على نفسها جنت شالقم
1
على نفسها جنت شالقم فريد أبوسرايا ينبع النهر العظيم من منطقة تدعى وبرزات تقع في جنوب جزيرة لوبيا العظمى ويتدفق شماالً عبر متاهة من المستنقعات والبرك حيث يصب في بحر يسمى بحر العظمة .وفي هذا النهر العظيم العابر لجزيرة عظيمة والمتدفق في بحر العظمة ،عاشت دابة شنيعة الخلقة ،دنيئة الطبع تسعى وراء كل لحمة وعظمة . في بعض األحيان تجد شالقم نفسها في أمس الحاجة إلى جرعات من الدفء فتسبح للخروج من النهر ،وما إن تصل إلى ضفة النهر حتى تبدأ بجر جسمها ذا الجلد السميك المحرشف ،وتأخذ بالزحف صوب بقعة رملية مشمسة أعتادت على اإلستلقاء فيها وهي تتلوى يمينا وشماال ،وذيلها الطويل يرسم على الرمال خطوطا ً ملتوية كتلك التي يرسمها قلم جهاز قياس حيوية القلب. ال يمكن لذيل شالقم باي حال من األحوال أن يخلف على الرمال خطوطا ً مستقيمة ،ألن اآلثار المستقيمة تعني السير على صراط مستقيم ،وهذا مخالف لطبيعتها ،فكما أن الخطوط المستقيمة التي يرسمها جهاز قياس نبضات القلب تعني الموت ،فكذلك االستقامة بالنسبة لشالقم تعني الموت ،واإللتواء واإلعوجاج هما الحياة بعينها ،ولو أن األوردية هي لسان شالقم ،لكان شعارها يقول :إلتواء زندباد . ذات مرة ألقى حاكم سابق للوبيا محاضرة بعنوان ( العالم يتقلب ولكن ال يتغير ) ،وكانت شالقم في حينها يافعة ، قد شبت لتوها عن الطوق ،ويبدو أن خبر هذه المحاضرة قد تناهى إلى سمع شالقم اليافعة فأنطبعت تلك العبارة في ذهنها الصغير ،ومع مرور الوقت صارت تلك العبارة مبدأ ثم تأصلت حتى صارت عادة من عوائدها ،ثم جينا ً في صبغياتها ،فشالقم كانت شالقم ،وهي اآلن شالقم ،وستظل شالقم مهما تشقلب الزمن ،تتقلب ولكنها ال تتغير .ومن أسهل األشياء التي يمكنها فعلها هي أن تقلب ظهر المجن لمن وثق بها . لم تك ن شالقم قادرة على العيش خارج دائرة األضواء لكونها من ذوات الدم البارد إذ أن للشمس أهمية قصوى بالنسبة لها كأهمية الطعام والشراب ،ألن تنظيمها الحراري يعتمد على مؤثرات خارجية مثل تحكم درجة حرارة البيئة المحيطة بدرجة حرارة جسمها ،ولذلك فهي ال تفوت أي فرصة تسنح لها تستمد فيها أي قدر من الطاقة تقيم به أودها .في الليالي المقمرة تفترش شالقم رمال ضفة النهر معرضة جسمها لضوء القمر ،مستمتعة بنوبات طويلة من ( التقمر ) .يكاد المراقب لشالقم خالل تلك النوبات من التقمر يسمعها تنشد :
وليس يصح في األفهام شئ .....إذا أحتاج القمر إلى قنديل أطلق عليها السكان المحليون اسم ( شالقم ) ،وكانوا يلقبونها بأم قشلم ،وهي بحسب لهجتهم كنية للخديعة . ويقال أن سبب هذه التسمية راجعا إلى شغفها الشديد بأكل نباتي اللفت والجزر البريان بعد كل وجبة دسمة من اللحم ،وقد ربط سكان الجزيرة شغف شالقم هذا باللفت والجزر بما يفعله األتراك عند تناولهم كباب آضنة مع مشروب مصنوع من اللفت والجزر يعرف بالشلقم ،وهكذا سميت شالقم نسبة إلى عصير الشلقم . أعتادت شالقم أثناء نوبات تشمسها على فتح فكيها إلى آخر مدى ممكن فتأتي بعض الطيور الصغيرة لتلتقط فضالت الطعام المتبقية بين أسنانها الرهيبة .وتأخذ بتنظيف فم شالقم وأسنانها .لم تكن وظيفة تلك الطيور تختلف عن الوظيفة التي تؤديها فرش األسنان سوى أن فرش األسنان ال تتلقى نظير خدماتها أي شئ .إن السكون والهدوء والوداعة التي تبديها شالقم تشجع الكثير من الطيور على زيارة فمها ،وبعد أن تغدو الطيور بطانا ً أو ال تعد تجد ما تأكله تطير إلى الهواء الطلق .
2
عندما ال يتبقى إال طائر واحد أو اثنين داخل فمها ،تطبق شالقم فكيها وتمزق أسنانها الحادة ما سنحت الفرصة ألن يتواجد بينها . في الواقع ،لقد أتبعت شالقم تلك االستراتيجية الحكيمة لغرض وحيد وهو على الرغم من كون الصيد في كل مرة ليس وفيراً ، إال أنها أرادت المحافظة على صورة نمطية Stereotypeعنها في عقول الطيور تقول أنها هادئة ومسالمة وال تمثل أي خطر على أحد ،وفي نفس الوقت تمارس بعض التمارين الرياضية بتحريك فكيها صعودا وهبوطا ً ،فحكمة شالقم في ذلك هي قليل دائم خير من كثير منقطع . كان التريث والصبر هما دأبها ،وهي تؤمن بأن المنبت ال ظهرا أبقى وال أرضا قطع .أدركت شالقم أن بوسعها إغالق فكيها عندما يكون هناك الكثير من الطيور بينهما ،واقتناص العديد منها ،ولكنها أدركت أيضا ً خطورة هذا المجازفة على سمعتها وصيتها الطيبين في حال إفالت طائر واحد أو أكثر ،وإشاعة خبر في أوساط الطيور يحذر من شالقم ،وينبه الطيور بعدم اإلنخداع بمظهرها الخارجي ودموعها الزائفة . تنهمر الدموع من عيني شالقم وهي تمزق بأسنانها القاطعة العظام الرقيقة واللحم اللغض والريش الناعم بفعل تأثير متالزمة بوغوراد Bogorad Syndromeوليست دموعها نتاجا ً لبكاء ونحيب على القبور ،فحركة فكيها تضغط على عصبين صدغيين يحفزان غددها الدمعية فتنهمر منها الدموع. وفي لحظات سعادتها الغامرة تلك ،يكاد المرء يسمعها تعبر عن طمأنينتها بنبرة ديجولية خالصة بالقول :
كيف ال أكون سعيدة في لوبيا ،وأنا في بلد به 642نوع من الطراطير والبله والمعاتيه وال ُهبل والمغفلين والجهلة والسذج والحمقى .
3
أدرك شيوخ لوبيا باالستقراء ،أنه كلما ذرفت شالقم دموعا أكثر ،كلما كان عدد الطيور التي جنت على نفسها بالوثوق في هدوء شالقم أكبر . إن األمر في غاية الوضوح ،ولكن ليس باإلمكان إنقاذ من ينظر إلى شراك المخادعين على أنها عالمات ودالئل عن الطيبة والمحبة واألمان . إن المكون الرئيسي في عملية الخداع ،هو قابلية المخدوع لإلنخداع ،فقانون الخداع العام يقول أن من ينخدعون بسخين دموع المخادعين ،سيجرفهم بصاقهم ،ويغرقون في بولهم .
ليست الدموع هي سالح شالقم الوحيد ،ففي بعض األحيان تكون في مخاضة النهر ،حيث تتدلى فوقها أغصان األشجار ،وتسمح لها ضحالة مياه النهر بأداء بعض الحركات البهلوانية ،وإذا حدث في تلك اللحظات أن وقف طائر صغير على أحد هذه األغصان وهو يزقزق بسرور ،فرحان بالنور ،عندها تتخلى شالقم عن سياسة المخادعة والتمسكن وتنتصب قائمة على رجليها الخلفيتين ،وبدفعة قوية من ذيلها تنطلق مسرعة كالسهم ألعلى وتخطف العصفور بفكيها من على الغصن . لشالقم رفيقة أخرى في مسرحية الدموع المذروفة ،وعلى الرغم من كونها أصغر من شالقم كما ً وكيفا ً ،إال أن قدرتها على ذرف الدموع واإلتكاء على األكتاف لم يكن بوسع شالقم مجاراتهما .ما يميز شالديبا عن شالقم هو قدرتها الفائقة على الطيران تحت مستوى الرادارات فكانت تعبر المناطق والمجاالت بدون أن ترصد وتكتشف . شالديبا هي طائرة الشبح Stealth F117في جزيرة لوبيا .عادة ما تقضي هاتان الدابتان فترات طويلة وهما تتشمسان سوية على رمال جزيرة لوبيا ،ويبدو للناظر إليهما من بعيد أنهما كندماني جذيمة إال أن شالقم كانت تدرك جيداً االمكانيات potentialالتي كانت تتمتع بها شالديبا ،فلو أطلقت هذه األخيرة العنان لغددها الدمعية لسالت من مقلتيها دموع تكفي إلغراق شالقم نفسها ،ولذلك فقد كانت شالقم حسب تعبير طه حسين تب ِْغض شالديبا ب ْغضا ً شديداً وتزدريها ،ولكنها تصانعها .وكانت شالديبا تكره شالقم كرها ً عنيفا ً وتحتقرها ولكنها تتملقها . تمكنت شالديبا بدموعها المدرارة من خداع جميع سكان جزيرة لوبيا خال بعض شيوخها المسنين ،الذين أدركوا أن دموعها الساخنة لم تكن من أجل القتيل ،بل من أجل القاتل ،ولم تكن من أجل الدماء المسفوكة ،بل من أجل السيف والنطع اللذان لوثتهما تلك الدماء ،ولم تكن من أجل األرواح بل من أجل السفاح الذي أزهقها . من المؤكد أن العباس بن األحنف لم يكن مطلعا على شالديبا وأحوالها عندما أنشد شعراً عن العيون والدموع ، وإال لقال :
نزف البكاء دموع عينك فا .....ستعر عينا ً لشالديبا دمعها مدرار منذا يعيرك عينـه تبكي بها .....أرأيت عينــا ً للدمــوع تعــــار !؟ 4
تكثر أشجار نخيل جوز الهند على شواطئ الجزيرة وتحديداً عند منطقة تسمى الفريغة ،بعضها بجذوع ملتوية ، منحنية على مياه البحر وكأنها تهمس في أذنه بأسرار لوبيا العظمى ،وبعضها االخر مستقيمة الجذوع ،سامقة ، باسقة تناطح السماء .ترتبط شالقم برابطة قوية مع أشجار النخيل هذه ،أو باألحرى مع ثمارها ،ولكي نتوخى الدقة فهي ليست مهتمة باألشجار وال بجذوعها ،أو بأغصانها ،أو حتى بثمارها ذات اللحم األبيض المنعش اللذيذ ،بل كان اهتمامها منصبا ً على الماء الحلو الذي تحتويه هذه الثمار ،وهكذا فقد نشأت عالقة عشق بين تلك الدابة الخبيثة وبين السائل األبيض المنعش الذي تجود به ثمار نخيل جوز االهند ،ثم تطور العشق ليصبح تعاطي فمعاقرة فإدمان على ذلك الشراب الذي يسميه السكان المحليون ( قالبي ) ،ويقال أن اصل التسمية راجع إلى الخصائص التي يتميز بها ،إذ أن شربه يبعث النشوة في النفوس ،ويدير الرؤوس ،ويقلب العقول .وهكذا فإن خاصية قلبه لعقول شاربيه هي ما أكسبته اسم ( قالبي ) .لم يكن ينقص شالقم لتعيش حياة كاملة من التقلب ،قلبا ً وقالبا ً سوى أن ينقلب عقلها ،وقد حققت هذا بفضل معاقرتها لتلك القهوة الصهباء تحت نخيل منطقة الفريغة بجزيرة لوبيا العظمى . لم يكن الحصول على شراب ال قالبي باألمر الهين ،فثمار جوز الهند لم تكن سهلة المنال كثمار األناناس أو ثمار الفراولة على سبيل المثال ،فهذه األخيرة طريحة األرض بينما ثمار جوز الهند معلقة في السماء .بالمعنى الحرفي للكامة ،كانت لوبيا بالنسبة لشالقم جنة تجري من تحتها األنهار ،وبالمعنى الحرفي أيضا ً كانت أشجار نخيل جوز الهند هي الشجرة المحرمة ،ولم ينقص شالقم لالقتراب من الشجرة المحرمة سوى وجود الشيطان ، األمر الذي لم يكن عسير التحقيق ،فجزيرة لوبيا تعج بالقرود التي يمكنها لعب دور ألف شيطان وشيطان .عند اقتراب شالقم تتسلق القرود أشجار النخيل وتتمركز في قممها ،فتخرج شالقم من جعبتها سهما ً آخر غير سهم الدموع ،فالدموع قد ت نطلي على العصافير والحمير ولكنها ال تنطلي على القرود ،فتقوم بالتكشير عن أنيابها في وجه القرود واستفزازها بإيماءات عدوانية فتلتقط القرود ثمار جوز الهند وترشق به شالقم المتربصة بها أسفل الشجرة كإجراء دفاعي أولي .تنهمر ثمار النخيل على الرمال ،فتسرع شالقم بجمعها ،ثم تناول شراب القالبي في حفلة قصف صاخبة ،بينما القرود تقصفها من أعلى األشجار فتنزل المقذوفات على جلدها السميك وهي ال تشعر إال بدبيب تأثير الشراب على عقلها المقلوب . ال تقتصر قائمة وجبات شالقم على هذه الطيور الصغيرة فحسب ،بل كانت تتضمن وجبات دسمة توفرها بعض الحمير ،فعند اشتداد القيظ ،تأتي إلى ضفة النهر عانة من الحمير لتروي ضمئها وتنقع غليلها في ماء النهر . تتحسب شالقم لقدوم الحمير بالنزول إلى النهر ،وتقترب من ضفة النهر وتغطس جسمها في الماء حتى ال يعود ظاهر منها للعيان إال العينان وجزء صغير من الظهر وتظل ساكنة في هذه الوضعية كأنها غواصة وكأن عينيها هما المئفاق Periscopeالذي يمكنها من رؤية األهداف . تستقر شالقم قبالة بقعة من اليابسة أو شبه جزيرة على شكل سهم أو مثلث متساو الساقين قمته في النهر وقاعدته في البر ،وعند قمة المثلث بالضبط تنتظر شالقم قدوم الحمير ،وباختيارها لهذه الطوبوغرافيا النهرية كأنها تريد إجراء برهان عملي على صحة الهندسة االقليدية ،وبالتحديد على صحة نظرية جسر الحمير pons assinorumالتي نصت عليها الفرضية الخامسة بالجزء األول من كتاب العناصر ألقليدس .وبمفارقة مضحكة يبدو كأن شالقم شيدت جسراً للحمير ،يكون الحمار الناجح باجتيازه هو الحمار الخاسر ! تنجو حمير الملح ،ويهلك حمار األسفنج ،ال لشئ إالا ألن الملح واألسفنج هما األقدار التي تنجي هذا وتهلك ذاك ،فما أكثر حمير األسفنج بيننا وما أقل الحاملة للملح . تدنو الحمير من ضفة النهر ،وهي وتنهق وتبرطع بسرور وعندما تصل إلى الماء تخفض رؤوسها وتدلي بأفواهها في النهر لتنهل من ماءه البارد ،وال تعد أعينها ترى شيئا سوى الماء المتدفق أمام مناخيرها .وإذا كانت أعين الحمير ال ترى الخطر الماثل أمامها والمتربص بها ،فعيني شالقم كلها انتباه وهما ال تريان إالا كل فريسة . لو كان في الحمير حمار واحد رشيد ،ولو راجعت الحمير ذاكرتها قليالً وقرأت فيها ما يحدث لها في كل مرة تأتي فيها إلى النهر لتشرب من ماءه ،ولو تفرست قليالً في صفحة مياه النهر الواقعة مباشرة أمام أعينها ، لتجسدت أمامها األنياب الرهيبة التي مزقت أحد رفاقها في آخر زيارة لها إلى النهر ،ولسمعت هاتفا ً محذراً يقول لها : 5
جاك اللي عاللميطة ! لو قدرت السعادة للحمير ،الجتمعت على شالقم ،ورفستها وداستها بحوافرها حتى أنهكتها ثم قامت بجرها خارج النهر ،وأركبتها بوضع معكوس على ظهر أقوى حمار فيها ثم قامت بتجريسها في كل زنقة من زنقات الجزيرة والصبيان يتراكضون ويتصايحون خلفها . على ذكر صيحة التحذير هذه فإن لها حكاية لو كتبت باإلبر على آماق البشر لكانت عبرة لمن أعتبر .وتقول الحكاية : فييأواخر ييسوريني من الوريياوريرييساوريم ييسناو ييا وحييا وين نيياوريمرني ورمرسريرييفرفأو ييحاو مييروسيانييا وفييأو ييا س و خاسنله وإيىواخغ روي ي وص نرهوريس نسورألخغ يو.وخنتخرس ويلىواين ةوريماريةو سفيةوتريخ وااوريمرني ووريريفرفأو اسن واي ر رًوراوافسر وت ن وريرراخرةوري م نةو،وراون ااور ن ةو سر لسوخضخرحنهاوإيىوا غيا وافسنرنياويحرانيةو ين يوارناو،وخ ااوهؤالءو وا لغخرورن راًوفأو سر لسو أ ه وفره خاوإيىو سقويلر اس ةوفيأورحتايااللو ر اني ةو ين وريجالءو .و ا لملو ه وري ا س وإيىواخغ روخه ونظ خاوا هي وفره يخاوإييىو يسقو،وخي ي راوه يلوري يا س و هيؤالءوريرنيا ناو رير خيناوفأورجاه وافسنرناوخا غايهاو ا واح ه ورتمج اًوي راوساىوريغا الوخرأل هاسو:و و و
وهللا طبرق ولت خضراء يا أوالد ! خ ن راوه وفأوحنصو نصو،ونت رسنخاورخ اه وخريرح ةوريتأوه وفنهاو،و يس وترنيامورياوري هيسو،وخححيبو اتجيا و احي وهييؤالءوريرنييا ناوريرغي خسناو،وخهييخوفييأوغالييةوريياوارييس و،وخي يياواحي ه والحييظوريترنييامونتنييل و لييبوسفنرييهو فصسخورحفسروإنا و :و و
جاك اللي عاللميطة . إفوا هوي ون اونمسبورن وتلكوري ر يةوريراتسنيةو،وخي يهو ياه وصيخستهاوريرنيت رةويل يانيةوألحي وا يخر وو ياسرلو ريحال ةو(وريرمسخفةورحلناًو ان وريلرن ةوlamettaو)و .و
6
تثب شالقم بخفة ونشاط عجيبين وتنشب أنيابها في جسد أقرب حمار إليها ،ثم تجره إلى عالمها المائع والحمار المسكين ينهق مفزوعا ً .وعندما يصبح الحمار في الماء تبدأ شالقم بوضع أبرز مؤهالتها وهما التقلب واإللتواء حيز التنفيذ ،فبينما تطبق فكيها بإحكام على الحمار تأخذ بالتقلب في الماء بصورة شيطانية ،وبعد أن تجهز عليه تقوم بتقطيع جثته إلى قطع كبيرة وتبلعها الواحدة تلو األخرى .يكاد المراقب لشالقم في هذه الحالة يسمعها تنشد شعرا تقول فيه :
وليس يصح في األفهام شئ .....إذا تعرف الحمار على السبيل من المحير أن الحمار المالك ألول أداة قتل في تاريخ البشرية نجده ال يستعملها بل يصاب بالشلل ويستسلم بالكامل لفكي شالقم بدالً من أن يعاجلها بفكه ويوردها حتفها .ماذا لو كان قابيل شاهداً على هذا ،هل كان سيقول للحمار أستعمل فكك لتثبت وجودك ؟ ولو عمل الحمار بنصيحة قابيل لحق أن يقال فيه :
ذهب الحمار بأم قشلم .....فال رجعت وال رجع الحمار
إن أمة من الحمير تنخدع بدمعة مغشوشة يذرفها مخادع وتنسى وتتناسى مسيرة حياته الحافلة بالتوأطأ مع الظلمة والقتلة على مدار عقود من الزمن لهي أمة تستحق عن أهلية وجدارة مخلوق كشالقم يذرف عليها الدموع ليبللها ويرطبها ويلينها ويجعلها سهلة للبلع ،ويزدردها الحمار تلو الحمار . إن الفاحص المدقق لسلوك شالقم البد أن يخرج بخالصة يجزم فيها أن ما تفعله تلك البهيمة المهيمنة على نهر لوبيا العظيم ليس ناشئا ً عن فطرتها الخبيثة ،ونفسيتها الشريرة ،ومعدنها السئ ،بل البد أن هناك عنصراً آخر مكتسب له أعظم األثر في تعديل دفتها وتوجيهها نحو الوجهة التي قدر لها أن تسعى إليها . قد يبدو للبعض أن األمر غريبا ً كل الغرابة ،وعجيبا ً كل العجب ،ومذهالً كل االذهال أن تكون شالقم مطلعة على كتاب ( النباهة واالستحمار ) للدكتور علي شريعتي حتى تفهم تستوعب كالمه وتطبقه بحذافيره على حيز 7
الواقع ،لكن يبدو أن األمر كذلك ،فهي تدرك أنه في غياب النباهة لن ينفع القوي قوته ،ولن تسعف السريع سرعته ،ولن تفيد البدين بدانته ،فشريعتي يقول في كتابه المذكور : لكن حقيقة األمر غير ذلك ! فقد تكون لبعض الناس قوة جسمية ،كقوة الفيل أو الجمل ،بينما ليس لهم من النباهة النفسية حتى قوة العصفور ! وهنا أيضا ً تضر القدرة الجسمية بالوعي والنباهة ! ولقد قيل " العقل السليم في الجسم السليم " ! نعم ،هكذا ،لكن الجسم السليم ،غير الجسم " القوي " وغير الجسم " الالمتناسب " ولقد كان بعضهم يقول : حتى لو بَ ُد ْنتَ ،فإنك لن تكون أضخم من البقرة ،ولو فرضنا ذلك ،فعندئذ يحلبونك ! وإذا ازددت قوة أيضا ً ، فلن تكون أقوى من الحمار ،ولو فرضنا ذلك ،فحينئذ يحملونك أسفاراً ! وإن ازددت سرعة في السير والركض ،فلن تكون أسرع من الفرس ،ولو فرضنا ذلك أيضا ً ،فساعتئذ يركبونك ! ال يعوز شالقم النباهة وحمير لوبيا ليست بحاجة الستحمار ،ألنها في االساس حمير كاملة األوصاف ،أو ما يمكن تسميته حميرحتى الثمالة ،ويبدو أن الدكتور شريعتي رحمه هللا قد غفل عن نقطة جوهرية وهي أنه من غير الممكن أن تستحمر حماراً . لشالقم فلسفة خاصة في تعاملها مع حمير جزيرة لوبيا فهي تعتبر أن كل حمار تبتلعه ،هو حمار مختلف عن بقيه الحمير األخرى ،ومن الواضح أنها من أتباع المبدأ القائل أن كل شئ في حالة سيالن دائم ،فهي ترى النهر في حالة تدفق متواصل ولذا فهو متجدد على الدوام .وبناء على هذا ،يمكن القول بثقة تامة أن موقف شالقم في بعض األحيان يتفق تماما ً مع مبادئ الفيلسوف اليوناني هرقليطس المعروف بالفيلسوف الغامض ،وفي أحيان اخرى يتجاوز إيمانها بمبادئ هرقليطس درجة الوسطية واالعتدال إلى حد الغلو والتطرف ،وحينئذ تصبح شالقم هرقليطسية أكثر من هرقليطس نفسه . وهكذا يمكن تلخيص فلسفة شالقم بعبارة واحدة :
ال يمكن ألي حمار ان ينزل في نفس النهر مرتين . المشكلة الرئيسية التي تعاني منها تلك الحمير التي لها أجسام البغال وعقول العصافير ،وتلك الطيور التي لها أجسام العصافير وعقول البغال هي جهلها بال َخب ،ولذا تجدها تقع بسهولة في شراك ال ِخب وشباكه . ويحق ألي امرئ حصيف أن يقول :لست بال ِخب ،ودموع شالقم ونحيب شالديبا ال يخدعني ،فلست من أصحاب أجسام البغال وعقول العصافير وال من أصحاب أجسام العصافير وعقول البغال . في عام ، 2481أبتكر عالم التشريح البريطاني ريتشارد أوين كلمة ( ديناصور ) المشتقة من اللغة اليونانية ، والتي تعني ( السحلية المخيفة ) ،وبما أن شالقم تنتمي إلى نوع عاصر الديناصورات ،وحافظ على وجوده على األرض بعد إنقراضها الذي حدث قبل 56مليون سنة خلت ،فيجدر بعلماء الحيوان إطالق اسم شالصور أو شلقاصور على شالقم وبنات جلدتها كونهن وريثات شرعيات لتلك الزواحف التي جابت سطح األرض في العصر الجيوراسي . ولكن يظل هناك سؤال ملح يطرح نفسه في هذا السياق ،وهو : إذا كان القضاء على الديناصورات أستلزم قصف شبه جزيرة يوكاتان بنيزك ضخم ،فما الذي يتطلبه القضاء على شالقم وأخواتها ومحوهن نهائيا ً من على ظهر جزيرة لوبيا ؟ من المؤكد أن شالقم لم تكن على دراية بالمثل القائل :ليس كل ما يطير يؤكل كالحمير ،فهي تظن أن االبتالع هو آخر المشوار ومن المنظور العسكري كانت ترى أن المهمة قد أنجزت mission accomplishedعندما يبتلع الهدف .لم يكن موقف شالقم يختلف عن موقف مدينة طروادة الغابرة التي فتحت بوابتها لتلتهم حصانا ً شاهدته يرتع خارج أسوارها . 8
في لحظات فارقة من الزمن ،وفدت على جزيرة لوبيا عصافير جميلة ناعمة الريش ،زاهية األلوان ،تشبه إلى حد كبيرالسمك النفاخ ،فلحمها ال يختلف كثيراً عن السم الزعاف .حطت العصافير الجميلة على ضفة النهر العظيم المقابلة للضفة التي أعتادت شالقم وشالديبا التشمس فيها .أرادت شالقم تطبيق استراتيجة الدموع مع العصافير الوافدة بلعب دور زهاد ونساك األشاعرة الصالحين ،ولكن يبدو أن هذه العصافير الجميلة كانت أشعرية أكثر من شالقم نفسها ،فقد ضمن لها تكوينها العضوي ( الفسيولوجي ) االنتصاف لنفسها ممن أعتدى عليها وأكلها .إن قدر هذه العصافير يدعو المرء للتأمل والتعجب والتبصر ،والتسأل بينه وبين نفسه ،ما الذي كان فرانسوا رينيه الفيكونت دوشاتوبريان سيقوله لو أطلع على هذه العصافير الجميلة وما تقوم به بعد هالكها ؟ هل كان سيقول هذا ما يمكن تسميته بإنتقام من وراء القبر ؟ وهل تعرف اإلمام شرف الدين البوصيري على شالقم وأحوالها حتى تستلهم قريحته فينشد أبياتا من الشعر تقول:
ُ س ِـم ســنَتْ لَـــ َّـذةً للمـــر ِء قاتِلَــــةً ِ .....من حيث لم يَ ْد ِر أَنَّ ال ُّ َكـــم ح َّ س َّم في ال َّد َ ْ صـــ ٍة شَـــ ٌّر ِمـ َن التُّ َ ـخــ ِم س ِمن شبَ ٍع .....فَ ُر َّ ب مخ َم َ سائِ َ ش ال َّد َ واخ َ جوع و ِمن ِ ٍ عين قَـ ِد ا ْمتَـألتْ .....مـ ِن ال َم َحــا ِر ِم وا ْل َز ْم ِحميَــةَ َالنَّــ َد ِم غ الدمـ َع ِمن ٍ واستَف ِر ِ
أرتكز موقف شالقم العام على فهم أشعري للحياة ،يقيم األشياء وفقا لمالءمة بين صحيح المنقول وصريح المعقول ،بيد أن الصورة التي ينقلها البصر في بعض األحيان ال تعبر عن حقيقة األشياء ،فهي قد تكون صورة صحيحة ولكنها غير حقيقية ،وليس أصدق على ذلك من صور كهف أفالطون .كثيراً ما ينخدع العقل بظواهر األشياء فيقطع بالحكم بأمن بعض الحاالت والظروف و يكون في ثناياها الخطر العظيم .فليس كل معقول آمن ، وليس كل آمن معقول .وليس كل ما يؤكل لحمه هو طائر من الطيور ،وليس كل ما يطير يمكن أن يؤكل لحمه . تتمتع هذه العصافير الجميلة ،الزاهية األلوان بآلية طبيعية تجعل من لحومها سما ً قاتال ،وكأنها تفخخ أجسادها حتى إذا سولت ألحدهم نفسه بتذوق لحومها ،سرى السم الزعاف في سائر جسم اآلكل وقضى عليه في دقائق معدودة ،وأصبح جسم اآلكل ضريحا ً للمأكول .وهي بذلك توفر هامشا ً لتصحيح المنقول بعد أن يصبح المعقول أشد صراحة ووضوحا ً . إن المتأمل في أمر تلك العصافير ذوات الريش الملون يحق له القول :
تسمع بعصافير لوبيا خير من أن تأكلها . في حاالت بالغة الندرة ،تكون حياة شئ ما ،حياة عادية ال تتسم بالفعالية ،وال يكون له أي تأثير على أي شئ آخر ،ولكن ما أن يغادر ذلك الشئ مسرح األحداث الدنيوية حتى تكتسب أقواله ومواقفه وكتاباته رافعة طويلة تمنح تلك األقوال والمواقف والكتابات قوة تأثير مدهشة وحيوية إستثنائية وأحيانا ً مهابة وجالل .إن كلمة أثناء الحياة قد ال يأبه بها كثيراً ،وقد تعارض وتنتقد ،ولكنها بعد موت صاحبها تنتفض بقوة وتنزل إلى أرض الواقع وتترجم نفسها إلى أفعال .إن دور الموت في هذه الحاالت هو دور المظهر والملمع الذي يضفي على أعمال البعض حيوية وإشراق بعد أن كانت مركونة ومهملة في حياة صاحبها . رب كلمة قيلت ود ارت من فم ألذن ولم تدخل عقل أحد أو تمس شغاف أي قلب ،ولكنها بموت صاحبها من أجلها تلج األذان وتطرق بوابات القلوب والعقول بقوة فتنفتح لها ابواب العقل بمفتاح المنطق ،وتنفتح لها أبواب القلب بمفتاح العاطفة ،فتتحول تلك القلوب والعقول إلى عمال ونواب تمثل غايات وأهداف تلك الكلمة . لم يمثل الموت أي عائق أمام فارس قبيلة كنانة ،ربيعة بن مكدم في مواجهة أعدائه ،فقد حمى الظعن حيا ً وميتا ً ، ففي يوم الكديد أنهكته الجراح ونزف حتى الموت ،ولكنه ظل على ظهر فرسه فوق رابية ،متكئا ً على رمحه ، وأعدائه ينظرون إليه من بعيد وال يجسرون على االقتراب منه حتى أفلتت منهم الظعينة . 9
لقد حمى ربيعة بن مكدم الظعينة وهو حي ،ولكنه لم يلقب بحامي الظعن إال بعد أن حمى الظعينة ميتا ً ،فالموت هو ما أكسبه هذا اللقب وليست الحياة ،والموت هو ما جعل العرب في الجاهلية تعقر الجزر على قبره ،ولم تفعل ذلك على قبر أحد غيره . على الرغم من إحتواء الكون ع لى مليارات النجوم الدائرة في أفالكها ومجراتها ،إال أن القليل منها نسبيا معروف ويحظى باهتمام وتقدير علماء الفلك وهواته .تدور الكثير من النجوم في أركان قصية من الكون يلفها االهمال والنسيان وتعاني من الهجر واإلقصاء ،فليس كل نجم يستحق عن جدارة اسم النجم ،فحتى األعشاب الدنيئة تدعي وصالً بهذا االسم وتنتسب إليه ،ولكن بمجرد أن يستهلك أحد هذه النجوم المغمورة هيدروجينه الذي هو مادة حياته وبقاءه ،حتى ينهار على نواته ويستعر في إنفجار عظيم مطلقا ً طاقة يشعر بها الكون العظيم نفسه. تستلفت حشرجة النجم وهو في نزعه المراصد الفلكية ،ويدون الفلكيون هذا الحدث في أزياجهم ويكثرون من التعليق حوله . منذ اإلنفجار األزلي العظيم ، Big Bangعاش حياته مهمالً ،ومنبوذاً ،ومحتقراً ،وعندما مات مالوا إليه وأحاطوه بأكاليل الغار ،ويعبر أهل لوبيا عن هذا الموقف بمثل شعبي من تراثهم يقول : عندما كان حيا ً ،كان يشتهي التمرة ،وعندما مات وضعوا على قبره عرجونا ً كامالً من الرطب . ما الذي جعلهم يفعلون ذلك إن لم يكن الموت ؟ بلى ،الموت هو الذي يجعل من النجم ثقبا اسودا يأسر الضوء نفسه ويبتلع كل ما يقترب منه . الموت أيها السادة هو الذي يدون بأحرف من نور السير الذاتية لبعض النجوم ،فتصبح مهابة بعد احتقار وإزدراء ،وشهيرة بعد اهمال واغفال . شهد سجل الحياة ميالد وعيش ماليين القطط والسنوريات ،ولكن سجل التاريخ لم يحتفل إال بقطة واحدة أرتبطت بعالم فيزيائي شهير وهو إرفين شرودنجر ،وعلم ميكانيكا الكم ،بيد إن إحتفاء التاريخ بقطة شرودنجر ليس ناشئا ً عن عدد الفئران التي أصطادتها هذه القطة أثناء حياتها ،ولكن لكونها حية وميتة في آن واحد معا . إن ما جعل قطة شرودنجر قادرة على توضيح القصور الذي يعاني منه تفسير كوبنهاجن لميكانيكا الكم هو أن احتمال كونها ميتة متساو مع احتمال كونها حية ،فالموت لم يضرها على اإلطالق بل كان سببا ً في دخولها إلى سجالت الخالدين .إن موقف عالم ميكانيكا الكم أمام الحاوية التي بها قطة شرودنجر مع قارورة من حمض الهيدروسيانيك القاتل يناظر موقف سليمى زوجة صخر بن عمرو بن الشريد السلمي ،أخو الخنساء عندما تسأل عن حال زوجها المريض ،فتقول :ال هو حي فيرجى ،وال ميت فينعى ،فيسمعها صخر ويقول في ذلك شعراً:
لعمري لقد أنبهت من كان نائما ......وأسمـعـت من كانت لـه أذنـان وللمـوت خيـر من حيـاة كأنـهـا ......محلـة يعسـوب بـرأس سنـــان فالموت كان فأل خير على قطة شرودنجر ،كما كان مهيجا ً لعاطفة الخنساء فبكت اخاها صخر وجعلته علما ً وفي رأسه نار . أدعت الجن العلم بالغيب ،ولم يفند هذا اإلدعاء ويفحمه إالا الموت ،فقد كانوا يتوهمون علم الغيب ويوهمون الناس بذلك وهم في واقع األمر جاهلين حتى بواقع حالهم .سخرت الجن للنبي سليمان عليه السالم ،فكأنوا يؤدون األعمال الشاقة وهو يراقبهم متكئا ً على عصاه ،ولما قبض سليمان عليه السالم لم تفطن الجن لمفارقة سيدهم للحياة وظلوا على حالهم من التعب والمشقة حتى جاءت نملة فأكلت العصا فسقط النبي سليمان إلى األرض .لقد هدم الموت صرح الوهم الذي بنته الجن ،وأضحى جليا ً لهم ولغيرهم أن علمهم بالغيب ال يتعدى قدرتهم على التمييز بين الميت والحي . وليس أصدق على توضيح فكرة الموت مما قاله الدكتور مصطفى محمود رحمه هللا في كتابه لغز الموت : " وبالموت تكون الحياة ..وتأخذ شكلها الذي نحسه ونحياه ..ألن ما نحسه ونحياه هو المحصلة بين القوتين معا ً الوجود والعدم ..وهما يتناوبان اإلنسان شداً وجذبا ً. 10
ما السر إذن فى هذه الدهشة التى تصيبنا حينما يقع أحدنا ميت " . وإذا كان الفيلسوف اليوناني أبيقور يقول :
إذا كنا ال يكون الموت ،وإذا كان الموت ال نكون. فإن عصافير لوبيا ترد عليه قائلة :
إذا كنا ال يكون الموت ،وإذا كان الموت ال نكون كما كنا . عبرت شالقم النهر العظيم إلى الضفة األخرى ،ويشبه عبورها هذا عبور يوليوس قيصر لنهر الروبيكون في عام 84ق.م ،فقد كان بمثابة نقطة الالعودة ،أو كعبور الجيش المصري لخط بارليف في عام 2491فوقع في ثغرة الدافرسوار . من سوء حظ شالقم أنها لم تطلع على كتاب تاريخ الحيوان للفيلسوف العظيم أرسطو الذي كتب في ثناياه عبارة تتضمن شؤما ً ونحسا ً ،ونذراً بالشر :
من ليبيا دائما ً يأتي الشر /الجديد
وسواء أ كان نتاج لوبيا الشر أو كل ما هو جديد ،فإن األمر سيان بالنسبة لشالقم ،فالشر بالنسبة لها شر ، والجديد بالنسبة شئ غامض لم تختبر خيره من شره بعد . أكلت شالقم عصفوراً جميالً ،فكان ذلك هو خطيئتها األخيرة التي أخلفتها حسرة بال دموع .فعل سم العصافير فعله في جسمها فأخذت تتقلب وتتلوى من األلم ،ولم ينفعها التقلب واإللتواء هذه المرة .ماتت شالقم فماتت الخديعة ،ومات أكبر شيطان أخرس عرفته جزيرة لوبيا العظمى ونهرها العظيم .يعتبر موت شالقم أعظم نعمة نزلت على جزيرة لوبيا بيد أنها أفلحت في خداع الكثيرين الذين ( تشلقموا ) حتى النخاع ،فهؤالء هم التربة الخصبة التي تنمو فيها بذور الطغيان واالستبداد ،وهم المناخ المناسب الذي يسمح بهطول أمطار حمضية تهلك الحرث والنسل . أال بعدا لشالبيدا ،وأال بعدا لشالقم ،وأال بعدا لمن تشلبد وتشلقم معهما . أنطرحت جثة هامدة على رمال جزيرة لوبيا العظمى ،وفي اليوم التالي مر بها بعض شيوخ الجزيرة ،وتعجبوا من نهايتها بعد أن كانت سيدة النهر العظيم بال منازع .كيف ال وقد راجت خرافة في أوساط أهل لوبيا تقول أن دموع شالقم هي العين الحقيقية التي ينبع منها النهر العظيم نفسه ،ولو كفت شالقم عن ذرف الدموع ألنخفض مستوى مياه النهر وألصبح ماءه غوراً .لقد كانت شالقم في نظر المخدوعين مثالً للوداعة وللمحبة فأصبحت في نظر التاريخ أمثولة للخداع والتزوير والتضليل ،فكما قيل أرادت أن تكون مثالً فأصبحت أمثولة ! قال أحد الشيوخ وهو ينكزها بعكازه عبارة أصبحت بعد ذلك مثالً يضرب لمن جلب لنفسه البالء:
على نفسها جنت شالقم الثالثاء 44 ،ذو القعدة 4441هـ ،الموافق 9سبتمبر6144 11