1
سمكتا القرش والرامورا فريد أبو سرايا سحب الصياد الشبكة فوجد بها بعض األسماك وقنينة قديمة تراكمت عليها طحالب البحر حتى أصبحت في غاية القبح والبشاعة .خلص الصياد القنينة من الشبكة وحكها بالرمل فبدأ شكلها يتضح ؛ كانت عبارة عن قمقم قديم مختوم بختم عليه طالسم كدبيب النمل .عالج الصياد الختم وفتح القمقم ،فأهتز بعنف شديد وسقط على األرض وخرج منه دخان كثيف تسامى إلى عنان السماء ،تشكل الدخان في صورة مارد هائل الخلقة .نظر المارد إلى ي ،وسيكون عليك أن األسفل حيث الصياد المرعوب ترتعد فرائصه ،وقال للصياد :لقد قادك سوء طالعك إل ّ ي أن تقضي بقية عمرك تحت سطح البحر مع األسماك والحيتان والسراطانات واألخطبوطات ،ولكن لك عل ّ أجعل لك صورتين أو شكلين تختارهما لتعيش بهما بقية حياتك في البحر ،فما هما الحيوانان اللذان ترغب أن يكونا هما أقنوماكا البحريان .فكر الصياد قليالً ،ثم أجاب : أريد أن أعيش تارة على شكل سمكة قرش ،وتارة على شكل سمكة رامورا . Remora تعجب الجني من اختيار الصياد ،وقال له :من المؤكد إن ثنائية الثعلب واألسد التي تحدث عنها الفيلسوف السياسي الشهير نيقوال ميكافيلي ونصح بها الحكام ال تفيدك تحت سطح البحر ،ولكنني ظننتك ستختار أن تحيا في صورة حوت أزرق من أجل القوة ،وسمكة شراع من أجل السرعة ،فقل لي بربك لماذا أخترت سمكتي القرش والرامورا ؟ أطرق الصياد قليالً ،ثم رفع رأسه وقال :أيها المارد ،لقد أخترتهما ألن سمكة القرش تكسبني المنعة والهيبة وقوة الجانب ،بينما سمكة الرامورا على الرغم من افتقارها إلى مثانة العوم ،إالّ أنني أتمكن في شكلها من التنقل عبر البحار والمحيطات ،وال يكلفني ذلك سوى أن أثبت زعنفتي الصدريتين بجسم المضيف الناقل . هز الجني رأسه إعجابا بفكرة الصياد ،ثم قال :حقا ً ،لقد ُخيرت ،فاخترت ،فأحسنت االختيار .
2
كالم األصداف فريد أبو سرايا من أغرب ما رأيت رجل على الشاطئ يرسم البحر على صدفة . ميخائيل نعيمة
ترسخ في ذهنه اعتقاد بأنه إذا وضع صدفة بحرية على أذنه سيكون قادرا ً على االستماع إلى أصوات األمواج وهي تتدحرج على شاطئ البحر ،وبينما كان يتمشى ذات مرة على شاطئ رملي رأى صدفة تتالعب بها األمواج ،فالتقطها وقربها من أذنه ،ليستمع إلى أصوات األمواج . بهذه الصورة ،بدا للناظر إليه من بعيد كأنه يضع سماعة تليفون على أذنه ،ويجري إتصاالً هاما ً .أما مع من كان يجري االتصال ،فهذا مجال واسع للتحرز والتكهن ،فقد يكون يتصل بحورية البحر الصغيرة ،أو مع عبدهللا البحري ،أو مع سمكة قوس قزح ،أو مع الحوت األبيض ( موبي ديك ) ،أو مع الكابتن نيمو في غواصته المسماة نوتيلوس ،أو مع أحد معارفه بجزيرة أتالنتس ،أو ما شابه ذلك ،بيد أن كل ما كان يفعله في الواقع هو اإلصغاء إلى وشوشة األمواج وهي تبوح بأسرارها إلى الرمل والحصى . أينما يكون المرء ينصت إلى صدفة بحرية ،سواء كان ذلك في مصنع للنسيج ،أو في ساحة معركة ،أو في فناء إلحدى مدارس األطفال أثناء فترة االستراحة ،أو في شارع مزدحم بإحدى مدن العالم الثالث ،فإن صوت األمواج هو فقط ما سيسمعه ،فمهما كانت األصوات المحيطة به فإن محصلتها في داخل الصدفة هو صوت البحر ،وليس غريبا ً أن تتكلم األصداف بلغة البحر . تلج موجات الصوت إلى داخل الصدفة ،ثم تتداخل فيما بينها فينتج عن ذلك كله أصوات تشبه أصوات األمواج. إن الصدفة تترجم األصوات التي تتلقاها ،ولن تترجم الصدفة ما تسمعه إال إلى لغة البحر ،التي هي لغتها األم، ومن المؤكد أنه ليس في لغة البحر كالما ً أقوى تعبيرا ً مما تتلفظ به األمواج . تُرى لو قعد الرئيس األمريكي تافت على شاطئ رملي واألصداف تحيط به من كل جانب ،ووضع صدفة على كل واحدة من أذنيه االثنتين ،وأصغى إلى ما يدور بداخلهما ،فهل كان سيسمع صوت األمواج داخل الصدفتين ،أم كان سيسمع أصوات األمواج وهي تتكسر بالفعل على الشاطئ خارج الصدفتين ؟
3
في البداية شعر بهواء رطب يداعب صوان أذنه ،ثم ما لبثت تلك الرطوبة أن أخذت بالتكثف شيئا فشيئا ً .لم تكن الرطوبة هي كل ما شعر به يأتي من أعماق الصدفة ،فقد بدأ رذاذ مياه البحر المالحة يسقط على أذنه ،ثم لم يلبث ذلك الرذاذ أن أصبح قطرات ،وفجأةً اندفعت موجة عاتية من أعماق الصدفة وغمرته المياه .حاول أن يتشبث بالصدفة على الرغم من كثرة األمواج المندفعة من باطنها ،إالّ أن شدة التيار أطاح بالصدفة من يده ، وبنفس الفجائية التي جاءت بها المياه ،أختفت ،وأختفت األمواج ،وأختفى معها هو اآلخر . ما حدث بالفعل ،هو أن موجة صوتية قد دخلت إلى الصدفة ،وخرجت منها موجة مائية .
4
كوكب المريف فريد أبو سرايا بعد اكتشاف مجرة التبن ،تمكن فلكيو األرض من رصد نظاما ً نجميا ً بتلك المجرة ،وقد سرهم هذا االكتشاف ألن النظام المكتشف كان شبيها ً جدا ً بنظامنا الشمسي .بما أن المجرة المكتشفة كانت أيضا ً كبيرة الشبه بمجرتنا فقد أطلقوا عليها اسم مجرة التبن إليجاد نوع من االرتباط بين المجرتين؛ مجرة التبن ،ومجرة درب التبانة ،وأطلقوا على النظام النجمي المكتشف اسم النظام الشمشي ألحداث نوعا ً من التوأمة بين النظامين النجميين :الشمسي والشمشي . لم تكن شمسنا تختلف كثيرا عن الشمش ،كما أن النظام الشمسي شبيه بالنظام الشمشي ،ففي نظامنا الشمسي هناك ثمانية كواكب ،بعد أن اقتحمنا بلوتو بأعيننا ،واستصغرناه وجردناه من رتبة الكوكب وطردناه نهائيا من نظامنا الشمسي بدون رحمة أو شفقة ،أما النظام الشمشي فقد كان نظاما ً أصيالً يُقدر العشرة الطيبة ،فهو يضم تسعة كواكب على الراغم من أن تاسع هذه الكواكب بعدا ً عن الشمش كان كوكبا صغيرا ال يختلف كثيرا ً عن بلوتو الملعون .بسبب شبه هذا الكوكب الصغير ببلوتو ،ونظرا ً لوجود برك كثيرة على سطحه ينبعث منها غاز الميثان ،واحتواءها على سائل شبيه بالبول ،فقد أطلق على هذا الكوكب اسم تبولو . يتجسد الشبه الكبير بين النظامين النجميين في أسمى صوره بوجود كوكب أحمر اللون في النظام الشمشي ، وهو رابع كواكب ذلك النظام بعدا ً عن الشمش .يعتبر هذا الكوكب الشمشي نظيرا ً لكوكب المريخ عندنا .
5
صحيح أن هناك شبه كبير بين النظامين النجميين؛ الشمسي والشمشي ،ولكن هذا الشبه ال يرقى إلى درجة التطابق وإالّ لكان النظامان في الواقع شيئا ً واحدا ً ،ومن األشياء التي تشذ عن هذا التشابه ،هو أن الكوكب الشمشي الرابع لم يكن له جاذبية تُذكر ،ونظرا ً لميالن محوره فقد كانت هناك فصوالً موسمية على سطحه . من أروع األشياء التي يمكن مشاهدتها على هذا الكوكب في فصل الخريف ،مشهد انفصال األوراق عن األشجار وتطايرها في الجو ،فبسبب إنعدام الجاذبية لم تكن أوراق األشجار تسقط ،بل كانت تطير ،وترتفع ، وتعلو ،مغادرة الكوكب ،وتتجمع في الفضاء الواقع بين الكواكب مكونةً حزام ،يسمى حزام الوريقات .هناك في فصل الخريف ،يتحدثون عن طيران األوراق ال عن تساقطها . بسبب هذه الظاهرة الغريبة المرتبطة بفصل الخريف ،اختار الفلكيون اسما للكوكب الشمشي الرابع ،وكان هذا االسم متناغما ً مع المريخ ،اسم كوكبنا الرابع األحمر .أطلقوا عليه اسم ( المريف ) ،وهو اسم نحتوه من أول حرفين من المريخ ،وآخر حرفين من الخريف . لم يثبت بعد أن هناك حياة بشرية على ظهر هذا الكوكب ،ولكن إذا وجدت مثل هذه الحياة ،وأراد أحد الطغاة أن يتشمت في خصوم له آتوه صاغرين ،فهل سيقول معبرا ً عن موقفهم : هاهم يتطايرون كما تتطاير أوراق الخريف ،كما نقول نحن ؛ هاهم يتساقطون كما تتساقط أوراق الخريف .
6
إرث فيليدور : Philidor's Legacyكيف يموت الملك مخنوقا ً أو مختنقا ً Smothered Mate فريد أبو سرايا
هز المعلم رأسه مبديا ً ضيقه من لهجتي ثم طلب مني أن أنظر إلى الفيل الذي يقفف ففي ناففذة الفصفل ..وتبادلفت مع أصدقائي النظرات ،كانوا يبدون مجهدين للغاية وكانت عيونهم نصف مغلقة ،وفيمفا اسفتدرت لكفي أنظفر إلفى الفيل بدا المعلم يسلط أسنانه في أذني ويصفق بيديه طربا ً لنجاح خدعته ..معلمنا البائس لم يعرف قفط أن ناففذة الفصل كانت إذ ذاك حقا ً مليئة باألفيال . " تحية طيبة وبعد " ،الصادق النيهوم
اصطف الجنود أمامه ،ووقف الملك بجانب إحدى قلعتيه وهو يشعر بالحصانة والمنعة .أراد الجنود تشكيل واق لحماية الملك لكنهم بالغوا في ذلك حتى سدوا عليه كل المنافذ ،وأغلقوا في وجهه كل األبواب ، درع ٍ وتكفلت القلعة بالباقي ،فكانت سدا ً منيعا ً وحاجزا ً ال يمكن تخطيه .أحيانا ً يؤتى المرء من قبل أحب األشياء إليه بدون قصد ،كالدسم الذي نأكله في طعامنا فيتراكم داخل عروقنا تدريجيا حتى يسد طريق الحياة فيخنقنا من الداخل . بينما كان الملك في حالة طمأنينة وهو محاطا ً بقلعته وجنده كما تحيط القالدة بالعنق أوالسوار بالمعصم ،قفز فارس يدعى فيليدور بفرسه خلف المتاريس ،وكان بيده وهق lassoيدير أنشوطته فوق رأسه . لم يكن شكل الفرس الذي يمتطيه فيليدور شكل فرس طبيعي ،ولكن كان فيه شيء آخر ال يمت لألفراس بصلة. 7
لجأ الفارس إلى حيلة كان محاربو الراجبوت في راجستان يلجأون إليها في المعارك ،وهي تركيب ما يشبه خرطوم الفيل على رؤوس خيولهم ،فتحجم فيلة العدو عن مهاجمتها ظنا ً منها أن ما تراه هو أفيال ال أفراس ، وهي غريزيا ً ال تهاجم صغار الفيلة . ظل الفارس يدور ويدور بفرسه ال ُمخرطم حول الملك حتى أُصيب الملك وجنوده بالدوار فظنوا أن ما يدور فارس يمتطي ظهر فيل ،فأصيبوا بحالة هستيرية وظلوا يرددون مقولة :في ٌل يدور ،في حولهم هو في الواقع ٌ إشارة للفرس ذي الخرطوم الزائف .وبترديد هذه الجملة عدة مرات أندمجت الكلمتان فأصبحتا كلمة واحدة أال وهي :فيليدور .
بعد أن قدر فيليدور المسافة تقديرا ً صحيحا ً ،وأدار الوهق فوق رأسه حتى شعر أنه قد شُحن بطاقة حركية كافية ،أطلقه صوب الملك المحاصر ليحط حول عنقه فيوهقه .شد فيليدور الحبل ،فأنعقدت األنشوطة وا ستحكمت حول عنق الملك ،وأخذ يسحب الوهق ،بيد أن جنود الملك وقلعته كانوا قد سدوا جميع الطرق في وجه الملك ،فخنقه الوهق واختنق بإكتظاظهم حوله .
8
أسهم طوق الحماية الذي فُرض حول الملك في موته أكثر مما فعل وهق فيليدور ،فمات الملك مخنوقا ً ومختنقا ً Smothered mateبالوهق الذي أطلقه فارس يمتطي صهوة فرس ،وقد أُطلق على هذا الفارس اسم فيليدور ( أي فيل يدور ) ظنا ً من البعض أن ما يدور حولهم هو فيل ال فرس . في الواقع ،هذه القصة القصيرة ليست أكثر من تأصيل لغوي السم الفارس الجسور الذي هاجم ملك محاصر من قبل قواته ،وقضى عليه بمساعدة كبيرة من قبل تلك القوات نفسها التي خنقته من الداخل قبل أن يخنقه وهق الفارس الجسور (فيليدور) من الخارج .
وما توفيقي إالّ باهلل فريد أبو سرايا الجمعة 29 ،شوال 1439هـ ،الموافق 13يوليو 2018م 9