ájô```M 2014/02/2ádGó``Yم العدد ()125 áæWGƒe
01
ا�سبوعية�-سيا�سية-م�ستقلة العدد ( 2014/02/2 )125م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
رئي�س التحرير :ح�سام مريو www.al-badeel.org
Issue (125) 2/02/2014
�سورية واحلل ال�ضائع :انت�صارات الإعالم وهزائم الواقع
ح�سام مريو
�ش ّكل جنيف 2حمطة يف م�سرية احلل ال�سوري ال�ضائع، �إذ تابع ال�سوريون الإعالم الذي يبث ت�رصيحات وفدي النظام واالئتالف من مونرتو ال�سوي�رسية ،يف الوقت الذي ا�ستمر فيه موت املدنيني يف �سوريا (و�صلت احل�صيلة �إىل � 1900ضحية خالل ع�رشة �أيام) ،ومل مينح امل�ؤمتر ال�سوريني �أية �آمال بوجود اخرتاقات نحو �إيجاد خمرج للأزمة امل�ستمرة منذ ثالثة �أعوام. حتدث كرث عن االنت�صار الإعالمي لوفد االئتالف، قدم �صورة مل يكونوا يتوقعونها، م�ؤكدين على �أنه ّ أداء جيداً مبا يخ�ص الت�رصيحات ،وحماولته الرتكيز و� ً على الق�ضية اجلوهرية يف جنيف ، 1وهي ت�شكيل هيئة حكم انتقايل. املوالون للنظام ال�سوري حتدثوا عن عودة النظام �إىل واجهة احلدث ،وحتدي "وليد املعلم" جلون كريي يف اجلل�سة االفتتاحية ،وعن ف�شل املجتمع الدويل من فر�ض "حلول غري �سورية" ،و�إىل نهاية اال�سطوانة املعروفة مل�ؤيدي النظام. �إذاً ،ال �شيء يف جنيف ،2وقت �آخر ُت�ستنزف فيه �سورية ،وا�ستعرا�ض ملواقف معروفة ،وعر�ض درامي �شيق منقول على الهواء مبا�رشة من مدينة �سوي�رسية هادئة �ش ّكل مادة خ�صبة للإعالم على مدار ع�رشة �أيام ،لكن يف املح�صلة ما من مفاج�آت� ،أو بوادر يف �إيجاد الإبرة يف كومة الق�ش ،فاحلل ال�سوري ما زال م�ستع�صياً ،والتحليالت الر�صينة يف مراكز الأبحاث
املحايدة تتحدث عن �رصاع �سيدوم "رمبا" ل�سنوات مقبلة ،فموازين القوى على الأر�ض ال تعطي النظام �أو املعار�ضة �أف�ضلية لفر�ض ما تراه من حلول. ما الذي يجرب النظام على ت�شكيل هيئة حكم انتقايل؟ وهو الذي ما زال يعول على �إنهاك قوى املعار�ضة الع�سكرية بالدرجة الأوىل ،وحتقيق املزيد من االخرتاقات فيما بينها ،واالعتماد على عدم قدرتها يف التوحد فيما بينها ،وثاني ًا على �ضعف املعار�ضة ال�سيا�سية التي افتقدت هي الأخرى �إىل حتقيق احلد الأدنى من التن�سيق فيما بينها ،وتوحيد اجلهود والدعم ،وخلق قيادة �سيا�سية ت�سيطر على الو�ضع الع�سكري. يف املقابل ،لي�س يف جعبة االئتالف �سوى احلديث عن هيئة احلكم االنتقايل ،والتذكري بالقرار ،2118دون �أن ميتلك على الأر�ض �أية مقومات وازنة جتعل النظام يفكر جدي ًا يف تقدمي تنازالت تدفع م�سار الأمور نحو �إبعاد الأ�سد يف نهاية املطاف ،والبدء مبرحلة انتقالية تطم�أن خمتلف الأطراف. ماذا بعد؟ ،ما زال اال�ستع�صاء قائماً ،وما زال النظام واملعار�ضة عند مواقفهما نف�سها ،وما زالت الدول الداعمة لكل منهما تت�صارع عربهما ،مع واقع تتكر�س فيه كل يوم معطيات كارثية ،وتزداد الفاتورة الوطنية ثق ًال ،فما خ�رسته �سورية وتخ�رسه و�ستخ�رسه مع ا�ستمرار الأزمة الراهنة يجعل من امل�ستحيل ت�صور
�سيناريو لإعادة بناء �سورية يف الأمد املنظور� ،أو تخيل وجود من يعلن انت�صاره فوق كومة الدمار. �إن م�سار التفاو�ض يجب �أن ي�أخذ بعداً �آخر ،وعلى كال الطرفني �أن يبحث عن زاوية ر�ؤية غري تلك التي جربها خالل الأعوام املا�ضية ،وطرح �أ�سئلة تنطلق من الوطني �إىل ال�سيا�سي ،ومن الكلي �إىل اجلزئي، ومن ت�صور �أ�سو�أ االحتماالت التي ميكن �أن ي�سري �إليها الواقع ال�سوري عرب ال�سياق الذي اتخذته الأحداث وما زالت. طرح مثايل �أن نطالب النظام ب�إعادة النظر هو رمبا ٌ يف ثوابته التي قادت �سورية نحو الدمار ،ورمبا من العبث �أن نطالب املعار�ضة مبا عجزت عن حتقيقه خالل الفرتة املا�ضية ،لكن احلل ال�سوري �سيبقى �ضائع ًا طاملا �أننا ننظر �إليه من زاوية �صفرية ،بحيث ينت�رص طرف على �آخر كلياً ،لأن الهزمية املاحقة ل�سورية �ستكون وحدها الأكيدة يف هذه احلالة. هل من يفكر يف ر�ؤية جديدة؟ هل هناك من يبحث عن خمارج حقيقية؟ هل هناك من هو م�ستعد �أن يفكر خارج امل�ألوف؟ ومن ي�ضع على اجلراح جبا ًال من امللح؟ . رمبا من ال�صعب ت�صور ذلك ،فال�رشوخ عميقة ،والهوة ات�سعت بني ال�سوريني ،والأمل كبري ،لكن �إذا كنا جديني يف احلديث عن وطن يبقى فال مفر من مقاربة خمتلفة.
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
تقارير
العدد ( 2014/02/2 )125م
02
“احلر” نحو حترير ريف حلب ال�شمايل من “داع�ش” ويكبد �أع�ضاء التنظيم مئات القتلى حممد �إقبال ب ّلو – ريف حلب ال�شمايل:
�شهور طويلة وقوات النظام تتمركز على جبل معارة الأرتيق يف ريف حلب ال�شمايل ،لتقوم من هذا املوقع اال�سرتاتيجي والذي ي�رشف على �أكرث من �أربعة قرى جماورة بق�صف عنيف يومي لكل �شيء يتحرك ويرى من قبل النظام .جبهة �ضهرة معارة الأرتيق �أو جبل معارة من �أخطر اجلبهات التي كانت تهدد قرى ريف حلب ال�شمايل ،وكان الأهايل طوال تلك ال�شهور متخوفون من اقتحام للريف ال�شمايل من هذه اجلهة بالتحديد. بد�أت منذ �أيام معارك عنيفة على جبهة جبل معارة بني كتائب الثوار وبني قوات النظام املتمركزة هناك واملدعومة مبيلي�شيا حزب اهلل ،وكعادة النظام كلما مت الت�ضييق عليه من جهة يقوم بق�صف املدنيني يف املناطق املجاورة للمنطقة التي يتعر�ض من جهتها لل�ضغط الع�سكري .ق�صفت قوات النظام بلدة معارة الأرتيق املجاورة لهذه اجلبهة ق�صف ًا مل ت�شهد البلدة �أعنف منه يف ال�سابق ،مما �أدى �إىل دمار كارثي يف البلدة. ا�ستمرت اال�شتباكات طوال يومني كاملني �إىل �أن ا�ستطاع الثوار اقتحام مع�سكرات قوات النظام املتمركزة على جبل معارة ،وبعد معارك هي الأعنف يف هذه املنطقة �سيطر الثوار على اجلبل، و�أجربوا قوات النظام و�أعوانه على االن�سحاب من خط اجلبهة ,وقد �سقط خالل املعارك الكثري من عنا�رص النظام بني قتيل وجريح ,وذكر �شهود عيان �أن ع�رشات ال�سيارات يف حي اجلميلية متجهة �إىل �ساحة اجلامعة يف مدينة حلب كانت ت�شيع قتلى النظام الذين �سقطوا هناك ،وكان عنا�رص الأمن الذين ي�ستقلون هذه ال�سيارات ويرافقون اجلثث يطلقون النار ب�شكل ع�شوائي وجنوين مكثف يف ال�شوارع كردة فعل غا�ضبة ملا حدث يف جبهة جبل معارة ،ويف العديد من اجلبهات ،حيث تكبدوا خ�سائر فادحة �ضمن مدينة حلب وريفها.. �أما �سيارات الإ�سعاف التي كانت تنقل جرحى و�شهداء اجلي�ش احلر فقد تعر�ضت لق�صف ولإطالق عندما كانت تعرب من جبهة معارة باجتاه م�شفى عندان ,ولكن مل يكن من يطلق النار هو النظام، بل ذكر العديد من النا�شطني كما ذكرت تن�سيقيات الثوار يف املنطقة �أن �إطالق النار على �سيارات الإ�سعاف وامل�سعفني واجلرحى كان من قبل عنا�رص تنظيم "داع�ش" املتمركزين يف منطقة قريبة من اجلبهة حول بلدة كفر حمرة املحتلة من قبلهم. وقد �شاركت العديد من الف�صائل املقاتلة يف عملية التحرير الناجحة هذه ومن �أهمها :جي�ش املجاهدين – كتائب فر�سان اخلالفة – كتيبة القوقاز املجاهدة – كتائب رجال اهلل. يذكر �أن حترير جبل معارة له �أهمية ع�سكرية وا�سرتاتيجية كبرية ،وذلك كونه منطقة مرتفعة �أدى حت�صن قوات النظام فيها �إىل ما ي�شبه حالة ال�شلل يف العديد من الطرقات املجاورة للمكان ,فمن هذه املنطقة املرتفعة كانت ت�ستطيع قوات النظام �أن تك�شف طريق بلدة بابي�ص الذي يبعد عدة كيلومرتات ،وقد قامت تلك القوات بق�صف لل�سيارات على هذه الطريق عدة مرات ،مما �أدى ل�سقوط �شهداء وجرحى ،وب�سيطرة اجلي�ش احلر على هذا املوقع
�أ�صبح من ال�صعب جداً على قوات النظام �أن تفكر ب�أي اقتحام من هذه اجلهة م�ستقب ًال. وقد �أعلنت العديد من القوى الع�سكرية يف اجلي�ش ال�سوري احلر بدء معركة حترير ريف حلب ال�شمايل لتطهريه من عنا�رص وقوات تنظيم "داع�ش" الذي يقوم باحتالل عدة مناطق يف ريف حلب ال�شمايل �أهمها :كفرحمرة وحريتان ومنطقة �شارع �آ�سيا ,ومن �أهم الكتائب التي ت�شارك يف هذه املعركة جي�ش املجاهدين واجلبهة الإ�سالمية ولواء �أحرار �سورية. بد�أت املعارك مبحاوالت اقتحام ملختلف املناطق الآنفة الذكر من قبل اجلي�ش ال�سوري احلر ,تلك املناطق التي احتلها تنظيم "داع�ش" وجعلها معاقل له بعد �أن حت�صن بها و�أغلق مداخلها ،واتخذ الأهايل فيها كدروع ب�رشية لعدة �أ�سابيع ,حيث قام التنظيم يف خمتلف املناطق املذكورة ب�شن حمالت دهم واعتقال م�شابهة ملا كان يقوم به النظام �أيام وجوده يف ريف حلب ال�شمايل. قامت كتائب اجلي�ش احلر باقتحام كفر حمرة وحريتان ومنطقة �شارع �آ�سيا يف وقت واحد، ودارت ا�شتباكات عنيفة �أ�سفرت عن مقتل العديد من عنا�رص "داع�ش" و�أ�رس الع�رشات منهم ،ففي كفرحمرة �ألقي القب�ض على �أمري داع�ش ،بينما قام العديد من عنا�رص التنظيم برمي �سالحهم وت�سليم �أنف�سهم قرب �صيدلية (كرزون) يف كفر حمرة، بينما نا�شد الثوار الأهايل �أن يلتزموا منازلهم �أثناء املعارك حر�ص ًا على �سالمتهم ,وقد قامت كتائب احلر بال�سيطرة على �أحد مقار "داع�ش" يف كفر حمرة ،وهو مدر�سة طيبة القريبة من �شارع �آ�سيا، بينما ن�رشت "داع�ش" قنا�صيها يف �شوارع البلدة،
قامت كتائب اجلي�ش احلر باقتحام كفــر حمــرة وحـــريتان ومنــطقة �شـــارع �آ�ســــيا يف وقـــت واحد
و يف �شارع �آ�سيا ومنطقة الهريامي�س غربي حريتان �أحرزت قوات اجلي�ش احلر تقدم ًا كبرياً يف املنطقتني �إال �أن املعارك مازالت يف �أ�شد �رضاوتها هناك، ومل تكتمل ال�سيطرة على املوقع ،رغم تقدم الثوار وتكبيد عنا�رص "داع�ش" خ�سائر كبرية يف املعدات واجلنود . وقام الثوار يف حريتان باقتحامات متعددة على �أطراف البلدة ،ومتت ال�سيطرة على حمطة الكهرباء ال�شمالية بعد ا�شتباكات عنيفة مع "داع�ش" ،التي �سحبت الكثري من قواتاه من قريتي با�شكوي وتلم�صيبني الواقعتني �رشقي حريتان ،وذلك ب�سبب الت�شتت الكبري والتخلخل الذي حدث يف �صفوف التنظيم هناك ,وقد طلب عنا�رص التنظيم م�ؤازرة لهم من قواتهم املوجودة يف بلدة ماير، �إال �أن انقطاع الطريق هناك حال دون و�صول تلك امل�ساعدات لهم ,بينما �أعلن الثوار �سيطرتهم الكاملة على طريق حلب غازي عنتاب الدويل يف اجلزء الواقع بني عندان وحريتان ،و�أ�صبح خا�ضع ًا لهم.. �أدت املعارك خالل االيام املا�ضية �إىل خ�سائر كبرية يف �صفوف "داع�ش" وتقدم كبري لكتائب اجلي�ش احلر رغم �سقوط الكثري من اجلرحى خالل املعارك. هذا وجتري ا�شتباكات عنيفة بني الثوار ومقاتلي "داع�ش" يف بلدة با�شكوي القريبة من حريتان ،كما �أن املعارك مازالت م�ستمرة على خمتلف اجلبهات، وي�رص قادة احلر على اال�ستمرار حتى حترير ريف حلب ال�شمايل بالكامل من عنا�رص تنظيم" داع�ش" الذين عاثوا ف�ساداً واعتقا ًال وقت ًال هناك طوال الفرتة املا�ضية. وهناك �أنباء من كتائب اجلي�ش احلر تفيد ب�أن عدد عنا�رص داع�ش الذين قتلوا خالل عدة �أيام يف هذه املناطق بلغ عددهم املئات من القتلى ،وعدد هائل جداً من اجلرحى ،فيما فقد اجلي�ش احلر العديد من ال�شهداء �أي�ض ًا.
03
حتليل �سيا�سي
العدد ( 2014/02/2 )125م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
ويعول على ي�أ�س املعار�ضة جينيف 2ال معجزات :النظام ي�ستهلك الوقت ّ غازي دحمان
ال توحي مفاو�ضات جينيف �أن نظام الأ�سد يريد الو�صول �إىل نتائج� ،أي ًا يكن م�ستواها ،ذلك �أن وفد النظام ،ومن خلفه قاعدته الأ�سا�سية يف دم�شق، ماكينة �صناعة القرار ،ين�شطان على جبهة متييع يت�سن لهما فر�ض ر�ؤيتهما الق�ضية برمتها �إذا مل َ على املجتمع الدويل ،ويف احلالتني تتحول مفاو�ضات جينيف �إىل حلبة لت�ضييع الوقت ،لي�س �أكرث. يف هذا الإطار ي�أتي طرح وفد النظام لورقة �سيا�سية الهدف الأ�سا�سي من وراءها حماولة حرف امل�ؤمتر عن م�ساره املرتبط فقط بتطبيق « جينيف ،»1 وحماولة لإ�ضاعة الوقت بتفا�صيل ال عالقة لها ب�صلب املفاو�ضات ،وقد ثبت �أن املفاو�ضات مع وفد النظام تدور يف حلقة مفرغة� ،سببها حماولة وفد النظام التهرب من �إطار التفاو�ض املتمثل يف حمددات بيان جينيف ، 1وهذا الأمر بات يك�شف عن نف�سه بو�ضوح ب�أن وفد النظام �إما جاء بهدف تكري�س وجود الأ�سد ومناق�شة موا�ضيع لي�س لها عالقة بال�سبب املبا�رش لعقد امل�ؤمتر� ،أو �أن هذا الوفد يراهن على ح�صول معجزة تنقذه من هذه الورطة. منذ بداية امل�ؤمتر بدا وا�ضح ًا الأداء املوتور للنظام، وهو ما يف�رس حجم ال�ضغوط الكبرية التي دفعته للح�ضور ،و�أنه مل يح�رض �إال م�سايرة حللفائه الذين ارتبطوا بتعهدات دولية قد ي�ؤدي التمل�ص منها �إىل �إحراجهم ،ذلك �أن قرار جمل�س الأمن الرقم 2118 اخلا�ص بتفكيك الأ�سلحة الكيماوية .ن�ص �رصاحة يف فقرته الـ ،16على �أن املجل�س «ي�ؤيد ت�أييداً تام ًا بيان جنيف امل�ؤرخ يف 30حزيران (يونيو) ،2012والذي يحدد عدداً من اخلطوات الرئي�سة بدءاً ب�إن�شاء هيئة حكم انتقالية متار�س كامل
أع�ضاء من ال�صالحيات التنفيذية .وميكن �أن ت�ضم � ً احلكومة احلالية واملعار�ضة ومن املجموعات الأخرى .وت�شكل على �أ�سا�س التوافق». غري �أن ذلك كله ال ي�ضمن الو�صول �إىل نتائج م�ؤكدة ما مل يتم فر�ض جدول زمني و�أجندة تفاو�ضية وا�ضحة ،وال �شك ان جميع هذه الثغرات دفعت النظام �إىل احلديث عن �رضورة تطبيق بيان جينيف 1كرزمة واحدة ،و�أولها وقف متويل وت�سليح الكتائب امل�سلحة ،و�إغالق احلدود يف وجهها ،بينما يتحدث وفد املعار�ضة عن بنود كويف �أنان ال�ستة، وت�شكيل هيئة حاكمة كاملة ال�صالحيات. م�صادر ديبلوما�سية غربية كانت قد �أ�شارت �إىل �أن االتفاق الذي مت بني وزير اخلارجية الأمريكي جون كريي ونظريه الرو�سي �سريغي الفروف يف باري�س يف 13اجلاري ،ن�ص على �أن احلل الوحيد لل�رصاع يف �سورية هو امل�سار ال�سيا�سي عرب هيئة انتقالية مبوافقة املعار�ضة ووفد النظام ،وذلك بهدف �أ�سا�سي هو حماية �سيادة �سورية ووحدة �أرا�ضيها و�ضمانة �أن �سورية لن تقع حتت حكم �إ�سالميني مت�شددين ،واحلفاظ على م�ؤ�س�سات الدولة .وقالت امل�صادر �إن رو�سيا تفهمت متام ًا هذا الهدف، و�أعطت �إ�شارات ب�أنها تريد بدي ًال ي�ضمن وحدة �سورية. لكن من الوا�ضح �أن النظام لي�س يف وارد البحث يف الق�ضايا اجلوهرية لالتفاق ،حتى �أن وفد النظام ال ميلك ت�صوراً ور�ؤية وا�ضحة للبحث يف الق�ضايا ال�سيا�سية ،حيث تقوم تقنياته التفاو�ضية على الرتكيز على الق�ضايا الإن�سانية واال�ستغراق بها ما �أمكن ،لي�س يف �سبيل الو�صول �إىل حلول ب�ش�أنها، و�إمنا ال�ستهالك املفاو�ضات ،وجعلها ت�ستغرق
�أطول وقت ممكن حتى يت�سنى له �إعادة ال�سيطرة على ما خ�رسه النظام ،وخا�صة مع ا�ستمرار داعميه الأ�سا�سيني رو�سيا و�إيران بتزويده مبا يحتاجه من عتاد و�أ�سلحة. ولع ّل الأمر الذي �أ�سهم يف خلق هذه الإ�شكالية وتعوميها ارتكاز خطة الأخ�رض الإبراهيمي يف �إدارة مفاو�ضات ال�سالم ال�سورية على قاعدة بناء الثقة بني الطرفني ،وذلك من خالل �إيجاد تقاطعات م�شرتكة يجري البحث فيها كمقدمة �أو ج�رس عبور �إىل الق�ضايا الأكرث تعقيداً يف الأزمة� ،أو تلك التي هي حمل انق�سام بني مكونات املجتمع ال�سوري نف�سها .وهو الأمر ا�ستثمره وفد النظام �إىل �أبعد حد يف �إطار ا�سرتاتيجيته القا�ضية بتفريغ املفاو�ضات من �أ�سا�سها اجلوهري ،واخلا�ص ب�إيجاد �سلطة انتقالية بديلة عن �سلطة الأ�سد ،ومتتلك �صالحيات تنفيذية كاملة ،وقد دفع ذلك املجتمع الدويل �إىل خف�ض توقعاته من م�ؤمتر جينيف 2من �إمكانية التو�صل التفاقية �سالم �شامل تنهي النزاع املرير بني الأطراف �إىل م�س�ألة بناء الثقة بني طريف ال�رصاع ،وذلك وفقا لنظرية ال�سالم ال�سلبي ب�إدارة الأزمات. ا�ستمرار املفاو�ضات على هذه ال�شاكلة ،ووفق هذه املنهجية� ،أمر يحمل خماطر على الق�ضية ال�سورية، والواقع ان املعار�ضة تعي�ش اختبارا قا�سي ًا وجتربة معقدة ،فبني رهان النظام على دفعها نحو الي�أ�س، ومن ثم دب اخلالفات يف داخلها وت�شتيتها ،وبني �ضغط ال�شارع الثائر ونكبة ماليني ال�سوريني، رحلة ع�سرية تتطلب ال�صرب والقدرة على اجرتاح املعجزات.
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
ر�أي
العدد ( 2014/02/2 )125م
04
ثقافة التمرد يف �سوريا في�صل عيتاين من «جمل�س �أتالنتيك»� -إعداد ترجمة «البديل:
يو�ضح �أحدث اقتتال داخلي بني املتمردين يف �سوريا كيف غيرّ ت االنتفا�ضة ب�شكل عميق الثقافة ال�سيا�سية ال�سورية .يف الأ�سبوع املا�ضي ،اجلماعات املتمردة عرب الطيف الأيديولوجي الوا�سع �شنت هجمات من�سقة على اجلماعات اجلهادية املت�شددة العابرة للحدود يف حمافظات و�سط و�شمال البالد .نطاق احلملة ،والدوافع ،ووجود فعالية وا�ضحة تتحدى احلكمة التقليدية القائلة� :إن اجلهاديني خطفوا الثورة �أو االنتفا�ضة التي فقدت �رشعيتها متاما .ف�إنه يدل على �أن االنتفا�ضة قد غيرّ ت ب�شكل عميق امل�شهد ال�سيا�سي ال�سوري نحو الأف�ضل ،مما يدل على �أن انت�صار املتمردين هو �أكرث عر�ضة لتح�سني احلياة ال�سيا�سية يف �سورية من انت�صار النظام . ومن املغري �رشح هذه احلملة باعتبارها جمرد �رصاع على ال�سلطة بني اجلماعات امل�سلحة الإ�سالمية الوطنية بقيادة اجلبهة الإ�سالمية و الدولة الإ�سالمية يف العراق و ال�شام ( داع�ش ) ، لكن هذا املنطق يف�شل يف احلقيقة يف التقاط ما هو مهم .ومن املثري لالهتمام � ،أنه قد رافق الهجوم امل�سلح الذي ُ�شن على نطاق وا�سع حملة احتجاجات مدنية �ضد "داع�ش" ،والتي تذكرنا بالأيام الأوىل لالنتفا�ضة ال�سلمية. ت�أتي االحتجاجات على "داع�ش" �ضد حكمها القمعي ،وتعاملها بنوع من اال�ستعالء والغطر�سة على ال�سوريني ،وهي قد عذبت �أعداد ال حت�صى من املدنيني النا�شطني وال�صحفيني و عمال الإغاثة واملدنيني الذين ال يوافقونها يف معتقداتها .يف الواقع ،العديد من ال�سوريني يرون �أن "داع�ش" هي �أ�سو�أ من النظام الذين خربوا كيفية التعامل معه. وي�شمل ال�سياق الآخر من رد الفعل العنيف �ضد "داع�ش" هجماتها على اجلماعات املتمردة
الأخرى ،و حتديد الأولويات عرب احتاللها للمناطق، بينما ترى الف�صائل الأخرى �أن الأ�سا�س هو مهاجمة قوات النظام وامليلي�شيات امل�ساندة له وهزميتهم. وهي تختلف مع "داع�ش" يف م�س�ألة �إقامة خالفة �إ�سالمية عابرة للحدود الوطنية. �إن ال�رصاع بني الف�صائل الإ�سالمية و "داع�ش" يو�ضح التمييز بني قوى �إ�سالمية حملية الطابع والتي ظهرت خالل االنتفا�ضة ،وبني "داع�ش" ور�ؤيتها للم�س�ألة الإ�سالمية ،كما �أن ال�رصاع احلايل مع "داع�ش" ي�شري �إىل �أن الف�صائل غري الإ�سالمية ما زالت موجودة ،وميكن �أن ت�سهم يف التقليل من البعد الطائفي لل�رصاع ،وذلك على الرغم من قلة الدعم الأجنبي الذي تتلقاه ،وهو دور ميكن �أن ت�سهم فيه الحق ًا بقوة. و املو�ضوع الأ�سا�سي و املغزى احلقيقي هو �أن احلركات املدنية والع�سكرية املعادية ل "داع�ش" قد مت ح�شدها على م�ستوى ال ميكن ت�صوره يف �سوريا قبل الثورة .ومن امل�شجع �أنه على الرغم من التحدي امل�ستمر ،واملتمثل مبحاربة النظام ، واعرتاف اجلماعات املعار�ضة امل�سلحة على �أهمية مواجهة "داع�ش" خ�شية �أن تخطف وت�شوه ثورتهم .هذا يدل على وحدة الهدف املكت�شف حديث ًا ،وعلى وجود تفكري ا�سرتاتيجي لدى قوى املعار�ضة امل�سلحة ،ولكن الأهم من ذلك �أنه ي�سلط ال�ضوء
احلركات املدنية والع�سكرية املعادية لداع�ش ّ مت ح�شدها على م�ستوى ال ميكن ت�صوره يف �سوريا قبل الثورة
على العمق الذي اتخذه الن�شاط ال�سيا�سي و�أ�شكاله الع�سكرية اجلذرية يف �سوريا . جمموعة كبرية من البحوث حول احلرب الأهلية توحي بانت�صارات الثوار ،و التف�سري املحتمل هو �أن العديد من حركات املعار�ضة امل�سلحة ر�سمت كلٍ من �رشعيتها وقدرات القتال احلربي لديها من �سكانها املحليني. �إن الثقافة ال�سيا�سية واالجتماعية املعار�ضة من ال�صعب اقتالعها � ،إذ �أن �سلوك احلكام بعد احلرب �سيكون مرتبط ًا باحلالة ال�شعبية ،وهي التي حاول النظام الت�ضييق عليها ،وخنقها ،وهي �أي�ض ًا التي دعمت الف�صائل امل�سلحة ،وهي اليوم التي تنتف�ض �ضد "داع�ش" ،وهي التي ميكن �أن متنح الأمل يف نهاية املطاف ،ويرتبط بها م�ستقبل �سورية. املبد�أ الرئي�سي هو �أن النا�س لديهم ر�أي يف الكيفية التي يجب �أن يقوم عليها احلكم ،وقد كانت لديهم ال�شجاعة التي حركتهم لالحتجاج �ضد "داع�ش" ، وهو ما ي�ضفي العدالة يف نهاية املطاف لق�ضية املعار�ضة ،ولكن علينا �أن ننتبه �أي�ض ًا �إىل امل�س�ألة املذهبية والدينية. من جهة �أخرى ،ف�إن انتفا�ضة النا�س �ضد النظام "العلماين" ومن ثم مبد�أ اخلالفة واال�ستبداد لدى "داع�ش" ت�ؤكد على �أن ال�سوريني ميكن �أن يتجاوزوا ال�صعاب بعد احلرب ،ومهما كانت الأخبار مروعة اليوم من �سورية� ،إال �أن ال�سوريني ميكن وفق ًا لإرادتهم يف مقاومة كل �أ�شكال اال�ستبداد ميكن لهم �أن يعملوا على بناء نظام �سيا�سي دميقراطي ،وبلد خالٍ من اال�ستبداد �أكان علماني ًا �أم �إ�سالمي ًا.
05
ر�أي
العدد ( 2014/02/2 )125م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
حتى تكفي دقيقة �صمت واحدة على �أرواح ال�شهداء ح�سام امليالد
خطت بع�ض الكيانات العربية خطواتها الأوىل نحو التحول الدميقراطي ،واتخذت يف هذه اخلطى م�سارات متعددة .فحققت يف تون�س �أخريا بع�ض النجاح الن�سبي ،ومير امل�سار يف ليبيا واليمن بكثري من االنحناءات والتعرجات ،ويف م�رص يبدو �أن االفق بات م�سدوداً .يف كل الأحوال حدثت هذه امل�سارات بعد �سقوط الأنظمة واحداً تلو الآخر، وتدفع جمتمعات هذه الكيانات ثمن هذا املخا�ض الدميقراطي كا�ستحقاق تاريخي يب�رش بوالدة مرحلة جديدة .يف �سوريا مل ي�سقط النظام بعد ،مع ذلك كان على ال�سوريني �أن يدفعوا ثمنا باهظ ًا بعد حوايل ثالث �سنوات من �أجل حتقيق ال�رشط الالزم وغري الكايف للبدء بامل�سار نحو التحول الدميقراطي �أال وهو �سقوط النظام .الأرقام واملعطيات مرعبة، ومزيد من املجازر تتك�شف يوما بعد يوم تق�شعر لها الأبدان .دمار يف كل مكان يجعل من هذا املكان يبدو وك�أنه جمرد طيف مير �رسيع ًا يف الذاكرة. راهنت الواليات املتحدة والدول الداعمة لأطياف ملعار�ضة ال�سورية منذ �أن اتخذت الأحداث يف �سوريا طابع العنف امل�سلح على �سقوط �رسيع ن�سبي ًا لنظام الرئي�س الأ�سد .لكن ذلك مل يحدث، وتبني مدى �سيطرة هذا النظام على �أجهزة االمن واجلي�ش وامل�ؤ�س�سات املختلة بالرغم من عديد من االن�شقاقات .وتبني حجم الدعم الإيراين والرو�سي املقدم لهذا النظام .وافق هذا الدعم �أي�ضا يف معركة بقائه يف مواجهة املجتمع االهلي .باملقابل راهن النظام والأطراف الداعمة له على احلل االمني والع�سكري ،وتهرب دائما من طرح اي �صيغة حلل اجتماعي� ،سيا�سي واقت�صادي ،يرغمه على تقدمي تنازالت مل يجد �أن الوقت قد حان لتقدميها. بعد � 33شهراً من عمر النزاع ،مل يعد يلوح يف الأفق
�أية �إمكانية حل�سم ع�سكري .و�إذا كان النظام ومن خلفه �إيران ال يزاالن يراهنان على عامل الوقت، ف�إن الأطراف الدولية والإقليمية تو�صلت اىل قناعة على ما يبدو �أن التعويل على الوقت �أكرث مما يتطلبه �إعادة خلط االوراق بات مغامرة غري حم�سوبة .و�إذا كانت مفاو�ضات ال�سالم بني طريف �أي نزاع حت�سم نتائجها غالب ًا وفق ًا ملوازين القوى على الأر�ض ،ومدى قدرة �أي من الأطراف على ح�سم الأمور ع�سكري ًا ،ف�إن م�ؤمتر جنيف 2قد متخ�ض عن حالة اال�ستع�صاء الع�سكري ،لذا تكمن مع�ضلته يف يح�صل من �أن اجلميع يخو�ض غماره على �أمل �أن ّ خالله على ما عجز عن حت�صيله ع�سكري ًا. ح�رض كال الطرفني النظام واملعار�ضة مرغمني، وا�شنطن �ضغطت مبا�رشة على املعار�ضة وعرب الدول ال�صديقة مهددة بخ�سارتها لكل الدعم املتوا�ضع املقدم لها لتجد املعار�ضة نف�سها �أمام قبول ما رف�ضته مراراً ،وهو التفاو�ض مع نظام الرئي�س الأ�سد .مو�سكو �أجربت النظام على امل�شاركة ليجد نف�سه �أمام ما تهرب منه دائم ًا ،وهو تقا�سم التمثيل ال�سوري مع املعار�ضة .لذا حتول امل�ؤمتر �إىل جمرد مناورات وحتولت املفاو�ضات �إىل اتهامات متبادلة .وكما كان متوقع ًا مل تتمخ�ض املفاو�ضات حتى الآن عن �أي اتفاق يتعلق بالق�ضايا اجلوهرية، وحتى ما كان مرجواً كحد �أدنى ،وهو بع�ض
دمار يف كل مكان يجعل من هذا املكان يبدو وك�أنه جمرد طيف مير �سريع ًا يف الذاكرة
االتفاقات اجلزئية املتعلقة ب�ش�ؤون الإغاثة الإن�سانية مل يكتب لها النجاح العملي حتى اللحظة. ويبدو �أن االمور مر�شحة مل�ؤمتر ختامي يلقي فيه حتمل الطرف االخر م�س�ؤولية ف�شل كل طرف خطب ًا ّ املفاو�ضات. وكل ما ا�ستطاع امل�ؤمترون ال�سوريون يف جنيف 2 التوافق حوله هو الوقوف دقيقة �صمت على �أرواح ال�شهداء ال�سوريني .ال�شهداء جميعهم بال ا�ستثناء. وطبعا ذلك مل يكلفهم �سوى التغا�ضي عما يثريه امل�صطلح نف�سه من �إ�شكاليات ،والتعامل معه كذات دون مو�ضع� ،أو دال دون مدلول. ي�أتي م�ؤمتر جنيف يف وقت مل تن�ضج فيه بعد عوامل جناحه ،ويوم ًا بعد يوم من عمر امل�ؤمتر تت�ضاءل الآمال املعقودة عليه ،وتت�ضاءل �أهدافه لتظل يف حدودها الدنيا �أي ت�أمني ا�ستمرارية التفاو�ض، و�ضمان �إمكانيته م�ستقب ًال .وما يزيد الطني بلة �أنه ال توجد لدى الطرفني الرو�سي والأمريكي �أية ا�سرتاتيجية ملا بعد جنيف 2يف حالة الف�شل ،الأمر الذي يعني مزيداً من العنف ،ومزيداً من املعاناة لل�سوريني ِ. تبقى هناك فر�صة اخرية �أمام ال�سوريني امل�ؤمترين يف مونرتو ،وذلك بامتالكهم الإرادة احلقيقية للنظر �إىل �أنف�سهم كمواطنني �سوريني بالدرجة االوىل خارج معادلة :النظام -املعار�ضة ،اجتمعوا ليتفقوا على م�ستقبل بلدهم �سورية ،وليبد�أوا مع ًا يف ر�سم معامل م�سارها الدميقراطي اخلا�ص بها ،وبدل �أن يكون بقاء اال�سد �أو رحيله هو من �سيحدد م�ستقبل �سوريا ،ي�صبح م�ستقبل �سوريا هو من �سيحدد م�صري الأ�سد� .إن مزيدا من الوقت يعني مزيدا من ال�شهداء، وعندها لن تكفي دقيقة �صمت واحدة على �أرواحهم.
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
العدد ( 2014/02/2 )125م
�سيا�سة دولية
06
احلالة ال�سورية تغري ر�ؤية �أمريكا للتغيري يف ال�شرق الأو�سط �أنتوين كوردي�سمان -ترجمة و�إعداد البديل:
نحن ال نحتاج �إىل الكثري من التنب�ؤ للتكهن ب�أن م�ؤمتر جنيف 2لن يحقق �أي من �أهدافه املعلنة .الأ�سد لن يتنحى ،و�ستبقى املعار�ضة منق�سمة ،و�ست�ستمر لت�صبح �أكرث تطرفاً ،و�سوف تكون منق�سمة بح�سب م�صالح الدول اخلارجية كما كان الأمر قبل االجتماع يف جنيف. �إن ا�ستبعاد دول مثل �إيران من �ش�أنه �أن يدفعها �إىل متابعة �سعيها يف دعم الأ�سد ،بل والتفاين يف ذلك. الدول اخلليجية الرئي�سية �سوف ت�ستمر يف متويل الف�صائل الإ�سالمية ال�سنية ،كما �أن حركات مثل القاعدة �ستبقى حت�صل على متويل ومقاتلني ،وامتداد العنف �إىل لبنان والعراق �سي�ستمر ،بل �أنه �سيتو�سع. تقول احلكمة �إن احلوار �أف�ضل من الالحوار« ،املواجهة على طاولة املفاو�ضات �أف�ضل من املواجهة يف احلرب»، ولذا ف�إنه قد تنتج بع�ض الفوائد يف املفاو�ضات ،لكن من املعروف �أي�ض ًا �أنه يف بع�ض الأوقات تقود هذه املواجهة (املفاو�ضات) �إىل املزيد من العداء. قد حتدث بع�ض التنازالت والتعهدات الإن�سانية الرمزية ،لكن ال الأ�سد �أو املعار�ضة �سيتوقف عن احل�صول على امل�ساعدات من �أجل دعم مزاياه اخلا�صة، وذلك يف الوقت الذي تبقى فيه الكارثة الإن�سانية الهائلة مع وجود �أكرث من 20%من ال�سكان م�رشدين �أو الجئني ،و�ستبقى امل�شكالت قائمة يف املناطق التي تدور فيها املعارك ،وهذه الظروف التي ت�سبب امل�شكالت لدول اجلوار ،وتزيد من حتدياتها. هذا املزيج من ال�ضغوط جتعل من ال�سهل التنب�ؤ ب�أن امل�ؤمتر �سيكون فا�ش ًال حتى لو خرج ب�إعالن جتميلي على غرار الكثري من امل�ؤمترات ،ومن املتوقع �أن يتم توجيه اللوم �إىل الواليات املتحدة الأمريكية لعدم ممار�سة دورها ،وهناك الكثري من ال�سا�سة الأمريكيني �سيلومون �أوباما .ويف نظام دميقراطي مثل النظام الأمريكي ف�إن النجاح ميكن و�صفه بالف�شل من جانب معار�ضي الرئي�س. الر�سالة من الو�ضع ال�سوري هي ر�سالة لق�ضايا �أو�سع يف منطقة ال�رشق الأو�سط ،مثل م�رص وليبيا وتون�س والبحرين والعراق وال�صومال ،وال�سودان ،وجميع احلاالت تظهر� ،أنه كان هناك الكثري الذي كان ب�إمكان
الواليات املتحدة والقوى الأخرى �أن تقوم به .ففي احلالة ال�سورية كان ميكن للواليات املتحدة �أن تدعم يف ٍ وقت �سابق الف�صائل املعتدلة يف املعار�ضة ،خا�صة �أن تلك الف�صائل كانت يف ٍ وقت ما تكت�سب زخم ًا �سيا�سي ًا وع�سكرياً. �إن نافذة الفر�صة يف دعم الف�صائل املعار�ضة املعتدلة و�ضع مزرٍ ،وتذهب �أكرث نحو ال�سلفية، قد �أغلقت ،وهي يف ٍ وهو ما ال يريده معظم ال�سوريني ،ويف الوقت نف�سه ما زال م�ؤيدو الأ�سد يدعمون حالة اال�ستبداد ،وهناك التحالف مع �إيران وحزب اهلل ،و�أمريكا لي�س لديها خيارات جيدة يف �سورية ،ولي�س لديها حلفاء م�ستعدين لالن�ضمام �إليها يف اتخاذ �إجراءات ذات مغزى للحلول حمل الأ�سد ،ولي�س هناك فكرة عمن �سي�أتي بعد الأ�سد، و�أن يكون لديه القدرة على �إعادة ت�شكيل �سورية. الق�ضية احلقيقية هي ما الذي ميكن للواليات املتحدة القيام به مب�صداقية يف حاالت مثل �سوريا -و احلاالت مثل م�رص وليبيا وتون�س والبحرين و العراق وال�صومال و ال�سودان ؟ كل حالة تختلف عن الأخرى ،و يف �سورية ف�إن ال�رصاعات الداخلية على ال�سلطة جتعل من ال�سيا�سة «ريا�ضة الدم « جلميع الف�صائل امل�شاركة. على كل حال� ،إن ال�رصاع على ال�سلطة يف الأنظمة اال�ستبدادية ن�ش�أ نتيجة ف�شل الزعماء الذين كانوا يفتقدون للخربة يف حكم بالدهم بطريقة عملية وحكيمة ،و ُقمعت معظم حركات املعار�ضة ،وحتولت مع الوقت �إىل حركات ت�آمرية � ،أيديولوجية /دينية ، وعنيفة يف بع�ض الأحيان .وكانت الأحزاب ال�سيا�سية �ضعيفة ،والأدوات الت�سامح من قبل النظام مل تكن موجودة .وا�ستحوذ على معظم املوارد ،وقامت �أو ر�أ�سمالية املح�سوبية ل�صالح �أن�صار النظام ك�أداة �سيا�سية . �أ�سو أ� من ذلك ،يف معظم احلاالت ،اال�ستبداد والقمع قد غطاء على التوترات العرقية والقبلية و الإقليمية و�ضع ً الطائفية العميقة .وقد �شهدنا �أن الهواتف املحمولة ،و الإنرتنت ،وو�سائل الإعالم االجتماعية الأخرى جعلت من امل�ستحيل على نحو متزايد احلد من الأيديولوجيات املتطرفة وال�سيا�سة الت�آمرية بنف�س القدر � -إن مل يكن
�أكرث -من �شجعتها م�صلحة حقيقية يف الإ�صالح املعتدل وال�سيا�سة العملية و التنمية. مل يكن هناك �أي �أ�سا�س عملي للدميقراطية يف غالبية احلاالت ،و �أ�صبحت االنتخابات و�سيلة لف�ضح االنق�سامات و�أبرزت عدم وجود قيادة فعالة .كانت النتيجة النهائية �أن ال�سيا�سة ما بعد ال�سلطوية هددت بتكرار فرتة قامتة من التاريخ ما بعد اال�ستعماري، حيث حتولت الدميقراطية يف النهاية �إىل لعبة �سلطوية « رجل لكن هذا الو�ضع لي�س مربراً لتجنب م�ؤمترات مثل جنيف الثانية ،حتى لو كانت تف�شل يف تلبية كل هدف �إن الواليات املتحدة لي�س لديها املزيد من القدرة على التعامل حاالت فجائية من عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي الداخلي العميق يف دول ذات ثقافات خمتلفة جذري ًا ولي�س فيها �أي تاريخ لل�سيا�سة الدميقراطية .ومع ذلك، فهذا ال يعني ان الواليات املتحدة ال ميكن �أن تعمل �أو تلعب دوراً رئي�سي ًا مع مرور الوقت ،لكن ت�أثريها حمدود على املدى الق�صري ،لكن هذا ال يجب �أن �أن يدفعها للتخلي عن جهودها مل�ساعدة الدول الأخرى على املدى الطويل ،و خدمة م�صاحلها اخلا�صة يف هذه العملية. �سوف حتتاج الواليات املتحدة �إىل الرتكيز على كل حالة وطنية على حدة يف ال�رشق الأو�سط ،و «اخليار �سوء « قد يعني يف كثري من الأحيان ت�شجيع الأقل ً الأنظمة -على الرغم من عيوبها -على التطور والإ�صالح ،بد ًال من الرهان على الدميقراطية الفورية �أو افرتا�ض نوع من الطبقة املتو�سطة الليربالية �أو املعار�ضة �أو االنتفا�ضة. وهذا يعني �أي�ضا قبول حقيقة �أن �أي دولة لن تتطور بطريقة ما لت�صبح ن�سخة من الواليات املتحدة ،وقبول �أهداف و قيم خمتلفة .ذلك يعني العمل مع الأمم املتحدة و م�ؤ�س�سات مثل البنك الدويل لتحقيق النتائج على مر الزمن ،وكذلك العمل مع كل من احللفاء والدول الأخرى للعثور على م�صداقية « اخليارات الأقل �سوءاً» بد ًال من الرتكيز على القيام به بطريقة �رسيعة ميكن �أن ت�رض �أكرث مما تنفع .
ق�ضايا
07 مطويات «دينية» تن�شر الفكر التكفريي وتغتال العقل ال�سوري العدد ( 2014/02/2 )125م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
يا�سر بدوي
�أحد �أهم عوامل انت�شار الفكر املتطرف هو غياب الثقافة ونق�ص الوعي االجتماعي والفكري ،وح�ضور ثقافة �أحادية ت�شجع هذا الفكر املتطرف ،وتعطي املربرات حلملته .نقر�أ ذلك يف جميع املن�شورات التي ت�صدر �أو تعرب من تركيا وتوزع يف الداخل ال�سوري ،وهذه املطبوعات توزع ب�أعداد هائلة، وتطبع ب�سخاء ،يف الوقت الذي تغيب فيه ب�شكل �شبه كلي املن�شورات الأدبية والثقافية التي ت�سهم يف ت�شكيل الوعي االجتماعي والفكري والثقايف. الكم الهائل من املن�شورات ت�شرتك يف العناوين املت�شابهة ،وتدور يف منط معريف واحد ،العقيدة والتوحيد ،وال�صالة ،والعقيدة ال�صحيحة ،ومبطالت العقيدة ال�صحيحة ،وحتتاج درا�سة هذه الكتب و املطويات �إىل درا�سات متنوعة ،لكن ميكن �أخذ عينات و�أفكار ت�ضيء �أ�سباب �سيادة و �شيوع هذا الأمناط من التفكري يف ال�ساحة ال�سورية ،وعلى ر�أ�س هذه الأمناط من التفكري �شيوع منط التكفري الذي �أ�صبح على كل ل�سان ،واختزال مفهوم اجلهاد بالقتال ،واحلديث عن الفرقة الناجية ،وبالتايل �سيادة مفهوم القوة ،و تهمي�ش الدور ال�شعبي ،و عندما يتم ترداد جمل مثل احلا�ضنة ال�شعبية ف�إن تطبيقاتها تكون كاريكاتورية. جميع الكتابات الدينية التي تنتقي و تف�رس اجلهاد الإ�سالمي تختزله بالقتال ،و تهمل عمداً �أو جه ًال اجلهاد الذي هو �أو ًال و قبل �أي �شيء اجلهاد بالفكر والكلمة ،و �رصاع الفكر و الثقافة واملعتقدات ،ومن املنظور الديني و وفق املنهاج القر�آين و اجتهادات �أئمة امل�سلمني ،ف�إن الدعوة هي الأ�سا�س ،و احلاالت التي توجب القتال جميعها مرتبطة برد االعتداء و رفع الظلم ،و لهذا �أ�سبابه و حاالته و نواظمه ،فقد بقي الر�سول (�ص) ثالثة ع�رش عام ًا يف مكة مل ي�ؤذن له بالقتال ،لأن لقتال كان �سيجلب الهالك للنا�س، فكيف اليوم للدعاة �أن يبثوا هذا الكم من التحري�ض الدعائي للجهاد دون تبيان جميع جوانبه؟ . ومن �أجل التمييز بني اجلهاد و القتال ،البد من �أن تو�ضح هذه امل�ؤ�س�سات الدعوية �ضوابط و قواعد القتال ،و ي�ستغرب القارئ عدم ذكر �أي من هذه املن�شورات حلديث للر�سول وو�صية �أبو بكر ال�صديق حول قواعد القتال و فرو�سيته بعدم جواز قتل
الأطفال و ال�شيوخ والن�ساء ،وعدم قطع ال�شجر� ،أو قتل ال�شاة �إال لأكلها ،بل على العك�س جند يف كتيب بعنوان "زاد املجاهدون" ال�صادر عن جتمع ال�سالم ال�سوري الذي يتبع للعرعور كالم ًا ما �أنزل اهلل فيه من �سلطان ،فلماذا هذا اخللط ؟ و ملاذا �إغفال الن�صو�ص الدينية التي ميكن القيا�س عليها و فق �رشعة حقوق الإن�سان. يقول يف ف�صل اجلهاد و �أحكامه �صفحة – 65 (�إحراق مدن الكفار و زرعهم و قطع �أ�شجارهم ال يخلو من ثالث حاالت ،و يو�ضح � :إن كان هناك حاجة ليكفوا العدو عن القتال ،فال خالف بني الفقهاء يف جواز ذلك ! و �إن كان ي�ؤدي ل�رضر املجاهدين فيحرم ذلك ،و �إن كان جمرد غيظ ًا للكفار و �إ�رضار بهم فجمهور العلماء على جواز ذلك!؟ و يحذر الكاتب من التمثيل باجلثث �إن مل يكن للتمثيل فيهم م�صلحة �أو معاملة باملثل ؟ ثم يقول الكتاب يف فقرة �أخرى �صفحة ، 71ال يجوز ا�ستخدام الأ�سلحة املبيدة �إبادة �شاملة كالكيميائية و النووية يف مواجهة العدو �إال يف حالتني ،و معنى هذا �أنه ميكن �إجازة ا�ستخدام هذين ال�سالحني! هذه الثقافة الدينيية التي يغذى بها �شبابنا وهي تتعر�ض مع تعاليم اال�سالم و جتربة امل�سلمني يف حروبهم ،وهناك نقطة خطرية يجب التوقف عندها و �إبرازها ،وهي ا�ستعارة الأفكار ال�صهيونية و زجها يف هذه املن�شورات على �أنها �أفكار وت�رشيعات �إ�سالمية و �س�أورد هنا مثاليني: يف ال�صفحة 65من املرجع املذكور حول �إحراق املدن و الزروع و قطع الأ�شجار و�إبادة النا�س ،جند هذه التعاليم يف �سفر التثنية ا�صحاح ( 12 : 13 �إن �سمعت عن �إحدى مدنك التي يعطيك الرب �إلهك لت�سكن فيها قو ًال ف�رضب ًا ت�رضب �سكان تلك املدينة حترمها ( �أي تدمرها و تبيديها ) بكل بحد ال�سيف و ّ ما فيها من بهائمها بحد ال�سيف جتمع كل امتعتها �إىل و�سط �ساحتها و حترق بالنار املدينة) ،فكيف ت�سللت هذه التعاليم �إىل الت�رشيع و الفقه الإ�سالمي؟ هذا ال�س�ؤال بر�سم املجامع الفقهية ووالة الأمة وفقهائها ،واملالحظة الثانية تتعلق بثقافة القتل، حيث الن�صو�ص الإ�سالمية حترم قطعا و جتربة
امل�سلمني ال لب�س فيها ،ت�سع �سنوات من القتال بلغ عدد القتلى من امل�سلمني وامل�رشكني يف جميع غزوات الر�سول 386قتيال. �أما احلديث عن �أحكام �سبي الن�ساء تعطي ت�صوراً عن بع�ض اجلمل التي كان يرددها ال�شبان يف داية الثورة .يف ال�صفحة 108وهي ال تقل �سوءاً عن دعاية جهاد النكاح التي روجها �أعداء الثورة. ال يجد املرء درا�سة �أو كتاب ًا مما ين�رش لل�سوريني حول تكفري �أهل الكتاب� ،إن �أحكام هذه التكفري و طريقة التعامل معه بعد �أن د�شن �أ�سامة بن الدن م�رشوع تكفري الن�صارى و اليهود .جميع املن�شورات حا�سمة ب�رشك ه�ؤالء و تاليا كفرهم ! و ينتقل ه�ؤالء �إىل نقطة �أخطر يف درا�سة اخلطاب الديني ،وهي تكفري املختلف لدرجة و�صلت تطبيقاتها يف ال�شارع ال�سوري �إىل حاالت باتت معروفة ،مثل تكفري املدخن وغري امللتحي ،وكل من ال يواليهم ويبارك �إجرامهم ،ولو نظرنا �إىل ه�ؤالء كم�رشوع �سيا�سي �أمني لكان الأمر معروفا � ،إال �أن الت�سا�ؤل الذي نحن ب�صدده هو ملاذا هذا ال�ضخ من املن�شورات و الأفكار التي هي�أت ال�شارع ال�سوري لتقبل مثل هذه الأفكار، بل واالنخراط فيها ،ومناذج التكفري تبد�أ من فكرة التكرار لت�صل �إىل حدود قاتلة يف املطويات التي توزع يف امل�ساجد و �ساحات الوغى ف�ض ًال من الدرو�س الدينية التي يتلقاها املجاهدون . نقر�أ يف كتييب بعنوان العقيدة ال�صحيحة و ما ي�ضادها يف ال�صفحة ( : 33من مل يكفر امل�رشكني �أو �شك يف كفرهم �أو �صحح مذهبهم كفر) ،و (من �أبغ�ض �شيئ ًا مما جاء به الر�سول (�ص) و لو عمل به فقد كفر) ،و نقر�أ يف كتيب بعنوان "واجبنا نحو ال�صحابة" يف ال�صفحة ( 13الطعن يف ال�صحابة طعن يف الدين ف�إن ر�أيتم �أحداً ينتق�ض �أحداً من �أ�صحاب النبي (�ص) فاعلموا �أنه ز نديق ؟ و نقر�أ يف كتاب "الأ�سباب ال�رشعية يف قتال الع�صابات الأ�سدية" �صفحة � ،22إن الدعوة �إىل القومية هي �ضالل و كفر من وجوه ! و لو توقفنا قلي ًال عند هذه املقوالت لر�أينا احلجم الذي تتعر�ض له ثقافتنا و �إن�سانيتنا ،فهل انتقاد ال�صحابة هو طعن يف الدين؟ و هل القومية العربية كفر؟ .ماذا يريد ه�ؤالء �أكرث مما و�صلنا اليه من �شيوع لغة التكفري و ذهنية التحرمي ؟ هذا ما يتعلق بالأفكار الوا�ضحة و ال�رصيحة� ،أما تلك التي تت�سلل ت�سل ًال و تنطلي على املثقف فهي الأخطر ،فنقر�أ يف كتاب بعنوان "�أفيقوا" ال�صادر عن جمعية "�أهل الأثر" � :إن �أ�سباب هزمية العرب و امل�سلمني هي ابتعادهم عن دينهم؟ و هذه �أكرب حجة و ممار�سة ت�سللت �إىل عقلية املقاتلني يف "داع�ش" لتطهري ال�شعب من الكفرة و ردهم �إىل دينهم !. لن �أ�ستطيع يف هذه املقالة الإحاطة بهذا املو�ضوع، و كل �سعيت اليه هو �إي�صال فكرة وعناوين عامة رمبا تفيد و حتفز الدار�سني لدرا�سة هذه املن�شورات ب�شكل علمي ومو�سع ،و تكون �أي�ض ًا �صيحة لأ�صحاب الثقافة و امل�ؤمنني بالفكر و الوعي للتفكري ب�رضورة ايجاد اجلانب الآخر لهذه املن�شورات و الكتب و الإعالم حتى تتوقف حاالت اغتيال العقل ،و حاالت االغتيال و القتل و التكفري التي متار�س يف الواقع، و �إال �ستكون الرهانات على قيم الثورة و املجتمع رهانات خا�رسة .
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
الأخرية
العدد ( 2014/02/2 )125م
08
تون�س على طريق اجلمهورية الثانية الدكتور عبداهلل تركماين
يكمن �رس جناح التجربة التون�سية يف �إدراك كل طرف حلدود قوته ،مع جي�ش وطني غري م�ستعد لأية جمازفة غري حممودة العواقب� ،إ�ضافة �إىل مت�سك التون�سيني بنمط جمتمعهم املنفتح على احلداثة التي �أ�س�س لها الزعيم احلبيب بورقيبة. وقد �أحال اجلدل حول الد�ستور على فكرة �أ�سا�سية تعك�س � -إىل حد كبري -التجربة واخل�صو�صية التون�سية يف التحول ال�سيا�سي ،يف الع�رص احلديث واملعا�رص� ،إذ يظهر � ّأن هذا التحول ارتبط دوم ًا باجتهاد د�ستوري ي�ؤ�س�س لفكرة مركزية ،وهي احلر�ص امل�ستمر على �أن يكون التحول �أو االنتقال �أو التغيري ،يحظى ب�رشعية د�ستورية ،حتى ال تبدو ذهاب ًا �إىل املجهول .ف�إىل باب احلقوق واحلريات، �أدخل الد�ستور تغيرياً نوعي ًا على بنية النظام ال�سيا�سي ،ف�أر�سى ال مركزية وا�سعة حتقق مطمح ًا عميق ًا لدى التون�سيني يف تر�سيخ الدميقراطية املحلية ،ويف و�ضع �إطار حقيقي لتنمية جهوية متوازنة. ويح�سب للمبادئ العامة التي ت�ضمنها الد�ستور �أن و�ضعته يف ال�سياق التاريخي حلركة الإ�صالح التون�سي التي ت�أ�س�ست على يد خري الدين با�شا يف نهاية القرن التا�سع ع�رش ،وتطورت بعد ذلك على مدى �أكرث من قرن يف م�صاحلة بني املوروث احل�ضاري ومكت�سبات الع�رص ،فن�سجت الهوية الوطنية احلديثة لتون�س من خالل �إ�صالحات طالت التعليم والثقافة والعالقات االجتماعية ،خا�صة
جملة الأحوال ال�شخ�صية ،وم�ؤ�س�سات الدولة. لقد جنحت الثورة التون�سية لي�س لأنها �أ�سقطت نظام ًا ديكتاتوري ًا فح�سب ،بل لأنها �ساهمت يف �إعادة �صياغة الوعي ال�سيا�سي للتون�سيني يف اجتاه التفاعل العميق مع مفاهيم احلرية والدميقراطية، مبا م ّكنهم من اجتياز املرحلة االنتقالية للتحول الدميقراطي يف اجتاه اجلمهورية الثانية .حيث تر�سخت قيم املواطنة ،فكري ًا وعملي ًا ،لدى �أفراد املجتمع وم�ؤ�س�سات الدولة. � ّإن اجلمهورية التون�سية الثانية� ،إذا ما حققت م�رشوع املواطنة لأبنائها �ست�شكل الرافعة العملية والفكرية ال�ستمرار الدولة التون�سية وقوتها من جهة ،وتر�سيخ القيم الإن�سانية ل�شعبها ومكانته بني ال�شعوب العربية و�شعوب العامل من جهة ثانية. ومن �أجل ذلك ال بد �أن تتوافر فيها ال�رشوط الأربعة التالية: 1ـ الت�أ�سي�س حلياة دميوقراطية د�ستورية تتجاوز حكم الت�سلط ،وتكون قابلة للتطور ح�سب حاجة تقدم املجتمع التون�سي وتطلعاته ،وح�سب املعايري العامة التي كر�ستها املواثيق الدولية حلقوق الإن�سان. 2ـ تطوير وتطهري اجلهاز احلكومي و�سائر الإدارات ،مبا يتالءم ومنطق دولة احلق والقانون وامل�ؤ�س�سات ،فالدميقراطية و�سيلة غايتها احلكومة الر�شيدة.
3ـ �أن يكون يف مقدمة واجبات هذه احلكومة الر�شيدة ال�سعي لتحقيق العدالة االجتماعية بني املواطنني ،مبا يتجاوز مع�سكري الغنى الفاح�ش والفقر املدقع ،ويتفادى انق�سام الوطن بني من ميلكون ومن ال ميلكون. 4ـ الت�رشيع مل�ؤ�س�سات جمتمع مدين حرة يف �ضمريها ور�أيها وم�سلكها القانوين ،قادرة على اخلروج من بوتقة الع�صبيات اجلهوية ،يف �إطار من الفكر املنفتح واحلوار امل�س�ؤول. وال منا�ص من االعرتاف � ّأن اخليار الوحيد الناجع، لو�أد �أية انتكا�سة حمتملة لثورة احلرية والكرامة يف تون�س ،هو تقوية ح�ضور املجتمع املدين بكافة هيئاته ،كي يقول كلمته ل�صالح وحدة املجتمع، ولتحفيز روح التفاهم والتعاون بني خمتلف الأطراف ،ولت�أكيد الثقة بالدولة وم�ؤ�س�ساتها ودورها العمومي كخري �ضامن مل�سار تطور تون�س وتقدمها. � ّإن قابلية دولة احلق والقانون ال�ستعادة دورها التقدمي يف اجلمهورية التون�سية الثانية ال تزال قائمة ومطلوبة ،وما يزيد من فر�ص النجاح �أن يح�رض املجتمع املدين مبختلف فئاته وفعالياته، ليمار�س دوره يف حماية قيم وم�ؤ�س�سات هذه اجلمهورية املن�شودة.