ájô```M 2014/04/13م العدد ()135 ádGó``Y áæWGƒe
01
ا�سبوعية�-سيا�سية-م�ستقلة العدد ( 2014/04/13 )135م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
رئي�س التحرير :ح�سام مريو www.al-badeel.org
Issue (135) 13/04/2014
النظام و«املعار�ضة» :ب�ؤ�س العقل ال�سيا�سي
معركة ك�سب
يحار املرء يف تو�صيف طبيعة الفكر ال�سيا�سي ال�سوري ،وهو �إن انتمى �إىل م�شارب عدة ،لكن ما يتمخ�ض من نتائج عن ال�سيا�سات املتبعة ي�شري �إىل �أن تعدد امل�شارب لي�س �سوى ق�رشة رقيقة ،ما �أن يتم نزعها ،حتى تتو�ضح جملة من املت�شابهات يف �آليات التفكري التي حتكم معظم القوى ال�سورية املنفعلة والفاعلة يف الأزمة. يف مرجعيات النظام حت�رض القوة العمياء كحكم يف معادلة البقاء ،ولقد �أوجد منظومة من ال�شعارات التي مار�سها منذ بدء االحتجاجات ولغاية اللحظة ،وهو يقدم �شعاراً على �آخر بح�سب متطلبات املرحلة ،لكن يف حم�صلة الأمر ،ف�إن النظام ما زال م�رصاً على عدم االقتناع بتاريخية التاريخ ،وهو يعترب بذلك بوعي منه �أو من دون وعي �أن التاريخ جمرد م�ؤامرة� ،أو �أن التاريخ ميكن حكمه والتحكم به بالآليات ذاتها على الدوام ،وهو �أمر يتنافى مع منطق التاريخ ،ومنطق العلوم ال�سيا�سية ،ومنطق امل�صالح املتغرية. �إذاً ،فنحن �أمام نظام مل يي�أ�س من منظومته الفكرية، وما زال يعتقد ب�صالحها ،كما �أنه يعترب نف�سه ا�ستثناء يف التاريخ ،وهو ما �أكد عليه الأ�سد يف غري ً مقابلة �إعالمية ،حيث اعترب قبل بدء االحتجاجات �أن �سورية ال ت�شبه م�رص �أو تون�س ،وبعد �أزمة �أوكرانيا �أر�سل �إىل الكرملني ر�سالة مفادها �أنه ال ي�شبه رئي�س ما�ض يف �أوكرانيا ،و�أنه لن يهرب من �سوريا� ،أي �أنه ٍ ا�ستكمال معركته ،ولن يثنيه عنها �أي �شيء.
لكن النظام ،يف م�سعاه لالنت�صار على ال�شعب قبل الثورة ،ال ي�أخذ بعني احل�سبان �أن معطيات الواقع ال�سوري منذ اندالع ال�رصاع الع�سكري بينه وبني قوى املعار�ضة امل�سلحة بات حمكوم ًا بحالة من اال�ستع�صاء ،و�أنه ال خمرج لتحقيق انت�صارات متلي على الأطراف الأخرى القبول ب�رشوط الأ�سد� ،أي القبول فعلي ًا بالهزمية ،كما �أنه ال يدرك� ،أو ال يريد �أن يدرك� ،أن االنت�صار يرتب على املنت�رص جملة من امل�س�ؤوليات ،وقد باتت امل�س�ؤوليات التي تفر�ضها الأزمة ال�سورية �أثقل من �أن يتحملها العامل ،فكيف احلال �إذاً بالنظام؟. يف املقابل ،ف�إننا ال جند تفكرياً �سيا�سي ًا خمتلف ًا لدى �أطياف �أ�سا�سية يف املعار�ضة ،ف�إذا ما نزعنا ال�شعارات الكثرية التي تتبناها ،لتحري امل�سالك ال�سيا�سية التي مت�ضي بها ف�إننا �سنجد حتت ق�رشة االدعاء بقبول احلل ال�سيا�سي نزوع ًا �إىل �سحب ال�سيا�سة من التداول ،حيث ما زال احلديث يدور عن �رضورة التوازن الع�سكري ،وعن �رضورة و�صول �أ�سلحة نوعية ،وعلى وجه اخل�صو�ص ،م�ضادات الطريان ،يف الوقت الذي بات جل تلك القوى مقتنع ًا ب�أن ك�رس حالة التوازن �أو اال�ستع�صاء �أمر غري م�سموح فيه �إقليمي ًا ودولياً ،ولئن وجدت بع�ض الدول الراغبة يف الأمر� ،إال �أنها غري قادرة على حتويل الرغبة �إىل واقع. يف حقيقة الأمر �إن كلٍ من النظام والقوى املعار�ضة
ح�سام مريو
(امل�سلحة �أو التي تدعي متثيل ال�شعب ال�سوري) يرغب يف �إحراز الن�رص الع�سكري ،وكالهما يف مكان ما من وعيه ال�سيا�سي يرى الآخر يف بعده الطائفي وامتداه الإقليمي ،و"رمبا" لدى الطرفان رغبة يف التق�سيم يف نهاية املطاف ،فالنظام ال يرى من احلكم والوطن �سوى ال�سلطة ،واملعار�ضة امل�سلحة التي بات كل ف�صيل منها يحكم منطقة ما من "الأرا�ضي املحررة" يخ�شى �أن يحوله احلل ال�سيا�سي من �صاحب �سلطة �شبه مطلقة يف منطقته �إىل جزء �صغري من ال�سلطة التي ميكن �أن ينتجها حل �سيا�سي ما ،ورمبا كان التق�سيم بالن�سبة له �أو دوام احلال على ما هو عليه، بالن�سبة له ،هو دوام ال�سلطة التي حققها خالل فرتة ال�رصاع امل�سلح. متى ميكن للطرفني �أن ي�شعرا بالي�أ�س؟ هما حتى اللحظة م�ستمران بادعاء متثيل ال�شعب ال�سوري، وم�ستمران من خالل دور �إقليمي ودويل ،ومن خالل اقت�صاد العنف الذي ازدهر على ح�ساب �إفقار ال�شعب ال�سوري ،وت�رشيده ،وموته ،وحتويله �إىل كجرد م�ستهلك للإعانات الإن�سانية. يف حلظة الي�أ�س تلك ،ميكن �أن يولد �أمل ما� ،أمل يف �أن ت�سقط ال�شعارات مل�صلحة الإن�سان ال�سوري، وم�ستقبل �سوريا ،لكن اخل�شية ،كل اخل�شية� ،أن ت�أتي تلك اللحظة يف وقت ال يعود يف ال�ساحة ال�سورية غري املتقاتلني �أنف�سهم.
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
العدد ( 2014/04/13 )135م
تقارير
02
“�أطمة» مركزاً لعبور النفط �إىل تركيا وحتوالت اجتماعية كبرية �أطمة -خا�ص «البديل»:
مل تعد مدينة �أطمة ال�سورية جمرد قرية على احلدود ال�سورية الرتكية ،فقد باتت مع ازدياد ال�رصاع امل�سلح يف �سوريا مركزاً مهم ًا لل�سوريني ،خا�صة مع وجود خميم لالجئني فيها ،لكنها تكت�سب �أهميتها الإ�ضافية �أي�ض ًا من كونها باتت معرباً لتهريب النفط ال�سوري �إىل تركيا ،وبات العديد من مواطني القرية �أو �سوريني �آخرين يعملون يف هذه املهنة التي تدر �أموا ًال كبرية على الف�صائل امل�سلحة. وتتواجد الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام “داع�ش” يف القرى املجاورة لأطمة ،كما يوجد من يتعاون معها من داخل القرية ،ومل يحاول تنظيم “داع�ش” �إزعاج �سكان القرية ب�شكل مبا�رش كما فعل مع القرى املجاورة ،ويف�رس �أحد ال�سكان املحللني هذا الأمر بعدم رغبة “التنظيم” �إثارة ال�سكان �ضده ،بكونه امل�ستفيد الرئي�سي من عملية تهريب النفط. و�شهدت القرية يف الأ�شهر الأخرية عمليات تطوير لإعادة تكرير النفط ،ونقله �إىل الأرا�ضي الرتكية، ومنها تفريغ النفط القادم من ال�شمال يف بحرية �صغرية ،وفيها غاط�س يتم من خالله �ضخ النفط مبا�رشة عرب الأنابيب �إىل اجلهة الرتكية ،وقد ازدهرت بع�ض امل�صالح التجارية يف القرية نتيجة لدورها احليوي على �أكرث من �صعيد ،خا�صة جتارة ت�صدير النفط ،كما �شهدت القرية ن�شاط ًا ملحوظ ًا يف عملية البناء ،حيث تراكمت ثروات يف �أيدي من يقومون ب�أن�شطة جتارية بني �سوريا وتركيا عرب القرية ،وهو ما دفع بع�ضهم �إىل بناء بيوت جديدة. لي�س فقط النفط وحده ما يدر املال ،ف�سكان املدينة يتحدثون ب�شكل �رصيح عن �رصاع بني جتار مادة النحا�س ،حيث تقوم جمموعات بجمع النحا�س من �سوريا وبيعه �إىل جتار �أتراك ،وبات ال�رصاع بني هذه املجموعات على احتكار عملية جمع النحا�س
من جهة ،ومن ثم ال�رصاع على بيعه ،وقد راح �أكرث من �شخ�ص �ضحية هذا ال�رصاع. و�أفاد �أحد �سكان املدينة ب�أن بع�ض ال�شخ�صيات التي كانت ال تتمتع يف ال�سابق ب�أي ح�ضور اجتماعي باتت تتحكم اليوم بزمام الأمور ،ويف�رس الأمر بقوله “ :كان هناك يف ال�سابق تراتبيات حملية ،وكان االعتبار الأ�سا�سي لل�شخ�ص يقوم على �أ�سا�س مكانته التعليمية� ،أو مدى متتع �أفراد عائلته باالحرتام ،وكان هناك بع�ض الأ�شخا�ص الذين
ال يحظون باحرتام املجتمع ،لكنهم اليوم باتوا ميتلكون القوة ،ومعظمهم من غري املتعلمني”. وقال �شخ�ص �آخر :الظروف اجلديدة غريت �أموراً كثرية ،وفر�ضت على النا�س حتوالت كبرية حتى يف املفاهيم .وي�ضيف �سابق ًا كان من ال�صعب �أن تتزوج فتاة من القرية ل�شخ�ص من بلد �آخر� ،أما اليوم فهذا يحدث ،فبع�ض العائالت زوجت بناتها لرجال من “داع�ش” ،وهو �أمر يتم ا�ستنكاره يف اخلفاء وال تتم املجاهرة به.
نعيم قا�سم :الأ�سد �سيفوز يف االنتخابات واملعار�ضة مفككة بريوت -وكاالت:
اعترب ال�شيخ نعيم قا�سم نائب الأمني العام حلزب اهلل �أن ب�شار الأ�سد ما زال يحظى بت�أييد �شعبي ميكنه من حكم البالد ،و�أن املعار�ضة بعد ثالث �سنوات حققت فقط "بع�ض املكا�سب على الأر�ض"، و�أيد قا�سم تر�شيح الأ�سد لوالية ثالثة ،و�أنه كان قبل عامني قد "تنب�أ بف�شل املعار�ضة بالإطاحة بالرئي�س ال�سوري" ،وطالب بتقبل "املعار�ضة وداعميها لهذا الواقع" واالعرتاف به. وقال قا�سم" :على اجلميع �أن يعلم �أن �سوريا فيها خياران ال ثالث لهما� :إما �أن يبقى الرئي�س ب�شار الأ�سد رئي�سا باتفاق وتفاهم مع الأطراف الأخرى بطريقة معينة ،و�إما �أنه ي�ستحيل �أن تكون املعار�ضة هي البديل� ،أو هي التي حتكم �سوريا ،لأنها غري قادرة ولأنها جربت حظها وف�شلت ...لذلك اخليار وا�ضح �إما التفاهم مع الرئي�س الأ�سد للو�صول �إىل نتيجة� ،أو �إبقاء الأزمة مفتوحة مع غلبة للرئي�س الأ�سد يف �إدارة البالد". و�أ�ضاف "يوجد واقع عملي .على الغرب �أن يتعامل مع الواقع ال�سوري ال مع �أمنياته و�أحالمه التي تبني �أنها خاطئة .ولو ا�ستمروا يف هذه املنهجية ع�رش
�سنوات �سيبقى احلل هو احلل". و�أتت تعليقات قا�سم يف �أعقاب ت�رصيحات لرئي�س وزراء رو�سيا ال�سابق �سريجي �ستيبا�شني قال فيها بعد االجتماع مع الأ�سد اال�سبوع املا�ضي �إن الرئي�س ال�سوري ي�شعر ب�أن و�ضعه �آمن ويتوقع �أن تنتهي املرحلة الرئي�سية من العمليات الع�سكرية يف نهاية العام اجلاري. ومن املتوقع على نطاق وا�سع �أن ير�شح الأ�سد نف�سه لفرتة رئا�سية ثالثة يف االنتخابات املقرر �إجرا�ؤها يف غ�ضون ثالثة �أ�شهر. وقال نائب الأمني العام حلزب اهلل "يف قناعتي يرت�شح وينجح لأن له ر�صيدا �شعبي ًا مهم ًا يف �سوريا ومن كل الطوائف وعلى ر�أ�سها الطائفة ال�سنية� ...أنا �أرجح �أن حت�صل االنتخابات يف موعدها و�أن يرت�شح الرئي�س الأ�سد و�أن ينجح من دون مناف�سة". و�أ�ضاف �أن الواليات املتحدة وحلفاءها الغربيني يف حالة فو�ضى كاملة ،ولي�س لديهم �سيا�سة متما�سكة حول كيفية التعامل مع �سوريا التي �أ�ضحت نقطة جذب للمقاتلني املت�شددين من خمتلف �أنحاء العامل. وتابع قائال �إن "ك�رس حالة املراوحة مل�صلحة احلل
ال�سيا�سي ال ميكن �أن تتم ب�إرادة املعار�ضة ال�سورية لأنها معار�ضة مفككة وم�شتتة لي�س لها برنامج وغري قادرة على �أن حتقق متثيال منا�سبا يف مقابل النظام". وكان الأمني العام حلزب اهلل ح�سن ن�رص اهلل قال الأ�سبوع املا�ضي �إن الأ�سد مل يعد يواجه خطر �إ�سقاطه و�إن دم�شق جتاوزت خطر التق�سيم بعد ثالث �سنوات على بدء ال�رصاع. وقالت وزارة اخلارجية الفرن�سية هذا الأ�سبوع �إن الأ�سد "قد يكون الناجي الوحيد من �سيا�سة اجلرائم اجلماعية هذه" وو�صفت ذلك ب�أنه نب�أ �سيء لل�سوريني. وت�ستبعد فرن�سا الآن ا�ستخدام القوة �ضد �سوريا رغم �أنها كانت تت�أهب العام املا�ضي للم�شاركة يف عمل ع�سكري مل يكتب له �أن يتحقق .وت�صف باري�س املحادثات املتعرثة ب�ش�أن عملية انتقال �سيا�سي ب�أنها "اخلطة الوحيدة" وهو ر�أي يقول م�س�ؤولون �أمريكيون �إن له م�ؤيدوه يف وا�شنطن ال�سيما بني القادة الع�سكريني الذين يف�ضلون الأ�سد على فو�ضى طائفية.
03
حتليل �سيا�سي
العدد ( 2014/04/13 )135م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
�إخراج �سورية من املدارين الرو�سي والإيراين غازي دحمان
يوما بعد يوم ،يثبت بالدليل القاطع� ،أن رو�سيا و�إيران م�ستعدتان للذهاب �إىل �آخر الطريق من �أجل تثبيت الو�ضع يف �سورية ل�صالح نظام ب�شار الأ�سد، بالن�سبة لهما ال�رصاع وجودي ،ويتعامالن معه ب�صفته هذه ،لذا ف�إن خياراتهما فيه حمدودة جداً، وتقع بني حدين متناق�ضني� ،إما ان تبقى �سورية حتت حكم الأ�سد� ،أو ال تكون. ت�شارك رو�سيا و�إيران ب�شكل علني ومك�شوف يف دعم حليفهما ،كما �أنهما ت�ستخدمان كل طاقتهما احلربية ،وعلى كل امل�ستويات ،من العتاد واملقاتلني واخلربات وحتى هند�سة �أر�ض املعركة، وتبدي الدولتان ا�ستعداداً كبريا لإ�ستمرار مثل هذا الدعم ،ذلك �أنهما يعتربان �أن �سورية ت�شكل جزءاً من منظوماتهما الأمنية والأيديولوجية ،وحتت هذا االعتبار يرفع الطرفان من من�سوب تقديراتهما للأهمية امل�صلحية ل�سورية ،الأمر الذي يجعل من الأثمان التي تتكلفها الدولتان �أمراً ميكن تربيره وقبوله باعتباره �رضورة ال بد منها. �سورية بالن�سبة ملو�سكو وطهران ت�شكل لب عقيدتهما اال�سرتاتيجية ،وقلب اجلغرافيا ال�سيا�سية لهما ،ويف التقييم اجليوا�سرتاتيجي الرو�سي والإيراين عن �سورية تختلط اخلرائط ب�سيا�سات الهوية ب�أنابيب النفط بت�صورات خا�صة عن القدر احل�ضاري .لينتج عنها جملة من الر�ؤى والت�صورات املتعلقة باملجال احليوي ،مناطق النفوذ ،تق�سيم العامل ،خطوط التما�س ،ونطاقات ت�صادم القوى، هي اجلناح اجلنوبي جليو ا�سرتاتيجية الطرفني. مل يتعاطَ الرو�س والإيرانيون مع الثورة ال�سورية �سوى بو�صفها حدث ًا م�ؤامراتي ًا جرى ت�صنيعه يف خمتربات �أجهزة املخابرات الغربية للإنق�ضا�ض على �أدوارهما النا�شئة يف املنطقة ،ولوقف متددهما باجتاه �سواحل البحر املتو�سط� ،أو كمقدمة الخرتاق حوافهما اجلنوبية .ويف الإدراك الرو�سي ،ف�إن انت�صار الثورة يف �سورية �سوف يجعل ظهر اجلنوب الرو�سي منك�شف ًا �أمام مد الراديكاليات الإ�سالمية، التي تخو�ض رو�سيا �ضدها حرب ًا �رضو�س ًا يف اجلنوب ،يف الوقت الذي ت�شكل فيه �سورية بالن�سبة لإيران اخرتاقا متقدم ًا يف العامل ال�سني ،وج�رساً لربط هاللها ال�شيعي املمتد من طهران �إىل جنوب لبنان. وفق ًا لهذا الإدراك تغدو �سورية لدى دوائر �صنع القرار الرو�سي والإيراين جمال نفوذ حيوي لهما، من خالله ميكن حماية امنهما القومي املهدد دائما بالأخطار ،فالدولتان مهجو�ستان ب�شيء ا�سمه تهديد غربي لوجودهما وم�شاريعهما ،ولديهما ت�صور را�سخ بان كل �سيا�سات الغرب يف ال�سنوات االخرية يف املناطق املحيطة بهما مل تكن �سوى حماوالت الحتوائهما ا�سرتاتيجيا �ضمن امل�رشوع الغربي الهادف اىل ال�سيطرة على العامل و�إعادة �صياغته مبا يخدم م�شاريعه الكونية الكربى ،لذا
ف�إن ال�سلوك املوازي لكل من رو�سيا و�إيران واجلهد احلثيث يف تطوير تر�ساناتهما الع�سكرية وتو�سيع مدى نفوذها لي�س �سوى نوع من اال�ستجابة ملا يعتقدانه حتدي ًا مفرو�ض ًا عليهما. وثمة اعتبارات �أخرى تدخل يف �إطار ما ي�سمى امل�صالح اال�سرتاتيجية ف�سورية لكل من رو�سيا و�إيران ،حيث ت�شكل �سورية رابطا جغرافيا مهما مل�شاريع النفط والغاز للبلدين ،فتتجه رو�سيا �إىل احتكار �سوق الغاز ومواقع �إنتاجه على امل�ستوى القاري ،وتتطلع ملد �سيطرتها على املنتج برمته على م�ساحة وا�سعة من العامل ،ويف هذا ال�صدد ت�سعى الحتكار الغاز املنتج يف ال�رشق الأو�سط ،عرب �إحتكار التنقيب عنه يف �شواطئ البحر املتو�سط، وت�شكل �سورية بهذا ال�صدد وا�سطة العقد ،كما �أنها املمر الأر�ضي الإجباري باجتاه �أوروبا ملد خطوط نقل الغاز ،يف خطوة تهدف �أي�ضا �إىل حرمان اخلليج العربي من هذه امليزة ،وخا�صة بعد اكت�شاف كميات تناف�سية يف قطر وال�سعودية والإمارات توازي كتلة االحتياطي الرو�سي من الغاز ،بو�صفها �صاحبة املرتبة الأوىل. تعول على احتياطيها من التي وكذا بالن�سبة لإيران ّ الغاز ،حيث حتتل الرتتيب الثاين يف هذاملجال على امل�ستوى العاملي بعد رو�سيا ،وقبل قطر بكميات ب�سيطة ،حيث ترتبط م�صاحلها هنا بال�رشيك الرو�سي الذي ي�سعى �إىل �إخ�ضاع �أوروبا لهيمنته الغازية ،والغريب �أن ر�أ�س النظام ال�سوري كان قد ب�رش ب�إطروحة ا�سرتاتيجية ،قبل الثورة ب�أعوام، تقوم على فكرة ربط البحار املوجودة يف املنطقة وربط املوانئ الرئي�سية بها بخطوط نقل النفط والغاز القادمة من �آ�سيا و�إيران �إىل �أوروبا ،على �أن تكون الأر�ض ال�سورية جزءا من هذا الرابط،
وقد �سمى م�رشوعه هذا حينها مب�رشوع « البحار اخلم�سة». ال �شك �أن جملة هذه االعتبارات الأمنية واالقت�صادية والأيديولوجية ،ت�أخذ م�سارها يف �سياق ت�صعيب احلل ال�سوري ،ودفعه ب�إجتاه واحد� ،إما ان تعود �سورية كما كانت قبل � 15أذار� ،أو ال تكون لأحد، وهذه لي�ست خال�صة حتليلية ا�ست�رشافية ،بل هي عبارة نطقها املر�شد الإيراين علي خامنئي �أمام �أحد الدبلوما�سيني العرب يف بداية الثورة ال�سورية ،وهي حتولت �إىل موقف �صلب على الأر�ض ،وقاعدة يعمل بها حلفاء ب�شار الأ�سد يف طول الأر�ض ال�سورية وعر�ضها ،ويطبقها وكال�ؤهم على الأر�ض ب�صيغة» الأ�سد �أو نحرق البلد». وبالتايل ف�إنه ال ميكن مواجهة قناعات و�سيا�سات �صلبة مبجرد تكتيكات جتريبية هنا وهناك ،فال ميكن �إيقاف هذا الزخم الآتي من رو�سيا و�إيران ،من دون �أن ي�صدر حلفاء ال�شعب ال�سوري ا�سرتاتيجيات مواجهة جدية وفاعلة ،لك�رس ذلك الت�صميم و�إف�شاله و�إثبات عدم جدواه و�رضره ،لأن ذلك وحده ما �سي�ساهم ب�إقناع مو�سكو وطهران ب�رضورة الرتاجع عن تلك ال�سيا�سات ،فطاملا ظ ّل الرو�س والإيرانييون على قناعة ب�أنهم ال يواجهون �سوى ال�شعب ال�سوري الأعزل ،وان لديهما الهام�ش من الوقت والذخائر لتجريبه على ال�سوريني ،ولن يرتاجعا عن ذلك. وحده منطق تهديد امل�صالح والعقاب على اجلرائم من ينقذ ال�شعب ال�سوري من هذا التكالب ،ويخرج �سورية من مدار �أ�سو�أ قوتني �أخالقيتني معا�رصتني. ذلك �أن �شطحاتهما قد تو�صلهما اىل حد تدمري �سورية ومتزيقها واجللو�س على �أطاللها ،ولو على كورني�ش ميناء طرطو�س �أو على م�صيف دريكي�ش .
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
العدد ( 2014/04/13 )135م
ر�أي
04
النظام و�سيناريو طم�س التناق�ض معه باختالق الإرهاب فيكتوريو�س بيان �شم�س
بالتزامن مع انطالق الثورات يف تون�س ،وم�رص، وليبيا� ،أ�صدر الرئي�س ال�سوري يف منت�صف �شباط 2011مر�سوم ًا يحمل الرقم ( )70لنف�س العام، يق�ضي بتخفي�ض الر�سوم اجلمركية عن بع�ض ال�سلع اال�ستهالكية كبادرة ح�سن نية وك�رضبة ا�ستباقية، وهي تخفي�ضات طفيفة ،بحيث مت تخفي�ض �أ�سعار الأرز ما بني (� 1إىل ،)3%و املوز ما بني (� 20إىل ،)40%وهي تخفي�ضات �سخيفة ملواد هام�شية قد مما قد ي�ستفيد منها ي�ستفيد منها ّ التجار �أكرث بكثري ّ امل�ستهلك ،لكنها عادة النظام "بالإ�صالح" .تزامنت هذه املرا�سيم مع قرار يق�ضي ب�إعادة فتح موقع " ،"facebookالذي مت حجبه �أوائل العام 2007 بعد �أن ا�ست�شعر النظام بح�سه الأمني خطورة هذا املوقع وغريه ،فكان بفتحه ير�سل للعامل بر�سالة مفادها :ل�سنا خائفني منه كغرينا! .ولعل القارئ يذكر تقدمات ومغريات "�أيام اخلمي�س" التي درج على �إعالنها النظام �آنذاك يف نهاية كل �أ�سبوع، لعلها تكبح جماح التظاهرات التي بد�أت تنطلق تتو�سع كالنار بالفعل ً ابتداء من درعا ،ثم ما لبثت ّ يف اله�شيم �إىل باقي املحافظات. اعتمد النظام �سيا�ستي الرتهيب الوح�شي والرتغيب يف حماولته البائ�سة لدفن الثورة يف مهدها ،وهو ما ف�شل فيه ف�ش ًال ذريع ًا .بهذا� ،أيقن ا�ستحالة وقف الثورة؛ فلج�أ �إىل اخلطط الأخرى� ،أي �إىل دفع ال�شعب يربر لنف�سه �أمام العامل ال�ستخدام العنف ّ �ضده ،ع ّله ّ وح�شيته يف التعامل مع هذا احلراك� .سيناريوهات كثرية اعتمدت ،منها يف البداية مث ًال :تقارير مل ّفقة على قنواته التليفزيونيةُ ،تظهر بع�ض من يعرتفون با�ستخدامهم ال�سالح ،وتلقيهم الدعم والتمويل من جهات خارجية ،ما �أنزل اهلل بها من �سلطان ،تبد�أ من ال�سعودية� ،إىل قطر ،وال تنتهي "ب�إ�رسائيل". �إال �أن ذلك مل يجد نفع ًا ،خا�صة و�أ ّنه بد�أ يخ�رس
مواقعه وعالقاته يف اخلارج ،فخ�رس بع�ض �سفاراته، �إ�ضافة �إىل مقعده يف "جامعة الدول العربية". كان البد �إذاً من تغيري قواعد اللعبة مبا يحفظ له، �أو قل :له ،ولداعميه �سيطرتهم ،وامتيازاتهم .لي�س هناك �أكرث مثالية من �صنع عدوه بنف�سه ،عدو ويتوحد يف حربه عليه ،مع ي�ستطيع التعامل معه، ّ القوى التي ا ّتهمها يف دعم الثورة لرفع ال�رشعية عنها ،ق�صدنا �أمريكا ،ومن يدور يف فلكها .تغيرّ ت ا�سرتاتيجية النظام ،من مواجهته "للم�ؤامرة الكونية" و "الع�صابات الإرهابية امل�س ّلحة" غري حمددة االرتباطات والأهداف حمددة الهوية ،لكنها ّ (الق�ضاء على النظام املمانع)� ،إىل "جمموعات �إ�سالمية �سلفية �أ�صولية" ترتبط ب�شكل مبا�رش "بتنظيم القاعدة" .بهذا ا�ستطاع ت�شتيت الأنظار عن مطالب الثورة الأ�سا�سية ،وهي مطالب ال�شعب بعامة ،لتن�صب الأنظار على كيفية ال�سوري ّ مواجهته لهذا "اخلطر الداهم" الذي �صنعه بنف�سه، بعد �أن �أطلق من �سجونه �رساح �أغلب املعتقلني الإ�سالميني ،بعيد انطالق الثورة ب�أ�شهر قليلة. تكرر ال�سيناريو يف العراق قبل �أ�شهر ،عندما فيما ّ �أعلنت و�سائل الإعالم العراقية والعاملية عن هروب املرجح ما يربو عن ( )1000معتقل �إ�سالمي ،من ّ �أ ّنهم ان�ضموا لتنظيم "الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام – داع�ش" .هكذا بكل ب�ساطة ،هرب هذا العدد حمددة ،بالتزامن حمدد ،يف ظروف ّ من �أتباع تنظيم ّ مع ثورة على نظام حليف! حتدثت يف الفرتة املا�ضية عن قيادة ف�ضائح كثرية ّ بع�ض �ضباط النظام ،وحلفائه الإيرانيني لهذا تتحدث عن دعم مايل، التنظيم ،عدا عن ت�رسيبات ّ وت�سليح مبا�رش. ومن نافل القول� ،إن هذا التنظيم ،وغريه من التنظيمات التي ت�شبهه ،والتي ن�ش�أت ب�شكل مفاجئ،
توجه �سالحها حلظة واحدة للنظام ،عدا عن �أن مل ّ النظام مل يدخل معها يف �أية مواجهة منذ ن�ش�أت، تبدت ب�شكل وا�ضح � ّإبان "م�ؤمتر وهي ف�ضيحة ّ وجه ال�س�ؤال لوفد النظام ،عن �رس جنيف "2عندما ّ عدم ق�صف طائراته لأماكن �سيطرة هذا التنظيم، ليتهربوا من الإجابة ( )12مرة ح�سب ما ُ�س ّجل! ّ اقت�رص عمل هذه التنظيمات املختلقة على خنق الثورة و�إحباطها ،عرب قتل الثوار والتنكيل بهم ،عدا تدخلها يف �ش�ؤون النا�س وتطبيق "الق�صا�ص" عن ّ على املواطنني ،و "اجلزية" على الطوائف الأخرى، يف حماولة لإظهار طائفية الثورة ،وهي الفكرة التي مل يعدم النظام و�سيلة ل�صبغ الثورة بها. يف حني دخل "اجلي�ش احلر" والكثري من القوى امل�س ّلحة يف مواجهات دموية طاحنة مع هذه التنظيمات للتخ ّل�ص من �آثارها ،فيما بقي النظام م�رصين على ا ّتهام الثورة ،وبالتايل وحلفا�ؤه ّ ال�شعب ال�سوري ك ّله بها .بهذا ،كانت مكا�سب النظام ال تعد وال تحُ �رص ،تبد�أ با ّتهام الثورة بالإرهاب، وال تنتهي بت�شتيت قواها امل�س ّلحة ،مروراً بت�صفية الكثري من كوادر الثورة الذين وقعوا بني �سندان النظام ،ومطرقة االنتقام الأ�صويل ،عدا عن ا ّتهامها بارتباطات م�شبوهة من اختالقه. من جانب �آخر� ،ساعد وجود هذا التنظيم وغريه ابتداء من ومتددهم يف املنطقة، يف �سوريا، ّ ً العراق وحتى لبنان عرب عمليات �أمنية على تربير وتدخل التن�سيق بني حلفاء من فريق طائفي واحد، ّ مبا�رش كما هو احلال بالن�سبة "حلزب اهلل"� ،أو عرب تن�سيق على امل�ستوى الر�سمي ،وت�سهيل دعم ومرور لتنظيمات "كبدر" ،و "�أبي الف�ضل العبا�س" العراقيني� ،إ�ضافة "للحر�س الثوري الإيراين". تخبط ،وغياب ا�سرتاتيجية كل هذا يحدث يف ظل ّ رحبت التي "املعار�ضة"، مواجهة وا�ضحة لدى �أطر ّ بع�ض جهاتها و�شخ�صياتها يف البداية "بجبهة مكونات الثورة، الن�رصة" على اعتبار �أ ّنها �إحدى ّ فكان يف ذلك تقاطع وت�أكيد غري حم�سوب لرواية النظام. هكذا ا�ستطاع النظام طم�س تناق�ضه احلقيقي مع مطالب ال�شعب ال�سوري بخلق خ�صمه ،ونقي�ضه املفرت�ض ،وهو ما �سيح ّقق واحداً من �أبرز ال�شعارات التي طرحها م� ّؤيدوه يف بداية الأحداث" :الأ�سد؛ �أو نحرق البلد!" .وهو �شعار ي� ّؤكد �أن مفتاح حل مع�ضلة التنظيمات الإرهابية يف جيب النظام، ف�إن بقي ،ق�ضى عليها و�أنهاها .و�إن �سقط� ،أحرقت يدمر من بعده. البالد ،و�أكملت تدمري ما مل ّ يبقى �أن على "املعار�ضة" الإجابة على ال�س�ؤال التايل :ما هي ا�سرتاتيجيتكم ملواجهة هذه الظواهر، قبل �إ�سقاط النظام ،وبعده؟.
05
ر�أي
العدد ( 2014/04/13 )135م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
جبهة ال�ساحل و�أوهام �سقوط النظام ع�سكري ًا يا�سر بدوي
و�أخرياً ُفتحت جبهة ال�ساحل لإ�سقاط النظام ال�سوري ،فهل ي�سقط النظام يف ال�ساحل �أم �أن �سقوطه يف دم�شق؟ وملاذا مل ي�سقط يف حلب ،ومل ي�سقط يف حم�ص؟ وهل النظام جمرد كتلة ع�سكرية؟ ويجب خو�ض املعركة احلربية للتخل�ص منها وحتقيق االنت�صار املوهوم القائم على اخلراب والدم وع�سكرة ال�شعب .من هو النظام وكيف ي�سقط؟ ما هي الثورة وكيف تنت�رص وما دور الع�سكرة والعمليات احلربية يف حتقيق االنت�صار؟ و�أال يعني هذا اللعب يف اخلطوط التي ر�سمها النظام ت�سهم يف بقائه وا�ستمراره ،وهو يراهن على تغيري يف املعطيات و�إن كان رهانه خا�رساً . يطرح اليوم بقوة ال�س�ؤال حول عدم انت�صار الثورة وعدم �سقوط النظام ،وتتعدد نظريات الت�شخي�ص، وتعود �إىل لغة امل�ؤامرة ،وتغيب القراءة ال�سيا�سية. النظام لي�س طائفة دينية �أو �إثنية ،لكنه لعب بهذه الورقة اللعبة القذرة مما جعل طائفة خمتطفة، وطوائف �أخرى متوج�سة وقلقة .كما النظام لي�س كتلة ع�سكرية ،و�إمنا هو مغت�صب مل�ؤ�س�سة ع�سكرية. النظام لي�س الدولة وم�ؤ�س�ساتها بل حمتل هذه امل�ؤ�س�سات ،ومغت�صب قرارها ،ويدمرها عندما يرى �رضورة يف هذا التدمري. النظام يخرتق الثورة وحتديداً قواها الع�سكرية والكتائب املنفلتة ،وبالتايل �أمنت له تطورات ومربرات الت�صعيد الذي ر�سمه لتخريب �سوريا. النظام ال ميكن �إ�سقاطه �إال �سيا�سيا واجتماعيا ،فال�سقوط الع�سكري هو �سقوط وانهيار للدولة و امل�ؤ�س�سات و�سقوط لفكرة التعاي�ش ،وال�سقوط الع�سكري �سريافقه حاالت انتقام ال ي�ستهان بها ،وظلم �شيد على مدار ال�سنيني ،وبالتايل �سقوط
الأخالق والقيم التي انتف�ض النا�س لأجلها. �إ�سقاط النظام البد �أن يتم عرب �إ�سقاط عقلية اال�ستبداد والطغيان ،و�سيادة العدالة وامل�ساواة عرب د�ستور وقانون ،وبعمل متوا�صل ومثابرة ال تعرف الكلل وال الرتاخي لتحقيق ذلك . من هنا ميكن النظر �إىل ق�ضية فتح جبهة ال�ساحل من زاوية الهدف ال�سيا�سي ،ولي�س من زاوية �أنها ن�رصاً ع�سكري ًا ي�سقط النظام ،مبعنى �آخر �أن تكون حتريك من �أجل الو�صول �إىل احلل ال�سيا�سي الذي يتهرب منه النظام ،ويقدم الذرائع لإف�شال احلل، وهو مطمئن �إىل دويلته التي يعد بها [ الطائفة املخطوفة ] . �إذا مت توظيف املعركة الدائرة يف ال�ساحل بعد �سيطرة قوى الثورة على منطقة ك�سب وهي تتقدم باجتاه مدينة الالذقية م�ضاف َا �إىل وجودها يف جبل الرتكمان و�سلمى حيث القرداحة حتت مرمى �صواريخ الثوار من �أجل الهدف الكبري للتحول الدميقراطي وحتقيق الأهداف ،ن�ستطيع القول �إنها معركة يف االجتاه ال�صحيح ،وقد ظهرت �أوىل البوادر من خالل ت�رصيحات بوغدانوف يف الكويت عندما و�صف االنتخابات الرئا�سية املزعومة �أنها ال ت�ساوي �شيئ ًا ،و �أعاد الت�أكيد على احلل ال�سيا�سي وبيان جنيف واحد ،و�إن كان الكونرتول الدويل هو من قرر هذا التحريك جلبهة ال�ساحل بغية الو�صول للحل ال�سيا�سي املعرب عنه بنقاط جنيف واحد تكون املعركة خطوة �إيجابية باجتاه �إ�سقاط النظام ،و وقف �إجرامه ،وتخريبه ل�سوريا. لكن مبا �أننا نقر�أ� ،إذا كان فتح هذا اجلبهة مت بقرارات �إقليمية �ضمن �إطار ردود الفعل والت�سابق نحو احل�ضور ولعب �أدوار على �أوهام ك�رس و�إ�سقاط
النظام ع�سكري ًا ف�إن لهذا الأمر حماذير البد �أن تو�ضع على الطاولة من اال�ستمرار يف ال�ستاتيكو الدموي الذي �رضب �سوريا منذ �أعوام ،وذلك عرب الرباميل املتفجرة وال�صواريخ العنقودية والفراغية وتقطيع الر�ؤو�س . ولعل التحذير الأخري يف هذا امل�ضمار �أن يكون املر�سوم لفتح هذه اجلبهة هو �أن ت�صب يف فكرة وهم الدولة �أو الكانتون الطائفي الذي ي�سعى �إليه النظام ودول �إقليمية ودولية للإبقاء على م�صاحلها يف �سوريا واملنطقة ،وتكون الف�صائل الع�سكرية بذلك جمرد �أدوات لتحقيق لهذا امل�رشوع التق�سيمي الغري قابل للحياة واال�ستمرار .والأخطر هو �أن تكون القوى ال�سيا�سية �أدوات م�ضادة له خدمة ملخطط النظام و �أوهام دولته ،كما فعل ف�صيل �سيا�سي مثل هيئة التن�سيق الوطنية ال�سورية التي و�صفت دخول املجاهدين �إىل منطقة ك�سب ب�أنه (تخريب ) م�ضاف �إىل تخريب �سوريا يف املناطق التي �سيطرت عليها قوى الثورة! يف الر�ؤية ال�سيا�سية ،النظام لن ي�سقط ع�سكري ًا، وبالتايل تنطبق مقولة كالوزفيت�ش ( �إن احلرب امتداد لل�سيا�سية) ومقولة �أخرى تقول :يتم �إطالق قذائف املدافع عندما يكون ُت�سد احللول ال�سيا�سية. النظام طائفة �سيا�سية حتولت �إىل ع�صابة ت�سيطر على الدولة ،وجنحت جناح ًا باهراً يف كل هذا التخريب ،وال بعد من ر�ؤية املعارك الع�سكرية على �أنها حمركات وحتريك للحل ال�سيا�سي الذي ي�سقط عربة النظام ،وينت�رص ال�شعب بعقد اجتماعي جديد ي�صاغ يف د�ستور وقوانني يحقق معنى املواطنة، ويبتعد عن التعميمات اجلاهزة ،و�سيا�سيات التجهيل التي متار�س على تيارات الر�أي العام .
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
العدد ( 2014/04/13 )135م
ق�ضايا
06
ال�س�ؤال امل�شروع حول الطائفية يف �سوريا حكم عاقل
�إحدى م�سلمات فل�سفة التاريخ الهيغلية �أن �أعمال الب�رش قد ال ت�ؤدي دائم ًا �إىل ما هو مرجو منها .ويبدو �أن هذا هو حال ال�سوريني اليوم .فلم ُيرد ال�سوريون �أن تتحول �سوريا �إىل �ساحة �رصاع لقوى عظمى و�إقليمية، ومل ي�ش�أ ال�سوريون �أن ي�ستبد العنف امل�سلح بحراكهم ال�سلمي ليدخلوا معه يف �أتون حرب �أهلية ال تخفى منطلقاتها و�أبعادها املذهبية والطائفية ،ومل يتخيلوا يوم ًا �أن بلدهم �ستكون على حافة االنق�سامات العرقية والطائفية والتفتت اجلغرايف .كما مل يتوقع ال�سوريون �أن يكون ثمن هذا احلراك باهظ ًا وذي كلفة عالية يف الأرواح واملمتلكات والأرزاق ،لدرجة احلرمان من ظل �سقف حتت �سماء هذا الوطن. قيادات املعار�ضات ال�سورية ،ما تزال تنكر �أي طائفية بني �أبناء ال�شعب ال�سوري .ويف الوقت الذي ي�ؤكدون فيه �أال م�شكلة مع الطائفة العلوية يرون �أن م�شكلتهم مع النظام الذي ا�ستثمر وي�ستثمر تلك الطائفة .كالم ال يخلو من التناق�ض وي�صعب على املنطق ه�ضمه ،فلو مل تكن الطائفية موجودة �أ�سا�س ًا فهل �أمكن ا�ستثمارها؟ �أولي�س اال�ستثمار الطائفي هو ممار�سة طائفية بحد ذاتها؟ وال تكفي دائم ًا �أن تتواجد الطائفية لدى جانب حتى تربر الطائفية امل�ضادة يف اجلانب الآخر ،و�إال دخلنا يف «دور» من الطائفية والطائفية امل�ضادة الذي �إن �أمكن ا�ستثماره �سيا�سي ًا ودعائي ًا ف�إنه ال ميت ب�صلة اىل التحليل العلمي. من ي�شاهد الفيديوهات الأخري ملقاتلي «جبهة الن�رصة» عند مدخل ك�سب� ،أو عند نقطة «املر�صد »45 -التي ا�ستعادها م�ؤخراً اجلي�ش النظامي ال�سوري ،وي�ستمع �إىل هذا اخلطاب الطائفي املقيت ،ي�شعر بفداحة ذلك الثمن الذي قدمه ال�سوريون منذ انطالقة حراكهم ال�شعبي ال�سيما حني تكون نتائجه �أبعد من �أن حتقق احلد الأدنى من التغيري املطلوب .لذا يغدو ال�س�ؤال من نوع «:هل نحن طائفيون؟»� ،س�ؤا ًال م�رشوعاً. جورج �صربا ي�شكر امل�ساجد التي كانت «املكان الوحيد» الذي ات�سع لأفكار « الثورة» ،لكنه ين�سى �أن يت�أ�سف �أنها كانت مكان ًا وحيداً ،وين�سى �أن يناق�ش دالالت ذلك وانعكا�ساته على الأقليات الدينية يف �سوريا ،وتوج�سها املبكر من حراك انطلق من امل�سجد ،ويدعي يف الوقت نف�سه �أنه ميثل كل ال�سوريني .اختيار �صربا ليديل بهذا الت�رصيح �أمر مفهوم ،لكن ما يبدو ع�صي ًا على الفهم هو
الت�رصيح نف�سه الذي ي�رص على التعامي عن امل�شكلة الطائفية املتفاقمة .هل يكفي �أن يكون يف هيكليات املعار�ضة امل�سيحي وامل�سلم والدرزي والعلوي وال�شيعي لنقول �أن ال طائفية يف �سوريا؟ .كيف تكون �سوريا معافاة من الطائفية ،على الأقل يف ظل نظام متهم باال�ستثمار الطائفي الذي ا�ستمر لعقود؟ ويف اجلانب الآخر التحري�ض الطائفي على قدم و�ساق .تكفي جولة �رسيعة على �صفحات التوا�صل االجتماعي لي�شعر املت�صفح باال�شمئزاز من ذاك التجريح املتبادل الذي خرج من ثنائية م�ؤيد – معار�ض لي�صطبغ بال�صبغة الطائفية واملذهبية .يف هذا ال�سياق ت�أتي معركة ال�ساحل لت�شكل خط�أ ا�سرتاتيجيا جديداً ال يخدم م�صلحة ال�سوريني بل يخدم �أجندات �إقليمية تعمل على ت�أجيج النعرات الطائفية والعرقية والرغبة العمياء يف االنتقام. عند انطالق احلراك ال�شعبي ،رمبا مل يكن وا�ضحا لدى ال�سوريني �سوى �إح�سا�سهم باحلنق وال�ضيم والإهانة ف�أرادوا بحراكهم االنت�صار ملعاين الكرامة وال�رشف. لقد كان هذا احلراك ،حراك ًا �أخالقياً� ،إن جاز التعبري، �أكرث من كونه حراك ًا �سيا�سياً .حتى مفهوم احلرية التي حرم ال�سوريون من ممار�ستها ب�أ�شكالها املتعددة كانت للكثري منهم مفهوم ًا مبهم ًا وملتب�ساً .مل يكن هناك هدف ًا �أكرث و�ضوح ًا من �إ�سقاط النظام .مل يكن لدى ال�سوريني ت�صوراً حمدداً حول �سوريا اجلديدة �أو �سوريا كما ينبغي �أن تكون �سوى تلك اخلالية من الأ�سد و اال�ستبداد، وكان من الطبيعي �أال ميتلك اجلمهور وعي ًا غري تقليدي بطبيعة امل�شكالت التي يعاين منها �أو مباهية احللول املمكنة ،وكان من املفرو�ض �أن ت�ستطيع قيادات هذا احلراك ومن ان�ضم �إليه الحقا من مثقفني و�سيا�سيني يف الداخل واخلارج �أن يبلوروا هذا الوعي وهذه الت�صورات املفقودة لدى اجلماهري� ،أو �إحاللها مكان تلك املتحدرة من الوعي التقليدي .لكن تنوع انتماءات ه�ؤالء العرقية وتعدد والءاتهم ال�سيا�سية واختالف م�شاربهم الفكرية فر�ضت حالة توافقية حول قوا�سم م�شرتكة نظري ًا وعملياً ،عطلت الكثري من التنظري املطلوب لعديد من الق�ضايا حتى �إ�شعار �آخر. �أجاد النظام دائم ًا اللعب على التوازنات الطائفية. �سيا�سة كهذه ال تلغي الطائفية بل تبقيها فقط حتت الطلب وال�سيطرة يف �آن مع ًا وتدرجها يف حيز امل�سكوت عنه. وهاهي املعار�ضات ال�سورية ورموزها ت�ستمر للأ�سف
يف �إبقائها �ضمن احليز ذاته ،مع �أن مواجهتها باتت �أمراً حمتم ًا و�رضورياً ،وهو ما يتطلب بالدرجة الأوىل االعرتاف بوجودها� ،أما القفز عنها فقد كان دائم ًا عائق ًا يحول دون تكوين وعي م�ضاد لها� .إن حماولة الهروب �إىل الأمام املهيمنة على قوى املعار�ضة لن جتدي نفعا، ولن ي�ؤدي دفن الر�أ�س يف الرمال �إال �إىل مزيد من العجز. ومن الطبيعي يف هذه احلال �أن يربز التف�سري الأ�صويل ال�سلفي ليكون �سيد املوقف. منذ البداية ،كان الختزال احلراك اجلماهريي يف هدف حول «الثورة» �إىل حمدود متثل يف ا�سقاط النظام قد ّ «�رصاع» يف ظل وجود امل�شكلتني العرقية والطائفية يف املجتمع ال�سوري ،وهنا يغدو احتجاج ريا�ض حجاب على �إحالل امل�صطلح الثاين مكان الأول �أمراً غري م�رشوع من وجهة نظر البحث العلمي .كان ينبغي تو�سيع املعركة و�إعطائها طابع ًا �شمولي ًا لت�صبح معركة مع «القدمي» والقوى التي متثله .عندها فقط كان ميكن لهذا احلراك �أن يكت�سب معنى الثورة بغ�ض النظر عن نتائج هذه املعركة يف املدى املنظور. ما يزال هذا القدمي حا�رضا واالنت�صار عليه يتطلب امل�صارحة واملواجهة لت�صفية احل�سابات التاريخية املعلقة ومنها امل�شكلة الطائفية� .إن القوى التقدمية مبحاولة قفزها عن هذا القدمي الرجعي ال تفعل �سوى انها تزيده قوة ،بل حتكم بذلك على نف�سها بالتقهقر �أمامه، وهو ما يح�صل فع ًال ،مزيد من الت�رشذم واالن�شقاقات يف �صفوف املعار�ضة ،ارتهان متزايد للخارج والعجز عن املواجهة يف الداخل ،هيمنة قوى القدمي على امل�سارين ال�سيا�سي والع�سكري للمعار�ضة�...إلخ .والأهم من ذلك كله وكنتيجة له �أي�ضاً� ،إطالة �أمد املواجهة دون توفري احلد الأدنى الالزم للحا�ضنة ال�شعبية املدنية كي ت�ستطيع اال�ستمرار يف تلك املواجهة. ال�شك �أن التغيري التاريخي يتطلب ت�ضحيات ج�سيمة، ميكن التعامل مع هذه امل�سلمة ك�أحد قوانني احلتمية التاريخية ،لكن احلرية االن�سانية تربز هنا حني ي�سهم الوعي العلمي يف تقنني هذه الت�ضحيات وحتقيق ما �أمكن من �أهداف قُدمت هذه الت�ضحيات ثمن ًا لها .المنا�ص من �أن يقدم ال�شعب ال�سوري ت�ضحيات تاريخية ،لكن الإخفاق يعني �أن ي�صبح هو ذاته �ضحية للتاريخ.
07
ق�ضايا
العدد ( 2014/04/13 )135م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
ف�شل خلط الدميقراطية بتطبيق ال�شريعة � :أي طريق ي�سلك «الإخوان» ال�سوريون؟ جورج كنت
�إذا كان هناك من عنوان يلخ�ص املتغريات ال�سيا�سية العاملية للثالث عقود املن�رصمة ب�شكل خا�ص ،وملا بعد نهاية احلرب العاملية الثانية ب�شكل عام ،فهو: "�أولوية الدميقراطية على �أي �شيء �آخر" .فقد �شهدنا انتقال الدول الفا�شية يف �أوروبا واليابان لنظام دميقراطي ،يف الأربعينات من القرن املا�ضي ،ودول �أخرى عديدة بعدها ،حتى بداية الت�سعينات التي �شهدت �أي�ضا انتقال معظم دول املع�سكر ال�رشقي من حكم احلزب الواحد �إىل الدميقراطية .ومل يبق يف العامل �سوى قلة من الدول اال�ستبدادية �أهمها دول يف ال�رشق الأو�سط و�شمال افريقيا التي با�رشت ثوراتها الدميقراطية منذ �أربع �سنوات. التعقيد الذي ي�ؤخر االنتقال �أن ال�رصاع ال تتجاذبه قوتان رئي�سيتان ،الأنظمة اال�ستبدادية من جهة والقوى الدميقراطية الليربالية من جهة �أخرى� ،إذ �أن هناك قوة ثالثة تطرح نف�سها بدي ًال عن الأنظمة اال�ستبدادية ،وهي الإ�سالم ال�سيا�سي بتنوعاته وفروعه .و�صولها لل�سلطة مل يعد م�سالة نظرية ،فقد و�صلت �إليها يف عدة بلدان بدءاً من �إيران ثم تركيا و�أفغان�ستان الطالبان وم�ؤخرا تون�س وم�رص .ف�أ�صبح ممكن ًا تقييم �أدائها يف ال�سلطة ،ولي�س منطلقاتها النظرية فقط. يف �أفغان�ستان و�صل الإ�سالميون املتطرفون الذين يكفرون العامل كله ويعتربون معركتهم �ضده ،وبذلك مل ي�ستمروا يف احلكم طوي ًال� ،إذ انهاروا حتت �رضبات القوى الكربى التي من م�صلحتها الق�ضاء على خطر الإرهاب اال�صويل الذي �شن حربه �ضد ما ي�سميه "مع�سكر الكفر" بغزوة نيويورك دون تقدير للنتائج التي ترتب عليها تدمري �إمارته الإ�سالمية ال�سابحة يف �أوهام عهد "الفتح" ،و�إمكان �إعادة عقارب الزمن للوراء ب�شطب 14قرن ًا من التطور العاملي. يف �إيران اقام الإ�سالم ال�سيا�سي �سلطة رجال الدين وعلى ر�أ�سها الويل الفقيه املتحكم ب�سلطات وا�سعة فوق جميع ال�سلطات الأخرى الرئا�سية والت�رشيعية والق�ضائية ،ف�شل خالل ثالثة عقود يف مزج �سلطة رجال الدين مع دميقراطية انتخابية �أتت بر�ؤ�ساء مل تتعد �صالحياتهم تنفيذ تعليمات املر�شد ،دون �إمكانية رف�ضها �أو تعديلها .كما ف�شلت جميع حماوالت الإ�صالح التي حاولها الرئي�سان املنتخبان رف�سنجاين وخامتي لتو�سيع �أطر الدميقراطية لل�شعب املتذمر من �سلطات رجال الدين املطلقة� ،إىل �أن ا�ضطرت �أجهزة املر�شد الأمنية تزوير االنتخابات لإجناح مر�شحها "جناد" للرئا�سة ،قطع ًا للطريق على و�صول رئي�س يتحدى �سلطته ،مما نتج عنه انهيار احلا�ضنة ال�شعبية للطبقة الدينية احلاكمة وثورة خ�رضاء مليونية عام ،2009و�إن مل تنجح يف �إ�سقاط النظام الديني فقد افتتحت مرحلة جديدة لثورات قادمة �أكرث اتقان ًا للخال�ص منه ،بعد �أن كانت قد �أ�سقطت نظام ال�شاه بثورتها التي جريها رجال الدين ل�صلحتهم. التجربة يف تركيا خمتلفة� ،إذ بعد ف�شل تنظيمات �إ�سالمية يف لعب �أي دور رئي�سي من خالل الدميقراطية الرتكية� ،أتى حزب العدالة والتنمية لل�سلطة ب�أغلبية �شعبية انتخبته لربناجمه الذي ال يدعو لتطبيق �أية �رشيعة �إ�سالمية ويقبل العلمانية كف�صل للدين عن ال�سيا�سة وكمنهج �أ�سا�سي يف النظام الدميقراطي، ليميز بني امل�ؤ�س�سات الدينية من جهة ،وبني الدولة واحلزب كم�ؤ�س�سات �سيا�سية� .أع�ضا�ؤه �إ�سالميون متدينون ك�أفراد ولي�س كتنظيم ،دعوته الإ�سالمية
تقت�رص على حرية �أداء ال�شعائر و�إزالة القيود عن ارتداء احلجاب ،وحرية التعليم الديني اخلا�ص .قدم احلزب جتربة جديدة ال متزج بني ال�رشيعة والدميقراطية، خارجة عن نهج الإ�سالم ال�سيا�سي التقليدي للإمام البنا و�سيد قطب يف تطبيق �رشيعة تتناق�ض عملي ًا مع الدميقراطية واحلداثة. �أي امل�سارين �سلك الإ�سالم ال�سيا�سي يف ثورات تون�س وم�رص؟ حزب النه�ضة التون�سي احلا�صل على �أكرب عدد من الأ�صوات يف �أول انتخابات �إثر الثورة ال�شعبية التي �أطاحت بنب علي ،رغم �أنه مل يلعب دوراً رئي�سي ًا يف انت�صارها ،توهم �أنه ميكن ان ينفرد بال�سلطة ويبد�أ �أ�سلمة البالد ح�سب نهج تطبيق ال�رشيعة الإخواين، فا�صطدم مع غالبية �شعبية عاي�شت علمانية �أر�ساها احلبيب بورقيبة �أول رئي�س تون�سي عقب اال�ستقالل، متثلها كتلة دميقراطية علمانية ،فر�ضت يف النهاية بعد احتجاجات �شعبية وا�سعة تراجع حزب النه�ضة ليقبل بوزارة جديدة ال يهيمن عليها ،وبد�ستور جديد ال ي�رشعن لتطبيق ال�رشيعة بل لإقامة نظام مدين دميقراطي علماين ،ال�سيادة فيه لل�شعب ،ولي�س كما يدعي مف�رسي الن�صو�ص "احلاكمية هلل" .وبذلك قبل النه�ضة بنهج مقارب حلزب العدالة والتنمية الرتكي، انحناء م�ؤقتا �أمام العا�صفة ون�أمل �أال يكون ذلك ً ال�شعبية. �أما يف م�رص فالإخوان الذين مل يلعبوا دوراً رئي�سي ًا يف الثورة �ضد مبارك بل �شاركوا فيها بعد اندالعها ك�أحد قواها ،ا�ستفادوا من كونهم الأكرث تنظيم ًا وخربة ،للح�صول على �أغلبية يف �أول انتخابات رئا�سية �أتت مبر�سي لي�س فقط بقوة الإخوان ،ولكن بدعم كتل �شعبية وا�سعة خ�شيت من جناح �أحمد �شفيق املح�سوب على نظام مبارك .وبد ًال من �أن يقيموا حكم ًا ي�ضم ائتالفا لكافة القوى املدنية امل�شاركة بالثورة ،تفردوا بال�سلطة وبد�أوا عملية الأ�سلمة وتطبيق ال�رشيعة من خالل د�ستور ال يراعي قطاعات ال�شعب الراف�ضة ملثل هذا التوجه .ليواجهوا كما يف تون�س بهبة �شعبية مليونية ترف�ض هيمنتهم وتطبيقاتهم املنافية للدميقراطية واحلداثة .وبد ًال من القبول بالطريق التون�سي يف الت�صالح مع القوى الدميقراطية� ،أ�رصوا على مواجهة التغيري بالقوة ،مما
مكن اجلي�ش امل�رصي من التدخل لإطاحة مر�سي. و�إذا كانت معار�ضتهم للنظام اجلديد ت�أخذ حتى الآن �شكل احتجاجات يف ال�شارع ،فذلك ال يعني �أنهم مل يرحبوا بعمليات �إرهابية يقوم بها مت�شددون �إ�سالميون يهتدون بالربنامج الإخواين .وال ي�ستبعد �أن ينزلق التنظيم الإخواين للإرهاب بعد ف�شله يف مواجهات ال�شوارع ،وموقفه املرتدد الذي يراوح بني الدميقراطية والإرهاب� ،إذ �سبق لإخوان م�رص �أن �أفرزوا "التنظيم اخلا�ص" الإرهابي يف عهد عبد النا�رص ،مثلما �أنتجوا �أي�ضا تنظيم "الطليعة امل�سلحة" الإرهابي يف �سوريا الذي مكن النظام اال�ستبدادي ال�سوري من تربير قمعه ،لي�س فقط للإخوان ،بل لكل القوى الدميقراطية. و�إذا كانت هناك �إمكانية لعودة حكم الع�سكر مل�رص من خالل انتخاب ال�سي�سي ف�إخوان م�رص يتحملون امل�س�ؤولية الأوىل يف متكينه ،لتم�سكهم برباجمهم لتطبيق ال�رشيعة املرفو�ضة من قطاعات �شعبية وا�سعة ،ولرف�ضهم االئتالف مع القوى املدنية الدميقراطية والعلمانية التي من ال�صعب على الع�سكر مواجهتها عندما تكون موحدة .فائتالف جميع القوى املدنية ال�شعبية الدميقراطية والإ�سالمية �أ�سقط حكم مبارك امل�ستقوي بالع�سكر ،وائتالف جديد لهذه القوى بعد قبول الإخوان بالرتاجع عن برناجمهم لتطبيق ال�رشيعة� ،سيمكن من منع عودة الع�سكر لل�سلطة من جديد. �أي الطريقني �سي�سلك �إخوان �سوريا؟ الطريق التون�سي ومنوذجه حزب العدالة والتنمية الناجح� ،أم الطريق امل�رصي ومنوذجه النظام اال�ستبدادي الإيراين؟ احلل الو�سط يف خلط تطبيق ال�رشيعة مع الدميقراطية انهار يف تون�س طوعاً ،ويف م�رص ق�رساً ،ويف طريقه لالنهيار يف �إيران ،ولي�س له م�ستقبل يف �سوريا. التحاق الإخوان بالدميقراطية يفرت�ض الإقرار بالعلمانية كف�صل للدين عن ال�سيا�سة ،واالئتالف مع القوى املدنية الدميقراطية الأخرى يف مواجهة حكم الع�سكر� ،أو يف مواجهة منظمات متطرفة �إ�سالموية متار�س الإرهاب وت�سعى لنظام يعيد اال�ستبداد مت�سرتا بالن�صو�ص الدينية.
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
العدد ( 2014/04/13 )135م
الأخرية
08
�إ�شكاليات املنظمات غري احلكومية يف العامل العربي د .عبداهلل تركماين
حيزاً وا�سع ًا من �شغل مفهوم املجتمع املدين ّ اخلطاب العربي يف العقدين الأخريين ،وال يزال ي�شكل �إحدى �أهم امل�سائل التي ت�ستحوذ على االهتمامات الأ�سا�سية لهذا اخلطاب ،بحيث ميكن اعتباره جزءاً �أ�سا�سي ًا من بنيته ،جنب ًا �إىل جنب مع م�سائل الدميوقراطية والعلمانية وحقوق الإن�سان واملوقف من الآخر الغربي. لكن الالفت هو التبا�س مفهوم املجتمع املدين ّ وتناق�ضه واختالطه يف الفكر العربي الراهن �إىل درجة ي�ضيع معها جوهره وم�ضمونه والأ�س�س التي يقوم عليها ،مع تغييب املرجعية التي ت�سنده ومكوناته وقيمه .ويرجع وي�ستمد منها وجوده ّ �أ�صل هذا االختالط وااللتبا�س �إىل �أنه مل يتم التعامل مع مفهوم املجتمع املدين بو�صفه مفهوم ًا وتكون مع ثورة احلداثة العلمية والتقنية حديث ًا ن�ش�أ ّ حتول غري مع مرتافقة الغرب، والإنتاجية يف ّ م�سبوق يف ال�سيا�سة والثقافة والفكر واالجتماع، ما �أ�س�س لن�شوء مفهوم الفرد واحلرية الفردية والعالقات املدنية املختلفة ،مبا ي�شكل اختالف ًا جذري ًا عن تلك القائمة يف جمتمع القبيلة والع�شرية والطائفة� ،أو ما ميكن ت�سميته بـ «املجتمع الأهلي» الذي حتدده الروابط الدموية القرابية �أو املعتقدية الإميانية. ويف �ضوء االختالف والتمييز بني املجتمعني املعوقات التي «املدين» و»الأهلي» ميكن تف�سري ّ يواجهها املجتمع املدين يف العامل العربي� :أولها، الرتكيب القبلي الع�شائري الطائفي للمجتمعات
العربية ،حيث املالحظ ه�شا�شة الأحزاب والنقابات واجلمعيات ،وكونها يف الغالب واجهات لع�صبويات ما قبل مدنية وما قبل حديثة ،على رغم ت�سمياتها املدنية والع�رصية .وثانيها ،اكت�ساح الدولة الت�سلطية م�ؤ�س�سات املجتمع باحتكارها م�صادر القوة وال�سلطة والرثوة ،وب�إحاللها ال�سيا�سة حمل الثقافة واالقت�صاد واملمار�سة االجتماعية. ولعل من �أهم الإ�شكاليات الفكرية: الدور الذي ميكن �أن تقوم به م�ؤ�س�سات املجتمعاملدين ،ف�إذا كان هدف الأحزاب ال�سيا�سية الو�صول �إىل ال�سلطة ،ف� ّإن م�ؤ�س�سات املجتمع املدين لها �آليات و�أ�ساليب �أخرى ،و�إن ا�شرتكت �أحيان ًا يف بع�ض الأهداف. �ضعف الثقافة الدميوقراطية ،وكذلك النق�صال�شديد يف الوعي احلقوقي. معاناة م�ؤ�س�سات املجتمع املدين العربي منغياب املبادرة� ،أو �ضعفها على امل�ستوى الفكري والعملي ،وعدم التوجه �إىل درا�سة الظواهر اجلديدة. مبد�أ التدخل لأغرا�ض �إن�سانية ،فهناك منيرف�ض مبد�أ التدخل ب�شكل مطلق ،وهناك من يدعو �إىل ت�أييده ب�شكل مطلق ،ولكل حججه ومنطلقاته و�أهدافه .حيث �أ�صبح مبد�أ التدخل الإن�ساين ،مبا ال ينطوي على ت�أييد الو�سائل الع�سكرية واحلروب اال�ستعمارية ،مبد�أً �آمراً وملزم ًا يف القانون الدويل، وهذا يعترب تطوراً يف فقه « الديبلوما�سية الوقائية « التي تبلورت منذ �أوائل ت�سعينيات القرن املا�ضي. -ان�شغال م�ؤ�س�سات املجتمع املدين ،وخ�صو�ص ًا
منظمات حقوق الإن�سان ،باحلقوق املدنية وال�سيا�سية على ح�ساب احلقوق االقت�صادية واالجتماعية والثقافية� ،إىل درجة � ّأن الأخرية غالب ًا ما تهمل �أو ُتن�سى. توجه م�ؤ�س�سات املجتمع املدين �إىل االحتجاجاتوالنقد والأهداف املطلبية ،و�إن كانت هذه م�سائل مهمة من خالل الرقابة والر�صد والتعبئة� ،إال �أنها ال ميكن �أن ت�ساهم يف و�ضع ت�صورات حول الت�رشيعات الوطنية� ،سواء مبواءمتها مع االتفاقات واملعاهدات الدولية وتطور القانون الدويل على هذا ال�صعيد� ،أو تعديلها �أو اقرتاح قوانني وت�رشيعات جديدة بديلة عنها. االرتياب من العالقة مع الآخر ،ولع ّل بع�ضالأطروحات املنغلقة ال تدرك � ّأن العامل كله �أ�صبح قرية عاملية �صغرية ،و� ّأن هناك قيم ًا �إن�سانية م�شرتكة لبني الب�رش بغ�ض النظر عن دينهم �أو عرقهم �أو لغتهم �أو من�شئهم االجتماعي �أو جن�سهم. واملعوقات هي التي وقفت وال تزال هذه الإرباكات ّ تقف عائق ًا �أمام نهو�ض املجتمع املدين يف العامل العربي ،حيث يواجه اجلميع م�أزق ًا حقيقي ًا .وما مل حتول �أ�سا�سي� ،سيا�سي واقت�صادي واجتماعي يج ِر ّ وثقايف وفق ت�صور �شامل يف بنية املجتمعات العربية ،وعلى �أ�سا�س دميوقراطي يف�سح املجال �أمام القوى احلية للعمل من دون قيود و�إكراهات، ف� ّإن جمتمعاتنا �ستبقى مل ّغمة بكل عوامل التفجر من الداخل ،و�سننتظر كثرياً قبل قيام جمتمع مدين حقيقي على الأر�ض العربية.