعالم البالد العربيّة ،وكانت ظاهرة تحريريّة عرفتها دمشق ألوّ ل مرّ ة عندما مرّ ت السيّدات منتظمات في فرق الك ّ شافة فقوبلن بهتافات مجلجلة». وأشارت الجريدة بعنوان «حفنات من تراب المحافظات» إلى لمحة مرهفة الحسّ قُ ّدمت برمزيّة عالية: « ..وبعد انتهاء العرض العسكريّ تق ّدمت وفود المدن السوريّة لتضع بين يدي فخامة الرئيس حفنات من تراب المحافظات فكان لهذا الرمز الجميل معنى كبير في النفوس وهكذا انتهى العرض في جوّ حماسيّ ال يوصف». ويذكر الكثيرون ممن حضروا مهرجانات واحتفاالت العيد األوّ ل للجالء أنّ المواكب الشعبيّة والعراضات في األحياء والساحات لم تتو ّقف أل ّي��ام ،ليالً ونهاراً وفي مختلف المحافظات. ث ّم ،كتب الشعراء السوريّون حول جالء قوّ ات االنتداب الفرنسيّ عن سورية العديد
من القصائد ،ربّما كان من أشهرها قصيدة «ع��رس المجد» للشاعر عمر أبو ريشة، ومطلعها: يا عروس المجد تيهي واسحبي في مغانينا ب ذيول الشه ِ وأصبحت أغنية جميلة أيضاً ،بعد أن لحّ نها الف ّنان اللبنانيّ فيلمون وهبه وغ ّنتها وقتئذ المطربة السوريّة سلوى مدحت .كما لحن الف ّنان محمّد محسن قصيدة «جلونا الفاتحين» للشاعر بدوي الجبل وغ ّنتها المطربة الكبيرة سعاد محمّد. أمّا قصيدة «العذراء» للشاعر خير الدين الزركليّ التي تحكي درام ّيا ً دخول غريب إلى بيت سوريّ وقتل االبن ومحاولة اغتصاب االبنة ،وتبدأ أوّ ل أبياتها: َس َكـ َن ْ ــت ْ ضوضــا ُء َمنْ في الحــيّ ،ال حـيَّ تــراهُ وغــفــــا الــثـّـائــــــــ ُر ال يـَ ْـلـ َهــ ُج إلاّ بـمُــنــــاهُ فقد ّأثرت بالف ّنان التشكيليّ عاصم زكريا الذي قال« :إنّ لوحة ميسلون استلهمتها من الملحمة الشعريّة التي كتبها الشاعر خير الدين الزركليّ ووصف فيها دخول المستعمر الفرنسيّ لسورية بقصيدة عنوانها «العذراء» فحكمت عليه السلطات الفرنسيّة باإلعدام وهرب على إثر ذلك إلى األردنّ ». وال تخلو أيّة قصيدة أو عمل ف ّني أو أدبيّ عن الجالء من ذكر معركة ميسلون ووزير الحربيّة البطل يوسف العظمة ،لربط ذلك الموقف بالجالء النهائيّ ،ففي رائعة من روائ��ع الشاعر بدر الدين الحامد بمناسبة الجالء قصيدة شهيرة: يوم الجالء هو الدنيا وزهوتها ،لنا ابتهاج وللباغين إرغا ُم يا راقداً في روابي ميسلون أفق ،جلت فرنسا فما في الدار هضّا ُم ّ ولع ّل أغلب األعمال الفنيّة واألدبيّة الهامّة التي أنتجت وق ّدمت عن االستقالل ومقارعة االنتداب الفرنسيّ واالنتصارات التي ّ سطرها الشعب ال��س��وريّ ،هي تلك األعمال التي أنجزت بعد االستقالل ،أمّا ما أنجز قبل ذلك فلم يبق منه شيء تقريباً .طالل املفيت
www.allsyrians.org
اقتصاد و قانون
العدد 29
السوري االقتصادي قراءة في تقرير المنتدى ّ ّ المنتدى االقتصاديّ السوريّ هو مؤسّسة فكريّة بحثيّة ابتكاريّة ،يكرّ س عمله لبناء وطن حرّ ،تع ّدديّ مستق ّل يعتمد على اقتصاد قويّ يهدف إلى ضمان وتحقيق حياة حرّ ة لكا ّفة السوريّين. حلب هي أكبر مدينة في سورية والتي تع ّد أكبر المحافظات السوريّة من حيث تعداد الس ّكان ،وتع ّد أكبر مدن بالد الشام ،كانت المدينة عاصمة لمملكة يمحاض األموريّة وتعاقبت عليها بعد ذلك حضارات عديدة ،تع ّد حلب من أقدم المدن المأهولة في العالم منذ بداية األلفيّة السادسة قبل الميالد ،مثل هذا التاريخ ربّما يرجع إلى كونها نقطة تجاريّة استراتيجيّة في منتصف الطريق بين البحر المتوسّط وبالد ما بين النهرين وكونها في نهاية طريق الحرير الذي يمرّ عبر آسيا الوسطى وبالد ما بين النهرين ،وبقيت هذه المدينة عاصمة اقتصاديّة لسوريّة رغم ك ّل المحن التي مرّ ت بها ،وقد نالت لقب عاصمة الثقافة اإلسالميّة عام ،1986وخالل أحداث الثورة السوريّة تضرّ رت حلب بشكل كبير إنسان ّيا ً واقتصاد ّيا ً بفعل القصف ،وتو ّقفت عجلة االقتصاد في المدينة وتعرّ ض الكثير من معالمها األثريّة للدمار. مدينة حلب في ظ ّل الثورة :شهدت المدينة عدد من األح��داث بعد ان��دالع حركة االحتجاجات السوريّة، وأخذت بالتوسّع ،وأصبحت يوميّة وتر ّكزت في ع ّدة أحياء مثل صالح الدين والسكري وبستان القصر وداخل جامعة حلب ،وفي العديد من مناطق الريف، ومن ث ّم بدأت قوّ ات األسد في القصف العنيف لمدن الريف الحلبيّ وألحياء المدينة .في حلب القوى المسيطرة حال ّيا ً تتقاسم أربع قوى رئيسيّة السيطرة على مختلف مساحات المحافظة دون أيّ تحديد لحجم السيطرة لك ّل جهة ،وتعتبر االشتباكات الحاصلة بين القوّ ات الكرديّة وقوّ ات «داعش» من جهة وبين قوّ ات
األسد وقوّ ات الجيش الحرّ هي األكبر واألشرس بين الجهات المتصارعة ،أمّا بالنسبة للمنافذ الحدوديّة، ترتبط حلب مع تركيّة بأربعة منافذ حدوديّة تسيطر قوّ ات الجيش الحرّ على اثنان منها ،وتسيطر «داعش» على إحداها وقوّ ات الحزب الديمقراطيّ الكرديّ على المعبر المتب ّقي. االقتصاد في حلب «التجارة في حلب»: كانت حلب المدينة الثالثة من حيث النشاط التجاريّ في عهد الدولة العثمانيّة ،فالتقاليد التجاريّة تضرب بجذورها العميقة في المدينة وتسري في دمها ،وتعتبر غرف تجارة حلب من أقدم غرف التجارة في الشرق األوسط والعالم العربيّ التي تأسّست عام ،1885 حيّ الشيخ نجّ ار أحد أضخم األحياء الصناعيّة في المنطقة يحت ّل مساحة 44121هكتاراً ،وهناك الكثير، الفنادق الفخمة ،مراكز معارض ،وعدد من المنشآت الصناعيّة ،اقتصاد حلب عماده صناعات النسيج، الصناعات الكيميائيّة ،الصناعات الدوائيّة ،الصناعات الغذائيّة الخفيفة ،الصناعات الكهربائيّة ،وهي مركز التصنيع األساسيّ في سوريّة وتصدير المنتجات الغذائيّة والصناعات الغذائيّة التحويليّة ،وقد اكتسبت شهرة عالميّة بالصناعات المتعلّقة بزيت الزيتون وخاصّة العفرينيّ ،والفستق المعروف عالم ّيا ً باسمها الفستق الحلبيّ ،والزعتر الملكيّ المعروف. الصناعات التقليديّة في حلب :حفظ الصناعات اليدويّة العريقة في أجزاء حلب القديمة كالحفر والنقش والصناعات النحاسيّة ،وال تزال صناعة الصابون وفق الطرق القديمة المتوارثة أ ّبا ً عن ج ّد من أشهر األنواع وأجودها. قائمة الصناعات األساسيّة :الكهربائيّات المنزليّة، صناعات هندسيّة مختلفة ،صناعة األقمشة ،صناعة
رامي سليمان «رغم الظالم المحيط»
«فلسطين ما بينعاش فيها ،فلسطين هي لي بتعيش فيك ،ومتلها الشام» ت ّم اعتقاله من قبل حاجز لجيش النظام قرب مدينة يبرود في 7تموز ،2013رفض الفكرة التي طرحها أحدهم عليه السفر إلى أوروبا ،شابّ سوريّ ،ليس بالهوية بل باالنتماء ،عاش معظم حياته فيها ،بعد أن ولد في ليبيا ،لطالما ش ّكل ذلك معاناة له في إثبات هويّته ،كانت هذه المشكلة أكثر ما يؤرقه ،لكــنّ ألم فقــدان الوطـن والهــويّة لم يفقــده االنتماء الدائم لإلنسانيّة ،تراه يحمل بعــض األغطــيّة لعائلة تشرّ دت ،أو يناقش أوضاع النازحين وكيفيّة مساعدتهم في جلسة ما ،وقد تراه متطوّ عا ً في إحدى ّ المنظمات المحليّة أو الدوليّة ليساعد بعض الفاريّن من الحـرب، كما حــدث في حرب تمـوز ،2006حـين هـبّ كمعظم الشباب السوريّين لنجدة من فرّ من اللبنانيّين إلى سورية. رامي ســليمان ،الشــابّ الضائع بين الهويّة وعتمة السجن، ال ب ّد أن يصرخ اآلن ألماً ،أو لوالدة جديدة تعلن خروجه إلى النور ثانية ،ومن يفتقده اآلن ،بعض الالجئين الذين عمل على مساعدتهم بك ّل ما أوتي من محبة ،ضاحكاً ،غير آب ٍه بالموت المنتشر حوله. يح ّدثك عن مستقبل البالد ،كما لو أ ّنه يراه بوضوح أمامه ،ال يكفّ عن الحلم ،ال تــعرف إن كان يح ّدثــك عن فلســطين أو عن ســورية ،لكــنّ نــشاطه المستمرّ في القضايا السوريّة ،منذ سنوات طويلة ،وحديثه عن شوارع دمشق وحمص وسواهما، ينســيك فلسطينـــيّته ،ويجــعــله سوريـّـا ً مـن القــلب ،يبني مستقبله بدءاً من حجارة داريا وشوارعها التي ترعرع فيها ،إلى جرمانا التي انتقاها ليعيــش شــبابه هناك. رامي ،ذلك الشابّ الذي ال يم ّل الحبّ وال الحياة ،يقبع اآلن في سجون ال يدخلها النور. رامي اآلن يبحث عــن أغنــية ينشـدها ،ليُسمعها لزمالء الزنزانة ،وليذ ّكرهم بأنّ ّ حق العودة إلى الحياة ما زال قائماً ،رغم ك ّل الظالم المحيط.
newspaper@allsyrians.org
السنة الثانية
/ 17نيسان 2015/
«اقتصادّيات حلب»
9
الخيوط ،الصناعات الكيماويّة ،صناعة األلبان ،دباغة الجلود .وتشير البيانات إلى االرتفاع الكبير في سعر الوقود والمحروقات ،فعلى سبيل المثال فإنّ قيمة أسطوانة الغاز ارتفعت قيمتها من 1250إلى 5500 ل.س وبشكل عام غير متو ّفرة ،وكذلك بالنسبة ألسعار ليتر البنزين والمازوت أيضاً ،هذا عن المحروقات، أمّا عن أسعار الموا ّد الغذائيّة فقد ازدادت أضعافا ً فقد بلغ كغ الفروج من 50ل.س إلى 580ل.س خالل األشهر الثالثة الماضية ،وهذا ينطبق على جميع المواد الغذائيّة. تو ّفر المساعدات اإلنسانيّة لألسر :تشير البيانات إلى ّ المنظمات أنّ المساعدات اإلنسانيّة غير كافية ،أمّا أه ّم التي تق ّدم مساعداتها اإلنسانيّة في محافظة حلب: ّ ّ منظمة منظمة ،ihh الهالل األحمر ،جمعيّة البرّ ، ّ ومنظمات أخرى. ،acuجمعيّة اإلحسان، األحوال المعيشيّة لألسر في محافظة حلب: -1ت��وف��ر الكهرباء ف��ي المساكن :ت�� ّم جمع البيانات من نقاط االرتكاز حول مصادر الحصول على الكهرباء ،ومتوسط ساعات استخدامها يوم ّياً، إنّ متوسّط استخدام الكهرباء في محافظة حلب 10 ساعات يوم ّيا ً من مصادرها الثالثة ،الشبكة العامّة أو من المولّدات الخاصّة أو من شراء األمبيرات. -2إنّ %67من األسر في محافظة حلب أجابت بأنّ منازلها ما زالت موصولة على الشبكة العامّة للكهرباء الحكوميّة ،إلاّ أ ّنها ال تصلها إلاّ نادراً ونسبة %74يشترون الكهرباء عن طريق األمبيرات وجزء صغير من األس��ر ال يتجاوز %9,7لديه مولّدات خاصّة ،وتسعى األسر لتأمين الكهرباء من الشبكة العامّة أو من شراء األمبيرات أو المولّدات الخاصّة لتأمين الكهرباء لفترة أطول من 10ساعات يوم ّيا ً وبمتوسّط تكلفة شهريّة تتجاوز 6042ل.س أي تقريبا ً ربع دخل األسرة الشهريّ . ّ واقع المصانع في حلب :من ناحية توفر عناصر اإلنتاج األساسيّة وحالة األمان في المصانع ،علما ً أنّ هذه المصانع التي جمعت بياناتها ما زالت تعمل ،وهي عبارة عن مصانع صغيرة الحجم ،بينما هنالك أعداد
كبيرة من المصانع ال تعمل وهجرها أصحابها ،حيث تبيّن أنّ نسبة المصانع التي أ ّكد أصحابها تو ّفر العمال بلغت %96,8ألنّ هنالك نسبة كبيرة من الس ّكان لم تهاجر ،كما أنّ نسبة المصانع التي أ ّكد أصحابها تو ّفر الموا ّد األوليّة بلغت %80,6وذلك عن طريق االستيراد من تركيّة ،بالنسبة لتو ّفر الكهرباء إ ّنها متو ّفرة بنسبة %67,7من مصادرها المختلفة ،لكن بمتوسّط عدد ساعات يوميّة منخفضة ،أمّا بالنسبة للطلب على إنتاج المصانع هنالك طلب كبير تجاوز %77,4وبالنسبة لألمان أ ّكد أصحابها بنسبة %80أنّ األمان غير متو ّفر، لكن رغم الوضع الخطر هناك الكثير من المصانع ما زالت تعمل. التوصيات :بناء على نتائج التقرير يوصي المنتدى االقتصاديّ السوريّ المجالس المحليّة بما يلي: ّ ً -1السعيّ لتأسّيس مكتب اقتصاديّ ممثال من ّ منظمات أعضاء المجالس المحليّة وأعضاء من المجتمع المدنيّ لالهتمام بالشأن االقتصاديّ . -2العمل على تأمين مياه الشرب عن طريق حفر اآلبار االتوازيّة. -3تأمين اإلنارة للشوارع والمنازل عن طريق مشاريع تستخدم بطاريّات السيّارات. -4تأمين ما ّدة الغاز من خالل مشاريع منزليّة بسيطة لضغط النفايات واستخراج غاز الميتان منها. -5تتولّى المجالس المحليّة عمليّة توزيع المساعدات اإلنسانيّة. -6إش��ادة منزل مسبقة الصنع لتأمين السكن لألسر النازحة. ً -7أخيراً نظرا للموقع الجغرافيّ لمدينة حلب وقربها من الحدود التركيّة ننصح أن يت ّم توحيد العمل االقتصاديّ من كا ّفة األطراف «المجالس المحليّة، الحكومة المؤ ّقتة ،الفصائل الثوريّة» بوضع استراتيجيّة عمل موحّ دة يت ّم من خاللها االستفادة من المعابر الحدوديّة مع تركيّة ،وإبرام اتفاقيّات يت ّم من خاللها تامين كا ّفة الموا ّد األساسيّة وتصدير الفائض الزراعيّ والصناعيّ من حلب إلى دول العالم من خالل المعابر التركيّة.
احملرر االقتصاد ّي
القانوني للسورّيين في تركيا المركز ّ
تعتبــر مســألة اللجــوء مــن أكبــر وأعقــد ما يتمخـّـض عــن الحــروب والنزاعــات المســلّحة
مــن معضــالت ،ذلــك أنّ تشــريد مالييــن البشــر وخروجهــم مــن أماكــن ســكناهم ولجوئهــم إلــى دول مجــاورة التماســا ً لألمــان ال ّ يمثــل كارثــة إنســانيّة فحســب ،وإ ّنمــا يرتــّب أيضــا ً نتائــج وأعبــاء تســتلزم جهــوداً دوليّــة جبــّارة لرعايــة هــؤالء الالجئيــن وضمان حقوقهــم ضمــن منظومــة قانونيــّة تحــ ّدد مركزهــم القانونــيّ ، وبالتالــي مــا يســبغ عليهــم هــذا المركــز مــن حقــوق وآليــّات عمــل تضمــن رعايــة وحفــظ هــذه الحقــوق. وفــق إحصــاءات غيــر رســميّة ،فــإنّ أعــداد الالجئيــن الســوريّين فــي تركيــا تجــاوزت عتبــة المليــون إنســان ..وهــو أمــر خطيــر بــدأ يلقــي بظاللــه علــى الحيــاة االجتماعيــّة التركيّــة ،وصــار مــا ّدة للتجــاذب السياســيّ فيهــا ،فضــالً عــن مفاعيلــه االقتصاديــّة ومنعكســاتها علــى المجتمــع التركــيّ . ّ حتـّـى وقــت متأخــر لــم يكــن للســوريّين أيّ توصيــف قانونــيّ لوجودهم فــي تركيــا بــل اكتفــت ســلطاتها بإســباغ صفــة (الضيــوف) علــى وجودهــم فيهــا ،وتلــك الصفــة ال تمنــح ك حقوقــاً ،إلاّ مــا هــؤالء (الضيــوف) بــال شــ ّ يجــود بــه المضيــف ..وبالتالــي لــم تكــن ثمّــة منظومــة قانونيّــة يمكــن االســتناد إليهــا ّ (حــق) يمكــن المطالبة بــه فــي معرفــة ما هــو والدفــاع عنــه ،ومــا هــو (تفضّــل) ال يمكــن إلاّ أن تقبلــه كمــا هــو ،وتشــكر المتفضـّـل بــه عليــك. ومــع صــدور (قانــون األجانــب والحمايــة الدوليـّـة) منتصــف عــام 2013بــدأ وضــع الســوريّين بالتبــ ّدل وصــار لهــم فــي تركيــا توصيفا ً ومركــزاً قانون ّياً ،يفسّــر الصفــة التــي أُســبغت عليهــم بموجبــه والحقــوق التــي يكتســبونها تبعــا ً لتلــك الصفــة ..ما يعيدنــا لطــرح الســؤال :هــل الســوريّ الجــئ أم هــو الجــئ بشــروط؟ أم تحــت الحمايــة الثانويـّـة؟ الســور ّيون فــي تركيــا ليســوا الجئين لــم يكــن ممكنــا ً أن يص ّنف الســوريّون هنــا كالجئيــن ،ألنّ تركيــا التــي و ّقعــت معاهــدة جنيــف الخاصّــة بوضــع الالجئيــن والمعتمــدة فــي ( 28\7\1951وهــي الوثيقــة الدوليــّة الوحيــدة التــي تعــرّ ف مــن هــو الالجــئ وما
هــي حقوقــه فــي الدولــة التــي لجــأ إليهــا واســتقبلته) قــد قيــّدت توقيعهــا علــى هــذه الوثيقــة بتح ّفظيــن أحدهمــا زمنــيّ واآلخــر جغرافــيّ ...فتركيــا ال تعتــرف وال تمنــح صفــة الالجــئ إلاّ ألشــخاص صــاروا الجئيــن تبعــا ً ألوضــاع حصلــت قبــل العــام 1951 وحصلــت فــي أوروبــا حصــراً ،وبالتالــي فهــي قيّــدت إســباغ هــذه الصفــة زمنيـّا ً ومكانيــّا ً علــى مــن تعــرّ ض ألوضــاع معيّنــة فــي أوروبّــا قبــل العــام ،1951وبالتالــي عمليّــا ً ليــس ثمــّة الجئيــن بالمعنــى القانونــيّ فــي تركيــا إطالقــاً. السوري الجئ بشروط أم هو تحت إذاً ،هل ّ الحماية الثانو ّية؟
الالجــئ بشــروط هــو ليــس الجئــا ً بالمعنــى القانونــيّ الدقيــق للمصطلــح ،إ ّنمــا هــو شــخص يخضــع للحمايــة التركيــّة وفــق وضــع خــاصّ يتــ ّم بموجبــه تســجيله فــي جــداول أمنيـّـة كمــا يســجّ ل لــدى المفوضيـّة الســامية لشــؤون الالجئيــن التابعــة لألمــم الم ّتحــدة لحيــن تو ّفــر بلــد لجــوء لــه يقبــل اســتقباله وتوطينــه، وخـالل ذلــك يمنــح هــذا الشــخص بطاقــة هويــّة خاصّــة كمــا يمنــح الخدمــات التعليميـّـة والصحّ يّة المجّ انيـّـة ،وكذلــك أذونــات العمــل ..لك ّنــه مقيّــد اإلقامــة فــي عــدد مــن المــدن ليــس مــن بينهــا المــدن الكبــرى كإســطنبول وأنقــرة وإزميــر ،كمــا يتعيــّن عليــه إثبــات وجــوده أســبوع ّيا ً أمــام الشــرطة. أمّــا الحمايــة الثانويــّة ،فهــي وضــع قانونــيّ يمنــح لــك ّل شــخص ال ينــدرج ضمــن الصنفيــن الســابقين لك ّنــه مهــ ّدد بخطــر العنــف أو المــوت أو التعذيــب فــي حــال عــاد أو أعيــد لوطنــه. وبالتالــي ،فــإنّ الوضــع القانونــيّ للســورييّن هــو مزيج ما بيــن الحماية الثانويّــة والالجــئ بشــروط ..فالســوريّ هنــا – مــن غيــر أصحــاب اإلقامــات الســياحيّة أو االســتثماريّة – يــدرج اســمه فــي جــداول أمنيــّة ويمنــح بطاقــة هويــّة خاصّــة ومســتتبعاتها مــن خدمــات تعليميّــة وصحيّــة مجانيـّـة ،فضـالً عــن أذونــات العمــل ..لك ّنــه ال يســجّ ل تلقائيّــا ً لــدى المفوضيــّة الســامية لشــؤون الالجئيــن كطالــب لجــوء وتوطيــن ،بــل يتعيّــن عليــه القيــام بذلــك علــى نحــو فــرديّ ،كمــا أنـّـه غيــر مقيــّد اإلقامــة فــي مــدن معيّنــة كمــا هــو حــال الالجــئ بشــروط.
إذاً ،يمكننــا القــول إنّ الســوريّ فــي تركيــا – طبعــا ً مــن غيــر الحاصلين علــى اإلقامــة الســياحيّة – هــو تحــت الحمايــة الثانويــّة التركيــّة مــع اســتفادته مــن بعــض مزايــا الالجــئ بشــروط ،وهــو علــى مــا أعتقــد وضــع خــاصّ ومميـّـز بالســوريّين وحدهــم، وربّمــا مرتبــط باألعــداد الكبيــرة لهــم والتــي لــم تكــن منتظــرة أو متو ّقعــة. البطاقة التعريف ّية: مــن خـالل مــا تقــ ّدم علــى صعيــد التوصيــف القانونــيّ لوضع الســوريين فــي تركيــا، يمكننــا القــول :إنّ البطاقــة التعريفيــّة التــي ُتمنــح للســوريّين ليســت إذن إقامــة بالمعنــى القانونــيّ ،وإ ّنمــا هــي هويــّة تعريفيـّة أمنيــّة تمنــح لمــن أُســبغت عليهــم الحمايــة وتتــداول بيــن النــاس علــى أ ّنهــا (إقامــة الجــئ) وهــي ّ الحــق فــي الحصــول علــى إذن تمنــح صاحبهــا ّ الحــق فــي عمــل مــن وزارة العمــل ،وكذلــك الحصول علــى التعليم المجانــيّ فــي المــدارس التركيــّة ،وكذلــك الطبابــة والرعايــة الصحّ يّــة المجانيّــة الكاملــة فــي المشــافي الحكوميّــة التركيــّة ،كمــا ال تحــول دون ح ّقــه فــي قيــد نفســه وعائلتــه ضمــن طالبــي اللجــوء والتوطيــن فــي بـالد أخــرى عــن طريــق المفوضيــّة الســامية لشــؤون الالجئيــن ..لك ّنهــا ال تقيــّد الســوريّ بوجــوب اإلقامــة فــي مــدن محــ ّددة ،وال تجبــره علــى مراجعــة مراكــز الشــرطة أســبوع ّيا ً إلثبــات وجــوده كمــا هــو حــال الالجــئ بشــروط. وهــذه البطاقــة ُتمنــح للســوريّين ح ّتــى لــو لــم يكــن لديهــم ثبوتيّــات كالهويّــة الســوريّة أو جــواز الســفر .
احملامي غـزوان قرنفل www.allsyrians.org
10
السنة الثانية
العدد 29
/ 17نيسان 2015/
في اإلعادة إفادة
الوعي والمعرفة
ق��راءة في كتاب «الوعي والمعرفة» من تأليف «تورغاي آلدمير» وترجمة عالء الدين حسّو من التركيّة إلى العربيّة ،وقد صدرت طبعته األولى عن دار نشر «تيريكتاب» التركيّة ،في كانون الثاني من عام 2015؛ ويقع الكتاب في 160صفحة من القطع المتوس ّ ّط .ويتألّف الكتاب من مدخل وثالثة عشر قسما ً يبدأ عنوان ك ّل منها بكلمة «وعي» ،وللمترجم «حسّو» مق ّدمة ،وتعريف عنه في آخر الكتاب. المؤلّف «تورغاي آلدمير» من مواليد «ماالطيا» عام ،1967رئيس مجلس إدارة جمعيّة «بلبل زاده» و «منبر األناضول». يقول «آلدمير» في مدخل كتابه «نحن واعون ومدركون لمسؤوليّتنا التاريخيّة ،لذا -على الدوام – نج ّدد أنفسنا ،نعرف ما هي مشكالتنا ،نسعى إلى إيجاد وفتح طرق جديدة تالمس الواقع دون أن نتخلّى عن قيمنا الخاصّة» ويستدرك «ال يمكننا الصمت تحت مسمّى الواقعيّة عمّا يجري من ظلم وتعسّف». في القسم األوّ ل يطالب المؤلّف بضرورة الوعي بالتج ّدد المستمرّ ،ويسأل «ما الذي فاتنا؟ وما الذي نملكه؟ وما الذي يمكن أن نفعله بما نملكه؟» ويؤ ّكد على أ ّنه بالتنظيم يمكن تحقيق الحرّ يّة والتحرّ ر .أمّا قضيّة اليوم كما يراها في قسم وعي الزمان والمكان ،فهي طرح األسئلة :كيف؟ متى؟ وأين ستت ّم مقابلة األحداث الجارية؟ وه��ذه األح��داث بحسب الكتاب «واضحة كمشاعل ،في الظلم واالحتالل والتهجير واإلبادة» .في القسم ذاته يورد المؤلّف القيم التي يجب إشعالها في قلوب الشعوب المسلمة والتي يدعوها بالمواد األوّ ليّة ّ ويلخصها بالكلمات التالية :التوحيد والعدالة والحرّ يّة والشرف. «ننهض ونتق ّدم خطوة إلى األم��ام» هكذا يفتتح «آلدمير» بعد عنوان :وعي المسؤوليّة ،استعراضه لتاريخ المنطقة ليستخرج الدروس بدءاً من ألف سنة قبل الميالد ،ويذ ّكر بأنّ روّ اد األجيال ال ينجرّ ون خلف التاريخ ،وإ ّنما هو من ينجرّ خلفهم .هنا يبدو ارتباط القسم التالي والمتعلّق ب��اإلرث والوعي بالمسؤوليّة وثيقا ً الصلة بهذه الفكرة ،إذ يرفض أن نبقى غائبين عمّا يجري من تطوّ رات ،فالالمباالة ُتميت اإلنسانيّة، وخاصّة في موضوع يتعلّق بالمستقبل .كما يرفض «الفراغ في الحياة» فسيأتي من يملؤه سريعاً.
في وعي ال��ذات ،يعود مؤلّف الكتاب إلى مراحل االنقالبات من أيلول 1980مروراً بفترة «كابوس» 1993إلى «القفزة اإليجابيّة عام »2007ليصل إلى « 2010عام الوالدة من جديد» فيرى أ ّنه من الواجب معرفة إلى أين تذهب الجماعات؟ وكيف تطوّ رت ومع من تتح ّدث؟ وأنّ المفاهيم لوحدها لم تعد كافية ،بل يجب بلورتها عبر مؤسّسات ليت ّم توضيحها للمجتمع، الذي يُبنى من خالل أفراد قادرين على استخدام عقولهم ي��ت��ط�لّ��ب م � ّن��ا: وإرادات��ه��م ال��ح��رّ ة ،ف��ي عصر ال����م����رأة، التف ّكر مج ّدداً بقضيّة ي��ع��رف وإنشاء شباب
ك��ي��ف ي���ن���ت���ج، وأن تكون جوهر الشيء ال م���ظ���ه���ره. ف��ي القسم التالي، ي��وص��ل «آل��دم��ي��ر» الجذور، مفهوم األمانة باألمن من وعدم الخوف ،و فالمعنى ي��ؤ ّدي إل��ى الثقة «علينا التحرّ ك في ك ّل أعمالنا وفق وعي األمانة» أمّا ضياعها فيعني «الخيانة». يستند المؤلّف إلى أسطورة «العنقاء» من كتاب فريد ّ العطار «منطق الطير» ليؤ ّكد رؤيته لمفهوم وعي الدين ً المعيّة ،فأن تكون فردا في مجتمع ،يعني أن تق ّدم وتأخذ، ويفسّر أنّ «الروح العنقائيّة تولد من االعتقاد الفرديّ والكفاح معاً» كما يستشهد بمحمّد إقبال وناظم حكمت. كذلك ،يسرد مؤلّف الكتاب قصّة ّ حذاء البلدة وطفل بقدم واحدة ،ليرسم الرحمة كمنبع للصفات اإللهيّة الواجب ّ «تتجذر في أرواحنا» بما أ ّنها فطرة إنسانيّة .هنا، أن
مذاهب أم طوائف؟ ص ّنف «ع� ّ �زام أمين» الخطابات حول موضوع الطائف ّية في «كلمة مختصرة في مسألة الطائف ّية»، التي ُنشرت في العدد /28/من «ك ّلنا سور ّيون»، أساسي محدّد إلى قسمين :قسم يرى أنّ الطائف ّية بعد ّ ّ يتوزع إلى «لما يحصل منذ آذار ،»2011وهو قسم ّ كعلوي ،بالطائف ّية وتتهم فئتين :واحدة «ت ّتهم النظام، ّ الطائفة بأكملها بالطائف ّية» ،والثانية فئة ،غالباً، توالي النظام «وت ّتهم الثورة والمعارضة بالطائف ّية». أمّا القسم الثاني الذي ينكر وجود الطائفيّة فهو يتكون، غالباً ،من فئتين :فئة أولى تتكوّ ن من أشخاص لديهم دوافع وطنيّة مثاليّة زائ��دة ،هي التي تعيقهم عن أن يكونوا واقعيّين فيعترفون بوجود الطائفيّة ،وفئة ثانية من أشخاص مهووسين بإنكار الطائفيّة ،ويتهمون بها مخالفيهم في الرأي ،وهو حال يعتمده ّ عزام حين يتهم، في أغلب ظ ّنه ،هذه الفئة المنخرطة «في تحليالت إيديولوجيّة ماركسيّة» عقيمة ،في كتاباتهم المطوّ لة المع ّقدة المفلسفة والمتفلسفة التي هي ليست إلاّ إنكاراً عصاب ّيا ً مرض ّيا ً لدوافع طائفيّة دفينة تأصيلها يكون بـ «االنتماء بالالشعور لطائفة م ّتهمة بالطائفيّة». هذه الفئة اﻷخيرة هي التي تثير حفيظة ّ عزام فيكتب في هجائها ،وفي الحكم عليها ،وفي فضح مسكوتها ،في كلمة مختصرة تترفع عن محاورتها لسبب ،قد يكون، أ ّننا نقرؤها وﻻ نفهم ما يريدون منها ،فاقتصر ّ عزام لذلك على الرسالة المستفادة من كتاباتهم ،والتي هي نكران مهوّ وس لوجود عيني للطائفيّة ،هذا الوجود الذي يقرّ ره ّ عزام ويعتبره «من أخطر الظواهر التي يعاني منها المجتمع السوريّ قبل الثورة وبعدها» ،غير أنّ هذه الظاهرة ليست بعداً وحيداً ،بحسب ّ عزام ،الذي يحرّ ك اﻷف��راد والفئات واألح��زاب ﻷ ّنه يتداخل مع العوامل «السياسيّة واﻻقتصاديّة والثقافيّة واﻻجتماعيّة والنفسيّة ويزداد تعقيداً بتشابكه معها». بعد ه��ذا ،وبالرغم من جهلي اﻷكيد بالذي كتبه متثاقفو اليسار الماركسيّ ،فإ ّني أ ّتفق مع ّ عزام مبدئ ّياً، ً وأب��ادر بتوسيع هذا اﻻتفاق المبدئيّ قليال ،فأقول: إنّ اإليديولوجيّات جميعها :الماركسيّة ،والقوميّة، والليبراليّة ،وإيديولوجيا الخالفة ،عاجزة عن مقاربة «واقع» على هذه الدرجة من التشابك والتعقيد ،وأختلف معه في استخدام مفاهيم التحليل النفسيّ لمقاربه والحكم على مقاالت تتفلسف ،ونقل الحكم على المقاﻻت إلى الحكم على اﻷشخاص ،ﻷنّ هذا غير ذاك ،وﻷنّ المقال المتفلسف ليس حلما ً خالل النوم ،وال زلاّ ت اللسان في الحياة اليوميّة ،وأختلف معه في توظيف أسطورة العلم، التي كانت مسيطرة في عصر اﻷنوار اﻷوروبيّ ،في
newspaper@allsyrians.org
ظواهر اجتماعيّة سيّالة ومتغيّرة ف��ي طبيعتها، ت��ت��ج��اوب م��ع اﻻحتمال وت��ن��ف��ر م���ن ال��ت��ج��ري��ب المخبريّ ،فال يمكن ،إذا كان اﻷمر كذلك ،أن نماثل بين الظواهر اﻻجتماعيّة واﻷمراض إلاّ إذا ك ّنا نقرأ هذه الظواهر بالقياس إلى معيار ثابت مكتمل وقار ،هو في حالتنا :الحضارة اﻷوروبيّة!! الحال الذي يفسّر عمى اإليديولوجيّات ﻷ ّنها تشتغل بقياس الشاهد على الغائب. أمّا اﻷداة الثالثة التي يستخدمها ّ عزام في حكمه على المقاﻻت المذكورة ،فهي :مفهوم الواقع الذي يت ّم توظيفه في كلمته المختصرة بما هو مفهوم بسيط ﻻ يحتمل سوى قراءة واحدة صحيحة وما عداها انحراف مرضيّ ،رغم الذي قد صار معالجا ً ومفهوما ً عن هذا المفهوم بما هو تركيب يختزن العديد من العناصر المتباينة والمتناقضة التي تو ّفر له ،بفعل تباينها وتناقضها ،ديناميكيّة مفتوحة على اﻻحتماﻻت ،إضافة إلى توسّط اللغة الذي يشترط مقاربات ه��ذا الواقع فتنضاف مشكالت اللغة إلى مشكالته ،ممّا يفترض تع ّدداً في المقاربات والخيارات والخطابات ،فتكون وتظهر المقاربة اﻷقرب إليه من خالل الحوار بين المقاربات الكثيرة ،ﻷنّ الحوار فضاء رحب لتجديد وإغناء اﻹنسان في لغته وأدواته ،ولهذا فهو الفضاء التي تتعاون على إغالقه قوى اﻻستبداد والعصبيّات. وبعد الذي سبق ،قد صار من ح ّقي أن أعلن ا ّتفاقي مع متثاقفي اليسار ،أولئك الذين ينكرون إنكاراً عصب ّيا ً مرض ّياً :وجود الطائفيّة ،مع الحذر والتح ّفظ ﻷنّ اﻵراء جميعها ﻻ تنبني على بحوث ميدانيّة في هذا الموضوع وﻻ بغيره ،وﻻ تنبني على استطالعات رأيّ تتج ّدد في ك ّل مرّ ة ،وهذا نقص خطير ﻻ يمكن معالجته اﻵن ،ممّا يحكم على آرائنا جميعاً :أ ّنها خيارات تنبني على موقع الشخص وثقافته وتجربته ومصالحه ،وعلى المدى الذي ت ّتسق فيه أدواته المفهوميّة في عالقاتها البينيّة وفي عالقاتها بموضوعها. ولهذا ،فقد تكون إحدى اﻹشكاالت هي في ضعف التمييز بين المذهب والطائفة ،وهو ضعف قد تأسّس على التباس في المعاجم العربيّة ،الحال الذي يفرض بمعان جديدة تحتملها ولم تكن شحنا ً لهذه المفهومات ٍ لها ،ممّا يبيح لي القول :إنّ المذهب تأويل لنصّ أساس مق ّدس ،أو لنص قد تكرّ س كأساس دون أن يقترن بقدسيّة ما ،وهو فعل ينشأ في حقل الثقافة وينحصر في مجالها ،أمّا الطائفيّة فهي فعل في حقل السياسة يت ّم
ثقافة
يبرز مفهوم اإلحسان كضرورة مدعّمة بأرقام نستد ّل من خاللها على الحاجة اإلنسانيّة الواقعيّة الملحّ ة إليه. وفقدان الشعور باإلحسان والتعاون يسبّب الجوع والفقر ،أمّا الغنى الحقيقيّ أليّ إنسان فهو عمل الخير. تأخذ «القدس» في وعي األمّة والقدس الحيّز األوسع من هذا القسم ،ويضع «تورغاي آلدمير» نصّ العهدة العمريّة ليشير إلى مثال على القرارات التي تحمل بعداً سياس ّيا ً للمستقبل .ويسلسل المؤلّف أه ّم األحداث التي مرّ ت في تاريخ القدس لنالحظ أنّ تحريرها كان دائما ً بتضافر الجهود بين عرب وترك وأكراد ،وبمن فيهم النجّ ار الحلبيّ . تبدأ قضيّة ما ،لحظة اإليمان بها .بهذا الفكرة يبدأ القسم الخاصّ بوعي الفرد – األسرة – المجتمع .وير ّكز على إدراك أنّ «ك ّل أسرة من أسرنا هي مركز لتوليد القيم» وأنّ من أكبر التح ّديات التي نواجهها اليوم هي «انغالق الجماعات على ذاتها في زمن تشهد فيه الدولة والمجتمع تحوّ الً مدن ّياً» وينتقل الكاتب بذلك إل��ى المدينة والمدنيّة في قسم ّ يجزئه إلى أحد عشر عنوانا ً تعرّ ف بمراكز البحث في المدينة وأعمال المجتمع المدنيّ ووعي البيئة واألنشطة التعليميّة وال��ن��س��ويّ��ة وغ��ي��ره��ا، والفاعّليّات الثقافيّة وإدارة الموارد البشريّة. القسم األخ��ي��ر م��ن ك��ت��اب « الوعي والمعرفة» يتح ّدث عن وعي التعليم في تركيا الجديدة، وفيه يرى المؤلّف وجوب المحاسبة والمناقشة إليجاد الحلول للخروج من المناهج الجزئيّة ،والتح ّدث عن «وجود يستند إلى مبادئ العقل واألخالق ،علينا نهج طريق يتصالح مع ذاتنا ونقترب من العالم ،دون أن نتغرّ ب». ويخلص «آلدمير» إلى أنّ « التعليم والثقافة عنصران هامّان لنقل اإلنسان إلى الحرّ يّة والكرامة» وال يمكننا التفكير في الفصل بينهما. وهكذا ،يتناول كتاب « الوعي والمعرفة» القضايا األكثر حيويّة اليوم ،واضعا ً يده على الجرح ،مواجها ً األسئلة الملحّ ة ،مقترحا ً الحلول عبر رؤية واضحة ودراسة موضوعيّة للتجارب اإلنسانيّةّ .
بشار فستق
فيه تحويل الثقافيّ إلى سياسيّ عبر اإليديولوجيا من أجل اقتسام السلطة العامّة ،فتكون الطائفيّة بهذا المعنى تشريح وتفتيت للسلطة ،الحال اللبنانيّة نموذجاً ،فالسلطة المركزيّة تتنافى مبدئ ّيا ً مع الطائفيّة ،فال يمكن وصف سلطة اﻻستبداد المركزيّة بالطائفيّة إلاّ من باب الهجاء اإليديولوجيّ ،مع أنّ من طبيعة سلطة اﻻستبداد المركزيّة هذه أن تحافظ على التع ّدد المذهبيّ والقبليّ ،وأن ّ توظفه لصالحها فتعيق اﻻندماج الوطنيّ الذي تتو ّفر عناصره من خالل السوق اﻻقتصاديّة وفي التعليم وفي الجيش.. إلخ من خالل إصرارها على إغالق الحقل السياسيّ . المذهب مرن ويتحوّ ل ويستجيب لالندماج الوطنيّ والمواطنة نظر ّيا ً وتاريخ ّياً ،محل ّيا ً وعالم ّياً ،وهو يقبل أن يتحوّ ل إلى ما ّدة تتش ّكل طائف ّياً ،غير الطائفة التي هي موقع عصبويّ قتاليّ يتنافى وجوده واستمراره مع الوطن والمواطنة. فالطائفيّة ليست جوهراً ،إ ّنها مسار وصيرورة نحو السلطة عبر أحزاب إيديولوجيّة تندرج في صراع إقليميّ ودوليّ ،ﻻ تكتمل أدواتها إلاّ من خالل حصّة ك ّل منها في السلطة التي سترت ّد إلى مجتمع المذهب فتخلق تمايزه السياسيّ من خالل ضبطه وربطه بمصالحها،حينها يتحوّ ل المجتمع السوريّ إلى مجتمعات طائفيّة في سورية ،وبال ّتالي ،وح ّتى تتح ّقق هذه النتيجة البائسة والمخيفة ،نحن في مسار متحوّ ل عالقات القوّ ة الحاكمة فيه ،ح ّتى اللحظة ،هي قوى طائفيّة مسلّحة :اإلخوان والسلفيّون وأشباههم المدعومون من سلطات الخليج وحلفائها ،وسلطة ماللي إيران المدعومة بحلفائها التي تشتغل على التشييع في المجتمع السوريّ كي يصير حزب إالهها ،الذي يتش ّكلّ ، مؤثراً في المستقبل السوريّ ، الحال الذي يستدعي ممّن يسعى إلى سورية الوطن والمواطنة إلى فضح هذه اﻷطراف وكشف غاياتها إلى أن تتو ّفر القدرة على تفكيكها وتذويبها في نظر وفعل وطنيّ جامع. وعليه ،يصير مطلوبا ً من الذي يرى أنّ الطوائف واقع راكز في سورية :أن ينسجم مع قناعته ،نظر ّيا ً وأخالق ّياً ،فيدعو إلى تمكين الطوائف من اقتسام السلطة طائف ّياً ،لكي تسترخي الطوائف وترتاح ولو إلى حين.
فاضل فاضل
مدنّيتنا ،عجيبة اإلنسان
*
ميخائيل نعيمة ()1988 – 1889 ما بالنا نف ّتش عن األمن وقد دف ّناه في مجالس األمن؟ وعن السّلم وقد ك ّفناه بمعاهدات السلم؟ وعن الحرّ يّة وقد بعناها في سوق النخاسة لعجوز شمطاء تدعى الديمقراطيّة؟ وعن اإلنسانيّة وقد ذبحناها وق ّدمناها إللهة عمياء اسمها الوطنيّة؟ الله ّم أعطنا نوراً غير الذي يستقرّ في بؤبؤ العين، وسمعا ً غير الذي يقرع طبلة األذن ،وش ّما ً غير الذي يسري في الخياشيم .لعلّنا نبصر موكب الشمس خلف الغيوم ،ونسمع معزوفة الريح في فحيح العواصف... لقد درج الناس على تقسيم السنة إلى أربعة فصول .ث ّم شبّهوا العمر بالسنة .فهم يتكلّمون عن ربيع العمر وصيفه وخريفه وشتائه .ولك ّل كائن من الكائنات عمر .بل لك ّل فكر ولك ّل عمل عمر. فليس من الغريب أن نتح ّدث عن أعمار الشعوب والممالك ،وعن أعمار المدنيّات التي تشيدها الممالك والشعوب .وإ ّني أللتفت إلى مدنيّة نحن فيها فأسأل نفسي :ترى أين هي اليوم من عمرها، أهي في ربيعه أم صيفه أم خريفه أم شتائه؟ من الناس من ال يتر ّدد في القول بأنّ مدنيّتنا في ميعة الربيع .ومنهم من يقول إ ّنها اجتازت صيفها إلى الخريف .ومنهم من يزعم أ ّنها في صميم الشتاء .وهنالك فريق يؤمن أوثق اإليمان بأنّ مدنيّتنا قد اكتشفت سرّ الشباب الدائم فهي باقية ما بقي اإلنسان والزمان .ولك ّل من هؤالء حجّ ة يسوقها وبرهان يدلي به ودالئل يستند إليها... أمّا األمر الذي ال يختلف فيه عاقالن فهو أنّ المدنيّة الحاضرة ما أدركت بعد وال هدفا ً من أهداف اإلنسان .فهي ما أخرجتنا من ظلمة ح ّتى أوقعتنا في ظلمات ،وال حرّ رتنا من وهم حتى كبّلتنا بأوهام ،وال فتحت لنا بابا ً ح ّتى أقفلت في وجهنا أبواباً .لئن ذلّلت لنا الماء والهواء فقد جعلتنا أر ّقاء للغاب والتراب .ولئن وسّعت بطوننا ح ّتى ال تكاد تملؤها األرض والسماء فقد ضيّقت قلوبنا ح ّتى ال تكاد ت ّتسع لدرهم من العطف واللطف والحنان .ولئن م� ّدت بأبصارنا إلى أقاصي الفضاء فقد حجبت بصائرنا عن أقرب ما ي ّتصل بنا من الكائنات .وها نحن في مشاكلها كاألسماك في الشباك .نتخبّط ذات اليمين وذات اليسار فما نهتدي إلى منف ٍذ للنجاة .فنعود نتلهّى عن باليانا بإنزال أنواع الباليا بسوانا .ونعود نتشاءم ونتعاير ونتقاتل ،وكلّنا يلوم جاره ويحمله أوزاره .فنحن ما فعلنا غير الخير ك ّل الخير. وجارنا ما فعل غير الشرّ ك ّل الشرّ .إذن فالموت لجارنا والحياة لنا... لقد تن ّكر اإلنسان لإلنسان .فالقلوب جليد ونار، والعقول مك ٌر و َمين ،والشفاه فخاخ وشراك، واأللسنة عقارب وأص�لال ،والوجوه تضليل وتمويه .تقاربت األجساد وتباعدت األرواح. وتشابكت المصالح الما ّديّة وتف ّككت األواصر المعنويّة ،ح ّتى أصبح الناس وال شغل لهم إلاّ أن يقبّح بعضهم بعضاً ،وأن يكيد بعضهم لبعض، وأن يرقص بعضهم في مآتم بعض... لعمري إنّ مدنيّة توغر قلب اإلنسان على أخيه اإلنسان لمدنيّة تقوّ ض أركانها بيدها .وهل قامت المدنيات إلاّ بمجهود جميع الناس؟ وهل من غاية أليّة مدنيّة إلاّ النهوض باإلنسان من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى؟ وأيّ خير في مدنيّة تحاول تعزيز اإلنسان بتذليله أو إحياءه بموته؟ إ ّنها لمدنيّة ح ّل بها الخرف ،فهي من عمرها في الشتاء. وأنا إذ أقول إنّ مدنيّتنا قد خرفت وإنّ ربيعها وصيفها وخريفها أصبحت وراءه��ا ال أقول ّ يحط من قدرها .فقد قامت بواجبها وأ ّدت ما رسالتها .بارك هللا فيها .وال أنا أقول ما يزعج أو يزعل أحداً إلاّ الذين يعتقدون هذه المدنيّة أقوى من الزمان ومن تقلّبات اإلنسان .وذلك اعتقاد صبياني ،وإ ّنه لمن دالئل عظمة اإلنسانيّة وجبروتها وخلودها أن تخلع عنها المدنيّات كما تخلع األرض الفصول ،وأن تتج ّدد بمدنيّاتها كما تتج ّدد األرض بفصولها. وإنّ فيما نشهده اليوم من زع��ازع وأعاصير تجتاح البشريّة لبشائر غالية كالبشائر التي تحملها إلينا أعاصير آذار وزعازعه .فقريبا ً تنجلي السماء عن ربيع بكر إلنسانيّة ما فتئت تحبل بالعجائب وتلد العجائب وستبقى تحبل وتلد إلى أن تلد العجيبة الكبرى وهي عجيبة اإلنسان المنعتق من ربقة الفصول وقد عانق أخاه االنسان عناقا ً تص ّفق له المالئكة ،وتباركه اآللهة ،وتغ ّني له المسكونة بك ّل ما في قلبها من قوّ ة وغبطة وحياة. *الصفحات ( )61 – 53من كتاب «النور والديجور» مؤسسة نوفل – بيروت. بتصرف، ّ ّ
www.allsyrians.org
ثقافة
االلتزام الجديد (عمل جديد ك ّل يوم ..صفحة مفتوحة لك ّل الف ّنانين السوريّين والعرب ،للتضامن مع الشعب السوريّ ، مع الحرّ يّة ،ض ّد العنف ..ك ّل أشكال التعبير التشكيليّة المعروفة مرحّ ب بها… توقيع الف ّنان الصريح مطلوب، أل ّنه بح ّد ذاته فعل تضامن) هذا تعريف صفحة «الفنّ والحرّ يّة» عن نفسها، وهي تكون بذلك من أوّ ائ��ل صفحات (الفيسبوك) التي تسهم في نشر الفنّ الجديد ،وقد طالبت الف ّنانين الراغبين باالنضمام إليها ألاّ يو ّقعوا بأسماء مستعارة بل أن يصرّ حوا عن أسمائهم الحقيقيّة ،وكان أن قبل ف ّنانون تشكيليّون – أكثرهم من الشباب -الشرط في مواجهة التشبيح المتو ّقع وحتى الحتماالت المالحقة من أجهزة النظام األمنيّة ،وهذا يعني الكثير قياسا ً إلى ما قبل الثورة من حيث االلتصاق الجديد بمطالب المتظاهرين ،فقد كان الفنّ التشكيليّ – عموما ً – ألصق بالنظام وأبعد عن الشعب ،وكان بعض الف ّنانين ير ّدون ذلك إلى «جهل المجتمع» وال ن��دري كيف كانوا ينظرون إلى «فهم السلطة» للفنّ ؟! في أحاديث تمّت مع ف ّنانين تشكيليّن ساهموا في صفحة «الفنّ والحرّ يّة» على (الفيسبوك) عن تجاربهم ودور الثورة في بروز فنّ تشكيليّ سوريّ جديد يواكب عبر أدواته ومفرداته المتغيّرات الحاصلة في المجتمع، قال الف ّنان ياسر الصافي« :تحتل الصورة اليوم الحيّز األكبر في حاضرنا الثقافيّ ،من خالل وسائط االتصال اإللكترونيّة ،التي كان لها دور في ّ الهزات العميقة التي أحدثتها الثورات في عالمنا العربيّ ..وأضاف :التقط الشارع السوريّ مب ّكراً أه ّميّة تلك الوسائط إليصال صوته للداخل وللعالم ،فكانت أشكال االحتجاجات الشعبيّة متنوّ عة ف��ي إط��اره��ا ال��م��رئ��يّ (فيديو، فوتوغراف ،الفتات ساخرة ،غرافيتي…) ،وأمام تلك
العدد 29
السنة الثانية
/ 17نيسان 2015/
التحوّ الت لم يعد الف ّنان محايداً ،فجاءت صفحة «الفنّ والحرّ يّة» استجابة لرغبة الف ّنانين بالتفاعل مع المحيط، ومن خالل وسيلة مشاهدة سهلة التداول عبر صفحات التواصل االجتماعيّ مثل (الفيسبوك) ،فهي تقوم بدور مزدوج :تعميق الحوار البصريّ بين مختلف الشرائح، وإدانة التسلّط السياسيّ وك ّل أشكال العنف الذي لحق بالمجتمع. أمّا الف ّنان أمجد وردة فيتح ّدث عن ال��دور الها ّم والوحيد لوسائل التواصل االجتماعيّ في تشجيع الحراك ودعمه ف ّن ّياً ،قائالً :بما أنّ (الفيس بوك) أحدث فرقا ً في العالم ،وكان له دور في اندالع ثورات الربيع العربيّ ،فإنّ صفحة «الفنّ والحرّ يّة» كان لها هي األخرى دور في تشجيع الف ّنانين السوريّين على االنخراط بالحراك الشعبيّ ،خاصّة أ ّنها كانت في وقت من األوقات المنبر الوحيد ،الذي يعرض معاناة الشعب السوريّ برؤية ف ّنيّة. وينظر الف ّنان محمّد عمران إلى الفنون األخرى فيجد تغيّراً أساس ّيا ً وإيجاب ّيا ً في تقبّل الحراك الثوريّ لها، أل ّنها – أي الفنون – رافقت تطلّعات الشعب السوريّ ، فتعاطف الشعب معها بدوره. ويعرّ ف الف ّنان ياسر الصافي مهمّة الفنّ بأ ّنه: عصيان الثابت مهمّة الفنّ المتحرّ ر من أيّ رقيب يح ّد من طاقته الالمحدودة ،فالقليل من الوجدان يكفي كي ينحاز اإلنسان إلى صرخة األطفال في درعا، وإلى المظاهرات السلميّة المطالبة بالحرّ يّة والمساواة والعدالة ،التي واجهتها السلطة بالرصاص والعنف ّ المكثف ،الذي أدخل البالد في دوّ امة القتل اليوميّ (فعل ور ّد فعل) من بعض المجموعات المنفلتة من قيم الثورة ،وهذا ما يجب إدانته بجرأة. وعن الحالة التي بدأ بها الف ّنان أمجد وردة تجربته قبيل التصريح باسمه للصفحة يقول :تر ّددت طبعا ً قبل أن أرسل أعماالً مسجّ لة باسمي للصفحة ،خاصّة وأ ّني كنت رابع أو خامس مشارك ،غير أ ّنني قرّ رت المشاركة
11
باسمي ألشجّ ع غيري من الف ّنانين السوريّين، فال ب ّد ألحد أن يخطو الخطوة األولى ،وكان الف ّنان يوسف عبدلكي بعمله الرائع «شهيد درع��ا» أوّ ل من قام بهذه الخطوة ،وبعده تتالت المشاركات، وهكذا تشجّ عت. وي���وض���ح أم��ج��د وردة موقفه ومشاعره كف ّنان بالقول :الشباب السوري يق ّدم الدم في الشارع ،وأق ّل ما يمكن أن نق ّدمه نحن ،هو اللون األحمر على لوحة معنونة باسمنا.. زالت حدود الفنّ التي كان يضعها النظام كسلطة تطالب بالمديح وتمجيد رموزه ،وأصبحت المطالبة بمفردات كالكرامة والحرّ يّة الهدف األعلى للفنّ ، وأصبح التطلّع إلى سورية الجديدة التي ي ُدفع ثمنها من دماء الشهداء موضوعا ً أساس ّيا ً لفنون الثورة التشكيليّة وغيرها. يد ّقق الف ّنان محمّد عمران مفهوم االلتزام الجديد قائالً :إنّ االلتزام بشكل عا ّم ليس بالشيء الجديد على التشكيل السوريّ ،ولكنّ التناول للحدث السوريّ هو األمر المستحدث؛ الفنّ الملتزم هو حالة غير طارئة على التشكيل السوريّ ،غير أنّ المواضيع اليوم هي سوريّة بحتة .ويعطي الحرّ يّة للف ّنان بقوله :أعتقد أ ّنه من الواجب على التشكيليّ في هذا الظرف أن يدوّ ن ما يحدث بطريقته الخاصّة. وحول عالقة الف ّنانين فيما بينهم وعالقتهم بالمجتمع، وكيف يمكن أن تتطوّ ر يقول الف ّنان الصافي :عبر أهداف ّ المتمثلة في تطوير قواعد االلتقاء العمل الجماعيّ الف ّني الفكريّ والحضاريّ ،وفتح نقاش يتناول المعوّ قات المحيطة باإلبداع (دينيّة ،سياسيّة ،اقتصاديّة) ..وما
خلقته الثورة من عالقة ف ّنيّة مجتمعيّة جديدة ،فهناك عالقة جديدة بين الف ّنان والمجتمع ،فرضتها األسئلة المصيريّة للواقع الدامي في سورية ،والدور التفاعليّ للف ّنان كفاعل في إعادة المنظومة األخالقيّة التي دمّرتها األنظمة الديكتاتوريّة ،وما نتج عنها من خراب روحيّ عميق. وب��دوره يعرّ ف الصافي االلتزام الجديد بالثورة وسورية الجديدة :االلتزام هنا ليس أيديولوج ّيا ً أو عقائد ّيا ً لتأطير القلب والعقل ،كما لحق بجزء كبير من الرسم العربيّ لفترة طويلة في التاريخ الحديث ،والذي ح ّددته المؤسّسات الرسميّة على مقاس خطابها التعبويّ ،من دون االنتباه أله ّميّة النزعة الفرديّة ،والتي هي سبب لك ّل ابتكار .ويضيف الصافي مش ّدداً على استقالليّة الف ّنان :ال توجد مشكلة في معالجة الرسم للمضامين االجتماعيّة والسياسيّة بشرط أن تعالج وفق رؤية ف ّنية مستقلّة. ويُجمع أغلب الف ّنانين المساهمين في «الفنّ والحرّ يّة» على أه ّميّة (األنترنت) وما تتضمّنه من مواقع إلكترونيّة أو مواقع للتواصل االجتماعيّ ،ومنها (الفيسبوك) التي ش ّكلت منبراً حرّ اً حقيق ّيا ً للف ّنانين السوريّين ،خاصّة وأ ّنهم حُرموا طويالً من ح ّقهم في التعبير عن أنفسهم ومجتمعهم.
حسيب م .عدي
أغاني القبّة
إمكانّيات كبيرة ّ وحظ قليل ما هي بـ «ربا» بل هي جبال فنّ ،قوامها صوت جميل واسع في الجواب والقرار ،له جاذبيّته ودفؤه الموسيقيّ ،وأداء كيّس متقن لك ّل النغمات ،قال عنها الناقد الموسيقيّ صميم الشريف «صوت خارق لم يُسمع مثله منذ خمسين عاماً» ص ّنفها الكثيرون بأ ّنها الصوت األجمل في تاريخ الغناء العربيّ بعد صوت أ ّم كلثوم والبعض وضعها في صفّ أ ّم كلثوم. ولدت المغ ّنية ربا الجمال واسمها األصليّ «زوفيناز خجادور قره بتيان» في مدينة حلب بسورية عام 1966ألبّ حلبيّ من أصل أرمنيّ وأ ّم لبنانيّة ،بدأت مشوارها الفنيّ بشكل فعليّ في عام 1975عندما اعتمدت كمطربة في إذاعتي بيروت ودمشق عام 1979التي كانت تفتخر بأ ّنها ح ّققت االنتشار من خاللهما وقد اشتهرت بأداء أغاني الكبار من أمثال أ ّم كلثوم وأسمهان ،قيل إنّ عائلة ربا الجمال لم تكن في بداية مشوارها الفنيّ موافقة أن تكون مغنيّة ،بل كانت تريدها أن تدرس الطبّ ،ولهذا سافرت إلى باريس ث ّم لندن، وهناك تعرّ فت على مدير فرقة األوبرا الذي أعجب بقوّ ة صوتها ال(سوبرانو) وطلب منها أن تشارك في مهرجان (ماريا كاالس) الذي ض ّم 30مشاركة من ع ّدة دول أوروبيّة وأجنبيّة ،فنجحت فيه وأخذت المرتبة األولى وأخذت لقب أعلى صوت نسائيّ في العالم ،ومن األلقاب التي حصلت عليها في المهرجان (سيّدة األناقة والرقيّ )( ،أفضل قرار سوبرانو). يشاع أيضا ً أ َّنه كان لربا مزاجيّة حا ّدة دفعتها لتعاطي المه ّدئات بشكل كبير ويعزي المطلعون على حياتها ذلك إلى أنَّ السبب هو زواجها الفاشل الذي لم يستمرّ ألكثر من خمس سنوات. بداياتها االحترافيّة كانت في الثمانينيّات من القرن الماضي، حيث تب ّنى موهبتها الموسيقار الفلسطينيّ رياض البندك ولحّ ن لها العديد من األغنيات ،ث ّم ق ّل نشاطها الفنيّ كثيراً إلى أن انطلقت االنطالقة القويّة عند زيارتها للقاهرة حيث شاركت في حفل المؤتمر الرابع للموسيقى العربيّة في تشرين الثاني عام 1995والذي أقيم في دار األوبرا المصريّة مع الفرقة القوميّة للموسيقى العربيّة بقيادة المايسترو سليم سحاب ،وغ ّنت فيه العديد من األغاني الطربيّة منها (أنت عمري)( ،افرح يا قلبي)( ،عودت عيني)( ،يا ليلة العيد) ،والتي أذهلت جميع الحاضرين بأدائها وظلّوا واقفين يص ّفقون لها لم ّدة ربع ساعة، وت ّم منحها كتاب شكر وتقدير من المؤتمر ،وأعلن الموسيقار محمّد سلطان عام 1982أ ّنها «إذا قبلت أن تبقى في القاهرة لعام واحد فسيجعل منها أه ّم مطربة في عصرها» ،لحّ ن لها مجموعة من الملحنين ،منهم (سهيل عرفة ،سعيد قطب، فاروق الشرنوبي ،نجيب السرّ اج وغيرهم). غ ّنت قصيدة (لماذا تخليت ع ّني) شعر نزار قبّاني وتلحين
newspaper@allsyrians.org
األسدي» المؤرخ والشاعر «خير الدين ولد ّ ّ ع��ام 1900في حلب ،وتو ّفي فيها عام ،1971استغرق في كتابة «موسوعة حلب وسجل فيها تراث حلب المقارنة» ٣٠عاماً، ّ ي من حكم وأمثال وعادات وأخبار، غير المادّ ّ وبحث في جذور كلمات اللهجة الحلب ّية بحثا ً عميقا ً متم ّيزاً.
شاركت في إحياء مهرجان قرطاج بتونس سنة 1998 وكتبت عنها الصحافة التونسيّة وقتها «إ ّنها صوت كلثوميّ من عيار .»24 شاركت في حفلة تكريم محمّد عبد الوهاب ،حيث غ ّنت دويتو «قيس وليلى» مع وديع الصافي ،كانت ربا تقول دائماً: إ ّنها ال تحبّ الفيديو كليب وال ترى نفسها فيه أل ّنها كانت تعتبره فقط من أجل عرض األزياء واألجساد على الشاشة وكأ ّنه سوق للرقيق يت ّم فيه التنافس إلظهار المفاتن فقط ،وال ّ يمت للفنّ بأيّة صلة ،ولهذا نراها مبتعدة بشكل كامل عن تقديم أغانيها على طريقة الفيديو كليب عربي. قال فيها الشاعر إلياس ناصر :صوت ربا الجمال صوت المس العمالقة في النوعيّة وفي القدرات ،إ ّنها زهرة في روض واسع اآلفاق ،بقيت بريّة… .وتشهد لها المطربة جاهدة وهبه :ربا الجمال صوت ماسيّ ..يتن ّقل بين أصناف الغناء بعمق وعذوبة ويرقص على سلّم الدرجات الموسيقيّة بخ ّفة وسالسة ..يتسلّقها من خفيض إلى أعلى فأعلى بطواعية ودراية. تو ّفيت ربا الجمال عام 2005كانت جنازتها متواضعة ج ّداً لم يحضرها سوى المقرّ بين ،وأخيراً فإنّ ربا الجمال عصفور غرّ د في غير زمانه ،فكان ّ حظه قليالً رغم ضخامة قدراته وإمكانيّاته.
أسعد شالش
َ تحت البا ِء ،أنا س ُْلطانُ َممْلك ِة فأنا ال ُّنقط ُة بحر ال ّتمجيدِ ،أنا َقيّو ُم َّ ور ،أنا ُربَّانُ مان الز ِ ِ ال ُّن ِ والمكان. ِ
�دي» الكثير من اآلثار معظمها ترك «األس� ّ الشعري مخطوطات ،ومن مؤ ّلفاته في النثر ّ
َش ِه ْد ُ عوالم ت ال ُّنقط ُة دائ��ر َة ت عهدَ أنْ كان ِ ِ الحق إليها بال َه ْي َب ِة َف َسا َل ْ ُّ ت الحُروفِ َ ،و َن َظ َر ْ وكانت ألِفاً.
الح ْب َر ِة س ْو َرةُ َ ُ
هللا ،أنا ْ تطريب ُة السَّما ِء ،أ ْف َل ُّ ت ُستان ِ أنا طائ ُر ب ِ الحبيبِ. مِنْ شِ بَاكِ ال ُّدنيا على ندا ِء َ
ديوان «أغاني الق ّبة» ومنه قصيدة: سعيد قطب ،وقصيدة (لن أعود) من تلحين نجيب السرّ اج، لها ألبوم واح��د بعنوان «صعبها بتصعب» وهو األلبوم الوحيد الذي ض ّم أعمالها الخاصّة منها (فاكر والناسي، صعبها بتصعب هوّ نها بتهون) ،أمّا باقي تسجيالتها وحفالتها فمعظمها عبارة عن حفالت طربيّة تألّقت فيها بإعادة غناء مجموعة من أغاني أم كلثوم وأسمهان.
وناداني الص َّْو ُ ْني َ راب ك َش َ أنت ،ألس ِق َي َّن َ تِ :ب َعي َ َ الص ِّْد ِقَ ،و ْ هي الكريم، لك عن َوجْ َ ألكشِ َفنَّ َ ت في َّ الطي ِْر ت الصَّمْ ِ َوأل ُ ْطل َِع َّن َك على لُغا ِ َّ والزهْ ِر ،وفي ك ِّل رفيفٍ.
لك ،يا حاف ُ الج َسدِ، ِظ! هذا ال َق َفصُ َ :ق َفصُ َ «أ َّنى َ وأ ْن َ الحالِ ُم على َش َف ِة الحب َْرةَُ :ذل َِك ال َّن َغ ُم َ ت َ ال ُخلودِ؟ الحي َْرى َتخ ِْذ ُ �ار ِم��نْ ُخيوطِ ت أوت� َ األنسام َ ِ ُ ُ أفالذ حيث هللا، عُودي ،لِ َتهي َم َمال ِحنِي في تِي ِه ِ الح ِْك َمةِ ،وحي ُ َ ور. ْث أ َم ُم ال ُّن ِ ُطاو ُل عمودَ شِ عْ ري: َّباح ي ِ إزا َء َعمو ِد الص ِ ان مِنْ نور و َبها ٍءَ ،ي َت َم َّطى َف ْو َقهُما بُر ُج ٍ سار َي َت ِ ِ الجمال. ِ ناح ُّ الطه ِْر! َ وزحْ م َة فمُضِ ّياً ،يا رُوحُ! يا َج َ اإللهام! في مَطافِ العا َل ِم القُدسِ يِّ ، ِ ِح ال ُم َك ْو َث ِر مُضِ ّيا ً إلى َنب ِْع ال َّش ِ مس الصَّاد ِ ُغر ِقْ ، ألغسِ َل ِب َبها ِئ ِه أواسِ يَّ ِردائي، الغار ِق الم ِ ِ َ ليستقب َل َنسِ ي َم ى، ِو ق ال ء ِل م ب لبي ق باب ح ِ ِ َ َ وأَ ْف َت َ ِ عاع مِنْ َم َهبِّ الحياةِْ ، وأك ُح َل ِح ْن َو َنجْ ِم ال ُّش ِ ً ب الحا َنةِ ،فال أك ُتبُ أرقاما ً خاطئة ْن بترا ِ َ العي ِ حاس في َل ْو ِح ال َمعْ ِر َفةِ ،وأ ْن ِز َع َعنْ وجُودي ُن َ الوُ جودِْ ، هللا ِبكِيمْيا ِء ُح ِّبهِ. ب ِ ألغ ُد َو ذ َه َ لقد ُسق ُ الجنابِ ،و ُخ ِت َم ِيت السِّكين َة في ِرحا ِ ب َ شرب ُ صمْ ٍ ت ْت د َم قلبي في َ على شفتيَّ َ ،ف ِ ُكونَ ،و ْأوالن َِي حبيبُ األزل َك ْن َز الح ُْز ِن ِ وس ٍ َّ �ون ال َمعْ َنى ال ُم ْب َه َم والرِّ ضا والط َربِ ،ألك� َ اح يدو ُر في َخ َل ِد َّ مان. الح ُْل َو ال ّ ص َّد َ الز ِ
ب َّ الحضْ َرةِ، أنا َمزامي ُر مِحْ را ِ الز َم ِن ،أنا َببَّغا ُء َ ِنقاري أُسْ ُ أ ُ َر ِّد ُد ما َي ْنفُ ُ تاذ َ األز ِل. ث في م َ أنا قُمْريُّ ال َفجْ ِر ،أهِي ُم ِب َتسابيحي من َمرْ َف ٍه ِيس ال َم َر ِح في ضِ فافِ إلى َمرْ فهٍ ،وأ ُ ْش ِع ُل َفوان َ الح َياةِ. َ َن َس َم ْ ت مِسا ِم ُع َم َشامِّي و َم َشا ُم َمسامِعي َتراتي َل الع ْ هللا. ِط ِر من قُمْ قُم ِ يار! فال ي َُسمِّرني ِا َّد َغ َم ِ ت الحواسُّ ،يا عبابيدَ ال ِّد ِ في أرضِ ُك ْم َس َببٌ وال وسيلٌَ ،وهِمْ ُ ت في ْأودا ِء ال َه َوىَ ،ت ُنو ُء بي أحال ُم السَّما ِء ،فأزجوها شِ عْ راً غريب ال َّن َغ ِم. َ نان: وان ال ِج ِ َفقُ ْل ل ِِرضْ ِ ِس حافظٍ ،اِجْ َع ْل ُه َبخوراً في هذا ُترابُ َمجل ِ َمجْ َم َر ِة فِرْ دَ ْوسِ َك. ُ الكون �ر ُق ساح َة ِ أ ْف َت ُح ممال َِك القُلوبِ ،وأ ْغ� ِ ُ وأسوق بإسْ عا ِد اريبِ، بال َّنشو ِة لل َّ ص ْف َو ِة ال َم َط ِ ب هذ ِه ال ُّدنيا في ُه ُدو ٍء. الحبي ِ َ ُور ضا ِد َع ْهد َ أَرْ َعى َر َواسِ َخ أَعْ َ ِي َح َّتى دَ ْيج ِ س َفجْ ِر َ األز ِل: األ َبدِ ،كما َر َع ْي ُت ُه ُم ْن ُذ َت َن ُّف ِ ُم ْن ُذ أنْ َل َّفنا ال ُّنو ُر في َمجالي ال ُّسعُودِ ،و َل َّج بنا ال َه َوىَ ،فا ْف َت َر ْق َنا على مِيعادٍ».
www.allsyrians.org
12
العدد 29
السنة الثانية
/ 17نيسان 2015/
بدنا حنكي
مقامات
طرائف من موسكو 2
ّ ألم(ملخص الجزء األوّ ل من موسكو :1الدعوة إلى موسكو)2 لقطات من موسكو:2
• الجعفري :ح ّققنا «اختراقاً» لم يكن متاحا ً سابقاً ،والمسنا مشاغل المواطن السوريّ ! •
نعومكين :لقاء موسكو 2أساس لح ّل سلميّ !!
• رندا قسيس :المشاركون في المشاورات تم ّكنوا من تجاوز النقاط الخالفيّة «الحساسّة» واال ّتفاق على ورقة ح ّل بات وشيكاً!! • ميس كريدي :أدعو المجتمع الدوليّ إلى «الضغط» على بعض «الالعبين» ّ التدخل. للكفّ عن • سمير العيطة :الجعفري أهانني مع أ ّنني احترمته وكنت أخاطبه بـ سيادة السفير...والنظام فوّ ت فرصة للمضي نحو ح ّل سياسيّ . • أظهر رئيس وفد النظام وثائق قال إ ّنها تثبت تقديم النظام أسلحة وأمواالً لقوّ ات حزب االتحاد الديمقراطيّ الكرديّ ( ،)PYDث ّم توجّ ه إلى أعضاء وفد «المعارضة» بالقول« :بإمكانكم أن تأخذوها وتصوّ روها»
ّ لكل مقام مقال
الذاكرة
ال شيء يؤلمني أكثر من تلك الذاكرة التي تتربّص بي بين الفينة واألخرى، تلك التي انسلخت ع ّني على حين فجيعة فاقت طاقتي وه ّ شمت ما تبقى من مقدرتي على االحتمال ،أو لعلّه العجز المتفاقم من الخيبات المتتالية جعل من تلك الفجيعة الق ّ شة التي قصمت ظهر طاقتي .ال أدري ُ انفصلت ع ّنها ح ّتى غدوت أتجاهل تد ّفق التفاصيل التي كيف تغمرها راضخة لفكرة واهمة بأ ّني ما عدت أحمل مالمح تلك الفتاة وال يجمعني معها أيّ تشابه ،بل ربّما أقف على النقيض من بعض آرائها .غير أ ّنها ال ترحمني رغم انفصام العروة الوثقى بيننا ،تتحيّن فرصة مصادفتي لتواريخها المحفوظة بما فيها من صور حافلة بالالفتات أو مشاهد مسجّ لة تض ّج بأصوات كانت ثائرة يوما ً ما ،لتقوّ ض بذلك ما تب ّقى من روحي باللوم .وال يقنعها تبريري أ ّني عاجزة اليوم ولم أستطع أن أكون وفيّة لتلك المواقف فاألمر فاق استطاعة األفراد أمام دمويّة الوضع ،وال إخباري لها بأنّ الكثيرين قد باتوا مثلي ظالالً لماضيهم ،غرباء عن ذكرياتهم ،مخذولين في حضرة مواقفهم السابقة .فلم نعد نواجه عدوّ اً واحداً نحشد ض ّده ك ّل طاقاتنا بل من كان م ّنا أصبح عدوّ نا أيضاً ،وآخر غادرنا هارباً ،عالوة على تكالب العالم وحكوماته على إبادة أحالمنا .وال مجال للّوم هنا ح ّتى تجاه الذين غادروا فكيف أقنعك أيّتها الذاكرة بأنّ الصمت اليوم ما عاد يت ّم وسمه بالعار؟ وهذا الصمت ال ينتمي إلى الحياد بل إلى العجز. فهل تريدين أن أغادر إلى ما وراء البحار ألجترّ أحداثك وأعيد وأكرر التباهي بأمجاد أفعالي السابقة على صفحات االفتراض في مجمّعات اللجوء؟ هل يكفيك أن أسجّ ل موقفا ً كالم ّيا ً ال يق ّدم وال ّ يؤخر وال يخ ّفف من مجانيّة الدم المهدور اليوم ليهدأ ضجيجك؟. ربّما أكون على خطأ ،وربّما من نجا بجلده من المذبحة وغادر ليمارس حرّ يّة رأيه في الخارج هو على صواب .يكفي أ ّنه لم يتقوقع على ذاته ولم ي ّتخذ الصمت لبوسا ً كما فعلت .لكن أتراه يعاني من هجمات الذاكرة الموجعة أيضاً؟ وهل يُعيد إحياء تلك الصور والحكايات ليقنع ذاكرته بتخفيف اللوم؟ هل ثمّة اختالف بيني وبينه؟ أم أنّ الذاكرة تضع كالًّ م ّنا في دوامة أسئلة تحاصرنا للنفاذ منها وال تنفك تعيد البحث والتساؤل حول الخطأ الذي ارتكبناه ح ّتى بلغنا هذا اليوم مخذولين غارقين بالعبث من رؤوسنا ح ّتى أخمص أقدامنا؟ هذا العبث الذي ما عاد يجدي معه نفعا ً االستسالم للذاكرة واجترار ما فعلناه في لحظة غياب الفعل اآلنيّ من جهة ،كما أ ّنه ال يتالشى حين نرضخ لفكرة واهمة حول عجزنا المطبق على أفواهنا من جهة أخرى .إذ ثمّة ارتباط وثيق بين إلحاح الذاكرة ّ وتضخم الذنب ،سواء رضخت لها أم قاومتها بالتجاهل ،سيتفاقم ذلك الذنب وسيحضر مع ك ّل قطرة دم مجّ انيّة تهدر على هذا التراب ،سيرافقك كظ ّل أبدي ،وال شيء أقسى من لعنة التخاذل إذا أصبحت قدر اإلنسان. فما العمل أيّتها الذاكرة التي تتربّص بالكثيرين من أبناء هذه األرض؟ كيف لنا أن نحرّ ك العالم ليوقف هدر دمائنا ليمنع المجازر ،وهل باإلمكان أن نزيل الصدأ عن الحناجر التي تاقت إلى الهتاف لحرّ يّة البالد ،أن نخرج من فرضهم علينا باالختيار ما بين االستبداد أو اإلرهاب؟ كيف لنا أن نتوحّ د مرّ ة أخرى على هدف واحد وحلم واحد؟ كيف لنا؟
مي الفارس
رئيس التحرير بسام يوسف َ
هيئة التحرير ّ بشار فستق -غزوان قرنفل ثائر موسى -عزّة البحرة
newspaper@allsyrians.org
زينة أرحّيم تفوز
من المح ّددات في النقطة 8أنّ :الطريق الوحيد إلنجاز الح ّل السياسيّ هو • الحوار الوطنيّ السوريّ -السوريّ بقيادة سورية وبدون أيّ ّ تدخل خارجيّ . (مالحظة :ورقة المعتقلين ليست على الطريق ،إ ّنما هي ّ تدخل خارجيّ ) • اقترح المعارضون المقبولون من قِبل دمشق وموسكو ،توجيه رسالة إلى األمين العام لألمم الم ّتحدة بان كي مون بشأن ضرورة عقد مؤتمر «جنيف !»3 -لتخفيف القلق
• نشر اإلعالم الروسيّ (قناة )RTعلى شكل تسريب النقاط التي قيل إ ّنه ت ّم التوافق عليها بين النظام والمعارضة المقبولة من قِبل النظام وموسكو ،من هذه النقاط نالت الصحافيّة السوريّة زينة أرحيّم ،جائزة «مصطفى مثالً: -6مؤازرة الجيش والقوّ ات المسلّحة في دعم وتعزيز المصالحات الوطنيّة. الحسينيّ » ،عن مقالها «كريمته الحرمة تنتصر على زينة الصحافيّة بفارق شريط ح��دودي» ،لتكون بذلك أوّ ل سوريّة (مالحظة :استمرّ القصف بالبراميل المتفجّ رة على معظم أرجاء سورية من قبل تحصل على هذه الجائزة. الجيش والقوّ ات المسلّحة أثناء انعقاد جلسات موسكو)2 وج��اء في البيان ال��ذي أصدرته جمعيّة أصدقاء مصطفى • «معارضون» حضروا ث ّم خرجوا من اللقاء صرّ حوا بأ ّنهم لم يوافقوا على الحسينيّ ،أ ّنه :تقدم لجائزة (مصطفى الحسينيّ ألفضل مقال النقاط العشر التي (سرّ بها) اإلعالم الروسيّ .منهم الدكتور عارف دليلة ،ومحمّد رحّ ال، لصحافيّ عربيّ شابّ ) هذه السنة 93مقاالً ،كتبها 63كاتبة وكذلك سمير العيطة الذي تالمس جسد ّيا ً وبرفق مع معارض المعارضة – كما يسمّي وكاتباً ،وقد قامت لجنة التحكيم باختيار 9مقاالت للقائمة القصيرة نفسه -قدري جميل ،ألكثر من مرّ ة أثناء المؤتمر الصحفيّ . للجائزة. • قدري جميل :عندما نتح ّدث عن مرّ ة قادمة فإ ّننا نقصد جنيف 3وليس موسكو أضاف بيان الجمعيّة :في النهاية استقر رأي غالبيّة أعضاء لجنة التحكيم على منح الجائزة لمقال زينة أرحيّم «كريمته الحرمة 3مع وجود وفد «جيّد» لتمثيل المعارضة السوريّة! (ختم جميل المؤتمر الصحفيّ بقوّ ة قائالً :نحن محكومون باالنتصار). تنتصر على زينة الصحافيّة بفارق شريط حدودي». وتكوّ نت لجنة تحكيم الجائزة هذه السنة من «األستاذ جهاد وإلى اللقاء في الجزء الثالث من مسلسل جنيفسكو. الزين ،األستاذ حسام بهجت ،الدكتور خالد مطاوع ،الدكتور سالم الكواكبيّ واألستاذة هبة صالح». يذكر أنّ زينة أرحيّم صحافيّة سوريّة من مواليد العام 1985 تعيش حال ّيا ً في حلب .وقد درست زينة في جامعة دمشق ث ّم حصلت على ماجستير في اإلعالم الدولي من جامعة لندن .وتعمل كمراسلة صحافيّة ومدرّ بة للصحافيّين المواطنين في سورية. وجائزة «مصطفى الحسينيّ ألفضل مقال لصحافيّ عربي شابّ » هي جائزة سنويّة تمنح لصحافيّ عربي ال يتجاوز عمره الخامسة والثالثين عن مقال منشور في إحدى الصحف أو المواقع اإللكترونيّة الصحافيّة. ت ّم تكريم أرحيّم من ضمن عشر صحافيّات ب��ارزات حول ّ منظمة «مراسلون بال حدود» ،تقديراً لجهودها العالم ،من قبل المبذولة خالل عملها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سورية.
مخالفة قوانين مكافحة االحتكار قرّ ر االتحاد األوروبّيّ فتح تحقيق للنظر في مدى التزام شركة «جوجل» بقوانين مكافحة االحتكار فيما يتعلّق بنظام «أندرويد» لتشغيل الهواتف المحمولة .وا ّتهم االتحا ُد الشركة بخداع المنافسين من خالل التالعب في نتائج «جوجل شوبنج» على اإلنترنت لصالح خدمتها للتسوّ ق. وجرى إرسال قائمة باالعتراضات إلى «جوجل» التي تهيمن على سوق محرّ كات البحث عالم ّياً. هكذا في صباح عاديّ ٍ ال��م��رأةُ على الرصيف في الشارع الذي بآخره المدنُ المقصوفة والمدنُ المحروقة على وجهها ذهو ٌل عميق.. ً ُ ...في العاشرة صباحا ،المرأة بوجه عاطفيّ على الرصيفِ وتنظر برع ٍ ب إلى عابرين ال يكترثون لشي ٍء لتوّ ها غادرت من باب الكواليـس من منتصـفِ مسـرح ّي ٍة ابتدأت بعد عشر سنين من اآلن حوالي العاشـرة ليالً... حازم العظمة
االخراج الفني منير األيوبي
بفن ّ مشاركة سورّية ّ الخط
دعت جامعة «مرمره» إلى حضور معرض تحت ع��ن��وان إرغ���وان erguvan( 2015 )2015وذلك في الثامن عشر من نيسان الحاليّ ، في صالة العرض ضمن مبنى متحف جامعة مرمره في منطقة السلطان أحمد ،وسط مدينة إستانبول التركيّة. ويشارك في هذا المعرض السنويّ للفنون ّ الخطاط السوريّ محمّد عماد محّ وك، التقليديّة ّ بمجموعة من أعماله باإلضافة إلى فنانين أتراك.
(ف��ي��دي��و) تحويل نفايات تحرير إدلب وبصرى البالستيك إل��ى وق��ود في الشام ومعبر نصيب وتدمير غ��وط��ة دم��ش��ق للتغلّب فرع المخابرات الجوّ يّة في على الحصار ،يستخلص حلب ،لم يرق للبعض ممّا البنزين ث ّم المازوت وكذلك يسمّون معارضة أو ثوّ ار الغاز من البخار الناتج عن ولم يسعد أسيادهم. الغلي ،ويصف تقرير قناة العقيد رياض األسعد تغيّرات كبيرة تطرأ على الثورة السوريّة« ..أخبار اآلن» العمليّة بأ ّنها اختراع أشياء للعيش، فأسعار المحروقات غير معقولة .أمّا عن المردود ولكن ال حياة لمن تنادي .. ففي الشمال السوريّ ،تم تحرير مدينة إدلب ،فيقول أحد المن ّفذين :ك ّل طنّ واحد ينتج ما يعادل ّ 800كغ من مختلف المواد المكرّ رة. واقتراب تحرير حلب. https://www.youtube.com/watch?v=cDRSdXLzqz4 عبد الهادي علّوش
فريق العمل هلّ العبدال سكرتاريا :نور التدقيق اللغوي :فلك الخالد الموقع اإللكتروني :باسل العبداهلل
اآلراء الواردة في كلّنا سورّيون تعبّر عن رأي الكاتب و ال تعبّر بالضرورة عن رأي الصحيفة
www.allsyrians.org