Al badil 119

Page 1

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ 2013/12/22‬م‬ ‫العدد (‪)119‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫‪01‬‬

‫ا�سبوعية‪�-‬سيا�سية‪-‬م�ستقلة‬ ‫العدد (‪ 2013/12/22 )119‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫رئي�س التحرير ‪ :‬ح�سام مريو‬ ‫‪www.al-badeel.org‬‬

‫‪Issue (119) 22/12/2013‬‬

‫�سوق اجلهاد ودكاكني الدميقراطيني‬

‫ح�سام مريو‬

‫مل ُيرث تغليب ال�شعارات الدينية على ال�شعارات‬ ‫املدنية يف مرحلة املواجهة العنيفة مع النظام‬ ‫حفيظة �شخ�صيات وقوى حم�سوبة على الفكر‬ ‫ال�سيا�سي الدميقراطي ال�سوري‪� ،‬إذ اع ُترب ا�ستخدام‬ ‫ال�شعارات الدينية �أمراً طبيعي ًا يف �سياق مواجهة‬ ‫يخو�ضها املتظاهرون مع نظام ال يتقن �سوى‬ ‫العنف‪ ،‬ويف �سياق ثقافة عمومية ملعظم ال�شعب‬ ‫"الأكرثية"‪ ،‬كما �أن قدوم جهاديني من خمتلف دول‬ ‫مت تربيره‪ ،‬وكان‬ ‫العامل للقتال يف �سوريا هو الآخر ّ‬ ‫احلديث يدور حول ن�سبة اجلهاديني ال�ضئيلة يف‬ ‫�صفوف اجلي�ش احلر‪ ،‬و�أنهم �سيعودون �إىل بالدهم‬ ‫حني تنت�رص الثورة‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬وقد انفتحت �سوريا على حرب يخو�ضها‬ ‫جهاديون �سنة و�شيعة‪ ،‬ف�إننا مطالبون مبراجعة‬ ‫نقدية للكيفية التي �أ�سهم بها "دميقراطيون" يف‬ ‫حتويل �سوريا �إىل �سوق للجهاد‪ ،‬وقبل تلك املراجعة‬ ‫علينا االعرتاف ب�أن �سوريا باتت �أر�ض ًا للجهاد‪،‬‬ ‫و�أن كل احلديث عما متتلكه بالدنا من ح�صانة كي‬ ‫ال تتحول �إىل �أفغان�ستان �أخرى هو �أمر يف �سياق‬ ‫الرغبات‪ ،‬ولكنه ال ميت للواقع ب�صلة‪.‬‬ ‫لي�س مهم ًا يف �سوق اجلهاد ما هي املرجعية‬ ‫التي يقاتل حتتها املتحاربون‪ .‬الطرفان يجدان‬ ‫يف املرجعية الدينية قو ًة و�سنداً متدهما ب�أ�سباب‬ ‫اال�ستمرار وعدم �إلقاء ال�سالح‪ ،‬والهروب من مواجهة‬

‫هزمية‪ ،‬ويف مناخ كهذا ي�صبح احلديث عن ال�شعب‬ ‫كالم ًا ال معنى له‪ ،‬فال�شعب يعي�ش �آالمه‪ ،‬ويحاول‬ ‫�سواء داخل �سوريا‬ ‫التكيف مع ظروف غري �إن�سانية ً‬ ‫ّ‬ ‫�أو يف خميمات النزوح �أو يف املنايف‪.‬‬ ‫حتى اللحظة‪ ،‬يبدو �أداء القوى الدميقراطية هزي ًال‪،‬‬ ‫وم�شتت ًا‪ ،‬حتى �أن �إطالق مفهوم "قوى" على‬ ‫الكيانات التي تتخذ من الدميقراطية والدولة‬ ‫ٍ‬ ‫�شعارات لها ال‬ ‫املدنية واحلريات وما �إىل ذلك‬ ‫ي�صح‪ ،‬فهي قوى غري فاعلة‪ ،‬وال متتلك �أي ت�أثري‬ ‫يذكر على �سياق احلدث ال�سوري‪ ،‬وقد �أ�صبح بع�ضها‬ ‫يدور يف فلك قوى �إقليمية ب�شكل �أو ب�آخر‪ ،‬وهو‬ ‫م�ؤ�رش على عدم امتالكها روافع عملية داخل الأزمة‬ ‫ت�ؤهلها لأن ت�شكل حيزاً من اال�ستقاللية‪� ،‬أما القوى‬ ‫الأخرى التي بقيت بعيدة عن االنخراط يف اللعبة‬ ‫الإقليمية فهي الأخرى قوى ه�شة‪ ،‬وما زالت ت�صارع‬ ‫من �أجل الإبقاء على احلد الأدنى لوجودها‪ ،‬يف ظل‬ ‫تنامي حالة الي�أ�س من حتوالت الأزمة ال�سورية‬ ‫نحو التطييف والتدويل‪.‬‬ ‫هل ما زالت �إمكانية التحول الدميقراطي يف‬ ‫�سوريا قائمة؟ هذا ال�س�ؤال الذي تهرب منه القوى‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬لكنها‪� ،‬رسعان ما �ستجد نف�سها يف‬ ‫مواجهته‪ ،‬لي�س فقط يف �إطار الت�سا�ؤل النظري‪،‬‬ ‫و�إمنا يف �إطار الواقع الفا�ضح‪ ،‬واقع تتعرى فيه‬ ‫�سوريا على �أب�شع �صور التطييف‪ ،‬وت�صبح كلمات‬

‫مثل دميقراطية وحرية وحقوق ال حمل لها من‬ ‫الإعراب‪.‬‬ ‫�أمل يحن الوقت ليقدم كبار "الدميقراطيني" نقداً‬ ‫خلياراتهم خالل الفرتة املا�ضية؟ �أم ما زال لديهم‬ ‫من القدرة على جتاهل الواقع ما يكفي لي�ستمروا‬ ‫حيث هم الآن‪ ،‬وبع�ضهم يف �أف�ضل احلاالت واجهة‬ ‫لهيئات ال متت للدميقراطية ب�صلة‪ ،‬بل تتحمل جزءاً‬ ‫مهم ًا من م�س�ؤولية التحوالت التي عرفها م�سار‬ ‫الأزمة ال�سورية‪.‬‬ ‫فتح دميقراطيون دكاكني‪ ،‬واعتقدوا �أن ذلك يكفي‬ ‫ليكونوا فاعلني‪ ،‬ومع معرفتهم الأكيدة مبحدودية‬ ‫ت�أثريهم �إال �أنهم ما زالوا يت�شبثون بتلك الدكاكني‪،‬‬ ‫وال يقبلون ب�أية �رشاكة مع كيانات ال تبتعد يف‬ ‫�أهدافها عن �أهدافهم‪ ،‬مع �أن واقع احلال يقول ب�أنه‬ ‫يبق من معظم تلك الدكاكني �سوى ا�سمها فقط‪.‬‬ ‫مل َ‬ ‫�إن وقفة نقدية اليوم باتت مطلوبة من �أجل تعرية‬ ‫جممل الواقع ال�سوري‪ ،‬و�إيجاد مقاربة مطابقة لهذا‬ ‫الواقع‪ ،‬مقاربة ال تخ�ضع للرغبات‪� ،‬أو احل�سابات‬ ‫ال�ضيقة‪ ،‬و�إمنا من معطيات الواقع‪ ،‬وعدم �إنكار‬ ‫حتوالته‪ ،‬وو�ضع مهام جديدة �أمام الدميقراطيني‪،‬‬ ‫ت�أخذ بعني االعتبار �أن عليها املناف�سة يف �سوق‬ ‫ب�ضاعته الرائجة اليوم اجلهاد‪ ،‬و�إحراق ما تبقى من‬ ‫�سوريا‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2013/12/22 )119‬م‬

‫حتقيق‬

‫‪02‬‬

‫تخرتق ج�سد «احلر» وتف�شل عملياته‬

‫خاليا نائمة للنظام تنقل املعلومات وتغتال قادة ع�سكريني ونا�شطني‬ ‫حلب ‪ -‬حممد �إقبال بلو‪:‬‬

‫قام النظام ومنذ بداية الثورة وبداية احلراك ال�سلمي‬ ‫يف مطلع عام ‪ 2011‬بزرع جوا�سي�س خمربين بني‬ ‫املتظاهرين‪ ,‬حتى �أن الكثري من ال�صور لوجوه‬ ‫ال�شباب الذين يخرجون للتظاهر كانت تلتقط �أثناء‬ ‫املظاهرات وت�صل �إىل الفروع الأمنية‪ ,‬وفيما روي‬ ‫�أن �أحد املتظاهرين عندما القي القب�ض عليه �أنكر‬ ‫�أنه كان حممو ًال على الأكتاف ويهتف ب�شعارات‬ ‫معادية للنظام فاج�أه املحقق ب�أن قال له ‪� :‬أنا من‬ ‫كان يحملك‪.‬‬ ‫هذا االخرتاق �أ�صبح �أ�شد و�أقوى بعد �أن بد�أ العمل‬ ‫امل�سلح‪ ،‬وخا�صة بعد ان�ضمام الكثري من ال�شباب‬ ‫�إىل كتائب اجلي�ش احلر املختلفة ‪ ,‬والتي تبنت‬ ‫فكرة زيادة عدد املقاتلني بغ�ض النظر عن �إخال�ص‬ ‫املقاتل والت�أكد من �أنه ال يعمل ل�صالح �أية جهة‬ ‫�أمنية ‪ ,‬مما �شكل خاليا نائمة تابعة للنظام يف‬ ‫خمتلف املناطق وداخل كتائب و�ألوية اجلي�ش‬ ‫ال�سوري احلر نف�سها ‪ ,‬يك�شف بع�ضها �أحيان ًا من‬ ‫قبل الكتائب‪ ،‬كما يبقى البع�ض الآخر ميار�س عمله‬ ‫ل�صالح نظام ب�شار الأ�سد‪.‬‬ ‫ففي ريف حلب جرت عدة حوادث ومنها تفجري‬ ‫م�ستودع لت�صنيع الألغام يف بلدة عندان ب�صاروخ‬ ‫طائرة مما �أدى �إىل تدمريه ومقتل كل من كان‬ ‫يعمل داخله‪ ,‬علم الثوار بعد هذا احلادث �أن �أحد‬ ‫عنا�رص هذه اخلاليا قام ب�إعطاء املوقع لطائرات‬ ‫النظام‪ ،‬وقد مت �إعدام هذا ال�شخ�ص‪� .‬أما ما يحدث‬ ‫حالي ًا فيبدو �أنه متقن ومرتب ترتيب ًا جيداً‪ .‬حوادث‬ ‫اغتياالت ملقاتلني يف "احلر" ونا�شطني‪ /‬ومنها‬ ‫ما جرى منذ عدة �أيام من عملية اغتيال لأحد من‬ ‫مقاتلي لواء التوحيد على يد جمهولني‪ ،‬وهو حممد‬ ‫البنا‪ ,‬حيث قام جمهولون باغتياله بعدة طلقات ‪,‬‬ ‫فيما �أعلن لواء التوحيد �أن اخللية التي نفذت العملية‬ ‫والتابعة لفرع املخابرات اجلوية بحلب قد مت‬ ‫ك�شفها‪ ،‬وقريب ًا �سيتم القب�ض على عنا�رصها وتنفيذ‬

‫حكم الإعدام بعنا�رصها يف �إحدى ال�ساحات العامة‪.‬‬ ‫كثري من الأ�شخا�ص والنا�شطني ُخطفوا‪ ،‬ومت توجيه‬ ‫االتهامات يف غالب الأحيان �إىل "داع�ش" امل�شكوك‬ ‫بتبعيتها و�أجنداتها ‪ ,‬لكن يف الواقع مل تثبت الأدلة‬ ‫على "داع�ش" يف كل احلاالت‪ ،‬وال�شكوك حول‬ ‫دورها تعود لن�شاطها يف املناطق التي حتدث فيها‬ ‫االخرتاقات واالغتياالت‪ ،‬فاختطاف القائد العام‬ ‫للواء �أحرار �سورية وقتل رئي�س الهيئة ال�رشعية‬ ‫يف �إعزاز واختطاف فريق �أورينت واختطاف فريق‬ ‫�سكاي نيوز وغري ذلك من جرائم معظمها ُن�سبت‬ ‫�إىل "داع�ش" �إال �أنها دون �أدلة كافية‪ ،‬وهذا ما يعزز‬ ‫فكرة وجود اخلاليا النائمة التي حركها النظام‬ ‫عندما احتاج �إليها لتقوم بكل ما ارتكب من جرائم‬ ‫خا�صة يف حلب وريفها‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬ف�إن بع�ض عمليات اخلطف ثبت �أن‬ ‫"داع�ش" هي من قامت بها‪ ،‬وذلك وفق ًا ل�شهود عيان‬ ‫مثل حادثة اختطاف م�ؤيد �سلوم مرا�سل �أورينت‬ ‫نيوز و�أخيه الذي كان يرافقه‪ ،‬ولوال �أن بع�ض‬ ‫املواطنني �شاهدوا عملية اخلطف ملا توفر الدليل‬ ‫‪ ,‬ومن احلوادث التي ثبتت على "داع�ش" اغتيال‬ ‫مرا�سل العربية حممد �سعيد الذي اعرتفوا هم بقتله‬ ‫واعتربوه �إجنازاً‪.‬‬ ‫العديد من حوادث االغتياالت جتري يف املناطق‬ ‫املحررة يف ظل انعدام الأمن يف خمتلف املناطق‬ ‫منها ‪ .‬يحدثنا �أبو عمر احللبي �أحد نا�شطي الريف‬ ‫فيقول ‪ :‬على �سفوح جبل �سمعان يجد عنا�رص‬ ‫الدفاع املدين وعنا�رص اجلي�ش احلر و�أحيان ًا‬ ‫مواطنون عاديون العديد من اجلثث التي ال يعرف‬ ‫من قام بجرمية قتلها ‪ ,‬فخالل �شهر واحد مت العثور‬ ‫على ثالث جثث‪ ،‬واحدة منها للنا�شطة �سمرية كيايل‬ ‫يف مزرعة مبنطقة كفر حمرة �شمال حلب ‪ ,‬حيث‬ ‫اغت�صبت ومن ثم قتلت ‪ ,‬جثة �أخرى وجدت يف جبل‬ ‫عندان ل�شاب مقتول وعلى �إبهامه ب�صمة يبدو �أنها‬

‫�رس القتل ‪ ,‬ويبدو �أن الدافع مادي فقط‪ ،‬حيث �أجرب‬ ‫على �أن يب�صم على عقد ما ومن ثم قتله ‪ ,‬اجلثة‬ ‫الثالثة يف جبل كفرب�سني‪ ،‬حيث وجد �شاب مقتو ًال‬ ‫بعدة طلقات يف الر�أ�س وال�صدر‪.‬‬ ‫ي�ضيف �أبو عمر ‪ :‬هذه احلوادث كلها تدل على حالة‬ ‫من انعدام الأمن يف ال�شمال ‪ ..‬وتدل على وجود‬ ‫خاليا نائمة تابعة للنظام يف �صفوف" احلر"‪ ،‬بل‬ ‫وت�ؤكد �أن هذه املناطق ال ت�ستحق �صفة "املحررة"‬ ‫‪ ,‬فمنطقة حمررة تتعر�ض للق�صف والقتل من اجلو ‪،‬‬ ‫ويتعر�ض �أهلها لل�رسقة واالغتياالت على الأر�ض‪،‬‬ ‫لن تكون "حمررة" بل هي منطقة مدمرة‪.‬‬ ‫�أبو ابراهيم مواطن من �إحدى قرى ال�شمال ال�سوري‬ ‫يرى �أن االخرتاق يف �صفوف "احلر" كبري جداً‪،‬‬ ‫و�رشح ذلك من خالل �أحداث ميدانية فقال‪ :‬عندما‬ ‫كان �سالح �شباب ريف حلب ال�شمايل بنادق �صيد‬ ‫ويف �أح�سن احلاالت كال�شنكوف كانوا مينعون‬ ‫�أرتال دبابات النظام من التقدم ‪ ,‬ومل ن�سمع �أن‬ ‫رتل دبابات متجه ًا �إىل احلدود عند �إعزاز قد جتاوز‬ ‫مقاتلي عندان التي تبعد �أكرث من ‪ 40‬كم عن �إعزاز‪،‬‬ ‫وال�سالح كان بدائي ًا وحينها ا�ضطر النظام �إىل‬ ‫الذهاب �إىل اعزاز عن طريق امل�سلمية الذي يت�ضمن‬ ‫بع�ض القرى امل�ؤيدة له حتى ا�ستطاع الو�صول �إىل‬ ‫احلدود ‪ .‬هذا يف ال�سابق �أما اليوم فاجلي�ش احلر‬ ‫ميلك دبابات وم�ضادات دروع و�صواريخ م�ضادة‬ ‫للطائرات وكتائب �أكرث تنظيم ًا �إال �أن املقاتلني يف‬ ‫حلب كانت �إجنازاتهم منذ عام وحتى اللحظة تقل‬ ‫عن ما �أجنزوه بال�سالح البدائي �سابق ًا‪ ،‬وال�سبب‬ ‫حاالت عديدة من الف�شل �سببها املخربين الذين‬ ‫ينهكون ج�سد الكتائب ‪ ,‬والكثري من العمليات ف�شلت‬ ‫ب�سبب نقل تفا�صيل كاملة عن اخلطة لعنا�رص‬ ‫النظام‪ ،‬مما جعل �ألوية "احلر" يف حلب تقف موقف‬ ‫املدافع �ضد هجمات النظام ال�رش�سة ال �أكرث‪.‬‬


‫‪03‬‬

‫حتليل �سيا�سي‬

‫العدد (‪ 2013/12/22 )119‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫تكييف الأو�ضاع امليدانية مع مقت�ضيات احللول ال�سيا�سية ومقا�ساتها‬ ‫غازي دحمان‬

‫يح�صل يف امليدان ال�سوري �أن ي�صار �إىل التالعب‬ ‫باملعطيات لتتوافق وظروف الالعبني ومدى‬ ‫قدراتهم الدبلوما�سية وطبيعة املقاربات التي‬ ‫ي�ؤ�س�سونها للحل ال�سوري‪.‬‬ ‫جملة من التحركات على �ساحة احلدث ال�سوري‪،‬‬ ‫ت�شري �إىل وجود هذا النمط من الفعل بق�صد جتهيز‬ ‫بيئة منا�سبة لتنفيذ الت�صورات الإقليمية والدولية‬ ‫للحل يف �سورية‪ ،‬حيث يجري �صناعة �آليات احلل‬ ‫وا�شرتاطاته وعدته امليدانية وامليثاقية‪ ،‬وهو ما‬ ‫ي�ؤكد نظرية �أن احلل ال�سوري بات رهني توافق‬ ‫دويل‪ ،‬ولي�س لأطرافه املحلية ت�أثري وال وزن ًا كبرياً‬ ‫يف هذا احلل‪.‬‬ ‫يدخل يف هذا ال�سياق قيام كل من الواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية وبريطانيا بوقف الدعم الع�سكري‬ ‫«غري القاتل» للجي�ش احلر‪ ،‬بالتزامن مع �إطالق‬ ‫مفاو�ضات مع قيادة جبهة القوى الإ�سالمية‪،‬‬ ‫بذريعة ان هذه القوى لديها �سيطرة �أكرب وقدرات‬ ‫و�إمكانيات ت�ؤهلها للقيام بوظائف قد تتطلبها‬ ‫احلالة ال�سورية م�ستقب ًال‪.‬‬ ‫وكان �سبق ذلك حتذير املدير ال�سابق لوكالة‬ ‫اال�ستخبارات الأمريكية» �سي �أي �إيه» مايكل‬ ‫هايدن‪ ،‬من �سيناريوهات « مرعبة جداً جداً»‬ ‫تلوح يف الأفق ال�سوري‪ ،‬لي�س من بينها انت�صار‬ ‫املعار�ضة‪ ،‬ولعل املفارقة الكربى اعتبار انت�صار‬ ‫الأ�سد من �أف�ضل تلك ال�سيناريوهات‪ ،‬وال �شك �أن‬ ‫ملثل هذه الر�ؤى الت�أثري يف عمليات تقدير املواقف‬ ‫التي جتريها الأطراف الغربية جتاه احلدث ال�سوري‪،‬‬ ‫وتالي ًا الت�أثري يف �صناعة القرار اخلا�ص باحلدث‪.‬‬ ‫هذه التحوالت وغريها من املواقف الغربية حول‬ ‫امل�س�ألة ال�سورية‪ ،‬يجري بنا�ؤها يف ظل ما ي�سمى‬ ‫بالتوجه الواقعي يف التعامل مع الأزمات العاملية‪،‬‬ ‫وقد جرت ترجمته احلرفية يف اتفاقي الكيماوي‬

‫والنووي مع نظام ب�شار الأ�سد يف �سورية ونظام‬ ‫املاليل يف �إيران‪ ،‬وقد جرى تربير عقد هذين‬ ‫االتفاقني حتت ذريعة �أف�ضل املمكن واملتاح‪ ،‬على‬ ‫اعتبار �أنه اخليار الأقل �سوءاً من اخليارات الأخرى‪،‬‬ ‫والتي كانت تتطلب �إجراءات ع�سكرية غري م�ضمونة‬ ‫النتائج‪.‬‬ ‫هذه ال�سيا�سة الواقعية حتاول تكري�س مرتكزاتها‬ ‫عرب املخترب ال�سوري حتديداً‪ ،‬حيث نقطة االنطالق‬ ‫تتمثل بالتوافق الدويل‪ ،‬وهو ما يتطلب �أن ت�ضمن‬ ‫التوافقات املدرجة يف �إطارها قبول الأطراف‬ ‫الدولية ب�صيغة احلل‪ ،‬مما يعني انطواء احلل املطروح‬ ‫على توليفة معينة تنا�سب تلك الأطراف‪� ،‬أما املرتكز‬ ‫الثاين فيقوم على تكييف الأو�ضاع امليدانية مع‬ ‫مقت�ضيات احللول ال�سيا�سية ومقا�ساتها‪ ،‬بحيث‬ ‫تتوافق تلك الأو�ضاع مع الت�صاميم املعمولة‬ ‫للحلول‪ ،‬ولي�س بناء احللول تبع ًا للأو�ضاع امليدانية‬ ‫ومتغرياتها‪.‬‬ ‫تبع ًا لهذا التحليل‪� ،‬صار وا�ضح ًا �أن حالة‬ ‫«الإ�ستاتيكو» التي تكر�ست لفرتة طويلة يف الواقع‬ ‫امليداين ال�سوري‪ ،‬مل تكن تعرب عن �أو�ضاع ميدانية‬ ‫حقيقية‪ ،‬بقدر ما هي �إدارة خارجية مل�رسح‬ ‫العمليات وهند�سة دقيقة كان املق�صود منها جتهيز‬ ‫م�رسح احلدث للحل‪ ،‬بعد �إقناع الأطراف املت�صارعة‬ ‫با�ستحالة الفوز باملعركة‪.‬‬ ‫غري �أن عملية بناء املعطيات اجلديدة يف الواقع‬ ‫ال�سوري بدا وك�أنها تطلبت تدخالت دولية عنيفة‬ ‫وترتيبات خا�صة لإجراء تعديالت معينة يف‬ ‫ت�أثري بع�ض الأطراف الداعمة للمعار�ضة‪ ،‬فلي�س‬ ‫�رساً التداخالت الهائلة التي تنطوي عليها قوى‬ ‫املعار�ضة واختالف طبيعة عملها وتكتيكاتها‬ ‫وا�سرتاتيجياتها امليدانية وال�سيا�سية تبع ًا لأهداف‬ ‫الأطراف اخلارجية الداعمة‪ ،‬بل وطبيعة ر�ؤيتها‬

‫لل�رصاع و�أهدافه وم�آالته‪ .‬وعليه ف�إن تظهري ف�صيل‬ ‫�سوري وتهمي�ش ف�صيل �أخر يعني فيما يعني احلد‬ ‫من �أدوار الأطراف الإقليمية الداعمة له‪.‬‬ ‫بناء على جملة‬ ‫وال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه تالي ًا‪ً ،‬‬ ‫املناقالت احلا�صلة يف امل�رسح ال�سوري وتغيري‬ ‫�أدوار ومواقف الأطراف ذات الت�أثري املهم ا�ستباقا‬ ‫مل�ؤمتر جينيف‪ ،‬وبالنظر �إىل ال�سيا�سة الواقعية‬ ‫التي حتاول ت�أطري احلل و�إخراجه وفق مقت�ضياتها‬ ‫هو كيف �ستكون طبيعة احلل املنتظر وما هي‬ ‫احتماالته؟‪.‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬ت�شري التوجهات الأمريكية اجلديدة‪،‬‬ ‫واملوقف الرو�سي الداعي �إىل ت�شكيل قوى جديدة‬ ‫من النظام والثورة ملحاربة اجلهات املتطرفة‬ ‫باعتبارها اخلطر الأ�سا�سي وامللح يف هذه املرحلة‪،‬‬ ‫�إىل منط جديد من احللول يقوم على �صيغة قريبة من‬ ‫هذه الأطروحات‪ ،‬بحيث تتم املحافظة على جزء من‬ ‫النظام والإبقاء على هيكلية امل�ؤ�س�سات املوجودة‪،‬‬ ‫مع تطعيم هذه امل�ؤ�س�سات بقوى جديدة متثل‬ ‫املعار�ضة �أو اجلزء الذي يراد ت�أهيله وجتهيزه لهذه‬ ‫املرحلة‪ ،‬على �أن يجري الحق ًا قوننة هذه احلالة من‬ ‫خالل د�ستور جديد ميثل العقد االجتماعي اجلديد‬ ‫ل�سورية‪ ،‬يت�ضمن ال�ضمانات املطلوبة ملختلف‬ ‫�أطراف ال�رصاع وحقوق املكونات كافة‪.‬‬ ‫هل من املمكن توطني مثل هذا احلل يف البيئة‬ ‫ال�سورية؟‪ ،‬اجلواب‪ ،‬ال�رصاعات الوطنية التي غالب ًا‬ ‫ما تفتح على تدخالت خارجية ت�صبح رهينة توافق‬ ‫املتدخلني‪ ،‬ذلك �أن القرار فيها ي�صبح بدرجة كبرية‬ ‫للطرف املمول والداعم واحلامي‪...‬متى؟‪ .‬عندما تفقد‬ ‫�أطراف ال�رصاع الداخلية كل عوامل القوة الذاتية‪.‬‬ ‫هل و�صلت �أطراف ال�رصاع ال�سوري �إىل تلك العتبة؟‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2013/12/22 )119‬م‬

‫ر�أي‬

‫‪04‬‬

‫م�صدات النظام الأربع واحلاجة �إىل التم�سك باجلوهر الأ�صيل للأزمة‬ ‫عالء الدين الزيات‬

‫ع�صا التتابع يف �صناعة جدر وقاية للنظام‬ ‫كانت تنتقل حتت �ضاغط الرعب الذي �أتقن النظام‬ ‫�صناعته‪ ،‬وهي تت�أ�س�س من الآتي‪:‬‬ ‫‪� 1.1‬سحق احلركة املدنية ال�سيا�سي الأمني‪،‬‬ ‫ثم �سحقها بوح�شية‪ ،‬باملعنى املادي اجلنائي‪ ،‬وهو‬ ‫ما جعل دو ًال مثل رو�سيا وال�صني تتحدث عن عدم‬ ‫وجود بدائل ‪ -‬وهي تقول ذلك لليوم ‪ -‬وبالتايل‬ ‫ال ميكن القفز فوق النظام‪ ،‬بل رمبا املمكن الوحيد‬ ‫هو القفز عربه ‪.‬‬ ‫‪ 2.2‬االنفالت امل�سلح على جهتيه ( نظام‬ ‫وكتائب معار�ضة له ) املمول وامل�شجع من‬ ‫مت�صارعني خمتلفني‪ ،‬ومن النظام �أي�ضا ب�شهادة‬ ‫رئي�سه �أوجد امل�صد الواقي الثاين‪ ،‬اذ غاب ال�ش�أن‬ ‫ال�سوري ملنظومات ال�سكان الراغبة يف التغيري‬ ‫خلف غبار املعارك والتهجري واخلراب االقت�صادي‪،‬‬ ‫وحتم ًا وراء القتل الكبري و�ضياع الر�ؤية‪ .‬لقد‬ ‫تقل�ص دور النا�س كداعمني للتغيري‪ ،‬و�أ�صبحت‬ ‫�إرادات احلياة عامل �ضاغط غري م�سبوق ‪.‬‬ ‫‪ 3.3‬ع�صا التتابع تنتقل بعدها اىل منظومات‬ ‫الع�سكر الإ�سالمية املتطرفة على تدرجاتها‪ ،‬لتكون‬ ‫حاجب الوقاية اجلديد‪ ،‬حيث مزيد من تهمي�ش‬ ‫احلركة املدنية وال�سكان املهتمني بالتغيري ‪،‬‬ ‫ومزيد من ت�شوي�ش الر�ؤية ومزيد من دعم ووقاية‬ ‫النظام من ال�سقوط ‪ ،‬ويت�ضح �أن هذه الكتائب‬ ‫معنية ب�سحق املجتمع املدين ب�إ�ضعاف عنايتها‬ ‫بتطوير ن�ضاالت �ضد النظام ‪.‬‬ ‫‪ 4.4‬وحتى الغرب كان ي�ستثمر يف الأزمة‬ ‫وفق مقولة ال�رصاع ب�أدوات الآخرين‪ ،‬وعليه �سوف‬ ‫ير�سم باقي مواقفه وفق ا�ستمرار ال�رصاع ب�أدوات‬ ‫الآخرين‪ .‬كان العنف الذي مار�سته ال�سلطة لي�س‬ ‫تعبرياً عن وحدانية اخليار املمكن لديها ‪ ،‬بل كان‬ ‫قراءة �صحيحة لرغبات الغرب ور�ؤيته لطبيعة‬

‫توجيه الأزمة يف منزلق ال�رصاع الطويل ‪ .‬وهنا‬ ‫ن�ضيف هذا الغرب �أي�ضا اىل م�صدات الوقاية التي‬ ‫�ساعدت على بقاء وا�ستمرار وتوح�ش النظام ‪ ،‬طاملا‬ ‫ينفذ خطة ال تثري ا�ستياء الغرب‪ ،‬وال تتعار�ض مع‬ ‫ر�ؤيته‪ ،‬وال تكلفه �أكرث من بيانات ا�ستياء كثرياً ما‬ ‫حاولت ر�سم اجلميع كمتوح�شني ي�ستحقون الإفناء‬ ‫املتبادل‪.‬‬ ‫عملت هذه امل�صدات الواقية وما زالت ب�شكل‬ ‫منف�صل ومت�ضامن رغم تتابع �أولويات كل مرحلة‬ ‫وتعهدها من قاطرة جر رئي�سية دون �أخرى ‪ .‬لقد‬ ‫ا�ستلم الرو�س امللف الدويل �أو ًال وو�ضعوا غياب‬ ‫البديل حجة ‪ ،‬وتابعوا الدعم الالحمدود وفق هذه‬ ‫القراءة ‪ ،‬ثم كر�ستها ارتباكات املعار�ضة املتنازعة‬ ‫اخللفيات‪ ،‬ووثقتها انتهاكات الإ�سالمويني ‪ .‬وعلى‬ ‫كامل هذا امل�سار كانت ر�شات امللح مناطقية‬

‫�إدارة ال�صــراع العـــامة وقـدرات‬ ‫النظام ومركزية قراره مل تهتز‬ ‫كاف ل�صـــناعــة بلبلة‬ ‫بعمـــق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وطائفية وقومية ومذهبية و�إقليمية لإكمال امل�شهد‬ ‫ك�رصاع متعدد االقطاب‪ ،‬وليختفي امل�ضمون‬ ‫ال�سوري الأ�صيل لالزمة ‪.‬‬ ‫واليوم تغدو القاطرة الدولية وهي تعي�ش �رصاع ًا‬ ‫عميقا بحثا عن نقطة توازن تفتح نوافذ حل ‪ ،‬ولكن‬ ‫برودها وعدم ا�ستعجالها يقدم ت�صوراً الفت ًا حول‬ ‫املدة الزمنية الالزمة ل�صناعة نقطة توازن كهذه‪،‬‬ ‫مبعنى �أنها غري م�ستعجلة ‪.‬‬ ‫امل�صدات الأربعة ال�سابقة‪ ،‬رغم عمل بع�ضها‬ ‫بالت�ضاد ولي�س بالتن�سيق‪ ،‬لكن �إدارة ال�رصاع‬ ‫العامة وقدرات النظام ومركزية قراره التي مل تهتز‬

‫ٍ‬ ‫بعمقٍ‬ ‫كاف ل�صناعة بلبلة �ش ّكل ما ميكن ت�سميته‬ ‫خطوط دفاع متتابعة حمته دولي ًا واقليمي ًا وحملي ًا‬ ‫وذاتي ًا خالل فرتة الأزمة وحتى اليوم‪ ،‬و�أجاد بحق‬ ‫بامتالكه �أدوات وحتالفات و�صفقات ومناورات‬ ‫�أن يدير معارك �صد الهجوم‪ ،‬وخلط خطوط اجلبهة‬ ‫مبا ال ي�سمح بر�صد الثغرات ونقاط ال�ضعف الأكرب‪،‬‬ ‫والتي حتتاج لرتكيز الهجوم عليها ك�أولويات بد ًال‬ ‫من بعرثة القوى على جبهات كبرية ت�شهد حالة‬ ‫�ستاتيكية منذ �أ�شهر ‪.‬‬ ‫�إن اجلبهة املركزية اليوم ما تزال املواطن ال�سوري‪،‬‬ ‫�أحالمه وت�صوراته وخوفه وحاجته للأمان ‪،‬‬ ‫وترقبه لقوى قريبة من همومه قادرة على �أن تكون‬ ‫له ولي�ست عليه ‪ ،‬هذه اجلبهة بواقعها املعا�ش اليوم‬ ‫ت�شكل احللقة الأ�ضعف يف جدر حماية النظام‪،‬‬ ‫وللأ�سف احللقة الأ�ضعف يف �أداء املعار�ضة �أي�ضا ‪.‬‬ ‫لي�س ممكنا بالعمق �صناعة �أثر يف مواقف الدول‬ ‫الداعمة للنظام عرب حوارها على �أهميته ‪ .‬وال‬ ‫الغربية املعار�ضة للنظام فهي معادية باالت�ساق‬ ‫مع طموحات ال�شعب ال�سوري‪ ،‬وال مع املتطرفني‬ ‫الذين يرون �سياقهم �إلهيا خال�ص ًا غري قابل‬ ‫للت�رصف ‪ ،‬وال مع منظومة ع�سكرية مل تدرك �إىل‬ ‫اليوم ا�سرتاتيجيا تتجاوز بنية معارك املعابر ‪،‬‬ ‫وحتم ًا لن ت�ستفيق املعار�ضة ال�سيا�سية غدا �صباح ًا‬ ‫وقد وجدت حلو ًال �سحرية لتبعرثها‪.‬‬ ‫جبهة املواطن ‪ ،‬و�رصاعه الذاتي الداخلي ‪،‬‬ ‫وحماولته لفهم موقعه ‪ ،‬دفعه باجتاه �أن يكون‬ ‫جزءاً من احلل وتطوير متثيله املدين ‪ ،‬وخطط العمل‬ ‫الطويلة خارج اليومي ‪ .‬كل ذلك ي�شكل جبهة عمل‬ ‫قابلة للنقا�ش والتخطيط والتنفيذ والتعديل واعادة‬ ‫املحا�سبة خطوة فخطوة ‪ .‬وحده ح�صان طروادة‬ ‫ذاك جدير بالعمل عليه منذ اليوم وعرب ال�سنوات‬ ‫اخلم�س املقبلة ‪.‬‬


‫‪05‬‬

‫ر�أي‬

‫العدد (‪ 2013/12/22 )119‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫لوكـــــــانعبــــــا�سخـــــــــان�ســــــــــــــــــــــــوريـــــ ًا!‬ ‫ح�سام امليالد‬

‫كان من املفرت�ض �أن ي�صل الطبيب الربيطاين عبا�س‬ ‫خان يوم اجلمعة املا�ضي �إىل منزله يف لندن‪ .‬فقد‬ ‫قامت عائلته التي �أُبلغت مبوعد االفراج عنه بتزيني‬ ‫املنزل وجتديده احتفاال بعودته‪ .‬لكن ال�صدمة كانت‬ ‫حني تلقت �أُمه يوم االثنني‪� ،‬أي قبل املوعد املقرر‬ ‫ب�أربعة �أيام‪ ،‬ات�صاال من وزارة اخلارجية ال�سورية‬ ‫يبلغها �أن ابنها قد مات منتحراً ب�شنق نف�سه ب�رسوال‬ ‫نومه‪.‬‬ ‫والرواية الأرجح �أن خان قد عمل مع م�ؤ�س�سة‬ ‫«هيومان �أيد يو كي» االن�سانية الربيطانية ليقدم‬ ‫تدريبات طبية لأطباء �سوريني يف تركيا قبل �أن‬ ‫يقرر اجتياز احلدود يف ‪ 12‬ت�رشين الثاين ‪ 2012‬م‬ ‫متوجه ًا اىل حلب دون ت�أ�شرية من احلكومة ال�سورية‪.‬‬ ‫وهناك عمل يف م�ست�شفى ميداين‪ ،‬وقام بتوزيع‬ ‫كميات معقولة من الأدوية كان قد �أح�رضها معه‬ ‫جمان ًا‪ ،‬الأمر الذي �أثار على ما يبدو حفيظة ف�صيل‬ ‫م�سلح احتكر بيع الأدوية واملواد الطبية الإ�سعافية‪،‬‬ ‫ليتم اعتقاله عند نقطة للتفتي�ش �سلم بعدها بطريقة‬ ‫�أو ب�أخرى �إىل خمابرات النظام ال�سوري‪.‬‬ ‫�أبلغت امل�ست�شفى عائلة خان ب�أن ابنها قد فقد‪ .‬وبعد‬ ‫طول انتظار تركزت �شكوك العائلة �أن يكون ابنها‬ ‫طبيب العظام خمطوفا لدى جماعة جهادية‪ .‬لتقرر‬ ‫�أمه و�أخته الحقا ال�سفر �إىل لبنان بعد �أن مل تقدم‬ ‫لهم اخلارجية الربيطانية العون الكايف‪ ،‬حماولة‬ ‫احل�صول على ت�أ�شرية دخول للأرا�ضي ال�سورية‪.‬‬ ‫وبعد انتظار دام �أكرث من �شهر‪ ،‬ح�صلت الأم فقط‬ ‫على ت�أ�شرية للدخول‪ ،‬لتعرث على ابنها يف «فرع‬ ‫فل�سطني»‪ .‬وبعد جهود حثيثة ومراجعات للمحاكم‬ ‫ولوزارات الدولة ال�سورية ا�ستطاعت ان تنقل ابنها‬ ‫اىل �سجن مدين لتكون �أكرث اطمئنان ًا على �صحته‬ ‫ولتتمكن من زيارته ب�شكل دوري‪ .‬والحق ًا تو�سط‬ ‫النائب الربيطاين جورج غاالوي لدى ال�سلطات‬ ‫ال�سورية لإطالق �رساحه‪ ،‬فح�صل على وعد من‬ ‫الرئي�س الأ�سد بحدوث ذلك قبل عيد امليالد بعد‬ ‫اعتقال دام ثالثة ع�رش �شهراً‪ .‬لكن خان الذي نقل‬ ‫م�ؤخراً �إىل �سجن التحقيق بكفر �سو�سة تويف قبل‬ ‫�أيام قليلة من موعد الإفراج عنه‪.‬‬ ‫العائلة رف�ضت الرواية الر�سمية ال�سورية كما وردت‬ ‫يف تقريرها الذي قدمته لل�سفارة الت�شيكية التي‬ ‫تتوىل رعاية امل�صالح الربيطانية‪ ،‬بعد �أن �سحبت‬ ‫بريطانيا بعثتها الدبلوما�سية يف �سوريا‪ .‬وقد‬ ‫كانت احلكومة ال�سورية قدمت تقرير خربة طبية‬ ‫ثالثية حول وفاة خان جاء فيه‪� ،‬أن وفاة املواطن‬ ‫الربيطاين كان االختناق بال�شنق و�أن عملية ال�شنق‬ ‫كانت ذاتية‪ .‬ال�شوق وال�سعادة اللذان عرب عنهما خان‬ ‫بعد علمه بنب�أ الإفراج عنه �سواء لوالدته يف زيارتها‬ ‫الأخرية له �أو ر�سائله امل�ستلمة م�ؤخراً ال تدفع �أحداً‪،‬‬ ‫كما ر�أت العائلة‪ ،‬لقبول فر�ضية االنتحار‪ ،‬فلي�س‬ ‫هناك ما يربر �أن ي�ضحي خان مبا تبقى من �أيامه‬ ‫ال�سيما بعد تلقيه خرب العفو عنه‪.‬‬ ‫ديفيد كامريون اتهم النظام ال�سوري بقتل خان‪،‬‬ ‫�أما وزير الدولة يف اخلارجية الربيطانية هيو‬ ‫روبرت�سون ر�أى �أنه ال يوجد �أي مربر لقتل مواطن‬ ‫بريطاين بينما كان يقوم بعمل ان�ساين‪ ،‬و�أن‬ ‫مالب�سات وفاته «مثرية لل�شك للغاية‪ .‬اخلارجية‬ ‫ال�سورية وعلى ل�سان املقداد ا�ستنكرت ت�رصيحات‬

‫امل�سئولني الربيطانيني وطالبت �أال ت�ستغل هذه‬ ‫احلالة االن�سانية لأغرا�ض ال�سيا�سة الربيطانية‪.‬‬ ‫رجح املر�صد ال�سوري فر�ضية مقتل خان‬ ‫وبينما ّ‬ ‫حتت التعذيب‪ ،‬كان من الطبيعي يف حمى الهيجان‬ ‫يحمل االئتالف املعار�ض ال�سلطات‬ ‫ال�سيا�سي �أن ّ‬ ‫ال�سورية م�س�ؤولية قتل خان‪ .‬عائلة خان وجهت‬ ‫اللوم �إىل احلكومة الربيطانية‪ ،‬ور�أى �شاه نواز خان‬ ‫�شقيق عبا�س خان �أن تقاع�س احلكومة الربيطانية‬ ‫جاء لكون خان بريطاين م�سلم‪ .‬والغريب يف الأمر‪،‬‬ ‫حم ّلت فيه ال�سيا�سة الربيطانية‬ ‫�أنه يف الوقت الذي ّ‬ ‫الأ�سد م�س�ؤولية موت عبا�س خان‪ ،‬حاول الإعالم‬ ‫الربيطاين تربئة �ساحته‪ .‬فمرا�سل «الإندبندت»‬ ‫الربيطانية روبرت في�سك‪ ،‬ت�سائل عن والء قوات‬ ‫الأ�سد بعد ثالث �سنوات من احلرب الأهلية يف‬ ‫البالد‪ ،‬ذلك �أن مقتل الطبيب الربيطاين "«�شيء‬ ‫مريب» خا�صة بعد ا�صدار �أوامر من الرئي�س الأ�سد‬ ‫نف�سه ب�إطالق �رساحه‪ .‬بينما قدم مرا�سل الـ « ب‬ ‫ب �سي» يف بريوت بول وود‪ ،‬فر�ضية م�شابهة ر�أى‬ ‫فيها �أن خان كان �ضحية ل�رصاع �سلطة بني الرئي�س‬ ‫ال�سوري و�أجهزته الأمنية‪ ،‬و�أن العفو الرئا�سي جاء‬ ‫كتعبري عن ح�سن النية يف �سياق حماوالت بريطانية‬ ‫امل�شاركة يف التو�سط التفاق بني احلكومة ال�سورية‬ ‫واملعار�ضة‪ ،‬و�أن بع�ض اطراف من داخل ال�سلطة ال‬ ‫ترغب يف تلك املحادثات‪.‬‬ ‫جورج غاالوي املقرب من النظام ال�سوري و�صاحب‬ ‫جهود الو�ساطة كان قد ا�شرتى تذكرة الطائرة �إىل‬ ‫�سوريا ملرافقة خان بعد �إطالق �رساحه‪ .‬وقد علق‬ ‫على وفاة خان ب�أنها « لغز ال ميكن تف�سريه»‪ .‬يف‬ ‫ال�سابق مل ت�شكل �أحداث االنتفا�ضة ال�سورية �أي‬ ‫لغز للنائب غاالوي‪ .‬فقد كانت الر�ؤية بالن�سبة‬ ‫�إليه مبنتهى الو�ضوح يف كل مرحلة من مراحل‬ ‫الأزمة ال�سورية‪ .‬فالربغم من اعرتافه مبطالب‬ ‫ال�شعب ال�سوري امل�رشوعة �إال �أنه يقتنع بنظرية‬ ‫امل�ؤامرة على �سوريا و�أن �سوريا تدفع ثمن مواقفها‬ ‫املمانعة للهيمنة االمربيالية وال�صهيونية‪ .‬ومل‬ ‫العراف ويك�شف‬ ‫يرتدد غاالوي يوم ًا �أن ميار�س دور ّ‬ ‫امل�ستور والغام�ض من امل�ستقبل لريى يف ‪/30‬‬ ‫‪2013 /10‬م �أن احلرب العاملية على �سوريا ت�شبه‬ ‫احلرب العاملية على م�رص يف العام ‪1956‬م‪،‬‬ ‫و�أن الأ�سد �سينت�رص كما انت�رص عبد النا�رص‪ .‬لكنه‬

‫اليوم و�أمام مقتل خان ي�صعب عليه تف�سري هذا‬ ‫املوقف الغام�ض بالرغم من كل العالقات املميزة‬ ‫التي تربطه بالنظام ال�سوري وبالرغم من براعته‬ ‫كمتنبئ بامل�ستقبل‪.‬‬ ‫فاطمة خان كانت من ال�شجاعة والقوة لتبحث عن‬ ‫ولدها يف كل مكان و�أن حتاول م�ستميتة �إعادته‬ ‫�إىل ح�ضن العائلة‪ .‬هي‪ ،‬ذات الأ�صل الهندي‪ ،‬مل‬ ‫تختلف كثريا عن كثري من الأمهات ال�سوريات‬ ‫اللواتي فجعن ب�أبنائهن وبحثن عنهم يف كل مكان‬ ‫مع فارق جوهري‪� ،‬أن �أبنائهن مل يدخلوا �سوريا‬ ‫دون ت�أ�شرية من ال�سلطات ال�سورية فهم يف وطنهم‬ ‫امل�رسوق منهم‪ ،‬كما مل يت�سن لهن ر�ؤية ابنائهن‬ ‫داخل املعتقل �أو حتى على الأقل معرفة مكان‬ ‫اعتقالهم‪� ،‬أو ما �إذا كانوا معتقلني لدى النظام �أم‬ ‫خمطوفني رهن فدية مادية‪� ،‬أو ما �إذا كانوا رهائن‬ ‫"حماكم �رشعية" و�إعدامات ميدانية تنفذ قرار حكم‬ ‫غري �رشعي با�سم ال�رشيعة‪� .‬أمهات �سوريا حرمن‬ ‫من نعمة ا�سمها جورج غاالوي مل يكلف نف�سه‬ ‫عناء الو�ساطة لدى ال�سلطات ال�سورية للإفراج عن‬ ‫�أبنائهن‪ .‬بل مل يفكر م�سبق ًا حتى ب�أن يطالب النظام‬ ‫ال�سوري بالكف عن �سيا�سة االعتقال �أو �أن يدين‬ ‫حاالت القتل حتت التعذيب التي مور�ست بحق �أبناء‬ ‫الوطن الذين ال يحتاجون ت�أ�شرية دخول بقدر ما‬ ‫احتاجوا دائما لالعرتاف بهم كمواطنني‪.‬‬ ‫يف �سوريا ال يت�سنى لذوي املعتقل تزيني املنزل‬ ‫و�إعادة ت�أثيثه انتظارا لعودته‪ ،‬ورمبا كان هذا من‬ ‫حظهم ال�سيما �أن االنتظار يجعل من الوقت �إبرا‬ ‫حادة حني مي�ضي بتثاقل‪ .‬يف �سوريا‪ ،‬فرحة الإفراج‬ ‫عن معتقل هي من النوع (طب غم) كما يقال يف‬ ‫اللغة العامية‪ ،‬لذلك تختلط فيها الفرحة بالأمل‪.‬‬ ‫فاطمة خان حمظوظة بال �شك ب�أنها �ستح�صل على‬ ‫جثمان ابنها ليحظى بقرب وعنوان مقربة ت�ضع عليه‬ ‫الورود متى �شاءت‪ ،‬بينما هناك الكثري من الأمهات‬ ‫ال�سوريات مل يت�سلمن بعد جثث �أبنائهن الذين‬ ‫حرموا يف هذا الوطن امل�سمى �سوريا حتى من القرب‪.‬‬ ‫حتى و�إن عانى م�سلمو بريطانيا من التمييز‪ ،‬فعلى‬ ‫فاطمة خان ان حتمد اهلل على �أن ابنها (له الرحمة)‬ ‫مل يكن �سوريا‪.‬‬


‫العدد (‪ 2013/12/22 )119‬م‬ ‫موجز ال�شرق ‪06‬‬ ‫‪ 2014‬عام وفرة النفط و�صراع �إيراين �سعودي داخل “�أوبك”‬ ‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫يف حني �أن �سوق النفط العاملية يتجه يف امل�ستقبل‬ ‫القريب بنحو �شبه م�ؤكد �إىل الوفرة ‪ ،‬يبدو �أن بغداد‬ ‫متيل اىل معدل �أبط�أ يف تطوير لقدراتها الت�صديرية‪,‬‬ ‫وهو عامل يجعل من ال�صعب جتنب هذا الفائ�ض‪.‬‬ ‫�إن هذا التوقع ي�صبح �أكرث خطورة مع احتمال عودة‬ ‫اخلام الإيراين لي�س فقط �إىل م�ستوياته الطبيعية‪،‬‬ ‫ولكن من املحتمل �أي�ض ًا �أن يكون على �أعلى‬ ‫م�ستوياته مبجرد التو�صل �إىل اتفاق نهائي مع‬ ‫طهران ب�ش�أن برناجمها النووي‪.‬‬ ‫كما ان «�أوبك» حتافظ على �سقف �إنتاجها عند ‪30‬‬ ‫مليون برميل يومي ًا ‪ ،‬الأمر الذي لن ي�سمح للعراق‪،‬‬ ‫حالي َا �أكرب منتج يف املنظمة‪ ،‬ب�أية م�ساحة للتحرك‬ ‫�إىل الأمام يف زيادة الإنتاج‪ ،‬حيث يقدر �إنتاجه الآن‬ ‫بحوايل ‪ 3.2‬مليون برميل يومي ًا‬ ‫وقد �أعلنت منظمة �أوبيك �أن العراق معفى من نظام‬ ‫احل�ص�ص نظراً لظروفه اخلا�صة‪ ،‬وت�أمل بغداد �أن‬ ‫يت�ضاعف �إنتاجها احلايل يف ال�سنوات القليلة‬ ‫القادمة‪ .‬ولكن كلما حاول العراق زيادة �إنتاجه‬ ‫ازدادت ال�ضغوط داخل «�أوبك» لت�شمل بغداد يف‬ ‫هيكل احل�ص�ص‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فان االحتكاك ال�سيا�سي هو ملنع �أي‬ ‫تعديل يف ح�ص�ص الإنتاج‪ ،‬وال �سيما �أن �إيران �سوف‬ ‫جتد يف العراق حليف ًا جديداً لها داخل «�أوبك»‪،‬‬ ‫�إىل جانب تخفي�ض الأ�سعار �إىل م�ستويات قابلة‬ ‫للمقارنة مع الن�صف الثاين من عام ‪ ،1990‬بغ�ض‬ ‫النظر عن الأزمة االقت�صادية الآ�سيوية‪.‬‬ ‫لقد واجهت �أوبك اال�ستقطاب ال�سيا�سي احلاد من‬

‫قبل‪ ،‬ومتكنت مع ذلك من احلفاظ على هيكل‬ ‫احل�ص�ص الأكرث �أو الأقل ت�شغيلية ب�سبب ال�ضغط‬ ‫ال�شديد من اململكة العربية ال�سعودية‪ .‬كما لعبت‬ ‫القدرة الإنتاجية ال�ضخمة لل�سعودية دوراً م�ؤثراً‪،‬‬ ‫حيث �أبقت على م�ستويات الإنتاج قريبة من‬ ‫�إنتاجها‪ .‬ولكن يف حال �شكلت كل من ايران والعراق‬ ‫معا قطب ًا قوي ًا داخل «�أوبك»‪ ،‬فال بد لل�سعودية‬

‫من التو�صل �إىل حل توافقي قادر على التكيف مع‬ ‫احلقائق اجلديدة‪.‬‬ ‫بحلول �أوائل العام املقبل‪� ،‬سوف تعزز �إيران‬ ‫�صفقتها مع الغرب وحلفائها يف العراق‪ ،‬وقد ت�ضطر‬ ‫�إىل مواجهة دور اململكة العربية ال�سعودية بو�صفها‬ ‫حار�س �إيقاع «�أوبك»‪� .‬إذا مل يتم التو�صل اىل اتفاق‪،‬‬ ‫ف�سوف تتجه �أ�سعار النفط ب�رسعة �إىل االنخفا�ض‪.‬‬

‫حتول معامل الأزمة ال�سورية‬ ‫اجلبهة الإ�سالمية ّ‬ ‫قررت تركيا م�ؤخراً دعم ( جبهة املتمردين اجلدد)‬ ‫التي تت�ألف من اجلي�ش ال�سوري احلر مع بع�ض‬ ‫الف�صائل من غري تنظيم القاعدة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫بع�ض املنظمات ال�سلفية الإ�سالمية ‪ ،‬وبع�ض‬ ‫ف�صائل من الإخوان امل�سلمني‪ ،‬مما ي�شكل حتدي ًا‬ ‫للجبهة الإ�سالمية التي ترعاها اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية‪.‬‬ ‫ت�سيطر اجلبهة اال�سالمية على �أغلب املناطق التي‬ ‫تقع حتت �سيطرة املعار�ضة ال�سورية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫دفع املمثلني عن القوى االقليمية يف املعار�ضة �إىل‬ ‫التوجه نحو ا�سطنبول والقاهرة والريا�ض والدوحة‬ ‫يف حماوالت لتقييم الو�ضع واحتواء اخلالف‪،‬‬ ‫مما ي�شكل هزمية للجي�ش ال�سوري احلر على يد‬ ‫املعار�ضة ال�سورية‪ ،‬ولي�س نظام الأ�سد ‪.‬‬ ‫�إن الر�سالة احلقيقية من ت�شكيل اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية اجلبهة اال�سالمية تكمن يف �إدراكها ب�أنه‬ ‫ال يجب ترك �إيران يف �سوريا من دون مواجهتها‪،‬‬ ‫و�أنه البد من �أن متنح الريا�ض الفر�صة لتلعب‬ ‫دورها بني القوى الدولية يف تنفيذ اال�سرتاتيجيات‬ ‫الدولية اجلديدة يف ال�رشق الأو�سط‪ ،‬كما �أكدت‬ ‫م�صادر �سعودية �أن الريا�ض فوجئت بقرار الواليات‬ ‫بالتعاون مع مركز ال�شرق للبحوث‬

‫املتحدة وقف �إر�سال الأ�سلحة اىل اجلي�ش احلر‪،‬‬ ‫وت�أثري هذا القرار على اجلبهة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫على �صعيد �آخر ف�إن �أثر ت�شكيل اجلبهة اال�سالمية‬ ‫بات �أكرث و�ضوح ًا‪ :‬اذ �أنه من املتوقع دعوة طهران‬ ‫للم�شاركة يف م�ؤمتر جنيف ‪� ، 2‬إىل جانب تلميحات‬ ‫الواليات املتحدة �أنها قد ت�ساند الأ�سد �رصاحة يف‬ ‫مواجهة اجلبهة اال�سالمية واجلي�ش الإ�سالمي يف‬ ‫املناطق التي ت�سيطر عليها قوات املعار�ضة‪ .‬كما‬ ‫�أعلن م�ؤخراً املدير ال�سابق لوكالة اال�ستخبارات‬ ‫املركزية االمريكية مايكل هايدن �أن �أحد احللول‬ ‫املحتملة يف �سوريا هو خيار بقاء الأ�سد‪ ،‬و�أ�ضاف‬ ‫قائ ًال ‪« ,‬يجب �أن �أقول يف هذه اللحظة‪� ،‬أنه ورغم‬ ‫ب�شاعة هذا اخليار‪ ،‬ف�أنا من �سيتوجه نحو اخليار‬ ‫الأف�ضل من بني النتائج ال�سيئة املحتملة»‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح �أن الو�ضع يف �سوريا يتجه نحو �إعادة‬ ‫ر�سم احل�سابات‪� ,‬سواء �إقليميا �أو على الأر�ض‪ .‬فرتكيا‬ ‫التي تدعم (جبهة اخلال�ص الوطني) ال يوجد لديها‬ ‫ح�ضور يذكر يف ال�شمال‪ .‬كما �أن جبهة الن�رصة و‬ ‫الدولة اال�سالمية يف العراق وال�شام �سوف متار�س‬ ‫ال�ضغط على اجلبهة اال�سالمية‪ ،‬ومن غري امل�ؤكد‬ ‫�أن يكون دعم (جبهة اخلال�ص) عام ًال م�ؤثراً يف‬

‫ال�ساحة لفرتة طويلة‪ ،‬كما �أن يف حال ح�صلت على‬ ‫هذا الدعم فانه لن يكون عامل �ضغط لفرتة طويلة‪،‬‬ ‫وهي �ست�ضع يف اعتبارها �أي�ض ًا �أن �أعداء اليوم قد‬ ‫ي�صبحون حلفاء الغد‪.‬‬ ‫وتت�ساءل اململكة العربية ال�سعودية حول مدى‬ ‫�صوابية توجيه �رضبة قا�سية �إىل اجلي�ش احلر‬ ‫‪ ،‬ال �سيما �إذا كانت نتائج هذه ال�رضبة هي حتول‬ ‫ر�ؤية الواليات املتحدة واالحتاد الأوروبي نحو‬ ‫التفكري ملي ًا يف فكرة بقاء الأ�سد يف ال�سلطة‪ ،‬وتغيري‬ ‫م�ضمون جنيف ‪ 2‬حتت �شعار مكافحة الإرهاب بد ًال‬ ‫من حل الأزمة ال�سورية ب�إق�صاء الأ�سد عن ال�سلطة‪.‬‬ ‫على �أر�ض الواقع‪ ،‬ي�شكل �إطالق اال�سد �رساح حواىل‬ ‫‪� 350‬سجين ًا حماولة لت�شجيع الزخم القائم على‬ ‫خلق االنطباع ب�أنه ميكن �أن يغري �أ�ساليبه الوح�شية‬ ‫يف حكم البالد‪ ،‬وعلى افرتا�ض متكن الأ�سد من‬ ‫الرتويج ال�ستمراره يف ال�سلطة مع الوعد ب�إ�صالح‬ ‫نظامه فعلي ًا فان ال�صفقة تعتمد �أو ًال على الإفراج‬ ‫عن ال�سجناء‪ ،‬ا�ستناداً اىل ما ن�سب للجرنال �إدري�س‬ ‫من ت�رصيحات مفادها �أنه قد يكون على ا�ستعداد‬ ‫للعمل مع النظام يف حماربة القاعدة‪.‬‬


‫موجز ال�شرق‬

‫‪07‬‬ ‫مناورات يف الكوالي�س الأمريكية‬ ‫لت�أجيل العقوبات على �إيران‬

‫بعد �أ�سبوع من املناورات الدبلوما�سية املكثفة‬ ‫خلف الكوالي�س‪� ،‬أقنعت �إدارة �أوباما �أع�ضاء جمل�س‬ ‫ال�شيوخ الأمريكي باالمتناع عن فر�ض عقوبات‬ ‫جديدة من �ش�أنها خرق االتفاق امل�ؤقت الذي مت‬ ‫التو�صل اليه ال�شهر املا�ضي بني جمموعة خم�سة‬ ‫زائد واحد و�إيران‪ .‬يف املقابل‪� ،‬أعلنت وزارة اخلزانة‬ ‫�أن خم�س �رشكات دولية متت �إ�ضافتها �إىل قوائم‬ ‫العقوبات احلالية لإخفاء التدفقات النقدية �إىل‬ ‫�إيران‪.‬‬ ‫من بني ال�رشكات املذكورة يف �إعالن م�ساعد وزير‬ ‫اخلزانة للإنفاذ‪ ،‬ديفيد كوهني‪� ،‬رشكتا نفط من‬ ‫�سنغافورة ‪ ،‬و�رشكة «�إيواز» الإيرانية تعمل يف‬ ‫جمال ت�صنيع التكنولوجيا‪ ،‬بطريقة غري م�رشوعة‬ ‫هدفها احل�صول على القطع الرئي�سية للربامج‬ ‫النووية وال�صاروخية االيرانية‪.‬‬ ‫كان توقيت �إعالن وزارة اخلزانة تناز ًال وا�ضح ًا‬ ‫ل�صقور الكونغر�س الذين يهددون مفاو�ضات جنيف‬ ‫مع العقوبات اجلديدة التي من �ش�أنها �أن تغلق‬ ‫املزيد من �صادرات النفط االيرانية‪ ،‬وجاء �إعالن‬ ‫كوهني يوم ‪ 12‬دي�سمرب‪ /‬كانون الأول اجلاري‪،‬‬ ‫قبل حلظات من مثوله وم�ساعد وزير اخلارجية‬ ‫ويندي �شريمان �أمام اللجنة امل�رصفية يف جمل�س‬ ‫ال�شيوخ‪.‬‬ ‫و ح ّذر وزير اخلارجية جون كريي ووزير اخلزانة‬ ‫جاك يف جل�سة مغلقة �أمام جمل�س ال�شيوخ ب�أكمله‪،‬‬ ‫من �أن العقوبات اجلديدة �ستكون «اتفاق الك�سارة»‪،‬‬ ‫و�أن الواليات املتحدة �سوف ت�ضع عليه اللوم يف‬ ‫حال ف�شلت املحادثات‪ ،‬وقد تعر�ض كريي بعد‬ ‫ذلك مبا�رشة لهجوم حاد من قبل احلزبني ملواقفه‬ ‫املت�ساهلة للغاية مع �إيران‪.‬‬ ‫خالل لقاء يف طهران مع وزير اخلارجية الرو�سي‬ ‫�سريجى الفروف �أكد وزير اخلارجية االيراين جواد‬ ‫ظريف �أن �أية عقوبات �أمريكية جديدة على ايران‬ ‫تعترب انتهاكا لالتفاق امل�ؤقت‪ ،‬و�ستق�ضي على‬ ‫املحادثات الأخرية قبيل تطبيقها‪ .‬ويف مقابلة‬ ‫مع جملة تامي‪ ،‬قال ظريف �إن �أية عقوبات جديدة‪،‬‬ ‫�سوف تق�ضي على االتفاق‪.‬‬

‫العدد (‪ 2013/12/22 )119‬م‬

‫ويف جل�سات ا�ستماع جمل�س ال�شيوخ امل�رصفية‬ ‫�أعلن ال�سيناتور تيم جون�سون‪ ,‬وهو ع�ضو م�ؤثر من‬ ‫احلزب الدميقراطي �أن جمل�س ال�شيوخ لن ي�سمح‬ ‫بفر�ض عقوبات جديدة قبل �ستة �أ�شهر من انتهاء‬ ‫املحادثات‪� ،‬أو يف حال وجود دليل قاطع على‬ ‫انتهاك �إيران لالتفاقات امل�ؤقتة‪.‬‬ ‫‪ ‬ويف اليوم نف�سه‪� ،‬أعلن ع�ضو جمل�س ال�شيوخ‬ ‫روبرت مينينديز‪ ،‬رئي�س جلنة العالقات اخلارجية‬ ‫مبجل�س ال�شيوخ‪� ،‬أنه �سيطالب بدوره البيت الأبي�ض‬ ‫بتعليق العقوبات اجلديدة‪ .‬واجلدير بالذكر �أن‬ ‫مينديز كان عمل مع ال�سيناتور اجلمهوري مارك‬ ‫كريك يف �صياغة العقوبات اجلديدة‪ .‬وبد ًال من‬ ‫ذلك‪ ،‬من املرجح �أن يقوم اثنان من �أع�ضاء جمل�س‬ ‫ال�شيوخ ب�صياغة م�رشوع قرار ي�ضع ال�رشوط‬ ‫املحددة لالتفاق النهائي‪ ،‬ولكن لي�س قبل عودة‬ ‫جمل�س ال�شيوخ يف �أوائل يناير‪ /‬كانون الثاين من‬ ‫عطلة ر�أ�س ال�سنة‪ .‬اثنان من �أع�ضاء جمل�س ال�شيوخ‬ ‫الذين كانوا هددوا يف ال�سابق بدعم عقوبات جديدة‬ ‫على ايران وهما مايك وبوب كوركر ان�ضما �إىل‬ ‫زمالئهما اجلمهوريني يف الرتاجع عن فر�ض تلك‬ ‫العقوبات‪.‬‬ ‫وتبدو الإدارة الدبلوما�سية �أكرث حدة خلف‬ ‫الكوالي�س‪ ،‬اذ �أدىل جاكوب ليو وزير اخلزانة‬ ‫الأمريكية بت�رصيح بعد اجتماع وزير اخلزانة مع‬ ‫‪ 100‬من كبار امل�رصفيني و املدراء التنفيذيني‬ ‫لل�رشكات ‪ ،‬حمذراً من اتخاذ �أي اجراء ل�ضمان‬ ‫�صفقات جتارية مع �إيران‪ .‬كما خاطب اللجنة‬ ‫اليهودية الأمريكية م�ؤكداً ان اخليار الع�سكري ال‬ ‫يزال مطروح ًا يف حال انتهكت �إيران االتفاق‪� ،‬أو مل‬ ‫تقبل بال�رشوط القا�سية للتو�صل �إىل اتفاق نهائي‪.‬‬ ‫كما ح ّذر الرئي�س �أوباما يف ‪ 8‬من ال�شهر اجلاري‪،‬‬ ‫يف خطاب يف مركز �سابان التابع ملعهد بروكينجز‬ ‫لل�سيا�سات‪ ،‬من �أن فر�ض عقوبات جديدة على �إيران‬ ‫يف هذا الوقت احل�سا�س من املفاو�ضات �سوف ينتج‬ ‫عنه �إلقاء اللوم على ف�شل دبلوما�سية الواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬

‫ر�أي‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫«الإخوان» امل�صريون نحو حكومة منفى‬

‫�ست�شكل جماعة االخوان امل�سلمني الدولية احلكومة‬ ‫امل�رصية يف املنفى يف �أواخر يناير‪ /‬كانون الثاين‬ ‫املقبل ‪ ،‬و�ستطالب االعرتاف بها على �أنها احلكومة‬ ‫ال�رشعية الوحيدة يف م�رص‪ ،‬و�أعلنت «اجلماعة» �أنها‬ ‫�سوف تقود حملة للح�صول على االعرتاف الدويل‬ ‫باحلكومة‪.‬‬ ‫لكن العامل احلا�سم هو الو�ضع الداخلي يف م�رص‪ .‬و حتى‬ ‫االن‪ ،‬يقف اجلمهور امل�رصي بقوة خلف الفريق عبد‬ ‫الفتاح ال�سي�سي‪ ،‬يف حني �أن جماعة الإخوان امل�سلمني‬ ‫ت�شن حملة ال هوادة فيها للح�صول على بع�ض الت�أييد‪.‬‬ ‫ويف الواقع‪� ،‬إذا مل يتمكن الإخوان من جتاوز �أزمتهم‬ ‫احلادة‪ ،‬ف�إن االحتجاجات التي يقومون بها �سوف متوت‬ ‫ببطء‪.‬‬ ‫على �سبيل املثال‪ ،‬وخالل االنتخابات االخرية لنقابة‬ ‫الأطباء ‪ ،‬خ�رس االخوان امل�سلمون للمرة الأوىل منذ عقود‪.‬‬ ‫و ينتظر �أن تـكون النتائج مماثلة يف انتخابات نقابية‬ ‫�أخرى ا‪ .‬ملاذا �إذن ومع تراجع الدعم اخلارجي‪ ،‬ت�رص‬ ‫جماعة االخوان امل�سلمني على موا�صلة دفع م�ؤيديها‬ ‫�إىل مواجهة النظام اجلديد؟‬ ‫اجلواب ب�سيط‪ .‬وهو الرهان على �إعادة �إنتاج �أحداث‬ ‫‪ 25‬يناير ‪ ، 2011‬حني �أدت وح�شية ال�رشطة على مدى‬ ‫عقود مرتاكمة من حكم النظام الفا�سد وغري امل�س�ؤول‪،‬‬ ‫�إىل اندالع الثورة امل�رصية‪ ،‬كما �أن اجلماعة تعتمد على‬ ‫�أعداد املتظاهرين‪ ،‬وتراجع �شعبية ال�رشطة امل�رصية �إىل‬ ‫جانب احلالة االقت�صادية املرتدية‪ ،‬و امكانية نقل �أعداد‬ ‫كبرية من ال�شعب امل�رصي �إىل مواقع االحتجاجات‪.‬‬ ‫كما �أن الإخوان يعتقدون �أن امل�شاكل املوجودة ال ح ّل‬ ‫لها يف املنظور القريب‪ ،‬ويف حمادثة جرت م�ؤخرا‪،‬‬ ‫خل�ص م�س�ؤول كبري يف ال�رشطة �إىل تف�سريين‪� .‬أو ًال‪� ،‬إن‬ ‫قوات ال�رشطة كانت تواجه «منظمة �إرهابية»‪ ،‬وثانياً‪:‬‬ ‫�إن القوات امل�رصية كانت كب�ش الفداء وحتملت م�س�ؤولية‬ ‫كل الأخطاء‪.‬‬ ‫�إن التعامل العنيف لل�رشطة �ضد املتظاهرين ميكن �أن‬ ‫ي�ستفز امل�رصيني مع مرور الوقت‪ ،‬الأمر الذي قد ي�ؤدي‬ ‫�إىل ك�رس عزلة الإخوان امل�سلمني يف امل�شهد ال�سيا�سي‬ ‫امل�رصي‪.‬‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬ف�إن خ�صوم الإخوان ال ميكنهم‬ ‫االعتماد على تنظيم اعرتف ب�أنه ارتكب �أخطاء خالل‬ ‫�سنة واحدة من حكم حممد مر�سي‪ .‬ومع وجود �أكرث‬ ‫القيادات الإخوانية يف ال�سجون امل�رصية‪� .‬ست�ستمر‬ ‫اجلماعة يف تربير ف�شلها مثل‪« ,‬لي�س الآن‪ ،‬ونحن ك ّنا‬ ‫حتت الهجوم»‪� .‬أو «كانت خيانة من ال�سي�سي‪ ،‬ال خط�أنا»‪.‬‬ ‫ويبدو الأمر على ال�صعيد االقت�صادي �أكرث تعقيدا‪،‬‬ ‫فعلى �سبيل املثال‪ ،‬يف القمة الأخرية ملجل�س التعاون‬ ‫اخلليجي‪ ،‬فقد طرحت العديد من الأ�سئلة حول جدوى‬ ‫«اال�ستثمار» يف م�رص‪ ،‬و�صب ع�رشات املليارات من‬ ‫الدوالرات لدعم النظام اجلديد يف القاهرة‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من تفاوت الأجوبة كان اال�ستنتاج �أنه �إذا مت �إ�سقاط‬ ‫الدعم املايل‪ ،‬ف�إن العواقب �ستكون �سلبية للغاية‪ ،‬وبد ًال‬ ‫من ذلك‪ ،‬ينبغي �أن يكون هذا القرار‪« ،‬نعم‪ ،‬ولكن ‪.« ....‬‬ ‫عندما قررت جمموعة من امل�ستثمرين الإماراتيني‬ ‫دعم م�رص من خالل بناء �سل�سلة من امل�شاريع ذات‬ ‫التوجه االجتماعي التي �ستوفر الكثري من فر�ص العمل‪،‬‬ ‫قوبلت بربود من البريوقراطية امل�رصية �سيئة ال�سمعة‪،‬‬ ‫وواجهت الكثري من العوائق يف اللوائح والقوانني‪ ،‬وهو‬ ‫ما �سيجعل �أي ا�ستثمار م�ستحيالً‪.‬‬ ‫ومن املعروف �أن دول اخلليج جتاوزت ال�صعوبات‬ ‫البريوقراطية �إىل حد كبري يف اقت�صاداتها‪ .‬وكان‬ ‫من املقرر �أن ال تقوم ب�أي ا�ستثمارات يف م�رص قبل‬ ‫�أن حتدث �إ�صالحات �رضورية يف اللوائح والقوانني‬ ‫امل�رصية‪ ،‬وذلك لي�س فقط من �أجل حماية ا�ستثماراتها‪،‬‬ ‫و هذا لي�س فقط حلماية ا�ستثماراتهم‪ ،‬بل �أي�ضا مل�ساعدة‬ ‫م�رص‪ ،‬و كذلك ب�سحب الب�ساط من حتت جماعة الإخوان‬ ‫امل�سلمني‪.‬‬ ‫�إن احلاجة تبدو ملحة اليوم لدفع م�رص نحو القيام‬ ‫ب�إ�صالحات �رضورية متكنها من جذب اال�ستثمارات‬ ‫يف ظل تردي الو�ضع االقت�صادي‪ ،‬والذي ميكن للإخوان‬ ‫امل�سلمني �أن ي�ستثمروا فيه‪.‬‬

‫ع�صام عزيز‬

‫بالتعاون مع مركز ال�شرق للبحوث‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2013/12/22 )119‬م‬

‫الأخرية‬

‫‪08‬‬

‫ك�سر حلقة اال�ستبداد‬

‫يف احلاجة العربية �إىل عقد اجتماعي جديد‬ ‫الدكتور عبداهلل تركماين‬

‫هناك �أ�شكال متعددة لقوى املجتمع املدين يف‬ ‫عاملنا العربي‪ ،‬ولكنها تفتقد التالزم مع �سلطة‬ ‫الدولة والتكامل معها‪ ،‬خا�صة فيما يتعلق بال�شقني‬ ‫ال�سيا�سي واحلقوقي من املجتمع املدين و�أطيافه‬ ‫ولكن هذا التالزم والتكامل ال بد له من عمود‬ ‫العديدة‪ّ .‬‬ ‫فقري يدعمه وي�ؤكده‪.‬‬ ‫� ّإن احلل للخروج من امل�أزق العربي امل�ستمر هو‬ ‫مغادرة بنيان الإق�صاء والعنف �إىل رحاب بنية‬ ‫اجتماعية ‪� -‬سيا�سية ‪ -‬ثقافية تقوم على العمل‬ ‫املنتج وا�ستثمار املوارد االقت�صادية والب�رشية‬ ‫وزيادتها‪ ،‬وحترر �إرادة الوطن واملواطن‪ ،‬والإطار‬ ‫ال�صحيح لقيام هذه البنية هو‪:‬‬ ‫ املواطنة كعقد لتنظيم عالقات الأفراد واجلماعات‪.‬‬‫الدميوقراطية ك�إطار لقيام م�شاركة �سيا�سية ت�ضمن‬ ‫ف�صل ال�سلطات‪ ،‬التنفيذية والت�رشيعية والق�ضائية‪،‬‬ ‫وتداولها‪.‬‬ ‫التنمية ال�شاملة ال�ستثمار املوارد الطبيعية والب�رشية‬ ‫وتطويرها وتوظيفها لقيام اقت�صاد منتج‪ ،‬يرفع‬ ‫م�ستوى معي�شة ال�سكان‪ ،‬وي� ّؤمن العدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫ويتم ذلك من خالل منهج �إ�صالح متدرج تراكمي‪،‬‬ ‫يفتح باب التطوير لبناء دولة حديثة‪ ،‬ت�صالح‬ ‫املواطن مع �سلطته‪ ،‬وت�صالح املجتمع يف كل دولة‬ ‫عربية مع العامل‪.‬‬ ‫� ّإن افتقاد العامل العربي لآليات الإ�صالح والتغيري‬ ‫هو نتيجة طبيعية لغياب العالقات الدميوقراطية‬ ‫وامل�أ�س�سة والقانون‪ ،‬و�سيادة عقلية ال�سلطة على‬ ‫ح�ساب الدولة‪ .‬ولعل هذا الو�ضع هو الذي يف�رس حالة‬ ‫احلرج التي انتابت احلكومات العربية �إزاء كيفية‬ ‫التعاطي مع امل�شاريع الدميوقراطية والإ�صالح‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬التي طرحتها قوى املعار�ضة الدميقراطية‪،‬‬ ‫وكذلك الدول الغربية الكربى‪.‬‬

‫هكذا ف� ّإن و�ضع ًا عربي ًا تلك هي �سماته يجعل من‬ ‫عملية التغيري عملية جد ملحة‪� ،‬إن جلهة لإ�صالح‬ ‫الأو�ضاع �أو ملواكبة م�ستويات التطور العاملي‪ ،‬كما‬ ‫ولكن هذا الو�ضع‬ ‫للتعاطي املجدي مع التحديات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يبني �أي�ض ًا �صعوبة التغيري الداخلي‪ ،‬فالقوى امل�ؤهلة‬ ‫غري موجودة �أو مغيبة‪ ،‬والقوى النافذة متانع التغيري‬ ‫�أو ت�ؤجله �أو ت�سطحه خوف ًا على م�صاحلها‪ ،‬ثم � ّأن‬ ‫�آليات التغيري ال�سلمي والدميوقراطي والد�ستوري‬ ‫نف�سها غري متوفرة‪.‬‬ ‫على ذلك‪ ،‬ف� ّإن ان�سداد �آفاق التغيري والتطوير الداخلي‬ ‫وغياب الإجماعات الوطنية وت�شتت الإرادات الر�سمية‬ ‫وال�شعبية‪ ،‬يف معظم البلدان العربية‪ ،‬هي التي ت�سهل‬ ‫على القوى اخلارجية التدخل لإحداث تغيريات يف‬ ‫العامل العربي‪ ،‬بغ�ض النظر عن مالءمة هذه التغيريات‬ ‫للم�صالح والأولويات العربية‪ ،‬وهي بالطبع تغيريات‪،‬‬ ‫رمبا تلبي بع�ض مطالب املجتمعات العربية‪ ،‬ولكنها‬ ‫�ستظل م�شوبة ب�شبهات التدخل والإمالء الق�رسي‬ ‫والتوظيف ال�سيا�سي اخلارجي‪ ،‬ما ي�ضعف �رشعيتها‬ ‫و�أ�س�سها الداخلية‪ ،‬وي�ضعف �أي�ض ًا من قدرتها على‬ ‫اال�ستمرار‪.‬‬ ‫ويبدو � ّأن معطيات الو�ضع العربي ت�ؤكد دميومة‬ ‫اال�ستبداد‪ ،‬فالنظام العربي الذي ظل ي�ؤجل م�شاريع‬ ‫الإ�صالح بدعوى « ال �صوت يعلو فوق �صوت املعركة‬ ‫«‪ ،‬يتذرع اليوم بادعاءات احلفاظ على الهوية‪،‬‬ ‫وممانعة الهيمنة‪ ،‬ورف�ض الإمالءات اخلارجية‪� .‬أما‬ ‫ال�شعوب العربية فهي �إما �سادرة يف غيبوبتها ويف‬ ‫حت�صيل لقمة عي�شها‪� ،‬أو هائجة يف البيوت �أمام‬ ‫التلفاز‪ .‬وال �شك ب� ّأن هذه الأو�ضاع جتعل العامل‬ ‫العربي م�رسح ًا للفو�ضى الداخلية ومرتع ًا مل�شاريع‬ ‫الو�صاية اخلارجية‪ ،‬يف املدى املنظور‪.‬‬ ‫�إنها �أزمة البحث عن عقد اجتماعي جديد‪ ،‬لذلك‬

‫ينبغي �أن نتو�صل �إىل دولة احلق والقانون‪ ،‬التي حتد‬ ‫من �سطوة الغني �أو القوي على الفقري وال�ضعيف‪،‬‬ ‫فالدولة العادلة هي التي تطبق القانون على اجلميع‬ ‫بالت�ساوي‪ ،‬بغ�ض النظر عن ابن ال�ست وابن اجلارية‪،‬‬ ‫الكل مت�ساوون �أو ينبغي �أن يكونوا مت�ساوين �أمام‬ ‫القانون‪.‬‬ ‫هناك حاجة عربية عامة اليوم لعقد اجتماعي جديد‬ ‫بني �سلطة الدولة واملجتمع‪ ،‬ل ّأن ت�آكل �رشعية ال�سلطة‬ ‫يهدد ‪ -‬يف حاالت كثرية ‪� -‬رشعية الدولة ذاتها‪ ،‬وقد‬ ‫ي�ؤدي �إىل التفتيت �أو التفجر الداخلي‪ ،‬كما هو احلال‬ ‫يف �سورية‪ .‬ف�إذا كان نظام الدولة القومية احلديثة‪،‬‬ ‫اعتمد �أ�سا�س ًا على مبد�أ « ال�سيادة «‪ ،‬ف� ّإن هذا الأمر ظل‬ ‫على هذا املنوال حتى ظهر النا�شطون غري احلكوميني‬ ‫الذي �أ�صبحوا العبني جدداً يف العالقات الدولية‪ ،‬مما‬ ‫�أدى �إىل التقليل من �ش�أن مبد�أ « ال�سيادة « نف�سه عن‬ ‫حميط الت�أثري يف النظام الدويل‪.‬‬ ‫و�إىل جانب ذلك ال تزال جمتمعاتنا يف بداية جتربة‬ ‫التحرر واالنعتاق‪ ،‬مرتددة يف خو�ض الكفاح ال�شاق‬ ‫وحتمل معاناته وعذاباته‪� .‬أما‬ ‫من �أجل احلرية‬ ‫ّ‬ ‫الفرد الذي ال يزال مقموع ال�شخ�صية‪ ،‬مفتقراً لوعي‬ ‫ذاتي وا�ضح‪� ،‬أو �إرادة م�ستقلة‪ ،‬فهو ميال �إىل تف�ضيل‬ ‫اال�ست�سالم على مغامرة التمرد واال�ستقالل‪ .‬وال تزال‬ ‫اجلماعة عندنا مرادفة للع�صبية‪ ،‬وقائمة على القرابة‬ ‫العائلية �أو الطائفية �أو املذهبية‪� ،‬أي بعيدة جداً عن‬ ‫�أن تتحول �إىل جماعة مدنية‪ ،‬متوحدة من حول‬ ‫خيارات طوعية‪ .‬ويف هذه احلالة ي�صعب ك�رس حلقة‬ ‫ا�ستتباعنا املزدوج مل�ستبدينا املحليني وقيا�رصة‬ ‫القوى الدولية‪ ،‬من دون �إجراءات �إ�صالحية عميقة‪،‬‬ ‫فكرية و�سيا�سية‪ ،‬ت�ؤ�س�س لعقد اجتماعي جديد‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.