ájô```M 2014/02/23م العدد ()128 ádGó``Y áæWGƒe
01
ا�سبوعية�-سيا�سية-م�ستقلة العدد ( 2014/02/23 )128م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
رئي�س التحرير :ح�سام مريو www.al-badeel.org
Issue (128) 23/02/2014
بعيداً عن املقد�س :يف نقد ت�شوهات الثورة ال�سورية
ح�سام مريو
عرفت الثورة ال�سورية منذ انطالقتها جملة من التحوالت املختلفة ،وهي حتوالت باتت معروفة ،وقد يكون �أخطرها توقف املرحلة ال�سلمية ب�سبب فائ�ض القوة الذي مار�سه النظام ،ودخول الثورة يف معرتك ال�سالح ،ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم ،تزداد تعقيدات ق�ضية ال�شعب ال�سوري العادلة ،وتبدو املخارج م�سدودة� ،إذ �أ�سهم اال�ستع�صاء على خمتلف اجلبهات يف �إغالق الطريق �أمام احللول ،فال ن�رص ع�سكري ،وال ت�سوية �سيا�سية. ومن الطبيعي ،ونحن نقف على عتبة دخول الثورة عامها الرابع� ،أن نتم�سك بقوة بروح نقدية جتاه الثورة نف�سها، يف عملية معقدة ،من �أجل تفكيك امل�شهد يف م�سعى لتقدمي قراءة ت�سهم يف �إيجاد خمرج للأزمة ال�سورية، و�أول واجب يف النقد ،ويف تاريخ الفكر النقدي ،هو �إنزال املفاهيم وال�شعارات من مرتبة املقد�س ،وبالتايل جعلها قابلة للنقد ،من دون �أن يكون هذا النقد جلداً للذات ،و�إمنا حماولة لفهم ال�سياق التاريخي للواقعة ،وهنا (الواقعة) هي الثورة ال�سورية. وال �أعتقد� ،أنه يف مقال �رسيع ،ميكن لنا �أن نقدم نقداً وافي ًا للثورة ،لكن من املمكن الدعوة �إىل فتح �سجال مع بع�ض املفاهيم الرئي�سية املتعلقة مبفهوم الثورة ب�شكل عام، وبالثورة ال�سورية ب�شكل خا�ص ،فالثورة كفعل تغيري تن�شد التحول من الأ�سو�أ �إىل الأف�ضل (والعذر هنا من التب�سيط، لكنه �رضوري) ،وهي �أي�ض ًا حلظة تاريخية تكثف جملة االحتجاجات املرتاكمة ،وال ميكن تفاديها بالقفز عنها، فهي جزء من �صريورة �شعب ما.
�إذن ،من املهم ،ر�صد جملة الت�شوهات التي عانت منها القوى التي متثل الثورة �سيا�سي ًا وع�سكري ًا ومدنياً ،فمن دون هذا الر�صد ،وتقدمي نقد له ،ال ميكن معاجلة اخللل، ومن الوهم مبكان االعتقاد �أن �إ�سقاط نظام ب�شار الأ�سد هو النجاح النهائي للثورة ،لكن من دون �إ�سقاطه �أي�ض ًا لي�س هناك مقدمة لنجاح الثورة ،لكن تعرث �سقوط نظام الأ�سد مل يكن فقط نتيجة لدعم رو�سيا و�إيران له وح�سب ،و�إمنا �أي�ض ًا بف�ضل الت�شوهات الكثرية التي عانت منها الثورة، والتي �ستقود يف حال ا�ستمرارها مع ا�ستمرار اال�ستع�صاء �إىل حتول �سورية �إىل دولة فا�شلة كلياً ،وانعدام �إمكانات النهو�ض من جديد لبناء دولة �سورية حديثة يفرت�ض �أنها كانت جزءاً ال يتجز أ� من حلم الثورة. لقد مار�س النظام �إرهاب الدولة على من يفرت�ض �أنهم مواطنيه ،وا�ستدعى البعد الطائفي يف الثورة ،لكن يف املقابل تقاع�ست القوى ال�سيا�سية عن نقد الظواهر ال�شاذة التي كانت حم�سوبة على الثورة حتى �أمد قريب ،فقد ن�أى �سيا�سيون خم�رضمون وكتل �سيا�سية عن نقد "داع�ش" ومن ي�شابهها من حيث البنية ،بحجة �أن التناق�ض الرئي�س هو مع النظام ،و�أنه من غري املطلوب فتح جبهة جديدة، لكن هذه الر�ؤية القا�رصة ،وهذا التكتيك اخلاطئ منح تلك غطاء �سيا�سي ًا متكنت من خالله ت�شويه �صورة التنظيمات ً الثورة على نطاق دويل ،وقبل كل ذلك ،متكنت تلك القوى الراديكالية من تدمري احلوا�ضن املحلية ،وطرد النا�شطني املدنيني ،ومنع �أي تكون طبيعي للقيادات املحلية ،وكل ذلك دون �إ�صدار بيان واحد يدين "داع�ش" و�أمثاله من
التنظيمات� ،أو التن�سيق مع قوى ع�سكرية معتدلة من �أجل حماية احلياة املدنية التي خرجت من حتت �سيطرة قوات النظام. ي�شكل املثال ال�سابق جمرد �أمنوذج عن الت�شوهات التي �أ�سهمت يف �إ�ضعاف الثورة ،بالإ�ضافة �إىل جملة من العوامل الأخرى ،والتي ال تقل ت�أثرياً عنها ،فقد بات من املعروف �أن الكثري من احلركات مار�ست نفوذها عرب املال ال�سيا�سي ،ومل يو�ضع املال حتت ت�رصف البعد الوطني اجلامع للثورة ،بقدر ما كان عامل تقوية نفوذ لهذا الطرف �أو ذاك ،وهو ما قاد ،وحتديداُ يف البعد الع�سكري �إىل تعدد الكتائب والف�صائل ،ومن ثم ن�شوب �رصاعات داخلية فيما بينها. �أما الوحدة بني القوى ال�سيا�سية ،وهي عامل رئي�س ومهم يف �إنتاج خطاب وطني جامع ،ويف �إنتاج مقاربات فكرية و�سيا�سية لكل مرحلة �أو لكل �ش�أن من �ش�ؤون الثورة ،فظلت غائبة حتى اللحظة ،و�إذا ما راجعنا وثائق الكثري من القوى ف�إننا �سنجدها متقاربة ،لكن عملي ًا بقيت غري قادرة على التوحد فيما بينها ،كما �أن بع�ض القوى ال�سيا�سية كانت وما زالت تعترب �أن �أي خطوة نحو التوحيد هي مبثابة �إنقا�ص من مكانتها ،وهو ما برز جلي ًا يف الفر�صة التاريخية ال�ضائعة التي منحها م�ؤمتر توحيد املعار�ضة ال�سورية الذي انعقد يف متوز 2012يف القاهرة. ما زالت م�سرية ال�سوريني نحو التغيري طويلة ،لكنها قد تطول �أكرث مع غياب النقد للمظاهر امل�شوهة ،و�آن الأوان لتفعيل مب�ضع النقد اخت�صاراً لدرب الآالم الطويل.