Al badeel 142

Page 1

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ 2014/06/1ádGó``Y‬م‬ ‫العدد (‪)142‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫‪01‬‬

‫ا�سبوعية‪�-‬سيا�سية‪-‬م�ستقلة‬ ‫العدد (‪ 2014/06/1 )142‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫رئي�س التحرير ‪ :‬ح�سام مريو‬ ‫‪www.al-badeel.org‬‬

‫‪Issue (142) 1/06/2014‬‬

‫�أمريكا «طائرة من دون طيار» يف ال�شرق الأو�سط‬

‫�سيا�سة �أوباما يف ال�رشق الأو�سط خالل واليتيه تعرب‬ ‫مرت‬ ‫عن م�أزق �أمريكي يف فهم جملة التحوالت التي ّ‬ ‫بها املنطقة منذ بدايات "الربيع العربي"‪ ،‬ويكمن م�أزق‬ ‫الإدارة الأمريكية‪ ،‬وعلى ر�أ�سها باراك �أوباما‪� ،‬أنها‬ ‫تبنت حماولة عدم االنخراط املبا�رش‪ ،‬وحماولة توريط‬ ‫الآخرين‪ ،‬لتخفيف التكاليف عن �أمريكا التي ما زالت‬ ‫ت�سيطر عليها املخاوف من تكرار جتربتي �أفغان�ستان‬ ‫والعراق‪.‬‬ ‫ال ميكن لإمرباطورية �أن تبقى �إمرباطورية من دون �أن‬ ‫ت�ؤدي دورها‪� .‬أمريكا ترغب بالبقاء �إمرباطورية لكن من‬ ‫دون �أن تدفع تكاليف من�صبها العاملي‪ ،‬نوع من التذاكي‬ ‫الذي يك�سف التاريخ �أنه �شكل من �أ�شكال خداع النف�س‪،‬‬ ‫قبل خداع الآخرين‪ ،‬فاملخاوف وعدم التدخل يف�سحان‬ ‫املجال �أمام م�سار جديد للمعطيات ال ميكن التعاطي‬ ‫مت التدخل‬ ‫معه الحق ًا من دون دفع تكاليف �أكرب مما لو ّ‬ ‫يف الوقت املنا�سب‪.‬‬ ‫ح�سناً‪ ،‬يعتقد �أوباما �أنه قادر على مواجهة "القاعدة"‬ ‫بطائرات من دون طيار "درونز"‪ ،‬كما يف �أفغان�ستان‬ ‫وباك�ستان واليمن‪ ،‬لكنه ال يدرك تعقيدات اجليل الثالث‬ ‫من "القاعدة"‪ ،‬وهو يختلف كلي ًا عن اجليلني اللذين‬ ‫�سبقاه من حيث �آليات التخطيط والتمويل والتنفيذ‪،‬‬ ‫والعالقة مع احلا�ضنات االجتماعية‪ ،‬وارتباطاته‬ ‫الإقليمية‪.‬‬ ‫ويبدو وا�ضح ًا �أن �أوباما "القانوين" خريج كلية هارفرد‬ ‫يف �أمريكا ال يعرف الكثري عن التوازنات اال�سرتاتيجية‬ ‫يف ال�رشق الأو�سط‪ ،‬وهو غري مدرك حلالة الفراغ‬

‫املوجودة يف املنطقة‪ ،‬وخماطرها على املنطقة‪ ،‬وعلى‬ ‫امل�صالح امل�ستقبلية لأمريكا نف�سها‪ ،‬وموقعها الذي‬ ‫يجعلها ترتبع على عر�ش امل�صالح الدولية‪.‬‬ ‫كيف ميكن يف ظل ه�شا�شة الأعمدة اال�سرتاتيجية يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬وحالة العداء امل�ستحكمة بني �أطرافها‪ ،‬بناء‬ ‫توازن قوي ملواجهة املخاطر والتحديات وو�ضع‬ ‫احللول؟‪.‬‬ ‫يرغب �أوباما بحل م�شكلة امللف النووي الإيراين‪ ،‬لكنه‬ ‫ال يفكر يف ثمن حل هذا امللف على باقي الأعمدة‬ ‫اال�سرتاتيجية للمنطقة‪ ،‬وال�س�ؤال هو‪ :‬هل �ستقبل هذه‬ ‫الأعمدة "الدول الفاعلة الرئي�سية" بحل هذا امللف على‬ ‫ح�سابها؟‪ .‬الإجابة قطعاً‪ :‬ال‪.‬‬ ‫رجل �أمريكا الذكي "�أوباما" يعتقد �أن بالده ميكن �أن‬ ‫تك�سب من بعيد‪ ،‬دون �أن تت�سخ بوحل املنطقة‪ ،‬ح�سناً‪،‬‬ ‫لكن هل هذا ممكن؟‬ ‫ما زالت "القاعدة" يف العراق قوية‪ ،‬و�إذا كان م�رشوعها‬ ‫قبل ان�سحاب القوات الأمريكية هو مقاومة االحتالل‪،‬‬ ‫�إال �أنها اليوم لها �أجندات �أو�سع‪ ،‬وتعتمد على ما تراكم‬ ‫من م�شكالت �سيا�سية يف هذه الدولة‪ ،‬حيث ان�سحب‬ ‫الأمريكيون وتركوا ورائهم م�شهداً �سيا�سي ًا تت�صارع‬ ‫فيه الطوائف والإثنيات والع�شائر‪ ،‬ونفوذاً �إيراني ًا ال‬ ‫ميكن القبول به من دول �أخرى يف املنطقة‪ ،‬وخا�صة‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬وجتد �أن النفوذ الإيراين يف العراق يتعار�ض‬ ‫مع م�صاحلها‪ ،‬وهكذا ف�إن االن�سحاب الأمريكي من‬ ‫العراق مل يكن �إال بداية لت�شكل بلد فا�شل‪� ،‬أ�صبح العنف‬

‫ح�سام مريو‬

‫والعنف امل�ضاد من الأ�سلحة ال�سيا�سية الرئي�سية يف‬ ‫ت�شكيل و�إدارة امل�صالح‪.‬‬ ‫ويف �سورية‪ ،‬مل ُيبد �أوباما اهتمام ًا كافياً‪ ،‬تارك ًا‬ ‫امللف لرو�سيا كي تديره‪ ،‬لكنه اكت�شف فيما بعد �أن‬ ‫رو�سيا بوتني �صعبة الإر�ضاء‪ ،‬و�أحالمها بالعودة �إىل‬ ‫امل�شهد الدويل كقطب رئي�سي مل تنته مع �سقوط االحتاد‬ ‫ال�سوفيتي‪ ،‬كما �أن �إيران التي ا�ستثمرت يف النظام‬ ‫ال�سوري لن تقدم تنازالت ال ي�ستطيع الآخرين �أخذها‬ ‫بالقوة‪ ،‬وهي ا�ستفادت من ال�سيا�سة الأمريكية يف تعزيز‬ ‫انخراطها يف ق�ضايا املنطقة‪.‬‬ ‫ثمة عوامل �أ�سا�سية اليوم تف�شل جهود ا�ستقرار املنطقة‪،‬‬ ‫ويف مقدمتها عدم ثقة الأطراف ببع�ضها البع�ض‪،‬‬ ‫واعتماد الدول بالتايل على العبني حمليني من‬ ‫التنظيمات غري الع�سكرية‪ ،‬وارتفاع من�سوب املواجهة‬ ‫على �أ�سا�س طائفي‪ ،‬وا�ستنزاف اقت�صاديات الدول‪.‬‬ ‫�أوباما‪ ،‬كما يود حماربة "القاعدة" والإرهاب عرب‬ ‫ا�ستهداف قادتها بطائرات من دون طيار‪ ،‬يظن �أن حل‬ ‫امل�شكالت ال�سيا�سية والع�سكرية �أمر ممكن من دون‬ ‫انخراط مبا�رش فيها‪ ،‬ومن ودون دفع تكاليف كبرية‪،‬‬ ‫وهكذا ف�إن �أوباما هو التعبري الأبلغ عن الرومان�سية‬ ‫ال�سيا�سية‪� ،‬أو عن تعب �أمريكا من دور القائد‪ ،‬ويف‬ ‫احلالتني ف�إن �أمريكا يجب �أن ال تفكر بح�صد نتائج‬ ‫مثمرة من دون عناء‪ ،‬وعليها �أن تنظر �إىل نف�سها جيداً‬ ‫يف مر�آة ال�رشق الأو�سط‪� ،‬إنها حتاول �أن حتل م�شكالته‬ ‫وم�شكالتها من "اجلو"‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫تقارير‬

‫العدد (‪ 2014/06/1 )142‬م‬

‫‪02‬‬

‫جمل�س الأمن نحو قرار «حتت الف�صل ال�سابع» ي�سمح بو�صول م�ساعدات ل�سوريا‬ ‫الأمم املتحدة (رويرتز) ‪:‬‬

‫قال دبلوما�سيون يوم اخلمي�س املا�ضي �إن �أع�ضاء‬ ‫جمل�س الأمن التابع للأمم املتحدة يدر�سون م�رشوع‬ ‫قرار ي�سمح ب�إدخال امل�ساعدات �إىل �سوريا من �أربع‬ ‫نقاط عرب احلدود دون موافقة احلكومة ال�سورية‬ ‫التي جتاهلت طلب ًا �سابق ًا للمجل�س مبنحه قدرة �أكرب‬ ‫على �إي�صال امل�ساعدات‪.‬‬ ‫وكان املجل�س امل�ؤلف من ‪ 15‬ع�ضوا �صوت يف‬ ‫فرباير ‪�/‬شباط املا�ضي يف �إجماع نادر بت�أييد قرار‬ ‫يدعو �إىل حرية و�صول �رسيعة و�آمنة ودون عوائق‬ ‫داخل �سوريا‪ .‬حيث �سقط �أكرث من ‪� 150‬ألف قتيل‬ ‫يف حرب �أهلية م�ستمرة منذ ثالث �سنوات‪.‬‬ ‫لكن كيوجن وا كاجن نائبة من�سقة الإغاثة يف حاالت‬ ‫الطوارئ يف الأمم املتحدة �أبلغت جمل�س الأمن يوم‬ ‫اخلمي�س املا�ضي �أن القرار مل يحدث فارقا بالن�سبة‬ ‫لنحو ‪ 9.3‬مليون �شخ�ص يف �سوريا يحتاجون �إىل‬ ‫امل�ساعدة‪ ،‬و‪ 2.5‬مليون فروا من البالد ح�سبما ت�شري‬ ‫تقديرات الأمم املتحدة‪.‬‬ ‫و�أعدت �أ�سرتاليا ولوك�سمبورج والأردن الأع�ضاء‬ ‫يف جمل�س الأمن م�رشوع قرار متابعة �أكرث قوة‪.‬‬ ‫وقال دبلوما�سيون يف الأمم املتحدة حتدثوا ب�رشط‬ ‫عدم الك�شف عن �شخ�صيتهم �إنه �سي�سمح بتو�صيل‬ ‫امل�ساعدات �إىل �سوريا من نقاط حمددة يف تركيا‬ ‫والعراق والأردن لت�صل �إىل املاليني يف املناطق‬ ‫التي ت�سيطر عليها قوات املعار�ضة يف �سوريا‪.‬‬ ‫وقال ال�سفري اال�سرتايل يف الأمم املتحدة جاري‬ ‫كينالن لل�صحفيني بعد الإفادة التي �أدلت بها‬ ‫كاجن “‪ 90‬باملئة من امل�ساعدات تذهب �إىل مناطق‬ ‫ت�سيطر عليها قوات احلكومة ال�سورية وال تذهب �إىل‬ ‫ال�سوريني يف مناطق ت�سيطر عليها املعار�ضة‪”.‬‬ ‫وقال دبلوما�سيون �إن القرار �سيهدد باتخاذ‬ ‫“�إجراءات” يف حالة عدم االمتثال‪ .‬وجرى توزيع‬

‫‪ 90‬باملئة من امل�ساعدات تذهب‬ ‫�إىل مناطق ت�سيطر عليها قوات‬ ‫احلكومة ال�سورية‬ ‫م�رشوع القرار على الدول اخلم�س دائمة الع�ضوية‬ ‫يف جمل�س الأمن التي تتمتع بحق النق�ض (الفيتو)‬ ‫الواليات املتحدة وبريطانيا وفرن�سا ورو�سيا‬‫وال�صني‪ .‬ومن املقرر ان جترى مفاو�ضات بني‬ ‫الأع�ضاء الثمانية يف الأيام املقبلة‪.‬‬ ‫وقال دبلوما�سيون �إن ن�ص امل�سودة �سيعمل وفق‬ ‫الف�صل ال�سابع من ميثاق الأمم املتحدة مما يجعله‬ ‫ملزما من الناحية القانونية‪ ،‬وميكن فر�ضه باللجوء‬ ‫لعمل ع�سكري‪� ،‬أو ب�إجراءات �إجبار �أخرى مثل‬ ‫العقوبات االقت�صادية‪.‬‬ ‫والقرار ال�صادر يف فرباير ‪�/‬شباط ملزم قانون ًا‪ ،‬لكن‬ ‫ال ميكن تنفيذه بالقوة‪.‬‬

‫وكانت رو�سيا ا�ستخدمت حق الفيتو مدعومة‬ ‫من ال�صني �ضد �أربع قرارات تهدد ب�إجراءات �ضد‬ ‫حليفها الرئي�س ال�سوري ب�شار الأ�سد‪ .‬ومنعت رو�سيا‬ ‫�سعي املجل�س لإحالة الو�ضع يف �سوريا للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية متهيدا ملحاكمات حمتملة‬ ‫الرتكاب جرائم حرب‪.‬‬ ‫وتقول الأمم املتحدة �إنها ال ت�ستطيع تو�صيل‬ ‫امل�ساعدات �إىل �سوريا بدون موافقة احلكومة �إال‬ ‫مبوجب قرار ي�ستند �إىل الف�صل ال�سابع‪.‬‬ ‫وطالب الأمني العام للأمم املتحدة بان جي مون‬ ‫جمل�س الأمن يف تقرير الأ�سبوع املا�ضي باتخاذ‬ ‫�إجراء عاجل ل�ضمان و�صول امل�ساعدات الإن�سانية‬ ‫�إىل عدد �أكرب من ال�سوريني‪.‬‬ ‫وقال بيان �صادر بعد اجتماع مغلق يف املجل�س‬ ‫ملناق�شة تقرير بان �إن كاجن �أبلغت املجل�س ب�رضورة‬ ‫“�أن تكون جميع طرق تو�صيل امل�ساعدات متاحة‬ ‫بالن�سبة لنا ‪�-‬سواء عرب اخلطوط �أو عرب احلدود‪”.‬‬

‫بان كي مون‪ :‬تدمري اال�سلحة الكيماوية لن ينجز يف املوعد املقرر‬ ‫ر�أى الأمني العام للأمم املتحدة بان كي مون �أن‬ ‫عملية تدمري الأ�سلحة الكيماوية ال�سورية لن تنجز‬ ‫يف املهلة املحددة يف ‪ 30‬حزيران (يونيو)‪ ،‬يف‬ ‫ر�سالة وجهها �إىل جمل�س االمن‪.‬‬ ‫وكانت ر�سالة بان كي مون �إىل جمل�س الأمن‬ ‫مرفقة بالتقرير الأخري ملنظمة حظر الأ�سلحة‬ ‫الكيماوية الذي قدر ن�سبة الأ�سلحة التي خرجت‬ ‫حتى الآن من �سورية بـ ‪ .92%‬وجاء يف التقرير‬ ‫�أن �آخر الأ�سلحة الكيماوية ال�سورية “مت تو�ضيبها‬ ‫وباتت جاهزة لنقلها ما �أن ت�سمح الظروف الأمنية‬ ‫يف البلد بذلك”‪ .‬وكتب بان يف ر�سالته �أنه “من‬ ‫الواجب �أن ت�ستكمل �سورية عمليات الإجالء‬

‫املتبقية ب�أ�رسع ما ميكن التزام ًا مبا تعهدت به‬ ‫ال�سلطات”‪.‬‬ ‫وتابع “لكنه بات من الوا�ضح �أن بع�ض االن�شطة‬ ‫املرتبطة بتفكيك برنامج الأ�سلحة الكيماوية‬ ‫ال�سورية �ستتوا�صل �إىل ما بعد ‪ 30‬حزيران‬ ‫‪ ،”2014‬متوقع َا �أن “توا�صل البعثة امل�شرتكة‬ ‫ملنظمة حظر الأ�سلحة والأمم املتحدة عملها لفرتة‬ ‫حمدودة بعد ‪ 30‬حزيران ‪.”2014‬‬ ‫و�أو�ضح �أن “هذا �سيعطي �أي�ضا الوقت ال�رضوري‬ ‫لو�ضع الرتتيبات املنا�سبة التي يفرت�ض �أن تعقب‬ ‫هذه املهمة حتى توا�صل منظمة حظر الأ�سلحة‬ ‫الكيماوية القيام مبا تبقى من �أن�شطة تثبت يف‬

‫البالد بعد انق�ضاء هذه الفرتة”‪.‬‬ ‫واعرب بان يف ر�سالته عن “قلقه الكبري لالتهامات‬ ‫با�ستخدام غاز الكلور يف النزاع ال�سوري”‪ ،‬وطالب‬ ‫“احلكومة ال�سورية وجميع �أطراف النزاع ال�سوري‬ ‫بالتعاون ب�شكل تام مع بعثة التحقيق”‪ .‬وار�سلت‬ ‫بعثة تق�صي احلقائق هذه اىل �سورية للتحقيق‬ ‫يف هجمات حمتملة بغاز الكلور وزار فريق من‬ ‫املنظمة يوم الثالثاء املا�ضي على بلدة كفرزيتا‬ ‫يف ريف حماة ال�شمايل‪ ،‬للتحقيق يف هذه املزاعم‬ ‫بعد �ساعات على تعر�ضها لهجوم بح�سب مقاتلي‬ ‫املعار�ضة‪.‬‬


‫‪03‬‬

‫ر�أي‬

‫العدد (‪ 2014/06/1 )142‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫حول ت�س ّلح الثورة ال�سورية‪ :‬تف�سري ال تربير‬ ‫فيكتوريو�س بيان �شم�س‬

‫منذ حلظات انطالقها الأوىل �إثر حادثة �أطفال درعا‪،‬‬ ‫حاولت االنتفا�ضة ال�سورية –قبل �أن تتحول �إىل ثورة‪-‬‬ ‫وبعفوية‪� ،‬إثبات �سلمية مطالبها‪ ،‬من خالل جمموعة من‬ ‫ال�شعارات "�سلمية‪� ..‬سلمية"‪�" ،‬سلمية حتى الن�رص"‪،..‬‬ ‫وك�أ ّنها يف ال وعيها اجلمعي العام‪ ،‬كانت ت�ستبق رد‬ ‫فعل عنيف متو ّقع من النظام‪ ،‬وهذا ما حدث بالفعل‪.‬‬ ‫�إذ ووجهت املظاهرات بالر�صا�ص منذ حلظاتها الأوىل‪.‬‬ ‫ولع َّل املتابع يذكر املداخلة اجلريئة لع�ضو جمل�س‬ ‫ال�شعب ال�سوري يو�سف �أبو رومية‪ ،‬والتي ُب ّثت على الهواء‬ ‫مبا�رشة يف �أواخر �آذار ‪ 2011‬عندما � ّأكد فيها ر�ؤيته‬ ‫لعنا�رص "الفرقة الرابعة – حر�س جمهوري" ب�أم العني‬ ‫املحتجني ال�سلميني يف‬ ‫وهي ترتكب �أفظع املجازر بحق‬ ‫ّ‬ ‫حمافظة درعا‪.‬‬ ‫ح�سه الأمني العايل‪� ،‬أدرك النظام خطورة‬ ‫ٍ‬ ‫وب�سبب من ّ‬ ‫لعدة �أ�سباب‪.‬‬ ‫االحتجاجات التي �ستطيح به بالفعل ّ‬ ‫أهمها‪� ،‬أنه يعرف طبيعة بنيته وتركيبته الأمنية‬ ‫� ّ‬ ‫الأوليغار�شية – التوليتارية‪ ،‬املتمف�صلة على مافياوية‬ ‫ا�ستئثارية‪ ،‬والتي ال متلك حلو ًال مل�شاكل النا�س‪ ،‬بقدر‬ ‫تتفن على مدى عقود بنهبهم وا�ستعبادهم‬ ‫ما كانت نّ‬ ‫وجتهيلهم‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فقد بد�أت �أجهزته الأمنية منذ اللحظة الأوىل‬ ‫بفربكة تهمة الإرهاب‪ ،‬لإل�صاقها بحركة االحتجاج‪،‬‬ ‫كخطوة على طريق رفع ال�رشعية عن مطالب النا�س‪،‬‬ ‫جت�سدت يف بدايتها ببع�ض املطالب الإ�صالحية‬ ‫والتي ّ‬ ‫التي ما كان لها �أن ت� ّؤدي لرفع �شعار "�إ�سقاط النظام"؛‬ ‫لو تعاطى معها ب�شكل عقالين‪ .‬مثال ذلك‪ ،‬بيان ع�شائر‬ ‫مدينة درعا‪ ،‬والذي و ّزع يف ‪� ،19/3/2011‬أي بعد‬ ‫انطالق حركة االحتجاج ب�ساعات‪ ،‬وقد اقت�رصت مطالب‬ ‫ذلك البيان على ثالث‪:‬‬ ‫االن�سحاب من املدينة و�سحب املدرعات و�إيقاف حتليق‬ ‫الطريان فوق املدينة‪ ،‬بالإ�ضافة للك�شف عن �أ�سماء‬ ‫القتلة‪.‬‬ ‫اطالق �رساح تالميذ ال�صف الرابع املحتجزين يف‬ ‫دم�شق منذ �أيام‪ ،‬ورد االعتبار �إىل �أمهاتهم (كان‬ ‫رئي�س "فرع الأمن ال�سيا�سي" بدرعا‪ ،‬ابن خالة ب�شار‬ ‫هدد باغت�صابهن) وحما�سبة‬ ‫الأ�سد عاطف جنيب‪ ،‬قد ّ‬

‫العنا�رص امل�س�ؤولة وتقدمي اعتذار علني عن هذه الأعمال‬ ‫الال�أخالقية التي قام بها زبانية النظام الكاذب‪.‬‬ ‫اطالق �رساح معتقلي الر�أي من كل �أبناء �سوريا ومن‬ ‫كافة ال�سجون ال�سورية على الفور‪.‬‬ ‫مطالب كانت ب�سيطة‪ ،‬وكان مبقدور النظام تلبيتها‪،‬‬ ‫و�إن على مراحل‪ .‬لكن عنجهية من ميلكون قرار احلياة‬ ‫واملوت‪ ،‬حالت دون االلتفات �إليها‪ ،‬فبد�أت الدبابات‬ ‫ولأ�شهر طويلة‪ ،‬حممولة على ظهور ال�شاحنات جتوب‬ ‫البالد طو ًال وعر�ض ًا لإخ�ضاع ال�شعب و�إعادته �إىل‬ ‫حظرية الطاعة‪ .‬كان هذا متوازي ًا مع جتيي�ش �إعالمي‬ ‫لإخافة الأقليات‪ ،‬وك�سبها بالتايل �إىل جانب النظام‪،‬‬ ‫بعد ت�صوير احلراك على �أ ّنه �إرهاب تقوم به "ع�صابات‬ ‫م�س ّلحة" ذات لون طائفي واحد‪.‬‬ ‫يف مرحلة الحقة‪ ،‬اعرتف بع�ض رموز النظام ب�أن‬ ‫احلراك‪ ،‬مل يكن م�س ّلح ًا يف الأ�شهر الأوىل‪ .‬فها هو نائب‬ ‫الرئي�س ال�سوري فاروق ال�رشع يجيب عن ت�سا�ؤالت‬ ‫جريدة الأخبار اللبنانية يف ‪ 17‬كانون الأول ‪2012‬‬ ‫قدمت للقائها معه بالتايل‪" :‬يف بداية الأحداث‬ ‫والتي ّ‬ ‫تتو�سل ر�ؤية م�س ّلح واحد �أو ق ّنا�ص على‬ ‫ال�سلطة‬ ‫كانت‬ ‫ّ‬ ‫�أ�سطح �إحدى البنايات"‪ .‬وال�س�ؤال‪�" :‬أين م�س�ؤولية الدولة‬ ‫يف حتري �أ�سباب و�صول الأزمة �إىل ما و�صلت �إليه‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا لناحية ع�سكرة احلراك؟ �ألمَ ت�شكل جلان‬ ‫حتقيق لتحديد هذه الأ�سباب؟"‪� .‬أجاب ال�رشع‪" :‬مل‬ ‫ت�ش ّكل جلان حتقيق ذات م�صداقية منذ بداية الأحداث‪،‬‬ ‫و�إذا ُ�ش ّكل بع�ض منها ف�إن نتائج التحقيق مل ُتن�رش يف‬ ‫مهد لن�رش �شائعات �أفقدت‬ ‫و�سائل الإعالم‪ ،‬الأمر الذي ّ‬ ‫املت�رضرين يف الداخل‬ ‫أمام‬ ‫النظام م�صداقيته وهيبته �‬ ‫ّ‬ ‫واملراقبني يف اخلارج"‪.‬‬ ‫�إذاً‪ ،‬مل ِ‬ ‫"تتو�سل ر�ؤية م�س ّلح‬ ‫كانت‬ ‫ال�سلطة‬ ‫ينف ال�رشع �أن‬ ‫ّ‬ ‫�أو ق ّنا�ص على �أ�سطح �إحدى البنايات"!‪.‬‬ ‫لكن الغريب هنا‪ ،‬هو �إدانة ال�صحيفة نف�سها فيما بعد‬ ‫لت�س ّلح الثورة‪ ،‬وهي التي تعي �أ�سباب هذا الت�س ّلح جيداً‪.‬‬ ‫عامة رمادية اللون‪ ،‬حتر�ص‬ ‫وهي بهذا تعبرّ عن حالة ّ‬ ‫تربر للنظام‬ ‫على حماولة الظهور املُحايد‪ ،‬فيما ّ‬ ‫ممار�ساته من جهة �أخرى عرب تبنيها لرواياته‪ .‬فبد�أت‬ ‫ب�إدانة ت�س ّلح الثورة التي كان من املفرت�ض �أن تقتدي‬

‫بغريها من ثورات "الربيع العربي"‪� ،‬أي على غرار ما‬ ‫ح�صل يف تون�س‪ ،‬وم�رص‪ ،‬واملثال الأبرز اليمن‪ ،‬هذه‬ ‫الدولة الغارقة بال�سالح (‪ 30‬مليون قطعة �سالح خفيفة‬ ‫تقدم‬ ‫مع اجلي�ش‪ ،‬ومثلها مع القبائل) والتي ا�ستطاعت �أن ّ‬ ‫منوذج ًا ملفت ًا يف هذا املجال بالفعل‪ .‬لكن من يدينون‬ ‫الثورة ال�سورية‪ ،‬ين�سون –�أو يتنا�سون‪� -‬أن حجم القتل‬ ‫الذي مار�سته �سلطات هذه الدول بحق �شعوبها كان‬ ‫كبرياً ن�سبي ًا قيا�س ًا �إىل عدد �أيامها املعدودة‪ ،‬و�أن ق�رص‬ ‫عمر االنتفا�ضات عليها‪ ،‬وبالتايل الإطاحة بها ب�أزمنة‬ ‫قيا�سية (‪ 18‬يوم يف م�رص‪ ،‬و ‪ 28‬يف تون�س) هو ما‬ ‫و ّفر �شالالت من الدماء‪ ،‬وبالتايل كان بالإمكان تكرار‬ ‫التجربتني ال�سورية والليبية فيهما‪ ،‬لو طال عمر الأزمة‪.‬‬ ‫هذا عدا عن �أ�سباب و�رشوط �أخرى‪ ،‬ال جمال لتحديدها‬ ‫يف هذه العجالة‪.‬‬ ‫لعل �صور الثورات على الأنظمة "اال�شرتاكية" يف ال�سنوات‬ ‫الأخرية التي �سبقت‪� ،‬أو تلت انهيار "االحتاد ال�سوفييتي"‬ ‫ال�سابق‪ ،‬ومنها الثورة على الديكتاتور الروماين املخلوع‬ ‫يف العام ‪ 1989‬نيكوال ت�شاو�شي�سكوف مازالت حا�رضة‬ ‫يف �أذهان بع�ض من يدينون الثورة‪ ،‬وعلى �أ�سا�سها‬ ‫يحاكمونها‪.‬‬ ‫�أو ربمّ ا ال يزال �أثر ما فعله املاهامتا غاندي بثورته‬ ‫"الالعنفية" �ضد االحتالل الربيطاين حتى نالت الهند‬ ‫ا�ستقاللها يف العام ‪ ،1947‬ي�ؤ ّثر يف عقول البع�ض‪ .‬مع‬ ‫�أن غاندي نف�سه ا�شرتط لنجاح "ثورة الالعنف"‪�" :‬أن‬ ‫يتم ّتع اخل�صم ببقية من �ضمري‪ ،‬مت ّكنه يف النهاية من‬ ‫فتح حوار مو�ضوعي مع الطرف الآخر"‪ .‬فهل تو ّفر هذا‬ ‫ال�رشط يف املثال ال�سوري؟‪ .‬ثم �أن كالم غاندي يعني‬ ‫�أن عدم تو ّفر هذا ال�رشط يفتح على احتماالت �أخرى‪ ،‬قد‬ ‫يكون اللجوء �إىل ال�سالح واحد منها‪.‬‬ ‫هناك قانون فيزيائي بديهي وب�سيط‪" :‬لكل فعل رد فعل‪،‬‬ ‫يوازيه يف القوة‪ ،‬ويعاك�سه يف االتجّ اه"‪ .‬لكن هذا يف‬ ‫الفيزياء‪ ،‬والفيزياء �شيء خمتلف متام ًا عن االجتماع‬ ‫الب�رشي الذي ي� ّؤكد يف بع�ض احلاالت‪ ،‬كاحلالة ال�سورية‬ ‫مث ًال‪� ،‬أن رد الفعل‪ ،‬قد يفوق الفعل ب�أ�ضعاف م�ضاعفة‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/06/1 )142‬م‬

‫حتليل �سيا�سي‬

‫‪04‬‬

‫بوادر تعديل قواعد اال�شتباك يف �سورية‬ ‫غازي دحمان‬

‫ثمة م�ساعي دولية جادة‪ ،‬بد�أت بع�ض تبا�شريها‬ ‫بالظهور‪ ،‬تهدف �إىل و�ضع امل�س�ألة ال�سورية على �سكة‬ ‫التغيري‪� ،‬إذ مل يعهد �أي مراقب للأزمة مثل هذا احلجم من‬ ‫التحركات املكثفة واجلادة وعلى �صعد خمتلفة‪ ،‬وهو‬ ‫ما يب�رش بحدوث تغيري جدي للمقاربة الدولية للو�ضع‬ ‫ال�سوري‪� ،‬أو قد يعك�س م�ستوى جديد من الإدراك الدويل‬ ‫حلجم املخاطر التي بات ينطوي عليها ا�ستمرار �إدارة‬ ‫الأزمة بالطريقة ال�سابقة التي جرت على قاعدة ترك‬ ‫الأعداء ي�صفون بع�ضهم يف امليدان ال�سوري‪ ،‬ومراقبة‬ ‫تورط �إيران ورو�سيا‪ ،‬وتركهما ت�ستنزفان نف�سيهما يف‬ ‫�رصاع طويل الأجل‪.‬‬ ‫من الأردن جاءت �أول النذر‪ ،‬حيث �أقدمت حكومته على‬ ‫طرد �سفري النظام بهجت �سليمان بعد طول انتظار‪ ،‬وبعد‬ ‫�إ�رصار طويل من قبل حكومة الأردن على �إبقاء بع�ض‬ ‫القنوات مفتوحة مع نظام دم�شق‪ ،‬وقد جرى تف�سري‬ ‫ذلك ال�سلوك الأردين ب�أنه كان يعك�س �إدراك الأردن عدم‬ ‫توفر رغبة جادة لدى القوى الفاعلة حل�سم موقفها يف‬ ‫داع لتوتري‬ ‫املو�ضوع ال�سوري‪ ،‬وتاليا مل يكن هناك من ٍ‬ ‫العالقة مع نظام الأ�سد‪ ،‬وترك الباب موارب للعالقة‬ ‫بني الطرفني‪ ،‬بالرغم من ال�سلوك الال دبلوما�سي ملمثل‬ ‫النظام يف عمان‪� ،‬إال �أن �إقدام حكومة على اتخاذ خطوة‬ ‫طرد ممثل النظام لها مدلوالت بعيدة املدى‪ ،‬وهي تعك�س‬ ‫�أي�ضا جانبا مهما من التن�سيق الدويل اجلاري بني‬ ‫حتالف �أ�صدقاء �سورية‪ ،‬كما تك�شف جزءا من امل�شهد‬ ‫الذي يراد �صناعته يف الواقع امليداين ال�سوري‪.‬‬ ‫يتزامن هذا التطور الالفت مع جملة من التطورات‬ ‫امليدانية‪ ،‬من �رشق �سورية و�شمالها �إىل �أق�صى اجلنوب‪،‬‬ ‫�إذ تك�شف الوقائع عن تقدم كبري حترزه قوات املعار�ضة‬ ‫على �أغلب تلك اجلبهات‪ ،‬والأهم من كل ذلك‪� ،‬أنها تك�شف‬ ‫عن حجم خ�سائر كبرية تتكبدها قوات الأ�سد وحلفاءها‬ ‫على خمتلف اجلبهات‪ ،‬وخا�صة على �صعيد تدمري �آلتها‬ ‫احلربية‪ ،‬وهو الأمر الذي ي�شري �إىل تطوير قوى املعار�ضة‬ ‫لتقنياتها الع�سكرية وطرقها القتالية‪ ،‬ولي�س خافيا �أن‬ ‫هذا الأمر طاملا �أوقفه قرار دويل اتخذته �أمريكا لأهداف‬ ‫بات اجلميع يدركها‪ ،‬ما يعني �أن هناك تغيري �أكيد يف‬

‫�رشعت مبد�أ‬ ‫املوقف الأمريكي‪ ،‬خا�صة و�أن وا�شنطن ّ‬ ‫مد قوات الثورة ال�سورية املعتدلة ب�أنواع معينة من‬ ‫الأ�سلحة‪ ،‬وذلك عرب القرار الذي اتخذته جلنة الدفاع يف‬ ‫الكونغر�س الأمريكي‪.‬‬ ‫التقارير الدولية املتابعة للحراك اجلديد تك�شف عن‬ ‫التجهيز لهجوم دويل �شامل على �أكرث من ميدان‪،‬‬ ‫ويف �أكرث من منرب دويل‪ ،‬وذلك بق�صد تعطيل مفاعيل‬ ‫التحالف الذي يدعم ب�شار الأ�سد ودفعه اىل طاولة‬ ‫التفاو�ض وتغيري مقاربته احلالية‪ ،‬وطبيعة تعاطيه‬ ‫التي ت�ستند �إىل الركون �إىل القوة لهزمية الثورة ال�سورية‪،‬‬ ‫وتاليا حتقيق انت�صار على القوى امل�ؤيدة للثورة �إقليميا‬ ‫ودوليا‪ ،‬يح�صل ذلك يف الوقت الذي بد�أت القوى امل�ؤيدة‬ ‫تعلن انت�صارها احلا�سم يف امليدان ال�سوري‪ ،‬فبعد‬ ‫الت�رصيحات الكثيفة للم�س�ؤلني الإيرانيني بهذا االجتاه‪،‬‬ ‫�أعلن زعيم حزب اهلل ح�سن ن�رص اهلل انت�صار مقاومته‬ ‫املزعومة يف �سورية ودعوته لل�سوريني الذهاب �إىل‬ ‫�صناديق االقرتاع وانتخاب ب�شار الأ�سد‪ ،‬باعتبار ذلك‬ ‫اخليار الوحيد الذي بقي متاحا لهم بعد �أن هزمتهم �آلته‬ ‫الع�سكرية!‪.‬‬ ‫ثمة �أي�ضا م�ؤ�رشات قوية بد�أت ت�صدر عن العا�صمة‬ ‫الأمريكية عن انخراط �أمريكي جدي يف عملية التغيري‬ ‫تلك‪� ،‬صحيح �أنها لن ت�صل �إىل حد التدخل الع�سكري‬ ‫املبا�رش‪ ،‬لكنها قد تكون قريبة من طريقة امل�شاركة يف‬ ‫عملية �إ�سقاط نظام القذايف‪ ،‬حينما تولت �إدارة �أوباما‬ ‫القيادة من اخللف‪ ،‬وي�أتي هذا التغيري لأ�سباب �أبعد من‬ ‫امل�س�ألة ال�سورية‪ ،‬وتتعلق برتاجع القيادة الأمريكية يف‬ ‫العامل‪ ،‬بعد �أن تعر�ضت �إدارة اوباما النتقادات الذعة‬ ‫من النخب الأمريكية‪ ،‬الأمر الذي جعل الأطراف الدولية‬ ‫الأخرى‪ ،‬وخا�صة رو�سيا وال�صني و�إيران‪ ،‬ت�سعى اىل‬ ‫تغيري قواعد اللعبة الدولية مبا ي�رض امل�صالح الأمريكية‬ ‫بدرجة كبرية ويف �أكرث من منطقة حيوية ويعر�ض‬ ‫النظام الدويل برمته �إىل خماطر جمة‪ ،‬وهذا ما كان قد‬ ‫ح ّذر منه حلفاء وا�شنطن الدوليني والإقليميني مرارا‪.‬‬ ‫يف التطورات �أي�ضا‪ ،‬ثمة ت�رسيبات ت�ؤكد نية التحالف‬

‫الغربي تزخيم ق�ضية املحكمة اجلنائية �ضد جمرمي‬ ‫احلرب يف �سورية‪ ،‬وذلك عرب نقل امللف �إىل اجلمعية‬ ‫العامة وطرحه على الت�صويت يف ظل وجود �أغلبية‬ ‫�ضامنة لتمرير القرار‪ ،‬وثمة نية يف هذا املجال �إىل جعل‬ ‫املحاكمة جتري يف الأردن‪ ،‬باعتبار قوانينها ت�سمح‬ ‫بهذا النوع من املحاكمات على �أرا�ضيها‪� ،‬إ�ضافة اىل‬ ‫كونها دولة ع�ضو يف املحكمة اجلنائية الدولية‪.‬‬ ‫ال �شك �أن جملة هذه التحركات يقابلها حترك مواز‬ ‫يقوم به احللف الداعم لب�شار الأ�سد‪ ،‬وعدا عن جهوده‬ ‫وم�ساعيه يف ال�سيطرة امليدانية وحماولة فر�ض �أمر‬ ‫واقع‪ ،‬ي�ستعجل هذا احللف �إجراء االنتخابات الرئا�سية‬ ‫ومتريرها من �أجل تثقيل �أوراقه التفاو�ضية‪ ،‬حيث مل‬ ‫يبق ملو�سكو وطهران �سوى التذرع ب�رشعية النظام‬ ‫َ‬ ‫وقانونيته‪ ،‬وبالتايل الإ�رصار على عدم خمالفة القوانني‬ ‫الدولية التي ت�ؤكد على عدم جواز تغيري الأنظمة بالقوة‪.‬‬ ‫غري �أن الوقائع ت�شري �إىل و�صول حلفاء الأ�سد �إىل درجة‬ ‫عالية من الإنهاك واال�ستنزاف بعد انخراطهم على مدار‬ ‫ثالث �سنوات بتقدمي كل �أنواع الدعم حلليفهما املنهار‪،‬‬ ‫وبالتايل ف�إن مرحلة ما بعد االنتخابات �ستكون غري‬ ‫ما بعدها‪ ،‬و�أن مو�سكو وطهران اللتني ت�شتبكان مع‬ ‫املجتمع الدويل ب�أكرث من ملف وق�ضية باتتا ت�ستعجالن‬ ‫التفاو�ض للتخل�ص من �أعباء بع�ض امللفات التي‬ ‫تثقل حتركهما باجتاه حلحلة �أو�ضاعهما مع البيئة‬ ‫الدولية‪ ،‬والو�صول اىل ت�سويات وترتيبات معينة حتفظ‬ ‫م�صاحلهما الأ�سا�سية‪ ،‬وال �شك �أن الغرب بات على دراية‬ ‫كافية بحقيقة موقف البلدين وظروفهما‪ ،‬وال�شك �أن‬ ‫التحرك اجلديد باجتاه ال�ساحة ال�سورية يهدف بدرجة‬ ‫كبرية �إىل �إ�ضعاف مواقفهما بدرجة �أكرب‪ ،‬وخف�ض‬ ‫�سقف توقعاتهما يف التفاو�ض على امللفات الأخرى‪،‬‬ ‫ذلك �أنه �إذا كانت �إيران ورو�سيا قد ا�ستنزفتا جهودهما‬ ‫وطاقاتهما عرب انخراطهما املبكر يف احلرب على‬ ‫ال�سوريني‪ ،‬ف�إن الغرب بد�أ للتو يت�أهب لدخول احللبة‪ ،‬وال‬ ‫تزال طاقته ب�أوجها‪.‬‬


‫‪05‬‬

‫فكر‬

‫العدد (‪ 2014/06/1 )142‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫ً‬ ‫ممار�سة وفكراً‬ ‫�إخفاق املارك�سية العربية‬ ‫حكم عاقل‬

‫منذ بداية الت�سعينيات من القرن املا�ضي‪� ،‬أ�صبح‬ ‫و�صول الإ�سالمويني للحكم �أمراً م�ألوف ًا يف امل�شهد‬ ‫العربي‪ ،‬فقد ا�ستند ه�ؤالء �إىل ر�صيدهم اجلماهريي‬ ‫حل�صد نتائج االنتخابات ب�أ�شكالها املختلفة‪ ،‬من‬ ‫بلدية وجلان حملية ونيابية‪ .‬ومل يكن ذلك ممكنا‬ ‫لوال الفراغ ال�سيا�سو�سيولوجي نتيجة انح�سار املد‬ ‫الي�ساري العربي‪ ،‬وا�ستئثار التيار القومي بال�سلطة‬ ‫لعقود دون حتقيق نه�ضة "الأمة" �أو وحدتها‪.‬‬ ‫ترافق انح�سار املد الي�ساري املارك�سي مع انهيار‬ ‫االحتاد ال�سوفييتي واملنظومة ال�شيوعية العاملية‪،‬‬ ‫وكان ذلك مبثابة �إعالن الرتاجع �أمام الأطروحتني‬ ‫الدينية‪ ،‬والليربالية اجلديدة �سواء تلك الوافدة من‬ ‫اخلارج والتي تعلن نهاية التاريخ بانت�صارها‬ ‫النهائي‪� ،‬أو تلك الن�سخة العربية منها ب�شكلها‬ ‫امل�شوه‪.‬‬ ‫لعبت جملة عوامل ذاتية ومو�ضوعية يف تراجع‬ ‫الي�سار املارك�سي العربي‪ .‬مو�ضوعي ًا‪� ،‬أفقد انهيار‬ ‫املنظومة ال�شيوعية الأحزاب واحلركات ال�شيوعية‬ ‫قدراً كبرياً من الدعم املعنوي واملادي ترافق مع‬ ‫تزايد القمع الذي مار�سته ال�سلطة ال�سيا�سية على‬ ‫الي�سار ب�سبب توجهاته الراديكالية‪ ،‬على الأقل كما‬ ‫تقوله �أدبيات وكتيبات هذه احلركات والأحزاب‪،‬‬ ‫لكن هذه العوامل املو�ضوعية مل تكن احلا�سمة‬ ‫مقارنة بالعوامل الذاتية‪ .‬فقد جاء انهيار هذه‬ ‫الأحزاب نتيجة لرتاكمات قد بد�أت قبل �سقوط‬ ‫االحتاد ال�سوفيتي‪ ،‬لكنها و�صلت مع �سقوطه �إىل‬ ‫النقطة احلرجة‪� ،‬إذ طاملا �أخفقت �أحزاب الي�سار‬ ‫العربي التي ت�صف نف�سها باملارك�سية فكراً‬ ‫وممار�سة وبنية تنظيمية و�أهداف ًا‪.‬‬ ‫مل تكن املارك�سية على يد املارك�سيني العرب فل�سفة‬ ‫مفتوحة تتم�سك بالعقالنية يف مواجهة امل�سلمات‬ ‫اجلامدة والوثوقية العمياء‪ ،‬ومل تكن م�ستعدة دوما‬ ‫للتفكري و�إعادة التفكري من جديد حني تثبت اخلربة‬

‫والتجربة زيف وعقم امل�سلمات القدمية‪ .‬فتحولت‬ ‫�إىل ما ي�شبه الدوغمائية املدعمة ‪Reinforced‬‬ ‫‪ .Dogmatism‬و�إذا كان مارك�س قد �أعلن يوم ًا‬ ‫�أنه �إذا كانت املارك�سية مذهبا فهو لي�س مبارك�سي‪،‬‬ ‫ف�إن املنطق الأ�صويل الذي حكم البنية الذهنية‬ ‫للمارك�سية العربية يذهب �إىل �أبعد من ذلك يف كل‬ ‫مرة تظهر فيها بوادر الف�شل وحتني فيها حلظة‬ ‫املواجهة مع الذات‪ .‬فانطلقت كل عمليات املراجعة‬ ‫الفكرية والتنظريية من منطلق (مل يكن اخلط�أ يف‬ ‫النظرية بل اخلط�أ يف التطبيق) مما �أ�صاب عملية‬ ‫املراجعة ذاتها بالعقم والإخ�صاء‪.‬‬ ‫افتقدت هذه الأحزاب لعملية الإعداد والتثقيف‬ ‫احلزبي احلقيقية‪ ،‬فكثري من الكوادر والقيادات‬ ‫كون مارك�سيته من خالل ال�رشوحات والتلخي�صات‬ ‫ّ‬ ‫للكتب الأمهات �أو لكبار املارك�سيني املعا�رصين‪.‬‬ ‫وكان من الطبيعي �أن تعجز ثقافة كهذه �أن‬ ‫تتجاوز ذاتها بالنقد والتربير‪ ،‬وميكن القول �إن نقد‬ ‫املارك�سية جاء حمدوداً و�ضح ًال بقدر حمدودية‬ ‫و�ضحالة الوعي باملارك�سية‪.‬‬ ‫ميكن �أن منيز يف املارك�سية جانبني‪ :‬الأول‪ ،‬جانب‬ ‫و�ضعي يدر�س الواقع وي�صف ويف�رس ما هو واقع‬ ‫فيك�شف القوانني مطلق ًا �أحكام وجود‪ ،‬و الثاين‪:‬‬ ‫قيمي معياري يقرتح ما ينبغي �أن يكون يف �ضوء‬ ‫مثل �أعلى م�صدراً �أحكام قيمة‪ .‬تبدى اجلانب‬ ‫الأول يف ك�شف مارك�س للت�شكيالت االجتماعية‬ ‫االقت�صادية التي ظهرت عرب التاريخ وقوانينها‬ ‫الناظمة‪ ،‬ال�سيما النظام الر�أ�سمايل كما ت�شكل حتى‬ ‫ع�رص مارك�س ومكامن قوته و�ضعفه و�أزماته‬ ‫والقوانني واملقوالت التي حكمته كفائ�ض القيمة‬ ‫وتراكم ر�أ�س املال وغريها‪ ،‬وذلك باالعتماد على‬ ‫الديالكتيك كمنهج‪ .‬بينما متثل الثاين بالت�صورات‬ ‫التي اقرتحها مارك�س للحل من �أجل الو�صول �إىل‬ ‫جمتمع ال طبقي تتحقق فيه العدالة وي�ستعيد فيه‬

‫الإن�سان �إن�سانيته‪� ،‬إنه املجتمع املثال �أو ما ينبغي‬ ‫�أن يكون‪ .‬لكن الديالكتيك على يد املارك�سية العربية‬ ‫حتول �إىل نتائج جاهزة‪ ،‬فتجاهلت �رضورة �إخ�ضاع‬ ‫جمتمعاتها لهذا املنهج لت�صل �إىل نتائج حمددة‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق باجلانب الثاين اكتفت املارك�سية‬ ‫العربية بتبني ما يجب �أن يكون مارك�سيا(ن�سبة‬ ‫اىل مارك�س نف�سه)‪ ،‬ون�سيت �أو تنا�ست �أن املارك�سية‬ ‫كمعرفة حمكومة كغريها من �أ�شكال املعرفة يف‬ ‫تطورها ون�سبيتها بالديالكتيك‪� ،‬إذ يربز الديالكتيك‬ ‫هنا بو�صفه منهجا للتجاوز الدائم وامل�ستمر‪.‬‬ ‫�أما غياب الدميقراطية فكرا وممار�سة فقد لعب‬ ‫دورا هاما يف عدم قدرة هذه الأحزاب على التطور‬ ‫والتطوير‪ .‬فلم ي�ستطع احلزب املارك�سي �أن يتطور‬ ‫ح�سب قرارات �أع�ضائه‪� ،‬إذ ا�ستبدلت املركزية‬ ‫الدميقراطية بالدميقراطية املركزية‪ ،‬وابتعدت‬ ‫القيادات احلزبية عن القواعد احلزبية بقدر ابتعاد‬ ‫الأخرية عن اجلماهري الب�سيطة التي كان من‬ ‫ال�صعب عليها �أن ته�ضم املقوالت املارك�سية‬ ‫وممار�سات الكوادر احلزبية التي كانت بالن�سبة‬ ‫للجموع الغفرية من الفقراء واملعدمني ع�صية‬ ‫على الفهم واال�ستيعاب‪ .‬فلم تتعامل املارك�سية مع‬ ‫التدين كظاهرة اجتماعية يكون حلها من خالل‬ ‫عملية التحول االجتماعي االقت�صادي فكانت‬ ‫املمار�سات امل�ضادة للتدين ال�شعبي �أ�شبه با�ستفزاز‬ ‫غري مدرو�س‪ ،‬فبدا الي�سار املارك�سي �أبعد �أن يالم�س‬ ‫ب�شكل حقيقي هموم النا�س املعي�شية بالرغم من‬ ‫ال�شعارات الكثرية واليافطات العري�ضة التي رفعها‪.‬‬ ‫فعجز عن الربط بني الن�ضال الوطني والتحرري‬ ‫والن�ضال من �أجل الدميقراطية‪ .‬هنا يلتقي الي�سار‬ ‫املارك�سي مع الإ�سالموية يف حلظاتها الأكرث ت�شددا‬ ‫يف رف�ض الدميقراطية بو�صفها ب�ضاعة غربية‪.‬‬ ‫الزالت هذه الأحزاب تعاين من حالة الت�شتت‬ ‫واالرتخاء التنظيمي واحلزبي وعدم الو�ضوح الفكري‬ ‫وال�سيا�سي وتغليب امل�صالح ال�شخ�صية والعالقات‬ ‫الفئوية على املمار�سات احلزبية التنظيمية‪ ،‬بل ال‬ ‫تزال تتحكم بها �سيا�سة الفرد ليتحول احلزب اىل‬ ‫مزرعة متوارثة تلعب فيه الكوادر �أدوار املوظفني‪.‬‬ ‫وال �أدل على حالة التبعية واجلمود العقائدي‬ ‫والفكري للمارك�سيني العرب من موقفهم جتاه‬ ‫ما بات يعرف بـ «الربيع العربي»‪ ،‬فهم يف الوقت‬ ‫الذي ينظرون �إليه بعني الريبة واحلذر بو�صفه‬ ‫م�ؤامرة �إمربيالية على �أوطانهم وجمتمعاتهم‪،‬‬ ‫غري قادرين �أن ي�أخذوا امل�سافة الكافية �أخالقيا‬ ‫على الأقل من ممار�سات الأنظمة احلاكمة يف حق‬ ‫احلراك اجلماهريي‪ .‬ناهيك عن �أن تلك امل�ؤامرة‬ ‫التي ن�سجت تلك الأحزاب نف�سها من خالل دعوى‬ ‫مواجهتها منذ عهد ما قبل اال�ستقالل قد ف�شلت فيه‬ ‫حتى الآن‪ .‬ويبقى ال�س�ؤال حول م�رشوعية ا�ستمرار‬ ‫تلك الأحزاب �س�ؤاال م�رشوعا بدوره‪ ،‬ال�سيما يف ظل‬ ‫الف�شل التاريخي للمارك�سية العربية لأن تلعب دور‬ ‫النقي�ض االجتماعي واالقت�صادي والأيديولوجي‬ ‫وال�سيا�سي مل�شاريع الهيمنة الر�أ�سمالية على‬ ‫املنطقة‪ ،‬وللم�شاريع الت�سلطية لأنظمة احلكم‬ ‫ال�شمولية‪ ،‬بل حتى للم�شاريع الأكرث ظالمية‬ ‫للإ�سالم ال�سيا�سي‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫ق�ضايا‬

‫العدد (‪ 2014/06/1 )142‬م‬

‫‪06‬‬

‫القدرات ال�صاروخية البال�ستية الإيرانية‪ ...‬تهديدات �إقليمية خطرية‬ ‫مو�سى القالب*‬

‫توجهت �إيران �إىل �صناعة ال�صواريخ البال�ستية بعد‬ ‫هزميتها يف حربها مع العراق التي ا�ستمرت من ‪1980‬‬ ‫– ‪ ،1988‬ال �سيما ب�سبب ق�صور و�ضعف قواتها اجلوية‬ ‫عن �شن �أية عمليات هجومية بوا�سطة الطائرات املقاتلة‬ ‫خارج نطاق احلدود الإيرانية‪.‬‬ ‫تعرف املو�سوعات العلمية الدفاعية ال�صاروخ البال�ستي‬ ‫مقذوف ُيطلق من قاعدة ثابتة �أو متحركة‪� ،‬سالك ًا‬ ‫ب�أنه ‪" :‬‬ ‫ُ‬ ‫ممراً جوي ًا ثم ف�ضائياً‪ ،‬وبعد ذلك ي�سري ب�شكل �شبه مداري‬ ‫حول الأر�ض‪ ،‬بهدف حمل و�إ�سقاط ر�أ�س �أو جمموعة‬ ‫ر�ؤو�س حربية تدمريية‪ ،‬على �أهداف �أر�ضية حمددة �سلف ًا‬ ‫على الرب �أو يف البحر ‪ ،‬بق�صد تدمريها "‪.‬‬ ‫ما زالت عمليات التطوير والتجارب التي �أجرتها �إيران‬ ‫على منظومة �صواريخها البال�ستية منذ عام ‪،1998‬‬ ‫تثري جد ًال وا�سع ًا لدى �أو�ساط اخلرباء اال�سرتاتيجيني‪،‬‬ ‫ال �سيما بعد �إطالق نوعني من ال�صواريخ هما "�شهاب‬ ‫– ‪ "4‬و" قادر" مبدى ي�صل �إىل �ألفي كيلومرتاً‪ ،‬وذلك يف‬ ‫فرباير‪�/‬شباط ‪�، 2014‬إ ْذ كانت تلك التجربة الأكرث �إثار ًة‬ ‫لالهتمام‪ ،‬لي�س ب�سبب نوع ومدى تلك ال�صواريخ فح�سب‪،‬‬ ‫ولكن �أي�ض ًا ب�سبب م�س�ألة امللف النووي الإيراين التي مل‬ ‫يتم الإعالن عن االتفاق النهائي حولها من قبل �إيران‬ ‫واملجموعة الدولية ‪ 1 5+‬حتى الآن‪.‬‬ ‫تكمن �أهمية ال�صواريخ البال�ستية ب�صورة عامة يف‬ ‫خطورتها‪ ،‬كونها و�سائل �إي�صال حربية قادرة على حمل‬ ‫ر�ؤو�س تقليدية؛ وغري تقليدية ك�أ�سلحة الدمار ال�شامل‪،‬‬ ‫النووية والكيماوية واجلرثومية‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن اجلهة‬ ‫الأخرى �صعوبة اكت�شافها ومتابعتها وتدمريها خالل‬ ‫مراحل انطالقها نحو �أهدافها‪ ،‬ب�سبب خروجها ال�رسيع‬ ‫من الغالف اجلوي ونطاق اجلاذبية الأر�ضية �إىل الف�ضاء‬ ‫اخلارجي خالل دقائق معدودة‪ .‬ثم عودة ر�ؤو�سها احلربية‬ ‫�إىل الغالف اجلوي من جديد ل�رضب �أهدافها الأر�ضية‬ ‫ب�رسعات هائلة خالل دقيقة واحدة �أو �أكرث بقليل‪ ،‬حيث ال‬ ‫ي�سمح هذا الوقت الق�صري جداً للو�سائل الدفاعية املُ�ضادة‬ ‫لل�صواريخ البال�ستية باكت�شافها وتدمريها يف املكان‬ ‫والزمان املنا�سبني‪.‬‬ ‫ُت�ش ِكل ال�صواريخ البال�ستية الإيرانية تهديداً كبرياً للقوات‬ ‫امل�سلحة والتجمعات ال�سكانية واملراكز اال�سرتاتيجية‬

‫احليوية يف منطقة ال�رشق الأو�سط عموم ًا ويف دول اخلليج‬ ‫على وجه اخل�صو�ص‪ .‬لقد ن َّفذت �إيران عدة اختبارات‬ ‫وجتارب �إطالق على عدة �أنواع من ال�صواريخ البال�ستية‬ ‫التي تعمل بالوقود ال�سائل والوقود ال�صلب والقادرة على‬ ‫�رضب �أهداف حيوية يف منطقة ال�رشق الأو�سط‪.‬‬ ‫ت�ستفيد �إيران يف جمال ت�صنيع ال�صواريخ وتطويرها من‬ ‫خربات تعتمد على تقنيات �صناعية خارجية غري موثوقة‬ ‫من حيث �رشوط الأمان وال�سالمة‪ ،‬خ�صو�ص ًا من دول مثل‬ ‫رو�سيا وال�صني وكوريا ال�شمالية وال�سوق ال�سوداء الدولية‬ ‫عن طريق التهريب‪.‬‬ ‫يف هذا ال�سياق‪� ،‬أثار �إعالن �إيران عن �صاروخ "عا�شوراء"‬ ‫امل�س�ؤولني يف وزارة الدفاع الأمريكية‪ ،‬حيث عربوا عن‬ ‫تخوفهم من امتالك �إيران �صاروخا بال�ستي ًا �ضمن تر�سانة‬ ‫ال�سالح غري التقليدي ي�صل مداه �إىل ‪� 2000‬أو‪ 2500‬كلم‪،‬‬ ‫ويكون ب�إمكانه حمل ر�أ�س نووي متفجر يف امل�ستقبل بعد‬ ‫�إجراء بع�ض التعديالت الفنية عليه‪.‬‬ ‫تعمل �إيران على تنويع مديات ال�صواريخ البال�ستية‪ ،‬حيث‬ ‫ت�ستخدم ال�صواريخ ق�صرية املدى بهدف �رضب �أهداف‬ ‫ع�سكرية ميدانية بحرية وبرية قريبة من ال�سواحل الغربية‬ ‫الإيرانية مثل( �شهاب‪� ،-1‬شهاب ‪ ، -2‬فاحت‪ ،‬زلزال ‪-2‬‬ ‫و– ‪ )3‬التي يرتاوح مداها من ‪ 750 – 200‬كيلومرتاً‪.‬‬ ‫يف حني ت�ستخدم �إيران ال�صواريخ متو�سطة املدى من‬ ‫‪ 3000-1000‬كيلومرتاً ل�رضب �أهداف ا�سرتاتيجية �أكرث‬ ‫بعداً �ضمن دائرة منطقة اخلليج وال�رشق الأو�سط‪ ،‬مثل(‬ ‫�شهاب ‪� ،-2‬شهاب – ‪ 3‬وفجر‪� .) -3‬أما ال�صواريخ و�سيطة‬ ‫املدى فيرتاوح مداها من ‪ 5500-3300‬كيلومرتاً‪ ،‬مثل‬ ‫�صاروخ قادر‪.-110‬‬ ‫ما زالت �إيران ت�سعى لتطوير ال�صواريخ طويلة املدى‬ ‫(العابرة للقارات) مثل �شهاب – ‪ 4‬و‪ ،5 -‬وذلك من �أجل‬ ‫متكينها من �رضب �أهداف على بعد ‪ 5000‬كيلومرتاً‪ .‬حيث‬ ‫ذكرت م�صادر ر�سمية �أمريكية تابعة لإدارة ال�صواريخ‬ ‫العابرة للقارات ‪ ،ICBM‬ب�أن �إيران على و�شك �أن تكون‬ ‫قادرة على �إنتاج �صواريخ عابرة للقارات مبدى ي�صل �إىل‬ ‫‪ 3000‬ميل‪ ،‬وذلك بحدود عام ‪.2015‬‬ ‫ت�شكل القدرات ال�صاروخية البال�ستية الإيرانية تهديدات‬ ‫�إقليمية خطرية‪ ،‬للأ�سباب التالية‪:‬‬

‫‪� . 1‬أعدادها الكبرية وعدم دقتها‪ ،‬حيث معيار الكم يتفوق‬ ‫على معيار الكيف‪ ،‬ما ي�ؤدي �إىل �رضب جتمعات �سكنية‬ ‫وايقاع خ�سائر ب�رشية كبرية يف �صفوف املدنيني‪ ،‬عن‬ ‫طريق اخلط�أ‪.‬‬ ‫‪ . 2‬التدمري الع�شوائي ال�سافر للمجمعات النفطية وحمطات‬ ‫حتلية املياه والت�سبب بخ�سائر اقت�صادية باهظة‪ ،‬نتيج ًة‬ ‫لتدين م�ستوى التقنيات ال�صناعية لل�صواريخ البال�ستية‪،‬‬ ‫ال �سيما تلك امل�صنعة حملي ًا يف �إيران يف ظل احل�صار‬ ‫ونق�ص قطع الغيار الالزمة لل�صيانة والتحديث‪.‬‬ ‫‪ . 3‬املبالغة يف اال�ستخدام غري املتوازن لل�صواريخ‪ ،‬ب�سبب‬ ‫�إ�سناد مهمة ال�سيطرة عليها للحر�س الثوري " البا�سدران"‬ ‫املت�شدد لأ�سباب �أيديولوجية وقومية يف غياب التزامه‬ ‫بتقنيات وتكتيكات احلرب العادلة واالقت�صاد باجلهد‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا ما يتعلق ب�سالمة املدنيني وحقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫والذي ن�ص عليها بكل �رصاحة وو�ضوح القانون الدويل‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬وكذلك املواثيق والأعراف الدولية‪.‬‬ ‫‪� . 4‬صعوبة العمليات الدفاعية �ضد ال�صواريخ البال�ستية‪،‬‬ ‫من قبل منظومات الدفاع ال�صاروخي ب�سبب قرب امل�سافة‬ ‫اجلغرافية‪ ،‬وقلة الوقت املتاح للإنذار املبكر وامل�شاغلة‬ ‫والرماية‪.‬‬ ‫‪ . 5‬احتمالية تعبئة ر�ؤو�سها احلربية بغازات �سامة ومواد‬ ‫كيمائية �أو بيولوجية �أو �إ�شعاعية‪ ،‬ما يحولها من �سالح‬ ‫تقليدي حمدود اخل�سائر �إىل �سالح دمار �شامل‪ ،‬قادر على‬ ‫�إفناء الب�رش وتدمري البيئة والرثوات وتلويث الهواء واملياة‬ ‫والرتبة‪.‬‬ ‫لعل خري مثال على ذلك ما يجري حالي ًا من تدمري‬ ‫ع�شوائي ال م�س�ؤول للمدن واملناطق ال�سكنية واملدنيني‬ ‫يف �سوريا بوا�سطة الرباميل املتفجرة و�صواريخ �سكود‬ ‫والغازات ال�سامة‪ ،‬من قبل قوات النظام ال�سوري‪ ،‬مب�شاركة‬ ‫و�إ�رشاف البا�سدران الإيراين نف�سه‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق ال بد من الأخذ بعني االعتبار �إدراج‬ ‫م�س�ألة حتديد وحتجيم القدرات ال�صاروخية البال�ستية‬ ‫الإيرانية‪� ،‬ضمن حمادثات امللف النووي‪ ،‬حيث ت�شكل هذه‬ ‫ال�صواريخ تهديدات �إقليمية ال ح�رص لها‪.‬‬ ‫*عميد متقاعد‪ ،‬باحث ا�ست�شاري يف مركز ال�رشق للبحوث‬ ‫– دبي‪.‬‬


‫‪ 07‬عربي‬ ‫ليبيا «الفو�ضى»‪ :‬حتدي غياب ال�شرعية واحلرب على الإرهاب‬ ‫العدد (‪ 2014/06/1 )142‬م‬

‫�إىل �أين تتجه ليبيا؟ امل�ؤ�رشات الوا�ضحة اليوم تخرب‬ ‫مبزيد من االقتتال الداخلي‪ ،‬ومواجهة بع�سكرية بني‬ ‫قوات حفرت والقوات الإ�سالمية‪ ،‬وال�صيف الليبي‬ ‫�سيكون �صيف ًا خارق ًا بكل معنى الكلمة‪ ،‬فما يجري‬ ‫يف ليبيا لي�س فقط تطوراً طبيعي ًا مل�شهد االنق�سام‬ ‫الداخلي والفو�ضى التي تعم البالد‪ ،‬و�إمنا يت�ضمن‬ ‫عوامل �إقليمية ودولية عديدة‪ ،‬وهو بهذا املعنى‬ ‫لي�س �ش�أن ًا وطني ًا داخلي ًا‪ ،‬و�إمنا م�س�ألة حتديات على‬ ‫م�ستوى �أبعد‪.‬‬ ‫م�ساء الثالثاء املا�ضي �أذاع حممد الزهاوي امل�س�ؤول‬ ‫العام لتنظيم "�أن�صار ال�رشيعة" من بنغازي (�رشق‬ ‫ليبيا) بيان ًا هه فيه بتدخالت الواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية يف حال حاولت التدخل يف الأزمة الليبية‪،‬‬ ‫واتهم الزهاوي �أمريكا بدعم اللواء املتقاعد خليفة‬ ‫حفرت يف حربه "�ضد الت�شدد" يف ليبيا‪.‬‬ ‫و �أفاد ثوار �سابقون �أن طائرة حربية ليبية تابعة‬ ‫لقوات حفرت ق�صفت يوم االثنني (قبل يوم من البيان)‪،‬‬ ‫مقر كتيبة �شهداء "‪ 17‬فرباير" الإ�سالمية يف منطقة‬ ‫القوار�شة الواقعة عند املدخل الغربي ملدينة بنغازي‬ ‫من دون ت�سجيل �سقوط قتلى‪.‬‬ ‫وقال الناطق با�سم غرفة ثوار ليبيا �أحمد اجلازوي‬ ‫�إن "مقاتلة ق�صفت مع�سكر كتيبة �شهداء ال�سابع ع�رش‬ ‫من فرباير ب�صاروخني"‪ .‬و�أ�ضاف �أن "الق�صف مل‬ ‫يخلف �ضحايا يف �صفوف الثوار فيما تعامل ه�ؤالء‬ ‫بامل�ضادات الأر�ضية معها حتى غادرت حميط‬ ‫املنطقة"‪.‬‬ ‫وكان الزهاوي �رصح ب�أن "�إ�رصارهم (حفرت‬ ‫والأمريكيني) على هذه احلرب القذرة‪� ،‬سيفتح اجلحيم‬ ‫عليه وعلى املنطقة برمتها‪ ،‬ف�إن �أهل التوحيد يف‬ ‫املنطقة بل ويف العامل ب�أ�رسه لن يخذلوا �أبداً �أهل‬ ‫نذكر �أمريكا بهزائمها النكراء‬ ‫التوحيد يف ليبيا‪ ،‬كما ّ‬ ‫يف العراق و�أفغان�ستان وال�صومال"‪ .‬و�أكد البيان نبذ‬ ‫التوجه نحو �إقامة نظام دميوقراطي يف ليبيا‪ ،‬م�شرياً‬ ‫�إىل �أنه "كنا وا�ضحني منذ البداية بالتزام حتكيم‬ ‫ال�رشيعة‪ ،‬ال �إقامة الدميوقراطية‪ ،‬دين الغرب الكافر"‪.‬‬

‫ليبيا التي �سقط فيها حكم العقيد القذايف بعد ‪42‬‬ ‫عام ًا‪ ،‬تبدو اليوم �ساحة قتال مفتوحة بني �أن�صار‬ ‫الدميقراطية و�أن�صار تطبيق ال�رشيعة‪ ،‬و�إذا كانت‬ ‫الواليات املتحدة والأوروبيني قد �ساعدوا يف �إ�سقاط‬ ‫نظام القذايف �إال �أن القوى التي قادت املعارك‬ ‫على الأر�ض ت�ضمنت الكثري من الف�صائل والكتائب‬ ‫الإ�سالمية املت�شددة‪ ،‬وكانت قد تلقت الدعم من جهات‬ ‫�إقليمية معينة‪ ،‬كما �أن اللواء حفرت الذي يقود اليوم‬ ‫احلملة �ضد هذه القوى يلقى دعم ًا من جهات �إقليمية‪،‬‬ ‫ويدخل �أمن م�رص امل�ستقبلي �ضمن املعادلة الليبية‪،‬‬ ‫�إذ �أن تنامي قوة الإ�سالميني املت�شددين يف ليبيا‬ ‫�سوف يكون له انعكا�سات مماثلة على الإ�سالميني‬ ‫املت�شددين يف م�رص‪ ،‬وقد بات معروف ًا �أن مت�شددي‬ ‫ليبيا باتوا اليوم من �أهم م�صدري ال�سالح �إىل جهات‬ ‫مت�شددة يف �آ�سيا و�أفريقيا‪.‬‬ ‫وتتهم الواليات املتحدة الزهاوي بتنفيذ الهجوم على‬ ‫قن�صليتها يف بنغازي يف ‪� 11‬أيلول (�سبتمرب) ‪2012‬‬ ‫الذي ُقتل خالله ال�سفري الأمريكي كري�ستوفر �ستيفنز‬ ‫و‪ 3‬من �أع�ضاء ال�سفارة‪.‬‬ ‫وجاء بيان الزهاوي بعد �ساعات على قرار وا�شنطن‬ ‫�إر�سال بارجة هجومية برمائية‪ ،‬على متنها �ألف‬ ‫جندي من م�شاة البحرية (مارينز) قبالة ال�سواحل‬ ‫الليبية‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل عدد من املروحيات التي قد‬ ‫�ستعمل يف �إجالء الديبلوما�سيني‪ ،‬علم ًا �أن للواليات‬ ‫ُت َ‬ ‫املتحدة ‪ 250‬جندي ًا و‪ 7‬طائرات "�أو�سرباي" و‪3‬‬ ‫طائرات متوين يف قاعدة "�سيغونيال" يف جزيرة‬ ‫�صقلية الإيطالية‪ ،‬للم�ساعدة يف �إجالء حمتمل لطاقم‬ ‫ال�سفارة الأمريكية يف طرابل�س التي يديرها القائم‬ ‫بالأعمال وليام روباك بعد �سفر ال�سفرية الأمريكية‬ ‫لدى ليبيا ديبورا جونز �إىل وا�شنطن‪.‬‬ ‫ون�صحت وزارة اخلارجية الأمريكية يوم الأربعاء‬ ‫املا�ضي‪ ،‬مواطنيها بعدم ال�سفر �إىل ليبيا‪ ،‬داعي ًة‬ ‫رعاياها هناك �إىل مغادرة البالد "فوراً"‪ .‬ويبدو‬ ‫�أن بيان الزهاوي قد �أرعب �سيا�سيني ليبني كرث‪،‬‬ ‫واعتربوا البيان مبثابة "بداية حرب �إرهابية"‪ ،‬وهو‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫ما يعني �أن ليبيا �ست�شهد ا�صطفافات على قاعدة‬ ‫حماربة الإرهاب‪.‬‬ ‫ويف بنغازي ودرنة فم�سل�سل االغتياالت ما زال‬ ‫م�ســـــتمراً‪� ،‬إذ اغتيل �ضابط �سابق يف جهاز الأمن‬ ‫الداخلي خالل عهد معمر القذايف يف بنغازي يوم‬ ‫الأربعاء املا�ضي‪ ،‬كما وجد ر�أ�س طالب جامعي‬ ‫مف�صو ًال عن جثته يف كي�س قمامة �أمام م�سجد‬ ‫ال�صحابة يف درنة‪.‬‬ ‫ع‬ ‫فقد‬ ‫ال�رشعية‪،‬‬ ‫على‬ ‫نزاع‬ ‫حالة‬ ‫ودخلت ليبيا يف‬ ‫ينّ‬ ‫�أع�ضاء يف امل�ؤمتر الوطني العام (الربملان) رجل‬ ‫الأعمال �أحمد معيتيق قبل ثالثة �أ�سابيع كثالث‬ ‫رئي�س للوزراء يف �شهرين بعد اقرتاع �سادته الفو�ضى‪،‬‬ ‫وذلك بدعم من الإ�سالميني وامل�ستقلني يف الربملان‬ ‫املنق�سم‪.‬‬ ‫لكن القائم ب�أعمال رئي�س احلكومة الليبية عبد اهلل‬ ‫الثني رف�ض يوم الأربعاء املا�ضي ت�سليم ال�سلطة‬ ‫ب�سبب �شكوك ب�ش�أن �رشعية انتخاب معيتيق الذي‬ ‫عينه برملان يرى فيه كثري من الليبيني �سبب بطء‬ ‫تقدمهم الدميقراطي‪.‬‬ ‫وقال م�س�ؤولون وم�ست�شارون �إن رئي�سي الوزراء‬ ‫ينتظران قرارات �أخرى من امل�ؤمتر الوطني العام �أو‬ ‫حكما للمحكمة العليا ب�ش�أن االنتخابات‪ ،‬فيما قامت‬ ‫جلنة خا�صة بالو�ساطة بني الطرفني يوم اخلمي�س‪.‬‬ ‫ومل يتبق لليبيا �سوى القليل من م�ؤ�س�سات الدولة التي‬ ‫تتمتع بال�رشعية‪ ،‬مع غياب جي�ش وطني قادر على‬ ‫فر�ض �شكل ما من �أ�شكال اال�ستقرار‪.‬‬ ‫لكن الوقت ق�صري بالنظر �إىل التوتر يف طرابل�س‬ ‫وخطر ال�رصاع امل�سلح يف بنغازي بينما ال تزال‬ ‫امليزانية يف انتظار موافقة الربملان واحلكومة‪.‬‬ ‫وقال دبلوما�سي غربي "هناك خطورة يف ذلك‪ ..‬من‬ ‫�سيوقع ال�شيكات؟ من �سيدير البالد؟ و�صلنا �إىل هذه‬ ‫النقطة الآن‪ ".‬و�أ�ضاف "يلوح خطر حدوث ت�شو�ش‬ ‫حقيقي ب�ش�أن من يتوىل امل�س�ؤولية"‪.‬‬ ‫وهناك احتمال وا�ضح حلدوث فو�ضى �إذا انهارت‬ ‫املفاو�ضات حول الربملان ومن�صب رئي�س الوزراء‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫الأخرية‬

‫العدد (‪ 2014/06/1 )142‬م‬

‫‪08‬‬

‫املحنة و�ضرورة مواجهة الذات ال�سورية‬ ‫د‪ .‬عبداهلل تركماين‬

‫�إذ مينح التاريخ للأمم حلظات حا�سمة من حياتها‬ ‫حتى تقف �أمام احلقائق العارية ال�ستخال�ص الدرو�س‬ ‫الكربى ملوا�صلة البقاء‪ ،‬ف�إننا �أمام حلظة فا�صلة‬ ‫يتحتم فيها على ال�سوريني �أن يح�سنوا ا�ست�رشاف ما هو‬ ‫متوقع وحمتمل‪ ،‬بعيداً عن التم ّني والرجاء‪ ،‬وبعيداً عن‬ ‫اال�ستغراق يف الأوهام‪� ،‬سواء من جانب الذين ينتظرون‬ ‫«املعجزة» التي �سي�صنعها اجلي�ش احلر‪� ،‬أو من جانب‬ ‫الذين ي�أملون «انت�صار» �سلطة �آل الأ�سد على ال�شعب‬ ‫ال�سوري‪.‬‬ ‫‪ّ � ‬إن ما جرى يف �سورية م�آل لعقود من االنحطاط‬ ‫والعي�ش الق�رسي و�سط القمع املمنهج و�أقبيته‪� ،‬إنه‬ ‫نهاية رهانات �أخرية جليلٍ من �أتباع خطابات �شعبوية‬ ‫مل تنجز النه�ضة املن�شودة عرب النموذج الع�سكريتاري‬ ‫االنقالبي‪ ،‬وما رافقه من جرائم بحق املجتمع وع�سكرة‬ ‫و�سجون وقد�سية فرد وتركيب ع�صبيات جهوية وترييف‬ ‫حوا�رض‪ ،‬وحتويل الف�ساد والكذب مدماكني لبناء الوالء‬ ‫وتكوين القاعدة «اجلماهريية» وجتيي�شها‪.‬‬ ‫�إننا نعي�ش‪ ،‬منذ احلراك االجتماعي يف �آذار ‪،2011‬‬ ‫زلزال حلظة يف انهيار تاريخي �شامل‪ ،‬ال بد من درا�سته‬ ‫بروية ونظرة نقدية وا�ستخال�ص درو�سه وعربه‪ .‬فبعد‬ ‫النكبة ال�سورية بات وا�ضح ًا و�رضوري ًا حاجتنا �إىل‬ ‫مواجهة الذات مب�صداقية وعقالنية‪،‬‏ من �أجل جتاوز‬ ‫ال�سلبيات التي تنت�رش يف بنياننا ال�سيا�سي واالقت�صادي‬ ‫واالجتماعي والثقايف‏‪،‬‏ والعمل بكل جهد خمل�ص‬ ‫لإ�صالحها مبا يحقق ال�صالح ال�سوري العام‏‏‪ ،‬‏وحتى‬ ‫ميكن التعاطي املجدي مع املخاطر التي تتعر�ض لها‬ ‫�سورية اليو ‏‏م وما قد ينتج عنها من تداعيات‪،‬‏ ف�ض ًال‬ ‫عن ال�رضورة احلتمية التي تفر�ضها علينا التحديات‬ ‫العاملية‏‏ التي �أ�صبح الهروب منها �أو ت�أجيلها هو‬ ‫امل�ستحيل بعينه‏‪ .‬فمنذ خم�سينيات القرن الع�رشين‬ ‫ن�ستعيد اخلطابات نف�سها‪ ،‬و�أنواع ال�سلوك نف�سها‪ ،‬ونعجز‬ ‫عن بلورة وعي حقيقي‪� ،‬أو عن القيام بنقد ذاتي ي�ساعد‬ ‫على تطوير بذور وعي نقدي للواقع ومتطلبات تقدمه‪.‬‬ ‫حتمل امل�س�ؤولية و�إلقائها على الغري‪،‬‬ ‫�إننا نتهرب من ّ‬ ‫ونتحدث عن امل�ؤامرات التي تدبر من اخلارج لتغطية‬ ‫نقر بالهزمية لكي‬ ‫العجز عن التدبري يف الداخل‪ ،‬وال ُّ‬

‫نتعلم من الأخطاء ون�ستفيد من التجارب وال�شواهد‪ .‬هذا‬ ‫د�أبنا يف م�ساعينا ال�سورية‪ :‬نت�سرت على الآفات التي‬ ‫هي �أ�صل امل�شكلة‪ ،‬نرجئ فتح امللفات التي حتتاج �إىل‬ ‫الدر�س والنقد‪.‬‬ ‫النظام اال�ستبدادي الذي �أ ّله الفرد احلاكم‪ ،‬وامتهن كرامة‬ ‫ال�شعب و�أذ ّله و�أرعبه بالقمع الوح�شي‪ ،‬و�أ�شاع الف�ساد‪،‬‬ ‫وا�ضطهد الأحرار‪ ،‬و�أعطى دوم ًا القدوة ال�سيئة يف الكذب‬ ‫وفرط يف ا�ستقاللية‬ ‫والتزوير والتع�صب واملحاباة‪ّ ،‬‬ ‫القرار الوطني‪ .‬هذا النظام الفا�سد هو الذي �أهدر قوانا‬ ‫يف �رصاع داخلي راحت �ضحيته مئات الآالف من خرية‬ ‫و�سجنوا �أو ُقتلوا �أو نزحوا عن‬ ‫املواطنني الذين ُع ّذبوا ُ‬ ‫ديارهم �أو �أُجربوا على الهجرة واللجوء‪.‬‬ ‫ومتثل مظاهر املحنة جوهر اهتمامات نا�شطي ال�ش�أن‬ ‫العام يف �سورية‪ ،‬ومن �أهمها‪ّ � :‬إن تعرث بناء الدولة‬ ‫احلديثة هو جوهر الق�ضية‪ ،‬منه بد�أت م�آ�سينا‪ ،‬وعنه‬ ‫انطلقت م�شاكلنا‪ ،‬وارتبطت به نكباتنا وهزائمنا‪ ،‬بل‬ ‫كوارثنا‪ .‬وعليه ف� ّإن طموحات ال�شعب ال�سوري للحرية‬ ‫والكرامة تعني بال�رضورة ك�سب املعركة �ضد الت�أخر‬ ‫ال�سيا�سي بكل �أ�شكاله‪ ،‬ذلك � ّأن الإرادة ال�سيا�سية لبناء‬ ‫دولة احلق والقانون هي «املتغيرّ امل�ستقل « الذي يقود‬ ‫املتغيات التابعة يف جوانب‬ ‫وراءه جمموعة كبرية من‬ ‫رّ‬ ‫احلياة كافة‪ .‬كذلك ف� ّإن الت�أخر ال�سيا�سي يرتبط غالب ًا‬ ‫بالفقر الفكري واال�ضمحالل الثقايف وتدنيّ م�ستوى‬ ‫املعي�شة وغياب العدالة يف املجتمع‪ ،‬كما يرتبط‬ ‫�أي�ض ًا ب�ضعف الأداء الإداري ونق�ص اخلدمات وق�صور‬ ‫امل�شاركة ال�سيا�سية وغياب الدميوقراطية احلقيقية‪.‬‬ ‫نحن �أ�ضعفنا �أنف�سنا ب�أنف�سنا‪ ،‬فاملجتمع املدين يف‬ ‫�سورية ممزق‪ ،‬واملجتمع ال�سيا�سي تافه وعاجز عن‬ ‫ال�صمود يف وجه تطاول ال�سلطات‪� ،‬إذ �أ�صبح من املمكن‬ ‫�رشاء بع�ض ال�سيا�سيني �أو املثقفني الكبار ب�أرخ�ص‬ ‫الوظائف �أو �أرخ�ص الأموال‪ ،‬و�أ�صبح من املمكن‬ ‫لل�سلطــــات «تركيع» بع�ض اجلماعات طوال �أربعني‬ ‫�سنة دون �أن متد فئات املجتمع الأخرى يد امل�ساعدة‬ ‫ولو ملجرد االحتجاج‪ ،‬و�أ�صبح من املعتاد ل�سلطة �آل‬ ‫الأ�سد اليوم �أن تقوم بعملية خرق كامل لكل القوانني‬ ‫با�ستخدامها الكيماوي والرباميل املتفجرة‪.‬‬

‫معوقات تقدمنا‪،‬‏ وهو الفرق‬ ‫ثم فلننظر �إىل واحد من ّ‬ ‫بني الكلمة ومعناها‏‪،‬‏ بخالف الو�ضوح والتطابق بني‬ ‫املعنى املق�صود منها يف الدول املتقدمة‏‏‪ ،‬وهو ال�رشط‬ ‫الأ�سا�سي لعدم الت�رشذم يف احلركة االجتماعية امل�ساندة‬ ‫لتحقيق �أي هدف عام‪،‬‏ وهو احلبل الذي يربط املجموع‬ ‫ببع�ضه‪،‬‏ فحني يقع الت�ضارب بني الكلمة املنطوقة‬ ‫وحمتواها الفعلي‏ يحدث الت�شو�ش‏‪،‬‏ والتفكك‪،‬‏ والتقاع�س‪،‬‏‬ ‫والالمباالة‪،‬‏ وعدم اجلدية‏‪ ،‬و�ضياع االلتزام‏‪.‬‏‬ ‫كلما تابعنا نزيف الدم ال�سوري ت�أكد لنا �أكرث من �أي وقت‬ ‫م�ضى � ّأن هناك طريق ًا واحداً و�سبي ًال وا�ضحاً‪ ،‬وهو القيام‬ ‫بعملية مراجعة �شاملة جلوانب حياتنا ومواجهة �شجاعة‬ ‫مع م�شاكلنا وم�صارحة �أمينة ل�شعبنا الذي ال يقتات‬ ‫بال�شعارات وال يعي�ش بالأحالم وال تقوده الأوهام‪� ،‬إذ ال‬ ‫بد من وعي �صادق ومكا�شفة كاملة تطفو فيها احلقائق‬ ‫على ال�سطح‪ ،‬وتختفي منها االزدواجية التي نعي�ش فيها‪.‬‬ ‫الرهان هو �أن نتغيرّ يف �ضوء املتغيرّ ات‪ ،‬فكراً وعم ًال‪،‬‬ ‫ر�ؤي ًة ومنهجاً‪� ،‬سيا�س ًة وا�سرتاتيجيةً‪ ،‬بحيث نتغيرّ به‬ ‫نحول الواقع‪ .‬وذلك يتوقف على‬ ‫عما نحن عليه‪ ،‬لكي ّ‬ ‫امل�صادرة و�رصف طاقاتنا‬ ‫قدرتنا على ت�شغيل عقولنا‬ ‫َ‬ ‫امل�شلولة وا�ستغالل مواردنا املنهوبة ب�صورة مثمرة‪،‬‬ ‫فعالة وراهنة‪ ،‬مبا نخلقه من الوقائع �أو نحققه من‬ ‫ّ‬ ‫الإجنازات �أو نحدثه من التحوالت يف غري جمال من‬ ‫جماالت احلياة‪.‬‬ ‫ورمبا يكون ال�س�ؤال ال�صعب الذي يواجهنا اليوم هو‪:‬‬ ‫كيف نعيد املعنى �إىل ق�ضايانا ونبني حداثتنا ونثبت‬ ‫الأمل بدل الي�أ�س‪ ،‬و�أن نبد�أ التفكري ب�أقل ما ميكن من‬ ‫االنفعال و�أكرث ما ميكن من العقل لتحديد معامل م�رشوع‬ ‫اجلمهورية ال�سورية الثالثة ؟‬ ‫التقدم له طريق‏ واحد‪،‬‏ يبد�أ من نقطة االتفاق على هدف‏‪،‬‏‬ ‫و�أن تكون للهدف فل�سفة ُيبنى عليه ‏ا‪،‬‏ وما الذي نريد �أن‬ ‫ن�صل �إليه ونحققه ؟ وما هي �إمكاناتنا ومواطن قوتنا ؟‏‏‬ ‫وما الذي ينق�صنا ‏‏؟ وكيف نعو�ضه ببدائل لدينا �أو لدى‬ ‫غرينا ؟‏ وذلك يف �إطار منظومة عمل‏‏ لها مدى زمني‏‪،‬‏‬ ‫تراجع فيه خطوات التنفي ‏ذ‪،‬‏ ويراجع تقومي الأ�شخا�ص‬ ‫املكلفني بها‏‪.‬‏‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.