حناول أن تكون فضا ًء إعالميّاً مفتوحاً على الشأن السور ّي ،وتشارك السوريّني حياتهم يف بالد النزوح ،ونسعى ألن تكون ساحة لتبادل الرأي وتبادل املعلومة ،حماولة جادّة للمساهمة يف صناعة إعالم سور ّي جديد وج ّدي ،يساهم ب��دوره يف صياغة وعي وط ّ ين س��ور ّي جامع، يؤ ّسس لصياغة اهلويّة الوطنيّة اجلامعة .
سياسية ثقافية نصف شهرية العدد - 19 -السنة األوىل
/26تشرين الثاني2014 /
12صفحة
من حلب «دي ميستورا» يطرح مبادرته ما بني الطائف والطوائف ،ضيّعنا اهلويّة الوطنيّة
تكليف حكومة وســقوط ائتالف ،الفشــل من جديد
newspaper.allsyrians.org
الطريق إلى المؤتمر الوطني العا ّم ال يمرّ عبر ّ مؤتمرات «الطوائف» َّب فشل المعارضة السوريّة في قيادة الثورة السوريّة ،وغياب سب َ مشروع وطنيّ جامع يلتقي حوله السوريّون ،وأمور أخرى كثيرة شة أساسا ً في زيادة تفتيت البنية االجتماعيّة السوريّة ،هذه البنية اله ّ والتي لم تتصلّب تاريخ ّيا ً بما يكفي لكي تقاوم ّ الهزات التي تصيب المجتمعات عادة ،وال يكفي هنا لتفسير هذه الهشاشة أن نتح ّدث فقط عن مسؤوليّة النظام طوال ما يقارب خمسة عقود ودوره في تعميق هذه الهشاشة وتكريسها ومحاصرة وسحق ك ّل ما يمكن أن يواجهها ،إذ الب ّد هنا أيضا ً من الرجوع إلى تاريخ سوريّة خالل القرون الماضية ،هذا التاريخ الذي لم يُتح للشعب السوريّ ّ المتمثل أن يرسّخ مرتكزات دولته ضمن هذا الظرف االستثنائيّ ّ منظمة مكانها، بغياب الدولة بصيغتها الحديثة وحلول عصابة ّ وتسخر ك ّل إمكانات المجتمع لتعميم عصابة تملك ك ّل أدوات القمع هذا القمع ،وبغياب ك ّل ما يمكن أن يش ّكل حصانة أليّ مجتمع في وجه أزماته ،كالمؤسّسات والقانون والجيش ،ضمن ك ّل هذا انفجرت الثورة السوريّة. كان الحلم بوطن جديد هو الدافع إلطالق الشعارات األولى للثورة السوريّة حول وح��دة الوطن والشعب وح��ول الحريّة والديمقراطيّة وحول كرامة اإلنسان ،لكنّ العنف الشديد الذي جوبهت به طالئع الثورة السوريّة استطاع أن يزيح هذه الشعارات عن واجهة الثورة ليتق ّدم خطابٌ آخر خطابا ً كلّنا يعلم من أين يستم ّد مفرداته.
كلّنا سوريون -عدسة زياد عيسى
تحقيقات العدد
المبادرات الدولّية في صيغتها الجديدة
-اجلنود األطفال يف سورية
ص6
-يف اخليام وحتت القصف
ص6
-طلاّ ب سوريّون يف بالد اللجوء
ص7
إن وجد الدواء! -ضحايا األسعارْ ،
ص7
االقتصادي في تح ّديات النم ّو ّ المستقبل ص8 التحول يتط ّلب النجاح في عدّ ة أمور منها: إنّ بلوغ هذا ّ الداخلي واستعادة األمن واالستقرار والتقدّ م أ_تسوية النزاع ّ وبخاصة إصالح البنى في عمل ّية إعادة التأهيل والتنمية الشاملة ّ التحت ّية وتحديث الهياكل االقتصاد ّية واإلفادة من آخر التطبيقات والمبتكرات العلم ّية والتقن ّية الحديثة. د .حممّد حاج بكري
كسر «التابوهات» الثالثة ص9
ان��ت��ش��رت ظ��اه��رة المساكنة الجنسي) بين التحرر (كمثال عن ّ ّ السور ّيين القاطنين في تركيا .واألمر يكاد ينطبق على السور ّيين المنتشرين في أنحاء أوروب��ا ،سواء كانت المساكنة تحدث بين �وري ،ومن المه ّم سور َّيين اثنين ،أو بين سوري وآخر غير س� ّ ّ اإلشارة إلى أمور عديدة ساعدت في انتشار هذه الظاهرة ريم احلاج
السلطة :بين الضرورة ُ والحاجة االجتماعّية
ص 10
المشــكلة األســاســـ ّية في الســلطة ه��ي االع��ت��ـ��راف بما ّ حـق وواجـب عند تقـوم بـه من طرفيهـا ،فـإذا ك��ان االعتراف متبـادالً وتا ّمـا ً اســتقامت الســلطة كعالقــة أمر ّيـة مشروعة
عبدو نيب
ص2
استباحة جعلت من سور ّية ساحة لكل ّ فنون اإلرهاب ،كما دفعت وتدفع بماليين السور ّيين للهروب خوفا ً من الموت، محولة سور ّية التي لم تعرف اإلرهاب ّ عالمي لكل ّ إرهاب ّيي العالم ،ح ّتى أضحت مسرحا ً ألكثر من سابقاً ،إلى مركز جذب ّ المتطرفين ثالثة آالف أور ّب ّي مهووس بقطع الرؤوس البشر ّية ،ولعشرات اآلالف من ّ الشيشان ّيين والتونس ّيين والجنس ّيات األخرى. لؤي حاج بكري
بين جحيم دانتي وجنّة داعش
ص3
جحي ُم السور ّيين ابتدأ منذ عقود خمسة ماضية بتو ّلي األسد وطغمته المجرمة مقاليد السلطة ،لك ّنهم بثورتهم وانتفاضتهم ضدّ الظلم واالستبداد األسود كانوا على موعد مع جحيم آخر على غرار جحيم دانتي الذي م ّثلته لوحة «بوتشي ّلي» ،فهم يدركون منذ اليوم األول للثورة بأنّ المواجهة لن تكون ه ّينة أو ّ مأمونة العواقب مصطفى اجلرادي
إعالن سورية ال ّثورة السور ّية التي أعاد ِ وح الر َ ت ّ إل�����ى ال��ش��ـَّ��ع��ب �وري ،هي ال��س��ـ��ـ� ِّ أه����� ُّم ح�����د ٍ ث في ص4 ت���اري���خ س��وري��ة شــعب عظي ٌم أدهـش العال َم ك ّله ،الســترجاع وعيه وإرادتـه وثقته المعاصر ،قام بها ٌ والتحول إلى ذا ٍ ت حاضر ٍة وفاعل ٍة بعد عقو ٍد من إقصائه وتهميشــه. بنفســه، ّ بالتعرف على بعضهم بعضا ً من دون فمنذ انطالقتها شــرع الســور ّيون ّ ً ً حواجـز ،وصـاروا يتواصـلون ويتفاعـلون ُمنهـين حقبـة طويلة من االنعزال والجهل ببعضهم ،وأخذوا يتبادلون معاناتهم وآالمهم ،ويســتردّ ون ذواتـهم التي كلّنا سوريون بدَّ دها القمع واالســتبداد.
لم تفشل األحزاب السياسيّة فحسب ،بل فشلت ال ُنخب الثقافيّة واالقتصاديّة والدينيّة في إرساء صيغة وطنيّة يمكنها أن تحمي المجتمع السوريّ في أزمة كهذه ،كان علينا أن نتعمّق في فهم الدرس العراقيّ جيّداً وأن ندرك أنّ ما ينتظر سوريّة يشابه إلى ح ّد كبير ما جرى في العراق ،ال بل ،أفظع إذا الحظنا وجود عامل دخول قوّ ات أجنبيّة في العراق. يمكن القول اآلن ،إنّ ما تملكه سوريّة من ركائز إقامة المشروع الوطنيّ يكاد يقارب الصفر ،وربّما سيكون األفجع إنْ قلنا إنّ معيقات هذا المشروع وعقباته قد أصبحت أكبر بكثير من نقاط قوّ ته. لع ّل الرافعة األه ّم التي يجب أن نعمل عليها لقيامة سوريّة هي وعيّ السوريّين بحقيقة المخاطر التي ته ّددهم وته ّدد وطنهم بك ّل وجوهه ،يجب أن تلعب ال ُنخب الثقافيّة واالقتصاديّة والسياسيّة والدينيّة دوراً مه ّما ً في صياغة هذا المشروع الوطنيّ الجامع، مشروع يعيد تشبيك ما ته ّتك من النسيج االجتماعيّ السوريّ ، ويعيد ثقة السوريّين بالدولة الواحدة الديمقراطيّة. من هذا المنظور تبدو المؤتمرات التي ّ تمثل مكوّ نات المجتمع السوريّ (طائف ّياً) هي مؤتمرات في السياق الخاطئ بغضّ النظر عن نوايا أفرادها ،هذه المؤتمرات التي يُسوَّ ق لها على أ ّنها مق ّدمة لمؤتمر وطنيّ عا ّم ،لك ّنه من السهولة القول إنّ الوصول للمؤتمر الوطنيّ العا ّم ال يتطلّب أبداً المرور عبر هذه المؤتمرات ،وأنّ التحضير لمؤتمر وطنيّ عا ّم يتطلّب صياغة مشروع وطنيّ وليس صياغة تمثيالت طائفيّة. لعلّه من اإلجحاف الكبير أن نص ّنف مؤتمر «كلّنا سوريّون» الذي عُقد في القاهرة في آذار 2013ضمن هذه المؤتمرات لسببين رئيسيّين: أوّ الً – َمن حضروا هذا المؤتمر كانوا ّ يمثلون ك ّل المعارضة السوريّة يومها وليس معارضي طائفة ما. ثانيا ً – كان هدف هذا المؤتمر هو منع الوصول لهذه الصيغة من المؤتمرات عبر إلغاء ربط طائفة ما بالنظام ،هذا الربط الذي عمل عليه النظام لتكريس صورة الحرب األهليّة في الثورة السوريّة ،ولوضع مكوّ نات المجتمع السوريّ في حالة حرب فيما بينها ،وبالتالي كان هدف المؤتمر األساسيّ هو إعادة وضع النسيج السوريّ كلّه في مواجهة النظام ،وال يخفى على أحد من السوريّين وغير السوريّين النتائج الكارثيّة التي تر ّتبت عن فشل هذه المحاولة وبقاء مكوّ نات المجتمع السوريّ رهينة مشاريع اآلخرين وليست رهينة المشروع الوطنيّ . إ ّننا بأمسّ الحاجة لمؤتمر وطنيّ عا ّم يلتقي فيه السوريّون ونخبهم على مشروع وطنيّ يعيد انتماء السوريّين إلى وطنهم ّ متأخرة. أوّ الً ،انتما ًء يُعيد غيره من االنتماءات إلى مراتب أخيراً ،إنّ الوصول إلى المؤتمر العا ّم عبر المؤتمرات الطائفيّة هو تأسيس لمحاكاة الصيغة اللبنانيّة وهذا مايجب أن يقف ك ّل ب ّسام يوسف السوريّين ض ّده.
2
العدد 19
/26تشرين الثاني 2014/
المبادرات الدولّية في صيغتها الجديدة
مع اقتراب ثورة الغضب الشعبيّ السوريّ من عامها الرابع ،لم يغيّر النظام في دمشق من خياراته ،باستخدام ك ّل أشكال العنف إلنهائها ،وباإلصرار المستمرّ لخلق دام ،بين مختلف مكوّ نات المجتمع، صراع اجتماعيٍ ٍ ٍ حفاظا ً على السلطة المطلقة لحاكمه الفرد ،ممّا جعل من تلك الخيارات سببا ً رئيسا ً في تحويل البالد نحو ساحة لإلرهاب العالميّ ،جاذبة لك ّل تلك العناصر اإلرهابيّة في معظم التجمّعات البشريّة ،التي يُق ّدر عددها ح ّتى اآلن بأربعة وثمانين بلداً ،وممّا قد يجعل من كا ّفة الحلول والمبادرات السياسيّة المعلنة مجرّ د فقاعات، تتالشى بُعيد إطالقها ،وقبل استكمال عمليّة تفسيرها، لتظهر كنوع من حراك مبدعيها الذاتيّ ،أو كنوع من إشعار اآلخرين بوجودهم ،مع الفصول الجديدة في ّ المتمثلة في السيطرة المتزايدة دراما العصر السوريّة، لقوى اإلسالم المتطرّ ف ،وتراجع قوى الثورة عن المناطق التي ت ّم تحريرها من قبضة النظام ،وفقدان النظام للعديد من مناطق ومراكز انتشار قوّ اته.
-1-
قد يكون الفشل الذي أصاب مؤتمر جنيف،2 نتيجة لالختالف الدوليّ ف��ي ال��وص��ول إل��ى ح ّل ت��واف��ق��يّ ح���ول صيغة جنيف ،1السبب الرئيسيّ م���ن أس���ب���اب ال��غ��ي��اب الالحق لح ّل سياسيّ ، في حين أنّ التطوّ رات المأساويّة التي أعقبت ذلك المؤتمر ،تعتبر سببا ً كافيا ً لتكثيف الجهود، لكن م��ا ُي��ط��رح اليوم م��ن م��ب��ادرات وخطط سياسيّة ،بعيدة عمّا ت ّم بحثه في مؤتمرات جنيف ،ال يدلّل إلاّ على الرؤى الفر ّدية ألصحابها ،فالمبادرة الروسيّة األخيرة ،التي يحلو للبعض رؤيتها كمق ّدمة لموسكو 1أو لجنيف ،3والمستندة إلى فكرة تشكيل حكومة من النظام وبعض أطياف المعارضة ،دون أيّة إضافات أخرى تتعلّق ببنية النظام القائم ،ممّا دفع بالعبها األساسيّ الشيخ الخطيب ،ليعلن براءته من التفسيرات التي حملتها المبادرة ،في اإلبقاء على األسد ّ الذي ّ خطة تلطخت يداه بدماء السوريّين ،كذلك فإنّ المبعوث الدوليّ «دي ميستورا» المنطلقة من انسداد آفاق الح ّل السياسيّ ،طارحة البدء بتجميد الصراع انطالقا ً من مدينة حلب ،عبر ا ّتفاقات وقف للنار، وصوالً لتحقيق مصالحات ،وتوسيع اإلدارات المحلّيّة كشكل المركزيّ ،قبل إجراء انتخابات محلّيّة وبرلمانيّة ترتق في هذا الطرح ،كما هو تلغي النظام السابق ،لم ِ واضح ،ح ّتى إلى مستوى القبول األوّ ليّ ،ناهيك عن
ما العمل؟
أصبح من المألوف ،والشائع ،األحاديث النقديّة التي تدور حول «االئتالف الوطنيّ » الذي ي ّدعي تمثيل الثورة السوريّة والمعارضة ،ويحتكر هذا التمثيل ،وفشل هذا االئتالف بأن يكون قائداً سياس ّيا ً للثورة .وبالتالي عجزه عن مواجهة استحقاقات الثورة، التي أفرزها الصراع الطويل مع نظام الطاغية، والمستمرّ ح ّتى اآلن. ّ تتمثل أوّ الً ،في التمثيل هذه االستحقاقات السياسيّ للثورة .فاالئتالف وقبله المجلس الوطنيّ منذ تش ّكله ّ وزع األوهام حول السقوط السريع للنظام ،بفعل ّ للتدخل دعواته عبر الفضائيّات ،ألمريكا والغرب العسكريّ على الطريقة الليبيّة .وبعد أن وضع َقدَ ر الثورة وأوراقها على موائد الحاضنة األوّ ليّة العربيّة، وخاصّة «السعوديّة وقطر» باإلضافة إلى تركيا، استراح ليلتفت إلى تشكيل نفسه ،وانشغل بصراعاته الداخليّة على المواقع والمناصب داخل االئتالف بما يؤ ّ شر للجوع التاريخيّ المتالك السلطة والتسلّط .كما حصل عبر مسيرته وانتقاله من المجلس الوطنيّ ،إلى االئتالف ،ث ّم توسعة االئتالف ،ث ّم تشكيل الحكومة المؤ ّقتة ،التي لم تش ّكل سوى مستنقع جديد لمؤسّسات الثورة الجديدة .وأيضا ً كما حصل في الشهور الثالثة الماضية وانشغاله بانتخاب رئيس االئتالف ،ورئيس الحكومة المؤ ّقتة ،والمجلس العسكريّ .وهو يجهّز نفسه منذ اآلن لثالثة أشهر جديدة ،وانتخابات جديدة، وهكذا .بمعنى آخر لم يكن في برنامجه أن يعمل بالسياسة ،التي تعني إدارة شؤون الثورة والشعب على كا ّفة األصعدة السياسيّة والعسكريّة واالجتماعيّة واالقتصاديّة. -2لم تتو ّقف هذه االنتقادات عند عموم الشعب السوريّ ، إ ّنما التقطها أعضاء االئتالف أنفسهم ليواجهوا بها منتقديهم في أيّ لقاء يجمعهم مع الناشطين والذين يدعون أيضا ً اهتمامهم بشؤون الثورة والمجتمع ،وهم يتح ّدثون عن غياب السياسة في االئتالف ،وفقدانهم للقرار الوطنيّ المستقلّ ،والشرذمة عند الكتائب المسلّحة ،والفساد الذي أصبح ظاهرة طبيعيّة في دهاليز االئتالف والحكومة ،وعدم قدرتهم على إدارة المناطق المحرّ رة ،وهجرة الماليين من الشعب نحو مخيّمات الدول المجاورة ،ليس بسبب قصف النظام بالصواريخ والبراميل المتفجّ رة فقط ،إ ّنما النعدام
newspaper@allsyrians.org
قراءة سياسية
إ ّن ما جيري ،ال يشري إلاّ إىل وقوع املزيد من املناطق حتت رمحة السيف اإلرهاب ّي ،عرب تنظيمي «داعش» و «النصرة».
غياب أيّ مؤ ّ شرات لتخلّي النظام عن خياراته في القتل والتدمير. بالمقابل ،فإنّ ما يجري ،ال يشير إلاّ إلى وقوع المزيد من المناطق تحت رحمة السيف اإلرهابيّ ،عبر تنظيمي «داعش» و «النصرة» ،بالرغم من الضربات الجوّ يّة الواقعة عليهما من قبل التحالف الدوليّ ، حيث تحوّ لت المعارك في عين العرب (كوباني) إلى مسألة تأكيد «داعشيّ » على البقاء والتم ّدد ،فيما ُتحكم «النصرة» سيطرتها المطلقة على مواقع هامّة للمعارضة المسلّحة السوريّة في إدلب وحماة ،بإخراج «جيش المجاهدين» و «حركة حزم» بينما تشهد مناطق القلمون وريف دمشق تحرّ كا ً ملحوظا ً لتلك القوى المتطرّ فة ،مع األحاديث الواردة عن الرفض الشعبيّ لـ «جيش اإلسالم» في معقله األساسيّ بدوما، في حين تتواصل عمليّات التق ّدم على قوّ ات النظام جنوبا ً في القنيطرة ودرعا ،مشيرة إلى مشاركة واسعة من قبل «النصرة» مع تلك الوقائع ال يمكن مالحظة أيّ تق ّدم مه ّم للنظام ،الذي بات يعاني كذلك ،من حاالت مختلفة من الردود السلبيّة في صفوف المؤيّدين ،بعد عمليّات الذبح المصوّ رة لضباطه من قبل «الداعشيّين» بينما ال تشير الحرب التي أعلنها التحالف الدوليّ بقيادة الواليات الم ّتحدة ،إلى أيّ خروج عن إطار الضربات ّ المتقطعة لمواقع مح ّددة ،برغم التصريحات الجوّ يّة ّ مؤخراً ،في ربطه بين الصاخبة للرئيس األمريكيّ إزاحة األسد وهزيمة «داعش» التي سارع لتهدئتها ّ المتمثلة باعتبار التعاون معه عبر التصريحات الالحقة لتحقيق ذلك إضعافا ً للتحالف. في اإلشارة إلى تلك التحوّ الت ،كتحوّ الت من ثورة شعب ض ّد المستب ّد المهيمن على ك ّل مق ّدرات البالد،
إلى وطن مستباح بآالت الموت والدمار المختلفة، من قبل جند النظام والميليشيات التي استقدمها من ّ المتنطعين لحمايته األوساط الشيعيّة اإلقليميّة ،كما من من وافدين وأمراء حروب محليّين ،استباحة جعلت منه ساحة لك ّل فنون اإلره��اب ،كما دفعت وتدفع بماليين السوريّين للهروب خوفا ً من الموت ،محوّ لة سوريّة التي لم تعرف اإلره��اب سابقاً ،إلى مركز جذب عالميّ لك ّل إرهابيّي العالم ،ح ّتى أضحت مسرحا ً ألكثر من ثالثة آالف أوربّيّ مهووس بقطع الرؤوس البشريّة ،ولعشرات اآلالف من المتطرّ فين الشيشانيّين والتونسيّين والجنسيّات األخرى. في الحديث عن اإلره���اب ،ال��ذي ش ّكل الورقة األساسيّة للنظام ،ملوّ حا ً بها ح ّتى قبل وقوعه ،ربّما يمكن القول بأنّ ثمّة ما هو جدير بالتو ّقف عنده ،بعيداً عن المماحكات في األسباب والنتائج ،سواء أكان ذلك النظام مسبّبا ً له أو مستشعراً به ،والب ّد من البحث عن ال َمخرج من تلك المتاهة التي فُرضت على ك ّل السوريّينَ ،مخرج قد ال يت ّم العثور عليه من خالل تلك المبادرات الخارجيّة المتالحقة ،التي تثير التساؤل بعد ك ّل ذلك االنتشار الواسع لألعمال اإلرهابيّة ،حول إمكانيّة التوصّل إلى ح ّل مناسب ،مالم يتضمّن البدء بإقامة دولة جديدة قادرة على دحر ك ّل اإلرهابيّين ،من «دواعش» وميليشيات شيعيّة ومجرمين سوريّين ،أم أنّ تلك المبادرات ليست أكثر من محاوالت محكومة بالفشل ،مع تعاظم الخطر الطاغي على المنطقة، ّ والمتمثل في «اإلسالم القاعديّ الجديد» الذي ا ّتخذ من سوريّة والعراق مركزاً له ،والساعي للتم ّدد في واليات متناثرة كما في سيناء وليبيا.
لؤي حاج بكري
يصرخ أعضاء االئتالف بأ ّن اجملتمع الدول ّي هو املسؤول ألنّه مل يق ّدم الدعم الكايف ،ومل يعمل على إسقاط النظام.
األم����ن واألم����ان في هذه المناطق، وع������دم ت��أم��ي��ن ال���ض���روريّ���ات األساسيّة للحياة.
وح��ي��ن ينتقل ال����ح����دي����ث ع��ن المسؤولية تجاه ه������ذا ال���ف���ش���ل، ي��ص��رخ أع��ض��اء االئ����ت��ل�اف ب���أنّ المجتمع ال��دول��يّ هو المسؤول أل ّنه لم يق ّدم الدعم الكافي ،ولم يعمل على إسقاط النظام .ويتجرّ أ آخر ويصف أغلبيّة أعضاء االئتالف بالالمسوؤليّة إلى ح ّد نزع الصفة الوطنيّة عن غالبيّتهم .ويعزو عضو ثالث هذا الفشل إلى التك ّتالت السياسيّة داخل االئتالف المرتهنة إلى قطر ،أو السعوديّة ،أو أمريكا ،وانعكاس صراع هذه الدول على مسيرة االئتالف .ويضيف رابع لكي ينهي النقاش ،بأ ّننا جميعا ً مسؤولون عن هذا الفشل .وهي محاولة مكشوفة للتعمية ،وتبديد المسؤوليّة ونثرها على رؤوس الجميع .بحيث يمكن القول إنّ الشعب هو المسؤول عن نتائج ثورته ،والشهداء مسؤولون عن استشهادهم ،واألطفال مسؤولون عن تشرّ دهم. لكي يهرب من االعتراف بأنّ االئتالف الذي يحتكر تمثيل الثورة ،ويتسوّ ل األموال باسمها ،لكي ينفقها على رفاهيّته ،وتجواله في فنادق العالم ،هو المسؤول األوّ ل عن هذا الفشل في إسقاط النظام ح ّتى اآلن. -3يستمرّ الحوار إلى أن يصل إلى السؤال الها ّم :ما هو الحلّ؟ ما هو المخرج من المأزق الراهن المظلم؟ لقد ّ وزع رئيس االئتالف الجديد «البحرة» في لقائه مع النشطاء في غازي عنتاب تفاؤله بالدورة الجديدة ،وأنّ لديه الخطط االستراتيجيّة الجديدة إلخراج االئتالف من غيبوبته ومشاكله وفساده ،إلخ .والتأسيس لقيادة سياسيّة ،وجيش وطنيّ ،وكذلك انتقال الحكومة المؤ ّقتة للداخل .بعد انتقاده آلليّات العهد القديم ،وبطريقة ال تختلف عن خطاب مدير عا ّم جديد في إحدى مؤسّسات الدولة التي نعرفها جيّداً .وبالتالي ك ّل المؤ ّ شرات تشير إلى أنّ أيّ إصالح حقيقيّ لالئتالف لن يحدث. بالمقابل ،الدعوة إلسقاط االئ��ت�لاف ،ليس هو
الح ّل أل ّن��ه الوحيد المعترف به عرب ّيا ً ودول � ّي �اً ،وبالتالي ي��ج��ب أن يبقى ح�� ّت��ى ال تصبح الثورة يتيمة! .دون التطرّ ق إلى أه ّميّة أن يكون االئتالف معترفا ً به من قبل الشعب ال��س��وريّ المشرّ د في الداخل وال����خ����ارج .ألنّ الخارج بنظرهم هو األه ّم .وهو صاحب النعمة الذي يدفع لهم مر ّتباتهم ،والداخل أصبح بيد الجهاديّين اإلرهابيّين من جهة ،والنظام من جهة ثانية .وبالتالي هم جا ّدون بالعمل مع تركيا خاصّة ،من أجل توفير منطقة آمنة بالداخل ،ح ّتى ينقلوا إليها فنادقهم ،وخاصّة بعد حصول العديد منهم على الجنسيّة التركيّة. -4ببساطة ،االئتالف بالرغم من انعدام أه ّميّته السياسيّة عند الشعب ،وح ّتى عند «أصدقاء سورية» إلاّ أ ّنه مستمرّ فوق رؤوسنا ،لعدم وجود البديل .فهذا َقدَ رنا ،وهذه بضاعتنا ،أو هذا ما أفرزه مجتمعنا خالل السنوات الثالث من عمر الثورة .لكنّ المرحلة الراهنة خطيرة ومظلمة في تاريخ الثورة السوريّة والتي يمكن تسميتها «عصر اإلرهاب» إشارة إلى الصراعات الفعليّة على األرض ،وهي صراعات بين مكوّ نات إرهابيّة ،عناصرها األساسيّة ،النظام السوريّ والعراقيّ وميليشياتهم الطائفيّة ،والجهاديّين ،وبرعاية التحالف الدوليّ الذي يعمل على إدارة هذه الصراعات وتعميقها ،واستمرارها لسنوات طويلة ،لصالح هذه األنظمة ،ودون أن يكون لالئتالف أيّ دور فعليّ فيها، وهو خارج الساحة نهائ ّياً. والسؤال الها ّم :ما العمل؟ للخروج من المرحلة المستنقعيّة التي تمرّ بها الثورة؟ ك بأنّ صعوبة اإلجابة تكمن في الحاجة إلى الش ّ عقل سياسيّ جديد ،قادر على االستجابة والعمل على إعادة السياسة إلى الثورة السوريّة ،وإعادة خطاب الثورة الوطنيّة السوريّة إلى الواجهة بعد أن أزاحته جانبا ً األعالم السوداء ،لكنّ هذا العقل لن يهبط علينا من السماء ،أو يمكن أن ننتجه من العدم ،وبذلك تبقى
المراهنة على أنّ هذا الواقع هو الذي سيفرز هذا الجديد. والمراهنة على مخاض الثورة المستمرّ ،والذي لن يوقفه تسلّط االئتالف الراهن ،أو مستنقع الحكومة المؤ ّقتة .وك ّل مرحلة مستنقعيّة ،تفرز مخاضا ً جديداً للخروج منه ،مق ّدمته األساسيّة اإلجابات المتع ّددة على السؤال الها ّم :ما العمل؟ تنتجها ورشات عمل حقيقيّة ج ّديّة ،وليست خطابيّة فندقيّة ،وتستند إلى قراءة واقعيّة لألسباب التي أ ّدت إلى خروج الديمقراطيّين الوطنيّين من ساحة الثورة ،والفشل في فرز قيادة سياسيّة للثورة، والتأسيس لجيش وطنيّ ثوريّ ،بعد تحوّ لها إلى ثورة مسلّحة .وهذا بحاجة إلى جهود جماعيّة ،والمهم أن ّ متأخرة ج ّداً. تبدأ ،ح ّتى لو كانت البداية ويبدو أنّ المرحلة المقبلة تحمل ارهاصات أوّ ليّة إلعادة البناء .مصادرها أوّ الً :من االئتالف نفسه ،الذي سيفرز مكوّ ناته الوطنيّة الديمقراطيّة ،عبر تك ّتالت جديدة قد تفصح عن نفسها في األشهر المقبلة .وثانياً: ّ المنظمات أو األحزاب التي تش ّكلت حديثاً، أن تتحسّس المسؤوليّة الوطنيّة ،وتنتقل من دكاكينها الصغيرة، نحو رؤية سياسيّة جديدة للتحالفات ،وخاصّة أ ّنها تطرح نفس البرنامج الوطنيّ ،الذي يهدف إلى بناء الدولة الوطنيّة المدنيّة الديمقراطيّة لك ّل السوريّين. وثالثاً :انتقال األفراد المستقلّين من الحالة الفرديّة، ّ منظمة ،لالنتقال واالنتظام في مجموعات ،أو خاليا من النقد والتوصيف إلى العمل ،أو االنتقال من اال ّدعاء باالنضمام للثورة ،إلى الفعل السياسيّ الوطنيّ ،والذي ّ المنظم المشترك. ال يكون كذلك إلاّ بالعمل وعندما ترى النور نتائج هذه اإلرهاصات ،تصبح األرض ممهّدة فعل ّياً ،للدعوة إلى مؤتمر وطنيّ شامل لك ّل القوى الوطنيّة الديمقراطيّة ،ح ّتى ينتج قيادة سياسيّة جبهويّة للثورة ،ولتكن على طريقة المقاومة الفلسطينيّة التي اختبرها ويعرفها ك ّل السوريّين ،أو أيّ شكل جبهويّ جديد ،باإلضافة إلى جسد تنظيميّ على األرض ،يحمل ويدافع عن خطاب الثورة السياسيّ ، إلى جانب الجيش الوطنيّ الثوريّ الذي سيكون عندئذ قادراً على تحرير سورية بالكامل من تسلّط الطاغية. وإنْ لم يحصل إنقاذ للثورة من مرحلة اإلرهاب الراهنة ،فإنّ التاريخ سيكتب بالقلم العريض عجز الطبقة السياسيّة الراهنة ،إلى حدود الخيانة ،التي يمقتها الجميع.
مروان عبد الرزّاق
www.allsyrians.org
قراءة سياسية
العدد 19
3
/26تشرين الثاني 2014/
بين جحيم دانتي وجنّة داعش لم ي � ُدر في َخ َل ِد «دانتي أليغييري» صاحب «الكوميديا اإللهيّة» والتي ُتعتبر أبرز األعمال األدبيّة على المستوى العالميّ والتي تنقسم إلى ثالثة أجزاء: الجحيم (انفيرنو) ،المطهر ،والج ّنة ،جحيم دانتي ورؤيته الدنيويّة لها تركت أثراً بالغا ً في ك ّل األعمال اإلبداعيّة وفي ش ّتى المجاالت ،وكانت بصمته واضحة على ج ّل المبدعين الذين عرفهم العالم سواء من الذين عاصروه أو تلوه الحقاً ،بل ح ّتى مبدعي العصور الحديثة ّ تأثروا به بشكل أو بآخر. لكن بالرغم من ك ّل هذا لم يكن يتصوّ ر دانتي أنّ أفراداً أو جماعات تستطيع منافسته في تقديم تجسيد واقعيّ للجحيم بك ّل معانيه وأحواله .لذا َمنْ أفضل من «داعش» ومجاهديها الذين اجتهدوا إلحالة الجحيم األ ُ ْخ َر ِويّ إلى جحيم دنيويّ يُعاش يوم ّيا ً ويصبح واقعا ً ملموسا ً ال مخياالً يبقى حبيس األذهان والعقول ،كان الرسام اإليطاليّ الشهير «ساندرو بوتشيلّي» الشديد ّ التأثر بدانتي أبرع من ق ّدم مقاربة دقيقة لوصف الجحيم المفزع الذي عبّر عنه دانتي بلوحته الشهيرة «المابا ديل إنفيرنو» ،فصوّ رت اللوحة الجحيم على شكل قمع تحت األرض وأبرزته على شكل مشهد مخيف من النار والكبريت ومياه الصرف الصحيّ إضافة للشيطان المنتظِ ر في مركز القمع ،وبحسب لوحة «بوتشيلّي» فقد كانت مستويات الجحيم عبارة عن حلقات تسع يُعاقب فيه الخطأة والمذنبون بحسب مقدار الخطيئة المرتكبة. جحي ُم السوريّين ابتدأ منذ عقود خمسة ماضية بتولّي األسد وطغمته المجرمة مقاليد السلطة ،لك ّنهم بثورتهم وانتفاضتهم ض ّد الظلم واالستبداد األسود كانوا على موعد مع جحيم آخر على غرار جحيم دانتي الذي ّ مثلته لوحة «بوتشيلّي» ،فهم يدركون منذ اليوم األوّ ل
للثورة بأنّ المواجهة لن تكون هيّنة أو م��أم��ون��ة العواقب ،فالسوريّون الذين رغ��ب��وا باالنعتاق والتحرّ ر من نظام س��ا َم��ه��م ص��ن��وف �ا ً متلوّ نة ومتع ّددة من ال��ع��ذاب ورغ��ب��وا باسترداد حقوقهم اإلنسانيّة األساسيّة ّ متمثلة بشعارات الحرّ يّة والكرامة وال���م���س���اواة التي صدحوا بها عاليا ً ف��ي مظاهراتهم، ك��ان��ت كفيلة ب��أن يفتح النظام المجرم أب������واب جحيمه ال��م��خ��ب��وءة وق���رّ ر تخييرهم بين بقائه أو جعل البالد جحيما ً حقيق ّيا ً يفرّ منه البشر ،متواليات العذاب هذه التي قاساها السوريّون من هذا النظام بك ّل أنواع األسلحة -تكاد تكون مطابقة لحلقاتالجحيم التي مرّ بها دانتي. ك ّل ما فعله هذا النظام في مواجهة شعب صمد أمام همجيّته المتواصلة تجاه شعب ال حول له أو قوّ ة لم يثنِه عن المباشرة في جعل الرواية التي تش ّدق بها إعالمه عن وجود قوى إره��اب تكفيريّة تريد إنهاء الدولة الحديثة العلمانيّة -على ح ّد زعمه -فقام بإخراج السجناء المعروفين بخطابهم الدينيّ المتش ّدد
مقترح دي ميستورا يقلقني
وانتمائهم وتبعيّتهم لتنظيم ال��ق��اع��دة، وس��اه��م بشكل أو بآخر بالتغاضي عن دخ��ول الجهاديّين الذين التكفيريّين سيساهمون بجعل روايته المكذوبة إل��ى حقيقة بيّنة ال لبس فيها ،وكان ذلك م��ع والدة «جبهة النصرة» الذي بايع الظواهريّ ،والحقا ً تاله والدة ما يُسمّى بدولة العراق والشام اإلسالميّة «داعش» الذي صار التنظيم األخ��ط��ر ع��ال��م� ّي�ا ً وب��������ات ح���دي���ث القاصي والداني في العالم كلّه. كان هذا الفعل الخبيث بمثابة إخراج الشيطان الذي يتمركز في قعر جحيم دانتي كما توضّحه لوحة «بوتشيلّي» ،فهؤالء المجاهدون ذوي اللحى الطويلة والمالبس القصيرة والذين قدموا -بحسب المزاعم المتواترة -لنصرة المستضعفين في بالد الشام الطاهرة المق ّدسة ،وكانت األدبيّات الجهاديّة التي اعتمدها «داعش» ونظرائه هو الظفر بالج ّنة والفوز بها من خالل الجهاد في عتبات الشام المباركة ض ّد النظام «النصيريّ » الكافر الذي أمعن في قتل
ُ كثر الحديث في اآلونة األخيرة عن المقترح الذي تق ّدم به المبعوث األمميّ السيّد «ستافان دي ميستورا» بتاريخ 2014/10/30بخصوص إقامة ما سمّاه «بالمنطقة المجمّدة» في سوريّة ليت ّم تعليق النزاع فيها والسماح بإيصال المساعدات اإلنسانيّة إليها ،واعتبر «دي مستورا» أنّ مدينة حلب المقسّمة قد تكون مر ّ شحة بشكل جيّد لتجميد النزاع فيها. مقترح قد يبعث للوهلة األولى الطمأنينة في نفوس أغلب السوريّين الذين أنهكتهم الدماء والدموع على مدى ثالث سنوات ونيّف ،إلاّ أنّ بعض التمعّن في هذا المقترح يرسم حوله هالة من إشارات االستفهام، إذ لم يح ّدد السيّد «دي ميستورا» مفهوم وماهيّة هذه المنطقة ،سيّما وأنّ هذا المصطلح يُستخدم -وعلى ح ّد علمي -ألوّ ل مرّ ة في القانون الدوليّ ،ث ّم لماذا لم يت ّم استخدام المصطلح المتعارف عليه في القانون الدوليّ ؟ وهو مصطلح المنطقة منزوعة السالح ال��وارد في «البروتوكول» األوّ ل لعام 1977الملحق باتفاقيّات جنيف لعام 1949والذي يعني إجالء جميع المقاتلين واألسلحة المتحرّ كة من تلك المنطقة ،وعدم القيام بأيّ نشاط ي ّتصل بالمجهود الحربيّ ،وهذا المصطلح ال لبس فيه. إلاّ أنّ المصطلح الجديد «المنطقة المجمّدة» والذي ت ّم اختراعه حديثا ً من قبل السيّد «دي ميستورا»، يعني لغة إبقاء الحال على ما هو عليه ،وبالتالي عدم إجالء المقاتلين وعدم نزع األسلحة الموجودة في تلك المنطقة ،وعليه ستكون تلك المنطقة مالذاً آمنا ً للمدنيّين إن تمّت مراقبة المنطقة وحمايتها دول ّيا ً بشكل ج ّدي، إلاّ أ ّنني أرى أنّ تلك المنطقة ستكون ناراً تحت الرماد، إن ت ّم خرق الهدنة من قبل أيّ من طرفي النزاع ،أو تهاونت القوّ ة الدوليّة في حمايتها. لذلك يتوجّ ب على الفصائل المعارضة والهيئات السياسيّة الفاعلة ،وقبل القبول بالمقترح المذكور ،االستفسار من صاحب المبادرة عن مقصده
newspaper@allsyrians.org
إذاً ،الحذر مطلوب في التعامل مع مبادرة «دي ميستورا» ،فال نريد أن نعيد لألذهان تجربة البوسنة والهرسك عام 1995عندما اجتاحت القوّ ات الصربيّة منطقة سربرنيتسا عنوة وقامت بعزل الذكور وتصفيتهم ودفنهم في مقابر جماعيّة ،كما وتمّت عمليّات اغتصاب واسعة وممنهجة للنساء في تلك المنطقة ،مع أ ّنها كانت منطقة آمنة وتحت الحماية الدوليّة بموجب قرار مجلس األمن رقم 819لعام .1993 وغير خا ٍ ف على أحد أنّ «دي ميستورا» غربيّ المنشأ والهوى ،ومصالح بني قومه تعلو لديه وال يُعلى عليها ،ومن غير المستبعد أن يكون القصد من طرحه الغدر بالثورة السوريّة ،والقضاء على المعين الذي تنهل منه ،أيّ الحدود التي تصل حلب خاصّة وسوريّة عامّة بالخارج ،وبالتالي منح الفرصة لألسد للملمة صفوفه وترتيبها في أرياف ك ٍّل من دمشق وحمص ودرع��ا ،وغيرها من المناطق التي تقضّ مضجعه وتؤرّ ق سكينته ،وما يزيد الشكوك هو قبول األسد بتلك المبادرة ،فمتى كان األسد وشبّيحته الذين رفعوا شعار األسد أو نحرق البلد غيورين على الد ّم السوريّ ؟! ال أريد أن نتشاءم كثيراً من وعود المجتمع الدوليّ ،ولكن من غير المعقول أن نعلّق عليه ك ّل آمالنا ،بعد الذي القيناه من مرارة العيش داخل سوريّة وخارجها بفضل صمت هذا المجتمع.
القاضي رياض علي
صحيح أنّ السوريّين عندما ثاروا دخلوا أبواب الجحيم بأرجلهم كما في رحلة دانتي ،ألنّ نظاما ً مجرما ً كنظام األسد لم يتورّ ع عن فتح أبواب الجحيم المغلقة واستجلب ك ّل شياطين الجحيم في سبيل إطالة حكمه وديمومة بقائه ،لكنّ السوريّين الذين عبروا طبقات الجحيم بمستوياتها وطبقاتها المتع ّددة سيصلون مثلما وصل دانتي إلى «المطهر» إلى فردوس اإليمان على األرض ،يمرُّ السوريّون بالجحيم للوصول إلى ج ّنتهم بالخالص من هذا النظام اإلجراميّ وقطع ك ّل الصالت معه، وتكون بالخالص أيضا ً من ج ّنة «داعش» الموعودة ومجاهديها الذين سيالقون سعيراً يقاسون حرّ ها وعذاباتها جزاء ما اقترفت أيديهم من قباحات ومن َكرات. مصطفى اجلرادي
داعش والنصرة وجهان لعملة واحدة قبل أكثر من عام ظهر تنظيم «داعش» كفصيل معارض للنظام ال��س��وريّ ،مظهراً للسوريّين أنّ التنظيم يساعدهم لنيل الحريّة ولبناء بلد ديمقراطيّ ، إلاّ أنّ بعض الناشطين ّ حذروا من سياسة هذا التنظيم، مؤ ّكدين أنّ التنظيم يحاول سرقة الثورة ،لكن ولألسف لم يصغ لهم أحد.
من «المنطقة المجمّدة» ،وما هي األسس التي ستقوم عليها؟ وكيف ستت ّم حمايتها واإلشراف عليها؟ ومن قِبل َمنْ ؟ سيّما وأنّ نظام األسد مشهود له بنكث العهود، والغدر بالخصم ،وخرق القوانين والقرارات الدوليّة وبمباركة -سواء سريّة أو علنيّة -من قبل بعض القوى اإلقليميّة والدوليّة ،فكم من مرّ ة ّ مزق وداس األسد الخطوط الحمراء التي رُسمت له ،وقوبل ذلك بالصمت المخجل من قبل المجتمع الدوليّ عامّة ومجلس األمن خاصّة.
المسلمين وأس��رف في تعذيبهم ،لك ّنهم كانوا أشبه بشياطين خارجة من أتون الجحيم ،بدؤوا بالتغلغل في المناطق المحرّ رة التي خرجت من قبضة األسد وعصابته ،فانتشرت حفالت قطع الرؤوس وتعليقها في الساحات العامّة وقاموا بفرض شروطهم الخاصّة على الناس .وبدأت عمليّة قتال ّ الثوار و ُغيّب نشطاء الثورة األوائل في غياهب السجون وأُزيلت الرايات الكافرة (أعالم الثورة) من ساحات المدن وشوارعها، وبدأ المتطرّ فون يتوافدون من ك ّل حدب وصوب إلى ج ّنة «داعش» التي تب ّ شر بها فمن مات فله الج ّنة، ومن بقي فهو ينافح عن دولة اإلسالم ويذود عنها، هذه الج ّنة التي تعد بها «داعش» أتباعها وتهلّل ،ما هي إلاّ جحيم مؤجّ ل وسوء عاقبة لك ّل من واالها وناصرها أل ّنهم قتلوا األبرياء ون ّكلوا بهم وأحالوا أيّام ليال سوداء مدلهمّة ال فرح فيها وال السوريّين إلى ٍ حبور.
فترة وجيزة ،وبدأ التنظيم بمحاربة السارقين من فصائل الجيش الحرّ في محاولة منه لتأييد شعبيّ ، وخصوصا ً في مدينة حلب عندما أعلن التنظيم الحرب على «جزرة والحيّاني» المعروفان بسمعتهما السيّئة، وهنا عادت أصوات بعض الناشطين السوريّين للتحذير من أهداف التنظيم ليس دفاعا ً عن «جزرة وحيّاني»، بل للتنويه بأنّ التنظيم يحاول كسب تأييد شعبيّ له، ّ يتدخل في األمور الحياتيّة تطوّ ر األمر وبات التنظيم للسوريّين «كمنع التدخين ،وفرض الحجاب ...إلخ»، وكان الشعب آنذاك معجبا ً بالتنظيم وبمحاربته للمفسدين في المناطق المحرّ رة ،تسارعت األمور بشكل ملحوظ وبدأ التنظيم باعتقال الناشطين وخاصّة اإلعالميّين منهم ،بحجج مختلفة كانتمائهم العلمانيّ ،وبات ك ّل من يحلم بدولة ديمقراطيّة ومدنيّة معرّ ض للخطف. بعد تلك التجاوزات واالنتهاكات من قبل التنظيم تنبّه الجيش الحرّ في حلب خاصّة ألهداف ونوايا هذا التنظيم ،وبالفعل بدأ الجيش الحرّ بحرب ضارية لدحر التنظيم من حلب ،وبالفعل استطاع الحرّ دحره في أيّام قليلة لينسحب لبعض القرى في ريف حلب ،ولمقرّ ه األساسيّ في الر ّقة التي استولى عليها بعد أن دحر منها حركة أحرار الشام ،وجبهة النصرة ،ومن هنا أو ّد مقارنة ممارسات التنظيم مع ممارسات النصرة، ّ تتدخل شيئا ً فشيئا ً في األمور الحياتيّة النصرة بدأت في بادئ األمر في إدلب خصوصاً ،ومن الواضح أ ّنها تسعى إلقامة خالفتها هناك ،فبدأت بمنع التدخين وفرض الحجاب ،إلاّ أ ّنها تحاول إقامة إمارتها بطرق تختلف قليالً عن طرق «داع��ش» ،النصرة كسبت تأييداً من فصائل الجيش الحرّ ،والمدنيّين والناشطين، وذلك بسبب تواجدها الكثيف وتعاونها مع فصائل الجيش الحرّ في الجبهات القتاليّة ض ّد قوّ ات األسد، ّ والتدخل بين فصائل الحرّ عند نشوب أيّة مشاكل بينهم ساعية لحلّها ،فالنصرة بات لها أكثر من عامين تعمل بشكل ج ّديّ لكسب تأييد جميع األطراف لها، الطامة الكبرى للنصرة بدأت عند انسحابها من جبهات «مورك» وتوجّ هها إلى ريف إدلب لمحاربة المفسدين من الحرّ ،ما أ ّدى لتق ّدم كبير لقوّ ات األسد في تلك المنطقة ،كما أ ّدى لخسائر فادحة في األرواح على تلك الجبهة ،وبدأت نقاشات الناشطين حول ذلك منهم من يبرّ ر فعلها ومنهم من يعارضه ويحاول تأكيد أنّ النصرة تقلّد «داعش» بسياستها.
منذ أسابيع بدأت النصرة بمحاربة جبهة ثوار سوريّة بقيادة «جمال معروف» الذي توعّد تنظيم الدولة، مؤ ّكداً أ ّنه سيقضي على التنظيم في حلب والر ّقة والدير الزور ،النصرة قالت :إنّ معروف اعتدى على بلدتي «البارة وكنصفرة» ،وعلى بعض عناصرها ،ولذلك ّ للتدخل بهدف إنهاء وجود «معروف» في اضطرّ ت تلك المنطقة ،تاركة حلب المه ّددة من قبل قوّ ات النظام، متوجّ هة إلى إدلب للقضاء على «معروف» المدعوم من الغرب. كما أ ّكدت النصرة أنّ صقور الشام وأحرار الشام وجند الشام شاركوها في حربها على جبهة ثوار سوريّة، ّ بحق ونشرت النصرة مقاطع فيديو لمجازر جماعيّة مدنيّين ومجاهدين على ح ّد قولها قُتلوا وت ّم رمي جثثهم في اآلبار و ُدفنوا في مقابر جماعيّة مؤ ّكدة أنّ مرتكب تلك المجازر «جمال معروف» المدعوم من الغرب، ولكن االقتتال لم يقف عند جبهة ثوار سوريّة ،بل ت ّم توجيه أسلحة النصرة باتجاه حركة حزم أيضاً ،دون أيّة أسباب واضحة ،وأضاف «الجوالني» في مقطع صوتيّ له ّبثته «المنارة البيضاء» أنّ «معروف» يع ّد من الشخصيّات التي يدعمها الغرب ،وأ ّنه ال يسعى لتحقيق ما يرمي إليه «المجاهدون في سوريّة» ،وقال: إنّ باب التوبة مفتوح أمام «معروف» وغيره لقطع عالقاتهم بالمخابرات الخارجيّة ،أي أنّ السبب الرئيسيّ لمهاجمة «معروف» هو ليس قتل المدنيّين والمجاهدين على ح ّد قول «الجوالني» في ريف إدلب ،وإ ّنما بسبب تخابره مع الغرب ،ودافع بشكل غير مباشر عن تنظيم الدولة التي تحارب النصرة أيضا ً وت ّتهمه بالر ّدة عندما قال :إنّ التحالف الدوليّ يستهدف المجاهدين في الر ّقة ودير الزور وحلب ،ومن المعروف أنّ الر ّقة مسيطر عليها من قبل التنظيم. ّ النصرة هي فرع للقاعدة، انشق عنها البغداديّ وش ّكل تنظيم الدولة ،أي أنّ األهداف واأليديولوجيا ذاتها في الفرعين ،وهذا يد ّل أنّ النصرة في المستقبل القريب ربّما ستبدأ باعتقال ك ّل من يطالب بدولة مدنيّة وديمقراطيّة ،أل ّنها في نظرهم دولة تخالف الشريعة اإلسالميّة ،لن أخ��وض هنا في أحقيّة قيام خالفة إسالميّة في سوريّة ،لنترك ذلك لصناديق االقتراع في حال سقط نظام األسد ،لكن أن تفرض شكل الدولة المستقبليّة بالسالح واالعتقال فهذا غير مقبول. وهنا أكرّ ر تحذيرات أطلقناها سابقا ً حول نيّة تنظيم «داعش» ،لكن هذه المرّ ة أو ّد أن أطلق التحذيرات ذاتها على جبهة النصرة ،أتمنى أن تلقى هذه التحذيرات من يصغي لها ويحاول أن يضع ح ّداً لتصرّ فات النصرة التي باتت بالفعل ته ّدد ما تب ّقى من الثورة السوريّة.
حممّد احلاج www.allsyrians.org
4
العدد 19
/26تشرين الثاني 2014/
أحوال
إعالن سورية نص وثيقة «إعالن سورية» اليت صدرت عن مؤمتر «كلّنا سوريّون ..معاً حنو ّ وطن للجميع» ُّ أل َّننا ننتمي إلى شع ٍ نعتز ب يدعو إلى الفخر؛ وأل َّننا بما ق َّدمه خالل العامين الماضيين من أجل الحريّة والكرامة اإلنسانيّة والعدالة االجتماعيّة؛ وأل َّننا نؤمن مركز الفعل بعد عقو ٍد من ال ّتهميش بح ِّقه في العودة إلى ِ واإلقصاء واإلفقار؛ وإدراكا ً م ّنا للتح ِّديات التي تواجهه في طريق بناء الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة الحديثة؛ ُ يليق بها؛ وأل َّننا نؤمنُ بأ َّنه ال ينبغي لسورية إلاّ ما ت شعبنا واحتراما ً ووف��ا ًء ألرواح شهدائنا وتضحيا ِ العظيم؛ أل َّننا نؤمنُ بذلك كلّه؛ ا ّتفقنا ،نحن المو ِّقعين أدناه ،على مجموع ٍة من الرّ ؤى والمبادئ واألسس، فجر جدي ٍد لسورية والسوريّين .ونحنُ إذ ُنعلنُ من أجل ٍ ِّين؛ إيما َننا بهذه المبادئ ،ندعو ك َّل المثقفين والسِّياسي َ االلتزام بها ،وندعو ك َّل أبنا ِء وناشطين ،إلى ق��اد ًة َ ِ العمل من أجلها: الوطن إلى ِ ِ
الثورة السوريّة ّ ّ وح الثورة السوريّة التي أعاد ِ ت الرّ َ إلى ال َّشعب السوريِّ ،هي أه ُّم حد ٍ ث في تاريخ سورية المعاصر ،قام بها شعبٌ عظي ٌم أدهش العال َم كلّه، السترجاع وعيه وإرادته وثقته بنفسه ،والتحوّ ل إلى ذا ٍ ت حاضر ٍة وفاعل ٍة بعد عقو ٍد من إقصائه وتهميشه. فمنذ انطالقتها شرع السوريّون بالتعرّ ف على بعضهم بعضا ً من دون حواجز ،وصاروا يتواصلون ويتفاعلون ً ً طويلة من االنعزال والجهل ببعضهم، حقبة مُنهين وأخذوا يتبادلون معاناتهم وآالمهم ،ويستر ّدون ذواتهم التي ب َّددها القمع واالستبداد .هدف ّ الثورة هو ال ّتغيير البنيويُّ الشام ُل الذي ال يعني إسقاط النظام فحسب، بل أيضا ً تفكي ُ ك بنية الدولة الشموليّة وإع��ادةُ بنائها عبر تأسيس عق ٍد اجتماعيٍّ جدي ٍد أساسُه المواطنُ ٌ اختالطات ،وهذه السوريُّ .يرافق أيّ ثور ٍة أو يتبعها ُ االختالطات الكريه ُة أو المربك ُة تتبع في ش ّدتها وقوّ تها وسوئها درج َة سو ِء النظام الذي قامت ض ّده ّ الثورة. وفي الطريق إلى انتصار ّ الثورة ،وبعد انتصارها، سيخرج إلى السّطح ك ُّل األمراض التي نشرها نظا ُم الحكم في مجتمعنا عبر تاريخه .األخطا ُء الحاصل ُة في الثورة ال ُتهين ّ ّ ٌ إدانة الثورة أو تقلِّل من شأنِها ،بل هي للنظام ذاته ،وهذا ليس تبريراً ألخطاء ّ الثورة بل تفسي ٌر لهاّ . ً فرصة للخالص من أخطاء الماضي، الثورةُ تق ِّدم وهذا ممكنٌ عندما ال يجري السكوت عنها ويت ُّم فضحُها ونشرُها على المأل والقيام بك ِّل ما يلزم لتجاوزها ،وهذا هو الفع ُل الثوريُّ الحقيقيُّ ّ ، ً الفتة نرفعُها فالثورة ليست هدم وبنا ٍء متالزمين. أو شعاراً نصد ُح به ،بل هي فع ُل ٍ النظام السوريّ
يُص َلح .إ َّنه ليس أكثر من سلط ٍة ضيِّق ٍة مستعد ٍة لسفك دماء السوريّين واضطهادِهم دون هوادة لإلبقاء على هيمنتها على البالد ،وال تتر َّدد أبداً في استثارة العنف ّ والتدخالت األجنبيّة كي تبقى. والطائفيّة إنَّ الدمج بين النظام الحاكم والطائفة العلويّة هو خطأ ٌ سياسيٌّ وأخالقيٌّ قاتلٌ ،فالنظام السوريّ ليس نظام الطائفة العلويّة ،ولم يكن يوما ً نظاما ً في خدمتها ،بل على العكس ،كانت الطائف ُة العلو ّي ُة مأسور ًة – وال تزال – من قبل النظام .النظا ُم السوريُّ هو المولِّد األساسيُّ للتفكير الطائفيِّ والمصد ُر األوَّ ُل للممارسات الطائفيّة، فيما المصادر األخرى تختص بها بعض األطراف غير أفعال غير ت العاقلة التي تتعامل مع سلوك النظام بر ّدا ِ ٍ متوازنة .إنَّ إحدى مهام ّ الثورة السوريّة ،وفي سياق إعادة بناء الهُويَّة الوطنيّة ،تحري ُر الطائف ِة العلويّة من أسر النظام الحاكم. ال َ أفق للسوريّين إلاّ برحيل النظام. ففي رحيله بداي ُة خير لك ِّل السوريّين، ٍ ٌ وخ��ط��وة أول��ى في اتجاه تحقيق السِّلم األهليِّ والمصالحة الوطنيّة ،وفي بقائه استمرا ٌر للشروخ الهائلة التي خلقها داخ����ل المجتمع ت الحقد واالنتقام السوري ،وتحريضٌ على نموِّ آليّا ِ بين السوريّين .ضاقت الطرق أمام النظام ،إلاّ أ َّنه بحكم طبيعته وبنيته سيستمرُّ حتى النهاية في خياره يتراجع عنها ،فهو ال يمتل ُ ك القدر َة ومقوالته ،ولن َ واإلراد َة الالزمين لح ٍّل سياسيٍّ يح ِّقق مصلح َة البلد وال َّشعب .دو ُر السوريّين المه ّم هو في كيفيّة تحقيق رحيل النظام مع الحفاظ على ما تب ّقى من الدولة والبلد، بحيث ال يكونُ المسا ُر هو الفوضى بعد الرَّ حيل. املبادئ اإلنسان والمواطنة اإلنسان هو المبتدأ والخبر ،وهو معيا ُر جميع القيم .وإنَّ احترام اإلنسان وتقديره لذاته، ال لحسبه ونسبه وال لثروته وال لقوته ،وال أليِّ صف ٍة أخرى من صفاتِه ،هو المبدأ ُ الرئيسُ المؤسِّسُ للدولة الجديدة ،وعليه ينبني مبدأ المواطنة الذي يعني تساوي المواطنين في الكرامة اإلنسانيّة وأمام القانون في الحقوق والواجبات من دون أيِّ تمييز بسبب الجنس أو ٍ األصل أو اللغة أو ال ِّدين أو العقيدة ،والمعنى العميق أكثر سوري ًّة أو أق َّل لها هو أ َّنه ليس هناك من سوريٍّ َ من سواه. الدولة الجديدة االلتزام بالمبادئ الفكريّة والسياسيّة واألخالقيّة التي تتأسَّس عليها الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة ً خاصة مبدأ العموميّة التي تتجلَّى في الدستور الحديثة، والقانون العام .فالصفة األساس في الدولة المنشودة هي الوطنيّة /العموميّة ،أي أنّ الدولة المستقبليّة ليست دول َة فر ٍد أو طغم ٍة أو طائف ٍة أو عشيرة أو حزب ،بل دول ُة جميع المواطنين .وتتر ّكز وظيف ُتها األساس ّي ُة في الحفاظ على طابعها العا ّم المشترك ،وعلى بقاء جميع مؤسّساتِها مؤسّسا ٍ ت وطني ًّة عام ًّة ،أي في حياديّتها وعدم اختالف تجاه األفراد والجماعات والتنظيمات، ِ ُ ُ أدائِها إلاّ بقدر طفي ٍ ف عندما تتب َّدل السلطة الحاكمة من ٍ خالل االنتخابات الديمقراطيّة الحرّ ة والنزيهة.
حكم سورية نظا ٌم استبداديٌّ قام على منطق الغلبة والقهر والعصبيّة ،تغلغل فسا ُده طوالً وعرضا ً وعمقا ً في ك ِّل المناحي ،وهيمنت سلط ُته على الدولة ،وألغت وأدواره��ا ،وحوّ لتها إلى أخطبوطٍ مهيمن وظائ َفها َ ٍ على الحياة السياسيّة والتعليميّة والثقافيّة واالجتماعيّة ْ وعملت على ت المجتمع المدنيِّ والنقابات، ومؤسّسا ِ أشكال سائر تدمير مختلف الفئات االجتماعيّة ،وألغت َ ِ ِ المجتمع السوريَّ إلى ال ّتضامن االجتماعيِّ ،وحوّ لت َ سديم بشريٍّ مف ّككٍ ومهلهل ،وإلى أف��رادَ منعزلين ٍ ٍ ب من أجهزتها األمنيّة، ومحاصرين بالخوفِ والرع ِ وجرى تخفيضُ “المواطنة” إلى مستوى الوالء الحزبيِّ أو الشخصيِّ ،وال َّشعب إلى مستوى “الرعيّة” التي أراد ً ً لها النظام أن تكون متفرِّ ً ومباركة لك ِّل وصامتة جة ممارساتِه فحسب.
إنَّ تاريخ سورية هو تاري ُخ ك ِّل التنوُّ ع الثقافيّ َ تاريخ والسياسيّ والدينيّ واالجتماعيّ فيها ،وليس دين أو مذه ٍ ب دون سواه .لكن أمام عرق بعينه أو ٍ ٍ الدولة السوريّة هناك شعبٌ سوريٌّ ،ومواطنٌ سوريٌّ . ب السوريّ ، وإنَّ الثالثيّة المتمثلة بالدولة السوريّة ،ال َّشع ِ المواطن السوريّ ،هي أساسُ بنا ِء الدول ِة الجديدة، ِ ُ ومنطلق التعاطي مع أيّ قضايا أو إشكاال ٍ ت مطروح ٍة على السوريّين.
اعتمد النظا ُم ً آلية وحيد ًة في التعاطي مع السوريّين تقو ُم على القتل والقمع واالعتقال .وهو لم يتعامل معهم ،في أيِّ لحظةٍ ،بوصفهم شعباً ،أي كمواطنين أحراراً ،بل كجماعا ٍ ت إثن ّي ٍة وطائف ّي ٍة ومذهب ّيةٍ ،يجمع بينها بالقوّ ة العسكريّة واألمنيّة ،ولذا لم يخلق هُوي ًَّة جامعة ،بل إ َّنه َّ ً حطم جنين الدولة الوطنيّة التي وطني ًّة تش َّكلت بعد االستقالل .وأصبح واضحاً ،بعد انطالق ّ الثورة السوريّة ،أنَّ النظام ال َيصلُح وال يُصلِح وال
النظام ال��دي��م��ق��راط��يّ المعنى العميق للنظام جميع المواطنين يشاركون في الديمقراطيّ هو أنَّ َ صوغ الحقيقة السياسيّة ،أي ما يصلح وما ال يصلح ِ مجموعة متكاملةٌ ٌ لخير المجتمع وسعادته .ولهذا النظام من العناصر ،ومنها مبدأ الفصل بين السلطات الثالث، ُّ وحق المشاركة ومبدأ سيادة القانون واستقالل القضاء، مصدر الشرعيّة في الشؤون العامة ،واعتبا ُر ال َّشعب َ والسلطات جميعها ،واحترا ُم حقوق اإلنسان ،ومبدأ
newspaper@allsyrians.org
ّ وحق التنظيم ،وحريّة حماية حريّة التفكير والتعبير الصحافة والنشر ،وعدم االستئثار بالسلطة وتركيزها مركز واحدٍ ،أي الالمركزية في اإلدارة وتوسيع في ٍ دائرة اتخاذ القرار في المستويات كافة ،وتنظيم الحيا ِة قانون ديمقراطيٍّ لألحزاب ،وتنظيم السياسيّة عبر ٍ اإلع�لام واالنتخابات البرلمانيّة وفق قوانين توفر الحريّة والشفافية والعدالة والفرص المتساوية .الدولة المنشودة هي دولة جميع المواطنين ،فأيّ نظام سياسيٍّ ٍ يستم ُّد شرعي َته من هيمنة أغلب ّي ٍة دين ّيةٍ ،أو طائف ّيةٍ ،أو أيديولوج ّي ٍة عرق ّيةٍ ،إ ّنما يقوّ ض الديمقراطيّة وينته ُ ك ك َّل شروط المواطنة المتساوية .لذا ينبغي الوقوف بحزم ض َّد شعارات حماية األقليّات من أيّ طر ٍ ف كان، ٍ أل َّنه ال يعني إال إلغاء مفهوم الدولة والوطن ،وإلغاء مفهوم ال َّشعب سياس ّياً ،ونشوء حال ٍة دائم ٍة من التو ّتر واالحتقان في المجتمع. الحريّات والسِّلم األهليّ إنَّ طموح السوريّين ي ّتجه وطن ُتتاح فيه الحر ّي ُة لجميع األديان والمذاهب نحو ٍ واأليديولوجيّات واألح��زاب في التعبير عن نفسها والفعل والتأثير مع استمرار دولتهم السياسيّة في التعبير عن الك ِّل االجتماعيِّ .لذا ينبغي رفض ك ّل رسائل التطمين المبتذلة الموجَّ هة أليّ طائفةٍ ،أل َّنها منطلق طائفيٍّ في النظر للسوريين تعبِّر في العمق عن ٍ منطلق وطنيٍّ ،وكذلك رفض انتظار البعض ال عن ٍ للرسائل المطمئِنة أل َّنها تعني أ َّنهم ينظرون ألنفسهم بأ َّنهم مواطنون هامشيّون. على الرّ غم من الصراع العسكري ال��ذي أدخل النظا ُم البالدَ فيه ،فإ َّنه ينبغي التأكي ُد على حُر َم ِة ال ِّدما ِء ت الوطنيّة العا َّم ِة والخاصَّة خارج إطار ال ّدفاع والممتلكا ِ ُ عن النفس ،ونبذ العُنفِ بك ِّل صور ِه وأشكالِه ،وإدان ُته التحريض الصَّريح ُة القاطع ُة ،وتجريمُه وطن ًّيا ،وإدان ُة ِ على ال� ُع��ن��فِ ، أو تسويغِه أو ��ره ،أو ت���ب���ري� ِ ��روي��ج له، ال�� َّت ِ فاع عنه أو ال ِّد ِ وال ّتأكيد على االل���ت���زام بعد رح��ي��ل النظام ب���ال���وس���ائ���ل ِ ال���س���ي���اس��� ّي��� ِة ال � ِّس��ل��م � َّي � ِة في الع َم ِل الوطنيِّ ُ الفتن الطائف ّي ِة سيج الوطنِيِّ الواح ِد من ِ العا ِّم ،وحماية ال َّن ِ ت العُنصُر َّيةِ ،ومن المصنوع ِة والحقيق َّيةِ ،ومن ال َّدعوا ِ الوطن ،وتضام َُن أبنائِه ،ووحد َة ُك ِّل ما يُه ِّد ُد سالم َة ِ رابه. ُت ِ األسس املكمِّلة تنبني الدولة السوريّة على فكرة العدالة، • أساسُها سيادة القانون ،وتقوم على بنا ٍء قانونيٍّ ال يستثني أحداً من المحاسبة بصرف النظر عن موقعه الوظيفيِّ أو طبيعة المؤسَّسة التي يعمل فيها .وتقتضي العدالة وجود هيئ ٍة وطن ّي ٍة للعدالة االنتقاليّة والمصالحة ور ِّد المظالم من أجل المحاسبة والكشف عن المفقودين والتعويض على المعتقلين وضحايا العنف بنا ُء الثقافة الوطنيّة والوعي الوطنيّ على • أرض ّي ٍة ديمقراط ّيةٍ ،وتحري ُر مناهج التربية والتعليم من التشوّ هات التي نمت بفعل االستبداد ،واحترام التنوّ ع واالختالف بوصفه مصدر غنىً وطنيّ ،وضمان برامج الحقوق الثقافيّة واالجتماعيّة للجميع ،من خالل َ وطنيّة عامة تر ّكز على المشترك الثقافيّ كما على جماليّات االختالف بوصفه منبعا ً لإلبداع والتجديد ضمانُ ّ حق المجتمع في تنظيم نفسه وإقامة • َّ مختلف المنظمات والجمعيَّات واالت��ح��ادات في كافة أوجه النشاط الروحيّ والثقافيّ واالجتماعيّ واالقتصاديّ ،وتوفير الظروف والمناخات التي تكفل ت المجتمع المدنيّ -تنظيم ّيا ً ومال ّيا ً - استقالل مؤسَّسا ِ عن السلطة السياسيّة •
ضمانُ حريّة الجماعات اإلثنيّة وحقوقها
عادل الثقافيّة واالجتماعيّة ،وإيجا ُد ح ٍّل ديمقراطيٍّ ٍ للقضيّة الكرديّة في إطار وحدة سورية أرضا ً وشعباً، بما يضمن المساواة التامة للمواطنين السوريّين األكراد مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسيّة والثقافة وتعلّم لغتهم وسائر الحقوق السياسيّة واالقتصادية واالجتماعيّة والقانونيّة ُ إطالق إستراتيجيّة وطنيّة للنهوض بالمرأة، • ّ أشكال التمييز جميع وااللتزام باتفاقيّة القضاء على ِ ِ ض َّدها ،والعمل على تم ّتعها بكافة حقوقها ،وتوفير المناخ المناسب لتوسيع مشاركتها في الحياة السياسيّة وفي التنمية الشاملة ،وغرس قيم الشراكة الحقيقيّة، والوقوف ض َّد ك ِّل المعوقات التي تحول دون ذلك باعتبارها تتعارض مع قيم المواطنة المتساوية أسس وطن ّي ٍة إعادةُ بناء الجيش السوريّ على • ٍ تح ِّدد مهامه بحماية الوطن وصون وحدته وحراسة ث��روات��ه والحفاظ على تراثه وحضارته ونظامه الديمقراطيّ ،وإبعا ُده عن النزاعات السياسيّة والوالءات الحزبيّة والمناطقيّة ،والعشائريّة ،والمذهبيّة ،أو أيّ ت أخرى أو والءا ٍ صراعا ٍ ت ضيِّق ٍة تخرجُه عن دوره أسس تجعل منها الوطنيّ .وبنا ُء أجهزة األمن على ٍ حارسا ً أمينا ً لمصالح المواطنين ،تصونُ دماءهم وأعراضهم وأموالهم وتحمي حرياتِهم ،وتكون محد ّد َة ً وخاضعة للمساءلة القانونيّة المرجعيّات والمسؤوليّات ُ على المستويين الشخصيّ واالعتباريّ ،ويخضع عملها للمراقبة ال َّشعبيّة نظام اقتصاديٍّ حدي ٍ ث يقو ُم على التوازن بنا ُء • ٍ بين الحريّة االقتصادية واالحتفاظ بدور الدولة في الحياة ّ ً بالقطاعات خاصة ما يتعلق االقتصاديّة واالجتماعيّة، اإلستراتيجية ،وتطوي ُر سياسا ٍ ت اجتماع ّي ٍة واقتصادي ٍة
ُتؤمِّن المواطنين ض َّد الفقر ،وتضمنُ توزيعا ً عادالً فرص متساوي ٍة أمام الجميع، للدخل القوميِّ ،وإتاح ُة ٍ وشغ ُل الوظائف استناداً إلى مبدأ الكفاءات ال الوالءات، ُ وإطالق عمليّة تنمي ٍة متواصل ٍة على المستويات كافة، البشريّة واالقتصاديّة والعلميّة ،بما يضمن تحسين األوضاع المعيشيّة ،ومحاربة ظواهر النهب والفساد واإلفساد ،ودخول سورية إلى المجتمع العالميّ من بوابة العلم واإلنتاج والمعرفة تلتز ُم السياسة الخارجيّة لسورية الجديدة • بمبادئ وأهداف ال َّشعب السوريّ وبالمصلحة الوطنيّة ُ الحفاظ على استقالل وسيادة السوريّة ،وفي مق ّدمها سورية ووحدتها وحماية أمنها واستقرارها وسالمة أراضيها ،وخدمة المصالح االقتصاديّة الوطنيّة ودعم وتعزيز استراتيجيّات التنمية الشاملة .سورية الجديدة ٌ دولة تقوم على كامل أراضيها وال تتخلى عن أيِّ جز ٍء محت ٍّل منها ،وتستخد ُم كافة الوسائل المتاحة والمشروعة ٌ دولة تقوم عالقاتها مع محيطها لتحرير أراضيها؛ أساس تكامليٍّ يح ِّقق المصالح األخويّة العربيّ على ٍ المشتركة ،كونها جزءاً من محيطها العربيِّ وحاضنتها ٌ دولة تلتز ُم دع َم ال َّشعب الفلسطينيِّ وح ّقه في العربيّة؛ ّ إنشا ِء دولتِه الحرّ ة السيّدة المستقلة وعاصمتها القدس، ودعم ك ّل الشعوب العربيّة في تطلّعاتها التحرّ ريّة ٌ دولة تقوم عالقا ُتها الدوليّة على ومناهضة االستبداد؛ مبدأ النديّة واالحترام المتبادل ،وعلى احترام المواثيق والعهود الدوليّة ،وتلتز ُم حكومتها بما ورثته من اتفاقيّا ٍ ت وعقو ٍد ال تخ ُّل بسيادتها وال تضرُّ بمصالح شعبها. القاهرة 2013/3/24 ِ
www.allsyrians.org
ملف العدد
العدد 19
5
/26تشرين الثاني 2014/
حــوار مــع الدكتور راتـب شـــعبو
(تتابع «كلّنا سوريّون نشر الجزء الرابع من الحوار الذي أجراه المعارض الصحفيّ غسّان المفلح مع المعارض الكاتب والمترجم والطبيب راتب شعبو) تعليق على التعليق: شعبو :في استبيان حديث يض ّم 28سؤاالً ،شمل شخص من السورييّن العلويّي المولد، أكثر من 600 ٍ كانت لي مساهمة أساسيّة في إعداده وتنفيذه ،تبيّن أنّ %44من المستطلعين مع تغيير النظام ،و %54يرون أنّ النظام يتحمّل مسؤوليّة القتل ،و %35يريدون أن ينتهي الصراع على شكل تسوية بين النظام والمعارضة ،فيما يرغب %22منهم بنصر حاسم للمعارضة (بالطبع ال يشمل مفهوم المعارضة هنا جبهة النصرة وال الدولة اإلسالميّة وال أشباهها) مقابل %43يرغبون بنصر حاسم للنظام ،ينبغي أن يضع هذا االستبيان ،الذي سينشر قريبا ً والذي أنجز بظرف صعب وبمعايير مركز أمريكيّ متخصص باالستبيانات ،أصحاب التصوّ رات الذهنيّة المستقرّ ة التي ترى إلى كتلة مذهبيّة ما على أ ّنها كتلة مسمطة ،في موضع تساؤل ومراجعة للتصوّ رات على األقلّ. ال يتماشى ه��ذا االستبيان الواقعيّ مع القول «الذهنيّ » بأنّ آل األسد تحوّ لوا عند العلويّين إلى ربّ سياسيّ ودينيّ ،هذا قول ارتجاليّ وضعيف السند في الواقع رأيي أنّ العكس أقرب إلى الحقيقة ،أقصد أنّ العلويّين اليوم ،وبعد أن دفعوا ثمنا ً باهظا ً في حماية «سلطة األسد» ،بات لديهم تصوّ ر عام من ش ّقين: -1إنّ األسد جرّ عليهم بلوى خسروا فيها ما يقرب من 100ألف شابّ علويّ (تقديرات شخصيّة) مع تحميلهم وزر أخالقي _ على األق ّل _ عن مجازر مروّ عة ارتكبها النظام وينظر إليها قطاع واسع من المجتمع السوريّ على أ ّنها مجازر ُترتكب باسم العلويّين وبيد علويّة ،ومعروف أنّ الوزر األخالقيّ قابل للتحوّ ل إلى وزر سياسيّ يتوجّ ب دفع فاتورته حين تتبدل موازين القوى. -2إنّ سلطة األسد هي ملك ك ّل من دافع عنها، فلم تعد السلطة في سوريّة ملك لألسد كما كانت ح ّتى مطلع ،2011وهذا يرسم خط صراع كامن ضمن
معسكر النظام ،ما أن يطمئنّ الموالون إلى تراجع تهديد اإلسالميّين ،أي إنّ النتيجة التي يرسمها هذا الصراع في ذهن العلويّين هي تماما ً سقوط األسد من حيث القيادة ومن حيث األحقيّة بالسلطة وليس تحوّ له إلى ربّ سياسيّ ودينيّ .
من ناحية أخرى ،بالفعل أظهر العلويّون خالل التبدالت العميقة التي شهدتها سوريّة في السنوات الثالث والنصف األخيرة ،أقصد خالل ما بدأ ثورة حرّ يّة وانتهى صراعا ً أعمى على السلطة يتوسّل ك ّل الوسائل ،نكوصا ً طائف ّيا ً ملحوظاً ،وهذا جعلهم أق ّل حساسيّة تجاه الممارسات اإلجراميّة التي يقوم ّ والمنظمات العسكريّة الحليفة بها النظام وشبّيحته له ،فقد استيقظت في أذهانهم صورة «آخر طائفيّ » يريد «إبادة العلويّين» .على هذه الصورة الشيطانيّة نام ضمير قسم كبير من العلويّين وسكت عن مذابح مروّ عة راح ضحيّتها أطفال ونساء س ّنيو المولد، ومن لم يرتاح ضميره على هذه الصورة ،ارتاح على حقيقة أنّ المعارضة تفبرك الفيديوهات وتشتري شهود العيان ،وبالتالي فإنّ الفظائع التي تصل إلى اإلعالم إ ّنما هي فبركات إعالميّة ،ساعد في ذلك ممارسات غير نزيهة من بعض أطراف محسوبة على الثورة، بالمقابل نامت ضمائر قطاع واسع من الس ّنة عن جرائم مشابهة لجرائم النظام قام بها إسالميّون متطرّ فون، ّ بحق علويّين أبرياء ،فخسر المجتمع أو جمهور هائج السوريّ بذلك القاسم المشترك األه ّم ،وهو الضمير الذي يُفترض أ ّنه كمون الخير في الفرد ،النتيجة ّ تعطل الضمير االجتماعيّ وديست األخالق العامّة ،ووجدت الطائفيّة لها مكانا ً ومستقراً في أذهان السوريّين. أ ّم��ا الكالم عن «أم��ر مبيّت سلفاً» فهو يتعامل مع الطائفة العلويّة ،أو أيّ جماعة ُتنسب إلى مذهب معين ،كما لو أ ّنها جوهر خارج التاريخ ،ال تخترقه التمايزات وال الزمن ،كما لو أنّ هذه الجماعة جزء متمايز عن المجتمع السوريّ ،يتآمرون فيما بينهم ويكيدون وينتصرون دائما ً لطائفيّتهم على خالف الواقع االجتماعيّ لبقية المذاهب والطوائف ،إنّ النظر إلى العلويّين أو إلى غيرهم وفق مفاهيم «معاداة المجتمع السوريّ ،والتواطؤ الجمعيّ ،والتوافق المسبق
المبيّت على أمر ما ..الخ» ،إ ّنما يندرج في باب تلغيم المستقبل ،شخص ّيا ً ال أرى أيّ جدوى سياسيّة يمكن أن تسوّ غ قول مثل هذا الكالم ،فضالً عن أ ّنه تصوّ ر غير صحيح.
هذا ال ينفي أن يكون ثمّة لحظات تاريخيّة يتوافق فيها عموما ً خط النسب الطائفيّ مع موقف سياسيّ ما، غير أنّ هذه لحظات عابرة ال تسوّ غ الكالم عن أيّ طائفة ككتلة متمايزة كما لو أ ّنها حزب سياسيّ ،في هذا تنميط ال يمكن أن يقول الحقيقة. تبلور منذ وقت مبكر وعيّ عام لدى القطاع األكبر من العلوييّن غير متعاطف أو معا ٍد للثورة (أكرر :التي انتهت منذ أكثر من سنة إلى صراع على السلطة يتوسّل أيّ وسيلة ويخضع لسياسات غير سوريّة من جانبيه)، لكن يتعيّن علينا ،إذا أردنا ألاّ نستعجل األحكام ونبتسر النتائج ،أن نلتفت إلى جوانب مهمّة في سياق الصراع أظهر فيه العلويّون ما يخالف الصورة اإلعالميّة المروّ جة في أوائل آب 2013احتلت تنظيمات إسالميّة مجموعة من قرى شمال الالذقيّة وقتلوا مدنيين ّ عزل وخطفوا ما يزيد عن 150بين طفل وامرأة واختطفوا شيخا ً علو ّياً ،ث ّم عرضوا صورته على «النت» بطريقة استفزازيّة وهو يحمل آثار تعذيب ويظهر الدم على جلبابه األبيض ،ث ّم بعد يومين أظهروه مقتوالً ومرم ّيا ً على األرض ،كانت صدمة كبيرة ال شكّ ،ولكن رغم ذلك لم يحدث أيّ ر ّد فعل طائفيّ مقابل ،وال يزال إلى اليوم أكثر من 55مخطوفا ً بين طفل وامرأة محتجزين لدى هذه التنظيمات. لم ينزلق الساحل إلى عمليات قتل وخطف طائفيّ متبادل ،كما جرى في حمص مثالً ،الحظ أنّ مدن وبلدات الساحل اتسعت لمئات ألوف المدنيّين الفارين من مناطق الصراع العسكريّ في حلب وإدلب وحمص دون أن تحدث احتكاكات تذكر ،هذا أمر يُبنى عليه في العالقة الوطنيّة ،مع ذلك تجد من يكتب في الصحف: إنّ أهل الساحل رحّ بوا بالحلبيّين الفارين من القتال طمعا ً بالمكاسب االقتصاديّة ،كما لو أنّ أهل الساحل كلّهم أرب��اب عمل يبحثون عن زبائن ،أو أنّ ك ّل الحلبيّين أصحاب ثروات ستنهض باقتصاد الساحل، يمكن للقراءة أن تشوّ ه أيّ واقعة ،لكن ح ّتى الحوادث
الطائفيّة يجب النظر إليها بعين وطنيّة ،إذا أردنا التأسيس لمستقبل أفضل من حاضرنا. السؤال الرابع :إذا كانت األكثر ّية الموضوع ّية الطبيعي جداً ،أن تكون نتائج هي من الس ّنة ،فمن ّ ممارسات النظام على مدار أربعة عقود ونصف من حصة األسد التمييز والفساد والنهب والقمع ،أن ينالها ّ من هذه الممارسات ،ما الذي عليهم أن تفعله الناس السوري واحد، المحتجة غير التظاهرات والشعب ّ ّ واالنتقال من المطالبة بإصالح النظام إلى اسقاط يتوجب عليها فعله؟ سلمي ،ما الذي كان النظام بشكل ّ ّ أن تتثقف علمان ّيا ً مثل ّيا ً مثل آل األسد؟ اجلواب الرابع: االستبداد األسديّ لم يو ّفر أحداً على مدى سنين حكمه ،ال عدوّ له سوى صاحب الرأي المستقل والنزوع الحرّ كائنا ً من كان ،طالما أنت تحت إبطه فأنت مقبول أكنت يساريا ًّ متطرّ فا ً أو ليبرال ّياً ،علمان ّيا ً أو قاعد ّيا ً ّ سيسحق أيّ نزوع استقالليّ لديك ح ّتى لو ..الخ ،ولك ّنه كنت بعث ّياً ،لم يقمع النظام السوريّ المستبد الثورة أل ّنها اكتسبت لونا ً إسالم ّيا ً مثالً ،لم يقمعها أل ّنها خرجت من الجوامع ،أو ألنّ صيحتها الغالبة كانت (هللا أكبر)، أو ألنّ مشايخ ُس ّنة ساندوها وأفتوا لها ..الخ ،قمعها أل ّنها قوّ ة مستقلة خارجة عن سيطرته ،وكان سيقمع أيّ مظاهرة ح ّتى لو كانت تهتف بحياة األسد طالما أنّ هذه المظاهرة تخرج بشكل مستقل وليست من تنظيم وترتيب أجهزته األمنيّة ،ال يه ّم النظام المستبد أن يتثقف الجمهور علمان ّيا ً أم دين ّياً ،ما يهمّه هو الخضوع وال يهمّه وفق أيّ ثقافة يت ّم الخضوع ،االحتجاج والخروج من تحت السيطرة واكتساب مساحات حرّ ية مهما كانت ضيّقة ،هو ما ينبغي على المقهورين عمله.
غ ّسان املفلح
المستقبلي 2/2 مسيحّيو سورية وسؤال الدور ّ المستقبل السوريّ القادم ،بل سيكون دورهم مجرّ د ناتج عن تعبير انفعاليّ ُنكوصيّ سلبيّ ،بل ومُدمِّر لهمٍ ، شعورهم بفقدان حالة وجوديّة عاشوها في عهد النظام األسديّ وقد أقنعوا أنفسهم ،واهمين ومخطئين ،بأ ّنها أفضل حالة يمكن للمسيحيّين أن يوجدوا عليها في سورية (إنْ لم يكن العالم العربيّ ) أو أن يكونوا فيها جزءاً من الكيان السوريّ .باختصار ،االنطالق من تفسير وتوصيف خاطئين وغير حقيقين لحالة الوجود الماضية تؤ ّدي منطق ّيا ً واستقرائ ّيا ً إلى ا ّتخاذ مواقف خاطئة وسلبيّة ومدمِّرة تجاه المستقبل.
الربوفسور الدكتور الدكتور جنيب جورج عوض ،شاعر وباحث الهوت ّي أكادمي ّي من مواليد الالذقيّة ،يعيش ويعمل حالياً يف أمريكا ،له العديد من املؤلّفات العلميّة والشعريّة واملقاالت ،يف ع ّدة لغات. لم يكن هناك حرّ يّة دينيّة على اإلطالق في سورية البعث -األسد ،بل كان هناك إيحاء دائم بإمكانيّة تعرّ ض أيّ مسيحيّ الضطهاد مستطير ح ّده األدنى الموت ،وح ّده األقصى القمع والسجون والترهيب ّ المنظمة ،إذا ما ف ّكر أحد وخنق فرص العيش الكريم ّ المسيحيّين بأن يعبِّر في الكنيسة عن رأي حرّ يتعلق بالشأن العا ّم .بكلمات أُخرى ،مقابل حماية المسيحيّين من أيّ اضطهاد دينيّ من أيّ طرف غير مسيحيّ ، أُجبر المسيحيّون ،أسوة بإخوتهم المسلمين أيضاً ،على رض عليهم التنازل عن حرّ يّتهم الدينيّة والمدنيّة وفُ َ التخلّي عن لعب أيّ دور حرّ ،مدنيّ حقيقيّ وفاعل في الساحة المدنيّة العامّة .ثمن الحماية من االضطهاد كان الخروج من الحياة العامّة واالنزواء داخل دار العبادة والتخلّي عن لعب أيّ دور فكريّ أو مدنيّ أو دولتيّ نقديّ ،حرّ وإصالحيّ عا ّم. ما أري��د تبيانه من خ�لال تسليط الضوء على ذينك الجانبين الخاطئين في اال ّدعاء التقليديّ الشائع بين مسيحيّ سورية عن وضعهم المدنيّ خالل عهد البعث -األسد هو ما يلي :إنْ استمرّ مسيحيّو سورية بالكذب على أنفسهم وعلى العالم أجمع وواظبوا على التوهُّم بأنَّ حياتهم في عهد النظام القمعيّ الفاسد هي الحياة المثلى التي يعيشون هاجس فقدانها ولهذا يريدون التمسّك بها ،فإنَّ هذا التمسّك بما فيه من أخطاء لن يدفعهم للعب أيّ دور حقيقيّ وفاعل في
newspaper@allsyrians.org
إنْ استمرّ المسيحيّون السوريّون باالعتقاد أنّ ّ تستحق التضحية بالحرّ يّة الوقاية من االضطهاد الدينيّة ،بل والحرّ يّة عموماً ،وأنّ تأمين النجاة أه ّم من لعب دور ،فإ ّنهم في سورية المستقبل سيكرّ رون نفس موقفهم في عهد النظام األسديّ وستراهم ،انطالقا ً من نفس الهوس بالسالمة ،يتمسّحون مرّ ة أخرى بمنظومة السلطة الجديدة وسيبنون عالقات تحالف ومراضاة وخنوع جديدة مع أصحاب القرار فيها، مضحّ ين في المقابل بح ّقهم البشريّ والمدنيّ والدولتيّ األساسيّ بالحرّ يّة بكا ّفة أنواعها وأشكالها ،ومستمرّ ين في انزوائهم وتقوقعهم داخل صومعة الحياة الكنسيّة والدينيّة -االجتماعيّة الضيّقة واالنعزاليّة :الهوس بالنجاة وبدرء الخطر ،سيتغلّب على الرغبة بالوجود الحرّ وبالمشاركة الفاعلة .وكلّما تنامى عند المسيحيّين إحساس الخوف من االضطهاد وإمكانيّة حدوثه بسبب غياب حالة األمان الوهميّة التي عاشوا في كنفها لعقود سابقة ،كلّما تضاعف عندهم اطراداً هاجس الخوف من اآلخر وهوس االنكماش على الذات ،ممّا سيؤ ّدي إلى حالة من األصوليّة المسيحيّة االنعزاليّة ،قوامها حنين لحالة وهميّة ماضويّة من الحماية من اضطهاد مُتخيَّل ،ووقودها قناعة ال تق ّل وهميّة بأنّ الدور الوحيد ّ يتوخوا المتاح للمسيحيّين في عالمهم السوريّ هو أن الحماية ال أن يقاتلوا ألجل الحرّ يّة وأن يبادروا بلعب أيّ دور. من جهة أخرى ،إنْ استمرّ المسيحيّون السوريّون ّ تستحق التضحية باالعتقاد بأنَّ الوقاية من االضطهاد بالحرّ يّة وأنّ تأمين النجاة أه ّم من لعب دور ،فإ ّنهم في سوريا المستقبل سيكرّ رون نفس خطئهم أثناء عهد النظام البعثيّ بم ّد اليد للتحالف مع دوائر صنع القرار
ومراكز السلطة ،بدل أن يلتفتوا إلى الشارع العا ّم ويبنوا جسور تواصل وشراكة حقيقيّة فاعلة ومدنيّة وعمالنيّة مع باقي أطياف وشرائح وجماعات المجتمع والساحة العامّة السوريّة بك ّل مكوّ ناتها الشعبيّة.
أثناء عهد األسد ،اكتفت القيادات المسيحيّة السوريّة الروحيّة والزمنيّة على ح ّد سواء بنسج عالقات مصالح مشتركة وعالقات «حماية -طاعة» و»تسامح - والء» مع النظام الحاكم ومراكز السلطة وأجهزتها األمنيّة .فعلت هذا ،بدل أن ُتعيد بناء شبكة عالقات مدنيّة حرّ ة وتفاعليّة وسوسيولوجيّة حقيقيّة مع الشعب والشارع وباقي أفراد المجتمع السوريّ من منطلق التشارك في وحدة الحال والمعاناة من نفس منظومة القمع واالضطهاد والمعاناة من نفس سياسة مقايضة الحماية بالوالء والتسامح بالتنازل عن الحرّ يّات .إنْ كان مسيحيّو سورية سينطلقون في نظرتهم لسورية المستقبل من زاوي��ة الخوف من عقدة االضطهاد وزاوي��ة اإليمان الخاطئ باألسطورة الوهميّة التي ذكرتها في األعلى ،فهم عندها سيقصّرون في بناء عالقة تواصل وتفاعل وبنيان حقيقيّة مع الشارع السوريّ العا ّم في المستقبل كما قصّروا في فعل ذلك في الماضي ،وستراهم يعيدون انتاج خيار التمسّح بالسلطة وتفضيل االنفتاح عليها على االنفتاح على الشارع. أيُّ دور لمسيحيّ سورية في المستقبل؟ الجواب على هذا السؤال يح ّدده ،كما حاولت أن أناقش هنا، المخيال الذي يحمله مسيحيّو سورية عن حياتهم في الماضي وما إذا كانوا مستع ّدين لتفكيكه وإعادة تقييمه أم ال؟ إنْ كانوا مستع ّدين لفعل ذلك ،فلسوف يكتشفون بأنفسهم أنّ ا ّدعائهم بأنّ النظام البعثي -األسديّ كان نظاما ً علمان ّيا ً َحمى المسيحيّين من االضطهاد الدينيّ وأعطاهم حرّ يّتهم الدينيّة ،ما هو إلاّ وهم غير حقيقيّ ، ولم يكن واقع ّيا ً ح ّقا ً يوما ً ما في سورية األسد .ولسوف ينطلقون عندها من عمليّة النقد والتفكيك تلك ويأسّسوا عليها موقفا ً مغايراً تماما ً يجعلهم يلعبون دوراً فاعالً وب ّنا ًء يحمل ك ّل مالمح الحرّ يّة (خاصّة الحرّ يّة من االفتراضات الخاطئة وعقد الخوف والهوس باألمان والنجاة) واالنفتاح على الشارع السوريّ ال على مراكز السلطة؛ على أبناء وبنات المجتمع السوريّ ال على ص ّناع القرار فقط .أمّا إذا رفض المسيحيّون
مجرّ د إعادة تقييم قراءتهم لواقعهم في عهد النظام األس��ديّ ،فلن يكون هناك أيّ تغيير بنيويّ ملموس في آليّة عيشهم وطبيعة حضورهم في المجتمع السوريّ في المستقبل .ما سينتج عن هذا هو تمسّك أعمى بالهُويّة الدينيّة يشبه تماما ً األصوليّة المسيحيّة القائمة على التشكيك باآلخر وعقدة األقلّيّات والتورّ ط ّ متمثالً في في صراعات قوى ومذهبيّات نراه اليوم الدرك األصولي الذي تنحدر إليه المسيحيّة اللبنانيّة (العونيّة تحديداً) .ما سينتج عن هذا ،كذلك ،إمعان في االنعزال والتقوقع والبحث عن مخرج آمن من الوطن ،ممّا سيفرّ غ الشرق من أهله األصليّين بأيدي أهله األصليّين أنفسهم ،وليس بالضرورة بأيدي من يعتقد المسيحيّون ،في خضم غرقهم المريض في بحر عقدة األقلّيّات وبعبع الذ ّميّة ،أ ّنهم مصدر خطر وليسوا شركاء في الوطن.
في مقاالت عديدة سابقة ،وجّ هت ع ّدة نداءات للمسلمين السوريّين كي يم ّدوا يدهم ألخوتهم المسيحيّين في الوطن ويرسلوا لهم رسالة تطمين وأخ��وّ ة في الوطن ويدعونهم للمشاركة معهم في تحرير وبناء سورية جديدة للجميع .اليوم ،أوجّ ه رسالة ألخوتي وأخواتي ،ألهلي المسيحيّين السوريّين ،بأنَّ عليهم أن يبحثوا عن لعب دور في سورية المستقبل ،ال أن ينتظروا أن يق ّدم لهم أحد ما الفرصة للعب هذا الدور. أدعوهم لكي نف ّكر معا ً في ماهيّة وطبيعة هذا الدور الذي يجب علينا كواجب وطنيّ وأخالقيّ وإنسانيّ أن نلعبه في سورية المستقبل ،وأن نقوم بهذا انطالقا ً من إعادة تقييم وتفنيد صريحة وشجاعة وعقالنيّة ونقديّة مفتوحة للتصوّ ر التقليديّ الذي حملناه أثناء عيشنا خالل األربع عقود الماضية بأنَّ ضمانة وجودنا هي نظام مثل نظام البعث األسديّ ،الذي لطالما توهّمنا، ضمِن حرّ يّتـنا الدينيّة لمجرّ د بأ ّنه نظام علمانيّ وبأ ّنه َ أ ّننا في عهده لم نتعرّ ض لالضطهاد. إ ّنني أدع��و أهلي ،مسيحيّي س��وري��ة ،للتحلّي بالشجاعة لفحص وتفكيك وإعادة تقييم حقائقيّة تلك النظرية ،كيما نتأ ّكد من أ ّننا ال نبني استشرافنا للمستقبل على فرضيّات ومخياالت غير صحيحة ووهميّة عن الماضي .البداية الخاطئة تو ّدي دوما ً لنتائج خاطئة، ومصيرنا المستقبليّ سترسمه تصوّ راتـنا عن حياتنا الماضويّة. أ.د.د .جنيب جورج عوض
www.allsyrians.org
6
العدد 19
تحقيقات
/26تشرين الثاني 2014/
الجنود األطفال في سورية
الكارثي مقاتلون سحرتهم الطوباوّية الدينّية واإليديولوجيا بديالً لواقعهم ّ
مشاهد األطفال الذين ُتدرّ بهم كتائب البعث على حمل السالح في سورية ،ال تختلف كثيراً عن صور أطفال الكتائب اإلسالميّة الذين قالوا« :قد نعيش وقد ّ منظمة «هيومن نموت» وهي العبارة التي ا ّتخذتها رايتس ووتش» عنوانا ً لتقريرها األخير عن ظاهرة تجنيد األطفال واستخدامهم من قبل الجماعات المسلّحة في سورية ،اختصرت تلك العبارة واقع فئة اجتماعيّة ودينيّة بعينها ،نقل التقرير شهادات 25طفالً سور ّيا ً شاركوا بالعمليّات القتاليّة في الصفوف األماميّة أو بتقديم الدعم واإلم��داد ،وسقط من التقرير ألسباب أمنيّة وسياسيّة قدرة رصد واقع أطفال الجانب األخر، الجانب الذي يحمل تقريبا ً ذات العقليّة والذهنيّة الدينيّة االجتماعيّة اإلقصائيّة ،فعناصر تنظيم الدولة اإلسالميّة في العراق والشام «داعش» الذين ج ّندوا مراد أحمد حلاّ ق (16عاماً) الملقب بأبو القعقاع كمسؤول أمنيّ في إمارة اعزاز بريف حلب الشماليّ ،ال يختلفون عن عناصر فيلق بدر الشيعيّ العراقيّ الذي نعى مقاتله أحمد حيدر عبد العال الوائلي ( 17عاماً) والذي قضى في سورية .أرقام التقرير تتح ّدث عن 194طفالً غير مدنيّين قضوا في سورية ح ّتى نهاية أيّار .2014 «إمّا وإمّا» بالطبع ،سقوط جزئيّة اإللمام بالجانبين في تقرير ّ المنظمة الحقوقيّة له أسبابه ومبرّ راته .ولكن العين الواحدة ال تكفي لرصد الظاهرة وال لحلّها .أمّا وضع اليد على المرض ربّما يقود لإلجابة عن مجموعة ُقبل هؤالء األسئلة المحيّرة التي تبدأ بـ «لماذا ي ِ بحماسة على االنخراط باألعمال العسكريّة؟ وكيف يت ّم تجنيدهم؟ وكيف سيكون مستقبلهم؟ وهل من ح ّل لهذه الظاهرة؟ وإن وجد الح ّل فكيف يطبّق؟». ربّما تكون آليّة البحث بالمحرّ كات النفسيّة ،إحدى الطرق القويمة للوصول إلى تفسير قريب من الواقع. هنا ،يرى أستاذ الصحّ ّة النفسيّة والجنسيّة في جامعة بيدغوش ببولونيا الدكتور بسّام عويل ،أنّ سهولة االنضمام لصفوف هذه الجماعات الدينيّة المسلّحة يعود إل��ى «المرجعيّة البسيطة والتي ال تحتاج للفهم ،يكفي اإليمان وخاصّة عندما يكون الطفل ابن تنشئة دينيّة ،وهذا مرتبط أيضا بسيكولوجيّة النموّ المعرفيّ واألخالقيّ لليافعة ،والذي ي ّتسم بالقطبيّة إمّا
وإمّا ،أي أبيض أو أسود» وهذا يهوّ ن على هؤالء األطفال االنخراط بالعمل المسلّح مع وجود المبرّ رات االجتماعيّة واالقتصاديّة أل ّنهم مستع ّدون نفس ّيا ً له. «يعيش الطفل قبل البلوغ وعنده صراعات نفسيّة جنسيّة وأزم��ات نموّ تجعله أكثر قابليّة لاليحاء بالحقائق النهائيّة» ربّما هذه الحقيقة النفسيّة التي يطرحها الدكتور عويل تشرح اآلليّة النفسيّة لدفع هؤوالء وجذبهم لإلنخراط في العمل العسكريّ الدينيّ المتطرّ ف «باإلضافة إلى أ ّنه يسعى إليجاد ذاته عبر رفض الواقع والتمرّ د عليه ،وهنا نرى أنّ فسحة الطوباويّة في التفكير أكثر نشاطا ً من أيّ فسحة عقليّة أخرى» وترافق ما سبق مع «حال الفقر والعوز حيث ّ يتمثل معظم األطفال واليافعين دور المنقذ ،وفي حال األلم والحرب وصعوبة تحقيق الحاجات ّ يتمثل األطفال واليافعين دور كبش الفداء» وهذا ما يضعهم على طريق السعي نحو المطلق األبديّ ،أي أنّ الطريقين يؤ ّديان إلى ذات النتيجة. فقر مدقع نظرة خاطفة على خريطة الفقر السوريّ التي أنجزتها األمم الم ّتحدة في سورية عام 2010ولم ُتنشر أبداً بقرار من النظام السياسيّ ،نرقب فيها حلب مركز القتال الكبير اليوم ،فنجد أنّ هذه المحافظة التي تشتمل على 1407نقطة سكنيّةّ ، موزعين على ثمانية
يف اخليام وحتت القصف
(واقع التعليم يف ريف حلب اجلنوب ّي) تتعرّ ض مناطق واسعة في ريف حلب الجنوبيّ ، لعدوان مستمرّ من طيران نظام األسد ،ما أ ّدى إلى تدمير عدد كبير من البلدات والقرى .وكان النصيب األكبر من القصف والدمار الهائل للمدارس ،فقد ر ّكز طيران األسد عليها منعا ً للطلاّ ب من متابعة دراستهم، وبالتالي تدمير جيل كامل ببربريّة نظام يستهدف الحياة بكاملها ،وأوّ لها المدارس. املدارس أهداف لطريان األسد
مناطق هي أعزاز ،والسفيرة ،وجبل سمعان ،والباب، ومنبج ،وعفرين ،وعين العرب ،وجرابلس .كانت مع ّدة لالنفجار بأيّ وقت ودون وجود عامل موضوعيّ هو الثورة ،بل وكانت مع ّدة للذهاب إلى الخيارات المتطرّ فة إذا ما نظرنا إلى واقعها التعليميّ واالقتصاديّ وبالذات مناطق الريف المهملة والبعيدة عن ك ّل أشكال العناية الحكوميّة؛ 1407نقطة سكنيّة فيها 14نقطة سكنيّة تصل نسبة الفقر فيها إلى ،%100و 639نقطة سكنيّة يتراوح الفقر فيها بين %25إلى ،%99وبعضها غير مص ّنف على خارطة الفقر ألسباب تقنيّة ،وهذا يوضح سبب انخراط بعض األطفال بحسب التقرير الحقوقيّ في العمل العسكريّ مقابل المال. ولكنّ الدكتور عويل يرى أنّ «االكتفاء التا ّم والتخمة ال يلغيان السعي إلثبات ال��ذات الذي يصبح حافزاً لهؤالء األطفال» أمّا عن ماذا بعد االنخراط في هذه األعمال فيرى أنّ «التشوّ ه النفسيّ الذي يصيب األطفال والشباب لألسف ال ينتهي بانتهاء األزمة ،فالشخصيّة عبارة عن مصفوفة لوغاريتميّة تنمو وفق األسس التي نشأت عليها وأيّ تشويه سيُنتج بالطبيعة تشويها ً آخراً، إنْ لم يتم تصحيح النموّ باإلرشاد والعالج ،ومن المؤ ّكد أنّ تشوّ هات الشخصيّة بمكنوناتها االنفعاليّة يمكن أن تتطوّ ر إلى حاالت نفسيّة مرضيّة خطيرة ومنها ذهنيّة» وهذا يعني «مجتمعا ً موغالً بالمرض النفسيّ » والكالم للدكتور عويل.
في إحدى المعارك التي دارت رحاها في ريف حلب الجنوبيّ ،ا ّتخذت قوّ ات النظام من المدارس مقرّ اً لها ومتاريسا ً لق ّناصيها ،وبعد تحريرها أصبحت وطلاّ بها هدفا ً لطيران األسد وبراميله المتفجّ رة ومدافعه ،ومثلها كثير من المدارس والمعاهد والجامعات الخاصّة ،كما تحوّ لت بعض المدارس إلى مكان سكن للنازحين من مناطق الصراع العسكريّ ،وحرم النظام المدارس في المناطق المحرّ رة من استحقاقاتها ،كما أصبح المدرّ سون والمعلّمون عرضة لالعتقال بالطرق
newspaper@allsyrians.org
في األع��وام األول��ى من الثورة ،تعرّ ض الكادر االختصاصات، التعليميّ لنقص كبير في بعض وخاصّة اللغتين اإلنكليزيّة والفرنسيّة ،والرياضيّات، ألسباب كثيرة ،كما أسلفنا ،ومنها التحاق عدد من المدرّ سين بالجيش الحرّ ،فتمّت االستعانة بمدرّ سين من خارج المالك .أمّا المناهج ،فقد اع ُتمد المنهاج الحكوميّ ،والمنهاج المع ّدل والصادر عن وزارة التربية في الحكومة المؤ ّقتة. مناذج من التعليم مدارس تعليم القرآن :بدأ تجمّع عدد من المعلّمين وطلبة العلم الدينيّ بافتتاح مدارس تعليم القرآن الكريم، ومبادئ القراءة والكتابة والحساب ،فيما يشبه الكتاتيب
ما سبق من حلول لم يجد كبير صدى «لألسف ك ّل النداءات لم تصل إلى مسامع المموّ لين الذين ارتؤوا الدعم واإلغاثة المباشرة» هذا مختصر المشهد ،ولكنّ المحاوالت لم تزل قائمة وهناك بعض التجارب ولكن «لألسف الكثير من المشاريع التي يت ّم الحصول على تمويل لها تن ّفذ من قبل غير الخبراء مع أ ّني وزمالئي نعرض مساعدتنا بشكل دائم ،وتبدو هناك مخاوف من أن نكتشف ضعف الخبرة وبالتالي يت ّم االنغالق على الذات وخاصّة أنّ الثقافة النفسيّة غريبة نوعا ً ما عن مجتمعاتنا». أمّا عن دور المعارضة السوريّة السياسيّة التي ّ المنظمة الحقوقيّة بالعمل على تعهّدت بحسب تقرير الح ّد من انخراط األطفال بالقتال لم تقدِم على أيّ فعل حقيقيّ بالمعنى النفسيّ واالجتماعيّ والوقائيّ أو العالجيّ لهذه الحاالت والسبب برأي الدكتور عويل الذي يرى المعارضة السورية عبارة عن «دكاكين سياسيّة يتن ّفع منها أصحابها ،وبالتالي ال المجلس وال االئتالف مهت ّم باألمر ،وأصبح األمر اليوم أكبر من الفوضى كتوصيف ،ولذا فأيّ مشروع لوقف القتل مهما كان الثمن هو أفضل من هذا العبث» يختتم الدكتور عويل كالمه.
جابر بكر
ريف حلب الجنوبيّ .وتالقي إقباالً كبيراً وارتياحا ً لدى األهاليّ ،والكثير من هذه المدارس ا ّتخذت من الخيام مكانا ً للتعليم لعدم تو ّفر البناء. من اخليام إىل مدارس منوذجيّة من خالل الزيارات ومتابعة العمل على موضوع التعليم في ريف حلب الجنوبيّ ،استطاع بعض نشطاء ّ منظمات وهيئات إنسانيّة ُتعنى الثورة التواصل مع بالتعليم ،وافتتحوا م��دارس ثانويّة م��رّ ت بمراحل متع ّددة ،بدءاً من الخيام ح ّتى االنتقال إلى بناء جديد كمدرستي مزارع آباد المحدثة ،ومزرعة الشحاذات الجديدة ،وازداد عدد الطلاّ ب من 100طالب إلى 400كانوا محرومين من التعليم ،ويعود الفضل في ذلك إلى مؤسّسة «بناء» التي بنت المدرستين
التعليم يف ظ ّل الثورة
كانت أوّ ل مدرسة قصفها طيران نظام األسد في حلب وريفها ،هي مدرسة طالفح الواقعة في أقصى الجنوب الغربيّ من ريف حلب ،ث ّم تالها تدمير العديد من المدارس ،ومنها مدرسة العيس ،ومدرسة الزربة، ومدرستي الحاضر ،ومدرسة ت ّل الحطابات ،ومدرسة البطرانة التي تعرّ ضت لحرق كامل من عصابات األسد واللصوص.
دكاكني «سياسة»
رغم املأساة اليت يعيشها الناس يف البيئات احمل ّررة ،استطاع املعلّمون الذين أفرزتهم الثورة وبالتعاون مع احلاضنة الشعبيّة أن تنتج حلوالً
ال��ت��ع� ّس��ف� ّي��ة ال��م��ع��روف��ة للنظام ،إذ اعتقل المئات من الكوادر التدريسيّة، فاضطرّ المعلّمون إلى ت��رك مدارسهم وراح��وا ي��ب��ح��ث��ون ع���ن ف��رص��ة عمل أخ��رى ف��ي رحلة ش��ت��ات م��ج��ه��ول��ة ،كما حُرم الطلاّ ب في أماكن القصف من التعليم بشكل نهائيّ .
رغ���م ال��م��أس��اة التي يعيشها الناس في البيئات ال���م���ح���رّ رة ،اس��ت��ط��اع المعلّمون الذين أفرزتهم الثورة وبالتعاون مع الحاضنة الشعبيّة أن تنتج حلوالً تعوّ ض عن حرمان الطلبة لمدارسهم وإكمال تعليمهم ،وانبرى عدد من حملة الشهادات المختلفة للعمل كمتطوّ عين في المدارس، في ظ ّل ظروف بالغة القسوة على الصعيد األمنيّ والما ّدي والفقر المسيطر.
أ ّم��ا عن الحلول الممكنة ،فهو يرى أ ّنها واجبة منذ األم��س وأهمّها «تصحيح نموّ ه��ؤالء األطفال ومساعدتهم أو عالجهم ،وهو برنامج طويل األمد وبحاجة إلى تعاون الكثير من المؤسّسات التربويّة والطبيّة واالجتماعيّة فاإلرشاد والعالج يمكن أن يت ّم بطريق العمل أو تنمية القدرات والمهارات الفرديّة أو بالرياضة وغيرها» وهذا كلّه غير متاح قبل «وقف القتل إلنقاذ ما يمكن إنقاذه ،ومن ث ّم برامج عمل واسعة يسبقها تجهيز الخبراء النفسيّين والتربويّين واالجتماعيّين ،الذين بإمكانهم التعامل مع هذه الحاالت وانتاج أفضل الحلول لها ضمن إمكانات الواقع، وبالطبع األعداد الموجودة من النفسيّين والتربويّين ال تكفي ،ومن هم موجودون خبراتهم بسيطة ج ّداً وبحاجة إلى تدريب لكسب المهارات» والكالم للدكتور عويل أيضاً.
في مرحلة سابقة من التاريخ السوريّ ،وفي لقاء لنا مع الشيخ «عبد الكريم» الذي يشرف على مدرسة لتعليم القرآن ،قال «إ ّنها تجربة جيّدة رغم المعاناة، وقد استفاد التالميذ كثيراً نظراً لحرمانهم من التعليم، فحفظوا طريقة تالوة القرآن الكريم ،والكتابة ،بطريقة مرنة ،وأسلوب يتناسب وأعمارهم» .وأضاف الشيخ عبد الكريم «لدينا كادر تعليميّ مقبول من اإلخوة المتطوّ عين ،وقد قامت إحدى الجمعيّات الخيريّة بتقديم بعض الدعم ،من لباس وإغاثات عينيّة للتالميذ،
وتعويض ما ّديّ لإلخوة المعلّمين ال يتجاوز الخمسة عشر ألف ليرة سوريّة». ويالحظ انتشار هذه المدارس على نطاق واسع في
النموذجيّتين في ريف حلب الجنوبيّ ؛ وما زالت هذه المدارس تعتمد المناهج السوريّة بعد تعديل بعض المواد ،حيث نجحت قوى المعارضة باعتماد مناهج تعليميّة جديدة تناسب واقع الثورة ،وانحصر التعديل بعمليّة «تنقيح» من خالل إزالة ك ّل ما له عالقة بحزب البعث والمجرمين ب ّ شار األسد وأبوه من مواد التربية القوميّة والجغرافيا والتاريخ. وال تزال العمليّة التربويّة في ريف حلب الجنوبيّ تعاني من مصاعب كبيرة أمنيّة وما ّديّة ولوجستيّة.
مصطفى فرحان
www.allsyrians.org
تحقيقات
العدد 19
7
/26تشرين الثاني 2014/
التعليم في مدينة الر ّقة إلى أين!؟ اخ ُتطف أو ت ّم اعتقاله أو طرده ألسباب سياسيّة. في مدينة الر ّقة السوريّة ،والتي غاب عنها النظام منذ ما يزيد عن السنة ونصف السنة ،وببنية تحتيّة شبه مدمّرة وغياب للمؤسّسات العاملة والمديريّات ّ المنظمة ،أعلن تنظيم «داعش» عن بدء عام دراسيّ بشكل «داعشيٍّ » جديد! جديد ،ولكن ٍ عا ٌم سابق ال ّ يبشر باخلري! عندما انتصف العام الدراسيّ الماضي ،كان التنظيم قد بسط سيطرته بشكل كامل ومنفرد على الر ّقة ،ليبدأ عناصره با ّتباع مقولة «ك ٌل يغ ّني على لياله!» فتارة ُتغ َلق المدارس بحجّ ة تبعيّتها للنظام ،وتارة أخرى ُتمنع المدرّ سات من القيام بأعمالهنّ .
طفل ّ حق أصي ٌل في الحياة» «لك ّل ٍ تلك كانت الما ّدة السادسة من حقوق الطفل ،ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ،هل مازال هذا القانون ينطبق على أطفال سوريّة ،أم أ ّنهم ليسوا كباقي أطفال العالم وليس لهم ٌ حق في الحياة؟! للحرب كلمة! عندما تقع المدارس تحت ّ خط النار وتتحوّ ل تلك المقاعد التي كانت تستخدم للدراسة إلى توابيت يدفن ُني فيها الطلاّ ب ،ويسقط السقف فوق رؤوس كان قد ب َ ٍ ليحميها ،دون أن يحرّ ك أحد لساكن ،نكونُ بذلك قد فقدنا جيالً كامالً منهم من مات ومنهم من أصيب بعاه ٍة أو بجروح ،أو أصيب بأزمات نفسيّة حا ّدة جرّ اء تلك االنتهاكات التي رآها بأ ّم عينه ،ال وبل مورست عليه أيضاً. ّ وثقت الشبكة السوريّة لحقوق اإلنسان استهداف ما ال يق ّل عن 3878مدرسة خالل السنوات األربع الماضية ،نصفها ُدمّرت بشكل كامل ،وبعض منها م��ازال صالحا ً للترميم واالستفادة منه ،ناهيك عن استهداف الكادر التعليميّ التربويّ ،فمنهم من قُتل أو
وفي أغلب األحيان ،كانت ُتقتحم المدارس و ُتفرض العقوبات على المدراء والمدرّ سين ،أو يُفرض على المدرّ سات تغطية وجوههنّ أم��ام الطلاّ ب ،لتقول إحداهنّ باستنكار« :إنّ التلميذ بحاجة إلى رؤية وجه المعلّمة ليفهم المعاني من خالل التعابير ،وليتعلّم مخارج الحروف وطريقة لفظها بسهولة وخاصّة في المرحلة األولى». كما منع التنظيم االختالط بين الطلاّ ب من الصفّ الخامس فما فوق ،فقال التربويّون في هذا الخصوص «هذه أزمة كبيرة ،ألنّ التالميذ في هذا العمر بحاجة إلى التعرّ ف على الجنس اآلخر ح ّتى ال تختلط المفاهيم االجتماعيّة لديهم» ،كما فُرض الزيّ اإلسالميّ على الطالبات اللواتي تجاوزن سنّ الحادية عشر ،لتعلّق إحداهنّ قائلة «لقد منعونا من ح ّقنا في اللعب ،هذا اللباس ليس مريحا ً وال يسمح لنا بسهولة الحركة». استطاع التنظيم ضبط هذه القوانين بتسيير دوريّا ٍ ت تجوب م��دارس المدينة ،مقتحمة الصفوف ومه ِّددة األطفال بالجلد والسجن في حال حدوث مخالفات. عداك عن البرد القارس الذي جاء متزامنا ً مع غالء المحروقات ،حارما ً الدفء من الدخول إلى صفو ٍ ف خسرت نوافذها جرّ اء القصف ،أو تحوّ لت مقاعدها إلى حطب للفقراء ،حيث قالت إحدى المدرّ سات «إنّ التالميذ باتوا ال يتحمّلون ك ّل هذا البرد القارس ،بل كانوا يبكون كثيراً ،أحاول تدفئتهم ببعض التمارين
الرياضيّة الصباحيّة ،قلبي كان يحترق ولكن ما باليد حيلة». عن أيّة مدارس يتح ّدثون!؟ في تلك المدينة الصغيرة التي تضاعف عدد س ّكانها مع توافد النازحين من مختلف القرى والمدن المجاورة، ولسير عمليّة تعليميّة نموذجيّة سيتطلّب األمر ضعف أع��داد المدارس والبُنى التحتيّة ،لكن الحرب كان رأيها معاكس لذلك ،فمن المدارس من فتحت أبوابها مقار عسكريّة للتنظيم للنازحين ،ومنها من تحوّ لت إلى ٍ كحال مدرسة «أبو ذرّ الغفاريّ » وروضة «السنابل» الواقعتين قرب دوّ ار باسل غربيّ المدينة ،اللتان استولى عليهما عناصر األخير ،كما تمركزوا في بناء مجاور لمدرسة «أبي بكر الرازيّ » األمر الذي زرع الخوف في قلوب األطفال وذويهم ،والقلق من ضربات طيران التحالف الغربي. باإلضافة إلى قصف طيران النظام المتكرّ ر ،الذي ال يميّز بين مقرٍّ عسكريّ ومدرسة مدنيّة ،ولنا في «ثانوية التجارة» خير دليل حيث تعرّ ضت للقصف أثناء الدوام الرسميّ ما أ ّدى الستشهاد وجرح العديد من تالميذها وكادرها التدريسيّ . تقول إحدى المعلّمات معلّقة على حالة الهلع التي أصابت طلاّ بها «كان التالميذ يصرخون بشكل رهيب عندما يسمعون صوت الطيران ،ال نستطيع سوى تهدئتهم ،قدر اإلمكان ،منتظرين ذهاب الطائرة ح ّتى تعود األمور إلى طبيعتها ونكمل إعطاء الدروس». تعلي ٌم على املنهج الداعش ّي مع نهاية الصيف وقدوم العام الدراسيّ الجديد، سمح التنظيم بافتتاح المدارس والبدء بالعمليّة التعليميّة مع فرض مجموعة من القوانين وال��ق��رارات التي ّ وزعت ورق ّيا ً على كا ّفة المدارس ،وأيّة مخالفة من هنا بقرار ليس من أو هناك ،قد ُتنهي حلم الطفل التعليميّ ٍ وليّ أمره ،بل من وليٍ نصّب نفسه أميراً عليهم ،وسنّ قوانينا ً منها: • يبدأ ال��دوام اليوميّ عند السابعة والنصف بدالً من الثامنة صباحاً ،وبعطلة أسبوعيّة تكون يوميّ الخميس والجمعة بدالً من الجمعة والسبت.
• يُفرض على ك ّل تلميذ رس ٌم للتسجيل وقيمته ألف ليرة سوريّة للفصل الواحدُ ،تدفع عن شخصان من ك ّل أسرة ويُعفى منها أبناء «المجاهدين». س ومدرّ سة حضور • يُفرض على ك ّل م��درّ ٍ دورة شرعيّة يق ّدمها أحد مراكز التنظيم ،ويُمنع أيّ س من القيام بعمله في حال عدم حصوله على مدرّ ٍ شهادة إتمام الدورة. • يُفرض على جميع المدرّ سات ارتداء الحجاب ّ والمتمثل بالعباءة، الشرعيّ الكامل داخل المدرسة النقاب ،والكاب «الدرع». • يُمنع على المعلّم تدريس المواد التي قام التنظيم بحذفها من المنهاج سابقاً ،وهي التاريخ، الفلسفة ،التربية القوميّة ،الرسم ،الموسيقى والرياضة. • استبدال المواد المحذوفة بمواد الفقه ،الحديث، السيرة ،القرآن والعقيدة. ُتمنع المدارس من تدريس ما ّدة اللغة اإلنكليزيّة • للتالميذ ما بين الصفّ األوّ ل والرابع للمرحلة االبتدائيّة. تلك القوانين الجائرة حالت دون إرس��ال معظم األهالي ألطفالهم إلى المدارس وألسباب أخرى ،تقول «أ ّم محمّد»« :كيف لي أن أدفع رسوم المدرسة عن أطفالي األربعة ،ونحن ال نملك ثمن خبز لنأكله» ،كما يوضح السيّد «علي» الوافد من مدينة حلب واألب لطفلين «بدالً من إرسال أبنائي إلى المدارس في هذا الجوّ المرعب والرسوم التي ال أقدر عليها ،أفضّل أن أصطحبهم للعمل معي ح ّتى يعيناني على مصروف الحياة». لألسف هذا ما بدأ يحدث فعالً ،فالكثير من األطفال تركوا مقاعدهم الدراسيّة والتحقوا بالعمل لمساعدة أهاليهم ،بعد أن أوشك الفصل األوّ ل على االنتهاء والمدارس لم تقف على أقدامها بعد! ٌ مدينة باتت تكتسي السواد عباء ًة لها ،ومستقبل مظل ٌم ينتظر أطفاالً لم يحصلوا على أبسط حقوقهم، فمتى سيفتح ح ّكام العالم أعينهم ويد ّقون ناقوس الخطر كامل من الضياع المح ّتم! جيل سوريٍّ ٍ إلنقاذ ٍ
ُعبادة عبدالسالم
ضحايا األسعارْ ، إن وجد الدواء! بعد دخول الثورة السوريّة عامها الرابع ،مازال المواطن في سوريّة يُفرض عليه دفع فواتير عديدة، سببها الفوضى وعدم التنظيم وغياب الرقيب ومن هذه الفواتير «الفوضى الدوائيّة» وفوضى انتشار الصيدليّات العشوائيّة ،ناهيك عن الفاتورة األكبر التي يدفعها نتيجة وحشيّة النظام ،حيث شهد القطاع الصحيّ في سوريّة فوضى عارمة خالل السنوات الماضية ،فقد عانى المواطن من ارتفاع حا ّد بأسعار األدوي��ة نتيجة جشع أصحاب الصيدليّات وتجّ ار الدواء الذين لم يراعوا فيه ال ذمّة وال ضميراً ،ممّا أثقل كاهله بالمصاريف الزائدة ،وكان على المواطن أن يدفع ثمن جهل أصحاب الصيدليّات بسبب صرف الوصفات الخاطئة بعد أن أصبحت مهنة من ال مهنة له. أين الرقابة؟ صحيفة «كلنا س��ور ّي��ون» التقت مع عدد من المواطنين في ريف حلب الشماليّ ،الذين عبّروا عن استيائهم من هذا االرتفاع غير المقبول في ظ ّل هذه الظروف الصعبة؛ «أبو مصعب» الذي صادفناه أم��ام إح��دى الصيدليّات ( 50ع��ام�اً) ق��ال :تشهد
األدوية ،كأدوية «السرطان والجلطات وأدوية الضغط والس ّكر» قياسا ً للصيدليّات الموجودة في مناطق النظام. أمّا «أنس» وهو طالب جامعيّ ،فقد اشتكى من عدم وج��ود اختصاصيّين بهذا المجال حيث أصبحت الصيدلة كمهنة «ال��س � ّم��ان» وب��ع��ض أصحاب الصيدليّات ال يعرف صرف وصفة الطبيب ،وهذا كلّه دون رقيب أو حسيب من أيّة جهة .و «عليّ » مريض بحاجة إلى أدوية جلطة (مُميّعات دم ،و).. بشكل دائم ،قال :توجد مجموعة من األصناف – إنْ تو ّفرت -غير خاضعة للرقابة ،وال يوجد أيّ رقيب على التجّ ار وأصحاب الصيدليّات. فوضى األسعار
معظم الصيدليّات المنتشرة في المناطق المحرّ رة ارتفاعا ً «جنون ّياً» بأسعار األدوية ممّا أثقل كاهلنا بالمصاريف ،وأضاف أبو مصعب ،كما أنّ هناك تفاوتا ً كبيراً باألسعار بين ك ّل صيدليّة وأخرى ،دون أن يكون هناك أيّ رقيب أو حسيب .وأفادنا مواطنون بأنّ :الصيدليّات تعاني من فقدان أصناف هامّة من
newspaper@allsyrians.org
عن هذا الموضوع وزيادة في التفاصيل ،يح ّدثنا ّ توزع بمعامل األدوية الدكتور محمّد قائالً :هناك منتشرة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة الثوّ ار فاألدوية المنتشرة في المناطق المحرّ رة هي من المعامل الموجودة ضمن مناطق الثوّ ار حصراً حيث يمنع النظام وصول األدوية إلى هذه المناطق. وأضاف الدكتور محمّد :أنّ األدوية الموجودة في األسواق حال ّيا ً ال أحد يعرف كيفيّة تصنيعها وتركيبها، هل هي تخضع للرقابة الدوائيّة ،وهل يت ّم تحديد تسعيرة دوائيّة من أيّة جهة؟ هذا كلّه يت ّم دون أيّة
مراقبة من أيّة جهة كانت! وعن فوضى األسعار ،قال الدكتور محمّد :هناك فوضى عارمة في هذا المجال والسبب غياب الضمير من أصحاب الصيدليّات والرقيب من الجهات المختصّة في المناطق المحرّ رة ،أمّا عن واق��ع انتشار الصيدليّات غير ّ المرخصة ،فأشار الدكتور محمّد: عمل الصيدليّة هو مهنة يعمل بها ذوي االختصاص في هذا المجال ولك ّنها اليوم أصبحت مهنة من ال مهنة له ،حيث يوجد تجاوزات كبيرة في هذا المجال ،فأصبح ك ّل شخص يفتتح صيدليّة دون الحصول على ترخيص أو الخضوع للمعايير االختصاصيّة في هذا المجال ،والسبب كلّه غياب الرقيب والحسيب وتخلّي ك ّل الجهات المسؤولة بتكليف نفسها بمتابعة هذا الموضوع ووضع ضوابط له. وأضاف الدكتور محمّد :نتيجة هذه الفوضى تحدث أخطاء من أصحاب الصيدليّات عبر الوصفات تصل إلى %10وتصل األخطاء في الوصفات المباشرة التي ُتصرف من صاحب الصيدليّة إل��ى %80
وهذا كلّه يدفع فاتورته بالنتيجة المواطن ،ومتابعة لهذا الموضوع التقت صحيفتنا «كلنا سوريّون» بالصيدليّ «أحمد أحمد» فح ّدثنا قائالً :إنّ أسباب هذه الفوضى هو عدم وجود الرقابة من الجهات المسؤولة في المناطق المحرّ رة تجاه أصحاب الصيدليّات باإلضافة لعدم قيام هذه الجهات المسؤولة كالهيئة الشرعيّة ومجلس المحافظة بوضع معايير لهذه المهنة والسماح لمن يجتاز المعايير بفتح صيدليّة. وأضاف الصيدليّ «أحمد» هناك مشاكل أخرى تواجه الصيدليّات هي عدم تو ّفر األدوي��ة بشكل مستمرّ ، وخاصّة ألنواع عديدة ،كما تواجه الصيدليّات مشكلة ارتفاع األسعار من المستودعات ،والتي تقوم بتوزيع األدوية للصيدليّات ،ويعلّل أصحاب المستودعات السبب هو ارتفاع أجور المواصالت وتباعد الطرق، وأش��ار «أحمد» أنّ انقطاع الكهرباء بشكل دائم يسبّب لنا مشاكل كبيرة وهي عدم قدرتنا على وضع أدوية مهمّة ومطلوبة كونها تحتاج إلى ثلاّ جات مثل «األنسولين».
في النهاية ،المواطن هو من يدفع الثمن ،وهو الضحيّة نتيجة ك � ّل خطأ يحدث والسبب الجهة المسؤولة التي نص ْ ّبت نفسها على المواطن دون أن تح ّقق له أدنى المطالب.
بدر حسني
www.allsyrians.org
8
العدد 19
اقتصاد و قانون
/26تشرين الثاني 2014/
االقتصادي روسيا واألسد في الميزان ّ هل اقتربت بداية النهاية؟
الجميع يعلم أنّ أعظم قوّ تين في العالم هما روسيا و الواليات األمريكيّة الم ّتحدة ،وقد ش ّنوا صراعات كثيرة ،لع ّل من أشهرها الحرب الباردة التي بدأت في نهاية األربعينات وانتهت في أوائل التسعينات ،وكانت نتيجتها تف ّكك القوّ ة العظمى لال ّتحاد السوفي ّتيّ ليصبح ع ّدة دول بعد أن كانوا م ّتحدين وكانت الحرب الباردة ّ تتمثل في حرب اقتصاديّة واجتماعيّة بين القوّ تين وعسكريّة ،ولك ّنها لم تصل إلى المواجهة المباشرة بين القوّ تين بسبب علم كال الطرفين أ ّنها ستنهي العالم بسبب وجود األسلحة النوويّة ،ومن أبرز هذه المواجهات حرب فيتنام والغزو السوفي ّتيّ ألفغانستان وكذلك أزمة الصواريخ في كوبا؛ وعندما أنهى الطرفان تلك الحرب واستطاعت الواليات الم ّتحدة أن تبسط يدها على أكثر من نصف العالم ومن ضمنها الشرق األوسط مستبعده كلاّ ً من ليبيا والعراق وسورية ،الذين ظلّوا تابعين لروسيا. لكن ،وبعد ح��رب ال��ع��راق وسقوط نظام ص � ّدام حسين كانت بداية لحرب باردة ثانية ،حيث استغلّت الدولتان الربيع العربيّ لتبسط ك ّل من القوّ تين يدها على المنطقة ،فبعد ثورة تونس ومصر أتت الثورة الليبيّة التي أطاحت بالقذافي ،وكانت السبب في خسارة روسيا ألكثر من أربعة مليارات دوالر على شكل صفقات سالح ،بعدها أتت ثورتنا الكريمة ض ّد الطاغية ب ّ شار األسد ،وكان هذا النظام صادقا ً في جملتين األولى (هذه مؤامرة عالميّة كونيّة على سورية) أي أنّ جميع دول العالم تآمروا على تحطيم ثورتنا التي خرجت في وجه نظام األسد ،وكانت الثانية (األسد أو نحرق
البلد) وصدق وقام بتدمير أكثر من ( )%70من البنية التحتيّة وشرّ د أكثر من تسعة ماليين سوريّ .ك ّل هذا كان مدعوما ً بقوّ ة روسيا ،والتي لم يعد لها قاعدة في الشرق األوسط سوى سورية ،ولكنّ روسيا ال يهمّها األسد وال غيره ك ّل ما يه ّم روسيا هو أن يكون لها نقطة في الشرق األوسط وأن يت ّم شراء السالح منها ،وهي التي تعتبر ثاني أكبر دولة في العالم في إنتاج السالح، ومن البديهي أن تضع ك ّل قوّ تها في الحفاظ على نظام %78من أجماليّ مشترياته للسالح منها والتي تفوق الماليين من الدوالرات بل المليارات ،ولدى روسيا أيضا ً استثمارات اقتصاديّة تقدر بعشرين مليار دوالر،
الشاعر المعتقل
وأه ّم المجاالت االقتصا ّدية المدنيّة التي تخدم المصالح الروسيّة في سورية مجال التنقيب عن النفط والغاز وانتاجهما ،حيث نجد شركتي تاتنفت وسويوزفت غاز، الروسيّتين تقومان حال ّيا ً باستخراج النفط في سورية، وتنخرط الشركات الروسيّة في تنفيذ مشروعات أخرى في مجال الطاقة بما في ذلك الخطط التي أعلنتها شركة روساتوم الروسيّة في 2010لبناء أوّ ل مفاعل إلنتاج الطاقة النوويّة والخدمة المستمرّ ة من شركة روسيّة لمرافق إنتاج الطاقة التي أقامتها في سورية ،ول َم ال تتمسّك به ولديها في محافظة طرطوس قاعدة بحريّة عسكريّة كبيرة ج ّداً لتكون منفذاً لها للشرق األوسط
ما هي التحدّ يات التي سنواجهها في المستقبل؟
إنّ األسباب الدقيقة العتقال ناصر بندق غير معروفة وقالت ّ لمنظمة العفو الدوليّة :إ ّنه يشارك في أنشطة المساعدة زوجته اإلنسانيّة ،مثل مساعدة النازحين داخل ّيا ً وفريزة جهجاه بندق ناشطة سياسيّة سلميّة ومن المعروف حضورها في المظاهرات وقد هربت مع أطفالها خوفا ً من االعتقال وذلك قبل القبض على زوجها. ممّا كتبه الشاعر ناصر: انتعل ذاكرة النمل علّه يقتفي هجرة البيادر لكنّ رياح الغريب ال يميّز الدروب معتقلينا للوطن وليسوا للسجون ،الحريّة للشاعر اإلنسان ناصر بندق.
newspaper@allsyrians.org
أمري جنم الدين
ف��ي االق��ت��ص��اد ال��وط��ن��يّ ، وهي مهمّة ترتبط ارتباطا ً م��ب��اش��راً ب��إص�لاح القطاع العا ّم عن طريق التأهيل وفق معايير الجدوى االقتصاديّة ب��اإلض��اف��ة إل���ى ال��م��ض��يّ لتطوير بنية االستثمار وسوق العمل.
ما هي العوامل التي تؤدّي إلى االقتصادي واإلصالح النهوض ّ والمنوع؟ الهيكلي المتوازن ّ ّ
االقتصادي: النمو تحدّ يات ّ ّ
فريزة جهجاه بندق زوجة ناصر بندق التي تعيش في الخارج، ّ قالت لمنظمة العفو الدوليّة :إنّ أحد معارفها في الحيّ أخبرها أنّ أفراد األمن السوريّة الذين يُعتقد أ ّنهم من المخابرات العسكريّة وصلوا إلى منزل ناصر في ضاحية صحنايا الدمشقيّة حوالي الساعة 6,30صباحا ً في 17شباط وألقوا القبض عليه وكسروا بعض الموجودات في المنزل ،كما أفاد معتقل أُفرج عنه أ ّنه رأى ناصر بعد وقت قصير من اعتقاله في فرع المخابرات العسكريّة 227في دمشق منذ ذلك الحين لم َ تتلق زوجته أيّة معلومات عن ً مكان وجوده ،على الرغم من أنّ مصدرا غير رسميّ أخبرها في أواخر نيسان 2014أ ّنه بخير.
إذاً ،فروسيا ترى في سورية قلعتها األخيرة في الشرق األوسط بعد أن خسرت حضورها فيه ،ويبدو أ ّنها غير مستع ّدة للتنازل عن سورية وستسعى لتحقيق تسوية عالميّة على غرار ما حصل نهاية الحرب العالمية الثانيّة بشكل يرضي مصالحها ،ح ّتى ولو كان الثمن التخلّي عن ب ّ شار األسد.
االقتصادي في المستقبل تح ّديات النم ّو ّ
وم����ا ه���ي االخ����ت��ل�االت في �ادي وم��واط��ن الهيكل االق��ت��ص� ّ وخاصة المتع ّلقة والقوة الضعف ّ ّ بالسياسة المال ّية والنقد ّية؟
ناصر صابر بندق شاعر من مدينة السويداء ،اقتحمت قوّ ات من فرع األمن العسكريّ منزله في صباح ،2014/2/17وقامت بتحطيم الموجودات واعتقلته ،كما قامت باعتقال ثالثة أشخاص من منطقة صحنايا في ذاك اليوم ،أُطلق صراح اثنين منهم و ُسلّمت ّ جثة الثالث الشهيد «مروان حاصباني» بعد فترة قصيرة من االعتقال لذويه.
مستفيدة من الموقع الجغرافي لسورية ،ك ّل هذا لروسيا في سورية ،فمن سوف يضمن لها هذا المال؟! روسيا اليوم ،ومن خالل ع ّدة لقاءات أجرتها مع عدد من المعارضين السوريّين ،تريد أن ترسل رسالة بأ ّنها ال تريد أن تخسر ك ّل تلك األموال وال أن تخسر سورية كحليف لها وأ ّنها ال تهت ّم بوجود األسد ،والتي كانت قد ق ّدمت العديد من النصائح له أن يقوم بحوار مع معارضيه ،روسيا اليوم ،متململة من نظام األسد والذي بات خاتما ً في إصبع إيران ،األمر الذي جرّ روسيا لتخسر الكثير من قيمتها وحضورها دول ّيا ً خصوصا ً بعد صمتها المجبر أمام قرار ضرب «داعش» في سورية وتجاوزها وعدم دعوتها لالشتراك به ،وهنا يظهر أنّ المستفيد األكبر من إنهاء الحرب في سورية على طريقة سلميّة سياسيّة هو روسيا ،ولن نفاجأ إنْ وبشكل سريع ،وأن تق ّدم قامت بطلب انعقاد جنيف3 ِ الكثير من التنازالت ،فذلك سوف يكون مثل الضمان لها أنّ استثماراتها وعقودها التي أجرتها مع نظام األسد باقية ولن تلغى ،على عكس سقوطه عسكر ّيا ً والذي سيكون سببا ً إللغاء ك ّل العقود والديون واالتفاقيّات التي جرت مثل الحال في ليبيا بعد القذافيّ .
_1تتو ّفر في سورية مقوّ مات ومصادر نهضة ّ وتتمثل بسعة الموارد الطبيعيّة الغنيّة حقيقيّة والمتنوّ عة على امتداد المساحة الجغرافيّة بدءاً من الموارد النفطيّة الى المائيّة والثروات المعدنيّة باإلضافة إلى موارد المغتربين والموارد البشريّة المتو ّفرة بأعداد هائلة ،لذلك فإنّ استثماراً سليما ً وإدارة فعّالة لهذه الموارد ،من شأنهما أن يساعدا سورية على اجتياز المرحلة االنتقاليّة التي ستمرّ بها ولتوجد مكانا ً لنفسها كبلد من فئة الدخل المتوسّط في البداية ،وهي المرحلة الهادفة لالنتقال من االقتصاد الشموليّ إلى االقتصاد الحرّ والمنفتح على االقتصاد العالميّ وف��ق ضوابط وأسس ومعايير وسياسات اقتصاديّة تصون المصالح الوطنيّة. _2إنّ بلوغ هذا التحوّ ل يتطلّب النجاح في ع ّدة أمور منها: أ_تسوية ال��ن��زاع الداخليّ واستعادة األمن واالستقرار والتق ّدم في عمليّة إع��ادة التأهيل والتنمية الشاملة وبخاصّة إصالح البنى التحتيّة وتحديث الهياكل االقتصاديّة واإلف��ادة من آخر التطبيقات والمبتكرات العلميّة والتقنيّة الحديثة. ب_التق ّدم في انجاز االصالحات االقتصاديّة واالنتقال من اقتصاد تسيطر عليه الدولة ،إلى اقتصاد حرّ بشكل تدريجيّ مدروس بقيادة القطاع الخاصّ والسعي نحو زي��ادة النمو االقتصاديّ وتشجيع االستثمار وتوسيع حجم االقتصاد الوطنيّ . ت_ تنويع االقتصاد الوطنيّ وتوسيع موارد الدخل ،من خالل تطوير القطاعات االنتاجيّة والخدميّة األساسيّة كالصناعة والتجارة والسياحة وخلق مقوّ مات لزيادة الصادرات غير النفطيّة والنفطيّة (البحث والتنقيب عن مصادر جديدة وخاصّة الغاز الطبيعيّ ) _3إنّ هذه المهمّات والتح ّديات تطرح بإلحاح
الحاجة إلى خيارات مُجدية على صعيد السياسات العامّة ،واالنطالق من رؤية اقتصاديّة متكاملة ذات أولويّات استراتيجيّة واضحة تستند إلى أسس ومنهج يحسب كامل الحساب لخصائص وامكانات االقتصاد الوطنيّ السوريّ ،ويؤ ّدي ذلك إلى تحديد مجاالت التركيز على صعيد البرامج والسياسات العمليّة من حيث األهداف واآلليّات تشمل المجاالت التالية: أ :تطوير الطا ّقة االنتاجيّة لقطاع النفط والغاز وتوسيع أشكال االستثمار بما يكفل وجود فائض للتصدير وس ّد الحاجات إلى مستويات جيّدة (البحث والتنقيب وخاصّة في البحر) ب :تطوير القطاعات االقتصاديّة غير النفطيّة تمهيداً لخلق اقتصاد متنوّ ع ومتوازن ،يكفل اشباع حاجات السوق المحلّيّة من المنتجات الزراعيّة والصناعيّة والخدميّة ويفتح الطريق لتوجيه االقتصاد نحو التصدير. ت :خلق بيئة استثماريّة مالئمة عن طريق إصالح األطر المؤسّسيّة والقوانين في مجاالت المال والتجارة والمصارف والتأمين وسواها، والسعي إلى تنظيم قانون استثمار جديد يتالءم مع األوضاع الجديدة ومعطياتها ويكسب جذب رؤوس األموال من الخارج. _ 4إنّ مشكلتيّ البطالة والفقر تش ّكالن عائقا ً أساس ّيا ً أمام النموّ االقتصاديّ ،وهما تبلغان نسبة عالية كما هو معلوم ،وممّا يزيد تفاقم هذه التظاهرة، التشوّ هات التي ستكون موجودة في سوق العمل - والتي هي أصالً بحاجة إلى تنظيم – وأبرزها :قلّة فرص العمل ،وتزايد عدد الوافدين إلى هذا السوق. األمر الذي يتطلّب معالجة لهذا االختالل بصورة ج ّديّة ومهنيّة ،وخارج إطار البطالة المق ّنعة. _5اعتماد استراتيجيّة فعّالة لتنمية القطاع الخاصّ ،فال يمكن للمرحلة االنتقاليّة باتجاه اقتصاد السوق أن تبلغ أهدافها دون أن تعالج هذه المسألة، وبما يكفل تبوُّ ء القطاع الخاصّ دوره القياديّ
_6االه���ت���م���ام ب��ال��ب��ع��د االجتماعيّ بما يكفل تحسين دخ��ول الغالبيّة الساحقة من المواطنين ورفع مستوى معيشة الس ّكان وتوفير الخدمات االجتماعيّة والصحّ يّة والثقافيّة وسواها من المنافع التي تعود بالخير على الفئات الضعيفة من المواطنين أي الجمع بين زي��ادة النموّ االقتصاديّ والمساواة االجتماعيّة على أسس عادلة وعصريّة. _7األه ّم واألساسيّ لخلق اقتصاد جديد هو النجاح في االصالحات االقتصاديّة كإصالح السياسة الماليّة والنقديّة واستحداث قوانين جديدة في مجال التجارة والمصارف والعمل وغيرها واأله�� ّم هو السعي إلى عدم وج��ود اختالل في الموازنة العامّة للدولة وتقليص اإلنفاق العا ّم وتنويع مصادر التمويل. _8المعونات الخارجيّة لها أه ّميّة خاصّة في تمويل الفعّاليّات االقتصاديّة وإعادة اإلعمار ،لذلك يجب أن ُتش ّكل لجان للمتابعة واإلشراف ضمن رؤية مشتركة بين االقتصاديّين السوريّين والدول والمؤسّسات المانحة وهي مهمّة كبيرة على صعيد السياسة االقتصاديّة. _9من أبرز معوّ قات اإلص�لاح االقتصاديّ الوطنيّ هو الفساد فقد كان اآلفة التي ب ّددت جزء كبير من ثروتنا الوطنيّة وأظهر حجم الضعف الحقيقيّ لجميع المؤسّسات فال ب ّد من سنّ القوانين الالزمة وتعزيز عمل الجهات الرقابيّة الثوريّة لحماية موارد البالد وحقوق المواطنين. _10إنّ ه��ذه المهمّات والتح ّديات الكبيرة المستندة إلى رؤية اقتصاديّة مستقبليّة واضحة وآليّات وأدوات تنفيذ فعّالة على صعيد الحكومة وقطاع رجال األعمال ،فضالً عن دعم حقيقيّ من جانب الدول والمؤسّسات المانحة ،ستفتح آفاقا ً عريضة لخلق اقتصاد وطنيّ فعّال ومتوازن، ّ المتمثلة ويجب أن تكون السياسة الماليّة للدولة فعل ّيا ً في الموازنة العامّة في مق ّدمة المها ّم الواجب دراستها لصوغ استراتيجيّة وطنيّة شاملة.
د .حممّد حاج بكري
www.allsyrians.org
مجتمع
العدد 19
كسر «التابوهات» الثالثة
/26تشرين الثاني 2014/
انتشرت ظاهرة املساكنة (كمثال عن التح ّرر اجلنس ّي) بني السوريّني القاطنني يف تركيا .واألمر يكاد ينطبق على السوريّني املنتشرين يف أحناء أوروبا
طفت على السطح ظواهر عديدة فيما بعد بدء الثورة ،وفيما تباينت ردود األفعال حول هذه الظواهر ما بين مشجّ ع ومستنكر وغير مبال بها ،ال تزال األغلبيّة تغضّ بصرها عنها ٍ ً وتنكر وجودها بشكل فعليّ .ونظرا أله ّميّة موضوع التحرّ ر الدينيّ الذي طرأ كنتيجة أو كتبعيّة للثورة ،ونظراً لما للناحية الجنسيّة من أه ّميّة في المجتمع والحياة بشكل عا ّم ،أعتقد أ ّننا بحاجة إلى دراسة هذه الظاهرة التي تبدو واضحة ج ّداً لدى السوريّين في تركيا.
انتشرت ظاهرة المساكنة (كمثال عن التحرّ ر الجنسيّ ) بين السوريّين القاطنين في تركيا .واألمر يكاد ينطبق على السوريّين المنتشرين في أنحاء أوروب��ا ،سواء كانت المساكنة تحدث بين سوريَّين اثنين ،أو بين سوريّ وآخر غير سوريّ ،ومن المه ّم اإلشارة إلى أمور عديدة ساعدت في انتشار هذه الظاهرة ،كخروج الشباب (أي الفئة الشابّة من الجنسين) من تحت عباءة العائلة وتحرّ رهم من التقاليد المفروضة بالشكل العا ّم ،سواء من الناحية االجتماعيّة أو األسريّة ،وعدم تح ّفظ المجتمعات األوربيّة والمجتمع التركيّ في أمور كهذه وتقبّلها في المجمل العا ّم ،وغياب الشعور بالمراقبة ،حيث بات السوريّ متحرّ راً نوعا ً ما من المعارف واألقرباء ووجد نفسه غريبا ً بشكل شبه كامل باستثناء بعض األصدقاء في مكان حياته الجديد. المثير لالنتباه هو ردود الفعل المثارة حول هذا الموضوع بالذات ،ومن الطبيعيّ ج ّداً أن تكون أقوى من تلك التي أثيرت حول ظواهر أخرى -كاإلشهار باإلفطار في رمضان -وغيرها من الظواهر الحديثة التي طرأت على المجتمع السوريّ ،حيث يمكن أن
يُفهم هذا األم��ر ،وذلك لما يكتنف األم��ور الجنسيّة من تحريم مضاعف (دينيّ واجتماعيّ ) ،ولذلك فإنّ أغلب ردود الفعل جاءت بشكل مستهجن لها ووسمتها بالدعارة واالنفالت األخالقيّ ،ورغم وجود ردود فعل إيجابيّة تجاهها إلاّ أنّ األكثر انتشاراً هي السابقة. والمه ّم في هذه الظاهرة هو كنهها ،والتساؤل حول: كيف ظهرت بشكل سريع ج ّداً وانتشرت بين الشباب السوريّ ؟ أي ،هل ظهرت كر ّد فعل على ظروف اجتماعيّة ونفسيّة خاصّة ،أم هي ظاهرة كامنة استغلّت الظروف للبزوغ إلى السطح؟ أي ،هل التحرّ ر الجنسيّ هو تحرّ ر ظاهريّ وليس أكثر من فقاعة فارغة ،أم هو موجود منذ زمن أبعد من اآلن ويم ّد جذوره في الفترات السابقة للثورة؟ يمكننا أن نالحظ ،أ ّنها ظهرت كر ّد فعل قويّ ض ّد
9
العجز المسيطر بشكل عام حال ّياً ،وكرفض للتطرّ ف الدينيّ الحا ّد المنتشر بقوّ ة ،ويمكننا القول إ ّنها موجة ظهرت كر ّد فعل على األحداث السياسيّة والنواحي االجتماعيّة والدينيّة وح ّتى النفسيّة العامّة والخاصّة أيضاً ،ولكن هذا ال ينفي وجودها بشكل كامن ،ولكن بأق ّل ح ّدة بشكل كبير عن كونها “موجة” حيث عُرفت ع ّدة حاالت للمساكنة في مدينة حلب قبل بدء الثورة وبداياتها ،كما نجدها منتشرة بشكل ملحوظ في دمشق، ورغم عدم تعارض هذه الظاهرة مع جوهر الزواج في الدين اإلسالميّ ،إلاّ أ ّنه مرفوض دين ّيا ً وألسباب مختلفة ،وحيث أنّ من أه ّم شروط الزواج هو اإلشهار، فإ ّننا نجد هذا الشرط محق ّقا ً تماما ً في المساكنة ،وأنّ غياب عقد الزواج في المحكمة ال يتعارض مع الدين، حيث توجد الكثير من حاالت الزواج غير مثبّتة في المحكمة ،وبذلك أيضا ً هي غير متعارضة مع الدين،
وموافقة وليّ األمر أمر محبّذ من الناحية الدينيّة ،ولكنّ عدم وجوده ال يُبطل الزواج، ووج��ود الشيخ هو وج��ود رم��زيّ لمباركة الزوجين ليس أكثر ،وبذلك نجد أنّ الرفض الدينيّ لهذه الظاهرة ال يرتبط بجوهر الدين، وإ ّنما هو متع ّد عليه ،حيث لم تكن هذه الظاهرة م��وج��ودة ف��ي زم��ن السلف ،ورغ��م وج��ود ظواهر جنسيّة كانت مقبولة اجتماع ّيا ً ودين ّيا ً حينها -كمُلك األيمان والجواري -حيث كانت الممارسات الجنسيّة مباحة دون وجود عقد زواج أو ما يوازيه حينها ،لذلك فإ ّنه بوسعنا استنتاج أنّ رفض هذه الظاهرة طارئ على الدين وليس من جوهره ويمكننا أن نتكهّن أسباب مختلفة كامنة وراء هذا الرفض أهمّها أنّ الجواري والمملوكين هي متاحة للرجال وبالتالي فإنّ هذه الحريّة الجنسيّة المتاحة حينها كانت متاحة للذكور دون اإلناث ،أمّا المساكنة فهي تتيح المجال الجنسيّ للجنسين، ويمكننا اعتبار هذا السبب من أه ّم األسباب إضافة إلى رمي عباءة الدين فوق الغايات واألهداف السياسيّة، األمر الذي أ ّدى إلى تحريم الكثير من األمور هي غير يُعتبر التحرّ ر محرّ مة ح ّقاً. الجنسيّ مرتبطا ً بالتحرّ ر العا ّم ،الدينيّ واالجتماعيّ والسياسيّ ،وهي أمور ّ تؤثر في بعضها البعض بشكل تلقائيّ ومباشر ،ولذا ال يمكننا استغراب المحاوالت في كسر التابوهات الثالثة بمجرّ د محاولة تغيير نظام سياسيّ ،وبوسع القارئ أن يُدرك الفارق ما بين التحرّ ر الجنسيّ كتحرّ ر حقيقي وما بين االنحالل الجنسيّ ، حيث أنّ االنحالل متواجد بشكل دائم بغضّ النظر عن وجود التحرّ ر الجنسيّ أو عدمه ،وهو أمر يمكن تمييزه بوضوح عن فكرة التحرّ ر بح ّد ذاتها .ريم احلاج
أطفال سورية في نيران الحرب المشتعلة والحدث الذي تعرّ ض له ،لكن عموماً ،تتشابه آثار النزاعات المسلّحة على األطفال :كالضياع، االغ��ت��راب ،ال��خ��وف ،الرعب، الغضب ،الضغط النفسيّ ،وعدم الشعور بالحماية واألمان والثقة، باإلضافة إلى اضطرابات مختلفة في النوم واألكل والحركة ،فضالً عن اآلالم الجسديّة المتنوّ عة .هذا وقد تتزايد ِح ّدة هذه المشاعر أكثر إذا لم َّ يتلق األطفال الدعم الالزم كلّنا سوريون -عدسة عبد إدلب لمواجهة التغيّرات والظروف الجديدة ،وفي الوقت ذاته تصبح ُع��رّ ف الطف ُل حسب اتفاقيّة حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعيّة العامّة لألمم الم ّتحدة (بموجب انفعاالت األطفال غير عاديّة عندما تشت ّد ح ّدة قرارها المر ّقم 25/44المؤرّ خ في 20تشرين الثاني النزاعات «فأطفال المناطق التي تتعرّ ض للقصف )1989في ما ّدتها األولى ،بأ ّنه ك ّل إنسان لم يتجاوز والتهجير تختلف عن األطفال الذين يعيشون في الثامنة عشرة ،ونصّ المبدأ الثاني أ ّنه يجب أن يتم ّتع المناطق اآلمنة والتي تستقبل المهجّ رين والنازحين الطفل بحماية خاصّة ،وأن يُمنح الفرص والتسهيالت من المناطق الحارّ ة» فتخرج حينها من نطاق األهل والخلقيّ والمدرسة ،لتدخل ضمن اهتمام وعالج متخصّصين َ الالزمة إلتاحة نموّ ه الجسميّ والعقليّ والروحيّ واالجتماعيّ ،نموّ اً طبيع ّيا ً سليما ً في جوّ من شأنهم فهم حقيقة التجارب التي مرّ بها األطفال، ّ التدخل الفعّال من الحرّ يّة والكرامة ،وتكون مصلحته العليا مح ّل وشعورهم الحقيقيّ تجاهها ليتم ّكنوا من لحمايته. االعتبار األوّ ل في َسنّ القوانين لهذه الغاية. كذلك نصّ المبدأ العاشر بأ ّنه يجب أن يُحاط الطفل بالحماية من الممارسات الوحشيّة والحروب التي ال تحمل في أحشائها سوى األلم والموت والمعاناة لألنفس البريئة. هناك ما نشاهده وما ال نشاهده فما نشاهده هي تلك الصور المؤلمة للمصابين والقتلى والدمار ،وقد يكون الزمان كفيالً بتجاوزها ونسيانها ،وماال نشاهده وال يمحوه الزمن هو األثر النفسيّ الذي ستتركه هذه الحرب في داخل ك ّل َمن عاصرها وعايش الرعب والقلق وفقد عزيزاً أو قريبا ً أو منزالً يستظ ّل بظلّه ليجد نفسه في العراء ،فالسالح األش ّد فتكا ً في هذه الحروب هو تدمير التوازن النفسيّ للمدنيّين وعلى وجه الخصوص األطفال. إنّ التجارب المؤلمة والمفاجئة واألحداث القاسية التي يسم ُع بها األطفال في سورية أو يشاهدها أو يعيشها تزعزع نموّ هم الجسديّ واالجتماعيّ فعل عنيفة تجاهها تختلف والنفسيّ ،فتظهر ردود ٍ باختالف شخصيّة ك ّل طفل وعمره وجوّ ه العائليّ ٍ
newspaper@allsyrians.org
ملاذا األطفال خا ّصة؟ لع ّدة أسباب أهمّها :عدم امتالكهم القدرات الذهنيّة الكافية التي تسمح لهم باستيعاب الخبرات الصادمة والتي يفشل الراشد غالبا ً في استيعابها ،يضاف إلى ذلك عدم قدرتهم على التعبير الكالميّ عن معاناتهم كما يعبّر من هو أكبر منهم ،فيصاب األطفال بتلك االضطرابات المختلفة في المشاعر والسلوك ،نتيجة: التهجيرُ :يح ُ ِدث التهجي ُر الذي يتعرّ ض له • األطفال في بعض المناطق السوريّة أو أغلبها سواء أكان مؤ ّقتا ً أم طويالً ،داخل ّيا ً أم خارج ّياً ،تغيّرات سلبيّة في نمط حياة العائلة بشكل عا ّم واألطفال خاصّة، فانتقالهم من أجواء ألفوها إلى بيئة جديد ٍة وغريبة عن عاداتهم وثقافتهم يش ّكل عبئا ً عليهم ،فيصبحون عرضة لمخاطر ومشكالت تبدأ بسوء التكيّف مع البيئات الجديدة والتي انتقلوا إليها قسراً تحت وطأة الرعب وصوالً لمشاعر الحنين إلى األماكن التي نزحوا منها وتتمازج تلك مع مشاعر الخيبة والضياع واإلحساس بالعجز والقهر وقد يتوّ ج باالكتئاب الحا ّد.
إنّ مشارك َة اآلبا ِء واألخو ِة في القتال المسلّح • أليّ طرف من األطراف يش ّكل صعوبات إضافيّة على األطفال ،فهم يخافون على سالمتهم من ناحية ويفتقدون لدعمهم من ناحية ثانية ،وبالتالي ُتف َتقد مشاعر الحبّ واألمان والحماية. ال يتو ّقف األم��ر هنا فقد يكونُ األطفال • ضحايا العنف «كالخطف والتعذيب» وأحيانا ً أعمال القتال» فهاهو الطفل أخرى «المشاركة في ِ «خضر» الذي ترك مدرسته لينض ّم للقتال مع اللجان التابعة للنظام و «محمّد» الذي سارع باالنضمام إلى الكتائب التابعة للمعارضة المسلّحة رغم صغر س ّنهما وقلّة خبرتهما ،وفي الحالتين يتل ّقى األطفال هنا تربية عنيفة تزر ُع في أنفسهم مشاعر يسودها الحقد واالنتقام والعدائيّة وقد يتعرّ ضوا إلصابات جسدية مختلفة تترك أثرها العميق. عندما نفهم نوعية األحداث التي يتعرّ ض لها • األطفال السوريّون يمكننا فهم ردود الفعل الناجمة عن األزمة التي يعيشونها «فقد ال يكون الخوف والقلق الذي يشعر به الطفل ناتجا ً عن انفصاله اإلجباريّ عن عائلته ،بل القلق من مصير والده الذي ذهب ليشارك في القتال». يتعرّ ض األطفال لفقدان أشخاص من أفراد • أسرتهم أو عائلتهم الممت ّدة فيسبب لهم هذا الفقدان ضغطا ً نفس ّيا ً كبيراً قد يصل إلى االكتئاب في بعض األحيان ،حيث يشعر الطفل بالهزيمة أمام الظروف الصعبة والمؤلمة ،ففقدان األحبّة وعدم القدرة على الثأر أو التنفيس ،إضافة إلى الحقد تجاه من سبّب المعاناة ي��ؤ ّدي إلى هبوط المعنويّات والميل إلى االنطواء والعزلة ،وقد يرافقه شعوره بالذنب شعوره بالعجز ،وشعوره باليأس في أغلب األحيان. إذاً ،يمرُّ الطفل في ظ ّل األزمة السوريّة بتجارب صعبة يحاول نسيانها أو تناسيها وقد نعتقد أ ّنه تجاوزها لكن سنكتشف مع مرور الوقت أ ّنه مازال يعيشها ّ وأثرت في نفسيّته وحياته ونموّ ه. من هنا ،تصبح صحّ ة الطفل النفسيّة خاصّة عرضة للكثير من االضطرابات ،وتظهر هذه االضطرابات من خالل المشاعر التي يعبّر من خاللها الطفل «أ ّيا ً كانت نوعيّة هذه المشاعر» أو يكتمها ويكتفي بالصمت -لكن صمت الطفل ال يعني مطلقا ً أ ّنه لم ّ يتأثر – أو قد تظهر تلك االضطرابات في سلوكيّاته
والتي تكشف عن المشاعر الخفيّة المتزاحمة في قلبه األبيض. إنَّ التعامل مع األطفال المتضرّ رين من الحرب التي تعيشها سورية اليوم يشك ُل تحديا ً كبيراً ،وذلك بسبب قدرة األطفال الضئيلة على التعبير عن آالمهم، وألنّ تعاملنا معهم في هذه الحاالت ليس مجرّ د تلبية الحتياجاتهم األساسيّة في الطعام والشراب والسكن، فهناك احتياجات أخرى ال تق ّل أه ّميّة عنها من األمان والحماية واالنتماء والتقدير واالنخراط االجتماعيّ ولن يكون تطوّ ر الطفل شامالً ومتكامالً بدونها .لكن، ولألسف الشديد ،يفتقر مجتمعنا إلى المعرفة العلميّة في المواضيع النفسيّة والتدرّ ب على اآلليّات النفسيّة إلعادة تأهيل النفس والفكر في مواجهة ما يحدث، ّ يتجزأ فمن بالغ األه ّميّة نشر الثقافة النفسيّة كجزء ال من ثقافة المجتمع السوريّ داخل سورية وخارجها. وإنّ ما يفتقده أطفال سورية هي المؤسّسات الخدميّة النفسيّة االحترافيّة ذات المرجعيّة العلميّة والخبرة ّ منظمات الطفولة العمليّة؛ فعلى الرغم من استنفار ومجموعات كثيرة للعمل في الدعم النفسيّ ،إلاّ أ ّنها مازالت جهوداً فرديّة على المستوى العلميّ والعمليّ ، في مقابل االحتياجات الضخمة التي يحتاجها عدد كبير من األطفال السوريّين ،واأله ّم أ ّنها تحتاج إلى تطوير تنظيمي بحيث تشمل جميع األطفال المهجّ رين داخل سورية وخارجها ،باإلضافة إلى التزام منهج علميّ مضبوط في تقديم الدعم النفسيّ الصحيح بطريقة دقيقة ،ومتابعة تقييم الحاالت وتوثيقها بالتقارير ،ح ّتى الوصول إلى مرحلة الشفاء الكامل. أطفالنا في سورية ،بأمسّ الحاجة إل��ى الدعم الحتواء الصدمات وتقليل اآلث��ار السلبيّة الناجمة عمّا يتعرّ ضون له أثناء النزاع المسلّح الذي تشهده ّ لتخطي األزمات سورية ،بأمسّ الحاجة إلى الدعم دعم القاسية والعصيبة عليهم ،بأمسّ الحاجة إلى ٍ يشعرهم بكينونتهم ،بأ ّنهم ذوو قيمة ،بأ ّنهم أصحاب قدرات إيجابيّة ،وهذا يحمّل التربية عموما ً مسؤوليّة األطفال ،فهي تحميهم جسد ّيا ً ونفس ّيا ً وفكر ّيا ً من خالل توفير مساحة آمنة تساعدهم على امتصاص الصدمات واكتساب المهارات الضروريّة للتكيّف والتأقلم مع الظروف الصادمة ومواجهتها ،واأله ّم من هذا وذلك ،النظر إلى المستقبل بعين التفاؤل واألمل مشرق جميل. بغ ٍد ٍ
وردة مصطفى
www.allsyrians.org
10
العدد 19
السلطة :بين الضرورة ُ والحاجة االجتماعّية
املشكلة األساسيّة يف السلطة هي االعرتاف مبا تقوم به من ح ّق وواجب عند طرفيها.
تع ّد مشكلة السلطة واح��دة من أكبر المشكالت الفلسفيّة -المعرفيّة التي لطالما دار الكثير من النقاش والجدال حول طبيعتها وماهيّتها واألشكال التي تتمظهر بها ،من هنا يبدو مهمّا البحث عن الصورة الواقعيّة للكيفيّة التي تت ّم بها ممارسة السلطة لنكشف عن أدواتها وسبل تعزيز تلك األدوات ودعمها وكيفيّة مقاومتها ،ومن ث ّم يصبح سؤال ما السلطة أو ما مصدرها أو أصلها؟ وكأ ّنه ليس في محلّه بل ينبغي باألحرى أن نبحث عن الكيفيّة التي تتح ّقق بها ،أو كيف تمارس نفسها وتظهر إلى الفعل. وباعتبار السلطة واقعة اجتماعيّة سياسيّة تتطوّ ر باستمرار وت ّتخذ أشكاالً مختلفة، اختلف الباحثون في تحديد المفهوم وتعريفه فـ «جيرهارد ليبهولتر» يرى «أ ّنها القدرة على فرض اإلرادة بطريقة مباشرة وغير مباشرة على كائنات بشريّة» بمعنى أ ّنها تقوم على نوع من القسر على اإلرادة البشريّة يتجلّى من خ�لال تنظيم البيئة االجتماعيّة بما يتضمّنه من حقوق وما عليها من واجبات ،وهذا التنظيم للبنية االجتماعيّة ال يت ّم دون وجود قوّ ة أو سلطة آمرة تقوم بتحديد األهداف العامّة والخاصّة التي يصبو إليها المجتمع والفرد. فالمشكلة األساسيّة في السلطة هي االعتراف بما تقوم به من ّ حق وواجب عند طرفيها ،فإذا كان االعتراف متبادالً وتا ّما ً استقامت السلطة كعالقة أمريّة مشروعة، وبهذا يقترب «ناصيف نصّار» من رأي «ليبهولتر» ّ يتمثل في قدرتها على في اإلقرار بأنّ دور السلطة إصدار األوامر وعلى إخضاع اآلخرين لها ،فمنشأ السلطة ضروريّ ضرورة المجتمع اإلنسانيّ نفسه، باعتبارها تش ّكل نقطة االرتكاز األساسيّة في تنظيم المجتمع األوّ ليّ لإلنسان وصوالً إلى مفهوم الدولة. والدولة ككيان ثقافيّ هي حصيلة الثقافة االجتماعيّة وهي مرتبطة بالتطوّ ر االجتماعي العا ّم ،وهي لذلك تندمج كضرورة سياسيّة بالمجتمع ،وهذا التماثل أو االندماج يبدأ باالنفصال مع ارتقاء المجتمع المتناسب
/26تشرين الثاني 2014/
ك فيه أنّ الطبيعة فيما بينها ،إذ ممّا ال ش ّ البشريّة والسلطة متالزمان ،فال وجود لمجتمع إنسانيّ دون سلطة ،والسلطة بالمقابل -في طبيعة وجودها -سابقة على وجود الدولة باعتبارها قوّ ة إرادة لحكم جماعة من الناس ،بحيث تستحيل هذه القوّ ة إلى سلطة وإرادة و ُتخضِ ع اآلخرين بموجب قانون تضعه بنفسها ويحوز على رضى المحكومين ،وهذه القوّ ة توجد أينما يخضع الفرد ألهداف اآلخرين ليس برغبته وإرادته فقط ،بل بشعور من الحضور األخالقيّ واالجتماعيّ ،إذ يميل «سالم القمودي» إلى أنّ ك ّل سلطة تقوم على أساس نفسيّ وفلسفيّ يح ّدد اتجاهها السياسيّ والنظام الذي تنشئه أو تنتمي إليه ،ونوع السلطة التي تمارسه وكيفيّة هذه الممارسة وأدواتها التنفيذيّة لتحقيق هذه الكيفيّة ،وهو ما تعلن السلطة عن بعضه بعد ذلك.
مع تبلور سلطة الدولة ونظامها ،فال مجتمع بدون سلطة .ومن هنا ،تصبح السلطة مظهراً من مظاهر االجتماع البشريّ . ويقارب تعريف «برتراند رسل» للسلطة (كونها إحداث تأثير مقصود) التعريفات السابقة من حيث فاعليّة السلطة وقدرتها على ضبط أفراد المجتمع كلّهم. لكنّ الســلطة ليســت مجرّ د فرض األمر السـياســيّ على جماعة ما ومحاولة تنظيمها ،بل هي أيضا ً مفهوم أخالقيّ يشــير إلى النفوذ المعترف به كل ّيا ً لفرد أو لنســق من وجهات النظر أو لتنظيم مست َم ّد من خصائص معيّنة أو خدمات معيّنة ،بحيث يضع هنا للسلطة إطاراً تنظيم ّيا ً اجتماع ّيا ً أخالق ّيا ً يح ّدد طبيعتها ووظائفها. وبالرغم من تع ّدد أشكال السلطة االجتماعيّة إلاّ أنّ السلطة السياسيّة تتميّز عن األشكال األخرى بسبب الوظيفة التي تؤ ّديها في تنظيم النشاطات المترابطة
إذن ،ه��ذا األس��اس النفسيّ والفلسفيّ للسلطة يش ّكل البنية األساسيّة لها أل ّنه يستند ب��دوره إلى الوعي التاريخيّ (السياسيّ ، الثقافيّ ،االجتماعيّ ) لمفهوم السلطة وهو يش ّكل الوجه الخفيّ للسلطة ،فالشخص المسؤول بعبارته (هذا ما سنفعله) إ ّنما ينطلق من إحساس بالتحرّ ك الذاتيّ ومن الشعور بممارسة السلطة ،فما تريده السلطة يصبح بمعنى ما تريده ذواتنا ،ولذلك ك ّل سلطة تتأرجح بين ما تعلنه وما تخفيه بين اإليديولوجيا وهي الوجه المعلن للسلطة ،وبين السيكولوجيا وهي الوجه الخفيّ للسلطة، فهي رسم ّيا ً مع اإليديولوجيا ونفس ّيا ً هي مع األنا – السلطة ،التي تخترق اإليديولوجيا متى رأت أنّ ذلك من مصلحتها وأ ّنه يح ّقق أهدافها كسلطة ،وهو ما يفسّر الطابع الزئبقيّ للسلطة وقدرتها على التعبير عن نفسها باستخدام مجموعة إيديولوجيّات قد تكون متناقضة بعضها مع بعض. أ ّم��ا «ح ّنا أرن��دت» فتربط بين السلطة ووجود الجماعة ،إذ تعرّ ف السلطة.
عبدو نيب
الرب الحروب المسيحّية باسم ّ
بعد تناول الحروب الدمويّة التي خاضها اليهود باسم ربّ يهوه بشكل مختصر ،سأتناول الحروب التي خاضها المسيحيّون باسم الربّ كذلك.
قشتالة على التنصّر في عام ،1502ث ّم ت ّم إجبار المسلمين في أراغون على التنصّر عام .1526 وكانت إسبانيا نموذجا ً لدولة دينيّة سلطويّة، فتتح ّكم وتعين الكنيسة فيها الملوك واألباطرة الذين يحكمون بحاكميه تسمّى ظ� ّل هللا في ّ الحق اإللهيّ وللقضاء على ما األرض أو قانون سمّوه وقتها بالفساد ،فقد قامت بتأسيس محاكم التفتيش واستهدفت من ت ّم إجبارهم على التنصّر من المسلمين واليهود ،ث ّم استهدفت المعتقدات المسيحيّة األخرى وخاصّة البروتستانتيّة.
ظلّت مصر في الفترة التي ما بين سنة (31 ق .م) وسنة ( 395م) تابعه للدولة الرومانيّة، ومع بدء اعتبار الدين المسيحيّ كدين رسميّ للدولة ،أمر أسقف االسكندريّة تيوفيل بهدم معابد الوثنيّين ،فت ّم هدم بعضها ،وتحويل بعضها اآلخر إلى كنائس ،والسخرية العلنيّة من معتقداتهم وتماثيلهم ،األم��ر ال��ذي أث��ار غيظ الوثنيّين اإلسكندريّين ،ممّا دفعهم إلى قتال المسيحيّين فاستمرّ ت معركة دمويّة طويلة ما بين الوثنيّين والمسيحيّين انتهت بهزيمة الوثنيّين. ولكن الحادثة األبشع واألكثر انتشاراً عن تلك الحقبة ،هي مقتل العالمة والفيلسوفة هيباتيا، فبعد هزيمة الوثنيّين عام 391م ،بقيت بقايا الوثنيّين في اإلسكندريّة في حالة مقاومة ومحاولة لنشر العلوم ،حيث كانت قد انتشرت المدارس التي ت ّتسم بروح المسيحيّة كل ّيا ً فقط ،كانت هيباتيا عالمة رياضيّات وفلك ،وكانت تقيم ن��دوات ومحاضرات في المدينة بشكل منتظم، وكان عدد متابعيها ي��زداد بصورة الفتة ،ممّا أثار الخوف المسيحيّ من تأثير العالمة الوثنيّة ،فكان مقتلها مشهداً مروّ عا ً في المدينة والتاريخ ،فقد قُتلت على يد جموع من الغوغاء المسيحيّين التي تتبعتها عقب رجوعها لبيتها بعد إحدى ندواتها ،حيث قاموا بجرّ ها من شعرها ،ث ّم قاموا بنزع مالبسها وجرّ ها عارية تماما ً بحبل ملفوف على يدها في شوارع اإلسكندريّة ح ّتى انسلخ جلدها ،ث ّم إمعانا ً في تعذيبها ،قاموا بسلخ الباقي من جلدها باألصداف إلى أن صارت ّ جثة هامدة، ث ّم ألقوها فوق كومة من األخشاب وأشعلوا بها النيران. ث ّم كانت الحمالت الصليبيّة التي قسّمت إلى تسع حمالت ،الحملة الصليبيّة األول��ى 1099-1096م السترجاع القدس واألراض��ي المق ّدسة من سيطرة المسلمين ،الحملة الصليبيّة الثانية 1148-1145م
newspaper@allsyrians.org
التي هُزم فيها المسيحيّون فاسترجع المسلمون القدس، فكانت الحملة الصليبيّة الثالثة 1192-1189م إلعادة السيطرة على القدس التي كان صالح الدين األيوبيّ قد سيطر عليها عام 1187م ،فنجحوا في استرجاع ع ّكا وفشلوا في استرجاع القدس ،أمّا الحملة الصليبيّة الرابعة 1204-1201م ،كان هدفها األوّ ل احتالل القدس عن طريق غزو مصر ،ولكن بدالً عن هذا في نيسان 1204احت ّل مسيحيو أوروبا مدينة القسطنطينيّة اليونانيّة األرثوذكسيّة عندئذ وعاصمة اإلمبراطوريّة البيزنطيّة ،أمّا الحملة الصليبيّة الخامسة -1213 1221م ،فكانت محاولة من أوروبا الكاثوليكيّة إلعادة السيطرة على القدس وبقيّة األراضي المق ّدسة عبر السيطرة على الدولة األيّوبيّة في مصر ،لك ّنها باءت بالفشل ،وهكذا ح ّتى الحملة الصليبيّة التاسعة -1271 1272م التي انهزمت على يد الظاهر بيبرس. وحين ذكر الحروب التي خاضها المسيحيّون بغية نشر الدين المسيحيّ ،ال يمكن نسيان محاكم التفتيش ذائعة الصيت ،تأسّست محاكم التفتيش عام ،1478 وفي القرن السادس عشر أصبحت إسبانيا أكبر قوّ ة كاثوليكيّة في العالم آنذاك ،وت ّم إجبار ك ّل المسلمين في
مورست في ه��ذه المحاكم معظم أن��واع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، وأزهقت آالف األرواح تحت وطأة التعذيب، ويُعتقد أنّ عدد القتلى قد يصل إلى 13ألفاً، ومن أنواع التعذيب :إمالء البطن بالماء ح ّتى االختناق ،وسحق العظام بآالت ضاغطة ،وربط يدي الم ّتهم وراء ظهره ،وربطه بحبل حول راحتيه وبطنه ورفعه وخفضه معلّقا ً س��واء بمفرده أو مع أثقال ُتربط به ،واألسياخ المحميّة على النار ،وتمزيق األرجل ،وفسخ الفكّ ،وكثيراً ما كانت ُتصدر أحكاما ً باإلعدام حرقاً ،وكانت احتفاالت الحرق جماعيّة ،تبلغ في بعض األحيان عشرات األفراد ،وكان لهم توابيت مغلقة ،فيها مسامير حديديّة ضخمة تنغرس في جسم ّ المعذب تدريج ّياً ،وأحواض يقيّد فيها الرجل ث ّم يسقط عليه الماء قطرة قطرة ح ّتى يمتلئ الحوض ويموت، كانوا أيضا ً يقومون بدفنهم أحياء ،ويجلدونهم بسياط من حديد شائك ،وكانوا يقطعون اللسان بآالت خاصّة وكان دستور محاكم التفتيش يجيز محاكمة الموتى والغائبين وتصدر األحكام بح ّقهم كاألحياء ،ف ُتصادر أموالهم و ُتنبش قبورهم ،كما يت ّم حرمان أقاربهم من تولّي الوظائف العامّة وامتهان بعض المهن الخاصّة. وبلمحة سريعة عن تاريخ ومسار انتشار الديانة المسيحيّة ،ال يمكن لنا إلاّ أن نسمّيها باإلرهاب بحسب التعريف الدوليّ اليوم لإلرهاب عموما ً واإلره��اب الدينيّ بشكل خاصّ . لينا احلكيم
ثقافة
عندما يكون الحنين مرضاً
الحنين إلى الماضي سمة مالزمة للشخصيّة اإلنسانيّة تبدأ بواكيرها منذ الطفولة وتنمو مع نموّ اإلنسان وتق ّدمه في السنّ ،و ُتعتبر سمة إنسانيّة سليمة في كثير من األحايين و لها دوراً إيجاب ّيا ً ّ محطات على الصحّ ة النفسيّة ،فهي غالبا ً ما تكون هدوء وراحة ،يت ّم من خاللها استعادة الماضي بأفراحه وأتراحه واستخالص النتائج والعبر لتكون دروسا ً يُستفاد منها حاضراً ومستقبالً ،هذا في حال تدرّ جت صيرورة نموّ وارتقاء الشخصيّة اإلنسانيّة بشكلها الطبيعيّ في سياق تعايشه ضمن نسق اجتماعيّ وثقافيّ محكوما ً في الزمان والمكان ،ولكن عندما تتعرّ ض هذه الصيرورة لمتغيرات فجائيّة وعنيفة سواء في الذات أو في الموضوع للح ّد الذي تعجز فيه ملكاته النفسيّة والعقليّة عن إدراكها ،ومن ث ّم استيعابها واحتوائها بغاية االنسجام وال��ت�لاؤم والسير إل��ى األم��ام تماشيا ً مع قانون التطوّ ر الطبيعيّ في البحث عن األفضل ،أمام هذا العجز تعمد الشخصيّة لخلق آليّات دفاعيّة ،أهمّها االرتداد إلى الخلف نكوصاً، ويتجلّى ذلك في الحنين إلى الماضي في محاولة للهروب من حاضر مجهد ويغدو الماضي هو المحور والمركز ،ويكون الحنين قد نحا منحىً مرض ّيا ً يش ّل الحاضر ويرتحل بصاحبه للعيش على وفي ذكريات الماضي متوهّما ً أ ّن��ه كان وما زال فاعالً ،وغالبا ً ما يت ّم استدعاء التجارب المشرقة من الماضي ،والتي ُي��راد من خاللها التأكيد على األنا وتضخيم ماضيها في محاولة الشعوريّة أساسها وأُسّها المحافظة على وجوده وفاعليته على الصعيد اإلنسانيّ ،وفي أش ّد الحاالت ينسلخ عن حاضره ويهلوس بأوهام من الماضي قد ال يكون لها أساسها الواقعيّ أو يُضفي على التضخم ويغدو كائنا ً ّ أحداثها ومجرياتها هالة من ماضو ّياً ،وبالرجوع إلى ما يقرّ ره بعض علماء االجتماع والفالسفة بأنّ حياة األمم ال تختلف كثيراً عن حياة أفرادها ،فإنّ أيّ تجمّع بشريّ ونتيجة ّ المتمثلة في نسق ثقافته وتراكماته لبنيته الداخليّة المعرفيّة على كافة الصُعد االقتصاديّة واالجتماعيّة والسياسيّة ،وكذلك نتيجة لعوامل خارجيّة أهمّها التجمّعات البشريّة المتمايزة عنه -إنْ قليالً أو كثيراً من الناحية الثقافيّة ،وعلى تماسّ مباشر أو غيرمباشر معه ،بعد أن غدا العالم قرية صغيرة بفضل التطوّ ر على كافة الصُعد ،وخاصّة التكنولوجيّة التي جعلت من العالم قرية صغيرة ،وعليه فإنّ أيّ تجمّع بشريّ يعجز عن مواكبة هذا التطوّ ر اإلنسانيّ واألدواتيّ العتبارات ذاتية ّ تتمثل بهيمنة قوى التخلّف واالستبداد على مق ّدراته ،وأخرى موضوعيّة بسبب تعارض إرادته ومصالحه مع مصالح المحيط ،ويغدو حاضره مترعا ً بالشقاء والبؤس وطريق مستقبله على أكفّ طغاته ،ما يح ّتم عليه وبالضرورة العودة نكوصا ً إلى الخلف إلى الماضي فيحنّ إلى أيّامه الخوالي وأمجاده البائدة مستعيداً أمجاد أسالفه ومزهوّ اً بنشوتها، وفي أغلب األحيان ضاربا ً بنواميس الطبيعة، متوهّما ً ومهلوسا ً أ ّنه يمكن أن يغتال الحاضر ويؤبّنه حامالً نعشه إلى حدائق ماضيه لينبش قبور سلفه ويئده هناك ،ومن ث ّم يجمع عظامهم النخرة في كيسه ويحملها على صهوة حصانه ،قارعا ً طبول فرحته في مهرجان ينصّب فيه ماضيه أميراً على حاضره ،ضاربا ً بعرض ألف حائط حقائق ك ّل العلوم ومغمضا ً بصره وبصيرته عن مؤ ّكد ٍة مفادها :أ ّنه للحصول على ذات النتائج من ذات التجربة الب ّد من توافر نفس الشروط؛ ولمّا كان ذلك مستحيالً ،يبقى هذا الفكر محكوما ً إمّا بتجديد ذاته من داخله مستعينا ً ومنفتحا ً على ك ّل تجارب الماحوله ،أو هو مه ّدد باالنقراض والفناء، ولك ّنه لن يستسلم لقدر فنائه بسهولة ،وسيسعى ما بوسعه مجرّ با ً ك ّل الممكنات ،بما فيها العنف قبل أن يلفظ أنفاسه األخيرة. مسري العل ّي
www.allsyrians.org
العدد 19
ثقافة
المرأة والفردوس
هل هناك مالمح خاصّة للوحة ح َمويّة ،ماهي عناصرها؟ وهل تقتصر على عناصر شكليّة أم أنّ هناك تشابه في الموضوع وتقارب بالخطاب البصريّ ؟ مرّ ت اللوحة الح َمويّة بثالث مراحل متتالية مترابطة فيما بينها كان المكان هو العنصر األه ّم والرئيس فيها: املرحلة األوىل من الفنّ الشعبيّ إلى مرحلة الروّ اد والتأسيس بدأت هذه المرحلة بتصوير المكان كواقع جمالي معاش ،يقول الف ّنان سهيل األحدب وهو من الف ّنانين الروّ اد في المدينة (كان من المألوف في مدينة حماه أنّ تزيَّن جدران البيوت والفنادق والحمّامات والمقاهي وواجهات المحلاّ ت التجاريّة بلوحات ّ تمثل مناظر
/26تشرين الثاني 2014/
(مدخل إلى لوحات بعض فنّاني مدينة حماه)
من مدينة أبي الفداء كالعاصي والجسور والنواعير والبساتين والمساجد) إنّ الطبيعة الخاصّة للمدينة جعلت منها ما ّدة للتصوير وألهمت نواعيرها واختراق نهر العاصي لها ،إضافة إلى أحياءها القديمة لوحات رسّاميها.
يبدو األمر غريبا ً بعض الشيء؛
إذ امتاز المكان في اللوحة ال��ح��م��و ّي��ة ف��ي م��راح��ل��ه األول��ى بواقعيّة تسجيليّة ،وكانت أحدث المعالجات الشكليّة لهذا المكان هي المعالجة االنطباعيّة التي أدخلها الروّ اد على اللوحة الشعبيّة التي كانت سائدة آنذاك. فكيف تحوّ ل المكان بواقعيّته إلى فردوس؟ وماهي العناصر الشكليّة التي أُدخلت على المكان لتعطيه طابعا ً فردوس ّياً؟ املرحلة الثانية من الروّ اد والتأسيس إلى الحداثة إنّ أه ّم ما انتزعته الحداثة من اللوحة المسنديّة، ّ مستفزة هو البعد الثالث مثيرة بذلك حفيظة المتل ّقي خيال الف ّنان وأدواته إليجاد بدائل بصريّة باحثا ً عن أبعاد أخرى تستطيع حمل الموضوع وتقديمه بصورة قادرة على إقامة التفاعل المطلوب .هذا ما وضع بعض المصوّ رين الذين اعتمدوا في غالبيّة مواضيعهم على تصوير المكان (الطبيعة -العمارة ) أمام تحدي الحداثة وأ ّدى تزامن دخول الحداثة مع ظهور التيّارات القوميّة وس��ؤال الهويّة إلى دفع البعض بالبحث في الثقافة البصريّة المحلّيّة والمشرقيّة بوجه عام ،فمن لوحات
الواسطيّ إلى الرقش والمنمنمات كانت بداية البحث الشكليّ عن حلول بصريّة تش ّكل بدائل مقبولة للبعد ّ الخطية بالظهور الخجول الثالث فأخذت التشكيالت ّ الخط المنحني بإيقاعاته طاغيا ً على باقي الخطوط وغدا ّ وتشظت المساحات اللونيّة إلى مجموعة من التفاصيل وحضرت الزخرفة النباتيّة ببعد تصويريّ كبديل عن الطبيعة ،لكنّ موارد البحث حكمت المفهوم وأعادت انتاج المكان بوصفه فردوسا ً متخ ّيالً ،لكنّ ثالثيّة (المكان – الفردوس -المق ّدس) لم تستطع تقديم عمل ف ّنيّ كامل يح ّقق مردوداً جمال ّيا ً وتواصل ّياً ،ممّا دفع ببعض ف ّنانيّ المدينة إلى استحضار األنثى إلى اللوحة، وهنا ،ساهمت لوحات الف ّنان نذير نبعة المستل َهمة من فنّ المنمنمات بطرح الحلول البصريّة وتقديم ثنائيّة المرأة -الفردوس لبعض ف ّناني مدينة حماه. املرحلة الثالثة من الحداثة إلى المحلّيّة أخذت المرأة طريقها إلى لوحة بعض ف ّناني حماه محافِظة على القيم الجماليّة المتوارثة والسائدة عن المرأة ،فمن العنق الطويل إلى العيون الواسعة والفم الصغير ،لم تتفلّت اللوحة كل ّيا ً من سلطة المتل ّقي وغرقت في بعض التجارب بهاجس االستحسان والقبول ال بهاجس الصدقيّة والجديد. وإذا ما رجعنا إلى أولى هذه التجارب نجد البداية في العديد من أعمال الف ّنان زهير حضرموت والتي حملت مالمح لوحة حمويّة ذات خصوصيّة استمرّ ت وتطوّ رت في العديد من التجارب التي أتت إلى المدينة أو غادرتها لتضيف عليها وتؤ ّكدها وتغنيها ،امتازت المرأة في لوحات بعض ف ّناني حماه بأ ّنها عنصر مكانيّ ،وأخذت الطابع الفردوسيّ من المكان ،فهي
«نتل ّمس الكلمات على الجدار»
علني والعيون أصابع مقطوعة كيف أصبحت البالد لوحة في مزاد ّ «في الجامع األمويّ ،في أيّ زمن تريد ،قل لي من قتلك أق ْل لك من أنت» .بهذه البساطة التي ال يقوى عليها أحد يختصر الشاعر «حكمة شافي األسعد» التاريخ ويجعله واضحا ً ال لبس فيه وال تورية« .نتلمّس الكلمات على الجدار» توثيق أدبيّ فريد ليوميّات الحرب يطالعنا في أولى مجموعات الشاعر النثريّة التي قام بنشرها إلكترون ّيا ً ولم يقم بطباعتها في كتاب .وبين انتصار الحرب على اإلنسانيّة أحيانا ً وانتصار الحبّ عليها أحيانا ً أخرى تأخذنا القصائد في رحلة ال نعرف متى بدأت وال يبدو لنا أ ّنها قد تنتهي .بين النزوح والموت وبين المدن المنكوبة وتلك التي تنتظر حصّتها من الخراب القادم يجول الشاعر بكلماته مقتحما ً المق ّدسات -أو ما كانت كذلك ذات يوم -ومعرّ يا ً اإلنسان واألرض والبالد والحياة واألفكار دون أن يخجل من لعنة التراب أو لعنة أبنائه. وبمسدسه المحشوّ بالسخرية يطلق حكمة الرصاص على الطغيان ،ال السياسيّ فحسب ،بل اإلنسانيّ والوجوديّ .يتح ّدث عن ذلك الكائن الذي يستطيع أن يجعل من ك ّل شيء جميل كابوسا ً أسود ويبرع دائما ً في قطع رؤوس األحالم وتحويلها إلى نفايات ال مكان لها في عالمه الواسع الذي يُحكم قبضته على ك ّل وردة فيه .نصوص ساحرة لم يضع الكاتب لها نهاية ،تؤرّ خ لحياة إنسانيّة حقيقيّة يعيشها السوريّون على أرض ّ مزقتها الحرب وجعلت منها شخصا ً حقيق ّيا ً ال مجازاً َيق ُتل ويُقتل ويحمل السالح ويثأر وينقلب على عدوه تارة وعلى نفسه تارة أخرى ،دون كذب أو تلفيق ودون أن
ي ّدعي بحكمة الشاعر المعتادة أنّ ك ّل شيء على ما يرام ،أو أن ينهي المأساة باألمل كما يفعل الك ّتاب المحكومون بالخرافات واالنتصارات والتفوّ ق على الواقعيّ .سبعة عشر نصا ً ق ّدها الشاعر من لحم ودم ونفخ فيها روحه الهائمة من سماء إلى سماء ومن مدينة إلى مدينة تع ّد الموتى وتبكي عليهم .ال يكترث «حكمة» أليّ ممّا هو خارج جدران النزوح الجماعيّ والنهايات المجانيّة؛ فالقضايا التي تعتبر كبرى تحت ّل في وعيه مكانا ً ثانو ّيا ً مقارنة بقضيّته األه ّم وهي اإلنسان .هذا اإلنسان الذي تحوّ ل إلى ورقة نعوة فقدت ح ّقها ح ّتى في أن تسند ظهرها إلى جدار ما في حيّ ما لتثبت وجودها ،أو في أن يسير اآلخرون خلف جنازتها ويو ّدعونها قبل أن يسقطوا فوقها وتتشارك وجوههم رخامة واحدة .وألنّ الحياة أصبحت تمشي برأس مقطوع تحوّ ل الجميع إلى قتلة أو مقتولين ،والعذر في رأس الحياة الذي لم يعد يميّز. «حين اشتقت إليك تن ّفست هوا ًء نق ّيا ً وكأ ّنني لست في ثالجة الموتى» .بهذه االنسيابيّة يجمع الشاعر بين العام والذاتيّ فالعام أصبح ذات ّيا ً بشكل أو بآخر صا ً بأحدنا دون غيره .هكذا والذاتيّ لم يعد شأنا ً خا ّ أصبحت مشاعرنا مرتبطة بعدد الشهداء والضحايا من األطفال وأنواع األسلحة والطرقات التي نذرعها بحثا ً عن بيت ما لنضع رحالنا فيه اليوم واألصدقاء البعيدين وهؤالء الذين نريدهم بعيدين أل ّنهم تغيّروا. وسط ك ّل هذا يصبح الحبّ بوصلتنا الوحيدة ويصبح الوحيد الذي بإمكانه أن يمسك يدنا ويعبر بنا إلى ض ّفة النجاة ،ال من الموت فقط ،بل من الضياع
الحوريّة المتخيّلة ،وال تتجاوز عالقتها بالواقع حدود االرتباط الشكليّ ،إ ّنها حوّ اء قبل الهبوط ،الصورة المثال للمرأة في الذهن الجمعيّ ،كما عبّر عنها النصّ والموروث فهي المرأة التي رسمتها األغاني الشعبيّة شكالً وأعطاها النصّ بُعدها المتخيّل لتتأرجح بين الرغبة والمق ّدس ،إ ّننا أمام ثنائيّة (المق ّدس -المرغوب). إذا من هذه الرباعيّة (المكان-الفردوس ،والمق ّدس- المرغوب) نستطيع أن نتلمّس خصوصيّة ما ،ونرصد تطوّ رات هذا المفهوم في بعض لوحات ف ّناني مدينة حماه من ع ّدة أجيال ،سأحاول الوقوف على أه ّم تلك التجارب ودراستها ربّما في مرّ ات قادمة.
سهف عبد الرمحن
في النشــر ّ المستقل والنشر
ّ المستقل؟ من هو الناشر يحار الكثيرون أمام ه��ذا التوصيف وليس فقط من العامّة وإ ّنما بين الناشرين العرب أنفسهم .لطالما سمعت هذا السؤال :ماذا يعني الناشر المستقلّ؟
المتربّص بنا جميعاً. وكأ ّنه ينجو بالكتابة من بئر العتمة يُعيد «حكمة» للشعر دوره الحقيقيّ الذي فقده منذ زمن طويل فيجعل منه رفيقا ً حقيق ّيا ً لإلنسان المنهك الذي يمكن للغة على األق ّل أن تنصفه مادامت عاجزة عن جعل العالم يتحرّ ك من أجله .استطاع الشاعر أن يجعلنا نرى من خالل نصوصه ما لم تنقله الصورة الحيّة وعجزت ك ّل نشرات األخبار عن رصده .وبصور عميقة وبسيطة في آن رسم لنا البالد التي يأكلها العالم ويلقي ببقاياها ألوالدها الذين مازالوا ينتظرون بثيابهم البالية وأحالمهم المهترئة وأحذيتهم التي لم تعد تحتمل مزيداً من الرحيل ،لك ّنهم مصرّ ين على هزيمة الموت الذي يكبر داخلهم دون ربطات عنق ولقطات تذكاريّة مع المدن والقبور ودون ضجيج يظهرون من خالله فرط انتمائهم .لغة غير عصيّة لك ّنها ليست ممكنة أيضا ً تجعل المشهد سيّد النص والمفردات بناته الجميالت اللواتي يؤ ّدين مهامّهن بمهارة فائقة. «أيّتها البالد التي ال تنتهي صفاتها متى تعيدين لنا صفاتنا؟» بقي أن ننوّ ه أنّ «حكمة شافي األسعد» شاعر سوريّ حمصيّ بامتياز يحمل شهادة الدكتوراة في اللغة العربيّة وآدابها ،له مجموعتان مطبوعتان: كهف الموتى وجمع تكسير األصابع.
ُسرى أمحد علّوش newspaper@allsyrians.org
11
ف���ي ال���ع���ودة إل��ى ال��راب��ط��ة ال��ع��ال��م � ّي��ة للناشرين المستقلّين Alliance International des وتوصيفها للناشر Editeurs Independent المستقلّ :هو الناشر الذي يختار منشوراته بنفسه وبدون أيّة ضغوط من أيّة جهة سياسيّة أو دينيّة أو أكاديمية. وهو أيضاً ،الناشر الذي يموّ ل مشاريعه بنفسه وبدون أيّ خضوع لضغوط ما ّديّة ّ تؤثر على قراراته بما يختصّ باختياراته للعناوين التي يقوم بنشرها .ال يعني هذا بالطبع أ ّنه يتر ّفع عن الكسب الما ّديّ بل أ ّنه يستخدم النموذج االقتصاديّ المستق ّل بدون تنفيذ أيّة أجندة أليّة جهة مقابل المال. هو أيضاً ،الناشر الذي يضع لنفسه معايير مهنيّة وأخالقيّة ويطبّقها في ممارسته لمهنة النشر من احترام حقوق الترجمة والتأليف والرسوم والصور .كما أ ّنه يحافظ على مستوى معين فيما يق ّدمه للجمهور ،سواء أكان ذلك فيما يختصّ بالمحتوى نفسه أو بطريقة التقديم، من اختيار الورق والتصميم واإلخراج والطباعة ،وك ّل ما يتعلّق بأمور شكل الكتاب النهائيّ التي تد ّل على احترام القارئ. هو ،بالضرورة ،يقف في وجه االحتكارات الماليّة الكبيرة التي تحاول الهيمنة على قطاع النشر في العالم، وأن تحوّ ل الكتاب إلى تجارة رابحة نازعة عنه اله ّم الثقافيّ وااللتزام األخالقيّ الذي يجب أن يميّز هذه «السلعة – المنتج» عن غيره في أسواق اليوم. الناشر المستقلّ ،يقف حتما ً في وجه ك ّل ما يعيق تق ّدم الكتاب وتطوّ ره ووصوله إلى الشريحة األكبر في المجتمعات .فهو هنا ض ّد ك ّل أشكال الرقابة والضرائب المرتفعة المفروضة على تجارة الكتب وشحنها بين البلدان العربيّة.
مسر مسعان ح ّداد سست في خمسين ّيات القرن الماضي صاحبة «دار أطلس للنشر» التي أ ُ ّ في دمشق ،وتنشر باللغة العرب ّية كل ّ أنواع الكتب المؤ ّلفة والمترجمة من التنوع. مبدأ تعزيز ّ
www.allsyrians.org
12
العدد 19
مقامات
/26تشرين الثاني 2014/
م � �ق � �ام ال �ق �ص��ب
ال خالفة يف الدين* علي عبد الرازق ()1966 – 1888
ّ والحق أنّ الدين اإلسالميّ بريء من تلك والتجريب ،أو قواعد الحروب ،أو هندسة الخالفة التي يتعارفها المسلمون ،وبريء المباني وآراء العارفين. من ك ّل ما هيّؤوا حولها من رغبة ورهبة ،ال ش��يء في الدين يمنع المسلمين أن ومن ّ عز وقوّ ة. يسابقوا األمم األخرى ،في علوم االجتماع والخالفة ليست في ش��يء من الخطط والسياسة كلّها وأن يهدموا ذلك النظام الدينيّة ،كلاّ وال القضاء وال غيرهما من العتيق الذي ذلّوا له واستكانوا إليه ،أن وظائف الحكم ومراكز الدولة ،وإ ّنما تلك يبنوا قواعد مُلكهم ،ونظام حكومتهم ،على كلّها خطط سياسيّة صرفة ،ال شأن للدين أحدث ما أنتجت العقول البشريّة ،وأمتن بها ،فهو لم يعرفها و لم ينكرها ،وال أمر ما دلّت تجارب األمم على أ ّنه خير أصول بها و ال نهى عنها ،و إ ّنما تركها لنا ،لنرجع الحكم. فيها إلى أحكام العقل ،و تجارب األمم ،و قواعد السياسة.
ّ لكل مقام مقال
عن الجوع والحرمان في المعتقالت
المدير العام
رئيس التحرير
توفيــق دنيـــا
بسام يوسف َ
newspaper@allsyrians.org
واللبناني ،مكتبة المصري الصادر عن دار الكتاب ّ ّ
كما أنّ تدبير الجيوش اإلسالميّة ،وعمارة
اإلسكندر ّية 2011
المدن والثغور ،ونظام الدواوين ال شأن للدين بها ،وإ ّنما يرجع األمر فيها إلى العقل
مرة 1925 ألول ّ طبع ّ
ساهم ،ولو بغطاء عبوة الماء
في كثير من األحيان تغدو تفاصيل الحياة التافهة التي نعيشها مأزقا ً شعور ّيا ً ّ يتضخم بك ّل أشكال االنفعاالت وتجلّياتها حين تكون محرّ ضا ً لذكريات من عانى الحرمان منها ،لتصبح ج َّل آماله أن ينالها ولو بالحلم .ومن سيكون أكثر حرمانا ً من المعتقل الذي قد يخرج من قبره ،فتجتاحه الدهشة في ك ّل مرّ ة من كيفيّة تعاملنا مع األمور البسيطة التي تواجهنا في الحياة وبقدرة تحكم اإلنسان بغرائزه البشريّة وصبره على ترويضها؟! ذاك الصبر الذي أفتقده قسراً حين كان وراء القضبان ،فيكفي إدراكنا أ ّننا قد نمارس نوعا ً من الحرمان اإلراديّ لنصل إلى مبتغى ما ،أمّا هو فمعنى الحرمان القسريّ الذي خاضه يقف بينه وبين استدراكه الستيعابه السابق لمثل هذه األمور والسيّما قبل اعتقاله ،ممّا ّ المضطهدة .فأن يضعنا بحيرة وخجل أمام عُري الروح اإلنسانيّة أُح ّدث صديقتي المعتقلة السابقة عن الرجيم والجوع اإلراديّ الذي أخوضه اليوم بحماس يشتهي فتنة الجمال وغوايته ،فهذا كفيل بأن يثير في مخيّلتها فيضا ً من الذكريات التي قد تظنّ أ ّنها تجاوزتها، ض يخرجها غير أ ّنها تستكين في غياهب روحها ،وتتر ّقب أيّ محرّ ٍ ّ المتأزمة التي من قمقمها لتجتاح روح صديقتي بك ّل االنفعاالت كانت متوارية عن وعيها .ويكفيك أن تسمع ما سردت لي بعد ذلك الحديث عن الجوع اإلراديّ لتدرك ما أعنيه عن االنفعاالت المتوارية في خبايا روح المعتقلين؛ إذ تقول لي» أذكر أ ّني في مرّ ة واحدة فقط هزمني الجوع ،مرّ ة واحدة فقط تقمّصت جسدي طفل ال يفقه كيف يقاوم الجوع فيستسلم للبكاء الكافر ،في رو ُح ٍ ليالي الصقيع في غرفة صغيرة ال تصلح لتكون حماما ً فكيف بمهجع يض ّم أربعين امرأة يتك ّدسن كجثث مجزرة الكيمياويّ فوق بعضهنّ ،لك ّل واحدة منهنّ مساحة «بالطتين ونصف» كنت أسهر مع معتقلة أخرى وثالثنا الحمراء الطويلة نتأمل صمت اللحوم المك ّدسة التي أنهكتها القضبان والصقيع وك ّل أنواع الحرمان، في إحدى تلك الليالي نهضت إحدى السجينات الم ّتهمة بالتزوير واالختالس ولها معارف من ذوات الرتب العالية الذين يهرّ بون لها ما ّلذ وطاب من األطعمة المحرومين منها ،لم أدرك أنّ الجوع ينهشني وأنّ البرغل ال يرمّم العظام اله ّ شة وال يبعث الدفء وال ْ أخرجت علبة « اللبنة يرفع الس ّكر المتهاوي دائما ً في دمي ،ح ّتى والمكدوس» وبدأت تأكل وكأ ّننا أصنام نقبع أمامها ال روح فينا، أذكر أ ّني كدت أن أحرقها بعينيّ ،أن أسرق اللقمة من بين شفتيها، ّ التلذذ بطعم اللقمات أن أقتلع عينيها حين كانت تغمضهما من الشهية ونشوتها ،لم أشعر إلاّ بطعم الملوحة يتسرّ ب من بين شفتي، وكاد صوت ضجيج معدة صديقتي الخاوية يعلو على أصوت فم السجينة المدلّلة جراء نفوذها في السجن وهي تلوك طعامها.. همست لي صديقتي «أطالع لك رغيف خبز معي؟» تجهّم وجهي كاألطفال وهمست من بين أسناني التي كادت أن تته ّ شم من قهري الضاغط على ف ّكي» ما ب ّدي خبز مع ّفن ب ّدي أمّي» في اليوم التالي أمّي ،والتي أكاد أقسم أ ّنها سمعت حديثي وشعرت بي ،استطاعت أن ترسل لي حبّة شوكوال أخفتها بين الطيّات الداخليّة في سروال المنامة من أعين الحراس ،حينها تقاسمتها مع صديقتي السجينة وغبنا في نشوة الحياة ...حياة تقبع بك ّل شهواتها ّ ولذاتها خارج تلك القضبان .هل أكون مخطئة إذا قلت لك ال تحرمي نفسك من شيء يا عزيزتي فال تعرفين متى يأسرك الحرمان القسريّ ،الحرمان الذي ينال من روحك قبل جسدك؟ ربّما أكون مخطئة ،فهناك في القبر ال يهمهم الجسد المتآكل من ش ّتى أنواع العذابات ،ما يهمهم هو أن تخرجي من عندهم وتبقى روحك أسيرة الحرمان وتحت وطأة ك ّل االنفعاالت التي ته ّ شم إنسانيّتك وصبرك ،فال تقوى تلك الروح على معارضتهم من جديد« . م ّي الفارس
قام ناشطون سوريّون في ع ّدة مدن تركيّة (أنقرة ،استانبول ،غازي عينتاب ).. ،بإطالق «مبادرة حركة» اعتباراً من الخامس من تشرين الثاني الحالي ،وتهدف هذه المبادرة إلى مساعدة شريحة المحتاجين إلى كراسي متحرّ كة.
فقد ص ّنع شباب المبادرة يدو ّيا ً صناديق كرتونيّة، ل ُتجمع فيها أغطية عبوات الماء البالستيكيّة، ّ ووزعوا هذه الصناديق ،خصوصا ً في أماكن تواجد السوريّين. وت ّم اال ّتفاق مع جهات مانحة الستبدال :ك ّل 1000غطاء بالستيكي بكرسيّ متحرّ ك كهربائيّ .
أداء بلغتين معاً اكتشف الدكتور هنري جيكل الجانب المظلم من الطبيعة البشريّة بتوصلّه إلى تركيبة كيميائيّة تحولّه إلى شخصيّة إدوارد هايد الشرّ ير. هذا هو الحدث المفتاحيّ لمسرحيّة «الحالة الغريبة للدكتور جيكل ومستر هايد» التي تق ّدم حال ّيا ً على ّ ويمثل فيها: مسرح (جون هافوك) في منهاتن، ّ ممثلون ص ّم بكم يتح ّدثون بلغة اإلشارة ،وممثلون ناطقون. ّ الممثل والمدير الف ّني وقد صرّ ح جيه.دبليو جيدو لمسرح نيويورك للص ّم والبكم في مقابلة تمّت من خالل مترجم يستخدم لغة اإلشارة «لك ّل دور لدينا اثنانّ .. ممثل أصم أبكم يستخدم لغة اإلشارة واآلخر يسمع ويقرأ سطور دوره» وأضاف أنّ هذه
االئتالف الوطنيّ لقوى المعارضة السوريّة بك ّل ع ّدته وعتاده ش ّد الرحال إلى اسطنبول لالجتماع ومنح الثقة للحكومة العتيدة ،تقاطر االئتالفيّون من ّ وحط بهم الرحال في فندق من ك ّل بقاع المعمورة فنادق اسطنبول العديّة .مرّ اليوم األوّ ل والشباب مختلفون كيف يبدؤون؟ ومن أين يبدؤون؟ فالكتل القديمة انفرط عقدها ،وكتل جديدة وُ ل��دت قبل االجتماع ،الشيخ طيفور ورهط من أخوته في قائمة واحدة مع ميشيل كيلو ورهط من رفاقه ،جعلتنا جميعا ً نتذ ّكر المثل الشعبيّ « :شو اللي ل ّم الشامي ع المغربي» ،ما تبقى من الكتلة الديمقراطيّة يجمع ما يمكن جمعه من مستقلّي االئتالف ليصبح وازناً، كتلة اإلخوان المسلمين ش ّدت عُرى التحالف مع كتلة المجالس المحلّيّة ،والك ّل يتقاتل هل كتلة األركان شرعيّة أم ال؟؟ شفنا..
هيئة التحرير حسين برو ّ - بشار فستق غزوان قرنفل -ثائر موسى -عزّة البحرة
االخراج الفني منير األيوبي
ص��������در ح���دي���ث���ا ً ك����ت����اب «س��وري��ا تتح ّد ث » ال��ك��ت��اب أنطولوجيا ع��ن الفن و ا أل د ب ال��س��وريّ م��ن��ذ ب��دء ال���ث���ورة، ل���ث�ل�اث���ة م��ؤلّ��ف��ي��ن هم :زاهر ع��م��ري��ن، مالو هاالسا ،ونوّ ارة محفوظ ،يحمل الكتاب عنوانا ً فرع ّيا ً «الثقافة والفنّ من أجل الحرّ يّة» وهو من إصدار 2014دار الساقي .من الف ّنانين واألدباء المعروفين الذين شاركت أعمالهم في هذا الكتاب: علي فرزات ،سمر يزبك ،وروبن ياسين قصّاب. أقبلت االستغاثة ليالً إلى دمشق واليدين،النائمة نكـزة ً طفلة مقطوع َة الرأس وترابا ً يحترق ،وطيوراً ت��و ّدع أجنح ُتها السماء واألشجار ،غير أنّ أهل دمشق
كانوا نياماً ،فلم يسمع االستغاثة سوى تمثال من نحاس حجر مطلاّ ً لرجل يشهر سيفاً ،ويقف فوق قاعدة من ٍ المسرحيّة هي رابع إنتاج لهذا المسرح منذ تولّيه شامخ الرأس على حديقة المبنى .واجتاحت االستغاثة تمثال النحاس مرير ًة ضارعة ،ففقد صالبته شيئا ً منصب المدير الف ّني قبل أربع سنوات. وقريباً ،ستحتفل فرقة مسرح نيويورك للصم والبكم فشيئاً ،ث ّم تحوّ ل إلى رجل يمشي ويتكلّم ويغضب ّ ويصرخ... بالعيد الـ 35لـتأسيسها. زكريا تامر
مسعنا ،شفنا ..وبدنا حنكي
مسعنا..
*صفحة 137من كتاب «اإلس�لام وأص��ول الحكم»
ثالثة أ ّي��ام بلياليها والدخان األبيض لم يخرج من الفندق االسطنبولي ،قاعة االجتماعات فارغة إلاّ من كراسيها والطاوالت ،وحدها غرف الفندق تع ّج بالحركة وبناء التحالفات المرحلّيّة بين الكتل المختلفة ،وكالعادة هي حركة بال بركة ،فقط مجموعة من 42عضواً توافقت أو ا ّتفقت على أن تق ّدم معروضا ً يش ّكك بشرعيّة هذا اللقاء ،ويعتبر حضور كتلة األركان ال شرع ّيا ً ويعلنون بالتالي أن ال شرعيّة للقرارات التي ستنشأ عن هذا اللقاء، وكون الخالف هو على كتلة العسكر كما في ك ّل م��رّ ة ،وك��ون هناك من يعرف كيف ُتؤكل كتف العسكر في ك ّل مرّ ة ،حسم العسكر وآكلي كتفهم األم��ر ودخلوا إلى االجتماع وشعارهم األوح��د: هل يمكننا القول إنّ االئتالف يعيش آخر أيّامه، «االجتماع بمن حضر واللي ما عجبه ينطح راسو ّ (ع صار اللعب األخيرة، سقطته سقط ه ن وأ وأنّ َ بشي حيط» المكشوف) ،واله ّم الوطنيّ آخر الهموم. بدنا حنكي.. ال تستغربوا لو قرأتم ما يشبه هذا الكالم ونحن ّ ّ كلنا نعرف أنّ االئتالف يعتبر نفسه الممثل نحكي عن المؤتمر الثالث!! الشرعيّ للثورة السوريّة ،وأنّ أعضاءه مختارون
فريق العمل هلّ العبدال سكرتاريا :نور التدقيق اللغوي :فلك الخالد الموقع اإللكتروني :باسل العبداهلل
بعناية ّ ليمثلوا القوى السياسيّة والعسكريّة والشعبيّة فيه ،وغير بعيد عن اسطنبول كان يتجّ ول «دي ميستورا» في غازي عينتاب ويلتقي مع من يلتقي، وقبلها كان في دمشق وحمص ،يطرح مبادرته ويسوّ ق لها ،وأصحابنا يتقاتلون حول وزارة ال حول لها وال ق��وّ ة ،وينسون أنّ هناك مبادرة ما ُتطرح حول وطنهم سورية ،العالم كلّه منشغل بها، بينما هم منشغلون بمسرحيّة حكومة خيال الظ ّل التي بال طعمة والتي يقودها بالبروتوكول أحمد طعمة بينما يمسك بالحبال غسّان هيتو ،واإلخراج مشترك قطريّ /تركيّ /إخوانيّ ،مدير اإلنتاج فيه مصطفى الصبّاغ.
اآلراء الواردة في كلّنا سورّيون تعبّر عن رأي الكاتب و ال تعبّر بالضرورة عن رأي الصحيفة
www.allsyrians.org