المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
International Academic Journal for Law Studies
22-22 )2222()2(2
2(2)(2020)25-55
األتجاىات القانونية لتنظيم اإلضراب الوظيفي في األتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية في كالً من فرنسا ومصر واألردن /دراسة مقارنة إعداد الدكتور محمد نجم إبراىيم عميات استاذ مساعد ـ ـ كمية القانون ـ ـ جامعة الفالح 9109
الممخص يعتبر مبدأ استمرار سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد من المبادئ األساسية التي تحكم عمل المرافق العامة في الدولة ،فيو ينبع من طبيعة المرافق العامة ،حيث تنشأ المرافق العامة إلشباع الحاجات العامة ،ويجب أن تستمر بأداء عمميا بشكل منتظم ،فإذا ما ُعطمت ىذه المرافق فإن ذلك ُيعد إخالالً بيذا المبدأ الميم. ويعد الموظف العام تجسيداً لروح المرفق العام والعنصر المحرك لنشاط اإلدارة ،والذي بدونو تعتبر كافة العناصر ُ األخرى التي تسيم في سير المرافق العامة مجرد أدوات ال قيمة ليا وال جدوى منيا ،فإن لو كغيره من المواطنين مصمحة مباشرة بالتمتع بممارسة الحقوق والحريات والتعبير عن آرائو ،واذا كان التعبير عن ىذا الرأي يمكن ان يتخذ صو اًر وأساليب متعددة فإن اإلضراب الوظيفي يعتبر الوسيمة االكثر فاعمية في تحقيق مطالب الموظفين المتصمة بمشاكميم الوظيفية ،وبما أن اإلضراب في المرافق العامة يؤدي إلى توقف الخدمات التي يؤدييا ىذا المرفق ،لذلك فإنو يتعارض مع أىم المبادئ التي تسير عمييا المرافق العامة اال وىو مبدأ استمرار سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد ،لذلك اختمفت الدول اتجاه االعتراف باإلضراب ،ففي حين حظرت بعض الدول ممارسة اإلضراب ،واعتبرتو سبباً من أسباب تحريك المسؤولية التأديبية والجزائية ،اتجيت دول أخرى إلى االعتراف بو دستورياً ونظمتو بقوانين باعتباره وسيمة من وسائل التعبير الجماعية التي كفمتيا الدساتير إما صراحة أو ضمنا يدافع بيا الموظف عن حقوقو أمام تسمط اإلدارة ،إال
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
26
أن التنظيم جاء مقيداً بما يحقق التوازن بين مصمحة الموظف والمفسدة التي قد تمحق بالمرفق العام ،خاصة في ظل ما يدعو إليو العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة 0966م ،من وجوب تعيد الدول بكفالة حق اإلضراب شريطة ممارستو وفقاً لقوانين البمد المعني. لذلك جاءت ىذه الدراسة لسبر أغوار اإلضراب الوظيفي في المرافق العامة ،وتوضيح وتفصيل األتجاىات القانونية لتنظيم اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية بوصفو حق مكفول بموجب الشرعية الدولية لحقوق اإلنسان ،وضرورة تنظيمو في إطار قانوني يكفل حق الموظف العام في المجوء إليو ،ويراعي مصمحة المرافق العامة بضرورة سيرىا بإنتظام وبإضطراد. الكممات المفتاحية :اإلضراب الوظيفي ،المرافق العامة ،الوظيفة العامة ،المصمحة العامة.
مقدمة تسعى الدولة إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من تمبية الحاجات العامة والخدمات األساسية لألفراد ،وتبعاً استقرت األنظمة اإل دارية في مختمف الدول عمى مجموعة من المبادئ التي تحكم وتنظم إدارة الدولة لممرافق العامة ،وتضمن معو استمرار سير ىذه المرافق وأداء وظيفتيا والتي تصب في نياية المطاف في خدمة األفراد ،ومن قبيل ذلك خضوع المرافق العامة لمبدأ استمرار سير المرفق العام بأنتظام وبإضطراد؛ لتجنب حدوث أي اضطراب أو اخالل يصيب المرفق العام وانعكاس ذلك عمى ميامو في تمبية حاجات األفراد واضطراب حياتيم اليومية. وتعمد الدول في إدارتيا لممرافق العامة بواسطة موظفين ترتبط معيم بعالقة تنظيمية من حيث خضوع ىذا الموظف إلى ما تقره الدولة من تشريعات منظمة لموظيفة العامة ،تعمل عمى تحقيق أكبر ضمانة ليس فقط لما يترتب لمموظف العام من حقوق ،بل ما يتوجب عمى الموظف العام االلتزام بو اتجاه المرفق العام وادارتو ،والمحظورات التي يجب عميو االبتعاد عنيا وعدم إتيانيا تحت طائمة الجزاء التأديبي ،وىو ما ينعكس بشكل رئيسي عمى حسن سير المرفق العام، وانعكاس ذلك عمى حقوق األفراد في اإلفادة منو. وبيذا الصورة ،بني مبدأ استمرار سير المرفق العام بانتظام وباضطراد عمى وجوب عدم توقف أو انقطاع العمل في المرافق العامة ألي سبب من األسباب ،لما يترتب عمى ذلك من اضطراب في المرفق العام وانعكاس ذلك عمى ضرر يمحق ويمس األفراد بشكل رئيسي ،إضافة إلى ما قد يمحق الدولة جراء ذلك من أضرار اقتصادية وأمنية ،ويوصف
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
27
اإلضراب بأنو من أىم وأخطر الحاالت التي تؤثر عمى سير المرفق العام بأنتظام وبإضطراد ،والذي يسعى من خاللو الموظفين العموميين لمضغط عمى اإلدارة العامة لالستجابة لطمباتيم. وتختمف الدول في تنظيميا القانوني لإلضراب فذىبت بعض الدول -كما ىو الحال لدى المشرع الفرنسي -إلى إقرار حق الموظف العام في اإلضراب ضمن إطار ضيق ووفق شروط وضوابط قانونية ،تماشياً مع الشرعية الدولية لحقوق اإلنسان ،والتي منحت الحق لمفرد في اإلضراب ضمن ما ترسمو التشريعات الداخمية من ضوابط وأحكام ،وفي المقابل ذىبت بعض الدول إلى تغميب المصمحة العامة لمدولة في إدارة المرفق العام وحماية سيره بأنتظام وبإضطراد بصورة تجرم أي عمل يؤدي إلى انقطاع سير المرفق العام عمى غرار ما انتيجو المشرع المصري واألردني ،ومن قبيل ذلك تجريم اإلضراب ومنعو بأي صورة من الصور ضماناً لدوام استمرار المرافق العامة. وبناءاً عمى ما تقدم ،ولخطورة اإلضراب عمى حسن سير المرفق العام بإنتظام واطراد ،وفي ذات الوقت أىميتو لمموظف العام بإعتباره طريقاً من طرق المطالبة بحقوق الموظف العام ،ارتأينا البحث في مسألة األتجاىات القانونية لتنظيم اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية في كالً من فرنسا ومصر واألردن.
أىمية الدراسة وأىدافيا: تتجمى أىمية ىذه الدراسة في تسميط الضوء عمى األتجاىات القانونية لتنظيم اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية ،وتتأتى ىذه األىمية من خالل ما تسعى إليو الدراسة من أىداف ،والتي تتمحور في النقاط التالية: تحديد اآلثار المترتبة عمى إضراب الموظفين العموميين من خالل تحديد مفيومو القانوني وبيان خصائصو وصورهوأشكالو المختمفة. مع انتياج المجتمع الدولي إلى حماية حقوق وحماية األفراد في لجوئيم لتنظيم اإلضرابات في سبيل الحصول عمىحقوقيم بما في ذلك الموظفين العموميين ،تيدف ىذه الدراسة إلى تحديد موقف التشريعات في كالً من فرنسا ومصر واألردن من حاالت إضراب الموظفين العموميين ،وضبطو بما ال يتعارض مع سير المرفق العام وتمبية احتياجات األفراد والمواطنين ،وبيان توافقو مع الشرعية الدولية في ىذا الخصوص ،خاصة فيما يتعمق بتأكد المجتمع الدولي والتشريعات الوطنية عمى حقوق المواطنين بالتمتع بكافة ما تقدمو المرافق العامة في الدولة من خدمات وتمبية احتياجاتيم األساسية منيا.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
28
إشكالية الدراسة وتساؤالتيا: تنطمق ىذه الدراسة من إشكالية رئيسية تتمثل في تحديد التوجيات القانونية لألتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية – فرنسا ومصر واألردن -لتنظيم اإلضراب الوظيفي وألي مدى تتفق ىذه األتجاىات الدولية مع التشريعات الوطنية محل المقارنة وخاصة إذا كانت ىذه الدول قد صادقت عمى االتفاقيات الدولية التي تعترف بحق الموظف العام باإلضراب الوظيفي ،كما إن الدراسة توضح مدى إتجاه النظام القانوني في الدولة لمموازنة بين المصمحة العامة لإلدارة في تحقيق وحماية مبدأ سير المرفق العام بانتظام وباضطراد ،وبين حق الموظف العام في المجوء إلى اإلضراب الوظيفي وما يتخممو من توقف عمل المرفق العام ،وبنفس الوقت قيام الدولة عند الموازنة بين ىاتين المصمحتين المتعارضتين بإحترام التزاماتيا الدولية الناشئة عن تصديقيا عمى اتفاقيات دولية تقر بحق الموظف العام باإلضراب الوظيفي. وفي واقع األمر ،يتطمب اإلجابة عن ىذه اإلشكالية التطرق لمجموعة من التساؤالت التي تثيرىا مسألة إضراب الموظفين العموميين ،والتي تتمثل في التساؤالت التالية: ماىية التمايز بين صور وأشكال اإلضراب الوظيفي ،وماىية اإلضراب الوظيفي الذي تضفي التشريعات الوطنية عميوالشرعية من حيث جواز المجوء إليو أو تجريمو من قبل الموظف العام؟ ما مدى نطاق أحقية الموظفين العموميين لمجوء لإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية ،والسيما في العيد الدوليالخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة 0966؟ ما مدى نطاق أحقية الموظفين العموميين لمجوء لإلضراب الوظيفي في التشريعات محل المقارنة بوصفو وسيمةمشروعية لتمبية مطالباتيم وحماية حقوقيم الوظيفية؟
منيجية الدراسة: اء من حيث مشروعيتو بوصفو من الوسائل المشروعة لمموظف العام لتمبية طبيعة إضراب الموظفين العموميين سو ً مط البو ،أو من حيث مخالفتو ألحكام القانون بوصفو من المحظورات التي يتوجب عمى الموظف العام عدم القيام بيا تحت طائمة المسؤولية التأديبية تبعاً لخطورتيا عمى سير المرفق العام ومساسو بحقوق األفراد في الدولة ،وانتيج الباحث كذلك المنيج التحميمي واالستقرائي من خالل اإلطالع عمى األنظمة القانونية في األتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
29
محل الدراسة ،إضافة إلى التطرق ألحكام القضاء المتعمقة بيذه المسألة واستقراء ىذه النصوص واألحكام وتحميميا وتفسيرىا. وحيث أن طبيعة ىذه الدراسة تتطمب التطرق إلى األتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية محل الدراسة واألحكام القضائية ،يعمد الباحث إلى المنيج المقارن من خالل الوقوف عمى موقف التشريعات الوطنية في فرنسا ومصر واألردن ،والتي نظمت بصورة مباشرة حق الموظف العام في المجوء لإلضراب كوسيمة مشروعة لتمبية طمباتو ،وما صدر عن قضائيا من أحكام متعمقة في ىذه المسألة.
خطة الدراسة: بيدف اإلحاطة بكافة جوانب مسألة اإلضراب الوظيفي ،جاءت ىذه الدراسة في مبحثين رئيسين ،وذلك تبعاً لمتقسيم اآلتي: المبحث األول :ماىية اإلضراب الوظيفي. المطمب األول :مفيوم اإلضراب الوظيفي وخصائصو. المطمب الثاني :صور اإلضراب الوظيفي. المبحث الثاني :األتجاه القانوني لإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية . المطمب األول :نطاق مشروعية اإلضراب الوظيفي في األتفاقيات الدولية . المطمب الثاني :موقف التشريعات الوطنية من ممارسة اإلضراب الوظيفي.
المبحث األول ماىية اإلضراب الوظيفي يتسم مفيوم اإلضراب بالتعقيد والغموض انطالقاً مما أثاره من إشكاليات مرتبطة بنطاق ممارستو خاصة في القطاع العام ،إذ ثار خالف فقيي واسع النطاق استتبعو خالف في االجتياد القضائي في إيجاد مفيوم جامع ومانع إلضراب الموظفين العموميين ،خاصة ما يشيده اإلضراب من تعدد وتنوع أشكالو وصوره تبعاً لمغاية المرجوة من المجوء إليو من
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
30
قبل الموظفين العموميين ،بحيث ال يقتصر اإلضراب بوصفو وسيمة لتحقيق المطالب المينية لمموظفين العموميين ،بل قد يتم المجوء إليو لمضغط عمى السمطة في الدولة لتحقيق مطالب سياسية عامة. وتبعاً لذلك ،نعمد في ىذا الجزء من الدراسة إلى توضيح وتفصيل ماىية اإلضراب الوظيفي من حيث تعريفو الفقيي والقضائي ،إضافة إلى ما تناولتو بعض التشريعات الوطنية وكذلك االتفاقيات الدولية من تعريف لإلضراب الوظيفي وخصائصو (المطمب األول) ،ومن جية أخرى بيان الصور التي يظير بيا اإلضراب تبعاً لمغاية المرجوة منو من قبل الموظفين العموميين (المطمب الثاني).
المطمب األول مفيوم اإلضراب الوظيفي وخصائصو نظ اًر لما شاب الدساتير والتشريعات الوطنية في مختمف الدول من نقص باإلشارة إلى تعريف محدد لإلضراب الوظيفي، مقتصرة اإلشارة إلى منع المجوء إل يو من قبل الموظفين العموميين تحت طائمة المسؤولية التأديبية ،وىو ذات النيج المتبع حتى في الدساتير والتشريعات الوطنية في الدول التي أضفت الشرعية إلضراب الموظفين العموميين ،ووصفو بأنو حق دستوري لمموظف العام في المجوء إليو بإعتباره وسيمة من الوسائل المشروعة لتمبية مطالبيم ،وقد فتح ىذا المجال أمام الفقو في سبيل إيضاح مفيوم اإلضراب الوظيفي وما يتمتع بو من خصائص ،وكذلك األمر لدى االجتياد القضائي في مختمف الدول ،والذي أوضح مفيوم اإلضراب ونطاقو عند تعرضو لمشروعية إضراب الموظفين العموميين ،وىو ما يدفعنا إلى تسميط الضوء عمى المفيوم الفقيي لإلضراب الوظيفي ،ومن ثم استقراء موقف التشريعات الوطنية واالجتيادات القضائية من مفيوم اإلضراب الوظيفي ،وتحميل ىذه المفاىيم لموصول إلى تعريف مانع شامل لإلضراب الوظيفي وما يتمتع بو من خصوصية ذاتية. يعني اإلضراب في المغة الكفاف عن الشيء واإلعراض عنو فيقال اضرب فالن عن ىذا األمر إضرابا ،كف عنو واضرب عنو أي اعرض عنو ) ،(0ويأتي اإلضراب بمعنى اإلقامة ،والمضرب المقيم بالبيت ،واضرب الرجل في البيت: أقام كما يقال ضرب الرجل يضرب ،إذا خرج في ابتـغاء الرزق ،ويأتي اإلضراب بمعنى االمتـناع فيقال :أضرب ُي ِ ب ضر ُ
( )0ينظر العالمة ابن منظور ( ،)0955لسان العرب ،المجمد الثاني ،دار صادر لمطباعة والنشر ،بيروت .ص .547
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
31
إضراباً أي امتنع ولذلك يقال اضرب العمال ونحوىم عن العمل حتى تجاب مطالبيم ،واضرب عن الطعام امتنع عنو احتجاجاً عمى أمر ومطالبتو بمطمب
)(0
ويمحظ المتتبع لموقف الفقو من تعريف اإلضراب الوظيفي وجود اختالف في وجيات النظر في الوصول إلى تعريف مانع وشامل لإلضراب الوظيفي ،وىو ما يعزى إلى اختالف الرؤية التي من خالليا ينظر إلى اإلضراب ،بحيث تتعدد الدالالت التي قيمت في تعريف اإلضراب خاصة في طرح داللة شاممة وبارزة لكافة خصائصو وعناصره وطبيعة الغاية المشروعة منو ،حيث ذىب البعض إلى تعريف اإلضراب بالمعنى الواسع ،وذلك من حيث اقتصار التعريف عمى إبراز خصائص اإلضراب وبيان عناصره ودون النظر إلى الغاية التي يتوخاىا الموظفون العموميون من اإلضراب ،ومن قبيل ذلك قيل بأن اإلضراب الوظيفي ىو" توقف الموظفين عن القيام بأعماليم أو االمتناع عن أدائيا لمدة معينة ،ومع تمسكيم بمزاياىم الوظيفية ودون انصراف نيتيم إلى ترك وظائفيم بصفة نيائية ).(9 وعرف كذلك بأنو "توقف العمال عن العمل ،توقفا جماعياً ومدب اًر ،بيدف ممارسة الضغط عمى صاحب العمل أو )،(3
السمطات العامة"
وفي حقيقة األمر ،يرفق غالبية الفقو التعريف الواسع والعام إلضراب الموظفين ،وذلك من حيث
ضرورة اقتصار اإلضراب عمى مظيره الميني دون السياسي ،وذلك تبعاً لمشروعية اإلضراب وتنظيمو في الدول التي أقرت حق اإلضراب لمموظفين العموميين ،وىو ما عاب التعريفات والدالالت السابقة لإلضراب كونيا لم تحدد الطبيعة الخاصة لمغاية من اإلضراب ،مساوية بذلك بين اإلضراب الميني والسياسي لمموظفين العموميين ،وفي ىذا الخصوص، يرى البعض أن اإلضراب ىو داللة عمى "اتفاق كل أو بعض العاممين في مرفق معين أو أكثر عمى التوقف عن العمل بقصد تحقيق مطالب مينية".
)(4
وفي توضيحاً أكثر لمفيوم اإلضراب الوظيفي وابراز كافة عناصره وخصائصو وتحديد طبيعة الغاية المرجوة منو ،ذىب البعض لمقول بأنو "اتفاق بعض العمال عمى اإلمتناع عن العمل مدة من الزمن ،مع تمسكيم في الوقت ذاتو بأىداب ( )0ينظر احمد العابد وآخرون( )0989المعجم العربي األساسي ،المنظمة العربية لمتربية والثقافة والعموم ،من دون مكان طبع ،ص ،767 ويعود أصل كممة اإلضراب إلى مكان بالعاصمة الفرنسية باريس يطمق عميو " " place de grèveحيث كان العمال يجتمعون في ىذا المكان لمبحث عن عمل ومن اسم ىذا المكان أخذت تسمية اإلضراب . ( )9أنظر في ىذا الخصوص - :بسيوني ،عبد الغني ( ،)9113النظرية العامة في القانون اإلداري ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،ص.499 (G.H. Camerlynck, G. Lyon-Caen, Droit de travail, Dalloz, 1994, 14e éd, p.751. )3 ( )4انظر: - R. Chapus, Droit administratif général, T.2, 12e éd, Montchrestien – E.J.A., Paris,1999, p.249.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
32
الوظيفة العامة ومزاياىا ،وذلك بقصد إظيار استيائيم من أمر من األمور ،أو الوصول إلى بعض المطالب خاصة المتعمقة بالعمل ،بحيث يمثل اإلضراب بيذه الصورة اتفاق بين عدة أشخاص عمى وقف العمل المنوط بيم لسبب من )(0
اقعاً عمييم أو لالحتجاج عمى أمر من األمور". األسباب كتحقيق مصمحة خاصة لممضربين أو رفع ضرر يرونو و ً
وفي واقع األمر ،ينطمق ىذا التوجو في تعريف اإلضراب مما استقر عميو القضاء اإلداري ،خاصة ما يقره القضاء في ىذا الخصوص من بيان طبيعة الغاية من لجوء الموظفين العموميين لإلضراب بغية تحديد مشروعيتو من مدى مخالفتو ألحكام القانون وذلك في ظل التشريعات التي أقرت حق الموظف العام في المجوء لإلضراب لتمبية مطالبو. وقد أشار مجمس الدولة الف رنسي إلى المعنى الضيق إلضراب الموظفين العموميين من حيث بيان عناصره وتحديده لطبيعة الغاية من المجوء لإلضراب الوظيفي ،حيث جاء في أحد أحكامو بأن اإلضراب ىو "التوقف الجماعي المتفق )(9
عميو لكل أو بعض العاممين في المرفق العام أو في مرفق آخر ،وذلك من أجل تأييد مطالب مينية".
وبالنظر إلى القضاء اإلداري المصري ممثالً بالمحكمة اإلدارية العميا ،نمحظ أنو تطرق إلى تعريف اإلضراب في المرافق العامة ،مع األخذ بالمفيوم الواسع لإلضراب ،حيث غفل عن تحديد طبيعة الغاية منو ،مساوي ًا بذلك بين شتى صور اإلضراب السياسي والميني ،حيث جاء في أحد أحكامو أن اإلضراب ىو" امتناع العاممين بالمرافق العامة عن أداء )(3
أعماليم وعدم مباشرتيم لميام وظائفيم دون أن يتخموا عن تمك الوظائف ،ومع استمرار تمسكيم بيا".
وعمى خالف ذلك ،ذىب مجمس الدولة المصري في تحديد داللة اإلضراب بصورة أكثر دقة وتعبي اًر عما انتيجتو المحكمة اإلدارية العميا المصرية ،وذلك من خالل فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ،إضافة لتضمنو قيود اإلضراب وتنظيمو ،حيث جاء في فحوى الفتوى بأن اإلضراب الوظيفي ىو" التوقف اإلرادي عن العمل باتفاق بعض أو محددة سمفاً يرفض رب العمل تحقيقيا ،ويمارسو العاممون سممياً وفقًا كل العاممين لممطالبة بتنفيذ أمور تتعمق بالعمل ّ
( )0أنظر في ىذا الخصوص :الطماوي ،سميمان ( ،)0996الوجيز في القانون اإلداري :دراسة مقارنة ،دار الفكر العربي ،القاىرة ،ص.367 ( )9قرار مجمس الدولة الفرنسي رقم ( ،)p426سنة 0951م .مشار إليو في :المحمودي ،ميثم ( ،)9106حق اإلضراب بين الحظر واإلباحة" دراسة مقارنة ،دار الفكر والقانون لمنشر والتوزيع ،المنصورة ،مصر ،ص.39 أنظر أيضاً:
- Chrestion, Robert,Syndicalisme et participation dans la Fonction publique, Berger le vrayit, 1988, p217.
( )3المحكمة اإلدارية العميا ،الطعن رقم ( ،)94587تاريخ .9105/4/08
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
33
لإلرادة الحرة لكل منيم ،بغير عنف أو إكراه عمى غيرىم من العاممين أو احتالل ألماكن العمل ،ويفترض فيو عدم اإلضرار بالغير أوتعريضو لمخطر أو المساس بالمصمحة العامة أو النظام العام".
)(0
أما في نطاق القضاء األردني ،نمحظ عدم تطرقو في أي من أحكامو إلى مفيوم اإلضراب ،إال أنو يمكن لنا الرجوع في ىذا الخصوص إلى ما تضمنو القرار رقم ( )6لسنة 9104الصادر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين من تعريفو لإلضراب الوظيفي ،حيث جاء في متن القرار بأن" اإلضراب في المفيوم العممي والمتعارف عميو ىو امتناع العاممين لدى صاحب أي عمل عن القيام بالعمل الموكل إلييم من خالل الضغط عميو بتعطيل مصالحو التجارية أو الصناعية أو الخدماتية أو كل ما يتعمق بأنشطة مشروعة بقصد الحصول عمى حقوق أو مزايا ليم من خالل التوقف عن العمل أو االعتصام دون إنتاجية أو عدم الـ ــدوام أو مغـ ــادرة العمل ،مما يشكل غياباً عن العمل بمفيومو العام".
)(9
ومن خالل استقرائنا ليذا التعريف ،نمحظ أن الديوان الخاص بتفسير القوانين قد أخذ بالمفيوم الواسع لإلضراب الوظيفي ودون تمييز بين اإلضراب في القطاع العام والقطاع الخاص ،إضافة إلى عدم التمييز بين أنواع اإلضراب سواء أكان إضراب ميني أم سياسي ىذا من جية ،ومن جية أخرى نمحظ أن ىذا التعريف يتضمن إشارة ضمنية إلى عدم مشروعية اإلضراب ميما كانت دواعيو وأسبابو ،نظ اًر لمساواتو مع مسألة التغيب عن العمل بمفيومو العام ،وما يترتب عميو من مسؤولية قانونية مترتبة عمى العمال في القطاع الخاص ،ومسؤولية تأديبية تقع عمى عاتق الموظف العام في القطاع العام ،وىو ما يخالف ما تعارف عميو الفقو والقضاء في الدول األخرى في تعريفيم لإلضراب الوظيفي في المرافق العامة ،إضافة إلى مخالفتو لممفيوم العام لإلضراب في القطاع الخاص ،والذي أباحو قانون العمل األردني وفق ضوابط وقيود قانونية).(3 وبوجو عام ،يمكن أن نمحظ أن تعريف إضراب الموظفين العموميين يرتبط بتحديد عناصره وخصائصو ،إذ ال يمكن تحديده بصورة مانعة وشاممة دون التطرق إلى ىذه العناصر والخصائص ،والمتمثمة بالتوقف أو االمتناع الجماعي عن
( )0فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجمس الدولة المصري ،رقم ( ،)895جمسة تاريخ .9109/09/9 ( )9قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين رقم ( )6لسنة .9104تاريخ ،9104/9/05منشورات مركز عدالة. ( )3نظم قانون العمل األردني اإلضراب بموجب المواد من ( )034إلى ( ،)036وقد أشارت المادة ( )035من قانون العمل األردني إلى أنو": تحدد الشروط واإلجراءات األخرى لإلضراب واإلغالق بموجب نظام يصدر ليذه الغاية" .وفي ىذا الخصوص صدر نظام شروط واجراءات اإلضراب واإلغالق رقم ( )8لسنة 0998م ،والذي عرف فيو اإلضراب بموجب المادة الثانية منو ،بأنو ":توقف مجموعة من العمال عن العمل بسبب نزاع عمالي".
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
34
عمل ممزم ،إذ تفترض ىذه الخاصية اتجاه إرادة عدد من الموظفين العموميين عمى التوقف أو االمتناع عن العمل الموكول ليم بموجب القانون واألنظمة والتعميمات ،وتعبيرىم الصريح بذلك ،بحيث تكون ىذه اإلرادة صادرة بشكل مباشر عن جميع م وظفي المرفق العام أو غالبيتيم ،ويستوي األمر إن كانت ىذه اإلرادة صادرة عن ممثمييم النقابيين ،ويكون التوقف أو االمتناع عن العمل فعمياً لكافة موظفي المرفق العام المعنيين باإلضراب ،بحيث ال يمكن إضفاء صفة اإلضراب في حال االستمرار في العمل بدرجة أقل من المعتاد.
)(0
كما ينصرف المفيوم القانوني لإلضراب إلى انصراف النية لالتفاق عمى اإلضراب لتحقيق مطالب مينية ممكنة ومشروعة ،بحيث ال يمكن تصور اإلضراب دون تحديد الغاية المرجوة منو ،وان كانت التشريعات الوطنية التي أقرت حق اإلضراب قد أضفة ىذا الحق عمى اإلضراب الميني ،وذلك من حيث الضغط عمى اإلدارة العامة بيدف تغيير ظروف العمل بوجو عام ،كما ىو الحال في الحصول عمى المزيد من الحقوق واالمتيازات المينية ،وكذلك في حال ما إذا كان اإلضراب ينصب عمى إجبار اإلدارة العامة وحمميا عمى اتخاذ موقف سياسي ،أو منعيا من االستمرار عمى نيج سياسي يتعمق بظروف العمل في المرفق العام ،ويختمف األمر في حال أخذ اإلضراب طابعاً سياسياً ،كأن تكون الغاية منو إجبار الدول عمى سموك منيج سياسي معين ،أو عدم االستمرار بو ،دون تعمق ىذا النيج بظروف العمل في المرفق العام. وتأسيساً عمى ما تقدم ،يمكن القول أن اإلضراب في المرافق العامة ىو داللة عمى "اتفاق الموظفين العموميين بعضيم أو كميم عمى التوقف أو االمتناع عن أداء أعماليم الموكمة ليم في إدارة المرفق العام لمدة مؤقتة ،مع تمسكيم بوظيفتيم ومزاياىا ،بغية الضغط عمى اإلدارة العامة لتمبية مطالبيم المينية المشروعة".
المطمب الثاني صور اإلضراب الوظيفي تتعدد صور وأشكال اإلضراب الوظيفي تبعاً لمغايات التي يتوخاه الموظفون العموميين من المجوء إليو ،والتي كان ليا دو اًر رئيساً في تحديد مدى مشروعية اإلضراب أو مخالفتو ألحكام القانون بموجب التشريعات الوطنية التي نظمت حق (Latournerie, Le droit français de la grève, Étude théorique et pratique, Paris, Sirey, )0 1972, p.30.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
35
الموظف العام في اإلضراب ،إذ قد يظير اإلضراب لتحقيق أىداف ذات طابع ميني مرتبطة بصورة مباشرة بالحقوق واالمتيازات التي يتمتع بيا الموظف العام أو تمس عالقتو بالوظيفة العامة ،ومن جية أخرى قد يكون اإلضراب بتعطيل سير المرفق العام بيدف الضغط عمى الدولة إلتباع نيج سياسي معين أو تغيير سياسيتيا العامة في الدولة ،وىو ما يضفي الصفة السياسية لإلضراب. وبالنظر إلى المفيوم الضيق لإلضراب ،نمحظ أنو يرتبط باإلضراب الميني بوصفو مناط الشرعية وعدم مخالفة أحكام القانون لدى التشريعات الوطنية التي أقرت حق العاممين والموظفين في المجوء إلى اإلضراب بغية تمكينيم من المطالبة والدفاع عن حقوقيم ومصالحيم المرتبطة بأعماليم الوظيفية ،وتمتد المطالب المينية لتشمل المطالب االقتصادية إضافة لممطالب االجتماعية طالما كانت ىذه المطالب متعمقة بحماية حقوق ومزايا الموظف العام ،وبمعنى أدق ،يتسع مفيوم )(0
نظر التساع نطاق الظروف المؤثرة في طبيعة العمل الوظيفي لمموظف العام. المطالب المينية ،اً
ونرى من جيتنا أن اإلضراب الميني ال يقتصر امتداده عمى الظروف االقتصادية واالجتماعية دون السياسية ،إذ يمكننا القول باشتمالو عمى مطالب سياسية في حال كانت متعمقة بالسياسة االقتصادية لمسمطة العامة في الدولة ،خاصة إذا كان ىذا النيج السياسي ذو أثر عمى الحقوق واالمتيازات المالية لمموظف العام. أما اإلضراب السياسي ،فيو يرتبط بشكل عام بالنيج السياسي المتبع لمدولة ،إذ يأتي ىذا الشكل من اإلضراب بيدف الضغط عمى السمطات العامة في الدولة لتحقيق مطالب سياسية بحتو ،كدفعيا التخاذ موقف سياسي ،أو دفعيا عمى تغيير نيج سياسي معين متبع لدى السمطات العامة في الدولة ،سواء أكان في السياسة الخارجية أم الداخمية لمدولة ،وال يرتبط اإلضراب السياسي ببيئة العمل في المرفق العام لدى الموظفين المعنيين باإلضراب ،كونو ال ييدف إلى تحقيق أي )(9
مطالب مينية لمموظفين.
ويأتي قيام الموظفين العموميين باإلضراب السياسي بوصفو مشاركة الفئات األخرى في المجتمع المتبنية لإلضراب، خاصة وأنو موجو ضد سياسة معينة لمسمطة العامة في الدولة ،ال يقتصر أثرىا عمى فئة الكوادر الوظيفية في المرافق العامة ،بل تيم كافة فئات المجتمع ،بحيث يمكن القول أن الموظفين العموميين يشاركون في ىذا الشكل من اإلضراب ( )0أبو عمرو ،مصطفى ( ،)9119التنظيم القانوني لحق اإلضراب في القانون المصري والفرنسي والتشريعات العربية ،دار الكتب القانونية، القاىرة ،ص.69-60 ( )9قنديل ،اشرف ( ،)9104اإلضراب بين اإلباحة والتجريم ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،ص.94
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
36
بصفتيم مواطنين في المجتمع) ،(0إال أن دورىم في المشاركة في اإلضراب يكون ذو أىمية في التأثير عمى النيج السياسي لمسمطة العامة موضوع اإلضراب ،في ظل ما لإلضراب من أثر عمى رضوخ السمطة العامة لممطالب ،تجنباً الستمرار توقف سير العمل في المرفق العام. ورغم ذلك ،يمكن مالحظة تداخل بين اإلضراب السياسي واإلضراب الميني ،وذلك من حيث مشاركة الموظفين العموميين في اإلضراب السياسي واستغاللو لتحقيق مطالب مينية ،أو العكس من ذلك ،كاستغالل اإلضراب الميني لتحقيق غايات وأىداف سياسية غير مرتبطة بالمطالبات المينية المعني بيا اإلضراب الميني ،بحيث يشارك الموظف العام في اإلضراب بصفتو المينية إضافة إلى صفتو كمواطن ،ويتجمى التداخل بين اإلضراب الميني والسياسي في أدق صوره في حالة كون اإلضراب السياسي منصب عمى النيج السياسي االقتصادي لمسمطة العامة في الدولة ،نظ اًر لحتمية )(9
تعمق ىذا النيج السياسي بالحقوق والمزايا المالية لمموظف العام.
وقد أظيرت ىذه الصورة ما يعرف باإلضراب المختمط لتمييزه عن اإلضراب الميني واإلضراب السياسي ،والذي تمجأ إليو غالباً النقابات المينية بغية تحقيق مطالب سياسية تحت غطاء المطالب المينية ،ومن أدق صورىا المجوء لإلضراب احتجاجاً عمى اعتقال منظمي اإلضراب أو توقيفيم عن العمل ،أو إجراءات السمطة العامة في تقييد الحقوق والحريات النقابية) ، (3وفي حقيقة األمر ،نالحظ أن التشريعات الوطنية التي أقرت حق اإلضراب لمموظفين العموميين ،قد أخذت بتنظيم ىذا الحق وتقييده وفق ضوابط وشروط محددة ،تنصرف في واقعيا عمى طبيعة الغاية من اإلضراب والتوقف أو االمتناع عن العمل في المرفق العام ،وذلك باقتصاره عمى وجوب أن تكون الغاية منو تحقيق مطالب مينية دون تعمقيا بمطالب سياسية عامة.
المبحث الثاني األتجاه القانوني لإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية
( )0السيد ،نايل ( ،) 0988مدى مشروعية اإلضراب وأثره عمى العالقات التعاقدية :دراسة مقارنة ،مكتبة سيد عبد اهلل وىبة ،القاىرة ،ص.49 ( )9الجبــالي ،عمــي ( ،)9104أحقيــة المــوظفين العــامين فــي اإلض ـراب فــي القــانون األردنــي :د ارســة ميدانيــة ،رســالة ماجســتير ،جامعــة الش ــرق األوسط ،عمان األردن ،ص.40-41 ( )3الجبالي ،أحقية الموظفين العامين في اإلضراب في القانون األردني ،المرجع السابق ،ص.49-49
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
37
لم تغفل الشرعية الدولية عن حماية حقوق العمل والعمال ،وذلك من حيث منحيم الحق في المجوء إلى اإلضراب بوصفو وسيمة من الوسائل المشروعة لممطالبة بحقوقيم ،ولم يقتصر األمر عمى العمال في القطاع الخاص ،بل امتد ىذا الحق ليشمل العاممين في القطاع العام في الدولة وذلك وفق ضوابط وقيود محددة ال تخل بمبدأ الموازنة بين مصمحة الدولة في حماية مبدأ سير المرافق العامة ،وبين حماية حقوق وامتيازات العاممين في ىذه الم ارفق
.
ويتباين موقف الدول من اإلضراب الوظيفي إلى طائفتين ،الطائفة األولى سمحت لمموظف بممارسة اإلضراب وفقاً لضوابط وقيود معينة ،بينما الطائفة أألخرى حرمت بشكل مطمق ممارسة اإلضراب ،وتستند التشريعات الوطنية في مدى إقرارىا لحق الموظف العام في المجوء إلى اإلضراب عمى طبيعة العالقة التنظيمية بين الموظف العام والدولة ،بحيث تكون التشريعات المنظمة لموظيفة العامة ىي األساس القانوني لعمل الموظف العام تحت سمطة اإلدارة العامة لمدولة، والتي تنظم حقوق وواجبات الموظف العام ،وما يحظر عميو القيام بو ،والتي تعتبر لجوء الموظفين العموميين لإلضراب أحد المحظورات التي تمس ىذا المبدأ ،لما ينتج عنو من اضطراب في النظام العام المسير لممرافق العامة في الدولة، وىو ما سارت عميو بعض التشريعات الوطنية المنظمة لموظيفة العامة. وفي نطاق أخر ،أقرت بعض التشريعات الوطنية حق الموظف العام في المجوء إلى اإلضراب تبعاً لما أضفتو الشرعية الدولية عمى اإلضراب من صفة الحقوق التي يجب أن يتمتع بيا المواطن ،مع تأكيدىا عمى حق الدولة بتقييد ىذا الحق ضمن ضوابط وشروط محددة بموجب التشريعات الداخمية. وعمى ىذا النحو ،تثور اإلشكالية في ىذا الخصوص في نطاق حق الموظف العام في المجوء لإلضراب في المواثيق الدولية ،وفي ظل مصادقة الدول عمى المواثيق الدولية المتضمنة حق المجوء لإلضراب ،نتحدث في مدى انعكاس ذلك عمى التشريعات الوطنية في نطاق إضفائيا لمشرعية عمى إضراب الموظفين العامين ،لذلك سنقسم ىذا المبحث إلى مطمبين ،نعالج في المطمب األول نطاق مشروعية اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية ،بينما نخصص المطمب الثاني لموقف التشريعات الوطنية من ممارسة اإلضراب الوظيفي.
المطمب األول نطاق مشروعية اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية .
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
38
يوصف الحق في اإلضراب الوظيفي بأنو أحد الركائز األساسية لمحقوق االقتصادية واالجتماعية لممواطنين ،والتي أكدت عمييا الشرعية الدولية في العديد من المواثيق الدولية ،خاصة في ظل ارتباط ىذا الحق بالحقوق والحريات العامة األخرى لممواطنين ،بوصفو وسيمة مشروعة يمكن المجوء إلييا لممطالبة بالحقوق األخرى ،حيث اقر العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة 0966م ،حق المجوء لإلضراب الوظيفي ،حيث تنص المادة ( )8فقرة (د) من العيد عمى أنو " تتعيد الدول األطراف في ىذا العيد بكفالة ما يمي :د -حق اإلضراب شريطة ممارستو وفقاً لقوانين البمد المعني .9 ،ال تحول ىذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسمحة أو رجال الشرطة أو موظفي اإلدارات )(0
الحكومية لقيود قانونية عمى ممارستيم ليذه الحقوق".
ولم يخرج الميثاق العربي لحقوق اإلنسان لسنة 9114م) ،(9عن نطاق ىذه الشرعية الدولية لمحق في اإلضراب الوظيفي، ودون تمييز بين اإلضراب في القطاع الخاص أو العام ،حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة ( )35منو ،عمى أنو "تكفل كل دولة طرف الحق في اإلضراب في الحدود التي ينص عمييا التشريع النافذ". والمالحظ من ىذا النصوص ،أنيا وان أقرت حق اإلضراب الوظيفي ،إال أنيا أقرت في ذات الوقت سمطة الدول في تقييد حق اإلضراب بموجب ضوابط وقيود قانونية بموجب تشريعاتيا الداخمية ،بما يضمن معيا ممارسة الدول لحقيا في إدارة المرافق العامة في الدولة ،وحماية مبدأ سير المرفق العام بأنتظام وبإضطراد ،ودون اإلخالل بالنظام والمصمحة العامة في الدولة ،ولتجنب تجاوز الموظفين والعاممين بممارسة حق اإلضراب بصورة تيدد النظام العام في الدولة وتؤدي إلى تعطيل المرافق الخدمية والتي تمس حقوق المواطنين اآلخرين ،إال أن ذلك ال يعني المغاالة والتوسع في ضبط ىذا الحق وتقييده ،إذ يجب أن يكون التقييد في إطار الموازنة بين حق اإلضراب لمموظفين في المرافق العامة ،وبين
( )0العيــد الــدولي الخــاص بــالحقوق االقتصــادية واالجتماعيــة والثقافيــة ىــي معاىــدة متعــددة األطـراف اعتمــدتيا الجمعيــة العامــة لألمــم المتحــدة فــي 06ديسـمبر 0966ودخمــت حيــز النفــاذ مــن 3ينــاير .0976تمــزم أطرافيــا العمــل مــن أجــل مــنح الحقــوق االقتصــادية واالجتماعيــة والثقافيــة ،وقــد صدق عمى العيد 064طرف. ( )9الميثــاق العربــي لحقــوق اإلنســان اعتمــد فــي 93مــايو 9114بمناســبة القمــة السادســة عشـرة لجامعــة الــدول العربيــة المنعقــدة فــي تــونس ،ىــذا الميثاق يؤكد ما جاء في ميثاق األمم المتحدة واإلعـالن العـالمي لحقـوق اإلنسـان والشـرعة الدوليـة لحقـوق اإلنسـان واعـالن القـاىرة لحقـوق اإلنسـان في اإلسالم ،دخل الميثاق حيز التنفيذ فـي 15مـارس ، 2008بعـد أن صـادقت عميـو 7دول وىـو العـدد المطمـوب حسـب فصـمو 49ليـدخل حيـز التنفيذ ،يتكون الميثاق من ديباجة و 53مادة.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
39
المصمحة العامة في حماية مبدأ سير المرافق العامة وعدم المساس بحقوق المواطنين فيما تقدمو ىذه المرافق من )(0
خدمات.
وبناء عمى ذلك ،يمكننا القول أن الشرعية الدولية ،وان منحت الدول األطراف سمطة تقييد حق المجوء لإلضراب ،إال أنيا ال تجيز التوسع في ىذا التضييق بصورة تعمل عمى إىدار ىذه الحق ،وىو ما أكد عميو العيد الدولي حيث حظر عمى الدول المجوء إلخضاع التمتع بالحقوق التي تضمنيا العيد الدولي إال لمحدود المقررة في القانون ،واال بمقدار توافق ذلك )(9
مع طبيعة ىذه الحقوق ،وشريطة أن يكون ىدفيا الوحيد تعزيز الرفاه العام في مجتمع ديمقراطي.
وىو كذلك ما أكد عميو العيد الدولي في المادة ( )5منو ،والذي جاء فيو -0":ليس في ىذا العيد أي حكم يجوز تأويمو عمى نحو يفيد انطواءه عمى أي حق ألي دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي فعل ييدف إلى إىدار أي من الحقوق أو ا لحريات المعترف بيا في ىذا العيد أو إلى فرض قيود عمييا أوسع من تمك المنصوص عمييا فيو -9 .ال يقبل فرض أي قيد أو أي تضييق عمى أي من حقوق اإلنسان األساسية المعترف بيا أو النافذة في أي بمد تطبيقاً لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف ،بذريعة كون ىذا العيد ال يعترف بيا أو كون اعترافو بيا أضيق مدى". كما أكد الميثاق العربي لحقوق اإلنسان عمى طبيعة القيود والضوابط التي يجوز فرضيا عمى الحقوق والحريات العامة ومن ضمنيا حق اإلضراب ،حيث أكد الميثاق عمى عدم جواز فرض أي من القيود عمى ممارسة ىذه الحقوق والحريات إال تمك الت ي ينص عمييا التشريع النافذ وتشكل تدابير ضرورية لصيانة األمن القومي أو السالمة العامة أو النظام العام )(3
أو حماية الصحة العامة أو اآلداب العامة أو حماية حقوق اآلخرين وحرياتيم.
وقد أكد الميثاق في موضع أخر عمى فرض حماية تكفل التزام الدول األطراف بالحقوق والحريات العامة المصونة بموجب الشرعية الدولية وكذلك التشريعات الوطنية لمدول األطراف ،حيث نصت المادة ( )43من الميثاق العربي لحقوق اإلنسان عمى أنو " ال يجوز تفسير ىذا الميثاق أو تأويمو عمى نحو ينتقص من الحقوق والحريات التي تحمييا القوانين الداخمية لمدول األطراف أو القوانين المنصوص عمييا في المواثيق الدولية واإلقميمية لحقوق اإلنسان التي صدقت عمييا." .... ( )0الجبالي ،أحقية الموظفين العامين في اإلضراب في القانون األردني ،المرجع السابق ،ص.58 ( )9أنظر المادة ( )4من العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة 0966م. ( )3أنظر :الفقرة الثالثة من المادة ( )35من الميثاق العربي لحقوق اإلنسان لسنة 9114م.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
40
وفي واقع األمر ،يضرب المجتمع الدولي العديد من األمثمة والصور التي يجب مراعاتيا أثناء الموازنة بين حق اإلضراب بشكل عام ،وتقييده بموجب التشريعات الوطنية ،حيث تشير المعايير الدولية لحقوق اإلنسان إلى جواز لجوء الدول إلى حظر اإلضراب في بعض الخدمات او المنشآت الجوىرية ،إال أن ىذا الحظر مشروط بأن ال تعامل منشآت الدولة جميعيا عمى أنيا منشآت جوىرية ،ىذا إلى جانب ضرورة إلغاء أية قيود مفروضة عمى الحق في اإلضراب ال تتماشى مع أحكام المادتين ( )4و( )8من العيد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية. وفي ىذا الخصوص ،نشير إلى ما تضمنتو المجنة المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية من توصيات متعمقة بالقيود الجائز فرضيا من الدول عمى حق اإلضراب ،بموجب تقريرىا عن الدورتين السادسة والثالثين والسابعة والثالثين لعام 9116م ،ومن أىم التوصيات التي جاءت فيو: أوصت المجنة الدول األطرف باالعتراف في تشريعاتيا المحمية اعترافاً صريحاً بالحق في اإلضراب وتحديد القيودالمسموحة عمى ىذا الحق ،وتشجع الدولة الطرف عمى المبادرة إلى إلغاء األحكام الواردة في القانون المتعمق بموظفي )(0
حرم عمى ىذه الفئة من الموظفين حق اإلضراب. الخدمة المدنية التي تُ ّ
أوصت المجنة الدولة الطرف بشدة بإعادة النظر في القيود المفروضة عمى الحق في اإلضراب عمى صعيد االتحادوالمقاطعات واألقاليم لتتمشى مع أحكام المادتين ( )4و( )8من العيد ،وينبغي إلغاء ىذه القيود إذا لم تكن ضرورية بالفعل لتعزيز الرفاه العام في ظل مجتمع ديمقراطي ،ولحماية مصالح األمن الوطني أو السالمة العامة أو النظام العام، )(9
أو الصحة العامة ،أو لحماية حقوق اآلخرين وحرياتيم ،وحيثما تعذر إيجاد بديل آخر.
أكدت المجنة بأن المادة ( )8من العيد الدولي أقرت حق اإلضراب .وتوصي المجنة الدول األطرف بأن تتخذ التدابيرالمالئمة لتعديل قانون العمل ولتحرير الحق في اإلضراب من القيود الحالية والحرص عمى أال يتجاوز حظر اإلضراب )(3
المفروض عمى الموظفين العامين نطاق تعريف منظمة العمل الدولية لمفيوم الخدمات األساسية.
( )0المجن ــة الدولي ــة المعني ــة ب ــالحقوق االقتص ــادية واالجتماعي ــة والثقافي ــة ،المجم ــس االقتص ــادي واالجتم ــاعي ،ع ــن ال ــدورتين السادس ــة والثالث ــين والســابعة والثالثــين 09-0 ،أيار/مــايو 94-6 ،9116تش ـرين الثــاني/نوفمبر ،9116الممحــق رقــم ( ،)9وثــائق األمــم المتحــدة ،جنيــف،9117 ، التوصية رقم ( ،)030ص.96 ( )9المجنة الدولية المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،المرجع السابق ،التوصية رقم ( ،)089ص.34 ( )3المجنة الدولية المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،المرجع السابق ،التوصية رقم ( ،)375ص.57
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
41
وفي نطاق تحديدىا لممنشآت الجوىرية والخدمات األساسية كقيد عمى اإلضراب ،رأت المجنة الدولية أن ضمن العواملوالصعوبات التي تعوق تنفيذ العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،حظر القيام باإلضراب من موظفي الحكومة وموظفي الشركات والمدرسين في المدارس العامة وأساتذة الكميات والجامعات ،ىو مخالف ألحكام المادتين ( )4و( ) 8من العيد الدولي ،معتبرة أن التفسير المقدم من الدولة الطرف لإلفادة ،أن ىؤالء العمال يقدمون )(0
خدمات أساسية ال يفي بالشروط المنصوص عمييا في المادتين ( )4و( )8من العيد.
ويرى الباحث أن الشرعية الدولية في الوقت الذي منحت الدول األطراف سمطة تقييد وضبط اإلضراب خاصة في المرافق العامة في الدولة ،أوجبت مراعاة حق اإلضراب كقاعدة عامة ،واالستثناء ىو تقييد ىذا الحق ،وىذا التقييد يجب أن يكون وفق ضوابط ومعايير ال تيدر حق المجوء إلى اإلضراب تحت أي ذريعة خاصة فيما يتعمق بالتوسع بالتقييد وصوالً لحظر المجوء لإلضراب في المرافق العامة التي تقدم خدمات جوىرية وأساسية ،في ظل عدم وجود تصور واضح لمداللة عمى الخدمات األساسية والمنشآت الجوىرية. وفي واقع األمر ،انتيجت بعض الدول الشرعية الدولية في إقرارىا لحق اإلضراب ،مع ضبط ىذا الحق وفق ضوابط وقيود قانونية تحد من التوسع في لجوء الموظفين العامين لإلضراب في المرافق العامة ،وىو ما نتناولو بالتوضيح والتفصيل في المطمب الثاني.
المطمب الثاني موقف التشريعات الوطنية من ممارسة اإلضراب الوظيفي. عمدت الدول ومنذ بداية تنظيميا لنشاطيا اإلداري إلى حظر اإلضراب من قبل الموظفين العامين بالمطمق ،وذلك من منطمق حماية مبدأ سير المرافق العامة بأنتظام وبإضطراد ،وتجنباً إلحداث أي اضطرابات نتيجة ما كان يتسم بو اإلضراب من فوضى وعنف تمس النظام العام ،خاصة فيما يتعمق بحقوق المواطنين باإلفادة من ىذه المرافق العامة. ومع تزايد أحداث اإلضرابات في الدول ،وما ط أر عميو من تطور انعكس إيجاباً عمى أسموب اإلضراب بحيث أصبح يتسم بصفة التعبير عن الرأي واختالف في المصالح بين الموظفين العامين واإلدارة العامة ،وما صاحب ذلك من تزايد االىتمام الدولي بحقوق اإلنسان وحرياتو العامة خاصة في نطاق الحرية النقابية وما يصاحبو من حق المجوء لإلضراب ( )0المجنة الدولية المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،المرجع السابق ،الفقرة ( )057المتعمقة بحق اإلضراب في كندا ،ص.31
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
42
بوصفو وسيمة من الوسائل المشروعة لتحقيق المطالب المينية والمتعمقة في بيئة العمل والوظيفة العامة ،كان لو األثر في اتجاه الدول إلى إقرار حق الموظف العام في اإلضراب وفق ضوابط وقيود قانونية توازن بين ىذا الحق والمصمحة العامة في حماية مبدأ سير المرافق العامة بأنتظام وبإضطراد ،بحيث يمكن القول أن حق اإلضراب الوظيفي بات من أىم الحقوق والحريات األساسية ليس فقط عمى العاممين في القطاع الخاص ،بل أيضاً لمعاممين في القطاع العام ،وقد انتيجت بعض الدول بالتأكيد عمى ىذا الحق بموجب دساتيرىا الوطنية بوصفو أحد الحقوق االقتصادية واالجتماعية التي يتمتع بيا المواطنين عمى حد سواء ،وعميو سنعالج ىذا المبحث بتقسيمو إلى فرعين ،نعالج في الفرع األول التشريعات الوطنية التي اعترفت باإلضراب الوظيفي ( فرنسا كنموذج) ،بينما نتطرق في الفرع الثاني إلى التشريعات الوطنية التي حرمت اإلضراب الوظيفي ( مصر واألردن كنموذج).كما يمي:
الفرع األول التشريعات الوطنية التي اعترفت باإلضراب الوظيفي ( فرنسا كنموذج). وتمثل فرنسا أحد النماذج التي سارت عمى ىذا النيج بموجب دستورىا لعام 0946م ،إذ لم تكن فرنسا قبل ذلك تعترف بحق اإلضراب لمموظفين العامين ،بل كانت تعتبره جريمة يعاقب عمييا القانون ،انطالقاً من حماية مبدأ سير المرفق العامة بأنتظام وبإضطراد ،وىو المبدأ الذي بقي عائقاً إلقرار الحق في اإلضراب في نطاق الوظيفة العامة إلى حين صدور دستور عام 0946م) ،(0والذي أشار في ديباجتو وبصريح النص عمى إضفاء الشرعية عمى اإلضراب بوصفو حق من الحقوق االقتصادية واالجتماعية ،مع اإلشارة إلى وجوب ممارستو وفق ضوابط وقيود تنظم في إطار القوانين واألنظمة).(9 ولم يختمف الدستور الفرنسي الصادر بتاريخ 04أكتوبر عام 0958م عن دستور عام 0946م فقد جاء مؤكداً لما تضمنو فيما يتعمق باإلضراب ،إال أنو لم يصدر أي نص يتضمن تنظيم ممارسة ىذا الحق إال ما جاء في بعض )(3
األحكام بممارسة حق اإلضراب في مرافق معينة.
(R. Chapus, Droit administratif général,op,cit, p.609.)0 ( )9بالن ،لوران ( ،)0973الوظيفة العامة ،ترجمة :أنطوان عبده ،المكتبة العممية ،بيروت ،ص.065 ( )3أنظــر :أحميــة ،ســميمان ( ،)0998آليــات تســوية منازعــات العمــل والضــمان االجتمــاعي فــي القــانون الج ازئــري ،دي ـوان المطبوعــات الجامعيــة، الجزائر ،ص.049
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
43
وتبعاً لذلك ،نمحظ أن الدستور الفرنسي وان أعترف بحق اإلضراب ومشروعيتو ،إال أنو أناط مسألة تنظيم ممارستو إلى القوانين واألنظمة ،إذ أن المشرع يمثل الجية الكفيمة بضمانة وحماية حق اإلضراب ،إلى جانب حمايتو وكفالتو لحماية مبدأ سير المرفق العام بأنتظام وبإضطراد) ،(0وىو األمر الذي غفل عنو -في واقع األمر -المشرع الفرنسي ،إذ لم يقم بوضع تشريعات وأنظمة تعمل عمى تنظيم اإلضراب خاصة في المرافق العامة ،وىو ما أدى إلى البحث في قيمة حق اإلضراب بوصفو من الحقوق الدستورية ،في ظل إحالة الدستور لمسألة تنظيمو القانونية لمقوانين واألنظمة. ويعمق الفقو الفرنسي عمى ذلك بالقول " أن حق موظفي وعمال المرافق العامة في اإلضراب حق مقيد ،ال يمكن ممارستو بحسب ما ورد في ديباجة الدستور الفرنسي ،بل عمى المشرع أن يتدخل في ىذا المجال ويعمل عمى سن القوانين التي تنظمو ،وذلك بتحديد معالمو وبيان أحكامو وطرق ممارستو ،وبالتالي إذا لم يتدخل المشرع في ىذا المجال يبقى حق ). (9
اإلضراب حق نظري ال يجوز ممارستو والتمتع بو رغم النص عميو دستورياً "
وقد أخذ مجمس الدولة الفرنسي بيذا التوجو في أحكامو المتعمقة بمشروعية إضراب الموظفين العامين ،حيث جاء في أحد أحكامو " إن اعتراف الدستور بحق اإلضراب ال يعني استبعاد القيود التي تحده كغيره من الحقوق األخرى ،ويعود لمحكومة إزاء فقدان النص القانوني أن تضع بنفسيا -باعتبارىا مسؤولة عمى حسن سير المرافق العامة وتحت رقابة القضاء -القيود التي يجب اتخاذىا لممارسة ىذا الحق منع ًا من إساءة استعمالو أو استعمالو كوسيمة لمخالفة النظام )(3
العام".
بناء عمى خمو التشريعات الوطنية من تنظيم ولتجنب أي خالف في مسألة نطاق مشروعية إضراب الموظف العام ً لضوابط وقيود اإلضراب في المرافق العامة ،لعب مجمس الدولة الفرنسي دو اًر رئيساً في تحديده لطبيعة ىذه الضوابط والقيود ،حيث أكد بداية عمى حق موظفي وعمال المرافق إعالن أو القيام باإلضراب دون طردىم أو تعرضيم ألي عقوبة ،إال أن ذلك مقصور عمى اإلضراب لمدفاع عن المصالح المينية دون السياسية ،ووجوب أن ال يتعارض اإلضراب وواجب الوالء ،إضافة إلى تأكيده عمى سمطة الدولة بتنظيم اإلضراب ،وبصالحية اتخاذ بعض اإلجراءات لمنع
(R. Chapus, Droit administratif général,op,cit , p.609.)0 ( )9مينا ،محمد ( ،)0975مبادئ وأحكام القانون اإلداري في ظل االتجاىات الحديثة ،دار المعارف ،القاىرة ،ص.303 ( )3أنظر في ىذا القرار: - Chrestion, Chrestion, Robert,Syndicalisme et participation dans la Fonction publique, op,cit , p217.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
44
أي تصرف يتنافى والمصمحة العامة ،مع خضوع ىذه الصالحية لمرقابة القضائية ،كما أضاف مجمس الدولة الفرنسي " أن الحاجة إلى تأمين النظام العام واألمن الوطني واستم اررية الخدمة العامة فرضت أن يحظر ممارسة حق اإلضراب بالنسبة لمموظفين المعنيين مباشرة بمسؤولية الحفاظ عمى األمن والنظام العام من عسكريين وقضاة وعناصر الشرطة".
)(0
ومع صدور القانون رقم ( )30لعام 0963م ،تم التأكيد عمى حق الموظف العام في اإلضراب ،بالتزامن مع تنظيمو وفق ضوابط وقيود قانونية تكفل حماية مبدأ سير المرفق العام ،وذلك بموجب المادة ( )3منو ،والتي أشارت إلى "وجوب قيام النقابة المنظمة لإلضراب باإلخطار المسبق إلى السمطة الرئاسية المعنية أو إدارة المؤسسة قبل خمسة أيام من بدء اإلضراب ،مع وجوب أن يتضمن اإلخطار تحديد لموعد بدء اإلضراب ،إضافة إلى مدتو واألسباب الداعية لو" ،ولم يختمف األمر عن القانون الفرنسي رقم ( )889لسنة ،0983والذي أكد عمى حق الموظفين العامين بممارسة اإلضراب بوصفو وسيمة من وسائل التعبير عن الرأي ،وتقييد ىذا الحق بالضوابط والشروط المنظمة وفق إطار قانوني ليذه الغاية ).(9 وتاسيساً عمى ما تقدم ،نمحظ أن المشرع الفرنسي بموجب أحكام الدستور والتشريعات الداخمية ،ينتيج ما سار عميو المجتمع الدولي في إق ارره لحق اإلضراب سواء في القطاع الخاص أو العام ،مع وجوب مراعاة ما تنظمو التشريعات الداخمية من ضوابط وقيود ترد عمى ىذا الحق. ويمكن القول أن ىذا النيج لدى المشرع الفرنسي ،وىو ذاتو ما انتيجو المشرع المصري وكذلك نظيره األردني عند اعترافيما الضمني بحق الموظف العام بممارسة اإلضراب ،وذلك بعد مصادقتيم عمى العيد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة 0966م) ،(3إال أن المشرع المصري ونظيره األردني أخذا باتجاه مغاير لما تضمنو العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،وذلك من حيث عدم إق ارراىما لحق اإلضراب في إطار
( )0أنظ ــر :قـ ـرار مجم ــس الدول ــة الفرنس ــي ف ــي قض ــية (ديي ــين) ،ت ــاريخ ،0951/7/7مش ــار إلي ــو ف ــي :ب ــالن ،الوظيف ــة العام ــة ،المرج ــع الس ــابق، ص.065 ( )9أحمد ،عمي ( ،)0997حق اإلضراب في المرافق العام :تطوره -تحديد مفيومو -نظامو القانوني ،مؤسسة دار الكتب ،الكويت ،ص.37 ( )3صادقت مصر عمى العيد الدولي بتاريخ /04يناير0989/م .أما األردن فقد صادقت عمى العيد الدولي بتـاريخ /98مـايو .0975/ونشـر فـي الجريدة الرسمية ،العدد رقم ( ،)4764تاريخ .9116/6/05
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
45
الوظيفة العامة من خالل المسؤولية التأديبية عمى الموظف عند قيامو باإلضراب ،وىذا ما سنوضحو في الفرع الثاني كما يمي.
الفرع الثاني التشريعات الوطنية التي لم تعترف باإلضراب الوظيفي ( مصر واألردن كنموذج). رغم االعتراف الضمني بحق اإلضراب في مصر بعد مصادقتو عمى العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،ونص المادة ( )05من الدستور المصري سنة 9104عمى أنو "اإلضراب السممي حق ينضمو الق انون" ،يجد المتتبع لتطور التنظيم القانوني لإلضراب في مصر ،أن المشرع المصري لم يشر إلى مسألة اإلضراب وتجريمو) ،(0إال بعد صدور قانون العقوبات رقم ( )94لسنة 0950م ،والذي جرم بموجبو لجوء الموظفين العامين لإلضراب ،ولم يختمف األمر في قانون العقوبات المصري المعدل لو بموجب القانون رقم ( )99لسنة 0989م ،وىو ما يفيم ضمنياً من منطوق المادة ( )094منو ،والتي نصت عمى أنو " إذا ترك ثالثة عمى األقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عمميم ولو في صوره االستقالة أو امتنعوا عمداً عن تأدية واجب من واجبات وظيفتيم متفقين عمى ذل ك أو مبتغين منو تحقيق غرض مشترك عوقب كل منيم بالحبس مده ال تقل عن ثالثة أشير وال تتجاوز سنو وبغرامو ال تزبد عمى مائو جنيو ،ويضاعف الحد األقصى ليذه العقوبة إذا كان الترك أو االمتناع من شانو أن يجعل حياه الناس أو صحتيم أو أمنيم في خطر ،أو كان من شانو أن يحدث اضطراباً أو فتنة بين الناس أو اضر بمصمحو عامو ،وكل موظف أو مستخدم عمومي ترك عممو أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفتو بقصد عرقمو سير العمل أو اإلخالل بانتظامو يعاقب بالحبس مده ال تجاوز ستة أشير أو بغرامو ال تجاوز خمسمائة جنيو ويضاعف الحد األقصى ليذه العقوبة إذ ا كان الترك أو االمتناع من شانو أن يجعل حياة الناس أو صحتيم أو أمنيم في خطر أو كان من شانو أن يحدث اضطرابا أو فتنو بين الناس أو إذا اضر بمصمحو عامو". وتعميقاً عمى منطوق ىذه المادة ،يرى البعض ،وىو ما نؤيده في ىذا الخصوص " أن المشرع المصري بموجب ىذه المادة قد جرم اإلضراب ،ودون أن يميز بين عمال مرافق االمتياز وغيرىم من الموظفين في تحريم اإلضراب ،ولم يقتصر عمى ذلك بل شمل عمال المرافق العامة والمدراء بأي طريقة كانت ،وامتد ىذا القانون إلى المستخدمين واألجراء ( )0أنظر :مينا ،مبادئ و أحكام القانون اإلداري في ظل االتجاىات الحديثة ،المرجع السابق ،ص.978
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
46
الذين يقومون بخدمات عامة أو بعمل يسد حاجة عامة ،ولو لم يكن موضوعاً ليا نظام خاص ،وبذلك فيي تشمل عمال المشروعات الخاصة ذات النفع العام التي تؤدي خدمات ىامة لمجميور ،وان كانت ال ترقى إلى مرتبة المرافق العامة ، كعمال شركات الصناعات الكبرى والمستشفيات الخاصة ،كونيم يقومون بعمل يسد حاجة عامة ،ولم يوضع لو نظام )(0
خاص كما ىو الشأن في المرافق العامة".
ومن ىنا ،نمحظ أنو بعد مصادقة مصر عمى العيد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،أصبحت المادة ( )094من قانون العقوبات المصري تشكل مخالفة صريحة لبنود ىذا العيد الدولي ،إذ من غير المتصور أن يكون اإلضراب حقاً لمموظف العام والعاممين في المرافق العامة ،وفي ذات الوقت يتم تجريمو في قانون العقوبات ،إذ أن حق اإلضراب قد ُنص عميو في االتفاقية سالفة البيان عمى أن يمارس وفقًا لقوانين الدولة ،فإنو في ضوء عدم تنظيم المشرع المصري لحق العامل في اإلضراب ،ال يجوز القول بحظر ىذا الحق لحين صدور ذلك التشريع ،وانما يخضع في مباشرتو لرقابة القضاء في ضوء الظروف والمالبسات المحيطة بممارستو ،مستيدياً في ذلك بالشريعة العامة لضوابط ممارسة الحق. وفي ىذا الخصوص ،ذىب القضاء المصري إلى أن العيد الدولي نسخ النص في قانون العقوبات والذي كان يتضمن ع قوبة جنائية عمى اإلضراب بعد مصادقة مصر عميو ،باعتبار أن العيد الدولي الحق عميو ولو قوة قانونية مماثمة لمتشريع وفقاً لنصوص الدستور المصري ،حيث قررت محكمة أمن الدولة المصرية بأنو " مصر دولة طرف في العيد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية الذي ينص في المادة الثامنة منيا عمى أنو “ تتعيد الدول األطراف في االتفاقية الحالية بأن تكفل الحق في اإلضراب عمى أن يمارس طبقا لقوانين الدولة ...وىذا النص قاطع الداللة في أن عمى الدولة المنضمة لالتفاقية االلتزام بأن تكفل الحق في اإلضراب بمعنى أنو صار معترفاً بو كحق مشروع من حيث المبدأ وال يجوز العصف بو كمياً وتحريمو عمى اإلطالق واال فإن ذلك مصادرة كاممة لمحق ذاتو وما تممكو الدول المنضمة لالتفاقية ال يعدو أن يكون مجرد تنظيم ذلك الحق المقرر بحيث تنظيم التشريعات الداخمية طريقة ممارسة ذلك الحق وىناك فرق بين نشأة ووضع قيود عمى ممارستو ،وعدم وضع تنظيم لذلك الحق ال يعنى عمى اإلطالق العصف بو أو تأجيمو لحين وضع تمك النظم واال الستطاعت أية دولة التحمل من التزاميا بعد وضع تنظيم لممارسة ذلك الحق ،ولما ( )0الطماوي ،الوجيز في القانون اإلداري ،المرجع السابق ،ص.414
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
47
كان اإلضراب قانونا ىو االمتناع الجماعي المتفق عميو بين مجموعة من العاممين عن العمل لفترة مؤقتة لممارسة الضغط لالستجابة لمطالبيم فإن الواضح من ىذين النصين وجود تعارض بين التشريع الداخمي واالتفاقية المذكورة مما يتعين بحث أييما األجدر بالتطبيق ،لذلك ينبغى أوال معرفة القوة التي تتمتع بيا القاعدة االتفاقية الدولية في مواجية القاعدة التشريعية العادية وىل تعتبر في نفس مرتبة التشريع باعتبار أن كمييما صادر من السمطة صاحبة السيادة في الدولة ،أم إنو يجب اعتبار المعاىدة تحمل وزنا أكبر من التشريع الداخمي إذ أنيا تتضمن في الوقت ذاتو التزام الدولة قبل الدول األخرى األطراف في المعاىدة باتباع القاعدة في حين أن الدولة ال يقع عمييا أي التزام دولي باألخذ بالقاعدة التشريعية إال أن ىذا االعتبار ال يمكن األستناد إليو في المجال الداخمي لتفضيل القاعدة التي تقضي بيا المعاىدة عمى القاعدة التشريعية ،فمسؤولية الدولة في المجال الدولي شيء وقيام القضاء الداخمي بتطبيق المعاىدة شيء آخر فالقاضي الوطني ال يطبق المعاىدة تأسيسا عمى أن دولتو قد التزمت دولياً بتطبيقيا بل يطبقيا باعتبارىا جزًء من قوانين الدولة وقضاء بأنو متى قرر الشارع حقاً الداخمية إذا ما تم استيفاؤىا لمشروط الالزمة لنفاذىا داخل اإلقميم ،و من المقرر فقياً ً اقتضى ذلك حتماً إباحة الوسيمة إلى استعمالو أي إباحة األفعال التي تستيدف االستعمال المشروع لمحق وكذلك النتائج اء لمحصول عمى ما يتضمنو من مزايا أو لمباشرة ما يخولو من قواعد القانون إذ يصدم المترتبة عمى ىذا االستعمال سو ً المنطق أن يقرر الشارع حقاً ثم يعاقب عمى األفعال التي يستعمل بيا فيكون معنى ذلك التناقض بين قواعد القانون وتجريد الحق من كل قيمة ،...وقد نصت عمى ذلك المادة ( )61من قانون العقوبات فجرى نصيا عمى أنو ” ال تسري أحكام قانون العقوبات عمى كل فعل ارتكب بنية سميمة عمالً بحق مقرر بمقتضى الشريعة” ،وقد جاءت ىذه المادة تأكيداً لما جاء بالمادة ( )7من قانون العقوبات – التي تقرر أنو “ ال تخل أحكام ىذا القانون في أي حال من األحوال بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء” ،ومكررة ذلك االعتراف بتمك الحقوق ومضيفة إليو اعترافاً بالحقوق التي يقررىا التشريع الوضعي بصفة عامة فقد رأى المشرع أن يوسع من نطاق المادة ( )7فجعمو شامالً كل الحقوق التي يعد استعماليا سبباً لإلباحة حتى يكون مقر اًر لمقاعدة العامة في ىذا الشأن وىو أمر يتفق مع المنطق وفمسفة القانون فإذا أباح المشرع فعالً من األفعال فمن غير المقبول أن يحاسب بعد ذلك عمى ما قد يحدث نتيجة ليذا الفعل".
)(0
( )0قرار محكمة أمن الدولة عميا طوارئ ،تاريخ ،0986/7/7مشار إليو في :شقير ،يحيى ( ،)9104تعقيبا عمى قرار ديوان تفسير القوانين بعدم مشروعية إضراب المعممين ،مقال منشور في صحيفة العربي اليوم ،تاريخ ،9104/01/9العدد عمان األردن.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
48
وبالنظر إلى الدستور المصري ،نجد انو اعترف بحق اإلضراب ودون تمييز بين اإلضراب في القطاع الخاص واإلضراب في القطاع العام ،وذلك بإطالق نص المادة ( )05منو ،والتي جاء فييا "اإلضراب السممي حق ينظمو القانون" ،وىو ما خالفو قانون العقوبات عند حظره لإلضراب في المرافق العامة تحت طائمة المسؤولية الجنائية ،وىو ما يستدعي بالضرورة توجو المشرع المصري إلعادة النظر في قانون العقوبات ،ومجاراة العيد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية التي أقرت حق اإلضراب في القطاع العام ،والذي صادقت عميو مصر في 04يناير ،0989 إضافة إلى مراعاة ما شممو الدستور المصري من تعارض صريح ومباشر بيذا الحق. وبالنظر إلى التشريع الوطني في األردن ،نجد أنو يساير في منيجو ما انتيجو المشرع المصري في مدى إق ارره لحق اإلضراب في إطار الوظيفة العامة ،إذ رغم مصادقتو عمى العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة 0966م ،والميثاق العربي لحقوق األنسان ،(0) 9114والذي تم نشره في الجريدة الرسمية بالعدد رقم ( )4764تاريخ 05حزيران (يونيو) ،9116وما يتضمنو ىذا العيد من اعتراف صريح بحق اإلضراب ،إال أن المشرع األردني ل م يراعي القيمة القانونية لمعيد الدولي بوصفو أعمى مرتبة من القوانين والتشريعات الداخمية ،والتي توجب إعماليا والغاء أي تشريع داخمي يتعارض معيا ،إذ أشار في نظام الخدمة المدنية إلى حظر اإلضراب بصورة مطمقة وتحت طائمة المسؤولية التأديبية لمموظف العام. وىذا ما يفيم من منطوق المادة ( )68من نظام الخدمة المدنية رقم ( )89لسنة ،9103والتي نصت عمى أنو ":يحظر عمى الموظف وتحت طائمة المسؤولية التأديبية اإلقدام عمى أي من األعمال التالي ـ ـ ـ ــة :أ -ترك العمل أو التوقف عنو دون عذر مشروع يقبمو المرجع المختص ... .ج -استغالل وظيفتو لخدمة أغراض أو أىداف أو مصالح حزبية أو القيام أو االشتراك في أي مظاىرة أو إضراب أو اعتصام أو التحريض عمييا أو أي عمل يمس بأمن الدولة ومصالحيــا ،أو يضر أو يعطل مصالح المواطنين والمجتمع والدولة". ونرى أن ىذا التوجو لدى المشرع األردني من حظر اإلضراب بشكل مطمق ،إضافة إلى توسعو في مفيوم اإلضراب بوصفو وسيمة من الوسائل غير المشروعة التي يمجأ إلييا الموظفين العامين لمضغط عمى اإلدارة لتحقيق مطالبيم،
( )0انظم األردن إلى معاىدة العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،حيث وقع عمييا في 30يونيو ،0979وتمت المصادقة عمييا في 98مايو ،0975كما انظم إلى الميثاق العربي لحقوق األنسان ،حيث وقع وصدق عميو في 98اكتوبر 9114م .
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
49
ويعزى إلى تحقيق أكبر قدر من الحماية لممصمحة العامة في حفظ النظام العام ،وكفالة مبدأ سير المرفق العام بانتظام وب اضطراد ،إال أن ىذا المبرر ال يكفي لمقول بحظر اإلضراب بشكل مطمق ،خاصة في ظل ضرورة مراعاة الحقوق والحريات العامة لممواطنين ،خاصة في نطاق وصف اإلضراب بأنو أحد الحقوق األساسية المتعمقة بحق حرية التعبير عن الرأي ،والتي أشار إلييا الدستور األردني في المادة ( ،)05والتي جاء فييا -0":تكفل الدولة حرية الرأي ،ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيو بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن ال يتجاوز حدود القانون" ، وفي ىذا اإلطار يعتبر اإلضراب ركنا أساسيا من أركان الحق في االجتماع العام الذي كرستو المادة 06من الدستور األردني ،ومظي ار من مظاىر حرية الرأي والتعبير المنصوص عمييا في المادة 05من الدستور. ونرى في ىذا الخصوص ،أن من المفارقات في واقع ما شيده األردن من إضرابات عدة في أكثر من مرفق عام ،إال أن السمطة العامة في الدولة لم تعمد إلى إعمال نص المادة ( )68من نظام الخدمة المدنية ،والمتعمقة بسمطة اإلدارة في توقيع الجزاء التأديبي عمى الموظفين في حال قياميم بمجوئيم لإلضراب عن العمل ،وتوقف العمل في المرفق العام، والذي كان نتيجة حتمية إلى عدم تطرق القضاء اإلداري األردني ألي حالة من حاالت إضراب الموظفين العامين. إال أنو ا لممفت لمنظر في ىذا الخصوص ،ىو توجو رئاسة الوزراء في األردن إلى الديوان الخاص في تفسير القوانين إلصدار قرار تفسيري عمى ضوء إضراب العاممين في و ازرة التربية والتعميم في منتصف عام ،9104والذي أدى إلى توقف العمل في العديد من المرافق التعميمية في األردن ،لموصول إلى مدى مشروعيتو أو مخالفتو ألحكام القانون ،حيث تطرق الديوان الخاص بالتفسير إلى مجموعة من القوانين واألنظمة المتعمقة بيذا اإلضراب والمتمثمة بقانون التربية والتعميم ،ونظام الخدمة المدنية ،إضافة إلى ما يتضمنو العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية من تنظيم لحق اإلضراب الوظيفي. ابتداء إلى أن إضراب وقبل سبر أغوار ما توصل إليو الديوان الخاص بالتفسير في ق ارره التفسيري ،ال بد من اإلشارة ً الموظفين العامين ىو في طبيعتو نزاع بين الموظفين العامين واإلدارة العامة ،ونتيجة لطبيعة العالقة التنظيمية بين الموظف العام والدولة ،يكون القضاء اإلداري ىو الجية الوحيده المختصة بالفصل في مثل ىذه النزاعات دون غيرىا من الجيات الرسمية في الدولة ،وأن المجوء إلى جية أخرى غير القضاء اإلداري يمثل انتياك الختصاص القضاء وانتقاص من دوره في تحقيق العدالة المرجوة بأكمل وأدق صورىا ،ومن جية أخرى ،ال بد من اإلشارة إلى أن القواعد القانونية
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
50
الواضحة المعنى ال تحتاج إلى تفسير وال يجوز تأويميا إلى مدلول غير مدلوليا الواضح ،وىو ما ينطبق عمى النصوص القانونية المطالب من الديوان الخاص إصدار ق ارره التفسيري بخصوصيا ،وذلك من حيث وضوح حظر اإلضراب في نظام الخدمة المدنية وعدم مشروعيتو بشكل مطمق تحت طائمة المسؤولية التأديبية ،وفي المقابل وضوح مشروعية اإلضراب كمبدأ عام وفق العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية وضبطو في إطاره القانوني بموجب التشريعات الوطنية لمدولة. ونرى في ىذا الخصوص ،أنو وان كان من األصح المجوء إلى الديوان الخاص لتفسير القانون ،لتحديد مدى مشروعية اإلضراب ،فإن ذلك يتوجب أن تدور اإلشكالية في مدى التوافق أو التعارض بين ما تضمنو نظام الخدمة المدنية من حظر مطمق لإلضراب ،وبين شرعيتو بموجب العيد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والميثاق العربي لحقوق األنسان ،ومناط ىذا التوافق أو التعارض ،وىي مسألة تجاىميا الديوان الخاص بتفسير القوانين ،خاصة مع عدم تطرقو لتحميل ٍ كاف وشامل لمضمون المادة ( )8من العيد الدولي والمتضمنة شرعية اإلضراب كقاعدة عامة. ابتداء إلى وجوب إقرار حق المجوء إلى اإلضراب بوصفو من الوسائل حيث أن العيد الدولي يدعو الدول األطراف ليقر ً المشروعة لتحقيق المطالب المينية ،ومن ثم يقر حق الدولة في ضبط ىذا الحق في إطار قانوني منظم لشروطو والقيود الواردة عميو ،وىو ما يخالفو نظام الخدمة المدنية األردني حين حظر اإلضراب بشكل مطمق ،وتقرير مخالفتو ألحكام القانون بشتى صوره وميما كانت تداعياتو وأسبابو. ويمكن القول أن قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين جاء مخالفاً ألبسط قواعد العدالة وكفالة الحقوق والحريات العامة، من حيث تأكيده عمى صحة توجو المشرع األردني في المساواة بين حظر ممارسة الحق وتقييد ممارستو في إطار قانوني منظم لو ،مستنداً بذلك بتحميل جانب الصواب لمنطوق المادة ( )8من العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،حيث خمص الديوان الخاص بتفسير القوانين في ق ارره إلى أن "إضراب المعممين ألحق ضر اًر بمصمحة الطمبة وحقيم في التعميم وأنو أسموب غير مشروع في تبني مطالب المعممين ويشكل مخالفة ألحكام قانون التربية والتعميم وقانون نقابة المعممين ونظام الخدمة المدنية والعيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية".
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
51
ونرى بعدم صواب ما ذىب إليو القرار الصادر من ديوان تفسير القوانين في صحة عدم مشروعية اإلضراب في المنشآت التعميمية لما ينتج عنو من ضرر عمى الحياة التعميمية في الدولة والحق المقدس في التعميم ،وبالصورة التي توصل إلييا ،كون ذلك مخالف لما توصمت إليو المجنة الدولية لحقوق اإلنسان في تحديدىا لنطاق المنشآت الجوىرية التي من الجائز حظر اإلضراب فييا
).(0
وخالصة القول ،أن نظام الخدمة المدنية األردني يشوبو مخالفة صريحة وصارخة لمنطوق المادة ( )8من العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،وسنداً إلعمال مبدأ سمو المعاىدات الدولية عمى القوانين الوطنية، فإن ذلك يدفعنا لمتأكيد عمى مخالفة أحكام الفقرة الثالثة من المادة ( )68من نظام الخدمة المدنية لمعيد الدولي والميثاق العربي لحقوق األنسان ،وبالتالي عدم إعمال المادة ( )68من نظام الخدمة المدنية المتعمق بالحظر المطمق لإلضراب في المرافق العامة ،كون العيد الدولي ىو الواجب التطبيق في ىذا الخصوص وليس نظام الخدمة المدنية ،وذلك تبعاً لما تتمتع بو من صفة النفاذ بعد موافقة مجمس االمة عمييا بموجب أحكام المادة ( )9/33من الدستور األردني) ،(9وما يترتب عمى ذلك من إعمال مبدأ سمو المعاىدات الدولية عمى القوانين الداخمية ،وذلك رغم عدم وضوح ىذا النص الدستوري في أولوية تطبيق المعاىدات الدولية عمى القانون الداخمي ،إال أن ذلك مرده إلى ما استقر عميو القضاء االردني من تطبيق قواعد القانون الدولي ،حتى ولو قام التعارض بينيا وبين قواعد القانون الوطني ويدل ذلك بوضوح عمى األخذ بسمو القانون الدولي ومن ضمنيا المعاىدات الدولية عمى القانون الداخمي. وبناء عمى ما تقدم ،يترتب عمى ذلك من بطالن أي قرار إداري صادر بمقتضى المادة ( )68من نظام الخدمة المدنية األردني ،ومفاد ذلك وجوب االعتراف بحق الموظفين العامين في المجوء لإلض ارب ،ولكفالة حماية سير المرفق العام بانتظام وباضطراد ،يتم تنظيم ممارسة ىذا الحق في إطار قانوني منظم لشروط وقيود ممارسة ىذا الحق كما انتيجتو العديد من الدول وفق تشريعاتيا الداخمية وما استقر عميو الفقو والقضاء في ىذه الدول.
( )0المجنة الدولية المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،المرجع السابق ،الفقرة ( )057المتعمقة بحق اإلضراب في كندا ،ص.31 ( )9أنظر - :العكور ،عمر وآخرون ( ،)9103مرتبة المعاىدات الدولية في التشريعات الوطنية والدستور األردنـي ،مجمـة د ارسـات عمـوم الشـريعة والقانون ،المجمد ( ،)41العدد ( ،)0الجامعـة األردنيـة ،األردن ،ص 89ومـا بعـدىا ،شـطناوي ،فيصـل ( ،)9105الرقابـة عمـى دسـتورية المعاىـدات الدولية ،مجمة دراسات عموم الشريعة والقانون ،العدد ،المجمد ( ،)0( ،)49الجامعة األردنية ،األردن ،ص.51
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
52
الخاتمة تطرقت ىذه الدراسة إلى تسميط الضوء عمى األتجاىات القانونية لتنظيم اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية في كالً من فرنسا ومصر واالردن ،حيث اقر العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة 0966م ،والميثاق العربي لحقوق األنسان بكفالة حق اإلضراب شريطة ممارستو وفقاً لقوانين البمد المعني ،في حين تباينت التشريعات الوطنية في االعتراف بيذا الحق لمموظف العام. وعمى ضوء ما توصمنا إليو في ىذه الدراسة من خالل البحث في مضمون اإلضراب وبيان مفيومو وصوره ،وتحديد األتجاىات القانونية المنظمة لممارسة الموظف العام لإلضراب الوظيفي ،من حيث نطاق مشروعية اإلضراب في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية ،فقد خمصنا إلى مجموعة من النتائج والتوصيات ،والتي نوردىا في النقاط التالية:
النتائج -0اإلضراب في المرافق العامة ىو داللة عمى اتفاق الموظفين العموميين بعضيم أو كميم عمى التوقف أو االمتناع عن أداء أعماليم الموكمة ليم في إدارة المرفق العام لمدة مؤقتة ،مع تمسكيم بوظيفتيم ومزاياىا ،بغية الضغط عمى اإلدارة العامة لتمبية مطالبيم المينية المشروعة ،ويؤخذ اإلضراب الوظيفي صو اًر وأشكال متعددة فقد يكون إضراباً مينياً أو سياسياً أو مختمطاً. -9األتفاقيات الدولية كالعيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية عام ،0966والميثاق العربي لحقوق األنسان عام 9114أكد بشكل واضح وصريح عمى أن األضراب الوظيفي حق من حقوق الموظفين العموميين وفقاً لضوابط وشروط محددة. -3تتباين موقف التشريعات الوطنية من اإلضراب الوظيفي إلى طائفتين ،والطائفة األولى سمحت لمموظف بممارسة اإلضراب وفقاً لضوابط وقيود معينة ،بينما الطائفة أألخرى حرمت بشكل مطمق ممارسة اإلضراب رغم مصادقتيا عمى اتفاقيات دولية تقر باإلضراب الوظيفي.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
53
-4التشريعات الوطنية التي أقرت حق اإلضراب لمموظفين العموميين ،قد أخذت بتنظيم ىذا الحق وتقييده وفق ضوابط وشروط محددة ،تنصرف في واقعيا عمى طبيعة الغاية من اإلضراب والتوقف أو االمتناع عن العمل في المرفق العام، وذلك باقتصاره عمى وجوب أن تكون الغاية منو تحقيق مطالب مينية دون تعمقيا بمطالب سياسية عامة. -5المش رع الفرنسي بموجب أحكام الدستور والتشريعات الداخمية ،ينتيج ما سار عميو المجتمع الدولي في إق ارره لحق اإلضراب سواء في القطاع الخاص أو العام ،مع وجوب مراعاة ما تنظمو التشريعات الداخمية من ضوابط وقيود ترد عمى ىذا الحق. -6المشرع المصري واألردني -رغم نص الدستور فييما عمى حق اإلضراب الوظيفي وتصديقيما عمى إتفاقيات دولية تعترف بحق الموظف العام في اإلضراب – فقد تم إصدار تشريعات وطنية تعارض حق المشرع في اإلضراب الوظيفي.
التوصيات -0ندعو المشرع الوطني في الدول التي صادقت عمى اتفاقيات دولية -كالعيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة 0966م -بإعادة النظر في تشريعاتيا الوطنية التي تحرم الموظفين العموميين من المجوء إلى اإلضراب الوظيفي. -9ندعو المشرع الوطني عند تنظيمو القانوني لإلضراب إلى تنظيم مسألة التسوية السممية بواسطة المفاوضات قبل لجوء الموظفين العامين لإلضراب أي وضع ضوابط وقيود عمى ىذا الحق ،عمى غرار ما انتيجو المشرع الفرنسي في ىذا الخصوص. -3وجوب أن تقتصر مشروعية اإلضراب بوصفو حق لمموظف العام عمى اإلضرابات المينية دون السياسية ،مع تحديد معايير لمتمييز بينيما ،وىو ما يتطمب تحديده بصورة واضحة عند تنظيم ممارسة الموظف العام لحق اإلضراب ،وذلك لتجنب أي إشكالية في خصوص مشاركة الموظف العام في إضراب ذو طابع سياسي. -4في حال أقر المشرع األردني والمصري حق اإلضراب لمموظف العام ،ال نجد أي تعارض مع الشرعية الدولية في أن يصدر المشرع أنظمة خاصة لتحديد المنشآت الجوىرية والحيوية التي يحظر عمى العاممين فييا ممارسة حق اإلضراب ،مع عدم التوسع والغمو في تحديده ليذه المنشآت ،مع إخضاع ىذا النظام لمرقابة القضائية.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
54
قائمة المراجع والمصادر أوالً :المراجع العربية -1ابن منظور ( ،)0955لسان العرب ،المجمد الثاني ،دار صادر لمطباعة والنشر ،بيروت. -9أبو عمرو ،مصطفى ( ،)9119التنظيم القانوني لحق اإلضراب في القانون المصري والفرنسي والتشريعات العربية، دار الكتب القانونية ،القاىرة. -3احمد العابد وآخرون ( )0989المعجم العربي األساسي ،المنظمة العربية لمتربية والثقافة والعموم ،من دون مكان طبع. -4أحمد ،عمي ( ،)0997حق اإلضراب في المرافق العام :تطوره -تحديد مفيومو -نظامو القانوني ،مؤسسة دار الكتب ،الكويت. -5أحمية ،سميمان ( ،)0998آليات تسوية منازعات العمل والضمان االجتماعي في القانون الجزائري ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر. -6بسيوني ،عبد الغني ( ،)9113النظرية العامة في القانون اإلداري ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية. -7بالن ،لوران ( ،)0973الوظيفة العامة ،ترجمة :أنطوان عبده ،المكتبة العممية ،بيروت. -8الجب ــالي ،عم ــي ( ،) 9104أحقي ــة الم ــوظفين الع ــامين ف ــي اإلضـ ـراب ف ــي الق ــانون األردن ــي :د ارس ــة ميداني ــة ،رس ــالة ماجستير ،جامعة الشرق األوسط ،عمان األردن. -9السـيد ،نايـل ( ،) 0988مـدى مشـروعية اإلضـراب وأثـره عمـى العالقـات التعاقديـة :د ارســة مقارنـة ،مكتبـة سـيد عبــد اهلل وىبة ،القاىرة. -01شطناوي ،فيصل ( ،)9105الرقابة عمى دستورية المعاىدات الدولية ،مجمة دراسات عموم الشريعة والقانون ،العدد، المجمد ( ،)0( ،)49الجامعة األردنية ،األردن ،ص.51 -00شقير ،يحيى ( ،)9104تعقيبا عمى قرار ديوان تفسير القوانين بعدم مشروعية إضراب المعممين ،مقال منشور في صحيفة العربي اليوم ،تاريخ ،9104/01/9عمان ،األردن. -09الطماوي ،سميمان ( ،)0996الوجيز في القانون اإلداري :دراسة مقارنة ،دار الفكر العربي ،القاىرة.
المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية
55
-03العك ــور ،عم ــر وآخ ــرون ( ،)9103مرتب ــة المعاى ــدات الدولي ــة ف ــي التشـ ـريعات الوطني ــة والدس ــتور األردن ــي ،مجم ــة دراسات عموم الشريعة والقانون ،المجمد ( ،)41العدد ( ،)0الجامعة األردنية ،األردن. -04قنديل ،اشرف ( ،)9104اإلضراب بين اإلباحة والتجريم ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية. -05المحمودي ،ميثم ( ،)9106حق اإلضراب بين الحظر واإلباحة" دراسة مقارنة ،دار الفكر والقانون لمنشر والتوزيـع، المنصورة ،مصر. -06مينا ،محمد ( ،)0975مبادئ وأحكام القانون اإلداري في ظل االتجاىات الحديثة ،دار المعارف ،القاىرة. ثانياً :المراجع األجنبية 1- Chrestion, Robert,Syndicalisme et participation dans la Fonction publique, Berger le vrayit, 1988. 2- G.H. Camerlynck, G. Lyon-Caen, Droit de travail, Dalloz, 1994. 3- R. Chapus, Droit administratif général, T.2, 12e éd, Montchrestien – E.J.A., Paris,1999. 4- Latournerie, Le droit français de la grève, Étude théorique et pratique, Paris, Sirey,1972. ثالثاً :القوانين واألنظمــة -0نظام الخدمة المدنية األردني رقم ( )89لسنة .9103 -9قانون العقوبات المصري رقم ( )95لسنة .9113 -3القانون الفرنسي رقم ( )30لعام .0963 -4القانون الفرنسي رقم ( )889لسنة .0983 -5العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة .0966 -6الميثاق العربي لحقوق اإلنسان لسنة .9114