إختلاس المال العام وحمايته القانونية

Page 1

‫المجلة األكاديمية العالمية‬ ‫للدراسات الق انونية‬

‫‪International Academic‬‬ ‫‪Journal for Law Studies‬‬

‫‪22-22 )2222()2(2‬‬

‫‪2(2)(2020)25-55‬‬

‫األتجاىات القانونية لتنظيم اإلضراب الوظيفي في األتفاقيات الدولية‬ ‫والتشريعات الوطنية في كالً من فرنسا ومصر واألردن‪ /‬دراسة مقارنة‬ ‫إعداد الدكتور‬ ‫محمد نجم إبراىيم عميات‬ ‫استاذ مساعد ـ ـ كمية القانون ـ ـ جامعة الفالح‬ ‫‪9109‬‬

‫الممخص‬ ‫يعتبر مبدأ استمرار سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد من المبادئ األساسية التي تحكم عمل المرافق العامة في‬ ‫الدولة‪ ،‬فيو ينبع من طبيعة المرافق العامة‪ ،‬حيث تنشأ المرافق العامة إلشباع الحاجات العامة‪ ،‬ويجب أن تستمر بأداء‬ ‫عمميا بشكل منتظم‪ ،‬فإذا ما ُعطمت ىذه المرافق فإن ذلك ُيعد إخالالً بيذا المبدأ الميم‪.‬‬ ‫ويعد الموظف العام تجسيداً لروح المرفق العام والعنصر المحرك لنشاط اإلدارة‪ ،‬والذي بدونو تعتبر كافة العناصر‬ ‫ُ‬ ‫األخرى التي تسيم في سير المرافق العامة مجرد أدوات ال قيمة ليا وال جدوى منيا‪ ،‬فإن لو كغيره من المواطنين مصمحة‬ ‫مباشرة بالتمتع بممارسة الحقوق والحريات والتعبير عن آرائو‪ ،‬واذا كان التعبير عن ىذا الرأي يمكن ان يتخذ صو اًر‬ ‫وأساليب متعددة فإن اإلضراب الوظيفي يعتبر الوسيمة االكثر فاعمية في تحقيق مطالب الموظفين المتصمة بمشاكميم‬ ‫الوظيفية‪ ،‬وبما أن اإلضراب في المرافق العامة يؤدي إلى توقف الخدمات التي يؤدييا ىذا المرفق‪ ،‬لذلك فإنو يتعارض‬ ‫مع أىم المبادئ التي تسير عمييا المرافق العامة اال وىو مبدأ استمرار سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد‪ ،‬لذلك‬ ‫اختمفت الدول اتجاه االعتراف باإلضراب‪ ،‬ففي حين حظرت بعض الدول ممارسة اإلضراب‪ ،‬واعتبرتو سبباً من أسباب‬ ‫تحريك المسؤولية التأديبية والجزائية‪ ،‬اتجيت دول أخرى إلى االعتراف بو دستورياً ونظمتو بقوانين باعتباره وسيمة من‬ ‫وسائل التعبير الجماعية التي كفمتيا الدساتير إما صراحة أو ضمنا يدافع بيا الموظف عن حقوقو أمام تسمط اإلدارة‪ ،‬إال‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪26‬‬

‫أن التنظيم جاء مقيداً بما يحقق التوازن بين مصمحة الموظف والمفسدة التي قد تمحق بالمرفق العام‪ ،‬خاصة في ظل ما‬ ‫يدعو إليو العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة ‪0966‬م‪ ،‬من وجوب تعيد الدول بكفالة‬ ‫حق اإلضراب شريطة ممارستو وفقاً لقوانين البمد المعني‪.‬‬ ‫لذلك جاءت ىذه الدراسة لسبر أغوار اإلضراب الوظيفي في المرافق العامة‪ ،‬وتوضيح وتفصيل األتجاىات القانونية‬ ‫لتنظيم اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية بوصفو حق مكفول بموجب الشرعية الدولية لحقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وضرورة تنظيمو في إطار قانوني يكفل حق الموظف العام في المجوء إليو‪ ،‬ويراعي مصمحة المرافق العامة‬ ‫بضرورة سيرىا بإنتظام وبإضطراد‪.‬‬ ‫الكممات المفتاحية ‪ :‬اإلضراب الوظيفي‪ ،‬المرافق العامة‪ ،‬الوظيفة العامة‪ ،‬المصمحة العامة‪.‬‬

‫مقدمة‬ ‫تسعى الدولة إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من تمبية الحاجات العامة والخدمات األساسية لألفراد‪ ،‬وتبعاً استقرت األنظمة‬ ‫اإل دارية في مختمف الدول عمى مجموعة من المبادئ التي تحكم وتنظم إدارة الدولة لممرافق العامة‪ ،‬وتضمن معو‬ ‫استمرار سير ىذه المرافق وأداء وظيفتيا والتي تصب في نياية المطاف في خدمة األفراد‪ ،‬ومن قبيل ذلك خضوع‬ ‫المرافق العامة لمبدأ استمرار سير المرفق العام بأنتظام وبإضطراد؛ لتجنب حدوث أي اضطراب أو اخالل يصيب‬ ‫المرفق العام وانعكاس ذلك عمى ميامو في تمبية حاجات األفراد واضطراب حياتيم اليومية‪.‬‬ ‫وتعمد الدول في إدارتيا لممرافق العامة بواسطة موظفين ترتبط معيم بعالقة تنظيمية من حيث خضوع ىذا الموظف إلى‬ ‫ما تقره الدولة من تشريعات منظمة لموظيفة العامة‪ ،‬تعمل عمى تحقيق أكبر ضمانة ليس فقط لما يترتب لمموظف العام‬ ‫من حقوق‪ ،‬بل ما يتوجب عمى الموظف العام االلتزام بو اتجاه المرفق العام وادارتو‪ ،‬والمحظورات التي يجب عميو‬ ‫االبتعاد عنيا وعدم إتيانيا تحت طائمة الجزاء التأديبي‪ ،‬وىو ما ينعكس بشكل رئيسي عمى حسن سير المرفق العام‪،‬‬ ‫وانعكاس ذلك عمى حقوق األفراد في اإلفادة منو‪.‬‬ ‫وبيذا الصورة‪ ،‬بني مبدأ استمرار سير المرفق العام بانتظام وباضطراد عمى وجوب عدم توقف أو انقطاع العمل في‬ ‫المرافق العامة ألي سبب من األسباب‪ ،‬لما يترتب عمى ذلك من اضطراب في المرفق العام وانعكاس ذلك عمى ضرر‬ ‫يمحق ويمس األفراد بشكل رئيسي‪ ،‬إضافة إلى ما قد يمحق الدولة جراء ذلك من أضرار اقتصادية وأمنية‪ ،‬ويوصف‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪27‬‬

‫اإلضراب بأنو من أىم وأخطر الحاالت التي تؤثر عمى سير المرفق العام بأنتظام وبإضطراد‪ ،‬والذي يسعى من خاللو‬ ‫الموظفين العموميين لمضغط عمى اإلدارة العامة لالستجابة لطمباتيم‪.‬‬ ‫وتختمف الدول في تنظيميا القانوني لإلضراب فذىبت بعض الدول ‪-‬كما ىو الحال لدى المشرع الفرنسي‪ -‬إلى إقرار‬ ‫حق الموظف العام في اإلضراب ضمن إطار ضيق ووفق شروط وضوابط قانونية‪ ،‬تماشياً مع الشرعية الدولية لحقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬والتي منحت الحق لمفرد في اإلضراب ضمن ما ترسمو التشريعات الداخمية من ضوابط وأحكام‪ ،‬وفي المقابل‬ ‫ذىبت بعض الدول إلى تغميب المصمحة العامة لمدولة في إدارة المرفق العام وحماية سيره بأنتظام وبإضطراد بصورة‬ ‫تجرم أي عمل يؤدي إلى انقطاع سير المرفق العام عمى غرار ما انتيجو المشرع المصري واألردني‪ ،‬ومن قبيل ذلك‬ ‫تجريم اإلضراب ومنعو بأي صورة من الصور ضماناً لدوام استمرار المرافق العامة‪.‬‬ ‫وبناءاً عمى ما تقدم ‪ ،‬ولخطورة اإلضراب عمى حسن سير المرفق العام بإنتظام واطراد‪ ،‬وفي ذات الوقت أىميتو لمموظف‬ ‫العام بإعتباره طريقاً من طرق المطالبة بحقوق الموظف العام‪ ،‬ارتأينا البحث في مسألة األتجاىات القانونية لتنظيم‬ ‫اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية في كالً من فرنسا ومصر واألردن‪.‬‬

‫أىمية الدراسة وأىدافيا‪:‬‬ ‫تتجمى أىمية ىذه الدراسة في تسميط الضوء عمى األتجاىات القانونية لتنظيم اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية‬ ‫والتشريعات الوطنية‪ ،‬وتتأتى ىذه األىمية من خالل ما تسعى إليو الدراسة من أىداف‪ ،‬والتي تتمحور في النقاط التالية‪:‬‬ ‫ تحديد اآلثار المترتبة عمى إضراب الموظفين العموميين من خالل تحديد مفيومو القانوني وبيان خصائصو وصوره‬‫وأشكالو المختمفة‪.‬‬ ‫ مع انتياج المجتمع الدولي إلى حماية حقوق وحماية األفراد في لجوئيم لتنظيم اإلضرابات في سبيل الحصول عمى‬‫حقوقيم بما في ذلك الموظفين العموميين‪ ،‬تيدف ىذه الدراسة إلى تحديد موقف التشريعات في كالً من فرنسا ومصر‬ ‫واألردن من حاالت إضراب الموظفين العموميين‪ ،‬وضبطو بما ال يتعارض مع سير المرفق العام وتمبية احتياجات األفراد‬ ‫والمواطنين‪ ،‬وبيان توافقو مع الشرعية الدولية في ىذا الخصوص‪ ،‬خاصة فيما يتعمق بتأكد المجتمع الدولي والتشريعات‬ ‫الوطنية عمى حقوق المواطنين بالتمتع بكافة ما تقدمو المرافق العامة في الدولة من خدمات وتمبية احتياجاتيم األساسية‬ ‫منيا‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪28‬‬

‫إشكالية الدراسة وتساؤالتيا‪:‬‬ ‫تنطمق ىذه الدراسة من إشكالية رئيسية تتمثل في تحديد التوجيات القانونية لألتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية –‬ ‫فرنسا ومصر واألردن‪ -‬لتنظيم اإلضراب الوظيفي وألي مدى تتفق ىذه األتجاىات الدولية مع التشريعات الوطنية محل‬ ‫المقارنة وخاصة إذا كانت ىذه الدول قد صادقت عمى االتفاقيات الدولية التي تعترف بحق الموظف العام باإلضراب‬ ‫الوظيفي‪ ،‬كما إن الدراسة توضح مدى إتجاه النظام القانوني في الدولة لمموازنة بين المصمحة العامة لإلدارة في تحقيق‬ ‫وحماية مبدأ سير المرفق العام بانتظام وباضطراد‪ ،‬وبين حق الموظف العام في المجوء إلى اإلضراب الوظيفي وما‬ ‫يتخممو من توقف عمل المرفق العام‪ ،‬وبنفس الوقت قيام الدولة عند الموازنة بين ىاتين المصمحتين المتعارضتين بإحترام‬ ‫التزاماتيا الدولية الناشئة عن تصديقيا عمى اتفاقيات دولية تقر بحق الموظف العام باإلضراب الوظيفي‪.‬‬ ‫وفي واقع األمر‪ ،‬يتطمب اإلجابة عن ىذه اإلشكالية التطرق لمجموعة من التساؤالت التي تثيرىا مسألة إضراب الموظفين‬ ‫العموميين‪ ،‬والتي تتمثل في التساؤالت التالية‪:‬‬ ‫ ماىية التمايز بين صور وأشكال اإلضراب الوظيفي‪ ،‬وماىية اإلضراب الوظيفي الذي تضفي التشريعات الوطنية عميو‬‫الشرعية من حيث جواز المجوء إليو أو تجريمو من قبل الموظف العام؟‬ ‫ ما مدى نطاق أحقية الموظفين العموميين لمجوء لإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية‪ ،‬والسيما في العيد الدولي‬‫الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة ‪0966‬؟‬ ‫ ما مدى نطاق أحقية الموظفين العموميين لمجوء لإلضراب الوظيفي في التشريعات محل المقارنة بوصفو وسيمة‬‫مشروعية لتمبية مطالباتيم وحماية حقوقيم الوظيفية؟‬

‫منيجية الدراسة‪:‬‬ ‫اء من حيث مشروعيتو بوصفو من الوسائل المشروعة لمموظف العام لتمبية‬ ‫طبيعة إضراب الموظفين العموميين سو ً‬ ‫مط البو‪ ،‬أو من حيث مخالفتو ألحكام القانون بوصفو من المحظورات التي يتوجب عمى الموظف العام عدم القيام بيا‬ ‫تحت طائمة المسؤولية التأديبية تبعاً لخطورتيا عمى سير المرفق العام ومساسو بحقوق األفراد في الدولة‪ ،‬وانتيج الباحث‬ ‫كذلك المنيج التحميمي واالستقرائي من خالل اإلطالع عمى األنظمة القانونية في األتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪29‬‬

‫محل الدراسة‪ ،‬إضافة إلى التطرق ألحكام القضاء المتعمقة بيذه المسألة واستقراء ىذه النصوص واألحكام وتحميميا‬ ‫وتفسيرىا‪.‬‬ ‫وحيث أن طبيعة ىذه الدراسة تتطمب التطرق إلى األتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية محل الدراسة واألحكام‬ ‫القضائية‪ ،‬يعمد الباحث إلى المنيج المقارن من خالل الوقوف عمى موقف التشريعات الوطنية في فرنسا ومصر‬ ‫واألردن‪ ،‬والتي نظمت بصورة مباشرة حق الموظف العام في المجوء لإلضراب كوسيمة مشروعة لتمبية طمباتو‪ ،‬وما صدر‬ ‫عن قضائيا من أحكام متعمقة في ىذه المسألة‪.‬‬

‫خطة الدراسة‪:‬‬ ‫بيدف اإلحاطة بكافة جوانب مسألة اإلضراب الوظيفي‪ ،‬جاءت ىذه الدراسة في مبحثين رئيسين‪ ،‬وذلك تبعاً لمتقسيم‬ ‫اآلتي‪:‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬ماىية اإلضراب الوظيفي‪.‬‬ ‫المطمب األول‪ :‬مفيوم اإلضراب الوظيفي وخصائصو‪.‬‬ ‫المطمب الثاني‪ :‬صور اإلضراب الوظيفي‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬األتجاه القانوني لإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية ‪.‬‬ ‫المطمب األول‪ :‬نطاق مشروعية اإلضراب الوظيفي في األتفاقيات الدولية ‪.‬‬ ‫المطمب الثاني‪ :‬موقف التشريعات الوطنية من ممارسة اإلضراب الوظيفي‪.‬‬

‫المبحث األول‬ ‫ماىية اإلضراب الوظيفي‬ ‫يتسم مفيوم اإلضراب بالتعقيد والغموض انطالقاً مما أثاره من إشكاليات مرتبطة بنطاق ممارستو خاصة في القطاع‬ ‫العام‪ ،‬إذ ثار خالف فقيي واسع النطاق استتبعو خالف في االجتياد القضائي في إيجاد مفيوم جامع ومانع إلضراب‬ ‫الموظفين العموميين‪ ،‬خاصة ما يشيده اإلضراب من تعدد وتنوع أشكالو وصوره تبعاً لمغاية المرجوة من المجوء إليو من‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪30‬‬

‫قبل الموظفين العموميين‪ ،‬بحيث ال يقتصر اإلضراب بوصفو وسيمة لتحقيق المطالب المينية لمموظفين العموميين‪ ،‬بل‬ ‫قد يتم المجوء إليو لمضغط عمى السمطة في الدولة لتحقيق مطالب سياسية عامة‪.‬‬ ‫وتبعاً لذلك‪ ،‬نعمد في ىذا الجزء من الدراسة إلى توضيح وتفصيل ماىية اإلضراب الوظيفي من حيث تعريفو الفقيي‬ ‫والقضائي‪ ،‬إضافة إلى ما تناولتو بعض التشريعات الوطنية وكذلك االتفاقيات الدولية من تعريف لإلضراب الوظيفي‬ ‫وخصائصو (المطمب األول)‪ ،‬ومن جية أخرى بيان الصور التي يظير بيا اإلضراب تبعاً لمغاية المرجوة منو من قبل‬ ‫الموظفين العموميين (المطمب الثاني)‪.‬‬

‫المطمب األول‬ ‫مفيوم اإلضراب الوظيفي وخصائصو‬ ‫نظ اًر لما شاب الدساتير والتشريعات الوطنية في مختمف الدول من نقص باإلشارة إلى تعريف محدد لإلضراب الوظيفي‪،‬‬ ‫مقتصرة اإلشارة إلى منع المجوء إل يو من قبل الموظفين العموميين تحت طائمة المسؤولية التأديبية‪ ،‬وىو ذات النيج المتبع‬ ‫حتى في الدساتير والتشريعات الوطنية في الدول التي أضفت الشرعية إلضراب الموظفين العموميين‪ ،‬ووصفو بأنو حق‬ ‫دستوري لمموظف العام في المجوء إليو بإعتباره وسيمة من الوسائل المشروعة لتمبية مطالبيم‪ ،‬وقد فتح ىذا المجال أمام‬ ‫الفقو في سبيل إيضاح مفيوم اإلضراب الوظيفي وما يتمتع بو من خصائص‪ ،‬وكذلك األمر لدى االجتياد القضائي في‬ ‫مختمف الدول‪ ،‬والذي أوضح مفيوم اإلضراب ونطاقو عند تعرضو لمشروعية إضراب الموظفين العموميين‪ ،‬وىو ما‬ ‫يدفعنا إلى تسميط الضوء عمى المفيوم الفقيي لإلضراب الوظيفي‪ ،‬ومن ثم استقراء موقف التشريعات الوطنية‬ ‫واالجتيادات القضائية من مفيوم اإلضراب الوظيفي‪ ،‬وتحميل ىذه المفاىيم لموصول إلى تعريف مانع شامل لإلضراب‬ ‫الوظيفي وما يتمتع بو من خصوصية ذاتية‪.‬‬ ‫يعني اإلضراب في المغة الكفاف عن الشيء واإلعراض عنو فيقال اضرب فالن عن ىذا األمر إضرابا‪ ،‬كف عنو‬ ‫واضرب عنو أي اعرض عنو )‪ ،(0‬ويأتي اإلضراب بمعنى اإلقامة‪ ،‬والمضرب المقيم بالبيت‪ ،‬واضرب الرجل في البيت‪:‬‬ ‫أقام كما يقال ضرب الرجل يضرب‪ ،‬إذا خرج في ابتـغاء الرزق‪ ،‬ويأتي اإلضراب بمعنى االمتـناع فيقال ‪ :‬أضرب ُي ِ‬ ‫ب‬ ‫ضر ُ‬

‫(‪ )0‬ينظر العالمة ابن منظور (‪ ،)0955‬لسان العرب‪ ،‬المجمد الثاني‪ ،‬دار صادر لمطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ .‬ص ‪.547‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪31‬‬

‫إضراباً أي امتنع ولذلك يقال اضرب العمال ونحوىم عن العمل حتى تجاب مطالبيم‪ ،‬واضرب عن الطعام امتنع عنو‬ ‫احتجاجاً عمى أمر ومطالبتو بمطمب‬

‫)‪(0‬‬

‫ويمحظ المتتبع لموقف الفقو من تعريف اإلضراب الوظيفي وجود اختالف في وجيات النظر في الوصول إلى تعريف‬ ‫مانع وشامل لإلضراب الوظيفي‪ ،‬وىو ما يعزى إلى اختالف الرؤية التي من خالليا ينظر إلى اإلضراب‪ ،‬بحيث تتعدد‬ ‫الدالالت التي قيمت في تعريف اإلضراب خاصة في طرح داللة شاممة وبارزة لكافة خصائصو وعناصره وطبيعة الغاية‬ ‫المشروعة منو‪ ،‬حيث ذىب البعض إلى تعريف اإلضراب بالمعنى الواسع‪ ،‬وذلك من حيث اقتصار التعريف عمى إبراز‬ ‫خصائص اإلضراب وبيان عناصره ودون النظر إلى الغاية التي يتوخاىا الموظفون العموميون من اإلضراب‪ ،‬ومن قبيل‬ ‫ذلك قيل بأن اإلضراب الوظيفي ىو" توقف الموظفين عن القيام بأعماليم أو االمتناع عن أدائيا لمدة معينة‪ ،‬ومع‬ ‫تمسكيم بمزاياىم الوظيفية ودون انصراف نيتيم إلى ترك وظائفيم بصفة نيائية )‪.(9‬‬ ‫وعرف كذلك بأنو "توقف العمال عن العمل‪ ،‬توقفا جماعياً ومدب اًر‪ ،‬بيدف ممارسة الضغط عمى صاحب العمل أو‬ ‫)‪،(3‬‬

‫السمطات العامة"‬

‫وفي حقيقة األمر‪ ،‬يرفق غالبية الفقو التعريف الواسع والعام إلضراب الموظفين‪ ،‬وذلك من حيث‬

‫ضرورة اقتصار اإلضراب عمى مظيره الميني دون السياسي‪ ،‬وذلك تبعاً لمشروعية اإلضراب وتنظيمو في الدول التي‬ ‫أقرت حق اإلضراب لمموظفين العموميين‪ ،‬وىو ما عاب التعريفات والدالالت السابقة لإلضراب كونيا لم تحدد الطبيعة‬ ‫الخاصة لمغاية من اإلضراب‪ ،‬مساوية بذلك بين اإلضراب الميني والسياسي لمموظفين العموميين‪ ،‬وفي ىذا الخصوص‪،‬‬ ‫يرى البعض أن اإلضراب ىو داللة عمى "اتفاق كل أو بعض العاممين في مرفق معين أو أكثر عمى التوقف عن العمل‬ ‫بقصد تحقيق مطالب مينية"‪.‬‬

‫)‪(4‬‬

‫وفي توضيحاً أكثر لمفيوم اإلضراب الوظيفي وابراز كافة عناصره وخصائصو وتحديد طبيعة الغاية المرجوة منو‪ ،‬ذىب‬ ‫البعض لمقول بأنو "اتفاق بعض العمال عمى اإلمتناع عن العمل مدة من الزمن‪ ،‬مع تمسكيم في الوقت ذاتو بأىداب‬ ‫(‪ )0‬ينظر احمد العابد وآخرون(‪ )0989‬المعجم العربي األساسي‪ ،‬المنظمة العربية لمتربية والثقافة والعموم‪ ،‬من دون مكان طبع‪ ،‬ص ‪،767‬‬ ‫ويعود أصل كممة اإلضراب إلى مكان بالعاصمة الفرنسية باريس يطمق عميو " ‪ " place de grève‬حيث كان العمال يجتمعون في ىذا‬ ‫المكان لمبحث عن عمل ومن اسم ىذا المكان أخذت تسمية اإلضراب ‪.‬‬ ‫(‪ )9‬أنظر في ىذا الخصوص‪ - :‬بسيوني‪ ،‬عبد الغني (‪ ،)9113‬النظرية العامة في القانون اإلداري‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص‪.499‬‬ ‫(‪G.H. Camerlynck, G. Lyon-Caen, Droit de travail, Dalloz, 1994, 14e éd, p.751. )3‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‪:‬‬ ‫‪- R. Chapus, Droit administratif général, T.2, 12e éd, Montchrestien – E.J.A., Paris,1999, p.249.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪32‬‬

‫الوظيفة العامة ومزاياىا‪ ،‬وذلك بقصد إظيار استيائيم من أمر من األمور‪ ،‬أو الوصول إلى بعض المطالب خاصة‬ ‫المتعمقة بالعمل‪ ،‬بحيث يمثل اإلضراب بيذه الصورة اتفاق بين عدة أشخاص عمى وقف العمل المنوط بيم لسبب من‬ ‫)‪(0‬‬

‫اقعاً عمييم أو لالحتجاج عمى أمر من األمور"‪.‬‬ ‫األسباب كتحقيق مصمحة خاصة لممضربين أو رفع ضرر يرونو و ً‬

‫وفي واقع األمر‪ ،‬ينطمق ىذا التوجو في تعريف اإلضراب مما استقر عميو القضاء اإلداري‪ ،‬خاصة ما يقره القضاء في‬ ‫ىذا الخصوص من بيان طبيعة الغاية من لجوء الموظفين العموميين لإلضراب بغية تحديد مشروعيتو من مدى مخالفتو‬ ‫ألحكام القانون وذلك في ظل التشريعات التي أقرت حق الموظف العام في المجوء لإلضراب لتمبية مطالبو‪.‬‬ ‫وقد أشار مجمس الدولة الف رنسي إلى المعنى الضيق إلضراب الموظفين العموميين من حيث بيان عناصره وتحديده‬ ‫لطبيعة الغاية من المجوء لإلضراب الوظيفي‪ ،‬حيث جاء في أحد أحكامو بأن اإلضراب ىو "التوقف الجماعي المتفق‬ ‫)‪(9‬‬

‫عميو لكل أو بعض العاممين في المرفق العام أو في مرفق آخر‪ ،‬وذلك من أجل تأييد مطالب مينية"‪.‬‬

‫وبالنظر إلى القضاء اإلداري المصري ممثالً بالمحكمة اإلدارية العميا‪ ،‬نمحظ أنو تطرق إلى تعريف اإلضراب في المرافق‬ ‫العامة‪ ،‬مع األخذ بالمفيوم الواسع لإلضراب‪ ،‬حيث غفل عن تحديد طبيعة الغاية منو‪ ،‬مساوي ًا بذلك بين شتى صور‬ ‫اإلضراب السياسي والميني‪ ،‬حيث جاء في أحد أحكامو أن اإلضراب ىو" امتناع العاممين بالمرافق العامة عن أداء‬ ‫)‪(3‬‬

‫أعماليم وعدم مباشرتيم لميام وظائفيم دون أن يتخموا عن تمك الوظائف‪ ،‬ومع استمرار تمسكيم بيا"‪.‬‬

‫وعمى خالف ذلك‪ ،‬ذىب مجمس الدولة المصري في تحديد داللة اإلضراب بصورة أكثر دقة وتعبي اًر عما انتيجتو‬ ‫المحكمة اإلدارية العميا المصرية‪ ،‬وذلك من خالل فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع‪ ،‬إضافة لتضمنو قيود‬ ‫اإلضراب وتنظيمو‪ ،‬حيث جاء في فحوى الفتوى بأن اإلضراب الوظيفي ىو" التوقف اإلرادي عن العمل باتفاق بعض أو‬ ‫محددة سمفاً يرفض رب العمل تحقيقيا‪ ،‬ويمارسو العاممون سممياً وفقًا‬ ‫كل العاممين لممطالبة بتنفيذ أمور تتعمق بالعمل ّ‬

‫(‪ )0‬أنظر في ىذا الخصوص‪ :‬الطماوي‪ ،‬سميمان (‪ ،)0996‬الوجيز في القانون اإلداري‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ص‪.367‬‬ ‫(‪ )9‬قرار مجمس الدولة الفرنسي رقم (‪ ،)p426‬سنة ‪0951‬م‪ .‬مشار إليو في‪ :‬المحمودي‪ ،‬ميثم (‪ ،)9106‬حق اإلضراب بين الحظر واإلباحة"‬ ‫دراسة مقارنة‪ ،‬دار الفكر والقانون لمنشر والتوزيع‪ ،‬المنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.39‬‬ ‫أنظر أيضاً‪:‬‬

‫‪- Chrestion, Robert,Syndicalisme et participation dans la Fonction publique, Berger le vrayit, 1988, p217.‬‬

‫(‪ )3‬المحكمة اإلدارية العميا‪ ،‬الطعن رقم (‪ ،)94587‬تاريخ ‪.9105/4/08‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪33‬‬

‫لإلرادة الحرة لكل منيم‪ ،‬بغير عنف أو إكراه عمى غيرىم من العاممين أو احتالل ألماكن العمل‪ ،‬ويفترض فيو عدم‬ ‫اإلضرار بالغير أوتعريضو لمخطر أو المساس بالمصمحة العامة أو النظام العام"‪.‬‬

‫)‪(0‬‬

‫أما في نطاق القضاء األردني‪ ،‬نمحظ عدم تطرقو في أي من أحكامو إلى مفيوم اإلضراب‪ ،‬إال أنو يمكن لنا الرجوع في‬ ‫ىذا الخصوص إلى ما تضمنو القرار رقم (‪ )6‬لسنة ‪ 9104‬الصادر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين من تعريفو‬ ‫لإلضراب الوظيفي‪ ،‬حيث جاء في متن القرار بأن" اإلضراب في المفيوم العممي والمتعارف عميو ىو امتناع العاممين‬ ‫لدى صاحب أي عمل عن القيام بالعمل الموكل إلييم من خالل الضغط عميو بتعطيل مصالحو التجارية أو الصناعية‬ ‫أو الخدماتية أو كل ما يتعمق بأنشطة مشروعة بقصد الحصول عمى حقوق أو مزايا ليم من خالل التوقف عن العمل أو‬ ‫االعتصام دون إنتاجية أو عدم الـ ــدوام أو مغـ ــادرة العمل‪ ،‬مما يشكل غياباً عن العمل بمفيومو العام"‪.‬‬

‫)‪(9‬‬

‫ومن خالل استقرائنا ليذا التعريف‪ ،‬نمحظ أن الديوان الخاص بتفسير القوانين قد أخذ بالمفيوم الواسع لإلضراب الوظيفي‬ ‫ودون تمييز بين اإلضراب في القطاع العام والقطاع الخاص‪ ،‬إضافة إلى عدم التمييز بين أنواع اإلضراب سواء أكان‬ ‫إضراب ميني أم سياسي ىذا من جية‪ ،‬ومن جية أخرى نمحظ أن ىذا التعريف يتضمن إشارة ضمنية إلى عدم مشروعية‬ ‫اإلضراب ميما كانت دواعيو وأسبابو‪ ،‬نظ اًر لمساواتو مع مسألة التغيب عن العمل بمفيومو العام‪ ،‬وما يترتب عميو من‬ ‫مسؤولية قانونية مترتبة عمى العمال في القطاع الخاص‪ ،‬ومسؤولية تأديبية تقع عمى عاتق الموظف العام في القطاع‬ ‫العام‪ ،‬وىو ما يخالف ما تعارف عميو الفقو والقضاء في الدول األخرى في تعريفيم لإلضراب الوظيفي في المرافق‬ ‫العامة‪ ،‬إضافة إلى مخالفتو لممفيوم العام لإلضراب في القطاع الخاص‪ ،‬والذي أباحو قانون العمل األردني وفق ضوابط‬ ‫وقيود قانونية)‪.(3‬‬ ‫وبوجو عام‪ ،‬يمكن أن نمحظ أن تعريف إضراب الموظفين العموميين يرتبط بتحديد عناصره وخصائصو‪ ،‬إذ ال يمكن‬ ‫تحديده بصورة مانعة وشاممة دون التطرق إلى ىذه العناصر والخصائص‪ ،‬والمتمثمة بالتوقف أو االمتناع الجماعي عن‬

‫(‪ )0‬فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجمس الدولة المصري‪ ،‬رقم (‪ ،)895‬جمسة تاريخ ‪.9109/09/9‬‬ ‫(‪ )9‬قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين رقم (‪ )6‬لسنة ‪ .9104‬تاريخ ‪ ،9104/9/05‬منشورات مركز عدالة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬نظم قانون العمل األردني اإلضراب بموجب المواد من (‪ )034‬إلى (‪ ،)036‬وقد أشارت المادة (‪ )035‬من قانون العمل األردني إلى أنو‪":‬‬ ‫تحدد الشروط واإلجراءات األخرى لإلضراب واإلغالق بموجب نظام يصدر ليذه الغاية"‪ .‬وفي ىذا الخصوص صدر نظام شروط واجراءات‬ ‫اإلضراب واإلغالق رقم (‪ )8‬لسنة ‪ 0998‬م‪ ،‬والذي عرف فيو اإلضراب بموجب المادة الثانية منو‪ ،‬بأنو‪ ":‬توقف مجموعة من العمال عن العمل‬ ‫بسبب نزاع عمالي"‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪34‬‬

‫عمل ممزم‪ ،‬إذ تفترض ىذه الخاصية اتجاه إرادة عدد من الموظفين العموميين عمى التوقف أو االمتناع عن العمل‬ ‫الموكول ليم بموجب القانون واألنظمة والتعميمات‪ ،‬وتعبيرىم الصريح بذلك‪ ،‬بحيث تكون ىذه اإلرادة صادرة بشكل مباشر‬ ‫عن جميع م وظفي المرفق العام أو غالبيتيم‪ ،‬ويستوي األمر إن كانت ىذه اإلرادة صادرة عن ممثمييم النقابيين‪ ،‬ويكون‬ ‫التوقف أو االمتناع عن العمل فعمياً لكافة موظفي المرفق العام المعنيين باإلضراب‪ ،‬بحيث ال يمكن إضفاء صفة‬ ‫اإلضراب في حال االستمرار في العمل بدرجة أقل من المعتاد‪.‬‬

‫)‪(0‬‬

‫كما ينصرف المفيوم القانوني لإلضراب إلى انصراف النية لالتفاق عمى اإلضراب لتحقيق مطالب مينية ممكنة‬ ‫ومشروعة‪ ،‬بحيث ال يمكن تصور اإلضراب دون تحديد الغاية المرجوة منو‪ ،‬وان كانت التشريعات الوطنية التي أقرت‬ ‫حق اإلضراب قد أضفة ىذا الحق عمى اإلضراب الميني‪ ،‬وذلك من حيث الضغط عمى اإلدارة العامة بيدف تغيير‬ ‫ظروف العمل بوجو عام‪ ،‬كما ىو الحال في الحصول عمى المزيد من الحقوق واالمتيازات المينية‪ ،‬وكذلك في حال ما‬ ‫إذا كان اإلضراب ينصب عمى إجبار اإلدارة العامة وحمميا عمى اتخاذ موقف سياسي‪ ،‬أو منعيا من االستمرار عمى نيج‬ ‫سياسي يتعمق بظروف العمل في المرفق العام‪ ،‬ويختمف األمر في حال أخذ اإلضراب طابعاً سياسياً‪ ،‬كأن تكون الغاية‬ ‫منو إجبار الدول عمى سموك منيج سياسي معين‪ ،‬أو عدم االستمرار بو‪ ،‬دون تعمق ىذا النيج بظروف العمل في المرفق‬ ‫العام‪.‬‬ ‫وتأسيساً عمى ما تقدم‪ ،‬يمكن القول أن اإلضراب في المرافق العامة ىو داللة عمى "اتفاق الموظفين العموميين بعضيم‬ ‫أو كميم عمى التوقف أو االمتناع عن أداء أعماليم الموكمة ليم في إدارة المرفق العام لمدة مؤقتة‪ ،‬مع تمسكيم بوظيفتيم‬ ‫ومزاياىا‪ ،‬بغية الضغط عمى اإلدارة العامة لتمبية مطالبيم المينية المشروعة"‪.‬‬

‫المطمب الثاني‬ ‫صور اإلضراب الوظيفي‬ ‫تتعدد صور وأشكال اإلضراب الوظيفي تبعاً لمغايات التي يتوخاه الموظفون العموميين من المجوء إليو‪ ،‬والتي كان ليا‬ ‫دو اًر رئيساً في تحديد مدى مشروعية اإلضراب أو مخالفتو ألحكام القانون بموجب التشريعات الوطنية التي نظمت حق‬ ‫(‪Latournerie, Le droit français de la grève, Étude théorique et pratique, Paris, Sirey, )0‬‬ ‫‪1972, p.30.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪35‬‬

‫الموظف العام في اإلضراب‪ ،‬إذ قد يظير اإلضراب لتحقيق أىداف ذات طابع ميني مرتبطة بصورة مباشرة بالحقوق‬ ‫واالمتيازات التي يتمتع بيا الموظف العام أو تمس عالقتو بالوظيفة العامة‪ ،‬ومن جية أخرى قد يكون اإلضراب بتعطيل‬ ‫سير المرفق العام بيدف الضغط عمى الدولة إلتباع نيج سياسي معين أو تغيير سياسيتيا العامة في الدولة‪ ،‬وىو ما‬ ‫يضفي الصفة السياسية لإلضراب‪.‬‬ ‫وبالنظر إلى المفيوم الضيق لإلضراب‪ ،‬نمحظ أنو يرتبط باإلضراب الميني بوصفو مناط الشرعية وعدم مخالفة أحكام‬ ‫القانون لدى التشريعات الوطنية التي أقرت حق العاممين والموظفين في المجوء إلى اإلضراب بغية تمكينيم من المطالبة‬ ‫والدفاع عن حقوقيم ومصالحيم المرتبطة بأعماليم الوظيفية‪ ،‬وتمتد المطالب المينية لتشمل المطالب االقتصادية إضافة‬ ‫لممطالب االجتماعية طالما كانت ىذه المطالب متعمقة بحماية حقوق ومزايا الموظف العام‪ ،‬وبمعنى أدق‪ ،‬يتسع مفيوم‬ ‫)‪(0‬‬

‫نظر التساع نطاق الظروف المؤثرة في طبيعة العمل الوظيفي لمموظف العام‪.‬‬ ‫المطالب المينية‪ ،‬اً‬

‫ونرى من جيتنا أن اإلضراب الميني ال يقتصر امتداده عمى الظروف االقتصادية واالجتماعية دون السياسية‪ ،‬إذ يمكننا‬ ‫القول باشتمالو عمى مطالب سياسية في حال كانت متعمقة بالسياسة االقتصادية لمسمطة العامة في الدولة‪ ،‬خاصة إذا‬ ‫كان ىذا النيج السياسي ذو أثر عمى الحقوق واالمتيازات المالية لمموظف العام‪.‬‬ ‫أما اإلضراب السياسي‪ ،‬فيو يرتبط بشكل عام بالنيج السياسي المتبع لمدولة‪ ،‬إذ يأتي ىذا الشكل من اإلضراب بيدف‬ ‫الضغط عمى السمطات العامة في الدولة لتحقيق مطالب سياسية بحتو‪ ،‬كدفعيا التخاذ موقف سياسي‪ ،‬أو دفعيا عمى‬ ‫تغيير نيج سياسي معين متبع لدى السمطات العامة في الدولة‪ ،‬سواء أكان في السياسة الخارجية أم الداخمية لمدولة‪ ،‬وال‬ ‫يرتبط اإلضراب السياسي ببيئة العمل في المرفق العام لدى الموظفين المعنيين باإلضراب‪ ،‬كونو ال ييدف إلى تحقيق أي‬ ‫)‪(9‬‬

‫مطالب مينية لمموظفين‪.‬‬

‫ويأتي قيام الموظفين العموميين باإلضراب السياسي بوصفو مشاركة الفئات األخرى في المجتمع المتبنية لإلضراب‪،‬‬ ‫خاصة وأنو موجو ضد سياسة معينة لمسمطة العامة في الدولة‪ ،‬ال يقتصر أثرىا عمى فئة الكوادر الوظيفية في المرافق‬ ‫العامة‪ ،‬بل تيم كافة فئات المجتمع‪ ،‬بحيث يمكن القول أن الموظفين العموميين يشاركون في ىذا الشكل من اإلضراب‬ ‫(‪ )0‬أبو عمرو‪ ،‬مصطفى (‪ ،)9119‬التنظيم القانوني لحق اإلضراب في القانون المصري والفرنسي والتشريعات العربية‪ ،‬دار الكتب القانونية‪،‬‬ ‫القاىرة‪ ،‬ص‪.69-60‬‬ ‫(‪ )9‬قنديل‪ ،‬اشرف (‪ ،)9104‬اإلضراب بين اإلباحة والتجريم‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص‪.94‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪36‬‬

‫بصفتيم مواطنين في المجتمع)‪ ،(0‬إال أن دورىم في المشاركة في اإلضراب يكون ذو أىمية في التأثير عمى النيج‬ ‫السياسي لمسمطة العامة موضوع اإلضراب‪ ،‬في ظل ما لإلضراب من أثر عمى رضوخ السمطة العامة لممطالب‪ ،‬تجنباً‬ ‫الستمرار توقف سير العمل في المرفق العام‪.‬‬ ‫ورغم ذلك‪ ،‬يمكن مالحظة تداخل بين اإلضراب السياسي واإلضراب الميني‪ ،‬وذلك من حيث مشاركة الموظفين‬ ‫العموميين في اإلضراب السياسي واستغاللو لتحقيق مطالب مينية‪ ،‬أو العكس من ذلك‪ ،‬كاستغالل اإلضراب الميني‬ ‫لتحقيق غايات وأىداف سياسية غير مرتبطة بالمطالبات المينية المعني بيا اإلضراب الميني‪ ،‬بحيث يشارك الموظف‬ ‫العام في اإلضراب بصفتو المينية إضافة إلى صفتو كمواطن‪ ،‬ويتجمى التداخل بين اإلضراب الميني والسياسي في أدق‬ ‫صوره في حالة كون اإلضراب السياسي منصب عمى النيج السياسي االقتصادي لمسمطة العامة في الدولة‪ ،‬نظ اًر لحتمية‬ ‫)‪(9‬‬

‫تعمق ىذا النيج السياسي بالحقوق والمزايا المالية لمموظف العام‪.‬‬

‫وقد أظيرت ىذه الصورة ما يعرف باإلضراب المختمط لتمييزه عن اإلضراب الميني واإلضراب السياسي‪ ،‬والذي تمجأ إليو‬ ‫غالباً النقابات المينية بغية تحقيق مطالب سياسية تحت غطاء المطالب المينية‪ ،‬ومن أدق صورىا المجوء لإلضراب‬ ‫احتجاجاً عمى اعتقال منظمي اإلضراب أو توقيفيم عن العمل‪ ،‬أو إجراءات السمطة العامة في تقييد الحقوق والحريات‬ ‫النقابية)‪ ، (3‬وفي حقيقة األمر‪ ،‬نالحظ أن التشريعات الوطنية التي أقرت حق اإلضراب لمموظفين العموميين‪ ،‬قد أخذت‬ ‫بتنظيم ىذا الحق وتقييده وفق ضوابط وشروط محددة‪ ،‬تنصرف في واقعيا عمى طبيعة الغاية من اإلضراب والتوقف أو‬ ‫االمتناع عن العمل في المرفق العام‪ ،‬وذلك باقتصاره عمى وجوب أن تكون الغاية منو تحقيق مطالب مينية دون تعمقيا‬ ‫بمطالب سياسية عامة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬ ‫األتجاه القانوني لإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية‬

‫(‪ )0‬السيد‪ ،‬نايل (‪ ،) 0988‬مدى مشروعية اإلضراب وأثره عمى العالقات التعاقدية‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬مكتبة سيد عبد اهلل وىبة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ص‪.49‬‬ ‫(‪ )9‬الجبــالي‪ ،‬عمــي (‪ ،)9104‬أحقيــة المــوظفين العــامين فــي اإلض ـراب فــي القــانون األردنــي‪ :‬د ارســة ميدانيــة‪ ،‬رســالة ماجســتير‪ ،‬جامعــة الش ــرق‬ ‫األوسط‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬ص‪.40-41‬‬ ‫(‪ )3‬الجبالي‪ ،‬أحقية الموظفين العامين في اإلضراب في القانون األردني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.49-49‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪37‬‬

‫لم تغفل الشرعية الدولية عن حماية حقوق العمل والعمال‪ ،‬وذلك من حيث منحيم الحق في المجوء إلى اإلضراب بوصفو‬ ‫وسيمة من الوسائل المشروعة لممطالبة بحقوقيم‪ ،‬ولم يقتصر األمر عمى العمال في القطاع الخاص‪ ،‬بل امتد ىذا الحق‬ ‫ليشمل العاممين في القطاع العام في الدولة وذلك وفق ضوابط وقيود محددة ال تخل بمبدأ الموازنة بين مصمحة الدولة‬ ‫في حماية مبدأ سير المرافق العامة‪ ،‬وبين حماية حقوق وامتيازات العاممين في ىذه الم ارفق‬

‫‪.‬‬

‫ويتباين موقف الدول من اإلضراب الوظيفي إلى طائفتين‪ ،‬الطائفة األولى سمحت لمموظف بممارسة اإلضراب وفقاً‬ ‫لضوابط وقيود معينة‪ ،‬بينما الطائفة أألخرى حرمت بشكل مطمق ممارسة اإلضراب‪ ،‬وتستند التشريعات الوطنية في مدى‬ ‫إقرارىا لحق الموظف العام في المجوء إلى اإلضراب عمى طبيعة العالقة التنظيمية بين الموظف العام والدولة‪ ،‬بحيث‬ ‫تكون التشريعات المنظمة لموظيفة العامة ىي األساس القانوني لعمل الموظف العام تحت سمطة اإلدارة العامة لمدولة‪،‬‬ ‫والتي تنظم حقوق وواجبات الموظف العام‪ ،‬وما يحظر عميو القيام بو‪ ،‬والتي تعتبر لجوء الموظفين العموميين لإلضراب‬ ‫أحد المحظورات التي تمس ىذا المبدأ‪ ،‬لما ينتج عنو من اضطراب في النظام العام المسير لممرافق العامة في الدولة‪،‬‬ ‫وىو ما سارت عميو بعض التشريعات الوطنية المنظمة لموظيفة العامة‪.‬‬ ‫وفي نطاق أخر‪ ،‬أقرت بعض التشريعات الوطنية حق الموظف العام في المجوء إلى اإلضراب تبعاً لما أضفتو الشرعية‬ ‫الدولية عمى اإلضراب من صفة الحقوق التي يجب أن يتمتع بيا المواطن‪ ،‬مع تأكيدىا عمى حق الدولة بتقييد ىذا الحق‬ ‫ضمن ضوابط وشروط محددة بموجب التشريعات الداخمية‪.‬‬ ‫وعمى ىذا النحو‪ ،‬تثور اإلشكالية في ىذا الخصوص في نطاق حق الموظف العام في المجوء لإلضراب في المواثيق‬ ‫الدولية‪ ،‬وفي ظل مصادقة الدول عمى المواثيق الدولية المتضمنة حق المجوء لإلضراب‪ ،‬نتحدث في مدى انعكاس ذلك‬ ‫عمى التشريعات الوطنية في نطاق إضفائيا لمشرعية عمى إضراب الموظفين العامين‪ ،‬لذلك سنقسم ىذا المبحث إلى‬ ‫مطمبين‪ ،‬نعالج في المطمب األول نطاق مشروعية اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية‪ ،‬بينما نخصص المطمب‬ ‫الثاني لموقف التشريعات الوطنية من ممارسة اإلضراب الوظيفي‪.‬‬

‫المطمب األول‬ ‫نطاق مشروعية اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية ‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪38‬‬

‫يوصف الحق في اإلضراب الوظيفي بأنو أحد الركائز األساسية لمحقوق االقتصادية واالجتماعية لممواطنين‪ ،‬والتي أكدت‬ ‫عمييا الشرعية الدولية في العديد من المواثيق الدولية‪ ،‬خاصة في ظل ارتباط ىذا الحق بالحقوق والحريات العامة األخرى‬ ‫لممواطنين‪ ،‬بوصفو وسيمة مشروعة يمكن المجوء إلييا لممطالبة بالحقوق األخرى‪ ،‬حيث اقر العيد الدولي الخاص‬ ‫بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة ‪0966‬م‪ ،‬حق المجوء لإلضراب الوظيفي‪ ،‬حيث تنص المادة (‪ )8‬فقرة‬ ‫(د) من العيد عمى أنو " تتعيد الدول األطراف في ىذا العيد بكفالة ما يمي ‪ :‬د‪ -‬حق اإلضراب شريطة ممارستو وفقاً‬ ‫لقوانين البمد المعني‪ .9 ،‬ال تحول ىذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسمحة أو رجال الشرطة أو موظفي اإلدارات‬ ‫)‪(0‬‬

‫الحكومية لقيود قانونية عمى ممارستيم ليذه الحقوق"‪.‬‬

‫ولم يخرج الميثاق العربي لحقوق اإلنسان لسنة ‪9114‬م)‪ ،(9‬عن نطاق ىذه الشرعية الدولية لمحق في اإلضراب الوظيفي‪،‬‬ ‫ودون تمييز بين اإلضراب في القطاع الخاص أو العام‪ ،‬حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة (‪ )35‬منو‪ ،‬عمى أنو "تكفل‬ ‫كل دولة طرف الحق في اإلضراب في الحدود التي ينص عمييا التشريع النافذ"‪.‬‬ ‫والمالحظ من ىذا النصوص‪ ،‬أنيا وان أقرت حق اإلضراب الوظيفي‪ ،‬إال أنيا أقرت في ذات الوقت سمطة الدول في‬ ‫تقييد حق اإلضراب بموجب ضوابط وقيود قانونية بموجب تشريعاتيا الداخمية‪ ،‬بما يضمن معيا ممارسة الدول لحقيا في‬ ‫إدارة المرافق العامة في الدولة‪ ،‬وحماية مبدأ سير المرفق العام بأنتظام وبإضطراد‪ ،‬ودون اإلخالل بالنظام والمصمحة‬ ‫العامة في الدولة‪ ،‬ولتجنب تجاوز الموظفين والعاممين بممارسة حق اإلضراب بصورة تيدد النظام العام في الدولة وتؤدي‬ ‫إلى تعطيل المرافق الخدمية والتي تمس حقوق المواطنين اآلخرين‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني المغاالة والتوسع في ضبط ىذا‬ ‫الحق وتقييده‪ ،‬إذ يجب أن يكون التقييد في إطار الموازنة بين حق اإلضراب لمموظفين في المرافق العامة‪ ،‬وبين‬

‫(‪ )0‬العيــد الــدولي الخــاص بــالحقوق االقتصــادية واالجتماعيــة والثقافيــة ىــي معاىــدة متعــددة األطـراف اعتمــدتيا الجمعيــة العامــة لألمــم المتحــدة فــي‬ ‫‪ 06‬ديسـمبر ‪ 0966‬ودخمــت حيــز النفــاذ مــن ‪ 3‬ينــاير ‪ .0976‬تمــزم أطرافيــا العمــل مــن أجــل مــنح الحقــوق االقتصــادية واالجتماعيــة والثقافيــة‪ ،‬وقــد‬ ‫صدق عمى العيد ‪ 064‬طرف‪.‬‬ ‫(‪ )9‬الميثــاق العربــي لحقــوق اإلنســان اعتمــد فــي ‪ 93‬مــايو ‪ 9114‬بمناســبة القمــة السادســة عشـرة لجامعــة الــدول العربيــة المنعقــدة فــي تــونس‪ ،‬ىــذا‬ ‫الميثاق يؤكد ما جاء في ميثاق األمم المتحدة واإلعـالن العـالمي لحقـوق اإلنسـان والشـرعة الدوليـة لحقـوق اإلنسـان واعـالن القـاىرة لحقـوق اإلنسـان‬ ‫في اإلسالم‪ ،‬دخل الميثاق حيز التنفيذ فـي ‪ 15‬مـارس‪ ، 2008‬بعـد أن صـادقت عميـو ‪ 7‬دول وىـو العـدد المطمـوب حسـب فصـمو ‪ 49‬ليـدخل حيـز‬ ‫التنفيذ‪ ،‬يتكون الميثاق من ديباجة و‪ 53‬مادة‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪39‬‬

‫المصمحة العامة في حماية مبدأ سير المرافق العامة وعدم المساس بحقوق المواطنين فيما تقدمو ىذه المرافق من‬ ‫)‪(0‬‬

‫خدمات‪.‬‬

‫وبناء عمى ذلك‪ ،‬يمكننا القول أن الشرعية الدولية‪ ،‬وان منحت الدول األطراف سمطة تقييد حق المجوء لإلضراب‪ ،‬إال أنيا‬ ‫ال تجيز التوسع في ىذا التضييق بصورة تعمل عمى إىدار ىذه الحق‪ ،‬وىو ما أكد عميو العيد الدولي حيث حظر عمى‬ ‫الدول المجوء إلخضاع التمتع بالحقوق التي تضمنيا العيد الدولي إال لمحدود المقررة في القانون‪ ،‬واال بمقدار توافق ذلك‬ ‫)‪(9‬‬

‫مع طبيعة ىذه الحقوق‪ ،‬وشريطة أن يكون ىدفيا الوحيد تعزيز الرفاه العام في مجتمع ديمقراطي‪.‬‬

‫وىو كذلك ما أكد عميو العيد الدولي في المادة (‪ )5‬منو‪ ،‬والذي جاء فيو‪ -0":‬ليس في ىذا العيد أي حكم يجوز تأويمو‬ ‫عمى نحو يفيد انطواءه عمى أي حق ألي دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي فعل ييدف إلى‬ ‫إىدار أي من الحقوق أو ا لحريات المعترف بيا في ىذا العيد أو إلى فرض قيود عمييا أوسع من تمك المنصوص عمييا‬ ‫فيو‪ -9 .‬ال يقبل فرض أي قيد أو أي تضييق عمى أي من حقوق اإلنسان األساسية المعترف بيا أو النافذة في أي بمد‬ ‫تطبيقاً لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف‪ ،‬بذريعة كون ىذا العيد ال يعترف بيا أو كون اعترافو بيا أضيق مدى"‪.‬‬ ‫كما أكد الميثاق العربي لحقوق اإلنسان عمى طبيعة القيود والضوابط التي يجوز فرضيا عمى الحقوق والحريات العامة‬ ‫ومن ضمنيا حق اإلضراب‪ ،‬حيث أكد الميثاق عمى عدم جواز فرض أي من القيود عمى ممارسة ىذه الحقوق والحريات‬ ‫إال تمك الت ي ينص عمييا التشريع النافذ وتشكل تدابير ضرورية لصيانة األمن القومي أو السالمة العامة أو النظام العام‬ ‫)‪(3‬‬

‫أو حماية الصحة العامة أو اآلداب العامة أو حماية حقوق اآلخرين وحرياتيم‪.‬‬

‫وقد أكد الميثاق في موضع أخر عمى فرض حماية تكفل التزام الدول األطراف بالحقوق والحريات العامة المصونة‬ ‫بموجب الشرعية الدولية وكذلك التشريعات الوطنية لمدول األطراف‪ ،‬حيث نصت المادة (‪ )43‬من الميثاق العربي لحقوق‬ ‫اإلنسان عمى أنو " ال يجوز تفسير ىذا الميثاق أو تأويمو عمى نحو ينتقص من الحقوق والحريات التي تحمييا القوانين‬ ‫الداخمية لمدول األطراف أو القوانين المنصوص عمييا في المواثيق الدولية واإلقميمية لحقوق اإلنسان التي صدقت‬ ‫عمييا‪." ....‬‬ ‫(‪ )0‬الجبالي‪ ،‬أحقية الموظفين العامين في اإلضراب في القانون األردني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.58‬‬ ‫(‪ )9‬أنظر المادة (‪ )4‬من العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة ‪0966‬م‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أنظر‪ :‬الفقرة الثالثة من المادة (‪ )35‬من الميثاق العربي لحقوق اإلنسان لسنة ‪9114‬م‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪40‬‬

‫وفي واقع األمر‪ ،‬يضرب المجتمع الدولي العديد من األمثمة والصور التي يجب مراعاتيا أثناء الموازنة بين حق‬ ‫اإلضراب بشكل عام‪ ،‬وتقييده بموجب التشريعات الوطنية‪ ،‬حيث تشير المعايير الدولية لحقوق اإلنسان إلى جواز لجوء‬ ‫الدول إلى حظر اإلضراب في بعض الخدمات او المنشآت الجوىرية‪ ،‬إال أن ىذا الحظر مشروط بأن ال تعامل منشآت‬ ‫الدولة جميعيا عمى أنيا منشآت جوىرية‪ ،‬ىذا إلى جانب ضرورة إلغاء أية قيود مفروضة عمى الحق في اإلضراب ال‬ ‫تتماشى مع أحكام المادتين (‪ )4‬و(‪ )8‬من العيد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪.‬‬ ‫وفي ىذا الخصوص‪ ،‬نشير إلى ما تضمنتو المجنة المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية من توصيات‬ ‫متعمقة بالقيود الجائز فرضيا من الدول عمى حق اإلضراب‪ ،‬بموجب تقريرىا عن الدورتين السادسة والثالثين والسابعة‬ ‫والثالثين لعام ‪9116‬م‪ ،‬ومن أىم التوصيات التي جاءت فيو‪:‬‬ ‫ أوصت المجنة الدول األطرف باالعتراف في تشريعاتيا المحمية اعترافاً صريحاً بالحق في اإلضراب وتحديد القيود‬‫المسموحة عمى ىذا الحق‪ ،‬وتشجع الدولة الطرف عمى المبادرة إلى إلغاء األحكام الواردة في القانون المتعمق بموظفي‬ ‫)‪(0‬‬

‫حرم عمى ىذه الفئة من الموظفين حق اإلضراب‪.‬‬ ‫الخدمة المدنية التي تُ ّ‬

‫ أوصت المجنة الدولة الطرف بشدة بإعادة النظر في القيود المفروضة عمى الحق في اإلضراب عمى صعيد االتحاد‬‫والمقاطعات واألقاليم لتتمشى مع أحكام المادتين (‪ )4‬و(‪ )8‬من العيد‪ ،‬وينبغي إلغاء ىذه القيود إذا لم تكن ضرورية‬ ‫بالفعل لتعزيز الرفاه العام في ظل مجتمع ديمقراطي‪ ،‬ولحماية مصالح األمن الوطني أو السالمة العامة أو النظام العام‪،‬‬ ‫)‪(9‬‬

‫أو الصحة العامة‪ ،‬أو لحماية حقوق اآلخرين وحرياتيم‪ ،‬وحيثما تعذر إيجاد بديل آخر‪.‬‬

‫ أكدت المجنة بأن المادة (‪ )8‬من العيد الدولي أقرت حق اإلضراب‪ .‬وتوصي المجنة الدول األطرف بأن تتخذ التدابير‬‫المالئمة لتعديل قانون العمل ولتحرير الحق في اإلضراب من القيود الحالية والحرص عمى أال يتجاوز حظر اإلضراب‬ ‫)‪(3‬‬

‫المفروض عمى الموظفين العامين نطاق تعريف منظمة العمل الدولية لمفيوم الخدمات األساسية‪.‬‬

‫(‪ )0‬المجن ــة الدولي ــة المعني ــة ب ــالحقوق االقتص ــادية واالجتماعي ــة والثقافي ــة‪ ،‬المجم ــس االقتص ــادي واالجتم ــاعي‪ ،‬ع ــن ال ــدورتين السادس ــة والثالث ــين‬ ‫والســابعة والثالثــين‪ 09-0 ،‬أيار‪/‬مــايو ‪ 94-6 ،9116‬تش ـرين الثــاني‪/‬نوفمبر ‪ ،9116‬الممحــق رقــم (‪ ،)9‬وثــائق األمــم المتحــدة‪ ،‬جنيــف‪،9117 ،‬‬ ‫التوصية رقم (‪ ،)030‬ص‪.96‬‬ ‫(‪ )9‬المجنة الدولية المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬التوصية رقم (‪ ،)089‬ص‪.34‬‬ ‫(‪ )3‬المجنة الدولية المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬التوصية رقم (‪ ،)375‬ص‪.57‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪41‬‬

‫ وفي نطاق تحديدىا لممنشآت الجوىرية والخدمات األساسية كقيد عمى اإلضراب‪ ،‬رأت المجنة الدولية أن ضمن العوامل‬‫والصعوبات التي تعوق تنفيذ العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬حظر القيام باإلضراب من‬ ‫موظفي الحكومة وموظفي الشركات والمدرسين في المدارس العامة وأساتذة الكميات والجامعات‪ ،‬ىو مخالف ألحكام‬ ‫المادتين (‪ )4‬و(‪ ) 8‬من العيد الدولي‪ ،‬معتبرة أن التفسير المقدم من الدولة الطرف لإلفادة‪ ،‬أن ىؤالء العمال يقدمون‬ ‫)‪(0‬‬

‫خدمات أساسية ال يفي بالشروط المنصوص عمييا في المادتين (‪ )4‬و(‪ )8‬من العيد‪.‬‬

‫ويرى الباحث أن الشرعية الدولية في الوقت الذي منحت الدول األطراف سمطة تقييد وضبط اإلضراب خاصة في‬ ‫المرافق العامة في الدولة‪ ،‬أوجبت مراعاة حق اإلضراب كقاعدة عامة‪ ،‬واالستثناء ىو تقييد ىذا الحق‪ ،‬وىذا التقييد يجب‬ ‫أن يكون وفق ضوابط ومعايير ال تيدر حق المجوء إلى اإلضراب تحت أي ذريعة خاصة فيما يتعمق بالتوسع بالتقييد‬ ‫وصوالً لحظر المجوء لإلضراب في المرافق العامة التي تقدم خدمات جوىرية وأساسية‪ ،‬في ظل عدم وجود تصور واضح‬ ‫لمداللة عمى الخدمات األساسية والمنشآت الجوىرية‪.‬‬ ‫وفي واقع األمر‪ ،‬انتيجت بعض الدول الشرعية الدولية في إقرارىا لحق اإلضراب‪ ،‬مع ضبط ىذا الحق وفق ضوابط‬ ‫وقيود قانونية تحد من التوسع في لجوء الموظفين العامين لإلضراب في المرافق العامة‪ ،‬وىو ما نتناولو بالتوضيح‬ ‫والتفصيل في المطمب الثاني‪.‬‬

‫المطمب الثاني‬ ‫موقف التشريعات الوطنية من ممارسة اإلضراب الوظيفي‪.‬‬ ‫عمدت الدول ومنذ بداية تنظيميا لنشاطيا اإلداري إلى حظر اإلضراب من قبل الموظفين العامين بالمطمق‪ ،‬وذلك من‬ ‫منطمق حماية مبدأ سير المرافق العامة بأنتظام وبإضطراد‪ ،‬وتجنباً إلحداث أي اضطرابات نتيجة ما كان يتسم بو‬ ‫اإلضراب من فوضى وعنف تمس النظام العام‪ ،‬خاصة فيما يتعمق بحقوق المواطنين باإلفادة من ىذه المرافق العامة‪.‬‬ ‫ومع تزايد أحداث اإلضرابات في الدول‪ ،‬وما ط أر عميو من تطور انعكس إيجاباً عمى أسموب اإلضراب بحيث أصبح‬ ‫يتسم بصفة التعبير عن الرأي واختالف في المصالح بين الموظفين العامين واإلدارة العامة‪ ،‬وما صاحب ذلك من تزايد‬ ‫االىتمام الدولي بحقوق اإلنسان وحرياتو العامة خاصة في نطاق الحرية النقابية وما يصاحبو من حق المجوء لإلضراب‬ ‫(‪ )0‬المجنة الدولية المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة (‪ )057‬المتعمقة بحق اإلضراب في كندا‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪42‬‬

‫بوصفو وسيمة من الوسائل المشروعة لتحقيق المطالب المينية والمتعمقة في بيئة العمل والوظيفة العامة‪ ،‬كان لو األثر‬ ‫في اتجاه الدول إلى إقرار حق الموظف العام في اإلضراب وفق ضوابط وقيود قانونية توازن بين ىذا الحق والمصمحة‬ ‫العامة في حماية مبدأ سير المرافق العامة بأنتظام وبإضطراد‪ ،‬بحيث يمكن القول أن حق اإلضراب الوظيفي بات من‬ ‫أىم الحقوق والحريات األساسية ليس فقط عمى العاممين في القطاع الخاص‪ ،‬بل أيضاً لمعاممين في القطاع العام‪ ،‬وقد‬ ‫انتيجت بعض الدول بالتأكيد عمى ىذا الحق بموجب دساتيرىا الوطنية بوصفو أحد الحقوق االقتصادية واالجتماعية التي‬ ‫يتمتع بيا المواطنين عمى حد سواء‪ ،‬وعميو سنعالج ىذا المبحث بتقسيمو إلى فرعين‪ ،‬نعالج في الفرع األول التشريعات‬ ‫الوطنية التي اعترفت باإلضراب الوظيفي ( فرنسا كنموذج)‪ ،‬بينما نتطرق في الفرع الثاني إلى التشريعات الوطنية التي‬ ‫حرمت اإلضراب الوظيفي ( مصر واألردن كنموذج)‪.‬كما يمي‪:‬‬

‫الفرع األول‬ ‫التشريعات الوطنية التي اعترفت باإلضراب الوظيفي ( فرنسا كنموذج)‪.‬‬ ‫وتمثل فرنسا أحد النماذج التي سارت عمى ىذا النيج بموجب دستورىا لعام ‪0946‬م‪ ،‬إذ لم تكن فرنسا قبل ذلك تعترف‬ ‫بحق اإلضراب لمموظفين العامين‪ ،‬بل كانت تعتبره جريمة يعاقب عمييا القانون‪ ،‬انطالقاً من حماية مبدأ سير المرفق‬ ‫العامة بأنتظام وبإضطراد‪ ،‬وىو المبدأ الذي بقي عائقاً إلقرار الحق في اإلضراب في نطاق الوظيفة العامة إلى حين‬ ‫صدور دستور عام ‪0946‬م)‪ ،(0‬والذي أشار في ديباجتو وبصريح النص عمى إضفاء الشرعية عمى اإلضراب بوصفو‬ ‫حق من الحقوق االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مع اإلشارة إلى وجوب ممارستو وفق ضوابط وقيود تنظم في إطار القوانين‬ ‫واألنظمة)‪.(9‬‬ ‫ولم يختمف الدستور الفرنسي الصادر بتاريخ ‪ 04‬أكتوبر عام ‪0958‬م عن دستور عام ‪0946‬م فقد جاء مؤكداً لما‬ ‫تضمنو فيما يتعمق باإلضراب‪ ،‬إال أنو لم يصدر أي نص يتضمن تنظيم ممارسة ىذا الحق إال ما جاء في بعض‬ ‫)‪(3‬‬

‫األحكام بممارسة حق اإلضراب في مرافق معينة‪.‬‬

‫(‪R. Chapus, Droit administratif général,op,cit, p.609.)0‬‬ ‫(‪ )9‬بالن‪ ،‬لوران (‪ ،)0973‬الوظيفة العامة‪ ،‬ترجمة‪ :‬أنطوان عبده‪ ،‬المكتبة العممية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.065‬‬ ‫(‪ )3‬أنظــر‪ :‬أحميــة‪ ،‬ســميمان (‪ ،)0998‬آليــات تســوية منازعــات العمــل والضــمان االجتمــاعي فــي القــانون الج ازئــري‪ ،‬دي ـوان المطبوعــات الجامعيــة‪،‬‬ ‫الجزائر‪ ،‬ص‪.049‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪43‬‬

‫وتبعاً لذلك‪ ،‬نمحظ أن الدستور الفرنسي وان أعترف بحق اإلضراب ومشروعيتو‪ ،‬إال أنو أناط مسألة تنظيم ممارستو إلى‬ ‫القوانين واألنظمة‪ ،‬إذ أن المشرع يمثل الجية الكفيمة بضمانة وحماية حق اإلضراب‪ ،‬إلى جانب حمايتو وكفالتو لحماية‬ ‫مبدأ سير المرفق العام بأنتظام وبإضطراد)‪ ،(0‬وىو األمر الذي غفل عنو ‪ -‬في واقع األمر‪ -‬المشرع الفرنسي‪ ،‬إذ لم يقم‬ ‫بوضع تشريعات وأنظمة تعمل عمى تنظيم اإلضراب خاصة في المرافق العامة‪ ،‬وىو ما أدى إلى البحث في قيمة حق‬ ‫اإلضراب بوصفو من الحقوق الدستورية‪ ،‬في ظل إحالة الدستور لمسألة تنظيمو القانونية لمقوانين واألنظمة‪.‬‬ ‫ويعمق الفقو الفرنسي عمى ذلك بالقول " أن حق موظفي وعمال المرافق العامة في اإلضراب حق مقيد‪ ،‬ال يمكن ممارستو‬ ‫بحسب ما ورد في ديباجة الدستور الفرنسي‪ ،‬بل عمى المشرع أن يتدخل في ىذا المجال ويعمل عمى سن القوانين التي‬ ‫تنظمو‪ ،‬وذلك بتحديد معالمو وبيان أحكامو وطرق ممارستو‪ ،‬وبالتالي إذا لم يتدخل المشرع في ىذا المجال يبقى حق‬ ‫)‪. (9‬‬

‫اإلضراب حق نظري ال يجوز ممارستو والتمتع بو رغم النص عميو دستورياً "‬

‫وقد أخذ مجمس الدولة الفرنسي بيذا التوجو في أحكامو المتعمقة بمشروعية إضراب الموظفين العامين‪ ،‬حيث جاء في‬ ‫أحد أحكامو " إن اعتراف الدستور بحق اإلضراب ال يعني استبعاد القيود التي تحده كغيره من الحقوق األخرى‪ ،‬ويعود‬ ‫لمحكومة إزاء فقدان النص القانوني أن تضع بنفسيا‪ -‬باعتبارىا مسؤولة عمى حسن سير المرافق العامة وتحت رقابة‬ ‫القضاء‪ -‬القيود التي يجب اتخاذىا لممارسة ىذا الحق منع ًا من إساءة استعمالو أو استعمالو كوسيمة لمخالفة النظام‬ ‫)‪(3‬‬

‫العام"‪.‬‬

‫بناء عمى خمو التشريعات الوطنية من تنظيم‬ ‫ولتجنب أي خالف في مسألة نطاق مشروعية إضراب الموظف العام ً‬ ‫لضوابط وقيود اإلضراب في المرافق العامة‪ ،‬لعب مجمس الدولة الفرنسي دو اًر رئيساً في تحديده لطبيعة ىذه الضوابط‬ ‫والقيود‪ ،‬حيث أكد بداية عمى حق موظفي وعمال المرافق إعالن أو القيام باإلضراب دون طردىم أو تعرضيم ألي‬ ‫عقوبة‪ ،‬إال أن ذلك مقصور عمى اإلضراب لمدفاع عن المصالح المينية دون السياسية‪ ،‬ووجوب أن ال يتعارض‬ ‫اإلضراب وواجب الوالء‪ ،‬إضافة إلى تأكيده عمى سمطة الدولة بتنظيم اإلضراب‪ ،‬وبصالحية اتخاذ بعض اإلجراءات لمنع‬

‫(‪R. Chapus, Droit administratif général,op,cit , p.609.)0‬‬ ‫(‪ )9‬مينا‪ ،‬محمد (‪ ،)0975‬مبادئ وأحكام القانون اإلداري في ظل االتجاىات الحديثة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ص‪.303‬‬ ‫(‪ )3‬أنظر في ىذا القرار‪:‬‬ ‫‪- Chrestion, Chrestion, Robert,Syndicalisme et participation dans la Fonction publique, op,cit , p217.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪44‬‬

‫أي تصرف يتنافى والمصمحة العامة‪ ،‬مع خضوع ىذه الصالحية لمرقابة القضائية‪ ،‬كما أضاف مجمس الدولة الفرنسي "‬ ‫أن الحاجة إلى تأمين النظام العام واألمن الوطني واستم اررية الخدمة العامة فرضت أن يحظر ممارسة حق اإلضراب‬ ‫بالنسبة لمموظفين المعنيين مباشرة بمسؤولية الحفاظ عمى األمن والنظام العام من عسكريين وقضاة وعناصر‬ ‫الشرطة"‪.‬‬

‫)‪(0‬‬

‫ومع صدور القانون رقم (‪ )30‬لعام ‪0963‬م‪ ،‬تم التأكيد عمى حق الموظف العام في اإلضراب‪ ،‬بالتزامن مع تنظيمو وفق‬ ‫ضوابط وقيود قانونية تكفل حماية مبدأ سير المرفق العام‪ ،‬وذلك بموجب المادة (‪ )3‬منو‪ ،‬والتي أشارت إلى "وجوب قيام‬ ‫النقابة المنظمة لإلضراب باإلخطار المسبق إلى السمطة الرئاسية المعنية أو إدارة المؤسسة قبل خمسة أيام من بدء‬ ‫اإلضراب‪ ،‬مع وجوب أن يتضمن اإلخطار تحديد لموعد بدء اإلضراب‪ ،‬إضافة إلى مدتو واألسباب الداعية لو"‪ ،‬ولم‬ ‫يختمف األمر عن القانون الفرنسي رقم (‪ )889‬لسنة ‪ ،0983‬والذي أكد عمى حق الموظفين العامين بممارسة اإلضراب‬ ‫بوصفو وسيمة من وسائل التعبير عن الرأي‪ ،‬وتقييد ىذا الحق بالضوابط والشروط المنظمة وفق إطار قانوني ليذه‬ ‫الغاية )‪.(9‬‬ ‫وتاسيساً عمى ما تقدم‪ ،‬نمحظ أن المشرع الفرنسي بموجب أحكام الدستور والتشريعات الداخمية‪ ،‬ينتيج ما سار عميو‬ ‫المجتمع الدولي في إق ارره لحق اإلضراب سواء في القطاع الخاص أو العام‪ ،‬مع وجوب مراعاة ما تنظمو التشريعات‬ ‫الداخمية من ضوابط وقيود ترد عمى ىذا الحق‪.‬‬ ‫ويمكن القول أن ىذا النيج لدى المشرع الفرنسي‪ ،‬وىو ذاتو ما انتيجو المشرع المصري وكذلك نظيره األردني عند‬ ‫اعترافيما الضمني بحق الموظف العام بممارسة اإلضراب‪ ،‬وذلك بعد مصادقتيم عمى العيد الدولي لمحقوق االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية لسنة ‪0966‬م)‪ ،(3‬إال أن المشرع المصري ونظيره األردني أخذا باتجاه مغاير لما تضمنو العيد‬ ‫الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وذلك من حيث عدم إق ارراىما لحق اإلضراب في إطار‬

‫(‪ )0‬أنظ ــر‪ :‬قـ ـرار مجم ــس الدول ــة الفرنس ــي ف ــي قض ــية (ديي ــين)‪ ،‬ت ــاريخ ‪ ،0951/7/7‬مش ــار إلي ــو ف ــي‪ :‬ب ــالن‪ ،‬الوظيف ــة العام ــة‪ ،‬المرج ــع الس ــابق‪،‬‬ ‫ص‪.065‬‬ ‫(‪ )9‬أحمد‪ ،‬عمي (‪ ،)0997‬حق اإلضراب في المرافق العام‪ :‬تطوره‪ -‬تحديد مفيومو‪ -‬نظامو القانوني‪ ،‬مؤسسة دار الكتب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ص‪.37‬‬ ‫(‪ )3‬صادقت مصر عمى العيد الدولي بتاريخ ‪/04‬يناير‪0989/‬م‪ .‬أما األردن فقد صادقت عمى العيد الدولي بتـاريخ ‪/98‬مـايو‪ .0975/‬ونشـر فـي‬ ‫الجريدة الرسمية‪ ،‬العدد رقم (‪ ،)4764‬تاريخ ‪.9116/6/05‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪45‬‬

‫الوظيفة العامة من خالل المسؤولية التأديبية عمى الموظف عند قيامو باإلضراب‪ ،‬وىذا ما سنوضحو في الفرع الثاني‬ ‫كما يمي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‬ ‫التشريعات الوطنية التي لم تعترف باإلضراب الوظيفي ( مصر واألردن كنموذج)‪.‬‬ ‫رغم االعتراف الضمني بحق اإلضراب في مصر بعد مصادقتو عمى العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬ونص المادة (‪ )05‬من الدستور المصري سنة ‪ 9104‬عمى أنو "اإلضراب السممي حق ينضمو‬ ‫الق انون" ‪ ،‬يجد المتتبع لتطور التنظيم القانوني لإلضراب في مصر‪ ،‬أن المشرع المصري لم يشر إلى مسألة اإلضراب‬ ‫وتجريمو)‪ ،(0‬إال بعد صدور قانون العقوبات رقم (‪ )94‬لسنة ‪0950‬م‪ ،‬والذي جرم بموجبو لجوء الموظفين العامين‬ ‫لإلضراب‪ ،‬ولم يختمف األمر في قانون العقوبات المصري المعدل لو بموجب القانون رقم (‪ )99‬لسنة ‪0989‬م‪ ،‬وىو ما‬ ‫يفيم ضمنياً من منطوق المادة (‪ )094‬منو‪ ،‬والتي نصت عمى أنو " إذا ترك ثالثة عمى األقل من الموظفين أو‬ ‫المستخدمين العموميين عمميم ولو في صوره االستقالة أو امتنعوا عمداً عن تأدية واجب من واجبات وظيفتيم متفقين‬ ‫عمى ذل ك أو مبتغين منو تحقيق غرض مشترك عوقب كل منيم بالحبس مده ال تقل عن ثالثة أشير وال تتجاوز سنو‬ ‫وبغرامو ال تزبد عمى مائو جنيو‪ ،‬ويضاعف الحد األقصى ليذه العقوبة إذا كان الترك أو االمتناع من شانو أن يجعل‬ ‫حياه الناس أو صحتيم أو أمنيم في خطر‪ ،‬أو كان من شانو أن يحدث اضطراباً أو فتنة بين الناس أو اضر بمصمحو‬ ‫عامو‪ ،‬وكل موظف أو مستخدم عمومي ترك عممو أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفتو بقصد عرقمو سير العمل أو‬ ‫اإلخالل بانتظامو يعاقب بالحبس مده ال تجاوز ستة أشير أو بغرامو ال تجاوز خمسمائة جنيو ويضاعف الحد األقصى‬ ‫ليذه العقوبة إذ ا كان الترك أو االمتناع من شانو أن يجعل حياة الناس أو صحتيم أو أمنيم في خطر أو كان من شانو‬ ‫أن يحدث اضطرابا أو فتنو بين الناس أو إذا اضر بمصمحو عامو"‪.‬‬ ‫وتعميقاً عمى منطوق ىذه المادة‪ ،‬يرى البعض‪ ،‬وىو ما نؤيده في ىذا الخصوص " أن المشرع المصري بموجب ىذه‬ ‫المادة قد جرم اإلضراب‪ ،‬ودون أن يميز بين عمال مرافق االمتياز وغيرىم من الموظفين في تحريم اإلضراب‪ ،‬ولم‬ ‫يقتصر عمى ذلك بل شمل عمال المرافق العامة والمدراء بأي طريقة كانت‪ ،‬وامتد ىذا القانون إلى المستخدمين واألجراء‬ ‫(‪ )0‬أنظر‪ :‬مينا‪ ،‬مبادئ و أحكام القانون اإلداري في ظل االتجاىات الحديثة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.978‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪46‬‬

‫الذين يقومون بخدمات عامة أو بعمل يسد حاجة عامة‪ ،‬ولو لم يكن موضوعاً ليا نظام خاص‪ ،‬وبذلك فيي تشمل عمال‬ ‫المشروعات الخاصة ذات النفع العام التي تؤدي خدمات ىامة لمجميور‪ ،‬وان كانت ال ترقى إلى مرتبة المرافق العامة ‪،‬‬ ‫كعمال شركات الصناعات الكبرى والمستشفيات الخاصة‪ ،‬كونيم يقومون بعمل يسد حاجة عامة‪ ،‬ولم يوضع لو نظام‬ ‫)‪(0‬‬

‫خاص كما ىو الشأن في المرافق العامة"‪.‬‬

‫ومن ىنا‪ ،‬نمحظ أنو بعد مصادقة مصر عمى العيد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬أصبحت المادة‬ ‫(‪ )094‬من قانون العقوبات المصري تشكل مخالفة صريحة لبنود ىذا العيد الدولي‪ ،‬إذ من غير المتصور أن يكون‬ ‫اإلضراب حقاً لمموظف العام والعاممين في المرافق العامة‪ ،‬وفي ذات الوقت يتم تجريمو في قانون العقوبات‪ ،‬إذ أن حق‬ ‫اإلضراب قد ُنص عميو في االتفاقية سالفة البيان عمى أن يمارس وفقًا لقوانين الدولة‪ ،‬فإنو في ضوء عدم تنظيم المشرع‬ ‫المصري لحق العامل في اإلضراب‪ ،‬ال يجوز القول بحظر ىذا الحق لحين صدور ذلك التشريع‪ ،‬وانما يخضع في‬ ‫مباشرتو لرقابة القضاء في ضوء الظروف والمالبسات المحيطة بممارستو‪ ،‬مستيدياً في ذلك بالشريعة العامة لضوابط‬ ‫ممارسة الحق‪.‬‬ ‫وفي ىذا الخصوص‪ ،‬ذىب القضاء المصري إلى أن العيد الدولي نسخ النص في قانون العقوبات والذي كان يتضمن‬ ‫ع قوبة جنائية عمى اإلضراب بعد مصادقة مصر عميو‪ ،‬باعتبار أن العيد الدولي الحق عميو ولو قوة قانونية مماثمة‬ ‫لمتشريع وفقاً لنصوص الدستور المصري‪ ،‬حيث قررت محكمة أمن الدولة المصرية بأنو " مصر دولة طرف في العيد‬ ‫الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية الذي ينص في المادة الثامنة منيا عمى أنو “ تتعيد الدول األطراف في االتفاقية‬ ‫الحالية بأن تكفل الحق في اإلضراب عمى أن يمارس طبقا لقوانين الدولة‪ ...‬وىذا النص قاطع الداللة في أن عمى الدولة‬ ‫المنضمة لالتفاقية االلتزام بأن تكفل الحق في اإلضراب بمعنى أنو صار معترفاً بو كحق مشروع من حيث المبدأ وال‬ ‫يجوز العصف بو كمياً وتحريمو عمى اإلطالق واال فإن ذلك مصادرة كاممة لمحق ذاتو وما تممكو الدول المنضمة‬ ‫لالتفاقية ال يعدو أن يكون مجرد تنظيم ذلك الحق المقرر بحيث تنظيم التشريعات الداخمية طريقة ممارسة ذلك الحق‬ ‫وىناك فرق بين نشأة ووضع قيود عمى ممارستو‪ ،‬وعدم وضع تنظيم لذلك الحق ال يعنى عمى اإلطالق العصف بو أو‬ ‫تأجيمو لحين وضع تمك النظم واال الستطاعت أية دولة التحمل من التزاميا بعد وضع تنظيم لممارسة ذلك الحق‪ ،‬ولما‬ ‫(‪ )0‬الطماوي‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.414‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪47‬‬

‫كان اإلضراب قانونا ىو االمتناع الجماعي المتفق عميو بين مجموعة من العاممين عن العمل لفترة مؤقتة لممارسة‬ ‫الضغط لالستجابة لمطالبيم فإن الواضح من ىذين النصين وجود تعارض بين التشريع الداخمي واالتفاقية المذكورة مما‬ ‫يتعين بحث أييما األجدر بالتطبيق‪ ،‬لذلك ينبغى أوال معرفة القوة التي تتمتع بيا القاعدة االتفاقية الدولية في مواجية‬ ‫القاعدة التشريعية العادية وىل تعتبر في نفس مرتبة التشريع باعتبار أن كمييما صادر من السمطة صاحبة السيادة في‬ ‫الدولة‪ ،‬أم إنو يجب اعتبار المعاىدة تحمل وزنا أكبر من التشريع الداخمي إذ أنيا تتضمن في الوقت ذاتو التزام الدولة‬ ‫قبل الدول األخرى األطراف في المعاىدة باتباع القاعدة في حين أن الدولة ال يقع عمييا أي التزام دولي باألخذ بالقاعدة‬ ‫التشريعية إال أن ىذا االعتبار ال يمكن األستناد إليو في المجال الداخمي لتفضيل القاعدة التي تقضي بيا المعاىدة عمى‬ ‫القاعدة التشريعية‪ ،‬فمسؤولية الدولة في المجال الدولي شيء وقيام القضاء الداخمي بتطبيق المعاىدة شيء آخر فالقاضي‬ ‫الوطني ال يطبق المعاىدة تأسيسا عمى أن دولتو قد التزمت دولياً بتطبيقيا بل يطبقيا باعتبارىا جزًء من قوانين الدولة‬ ‫وقضاء بأنو متى قرر الشارع حقاً‬ ‫الداخمية إذا ما تم استيفاؤىا لمشروط الالزمة لنفاذىا داخل اإلقميم‪ ،‬و من المقرر فقياً‬ ‫ً‬ ‫اقتضى ذلك حتماً إباحة الوسيمة إلى استعمالو أي إباحة األفعال التي تستيدف االستعمال المشروع لمحق وكذلك النتائج‬ ‫اء لمحصول عمى ما يتضمنو من مزايا أو لمباشرة ما يخولو من قواعد القانون إذ يصدم‬ ‫المترتبة عمى ىذا االستعمال سو ً‬ ‫المنطق أن يقرر الشارع حقاً ثم يعاقب عمى األفعال التي يستعمل بيا فيكون معنى ذلك التناقض بين قواعد القانون‬ ‫وتجريد الحق من كل قيمة‪ ،...‬وقد نصت عمى ذلك المادة (‪ )61‬من قانون العقوبات فجرى نصيا عمى أنو ” ال تسري‬ ‫أحكام قانون العقوبات عمى كل فعل ارتكب بنية سميمة عمالً بحق مقرر بمقتضى الشريعة”‪ ،‬وقد جاءت ىذه المادة‬ ‫تأكيداً لما جاء بالمادة (‪ )7‬من قانون العقوبات – التي تقرر أنو “ ال تخل أحكام ىذا القانون في أي حال من األحوال‬ ‫بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء”‪ ،‬ومكررة ذلك االعتراف بتمك الحقوق ومضيفة إليو اعترافاً بالحقوق التي‬ ‫يقررىا التشريع الوضعي بصفة عامة فقد رأى المشرع أن يوسع من نطاق المادة (‪ )7‬فجعمو شامالً كل الحقوق التي يعد‬ ‫استعماليا سبباً لإلباحة حتى يكون مقر اًر لمقاعدة العامة في ىذا الشأن وىو أمر يتفق مع المنطق وفمسفة القانون فإذا‬ ‫أباح المشرع فعالً من األفعال فمن غير المقبول أن يحاسب بعد ذلك عمى ما قد يحدث نتيجة ليذا الفعل"‪.‬‬

‫)‪(0‬‬

‫(‪ )0‬قرار محكمة أمن الدولة عميا طوارئ‪ ،‬تاريخ ‪ ،0986/7/7‬مشار إليو في‪ :‬شقير‪ ،‬يحيى (‪ ،)9104‬تعقيبا عمى قرار ديوان تفسير القوانين‬ ‫بعدم مشروعية إضراب المعممين‪ ،‬مقال منشور في صحيفة العربي اليوم‪ ،‬تاريخ ‪ ،9104/01/9‬العدد عمان األردن‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪48‬‬

‫وبالنظر إلى الدستور المصري‪ ،‬نجد انو اعترف بحق اإلضراب ودون تمييز بين اإلضراب في القطاع الخاص‬ ‫واإلضراب في القطاع العام‪ ،‬وذلك بإطالق نص المادة (‪ )05‬منو‪ ،‬والتي جاء فييا "اإلضراب السممي حق ينظمو‬ ‫القانون"‪ ،‬وىو ما خالفو قانون العقوبات عند حظره لإلضراب في المرافق العامة تحت طائمة المسؤولية الجنائية‪ ،‬وىو ما‬ ‫يستدعي بالضرورة توجو المشرع المصري إلعادة النظر في قانون العقوبات‪ ،‬ومجاراة العيد الدولي لمحقوق االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية التي أقرت حق اإلضراب في القطاع العام‪ ،‬والذي صادقت عميو مصر في ‪ 04‬يناير ‪،0989‬‬ ‫إضافة إلى مراعاة ما شممو الدستور المصري من تعارض صريح ومباشر بيذا الحق‪.‬‬ ‫وبالنظر إلى التشريع الوطني في األردن‪ ،‬نجد أنو يساير في منيجو ما انتيجو المشرع المصري في مدى إق ارره لحق‬ ‫اإلضراب في إطار الوظيفة العامة‪ ،‬إذ رغم مصادقتو عمى العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية‬ ‫والثقافية لسنة ‪0966‬م‪ ،‬والميثاق العربي لحقوق األنسان ‪ ،(0) 9114‬والذي تم نشره في الجريدة الرسمية بالعدد رقم‬ ‫(‪ )4764‬تاريخ ‪ 05‬حزيران (يونيو) ‪ ،9116‬وما يتضمنو ىذا العيد من اعتراف صريح بحق اإلضراب‪ ،‬إال أن المشرع‬ ‫األردني ل م يراعي القيمة القانونية لمعيد الدولي بوصفو أعمى مرتبة من القوانين والتشريعات الداخمية‪ ،‬والتي توجب‬ ‫إعماليا والغاء أي تشريع داخمي يتعارض معيا‪ ،‬إذ أشار في نظام الخدمة المدنية إلى حظر اإلضراب بصورة مطمقة‬ ‫وتحت طائمة المسؤولية التأديبية لمموظف العام‪.‬‬ ‫وىذا ما يفيم من منطوق المادة (‪ )68‬من نظام الخدمة المدنية رقم (‪ )89‬لسنة ‪ ،9103‬والتي نصت عمى أنو‪ ":‬يحظر‬ ‫عمى الموظف وتحت طائمة المسؤولية التأديبية اإلقدام عمى أي من األعمال التالي ـ ـ ـ ــة‪ :‬أ‪ -‬ترك العمل أو التوقف عنو‬ ‫دون عذر مشروع يقبمو المرجع المختص‪ ... .‬ج‪ -‬استغالل وظيفتو لخدمة أغراض أو أىداف أو مصالح حزبية أو القيام‬ ‫أو االشتراك في أي مظاىرة أو إضراب أو اعتصام أو التحريض عمييا أو أي عمل يمس بأمن الدولة ومصالحيــا‪ ،‬أو‬ ‫يضر أو يعطل مصالح المواطنين والمجتمع والدولة"‪.‬‬ ‫ونرى أن ىذا التوجو لدى المشرع األردني من حظر اإلضراب بشكل مطمق‪ ،‬إضافة إلى توسعو في مفيوم اإلضراب‬ ‫بوصفو وسيمة من الوسائل غير المشروعة التي يمجأ إلييا الموظفين العامين لمضغط عمى اإلدارة لتحقيق مطالبيم‪،‬‬

‫(‪ )0‬انظم األردن إلى معاىدة العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬حيث وقع عمييا في ‪30‬يونيو ‪ ،0979‬وتمت‬ ‫المصادقة عمييا في ‪ 98‬مايو ‪ ،0975‬كما انظم إلى الميثاق العربي لحقوق األنسان‪ ،‬حيث وقع وصدق عميو في ‪ 98‬اكتوبر ‪9114‬م ‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪49‬‬

‫ويعزى إلى تحقيق أكبر قدر من الحماية لممصمحة العامة في حفظ النظام العام‪ ،‬وكفالة مبدأ سير المرفق العام بانتظام‬ ‫وب اضطراد‪ ،‬إال أن ىذا المبرر ال يكفي لمقول بحظر اإلضراب بشكل مطمق‪ ،‬خاصة في ظل ضرورة مراعاة الحقوق‬ ‫والحريات العامة لممواطنين‪ ،‬خاصة في نطاق وصف اإلضراب بأنو أحد الحقوق األساسية المتعمقة بحق حرية التعبير‬ ‫عن الرأي‪ ،‬والتي أشار إلييا الدستور األردني في المادة (‪ ،)05‬والتي جاء فييا‪ -0":‬تكفل الدولة حرية الرأي‪ ،‬ولكل‬ ‫أردني أن يعرب بحرية عن رأيو بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن ال يتجاوز حدود القانون" ‪،‬‬ ‫وفي ىذا اإلطار يعتبر اإلضراب ركنا أساسيا من أركان الحق في االجتماع العام الذي كرستو المادة ‪ 06‬من الدستور‬ ‫األردني‪ ،‬ومظي ار من مظاىر حرية الرأي والتعبير المنصوص عمييا في المادة ‪ 05‬من الدستور‪.‬‬ ‫ونرى في ىذا الخصوص‪ ،‬أن من المفارقات في واقع ما شيده األردن من إضرابات عدة في أكثر من مرفق عام‪ ،‬إال أن‬ ‫السمطة العامة في الدولة لم تعمد إلى إعمال نص المادة (‪ )68‬من نظام الخدمة المدنية‪ ،‬والمتعمقة بسمطة اإلدارة في‬ ‫توقيع الجزاء التأديبي عمى الموظفين في حال قياميم بمجوئيم لإلضراب عن العمل‪ ،‬وتوقف العمل في المرفق العام‪،‬‬ ‫والذي كان نتيجة حتمية إلى عدم تطرق القضاء اإلداري األردني ألي حالة من حاالت إضراب الموظفين العامين‪.‬‬ ‫إال أنو ا لممفت لمنظر في ىذا الخصوص‪ ،‬ىو توجو رئاسة الوزراء في األردن إلى الديوان الخاص في تفسير القوانين‬ ‫إلصدار قرار تفسيري عمى ضوء إضراب العاممين في و ازرة التربية والتعميم في منتصف عام ‪ ،9104‬والذي أدى إلى‬ ‫توقف العمل في العديد من المرافق التعميمية في األردن‪ ،‬لموصول إلى مدى مشروعيتو أو مخالفتو ألحكام القانون‪ ،‬حيث‬ ‫تطرق الديوان الخاص بالتفسير إلى مجموعة من القوانين واألنظمة المتعمقة بيذا اإلضراب والمتمثمة بقانون التربية‬ ‫والتعميم‪ ،‬ونظام الخدمة المدنية‪ ،‬إضافة إلى ما يتضمنو العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬ ‫من تنظيم لحق اإلضراب الوظيفي‪.‬‬ ‫ابتداء إلى أن إضراب‬ ‫وقبل سبر أغوار ما توصل إليو الديوان الخاص بالتفسير في ق ارره التفسيري‪ ،‬ال بد من اإلشارة‬ ‫ً‬ ‫الموظفين العامين ىو في طبيعتو نزاع بين الموظفين العامين واإلدارة العامة‪ ،‬ونتيجة لطبيعة العالقة التنظيمية بين‬ ‫الموظف العام والدولة‪ ،‬يكون القضاء اإلداري ىو الجية الوحيده المختصة بالفصل في مثل ىذه النزاعات دون غيرىا من‬ ‫الجيات الرسمية في الدولة‪ ،‬وأن المجوء إلى جية أخرى غير القضاء اإلداري يمثل انتياك الختصاص القضاء وانتقاص‬ ‫من دوره في تحقيق العدالة المرجوة بأكمل وأدق صورىا‪ ،‬ومن جية أخرى‪ ،‬ال بد من اإلشارة إلى أن القواعد القانونية‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪50‬‬

‫الواضحة المعنى ال تحتاج إلى تفسير وال يجوز تأويميا إلى مدلول غير مدلوليا الواضح‪ ،‬وىو ما ينطبق عمى النصوص‬ ‫القانونية المطالب من الديوان الخاص إصدار ق ارره التفسيري بخصوصيا‪ ،‬وذلك من حيث وضوح حظر اإلضراب في‬ ‫نظام الخدمة المدنية وعدم مشروعيتو بشكل مطمق تحت طائمة المسؤولية التأديبية‪ ،‬وفي المقابل وضوح مشروعية‬ ‫اإلضراب كمبدأ عام وفق العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية وضبطو في إطاره القانوني‬ ‫بموجب التشريعات الوطنية لمدولة‪.‬‬ ‫ونرى في ىذا الخصوص‪ ،‬أنو وان كان من األصح المجوء إلى الديوان الخاص لتفسير القانون‪ ،‬لتحديد مدى مشروعية‬ ‫اإلضراب‪ ،‬فإن ذلك يتوجب أن تدور اإلشكالية في مدى التوافق أو التعارض بين ما تضمنو نظام الخدمة المدنية من‬ ‫حظر مطمق لإلضراب‪ ،‬وبين شرعيتو بموجب العيد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والميثاق العربي‬ ‫لحقوق األنسان‪ ،‬ومناط ىذا التوافق أو التعارض‪ ،‬وىي مسألة تجاىميا الديوان الخاص بتفسير القوانين‪ ،‬خاصة مع عدم‬ ‫تطرقو لتحميل ٍ‬ ‫كاف وشامل لمضمون المادة (‪ )8‬من العيد الدولي والمتضمنة شرعية اإلضراب كقاعدة عامة‪.‬‬ ‫ابتداء إلى وجوب إقرار حق المجوء إلى اإلضراب بوصفو من الوسائل‬ ‫حيث أن العيد الدولي يدعو الدول األطراف ليقر‬ ‫ً‬ ‫المشروعة لتحقيق المطالب المينية‪ ،‬ومن ثم يقر حق الدولة في ضبط ىذا الحق في إطار قانوني منظم لشروطو والقيود‬ ‫الواردة عميو‪ ،‬وىو ما يخالفو نظام الخدمة المدنية األردني حين حظر اإلضراب بشكل مطمق‪ ،‬وتقرير مخالفتو ألحكام‬ ‫القانون بشتى صوره وميما كانت تداعياتو وأسبابو‪.‬‬ ‫ويمكن القول أن قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين جاء مخالفاً ألبسط قواعد العدالة وكفالة الحقوق والحريات العامة‪،‬‬ ‫من حيث تأكيده عمى صحة توجو المشرع األردني في المساواة بين حظر ممارسة الحق وتقييد ممارستو في إطار قانوني‬ ‫منظم لو‪ ،‬مستنداً بذلك بتحميل جانب الصواب لمنطوق المادة (‪ )8‬من العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬حيث خمص الديوان الخاص بتفسير القوانين في ق ارره إلى أن "إضراب المعممين ألحق ضر اًر‬ ‫بمصمحة الطمبة وحقيم في التعميم وأنو أسموب غير مشروع في تبني مطالب المعممين ويشكل مخالفة ألحكام قانون‬ ‫التربية والتعميم وقانون نقابة المعممين ونظام الخدمة المدنية والعيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية‬ ‫والثقافية"‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪51‬‬

‫ونرى بعدم صواب ما ذىب إليو القرار الصادر من ديوان تفسير القوانين في صحة عدم مشروعية اإلضراب في‬ ‫المنشآت التعميمية لما ينتج عنو من ضرر عمى الحياة التعميمية في الدولة والحق المقدس في التعميم‪ ،‬وبالصورة التي‬ ‫توصل إلييا‪ ،‬كون ذلك مخالف لما توصمت إليو المجنة الدولية لحقوق اإلنسان في تحديدىا لنطاق المنشآت الجوىرية‬ ‫التي من الجائز حظر اإلضراب فييا‬

‫)‪.(0‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬أن نظام الخدمة المدنية األردني يشوبو مخالفة صريحة وصارخة لمنطوق المادة (‪ )8‬من العيد الدولي‬ ‫الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وسنداً إلعمال مبدأ سمو المعاىدات الدولية عمى القوانين الوطنية‪،‬‬ ‫فإن ذلك يدفعنا لمتأكيد عمى مخالفة أحكام الفقرة الثالثة من المادة (‪ )68‬من نظام الخدمة المدنية لمعيد الدولي والميثاق‬ ‫العربي لحقوق األنسان‪ ،‬وبالتالي عدم إعمال المادة (‪ )68‬من نظام الخدمة المدنية المتعمق بالحظر المطمق لإلضراب‬ ‫في المرافق العامة‪ ،‬كون العيد الدولي ىو الواجب التطبيق في ىذا الخصوص وليس نظام الخدمة المدنية‪ ،‬وذلك تبعاً‬ ‫لما تتمتع بو من صفة النفاذ بعد موافقة مجمس االمة عمييا بموجب أحكام المادة (‪ )9/33‬من الدستور األردني)‪ ،(9‬وما‬ ‫يترتب عمى ذلك من إعمال مبدأ سمو المعاىدات الدولية عمى القوانين الداخمية‪ ،‬وذلك رغم عدم وضوح ىذا النص‬ ‫الدستوري في أولوية تطبيق المعاىدات الدولية عمى القانون الداخمي‪ ،‬إال أن ذلك مرده إلى ما استقر عميو القضاء‬ ‫االردني من تطبيق قواعد القانون الدولي‪ ،‬حتى ولو قام التعارض بينيا وبين قواعد القانون الوطني ويدل ذلك بوضوح‬ ‫عمى األخذ بسمو القانون الدولي ومن ضمنيا المعاىدات الدولية عمى القانون الداخمي‪.‬‬ ‫وبناء عمى ما تقدم‪ ،‬يترتب عمى ذلك من بطالن أي قرار إداري صادر بمقتضى المادة (‪ )68‬من نظام الخدمة المدنية‬ ‫األردني‪ ،‬ومفاد ذلك وجوب االعتراف بحق الموظفين العامين في المجوء لإلض ارب‪ ،‬ولكفالة حماية سير المرفق العام‬ ‫بانتظام وباضطراد‪ ،‬يتم تنظيم ممارسة ىذا الحق في إطار قانوني منظم لشروط وقيود ممارسة ىذا الحق كما انتيجتو‬ ‫العديد من الدول وفق تشريعاتيا الداخمية وما استقر عميو الفقو والقضاء في ىذه الدول‪.‬‬

‫(‪ )0‬المجنة الدولية المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة (‪ )057‬المتعمقة بحق اإلضراب في كندا‪ ،‬ص‪.31‬‬ ‫(‪ )9‬أنظر‪ - :‬العكور‪ ،‬عمر وآخرون (‪ ،)9103‬مرتبة المعاىدات الدولية في التشريعات الوطنية والدستور األردنـي‪ ،‬مجمـة د ارسـات عمـوم الشـريعة‬ ‫والقانون‪ ،‬المجمد (‪ ،)41‬العدد (‪ ،)0‬الجامعـة األردنيـة‪ ،‬األردن‪ ،‬ص‪ 89‬ومـا بعـدىا‪ ،‬شـطناوي‪ ،‬فيصـل (‪ ،)9105‬الرقابـة عمـى دسـتورية المعاىـدات‬ ‫الدولية‪ ،‬مجمة دراسات عموم الشريعة والقانون‪ ،‬العدد‪ ،‬المجمد (‪ ،)0( ،)49‬الجامعة األردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬ص‪.51‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪52‬‬

‫الخاتمة‬ ‫تطرقت ىذه الدراسة إلى تسميط الضوء عمى األتجاىات القانونية لتنظيم اإلضراب الوظيفي في االتفاقيات الدولية‬ ‫والتشريعات الوطنية في كالً من فرنسا ومصر واالردن‪ ،‬حيث اقر العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية‬ ‫والثقافية لسنة ‪0966‬م‪ ،‬والميثاق العربي لحقوق األنسان بكفالة حق اإلضراب شريطة ممارستو وفقاً لقوانين البمد‬ ‫المعني‪ ،‬في حين تباينت التشريعات الوطنية في االعتراف بيذا الحق لمموظف العام‪.‬‬ ‫وعمى ضوء ما توصمنا إليو في ىذه الدراسة من خالل البحث في مضمون اإلضراب وبيان مفيومو وصوره‪ ،‬وتحديد‬ ‫األتجاىات القانونية المنظمة لممارسة الموظف العام لإلضراب الوظيفي‪ ،‬من حيث نطاق مشروعية اإلضراب في‬ ‫االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية‪ ،‬فقد خمصنا إلى مجموعة من النتائج والتوصيات ‪ ،‬والتي نوردىا في النقاط‬ ‫التالية‪:‬‬

‫النتائج‬ ‫‪ -0‬اإلضراب في المرافق العامة ىو داللة عمى اتفاق الموظفين العموميين بعضيم أو كميم عمى التوقف أو االمتناع‬ ‫عن أداء أعماليم الموكمة ليم في إدارة المرفق العام لمدة مؤقتة‪ ،‬مع تمسكيم بوظيفتيم ومزاياىا‪ ،‬بغية الضغط عمى‬ ‫اإلدارة العامة لتمبية مطالبيم المينية المشروعة‪ ،‬ويؤخذ اإلضراب الوظيفي صو اًر وأشكال متعددة فقد يكون إضراباً مينياً‬ ‫أو سياسياً أو مختمطاً‪.‬‬ ‫‪ -9‬األتفاقيات الدولية كالعيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية عام ‪ ،0966‬والميثاق العربي‬ ‫لحقوق األنسان عام ‪ 9114‬أكد بشكل واضح وصريح عمى أن األضراب الوظيفي حق من حقوق الموظفين العموميين‬ ‫وفقاً لضوابط وشروط محددة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تتباين موقف التشريعات الوطنية من اإلضراب الوظيفي إلى طائفتين‪ ،‬والطائفة األولى سمحت لمموظف بممارسة‬ ‫اإلضراب وفقاً لضوابط وقيود معينة‪ ،‬بينما الطائفة أألخرى حرمت بشكل مطمق ممارسة اإلضراب رغم مصادقتيا عمى‬ ‫اتفاقيات دولية تقر باإلضراب الوظيفي‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪53‬‬

‫‪ -4‬التشريعات الوطنية التي أقرت حق اإلضراب لمموظفين العموميين‪ ،‬قد أخذت بتنظيم ىذا الحق وتقييده وفق ضوابط‬ ‫وشروط محددة‪ ،‬تنصرف في واقعيا عمى طبيعة الغاية من اإلضراب والتوقف أو االمتناع عن العمل في المرفق العام‪،‬‬ ‫وذلك باقتصاره عمى وجوب أن تكون الغاية منو تحقيق مطالب مينية دون تعمقيا بمطالب سياسية عامة‪.‬‬ ‫‪ -5‬المش رع الفرنسي بموجب أحكام الدستور والتشريعات الداخمية‪ ،‬ينتيج ما سار عميو المجتمع الدولي في إق ارره لحق‬ ‫اإلضراب سواء في القطاع الخاص أو العام‪ ،‬مع وجوب مراعاة ما تنظمو التشريعات الداخمية من ضوابط وقيود ترد عمى‬ ‫ىذا الحق‪.‬‬ ‫‪ -6‬المشرع المصري واألردني‪ -‬رغم نص الدستور فييما عمى حق اإلضراب الوظيفي وتصديقيما عمى إتفاقيات دولية‬ ‫تعترف بحق الموظف العام في اإلضراب – فقد تم إصدار تشريعات وطنية تعارض حق المشرع في اإلضراب الوظيفي‪.‬‬

‫التوصيات‬ ‫‪ -0‬ندعو المشرع الوطني في الدول التي صادقت عمى اتفاقيات دولية ‪ -‬كالعيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية لسنة ‪0966‬م‪ -‬بإعادة النظر في تشريعاتيا الوطنية التي تحرم الموظفين العموميين من المجوء إلى‬ ‫اإلضراب الوظيفي‪.‬‬ ‫‪ -9‬ندعو المشرع الوطني عند تنظيمو القانوني لإلضراب إلى تنظيم مسألة التسوية السممية بواسطة المفاوضات قبل‬ ‫لجوء الموظفين العامين لإلضراب أي وضع ضوابط وقيود عمى ىذا الحق‪ ،‬عمى غرار ما انتيجو المشرع الفرنسي في‬ ‫ىذا الخصوص‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب أن تقتصر مشروعية اإلضراب بوصفو حق لمموظف العام عمى اإلضرابات المينية دون السياسية‪ ،‬مع تحديد‬ ‫معايير لمتمييز بينيما‪ ،‬وىو ما يتطمب تحديده بصورة واضحة عند تنظيم ممارسة الموظف العام لحق اإلضراب‪ ،‬وذلك‬ ‫لتجنب أي إشكالية في خصوص مشاركة الموظف العام في إضراب ذو طابع سياسي‪.‬‬ ‫‪ -4‬في حال أقر المشرع األردني والمصري حق اإلضراب لمموظف العام‪ ،‬ال نجد أي تعارض مع الشرعية الدولية في‬ ‫أن يصدر المشرع أنظمة خاصة لتحديد المنشآت الجوىرية والحيوية التي يحظر عمى العاممين فييا ممارسة حق‬ ‫اإلضراب‪ ،‬مع عدم التوسع والغمو في تحديده ليذه المنشآت‪ ،‬مع إخضاع ىذا النظام لمرقابة القضائية‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪54‬‬

‫قائمة المراجع والمصادر‬ ‫أوالً‪ :‬المراجع العربية‬ ‫‪ -1‬ابن منظور (‪ ،)0955‬لسان العرب‪ ،‬المجمد الثاني‪ ،‬دار صادر لمطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪ -9‬أبو عمرو‪ ،‬مصطفى (‪ ،)9119‬التنظيم القانوني لحق اإلضراب في القانون المصري والفرنسي والتشريعات العربية‪،‬‬ ‫دار الكتب القانونية‪ ،‬القاىرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬احمد العابد وآخرون (‪ )0989‬المعجم العربي األساسي‪ ،‬المنظمة العربية لمتربية والثقافة والعموم‪ ،‬من دون مكان‬ ‫طبع‪.‬‬ ‫‪ -4‬أحمد‪ ،‬عمي (‪ ،)0997‬حق اإلضراب في المرافق العام‪ :‬تطوره‪ -‬تحديد مفيومو‪ -‬نظامو القانوني‪ ،‬مؤسسة دار‬ ‫الكتب‪ ،‬الكويت‪.‬‬ ‫‪ -5‬أحمية‪ ،‬سميمان (‪ ،)0998‬آليات تسوية منازعات العمل والضمان االجتماعي في القانون الجزائري‪ ،‬ديوان‬ ‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.‬‬ ‫‪ -6‬بسيوني‪ ،‬عبد الغني (‪ ،)9113‬النظرية العامة في القانون اإلداري‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪ -7‬بالن‪ ،‬لوران (‪ ،)0973‬الوظيفة العامة‪ ،‬ترجمة‪ :‬أنطوان عبده‪ ،‬المكتبة العممية‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪ -8‬الجب ــالي‪ ،‬عم ــي (‪ ،) 9104‬أحقي ــة الم ــوظفين الع ــامين ف ــي اإلضـ ـراب ف ــي الق ــانون األردن ــي‪ :‬د ارس ــة ميداني ــة‪ ،‬رس ــالة‬ ‫ماجستير‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬عمان األردن‪.‬‬ ‫‪ -9‬السـيد‪ ،‬نايـل (‪ ،) 0988‬مـدى مشـروعية اإلضـراب وأثـره عمـى العالقـات التعاقديـة‪ :‬د ارســة مقارنـة‪ ،‬مكتبـة سـيد عبــد اهلل‬ ‫وىبة‪ ،‬القاىرة‪.‬‬ ‫‪ -01‬شطناوي‪ ،‬فيصل (‪ ،)9105‬الرقابة عمى دستورية المعاىدات الدولية‪ ،‬مجمة دراسات عموم الشريعة والقانون‪ ،‬العدد‪،‬‬ ‫المجمد (‪ ،)0( ،)49‬الجامعة األردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬ص‪.51‬‬ ‫‪ -00‬شقير‪ ،‬يحيى (‪ ،)9104‬تعقيبا عمى قرار ديوان تفسير القوانين بعدم مشروعية إضراب المعممين‪ ،‬مقال منشور في‬ ‫صحيفة العربي اليوم‪ ،‬تاريخ ‪ ،9104/01/9‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬ ‫‪ -09‬الطماوي‪ ،‬سميمان (‪ ،)0996‬الوجيز في القانون اإلداري‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاىرة‪.‬‬


‫المجلة األكاديمية العالمية للدراسات الق انونية‬

‫‪55‬‬

‫‪ -03‬العك ــور‪ ،‬عم ــر وآخ ــرون (‪ ،)9103‬مرتب ــة المعاى ــدات الدولي ــة ف ــي التشـ ـريعات الوطني ــة والدس ــتور األردن ــي‪ ،‬مجم ــة‬ ‫دراسات عموم الشريعة والقانون‪ ،‬المجمد (‪ ،)41‬العدد (‪ ،)0‬الجامعة األردنية‪ ،‬األردن‪.‬‬ ‫‪ -04‬قنديل‪ ،‬اشرف (‪ ،)9104‬اإلضراب بين اإلباحة والتجريم‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪ -05‬المحمودي‪ ،‬ميثم (‪ ،)9106‬حق اإلضراب بين الحظر واإلباحة" دراسة مقارنة‪ ،‬دار الفكر والقانون لمنشر والتوزيـع‪،‬‬ ‫المنصورة‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪ -06‬مينا‪ ،‬محمد (‪ ،)0975‬مبادئ وأحكام القانون اإلداري في ظل االتجاىات الحديثة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاىرة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬المراجع األجنبية‬ ‫‪1- Chrestion, Robert,Syndicalisme et participation dans la Fonction publique, Berger le‬‬ ‫‪vrayit, 1988.‬‬ ‫‪2- G.H. Camerlynck, G. Lyon-Caen, Droit de travail, Dalloz, 1994.‬‬ ‫‪3- R. Chapus, Droit administratif général, T.2, 12e éd, Montchrestien – E.J.A.,‬‬ ‫‪Paris,1999.‬‬ ‫‪4- Latournerie, Le droit français de la grève, Étude théorique et pratique, Paris,‬‬ ‫‪Sirey,1972.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬القوانين واألنظمــة‬ ‫‪ -0‬نظام الخدمة المدنية األردني رقم (‪ )89‬لسنة ‪.9103‬‬ ‫‪ -9‬قانون العقوبات المصري رقم (‪ )95‬لسنة ‪.9113‬‬ ‫‪ -3‬القانون الفرنسي رقم (‪ )30‬لعام ‪.0963‬‬ ‫‪ -4‬القانون الفرنسي رقم (‪ )889‬لسنة ‪.0983‬‬ ‫‪ -5‬العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة ‪.0966‬‬ ‫‪ -6‬الميثاق العربي لحقوق اإلنسان لسنة ‪.9114‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.