Al badeel 135

Page 1

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ 2014/04/13‬م‬ ‫العدد (‪)135‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫‪01‬‬

‫ا�سبوعية‪�-‬سيا�سية‪-‬م�ستقلة‬ ‫العدد (‪ 2014/04/13 )135‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫رئي�س التحرير ‪ :‬ح�سام مريو‬ ‫‪www.al-badeel.org‬‬

‫‪Issue (135) 13/04/2014‬‬

‫النظام و«املعار�ضة»‪ :‬ب�ؤ�س العقل ال�سيا�سي‬

‫معركة ك�سب‬

‫يحار املرء يف تو�صيف طبيعة الفكر ال�سيا�سي‬ ‫ال�سوري‪ ،‬وهو �إن انتمى �إىل م�شارب عدة‪ ،‬لكن ما‬ ‫يتمخ�ض من نتائج عن ال�سيا�سات املتبعة ي�شري �إىل‬ ‫�أن تعدد امل�شارب لي�س �سوى ق�رشة رقيقة‪ ،‬ما �أن يتم‬ ‫نزعها‪ ،‬حتى تتو�ضح جملة من املت�شابهات يف �آليات‬ ‫التفكري التي حتكم معظم القوى ال�سورية املنفعلة‬ ‫والفاعلة يف الأزمة‪.‬‬ ‫يف مرجعيات النظام حت�رض القوة العمياء كحكم يف‬ ‫معادلة البقاء‪ ،‬ولقد �أوجد منظومة من ال�شعارات التي‬ ‫مار�سها منذ بدء االحتجاجات ولغاية اللحظة‪ ،‬وهو‬ ‫يقدم �شعاراً على �آخر بح�سب متطلبات املرحلة‪ ،‬لكن‬ ‫يف حم�صلة الأمر‪ ،‬ف�إن النظام ما زال م�رصاً على عدم‬ ‫االقتناع بتاريخية التاريخ‪ ،‬وهو يعترب بذلك بوعي‬ ‫منه �أو من دون وعي �أن التاريخ جمرد م�ؤامرة‪� ،‬أو �أن‬ ‫التاريخ ميكن حكمه والتحكم به بالآليات ذاتها على‬ ‫الدوام‪ ،‬وهو �أمر يتنافى مع منطق التاريخ‪ ،‬ومنطق‬ ‫العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬ومنطق امل�صالح املتغرية‪.‬‬ ‫�إذاً‪ ،‬فنحن �أمام نظام مل يي�أ�س من منظومته الفكرية‪،‬‬ ‫وما زال يعتقد ب�صالحها‪ ،‬كما �أنه يعترب نف�سه‬ ‫ا�ستثناء يف التاريخ‪ ،‬وهو ما �أكد عليه الأ�سد يف غري‬ ‫ً‬ ‫مقابلة �إعالمية‪ ،‬حيث اعترب قبل بدء االحتجاجات �أن‬ ‫�سورية ال ت�شبه م�رص �أو تون�س‪ ،‬وبعد �أزمة �أوكرانيا‬ ‫�أر�سل �إىل الكرملني ر�سالة مفادها �أنه ال ي�شبه رئي�س‬ ‫ما�ض يف‬ ‫�أوكرانيا‪ ،‬و�أنه لن يهرب من �سوريا‪� ،‬أي �أنه ٍ‬ ‫ا�ستكمال معركته‪ ،‬ولن يثنيه عنها �أي �شيء‪.‬‬

‫لكن النظام‪ ،‬يف م�سعاه لالنت�صار على ال�شعب قبل‬ ‫الثورة‪ ،‬ال ي�أخذ بعني احل�سبان �أن معطيات الواقع‬ ‫ال�سوري منذ اندالع ال�رصاع الع�سكري بينه وبني‬ ‫قوى املعار�ضة امل�سلحة بات حمكوم ًا بحالة من‬ ‫اال�ستع�صاء‪ ،‬و�أنه ال خمرج لتحقيق انت�صارات متلي‬ ‫على الأطراف الأخرى القبول ب�رشوط الأ�سد‪� ،‬أي‬ ‫القبول فعلي ًا بالهزمية‪ ،‬كما �أنه ال يدرك‪� ،‬أو ال يريد‬ ‫�أن يدرك‪� ،‬أن االنت�صار يرتب على املنت�رص جملة من‬ ‫امل�س�ؤوليات‪ ،‬وقد باتت امل�س�ؤوليات التي تفر�ضها‬ ‫الأزمة ال�سورية �أثقل من �أن يتحملها العامل‪ ،‬فكيف‬ ‫احلال �إذاً بالنظام؟‪.‬‬ ‫يف املقابل‪ ،‬ف�إننا ال جند تفكرياً �سيا�سي ًا خمتلف ًا‬ ‫لدى �أطياف �أ�سا�سية يف املعار�ضة‪ ،‬ف�إذا ما نزعنا‬ ‫ال�شعارات الكثرية التي تتبناها‪ ،‬لتحري امل�سالك‬ ‫ال�سيا�سية التي مت�ضي بها ف�إننا �سنجد حتت ق�رشة‬ ‫االدعاء بقبول احلل ال�سيا�سي نزوع ًا �إىل �سحب‬ ‫ال�سيا�سة من التداول‪ ،‬حيث ما زال احلديث يدور عن‬ ‫�رضورة التوازن الع�سكري‪ ،‬وعن �رضورة و�صول‬ ‫�أ�سلحة نوعية‪ ،‬وعلى وجه اخل�صو�ص‪ ،‬م�ضادات‬ ‫الطريان‪ ،‬يف الوقت الذي بات جل تلك القوى مقتنع ًا‬ ‫ب�أن ك�رس حالة التوازن �أو اال�ستع�صاء �أمر غري‬ ‫م�سموح فيه �إقليمي ًا ودولياً‪ ،‬ولئن وجدت بع�ض الدول‬ ‫الراغبة يف الأمر‪� ،‬إال �أنها غري قادرة على حتويل‬ ‫الرغبة �إىل واقع‪.‬‬ ‫يف حقيقة الأمر �إن كلٍ من النظام والقوى املعار�ضة‬

‫ح�سام مريو‬

‫(امل�سلحة �أو التي تدعي متثيل ال�شعب ال�سوري) يرغب‬ ‫يف �إحراز الن�رص الع�سكري‪ ،‬وكالهما يف مكان ما من‬ ‫وعيه ال�سيا�سي يرى الآخر يف بعده الطائفي وامتداه‬ ‫الإقليمي‪ ،‬و"رمبا" لدى الطرفان رغبة يف التق�سيم‬ ‫يف نهاية املطاف‪ ،‬فالنظام ال يرى من احلكم والوطن‬ ‫�سوى ال�سلطة‪ ،‬واملعار�ضة امل�سلحة التي بات كل‬ ‫ف�صيل منها يحكم منطقة ما من "الأرا�ضي املحررة"‬ ‫يخ�شى �أن يحوله احلل ال�سيا�سي من �صاحب �سلطة‬ ‫�شبه مطلقة يف منطقته �إىل جزء �صغري من ال�سلطة‬ ‫التي ميكن �أن ينتجها حل �سيا�سي ما‪ ،‬ورمبا كان‬ ‫التق�سيم بالن�سبة له �أو دوام احلال على ما هو عليه‪،‬‬ ‫بالن�سبة له‪ ،‬هو دوام ال�سلطة التي حققها خالل فرتة‬ ‫ال�رصاع امل�سلح‪.‬‬ ‫متى ميكن للطرفني �أن ي�شعرا بالي�أ�س؟ هما حتى‬ ‫اللحظة م�ستمران بادعاء متثيل ال�شعب ال�سوري‪،‬‬ ‫وم�ستمران من خالل دور �إقليمي ودويل‪ ،‬ومن خالل‬ ‫اقت�صاد العنف الذي ازدهر على ح�ساب �إفقار ال�شعب‬ ‫ال�سوري‪ ،‬وت�رشيده‪ ،‬وموته‪ ،‬وحتويله �إىل كجرد‬ ‫م�ستهلك للإعانات الإن�سانية‪.‬‬ ‫يف حلظة الي�أ�س تلك‪ ،‬ميكن �أن يولد �أمل ما‪� ،‬أمل‬ ‫يف �أن ت�سقط ال�شعارات مل�صلحة الإن�سان ال�سوري‪،‬‬ ‫وم�ستقبل �سوريا‪ ،‬لكن اخل�شية‪ ،‬كل اخل�شية‪� ،‬أن ت�أتي‬ ‫تلك اللحظة يف وقت ال يعود يف ال�ساحة ال�سورية غري‬ ‫املتقاتلني �أنف�سهم‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/04/13 )135‬م‬

‫تقارير‬

‫‪02‬‬

‫“�أطمة» مركزاً لعبور النفط �إىل تركيا وحتوالت اجتماعية كبرية‬ ‫�أطمة‪ -‬خا�ص «البديل»‪:‬‬

‫مل تعد مدينة �أطمة ال�سورية جمرد قرية على احلدود‬ ‫ال�سورية الرتكية‪ ،‬فقد باتت مع ازدياد ال�رصاع‬ ‫امل�سلح يف �سوريا مركزاً مهم ًا لل�سوريني‪ ،‬خا�صة مع‬ ‫وجود خميم لالجئني فيها‪ ،‬لكنها تكت�سب �أهميتها‬ ‫الإ�ضافية �أي�ض ًا من كونها باتت معرباً لتهريب‬ ‫النفط ال�سوري �إىل تركيا‪ ،‬وبات العديد من مواطني‬ ‫القرية �أو �سوريني �آخرين يعملون يف هذه املهنة‬ ‫التي تدر �أموا ًال كبرية على الف�صائل امل�سلحة‪.‬‬ ‫وتتواجد الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام‬ ‫“داع�ش” يف القرى املجاورة لأطمة‪ ،‬كما يوجد‬ ‫من يتعاون معها من داخل القرية‪ ،‬ومل يحاول‬ ‫تنظيم “داع�ش” �إزعاج �سكان القرية ب�شكل مبا�رش‬ ‫كما فعل مع القرى املجاورة‪ ،‬ويف�رس �أحد ال�سكان‬ ‫املحللني هذا الأمر بعدم رغبة “التنظيم” �إثارة‬ ‫ال�سكان �ضده‪ ،‬بكونه امل�ستفيد الرئي�سي من عملية‬ ‫تهريب النفط‪.‬‬ ‫و�شهدت القرية يف الأ�شهر الأخرية عمليات تطوير‬ ‫لإعادة تكرير النفط‪ ،‬ونقله �إىل الأرا�ضي الرتكية‪،‬‬ ‫ومنها تفريغ النفط القادم من ال�شمال يف بحرية‬ ‫�صغرية‪ ،‬وفيها غاط�س يتم من خالله �ضخ النفط‬ ‫مبا�رشة عرب الأنابيب �إىل اجلهة الرتكية‪ ،‬وقد‬ ‫ازدهرت بع�ض امل�صالح التجارية يف القرية نتيجة‬ ‫لدورها احليوي على �أكرث من �صعيد‪ ،‬خا�صة جتارة‬ ‫ت�صدير النفط‪ ،‬كما �شهدت القرية ن�شاط ًا ملحوظ ًا‬ ‫يف عملية البناء‪ ،‬حيث تراكمت ثروات يف �أيدي من‬ ‫يقومون ب�أن�شطة جتارية بني �سوريا وتركيا عرب‬ ‫القرية‪ ،‬وهو ما دفع بع�ضهم �إىل بناء بيوت جديدة‪.‬‬ ‫لي�س فقط النفط وحده ما يدر املال‪ ،‬ف�سكان املدينة‬ ‫يتحدثون ب�شكل �رصيح عن �رصاع بني جتار مادة‬ ‫النحا�س‪ ،‬حيث تقوم جمموعات بجمع النحا�س من‬ ‫�سوريا وبيعه �إىل جتار �أتراك‪ ،‬وبات ال�رصاع بني‬ ‫هذه املجموعات على احتكار عملية جمع النحا�س‬

‫من جهة‪ ،‬ومن ثم ال�رصاع على بيعه‪ ،‬وقد راح �أكرث‬ ‫من �شخ�ص �ضحية هذا ال�رصاع‪.‬‬ ‫و�أفاد �أحد �سكان املدينة ب�أن بع�ض ال�شخ�صيات‬ ‫التي كانت ال تتمتع يف ال�سابق ب�أي ح�ضور‬ ‫اجتماعي باتت تتحكم اليوم بزمام الأمور‪ ،‬ويف�رس‬ ‫الأمر بقوله‪ “ :‬كان هناك يف ال�سابق تراتبيات‬ ‫حملية‪ ،‬وكان االعتبار الأ�سا�سي لل�شخ�ص يقوم على‬ ‫�أ�سا�س مكانته التعليمية‪� ،‬أو مدى متتع �أفراد عائلته‬ ‫باالحرتام‪ ،‬وكان هناك بع�ض الأ�شخا�ص الذين‬

‫ال يحظون باحرتام املجتمع‪ ،‬لكنهم اليوم باتوا‬ ‫ميتلكون القوة‪ ،‬ومعظمهم من غري املتعلمني”‪.‬‬ ‫وقال �شخ�ص �آخر‪ :‬الظروف اجلديدة غريت �أموراً‬ ‫كثرية‪ ،‬وفر�ضت على النا�س حتوالت كبرية حتى‬ ‫يف املفاهيم‪ .‬وي�ضيف �سابق ًا كان من ال�صعب �أن‬ ‫تتزوج فتاة من القرية ل�شخ�ص من بلد �آخر‪� ،‬أما‬ ‫اليوم فهذا يحدث‪ ،‬فبع�ض العائالت زوجت بناتها‬ ‫لرجال من “داع�ش”‪ ،‬وهو �أمر يتم ا�ستنكاره يف‬ ‫اخلفاء وال تتم املجاهرة به‪.‬‬

‫نعيم قا�سم‪ :‬الأ�سد �سيفوز يف االنتخابات واملعار�ضة مفككة‬ ‫بريوت‪ -‬وكاالت‪:‬‬

‫اعترب ال�شيخ نعيم قا�سم نائب الأمني العام حلزب‬ ‫اهلل �أن ب�شار الأ�سد ما زال يحظى بت�أييد �شعبي‬ ‫ميكنه من حكم البالد‪ ،‬و�أن املعار�ضة بعد ثالث‬ ‫�سنوات حققت فقط "بع�ض املكا�سب على الأر�ض"‪،‬‬ ‫و�أيد قا�سم تر�شيح الأ�سد لوالية ثالثة‪ ،‬و�أنه كان قبل‬ ‫عامني قد "تنب�أ بف�شل املعار�ضة بالإطاحة بالرئي�س‬ ‫ال�سوري"‪ ،‬وطالب بتقبل "املعار�ضة وداعميها لهذا‬ ‫الواقع" واالعرتاف به‪.‬‬ ‫وقال قا�سم‪" :‬على اجلميع �أن يعلم �أن �سوريا فيها‬ ‫خياران ال ثالث لهما‪� :‬إما �أن يبقى الرئي�س ب�شار‬ ‫الأ�سد رئي�سا باتفاق وتفاهم مع الأطراف الأخرى‬ ‫بطريقة معينة‪ ،‬و�إما �أنه ي�ستحيل �أن تكون املعار�ضة‬ ‫هي البديل‪� ،‬أو هي التي حتكم �سوريا‪ ،‬لأنها غري‬ ‫قادرة ولأنها جربت حظها وف�شلت‪ ...‬لذلك اخليار‬ ‫وا�ضح �إما التفاهم مع الرئي�س الأ�سد للو�صول �إىل‬ ‫نتيجة‪� ،‬أو �إبقاء الأزمة مفتوحة مع غلبة للرئي�س‬ ‫الأ�سد يف �إدارة البالد‪".‬‬ ‫و�أ�ضاف "يوجد واقع عملي‪ .‬على الغرب �أن يتعامل‬ ‫مع الواقع ال�سوري ال مع �أمنياته و�أحالمه التي تبني‬ ‫�أنها خاطئة‪ .‬ولو ا�ستمروا يف هذه املنهجية ع�رش‬

‫�سنوات �سيبقى احلل هو احلل‪".‬‬ ‫و�أتت تعليقات قا�سم يف �أعقاب ت�رصيحات لرئي�س‬ ‫وزراء رو�سيا ال�سابق �سريجي �ستيبا�شني قال فيها‬ ‫بعد االجتماع مع الأ�سد اال�سبوع املا�ضي �إن الرئي�س‬ ‫ال�سوري ي�شعر ب�أن و�ضعه �آمن ويتوقع �أن تنتهي‬ ‫املرحلة الرئي�سية من العمليات الع�سكرية يف نهاية‬ ‫العام اجلاري‪.‬‬ ‫ومن املتوقع على نطاق وا�سع �أن ير�شح الأ�سد نف�سه‬ ‫لفرتة رئا�سية ثالثة يف االنتخابات املقرر �إجرا�ؤها‬ ‫يف غ�ضون ثالثة �أ�شهر‪.‬‬ ‫وقال نائب الأمني العام حلزب اهلل "يف قناعتي‬ ‫يرت�شح وينجح لأن له ر�صيدا �شعبي ًا مهم ًا يف �سوريا‬ ‫ومن كل الطوائف وعلى ر�أ�سها الطائفة ال�سنية‪� ...‬أنا‬ ‫�أرجح �أن حت�صل االنتخابات يف موعدها و�أن يرت�شح‬ ‫الرئي�س الأ�سد و�أن ينجح من دون مناف�سة‪".‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن الواليات املتحدة وحلفاءها الغربيني يف‬ ‫حالة فو�ضى كاملة‪ ،‬ولي�س لديهم �سيا�سة متما�سكة‬ ‫حول كيفية التعامل مع �سوريا التي �أ�ضحت نقطة‬ ‫جذب للمقاتلني املت�شددين من خمتلف �أنحاء العامل‪.‬‬ ‫وتابع قائال �إن "ك�رس حالة املراوحة مل�صلحة احلل‬

‫ال�سيا�سي ال ميكن �أن تتم ب�إرادة املعار�ضة ال�سورية‬ ‫لأنها معار�ضة مفككة وم�شتتة لي�س لها برنامج‬ ‫وغري قادرة على �أن حتقق متثيال منا�سبا يف مقابل‬ ‫النظام‪".‬‬ ‫وكان الأمني العام حلزب اهلل ح�سن ن�رص اهلل قال‬ ‫الأ�سبوع املا�ضي �إن الأ�سد مل يعد يواجه خطر‬ ‫�إ�سقاطه و�إن دم�شق جتاوزت خطر التق�سيم بعد ثالث‬ ‫�سنوات على بدء ال�رصاع‪.‬‬ ‫وقالت وزارة اخلارجية الفرن�سية هذا الأ�سبوع‬ ‫�إن الأ�سد "قد يكون الناجي الوحيد من �سيا�سة‬ ‫اجلرائم اجلماعية هذه" وو�صفت ذلك ب�أنه نب�أ �سيء‬ ‫لل�سوريني‪.‬‬ ‫وت�ستبعد فرن�سا الآن ا�ستخدام القوة �ضد �سوريا‬ ‫رغم �أنها كانت تت�أهب العام املا�ضي للم�شاركة يف‬ ‫عمل ع�سكري مل يكتب له �أن يتحقق‪ .‬وت�صف باري�س‬ ‫املحادثات املتعرثة ب�ش�أن عملية انتقال �سيا�سي‬ ‫ب�أنها "اخلطة الوحيدة" وهو ر�أي يقول م�س�ؤولون‬ ‫�أمريكيون �إن له م�ؤيدوه يف وا�شنطن ال�سيما بني‬ ‫القادة الع�سكريني الذين يف�ضلون الأ�سد على فو�ضى‬ ‫طائفية‪.‬‬


‫‪03‬‬

‫حتليل �سيا�سي‬

‫العدد (‪ 2014/04/13 )135‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫�إخراج �سورية من املدارين الرو�سي والإيراين‬ ‫غازي دحمان‬

‫يوما بعد يوم‪ ،‬يثبت بالدليل القاطع‪� ،‬أن رو�سيا‬ ‫و�إيران م�ستعدتان للذهاب �إىل �آخر الطريق من �أجل‬ ‫تثبيت الو�ضع يف �سورية ل�صالح نظام ب�شار الأ�سد‪،‬‬ ‫بالن�سبة لهما ال�رصاع وجودي‪ ،‬ويتعامالن معه‬ ‫ب�صفته هذه‪ ،‬لذا ف�إن خياراتهما فيه حمدودة جداً‪،‬‬ ‫وتقع بني حدين متناق�ضني‪� ،‬إما ان تبقى �سورية‬ ‫حتت حكم الأ�سد‪� ،‬أو ال تكون‪.‬‬ ‫ت�شارك رو�سيا و�إيران ب�شكل علني ومك�شوف‬ ‫يف دعم حليفهما‪ ،‬كما �أنهما ت�ستخدمان كل‬ ‫طاقتهما احلربية‪ ،‬وعلى كل امل�ستويات‪ ،‬من العتاد‬ ‫واملقاتلني واخلربات وحتى هند�سة �أر�ض املعركة‪،‬‬ ‫وتبدي الدولتان ا�ستعداداً كبريا لإ�ستمرار مثل هذا‬ ‫الدعم‪ ،‬ذلك �أنهما يعتربان �أن �سورية ت�شكل جزءاً‬ ‫من منظوماتهما الأمنية والأيديولوجية‪ ،‬وحتت‬ ‫هذا االعتبار يرفع الطرفان من من�سوب تقديراتهما‬ ‫للأهمية امل�صلحية ل�سورية‪ ،‬الأمر الذي يجعل من‬ ‫الأثمان التي تتكلفها الدولتان �أمراً ميكن تربيره‬ ‫وقبوله باعتباره �رضورة ال بد منها‪.‬‬ ‫�سورية بالن�سبة ملو�سكو وطهران ت�شكل لب‬ ‫عقيدتهما اال�سرتاتيجية‪ ،‬وقلب اجلغرافيا ال�سيا�سية‬ ‫لهما‪ ،‬ويف التقييم اجليوا�سرتاتيجي الرو�سي‬ ‫والإيراين عن �سورية تختلط اخلرائط ب�سيا�سات‬ ‫الهوية ب�أنابيب النفط بت�صورات خا�صة عن القدر‬ ‫احل�ضاري‪ .‬لينتج عنها جملة من الر�ؤى والت�صورات‬ ‫املتعلقة باملجال احليوي‪ ،‬مناطق النفوذ‪ ،‬تق�سيم‬ ‫العامل‪ ،‬خطوط التما�س‪ ،‬ونطاقات ت�صادم القوى‪،‬‬ ‫هي اجلناح اجلنوبي جليو ا�سرتاتيجية الطرفني‪.‬‬ ‫مل يتعاطَ الرو�س والإيرانيون مع الثورة ال�سورية‬ ‫�سوى بو�صفها حدث ًا م�ؤامراتي ًا جرى ت�صنيعه يف‬ ‫خمتربات �أجهزة املخابرات الغربية للإنق�ضا�ض‬ ‫على �أدوارهما النا�شئة يف املنطقة‪ ،‬ولوقف متددهما‬ ‫باجتاه �سواحل البحر املتو�سط‪� ،‬أو كمقدمة الخرتاق‬ ‫حوافهما اجلنوبية‪ .‬ويف الإدراك الرو�سي‪ ،‬ف�إن‬ ‫انت�صار الثورة يف �سورية �سوف يجعل ظهر اجلنوب‬ ‫الرو�سي منك�شف ًا �أمام مد الراديكاليات الإ�سالمية‪،‬‬ ‫التي تخو�ض رو�سيا �ضدها حرب ًا �رضو�س ًا يف‬ ‫اجلنوب‪ ،‬يف الوقت الذي ت�شكل فيه �سورية بالن�سبة‬ ‫لإيران اخرتاقا متقدم ًا يف العامل ال�سني‪ ،‬وج�رساً‬ ‫لربط هاللها ال�شيعي املمتد من طهران �إىل جنوب‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫وفق ًا لهذا الإدراك تغدو �سورية لدى دوائر �صنع‬ ‫القرار الرو�سي والإيراين جمال نفوذ حيوي لهما‪،‬‬ ‫من خالله ميكن حماية امنهما القومي املهدد دائما‬ ‫بالأخطار‪ ،‬فالدولتان مهجو�ستان ب�شيء ا�سمه‬ ‫تهديد غربي لوجودهما وم�شاريعهما‪ ،‬ولديهما‬ ‫ت�صور را�سخ بان كل �سيا�سات الغرب يف ال�سنوات‬ ‫االخرية يف املناطق املحيطة بهما مل تكن �سوى‬ ‫حماوالت الحتوائهما ا�سرتاتيجيا �ضمن امل�رشوع‬ ‫الغربي الهادف اىل ال�سيطرة على العامل و�إعادة‬ ‫�صياغته مبا يخدم م�شاريعه الكونية الكربى‪ ،‬لذا‬

‫ف�إن ال�سلوك املوازي لكل من رو�سيا و�إيران واجلهد‬ ‫احلثيث يف تطوير تر�ساناتهما الع�سكرية وتو�سيع‬ ‫مدى نفوذها لي�س �سوى نوع من اال�ستجابة ملا‬ ‫يعتقدانه حتدي ًا مفرو�ض ًا عليهما‪.‬‬ ‫وثمة اعتبارات �أخرى تدخل يف �إطار ما ي�سمى‬ ‫امل�صالح اال�سرتاتيجية ف�سورية لكل من رو�سيا‬ ‫و�إيران‪ ،‬حيث ت�شكل �سورية رابطا جغرافيا مهما‬ ‫مل�شاريع النفط والغاز للبلدين‪ ،‬فتتجه رو�سيا �إىل‬ ‫احتكار �سوق الغاز ومواقع �إنتاجه على امل�ستوى‬ ‫القاري‪ ،‬وتتطلع ملد �سيطرتها على املنتج برمته‬ ‫على م�ساحة وا�سعة من العامل‪ ،‬ويف هذا ال�صدد‬ ‫ت�سعى الحتكار الغاز املنتج يف ال�رشق الأو�سط ‪،‬عرب‬ ‫�إحتكار التنقيب عنه يف �شواطئ البحر املتو�سط‪،‬‬ ‫وت�شكل �سورية بهذا ال�صدد وا�سطة العقد‪ ،‬كما �أنها‬ ‫املمر الأر�ضي الإجباري باجتاه �أوروبا ملد خطوط‬ ‫نقل الغاز‪ ،‬يف خطوة تهدف �أي�ضا �إىل حرمان اخلليج‬ ‫العربي من هذه امليزة‪ ،‬وخا�صة بعد اكت�شاف‬ ‫كميات تناف�سية يف قطر وال�سعودية والإمارات‬ ‫توازي كتلة االحتياطي الرو�سي من الغاز‪ ،‬بو�صفها‬ ‫�صاحبة املرتبة الأوىل‪.‬‬ ‫تعول على احتياطيها من‬ ‫التي‬ ‫وكذا بالن�سبة لإيران‬ ‫ّ‬ ‫الغاز‪ ،‬حيث حتتل الرتتيب الثاين يف هذاملجال على‬ ‫امل�ستوى العاملي بعد رو�سيا‪ ،‬وقبل قطر بكميات‬ ‫ب�سيطة‪ ،‬حيث ترتبط م�صاحلها هنا بال�رشيك‬ ‫الرو�سي الذي ي�سعى �إىل �إخ�ضاع �أوروبا لهيمنته‬ ‫الغازية‪ ،‬والغريب �أن ر�أ�س النظام ال�سوري كان قد‬ ‫ب�رش ب�إطروحة ا�سرتاتيجية‪ ،‬قبل الثورة ب�أعوام‪،‬‬ ‫تقوم على فكرة ربط البحار املوجودة يف املنطقة‬ ‫وربط املوانئ الرئي�سية بها بخطوط نقل النفط‬ ‫والغاز القادمة من �آ�سيا و�إيران �إىل �أوروبا‪ ،‬على‬ ‫�أن تكون الأر�ض ال�سورية جزءا من هذا الرابط‪،‬‬

‫وقد �سمى م�رشوعه هذا حينها مب�رشوع « البحار‬ ‫اخلم�سة»‪.‬‬ ‫ال �شك �أن جملة هذه االعتبارات الأمنية واالقت�صادية‬ ‫والأيديولوجية‪ ،‬ت�أخذ م�سارها يف �سياق ت�صعيب‬ ‫احلل ال�سوري‪ ،‬ودفعه ب�إجتاه واحد‪� ،‬إما ان تعود‬ ‫�سورية كما كانت قبل ‪� 15‬أذار‪� ،‬أو ال تكون لأحد‪،‬‬ ‫وهذه لي�ست خال�صة حتليلية ا�ست�رشافية‪ ،‬بل هي‬ ‫عبارة نطقها املر�شد الإيراين علي خامنئي �أمام �أحد‬ ‫الدبلوما�سيني العرب يف بداية الثورة ال�سورية‪ ،‬وهي‬ ‫حتولت �إىل موقف �صلب على الأر�ض‪ ،‬وقاعدة يعمل‬ ‫بها حلفاء ب�شار الأ�سد يف طول الأر�ض ال�سورية‬ ‫وعر�ضها‪ ،‬ويطبقها وكال�ؤهم على الأر�ض ب�صيغة»‬ ‫الأ�سد �أو نحرق البلد»‪.‬‬ ‫وبالتايل ف�إنه ال ميكن مواجهة قناعات و�سيا�سات‬ ‫�صلبة مبجرد تكتيكات جتريبية هنا وهناك‪ ،‬فال‬ ‫ميكن �إيقاف هذا الزخم الآتي من رو�سيا و�إيران‪ ،‬من‬ ‫دون �أن ي�صدر حلفاء ال�شعب ال�سوري ا�سرتاتيجيات‬ ‫مواجهة جدية وفاعلة‪ ،‬لك�رس ذلك الت�صميم و�إف�شاله‬ ‫و�إثبات عدم جدواه و�رضره‪ ،‬لأن ذلك وحده ما‬ ‫�سي�ساهم ب�إقناع مو�سكو وطهران ب�رضورة الرتاجع‬ ‫عن تلك ال�سيا�سات‪ ،‬فطاملا ظ ّل الرو�س والإيرانييون‬ ‫على قناعة ب�أنهم ال يواجهون �سوى ال�شعب ال�سوري‬ ‫الأعزل‪ ،‬وان لديهما الهام�ش من الوقت والذخائر‬ ‫لتجريبه على ال�سوريني‪ ،‬ولن يرتاجعا عن ذلك‪.‬‬ ‫وحده منطق تهديد امل�صالح والعقاب على اجلرائم‬ ‫من ينقذ ال�شعب ال�سوري من هذا التكالب‪ ،‬ويخرج‬ ‫�سورية من مدار �أ�سو�أ قوتني �أخالقيتني معا�رصتني‪.‬‬ ‫ذلك �أن �شطحاتهما قد تو�صلهما اىل حد تدمري‬ ‫�سورية ومتزيقها واجللو�س على �أطاللها‪ ،‬ولو على‬ ‫كورني�ش ميناء طرطو�س �أو على م�صيف دريكي�ش‪ .‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/04/13 )135‬م‬

‫ر�أي‬

‫‪04‬‬

‫النظام و�سيناريو طم�س التناق�ض معه باختالق الإرهاب‬ ‫فيكتوريو�س بيان �شم�س‬

‫بالتزامن مع انطالق الثورات يف تون�س‪ ،‬وم�رص‪،‬‬ ‫وليبيا‪� ،‬أ�صدر الرئي�س ال�سوري يف منت�صف �شباط‬ ‫‪ 2011‬مر�سوم ًا يحمل الرقم (‪ )70‬لنف�س العام‪،‬‬ ‫يق�ضي بتخفي�ض الر�سوم اجلمركية عن بع�ض ال�سلع‬ ‫اال�ستهالكية كبادرة ح�سن نية وك�رضبة ا�ستباقية‪،‬‬ ‫وهي تخفي�ضات طفيفة‪ ،‬بحيث مت تخفي�ض �أ�سعار‬ ‫الأرز ما بني (‪� 1‬إىل ‪ ،)3%‬و املوز ما بني (‪� 20‬إىل‬ ‫‪ ،)40%‬وهي تخفي�ضات �سخيفة ملواد هام�شية قد‬ ‫مما قد ي�ستفيد منها‬ ‫ي�ستفيد منها ّ‬ ‫التجار �أكرث بكثري ّ‬ ‫امل�ستهلك‪ ،‬لكنها عادة النظام "بالإ�صالح"‪ .‬تزامنت‬ ‫هذه املرا�سيم مع قرار يق�ضي ب�إعادة فتح موقع‬ ‫"‪ ،"facebook‬الذي مت حجبه �أوائل العام ‪2007‬‬ ‫بعد �أن ا�ست�شعر النظام بح�سه الأمني خطورة هذا‬ ‫املوقع وغريه‪ ،‬فكان بفتحه ير�سل للعامل بر�سالة‬ ‫مفادها‪ :‬ل�سنا خائفني منه كغرينا!‪ .‬ولعل القارئ‬ ‫يذكر تقدمات ومغريات "�أيام اخلمي�س" التي درج‬ ‫على �إعالنها النظام �آنذاك يف نهاية كل �أ�سبوع‪،‬‬ ‫لعلها تكبح جماح التظاهرات التي بد�أت تنطلق‬ ‫تتو�سع كالنار‬ ‫بالفعل‬ ‫ً‬ ‫ابتداء من درعا‪ ،‬ثم ما لبثت ّ‬ ‫يف اله�شيم �إىل باقي املحافظات‪.‬‬ ‫اعتمد النظام �سيا�ستي الرتهيب الوح�شي والرتغيب‬ ‫يف حماولته البائ�سة لدفن الثورة يف مهدها‪ ،‬وهو‬ ‫ما ف�شل فيه ف�ش ًال ذريع ًا‪ .‬بهذا‪� ،‬أيقن ا�ستحالة وقف‬ ‫الثورة؛ فلج�أ �إىل اخلطط الأخرى‪� ،‬أي �إىل دفع ال�شعب‬ ‫يربر لنف�سه �أمام العامل‬ ‫ال�ستخدام العنف ّ‬ ‫�ضده‪ ،‬ع ّله ّ‬ ‫وح�شيته يف التعامل مع هذا احلراك‪� .‬سيناريوهات‬ ‫كثرية اعتمدت‪ ،‬منها يف البداية مث ًال‪ :‬تقارير مل ّفقة‬ ‫على قنواته التليفزيونية‪ُ ،‬تظهر بع�ض من يعرتفون‬ ‫با�ستخدامهم ال�سالح‪ ،‬وتلقيهم الدعم والتمويل من‬ ‫جهات خارجية‪ ،‬ما �أنزل اهلل بها من �سلطان‪ ،‬تبد�أ‬ ‫من ال�سعودية‪� ،‬إىل قطر‪ ،‬وال تنتهي "ب�إ�رسائيل"‪.‬‬ ‫�إال �أن ذلك مل يجد نفع ًا‪ ،‬خا�صة و�أ ّنه بد�أ يخ�رس‬

‫مواقعه وعالقاته يف اخلارج‪ ،‬فخ�رس بع�ض �سفاراته‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل مقعده يف "جامعة الدول العربية"‪.‬‬ ‫كان البد �إذاً من تغيري قواعد اللعبة مبا يحفظ له‪،‬‬ ‫�أو قل‪ :‬له‪ ،‬ولداعميه �سيطرتهم‪ ،‬وامتيازاتهم‪ .‬لي�س‬ ‫هناك �أكرث مثالية من �صنع عدوه بنف�سه‪ ،‬عدو‬ ‫ويتوحد يف حربه عليه‪ ،‬مع‬ ‫ي�ستطيع التعامل معه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫القوى التي ا ّتهمها يف دعم الثورة لرفع ال�رشعية‬ ‫عنها‪ ،‬ق�صدنا �أمريكا‪ ،‬ومن يدور يف فلكها‪ .‬تغيرّ ت‬ ‫ا�سرتاتيجية النظام‪ ،‬من مواجهته "للم�ؤامرة‬ ‫الكونية" و "الع�صابات الإرهابية امل�س ّلحة" غري‬ ‫حمددة االرتباطات والأهداف‬ ‫حمددة الهوية‪ ،‬لكنها ّ‬ ‫(الق�ضاء على النظام املمانع)‪� ،‬إىل "جمموعات‬ ‫�إ�سالمية �سلفية �أ�صولية" ترتبط ب�شكل مبا�رش‬ ‫"بتنظيم القاعدة"‪ .‬بهذا ا�ستطاع ت�شتيت الأنظار‬ ‫عن مطالب الثورة الأ�سا�سية‪ ،‬وهي مطالب ال�شعب‬ ‫بعامة‪ ،‬لتن�صب الأنظار على كيفية‬ ‫ال�سوري‬ ‫ّ‬ ‫مواجهته لهذا "اخلطر الداهم" الذي �صنعه بنف�سه‪،‬‬ ‫بعد �أن �أطلق من �سجونه �رساح �أغلب املعتقلني‬ ‫الإ�سالميني‪ ،‬بعيد انطالق الثورة ب�أ�شهر قليلة‪.‬‬ ‫تكرر ال�سيناريو يف العراق قبل �أ�شهر‪ ،‬عندما‬ ‫فيما ّ‬ ‫�أعلنت و�سائل الإعالم العراقية والعاملية عن هروب‬ ‫املرجح‬ ‫ما يربو عن (‪ )1000‬معتقل �إ�سالمي‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫�أ ّنهم ان�ضموا لتنظيم "الدولة الإ�سالمية يف العراق‬ ‫وال�شام – داع�ش"‪ .‬هكذا بكل ب�ساطة‪ ،‬هرب هذا العدد‬ ‫حمددة‪ ،‬بالتزامن‬ ‫حمدد‪ ،‬يف ظروف ّ‬ ‫من �أتباع تنظيم ّ‬ ‫مع ثورة على نظام حليف!‬ ‫حتدثت يف الفرتة املا�ضية عن قيادة‬ ‫ف�ضائح كثرية ّ‬ ‫بع�ض �ضباط النظام‪ ،‬وحلفائه الإيرانيني لهذا‬ ‫تتحدث عن دعم مايل‪،‬‬ ‫التنظيم‪ ،‬عدا عن ت�رسيبات‬ ‫ّ‬ ‫وت�سليح مبا�رش‪.‬‬ ‫ومن نافل القول‪� ،‬إن هذا التنظيم‪ ،‬وغريه من‬ ‫التنظيمات التي ت�شبهه‪ ،‬والتي ن�ش�أت ب�شكل مفاجئ‪،‬‬

‫توجه �سالحها حلظة واحدة للنظام‪ ،‬عدا عن �أن‬ ‫مل ّ‬ ‫النظام مل يدخل معها يف �أية مواجهة منذ ن�ش�أت‪،‬‬ ‫تبدت ب�شكل وا�ضح � ّإبان "م�ؤمتر‬ ‫وهي ف�ضيحة ّ‬ ‫وجه ال�س�ؤال لوفد النظام‪ ،‬عن �رس‬ ‫جنيف ‪ "2‬عندما ّ‬ ‫عدم ق�صف طائراته لأماكن �سيطرة هذا التنظيم‪،‬‬ ‫ليتهربوا من الإجابة (‪ )12‬مرة ح�سب ما ُ�س ّجل!‬ ‫ّ‬ ‫اقت�رص عمل هذه التنظيمات املختلقة على خنق‬ ‫الثورة و�إحباطها‪ ،‬عرب قتل الثوار والتنكيل بهم‪ ،‬عدا‬ ‫تدخلها يف �ش�ؤون النا�س وتطبيق "الق�صا�ص"‬ ‫عن ّ‬ ‫على املواطنني‪ ،‬و "اجلزية" على الطوائف الأخرى‪،‬‬ ‫يف حماولة لإظهار طائفية الثورة‪ ،‬وهي الفكرة‬ ‫التي مل يعدم النظام و�سيلة ل�صبغ الثورة بها‪.‬‬ ‫يف حني دخل "اجلي�ش احلر" والكثري من القوى‬ ‫امل�س ّلحة يف مواجهات دموية طاحنة مع هذه‬ ‫التنظيمات للتخ ّل�ص من �آثارها‪ ،‬فيما بقي النظام‬ ‫م�رصين على ا ّتهام الثورة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫وحلفا�ؤه‬ ‫ّ‬ ‫ال�شعب ال�سوري ك ّله بها‪ .‬بهذا‪ ،‬كانت مكا�سب النظام‬ ‫ال تعد وال تحُ �رص‪ ،‬تبد�أ با ّتهام الثورة بالإرهاب‪،‬‬ ‫وال تنتهي بت�شتيت قواها امل�س ّلحة‪ ،‬مروراً بت�صفية‬ ‫الكثري من كوادر الثورة الذين وقعوا بني �سندان‬ ‫النظام‪ ،‬ومطرقة االنتقام الأ�صويل‪ ،‬عدا عن ا ّتهامها‬ ‫بارتباطات م�شبوهة من اختالقه‪.‬‬ ‫من جانب �آخر‪� ،‬ساعد وجود هذا التنظيم وغريه‬ ‫ابتداء من‬ ‫ومتددهم يف املنطقة‪،‬‬ ‫يف �سوريا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫العراق وحتى لبنان عرب عمليات �أمنية على تربير‬ ‫وتدخل‬ ‫التن�سيق بني حلفاء من فريق طائفي واحد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مبا�رش كما هو احلال بالن�سبة "حلزب اهلل"‪� ،‬أو‬ ‫عرب تن�سيق على امل�ستوى الر�سمي‪ ،‬وت�سهيل دعم‬ ‫ومرور لتنظيمات "كبدر"‪ ،‬و "�أبي الف�ضل العبا�س"‬ ‫العراقيني‪� ،‬إ�ضافة "للحر�س الثوري الإيراين"‪.‬‬ ‫تخبط‪ ،‬وغياب ا�سرتاتيجية‬ ‫كل هذا يحدث يف ظل ّ‬ ‫رحبت‬ ‫التي‬ ‫"املعار�ضة"‪،‬‬ ‫مواجهة وا�ضحة لدى �أطر‬ ‫ّ‬ ‫بع�ض جهاتها و�شخ�صياتها يف البداية "بجبهة‬ ‫مكونات الثورة‪،‬‬ ‫الن�رصة" على اعتبار �أ ّنها �إحدى ّ‬ ‫فكان يف ذلك تقاطع وت�أكيد غري حم�سوب لرواية‬ ‫النظام‪.‬‬ ‫هكذا ا�ستطاع النظام طم�س تناق�ضه احلقيقي مع‬ ‫مطالب ال�شعب ال�سوري بخلق خ�صمه‪ ،‬ونقي�ضه‬ ‫املفرت�ض‪ ،‬وهو ما �سيح ّقق واحداً من �أبرز ال�شعارات‬ ‫التي طرحها م� ّؤيدوه يف بداية الأحداث‪" :‬الأ�سد؛‬ ‫�أو نحرق البلد!"‪ .‬وهو �شعار ي� ّؤكد �أن مفتاح حل‬ ‫مع�ضلة التنظيمات الإرهابية يف جيب النظام‪،‬‬ ‫ف�إن بقي‪ ،‬ق�ضى عليها و�أنهاها‪ .‬و�إن �سقط‪� ،‬أحرقت‬ ‫يدمر من بعده‪.‬‬ ‫البالد‪ ،‬و�أكملت تدمري ما مل ّ‬ ‫يبقى �أن على "املعار�ضة" الإجابة على ال�س�ؤال‬ ‫التايل‪ :‬ما هي ا�سرتاتيجيتكم ملواجهة هذه الظواهر‪،‬‬ ‫قبل �إ�سقاط النظام‪ ،‬وبعده؟‪.‬‬


‫‪05‬‬

‫ر�أي‬

‫العدد (‪ 2014/04/13 )135‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫جبهة ال�ساحل و�أوهام �سقوط النظام ع�سكري ًا‬ ‫يا�سر بدوي‬

‫و�أخرياً ُفتحت جبهة ال�ساحل لإ�سقاط النظام‬ ‫ال�سوري‪ ،‬فهل ي�سقط النظام يف ال�ساحل �أم �أن‬ ‫�سقوطه يف دم�شق؟ وملاذا مل ي�سقط يف حلب‪ ،‬ومل‬ ‫ي�سقط يف حم�ص؟ وهل النظام جمرد كتلة ع�سكرية؟‬ ‫ويجب خو�ض املعركة احلربية للتخل�ص منها‬ ‫وحتقيق االنت�صار املوهوم القائم على اخلراب‬ ‫والدم وع�سكرة ال�شعب ‪ .‬من هو النظام وكيف ي�سقط؟‬ ‫ما هي الثورة وكيف تنت�رص وما دور الع�سكرة‬ ‫والعمليات احلربية يف حتقيق االنت�صار؟ و�أال يعني‬ ‫هذا اللعب يف اخلطوط التي ر�سمها النظام ت�سهم‬ ‫يف بقائه وا�ستمراره‪ ،‬وهو يراهن على تغيري يف‬ ‫املعطيات و�إن كان رهانه خا�رساً ‪.‬‬ ‫يطرح اليوم بقوة ال�س�ؤال حول عدم انت�صار الثورة‬ ‫وعدم �سقوط النظام‪ ،‬وتتعدد نظريات الت�شخي�ص‪،‬‬ ‫وتعود �إىل لغة امل�ؤامرة ‪ ،‬وتغيب القراءة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫النظام لي�س طائفة دينية �أو �إثنية‪ ،‬لكنه لعب بهذه‬ ‫الورقة اللعبة القذرة مما جعل طائفة خمتطفة‪،‬‬ ‫وطوائف �أخرى متوج�سة وقلقة‪ .‬كما النظام لي�س‬ ‫كتلة ع�سكرية‪ ،‬و�إمنا هو مغت�صب مل�ؤ�س�سة ع�سكرية‪.‬‬ ‫النظام لي�س الدولة وم�ؤ�س�ساتها بل حمتل هذه‬ ‫امل�ؤ�س�سات‪ ،‬ومغت�صب قرارها‪ ،‬ويدمرها عندما يرى‬ ‫�رضورة يف هذا التدمري‪.‬‬ ‫النظام يخرتق الثورة وحتديداً قواها الع�سكرية‬ ‫والكتائب املنفلتة‪ ،‬وبالتايل �أمنت له تطورات‬ ‫ومربرات الت�صعيد الذي ر�سمه لتخريب �سوريا‪.‬‬ ‫النظام ال ميكن �إ�سقاطه �إال �سيا�سيا واجتماعيا‬ ‫‪ ،‬فال�سقوط الع�سكري هو �سقوط وانهيار للدولة‬ ‫و امل�ؤ�س�سات و�سقوط لفكرة التعاي�ش ‪ ،‬وال�سقوط‬ ‫الع�سكري �سريافقه حاالت انتقام ال ي�ستهان بها‬ ‫‪ ،‬وظلم �شيد على مدار ال�سنيني‪ ،‬وبالتايل �سقوط‬

‫الأخالق والقيم التي انتف�ض النا�س لأجلها‪.‬‬ ‫�إ�سقاط النظام البد �أن يتم عرب �إ�سقاط عقلية‬ ‫اال�ستبداد والطغيان‪ ،‬و�سيادة العدالة وامل�ساواة عرب‬ ‫د�ستور وقانون‪ ،‬وبعمل متوا�صل ومثابرة ال تعرف‬ ‫الكلل وال الرتاخي لتحقيق ذلك ‪.‬‬ ‫من هنا ميكن النظر �إىل ق�ضية فتح جبهة ال�ساحل‬ ‫من زاوية الهدف ال�سيا�سي‪ ،‬ولي�س من زاوية �أنها‬ ‫ن�رصاً ع�سكري ًا ي�سقط النظام ‪ ،‬مبعنى �آخر �أن تكون‬ ‫حتريك من �أجل الو�صول �إىل احلل ال�سيا�سي الذي‬ ‫يتهرب منه النظام‪ ،‬ويقدم الذرائع لإف�شال احلل‪،‬‬ ‫وهو مطمئن �إىل دويلته التي يعد بها [ الطائفة‬ ‫املخطوفة ] ‪.‬‬ ‫�إذا مت توظيف املعركة الدائرة يف ال�ساحل بعد‬ ‫�سيطرة قوى الثورة على منطقة ك�سب وهي تتقدم‬ ‫باجتاه مدينة الالذقية م�ضاف َا �إىل وجودها يف‬ ‫جبل الرتكمان و�سلمى حيث القرداحة حتت مرمى‬ ‫�صواريخ الثوار من �أجل الهدف الكبري للتحول‬ ‫الدميقراطي وحتقيق الأهداف ‪ ،‬ن�ستطيع القول‬ ‫�إنها معركة يف االجتاه ال�صحيح‪ ،‬وقد ظهرت �أوىل‬ ‫البوادر من خالل ت�رصيحات بوغدانوف يف الكويت‬ ‫عندما و�صف االنتخابات الرئا�سية املزعومة �أنها‬ ‫ال ت�ساوي �شيئ ًا‪ ،‬و �أعاد الت�أكيد على احلل ال�سيا�سي‬ ‫وبيان جنيف واحد ‪ ،‬و�إن كان الكونرتول الدويل هو‬ ‫من قرر هذا التحريك جلبهة ال�ساحل بغية الو�صول‬ ‫للحل ال�سيا�سي املعرب عنه بنقاط جنيف واحد تكون‬ ‫املعركة خطوة �إيجابية باجتاه �إ�سقاط النظام‪ ،‬و‬ ‫وقف �إجرامه‪ ،‬وتخريبه ل�سوريا‪.‬‬ ‫لكن مبا �أننا نقر�أ‪� ،‬إذا كان فتح هذا اجلبهة مت‬ ‫بقرارات �إقليمية �ضمن �إطار ردود الفعل والت�سابق‬ ‫نحو احل�ضور ولعب �أدوار على �أوهام ك�رس و�إ�سقاط‬

‫النظام ع�سكري ًا ف�إن لهذا الأمر حماذير البد �أن‬ ‫تو�ضع على الطاولة من اال�ستمرار يف ال�ستاتيكو‬ ‫الدموي الذي �رضب �سوريا منذ �أعوام‪ ،‬وذلك عرب‬ ‫الرباميل املتفجرة وال�صواريخ العنقودية والفراغية‬ ‫وتقطيع الر�ؤو�س ‪.‬‬ ‫ولعل التحذير الأخري يف هذا امل�ضمار �أن يكون‬ ‫املر�سوم لفتح هذه اجلبهة هو �أن ت�صب يف فكرة‬ ‫وهم الدولة �أو الكانتون الطائفي الذي ي�سعى �إليه‬ ‫النظام ودول �إقليمية ودولية للإبقاء على م�صاحلها‬ ‫يف �سوريا واملنطقة‪ ،‬وتكون الف�صائل الع�سكرية‬ ‫بذلك جمرد �أدوات لتحقيق لهذا امل�رشوع التق�سيمي‬ ‫الغري قابل للحياة واال�ستمرار‪ .‬والأخطر هو �أن تكون‬ ‫القوى ال�سيا�سية �أدوات م�ضادة له خدمة ملخطط‬ ‫النظام و �أوهام دولته‪ ،‬كما فعل ف�صيل �سيا�سي مثل‬ ‫هيئة التن�سيق الوطنية ال�سورية التي و�صفت دخول‬ ‫املجاهدين �إىل منطقة ك�سب ب�أنه (تخريب ) م�ضاف‬ ‫�إىل تخريب �سوريا يف املناطق التي �سيطرت عليها‬ ‫قوى الثورة!‬ ‫يف الر�ؤية ال�سيا�سية ‪ ،‬النظام لن ي�سقط ع�سكري ًا‪،‬‬ ‫وبالتايل تنطبق مقولة كالوزفيت�ش ( �إن احلرب‬ ‫امتداد لل�سيا�سية) ومقولة �أخرى تقول ‪ :‬يتم �إطالق‬ ‫قذائف املدافع عندما يكون ُت�سد احللول ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫النظام طائفة �سيا�سية حتولت �إىل ع�صابة ت�سيطر‬ ‫على الدولة‪ ،‬وجنحت جناح ًا باهراً يف كل هذا‬ ‫التخريب‪ ،‬وال بعد من ر�ؤية املعارك الع�سكرية على‬ ‫�أنها حمركات وحتريك للحل ال�سيا�سي الذي ي�سقط‬ ‫عربة النظام‪ ،‬وينت�رص ال�شعب بعقد اجتماعي جديد‬ ‫ي�صاغ يف د�ستور وقوانني يحقق معنى املواطنة‪،‬‬ ‫ويبتعد عن التعميمات اجلاهزة‪ ،‬و�سيا�سيات‬ ‫التجهيل التي متار�س على تيارات الر�أي العام ‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/04/13 )135‬م‬

‫ق�ضايا‬

‫‪06‬‬

‫ال�س�ؤال امل�شروع حول الطائفية يف �سوريا‬ ‫حكم عاقل‬

‫�إحدى م�سلمات فل�سفة التاريخ الهيغلية �أن �أعمال‬ ‫الب�رش قد ال ت�ؤدي دائم ًا �إىل ما هو مرجو منها‪ .‬ويبدو‬ ‫�أن هذا هو حال ال�سوريني اليوم‪ .‬فلم ُيرد ال�سوريون �أن‬ ‫تتحول �سوريا �إىل �ساحة �رصاع لقوى عظمى و�إقليمية‪،‬‬ ‫ومل ي�ش�أ ال�سوريون �أن ي�ستبد العنف امل�سلح بحراكهم‬ ‫ال�سلمي ليدخلوا معه يف �أتون حرب �أهلية ال تخفى‬ ‫منطلقاتها و�أبعادها املذهبية والطائفية‪ ،‬ومل يتخيلوا‬ ‫يوم ًا �أن بلدهم �ستكون على حافة االنق�سامات العرقية‬ ‫والطائفية والتفتت اجلغرايف‪ .‬كما مل يتوقع ال�سوريون‬ ‫�أن يكون ثمن هذا احلراك باهظ ًا وذي كلفة عالية يف‬ ‫الأرواح واملمتلكات والأرزاق‪ ،‬لدرجة احلرمان من ظل‬ ‫�سقف حتت �سماء هذا الوطن‪.‬‬ ‫قيادات املعار�ضات ال�سورية‪ ،‬ما تزال تنكر �أي طائفية‬ ‫بني �أبناء ال�شعب ال�سوري‪ .‬ويف الوقت الذي ي�ؤكدون‬ ‫فيه �أال م�شكلة مع الطائفة العلوية يرون �أن م�شكلتهم‬ ‫مع النظام الذي ا�ستثمر وي�ستثمر تلك الطائفة‪ .‬كالم ال‬ ‫يخلو من التناق�ض وي�صعب على املنطق ه�ضمه‪ ،‬فلو‬ ‫مل تكن الطائفية موجودة �أ�سا�س ًا فهل �أمكن ا�ستثمارها؟‬ ‫�أولي�س اال�ستثمار الطائفي هو ممار�سة طائفية بحد‬ ‫ذاتها؟ وال تكفي دائم ًا �أن تتواجد الطائفية لدى جانب‬ ‫حتى تربر الطائفية امل�ضادة يف اجلانب الآخر‪ ،‬و�إال‬ ‫دخلنا يف «دور» من الطائفية والطائفية امل�ضادة الذي‬ ‫�إن �أمكن ا�ستثماره �سيا�سي ًا ودعائي ًا ف�إنه ال ميت ب�صلة‬ ‫اىل التحليل العلمي‪.‬‬ ‫من ي�شاهد الفيديوهات الأخري ملقاتلي «جبهة الن�رصة»‬ ‫عند مدخل ك�سب‪� ،‬أو عند نقطة «املر�صد ‪ »45 -‬التي‬ ‫ا�ستعادها م�ؤخراً اجلي�ش النظامي ال�سوري‪ ،‬وي�ستمع �إىل‬ ‫هذا اخلطاب الطائفي املقيت‪ ،‬ي�شعر بفداحة ذلك الثمن‬ ‫الذي قدمه ال�سوريون منذ انطالقة حراكهم ال�شعبي‬ ‫ال�سيما حني تكون نتائجه �أبعد من �أن حتقق احلد الأدنى‬ ‫من التغيري املطلوب‪ .‬لذا يغدو ال�س�ؤال من نوع ‪«:‬هل نحن‬ ‫طائفيون؟»‪� ،‬س�ؤا ًال م�رشوعاً‪.‬‬ ‫جورج �صربا ي�شكر امل�ساجد التي كانت «املكان الوحيد»‬ ‫الذي ات�سع لأفكار « الثورة»‪ ،‬لكنه ين�سى �أن يت�أ�سف‬ ‫�أنها كانت مكان ًا وحيداً‪ ،‬وين�سى �أن يناق�ش دالالت ذلك‬ ‫وانعكا�ساته على الأقليات الدينية يف �سوريا‪ ،‬وتوج�سها‬ ‫املبكر من حراك انطلق من امل�سجد‪ ،‬ويدعي يف الوقت‬ ‫نف�سه �أنه ميثل كل ال�سوريني‪ .‬اختيار �صربا ليديل بهذا‬ ‫الت�رصيح �أمر مفهوم‪ ،‬لكن ما يبدو ع�صي ًا على الفهم هو‬

‫الت�رصيح نف�سه الذي ي�رص على التعامي عن امل�شكلة‬ ‫الطائفية املتفاقمة‪ .‬هل يكفي �أن يكون يف هيكليات‬ ‫املعار�ضة امل�سيحي وامل�سلم والدرزي والعلوي وال�شيعي‬ ‫لنقول �أن ال طائفية يف �سوريا؟‪ .‬كيف تكون �سوريا‬ ‫معافاة من الطائفية‪ ،‬على الأقل يف ظل نظام متهم‬ ‫باال�ستثمار الطائفي الذي ا�ستمر لعقود؟ ويف اجلانب‬ ‫الآخر التحري�ض الطائفي على قدم و�ساق‪ .‬تكفي جولة‬ ‫�رسيعة على �صفحات التوا�صل االجتماعي لي�شعر‬ ‫املت�صفح باال�شمئزاز من ذاك التجريح املتبادل الذي‬ ‫خرج من ثنائية م�ؤيد – معار�ض لي�صطبغ بال�صبغة‬ ‫الطائفية واملذهبية‪ .‬يف هذا ال�سياق ت�أتي معركة‬ ‫ال�ساحل لت�شكل خط�أ ا�سرتاتيجيا جديداً ال يخدم م�صلحة‬ ‫ال�سوريني بل يخدم �أجندات �إقليمية تعمل على ت�أجيج‬ ‫النعرات الطائفية والعرقية والرغبة العمياء يف االنتقام‪.‬‬ ‫عند انطالق احلراك ال�شعبي‪ ،‬رمبا مل يكن وا�ضحا لدى‬ ‫ال�سوريني �سوى �إح�سا�سهم باحلنق وال�ضيم والإهانة‬ ‫ف�أرادوا بحراكهم االنت�صار ملعاين الكرامة وال�رشف‪.‬‬ ‫لقد كان هذا احلراك‪ ،‬حراك ًا �أخالقياً‪� ،‬إن جاز التعبري‪،‬‬ ‫�أكرث من كونه حراك ًا �سيا�سياً‪ .‬حتى مفهوم احلرية التي‬ ‫حرم ال�سوريون من ممار�ستها ب�أ�شكالها املتعددة كانت‬ ‫للكثري منهم مفهوم ًا مبهم ًا وملتب�ساً‪ .‬مل يكن هناك هدف ًا‬ ‫�أكرث و�ضوح ًا من �إ�سقاط النظام‪ .‬مل يكن لدى ال�سوريني‬ ‫ت�صوراً حمدداً حول �سوريا اجلديدة �أو �سوريا كما ينبغي‬ ‫�أن تكون �سوى تلك اخلالية من الأ�سد و اال�ستبداد‪،‬‬ ‫وكان من الطبيعي �أال ميتلك اجلمهور وعي ًا غري تقليدي‬ ‫بطبيعة امل�شكالت التي يعاين منها �أو مباهية احللول‬ ‫املمكنة‪ ،‬وكان من املفرو�ض �أن ت�ستطيع قيادات هذا‬ ‫احلراك ومن ان�ضم �إليه الحقا من مثقفني و�سيا�سيني يف‬ ‫الداخل واخلارج �أن يبلوروا هذا الوعي وهذه الت�صورات‬ ‫املفقودة لدى اجلماهري‪� ،‬أو �إحاللها مكان تلك املتحدرة‬ ‫من الوعي التقليدي‪ .‬لكن تنوع انتماءات ه�ؤالء العرقية‬ ‫وتعدد والءاتهم ال�سيا�سية واختالف م�شاربهم الفكرية‬ ‫فر�ضت حالة توافقية حول قوا�سم م�شرتكة نظري ًا‬ ‫وعملياً‪ ،‬عطلت الكثري من التنظري املطلوب لعديد من‬ ‫الق�ضايا حتى �إ�شعار �آخر‪.‬‬ ‫�أجاد النظام دائم ًا اللعب على التوازنات الطائفية‪.‬‬ ‫�سيا�سة كهذه ال تلغي الطائفية بل تبقيها فقط حتت الطلب‬ ‫وال�سيطرة يف �آن مع ًا وتدرجها يف حيز امل�سكوت عنه‪.‬‬ ‫وهاهي املعار�ضات ال�سورية ورموزها ت�ستمر للأ�سف‬

‫يف �إبقائها �ضمن احليز ذاته‪ ،‬مع �أن مواجهتها باتت‬ ‫�أمراً حمتم ًا و�رضورياً‪ ،‬وهو ما يتطلب بالدرجة الأوىل‬ ‫االعرتاف بوجودها‪� ،‬أما القفز عنها فقد كان دائم ًا عائق ًا‬ ‫يحول دون تكوين وعي م�ضاد لها‪� .‬إن حماولة الهروب‬ ‫�إىل الأمام املهيمنة على قوى املعار�ضة لن جتدي نفعا‪،‬‬ ‫ولن ي�ؤدي دفن الر�أ�س يف الرمال �إال �إىل مزيد من العجز‪.‬‬ ‫ومن الطبيعي يف هذه احلال �أن يربز التف�سري الأ�صويل‬ ‫ال�سلفي ليكون �سيد املوقف‪.‬‬ ‫منذ البداية‪ ،‬كان الختزال احلراك اجلماهريي يف هدف‬ ‫حول «الثورة» �إىل‬ ‫حمدود متثل يف ا�سقاط النظام قد ّ‬ ‫«�رصاع» يف ظل وجود امل�شكلتني العرقية والطائفية‬ ‫يف املجتمع ال�سوري‪ ،‬وهنا يغدو احتجاج ريا�ض‬ ‫حجاب على �إحالل امل�صطلح الثاين مكان الأول �أمراً‬ ‫غري م�رشوع من وجهة نظر البحث العلمي‪ .‬كان ينبغي‬ ‫تو�سيع املعركة و�إعطائها طابع ًا �شمولي ًا لت�صبح معركة‬ ‫مع «القدمي» والقوى التي متثله‪ .‬عندها فقط كان ميكن‬ ‫لهذا احلراك �أن يكت�سب معنى الثورة بغ�ض النظر عن‬ ‫نتائج هذه املعركة يف املدى املنظور‪.‬‬ ‫ما يزال هذا القدمي حا�رضا واالنت�صار عليه يتطلب‬ ‫امل�صارحة واملواجهة لت�صفية احل�سابات التاريخية‬ ‫املعلقة ومنها امل�شكلة الطائفية‪� .‬إن القوى التقدمية‬ ‫مبحاولة قفزها عن هذا القدمي الرجعي ال تفعل �سوى انها‬ ‫تزيده قوة‪ ،‬بل حتكم بذلك على نف�سها بالتقهقر �أمامه‪،‬‬ ‫وهو ما يح�صل فع ًال‪ ،‬مزيد من الت�رشذم واالن�شقاقات‬ ‫يف �صفوف املعار�ضة‪ ،‬ارتهان متزايد للخارج والعجز‬ ‫عن املواجهة يف الداخل‪ ،‬هيمنة قوى القدمي على‬ ‫امل�سارين ال�سيا�سي والع�سكري للمعار�ضة‪�...‬إلخ‪ .‬والأهم‬ ‫من ذلك كله وكنتيجة له �أي�ضاً‪� ،‬إطالة �أمد املواجهة دون‬ ‫توفري احلد الأدنى الالزم للحا�ضنة ال�شعبية املدنية كي‬ ‫ت�ستطيع اال�ستمرار يف تلك املواجهة‪.‬‬ ‫ال�شك �أن التغيري التاريخي يتطلب ت�ضحيات ج�سيمة‪،‬‬ ‫ميكن التعامل مع هذه امل�سلمة ك�أحد قوانني احلتمية‬ ‫التاريخية‪ ،‬لكن احلرية االن�سانية تربز هنا حني ي�سهم‬ ‫الوعي العلمي يف تقنني هذه الت�ضحيات وحتقيق‬ ‫ما �أمكن من �أهداف قُدمت هذه الت�ضحيات ثمن ًا‬ ‫لها‪ .‬المنا�ص من �أن يقدم ال�شعب ال�سوري ت�ضحيات‬ ‫تاريخية‪ ،‬لكن الإخفاق يعني �أن ي�صبح هو ذاته �ضحية‬ ‫للتاريخ‪.‬‬


‫‪07‬‬

‫ق�ضايا‬

‫العدد (‪ 2014/04/13 )135‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫ف�شل خلط الدميقراطية بتطبيق ال�شريعة ‪� :‬أي طريق ي�سلك «الإخوان» ال�سوريون؟‬ ‫جورج كنت‬

‫�إذا كان هناك من عنوان يلخ�ص املتغريات ال�سيا�سية‬ ‫العاملية للثالث عقود املن�رصمة ب�شكل خا�ص‪ ،‬وملا‬ ‫بعد نهاية احلرب العاملية الثانية ب�شكل عام‪ ،‬فهو‪:‬‬ ‫"�أولوية الدميقراطية على �أي �شيء �آخر"‪ .‬فقد �شهدنا‬ ‫انتقال الدول الفا�شية يف �أوروبا واليابان لنظام‬ ‫دميقراطي‪ ،‬يف الأربعينات من القرن املا�ضي‪ ،‬ودول‬ ‫�أخرى عديدة بعدها‪ ،‬حتى بداية الت�سعينات التي‬ ‫�شهدت �أي�ضا انتقال معظم دول املع�سكر ال�رشقي‬ ‫من حكم احلزب الواحد �إىل الدميقراطية‪ .‬ومل يبق يف‬ ‫العامل �سوى قلة من الدول اال�ستبدادية �أهمها دول يف‬ ‫ال�رشق الأو�سط و�شمال افريقيا التي با�رشت ثوراتها‬ ‫الدميقراطية منذ �أربع �سنوات‪.‬‬ ‫التعقيد الذي ي�ؤخر االنتقال �أن ال�رصاع ال تتجاذبه‬ ‫قوتان رئي�سيتان‪ ،‬الأنظمة اال�ستبدادية من جهة‬ ‫والقوى الدميقراطية الليربالية من جهة �أخرى‪� ،‬إذ‬ ‫�أن هناك قوة ثالثة تطرح نف�سها بدي ًال عن الأنظمة‬ ‫اال�ستبدادية‪ ،‬وهي الإ�سالم ال�سيا�سي بتنوعاته‬ ‫وفروعه‪ .‬و�صولها لل�سلطة مل يعد م�سالة نظرية‪ ،‬فقد‬ ‫و�صلت �إليها يف عدة بلدان بدءاً من �إيران ثم تركيا‬ ‫و�أفغان�ستان الطالبان وم�ؤخرا تون�س وم�رص‪ .‬ف�أ�صبح‬ ‫ممكن ًا تقييم �أدائها يف ال�سلطة‪ ،‬ولي�س منطلقاتها‬ ‫النظرية فقط‪.‬‬ ‫يف �أفغان�ستان و�صل الإ�سالميون املتطرفون الذين‬ ‫يكفرون العامل كله ويعتربون معركتهم �ضده‪ ،‬وبذلك‬ ‫مل ي�ستمروا يف احلكم طوي ًال‪� ،‬إذ انهاروا حتت �رضبات‬ ‫القوى الكربى التي من م�صلحتها الق�ضاء على خطر‬ ‫الإرهاب اال�صويل الذي �شن حربه �ضد ما ي�سميه‬ ‫"مع�سكر الكفر" بغزوة نيويورك دون تقدير للنتائج‬ ‫التي ترتب عليها تدمري �إمارته الإ�سالمية ال�سابحة‬ ‫يف �أوهام عهد "الفتح"‪ ،‬و�إمكان �إعادة عقارب الزمن‬ ‫للوراء ب�شطب ‪ 14‬قرن ًا من التطور العاملي‪.‬‬ ‫يف �إيران اقام الإ�سالم ال�سيا�سي �سلطة رجال الدين‬ ‫وعلى ر�أ�سها الويل الفقيه املتحكم ب�سلطات وا�سعة‬ ‫فوق جميع ال�سلطات الأخرى الرئا�سية والت�رشيعية‬ ‫والق�ضائية‪ ،‬ف�شل خالل ثالثة عقود يف مزج �سلطة‬ ‫رجال الدين مع دميقراطية انتخابية �أتت بر�ؤ�ساء‬ ‫مل تتعد �صالحياتهم تنفيذ تعليمات املر�شد‪ ،‬دون‬ ‫�إمكانية رف�ضها �أو تعديلها‪ .‬كما ف�شلت جميع حماوالت‬ ‫الإ�صالح التي حاولها الرئي�سان املنتخبان رف�سنجاين‬ ‫وخامتي لتو�سيع �أطر الدميقراطية لل�شعب املتذمر من‬ ‫�سلطات رجال الدين املطلقة‪� ،‬إىل �أن ا�ضطرت �أجهزة‬ ‫املر�شد الأمنية تزوير االنتخابات لإجناح مر�شحها‬ ‫"جناد" للرئا�سة‪ ،‬قطع ًا للطريق على و�صول رئي�س‬ ‫يتحدى �سلطته‪ ،‬مما نتج عنه انهيار احلا�ضنة ال�شعبية‬ ‫للطبقة الدينية احلاكمة وثورة خ�رضاء مليونية عام‬ ‫‪ ،2009‬و�إن مل تنجح يف �إ�سقاط النظام الديني فقد‬ ‫افتتحت مرحلة جديدة لثورات قادمة �أكرث اتقان ًا‬ ‫للخال�ص منه‪ ،‬بعد �أن كانت قد �أ�سقطت نظام ال�شاه‬ ‫بثورتها التي جريها رجال الدين ل�صلحتهم‪.‬‬ ‫التجربة يف تركيا خمتلفة‪� ،‬إذ بعد ف�شل تنظيمات‬ ‫�إ�سالمية يف لعب �أي دور رئي�سي من خالل الدميقراطية‬ ‫الرتكية‪� ،‬أتى حزب العدالة والتنمية لل�سلطة ب�أغلبية‬ ‫�شعبية انتخبته لربناجمه الذي ال يدعو لتطبيق �أية‬ ‫�رشيعة �إ�سالمية ويقبل العلمانية كف�صل للدين عن‬ ‫ال�سيا�سة وكمنهج �أ�سا�سي يف النظام الدميقراطي‪،‬‬ ‫ليميز بني امل�ؤ�س�سات الدينية من جهة‪ ،‬وبني الدولة‬ ‫واحلزب كم�ؤ�س�سات �سيا�سية‪� .‬أع�ضا�ؤه �إ�سالميون‬ ‫متدينون ك�أفراد ولي�س كتنظيم‪ ،‬دعوته الإ�سالمية‬

‫تقت�رص على حرية �أداء ال�شعائر و�إزالة القيود عن ارتداء‬ ‫احلجاب‪ ،‬وحرية التعليم الديني اخلا�ص‪ .‬قدم احلزب‬ ‫جتربة جديدة ال متزج بني ال�رشيعة والدميقراطية‪،‬‬ ‫خارجة عن نهج الإ�سالم ال�سيا�سي التقليدي للإمام‬ ‫البنا و�سيد قطب يف تطبيق �رشيعة تتناق�ض عملي ًا مع‬ ‫الدميقراطية واحلداثة‪.‬‬ ‫�أي امل�سارين �سلك الإ�سالم ال�سيا�سي يف ثورات‬ ‫تون�س وم�رص؟‬ ‫حزب النه�ضة التون�سي احلا�صل على �أكرب عدد من‬ ‫الأ�صوات يف �أول انتخابات �إثر الثورة ال�شعبية التي‬ ‫�أطاحت بنب علي‪ ،‬رغم �أنه مل يلعب دوراً رئي�سي ًا يف‬ ‫انت�صارها‪ ،‬توهم �أنه ميكن ان ينفرد بال�سلطة ويبد�أ‬ ‫�أ�سلمة البالد ح�سب نهج تطبيق ال�رشيعة الإخواين‪،‬‬ ‫فا�صطدم مع غالبية �شعبية عاي�شت علمانية �أر�ساها‬ ‫احلبيب بورقيبة �أول رئي�س تون�سي عقب اال�ستقالل‪،‬‬ ‫متثلها كتلة دميقراطية علمانية‪ ،‬فر�ضت يف النهاية‬ ‫بعد احتجاجات �شعبية وا�سعة تراجع حزب النه�ضة‬ ‫ليقبل بوزارة جديدة ال يهيمن عليها‪ ،‬وبد�ستور جديد‬ ‫ال ي�رشعن لتطبيق ال�رشيعة بل لإقامة نظام مدين‬ ‫دميقراطي علماين‪ ،‬ال�سيادة فيه لل�شعب‪ ،‬ولي�س كما‬ ‫يدعي مف�رسي الن�صو�ص "احلاكمية هلل"‪ .‬وبذلك قبل‬ ‫النه�ضة بنهج مقارب حلزب العدالة والتنمية الرتكي‪،‬‬ ‫انحناء م�ؤقتا �أمام العا�صفة‬ ‫ون�أمل �أال يكون ذلك‬ ‫ً‬ ‫ال�شعبية‪.‬‬ ‫�أما يف م�رص فالإخوان الذين مل يلعبوا دوراً رئي�سي ًا‬ ‫يف الثورة �ضد مبارك بل �شاركوا فيها بعد اندالعها‬ ‫ك�أحد قواها‪ ،‬ا�ستفادوا من كونهم الأكرث تنظيم ًا‬ ‫وخربة‪ ،‬للح�صول على �أغلبية يف �أول انتخابات‬ ‫رئا�سية �أتت مبر�سي لي�س فقط بقوة الإخوان‪ ،‬ولكن‬ ‫بدعم كتل �شعبية وا�سعة خ�شيت من جناح �أحمد‬ ‫�شفيق املح�سوب على نظام مبارك‪ .‬وبد ًال من �أن‬ ‫يقيموا حكم ًا ي�ضم ائتالفا لكافة القوى املدنية‬ ‫امل�شاركة بالثورة‪ ،‬تفردوا بال�سلطة وبد�أوا عملية‬ ‫الأ�سلمة وتطبيق ال�رشيعة من خالل د�ستور ال يراعي‬ ‫قطاعات ال�شعب الراف�ضة ملثل هذا التوجه‪ .‬ليواجهوا‬ ‫كما يف تون�س بهبة �شعبية مليونية ترف�ض هيمنتهم‬ ‫وتطبيقاتهم املنافية للدميقراطية واحلداثة‪ .‬وبد ًال‬ ‫من القبول بالطريق التون�سي يف الت�صالح مع القوى‬ ‫الدميقراطية‪� ،‬أ�رصوا على مواجهة التغيري بالقوة‪ ،‬مما‬

‫مكن اجلي�ش امل�رصي من التدخل لإطاحة مر�سي‪.‬‬ ‫و�إذا كانت معار�ضتهم للنظام اجلديد ت�أخذ حتى‬ ‫الآن �شكل احتجاجات يف ال�شارع‪ ،‬فذلك ال يعني‬ ‫�أنهم مل يرحبوا بعمليات �إرهابية يقوم بها مت�شددون‬ ‫�إ�سالميون يهتدون بالربنامج الإخواين‪ .‬وال ي�ستبعد‬ ‫�أن ينزلق التنظيم الإخواين للإرهاب بعد ف�شله يف‬ ‫مواجهات ال�شوارع‪ ،‬وموقفه املرتدد الذي يراوح‬ ‫بني الدميقراطية والإرهاب‪� ،‬إذ �سبق لإخوان م�رص‬ ‫�أن �أفرزوا "التنظيم اخلا�ص" الإرهابي يف عهد عبد‬ ‫النا�رص‪ ،‬مثلما �أنتجوا �أي�ضا تنظيم "الطليعة امل�سلحة"‬ ‫الإرهابي يف �سوريا الذي مكن النظام اال�ستبدادي‬ ‫ال�سوري من تربير قمعه‪ ،‬لي�س فقط للإخوان‪ ،‬بل لكل‬ ‫القوى الدميقراطية‪.‬‬ ‫و�إذا كانت هناك �إمكانية لعودة حكم الع�سكر مل�رص‬ ‫من خالل انتخاب ال�سي�سي ف�إخوان م�رص يتحملون‬ ‫امل�س�ؤولية الأوىل يف متكينه‪ ،‬لتم�سكهم برباجمهم‬ ‫لتطبيق ال�رشيعة املرفو�ضة من قطاعات �شعبية‬ ‫وا�سعة‪ ،‬ولرف�ضهم االئتالف مع القوى املدنية‬ ‫الدميقراطية والعلمانية التي من ال�صعب على الع�سكر‬ ‫مواجهتها عندما تكون موحدة‪ .‬فائتالف جميع القوى‬ ‫املدنية ال�شعبية الدميقراطية والإ�سالمية �أ�سقط حكم‬ ‫مبارك امل�ستقوي بالع�سكر‪ ،‬وائتالف جديد لهذه القوى‬ ‫بعد قبول الإخوان بالرتاجع عن برناجمهم لتطبيق‬ ‫ال�رشيعة‪� ،‬سيمكن من منع عودة الع�سكر لل�سلطة من‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫�أي الطريقني �سي�سلك �إخوان �سوريا؟ الطريق التون�سي‬ ‫ومنوذجه حزب العدالة والتنمية الناجح‪� ،‬أم الطريق‬ ‫امل�رصي ومنوذجه النظام اال�ستبدادي الإيراين؟‬ ‫احلل الو�سط يف خلط تطبيق ال�رشيعة مع الدميقراطية‬ ‫انهار يف تون�س طوعاً‪ ،‬ويف م�رص ق�رساً‪ ،‬ويف طريقه‬ ‫لالنهيار يف �إيران‪ ،‬ولي�س له م�ستقبل يف �سوريا‪.‬‬ ‫التحاق الإخوان بالدميقراطية يفرت�ض الإقرار‬ ‫بالعلمانية كف�صل للدين عن ال�سيا�سة‪ ،‬واالئتالف مع‬ ‫القوى املدنية الدميقراطية الأخرى يف مواجهة حكم‬ ‫الع�سكر‪� ،‬أو يف مواجهة منظمات متطرفة �إ�سالموية‬ ‫متار�س الإرهاب وت�سعى لنظام يعيد اال�ستبداد مت�سرتا‬ ‫بالن�صو�ص الدينية‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/04/13 )135‬م‬

‫الأخرية‬

‫‪08‬‬

‫�إ�شكاليات املنظمات غري احلكومية يف العامل العربي‬ ‫د‪ .‬عبداهلل تركماين‬

‫حيزاً وا�سع ًا من‬ ‫�شغل مفهوم املجتمع املدين ّ‬ ‫اخلطاب العربي يف العقدين الأخريين‪ ،‬وال يزال‬ ‫ي�شكل �إحدى �أهم امل�سائل التي ت�ستحوذ على‬ ‫االهتمامات الأ�سا�سية لهذا اخلطاب‪ ،‬بحيث ميكن‬ ‫اعتباره جزءاً �أ�سا�سي ًا من بنيته‪ ،‬جنب ًا �إىل جنب مع‬ ‫م�سائل الدميوقراطية والعلمانية وحقوق الإن�سان‬ ‫واملوقف من الآخر الغربي‪.‬‬ ‫لكن الالفت هو التبا�س مفهوم املجتمع املدين‬ ‫ّ‬ ‫وتناق�ضه واختالطه يف الفكر العربي الراهن �إىل‬ ‫درجة ي�ضيع معها جوهره وم�ضمونه والأ�س�س‬ ‫التي يقوم عليها‪ ،‬مع تغييب املرجعية التي ت�سنده‬ ‫ومكوناته وقيمه‪ .‬ويرجع‬ ‫وي�ستمد منها وجوده‬ ‫ّ‬ ‫�أ�صل هذا االختالط وااللتبا�س �إىل �أنه مل يتم‬ ‫التعامل مع مفهوم املجتمع املدين بو�صفه مفهوم ًا‬ ‫وتكون مع ثورة احلداثة العلمية والتقنية‬ ‫حديث ًا ن�ش�أ ّ‬ ‫حتول غري‬ ‫مع‬ ‫مرتافقة‬ ‫الغرب‪،‬‬ ‫والإنتاجية يف‬ ‫ّ‬ ‫م�سبوق يف ال�سيا�سة والثقافة والفكر واالجتماع‪،‬‬ ‫ما �أ�س�س لن�شوء مفهوم الفرد واحلرية الفردية‬ ‫والعالقات املدنية املختلفة‪ ،‬مبا ي�شكل اختالف ًا‬ ‫جذري ًا عن تلك القائمة يف جمتمع القبيلة والع�شرية‬ ‫والطائفة‪� ،‬أو ما ميكن ت�سميته بـ «املجتمع الأهلي»‬ ‫الذي حتدده الروابط الدموية القرابية �أو املعتقدية‬ ‫الإميانية‪.‬‬ ‫ويف �ضوء االختالف والتمييز بني املجتمعني‬ ‫املعوقات التي‬ ‫«املدين» و»الأهلي» ميكن تف�سري‬ ‫ّ‬ ‫يواجهها املجتمع املدين يف العامل العربي‪� :‬أولها‪،‬‬ ‫الرتكيب القبلي الع�شائري الطائفي للمجتمعات‬

‫العربية‪ ،‬حيث املالحظ ه�شا�شة الأحزاب والنقابات‬ ‫واجلمعيات‪ ،‬وكونها يف الغالب واجهات لع�صبويات‬ ‫ما قبل مدنية وما قبل حديثة‪ ،‬على رغم ت�سمياتها‬ ‫املدنية والع�رصية‪ .‬وثانيها‪ ،‬اكت�ساح الدولة‬ ‫الت�سلطية م�ؤ�س�سات املجتمع باحتكارها م�صادر‬ ‫القوة وال�سلطة والرثوة‪ ،‬وب�إحاللها ال�سيا�سة حمل‬ ‫الثقافة واالقت�صاد واملمار�سة االجتماعية‪.‬‬ ‫ولعل من �أهم الإ�شكاليات الفكرية‪:‬‬ ‫ ‪ ‬الدور الذي ميكن �أن تقوم به م�ؤ�س�سات املجتمع‬‫املدين‪ ،‬ف�إذا كان هدف الأحزاب ال�سيا�سية الو�صول‬ ‫�إىل ال�سلطة‪ ،‬ف� ّإن م�ؤ�س�سات املجتمع املدين لها‬ ‫�آليات و�أ�ساليب �أخرى‪ ،‬و�إن ا�شرتكت �أحيان ًا يف‬ ‫بع�ض الأهداف‪.‬‬ ‫ �ضعف الثقافة الدميوقراطية‪ ،‬وكذلك النق�ص‬‫ال�شديد يف الوعي احلقوقي‪.‬‬ ‫ ‪ ‬معاناة م�ؤ�س�سات املجتمع املدين العربي من‬‫غياب املبادرة‪� ،‬أو �ضعفها على امل�ستوى الفكري‬ ‫والعملي‪ ،‬وعدم التوجه �إىل درا�سة الظواهر اجلديدة‪.‬‬ ‫ ‪ ‬مبد�أ التدخل لأغرا�ض �إن�سانية‪ ،‬فهناك من‬‫يرف�ض مبد�أ التدخل ب�شكل مطلق‪ ،‬وهناك من يدعو‬ ‫�إىل ت�أييده ب�شكل مطلق‪ ،‬ولكل حججه ومنطلقاته‬ ‫و�أهدافه‪ .‬حيث �أ�صبح مبد�أ التدخل الإن�ساين‪ ،‬مبا‬ ‫ال ينطوي على ت�أييد الو�سائل الع�سكرية واحلروب‬ ‫اال�ستعمارية‪ ،‬مبد�أً �آمراً وملزم ًا يف القانون الدويل‪،‬‬ ‫وهذا يعترب تطوراً يف فقه « الديبلوما�سية الوقائية‬ ‫« التي تبلورت منذ �أوائل ت�سعينيات القرن املا�ضي‪.‬‬ ‫‪ -‬ان�شغال م�ؤ�س�سات املجتمع املدين‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬

‫منظمات حقوق الإن�سان‪ ،‬باحلقوق املدنية‬ ‫وال�سيا�سية على ح�ساب احلقوق االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية‪� ،‬إىل درجة � ّأن الأخرية غالب ًا‬ ‫ما تهمل �أو ُتن�سى‪.‬‬ ‫ توجه م�ؤ�س�سات املجتمع املدين �إىل االحتجاجات‬‫والنقد والأهداف املطلبية‪ ،‬و�إن كانت هذه م�سائل‬ ‫مهمة من خالل الرقابة والر�صد والتعبئة‪� ،‬إال‬ ‫�أنها ال ميكن �أن ت�ساهم يف و�ضع ت�صورات حول‬ ‫الت�رشيعات الوطنية‪� ،‬سواء مبواءمتها مع االتفاقات‬ ‫واملعاهدات الدولية وتطور القانون الدويل على هذا‬ ‫ال�صعيد‪� ،‬أو تعديلها �أو اقرتاح قوانني وت�رشيعات‬ ‫جديدة بديلة عنها‪.‬‬ ‫‪ ‬االرتياب من العالقة مع الآخر‪ ،‬ولع ّل بع�ض‬‫الأطروحات املنغلقة ال تدرك � ّأن العامل كله �أ�صبح‬ ‫قرية عاملية �صغرية‪ ،‬و� ّأن هناك قيم ًا �إن�سانية‬ ‫م�شرتكة لبني الب�رش بغ�ض النظر عن دينهم �أو‬ ‫عرقهم �أو لغتهم �أو من�شئهم االجتماعي �أو جن�سهم‪.‬‬ ‫واملعوقات هي التي وقفت وال تزال‬ ‫هذه الإرباكات‬ ‫ّ‬ ‫تقف عائق ًا �أمام نهو�ض املجتمع املدين يف العامل‬ ‫العربي‪ ،‬حيث يواجه اجلميع م�أزق ًا حقيقي ًا‪ .‬وما مل‬ ‫حتول �أ�سا�سي‪� ،‬سيا�سي واقت�صادي واجتماعي‬ ‫يج ِر ّ‬ ‫وثقايف وفق ت�صور �شامل يف بنية املجتمعات‬ ‫العربية‪ ،‬وعلى �أ�سا�س دميوقراطي يف�سح املجال‬ ‫�أمام القوى احلية للعمل من دون قيود و�إكراهات‪،‬‬ ‫ف� ّإن جمتمعاتنا �ستبقى مل ّغمة بكل عوامل التفجر‬ ‫من الداخل‪ ،‬و�سننتظر كثرياً قبل قيام جمتمع مدين‬ ‫حقيقي على الأر�ض العربية‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.