ájô```M 2014/03/23م العدد ()132 ádGó``Y áæWGƒe
01
ا�سبوعية�-سيا�سية-م�ستقلة العدد ( 2014/03/23 )132م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
رئي�س التحرير :ح�سام مريو www.al-badeel.org
Issue (132) 23/03/2014
حقائق عن املعار�ضة الإ�سالمية ال�سورية
ح�سام مريو
يف تعرية حقائق الو�ضع ال�سوري ال بد من التطرق �إىل الدور ال�سلبي الذي لعبته القوى الإ�سالمية املعار�ضة يف الثورة ،والذي �أ�سهم يف �أخذها نحو اجتاهات ال تتطابق مع انطالقتها ،كما �أ�سهم يف دفع الو�ضع ال�سوري برمته نحو التعقيد ،حيث لعب الإخوان امل�سلمون منذ بداية ت�شكل املجل�س الوطني دور الو�صي على املجل�س .ولئن و�ضعوا يف �سدة رئا�سته الدكتور برهان غليون املفكر العلماين �إال �أن ذلك كان مبثابة واجهة تك�شفت الحق ًا بفعل هيمنة الإ�سالميني على املجل�س ،وتوزيع الأدوار فيه ،ور�سم حتالفاته مع الدول الإقليمية ،يف ظل تنامي �صعود الإ�سالم ال�سيا�سي يف املنطقة ،وخا�صة يف م�رص مبا تعنيه من رمزية. ومع ع�سكرة الثورة ،ت�شكلت كتائب وف�صائل مقاتلة ذات �صبغة �إ�سالمية وا�ضحة ،بالتوازي مع اجلي�ش احلر الذي يلق الدعم املطلوب ،و�إمنا اتخذته معظم الف�صائل مل َ الإ�سالمية كغطاء للعمل با�سمه ،ثم تك�شف فيما بعد �أن ما من م�صلحة جدية لقوى الإ�سالم ال�سيا�سي يف دعم اجلي�ش احلر ،و�إمنا تكمن م�صلحتها يف تقوية ف�صائل تدين لها بالوالء ال�سيا�سي والعقائدي ،وهو ما يتنافى مع ال�شعارات التي كان يرددها �إ�سالميون يف املجل�س الوطني حول الثورة ال�سورية اجلامعة. �إن �إف�شال توحيد املعار�ضة ال�سورية يف م�ؤمتر القاهرة يف 2و 3متوز 2012يتحمل اجلزء الأكرب منه الإ�سالميون ،فنجاح وحدة املعار�ضة كان �سيف�ضي
بال�رضورة �إىل بلورة خط معتدل ،و�سيقل�ص من ثقل الإ�سالم ال�سيا�سي ،وهو ما يتناق�ض مع م�صالح الإخوان امل�سلمني �آنذاك ،والذين كانوا حتى تلك اللحظة العب ًا مهماً ،قبل �أن يخطف ال�سلفيون منهم جزءاً كبرياً من مكانتهم ونفوذهم. حتفظ الإ�سالميون مع ا�شتداد عود جبهة الن�رصة وتنظيم الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام "داع�ش" على �إدانة ما تقومان به من �أعمال تتنافى مع القيم ال�سورية العامة ،ومع روح الثورة. ر�أى الإ�سالميون يف "الن�رصة" و "داع�ش" قوتان ع�سكريتان ميكن لهما �أن تقلبا موازين القوى على الأر�ض �ضد القوات النظامية ،كما �أنهما بت�شكيلهما ما عرف وما زال با�سم الهيئات ال�رشعية من �ش�أنه �أن يعزز الأيديولوجيا ومنط ال�سلوك الإ�سالمي ،و�أن ي�صحح من منط احلياة الكافرة التي �أ�شاعها النظام خالل حكمه، متنا�سني ب�أن مطامح ال�سوريني من الثورة هي مطامح تت�صل باحلرية والكرامة والدميقراطية وحماربة الف�ساد و�إىل ما هنالك من تغيريات تطال �رشوط حياتهم املو�ضوعية. ويف امل�سار ال�سيا�سي بدا وا�ضح ًا �أن ممثلي الإ�سالم ال�سيا�سي لي�سوا �أقل ت�شدداً جتاه ق�ضايا �أ�سا�سية يف الثورة ،وحتديداً يف م�س�ألة الدميقراطية ،ففي �أكرث من م�ؤمتر رف�ض "�إ�سالميون" ت�ضمني بيانات امل�ؤمتر كلمة دميقراطية ،وجادل بع�ضهم ب�أنه �شخ�صي ًا "لي�س
لديه م�شكلة مع الدميقراطية ،لكن القوى الع�سكرية لن تقبل بكلمة دميقراطية" ،وحاولوا االلتفاف على كلمة دميقراطية ،وو�ضع كلمة �أخرى مثل "دولة القانون"� ،أو �أن "االنتخابات يحكمها �صندوق االقرتاع" ،وقد ف�شلت معظم تلك امل�ؤمترات يف توحيد املعار�ضة� ،أو يف احلد الأدنى التوقيع على بيان م�شرتك. من جهة �أخرى ،احتكر الإ�سالميون بوابات الدعم املايل والإغاثي ،واحتكروا معظمها ،و�أن�ش�أوا �أذرع �إعالمية ومدنية تعمل من خالل الدعم والتمويل الكبري الذي ي�أتي للقوى الإ�سالمية ،وهو ما م ّكن قوى �إ�سالمية ومت�شددة من التحكم باحلوا�ضن ال�شعبية عرب عمليات تقدمي الدعم والإغاثة. �إن جزءاً مهم ًا من الأزمة ال�سورية يكمن اليوم يف �أننا �أمام نظام مل يعد يهتم �سوى بدميومة احلكم ،من دون ال�س�ؤال حول كيفية تلك الدميومة ،وقوى �إ�سالمية ت�سيطر على املعار�ضة ال�سيا�سية والع�سكرية وحتتكر التمويل الإغاثي ،وغياب فعالية القوى الدميقراطية واملعتدلة التي �أق�صيت من النظام ومن الإ�سالميني على حد �سواء ،وبقبول من القوى "الداعمة للثورة". �إن �أفق الأزمة �سيبقى مغلق ًا عن احللول ،طاملا �أن القوى املت�شددة من النظام واملعار�ضة يرف�ضان احلل ،ومي�سكان مب�صادر القوة والتمويل ،وغالب ًا ف�إن ال�سيناريو الأكرث ترجيح ًا هو االهرتاء املتبادل لطريف املعادلة ،بانتظار حتوالت دراماتيكية.
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
العدد ( 2014/03/23 )132م
حتليل �سيا�سي
02
ثالث �سنوات من ال�صراع :ال حرب بالوكالة ،ال حل من دون املجتمع فولكر بريتي�س*
خالل م�ؤمتر ال�سلم الأهلي احلفاظ على الدولة ال�سورية �سليمة ي�ستتبع تقا�سم ال�سلطة بني جميع الفئات املكونة لها .وينبغي، بالتايل� ،أن ت�ستكمل عملية جنيف جتمع ًا ا�ست�شاري ًا من مواطنني لهم مكانتهم من جميع املناطق ال�سورية ،واجلماعات العرقية والطائفية . بد�أ االحتجاج يف � 2011سلمي ًا ،من �أجل كرامة الإن�سان والإ�صالح ال�سيا�سي ،وكان ب�شار الأ�سد قد ر�أى ما جرى يف تون�س وم�رص ،وقرر منذ البداية اختيار ما و�صف ب�أنه "احلل الأمني"� ،أي قمع االحتجاجات ال�شعبية بالقوة الع�سكرية. رد فعل النظام -بدوره � -أثار ان�شقاق عن القوات امل�سلحة وع�سكرة االنتفا�ضة .من منت�صف عام ، 2011تطور ال�رصاع �إىل حرب �أهلية � ،رصاع حتول ب�شكل دموي على ال�سلطة يف �سوريا ،والذي ّ متزايد �إىل �رصاع مب�ضامني �إقليمية. اال�ستقطاب الطائفي كل من يريد وقف القتال يف �سوريا يحتاج �إىل فهم طبيعته .زادت احلرب اال�ستقطاب الطائفي يف �سوريا واملنطقة� .إن احلرب يف �سورية ،اليوم، هي حرب طائفية ،لها بعد �إقليمي ودويل ،والقوى الإقليمية من منطق جيو�سيا�سي تدعم النظام �أو املعار�ضة ،لكن احلرب يف �سورية لي�ست حرب ًا بالوكالة ،فالأ�سد وحا�شيته ال يقاتلون من �أجل �إيران ،ومعظم املوالني للنظام ال يقاتلون من �أجل الأ�سد وعائلته ،ولكنهم ي�شعرون باخلوف على �أنف�سهم �إذا رحل النظام. املعار�ضة "املعتدلة" واملمثلة باالئتالف الوطني ت�سعى للح�صول على دعم من �أوروبا والواليات املتحدة وتركيا و اململكة العربية ال�سعودية وغريها من الدول � .إنها ال تقاتل من �أجل م�صالح هذه القوى ،و�إمنا لتغيري �سوريا نحو الأف�ضل. اجلهاديون ،مثل "داع�ش" ال يبالون مب�ستقبل �سورية و�شعبها ،واملفارقة املريرة هي �أن نظام الأ�سد -من البداية – اتهم االنتفا�ضة على �أنها
كل من يريد وقف القتال يف �سوريا يحتاج �إىل فهم طبيعته
هذا الفهم هو �رشط �رضوري ،ولكنه غري ٍ كاف ،لإنهاء احلرب .عملية ال�سالم ميكن �أن حتدث بو�ساطة خارجيا ،ولكن ال�سوريني بحاجة لالتفاق على م�ستقبل بالدهم فيما بينهم .ينبغي احلفاظ على عملية جنيف بو�ساطة الأمم املتحدة ، فمفاو�ضات جنيف حظيت بدعم دويل وا�سع ،وهي املكان الوحيد الذي جل�س فيه النظام واملعار�ضة مع ًا. وال يجب الرتكيز فقط على املفاو�ضات بني النظام واملعار�ضة ،و�إمنا جلب مكونات املجتمع ال�سوري �إىل م�ؤمتر وطني ،بحيث ي�ضم جميع مكونات الطوائف واجلماعات العرقية والأهلية يف �سورية، وذلك ملناق�شة �إذا ما كانوا يرغبون بالبقاء مع ًا، والعي�ش مع ًا يف امل�ستقبل ،والت�أ�سي�س حلالة د�ستورية جديدة. �سيوا�صل الأ�سد ونظامه رف�ض عملية التحول االنتقايل ،ولكن ال�شيء نف�سه ال ينطبق على املجتمع العلوي على هذا النحو� ،أو بالن�سبة لغالبية كبرية من النا�س يف املناطق التي ي�سيطر عليها النظام . وهناك عنا�رص هامة من املعار�ضة تنبذ فكرة تقا�سم ال�سلطة مع ممثلي ذلك النظام "الوح�شي وفاقد ال�رشعية" ،ولكن معظم النا�س يف املناطق التي ت�سيطر عليها املعار�ضة �سوف يف�ضلون عدم ا�ستمرار احلرب. �إن جلب ممثلني املجتمع الذين يتمتعون فيه مب�صداقية عالية لن ينهي املواجهة الع�سكرية ب�شكل مبا�رش ،لكنه ميكن �أن يخلق �أ�سا�سا لعقد اجتماعي جديد ،وبالتايل ،تغيري الديناميات ال�سيا�سية لل�رصاع.
اعتداء على الدولة من قبل " اجلهادية الإرهابيني" ،ومع الوقت �أ�صبحت اجلماعات املتطرفة قوة ال ي�ستهان بها يف احلرب. النظام يف الواقع ال يحارب اجلهاديني ،وهو ي�ستفيد منهم لإ�ضعاف اجلماعات املطالبة بدولة وطنية. احلرب يف �سوريا هي معركة غري متكافئة ،لي�س فقط فيما يتعلق ب�أنواع الأ�سلحة املتاحة ،ولكن �أي�ضا مبعنى �أن املعار�ضة يف حاجة للقتال لتحقيق �أهدافها ،يف حني ا�ستفاد النظام من الت�صعيد و الأعمال التي ارتكبت على �أيدي النظام و اجلماعات املتطرفة . الطائف ال�سوري احلرب م�ستمرة ،وهي ميكن �أن ت�ؤدي �إىل تفتيت �سوريا ،ولي�س و�ضعها معا مرة �أخرى .وهذا من �ش�أنه �أن يكون له عواقب جيو�سيا�سية � ،إن النظام بني الدول يف ال�رشق العربي تتغري .بالفعل ،احلدود ال�سورية الإقليمية مع العراق ولبنان يف طريقها للتبخر .واجلغرافية الثقافية نف�سها تتغري ،تفكك �سوريا رمبا يعني نهاية فكرة التعدد الطائفي� ،أو تعدد الأعراق يف دول املنطقة. وبد ًال من ذلك ،ف�إن وجود نوع من القبول بالتعدد الطائفي والت�سامح مع الآخر ميكن �أن ي�شكال مدخ ًال مهم ًا للحفاظ على الدولة ،لأنه من الوا�ضح عدم قدرة �أي طرف على احل�سم الع�سكري. الالعبون اخلارجيون ال يتحكمون يف القتال . �إننا بحاجة �إىل تفاهم �إقليمي ودويل ،ويجب على الواليات املتحدة ورو�سيا و اململكة العربية ال�سعودية و�إيران االتفاق فيما بينهم ،وال�سعي �إىل باحث يف املعهد الأملاين الدويل لل�ش�ؤون االجتماعية �إبقاء �سورية دولة متعددة املكونات.
03
حتليل �سيا�سي
العدد ( 2014/03/23 )132م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
ما بعد يربود :ال �شيء غري دوام احلرب غازي دحمان
�سقطت يربود ،حتت ظل نريان كثيفة ،وحالة من ال�سماح با�ستخدام كل �أنواع الأ�سلحة ،اللهم با�ستثناء الكيماوي والنووي� ،سقطت يربود ومل يكن فيها �سوى كتائب �ضعيفة التجهيز معدومة الدفاعات اجلوية وال متلك القوة النارية الكافية ملواجهات طويلة ،يف حم�صلة احلدث �أنه جرى �إعادة احتالل يربود ،ولكن هذه املرة بعنوان طائفي ويف ظل ظروف دولية مرتبكة. عملت ماكينة الدعاية لدى النظام وحزب اهلل على ت�ضخيم املعركة �أكرث من حجمها ،وجرى ت�صويرها وك�أنها معركة م�صريية حا�سمة �ستغري كثرياً من الواقع اال�سرتاتيجي ،لي�س للميدان ال�سوري وح�سب، بل للمنطقة كلها ،من �إيران �إىل فل�سطني ،وما بينهما اخلليج وتركيا ،يف حماولة لإعادة �إنتاج �صورة خارقة ،وحتديدا ملقاتلي احلزب الذين �سيكون مطلوب من بيئتهم تقبل ت�ضحيات جديدة يف انت�صارات �إلهية قادمة على الأر�ض ال�سورية، �ألي�سوا هم الغالبون �أبداً؟. من الق�صري �إىل يربود يريد نظام ب�شار الأ�سد وحزب اهلل كذلك ت�صوير معاركهما وك�أنها حا�سمة ونهائية ،ويجري الرتويج عقبها ِلقرب نهاية حتدثت ال�صحف وو�سائل الثورة ،فبعد الق�صريّ ، املقربة منهما عن معركة حلب وعن الإعالم ّ تكرر بعد اليوم هي وها مقبلة، كثرية انهيارات ّ � 9أ�شهر الأمر نف�سه �إثر جناحها يف احتالل مدينة �صغرية حو�رصت و ُق�صفت مبختلف �أنواع الأ�سلحة. الواقع غري ذلك متاما ،ذلك �أن احلقائق امليدانية ال�سورية تبقى متحركة ،وكل «انت�صار» يبقى حمدودا وموقنا يف املعطى اال�سرتاتيجي ،نظرا �إىل ا�ستحالة �سيطرة النظام على البالد ،و�إىل ا�ستحالة
�سحق املعار�ضة بوجهها ال�شعبي احلا�ضن للقوى الع�سكرية املنت�رشة والعاملة على كل الأرا�ضي ال�سورية .يف مقابل افتقار النظام �إىل قاعدة �شعبية حا�ضنة يف معظم �سورية اللهم با�ستثناء بع�ض مناطق ال�ساحل ،والتي بد�أت ت�شهد متلم ًال جراء اخل�سائر الكبرية التي تقع يف �صفوفها ،وما ت�ضطر لدفعه من �أثمان لقاء ا�ستمرار عائلة الأ�سد يف احلكم. باملقابل ،ف�إن اخل�سائر التي �أ�صابت الثوار تبقى �أقل مما يتم ت�صويرها ،ففي كل املعارك التي خ�رسها الثوار ا�سرتاجتيا متت املحافظة فيها على اجل�سم الأ�سا�سي لهم� ،أي على عديدهم ،وهو �أهم عن�رص يف معاركهم ،كونهم ال ميتلكون عتاداً مهما ،ويح�صل �أن يعيد الثوار كل مرة �إعادة جتميع �أنف�سهم والهجوم على مناطق جديدة وحتقيق اخرتاقات مهمة ،ولعل الطبيعة الفو�ضوية والبنية املرنة للثوار هي ما متنحهم تلك القدرة الهائلة على التكيف مع التطورات احلا�صلة وجتعل من �ضعفهم قوة وطاقة م�ستمرة على القتال ،وبالتايل ف�إن �سقوط يربود مثل �سقوط الق�صري قبله ،يح�سن و�ضع النظام و»حزب اهلل» ع�سكري ًا ،لكنه ال ي�ؤثر يف امل�آل الأخري للمعركة يف �سوريا. يف الواقع ال يبدو ثمة �إمكانية لتحقيق انت�صارات حا�سمة ،الظروف املو�ضوعية لل�رصاع يف �سورية مل تعد تتيح تلك الإمكانية التي تبدو على �أنها �أكرب
احلقائق امليدانية ال�سورية تبقى متحركة وكل انت�صار يبــــــــقى حمــــــدوداً ومـــــــــ�ؤقت ًا
من قدرات كتائب ب�شار وحزب اهلل ،فاحل�سم خا�ضع ال�شرتاطات كثرية ال ميلكان كل عنا�رصها ،كما �أن قرار احل�سم �أي�ضا لي�س ب�أيديهما ،ذلك �أن بيئة املعركة باتت تتجاوز يربود وكل الأر�ض ال�سورية، و�صارت متتد على م�ساحة تغطي كامل �إقليم ال�رشق الأو�سط ،فكل املنطقة معنية بهذا ال�رصاع ،مما ي�ضيف �إىل تعقيداته وت�شابكاته عنا�رص �إ�ضافية جديدة. يح�صل ذلك �أي�ضا يف حلظة دولية فارقة ،فالعامل اليوم �أمام م�شهد جديد يف بيئة النظام الدويل، ت�شكله �إعادة �إنتاج العالقة بني ال�رشق والغرب .وذلك �سيتوقف على امل�سار الذي ت�سلكه الأزمة الأوكرانية .لقد �أيقن الغرب �إن رو�سيا ت�سعى لإعادة ر�سم خريطة �أوروبا اجليو�سيا�سية ،ا�ستناداً �إىل قوتها امل�سلحة�،صحيح ان ال �أحد على الأرجح ُيريد حرب ًا باردة جديدة ،لكن هذه احلرب قد وقعت ،واحلديث الآن عن كيفية �إدارتها ،ال عن �إثبات وجودها من عدمه ،وثمة م�ؤ�رشات عديدة �إىل توفر بيئة �صاحلة لفك االرتباط ال�سيا�سي بني رو�سيا والغرب يف مناطق خمتلفة من العامل ،مبا يف ذلك ال�رشق الأو�سط . ال ن�رص وال ح�سم يف هذه اللحظة ،كل ما يح�صل ال يعدو نوع من حتريك بع�ض املواقع ،وهي جمرد معارك �صغرية يف �صريورة حربية يتوقع �أن لها ان تدوم وتدوم ،ما دام هناك طرف مدعوم من قوى ا�ستبدادية يريد �صناعة الواقع مبا ينا�سب م�صاحله يف اال�ستمرار بال�سلطة و�إخ�ضاع �شعب م�ستقويا ببعده املذهبي ،ال انت�صار وال ح�سم ،الن لل�شعب �أي�ض ًا عمق ومدى حيوي لن يتخلى عنه ،و�إن تراخى �أحيانا.
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
العدد ( 2014/03/23 )132م
ر�أي
04
خيارات الأقليات بني املواالة والطريق الثالث ح�سام امليالد
يبدو �أن هاج�س الأقليات يف �سوريا وواقعهم احلايل وم�صريهم يف «�سوريا اجلديدة» بوجود الأ�سد �أو بدونه بات هاج�س ًا دولي ًا� ،أو هكذا يراد له �أن يبدو .فبينما كرر الرو�س خ�شيتهم على الأقليات يف حال رحيل الأ�سد دون توافق ال�سوريني �أنف�سهم على بديل ،حاول الأمريكيون من جهتهم �سحب الب�ساط من حتت الرو�س بتقدمي �ضمانات دولية حلماية الأقليات ،بل ا�شار جون كريي ب�شكل �رصيح اىل الأقلية العلوية على هام�ش «جنيف »-2يف .24/1/2014 م�س�ألة الأقليات مل ت�شغل اهتمام ال�سيا�سيني فقط، بل تعدتها �إىل املنظمات احلقوقية الدولية وكان �أبرزها منظمة العفو الدولية ،التي �شددت يف تقريرها يف 9/1/2014على �رضورة اعتبار حماية الأقليات �أولوية لدى �أي حكومة انتقالية مقبلة يف ظل االنتهاكات املت�صاعدة حلقوق الأقليات خا�صة العلويني وامل�سيحيني. تعمد النظام طيلة �أربعني عام ًا من احلكم عدم الإ�شارة �إىل التمايزات العرقية �أو الدينية ،ولكنه فعليا مار�س �سيا�سة اللعب على توازنات من هذا النوع مبا يخدم م�صلحته �أو ًال ،واعتمد على الطائفة العلوية يف توطيد �أركان حكمه بهيمنتها على املراكز احل�سا�سة يف م�ؤ�س�سات الدولة ال�سيما الأمنية والع�سكرية ،فغيبت العدالة يف تقا�سم ال�سلطة والرثوة بني اجلماعات العرقية والدينية واجلهوية. واليوم ويف ظل تنامي النعرات العرقية والدينية، ي�شكل التوزع الدميغرايف الطائفي والعرقي عام ًال بات يهدد وحدة الأرا�ضي ال�سورية .وبات التداخل الدميغرايف ووجود �أقليات حماطة ب�أكرثية مغايرة عرقي ًا وطائفي ًا حمفوف ًا بخطر التطهري العرقي والديني. الأكراد الذين مار�سوا فيما م�ضى دورهم الوطني وعا�شوا كغريهم من ال�سوريني� ،أ�صبحوا الأكرث تهمي�شا مقارنة بغريهم من الأقليات العرقية (الأرمن والرتكمان وال�رشك�س وال�شي�شان والآ�شوريني وغريهم) .فمنذ قانون الإح�صاء يف العام 1962حرم الكثري منهم من اجلن�سية ال�سورية ،ومل يعرتف لهم ب�أي حقوق ك�أقلية عرقية .وقد حاول النظام يف البداية ا�ستمالتهم بعد انخراطهم يف احلركات االحتجاجية �ضد نظام الأ�سد .ف�صدر القانون ( )49تاريخ 5/2011/ 8 الذي حل م�شكلة �إح�صاء ،1962والقانون ()11 بتاريخ 11/5/2011الذي �ألغى جترديهم من امللكية العقارية عقب �أحداث القام�شلي .2004 كما مت االعرتاف بعيد النريوز لت�صفه بثينة �شعبان بعيد لكل ال�سوريني وهن�أتهم به .لكن الأكراد اليوم يبدو �أنهم قد ح�سموا �أمرهم نحو �إعالن احلكم الذاتي بقيادة «قوات حماية ال�شعب الكردي» وعلى ر�أ�سها «حزب االحتاد الدميقراطي» .ان�سحب الأكراد من كافة التجمعات ال�سورية املعار�ضة للتوحد �ضمن تكتل كردي عرب عن نف�سه من خالل «املجل�س الوطني الكردي» ،ويلعب ف�شل املعار�ضة ال�سورية يف مد ج�سور الثقة مع الأقلية الكردية ومنحهم ال�ضمانات الالزمة ل�رشاكة وطنية حقيقة دورا رئي�سي ًا يف اختيار الأكراد طريق ًا ثالث ال ميكن تربيره فقط بنزعة انف�صالية م�سبقة عند ه�ؤالء. ويف الوقت الذي كان �أكرثية العلمانيني املنت�سبني
اىل الطوائف امل�سيحية يريدون تغيري النظام كان امل�ؤمنون موالني للنظام .وقد حاول النظام عرب تعيني العماد داوود راجحة وزيرا للدفاع ا�ستمالة مزيد من امل�سيحيني .لكن اليوم ،بات امل�سيحيون الذين اتخذهم النظام و�سيلة للتقرب من الغرب حتت �شعار حمايتهم ،باتوا يعلمون كما يعلم الغرب نف�سه �أن النظام مل يعد قادراً على حمايتهم ال�سيما يف ظل تعر�ض مناطقهم للق�صف وتدمري كنائ�سهم وخطف راهباتهم وفر�ض احلدود ال�رشعية واجلزية يف مناطق تواجدهم ...الخ ،الأمر الذي دفع املوالني واملعار�ضني منهم على ما يبدو اىل البحث عن موقع و�سط بني النظام واملعار�ضة �إدراك ًا منهم �أنهم باتوا احللقة الأ�ضعف يف هذا ال�رصاع. الدروز يف �سوريا غالبا ما يعي�شون يف جتمعات كبرية ي�شكلون فيها الأكرثية ،ه�ؤالء بالرغم من دعمهم للنظام �إعالميا �إال �أنهم مل ي�شاركوا معه ع�سكري ًا ،بل اكتفت اللجان امل�سلحة امل�شكلة من قبلهم يف حماية مناطقهم ،وقد لقيت ظاهرة اللجان هذه ا�ستهجان �رشيحة وا�سعة من الأهايل ومن رجال الدين وتعالت الأ�صوات املطالبة بحلها وعدم ع�سكرة التجمعات الدرزية .وقد رف�ض الدروز دعوة وليد جنبالط لالنخراط يف الثورة ال�سورية. وبالرغم من تعايل بع�ض الأ�صوات االحتجاجية �ضد النظام� ،إال �أن موقفهم العام كان وقوفهم على احلياد بالرغم من بع�ض امل�صادمات مع جبهة الن�رصة ،ال�سيما يف بلدة اخل�رض .يف املقابل ف�شلت حماوالت حزب اهلل بو�ساطة �سمري القنطار يف �إقناعهم بالقتال �إىل جانب نظام الأ�سد. بالن�سبة للعلويني الذين وقف �أغلبهم مع النظام، فقد خ�رسوا الكثري من �أبنائهم يف معارك النظام �ضد املعار�ضة امل�سلحة ،و�إن كانت قد بد�أت تظهر عالمات التذمر �إال �أن هذا مل مينع ا�ستمرار النظام يف ح�شدهم لوج�ستي ًا� ،أو عرب« قوات الدفاع الوطني»، وبالرغم من �شعورهم بالإحباط لعدم ا�ستعداد النظام ملبادلة املخطوفني واملعتقلني من �أبنائهم
مبعتقلني يف �سجون النظام ،ال�سيما بعد مبادلة النظام ملعتقلني لديه بالراهبات املحتجزات لدى جبهة الن�رصة� ،إال �أن الدعوات امل�ستمرة من قبل املعار�ضة له�ؤالء لالنخراط يف احلراك ال�شعبي �ضد تلق �آذان ًا �صاغية ،طاملا �أن خوفهم نظام الأ�سد مل َ من ال�سيناريوهات املحتملة يف مرحلة ما بعد �سقوط الأ�سد و�سيطرة �أكرثية �سنية على احلكم لديها «رغبة يف االنتقام» ال تزال م ّتقدة يف ت�صوراتهم عن امل�ستقبل .بعد �صدور بيان عن ثالثة من رجال الدين العلويني يف حم�ص (مهيب ني�صايف ،ويا�سني ح�سني ،ومو�سى من�صور) ترب�أ من ممار�سات النظام، عولت بع�ض قوى املعار�ضة عليه باعتباره نقطة حتول يف موقف الطائفة العلوية الذي �سيجعل �سقوط النظام �أمراً ممكن ًا ،لكن غاب عن بال ه�ؤالء �أن املرجعية الدينية للطائفة العلوية هي �أ�ضعف �أن ت�ؤثر يف ال�شارع العلوي ،نتيجة لتعر�ضها عرب عقود طويلة لعملية تفتيت وحتييد ل�صالح الوالء للعائلة احلاكمة. �إذا تتبعنا خريطة الوالءات ال�سيا�سية للأقليات الدينية وال�سيا�سية يف �سوريا �سنجد �أن هذه الأقليات �إما �أنها يف �أغلبها موالية للنظام �أو تقف على احلياد� ،أو اختارت طريق ًا ثالث ًا بعيداً عن النظام واملعار�ضة� .أما من انخرط يف �صفوف احلراك ال�شعبي �ضد النظام من هذه الأقليات فكان ذلك مبثابة خيار فردي بعيد عن �أن ميثل توجها عام ًا. ومن بني �أ�سباب عدة لذلك ي�أتي على ر�أ�سها ف�شل املعار�ضة مبعظم �أطيافها يف �صياغة خطاب قادر على خماطبة ه�ؤالء ي�ستطيع �أن يقدم لهم �ضمانات ملرحلة ما بعد الأ�سد ،ناهيك �أن املعار�ضة قد تلك�أت يف �إدانة ممار�سات املتطرفني الإ�سالمويني ،بحجة احلفاظ على وحدة املعار�ضة امل�سلحة التي مل تزدد �إال تفتت ًا ،حتى �أنها ف�شلت يف انتاج هيكلية �سيا�سية معار�ضة جامعة لكل مكونات ال�شعب ال�سوري ب�رشائحه االجتماعية وب�أقلياته العرقية والدينية.
05
ر�أي
العدد ( 2014/03/23 )132م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
الرايات العمياء لي�ست للقاعدة فقط يا�سر بدوي
مل تغب الأ�صوات العقالنية عن م�سار الأحداث يف �سوريا ،ولكنها باهتة �أمام الكم الهائل من الفو�ضى الفكرية و الت�ضليل و الت�شويه واالرجتال ،و�ضاعت احلقائق والآراء املو�ضوعية بني تراكمات كبرية من االتهامات الع�شوائية ،واملربرات جاهزة � :إننا يف حالة ثورة ؟ لت�صبح كلمة ثورة مقد�س ًا يحرق كل �شيء حتى �أنها �أحرقت نف�سها ،ومل تنفع الأ�صوات العقالنية ردها �إىل ر�شدها .رمت الأفكار و القيم والثقافات والأديان و ال�شخ�صيات و الأنظمة و ال�شعب واحللول ال�سيا�سية يف حمرقة الثورة ،يف الوقت الذي تقول فيه احلكمة� :إن الثورة �ستحرق الف�ساد ،لكنها �أنتجت ف�ساداً جديداً ،وهو ما و�ضع فكرة التغيري عرب الثورات حمل نقا�ش ،و�إعادة نظر، �أما حمرقتها فات�سعت لكل �شيء . �أول كتلة �أحرقتها الثورة كانت النظام بكل ادعاءاته ومقوالته التي كر�سها خالل عقود ،القومية ،الوطنية ،التحرر ،الثوابت ،اللحمة الوطنية يف ظل القيادة احلكيمة � ،أحرقت علمانيته التي ت�سرت بها وذريعته اال�شرتاكية للنهب � ،أحرقت عدائه لإ�رسائيل وممانعته للم�رشوع الأمريكي ،وجي�شه البا�سل، و�أحرقت الزيف الذي يعي�شه ،و يروجه ويعمه به . يعمه به –�أي النظام – لأنه ال يزال م�ستمراً يف ت�شويهه للثورة ،وهي حترقه وما زال يتم�سك مبقوالته التي تغلق �أية منافذ للحل �،شوهها باملجرمني ف�أحرقوا م�ؤ�س�ساته و خطفوا جرناالت جي�شه يف �صناديق �سياراته ،و�شوهها بالإعالم ف�أدار الر�أي العام ظهره ومل يعد ي�سمع كلمة مما يقوله ،و�شوهها بالإرهاب الذي �أحرق احلل
ال�سيا�سي يف جنيف ،ذلك بعد �أن �أحرق الإرهاب مدنه و�صورته وم�ؤيديه واملراهنني عليه والأمل فيه . �أحرقت الثورة املعار�ضة بكل �أطيافها � ،أحرقت �سحر الإخوان امل�سلمني ومظلوميتهم حتى �أمام �أنف�سهم ،وعرت مقوالتهم االنتهازية عن املدنية و الدميقراطية والعدالة ،و�سقطت على مذبح الكر�سي والت�سلط � ،أحرقت الغرور يف مقتل العائلية والأوهام � ،أحرقت الدولة الإ�سالمية يف العراق و ال�شام ون�رصتها على �شا�شة اجلزيرة � ،أحرقت العلمانية و الدميقراطية يف عجزها عن التعبري عن �أفكارها و مترت�س روادها خلف كلي�شهات معلبة و مقوالت خ�شبية كررها النظام �آالف املرات حتى حفرت يف ذاكرتهم �صوراً مار�سوها. �أحرقت الثورة احللول ال�سيا�سية املطروحة منذ ال�شهور الأوىل للثورة عرب �إعطاء النظام املربرات لو�أدها من املبادرة العربية التي حتولت �إىل خطة املبعوث الدويل كويف عنان ،ف�صيغت يف بيان جنيف واحد ،و�أحرقتها الثورة ب�أن حرقت وفده الذي ذهب ليفاو�ض با�سمها ،فكان �أن رفعت الثورة و قوى معار�ضة راياتها العمياء التي تخدم بها القاتل . ما حدث يف جنيف ي�أخذنا للنظر يف العمه ال�سيا�سي ،حيث ت�سري قوى معار�ضة وازنة خلف م�صالح اخل�صم ،و حتقق له �أهدافه ومبتغاه يف �إف�شال احلل ال�سيا�سي ،وتعطيل الإرادة الدولية التي توافقت على بيان جنيف واحد ،فقد ت�سابقت قوى ثورية وع�سكرية و �سيا�سية �إىل رف�ض جنيف
2بذرائع واهية ،مما طرح ال�س�ؤال الكبري دولي ًا و عربي ًا و داخلي ًا حول متثيل الوفد املفاو�ض ومقدرته على احلل ،مما �أعاد طرح معادلة جديدة للحلول، وقدم �أولويات م�صطنعة على املتفق عليه ،ويف التدقيق الظاهر يربز يف هذا العمه الإعالم الذي ميكن �أن يظهر بع�ضا من ال�صور القامتة ،ويعطي احلا�رضون يف الطاولة �أبعادهم ودورهم احلقيقي، وتالي ًا �إمكانية حتقيق املمكن � ،أهملوه –الإعالم – وجعلوا منه حرابا م�ضافة تنحر �أ�سباب قبولهم وم�رشوعيتهم و عقم النتائج التي ذهبوا لأجلها ، ورفعوا راية حمقاء كان عنوانها ( عدم مناق�شة وقف العنف ) وقدموا عليها راية مبهمة ال تتحقق �إال بعد حتقق الأوىل ،وهي هيئة احلكم االنتقالية � ،إذ كيف لها �أن تتحقق و يعود (الإرهابيون ) ال�ستالم مكاتبهم مع العنف ؟ اليوم مطروح احلل ال�سيا�سي ال�سوري – ال�سوري ؟ الذي يعترب قدراً ال بد منه ،و لن تتم احللول بدونه، و �إن كان يحتاج �إىل رعاية �إقليمية و دولية ،حتى متت يف الغرف املغلقة ،و�أعتقد بالتحليل �أن النظام ال يريد احلل ال�سيا�سي لأنه يتناق�ض مع فهمه و دوره ومفهومه عن الدولة ،بحيث يبنى ا�ستمراره على ال�صفقات اخلارجية ،و يهمل ال�صفقات الأهم مع ال�شعب وهذا متوقع ومفهوم. من ال�رضوري التم�سك ببيان جنيف ال�ستعادة الثورة من مراهقتها وجهلتها ،و هنا يربز دعاة العقالنية ال�سيا�سية املناط بهم الظهور يف املرحلة احل�سا�سة ،لتكون الرايات مفتحة العيون ،تعرف طريقها ،و لي�ست عمياء تقاتل خدمة لأهداف �أعدائها!
العدد ( 2014/03/23 )132م ق�ضايا 06 حتليل ع�سكري :معركة يربود وعوامل اختالل موازين القوى ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
مو�سى القالب *
خ�رست قبل �أيام قوات املعار�ضة ال�سورية امل�سلحة معركة القلمون �أمام اجلي�ش ال�سوري النظامي وميلي�شيات حزب اهلل ،وتعد هذه اخل�سارة للجي�ش احلر وحلفائه من جبهة الن�رصة� ،رضبة تكتيكية �أخرى موجعة بعد معركة "الق�صري" و�سقوط النبك ودير عطية. طال احل�صار على يربود وتوالت عملية ت�ضييق اخلناق على قوات املعار�ضة تدريجياً ،حتى انهارت ب�صورة �رسيعة بعد اخرتاق عميق خلطوط دفاعاتها من قبل املهاجمني. ثمة عدة �أ�سباب تكتيكية ت�ضافرت مع بع�ضها البع�ض ٍ يف ٍ زمنية ق�صرية ن�سبياً ،نتج عنها هذه الهزمية فرتة ال�ساحقة لقوات املعار�ضة يف ميدان املعركة غري املتوازنة .لع ّل �أهم تلك الأ�سباب قدرة اجلي�ش ال�سوري وعنا�رص حزب اهلل على �إدامة احل�شد املكثف املتوا�صل وتعميق احل�صار ،ثم اقتحام دوائر دفاعات قوات املعار�ضة دائر ًة تلو �أخرى ،يف حني �ضعفت املقاومة �شيئ ًا ف�شيئاً. لكن االخرتاق الرئي�سي من قبل املهاجمني جاء ت�ضليلي ًا ومعاك�س ًا ملا توقعه املدافعون داخل مدينة يربود. قبل ذلك جرى ت�صعيد وترية كثافة النريان باملدفعية مت ا�شباع و�إعماء دفاعات والطريان احلربي حتى ّ اخل�صم املقابل ب�صورة زعزعت �أية خطط تكتيكية بديلة لديهم .وعليه اندفعت القوات النظامية ال�سورية بقوة اىل داخل املدينة ،و�أحكم الطوق عنا�رص حزب اهلل ،ما �رسع بتمزيق وتدمري مواقع املعار�ضة الدفاعية ،و�أعلن َّ املدافعون هزميتهم يف يربود. لقد ا�ستخدمت القوات النظامية ال�سورية الدبابات وعربات القتال املدرعة وناقالت اجلنود العاملة يف الت�شكيالت امليكانيكية ،تتقدمها قوات املغاوير ،يف حني ت�سللت ميلي�شيات حزب اهلل اىل النقاط ال�ضعيفة يف دفاعات املعار�ضة .على �إثر ذلك متكن املهاجمون من تطهري جيوب املقاومة م�ستخدمني تكتيكات حرب الع�صابات يف قتال املتح�صنني داخل املناطق ال�سكنية امل�أهولة. �أما ال�سبب اال�سرتاتيجي املبا�رش ملا حدث ،فهو يتلخ�ص يف اختالل موازين القوى بدرجة كبرية على الأر�ض بني املهاجمني واملدافعني .ولدى حتليل العوامل امل�ؤثرة يف هذا االختالل ،يت�ضح جلي ًا �أنها جاءت يف معركة يربود
على النحو الآتي: • وحدة القيادة وال�سيطرة واالت�صاالت :قاتلت قوات النظام وم�سلحو حزب اهلل حتت قيادة موحدة من خالل ر�سم وتنفيذ خطة مركزية ،مكنتها من �إدارة املعركة با�ستخدام �شبكة ات�صاالت ميدانية موحدة .وعليه حتققت وحدة الهدف وجرت عمليات تبادل املعلومات وتوجيه النريان من قبل املهاجمني ب�سهولة. • �أما قوات املعار�ضة فقد وزعت عنا�رصها �ضمن قطاعات مبعرثة ح�سب هويات الف�صائل املقاتلة التي يتبع بع�ضها اجلي�ش احلر والآخر جبهة الن�رصة والكتيبة اخل�رضاء ،وذلك يف غياب عامل وحدة القيادة .حيث قاتلت املجموعات املنت�رشة يف املدينة من دون �أوامر وتعليمات �صادرة عن قيادة مركزية �أو خطة قتالية موحدة .وبالتايل فقدت عن�رص الإ�سناد املتبادل يف ظل �ضعف �أو انعدام و�سائل االت�صاالت الال�سلكية .ما �أفقدها ال�سيطرة املبا�رشة على عنا�رصها املقاتلة ،وحرمانها من املرونة والفعالية. حجم القوى الب�رشية املقاتلة • ح�سب م�صادر متعددة ،ف�إن تعداد القوات النظامية املهاجمة يقدر بثالثة االف مقاتلُ ،ي�ضاف لهم نحو �ألف عن�رص مقاتل من حزب اهلل ،يف حني مل يتجاوز تعداد قوات املعار�ضة �ألف مقاتل ،رغم �أن بع�ض امل�صادر ت�شري اىل �أن عدد املقاتلني ال يبلغ �سوى ن�صف هذا العدد. حيث مل ي�شارك جميع امل�سلحني املتواجدين يف القتال والدفاع عن يربود .وذلك لأ�سباب متعددة �أهمها غياب وحدة القيادة ،و�ضعف القدرة على احل�شد يف املكان والزمان املنا�سبني ،وعدم وجود قيادة و�سيطرة مركزية على خمتلف الف�صائل املدافعة عن املدينة. • نوع وكمية الأ�سلحة واملعدات والذخائر: ال يوجد �أي وجه مقارنة بني �أ�سلحة ومعدات وذخائر املهاجمني ،وما لدى املدافعني كم ًا ونوعاً .حيث متتلك القوات ال�سورية راجمات ال�صواريخ ومدافع امليدان والهاون والأ�سلحة املتو�سطة يف حني ال متتلك القوات املدافعة �سوى �أ�سلحة متو�سطة كالر�شا�شات والبنادق ومدافع الهاون اخلفيفة وبع�ض الألغام واملتفجرات. كما �أن القوات املهاجمة متتلك مناظري الر�ؤية الليلية العاملة بالأ�شعة حتت احلمراء ،وكذلك القنا�صني و�أجهزة االت�صاالت الال�سلكية .لكن باملقابل ال متتلك
القوات املدافعة مثل هذه املعدات القتالية املتقدمة ،ما �أفقدها خا�صية القتال الليلي ومرونة املناورة والقدرة على احلركة .وعليه تفوقت قوة نريان املهاجمني على املدافعني بن�سبة 1 : 5على الأقل ،وحققت القوات املهاجمة عامل القابلية. • التبادلية (اال�سناد املتبادل) بني خمتلف قطعاتها املهاجمة ،يف حني ُحرِمت القوات املدافعة من هذه امليزة القتالية املهمة. • الإمداد اللوج�ستي واخلدمات الطبية واالدارية :متتعت القوات املهاجمة بكافة خدمات االمداد اللوج�ستي والطبي واالداري على مدار ال�ساعة ،ومل تتمكن قوات املعار�ضة من قطع امدادات املهاجمني قبل و�صولها اىل منطقة القلمون .لأن هذا الدور يلزمه قوات معار�ضة قادرة على حما�رصة القوات النظامية ال�سورية وف�صائل حزب اهلل من اخللف ،ثم قطع خطوط امداداتها اللوج�ستية .باملقابل مل يتوفر للقوات املدافعة �أية خدمات لوج�ستية وطبية وادارية متوا�صلة �سوى القليل مما لديها. احلرب النف�سية واحلالة املعنوية :حظيت القوات املهاجمة با�ستخدام و�سائل متعددة للحرب النف�سية �ضد املدافعني ،وكانت الروح املعنوية لديها �أعلى من تلك املوجودة لدى قوات املعار�ضة ،الذين �سببت لهم كرثة اال�شاعات وانت�شار ق�ص�ص اخليانة بني �صفوفها املزيد من املتاعب النف�سية واملعنوية ثم الهزمية. تتمثل �أهم الدرو�س امل�ستفادة من معركة يربود يف �رضورة تامني وحدة القيادة لقوات املعار�ضة، وتزويدها ب�أ�سلحة نوعية موجهة ودقيقة اال�صابة مثل :ال�صواريخ امل�ضادة للدبابات والطائرات� .إ�ضاف ًة اىل توفري �أنظمة الر�ؤية الليلية العاملة بالأ�شعة حتت فعالة للإمداد اللوج�ستي والطبي احلمراء ،وتطوير خطط َّ واالداري ،وت�أمني �شبكة ات�صاالت ميدانية فعالة، وا�سنادهم مقاتليهم نف�سي ًا ومعنوياً. لكن رغم هذه االنت�صارات التكتيكية املحدودة ،ف�إن ذلك ال يعني �أن النظام ا�سرتاتيجي ًا لن ي�سقط ،و�أن املعار�ضة وارادة ال�شعب لن تنت�رص يف نهاية املطاف.
* عميد متقاعد -باحث ا�ست�شاري يف مركز ال�رشق للبحوث
07
عربي
العدد ( 2014/03/23 )132م
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
م�صر :ال�سي�سي �إىل الرئا�سة و�سط حتديات كبرية خا�ص البديل:
تخطو م�رص مع �إ�صدار قانون االنتخابات الرئا�سية نحو املرحلة الثانية من املرحلة االنتقالية ،وذلك بعد �إقرار الد�ستور امل�رصي ،و�سيبقى �أمام امل�رصيني االنتخابات الربملانية ال�ستكمال خارطة الطريق. امل�شري عبد الفتاح ال�سي�سي بال مناف�سني يف االنتخابات مهد الطريق داخل امل�ؤ�س�سة الع�سكرية، الرئا�سية ،وقد ّ وقام م�ؤخراً ب�إجراء بع�ض التنقالت داخل اجلي�ش، كما �أنه بلور فريق ًا لقيادة حملته االنتخابية ،وي�ضم ع�سكريني �سابقني ،وخرباء اقت�صاديني. لكن ،ولئن بدا الطريق �أمام امل�شري ال�سي�سي نحو الرئا�سة م�ضمون ًا �إال �أن البقاء يف موقع الرئا�سة �سيتطلب جهداً كبرياً يف ظل �أو�ضاع اقت�صادية �صعبة ،حيث تعتمد احلكومة امل�رصية على امل�ساعدات اخلليجية ( 12مليار
قدمت لها) وهي تنتظر �رشاكة اقت�صادية مع اخلليج ل�ضمان �إنعا�ش الو�ضع االقت�صادي ،ودفع قطاعات اقت�صادية مهمة �إىل العمل بوترية �أف�ضل ،خا�صة �أن بع�ض القطاعات ،مثل ال�سياحة ،هي يف �أ�سو�أ �أحوالها، كما �أن الزراعة يف م�رص لي�ست يف حالٍ �أف�ضل. امللفات املطروحة �أمام امل�شري ال�سي�سي كبرية، و�ستفر�ض كما يرى معظم املراقبني حتديات كبرية ،ولن يكون من ال�سهل التعاطي معها. الإخوان امل�سلمون ما زالوا يحظون بدعم قطري، واحتجاجاتهم يف ال�شارع �أو اجلامعة ما زالت قائمة، ويف مدن عدة ،ولي�س فقط يف القاهرة ،لكن وتريتها �أخف ،وكذلك �أعداد امل�شاركني فيها ،لكن بع�ض تلك االحتجاجات تنتهي ب�صدام مع رجال الأمن ،و�أحيان ًا يكون هناك قتلى و�إ�صابات.
�أما �سفارة م�رص يف وا�شنطن فهي تقوم بعمل كبري لإبقاء التوا�صل مع القيادة الأمريكية ،وحماولة التالقي معها ،خا�صة يف جمال مكافحة الإرهاب ،وحماولة �إعادة العالقات �إىل ما كانت عليه قبل ثورة 25يناير. م�شهد م�رصي معقد يف م�ستوياته املختلفة ،فقد زادت معاناة ال�رشائح الفقرية واملتو�سطة �إىل حد كبري، وزادت حدة اال�ستقطاب ال�سيا�سي ،ومل تربز قوى �سيا�سية ذات بعد �شعبي ميكن لها �أن تلعب دوراً مهم ًا يف �ضبط التوازنات ال�سيا�سية واالجتماعية ،كما �أن ثقل البريوقراطية امل�رصية ما زال يقف عائق ًا جتاه تطوير القوانني املتعلقة باالقت�صاد� ،أو بت�سهيل اال�ستثمار ،وما زالت �سيناء خا�رصة رخوة يف وجه الدولة امل�رصية، بعد �أن باتت �ساحة مواجهات بني اجلي�ش والقوى الراديكالية الإ�سالمية.
املعار�ضة اجلزائرية حت�شد �أن�صارها لرف�ض تر�شح بوتفليقة لوالية رئا�سية جديدة اجلزائر (رويرتز) -ح�شدت �أحزاب املعار�ضة اجلزائرية عدة �آالف من �أن�صارها يوم اجلمعة املا�ضي لتدعو �إىل مقاطعة االنتخابات التي جتري ال�شهر القادم ،ولرف�ض تر�شح الرئي�س عبد العزيز بوتفليقة لوالية جديدة بعد 15عام ًا يف حكم البالد. وقدم بوتفليقة ( 77عاما) �أوراقه ليرت�شح لالنتخابات التي جتري يف � 17أبريل /ني�سان املقبل على الرغم من �إ�صابته العام املا�ضي بجلطة ،ويقول معار�ضوه �إنها جعلته يف حالة �صحية ال ت�سمح له بحكم البالد خم�سة �أعوام �أخرى. واحت�شد نحو خم�سة �آالف �شخ�ص يف ا�ستاد لكرة القدم باجلزائر العا�صمة ،ورددوا هتافات تدعو للمقاطعة ورحيل النظام ،بينما ندد زعماء �أحزاب �إ�سالمية وعلمانية برت�شح بوتفليقة ،ونادوا ب�إ�صالح النظام ال�سيا�سي الذي يعتربونه فا�سداً.
ويعترب هذا جتمعا نادراً يف اجلزائر املنتجة للنفط وع�ضو �أوبك ،حيث يقول منتقدون �إن ف�صائل متناف�سة يف نخبة حزب جبهة التحرير الوطني وجرناالت اجلي�ش يهيمنون على ال�ساحة ال�سيا�سية من وراء الكوالي�س منذ اال�ستقالل عن فرن�سا عام .1962 وقال حم�سن بلعبا�س القيادي يف حزب التجمع من �أجل الثقافة والدميقراطية امام احل�شد �إن النا�س املوجودين يف هذه املنا�سبة هم من ا�ستبعدوا وهم�شوا لكن هذه هي اجلزائر احلقيقية. وم�ضى يقول �إن النظام �سينهار لكن اجلزائر �ستعي�ش. ولكن يف ظل م�ساندة حزب جبهة التحرير الوطني احلاكم وف�صائل اجلي�ش ونخبة رجال الأعمال ف�إن بوتفليقة �شبه واثق من الفوز على الرغم من �أنه مل يدل بت�رصيحات علنية �إال فيما ندر منذ مر�ضه العام املا�ضي.
وبعد انتفا�ضات الربيع العربي التي اجتاحت �شمال افريقيا عام � 2011أمر بوتفليقة ب�إنفاق مبالغ كبرية من عائدات النفط اجلزائري على الإ�سكان واخلدمات العامة والبنية التحتية لتفادي �أي ا�ضطرابات اجتماعية. و�أحزاب املعار�ضة �ضعيفة ومنق�سمة يف اجلزائر، حيث التزال ذكريات احلرب التي �شهدتها فرتة الت�سعينات �ضد م�سلحني �إ�سالميني حية يف الذاكرة ،مما يقلق الكثري من اجلزائريني من تزعزع اال�ستقرار واال�ضطراب ال�سيا�سي. وخالل جتمع يوم اجلمعة تبادل �أن�صار الأحزاب الإ�سالمية والعلمانية �صيحات اال�ستهجان والهتافات امل�ضادة لبع�ضهم البع�ض يف تذكرة باخلالفات بني حزب التجمع من اجل الثقافة والدميقراطية وحزب حركة جمتمع ال�سلم الإ�سالمي اذ كانا عدوين ل�سنوات قبل الدعوة ملقاطعة االنتخابات.
ájô```M ádGó``Y áæWGƒe
العدد ( 2014/03/23 )132م
الأخرية
08
الوجه احل�ضاري لثورة ال�شعب ال�سوري د .عبداهلل تركماين
فج�أة ك�رس ال�سوريون حاجز اخلوف يف �أوا�سط �آذار 2011وحتولت كلمتا احلرية والكرامة ،اللتان مازالتا ترتددان يف جميع �أرجاء �سورية ،من مفهوم جمرد �إىل عمل وممار�سة وموقف� ،إىل فعل تاريخي .ورغم كل �أ�شكال القمع املمنهج التي تواجهها ،من احل�صار والقتل والرتويع يف الرباميل املتفجرة� ،إىل التهجري واالعتقال لآالف الن�شطاء� ،إىل �إحالة الكثريين منهم �إىل املحاكم ال�صورية ،ف� ّإن ثورة ال�شعب ال�سوري التي دخلت �سنتها الرابعة متتد عمق ًا وات�ساع ًا يف معظم املدن والبلدات وبجميع املحافظات ،وهي �أكرث قوة وت�صميم ًا على نيل �أهدافها ،لأنها ك�شفت عن وجه ح�ضاري ورقي يف الأ�ساليب ال�سلمية ون�ضج يف ال�شعارات الوطنية اجلامعة، بالرغم من الع�سكرة التي طغت عليها بفعل عوامل عديدة داخلية و�إقليمية ودولية. لقد �أحرزت الثورة �إجنازات هامة ،بف�ضل �سلميتها ووطنيتها اجلامعة ،فك�رست حاجز اخلوف الذي هيمن طوي ًال على حياة ال�سوريني ،و�أظهرت للملأ �شجاعتهم وا�ستعدادهم للت�ضحية من �أجل حريتهم وكرامتهم، و�أبرزت ت�صميمهم على التغيري وبناء دولة مدنية دميقراطية حديثة .وقامت بف�ضح اخليار الأمني الذي اعتمدته ال�سلطة منذ اليوم الأول للثورة ،كما جنحت يف تكذيب كل ادعاءات ال�سلطة واتهاماتها ودعايات �إعالمها امل�سمومة حول حقيقة ما يجري .وا�ستمرت بالإ�رصار على نهجها ال�سلمي و�شعاراتها و�أهدافها الوطنية و�سلوكها احل�ضاري ،رغم كل املحاوالت التي قام بها النظام و�أزالمه ونهجه املدمر لت�شويه حقيقتها وحرفها عن م�سارها .وبذلك كانت حلظة انبثاق الوطنية ال�سورية من جديد ،حلظة انبثاق ح�س املواطنة ال�سورية، الذي هو �أهم و�أثمن ما يف الثورة ال�سورية. وخالل ال�سنوات الثالث املا�ضية كان وا�ضح ًا دور ال�شباب الثائر يف قيادة فعاليات الثورة ،حني جنحوا يف اختيار �أماكنها وحتديد �أوقاتها .وقد تعلموا مع �أغلبية ال�شعب ال�سوري ثالثة �أ�شياء جديدة دفعة واحدة:
�أولها ،ماذا تعني كلمة ثورة ،وكيف يقوم الإن�سان بخو�ض ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من فاعلية ،وهذا يبدو يف التطور ال�رسيع لآليات عمل ال�شباب ابتداء باالعت�صامات والتظاهرات ولي�س انتهاء بالتن�سيق والت�شبيك والتوا�صل والتوثيق لكل ما يحدث و�سيحدث. تعرف ال�شباب بع�ضهم على بع�ض ،بل اختبار وثانيهاّ ، بع�ضهم بع�ضاً ،يف خمتلف املناطق ال�سورية ،وبالتايل تع ّلم كيفيات العمل اجلماعي ،الأمر الذي كانوا يجهلونه متاماً ،ويتعلمون الأهم وهو �أن يفهموا االختالفات ويتفاعلوا معها ال �أن يلغوها .وثالثها ،تع ّلم ماذا تعني كلمة �سيا�سة ،مبفهومها الإجرائي يف الواقع ولي�س نظري ًا على الورق فح�سب .فعلى الرغم من �أنهم ن�ش�أوا يف مناخات عامة كانت تلغي ال�سيا�سة بتنوعاتها وت�ستبدلها بر�ؤية واحدة وانتماء واحد وحزب واحد وما �إىل ذلك من الأحاديات ،وهذا ما جعل ال�سيا�سة وجتلياتها و�سيناريوهاتها املفرت�ضة واملمكنة والآراء املختلفة وما �إىل ذلك هي املهيمنة على جل�سات ال�شباب اليوم وهي احلا�رضة يف لقاءاتهم �أينما كانوا و�أي ًا كانت مواقفهم واجتاهاتهم. وهكذا ،ف� ّإن ح�سا�سيتها العامة ،الوطنية واملدنية ،و�أكرث منها �شعاراتها و�سيا�ستها ،ت�ؤكد الثورة ال�سورية تفوقها ال�سيا�سي والأخالقي على النظام ،وت�ضع املدافعني عنه �أو حتى ال�ساكتني عليه يف موقع حرج .وبذلك �أ�ضحت تبق حمافظة من حمافظات الثورة �أكرث ات�ساعاً ،فلم َ �سورية خارج دائرة الفعل االحتجاجي ،و�إن بدرجات متفاوتة. ويف املقابل بات وا�ضح ًا � ّأن ال�سلطة ما�ضية يف خيارها الأمني وا�ستخدام العنف املفرط ،حيث ا�ستخدمت قواها الأمنية وقوات ميلي�شيات حزب اهلل ،كما ا�ستعانت بال�شبيحة والقنا�صة والزعران ،وجل�أت �إىل ح�صار املدن واعتقال ال�سكان وح�رشهم يف املالعب واملدار�س والأماكن العامة والثكنات .وبذلك توفر �سلطة �آل الأ�سد �أ�سباب ًا جديدة للنفور منها والفتور جتاهها ،و�إن لي�س
بال�رضورة االنحياز للثورة وامل�شاركة فيها .كل هذا يظهر هذه ال�سلطة على حقيقتها الفظة :ال ق�ضية لها �سوى ا�ستمرار �سلطتها امل�ستبدة ،وال ميكن التماهي معها .قد تواليها قطاعات من ال�سوريني خ�شية من غريها ،لكن ال يكاد �أحد ميح�ضها الوالء �إميان ًا بها �أو اقتناع ًا بق�ضية �إيجابية لها. � ّإن الأزمة ال�سورية ،التي دفعت ال�شعب ال�سوري للثورة، �أزمة مزمنة عمرها �أكرث من � 40سنة ،وهي �أزمة تطال كل مناحي احلياة ال�سيا�سية واالجتماعية واالقت�صادية. وال�شعب ال�سوري قرر ت�صفية احل�ساب مع م�سببيها، من خالل االنتقال ب�سورية من حال اال�ستبداد والدولة الأمنية �إىل حال احلرية والدولة املدنية الدميقراطية عرب حوار جاد وم�س�ؤول ،تتمثل فيه جميع الأطراف ال�سيا�سية واملكونات االجتماعية وممثلي تن�سيقيات ون�شطاء الثورة. � ّإن ال�شعب ال�سوري يريد احلرية واحلياة الكرمية يف ظل دولة وطنية ،مدنية ،هي دولة حق وقانون جلميع مواطنيها ،و�سلطة وطنية عامة هي �سلطة القانون الذي ي�ضعه ال�شعب لنف�سه ب�إرادته احلرة .واحلل املجدي الوحيد يكمن يف قيام الدولة ،التي عمادها املواطنة مييز بني املواطنني الكاملة القائمة على د�ستور عادل ال ّ على �أ�سا�س ديني �أو مذهبي �أو قومي. � ّإن الثورة هي الفاعل الأ�سا�سي يف �سورية اليوم ،وهي �أي�ض ًا ال�صانعة لقيم جديدة :احلرية والكرامة وامل�ساواة والعدالة ،ول�رشعية جديدة قائمة على املواطنة .ومن الق�ضايا املهمة التي حتتاج الثورة �إىل دعم �سيا�سي ب�ش�أنها ما يت�صل بتكوين املجتمع ال�سوري من م�شكالت �سيا�سية حمتملة ،والعمل على بناء �أكرثية وطنية جامعة جديدة ،ت�ؤ�س�س المتالك ال�سوريني دولتهم ،وت�سهم يف تكونهم كمواطنني �أحرار مت�ساوين .وبذلك ميكن للثورة، ّ التي مل توفر لأحد �أ�سباب ًا وجيهة لرف�ضها� ،أن توفر �أ�سباب ًا قوية لالنحياز لها والوقوف �إىل جانبها من جميع مكونات ال�شعب ال�سوري.