1
شراع فوق وأخرى تحت تأليف :فريد أبوسرايا
من الصعب تسميتها حفلة بدون سردين . براندون مول ،حرب دكان الحلوى
سردينيا جزيرة تطفو على سطح البحر األبيض المتوسط ،والبحر األبيض المتوسط هو البحر الذي كان الرومان يعتزون به أيما اعتزاز إلى درجة أنهم أطلقوا عليه اسم "بحرنا" . Nostra Mareمن المؤكد أن جزيرة سردينيا محاطة بالمياه من كل جانب ،ومن المؤكد أيضا ً أن المياه المحيطة بها تعج بأسماك السردين ، وإذا أردنا التوفيق بين هذين التأكدين ،فإننا نقول أن جزيرة سردينيا هي أرض محاطة بالماء والسردين . سميت الجزيرة سردينيا . وبالتالي بسبب الماء ُ صنفت سردينيا كجزيرة ،وبسبب السردين ُ ال شك في أنه لو خرج أحدهم من جزيرة سردينيا في رحلة صيد في أي اتجاه ،فمن المؤكد أنه سيصطدم في طريقه بسرب من السردين .لذلك إذا خرجت من سردينيا في طلب السردين فال تهتم كثيراً باالتجاه الذي يتعين عليك أن تسلكه للوصول إلى مراتع السردين .من بعض النواحي ،تشبه هذه الحالة ما جرى آلليس في مغامراتها في بالد العجائب ،عندما وقفت آليس عند مفترق طرق ،وسألت قطة تشيشاير عن الطريق الذي ينبغي عليها أن تسلكه لمواصلة سيرها .فسألتها القطة عن المكان الذي تقصده ،فردت آليس 2
ت ال تقصدين مكانا ً بعينه ،فإن أي اتجاه تسلكينه قائلة :ال أبالي كثيراً إلى أين .فقالت القطة :طالما أن ِ سيوصلك إلى وجهتك التي تريدين .
علي أن أسلكه للذهاب من هنا ؟" "هال أخبرتني ،من فضلك ،عن الطريق الذي يتعين ّ "هذا يتوقف إلى حد كبير على المكان الذي تريدين الذهاب إليه " ،قالت القطة. "ال أبالي كثيراً إلى أين – " قالت أليس. "إذا ال يهم كثيراً أي طريق ستسلكينه " ،قالت القطة. – "طالما أنني سأصل إلى مكان ما " ،أردفت آليس قائلة كتفسير لكالمها. ت طويالً بما فيه الكفاية " . أنك فقط مشي ِ " آه ،ستفعلين ذلك حتما ً " ،قالت القطة " ،لو ِ لويس كارول " ،مغامرات آليس في بالد العجائب "
تأهب الصياد للخروج بقاربه الشراعي في طلب أسماك السردين .في البداية استخدم مجذافين ليقود القارب خارج المياه الضحلة كثيرة الصخور ،ولما أصبحت المياه عميقة بالقدر الكافي ،نشر الشراع الذي صافحته الرياح على الفور فاندفع القارب حثيثا ً إلى عرض البحر وهو يثب فوق األمواج في حيوية ونشاط . يعمل الشراع كمحرك ودفة ،فهو يستمد من الريح بعض قوتها ليحرك بها القارب ،وبتعديله تعديالً مناسبا ً يتحرك القارب في اإلتجاه المطلوب .قبل الشراع كانت هذه المهمة يؤديها سلفه المجذاف ،فقد كان المجذاف كذلك ،محرك ودفة . رنا الصياد ببصره إلى خط األفق حيث الحظ أن ماء البحر هناك يكاد يفور .كانت أسماك السردين تتقافز وتتراقص فوق اللجة العميقة وكأنها كانت تؤدي الرقصة المعروفة باسم رقصة الديك الذبيح ،وفي 3
الهواء وعلى سطح البحر كانت طيور النورس في انتظارها .تابعت طيور النورس باهتمام رقصة السردين. من المعلوم ،إن تواجد طيور النورس بكثرة في مكان ما هو دليل قاطع على وجود وليمة بالقرب من ذلك مكان حبا ً في المكان لذاته ،بل حبا ً بما في ذلك المكان . المكان ،فهذه الطيور ال تتواجد في ٍ من هذا المنظور ،يمكننا القول أن طائر النورس يختلف عن قيس بن الملوح ،فالنورس ال يزور مكانا ً إال إذا كان ذلك المكان عامرا ً بما يحب ،أما المجنون فال يهمه عمران المكان باألحباب طالما أن هناك ذكرى محببة لنفسه ال زالت تتلكأ بالمكان ،فيزور المكان الذي تواجدت فيه حبيبته ليلى العامرية من قبل ،ويتمسح برسومه وأطالله ،ويقبل جدرانه ،ويعلل تصرفه هذا بقوله :
أمر على الديار ،ديار ليلى ....أقبل ذا الجدار وذا الجـدارا وما حب الديار شغفن قلبي ....ولكن حب من سكن الديارا
عدل الصياد الشراع فانطلق القارب في إتجاه طيور النورس وهو يمخر مياه البحر ،وما هي إالّ برهة من الزمن حتى وصل إلى المياه التي تغلي بالسردين .لم يقع قدوم الصياد بقاربه في نفوس طيور النورس موقعا ً حسنا فعبرت عن انزعاجها ببضع صيحات مزعجات ،ولكنها سرعان ما تقبلته كشر ال بد منه ،كما أن أسماك السردين لم ترتح كثيراً لهذا االستقبال الجماهيري الحاشد ولذا فقد قررت اللجؤ إلى األعماق ..إلى عالم الضاد ــ ظاء ،حيث الضغط والظالم ،فقد ظنت أنها ستكون هناك أكثر أمانا ً من وجودها على السطح .غاص السردين والتف حول بعضه مكونا ً كرة ضخمة تدور حول نفسها وسط المياه العميقة ،يخيل إلى الناظر إليها أن السردين يريد أن يقول نحن أيضا ً من أهل األرض الدوارة والدليل على ذلك هو نموذج الكرة األرضية الذي بين أيديكم ،والذي هو من لدنا .في هذا الخصوص ،هناك سؤاالً بديهيا ً يطرح نفسه ويبحث عن إجابة ، وعبارته :عندما يلتف السردين حول بعضه البعض مكونا ً كرة سردينية دوارة ،فهل إلتجاه دوران السردين أي معنى أو داللة ؟ من ظلمة األعماق طلع شراع آخر وتقدم باتجاه كرة السردين ،ثم آتى شراع ثالث ،ورابع ،وخامس .. حتى أصبحت أسماك السردين محاصرة باألشرعة من جميع اإلتجاهات .توجس السردين خيفة من شراع 4
مشدود على صاري فوق سطح البحر ،فغاص في اللجة الزرقاء العميقة نافذاً بجلده أو باألحرى بفلوسه ، ولكن تحت سطح البحر كان في انتظاره األسماك ،أسماك ذوات أشرعة منشورة على سيوف قاطعة ..لقد هرب السردين من خطر محتمل فوقع في خطر مؤكد . يحق ألحد السياسيين أن يقول ؛ إن المواطن األمريكي البسيط ال يعرف الفرق بين السردين والساندانيستا ، ولكن ال يمكنه أبدا ً أن يقول أن أسماك الشراع ال تعرف الفرق بينهما.
األمريكي العادي ال يعرف الفرق بين الكونترا والكاتربيلر ] اليسروع :يرقة الفراشة [ ،أو بين الساندانيستا جون بورتر إيست ،سيناتور أمريكي ( 1931ــ ) 1986 والسردين . إلى حد كبير تشبه الصورة الكلية لهذا المشهد الجبل الجليدي ،الذي يظهر جزء صغير منه فوق سطح الماء ،بينما تغوص كتلته العظمى في األعماق .وفي حالتنا هذه ،كان القارب الشراعي هو قمة الجبل الجليدي بالنسبة للسردين .لقد رأى السردين من الخطر ثمنه فقط ،أما سبعة أثمانه فقد كان غافالً عنها غفلةً تامة . تنسم الشراع العلوي الهواء متربصا ً بما تحته ،بينما كانت األشرعة التحتية تسبح في األعماق ضاربةً الماء بسيوفها مثخنة الجراح في أسماك السردين ،مقطعةً إياها إربا ً إربا ً . لم يكن بوسع السردين الهروب هذه المرة ،فهو أمام سمكة الشراع التي ال تضاهيها في السرعة أي سمكة على اإلطالق ،ولو كان التفكير مقترنا ً بالنطق ،فبمجرد أن يبدأ السردين بنطق حرف الهاء من كلمة "هروب" ،تكون سمكة الشراع قد لفظت حرف الهاء من كلمة "أكلته" . بين الفينة واألخرى ،يصعد بعض فتات مائدة أسماك الشراع إلى السطح حيث النوارس اإلنتهازية التي تكون في االنتظار .لم تكن طيور النورس لوحدها في االنتظار بل كان معها الصياد ،ولسخرية القدر فقد كان 5
الصياد وطيور النورس في انتظار من كان يُقال دائما ً أنها في االنتظار ..بالطبع ،في هذه المرة كانت األسماك المنتظر . هي المنت َظر ال ِ تأمل الصياد هذا المشهد وقال في نفسه :كل ما في األمر ،لقد ذهب خير البحر إلى أهل البحر ،وهذه ل يست قسمة ظيزى .والعجيب في البحر أن فتات موائد الكرام ال تسقط على األرض ،بل ترتفع إلى أفواه الجائعين .
وما توفيقي إالّ باهلل الخميس 4 ،رمضان 1440هـ ،الموافق 9مايو 2019 رمضان كريم ،وكل عام وأنتم بخير فريد أبو سرايا
6