Al badil 125

Page 1

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ 2014/02/2ádGó``Y‬م‬ ‫العدد (‪)125‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫‪01‬‬

‫ا�سبوعية‪�-‬سيا�سية‪-‬م�ستقلة‬ ‫العدد (‪ 2014/02/2 )125‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫رئي�س التحرير ‪ :‬ح�سام مريو‬ ‫‪www.al-badeel.org‬‬

‫‪Issue (125) 2/02/2014‬‬

‫�سورية واحلل ال�ضائع‪ :‬انت�صارات الإعالم وهزائم الواقع‬

‫ح�سام مريو‬

‫�ش ّكل جنيف ‪ 2‬حمطة يف م�سرية احلل ال�سوري ال�ضائع‪،‬‬ ‫�إذ تابع ال�سوريون الإعالم الذي يبث ت�رصيحات وفدي‬ ‫النظام واالئتالف من مونرتو ال�سوي�رسية‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي ا�ستمر فيه موت املدنيني يف �سوريا (و�صلت‬ ‫احل�صيلة �إىل ‪� 1900‬ضحية خالل ع�رشة �أيام)‪ ،‬ومل‬ ‫مينح امل�ؤمتر ال�سوريني �أية �آمال بوجود اخرتاقات‬ ‫نحو �إيجاد خمرج للأزمة امل�ستمرة منذ ثالثة �أعوام‪.‬‬ ‫حتدث كرث عن االنت�صار الإعالمي لوفد االئتالف‪،‬‬ ‫قدم �صورة مل يكونوا يتوقعونها‪،‬‬ ‫م�ؤكدين على �أنه ّ‬ ‫أداء جيداً مبا يخ�ص الت�رصيحات‪ ،‬وحماولته الرتكيز‬ ‫و� ً‬ ‫على الق�ضية اجلوهرية يف جنيف ‪ ، 1‬وهي ت�شكيل‬ ‫هيئة حكم انتقايل‪.‬‬ ‫املوالون للنظام ال�سوري حتدثوا عن عودة النظام �إىل‬ ‫واجهة احلدث‪ ،‬وحتدي "وليد املعلم" جلون كريي يف‬ ‫اجلل�سة االفتتاحية‪ ،‬وعن ف�شل املجتمع الدويل من‬ ‫فر�ض "حلول غري �سورية"‪ ،‬و�إىل نهاية اال�سطوانة‬ ‫املعروفة مل�ؤيدي النظام‪.‬‬ ‫�إذاً‪ ،‬ال �شيء يف جنيف ‪ ،2‬وقت �آخر ُت�ستنزف فيه‬ ‫�سورية‪ ،‬وا�ستعرا�ض ملواقف معروفة‪ ،‬وعر�ض درامي‬ ‫�شيق منقول على الهواء مبا�رشة من مدينة �سوي�رسية‬ ‫هادئة �ش ّكل مادة خ�صبة للإعالم على مدار ع�رشة‬ ‫�أيام‪ ،‬لكن يف املح�صلة ما من مفاج�آت‪� ،‬أو بوادر يف‬ ‫�إيجاد الإبرة يف كومة الق�ش‪ ،‬فاحلل ال�سوري ما زال‬ ‫م�ستع�صياً‪ ،‬والتحليالت الر�صينة يف مراكز الأبحاث‬

‫املحايدة تتحدث عن �رصاع �سيدوم "رمبا" ل�سنوات‬ ‫مقبلة‪ ،‬فموازين القوى على الأر�ض ال تعطي النظام �أو‬ ‫املعار�ضة �أف�ضلية لفر�ض ما تراه من حلول‪.‬‬ ‫ما الذي يجرب النظام على ت�شكيل هيئة حكم انتقايل؟‬ ‫وهو الذي ما زال يعول على �إنهاك قوى املعار�ضة‬ ‫الع�سكرية بالدرجة الأوىل‪ ،‬وحتقيق املزيد من‬ ‫االخرتاقات فيما بينها‪ ،‬واالعتماد على عدم قدرتها‬ ‫يف التوحد فيما بينها‪ ،‬وثاني ًا على �ضعف املعار�ضة‬ ‫ال�سيا�سية التي افتقدت هي الأخرى �إىل حتقيق احلد‬ ‫الأدنى من التن�سيق فيما بينها‪ ،‬وتوحيد اجلهود‬ ‫والدعم‪ ،‬وخلق قيادة �سيا�سية ت�سيطر على الو�ضع‬ ‫الع�سكري‪.‬‬ ‫يف املقابل‪ ،‬لي�س يف جعبة االئتالف �سوى احلديث عن‬ ‫هيئة احلكم االنتقايل‪ ،‬والتذكري بالقرار ‪ ،2118‬دون‬ ‫�أن ميتلك على الأر�ض �أية مقومات وازنة جتعل النظام‬ ‫يفكر جدي ًا يف تقدمي تنازالت تدفع م�سار الأمور نحو‬ ‫�إبعاد الأ�سد يف نهاية املطاف‪ ،‬والبدء مبرحلة انتقالية‬ ‫تطم�أن خمتلف الأطراف‪.‬‬ ‫ماذا بعد؟ ‪ ،‬ما زال اال�ستع�صاء قائماً‪ ،‬وما زال النظام‬ ‫واملعار�ضة عند مواقفهما نف�سها‪ ،‬وما زالت الدول‬ ‫الداعمة لكل منهما تت�صارع عربهما‪ ،‬مع واقع‬ ‫تتكر�س فيه كل يوم معطيات كارثية‪ ،‬وتزداد الفاتورة‬ ‫الوطنية ثق ًال‪ ،‬فما خ�رسته �سورية وتخ�رسه و�ستخ�رسه‬ ‫مع ا�ستمرار الأزمة الراهنة يجعل من امل�ستحيل ت�صور‬

‫�سيناريو لإعادة بناء �سورية يف الأمد املنظور‪� ،‬أو‬ ‫تخيل وجود من يعلن انت�صاره فوق كومة الدمار‪.‬‬ ‫�إن م�سار التفاو�ض يجب �أن ي�أخذ بعداً �آخر‪ ،‬وعلى‬ ‫كال الطرفني �أن يبحث عن زاوية ر�ؤية غري تلك التي‬ ‫جربها خالل الأعوام املا�ضية‪ ،‬وطرح �أ�سئلة تنطلق‬ ‫من الوطني �إىل ال�سيا�سي‪ ،‬ومن الكلي �إىل اجلزئي‪،‬‬ ‫ومن ت�صور �أ�سو�أ االحتماالت التي ميكن �أن ي�سري �إليها‬ ‫الواقع ال�سوري عرب ال�سياق الذي اتخذته الأحداث وما‬ ‫زالت‪.‬‬ ‫طرح مثايل �أن نطالب النظام ب�إعادة النظر‬ ‫هو‬ ‫رمبا‬ ‫ٌ‬ ‫يف ثوابته التي قادت �سورية نحو الدمار‪ ،‬ورمبا من‬ ‫العبث �أن نطالب املعار�ضة مبا عجزت عن حتقيقه‬ ‫خالل الفرتة املا�ضية‪ ،‬لكن احلل ال�سوري �سيبقى‬ ‫�ضائع ًا طاملا �أننا ننظر �إليه من زاوية �صفرية‪ ،‬بحيث‬ ‫ينت�رص طرف على �آخر كلياً‪ ،‬لأن الهزمية املاحقة‬ ‫ل�سورية �ستكون وحدها الأكيدة يف هذه احلالة‪.‬‬ ‫هل من يفكر يف ر�ؤية جديدة؟ هل هناك من يبحث‬ ‫عن خمارج حقيقية؟ هل هناك من هو م�ستعد �أن يفكر‬ ‫خارج امل�ألوف؟ ومن ي�ضع على اجلراح جبا ًال من‬ ‫امللح؟ ‪.‬‬ ‫رمبا من ال�صعب ت�صور ذلك‪ ،‬فال�رشوخ عميقة‪ ،‬والهوة‬ ‫ات�سعت بني ال�سوريني‪ ،‬والأمل كبري‪ ،‬لكن �إذا كنا جديني‬ ‫يف احلديث عن وطن يبقى فال مفر من مقاربة خمتلفة‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫تقارير‬

‫العدد (‪ 2014/02/2 )125‬م‬

‫‪02‬‬

‫“احلر” نحو حترير ريف حلب ال�شمايل من “داع�ش” ويكبد �أع�ضاء التنظيم مئات القتلى‬ ‫حممد �إقبال ب ّلو – ريف حلب ال�شمايل‪:‬‬

‫�شهور طويلة وقوات النظام تتمركز على جبل معارة‬ ‫الأرتيق يف ريف حلب ال�شمايل‪ ،‬لتقوم من هذا‬ ‫املوقع اال�سرتاتيجي والذي ي�رشف على �أكرث من‬ ‫�أربعة قرى جماورة بق�صف عنيف يومي لكل �شيء‬ ‫يتحرك ويرى من قبل النظام‪ .‬جبهة �ضهرة معارة‬ ‫الأرتيق �أو جبل معارة من �أخطر اجلبهات التي‬ ‫كانت تهدد قرى ريف حلب ال�شمايل‪ ،‬وكان الأهايل‬ ‫طوال تلك ال�شهور متخوفون من اقتحام للريف‬ ‫ال�شمايل من هذه اجلهة بالتحديد‪.‬‬ ‫بد�أت منذ �أيام معارك عنيفة على جبهة جبل معارة‬ ‫بني كتائب الثوار وبني قوات النظام املتمركزة‬ ‫هناك واملدعومة مبيلي�شيا حزب اهلل‪ ،‬وكعادة‬ ‫النظام كلما مت الت�ضييق عليه من جهة يقوم بق�صف‬ ‫املدنيني يف املناطق املجاورة للمنطقة التي‬ ‫يتعر�ض من جهتها لل�ضغط الع�سكري‪ .‬ق�صفت قوات‬ ‫النظام بلدة معارة الأرتيق املجاورة لهذه اجلبهة‬ ‫ق�صف ًا مل ت�شهد البلدة �أعنف منه يف ال�سابق‪ ،‬مما �أدى‬ ‫�إىل دمار كارثي يف البلدة‪.‬‬ ‫ا�ستمرت اال�شتباكات طوال يومني كاملني �إىل �أن‬ ‫ا�ستطاع الثوار اقتحام مع�سكرات قوات النظام‬ ‫املتمركزة على جبل معارة‪ ،‬وبعد معارك هي‬ ‫الأعنف يف هذه املنطقة �سيطر الثوار على اجلبل‪،‬‬ ‫و�أجربوا قوات النظام و�أعوانه على االن�سحاب من‬ ‫خط اجلبهة‪ ,‬وقد �سقط خالل املعارك الكثري من‬ ‫عنا�رص النظام بني قتيل وجريح ‪ ,‬وذكر �شهود‬ ‫عيان �أن ع�رشات ال�سيارات يف حي اجلميلية متجهة‬ ‫�إىل �ساحة اجلامعة يف مدينة حلب كانت ت�شيع‬ ‫قتلى النظام الذين �سقطوا هناك‪ ،‬وكان عنا�رص‬ ‫الأمن الذين ي�ستقلون هذه ال�سيارات ويرافقون‬ ‫اجلثث يطلقون النار ب�شكل ع�شوائي وجنوين مكثف‬ ‫يف ال�شوارع كردة فعل غا�ضبة ملا حدث يف جبهة‬ ‫جبل معارة‪ ،‬ويف العديد من اجلبهات‪ ،‬حيث تكبدوا‬ ‫خ�سائر فادحة �ضمن مدينة حلب وريفها‪..‬‬ ‫�أما �سيارات الإ�سعاف التي كانت تنقل جرحى‬ ‫و�شهداء اجلي�ش احلر فقد تعر�ضت لق�صف ولإطالق‬ ‫عندما كانت تعرب من جبهة معارة باجتاه م�شفى‬ ‫عندان ‪ ,‬ولكن مل يكن من يطلق النار هو النظام‪،‬‬ ‫بل ذكر العديد من النا�شطني كما ذكرت تن�سيقيات‬ ‫الثوار يف املنطقة �أن �إطالق النار على �سيارات‬ ‫الإ�سعاف وامل�سعفني واجلرحى كان من قبل عنا�رص‬ ‫تنظيم "داع�ش" املتمركزين يف منطقة قريبة من‬ ‫اجلبهة حول بلدة كفر حمرة املحتلة من قبلهم‪.‬‬ ‫وقد �شاركت العديد من الف�صائل املقاتلة يف‬ ‫عملية التحرير الناجحة هذه ومن �أهمها‪ :‬جي�ش‬ ‫املجاهدين – كتائب فر�سان اخلالفة – كتيبة‬ ‫القوقاز املجاهدة – كتائب رجال اهلل‪.‬‬ ‫يذكر �أن حترير جبل معارة له �أهمية ع�سكرية‬ ‫وا�سرتاتيجية كبرية‪ ،‬وذلك كونه منطقة مرتفعة‬ ‫�أدى حت�صن قوات النظام فيها �إىل ما ي�شبه حالة‬ ‫ال�شلل يف العديد من الطرقات املجاورة للمكان‬ ‫‪ ,‬فمن هذه املنطقة املرتفعة كانت ت�ستطيع قوات‬ ‫النظام �أن تك�شف طريق بلدة بابي�ص الذي يبعد عدة‬ ‫كيلومرتات‪ ،‬وقد قامت تلك القوات بق�صف لل�سيارات‬ ‫على هذه الطريق عدة مرات‪ ،‬مما �أدى ل�سقوط �شهداء‬ ‫وجرحى‪ ،‬وب�سيطرة اجلي�ش احلر على هذا املوقع‬

‫�أ�صبح من ال�صعب جداً على قوات النظام �أن تفكر‬ ‫ب�أي اقتحام من هذه اجلهة م�ستقب ًال‪.‬‬ ‫وقد �أعلنت العديد من القوى الع�سكرية يف اجلي�ش‬ ‫ال�سوري احلر بدء معركة حترير ريف حلب ال�شمايل‬ ‫لتطهريه من عنا�رص وقوات تنظيم "داع�ش" الذي‬ ‫يقوم باحتالل عدة مناطق يف ريف حلب ال�شمايل‬ ‫�أهمها‪ :‬كفرحمرة وحريتان ومنطقة �شارع �آ�سيا‬ ‫‪ ,‬ومن �أهم الكتائب التي ت�شارك يف هذه املعركة‬ ‫جي�ش املجاهدين واجلبهة الإ�سالمية ولواء �أحرار‬ ‫�سورية‪.‬‬ ‫بد�أت املعارك مبحاوالت اقتحام ملختلف املناطق‬ ‫الآنفة الذكر من قبل اجلي�ش ال�سوري احلر‪ ,‬تلك‬ ‫املناطق التي احتلها تنظيم "داع�ش" وجعلها‬ ‫معاقل له بعد �أن حت�صن بها و�أغلق مداخلها‪ ،‬واتخذ‬ ‫الأهايل فيها كدروع ب�رشية لعدة �أ�سابيع ‪ ,‬حيث قام‬ ‫التنظيم يف خمتلف املناطق املذكورة ب�شن حمالت‬ ‫دهم واعتقال م�شابهة ملا كان يقوم به النظام �أيام‬ ‫وجوده يف ريف حلب ال�شمايل‪.‬‬ ‫قامت كتائب اجلي�ش احلر باقتحام كفر حمرة‬ ‫وحريتان ومنطقة �شارع �آ�سيا يف وقت واحد‪،‬‬ ‫ودارت ا�شتباكات عنيفة �أ�سفرت عن مقتل العديد‬ ‫من عنا�رص "داع�ش" و�أ�رس الع�رشات منهم ‪ ،‬ففي‬ ‫كفرحمرة �ألقي القب�ض على �أمري داع�ش‪ ،‬بينما قام‬ ‫العديد من عنا�رص التنظيم برمي �سالحهم وت�سليم‬ ‫�أنف�سهم قرب �صيدلية (كرزون) يف كفر حمرة‪،‬‬ ‫بينما نا�شد الثوار الأهايل �أن يلتزموا منازلهم �أثناء‬ ‫املعارك حر�ص ًا على �سالمتهم ‪ ,‬وقد قامت كتائب‬ ‫احلر بال�سيطرة على �أحد مقار "داع�ش" يف كفر‬ ‫حمرة‪ ،‬وهو مدر�سة طيبة القريبة من �شارع �آ�سيا‪،‬‬ ‫بينما ن�رشت "داع�ش" قنا�صيها يف �شوارع البلدة‪،‬‬

‫قامت كتائب اجلي�ش احلر باقتحام‬ ‫كفــر حمــرة وحـــريتان ومنــطقة‬ ‫�شـــارع �آ�ســــيا يف وقـــت واحد‬

‫و يف �شارع �آ�سيا ومنطقة الهريامي�س غربي حريتان‬ ‫�أحرزت قوات اجلي�ش احلر تقدم ًا كبرياً يف املنطقتني‬ ‫�إال �أن املعارك مازالت يف �أ�شد �رضاوتها هناك‪،‬‬ ‫ومل تكتمل ال�سيطرة على املوقع‪ ،‬رغم تقدم الثوار‬ ‫وتكبيد عنا�رص "داع�ش" خ�سائر كبرية يف املعدات‬ ‫واجلنود ‪.‬‬ ‫وقام الثوار يف حريتان باقتحامات متعددة على‬ ‫�أطراف البلدة ‪ ،‬ومتت ال�سيطرة على حمطة الكهرباء‬ ‫ال�شمالية بعد ا�شتباكات عنيفة مع "داع�ش"‪ ،‬التي‬ ‫�سحبت الكثري من قواتاه من قريتي با�شكوي‬ ‫وتلم�صيبني الواقعتني �رشقي حريتان‪ ،‬وذلك‬ ‫ب�سبب الت�شتت الكبري والتخلخل الذي حدث يف‬ ‫�صفوف التنظيم هناك ‪ ,‬وقد طلب عنا�رص التنظيم‬ ‫م�ؤازرة لهم من قواتهم املوجودة يف بلدة ماير‪،‬‬ ‫�إال �أن انقطاع الطريق هناك حال دون و�صول‬ ‫تلك امل�ساعدات لهم ‪ ,‬بينما �أعلن الثوار �سيطرتهم‬ ‫الكاملة على طريق حلب غازي عنتاب الدويل يف‬ ‫اجلزء الواقع بني عندان وحريتان‪ ،‬و�أ�صبح خا�ضع ًا‬ ‫لهم‪..‬‬ ‫�أدت املعارك خالل االيام املا�ضية �إىل خ�سائر‬ ‫كبرية يف �صفوف "داع�ش" وتقدم كبري لكتائب‬ ‫اجلي�ش احلر رغم �سقوط الكثري من اجلرحى خالل‬ ‫املعارك‪.‬‬ ‫هذا وجتري ا�شتباكات عنيفة بني الثوار ومقاتلي‬ ‫"داع�ش" يف بلدة با�شكوي القريبة من حريتان‪ ،‬كما‬ ‫�أن املعارك مازالت م�ستمرة على خمتلف اجلبهات‪،‬‬ ‫وي�رص قادة احلر على اال�ستمرار حتى حترير ريف‬ ‫حلب ال�شمايل بالكامل من عنا�رص تنظيم" داع�ش"‬ ‫الذين عاثوا ف�ساداً واعتقا ًال وقت ًال هناك طوال‬ ‫الفرتة املا�ضية‪.‬‬ ‫وهناك �أنباء من كتائب اجلي�ش احلر تفيد ب�أن عدد‬ ‫عنا�رص داع�ش الذين قتلوا خالل عدة �أيام يف هذه‬ ‫املناطق بلغ عددهم املئات من القتلى‪ ،‬وعدد هائل‬ ‫جداً من اجلرحى‪ ،‬فيما فقد اجلي�ش احلر العديد من‬ ‫ال�شهداء �أي�ض ًا‪.‬‬


‫‪03‬‬

‫حتليل �سيا�سي‬

‫العدد (‪ 2014/02/2 )125‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫ويعول على ي�أ�س املعار�ضة‬ ‫جينيف ‪ 2‬ال معجزات ‪ :‬النظام ي�ستهلك الوقت‬ ‫ّ‬ ‫غازي دحمان‬

‫ال توحي مفاو�ضات جينيف �أن نظام الأ�سد يريد‬ ‫الو�صول �إىل نتائج‪� ،‬أي ًا يكن م�ستواها‪ ،‬ذلك �أن وفد‬ ‫النظام‪ ،‬ومن خلفه قاعدته الأ�سا�سية يف دم�شق‪،‬‬ ‫ماكينة �صناعة القرار‪ ،‬ين�شطان على جبهة متييع‬ ‫يت�سن لهما فر�ض ر�ؤيتهما‬ ‫الق�ضية برمتها �إذا مل‬ ‫َ‬ ‫على املجتمع الدويل‪ ،‬ويف احلالتني تتحول‬ ‫مفاو�ضات جينيف �إىل حلبة لت�ضييع الوقت‪ ،‬لي�س‬ ‫�أكرث‪.‬‬ ‫يف هذا الإطار ي�أتي طرح وفد النظام لورقة �سيا�سية‬ ‫الهدف الأ�سا�سي من وراءها حماولة حرف امل�ؤمتر‬ ‫عن م�ساره املرتبط فقط بتطبيق « جينيف ‪،»1‬‬ ‫وحماولة لإ�ضاعة الوقت بتفا�صيل ال عالقة لها‬ ‫ب�صلب املفاو�ضات‪ ،‬وقد ثبت �أن املفاو�ضات مع‬ ‫وفد النظام تدور يف حلقة مفرغة‪� ،‬سببها حماولة‬ ‫وفد النظام التهرب من �إطار التفاو�ض املتمثل يف‬ ‫حمددات بيان جينيف ‪ ، 1‬وهذا الأمر بات يك�شف‬ ‫عن نف�سه بو�ضوح ب�أن وفد النظام �إما جاء بهدف‬ ‫تكري�س وجود الأ�سد ومناق�شة موا�ضيع لي�س لها‬ ‫عالقة بال�سبب املبا�رش لعقد امل�ؤمتر‪� ،‬أو �أن هذا الوفد‬ ‫يراهن على ح�صول معجزة تنقذه من هذه الورطة‪.‬‬ ‫منذ بداية امل�ؤمتر بدا وا�ضح ًا الأداء املوتور للنظام‪،‬‬ ‫وهو ما يف�رس حجم ال�ضغوط الكبرية التي دفعته‬ ‫للح�ضور‪ ،‬و�أنه مل يح�رض �إال م�سايرة حللفائه الذين‬ ‫ارتبطوا بتعهدات دولية قد ي�ؤدي التمل�ص منها �إىل‬ ‫�إحراجهم‪ ،‬ذلك �أن قرار جمل�س الأمن الرقم ‪2118‬‬ ‫اخلا�ص بتفكيك الأ�سلحة الكيماوية‪ .‬ن�ص �رصاحة‬ ‫يف فقرته الـ‪ ،16‬على �أن املجل�س «ي�ؤيد ت�أييداً‬ ‫تام ًا بيان جنيف امل�ؤرخ يف ‪ 30‬حزيران (يونيو)‬ ‫‪ ،2012‬والذي يحدد عدداً من اخلطوات الرئي�سة‬ ‫بدءاً ب�إن�شاء هيئة حكم انتقالية متار�س كامل‬

‫أع�ضاء من‬ ‫ال�صالحيات التنفيذية‪ .‬وميكن �أن ت�ضم �‬ ‫ً‬ ‫احلكومة احلالية واملعار�ضة ومن املجموعات‬ ‫الأخرى‪ .‬وت�شكل على �أ�سا�س التوافق»‪.‬‬ ‫غري �أن ذلك كله ال ي�ضمن الو�صول �إىل نتائج‬ ‫م�ؤكدة ما مل يتم فر�ض جدول زمني و�أجندة‬ ‫تفاو�ضية وا�ضحة‪ ،‬وال �شك ان جميع هذه الثغرات‬ ‫دفعت النظام �إىل احلديث عن �رضورة تطبيق بيان‬ ‫جينيف‪ 1‬كرزمة واحدة‪ ،‬و�أولها وقف متويل وت�سليح‬ ‫الكتائب امل�سلحة‪ ،‬و�إغالق احلدود يف وجهها‪ ،‬بينما‬ ‫يتحدث وفد املعار�ضة عن بنود كويف �أنان ال�ستة‪،‬‬ ‫وت�شكيل هيئة حاكمة كاملة ال�صالحيات‪.‬‬ ‫م�صادر ديبلوما�سية غربية كانت قد �أ�شارت �إىل �أن‬ ‫االتفاق الذي مت بني وزير اخلارجية الأمريكي جون‬ ‫كريي ونظريه الرو�سي �سريغي الفروف يف باري�س‬ ‫يف ‪ 13‬اجلاري‪ ،‬ن�ص على �أن احلل الوحيد لل�رصاع‬ ‫يف �سورية هو امل�سار ال�سيا�سي عرب هيئة انتقالية‬ ‫مبوافقة املعار�ضة ووفد النظام‪ ،‬وذلك بهدف‬ ‫�أ�سا�سي هو حماية �سيادة �سورية ووحدة �أرا�ضيها‬ ‫و�ضمانة �أن �سورية لن تقع حتت حكم �إ�سالميني‬ ‫مت�شددين‪ ،‬واحلفاظ على م�ؤ�س�سات الدولة‪ .‬وقالت‬ ‫امل�صادر �إن رو�سيا تفهمت متام ًا هذا الهدف‪،‬‬ ‫و�أعطت �إ�شارات ب�أنها تريد بدي ًال ي�ضمن وحدة‬ ‫�سورية‪.‬‬ ‫لكن من الوا�ضح �أن النظام لي�س يف وارد البحث يف‬ ‫الق�ضايا اجلوهرية لالتفاق‪ ،‬حتى �أن وفد النظام‬ ‫ال ميلك ت�صوراً ور�ؤية وا�ضحة للبحث يف الق�ضايا‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬حيث تقوم تقنياته التفاو�ضية على‬ ‫الرتكيز على الق�ضايا الإن�سانية واال�ستغراق بها ما‬ ‫�أمكن‪ ،‬لي�س يف �سبيل الو�صول �إىل حلول ب�ش�أنها‪،‬‬ ‫و�إمنا ال�ستهالك املفاو�ضات‪ ،‬وجعلها ت�ستغرق‬

‫�أطول وقت ممكن حتى يت�سنى له �إعادة ال�سيطرة‬ ‫على ما خ�رسه النظام‪ ،‬وخا�صة مع ا�ستمرار داعميه‬ ‫الأ�سا�سيني رو�سيا و�إيران بتزويده مبا يحتاجه من‬ ‫عتاد و�أ�سلحة‪.‬‬ ‫ولع ّل الأمر الذي �أ�سهم يف خلق هذه الإ�شكالية‬ ‫وتعوميها ارتكاز خطة الأخ�رض الإبراهيمي يف‬ ‫�إدارة مفاو�ضات ال�سالم ال�سورية على قاعدة بناء‬ ‫الثقة بني الطرفني‪ ،‬وذلك من خالل �إيجاد تقاطعات‬ ‫م�شرتكة يجري البحث فيها كمقدمة �أو ج�رس عبور‬ ‫�إىل الق�ضايا الأكرث تعقيداً يف الأزمة‪� ،‬أو تلك التي‬ ‫هي حمل انق�سام بني مكونات املجتمع ال�سوري‬ ‫نف�سها‪ .‬وهو الأمر ا�ستثمره وفد النظام �إىل �أبعد حد‬ ‫يف �إطار ا�سرتاتيجيته القا�ضية بتفريغ املفاو�ضات‬ ‫من �أ�سا�سها اجلوهري‪ ،‬واخلا�ص ب�إيجاد �سلطة‬ ‫انتقالية بديلة عن �سلطة الأ�سد‪ ،‬ومتتلك �صالحيات‬ ‫تنفيذية كاملة‪ ،‬وقد دفع ذلك املجتمع الدويل �إىل‬ ‫خف�ض توقعاته من م�ؤمتر جينيف ‪ 2‬من �إمكانية‬ ‫التو�صل التفاقية �سالم �شامل تنهي النزاع املرير‬ ‫بني الأطراف �إىل م�س�ألة بناء الثقة بني طريف‬ ‫ال�رصاع‪ ،‬وذلك وفقا لنظرية ال�سالم ال�سلبي ب�إدارة‬ ‫الأزمات‪.‬‬ ‫ا�ستمرار املفاو�ضات على هذه ال�شاكلة‪ ،‬ووفق هذه‬ ‫املنهجية‪� ،‬أمر يحمل خماطر على الق�ضية ال�سورية‪،‬‬ ‫والواقع ان املعار�ضة تعي�ش اختبارا قا�سي ًا وجتربة‬ ‫معقدة‪ ،‬فبني رهان النظام على دفعها نحو الي�أ�س‪،‬‬ ‫ومن ثم دب اخلالفات يف داخلها وت�شتيتها‪ ،‬وبني‬ ‫�ضغط ال�شارع الثائر ونكبة ماليني ال�سوريني‪،‬‬ ‫رحلة ع�سرية تتطلب ال�صرب والقدرة على اجرتاح‬ ‫املعجزات‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫ر�أي‬

‫العدد (‪ 2014/02/2 )125‬م‬

‫‪04‬‬

‫ثقافة التمرد يف �سوريا‬ ‫في�صل عيتاين من «جمل�س �أتالنتيك»‪� -‬إعداد ترجمة «البديل‪:‬‬

‫يو�ضح �أحدث اقتتال داخلي بني املتمردين يف‬ ‫�سوريا كيف غيرّ ت االنتفا�ضة ب�شكل عميق الثقافة‬ ‫ال�سيا�سية ال�سورية‪ .‬يف الأ�سبوع املا�ضي ‪ ،‬اجلماعات‬ ‫املتمردة عرب الطيف الأيديولوجي الوا�سع �شنت‬ ‫هجمات من�سقة على اجلماعات اجلهادية املت�شددة‬ ‫العابرة للحدود يف حمافظات و�سط و�شمال البالد‬ ‫‪ .‬نطاق احلملة ‪ ،‬والدوافع ‪ ،‬ووجود فعالية وا�ضحة‬ ‫تتحدى احلكمة التقليدية القائلة‪� :‬إن اجلهاديني‬ ‫خطفوا الثورة �أو االنتفا�ضة التي فقدت �رشعيتها‬ ‫متاما‪ .‬ف�إنه يدل على �أن االنتفا�ضة قد غيرّ ت ب�شكل‬ ‫عميق امل�شهد ال�سيا�سي ال�سوري نحو الأف�ضل ‪ ،‬مما‬ ‫يدل على �أن انت�صار املتمردين هو �أكرث عر�ضة‬ ‫لتح�سني احلياة ال�سيا�سية يف �سورية من انت�صار‬ ‫النظام ‪.‬‬ ‫ومن املغري �رشح هذه احلملة باعتبارها جمرد‬ ‫�رصاع على ال�سلطة بني اجلماعات امل�سلحة‬ ‫الإ�سالمية الوطنية بقيادة اجلبهة الإ�سالمية و‬ ‫الدولة الإ�سالمية يف العراق و ال�شام ( داع�ش ) ‪،‬‬ ‫لكن هذا املنطق يف�شل يف احلقيقة يف التقاط ما‬ ‫هو مهم‪ .‬ومن املثري لالهتمام ‪� ،‬أنه قد رافق الهجوم‬ ‫امل�سلح الذي ُ�شن على نطاق وا�سع حملة احتجاجات‬ ‫مدنية �ضد "داع�ش"‪ ،‬والتي تذكرنا بالأيام الأوىل‬ ‫لالنتفا�ضة ال�سلمية‪.‬‬ ‫ت�أتي االحتجاجات على "داع�ش" �ضد حكمها‬ ‫القمعي‪ ،‬وتعاملها بنوع من اال�ستعالء والغطر�سة‬ ‫على ال�سوريني‪ ،‬وهي قد عذبت �أعداد ال حت�صى من‬ ‫املدنيني النا�شطني وال�صحفيني و عمال الإغاثة‬ ‫واملدنيني الذين ال يوافقونها يف معتقداتها ‪ .‬يف‬ ‫الواقع ‪ ،‬العديد من ال�سوريني يرون �أن "داع�ش" هي‬ ‫�أ�سو�أ من النظام الذين خربوا كيفية التعامل معه‪.‬‬ ‫وي�شمل ال�سياق الآخر من رد الفعل العنيف �ضد‬ ‫"داع�ش" هجماتها على اجلماعات املتمردة‬

‫الأخرى‪ ،‬و حتديد الأولويات عرب احتاللها للمناطق‪،‬‬ ‫بينما ترى الف�صائل الأخرى �أن الأ�سا�س هو مهاجمة‬ ‫قوات النظام وامليلي�شيات امل�ساندة له وهزميتهم‪.‬‬ ‫وهي تختلف مع "داع�ش" يف م�س�ألة �إقامة خالفة‬ ‫�إ�سالمية عابرة للحدود الوطنية‪.‬‬ ‫�إن ال�رصاع بني الف�صائل الإ�سالمية و "داع�ش"‬ ‫يو�ضح التمييز بني قوى �إ�سالمية حملية الطابع‬ ‫والتي ظهرت خالل االنتفا�ضة‪ ،‬وبني "داع�ش"‬ ‫ور�ؤيتها للم�س�ألة الإ�سالمية‪ ،‬كما �أن ال�رصاع احلايل‬ ‫مع "داع�ش" ي�شري �إىل �أن الف�صائل غري الإ�سالمية‬ ‫ما زالت موجودة‪ ،‬وميكن �أن ت�سهم يف التقليل من‬ ‫البعد الطائفي لل�رصاع‪ ،‬وذلك على الرغم من قلة‬ ‫الدعم الأجنبي الذي تتلقاه‪ ،‬وهو دور ميكن �أن ت�سهم‬ ‫فيه الحق ًا بقوة‪.‬‬ ‫و املو�ضوع الأ�سا�سي و املغزى احلقيقي هو �أن‬ ‫احلركات املدنية والع�سكرية املعادية ل "داع�ش"‬ ‫قد مت ح�شدها على م�ستوى ال ميكن ت�صوره يف‬ ‫�سوريا قبل الثورة ‪ .‬ومن امل�شجع �أنه على الرغم‬ ‫من التحدي امل�ستمر‪ ،‬واملتمثل مبحاربة النظام ‪،‬‬ ‫واعرتاف اجلماعات املعار�ضة امل�سلحة على �أهمية‬ ‫مواجهة "داع�ش" خ�شية �أن تخطف وت�شوه ثورتهم‬ ‫‪ .‬هذا يدل على وحدة الهدف املكت�شف حديث ًا‪ ،‬وعلى‬ ‫وجود تفكري ا�سرتاتيجي لدى قوى املعار�ضة‬ ‫امل�سلحة‪ ،‬ولكن الأهم من ذلك �أنه ي�سلط ال�ضوء‬

‫احلركات املدنية والع�سكرية املعادية‬ ‫لداع�ش ّ‬ ‫مت ح�شدها على م�ستوى ال‬ ‫ميكن ت�صوره يف �سوريا قبل الثورة‬

‫على العمق الذي اتخذه الن�شاط ال�سيا�سي و�أ�شكاله‬ ‫الع�سكرية اجلذرية يف �سوريا ‪.‬‬ ‫جمموعة كبرية من البحوث حول احلرب الأهلية‬ ‫توحي بانت�صارات الثوار‪ ،‬و التف�سري املحتمل هو‬ ‫�أن العديد من حركات املعار�ضة امل�سلحة ر�سمت‬ ‫كلٍ من �رشعيتها وقدرات القتال احلربي لديها من‬ ‫�سكانها املحليني‪.‬‬ ‫�إن الثقافة ال�سيا�سية واالجتماعية املعار�ضة من‬ ‫ال�صعب اقتالعها ‪� ،‬إذ �أن �سلوك احلكام بعد احلرب‬ ‫�سيكون مرتبط ًا باحلالة ال�شعبية‪ ،‬وهي التي حاول‬ ‫النظام الت�ضييق عليها‪ ،‬وخنقها‪ ،‬وهي �أي�ض ًا التي‬ ‫دعمت الف�صائل امل�سلحة ‪ ،‬وهي اليوم التي تنتف�ض‬ ‫�ضد "داع�ش"‪ ،‬وهي التي ميكن �أن متنح الأمل يف‬ ‫نهاية املطاف‪ ،‬ويرتبط بها م�ستقبل �سورية‪.‬‬ ‫املبد�أ الرئي�سي هو �أن النا�س لديهم ر�أي يف الكيفية‬ ‫التي يجب �أن يقوم عليها احلكم‪ ،‬وقد كانت لديهم‬ ‫ال�شجاعة التي حركتهم لالحتجاج �ضد "داع�ش" ‪،‬‬ ‫وهو ما ي�ضفي العدالة يف نهاية املطاف لق�ضية‬ ‫املعار�ضة ‪ ،‬ولكن علينا �أن ننتبه �أي�ض ًا �إىل امل�س�ألة‬ ‫املذهبية والدينية‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬ف�إن انتفا�ضة النا�س �ضد النظام‬ ‫"العلماين" ومن ثم مبد�أ اخلالفة واال�ستبداد لدى‬ ‫"داع�ش" ت�ؤكد على �أن ال�سوريني ميكن �أن يتجاوزوا‬ ‫ال�صعاب بعد احلرب‪ ،‬ومهما كانت الأخبار مروعة‬ ‫اليوم من �سورية‪� ،‬إال �أن ال�سوريني ميكن وفق ًا‬ ‫لإرادتهم يف مقاومة كل �أ�شكال اال�ستبداد ميكن لهم‬ ‫�أن يعملوا على بناء نظام �سيا�سي دميقراطي‪ ،‬وبلد‬ ‫خالٍ من اال�ستبداد �أكان علماني ًا �أم �إ�سالمي ًا‪.‬‬


‫‪05‬‬

‫ر�أي‬

‫العدد (‪ 2014/02/2 )125‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫حتى تكفي دقيقة �صمت واحدة على �أرواح ال�شهداء‬ ‫ح�سام امليالد‬

‫خطت بع�ض الكيانات العربية خطواتها الأوىل‬ ‫نحو التحول الدميقراطي‪ ،‬واتخذت يف هذه اخلطى‬ ‫م�سارات متعددة‪ .‬فحققت يف تون�س �أخريا بع�ض‬ ‫النجاح الن�سبي‪ ،‬ومير امل�سار يف ليبيا واليمن‬ ‫بكثري من االنحناءات والتعرجات‪ ،‬ويف م�رص يبدو‬ ‫�أن االفق بات م�سدوداً‪ .‬يف كل الأحوال حدثت هذه‬ ‫امل�سارات بعد �سقوط الأنظمة واحداً تلو الآخر‪،‬‬ ‫وتدفع جمتمعات هذه الكيانات ثمن هذا املخا�ض‬ ‫الدميقراطي كا�ستحقاق تاريخي يب�رش بوالدة‬ ‫مرحلة جديدة‪ .‬يف �سوريا مل ي�سقط النظام بعد‪ ،‬مع‬ ‫ذلك كان على ال�سوريني �أن يدفعوا ثمنا باهظ ًا بعد‬ ‫حوايل ثالث �سنوات من �أجل حتقيق ال�رشط الالزم‬ ‫وغري الكايف للبدء بامل�سار نحو التحول الدميقراطي‬ ‫�أال وهو �سقوط النظام‪ .‬الأرقام واملعطيات مرعبة‪،‬‬ ‫ومزيد من املجازر تتك�شف يوما بعد يوم تق�شعر لها‬ ‫الأبدان‪ .‬دمار يف كل مكان يجعل من هذا املكان‬ ‫يبدو وك�أنه جمرد طيف مير �رسيع ًا يف الذاكرة‪.‬‬ ‫راهنت الواليات املتحدة والدول الداعمة لأطياف‬ ‫ملعار�ضة ال�سورية منذ �أن اتخذت الأحداث يف‬ ‫�سوريا طابع العنف امل�سلح على �سقوط �رسيع‬ ‫ن�سبي ًا لنظام الرئي�س الأ�سد‪ .‬لكن ذلك مل يحدث‪،‬‬ ‫وتبني مدى �سيطرة هذا النظام على �أجهزة االمن‬ ‫واجلي�ش وامل�ؤ�س�سات املختلة بالرغم من عديد من‬ ‫االن�شقاقات‪ .‬وتبني حجم الدعم الإيراين والرو�سي‬ ‫املقدم لهذا النظام‪ .‬وافق هذا الدعم �أي�ضا يف معركة‬ ‫بقائه يف مواجهة املجتمع االهلي‪ .‬باملقابل راهن‬ ‫النظام والأطراف الداعمة له على احلل االمني‬ ‫والع�سكري‪ ،‬وتهرب دائما من طرح اي �صيغة حلل‬ ‫اجتماعي‪� ،‬سيا�سي واقت�صادي‪ ،‬يرغمه على تقدمي‬ ‫تنازالت مل يجد �أن الوقت قد حان لتقدميها‪.‬‬ ‫بعد ‪� 33‬شهراً من عمر النزاع‪ ،‬مل يعد يلوح يف الأفق‬

‫�أية �إمكانية حل�سم ع�سكري‪ .‬و�إذا كان النظام ومن‬ ‫خلفه �إيران ال يزاالن يراهنان على عامل الوقت‪،‬‬ ‫ف�إن الأطراف الدولية والإقليمية تو�صلت اىل‬ ‫قناعة على ما يبدو �أن التعويل على الوقت �أكرث‬ ‫مما يتطلبه �إعادة خلط االوراق بات مغامرة غري‬ ‫حم�سوبة‪ .‬و�إذا كانت مفاو�ضات ال�سالم بني طريف‬ ‫�أي نزاع حت�سم نتائجها غالب ًا وفق ًا ملوازين القوى‬ ‫على الأر�ض‪ ،‬ومدى قدرة �أي من الأطراف على ح�سم‬ ‫الأمور ع�سكري ًا‪ ،‬ف�إن م�ؤمتر جنيف‪ 2‬قد متخ�ض عن‬ ‫حالة اال�ستع�صاء الع�سكري‪ ،‬لذا تكمن مع�ضلته يف‬ ‫يح�صل من‬ ‫�أن اجلميع يخو�ض غماره على �أمل �أن‬ ‫ّ‬ ‫خالله على ما عجز عن حت�صيله ع�سكري ًا‪.‬‬ ‫ح�رض كال الطرفني النظام واملعار�ضة مرغمني‪،‬‬ ‫وا�شنطن �ضغطت مبا�رشة على املعار�ضة وعرب‬ ‫الدول ال�صديقة مهددة بخ�سارتها لكل الدعم‬ ‫املتوا�ضع املقدم لها لتجد املعار�ضة نف�سها �أمام‬ ‫قبول ما رف�ضته مراراً‪ ،‬وهو التفاو�ض مع نظام‬ ‫الرئي�س الأ�سد‪ .‬مو�سكو �أجربت النظام على امل�شاركة‬ ‫ليجد نف�سه �أمام ما تهرب منه دائم ًا‪ ،‬وهو تقا�سم‬ ‫التمثيل ال�سوري مع املعار�ضة‪ .‬لذا حتول امل�ؤمتر �إىل‬ ‫جمرد مناورات وحتولت املفاو�ضات �إىل اتهامات‬ ‫متبادلة‪ .‬وكما كان متوقع ًا مل تتمخ�ض املفاو�ضات‬ ‫حتى الآن عن �أي اتفاق يتعلق بالق�ضايا اجلوهرية‪،‬‬ ‫وحتى ما كان مرجواً كحد �أدنى‪ ،‬وهو بع�ض‬

‫دمار يف كل مكان يجعل من هذا‬ ‫املكان يبدو وك�أنه جمرد طيف مير‬ ‫�سريع ًا يف الذاكرة‬

‫االتفاقات اجلزئية املتعلقة ب�ش�ؤون الإغاثة‬ ‫الإن�سانية مل يكتب لها النجاح العملي حتى اللحظة‪.‬‬ ‫ويبدو �أن االمور مر�شحة مل�ؤمتر ختامي يلقي فيه‬ ‫حتمل الطرف االخر م�س�ؤولية ف�شل‬ ‫كل طرف خطب ًا ّ‬ ‫املفاو�ضات‪.‬‬ ‫وكل ما ا�ستطاع امل�ؤمترون ال�سوريون يف جنيف ‪2‬‬ ‫التوافق حوله هو الوقوف دقيقة �صمت على �أرواح‬ ‫ال�شهداء ال�سوريني‪ .‬ال�شهداء جميعهم بال ا�ستثناء‪.‬‬ ‫وطبعا ذلك مل يكلفهم �سوى التغا�ضي عما يثريه‬ ‫امل�صطلح نف�سه من �إ�شكاليات‪ ،‬والتعامل معه كذات‬ ‫دون مو�ضع‪� ،‬أو دال دون مدلول‪.‬‬ ‫ي�أتي م�ؤمتر جنيف يف وقت مل تن�ضج فيه بعد عوامل‬ ‫جناحه‪ ،‬ويوم ًا بعد يوم من عمر امل�ؤمتر تت�ضاءل‬ ‫الآمال املعقودة عليه‪ ،‬وتت�ضاءل �أهدافه لتظل يف‬ ‫حدودها الدنيا �أي ت�أمني ا�ستمرارية التفاو�ض‪،‬‬ ‫و�ضمان �إمكانيته م�ستقب ًال‪ .‬وما يزيد الطني بلة‬ ‫�أنه ال توجد لدى الطرفني الرو�سي والأمريكي �أية‬ ‫ا�سرتاتيجية ملا بعد جنيف ‪ 2‬يف حالة الف�شل‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي يعني مزيداً من العنف‪ ،‬ومزيداً من املعاناة‬ ‫لل�سوريني ِ‪.‬‬ ‫تبقى هناك فر�صة اخرية �أمام ال�سوريني امل�ؤمترين‬ ‫يف مونرتو‪ ،‬وذلك بامتالكهم الإرادة احلقيقية‬ ‫للنظر �إىل �أنف�سهم كمواطنني �سوريني بالدرجة‬ ‫االوىل خارج معادلة‪ :‬النظام ‪ -‬املعار�ضة‪ ،‬اجتمعوا‬ ‫ليتفقوا على م�ستقبل بلدهم �سورية‪ ،‬وليبد�أوا مع ًا يف‬ ‫ر�سم معامل م�سارها الدميقراطي اخلا�ص بها‪ ،‬وبدل‬ ‫�أن يكون بقاء اال�سد �أو رحيله هو من �سيحدد م�ستقبل‬ ‫�سوريا‪ ،‬ي�صبح م�ستقبل �سوريا هو من �سيحدد م�صري‬ ‫الأ�سد‪� .‬إن مزيدا من الوقت يعني مزيدا من ال�شهداء‪،‬‬ ‫وعندها لن تكفي دقيقة �صمت واحدة على �أرواحهم‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/02/2 )125‬م‬

‫�سيا�سة دولية‬

‫‪06‬‬

‫احلالة‬ ‫ال�سورية‬ ‫تغري ر�ؤية‬ ‫�أمريكا‬ ‫للتغيري‬ ‫يف ال�شرق‬ ‫الأو�سط‬ ‫�أنتوين كوردي�سمان‪ -‬ترجمة‬ ‫و�إعداد البديل‪:‬‬

‫نحن ال نحتاج �إىل الكثري من التنب�ؤ للتكهن ب�أن م�ؤمتر‬ ‫جنيف ‪ 2‬لن يحقق �أي من �أهدافه املعلنة‪ .‬الأ�سد لن‬ ‫يتنحى‪ ،‬و�ستبقى املعار�ضة منق�سمة‪ ،‬و�ست�ستمر لت�صبح‬ ‫�أكرث تطرفاً‪ ،‬و�سوف تكون منق�سمة بح�سب م�صالح الدول‬ ‫اخلارجية كما كان الأمر قبل االجتماع يف جنيف‪.‬‬ ‫�إن ا�ستبعاد دول مثل �إيران من �ش�أنه �أن يدفعها �إىل‬ ‫متابعة �سعيها يف دعم الأ�سد‪ ،‬بل والتفاين يف ذلك‪.‬‬ ‫الدول اخلليجية الرئي�سية �سوف ت�ستمر يف متويل‬ ‫الف�صائل الإ�سالمية ال�سنية‪ ،‬كما �أن حركات مثل‬ ‫القاعدة �ستبقى حت�صل على متويل ومقاتلني‪ ،‬وامتداد‬ ‫العنف �إىل لبنان والعراق �سي�ستمر‪ ،‬بل �أنه �سيتو�سع‪.‬‬ ‫تقول احلكمة �إن احلوار �أف�ضل من الالحوار‪« ،‬املواجهة‬ ‫على طاولة املفاو�ضات �أف�ضل من املواجهة يف احلرب»‪،‬‬ ‫ولذا ف�إنه قد تنتج بع�ض الفوائد يف املفاو�ضات‪ ،‬لكن‬ ‫من املعروف �أي�ض ًا �أنه يف بع�ض الأوقات تقود هذه‬ ‫املواجهة (املفاو�ضات) �إىل املزيد من العداء‪.‬‬ ‫قد حتدث بع�ض التنازالت والتعهدات الإن�سانية‬ ‫الرمزية‪ ،‬لكن ال الأ�سد �أو املعار�ضة �سيتوقف عن‬ ‫احل�صول على امل�ساعدات من �أجل دعم مزاياه اخلا�صة‪،‬‬ ‫وذلك يف الوقت الذي تبقى فيه الكارثة الإن�سانية‬ ‫الهائلة مع وجود �أكرث من ‪ 20%‬من ال�سكان م�رشدين‬ ‫�أو الجئني‪ ،‬و�ستبقى امل�شكالت قائمة يف املناطق‬ ‫التي تدور فيها املعارك ‪ ،‬وهذه الظروف التي ت�سبب‬ ‫امل�شكالت لدول اجلوار‪ ،‬وتزيد من حتدياتها‪.‬‬ ‫هذا املزيج من ال�ضغوط جتعل من ال�سهل التنب�ؤ ب�أن‬ ‫امل�ؤمتر �سيكون فا�ش ًال حتى لو خرج ب�إعالن جتميلي‬ ‫على غرار الكثري من امل�ؤمترات‪ ،‬ومن املتوقع �أن يتم‬ ‫توجيه اللوم �إىل الواليات املتحدة الأمريكية لعدم‬ ‫ممار�سة دورها‪ ،‬وهناك الكثري من ال�سا�سة الأمريكيني‬ ‫�سيلومون �أوباما‪ .‬ويف نظام دميقراطي مثل النظام‬ ‫الأمريكي ف�إن النجاح ميكن و�صفه بالف�شل من جانب‬ ‫معار�ضي الرئي�س‪.‬‬ ‫الر�سالة من الو�ضع ال�سوري هي ر�سالة لق�ضايا �أو�سع‬ ‫يف منطقة ال�رشق الأو�سط‪ ،‬مثل م�رص وليبيا وتون�س‬ ‫والبحرين والعراق وال�صومال‪ ،‬وال�سودان‪ ،‬وجميع‬ ‫احلاالت تظهر‪� ،‬أنه كان هناك الكثري الذي كان ب�إمكان‬

‫الواليات املتحدة والقوى الأخرى �أن تقوم به‪ .‬ففي‬ ‫احلالة ال�سورية كان ميكن للواليات املتحدة �أن تدعم‬ ‫يف ٍ‬ ‫وقت �سابق الف�صائل املعتدلة يف املعار�ضة‪ ،‬خا�صة‬ ‫�أن تلك الف�صائل كانت يف ٍ‬ ‫وقت ما تكت�سب زخم ًا‬ ‫�سيا�سي ًا وع�سكرياً‪.‬‬ ‫�إن نافذة الفر�صة يف دعم الف�صائل املعار�ضة املعتدلة‬ ‫و�ضع مزرٍ‪ ،‬وتذهب �أكرث نحو ال�سلفية‪،‬‬ ‫قد �أغلقت‪ ،‬وهي يف ٍ‬ ‫وهو ما ال يريده معظم ال�سوريني‪ ،‬ويف الوقت نف�سه‬ ‫ما زال م�ؤيدو الأ�سد يدعمون حالة اال�ستبداد‪ ،‬وهناك‬ ‫التحالف مع �إيران وحزب اهلل‪ ،‬و�أمريكا لي�س لديها‬ ‫خيارات جيدة يف �سورية‪ ،‬ولي�س لديها حلفاء م�ستعدين‬ ‫لالن�ضمام �إليها يف اتخاذ �إجراءات ذات مغزى للحلول‬ ‫حمل الأ�سد‪ ،‬ولي�س هناك فكرة عمن �سي�أتي بعد الأ�سد‪،‬‬ ‫و�أن يكون لديه القدرة على �إعادة ت�شكيل �سورية‪.‬‬ ‫الق�ضية احلقيقية هي ما الذي ميكن للواليات املتحدة‬ ‫القيام به مب�صداقية يف حاالت مثل �سوريا ‪ -‬و احلاالت‬ ‫مثل م�رص وليبيا وتون�س والبحرين و العراق وال�صومال‬ ‫و ال�سودان ؟ كل حالة تختلف عن الأخرى‪ ،‬و يف �سورية‬ ‫ف�إن ال�رصاعات الداخلية على ال�سلطة جتعل من ال�سيا�سة‬ ‫«ريا�ضة الدم « جلميع الف�صائل امل�شاركة‪.‬‬ ‫على كل حال‪� ،‬إن ال�رصاع على ال�سلطة يف الأنظمة‬ ‫اال�ستبدادية ن�ش�أ نتيجة ف�شل الزعماء الذين كانوا‬ ‫يفتقدون للخربة يف حكم بالدهم بطريقة عملية‬ ‫وحكيمة‪ ،‬و ُقمعت معظم حركات املعار�ضة‪ ،‬وحتولت‬ ‫مع الوقت �إىل حركات ت�آمرية ‪� ،‬أيديولوجية ‪ /‬دينية ‪،‬‬ ‫وعنيفة يف بع�ض الأحيان‪ .‬وكانت الأحزاب ال�سيا�سية‬ ‫�ضعيفة ‪ ،‬والأدوات الت�سامح من قبل النظام مل تكن‬ ‫موجودة ‪ .‬وا�ستحوذ على معظم املوارد‪ ،‬وقامت �أو‬ ‫ر�أ�سمالية املح�سوبية ل�صالح �أن�صار النظام ك�أداة‬ ‫�سيا�سية ‪.‬‬ ‫�أ�سو أ� من ذلك‪ ،‬يف معظم احلاالت‪ ،‬اال�ستبداد والقمع قد‬ ‫غطاء على التوترات العرقية والقبلية و الإقليمية‬ ‫و�ضع‬ ‫ً‬ ‫الطائفية العميقة‪ .‬وقد �شهدنا �أن الهواتف املحمولة‪ ،‬و‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬وو�سائل الإعالم االجتماعية الأخرى جعلت‬ ‫من امل�ستحيل على نحو متزايد احلد من الأيديولوجيات‬ ‫املتطرفة وال�سيا�سة الت�آمرية بنف�س القدر ‪� -‬إن مل يكن‬

‫�أكرث ‪ -‬من �شجعتها م�صلحة حقيقية يف الإ�صالح‬ ‫املعتدل وال�سيا�سة العملية و التنمية‪.‬‬ ‫مل يكن هناك �أي �أ�سا�س عملي للدميقراطية يف‬ ‫غالبية احلاالت‪ ،‬و �أ�صبحت االنتخابات و�سيلة لف�ضح‬ ‫االنق�سامات و�أبرزت عدم وجود قيادة فعالة‪ .‬كانت‬ ‫النتيجة النهائية �أن ال�سيا�سة ما بعد ال�سلطوية هددت‬ ‫بتكرار فرتة قامتة من التاريخ ما بعد اال�ستعماري‪،‬‬ ‫حيث حتولت الدميقراطية يف النهاية �إىل لعبة �سلطوية‬ ‫« رجل‬ ‫لكن هذا الو�ضع لي�س مربراً لتجنب م�ؤمترات مثل جنيف‬ ‫الثانية‪ ،‬حتى لو كانت تف�شل يف تلبية كل هدف‬ ‫�إن الواليات املتحدة لي�س لديها املزيد من القدرة على‬ ‫التعامل حاالت فجائية من عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي‬ ‫الداخلي العميق يف دول ذات ثقافات خمتلفة جذري ًا‬ ‫ولي�س فيها �أي تاريخ لل�سيا�سة الدميقراطية‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫فهذا ال يعني ان الواليات املتحدة ال ميكن �أن تعمل‬ ‫�أو تلعب دوراً رئي�سي ًا مع مرور الوقت‪ ،‬لكن ت�أثريها‬ ‫حمدود على املدى الق�صري‪ ،‬لكن هذا ال يجب �أن �أن‬ ‫يدفعها للتخلي عن جهودها مل�ساعدة الدول الأخرى‬ ‫على املدى الطويل‪ ،‬و خدمة م�صاحلها اخلا�صة يف هذه‬ ‫العملية‪.‬‬ ‫�سوف حتتاج الواليات املتحدة �إىل الرتكيز على كل‬ ‫حالة وطنية على حدة يف ال�رشق الأو�سط ‪ ،‬و «اخليار‬ ‫�سوء « قد يعني يف كثري من الأحيان ت�شجيع‬ ‫الأقل ً‬ ‫الأنظمة ‪-‬على الرغم من عيوبها‪ -‬على التطور‬ ‫والإ�صالح‪ ،‬بد ًال من الرهان على الدميقراطية الفورية‬ ‫�أو افرتا�ض نوع من الطبقة املتو�سطة الليربالية �أو‬ ‫املعار�ضة �أو االنتفا�ضة‪.‬‬ ‫وهذا يعني �أي�ضا قبول حقيقة �أن �أي دولة لن تتطور‬ ‫بطريقة ما لت�صبح ن�سخة من الواليات املتحدة‪ ،‬وقبول‬ ‫�أهداف و قيم خمتلفة ‪ .‬ذلك يعني العمل مع الأمم‬ ‫املتحدة و م�ؤ�س�سات مثل البنك الدويل لتحقيق النتائج‬ ‫على مر الزمن ‪ ،‬وكذلك العمل مع كل من احللفاء والدول‬ ‫الأخرى للعثور على م�صداقية « اخليارات الأقل �سوءاً»‬ ‫بد ًال من الرتكيز على القيام به بطريقة �رسيعة ميكن �أن‬ ‫ت�رض �أكرث مما تنفع ‪.‬‬


‫ق�ضايا‬

‫‪07‬‬ ‫مطويات «دينية» تن�شر الفكر التكفريي وتغتال العقل ال�سوري‬ ‫العدد (‪ 2014/02/2 )125‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫يا�سر بدوي‬

‫�أحد �أهم عوامل انت�شار الفكر املتطرف هو غياب‬ ‫الثقافة ونق�ص الوعي االجتماعي والفكري‪ ،‬وح�ضور‬ ‫ثقافة �أحادية ت�شجع هذا الفكر املتطرف‪ ،‬وتعطي‬ ‫املربرات حلملته‪ .‬نقر�أ ذلك يف جميع املن�شورات‬ ‫التي ت�صدر �أو تعرب من تركيا وتوزع يف الداخل‬ ‫ال�سوري‪ ،‬وهذه املطبوعات توزع ب�أعداد هائلة‪،‬‬ ‫وتطبع ب�سخاء‪ ،‬يف الوقت الذي تغيب فيه ب�شكل �شبه‬ ‫كلي املن�شورات الأدبية والثقافية التي ت�سهم يف‬ ‫ت�شكيل الوعي االجتماعي والفكري والثقايف‪.‬‬ ‫الكم الهائل من املن�شورات ت�شرتك يف العناوين‬ ‫املت�شابهة ‪ ،‬وتدور يف منط معريف واحد‪ ،‬العقيدة‬ ‫والتوحيد‪ ،‬وال�صالة‪ ،‬والعقيدة ال�صحيحة‪ ،‬ومبطالت‬ ‫العقيدة ال�صحيحة‪ ،‬وحتتاج درا�سة هذه الكتب و‬ ‫املطويات �إىل درا�سات متنوعة‪ ،‬لكن ميكن �أخذ‬ ‫عينات و�أفكار ت�ضيء �أ�سباب �سيادة و �شيوع هذا‬ ‫الأمناط من التفكري يف ال�ساحة ال�سورية‪ ،‬وعلى‬ ‫ر�أ�س هذه الأمناط من التفكري �شيوع منط التكفري‬ ‫الذي �أ�صبح على كل ل�سان‪ ،‬واختزال مفهوم اجلهاد‬ ‫بالقتال‪ ،‬واحلديث عن الفرقة الناجية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫�سيادة مفهوم القوة‪ ،‬و تهمي�ش الدور ال�شعبي‪ ،‬و‬ ‫عندما يتم ترداد جمل مثل احلا�ضنة ال�شعبية ف�إن‬ ‫تطبيقاتها تكون كاريكاتورية‪.‬‬ ‫جميع الكتابات الدينية التي تنتقي و تف�رس اجلهاد‬ ‫الإ�سالمي تختزله بالقتال‪ ،‬و تهمل عمداً �أو جه ًال‬ ‫اجلهاد الذي هو �أو ًال و قبل �أي �شيء اجلهاد بالفكر‬ ‫والكلمة ‪،‬و �رصاع الفكر و الثقافة واملعتقدات‪ ،‬ومن‬ ‫املنظور الديني و وفق املنهاج القر�آين و اجتهادات‬ ‫�أئمة امل�سلمني ‪ ،‬ف�إن الدعوة هي الأ�سا�س‪ ،‬و احلاالت‬ ‫التي توجب القتال جميعها مرتبطة برد االعتداء و‬ ‫رفع الظلم ‪ ،‬و لهذا �أ�سبابه و حاالته و نواظمه‪ ،‬فقد‬ ‫بقي الر�سول (�ص) ثالثة ع�رش عام ًا يف مكة مل ي�ؤذن‬ ‫له بالقتال ‪،‬لأن لقتال كان �سيجلب الهالك للنا�س‪،‬‬ ‫فكيف اليوم للدعاة �أن يبثوا هذا الكم من التحري�ض‬ ‫الدعائي للجهاد دون تبيان جميع جوانبه؟ ‪.‬‬ ‫ومن �أجل التمييز بني اجلهاد و القتال ‪،‬البد من �أن‬ ‫تو�ضح هذه امل�ؤ�س�سات الدعوية �ضوابط و قواعد‬ ‫القتال ‪،‬و ي�ستغرب القارئ عدم ذكر �أي من هذه‬ ‫املن�شورات حلديث للر�سول وو�صية �أبو بكر ال�صديق‬ ‫حول قواعد القتال و فرو�سيته بعدم جواز قتل‬

‫الأطفال و ال�شيوخ والن�ساء‪ ،‬وعدم قطع ال�شجر‪� ،‬أو‬ ‫قتل ال�شاة �إال لأكلها‪ ،‬بل على العك�س جند يف كتيب‬ ‫بعنوان "زاد املجاهدون" ال�صادر عن جتمع ال�سالم‬ ‫ال�سوري الذي يتبع للعرعور كالم ًا ما �أنزل اهلل‬ ‫فيه من �سلطان‪ ،‬فلماذا هذا اخللط ؟ و ملاذا �إغفال‬ ‫الن�صو�ص الدينية التي ميكن القيا�س عليها و فق‬ ‫�رشعة حقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫يقول يف ف�صل اجلهاد و �أحكامه �صفحة ‪– 65‬‬ ‫(�إحراق مدن الكفار و زرعهم و قطع �أ�شجارهم ال‬ ‫يخلو من ثالث حاالت‪ ،‬و يو�ضح ‪� :‬إن كان هناك‬ ‫حاجة ليكفوا العدو عن القتال‪ ،‬فال خالف بني‬ ‫الفقهاء يف جواز ذلك ! و �إن كان ي�ؤدي ل�رضر‬ ‫املجاهدين فيحرم ذلك‪ ،‬و �إن كان جمرد غيظ ًا‬ ‫للكفار و �إ�رضار بهم فجمهور العلماء على جواز‬ ‫ذلك!؟‬ ‫و يحذر الكاتب من التمثيل باجلثث �إن مل يكن‬ ‫للتمثيل فيهم م�صلحة �أو معاملة باملثل ؟ ثم يقول‬ ‫الكتاب يف فقرة �أخرى �صفحة ‪ ، 71‬ال يجوز‬ ‫ا�ستخدام الأ�سلحة املبيدة �إبادة �شاملة كالكيميائية‬ ‫و النووية يف مواجهة العدو �إال يف حالتني‪ ،‬و معنى‬ ‫هذا �أنه ميكن �إجازة ا�ستخدام هذين ال�سالحني!‬ ‫هذه الثقافة الدينيية التي يغذى بها �شبابنا وهي‬ ‫تتعر�ض مع تعاليم اال�سالم و جتربة امل�سلمني يف‬ ‫حروبهم‪ ،‬وهناك نقطة خطرية يجب التوقف عندها‬ ‫و �إبرازها‪ ،‬وهي ا�ستعارة الأفكار ال�صهيونية و‬ ‫زجها يف هذه املن�شورات على �أنها �أفكار وت�رشيعات‬ ‫�إ�سالمية و �س�أورد هنا مثاليني‪:‬‬ ‫يف ال�صفحة ‪ 65‬من املرجع املذكور حول �إحراق‬ ‫املدن و الزروع و قطع الأ�شجار و�إبادة النا�س ‪ ،‬جند‬ ‫هذه التعاليم يف �سفر التثنية ا�صحاح ‪( 12 : 13‬‬ ‫�إن �سمعت عن �إحدى مدنك التي يعطيك الرب �إلهك‬ ‫لت�سكن فيها قو ًال ف�رضب ًا ت�رضب �سكان تلك املدينة‬ ‫حترمها ( �أي تدمرها و تبيديها ) بكل‬ ‫بحد ال�سيف و ّ‬ ‫ما فيها من بهائمها بحد ال�سيف جتمع كل امتعتها‬ ‫�إىل و�سط �ساحتها و حترق بالنار املدينة)‪ ،‬فكيف‬ ‫ت�سللت هذه التعاليم �إىل الت�رشيع و الفقه الإ�سالمي؟‬ ‫هذا ال�س�ؤال بر�سم املجامع الفقهية ووالة الأمة‬ ‫وفقهائها‪ ،‬واملالحظة الثانية تتعلق بثقافة القتل‪،‬‬ ‫حيث الن�صو�ص الإ�سالمية حترم قطعا و جتربة‬

‫امل�سلمني ال لب�س فيها ‪ ،‬ت�سع �سنوات من القتال‬ ‫بلغ عدد القتلى من امل�سلمني وامل�رشكني يف جميع‬ ‫غزوات الر�سول ‪ 386‬قتيال‪.‬‬ ‫�أما احلديث عن �أحكام �سبي الن�ساء تعطي ت�صوراً‬ ‫عن بع�ض اجلمل التي كان يرددها ال�شبان يف داية‬ ‫الثورة ‪ .‬يف ال�صفحة ‪ 108‬وهي ال تقل �سوءاً عن‬ ‫دعاية جهاد النكاح التي روجها �أعداء الثورة‪.‬‬ ‫ال يجد املرء درا�سة �أو كتاب ًا مما ين�رش لل�سوريني‬ ‫حول تكفري �أهل الكتاب‪� ،‬إن �أحكام هذه التكفري و‬ ‫طريقة التعامل معه بعد �أن د�شن �أ�سامة بن الدن‬ ‫م�رشوع تكفري الن�صارى و اليهود‪ .‬جميع املن�شورات‬ ‫حا�سمة ب�رشك ه�ؤالء و تاليا كفرهم ! و ينتقل ه�ؤالء‬ ‫�إىل نقطة �أخطر يف درا�سة اخلطاب الديني‪ ،‬وهي‬ ‫تكفري املختلف لدرجة و�صلت تطبيقاتها يف ال�شارع‬ ‫ال�سوري �إىل حاالت باتت معروفة ‪ ،‬مثل تكفري‬ ‫املدخن وغري امللتحي‪ ،‬وكل من ال يواليهم ويبارك‬ ‫�إجرامهم ‪ ،‬ولو نظرنا �إىل ه�ؤالء كم�رشوع �سيا�سي‬ ‫�أمني لكان الأمر معروفا ‪� ،‬إال �أن الت�سا�ؤل الذي نحن‬ ‫ب�صدده هو ملاذا هذا ال�ضخ من املن�شورات و الأفكار‬ ‫التي هي�أت ال�شارع ال�سوري لتقبل مثل هذه الأفكار‪،‬‬ ‫بل واالنخراط فيها‪ ،‬ومناذج التكفري تبد�أ من فكرة‬ ‫التكرار لت�صل �إىل حدود قاتلة يف املطويات التي‬ ‫توزع يف امل�ساجد و �ساحات الوغى ف�ض ًال من‬ ‫الدرو�س الدينية التي يتلقاها املجاهدون ‪.‬‬ ‫نقر�أ يف كتييب بعنوان العقيدة ال�صحيحة و ما‬ ‫ي�ضادها يف ال�صفحة ‪ ( : 33‬من مل يكفر امل�رشكني‬ ‫�أو �شك يف كفرهم �أو �صحح مذهبهم كفر)‪ ،‬و (من‬ ‫�أبغ�ض �شيئ ًا مما جاء به الر�سول (�ص) و لو عمل‬ ‫به فقد كفر)‪ ،‬و نقر�أ يف كتيب بعنوان "واجبنا نحو‬ ‫ال�صحابة" يف ال�صفحة ‪ ( 13‬الطعن يف ال�صحابة‬ ‫طعن يف الدين ف�إن ر�أيتم �أحداً ينتق�ض �أحداً من‬ ‫�أ�صحاب النبي (�ص) فاعلموا �أنه ز نديق ؟ و نقر�أ‬ ‫يف كتاب "الأ�سباب ال�رشعية يف قتال الع�صابات‬ ‫الأ�سدية" �صفحة ‪� ،22‬إن الدعوة �إىل القومية هي‬ ‫�ضالل و كفر من وجوه ! و لو توقفنا قلي ًال عند هذه‬ ‫املقوالت لر�أينا احلجم الذي تتعر�ض له ثقافتنا‬ ‫و �إن�سانيتنا‪ ،‬فهل انتقاد ال�صحابة هو طعن يف‬ ‫الدين؟ و هل القومية العربية كفر؟ ‪ .‬ماذا يريد‬ ‫ه�ؤالء �أكرث مما و�صلنا اليه من �شيوع لغة التكفري‬ ‫و ذهنية التحرمي ؟ هذا ما يتعلق بالأفكار الوا�ضحة‬ ‫و ال�رصيحة‪� ،‬أما تلك التي تت�سلل ت�سل ًال و تنطلي‬ ‫على املثقف فهي الأخطر‪ ،‬فنقر�أ يف كتاب بعنوان‬ ‫"�أفيقوا" ال�صادر عن جمعية "�أهل الأثر" ‪� :‬إن �أ�سباب‬ ‫هزمية العرب و امل�سلمني هي ابتعادهم عن دينهم؟‬ ‫و هذه �أكرب حجة و ممار�سة ت�سللت �إىل عقلية‬ ‫املقاتلني يف "داع�ش" لتطهري ال�شعب من الكفرة و‬ ‫ردهم �إىل دينهم ‪!.‬‬ ‫لن �أ�ستطيع يف هذه املقالة الإحاطة بهذا املو�ضوع‪،‬‬ ‫و كل �سعيت اليه هو �إي�صال فكرة وعناوين عامة‬ ‫رمبا تفيد و حتفز الدار�سني لدرا�سة هذه املن�شورات‬ ‫ب�شكل علمي ومو�سع ‪ ،‬و تكون �أي�ض ًا �صيحة لأ�صحاب‬ ‫الثقافة و امل�ؤمنني بالفكر و الوعي للتفكري ب�رضورة‬ ‫ايجاد اجلانب الآخر لهذه املن�شورات و الكتب و‬ ‫الإعالم حتى تتوقف حاالت اغتيال العقل‪ ،‬و حاالت‬ ‫االغتيال و القتل و التكفري التي متار�س يف الواقع‪،‬‬ ‫و �إال �ستكون الرهانات على قيم الثورة و املجتمع‬ ‫رهانات خا�رسة ‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫الأخرية‬

‫العدد (‪ 2014/02/2 )125‬م‬

‫‪08‬‬

‫تون�س على طريق اجلمهورية الثانية‬ ‫الدكتور عبداهلل تركماين‬

‫يكمن �رس جناح التجربة التون�سية يف �إدراك كل‬ ‫طرف حلدود قوته‪ ،‬مع جي�ش وطني غري م�ستعد لأية‬ ‫جمازفة غري حممودة العواقب‪� ،‬إ�ضافة �إىل مت�سك‬ ‫التون�سيني بنمط جمتمعهم املنفتح على احلداثة‬ ‫التي �أ�س�س لها الزعيم احلبيب بورقيبة‪.‬‬ ‫وقد �أحال اجلدل حول الد�ستور على فكرة �أ�سا�سية‬ ‫تعك�س ‪� -‬إىل حد كبري ‪ -‬التجربة واخل�صو�صية‬ ‫التون�سية يف التحول ال�سيا�سي‪ ،‬يف الع�رص احلديث‬ ‫واملعا�رص‪� ،‬إذ يظهر � ّأن هذا التحول ارتبط دوم ًا‬ ‫باجتهاد د�ستوري ي�ؤ�س�س لفكرة مركزية‪ ،‬وهي‬ ‫احلر�ص امل�ستمر على �أن يكون التحول �أو االنتقال‬ ‫�أو التغيري‪ ،‬يحظى ب�رشعية د�ستورية‪ ،‬حتى ال تبدو‬ ‫ذهاب ًا �إىل املجهول‪ .‬ف�إىل باب احلقوق واحلريات‪،‬‬ ‫�أدخل الد�ستور تغيرياً نوعي ًا على بنية النظام‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬ف�أر�سى ال مركزية وا�سعة حتقق مطمح ًا‬ ‫عميق ًا لدى التون�سيني يف تر�سيخ الدميقراطية‬ ‫املحلية‪ ،‬ويف و�ضع �إطار حقيقي لتنمية جهوية‬ ‫متوازنة‪.‬‬ ‫ويح�سب للمبادئ العامة التي ت�ضمنها الد�ستور‬ ‫�أن و�ضعته يف ال�سياق التاريخي حلركة الإ�صالح‬ ‫التون�سي التي ت�أ�س�ست على يد خري الدين با�شا‬ ‫يف نهاية القرن التا�سع ع�رش‪ ،‬وتطورت بعد ذلك‬ ‫على مدى �أكرث من قرن يف م�صاحلة بني املوروث‬ ‫احل�ضاري ومكت�سبات الع�رص‪ ،‬فن�سجت الهوية‬ ‫الوطنية احلديثة لتون�س من خالل �إ�صالحات طالت‬ ‫التعليم والثقافة والعالقات االجتماعية‪ ،‬خا�صة‬

‫جملة الأحوال ال�شخ�صية‪ ،‬وم�ؤ�س�سات الدولة‪.‬‬ ‫لقد جنحت الثورة التون�سية لي�س لأنها �أ�سقطت‬ ‫نظام ًا ديكتاتوري ًا فح�سب‪ ،‬بل لأنها �ساهمت يف‬ ‫�إعادة �صياغة الوعي ال�سيا�سي للتون�سيني يف اجتاه‬ ‫التفاعل العميق مع مفاهيم احلرية والدميقراطية‪،‬‬ ‫مبا م ّكنهم من اجتياز املرحلة االنتقالية للتحول‬ ‫الدميقراطي يف اجتاه اجلمهورية الثانية‪ .‬حيث‬ ‫تر�سخت قيم املواطنة‪ ،‬فكري ًا وعملي ًا‪ ،‬لدى �أفراد‬ ‫املجتمع وم�ؤ�س�سات الدولة‪.‬‬ ‫� ّإن اجلمهورية التون�سية الثانية‪� ،‬إذا ما حققت‬ ‫م�رشوع املواطنة لأبنائها �ست�شكل الرافعة العملية‬ ‫والفكرية ال�ستمرار الدولة التون�سية وقوتها من‬ ‫جهة‪ ،‬وتر�سيخ القيم الإن�سانية ل�شعبها ومكانته‬ ‫بني ال�شعوب العربية و�شعوب العامل من جهة ثانية‪.‬‬ ‫ومن �أجل ذلك ال بد �أن تتوافر فيها ال�رشوط الأربعة‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ الت�أ�سي�س حلياة دميوقراطية د�ستورية تتجاوز‬ ‫حكم الت�سلط‪ ،‬وتكون قابلة للتطور ح�سب حاجة‬ ‫تقدم املجتمع التون�سي وتطلعاته‪ ،‬وح�سب املعايري‬ ‫العامة التي كر�ستها املواثيق الدولية حلقوق‬ ‫الإن�سان‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تطوير وتطهري اجلهاز احلكومي و�سائر‬ ‫الإدارات‪ ،‬مبا يتالءم ومنطق دولة احلق والقانون‬ ‫وامل�ؤ�س�سات‪ ،‬فالدميقراطية و�سيلة غايتها احلكومة‬ ‫الر�شيدة‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ �أن يكون يف مقدمة واجبات هذه احلكومة‬ ‫الر�شيدة ال�سعي لتحقيق العدالة االجتماعية بني‬ ‫املواطنني‪ ،‬مبا يتجاوز مع�سكري الغنى الفاح�ش‬ ‫والفقر املدقع‪ ،‬ويتفادى انق�سام الوطن بني من‬ ‫ميلكون ومن ال ميلكون‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ الت�رشيع مل�ؤ�س�سات جمتمع مدين حرة يف‬ ‫�ضمريها ور�أيها وم�سلكها القانوين‪ ،‬قادرة على‬ ‫اخلروج من بوتقة الع�صبيات اجلهوية‪ ،‬يف �إطار من‬ ‫الفكر املنفتح واحلوار امل�س�ؤول‪.‬‬ ‫وال منا�ص من االعرتاف � ّأن اخليار الوحيد الناجع‪،‬‬ ‫لو�أد �أية انتكا�سة حمتملة لثورة احلرية والكرامة‬ ‫يف تون�س‪ ،‬هو تقوية ح�ضور املجتمع املدين بكافة‬ ‫هيئاته‪ ،‬كي يقول كلمته ل�صالح وحدة املجتمع‪،‬‬ ‫ولتحفيز روح التفاهم والتعاون بني خمتلف‬ ‫الأطراف‪ ،‬ولت�أكيد الثقة بالدولة وم�ؤ�س�ساتها‬ ‫ودورها العمومي كخري �ضامن مل�سار تطور تون�س‬ ‫وتقدمها‪.‬‬ ‫� ّإن قابلية دولة احلق والقانون ال�ستعادة دورها‬ ‫التقدمي يف اجلمهورية التون�سية الثانية ال تزال‬ ‫قائمة ومطلوبة‪ ،‬وما يزيد من فر�ص النجاح �أن‬ ‫يح�رض املجتمع املدين مبختلف فئاته وفعالياته‪،‬‬ ‫ليمار�س دوره يف حماية قيم وم�ؤ�س�سات هذه‬ ‫اجلمهورية املن�شودة‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.