Al badil 122

Page 1

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ 2014/01/12‬م‬ ‫العدد (‪)122‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫‪01‬‬

‫ا�سبوعية‪�-‬سيا�سية‪-‬م�ستقلة‬ ‫العدد (‪ 2014/01/12 )122‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫رئي�س التحرير ‪ :‬ح�سام مريو‬ ‫‪www.al-badeel.org‬‬

‫‪Issue (122) 12/01/2014‬‬

‫البحث عن الهوية يف الربكان ال�سوري‬

‫ح�سام مريو‬

‫�أكد الربكان ال�سوري الذي ما زال يفي�ض مبخزونه على‬ ‫اللحظة الراهنة على ال�رشخ العميق يف الهوية لدى‬ ‫جمتمع كان يحاول الهروب من الأ�سئلة العميقة املحددة‬ ‫ال�سبات التي‬ ‫لوجوده وحياته‪ ،‬وكان م�ستكين ًا حلالة من ُ‬ ‫ارتطمت يف �آخر الأمر مبعطى واقعي مفاده ‪� :‬أن عنا�رص‬ ‫"اال�ستقرار" �أو وهم اال�ستقرار مل تعد قادرة على الثبات‪،‬‬ ‫و�أنها اهتزت‪ ،‬و�أن الربكان امل�ؤجل ال بد �أن ينفجر‪.‬‬ ‫و�سط انفجار الربكان ال�سوري وتداعياته الحق ًا بدا �أن‬ ‫ال�سوريني يجاولون تعريف ذواتهم من جديد‪ ،‬بعد �أن‬ ‫ن ّز جرح الهوية يف �سياق مواجهة عنيفة بني نظام ال‬ ‫يحاول االعرتاف ب�رشعية التغيري و�رضورته وبني �شعب‬ ‫ظ ّل قادراً على ال�صمت لعقود‪ ،‬لكنه مل يعد قادراً على‬ ‫ممار�سة املزيد من فعل ال�صمت‪� ،‬أو فعل املوت التاريخي‬ ‫ك�رضيبة ال�ستقرار مزعوم ي�ؤمنه نظام م�ستبد‪.‬‬ ‫قدم نف�سه قومي ًا وحدوي ًا ا�شرتاكي ًا‬ ‫مل يكن البعث الذي ّ‬ ‫معني ًا يف الواقع العملي من تطوير املجتمع ودينامياته‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬كما مل تكن ال�سلطة احلاكمة معنية ب�أية ق�ضية‬ ‫قد تنال من مكانتها ونفوذها‪ ،‬تاركة املجتمع يغرق يف‬ ‫املزيد من التهمي�ش‪ ،‬دون �إدراك منها‪� ،‬أو لعدم مباالة‪،‬‬ ‫ملا يتفاعل حتت جلد هذا املجتمع‪ ،‬وما يتمزق من‬ ‫ن�سيجه الوطني‪ ،‬حيث �أ�صبح العقد االجتماعي ال�سيا�سي‬ ‫عقد �إذعان بني مكونات اجتماعية غري متبلورة وبني‬ ‫�سلطة ت�سمو على �شعبها مبزيد من اال�ستعالء‪.‬‬ ‫ومع تو�سع رقعة الربكان ال�سوري‪ ،‬ر�أينا كيف راحت‬

‫الهويات ت�أخذ طريقها �إىل ال�سطح‪ ،‬وكانت الهوية‬ ‫الإ�سالمية �أكرث بروزاً‪ ،‬و�أكرث �سيطرة (ب�شكل خا�ص)‬ ‫على احلراك امل�سلح املعار�ض‪ ،‬وغري خمفية يف‬ ‫احلراك ال�سيا�سي وتعبرياته املختلفة‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫التباين يف مفهوم "الإ�سالمي" املتخذ عنوان ًا ‪� ،‬إال �أنه‬ ‫جاء بدرجة كبرية ليعرب عن التمايز واالختالف عن‬ ‫�سلطة �سيتم تعيينها خالل ال�رصاع بو�صفها �أقلية‪ ،‬بل‬ ‫وبو�صفها �سلطة �أقليات‪.‬‬ ‫إح�سا�س‬ ‫وزاد التخاذل الدويل يف �صيغه املختلفة من �‬ ‫ٍ‬ ‫متنام لدى قطاعات وا�سعة ب "�إ�سالمية" الهوية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فاملجتمع الدويل الذي طاملا �أحتف ال�شعوب ب�سمفونية‬ ‫الدميقراطية وحقوق الإن�سان والدفاع عن احلريات‬ ‫بدا وك�أنه غري معني بكل تلك ال�شعارات‪ ،‬بينما كانت‬ ‫رو�سيا و�إيران تدعمان نظام ًا ال ي�ستطيع ال�صمود‬ ‫من دونهما‪ ،‬الأوىل �أظهرت حجة واهية مبخاوفها‬ ‫من �صعود الإ�سالميني‪ ،‬والثانية معروفة ب�أنها دولة‬ ‫دينية تتبع لوالية الفقيه‪ ،‬وهكذا كان ملقومات بروز‬ ‫"�إ�سالمية" الهوية مربرات عديدة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل وجود‬ ‫رعاة �إ�سالميني "�سنيني" �إقليميني‪ ،‬وجدوا يف الربكان‬ ‫ال�سوري فر�صة �سانحة لتمكني م�شاريعهم‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬ويف ال�سياق نف�سه‪ ،‬بدت الهوية الإ�سالمية هويات‪،‬‬ ‫وجتلت تلك الهوية يف تعددها عرب فئات اجتماعية‬ ‫�إ�سالمية من دون �أن تكون م�سي�سة تنظيمياً‪ ،‬ومل يكن‬ ‫البعد الديني �سوى �أحد تعينات الهوية لديها‪ ،‬لكنه منا‬

‫مع مرو الوقت وت�صاعد العنف املمار�س من قبل النظام‪،‬‬ ‫وهناك الإخوان امل�سلمني‪ ،‬وال�سلفية اجلهادية‪ ،‬وال�سلفية‬ ‫العلمية‪ ،‬وتدلل املعارك الأخرية بني القوى الإ�سالمية و‬ ‫"داع�ش" على �أن اجلذر الإ�سالمي امل�شرتك لي�س عن�رصاً‬ ‫مانع ًا �ضد االقتتال والتناف�س على النفوذ‪� ،‬أو خارج‬ ‫نطاق احل�سابات ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫يف هذا ال�سيل اجلارف للربكان‪ ،‬كيف ميكن تخيل �صعود‬ ‫الهوية الإ�سالمية وتبلورها؟ وهل هي قابلة لل�صمود؟ �أم‬ ‫�أن ما �سيحدد موقعها وتفاعالتها عودة الروح للوطنية‬ ‫ال�سورية اجلامعة �أو غياب تلك الروح وتال�شيها كلياً؟‪.‬‬ ‫ال �أجوبة نهائية وقاطعة �إزاء الهوية يف هذه اللحظة‬ ‫التي يتدفق فيها واقع حمكوم باملعارك‪ ،‬فمن كان يظن‬ ‫ب�أن "داع�ش" باتت قدراً حمتم ًا يرى اليوم كيف تتداعى‪،‬‬ ‫ويتداعى معها يف امل�ستوى املعنوي على الأقل تلوين‬ ‫من تلوينات الهوية "الإ�سالمية"‪ ،‬لكن يف ذات الوقت‬ ‫يرت�سخ البعد الإ�سالمي للهوية عرب معطيات كثرية‪ ،‬لكن‬ ‫�ستبقى حدود الهوية "الإ�سالمية" قيد الت�شكل والتغري‬ ‫وفق ًا لتغري املعطيات‪.‬‬ ‫�إن القوى الوطنية والدميقراطية التي تبدو غري قادرة‬ ‫على الت�أثري يف م�سارات احلدث ال�سوري‪ ،‬وغري م�ؤثرة‬ ‫�إيجاب ًا يف بلورة هوية �سورية جامعة �ستدفع مع الوقت‬ ‫ثمن ًا كبرياً لعجزها‪� ،‬أو �إحجامها عن املبادرة‪ ،‬ولن يكون‬ ‫كافي ًا الت�شدق مبنطق حتمية التاريخ‪ ،‬فالتاريخ هو‬ ‫تاريخ �صانعيه‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/01/12 )122‬م‬

‫حتليل �سيا�سي‬

‫‪02‬‬

‫احلرب على «داع�ش» ومتطلبات امل�شهد ال�سوري ما قبل «جنيف ‪»2‬‬ ‫ح�سام امليالد‬

‫كربت "داع�ش" وا�شتد عودها‪ .‬تغذت من دماء‬ ‫ال�سوريني ومن معاناتهم �أي�ضا‪� .‬آالف النازحني‬ ‫ممن تخلى عنهم اجلي�ش احلر وقوى املعار�ضة‪،‬‬ ‫و�أذلتهم املنظمات الإغاثية باالنتظار على القائمة‬ ‫�أو بتواقيع ا�ستالم امل�ساعدات �أو بال�صور التذكارية‬ ‫املهينة حني يح�صلون عليها‪ ،‬وجدوا يف "داع�ش"‬ ‫كرم ًا غري حمدود ودون مقابل‪ .‬هكذا بدت "امل�صيدة‬ ‫الداع�شية" وقد متتعت بقدر �أوفر من الإن�سانية‬ ‫مكنها من تكوين حا�ضنة �شعبية يف ال�رشق‬ ‫وال�شمال ال�سوري‪.‬‬ ‫و"داع�ش" �أي�ضا هي حم�صلة لرتدي املعار�ضة‬ ‫ال�سورية ع�سكري ًا و�سيا�سي ًا ب�أ�سبابه املو�ضوعية‬ ‫والذاتية‪ .‬مئات املقاتلني يف �صفوف اجلي�ش احلر‬ ‫عدون‬ ‫وف�صائل املعار�ضة الأخرى الذين بد�أوا َي ّ‬ ‫ر�صا�صات بنادقهم تقنين ًا‪ ،‬وجدوا يف "داع�ش"‬ ‫و�أخواتها مالذاً مل�ستوى معي�شي �أف�ضل لهم‬ ‫ولعائالتهم قبل �أن يرتووا �أيديولوجي ًا من �سلفيتها‪.‬‬ ‫�آالف "اجلهاديني" ال�شباب الذين تقطعت بهم ال�سبل‬ ‫واحت�ضنتهم �سنوات ال�سجن لتلفظهم �أوطانهم بعد‬ ‫ان لفظوا بدورهم جمتمعاتهم طوع ًا‪ ،‬وجدوا يف‬ ‫"داع�ش" �أق�رص الطرق جلنتهم التي افتقدوها على‬ ‫الأر�ض‪ .‬املعار�ضتان ال�سيا�سية والع�سكرية ال�سورية‬ ‫ف�ضلتا منذ البداية ال�سكوت عن "داع�ش" و�أخواتها‪،‬‬ ‫بل اعتربهم البع�ض يف املعار�ضتني �رشكاء يف‬ ‫القتال �ضد النظام‪ .‬هكذا تواط�أت العلمانية مع‬ ‫الأ�صولية بحجة الرباغماتية املطلوبة يف التعاطي‬ ‫مع احلدث ال�سوري‪� ،‬أما م�صائر ال�سوريني وامل�رشوع‬ ‫التنويري فهو م�ؤجل دائما ملا بعد �سقوط ما مل‬ ‫ي�سقط بعد‪.‬‬ ‫النظام ال�سوري بدوره‪ ،‬حاول منذ البداية احلديث‬ ‫عن �إرهاب و�إرهابيني يف �سوريا‪ .‬وعلى الأر�ض‪،‬‬ ‫ا�ستطاع بحنكة وبتواط�ؤ دويل و�إقليمي �أن يخلق‬ ‫املعطيات التي تثبت ادعاءاته‪ ،‬و�أن يجعل "داع�ش"‬ ‫يف واجهة الأحداث الدموية يف �سوريا منذ �سيطرتها‬ ‫على مدينة الرقة قبل �سنة ون�صف‪ .‬ومل يكن غريب ًا‬ ‫�أن تهدد الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام‬ ‫"داع�ش" املتحالفني �ضدها ب�أن ت�سلم املناطق التي‬ ‫ت�سيطر عليها للنظام ال�سوري‪.‬‬ ‫الفر�صة اليوم تبدو منا�سبة للق�ضاء على �أ�سود‬ ‫"داع�ش" اجلائعة‪ ،‬فقد �ضاق ال�سوريون ذرع ًا‬ ‫بها بعد �أن حتولت �إىل رديف ا�ستبدادي للنظام‬ ‫يف ما ي�سمى املناطق املحررة‪ ،‬ف�إبراهيم ق�سوم‬ ‫بائع املحروقات وحممد قطاع البائع املتجول‬ ‫هما عنوانان منوذجيان م�صغران جلرائم �أب�شع‬ ‫يجمعهما مبد�أ واحد هو انتحال دور الو�صاية على‬ ‫حياة ال�سوريني‪� .‬أما يف �صحاري الأنبار فلم تكن‬ ‫خيارات املالكي املفرو�ضة على ع�شائرها فقط‬ ‫�سبب رغبتها يف التخل�ص من "داع�ش"‪ ،‬بل كان‬ ‫ملمار�ساتها املوغلة يف الطائفية واحلقد دور يف‬ ‫�إعالن احلرب �ضدها‪ ،‬حتى لو عنى ذلك �أن تك�سب‬ ‫ايران عرب املالكي وب�أداة "�سنية" دوراً �إقليميا يف‬ ‫مكافحة الإرهاب تت�شاركه مع النظام ال�سوري‬ ‫كملف �أ�سا�سي على طاولة "جنيف ‪ ."2‬ولكن يف‬ ‫الوقت الذي يك�سب فيه املالكي تكتيكيا فلي�س‬

‫من املرجح احلفاظ على هذا املك�سب ا�سرتاتيجيا‪،‬‬ ‫حني يجعل من الع�شائرية الراف�ضة ا�سا�سا لل�سلطة‬ ‫املركزية �سالحه �ضد الطائفية‪ .‬اجلي�ش احلر مل يعد‬ ‫قادرا على ال�سكوت �أكرث ال�سيما و�أنه بد�أ يخ�رس‬ ‫مناطق نفوذه ل�صالح "داع�ش" بعد �أن خ�رس الدعم‬ ‫الغربي بف�ضل �سكوته عنها‪ .‬وبعد �أن �أ�صبح تراجعه‬ ‫�أمام قوات النظام و�أمام الدولة اال�سالمية عامال‬ ‫يهدد مبزيد من االن�شقاقات يف �صفوفه‪ ،‬وبالتايل‬ ‫زواله من امل�شهد ال�سوري‪ .‬لذا يعمل بالتحالف مع‬ ‫اجلبهة اال�سالمية على الق�ضاء عليها قبل فوات‬ ‫الأوان‪ .‬ومن جهتها‪ ،‬تعلم هيئة الأركان ومعها‬ ‫كل من االئتالف واملجل�س الوطني �أن احلملة‬ ‫على "داع�ش" جزء من امل�شهد ال�سوري الذي ي�سبق‬ ‫"جنيف ‪ ،"2‬فللجميع اليوم م�صلحة يف احلرب على‬ ‫الإرهاب‪ .‬الذي بات تذكرة حل�ضور م�ؤمتر من ح�رض‪.‬‬ ‫جبهة الن�رصة التي انبثقت �أ�سا�سا عن‬ ‫ ‬ ‫"داع�ش" و�أ�رصت على ا�ستقالليتها‪ ،‬جتد نف�سها‬ ‫�أكرث ف�أكرث يف مواجهة معها‪ .‬وبالرغم من حماولة‬ ‫�أبو حممد اجلوالين لعب دور الو�سيط يف املعركة‬ ‫الدائرة‪ ،‬ف�إن هذا املوقف مل يجنب "الن�رصة" نقمة‬ ‫"داع�ش"‪ .‬وت�ستعر بينهما اليوم حرب اجتهادية‬ ‫وفقهية تعود بنا �إىل مطالعات الع�رص اال�سالمي‬ ‫الو�سيط‪ .‬ففي درا�سة بعنوان الفت جاء ب�صيغة‬ ‫�إ�سالموية قرو�سطية هو‪" :‬الثمر الداين يف الرد‬ ‫على خطاب اجلوالين"‪ ،‬ي�صف �أبو همام الأثري‬ ‫�أحد منظري "داع�ش" وقادتها‪ ،‬ي�صف اجلوالين بـ‬ ‫"الأمري املن�شق" وب�أنه "�سبب امل�صائب والبالء يف‬ ‫�ساحة ال�شام"‪ .‬وفيما يدافع �أبو همام االثري عن‬ ‫ويح�ض على مبايعته �إمام ًا عام ًا‬ ‫�أبي بكر البغدادي‬ ‫ّ‬

‫داع�ش هي حم�صلة لرتدي املعار�ضة‬ ‫ال�سورية ع�سكري ًا و�سيا�سي ًا ب�أ�سبابه‬ ‫املو�ضوعية والذاتية‬

‫على امل�سلمني‪ ،‬يدافع ع�صام الربقاوي املعروف بـ‬ ‫"ب�أبي حممد املقد�سي" عن "اجلوالين" ويدعو من‬ ‫�سجنه يف الأردن"�أبي همام الأثري" �إىل "الرتوي‬ ‫قبل �إ�صدار الفتاوى التي تلزم الأمة �أموراً عظام ًا‬ ‫ٍ‬ ‫درا�سة وتروٍ من جهابذة العلم" ‪ .‬‬ ‫حتتاج اىل‬ ‫جبهة الن�رصة ال جتد نف�سها معنية بـ "جنيف‬ ‫‪ "2‬بقدر ما ت�ستفيد من متطلباته‪� ،‬أي الق�ضاء‬ ‫على "داع�ش"‪ .‬فتم�ضي يف بناء "الدولة"‪ ،‬وتعلن‬ ‫م�ؤخراً الإدارة العامة للخدمات التابعة لها يف‬ ‫حلب عن حاجتها لتعيني عدد كبري من املوظفني‬ ‫املخت�صني يف الإدارة العامة للخدمات من حملة‬ ‫�شهادات االخت�صا�ص العلمية واخلربات املهنية‪،‬‬ ‫يف اخت�صا�صات علمية �شاغرة يف جماالت الإعالم‪،‬‬ ‫والكهرباء‪ ،‬واملياه ‪ ،‬واملخابز‪ ،‬والنظافة! وت�ستمر‬ ‫اجلبهة يف فتح ذراعيها للمقاتلني املن�شقني عن‬ ‫الدولة الإ�سالمية املرمتني يف �أح�ضانها‪.‬‬ ‫وفيما يتجنب حزب اهلل �أي معركة مع القاعدة‬ ‫وتفرعاتها ويكتفى بعنوان عري�ض موارب حلربه‬ ‫يف �سوريا هو "احلرب �ضد التكفرييني"‪ ،‬تبدو‬ ‫الأولوية بالن�سبة للغرب والواليات املتحدة‬ ‫االمريكية هي احلرب على "الإرهاب"‪ .‬وا�شنطن‬ ‫تراقب عن كثب وتنتظر ح�سم املعركة حتى تت�ضح‬ ‫ا�سرتاتيجيتها القادمة مع ج�سد ع�سكري معار�ض‬ ‫يكون �ضد "القاعدة" والنظام يف �آن معا‪� .‬أما‬ ‫بع�ض دول اخلليج الفاعلة يف امل�شهد ال�سوري‪،‬‬ ‫فقد �أدركت �رضورة وجود معادل مو�ضوعي لـ‬ ‫"القاعدة" وتفرعاتها يكون بعيداً عن م�سمى‬ ‫الإرهاب‪ ،‬ليدير ب�شكل فاعل ال�ساحة ال�سورية طاملا‬ ‫�أن رياح " جنيف‪ "2‬قد هبت مبا ال ت�شتهيه �سفنها‪.‬‬ ‫�أما ال�شعب ال�سوري في�ستمر بدفع الفاتورة العالية‬ ‫الكلفة يف كل ما يجري ويدور‪ ،‬يتجرع �أنواع املوت‬ ‫املتعددة‪ ،‬ال�سيما و�أن هذه املعارك قد ترافقت مع‬ ‫كل االنتهاكات املمكنة حلقوق الإن�سان‪ ،‬بل �أي�ض ًا‬ ‫مع كل االنتهاكات املمكنة للت�أريخ الإ�سالمي‬ ‫الكال�سيكي املفعم بف�ضائل الفاحتني و�أخالقهم‪.‬‬


‫‪03‬‬

‫ق�ضايا‬

‫العدد (‪ 2014/01/12 )122‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫رهانات ال ‪ pyd‬امل�ستقلة عن الن�ضال الكوردي وارتباطاته مع البعث وحلفائه‬ ‫ابراهيم كوجلو‪ -‬ترجمة جان كورد‬

‫بعد اتفاقية لوزان مت تق�سيم كورد�ستان‪ ،‬وخ�ضوع اجلزء‬ ‫ال�صغري منه – جنوب غرب كورد�ستان – �إىل ال�سلطة‬ ‫ال�سورية‪ .‬و بعد �أن قامت يف غرب كورد�ستان �سلطة‬ ‫�سورية‪ ،‬ت�أ�س�س يف كورد�ستان نظام �أدنى من اال�ستعمار‪.‬‬ ‫فقد �أ�صبح ال�شعب الكوردي حمروم ًا من كل حقوقه‬ ‫القومية‪ ،‬ومل يتم قبول الكورد كمواطنني �سوريني �أي�ضاً‪،‬‬ ‫�إذا ما �أردنا تثبيت حال الكورد على العموم يف تلك‬ ‫الأوقات‪ ،‬ف�سيكون كالتايل‪ :‬كانت كورد�ستان قد �أ�صبحت‬ ‫وطن ًا جمز�أً و الكورد �أم ًة ممزقة �أي�ضاً‪ ،‬ويف كل جز ٍء من‬ ‫كورد�ستان كانت الأمة الكوردية حمرومة من حقوقها‬ ‫القومية‪ ،‬االجتماعية والثقافية‪.‬‬ ‫ولذا انتف�ض الكورد يف وجه النظام اال�ستعمار‪ ،‬وكافحوا‬ ‫من �أجل حريتهم‪ ،‬ومن �أجل �أن ي�صبحوا حاكمني‬ ‫لأنف�سهم‪ .‬ومل يكن �شكل الكفاح القومي واحداً يف الأجزاء‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫يف غرب كورد�ستان‪ ،‬مل يحدث �أن بد�أ كفاح م�سلح‬ ‫ك�شكل ن�ضايل يف ٍ‬ ‫وقت من الأوقات من �أجل انتزاع‬ ‫احلقوق القومية‪ .‬لذا ف�إن غرب كورد�ستان كان له على‬ ‫الدوام خ�صو�صيته‪ ،‬و�إحدى هذه اخل�صائ�ص �أنه على‬ ‫�أثر الثورات يف �شمال وجنوب كورد�ستان قد التج�أ عدد‬ ‫كبري من ر�ؤ�ساء وكتاب و�سيا�سيي الق�ضية الكوردية �إىل‬ ‫هناك‪ ،‬ولذلك فقد كان يف غرب كورد�ستان طاقة ثقافية‬ ‫حيوية وكبرية جداً‪ .‬ولذا ف�إن التنظيم الكورد�ستاين‬ ‫(خويبون – ‪ )Xweybûn‬ت�أ�س�س يف غرب كورد�ستان‪،‬‬ ‫و�صار عام ًال م�ساعداً للثورات القومية يف الأجزاء‬ ‫الأخرى �أي�ضاً‪.‬‬ ‫وعلى �أ�سا�س هذه الثقافة وجتارب الثورات القومية‬ ‫�أي�ضاً‪ :‬فقد ت�أ�س�س يف عام ‪" 1957‬احلزب الدميوقراطي‬ ‫الكورد�ستاين – �سوريا)‪ .‬ولذلك ف�إن الق�صد من ت�أ�سي�س‬ ‫احلزب وهدفه كان توحيد كورد�ستان وا�ستقالل‬ ‫كورد�ستان‪ .‬ولكن مت تغيري ا�سم احلزب بعد فرتة �إىل‬ ‫"احلزب الدميوقراطي الكوردي يف �سوريا"‪ ،‬عندها‬ ‫خا�ض احلزب �سيا�سة حملية من �أجل غرب كورد�ستان‪.‬‬ ‫�أ�صبح احلزب يف غرب كورد�ستان يف فرتة وجيزة قوي ًا‬ ‫ِ‬ ‫امل�ستعمرة مل تف�سح‬ ‫جداً وجماهريي ًا ‪ .‬ولكن الدولة‬ ‫املجال للحركة يف غرب كورد�ستان لتتقدم‪ ،‬بل قامت‬ ‫بعمليات كبرية �ضد احلزب‪ ،‬فاعتقلت م�ؤ�س�سي احلزب‬ ‫وم�س�ؤوليه وعذبتهم‪ ،‬وا�ستمر احلزب يف ن�ضاله يف‬ ‫ظروف خطرية للغاية‪ ،‬و�أ�صبح يف �سوريا معار�ض ًا قوي ًا‬ ‫ومنظم ًا يف �رسية با�ستمرار‪.‬‬ ‫تعر�ض احلزب يف عام ‪� 1965‬إىل االن�شقاق حتت ت�أثري‬ ‫احلركة القومية يف جنوب كورد�ستان‪ .‬فانتظم ال�شق‬ ‫الي�ساري وال�شق اليميني كلٍ على حدة‪� .‬أخذت احلركة‬ ‫القومية يف غرب كورد�ستان لون ًا �آخر‪ ،‬ودخلت مرحل ًة‬ ‫جديدة يف عام ‪ ،1980‬خا�ص ًة بعد �أن ربط نظام البعث‬ ‫حزب العمال الكورد�ستاين ‪ PKK‬بنف�سه‪ .‬ولكي يجعل‬ ‫النظام البعثي احلركة القومية يف غرب كورد�ستان‬ ‫والأحزاب وقادة الكورد بال اعتبار ف�إنه قد �أعلن عليها‬ ‫الهجوم عن طريق ت�سخري ‪ ، PKK‬ومار�س �ضدها حملة‬ ‫�شعواء‪ ،‬وو�ضع �آالف ال�شباب الكورد يف خدمة ‪،PKK‬‬ ‫ال لينا�ضلوا من �أجل مناطقهم‪ ،‬و�إمنا يف ليحاربوا‬ ‫يف �شمال كورد�ستان‪ ،‬فقتل الآالف من �شباب غرب‬ ‫كورد�ستان �ضمن �صفوف ‪ PKK‬يف �شمال كورد�ستان‪.‬‬ ‫و�صل هذا امل�رشوع بعد ٍ‬ ‫فرتة من الزمن �إىل مرحلة �أن‬ ‫قام حزب العمال الكورد�ستاين بت�أ�سي�س حزب االحتاد‬ ‫الدميوقراطي ‪ ،PYD‬الذي كان ثمرة تلك اجلهود‬ ‫امل�شرتكة‪ ،‬لذا ف�إن ا�سم هذا التنظيم خالٍ من "الكورد"‬ ‫و "كورد�ستان"‪.‬‬

‫مقاتالت يف �صفوف ال ‪pyd‬‬

‫عمل ‪ pyd‬منفرداً حتى يتمكن من ت�صفية تنظيمات‬ ‫غرب كورد�ستان‪ ،‬وت�سبب يف وقوع حوادث �سيئة عديدة‪،‬‬ ‫�إال �أنه مل ينجح يف م�ساعيه تلك‪ ،‬فال�شعب الكوردي مل‬ ‫ي�سمح له �أن يكون التنظيم الوحيد‪.‬‬ ‫ومع قيام الثورة ال�سورية �ضد نظام البعث يف عام‬ ‫‪ ، 2011‬ظهر احلراك القومي لل�شعب الكوردي يف غرب‬ ‫كورد�ستان وتنظيماته لإ�سقاط نظام البعث ال�شمويل‪،‬‬ ‫و�إقامة نظام تعددي الأحزاب وبرملاين‪ .‬فقط حزب‬ ‫‪PYD‬هو الذي �أبدى موقف ًا �سلبي ًا من الثورة‪ ،‬وظل مع‬ ‫بقاء نظام البعث قائماً‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬من �أجل �أن ال تتحالف املعار�ضة الكوردية مع‬ ‫املعار�ضة العربية‪ ،‬ف�إن النظام قد �ساعد حزب ‪PYD‬‬ ‫ب�شدة ليقوى‪ ،‬و�أف�سح له املجال ومده بالإمكانات‬ ‫الكبرية‪ ،‬ومن جل ذلك‪ ،‬فقد �سعى حزب ‪ PYD‬للقيام‬ ‫بواجباته جتاه نظام البعث‪ ،‬وارتكب �أعما ًال غري �إن�سانية‬ ‫وقتل ر�ؤ�ساء و�أع�ضاء الأحزاب القومية الكوردية‪.‬‬ ‫يف بداية الثورة ال�سورية مل تكن تنظيمات كورد�ستان‬ ‫متفقة فيما بينها‪ ،‬فكيف �سيكون و�ضع كورد�ستان بعد‬ ‫�إ�سقاط نظام البعث؟ يف هذه امل�س�ألة اال�سرتاتيجية �أي�ض ًا‬ ‫مل تكن ذات ٍ‬ ‫هدف موحد‪.‬‬ ‫لذا بد�أت حماولة من �أجل �أن توحد تنظيمات غرب‬ ‫كورد�ستان هدفها ون�ضالها‪ .‬لذلك انعقد "امل�ؤمتر‬ ‫الوطني الكوردي يف �سوريا"‪ ،‬فتقرر االحتاد والن�ضال‬ ‫امل�شرتك يف امل�ؤمتر‪ ،‬ومن �أجل ممار�سة الن�ضال امل�شرتك‬ ‫ت�أ�س�س املجل�س الوطني الكوردي ‪ ،‬وبقي ‪ PYD‬خارج‬ ‫هذا الوحدة‪ ،‬لأنه مل يكن يريد لنظام البعث �أن ي�سقط‪.‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬يف امل�ؤمتر الثاين للمجل�س الوطني الكوردي‬ ‫مت �إقرار �أن ت�صبح الدولة ال�سورية دولة فيدرالية ويكون‬ ‫و�ضع كورد�ستان فيها فيدرالياً‪.‬‬ ‫هذا املوقف وهذا القرار كان هام ًا جداً لغرب كورد�ستان‬ ‫وح ًال مل�شكلة تاريخية‪.‬‬ ‫وقف حزب ‪PYD‬موقف ًا معار�ض ًا من احلل الفيدرايل‪،‬‬ ‫لأن ‪ PYD‬كان يريد ح ًال على �شكل "�إدارة دميوقراطية"‬ ‫يف ظل نظام البعث‪.‬‬ ‫هذه اال�سرتاتيجية كانت يف نظر الراي العام ا�سرتاتيجية‬ ‫حزب ‪ , PKK‬وهذا ما �أظهر �أن حزب ‪ PYD‬لي�س حزب ًا‬ ‫لغرب كورد�ستان‪ ،‬و�إمنا هو تنظيم حلزب ‪ .PKK‬وهذا‬ ‫ما �أو�ضح �أن حزب ‪ PYD‬عرثة يف غرب كورد�ستان‪،‬‬ ‫كان من الواجب حل هذه املع�ضلة‪ ،‬و�إبعاد حزب‬

‫‪ PYD‬عن نظام البعث‪ .‬لذا �أراد رئي�س دولة كورد�ستان‬ ‫الفيدرالية �أي�ض ًا �أن يعقد اجتماع ًا لكل تنظيمات غرب‬ ‫كورد�ستان ومن �ضمنه ‪ . PYD‬وجنح يف حماولته‬ ‫هذه يف ٍ‬ ‫وقت ق�صري‪ ،‬فانعقد االجتماع يف "هولري"‪،‬‬ ‫ومتخ�ض عن االجتماع "اتفاقية هولري" التي ن�صت‬ ‫على عمل كل تنظيمات غرب كورد�ستان معاً‪ ،‬وت�شكيل‬ ‫"الهيئة الكوردية العليا" لغرب كورد�ستان تتوىل قيادة‬ ‫الن�ضال امل�شرتك‪ ،‬و�أن ال ي�شكل تنظيم ما لوحده قوات‬ ‫م�سلحة‪.‬‬ ‫مل ينفذ ‪ PYD‬م�ضمون تلك االتفاقية‪ ،‬وال ي�ستطيع‬ ‫تنفيذها‪ ،‬لأنه تنظيم تابع لنظام البعث وحلزب ‪. PKK‬‬ ‫و�إن حزب ‪ PKK‬الذي �أوقف القتال يف تركيا �أراد نقل‬ ‫قواته م�ؤقت ًا �إىل غرب كورد�ستان‪ .‬وقام بذلك فع ًال‪.‬‬ ‫وت�شكل قوات حزب ‪ PYD‬ب�أيادي حزب ‪ ، PKK‬والآن‬ ‫جميع م�س�ؤويل حزب ‪PYD‬منه‪ ،‬والنظام يدعم ذلك‪.‬‬ ‫و�ضع النظام لنف�سه يف غرب كورد�ستان �سيا�سة‬ ‫ا�سرتاتيجية جديدة فجعل حزب ‪� PYD‬رشيك ًا له‪ .‬وهذا‬ ‫هو ما دفع باملعار�ضة العربية الإ�سالمية واجلي�ش احلر‬ ‫�إىل اتخاذ حزب ‪ PYD‬هدف ًا لهم ويحاربونه‪ ،‬وكذلك‬ ‫الكورد جميعاً‪ .‬فنجح نظام البعث يف ا�سرتاتيجيته هذه‬ ‫ب�أن دخل القتال يف غرب كورد�ستان‪ ،‬ودفع بحزب‬ ‫‪� PYD‬إىل القتال بجانبه‪ ،‬وا�ضطر الكورد �إىل التجمع‬ ‫حول ‪.PYD‬‬ ‫ومن ناحية �أخرى‪ ،‬فقد عمل ‪ PYD‬على تقوية عالقاته‬ ‫مع �إيران‪ ،‬وحكومة املالكي ورو�سيا‪ ،‬يف الوقت الذي‬ ‫عملت تركيا على تدجني الكورد من خالل ت�سخري‬ ‫�أوجالن‪ .‬كما �أقام عالقات مع اال�ستخبارات الرتكية‪� .‬إن‬ ‫‪ PYD‬يبني نظام ًا ا�ستبدادي ًا ت�سلطي ًا لنف�سه‪ ،‬و�أقام‬ ‫جمل�س ًا له بطريقة غري دميوقراطية‪ ،‬ويحاول �أن ير�ضخ‬ ‫بنظامه هذا الكورد كلهم له‪.‬‬ ‫هذا احلراك وهذا البناء ال�سيا�سي ي�شكل خطراً على‬ ‫ال�شعب الكوردي‪ ،‬ويف امل�ستقبل �سيكون �سبب ًا يف �أن‬ ‫يقتل الكورد بع�ضهم بع�ضاً‪ .‬ويف الوقت ذاته‪ ،‬ف�إن هذا‬ ‫املوقف وهذه الرتكيبة ل ‪�PYD‬سيدفع مع ا�سقاط نظام‬ ‫البعث �إىل الهجوم على ‪ ، PYD‬و�سينجم عن ذلك �رضر‬ ‫ل�شعبنا الكوردي �أي�ضاً‪.‬‬ ‫على ‪� PKK / PYD‬أن يتخليا عن هذه املمار�سات‪،‬‬ ‫و�أن يتحركا مع الكورد‪ ،‬و�أن يحرتما اتفاقية "هولري"‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫ر�أي‬

‫العدد (‪ 2014/01/12 )122‬م‬

‫‪04‬‬

‫تفعيل البعد اال�سرتاتيجي للعقل الثوري‬ ‫غازي دحمان‬

‫ميثل التطور اجلديد يف الثورة ال�سورية‪ ،‬واملتج�سد‬ ‫ب�إخراج التنظيمات الأكرث تطرف ًا‪ ،‬من �سياق الفعل‬ ‫الثوري‪ ،‬نقلة مهمة يف التفكري اال�سرتاتيجي لعقل‬ ‫الثورة‪ ،‬وهو اجلانب الذي �أ�صابه العطب يف فرتة ما‬ ‫�أو جراء تعطيله مراعاة لظروف معينة‪.‬‬ ‫�أهمية هذه اخلطوة ت�أتي من �إدراك العقل الثوري‬ ‫لأهمية العامل الإ�سرتاتيجي يف االنت�صار‪� ،‬إذ طاملا‬ ‫اعتقد العقل الثوري �أن بناء املجال الإ�سرتاتيجي‬ ‫للثورة �سيفقدها حالة االن�سيابية التي متيزت بها‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن املجهود الذي يتطلبه وخوف بع�ض‬ ‫القائمني على الثورة من �أال تلقى ت�رصفاتهم تلك‬ ‫�صدى جماهريي‪ ،‬ورمبا خمافة اعرتا�ض املزاج‬ ‫الثوري الذي يعتقد البع�ض �أنه ذهب �إىل ذلك‬ ‫التطرف جراء ال�ضغط الذي تواجهه الثورة وبيئتها‬ ‫احلا�ضنة‪ ،‬والذي جتاوز حدود التنكيل‪.‬‬ ‫يف ظل هذا املناخ مال العقل الثوري �إىل جماراة‬ ‫الواقع والركون �إىل الك�سل الثوري الذي ال يتطلب‬ ‫جمهود الإبداع الدائم والبحث عن البدائل ونقد‬ ‫الواقع والتواجه مع قوى و�أفراد‪ ،‬وو�صل الأمر‬ ‫�إىل حد اعتقاد العقل الثوري �أن تلك الت�شكيالت‬ ‫املنحرفة ت�شكل روافداً ثورية‪ ،‬و�إن اختلفت‬ ‫التوجهات والتطلعات والر�ؤى‪ ،‬فالوقت لي�س وقت‬ ‫�إجراء حما�سبات تكون نتيجتها �إنقا�ص بع�ض القوة‬ ‫من ر�صيد الثورة‪ ،‬فيما امل�ستفيد الوحيد هو النظام‪،‬‬ ‫بل �صار البع�ض يعتقد �أن احل�ساب بعد اخلال�ص من‬ ‫النظام يف ما ي�شبه ر�ؤية انتهازية �سطحية توظف‬ ‫تلك القوى للخال�ص من النظام ثم تتخل�ص منها‬ ‫ذاتها يف حلظة قادمة‪.‬‬ ‫البقية معروفة فقد كانت اخل�سائر �أكرب من غلة‬ ‫الربح التي كان يت�أملها العقل الثوري‪ ،‬خ�سائر‬

‫ميكن و�صفها بالقاتلة‪ ،‬حينما بد�أ العامل يفكر‬ ‫ب�شكل جدي ب�إعادة مو�ضعة مواقعه جتاه احلدث‬ ‫ال�سوري و�أطرافه‪ ،‬الكثري من القوى �أعادت التن�سيق‬ ‫الأمني مع النظام‪� ،‬صحيح �أنها اختارت اجلانب‬ ‫القذر يف العالقة بني الأنظمة ال�سيا�سية‪ ،‬مما‬ ‫يو�ضح درجة االحتقار التي ال زالت دول العامل‬ ‫تكنها للنظام ال�سوري‪ ،‬لكن �أغلب تلك الدول مل تعد‬ ‫تتحدث عن �رضورة رحيل ب�شار‪ ،‬معطوف ًا على ذلك‬ ‫عدم االهتمام باحلدث ال�سوري على امل�ستويات‬ ‫ال�سيا�سية والإعالمية‪.‬‬ ‫�إعادة مقاربة احلدث ال�سوري بطريقة جديدة‪،‬‬ ‫كان يجب �أن يجريها �أو ًال العقل الثوري‪ ،‬وهو‬ ‫وحده املطلوب منه �إعادة بناء الق�ضية ال�سورية‬ ‫وتكييفها مع امل�صلحة العاملية وهواج�سها الأمنية‬ ‫وال�سيا�سية‪ ،‬ولي�س مطلوب ًا من العامل بلورة احلدث‬ ‫ال�سوري وتوليفه بحيث يتجان�س مع ال�سياق‬ ‫العاملي وقيمه ومفاهيمه‪.‬‬ ‫احلقيقة �أن النظام مل يركن كثرياً حلقيقة �أن له‬ ‫حلفاء ومنا�رصين‪� ،‬إن على م�ستوى الدول �أو على‬ ‫م�ستوى الأحزاب واجلماعات يف العامل‪ ،‬بل �أنه‬ ‫�أجرى تعديالت وا�سعة على �أداءه الإعالمي ور�ؤيته‬ ‫و�صياغته ال�سيا�سية للحدث‪ ،‬ولي�س مهم ًا هنا درجة‬ ‫امل�صداقية وال�شفافية التي ي�سبغها على روايته‬ ‫بقدر �أهمية تقدميه لنف�سه على انه الطرف العلماين‬ ‫املت�سامح وما �إىل �أخر ذلك من هذه الأن�شودة التي‬ ‫طاملا نظر لها العقل الثوري با�ستخفاف وازدراء‪.‬‬ ‫املطلوب من املعار�ضة �أن ت�ستمر بهذا الأمر لي�س‬ ‫ا�ستجابة ملواعيد �سيا�سية‪ ،‬جينيف وغريها‪،‬‬ ‫بالأ�صل جينيف م�سار ولي�س خامتة‪ ،‬وقد يطول‬ ‫هذا امل�سار ل�سنوات‪ ،‬من قال �إن الثورة �ست�ستغرق‬

‫كل هذه املدة؟‪ .‬ذلك �أن التعقيدات التي باتت حتيط‬ ‫بالأزمة تتطلب ا�سرتاتيجية بعيدة املدى ت�أخذ يف‬ ‫االعتبار نقاط القوة وال�ضعف لدى النظام‪ ،‬وعلى‬ ‫املعار�ضة �أن تتعامل ب�شكل جدي مع بناء جمال‬ ‫ال�رصاع للثورة‪ ،‬و�إن كان يف امليادين الع�سكرية �أو‬ ‫امليادين الدبلوما�سية التفاو�ضية‪ ،‬ومنم ال�رضوري‬ ‫يف كل تلك املجاالت الإحاطة بتفا�صيل وتعقيدات‬ ‫احلالة‪ ،‬وعلى اجلميع �أن يدرك �أن طاولة التفاو�ض‬ ‫تعني من حيث املبد�أ �أن الغلبة �ستكون للأقوى‬ ‫دبلوما�سي ًا‪ ،‬العامل �أحال الق�صة �إىل الطاولة‪،‬‬ ‫وللطاولة قواعدها التي يقبل بها اجلميع وال‬ ‫تعرتف طاوالت التفاو�ض ب�ضحية ونظام م�ستبد‬ ‫بل باجلميع ك�أطراف �رصاع‪.‬‬ ‫واحلال‪ ،‬ومبا �أن الثورة �صارت ممث ًال لتحالف‬ ‫عري�ض يقف خلفها‪ ،‬وكذا النظام �أي�ض ًا هو واجهة‬ ‫التحالف الذي يقف خلفه‪ ،‬وبالتايل ف�إن الثورة‬ ‫�ستقدم نف�سها بو�صفها ممثلة لذلك التحالف‪� ،‬أكرث‬ ‫من متثيلها لل�شعب ال�سوري‪ ،‬و�إن كانت تت�ضمن هذا‬ ‫التمثيل وت�ستند �إليه‪ ،‬والأهم من ذلك النظر �إىل ان‬ ‫النظام ممثل لتحالف ي�ستنفر قواه الدبلوما�سية‬ ‫ومهاراته التفاو�ضية مثلما ي�ستنفر موارده وقواه‬ ‫الع�سكرية يف امليدان‪.‬‬ ‫احلقيقة �أن الثورة حتولت �إىل جزء من اللعبة‪ ،‬لي�س‬ ‫اللعبة مبعناها الهزيل او ال�سلبي‪ ،‬و�إمنا اللعبة‬ ‫ال�سيا�سية الدائرة على امل�ستويني الإقليمي والدويل‪،‬‬ ‫هذا التحول �صار واقع ًا‪ ،‬وبالتايل فاملطلوب �إدراك‬ ‫قواعد اللعبة و�رشوط االنخراط فيها وكل ما‬ ‫يخ�صها‪ ،‬هنا ت�صري الدبلوما�سية واحلنكة ال�سيا�سية‬ ‫جزءاً من املجهود احلربي يف �ساحات القتال‪� ،‬أو‬ ‫موا�صلة لها‪.‬‬


‫‪05‬‬

‫ر�أي‬

‫العدد (‪ 2014/01/12 )122‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫املعريف وال�شعاراتي ‪ ..‬الوطنية والدميقراطية‬ ‫عالء الدين زيات‬

‫معرت�ضة �أوىل‪:‬‬ ‫بقايا الدولة احلالية ‪ ،‬ال�سائرة بخطى واثقة باجتاه‬ ‫الدولة الفا�شلة ( ف�شل من نوع عدمية الإدارات‬ ‫ودمار البنى) �أي م�رسع يلزمها �أف�ضل من حرب‬ ‫ميلي�شيات ؟ ‪.‬‬ ‫امل�رسع بد�أ ‪ ،‬يفرح البع�ض ‪ ،‬وي�س�أل البع�ض ما لعمل‬ ‫مع قوى ظالمية منحازة للخلف؟ ‪ ،‬و�أنا �أقول نعم‬ ‫كله �صحيح‪� ،‬أ�سئلة مقلقة ومتتلك كامل احلق ‪ ،‬ولكن‬ ‫النتيجة دولة فا�شلة من النوع امل�شار اليه �سابقا ‪.‬‬ ‫علينا قراءة �سيناريو من هذا النوع باكراً‪.‬‬ ‫املفهومان الأبرز يف التداول ال�سيا�سي اليوم ‪:‬‬ ‫الوطنية والدميقراطية ‪ ،‬يف م�سعى جدي لفك حالة‬ ‫التف�ضيل بالت�ضاد ‪ ،‬التي �صنعتها الديكتاتوريات ‪،‬‬ ‫ور�ضيت بها قوى الي�سار ‪ ،‬حتت يافطة كتب عليها‬ ‫بقلم الر�صا�ص ‪" :‬ممانعة" ‪ ،‬ما لبثت �أن ذابت‬ ‫الكتابة مع �أول قطرات دم �سقطت على الأر�ض ‪.‬‬ ‫لمِ َ كانت الوطنية مرجعية باملمار�سة تخت�ص‬ ‫بالأنظمة " اجلمهورية " ‪ ،‬وترتافق مع �أقوى �سحق‬ ‫متاح لقوى ال�شعب لو رغبت يف �إعالء �صوتها ‪،‬‬ ‫واالنخراط بال�ش�أن العام ؟ �سنحاول الإجابة ‪.‬‬ ‫امل�شكلة يف كال امل�صطلحني ‪ ،‬هو ت�أ�سي�سهما على‬ ‫معنى �شعاراتي ‪ ،‬دون االلتفات للمعنى املعريف ‪،‬‬ ‫وهذا �سيحيلنا دومنا �إبطاء ل�سرب التجهيل املق�صود‬ ‫‪ ،‬عرب تلم�س ق�رشية املعنيني ‪.‬‬ ‫الوطنية ‪ :‬هي جغرافيا تر�سمها �أنا�شيد اجلنود‬ ‫‪ ،‬وتت�شابك يف هويتها ح�ضارات و�أوابد ومدن‬ ‫ومعارك ‪ ،‬وتختزل بقيم عامة ت�سمى �أخالقيات‬ ‫جمتمع ‪ ،‬وتتج�سد ب�شكل ال لب�س فيه لدى القادة ‪.‬‬ ‫وهم منوذج الوطنية وحتم ًا يرتبع فوق ذلك القائد‬ ‫الرمز الذي ال يدانى ‪.‬‬ ‫يف كل العر�ض ال�سابق يغيب الإن�سان الفرد ويذوب‬ ‫ويختزل كم�صفق‬ ‫‪ ،‬يخ�ضع للت�صفية اجل�سدية‪ُ ،‬‬

‫ٍ‬ ‫ومتماه مع‬ ‫ومتلهف للطاعة‪ ،‬ويقتله ال�شوق للرتاب‪،‬‬ ‫التاريخ ‪.‬‬ ‫وحني يرغب ذلك الفرد بالتعبري عن �إميانه بفرديته‬ ‫‪� ،‬أو بحريته ‪� ،‬أو ب�شذوذه عن باقي خملوقات الوطن ‪،‬‬ ‫�أي حني تلح عليه الدميقراطية كمعرب ‪ ،‬ي�صبح لزام ًا‬ ‫مقابلة ذلك ب�أنه فرد ال وطني ‪ ،‬ي�صبح ج�رس اخليانة‬ ‫الوطنية هو نزوعه الدميقراطي ‪ .‬لذا جتد حماربني‬ ‫" وطنيني " �أ�شداء ال ي�سمحون ‪ ،‬ولو لربهة ق�صرية‬ ‫بناء �أي حجر يف هذا اجل�رس ‪ ،‬هل من العقل بناء‬ ‫ج�سور خيانة ؟‪.‬‬ ‫معرت�ضة ثانية‪:‬‬ ‫مل تكن القوى الدميقراطية بغافلة عن هذه املزدوجة‬ ‫بالت�ضاد‪ ،‬وكانت تراها‪ ،‬بل وحتاول فك ا�شتباك‬ ‫حلقاتها لتعزل املعنيني عن �أن يكونا مرتهنني‬ ‫لتف�سري قطبي ‪ ،‬لكن االبداع النظري مل يخرج مطلق ًا‬ ‫عن حلقة "بكدا�ش" الرئي�سية‪.‬‬ ‫يف تاريخها احلديث وب�شكل او�ضح مع مقارعة‬ ‫الفرن�سيني ‪ ،‬ظلت ق�ضايا الوطن تنهل مفهوم‬ ‫اال�ستقالل بت�شجيع �أطراف متنوعة ‪ ،‬مرة بت�أثري‬ ‫منهجي �إ�سالمي ‪� ،‬أو حتت �أحالم الر�أ�سمالية النا�شئة‬ ‫‪� ،‬أو بنزعة ا�ستقالل بالعدوى وت�أثرا بالتنوير ‪� ....‬إلخ‬ ‫‪� .‬إال �أن حمتواها التحرري ( االقت�صادي االجتماعي‬ ‫) ظ ّل غائب ًا كلي ًا ما بني احلربني �أو جزئيا ما‬ ‫بعد اال�ستقالل ‪ ،‬بع�ض الف�سحات ال�صغرية كانت‬ ‫حتاول ت�أ�سي�س مفهوم وطني باملعنى االقت�صادي‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ولكن عدة حروب وانتكا�سات كانت‬ ‫كفيلة لعودة الوطنية مبعناها ال�شامل كمنظومة‬ ‫�ضبط مطلق وتكري�س تعبري ج�رس اخليانة امل�ستند‬ ‫للدميقراطية للتداول ‪ ،‬وها نحن ‪.‬‬ ‫يحب �أن ي�سجل لإ�رسائيل هنا ف�ضل وا�ضح يف‬ ‫تعميم هذا املفهوم ومنح ورقة لعب دائمة لل�سلطات‬ ‫" اجلمهورية " لتعليق الدميقراطية على م�شجب‬

‫املحرمات ‪.‬‬ ‫هل متتلك جمريات الأحداث يف �سورية فر�صة‬ ‫جديدة لفك ا�شتباك الت�ضاد هذا ؟‪.‬‬ ‫�سيكون اجلواب املت�رسع غري الئق ‪ ،‬وخا�صة �أن‬ ‫مراجعة كاملة تبدو �رضورية جدا اليوم ‪ ،‬من‬ ‫منطلق �أ�رشنا �إليه �سابقا ‪ ،‬وهو االنفالت من ال�ضخ‬ ‫ال�شعاراتي واالرتكاز على املعنى املعريف ‪ .‬ولكن ال‬ ‫ميكن نكران �أن ت�ضاداً هائ ًال ما يزال يلف املعنيني‪،‬‬ ‫وهو ت�ضاد ي�صفع جبهتي ال�رصاع ( كقدمي وجديد‬ ‫) وي�صفع كل جبهة بذاتها ( كقدمي وجديد مرة‬ ‫وكقدمي و�أكرث عتق ًا مرة �أخرى ) ‪ ،‬ونادراً ما �شهدنا‬ ‫جمريات �رصاع بهذه احلدة والتداخل واال�شتباك‬ ‫ا�ستطاع �أطرافها �أن يخرجوا من ارتهانهم لليوميات‬ ‫‪ ،‬وفتح �سجل طويل للمراجعة والت�أمل ‪.‬‬ ‫ال�صوت امل�ستمر للطلقات ال يبقي للت�أمل فر�ص ًا‬ ‫كافية ‪ ،‬ورمبا من هنا جند ا�ستمرار حالة ا�شتباك‬ ‫الت�ضاد بني الوطني والدميقراطي‪ ،‬فمع ف�شل الدولة‬ ‫الكلي لي�س من دميقراطية ممكنة ‪ ،‬لي�ست �شعاراً‬ ‫يل�صق با�سم الدولة مينحها القدرة والرغبة على‬ ‫اال�ستجابة ملتطلبات الأفراد يف احلرية وامل�شاركة‬ ‫‪ ،‬بل هي حمتوى اجتماعي اقت�صادي فعال ‪،‬‬ ‫الدولة الفا�شلة ال ميكنها �صناعة ذلك بال�شعار �أو‬ ‫بالإعالنات‪.‬‬ ‫معرت�ضة ثالثة‪:‬‬ ‫عدمية الإدارات وانهيار البنى ‪ ،‬كتعبري عن مظاهر‬ ‫الدولة الفا�شلة ‪ ،‬ال تعني بال�رضورة موت ًا �رسيري ًا‬ ‫للمجتمع ‪ ،‬اذ للمجتمعات طرق ًا الفتة يف حفظ النوع‬ ‫واملتابعة ‪ ،‬ولكن فك ا�شتباك الت�ضاد بني الوطني‬ ‫والدميقراطي �سي�صبح من جديد مهمة م�ؤجلة كان‬ ‫اخلارج �سابقا حمر�ض ت�أجيلها ‪ ،‬واليوم عنا�رص‬ ‫الداخل املت�صارعة تر�سي ت�أجيلها اجلديد ‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/01/12 )122‬م‬

‫موجز ال�شرق‬

‫‪06‬‬

‫�ضلوع رو�سيا يف حتقيقات الف�ساد الأخرية يف تركيا‬ ‫وفقا مل�صادر مطلعة يف الواليات املتحدة‪ ،‬ف�إن ممثلي‬ ‫االدعاء االحتادي الرو�سي لعبوا دوراً رئي�سي ًا يف‬ ‫االعتقاالت اجلماعية التي طالت كبار م�ساعدي رئي�س‬ ‫الوزراء الرتكي رجب طيب �أردوغان‪.‬‬ ‫يف ‪ 17‬دي�سمرب‪ /‬كانون الأول ‪� 2013‬شنت وحدة‬ ‫اجلرائم املالية التابعة لل�رشطة ا�سطنبول حملة على‬ ‫�شبكة تهريب الذهب مقابل تبادل النفط بني �إيران‬ ‫وتركيا‪ .‬كما �ألقت ال�رشطة القب�ض على �أبناء �أربعة‬ ‫وزراء‪ ،‬بالإ�ضافة اىل ايراين �أذري و�أخر �أذربيجاين‬ ‫�إيراين متهم بدفع ‪� 63‬ألف دوالر ر�شاوى مل�س�ؤولني‬ ‫كبار يف حزب العدالة والتنمية لت�سهيل �صفقات النفط‬ ‫وانتهاك احلظر الذي فر�ضته الأمم املتحدة والواليات‬ ‫املتحدة على �إيران‪ .‬وتتهم تركيا بتهريب ما جمموعه‬ ‫‪ 119‬مليار دوالر من النفط من �إيران‪ .‬كما اتهم‬ ‫املتعهد االيراين زاراب ر�ضا بغ�سيل �أموال املدفوعات‬ ‫من خالل بنوك الذهب الرو�سي وال�صيني‪.‬‬ ‫ميلك امل�س�ؤولون الرو�س �أدلة قوية على �أن جزءاً كبرياً‬ ‫من متويل احلركة االنف�صالية والإرهاب اجلهادي‬ ‫يف منطقة القوقاز جنوب رو�سيا ي�أتي من جتارة‬ ‫الأفيون يف �أفغان�ستان‪ .‬وقد �أعطى املدعي العام‬ ‫الرو�سي االحتادي ملكافحة املخدرات فيكتور �إيفانوف‬ ‫ال�ضوء الأخ�رض لت�صعيد احلملة �ضد غ�سيل الأموال‪،‬‬ ‫حني ك�شفت النيابة العامة الرو�سية تعامالت الذهب‬ ‫غري امل�رشوعة يف البنوك الرو�سية يف عام ‪2011‬‬ ‫مع نظرائها الأتراك‪ ،‬كما �أدت التحقيقات ال�رسية‬ ‫التي ا�ستمرت لأكرث من عام اىل مداهمات واعتقاالت‬ ‫‪ 17‬دي�سمرب‪ .‬وكان من بني الذين اعتقلوا يف احلملة‬ ‫�سليمان �أ�صالن �أحد املقربني من �أردوغان ‪-‬الرئي�س‬ ‫التنفيذي لبنك خلق الذي متلكه الدولة‪ -‬الذي �شارك‬ ‫البنوك الرو�سية يف التعامل بالذهب وغ�سيل الأموال‪،‬‬ ‫واجلدير بالذكر �أن ال�رشطة حني داهمت منزله عرثت‬ ‫على مبلغ ‪ 4.5‬مليون دوالر نقداً‪.‬‬ ‫ا�ستجاب �أردوغان للجملة بت�رسيح �أكرث من �ألف �ضابط‬

‫�رشطة‪ ،‬و�أمر بالتحرك ملنع املزيد من االعتقاالت‪.‬‬ ‫مما �أدى اىل تفاقم الأزمة التي مير بها‪ ،‬كما �أن‬ ‫املدعي العام يف ق�ضية الر�شوة زكريا �أوز‪ ،‬ارتبط‬ ‫ا�سمه باحلركة الإ�سالمية التي ير�أ�سها فتح اهلل غولني‬ ‫ذات ال�شعبية الوا�سعة يف داخل تركيا ‪ ،‬والتي اخرتقت‬ ‫وكاالت �إنفاذ القانون‪ ،‬ومكاتب املدعي العام وو�سائل‬ ‫الإعالم الذي كان يف البداية من امل�ؤيدين لرجب طيب‬ ‫�أردوغان وحزب العدالة والتنمية‪.‬‬ ‫ومنذ عدة �سنوات ‪� ،‬أمر �أردوغان بحملة على املدار�س‬ ‫الإعدادية التابعة لغولن يف جميع �أنحاء البالد ‪ ،‬ويف‬ ‫�أوائل كانون الأول‪/‬دي�سمرب‪ ،‬ن�رش �صحايف التحالف‬ ‫الغوليني‪ ،‬حممد باران�سو‪ ،‬وثيقة م�رسبة من ‹الأمن‬ ‫الوطني›‪ ،‬وقعها �أردوغان‪ ،‬ي�أمر فيها ب�شن حملة على‬ ‫الإمرباطورية املالية لغولني داخل تركيا‪.‬‬ ‫وي�أتي توقيت هذه احلملة على الف�ساد يف مرحلة‬ ‫حرجة مير بها �أردوغان‪ ،‬ففي مار�س ‪�/‬آذار املقبل‬ ‫هناك االنتخابات البلدية‪ ،‬ويف �أغ�سط�س ‪�/‬آب‪ ،‬ت�أتي‬

‫االنتخابات الربملانية املحددة لالنتخابات الرئا�سية‬ ‫يف منت�صف ‪ .2015‬ومن الوا�ضح �أن �شعبية �أردوغان‬ ‫قد تزعزعت نتيجة لهذه الغارات والف�ضائح‪ .‬وكان‬ ‫رئي�س الوزراء قد اتهم ال�سفري الأمريكى فران�سي�س‬ ‫ريكياردون على �أنه املحر�ض وراء م�ؤامرة حركة فتح‬ ‫اهلل كولن التي تهدف اىل زعزعة حزب العدالة والتنمية‬ ‫(فتح اهلل كولن يعي�ش حالي ًا يف املنفى يف الواليات‬ ‫املتحدة بوالية بن�سلفانيا منذ ‪.)1999‬‬ ‫فيما عمل الرو�س و لدوافع خا�صة على ف�ضح �صفقة‬ ‫النفط مقابل الذهب‪ ،‬كما مت اخرتاق اجلانب الإيراين‬ ‫يف عملية انتهاك العقوبات من قبل دوائر فيلق احلر�س‬ ‫الثوري الإيراين بتحالف وثيق مع الرئي�س ال�سابق‬ ‫�أحمدي جناد من خالل ف�ضح عملية غري قانونية‪� ،‬ساند‬ ‫الرو�س الرئي�س روحاين والرئي�س ال�سابق رف�سنجاين‪،‬‬ ‫اللذين حر�صا على و�ضع اللم�سات االخرية على االتفاق‬ ‫مع جمموعة خم�سة زائد واحد من �أجل رفع العقوبات‬ ‫املفرو�ضة على ايران نهائياً‪.‬‬

‫العملية االنتقالية يف م�صر وعبثية الآليات‬

‫ان ا�ستئناف الثورة يف �إعادة بناء دولة م�رص ما‬ ‫منحى عبثي ًا يف الأ�سابيع القليلة‬ ‫بعد مبارك اتخذ‬ ‫ً‬ ‫املا�ضية‪ .‬فبعد انهيار �أجزاء من هيكل الدولة خالل‬ ‫العا�صفة التي متر بها املرحلة انتقالية‪ ،‬جنح‬ ‫النظام القدمي يف جتميع عنا�رصه الرئي�سية‪ ،‬وبد�أ‬ ‫حملة من�سقة لإ�سكات املعار�ضة من املع�سكرين‬ ‫الإ�سالمي وما ي�سمى بالليرباليني و ن�شطاء حقوق‬ ‫الإن�سان‪.‬‬ ‫يف حني �أن التعامل مع الإخوان بدا له ما يربره‬ ‫يف �أعني امل�رصيني بعد �سنة من الفو�ضى حتت‬ ‫حكم الرئي�س ال�سابق حممد مر�سى ‪ ،‬غري �أن التحرك‬ ‫�ضد الليرباليني ال�شباب ال يبدو �أن له ما يربره‪ ،‬وقد‬ ‫تعر�ض هذا التحرك �إىل ال�سخرية من قبل كثريين‪.‬‬ ‫وقد عملت �أجهزة الأمن على ت�رسيب ت�سجيالت‬ ‫حمادثات هاتفية لبع�ض النا�شطني‪ ،‬وال �سيما‬ ‫للمعار�ض حممد الربادعي ‪ ،‬مما �أثار بع�ض‬ ‫الت�سا�ؤالت حول مدى قدرة ال�رشطة وممار�ساتها‬ ‫الأخالقية‪ .‬كما ظهرت ت�سجيالت ملكاملات هاتفية‬ ‫لبع�ض زعماء حركة املعار�ضة تف�ضح مناق�شات‬ ‫دارت حول التربعات املالية مع بع�ض رجال‬ ‫الأعمال البارزين‪ .‬وقد وجدت هذه الت�سجيالت‬ ‫بالتعاون مع مركز ال�شرق للبحوث‬

‫طريقها اىل قنوات التلفزيون احلوارية‪ ،‬و ا�ستخدمت‬ ‫لت�شويه �سمعة الن�شطاء الليرباليني‪.‬‬ ‫يف حني يتم الت�سا�ؤل حول مدى م�رشوعية هذه‬ ‫الت�سجيالت الهاتفية‪ ،‬جنح اجلو العام تدريجي ًا �إىل‬ ‫حافة اله�سترييا الوطنية‪ .‬كما �أن دعاية �إعالنية‬ ‫كبرية لإحدى �رشكات االت�صاالت �أظهرت الدمية‬ ‫القطنية تتحدث على الهاتف على �أنها ر�سالة �إىل‬ ‫الإرهابيني لتفجري مركز جتاري من قبل املعار�ضة‬ ‫يف م�ؤامرة خططت لها بريطانيا عرب �رشكة‬ ‫االت�صاالت ‪ . M16‬مما نتج عنه �أن يتقدم املدعي‬ ‫العام بطلب ر�سمي للتحقيق حول هذه الدمية‪.‬‬ ‫يهدف هذا التحرك �إىل �إحكام الرقابة على البلد‬ ‫للتخل�ص من جميع قوى املعار�ضة‪ .‬حني يتم‬ ‫متثيل جماعة الإخوان امل�سلمني على �أنهم جماعات‬ ‫�إرهابية‪ ،‬والن�شطاء على �أنهم «عمالء �أجانب»‪ .‬هذا‬ ‫التكتيك هو يف غاية اخلطورة‪ ،‬وقد �أثبت جناحه يف‬ ‫املا�ضي لفرتة ق�صرية‪ ،‬لكنه الآن يكاد يكون «مهمة‬ ‫م�ستحيلة» ال�ستعادة متا�سك امل�ؤ�س�سات كما كانت‬ ‫عليه يف عهد مبارك الذي انهار بالكامل تقريبا‬ ‫قبل ثالث �سنوات‪� .‬إن منطق الإ�رصار على �إعادة بناء‬ ‫الدولة بنف�س الطريقة القدمية ي�شكل حتدي ًا‪ ،‬ويف�سح‬

‫املجال ل�سل�سلة من الثورات العنيفة والعفوية كالتي‬ ‫�شهدتها البالد منذ االطاحة مببارك‪ ،‬والتي كانت‬ ‫موجهة �أ�سا�سا �ضد الدولة‪ .‬ما الذي يدفع �أي �شخ�ص‬ ‫�أن يعود �إىل احلالة ال�سابقة �إال اذا كان من �ش�أنها‬ ‫�أن ت�ؤدي �إىل ثورة �أخرى تعيد الإخوان واحلركات‬ ‫املتطرفة �إىل احلكم؟‬ ‫ما�ض قدم ًا يف‬ ‫‪ ‬ومع ذلك‪ ،‬ف�إن النظام اجلديد‬ ‫ٍ‬ ‫م�سارات متوازية‪� .‬أوال‪ ،‬حتقيق املتطلبات التقنية‬ ‫التي نادت بها الثورة �أوال‪ ،‬وهي الد�ستور الذي‬ ‫�سوف يتم الت�صويت عليه عرب ا�ستفتاء ‪ 14‬من‬ ‫ال�شهر اجلاري‪ ،‬واالنتخابات الرئا�سية التي تليها‬ ‫انتخابات برملانية يف غ�ضون �أ�شهر قليلة‪ .‬ثاني ًا‪،‬‬ ‫حملة �شعواء �ضد تر�شح بع�ض اجلماعات الليربالية‪.‬‬ ‫يكاد يكون من امل�ؤكد �أن عبد الفتاح ال�سي�سي �سوف‬ ‫يكون رئي�س ًا للجمهورية ‪ ،‬ولكن �إحياء حالة عهد‬ ‫مبارك والتقدم يف تعزيز و�سائلها دون الإ�رصار‬ ‫على احلفاظ على مظهر التغيري لن ي�ساعد النظام‬ ‫اجلديد على املدى املتو�سط​​‪ ،‬اذ �أن اخلط�أ الرئي�سي‬ ‫من املحاولة احلالية للعودة �إىل الو�ضع الطبيعي‬ ‫يف م�رص هو مواءمة املطالب ال�شعبية الفورية مع‬ ‫العوامل احلقيقية التي ت�ضمن اال�ستقرار‪.‬‬


‫موجز ال�شرق‬

‫‪07‬‬ ‫لبنان‪ :‬االغتياالت هي الطريق �إىل‬ ‫املواجهة الطائفية‬

‫كان للهجوم ب�سيارة مفخخة يف جنوب بريوت‬ ‫على حارة حريك ثالثة �أهداف مبا�رشة يف �سياق‬ ‫ات�ساع ال�رصاع الطائفي الذي يزداد دموية كل‬ ‫�أ�سبوع‪ .‬الهدف الأول الذي ا�ستهدف �أن�صار ب�شار‬ ‫الأ�سد يف مواقعهم يتعلق بت�شكيل احلكومة اجلديدة‬ ‫يف لبنان‪� .‬أما الهدف الثاين �إر�سال ر�سالة اىل حزب‬ ‫اهلل ملغادرة �سوريا ‪ ،‬والثالث االيحاء لأن�صار ب�شار‬ ‫الأ�سد ب�أنهم لي�سوا مب�أمن من الو�صول اليهم يف‬ ‫�أحياء ال�سنة ‪.‬‬ ‫عقب تفجري حارة حريك الذي �أدى �إىل مقتل �أربعة‬ ‫و�إ�صابة ‪ 77‬معظمهم من اللبنانيني ال�شيعة يوم‬ ‫اخلمي�س ‪ 2‬من ال�شهر اجلاري �شهدت طرابل�س يف‬ ‫�شمال لبنان ا�شتباكات عنيفة بني الأغلبية ال�سنية‬ ‫والأقلية ال�شيعية يف املدينة‪ .‬واجلدير بالذكر �أن‬ ‫طرابل�س هي عادة ما تكون مر�آة امل�شاعر الطائفية‬ ‫يف لبنان‪ .‬وقد �أظهرت و�سائل الإعالم الوطنية‬ ‫احتفاالت ال�سنة يف طرابل�س عقب انفجار حارة‬ ‫حريك‪ ،‬و رد ال�شيعة على اال�ستفزاز ب�إطالق نريان‬ ‫ا�ستهدفت زفافني لل�سنة يف باب التبانة‪.‬‬ ‫�إن هذا االنفجار الأخري هو جزء من �سل�سلة من‬ ‫الهجمات التي ت�ضع لبنان جمدداً على ر�أ�س قائمة‬ ‫من �ضحايا اال�ستقطاب ال�سني ‪ -‬ال�شيعي يف ال�رشق‬ ‫الأو�سط‪ .‬ويت�ضح �أكرث ف�أكرث �أن هذا اال�ستقطاب‬ ‫العميق‪ ،‬يزيد من �صعوبة احتواء انت�شاره يف‬ ‫امل�ستقبل القريب‪ .‬وبالرغم من �أن طبيعة القوى‬ ‫التي تدفع هذا اال�ستقطاب معروفة ومع ذلك‪ ،‬ف�أن‬ ‫�إمكانية ال�سيطرة عليها قد ت�ؤدي �إىل عواقب خطرية‪.‬‬ ‫وتقع املنطقة حيث وقع االنفجار حتت �إجراءات‬ ‫�أمنية م�شددة من حزب اهلل‪ .‬ويزعم �أن �سائق �سيارة‬ ‫مليئة باملتفجرات طلب الأذن من احلرا�س ل�رشاء‬ ‫بع�ض اخلبز من خمبز يف املنطقة‪ .‬وقد �سمح‬ ‫احلرا�س على م�ض�ض لل�سيارة بالعبور‪ .‬ويدعي‬ ‫اجلاين �أنه من ال�سنة الذين ان�ضموا اىل جمموعة‬ ‫املجاهدين للقتال �إىل جانب املعار�ضة ال�سورية‪،‬‬

‫العدد (‪ 2014/01/12 )122‬م‬

‫لكنه �أر�سل لقتال حلفاء الأ�سد يف لبنان‪.‬‬ ‫الآن يرتقب اجلميع يف لبنان ردة فعل حزب اهلل ‪،‬‬ ‫وما �إذا كان الرد �سوف يكون عن طريق هجمات‬ ‫م�ضادة بني ال�شيعة وال�سنة املقاتلني عرب احلدود‬ ‫اللبنانية‪� ،‬أو عن طريق �سل�سلة هجمات وهجمات‬ ‫م�ضادة يف بالد �أخرى تدعم اجلماعات اجلهادية‬ ‫‪� .‬إذا كان حزب اهلل ال يتخذ مثل هذا القرار فوراً‪،‬‬ ‫فامل�س�ألة جمرد م�س�ألة وقت قبل �أن ت�رسي العدوى‬ ‫اللبنانية من هجمات وهجمات م�ضادة وتنت�رش يف‬ ‫بلدان �أخرى‪.‬‬ ‫يعترب تفجري حارة حريك م�ؤ�رشاً على �أن الو�ضع‬ ‫الإقليمي ينزلق خارج ال�سيطرة‪ .‬ولكن يجب �أن‬ ‫ينظر اىل هذا التفجري على �أنه واحدة من �سل�سلة‬ ‫االغتياالت و غريها من ال�رضبات التي كانت‬ ‫غائبة يف لبنان لعدد من ال�سنوات‪ .‬ويف هذا ال�سياق‬ ‫من بعد �أكرث من �أ�سبوع اغتيل دبلوما�سي لبناين‬ ‫بارز من ال�سنة هو الوزير ال�سابق حممد �شطح اغتيل‬ ‫مفخخة بينما كان متوجه ًا �إىل‬ ‫�سيارة ّ‬ ‫عند انفجار ّ‬ ‫اجتماع‪ .‬وبعد ذلك بعدة �أيام‪� ،‬أفيد �أن ماجد املاجد‬ ‫قائد كتائب عبد اهلل عزام قد مت القب�ض عليه‪ .‬ويف‬ ‫ين‪.‬‬ ‫�صباح ‪ 4‬يناير ‪ ،‬تويف املاجد يف �سجن لبنا ّ‬ ‫ويف اليوم نف�سه‪� ،‬أعلن تنظيم الدولة الإ�سالمية يف‬ ‫العراق وال�شام م�س�ؤوليته عن التفجري االنتحاري‬ ‫يف حارة حريك‪.‬‬ ‫ال ميكن التكهن الآن حول مدى امتداد احلرب‬ ‫يف �سوريا وانعكا�ساتها على لبنان‪ ،‬ولكن ثمة‬ ‫دبلوما�سيون عرب يناق�شون بع�ض التقارير التي‬ ‫قد تدفع اىل عقد م�ؤمتر �إقليمي يف حال تو�صل‬ ‫الغرب وايران اىل اتفاق دائم ب�ش�أن برنامج طهران‬ ‫النووي‪ .‬ولكن مع تناق�ص دور الواليات املتحدة‬ ‫يف املنطقة وعدم قدرتها لفر�ض نفوذها للت�أثري‬ ‫على الالعبني الإقليميني‪ ،‬ف�إنه �سيكون من ال�صعب‬ ‫�أن نتوقع �أي نتائج �أخرى بل املزيد من التدهور‪.‬‬

‫ر�أي‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫عيدر�أ�سال�سنةاجلديدةلتنظيمالقاعدة‬

‫قبل �أن تبزغ �شم�س اليوم الأول من العام اجلديد ‪،‬‬ ‫قام تنظيم القاعدة بالهجوم املفاجئ على الفلوجة‬ ‫و الرمادي يف خطوة مثرية للقلق تعك�س التو�سع‬ ‫امل�ستمر للمنظمة يف ال�رشق الأو�سط يف غ�ضون‬ ‫العامني املا�ضيني ‪� .‬صحيح �أن قرار رئي�س الوزراء‬ ‫العراقي نوري املالكي مبهاجمة االعت�صامات يف‬ ‫عدد من مدن الأنبار ‪ ،‬تاله �سحب قوات اجلي�ش من‬ ‫املناطق ذات الكثافة ال�سكانية العالية يف هذه‬ ‫املدن‪ ،‬ما ميثل فر�صة للدولة الإ�سالمية يف العراق‬ ‫و بالد ال�شام ( داع�ش ) يف الأنبار‪ .‬ولكن هذا التو�سع‬ ‫يف تنظيم القاعدة لي�س جمرد رد فعل على تلك‬ ‫الأخطاء التقنية‪.‬‬ ‫�إن تنظيم القاعدة ‪ ،‬بكل ما فيه من « تنظيمات «‬ ‫وفروع هو مظهر من مظاهر �أزمة �سيا�سية �أعمق‬ ‫يف ال�رشق الأو�سط‪ ،‬حيث ظهرت هذه الأزمة يف‬ ‫العامل قبل ثالث �سنوات يف �شكل ما ي�سمى بالربيع‬ ‫العربي ‪ ،‬وتلك التنظيمات تقوم الآن باال�ستيالء‬ ‫على الأرا�ضي احلالية على �أ�س�س اجلغرافية‬ ‫ال�سيا�سية �أو االجتماعية‪.‬‬ ‫بينما يقف العامل عاجزاً �إزاء ما يحدث ‪ ،‬فحكمة‬ ‫اليوم هو «ح�سنا‪ ،‬ميكننا �أن نفعل �شيئا « ‪� ،‬أو «نحن‬ ‫نفعل �أف�ضل �شيء « ‪ .‬ولكن العامل ميكن �أن يفعل‬ ‫الكثري و من الأف�ضل �أن يكون عاج ًال ولي�س �آج ًال‬ ‫‪ ،‬فما ال ميكن ت�صوره هو �إدراك �أن العامل م�صنوع‬ ‫من عاملني خمتلفني متاما يعي�شان ب�سالم ‪ ،‬كلٍ‬ ‫وراء عامله اخلا�ص‪ ،‬مثل �سور ال�صني العظيم ‪.‬‬ ‫ونحن بالت�أكيد �سوف جند يف كل حالة يتو�سع فيها‬ ‫تنظيم القاعدة العديد من املعلومات التف�صيلية‬ ‫ل�رشح بع�ض احلوادث ال�صغرية والكبرية‪ ،‬ففي‬ ‫حالة العراق مثال ‪� ،‬سبق الهجوم على «داع�ش»‬ ‫يف الأنبار لقاء بني �أمري �سعودي بارز و م�س�ؤول‬ ‫الأمن القومي العراقي فالح الفيا�ض يف الأردن‪،‬‬ ‫ويف حالة م�رص عقد اجتماع وافق فيه املجل�س‬ ‫الع�سكري الأعلى على تر�شيح ال�سي�سي للرئا�سة ‪،‬‬ ‫وميكن لنا يف كال احلالتني �أن نغرق ب�سهولة يف‬ ‫بحر من التفا�صيل‪ .‬لكن جوهر هذه اخلرائط املعقدة‬ ‫التي ال تعرف الكلل ويحتار العقل �أمام �أحداثها‬ ‫هو‪ :‬احلاجة امللحة و العميقة للتنمية االقت�صادية‬ ‫واحلكم الر�شيد يف املنطقة‪.‬‬ ‫ذات مرة خل�ص �صديق يل من �أفغان�ستان م�شكلة‬ ‫بالده بالقول « حني ترى امل�صنع بجانب جمموعة‬ ‫من القرى ‪ ،‬يكون كل �شيء قد انتهى « ‪ .‬كذلك يف‬ ‫حالة الزوج الذي ي�ستعبد زوجته وابنه‪ ،‬وين�ضم‬ ‫�إىل اجلهاديني طلب ًا للرزق‪� ،‬سوف ينتهي كل هذا‬ ‫يف حالة توفر فر�صة العمل احلقيقية‪ ،‬حيث �أنهم‬ ‫�سيجدون املعنى احلقيقي لذواتهم ‪ .‬ولن تقبل‬ ‫الزوجة بعد اليوم �إيذاء زوجها لها‪ ،‬ولن ي�ستمع‬ ‫االبن لقوى التع�صب املدمرة‪ ،‬فكالهما �سوف‬ ‫يدافعان عن �أنف�سهما و حياتهما �رشيطة �أن يكون‬ ‫جوهر اخليار الكرامة والرفاه‪.‬‬ ‫قد تكون هذه وجهة نظر مب�سطة عن ويالت ال�رشق‬ ‫الأو�سط‪ .‬ولكننا نعرف �أنه يجب �أن يكون هناك‬ ‫و�سيلة ملواجهة هذا ال�رش الذي يتو�سع كل يوم يف‬ ‫هذه املنطقة ‪ ،‬وما مل نفهم القوى العاملية �أن «‬ ‫لكل نف�س خا�صتها» لن ننجح ‪ ،‬و�سوف نواجه �أ�سو�أ‬ ‫م�شاكل العامل‪ ،‬مثل احلروب والقوات اجلهادية ‪،‬‬ ‫و�سيوا�صل تنظيم القاعدة الدموي االحتفال بهذه‬ ‫ال�سنة اجلديدة‪ ،‬وكل �سنة جديدة قادمة‪.‬‬

‫ع�صام عزيز‬

‫بالتعاون مع مركز ال�شرق للبحوث‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/01/12 )122‬م‬

‫الأخرية‬

‫‪08‬‬

‫�إ�شكالية احلريات الأكادميية يف العامل العربي‬ ‫الدكتور عبداهلل تركماين‬

‫�شاركت يف امل�ؤمتر اخلام�س والع�رشين ملنتدى الفكر‬ ‫ُ‬ ‫املعا�رص بدعوة كرمية من « م�ؤ�س�سة التميمي للبحث‬ ‫العلمي واملعلومات « و « م�ؤ�س�سة كونراد �أديناور « يف‬ ‫تون�س‪ ،‬خالل الفرتة من ‪� 19‬إىل ‪ 21‬يونيو‪/‬حزيران‬ ‫وقدمت ورقة حتت عنوان « جدل العالقة بني‬ ‫‪.2008‬‬ ‫ُ‬ ‫احلريات الأكادميية والن�سق ال�سيا�سي العربي «‪ ،‬و�أود‬ ‫�أن �أطلع قراء « البديل « على بع�ض ما �أثرته يف تلك‬ ‫الورقة‪.‬‬ ‫ال ميكن احلديث عن احلريات الأكادميية مبعزل عن‬ ‫احلريات العامة يف �أي جمتمع‪ ،‬وبالتايل مبعزل عن‬ ‫جمموعة الأن�ساق االقت�صادية واالجتماعية والثقافية‬ ‫وال�سيا�سية‪ .‬ويف مقالتنا اليوم �سنتناول احلريات‬ ‫الأكادميية من زاوية عالقتها بالن�سق ال�سيا�سي‬ ‫العربي‪� ،‬إذ � ّأن الو�ضعية م�ؤ�سفة للغاية‪ ،‬فطيلة الن�صف‬ ‫القرن الأخري تعر�ضت م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف‬ ‫البلدان العربية �إىل التوظيف ال�سيا�سي وا�س ُتغلت‬ ‫كف�ضاء للت�أطري الأيديولوجي‪.‬‬ ‫ويف الواقع‪ ،‬متثل �أزمة البحث العلمي جما ًال مهم ًا‬ ‫للعديد من الإ�شكاليات الرئي�سية‪ ،‬مثل موقع البحث‬ ‫يف خريطة اهتمامات ال�سلطة وامل�س�ؤولني وامل�رشفني‬ ‫على التعليم العايل والبحث العلمي‪ :‬عالقة ال�سلطة يف‬ ‫العامل العربي بالبحث العلمي وعالقة البحث العلمي‬ ‫ب�صناعة القرار‪ ،‬وعالقة الدول العربية بالأدمغة‬ ‫املهاجرة والكفاءات العلمية العربية املوجودة يف‬ ‫خمتلف �أنحاء العامل‪ ،‬وماذا فعلت احلكومات العربية‬ ‫ال�ستقطاب هذه الكفاءات �أو على الأقل اال�ستفادة منها‬ ‫؟‬ ‫ويف هذا املجال‪ ،‬ميكن الإ�شارة �إىل � ّأن الأزمة العربية‬ ‫مبجملها هي �أزمة قيادة تفتقر‪ ،‬يف الن�سق ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫�إىل القدرة على ا�ستيعاب املتغيات يف البيئة الدولية‪،‬‬ ‫خا�صة ق�صور النظرة �إىل الأ�ساليب الدميقراطية يف‬ ‫قيادة املجتمع والدولة‪ .‬فقد ا�ستولت النخب احلاكمة‬

‫على الدولة‪ ،‬وحتولت �إىل �سلطات مل ت�أخذ من �أدوار‬ ‫الدولة �سوى اجلانب الأمني‪ ،‬من دون �أي اعتبار‬ ‫للمفاهيم الأخرى كاملواطنة والدميوقراطية والتنمية‬ ‫والتطور االقت�صادي واالجتماعي‪.‬‬ ‫وكان من نتيجة �أزمة الن�سق ال�سيا�سي العربي �أن‬ ‫ا�ستفحلت ظاهرة هجرة الكفاءات العربية‪� ،‬إذ جاء‬ ‫يف ورقة عمل حملت عنوان « هجرة العمالة العربية‪،‬‬ ‫الفر�ص والتحديات « قدمتها �إدارة ال�سيا�سات‬ ‫ال�سكانية والهجرة يف جامعة الدول العربية لالجتماع‬ ‫الأول لوزراء الهجرة العرب يف فرباير‪�/‬شباط ‪،2008‬‬ ‫� ّأن نحو ‪� 70‬ألف جامعي عربي يهاجرون �سنوي ًا‬ ‫من جمموع ‪� 300‬ألف متخرج �سنوي ًا من اجلامعات‬ ‫العربية‪ ،‬وحذرت من � ّأن �أكرث من مليون مهاجر عربي‬ ‫يف بلدان منظمة التعاون االقت�صادي للتنمية « ‪C.‬‬ ‫‪ « S.D‬حا�صلون على �شهادات جامعية عليا‪ ،‬و� ّأن‬ ‫عدد الأطباء العرب الذين يهاجرون �سنوي ًا نحو البلدان‬ ‫وقدرت‬ ‫الأوروبية يقدر بنحو خم�سة �آالف طبيب‪ّ .‬‬ ‫خ�سائر العامل العربي‪ ،‬ب�سبب هجرة الكفاءات‪ ،‬بنحو‬ ‫‪ 1.57‬مليار دوالر �سنوياً‪.‬‬ ‫ومن بني �أهم الأ�سباب الداخلية التي دفعت العقول‬ ‫العربية �إىل الهجرة خارج الف�ضاء العربي نذكر‪:‬‬ ‫�أوال ‪ّ � -‬إن التقدم الوظيفي يف الدول العربية مرهون‪،‬‬ ‫�إىل حد بعيد‪ ،‬بالتقرب من ال�سلطات احلاكمة‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ -‬غياب حرية الفكر وحرية البحث العلمي‬ ‫وغياب االحرتام للعلماء‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ -‬ت�شري عدة تقارير عربية �إىل عامل �آخر بالغ‬ ‫الق�سوة‪ ،‬وهو القيود اخلانقة �ضد الن�رش وحرية الفكر‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬ميكن القول‪ّ � :‬إن ال�سبب الأ�سا�سي للهجرة مت�صل‬ ‫بغياب الدميوقراطية يف الدول العربية‪ .‬والدميوقراطية‬ ‫هنا لي�ست مبعنى توافر احلريات الفردية والعامة‬ ‫فقط‪ ،‬كي ي�شارك الأكادمييون يف انتخابات حرة‬ ‫ونزيهة ويطالعون �صحف ًا م�ستقلة ويحمون كرامتهم‬

‫من التعديات واالنتهاكات ال�شائعة يف بلدانهم‪ ،‬و�إمنا‬ ‫هي �أي�ض ًا التنظيم العقالين للمجتمع‪ ،‬وبخا�صة قطاع‬ ‫البحث العلمي الذي يحتاج ليكون �أمنوذج ًا ملحاربة‬ ‫الف�ساد واملح�سوبية والر�شوة‪.‬‬ ‫� ّإن اجلامعات ال ميكن �أن تنتج معرفة بدون حريات‬ ‫�أكادميية‪ ،‬ومراكز الدرا�سات والبحوث ال ميكن �أن‬ ‫تعمل وتنتج معرفة معمقة يف ظل تدخالت وممنوعات‬ ‫تفر�ضها ال�سلطات العربية‪� ،‬أو بع�ض القوى اجلاهلة يف‬ ‫املجتمع تارة با�سم « الأعراف والتقاليد « وتارة با�سم‬ ‫« ال�سلم الأهلي « وتارة �أخرى با�سم « الدين «‪ .‬وبالطبع‬ ‫ال ميكن احلديث عن �إنتاج معرفة ال ميكن النطق‬ ‫بنتائجها يف غياب حرية التعبري‪ ،‬مما يجعلنا ننتظر‬ ‫ح�صول تغيرّ ات كربى يف عقلية و�إرادة وتوجهات‬ ‫وبنية الدولة العربية نف�سها‪.‬‬ ‫وبعد �سقوط الأن�ساق ال�سيا�سية املغلقة التي كانت‬ ‫حتتكر احلقيقة‪ ،‬وظهور �أن�ساق �سيا�سية مفتوحة‪ .‬وبعد‬ ‫�أن �أ�ضحى جمتمع املعرفة يقوم على �أ�سا�س تنمية‬ ‫الإبداع واالعتماد على الأن�ساق الفكرية املفتوحة‪،‬‬ ‫القادرة على مواجهة م�شكالت العامل اجلديد املعقدة‪.‬‬ ‫ف� ّإن هذا يقت�ضي التعاقد على �أ�سا�س �سيا�سي يوفر‪،‬‬ ‫ب�شكل ملزم ودائم‪� ،‬آلية �إنتاج ال�سلطة الوطنية على‬ ‫قاعدة التوازن الوطني‪ ،‬وبالتايل يتوجب ممار�سة‬ ‫امل�س�ؤوليات يف م�ؤ�س�سات الدولة وال�سلطة الد�ستورية‬ ‫وامل�ؤ�س�سات العامة على قاعدة اال�ستحقاق وامل�ؤهالت‬ ‫دون تفرقة �أو متييز بني مواطن و�آخر‪ .‬وعندما نعتمد‬ ‫�أ�سلوب االختيار على �أ�سا�س الكفاءة ف�إننا نعطي �أم ًال‬ ‫يحول النا�س‬ ‫جلميع املواطنني يف �إمكانية التغيري‪ ،‬مما ّ‬ ‫من �سلبيني و�ساخطني وحمبطني دائم ًا �إىل �أنا�س‬ ‫م�شاركني وفاعلني ومتطلعني ولهم �أمل‪ ،‬وت�ساعد على‬ ‫خلق �صفوف جديدة من القيادات ال�شابة التي ت�ستعد‬ ‫لأخذ دورها‪ ،‬بناء على جهدها وعملها ون�شاطها‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.