Al badeel 143

Page 1

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ 2014/06/8ádGó``Y‬م‬ ‫العدد (‪)143‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫‪01‬‬

‫ا�سبوعية‪�-‬سيا�سية‪-‬م�ستقلة‬ ‫العدد (‪ 2014/06/8 )143‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫رئي�س التحرير ‪ :‬ح�سام مريو‬ ‫‪www.al-badeel.org‬‬

‫‪Issue (143) 8/06/2014‬‬

‫خطة املعار�ضة ال�سيا�سية بعد الوالية الثالثة للأ�سد‬

‫�أخذ ب�شار الأ�سد والية ثالثة يف حكم �سورية‪ ،‬بعد‬ ‫انتخابات و�صفها الغرب ب�أنها "مهزلة"‪ ،‬وال تعرتف‬ ‫بها املعار�ضة ال�سيا�سية‪ ،‬وجرت يف ظل ظروف �أمنية‬ ‫م�شددة على من ذهبوا لالنتخاب‪ ،‬وبعد �أن �أ�صبحت‬ ‫�سوريا مثا ًال على التدمري الذاتي املمنهج‪ ،‬حيث �أ�رشفت‬ ‫الدولة‪ /‬ال�سلطة على عملية التدمري بكفاءة ق ّل نظريها‪،‬‬ ‫كما خلقت كل مربرات الذهاب نحو التطرف‪ ،‬لت�صبح بعد‬ ‫تقدم‬ ‫ثالث �سنوات ونيف من عمر االحتجاجات ال�شعبية ّ‬ ‫نف�سها بو�صفها اجلهة القادرة على مكافحة الإرهاب‪،‬‬ ‫يعول عليه النظام‪� ،‬إىل جانب �أمور �أخرى‪ ،‬يف‬ ‫وهو ما ّ‬ ‫�إعادة ت�أهيل نف�سه‪.‬‬ ‫الأ�سد ما زال يف ال�سلطة‪ ،‬واملعار�ضة ال�سيا�سية يف حالة‬ ‫ت�رشذم‪ ،‬وف�شلت كل حماوالت التن�سيق فيما بينها‪ ،‬على‬ ‫الرغم من اجلهود التي بذلتها �أطراف �سيا�سية �سورية‬ ‫عدة‪.‬‬ ‫�أما املعار�ضة امل�سلحة‪ ،‬ف�إذا ا�ستثنينا القوى الراديكالية‬ ‫ف�إن القوى الإ�سالمية "املعتدلة" واجلي�ش احلر‪ ،‬ال‬ ‫ي�شكلون القوى ال�ضاربة على �ساحة الف�صائل التي تقاتل‬ ‫قوات النظام‪ ،‬وما زالت �إيران تعمل على دعم النظام‪،‬‬ ‫لي�س فقط من خالل مده باملال وال�سالح‪ ،‬و�إمنا بت�سخري‬ ‫قوى مبا�رشة لدعمه‪ ،‬واال�ستفادة من �أوراق �إقليمية‬ ‫�سيا�سية جتعل من �سقوط النظام �أمراً �صعباً‪.‬‬ ‫ما هي خطة املعار�ضة‪� ،‬أو املعار�ضات‪ ،‬ال�سيا�سية‬ ‫ال�سورية يف املرحلة املقبلة؟‪ ،‬وهل �سيبقى االئتالف‬ ‫الوطني يطالب مبزيد من الدعم الغربي؟ وهو دعم‪ ،‬و�إن‬ ‫�أتى‪ ،‬فهو ال يخرج عن الر�ؤية الأمريكية التي لن ت�سمح‬

‫بدعم كبري‪ ،‬و�إمنا مبا يبقي املعار�ضة حية‪ ،‬وهو كالم‬ ‫قاله �سا�سة �أمريكيون م�ؤخراً يف �أكرث من منا�سبة‪،‬‬ ‫ومرروه عرب �أكرث من قناة‪.‬‬ ‫وبات معروفاً‪� ،‬أن الغرب يركز يف املرحلة الراهنة على‬ ‫املخاوف من عودة اجلهاديني الأوروبيني �إىل بلدانهم‪،‬‬ ‫كما �أن الغرب‪ ،‬و�أمريكا‪ ،‬من خالل �سياق الأزمة ال�سورية‬ ‫مل يظهروا عم ًال جدي ًا لإنهاء الأزمة‪ ،‬و�إيجاد املخارج‬ ‫ال�سيا�سية لها‪ ،‬ومن غري املتوقع �أن تتغري ال�سيا�سة‬ ‫الغربية ب�شكل خمتلف كلي ًا عما كانت عليه‪ ،‬فعلى ماذا‬ ‫تعول "املعار�ضة" ال�سيا�سية ال�سورية؟‪.‬‬ ‫ميكن �أن ّ‬ ‫والأ�سد الذي ح�صل على والية ثالثة يركز على ما ي�سميه‬ ‫"الدولة املفيدة"‪� ،‬أي املناطق اخلا�ضعة ل�سيطرته‪ ،‬مع‬ ‫عملية تنظيف لب�ؤر معار�ضة عرب امل�صاحلات والهدن‪،‬‬ ‫وت�أمني �أكرب قدر من ال�رشعية والتوا�صل والإمداد يف‬ ‫مناطق "الدولة املفيدة"‪ ،‬وترك باقي املناطق يف حالة‬ ‫�إنهاك متوا�صل‪ ،‬حيث تتقاتل الف�صائل وامليلي�شيات‬ ‫على النفوذ‪ ،‬وحيث تزداد الأو�ضاع املدنية �صعوبة‪،‬‬ ‫وتزداد النقمة من �سكان املدن واملناطق التي يحكمها‬ ‫"داع�ش" من �أ�سلوب �إدارة التنظيم حلياتهم‪ ،‬والتدخل‬ ‫يف م�أكلهم وملب�سهم و�رصتهم ومعظم �ش�ؤون حياتهم‪،‬‬ ‫وهي تتمكن من �ضم الكثري من ال�شباب �إليها عرب ما‬ ‫متتلكه من �إمكانات مالية قوية يف ظل �ضعف املوارد‪،‬‬ ‫وحاجة ال�شباب للمال‪ ،‬حتى لو كان ذلك عرب القتال مع‬ ‫"داع�ش"‪.‬‬ ‫وبغ�ض النظر عن قدرة النظام �أو عدمها يف حتقيق‬ ‫ا�سرتاتيجيته‪� ،‬إال �أن �رشائح كثرية من ال�سوريني غري‬

‫ح�سام مريو‬

‫املوالني للنظام‪ ،‬وممن ت�أذوا منه‪ ،‬ولهم برقبته دم‪،‬‬ ‫ي�س�ألون عن ا�سرتاتيجية "املعار�ضة" وما متتلكه من‬ ‫�إمكانات و�أوراق حلل الأزمة ال�سورية التي بات ي�صح‬ ‫عليها و�صف النكبة‪ ،‬ولي�س جمرد �أزمة‪.‬‬ ‫يف املعطى الظاهر والعملي‪ ،‬ال تبدو "املعار�ضة"‬ ‫مالكة ال�سرتاتيجية جتاه امل�ستقبل‪ ،‬كما �أن م�سار عملها‬ ‫يربز بو�ضوح �أنها راهنت على �أح�صنة خا�رسة‪ ،‬و�أنها‬ ‫مل تتمكن من م�أ�س�سة عملها‪ ،‬وخا�ضت يف خالفاتها‬ ‫الداخلية �أكرث مما خا�ضت يف العمل ال�سيا�سي والثوري‪،‬‬ ‫وما زال م�سل�سل اخلالفات جارياً‪ ،‬من دون �أفق لتجاوز‬ ‫�أخطاء املراحل املا�ضية‪.‬‬ ‫لي�س كافي ًا يف العمل ال�سيا�سي كيل االتهامات للخ�صم‬ ‫ب�أنه غري �أخالقي‪ ،‬و�أنه غري وطني‪ ،‬وغري �إن�ساين‪ ،‬و�أن‬ ‫العامل كله كذب علينا‪ ،‬فهذا بات معروفاً‪ ،‬ولو كان‬ ‫اخل�صم �أخالقي ًا ووطني ًا ملا و�صلت �سوريا �إىل حالها‬ ‫الكارثي‪ ،‬ولو كان العامل �صادق ًا من موقع حماية الأمن‬ ‫وال�سالم وحماية املدنيني ملا كان ال�شعب ال�سوري اليوم‬ ‫الجئ ًا ونازحاً‪.‬‬ ‫املطلوب من "املعار�ضة" ال�سيا�سية �أن تعيد الكثري من‬ ‫ح�ساباتها‪ ،‬و�أن تقف نقدي ًا على جوهر �أزمتها‪ ،‬و�أن تقدم‬ ‫خطاب ًا جديداً‪ ،‬و�أن يقف بع�ض رموزها ليقولوا �إننا‬ ‫نتحمل جزءاً من امل�س�ؤولية‪ ،‬ورمبا من املفيد �أن يخلي‬ ‫البع�ض مكانه لآخرين‪ ،‬معطي ًا بذلك مثا ًال على ن�ضج‬ ‫�سيا�سي‪ ،‬ونزاهة‪ ،‬وموقف وطني حقيقي‪.‬‬ ‫هل �سيحدث �شيء من ذلك عند "املعار�ضة" ال�سيا�سية؟‬ ‫�أم �أننا �سنبقى نعمي ب�رصنا وب�صريتنا عن الواقع‪.‬‬


‫العدد (‪ 2014/06/8 )143‬م‬ ‫تقارير ‪02‬‬ ‫«داع�ش» يربط العراق بدير الزور واحلرب عليه تبوء بالف�شل‬ ‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫ا�سطنبول‪ -‬يا�سر بدوي‬

‫ت�ضاربت املعلومات حول ال�سيطرة على مناطق‬ ‫متفرقة يف دير الزور بني تنظيم الدولة الإ�سالمية‬ ‫يف العراق وال�شام "اع�ش" واجلي�ش احلر و جمل�س‬ ‫�شورى املجاهدين امل�شكل حديث ًا ‪ ،‬لكن املعلومات‬ ‫املتطابقة تفيد ب�أن "داع�ش" �سيطر على الريف‬ ‫الغربي لدير الزور‪ ،‬و بالتايل �أ�صبح طريق الرقة بيد‬ ‫التنظيم الإرهابي‪ ،‬وب�سط مقاتلوه �سيطرتهم على‬ ‫كامل ريف دير الزور الغربي "ال�ضفة ال�شمالية لنهر‬ ‫الفرات"‪ ،‬من حمافظة الرقة و�صو ًال �إىل مدخل مدينة‬ ‫دير الزور ال�شمايل "دوار احللبية"‪.‬‬ ‫�أمام ا�ستعادة مقاتلي جمل�س �شورى املجاهدين‬ ‫قرية احلريجية يف ريف دير الزور ال�شمايل‪،‬‬ ‫واال�شتباكات متتد لبلدة ال�صور ال�ستعادتها‪ ،‬فجر‬ ‫"داع�ش" �سيارة مفخخة يف �أحد �أحياء مدينة‬ ‫موح�سن ليبقي لعنته االجرامية حا�رضة‪ ،‬ومكملة‬ ‫لإجرام نظام الأ�سد ‪.‬‬ ‫معظم �أو �أغلب قادة الف�صائل والنا�شطني يجزمون‬ ‫بجملة واحدة ‪ :‬نطرد داع�ش �إذا توفر ال�سالح‪ .‬هذا‬ ‫وقد ظهرت ت�شكيالت جديدة م�ضافة �إىل الت�شكيالت‬ ‫املوجودة لهذا الغر�ض‪ ،‬ف�ض ًال عن هدف �إ�سقاط‬ ‫النظام ‪ ،‬فظهر جمل�س �شورى املجاهدين يف دير‬ ‫الزور‪ ،‬وغرفة عمليات �سوريا احلرة يف حلب‪،‬‬ ‫�إ�ضافة اىل اجلي�ش احلر‪ ،‬و اجلبهة الإ�سالمية‪ ،‬و‬ ‫جي�ش املجاهدين‪ ،‬والت�شكيل الأو�سع هو "�أهل‬ ‫ال�شام" الذي �ضم اجلبهة الإ�سالمية وجي�ش‬ ‫املجاهدين وف�صائل �أخرى ‪.‬‬ ‫"جمل�س �شورى املجاهدين" هدف ح�سب البيان‬ ‫املعلن عند ت�شكيله �إىل "�إ�سقاط النظام ال�سوري‪,‬‬ ‫ودفع �صيال ع�صابة البغدادي ‪ ..‬وتخلي�ص البالد‬ ‫من �رشهم‪ ,‬ف�ضال عن فك احل�صار املطبق على‬ ‫مدينة دير الزور املحا�رصة من جماعة البغدادي‬ ‫والنظام ال�سوري"‪.‬‬ ‫ومن املوقعني على البيان عدد من ف�صائل مقاتلة‬ ‫يف مقدمتها "جبهة الن�رصة"‪" ،‬جي�ش اال�سالم"‪،‬‬ ‫"حركة احرار ال�شام"‪" ،‬جبهة الأ�صالة والتنمية"‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل عدة ف�صائل �أخرى‪.‬‬ ‫وهنا رمبا تكمن امل�شكلة يف �ضم جبهة الن�رصة يف‬ ‫الت�شكيل الذي يحارب النظام و "داع�ش" و معلوم �أن‬ ‫�أهم �سبب يف االمتناع االمريكي عن دعم املعار�ضة‬ ‫بال�سالح النوعي هو وجود القاعدة‪ ،‬و اخلوف‬ ‫من و�صول ال�سالح �إىل مقاتليها‪ ،‬ف"الن�رصة"‬ ‫يف الأهداف تقاتل و تكفر الغرب و�أ�صحاب الفكر‬ ‫الدميقراطي و الليربايل‪ ،‬وما خالفها مع "داع�ش‬ ‫البغدادي" �إال يف املنهج و الطريق و ال�رصاع على‬ ‫الإمارة �أو احلاكمية ‪ ،‬فخلقت متايزات �أحدثت‬ ‫�رشخ ًا كبرياً بني تنظيم القاعدة الدويل بزعامة‬ ‫الظواهري‪ ،‬وبني التنظيم الذي يقوده البغدادي‪،‬‬ ‫وبالتايل ف�إن اخلالف داخل البيت الواحد ح�سب‬ ‫تعبري �أبو حممد اجلوالين �أ�صبح فراق نهائي‪ ،‬جلهة‬ ‫اختالف التفكري والعقلية واال�سرتاتيجية‪ ..‬التمايز‬

‫التهـــــدئة التي دعــــا �إليـــــــها‬ ‫الظواهــري مل َ‬ ‫تلق �آذان ًا �صاغية‬ ‫لـــدى البغــــدادي و�أتبـــــاعه‬ ‫الذي بدا عليه التنظيم اجلديد بقيادة البغدادي‪،‬‬ ‫بعد مقتل بن الدن‪ ،‬ي�شي بربوز عقلية "خطرة"‬ ‫للغاية‪ ،‬وهي مغايرة لعقلية �أ�سامة بن الدن امل�ؤمنة‬ ‫بـ"ال�رضبات املوجعة امل�ؤدية �إىل االنهيار"‪ ،‬وتقوم‬ ‫هذه التمايزات على �أ�سا�س "التحوالت امل�ؤدية �إىل‬ ‫البقاء"‪ ،‬على عك�س ما كان بن الدن يريده �أن يكون‬ ‫التنظيم "هوية جامعة" لـ"ال�شعوب الإ�سالمية"‪،‬‬ ‫بالتايل ف�إن "تنظيم �أ�سامة" يبدو غريب ًا الآن‬ ‫يف ظل التغيرّات التي طر�أت على عقل "القاعدة"‪،‬‬ ‫والتحول �إىل "دولة عميقة" وفق ًا للت�صنيفات‬ ‫ّ‬ ‫ال�سيا�سية‪ .‬من هذا التمايز م�ضافا �إليه التبعية‬ ‫ال�سيا�سية واملحركات الإقليمية و الدولية للفريقني‬ ‫ا�صبح ال�رصاع بهذه الق�سوة و العنف غري امل�سبوق‬ ‫يف التاريخ ‪.‬‬ ‫تلق �آذان ًا‬ ‫التهدئة التي دعا �إليها الظواهري مل َ‬ ‫�صاغية لدى البغدادي و�أتباعه‪ ،‬ويتملك ه�ؤالء‬ ‫�إ�رصاراً �أعمى على املوا�صلة للبقاء ال�سيا�سي‪ ،‬لذلك‬ ‫قدموا الدولة على �أية مهام ثانية‪ ،‬وهي جمموعة‬ ‫ت�ؤمن با�سرتاتيجية "م�سك الأر�ض"‪ ،‬و�إعالن دولة‬ ‫اخلالفة ‪.‬‬ ‫يتوهم العديد من اجلي�ش احلر و الف�صائل الإ�سالمية‬ ‫بتطهري �إدلب و حماة و الريف ال�ساحلي من‬ ‫عنا�رص "داع�ش" وي�شاطرهم الوهم احللبيون ‪،‬‬ ‫بينما املعطيات و املعلومات تقول بوجود خاليا‬ ‫نائمة على طول و عر�ض هذه امل�ساحات‪ ،‬وما تزال‬ ‫ف�صائل تبايع داع�ش �إىل اليوم مثل "كتيبة �أبو ذر‬ ‫التون�سي" التي �أعادت مبايعة "داع�ش"‪ ،‬ما ُيعد‬ ‫�رضبة قوية لـ"الن�رصة"‪ ،‬وال �سيما �أن "الكتيبة"‬ ‫كانت قد ان�شقت عنها يف وقت �سابق ‪.‬‬

‫الف�شل يف حماربة "داع�ش" ي�أتي بالتزامن مع‬ ‫الف�شل �أمام النظام و قواته‪ ،‬و�إن اختلفت املعطيات‬ ‫و ال�صور و تداخلت الأ�سباب‪ ،‬ففي حلب �أطلقت‬ ‫"اجلبهة الإ�سالمية" وف�صائل متحالفة معها غزوة‬ ‫" زلزال ال�شمال" لل�سيطرة على املناطق التي‬ ‫تهيمن عليها "داع�ش" يف الأرياف احللبية‪ .‬وحاملا‬ ‫�أُعلنت الغزوة �ش ّنت �ألوية "�أجماد ال�شام" و" جبهة‬ ‫الأكراد" و" التوحيد" و�ألوية �أخرى �سل�سلة هجمات‬ ‫على مواقع "داع�ش"‪ ،‬ومتكنت من طردها من‬ ‫قريتي الزيادية �رشقي اخرتين وتل بطال التابع‬ ‫لبلدة الراعي (ريف حلب ال�شمايل)‪ ،‬التي �شهدت‬ ‫بدورها معارك عنيفة بعد قدوم تعزيزات لـ"داع�ش"‬ ‫من جرابل�س‪.‬‬ ‫بعد هذه الغزوة الفا�شلة كانت وجهة "داع�ش"‬ ‫دير الزور �ضمن ا�سرتاتيجية التالحم بني ق�سمي‬ ‫الدولة يف العراق و دير الزور‪ ،‬وما تزال املعارك‬ ‫م�ستمرة‪ ،‬و امل�ؤكد كما �أ�سلفنا ف�إن "داع�ش" ي�سيطر‬ ‫على الريف الغربي و�أجزاء من الريف ال�شمايل‪ ،‬وما‬ ‫يزال املقاتلون يحلمون بال�سالح النوعي الذي‬ ‫ي�أتيهم من عدوهم؟ وما �إعالن جبهة الن�رصة عن‬ ‫ت�أ�سي�س م�صنع لل�سالح ودعوة جميع املجاهدين‬ ‫للم�ساهمة يف هذه ال�صناعة �إال تعبري عن �سل�سلة‬ ‫الأوهام التي تعي�شها هذه التنظيمات التي تنظر‬ ‫لل�سيا�سة الأمريكية على �أنها �ساذجة‪ ،‬و�ستعطيهم‬ ‫ال�سالح النوعي ليعودوا ويحاربوها كما فعلوا‬ ‫يف �أفغان�ستان‪ ،‬وا�ستن�ساخ جتربة قدمية‪ ،‬ومل‬ ‫ي�س�ألوا �أنف�سهم ولو ملرة واحدة عن الأزمة الأكرب‬ ‫التي تعي�شها هذه املجموعات‪ ،‬وهي �أزمة الفكر‬ ‫وال�سيا�سة و الأخالق التي نخرت الدين و الإن�سان‬ ‫و الأعراف و التقاليد واملنطق‪ ،‬و الأنظار ما تزال‬ ‫تتجه �إىل غزوة دير الزور بني "الن�رصة" و "داع�ش"‬ ‫و ك�أن درعا والالذقية و حم�ص وحماة باتت‬ ‫خالية‪ ،‬و لع ّل الغباء الأمريكي الوحيد يكمن يف تلك‬ ‫امل�ساحات الوا�سعة التي ُمنحت له�ؤالء‪ ،‬و جوازات‬ ‫ال�سفر التي يطوفون العامل بها ‪.‬‬


‫‪03‬‬

‫تقارير‬

‫العدد (‪ 2014/06/8 )143‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫�سوريا‪ %54 :‬من ال�سكان يف فقر مدقع وخ�سارة ‪ 40‬عام ًا من التنمية‬ ‫بني نورتون‪ -‬ترجمة و�إعداد “البديل”‪:‬‬

‫يظهر تقرير �صدر حديث ًا‪� ،‬أنه بعد ثالث �سنوات من‬ ‫احلرب الأهلية‪ ،‬انهيار االقت�صاد ال�سوري على نحو‬ ‫كبري‪ ،‬ويعي�ش �أكرث من ن�صف ال�سكان يف فقر مدقع‪،‬‬ ‫ويفتقر املاليني �إىل فر�ص العمل ال�رضورية لإعالة‬ ‫�أ�رسهم‪.‬‬ ‫“تواجه �سوريا واحدة من الكوارث الإن�سانية‬ ‫وانعدام التنمية الأ�شد يف التاريخ احلديث”‪،‬‬ ‫واملركز ال�سوري لأبحاث ال�سيا�سات (‪ )SCPR‬يبد�أ‬ ‫التقرير‪“ .‬هدر الإن�سانية‪ :‬تقرير الر�صد االجتماعي‬ ‫واالقت�صادي على �سوريا” بتفا�صيل عن ظروف‬ ‫غري م�ستقرة يعي�شها العديد من ال�سوريني اليوم‪.‬‬ ‫الدرا�سة‪ ،‬التي �أجريت بدعم من برنامج الأمم‬ ‫املتحدة الإمنائي (‪ )UNDP‬املكتب القطري‬ ‫يف �سوريا ووكالة الأمم املتحدة لإغاثة وت�شغيل‬ ‫الالجئني الفل�سطينيني يف ال�رشق الأدنى (الأونروا)‪،‬‬ ‫تنظر �إىل الو�ضع االجتماعي واالقت�صادي يف‬ ‫�سورية من يوليو‪ /‬متوز �إىل دي�سمرب‪ /‬ت�رشين الثاين‬ ‫من العام ‪ . 2013‬النتائج هي قامتة‪ ،‬وغري مفاجئة‬ ‫بالنظر �إىل �أن ال�شعب ال�سوري قد دخل يف خ�ضم‬ ‫حرب �أهلية دامية ملدة ثالث �سنوات حتى الآن‪.‬‬ ‫وقال ربيع ن�رص “هذه الأرقام مذهلة” ‪ ،‬وهو باحث‬ ‫يف مركز �أبحاث ال�سيا�سات يف يف دم�شق‪.‬‬ ‫وهنا بع�ض الإح�صاءات (الأكرث �إثارة لل�صدمة)‬ ‫التي قدمتها الدرا�سة‪:‬‬ ‫يعي�ش ثالثة من �أربعة �سوريني يف الفقر‪.‬‬ ‫يعي�ش ‪ 54.3‬يف املئة من ال�سكان يف فقر مدقع‪،‬‬ ‫دون احل�صول على غذاء كاف‪ .‬ويف مناطق النزاع‪،‬‬ ‫يواجه العديد من املواطنني اجلوع‪ ،‬و�سوء التغذية‪،‬‬ ‫واملجاعة‪.‬‬ ‫ُفقدت ‪� 40‬سنة من التنمية الب�رشية ال�سورية قبل‬ ‫النزاع‪.‬‬

‫يواجه ‪ 54.3٪‬من قوة العمل‪ 3390000 ،‬ن�سمة‪،‬‬ ‫البطالة‪ .‬ويقدر �أن فقدان الدخل ب�سبب البطالة‬ ‫اجلماعية لهذا ي�ؤثر �سلب ًا على ‪� 11030000‬سوري‪.‬‬ ‫على ال�صعيد الوطني‪ 51.8 ،‬يف املئة من الأطفال مل‬ ‫يعودوا يذهبون �إىل املدر�سة ‪ -‬يف بع�ض املدن‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك حلب‪ ،‬والرقم هو ‪ 90‬يف املئة‪.‬‬ ‫ت�رضرت ‪ 61‬من ‪ 91‬من امل�ست�شفيات العامة يف‬ ‫البالد‪ 45 ،‬يف املئة هي خارج اخلدمة‪.‬‬ ‫�إن جمموع اخل�سائر االقت�صادية ب�سبب ال�رصاع‪،‬‬ ‫وبحلول نهاية عام ‪ ،2013‬يقدر ب ‪ 143.8‬مليار‬ ‫دوالر‪ 276 ،‬يف املئة من الناجت املحلي الإجمايل‬ ‫للبالد لعام ‪ 2010‬بالأ�سعار الثابتة‪ .‬وت�رضرت‬ ‫قطاعات التجارة والنقل واالت�صاالت الداخلية‬ ‫والتي ت�ضم معا ‪ 40‬يف املئة من الناجت املحلي‬ ‫الإجمايل‪.‬‬ ‫الدين العام‪ ،‬ومعظمه حملي‪ ،‬ولكن �أي�ض ًا الديون‬ ‫الأجنبية ‪ -‬يف املقام الأول من �إيران – وهي يف‬ ‫ت�صاعد م�ستمر‪ ،‬وتقف الآن عند ‪ 126‬يف املئة من‬ ‫الناجت املحلي الإجمايل‪.‬‬ ‫ت�ضخم الأ�سعار‪ :‬يتم ال�ضغط على ميزانيات الأ�رس‬ ‫من ال�سكان العاطلني عن العمل على نحو متزايد‪،‬‬ ‫والفقراء يائ�سون من ارتفاع تكاليف نفقات‬ ‫املعي�شة الأ�سا�سية‪ ،‬وو�صل الت�ضخم حتى ‪275-‬‬ ‫‪ 360‬يف املئة‪.‬‬ ‫وقد �ساهمت‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل كل هذا‪� ،‬أزمة الالجئني‬ ‫التي �أثرت على املنطقة ب�أ�رسها‪ .‬بحلول نهاية‬ ‫عام ‪ ،2013‬كان عدد �سكان �سوريا الإجمايل قد‬ ‫فر �أكرث من ‪ 45‬يف‬ ‫انخف�ض ‪ 12‬يف املئة‪ .‬وقد ّ‬ ‫املئة من املواطنني من منازلهم‪ .‬ي�شكل الالجئون‬ ‫ال�سوريون الآن �أكرب عدد من الالجئني يف العامل‪.‬‬ ‫ويف تقريرها ال�صادر يف نوفمرب‪ /‬كانون الأول‬

‫‪ ، 2013‬تقول منظمة حقوق الإن�سان �إن �أكرث من‬ ‫فر‬ ‫ت�سعة ماليني �سوري نزحوا من بيوتهم‪ .‬وقد ّ‬ ‫‪ 2.2‬مليون كالجئني‪ 6.5 ،‬ماليني نازحني داخليا‪،‬‬ ‫وقدرت الأمم املتحدة �أن كل من هذين الرقمني‬ ‫�سيزيد اثنني مليون ن�سمة بحلول نهاية عام ‪.2014‬‬ ‫كانت الواليات املتحدة حتى الآن �أكرب جهة مانحة‬ ‫�ضمن اجلهود املبذولة لتقدمي امل�ساعدات لل�شعب‬ ‫ال�سوري‪� ،‬سواء النازحني داخلي ًا �أو الذين عربوا‬ ‫احلدود �إىل بلدان �أخرى يف املنطقة‪ ،‬لكن �سجلها‬ ‫يف ا�ستقبال الالجئني لي�س جيداً‪ ،‬فقد ا�ستقبلت فقط‬ ‫‪ 120‬الجئ ًا‪.‬‬ ‫للأ�سف‪ ،‬ال يبدو �أن حل هذه الأزمة الإن�سانية ب�سيط ًا‪،‬‬ ‫وهو ال يتعلق فقط بتقدمي امل�ساعدات‪ ،‬وثائق الأمم‬ ‫املتحدة امل�رسبة تقول �إن غالبية امل�ساعدات‬ ‫من برنامج الغذاء العاملي التابع للأمم املتحدة‬ ‫(‪ )WFP‬تذهب اىل املناطق التي ي�سيطر عليها‬ ‫النظام‪ ،‬مما يتيح للأ�سد ممار�سة جتويع املناطق‬ ‫التي ال ي�سيطر عليها‪ ،‬وقال �أحد �أع�ضاء االئتالف‬ ‫ال�سوري املعار�ض �إن هذا الأمر يعد “�صدمة‬ ‫وف�ضيحة كربى‪”.‬‬ ‫يف حني �أن مثالية الو�سائل التي ميكن بها م�ساعدة‬ ‫ال�سوريني قد تكون غري وا�ضحة‪ ،‬ما هو وا�ضح �أن‬ ‫احلاجة ما�سة‪ .‬ويقدر الذين قتلوا �أو جرحوا �أو حتولوا‬ ‫�إىل معاقني ب�سبب احلرب بحوايل ‪ 3‬يف املائة‬ ‫من ال�سكان‪ ،‬وهو ما يحتاج �إىل اتخاذ اجراءات‬ ‫دولية وا�سعة‪ ،‬فمن امل�ؤكد �أن ما حدث يف �سوريا‬ ‫هو مطابق ملا ي�صفه التقرير ال�صادر عن املركز‬ ‫ال�سوري لأبحاث ال�سيا�سات‪�“ :‬إهدار الإن�سانية من‬ ‫خالل العنف واخلوف والدمار الذي �أحلق ال�رضر‬ ‫االجتماعي واالقت�صادي متعدد الأبعاد يف جميع‬ ‫جوانب حياة النا�س و�سبل العي�ش وال�سكن“‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/06/8 )143‬م‬

‫حتليل �سيا�سي‬

‫‪04‬‬

‫«تعيني» الأ�سد واال�سرتاتيجية الإيرانية‬ ‫غازي دحمان‬

‫على كل اجلبهات ويف خمتلف امليادين‪ ،‬كان‬ ‫اللهاث الإيراين املحموم عايل الفحيح‪ ،‬هناك كانت‬ ‫اال�ستعدادات جتري على قدم و�ساق للإعالن عن‬ ‫ت�أ�سي�س « حزب اهلل» ال�سوري‪ ،‬مبا ي�ستلزم ذلك‬ ‫من جتهيز البنية اللوج�ستية الكاملة لإخراج هذا‬ ‫الكيان �إىل حيز الوجود امل�رشقي‪� ،‬أما على اجلبهة‬ ‫ال�سيا�سية فكانت �إيران �أم العرو�س يف عر�س ب�شار‬ ‫الأ�سد «الدميقراطي»‪ ،‬تكلفت �إخراج املنا�سبة‬ ‫ب�أح�سن ال�رشوط‪ ،‬من عقد م�ؤمتر ل»�أ�صدقاء النظام»‬ ‫�إىل �إح�ضار برملانيني من عدة دول للم�شاركة يف‬ ‫«مراقبة» عملية «االنتخاب»‪ ،‬رغم �أن تلك الدول مل‬ ‫يعرف عنها �سابقا ممار�ستها لأي �شكل من �أ�شكال‬ ‫الدميقراطية!‬ ‫مل يعد هذا ال�سلوك مثرياً لال�ستغراب‪ ،‬فقد بات‬ ‫معلوم ًا مدى االندماج الع�ضوي للملف ال�سوري يف‬ ‫�إطار اال�سرتاتيجية الإيرانية يف املنطقة‪ ،‬غري �أن ما‬ ‫هو جدير باالهتمام‪ ،‬والأمر الذي ي�ستحق درا�سته‬ ‫ب�شكل دقيق‪ ،‬وتاليا تظهري ا�سرتاتيجية مواجهة‬ ‫حقيقية له‪ ،‬هو ما تخطط �إيران للقيام به يف �سورية‬ ‫يف املرحلة املقبلة‪ ،‬وا�ستنادا على واقعة �إعادة‬ ‫تعيني ب�شار لوالية جديدة مدتها �سبع �سنوات‪ ،‬ذلك‬ ‫�أن طهران املتعجلة تر�سيخ هذا املعطى يف الواقع‬ ‫ال�سوري تفعل ذلك بوعي ا�سرتاتيجي بعيد املدى‪،‬‬ ‫ويف �سبيل حتقيق �أهداف خطرية‪ ،‬يتوقع البع�ض‬ ‫�أن تبد�أ مالحمها بالظهور بعد اليوم الأول لإعادة‬ ‫تعيني الأ�سد‪ ،‬وتثبيت كر�سيه يف ال�سلطة‪.‬‬ ‫عرب �سيل من الت�رصيحات‪ ،‬حاولت �إيران تعمية‬ ‫امل�شهد ال�سيا�سي يف �سورية‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫حماولتها �إظهار �أن انتخابات ب�شار الأ�سد قائمة‬ ‫على مبادئ دميقراطية حقيقية‪ ،‬وبالتايل فهي‬ ‫ت�صلح لأن تكون �أ�سا�س ًا حلل الإ�شكالية احلا�صلة يف‬ ‫�سورية بني ال�شعب والنظام لإنهاء الأزمة‪ ،‬انطالقا‬ ‫من �أكذوبة �أن ال�شعب اختار من يحكمه‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ف�إن احلل يجب �أن ي�أتي حتت �سقف هذا الواقع‬ ‫ومن�سجما مع طبيعته‪� .‬أما �آليات احلل‪ ،‬وفق هذه‬ ‫الر�ؤية فهي تقت�رص على الطريقة التي ابتدعتها‬ ‫�إيران ونفذها نظام ب�شار الأ�سد يف بع�ض املناطق‬ ‫‪ ،‬والتي تقوم على �آلية امل�صاحلات والهدن وتبادل‬ ‫املعتقلني والأ�رسى‪ ،‬و�إخراج املقاتلني من بع�ض‬ ‫املناطق �إىل مناطق �أخرى تقع غالب ًا يف الأرياف‬ ‫املعزولة‪ ،‬والهدف من وراء ذلك ا�ستقرار املدن‬ ‫وخطوط املوا�صالت والإمداد جلبهات �إيران يف‬ ‫�سورية‪ ،‬وعزل املقاتلني يف مناطق حم�صورة ي�سهل‬ ‫االنق�ضا�ض عليها‪ ،‬وق�ضمها يف مراحل �سابقة‪،‬‬ ‫مبا يتوافق مع اال�سرتاتيجية املرحلية التي ت�شتغل‬ ‫عليها �إيران يف �سورية‪ ،‬والقائمة على مبد�أ الق�ضم‬ ‫البطيء للمناطق وللثورة �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫هذه اال�سرتاتيجية تهدف بالدرجة الأوىل �إىل‬ ‫تقلي�ص خيارات ال�سوريني �إىل �أبعد احلدود‪ ،‬بل �أنها‬ ‫تنطوي على �إعالن هزمية وا�ضح‪ ،‬ذلك �أنها حتيل‬ ‫امل�شكلة برمتها �إىل جمرد م�س�ألة مطلبية تتعلق‬ ‫ببع�ض اخلدمات‪ ،‬وحتولهم بنف�س الآن �إىل حرا�س‬

‫مل�رشوع �إيران الأكرب يف املنطقة و�شهود زور‪،‬‬ ‫يف مقابل ذلك تو�سيع هوام�ش املناورة والتحرك‬ ‫لدى ب�شار الأ�سد و�رشعنة كافة �إجراءاته‪ ،‬ال�سابقة‬ ‫والالحقة‪ ،‬بحق ال�سوريني‪ ،‬مبا فيها �إكماله لعمليات‬ ‫التطهري العرقي‪ ،‬و�إعادة �صياغة الواقع الدميغرايف‬ ‫قي �سورية بهند�سة جديدة تتوافق مع امل�رشوع‬ ‫الإيراين للمنطقة‪ ،‬والذي مل يعد خافي ًا على �أحد‪ ،‬من‬ ‫حيث تهمي�ش الأغلبية ال�سكانية ودفعها �إىل الي�أ�س‬ ‫والرحيل‪ ،‬وذلك بعد ان يجري هند�سة جغرافية‬ ‫التوزع ال�سوري‪ ،‬بحيث تتحول حوا�رض املكون‬ ‫ال�سني يف �سورية �إىل ما ي�شبه معازل حما�رصة‬ ‫�أمني ًا و مفككة جغرافيا‪� ،‬إ�ضافة �إىل افتقادها‬ ‫ملقومات احلياة و�إمكانية ممار�سة ن�شاطات‬ ‫اقت�صادية منتجة بداخلها‪ ،‬حيث ت�ؤكد الكثري من‬ ‫التقارير �أنه يجري نقل الفعاليات االقت�صادية �إىل‬ ‫�أماكن جديدة بحجة عدم �صالحية الأماكن ال�سابقة‬ ‫للإنتاج‪ ،‬ب�سبب عدم توفر البنية التحتية‪ ،‬وعدم‬ ‫توفر الأمان م�ستقب ًال ‪ ،‬كما عملت �إيران على تظهري‬ ‫طبقة جديدة من رجال االعمال الذين �سيتحكمون‬ ‫بالعملية االقت�صادية م�ستقبال وبطبيعة الإنتاج‬ ‫برمته‪ ،‬ومنط احلياة االقت�صادية و�أماكن الإنتاج‪.‬‬ ‫لي�س لذلك �سوى معنى واحد‪ ،‬ت�ستعجل �إيران تثبيت‬ ‫الو�ضع ال�سوري على معطياته الراهنة‪ ،‬ملحاولة‬ ‫تعوميه كحاله ناجزة باعتباره �أف�ضل املمكن‪ ،‬ثم‬ ‫العمل على ت�سويق هذه احلالة‪ ،‬و�إ�سباغ �رشعية‬ ‫حقيقة حتت عنوان الأمر الواقع واملمكن‪ ،‬ويف‬ ‫هذا تتويج ملا تعتقده طهران انت�صارها احلقيقي‬ ‫يف امللف ال�سوري‪ ،‬ثم بعد ذلك العمل على �إمتام‬ ‫م�رشوعها وا�ستكمال هند�سة املنطقة الواقعة حتت‬ ‫ظالل �سيوفها من الب�رصة �رشقا حتى الناقورة‬

‫غربا‪ ،‬وذلك يف ترجمة ا�سرتاتيجية لإدعاءاتها ب�أن‬ ‫حدودها الغربية باتت على �شواطئ البحر الأبي�ض‬ ‫املتو�سط!‪.‬‬ ‫بالتطبيق العملي لهذا التفكري اال�سرتاتيجي الإيراين‬ ‫على خريطة امل�شهد ال�سوري‪ ،‬ف�إن طهران ب�صدد‬ ‫تطوير ا�سرتاتيجيتها الهجومية على �سورية ‪،‬‬ ‫وذلك من خالل حمورين خطريين‪ ،‬هي�أت الأر�ضية‬ ‫املنا�سبة لهما يف الفرتة ال�سابقة‪:‬‬ ‫املحور الأول‪ :‬نزع �أي �صفة �سورية عن �سيا�سة البلد‪،‬‬ ‫وحتويل ب�شار الأ�سد و�أجهزته �إىل جمرد واجهات‬ ‫لي�س لها �سوى �صفات فخرية‪ ،‬ذلك �أن ت�سيري �ش�ؤون‬ ‫الإقليم ال�سوري جرى �إحالتها �إىل قيادات �إيرانية‬ ‫تتعامل مبا�رشة مع الأطراف ال�سورية‪ ،‬حيث ت�شري‬ ‫التوجهات �إىل نية �إيران تظهري قيادات تابعة لها‬ ‫يف خمتلف املكونات ال�سورية‪ ،‬بحيث تظهر �إيران‬ ‫وك�أنها تدير ال�رصاع بني تلك املكونات وتعمل على‬ ‫�ضبطه‪ ،‬وبهذه ال�صيغة يتحول نظام ب�شار الأ�سد‬ ‫�إىل طرف من �ضمن الأطراف‪ ،‬بعدما �أجنزت �إيران‬ ‫اخرتاق الدوائر املحيطة به وجردته من �أوراق قوته‪.‬‬ ‫املحور الثاين‪ :‬ت�أمني متو�ضع جديد للميلي�شيات‬ ‫التابعة لها على احلدود الإ�رسائيلية‪ ،‬يف ال�رشيط‬ ‫احلدودي مع اجلوالن‪ ،‬وت�أمني طرق توا�صله مع‬ ‫مناطق لبنانية ي�سيطر عليها حليفها «حزب اهلل»‪،‬‬ ‫وذلك بهدف �إثبات ح�ضورها الإقليمي ودورها يف‬ ‫خمتلف الرتتيبات امل�ستقبلية‪.‬‬ ‫باحل�سابات الإيرانية‪ ،‬ما بعد مرحلة «انتخاب»‬ ‫ب�شار الأ�سد‪ ،‬يتعني ك�شف الأوراق كاملة‪ ،‬اذ مل يعد‬ ‫ثمة حاجة للتخفي بتقيات معينة‪ ،‬وعلى العامل �أن‬ ‫يتعاطى ب�إيجابية مع هذا الأمر الواقع‪.‬‬


‫‪05‬‬

‫ق�ضايا‬

‫العدد (‪ 2014/06/8 )143‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫الأ�سلحة النوعية و�أهميتها لقوات املعار�ضة ال�سورية‬ ‫مو�سى القالب*‬

‫تت�صاعد التكهنات حول قرب �إمداد املعار�ضة‬ ‫ال�سورية املعتدلة ب�أ�سلحة نوعية من قبل الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬ورمبا من دول �أوروبية‪ ،‬فما هي هذه‬ ‫الأ�سلحة النوعية وما موا�صفاتها الفنية وقدراتها‬ ‫القتالية‪ ،‬وما مدى �أهميتها يف هذا الوقت بالذات؟‬ ‫يف هذا ال�سياق ال يوجد تو�صيف حمدد للأ�سلحة‬ ‫النوعية‪ ،‬لكنها بالت�أكيد ت�شمل عدة �أنواع من‬ ‫الأ�سلحة املوجهة ودقيقة الإ�صابة يف م�سارح‬ ‫القتال‪� ،‬إ�ضاف ًة لأية جتهيزات ميدانية ت�ساعد‬ ‫وت�ساند العمليات القتالية‪.‬‬ ‫العوامل امل�ؤثرة‬ ‫ثمة عوامل عدة تقرر ماهية تلك الأ�سلحة املطلوبة‬ ‫مثل‪:‬‬ ‫‪ . 1‬حجم وطبيعة العدو املقابل من حيث الت�سليح‬ ‫وقدرته على التدمري اجلائر غري املتوازن للمدنيني‬ ‫واملناطق امل�أهولة بال�سكان‪ ،‬وهذا ما تقوم به‬ ‫قوات النظام ال�سوري خ�صو�ص ًا �ضد املدن والبلدات‬ ‫التي تنت�رش فيها قوات املعار�ضة واجلي�ش احلر‬ ‫واجلبهة اال�سالمية‪.‬‬ ‫‪ . 2‬مدى قدرة عنا�رص املقاومة ال�شعبية امل�سلحة‬ ‫على ا�ستيعاب وا�ستخدام الأ�سلحة النوعية املتاحة‬ ‫والتدريب عليها‪ .‬وهنا من املمكن القول �إن �ضباط‬ ‫و�ضباط �صف و�أفراد اجلي�ش احلر يحرتفون‬ ‫ا�ستخدام الأ�سلحة النوعية اخلفيفة‪ ،‬ولديهم القدرات‬ ‫الب�رشية والفنية للتعامل معها‪ .‬يف حني متتلك قوات‬ ‫املعار�ضة على خمتلف �أطيافها بع�ض العنا�رص‬ ‫املدربة اىل ح ٍد ما يكفل عملية ا�ستخدام تلك‬ ‫الأ�سلحة ب�شكل �آمن‪ ،‬ومن املمكن تدريب عنا�رص‬ ‫�إ�ضافية يف وقت ق�صري على هذه املهمة‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫من لديهم خربات ع�سكرية �سابقة يف هذا املجال‪.‬‬ ‫�أما قوات اجلبهة اال�سالمية‪ ،‬فيعتقد �أن لديها عدد‬ ‫من اخلرباء القادرين على حيازة مثل تلك اال�سلحة‬ ‫والتدريب عليها‪ ،‬ولهم خربات قتالية ميدانية �سابقة‬ ‫يف مناطق متعددة داخل وخارج �سوريا‪ ،‬ت�ضمن‬

‫التي تقلل من دور الرامي يف عملية الرماية ودقة‬ ‫الإ�صابة‪.‬‬ ‫قوة تدمري عالية نتيجة حجم الر�أ�س املدمر‬ ‫(املتفجر)‪ ،‬وقدرته على االخرتاق‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫املعدل العايل للرماية‪.‬‬ ‫القدرة على العمل يف الظروف املتغرية‪ ،‬ويتوقف‬ ‫ذلك على القدرة على متييز الأهداف لي ًال وحتت‬ ‫�أحوال طق�س �سيئة‪ ،‬والقدرة على مقاومة �أعمال‬ ‫الإعاقة الإلكرتونية امل�ضادة من قبل الطرف‬ ‫املقابل‪.‬‬ ‫نظام �صواريخ تاو �ضد الدبابات ‪TOW2A‬‬ ‫يتميز هذا النظام بكونه ي�ستخدم للدفاع‬ ‫جمهز بر�أ�س‬ ‫الفعال �ضد الدبابات‪ ،‬حيث �أنه‬ ‫ّ‬ ‫حربي خارق وحارق‪ ،‬وي�صل مداه اىل خم�سة‬ ‫كيلومرتات‪ .‬لقد جرى تطوير هذا النوع ليعمل‬ ‫ال�سلكي ًا‪ ،‬خالف ًا للطراز الأ�سا�سي الوا�سع االنت�شار‬ ‫الذي يتم توجيهه نحو هدفه بوا�سطة االت�صال‬ ‫ال�سلكي مع الرامي الذي يتتبع الهدف ب�رصي ًا‪.‬‬ ‫نظام �صواريخ �ستينغر امل�ضاد للطائرات ‪FIM-‬‬ ‫‪92 Stinger‬‬ ‫وهو �صاروخ �أر�ض ‪ -‬جو‪ُ ،‬يحمل على الكتف من‬ ‫ويوجه بالأ�شعة حتت احلمراء‬ ‫قبل الفرد املقاتل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .Infra-Red‬يبلغ مدى هذا ال�صاروخ نحو‬ ‫خم�سة كيلومرتات‪ ،‬وي�ستطيع ا�سقاط طائرة على‬ ‫ارتفاع حوايل ‪� 12‬ألف قدم عن �سطح البحر‪ .‬يبلغ‬ ‫وزن الر�أ�س احلربي لل�صاروخ ثالثة كيلوغرامات‪،‬‬ ‫� ّأما �رسعته فتفوق �رسعة ال�صوت‪ ،‬ويعمل نظام‬ ‫الدفع يف املحرك ال�صاروخي بالوقود ال�صلب‪.‬‬ ‫جدير بالذكر �أن كال النوعني امل�ضادين للقوات‬ ‫ٌ‬ ‫الربية والقوات اجلوية‪ ،‬هما �سالحان دفاعيان‬ ‫تكتيكيان ق�صريا املدى‪ ،‬وال ميتلكان �أية خ�صائ�ص‬ ‫هجومية‪ .‬وعليه ف�إنها ال يكفالن ح�سم املعركة‬ ‫وحتقيق الن�رص النهائي ل�صالح قوات املعار�ضة‪،‬‬ ‫بل ي�ساهمان يف ردع القوات النظامية الهجومية‬ ‫عن التمادي واال�ستفراد يف �أر�ض املعركة‪ .‬وبالتايل‬ ‫تقليل اخل�سائر يف �صفوف املدافعني اىل �أدنى حد‬ ‫ممكن‪ ،‬ما ي�ؤدي اىل اجبار القوات النظامية على‬ ‫ا�ستخدام �أ�سلحة طويلة املدى عن بعد‪ ،‬وهذا بحد‬ ‫ذاته ي�شتت جهدها ويقلل فاعليتها القتالية‪ .‬لكن‬ ‫العامل الأكرث �أهمي ًة هو �إيقاع خ�سائر فادحة يف‬ ‫القوات الربية والقوات اجلوية النظامية‪ ،‬نتيجة دقة‬ ‫الإ�صابة‪ ،‬بحيث ي�صعب على النظام �سد النق�ص‬ ‫والتعوي�ض ال�رسيع يف الآليات والطائرات القتالية‬ ‫املعطوبة‪ .‬وال نن�سى �أهمية ذلك على الروح املعنوية‬ ‫لقوات النظام‪ ،‬ما ي�ؤدي �إىل انهيار نف�سي ومعنوي‬ ‫قد يجرب ال�ضباط واجلنود على الفرار من ميدان‬ ‫املعركة �أو اال�ست�سالم لقوات املعار�ضة التي �سوف‬ ‫ت�ستثمر الفوز وحتقق الن�رص ولو جزئي ًا يف املراحل‬ ‫النهائية من كل ا�شتباك �أو معركة‪.‬‬ ‫لعل ثمة جتهيزات نوعية �إ�ضافية حتتاجها ميداني ًا‬ ‫قوات املعار�ضة ال�سورية يف دفاعها �ضد هجمات‬ ‫القوات النظامية‪ ،‬مثل و�سائل ومناظري الر�ؤية‬ ‫الليلية بالأ�شعة حتت احلمراء‪ ،‬و�أجهزة االت�صاالت‬ ‫الال�سلكية امل�شفرة‪ ،‬و�أنظمة حتديد املكان العاملي‬ ‫‪.GPS‬‬

‫احلد الأدنى من املهارات املطلوبة بهذا ال�ش�أن‪.‬‬ ‫‪ . 3‬مدى توفر البيئة الأمنية الالزمة والكفيلة‬ ‫باملحافظة على الأ�سلحة النوعية من الت�رسب خارج‬ ‫ميدان املعركة‪ ،‬وو�صولها اىل �أيدي غري م�س�ؤولة‪،‬‬ ‫مثل الإرهابيني املحليني والإقليميني والدوليني‪.‬‬ ‫وهنا ال بد من �إحكام عملية اال�ستالم والت�سليم‬ ‫والتخزين بقيود موثوقة‪ ،‬وت�أمني احلرا�سة امل�شددة‬ ‫عليها‪ ،‬وعدم ا�ستخدامها �إال من قبل عنا�رص موثوقة‬ ‫وم�ؤمتنة‪.‬‬ ‫عند احلديث عن الو�ضع ال�سوري نرى �أن قوات‬ ‫النظام الع�سكرية ت�ستخدم براً الدبابات و�آليات‬ ‫القتال املدرعة وناقالت اجلنود وراجمات‬ ‫ال�صواريخ واملدافع والر�شا�شات‪ ،‬يف حني ت�ستخدم‬ ‫جواً طائرات متنوعة الأدوار واملهام منها الطائرات‬ ‫العمودية (املروحية) املقاتلة‪ ،‬وطائرات القتال‬ ‫والهجوم الأر�ضي النفاثة ثابتة اجلناح‪ ،‬التي تقذف‬ ‫الرباميل املتفجرة �إ�ضاف ًة للقنابل وال�صواريخ‪.‬‬ ‫وعليه ف�إن من بني الأ�سلحة الكثرية املوجهة‬ ‫واملتعددة الأدوار واملهام �صاروخ (تاو) امل�ضاد‬ ‫للدبابات واملدرعات والآليات املقاتلة‪ ،‬و�صاروخ‬ ‫(�ستينغر) الذي ُيطلق من الكتف �ضد الطائرات‬ ‫العمودية والطائرات ال�رسيعة التي تطري على‬ ‫ارتفاعات منخف�ضة فوق �سطح الأر�ض‪ ،‬وكالهما‬ ‫ي�صنعان يف الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬وهي‬ ‫اجلهة القادرة على اتخاذ القرار ال�سيا�سي من حيث‬ ‫�إمداد املعار�ضة ال�سورية بهذا النوع من الأ�سلحة‬ ‫املتقدمة‪.‬‬ ‫املتطلبات الرئي�سية لل�صواريخ املوجهة‪:‬‬ ‫حتى تتمكن ال�صواريخ املوجهة من �أداء دورها‬ ‫الربي واجلوي ف�إنها يجب �أن متتلك‪:‬‬ ‫قدرة تدمريية كبرية ميكن حتقيقها عن طريق‬ ‫ن�سبة عالية الحتمالية الإ�صابة‪ .‬وهذا يتوقف على‬ ‫�رسعة ال�صاروخ بالن�سبة للهدف‪ ،‬وكذلك على قدرة *عميد متقاعد‪/‬باحث ا�ست�شاري يف مركز ال�رشق‬ ‫ال�صاروخ على املناورة‪ ،‬ودرجة التقنية العالية للبحوث ‪ -‬دبي ‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫فكر‬

‫العدد (‪ 2014/06/8 )143‬م‬

‫‪06‬‬

‫«اجلاهلية »‪ :‬من �أبي الأعلى املودودي �إىل �سيد قطب‬ ‫حكم عاقل‬

‫لعب م�صطلح اجلاهلية امل�ستخدم للداللة على املرحلة‬ ‫الزمنية ال�سابقة على الإ�سالم دوراً هام ًا �أيديولوجيا‪� ،‬إذ‬ ‫حمل معه الإدانة والرف�ض وامل�صادرة على كل ما هو‬ ‫غري �إ�سالمي‪ ،‬لقد طالب يف �أحد �أهم معانيه بالقطيعة مع‬ ‫ما �سبق‪ .‬ورمبا كان من بني �أوائل من تنبه �إىل اخلطورة‬ ‫الأيديولوجية لهذا امل�صطلح‪� ،‬شبلي ال�شميل (�أحد م�ؤ�س�سي‬ ‫حزب البعث العربي اال�شرتاكي ونائب ًا لأمينه العام مي�شيل‬ ‫عفلق) الذي احتج على ا�ستبعاد امل�ؤرخني امل�سلمني‬ ‫للح�ضارة العربية ما قبل الإ�سالم حتت �شعار اجلاهلية‪،‬‬ ‫ور�أى يف اجنازات هذه احل�ضارة ‪،‬ال�سيما يف اليمن‪ ،‬ما‬ ‫ي�ستحق االهتمام‪.‬‬ ‫ويف الفكر الإ�سالموي يلعب هذا امل�صطلح جنب ًا �إىل جنب‬ ‫مع م�صطلح "احلاكمية" دور الرافعة التي بنيت عليها �أهم‬ ‫امل�صطلحات التي نظر لها هذا الفكر‪ .‬ال�سيما عند كل من‬ ‫�أبي الأعلى املودودي و�سيد قطب‪.‬‬ ‫ير�سي املودودي مفهوم احلاكمية فاهلل "وحده ذو ال�سلطة‬ ‫العليا و�أحكام ال�رشيعة الإ�سالمية"‪ ،‬ويبحث عن مرجعيته‬ ‫القر�آنية‪" :‬ومن مل يحكم بغري ما �أنزل اهلل ف�أولئك هم‬ ‫الظاملون" (املائدة‪ ،)43 :‬ويفرق بني ثالثة مفاهيم هي‪،‬‬ ‫احلاكمية ال�سيا�سية‪ ،‬واحلاكمية القانونية‪ ،‬واخلالفة‪.‬‬ ‫فاحلاكمية القانونية هي هلل ولر�سوله‪� ،‬أما احلاكمية‬ ‫ال�سيا�سية فهي هلل وحده‪ ،‬واخلالفة ما هي �إال كلمة ت�شري‬ ‫�إىل قوة ال حتوز احلاكمية القانونية وت�ضيق �صالحياتها‬ ‫بقانون �أعلى ال قبل لها بالتغيري فيه‪ ،‬وهي نائبة عن‬ ‫احلاكم الأعلى �أي اهلل‪.‬‬ ‫املودودي يعترب املجتمع غري امل�سلم جمتمعا جاهلياً‪،‬‬ ‫�أما قطب فيتلقف �أفكار املودودي ليطور �أيديولوجيته‬ ‫يف �سجنه‪ ،‬مقتنع ًا �أن العلمانيني واملتدينني ال ميكن لهم‬ ‫العي�ش ب�سالم يف جمتمع واحد‪ .‬تعذيب الإخوان و�إعدامهم‬ ‫وحماوالت جمال عبد النا�رص حتييد الدين‪ ،‬ت�شكل بر�أيه‬ ‫�أركان ًا للجاهلية‪ .‬بل ر�أى �سيد قطب �أن اجلاهلية احلديثة‬ ‫يف م�رص والغرب �أ�شد �سوءا من جاهلية ما قبل النبوة‪،‬‬ ‫ففي حني تقوم الأوىل على اجلهل ف�إن الأخرية هي مترد‬ ‫على اهلل‪ .‬ف�أي حماولة لإنكار �سلطة اهلل هي جاهلية‪.‬‬ ‫ال�شيوعية امللحدة‪ ،‬والقومية التي جتعل الدولة قيمة عليا‪،‬‬ ‫والدميقراطية التي يغت�صب فيها النا�س حكم اهلل‪ .‬كلها‬ ‫متظهرات وجتليات لهذه اجلاهلية الأ�شد خطراً‪ .‬ويرى يف‬

‫�سيد قطب يف �سجنه‬

‫كتابه "ظالل القر�آن" �أن اجلاهلية هي حكم الب�رش للب�رش‬ ‫لأنها عبودية الب�رش للب�رش واخلروج من عبودية اهلل‪،‬‬ ‫وهذه اجلاهلية هي لي�ست فرتة زمنية بل هي و�ضع �أو‬ ‫حالة قابلة للتكرار يف كل مرة "ينحرف فيها املجتمع‬ ‫عن الطريق الإ�سالمي‪� ،‬سواء يف املا�ضي �أو احلا�رض �أو‬ ‫امل�ستقبل"‪ ،‬ويعد ذلك املقدمة لتكفري املجتمع عن �سيد‬ ‫قطب‪.‬‬ ‫يف كتابه "معامل على الطريق" الذي �أ ّلفه بعد خروجه من‬ ‫�سجنه‪ ،‬يرى قطب �أن كل �أر�ض حتارب امل�سلم يف عقيدته‬ ‫وت�صده عن دينه‪ ،‬وتعطل عمل �رشيعته‪ ،‬هي دار حرب‬ ‫ولو كان فيها �أهله وع�شريته وجتارته وماله‪ ،‬بينما كل‬ ‫�أر�ض تقوم فيها عقيدته وتعمل فيها �رشيعته فهي دار‬ ‫�إ�سالم‪ ،‬ولو مل يكن فيها �أهل وال ع�شرية وال قوم وال جتارة‪.‬‬ ‫ومت�ضي هذه النزعة االممية الالمكانية قدماً‪.‬‬ ‫فالأفراد امل�سلمون "نظريا" الداخلني يف الرتكيب الع�ضوي‬ ‫للمجتمع اجلاهلي �سيظلون م�ضطرين حتما لال�ستجابة‬ ‫ملطالب هذه املجتمع الع�ضوية‪� ،‬أي �أنهم �سيظلون يقومون‬ ‫فعال بتقوية املجتمع اجلاهلي الذي يعملون نظريا‬ ‫لإزالته‪ ،‬و�سيظلون خاليا حية يف كيانه ميدونه بعنا�رص‬ ‫البقاء واالمتداد بد ًال من �أن تكون حركتهم يف اجتاه‬ ‫تقوي�ض هذا املجتمع اجلاهلي لإقامة املجتمع اال�سالمي‪.‬‬ ‫ويف �إطار املجتمع اجلاهلي تدخل تلك املجتمعات التي‬ ‫تزعم لنف�سها �أنها م�سلمة‪ .‬وهي �إن مل تعتقد ب�ألوهية �أحد‬ ‫غري اهلل �إال �أنها تعطي �أخ�ص خ�صائ�ص الألوهية لغري اهلل‬ ‫فتدين بحاكمية غريه لتتلقى منها نظامها و�رشائعها‬ ‫وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها وكل مقومات‬ ‫حياتها تقريبا‪ .‬فالكثري يف هذه املجتمعات مما نح�سبه‬ ‫ثقافة �إ�سالمية ومراجع �إ�سالمية وتفكرياً �إ�سالمي ًا وفل�سفة‬ ‫�إ�سالمية هذه كلها من �صنع هذه اجلاهلية‪ .‬بذلك يكر�س‬ ‫قطب �رضورة االن�سالخ عن هذا الواقع اجلاهلي حتت‬ ‫امل�صطلح الذي بات يعرف يف الأدبيات الإ�سالموية بـ‬ ‫"الهجرة"‪� .‬أي الهجرة من دار احلرب �إىل دار الإ�سالم‪ ،‬وهي‬ ‫هنا تبدو كا�ستلهام لهجرة امل�سلمني الأوائل من مكة اىل‬ ‫املدينة‪.‬‬ ‫ووظيفة الإ�سالم عند قطب لي�ست الت�صالح مع الت�صورات‬ ‫اجلاهلية ال�سائدة يف الأر�ض وال الأو�ضاع اجلاهلية‬ ‫القائمة يف كل مكان‪ ،‬بل وظيفته هي نقل النا�س من‬

‫اجلاهلية �إىل الإ�سالم‪ .‬لذا ال ت�صالح مع كل ما هو جاهلي‪،‬‬ ‫�أما املبد�أ القر�آين‪" :‬ال �إكراه يف الدين" في� ّؤول عند قطب‬ ‫على �أنه ت�سامح ما بعد الن�رص ال�سيا�سي للإ�سالم وت�أ�سي�س‬ ‫الدولة امل�سلمة احلقة‪� .‬إنها حلظة فتح مكة التي حقق‬ ‫فيها امل�سلمون ن�رصهم ب�إقامة الدولة امل�سلمة‪ ،‬هنا فقط‬ ‫ت�صبح مقولة‪ ":‬اذهبوا ف�أنتم الطلقاء" ممكنة‪� ،‬أما الت�ساهل‬ ‫مع اجلاهلية املعا�رصة فهو كما تقدم ا�ستجابة للمطالب‬ ‫الع�ضوية لهذه اجلاهلية‪.‬‬ ‫معظم الإخوان امل�سلمني حتلقوا حول من كان �أكرث اعتدا ًال‬ ‫من �سيد قطب‪� ،‬أي اله�ضيبي‪ .‬لكن ذلك ال يعني �أن �آخرين مل‬ ‫ينت�رصوا لأفكار قطب م�ؤ�س�س الأ�صولية املعا�رصة �إن جاز‬ ‫التعبري‪ .‬ف�شكري م�صطفى الذي خرج من �سجن �أبو زعبل‬ ‫عام ‪ 1971‬والذي ت�أثر بقطب واملودودي‪� ،‬أ�س�س ملا �سمي‬ ‫"اجلماعة امل�سلمة"‪ ،‬وقد ظن �أع�ضا�ؤها �أنهم طالئع قطب‪،‬‬ ‫وكان عليهم �إجناز برناجمه‪ ،‬فان�سحبوا من التيار الرئي�س‬ ‫يف جمتمعهم كي يعدو �أنف�سهم للجهاد �ضد اجلاهلية‪،‬‬ ‫فاملجتمع امل�رصي بنظرهم كان فا�سداً‪ ،‬لذا رف�ضوا التعبد‬ ‫يف امل�ساجد‪ ،‬وك ّفروا امل�ؤ�س�ستني الدينية والعلمانية �سواء‬ ‫ب�سواء‪ ،‬هاجر بع�ضهم �إىل ال�صحارى والكهوف‪ ،‬وجل�أت‬ ‫"اجلماعة" ال�ستخدام العنف �ضد النظام‪ .‬ومل يكن غريبا‬ ‫�أن ُت�سمى هذه اجلماعة بـ "التكفري والهجرة"‪ ،‬ن�سبة لأهم‬ ‫مبد�أين فكريني قامت عليهما اجلماعة وحكما توجهاتها‪.‬‬ ‫ولكن مل يكن لأفكار قطب الراديكالية �أن تلقى رواجا‬ ‫بني ال�شبان امل�رصيني من خالل حركات مثل "التكفري‬ ‫والهجرة" و"اجلهاد" لو مل تتوفر العوامل املو�ضوعية‬ ‫التي وفرت مناخا منا�سبا لهذا النوع من التطرف‪ .‬طرائق‬ ‫التعليم التقليدية التي مل تقم على �أ�سلوب حل امل�شكالت‬ ‫والتفكري الناقد واالبتكاري‪ ،‬بل اعتمدت على احلفظ‬ ‫واال�ستدعاء الآيل‪ ،‬مما جعل خريجي حتى الكليات العلمية‬ ‫يحافظون على معتقداتهم وممار�ساتهم الدينية التقليدية‬ ‫دون �أن مت�س‪� ،‬سيا�سة االنفتاح التي �أفقرت �رشائح‬ ‫وا�سعة وعمقت الهوة بني الفقراء والأغنياء‪ ،‬عدم اجلدوى‬ ‫االقت�صادية للتعليم وال�شهادات اجلامعية‪ ،‬وعدم ربط‬ ‫اجلامعة ب�سوق العمل‪ .‬وعوامل �أخرى كثرية جعلت �أعداداً‬ ‫غفرية من ال�شبان ي�شعرون �أن لي�س لهم مكان ًا يف بلدهم‪،‬‬ ‫�إنه "جمتمع جاهلي"‪ ،‬نعم‪ ..‬ولكن باملفهوم التنموي‬ ‫واحل�ضاري‪.‬‬


‫‪07‬‬

‫عربي‬

‫العدد (‪ 2014/06/8 )143‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫لبنان‪ :‬الأزمة ت�ضرب امليزانية بعجز ‪ 5.1‬بليون دوالر‬

‫�أزمات لبنان متتالية‪ ،‬وهي متعددة‪ ،‬وال تقت�رص على‬ ‫الأزمة ال�سيا�سية التي �أو�صلت البالد �إىل حالة الفراغ‬ ‫الرئا�سي‪.‬‬ ‫منذ الأزمة ال�سورية تغريت الكثري من املعادالت يف لبنان‪،‬‬ ‫مدد الربملان لنف�سه‪ ،‬حيث كانت املخاوف كبرية من‬ ‫فقد ّ‬ ‫عدم االتفاق على قانون لالنتخاب‪ ،‬ومن ثم كانت �أزمة‬ ‫احلكومة‪ ،‬ولوال التفاهم الإيراين ال�سعودي لبقي لبنان من‬ ‫دون حكومة‪ ،‬لكن التفاهم على الرئا�سة مل يحدث بعد‪،‬‬ ‫ورمبا هناك وقت طويل قبل �أن يحدث التوافق‪.‬‬ ‫لبنان الذي تعد �سوريا منفذه الربي من �أجل الت�صدير‪،‬‬ ‫خ�رس هذا املنفذ‪ ،‬وهو ما انعك�س على الكثري من املنتجات‬ ‫التي كانت ت�صدر من بريوت �إىل بلدان اخلليج العربي عرب‬ ‫احلدود ال�سورية الأردنية‪ ،‬وهو الأمر الذي مل يعد متاحاً‪.‬‬ ‫و�أ�صدرت وزارة املالية اللبنانية تقريرها‪ ،‬وتوقعت �أن‬

‫ي�صل عجز امليزانية �إىل ‪ 7669‬بليون لرية (‪ 5.1‬بليون‬ ‫دوالر) يف العام احلايل‪� ،‬أو ما يعادل ‪ 10.7‬باملئة‬ ‫من الناجت املحلي االجمايل مع منو الإنفاق وارتفاع‬ ‫مدفوعات الدين العام وبقاء الإيرادات م�ستقرة‪.‬‬ ‫وتوقع لبنان يف التقرير منو االقت�صاد بن�سبة اثنني باملئة‬ ‫يف ‪.2014‬‬ ‫وبلغ متو�سط النمو االقت�صادي يف لبنان ثمانية باملئة‬ ‫يف الفرتة من العام ‪ 2007‬حتى ‪ 2010‬لكنه تراجع‬ ‫ب�شدة منذ ذلك احلني‪ ،‬وهو ما يرجع �إىل حد بعيد �إىل �آثار‬ ‫اال�ضطرابات يف �سورية واالنق�سامات ال�سيا�سية اللبنانية‪.‬‬ ‫وتوقع التقرير الذي �سيعر�ض على احلكومة لإقراره‬ ‫ارتفاع امل�رصوفات هذا العام �إىل ‪ 21927‬بليون لرية‬ ‫لعوامل على ر�أ�سها منو الأجور وزيادة قدرها ‪ 190‬بليون‬ ‫لرية يف خدمة الدين �إىل ‪ 5890‬بليون لرية‪.‬‬

‫ومن املتوقع ا�ستقرار الإيرادات دون تغري يذكر عند‬ ‫‪ 14257‬بليون لرية‪.‬‬ ‫وقالت �صحيفة ال�سفري اللبنانية �إن الدين العام بلغ ‪65.1‬‬ ‫بليون دوالر مقارنة مع ‪ 64.9‬بليون دوالر �أعلنها وزير‬ ‫املالية علي ح�سن خليل يف �أبريل‪ /‬ني�سان املا�ضي‪.‬‬ ‫وتوقع التقرير �أن يبلغ معدل الت�ضخم ‪ 3.6‬باملئة‪.‬‬ ‫ومن االجراءات ال�رضيبية اجلديدة املقرتحة يف م�رشوع‬ ‫موازنة ‪ 2014‬رفع التقديرات املبا�رشة للأمالك املبنية‬ ‫وزيادة ر�سوم رخ�ص ا�ستثمار املياه اجلوفية وتعبئتها‪.‬‬ ‫كما تقرتح املوازنة رفع ر�سم التوكيالت‪ ،‬وفر�ض‬ ‫ر�سوم على عقود االيجار التمويلي‪ ،‬ولوحات ال�سيارات‬ ‫اخل�صو�صية املميزة‪ ،‬وا�ستهالك املازوت‪.‬‬ ‫(الدوالر = ‪ 1508.6250‬لرية)‪.‬‬

‫االحتجاجات يف ليبيا ت�صيب قطاع النفط بخ�سائر ‪ 30‬بليون دوالر‬ ‫طرابل�س‪ -‬رويرتز‪:‬‬ ‫قال م�س�ؤول يف م�رصف ليبيا املركزي �إن البالد خ�رست‬ ‫�إيرادات قيمتها ‪ 30‬بليون دوالر ب�سبب االحتجاجات‬ ‫امل�ستمرة منذ ع�رشة �أ�شهر يف حقول ومرافئ ت�صدير النفط‬ ‫لكنها متلك ما يكفي من احتياطيات النقد الأجنبي لتلبية‬ ‫احتياجاتها‪.‬‬ ‫وت�سببت موجة االحتجاجات يف تقلي�ص �إنتاج البالد من‬ ‫اخلام �إىل �أقل من ‪� 200‬ألف برميل يوميا من ‪ 1.4‬مليون‬ ‫برميل يوميا يف يوليو‪ /‬متوز من العام املا�ضي قبل بدء‬ ‫االحتجاجات‪.‬‬ ‫واالحتجاجات جزء من ا�ضطرابات �أو�سع ت�شهدها ليبيا‬ ‫منذ الإطاحة مبعمر القذايف عام ‪ .2011‬وتعجز احلكومة‬ ‫عن ال�سيطرة على امليلي�شيات ورجال القبائل امل�سلحني‬ ‫الذين �ساهموا يف الإطاحة بالقذايف‪ ،‬لكنهم ي�سيطرون‬ ‫حالي ًا على حقول نفط �أو م�ؤ�س�سات تابعة للدولة لل�ضغط‬ ‫من �أجل تنفيذ مطالب �سيا�سية �أو مالية‪.‬‬ ‫وقال م�صباح العكاري مدير �إدارة الأ�سواق املالية يف‬ ‫م�رصف ليبيا املركزي لـ»رويرتز» �إن اخل�سائر التي‬ ‫تكبدتها الدولة الآن بعد �أكرث من ع�رشة �أ�شهر هي فقد‬ ‫�إيرادات مبا ال يقل عن ‪ 30‬بليون دوالر‪.‬‬ ‫وتبلغ االحتياطيات النقدية حاليا نحو ‪ 110‬باليني‬

‫دوالر بعد �أن كانت ‪ 130‬بليون دوالر يف ال�صيف املا�ضي‬ ‫حني اندلعت االحتجاجات‪ ،‬وقد يزداد الو�ضع �سوءاً يف‬ ‫الأيام القليلة املقبلة‪.‬‬ ‫وقالت امل�ؤ�س�سة الوطنية للنفط يف ليبيا الأربعاء املا�ضي‬ ‫�إنها قد ت�ضطر ال�ستخدام اخلام الذي ينتجه حقالن‬ ‫بحريان ‪ -‬مل يت�أثرا باالحتجاجات حتى الآن ‪ -‬يف تغذية‬ ‫م�صفاة حملية‪ .‬وقد يعني ذلك توقف ليبيا عن ت�صدير‬ ‫النفط للمرة الأوىل منذ عام ‪.2011‬‬ ‫وقال العكاري �إن بالده جتني �إيرادات نفطية تقارب‬ ‫البليون دوالر �شهري ًا يف الوقت احلايل مقابل ما كان‬ ‫يرتاوح بني �أربعة باليني وخم�سة باليني �شهري ًا قبل بدء‬ ‫االحتجاجات‪.‬‬ ‫وت�شكل �صادرات النفط والغاز امل�صدر الوحيد للإيرادات‬ ‫يف ميزانية البالد البالغة قيمتها ‪ 50‬بليون دوالر‪ ،‬ولدفع‬ ‫ثمن م�شرتيات الغذاء‪ ،‬وواردات �أخرى بقيمة ‪ 30‬بليون‬ ‫دوالر يف الوقت الذي ال ت�شهد فيه ليبيا �إنتاج ًا �صناعي ًا‬ ‫يذكر خارج قطاع النفط‪.‬‬ ‫وذكر العكاري �أن االحتياطيات تكفي لتغطية امليزانية‬ ‫والواردات ملدة ثالث �سنوات ون�صف لكن ينبغي �إيجاد‬ ‫حلول منا�سبة لهذه امل�شكالت‪.‬‬

‫و�سيطرت جمموعة م�سلحة يف �رشق ليبيا على عدد من‬ ‫مرافئ ت�صدير النفط‪ ،‬ورفعت مطالب مالية‪ ،‬ومطالب‬ ‫مبزيد من احلكم الذاتي‪.‬‬ ‫ووقعت احلكومة اتفاق ًا يف �أبريل‪ /‬ني�سان املا�ضي مع‬ ‫امل�سلحني لإعادة فتح املوانئ‪ ،‬لكن التنفيذ بطيء ب�سبب‬ ‫غياب الثقة بني اجلانبني‪.‬‬ ‫ويرف�ض امل�سلحون التعامل مع رئي�س الوزراء اجلديد �أحمد‬ ‫معيتيق الذي انتخبه الربملان يف ت�صويت �شابته الفو�ضى‬ ‫وطعن عليه بع�ض النواب‪.‬‬ ‫وقال العكاري �إن البنك املركزي نوع احتياطياته النقدية‬ ‫الأجنبية �إذ �أنها موزعة بني �أموال نقدية‪ ،‬وودائع ق�صرية‬ ‫الأجل‪ ،‬و�سندات �أجنبية‪ ،‬وم�ساهمات بح�ص�ص يف بنوك‬ ‫و�رشكات ت�أمني‪.‬‬ ‫وحتدث عن ا�سرتاتيجية البنك اال�ستثمارية قائال �إنه‬ ‫يف�ضل ال�سندات الدوالرية مثل �سندات اخلزانة الأمريكية‬ ‫نظراً لأن نفط البالد يباع بالدوالر‪.‬‬ ‫وميتلك البنك �أي�ضا �سندات �سيادية و�سندات �أخرى تتمتع‬ ‫بت�صنيفات عالية من دول �أوروبية‪ ،‬وح�ص�صا يف �رشكات‬ ‫بينها بنك «�أوين كريديت» وبنك خليجي‪ ،‬و�رشكات ت�أمني‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫الأخرية‬

‫العدد (‪ 2014/06/8 )143‬م‬

‫‪08‬‬

‫�سبع و�أربعون عام ًا على هزمية العرب الكربى‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل تركماين (*)‬

‫لوحة “ماذا بعد” للفنان ال�سوري الراحل ل�ؤي كيايل‬

‫ِ‬ ‫مي�ض �سوى عقد من الزمن على هزمية �أملانيا‬ ‫مل‬ ‫واليابان يف احلرب العاملية الثانية حتى مللمتا‬ ‫جراحهما وانطلقتا يف �إعادة بناء نف�سيهما‪ ،‬انطالق ًا‬ ‫من ا�ستيعابهما لأ�سباب هزميتيهما وملوازين القوى‬ ‫ولروح الع�رص بعد احلرب‪� ،‬إىل �أن �أ�صبحتا عمالقتني‬ ‫اقت�صاديتني ُيح�سب لهما يف موازين القوى الدولية‪.‬‬ ‫�أما نحن فما زالت هزمية ‪ 5‬يونيو‪/‬حزيران ‪1967‬‬ ‫تالحقنا حتى اليوم !‬ ‫� ّإن تاريخ العامل العربي املعا�رص عامة‪ ،‬وامل�رشق‬ ‫العربي بوجه خا�ص‪ ،‬هو �سل�سلة من الأحداث التي‬ ‫ت�شكلت وانتظمت باعتبارها نتائج تلك الهزمية‪ .‬لقد‬ ‫و ّلدت الهزمية �آثاراً عميقة يف احلياة العربية كلها‪،‬‬ ‫فهي مل تكن هزمية ع�سكرية منيت بها اجليو�ش‬ ‫العربية فقط‪ ،‬و�إمنا هزمية �شاملة لكل بنى املجتمع‬ ‫العربي‪� ،‬إذ كانت اختباراً لـ «اال�شرتاكية» التي ُبنيت‪،‬‬ ‫ولـ «التنمية» التي حتققت‪ ،‬ولـ «الدولة الأمنية» التي‬ ‫مت ت�شييدها‪ .‬ومهما يكن من �أمر‪ ،‬ف� ّإن الهزمية كانت‬ ‫�إيذان ًا بتغيري جمرى الأحداث نحو املزيد من االنحدار‬ ‫العربي‪ ،‬ومنعطف ًا تاريخي ًا بد�أت ديناميته تت�ضح‬ ‫و�ضوح ًا جلي ًا منذ �سبعينيات القرن املا�ضي حتى‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫مل تكن الهزمية حلظة عابرة يف احلياة العربية‪ ،‬فقد‬ ‫و�ضعت ال�شعوب العربية كلها على منحدر‪ ،‬مل تنت�شلها‬ ‫منه حرب �أكتوبر‪/‬ت�رشين الأول ‪ 1973‬التي حتولت‬ ‫�إىل هزمية �سيا�سية‪ ،‬راحت تداعياتها تتواىل يف‬ ‫جميع املجاالت‪ .‬من ذلك � ّأن املجتمعات العربية‪ ،‬التي‬ ‫�أ�صابت �شيئ ًا من التحديث‪ ،‬انتك�ست �إىل �أ�سو�أ ما يف‬ ‫تاريخها‪� ،‬أي �إىل منط من احلياة ال�سيا�سية �أقرب ما‬ ‫يكون �إىل منط احلياة يف الع�رص اململوكي‪/‬العثماين‪،‬‬ ‫الذي �أبرز �سماته انف�صال احلكم عن ال�شعب وانف�صال‬ ‫املجتمع عن �سلطة الدولة‪ ،‬وركود املجتمع‪ ،‬وهيمنة‬ ‫�أيديولوجية تقليدية تعزز التطرف والإرهاب والعجز‬ ‫والعزوف واخلوف‪ ،‬اخلوف من �سلطة الدولة ومن‬ ‫احلقيقة ومن احلرية‪ ،‬واخلوف من مواجهة الذات ومن‬

‫مواجهة الواقع‪ ،‬واخلوف من امل�ستقبل‪.‬‬ ‫� ّإن العرب يعي�شون‪ ،‬منذ العام ‪ ،1967‬يف الو�ضعية‬ ‫العامة التي فر�ضتها نتائج هذه الهزمية عليهم‪ ،‬مروراً‬ ‫باحلرب الأهلية يف لبنان‪ ،‬وبحروب اخلليج الأوىل‬ ‫والثانية والثالثة‪ ،‬واالنتفا�ضتني الفل�سطينيتني‪،‬‬ ‫وف�شل النظام الإقليمي العربي يف �أن يكون رافعة‬ ‫حقيقية للنهو�ض العربي‪ ،‬و�صو ًال �إىل تعرث ربيع‬ ‫الثورات العربية واملحنة ال�سورية الراهنة‪ ،‬ما يعني � ّأن‬ ‫الهزمية التي تطبع تاريخ العرب املعا�رص هي هزمية‬ ‫احلركة التغيريية الوا�سعة التي انطلقت يف خم�سينيات‬ ‫القرن الع�رشين للرد على النكبة الفل�سطينية يف العام‬ ‫‪� .1948‬إنها �أزمة بنيوية عامة‪� ،‬أ�صابت االقت�صاد‬ ‫والثقافة وال�سيا�سة واملجتمع‪ ،‬وما يتعلق بها �أو ينتج‬ ‫عنها‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬ي�صح �أن ن�صفها ب�أنها �أزمة‬ ‫ح�ضارية �شاملة‪.‬‬ ‫الوقت حان لالنتهاء من �آثار �سبع و�أربعني عام ًا‬ ‫ثقيلة على العرب‪� ،‬إذ �أ�صبح يتعني علينا �أن نقف‪،‬‬ ‫مبو�ضوعية وواقعية‪� ،‬أمام روح الع�رص �رشكاء فاعلني‬ ‫فيه ال متفرجني �سلبيني عليه‪ .‬لقد �آن الأوان لكي‬ ‫يعك�س العرب �إمكاناتهم احلقيقية على �سيا�ساتهم‪،‬‬ ‫حتى ال يعود من جديد �شبح ذلك املا�ضي الكئيب‬ ‫ليطل عليهم من جديد‪ ،‬وكي يتمكن ال�شعب الفل�سطيني‬ ‫من نيل حريته وا�ستقالله وبناء دولته امل�ستقلة‬ ‫القابلة للحياة‪ ،‬ويتمكن ال�شعب ال�سوري من جتاوز‬ ‫حمنته التي تفوق النكبة الفل�سطينية‪.‬‬ ‫� ّإن الأزمة العربية ال�شاملة املفتوحة هي من تلك‬ ‫الأزمات التي تتقل�ص فيها االختيارات �إىل اثنني ال‬ ‫ثالث لهما‪� :‬إما الغرق يف الأزمة والدخول يف م�سل�سل‬ ‫من التدهور والفو�ضى واالنحالل وال�ضياع‪ .‬و�إما‬ ‫جتاوزها �إىل و�ضعية جديدة متاماً‪ ،‬انطالق ًا من‬ ‫التفكيك الواعي للو�ضعية القائمة امل�أزومة‪ ،‬وال�رشوع‬ ‫يف عملية بناء جديدة‪ ،‬مبنطلقات وا�ست�رشافات جديدة‬ ‫كذلك‪.‬‬ ‫� ّإن التغيرّات العاملية اجلديدة تواجهنا بت�سا�ؤالت‬

‫جديدة‪ ،‬وحتديات وفر�ص جديدة �أي�ضاً‪ ،‬مما يتطلب‬ ‫قدراً كبرياً من العمق يف املراجعة‪ ،‬ونقد الذات‪،‬‬ ‫و�إعادة ال�صياغة الفكرية وال�سيا�سية للق�ضايا العربية‪،‬‬ ‫باعتبارها متثل م�سائل جوهرية عديدة تتداخل فيها‬ ‫مهمات التحديث الفكري وال�سيا�سي مع مهمات‬ ‫النهو�ض االقت�صادي واالجتماعي والثقايف‪ ،‬وهو‬ ‫ما يفرت�ض ممار�سة الدميقراطية كمنهج للتعامل‬ ‫ال�سيا�سي على �صعيد الدولة واملجتمع‪ ،‬منطلقني من‬ ‫� ّأن م�س�ألة �إجناز الدولة احلديثة‪ ،‬دولة كل مواطنيها‪،‬‬ ‫هي جوهر تلك الق�ضايا‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إننا ل�سنا بحاجة ل�شعارات من �أجل التعاطي‬ ‫املجدي مع التحديات الكبرية املطروحة علينا‪ ،‬بل‬ ‫االرتقاء �إىل م�ستوى التحديات‪ ،‬يف براجمنا وو�سائل‬ ‫عملنا‪ ،‬مبا يخدم م�صالح �شعوبنا وي�ضمن حقوقها‬ ‫الأ�سا�سية يف ال�سيادة واحلرية واال�ستقالل‪ّ � .‬إن م�رشوع‬ ‫النه�ضة العربية كان وال يزال يف حاجة �إىل فكر‬ ‫التحوالت والتغيرّات‬ ‫الأنوار واحلداثة‪ ،‬وكذلك ا�ستيعاب‬ ‫ّ‬ ‫التي تطر�أ على ال�ساحتني الإقليمية والدولية‪ .‬ومن‬ ‫�أجل ذلك‪ ،‬تبدو الدميقراطية يف ر�أ�س �أولويات التجديد‬ ‫العربي‪ ،‬فامل�س�ألة ت�ستدعي مقوالت جديدة‪ :‬املجتمع‬ ‫املدين‪ ،‬الدميقراطية‪ ،‬الدولة احلديثة‪ ،‬املواطنة‪.‬‬ ‫ولعلنا بذلك نفتح من جديد باب التاريخ وندق �أبواب‬ ‫امل�ستقبل وننه�ض لإطالق خطاب عربي ع�رصي‪،‬‬ ‫مع �آليات فاعلة لتنفيذه‪ ،‬عناوينه يف توجهاته‬ ‫وم�ضامينه ويف جتديدنا له‪ ،‬يحتمل دائم ًا الت�أويل‬ ‫والتعديل ل�صالح �شعوبنا العربية‪� .‬إنها �إعادة قراءة‬ ‫واجبة‪ ،‬لي�س فقط يف جتديد هذا اخلطاب‪ ،‬و�إمنا يف‬ ‫جتديد العقلية العربية املدعوة �إىل خو�ض مغامرة‬ ‫امل�ستقبل ب�أدوات جديدة‪ ،‬تتجاوز �أدوات الهزمية‪،‬‬ ‫و�أفق مفتوح وحوار دائم على امل�صالح والأهداف‬ ‫والأولويات واملمكن وامل�ستحيل‪.‬‬

‫(*) – باحث ا�ست�شاري يف مركز ال�رشق للبحوث‬ ‫‪ -‬دبي‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.