Al badil 132

Page 1

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ 2014/03/23‬م‬ ‫العدد (‪)132‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫‪01‬‬

‫ا�سبوعية‪�-‬سيا�سية‪-‬م�ستقلة‬ ‫العدد (‪ 2014/03/23 )132‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫رئي�س التحرير ‪ :‬ح�سام مريو‬ ‫‪www.al-badeel.org‬‬

‫‪Issue (132) 23/03/2014‬‬

‫حقائق عن املعار�ضة الإ�سالمية ال�سورية‬

‫ح�سام مريو‬

‫يف تعرية حقائق الو�ضع ال�سوري ال بد من التطرق �إىل‬ ‫الدور ال�سلبي الذي لعبته القوى الإ�سالمية املعار�ضة‬ ‫يف الثورة‪ ،‬والذي �أ�سهم يف �أخذها نحو اجتاهات ال‬ ‫تتطابق مع انطالقتها‪ ،‬كما �أ�سهم يف دفع الو�ضع‬ ‫ال�سوري برمته نحو التعقيد‪ ،‬حيث لعب الإخوان‬ ‫امل�سلمون منذ بداية ت�شكل املجل�س الوطني دور الو�صي‬ ‫على املجل�س‪ .‬ولئن و�ضعوا يف �سدة رئا�سته الدكتور‬ ‫برهان غليون املفكر العلماين �إال �أن ذلك كان مبثابة‬ ‫واجهة تك�شفت الحق ًا بفعل هيمنة الإ�سالميني على‬ ‫املجل�س‪ ،‬وتوزيع الأدوار فيه‪ ،‬ور�سم حتالفاته مع الدول‬ ‫الإقليمية‪ ،‬يف ظل تنامي �صعود الإ�سالم ال�سيا�سي يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬وخا�صة يف م�رص مبا تعنيه من رمزية‪.‬‬ ‫ومع ع�سكرة الثورة‪ ،‬ت�شكلت كتائب وف�صائل مقاتلة ذات‬ ‫�صبغة �إ�سالمية وا�ضحة‪ ،‬بالتوازي مع اجلي�ش احلر الذي‬ ‫يلق الدعم املطلوب‪ ،‬و�إمنا اتخذته معظم الف�صائل‬ ‫مل َ‬ ‫الإ�سالمية كغطاء للعمل با�سمه‪ ،‬ثم تك�شف فيما بعد �أن‬ ‫ما من م�صلحة جدية لقوى الإ�سالم ال�سيا�سي يف دعم‬ ‫اجلي�ش احلر‪ ،‬و�إمنا تكمن م�صلحتها يف تقوية ف�صائل‬ ‫تدين لها بالوالء ال�سيا�سي والعقائدي‪ ،‬وهو ما يتنافى‬ ‫مع ال�شعارات التي كان يرددها �إ�سالميون يف املجل�س‬ ‫الوطني حول الثورة ال�سورية اجلامعة‪.‬‬ ‫�إن �إف�شال توحيد املعار�ضة ال�سورية يف م�ؤمتر‬ ‫القاهرة يف ‪ 2‬و‪ 3‬متوز ‪ 2012‬يتحمل اجلزء الأكرب منه‬ ‫الإ�سالميون‪ ،‬فنجاح وحدة املعار�ضة كان �سيف�ضي‬

‫بال�رضورة �إىل بلورة خط معتدل‪ ،‬و�سيقل�ص من ثقل‬ ‫الإ�سالم ال�سيا�سي‪ ،‬وهو ما يتناق�ض مع م�صالح‬ ‫الإخوان امل�سلمني �آنذاك‪ ،‬والذين كانوا حتى تلك‬ ‫اللحظة العب ًا مهماً‪ ،‬قبل �أن يخطف ال�سلفيون منهم‬ ‫جزءاً كبرياً من مكانتهم ونفوذهم‪.‬‬ ‫حتفظ الإ�سالميون مع ا�شتداد عود جبهة الن�رصة‬ ‫وتنظيم الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام "داع�ش"‬ ‫على �إدانة ما تقومان به من �أعمال تتنافى مع القيم‬ ‫ال�سورية العامة‪ ،‬ومع روح الثورة‪.‬‬ ‫ر�أى الإ�سالميون يف "الن�رصة" و "داع�ش" قوتان‬ ‫ع�سكريتان ميكن لهما �أن تقلبا موازين القوى على‬ ‫الأر�ض �ضد القوات النظامية‪ ،‬كما �أنهما بت�شكيلهما ما‬ ‫عرف وما زال با�سم الهيئات ال�رشعية من �ش�أنه �أن يعزز‬ ‫الأيديولوجيا ومنط ال�سلوك الإ�سالمي‪ ،‬و�أن ي�صحح من‬ ‫منط احلياة الكافرة التي �أ�شاعها النظام خالل حكمه‪،‬‬ ‫متنا�سني ب�أن مطامح ال�سوريني من الثورة هي مطامح‬ ‫تت�صل باحلرية والكرامة والدميقراطية وحماربة‬ ‫الف�ساد و�إىل ما هنالك من تغيريات تطال �رشوط‬ ‫حياتهم املو�ضوعية‪.‬‬ ‫ويف امل�سار ال�سيا�سي بدا وا�ضح ًا �أن ممثلي الإ�سالم‬ ‫ال�سيا�سي لي�سوا �أقل ت�شدداً جتاه ق�ضايا �أ�سا�سية يف‬ ‫الثورة‪ ،‬وحتديداً يف م�س�ألة الدميقراطية‪ ،‬ففي �أكرث من‬ ‫م�ؤمتر رف�ض "�إ�سالميون" ت�ضمني بيانات امل�ؤمتر‬ ‫كلمة دميقراطية‪ ،‬وجادل بع�ضهم ب�أنه �شخ�صي ًا "لي�س‬

‫لديه م�شكلة مع الدميقراطية‪ ،‬لكن القوى الع�سكرية لن‬ ‫تقبل بكلمة دميقراطية"‪ ،‬وحاولوا االلتفاف على كلمة‬ ‫دميقراطية‪ ،‬وو�ضع كلمة �أخرى مثل "دولة القانون"‪� ،‬أو‬ ‫�أن "االنتخابات يحكمها �صندوق االقرتاع"‪ ،‬وقد ف�شلت‬ ‫معظم تلك امل�ؤمترات يف توحيد املعار�ضة‪� ،‬أو يف احلد‬ ‫الأدنى التوقيع على بيان م�شرتك‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬احتكر الإ�سالميون بوابات الدعم‬ ‫املايل والإغاثي‪ ،‬واحتكروا معظمها‪ ،‬و�أن�ش�أوا �أذرع‬ ‫�إعالمية ومدنية تعمل من خالل الدعم والتمويل‬ ‫الكبري الذي ي�أتي للقوى الإ�سالمية‪ ،‬وهو ما م ّكن قوى‬ ‫�إ�سالمية ومت�شددة من التحكم باحلوا�ضن ال�شعبية عرب‬ ‫عمليات تقدمي الدعم والإغاثة‪.‬‬ ‫�إن جزءاً مهم ًا من الأزمة ال�سورية يكمن اليوم يف‬ ‫�أننا �أمام نظام مل يعد يهتم �سوى بدميومة احلكم‪ ،‬من‬ ‫دون ال�س�ؤال حول كيفية تلك الدميومة‪ ،‬وقوى �إ�سالمية‬ ‫ت�سيطر على املعار�ضة ال�سيا�سية والع�سكرية وحتتكر‬ ‫التمويل الإغاثي‪ ،‬وغياب فعالية القوى الدميقراطية‬ ‫واملعتدلة التي �أق�صيت من النظام ومن الإ�سالميني‬ ‫على حد �سواء‪ ،‬وبقبول من القوى "الداعمة للثورة"‪.‬‬ ‫�إن �أفق الأزمة �سيبقى مغلق ًا عن احللول‪ ،‬طاملا �أن‬ ‫القوى املت�شددة من النظام واملعار�ضة يرف�ضان‬ ‫احلل‪ ،‬ومي�سكان مب�صادر القوة والتمويل‪ ،‬وغالب ًا ف�إن‬ ‫ال�سيناريو الأكرث ترجيح ًا هو االهرتاء املتبادل لطريف‬ ‫املعادلة‪ ،‬بانتظار حتوالت دراماتيكية‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/03/23 )132‬م‬

‫حتليل �سيا�سي‬

‫‪02‬‬

‫ثالث �سنوات من ال�صراع‪ :‬ال حرب بالوكالة‪ ،‬ال حل من دون املجتمع‬ ‫فولكر بريتي�س*‬

‫خالل م�ؤمتر ال�سلم الأهلي‬ ‫احلفاظ على الدولة ال�سورية �سليمة ي�ستتبع تقا�سم‬ ‫ال�سلطة بني جميع الفئات املكونة لها‪ .‬وينبغي‪،‬‬ ‫بالتايل‪� ،‬أن ت�ستكمل عملية جنيف جتمع ًا ا�ست�شاري ًا‬ ‫من مواطنني لهم مكانتهم من جميع املناطق‬ ‫ال�سورية‪ ،‬واجلماعات العرقية والطائفية ‪.‬‬ ‫بد�أ االحتجاج يف ‪� 2011‬سلمي ًا‪ ،‬من �أجل كرامة‬ ‫الإن�سان والإ�صالح ال�سيا�سي‪ ،‬وكان ب�شار الأ�سد قد‬ ‫ر�أى ما جرى يف تون�س وم�رص‪ ،‬وقرر منذ البداية‬ ‫اختيار ما و�صف ب�أنه "احلل الأمني"‪� ،‬أي قمع‬ ‫االحتجاجات ال�شعبية بالقوة الع�سكرية‪.‬‬ ‫رد فعل النظام ‪ -‬بدوره ‪� -‬أثار ان�شقاق عن القوات‬ ‫امل�سلحة وع�سكرة االنتفا�ضة‪ .‬من منت�صف عام‬ ‫‪ ، 2011‬تطور ال�رصاع �إىل حرب �أهلية ‪� ،‬رصاع‬ ‫حتول ب�شكل‬ ‫دموي على ال�سلطة يف �سوريا‪ ،‬والذي ّ‬ ‫متزايد �إىل �رصاع مب�ضامني �إقليمية‪.‬‬ ‫اال�ستقطاب الطائفي‬ ‫كل من يريد وقف القتال يف �سوريا يحتاج �إىل‬ ‫فهم طبيعته‪ .‬زادت احلرب اال�ستقطاب الطائفي‬ ‫يف �سوريا واملنطقة‪� .‬إن احلرب يف �سورية‪ ،‬اليوم‪،‬‬ ‫هي حرب طائفية‪ ،‬لها بعد �إقليمي ودويل‪ ،‬والقوى‬ ‫الإقليمية من منطق جيو�سيا�سي تدعم النظام �أو‬ ‫املعار�ضة‪ ،‬لكن احلرب يف �سورية لي�ست حرب ًا‬ ‫بالوكالة‪ ،‬فالأ�سد وحا�شيته ال يقاتلون من �أجل‬ ‫�إيران‪ ،‬ومعظم املوالني للنظام ال يقاتلون من �أجل‬ ‫الأ�سد وعائلته‪ ،‬ولكنهم ي�شعرون باخلوف على‬ ‫�أنف�سهم �إذا رحل النظام‪.‬‬ ‫املعار�ضة "املعتدلة" واملمثلة باالئتالف الوطني‬ ‫ت�سعى للح�صول على دعم من �أوروبا والواليات‬ ‫املتحدة وتركيا و اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫وغريها من الدول ‪� .‬إنها ال تقاتل من �أجل م�صالح‬ ‫هذه القوى ‪ ،‬و�إمنا لتغيري �سوريا نحو الأف�ضل‪.‬‬ ‫اجلهاديون‪ ،‬مثل "داع�ش" ال يبالون مب�ستقبل‬ ‫�سورية و�شعبها‪ ،‬واملفارقة املريرة هي �أن نظام‬ ‫الأ�سد ‪ -‬من البداية – اتهم االنتفا�ضة على �أنها‬

‫كل من يريد وقف القتال يف‬ ‫�سوريا يحتاج �إىل فهم طبيعته‬

‫هذا الفهم هو �رشط �رضوري‪ ،‬ولكنه غري ٍ‬ ‫كاف‬ ‫‪ ،‬لإنهاء احلرب‪ .‬عملية ال�سالم ميكن �أن حتدث‬ ‫بو�ساطة خارجيا ‪ ،‬ولكن ال�سوريني بحاجة‬ ‫لالتفاق على م�ستقبل بالدهم فيما بينهم ‪ .‬ينبغي‬ ‫احلفاظ على عملية جنيف بو�ساطة الأمم املتحدة ‪،‬‬ ‫فمفاو�ضات جنيف حظيت بدعم دويل وا�سع‪ ،‬وهي‬ ‫املكان الوحيد الذي جل�س فيه النظام واملعار�ضة‬ ‫مع ًا‪.‬‬ ‫وال يجب الرتكيز فقط على املفاو�ضات بني النظام‬ ‫واملعار�ضة‪ ،‬و�إمنا جلب مكونات املجتمع ال�سوري‬ ‫�إىل م�ؤمتر وطني‪ ،‬بحيث ي�ضم جميع مكونات‬ ‫الطوائف واجلماعات العرقية والأهلية يف �سورية‪،‬‬ ‫وذلك ملناق�شة �إذا ما كانوا يرغبون بالبقاء مع ًا‪،‬‬ ‫والعي�ش مع ًا يف امل�ستقبل‪ ،‬والت�أ�سي�س حلالة‬ ‫د�ستورية جديدة‪.‬‬ ‫�سيوا�صل الأ�سد ونظامه رف�ض عملية التحول‬ ‫االنتقايل ‪ ،‬ولكن ال�شيء نف�سه ال ينطبق على‬ ‫املجتمع العلوي على هذا النحو‪� ،‬أو بالن�سبة لغالبية‬ ‫كبرية من النا�س يف املناطق التي ي�سيطر عليها‬ ‫النظام ‪.‬‬ ‫وهناك عنا�رص هامة من املعار�ضة تنبذ فكرة‬ ‫تقا�سم ال�سلطة مع ممثلي ذلك النظام "الوح�شي‬ ‫وفاقد ال�رشعية" ‪ ،‬ولكن معظم النا�س يف املناطق‬ ‫التي ت�سيطر عليها املعار�ضة �سوف يف�ضلون عدم‬ ‫ا�ستمرار احلرب‪.‬‬ ‫�إن جلب ممثلني املجتمع الذين يتمتعون فيه‬ ‫مب�صداقية عالية لن ينهي املواجهة الع�سكرية‬ ‫ب�شكل مبا�رش‪ ،‬لكنه ميكن �أن يخلق �أ�سا�سا لعقد‬ ‫اجتماعي جديد ‪ ،‬وبالتايل ‪ ،‬تغيري الديناميات‬ ‫ال�سيا�سية لل�رصاع‪.‬‬

‫اعتداء على الدولة من قبل " اجلهادية الإرهابيني"‬ ‫‪ ،‬ومع الوقت �أ�صبحت اجلماعات املتطرفة قوة ال‬ ‫ي�ستهان بها يف احلرب‪.‬‬ ‫النظام يف الواقع ال يحارب اجلهاديني‪ ،‬وهو ي�ستفيد‬ ‫منهم لإ�ضعاف اجلماعات املطالبة بدولة وطنية‪.‬‬ ‫احلرب يف �سوريا هي معركة غري متكافئة‪ ،‬لي�س‬ ‫فقط فيما يتعلق ب�أنواع الأ�سلحة املتاحة ‪ ،‬ولكن‬ ‫�أي�ضا مبعنى �أن املعار�ضة يف حاجة للقتال لتحقيق‬ ‫�أهدافها ‪ ،‬يف حني ا�ستفاد النظام من الت�صعيد و‬ ‫الأعمال التي ارتكبت على �أيدي النظام و اجلماعات‬ ‫املتطرفة ‪.‬‬ ‫الطائف ال�سوري‬ ‫احلرب م�ستمرة ‪ ،‬وهي ميكن �أن ت�ؤدي �إىل تفتيت‬ ‫�سوريا‪ ،‬ولي�س و�ضعها معا مرة �أخرى‪ .‬وهذا من‬ ‫�ش�أنه �أن يكون له عواقب جيو�سيا�سية ‪� ،‬إن النظام‬ ‫بني الدول يف ال�رشق العربي تتغري ‪ .‬بالفعل ‪ ،‬احلدود‬ ‫ال�سورية الإقليمية مع العراق ولبنان يف طريقها‬ ‫للتبخر‪ .‬واجلغرافية الثقافية نف�سها تتغري ‪ ،‬تفكك‬ ‫�سوريا رمبا يعني نهاية فكرة التعدد الطائفي‪� ،‬أو‬ ‫تعدد الأعراق يف دول املنطقة‪.‬‬ ‫وبد ًال من ذلك‪ ،‬ف�إن وجود نوع من القبول بالتعدد‬ ‫الطائفي والت�سامح مع الآخر ميكن �أن ي�شكال مدخ ًال‬ ‫مهم ًا للحفاظ على الدولة‪ ،‬لأنه من الوا�ضح عدم‬ ‫قدرة �أي طرف على احل�سم الع�سكري‪.‬‬ ‫الالعبون اخلارجيون ال يتحكمون يف القتال ‪.‬‬ ‫�إننا بحاجة �إىل تفاهم �إقليمي ودويل‪ ،‬ويجب‬ ‫على الواليات املتحدة ورو�سيا و اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية و�إيران االتفاق فيما بينهم ‪ ،‬وال�سعي �إىل باحث يف املعهد الأملاين الدويل لل�ش�ؤون‬ ‫االجتماعية‬ ‫�إبقاء �سورية دولة متعددة املكونات‪.‬‬


‫‪03‬‬

‫حتليل �سيا�سي‬

‫العدد (‪ 2014/03/23 )132‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫ما بعد يربود ‪ :‬ال �شيء غري دوام احلرب‬ ‫غازي دحمان‬

‫�سقطت يربود‪ ،‬حتت ظل نريان كثيفة‪ ،‬وحالة‬ ‫من ال�سماح با�ستخدام كل �أنواع الأ�سلحة‪ ،‬اللهم‬ ‫با�ستثناء الكيماوي والنووي‪� ،‬سقطت يربود ومل‬ ‫يكن فيها �سوى كتائب �ضعيفة التجهيز معدومة‬ ‫الدفاعات اجلوية وال متلك القوة النارية الكافية‬ ‫ملواجهات طويلة‪ ،‬يف حم�صلة احلدث �أنه جرى‬ ‫�إعادة احتالل يربود‪ ،‬ولكن هذه املرة بعنوان‬ ‫طائفي ويف ظل ظروف دولية مرتبكة‪.‬‬ ‫عملت ماكينة الدعاية لدى النظام وحزب اهلل على‬ ‫ت�ضخيم املعركة �أكرث من حجمها‪ ،‬وجرى ت�صويرها‬ ‫وك�أنها معركة م�صريية حا�سمة �ستغري كثرياً من‬ ‫الواقع اال�سرتاتيجي‪ ،‬لي�س للميدان ال�سوري وح�سب‪،‬‬ ‫بل للمنطقة كلها‪ ،‬من �إيران �إىل فل�سطني‪ ،‬وما‬ ‫بينهما اخلليج وتركيا‪ ،‬يف حماولة لإعادة �إنتاج‬ ‫�صورة خارقة‪ ،‬وحتديدا ملقاتلي احلزب الذين‬ ‫�سيكون مطلوب من بيئتهم تقبل ت�ضحيات جديدة‬ ‫يف انت�صارات �إلهية قادمة على الأر�ض ال�سورية‪،‬‬ ‫�ألي�سوا هم الغالبون �أبداً؟‪.‬‬ ‫من الق�صري �إىل يربود يريد نظام ب�شار الأ�سد‬ ‫وحزب اهلل كذلك ت�صوير معاركهما وك�أنها حا�سمة‬ ‫ونهائية‪ ،‬ويجري الرتويج عقبها ِلقرب نهاية‬ ‫حتدثت ال�صحف وو�سائل‬ ‫الثورة‪ ،‬فبعد الق�صري‪ّ ،‬‬ ‫املقربة منهما عن معركة حلب وعن‬ ‫الإعالم‬ ‫ّ‬ ‫تكرر بعد‬ ‫اليوم‬ ‫هي‬ ‫وها‬ ‫مقبلة‪،‬‬ ‫كثرية‬ ‫انهيارات‬ ‫ّ‬ ‫‪� 9‬أ�شهر الأمر نف�سه �إثر جناحها يف احتالل مدينة‬ ‫�صغرية حو�رصت و ُق�صفت مبختلف �أنواع الأ�سلحة‪.‬‬ ‫الواقع غري ذلك متاما‪ ،‬ذلك �أن احلقائق امليدانية‬ ‫ال�سورية تبقى متحركة‪ ،‬وكل «انت�صار» يبقى‬ ‫حمدودا وموقنا يف املعطى اال�سرتاتيجي‪ ،‬نظرا �إىل‬ ‫ا�ستحالة �سيطرة النظام على البالد‪ ،‬و�إىل ا�ستحالة‬

‫�سحق املعار�ضة بوجهها ال�شعبي احلا�ضن للقوى‬ ‫الع�سكرية املنت�رشة والعاملة على كل الأرا�ضي‬ ‫ال�سورية‪ .‬يف مقابل افتقار النظام �إىل قاعدة �شعبية‬ ‫حا�ضنة يف معظم �سورية اللهم با�ستثناء بع�ض‬ ‫مناطق ال�ساحل‪ ،‬والتي بد�أت ت�شهد متلم ًال جراء‬ ‫اخل�سائر الكبرية التي تقع يف �صفوفها‪ ،‬وما ت�ضطر‬ ‫لدفعه من �أثمان لقاء ا�ستمرار عائلة الأ�سد يف احلكم‪.‬‬ ‫باملقابل‪ ،‬ف�إن اخل�سائر التي �أ�صابت الثوار تبقى‬ ‫�أقل مما يتم ت�صويرها‪ ،‬ففي كل املعارك التي‬ ‫خ�رسها الثوار ا�سرتاجتيا متت املحافظة فيها‬ ‫على اجل�سم الأ�سا�سي لهم‪� ،‬أي على عديدهم‪ ،‬وهو‬ ‫�أهم عن�رص يف معاركهم‪ ،‬كونهم ال ميتلكون عتاداً‬ ‫مهما‪ ،‬ويح�صل �أن يعيد الثوار كل مرة �إعادة جتميع‬ ‫�أنف�سهم والهجوم على مناطق جديدة وحتقيق‬ ‫اخرتاقات مهمة‪ ،‬ولعل الطبيعة الفو�ضوية والبنية‬ ‫املرنة للثوار هي ما متنحهم تلك القدرة الهائلة على‬ ‫التكيف مع التطورات احلا�صلة وجتعل من �ضعفهم‬ ‫قوة وطاقة م�ستمرة على القتال‪ ،‬وبالتايل ف�إن‬ ‫�سقوط يربود مثل �سقوط الق�صري قبله‪ ،‬يح�سن و�ضع‬ ‫النظام و»حزب اهلل» ع�سكري ًا‪ ،‬لكنه ال ي�ؤثر يف امل�آل‬ ‫الأخري للمعركة يف �سوريا‪.‬‬ ‫يف الواقع ال يبدو ثمة �إمكانية لتحقيق انت�صارات‬ ‫حا�سمة‪ ،‬الظروف املو�ضوعية لل�رصاع يف �سورية‬ ‫مل تعد تتيح تلك الإمكانية التي تبدو على �أنها �أكرب‬

‫احلقائق امليدانية ال�سورية‬ ‫تبقى متحركة وكل انت�صار‬ ‫يبــــــــقى حمــــــدوداً ومـــــــــ�ؤقت ًا‬

‫من قدرات كتائب ب�شار وحزب اهلل‪ ،‬فاحل�سم خا�ضع‬ ‫ال�شرتاطات كثرية ال ميلكان كل عنا�رصها‪ ،‬كما‬ ‫�أن قرار احل�سم �أي�ضا لي�س ب�أيديهما‪ ،‬ذلك �أن بيئة‬ ‫املعركة باتت تتجاوز يربود وكل الأر�ض ال�سورية‪،‬‬ ‫و�صارت متتد على م�ساحة تغطي كامل �إقليم ال�رشق‬ ‫الأو�سط‪ ،‬فكل املنطقة معنية بهذا ال�رصاع‪ ،‬مما‬ ‫ي�ضيف �إىل تعقيداته وت�شابكاته عنا�رص �إ�ضافية‬ ‫جديدة‪.‬‬ ‫يح�صل ذلك �أي�ضا يف حلظة دولية فارقة‪ ،‬فالعامل‬ ‫اليوم �أمام م�شهد جديد يف بيئة النظام الدويل‪،‬‬ ‫ت�شكله �إعادة �إنتاج العالقة بني ال�رشق والغرب‬ ‫‪ .‬وذلك �سيتوقف على امل�سار الذي ت�سلكه الأزمة‬ ‫الأوكرانية ‪ .‬لقد �أيقن الغرب �إن رو�سيا ت�سعى لإعادة‬ ‫ر�سم خريطة �أوروبا اجليو�سيا�سية‪ ،‬ا�ستناداً �إىل قوتها‬ ‫امل�سلحة‪�،‬صحيح ان ال �أحد على الأرجح ُيريد حرب ًا‬ ‫باردة جديدة‪ ،‬لكن هذه احلرب قد وقعت‪ ،‬واحلديث‬ ‫الآن عن كيفية �إدارتها‪ ،‬ال عن �إثبات وجودها من‬ ‫عدمه‪ ،‬وثمة م�ؤ�رشات عديدة �إىل توفر بيئة �صاحلة‬ ‫لفك االرتباط ال�سيا�سي بني رو�سيا والغرب يف مناطق‬ ‫خمتلفة من العامل‪ ،‬مبا يف ذلك ال�رشق الأو�سط ‪ .‬‬ ‫ال ن�رص وال ح�سم يف هذه اللحظة‪ ،‬كل ما يح�صل‬ ‫ال يعدو نوع من حتريك بع�ض املواقع‪ ،‬وهي جمرد‬ ‫معارك �صغرية يف �صريورة حربية يتوقع �أن لها ان‬ ‫تدوم وتدوم‪ ،‬ما دام هناك طرف مدعوم من قوى‬ ‫ا�ستبدادية يريد �صناعة الواقع مبا ينا�سب م�صاحله‬ ‫يف اال�ستمرار بال�سلطة و�إخ�ضاع �شعب م�ستقويا‬ ‫ببعده املذهبي‪ ،‬ال انت�صار وال ح�سم‪ ،‬الن لل�شعب‬ ‫�أي�ض ًا عمق ومدى حيوي لن يتخلى عنه‪ ،‬و�إن تراخى‬ ‫�أحيانا‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/03/23 )132‬م‬

‫ر�أي‬

‫‪04‬‬

‫خيارات الأقليات بني املواالة والطريق الثالث‬ ‫ح�سام امليالد‬

‫يبدو �أن هاج�س الأقليات يف �سوريا وواقعهم‬ ‫احلايل وم�صريهم يف «�سوريا اجلديدة» بوجود‬ ‫الأ�سد �أو بدونه بات هاج�س ًا دولي ًا‪� ،‬أو هكذا يراد له‬ ‫�أن يبدو‪ .‬فبينما كرر الرو�س خ�شيتهم على الأقليات‬ ‫يف حال رحيل الأ�سد دون توافق ال�سوريني �أنف�سهم‬ ‫على بديل‪ ،‬حاول الأمريكيون من جهتهم �سحب‬ ‫الب�ساط من حتت الرو�س بتقدمي �ضمانات دولية‬ ‫حلماية الأقليات‪ ،‬بل ا�شار جون كريي ب�شكل �رصيح‬ ‫اىل الأقلية العلوية على هام�ش «جنيف ‪ »-2‬يف‬ ‫‪.24/1/2014‬‬ ‫م�س�ألة الأقليات مل ت�شغل اهتمام ال�سيا�سيني فقط‪،‬‬ ‫بل تعدتها �إىل املنظمات احلقوقية الدولية وكان‬ ‫�أبرزها منظمة العفو الدولية‪ ،‬التي �شددت يف‬ ‫تقريرها يف ‪ 9/1/2014‬على �رضورة اعتبار‬ ‫حماية الأقليات �أولوية لدى �أي حكومة انتقالية‬ ‫مقبلة يف ظل االنتهاكات املت�صاعدة حلقوق‬ ‫الأقليات خا�صة العلويني وامل�سيحيني‪.‬‬ ‫تعمد النظام طيلة �أربعني عام ًا من احلكم عدم‬ ‫الإ�شارة �إىل التمايزات العرقية �أو الدينية‪ ،‬ولكنه‬ ‫فعليا مار�س �سيا�سة اللعب على توازنات من‬ ‫هذا النوع مبا يخدم م�صلحته �أو ًال‪ ،‬واعتمد على‬ ‫الطائفة العلوية يف توطيد �أركان حكمه بهيمنتها‬ ‫على املراكز احل�سا�سة يف م�ؤ�س�سات الدولة ال�سيما‬ ‫الأمنية والع�سكرية‪ ،‬فغيبت العدالة يف تقا�سم ال�سلطة‬ ‫والرثوة بني اجلماعات العرقية والدينية واجلهوية‪.‬‬ ‫واليوم ويف ظل تنامي النعرات العرقية والدينية‪،‬‬ ‫ي�شكل التوزع الدميغرايف الطائفي والعرقي عام ًال‬ ‫بات يهدد وحدة الأرا�ضي ال�سورية‪ .‬وبات التداخل‬ ‫الدميغرايف ووجود �أقليات حماطة ب�أكرثية مغايرة‬ ‫عرقي ًا وطائفي ًا حمفوف ًا بخطر التطهري العرقي‬ ‫والديني‪.‬‬ ‫الأكراد الذين مار�سوا فيما م�ضى دورهم الوطني‬ ‫وعا�شوا كغريهم من ال�سوريني‪� ،‬أ�صبحوا الأكرث‬ ‫تهمي�شا مقارنة بغريهم من الأقليات العرقية‬ ‫(الأرمن والرتكمان وال�رشك�س وال�شي�شان‬ ‫والآ�شوريني وغريهم)‪ .‬فمنذ قانون الإح�صاء‬ ‫يف العام ‪ 1962‬حرم الكثري منهم من اجلن�سية‬ ‫ال�سورية‪ ،‬ومل يعرتف لهم ب�أي حقوق ك�أقلية‬ ‫عرقية‪ .‬وقد حاول النظام يف البداية ا�ستمالتهم‬ ‫بعد انخراطهم يف احلركات االحتجاجية �ضد نظام‬ ‫الأ�سد‪ .‬ف�صدر القانون (‪ )49‬تاريخ ‪5/2011/ 8‬‬ ‫الذي حل م�شكلة �إح�صاء ‪ ،1962‬والقانون (‪)11‬‬ ‫بتاريخ ‪ 11/5/2011‬الذي �ألغى جترديهم من‬ ‫امللكية العقارية عقب �أحداث القام�شلي ‪.2004‬‬ ‫كما مت االعرتاف بعيد النريوز لت�صفه بثينة �شعبان‬ ‫بعيد لكل ال�سوريني وهن�أتهم به‪ .‬لكن الأكراد اليوم‬ ‫يبدو �أنهم قد ح�سموا �أمرهم نحو �إعالن احلكم الذاتي‬ ‫بقيادة «قوات حماية ال�شعب الكردي» وعلى ر�أ�سها‬ ‫«حزب االحتاد الدميقراطي»‪ .‬ان�سحب الأكراد من‬ ‫كافة التجمعات ال�سورية املعار�ضة للتوحد �ضمن‬ ‫تكتل كردي عرب عن نف�سه من خالل «املجل�س‬ ‫الوطني الكردي»‪ ،‬ويلعب ف�شل املعار�ضة ال�سورية‬ ‫يف مد ج�سور الثقة مع الأقلية الكردية ومنحهم‬ ‫ال�ضمانات الالزمة ل�رشاكة وطنية حقيقة دورا‬ ‫رئي�سي ًا يف اختيار الأكراد طريق ًا ثالث ال ميكن‬ ‫تربيره فقط بنزعة انف�صالية م�سبقة عند ه�ؤالء‪.‬‬ ‫ويف الوقت الذي كان �أكرثية العلمانيني املنت�سبني‬

‫اىل الطوائف امل�سيحية يريدون تغيري النظام كان‬ ‫امل�ؤمنون موالني للنظام‪ .‬وقد حاول النظام عرب‬ ‫تعيني العماد داوود راجحة وزيرا للدفاع ا�ستمالة‬ ‫مزيد من امل�سيحيني‪ .‬لكن اليوم‪ ،‬بات امل�سيحيون‬ ‫الذين اتخذهم النظام و�سيلة للتقرب من الغرب‬ ‫حتت �شعار حمايتهم‪ ،‬باتوا يعلمون كما يعلم الغرب‬ ‫نف�سه �أن النظام مل يعد قادراً على حمايتهم ال�سيما‬ ‫يف ظل تعر�ض مناطقهم للق�صف وتدمري كنائ�سهم‬ ‫وخطف راهباتهم وفر�ض احلدود ال�رشعية واجلزية‬ ‫يف مناطق تواجدهم‪ ...‬الخ‪ ،‬الأمر الذي دفع املوالني‬ ‫واملعار�ضني منهم على ما يبدو اىل البحث عن‬ ‫موقع و�سط بني النظام واملعار�ضة �إدراك ًا منهم‬ ‫�أنهم باتوا احللقة الأ�ضعف يف هذا ال�رصاع‪.‬‬ ‫الدروز يف �سوريا غالبا ما يعي�شون يف جتمعات‬ ‫كبرية ي�شكلون فيها الأكرثية‪ ،‬ه�ؤالء بالرغم من‬ ‫دعمهم للنظام �إعالميا �إال �أنهم مل ي�شاركوا معه‬ ‫ع�سكري ًا‪ ،‬بل اكتفت اللجان امل�سلحة امل�شكلة من‬ ‫قبلهم يف حماية مناطقهم‪ ،‬وقد لقيت ظاهرة‬ ‫اللجان هذه ا�ستهجان �رشيحة وا�سعة من الأهايل‬ ‫ومن رجال الدين وتعالت الأ�صوات املطالبة بحلها‬ ‫وعدم ع�سكرة التجمعات الدرزية‪ .‬وقد رف�ض الدروز‬ ‫دعوة وليد جنبالط لالنخراط يف الثورة ال�سورية‪.‬‬ ‫وبالرغم من تعايل بع�ض الأ�صوات االحتجاجية‬ ‫�ضد النظام‪� ،‬إال �أن موقفهم العام كان وقوفهم على‬ ‫احلياد بالرغم من بع�ض امل�صادمات مع جبهة‬ ‫الن�رصة‪ ،‬ال�سيما يف بلدة اخل�رض‪ .‬يف املقابل ف�شلت‬ ‫حماوالت حزب اهلل بو�ساطة �سمري القنطار يف‬ ‫�إقناعهم بالقتال �إىل جانب نظام الأ�سد‪.‬‬ ‫بالن�سبة للعلويني الذين وقف �أغلبهم مع النظام‪،‬‬ ‫فقد خ�رسوا الكثري من �أبنائهم يف معارك النظام‬ ‫�ضد املعار�ضة امل�سلحة‪ ،‬و�إن كانت قد بد�أت تظهر‬ ‫عالمات التذمر �إال �أن هذا مل مينع ا�ستمرار النظام يف‬ ‫ح�شدهم لوج�ستي ًا‪� ،‬أو عرب« قوات الدفاع الوطني»‪،‬‬ ‫وبالرغم من �شعورهم بالإحباط لعدم ا�ستعداد‬ ‫النظام ملبادلة املخطوفني واملعتقلني من �أبنائهم‬

‫مبعتقلني يف �سجون النظام‪ ،‬ال�سيما بعد مبادلة‬ ‫النظام ملعتقلني لديه بالراهبات املحتجزات لدى‬ ‫جبهة الن�رصة‪� ،‬إال �أن الدعوات امل�ستمرة من قبل‬ ‫املعار�ضة له�ؤالء لالنخراط يف احلراك ال�شعبي �ضد‬ ‫تلق �آذان ًا �صاغية‪ ،‬طاملا �أن خوفهم‬ ‫نظام الأ�سد مل َ‬ ‫من ال�سيناريوهات املحتملة يف مرحلة ما بعد‬ ‫�سقوط الأ�سد و�سيطرة �أكرثية �سنية على احلكم لديها‬ ‫«رغبة يف االنتقام» ال تزال م ّتقدة يف ت�صوراتهم‬ ‫عن امل�ستقبل‪ .‬بعد �صدور بيان عن ثالثة من رجال‬ ‫الدين العلويني يف حم�ص (مهيب ني�صايف‪ ،‬ويا�سني‬ ‫ح�سني‪ ،‬ومو�سى من�صور) ترب�أ من ممار�سات النظام‪،‬‬ ‫عولت بع�ض قوى املعار�ضة عليه باعتباره نقطة‬ ‫حتول يف موقف الطائفة العلوية الذي �سيجعل‬ ‫�سقوط النظام �أمراً ممكن ًا‪ ،‬لكن غاب عن بال ه�ؤالء‬ ‫�أن املرجعية الدينية للطائفة العلوية هي �أ�ضعف �أن‬ ‫ت�ؤثر يف ال�شارع العلوي‪ ،‬نتيجة لتعر�ضها عرب عقود‬ ‫طويلة لعملية تفتيت وحتييد ل�صالح الوالء للعائلة‬ ‫احلاكمة‪.‬‬ ‫�إذا تتبعنا خريطة الوالءات ال�سيا�سية للأقليات‬ ‫الدينية وال�سيا�سية يف �سوريا �سنجد �أن هذه‬ ‫الأقليات �إما �أنها يف �أغلبها موالية للنظام �أو تقف‬ ‫على احلياد‪� ،‬أو اختارت طريق ًا ثالث ًا بعيداً عن النظام‬ ‫واملعار�ضة‪� .‬أما من انخرط يف �صفوف احلراك‬ ‫ال�شعبي �ضد النظام من هذه الأقليات فكان ذلك‬ ‫مبثابة خيار فردي بعيد عن �أن ميثل توجها عام ًا‪.‬‬ ‫ومن بني �أ�سباب عدة لذلك ي�أتي على ر�أ�سها ف�شل‬ ‫املعار�ضة مبعظم �أطيافها يف �صياغة خطاب قادر‬ ‫على خماطبة ه�ؤالء ي�ستطيع �أن يقدم لهم �ضمانات‬ ‫ملرحلة ما بعد الأ�سد‪ ،‬ناهيك �أن املعار�ضة قد تلك�أت‬ ‫يف �إدانة ممار�سات املتطرفني الإ�سالمويني‪ ،‬بحجة‬ ‫احلفاظ على وحدة املعار�ضة امل�سلحة التي مل تزدد‬ ‫�إال تفتت ًا‪ ،‬حتى �أنها ف�شلت يف انتاج هيكلية �سيا�سية‬ ‫معار�ضة جامعة لكل مكونات ال�شعب ال�سوري‬ ‫ب�رشائحه االجتماعية وب�أقلياته العرقية والدينية‪.‬‬


‫‪05‬‬

‫ر�أي‬

‫العدد (‪ 2014/03/23 )132‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫الرايات العمياء لي�ست للقاعدة فقط‬ ‫يا�سر بدوي‬

‫مل تغب الأ�صوات العقالنية عن م�سار الأحداث يف‬ ‫�سوريا ‪ ،‬ولكنها باهتة �أمام الكم الهائل من الفو�ضى‬ ‫الفكرية و الت�ضليل و الت�شويه واالرجتال ‪ ،‬و�ضاعت‬ ‫احلقائق والآراء املو�ضوعية بني تراكمات كبرية‬ ‫من االتهامات الع�شوائية ‪ ،‬واملربرات جاهزة ‪� :‬إننا‬ ‫يف حالة ثورة ؟ لت�صبح كلمة ثورة مقد�س ًا يحرق كل‬ ‫�شيء حتى �أنها �أحرقت نف�سها ‪ ،‬ومل تنفع الأ�صوات‬ ‫العقالنية ردها �إىل ر�شدها‪ .‬رمت الأفكار و القيم‬ ‫والثقافات والأديان و ال�شخ�صيات و الأنظمة و‬ ‫ال�شعب واحللول ال�سيا�سية يف حمرقة الثورة‪ ،‬يف‬ ‫الوقت الذي تقول فيه احلكمة‪� :‬إن الثورة �ستحرق‬ ‫الف�ساد‪ ،‬لكنها �أنتجت ف�ساداً جديداً‪ ،‬وهو ما و�ضع‬ ‫فكرة التغيري عرب الثورات حمل نقا�ش‪ ،‬و�إعادة نظر‪،‬‬ ‫�أما حمرقتها فات�سعت لكل �شيء ‪.‬‬ ‫�أول كتلة �أحرقتها الثورة كانت النظام بكل ادعاءاته‬ ‫ومقوالته التي كر�سها خالل عقود ‪ ،‬القومية‬ ‫‪،‬الوطنية ‪،‬التحرر‪ ،‬الثوابت ‪ ،‬اللحمة الوطنية يف ظل‬ ‫القيادة احلكيمة ‪� ،‬أحرقت علمانيته التي ت�سرت بها‬ ‫وذريعته اال�شرتاكية للنهب ‪� ،‬أحرقت عدائه لإ�رسائيل‬ ‫وممانعته للم�رشوع الأمريكي‪ ،‬وجي�شه البا�سل‪،‬‬ ‫و�أحرقت الزيف الذي يعي�شه‪ ،‬و يروجه ويعمه به ‪.‬‬ ‫يعمه به –�أي النظام – لأنه ال يزال م�ستمراً يف‬ ‫ت�شويهه للثورة‪ ،‬وهي حترقه وما زال يتم�سك‬ ‫مبقوالته التي تغلق �أية منافذ للحل ‪�،‬شوهها‬ ‫باملجرمني ف�أحرقوا م�ؤ�س�ساته و خطفوا جرناالت‬ ‫جي�شه يف �صناديق �سياراته‪ ،‬و�شوهها بالإعالم‬ ‫ف�أدار الر�أي العام ظهره ومل يعد ي�سمع كلمة مما‬ ‫يقوله ‪ ،‬و�شوهها بالإرهاب الذي �أحرق احلل‬

‫ال�سيا�سي يف جنيف‪ ،‬ذلك بعد �أن �أحرق الإرهاب‬ ‫مدنه و�صورته وم�ؤيديه واملراهنني عليه والأمل‬ ‫فيه ‪.‬‬ ‫�أحرقت الثورة املعار�ضة بكل �أطيافها ‪� ،‬أحرقت‬ ‫�سحر الإخوان امل�سلمني ومظلوميتهم حتى �أمام‬ ‫�أنف�سهم‪ ،‬وعرت مقوالتهم االنتهازية عن املدنية و‬ ‫الدميقراطية والعدالة‪ ،‬و�سقطت على مذبح الكر�سي‬ ‫والت�سلط ‪� ،‬أحرقت الغرور يف مقتل العائلية والأوهام‬ ‫‪� ،‬أحرقت الدولة الإ�سالمية يف العراق و ال�شام‬ ‫ون�رصتها على �شا�شة اجلزيرة ‪� ،‬أحرقت العلمانية‬ ‫و الدميقراطية يف عجزها عن التعبري عن �أفكارها‬ ‫و مترت�س روادها خلف كلي�شهات معلبة و مقوالت‬ ‫خ�شبية كررها النظام �آالف املرات حتى حفرت يف‬ ‫ذاكرتهم �صوراً مار�سوها‪.‬‬ ‫�أحرقت الثورة احللول ال�سيا�سية املطروحة منذ‬ ‫ال�شهور الأوىل للثورة عرب �إعطاء النظام املربرات‬ ‫لو�أدها من املبادرة العربية التي حتولت �إىل خطة‬ ‫املبعوث الدويل كويف عنان ‪ ،‬ف�صيغت يف بيان‬ ‫جنيف واحد‪ ،‬و�أحرقتها الثورة ب�أن حرقت وفده‬ ‫الذي ذهب ليفاو�ض با�سمها ‪ ،‬فكان �أن رفعت‬ ‫الثورة و قوى معار�ضة راياتها العمياء التي تخدم‬ ‫بها القاتل ‪.‬‬ ‫ما حدث يف جنيف ي�أخذنا للنظر يف العمه‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬حيث ت�سري قوى معار�ضة وازنة خلف‬ ‫م�صالح اخل�صم‪ ،‬و حتقق له �أهدافه ومبتغاه يف‬ ‫�إف�شال احلل ال�سيا�سي‪ ،‬وتعطيل الإرادة الدولية‬ ‫التي توافقت على بيان جنيف واحد ‪ ،‬فقد ت�سابقت‬ ‫قوى ثورية وع�سكرية و �سيا�سية �إىل رف�ض جنيف‬

‫‪ 2‬بذرائع واهية ‪ ،‬مما طرح ال�س�ؤال الكبري دولي ًا و‬ ‫عربي ًا و داخلي ًا حول متثيل الوفد املفاو�ض ومقدرته‬ ‫على احلل ‪ ،‬مما �أعاد طرح معادلة جديدة للحلول‪،‬‬ ‫وقدم �أولويات م�صطنعة على املتفق عليه ‪ ،‬ويف‬ ‫التدقيق الظاهر يربز يف هذا العمه الإعالم الذي‬ ‫ميكن �أن يظهر بع�ضا من ال�صور القامتة ‪ ،‬ويعطي‬ ‫احلا�رضون يف الطاولة �أبعادهم ودورهم احلقيقي‪،‬‬ ‫وتالي ًا �إمكانية حتقيق املمكن ‪� ،‬أهملوه –الإعالم‬ ‫– وجعلوا منه حرابا م�ضافة تنحر �أ�سباب قبولهم‬ ‫وم�رشوعيتهم و عقم النتائج التي ذهبوا لأجلها ‪،‬‬ ‫ورفعوا راية حمقاء كان عنوانها ( عدم مناق�شة‬ ‫وقف العنف ) وقدموا عليها راية مبهمة ال تتحقق‬ ‫�إال بعد حتقق الأوىل‪ ،‬وهي هيئة احلكم االنتقالية‬ ‫‪� ،‬إذ كيف لها �أن تتحقق و يعود (الإرهابيون )‬ ‫ال�ستالم مكاتبهم مع العنف ؟‬ ‫اليوم مطروح احلل ال�سيا�سي ال�سوري – ال�سوري ؟‬ ‫الذي يعترب قدراً ال بد منه‪ ،‬و لن تتم احللول بدونه‪،‬‬ ‫و �إن كان يحتاج �إىل رعاية �إقليمية و دولية‪ ،‬حتى‬ ‫متت يف الغرف املغلقة‪ ،‬و�أعتقد بالتحليل �أن النظام‬ ‫ال يريد احلل ال�سيا�سي لأنه يتناق�ض مع فهمه و‬ ‫دوره ومفهومه عن الدولة‪ ،‬بحيث يبنى ا�ستمراره‬ ‫على ال�صفقات اخلارجية‪ ،‬و يهمل ال�صفقات الأهم‬ ‫مع ال�شعب وهذا متوقع ومفهوم‪.‬‬ ‫من ال�رضوري التم�سك ببيان جنيف ال�ستعادة الثورة‬ ‫من مراهقتها وجهلتها‪ ،‬و هنا يربز دعاة العقالنية‬ ‫ال�سيا�سية املناط بهم الظهور يف املرحلة احل�سا�سة‬ ‫‪ ،‬لتكون الرايات مفتحة العيون‪ ،‬تعرف طريقها‪ ،‬و‬ ‫لي�ست عمياء تقاتل خدمة لأهداف �أعدائها!‬


‫العدد (‪ 2014/03/23 )132‬م‬ ‫ق�ضايا ‪06‬‬ ‫حتليل ع�سكري‪ :‬معركة يربود وعوامل اختالل موازين القوى‬ ‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫مو�سى القالب *‬

‫خ�رست قبل �أيام قوات املعار�ضة ال�سورية امل�سلحة‬ ‫معركة القلمون �أمام اجلي�ش ال�سوري النظامي‬ ‫وميلي�شيات حزب اهلل‪ ،‬وتعد هذه اخل�سارة للجي�ش احلر‬ ‫وحلفائه من جبهة الن�رصة‪� ،‬رضبة تكتيكية �أخرى‬ ‫موجعة بعد معركة "الق�صري" و�سقوط النبك ودير عطية‪.‬‬ ‫طال احل�صار على يربود وتوالت عملية ت�ضييق اخلناق‬ ‫على قوات املعار�ضة تدريجياً‪ ،‬حتى انهارت ب�صورة‬ ‫�رسيعة بعد اخرتاق عميق خلطوط دفاعاتها من قبل‬ ‫املهاجمني‪.‬‬ ‫ثمة عدة �أ�سباب تكتيكية ت�ضافرت مع بع�ضها البع�ض‬ ‫ٍ‬ ‫يف ٍ‬ ‫زمنية ق�صرية ن�سبياً‪ ،‬نتج عنها هذه الهزمية‬ ‫فرتة‬ ‫ال�ساحقة لقوات املعار�ضة يف ميدان املعركة غري‬ ‫املتوازنة‪ .‬لع ّل �أهم تلك الأ�سباب قدرة اجلي�ش ال�سوري‬ ‫وعنا�رص حزب اهلل على �إدامة احل�شد املكثف املتوا�صل‬ ‫وتعميق احل�صار‪ ،‬ثم اقتحام دوائر دفاعات قوات‬ ‫املعار�ضة دائر ًة تلو �أخرى‪ ،‬يف حني �ضعفت املقاومة‬ ‫�شيئ ًا ف�شيئاً‪.‬‬ ‫لكن االخرتاق الرئي�سي من قبل املهاجمني جاء ت�ضليلي ًا‬ ‫ومعاك�س ًا ملا توقعه املدافعون داخل مدينة يربود‪.‬‬ ‫قبل ذلك جرى ت�صعيد وترية كثافة النريان باملدفعية‬ ‫مت ا�شباع و�إعماء دفاعات‬ ‫والطريان احلربي حتى ّ‬ ‫اخل�صم املقابل ب�صورة زعزعت �أية خطط تكتيكية بديلة‬ ‫لديهم‪ .‬وعليه اندفعت القوات النظامية ال�سورية بقوة‬ ‫اىل داخل املدينة‪ ،‬و�أحكم الطوق عنا�رص حزب اهلل‪ ،‬ما‬ ‫�رسع بتمزيق وتدمري مواقع املعار�ضة الدفاعية‪ ،‬و�أعلن‬ ‫َّ‬ ‫املدافعون هزميتهم يف يربود‪.‬‬ ‫لقد ا�ستخدمت القوات النظامية ال�سورية الدبابات‬ ‫وعربات القتال املدرعة وناقالت اجلنود العاملة يف‬ ‫الت�شكيالت امليكانيكية‪ ،‬تتقدمها قوات املغاوير‪ ،‬يف‬ ‫حني ت�سللت ميلي�شيات حزب اهلل اىل النقاط ال�ضعيفة‬ ‫يف دفاعات املعار�ضة‪ .‬على �إثر ذلك متكن املهاجمون‬ ‫من تطهري جيوب املقاومة م�ستخدمني تكتيكات حرب‬ ‫الع�صابات يف قتال املتح�صنني داخل املناطق ال�سكنية‬ ‫امل�أهولة‪.‬‬ ‫�أما ال�سبب اال�سرتاتيجي املبا�رش ملا حدث‪ ،‬فهو يتلخ�ص‬ ‫يف اختالل موازين القوى بدرجة كبرية على الأر�ض بني‬ ‫املهاجمني واملدافعني‪ .‬ولدى حتليل العوامل امل�ؤثرة يف‬ ‫هذا االختالل‪ ،‬يت�ضح جلي ًا �أنها جاءت يف معركة يربود‬

‫على النحو الآتي‪:‬‬ ‫• وحدة القيادة وال�سيطرة واالت�صاالت‪ :‬قاتلت قوات‬ ‫النظام وم�سلحو حزب اهلل حتت قيادة موحدة من خالل‬ ‫ر�سم وتنفيذ خطة مركزية‪ ،‬مكنتها من �إدارة املعركة‬ ‫با�ستخدام �شبكة ات�صاالت ميدانية موحدة‪ .‬وعليه‬ ‫حتققت وحدة الهدف وجرت عمليات تبادل املعلومات‬ ‫وتوجيه النريان من قبل املهاجمني ب�سهولة‪.‬‬ ‫• �أما قوات املعار�ضة فقد وزعت عنا�رصها �ضمن‬ ‫قطاعات مبعرثة ح�سب هويات الف�صائل املقاتلة التي‬ ‫يتبع بع�ضها اجلي�ش احلر والآخر جبهة الن�رصة والكتيبة‬ ‫اخل�رضاء‪ ،‬وذلك يف غياب عامل وحدة القيادة‪ .‬حيث‬ ‫قاتلت املجموعات املنت�رشة يف املدينة من دون �أوامر‬ ‫وتعليمات �صادرة عن قيادة مركزية �أو خطة قتالية‬ ‫موحدة‪ .‬وبالتايل فقدت عن�رص الإ�سناد املتبادل يف ظل‬ ‫�ضعف �أو انعدام و�سائل االت�صاالت الال�سلكية‪ .‬ما �أفقدها‬ ‫ال�سيطرة املبا�رشة على عنا�رصها املقاتلة‪ ،‬وحرمانها‬ ‫من املرونة والفعالية‪.‬‬ ‫حجم القوى الب�رشية املقاتلة‬ ‫• ح�سب م�صادر متعددة‪ ،‬ف�إن تعداد القوات النظامية‬ ‫املهاجمة يقدر بثالثة االف مقاتل‪ُ ،‬ي�ضاف لهم نحو �ألف‬ ‫عن�رص مقاتل من حزب اهلل‪ ،‬يف حني مل يتجاوز تعداد‬ ‫قوات املعار�ضة �ألف مقاتل‪ ،‬رغم �أن بع�ض امل�صادر‬ ‫ت�شري اىل �أن عدد املقاتلني ال يبلغ �سوى ن�صف هذا العدد‪.‬‬ ‫حيث مل ي�شارك جميع امل�سلحني املتواجدين يف القتال‬ ‫والدفاع عن يربود‪ .‬وذلك لأ�سباب متعددة �أهمها غياب‬ ‫وحدة القيادة‪ ،‬و�ضعف القدرة على احل�شد يف املكان‬ ‫والزمان املنا�سبني‪ ،‬وعدم وجود قيادة و�سيطرة مركزية‬ ‫على خمتلف الف�صائل املدافعة عن املدينة‪.‬‬ ‫• نوع وكمية الأ�سلحة واملعدات والذخائر‪:‬‬ ‫ال يوجد �أي وجه مقارنة بني �أ�سلحة ومعدات وذخائر‬ ‫املهاجمني‪ ،‬وما لدى املدافعني كم ًا ونوعاً‪ .‬حيث متتلك‬ ‫القوات ال�سورية راجمات ال�صواريخ ومدافع امليدان‬ ‫والهاون والأ�سلحة املتو�سطة يف حني ال متتلك القوات‬ ‫املدافعة �سوى �أ�سلحة متو�سطة كالر�شا�شات والبنادق‬ ‫ومدافع الهاون اخلفيفة وبع�ض الألغام واملتفجرات‪.‬‬ ‫كما �أن القوات املهاجمة متتلك مناظري الر�ؤية الليلية‬ ‫العاملة بالأ�شعة حتت احلمراء‪ ،‬وكذلك القنا�صني‬ ‫و�أجهزة االت�صاالت الال�سلكية‪ .‬لكن باملقابل ال متتلك‬

‫القوات املدافعة مثل هذه املعدات القتالية املتقدمة‪ ،‬ما‬ ‫�أفقدها خا�صية القتال الليلي ومرونة املناورة والقدرة‬ ‫على احلركة‪ .‬وعليه تفوقت قوة نريان املهاجمني على‬ ‫املدافعني بن�سبة ‪ 1 : 5‬على الأقل‪ ،‬وحققت القوات‬ ‫املهاجمة عامل القابلية‪.‬‬ ‫• التبادلية (اال�سناد املتبادل) بني خمتلف قطعاتها‬ ‫املهاجمة‪ ،‬يف حني ُحرِمت القوات املدافعة من هذه‬ ‫امليزة القتالية املهمة‪.‬‬ ‫• الإمداد اللوج�ستي واخلدمات الطبية واالدارية‪ :‬متتعت‬ ‫القوات املهاجمة بكافة خدمات االمداد اللوج�ستي‬ ‫والطبي واالداري على مدار ال�ساعة‪ ،‬ومل تتمكن قوات‬ ‫املعار�ضة من قطع امدادات املهاجمني قبل و�صولها‬ ‫اىل منطقة القلمون‪ .‬لأن هذا الدور يلزمه قوات معار�ضة‬ ‫قادرة على حما�رصة القوات النظامية ال�سورية‬ ‫وف�صائل حزب اهلل من اخللف‪ ،‬ثم قطع خطوط امداداتها‬ ‫اللوج�ستية‪ .‬باملقابل مل يتوفر للقوات املدافعة �أية‬ ‫خدمات لوج�ستية وطبية وادارية متوا�صلة �سوى القليل‬ ‫مما لديها‪.‬‬ ‫احلرب النف�سية واحلالة املعنوية‪ :‬حظيت القوات‬ ‫املهاجمة با�ستخدام و�سائل متعددة للحرب النف�سية �ضد‬ ‫املدافعني‪ ،‬وكانت الروح املعنوية لديها �أعلى من تلك‬ ‫املوجودة لدى قوات املعار�ضة‪ ،‬الذين �سببت لهم كرثة‬ ‫اال�شاعات وانت�شار ق�ص�ص اخليانة بني �صفوفها املزيد‬ ‫من املتاعب النف�سية واملعنوية ثم الهزمية‪.‬‬ ‫تتمثل �أهم الدرو�س امل�ستفادة من معركة يربود‬ ‫يف �رضورة تامني وحدة القيادة لقوات املعار�ضة‪،‬‬ ‫وتزويدها ب�أ�سلحة نوعية موجهة ودقيقة اال�صابة‬ ‫مثل‪ :‬ال�صواريخ امل�ضادة للدبابات والطائرات‪� .‬إ�ضاف ًة‬ ‫اىل توفري �أنظمة الر�ؤية الليلية العاملة بالأ�شعة حتت‬ ‫فعالة للإمداد اللوج�ستي والطبي‬ ‫احلمراء‪ ،‬وتطوير خطط َّ‬ ‫واالداري‪ ،‬وت�أمني �شبكة ات�صاالت ميدانية فعالة‪،‬‬ ‫وا�سنادهم مقاتليهم نف�سي ًا ومعنوياً‪.‬‬ ‫لكن رغم هذه االنت�صارات التكتيكية املحدودة‪ ،‬ف�إن ذلك‬ ‫ال يعني �أن النظام ا�سرتاتيجي ًا لن ي�سقط‪ ،‬و�أن املعار�ضة‬ ‫وارادة ال�شعب لن تنت�رص يف نهاية املطاف‪.‬‬

‫* عميد متقاعد ‪ -‬باحث ا�ست�شاري يف مركز‬ ‫ال�رشق للبحوث‬


‫‪07‬‬

‫عربي‬

‫العدد (‪ 2014/03/23 )132‬م‬

‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫م�صر‪ :‬ال�سي�سي �إىل الرئا�سة و�سط حتديات كبرية‬ ‫خا�ص البديل‪:‬‬

‫تخطو م�رص مع �إ�صدار قانون االنتخابات الرئا�سية نحو‬ ‫املرحلة الثانية من املرحلة االنتقالية‪ ،‬وذلك بعد �إقرار‬ ‫الد�ستور امل�رصي‪ ،‬و�سيبقى �أمام امل�رصيني االنتخابات‬ ‫الربملانية ال�ستكمال خارطة الطريق‪.‬‬ ‫امل�شري عبد الفتاح ال�سي�سي بال مناف�سني يف االنتخابات‬ ‫مهد الطريق داخل امل�ؤ�س�سة الع�سكرية‪،‬‬ ‫الرئا�سية‪ ،‬وقد ّ‬ ‫وقام م�ؤخراً ب�إجراء بع�ض التنقالت داخل اجلي�ش‪،‬‬ ‫كما �أنه بلور فريق ًا لقيادة حملته االنتخابية‪ ،‬وي�ضم‬ ‫ع�سكريني �سابقني‪ ،‬وخرباء اقت�صاديني‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬ولئن بدا الطريق �أمام امل�شري ال�سي�سي نحو الرئا�سة‬ ‫م�ضمون ًا �إال �أن البقاء يف موقع الرئا�سة �سيتطلب جهداً‬ ‫كبرياً يف ظل �أو�ضاع اقت�صادية �صعبة‪ ،‬حيث تعتمد‬ ‫احلكومة امل�رصية على امل�ساعدات اخلليجية (‪ 12‬مليار‬

‫قدمت لها) وهي تنتظر �رشاكة اقت�صادية مع اخلليج‬ ‫ل�ضمان �إنعا�ش الو�ضع االقت�صادي‪ ،‬ودفع قطاعات‬ ‫اقت�صادية مهمة �إىل العمل بوترية �أف�ضل‪ ،‬خا�صة �أن‬ ‫بع�ض القطاعات‪ ،‬مثل ال�سياحة‪ ،‬هي يف �أ�سو�أ �أحوالها‪،‬‬ ‫كما �أن الزراعة يف م�رص لي�ست يف حالٍ �أف�ضل‪.‬‬ ‫امللفات املطروحة �أمام امل�شري ال�سي�سي كبرية‪،‬‬ ‫و�ستفر�ض كما يرى معظم املراقبني حتديات كبرية‪ ،‬ولن‬ ‫يكون من ال�سهل التعاطي معها‪.‬‬ ‫الإخوان امل�سلمون ما زالوا يحظون بدعم قطري‪،‬‬ ‫واحتجاجاتهم يف ال�شارع �أو اجلامعة ما زالت قائمة‪،‬‬ ‫ويف مدن عدة‪ ،‬ولي�س فقط يف القاهرة‪ ،‬لكن وتريتها‬ ‫�أخف‪ ،‬وكذلك �أعداد امل�شاركني فيها‪ ،‬لكن بع�ض تلك‬ ‫االحتجاجات تنتهي ب�صدام مع رجال الأمن‪ ،‬و�أحيان ًا‬ ‫يكون هناك قتلى و�إ�صابات‪.‬‬

‫�أما �سفارة م�رص يف وا�شنطن فهي تقوم بعمل كبري‬ ‫لإبقاء التوا�صل مع القيادة الأمريكية‪ ،‬وحماولة التالقي‬ ‫معها‪ ،‬خا�صة يف جمال مكافحة الإرهاب‪ ،‬وحماولة‬ ‫�إعادة العالقات �إىل ما كانت عليه قبل ثورة ‪ 25‬يناير‪.‬‬ ‫م�شهد م�رصي معقد يف م�ستوياته املختلفة‪ ،‬فقد زادت‬ ‫معاناة ال�رشائح الفقرية واملتو�سطة �إىل حد كبري‪،‬‬ ‫وزادت حدة اال�ستقطاب ال�سيا�سي‪ ،‬ومل تربز قوى‬ ‫�سيا�سية ذات بعد �شعبي ميكن لها �أن تلعب دوراً مهم ًا‬ ‫يف �ضبط التوازنات ال�سيا�سية واالجتماعية‪ ،‬كما �أن ثقل‬ ‫البريوقراطية امل�رصية ما زال يقف عائق ًا جتاه تطوير‬ ‫القوانني املتعلقة باالقت�صاد‪� ،‬أو بت�سهيل اال�ستثمار‪ ،‬وما‬ ‫زالت �سيناء خا�رصة رخوة يف وجه الدولة امل�رصية‪،‬‬ ‫بعد �أن باتت �ساحة مواجهات بني اجلي�ش والقوى‬ ‫الراديكالية الإ�سالمية‪.‬‬

‫املعار�ضة اجلزائرية حت�شد �أن�صارها لرف�ض تر�شح بوتفليقة لوالية رئا�سية جديدة‬ ‫اجلزائر (رويرتز) ‪ -‬ح�شدت �أحزاب املعار�ضة‬ ‫اجلزائرية عدة �آالف من �أن�صارها يوم اجلمعة‬ ‫املا�ضي لتدعو �إىل مقاطعة االنتخابات التي‬ ‫جتري ال�شهر القادم‪ ،‬ولرف�ض تر�شح الرئي�س عبد‬ ‫العزيز بوتفليقة لوالية جديدة بعد ‪ 15‬عام ًا يف‬ ‫حكم البالد‪.‬‬ ‫وقدم بوتفليقة (‪ 77‬عاما) �أوراقه ليرت�شح‬ ‫لالنتخابات التي جتري يف ‪� 17‬أبريل‪ /‬ني�سان‬ ‫املقبل على الرغم من �إ�صابته العام املا�ضي‬ ‫بجلطة‪ ،‬ويقول معار�ضوه �إنها جعلته يف حالة‬ ‫�صحية ال ت�سمح له بحكم البالد خم�سة �أعوام‬ ‫�أخرى‪.‬‬ ‫واحت�شد نحو خم�سة �آالف �شخ�ص يف ا�ستاد لكرة‬ ‫القدم باجلزائر العا�صمة‪ ،‬ورددوا هتافات تدعو‬ ‫للمقاطعة ورحيل النظام‪ ،‬بينما ندد زعماء �أحزاب‬ ‫�إ�سالمية وعلمانية برت�شح بوتفليقة‪ ،‬ونادوا‬ ‫ب�إ�صالح النظام ال�سيا�سي الذي يعتربونه فا�سداً‪.‬‬

‫ويعترب هذا جتمعا نادراً يف اجلزائر املنتجة‬ ‫للنفط وع�ضو �أوبك‪ ،‬حيث يقول منتقدون �إن‬ ‫ف�صائل متناف�سة يف نخبة حزب جبهة التحرير‬ ‫الوطني وجرناالت اجلي�ش يهيمنون على ال�ساحة‬ ‫ال�سيا�سية من وراء الكوالي�س منذ اال�ستقالل عن‬ ‫فرن�سا عام ‪.1962‬‬ ‫وقال حم�سن بلعبا�س القيادي يف حزب التجمع‬ ‫من �أجل الثقافة والدميقراطية امام احل�شد �إن‬ ‫النا�س املوجودين يف هذه املنا�سبة هم من‬ ‫ا�ستبعدوا وهم�شوا لكن هذه هي اجلزائر احلقيقية‪.‬‬ ‫وم�ضى يقول �إن النظام �سينهار لكن اجلزائر‬ ‫�ستعي�ش‪.‬‬ ‫ولكن يف ظل م�ساندة حزب جبهة التحرير الوطني‬ ‫احلاكم وف�صائل اجلي�ش ونخبة رجال الأعمال‬ ‫ف�إن بوتفليقة �شبه واثق من الفوز على الرغم من‬ ‫�أنه مل يدل بت�رصيحات علنية �إال فيما ندر منذ‬ ‫مر�ضه العام املا�ضي‪.‬‬

‫وبعد انتفا�ضات الربيع العربي التي اجتاحت‬ ‫�شمال افريقيا عام ‪� 2011‬أمر بوتفليقة ب�إنفاق‬ ‫مبالغ كبرية من عائدات النفط اجلزائري على‬ ‫الإ�سكان واخلدمات العامة والبنية التحتية‬ ‫لتفادي �أي ا�ضطرابات اجتماعية‪.‬‬ ‫و�أحزاب املعار�ضة �ضعيفة ومنق�سمة يف اجلزائر‪،‬‬ ‫حيث التزال ذكريات احلرب التي �شهدتها فرتة‬ ‫الت�سعينات �ضد م�سلحني �إ�سالميني حية يف‬ ‫الذاكرة‪ ،‬مما يقلق الكثري من اجلزائريني من‬ ‫تزعزع اال�ستقرار واال�ضطراب ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫وخالل جتمع يوم اجلمعة تبادل �أن�صار الأحزاب‬ ‫الإ�سالمية والعلمانية �صيحات اال�ستهجان‬ ‫والهتافات امل�ضادة لبع�ضهم البع�ض يف تذكرة‬ ‫باخلالفات بني حزب التجمع من اجل الثقافة‬ ‫والدميقراطية وحزب حركة جمتمع ال�سلم‬ ‫الإ�سالمي اذ كانا عدوين ل�سنوات قبل الدعوة‬ ‫ملقاطعة االنتخابات‪.‬‬


‫‪ájô```M‬‬ ‫‪ádGó``Y‬‬ ‫‪áæWGƒe‬‬

‫العدد (‪ 2014/03/23 )132‬م‬

‫الأخرية‬

‫‪08‬‬

‫الوجه احل�ضاري لثورة ال�شعب ال�سوري‬ ‫د‪ .‬عبداهلل تركماين‬

‫فج�أة ك�رس ال�سوريون حاجز اخلوف يف �أوا�سط �آذار‬ ‫‪ 2011‬وحتولت كلمتا احلرية والكرامة‪ ،‬اللتان مازالتا‬ ‫ترتددان يف جميع �أرجاء �سورية‪ ،‬من مفهوم جمرد �إىل‬ ‫عمل وممار�سة وموقف‪� ،‬إىل فعل تاريخي‪ .‬ورغم كل‬ ‫�أ�شكال القمع املمنهج التي تواجهها‪ ،‬من احل�صار والقتل‬ ‫والرتويع يف الرباميل املتفجرة‪� ،‬إىل التهجري واالعتقال‬ ‫لآالف الن�شطاء‪� ،‬إىل �إحالة الكثريين منهم �إىل املحاكم‬ ‫ال�صورية‪ ،‬ف� ّإن ثورة ال�شعب ال�سوري التي دخلت �سنتها‬ ‫الرابعة متتد عمق ًا وات�ساع ًا يف معظم املدن والبلدات‬ ‫وبجميع املحافظات‪ ،‬وهي �أكرث قوة وت�صميم ًا على‬ ‫نيل �أهدافها‪ ،‬لأنها ك�شفت عن وجه ح�ضاري ورقي يف‬ ‫الأ�ساليب ال�سلمية ون�ضج يف ال�شعارات الوطنية اجلامعة‪،‬‬ ‫بالرغم من الع�سكرة التي طغت عليها بفعل عوامل عديدة‬ ‫داخلية و�إقليمية ودولية‪.‬‬ ‫لقد �أحرزت الثورة �إجنازات هامة‪ ،‬بف�ضل �سلميتها‬ ‫ووطنيتها اجلامعة‪ ،‬فك�رست حاجز اخلوف الذي هيمن‬ ‫طوي ًال على حياة ال�سوريني‪ ،‬و�أظهرت للملأ �شجاعتهم‬ ‫وا�ستعدادهم للت�ضحية من �أجل حريتهم وكرامتهم‪،‬‬ ‫و�أبرزت ت�صميمهم على التغيري وبناء دولة مدنية‬ ‫دميقراطية حديثة‪ .‬وقامت بف�ضح اخليار الأمني الذي‬ ‫اعتمدته ال�سلطة منذ اليوم الأول للثورة‪ ،‬كما جنحت‬ ‫يف تكذيب كل ادعاءات ال�سلطة واتهاماتها ودعايات‬ ‫�إعالمها امل�سمومة حول حقيقة ما يجري‪ .‬وا�ستمرت‬ ‫بالإ�رصار على نهجها ال�سلمي و�شعاراتها و�أهدافها‬ ‫الوطنية و�سلوكها احل�ضاري‪ ،‬رغم كل املحاوالت التي‬ ‫قام بها النظام و�أزالمه ونهجه املدمر لت�شويه حقيقتها‬ ‫وحرفها عن م�سارها‪ .‬وبذلك كانت حلظة انبثاق الوطنية‬ ‫ال�سورية من جديد‪ ،‬حلظة انبثاق ح�س املواطنة ال�سورية‪،‬‬ ‫الذي هو �أهم و�أثمن ما يف الثورة ال�سورية‪.‬‬ ‫وخالل ال�سنوات الثالث املا�ضية كان وا�ضح ًا دور‬ ‫ال�شباب الثائر يف قيادة فعاليات الثورة‪ ،‬حني جنحوا‬ ‫يف اختيار �أماكنها وحتديد �أوقاتها‪ .‬وقد تعلموا مع‬ ‫�أغلبية ال�شعب ال�سوري ثالثة �أ�شياء جديدة دفعة واحدة‪:‬‬

‫�أولها‪ ،‬ماذا تعني كلمة ثورة‪ ،‬وكيف يقوم الإن�سان‬ ‫بخو�ض ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من فاعلية‪ ،‬وهذا‬ ‫يبدو يف التطور ال�رسيع لآليات عمل ال�شباب ابتداء‬ ‫باالعت�صامات والتظاهرات ولي�س انتهاء بالتن�سيق‬ ‫والت�شبيك والتوا�صل والتوثيق لكل ما يحدث و�سيحدث‪.‬‬ ‫تعرف ال�شباب بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬بل اختبار‬ ‫وثانيها‪ّ ،‬‬ ‫بع�ضهم بع�ضاً‪ ،‬يف خمتلف املناطق ال�سورية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫تع ّلم كيفيات العمل اجلماعي‪ ،‬الأمر الذي كانوا يجهلونه‬ ‫متاماً‪ ،‬ويتعلمون الأهم وهو �أن يفهموا االختالفات‬ ‫ويتفاعلوا معها ال �أن يلغوها‪ .‬وثالثها‪ ،‬تع ّلم ماذا تعني‬ ‫كلمة �سيا�سة‪ ،‬مبفهومها الإجرائي يف الواقع ولي�س‬ ‫نظري ًا على الورق فح�سب‪ .‬فعلى الرغم من �أنهم ن�ش�أوا‬ ‫يف مناخات عامة كانت تلغي ال�سيا�سة بتنوعاتها‬ ‫وت�ستبدلها بر�ؤية واحدة وانتماء واحد وحزب واحد‬ ‫وما �إىل ذلك من الأحاديات‪ ،‬وهذا ما جعل ال�سيا�سة‬ ‫وجتلياتها و�سيناريوهاتها املفرت�ضة واملمكنة والآراء‬ ‫املختلفة وما �إىل ذلك هي املهيمنة على جل�سات ال�شباب‬ ‫اليوم وهي احلا�رضة يف لقاءاتهم �أينما كانوا و�أي ًا كانت‬ ‫مواقفهم واجتاهاتهم‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬ف� ّإن ح�سا�سيتها العامة‪ ،‬الوطنية واملدنية‪ ،‬و�أكرث‬ ‫منها �شعاراتها و�سيا�ستها‪ ،‬ت�ؤكد الثورة ال�سورية تفوقها‬ ‫ال�سيا�سي والأخالقي على النظام‪ ،‬وت�ضع املدافعني عنه‬ ‫�أو حتى ال�ساكتني عليه يف موقع حرج‪ .‬وبذلك �أ�ضحت‬ ‫تبق حمافظة من حمافظات‬ ‫الثورة �أكرث ات�ساعاً‪ ،‬فلم َ‬ ‫�سورية خارج دائرة الفعل االحتجاجي‪ ،‬و�إن بدرجات‬ ‫متفاوتة‪.‬‬ ‫ويف املقابل بات وا�ضح ًا � ّأن ال�سلطة ما�ضية يف خيارها‬ ‫الأمني وا�ستخدام العنف املفرط‪ ،‬حيث ا�ستخدمت قواها‬ ‫الأمنية وقوات ميلي�شيات حزب اهلل‪ ،‬كما ا�ستعانت‬ ‫بال�شبيحة والقنا�صة والزعران‪ ،‬وجل�أت �إىل ح�صار‬ ‫املدن واعتقال ال�سكان وح�رشهم يف املالعب واملدار�س‬ ‫والأماكن العامة والثكنات‪ .‬وبذلك توفر �سلطة �آل الأ�سد‬ ‫�أ�سباب ًا جديدة للنفور منها والفتور جتاهها‪ ،‬و�إن لي�س‬

‫بال�رضورة االنحياز للثورة وامل�شاركة فيها‪ .‬كل هذا‬ ‫يظهر هذه ال�سلطة على حقيقتها الفظة‪ :‬ال ق�ضية لها‬ ‫�سوى ا�ستمرار �سلطتها امل�ستبدة‪ ،‬وال ميكن التماهي‬ ‫معها‪ .‬قد تواليها قطاعات من ال�سوريني خ�شية من‬ ‫غريها‪ ،‬لكن ال يكاد �أحد ميح�ضها الوالء �إميان ًا بها �أو‬ ‫اقتناع ًا بق�ضية �إيجابية لها‪.‬‬ ‫� ّإن الأزمة ال�سورية‪ ،‬التي دفعت ال�شعب ال�سوري للثورة‪،‬‬ ‫�أزمة مزمنة عمرها �أكرث من ‪� 40‬سنة‪ ،‬وهي �أزمة تطال‬ ‫كل مناحي احلياة ال�سيا�سية واالجتماعية واالقت�صادية‪.‬‬ ‫وال�شعب ال�سوري قرر ت�صفية احل�ساب مع م�سببيها‪،‬‬ ‫من خالل االنتقال ب�سورية من حال اال�ستبداد والدولة‬ ‫الأمنية �إىل حال احلرية والدولة املدنية الدميقراطية‬ ‫عرب حوار جاد وم�س�ؤول‪ ،‬تتمثل فيه جميع الأطراف‬ ‫ال�سيا�سية واملكونات االجتماعية وممثلي تن�سيقيات‬ ‫ون�شطاء الثورة‪.‬‬ ‫� ّإن ال�شعب ال�سوري يريد احلرية واحلياة الكرمية يف‬ ‫ظل دولة وطنية‪ ،‬مدنية‪ ،‬هي دولة حق وقانون جلميع‬ ‫مواطنيها‪ ،‬و�سلطة وطنية عامة هي �سلطة القانون الذي‬ ‫ي�ضعه ال�شعب لنف�سه ب�إرادته احلرة‪ .‬واحلل املجدي‬ ‫الوحيد يكمن يف قيام الدولة‪ ،‬التي عمادها املواطنة‬ ‫مييز بني املواطنني‬ ‫الكاملة القائمة على د�ستور عادل ال ّ‬ ‫على �أ�سا�س ديني �أو مذهبي �أو قومي‪.‬‬ ‫� ّإن الثورة هي الفاعل الأ�سا�سي يف �سورية اليوم‪ ،‬وهي‬ ‫�أي�ض ًا ال�صانعة لقيم جديدة‪ :‬احلرية والكرامة وامل�ساواة‬ ‫والعدالة‪ ،‬ول�رشعية جديدة قائمة على املواطنة‪ .‬ومن‬ ‫الق�ضايا املهمة التي حتتاج الثورة �إىل دعم �سيا�سي‬ ‫ب�ش�أنها ما يت�صل بتكوين املجتمع ال�سوري من م�شكالت‬ ‫�سيا�سية حمتملة‪ ،‬والعمل على بناء �أكرثية وطنية جامعة‬ ‫جديدة‪ ،‬ت�ؤ�س�س المتالك ال�سوريني دولتهم‪ ،‬وت�سهم يف‬ ‫تكونهم كمواطنني �أحرار مت�ساوين‪ .‬وبذلك ميكن للثورة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التي مل توفر لأحد �أ�سباب ًا وجيهة لرف�ضها‪� ،‬أن توفر‬ ‫�أ�سباب ًا قوية لالنحياز لها والوقوف �إىل جانبها من‬ ‫جميع مكونات ال�شعب ال�سوري‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.