3 الدراسات -العدد مجلةالسنة األولى الثالث -يونيو 2017 اإليرانية
مجلة الدراسات اإليرانية دراسات وأبحاث علمية متخصصة
مجلة علمية ربع سنوية محكمة تصدر باللغتين العربية واإلنجليزية
السنة األولى -العدد الثالث -يونيو 2017
تصدر عن
www.arabiangcis.org
مجلة الدراسات اإليرانية مجلة علمية ربع سنوية محكمة تصدر باللغتني العربية واإلجنليزية
حي الصحافة ،طريق التخصصي اململكة العربية السعودية ،الرياضّ ، صندوق بريد 12275 :الرمز البريدي11473 : لالشتراك السنوي فـي املجلة أفراد داخل اململكةً 120 : ريال أفراد خارج اململكة 300 :ريال مؤسسات داخل وخارج اململكة 600 :ريال أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي لالشتراك يرجى التواصل عبر البريد اإللكتروني للمجلة JIS@arabiangcis.com
1658-7464
ISSN
حقوق النشر محفوظة ،وال يجوز االقتباس من موا ّد املجلة دون إشارة إلى املصدر ،كما ال يجوز إعادة نشر املقاالت دون موافقة إدارة املركز. اآلراء الواردة في املجلة تعبر عن وجهة نظر كاتبها، وال تعكس بالضرورة رأي املركز
ضوابط ومعايير النشر تخصص املجلة. • أن تكون املادة فـي إطار ُّ
• أن ال تكون قد نُش َرت من قبل أو أ ُ ِ رسلَت إلى
دورية أخرى.
• أن تكون الهوامش واملراجع فـي آخر املادة. • توثيق املادة بهوامشها ومراجعها ومصادرها ،مع العناية باملصطلحات وضبط أسماء األعالم. • ترتيب قائمة املراجع ألفبائ ًيا َو ْف ًقا لالسم األخير.
يفضل إرسال املادة عبر البريد اإللكتروني للمركز. • َّ ً ُرسل صورة منها. • أن تكون املادة أصل ،وأن ال ت َ
• ال تعيد املجلة املادة املرسلة للنشر إذا لم تقبل للنشر. • ُينَع إعادة نشر أي مادة من موا ّد املجلة دون إذن كتابي من رئيس التحرير. • تخضع األعمال املرسلة إلى املجلة للتحكيم قبل نشرها.
الهيئة االستشارية أ.د .أحمــــــــــــد الشـــــــــاذلــــــــــــــــي أ.د .رضــــــــــــــــــــوان السيـــــــــــــــــــد أ.د.صـــــالـــــــــــــــح الــــخثــــــــــــــالن أ.د.عبد احلميـــــــد األنصـــــــــــاري أ.د.محمد السعـيد جمال الديــــــن أ.د.مــــــهنـــــــد الـــمبـــيـضــــــيــــــــن أ .د.يحيـى بـن محـمـود بــن جـنيــــد د.سلطـــــــــــــــــان النـــــــعيمـــــــــــــــي د .عبــــــد الكريــــــــــــــم جــــــــرادات
رئيس التحرير
د.محمد بن صقر السلمي هيئة التحرير
د.فتحي أبو بكر املراغي د.معتصم صديق عبد اهلل د.عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي أ.أحمد شمس الدين ليلة مدير التحرير
محمود حمدي أبو القاسم سكرتير التحرير
محمود عبد الرازق جمعة اإلخراج الفني
هانـي محمـود ياسـني
الـمحتــويـــــات ºدولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية فـي إيــــران محمد بشندي 8.................................................................................. ُ حتالف الضرورة بني إيران وروسيا º والتحديات جدل التفاعل بني الفُ رص ّ .................................................................. د .محمد السعيد إدريس 36 ºقمــة الريـاض وآفــاق الـدور اإليراني فـي اإلقليـم
د .أحمد سيد أحمد72 ........................................................................
ºاالنتشار فـي بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ يعة فـي مصر الش َ أحمد زغلول شالطة 96 ........................................................................ ºإيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة فـي عراق ما بعد داعش ............................................................................ محمد العراقى 116 ºدوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية يف أفغانستان ................................................................... محمد عبد اهلل يونس 142 ºاملصالح االقتصادية الروسية فى إيران بني الشراكة والعقوبات اخلولي...................................................................... أسماء حسن 160
ºعروض الكتب 174.........................................................................................
دولة الفقيه ومعضلة المؤسسية الحزبية في إيــــران محمد بشندي باحث متخصص في العلوم السياس َّية
تبدو العملية التنافسية داخل النظام السياسى اإليرانى كما لو كانت آلية لتبادل األدوار بني تيارين ليس بينهما خالف على ثوابت الثورة ومبادئها أو مبعنى أدق منافسة مغلقة بني املوالني لذات املبادئ ،ولعل هذا يعزز وجهة نظر البعض من أن أربعة عقود من ديناميات التنافس السياسى لم يكن لها تأثير على أي من السياسات الداخلية أو اخلارجية اإليرانية .هذا الواقع يدفع باجتاه استكشاف طبيعة اخللل داخل البنية احلزبية املدعوة للمنافسة على السلطة واملعنية باألساس بتمثيل وجتميع املصالح وتعبئة املواطنني وصياغة السياسات العامة وإظهار الكوادر وتنظيم احلكومة واملشاركة فيها ،وإذا كان من الواضح ابتداءا أن هناك خلل في ما يتعلق بدرجة مؤسسية تلك األحزاب فال شك أن فاعليتها وفاعلية النظام السياسى تظل محل شك.
8
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
عرفت إيران التنظيمات احلزبية قبل قيام الثورة ،ففي عهد نظام الشاه واجهت ً السلْطة اضط َّرتها التنظيمات احلزبية الدينية والقوم َّية واملاركسية ضغوطا شديدة من ُّ إلى العمل السري .ولم يختلف الوضع كثي ًرا بعد الثورة ،فبعد إزاحة الت َّيار الليبرالي بعد الثورة ثم الت َّيار االشتراكي ،فشلت بقية األحزاب غير الدينية في الوصول إلى البرملان، السياسي اإليراني بعد أن فرض الدستور ضوابط على العمل احلزبي( ،)1فارتكز ال ِّنظام ّ القائم على نظرية والية الفقيه ،على ركائز ثالث :أ ُ َ ولها ركيزة دينية تتمثل في املرشد األعلى ورجاالت احلوزة الدينية ،وثانيتها ركيزة أمنية تتجلى في احلرس الثورى وأجهزة َ املنتخبة ،وهي املؤسسات السياس َّية األمن ،أما ثالثتها فركيزة سياس َّية تتجسد في َّ السياسي ،بعكس األجهزة احللقة األضعف من حيث مساحة التأثير في صنع القرار ّ َ املنتخبة(.)2 غير املؤسسي وعلى الرغم من السماح بتشكيل األحزاب السياس َّية ،فإن إضفاء الطابع َّ احلزبي ال يزال مي ِّثل حت ِّد ًيا كبي ًرا أمام توطيد الدميقراطية في إيران( ،)3فظ ّل االنقسام صفة مالزمة للت َّيارات السياس َّية في إيران ،واألفول صفة مالزمة لألحزاب ،ألسباب ِع َّدة، يتصدرها االستبداد واحلكم املطلق الذي أعاق تشكيل مراكز سياس َّية مستقلَّة ومتباينة، َّ ناهيك بفشل تلك األحزاب والفصائل في تقدمي منوذج ينسجم مع القيم الدينية والثقافية إليران اإلسالمية ،فلم متتلك الت َّيارات اإليران َّية حز ًبا استطاع االستمرار ،فكان االنقسام واحل ّل مصي ًرا رافق تلك األحزاب واجلمعيات(.)4 اإليراني، مؤس ِس َّية ال ِّنظام احلزبي في هذا اإلطار تر ّكز هذه الدراسة على قياس درجة َّ ّ املؤس ِس َّية داخل الكيانات احلزبية أو الت َّيارات شبه احلزبية التي تتنافس وقياس درجة َّ املؤس ِس َّية السلْطة في إيران ،إذ تفترض الدراسة أنه كلما زادت درجة َّ للوصول إلى ُّ ومؤس ِس َّية األحزاب السياس َّية ذاتها ،ازدادت مؤس ِس َّية ال ِّنظام احلزبي احلزبية ،سواء َّ َّ قدرة األحزاب السياس َّية على تعزيز عملية التح ُّول الدميقراطي. ً التحول الدميقراطي املؤس ِس َّية احلزبية وتعزيز عملية ُّ أولَّ :
يشير مفهوم االنتقال الدميقراطي إلى العمليات والتفاعالت املرتبطة باالنتقال من نظام حكم غير دميقراطي إلى نظام حكم دميقراطي ،وهو ينقسم إلى عدة مراحل فرعية تنتهي مبرحلة تعزيز الدميقراطية Consolidation of Democracyالتي تشير إلى تط ُّور ومجسد سي مستق ّر ،قادر على االستمرار، ِّ ال ِّنظام الدميقراطي ليتح َّول إلى نظام َّ مؤس ّ املؤسسات والترتيبات الدائمة لسير لقيم الدميقراطية وعناصرها وآلياتها( ،)5وإنشاء َّ مجلة الدراسات اإليرانية
9
العملية الدميقراطية( ،)6بهدف التوصل إلى قرارات سياس َّية يكون فيها األفراد حائزين على سلطة اتخاذ القرار عن طريق الوسائل التنافسية والتصويت(.)7 حدد شميتر ( )Schmitterاحل ّد األدنى لتعزيز ال ِّنظام الدميقراطي بأنه عملية باملثل َّ حتويل الترتيبات العرضية التي ظهرت خالل الفترة االنتقالية إلى عالقات تعاونية ومنافسة معروفة وموثوق بها ،متا َرس بانتظام ،ومقبولة بشكل طوعي من قبل الفاعلني األفراد أو التجمعات السياس َّية التي تشارك في احلوكمة الدميقراطية( ،)8أي ترسيخ الثقافة الدميقراطية التي نادى بها هنتنغتون. كذلك رأى غونتر و ديامندوروس و بول ( Guntherو Diamandourusو )Puhleأن ال ِّنظام املؤسسات السياس َّية الدميقراطي يتعزز عندما تعتبر كل املجموعات الهامة سياس ًّيا َّ الرئيسة بوصفها اإلطار الشرعي الوحيد للمنافسة السياس َّية ،والفكرة املركزية هنا باملؤسسات الرئيسة هو أمر حاسم لتعزيز في التعريف هي «الشرعية» ،ألن اإلقرار َّ الدميقراطية وبقاء ال ِّنظام(.)9 مؤس ِس َّية لوجود دميقراطية، باملثل يسرد روبيرت دال ( )Robert Dahlثمانية متطلبات َّ هي :حرية تشكيل واالنضمام إلى َّ املنظمات ،وحرية التعبير ،واحلقّ في التصويت ،وأهلية الوصول إلى املناصب العا َّمة ،وحقّ القادة السياسيني في التنافس على أصوات الناخبني، َ منتخبة لصنع ومؤسسات ووجود مصادر بديلة للمعلومات ،وانتخابات حرة ونزيهة، َّ السياسات احلكومية تعتمد على األصوات وغيرها من مظاهر التفضيل. فال ِّنظام الدميقراطي موجود حيث تتشكل احلكومات من األفراد الذين يفوزون في َ املنتخبة االنتخابات ،واالنحرافات املمكنة هي تلك التي ميكن أن تق ِّوض سلطة احلكومات دميقراط ًّيا ،وتنتقص من وسائلها ،ومنها: َ منتخبة. السلْطة ومراكز صنع السياسة تابعة لن َُخب غير ºوجود قوى وصاية ،إذا كانت ُّ ِ املنتخبة. للسلْطة وصنع السياسات تُستثنى من سيطرة األغلبية ºوجود مجاالت ُّ ºالتمييـز االنتخابـي وانحيـاز النظـم االنتخابيـة ضـ ّد األقلِّ َّيـات التـي ال تسـتطيع الفـوز مبقاعد البرملان. ()10 ºاالنقالبات العسكرية أو التم ُّردات من جهات فاعلة سياس ًّيا . في هذا السياق أشار داميوند ( )Diamondإلى أن تعزيز الدميقراطية يعنى تطوير جودة وعمق وأصالة العملية الدميقراطية ،لتصبح املنافسة السياس َّية أكثر عدالة ،وأكثر مشاركة، ً متثيل واستيعا ًبا ،فالتح ُّوالت الدميقراطية اإلجرائية ،مثل االنتخابات احلرة وأفضل ()11 املقيدة التي َ ُ تول دون املشاركة واملنافسة احلزبية ال تضمن التعزيز الدميقراطي . 10
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
ولقد حدد وولفخانخ ميركل ()Wolfgang Merkelأربعة أبعاد للتعزيز ،هي: املؤسسات املؤسسي :Institutional Consolidationللداللة على مبادئ ومعايير ºالتعزيز َّ َّ الدستورية والسياس َّية املركزية ،مثل رئيس الدولة والبرملان واحلكومة والقضاء وال ِّنظام االنتخابي ،وقدرتها على إدراج السياسي واالجتماعي (ما يعني أن ال يتعرض األقلِّ َّيات املؤس ِس َّية (اتخاذ القرارات بسرعة وتنفيذها) والفاعلية السياس َّية (بأن للتمييز) وكفاءتها َّ تُسهِ م القرارات السياس َّية في ح ّل املشكالت). ºالتعزيز التمثيلي :Representative Consolidationيشير إلى األحزاب وجماعات املصالح ،فانخفاض مستويات التف ُّكك ،واالستقطاب ،وتقلُّب الناخبني ،عناصر مواتية لتعزيز الدميقراطية ،فاألحزاب وجماعات املصالح هي صالت ها َّمة بني السياسة واملجتمع ،ويجب أن تكون ف َّعالة وشاملة. ºالتعزيز السلوكي :Behavioral Consolidationيشير إلى حقّ النقض املمنوح لالعبني سياسيني مثل اجليش واجلماعات شبه العسكرية ،واجلهات الفاعلة االقتصادية القوية أو اجلماعات اإلرهابية. ºالثقافـة املدنيـة أو الثقافـة السياسـ َّية ،Civic Culture or Political Cultureالتـي هـي أساس الدميقراطية(.)12 املؤسسات( ،)13وتتضح مركزية دور مِ ن ثَ َّم يأتي تعزيز الدميقراطية مراد ًفا لبناء َّ األحزاب في تعزيز الدميقراطية ،إذ توفي األحزاب بعدد من الوظائف احليوية ،مبا في ذلك جتميع مصالح املواطنني ،وتشكيل احلكومات وتطوير وتعزيز املواقف والسياسات والبرامج ،واستمالة واختيار وتدريب القيادات السياس َّية ،وتنظيم احلمالت االنتخابية، وجتميع املصالح املجتمعية ،فهي تقيم صلة ضرورية بني الدولة واملجتمع املدني(.)14 باملؤس ِس َّية احلزبية على وجه التحديد؟ وما مستوياتها؟ ولكن ما الذي نعنيه َّ ومؤس ِس َّية ال ِّنظام احلزبي مؤس ِس َّية األحزاب السياس َّية َّ ينبغي أن منيز بني َّ .party system institutionalization مؤس ِس َّية النِّظام احلزبي لها عدة معايير: َّ السلْطة بني األحزاب ،وتعزيز آفاق املساءلة االنتخابية. º ºتنافسية ال ِّنظام احلزبي ،وتداول ُّ º ºبُعد سلوكي يشير إلى العالقة بني األحزاب ،أي القبول املتبادل ،والتفاعل كمنافسني ميتلكون الشرعية. º ºبُعد هيكلي يتصل بتفاعل ال ِّنظام احلزبي مع الدولة ،وحصوله على درجة كافية من االستقاللية عنها. مجلة الدراسات اإليرانية
11
كمؤسسات سياس َّية. º ºوجود درجة من الثقة في األحزاب َّ مؤس ِسـ َّية األحـزاب السياسـ َّية ،فيمكننـا أن نشـير بدايـة إلـى أن َّ املنظمـات أمـا مفهـوم َّ َّ مؤسسـات، املنظمـات علـى مـ ّر الزمـن إلـى مؤسسـات ،إذ تتحـول ليسـت بالضـرورة َّ َّ فاألحـزاب السياسـ َّية هـي َّ منظمـات ،لكنهـا بدائيـة ،حتـى لـو نشـأت بنـوع مـن القواعـد واألهـداف الرسـم َّية(.)15 للمؤس ِس َّية: فاقترح هنتنغتون عدة أبعاد َّ َّ املنظمة والتعاقب السلمي للقيادة ارتفع مستوى º ºالقدرة على التك ُّيف :فكلما زاد عمر امل ْأ َسسة. º ºالتعقيد/البساطة :فكلما ق ّل اعتمادها على الفرد وزاد عدد الوحدات التنظيمية كانت مؤس ِس َّية. أكثر َّ َّ فاملنظمات التي تُعتبر أداة لفئة اجتماعية -كالعشيرة والطبقة -تفتقر إلى º ºاالستقاللية: االستقاللية وامل ْأ َسسة. º ºالتماسك/ال ُف ْرقة :يُقاس مبدى حدوث تراكم من االنشقاقات بني القادة واألعضاء(.)16 «املؤس ِس َّية» تكتسب َّ املنظمة عناصر القوة، وأ َّكد بانيبيانكو ( )Panebiancoأنه بواسطة َّ َّ حد ذاتها، فهي عملية تَفقِ د من خاللها املنظمة ببطءٍ طابعها كأداة ،لتصبح قيمة في ّ ()17 ويصبح وجودها في ح ّد ذاته هد ًفا لعدد كبير من أنصارها . للمؤس ِس َّية: حدد سفازاند وراندال ( Randallو )Svåsandأربعة عناصر بدورهما َّ َّ º ºالبعد ال ِّنظامي :systemnessأي كيفية تأسيس احلزب ،فكلما كان بناؤه عبر «االنتشار» مؤس ِس َّي ًة ،فاألحزاب التي تعتمد على الكاريزما تختفي بعد من املركز إلى احمليط ،كان أكثر َّ السلْطة. عملية انتقال ُّ º ºضخ القيمة :Value infusionويعني َ َ ت ُّذر احلزب في املجتمع ،وارتباطه بطبقات اجتماعية واقتصادية. مؤسس ًّيا، º ºاالستقاللية :Autonomyاعتماد حزب ما على داعمني خارجيني ميثل ضع ًفا َّ املؤسسة اخلارجية هي مصدر القيادة إذ يقع مركز الوالء خارج الهياكل احلزبية ،وتكون َّ والشرعية. مؤسسة غير قابلة للنسيان º ºالتجسيد الرمزي :reificationأي درجة حت ُّول احلزب إلى َّ بسبب القيم الرمزية التي مي ِّثلها. عدل باسيدو وستروه ( Basedauو )Strohمنوذج م ْأ َسسة األحزاب السياس َّية ثم َّ وحددا أربعة أبعاد رئيسية لقياس درجة امل ْأ َسسة :مستوى التنظيم ،والتماسك الداخلي، َّ 12
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
واالستقاللية ،والتج ُّذر املجتمعي ،ثم أضافت كريستينا فايسنباخ () Kristina Weissenbach عناصر أخرى وجعلت للم ْأ َسسة أبعا ًدا ،منها: º ºالتنظيم :organizationقدرة احلزب على التعامل كجهاز بيروقراطي محترف داخل جميع مستوياته التنظيمية ،وقدرته على احلصول على املوارد الثابتة ،ووجوده التنظيمي القوي خارج العاصمة. ّ º ºالدميقراطية احلزبية الداخلية :Internal Party Democracyوهي تعني أن اإلرادة السياس َّية داخل احلزب تتش ّكل من أسفل إلى أعلى ،من القاعدة إلى قيادة احلزب ،ومِ ن ثَ َّم تَّتسم عملية صنع القرار بالشفافية داخل اللجان الشرعية الرسم َّية ال من خالل جتمعات حزبية غير رسم َّية. º ºالبرامج :Programmeحتديد احلزب ملجموعة أساسية من القيم واألهداف لتكوين أساس آيديولوجي واضح يتجلى باستمرار في البرنامج السياسي للحزب. املؤسسة احلزبية عن أي تأثير من األفراد داخل º ºاالستقاللية :Autonomyوهي استقالل َّ أو خارج احلزب ،واستقالل هياكل صنع القرار عن الفاعلني اخلارجيني. º ºالتج ُّذر املجتمعي :Roots in societyويعني أن يكون للحزب جذور قوية في املجتمع ،ومِ ن ثَ َّم ميكنه االعتماد على أساس واسع من التقدير والدعم من الناخبني. º ºالتماسك :Coherenceأي التماسك والوحدة الداخلية ،مع ضمان تن ُّوع اآلراء والتسامح مع املناقشات السياس َّية داخل احلزب ،فالعالقات بني اجلماعات الداخلية ينبغي أن ال تق ِّوض وحدة احلزب(.)18 ثانيا :العمل احلزبي فـي إيران «فصائل ال أحزاب» ً
عند تناول طبيعة العمل احلزبي في إيران ال بد من اإلشارة إلى معطيات البيئة التي يتفاعل معها ،والتي تشير إلى بعدد من العوامل ،أهمها: السياسي اإليراني نظام «سلطوي» مق ِّيد ال نظام دميقراطي ،أي إن التع ُّددية 1أن ال ِّنظامّ املوجودة داخله هي بني قوى تعمل وتتنافس في إطار نظام الولي الفقيه(.)19 2أن التركيبة احلزبية والسياس َّية في إيران ما بعد الثورة تشكلت من مواقف تاريخيةوعسكرية مثل أحداث الثورة ومهاجمة السفارة اإليران َّية ،وتشكيل اللجان الشعبية واملشاركة في احلرب العراقية اإليران َّية. 3أن االعتراف بنظام «والية الفقيه» كان الشرط الرئيسي ملنح احلزب ترخيص العملداخل إيران ،وهو ما جعل األحزاب السياس َّية في إيران تبدو كِ يانات متشابهة أو غير موجودة ألنها ال متلك حقّ معارضة ال ِّنظام. مجلة الدراسات اإليرانية
13
4أن األحـزاب السياسـ َّية في إيران ليسـت باألحـزاب املتعارف عليهـا ،فإيران قبـل الثورةإيراني ،أبو احلسـن بنـي صدر، عرفـت اليسـار واليمني والوسـط ،ومع سـقوط أول رئيـس ّ توجـه يخالـف مبـدأ واليـة الفقيـه ذي التوجـه اليسـاري ،قضـت احلـوزة الدينيـة علـى أي ُّ ُّ وإسالمية الدولة. 5أن رجـال احلـوزة الدينيـة جلـؤوا إلـى تأسـيس حـزب اجلمهوريـة اإلسلامية ،ملواجهـةتنامي نفـوذ األحـزاب اليسـارية ،وكان هو احلزب السياسـي الوحيـد إليران حتـى ُح َّل عام 1987م ،ولـم يُشـ َّكل أي حـزب جديـد قبـل عـام ،1994حين شـ َّكل مق َّربـون مـن هاشـمي رفسنجاني حزب «كوادر البناء». رئيسـا إليـران عـام ،1997ظهـرت أحـزاب أخـرى ،وعـام 1998 6بعـد انتخـاب خامتـيً أصبحت األحـزاب السياسـ َّية مشـروعة ،ولكن مـا ُعـرف باالئتالفـات املبنية علـى الرعاية اخلاصة ً بدل من األحزاب ،هي التي كانت تهيمن على السياسـة اإليران َّية. واملصالح َّ واضحـا مـن املشـهد السياسـي فـي إيـران أنـه ال توجـد بنـا ًء علـى تلـك املعطيـات يبـدو ً معارضة مشـروعة ،إذ يظـل ال ِّنظـام سـلطو ًّيا دين ًّيا ال يسـمح بهامش مناسـب من اخلالف، واملؤسسـات التي تتبعـه وتلتـزم بأوامره في ظ ّل سـلطات واسـعة يتمتَّـع بها املرشـد األعلـى َّ َو ْف ًقا للنظرية الثيوقراطية التـي يتبناها ال ِّنظام في احلكم ،لذلك تبدو املعارضة من وجهة السلْطة أحزا ًبا وجماعات مسـتترة ومحظورة أو ممنوعة فعل ًّيا من ممارسة أنشطتها نظر ُّ وإعالن أفكارها(.)20 وألن أصـوات األحـزاب واجلماعـات ذات الطابـع املدنـي أو العلمانـي تـكاد يكـون ً فضلا عـن أن القـوى السياسـ َّية النشـطة فـي إيـران تتـوزع بين تأثيرهـا محـدو ًدا للغايـة، بح ِّر َّيـة بين ت َّياريـن أساسـ َّيني يتمتـع املنتمـون إليهمـا مبرونـة سياسـ َّية تتيـح لهمـا االنتقـال ُ الت َّياريـن ،لكونهمـا فـي النهايـة يدينـان بالـوالء ملبـدأ واليـة الفقيـه ويعملان حتـت مظلّـة اإليرانـي ،فـإن خريطـة القـوى السياسـ َّية اإليران َّيـة تتسـم بالسـيولة الشـديدة، الدسـتور ّ وتـكاد تتغير مـن انتخابـات إلى أخـرى ،ومِ ن ثَـ َّم ميكـن تب ِّنـي تصنيف القـوى السياسـ َّية في إيران بصفـة عا َّمة على أسـاس موقفها من قضيـة العالقة بني الدولة والثـورة .الدولة بكل مـا تفرضه من اعتبـارات البنـاء والتنميـة ،والثورة بكل مـا تنطـوي عليه من اعتبـارت القوة السياسـية النشـطة تتـوزع في إيران وطلب النفوذ اخلارجـي .مِ ن ثَ َّم ميكن القول إن القوى َّ بني عدة فصائل رئيسة: 14
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
أ -فصيل إيران الثورة :يسعى لتأكيد «أولوية الثورة» على ما عداها ،وفي داخل هذا ّ و»خط اإلمام». الت َّيار جت ُّمعات متشددة وأصولية شيعية أهمها اجلبهة األصولية املتَّحدة، واملؤسسات الدينية التي تتمتع وحتصل تلك القوى على تأييد املرشد ،واحلرس الثوري، َّ ومالي كبير ،والتي مت ّولها من إيرادات «األخماس» التي يحصل عليها بنفوذ سياسي ّ الولي الفقيه. الفقهاء املقلدون ووكالء ّ ب -ت َّيار إيران الدولة :الذي يرى أن األولوية تتركز في عملية تطوير ال ِّنظام والدولة وتوسيع نطاق التنمية وفك العزلة السياس َّية واالقتصادية واالنفتاح على العالَم اخلارجي، اإليراني حسن روحاني ومعه كوكبة ويقود هذا الت َّيار رموز الت َّيار اإلصالحي مثل الرئيس ّ انفتاحا داخل ال ِّنظام كالراحل رفسنجاني ،وأبنائه من السياسيني ورجال الدين األكثر ً ومرتضى إسراغي حفيد اخلميني ،وغيرهم. التعددية واحلريات :وهي القوى احمل ِّركة ِلَا ج -القوى اإلصالحية التي ترفع شعارات ُّ ُس ّمي «الثورة اخلضراء» ،التي تَك َّونَت واتَّسع نطاقها خالل حكم أحمدي جناد ،وتض ّم جماعات من املثقفني والفنانني والطلبة وجماعات ليبرالية صغيرة ،ولكنها لم تصل بعد ِّ مصاف ال ُق َّوة السياس َّية املؤ ِّثرة في ال ِّنظام السياسي(.)21 إلى وبصفة عا َّمة يجب أن ال تفهم الفصائل السياس َّية في إيران على أنها أحزاب سياس َّية جماهيرية ،فهي حتالفات غير رسم َّية تفتقر إلى برامج صريحة وهياكل تنظيمية هرمية، بل تعتمد على الكاريزما الشخص َّية والشبكات النخبوية. وتُ َع ّد هذه الفصائ ُل الوسيل َة األساسية للنشاط السياسي في إيران ،والنتيجة املنطقية لذلك هي َ ض ْعف التنظيم بني نخبة ال ِّنظام والدوائر االجتماعية التي يسعون إلى متثيلها ()22 مؤس ِس َّية . في غياب آليات حزبية َّ ً اإليراني مؤس ِس َّية النِّ ظام احلزبي ثالثا :درجة َّ ّ
مؤس ِس َّية األحزاب السياس َّية ،وهي نتاج ّ مؤس ِس َّية ال ِّنظام احلزبي في صالح َّ تصب َّ املؤسسي على مجموعة من التط ُّورات ،بعضها يت ّم مباشرة من خالل إضفاء الطابع َّ مؤس ِس َّية األحزاب، األحزاب املكونة للنظام احلزبي ،وبعضها قد ال يلتقي مباشرة مع َّ مؤس ِس َّية متميزة بسبب ارتباطها الوثيق مع األنظمة فقد يتمتَّع بعض األحزاب مبزايا َّ املؤسسي على االستبدادية ،األمر الذي من شأنه أن يقلِّل احتماالت من ّو وإضفاء الطابع َّ األحزاب األخرى ،وقد يحدث التعا ُرض بسبب امتالك األحزاب ملصادر غير سياس َّية للقوة خاص ،ومِ ن ثَ َّم مي ِّثل كل حزب رقي أو ثقافي ّ َّ املؤس ِس َّية ،كأن تتحدد ُه ِو َّيتها نتيجة تكتُّل ِع ِ مجلة الدراسات اإليرانية
15
مجموعة اجتماعية متميزة ،وهو ما ينفي املنافسة السياس َّية في الواقع ،ويق ِّوض الثقة الشعبية في األحزاب السياس َّية ويؤ ِّثر على متانة ال ِّنظام احلزبي(.)23 ِّ املؤشرات اإليراني سوف يُعتمد على دراسة مؤس ِس َّية ال ِّنظام احلزبي ولقياس درجة َّ ّ التي يبينها الشكل التالي: -1درجة املنافسة داخل النِّظام احلزبي :عام 1975أعلن الشاه محمد رضا بهلوي ح ّل كل األحزاب السياس َّية في البالد وقيام حزب واحد هو حزب البعث ،وحاول إجراء تغييرات في نظم اإلدارة واحلكم في ما س َّماه الثورة البيضاء ،ونتيجة حلالة القمع السياسي وإلغاء احلياة احلزبية ازدادت سيطرة االجتاه الديني الذي احتوى املعارضة اإليران َّية، وانهار ال ِّنظام امللكي ،ولكن ظلّت نفس األزمة احلزبية ماثلة أمام احلكومة اإلسالمية، فرغم تأكيد ا ُ خلميني في منفاه األخير أن اجلمهورية اإلسالمية تعتمد على الدميقراطية واملمارسة احلزبية ،فإنه لدى عودته تَخلَّص من رموز احلركة الوطنية عند صدامهم مع مفهوم الدولة الدينية. مع هذه التط ُّورات اتسمت احلياة احلزبية في إيران بفراغ آيديولوجي واضح ،فال يصح قانو ًنا إعالن قيام أي حزب إال بعد استيفاء شرط اإلميان الديني ،واإلذعان ملبدأ موحدة ،ومِ ن ثَ َّم فنحن نتحدث عن ت َّيارات سياس َّية والية الفقيه ،فاملظلة اآليديولوجية َّ ال أحزاب ،وإضافة إلى أن أغلب العناصر اإلصالحية ذات أصول محافظة ،فال مجال (.)24 للحديث عن وجود حياة حزبية سليمة السلْطة بني فصيلني رئيس َّيني ،ولم ي ُكن هناك الواقع إ ًذا أنه يوجد منط ثابت من تداول ُّ تنوع أو تنافس حقيقي( .)25وفي ظل تلك األوضاع شع َرت شرائح كبيرة من السكان بأنها قد ً مدخل للبحث عن طرق غير سلمية أو أزيلت من العملية التشاركية ،وهو األمر الذي مي ِّثل غير دميقراطية للتعبير ،وهو ما بدأت إرهاصاته إبان الثورة اخلضراء(.)26 -2البعد السلوكي :مدى ال َق ُبول بني األحزاب السياس َّية ومنط تفاعالتها :بني التنافس السياسي السلمي والثقافة السياس َّية للنخب احلزبية عالقة كبيرة ،ويعتمد توسيع تتوصل املنافسة السلمية على َقبُول مبدأ التوافق بني املجموعات السياس َّية املتنافسة بأن ّ إلى قدر من اال ِّتفاق النسبي من خالل التنازالت املتبا َدلة(.)27 واقع التربُّص املتبا َدل هو حال العالقة بني الت َّيارين السياسيني في إيران ،وكانت معركتا انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة األخيرتان أكبر شاهد على ذلك ،إذ رفض مجلس صيانة الدستور برئاسة أحمد جنتي أكثر من %99من أسماء
16
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
َّ املرشحني ،ليؤ ّكد استحالة التعاون بني الت َّيارين داخل مجلس اإلصالحيني واملعتدلني الشورى أو داخل مجلس خبراء القيادة أو في احلياة السياس َّية عمو ًما. وما يحدث حال ًّيا من تعثُّر حلكومة حسن روحاني دليل َ آخر على وجود قناعة تتزايد ما هي فيه يو ًما بعد يوم بحاجة إيران إلى ت َّيار ثالث قادر على أن يقود البالد ويخرجها ِ َّ َّ مرشحهما من صراعات داخلية ،لهذا كان كل من رفسنجاني وروحاني يأمل في فوز لرئاسة مجلس اخلبراء إلدراكهما أن هذا املجلس الذي انتُخب يوم 26فبراير 2017 ً مسؤول عن اختيار القيادة األه ّم في تقرير مستقبل إيران ،ألنه سيكون سيلعب الدور َ اجلديد للبالد خل ًفا خلامنئي ،لذلك كانت صدمتهما واضحة لفوز أحمد جنتي الذي ض َّيق على اإلصالحيني عن طريق التح ُّكم في اختيار َّ مرشحي رئاسة اجلمهورية (على نحو ما حدث لرفسنجاني عندما رفضه مجلس صيانة الدستور َّ مرش ًحا رئاس ًّيا عام 2009أمام ً أحمدي جناد) ،أو عن طريق التح ُّكم في اختيار َّ فضل عن مرشحي البرملان واحمللِّيات، التضييق على الصحافة اإلصالحية وإغالق معظمها على نحو ما كان يحدث في سنوات حكم الرئيس األسبق للجمهورية محمد خامتي(.)28 َّ تتدخل -3البعد الهيكلي :تفاعل النِّظام احلزبي مع الدولة ومدى استقالليته عنها: َ املنتخبة في إيران في عمل الت َّيارات السياس َّية بشكل كبير ،إذ جتري الهيئات غير االنتخابات حتت إشراف املرشد األعلى واحلرس الثوري .وحتتاج الرموز التي تتطلَّع َّ الترشح إلى معرفة ما إذا كان خامنئي يعارض ُّ ُّ املرشحون يسجل ترشحها ،وعندما إلى ِّ أسماءهم يتعني على «مجلس صيانة الدستور» بقيادة أحمد جنتي املتشدد البارز أن يعلن عن أهليتهم بنا ًء على عدة معايير ،ال سيما والؤهم «العملي» الكامل للمرشد واعترافهم مببدأ والية الفقيه .كذلك عند انتهاء االنتخابات يضطلع املجلس باملسؤولية احلصرية عن تب ِّني النتيجة النهائية ،على الرغم من مشاركته في سلطة اإلشراف على عملية فرز األصوات مع وزراة الداخلية ،وهو ما يضمن أن ال حتيد نتائج االنتخابات َّ مخططات وتو ُّقعات املرشد األعلى واحلرس الثوري ومجلس صيانة الدستور كثي ًرا عن ومؤسسات أخرى(.)29 َّ َّ املرشحون من التنافس االنتخابي بنا ًء على قوانني معيبة فحسب ،بل ً أيضا ال يُستبعد تعسف َّية تتجاوز سلطاتهم القانونية الستبعاد أي َّ مرشح يتَّخذ بعض املسؤولني إجراءات ُّ حتى إذا استوفى املعايير التمييزية املنصوص عليها في قوانني االنتخابات ،ففي السنوات تعسف َّية ،منها جمع املعلومات من األخيرة َّ وسع املجلس نطاق إشرافه واتخذ تدابير ُّ َّ املرشحني. مصادر غير ُمعلَنة ،ميكنه عن طريقها استبعاد من شاء من مجلة الدراسات اإليرانية
17
وفي أثناء حملة القمع احلكومية العنيفة التي تَلَت انتخابات 2009الرئاسية ْالُتنازع عليهاُ ،قبض على مئات النشطاء واملتظاهرين السلميني ،وأُدينوا .وفي 27ديسمبر َّ املرشحني 2015ذكر جنات اهلل إبراهيميان ،الناطق باسم مجلس صيانة الدستور ،أن لالنتخابات يجب أن يلتزموا حدو ًدا واضحة تفصلهم عن «فتنة» ( 2009مصطلح يُستخدم لوصف احتجاجات ما بعد انتخابات .)2009 وفى السياق ذاته أمر فرع للمحكمة الثورية في 2010بح ّل أحزاب اإلصالح البارزة «مشاركت إسالمي» و»مجاهدين انقالب» ،جزئ ًّيا بسبب مشاركة قيادات احلزبني وأعضاء منهما في احتجاجات ما بعد انتخابات .2009 كذلك حتفظت السلطات اإليران َّية على شخصيات املعارضة البارزة :مير حسني موسوي ومهدي كروبي وزهرا رهنورد (زوجة مير موسوي) رهن اإلقامة اجلبرية دون أوامر قضائ َّية(.)30 َّ املرشحني املعتدلني بأعداد كبيرة في وقد استخدم املعتدلون استراتيجية تسجيل انتخابات ،2016لضمان أن يجتاز ما يكفي منهم عملية التدقيق خلوض االنتخابات ُّ للترشح، بج ِّد َّية ،وعلى الرغم من أن االنتخابات شهدت عد ًدا قياس ًّيا من طلبات التسجيل تأهل في البداية %38.9فقط من املترشحني الطامحني إلى البرملان ونحو %20 فإنه قد َّ َّ املرشحني بعد اجلهود من املترشحني ملجلس اخلبراء ،وبعد االستئناف أعيد تأهيل بعض ُّ للترشح للبرملان إلى نحو التي بذلها روحاني ،فوصلت بذلك احلصيلة النهائية للمؤهلني نصف إجمالي عدد الذين سجلوا. يتأهل أي معتدلني ليصبحوا َّ مرشحني على اإلطالق، وفي بعض الدوائر االنتخابية لم َّ ولم يقتصر األمر على املعتدلني بل ض ُّموا ً أيضا متشددين مثل حامد رضائي عضو البرملان الذي كان قد عارض اال ِّتفاق النووي(.)31 َّ املرشحني كذلك يُبدِ ي مرشد اجلمهورية اإلسالمية موافقته على إقصاء غالبية اإلصالحيني ،مداف ًعا عن قرارات مجلس صيانة الدستور ،ليُعلِن أنه يجب عدم السماح ُّ بالترشح لعضوية البرملان ،وذ ّكر بدعوته السلْطة الدينية الشيعية في إيران ملعارضي قيم ُّ معارضي ال ِّنظام إلى التصويت ،مستدر ًكا« :هذا ال يعني دخول معارضي اجلمهورية اإلسالمية البرملان ،وإمنا فقط من يؤمنون باجلمهورية اإلسالمية وبقيمها» ،مضي ًفا: «حتى في أمريكا التي تزعم أنها أرض احلرية ويقبل ُس ّذج ذلكُ ،ه ِّمش خالل فترة احلرب الباردة أولئك الذين لديهم أق ّل ميل نحو االشتراكية»(.)32
18
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
اإليراني يعترف بتشكيل كمؤسسات سياس َّية :الدستور -4وجود درجة من الثقة باألحزاب َّ ّ وينص على تشكيل األحزاب والروابط السياس َّية واملهنية األحزاب السياس َّية ونشاطها، ّ واجلمعيات الدينية ،سواء كانت إسالمية أو ذات صلة بأحد األديان املعت َرف بها ،بشرط أن ال تنتهك مبادئ الوحدة الوطنية أو معايير اإلسالم أو أسس اجلمهورية اإلسالمية(.)33 في الواقع ش َّكل األداء الضعيف لألحزاب اإليران َّية على مدى تاريخها الطويل سب ًبا رئيس ًّيا في نفور العا َّمة منها ،وفي غياب الثقة بقدرتها على إحداث التغيير املطلوب، السلْطة للشعب، فالذاكرة الشعبية اإليران َّية ال تنسى أدوا ًرا سلبية ألحزاب أ َّي َدت قمع ُّ ً فضل عن أن هذه األحزاب تنشط في وقت كحزب البعث في فترة احلكم البهلوي، االنتخابات وتغيب عن الساحة السياس َّية في ما عدا ذلك ،ويتركز نشاطها في العاصمة واملدن الكبرى ،األمر الذي أفقدها القاعدة الشعبية وحجب عنها الشرعية(.)34 اإليرانـي بـه مـن العـوار مـا يكفـي ،مبـا سـيؤثر علـى مِ ـن ثَـ َّم يتضـح أن ال ِّنظـام احلزبـي ّ سـلوك النخـب السياسـ َّية ،ويُضعِ ـف احتمـاالت م ْأ َسسـة األحزاب/الفصائـل السياسـ َّية اإليران َّيـة مـن الداخـل. اإليرانية السياسية مؤس ِس َّية األحزاب/الفصائل ً َّ َّ رابعا :درجة َّ
إن ارتباط األحزاب أو الفصائل السياس َّية باحلركات االجتماعية الدينية أمر ينبغي االنتباه له في احلالة اإليران َّية ،فمن خالل هذا الترابط تُد َمج األنشطة السياس َّية مع ٍ جماعات احلياة االجتماعية والروحية ،فتبدو عضوية األحزاب الدينية أشبه بعضوية أكث َر منها عضوي ًة ألحزاب أخرى ،إال أن درجة مع َّينة من التمايز الوظيفي ستظ ّل موجودة، َ مبادئ ال سيما أن تشكيل جماعة دينية حلزب سياسي يتض َّمن اعترا ًفا بضرورة وجود اخلاص والعا ّم ،فاألحزاب السياس َّية الدينية شرعية ،متا ًما متباينة للتنظيم في املجالني ّ مثل األحزاب السياس َّية األخرى ،إذا حصلت على الدعم الشعبي ،إذ توافقت النزعة الدينية مع االحتياجات واملصالح السياس َّية جلزء من السكان(.)35 ما يعنينا هنا ليس الطعن على شرعية األحزاب الدينية من عدمه ،بل قياس درجة املؤس ِس َّية الداخلية بها وأثرها على أدائها وظائفها ،وسوف يُعتمد على عدة ّ مؤشرات َّ املؤس ِس َّية ،يبينها الشكل التالي: لقياس َّ -1التنظيم احلزبي ..شبكات غير مترابطة :تعاني األحزاب اإليران َّية من غياب عوامل القوة التنظيمية ،فهي ال متلك كثي ًرا من األعضاء ،بل تر ِّكز على تنظيم أنصارها في أوقات االنتخاباتً ، األحزاب من انخفاض مستوى العضوية قوي ،ويَحرم ُ بدل من تنظيم هيكل ّ َ مجلة الدراسات اإليرانية
19
فروعا نشطة في مدن موارد مالية كرسوم العضوية ،وهو األمر الذي يَ ُحول دون إنشائها ً ً عوضا عن ذلك إلى شخصيات مؤثرة(.)36 مختلفة ،فيلجؤون يخص القدرة ورغم تَف ُّوق اإلصالحيني على احملافظني بني عا َمي 1997و 2001في ما ّ على اجتذاب تأييد الناخبني ،غير أن هذا الدعم لم يتح َّول إلى قوة تنظيمية ،ولم يتمتَّع أي من األحزاب أو اجلبهات اإلصالحية بتنظيم شعبي فاعل قادر على التواصل مع اإليراني ،وإمنا ظ ّل معظمها شبكات مهلهلة بني األكادمييني القطاعات األوسع من املجتمع ّ ورجال الدين ذوي الفكر اإلصالحي ،وعزَّز تلك احلال َة نفو ُر اإلصالحيني أنفسهم من التنظيمات بالغة الصرامة(.)37 َ يحظ محمد خامتي خالل فترتيه الرئاسيتني ()2005-1997 على سبيل املثال ،لم بأي دعم من أي حزب سياسي ،على الرغم من حصوله على %70من أصوات اجلمهور، األمر الذي أضعف موقفه ،فغياب حزب سياسي قوي في البرملان ترك خامتي وحي ًدا في مواجهة احملافظني( ،)38وال يزال خامتي يقاوم التمثيل التنظيمي ويرى نفسه خارج السياسة احلزبية(.)39 -2الدميقراطية احلزبية الداخلية ..طغيان الفرد :ال ميكن القول بوجود دميقراطية داخل األحزاب اإليران َّية ،فعلى الرغم من إجراء عدة انتخابات فإن الثقافة السياس َّية للن َُّخب احلزبية ال تزال ضعيفة ،فال تزال تلك الثقافة تتَّسم بخصائص ،منها :قوة التبعية، والعاطفية والثقافة السياس َّية التقليدية ،ومحاباة األقارب ،واإلثنية ،وضعف اجلماعية، وضعف الثقة وروح املساءلة ،وعدم التسامح ،وعبادة الشخص َّية(.)40 ً فبدل من انضواء األفراد حتت مظلة ففي تأسيس األحزاب اإليران َّية محورية للفرد، حزب ما تب ًعا ألهدافه وبرامجه ،تتك ّون األحزاب في إيران بوجود شخص َّية مركزية يقوم السلْطة أو العمل السياسي العا ّم، عليها احلزب ،وتزداد مكانة احلزب مبوقع الفرد من ُّ وينهار احلزب بانهيار هذا الفرد(.)41 مؤسسيها ،فهي ليست أحزا ًبا لهذا فإن عمر األحزاب اإليران َّية يبقى مرهو ًنا بعمر ِّ شعبية تتنوع فاعلياتها ووظائفها ويتعمق نفوذها املجتمعي ( ،)42فهناك أزمة متثيل ،representationفحلقة القيادة السياس َّية ض ِّيقة وغير مستق َّرة ،ويعكس الطابع املتقلب املؤس ِس َّية ،واالعتماد شبه املطلق على القيادة الكاريزمية(.)43 لهذه القيادة انعدام َّ -3البعد البرامجي ..الضعف التنظيري وأزمة اخلطاب :لم تنجح األحزاب اإليران َّية في تدوين نظرية حزبية تتالءم مع اإلطار املرجعي للجمهورية اإلسالمية ،فبقيت موضوعات 20
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
عديدة مثل املجتمع املدني ،واحلريات ،والعدالة ،والتع ُّددية ،قضايا خالفية شائكة عجزت األحزاب عن تقدمي إجابات بشأنها حتى من طرف الت َّيار اإلصالحي نفسه(.)44 كذلك تغيب املواقف احلزبية في معظم القضايا السياس َّية ،فاألحزاب اإليران َّية ناد ًرا ما تُصدِ ر بيانات مع ِّبرة عن مواقفها احلزبية ،وتترك هذا األمر الجتهادات األفراد ،ويعود ذلك إلى عدم وجود الئحة تأسيسية ملعظم األحزاب ،وغياب اآليديولوجية احلزبية(،)45 ما يعكس أزمة اخلطاب السياسي ،فحتى اإلصالحيون واملثقفون األفراد لم ي ُكن ِ َّ أعمال لديهم القدرة على إثراء املفردات السياس َّية واخلطاب ،فعرضوا أفكا ًرا وجداو َل ٍ َعصب احملافظني ،فإنها ال تزال غير كافية، غامض ًة ،ورغم أنها كانت مفيدة لتمييزهم من ت ُّ السلْطة الدينية والشرعية السياس َّية التي ت ِ ُعطي اللغة ولعل َم َر ّد ذلك إلى التداخل بني ُّ الديني ،وهو أمر ُمربِك للنُّخبة واجلمهور على السياس َّية َس ْمتًا دين ًّيا نتيجة هيمنة اخلطاب ّ ح ّد سواء(.)46 املوجه نحو التنمية في فترة خامتي واجه الفشل الفتقاره إلى فاخلطاب اإلصالحي َّ برنامج دقيق ومتَّسق ،نتيجة الضعف في مواجهة التحديات الهيكلية واملجتمعية ،فظهرت فجوة بني الناس واإلصالحيني مبا في ذلك احلركة الطالبية(.)47 في ظ ّل هذه األوضاع هيمن اجلمود وض ُع َفت التنافسية في املشهد السياسي ،وباتت التمايزات واحلدود بني الت َّيارات السياس َّية تتَّسم بالسيولة وتبدو غير واضحة(.)48 -4االستقاللية ..أزمات التأسيس واحملسوبية :كثير من األحزاب نشأ بقرار حكومي ما جعلها عرضة لتح ُّوالت العملية مباشر أو من خالل شخصيات نافذة في احلكمَّ ِ ، أسسه السياس َّية ،وخاضعة ُّ للتوجهات احلكومية ،مثل حزب «كاركزاران سازندكي» الذي َّ أسسه خامتي. رفسنجاني ،وحزب «جبهه مشاركت» الذي َّ بالسـلْطة ،ومِ ـن ثَـ َّم فهـي إمـا أحـزاب حكوميـة، فنشـأة هـذه األحـزاب كانـت مرتبطـة ُّ السـلْطة ،وتُ َو ِّظفهـا بصـورة مباشـرة أو غيـر وإمـا نشـأت بعـد وصـول َّ مؤسسـها إلـى ُّ مجموعـات نافـذة مثـل حـزب «جمهـوري إسلامي» بعـد الثـورة ،وحـزب مباشـرة ٌ «رسـتاخيز» فـي زمـن الشـاه. مؤسسـات سياسـ َّية أمـر لـه عالقـة وثيقـة بقيـام معارضـة ثابتـة ومؤثـرة إن وجـود َّ املؤسسـات الدميقراطيـة يحـول مبؤسسـاتية عاليـة ومنسـجمة ،إال أن فِ قـدان وتتمتـع َّ َّ دون قيـام معارضـة مؤ ِّثـرة ،إذ تعمـل األحـزاب بصـورة غيـر رسـم َّية أو قـد تلجـأ إلـى العمل فـي اخلفـاء ،فتغيـب فـرص التجربـة العمليـة لألفـكار واخلبـرة املتراكمـة الالزمـة للبنـاء مجلة الدراسات اإليرانية
21
املؤسسـاتي لألحـزاب ،فتبقـى أسـيرة ُر ًؤى نُخبَ ِو َّي ٍـة تقطـع الطريـق علـى نشـوء الداخلـي َّ املؤسسات الدميقراطية(.)49 َّ لكن دع َم النافذين لألحزاب غير دائم ،فخالل الفترة األولى التي َت َّكم فيها ّ اإلصالحيون في منصب الرئاسة وأغلبية مقاعد البرملان ،كان يدعمهم رفسنجاني ومجموعته البراغماتية ،غير أن البراغماتيني قد يغ ِّيرون حتالفهم مع اإلصالحيني إذا تَض َّرر موقفهم .ففي أثناء األزمة السياس َّية التي جرت بعد االنتخابات الرئاسية عام ،2009والتي كانت بني املتشددين الذين دعموا أحمدي جناد ،واحلركة اخلضراء ،تَبنَّى رفسنجاني موق ًفا حياد ًّيا ،ألنه لم يرغب في مواجهة مباشرة مع جناد واحلرس الثوري واملرشد األعلى .أما في االنتخابات التشريعية عام 2016فقد تَغ َّير موقف رفسنجاني، إذ حترك وجماعته البراغماتية ناحية االصطفاف مع اإلصالحيني مرة أخرى ،فعقدوا َّ املرشحني املتشددين من الهيمنة على البرملان ومجلس اخلبراء(.)50 ائتال ًفا معهم ملنع السلْطة أو أفراد نافذين بداخلها ،تتض َّرر ونتيجة لهذا االعتماد شبه املطلق على ُّ أنشطة األحزاب بتقلُّب مواقف هؤالء األفراد أو غيابهم ،فوفاة هاشمي رفسنجاني مؤسسات احلكم والقوى السياس َّية ،والرابط الوسطي وضابط اإليقاع في أداء كلَّ بني الت َّيارين السياسيني الكبيرين ،احملافظني واإلصالحيني بتن ُّوعاتهما -أحدثت إربا ًكا بخاصة ت َّيار اإلصالحيني الذي كان يعتبر رفسنجاني -رغم مزدوجا لدى الت َّيارين، ً َّ مواقفه الوسطية غير احلاسمة -الرجل الذي سيؤ ِّدي الدور احملوري في معركة «اخلالفة السياس َّية» القادمة مع رحيل خامنئي(.)51 ولع ّل إحدى أدوات ال ِّنظام للسيطرة على األحزاب واملجتمع املدني هي شبكات احملسوبية املهيمنة ،فرغم أن احملسوبية ليست من خُ لُق الثورة اإليرانية ،فهي موجودة َرس َخت بشدة .وأبرز مثال على ذلك هو َت ُّول احلرس الثوري منذ عهد الشاه ،إال أنها ت َّ اإليراني من جهاز عسكري حلماية الثورة وتنفيذ أهدافها ،إلى َّ منظمة معقَّدة متعددة ّ اإليراني ،وتعمل في مختلف األنشطة االجتماعية. األوجه تتغلغل بعمق في االقتصاد ّ املؤسسة التزامها اآليديولوجي وحولها إلى كيان جتاري في فهذا التح ُّول أ ْف َق َد هذه َّ املقام األول حتالف بدوره مع الفصيل السياسي احملافظ املتمثل في احلزب اجلمهوري اإلسالمي في عهد اخلميني ،ثم حتالف مع خامنئي ،وفي حني بذل خامتي جه ًدا -غير ُم ٍ للح ّد من نفوذ احلرس الثوري ،فقد عزَّز أحمدي جناد عالقات الرعاية القدمية، جدَ - اإليراني سلسلة من العقود احلكومية املربحة، من خالل منح شركات احلرس الثوري ّ 22
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
وتعيني عديد من أعضاء احلرس الثوري اإلسالمي والباسيج و ُقدا َمى احملاربني في حكومته ،ليستفيد جناد من أنشطة احلرس الثوري اإلسالمي والباسيج التي لها بعض اآلثار اإليجابية على مجموعات مع َّينة في مقدمتهم الريفيون الفقراء. مـن ناحيـة أخـرى يحتـاج املرشـد األعلـى -الـذي يفتقـر إلـى كاريزمـا سـلفه -إلـى الدعـم السياسـي للحرس الثوري لتعزيز سـلطته ،نظ ًرا إلى ثقله العسـكري واالقتصادي والسياسي(.)52 مِ ن ثَ َّم توسع دور احلرس الثوري إلى أبعد من املهمات األمنية والعسكرية ،فجلب احلرس الثوري املصوتني إلى أماكن االقتراع في انتخابات 2005الرئاسية للتصويت لصالح أحمدي جناد ،كما أظهر احلرس الثوري عام 2009قدرته على قمع التم ُّرد عن طريق السحق الوحشي ملظاهرات املعتدلني املؤيدة للدميقراطية ،التي كانت جز ًءا من احلركة اخلضراء(.)53 بـذات املنطـق حـاول احلـرس الثـوري فـي االنتخابـات الرئاسـية فـي 2017حشـد الناخبين ،فحشـد أعضـاءه وقـوات التعبئـة (الباسـيج) وأنصـار املرشـد خو ًفـا مـن هيمنـة ت َّيـارات إصالحيـة(.)54 -5التجذُّ ر املجتمعي ..غياب كامل :إذا جنحت األحزاب السياس َّية في كسب ثقة املواطنني وإقامة عالقة قابلة للحياة معهم ،ميكن القول إن األحزاب السياس َّية لها جذور املؤسسي ،في حني يُبقِ ي عد ُم وجودِ جذور اجتماعية تساعدها على إضفاء الطابع ٍ َّ ٍ األحزاب السياس َّية غير معروفة ،ويص ِّعب على املواطنني التمييز بينها وحتديد اجتماعية َ َمن ميثلها ،فيتغير السلوك التصويتي من انتخابات إلى أخرى بشكل كبير ،إذ يت ّم التصويت لألفراد الذين ِّ يرشحون أنفسهم مستقلِّني ،فيزداد عدم االستقرار وتضعف األحزاب السياس َّية أكثر. في حالة إيران ،على الرغم من أن الفصائل تبدو متجذرة في املجتمع ،حيث يوجد قدر ني السلوك التصويتي للجماعات التقليدية والدينية واألشخاص األكثر تعلي ًما، من التمايز ب َ فإن عد ًدا كبي ًرا من الناخبني ليس لديهم شعور باالنتماء إلى األحزاب ،وقد يصوتون َّ للمرشحني من مختلف الفصائل في انتخابات متتالية ،أو حتى يصوتون ألفراد من فصيلني في نفس االنتخابات البرملانية ،فهم يصوتون لصالح األفراد ً بدل من األحزاب. َّ كذلك ِّ املرشحون اللجوء إلى قدراتهم الشخص َّية للفوز باالنتخابات ،ويشنُّون يفضل قدم أحمدي جناد نفسه على أنه غير حزبي ،ولم حمالت مستقلَّة .على سبيل املثالَّ ، يحاول احلصول على دعم األحزاب السياس َّية ،رغم َتتُّعه بدعم الفصيل احملافظ واحلرس الثوري(.)55 مجلة الدراسات اإليرانية
23
-6التماسك الداخلي ..االنشقاقات والسيولة السياس َّية :ينظر إلى الفصائل على أنها سمة من املراحل املب ِّكرة ِلَا يُ َس َّمى بعملية التحديث التي يتغلب فيها األفراد واجلماعات على األمناط التقليدية للسلوك السياسي ،غير أن درجة املشاركة السياس َّية وامل ْأ َسسة فيها ال تزال منخفضة(.)56 فالفصائل السياس َّية ليست جماعات متماسكة ،فال يوجد قائد واضح في كل فصيل، ض َفاض من اجلماعات واألفراد ،كذلك كثي ًرا ما عدلت وتتألف الفصائل من ائتالف َف ْ الفصائل السياس َّية وجهات نظرها ألسباب سياس َّية على املدى القصير ،وكثي ًرا ما تَس َّببت اآلراء املختلفة في فصيل واحد في حدوث خلل وإقامة حتالفات مع فصائل أخرى أو فصائل جديدة(.)57 فتتَّسم تلك الفصائل بسرعة االنشقاق ،وتكوين الكيانات املتوازية ،فمن رحم «جامعه روحانيت مبارز» الفصيل احملافظ األشهر ،خرج «مجمع روحانيون مبارز» من نفس توجهات اقتصادية متيل إلى االقتصاد القاعدة املجتمعية ،ولكن هذا األخير ض ّم من لهم ُّ أه ّم فصائل اإلصالحيني. املوجه املؤ ِّيد حلقوق العمال ،ثم أصبح في ما بعد من َ احلكومي َّ اإليراني أن للسياسي في ظ ّل تلك احلالة املرتبكة تنعدم آلية االلتزام احلزبي ،إذ يجوز ّ ّ يكون عض ًوا في عدة أحزاب سياس َّية في ذات الوقت ،كما أنه ال يلتزم برأي احلزب في معظم القضايا ،ومِ ن ثَ َّم ال تتك ّون ُكتَل انتخابية ثابتة في البرملان ،بل ُ َ ت ّل وتتشكل التكتُّالت ما يجعل احلياة البرملانية عدة مرات في الدورة الواحدة بعي ًدا عن االنتماء احلزبيَّ ِ ، اإليران َّية تتَّسم بحالة من السيولة وتَبَ ُّدل املواقف َو ْفق املصالح الشخص َّية والفئوية(.)58 كذلك ُيزَج الوالء السياسي مع الوالءات األسرية والدينية واإلقليمية ،فممارسات الفصائل تقوم على أساس شبكات احملسوبية التي تعمل كآلية مركزية للتعبئة ،وينعكس ذلك على املجموعات البرملانية التي ال يحكم عملَها الوالء احلزبي ،ولكن عبر ا ِّتفاقات غير رسم َّية ومرنة بني السياسيني. ومن الدالئل الواضحة على غياب الوالء واالنضباط أو االلتزام احلزبي املوافقة البرملانية على الوزراء ،فلم يحصل وزير في احلكومة على نفس العدد من األصوات في توجه حزبي واضح ،فالنواب يق ِّررون من أثناء االقتراع على الثقة ،وهو ما يعني أنه ال يوجد ُّ يؤيدون من الوزراء حسب اآليديولوجيا أو الوالءات الشخص َّية. وهذا ليس بغريب ،بالنظر إلى عشرات اجلمعيات السياس َّية التي تفتقر إلى هوية لسياسي واحد آيديولوجية واضحة ،وحيث ال يوجد اعتراف بأي عضوية رسم َّية ،فيمكن ّ أن يعلن انتماءه إلى عديد من الفصائل في نفس الوقت. 24
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
وحتى خالل العمليات االنتخابية ،ميكن لهذه اجلمعيات دعم َّ مرشحيها أو دعم قوائم َّ يشجع على إقامة حتالفات انتخابية مرنة مرشحني فرديني ،وهذا األمر مشتركة أو ِّ َّ املرشح ميكن إدراجه في عدة قوائم ،ب َغ ِّ ض النظر عن إرادته أو علمه ،وقد ومؤ َّقتة ،كما أن تشمل القائمة االنتخابية َّ مرشحني متناقضني آيديولوج ًّيا(!)59 على سبيل املثال ،في انتخابات مجلس الشورى في 2016تكونت «قائمة األمل» اإلصالحية من خليط غير متجانس ض ّم وسطيني وإصالحيني ،وحتى تقليديني مثل علي مط َّهري ،احملافظ االجتماعي الذي انحاز إلى روحاني في موضوع اال ِّتفاق النووي. وفي انتخابات مجلس اخلبراء في السنة ذاتها ،كان أداء «جمعية رجال الدين املقاتلني» احملافظة هو األفضل ،تالها «مجمع ُمد ِّرسي احلوزة العلمية في قم» األكثر تَش ُّد ًدا ،ثم «قائمة األمل» املعتدلة ،وأخي ًرا املستقلُّون .ولكن ظلت اخلطوط احلزبية أكثر ضبابية في ما هي عليه في البرملان ،إذ ظهر %42من أعضاء املجلس املنتخبني على جميع املجلس ِ َّ ()60 القوائم الثالث الرئيسية . اإليراني: ومن الشواهد التي ُت ِبرز حالة السيولة الفائقة في املشهد احلزبي ّ أ -أن سبعة من الفائزين الستة عشر في طهران ليسوا فقط ُمد َرجني على الالئحة اإلصالحية ،بل على الئحة ُمنافِ سة وضعتها احلركة «األصولية» احملافظة ً أيضا ،هم: محمد علي موحدي كرماني ،ومحمد إمامي كاشاني ،ومحسن قمي ،وإبراهيم األميني، وقربان علي دري جنف آبادي ،ومحمد محمدي ريشهري ،والسيد أبو الفضل مير محمدي. ب -أن اثنني من أصل سبعة (ريشهري ودري) هما من وزراء االستخبارات السابقني ومن املنتهِ كني البارزين حلقوق اإلنسان. ج -أن أبرز الفائزين على الئحة اإلصالحيني ،أي روحاني ورفسنجاني ،من أصحاب َرشحوا في إطار محافظ في االنتخابات البرملانية املاضية ،وت َّ املناصب الذين ت َّ َرش َحا ض ّد اإلصالحيني عضوين في «جمعية رجال الدين املناضلني» منذ أواخر التسعينيات ،وقبل ضد اليساريني. حركة اإلصالح تَ َر َّش َحا َّ يد ِع أي من الفائزين اآلخرين في طهران أنه إصالحي ،فأعلن بعضهم صراح ًة د -لم ّ معارضتَه التاريخية واآليديولوجية لإلصالحيني. هـ -مع خسارة الريجاني وغيره من احملافظني للروابط التقليدية التي كانت جتمعهم ً ُّ محافظا، الترشح ،ال إصالح ًّيا وال مبعسكر األصوليني ،فإن الريجاني لم يصبح قاد ًرا على ًّ فطرح نفسه َّ مرش ًحا «مستقل». مجلة الدراسات اإليرانية
25
و -سمح علي مطهري وشخصيات أخرى بوضعهم على الئحة اإلصالحيني ،ولكن في الوقت نفسه ش ّكلوا حركة محافظة جديدة «صوت الشعب» وأص ُّروا علنًا على أنهم لم يكونوا إصالحيني. ز -أُدرج كاظم جاللي ،رئيس كتلة «األصوليني أتباع والية الفقيه» احملافظة ،على الالئحة اإلصالحية ببساطة بسبب دعمه لال ِّتفاق النووي(.)61 -7ضعف مصادر التمويل :التمويل يبرز باعتباره واح ًدا من العوامل احلاسمة لالرتقاء بأداء أي حزب سياسي ،غير أن األحزاب السياس َّية في إيران تفتقر إلى هذا الدعم املالي، اخلاصة الضخمة غير موجودة ،ومعظم الشركات والبنوك حتت سيطرة فالشركات َّ احلكومة وغير راغبة في دعم األحزاب ،كما أن الناخبني ليسوا مهت ِّمني بأن يصبحوا أعضاء في األحزاب التي قد ت ُِلزمهم عضويتها بدفع رسوم االشتراك ،وليس لألحزاب السياس َّية دعم حكومي(.)62 -8القدرة اإلعالمية ..اإلعالم البديل :في االنتخابات الرئاسية األخيرة اشت ّد التضييق على احلريات اإلعالمية بإغالق مكاتب لقنوات إخبارية عربية وتشويش على أخرى بخاصة غربية ،وأُغ ِل َق عديد من املواقع اإللكترونية وعديد من صحف املعارضة اإليران َّية، َّ تلك التابعة للت َّيار اإلصالحي(.)63 وهذه مشكلة أخرى لألحزاب السياس َّية اإليران َّية ،وهي االفتقار إلى استخدام سلطة النشر والصحافة ،فمعظم املطابع مملوكة للحكومة التي ال تسمح بإنشاء خاصة(.)64 قنوات تليفزيونية َّ بخاصة تطبيق «تليغرام» للتراسل-ورغم إمكانية الوصول إلى وسائل اإلعالم البديل َّ وانعكاساته على تقويض احتكار الدولة للمعلومات ،ودوره امله ّم في تعبئة الناخبني ،فإن املتفاعلني من خالله ال يزالون شرائح بعينها(.)65 ض ْعف ّ ما سبق يتضح مدى َ املؤس ِس َّية احلزبية داخل الفصائل والكيانات مؤشرات ِ َّ َّ احلزبية اإليران َّية ،األمر الذي يشير إلى عدم قدرة تلك الكيانات على قيادة عملية للتح ُّول ما يعني حاجة تلك الكيانات إلى عملية الدميقراطي أو التغيير السياسي داخل إيرانَّ ِ ، إصالح داخلي شامل. املؤس ِس َّية احلزبية يف إيران التحول نحو حتديات خامسا: ِّ ُّ ً َّ
تتعدد األشكال التنظيمية التي ميكن لألحزاب السياس َّية أن تتبعها ،فال يوجد شكل مثالي لألحزاب السياس َّية ،ألن مزايا هيكل تنظيمي أو فلسفة تنظيمية مع َّينة قد تنظيمي ّ ()66 تتحول إلى مساوئ في وقت وظروف مغايرة . 26
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
وميكن في هذا اإلطار أن نشير إلى عدة معايير تُعتبر ا َ حل ّد األدنى ألي حزب سياسي فاعل ،وهي في جوهرها معايير مت ِّثل حتديات أمام نشأة حزبية حقيقية في إيران كما أشرنا ،وهذه املعايير كالتالي: اله ِو َّية احلزبية :في الظروف الراهنة يبدو أنه من الصعوبة مبكان -1خلق وتطوير ُ مفصلة، أن تنشيء أحزا ًبا متتلك برامج حزبية وبرامج انتخابية وأوراق سياسات َّ وتوجهه العا ّم وقيمه ومب ِّرر وجوده ،وله طابع طويل األجل فبرنامج احلزب يش ِّكل ُه ِو َّيته ُّ ال يناقش قضايا جزئية ،كذلك ال بد من إصدار برامج انتخابية حتتوي على اقتراحات محددة ،ويُعاد تصميمها من منظور قصير األجل عند كل استحقاق انتخابي ،كما ينبغي َّ إعداد أوراق سياسات تتعلق مبواقف تفصيلية لبعض السياسات االقتصادية واألمنية والزراعية ،إلخ(.)67 ًّ هكذا يكون للحزب ُه ِو َّية وقاعدة دعم مستقل عن القادة األفراد ،ليستند إلى األفكار ً عوضا عن احملسوبيات ،ويتوقف حتقيق ذلك على مدى إشراك األعضاء والبنى احمللية في حتديد وصياغة البرامج والسياسات ذات األولوية ،على أن تُقِ َّرها هيئات صنع القرار في احلزب(.)68 -2التنظيم القوي والوجود خارج العاصمة :كي ينجح أي حزب في التنافس السياسي فإنه يحتاج إلى تنظيم مستمر ،أي عضوية مباشرة ،وتنظيمات ال مركزية َو ْف ًقا للمناطق والتواصل مع َّ كاملؤسسات املنظمات غير احلزبية في السياق احمللي السكنية أو األحياء، ُ َّ اإليراني بطبيعته التسلُّطية ومواجهته الدينية واجلمعيات املدنية واملهنية ،إلخ ،وال ِّنظام ّ سياسي خارج اإلطار الذي رسمته الثورة لنظامها ودستورها ونظريتها في ألي نشاط ّ ()69 ً فضل عن وجود فرص حقيقية النتشاره . احلكم ،يحول دون وجود أي تنظيم بديل، -3نبذ َّ الش ْخ َصنة وتعزيز التشاركية والدميقراطية الداخلية :األحزاب األكثر تأيي ًدا انفتاحا ملشاركة مناصريها تق ِّدم خيارات أفضل للناخبني ،ألن األرجح أنها ستكون أكثر ً َّ السلْطةِ حفن ًة من القادة احلزبيني، على األفكار اجلديدة، وأقل تركيزًا على حمايةِ ُّ فالتشاركية تعكس مدى اتساع حلقة صانعي القرار في احلزب ( ،)70فالدميقراطية الداخلية ضرورية لزيادة تأثير األعضاء سياس ًّيا داخل احلزب ،وحتى ال يتعمق االغتراب بني قادة احلزب وأعضائه ،فال بد أن يكون للجان احمللية دور مؤ ِّثر في عمليات صنع القرار ،ولو نتج عن ذلك بعض الصراعات ،فعدم وجود إجماع ليس عالمة َ ض ْعف ،بل دليل على حياة حزبية حيوية تعزِّز النقاش السياسي ،والتجربة احلزبية في إيران على وضعها مجلة الدراسات اإليرانية
27
املؤس ِس َّية االستثنائي لم تخرج بع ُد من عباءة الشخصنة ،كما تفتقر إلى أي درجة من َّ تسمح لها بوجود حراك داخلي(.)71 -4حتمية التواصل املستدام وتنويع قنوات االتصال مع املجتمع :لالتصال عدة قنوات، منها قنوات االتصال املباشرة التي تتحكم فيها التنظيمات احلزبية كاجتماعات الفروع احمللية ،واملؤمترات احلزبية ،وفاعليات احلمالت االنتخابية ،وخطابات القادة ،واجلوالت االنتخابية ،واملنشورات والبيانات احلزبية ،ومواقع اإلنترنت ،ومد َّو نات الناشطني، وشبكات البريد اإللكتروني. وهناك القنوات الوسيطة أو غير املباشرة للوصول إلى اجلمهور األوسع ،إذ يُعتمد على املقابالت مع القادة ،وحمالت الكتابة للصحف ،واالتصال بالبرامج اإلذاعية ،وصياغة ً فضل عن االتصال الشخصي ،وهو أفضل وسيلة القناع الرسائل للمواقع اإللكترونية(،)72 الناخبني باالنضمام إلى حزب سياسي ،وذلك من خالل الزيارات املنزلية امل ُ َع َّدة بعناية، كما ينبغي لألحزاب إيجاد قاعدة بيانات للمواطنني املهتمني غير األعضاء( ،)73ويجب يحدد احلزب شروط االنتساب إليه ،كبلوغ السن القانونية ،وأن ال يكون املنتسب أن ِّ منض ًّما إلى حزب آخر ،وأن يح ِّدد حقوق األعضاء ومسؤولياتهم ،كتسديد اشتراكات العضوية ،وإلزامهم بحضور االجتماعات ،ورأينا كيف َت َّكن ال ِّنظام من مواجهة أي حراك داخلي أو خلق قنوات تواصل بني القوى املعارضة أو اإلصالحية ،وذلك عبر تقييد حرية بعض الرموز اإلصالحية ووضعها قيد اإلقامة اجلبرية من ًعا التصالها مع اجلماهير والقيود املفروضة على وسائل االتصال واإلنترنت ،وقمع أي نشاط حزبي وفتح السجون أمام رموز املعارضة(.)74 َ -5تَنُّ ب االنشقاقات وإدارة الصراعات احلزبية داخل ًّيا :الصراعات الداخلية املتكررة الختالف التص ُّورات السياس َّية ،أو حتى بسبب اخلصومات الشخص َّية حول َشغْل املناصب والنفوذ ،صراعات ال مف ّر منها ،ولكن يجب أن تدار بطريقة صحيحة داخل ًّيا. ويُقترح إنشاء جلان حزبية دائمة للوساطة وتسوية الصراعات الداخلية ،وتوجد ً أيضا السلْطة ،وعبر محاولة إدماج ممثلي مختلف أشكال «ناعمة» من الوساطة عبر تقاسم ُّ املجموعات داخل البنى التنظيمية للحزب ،وتوزيع املناصب القيادية ،لتحسني متثيل بعض الفئات ،بعي ًدا عن ترتيبات احملاصصة اجلامدة. -6حتميـة متثيـل األق ِّل َّيـات :ال بـد مـن متثيـل األقلِّ َّيـات الدينيـة والعرقيـة داخـل هيـكل العضويـة احلزبيـة ،وضمـان متثيلهم فـي اللجـان احلزبيـة احملليـة وعلـى املسـتوى القومي، 28
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
وإعدادهـم وضمـان ترشـيح بعضهـم فـي االنتخابـات العا َّمـة ،إلنشـاء روابـط قويـة بين حـرم َمـن ال يديـن بالـوالء األحـزاب وهـذه األقلِّ َّيـات ،والواقـع أن الدسـتور اإليرانـي ذاتـه يَ ِ ّ ُّ الترشـح للمناصـب الرفيعة فـي الدولة ،فـي حني مي ِّثل هـذا املبدأ لنظرية واليـة الفقيه من عقيـدة لواحـد مـن املذاهـب الفقهيـة ،بـل ومختلَـف عليـه داخـل املذهـب نفسـه(.)75 -7االنضباط احلزبي :ال بد من قواعد واضحة لتنظيم العالقات بني األحزاب َ والسلْطة واملساءلة بني املجموعة املنتخبني ،بد ًءا من حتديد خطوط التواصل، وممثليها ُّ البرملانية واحلزب ،وإجراءات االختيار الدوري لقادة املجموعات البرملانية ،وإجراءات صنع القرار ،واعتماد آليات للتنسيق وتبادل املعلومات ،إلقامة التوازن بني املجموعات البرملانية وأحزابها في ما يتعلق باحلاجة إلى العمل املنسق في الهيئة التشريعية من جهة، واالعتراف با َ حلقّ في املخالفة الشرعية من جهة أخرى(.)76 تعددية مصادر التمويل :حتتاج األحزاب إلى موارد مالية لتنفيذ َمها ِّمها بفاعلية، ُّ -8 وإيجاد مصادر متع ِّددة للتمويل تكون من خالل :رسوم العضوية ،واملساهمات املالية ألعضاء البرملان واملسؤولني التنفيذيني األعضاء باحلزب ،واإليرادات الرأسمالية ألنشطة تُدِ ّر ً دخل ،والتبرعات العلنية ،والدعم احلكومي. ويجب أن مت ِّثل رسوم العضوية جز ًءا كبي ًرا من اإليرادات ،وأن تكون التب ُّرعات علنية، وأن يحترم الدعم احلكومي مبدأ تكافؤ الفرص(.)77 االلتزام بهذه االشتراطات األولية يتيح ظهور كيانات تنظيمية حزبية دائمة ومتماسكة اإليراني ،بغض النظر عن ضغوط الكيانات غير قد تلعب دو ًرا بالغ األه ِّم َّية في املستقبل ّ َ فاملؤسسات احلزبية القوية املتماسكة املنضبطة قادرة على فرض أجندتها املنتخبة، َّ ض النظر عن البيئة اخلارجية الضاغطة ،ألنها السياس َّية أو جزء منها على األق ّل ب َغ ّ بنشاطها السياسي املستدام ومتاسكها الداخلي سوف تؤ ِّثر في هذه البيئة اخلارجية ً فضل عن زيادة درجة م ْأ َسسة ال ِّنظام احلزبي في إيران ،ألن توا ُفر هذه كما تتأثر بها، االشتراطات سيزيد الثقة باألحزاب السياس َّية ،وينظم املنافسة بينها على أسس مدنية تتيح إمكانية احلوار والتحالف واملساومة ً بدل من حالة النفي املتبادل ،كما يسمح لها املؤسسات السلطوية غير املنتخبة. مبساحة مناورة أكبر مع ضغوط َّ ً إجمال ميكن القول إن البيئة اإليران َّية في ظ ّل طبيعة ال ِّنظام وآيديولوجيته وبنيته ً فضل عن طبيعة القوى املتنافسة السلْطة ومراكز صنع القرار الفعلية بداخله، وتركيبة ُّ التي تتحرك حتت مظلة نظرية الولي الفقيه ،متثل حتديات حقيقية َ ُ تول دون بناء كيانات باملؤس ِس َّية. حزبية تتمتع َّ مجلة الدراسات اإليرانية
29
التحول الدميقراطي فـي إيران املؤس ِس َّية احلزبية ومستقبل ُّ ً سادساَّ :
السلْطة ،واقتنعوا بعدم حاجتهم إلى شركاء بانتصار الثورة اإليران َّية احتكر رجال الدين ُّ ()78 مدنيني يشغبون عليهم في خياراتهم التز ُّمتية ،وقطعياتهم الدينية ،فاحتلُّوا دور الوسيط َّص اإللهي ،واحتكروا الدين مصد ًرا رئيس ًّيا بني اهلل والشعب ،وانتزعوا احلقّ في تفسير الن ّ للشرعية( ،)79ومِ ن ثَ َّم فإن التح ُّول الدميقراطي في إيران عبر انتخابات بشروط والية الفقيه شبه مستحيل ،رغم هذا الزَّخْ م االنتخابي(.)80 وفوز اإلصالحيني في االنتخابات ال يعني أنهم يحكمون ً فعل ،ففي سنة 1992فاز رفسنجاني بالرئاسة كإصالحي ،وتبعه محمد خامتي سنة ،2000ولم يتمكنا من أن يفعال شي ًئا إصالح ًّيا تنعكس أثاره على طبيعة ال ِّنظام وآليات عمله(.)81 واملؤسسات البيروقراطية املرتبطة مبصالح النخبة فالسيطرة السياس َّية لرجال الدين َّ الدينية وضع قيو ًدا على تط ُّور ممارسة دميقراطية حقيقية ،لتصبح مج َّرد طقوس مق َّيدة مؤسسات احلكم دون أن يعكس ذلك تفعيل إرادة حقيقية بإجراءات صارمة النتخاب رموز َّ خليارات الهيئة الناخبة تعكس واقع التع ُّددية السياس َّية السائدة في املجتمع. َص ُّور ممارسة حقيقية للدميقراطية دون نظام حزبي ُح ّر يعكس كذلك ال ميكن ت َ املشاركة الشعبية في عملية صناعة القرار ،فهذا ال ميكن أن يتوافر في نظام عقَدِ ّي ترتبط شرعية املمارسة السياس َّية فيه بقيم آيديولوجية تستم ّد أصولها من االعتقاد باإلمكانات امليتافيزيقية لشخص القائد طب ًقا لنظرية والية الفقيه ،فما زال نظام الثورة يحدد الدين اإليران َّية متخل ًفا قيم ًّيا وحرك ًّيا ،ويعكس منوذج الدولة الثيوقراطية التي ِّ ()82 مؤسسات نظامها السياسي . شرعية احلكم فيها ويسيطر رجا ُل الدين على َّ املثيـر لالهتمـام أن حكـم احلـزب الواحـد -وهـو أحـد عوامـل احلكـم االسـتبدادي- ترجـم إلـى وجـود أحـزاب غيـر موجـود فـي إيـران ،غيـر أن غيـاب حـزب مهيمـن لـم يُ َ للسـلْطة وشـقاق َّ مؤس ِس َّـية متعـددة ،بل اتسـمت السياسـة في إيـران بوجـود مراكـز متعددة ُّ ()83 بين الفصائـل املختلفـة . من الواضح إ ًذا أن الدولة اإليران َّية ما زالت ال ترغب في وجود أحزاب سياس َّية جادة مؤسس ًّيا ال تش ِّكل حت ِّد ًيا للحكم أو نظام حزبي تع ُّددي ومؤسسي ،فاألحزاب الضعيفة َّ َّ ()84 َ املنتخبة لدعم املؤسسات غير االستبدادي خلامنئي ،كذلك يوجد ميل واضح من َّ مؤسسات ال ِّنظام كافة(.)85 الفصيل احملافظ داخل َّ وال ّ شك أن متاسك ال ِّنظام وصالبته وقدرته على إدارة التفاعالت الداخلية مبا يحميه من أي موجة تغيير مؤ ِّثرة تُلقِ ي بظالل كثيفة على فرص التغيير في املرحلة الراهنة ،الذي قد يطال بنية ال ِّنظام ،ومن ضمنها ال ِّنظام احلزبي ،وفي قلبه م ْأ َسسة أحزابه. 30
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
اإليراني ذاته، لكن في املقابل فإن األمل في التغيير يظ ّل حاض ًرا استنا ًدا إلى املجتمع ّ ال سيما إذا أخذنا باالعتبار بروز إرهاصات الت َّيار اإلصالحي بعد انتهاء احلرب مع العراق ،وبدأ مف ِّكرون ليبراليون كعبد الكرمي سروش في طرح نظريات حول املجت َمع املدني وعالقة الدين بالدولة ،وبدأ امل ّد اإلصالحي يزحف خارج سيطرة الت َّيار احملافظ منذ ًرا مؤسساته(.)86 بتحوالت كبيرة في قيم ال ِّنظام وحركة َّ وحت َّو لَت املناداة باإلصالح مع مرور الوقت إلى ثقافة سياس َّية ،لم يتمسك بها اإلصالحيون فحسب ،بل كل الفئات وكل الالعبني السياسيني واملثقفني ،بد ًءا من بعض شرائح األصوليني إلى املعارضني خارج البالد ،ومن رجال الدين إلى ال ُكتَّاب والفنانني اإليراني أكثر من قادته َت ُّر ًرا واستعدا ًدا لالنفتاح، وجنوم السينما( ،)87وبات املجتمع ّ شاب يؤمن باإلصالح والتغ ُّير ،ويريد دولة أكثر ففي إيران حضارة قدمية ،ومجت َمع ّ شفافية وقدرة َّ وأقل تعبوية ،وعندما نراجع أفكار معظم أبناء القادة الكبار في اجلمهورية اإلسالمية وبناتهم ،مبن فيهم أحفاد اخلميني ،نكتشف أن معظمهم انتقل من األفكار الثورية إلى فكر اإلصالح(.)88 اإليراني سعى إلى الدميقراطية منذ عشرات السنني، وليس هذا مستغ َر ًبا ،فاملجتمع ّ فهو الذي قام بالثورة الدستورية في ،1905وانتخب رئيس الوزراء القومي مصدق في ،1951وناضل من أجل احلصول على حقّ االقتراع ومشاركة النساء في االنتخابات في ،1963وأطاح بنظام الشاه ،وأ ّيد خامتي ورفسنجاني ثم موسوي(.)89 وقد كان انطالق جتربة خامتي اإلصالحية ِّ مؤش ًرا حمل دالالت مه َّمة في ما يتعلق بفرص التغيير في املستقبل ،بصفتها كانت جتربة مبنية على قاعدة اجتماعية عريضة، جتاوزت ثلثَي الناخبني في انتخابات ،1997الذين ع َّبروا عن ضيقهم من رجال الدين احملافظني احلاكمني منذ عام .)90(1979 فمِ ن َر ِحم هذه التجربة منت طبقة من الشباب ُولِدوا وتَ َر َّبوا بعد الثورة ،بأمزجة اإليراني، واهتمامات حديثة مغايرة ،وتَ َوا َكب ذلك مع تغ ُّير في البنية الثقافية للمجتمع ّ ّ مؤشراتها ارتفاع مستوى املعرفة والتعليم اجلامعي في األرياف واملدن ،وارتفاع أهم معد ل التعليم للمرأة اإليران َّية ،فنَ َمت طبقات ثقافية في املجتمع حتمل اهتمامات َّ ومتطلَّبات جديدة ،لينتهي بها املطاف إلى تأييد خامتي باعتباره «املنقذ» من األوضاع التي كانوا يعيشونها(.)91 واالجتماعي الذي تشهده إيران انت ُِخب حسن روحاني السياسي واستمرا ًرا للحراك ّ ّ املعتدل في ،2013وفاز بوالية ثانية في 2017بنسبة مشاركة شعبية واسعة بلغت ،%73 مجلة الدراسات اإليرانية
31
ولم تختلف اجتاهات ومشاركة تصويت املدن عن األرياف ،فشطر راجح من سكان القرى اقترعوا لروحاني ،فاحلدود بني املدن واألرياف تتهافت بسبب ثورة االتصال(،)92 السلْطة الفعلية ،فمعظم األصوات التي ذهبت وأتى التجديد له تصويتًا اعتراض ًّيا على ُّ ضد القوى املنافسة له وهي «املرشد» و»احلرس لروحاني ما كانت معه بقدر ما كانت ّ َّ واملرشح املنافس املنتمي إلى الت َّيار األصولي(.)93 الثوري» املؤسسات غير املنتخبة ،وغياب من هنا ميكن القول إنه رغم الضغوط السلطوية من َّ ومؤس ِس َّية األحزاب السياس َّية ،فإن فرص التغيير في إيران مؤس ِس َّية ال ِّنظام احلزبي َّ َّ ليست مستحيلة بالنظر إلى هذا التط ُّور املجتمعي الالفت الذي يضمن استمرا َره وجو ُد أساس متني لتنمية سياس َّية َّ مطردة سوف تزداد وتيرتها بشرط تَط ُّور املجتمع املدني عمو ًما وم ْأ َسسة األحزاب السياس َّية على وجه اخلصوص.
32
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
قائمة املراجــع والهوامــش https://goo.gl/xAGxmf :2014 ديسمبر29 ، وكالة وفا، محددات السياسة واحلكم في إيران:((( سنية احلسيني مارس16 ، مجلة الدميقراطية، حدود الرهان على اإلجناز االنتخابي لإلصالحيني واملعتدلني في إيران:((( بشير عبد الفتاح http://cutt.us/vbmLC 2016 ((( Azam Moghadas and Ghaffari Masuod: Civil society and democratization in Iran (2009-1979), Asian Journal of Social Sciences & Humanities Vol. 4(5) November 2016, p 37. .350-349 صص،2012 :1 ط، املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات: الدوحة، الت َّيارات السياسية في إيران:((( فاطمة الصمادي http://cutt.us/DIk0v . إطار نظري: االنتقال الدميقراطي:((( حسنني توفيق إبراهيم ((( Timothy Power and Nancy Powers: Issues in the cosilidation of democracy in latin America and southern Europe in comparative perspective, University of Notre Dame: Kellogg Institute and Professor and Chair of Sociology, working Paper 113#, October 1988, p 6. ((( Şebnem Y. Geyikçi1: the Impact of Parties and Party Systems on Democratic Consolidation: The Case of Turkey, University of Essex, pp 8-6. ((( Akubo, A. Aduku and Yakubu, Adejo Umoru: Political parties and democratic consolidation in Nigeria’s fourth republic, UK: European Centre for Research Training and Development, Global Journal of Political Science and Administration, Vol.2,No.3, September 2014, p 87. ((( Claus Fabian Faulenbach: The Concept of Democratic Consolidation A Tool to Aid Actors with Democracy Assistance?, Bachelor Thesis, University of Twente, October 2007, pp 58. ((1( J. Samuel Valenzuela: Democratic consildation in post-transitional settings: notion, process, and facilitating conditions, University of Notre Dame: Kellogg Institute and Professor and Chair of Sociology, working Paper 150#, December 1990, pp 14 -6. ((1( Akubo, A. Aduku and Yakubu, Adejo Umoru: Political parties and democratic consolidation in Nigeria’s fourth republic, ibid, pp 89-87 ((1( Claus Fabian Faulenbach: The Concept of Democratic Consolidation A Tool to Aid Actors with Democracy Assistance?, ibid, pp 11-8. ((1( Andreas Schedler: Concepts of Democratic Consolidation, Mexico: the Latin American Studies Association (LASA), April 1997, pp 21-17 ((1( Akubo, A. Aduku and Yakubu, Adejo Umoru: Political parties and democratic consolidation in Nigeria’s fourth republic, ibid, pp 91-89 ((1( Vicky Randall and Lars Svåsand, Party instituionalization in new democracies, London: SAGE Publications, VOL 8. No.1, pp 14-7 ((1( Andrey A. Meleshevich: Party Systems in Post-Soviet countries, New York: PALGRAVE MACMILLAN, 2007, pp 14-11 ((1( Vicky Randall and Lars Svåsand: Party instituionalization in new democracies, ibid, p10 ((1( Kristina Weissenbach: Political parties and party types - Conceptual approaches to the institutionalization of political parties in transitional states: The case of the Philippines, University of Duisberg-Essen: NRW School of Governance, 2010, pp 36-21 :2017 يناير10 ، موقع مجلة الدميقراطية نقال عن املصرى اليوم، رفسنجاني ملتقى التناقضات:(( عمرو الشوبكى1( http://cutt.us/r4xoh :2014 يونيو30 ، موقع دوت مصر،»كاريزما» الشخصيات ال اآليديولوجيا.. األحزاب السياسية اإليران َّية:(( بنده يوسف2( http://cutt.us/yB0bH .:2016 فبراير27 ، املركز العربى للبحوث والدراسات، االنتخابات اإليران َّية وخيارات املستقبل:(( إبراهيم نوار2( http://www.acrseg.org/39954 ((2( Feyzi Karabekir Akkoyunlu: The rise of the hybrid regime: guardianship and democracy in Iran and Turky, A Dissertation, Department of Government of the London School of Economics, London, February 2014, p p 136-135 ((2( Vicky Randall and Lars Svåsand: Party instituionalization in new democracies, Ibid, pp 14-7 : احلوار املتمدن،) التعددية احلزبية في إيران ووهم الدميقراطية (األحزاب من امللكية إلى الدولة الدينية:(( أحمد الشني2( http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=179638 ((2( Azam Moghadas and Ghaffari Masuod: Civil society and democratization in Iran (2009-1979), ibid, p 39
33
مجلة الدراسات اإليرانية
((2( Ali Mirsepassi: Democracy in Modern Iran: Islam, Culture, and Political Change, New York: New York University press, 2010, pp 100-99 ((2( Ghaffar Zarei and Ali Mohammadi: The cultural interactive s̓ effect of party elites on soft power of Islamic Republic of Iran, WALIA journal 30 (S2014 ,)1, p 134 ، املركز العربى للبحوث والدراسات، على مستقبل النِّظام السياسي في إيران: اجتاهات الصراع:(( محمد السعيد إدريس2( http://www.acrseg.org 40225 :2016 يونيو8 معهد واشنطن لدراسات الشرق،2016 املعتدلون اإليران ّيون يواجهون عوائق كبيرة في انتخابات عام: مهدي خلجي29((2( http://cutt.us/Q3gqI :األدنى https://goo.gl/FSxcVB :2016 يناير24 ، حرية ونزاهة االنتخابات اإليران َّية حتت التهديد:(( هيومان رايتس ووتش3( صورة بانورامية للمشهد.. تغيير أم استمرارية؟:2016 انتخابات إيران:) عالء الدين أبو زينة: فرزان ثابت (ترجمة:(( فرزان ثابت3( 28458/http://rawabetcenter.com/archives:2016 يونيو19 ، مركز روابط للبحوث والدراسات االستراتيجية،اإليراني السياسي ّ http://cutt.us/MXrBW:2016 فبراير3 ، موقع مجلة الدميقراطية، انتخابات إيران و»مأزق» الت َّيار اإلصالحي:(( بشير عبد الفتاح3( ((3( Dr. Mohamamd Hassan KHANI: Political Parties in the Islamic Republic of Iran: A Short Review http://cutt.us/vpjzK 345-341 صص، مرجع سابق، الت َّيارات السياسية في إيران:(( فاطمة الصمادي3( ((3(Anke Schuster: Religious Political Parties: A Gap in Multicultural Theories, Paper for the Workshop “Multiculturalism and Moral Conflict”, University of Durham, 23-21 March 2007, pp 8-7 ((3( Azam Moghadas and Ghaffari Masuod: Civil society and democratization in Iran (2009-1979), ibid, p p 41-40 http://cutt.us/XOY9 :2012 مايو3 ، موقع مجلة الدميقراطية،يإيران نيف معضل ةاإلصالحي :فأوتفيك (( بيور نأوال 3( . مرجع سابق، هل احملافظون في إيران عقبة ال تُقهر؟:(( منتدى الشرق3( ((3( Ali Mirsepassi:Democracy in Modern Iran: Islam, Culture, and Political Change, ibid, p 100 ((4( Ghaffar Zarei and Seyed Ali Mortazavian:Impact of culture of elites of political parties on the political development of the Islamic Republic of Iran, Science Journal (CSJ), Vol. 36, No: 4 Special Issue, 2015, p 843. 2016http://cutt.us/Gp6o2 أبريل21 ،2016 خارطة األحزاب اإليران َّية عام:(( مركز اخلليج العربى للدراسات اإليران َّية4( .347 ص، مرجع سابق، الت َّيارات السياسية في إيران:(( فاطمة الصمادي4( ((4( Ali Mirsepassi, Democracy in Modern Iran: Islam, Culture, and Political Change, ibid, p 100 .346 ص، مرجع سابق، الت َّيارات السياسية في إيران:(( فاطمة الصمادي4( . مرجع سابق:2016 خارطة األحزاب اإليران َّية عام:(( مركز اخلليج العربى للدراسات اإليران َّية4( 101 Ali Mirsepassi: Democracy in Modern Iran: Islam, Culture, and Political Change, ibid, p ((4( ((4( Kamran Rahmani & Alireza Azghandi: Islamic Revolution of Iran and Political Development Issue (2005-1997), Journal of Politics and Law; Vol. 9, No. 2016 ;10, p 40 موقع مجلة الدميقراطية نقال عن،: سيناريوات متو َّقعة للسياسة اإليران َّية في ضوء االنتخابات التشريعية:(( محمد الزغول4( 2016http://cutt.us/qY9dD مارس17 ،جريدة احلياة .344-341 صص، مرجع سابق، الت َّيارات السياسية في إيران:(( فاطمة الصمادي4( . مرجع سابق، هل احملافظون في إيران عقبة ال تُق َهر؟:(( منتدى الشرق5( املركز العربى للبحوث،: رحيل رفسنجاني وصراعات «اخلالفة السياسية» في إيران: السؤال الصعب:(( محمد السعيد إدريس5( http://www.acrseg.org 40433 ، 2017 يناير29 ،والدراسات ((5( Mareike Enghusen: Clientelism in the Islamic Republic, Illustrated at the Example of IRGC and Basij, Dissertation, University of St Andrews, School of History, 27 August 2011, p p 36 -35 . مرجع سابق، هل احملافظون في إيران عقبة ال تُق َهر؟:(( منتدى الشرق5( 8CRXl/http://cutt.us:2016 مارس1 ، الالعب اخلفي في االنتخابات اإليرانية.. احلرس الثوري:(( جريدة الشرق األوسط5( ((5( Azam Moghadas and Ghaffari Masuod: Civil society and democratization in Iran (2009-1979), ibid, p 40 ((5( Luciano Zaccara: Elections and Authoritarianism in the Islamic Republic of Iran, in Elections and Democratization in the Middle East, Mahmoud Hamad and Khalil al-Anani (eds.), 2014, p 166 ((5( Rakel, E. P: The Iranian political elite, state and society relations, and foreign relations since the Islamic revolution, Digital Academic Repository, University of Amsterdam, 2008, p p 80-79 . مرجع سابق،2016 خارطة األحزاب اإليران َّية عام:(( مركز اخلليج العربى للدراسات اإليران َّية5( ((5( Luciano Zaccara: Elections and Authoritarianism in the Islamic Republic of Iran, Ibid, p p 168-166 . مرجع سابق،اإليراني صورة بانورامية للمشهد السياسي.. تغيير أم استمرارية؟:2016 انتخابات إيران:(( فرزان ثابت6( ّ ،Middle East Transparent ، اإلصالحيون يعتمدون نظرية «أهون الشرور» في االنتخابات اإليران َّية:(( مهدي خلجي6( http://cutt.us/xuRgb:2016 مارس2 ((6( Hossein Asayesh, Dr.Adlina Ab Halim and Seyedeh Nosrat Shojaei: Obstacles of Political Party Development in Iran, Report and Opinion 10( 2 ;2010), p 29
2017 مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو
34
دولة الفقيه ومعضلة املؤسسية احلزبية في إيــــران
.http://cutt.us/Nwu81 :2012 مارس18 ، موقع مجلة الدميقراطية، املجتمع وتغيير قواعد اللعبة في إيران،(( شيماء بهاء الدين6( ((6( Hossein Asayesh, Dr. Adlina Ab Halim and Seyedeh Nosrat Shojaei, Obstacles of Political Party Development in Iran, ibid, p 29. . مرجع سابق،اإليراني صورة بانورامية للمشهد السياسي.. تغيير أم استمرارية؟:2016 انتخابات إيران،(( فرزان ثابت6( ّ ((6( Patrick Köllner and Matthias Basedau: Factionalism in Political Parties: An Analytical Framework for Comparative Studies, German Overseas Institute (DÜI): Working papers, Global and Area Studies 2005, p p 6-5 ((6( Wilhelm Hofmeister and Karsten Grabow: Political Parties: Functions and Organisation in Democratic Societies, Singapore: Konrad Adenauer Stiftung, 2011, pp 41-40. إعداد: األحزاب السياسية والدميقراطية من الناحيتني النظرية والعملية:(( املعهد الدميقراطي الوطني للشؤون الدولية6( .57-55 ص ص،2014 : واشنطن،سياسات األحزاب ((6( Wilhelm Hofmeister and Karsten Grabow: Political Parties: Functions and Organisation in Democratic Societies, Ibid, pp 33-27. ، تطبيق الدميقراطية داخل األحزاب: األحزاب السياسية والدميقراطية من الناحيتني النظرية والعملية:(( سوزان سكارو7( .6-3 صص،2005 ، املعهد الدميقراطي الوطني للشؤون الدولية:واشنطن ((7( Wilhelm Hofmeister and Karsten Grabow: Political Parties: Functions and Organisation in Democratic Societies, Ibid, pp 51-48. : واشنطن، التطورات في اتصاالت األحزاب: األحزاب السياسية والدميقراطية من الناحيتني النظرية والعملية:(( بيبا نوريس7( .5-4 ص ص،2005 ،املعهد الدميقراطي الوطني للشؤون الدولية ((7( Wilhelm Hofmeister and Karsten Grabow: Political Parties: Functions and Organisation in Democratic Societies, Ibid, pp 37-35. .8-7 صص،2008 : واشنطن، املعايير الدنيا لعمل األحزاب السياسية الدميقراطي:(( املعهد الدميقراطي الوطني للشؤون الدولية7( ((7( Wilhelm Hofmeister and Karsten Grabow: Political Parties: Functions and Organisation in Democratic Societies, Ibid, pp 54-46. ، املجموعات البرملانية: األحزاب السياسية والدميقراطية من الناحيتني النظرية والعملية:(( نورم كيلي وسيفاكور أشياغبور7( .34 -33 صص،ت. د، املعهد الدميقراطي الوطني للشؤون الدولية:واشنطن ((7( Wilhelm Hofmeister and Karsten Grabow, Political Parties: Functions and Organisation in Democratic Societies, Ibid, pp 59-55. https://goo.gl/oA8s 2015 يونيو11 ، جريدة الرياض،: احلكم الثيوقراطي في الزمن الليبرالي.. إيران:(( محمد بن علي احملمود7( ((7( Mehran Kamrava and Houchang Hassan-Yari, Suspended Equilibrium in Iran’s Political System, the Muslim world, vol. 94, October 2004, pp 520-512 http://cutt.us/lAGnW :2017 مايو8 ، جريدة الشرق األوسط، إيران وانتخابات والية الفقيه:(( جبريل العبيدي8( http://cutt.us/gcmQi:2017 مارس18 ، جريدة احلياة،) فازوا وخسروا: عيون واذان (اإلصالحيون في إيران:(( جهاد اخلازن8( :2006 مارس9 ، موقع الراصد، معضلة التعايش بني نظرية والية الفقيه والدميقراطية: إيران:(( طالل صالح بنان8( https://goo.gl/hdgE1e ((8( Güneş Murat Tezcür: Democracy promotion, authoritarian resiliency, and political unrest in Iran, Democratization, Vol. 19, No. 1, February 2012, pp 123-122 ((8( Ariabarzan Mohammadighalehtaki: Organisational Change in Political Parties in Iran after the Islamic Revolution of 1979 With Special Reference to the Islamic Republic Party (IRP) and the Islamic Iran Participation Front Party (Mosharekat),dissertation, Durham University, School of Government and International Affairs, 2011, pp 2012 -2011 ((8( Siavush Randjbar-Daemi:Intra-State Relations in the Islamic Republic of Iran: The Presidency and the Struggle for Political Authority, 2009-1989, dissertation, Department of History, University of London, September 2011, pp 184-183 . مرجع سابق، معضلة التعايش بني نظرية والية الفقيه والدميقراطية: إيران:(( طالل صالح بنان8( ، موقع احلزب الشيوعى العراقى،: عقدان من التح ُّوالت التدريجية.. إيران:)(( محسن حيدريان (ترجمة عادل حبه8( https://goo.gl/ojXHx1 :2017 مايو31 http://cutt.us/KDwjz :2015 نفمبر5 ، جريدة احلياة، نظام محافظ ومجتمع منفتح: تناقضات إيران:(( شفيق ناظم الغبرا8( http://cutt.us/BDnpu :2016 أبريل13 ، جريدة احلياة، منذ مئة عام..اإليراني دبيب التغيير في املجتمع:(( عباس ميالني8( ّ :2005 أغسطس11 ، فولتير نت،: احملافظون أكثر براغماتية من اإلصالحيني.. فشل اخلامتية:(( محمد سيد رصاص9( html.http://www.voltairenet.org/article91340 https://goo.gl/qRwtKt :2009 أمتوبر10 الراصد، ظاهرة الت َّيار اإلصالحي في إيران واجتاهاتها:(( سعد بن نامي9( . مرجع سابق، منذ مئة عام..اإليراني دبيب التغيير في املجتمع:(( عباس ميالني9( ّ 9hx2h/http://cutt.us :2017 مايو22 ، الشرق األوسط،: طبيعة النِّظام وحسابات املصلحة: إيران:(( إياد أبو شقرا9(
35
مجلة الدراسات اإليرانية
تحا ُلف الضرورة بين إيران وروسيا جدل التفاعل بين ُ والتحديات الفرص ّ د .محمد السعيد إدريس أستاذ العلوم السياس ّية ومستشار مركز األهرام للدراسات السياس ّية واالستراتيج ّية
منوذجا يكاد يكون املمتدة تاريخ ًّيا بني إيران وروسيا تقدم ال َعالقات ّ ّ ً متعددة ومتناقضة ،منها ما فريدا في إدارة ال َعالقات احملكومة بعوامل ً ّ جيبوليتيكي ،ومنها مصلحي ،ومنها ما هو آيديولوجي ،ومنها ما هو هو ّ ّ ّ الدولي ،وبالذات تاريخي ،لكن وسط هذا كلّه كانت أجواء الصراع ما هو ّ ّ الدولي ،وكانت أجواء البيئة اإلقليم ّية الشرق- قمة النظام الصراع في ّ ّ أوسط ّية ،تلعب أدوا ًرا مم ّيزة في حسم مناخات هذه ال َعالقات ،بني ما حتديات شديدة التعقيد .هكذا كانت تسير هو ُفرص مواتية وما هو ّ السوفياتي ال َعالقات بني إيران اإلمبراطور ّية «الشاهنشاه ّية» ،واالحتاد ّ أيضا قبل سقوط هذه اإلمبراطور ّية عام ،1979وهكذا كانت تسير ً السوفياتي قبل سقوطه بني اجلمهور ّية اإلسالم ّية اإليران ّية واالحتاد ّ عام ،1991وهكذا سارت ال َعالقات بني اجلمهور ّية اإلسالم ّية اإليران ّية وجمهور ّية روسيا االحتاد ّية بعد عام .1991
36
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
رصا ل َعالقات تؤكد طبيعة ال َعالقات الروس ّية اإليران ّية تاريخ ًّيا على ّ أن هناك ُف ً حسنة امت ّدت بني التفاهم والتعاون ،كما كانت هناك َعالقات تنافس وصراع متبادل، وامتدت أمناط هذه ال َعالقات حتى اآلن في ظل أجواء إقليم ّية شرق-أوسط ّية شديدة ّ خصوصا ابتدا ًء من عام ،2011عام االنتفاضات واالضطرابات السخونة واالضطراب، ً التي شهدها كثير من الدول العرب ّية في إقليم الشرق األوسط ،كان من أه ّمها «اجلمهور ّية العرب ّية السور ّية» ،الصديق أو احلليف املشترك لكل من موسكو وطهران. ّ محطات اضطراب عنيفة في إقليم الشرق األوسط أ ّثرت بق ّوة صحيح أنه كانت هناك خصوصا عا َمي 1979و ،1991لكن ما حدث عام 2011 على ال َعالقات بني إيران وروسيا، ً كان األش ّد تأثي ًرا في تلك ال َعالقات ،وما زال يحكم إجابات أسئلة كثيرة تتعلّق مبستقبل ال َعالقات اإليران ّية-الروس ّية ومآالت هذه ال َعالقات وإلى أين ستتجه ،هل إلى حتالف أم أن التنافس ميكن أن يتح ّول إلى صراع؟ إلى تنافس ،أم ّ في عام 1979حدثت ثالثة تط ّورات شرق-أوسط ّية كانت لها تأثيراتها املزلزلة ألمناط وامتدت هذه التأثيرات بق ّوة التحالفات والصراعات في إقليم الشرق األوسط عا ّمة، ّ إلى ال َعالقات بني إيران وروسيا ،ورمبا لم تنقطع تأثيراتها حتى اآلن .وهي :سقوط ّ العسكري والتدخل نظام الشاه في إيران وقيام نظام اجلمهور ّية اإلسالم ّية في طهران، ّ السوفياتي في أفغانستان ،ثم توقيع مصر على معاهدة السالم مع إسرائيل التي أخرجت ّ والقوي لـ«إيران اإلسرائيلي ،ومن ثَ ّم كان الظهور اجلديدالعربي مصر من دائرة الصراع ّ ّ ّ خصوصا بعد أن اإلسالم ّية» في معادالت هذا الصراع ،ومن ثَ ّم في كل شؤون اإلقليم، ً تفجر احلرب العراق ّية- فرض تط ّور رابع جديد نفسه على التفاعالت اإلقليم ّية ،وهو ُّ اإليران ّية في سبتمبر ،1980التي امت ّدت إلى ثماني سنوات .وسط هذه التط ّورات األربعة شهدت ال َعالقات اإليران ّية-الروس ّية (السوفيات ّية) تط ّورات ال تق ّل أه ّمية بني ما هو تعاون وما هو تنافس وصراع. وفي عام 1991وقعت أحداث حرب اخلليج الثانية التي قادتها الواليات املتحدة العراقي ،أدى إلى دولي كبير لتحرير الكويت من االحتالل األمريك ّية على رأس حتالف ّ ّ ّ ّ التدخل تط ّورات القوي في منطقة اخلليج ،وفرض هذا األمريكي العسكري التدخل ّ ّ ّ اخلليجي والواليات املتحدة شديدة األه ّمية في أمناط ال َعالقات بني دول مجلس التعاون ّ العربي .وفي العام نفسه أ ّدت بدورها إلى حدوث حت ّوالت جذر ّية في معادلة أمن اخلليج ّ السوفياتي وتف ّكك حلف وارسو ،األمر الذي أ ّدى بدوره إلى سقوط كان سقوط االحتاد ّ
مجلة الدراسات اإليرانية
37
ثنائي القطب ّية وسعي الواليات املتحدة إلى فرض نفسها على رأس نظام الدولي النظام ّ ّ وخصوصا أحادي القطب ّية ،كانت له انعكاساته القو ّية على الشرق األوسط كله، عاملي ّ ً ّ إقليم اخلليج ،وفي القلب منه إيران ،بقدر ما كانت له تأثيراته املباشرة على روسيا ِ السياسي تستطع أن تتخلّص من إرثه السوفياتي ،والتي لم االحتادية التي ورثت االحتاد ّ ّ وأعبائه العسكر ّية والسياس ّية ،لكن هذه التأثيرات السلب ّية كانت مبثابة دوافع لبعث العاملي، الروسي املتطلّع إلى املنافسة أو على األق ّل املشاركة في قيادة النظام جديد للدور ّ ّ مع مجيء الرئيس فالدميير بوتني على رأس السلطة السياس ّية في موسكو. الداخلي في عبر كل هذه املراحل املفعمة باخلصوصيات املكثفة على املستوى ّ اإلقليمي الشرق-أوسطي ،وعلى مستوى التفاعالت في إيران وروسيا وعلى املستوى ّ القوي اجلديد لكل من روسيا والصني خصوصا عقب الظهور العاملي، قيادة النظام ّ ً ّ عاملي متع ّدد األقطاب ،قادر على كبح جماح الق ّوة ومسعاهما املشترك لفرض نظام ّ األمريك ّية التي بدأت تعاني من اإلنهاك عقب حربَيها الداميتَني في كل من أفغانستان ً أمناطا مميزة عام ،2002والعراق عام ،2003استطاعت كل من إيران وروسيا أن تط ّورا من التفاعالت التعاون ّية أحيا ًنا والتنافسية أحيا ًنا أخرى ،لكن مرحلة ما بعد االنتفاضات العرب ّية التي وقعت عام 2011هي التي حتكم اآلن مسار تط ّور هذه ال َعالقات بني البل َدين، ستقدم اإلجابات حول مستقبل هذه ال َعالقات امللتبسة والشائكة واملختلف وهي التي ّ عليها بني َمن ي َرونها «حتالف ضرورة» فرضته األزمة السور ّية وتداعياتها ،و َمن ي َرونها «ش ًّرا ال بُ ّد منه»( ،)1سواء سع ًيا لدرء مخاطر أو بدافع من حتقيق مكاسب ،يرى كل منهما في اآلخر شري ًكا أو حلي ًفا ضرور ًّيا ،لكن يبقى السؤال املهم هو :إلى متى؟ هذا السؤال يدفع بسؤال آخر ال يق ّل أه ّمية ،وهوَ :من بيده أن يقرر مستقبل هذه ال َعالقات؟ روسيا أم إيران؟ مبعنى آخرَ :من الطرف األساسي في ال َعالقة و َمن األقوى؟ إذا اتفقنا على أن روسيا هي الطرف األقوى ،وبالتحديد في إدارة األزمة السور ّية الضروري أن نعرف التي هي محور الفرز في مستقبل ال َعالقات اإليران ّية-الروس ّية ،فمن ّ ً أول ماذا تريد روسيا من دورها اجلديد في الشرق األوسط ،وما موقع إيران في إدارة السياسة الدول ّية في الشرق األوسط ،وما العوامل املؤثرة على مسار ال َعالقات الروس ّية- اإليران ّية بني الصعود والهبوط ،كي نصل إلى إجابة للسؤال املهم عن مآالت ومستقبل هذه ال َعالقات. تفرض هذه األسئلة التع ّرض للعناصر اآلتية: 38
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
ً ة-الروسية اإليراني للعالقات أول: ّ احملددات احلاكمة َ ّ ّ
أن هذه يكشف مسار تط ّور ال َعالقات اإليران ّية-الروس ّية عن حقيقة ُمهِ ّمة ،وهي ّ محصلة عوامل تدفع إلى حتسني ال َعالقات ،وعوامل أخرى تعمل في االجتاه ال َعالقة ّ املضا ّد الذي يعرقل حتسينها وتطويرها ،كما أنها في الغالب محكومة بعوامل حتقيق املصالح واملكاسب ،لكنها ً أيضا مدفوعة بعوامل درء املخاطر ،إذ يسعى البلدان من وراء هذه ال َعالقة إلى حتقيق أقصى مكاسب ممكنة ،كما يحرصان على توظيفها لدرء مخاطر خاصة بكل منهما على حدة ،ولعل هذا ما حتديات قد تكون مشتركة وقد تكون ومواجهة ّ ّ يفسر أسباب تأرجح هذه ال َعالقات بني التقدم والتراجع ،في الوقت الذي يكسبها قد ًرا ّ من الغموض وصعوبة التن ّبؤ مبساراتها ومآالتها املستقبل ّية. وإذا كانت روسيا قد تخلّصت من تبعات إرث املنظومة اآليديولوج ّية لالحتاد السوفياتي التي بلغت ذروتها في أثناء السنوات املمت ّدة للحرب الباردة ،مثل دعم حركات ّ الغربي بقيادة الواليات املتحدة األمريك ّية ،فإنها لم التح ّرر العامل ّية املعادية لالستعمار ّ تستطع أن تتخلّص من إرث املنافسة مع الواليات املتحدة ،ومن إرث التطلّع إلى دور الق ّوة أحادي القطب ّية تسيطر عاملي األمريكي لفرض نظام العظمى بالسعي إلسقاط املسعى ّ ّ ّ عليه واشنطن بعد سقوط القطب ّية الثنائ ّية ،كما أن تراجع اآليديولوجيا أ ّدى إلى هيمنة عامل املصلحة في صنع السياسة اخلارج ّية الروس ّية .هذا كله جعل روسيا حريصة على بخاصيتني :األولى هي خصوصا التي تتمتع أن يكون لها حضور في األقاليم العامل ّية، ً ّ كثافة املصالح بأنواعها املختلفة االقتصاد ّية واالستراتيج ّية مبفهومها الواسع وليس العسكري فقط ،والثانية تلك املناطق التي كان لها فيها نفوذ سابق في عهد االحتاد ّ السوفياتي وحتظى باهتمامات أمريك ّية متميزة. ّ بهذا املعنى يحت ّل إقليم الشرق األوسط أولو ّية في السياسة اخلارج ّية الروس ّية، سوفياتي للوصول إليه عبر إيران «لفرض وجود فإقليم اخلليج كان دائ ًما مح ّل طموح ّ سوفياتي في املياه الدافئة» ،والقتطاع نفوذ ومصالح على حساب الواليات املتحدة ،واآلن ّ وجدت روسيا نفسها مدفوعة للحضور بق ّوة في الشرق األوسط لتحقيق مصالح ولدرء خصوصا مع العودة الثانية للرئيس فالدميير بوتني إلى احلكم مخاطر ومواجهة حت ّديات، ً تفجر موجة الثورات في عام ،2012التي جاءت في ذروة تفاعالت األزمات الناجتة عن ّ عديد من الدول العرب ّية ،وما أعقبها من حرب واسعة ض ّد املنظمات اإلرهاب ّية .وميكن الروسي اجلديد في الشرق األوسط(:)2 رصد العوامل التالية كمح ّددات للدور ّ مجلة الدراسات اإليرانية
39
الروسي حتت زعامة الرئيس فالدميير بوتني لفرض روسيا ق ّوة عامل ّية منافسة 1-1التطلع ّ على الزعامة الدول ّية في مواجهة الواليات املتحدة. 2-2فشل مبادرات وخطط روسيا لتطوير َعالقاتها بالواليات املتحدة األمريك ّية ،أو ما يسمى إعادة إطالق ( )Restهذه ال َعالقات إبان فترة حكم الرئيس السابق رئيس احلكومة احلالي دميتري ميدفيديف. واألمريكي الذي تتع ّرض له روسيا بسبب أحداث أوكرانيا، األوروبي الغربي 3-3احلصار ّ ّ ّ ً مجال مناس ًبا ألداء أدوار مقلقة للغرب وقادرة ،في إذ وجدت روسيا في الشرق األوسط ذات الوقت ،على فرض روسيا كق ّوة عامل ّية صاحبة دور وقرار في السياسة العامل ّية ،وأنها الغربي ،وأنها قادرة على حتقيق جناحات. لن تكون أسيرة هذا احلصار ّ السياسي وسيطرته على عديد من الدول العرب ّية التي ملد اإلسالم 4-4الظهور القوي ّ ّ ّ أمريكي ،األمر الذي حفز موسكو كانت عرضة لالنتفاضات الثور ّية بدعم وانحياز ّ للدخول كطرف مناوئ لهذا التط ّور الذي رأته خطي ًرا على مصاحلها في الشرق األوسط وعلى أمنها القومي في ظل معاناة روسيا من خطر احلركات اإلرهاب ّية التي تنتمي إلى هذا التيار مبدارسه املختلفة. األطلسي ،عندما دعمت 5-5اخلديعة التي تعرضت لها روسيا في ليبيا من حلف شمال ّ روسيا قرار مجلس األمن رقم 173وامتنعت عن التصويت ولم تستخدم الفيتو ضده، ّ األطلسي في ليبيا وأسقط نظام العسكري التدخل وهو القرار الذي حدث مبوجبه ّ ّ العقيد القذافي. وخصوصا مع تفاقم األزمة أن مجمل التط ّورات املتالحقة في املنطقة، 6-6إدراك روسيا ّ ً في سوريا ،الدولة احلليفة الوحيدة لروسيا في املنطقة ،بات يفرض ّ تدخ ًل قو ًّيا يحمي املصالح ويواجه التح ّديات(.)3 من هنا جاء التالقي بني روسيا وإيران التي انحازت مب ّك ًرا للدفاع عن نظام الرئيس داخلي أن ما يحدث في سوريا ثورة ،وقالت إنه انقالب ومترد بشار األسد ،وأنكرت ّ ّ ومؤامرة خارج ّية ،عكس رؤيتها لالنتفاضات الثور ّية التي وقعت في دول عرب ّية أخرى ،إذ َع ّدتتها «صحوة إسالم ّية» واحتذاء بالثورة اإليران ّية(.)4 هناك ً أيضا أسباب عديدة أ ّدت إلى التقارب بني روسيا وإيران ،فقد تط ّورت ال َعالقات الروس ّية-اإليران ّية بعد التسعينات على املستويات التجار ّية واالقتصاد ّية والنفط ّية، العسكري في إيران، النووي وشارك اخلبراء الروس في كثير من املشاريع ذات الطابع ّ ّ
40
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
اإليراني «بوشهر» ،وو ّقعت مع حكومة روحاني النووي وأسهمت روسيا في بناء املفاعل ّ ّ األولى على عقد بقيمة 20مليار دوالر للنفط والطاقة والغاز بني البلدين(.)5 نفطي ُمهِ ّم ،أو مج ّرد مستورد جتاري أو لكن روسيا ال ترى في إيران مج ّرد شريك ّ ّ الروسي بأنواعه املختلفة ،بل ترى في إيران ،قبل ذلك كله ،دولة ذات موقع للسالح ّ استراتيجي ال ميكن جتاهل نفوذه أو تأثيره ،سواء بالنسبة إلى روسيا نفسها أو بالنسبة ّ تاريخي مناوئ إلى مصاحلها في اخلليج والشرق األوسط ،كما أنها دولة ذات دور ّ خصوصا أن روسيا تَ ُع ّد للسياسة واملصالح األمريك ّية في اخلليج والشرق األوسط، ً نفسها في مواجهة مع تهدي َدين استراتيج ّيني :األول هو محاوالت محاصرتها من جانب متدد الناتو إلى دول مجاورة لألراضي الروس ّية ،والثاني هو تهديد الواليات املتحدة ،عبر ّ التنظيمات اإلسالم ّية املتش ّددة التي باتت تنتشر في معظم دول وسط آسيا .وتش ّكل إن إيران على إيران بالنسبة إلى هذين التهديدين عنصر يشارك روسيا نفس املخاوف ،إذ ّ وسياسي مع بعض التيارات اإلسالم ّية املتطرفة (السنّة) ،وهي ً أيضا في عقائدي خالف ّ ّ يتهددها باحلصار والعقوبات(.)6 مواجهة مع مشروع الهيمنة األمريك ّية الذي ّ إضافة إلى هذا كله ،هناك من يضيف عوامل أخرى تغري روسيا بالتقارب مع إيران، الس ّن ّية اإلقليم ّية احلليفة للواليات منها مكانة إيران كق ّوة شيع ّية في مواجهة القوى ُ اخلليجي لتأسيس خصوصا تركيا واململكة العرب ّية السعود ّية ،ومنها التدافع املتحدة، ً ّ حتالف مع الواليات املتحدة ض ّد إيران على نحو ما حدث في لقاء واشنطن-كامب ديفيد األمريكي السابق باراك أوباما (يونيو )2015عقب لقادة دول مجلس التعاون مع الرئيس ّ النووي مع إيران ،وخشية هذه الدول من تداعيات رفع توقيع «مجموعة »1+5لالتفاق ّ ّ اإليراني السافر في اليمن(.)7 التدخل خصوصا في ظ ّل العقوبات االقتصاد ّية عن إيران، ً ّ اإليراني لنظام الروسي نحو إيران كان االنحياز التوجه الدافع األه ّم الذي حسم ّ ّ ّ أن إيران هي الدولة التي تكاد تكون الرئيس بشار األسد في سوريا ،فقد وجدت روسيا ّ السوري ومواجهة ما تراه الوحيدة التي ميكن التعويل عليها لدعم بقاء نظام الرئيس ّ أي موسكو موجة إرهاب ّية مستفحلة في سوريا .وقد تقاربت روسيا من إيران أكثر من ّ وقت مضى على أرض املعارك املشتركة في سوريا ،رغم إدراك موسكو تباين الدوافع، أن روسيا هي الق ّوة الوحيدة التي ميكن التعويل أن إيران هي األخرى وجدت ّ خصوصا ّ ً السوري. عليها للدفاع عن احلليف ّ
مجلة الدراسات اإليرانية
41
اإليراني للتقارب مع روسيا فهو تعبير عن محصلة تفاعالت مكثفة التوجه أما ّ ّ حمل ّددات كثيرة حتكم عمل ّية صنع السياسة اخلارج ّية في إيران .فهذه السياسة محكومة اآليديولوجي ،والشخص ّية القوم ّية اإليران ّية، بثالثة مق ّو مات أساس ّية هي :العامل ّ أي عوامل أخرى على مجمل حركة ومكتسبات الثورة( .)8هذه املق ّومات يفوق تأثيرها ّ النظام احلاكم وليس السياسة اخلارج ّية فقط ،دون جتاهل حمل ّدد رابع هو املك ّون اجليو-استراتيجي الذي يحكم بق ّوة سياسة إيران اخلارج ّية مبا يفرضه من حت ّديات ّ وما يتيحه من ُفرص. اآليديولوجي مكانته القصوى ،وال ينافسه في هذه املكانة يحت ّل املق ّوم أو احمل ّدد ّ اإليراني ومكانة املصالح اجليو-استراتيجي ،وهما م ًعا ش ّكال معالم الدور احملدد غير ّ ّ ّ القوم ّية ضمن املنظومة اآليديولوج ّية والقدرات االستراتيج ّية للدولة اإليران ّية .فاملق ّوم عشري) احملكوم مببدأ والية (اإلمامي -االثنا الشيعي اآليديولوجي يتمركز حول املذهب ّ ّ ّ ّ سياسي ،بل أضحى ُه ِو ّية وثقافة دين ّية حاكمة ،بقدر ما الفقيه ،الذي لم ي ُعد مج ّرد نظام ّ أضحى «مصلحة قوم ّية» ً أيضا حاكمة ألداء النظام( .)9وعلى مستوى آخر يلعب احمل ّدد اجليو-استراتيجي مصدر ق ّوة ومصدر ضعف في ٍآن واحد للنظام ،ومن ثَ ّم فهو عامل ّ ٍ اإليراني، وبتحديد أكثر ،هو عامل حاكم للدور حاكم الندفاعات أو لتراجعات النظام، ّ اإليراني وسياسة إيران اخلارج ّية. الذي أضحى بدوره من أه ّم معالم النظام ّ اجليو-استراتيجي يشكل فرصة وتهدي ًدا في ٍآن واحد بالنسبة إلى إيران ،إذ فاحمل ّدد ّ واالقتصادي السياسي الغربي من قا ّرة آسيا ،وقد ارتبط تاريخها تقع إيران في اجلنوب ّ ّ ّ ً اجلغرافي ومساحتها التي تبلغ مليو ًنا و 648أل ًفا و 195كيلومت ًرا ارتباطا قو ًّيا مبوقعها ّ مرب ًعا ،أي ثالثة أضعاف مساحة فرنسا ،ومع حدود تبلغ 8731كلم تربط بينها وبني كل من العراق ( 1280كلم) وتركيا ( 470كلم) وأفغانستان ( 827كلم) ،وباكستان ( 877كلم)، وجمهوريات آسيا الوسطى :أرمينيا وأذربيجان وتركمانستان ( 1740كلم) ،إضافة إلى العربي وبحر قزوين وبحر العرب(.)10 2700كلم هي حدود بحرية تط ّل بها على اخلليج ّ هذه االمتدادات احلدود ّية بقدر ما فرضت على إيران قيو ًدا وحت ّديات ،إذ كانت -تاريخ ًّيا- عرضة للغزوات واالختراقات ،ولم تكن روسيا (القيصر ّية) بعيدة عن هذا التاريخ .ومن اإليراني الذي يُ َع ّد أحد أه ّم معالم السياسة اخلارج ّية اإليران ّية. هنا تشكل الدور ّ سياسي، وإذا كان الدور الذي تتلبس به الدولة أو يتلبسها ال بُ ّد أن ينطلق من مشروع ّ اإليراني في ظل اجلمهور ّية اإلسالم ّية السياسي الذي انطلق منه الدور فإن املشروع ّ ّ ّ 42
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
ضاعف من خطورة هذا الدور وما فرضه من حت ّديات نتيجة اخلصوصية السياس ّية- اآليديولوج ّية للجمهور ّية اإلسالم ّية ،وكر ّد فعل لتداعيات هذا الدور من جانب دول اإلقليمي ً أول والقوى العامل ّية ذات النفوذ واملصالح املتصادمة مع هذا املشروع اجلوار ّ اإليراني ثان ًيا. ّ التاريخي وأصبح ملح ًقا اإليراني للجمهور ّية اإلسالم ّية على دورها لقد طغى املشروع ّ ّ به ،أي أصبح الدور في خدمة املشروع الذي أضحى من أه ّم خصوصيات اجلمهور ّية اإليراني يجد نفسه أن هذا املشروع اإلسالم ّية اإليران ّية ،لكن ما هو أهم من ذلك ّ ّ مضط ًّرا -وهو يسعى إلى حتقيق أهدافه -إلى خوض صراعني في وقت واحد: الصراع األ ّول :صراع الدفاع عن النظام الذي يواجه احلصار منذ تأسيسه عام ،1979 ألنه جاء ً أول على أنقاض نظام آخر كان حلي ًفا لألمريكيني واإلسرائيل ّيني وكان صدي ًقا ومنافسا لتركيا في ٍآن لدول عرب ّية توصف بأنها «محافظة» أو «معتدلة» ،وكان شري ًكا ً واحد ،وجاء نظام اجلمهور ّية اإلسالم ّية ليدفع أثمان انقطاع َعالقات إيران مع هذه مشروعا ثور ًّيا تغيير ًّيا يسعى إلى تصديره إلى جواره األطراف ،وألنه ثان ًيا نظام تبنّى ً اإلقليمي ،بحكم مسؤوليات يرى أنها تاريخ ّية وعقيد ّية ،وألنه ثال ًثا مسؤول عن مواجهة ّ حت ّد يات داخل ّية وإقليم ّية هائلة فرضتها تركيبته الدميوغراف ّية الطائف ّية والعرق ّية االستراتيجي وسط عديد من الدول املجاورة املتصارعة والطامحة املتنوعة وموقعه ّ خصوصا بعد استقالل عديد من اجلمهور ّيات السوفيات ّية اإليراني، للوثوب إلى الداخل ً ّ السياسي ووجودهم بعد عام ،1991ووصول األمريكيني واإلسرائيل ّيني بنفوذهم ّ واالستخباراتي إلى مناطق شديدة االقتراب من إيران ،وبالذات بعد أحداث العسكري ّ ّ انفجارات 2001األمريك ّية وغزو األمريكيني ألفغانستان واحتاللهم للعراق ،إذ وجدت أمريكي مكثف من كل االجتاهات(.)11 عسكري إيران نفسها محاطة بوجود ّ ّ الصراع الثاني :صراع الهيمنة اإلقليم ّية ،وهذا الصراع وإن كانت اجلمهور ّية اإلسالم ّية قد ورثته من إمبراطور ّية الشاه ،فإ ّنه أخذ أبعا ًدا جديدة في ظ ّل املشروع واملذهبي للجمهور ّية اإلسالم ّية ،فنظام اجلمهور ّية اإلسالم ّية اإليران ّية الثوري السياسي ّ ّ ّ ثوري يسعى إلى التغيير وتصدير الثورة لفرض منوذجه على ميكن وصفه بأنه نظام ّ راديكالي يطرح الرسالة إسالمي اإلقليمي ،كما ميكن وصفه بأنه نظام آيديولوجى اجلوار ّ ّ ّ العامل ّية لإلسالم ويرفع شعارات تدفعه حت ًما إلى الصدام مع دول اجلوار ،أبرزها شعار البراءة واملواالة ،الذي يعني التبرؤ من الظلم واالستكبار ومعاداتهما ،بل ومواجهتهما من
مجلة الدراسات اإليرانية
43
ناحية ،ومواالة املستضعفني ودعمهم في كل مكان في العالم ،األمر الذي يعني حتمية التو ّرط في سياسات تدخل في الشؤون الداخل ّية للدول ،والتغلغل إلى داخلها والتحالف أن مع قوى سياس ّية داخل ّية ،والدخول في صدامات مع أطراف دولية وإقليم ّية أخرى .كما ّ مذهبي ،إذ تنص املادة رقم 13من الدستورطائفي هذا النظام يوصف أخي ًرا بأنه نظام ّ ّ عشري» ،كما اجلعفري االثنا الرسمي إليران هو اإلسالم ،واملذهب هو على أن «الدين ّ ّ ّ إيراني األصل، تنص املادة 76من الدستور اخلاصة برئيس اجلمهور ّية على «أن يكون ّ ويحمل اجلنسية اإليران ّية ،مؤمنًا ومعتق ًدا مببادئ جمهور ّية إيران اإلسالم ّية واملذهب الرسمي للبالد»(.)12 ّ النصني ومسائل أخرى ُمهِ ّمة واجهت اجلمهور ّية اإلسالم ّية السؤال وبسبب هذين ّ التجربة تعبير عن ما يسمى «العامل ّية اإلسالم ّية» و«الوحدة اإلسالم ّية»، الصعب :هل هذه ِ شيعي؟ مبعنى آخر :هل اجلمهور ّية اإلسالم ّية مشروع طائفي أم هي تعبير عن إسالم ّ ّ طائفي؟ شيعي عاملي أم هي مشروع إسالمي ّ ّ ّ ّ ألي اتهامات ملشروع اجلمهور ّية اإلسالم ّية على املستوى الرسمي هناك نفي قاطع ّ ّ طائفي ،لكن املمارسات العمل ّية تكشف عن دور ُمهِ ّم شيعي اإليران ّية بأنه مشروع ّ ّ الطائفي في صنع السياسة اإليران ّية داخل ًّيا وخارج ًّيا .لكن الوقوف عند السؤال للمح ّدد ّ السابق أو االكتفاء به يؤ ّدي إلى طمس نصف احلقيقة مع التشكيك في النصف اآلخر. فاجلمهور ّية اإلسالم ّية اإليران ّية ترتكز في الواقع على دعامتني على نحو ما ينص االسم« :اجلمهور ّية» ،أي املصلحة .و«اإلسالم ّية» ،أي اآليديولوجيا .وهي مزيج أو خليط وجتاربه اإلمبراطور ّية اإليراني بتاريخه الطويل والعميق واملمت ّد من الدولة واملجتمع ِ ّ اإليراني في الثقافة واحلضارة العامل ّية ثم اإلسالم ّية، التاريخي للشعب والدور ّ ّ ومن اإلسالم كآيديولوجيا. اجلمهور ّية اإلسالم ّية اإليران ّية هي مصالح إيران ً أول ،الدولة واملجتمع واحلضارة بغض النظر عن كونها إسالم ّية أو غير إسالم ّية ،وهذا هو جديد والتاريخ والدور، ّ بغض عاملي له التزاماته إسالمي اجلمهور ّية اإلسالم ّية ،كونها ملتزمة مبشروع ّ ّ ّ النظر عن كونه مذهب ًّيا ،لكن املذهب ّية الشيع ّية تضيف أعبا ًء والتزامات أخرى على كاهل هذه اجلمهور ّية. أن اجلمهور ّية اإلسالم ّية اإليران ّية ليست كلها إسال ًما وأدوا ًرا والتزامات هذا يعني ّ إسالم ّية أو حتى طائف ّية شيع ّية ،لكنها ً أول دولة إيران مبجتمعها وأصوله االجتماع ّية
44
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
التعدد ّية التي تتكون من قوم ّيات وأديان وطوائف متع ّددة ،ومبصاحلها القوم ّية ومتطلبات ّ اإليراني. القومي األمن ّ ّ سياسي اخلليط بني املصالح القوم ّية واالعتبارات اإلسالم ّية قد يختلف من تيار ّ إصالحي إصالحي معتدل، ثوري، أصولي تقليدي ،محافظ إيراني إلى آخر (محافظ ّ ّ ّ ّ ّ ّ إن في إيران كل ألوان متط ّرف) ومن قائد إيراني إلى آخر ،لدرجة نستطيع أن نقول معها ّ ّ املمتدة من أقصى حماس للمصالح الوطن ّية دون اعتبار لإلسالم ،وأقصى حماس الطيف ّ تتعدد القوى لإلسالم دون اعتبار للمصالح القوم ّية .وبني هذين احملورين االفتراضيني ّ والتيارات السياس ّية ،وتتباين وتتوافق حول الرؤى والسياسات والبرامج الوطن ّية. األمريكي لكل من أفغانستان والعراق وبسبب هذا اخلليط انحازت إيران إلى الغزو ّ بسبب صراعات سياس ّية وطائف ّية مع نظام حكم طالبان في أفغانستان ،وصراعات امتدت ثمانية أعوام مريرة من احلرب مع نظام صدام حسني سياس ّية وعسكر ّية دامية ّ األمريكي للعراق فقط ،بل انحازت للسياسات في العراق .إيران لم تؤكد انحيازها للغزو ّ األمريك ّية في العراق على األقل في الفترة من 2003إلى 2005بسبب املكاسب التي حقّقتها هذه السياسات األمريك ّية في العراق إليران من منظور املصلحة ،ومن منظور اإليراني في العراق ،وعلى األخص منع قيام نظام عد ّو إليران في بغداد، مك ّونات املشروع ّ وفرض حلفاء إيران على رأس السلطة في العراق .لكن اخلالف ثم الصدام أخذ يظهر بني إيران وأمريكا في العراق بسبب تنامي التناقض في املصالح ،بعد أن أدركت واشنطن خطورة انحيازها املطلق للشيعة على حساب السنّة ،مما أدى ً أول إلى تنامي ظاهرة السياسي في املنطقة ،وصعود دور الشيعة سياس ًّيا في الدول املجاورة ،وأدى ثان ًيا التش ّيع ّ وحام للمقاومة ،وحت ّول السنّة خارج العراق إلى حت ّول السنّة في العراق إلى مؤيد وداعم ٍ األمريكي في العراق. األمريكي وللمشروع إلى معارضني لالحتالل ّ ّ اإليراني تو ّرط بسبب هذه السياسة في ِصدام مع األمريكيني منذ والدة املشروع ّ اجلمهور ّية اإلسالم ّية التي رفعت شعار العداء لألمريكيني (املوت ألمريكا) وأطلقت اسم «الشيطان األكبر» على الواليات املتحدة .لكن احلصار واالحتواء حت ّو ل إلى النووي وإسرائيلي بسبب مشروع إيران أمريكي عسكري سياسة مواجهة وتهديد ّ ّ ّ ّ اإليراني املناهض عسكري ،وبسبب الدور املتهم بأنه يسعى إلى التح ّول إلى مشروع ّ ّ اإليراني املناهض لألمريكيني في العراق، األمريكي والدوراإلسرائيلي ملشروع السالم ّ ّ ّ خصوصا بعد عام .)13(2005 ً
مجلة الدراسات اإليرانية
45
األمريكي ومن إيران لكل هذه األسباب باتت توصف بأنها «دولة مارقة» من املنظور ّ اإلسرائيلي ،لكنها باتت مصد ًرا للتهديد بالنسبة إلى الدول العرب ّية اخلليج ّية ،أو املنظور ّ ملعظمها على األق ّل ،بسبب تو ّرطها املتفاقم في العراق ولبنان ثم في سوريا واليمن .وجاء النووي مع إيران من جانب «مجموعة دول »1+5ليفاقم شعور هذه التوقيع على االتفاق ّ خصوصا أن إيران اعتقدت أن التوقيع على هذا الدول العرب ّية بالتهديد من جانب إيران، ً إقليمي مميز يتيح لها االتفاق يتضمن اعترا ًفا دول ًّيا ،وأمريك ًّيا على وجه اخلصوص ،بدور ّ ّ السعودي التدخل في الشؤون الداخل ّية للدول العرب ّية ،األمر الذي حرص وزير اخلارج ّية ّ عادل اجلبير على تأكيده أمام «مؤمتر ميونيخ لألمن» بقوله إن «إيران أكبر دولة راعية لإلرهاب في العالم» ،وع ّد أن «التحدي في منطقة الشرق األوسط مصدره إيران ،وهي أكبر دولة راعية لإلرهاب في العالم ،وجزء من تشريعها هو تصدير الثورة ،وهي ال تؤمن مبفهوم املواطنة ،وتريد من الشيعة في جميع أنحاء العالم أن يكونوا تابعني لها وليس ِ السعودي بذلك ،لكنه اتهم إيران بأنها «عازمة على تغيير يكتف الوزير لدولهم» .ولم ّ األنظمة في الشرق األوسط»(.)14 ّ اإليراني املباشر في األزمة السور ّية إلى جانب النظام العسكري التدخل وجاء ّ ّ خصوصا «حزب اهلل» اللبناني، السوري مدعومة بعديد من التنظيمات الشيع ّية املوالية، ّ ً وميليشيات أخرى شيع ّية عراق ّية وأخرى أفغان ّية ،ليفاقم من أزمة إيران مع اجلوار العربي ،ومع الواليات املتحدة والدول الغرب ّية ،األمر الذي ساهم في وخصوصا اإلقليمي، ً ّ ّ اإلقليمي ،وأن بلورة إدراك لدى روسيا بأن إيران حت ّولت إلى أزمة بالنسبة إلى دول اجلوار ّ األمريكي لها لم يتغير ،كما أن إيران أكدت على لسان املرشد األعلى علي خامنئي العداء ّ النووي، أي تعاون مع الواليات املتحدة بعد االتفاق ّ أنها غير عازمة على االنخراط في ّ األمريكي املتع ّمد في إلغاء العقوبات املفروضة عليها بعد التوقيع خصوصا بعد التل ّكؤ ً ّ فإن األحداث قادت روسيا إلى على االتفاق النووي وتوقيع مزيد من العقوبات( ،)15ومن ثَ ّم ّ ّ إيران ،وقادت إيران إلى روسيا ،للدخول في «شراكة تعاون» ،وال نقول شراكة استراتيج ّية السوري وفرض معادلة سياس ّية بديلة حتقق في سوريا للحيلولة دون سقوط النظام ّ مصالح كل من موسكو وطهران في سوريا. هذا التقارب ،الذي رمبا حدث اضطرار ًّيا ،فرضته ظروف العقوبات الغرب ّية على البلدين ،والشعور املشترك باحلصار من ذات املصدر كان عامل تقريب ،ثم جاء الدفاع إيراني حتدث فيه عن عن املصالح ليدعم هذا التوجه على النحو الذي أفاض فيه كاتب ّ 46
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
النووي ومشروعها العقوبات األمريك ّية والغرب ّية التي تعرضت لها إيران بسبب برنامجها ّ السياسي ،والعقوبات الغرب ّية التي تعرضت لها روسيا بسبب األزمة في أوكرانيا ،وجاء الرئيسي عن مصالح انتهكها الغرب في ليبيا ،ومصالح أخرى باتت مه ّددة في الدفاع ّ اإليراني .وهذه عوامل لم تكن قائمة كلها قبل ثالثة أعوام،الروسي سوريا لتدعم التقارب ّ ّ الروسي السابق ميدفيديف ،الذي خضع لرؤى أ ّدت أي قبل عام ،2012في عهد الرئيس ّ إلى تهميش ال َعالقة مع إيران ،عكس ما حدث عقب عودة الرئيس فالدميير بوتني إلى احلكم عام .)16(2012 هذا اإلدراك للتح ّول في السياسة الروس ّية نحو إيران أدركه اإليران ّيون بشكل خاص عقب املؤمتر الرابع لدول بحر قزوين الذي عقد في 29سبتمبر ،2014إذ أجمع احمللّلون ً ملحوظا بعد فترة من الروس على أن «ال َعالقات بني موسكو وطهران تشهد حتسنًا اجلمود شابت سنوات حكم الرئيس ميدفيديف ،إذ حدثت طفرة قو ّية في ال َعالقات بني البلدين في عديد من املجاالت االقتصاد ّية والتجار ّية والصناع ّية والعسكر ّية ،إضافة إلى تنسيق املواقف في كثير من القضايا اإلقليم ّية ،األمر الذي أ ّدى إلى تفاؤل ملحوظ لدى خصوصا عقب اجتماع اللجنة التجار ّية املشتركة التي عقدت في املراقبني اإليران ّيني، ً طهران في الفترة من 7إلى 11سبتمبر .2014هذا التفاؤل أ ّدى إلى توقعات بزيادة حجم التجاري إلى عشرة أضعاف بحيث يصل إجمالي اتفاقيات االستثمار التي كان من التبادل ّ املأمول أن توقع بعد هذا االتفاق إلى 70مليار يورو»(.)17 ً عامل ُمهِ ًّما دفع البلدين إلى تطوير تعاونهما املشترك. كان إدراك وجود مصالح متبادلة خصوصا في مجال النفط والغاز فقد وجد املستثمرون الروس فرصة للتعاون مع إيران، ً والبتروكيماويات والطاقة النوو ّية والكهرباء والبنى التحتية للطرق واإلنشاءات ،فو ّقعت روسيا مع إيران في 11نوفمبر 2014اتفا ًقا للمشاركة في بناء ثماني محطات جديدة النووي في بوشهر، للطاقة النوو ّية ،مع طموح لبناء مفاعلني نوو ّيني جديدين في املجمع ّ باإلضافة إلى وحدة إنتاج الطاقة الكهربائ ّية النوو ّية التي ش ّيدها املهندسون الروس ومت اإليراني بتطوير ال َعالقات االقتصاد ّية تسليمها لإليران ّيني في عام .2013ولم يكن االهتمام ّ خصوصا في ظل تشكك إيران في فرص جناح مفاوضات مع روسيا أقل من مثيله الروسي، ً النووي بينها وبني «مجموعة ،»1+5األمر الذي كان سيؤ ّدي إلى استمرار فرض االتفاق ّ واقتصادي جتاري العقوبات ورمبا مضاعفتها ،ومن ثَ ّم لم يكن هناك بديل مأمون كشريك ّ ّ الروسي إليكس أولوكاييف غير روسيا .في تلك الظروف وصل وزير التنمية االقتصاد ّية ّ
مجلة الدراسات اإليرانية
47
إلى طهران في أعقاب فشل التوصل في فيينا إلى اتفاق شامل حول أزمة برنامج إيران اإليراني حينئذ محمد رضا نعمت زاده مذكرة تفاهم النووي ،إذ و ّقع مع وزير الصناعة ّ ّ االستراتيجي بني بهدف دعم االستثمار والتجارة املشتركة بني البلدين ،وتوطيد التعاون ّ اإليراني ،على أمل التخفيف من وطأة شركة الصادرات الروس ّية وصندوق ضمان الصادرات ّ العقوبات الغرب ّية على إيران(.)18 النووي ،كان اإليران ّيون خصوصا التي سبقت توقيع االتفاق طيلة تلك السنوات، ّ ً متوجسني من إمكان ّية استمرار هذه الوتيرة املتصاعدة من َعالقات التعاون مع موسكو، ّ خصوصا مسارات صعود إلدراكهم أن هذه ال َعالقات كانت مرتبطة مبتغيرات خارج ّية، ً وهبوط ال َعالقات الروس ّية-األمريك ّية ،وكان رهانهم أنه من دون َعالقات اقتصاد ّية قو ّية فإن روسيا لن تتراجع في تطوير عالقتها مع إيران. للغرب مع روسيا ّ لم ِ اإليراني من فراغ ،فقد كانت هناك ممارسات روس ّية تؤكد صعوبة يأت هذا التشكك ّ إيراني بأ ّن األولو ّية بالنسبة تعويل إيران على حتالف أو شراكة مع روسيا ،وكان هناك إدراك ّ إلى موسكو كانت وستظل دائ ًما لل َعالقة مع الغرب الذي تربطه شبكة من املصالح اجليو- استراتيج ّية واالقتصاد ّية الضخمة مع روسيا .كان أه ّم مؤشرات هذا اإلدراك املوقف اإليراني ،إذ التزمت روسيا متا ًما مبوقف املجموعة الغرب ّية النووي الروسي من ا ِملل َ ّف ّ ّ ّ بغض النظر عن التعاون القائم بني موسكو وطهران في مجال املشاركة في «مجموعة ّ »1+5 االستخدامات السلم ّية للطاقة النوو ّية. فقد أ ّكدت روسيا مرا ًرا أنها ترفض متا ًما امتالك إيران قدرات نوو ّية عسكر ّية ،كما اإليجابي ملصلحة جميع قرارات مجلس األمن التي فرضت عقوبات أنها التزمت بالتصويت ّ (ست قرارات في الفترة من )2010-2006لعدم جتاوبها مع متطلبات الوكالة على إيران ّ ()19 الدول ّية للطاقة الذ ّر ّية ،وزادت روسيا على ذلك عندما التزمت بحظر تصدير األسلحة إلى إيران على غرار القرار الصادر عن الرئيس السابق ميدفيديف في 22سبتمبر ،2010 وعلى نحو منفرد بفرض حظر تصدير منظومة صواريخ « »300Sبقيمة 800مليون دوالر كانت احلكومة الروس ّية قد تعاقدت عليها مع إيران ،مما دفع إيران إلى اللجوء إلى محكمة التحكيم الدول ّية الدائمة طل ًبا لتعويضات إلغاء الصفقة بقيمة أربعة مليارات دوالر(.)20 فإن روسيا واصلت حرصها على إرضاء الغرب على حساب إيران بالنسبة إلى ورغم ذلك ّ ً اإليراني على وسيطا لتخصيب اليورانيوم النووي ،عندما اقترحت أن تكون أزمة البرنامج ّ ّ األراضي الروس ّية ًّ حل إلشكال ّية إصرار الغرب على منع إيران من االنخراط في عمل ّيات 48
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
تخصيب اليورانيوم ،وهو األمر الذي رفضته إيران بش ّدة .كما متادت روسيا في تأجيل إجناز املراحل النهائ ّية ملفاعل بوشهر ألكثر من سبع سنوات بسبب الضغوط الغرب ّية واإلسرائيل ّية. الروسي عندما اشت ّد التصادم مع الواليات املتحدة بعدما لكن حدث التح ّول في املوقف ّ األطلسي (الناتو) إلى الدول املجاورة لروسيا أص ّرت واشنطن على توسيع مت ّدد حلف شمال ّ في آسيا الوسطى والقوقاز ومنطقة بحر قزوين ،عندها وجدت روسيا أن التعاون ،أو تطوير التعاون ،مع إيران قد يكون إحدى أه ّم السياسات الدفاع ّية الروس ّية ض ّد املواقف العدوان ّية الغرب ّية إزاءها. وهكذا ظلّت َعالقات روسيا بإيران تتأرجح بني الصعود والهبوط بفعل مح ّددات وعوامل حالت دون حتويل التقارب إلى حتالف أو إلى شراكة استراتيج ّية ،ومنعت تدهور التعاون إلى صراع في ظ ّل حاجة متبادلة لم تنقطع بني البلدين ملثل هذا التعاون املتأرجح ،إلى أن حت ّول اضطراري». مع األزمة السور ّية إلى «حتالف ّ ة-اإليرانية الروسي العالقات ثانيا :األزمة ّ ً تطور َ ّ ّ السورية ومسارات ّ
إذا كانت األزمة السور ّية قد فرضت على كل من إيران وروسيا حتال ًفا ما ،فهو وإن كان اضطرار ًّيا بحكم الضرورة للبلدين فإنه ،وعلى الرغم من كل مراحل الصعود في هذا التحالف التي لم ينافسها غير مراحل الهبوط ،لم يتجاوز حقيقة أنه بقي «حتال ًفا استراتيج ًّيا انتقائ ًّيا» يعكس التقدم والتراجع في ال َعالقة بحكم تقارب أو تباعد أدوار البلدين التي تعكس وتع ّبر عن تقارب أو تباعد املصالح بينهما ،ناهيك بأدوار القوى املنافسة إليران في ال َعالقة مع روسيا في سوريا ،وهي بالتحديد :الواليات املتحدة وتركيا وإسرائيل، وهي األطراف التي لعبت األدوار املميزة في تقارب أو تباعد الشراكة اإليران ّية-الروس ّية في سوريا ،وهي التي ستحكم حت ًما مستقبل هذه ال َعالقات حسب تفاعالتها مع األزمة السور ّية. الضروري أن نتذ ّكر مجموعة من ولكي تتحدد معالم التفاعل بني إيران وروسيا من ّ ّ التدخل في األزمة السور ّية إلى جانب نظام احلقائق ،أ ّولها أن إيران سبقت روسيا في الرئيس بشار األسد ض ّد ما ع ّدته «مؤامرة خارج ّية» تستهدف قوى املقاومة .وثانيها أن ّ بالتدخل في سوريا في مرحلة فارقة من إيران لعبت دو ًرا ُمهِ ًّما في إغراء أو إقناع روسيا دفاعا عن مصالح أدركت أنها تاريخ األزمة السور ّية ،وثالثها أن روسيا تدخلت في سوريا ً أضحت مه ّددة ،وأن هذه املصالح وتشابكها مع مصالح األطراف والفواعل األخرى الدول ّية واإلقليم ّية في األزمة السور ّية هي التي ظلّت حتكم مسار تط ّور َعالقات إيران مع روسيا طيلة العامني األخيرين على وجه اخلصوص. مجلة الدراسات اإليرانية
49
ّ العسكري في األزمة السور ّية توجد بالتدخل اإليراني في إقناع روسيا بالنسبة إلى الدور ّ ّ إن دعوة روسيا للتدخل في األزمة السور ّية جاءت بطلب من مرشد روايتان ،األولى تقول ّ اجلمهور ّية اإلسالم ّية علي خامنئي باعتباره القائد األعلى للق ّوات املسلحة اإليران ّية ،حمله مستشاره للشؤون الدول ّية علي أكبر والياتي قبل سبتمبر 2015وسلّمه شخص ًّيا إلى الرئيس الروسي فالدميير بوتني( .)21أ ّما الرواية الثانية فتقول إ ّن اجلنرال قاسم سليماني ،قائد فيلق ّ الروسي فالدميير القدس في «ق ّوات حراس الثورة» ،زار موسكو وأجرى محادثات مع الرئيس ّ اإليراني أن بوتني وأقنعه باالنضمام إلى «جبهة املقاومة» التي تقودها إيران ،وكان الطموح ّ ّ السوري بشار األسد بالق ّوة التي يحتاج إليها من أجل تغيير الروسي الرئيس التدخل «مي ّد ّ ّ ()22 كفّة القوى لصاحله» . هاتان الروايتان قد يكون مشكو ًكا في مصداق ّيتهما ،على ضوء مواقف روس ّية قو ّية وواضحة تؤكد أن روسيا ،إذا جاز التعبير ،هي املتغ ّير املستق ّل وأن إيران هي املتغ ّير التابع في ال َعالقة بني الطرفني في األزمة السور ّية ،ومن ثَ ّم فإذا كنا نسعى إلى البحث في مآالت األزمة الروسي والعوامل املؤثرة على مواقفه في سوريا. فعلينا التركيز بصفة أساس ّية على العامل ّ ونشير بهذا اخلصوص إلى مجموعة من املواقف والتصريحات املميزة ،أولها ما جاء على لسان الرئيس فالدميير بوتني بخصوص حتديده للق ّوة املميزة في إدارة األحداث في ّ وخصوصا قوله إنه الروسي في سوريا، التدخل الشرق األوسط بعدما يقرب من عامني من ً ّ «إذا كان هناك قوى مسؤولة عن إعادة تشكيل الشرق األوسط فهي روسيا ال إيران» .وثانيها موضحا من هو الطرف املسؤول عن توجيه الروسي قول سيرغي الفروف وزير اخلارج ّية ً ّ دعوات احلضور ملؤمتر لوزان اخلاص بسوريا ،وتصريحه الذي قال فيه« :لقد أقنعنا شركاءنا األمريكيني بالسماح إليران باملشاركة في مؤمتر لوزان إلى جانب دول إقليم ّية أخرى»(.)23 وثالثها نصوص إيران ّية صادرة عن «مركز الدراسات االستراتيج ّية» في إيران ركزت على ّ الروسي في سوريا جاء لدوافع ومصالح روس ّية ،منها تأكيد الرئيس فالدميير التدخل أن ّ الروسي في سوريا هو من أجل مقاومة اإلرهاب» ،وأنه «من العسكري بوتني أن «الوجود ّ ّ فإن الوضع في سوريا سوف يزداد سو ًءا ،وستسقط الدولة في أيدي دون مساعدة روسيا ّ تنظيم (داعش) ،وسوف يتزايد عدد الالجئني الفا ّرين إلى أوروبا» .ويوضح «مركز الدراسات االستراتيجي (العدد -75أكتوبر )2015أ ّن الرئيس بوتني قد اختار االستراتيج ّية» في تقريره ّ ٍ ناحية ،فق َد جيش األسد كثي ًرا من الوقت املناسب إلرسال الق ّوات الروس ّية إلى سوريا .فمن املناطق التي كانت حتت يده ،ولديه مزيد من اخلسائر ،ومن الناحية األخرى وعقب اخلسائر 50
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
الناجمة عن احتالل أفغانستان والعراق ،فقد زادت رغبة الواليات املتحدة في العزلة ّ التدخل واالنزواء( ،)24ما يعني أن روسيا وحدها هي التي كان مبقدورها ،في ذلك الوقت، الداعشي. اجلا ّد لوقف الزحف ّ الروسي السابق العسكري وهنا جاء التوضيح امله ّم على لسان نيكوالي كورالييف ،امللحق ّ ّ في طهران لشبكة «سي إن إن» األمريك ّية ليلقي مزي ًدا من التأكيدات حول طبيعة الدور الروسي في سوريا ،بقوله« :إ ّن روسيا ال تقاتل من أجل األسد ،ولكنها تساعده على أن يحافظ ّ ()25 على األراضي التي حتت يديه» . وفق هذا التحديد لطبيعة ال َعالقة بني روسيا وإيران في سوريا ميكننا متييز ثالثة مسارات أخذتها هذه ال َعالقة تكشف حدود التوافق وحدود التباعد بني روسيا وإيران الروسي على إدارة األزمةاإليراني في سوريا ،هي على الترتيب :مرحلة اخلالف ّ ّ عقب مؤمتر فيينا للسالم اخلاص بسوريا ،ومرحلة تأزم ال َعالقات الترك ّية-الروس ّية وانعكاساتها اإليجاب ّية على ال َعالقات الروس ّية-اإليران ّية ،وأخي ًرا مرحلة ما بعد معارك األمريكي وحدود املشاركة الترك ّية حلب واالنقسام في الرؤى بني إيران وروسيا حول الدور ّ والتفاهمات الروس ّية-اإلسرائيل ّية. -1اخلالفات اإليران ّية-الروس ّية حول مؤمتر فيينا :هذه اخلالفات أعقبت مرحلة من الروسي الذي بدأ ًأول في العراق ثم في روسيا بعد قرار القيادة اإليراني التقارب والتنسيق ّ ّ ّ روسي جل ّد ّية اخلالفات العسكري في سوريا .هذا التقارب جاء بعد إدراك بالتدخل الروس ّية ّ ّ النووي ،وأن االتفاق لم يفتح آفا ًقا واعدة في ال َعالقات اإليران ّية-األمريك ّية بعد توقيع االتفاق ّ األمريك ّية-اإليران ّية عكس توقعات إسرائيل ّية وأخرى عرب ّية خليج ّية ،كما جاء نتيجة لتداعي السوري أمام انتصارات واسعة للمعارضة املدعومة العسكري لق ّوات اجليش املوقف ّ ّ أمريك ًّيا وترك ًّيا وعرب ًّيا ،ودخول أمريكا طر ًفا في األزمة الداخل ّية في العراق وضلوعها في تشكيل ق ّوة ُس ّن ّية محل ّية تتو ّلى حترير مناطقها من احتالل ميليشيات «داعش» .وكانت الروسي في العراق الذي أخذ ًشكل «استخبارات ًّيا» أسفر عن اإليراني البداية في التنسيق ّ ّ عراقي-سوري ،أوضح سيرغي الفروفإيرانيروسي رباعي» استخباراتي تأسيس «مركز ّ ّ ّ ّ ّ الروسي ( 27سبتمبر )2015أن هدفه هو التنسيق ملواجهة «داعش» .هذا وزير اخلارج ّية ّ التنسيق دعمته قناعات إيران ّية بوجود قواعد للثقة واملصالح املشتركة مع روسيا ،على العكس متا ًما من ال َعالقة مع الواليات املتحدة على النحو الذي أوضحه محمد جواد ظريف اإليراني. وزير اخلارج ّية ّ مجلة الدراسات اإليرانية
51
اإليراني محمد جواد ظريف مع كل من هذا اإلدراك تأ ّكد بعد لقاء وزير اخلارج ّية ّ الروسي سيرغي الفروف .ففي لقاء األمريكي جون كيري ووزير اخلارج ّية وزير اخلارج ّية ّ ّ األمريكي ظريف مع كيري في واشنطن ( 25سبتمبر )2015تأكد ظريف من ثبات املوقف ّ السوري بشار األسد في حكم سوريا ،في حني كان قد مستقبلي للرئيس ألي دور ّ الرافض ّ ّ تأكد خالل لقائه في موسكو مع سيرغي الفروف ( 17أغسطس )2015رفض الفروف تنحية بشار األسد واعتباره ق ّوة أساس ّية في ضمان وحدة سوريا من ناحية ،واحلرب على اإلرهاب من ناحية أخرى(.)26 ّ ّ التدخل الروسي في سوريا في 20سبتمبر - 2015وهو العسكري التدخل أحدث ّ ّ الذي كانت له نتائج عسكر ّية حاسمة وأخذ يُعرف بـ«عاصفة السوخوي» -نتائج عسكر ّية ميدان ّية ُمهِ ّمة استطاعت أن تقلب املعادلة في سوريا للمرة األولى منذ خمسة أعوام إن روسيا فرضته في مؤمتر فيينا الذي ملصلحة احل ّل السياسي ،الذي ميكن أن نقول ّ ّ عقد في 30أكتوبر 2015مبشاركة 16دولة (من بينها إيران والسعود ّية وتركيا ومصر األوروبي والدول اخلمس دائمة العضوية واألردن كأطراف إقليم ّية ،إضافة إلى االحتاد ّ في مجلس األمن) ،ففي هذا املؤمتر مت التوافق على بنود للتسوية السياس ّية لألزمة السور ّية ،جرى حتويلها إلى مجلس األمن وصدر بها القرار الذي حمل الرقم 2254في زمني يربط بني وقف إطالق النار وتشكيل حكومة موسعة، 18ديسمبر ،2015مع جدول ّ يليها إجراء تعديالت دستور ّية ،أو صياغة دستور جديد للبالد ،يعقبه إجراء انتخابات السوري على أي إشارة إلى مستقبل الرئيس ّ تشريعية ورئاسية في غضون 18شه ًرا ،دون ّ السوري نحو ما أرادت موسكو وطهران بإصرارهما على جعل هذا اإلجراء ح ًّقا للشعب ّ أي ّ خارجي. أي طرف تدخل من ّ وحده دون ّ ّ دولي مبثابة صدمة في ال َعالقات بني إيران كان هذا املؤمتر وما صدر عنه من قرار ّ الروسي بعد أن تكشفت اخلالفات بني الرؤى صدمت إيران في احلليف وروسيا ،فقد ُ ّ واملصالح اإليران ّية مع الرؤى واملصالح الروس ّية في سوريا ،واملشكلة أن هذه الصدمة اإليراني ال ينافسها غير حالة التفاؤل جاءت في أعقاب موجة غير مسبوقة من التفاؤل ّ الروسي العسكري السوري وكذلك «حزب اهلل» منذ اللحظات األولى للتدخل لدى النظام ّ ّ ّ ّ التدخل سيفرض معادلة جديدة لتوازن أن هذا في سوريا .فقد توقعت كل هذه األطراف ّ السوري، القوى دخل سوريا ستفرض حت ًما معادلة سياس ّية جديدة لصالح النظام ّ خصوصا في ظل تع ّمد الطائرات الروس ّية عدم االكتفاء بضرب قواعد ومراكز تنظيم ً 52
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
«داعش» في سوريا ،بل امت ّدت إلى ضرب تنظيمات جهاد ّية مدعومة من أطراف عرب ّية وإقليم ّية ودول ّية ،وهي الضربات التي أ ّدت إلى توقعات بإضعاف املعارضة السور ّية مستقبلي للسالم في سوريا. أي مؤمتر والتأثير سلب ًّيا على وزنها السياسي في ّ ّ ّ فقد وجدت إيران ومعها نظام بشار األسد و«حزب اهلل» أنفسهم وج ًها لوجه في السلمي جن ًبا إلى جنب الروسي للقبول مبسار احل ّل الروسي .فالتسرع ِصدام مع احلليف ّ ّ ّ مع مسار احلرب ض ّد اإلرهاب م ّثل صدمة كبيرة إليران وبشار األسد وهما من تص ّورا ّ العسكري أو على األق ّل فرض معادلة الروسي جاء ضمن معادلة فرض احل ّل التدخل أن ّ ّ ّ السياسي السوري ،تضمن للنظام أن يتس ّيد املوقف توازن قوى جديدة لصالح النظام ّ ّ النهائي ملقولة إبعاد بشار ويفرض شروطه للعمل ّية السياس ّية وفي مقدمتها االستبعاد ّ األسد عن مستقبل سوريا كشرط يطالب به الطرف اآلخر ،الواليات املتحدة وحلفاوها الدول ّيون واإلقليميون وفصائل ومنظمات املعارضة السور ّية(.)27 السوري روسيا ع ّبرت مب ّك ًر ا عن هذا التوجه املزدوج عندما استدعت الرئيس ّ بشار األسد منفر ًدا للقاء مع الرئيس فالدميير بوتني ،تأكد أنه كان يتعلق بدور األسد الروسي حل ّل السياسي شخص ًّيا أو «مصير األسد» وليس فحوى أو مضامني املشروع ّ ّ األزمة السور ّية ،ما يعني أن روسيا قد تع ّمدت إرسال رسائل إلى الطرف اآلخر بأنها سياسي إلنقاذ سوريا هي األخرى لم ت ُعد تربط شرط بقاء األسد بضرورة الدفع بح ّل ّ واحلفاظ على وحدة الدولة السور ّية .وجاءت املمارسات الروس ّية بعد ذلك لتؤكد أن ّ السوري الروسي في سوريا ليس بالضرورة هو هدف النظام العسكري التدخل هدف ّ ّ ّ وإيران ،فقد أخذت معالم افتراق الرؤى واملواقف تفرض نفسها بني موسكو وكل من وكأن الطرفني يخوضان حربني في سوريا وليست حر ًبا واحدة .فاملُهِ ّمة طهران ودمشق، ّ السياسي وعدم الروس ّية في سوريا تنطوي على رغبة في التفاوض وتهيئة ظروف احل ّل ّ الصدام ال مع الواليات املتحدة وال حتى إسرائيل عسكر ًّيا في سوريا. أي ِصدام بني الروسي العسكري تأكد التنسيق األمريكي في سماء سوريا لتجنّب ّّ ّ ّ امتد ً أيضا إلى إسرائيل عندما أغارت الطرفني ،لكن املثير في األمر أن هذا التنسيق ّ السوري في منطقة القلمون القريبة من احلدود طائرات إسرائيل ّية على موكب للجيش ّ اإلسرائيلي بأنها كانت تنقل أسلحة إلى مع لبنان ،واستهدفت شاحنات وصفها اإلعالم ّ «حزب اهلل» .هذه الطائرات اجتازت األجواء السور ّية في منطقة تشهد كثافة في حتليق الطائرات الروس ّية ،ومن غير املنطق تص ّور جت ّرؤ إسرائيل على القيام بالتحليق في هذه مجلة الدراسات اإليرانية
53
األجواء دون تنسيق مسبق مع روسيا ،ما يعني أن املُهِ ّمة الروس ّية في سوريا تأخذ بعني السوري التي تنقل السالح إلى «حزب االعتبار املصالح اإلسرائيل ّية ،وأن شاحنات اجليش ّ اهلل» عبر األراضي السور ّية ستبقى ضمن دائرة االستهداف ،ما يعني بروز افتراق مصالح روس ّية-إيران ّية في سوريا(.)28 افتراق املصالح ظهر ً أيضا في االهتمام الكبير الذي توليه روسيا إلعادة االعتبار السوري الذي كان يُ َع ّد دائ ًما ورقة الرهان الروس ّية على مدى سنوات طويلة. للجيش ّ هذا التوجه جاء بعد إعالن بشار األسد وحديثه عن هزائم حتدث للجيش ،األمر الذي ع ّده الروس طل ًبا للنجدة من روسيا واعترا ًفا بأن إيران «لم حتقق شي ًئا له اعتباره على ّ الروسي جاء من هذا املنطلق وجاء بدافع من احلفاظ على املؤسسات التدخل األرض». ّ وأبرزها اجليش ،على نحو ما ورد على لسان ميخائيل بوجدانوف نائب وزير اخلارج ّية الروسي الذي أكد أن موسكو ستضرب ك ّل من هو خارج اجليش ،وستتيح الفرصة ّ للجميع لالنضمام إلى اجليش ،هذا يعني أن روسيا ميكن أن تضرب تنظيمات عسكر ّية وميليشيات موالية إليران مثل «جيش الدفاع الوطني» و«اللجان الشعب ّية» و«كتائب البعث» السوري .إلى جانب هذا التوجه اجتهت إذا ما أص ّرت على العمل خارج سيطرة اجليش ّ روسيا ً عسكري» تبحث اآلن عن تركيبته ضمن أيضا إلى الترويج لدعوة تأسيس «مجلس ّ مسعى إعادة هيكلة اجليش وتنظيمه ،ويصعب أن يتم حتت إشراف بشار األسد ،انطال ًقا من قناعة مفادها أن اجليش وحده هو من يضمن وحدة سوريا ،وإذا كانت هذه املُهِ ّمة ً اعتراضا على ممارسات سياس ّية وعسكر ّية تستلزم إعادة دمج العسكر ّيني املستقيلني فإن هذه املُهِ ّمة تتعارض متا ًما مع كل ما يسعى إليه األسد بدعم من إيران. خاطئة للنظام ّ وجن ًبا إلى جنب مع هذا التوجه تتحدث روسيا بعد مؤمتر فيينا عن اعتبار «اجليش ّ السوري احل ّر» منظمة غير إرهاب ّية وتسعى إلى دمجه في العمل ّية السياس ّية ،مع تلميحات ّ ضد «داعش» ،ما يعني أن روسيا بدعمه بقصف ج ّو ّي في حال انخراطه في قتال ّ خصوصا مستعدة للتنسيق مع املعارضة عسكر ًّيا ،وهذا ما أغضب إيران ونظام األسد، ً بعد إعالن رئيس إدارة العمل ّيات في هيئة األركان العا ّمة الروس ّية اجلنرال أندريه كارتابولوف في 3نوفمبر 2015أن «املقاتالت الروس ّية استهدفت 24موق ًعا لتنظيم ِ الروسي بذلك، يكتف اجلنرال (داعش) مت حتديدها مبساعدة املعارضة السور ّية» .لم ّ بل قال« :لقد أعلنّا مرا ًرا استعدادنا للتعاون مع جميع القوى الوطن ّية السور ّية التي تقاتل ض ّد اإلرهابيني من داعش وجبهة النصرة .أريد أن أحيطكم عل ًما بأنه في إطار التحالف 54
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
الدولي الواسع ملكافحة اإلرهاب في منطقة الشرق األوسط ،أقمنا اتصاالت مع قادة ّ املعارضة السور ّية والقادة امليدانيني لعدد من التشكيالت» .وتابع« :لقد أنشأنا مجموعة تنسيق العمل التي ال ميكن اإلفصاح عن تكوينها ألسباب واضحة .ومت تنظيم عملهم املوجهة حلل مسألة محاربة داعش» ،ثم أضاف املشترك في تنسيق اجلهود املشتركة ّ موضحا أن الطائرات الروس ّية واألمريك ّية أجرت تدريبات مشتركة في األجواء السور ّية ً لتجنب االصطدام. والتوجهات الروس ّية عن مثيالتها لدى إيران والنظام معالم هذا االفتراق في الرؤى ّ السوري ظهرت ً أيضا في الرؤية الروس ّية لتفعيل العمل ّية السياس ّية وف ًقا ملؤمتر فيينا، ّ سوري بني النظام وقوى املعارضة املعتدلة التيسوري فروسيا حريصة على انضاج حوار ّ ّ سوف يتم االتفاق عليها كشريك في هذه العمل ّية السياس ّية ،بحيث يضم هذا احلوار السوري ،مبا في ذلك كل مجموعات املعارضة التي سوف يتفق على كل أطياف املجتمع ّ الروسي في اتصال اعتبارها معارضة معتدلة .وحرص سيرغي الفروف وزير اخلارج ّية ّ دولي األمريكي جون كيري على بحث «إمكان ّيات احلصول على دعم هاتفي مع نظيره ّ ّ ّ وطني ،مبا في ذلك تشكيل وفد مشترك من لتسوية األزمة السور ّية على أساس حوار ّ ()29 سياسي مب ّكر وتوحيد املواقف في مكافحة اإلرهاب» . املعارضة السور ّية إلطالق حوار ّ أي تعاون مباشر أو غير مباشر مع إيران رفضت إطالق مثل هذا احلوار ورفضت ّ واشنطن حول سوريا على نحو ما ورد على لسان علي أكبر والياتي مستشار مرشد اجلمهور ّية اإلسالم ّية في إيران للشؤون الدول ّية عقب لقائه مع فيصل املقداد نائب بأي مبادرة ال تقبل بها وزير اخلارج ّية السوري في طهران ،فقد أ ّكد ّ أن بالده «ال تقبل ّ ّ السوري» ،في حني أعلن محمد جواد ظريف وزير اخلارج ّية احلكومة السور ّية والشعب ّ أي شيء اإليراني أن «الشعب السوري وحده من يق ّرر مستقبله بنفسه ويجب عدم فرض ّ ّ ّ عليه» .وفي ذات الوقت تع ّمدت طهران التصعيد ض ّد الواليات املتحدة وعلى لسان املرشد أن هذا الشعار األعلى السيد علي خامنئي الذي جدد شعار «املوت ألمريكا» ،مؤك ًدا ّ عقالني ومستلهم من الدستور» .خامنئي أعاد التأكيد ً أيضا على ضرورة «يحظى بسند ّ عدم الثقة في أمريكا أمام آالف الطالب اجلامعيني مبناسبة االحتفاالت اإليران ّية شدد على أن «احلقيقة املؤكدة هي أن بـ«اليوم الوطني ملقارعة االستكبار العاملي» ،كما ّ ّ أهداف أمريكا جتاه اجلمهور ّية اإلسالم ّية لم تتغير .ولو متكنوا من تدميرها فإنهم لن يترددوا أو يتوانوا عن ذلك حلظة واحدة». مجلة الدراسات اإليرانية
55
ضد الواليات املتحدة كان الوجه اآلخر لتصعيد التصعيدي هذا املوقف اإليراني ّ ّ ّ الثوري عندما تع ّمد مكبوت ض ّد روسيا جرى إظهاره أحيا ًنا مرة على لسان قائد احلرس ّ التنديد بالسياسة الروس ّية في سوريا بقوله إن «روسيا تعمل فقط من أجل مصاحلها في سوريا» ،ومرة بالتل ّكؤ في إظهار املوافقة على حضور اجلولة الثانية من محادثات فيينا اخلاصة بسوريا بعد تر ّدد عن قبول هذه املشاركة ،حتدثت فيها عن العزم على االنسحاب من تلك احملادثات ،وهو موقف يكشف أن إيران لم ت ُعد ترى في روسيا حلي ًفا لها في الروسي وبالذات املسعى للتوصل إلى ح ّل قائم على سوريا بعد قراءة دقيقة للموقف ّ قاعدة «ال غالب وال مغلوب»(.)30 ضد روسيا في سوريا وانعكاساته على ال َعالقات العرب ّية- التركي -2التصعيد واألمريكي ّ ّ ّ اإليران ّية :لعبت مواقف القوى الدول ّية واإلقليم ّية املنافِ سة إليران في سوريا دو ًرا ُمهِ ًّما في حتديد مسارات َعالقات التعاون أو التنافس بني موسكو وطهران في سوريا ،وميكننا هنا أن نشير إلى حدثني ُمهِ ّمني لعبا دو ًرا محور ًّيا في إعادة التقارب الدافئ بني طهران وموسكو عقب مرحلة الفتور التي نتجت عن تباعد رؤى الطرفني حول مؤمتر فيينا، احلدث األول يتعلق بإسقاط تركيا إحدى الطائرات الروس ّية في األجواء السور ّية، السوري في دير الزور. واحلدث الثاني الضربات األمريك ّية على وحدات للجيش ّ أ -إسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروس ّية كان لقيام طائرتني تركيتني مقاتلتني بإسقاط إحدى طائرات «السوخوي»24- ّ العسكري التدخل الروس ّية ردود فعل روس ّية قو ّية ومباشرة في اجتاهني ،أولهما تكثيف ّ متقدمة من األسلحة ،وإعطاء أولو ّية لفرض الروسي في سوريا عبر الدفع بنوع ّيات ّ ّ قوي جديد في سوريا يعمل لصالح روسيا والقوى احلليفة ،وبالتحديد توازن عسكري ّ ّ السوري وإيران ،وهذا ما كانت تطالب به إيران قبل ذلك وتتحفّظ على االندفاعة اجليش ّ الروس ّية نحو احل ّل السياسي .وثانيهما توثيق ال َعالقات الثنائ ّية مع إيران في مجاالتها املختلفة ،وزيادة التنسيق والتعاون املشترك في القتال الدائر في سوريا ،ليس فقط ض ّد امليليشيات واملنظمات املعارضة ،بل ً أيضا ض ّد تركيا .ففي اليوم الثاني إلسقاط الروسي على احلادثة اجل ّو ّية قد أخذ في احلسبان أن الر ّد طائرة «السوخوي »24-بدا ّ ّ ضرورة التركيز على إفشال األهداف التي ابتغتها تركيا من مغامرتها ،وهو ما ترتب عليه الروسي في سوريا ،األمر الذي استلزم أه ّمية تفعيل التعاون العسكري تكثيف االنغماس ّ ّ العسكري مع إيران على أرض املعارك في سوريا. ّ 56
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
أن تركيا أرادت حتقيق حزمة من األهداف بضربة واحدة أدركت روسيا مب ّك ًرا ّ من خالل إسقاطها للطائرة الروس ّية ،أبرزها توجيه ضربة معنو ّية للرئيس بوتني عبر إسقاط طائرة حرب ّية باتت مت ّثل رمزًا لعاصفته العسكر ّية املتواصلة في سوريا، واستنزاف اجلهود الدبلوماس ّية والعسكر ّية الروس ّية الهادفة إلى دحر اإلرهاب وحتقيق السياسي لألزمة السور ّية ،وذلك من خالل استدراج موسكو إلى مواجهة تتجاوز احل ّل ّ السوري ،واأله ّم هو وضع حلف شمال األطسي (الناتو) أمام واقع جديد جبهتها امليدان ّ يدفعه إلى القبول بخطة رجب طيب أردوغان الهادفة إلى إقامة منطقة آمنة /عازلة القوي واملباغت ليحبط هذا الروسي من جرابلس إلى البحر املتوسط .لكن جاء الر ّد ّ ّ التركي ،فاإلجراءات األول ّية التي اتخذتها موسكو كانت كافية إلفشال األهداف التخطيط ّ الترك ّية الثالثة أو على األقل الحتوائها .كانت البداية هي جناح عمل ّية كوماندوز مشتركة الروسي الثاني الذي جنا من القتل إلى قاعدته روس ّية-سور ّية في إنقاذ وإعادة الط ّيار ّ الروسي اجل ّوية في سوريا .أما محاوالت االستنزاف فبدا أنها اصطدمت بر ّد الفعل ّ ّ الذي أحبط آمال أنقرة مبنازلة روس ّية-أطلس ّية .أ ّما مخطط املنطقة العازلة فكان من ً فبدل من جناح تركيا في فرض منطقة ترك ّية نصيب روسيا وليس من نصيب تركيا، عازلة على احلدود مع سوريا مت ّكنت روسيا من إقامة هذه املنطقة لتصبح منطقة عازلة روس ّية بعد قرار موسكو نشر وتفعيل منظمات صواريخ «إس »300و«إس »400على األراضي السور ّية ،إضافة إلى تسيير طائرات مقاتلة ملواكبة العمل ّيات اجل ّوية ،وكذلك إدخال دبابات «تي »980-إلى مسارح العمل ّيات في سوريا ،في إشارة روس ّية إلى رفع وتيرة العمل ّيات ض ّد «داعش» واملنظمات اإلرهاب ّية جن ًبا إلى جنب مع تصعيد روسيا املواجهة الدبلوماس ّية مع تركيا بفرض تأشيرات دخول على األتراك مع مطلع عام ،2016 الروسي سيرغي الفروف ،الذي هدد وف ًقا لتصريحات جاءت على لسان وزير اخلارج ّية ّ إن هذه اخلطوة سوف تسهم في ح ّل مشكلة بإغالق احلدود بني سوريا وتركيا ،وقال ّ أن تركيا بدأت تتوتّر بعدما بدأ الطيران اإلرهاب في سوريا إلى ح ّد كبير ،مشي ًرا إلى ّ الروسي يقصف قوافل النفط املسروق من سوريا. ّ الروسي املتع ّمق في احلرب داخل سوريا، األخص االنغماس هذه التط ّورات ،وعلى ّ ّ القوي واملباشر على األجواء شديدة اإليجاب ّية في ال َعالقات بني إيران كان لها تأثيرها ّ وروسيا التي صاحبت زيارة بوتني لطهران ولقاءه امله ّم مع علي خامنئي ،سواء ما يتعلّق بال َعالقات الثنائ ّية أو األزمة السور ّية أو املوقف من الواليات املتحدة األمريك ّية ،وهي مجلة الدراسات اإليرانية
57
الزيارة التي بدأها بوتني في 23نوفمبر 2015للمشاركة في أعمال الق ّمة الثالثة ملنتدى الدول املصدرة للغاز (أوبك-غاز). فقد وضعت هذه الزيارة حجر األساس لشراكة استراتيج ّية بني البلدين في مواجهة محاوالت الهيمنة األمريك ّية ،وهو ما ع ّبر عنه بوتني برسائل مباشرة وغير مباشرة للقيادة اإليران ّية ،أبرزها قرار موسكو برفع احلظر املفروض على توريد التكنولوجيا النوو ّية إليران ،وتأكيد بوتني أن بالده «ال تطعن حلفاءها في الظهر وال تعمل ضدهم خلف الكواليس كما يفعل اآلخرون» ،في إشارة إلى الواليات املتحدة .كما فتحت آفا ًقا واعدة أمام إقامة منطقة للتجارة احل ّرة بني إيران واالحتاد األوراسي ،وتعميق َعالقات التعاون الطبيعي (أوبك-غاز) وتأكيد الثقل الذي متثله من خالل منتدى الدول املص ّدرة للغاز ّ الدول األعضاء في هذا املنتدى على مستوى سياسات الطاقة ،وعلى أه ّمية التكامل االقتصادي بني هذه املجموعة من الدول أعضاء ذلك املنتدى والتكتالت االقتصاد ّية ّ خصوصا «منظمة شنغهاي» و«مجموعة الدول محوري فيها، األخرى التي لروسيا دور ّ ً املطلّة على بحر قزوين» وجت ّمع دول «بريكس» وكذلك «االحتاد األوراسي». وفي لقاء بوتني مع مرشد اجلمهور ّية اإلسالم ّية تبادال الضمانات وتوضيح املواقف الروسي املتزايد الذي قد يتجه نحو اإليراني واالنخراط النووي في مِ لَفّات ما بعد االتفاق ّ ّ ّ ّ التدخل الب ّر ّي في األزمة السور ّية ،وتقارب الرؤى حول مصير الرئيس بشار األسد خل ًفا اإليراني بهذا اخلصوص ،إذ أعلن الطرفان الثوري ملا قد ورد على لسان قادة احلرس ّ ّ السوري» ،كما عكست موق ًفا موح ًدا مفاده أنه «ال يحقّ ألحد أن يفرض شي ًئا على الشعب ّ توصال إلى تفاهمات بشأن التصريحات املتبادلة لكل من خامنئي وبوتني أن اجلانبني ّ واإلقليمي املشترك ،وهو الثنائي مجمل القضايا ذات االهتمام املشترك وتوسيع التعاون ّ ّ ما ظهر في الثناء الذي ورد على لسان السيد خامنئي على مواقف روسيا من سوريا الروسي في «مواجهة املخططات األمريك ّية» ،وقوله لبوتني« :األمريكيون وإشادته بالدور ّ يحاولون دائ ًما دفع منافسهم إلى موضع االنفعال ،لكنكم أفشلتم هذه السياسة» ،كما رأى السوري أسهمت في زيادة املصداق ّية خامنئي أن «قرارات وإجراءات روسيا في املوضوع ّ اإلقليم ّية والعامل ّية لروسيا والرئيس بوتني شخص ًّيا». إن إيران من ناحيته لم يكن بوتني أق ّل سخاء في الثناء على إيران وقيادتها ،فقد قال ّ «بلد مستق ّل ويتمتع بآفاق زاهرة للغاية» ،وقال« :نحن نَ ُع ّدكم حلي ًفا موثو ًقا به ويع ّول موضحا موقف روسيا من أصدقائها ومنهم إيران بقوله: عليه في املنطقة والعالم»، ً 58
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
«على النقيض من البعض نحن ملتزمون بأال نطعن شركاءنا من اخللف ،وأال نقدم على أي إجراء خلف الكواليس ض ّد أصدقائنا ،وإن كانت لدينا خالفات فيمكن أن نتوصل ّ إلى تفاهم من خالل احلوار» ،كما ع ّد بوتني أن مواقف روسيا وإيران جتاه سوريا «متقاربة ج ًّدا»(.)31 السوري في دير الزور :على الرغم من التقارب الذي األمريكي على اجليش ب -الهجوم ّ ّ أحدثته املواجهة الترك ّية املباشرة مع روسيا بإسقاط إحدى طائرات السوخوي ،وعلى الرغم من االنفراج الذي حدث في ال َعالقات الروس ّية-اإليران ّية عقب زيارة الرئيس والروسي حول اإليراني فإن التوتر عاد مجد ًدا بني الطرفني فالدميير بوتني لطهرانّ ، ّ ّ أولو ّيات العمل امليداني في سوريا ،هذا التوتر كانت هناك محاوالت مستم ّرة إليجاد ّ السوري األمريكي على أحد معسكرات اجليش حلول له ،وكانت له مظاهره ،لكن االعتداء ّ ّ في مدينة دير الزور قلب املوازين مجد ًدا ،ودفع روسيا إلى مزيد من تكثيف ضرباتها العسكر ّية اجل ّو ّية على مواقع املعارضة وإعطاء مساحة أوسع إليران وامليليشيات الداعمة للقتال في شمال سوريا ،وهو القتال الذي جتلّى بعد ذلك في معارك حلب وحتقيق االنتصار الكبير فيها. أحد مظاهر التوتر املُهِ ّمة في ال َعالقات كان ردود الفعل اإليران ّية الرسم ّية العنيفة على ما كشفته وزارة الدفاع الروس ّية في 16أغسطس 2016من معلومات كانت طهران حريصة على كتمانها ،بأن «قاذفات (توبوليف )27و(يو )34انطلقت من قاعدة «نوجه» العسكر ّية مبدينة همدان شمال غرب إيران وقصفت أهدا ًفا لتنظيم داعش ،وجبهة الروسي النصرة (جبهة فتح الشام) في مناطق حلب ودير الزور وإدلب» .أحدث اإلعالن ّ عن هذا النوع من التعاون ردود فعل صاخبة من جانب العسكر ّيني والسياس ّيني على حد سواء ،لكن سرعان ما حرص اإليران ّيون على احتواء األزمة وتصويرها على أنها من ً تفريطا في ثوابت وطن ّية(.)32 ضرورات احلرب في سوريا ،وليست اإليرانـي سـري ًعا وغاض ًبـا علـى مسـتويني ،األول مسـتوى احلكومـة فقـد جـاء ر ّد الفعـل ّ اإليران ّيـة وعلـى لسـان وزيـر الدفـاع حسين دهقـان الـذي انتقـد الطريقـة التـي أدارت نوعـا مـن بهـا الدولـة الروسـ ّية إعالمهـا للترويـج ملثـل هـذه الترتيبـات .كمـا ذكـر ّ أن هنـاك ً اإليرانـي« :بطبيعة املباهـاة بالنفس ،أو سـلو ًكا متهـو ًرا وراء ذلـك ،وقال معبـ ًرا عن السـخط ّ ً فضلا عن نشـاطهم احلـال الـروس حريصـون على إظهـار أنهـم قـ ّوة عظمـى ودولة مؤثـرة، الواسـع فـي قضايـا األمـن باملنطقـة والعالـم» .أمـا املسـتوى الثانـي فـكان مـن البرملـان مجلة الدراسات اإليرانية
59
(مجلـس الشـورى) ابتـدأه النائـب حشـمت اهلل فالحـت بيشـه بتوجيـه اتهـام إلـى احلكومـة بانتهـاك املـادة 146مـن الدسـتور التـي تنـص علـى «منـع وجـود قواعـد عسـكر ّية أجنب ّيـة علـى األراضـي اإليران ّيـة ،ولـو ألهـداف سـلم ّية» ،وانضـم إليـه 20نائ ًبـا فـي 20أغسـطس 2016طالبـوا بعقـد جلسـة مغلقـة ملناقشـة القضيـة ،وبعدهـا بـدأت التوضيحـات وردود الفعـل تتوالـى(.)33 أي قاعدة على األراضي فقد نفى علي الريجاني رئيس مجلس الشورى منح روسيا ّ اإليران ّية ،وأوضح عالء الدين بروجردي رئيس جلنة األمن القومي والسياسة اخلارج ّية باملجلس أن «انطالق القاذفات الروس ّية من مطار همدان لضرب أهداف في سوريا جاء بنا ًء على موافقة من املجلس األعلى لألمن القومي» ،األمر الذي يعني أنه قرار الدولة وفي املقدمة الرئيس حسن روحاني الذي هو رئيس املجلس بحكم القانون وبعلم ومشاركة من رؤساء السلطات الثالث (التنفيذ ّية والتشريع ّية والقضائ ّية) ورئيس أركان الق ّوات املسلحة، ورئيس مؤسسة املوازنة والتخطيط ،وممثلَني اثنني عن املرشد األعلى ،وقائد اجليش، الثوري ،ووزراء اخلارج ّية والداخل ّية واألمن ،وكلهم أعضاء في املجلس وفق وقائد احلرس ّ ألن أن القرار حظي مبباركة من املرشد األعلى السيد علي خامنئيّ ، القانون .واأله ّم هو ّ قرارات املجلس ال تصبح نافذة إال بعد مصادقته عليها. لم ينتهِ األمر عند هذا احل ّد ،ولكن وزير الدفاع حسني دهقان رد على احتجاجات ن ّواب مجلس الشورى بلهجة حا ّدة ،ودافع عن قرار استقرار الطائرات الروس ّية وانطالقها نحو أي انتهاك للدستور ،وملّح إلى أنه «ال صلة سوريا من مطار همدان ،ونفى أن يكون في ذلك ّ للبرملان باستقرار الطائرات الروس ّية في إيران» ،األمر الذي زاد من سخط البرملان ،واألمر القانوني إلى تقدمي توضيح مفاده أن تصريحات الذي اضط ّر وزارة الدفاع عبر مستشارها ّ الوزير أسيء فهمها ،وأن ما قصده هو أن القرار ال يحتاج إلى موافقة املجلس .لكن هذا التوضيح لم يفلح في امتصاص غضب الن ّواب ،األمر الذي اضط ّر علي الريجاني رئيس اإليراني مع روسيا وتأكيده أن انطالق الطائرات مجلس الشورى ،ورغم دفاعه عن التعاون ّ الروس ّية من همدان لم يتوقف ،إلى انتقاد التصريحات االنفعال ّية لوزير الدفاع ووصف يراع آداب التعامل مع املجلس» .ولم يتوقف السجال سلوك الوزير بأنه «كان خاط ًئا ،ولم ِ بني البرملان واحلكومة إال بعد إعالن املتحدث باسم وزارة اخلارج ّية اإليران ّية «بهرام قاسمي» للصحفيني في طهران في 22أغسطس 2016وقف استخدام الطائرات الروس ّية لشن غارات في سوريا ،وقال« :لقد نفذوا املُهِ ّمة وذهبوا اآلن» ،وإن لقاعدة نوزه في همدان ّ ()34 «استخدامهم مجد ًدا للقاعدة يتوقف على الوضع في املنطقة وعلى أخذ اإلذن منا» . 60
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
عندما حدث هذا كله ،كان السؤال الذي فرض نفسه هو :إذا كانت ال َعالقة العسكر ّية فأي مستوى من ال َعالقات بني إيران بني إيران وروسيا محكومة بكل هذه احلساس ّياتّ ، ً مستحيل أن تتط ّور ال َعالقات العسكر ّية بني البلدين وروسيا سيفرض نفسه؟ وهل بات االستراتيجي االستراتيجي ،أو على األق ّل إلى مستوى «التحالف إلى مستوى التحالف ّ ّ األمريكي على دير الزور ليعيد للتحالف بني موسكو االنتقائي»؟ وهنا جاء العدوان ّ ّ وطهران بعض اعتباراته. السوري في دير الزور عصر األمريكي على وحدات اجليش فقبل وقوع العدوان ّ ّ السبت في 17أغسطس ،2016وهو العدوان الذي تبعه أعنف هجوم مسلح لتنظيم العسكري ،احلصن الواقع في خاصرة املدينة والذي يفصل «داعش» على مطار دير الزور ّ مسلحي التنظيم عن احل ّيني اآلمنني الباقيني باملدينة ،كان الرأي الغالب عند املراقبني والروسي ،ناهيك بعمق املكونات اإليراني هو أن التشكك املتبادل واملوروث بني اجلانبني ّ ّ اجليو-سياس ّية التي تلعب دو ًرا بارزًا في صنع القرارات االستراتيج ّية في إيران ،سيحول وأن هذه دون احتمال حدوث تصاعد في ال َعالقات إلى مستوى احللف االستراتيجيّ ، ّ ال َعالقات ستبقى محكومة في مِ لَفّات أمن ّية منتقاة ،وأن التعارض قد يفرض نفسه في مِ لَفّات أخرى .،وكان هناك مراقبون سياس ّيون روس يش ّككون في إمكان ّية ُم ِض ّي روسيا االستراتيجي .وفي وإيران في تطوير مستوى ال َعالقات بينهما إلى مستوى التحالف ّ هذا الصدد يقول خبير معهد الشرق األوسط فالدميير ساجني إن «مستوى ال َعالقات الروس ّية-اإليران ّية شكل ًّيا على مستوى ج ّيد» .ويضيف« :لدينا عمل مشترك في سوريا لدعم نظام األسد ،على الرغم من أن اجلانبني يتخذان من هذا مواقف مختلفة متا ًما». ويوضح ما يريده بأن «مواقف البلدين تتقارب بشأن بعض القضايا ،وبدرجة أقل في فإن روسيا وإيران لن تتم ّكنا من الوصول في َعالقاتهما إلى قضايا أخرى ،ولذلك ّ االستراتيجي نظ ًرا لوجود نقاط تقاطع كثيرة». املستوى ّ امتد التش ّكك في ال َعالقات الروس ّية-اإليران ّية ً أيضا إلى األمريكيني ،م ّرة عندما أعلن ّ األمريكيون أنهم كانت لديهم حتفّظات على نشر مقاتالت روس ّية في إحدى القواعد السور ّية ،إذ أعلنت وزارة اخلارج ّية األمريك ّية أنها تدرس ما إذا كان استخدام روسيا لشن الغارات على أهداف في سوريا ينتهك قرار مجلس القواعد العسكر ّية في إيران ّ الدولي رقم 2231الذي يحظر بيع األسلحة وتوريد الطائرات العسكر ّية إلى األمن ّ األمريكي إيران دون موافقة مجلس األمن .ومرة عندما ع ّبر جون كيري وزير اخلارج ّية ّ مجلة الدراسات اإليرانية
61
الروسي سيرغي الفروف عن مخاوفه بشأن استخدام في محادثة هاتف ّية مع نظيره ّ الروسي روسيا القواعد العسكر ّية اإليران ّية عند قصف األهداف في سوريا .وجاء الر ّد ّ حا ًّدا على لسان الفروف ،إذ أعاد إلى األذهان «تاريخ الواليات املتحدة احلافل» بالوجود العسكري في مختلف أنحاء العالم ،وقيامها بقصف وغزو الدول من دون ترخيص ّ من مجلس األمن ،وقصف مواقع في سوريا من دون ترخيص من حكومتها التي تقول واشنطن إنها فقدت الشرع ّية .وقال الفروف إن «وجود املقاتالت الروس ّية في قاعدة الدولي رقم ،»2231مشي ًرا إلى همدان اإليران ّية ال يتناقض وأحكام قرار مجلس األمن ّ جتر عمل ّيات توريد أو «عدم وجود ذرائع اشتباه بانتهاك روسيا قرار مجلس األمن ،إذ لم ِ الدولي بيع أو تسليم طائرات عسكر ّية روس ّية إليران» .ولفت إلى أن «قرار مجلس األمن ّ ِ يكتف الفروف بذلك ،لكنه أوضح أن البيانات يحظر بالذات توريد الطائرات» .ولم األمريك ّية «تسعى إلى صرف األنظار عن املُهِ ّمة الرئيس ّية املتمثلة في ترتيب التنسيق للتسوية السور ّية»(.)35 الروسي -1توترات ما بعد معارك حلب :كانت معارك حلب هي ذروة التنسيق والتحالف ّ السوري وامليليشيات املعاونة ،لكن هذا التنسيق واجه مشكالت على مع إيران واجليش ّ السوري وامليليشيات املعاونة من ناحية األرض بني روسيا من ناحية ،وإيران واجليش ّ السياسي وجذب واشنطن كطرف شريك في احل ّل أخرى .كانت عيون روسيا على احل ّل ّ مع مزيد من التنسيق مع تركيا التي كانت قد ألقت بثقلها إلى جانب روسيا بعد توتر َعالقاتها مع واشنطن على أثر تكثيف واشنطن تعاونها مع امليليشيات الكردية السور ّية الكردي املعارض املناوئة ،وبسبب عدم جتاوبها مع مطالب أنقرة بخصوص تسليم الداعية ّ السوري فكان اهتمامهما منص ًّبا على مواصلة احلسم فتح اهلل كولن .أ ّما إيران واجليش ّ اجلغرافي في مناطق املعارضة بعد إحكام السيطرة على حلب، العسكري والتم ّدد ّ ّ التركي على أمل حتجيم دور تركيا في التسوية السياس ّية .ومنذ ذلك واحتواء الدور ّ الوقت عادت األزمة حتكم َعالقات إيران مع روسيا حول ثالثة مِ لَفّات ُمهِ ّمة. التركي في إدارة األزمة السور ّية ،إذ أول هذه ا ِمل َلفّ ات :اخلالف حول حدود الدور ّ راع ملباحثات أستانة الثالثية :الروس ّية- اضط ّرت إيران إلى القبول بتركيا كطرف ثالث ٍ الترك ّية-اإليران ّية ،نظ ًر ا ألن تركيا استطاعت أن تفرض نفسها كطرف ضامن في مفاوضات أستانة من خالل رعايتها لوفد املعارضة ،ولألدوار املُهِ ّمة التي قامت بها بالتنسيق مع روسيا في إخالء حلب من مقاتلي املعارضة. 62
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
لم ِ والسياسي من العسكري التركي تأت هذه املواقف اإليران ّية املعارضة للدور ّ ّ ّ أن الق ّوات الترك ّية التي دخلت إلى األراضي فراغ ،فإيران كانت تضع في اعتبارها ّ السور ّية في 24أغسطس 2016حتت عنوان «عمل ّية درع الفرات» سوف تتم ّدد في عمق األراضي السور ّية ،وأنها كانت تستهدف الوصول إلى حلب ،وأنها من يدعم «ق ّوات السوري تُ َع ّد تأكي ًدا السوري ،وأن معركة «الباب» في الشمال املتم ّردين» ض ّد النظام ّ ّ التركي الروسي املتصاعد للدور جلدية الن ّيات الترك ّية .ومن هنا جاء الصدام مع االنحياز ّ ّ ّ السوري واملعارضة جن ًبا إلى كشريك في مؤمتر أستانة ورعاية املفاوضات بني النظام ّ جنب مع إيران(.)36 كانت إيران تدرك أن جناح تركيا في حتقيق حساباتها االستراتيج ّية في «الباب» ً طويل في معركة الباب التي حتقق السوري لن تصمد يعني أن انتصاراتها وحليفها ّ لتركيا ثالثة أهداف استراتيج ّية تسلب من سوريا وإيران كثي ًرا من أوراق التفاوض في الكردي «أستانة» في ما يتعلق بتثبيت وقف إطالق النار ،وهي قطع الطريق بني الوجود ّ في كوباني وعفرين ،في الطريق نحو الهدف القدمي وهو إقامة منطقة أمن ّية عازلة، األمريكي دونالد ترامب التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس حت ّدث بشأنها الرئيس ّ ّ في مكاملاتهما الهاتفية بُعيد تسلّم ترامب مقاليد الرئاسة في واشنطن .كما حتقق نتائج احلسم في معركة الباب لتركيا االقتراب من معركة حلب رغم أنها هادنت فيها ،والتي يعمل الروس واإليران ّيون على حسمها عسكر ًّيا مع ق ّوات احلكومة السور ّية وحزب اهلل والفصائل العراق ّية التي وصلت من جهتها إلى حدود الباب ،ما جعل جملة من التعقيدات ألن نتائج معركة الباب االستراتيج ّية ستؤثر على موازين القوى تبرز إلى السطحّ ، املتصارعة واملتنافسة على الساحة السور ّية ،في ضوء وجود ق ّوات متباينة األهداف هي: «ق ّوات سوريا الدميقراط ّية» املتحالفة مع الواليات املتحدة ،وهي تته ّيأ لدخول املدينة من محورين ،والق ّوات السور ّية وحلفاؤها بدعم من إيران ،والتي تستبق الق ّوات األخرى للوصول إلى املدينة ،باإلضافة إلى الق ّوات الترك ّية( .)37وهذا ما دفع إيران إلى دعوة تركيا إلى «مراجعة سياستها اإلقليم ّية( ،)38وحذرت إيران املسؤولني األتراك من مغ ّبة «التمادي» التركي مولود في إطالق مواقف معادية لها ،على خلفية تصريحات لوزير اخلارج ّية ّ جاويش أوغلو اتهم فيها إيران بأنها «تسعى إلى جعل العراق وسوريا دولتني شيع ّيتني»(.)39 كانت إيران قد اتهمت تركيا قبل ذلك بـ«احتالل سوريا» وأن «عليها اخلروج منها في السوري «معركة الباب». التركي إلى الشمال أقرب وقت» ،في إشارة إلى دخول اجليش ّ ّ
مجلة الدراسات اإليرانية
63
اللبناني جاء ذلك ر ًّدا على مطالبة ترك ّية إليران بالضغط على ميليشيات «حزب اهلل» ّ القومي والسياسة إلخراجها من سوريا .ودافع عالء الدين بروجردي رئيس جلنة األمن ّ اإليراني (البرملان) عن وجود «حزب اهلل» في سوريا عقب لقاء اخلارج ّية مبجلس الشورى ّ السوري بشار األسد في دمشق بقوله« :نحن و(حزب اهلل) موجودون على له مع الرئيس ّ مستوى املستشارين ،وهذا األمر يحدث بتنسيق مع احلكومة السور ّية وبطلب منها ،لذلك فإن األطراف الذين يجب عليهم ترك سوريا هم الذين دخلوها من دون إذن ،ومن دون ّ تنسيق مع احلكومة»(.)40 ثاني هذه ا ِمل َلفّ ات :اعتراض إيران على حرص روسيا بعد معارك حلب على مشاركة اإلدارة األمريك ّية اجلديدة في مفاوضات «أستانة» .روسيا لم تدافع عن موقفها فقط وجهت انتقادات غير مباشرة إلى إيران في رسالة في مواجهة هذا الرفض اإليراني ،بل ّ ّ إن روسيا هي من حقّق االنتصارات ،وهي من ميلك وحده توجيه دعوات املشاركة تقول ّ في املفاوضات وليس إيران ،في موقف يعكس التباعد الذي أخذ يفرض نفسه على الطرفني بسبب اختالف الرؤى بني طهران وموسكو حول ما يجب أن يحدث في سوريا العسكري لتحرير مزيد من األرض بعد «انتصارات حلب» ،وهل هو مزيد من العمل ّ الروسي وهزمية املعارضة أم التعجيل بالتفاوض من أجل احل ّل السلمي؟ وزير اخلارج ّية ّ سيرغي الفروف كان شديد الوضوح وهو يدافع عن مواقف بالده بالقول إن «الوجود الروسي لم يقتصر على مساعدة السلطات الشرعية على دحر اخلطر املباشر، العسكري ّ ّ بل بعد حترير حلب ميكننا القول إننا حافظنا على سوريا العلمان ّية ذات السيادة كما نص الروسي لسقطت دمشق خالل قرار مجلس األمن رقم ،2254وإنه لوال تدخل اجليش ّ أسبوعني أو ثالثة في أيدي اإلرهابيني». كالم واضح وصريح يؤكد حرص موسكو على أن تتمايز في مواقفها عن إيران، وأن حتدد ماذا تريد ومع من تتفاوض ،وذلك ر ًّدا على تصريحات كانت وكالة «تسنيم» إن اإليران ّية قد نقلتها على لسان محمد جواد ظريف وزير اخلارج ّية اإليراني ،قال فيها ّ ّ «إيران تعارض مشاركة الواليات املتحدة» ،ر ًّدا على سؤال حول موقف إيران من املشاركة نوجه الدعوة إليهم ،ونعارض وجودهم»(.)41 األمريك ّية في لقاء «أستانة» ،وقال« :لم ّ الالفت هنا بهذا اخلصوص أن موسكو ،على عكس خالفات سابقة مع طهران ،كانت حريصة على كشف هذا اخلالف وتفنيده رمبا في رسالة لألمريكيني أكثر من اإليران ّيني، وهذا بدوره أمر له داللته في البحث عن مستقبل ال َعالقات بني روسيا وإيران .ففي حوار 64
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
على قناة «روسيا» أكد دميتري بيسكوف املتحدث الصحفي باسم الكرملني أن «إيران بالفعل أبدت رفضها ملشاركة األمريكيني» ،الفتًا إلى أن «روسيا ،في الوقت ذاته ،قامت بالفعل بتوجيه دعوة ملمثلي اإلدارة األمريك ّية إلى أستانة ،وأعلن الوزير الفروف عن ذلك». وأوضح أن «هناك تباينات مح ّددة بني موسكو وطهران في هذا األمر» ،وأكد أن «التسوية البنّاءة لألزمة السور ّية أمر غير ممكن دون مشاركة الواليات املتحدة» ،مشي ًرا إلى أنه «ال حاجة لصفقات مع اإلدارة األمريك ّية ،بل هناك حاجة إلى التعاون»( ،)42وهي إشارة ُمهِ ّمة األمريكي في سوريا. الروسي للدور تكشف أبعاد وحدود القبول ّ ّ ثالث هذه ا ِمل َلفّ ات :تلك التفاهمات الروس ّية مع إسرائيل حول ما تراه إسرائيل حقو ًقا دولي األخص احلصول على اعتراف في سوريا أو على األق ّل «مكاسب واجبة» ،وعلى ّ ّ بسيادتها الكاملة واملطلقة على هضبة اجلوالن السور ّية احملتلّة ،ومنع إيران و«حزب اهلل» سياسي دائم في سوريا ،وبالذات عسكري ونفوذ وامليليشيات التابعة من فرض وجود ّ ّ بالقرب من هضبة اجلوالن؛ خشية حتويلها إلى جبهة مواجهة جديدة في شمال إسرائيل على نحو ما هو احلال في جنوب لبنان ،ناهيك بالتحذيرات اإلسرائيل ّية من خطورة جناح بحرية دائمة قرب الالذقية(.)43 إيران في بناء قاعدة ْ كانت إيران تتابع زيارات بنيامني نتنياهو األربع إلى موسكو خالل عام ،2016لكن زيارته األولى عام 2017كانت لها ردود فعل إيران ّية صادمة من موسكو ،ألن هذه الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى موسكو في 9مارس 2017ولقاءه بالرئيس فالدميير االستراتيجي بوتني ،جاءت لتع ّبر عن حقيقتني راسختني فرضتا نفسيهما على اإلدراك ّ أن األزمة السور ّية دخلت مرحلة «حصر الغنائم» بني األطراف اإلسرائيلي ،أُوالهما ّ ّ الست التي عاشتها سوريا ،وفي مقدمة هذه التي خرجت منتصرة في حرب السنوات ّ األطراف إيران وحليفها «حزب اهلل» ،وأن وقوف إسرائيل دون تدخل حاسم ،اليوم وليس اإليراني في سوريا ومحاصرته ،قد يجعل إسرائيل أمام معادلة الغد ،ملنع تغ ّول النفوذ ّ توازن جديدة للق ّوة ليست أب ًدا في صاحلها .وثانيتهما أن روسيا وليست الواليات املتحدة السوري ،وهي من سيقوم بعمل ّية تقسيم الغنائم، هي صاحبة القرار األعلى في الشأن ّ ِ تكتف بعجزها أمام روسيا في سوريا ،بل هي فإن الواليات املتحدة لم وفي ذات الوقت ّ غير عازمة على املواجهة مع إيران في سوريا أو خارجها. اإلسرائيلي نحو روسيا ،ولم يترك بنيامني التوجه إزاء هاتني احلقيقتني كان ال بد من ّ ّ ً مجال لالجتهاد الواسع الستشراف أهداف زيارته ملوسكو ،عندما أوضح خالل نتنياهو مجلة الدراسات اإليرانية
65
جلسة احلكومة قبيل سفره أنه سيع ِّبر عن «معارضة إسرائيل الشديدة إلمكانية أن يتم ضمن إطار التسوية السور ّية التي أخذت تتبلور ،أو من دونها ،محاولة إيران التموضع وبحري ،ومحاولة متدرجة ً أيضا عسكري ب ّر ّي بشكل دائم في سوريا ،عبر حضور ّ ّ لفتح جبهة أمامنا في مقابل اجلوالن» .وزاد نتنياهو على ذلك هد ًفا آخر إضاف ًّيا هو أي احتكاك محتمل بني الق ّوات «التوصل مع الروس إلى تفاهمات مح ّددة من أجل تقليل ّ ّ اإلسرائيل ّية والروس ّية في سوريا». هذه الزيارة لرئيس حكومة إسرائيل إلى موسكو جاءت مختلفة عن الزيارات األربع التي قام بها إلى العاصمة الروس ّية عام .2016غال ًبا كان هدف تلك الزيارات هو التنسيق روسي لضرب أهداف مع روسيا في سوريا ،سواء بخصوص احلصول على ضوء أخضر ّ أساسا بعمل ّيات نقل أسلحة متقدمة إلى «حزب اهلل» من شأنها أن تكسر في سوريا تتعلق ً أي احتكاك غير التوازن الذي يعمل لصالح إسرائيل ،أو التنسيق مع روسيا ملنع حدوث ّ الروسي في األجواء السور ّية .وغال ًبا ما كانت اإلسرائيلي والطيران مقصود بني الطيران ّ ّ تنتهي تلك الزيارات بقدر ال بأس به من التوافق مع القيادة الروس ّية حول هذين الهدفني، لكن الزيارة األخيرة تتعلق بخطوط حمراء إسرائيل ّية أراد نتنياهو أن يتوافق عليها مع املستقبلي في سوريا ،على ضوء ما يحدث من اإليراني القيادة الروس ّية ،تستهدف الدور ّ ّ تط ّورات داخل سوريا ،وبالذات ترتيب ال َعالقات املستقبل ّية بني طهران ودمشق. إيران كانت تتابع هذا كله ،وكانت تشعر أن الفجوة آخذة في االتساع بينها وبني احلليف الروسي ،لذلك كانت حريصة أكثر من أي وقت مضى على جتسير هذه الفجوة الدولي األقوى في سوريا قدر اإلمكان ،إلدراكها ألمرين :أولهما أن روسيا هي الطرف ّ دولي أو حليف سيحدد مآل التسوية الروس ّية ،وثانيهما أن إيران ليس لها داعم وأنها َمن ّ ّ خصوصا مع تدهور َعالقاتها مع قوي ترتكز عليه إلجناح مشروعها في سوريا، إقليمي ّ ً ّ ً اخلليجي. العربي تركيا ،فضل عن تأزم َعالقاتها مع جوارها ّ ّ الروسي اإليراني حسن روحاني إلى موسكو ولقاؤه بالرئيس كانت زيارة الرئيس ّ ّ فالدميير بوتني في 28مارس 2017مبثابة «محاولة إنقاذ» لل َعالقات التي كانت قد أخذت مسار التراجع في ظل وجود منافسني جدد لطهران في دمشق مع روسيا .كان حريصا على أن يؤكد حرص بالده الشديد على التعاون مع موسكو في مكافحة روحاني ً حريصا ً أيضا على التلميح بـ«وجود اإلرهاب «حتى تصفيته في املنطقة بأكملها» ،كما كان ً مسائل عالقة بني اجلانبني» ،لكن اجلديد هو أن روحاني هو الذي عرض هذه امل ّرة 66
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
وصراح ًة «استعداد طهران ملنح الروس تسهيالت الستخدام قواعدها العسكر ّية» ،كما مت التوقيع على 14مذكرة تعاون تشمل نقل مواد نوو ّية ،والبنى التحتية والصناعات الثقيلة. روسي للغاز ،مذكرة مع شركة النفط الوطن ّية كما و ّقعت شركة «غاز بروم» ،أبرز منتِج ّ الطبيعي. اإليران ّية للتعاون في الغاز ّ ً أوساطا فإن وإذا كان الطرفان قد حرصا على جتنب اإلشارة إلى اخلالفات العالقةّ ، دبلوماس ّية روس ّية حتدثت عن «إعادة ضبط عقارب الساعة ،لتعزيز التقارب في املواقف حيال ا ِمللَفّات اإلقليم ّية والدول ّية» .لكن املواقف املشتركة من األزمة السور ّية ثم احلديث عنها بوضوح في نقاط تضمنها البيان املشترك الصادر عن الزيارة كانت لها أه ّمية لدى الطرفني ،ولذلك نص البيان على أن موسكو وطهران حتترمان استقالل أراضي سوريا السلمي لألزمة مبدئي بعدم وجود بديل للح ّل ووحدتها وسيادتها وتنطلقان من موقف ّ ّ السور ّية ،وتؤيدان تسوية سياس ّية-دبلوماس ّية للنزاع ،على أساس املبادئ املطروحة في وع ّد البيان أن مشاركة كل من روسيا وإيران وتركيا قرار مجلس األمن رقم َ ،»2254 بوصفها ً دول ضامنة ملفاوضات أستانة «مساهمة لدفع تسوية سياس ّية سلم ّية في سوريا» .لكن ما هو أه ّم هو ما جاء على لسان الرئيس بوتني بأن البلدين يسعيان إلى «شراكة استراتيج ّية» .هذه هي امل ّرة األولى التي تصف فيها موسكو عالقتها مع طهران االقتصادي، على هذا النحو ،مشي ًرا إلى إطالقهما «خريطة طريق» لتعزيز تعاونهما ّ النووي ،كما أكد على مواصلة احلرب م ًعا للقضاء على تنظي َمي مبا في ذلك في القطاع ّ «داعش» و«النصرة» وتطبيع ال َعالقات في سوريا(.)44 ً العالقات بني إيران وروسيا ثالثا :مستقبل َ
السؤال امله ّم الذي يفرضه هذا التحليل هو :إلى أين تتّجه ال َعالقات بني إيران وروسيا؟ إلى افتراق أم إلى تعميق التحالف؟ أم هي َعالقة املراوحة بني الصعود والهبوط في مسار ال َعالقات على نحو ما كانت هذه ال َعالقة طيلة العامني األخيرين على وجه اخلصوص ،وهما بحق «عاما الذروة» في إدارة األزمة السور ّية التي استحوذت على أه ّم تفاعالت ال َعالقات بني موسكو وطهران؟ نقدم االستخالصات اآلتية: لإلجابة عن هذا السؤال ّ 1-1أن ال َعالقة بني إيران وروسيا هي َعالقة مصالح متداخلة ،بعضها متفق عليه وبعضها مثار خالف. ّ العسكري في التدخل 2-2أنه بغض النظر عن كون إيران هي التي جذبت روسيا إلى ّ ّ مجلة الدراسات اإليرانية
67
سوريا أو أن روسيا تدخلت في سوريا بإرادة وطن ّية مستقلة وقراءة استراتيج ّية للمصالح ومصادر التهديد ،فإن إيران كانت تُ َع ّد حاجة عسكر ّية ضرور ّية لروسيا طيلة العامني املاضيني .إيران هي من امتلكت مع حلفائها الق ّوات الب ّرية وامليليشيات ،في حني أن روسيا حددت دورها في القصف اجل ّوي .واالثنتان ال غنى إلحداهما عن األخرى ،وهما م ًعا من حقق النجاحات ،وتنافسهما هو املسؤول عن االنتكاسات. 3-3أنه إذا كانت إيران ضرورة عسكر ّية لروسيا في سوريا طيلة العامني املاضيني فإنها أضحت اآلن ضرورة سياس ّية الستكمال التسوية السياس ّية التي تديرها روسيا ،لكنها في الروسي األوسع من حدود التحالف الض ّيق مع طهران. ذات الوقت عقبة أمام املشروع ّ 4-4أن إيران أصبحت لها قوى منافسة وقو ّية مع روسيا في سوريا ،وبالتحديد الواليات املتحدة وتركيا وبدرجة ما إسرائيل ،وبقدر ما سوف تتقارب روسيا مع هذه األطراف بقدر ما ستتباعد مع إيران. 5-5أن الواليات املتحدة باتت عازمة على فرض وجودها في سوريا ولكن عبر التفاهمات مع روسيا ،وهذا ما كشفه لقاء الرئيسني دونالد ترامب وفالدميير بوتني في هامبورغ على هامش ق ّمة الدول العشرين بأملانيا .التفاهم بني الرئيسني على التهدئة في اجلنوب ً مدخل ُمهِ ًّما لتفاهمات مستقبلية حرصت عليها موسكو( ،)45كما أنها السوري يُ َع ّد ّ حريصة على تفكيك التحالف بني روسيا وإيران ،وتؤكد في ذات الوقت أنها «لن تتحاور مع املتعاونني مع إيران» ،وتكاد تضع موسكو أمام مفترق طرق . .إيران أم أمريكا؟ (.)46 6-6تركيا هي األخرى حريصة على «غواية روسيا» ،وهناك من ير ّوج اآلن لـ«التحالف التركي-الروسي» ،ويرى أن ال َعالقة بني إيران وروسيا «ال تتجاوز التنسيق االستراتيجي ّ ّ ()47 االستراتيجي وال ترقى إلى التحالف االستراتيجي» .ويجيء االتفاق بني كل من شركة ّ الغاز الروس ّية «غاز بروم» والشركة احلكوم ّية الترك ّية ألنابيب النفط «بوتاس» على التركي» ،ليرسي قواعد شراكة قو ّية بني تركيا وروسيا، شروط متويل مشروع غاز «السيل ّ الروسي إلى األسواق إذ سيؤ ّدي جناح هذا املشروع إلى مكاسب روس ّية ضخمة بنقل الغاز ّ الروسي األوروب ّية عبر األراضي الترك ّية ،وهو سيسمح لروسيا بتقليل مخاطر نقل الغاز ّ عبر األراضي األوكران ّية(.)48 الروسي فالدميير بوتني على التقارب مع إذا أخذنا في االعتبار حرص الرئيس ّ سياسي في سوريا ،وإذا األمريكي دونالد ترامب وعلى جذب واشنطن لدعم ح ّل الرئيس ّ ّ أخذنا التفاهمات اإلسرائيل ّية مع موسكو وخطورة املطالب اإلسرائيل ّية من روسيا في
68
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
خصوصا على ضوء ما أعلنته اإليراني في سوريا، سوريا التي تتعلق مباشرة بالوجود ً ّ إسرائيل من طمأنة روس ّية لها بخصوص «هدنة اجلنوب» التي توصلت إليها روسيا والواليات املتحدة للتهدئة في درعا والسويداء والقنيطرة( ،)49وإذا أخذنا ً أيضا في الروسي املتبادل على تطوير ال َعالقات املشتركة ..فإن هذا كلهالتركي االعتبار احلرص ّ ّ اإليراني في عالقته يعني أن الفترة القادمة ستكون شديدة الصعوبة على صانع القرار ّ مع روسيا ،وأن وجود شركاء جدد لروسيا في سوريا ،وتراجع العمل ّيات العسكر ّية لصالح التسوية السياس ّية التي بدأت تفرض نفسها ،رغم الصعوبات ،سيجعل ال َعالقات بني إيران وروسيا حت ًما في تراجع مرتبط مبنحى صعود أو هبوط ال َعالقات األمريك ّية- الروس ّية ،لكن املصالح املشتركة ذات االمتدادات العميقة ستظل حامية لل َعالقات اإليران ّية-الروس ّية واحليلولة دون انحدارها إلى مستوى أدنى من «حتالف الضرورة».
مجلة الدراسات اإليرانية
69
قائمة املراجــع والهوامــش ((( رائد جبر :العالقات الروسية-اإليرانية ..شر ال بد منه ،صحيفة احلياة 6 ،فبراير .2017 ((( نورهان الشيخ :املوقف الروسي من الثورات العربية :رؤية حتليلية ،التقرير االستراتيجي :األمة ..واقع اإلصالح ومآالت التغيير، الرياض :مجلة البيان ،اإلصدار التاسع ،2012 ،ص ص .277 - 275 ((( عزت سعد السيد :بني التوسع اإلرهابي والتمدد اإليراني :السياسة الروسية وأمن الشرق األوسط ،مجلة السياسة الدولية، القاهرة :مؤسسة األهرام ،العدد ،201يوليو ،2015ص.115 - 110 ((( جريدة «اخلليج» :مصر وإيران :مداخل شائكة للعالقات 23 ،فبراير ،2013حيث يفند الكاتب كيف أن اإليرانيني يكررون إساءة تقدير املوقف سواء في العالقة مع الثورات العربية ،أو مع احللول املقترحة ملواجهة األزمات عندما نشروا رسالة تقول إن «أفضل مسار في احلياة هو الذي يكون مستوحى من والية الفقيه»http://cutt.us/jFbYI . ((( طالل عتريسي :االستدارة األمريكية :موقع إيران ودورها اإلقليمي في استراتيجيات القوى الكبرى ،مجلة السياسة الدولية، ملحق «حتوالت استراتيجية» ،القاهرة :مؤسسة األهرام ،العدد ،199يناير ،2015ص .35 - 31 ((( طالل عتريسي :مرجع سبق ذكره ،ص .33 ((( عزت سعد السيد :بني التوسع اإلرهابي والتمدد اإليراني ،...مرجع سبق ذكره ،ص .112 ((( محمد السعيد عبد املؤمن :املرونة الشجاعة :املقدرات اإليرانية في مواجهة احتماالت حتول تاريخي ،مجلة السياسة الدولية، ملحق «حتوالت استراتيجية» ،القاهرة :مؤسسة األهرام :العدد ،199يناير ،2015ص .7 ((( املرجع السابق ص .11 ( ((1طالل عتريسي :مرجع سبق ذكره ،ص .31 ( ((1املركز الدولي للدراسات املستقبلية :تطور الدور اإلقليمي إليران على ضوء املتغيرات الدولية واإلقليمية ،القاهرة ،دراسة غير منشورة. ( ((1الدستور اإليراني ،املادة http://cutt.us/Sd25P :76 ،13 ( ((1املركز الدولي للدراسات املستقبلية :مرجع سبق ذكره. راع لإلرهاب ..وال حوار إال بتغيير سلوكها 20 ،فبراير ،2017 ،ص .1 ( ((1جريدة «احلياة» :اجلبير :إيران أكبر ٍ جدية أي فرصة للتعاون اإليراني ( ((1شكك املرشد األعلى للجمهورية اإلسالمية اإليرانية علي خامنئي في أكثر من مناسبة في ّ مع الواليات املتحدة نتيجة لتوقيع االتفاق النووي .فقد رفض وفنّد ما ورد على لسان الرئيس حسن روحاني بأن «االتفاق النووي حمى إيران من عدوان عسكري أمريكي» ،ووصف هذه التهديدات بأنها زائفة ،وقال« :إن هدف هذه التهديدات هو صرف االنتباه عن احلرب احلقيقية ،أي احلرب االقتصادية» التي حتظى باألولوية ،وتدفعه إلى املطالبة بـ«اقتصاد مقاوم» وتوجيه اتهامات إلى حكومة روحاني بأنها «لم تستطع تبني اقتصاد مقاوم قادر على الرد على العقوبات» .وفي خض ّم احلملة االنتخابية الرئاسية األخيرة صرح بأن «العدو يخطط على املدى القريب إليجاد الفوضى والفتنة في البالد حلرمان اجلمهورية اإلسالمية من االعتزاز باالنتخابات التي جتريها» وقال إن «هدف األعداء على املدى املتوسط هو القضية االقتصادية ،والوضع املعيشي للشعب» .وأكمل أن «هدف العدو على املدى البعيد هو تغيير أسس النظام اإلسالمي» .وأكد أنه أبلغ املسؤولني بأنه «ال يوجد فرق بني مصطلحي تغيير النظام وتغيير سلوك النظام» ،وأن «تغيير السلوك يعني االبتعاد عن خط اإلسالم ،وخط (اخلميني) ،ورويدًا رويدًا نتخذ مواقف الطرف املقابل ،مبا يعني في نهاية احلال إنهاء النظام اإلسالمي» .انظر بهذا اخلصوص ًّ كل من :جريدة «األخبار» (اللبنانية): خامنئي :اخليارات العسكرية كاذبة 16 ،فبراير .2017ومحمد صالح صدقيان :خامنئي يعتبر أن دعوة تغيير السلوك ال تختلف كثي ًرا عن إسقاط النظام ،جريدة احلياة 11 ،مايو .2017 ( ((1محمد رضا فرقاني :التطلعات الروسية لدعم العالقات االستراتيج ّية مع إيران ،مركز بني املللي مطالعات صلح «املركز الدولي لدراسات السالم» ،2015/2/14 ،مجلة «مختارات إيرانية» ،العدد ،172فبراير ،2015ص .61 ( ((1مجلة مختارات إيرانية :هل روسيا صديق حقيقي إليران؟ ،دبيلماسي إيران« ،الدبلوماسية اإليرانية» 8 ،فبراير ،2015العدد ،172فبراير ،2015ص .63 - 62 ( ((1املرجع السابق. ( ((1لم تكن هذه االلتزامات يسيرة على روسيا ،بل تعرضت خلسائر كبيرة بسببها حتملها االقتصاد الروسي بسبب التزام موسكو سياسة العقوبات على إيرانBalkanov (A.):The Iranian Key to the Middle East Door, Russia in Global Affairs, : .27,2013 October,11.vol ( ((2عزت سعد السيد :بني التوسع اإلرهابي والتمدد اإليراني ،مرجع سبق ذكره ،ص .114 ( ((2طالل عتريسي :االستدارة األمريكية :موقع إيران ودورها ،مرجع سبق ذكره ،ص .34 ( ((2محمد صالح سدقيان :خامنئي طلب من بوتني التدخل في سورية ،احلياة19 ،أغسطس .2016 ( ((2أمير طاهري :موسكو تدفع طهران إلى الظل في سوريا ..واألسد يفرق في املعاملة بينهما ،الشرق األوسط 21 ،أكتوبر .2016
70
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
حتالُف الضرورة بني إيران وروسيا جدل التفاعل بني الفُرص والتحدّيات
( ((2املرجع السابق نفسه. ( ((2ناصر ثقفي عامري :هل من املمكن أن يغير التدخل العسكري الروسي األوضاع في سوريا؟ ،مجلة مختارات إيرانية ،القاهرة: مؤسسة األهرام ،السنة الرابعة عشرة ،العدد ،179أكتوبر ،2015ص .24 ( ((2محمد السعيد إدريس :حتديات إيران في التحالف مع روسيا ،مجلة مختارات إيرانية ،العدد ،178سبتمبر ،2015ص .7 - 6 ( ((2محمد السعيد إدريس ،حتديات إيران في التحالف مع روسيا ،املرجع السابق ص 8 - 7 ( ((2محمد السعيد إدريس ،حتديات إيران في التحالف مع روسيا ،املرجع السابق ص .9 ( ((2جريدة اخلليج :إيران وصدمتها في احلليف الروسي 21 ،نوفمبر3dxT2/http://cutt.us :2015 ( ((3محمد السعيد إدريس :تنازع املصالح بني أطراف سالم فيينا ومستقبل التسوية السورية ،مجلة مختارات إيرانية ،السنة الرابعة عشرة ،العدد ،179أكتوبر ،2015ص.7 ( ((3املرجع السابق ،ص .8-7 ( ((3د .نورهان الشيخ« :الشرق األوسط» اجلديد تقوده روسيا ،جريدة األهرام 8 ،يناير http://cutt.us/Mcrtd :2017 ( ((3أحدث كشف هذه املعلومات عن ردود فعل واسعة ،بعضها حاول أن يدافع عن موقف النظام وبعضها حاول حتليل احلدث وإيجاد املبررات لهذا النوع من التعاون .انظر بهذا اخلصوصAugust 24 ,Paul R. Pillar, «Saving Face in Tehran”, the National Interest : .2016 August 24 ,3Reasons Russia’s Bombers in Iran, Werebig Deal”, the National Interest« ,Danial R.Depetris.2016 ( ((3فالح احلمراني :نشر املقاتالت الروسية في قاعدة همدان اإليرانية ..مؤشر لتحالف عسكري أم صفقة مؤقتة؟: 635277=http://www.alquds.uk/?p ( ((3محمد صالح صدقيان :خامنئي طلب من بوتني التدخل في سورية ،جريدة احلياة ،مرجع سابق. ( ((3محمد السعيد إدريس :العدوان األمريكي على دير الزور وخيار التحالف االستراتيجي االنتقائي بني طهران وموسكو ،مجلة مختارات إيرانية ،العدد ،187يوليو ،2016ص .7 - 6 ( ((3راجع بهذا اخلصوص ًّ كل من: بهاء أبو كرم :التفاهم التركي-الروسي وطموحات إيران ،جريدة احلياة 17 ،يناير .2017 يحيى دبوق :التموضع التركي في سوريا :ال تنازل عن أوراق القوة ،جريدة األخبار (اللبنانية) 17 ،يناير.2017 محمد نور الدين :تركيا وحلب :عمق استراتيجي استحال فاجعة استراتيجية ،جريدة السفير (اللبنانية) 10ديسمبر.2016( ((3جناح محمد علي :إيران وتركيا ..معركة كسر عظم في الباب أم تفاهمات؟ ،جريدة القدس العربي 18 ،فبراير .2017 ( ((3محمد صالح صدقيان :طهران حتذر أنقرة ..للصبر حدود ،جريدة احلياة 21 ،فبراير.2017 ( ((4إيران تتهم تركيا باحتالل سوريا ،جريدة احلياة.2017/1/5 ، ( ((4إيران تتهم تركيا باحتالل سوريا ،جريدة احلياة.2017/1/5 ، ( ((4رائد جب ،محمد صالح صدقيان :تباين روسي-إيراني على دعوة أمريكا إلى أستانة ،جريدة احلياة 18 ،يناير.2017 ( ((4محمد بدير :حتذيرات إسرائيلية :القاعدة البحرية اإليرانية في سوريا خطوة متطرفة ،جريدة األخبار (اللبنانية) 1 ،مارس.2017 ( ((4مركز املستقبل لألبحاث والدراسات املتقدمة (أبوظبي) :هل تساهم زيارة روحاني في تقليص مساحة اخلالف مع موسكو؟، وكذلك رائد جبر :روسيا وإيران تتعهدان بتصفية اإلرهاب في املنطقة ،جريدة احلياة 29 ،مارس .2017 ( ((4بهاء أبو كروم :قمة الواقعية في هامبورغ ،جريدة احلياة 14 ،يوليو.2017 ( ((4إلكسندر أتاسونتسيف :روسيا أمام مفترق طرق ..إيران أم أمريكا؟ ،موقع غازتيا الروسي 23 ،فبراير.2017 ( ((4بهاء أبو كروم :قمة الواقعية في هامبورغ ،جريدة احلياة 14 ،يوليو.2017 ( ((4زهرة خان أحمدي :تقييم أثر مشروع السيل التركي على استراتيج ّية طهران -التقرير االستراتيجي( ،مركز الدراسات االستراتيج ّية -طهران -التقرير االستراتيجي ،العدد ،237نوفمبر ،)2016مجلة مختارات إيرانية ،العدد ،189أكتوبر ،2016 ص .33 - 32 ( ((4رائد جبر :موسكو تتعهد مبراعاة املتطلبات األمنية إلسرائيل ،جريدة احلياة 18 ،يوليو.2017
مجلة الدراسات اإليرانية
71
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم د .أحمد سيد أحمد خبير العالقات الدولية مبركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية
جاءت ِق َّمة ال ِّرياض التي ُعقدت في 21مايو 2017بني الدول العربية اإليراني واإلسالمية والواليات املتَّحدة مبثابة مراجعة لهذا الدور ّ الق َّمة الق َّمة لم ُتد َع إليها إيران ،بل كان من أهداف ِ املتصاعد ،فهذه ِ احتواء سياساتها التدخلية ،التي أدت إلى حالة من عدم االستقرار الق َّمة ات ُِّفقت كل األطراف على كبح جماح إيران في املنطقة .ففي هذه ِ وتقليص نفوذها األقليمي ،كما ات ُِّه َمت برعاية اإلرهاب واإلسهام في حتد بفرض عزلة قد تعيدها إلى املر َّبع األول، متددهِ ،من َث َّم باتت أمام ٍّ ُّ وال شك أن اختيار اململكة العربية السعود َّية أ َّو َل محطة في الزيارات املستقرة السلْطة بخالف القواعد اخلارجية لرئيس أمريكي فور تو ِّليه ُّ َّ ّ مهما ستكون له نتائجه على السياسات اإلقليمية أمريك ًّياُ ،ي َع ّد تغييرا ًّ ً خالل املرحلة القادمة ،بل قد تطول نتائجها النِّظام اإلقليمي الذي ُّ التشكل. يبدو أنه قيد
72
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
اإليراني في املنطقة بشكل ملحوظ خالل السنوات األخيرة ،فبعد الغزو تصاعد الدور ّ اإليراني على الساحة العراقية من األمريكي للعراق وانهيار ال ِّنظام السياسي ،برز النفوذ ّ ّ َّ خالل التأثير على العملية السياسية وتوجيه تفاعالتها ،ال سيما بعد أن مكنَت اإلدارة األمريك َّية النخبة ِّ ومؤسساتها ،وعملت السلْطة َّ الشي َعة (املق َّربني من إيران) من مفاصل ُّ السنَّة. على تهميش ُّ اإليراني دفعة كبيرة بعد اندالع ثورات الربيع العربي وسقوط عدد من أخذ هذا الدور ّ األنظمة السياسية في املنطقة ،فبعد اندالع الثورة عام 2011زاد نفوذ إيران في سوريا ،إذ انتقلت عالقة إيران بسوريا من شراكة استراتيجية وتعاون بني نظامني ،إلى حضور سياسي كبير ووجود عسكري ُمعلَن على األرض ،وهيمنة كبيرة على مجريات األحداث واملشاركة وصلة اخليارات السياسية والعسكرية للنظام السوري. بكثافة في حتديد بُ ْ كذلك بدأ هذا الدور في اليمن من خالل دعم احلوثيني وتزويدهم باملال والسالح منذ عام ،2009وتزايد بعد عام 2011حتى َت َّكنوا بالتعاون مع الرئيس السابق على عبد اهلل السلْطة الشرعية وإدخال اليمن في سيناريو الفوضى ،ووضع صالح من االنقالب على ُّ حتد إقليمي جديد أمام دول اخلليج واملنطقة .وطال هذا الدور اإليراني بعض دول اخلليج ٍّ من خالل الضغط بورقة املواطنني ِّ الشي َعة ومحاولة توظيفهم في سياق االضطرابات التي اجتاحت دول املنطقة بعد عام ،2011كما حدث في البحرين واململكة العربية السعود َّية، عالوة على نفوذها القدمي في لبنان اعتما ًدا على عالقتها القوية بحزب اهلل. استند صعود دور إيران في النطاق اإلقليمي إلى البعد اآليديولوجي للنظام وتوظيفه سياس ًّيا ،وإلى اإلمكانيات املادية والثروات املتنوعة من ال ِّنفْط والغاز ،كما استند إلى القدرات العسكرية الذاتية ،والعامل املذهبي الذي ُو ّظف خللق أذرع عسكرية غير رسم َّية، ً فضل عن التالعب بورقة البرنامج أو كسب والء ُق ًوى سياسية وعسكرية داخل الدول، النووي الذي استُغِ ّل لعمل مساومة مع الغرب أتاحت إليران فرصة تخفيف ِح َّدة العقوبات التوسع ،ناهيك بحالة الضعف والتراجع التي والتغاضي عن دورها اإلقليمي اآلخذ في ُّ أصابت بعض الدول الرئيسية على مستوى اإلقليم. لكن جاءت قِ َّمة ال ِّرياض التي ُعقدت في 21مايو 2017بني الدول العربية واإلسالمية اإليراني املتصاعد ،فهذه القِ َّمة لم تُد َع إليها والواليات املتَّحدة مبثابة مراجعة لهذا الدور ّ إيران ،بل كان من أهداف القِ َّمة احتواء سياساتها .ففي هذه القِ َّمة اتُّفِ ق على كبح جماح إيران وتقليص نفوذها ،كما اتُّهِ َمت برعاية اإلرهاب واإلسهام في مت ُّدده ،مِ ن ثَ َّم باتت أمام مجلة الدراسات اإليرانية
73
حتد بفرض عزلة قد تعيدها إلى املر َّبع األول ،وال شك أن اختيار السعود َّية أ َّو َل محطة في ٍّ السلْطة بخالف القواعد املستق َّرة أمريك ًّيا، الزيارات اخلارجية لرئيس أمريكي فور تو ِّليه ُّ ّ يُ َع ّد تغيي ًرا مه ًّما ستكون له نتائجه على السياسات اإلقليمية خالل املرحلة القادمة ،بل قد تطول نتائجها ال ِّنظام اإلقليمي الذي يبدو أنه قيد التش ُّكل. اإليرانـي فـي املنطقـة ومخاطـر فـي هـذا السـياق تتنـاول الدراسـة عوامـل صعـود الـدور ّ بخاصـة فـي العـراق وسـوريا واليمـن، وتداعيـات هـذا الـدور علـى األمـن واالسـتقرار فيهـا، َّ وأدوات هـذا الـدور ،وعلـى رأسـها احلـرس الثـوري ونخبتـه املتمثلـة فـي فيلـق القـدس، وأخيـ ًرا تتنـاول الدراسـة انعكاسـات القِ َّمـة اإلسلامية األمريك َّيـة فـي الريـاض علـى دور إيـران فـي املنطقـة. وتنطلق الدراسة من تساؤل أساسي :ما انعكاسات قِ َّمة ال ِّرياض على دور إيران اإلقليمي؟ حد ميكن أن تُسهِ م في تغيير سياسات إيران اإلقليمية؟ وتفترض الدراسة أن قِ َّمة وإلى أي ّ اإليراني اإلقليمي ،ومِ ن ثَ َّم تُلقِ ي الدراسة الضوء على ال ِّرياض ش َّكلَت حت ِّد ًيا أمام الدور ّ تداعيات القِ َّمة على نفوذ إيران اإلقليمي وتناقش مستقبل هذا الدور في ظ ّل التغ ُّيرات االستراتيجية ومنط التحالفات اإلقليمية والدولية اجلديدة التي دشنتها القِ َّمة. ً أول :أسباب صعود دور إيران
َو ْف ًقا لنموذج ديفيد مايرز David J.Mayersبشأن الدور اإلقليمي ،فإن عدم قدرة الدول الكبرى على بسط سيطرتها التا َّمة على املناطق اإلقليمية في العالَم كافة أتاح الفرصة للدول اإلقليمية ملمارسة تطلُّعات الهيمنة ،بعد أن ظلَّت تلك التطلُّعات داخل حدودها اجلغرافية، و َو ْف ًقا ملايرز فإنه ميكن التمييز بن ثالث قوى :األولى هي املهيمن اإلقليمي أو املتطلِّع إلى الهيمنة ،وهو الدولة التي متتلك قوة بالفعل أو في سبيلها إلى امتالك قوة كافية للسيطرة ُّ التدخلية (جميع القوى املساومة أو على ال ِّنظام اإلقليمي (إيران) ،أما ال ُق َّوة الثانية فهي ال ُق َّوة ِ الغربية التي لها مصالح جوهرية في منطقة ا َ خللِيج العربي) ،وهي ال ُق َّوة التي متتلك قوة املساومة جميع كافية من شأنها جعل مساعي ال ُق َّوة املهيمِ نة باهظة التكاليف ،ومتتلك ال ُق َّوة ِ املوازنة (دول ا َ خللِيج)، أنواع ال ُق َّوة التي متتلكها ال ُق َّوة املهيمِ نة ،في حني تتمثل الثالثة في ال ُق َّوة ِ وهي قوة فاعلة داخل ال ِّنظام اإلقليمي ،وغال ًبا ما تستقطبها كلتا القوتني األخريني ،ويتوقف املوازنة(.)1 التوازن في ال ِّنظام اإلقليمي بشكل كبير على مدى قوة ال ُق َّوة ِ اإليراني في املنطقة في العقد األخير َو ْف ًقا إلطار مايرز ميكن تفسير تصاعد الدور ّ استنا ًدا إلى األسباب اآلتية: 74
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
األمريكي للعراق عام :2003أ َّدى هذا العزو إلى انهيار ال ِّنظام السياسي الذي -1الغزو ّ التوسعية ،ثم جاءت االستراتيجية األمريك َّية صد أمام طموحات إيران كان مي ِّثل حائط ّ ُّ باالنسحاب من العراق عام 2011في عهد إدارة الرئيس السابق أوباما تارك ًة وراء هذا ً فراغا كبي ًرا َس َعت إيران مللئه عبر توطيد عالقاتها بالنخبة السياسية العراقية االنسحاب ً ِّ فضل عن التح ُّكم في املعادلة السياسية وتوجيه تفاعالتها في االجتاه الشيعِ َّية احلاكمة،
الذي يخدم املصالح اإليران َّية ال مصلحة الشعب العراقي(.)2 -2غياب الدور العربي الفاعل في أزمات املنطقة :أسهم غياب الدور العربي في العراق وسوريا في إيجاد فراغ عملت إيران على ملئه ،فجذبت العراق بعي ًدا عن محيطه العربي و ُه ِو َّيته العربية ،كما توجهت النخبة العراقية ِّ الشيعِ َّية احلاكمة صوب التحالف مع ال ِّنظام ما أوجد عدي ًدا من احلواجز السياسية أمام وجود دور عربي قوي في احلاكم في إيران ِ َّ العراق .واستفادت إيران من تداعيات الثورة السورية ض ّد نظام بشار األسد في ،2011 إذ ت َّ َدخلَت إيران بعدما أوشك ال ِّنظام على السقوط ،وأمسكت بزمام األمور على األرض، وع َّززَت دورها بوجود عسكري مك َّثف. ُّ التدخل الدولي على غرار ما حدث في الوقت ذاته كان الدور العربي يركز على جلب في ليبيا بعدما فشلت جهود اجلامعة العربية في احتواء األزمة ،بجانب تقدمي الدعم غير ُّ التدخل اإليراني .وبصفة عا َّمة ميكن القول إن غياب املباشر لبعض الفصائل املسلَّحة بعد الدور العربي أ َّدى إلى منو األدوار الدولية واإلقليمية ،ومنها الدور اإليراني .وما حدث في سوريا حدث في اليمن ولبنان والعراق ،فعملت إيران على تدعيم نفوذها السياسي والعسكري في املنطقة ،وحتولت مع الوقت إلى العب رئيسي في عديد من األزمات العربية. -3االزدواجية الغربية في التعامل مع قضية اإلرهاب :ففي الوقت الذي أعلن فيه الغرب الس ِّن َّية مثل القاعدة وداعش وجبهة احلرب على اإلرهاب وعلى التنظيمات اإلرهابية ُّ النصرة وغيرها ،فإنه تغاضى عن التنظيمات اإلرهابية ِّ الشيعِ َّية التي ال يق ّل خطرها عن الس ِّن َّية ،ومتارس نشاطها بوضوح في العراق وسوريا واليمن ،بل خطر التنظيمات اإلرهابية ُّ إن أحد عوامل من ّو تنظيمات مثل داعش والقاعدة كان ر َّد الفعل على تعاظم دور التنظيمات ِّ الشيعِ َّية املسلَّحة التي تدعمها إيران ،وقد أتاحت هذه السياسة أمام إيران فرصة لتعظيم ُّ وتدخالتها بصورة غير مسبوقة معتمدة على تنظيمات وميليشيات شيعية من دورها جنسيات مختلفة ترعاها إيران. مجلة الدراسات اإليرانية
75
-4ا ِّتفاق لوزان النووي ورفع العقوبات الدولية عن إيران :أسهم اال ِّتفاق النووي بني إيران ومجموعة 1+5في عام 2015في تو ُّقف إيران عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم -رغم أنه لم يُسهِ م في تفكيكه متا ًما ،مما قد يسمح بإعادة إحيائه في أي وقت -مقابل رفع العقوبات املجمدة في اخلارج .لم ّ توظف إيران عشرات املليارات من الدولية واإلفراج عن أرصدتها َّ وجهتها خلدمة أطماعها اإلقليمية ودعم الدوالرات التي أتيحت لها في خدمة التنمية ،بل َّ التنظيمات اإلرهابية احلليفة لها مثل حزب اهلل اللبناني واحلوثيني في اليمن ،ونظام بشار األسد في سوريا ،وذلك من أجل تدعيم دورها ونفوذها وهيمنتها على املنطقة .ال شك أن اإلشكالية اجلوهرية لال ِّتفاق أنه لم يشمل ضمن تفهماته السياسية ا ِّتفا ًقا لتحويل الدور اإليراني في املنطقة العربية من دور سلبي ومعقَّد لألزمات ،إلى دور إيجابي يساعد في ّ التوصل إلى حلول سياسية تَوا ُفقية شاملة تضمن استقرار وحدة هذه الدول والتعايش بني ُّ مكوناتها املختلفة(.)3 اإليراني في سوريا في تدعيمالروسي الروسي مع إيران :أسهم التحالف -5التحالف ّ ّ ّ نفوذ إيران اإلقليمي ،ففي الوقت الذي ت َّ َدخلَت فيه روسيا بقواتها اجل ِّوية عام 2015 لقصف املعارضة السورية و َو ْقف تق ُّدمها العسكري ،لم ي ُكن هذا إنقا ًذا للنظام السوري الذي يتعرض النتكاسة عسكرية وحسب ،بل إنقا ًذا إليران ودورها اإلقليمي ككل .بعد هذا ُّ التدخل أعادت روسيا تأهيل ال ِّنظام وم َّكنَته من استعادة السيطرة على بعض املناطق واملدن التي فقد سيطرته عليها ،وأبرز مثال على ذلك مدينة حلب ،ومن جانبها كانت القوات اإليران َّية تشارك في القتال إلى جانب قوات ال ِّنظام ،حتت مظلَّة ما يُ َس َّمى «محاربة اإلرهاب وتنظيم داعش». بح َّجة مكافحة اإلرهاب ،وإن كان كل طرف ال يُخفِ ي في سوريا حتالفت روسيا مع إيران ُ أهدافه املتعلقة باحلفاظ على نفوذه في سوريا ودعم وجوده االستراتيجي في املنطقة، فالروس كان من ضمن أهدافهم فتح ساحة جديدة في الشرق األوسط لتخفيف وطأة الضغوط والعقوبات التي طالتها على أثر ت ُّ َدخلها في األزمة األوكرانية وض ّمها شبه جزيرة ً فضل عن احلفاظ على متر ُكز قواتها على السواحل السورية وضمان وجودها القرم، االستراتيجي في املياه الدافئة ،في حني وجدت طهران أن التحالف مع روسيا يحقق لها عدي ًدا من املصالح ،فهو من ناحية يعالج لها الوضع العسكري املتأزم على الساحة السورية، ويكسر ِح َّدة العزلة الدولية عليها بسبب العقوبات الدولية َج َّراء برنامجها النووي ،ومن ناحية ثالثة يح ِّقق لها تواز ًنا في مواجهة النفوذ األمريكي في املنطقة.
76
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
-6صعود تنظيم داعش اإلرهابي :جنحت إيران في توظيف صعود تنظيم داعش اإلرهابي في كل من العراق وسوريا لتدعيم ُّ تدخلها في دول املنطقة ،فقد حاولت طهران إقناع الغرب وروسيا بأنها حتارب اإلرهاب وأن تدخلها في العراق وسوريا جاء بزعم محاربة تنظيم داعش ،ووصل األمر ح ّد التعاون مع القوات األمريك َّية في العراق من أجل محاربة داعش. والعتبارات تتعلق ببرجماتية السياسة األمريك َّية فقد تغاضت واشنطن عن ممارسات السنَّة ،حتت غطاء «اإلسهام في القضاء على إيران وميلشياتها اإلرهابية في العراق ض ّد ُّ داعش» وتفادِ ي تع ُّرض قواتها الستهداف التنظيمات ِّ ما أعطى الشيعِ َّية واإليران َّيةَّ ِ ، ُّ لتدخلها غطاء من الشرعية واملكانة ،في حني تُ َع ُّد مسؤول ًة بشكل مباشر عن ظهور ومن ّو هذه التنظيمات ،نتيجة سياستها الطائفية في العراق ووقوفها إلى جانب ال ِّنظام السوري في مواجهة شعبه(.)4 ثانيا :ركائز دور إيران اإلقليمي ً
ُّ فتدخالت إيران أسهمت م َّثلَت سياسة إيران في املنطقة العربية عامل عدم استقرار، معدالت العنف داخل الدول بصورة غير مسبوقة ،وقد في تزايد مستويات التوتُّر وتصاعد َّ أ َّدى هذا الدور إلى انهيار بعض الدول ودخولها في مر َّبع الفشلُ ،مج َمل هذه األوضاع أصبحت بفعل هذا الدور تش ِّكل تهدي ًدا كبي ًرا للمنطقة ومستقبلها ،وميكن تناول الركائز اإليراني في املنطقة من خالل استعراض العناصر اآلتية: التي يقوم عليها الدور ّ ُّ التدخل في أزمات املنطقة ،سواء اإليراني من -1تغذية الصراعات الطائفية :انطلق الدور ّ في العراق أو سوريا أو اليمن أو لبنان من منظور طائفي ،استنا ًدا إلى دعم فئة وطائفة موالية لطهران ض ّد الفئات األخرى حتت اسم ما يُع َرف بـ»نصرة املظلوم» ،وهو ما زاد ُّ التدخل على العنف بدرجات ِح َّدة االستقطاب الطائفي بني أبناء هذه الدول .واعتمد هذا مرتفعة ،إذ صفَّت امليليشيات اإليران َّية ،مثل فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني ،عشرات السنَّة ،إلى السنَّة في العراق ،وقتلت آال ًفا من عناصر املعارضة السورية من ُّ اآلالف من ُّ اإليراني في جانب دعم احلوثيني واإلسهام في تعقيد األزمة اليمنية .والواقع أن املنطق ّ ُّ التدخل خارج ًّيا حتت الفتة نصرة املظلومني واملقهورين هو في جوهره نصرة ودعم لفئة بعينها موالية لها سياس ًّيا ودين ًّيا ،على حساب الفئات والطوائف األخرى ،وهو األمر الذي ك َّرس ِح َّدة الصراع الداخلي على أ ُ ُسس طائفية ،وأدخل املجتمعات في دوامة ال نهائية من العنف الذي راح ضحيته مئات آالف األشخاص وماليني املهاجرين والالجئني ،ناهيك ومؤسسات الدولة(.)5 بتدمير البنية األساسية َّ مجلة الدراسات اإليرانية
77
-2مبدأ تصدير الثورة ونظام والية الفقيه :يلعب الدين دو ًر ا محور ًّيا في توجيه السياسة اخلارجية اإليران َّية ،إذ تسعى إيران استنا ًدا إلى نظرية والية الفقيه ِل َ ّد عالقاتها باجلماعات ِّ الشيعِ َّية املؤمنة بالنظرية الفقهية وما تقتضيه من والء ونصرة ،وفي الوقت الذي تعمل فيه على نشر املذهب ِّ الشيعِ ّي وتصدير الفكرة لكسب مزيد من األنصار وحيازة التأثير في عديد من املناطقِّ ، تصب نتائجها توظف إيران هذه العوامل سياس ًّيا ،إذ ّ في دعم نفوذها اإلقليمي وإعادة إحياء إمبراطوريتها الفارس َّية ،وبفضل تلك السياسة أصبحت طهران تسيطر على العملية السياسية في عدد من الدول العربية ،وهو ما دفع قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى التصريح بأن طهران باتت حتكم أربع عواصم عربية ،يقصد بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ،كما وصف نائب مدينة طهران في مجلس ُّ التدخالت اإلقليمية إليران بقوله إن «ثالث عواصم عربية أصبحت بيد اإليراني الشورى ّ إيران وتابعة للثورة اإليران َّية ،وصنعاء أصبحت العاصمة الرابعة التي في طريقها إلى االلتحاق بالثورة اإليران َّية»(.)6 أ َّدى هذا املنظور الديني املذهبي في توجيه السياسة اخلارجية اإليران َّية إلى تفاقم وتصاعد أزمات املنطقة واندالع الصراعات واحلروب األهلية فيها على أ ُ ُسس طائفية ِ وعرقِ َّية ،وهو األمر الذي أوجد البيئة املواتية لنم ّو التنظيمات اإلرهابية وزيادة عدم األمن واالستقرار في املنطقة .وانعكس ذلك على مباشر ًة على أمن الدول العربية واستقالليتها وسيادتها. اإليراني اإلقليمي املتزايد تهدي ًدا -3إضعاف الدول العربية واخلليجية :ش َّكل الدور ّ خاص ،إذ سعت مباش ًرا لألمن القومي العربي بشكل عا ّم واألمن القومي اخلليجي بشكل ّ ُّ للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وعملت على متزيق مجتمعاتها وإثارة الفرقة طهران وتشجيع التم ُّرد .في هذا اإلطار ت َّ َدخلَت إيران في شؤون بعض الدول اخلليجية مثل البحرين ودعمت انتفاضة ِّ تهدد مستقبل الدولة وبقاءها لوال ُق َّوات درع الشي َعة فيها وكادت ِّ شج َعت ِّ الشي َعة في اخلليج على إثارة القالقل اجلزيرة بقيادة اململكة العربية السعود َّية ،كما َّ مبا يه ِّدد استقرار املجتمعات ،وال يخفى دورها في سوريا ولبنان واليمن ،هذا الدور الذي أخرج هذه الدول من دائرة التأثيرً ، وبدل من وجودها كقوة داعمة لألمن القومي أصبحت مصد ًرا لتهديد ال ِّنظام واألمن اإلقليم َّيني. تصا ُعد دور إيران أصبح خص ًما من رصيد الدول العربية ،ال سيما وأنها استفادت من الفراغ اإلقليمي الذي تركته إدارة أوباما خلفها بعدما تراجعت املنطقة كأولوية في السياسة 78
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
اخلارجية األمريك َّية ،فمدت إيران نفوذها وتخلصت من بعض القيود والعقوبات التي كانت مفروضة عليها ،واستفادت من حالة الضعف العا ّم التي انتابت العالَم العربي نتيجة انهيار ال ِّنظام اإلقليمي وخروج بعض الدول من نطاق التأثير والفاعلية. نفسها كقوة إقليمية شريكة في مكافحة اإلرهاب :جنحت إيران في تقدمي -4تقدمي إيران َ مواجهة للتنظيمات اإلرهابية كالقاعدة وداعش ،في الوقت الذي يُتهم فيه نفسها كدولة ِ الس ِّن َّية بدعم هذه التنظيمات من دوائر غربية ،وقد ظهرت نتيجة ذلك في بعض الدول ُّ التعاون اإليراني مع الواليات املتَّحدة في العراق ملواجهة تنظيم داعش عبر امليليشيات التي تلعب دو ًرا رئيس ًّيا في توجيه سياساتها ،كاحلشد الشعبي وغيره من التنظيمات ِّ الشيعِ َّية العاملة في العراق وسوريا واليمن ولبنان .وقد جنحت إيران في ذلك عمل ًّيا رغم أنها ِّ وتوظفه إليجاد مب ِّرر لها بوصفها دولة مواجهة مع تتحالف مع تنظيم داعش وتسمح بتم ُّدده تنظيماته .فامليليشيات اإليران َّية التي تقاتل في سوريا إلى جانب ال ِّنظام ال تستهدف عناصر داعش بل تستهدف باألساس عناصر املعارضة السورية املسلَّحة مثل اجليش ا ُ حل ّر وغيره. كذلك لم يستهدف تنظيم داعش إيران أو ميليشياتها املوجودة في سوريا والعراق ،وهو ما يؤ ّكد العالقة النفعية بني إيران والتنظيم. الشيعي وتعظيم املصالح االقتصادية :يتوازى تعظيم املصالح اجليو- -5إقامة الهالل ّ الشيعي» ،مع السيطرة على سياسية لدى إيران مع بالسعي إلقامة ما تسميه «الهالل ّ املقدرات االقتصادية لدول املنطقة ،فقد متكنت إيران من السيطرة على ثروات ال ِّنفْط َّ العراقي ،كما حتاول عبر ميليشياتها في العراق وقوات احلشد الشعبي السيطرة على بخاصة األنبار وصالح الدين وديالى ونينوى، الس ِّن َّية في شمالي وغربي العراق، َّ احملافظات ُّ ً فضل عن محاوالت السيطرة على مناطق استراتيجية في سوريا إلقامة ممر ب ِّري يربط طهران بالبحر املتوسط مرو ًرا بالعراق وسوريا ،لذلك تنتهج طهران سياسة التهجير والتغيير الدميوغرافي لبعض املناطق واملدن في سوريا والعراق لفرض هيمنتها وسيطرتها على مناطق واسعة وتغيير ُه ِو َّيتها وسيطرة ِّ الشي َعة فيها ،وهي سياسية متثل تهدي ًدا لوحدة هذه الدول واستقالل قرارها السياسي ،بل وتهدي ًدا لألمن القومي العربي ككل. ً ومؤسسات تنفيذ سياسات إيران اإلقليمية ثالثا :أدوات َّ
تعمل إيران بدأب على م ّد نفوذها اإلقليمي وترسيخ مكانتها على الساحة الدولية، وتعتمد في ذلك على عدد من العناصر ،أهمها ال ُق َّوة العسكرية واملوقع اجلغرافي والعوامل ُّ والتدخل في شؤون الدول األخرى( .)7كذلك تع ِّول في املذهبية وتب ِّني مبدأ تصدير الثورة مجلة الدراسات اإليرانية
79
سبيل حتقيق غاياتها على التحالف مع احلركات والتنظيمات اإلرهابية في العراق وسوريا واليمن ولبنان ،وتوظيفها من أجل خلق قوة توازن داخل الدول وامتالك أوراق ضغط وقوة حلماية نفوذها ومواجهة أي ضغوط خارجية أخرى( .)8ومن أبرز أدوات إيران في ممارسة ُّ التدخلي في دول املنطقة ما يأتي: دورها اإليراني :يُ َع ّد احلرس الثوري الذراع العسكرية للثورة في إيران وأداتها أ -احلرس الثوري ّ في تنفيذ أجندتها اخلارجية في املنطقة العربية ،وقد شرع ال ِّنظام اجلديد في إنشاء اإليراني، احلرس الثوري بعد اندالع الثورة عام 1981ليكون قوة عسكرية موازية للجيش ّ يناط بها حماية ال ِّنظام بعدما فقد الثقة بوالء اجليش .وتقوم عقيدة احلرس الثوري على توج ًها آيديولوج ًّيا على خالف اجليوش مبدأ الوالء والطاعة لوالية الفقيهَّ ِ ، ما يجعله يحمل ُّ مؤسسات الدولة واخلضوع لها .وفي ما يتعلق ال ِّنظامية ،ويعمل في الوقت ذاته مبعزل عن َّ بإمكانياته العسكرية فتتراوح أعداده ما بني 150أل ًفا و 350ألف عنصر ،وتبلغ ميزانيته 5 مليارات دوالر َو ْف ًقا مليزانية ،2015/2014وهو مز َّود فأفضل العتاد .ومن بني مها ِّمه ،إلى جانب حماية ال ِّنظام ومواجهة العناصر املعارضة له ،دعم حركات التح ُّرر ونصرة الشعوب املضطهدة واملستض َعفة في العالَم(.)9 خالل العقود الثالثة املاضية ت َّ َدخل احلرس الثوري في أكثر من 12بل ًدا بأشكال ُّ التدخل ب ِِش َّدة بعد ما يُع َرف بالربيع العربي وبعد توقيع اال ِّتفاق مختلفة ،وزادت وتيرة النووي في عام ،2015إذ ت َّ َدخل احلرس الثوري بشكل مباشر في أربع دول :العراق وسوريا ويوجه قرابة 70 واليمن ولبنان ،وأصبح له وجود عسكري مباشر فيها .كذلك يدعم احلرس ِّ ً فضل عن أن احلرس اإليراني في سوريا، أل ًفا من العناصر املقاتلة التابعة واملوالية للنظام ّ َّ يتدخل في الشؤون الداخلية ِلَا ال يقل عن 8دول :العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطني َعد َدت صور ُّ تدخل احلرس الثوري في هذه الدول ما بني والبحرين ومصر واألردن .وقد ت َّ جتسس تابعة له فيها ،وإرسال متفجرات وأسلحة إليها ،عالوة على وجود تأسيس خاليا ُّ 12مركزًا تاب ًعا للحرس الثوري داخل إيران يعملون على تدريب عمالء أجانب من العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان يدينون بالوالء للنظام اإليراني(.)10 ّ ينهض احلرس الثوري بجانب مهماته السياسية والعسكرية بدور اقتصادي واسع املؤسسات االقتصادية في إيران ،تُسهِ م عائداتها في بوصفه ميتلك عد ًدا ال بأس به من َّ ُّ لتدخالته في البلدان األخرى .فخالل السنوات اخلمس املاضية تسديد التكاليف املادية أنفقت طهران أكثر من 100مليار دوالر على ُّ ص ِر َفت نسبة كبيرة تدخالتها اخلارجية ،وقد ُ 80
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
اخلاص ملرشد الثورة على خامنئي ،وقد أنفقت معظم من هذه امليزانية من املكتب الس ِّري ّ هذه األموال على شراء األسلحة ودعم ال ِّنظام السوري وامليليشيات التابعة لطهران ،كما دفعت طهران ما يقارب مليار دوالر سنو ًّيا لتسديد رواتب امليليشيات والقوات املرتبطة باحلرس الثوري ،ومنها منتسبو القوات املسلَّحة السورية وكذلك امليليشيات والفصائل الطائفية ِّ الشيعِ َّية التي يدعمها ال ِّنظام. ب -فيلق القدس :أ ُ َ نشئ فيلق القدس عام 1990بعد انتهاء احلرب العراقية اإليران َّية ليكون ذراع ال ِّنظام األساسية في تصدير الثورة وبسط الهيمنة ،ويض ّم الفيلق نخبة من قادة احلرس الثوري املتمرسني الذين قادوا عمليات خارج إيران .ويُ َع ّد فيلق القدس وحدة اإليراني لتصدير الثورة وتنفيذ العمليات في النخبة والذراع األساسية للحرس الثوري ّ اخلارج ،وأصبح مع الوقت الذراع السرية إليران التي تعمل خارج احلدود ،ويتزعمه قاسم سليماني ،وأبرز مها ِّمه تدريب جنود حزب اهلل في لبنان ودعم احلركات وامليليشيات ِّ الشيعِ َّية املنضوية حتت لواء إيران في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان( .)11ويُ َق َّدر عدد قوات فيلق قدس بـ 18ألف مقاتل ،وتتركز مهمته ،حسب وثيقة سنة ِّ 1998 التاد العلماء األمريك ّيني ،في تدريب اجلماعات اإلرهابية األصولية اإلسالمية(.)12 اإليراني وفيلق القدس التابع له ين ِّفذان أجندة ال ِّنظام وميكن القول إن احلرس الثوري ّ اإليراني اخلارجية عن طريق العمليات اإلرهابية والتخريبية ،سواء من خالل كوادره ّ اخلاصة أو من خالل تأسيس شبكات من املرتزقة الذين يقاتلون في مختلف البلدان، َّ وي َّولون مال ًّيا وعسكر ًّيا ويد َّربون داخل معسكرات داخل إيران .وتنفّذ سفارات إيران َُ ومكاتبها الدبلوماسية في اخلارج مهام التنسيق والتخطيط مع احلرس الثوري وفيلق القدس في دعم ومتويل أنشطة هذه اجلماعات وأنشطتها. ُّ التدخل اإليراني يف اإلقليم رابعا :أبعاد ً
ُّ اإليرانـي املباشـر فـي شـؤونها ،وتتأثـر دول أخـرى التدخـل تتأثـر أربـع دول عربيـة مـن ّ بدرجـات أقـ ّل ،وميكـن اإلشـارة إلـى طبيعـة هـذا الـدور وحـدوده فـي هـذه الـدول علـى النحـو التالـي: اإليراني في العراق :ال ّ شك إن أحد العوامل الرئيسية للمأزق واألزمتني -1الدور ّ اإليراني السلبي ،الذي سيطر بشكل شبه كامل السياسية واألمنية في العراق هو الدور ّ األمريكي ،ولعب دو ًرا رئيس ًّيا في توجيه مساراتها على املعادلة السياسية بعد االنسحاب ّ ُّ اإليراني في العراق في تكريس الطائفية عبر التدخل َو ْف ًقا للمصالح اإليران َّية .فبداي ًة أسهم ّ مجلة الدراسات اإليرانية
81
ُ شبكة التحالفات القوية مع النخبة العراقية ِّ اضطهِ د فيه الشيعِ َّية احلاكمة ،في الوقت الذي السنَّة و ُه ّمشوا ضمن تفاعالت العملية السياسية التي استندت إلى احملاصصة الطائفية، ُّ األمريكي للعراق عام 2003وسقوط نظام صدام حسني. بخاصة في مرحلة ما بعد الغزو َّ ّ كما أسهمت امليليشيات اإليران َّية -مثل جيش بدر وفيلق القدس برئاسة قاسم سليماني - الس ِّن َّية وتهجير عدد كبير منهم من األحياء من جهة أخرى في تصفية كثير من العناصر ُّ الس ِّن َّية في بغداد ،وهي السياسة التي ظهر مردودها في اندالع احلرب الطائفية خالل ُّ عامي 2006و.2007 اإليراني ونظام احملاصصة في تهيئة األجواء لنشوء وتصاعد تنظيم وقد أسهم الدور ّ السنَّة وكسب القاعدة ومن بعده تنظيم داعش اإلرهابي ،الذي لعب على وتر تهميش ُّ الس ِّن َّية ،وسيطر على نصف مساحة العراق في الشمال تعاطف كثير من سكان املناطق ُّ والغرب عام ،2014وأصبح يشكل خط ًرا حقيق ًّيا يه ِّدد وحدة العراق(.)13 اعتمدت احلكومة العراقية في إطار حربها على داعش وسعيها لتحرير املدن العراقية من سيطرته -بشكل كبير -على قوات احلشد الشعبي ذات املك ِّون ِّ الشيعِ ّي ،ال سيما بعدما تَع َّرض اجليش العراقي خلسائر كبيرة في بداية املعركة ،وقد تأ َّكدت مكانة احلشد بعدما ق َّننَت احلكومة العراقية أوضاعه باعتباره قوة نظامية .وقد لعبت إيران دو ًرا رئيس ًّيا في اإليراني ،وأ َّدى ذلك إلى تأكيد مكانة تدريب وجتهيز عناصر احلشد عن طريق فيلق القدس ّ ً فضل عن إضفاء الطابع الطائفي على املعركة ،وهو األمر إيران على الساحة العراقية، الذي قد يضيف مزي ًدا من التعقيدات على املشهد العراقي في مرحلة ما بعد داعش. اإليراني في األزمة اليمنية جتسي ًدا واضحا لدور اإليراني في اليمن :يُ َع ّد الدور -2الدور ّ ّ إيران الرئيسي في تصاعد حالة عدم األمن وعدم االستقرار في املنطقة ،فقد أسهم الدعم السلْطة الشرعية ،وإذكاء اإليراني العسكري والسياسي واملالي للحوثيني في االنقالب على ُّ ّ احلرب األهلية ،وتقويض أركان الدولة ،وتفاقم األوضاع غير اإلنسانية ،إذ َتالَف احلوثيون مع قوات الرئيس املخلوع علي عبد اهلل صالح باالستيالء على العاصمة صنعاء عام 2015 ونقض اال ِّتفاق السياسي املُعلَن َو ْف ًقا ملُخ َرجات احلوار الوطني ،وسعى االنقالبيون لفرض سياسة األمر الواقع .وبنت إيران استراتيجيتها في اليمن على تغيير موازين القوى لصالح إيراني على املصالح احليوية لدول اخلليج ،ومصد ًرا تأثير احلوثيني ،وحتويل اليمن ساح َة ٍ ّ لتهديد أمنها واستقرارها. 82
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
في إطار هذه االستراتيجية تز ّود إيران احلوثيني باألسلحة والصواريخ الباليستية ،وقد صودرت سفن مح َّملة باألسلحة اإليران َّية للحوثيني أكثر من مرة ،على سبيل املثال استند اخلاصة بإيران في مجلس األمن إلى حادثة مصادرة شحنة أسلحة تقرير جلنة العقوبات َّ إيران َّية عام .2013ورغم احلظر املفروض على تصدير السالح إلى أطراف الصراع في اليمن َو ْف ًقا لقرار مجلس األمن َ َ ،2216 ت َّكنَت إيران من تهريب األسلحة إلى اليمن قبل عام 2009وبعده. اإليراني العسكري والسياسي للحوثيني في اإلصرار على حت ّديهم أسهم هذا الدعم ّ السياسي لألزمة اليمنية َو ْف ًقا للمبادرة اخلليجية و ُمخ َرجات املجتمع الدولي ورفض احل ّل ّ احلوار الوطني وقرار مجلس األمن الدولي ،2216وهو األمر الذي دفع اململكة العربية السعود َّية إلى تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن والعمل عسكر ًّيا على إنهاء االنقالب ودعم قوات الشرعية والرئيس عبد ربه منصور هادي. اإليراني في اليمن ،فإن التكلفة بجانب التداعيات االستراتيجية والسياسية للتدخل ّ املا ِّدية واإلنسانية الستمرار االنقالب تكشف عن عمق األزمة وأبعادها ،فاألوضاع اإلنسانية تزداد تفا ُق ًما ،ال ِس َّيما في املناطق التي يسيطر عليها احلوثيون وقوات املخلوع صالح ،إذ ُتارس سياسة احلصار والتجويع على املناطق التي تخضع لقوات الشرعية مثل مدينة تعز، ً فضل عن انتشار ميليشيات االنقالب ويُ َع ّد انتشار وباء الكوليرا َو ْج ًها يعكس حجم املأساة، ً وإجمال ميكن القول إن في املناطق املدنية ،وهو األمر الذي يرفع تكلفة احلرب إنسان ًّيا، اإليراني للحوثيني من منظور طائفي قد أ َّدى إلى إطالة أمد األزمة وتفا ُقم أبعادها الدعم ّ غير اإلنسانية ،في الوقت الذي م َّثل فيه تهدي ًدا غير مسبوق ألمن دول اخلليج. ً ُّ عامل رئيس ًّيا في تَعقُّد اإليراني في سوريا التدخل -3الدور اإليراني في سوريا :ش َّكل ّ األزمة واستمرارها ألكثر من ست سنوات ،إذ دعمت طهران ال ِّنظام السوري مال ًّيا وعسكر ًّيا وسياس ًّيا وشاركت قوات إيران َّية من احلرس الثوري ومن فيلق القدس في املعارك ض ّد املعارضة السورية املسلَّحة .ويُ َع ّد حزب اهلل اللبناني ال ُق َّوة ِّ الشيعِ َّية األه ّم في سوريا بعد اإليراني ،ويتمتع بعالقات متينة مع نظام األسد ،ويبلغ إجمالي عدد عناصر احلرس الثوري ّ حزب اهلل في أنحاء سوريا نحو 10آالف مقاتل .وتأتي امليليشيات ِّ الشيعِ َّية العراقية احملاربة في سوريا ،في املرتبة الثانية من حيث العدد ،إذ إن معظم هذه العناصر أتت من محافظات بغداد والنجف والبصرة ،ومن أبرز الفصائل ِّ الشيعِ َّية العراقية املقاتلة في سوريا مجلة الدراسات اإليرانية
83
حزب اهلل العراقي ،وحركة جنباء العراق ،وميليشيات اإلمام احلسني ،وأسود اهلل ،وكتائب اإلمام عليِّ ، واتاد أصحاب احلقّ ،وكتائب أبو الفضل العباس(.)14 اإليراني في سوريا إلى فشل احل ّل السياسي ،فإيران رفضت وقد أ َّدى ازدياد النفوذ ّ مق َّررات جوالت جنيف الست التي تنطلق من أرضية التوافق حول انتقال سياسي حقيقي َو ْف ًقا لقرار مجلس األمن الدولي ،2254وراهنت بجانب ال ِّنظام السوري على احل ّل العسكري ومحاولة القضاء على املعارضة السورية بال ُق َّوة .ورغم أن إيران شريك أساسي في مسار أستانه التفاوضي إلى جانب روسيا وتركيا -بوصف هذه القوى الضامنة ملراقبة املتوصل إليه في أستانه في نهاية ،2016ومت تثبيته عبر اآللية ا ِّتفاق وقف إطالق النار َّ الثالثية في يناير .2017ورغم التزام املعارضة بهذا اال ِّتفاق فإن القوات السورية والقوات احلليفة لها من احلرس الثوري وامليليشيات ِّ الشيعِ َّية لم تلتزم بوقف إطالق النار طم ًعا في مزيد من املكاسب العسكرية وامليدانية ،وهو األمر الذي أفشل ا ِّتفاق الهدنة عمل ًّيا على التوصل إلى ح ّل سياسي. األرض وزاد تَعقُّد األزمة السورية وصعوبة ُّ َّ تتخل إيران عن مبدأ تصدير الثورة إلى دول ا َ خللِيج ،لكن اإليراني في اخلليج :لم -4الدور ّ اختلفت األساليب باختالف املراحل التاريخية .في الثمانينيات كانت محاولة أحد أعضاء ُّ التدخل حزب الدعوة العراقي املدعوم من إيران اغتيال أمير الكويت واحدة من صور اإليراني هاشمي رفسنجاني أن إجناز مبدأ تصدير اإليراني ،وفي مرحلة تالية رأى الرئيس ّ الثورة لن يكون بغير ال ُق َّوة ،أما في عهد محمد خامتي فقد ُغلّف هدف تصدير الثورة اإليراني السابق أحمدي جناد مبفاهيم مثل «احلوار» و»حسن اجلوار» ،وفي عهد الرئيس ّ ر ّوجت إيران لنموذجها حتت شعار «حماية املستض َعفني في األرض» ،وفي أعقاب تو ِّلي ُّ اإليراني في شؤون دول اجلوار التدخل السلْطة أضحى الرئيس اإليراني حسن روحاني ُّ ّ ّ َ ()15 كالعراق واليمن وسوريا ولبنان والبحرين ُمعلنًا . اإليراني في الشؤون الداخلية لدول اخلليج ،فقد ت َّ ُّ َدخلَت عبر التدخل َعد َدت أدوات ت َّ ّ أذرعها العسكرية (احلرس الثوري وفيلق القدس) في عديد من الدول اخلليجية بهدف اإليراني في عام أسس ال ِّنظام إثارة القالقل وتقويض االستقرار .من ضمن هذه األذرع َّ ّ 1984ما يُع َرف بـ»حزب اهلل اخلليجي» بقيادة عميد احلرس الثوري محمد مصطفى ُّ التدخل في شؤون الدول اخلليجية املجاورة. النجار ،بهدف وبعد تأسيس فيلق القدس عام 1990أصبح حزب اهلل اخلليجي برئاسة عميد ً مهمة تصدير اإلرهاب إلى دول اخلليج وزعزعة احلرس الثوري أحمد شريفي مسؤول عن َّ 84
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
االستقرار فيها ،وقد لعب شريفي دو ًرا ً نشطا في الصراع الداخلي في البحرين عام ،1993 ومنذ عام 2014أصبح عميد احلرس أميريان املسؤول األول في فيلق القدس عن الشؤون ُّ التدخل في اليمن وشبه اجلزيرة العربية .كما تَ َو َّلى الفيلق السادس لقوة القدس مسؤولية في الشؤون الداخلية في دول اخلليج. وقد َ َ ُّ التدخل اإليراني بشكل كبير في حالة مملكة البحرين ،في أعقاب األزمة ت َّسد ُّ للتدخل اإليراني إجراءات واسعة التي اندلعت في البالد في فبراير ،2011إذ اتخذ ال ِّنظام ّ وخلق األزمات ،وأشار املرشد األعلى علي خامنئي إلى البحرين في 17خطا ًبا له في ُّ الفترة ما بني 13مارس 2011و 3يونيو ،2012وا َّد َعى أن التدخل في البحرين من حقّ ()16 نظام والية الفقيه. اإليراني عدي ًدا من اإلجراءات للتدخل في شؤون البحرين ،منها :قرار واتَّخذ ال ِّنظام ّ مجلس األمن األعلى بقيام فيلق القدس بتكليف قوات حزب اهلل اللبنانية بالعمل والتح ُّرك حتت غطاء العالقات التجارية والعائلية ملساندة ِّ الشي َعة في البحرين .وح َّرضت إيران الدكتور راشد الراشد (أحد قادة العمل اإلسالمي في البحرين) للدعوة إلى اإلطاحة بحكومة البحرين ،وأتاحت له منب ًرا إعالم ًّيا على قناة «العالم» للتحريض ض ّد حكومة اإليراني قوات فيلق القدس في العراق لدعم اجلماعات البحرين .كما استخدم ال ِّنظام ّ اإليراني في البحرين .وفي أواخر 2014أرسلت قوات فيلق القدس في التابعة للنظام ّ بغداد أسلحة ومتفجرات إلى البحرين وإنشاء عديد من الشبكات ،وكشفت قوات األمن البحرينية عن واحدة من تلك اخلاليا في 30سبتمبر ،2015واكتُشف مصنع إلنتاج القنابل جنوبي العاصمة املنامة .وفي 20يونيو 2016ه ّدد في حي النويدرات السكني الذي يقع ّ علني حكومة البحرين بالكفاح املسلَّحَّ ، وحذر من أنه إذا جتاوزت قاسم سليماني في بيان ّ ّ اإليراني فسيشعل ذلك النار في البحرين اخلط األحمر الذي رسمه ال ِّنظام البحرين ّ وجميع أنحاء املنطقة(.)17 كذلك اعتقلت السلطات البحرينية في 22يوليو 2016خمسة أشخاص يُشتبه في أن لهم صالت مع إيران حاولوا زرع القنابل ،وأشارت إلى أن هؤالء األفراد تَلَقَّوا تدري ًبا اإليراني ومراكز حزب اهلل في العراق ،وكانوا ِّ يخططون لوضع عسكر ًّيا لدى احلرس الثوري ّ ()18 متفجرات في أماكن مختلفة من مملكة البحرين . ُّ اإليراني في شؤون اململكة العربية السعود َّية فقد برز بشكل بالتدخل أما في ما يتعلق ّ اإليراني عدي ًدا من العمليات كبير منذ اندالع الثورة في إيران عام ،1979إذ نفّذ ال ِّنظام ّ مجلة الدراسات اإليرانية
85
اإلرهابية داخل اململكة ،فقد كان أحمد شريفي مسؤول فيلق القدس قائد العملية اإلرهابية على أبراج اخلبر في اململكة العربية السعود َّية عام 1996التي أ َّدت إلى مقتل 19جند ًّيا اإليراني عبر احلرس الثوري مد أمريك ًّيا وإصابة 400شخص آخر .كما حاول ال ِّنظام ّ العالقات مع بعض السكان ِّ الشي َعة في جنوب السعود َّية وحتريضهم ض ّد بالدهم .وفي سبتمبر 2011اعتقلت احلكومة األمريك َّية إيران ًّيا يحمل اسم منصور أرباب سير بتهمة محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن ووزير اخلارجية احلالي عادل اجلبير .وفي يناير 2016هاجمت قوة من احلرس الثوري وقوات الباسيج السفارة السعود َّية في طهران، اإليراني وكانت بناء على تعليمات مباشرة من املرشد علي خامنئي ،رغم نفي ال ِّنظام ّ مسؤوليته عن تلك احلادثة. وفي دولة اإلمارات العربية املتَّحدة نفّذ الفيلق السادس التابع لقوة القدس عدي ًدا من اإليراني في العمليات ،ففي أبريل 2016أُلقِ َي القبض على بعض جواسيس احلرس الثوري ّ التجسس لصالح إيران اإلمارات وحوكموا ،وأدانت احملكمة العليا أربعة أشخاص بتهمة ُّ وحزب اهلل( .)19وقد دفعت أنشطة إيران التخريبية وحزب اهلل اللبناني دول اخلليج العربية في 2مارس 2016إلى إدراج حزب اهلل في قائمة َّ املنظمات اإلرهابية. وفي دولة الكويت ُقبض على أعضاء اخللية املعروفة باسم «العبدلي» وحاكمتهم احلكومة الكويتية في يناير ،2015وأظهرت التحقيقات أن عد ًدا من الدبلوماسيني اإليران ّيني في السفارة اإليران َّية بالكويت شاركوا في دعم هذه اخللية من خالل التدريب 20 واملساعدات املالية والتنسيق بني أعضاء اخللية. وشن احلرس الثوري عمليات ً أيضا ض ّد دولة قطر ،ففي 2يناير 2016خطفت قوات ّ احلرس الثوري وفيلق القدس عد ًدا من املواطنني القطريني في العراق ،بالتعاون مع اجلماعات ِّ الشيعِ َّية من حركة النجباء وحركة عصائب أهل احلقّ ،التي تعمل حتت سيطرة 21 وقيادة فيلق القدس ،وبالتنسيق مع املسؤولني األمنيني في محافظة املثنى العراقية. الرياض ومواجهة اخلطر اإليراني ً خامساِ :ق َّمة ِّ
جاءت القِ َّمة اإلسالمية األمريك َّية التي ُعقدت في الرياض يوم 21مايو 2017لتم ِّثل مهمة في رسم مالمح سياسة إقليمية جديدة قد تضع حت ِّديات رئيسية أمام نقطة حت ُّول َّ إيران وتطلُّعاتها اإلقليمية ،وذلك بعدما ارتكزت سياسات املواجهة اخلليجية في مقابل السياسات العدائية اإليران َّية التي ته ِّدد استقرار دول اخلليج ودول املنطقة ،على عدد من املبادئ والسياسات التقليدية ،ميكن تناول أه ِّمها على النحو التالي: 86
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
التوسع والتهديد :ترفض الدول اخلليجية وعلى رأسها املبدأ األول :رفض سياسة ُّ اململكة العربية السعود َّية السياسة اإليران َّية ِ َ تاه منطقة اخلليج العربي منذ اندالع الثورة في إيران عام 1979بقيادة اخلميني ،التي قامت على فلسفة تصدير الثورة اإليران َّية ُّ والتدخل في شؤون الدول األخرى وزعزعة أمنها واستقرارها .وترفض هذه الدول محاوالت إيران تعظي َم دورها اإلقليمي على حساب الدول العربية والعمل على امتالك ال ُق َّوة العسكرية والنووية من أجل فرض هيمنتها وسيطرتها على املنطقة ،إذ ط َّو َرت برنامجها النووي ،وبرنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية بعيدة املدى ،إضافة إلى استمرار احتاللها للجزر اإلماراتية الثالث :طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى .وترفض هذه الدول سعى إيران لفرض سيطرتها وهيمنتها على بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن حلصار الدول اخلليجية من الشمال واجلنوب وإحياء اإلمبراطورية الفارس َّية، وذلك بوصف تلك السياسة مت ِّثل تهدي ًدا مصير ًّيا لألمن اخلليجي والعربي. املبدأ الثاني :رفض عدم انتقال إيران من مرحلة الثورة ومبدأ تصديرها إلى مرحلة ُّ التدخل في شؤون الدول العربية واحترام سيادتها .وترى الدولة التي تلتزم فيها بعدم الدول اخلليجية إنه إذا كان من حقّ ال ِّنظام اإليراني أن يسعى لتعظيم مصاحله ودوره اإلقليمي ،فليس من ح ِّقه أن يكون ذلك على حساب الدور العربي واستغالل حالة السيولة التي يعيشها العالَم العربي حال ًّيا في عديد من دوله ،فالدول العربية تعترف بحقّ إيران في تطوير قدراتها النووية السلمية ،لكنها تتحفَّظ على امتالكها قدرات عسكرية تش ِّكل تهدي ًدا واضحا ألمن واستقرار املنطقة ،كما توجد حتفُّظات ومخاوف عربية مشروعة من تنامى ً الدور اإليراني السلبي في املنطقة بعد توقيع ا ِّتفاقها النووي مع الغرب ،وسعيها لتوظيف هذا اال ِّتفاق لزيادة قدراتها املالية والعسكرية في إطار مساعيها لبسط نفوذها وسيطرتها على املنطقة. اإليراني :مت ِّيز الدول اخلليجية بني الشعب املبدأ الثالث :التمييز بني ال ِّنظام والشعب ّ اإليراني الذي اإليراني وضرورة احترامه وأه ِّم َّية إقامة عالقات تعايش سلمي معه ،وال ِّنظام ّ ّ يحكمه املاللي َو ْف ًقا لنظرية والية الفقيه ومبدأ تصدير الثورة ،وارتكاز سياسته اخلارجية على البعد اآليديولوجي واعتناق مبدأ التَّقِ َّية ،إذ توجد فجوة كبيرة بني أقوال ال ِّنظام اإليراني الذي يزعم رغبته في التعايش والتعاون وحسن اجلوار واحترام سيادة واستقالل ّ الدول اخلليجية ،وأفعاله على األرض التي تقوم على دعم اإلرهاب وزعزعة استقرار بعض الدول اخلليجية .لذلك فإن املوقف اخلليجي ِ َ تاه إيران يقوم على ضرورة التزامها بسياسة
مجلة الدراسات اإليرانية
87
ُّ ّ والكف التدخل في شؤونها الداخلية حسن اجلوار واحترام مبادئ القانون الدولي وعدم عن دعم التنظيمات اإلرهابية احلليفة لها ،وأن تكون العالقات مبنية على االحترام املتبا َدل والتعايش املشترك .لذلك ما تقوم بها الدول اخلليجية هو ر ّد فعل على املمارسات العدوانية اإليران َّية ودفاع عن مصاحلها وأمنها القومي. خاص ،وتتجلَّى قمة الرياض فتحت الطريق إلى مواجهة جديدة من نوع ّ ال شك أن َّ مالمح هذا التغيير في املخرجات التي أفرزتها هذه القِ َّمة ،وميكن اإلشارة إليها على النحو التالي: -1ا ِّتهام إيران باملسؤولية عن حالة عدم االستقرار اإلقليمي :ال ّ جنحت اململكة العربية شك َ ً َ فضل عن الواليات املتَّحدة، العالَني العربي واإلسالمي، السعود َّية في حشد وتعبئة دول القطب الرئيسي في ال ِّنظام الدولي ،التي متتلك ال ُق َّوة الشاملة االقتصادية والعسكرية والسياسية ،ض ّد السياسة اإليران َّية ،فأجمع عديد من قادة هذه الدول على اعتبار إيران سب ًبا رئيس ًّيا حلالة عدم االستقرار اإلقليمي نتيجة ُّ تدخالتها في أزمات املنطقة مِ ن َم ِ نطق يعتمد نشر الفوضى وسيل ًة لتدعيم النفوذ .وفي هذا الصدد قال ترامب أمام القِ َّمة: «إن إيران أشعلت إيران النزاعات الطائفية ،وهي مسؤولة عن زعزعة االستقرار في لبنان والعراق واليمن وسوريا»(.)22 -2ا ِّتهام إيران برعاية اإلرهاب في املنطقة والعا َلم :فقد وصف العاهل السعودى خادم احلرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز إيران بأنها رأس حربة لإلرهاب في املنطقة ،واعتبرها الرئيس األمريكي دونالد ترامب راعية اإلرهاب في العالَم ،ور َّكز ترامب املهدد املباشر لألمن والسلم الدول َّيني واإلقليم َّيني بشكل رئيسي على إيران باعتبارها ِّ تتوحد ومنبع اإلرهاب في العالَم منذ الثورة اخلمينية ،وهي الهدف املشترك الذي ينبغي أن َّ اجلهود ملواجهته ،وهو ما قد مي ِّهد الطريق لفرض عزلة على إيران(.)23 اإليراني بأنه يحارب اإلرهاب ،وتأكيد كذلك كشفت القِ َّمة عن زيف ا ِّدعاءات ال ِّنظام ّ أن هذا ال ِّنظام هو َمن يدعم اجلماعات اإلرهابية في املنطقة ،وأنه ال فرق بني َمن يُ َس َّمون «املعتدلني» و َمن يُ َس َّمون «احملافظني» في إيران ،ألن املرشد األعلى للثورة علي خامنئي اإليراني ومعه رجال الدين املاللي هم َمن يتح َّكم في السياسة اخلارجية ،واحلرس الثوري ّ هو الذي يسيطر على مقاليد األمور في البالد ،والسياسة اخلارجية اإليران َّية على األرض والتي تقوم على تدخل إيران سلب ًّيا في أزمات وشؤون املنطقة من خالل جتنيد وتسليح وتدريب اإلرهابيني تكاد تكون منفصلة عن ا ِّدعاءات حسن روحاني الذي أ ُ ِعي َد انتخابه 88
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
يد ِعي االنفتاح واالعتدال ،بل إن واليته األولى شهدت تصاعد دور إيران بصورة غير والذي َّ ُّ وتدخلها في تقويض استقرار عديد من دول املنطقة. مسبوقة -3تصنيف امليليشيات ِّ تنظيمات إرهابية :في إطار تأكيد القِ َّمة املواجه َة يع َّية الش ِ ٍ الشاملة لكل التنظيمات اإلرهابية في املنطقة والعالَم ،أ ُ ِّك َد فيها أن اإلرهاب ال مت ِّثله فقط أيضا التنظيمات ِّ الس ِّن َّية املتشددة مثل القاعدة وداعش ،بل ً الشيعِ َّية املتطرفة التنظيمات ُّ اإليراني وفيلق القدس والتنظيمات املوالية إليران مثل جيش بدر في مثل احلرس الثوري ّ العراق وحركات النجباء وعصائب أهل احلقّ واحلوثيني في اليمن وحزب اهلل اللبناني .هنا الس ِّني الذي ميكن القول إن القِ َّمة أسهمت في تفنيد املزاعم اإليران َّية بأنها حتارب اإلرهاب ُّ ِّ توظفه لبسط نفوذها وتوسيع دورها في املنطقة. -4توحيد وجهات النظر العربية في مواجهة إيران :جنحت اململكة العربية السعود َّية عبر قِ َّمة ال ِّرياض في تعزيز الشراكة اخلليجية-العربية وتوحيد اجلهود ِ َ اإليراني، تاه الدور ّ خاصة مع مصر في هذا السياق تأ َّكدت مالمحها بعد ق َّمة الرياض ومتكنت من بناء شراكة َّ بني امللك سلمان والرئيس السيسي في أبريل ،2017إذ تقاربت وجهات النظر بني القيادتني اإليراني ،ال من منظور ومدخل أمن وأعادت مصر حساباتها وتفكيرها بشأن اخلطر ّ اخلليج فقط ،بل من منظور ومدخل خطورة إيران على األمن القومي العربي كله وعلى مجال ودائرة النفوذ املصري ودور مصر في اإلقليم العربي(.)24 -5تشكيل حتا ُلف إقليمي ودولي واسع ملواجهة إيران :جنحت قِ َّمة ال ِّرياض في إعادة هندسة التحالفات السياسية اإلقليمية وإعادة ترتيب األوراق ،بإيجاد حتالف عربي- اإليراني ،هذا التحالفالروسي إسالمي-أمريكي قادر على موازنة وحتجيم التحالف ّ ّ ّ ً عامل مساع ًدا في ح ّل األزمات السياسية والصراعات في اجلديد قد يكون حال تفعيله العراق وسوريا واليمن ،كما أ َّدت القِ َّمة إلى تغيير الرؤية األمريك َّية الضبابية التي ات ََّس َمت بها حملة ترامب االنتخابية عندما أ َّكد عزمه على مواجهة اإلرهاب اإلسالمي ،وبدا فيها خلط بني اإلسالم واإلرهاب .فبعد القِ َّمة أصبحت اإلدارة األمريك َّية أكثر واقعية بانتهاج سياسة تفصل بني اإلسالم املعتدل الذي مي ِّثله مليار وستمئة مليون شخص ،والتنظيمات اإلرهابية مثل داعش والقاعدة وغيرها التي ال يزيد عددها على عشرات آالف األشخاص الذين ال مي ِّثلون اإلسالم ،بل يستخدمونه أدا ًة لتحقيق مصاحلهم وأهدافهم السياسية، وأجندات دول مثل إيران تسعى للهيمنة والسيطرة على املنطقة(.)25 مجلة الدراسات اإليرانية
89
-6تعزيز الدور اإلقليمي للسعود َّية في مواجهة َ َ ت ُّدد إيران :جاءت قِ َّمة ال ِّرياض وما نتج عنها من ا ِّتفاقيات وسياسات وحتالفات لتضع اململكة العربية السعود َّية قائ ًدا للتفاعالت وموج ًها لها ،في الوقت الذي حتددت فيه طبيعة الصراع وحدوده وأطرافه ،إذ اإلقليمية ِّ مقدمة حتالف إقليمي واسع يسعى ملواجهة اإلرهاب ودعم االستقرار، تقف اململكة على ِّ وا َ حل ّد من نفوذ إيران والتعاطي بجدية عسكر ًّيا وسياس ًّيا وأمن ًّيا وفكر ًّيا مع تداعيات سياسات إيران اإلقليمية وميليشياتها املنتشرة في دول املنطقة. وفي إطار متطلبات هذا الدور السعودي الذي ُد ّشن خالل املرحلة التي تلت ما يُع َرف بالربيع العربي ،وتأ َّكد بهذه القِ َّمة التي ما كان ليُكتَب لها النجاح لوال مركزية السعود َّية ودورها على املستويني العربي واإلسالمي ،بل وعلى املستوى الدولي ،فقد عملت اململكة على تعزيز قدراتها العسكرية عبر توقيع عدة ا ِّتفاقيات عسكرية مع الواليات املتَّحدة مبقدار 110مليارات دوالر ستصل إلى 300مليار دوالر خالل عشر سنوات ،من بينها إقامة مصنع لتجميع طائرات الهليكوبتر في السعود َّية من نوع «بالك هوك» ،واملوافقة موجهة مبليار دوالر. على تزويد السعود َّية بصفقة قنابل َّ كذلك أسهمت اململكة على املستوى االستراتيجي في إعادة التحالف التقليدي بني يصب في صالح هذه الدول في مواجهة إيران. دول اخلليج والواليات املتَّحدة ،وهو ما ّ وقد أ َّكد ترامب في كلمته أمام القِ َّمة دعم اململكة في معركتها في اليمن بقوله« :السعود َّية والتحالف اإلقليمي قاموا بعمل كبير ض ّد املتمردين في اليمن ،وا ِّتفاقات التعاون العسكري السعودي علي لعب دور أكبر» .وفي العراق التقت املصالح السعود َّية ستساعد اجليش ّ واألمريك َّية ،إذ انطلقت االستراتيجية السعود َّية اجلديدة على جذب العراق إلى ساحته العربية بعد زيارة وزير اخلارجية عادل اجلبير للعراق في أبريل ،2017كما غ َّي َرت الواليات املتَّحدة استراتيجيتها في العراق للعمل على وقف َ َ اإليراني في العراق ،وذلك ت ُّدد النفوذ ّ ضد تنظيم داعش، عبر تعزيز وجودها العسكري هناك ومشاركتها في معركة املوصل ّ ومنع أي إجراءات إلحداث تغيير دميوغرافي على أسس طائفية(.)26 أما على املستوى االقتصادي ،فبجانب النقلة امله َّمة املتو َّقعة مع تنفيذ للسياسات االقتصادية التي تتبناها اململكة على الصعيد الوطني ،فإن اململكة خالل زيارة ترامب َّ دشنَت شراكة اقتصادية ضخمة بني السعود َّية والواليات املتَّحدة عبر استثمارات مشتركة تزيد على 400مليار دوالر ،تُسهِ م بشكل أساسي في جلب وتوطني التكنولوجيا واالستثمارات األمريك َّية إلى السعود َّية مبا يسهم في توفير فرص العمل ويفتح آفا ًقا 90
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
ً فضل عن تعزيز العالقة والتحالف بني الطرفني. السعودي، جديدة أمام االقتصاد ّ ً إجمال ميكن القول إن القِ َّمة جعلت السعود َّية نقطة ارتكاز في التفاعالت السياسية في املنطقة ،وهو ما قد يؤهِّ لها للعب دور رئيسي في ال ِّنظام اإلقليمي في الفترة املقبلة في اإليراني. مواجهة التغلغل ّ ً عامل -7تغير السياسة األمريك َّية ِتَاه إيران بعد ِق َّمة ال ِّرياض :ش َّكلَت قِ َّمة ال ِّرياض ُمهِ ًّما في تغ ُّير السياسة األمريك َّية ِ َ تاه إيران في عهد إدارة الرئيس ترامب ،وذلك عبر سياسات متباينة مع سياسات اإلدارة السابقة ،بحيث استُعِ ي َد العمل باستراتيجية الركائز « »PILLARSالقائمة على تعزيز العالقة مع احللفاء العرب وا َ حل ّد من تق ُّدم إيران في املنطقة مع حتجيم برنامجها النووي(.)27 التوجه األمريكي اجلديد ،إذ انتقدت إدارة الرئيس انعكاسا لهذا كانت قِ َّمة ال ِّرياض ُّ ً األمريكي دونالد ترامب سياسة إدارة أوباما ِ َ بخاصة في العراق ،إذ أ َّدت تاه إيران، َّ إلى تغلغل النفوذ اإليراني والسيطرة على ثرواته ال ِّنفْطية ،وشرعت الواليات املتّحدة األمريك َّية في تأمني وجود عسكري لها على األراضي العراقية ،لتصحيح ما تعتبره إدارة دونالد ترامب خط ًأ باالنسحاب من هذا البلد وتسليمه إليران بعد صرف تريليونات من الدوالرات على غزوه ،وقد م َّثلَت احلرب على تنظيم داعش فرصة مواتية لتأمني تلك العودة العسكرية(.)28 اإليراني واعتب َرته س ِّي ًئا بالنسبة كذلك رفضت إدارة ترامب ا ِّتفاق البرنامج النووي ّ إلى املصالح األمريك َّية .وتَ َع َّهد ترامب خالل حملته االنتخابية بإلغاء اال ِّتفاق ،لك ْن حتت وطأة صعوبة تنفيذ وعده في ظ ّل الضغوط الدولية وقرار مجلس األمن الدولي حول عدل ترامب موقفه وتَ َبنَّى فكرة مراجعة اال ِّتفاق اال ِّتفاق ومعارضة الدول الكبرى األخرىَّ ، والوصول إلى ا ِّتفاق بديل بشروط أفضل حت ِّقق مصالح الواليات املتَّحدة ،ال سيما في ما يتعلق باجلوانب االقتصادية ومتكني الشركات األمريك َّية من دخول السوق اإليران َّية، بعدما أ َّد ى اال ِّتفاق النووي إلى متكني الشركات الروس َّية واألوروب َّية من االستثمار في السوق اإليران َّية. في الوقت ذاته تصاعدت نبرة اخلطاب السياسي والدبلوماسي إلدارة ترامب ِ َ تاه ُّ تدخلها في أزمات طهران ،فاتهمها صراح ًة بأنها راعي اإلرهاب في املنطقة ،وأن املنطقة العربية وشؤونها ودعمها للتنظيمات اإلرهابية أ َّد ى إلى مزيد من العنف وعدم االستقرار في املنطقة.
مجلة الدراسات اإليرانية
91
سادسا :مستقبل دور إيران اإلقليمي ً
إذا كان للحضور األمريكي في قِ َّمة ال ِّرياض تداعياته وانعكاساته غير املط ْمئِنة إليران ،فإن خيارات الواليات املتَّحدة في التعامل مع إيران بعد القِ َّمة سيُ َع ّد االختبا َر احلقيقي لنجاحها. َّ َ في محاولة اإلجابة عن سؤال املستقبَل في ما يتعلق باخليارات األمريك َّية ِتاه إيران، فإنه من البداية يجب اإلشارة إلى صعوبة تَبَ ِّني الواليات املتَّحدة أي خيارات َح ِّدية ِ َ تاه إيران ال سيما في ظل املعطيات الراهنة على الساحة اإلقليمية املضطربة باألساس ،أو الساحة الدولية بعد اال ِّتفاق النووي ،أو على مستويات صنع القرار في الواليات املتَّحدة ما توصل فيه إلى تسوية بعد ترامب ،لكن تظل اخليارات مفتوحة في إطار أي صراع ما لم يُ َّ فعلية ،ومن هنا ميكن احلديث عن السيناريوهات األمريك َّية املتاحة وأه ِّم َّية كل منها ،وذلك على النحو التالي: -1خيار املواجهة الشاملةَ : يظ ُّل هذا اخليار ُمستب َع ًدا في املدى املنظور أمريك ًّيا ،كما أنه ال ميثل اخليار األمثل للمملكة العربية السعود َّية وحلفائها ،ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أهمها التكلفة العالية التي قد يدفعها كل األطراف إذا ما حدثت أي مواجهة ،ال سيما إذا كانت ذات طابع عسكري .وثانيها هو التهديدات التي قد تطال املصالح األمريك َّية ومصالح دول املنطقة باعتبارها أهدا ًفا قريبة من إيران .وثالثها أن تاريخ العالقات األمريك َّية- اإليران َّية منذ الثورة اإليرانية وخالل اإلدارات األمريك َّية املختلفة ،يشير إلى أنه على الرغم من أن العداء الدبلوماسي والتصريحات العدائية هي اجلانب املُعلَن في العالقات، فإن بينهما في اخلفاء عالقات قوية ومستويات عالية من التعاون والتنسيق في عديد من القضايا واألزمات ،إذ تعاونت الدولتان في احلرب في أفغانستان وإسقاط حركة طالبان، كذلك التنسيق بينهما في غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسني ،وهناك ً أيضا تعاون في قضايا الطاقة في منطقة بحر قزوين ،ومِ ن ثَ َّم ستظل العالقات بني البلدين في حالة من الال تطبيع والال عداءَ ،و ْف ًقا للغة املصالح التي تفرض قيو ًدا على درجة التصعيد(.)29 -2خيار تطبيع العالقات :وهو خيار ُمستَبْ َعد بالنسبة إلى الواليات املتَّحدة وحلفائها اإلقليميني ،فما زالت الواليات املتَّحدة ودول املنطقة ،ال سيما دول اخلليج ،تنظر إلى إيران كدولة مارقة تعمل خارج إطار ال ِّنظام اإلقليمي والدولي وقواعدهما ،كما أنها ما زالت تعمل على تطوير قدراتها النووية والعسكرية وته ِّدد أمن جيرانها ،كما تسهم سياساتها اإلقليمية ً فضل عن أن هذا اخليار قد يضع عالقة في اإلضرار مبصالح الواليات املتَّحدة وحلفائها، 92
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
الواليات املتَّحدة مع حلفائها اخلليجيني في مأزق ،ومن جهة مقابِلة يهيمن على القرار واملؤسسات العسكرية التي لديها مصلحة في استمرار السياسي في إيران القوى املتشددة َّ عملية التصعيد مع الواليات املتَّحدة ودول اخلليج ،بوصفه مب ِّر ًرا لت ََح ُّكمها في السياسات الداخلية واخلارجية. -3خيار ممارسة الضغوط ومحاولة االحتواء :وهو اخليار الذي يبدو األقرب إلى الواقع الذي جرى التركيز عليه في قِ َّمة ال ِّرياض ،ويتعزز هذا اخليار مبالحظة َ َ ت ُّول سياسة إدارة ترامب باجتاه الضغط على إيران ،ال سيما في ما يتعلق بوجودها اإلقليمي في مناطق األزمات ،إذ اتخذت إدارة ترامب سياسة أكثر تش ُّد ًدا ِ َ تاه ال ِّنظام السوري حليف إيران الرئيسي بعد استخدامه السالح الكيماوي في خان شيخون ،وضربت قاعدة الشعيرات اجلوية ،كما قصفت الواليات املتَّحدة قافلة أسلحة تابعة إليران قرب قاعدة التنف اجلوية ما م َّثل رسالة قوية إلى إيران وعودة أمريك َّية للعب دور موازن للدورين جنوبي سورياَّ ِ ، ّ واإليراني .وفي األزمة العراقية ع َّززَت الواليات املتَّحدة وجودها العسكري الروسي ّ ّ وشاركت في معركة حترير املوصل من قبضة داعش ،وال شك في أن العودة العسكرية اإليراني. األمريك َّية إلى العراق ستكون خص ًما من الدور ّ ويتعزز هذا اخليار كذلك بعدما انتهجت الواليات املتَّحدة سياسة املواجهة وا َ حلزْم ِ َ تاه تطوير إيران سياستها الدفاعية ،فبعد أن اختبرت طهران صاروخها الباليستي في أبريل 2017انتقدت اإلدارة األمريك َّية ِ التجرب َة وطالبت بعقد جلسة ملجلس األمن بش َّدةٍ هذه ِ َ وفرضت مزي ًدا من العقوبات عليها النتهاكها قرارات الدولي لل َّر ِّد على التجربة اإليران َّية، مجلس األمن الدولي السابقة بشأن برامجها الصاروخية ودعمها لإلرهاب. اإليراني العسكري كذلك تضغط الواليات املتَّحدة على روسيا لتخفيف الوجود ّ السياسي في سوريا ،مبا فيه انتشار قوات حزب اهلل ،وبذلك حت ِّقق واشنطن هدفني: اإليراني اإلقليمي ،وثانيهما تأمني حليفتها إسرائيل أولهما توجيه ضربة قاصمة إلى النفوذ ّ من أي خطر جديد على احلدود مع سوريا ،باإلضافة إلى حتجيم دور حزب اهلل(.)30 وفي سياق عملية االحتواء رغم سلوك ترامب العدائي ِ َ تاه إيران ورغم سياساته التي أعادت إلى الواجهة سيناريو العقوبات والضغط والعزلة ،فإن الواليات املتَّحدة والغرب بصفة عا َّمة ما زالوا يع ِّولون على املكاسب املتو َّقعة بعد إبرام اال ِّتفاق النووي ،ومدى َ العالي على حتقيق نتائج سياسية تطال طبيعة ال ِّنظام قدرة إدماج إيران في االقتصاد وتوجهاته املتشددة ،لهذا لم ت ُِلغ الواليات املتَّحدة اال ِّتفاق النووي كما وعد ترامب في حملته ُّ مجلة الدراسات اإليرانية
93
ً فضل عن أن سياسة رفع العقوبات املرتبطة باال ِّتفاق ما زالت سارية ،كما أن االنتخابية، التوجه وتدعمه. بني البلدين شراكات اقتصادية وصفقات جتارية تعكس هذا ُّ ويتعزز هذا االجتاه من ناحية دول اخلليج وحلفائها في ظ ّل املبادئ التي تنطلق منها سياسة اململكة وحلفائها ِ َ تاه إيران ،والتي تستهدف ممارسة ضغوط على إيران بغرض تعديل سلوكها ،والعمل على احتواء سياساتها املهددة لألمن واالستقرار اإلقليم َّيني.
94
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
قمــــــة الريــــــاض وآفــــاق الــدور اإليرانـــي في اإلقليــــــم
قائمة املراجــع والهوامــش ((( محمد السعيد إدريس :دراسة في أصول العالقات الدولية اإلقليمية ،القاهرة ،مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية، مؤسسة األهرام ،2001 ،ص.59 َّ ((( ممدوح بريك اجلازي :النفوذ اإليراني في املنطقة العربية على ضوء التح ُّوالت في السياسة األمريكية جتاه املنطقة -2003 ،2011األكادمييون للنشر والتوزيع ،عمان ،2017 ،ص.67 ((( أحمد سيد أحمد :ما بعد اتِّفاق إيران النووي ،جريدة األهرام 15 ،يوليو http://cutt.us/zMiqa :2015 ((( رانيا مكرم :التم ُّدد ومستقبل الدور اإلقليمي لطهران ،جريدة األهرام 14 ،أبريل http://cutt.us/cDpT4 :2015 ((( أحمد سيد أحمد :الدور اإليراني السلبي في القضايا العربية ،جريدة األهرام 20أبريل http://cutt.us/3EPGj :2016 ((( مسؤول إيراني :صنعاء رابع عاصمة عربية تابعة لنا 22 ،سبتمبر ،2014عربي http://cutt.us/egnh5 :21 ((( أشرف محمد كشك :دول ا َ خللِيج وإيران ،قضايا الصراع واستراتيجيات املواجهة ،مجلة الدراسات اإليرانية ،الصادرة عن مركز اخلليج العربي للدراسات اإليرانية ،العدد األول ،الرياض ديسمبر ،2016 ،ص.10 ((( نصر محمد علي :االستراتيجية اإليرانية في الشرق األوسط ،مركز املستقبل للدراسات االستراتيجية 8ديسمبر:2015 http://mcsr.net/news101 ((( معتصم صديق عبد اهلل :املؤسسات العسكرية بني الثقة والتهميش ،مقارنة بني وضع احلرس الثوري واجليش في بنية النظام اإليراني ،مجلة الدراسات اإليرانية الصادرة عن مركز اخلليج العربي للدراسات اإليرانية ،العدد األول ،الرياض ،ديسمبر ،2016ص.138 ( ((1دراسة مشتركة لكل من اجلمعية األوروبية حلرية العراق واللجنة الدولية للبحث عن العدالة« :الدور املخ ّرب لفيلق احلرس الثوري اإليراني في الشرق األوسط» ،مارس ،2017ص.3-2 ( ((1معتصم صديق عبد اهلل :مرجع سابق ،ص.140 ( ((1عدنان هاشم :فيلق القدس ..ميليشيا إرهابية خارج إيران ،مجلة البيان 24 ،أكتوبرhttp://cutt.us/dZici :2016 ( ((1أحمد سيد أحمد :احملاصصة الطائفية واإلرهاب يعصفان بالعراق ،جريدة األهرام 4 ،مايوhttp://cutt.us/w8Prn :2016 ( ((1حسني طالل :احلرس الثوري وجتنيد الالجئني خارج احلدود ،مجلة البيان 23 ،مارس http://cutt.us/lqj4e :2017 ( ((1أشرف محمد كشك :العالقات اخلليجية-اإليرانية :الواقع وآفاق املستقبل ،املنامة ،مركز البحرين للدراسات االستراتيجية والدولية والطاقة ،2014 ،ص.16 ( ((1السياسة الكويتيه :قيادة احلرس الثوري اإليراني زودت احلوثيني بصواريخ “سكود” وأمرتها بقصف مكة املكرمة13 ، أبريل http://cutt.us/pWhfd :2017 ( ((1عهد فاضل :اإلرهابي قاسم سليماني يه ّدد البحرين ٍ بعنف مسلّح! ،موقع العربية نت 20 ،يونيو http://cutt.us/JHRhV :2016 ( ((1دراسة مشتركة لكل من اجلمعية األوروبية حلرية العراق واللجنة الدولية للبحث عن العدالة :مرجع سبق ذكره ،ص.37 ( ((1املرجع السابق ،ص.27 ( ((2إرم نيوز :الكويت تنتقد بيان السفارة اإليرانية املتعلق بقضية “خلية العبدلي” 3 ،سبتمبر https://goo.gl/8vJU8o :2015 ( ((2السياسة الكويتية :قيادة احلرس الثوري اإليراني زودت احلوثيني بصواريخ “سكود” وأمرتها بقصف مكة املكرمة ،دراسة أعدتها اجلمعية األوروبية حلرية العراق واللجنة الدولية للبحث عن العدالة كشفت فيها خفايا املشروع التوسعي الفارسي12 ، أبريل http://cutt.us/8f5aJ :2017 ( ((2خطاب الرئيس ترامب أمام القمة اإلسالمية ،جريدة األهرام املصرية 22 ،مايو .2017 ( ((2هالة مصطفى ،ناتو عربي ،جريدة األهرام 3 ،يونيوhttp://cutt.us/pV3m4 :2017 ( ((2معتز سالمة :القاهرة والرياض :مدخل للتأسيس لـ»عقيدة سياسية» والتخطيط االستراتيجي للعالقات ،منشور على املوقع مؤسسة األهرام 26 ،أكتوبرhttp://cutt.us/nXLTl :2017 اإللكتروني ملجلة السياسة الدوليةَّ ، ( ((2ساميون هندرسون :اللقاء العربي :ماذا ميكن أن يح ِّقق ترامب في الرياض ،معهد واشنطن17 ،مايو :2017 http://cutt.us/FgezX ( ((2صافيناز محمد أحمد ،العالقات السعودية العراقية ..دالالت التقارب في ضوء املتغير اإليراني ،منشور على املوقع اإللكتروني مؤسسة األهرام 5 ،أبريلhttp://cutt.us/Nnhoi :2017 ملجلة السياسة الدوليةَّ ، ( ((2سليم محمد الزعنون :زيارة ترامب للمنطقة ،إعادة تفعيل استراتيجية الركائز ،مركز الروابط للبحوث والدراسات االستراتيجيةhttp://cutt.us/ZvW6P :2017/5/12 ، ( ((2معمر فيصل خولي :ملاذا يتزايد الوجود العسكري األمريكي في العراق؟ ،مركز الروابط للبحوث والدراسات االستراتيجية، 13أبريل http://cutt.us/bOa3 :2017 ( ((2أحمد سيد أحمد :أمريكا وإيران بني خطاب التصعيد ولغة املصالح ،جريدة األهرام 22 ،فبراير:2017 http://cutt.us/zpvGP (((3املرجع السابق.
مجلة الدراسات اإليرانية
95
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ يعة في مصر الش َ أحمد زغلول شالطة باحث متخصص في شئون احلركات اإلسالمية
سـيما في غالب الدول التي لم تعالج بعد مسـائل ُ اله ِو َّية واالنتماء ،ال ِ َّ تتعدد فيها األعراق والمذاهب واألديان ،يبرز عدد في تلك الدول التي ّ مـن القضايـا الرئيسـية الناجمـة عـن هـذا التنـوع ،والتـي تأخـذ شـكل مطالب سياسية وحريات فئوية وحقوق دينية وثقافية .وهذه األجندة تدخلات خارجيـة وضغـوط قـد الفئويـة غال ًبـا مـا تفتـح المجـال أمـام ُّ والمجتمـع المتعـدد بطبيعتـه مزي ًـدا مـن االرتبـاك ضفـي علـى الدولـة ُت ِ َ مجتمـع َه ّ ـش وغيـر مسـتق ّر .وفـي السياسـي واالجتماعـي فيتحـول إلـى َ وتماسـكها محـلّ اختبـار إذا ما صبـح شـكل الدولـة ُ حالـة تفاقـم الوضـع ُي ِ اله ِو َّيـات الفرعيـة ذات الطبيعـة الحقوقيـة إلـى مطالـب حو َلـت قضايـا ُ َت َّ موحـدة انفصاليـة .والحقيقـة أن مصـر منـذ فجـر التاريـخ ِ بق َيـت دولـة َّ ومركزيـة وبـ َدت تاريخ ًّيـا ُبو َتق ًـة ص َهـ َرت بداخلهـا َمـن اسـتقبلتهم مـن وتنوعهم. شعوب وأعراق وديانات وثقافات على اختالفاتهم ُّ
96
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
الواقع أن الوجود ِّ الشيعِ ّي في مصر يثير من حني إلى آخر كثي ًرا من التساؤالت حول طبيعته وحدود انتشاره ووجوده ،ال ِس َّيما مع تزايد احلديث عن مخاطره ال ِّدي ِن َّية وتداعياتها ً فضل عن التحديات التي يفرضها التوظيف السياسي الدي ِن َّية في مصر، على احلالة ِّ لقضية ِّ الشي َعة وما تَرتَّب على هذا التوظيف من إشكاليات وأزمات َط َفت على سطح الساحة اإلقليمية خالل العقد األخير. في هذا اإلطار تسعى الدراسة ملقاربة احلالة ِّ الشيعِ َّية في مصر من خلل التركيز على الدي ِن َّية والسياسية ألنصار هذا الت َّيار ونشاطهم االجتماعي والسياسي ،من أجل املمارسات ِّ ضع ِّ الشي َعة في مصر يسمح لهم مبزيد من االنتشار؟ اإلجابة عن تساؤل رئيسي هو :هل َو ْ وتتبنى الدراسة في سبيل ذلك مقولتني :األولى أن مصر بيئة غير مالئمة النتشار الت ََّش ُّيع بل مقاومة له ،والثانية أن أزمة احلراك ِّ الشيعِ ّي وثيقة الصلة بغياب الرؤية والقيادة وهيمنة النزعة الشخص َّية. أول :املسألة ِّ ً يع َّية فـي مصر الش ِ
التجربة ِّ الشيعِ َّية املصرية جديرة بالتأمل ،من حيث كونها مختلفة إلى ح ّد بعيد عن إن ِ نظائرها في الشام أو إيران ،فلم يتم َّكن ِّ محددة الشي َعة املصريون من التح ُّول إلى طائفة َّ والس َمات ،أو مم َّيزة في املظهر مثال أو منغلقة حيات ًّيا( ،)1كما أنها لم ت ُذ ْب كلِّ ًّيا في املعالَم ِّ عموم املجت َمع .وقد يرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى عقيدة «التَّقِ َّية»( )2املعروفة لدى ِّ الشي َعة. صت رموزهم على كما أنهم غابوا فعل ًّيا عن احلراك السياسي وقضاياه املختلفة ،وإن ح َر َ اإليحاء بأنهم جزء من تفاعالت احلياة السياسية (من خالل محاوالت لم تخرج عن كونها «دعائية») للضغط على األنظمة لتحقيق مكتسبات سياسية واجتماعية ِّ للشي َعة .لكن الواقع يؤ ّكد محدودية النطاق الذي تتحرك فيه الطائفة ورموزها ،من حيث العدد أو التأثير، فليس هناك حيز جغرافي يضم أنصار هذا املذهب ،وال امتدادات عائلية وتَوا ُرث لثوابت املذهب وتعاليمه من جيل إلى آخر ،إال في نطاق محدود للغاية. إن احلالة ِّ الشيعِ َّية في مصر -إن جاز القول -على محدود َّيتها ِج ُّد مختلفة ،إذ حيث ً متداخل من املذاهب واملدارس والفرق ،ووعاء يختلط فيه العاطفي والديني مزيجا متثل ً والسياسي والتاريخى ،وفي هذا اإلطار ميكن اإلشارة إلى حدود وطبيعة هذه احلالة من خالل اإلشارة إلى العناصر اآلتية: -1التدين املصري و«العاطفة اجلارفة ألهل البيت» :ويحلو ِّ للشي َعة تسميته «الت ََّش ُّيع العاطفي» في محاولة لتوظيف املكانة واملنزلة التي يستحوذ عليها أهل بيت النُّبُ َّوة في مجلة الدراسات اإليرانية
97
نفوس املصريني ،وتبدو مظاهر ذلك في االحتفاء بآل البيت عبر العصور .ونشير هنا إلى أن هذه احلالة العاطفية تَ َك َّر َست نتيجة املساحات املتقاطعة بني أفكار وممارسات الصوفية الشي َعة ومعتقداتهم ،رغم أن ًّ املتغلغلة في مصر وممارسات ِّ كل منهما منظومة قائمة بذاتها. -2مصر وعالقتها التاريخية بالت َ الس ِّن َّية أنه َّش ُّيع ال َعق َِد ّي ِّ /الد ِين ّي :جند حسب الرواية ُّ بدأ مع حكم الدولة الفاطمية (التي أنهت حكم الدولة اإلخشيدية على يد القائد جوهر الصقلي) وبداية عهد اخلليفة الفاطمي األول املع ّز لدين اهلل وذلك في عام 969م ،والتي استم َّرت حتى عام 1171م .لكن لم ينتشر الت ََّش ُّيع َو ْف َق تَص ُّور هذه الدولة التي استطاع صالح الدين األيوبي القضاء عليها. ففي عهد الدولة الفاطمية «بدأت الشعارات ِّ الشيعِ َّية تبرز على الساحة املصرية ،ومنها اجلهر بأفضلية َعل ٍِّي والصالة عليه وعلى احلسني وفاطمة ،»...وفي حني يشير البعض إلى أن «اجلماهير هي التي زحفت طواعية نحو دعوة آل البيت )٣(»...فإن واقع احلال يشير إلى غير ذلك .فبالنظر إلى سياسات الدولة جندها كانت تدفع نحو تشييع عموم املجت َمع ،إذ «أ َّي ُدوا كل ما يوافق مذهب ِّ الشي َعة من إيثار العلويني وتقدميهم والعمل بأقوال أئمتهم»(،)٤ أنشؤوا «اجلامع األزهر» لنشر وتدريس املذهب ِّ كما َ الشيعِ ّي حتى أصبح هو املذهب الرسمي ،لكن لم يثبت تاريخ ًّيا أن عموم الناس قد اعتنقوا هذا املذهب. ّ واستم ّر األمر حتى تَ َو َّلى صالح الدين األيوبي احلكم عقب وفاة العاض ّد آخر اخللفاء الس ِّن ّي ،ونقل خطبة اجلمعة الفاطم ِّيني ،وبدأ في تأسيس مدارس كثيرة حتمل الفكر والفقه ُّ من اجلامع األزهر -مركز الفكر ِّ الشيعِ ّي -إلى اجلامع احلاكمي بالقاهرة( ،)٥وظل ذلك مئة عام إلى أن أ ُ ِعي َدت اخلطبة لألزهر في أيام امللك الظاهر بيبرس( )٦لتنتهي هذه املرحلة، ويالحظ أنه خالل احلقبة محدد احلجم، ومنذ ذلك الوقت ظ ّل الت ََّش ُّيع ال َعقَدِ ّي غير َّ َ الراهنة ينحصر في دائرة فردية خلّفها عدد محدود من األنصار. -3مصر والنموذج الثوري ِّ يع ّي :ويحلو للبعض تسمية اإلعجاب بالثورة اإليران َّية في الش ِ عام َ 1979 تا ُوزًا -الت ََّش ُّيع السياسي املعاصر ،وقد بدأ ظهوره في أعقاب الثورة اإليران َّيةمنوذجا عام ،1979إذ نال النموذج الثوري اإليراني إعجاب غالب اإلسالميني باعتبارها ً صاح َب الثورةَ زَخْ م وتأثير كبير ،سواء على عا َّمة ثور ًّيا إسالم ًّيا ُملهِ ًما في التغيير ،إذ َ التجربة اجلماعات اإلسالمية أو الن َُّخب املثقَّفة التي بدأت تنفتح معرف ًّيا على هذه ِ السياسية الفريدة من نوعها .والواقع أن اإلعجاب لم يصل إلى تفاصيل اجلانب ال َعقَدِ ّي، بل كان اإلعجاب من نصيب النموذج السياسي احلركي(.)٧ 98
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
طور النشاط ِّ يع ّي فـي مصر الش ِ ً ثانياَ :ت ُّ
من سياق مالحظة َعالقة مصر بالت ََّش ُّيع َعقَدِ ًّيا وفكر ًّيا وتاريخ ًّيا جند أن الوجود أو الشيعِ ّي في مصر ظ ّل ُمقتص ًرا على ِّ اجلدل ِّ الشقّ العلمي واحلوار حول قضايا اخلالف الس ِّن ّي ِّ ديني كما حدث في العقود األربعة الشيعِ ّي ،ولم ي ُكن هذا احلوار سب ًبا في جدلُّ ّ األخيرة بدرجات متفاوتة ،وقد بدأ هذا اجلدل مع نهايات القرن التاسع عشر حني بدأ التفاعل مع املشهد ال ِّدين ِّي ِّ الشيعِ ّي من خالل زيارات علمية أو نقاشات ،مثل(:)٨ -1رحلة السيد عبد احلسني شرف الدين من لبنان ،واحلوار الذي دار بينه وبني شيخ األزهر الشيخ سليم البشري في أوائل هذا القرن ،ونُشر في ما بعد في كتاب باسم «املراجعات»، عل ًما بوجود نفْي ُس ِّن ّي حلقيقة هذا الكتاب ،إذ يرى أنصار هذا الرأي عدم وجد مراسالت باألساس مع الشيخ سليم البشري ،ال ِس َّيما أن الكتاب انتهى إلى القول بتش ُّيع البشري بعدما رأى ُح َجج محاوره .ومن هذه الكتب :كتاب «الفرية ال ُكب َرى» لعلي السالوس ،وكتاب «الب ِّينات في الرد على أباطيل املراجعات» حملمود الزعبي ،وكتاب «ا ُ حل َجج الدامغات لنقد كتاب املراجعات» ألبو مرمي بن محمد األعظمي(.)٩ -2رحلـة الشـيخ كاشـف الغطـاء ملصـر فـي منتصـف السـتينيات بصحبـة وفـد مـن علمـاء ِّ الشـي َعة العراقيين وبدعـوة رسـم َّية ،ومراجعاتـه مـع شـيخ األزهـر الشـيخ املراغـي حـول تفسـير سـورة احلجـرات. -3رحلـة نـواب صفـوي زعيـم َّ منظمـة فدائيـان إسلام املناهضـة لنظـام الشـاه فـي منتصـف ا خلمسـينيا ت . -4رحلة الشيخ محمد جواد مغنية رئيس القضاء اجلعفري في لبنان والسيد مرتضى الرضوي في فترة السبعينيات. -5كتابات الشيخ محمد جواد مغنية و َر ّده على محب الدين اخلطيب في كتابه الذي س َّماه «اخلطوط العريضة» ،ونُ ِش َر في مصر. -6دعوة التقريب بني املذاهب في مصر ،التي تَ َبنَّاها كثير من رجال األزهر ،مثل الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد املجيد سليم والشيخ الشرباصي والشيخ الفحام والشيخ محمد املدني منذ عام ،1946ودعمتها جماعة «اإلخوان املسلمني». -7سعي بعض شيوخهم لنشر مؤ َّلفاته مبصر ،ومن ذلك حرص السيد مرتضى الرضوي على طبع كتابه في مصر مبقدمة من أحد الرموز اإلسالمية والثقافية فيها ،وطلبه من خاصا للكتب واملصنَّفات ِّ الشيع َّية ،على أن ُفرد الدار مدير دار الكتب عام 1965أن ت ِ ً جناحا ًّ تُهدِ ي الهيئ ُة العلمي ُة في النجف األشرف بالعراق الدا َر جميع هذه الكتب. مجلة الدراسات اإليرانية
99
لكن هذه ال َعالقة بدأت تشهد حت ُّو ًل في ما بعد بدرجات متفاوتة لتبتعد عن النقاشات ّ العلمية ،وتتحول باجتاه محاولة القيام بدور تبشيري ،ال ِس َّيما بعد الثورة اإليران َّية عام ما يأتي(:)١٠ ،1979ونالحظ ذلك ِ َّ أ -إنشاء دور النشر ،وأشهرها «دار البداية» ،وهي أول دار نشر ِشيعِ َّية في مصر ،أواخر عام ،1986ثم جاءت بعدها دار «الهدف» ،وغيرها. ب -إطالق عديد من القنوات ِّ الشيعِ َّية التي تُ َبثّ على القمر الصناعي املصري «نايل ً فضل عن الدعاية من خالل وسائل سات» ،وبلغ عددها 22قناة ،منها قنوات لألطفال(،)١١ التواصل االجتماعي املختلفة. حكومي رسمي ج -إنشاء عديد من اجلمعيات األهلية التي حصل بعضها على تصريح ّ ّ مبمارسة كل أنشطتها ،وذلك في أعقاب ثورة يناير ،2011ويصل عدد تلك اجلمعيات إلى 27جمعية ،منها جمعيات :الثقلني ،والزهراء ،وأحباب العترة احملمدية(.)١٢ الشي َعة ،سواء رموزهم احملليون ٌّ د -الدعوة الفردية التي يقوم بها ِّ كل في نطاق حركته، بخاصة العراقيون والبحرينيون. والعرب املقيمون أو الدارسون، َّ وحتاول دوائر االهتمام اإليراني في السنوات األخيرة االستفادة من حالة االنفتاح النسبي في مصر منذ عام ،2011عبر استقطاب عديد من املثقَّفني ،إلحداث تقارب بني وجهات النظر في البلدين وتكوين رديف سياسي ثقافي وتوظيفه كقوة ناعمة تُسهِ م في إيراني في مصر أكثر حتسني صورة إيران رسم ًّيا وشعب ًّيا ،أو باألحرى تشكيل لوبي إعالمي ّ من كونه سياس ًّيا ،على األقل في الظروف الراهنة ( ،)١٣وبدا ذلك في واقعتني: األولى :استكتاب صحفيني مصريني ودعم اجتاهات النشر اإليجابي جتاه إيران، ويبدو ذلك من الرحالت املنتظمة منذ 2011لصحفيني وإعالميني مصريني إلى طهران خاصا لهؤالء لتَ َع ُّرف إيران، كل أسبوع أو أسبوعني ،إذ تتولى هيئات إيران َّية تنظيم ً برنامجا ًّ ضد وبلغ عددهم ٥٠٠ إعالمي ،اختيروا َو ْفق عدة معاييرَ ، أه ُّمها أن ال يكون هذا اإلعالمي ّ ّ التط ُّور اإليجابي لل َعالقات املصرية-اإليران َّية(.)١٤ والثانية :التج ُّمع العربي اإلسالمي لدعم خيار املقاومة ،إذ حتاول إيران التحالف مع بعض اجلماعات والت َّيارات التي تلتقيها حتت سقف شعارات املقاومة واملواجهة ،وأعضاء املؤسسون هم أنفسهم املشاركون في الوفد الشعبي الذي ذهب إلى إيران حتت هذا التجمع ِّ ستار «الدبلوماسية الشعبية» .وقد عقد التجمع مؤمتره التأسيسي في القاهرة في 24و25 يوليو ،2011مؤ ّك ًدا التمسك بدعم املقاومة والدفاع عن خيارها وسالحها َر ًّدا حقيق ًّيا على مثلث االحتالل واالستبداد والتخلُّف(.)١٥ 100
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
ثالثا :فـي واقع املشهد ِّ ً يع ّي احلركي الش ِ
بالنظر إلى ُمج َمل احلراك ِّ الشيعِ ّي في العقود الثالثة األخيرة جنده فشل في التح ُّول إلى تكتُّل أو قوة مؤ ِّثرة أو تشكيل حراك مؤ ِّثر على الساحة املصرية ،لكنه على أي حال له حضوره ،وفي هذا السياق ميكن تناول واقع ِّ الشي َعة في مصر من خالل النقاط اآلتية: -1طريقة التنظيم والعمل :تكاد تكون فكرة «التنظيم» لدى النشطاء ِّ الشي َعة في مصر غير حاضرة بوضوح نظر ًّيا أو عمل ًّيا ،على الرغم من وجود رغبة في التم ُّدد في بعض املساحات املجت َمعية املتاحة ،فالنشاط ِّ الشيعِ ّي كان ينزع إلى الفردية وارتبط بأسماء بعينها يرى كل األحقّ بقيادة هذا احلراك وميتلك مق ِّوماته ،ال ِس َّيما أن لكل منهم دوائر تدعمه. منها أنه َ واضحا غياب اال ِّتفاق بني الرموز ِّ الشيعِ َّية في مصر عبر العقود الثالثة األخيرة وقد كان ً حول أه ِّم َّية وجود تنظيم يجمع ويح ِّرك ِشي َعة مصر .هذا اخلالف ارتبط بأمرين: األول :اخلالفات الشخص َّية حول وجود التنظيم وعدمه ،وهذا يعود إلى خبرات سلبية التجارب السابقة للجماعات اإلسالمية األخرى. مترسبة في وعيهم من ِ الثاني :عدم اال ِّتفاق على الصورة املُثلَى للوجود ِّ الشيعِ ّي ،هل األفضل تكوين طائفة أم التماهي مع النسيج املجت َمعي؟ فهناك من يرى أن الهدف ليس التنظيم في ح ّد ذاته، بل إيجاد عمل َّ منظم يسمح ِّ للشي َعة بالتشا ُور وترتيب حت ُّركاتهم إذا احتاجوا إلى ذلك(،)١٦ ومنهم من يرى أن أفضل وسيلة للتنظيم هي «الال تنظيم»( ،)١٧واألخيرة هي الصيغة الراجحة في الوسط ِّ الشيعِ ّي. سياسي في حقوقي أو عمل ًّيا ،أنتج ذلك ظواهر سلبية انعكست على حتقيق أي تق ُّدم ّ ّ الشيعِ ّي ،إذ َغلب َمنطق ِّ امللف ِّ ّ «الشل َ ِل َّية» الذي أنتج بدوره ِع َّدة زعامات ِشيعِ َّية، يخص ما ّ أحيان كثيرة .ولم جند عبر العقود الثالثة املاضية سوى ٍ متضاربة املصالح واألهداف في محاولتني لتكوين تنظيم ،أُع ِل َن عن األولى رسم ًّيا عام 1989والثانية عام ،1996وانتهت احملاولتان بحصول أعضاء هذين التنظيمني على إخالء سبيل بعد عدة أشهر من االعتقال، بعد ا ِّتهامات تتعلق بتكوين تنظيم س ِّري لإلضرار مبصالح أمن الدولة العليا ،إضافة إلى احلصول على متويل خارجي ،لتصبح إمكانية حتقيق أو تكرار هذه الفكرة منذ ذلك احلني إلى اليوم صعبة ومكلِّفة. -2مجاالت احلركة :في الوقت الذي لم يتمكن فيه ِّ الشي َعة في مصر من بناء تنظيم أو من التكتُّل في صورة طائفة ،سعى أنصار هذا املذهب إلى التم ُّدد في املساحات الفكرية والثقافية واالجتماعية ،التي تضمن حتقيق ح ّد أدنى من الوجود وال َقبُول على املستوى االجتماعي ،ويبدو ذلك في ما يأتي: مجلة الدراسات اإليرانية
101
لدواع أ -إنشاء جمعيات أهلية :أقدمها «جمعية آل البيت» التي ظهرت عام 1973و ُوقِ َفت ٍ أمنية عام .1981واستم ّر هذا النهج في تكوين جمعيات حتت غطاء األغراض االجتماعية، ومن أبرز الكيانات التي ق ّدمت نفسها ممثل ًة ِّ للشي َعة «املجلس األعلى لرعاية آل البيت» الذي (*). تَ َأ َّسس عام 2014برئاسة محمد الدريني ب -إنشاء دور نشر :يبدو ذلك من محاوالت صالح الورداني -الرائدة -لتأسيس دور نشر ذات تَ َو ُّجه ِشيعِ ّي ،وله جتربتان :األولى دار «البداية» كأول دار نشر ِشيعِ َّية في مصر أواخر عام التجربة الثانية ما تَس َّبب في إغالقها ،ثم ِ ،1986التي أثارت صدامات مع األمن والسلفيني ِ َّ أسس فيها دا ًرا جديدة س َّماها «الهدف»(.)١٨ التي َّ ج -مراكز أبحاث :يتمثل ذلك في «مركز علوم أهل البيت للدراسات اإلنسانية»( )١٩الذي تَ َأ َّسس في أكتوبر ،2006باعتباره مركزًا للدراسات التاريخية ،الذي استهدف التعريف ً باملذهب ِّ فضل عن تقدمي خدمات اجتماعية للفقراء واحملتاجني .كذلك «مركز الشيعِ ّي، النور للدراسات اإلمنائية والقرآنية» ،الذي يُعِ ّد الدراسات والبحوث املختلفة لصالح إيران(.)٢٠ التمدد ِّ يع ّي :اتسا ًقا مع النظرة إلى الت ََّش ُّيع كقضية فكرية ،إضاف ًة إلى غياب -3جغرافيا ُّ الش ِ سمات الطائفة عن ِّ الشي َعة املصريني وصعوبة حتديد املساحات اجلغرافية املتمددين فيها، فإنه من واقع املقابالت اإلعالمية للمتشيعني ،إضاف ًة إلى تَتَ ُّبع القضايا التي أُع ِل َن عنها بخاصة محافظات والتغطيات الصحفية ألنشطتهم ،جند تركيزهم في محافظات الدلتا، َّ الشرقية والغربية والدقهلية ،ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى: أ -انتماء بعض أه ّم الرموز ِّ الشيعِ َّية إلى تلك املناطق ،وتركيز أنشطتهم الدعوية فيها. جذب واستقطاب. ب -أن هذه املناطق مزدحمة وفقيرة ومِ ن ثَ َّم ميكن استخدام املال عام َل ٍ ج -انتشـار عـدة مـزارات صوفيـةُ ،تـا َر س فـي سـاحاتها طقـوس ميكـن اسـتغاللها ً مدخل للتش ُّيع.
يُضاف إلى ذلك بعض التجم ُّعات في القاهرة الكبرى ،سواء في منطقة احلسني نتيجة رمزيتها ال ِّدي ِن َّية ،أو التج ُّمعات في مدينة السادس من أكتوبر نتيجة كثافة وجود وافدين والجئني عراقيني وفدوا عقب سقوط نظام صدام حسني ،كذلك بعض الوجود في ُق َرى أيضا في محافظات اجلنوب امتدادات ِّ مركز أبو النمرس في محافظة اجليزةً . للشي َعة، بخاصة أسوان .وتُشاع أخبار عن ت ََش ُّيع بعض أبناء قبيلة «اجلعافرة» ،إضافة إلى تأسيسهم َّ «مجلسا أعلى لنشر الفكر ِّ الشيعِ ّي في مصر والسودان ودول املغرب العربي» ،بدعوى ً ()21 مواز للجماعات السلفية املوجودة .وإن كان هذا ال مواجهة الفكر املتط ِّرف بخلق كِ يان ٍ 102
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
بخاصة مع التداخُ ل والتشابك احلادث بني ينفي وجودهم في أماكن أخرى غير مشهورة، َّ الصوفية ِّ والشي َعة بحيث يصعب الفصل بني الطرفني في بعض املناطق. يع َّية احلزبية :حالت القبضة األمنية على ِّ ِّ -4 الشي َعة في مصر دون أي ممارسة سياسية الش ِ أو دينية ألنصار الت ََّش ُّيع طوال عهد حسني مبارك ،إذ كان االعتقال بنا ًء على قانون الطوارئ صلَتًا على كل من يُعلِن ت ََش ُّيعه( .)22وكانت احملاولة الوحيدة في 2005بإعالن محمد َسيْ ًفا ُم ْ الدريني عقب اإلفراج عنه ،بعد اعتقال استمر عا ًما ،عن تأسيس حزب سياسي َس َّماه «حزب ِّ الشي َعة»( ،)23وكانت محاولة «دعائية» باألساس للضغط على ال ِّنظام لتحقيق مكتسبات سياسية واجتماعية ِّ للشي َعة. تنحي مبارك في 11فبراير 2011حاولت الرموز ِّ الشيعِ َّية أن تستفيد من حالة وبعد ّ االنفتاح السياسي ال ِس َّيما بعد صعود جنم الت َّيارات اإلسالمية على سطح احلياة السياسية، وتأسيس عديد من األحزاب السياسية ذات املرجعية ال ِّدي ِن َّية ،إذ رأى ِّ الشي َعة خالل هذه املرحلة أه ِّم َّية اإلعالن عن دخول ساحة العمل احلزبي ،وهو األمر الذي لم ينجحوا في حتقيقه إلى اليوم .وميكن حتديد هذه املشروعات احلزبية -وكلها حتت التأسيس -على النحو التالي: ()24 أ -حزب «الغدير» :أعلن عنه محمد الدريني في فبراير ،2012وأشار إلى أنه يستهدف وكتجربة الدريني السابقة اختفى ولم يَ َر النور. حتقيق أهداف الثورة والقضاء علي الفساد، ِ ب -حزب «الوحدة واحلرية» :أُع ِل َن عنه في أغسطس ،2011ويدور برنامجه( )25حول ما يُ َس َّمى «االشتراكية شعارات ثالثة (حرية ،عدالة ،وحدة) ،وهو قريب في مالمحه ِ َّ الدميقراطية» ،إذ يؤمن احلزب مبدنية الدولة ،ويرفض دخول الدين أو العقيدة في الصراع السياسي ،ويجب أن يكون الصراع السياسي حول مصلحة املجت َمع .وانتهى وجوده بعد مؤسسيه. خالفات بني ِّ ج -حزب «التحرير» :أُع ِل َن عنه نتيجة خالفات شخص َّية بني ُمؤسسي حزب «الوحدة وقدم أوراق احلزب رسم ًّيا أسس بدوره حز ًبا جدي ًداَّ ، واحلرية» وأحمد راسم النفيس ،الذي َّ ً ضغطا أمن ًّيا على ض لعدم استيفائه التوكيالت الالزمة قانون ًّيا ،وهو ما يراه النفيس ف ُرفِ َ جلنة شؤون األحزاب ،فاجته لرفع قضية لشهر احلزب أمام احملكمة اإلدارية العليا التي لم حتسم األمر حتى اآلن(.)26 الحظ على هذا احلراك احلزبي ِّ يع ّي ما يأتي: الش ِ ُي َ ºأن الشخصانية هي املتحكمة في هذه املشروعات احلزبية ،إذ تعكس كل هذه احملاوالت مشروعا سياس ًّيا/طائف ًّيا. ما تعكس ً طموحات شخص َّية أكثر ِ َّ مجلة الدراسات اإليرانية
103
ºحلقت بكل هذه احملاوالت أضرار نتيجة عدم وجود فواصل بني «احلزب» و«املذهب»، ً فضل عن عدم وجود فواصل بني الناشط السياسي والناشط ِّ الشيعِ ّي. ºتأثرت هذه احملاوالت بغياب الرمز ِّ الشيعِ ّي السياسي ،نتيجة تَ َع ُّدد اجلماعات وصراع الزعامات وتَ َع ُّدد األسماء التي تق ِّدم نفسها مم ِّثل ًة للحزب. ض َفاض وال يشير إلى أي إطار فكري واضح ºخطابهم السياسي املناهض لإلسالميني َف ْ جتارب سلبية قدمية. ميكن البناء عليه ،كما أنه «شخصاني» ونتاج ِ رجعون كل تقصير س األمني لدى قياد ِّييها مرتفع ،بصورة تكاد تكون َم َر ِض َّية ،إذ يَ ِ ºاحلِ ّ منهم إلى الضغط األمني املستم ّر عليهم سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ºأن هذه األحزاب غائبة عن االشتباك مع املواقف السياسية املختلفة على املستوى الداخلي ،في حني جند لرموزهم ردود فعل على األحداث اخلارجية. واحلقيقة أنه رغم اال ِّدعاء ِّ الشيعِ ّي بوجود مليون ِشيعِ ّي في مصر فإن أ ًّيا من املشروعات ما يدحض احلزبية لم يستطع احلصول على التوكيالت التي تسمح بإنشاء حزب سياسيَّ ِ ، هذا االدعاء ويُ ِ بطله. يع ّي في مصر :لم يح ِّقق ِّ -5عوامل ضعف احلراك ِّ عتد الشي َعة في مصر أي مكاسب يُ ّ الش ِ بها ،وميكن َر ْجع ذلك إلى عدد من العوامل ،أبرزها: ºأن ِّ محددة املعالَم والسمات ،وغياب هذه العوامل الشي َعة في مصر ال مي ِّثلون طائفة َّ أحبط حراكهم وشتَّت جهودهم احلركية. ºأن تركيبة املجت َمع املصري املتماسكة عرق ًّيا ومذهب ًّيا رغم تن ُّوع مكوناته لعبت دو ًرا في يخص ملف ِّ الشي َعة ،بعكس أوضاع األقلِّ َّيات وتركيبة املجت َمعات عدم حدوث تق ُّدم في ما ّ في بالد الشام ً مثل. ºأن ملف األقلِّ َّيات بعا َّمة تخضع إدارته لألجهزة األمنية ،وهذه األجهزة ترى في هذا امللف با ًبا خلف ًّيا لتهديدات خارجية ،فتتعامل معه بحزم وجدية شديدين ،وهذا عامل مؤ ِّثر على َت ُّدد أي نشاط ِشيعِ ّي. ºأن الت َّيار السلفي في مصر حاضر بقوة ومؤثر في املجال العام الديني منذ عقود ،وقد جنح هذا الت َّيار في خلق حالة من اجلدل حول الت َّيار ِّ الشيعِ ّي عمو ًما ،إذ يعتبر السلفيون ِّ الشي َع َة خارجني عن اإلسالم ال مج َّرد أتباع مذهب إسالمي. العالقات الداخلية واخلارجية ً يعة مصر وشبكة َ رابعاِ :ش َ
يعمل احلراك ِّ الشيعِ ّي في مصر ضمن بيئة يلعب فيها الدين دو ًرا ُمهِ ًّما على املستوى خصوصا ،كما أنها ليست بعيدة الشعبي عمو ًما ،ومستوى التنظيمات والروافد املع ِّبرة عنه ً 104
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
عن امتداداتها اإلقليمية .في هذا اإلطار تنتظم احلركة ِّ الشيعِ َّية ،وميكن اإلشارة إلى تفاعالتها مع هذه البيئة داخل ًّيا وخارج ًّيا من خالل ما يأتي: -1شبكة ال َعالقات احمللية: تتفاعل احلركة ِّ الشيعِ َّية في مصر ضمن مجال عا ّم غير رسمي تهيمن عليه ثالث جماعات رئيسية ،هم السلفيون والطرق الصوفية وجماعة اإلخوان املسلمني ،وتختلف َعالقة تلك احلركة مع كل من هذه األطراف ،فبالنسبة إلى ال َعالقة مع الطرق الصوفية تبقى مساحات متداخلة ال ميكن فصلها بني الطرق الصوفية ِّ والشي َعة واألشراف ،الذين يجمعهم املوقف اإليجابي جتاه «أهل البيت». ويتقاطع هذا املوقف اإليجابي مع ما يُكِ نُّه املصريون ألهل البيت من مكانة وتقدير، وتتجلى مظاهر هذا التقدير في االحتفاالت التي تُقام لرموز أهل البيت َ َ وت ُّول مقابرهم وخاصتهم ،كذلك اإلميان الشعبي العميق بكراماتهم، إلى مزارات يتردد عليها عا َّمة الناس َّ وهي طقوس ومعتقدات تشبه إلى ح ّد كبير الطقوس واملمارسات ِّ الشيعِ َّية .وتُ َع ّد تلك املساحة املشتركة بني تلك األطراف منطقة رخوة يسهل على ُد َعاة الت ََّش ُّيع توظيفها أو االستفادة منها أو استغاللها. وإذا جاز للبعض القول بوجود حالة من «الت ََّش ُّيع العاطفي» لدى املصريني ،فإنه جتدر أيضا إلى وجود مساحة مشتركة مع الطرق الصوفية تستغلها الرموز ِّ اإلشارة ً الشيعِ َّية في الدعوة الفردية ،إذ لوحظ سعيهم الستغالل الرابطة العاطفية بآل البيت واالختباء كـ»شي َعة» خلفها كنوع من «التَّقِ َّية»( .)27وترى قيادات ِشيعِ َّية أن ال َعالقة بني ِّ ِ الشي َعة والصوفية في مصر هي َعالقة األصل بالفرع ،باعتبار أن تاريخ الت ََّش ُّيع في مصر يسبق تاريخ التص ُّوف مب َّدة طويلة ،ومِ ن ثَ َّم فإن حركة التص ُّوف وليدة الت ََّش ُّيع(.)28 ُ هذا االرتباط واملساحات املشتركة دعت بعض القيادات ِّ الشيعِ َّية إلى تأكيد وجود نحو ()29 مندسني في 76طريقة صوفية في مصر ،غير أن آخرين يرون مليون ِشيعِ ّي على األقل ِّ أن «املشترك بينهما هو حب أهل البيت ،أما الت ََّش ُّيع فهو حالة صوفية أرقى ،حيث يقوم التابع بالتع ُّمق في معرفة أهل البيت ،فيبدأ التعامل مع ِّ الشي َعة ،وهناك بعض الصوفية حتولوا إلى ِّ الشي َعة دون أن يعلنوا ذلك»(.)30 أما نظرة ِّ الشي َعة إلى األشراف فنجدهم يقولون« :في األصل هم من ِشي َعة أهل البيت الس ِّن ّي بفعل ضغوط سياسية الذين وفدوا إلى مصر ،وقد انصهروا في املجت َمع املصري ُّ ()31 واجتماعية ،إال أنه ما زال قليل منهم متمس ًكا بعقيدته ِّ الشيعِ َّية» .وفي ظل هذه املساحة املشتركة جتدر اإلشارة إلى أنه ليس كل ِّ الشي َعة أشرا ًفا وصوفيني ،وليس كل األشراف مجلة الدراسات اإليرانية
105
والصوفية ِشي َعة( ،)32وإن كان يجمعهم جمي ًعا املوقف السلبي من الت َّيار السلفي .ومن أبرز الطرق الصوفية القريبة من ِّ الشي َعة «الطريقة العزائمية» ،التي يراها البعض «قنطرة الت ََّش ُّيع في مصر»( ،)33كذلك جماعة العشيرة احملمدية(.)34 أما ال َعالقة مع اجلماعات اإلسالمية فتُ َع ّد ال َعالقة بني ِّ الشي َعة واإلخوان املسلمني هي األكثر ديناميكية ،بخالف َعالقة ِّ الشي َعة باجلماعات اإلسالمية األخرى ،على الرغم من االختالفات املذهبية وال َعقَدِ َّية اجلوهرية بني اجلماعتني ،فقد دعم اإلخوان املسلمون فكرة التقريب بني املذاهب اإلسالمية ،ويبدو ذلك في موقف البنا ونقاشاته مع رموز ِّ الشي َعة حينئذ سواء محمد تقي القمي في املركز العام لإلخوان املسلمني ،واملرجع ِّ الشيعِ ّي كاشاني وقت ا َ حل ّج عام .1948 منوذجا حرك ًّيا « ُملهِ ًما» ِّ للشي َعة ،إذ َسعوا لعضويتها في العراق كذلك مثلت اجلماعة ً ُقبَيل تأسيس “محمد باقر الصدر «حزب الدعوة» الذي استم ّد فكره ومنهجه و ُرؤاه من اجلماعة ،كما انضم إلى اجلماعة عدد من الطالب اإليران ّيني ِّ الشي َعة الذين كانوا يدرسون في مصرً . أسس نواب صفوي جماعته «فدائيان إسالم” املناهضة للشاه ،ونال هو أيضا َّ وجماعته إعجا ًبا وتأيي ًدا من جماعة اإلخوان(.)35 رحب اإلخوان وعقب الثورة في إيران وتكوين اجلمهورية اإلسالمية في إيران َّ 1979 منوذجا إسالم ًّيا في التغيير .وفي شهادته عن هذه املسلمون بها ودعموها باعتبارها ً الواقعة يقول عبد املنعم أبو الفتوح« :أ ّي َدت اجلماعة اإلسالمية الثورة اإليران َّية ورأت فيها منوذجا يُحتذى ،لكن كونها ثورة ِشيعِ َّية كان سب ًبا في ا َ حل ّد من االنفتاح عليها والتفكير ً في االقتراب منها ،ألن السلفية الوهابية كانت حاضرة بقوة في تكويننا الفكري وقتها، فأقامت حاجزًا بيننا وبني الثورة ،لكن رغم ذلك استقبلناها بحماس شديد ،واعتبرناها الرسمي املناهض لها .وعلى مستوى نص ًرا للمشروع السياسي ،وأعلنَّا رفضنا املوقف ّ القيادات الكبرى في اإلخوان فقد كان موقفهم متواز ًنا ،حيث اعتبروها ثورة إسالمية يجب احلرص على التواصل املباشر مع قادتها ،ولطبيعة التوتُّر السياسي بني البلدين كان يوسف ندا املقيم بسويسرا هو مصدر معلومات اإلخوان الرئيسي عن الثورة ورؤيتها وأدائها ،وزار وفد من قيادات اإلخوان خارج مصر إيران للتهنئة بِنا ًء على اقتراحه الذي قبله املرشد عمر التلمساني»(.)36 وقد أثار هذا الدعم االنقسا َم بني طالب اجلماعة اإلسالمية في اجلامعات املصرية، ففي مقابل تأييد قطاع كبير من اجلماعة اإلسالمية ،الذين كانوا قد بدؤوا مييلون إلى التوجه ،وهؤالء الفكرة اإلخوانية ،لهذه الثورة ،رفضت مجموعة أخرى من الطالب هذا ُّ 106
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
أسسوا جماعة «الدعوة السلفية» في ما بعد ،إذ رأت هذه املجموعة أن ما هم الذين ّ السنَّة وأمر شديد اخلطر على العقيدة ،إذ ال ميكن أن تتفق حدث ثورة ِشيعِ َّية للطعن في ُّ املبادئ ِّ السنَّة واجلماعة ،وال ميكن أن يُ َع َّد اخلميني إما ًما من أئمة الشيعِ َّية مع عقيدة أهل ُّ املسلمني .وكانت هذه املجموعة السلفية الصوت الوحيد الرافض للثورة وسط حالة من االنبهار العا ّم بالثورة التي أيدها اإلخوان واألزهر واجلماعة اإلسالمية واجلهاد ،إذ وجدتها تلك األطراف بداية للتغيير. بعد ثورة يناير 2011تأ َّكد موقف اإلخوان بتقارب نظام محمد مرسي مع إيران ،الذي أراد منه ت ََخ ِّطي احلاجز النفسي والسياسي واألمني الذي وضعه ال ِّنظام السابق بينه وبني إيران ،وذلك بتب ِّني مبدأ يقضى بأن السياسة اخلارجية ملصر يجب أن تقوم على مبدأ التوازن لتحقيق املصلحة الوطنية ،فكانت مبادرته -التي لم تُ َف َّعل -بتأسيس رباعية إقليمية تضم إلى جانب مصر وإيران ًّ كل من تركيا واململكة العربية السعود َّية ،وحال تع ُّق ُد املشهد السوري دون إمتامها(.)37 من جانبها سعت طهران لعودة ال َعالقة مع القاهرة في سياق حرصها على كسر احلصار الدولي عليها واالستفادة من تغيير ال ِّنظام السياسي اجلديد وعالقته املتوترة بدول اخلليج، إضافة إلى سعيها لترويج مشروع الشرق األوسط اإلسالمي ،إذ رأت إيران أن ثورات املنطقة العربية جاءت بإلهام من الثورة وانعكاسا لها ،وهي «هزَّات ارتدادية للثورة اإلسالمية في إيران» ،حسب ما أشار إليه املرشد األعلى للثورة آية اهلل علي خامنئي في خطبته في 4فبراير ،)38(2011لتظ ّل الرغبة اإليران َّية في ترقية ال َعالقات بني البلدين حاضرةَ َ ، وتلَّى اإليراني أحمدي جناد للقاهرة في فبراير 2013 ذلك مع زيارة بروتوكولية قام بها الرئيس ّ في إطار مشاركته في فاعليات قمة الدول اإلسالمية. هذا التقارب بني حكومة اإلخوان املسلمني وإيران أثار السلفيني الذين أ َّكدوا أنهم لن الس ِّن ّي ّ يسمحوا بأن يتوغل املذهب ِّ خط أحمر ال ميكن الشيعِ ّي في مصر ،بادعاء أن املذهب ُّ ألحد جتاوزه ،ودعت جماعة اإلخوان السلفيني إلى احلوار والتعامل مع األزمة مبوضوعية، غير أن السياسي قد اختلط بالديني في هذه املسألة وفشل احلوار ،وشكلت الدعوة السلفية جلنة للتصدي للمد ِّ الشيعِ ّي مبصر ،بجانب ائتالف أحفاد الصحابة وآل البيت ،كما ً شروطا أمام عودة ال َعالقات مع إيران ،هي« :وقف إيران محاوالتها وضعت الدعوة السلفية ُّ التدخل السنَّة ومنع اضطهادهم في إيران ،ومنع للهيمنة والغزو الفكري ،ومراعاة حقوق ُّ في شؤون العراق ودول اخلليج». مجلة الدراسات اإليرانية
107
-2ال َعالقات اخلارجية وإشكالية الوالء بني الوطن واملذهب الشي َعة إشكالية ذات صلة بالوالءَّ ، قبل الثورة اإليران َّية عام 1979لم تثُر بني ِّ فظل الت ََّش ُّيع في مصر مج َّرد قضية فكرية أكثر منها سياسية ،تتعلق بنظر هؤالء املتشيعني إلى أنفسهم باعتبارهم قد عادوا إلى صحيح اإلسالم ،وهي املسألة التي كانت تشغلهم دون النظر إلى طبيعة الدولة وشكلها ،التي تظل أمو ًرا تختلف من زمن إلى َ آخر ومن مكان إلى مكان(.)39 اإلشكالية بدأت من الصعود السياسي إليران عقب ثورتها واعتناق نظامها مبدأ تصدير ات ِّ ومد شبكة عالقاتها مع ِّ الشي َعة في أي مكان ،إذ تنازعت األقلِّ َّي ِ الشيعِ َّية في بعض الثورة ّ الدول عاطف ُة االنتماء ومسألة الوالء بني والية الفقيه واملواطنة الفعلية. لكن بالنظر إلى ضعف الوجود ِّ والسلْطة املركزية الشيعِ ّي في مصر ومحدودية انتشارهُّ ، القوية ،وطبيعة الدولة العتيقة في مصر ونسيجها الوطني القوي ،لم يجد أنصار املذهب أي مساحة للحركة مبا يسمح بوجودهم كجماعة أو تنظيم أو طائفة أو مجموعات خارج السياق الوطني العا ّم ومعطياته. ال شك أن صعود الصراع املذهبي إلى الواجهة في املنطقة خالل املرحلة الراهنة ،خلق الدي ِن َّية نوعا من التجاذبات الطائفية في بعض البلدان على أساس االنتماءات األولية ِّ ً واملذهبية ،وقد كان لهذا التجاذب تداعياته السياسة وال ِّدي ِن َّية على املنطقة والعالَم اإلسالمي ،الذي أثر بدوره على متاسك املجت َمعات والدول(.)40 وامتد األمر إلى التشكيك في الوالء الوطني وأض ّر بتماسك الدول ،وبدا ذلك في ّ ال َعالقات التي بدأت تتكون بني ِّ ومؤسسات إيران َّية ،كما بدا من تأييد الشي َعة احملليني َّ البعض املستم ّر إليران ولو عاطف ًّيا( .)41في هذا السياق جتدر اإلشارة إلى طبيعة َعالقة ِّ الشي َعة احملليني بإيران ،وذلك على النحو التالي: أَ -عالقة فكرية :تتمثل في ما يأتي: ºاملرجعية ال ِّدي ِن َّية :وهي إحدى ركائز الفكر ِّ الشيعِ ّي الرئيسية( )42وتعادل دور املفتي عند املفسر األوحد لتابعيه .ويفتقر ِّ الشي َعة السنَّة ،ولكنها أكثر عم ًقا ،إذ يكون املرجع هو ِّ أهل ُّ املصريون إلى مرجع محلِّ ّي يُقلِّدونه ،أو يرجعون إليه في مسائلهم ،لذا يقلِّدون مرج ًعا من املراجع املعت َرف بها من خالل كتبه ،أو التواصل الشخصي من خالل اإلنترنت ،أو بالرجوع إلى رموزهم( ،)43ومن أبرز املراجع امل ُ َقلدة لدى املتشيعني في مصر كل من علي احلسيني السيستاني ،وصادق احلسيني الشيرازي. ºاملرجعية التثقيفية :تتمثل في اعتماد املتشيعني في مصر على الكتب ِّ الشيعِ َّية اإليران َّية 108
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
والشامية في التثقيف( ،)44ورغم وجود كتابات محلية( )45فإنها تأتي في مرتبة متأخرة بعد الكتب اخلارجية. َّ ومنظمات وكيانات إيران ُّيون ِّ الشي َعة بَ -عالقة اقتصادية اجتماعية :حيث يدعم أفراد املصريني ،ويتبدى ذلك في اجلمعيات ِّ الشيعِ َّية التي يُعلَن عنها من وقت إلى آخر ،والتي ينكشف أمرها مع ظهور الصراعات التي تقع بني رموزهم بسبب هذا الدعم(.)46 جَ -عالقة سياسية :تتمثل في التأييد السياسي للخطوات اإليران َّية في املنطقة سواء من خالل البيانات أو التعليقات على األحداث اإلقليمية ،ومن أبرزها انتقادهم العمليات العسكرية في اليمن املعروفة بـ»عاصفة احلزم»(ً ،)47 أيضا من خالل الدعوة الفردية الدعائية للمواقف اإليران َّية ٌّ كل في نطاق دائرة حتركاته. خامسا :اإلشكاالت ِّ يع َّية اليومية الش ِ ً
ال ميكن قراءة أوضاع ِّ الشي َعة في مصر دون النظر إلى ثالثة مداخل :ال َقبُول االجتماعي، والوضع القانوني ،واملوقف األمني ،وميكن اإلشارة إلى هذه املداخل على النحو التالي: الس ِّن ّي ،وهنا من ِّيز بني -1ال َق ُبول االجتماعي :ونعني به َقبُول املجت َمع ملخالفي املذهب ُّ مرحلتني :أوالهما املرحلة التي سبقت ما يُع َرف بالربيع العربي واملرحلة التي جاءت بعده، وتقسيمنا هذا يرتبط بالتط ُّورات السياسية في اإلقليم وصعود الصراع املذهبي ،بجانب االنفتاح املعلوماتي وما واكبه من تغيير فكري وسياسي واجتماعي كبير ،وهنا نشير إلى واقعتني ِّ توضحان هذه التغييرات: جتربة بعض العناصر املتشيعة في َع ْق َدي السبعينيات والثمانينيات ،ويالحظ األولى ِ ()48 التجارب لم تُ ِث ْر أزمة مجت َمع َّية في سياقها ،لعدة أسباب أبرزها أن الت ََّش ُّيع أن هذه ِ كان تط ُّو ًرا فكر ًّيا لم يلفت نظر كثيرين على ضوء محدودية املعلومات وغياب الفضائيات، إضاف ًة إلى العاطفة القوية لعموم املصريني نحو آل البيت واستفادة املتشيعني من املساحات املشتركة الطقسية وال َعقَدِ َّية معهم ،وهو ما أسهم في وجود إطار آمن للبعض ملمارسة تش ُّيعه دون مشكالت أو جدل. التجربة الثانية فجاءت متواكبة مع الزخم اإلسالمي خالل العقد األخير ،ال ِس َّيما أما ِ بعد ما يُع َرف بالربيع العربي ،إذ بدأ ر ّد فعل املجت َمع يتغير اتسا ًقا مع املزاج السلفي الذي بخاصة أن خطابات السلفيني عن ِّ الشي َعة ومخاطرهم كانت كثيفة ومتصلة، بدأ ينشط، َّ ()49 فبعد أن كان أقصى ما ميكن ملُتش ِّيع فعله هو تغيير مح ّل إقامته ومقاطعة أهله له الدين ِّي غير مهددة( ،)50فهو في وعي املجت َمع بناء على اخلطاب ِّ أصبحت حياته الشخص َّية َّ مجلة الدراسات اإليرانية
109
«شيعِ ّي كافر»( .)51وتصلح سيرة الشيخ حسن شحاتة ِّ الرسمي ِ مؤش ًرا على حت ُّول املدركات ّ ()52 املجت َمعية جتاه املتشيعني ،فالرجل الذي أعلن ت ََش ُّي َعه من عام ُ 1996قتل في 23يونيو 2013مع أربعة من مرافقيه على يد مواطنني اقتحموا املنزل الذي ُوجدوا به في قرية َعدوا عليه بالضرب ثم سحلوه في الشارع حتى وفاته في زاوية أبو مسلم باجليزة وت َّ ()53 سابقة هي األولى من نوعها . -2الوضع القانونيِ :طب ًقا للمادة 64من الدستور املصري فإن «حرية االعتقاد ُمطلَقة، وحرية ممارسة الشعائر ال ِّدي ِن َّية وإقامة دور العبادة ألصحاب األديان السماوية حقّ ِّ امللف ِّ ّ الشيعِ ّي من امللفّات التي تتولى إدارتها اجلهات األمنية، ينظمه القانون» ،إال أن ويجري التعامل معه من جانب هذه اجلهات َو ْف ًقا للمادة 98في قانون العقوبات ،التي تعاقب باحلبس كل من يثبت ا ِّتهامه بازدراء األديان( .)54فحسب تقارير حقوقية ،شهِ َدت مصر في الفترة ما بني ثورة 2011ونهاية عام 2012محاكمات قضائ َّية لعشرة من املسلمني ِّ الشي َعة ،وهو ما مي ِّثل %27من إجمالي املسلمني املتهمني في قضايا ازدراء أديان خالل تلك الفترة .كما واجه ستة متهمني آخرين اال ِّتهام بنشر الفكر ِّ الشيعِ ّي رغم السنَّة ،وقد و َّثق التقرير 36قضية شهدت انتهاكات للحريات تأكيدهم أنهم من املسلمني ُّ املدنية واحلق في حرية املعتقد والتعبير لشيع ِّيني وغير شيع ِّيني(.)55 امللف ِّ -3املوقف األمني :ظ ّل التفاعل مع ّ الشيعِ ّي محصو ًرا في اإلطار األمني ،متاش ًيا مع سياسة نظام مبارك في ما يتعلق باجلماعات اإلسالمية واألقلِّ َّيات .كما ارتبط ذلك ً أيضا بال َعالقات السياسية املقطوعة مع إيران والتي ظلت دائ ًما خاضعة العتبارات ً فضل عن ال َعالقات االستراتيجية بدول اخلليج العربي .واتسا ًقا مع ذلك األمن القومي، الشي َعة العرب ،مؤ ّك ًدا أن والء أغلب ِّ جند أن نظام مبارك اعتاد التشكيك في والء ِّ الشي َعة في املنطقة «إليران وليس لدولهم»( .)56وفي ما يتعلق بالوضع الداخلي جند األداة األمنية هي الوسيلة الوحيدة للتعامل معهم ،فنجد االعتقاالت الدورية لرموزهم وا ِّتهامات بازدراء األديان عبر سنوات عهده. وفي ما بعد في عهد مرسي رغم رغبة اجلماعة في فتح إطار لل َعالقة مع إيران فإن احلسابات اإلقليمية والدور اإليراني في سوريا واليمن م َّثل عائ ًقا أمام تط ُّور ال َعالقات، كما ظلّت االعتبارات األمنية عائ ًقا أمام تغ ُّير طبيعة ال َعالقات ،وبدا ذلك في اال ِّتهام وج َهته املخابرات العا َّمة املصرية إلى قاسم حسيني ،السكرتير الثالث مبكتب رعاية الذي َّ املصالح اإليران َّية في القاهرة ،بتنفيذ عمليات التجسس ،ومطالبته مبغادرة البالد(.)57 110
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
خامتـــة :بيئة غير مواتية
من العرض السابق لطبيعة الوجود ِّ الشيعِ ّي وتفكيك حراكه ونشاطاته في مصر ،يتَّضح أنه يواجه عدي ًدا من التحديات ،بعضها ذاتي وثيق الصلة باإلشكاليات التي يعانيها اجلسد ِّ الشيعِ ّي ذاته ،وهي إشكاليات حت ّد من إمكانية تأثير وانتشار هذا الفكر أو املعتقد ،وبعض التحديات وثيقة الصلة باملجت َمع والدولة في مصر ،وهي حت ِّديَات تقلِّل احتماالت إحداث هذا احلراك أي تغيير حقيقي في املشهدين السياسي واملذهبي داخل ًّيا أو خارج ًّيا ،على الرغم من أن وجوده كانت له تداعياته القانونية واالجتماعية. يخص التحديات الذاتية جند أن البيت ِّ الشيعِ ّي في مصر يعاني عدة إشكاليات، وفي ما ّ أبرزها سيادة منطق ِّ «الشل َ ِل َّية» في ُمج َمل تفاعالتهم ،مع عدم وجود إطار تنظيمي يجمعهم، ً فضل عن هيمنة الشخصانية والصراع على القيادة بني رموزهم ،ويعود هذا إلى غياب منطق الطائفة عن حراكهم كنظائرهم في الشام وإيران ،إضافة إلى غياب امل ُ ِّ الدين ِّي نظر ِّ الذي ميكنه جذب األنصار حوله ،إذ يتنازع التنظير ِّ الشيعِ ّي في مصر منطان ،املثقَّف الذي ميلك منظومة فكرية وثقافية ِشيعِ َّية واضحة يتح َّرك في إطارها ،سواء كان متف ًقا أو مختل ًفا اإليراني الذي يطمح إلى استعارته أو حتقيقه .والثاني «املتثاقف» مع النموذج السياسي ّ الس ِّن َّية الذي يعتمد حراكه على سرد الشبهات والقصص للتشكيك في القواعد السردية ُّ تاريخ ًّيا وسياس ًّيا وفقه ًّيا دون امتالكه منظومة فكرية حقيقية ومتعمقة تدعمه في هذا السياق ،إذ يستند هذا النمط في حراكه إلى بعض صالته الشخص َّية بهيئات إيران َّية تتولى دعمه مال ًّيا ورمز ًّيا. أما في ما يتعلق بالتحديات التي يفرضها املجت َمع فنجد طبيعة تد ُّين املجت َمع املصري جتعله بيئة غير مناسبة النتشار الت ََّش ُّيع كمعتقد ،ويظ ّل احلديث عن «الت ََّش ُّيع العاطفي» مج َّرد توصيف ال ميت إلى الت ََّش ُّيع مبفهومه ال َعقَدِ ّي واملذهبي والطائفي ِ بصلَة ،وما ير َّوج عنه ما هو إال محاولة من جانب املتشيعني لتوظيفه والتلويح به كأداةَ ضغط و ِث َقل في أزماتهم املختلفة. قوي للت َّيار السلفي ،وهو األمر كذلك جتدر اإلشارة إلى أن املجت َمع املصري به حضور ّ الذي ض َّيق اخلناق على ِّ الشي َعة ،إذ استطاعت الت َّيارات السلفية خلق وجهة نظر شديدة السلبية جتاه ِّ الشي َعة ،فترسخت صورة سلبية عنهم بوصفهم خارجني عن اإلسالم ال أتباع مذهب إسالمي .وتَس َّبب هذا في شحن املجت َمع ض ّدهم ،بصورة لم تقتصر على النبذ للمتش ِّيع أو تهجيره من مح ّل إقامته ،بل وصل احلد إلى تعقُّبهم وقتلهم. مجلة الدراسات اإليرانية
111
أما التحديات وثيقة الصلة بتوجهات الدولة ،فنالحظ أن الدولة لم ي ُكن لها رؤية سياسية واضحة جتاه التعامل مع هذا امللف إال من جهة عالقتها بإيران ودول اخلليج بوصف ِّ السلْطة إدارة ّ امللف برمته الشي َعة في الداخل امتدا ًدا لنفوذ إيران ،ومِ ن ثَ َّم تركت ُّ إلى األجهزة األمنية التي استَخ َدمت سياسية االعتقاالت الدورية بحقّ كل من يُعلن ت ََش ُّيعه، في ظ ّل غياب أو عدم تفعيل الضمانات القانونية التي َ ُ تول دون القبض على املواطنني ما م َّثل تَهدي ًدا كبيرا انعكس في إخفاء املتشيعني هويتهم املذهبية. بنا ًء على معتقداتهمَّ ِ ، علـى ضـوء مـا تَ َق َّـدم ميكـن القـول إن مصـر بيئـة غيـر مالئمـة النتشـار الت ََّشـ ُّيع بوجهيـه الديني والسياسي.
112
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
قائمة املراجــع والهوامــش ( )1يقول الكاتب الشيعي صالح الورداني« :وعلى الرغم من مرونة الشيعية وتغاضيها عن األمور الشكلية واهتمامها باملضمون السنِّية الوهابية. واجلوهر ،نرى الكثير من شيعة مصر يُ ِص ُّرون على التمسك باللحية وإطالتها بحيث يصعب متييزهم من ُّ ِّ الشي َعة في مصر ،م س ،ص.78 ( )2أي إخفاء ما يعتقدون جتنُّ ًبا للصدام مع املخالف قبل أن يقوى عددهم ،واعتبارها من أصول الدِّين ،ولوازم االعتقاد، استنا ًدا إلى تأويالت لبعض اآليات القرآنية وما هو منسوب إلى الرسول وآل البيت من أحاديث .وهنا نشير إلى أن البعض يرى السنّية والتَّقِ َّية الشيعية ،وملزيد من املعلومات انظر :باسم عامر :الفرق بني التقية الشرعية والتقية الشيعية: فرو ًقا بني التَّقِ َّية ُّ http://cutt.us/m2gNjوانظر كذلك ،موقع تبيان :التقية في نظر الشيعةhttp://cutt.us/7p8I1: ( )3صالح الوردانيِّ : الشي َعة في مصر :من اإلمام علي حتى اخلميني( ،مكتبة مدبولي الصغير،ط ،)1993/1ص .27وجدير بالذكر أن الكاتب والقيادي الشيعي املصري املعروف صالح الورداني أعلن ترك املذهب الشيعي بعد نحو 20عا ًما من اعتناقه لها ،وذلك منذ عام ،2010إذ دعا لتأسيس جماعة باسم «اخلطاب اجلديد» تخلو من التقسيم املذهبي وتتبنى «اإلسالم الواحد» ،وللمزيد انظر :فراج اسماعيل ،مفكر التشيع مبصر يفجر مفاجأة ويعلن تركه املذهب الشيعي 31 ،أكتوبر http://cutt.us/clvHt :2006 ( )4فأ ّلف يعقوب بن كلس وزير العزيز باهلل الفاطمي كتا ًبا يتض ّمن الفقه على ما سمعه من املعز لدين اهلل وابنه العزيز باهلل وب ّوبه على أبواب الفقه ،وهو يشتمل على فقه الطائفة اإلسماعيلية .وقد بذلت الدولة الفاطمية جهدها في نشر هذا الفقه بني خواص الناس وعوا ّمهم وسائر املسلمني حتى كان الوزير املشار إليه يجلس بنفسه لقراءة هذا الكتاب على الطلبة وبني يديه ّ الفقهاء والقضاة واألدباء ،وجعله مرجع القضاة في الفتوى ،وأفتى الناس به ودرسوه في اجلامع العتيق ،وعمل اخللفاء على ترغيب الناس في حفظه بالبذل والعطاء ،فأجرى العزيز باهلل على ً 35 رجل من الفقهاء يحضرون مجلس الوزير ويالزمونه أرزا ًقا ً الصالت السنوية ،وأمرهم ببناء دار إلى جانب اجلامع األزهر ،وكان تكفيهم، عما كان يصل إليهم من مال العزيز باهلل في ِّ فضل َّ يخلع عليهم في عيد الفطر ويحملهم على البغال ترغي ًبا لهم في نشر فقه ِّ أناسا في قصر اخلالفة الشي َعة وتعاليمهم ،وأجلسوا ً لقراءة علوم أهل البيت على الناس ألنه بانتشار ذلك املذهب تتأ ّيد تلك الدولة الرتباط السياسة بالدين» .للمزيد انظر :موقع السيد محمد الشيرازي ،من التمدن اإلسالميhttp://cutt.us/PRV60 : ( )5محمد بن املختار الشنقيطي :سياسة صالح الدين األيوبي في التعاطي مع ِّ الشي َعة :ملتقى اهل التفسير(نقال عن موقع اجلزيزة) 18 ،مارس http://cutt.us/KwHwM :2008 ( )6تقي الدين املقريزى :املواعظ واالعتبار بذكر اخلطط واآلثار موقع الوراقhttp://cutt.us/JbHwf : ( )7بدا ذلك في انفتاح الصحفيني وال ُكتَّاب على التجرِ بة للدراسة والبحث في آليات تطبيقها/تكرارها ،ومن أبرز املنفتحني بحث ًّيا على الفكر/التجرِ بة اخلمينية وال يزالون يثيرون ً جدل بتجربتهم الكتابية هذه :محمد حسنني هيكل وكتابه «مدافع آية اهلل»، وفهمي هويدي وكتابه «إيران من الداخل» .وللمزيد انظر :نبيل شرف الدين ،رجال إيران في مصر( 1و ،)2الوطن أون الين17 ، أبريل .http://cutt.us/VOa6، http://cutt.us/yNZGs :2015 ( )8صالح الوردانيِّ : الشي َعة في مصر ،م س ،ص.130-115 ( )9لكن نشير إلى أن كتاب املراجعات يُعتبر من الكتب األساسية في الدعوة الفردية للتش ُّيع من واقع لقاءات للباحث مع عدد من ِّ الشي َعة. ( )10صالح الوردانيِّ : الشي َعة في مصر ،م س ،ص.144 منوذجاموقع مفكرة اإلسالم 10 ،سبتمبر http://goo.gl/5w0lQZ :2012 ( )11الهيثم زعفان:التش ُّيع الناعم ..قناة طه لألطفال ً ( )12موقع شعاشيع :فضح اجلمعيات الشيعية ومن يساعدها في مصر 15مايو http://cutt.us/ijSfl :2015 ( )13لتفاصيل أكثر عن خلفيات هذه التحركات انظر :محمد بن صقر السلمي :ماذا تريد إيران من مصر ما بعد الثورة؟ ،مجلة املجلة 14 ،يونيو .https://goo.gl/ACd11z :2012 ( )14مهدي مبارك ومحمود الشهاوي :أسرار «تنظيم تسفير الصحفيني» إلى إيران موقع شعاشيع 26 ،أبريل :2015 http://cutt.us/hbLzT ( )15عن التجمع انظر :املوقع الرسمي للتجمع العربى واإلسالمى لدعم خيار املقاومة ،www.khayaralmoukawama.com :وعن ممارساته انظر :البوابة نيوز« :التجمع العربي اإلسالمي لدعم خيار املقاومة» ..ذراع إيران السياسية فى مصر 26 ،أبريل :2015 www.albawabhnews.com/1254671 ( )16لقاء مع سالم الصباغ ،صاحب أول جترِ بة في تكوين تنظيم شيعي في الثمانينيات ،مدينة احمللة الكبرى يوم 4نوفمبر .2015 ( )17لقاء للباحث مع د.أحمد راسم النفيس ،أستاذ بكلية طب املنصورة ،وأبرز ِّ منظر شيعي حال ًّيا مبصر وأبرز دوائر االتصال بني شيعة مصر وإيران ،لقاء مبدينة املنصورة يوم 1نوفمبر .2015 (*) أحد الرموز الشيعية ،أثارت حياته وحت ُّوالته ومواقفه كثي ًرا من اجلدل ،ولم نصل إلى سياقات نشأته وبدايات حت ُّوله إلى التش ُّيع ،ارتبط اسمه مبا يُع َرف بـ"املجلس األعلى لرعاية آل البيت" أمينًا له في مصر ،كذلك "اجلبهة الشعبية الستعادة أم الرشراش" (إيالت) .اعتُقل عدة مرات ،أول اعتقال كان في 21مارس ،2004واتهمت زوجته ًّ كل من نقيب األشراف في مصر ووزارة السياحة بالوقوف وراء اعتقاله ،بعد رفض الفكرة التي تقدم بها لهما من قبل ،عبر شركة آل البيت للسياحة ،باستجالب السياح اإليرانيني ِّ والشي َعة من الدول العربية لرحالت سياحية في مصر .إضافة إلى مواقفه املناهضة لألجهزة األمنية والتي
مجلة الدراسات اإليرانية
113
و ّثق عنها قصة تعذيبه في كتابه "عاصمة جهنم" .في املوقف القانوني منه والدعم احلقوقي انظر :التقرير السنوي الثامن :2005 امللل والن َِّحل واألعراق ،مركز ابن خلدون للدراسات اإلمنائية ،ص.49 ( )18في تفاصيل هذه التجرِ بة انظر :صالح الوردانيِّ : الشي َعة في مصر ،م س ،ص.143:147 ( )19الشباب :بالتفاصيل ..الشيعة يؤسسون أول حوزة شيعية بالسيدة زينب 18 ،يوليو 2012 ،http://cutt.us/YWDSoوللمزيد انظرhttp://goo.gl/Lypik9 : ( )20يدير املركز محمود جابر الذي أشرف على إصدار موسوعة القراء املصريني بالتعاون مع امللحقية الثقافية اإليرانية لدي القاهرة ،وللمزيد انظر ،النهار :إيران تصدر اجلزء األول من موسوعة القراء املصريني 24 ،يونيو ،http://cutt.us/KPTo8 :2010 إضاف ًة إلى ذلك للمركز عدة إصدارات منها :أهل البيت مقامهم ومنهجهم ،الوحدة اإلسالمية باالشتراك مع د.أحمد عبد الرحيم السايح ،إضافة إلى حتقيق رسالة شرح حديث الثقلني ،الوهابية في مصر ..من التسلُّل إلى االنقضاض (.)2010 1800- مجلسا أعلى لنشر «التشيع» 20فبراير 2015 ( )21البوابة نيوز :رحاب عليوة« :شيعة اجلعافرة» يدشنون ً www.albawabhnews.com/1125839 ( )22لقاء مع سالم الصباغ ،م س ذ. ( )23عن هذا املشروع انظر :موقع العربية نت :شيعة مصر يطلبون تأسيس حزب سياسي ..واإلخوان يؤيدونهم 19 ،سبتمبر :2005 html.16932/19/09/www.alarabiya.net/articles/2005 ( )24هاجر اسماعيل :بالتفاصيل ..حقيقة احلزب الشيعي الذي يؤيد االخوان ويسعي لتأسيس اجليش الشعبي السترداد ميناء إيالت !مجلة الشباب ،مؤسسة األهرام 2 ،ابريل http://shabab.ahram.org.eg/News/2860.aspx :2012 ( )25مفكرة اإلسالم« :الوحدة واحلرية» ..أول حزب شيعي في مصر 24 ،أغسطس /https://goo.gl :2011 ( )26يقول النفيس في لقاء الباحث معه -م س -إن األمن الوطني ابتز «محمود جابر» بفيديو له مع إحدى العامالت كي ينسحب من احلزب وميتنع عن تسليم النفيس التوكيالت التي معه ،ومِ ن ثَ َّم لم ينجح مشروع احلزب. ( )27يشير إلى ذلك املفكر الشيعي السابق صالح الورداني في كتابه ِّ «الشي َعة في مصر»« :هناك اجتاهات صوفية لديها قدر من الوعي يؤهلها لفهم حقيقة املؤامرة التي حيكت ضد آل البيت ويخرجها من دائرة التصوف إلى دائرة التش ُّيع» ،م س، ص .72ويُشير في حوار له -د.ت -إلى أن « :الشعب املصري عنده قابلية عالية للتش ُّيع ،ولكن اإلشكالية تكمن في خوف الناس ملا سيحدث بعد التش ُّيع» ويضيف« :حركة الوالء آلل البيت متصلة عن جميع املصريني ،فاملصري شيعي بطبعه» ،وللمزيد انظر: .http://goo.gl/zPc0YSكما أننا ملسنا ذلك في لقاءات مط َّولة للباحث من حوارنا مع القياديني البارزَين أحمد راسم النفيس م س -وسالم الصباغ -م س -بصورة عرضية إلى هذه املساحات املتماهية مع الصوفية واألشراف ،إذ ينفي الدعوة في وسطهمويقول« :هم آل البيت ،فكيف ندعوهم!» ويقول النفيس -الذي ينتمي إلى األشراف« :-نحن أصل ِّ الشي َعة». ( )28صالح الوردانيِّ : الشي َعة في مصر ،م س ،ص.71 ( )29فراج اسماعيل :زعيم شيعة مصر :مليون شيعي داخل الطرق الصوفية حسب التقديرات األمنية كشف لـ»العربية.نت» عن حزب الغدير ،موقع العربية نت 26 ،سبتمبر .http://cutt.us/zT1rS :2005 ( )30روز اليوسف :صالح الورداني :لن أسلم نفسي ألصحاب العمائم 11 ،نوفمبر .http://goo.gl/VW6ujH ::2006 ( )31صالح الوردانيِّ : الشي َعة في مصر ،م س ،ص .73ويقول حملمد الدريني« :وإذا لم يأخذ هؤالء األشراف بفكر آل البيت فعلى األقل لن يرضوا بطرح يس ِّفههم .هناك اآلن من السادة األشراف في صعيد مصر َمن يُنزِ لون اخلطباء من على املنابر إذا ما صلَّوا صالة بَتْراء ليس فيها الصالة على آل محمد» .حوار مع جريدة الوطن الكويتية ،د.ت.http://goo.gl/aOGIuz : ( )32يؤ ّكد ذلك أحمد راسم النفيس وسالم الصباغ ،م س. ( )33في مواقف الطريقة انظر :موقع رسالة اإلسالم :الطريقة العزمية ..قنطرة التش ُّيع في مصر 5أكتوبر :2008 ،http://cutt.us/XRMrCويؤ ّكد «ناشطون سلفيون ضد التش ُّيع» أن بعض قيادات الطرق العزمية طبعت آالف النسخ من كتب كس ّب الصحابة وزواج املتعة وغيرها من العقائد الشيعية ،وتوزيعها بأقل من ثمن طباعتها أو تدعو إلى التش ُّيع والطقوس الشيعيةَ ، مجا ًنا كهدية مع مجلة الطريقة العزمية (اإلسالم وطن) ،وللمزيد انظر ،اليوم السابع :ائتالف أحفاد الصحابة :قيادات الطريقة َّ العزمية طبعت آالف الكتب تدعو للتش ّيع 12 ،نوفمبر .http://goo.gl/8bg3SR :2015 ( )34يقول صالح الورداني في كتابه ِّ «الشي َعة في مصر» ،م س ،ص ،81إن مجلة اإلسالم وطن ال تذكر آل البيت إال وتسلّم عليهم كما هو حال ِّ الشي َعة ،وأصدرت عد ًدا على غالفه موضوع يتعلق مبكان وضعت فيه رأس احلسني بالشام في أثناء نقله إلى مصر، وكتب على الغالف بجوار كلمة احلسني كلمتي «عليه السالم»ً . أيضا حملمد زكي رائد العشيرة كتاب عن مراقد آل البيت في القاهرة ناقش فيه قضية شد الرحال وأثبت حديث الثقلني .وأجمل دون تفصيل ً قائل« :وهناك باإلضافة إلى ذلك طرق صوفية شيعية باطنًا صوفية ظاه ًرا» ،ويؤ ّكد صوفيون أنه قد اعترفت طرق صوفية وائتالفات سلفية بأن طر ًقا صوفية اخترقها من شيعة إيران باألموال وزواج املتعة ،للمزيد انظر.http://goo.gl/ND0bfV : ِّ والشي َعة ..بني الرؤية الشرعية واملمارسة السياسية (ج ،)5موقع ويكيبيديا اإلخوان ( )35في ذلك انظر :اإلخوان املسلمون املسلمون.http://goo.gl/SusnoY : ( )36د.عبد املنعم أبو الفتوح :شاهد على تاريخ احلركة اإلسالمية في مصر ،حسام متام (محرر)( ،دار الشروق ،طبعة أولى ،)2010/ص.106-103 ( )37بالل عبد اهلل :الثورة والسياسة اخلارجية املصرية ..الواقع واحملت َمل ،معهد العربية للدراساتhttp://goo.gl/MiIeAm :،
114
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
االنتشار في بيئة معاكسة مقاربة ميدانية لواقع ِّ الشي َعة في مصر
( )38موقع «فرانس :»24مرسي يزور طهران في بادرة تطبيع بني مصر وإيران 28 ،أغسطس ،2012آخر زيارة 15أكتوبر :2014 .http://goo.gl/F8EEEt ( )39لقاء الباحث مع أحمد راسم النفيس ،م س. ( )40لقاء الباحث مع سالم الصباغ ،م س. ( )41لقاء الباحث مع سالم الصباغ ،م س .وللمزيد انظر :جريدة الرياض :محمد محفوظِّ : الشي َعة العرب والدولة الوطنية21، أبريل www.alriyadh.com/1041259 :2015 ( )42علي إسماعيل نصار :املرجعيات الشيعية ..االصطفافات والوالءات والصراعات.http://goo.gl/BY7wrN : ( )43لقاء الباحث مع سالم الصباغ ،م س .وانظر ً أيضا :البوابة نيوز« :الصدر» يعيد انتعاش املراجع الشيعية في مصر 9 ،نفومبر www.albawabhnews.com/1595823 :2015 ( )44يشير سالم الصباغ في لقاء الباحث معه إلى أنه ذهب إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب في أعقاب الثورة اإليرانية ،وكان يتردد على ُدور العرض اللبنانية للبحث عن الكتب ِّ الشي َعة التي وجدها في مكتبة أخبره صاحبها أن كل كتبها شيعية ،فاشترى بكل ما معه حينئذ من أموال حتى لم يتبقَّ له سوى أجرة العودة إلى مدينته احمللة الكبرى ،ومع تَع ُّدد زياراته للمعرض تَع َّرف الشي َعة الذي عرض عليه كل ما يحتاج إليه من كتب هدية ،ومن أبرز الكتب التي ّ إلى أحد الناشرين ِّ اطلع عليها في تلك الفترة، باإلضافة إلى كتاب املراجعات لعبد احلسني شرف الدين« :الكافي في األصول والفروع» و»الروضة» للكليني ،و»من ال يحضره الفقيه» للصدوق ،و»التهذيب واالستبصار» للطوسي ،و»الرسالة العملية» للشيرازي ،إضافة إلى «حترير الوسيلة» للخميني. َصدى للتنظير الشيعي محل ًّيا من خالل ( )45يُعتبر الثالثي صالح الورداني وأحمد راسم النفيس وسالم الصباغ من أبرز من ت َّ عديد من الكتابات اخلاصة بقضايا التش ُّيع .وللورداني -كالنفيس -ما يزيد على 20مؤ َّل ًفا ،واملشترك بني الثالثة هو أزمة النشر اخلاص ،وفي حال التعاون مع دور نشر فإنها تخ ّل باتفاقاتهم معها فن ًّيا وما ِّد ًّيا، التي يتعرضون لها إذ يغلب عليهم النشر حلسابهم ّ فضال عن سعي الدولة ملصادرة هذه الكتب ،وعليه فهم في موقف ضعف أمام الناشر .ويروي سالم الصباغ أنه لم يستطع الوصول إلى أي ناشر عندما أراد نشر كتابه «إمامة أهل البيت في القرآن :بحوث حول اإلمامة» لطبيعة موضوعه وخو ًفا من املصادرة، لقاءات مع أحمد النفيس ،سالم الصباغ ،م س. املوجه إلى اجلمعيات ،للمزيد انظر.http://sha3ashe3.com/?p=5393 : ( )46من ذلك الدع ُم َّ ( )47في ذلك شاهد تصريحات أحمد راسم النفيسعلى موقع يوتيوبwww.youtube.com/watch?v=0yfg8l8cqiU : ( )48يقول سالم الصباغ إن تش ُّيعه في أواخر السبعينيات لم يُثِر أي أزمة شخصية له ،سواء مع أهله أو جيرانه ،ألن ممارساته الدينية لم تتغير ،ولم تلفت قراءاته االنتباه إلى أيهما ،بخاصة أنها جميعا كانت عن آل البيت وسيرتهم ،في حني أنه أخبر زوجته بأمر ت ََش ُّيعه ،وكانت قد درست بعض األشياء عن ِّ الشي َعة في مق َّررات دراسية عن الفرق اإلسالمية في اجلامعة (كلية اآلداب قسم الفلسفة) ولم ت َر في األمر أي شيء ،ويقول إن أوالده جميعا في ما بعد نشؤوا على املذهب ِّ الشيعِ ّي .أما أحمد راسم النفيس فيقول إن أمر تَش ُّيعه في منتصف الثمانينيات لم يُقابَل بردود أفعال سلبية من أسرته ألنها «أسرة راقية مثقَّفة». ( )49سعيد حجازى :ابنة القيادى الشيعى الراحل «حسن شحاتة» :أنا سنية ..وأرفض سب الصحابة ،الوطن 26 ،يونيو :2015 .http://cutt.us/CZiYT ( )50يشير أحمد راسم في حواره معنا -م س -إلى تَ َع ُّرضه الدائم في العقدين األخيرين لعديد من مكاملات تهديد واالعتداء اللفظي واملادي عليه وعلى ممتلكاته. ( )51يتفق اخلطاب السلفي على تكفير ِّ الشي َعة وعدم اعتبارهم مسلمني أو مذه ًبا إسالم ًّيا ،في حني جند اخلطاب الرسمي يُ ِجيز التع ُّبد على مذاهبهم ،ويُد َّرس املذهب اجلعفري في األزهر .وفي ذلك يرى مفتي مصر أن ِّ الشي َعة طائفة متطورة وال حرج من التع ُّبد على مذاهبها ،للمزيد انظر:موقع العربية للدراسات :مفتي مصر :الشيعة طائفة متطورة وال حرج من التعبد على مذاهبها 9 ،فبراير .http://cutt.us/fEJ6k:2009 ( )52مع النظر إلى أن شحاته اشتهر بأحاديثه «املستفزَّة» لعموم املصريني وسبه الصحابة والسيدة عائشة بصورة كانت تدفع اجلميع إلى الشحن السلبي ِض َّده. ( )53هيومن رايتس وواتش :قتل الشيعة يعقب شهورا من اخلطاب التحريضي والشرطة تخفق في حماية األقلية املسلمةhttp:// : شخصا من املتهمني بقتل شحاتة و 3من أتباعه ،والشروع في قتل 13 ،cutt.us/3Gjzpوصدر احلكم في ما بعد مبعاقبة 23 ً آخرين ،بالسجن املشدد 14سنة ،وبراءة 8متهمني آخرين ،وهو ما رآه حقوقيون ُحك ًما مخ َّف ًفا جلرمية قتل مع سبق اإلصرار. ( )54منتدى احملامني العرب :حمدي األسيوطيِّ : الشي َعة في مصر بني املقصلة والدستور 31أبريل http://cutt.us/ :2014 ،zLZTHكذلك انظر املبادرة املصرية للحقوق الشخصية :حرية الفكر حتت احلصار :قضايا ازدراء األديان في عامني بعد الثورة، 11سبتمبر .http://cutt.us/YWUx8 ::2013 التعصب الديني والصراع اإلقليمي 31،أكتوبر http://goo.gl/ZIVnLr :2015 ( )55مدى مصر :شيعة مصر في أتون ُّ ( )56موقع العربية نت :العراق وإيران تستنكران تشكيك الرئيس مبارك في والء الشيعة العرب متحدث رئاسي مصري يحاول استيعاب الغضب 08 ،أبريل .html.22686/08/04/www.alarabiya.net/articles/2006 :2006 ِض عليه في مايو ،2011وبعد حتقيقات ( )57الثورة والسياسة اخلارجية املصرية ..الواقع واحملتمل ،م س .وجدير بالذكر أنه ُقب َ معه يصدر قرار بترحيله خالل 24ساعة.
مجلة الدراسات اإليرانية
115
إيران ومستقبل الميليشيات المس َّلحة في عراق ما بعد داعش محمد العراقى باحث متخصص في العلوم السياسية
عديدا من اجلماعات وامليليشيات املس َّلحة شه َدت الساحة العراقية ً ِ تلوناتها وانتماءاتها ،والثابت أن هذه امليليشيات لم ُ تكن مبختلف ُّ وليدة حلظة عابرة في التاريخ السياسي العراقي ،بل لعب عديد من مر بها العراق دو ًرا في نشأتها الظروف ُّ والتحوالت التاريخية التي َّ وظهورها وتطورها من مرحلة ألخرى .وعلى الرغم من أن جميع القوى والتيارات العراقية قد أسهمت في بروز ميليشيات مس َّلحة لعبت كبيرا في خلخلة الوضع الداخلي العراقي ،وكانت سب ًبا رئيس ًّيا في دو ًرا ً التأزُّم الطائفي الذي ما يزال يعاني منه العراق ،فإن قوتها وتأثيرها كان متفاوتًا ،ال سيما امليليشيات الشيعية التي ازدهرت وانتعشت في استنادا إلى مدى تغلغلها داخل األجهزة األمنية مرحلة ما بعد ،2003 ً العراقية ومكانتها داخل تركيبة النظام السياسي وحدود عالقاتها باملرجعيات الدينية في الداخل واخلارج.
116
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
التوجه نحو العمل املسلَّح ضمن اإلطار “الشيعي” إلى فترات بعيدة في العراق، يرجع ُّ فنتيجة ألسباب تاريخية ومذهبية اندفع كثير من األحزاب والتنظيمات الشيعية إلى تَبَ ِّني مفهوم العمل املسلَّح ض ّد الدولة بعد حظرها وحرمانها من العمل السياسي ،حتدي ًدا خالل فترة حكم حزب البعث ،إذ وجد أغلب هذه األحزاب أن إرباك األوضاع الداخلية سيُسهِ م في زيادة الضغوط على النظام السياسي في ذلك احلني ،مع إمكانية الوصول إلى ثورة شعبية “شيعية” قد تقلب نظام احلكم .وقد كانت هذه الفلسفة هي التي حددت إطار العمل السياسي ألغلب األحزاب الشيعية في العراق. معدالت انتشار امليليشيات املسلَّحة في العراق تزايدت -بصورة غير والواقع أن َّ األمني الذي خلَّفه مسبوقة -بعد عام ،2003إذ استغلت تلك امليليشيات حالة الفرا َغ َّ االحتالل األمريكي للعراق ،بجانب عمل أغلبها ضمن أحزاب لها حضورها القوى ضمن العملية السياسية العراقية ،واكتسبت مزي ًدا من القوة نتيجة ارتباطها املباشر باحلكومة حتدي ًدا خالل فترة حكم نوري املالكي الذي أشرف على تشكيل فرق املوت التي مارست 1 أبشع صور القتل والتنكيل ضد املدنيني واملعارضني. ً تطور امليليشيات املسلَّحة فـي العراق واجتاهات والئها أولُّ :
تعود اللَّ ِبنَة األساسية لنشأة امليليشيات املسلَّحة العاملة في العراق إلى مرحلة ما قبل احلرب اإليرانية-العراقية ،وقد م َّرت دورة حياة هذه امليليشيات بعدة مراحل ،حتى وصلت إلى الصورة التي هي عليها اليوم ،وميكن اإلشارة إلى هذا التطور على النحو اآلتي:2 -1اجليل األول :مي ِّثله فيلق بدر بقيادة هادي العامري ،الذي تَ َأ َّسس في ثمانينيات القرن جناحا عسكر ًّيا تاب ًعا للمجلس األعلى للثورة اإلسالمية في العراق بقيادة املاضي بوصفه ً شن الفيلق عد ًدا من الهجمات العسكرية ض ّد قوات املرجع محمد باقر احلكيم آنذاك ،وقد َّ اجليش العراقي إ َّبان احلرب اإليرانية-العراقية ،إلى جانب عديد من الفصائل األخرى التابعة حلزب الدعوة وحزب املؤمتر الوطني العراقي. -2اجليل الثاني :مت ِّثله امليليشيات املسلَّحة التي ظهرت في مرحلة ما بعد االحتالل األمريكي للعراق في عام ،2003ويأتي على رأسها :جيش املهدي وعصائب أهل احلقّ وسرايا اليوم املوعود وحركة النجباء وحزب اهلل تنظيم العراق وكتائب أبو الفضل العباس وغيرها ،ويطلق عليهم اسم “املقاومة اإلسالمية في العراق” ،عل ًما بأن كثي ًرا منها شهد ِّ وتشظ ًيا أحالها إلى عدة فصائل ،كما هو احلال مع جيش املهدي الذي انقسم انشقاقات مجلة الدراسات اإليرانية
117
إلى ثالث فصائل مسلَّحة :سرايا السالم بقيادة مقتدى الصدر ،وعصائب أهل احلقّ بقيادة قيس اخلزعلي ،وحركة النجباء بقيادة أكرم الكعبي. -3اجليل الثالث :برز على الساحة بعد ظهور تنظيم داعش ،ومي ِّثله أغلب الفصائل املنضوية حتت اسم “احلشد الشعبي” اليوم ،ومنها :كتائب اإلمام علي وسرايا عاشوراء وكتائب سيد ً فصيل مسلَّ ًحا. الشهداء وكتائب الغضب وغيرها ،ويصل عددها إلى أكثر من 61 ً َقدم ذِ ك ُره ،برزت ميليشيات شيعية أخرى على الساحة العراقية في مرحلة وفضل عما ت َّ موضح باجلدول رقم (.)1 ما بعد ظهور داعش كما هو َّ جدول رقم ( )1يوضح أبرز امليليشيات الشيعية التي برزت على الساحة العراقية في ()3 مرحلة ما بعد ظهور تنظيم داعش
118
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
مجلة الدراسات اإليرانية
119
بجانب هذه التع ُّددية املفرطة تنازعت امليليشيات املسلَّحة العاملة في العراق الوالءات للولي الفقيه علي خامنئي ،بوصفه ليزداد وضعها تعقي ًدا ،فهي من جهة تدين بالوالية العا َّمة ّ القائم بأمر املسلمني حتى ظهور املهدي .ومبا أنه مي ِّثل املهدي فإن أوامره ال تخضع للنقاش أو االستفسار بوصفها أوامر إلهية واجبة التنفيذ ،ولعل هذا ما أشار إليه علي خامنئي في كثير من املناسبات عندما ك َّرر باستمرار أن مهمة هذه امليليشيات ال تقتصر على العراق، َ ()4 وإمنا واجبها نصرة “املظلومني” على امتداد الشرق األوسط والعالم. 120
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
باملؤسسات العسكرية كما أن هذه امليليشيات من جهة أخرى ترتبط بصورة أو بأخرى َّ العراقية (وزارتَي الدفاع والداخلية) التي ترتبط بدورها برئيس الوزراء حيدر العبادي، واملؤسسات خصوصا بعد صدور قانون هيئة احلشد الشعبي القائد العا ّم للقوات املسلَّحة، ً َّ التابعة له ،إذ أصبح ألغلب هذه امليليشيات توصيف قانوني ِّ ينظم عملها لكونها جمي ًعا تعمل اآلن في الساحة العراقية حتت اسم “احلشد الشعبي” أو “املقاومة اإلسالمية” .وعليه يظهر لنا أن امليليشيات املسلَّحة بوضعها احلالي لها مرجعيتان أساسيتان: أ -املرجعية السياسية :املتمثلة في ارتباطها بالدولة العراقية وسلطتها التي ميثلها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بوصفه قائ ًدا عا ًّما للقوات املسلَّحة العراقية. للولي الفقيه في إيران علي خامنئي. ب -املرجعية الدينية :املتمثلة في والئها ّ وجتدر اإلشارة إلى بعض االستثناءات في ما يتعلق باالرتباط العقَدِ ّي لهذه امليليشيات ووالئها للمرجعية في إيران ،وهي سرايا السالم ،وسرايا عاشوراء ،وفرقة العباس القتالية، ولواء علي األكبر ،الالتي يَدِ َّن بالوالء للمراجع الدينية في العراق ،فاألولى ترتبط بالسيد ()5 مقتدى الصدر ،والثانية بالسيد عمار احلكيم ،والثالثة مبرجعية النجف. ثانيا :االنتشار اإلقليمي للميليشيات املسلَّحة العراقية ً
لم يقتصر نطاق عمل امليليشيات الشيعية املسلَّحة على داخل العراق فحسب ،بل تعداه ليشمل م َديَات أخرى خارج العراق ،ونشير إلى أهم املناطق التي تعمل فيها هذه امليليشيات على النحو اآلتي: -1الساحة السورية :نشطت امليليشيات املسلَّحة الشيعية على الساحة السورية قبل العراقية ،مثل :كتائب األمام علي وكتائب أبو الفضل العباس وحركة النجباء وغيرها ،إذ م َّثلَت األحداث في سوريا حافزًا لتشكيلها وممارسة نشاطها ،ال سيما بعد أن أعرب رئيس الوزراء العراقي السابق نوري املالكي عن تأييده للرئيس السوري بشار األسد .وتسهيله وصول امليليشيات املسلَّحة إلى سورية بد ًءا من عام ،2012خو ًفا من انتقال عدوى األحداث الس ِّن َّية في سورية وتأثير ذلك على ميزان إلى العراق ،أو انتصار املعارضة ذات األغلبية ُّ القوى في العراق نفسه ،وهو التص ُّور الذي ع َّززَه تصاعد موجة االحتجاجات في املناطق السنية في العراق في أواخر عام.)٦(2012 ذات األغلبية ُّ وقد رحب الرئيس السوري بهذه الكتائب ففتح لها الباب واس ًعا للدخول إلى سوريا، ً بح َّجة حماية فش ّكلوا مع نظرائهم السوريني خليطا من املقاتلني املنتشرين في مناطق ِع َّدة ُ املقدسات واألماكن الدينية ،ثم أصبحت هذه امليليشيات تقاتل على اخلطوط األمامية َّ مجلة الدراسات اإليرانية
121
املقدسة ،وأصبحت سورية عمو ًما في مناطق بعيدة من الدوائر الشيعية واألماكن الدينية َّ ً أرضا خصبة ملقاتلي هذه امليليشيات املوجودة هناك لفرض سيطرتها في ميدان الصراع العسكري ،وبحلول منتصف عام 2014أصبحت األدوات والشعارات السياسية والدينية الشيعية واضحة للعيان ،وصارت جز ًءا من املشهد السوري(.)7 -2الساحة اليمينة :في اليمن شمل نشاط بعض امليليشيات العراقية تقدمي الدعم اللوجستي في مجال االستشارة والتدريب مليليشيات احلوثي ،كما أعلن بعضها اآلخر استعداده ملساندة احلوثيني في اليمن والقتال إلى جانبهم في مواجهة عمليات عاصفة احلزم التي ين ِّفذها التحالف العربي بقيادة اململكة العربية السعودية ،ومن أبرز هذه امليليشيات كتائب حزب اهلل في العراق ،ومنظمة بدر ،وعصائب أهل احلقّ ،وحركة النجباء ،وسرايا اخلرساني ،وكتائب اإلمام علي ،وكتائب سيد الشهداء ،وحركة العراق اإلسالمية ،وغيرها(.)8 ووصل التعاون بني الطرفني إلى َح ّد زيارة وفد من احلوثيني لبغداد في سبتمبر ،2016والتقوا خالل هذه الزيارة قادة امليليشيات في العراق ،وكان الغرض من الزيارة تبادل اخلبرات والتجارب العسكرية ونقلها إلى اليمن ،ومن الشخصيات التي التقاها وفد احلوثيني قادة احلشد الشعبي بالعراق ،أمثال أبو مهدي املهندس وهادي العامري وقيس اخلزعلي .وبحث اجلانبان خالل اللقاء املط َّول وضع استراتيج َّية مشتركة للتعاون مع احلوثيني في التص ِّدي للتحالف العربي وتنفيذ عمل َّيات مشتركة في اليمن ،وكشفت املصادر أن “قادة امليليشيات اتفقوا مع وفد احلوثيني على البدء بإعداد فصيل تابع مليليشيا اإلمام ّ علي إلرساله إلى اليمن ،كخطوة أولى لهذا التعاون” ،دون أن ِّ يوضح كيفية وآلية انتقالها، وما إذا كانت حكومة حيدر العبادي ستُقِ ّر ذلك .وجدير بالذكر أن احلكومة العراقية كانت أهدت الوفد الزائر مساعدة مالية قدرها 50مليون دوالر ،في وقت يشهد فيه العراق أزمة اقتصادية خانقة بفعل العمليات املسلَّحة وما رافقها من موجة نزوح هائلة(.)9 -3اململكة العربية السعودية :مع الوقت وجد اإليرانيون أن جنوب العراق بالقرب من احلدود السعودية العراقية منطقة حيوية ميكن استغاللها لفتح جبهة جديدة ض ّد اململكة، وبالفعل جنحت قوات احلرس الثوري اإليراني في جعل مدينة السماوة العراقية قاعدة دعم لوجستي واستخباراتي تستهدف األراضي السعودية ،وذلك من خالل ميليشيا حزب ً التجسس واالستطالع عبر احلدود فضل عن استغاللها في تنفيذ مها َّم اهلل التابعة له، ُّ السعودية-العراقية ،وحتدي ًدا في مناطق السلمان وأم العشوش ،كما استُغِ لّت تلك املنطقة 122
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
منص ًة إلطالق بعض الصواريخ إلى داخل األراضي السعودية ،وأعلنت ميليشيات حزب اهلل َّ مسؤوليتها عن ذلك. كذلك ن َّف َذت َّ منظمات املجتمع املدني التابعة لهذه امليليشيات عمليات تشهير ض ّد مما السعودية من خالل التظاهرات أو النشاطات الداعية إلى مقاطعة البضائع السعوديةَّ ، يشير إلى الدور الواسع الذي تلعبه هذه امليليشيات داخل العراق سياس ًّيا وأمن ًّيا ،وحتى املؤسسات االقتصادية للحرس الثوري اإليراني حصلت على اجتماع ًّيا ،وجدير بالذكر أن َّ كثير من العقود االستثمارية ،وحتدي ًدا في مجال استصالح األراضي الزراعية في مدن ً وبدل من السماوة والناصرية احملاذية للحدود السعودية خالل فترة حكم نوري املالكي، استصالح هذه األراضي واستغاللها اقتصاد ًّيا حولها حلرس الثوري اإليراني منص ًة زرع والتجسس على احلدود السعودية(.)10 التنصت واالستخبارات فيها كثي ًرا من أجهزة ُّ ُّ -4مملكة البحرين :لم ت ُكن البحرين مبن ًأى عن تأثير هذه امليليشيات ،فقد أعلنت السلطات البحرينية في يوم 27من مارس 2017عن اعتقال خلية مسلَّحة كانت تستهدف تنفيذ عمليات مسلَّحة في العاصمة املنامة ،وأشار التقرير الصادر عن وزارة الداخلية البحرينية إلى أن أغلب أعضاء اخللية كانوا تَلقَّوا تدري ًبا عسكر ًّيا على يد ميليشيا حزب اهلل العراقي، وفي نفس السياق أ ّكد زعيم عصائب أهل احلقّ قيس اخلزعلي أن التجربة العراقية أثبتت عدم كفاية العمل الدبلوماسي والسياسي لتحقيق النتيجة املرجوة ،وأضاف“ :هذه رؤيتنا يتصدى أبناء البحرين وشعب البحرين من البداية ِلَا يجري في البحرين ،ونعتقد أنه عندما َّ لطريق ذات الشوكة ويجد العدو قوة تقف أمامه فلن يستطيع أن يقهرها ،وسينصاع وتأتي احللول املنصفة” ،ومن جانبه أ ّكد األمني العام لكتائب سيد الشهداء (إحدى الفصائل املنضوية حتت لواء احلشد الشعبي) أبو آالء الوالئي أن ما س َّماه “متادي سلطات البحرين” هو نتيجة لتقصير املجتمع الدولي جتاه الشعب البحريني ،معتب ًرا أن سحب اجلنسية عن الشيخ عيسى قاسم انتهاك سافر حلقوق املواطنة ،مضي ًفا“ :نحن اليوم ومن أرض العراق املقاوم نح ّذر من سياسة األنظمة اخلليجية القمعية”(.)11 -5الكويت :بعد تصاعد ِح َّدة اخلالف في اآلونة اخليرة بني العراق والكويت حول موضوع خور عبد اهلل ،اتخذت امليليشيات العراقية املسلَّحة موق ًفا تصعيد ًّيا حيال األزمة ،فحركة هد َدت باتخاذ مواقف حازمة النجباء (إحدى امليليشيات املنضوية ضمن احلشد الشعبي) َّ حيال الكويت في حال تَع ِّديها على السيادة العراقية ،وطالبت حكومة العبادي بـ”بيان موقفها الصريح من قضية خور عبد اهلل وبيان مواقف دول اجلوار من التعدي على سيادة مجلة الدراسات اإليرانية
123
األراضي العراقية” ،متعهد ًة بـ”عدم السكوت على أي اعتداء أو جتا ُوز على أراضي العراق احلدودية ،وسيكون لها موقف آخر حال كانت احلكومة غير قادرة على ذلك”(.)12 -6تركيا :حذرت تركيا من تسليم املوصل مليليشيات احلشد الشعبي ،مؤ ّكدة أن تلك امليليشيات تشبه تنظيم داعش ،وأن سيطرتها على املدينة ستخلق “حر ًبا طائفية كبيرة”، وقال نعمان قورتوملوش نائب رئيس الوزراء واملتحدث باسم احلكومة التركية في مقابلة تليفزيونية إلحدى احملطات التركية“ :يجب أن ال ندعو تنظي ًما إرهاب ًّيا إلى املوصل للمشاركة في حتريرها من تنظيم إرهابي آخر ،وعلينا أن ال نترك املدينة لسيطرة احلشد الشعبي أو حزب العمال الكردستاني اإلرهاب َّيني وامتدادهما السوري وحدات حماية الشعب الكردية بدعوى حتريرها من قبضة داعش”( .)13وكانت قيادات امليليشيات املسلَّحة تَ َو َّع َدت بح َّجة كونها قوات احتالل ،فقد أشار أبو الوجود التركي في معسكر بعشيقة أكثر من مرة ُ مهدي املهندس إلى أن مشاركة احلشد الشعبي في معارك املوصل جاءت لعدم حت ُّولها إلى قاعدة تركية ،كما أشار جواد الطليباوي القيادي في احلشد الشعبي ،إلى أنه “بعد حترير مدينة احلضر فإن وجهتنا القادمة هي قضاء البعاج واحلدود العراقية السورية ،من أجل وضع ح ّد للتجاوزات التركية على أرض العراق”(.)14 َقدم افتتاح امليليشيات العراقية -7ميليشيات عراقية ذات أدوار خارجية :يضاف إلى ما ت َّ معسكرات للتدريب والدعم اللوجستي ،لها أسماء حتمل دالالت ومعاني ال ترتبط بالعراق، بل تتعدى ذلك إلى دول عربية أو إقليمية ،بشكل يشير بوضوح إلى أن مهمة املقاتلني لن تكون داخل العراق فحسب ،كما هو احلال بالنسبة إلى تنظيم داعش ،ففي بابل ً وجد مثل يُ َ خاص يحتوي على نحو 500عنصر من امليليشيات معسكر البقيع ،وفي النجف معسكر ّ حي بينهم كويتيون وبحرينيون يُعرف باسم “أحرار املنامة” ،وفي واسط معسكر كبير قرب ّ سكني في مدينة الكوت يُطلق عليه “جنود اإلمام علي خامنئي”َ ، وآخر في مدينة بيجي في ّ محافظة صالح الدين يُع َرف باسم “الشهيد حميد تقوي” ،وهو أرفع جنرال إيراني ُقتل في العراق عام 2015في معارك تكريت”(.)15 إن تط ُّورات األحداث َّ أش َرت إلى مدى الدور املؤ ِّثر الذي تلعبه هذه امليليشيات في ساحات أخرى ،والذي يأتي متماه ًيا مع الدور اإليراني في املنطقة ،فعلى الرغم من أن أغلب امليليشيات نفى ضلوعه في عملية اختطاف الصيادين القطريني في الصحراء العراقية العام املاضي ،أعلنت ميليشيات حزب اهلل تنظيم العراق مسؤوليتها عن اختطافهم ،بعد إطالق سراح بعض عناصر حزب اهلل اللبناني من الذين وقعوا أسرى في 124
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
يد جبهة فتح الشام (جبهة النصرة ساب ًقا) ،وعلى الرغم من إعالن رئيس الوزراء العراقي أن هؤالء الصيادين دخلوا بصورة رسمية إلى داخل العراق ،فإن عملية اختطافهم َّ أشرت بشكل خطير إلى مدى تغلغل هذه امليليشيات داخل األجهزة األمنية العراقية ،كما أن اجلهة التي ن َّف َذت عملية االختطاف أعلنت أنها ن َّف َذت هذه العملية بنا ًء على أوامر من احلرس الثوري اإليراني واملخابرات اإليرانية ،وهو ما قد يُ ِ لحق ضر ًرا كبي ًرا بسمعة وسيادة الدولة العراقية ،وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مؤمتر صحفي بعد إطالق سراح الصيادين ،عل ًما بأن عملية االختطاف هذه لم ت ُكن األولى من نوعها ،فقد ً ً فضل عن خطف سبعة طالب عامل ترك ًّيا في سبتمبر ،2015 سبقتها عملية اختطاف 18 عراقيني في 10مايو 2017في بغداد ،بسبب نشاطهم املدني في املظاهرات املطالبة مبحاسبة الفاسدين ومدنية الدولة. وقد عملت القيادة اإليرانية منذ احتالل العراق على استثمار فرص بسط النفوذ على مصادر القرار السياسي واألمني واالقتصادي والديني في العراق واملنطقة ،ونفذت سياسة فاعلة م َّكنَتها من حتقيق مشروعها في العراق ،إذ قال مدير االستخبارات الوطنية األمريكية دان كوتس ،إن إيران أرسلت آالف امليليشيات العراقية واألفغانية والباكستانية إلى سوريا واليمن والعراق ،و َو ْف ًقا لتليفزيون صوت أمريكا أ ّكد كوتس خالل االجتماع السنوي للجنة األمن مبجلس الشيوخ األمريكي ،أن إيران لديها 10آالف عنصر من امليليشيات العراقية واألفغانية والباكستانية ،د َّربَتهم وسلَّ َحتهم للقتال في العراق وسوريا، وخالل هذا االجتماع الذي حضره قادة األجهزة األمنية واالستخبارات األمريكية قال كوتس إن إيران ته ِّدد األمن الدولي وإنها على الرغم من االتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى العظمى الست ما زالت حتتفظ بقدراتها النووية .وجدير بالذكر أن قوات احلرس اإليراني أنشأت مراكز لتدريب امليليشيات اخلارجية يديرها فيلق القدس وتنتشر في أنحاء مختلفة من إيران ،ويجري فيها تدريب عناصر امليليشيات الطائفية من سوريا واليمن ولبنان والعراق وأفغانستان والبحرين(.)16 مؤسسة من خالل ما ت َّ َقدم ميكن القول إنه بعد حتويل أغلب هذه امليليشيات إلى َّ رسمية ضمن احلشد الشعبي تابعة لوزارة الدفاع العراقية ،أصبح وضعها القانوني يؤهِّ لها لالضطالع بأدوار واسعة خالل املرحلة املقبلة ،وأن تكون لها كلمة في الفوضى اجلغرافية احملت َملة في الشرق األوسط .في هذا اإلطار ميكن فهم دوافع إيران في تعيني إيراج مسجدي سفي ًرا جدي ًدا لها في العراق ،وهو أحد قيادات احلرس الثوري اإليراني ومستشار مجلة الدراسات اإليرانية
125
قاسم سليماني ،وأ َّدى دور املشرف العسكري على معارك الفلوجة وتكريت وجرف الصخر، ً فضل عن تقدميه االستشارات العسكرية لقيادات احلشد الشعبي في معارك املوصل. وقد يُفهم اختيار مسجدي ذي اخللفية العسكرية في ضوء تصاعد الضغوط األمريكية على إيران في العراق ،إذ أشار إيرج مسجدي في أكثر من مناسبة إلى أن العراق مي ِّثل َخ ّط الدفاع األول عن إيران ،وأن الدخول إلى مدينة الفلوجة هدفه أن تبقى إيران مركزًا للتش ُّيع في العالَم ،وأنه لوال إيران وفيلق القدس َلَا َت َّكن بشار األسد من الصمود حتى اآلن( .)17مِ ن ثَ َّم فإنه بتعيني هذه الشخصية العسكرية تسعى إيران إلحكام سيطرتها بصورة أكبر على هذه امليليشيات ً ُفرزُها مرحلة أول والعراق ثان ًيا ،خشي ًة من أي تط ُّورات إقليمية جديدة ت ِ ما بعد داعش. ً ثالثا :عالقة إيران بامليليشيات املسلَّحة فـي العراق
على الرغم من أن أغلب اآلراء واألفكار يذهب باجتاه املواءمة السياسية والعسكرية بني تأسيس احلشد الشعبي وسقوط مدينة املوصل بيد تنظيم داعش ،فإن التدقيق في ِّ يخططها اخلطوط العامة لالستراتيجية اإلقليمية اإليرانية في الشرق األوسط -التي مجلس األمن القومي اإليراني وين ِّفذها فيلق القدس واحلرس الثوري اإليراني -يجد أن املوضوع أكبر من مجرد حلظة عابرة في التاريخ السياسي العراقي ،ألن الوصاية الدينية لعديد من املراجع ورجال الدين ِّ أصبحت تقلي ًدا دين ًّيا الشي َعة على احلشد وميليشياته َ معي هذا من جهة، م َّتبَ ًعا ،بحيث أصبحت كل مجموعة من امليليشيات ترتبط برجل دين َّ ومن جهة أخرى جند أن طبيعة النسق الع َقدي لقيادات احلشد الشعبي وامليليشيات التابعة له تُظهِ ر أنه تكوين غير عشوائي الهدف والغاية ،فعلى الرغم من أن الغاية األساسية لنشأته املقدسات ،فإن الغاية األكبر من ذلك تتمثل في خلق كانت محاربة تنظيم داعش ،وحماية َّ كيان ُم َو ٍاز داخل العراق ،وتنفيذ أهداف عابرة للحدود باجتاه دول اجلوار حتدي ًدا ،ومِ ن ثَ َّم حتوله إلى وتد أساسي من أوتاد االستراتيجية اإليرانية في العراق والشرق األوسط ككل. ال ّ شك أن ظهور تنظيم داعش أعطى فرصة ذهبية إليران للتوجه نحو حتويل أغلب ُّ بالتدخل في الشأن امليليشيات املسلَّحة إلى أ ُ ُطر رسمية مؤسسية يج ِّنبها حرج االتهام السياسي العراقي من جهة ،والتخلُّص من الدعوات املستم َّرة من الفرقاء السياسيني السنة بضرورة ح ّل هذه امليليشيات من جهة أخرى .وكما ُذكر في ما العراقيني وحتدي ًدا ُّ تقدم فإن أغلب امليليشيات املوجودة في الساحة العراقية كانت تَش َّكلَت وتَك َّونَت في إيران، مؤسسة ُعرفت باسم “احلشد الشعبي”. غير أن هذه امليليشيات َت َّولَت بعد عام 2014إلى َّ 126
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
واألمر الذي ينبغي توضيحه هنا ً أيضا هو أنه على الرغم من إصدار املرجعية الدينية في النجف فتوى اجلهاد الكفائي في 13يونيو ،2014فإن هذه الفتوى لم تتحدث عن دعت املواطنني إلى التط ُّوع في صفوف القوات األمنية ،لهذا تشكيل حشد شعبي بقدر ما َ ظهر كثير من التساؤالت حول مدى الصالحية الفقهية والشرعية لبقاء احلشد وميليشياته في مرحلة ما بعد داعش ،ال سيما وأن لدى الفقه الشيعي قاعدة فقهية تشير إلى بطالن ّ الشك باليقني من خالل الفتوى ببطالن أسبابها ،لتأتي بعد ذلك الضغوط اإليرانية لتقطع الضغط على األحزاب الشيعية بضرورة تشريع قوانني تقضي بتحويل هذه امليليشيات إلى مؤسسة رسمية ،وكان لها ذلك بإصدار قانون هيئة احلشد الشعبي واملؤسسات التابعة َّ املؤسسة العسكرية العراقية ،ليسهل له ،وحتوله إلى تشكيل مسلَّح يعمل خارج إطار َّ ملستشاريها وجنراالتها العمل بحرية تا َّمة ،وهو ما أثبتته معارك ديالى واألنبار وصالح ()18 الدين واملوصل. وقد جاءت دعوة احلكومة العراقية إلى فتح باب التطوع ضمن إطار مديرية احلشد الشعبي بعد سقوط مدينة املوصل بيد تنظيم داعش ،وكان أغلب املتطوعني في صفوف احلشد الشعبي من البسطاء الذين دفعتهم احلماسة الدينية واملكانة الروحية ملرجعية النجف في نفوسهم إلى االنضمام إلى صفوف قوات احلشد ،غير أن النتائج كانت كارثية، إذ كانت أولى املعارك التي خاضها احلشد الشعبي ضمن اإلطار الذي طرحناه أعاله في ً ضغطا كبي ًرا على مما م َّثل مناطق حزام بغداد التي سقط على أثرها آالف الضحاياَّ ، حكومة نوري املالكي ،الذي استجاب بدوره لضغوط إيران بسحب كل املتطوعني باعتبارهم مؤهلني خلوض معارك استنزاف وحرب عصابات ،وال َّز ّج ً بدل منهم بامليليشيات غير َّ املسلَّحة املدعومة مبستشارين وعسكريني إيرانيني في مقدمتهم قاسم سليماني. س ّهلت هذه اإلجراءات اندماج عشرات امليليشيات الشيعية في فلك منظومة عسكرية يُعاد تكوينها ،بفلسفة وعقيدة عسكرية جديدة ،فهذه امليليشيات تتمتع مبا يتمتع به اجليش النظامي العراقي من مكانة في النظام السياسي ،فمن الناحية املالية تدفع الدولة رواتب هذه امليليشيات ،وتز ِّودها بالسالح والزي العسكري الرسمي ،ولوجيست ًّيا ُ ِ ت ُّدها الدولة واملعدات العسكرية مبختلف أنواعها ،كما أنها تتمتع باستقالل في اتخاذ بعض باآلل َّيات َّ القرارات العسكرية ،إذ تخضع امليليشيات لقياداتها املباشرين الذين يخضعون بدورهم إليران وحرسها الثوري ،ومِ ن ثَ َّم ميكنها اتخاذ مبادرات وخوض معارك دون إذن رسمي من احلكومة ،وهذا ما يجعل منها أداة لتصفية احلسابات السياسية والطائفية ،ويشجعها على مجلة الدراسات اإليرانية
127
ارتكاب مجازر ،كتلك التي ارتكبتها في معارك ديالى وتكريت والفلوجة واحلبانية وغيرها، السنّية من كما أنها متارس التغيير الدميوغرافي باتباع سياسة التهجير ،ومنع العائالت ُّ العودة إلى مناطقها في أكثر من مدينة عراقية ،ولعل مناطق جنوب ديالى ويثرب وبلد خير مثال على ذلك(.)19 ما تقدم إلى أن الدعم اإليراني لتشكيل امليليشيات املسلَّحة ومن ثم حتويلها ونخلص ِ َّ مؤسسة رسمية ،يأتي في إطار سعيها لفرض هيمنتها على الساحة العراقية في مرحلة إلى َّ ً فضل عن ذلك سعت إيران بصورة مستمرة لترسيخ وجود ما بعد داعش سياس ًّيا وأمن ًّيا، احلشد الشعبي قانون ًّيا وتشريع ًّيا من خالل إدماجه باجليش العراقي ،وبذلك تستنسخ إيران جتربة حزب اهلل في لبنان ،وإذا كان احلزب يشكل أحد الت َّيارات القوية الضاربة في النظام السياسي اللبناني غير احلكومي ،فإن هذه التنظيمات ستكون في عصب النظام السياسي ً ذراعا رسمية أساسية لوزارة الدفاع العراقية التي العراقي احلكومي، فضل عن أنها تُ َع ّد ً تُ َع ّد أحد أه ّم مفاصل النظام ومصدر قوته الرئيسية ،وبهذا يكون إليران جيش رديف يدافع عن مصاحلها اإلقليمية خارج أراضيها ،ومِ ن ثَ َّم تكتمل حلقات القوة الصلبة التابعة إليران في دول إقليمية على قائمة أولوياتها ،هي العراق وسوريا ولبنان ،واليمن(.)20 رابعا :أبعاد التوظيف اإليراني للميليشيات املسلَّحة ..معركة املوصل منوذجا ً
يأتي التح ُّرك اإليراني الفاعل حيال معركة حترير مدينة املوصل ،جز ًءا من استراتيجية متكاملة األدوار على الصعيد اإلقليمي ،وتهدف من خالله إلى تقوية أدوات فعلها اخلارجي من خالل عناصرها املسلَّحة غير الرسمية املقاتلة على الساحة العراقية والدولية ،وتسعى من خاللها لتقوية موقفها السياسي حيال التح ُّركات األمريكية اجلديدة على احلدود العراقية-السورية و ُمج َمل الشرق األوسط. ُّ التدخل في فمنذ الساعات األولى النطالق معركة حترير املوصل عملت إيران على تفاصيل إدارة املعركة ونوعية القوات املقاتلة على األرض ،ففي حني كان تركيز العراق والتحالف الدولي على إنهاء هذه املعركة بأق ّل اخلسائر ،ذهبت إيران باجتاه جعل النتائج املتحققة على الساحة العراقية مقدمة عملية ألي نتائج قد تتحقق على الساحة السورية، ويستدعي ذلك قراءة متأنية لطبيعة الدور اإليراني في هذه املعركة وما بعدها. ففي يوم 16أكتوبر 2016انطلقت العمليات العسكرية املسماة «قادمون يا نينوى» الستعادة مدينة املوصل من قبضة تنظيم داعش ،وفي حني كانت اخلطة العامة للمعركة تقضي بتطويق مدينة املوصل من جهاتها الثالث (الشمالية والشرقية واجلنوبية) ،مع ترك 128
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
اجلهة الغربية من مدينة املوصل املرتبطة مع احلدود السورية مفتوحة ،رغب ًة من احلكومة العراقية والتحالف الدولي لدفع عناصر داعش للخروج من املدينة باجتاه تلعفر ،ومن ثم دفعهم داخل األراضي السورية ،ذهبت إيران ومن بعدها روسيا االحتادية بالضغط على احلكومة العراقية بضرورة تطويق اجلهة الغربية ً أيضا ،وعدم تركها مفتوحة ألسباب استراتيجية عدة ،أهمها :عدم السماح لعناصر داعش بالعبور إلى داخل األراضي السورية، من جهة لعدم إطالة أمد املعارك الدائرة في سوريا ،وإعطاء فرصة للتنظيم بالتم ُّدد داخل األراضي السورية ،وهذا يعني استمرارية استنزاف نظام األسد وإيران وامليليشيات املتحالفة معهما ،وهما املنهكان باألساس من الصراع الدائر هناك .ومن ناحية ثانية عدم السماح بعودة أغلب هذه العناصر إلى املناطق املتاخمة للحدود الروسية وحتدي ًدا القوقاز، ً 21 وهو األمر الذي يفرض أعباء إضافية على األمن الروسي غير املستق ّر أصل. أما عن الهدف الرئيسي من الضغط اإليراني على احلكومة العراقية لالشتراك في معركة املوصل على مستوى اإلدارة والتخطيط فهو إيجاد موطئ قدم جديد في منطقة خالية ً الس ِّن َّية ،وذلك من خالل أصل من النفوذ اإليراني ،وهي مدينة املوصل ذات األغلبية ُّ وجود احلشد الشعبي املدعوم من إيران -سواء مبستشارين أو عناصر مقاتلة -على أطرف هذه املدينة. في هذا السياق عملت إيران منذ الساعات األولى النطالق معارك حترير املدن والقصبات العراقية من سيطرة تنظيم داعش ،على التح ُّكم بصورة رئيسية في حت ُّركات احلشد الشعبي ،من خالل انتقاء مناطق استراتيجية تخدم األمن اإليراني وحت ُّركاته ،التي تعود بالفائدة اجليو-أمنية على االستراتيجية اإليرانية العامة في الشرق األوسط ،فمع بدء معارك حترير مدينة ديالى عملت إيران على متكني امليليشيات املسلَّحة من السيطرة على مناطق جنوب ديالى املرتبطة بحدود مباشرة مع إيران ،واملعروف أن أغلب سكان هذه الس ِّنية ،وهي املنطقة التي طاملا م َّثلَت خاصرة رخوة في جغرافية املناطق هم من األغلبية ُّ إيران خالل احلرب اإليرانية-العراقية ،كما عمدت إلى عدم السماح ألهالي هذه املناطق بالعودة إليها بعد حتريرها على الرغم من مرور أكثر من عامني ونصف على حتريرها، ومن ثم اجتهت إيران لتمكني امليليشيات املسلَّحة وحتدي ًدا عصائب أهل احلقّ من اقتطاع قضاء النخيب التابع حملافظة األنبار وربطه مبحافظة كربالء ،بحجة اخلوف على ِّ الشي َعة في هذا القضاء من تهديد تنظيم داعش ،والهدف الرئيسي كان قطع أي تواصل جغرافي بني محافظة األنبار مع السعودية واألردن .والسيناريو نفسه تَك َّرر مع جرف الصخر وطوز مجلة الدراسات اإليرانية
129
خرماتو ويثرب وبلد وغيرها ،ويبدو أنه سيتكرر مع قضاء تلعفر التابع ملدينة املوصل ،إذ خاصة باحلشد الشعبي، ضغطت إيران على احلكومة العراقية جلعل مهمة حترير تلعفر َّ من أجل التأثير على الترتيبات والتطورات السياسية والعسكرية والدميجرافية املتوقعة في مرحلة ما بعد داعش ،حيث تهدف إيران من وراء املشاركة في حترير تلعفر إلى التضييق على مشروع األقاليم السنية املزمع تطبيقه ،وحتجيم النفوذ التركى في شمال العراق، وتضييق اخلناق على متدد النفوذ الكردى ،وحتويل تلعفر لنقطة انطالق نحو الساحة السورية ،ناهيك عن تعزيز النفوذ الشيعي عبر عملية حتريك دميغرافى شيعى:22. وقد أظهرت أزمة كركوك األخيرة بني اإلقليم واحلكومة املركزية ،مدى التأثير الذي متتلكه إيران في إقليم كردستان من خالل وجودها عن طريق حرسها الثوري وميليشياتها املسلَّحة في محيط اإلقليم ومدينة كركوك ،فبعد زيارة قاسم سليماني إلى مدينة السليمانية في يوم 11أبريل ،2017أ ُ ِّج َل البحث في هذا املوضوع إلى مرحلة ما بعد داعش ،وأشار كثير من املصادر إلى أن اجلنرال اإليراني َت َّدث بلغة التهديد والوعيد مع القادة الكرد هناك، وكان احلرس الثوري اإليراني افتتح في وقت سابق عدي ًدا من املعسكرات التي يصل عددها إلى تسعة ،في مدينة سيد صادق التابعة حملافظة السليمانية في إقليم كردستان ،وفي منطقة بيران شهر وشنو احملاذيتني ملنطقة كيلشني في إقليم كردستان العراق ،وإن عدي ًدا شرفون على بنائها ،وكذلك من ضباط وقادة احلرس يترددون على هذه القاعدة يوم ًّيا ويُ ِ تتمركز حال ًّيا قوة عسكرية إيرانية للتدخل السريع تتألف من 400جندي إيراني بالقرب من مدينة السليمانية ،هذا كله إلى جانب املعسكرات التي سيطرت عليها القوات اإليرانية التابعة حلزب احلياة احلرة «بيجاك» الكردي اإليراني املتمرد في األراضي العراقية(.)23 كما أنه ال بد من اإلشارة إلى أن مركز القيادة الشمالية للحشد الشعبي يقع في مدينة كركوك التي يقودها محمد البياتي القيادي في فيلق بدر ،إذ يحتوي مركز القيادة الشمالية على 6معسكرات قتالية تتوزَّع على مختلف مناطق مدينة كركوك ،وهو ما يشير إلى مدى عمق وخطورة التأثير امليليشياوي اإليراني على إقليم كردستان العراق ،فبمج َّرد انتهاء معركة املوصل التي تتمركز فيها هذه امليليشيات في اجلانبني الشرقي والغربي ،تكون حلقات االحتواء اإليراني إلقليم كردستان قد اكتملت. أه ّم عناصرها: أما مدينة املوصل فيبدو أن إيران ذهبت في هذا االجتاه من خالل استراتيجيةَ ، -1إشراك احلشد الشعبي في معارك حترير املدينة وحتدي ًدا تلعفر. -2مع حترير الساحل األيسر من مدينة املوصل ،بدأت إيران بالتوجه نحو استراتيجية 130
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
جديدة من خالل الضغط على أحزاب عراقية موالية لها بفتح مكاتب لها في املوصل، كمنظمة بدر واملجلس األعلى ودولة القانون ،فقد أشارت املصادر إلى أن فيلق القدس التابع لقوات احلرس الثوري اإليراني فتح عشرات من املقرات العسكرية والسياسية حتت غطاء احلشد الشعبي في اجلانب األيسر من مدينة املوصل ،وب َّينَت املصادر أن نائب رئيس اجلمهورية العراقي واألمني العا ّم حلزب الدعوة نوري املالكي يتولى اإلشراف على هذه الس ِّن َّية واملواطنني داخل املدينة، املقرات ودعمها باألموال لكسب عدد من رؤساء العشائر ُّ وقال املتحدث الرسمي باسم العشائر العربية في مدينة املوصل الشيخ مزاحم احلويت، الس ِّن َّية والشخصيات إن املالكي «جنح حتى اآلن في كسب عدد من شيوخ العشائر العربية ُّ من اجلانب األيسر من املوصل وجنوب املدينة ،ويعمل حال ًّيا بشكل س ِّر ّي لتشكيل مجالس عشائرية في املوصل تابعة له بدعم مباشر من قوات احلرس الثوري اإليراني والولي الفقيه َّ املخطط (فتح احلرس الثوري اإليراني علي خامنئي) ،وأضاف احلويت أنه في إطار هذا عشرات من امل َ َق َّرات ،بعضها قوات مجهزة بكل أنواع األسلحة ،واألخرى أحزاب صغيرة يعمل املالكي على منحها إجازات عمل من بغداد ،وهذه املقرات مرتبطة مباشر ًة بالنظام اإليراني) ،الفتًا إلى نشر مجموعات مسلَّحة تقود كل واحدة منها منطقة وتن ِّفذ عمليات اعتقال في صفوف املواطنني(.)24 -3السماح للميليشيات املش َّكلة ضمن إطار احلشد الشعبي كـ»امليليشيات الشبكية «بقيادة حنني القدو» ،بالقيام بعمليات سطو مسلَّح على بيوت املدنيني وسرقة ممتلكاتهم، ً فضل عن تنفيذ امليليشيات املسيحية بقيادة ريان الكلداني عمليات تهجير حيال العرب بح َّجة االنتماء إلى السنة القاطنني في مناطق سهل نينوى ،وحتدي ًدا قضاء تلكيفُ ، ُّ تنظيم داعش وما شابه. -4فرض سلطة األمر الواقع داخل مدينة املوصل ،من خالل دعم فريق سياسي على حساب َ آخر ،فالكل يعلم حجم الصراع السياسي بني احملافظ السابق (أثيل النجيفي) املدعوم من تركيا وإقليم كردستان ،واحملافظ احلالي (نوفل العاكوب) املدعوم من احلكومة العراقية واحلشد الشعبي ،ومِ ن ثَ َّم فإن وجود إيران قريبة من هذه املدينة سوف يسمح لها بتحقيق ما تريد. خاصة لدى املنظور األمني التركي ألسباب -5إيران تدرك أن مدينة املوصل حتظى مبكانة َّ عدة (أمنية وسياسية ودينية واقتصادية) ،لذلك فهي ترى أن أي نتائج إيجابية قد حت ِّققها في مدينة املوصل تعني في املقابل خسارة استراتيجية لتركيا ،ومِ ن ثَ َّم مي ِّثل الوجود اإليراني مجلة الدراسات اإليرانية
131
ورقة ضغط في يد إيران في مواجهة األتراك .وفي هذا اإلطار أفادت القيادة العسكرية األمريكية املوجودة في مطار املوصل الذي يُعتبر في نفس الوقت مركزًا للعمليات املشتركة، بأنها تلقت مطالبات من تركيا مفادها رفض أنقرة إشراك احلشد الشعبي في معارك خصوصا أن املعركة اليوم أصبحت على تخومها ،مه ِّددة باستخدام املدفعية حترير تلعفر، ً التركية إذا اقتربت قوات احلشد إلى أطراف املدينة. -6العراق ساحة الستنزاف الواليات املتحدة األمريكية ،فكما هو معلوم ومع بدء معركة حترير اجلانب األمين من مدينة املوصل ،متركز كثير من القطعات العسكرية األمريكية في مطار مدينة املوصل بعد حتريره من سيطرة تنظيم داعش ،إلى جانب القوات املتمركزة في قاعدة القيارة اجلوية ،ويبلغ عدد القوات األمريكية املنتشرة في هاتني القاعدتني 1000-500أمريكي بصفة «مستشار -متعاقد -جندي» ،ولعل زيارة كبير مستشاري البيت األبيض جاريد كوشنير لهاتني القاعدتني خالل أبريل املاضي في أثناء زيارته للعراق ،تكشف حجم االهتمام األمريكي مبدينة املوصل في مرحلة ما بعد داعش ،أضف إلى ذلك ارتباط هذا املوضوع بتمركز القوات األمريكية في قاعدة سعد اجلوية على احلدود السورية العراقية قرب مدينة البو كمال السورية ،التي نفذت من خاللها القوات األمريكية عملية إنزال ناجحة في مدينة دير الزور متكنت من خالله من اعتقال 21قياد ًّيا من تنظيم داعش ،علما بأن عدد اجلنود األمريكان املنتشرين في هذه القاعدة يبلغ نحو 2000جندي أمريكي ،ومن احملت َمل أن تلعب هذه القاعدة دو ًرا كبي ًرا في معركة الرقة املرت َقبة ،كما أنها من املرجح أن تكون البديل الناجح لقاعدة أجنرليك التركيةِ ،لَا تتمتع به من موقع استراتيجي مه ّم لكونها ت ُِط ّل على أربع جبهات رئيسية في الوسط والعمق العراق َّيني والعمق السوري والبحر األحمر واليمن ،ومِ ن ثَ َّم فإن إيران تدرك جي ًدا أنها الهدف القادم بعد إنهاء داعش ،وعليها الهروب إلى األمام لدرء مخاطر املستقبل ،ولعل عملية قتل ف ِّني أمريكي في بداية هذا الشهر في اجلانب األيسر من املدينة تشير إلى مدى عدم االرتياح اإليراني من الوجود األمريكي في محيط مدينة املوصل ،وعلى الرغم من نفي قيادات احلشد ضلوعها في هذه العملية فإن التحقيقات األمريكية أ ّكدت ذلك. ً فضل عن التداعيات إن التحدي القادم الذي ينتظر مدينة املوصل مخيف ج ًّدا، ُفرزها خسارة تنظيم داعش للموصل ،ففي الوقت اإلقليمية والدولية احملت َملة التي قد ت ِ الذي يخشى فيه كثير من القوى (مثل تركيا ودول اخلليج العربية) األضرار واملخاطر احملت َملة لهذه املعركة وانعكاسها عليها سل ًبا ،تنطلق قوى أخرى (كإيران) من حسابات 132
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
جيو-ستراتيجية متعددة مرتبطة بدوائر حت ُّركها اخلارجي على مستوى اإلقليم ككل، ّ بامللف السوري ،وعليه فإن نظرة من خالل ربط املكاسب املتحققة في معركة املوصل خصوصا بعد تصاعد معمقة إلى ما ستسعى إيران لفعله في األيام القادمة، ً استراتيجية َّ ِح َّدة اخلالف مع إدارة دونالد ترامب اجلديدة ،توحي بأن مستقبل املدينة مفتوح على كل اخليارات ،نظ ًرا إلى تش ُّعبه وامتداده إلى أكثر من منطقة جغرافية. خامسا :مستقبل امليليشيات املسلَّحة بعد معركة املوصل ً
مع انتهاء معركة املوصل تصاعد كثير من األصوات حول مستقبل هذه امليليشيات املنضوية حتت اسم «احلشد الشعبي» في مرحلة ما بعد داعش ،فبينما أشار البعض املؤسسة العسكرية العراقية أو حتويلها إلى املمارسة املدنية إلى حلّها أو إدماجها ضمن َّ َّ ومنظمات مجتمع مدني ،ذهب الت َّيار الغالب الذي مي ِّثله قادة احلشد الشعبي كمؤسسات َّ املؤسسات األخرى مؤسسة مستقلَّة حالها حال َّ إلى ضرورة حتويل هذه امليليشيات إلى َّ التي أ ُ ِ نشئَت بعد احتالل العراق كـ»النزاهة والشهداء والسجناء السياسيني» لها قوانينها وأنظمتها التي حتكمها مبعزل عن األنظمة والقوانني العا َّمة .وبنا ًء على ذلك أصدر مجلس النواب العراقي في جلسته املنعقدة في 26من نوفمبر 2016قانون «هيئة احلشد الشعبي والقوات التابعة له» ،وعلى الرغم من أن القانون لم يتطرق إلى األمور اجلوهرية لهذه الهيئة من حيث الواجبات املنوطة بها وهيكليتها وآلية ارتباطها بوزارة الدفاع العراقية ،فإن تشريع هذا القانون باملجمل جاء مخال ًفا في صياغته للدستور العراقي الدائم ،2005الذي ً فضل عن أن واملؤسسات ذات البعد الطائفي والعِ ْرقي والقومي، يحظر تشكيل الكيانات َّ هذا القانون سيكون مب ِّر ًرا لكثير من الطوائف والقوميات لالجتاه نحو تأسيس ميليشيات خاصة بها ،قومية كانت أو إثنية ،ومِ ن ثَ َّم سنكون أمام دول داخل دولة ،وهو ما أشار عسكرية َّ إليه مقتدى الصدر في دعوته إلى ح ّل هذه امليليشيات املنضوية ضمن احلشد الشعبي ِلَا متثله من خطر على مستقبل العراق واملنطقة(.)25 في حقيقة األمر يكتنف التك ُّهن مبا سيكون عليه وضع هذه امليليشيات من حيث طبيعة األدوار والوظائف التي ستقوم بها خالل املرحلة املقبلة كثير من الغموض والريبة ،فبعد للمؤسسة األمنية مؤسسة رسمية ضمن اسم «احلشد الشعبي» التابع َّ حتويل أغلبها إلى َّ العراقية ،أصبح وضعها القانوني يؤهِّ لها لالضطالع بإدوار واسعة خالل املرحلة املقبلة سياس ًّيا وأمن ًّيا واقتصاد ًّيا وحتى اجتماع ًّيا. مجلة الدراسات اإليرانية
133
-1على املستوى السياسي :ميكن القول إن املرحلة املقبلة ستشهد انغماسا سياس ًّيا شدي ًدا مِ ن القوى السياسية التي تتبني خطاب هذه امليليشيات ،فهي من خالل احلشد الشعبي أصبحت اليوم احلاضنة األكثر ثباتًا وقوة في الوسط السياسي الشيعي ،وهو ما سيش ِّكل ً ضغطا على القوى املدنية التي حتاول أن تثبت نفسها في االنتخابات القادمة على مستوى توجه حقيقي نحو هذا مجالس احملافظات أو االنتخابات البرملانية ،ويبدو أنه يوجد ُّ ّ ينفك في هذا املجال وهو يتحدث باسم احلشد الشعبي في كل الهدف ،فنوري املالكي ال مناسبة يحضرها ،يحاول حتقيق هدفني أساس َّينيً : أول الظهور مبظهر املمثل الرسمي للحشد الشعبي أمام الوسط السياسي الشيعي ،وثان ًيا سحب البساط من حتت أقدام القوى السياسية الشيعية األخرى كعمار احلكيم ومقتدى الصدر ،اللذين يتبنيان خطا ًبا ت ُ َصال ًّيا بعض الشيء ،باملقارنة مع اخلطاب الذي مي ِّثله نوري املالكي ،فاألول شرع بطرح مشروع التسوية السياسية للخروج من األزمة العراقية املستعصية من خالل جتميع الفرقاء السياسيني العراقيني على طاولة واحدة لم ت َر النور بعد ،وهو ما يفسره املالكي بأنه يأتي مجد ًدا ،أما الثاني فيقود ت َّيا ًرا على حساب طموحه السياسي بالعودة إلى رئاسة الوزراء َّ شعب ًّيا هدفه إسقاط املشروع الذي يتبناه نوري املالكي بكل الوسائل املتاحة ،ولع ّل استمرار املظاهرات الشعبية في ساحة التحرير في بغداد خير مثال على ذلك .مِ ن ثَ َّم فال بُ َّد من اإلشارة إلى أن املرحلة السياسية املقبلة ستشهد ما يأتي: توج ًها عا ًما من الواجهة السياسية للحشد الشعبي للدخول في االنتخابات القادمة بكل أُّ - قوة ،لتثبيت مكانته سياس ًّيا إلى جانب قوته العسكرية التي أصبحت مشروعة مبوجب القانون والدستور. ب -استثمار االنتصارات التي حقَّقها على تنظيم داعش ،وإعطاؤها زَخْ ًما سياس ًّيا، إليصال رسالة مفادها أنه الضامن الوحيد للمكتسبات السياسية التي حقَّقها ِّ الشي َعة بعد عام .2003 ج -السعي لضمان كسب الدعم اإليراني بكل أشكاله ،فعلى الرغم من أن الفتوى التي أطلقتها املرجعية الدينية في النجف واملتمثلة في دعوتها «للجهاد الكفائي» بعد سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من العراق ،لم تتحدث عن تشكيل احلشد الشعبي ،بل دعت املواطنني لالنضمام والتط ُّوع في صفوف القوات األمنية العراقية ،فإن احلشد سيتجه إلى تثبيت مكانه سياس ًّيا بكونه حش ًدا مي ِّثل مشروعا سياس ًّيا يتجاوز األطر الدينية ،التي ع َّر َ ضته لكثير من االنتقادات بكونه حش ًدا مي ِّثل مذه ًبا بعينه. 134
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
-2على املستوى األمني :على الرغم من صدور قانون هيئة احلشد الشعبي والقوات التابعة له ،فإن القانون لم يح ِّدد طبيعة املهمات التي من املمكن أن يقوم بها احلشد ،حتدي ًدا خالل املرحلة املقبلة ،فاليوم احلشد الشعبي من خالله امليليشيات املسلَّحة يخوض حر ًبا َ وسا ض ُر ً ض ّد تنظيم داعش ،أما السؤال الذي يُطرح هنا فهو“ :ماذا بعد داعش”؟ على الرغم من أن نوري املالكي ص َّرح مِ را ًرا وتَكرا ًرا بأن مه َّمة هذه امليليشيات ال تنتهي عند املوصل وحسب ،بل متت ّد إلى الرقة وحلب واليمن والبحرين ،فقد أشار زعيم عصائب أهل احلقّ قيس اخلزعلي إلى أن منظمته ماضية في مشروعها إلقامة ما س َّماه «البدر توج ًها حقيق ًّيا للدور الكبير الذي من الشيعي» ال «الهالل الشيعي» ،ومِ ن ثَ َّم فإن هذا يكشف ُّ املمكن أن تؤ ِّديه هذه امليليشيات ،والذي من املمكن أن يتجاوز دور احلرس الثوري اإليراني في منطقة الشرق األوسط .أما على املستوى الداخلي فيُتوقع أن تشهد الساحة العراقية احتقا ًنا أمن ًّيا خالل املرحلة املقبلة ،وذلك لألسباب اآلتية: أ -عدم وضوح طبيعة املهمات األمنية التي من املتوقع أن تقوم بها هذه امليليشيات في املرحلة مما يجعل ُّ تدخلها انتقائ ًّيا ،وحسب ما تستدعيه احلاجة. املقبلةَّ ، مشروعا سياس ًّيا أو كتلة برملانية، ب -إذا ما دخل احلشد الشعبي الساحة السياسية العراقية ً فإن هذا يجعلنا نقف أمام حالة ُمربِكة للوضع الداخلي العراقي ،ومِ ن ثَ َّم فمن املمكن أن نشهد جتربة سياسية وأمنية جديدة في العراق ،تشبه إلى ح ّد بعيد جتربة حزب اهلل في لبنان. والدة ِ ج -افتتاح كثير من عناصر امليليشيات املنضوية ضمن احلشد الشعبي مراكز أمنية ونقاط تفتيش في الشوارع العا َّمة ،وتنفيذ اعتقاالت دون أوامر قضائية ،ولعل حادثة اعتقال الصحفية أفراح شوقي بسبب نشرها ً مقال على شبكة اإلنترنت انتقدت فيه ظاهرة حمل أفراد هذه امليليشيات السالح ،مت ِّثل ً دليل واقع ًّيا لطبيعة الدور الترهيبي الذي تؤديه هذه امليليشيات. د -تنفيذ ميليشيات احلشد الشعبي عمليات دهم وتفتيش ملناطق حزام بغداد ذات الكثافة َّ مخطط يبدو أنه سيستم ّر السكانية ،حتدي ًدا في مناطق التاجي وأبو غريب والطارمية ،في الس ِّن ّي ،في إطار سياسة إيرانية خللق خالل املرحلة القادمة ،إلفراغ هذه املناطق من الوجود ُّ جيوب أمنية تنطلق منها نحو مناطق شمال بغداد مستقبَ ًل. هـ -إشارة قيادات هذه امليليشيات الدائمة إلى كون قوتها العسكرية أصبحت تفوق القوة العسكرية للجيش العراقي ،وما يؤ ِّكد ذلك تَ َو ُّجه قيادات هذه امليليشيات إلى إبراز مكانتها املؤ ِّثرة في الساحة العراقية. مجلة الدراسات اإليرانية
135
و -تَ َو ُّجه هذه امليليشيات إلى تب ِّني سياسة فرض الشرعية باإلكراه أو التو ُّدد ،فبعد دخولها الس ِّن َّية ،وهو ما مدينة تكريت ج َّن َدت ميليشيا عصائب أهل احلقّ كثي ًرا من أبناء العشائر ُّ يتكرر حال ًّيا في بغداد واملوصل واألنبار وغيرها ،وفي حالة رفض أبناء هذه املدن االنضمام إليها تكون النتيجة التصفية أو االعتقال بتهمة التعاون مع داعش ،وهو ما يشير إلى أنه إذا استمرت هذه احلالة فسنكون أمام مجتمع ميليشياوي ُم َش ْر َعن. صراعا حقيق ًّيا بني احلشد الشعبي واألجهزة ز -األه ّم من ذلك أن املرحلة املقبلة ستشهد ً األمنية العراقية األخرى ،كجهاز مكافحة اإلرهاب املدعوم أمريك ًّيا ،والشرطة احمللية والشرطة االحتادية التي تخضع جلهات سياسية أخرى قد تصطدم مع املشروع الذي يتبناه احلشد الشعبي. -3على املستوى االقتصادي :على الرغم من حالة التقشف االقتصادي التي يعاني منها العراق في الوقت احلاضر ،فإن احلشد الشعبي يسير بخُ ًطى ثابته لتحقيق نوع من االستقالل االقتصادي ،الذي قد يعطيه هامش حركة واس ًعا في املرحلة املقبلة. أ -املالحظ أن التخصيصات املالية للحشد الشعبي في تصاعد مستم ّر ،ففي عام 2015 سجلَت ميزانية ُق ّدرت موازنة احلشد بـ 6تريليونات وستة وثالثني مليار دينار ،في حني َّ عام 2016تريليو ًنا و 160مليار دينار عراقي ،أي نحو مليار دوالر أمريكي ،أما موازنة عام مخص ٍ صات تشغيلي ًة واستثماري ًة، صت ثالثة تريليونات دينار للحشد الشعبي، 2017 فخص َ َّ َّ على الرغم من حالة التقشف واألزمة االقتصادية التي مير بها العراق حال ًّيا ،مما يكشف املخصصة للحشد الشعبي ،مبا يفرض أعبا ًء اقتصادية جديدة احلجم الكبير من األموال َّ على ميزانية الدولة االحتادية في املستقبل. ب -االستقطاعات املستم َّرة من رواتب موظفي الدولة التي تصل إلى ح ّد %4للحشد الشعبي. َّ ج -التب ُّرعات املستمرة من َّ ومنظمات املجتمع املدني. املنظمات غير احلكومية
د -أسهم قرار البرملان العراقي في 22أكتوبر 2016حظر استيراد وبيع وتناول املشروبات الكحولية في العراق ،في ارتفاع األرباح املالية لهذه امليليشيات عن طريق تنفيذها عمليات تهريب احلشيش واخلشخاش واملخ ِّدرات من إيران ،وهو ما مي ِّثل مور ًدا اقتصاد ًّيا كبي ًرا لهذه امليليشيات(.)26 أما الدعم املالي اإليراني فيأتي من خالل ما تدفعه احلكومة اإليرانية من رواتب شهرية ألعضاء امليليشيات ،وكشفت عن هذه احلقيقة املعارضة اإليرانية (املجلس الوطني للمقاومة اإليرانية) قبل عقد من الزمن ،فهذه احلركة نشرت قائمة تتضمن أسماء 136
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
31690من العمالء العراقيني للحرس الثوري الذين يتقاضون رواتب من إيران .وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية مت ِّول وتسلِّح أكثر من 80 ً فضل عن متويل امليليشيات التابعة للحرس أل ًفا من عناصر احلشد الشعبي في العراق، الثوري اإليراني في العراق ً أيضا حتت غطاء املساعدات التقنية والعمرانية أو اخليرية في العراق ،وقال اجلنرال رستم قاسمي ،الرئيس السابق ملقر خامت األنبياء للحرس الثوري، قد َمت حتى اآلن 5مليارات دوالر للخدمات التقنية والهندسية في عام ،2014إن إيران َّ للعراق ،ناهيك مبؤسسات إيرانية مت ِّول هذه املجموعات مثل اللجنة العليا العراقية اإليرانية املشتركة واللجنة العراقية اإليرانية املشتركة للتعاون التجاري واالقتصادي التي تأسست في عام .)27(2005 يوسع ومن خالل ما ت َّ َقدم ذِ ك ُره ،ميكن القول إن االستقالل االقتصادي للحشد الشعبي ِّ نفوذه ويجعله غير خاضع لسيطرة أي جهة رسمية ،وقد يساعده ذلك على لعب دور مستقل وعابر للسلطات في العراق في املستقبل. -4على املستوى االجتماعي :ميكن القول إن احلشد الشعبي بدأ حرا ًكا فعل ًّيا ليس له قيادة طارحا نفسه في إطار مواجهة مصيرية مع تنظيم داعش ،ثم محددة في مراحله األولى، َّ ً خصوصا بعد مؤسسة رسمية لها قانونها وأنظمتها ،وبسبب تطورات األحداث، ً َت َّول إلى َّ قدمها ،يسعى لطرح نفسه في إطار مشروع اجتماعي- كثير من التضحيات واخلسائر التي َّ سياسي شامل يع ِّبر عن األغلبية الشيعية. في هذا اإلطار لعبت القنوات الفضائية دو ًرا كبي ًرا في ترسيخ الصورة الذهنية التي تريدها عند املتل ِّقي البسيط ،وتأتي في مقدمة هذه القنوات فضائية «آفاق» التابعة لنوري مالكي ،و»النجباء» التابعة مليليشيا النجباء ،وقناة «الغدير» التابعة مليليشيا بدر ،وقناة «العهد» التابعة مليليشيا «عصائب أهل احلق» ،وفضائية «الطيف اجلديد واملنهج» ،وهي من فضائيات تيار مقتدى الصدر ،وقناة «الفرات» التابعة للمجلس األعلى بزعامة عمار احلكيم ،وقناة «بالدي» التابعة لوزير اخلارجية العراقي إبراهيم اجلعفري. كما أن «حزب اهلل» العراقي ميلك قناة «االجتاه» ،وهناك قنوات أخرى مثل «احلشد» و»حشدنا» ،و»كربالء» و»النجف» و»الثقلني» و»الوالية» و»دعاء» و»املنهاج» و»األربعينية»، و»احلجة» و»األهواز» و»األنوار» و»الرجعية» و»احلوزة العلمية» و»املهدي» و»فدك» و»اإلمام احلسني» و»العباس» و»النبراس» و»الصادق» و»اإلميان» و»اإلباء» و»الكوفة» و»الغدير» و»اإلشراق» ،إلخ .وهذه القنوات تعمل على متجيد احلشد الشعبي واحلرس مجلة الدراسات اإليرانية
137
الثوري اإليراني وميليشيا «زينبيون» الباكستانية و»فاطميون» األفغانية ،وتُظهِ ر جرائمهم على أنها ض ّد «أحفاد يزيد» ،كما حصل في تكريت وديالى وجرف الصخر واملوصل وحلب َقدم أن هذه امليليشيات وتعز وحمص وعرسال وطرابلس الشام وصيدا ،ويضاف إلى ما ت َّ أطلقت بإشراف إيران فضائيات وإذاعات بلغات مختلفة ،منها الكردية واإلجنليزية واألذرية والفرنسية والبوسنية والهوسا والبشتونية والسواحيلية(.)28 هذا كله لعب دو ًرا في زيادة حجم التعاطف الشعبي الشيعي مع احلشد الشعبي ،فأصبح املقدس» أو «رجال اهلل» أو يتمتع بحاضنة اجتماعية كبيرة ،ولعل لفظة «احلشد الشعبي َّ «حشد اهلل» ،كلها مصطلحات حتمل كثي ًرا من املضامني واملدلوالت ،التي تشير إلى عمق الشي َعة ،بحيث أصبح ًّ املكانة الكبيرة التي يحتلّها احلشد الشعبي في نفوس ِّ خطا أحمر ال ميكن جتاوزه ،أو حتى انتقاده ،باعتباره أقدس األقداس ،ومِ ن ثَ َّم فإن املرحلة املقبلة ستشهد ً متواصل لزيادة وتعميق هذه املكانة اجتماع ًّيا وشعب ًّيا. سع ًيا -5على املستوى الديني :تطرح مسألة الوالء العقَدِ ّي للميليشيات املسلَّحة في العراق خصوصا في مرحلة ما بعد السيستاني ،فمعلوم أن حت ِّد ًيا كبي ًرا خالل املرحلة املقبلة، ً أغلب امليليشيات املسلَّحة العاملة في العراق تدين بالوالية العامة للولي الفقيه في إيران علي خامنئي ،وهو األمر الذي فرض بدوره كثي ًرا من الضغوط على مرجعية النجف ،كما أنه حتد ًيا نتيجة اخلطاب اإليراني املتطرف الذي انعكس على سلوكيات م َّثل في الوقت نفسه ِّ هذه امليليشيات في ساحات املعارك ،ال سيما بعد تزايد انتهاكاتها اإلنسانية ،وهو األمر الذي دفع املرجعية الدينية في النجف إلى تشكيل بعض الفصائل املسلَّحة التي تعمل حتت مظلتها ،كـفرقة العباس القتالية وعلي األكبر. والسؤال الذي يُطرح هنا :ماذا بعد السيستاني؟ فال يخفى على أحد أن املرجعية الدينية في النجف وعلى رأسها علي السيستاني لطاملا جتنبت تب ِّني اخلطابات الطائفية واحلا َّدة حيال دول اخلليج ،حتدي ًدا السعودية والبحرين ،بل وصلت ِح َّدة االنتقادات التي حلقتها نتيجة عدم إصدارها فتوى تشجع ِّ الشي َعة في البحرين والسعودية باخلروج ض ّد النظام خروجا عن السياسي هناك ،أو حمل السالح إلى جانب نظام بشار األسد ،إلى اعتبار ذلك ً اإلطار العام للسياسة اإليرانية الطائفية في املنطقة ،وهو ما سيجعل إيران تفكر مل ًّيا في الشخصية التي ستأتي بعد السيستاني. بح ّل احلشد الشعبي بعد كذلك م َّثل تأييد املرجعية الضمني ملبادرة مقتدى الصدر َ انتهاء داعش ،ضربة قوية للمشروع اإليراني في العراق ،ولع ّل تعيني السفير اإليراني
138
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
اجلديد في العراق يأتي جز ًءا من توجه إيراني عا ّم بوضع خطوط عامة ملرحلة ما بعد السيستاني ،بحيث تضمن مجيء شخصية دينية تتبنَّى اخلطاب السياسي اإليراني َّ املرشحة خلالفة السيستاني كمحمد باقر وتوجهاته ،وعلى الرغم من بروز بعض األسماء ُّ اإليرواني وعبد األعلى السبزواري و(ابنه) محمد رضا السيستاني ،فإنها ستبقى تكهنات ال أكثر ،كما سيسعى خامنئي أو من سيأتي بعده في هذا اإلطار لتوسيع دائرة النفوذ أن سلطته هناك ستكون مق ّيدة بعاملني :أولهما أن هذه السلطة اإليراني في النجف ،إال ّ تنبثق في إيران من مكانته السياسية في طهران أكثر من مكانته الدينية في قم ،وثانيهما أنه ليس لديه كثير من املمثلني الذين يستطيعون ممارسة نفوذهم في النجف ،فمحمود الهاشمي الشاهرودي ،عضو مجلس خبراء القيادة اإليراني من مواليد النجف ،ليس لديه سوى مكتب صغير وبضعة تالميذ هناك ،أما كمال احليدري ،وهو مرجع عراقي درس في النجف ومقيم في مدينة قم ،فينتمي إلى مذهب شيعي إصالحي ال يحظى بشعبية بني كثير من العراقيني(.)29 لكن ال بد من القول إن املرحلة القادمة قد تشهد نفو ًذا إيران ًّيا متصاع ًد داخل احلوزة اخلاصة باختيار املرجع األعلى العلمية في النجف ،للتأثير على اخليارات الدينية الشيعية َّ القادم في العراق ،وكذلك قطع الطريق على اجلناح الذي يتبنى أو على األقل يغ ِّرد خارج اإلطار الطائفي اإليراني ،وبالتأكيد ستلعب امليليشيات املسلَّحة دو ًرا حاس ًما في هذا املجال ،كما ستستفيد من هذا التغيير إذا حدث. خاتــمــة
ال يخفى على أحد أن امليليشيات املسلَّحة لعبت دو ًرا كبي ًرا في إعادة قولبة الوضع العراقي ،حتدي ًدا بعد عام ،2003إذ أ َّدى كثير من املتغيرات املتمثلة في انعدام سيادة الدولة والقانون والفراغ األمني ،إلى إنعاشها وانتشارها بشكل كبير ،ليأتي الدور اإليراني بعد ذلك ليعطيها قوة دفع كبيرة من حيث الفاعلية والتأثير ،إلى ا َ حل ّد الذي جعل سلطة االحتالل األمريكي املتمثلة في احلاكم املدني بول برمير ومن بعده السفراء األمريكان، ين ِّددون بطبيعة الدور اإليراني املزدوج في العراق ،فمن جهة راحت إيران تدعم العملية السياسية التي أنتجتها اإلدارة األمريكية بعد عام ،2003ومن جهة أخرى أخذت تدعم هذه امليليشيات باملال والسالح َ ضد القوات األمريكية ،فعصائب لش ّن عمليات عسكرية ّ أهل احلقّ وحدها شنَّت ما يقارب ستة آالف عملية استهدفت اجليش األمريكي والقوات العراقية ،من بينها عمليات خطف أجانب ،في مقدمتها خطف اخلبير البريطاني بيتر مور مجلة الدراسات اإليرانية
139
وأربعة من مرافقيه ،وجرى تبديل زعيمها اخلزعلي ومئات املعتقلني من عناصرها في السجون األمريكية بهم خالل الفترة من 2005إلى .)30(2007 وقد أسهمت ظروف الصراع الطائفي في العراق في تعزيز دور هذه امليليشيات ،من خالل تقدمي نفسها كحصن قوي للدفاع عن املذهب الشيعي ومكتسباته بعد االحتالل ،وهو ما جعلها َم َح َّط اهتمام بالغ لدى الوسط السياسي-االجتماعي الشيعي. وجاءت مرحلة ما بعد ظهور داعش لتُضفِ ي حالة من القداسة على هذه امليليشيات التي موضوعا ال يقبل النقاش أو الرأي ،بل انضوت حتت اسم «احلشد الشعبي” ،بحيث أصبحت ً إن مج َّرد االنتقاد قد تكون عواقبه وخيمة ،ولعبت إيران دو ًرا كبي ًرا في هذا املجال من خالل رفد هذه امليليشيات بالدعم واالستشارة وأجهزة القيادة والسيطرة ،بحيث أصبحت اليد ً ُّ فضل عن كونها الطولَى التي حتارب بها إيران في العراق وسوريا وحتى اليمن والبحرين، أصبحت عامل قلق وتأثير لدول اجلوار ،مبا يضع السيادة العراقية في اختبارات صعبة. وباحلديث عن دور هذه امليليشيات خالل املرحلة القادمة ،ميكن القول إن مرحلة ما بعد داعش ستلعب دو ًرا كبي ًرا في حتديد مسار عملها وتأثيرها الداخلي واإلقليمي، فطبيعة االنغماس اإليراني الشديد في الشأن السياسي العراقي الداخلي وتأثيره سياس ًّيا ودين ًّيا واقتصاد ًّيا واجتماع ًّيا وثقاف ًّيا ،وطبيعة االستراتيجية األمريكية اجلديدة بقيادة دونالد ترامب الهادفة إلى تقليل واحتواء النفوذ اإليراني في العراق والشرق األوسط بعد انتهاء داعش ،ستضع كثي ًرا من عالمات االستفهام حول مآالت وحدود هذا الدور في املستقبل املنظور. وباملجمل ميكن القول إن هذه امليليشيات أصبحت مت ّثل أجنحة عسكرية لفيلق القدس واحلرس الثوري اإليراني في العراق ،على اعتبار أن كل ما تنفّذه من حت ُّركات يصب في املصلحة القومية اإليرانية في وما تتّخذه من سياسات وما ُتلِيه من شروط، ّ املقام األول واألخير.
140
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
إيران ومستقبل امليليشيات املسلَّحة في عراق ما بعد داعش
قائمة املراجــع والهوامــش ((( مركز الروابط للبحوث و الدراسات االستراتيجية :العراق ..دولة امليليشيات 9 ،سبتمبر :2015 http://rawabetcenter.com/archives/12089 ((( يحيى صهيب :العراق دولة املليشيات ،مركز برق للدراسات واألبحاث:2016 ، http://cutt.us/F9MRY ((( مركز الروابط للدراسات والبحوث االستراتيجية :احلشد الشعبي في العراق ..النشأة واملستقبل «دراسة استقصائية»28 ، أغسطس http://cutt.us/zuMAw :2016 ((( جريدة الغد :خامنئي :إيران ستساعد الشعوب املظلومة في املنطقة 16 ،مايو http://cutt.us/1zxCG :2015 ((( حسن زلغوط :ميليشيات احلشد الشعبي الشيعية العراقية :من هي؟ وملن تتبع؟ ،رصيف 25 ،23فبراير :2015 http://cutt.us/MfQv ((( مثنى فائق العبيدي ،إميان موسى النمس :تعامل العراق واجلزائر مع الربيع العربي :دراسة مقارنة في املوقف واالنعكاسات، مركز بيروت لدراسات الشرق األوسط 25 ،مارس http://cutt.us/PdWg :2015 ((( مركز الروابط للدراسات والبحوث االستراتيجية :املليشيات الشيعية العراقية والتدخل العسكري الروسي في سوريا11 ، أكتوبرhttp://cutt.us/bz5Rf :2015 ((( عالء يوسف :مليشيات عراقية تعلن استعدادها للقتال باليمن ،اجلزيرة ،في /5مارسhttp://cutt.us/tYrNk :2015 / ((( اخلالصة :حقيقة زيارة الوفد احلوثي للعراق ..من األلف إلى الياء ،في 5سبتمبر http://cutt.us/Va7KL :2016 ضد السعودية 20 ،مارس :2017 ( 10((1مركز أنقرة لدراسة األزمات والسياسات :حسابات احلرب اإليرانية ّ http://cutt.us/zMyqP ( ((1بوابة صيدا :احلشد الشعبي العراقي يهدِّد السعودية والبحرين :واجبنا نصرة شيعة البحرين ..واألحساء والقطيف في السعودية ،في 21مايو http://cutt.us/UdBUs :2016 ( ((1عربي :21احلشد الشعبي يهدِّد الكويت وائتالف املالكي يعتبرها عراقية ،في 9فبراير http://cutt.us/YCVa :2017 ( ((1اجلزيرة :تركيا حت ِّذر من تسليم املوصل للحشد الشعبي ،في 20اكتوبر http://cutt.us/SHWbj :2016 يتوعد تركيا ويكشف عن وجهته بعد احلضر ،في 27أبريل http://cutt.us/AQ3LW:2017 ( ((1القرطاس نيوز :احلشد الشعبي َّ ً تشكيل بدعم إيراني 24 ،يوليو :2015 ( ((1جريدة العربي اجلديد :عثمان املختار :عالَم املليشيات في العراق53 : http://cutt.us/arXp5 ( ((1منظمة مجاهدي خلق اإليرانية :مدير استخبارات أميركا :للنظام اإليراني 10آالف عنصر بهذه الدول ،في 13مايو :2017 http://cutt.us/GY38u (((1إياد الدليمي :مسجدي ..سفير وحاكم لبغداد ،صحيفة العربي اجلديد ،في 2مايو http://cutt.us/fZNis :2017 ( ((1خالد ياميوت :ميليشيات «احلشد الشعبي» نسخة عراقية من «الباسيج» اإليراني واستراتيجي إيراني ونظرته ملستقبل املنطقة ،املجلس الوطني للمقاومة اإليرانية ،في 2فبرايرhttp://cutt.us/p8fWG :2015 ( ((1املصدر السابق نفسه. ( ((2وحدة الدراسات العراقية مركز الروابط للبحوث والدراسات االستراتيجية :إيران ومليشيات احلشد الشعبي في العراق، في 22أكتوبر http://cutt.us/lHNZu :2015 ( ((2مركز انقرة لدراسة األزمات والسياسات :إيران واملوصل 11 ،مارس http://cutt.us/7WsfM :2017 ( ((2املرجع السابق نفسه. ( ((2بوابة احلركات اإلسالمية :إنشاء قاعدة صاروخية للحرس الثوري بكردستان ..إيران تنهي حلم الدول الكردية ،في 28 مايو http://cutt.us/O0tAW :2016 ( ((2منظمة مجاهدي خلق اإليرانية :فيلق القدس للنظام اإليراني يفتتح عشرات املقرات في املوصل حتت إشراف املالكي، في 1مايو http://cutt.us/n3YeQ :2017 ( ((2املركز الدميقراطي العربي :فراس إلياس :تساؤالت حول إقرار قانون احلشد الشعبي ،في 27نوفمبر :2017 http://cutt.us/qtXDu تتمدد ،في 25يناير http://cutt.us/e2VPR :2017 ( ((2صحيفة العربي اجلديد :املخدِّرات تهدِّد العراق :عصابات التهريب ّ ( ((2محمد أمني :حصص امليليشيات في الشرق األوسط من اقتصاد إيران ،منظمة مجاهدي خلق اإليرانية ،في 19ابريل :2017 http://cutt.us/gv5mi ( ((2محمود سعيد :إعالم املليشيات الطائفية ..نحو 100قناة فضائية بإشراف إيراني ،شبكة رؤية اإلخبارية 27 ،أبريل :2017 http://cutt.us/vAxky (29)Ali Mamouri and Suzanne Maloney: After the Ayatollahs: The Middle East Post-Khamenei, POLICY ANALYSIS, POLICYWATCH 2763, The Washington Institute, February 10, 2017: http://cutt.us/cmXhZ ( ((3اجلزيرة :عصائب أهل احلق العراقية ،في 12يونيو http://cutt.us/qxtkX :2013
مجلة الدراسات اإليرانية
141
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان محمد عبد اهلل يونس مدرس مساعد بكلية االقتصاد والعلوم السياس َّية جامعة القاهرة
لم ُ مجر د تصاعد أدوار كل من روسيا وإيران في أفغانستان يكن ُ َّ لتحوالت السياسة اإلقليمية للدولتني جتاه دول تزامن غير منتظم ُّ التدخالت املتزايدة للدولتني في أفغانستان وسعيهما اجلوار ،إذ إن ُّ للقيام بأدوار أكثر فاعلية على مدار العامني املاضيني ال سيما فيما يتعلق بتطوير عالقاتهما مع حركة طالبان وتكثيف املواجهة مع فرع تنظيم الدولة في أفغانستان والعمل على تهميش النخب املوالية للغرب والواليات املتحدة األمريكية مبا يكشف عن امتداد وسي-اإليراني ليشمل أفغانستان باإلضافة إلى سوريا الر التحالف ُّ ّ نتيجة التقا ُر ب بني مصالح الدولتني في أفغانستان في مواجهة الواليات املتَّ حدة وحلف الناتو في إطار استراتيجية «احلرب الهجني» ( )Hybrid War Strategyالتي تتبعها روسيا جتاه االنتشار العسكري للدول الغربية في عمقها االستراتيجي(.)1
142
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان
ميكن تفسير التح ُّركات ال ُّروسية-اإليران َّية في أفغانستان بوجود «نافذة فرصة» مواتية ( )Window of Opportunityمتثلت في ا ِّتباع إدارة أوباما استراتيجية إعادة األمريكي في بؤر التوازن ( )Rebalancingالتي تقوم على تقليص االنخراط العسكري ّ الصراعات الداخلية في الشرق األوسط واالعتماد على مبادئ “القيادة من اخللف” ( )Leading from Behindوالتشارك في التكلفة واالحتواء التدريجي للتهديدات من خالل الترتيبات الدولية متعددة األطراف(.)2 ومع تقليص عدد القوات األمريك َّية في أفغانستان تَش َّكلت حالة من الفراغ امليداني ما دفع روسيا وإيران أ َّدت إلى مت ُّدد تنظيم طالبان ووالية خراسان التابعة لتنظيم داعشَّ ِ ، إلى استغالل حالة الفوضى األمنية والتم ُّدد في أفغانستان لتطويق الوجود العسكري الغربي ،واحتواء التم ُّدد العسكري لتنظيم القاعدة ،باإلضافة إلى إعادة بناء الترتيبات السياس َّية في أفغانستان بصورة حت ِّقق مصالح الدولتني وتؤ ِّدي إلى تهميش الن َُّخب السياس َّية املوالية للغرب. ّ مؤشرات التغ ُّير في سياسات روسيا في هذا اإلطار تر ِّكز الورقة على مراجعة وإيران جتاه أفغانستان ،والعوامل والسياقات التي أ َّدت إلى حتفيز التح ُّوالت في األدوار ال ُّروسية واإليران َّية والتداعيات املترتبة على سياسات الدولتني على األمن اإلقليمي والتفاعالت بني القوى الكبرى واإلقليمية املنخرطة في أفغانستان ،واملسارات ُ املت َملة لتط ُّور التح ُّركات ال ُّروسية-اإليران َّية عقب تكثيف الواليات املتَّحدة األمريك َّية لوجودها العسكري في أفغانستان. ً وسي-اإليراني فـي أفغانستان الر أول :تصاعد االنخراط ُّ ّ
تُ َع ّد التح ُّركات ال ُّروسية واإليران َّية في أفغانستان حت ُّو ًل جوهر ًّيا في سياسة الدولتني جتاه األوضاع السياس َّية واألمنية في هذه الدولة ،إذ إن العودة ال ُّروسية إلى أفغانستان تأتي بعد عقود من الهزمية العسكرية ال ُّروسية في أفغانستان عام ،1979التي كانت ضمن ُمس ِّببات تَص ُّدع ِّ االتاد السوفييتي السابق ،وهو األمر الذي دفع موسكو إلى ا ِّتباع سياسة حذرة جتاه أفغانستان قامت على دعم الوجود العسكري حللف الناتو في أفغانستان للتصدي لتم ُّدد حركة طالبان وتنظيم القاعدة في استخبارات ًّيا ولوجست ًّيا عقب عام 2001 ِّ آسيا الوسطى(.)3 التوجه على إيران التي سعت قبل عام 2001للتخلُّص من حكم طالبان وينطبق ذات ُّ ألفغانستان ،وكانت في صدارة الدول الداعمة للعملية العسكرية األمريك َّية التي أطاحت مجلة الدراسات اإليرانية
143
بالتنظيم ،كما أسهمت في مالحقة عناصر التنظيم وقياداته في املناطق احلدودية ،ويرجع توجهات طالبان املناهضة للشيعة واستهدافهم أقلي َة الهزارة ِّ الشيعِ َّية ،باإلضافة ذلك إلى ُّ إلى اقتحام القنصلية اإليران َّية في مزار شريف عام 1998من جانب طالبان وإعدام 8من الدبلوماسيني اإليران ّيني ،وهو األمر الذي دفع طهران إلى تعبئة وحشد 70ألف مجنَّد من اإليراني ونشرهم على احلدود مع أفغانستان(.)4 احلرس الثوري ّ ولم مينع التناقض اآليديولوجي بني طالبان وإيران ،التقا ُرب بني الطرفني منذ عام 2014عقب مت ُّكن صعود والية خراسان التابعة لتنظيم داعش وهيمنتها على مناطق واسعة من إقليم ناجنرهار ،باإلضافة إلى تقليص الواليات املتَّحدة تدريج ًّيا النتشارها العسكري في أفغانستان ،وهو األمر الذي دفع روسيا وإيران إلى تغيير سياساتهما جتاه أفغانستان، وسي-اإليراني في أفغانستان في ما يلي: وتتم َّثل أه ّم معالَم االنخراط ال ُّر ّ -1التقا ُرب مع طالبان :على الرغم من االنتقادات ال ُّروسية حتى عام 2013إلشراك حركة طالبان في العملية السياس َّية في أفغانستان بدعوى االمتناع عن دعم «التنظيمات اإلرهابية» ومنحها الشرعية السياس َّية ،بَيْد أن السياسة ال ُّروسية شهِ َدت حت ُّوالت جوهرية منذ عام ،2015ففي ديسمبر 2015أ َّكد املمثل ال ُّروسي لشؤون أفغانستان زامير كابولوف أن «تنظيم داعش هو العد ّو األول ملوسكو وطالبان» ،وأشار كوبولوف إلى أن «مصلحة طالبان تتوافق مع مصاحلنا» ،وكشف عن وجود قنوات اتصال لتبادل املعلومات مع احلركة(.)5 وفي ذات السياق أ َّكد السفير ال ُّروسي لدى كابل ألكسندر مانتينسكي في ديسمبر 2016 وجود َعالقات بني روسيا وطالبان ،وأنها على استعداد للوساطة بني احلكومة األفغانية والتنظيم( ،)6كما أ َّكد رئيس االستخبارات العسكرية ال ُّروسية الفريق إيجور كوروبوف خالل مؤمتر موسكو الدولي لألمن في أبريل 2017أن حركة طالبان أ َّدت دو ًرا مه ًّما في مواجهة مت ُّدد تنظيم داعش في أفغانستان ،وأن طالبان «حتظى بدعم جانب كبير من السكان، صت مساحة املناطق اخلاضعة لسيطرة احلكومة األفغانية من %75إلى %60فقط»(.)7 وتَقلَّ َ وتق ِّيم الواليات املتَّحدة الدور ال ُّروسي في أفغانستان بصورة سلبية ،إذ أ َّكد القائد األعلى للقوات األمريك َّية بأفغانستان اجلنرال جون نيكلسون خالل شهادته أمام مجلس الشيوخ في فبراير 2017أن روسيا «بدأت علنًا في إضفاء الشرعية على طالبان» ،وأن التح ُّركات اإليران َّية وال ُّروسية في أفغانستان تهدف إلى «تقويض (دور) الواليات املتَّحدة وحلف شمال األطلسي (الناتو)»(.)8 144
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان
وتبدو ال َعالقات اإليران َّية مع حركة طالبان أكثر تق ُّد ًما من نظيرتها ال ُّروسية ،إذ بدأ وج َهت طهران دعوة رسم َّية لوفد من التقا ُرب املعلن بني الطرفني في يونيو 2013حينما َّ ً فضل عن فتح مكتب متثيل لطالبان في مدينة طالبان لالجتماع مبسؤولني إيران ّيني، مشهد اإليران َّية في عام ،2014وهو األمر الذي أسهم في تعزيز التمثيل الدولي للحركة، كما أن العملية التي أسفرت عن مقتل زعيم طالبان املال أختر محمد منصور في محافظة بلوشستان في باكستان في مايو 2016كشفت عن تق ُّدم ال َعالقات بني إيران وطالبان ،إذ كان منصور عائ ًدا من إيران إلى باكستان قبل مقتله. وكشفت التحقيقات أن أختر منصور أقام في إيران ملدة شهرين قبل مقتله ،أجرى َضمنَت ا ِّتفا ًقا خاللهما مفاوضات مك َّثفة تَخلَّلَها توقيع ا ِّتفاقيات مع مسؤولني إيران ّيني ،ت َّ حول عدم انضمام الهيكل األساسي جلماعة طالبان إلى تنظيم «داعش» مقابل استمرار اإليراني لطالبان(.)9 الدعم ّ ص ّن َفت عناصر إرهابية وفي ذات السياق تستضيف طهران عد ًدا من قيادات طالبان التي ُ مطلوبة ضمن عدد من القوائم الدولية لإلرهاب ،باإلضافة إلى رعاية طهران للتنظيم سياس ًّيا ،ففي ديسمبر 2016استضافت طهران قياديني من حركة طالبان ضمن فاعليات مؤ َ اإليراني محسن أراكي ،أمني «جمعية التقريب متر «الوحدة اإلسالمية» ،وأعلن رجل الدين ّ وج َهت دعوة حضور إلى األطراف بني املذاهب اإلسالمية» ،في مؤمتر صحفي ،أن «طهران َّ ()10 غير املتشددة في حركة طالبان للمشاركة في مؤمتر الوحدة اإلسالمية الدولي» . اإليراني لدى كابول محمد رضا بهرامي في نفس ويرتبط ذلك بتصريحات السفير ّ الفترة عن وجود اتصاالت بني بالده و»حركة طالبان» ،وذلك بعدما اتهمت السلطات األفغانية طهران رسم ًّيا ،بتقدمي الدعم العسكري واللوجستي للحركة ،كما كشف املتحدث «عالقات واتصاالت الرسمي باسم حركة طالبان في أفغانستان املال ذبيح اهلل ،أن للحركة َ ّ ()11 جيدة مع إيران ضمن تفاهم إقليمي» . -2التغلغل العسكري :تصاعد التأثير العسكري لكل من روسيا وإيران في أفغانستان، ففي أبريل 2017أ َّكد القائد األعلى للقوات األمريك َّية بأفغانستان اجلنرال جون نيكلسون أنه ال ينفي التقارير التي تؤ ّكد دعم روسيا حلركة طالبان بالسالح. وأشار نيكلسون إلى وجود تقارير حول تزويد روسيا طالبا َن بأسلحة متوسطة مثل الرشاشات والبنادق اآللية ،إذ ُر ِص َدت هذه األسلحة في واليات قندهار وأروزغان وهلمند جنوبي أفغانستان ،وهو ما نَ َفته روسيا بصورة متكررة(.)12 مجلة الدراسات اإليرانية
145
وضوحا ،ففي يناير 2017أ َّكد حاكم إقليم اإليراني لطالبان أكثر ويُ َع ّد الدعم العسكري ً ّ هلمند األفغانية حياة اهلل حياة ،أن إيران سلَّ َمت صواريخ إيران َّية عابرة للمدن لتنظيم طالبان لضرب املدن األفغانية ،وأن معلومات استخباراتية كشفت عن اجتماع ملسؤولني إيران ّيني وبعض زعماء طالبان في مدينة كرمسير ،أعقبه عثور القوات األفغانية على بقايا صواريخ إيران َّية الصنع أطلقتها عناصر حركة طالبان ض ّد القوات األفغانية في معارك جرت مبدينتي كرمسير وسنكني(.)13 كما ُك ِش َف عن ألغام إيران َّية الصنع وكميات كبيرة من السالح والذخيرة خالل مداهمة مستو َدع لألسلحة تابع حلركة طالبان في فبراير ،2016وال ينفصل ذلك ع َّما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» في عام 2015حول إرسال إيران أسلح ًة إلى طالبان تشمل قذائف مورتر عيار 82ميلليمتر وبنادق آلية خفيفة وقنابل ،وبنادق كالشنيكوف ،وموا ّد لتصنيع املتفجرات والعبوات الناسفة ،وأشار مسؤولون أفغان إلى تدريب إيران مقاتلي طالبان على أراضيها في مخ َّيمات مبنطقتي مشهد وزاهدان في محافظة كرمان اإليران َّية حتت إشراف احلرس الثوري اإليراني(.)14 ّ -3الوساطة السياس َّية :أ َّدى إخفاق عملية التوفيق السياسي بني احلكومة األفغانية والفرقاء السياسيني والعشائر في أفغانستان ،وتَص ُّدع جلنة التنسيق الرباعية التي تض ّم مم ِّثلني عن أفغانستان والصني وباكستان والواليات املتَّحدة ،إلى تأسيس روسيا وإيران مسا ًرا إقليم ًّيا جدي ًدا للتسوية يقوم على التقريب بني الفرقاء السياسيني في أفغانستان، وتهميش دور الواليات املتَّحدة األمريك َّية. َّ ونظ َمت روسيا ثالث جوالت من مؤمتر السالم الدولي ،بدأت في ديسمبر 2016 مبشاركة الصني وباكستان وروسيا للتشاور حول مستق َبل السالم واألمن في أفغانستان التصدي لتم ُّدد تنظيم وتداعيات عدم االستقرار على دول اجلوار ،وركزت احملادثات على ِّ ما دفع الرئيس األفغاني أشرف غني إلى انتقاد املؤ َ متر بسبب عدم داعش في أفغانستانَّ ِ ، دعوة أفغانستان للحضور(.)15 أما اجلولة الثانية ف ُعقِ َدت في فبراير 2017مبشاركة الصني وباكستان وإيران واحلكومة األفغانية ،إذ تَع َّر َ ضت السياسات األمريك َّية في عهد أوباما النتقادات حا َّدة من جانب روسيا ،وأعرب املشاركون عن رغبتهم في التنسيق والتعاون مع إدارة الرئيس األمريكي دونالد ترامب(.)16 ّ 146
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان
و ُعقِ َدت اجلولة الثالثة في 14أبريل 2017عقب إلقاء الواليات املتَّحدة قنبلة ضخمة من طراز «جي بي يو »43-املعروفة باسم «أم القنابل» على الكهوف التي يستخدمها داعش في شرق أفغانستان ،إذ رفضت الواليات املتَّحدة الدعوة التي وجهتها إليها روسيا حلضور املؤمتر الذي ُد ِعيَت 12دولة حلضوره من بينها باكستان والهند باإلضافة إلى أفغانستان(.)17 وتسعى روسيا لتكرار منوذج رعايتها للمفاوضات بني نظام األسد وفصائل املعارضة والتوصل إلى هدنة مؤ َّقتة بني الفرقاء السياسيني يتبعها إجراءات لبناء ال ِّثقة، في سوريا ُّ خاص واأله ّم استبعاد الواليات املتَّحدة والدول الغربية من رعاية التفاوض ،والترويج ملشروع َ ّ بروسيا وحلفائها بصورة مستقلّة عبر التقا ُرب بصورة متوازية مع كل من احلكومة األفغانية وطالبان ،وفي هذا الصدد أدمجت موسكو بني املساعدات االقتصادية واالستثمارات في القطاعات االقتصادية املختلفة ،باإلضافة إلى تقدمي املساعدات العسكرية بهدف التقا ُرب مع احلكومة األفغانية واألطراف السياس َّية والعسكرية املتصارعة في أفغانستان. -4جتنيد الالجئني األفغان :تعتمد إيران على جتنيد الالجئني األفغان وإرسالهم إلى سوريا والعراق للدفاع عن املزارات ِّ الشيعِ َّية ،والقتال لدعم نظام األسد في سوريا ،ففي 30 اإليراني يونيو 2017كشفت صحيفة «نيويورك تاميز» األمريك َّية عن جتنيد احلرس الثوري ّ لالجئني األفغانيني من خالل استغالل معاناتهم من الفقر وجتنيدهم في لواء «فاطميون» الذي شُكّل عام 2014من ال ِّ شيعَة األفغان من قوم َّية “الهزارة”. ويتراوح عدد الالجئني األفغان ضمن لواء «فاطميون» بني 8آالف و 14ألف مقاتل، تقدر بنحو 800دوالر ،باإلضافة إلى إقامة ومتنح إيران رواتب شهرية لعناصر هذا اللواء َّ الشرعية ألسرهم ملدة 10سنوات مقابل الدفاع عن األضرحة ِّ الشيعِ َّية في سوريا ،ويدفع اإليراني بهؤالء املجندين إلى الصفوف األمامية جلبهات القتال في دمشق احلرس الثوري ّ وحلب وحماة والالذقية. وحتتفي القيادات الدينية والسياس َّية اإليران َّية بالقتلى األفغان في سوريا ،فتطوف احلشود شوارع طهران ومدينة قم حاملني نعوشهم قبل دفنهم ،كما التقى املرشد األعلى علي خامنئي ورئيس احلرس الثوري قاسم سليماني أ ُ َس َر قتلى امليليشيات األفغانية، ووعدوهم مبنحهم اجلنسية اإليران َّية وامتيازات اقتصادية واجتماعية متعددة(.)18 -5تقييد احلكومة األفغانية :ترى روسيا وإيران أن احلكومة األفغانية تعمل لصالح الواليات املتَّحدة وحلف الناتو ،وهو ما يدفع الدولتني إلى تصعيد الضغوط على احلكومة مجلة الدراسات اإليرانية
147
األفغانية لتقدمي تنازالت في ما يتعلق بالتفاوض مع طالبان وعدم ا ِّتباع سياسات تتعارض مع مصالح الدولتني. وكشفت زيارة الرئيس األفغاني السابق حميد كرزاي إلى روسيا في 25أبريل 2017 مدى السعي ال ُّروسي لتوسيع نطاق دورها السياسي في أفغانستان ،إذ تَض َّمن اللقاء الذي ُعقد بني كرزاي ووزير اخلارجية ال ُّروسي سيرجي الفروف تأكي ًدا لدعم روسيا ملشاركة حركة طالبان في احلوار الوطني ،كما أن كرزاي انتقد ِ بح َّدةٍ السياسات األمريك َّية في أفغانستان واتهمها بالتس ُّبب في الفوضى السياس َّية واألمنية التي تواجهها كابل ،وأثار اللقاء ً أيضا مخاوف احلكومة األفغانية بسبب اتهام كرزاي مبحاولة تقويض دعائم حكم الرئيس األفغاني أشرف غني(.)19 وفي ذات السياق تتبع إيران سياسات أكثر ِح َّدة في مواجهة احلكومة األفغانية ،ففي وتقدر بيانات َّ منظمات اإلغاثة الدولية ترحيل رحلَت إيران 130الج ًئا أفغان ًّيا، ِّ مايو َّ 2017 إيران ملا ال يق ّل عن 700ألف الجئ أفغاني منذ مطلع عام 2016من إجمالي 2.5مليون الجئ أفغاني تستهدف إيران ترحيلهم خالل 18شه ًرا ،وهو األمر الذي سيؤ ِّدي إلى زيادة عدد سكان أفغانستان بنسبة ،%10وهو ما اعتبره بعض املصادر تصعي ًدا للضغوط اإليران َّية على احلكومة األفغانية(.)20 اإليراني حسن وص َّع َدت إيران تهديداتها لألمن املائي في أفغانستان ،فانتقد الرئيس ّ روحاني في يوليو 2017مشروعات السدود األفغانية مثل سدود «كمال خان» و»كجكي” وجنوبي أفغانستان ،لكون تشييد هذه السدود مي ِّثل تهدي ًدا شمالي و”سلما” ،التي تقع في ّ ّ اإليراني .وقد أثارت هذه االنتقادات احتجاجات احلكومة األفغانية ،فكشفت األخيرة لألمن ّ ما أثر سل ًبا عن بناء إيران أكثر من 30س ًّدا مائ ًّيا على األنهار التي تتدفق إلى أفغانستانَّ ِ ، على املياه املتدفقة إلى أفغانستان ،واستهلكت إيران كميات ضخمة من املياه من منطقتَي هلمند وهاررود في أفغانستان(.)21 وسية-اإليرانية الر ثانيا :دوافع ً َّ التحركات ُّ ُّ
ترتبط التح ُّر كات ال ُّر وسية-اإليران َّية في أفغانستان بالتح ُّو الت الكثيفة في واقع التفاعالت اإلقليمية في وسط آسيا ومنطقة الشرق األوسط على مدار السنوات املاضية، إذ أ َّدت مراجعة السياسة األمريك َّية جتاه منطقة الشرق األوسط خالل الفترة الثانية من األمريكي األمريكي السابق باراك أوباما وسعيه لتقليص الوجود العسكري حكم الرئيس ّ ّ في محيط بؤر التوتُّر إلى صعود ومت ُّدد تنظيم داعش بالتوازي مع ت ََش ُّكل حالة من الفراغ 148
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان
السياسي واألمني ،سعت كل من روسيا وإيران لشغلها سري ًعا لتحقيق مصاحلها واستباق التهديدات النابعة من هشاشة األوضاع األمنية في أفغانستان ،وفي هذا اإلطار ميكن اإلشارة إلى أه ّم دوافع التح ُّركات ال ُّروسية واإليران َّية في أفغانستان على النحو اآلتي: -1استراتيجية التوازن املرن األمريك َّية :على الرغم من تأجيل حلف الناتو والواليات املتَّحدة األمريك َّية انسحابَهم من أفغانستان الذي كان مق َّر ًرا بنهاية عام ،2014فإن االنتشار أمريكي ،وعدد محدود العسكري للواليات املتَّحدة والناتو اقتصر على نحو 8400جندي ّ من القوات التابعة حللف الناتو تقتصر مهامهم على التدريب والدعم للقوات األفغانية ،وهو ما أسهم في تَش ُّكل حالة فراغ أمني في أفغانستان(.)22 األمريكي السابق باراك أوباما أو ما يُطلق وارتبطت تلك االستراتيجية بسياسات الرئيس ّ ُّ التدخل العسكري عليه «عقيدة أوباما» ( )Obama Doctrineالتي تقوم على جتنُّب تكاليف املباشر في بؤر الصراعات حول العالَم ،واالكتفاء بتكثيف الهجمات اجلوية وضربات الطائرات دون طيار على معاقل التنظيمات اإلرهابية ،بالتوازي مع تشكيل حتالفات متعددة األطراف على غرار التحالف الدولي ض ّد تنظيم داعش في سوريا والعراق(.)23 كذلك اتبعت إدارة أوباما استراتيجية التوازن املرن جتاه القوى الكبرى دول ًّيا وإقليم ًّيا، من خالل َتنُّب الدخول في صراعات مباشرة معها في القضايا التي ال َ س املصالح مت ّ ُّ التدخل ال ُّروسي في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم بأنها األمريك َّية مباشرة ،إذ ق َّيم أوباما محاوالت ملنع دول ضمن نطاق الهيمنة ال ُّروسية من االنفالت ،كما أنها تقع في مجال روسيا احليوي وليست عض ًوا في حلف الناتو ،لذلك تقع أوكرانيا ضمن املصالح املركزية ُّ التدخل لروسيا ،لكنها ليست كذلك بالنسبة إلى الواليات املتَّحدة .وفي السياق ذاته لم يدفع العسكري ال ُّروسي في سوريا باجتاه تغيير سياسة أوباما ،إذ رأى األخي ُر أنه ليس من شأن بالتوسع غير املنضبط واستنزاف قدراتها العسكرية(.)24 الواليات املتَّحدة ارتكاب خطأ فادح ُّ وشج َعت السياسة األمريك َّية روسيا وإيران على التغلغل في أفغانستان وتوسيع نطاق َّ ُّ التدخل العسكري والسياسي في سوريا لتو ُّقعهما إحجام الواليات دورهم وتكرار منوذج املتَّحدة عن التص ِّدي لتحركاتهما ،كما أن إمتام اال ِّتفاق النووي بني إيران ومجموعة 1+5في عام ،2015وس ْعي إدارة أوباما إلدماج إيران في محيطها اإلقليمي دفع إيران توسعية لتشكيل واقع جديد ُقبيل االنتخابات الرئاسية األمريك َّية إلى ا ِّتباع سياسات ُّ السلْطة ،مبواقفه املتشددة جتاه السياسات التي أسفرت عن صعود دونالد ترامب إلى ُّ ُّ التدخلية إليران. اإلقليمية مجلة الدراسات اإليرانية
149
-2تأمني العمق االستراتيجي :تسعى روسيا وإيران لتأمني محيطهما احليوي من خالل استباق التهديدات األمنية ،ألن تَش ُّكل والية خراسان التابعة لتنظيم داعش في أفغانستان بخاصة في ّظل حالة الضعف دفع الدولتني إلى البحث عن حلفاء محلِّ ِّيني ملواجهة التنظيم، َّ مؤسسات الدولة األفغانية. والتص ُّدع التي تعاني منها َّ وتُ َع ّد احلدود املشتركة بني أفغانستان وإيران البالغ طولها نحو 936كم ،مصد ًرا مباش ًرا اإليراني في ظ ّل احتماالت انتقال التهديدات عبر احلدود ،وهو ما دفع طهران لتهديد األمن ّ ُّ والتدخل املباشر في أفغانستان من خالل التحالف مع طالبان ،كما إلى استباق التهديدات مت ِّثل احلدود األفغانية مع دول آسيا الوسطى ذات ال َعالقات الوثيقة مع روسيا ،تركمنستان بخاصة مع انتقال تهديدات وأوزبكستان وطاجيكستان ،مصد ًرا لتهديد األمن ال ُّروسي، َّ تنظيم داعش عبر هذه احلدود البالغ طولها مجتمعه نحو 2087كم(.)25 املخدرات وال تقتصر التهديدات للدولتني على نشاط تنظيم داعش ،بل تشمل جتارة ِّ العابرة للحدود ،ألن %90من زراعة األفيون في العالَم تتركز في أفغانستان ،وتعاني روسيا معدالت مرتفعة للغاية من إدمان الهيروين الذي يتسبب في وفاة عدد كبير من مواطنيها َّ نتيجة اجلرعات الزائدة وانتشار مرض نقص املناعة (اإليدز) ،إذ وصل عدد مدمني املخ ِّدرات في روسيا َو ْف ًقا لإلحصاءات الرسم َّية في أبريل 2017إلى 600ألف شخص ،كما ارتفعت نسبة املدمنني بني من هم دون سن الرشد إلى ،%60لكن املعطيات غير الرسم َّية التي أعلن عنها الرئيس ال ُّروسي فالدميير بوتني في أبريل 2017تشير إلى تعاطي نحو 7.5 مليون شخص املخ ِّدرات في روسيا ،بينهم مليونان بصورة دائمة(.)26 -3استباق تهديدات داعش :تخشى روسيا وإيران انتقال قيادات تنظيم داعش الرئيسية وكوادره األكثر خبرة على املستوى امليداني من سوريا والعراق إلى أفغانستان وآسيا الوسطي ،ألن سقوط آخر معاقل التنظيم في املوصل بالعراق وتضييق قوات سوريا الدميقراطية احلصار على الرقة عاصمة التنظيم في سوريا ،قد يدفع داعش إلى نقل مركز عملياته إلى أفغانستان ،فتتحول «والية خراسان» إلى املركز َ العالي للتنظيم. يعزز ذلك ما أ َّكده رئيس االستخبارات العسكرية ال ُّروسية إيجور كوروبوف في تصريحاته في 27أبريل 2017من أن عدد مقاتلي تنظيم داعش بلغ نحو 3500مقاتل ينتشرون في والية شمال أفغانستان احملاذية للخاصرة الرخوة لروسيا في آسيا الوسطى والقوقاز ،وحسب تقرير األمم املتَّحدة الصادر في سبتمبر 2015فإن عناصر داعش ينتشرون في 25من أصل 34والية أفغانية(.)27
150
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان
وترى كل من روسيا وإيران أن استراتيجية «قطع الرؤوس» ( )Decapitationالتي اتبعتها الواليات املتَّحدة في مواجهة حركة طالبان من خالل استهداف قيادات احلركة الرئيسيني أسهمت في تفكيكها وإضعافها ،وهو ما استغلّه داعش فض ّم إلى صفوفه عد ًدا كبي ًرا من املنش ِّقني عن طالبان ،ومِ ن ثَ َّم َت َّكن داعش من هزمية حركة طالبان في معاقلها الرئيسية، وذلك قبل أن تتمكن احلركة من استعادة قوتها ومواجهة التنظيم وإحلاق هزائم متتالية به(.)28 ُّ وسي-اإليراني املباشر وغير املباشر في التدخل العسكري ال ُّر وفي هذا الصدد مي ِّثل ّ أفغانستان إعادة تطبيق الستراتيجيتهم في سوريا التي ترتكز على هزمية التنظيمات اإلرهابية في مناطق متركزها لعرقلة انتقال تهديداتها إليها ومنع عودة املقاتلني ال ُّروس ومواطني اجلمهوريات السوفييتية إلى روسيا من خالل القضاء عليهم في مناطق متركزهم خارج احلدود ال ُّروسية. ويُ َع ّد التفجير الذي حدث في مترو األنفاق مبدينة سان بطرسبرغ ال ُّروسية في 3أبريل 2017ضمن ِّ مؤشرات تصاعد استهداف التنظيمات اإلرهابية املتطرفة لروسيا ،إذ يأتي ممتدة من التهديدات الداعشية ملوسكو وتَ َو ُّعد التنظيمات املتطرفة الهجوم عقب مرحلة َّ ُّ التدخل العسكري ال ُّروسي في سوريا والعراق والقوقاز باستهداف املدن ال ُّروسية ،ر ًّدا على ()29 في سوريا والتحالف ال ُّروسي مع إيران وحزب اهلل ونظام األسد . ويكشف هذا الهجوم تغ ُّير خريطة نشاط التنظيمات اإلرهابية واجتاهها إلى التم ُّدد في مناطق متركز اجلاليات اإلسالمية في آسيا الوسطي وروسيا والصني .وينطبق ذات اإليراني وضريح ا ُ األمر على إيران التي تَع َّر َ خلميني ضت لهجوم ضخم استهدف البرملان ّ في 7يونيو ،2017وهو الهجوم األكبر الذي تشهده طهران منذ تفجيرات زاهدان في عام .)30(2010 -4مواجهة حلف الناتو :تتطابق املصالح ال ُّروسية واإليران َّية في استهداف الوجود األمريكي والغربي في أفغانستان من خالل إدارة حرب بالوكالة ()Proxy War العسكري ّ تنف ِّذها حركة طالبان لصالح الدولتني ،وهو ما ربطه بعض املصادر باإلرث التاريخي للحرب السوفييتية على أفغانستان ومحاولة االنتقام من الواليات املتَّحدة والدول الغربية التي حتالفت مع امليليشيات والتنظيمات احمللية ،وتسببت في هزمية روسيا وانسحابها بصورة ُمهِ ينة من أفغانستان ،وهو ما أ َّكده القائد األعلى للقوات األمريك َّية بأفغانستان اجلنرال جون نيكلسون في فبراير 2017حينما اتهم روسيا مبحاولة «تقويض دور الواليات املتَّحدة وحلف الناتو»(.)31
مجلة الدراسات اإليرانية
151
األمريكي في أفغانستان على حدودها تهدي ًدا مباش ًرا وترى إيران في الوجود العسكري ّ األمريكي في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان ألمنها وبقائها ،ألن االنتشار العسكري ّ ومياه اخلليج العربي وقواعد حلف الناتو في تركيا مي ِّثل تطوي ًقا حلدود الدولة اإليران َّية من االجتاهني ،كما أن احتدام الصدام بني إيران ودول اجلوار في اخلليج العربي يزيد انكشافها اجليو-سياسي وعزلتها اإلقليمية التي باتت متثل التهديد األول لطهران ،لذلك فإن اتباع استراتيجية االحتواء املضاد ( )Counter-Containmentجتاه الواليات املتَّحدة وحلف الناتو دفعها إلى استغالل حالة الضعف وعدم التماسك التي يعاني منها الوجود العسكري الغربي في أفغانستان لتعزيز دورها والتم ُّدد العسكري والسياسي(.)32 في هذا الصدد تَك َّر َرت االتهامات ال ُّروسية واإليران َّية للواليات املتَّحدة وحلف الناتو باإلخفاق في محاربة اإلرهاب على مدار 17عا ًما منذ انتشار القوات األمريك َّية ،فعلى الرغم من التف ُّوق العددي للجيش األفغاني على داعش وطالبان ،فإنه لم يتمكن من السيطرة على أقاليم الدولة كافة بسبب االنقسامات االجتماعية وتردي األوضاع االقتصادية. ومن الواضح أن موسكو تسعى لكسر اختراق حلف الناتو ملجالها احليوي من خالل دعم استهداف طالبان للوجود العسكري للناتو في أفغانستان ودفع الناتو للتراجع بعي ًدا عن ّ ويستدل على ذلك بتأييد املبعوث اخلاص للكرملني إلى أفغانستان آسيا الوسطى والقوقاز، زامير كابولوف لدعوة حركة طالبان إلى انسحاب القوات األجنبية كافة من أفغانستان دون قيد أو شرط ،مؤ ّك ًدا أن «دعوة طالبان في هذا الشأن عادلة و ُم ِحقَّة ،وأن أ ًّيا من دول اجلوار األفغاني ال تؤيد فكرة بقاء قوات أجنبية في أفغانستان»(.)33 -5تطبيق استراتيجية “شد األطراف” :تتبع روسيا وإيران استراتيجية «شد األطراف» ( )Periphery Doctrineفي مواجهة خصومهم اإلقليميني واحملليني من خالل نقل املعركة خارج نطاقاتها اجلغرافية التقليدية واستهداف مصاحلهم في بؤر صراعية متعددة ،إذ تستهدف التح ُّركات ال ُّروسية في أفغانستان والدعم ال ُّروسي املتصاعد حلركة طالبان الر ّد ُّ التدخل العسكري على العقوبات املفروضة من الواليات املتَّحدة ودول حلف الناتو بسبب ال ُّروسي في أوكرانيا وض ّم شبه جزيرة القرم إلى روسيا ،من خالل الضغط على الوجود العسكري الغربي في أفغانستان. وال ينفصل ذلك عن سعي موسكو لتأسيس نظام لألمن اإلقليمي في آسيا الوسطى والقوقاز يقتصر على دول اإلقليم ويستبعد األطراف والتحالفات األجنبية كافة ،ويقوم على 152
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان
اعتبار الواليات املتَّحدة وحلف الناتو أحد مصادر تهديد أمن واستقرار اإلقليم باإلضافة التصدي للمحاوالت الغربية للتم ُّدد في هذه املنطقة انطال ًقا من أفغانستان(.)34 إلى ِّ كما تهدف روسيا إلى تعزيز أوراقها الضاغطة على الواليات املتَّحدة والدول الغربية تتضمن ترتيبات حت ِّقق املصالح األمريكي دونالد ترامب لعقد صفقة شاملة مع الرئيس َّ ّ ال ُّروسية في أوكرانيا وشرق أوروبا وسوريا وأفغانستان في مقابل مساهمة روسيا في حتقيق السالم واالستقرار في أفغانستان وتخفيف الضغوط على قوات حلف الناتو في أفغانستان. وتط ِّبق إيران هذه االستراتيجية في مواجهة الواليات املتَّحدة باإلضافة إلى خصومها احملليني في أفغانستان ،إذ ِّ توظف إيران حتالفها مع حركة طالبان للضغط على احلكومة األفغانية وإضعاف سيطرتها على أقاليمها ،إذ اعتمدت طهران على هجمات طالبان إلعاقة مشروعات السدود األفغانية قبل اكتمالها ملنع تأثيراتها السلبية على التدفقات املائية إلى التصدي لت ََش ُّكل حكومة أفغانية قوية عسكر ًّيا متحالفة مع الغرب إيران( ،)35باإلضافة إلى ِّ ومعادية للسياسة اإليران َّية تتحول إلى تهديد مباشر على احلدود اإليران َّية ،ولتحقيق ذلك ع َّززَت طهران دعمها السياسي والعسكري لطالبان وعملت على إدارة مواجهة عسكرية بالوكالة مع احلكومة األفغانية الهشة والواليات املتَّحدة األمريك َّية وحلف الناتو ،كي تفرض إيران ذاتها طر ًفا ضمن أي معادلة لتسوية الصراع واستعادة االستقرار في أفغانستان. ً وسي-اإليراني الر ثالثا :تداعيات التوسع ُّ ّ
التدخالت ال ُّروسية-اإليران َّية الكثيفة في أفغانستان ً ُّ جدل متزاي ًدا حول الغايات أثارت األساسية التي تسعى الدولتان لتحقيقها ،فانقسم املتابعون واحملللون لسياسات الدولتني التصدي إلى اجتاهني رئيسيني ،األول يرى أن روسيا وإيران لديهما مصالح حقيقية في ِّ للتهديدات األمنية النابعة من حالة الفوضى واالضطراب في محيطهما اإلقليمي، والتي سمحت لتنظيم داعش بالتم ُّدد واالنتشار في دول اجلوار بالتوازي مع نشاط غير املخدرات العابرة للحدود وتد ُّفقات الالجئني من أفغانستان مسبوق لعصابات تهريب ِّ إلى الدول املجاورة(.)36 ويق ِّيم االجتاه الثاني السياسات ال ُّروسية واإليران َّية بصورة سلبية ،فيرى أنصار هذا االجتاه أن أفغانستان ال تعدو كونها ورقة واحدة ضمن أوراق متعددة للصراع مع الغرب، وأن التح ُّركات ال ُّروسية-اإليران َّية هي مناورات جيو-سياس َّية تفتقر إلى املبرر الواضح، وتقوم على التحالف مع تنظيمات إرهابية وميليشيات مسلَّحة غير شرعية تشرف على عمليات زراعة املخ ِّدرات واالجتار فيها ملج َّرد استعراض القدرة على التأثير في مجريات مجلة الدراسات اإليرانية
153
األحداث ،وإجبار الدول الغربية على االعتراف بثقلهم اإلقليمي وتضمينهم في عمليات تسوية الصراعات في أفغانستان(.)37 وسي-اإليراني في أفغانستان تصاعد العمليات العسكرية ويتصدر تداعيات التغلغل ال ُّر ّ حلركة طالبان َ وت ُّكنها من إيقاع خسائر ضخمة بالقوات األفغانية ،فعقب اإلعالن عن بدء هجمات الربيع ،ن َّف َذت طالبان هجو ًما عسكر ًّيا ضخ ًما على قاعدة للجيش األفغاني في مدينة مزار شريف الشمالية في 21أبريل 2017تَس َّبب في مقتل 170جند ًّيا أفغان ًّيا وإصابة عشرات ،إذ ت ََخفَّى املهاجمون في زي اجليش األفغاني واقتحموا معسكر «شاهني» بالقرب من مدينة مزار شريف(.)38 ولم تقتصر عمليات طالبان على مهاجمة قوات اجليش والشرطة ،بل باتت تستهدف بكثافة القوات األمريك َّية في أفغانستان ،حيث شنَّت طالبان هجمات متكررة على القواعد العسكرية األمريك َّية في أفغانستان التي كان من بينها هجوم في 24أبريل 2017على قاعدة عسكرية أمريك َّية في مدينة خوست أسفر عن مقتل 4جنود أفغان وإصابة 8آخرين ،إذ اصطدمت سيارة َّ مفخخة ببرج املراقبة التابع لألمن األفغاني مبعسكر «تشامبا» ،وهو قاعدة عسكرية تديرها قوات أمريك َّية ،وتزامنت هذه العملية مع زيارة مفاجئة لوزير الدفاع األمريكي جيمس ماتيس لتفقُّد األوضاع األمنية في أفغانستان( ،)39ون َّف َذت طالبان هجو ًما ّ انتحار ًّيا آخر استهدف القوات األمريك َّية في مدينة خوست في 27مايو 2017وتَس َّبب في سقوط ً 18 قتيل(.)40 على مستوى آخر ،اجتهت الواليات املتَّحدة ودول حلف الناتو لتعزيز وجودها العسكري األمريكي دونالد ترامب وزارة الدفاع األمريك َّية صالحية في أفغانستان ،فمنح الرئيس ّ حتديد حجم القوات الواجب نشرها في أفغانستان في يونيو ،)41(2017وعلى الرغم األمريكي للكونغرس بعدم نشر عدد كبير من القوات وبإعداد من تع ُّهدات وزير الدفاع ّ استراتيجية تُع َرض على الكونغرس قبل النشر الفعلي للقوات ،فإن اخلبراء العسكريني يرجحون نشر ما يتراوح بني 3000و 5000جندي إضافي لتدريب القوات األمريك ّيني ِّ األفغانية ،باإلضافة إلى طواقم الدعم اجلوي ،وهو ما قد يزيد إجمالي حجم القوات األمريك َّية إلى نحو 13000ألف جندي(.)42 كذلك أ َّكد األمني العام للناتو ينس ستولتنبرغ في 29يونيو 2017عزم حلف الناتو زيادة عدد قواته في أفغانستان ،تنفي ًذا لقرارات قمة بروكسل في مايو املاضي ،وأشار إلى تعهدات نحو 15دولة بتقدمي مساهمات إضافية من القوات في إطار عملية «الدعم
154
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان
احلازم» ،باإلضافة إلى استمرار 12ألف جندي تابعني للحلف في أفغانستان ملساعدة ودعم القوات األفغانية( ،)43كما نشرت الواليات املتَّحدة في أبريل 2017قوة عسكرية قوامها 300 جندي لتدريب القوات األفغانية في هلمند ،وهو ما يُ َع ّد أول عملية لنشر قوات أمريك َّية إضافية في أفغانستان منذ عام .)44(2014 ويؤ ّكد هذا التح ُّول في استراتيجية الناتو جتاه أفغانستان أن الوجود العسكري للحلف في محيط آسيا الوسطى لن يكون قصير األمد ،وأن سياسات تقليص االنتشار العسكري واالنسحاب من أفغانستان لم ت ُعد قائمة ،األمر الذي قد يؤ ِّدي إلى صدام بني روسيا وإيران من جانب ،والواليات املتَّحدة وحلف الناتو من جانب آخر ،بسبب تعا ُرض املصالح، وتعرض حلفاء روسيا وإيران في الداخل األفغاني لضغوط عسكرية متصاعدة من جانب قوات حلف الناتو. وعلى نقيض األهداف املعلنة من جانب روسيا وإيران حول رعاية املفاوضات بني احلكومة األفغانية ،فإن األدوار ال ُّروسية واإليران َّية تتسبب في تعثُّر عملية التسوية بسبب واإليراني لطالبان سياس ًّيا وعسكر ًّيا يدفع أدوارهم غير احملايدة ،كما أن الدعم ال ُّروسي ّ حركة طالبان إلى التش ُّدد في مواقفها ،ورفض تقدمي تنازالت أو التفاوض مع احلكومة التوسع في األقاليم األفغانية األفغانية ،واالنتظار لتعزيز موقفها التفاوضي من خالل ُّ واستعادة املناطق التي كانت تسيطر عليها ،باإلضافة إلى استهداف القوات األفغانية واألمريك َّية ،وهو ما جتده روسيا وإيران متواف ًقا مع مصاحلهما في املرحلة احلالية قبل تعزيز الواليات املتَّحدة وحلف الناتو تواجدهما العسكري في أفغانستان. خــامتـــة
تُ َع ّد التح ُّركات ال ُّروسية-اإليران َّية في أفغانستان من ُمح ِّفزات عدم االستقرار السياسي واألمني ،ألن الدعم السياسي املُعلن من الدولتني حلركة طالبان ،واملساندة العسكرية غير املُعلنة للحركة في مواجهة الواليات املتَّحدة وحلف الناتو واحلكومة األفغانية في إطار أجج الصراع الداخلي في أفغانستان احلرب بالوكالة بني احملورين األمريكي وال ُّروسيَّ ، ّ وأضعف قدرة القوات األفغانية على مواجهة التنظيمات اإلرهابية وميليشيات التهريب. كذلك تأسست جهود الوساطة ،التي تديرها روسيا بدعم من الصني وباكستان وإيران، على تهميش احلكومة األفغانية واستبعاد القوى السياس َّية املؤيدة للغرب في أفغانستان، في مقابل اإلصرار ال ُّروسي على إدماج حركة طالبان في احلوار األفغاني وإضفاء شرعية مجلة الدراسات اإليرانية
155
ما أسهم في حتويل آلية الوساطة واحلوار ال ُّروسية إلى وسيلة سياس َّية على احلركةَّ ِ ، جديدة للدعم السياسي لطالبان والضغط على خصومها السياسيني. ومن املرجح أن يؤ ِّدي تعزيز االنتشار العسكري للواليات املتَّحدة وحلف الناتو في أفغانستان إلى تغيير معادالت التوازن السياسي والعسكري من خالل دعم صمود احلكومة األفغانية في مواجهة حتالف «روسيا-إيران-طالبان» ،والضغط على موسكو وطهران لتحجيم تدخالتهما في الشؤون األفغانية ،وفي هذا الصدد من املرجح أن يحكم االستقطاب ُ ُّ املتدم بني املعسك َرين ال ُّروسي والغربي في أفغانستان عِ َّدة مسارات أساسية ،أولها التصعيد الكامل بني الطرفني وإدارة صراع بالوكالة في بؤر الصراعات األكثر احتدا ًما في الشرق األوسط، بداية من ليبيا ومرو ًرا بسوريا وانتها ًء بأفغانستان ،بسبب تعارض مصالح الطرفني ،وس ْعي روسيا للضغط على حلف الناتو بعي ًدا عن خاصرتها الرخوة في أوروبا الشرقية. واملسار الثاني هو التراجع التكتيكي لروسيا وإيران لتجنُّب الصدام املباشر مع الواليات املتَّحدة وحلف الناتو ،واالكتفاء بالتأثير غير املباشر على األوضاع في أفغانستان ،وهو احتمال ُمستب َعد في ظ ّل وجود مصالح ثابتة وغير قابلة للتفاوض للدولتني في أفغانستان. بالتوصل إلى صيغة للتعايش املُشترك بني املعسكرين ال ُّروسي أ َّما املسار الثالث فيرتبط ُّ حدا أدنى من التوافقات ،إال أنها لن متنع حدوث توتُّرات وصدامات بني والغربي تتضمن ًّ الطرفني بسبب تعارض املصالح بينهما. التوصل إلى وأخي ًرا يرتبط املسار الرابع بالتفاعالت بني املُعسكرين ال ُّروسي والغربي في ُّ صفقة كاملة تتضمن تسوية جلميع القضايا اخلالفية بداية من الدور ال ُّروسي في أوكرانيا، منصات والعقوبات الغربية على موسكو ،مرو ًرا بتم ُّدد حلف الناتو في شرقي أوروبا ونشر َّ ّ مضا َّدة للصواريخ الباليستية على احلدود ال ُّروسية ،وانتهاء بتوزيع متوازن لألدوار بينهم في مناطق الصراعات في سوريا وأفغانستان وليبيا ،وعلى الرغم من استناد هذا السيناريو األمريكي دونالد ترامب وال ُّروسي فالدميير بوتني على املستوى إلى التقارب بني الرئيسني ّ املؤس ِس َّية واإلرث التاريخي والتضا ُرب الكبير في املصالح بني الشخصي ،فإن املقاومة َّ الدول والفاعلني من غير الدول األعضاء في املعسكرين املتعارضني ،جتعل هذا السيناريو صعب التحقُّق ،على األقل في األمد القريب.
156
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان
قائمة املراجــع والهوامــش (1) Christopher S. Chivvis: “ Understanding Russian “Hybrid Warfare” and What Can be Done About It?”, Washington: Rand Corporation, March 22, 2017, pp.14(2) Jeffery Goldberg: “The Obama Doctrine”, The Atlantic, April 2016: https://www.theatlantic. com/magazine/archive/201604//the-obama-doctrine/471525/ (3) Amin Tarzi: “Iran, Russia, and the Taliban: Reassessing the Future of the Afghan State”, Philadelphia, PA: The Foreign Policy Research Institute, June 14, 2017: http://www.fpri.org/ article/201706//iran-russia-taliban-reassessing-future-afghan-state/ (4) Joshua Levkowitz: “Iran’s Taliban Gamble in Afghanistan”, Washington: MIDDLE EAST INSTITUTE, May 17, 2017: http://www.mei.edu/content/article/iran-s-taliban-gamble-afghanistan https:// :2017 ديسمبر28 ،» «طالبان لم ت ُعد العد ّو األول لروسيا في أفغانستان:((( صحيفة العرب اللندنية goo.gl/VrMyHp يناير5 ،» تقارب لضرب الناتو والوجود األميركي في أفغانستان: «روسيا وطالبان:((( صحيفة العرب اللندنية https://goo.gl/Zeyubu :2017 ً ملحوظا في ص ّد زحف «داعش» في طالبان لعبت دو ًرا: «االستخبارات العسكرية الروسية:((( روسيا اليوم https://goo.gl/Mjc1hX :2017 أبريل26 ،»أفغانستان (8) Erin Cunningham:” While the U.S. wasn’t looking, Russia and Iran began carving out a bigger role in Afghanistan”, Washington Post, April 13, 2017: https://goo.gl/QTjtzA (9) Joshua Levkowitz: “Iran’s Taliban Gamble in Afghanistan”, Op.Cit., ديسمبر14 ، موقع العربية اإلخباري،» «إيران تستضيف قياديني من طالبان مبؤمتر بطهران:(( صالح حميد1( https://goo.gl/sCWvWN :2017 :2017 ديسمبر10 ،» «سفير إيران في كابول يؤكد اتصاالت بالده مع طالبان:(( موقع العربية اإلخباري1( https://goo.gl/ac2pnf (12) Thomas Gibbons-Neff: “ Russia is sending weapons to Taliban, top U.S. general confirms”, Washington Post, April 24, 2017: https://goo.gl/XUM462 :2017 يناير23 ،» إيران تدعم طالبان بالصواريخ لضرب قواتنا: «أفغانستان:(( موقع العربية اإلخباري1( https://goo.gl/k5PbyR (14) Margherita Stancati: “Iran Backs Taliban With Cash and Arms”, Wall Street Journal, June 11, 2015: https://www.wsj.com/articles/iran-backs-taliban-with-cash-and-arms-1434065528 (15) Baqir Sajjad Syed: “Pakistan, “China, Russia agree to expand talks on Afghanistan”, The Dawn, December 28, 2016: https://www.dawn.com/news/1304931 (16) Hashim Wahdatyar: “ 4 Reasons Russia Increasingly Favors the Taliban in Afghanistan”, The Diplomat, February 14, 2017: http://thediplomat.com/20174-/02/reasons-russia-increasingly-favorsthe-taliban-in-afghanistan/ (17) Deutsche Welle: “US skips out on Afghanistan-Taliban conference in Moscow”, April 14, 2017: http://www.dw.com/en/us-skips-out-on-afghanistan-taliban-conference-in-moscow/a-38426486 (18) ALI M. LATIFI: “ How Iran Recruited Afghan Refugees to Fight Assad’s War”, New York Times, June 30 ,2017: https://www.nytimes.com/201730/06//opinion/sunday/iran-afghanistan-refugeesassad-syria.html (19) Howard Amos: “ Karzai Hails Deepening Russian-Afghan Ties”, The Mosco Times, 25 June 2015: https://themoscowtimes.com/articles/karzai-hails-deepening-russian-afghan-ties-47699
157
مجلة الدراسات اإليرانية
(20) Pakistan Defence: 130,000 Afghan Refugees Deported From Iran So Far This Year”, May 22, 2017: https://defence.pk/pdf/threads/130000--afghan-refugees-deported-from-iran-so-far-thisyear.497315/ (21) Chahar Burjak: “Dam project promises water – but also conflict – for dusty Afghan border lands”, The Guardian, March 22, 2017: https://www.theguardian.com/global-development/2017/ mar/22/afghanistan-dam-project-iran-nimruz-helmand-river (22) Patrick Nopen: “The Impact of the Withdrawal from Afghanistan on Russia’s Security”, Security Policy Brief, No.54, GMONT – Royal Institute for International Relations, March 2014, pp.18(23) Jeffery Goldberg: “The Obama Doctrine”, Op.Cit., (24) Derek Chollet, Ellen Laipson, Michael Doran, and Michael Mandelbaum: “Does the Middle East Still Matter? The Obama Doctrine and U.S. Policy”, The Washington Institute for Near East Policy, April 14, 2016: https://goo.gl/f9a6N1 (25) Maps Of World website: “Afghanistan Borders”, 2017: https://goo.gl/HCoEuT (26) Russian Reality: “ Putin noted the growth in the number of drug addicts in Russia by 60%”, April 28, 2017: https://goo.gl/Ny3mNq (27) Russian News Agency: “ IS recruiting Taliban fighters in Afghanistan — Russia’s General Staff”, April 26, 2017: http://tass.com/defense/943431 (28) RICHARD WHITE: “ Five Years After Killing Bin Laden: The Failure of Decapitation Strategy”, Insergentsia, May 2017, https://goo.gl/NMsa38 ملاذا أصبحت روسيا في صدارة أهداف التنظيمات: «تفجيرات سان بطرسبرغ:(( محمد عبد اهلل يونس2( https://goo.gl/b5FzDe :2017 أبريل4 ، مركز املستقبل لألبحاث والدراسات املتقدمة،»اإلرهابية؟ يونيو7 ،» هجوم مسلح على الشورى وانتحاري عند ضريح اخلميني.. «إيران:(( موقع العربية اإلخباري3( :2017 https://goo.gl/9NsvB5 (31) Washington Post: “Russia is sending weapons to Taliban, top U.S. general confirms”, April 24, 2017: https://goo.gl/mtQnEY (32) Ajay Patnaik: “Central Asia: Geopolitics, security and stability”, (New York: Routledge, 2016), pp.219221(33) Bloomberg:”Russia Backs Afghan Taliban Demand to Withdraw Foreign Troop”, March 31, 2017: https://goo.gl/EnWTVB (34) Stratfor:“Russia Re-Evaluates Security Ties in Central Asi”, March 3,2016: https://worldview. stratfor.com/analysis/russia-re-evaluates-security-ties-central-asia (35) Ahmad Majidyar: “ Iranian Support for Taliban Alarms Afghan Officials”, Middle East Institute, January 2017: http://www.mei.edu/content/io/iranian-support-taliban-alarms-afghan-officials (36) Hashim Wahdatyar: “ 4 Reasons Russia Increasingly Favors the Taliban in Afghanistan”, Op.Cit., (37) Ryan Browne: “ US sees a resurgent Russian military expanding into Afghanistan, Libya”, CNN Politics, March 28, 2017: http://edition.cnn.com/201728/03//politics/russia-afghanistan-libya-syria/ index.html (38) New York Times: “Taliban Attack Afghan Army Base, Killing Dozens”, April 21, 2017: https:// www.nytimes.com/201721/04//world/asia/taliban-attack-afghanistan.html (39) The Dawn: “ Bomb attack hits US base in Afghanistan’s Khost”, April 24, 2017: https://www. dawn.com/news/1328937 (40) Time Magazine: “Suicide Car Bomb Kills at Least 18 in Afghanistan”, May 27, 2017: http:// time.com/4796563/afghanistan-suicide-car-bomb-taliban/ 2017 مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو
158
دوافع وتداعيات التدخالت الروسية – اإليرانية في أفغانستان
(41) Washington Post: « Trump gives Pentagon authority to set troop levels in Afghanistan”, June 13, 2017: https://goo.gl/jfDyGy (42) New York Times: “ Trump Administration Is Split on Adding Troops in Afghanistan”, May 23, 2017: https://goo.gl/0g2bA0 ( ((4صحيفة الشرق األوسط اللندنية« :الناتو :قوات إضافية إلى أفغانستان ..وتكثيف التعاون مع أوروبا في مكافحة اإلرهاب» 30 ،يونيو https://goo.gl/czgqVh :2017 ( ((4موقع العربية اإلخباري« :قوات أميركية إلى أفغانستان ألول مرة منذ 30 ،»2014أبريل https:// :2017 goo.gl/7KpZYS
مجلة الدراسات اإليرانية
159
المصالح االقتصادية الروسية فى إيران بين الشراكة والعقوبات أسماء حسن اخلولي باحثة متخصصة في شؤون الطاقة والقضايا الدولية
تعددت مجاالت ال َعالقات الروسية-اإليران َّية على م ّر التاريخ ،كما مرت مبراحل مختلفة تراوحت فيها بني التعاون والتنافر ،أو بني أنها َّ الصداقة والنزاع ،غير أن أولويات السياسة الداخلية واالستراتيجيات اخلارجية لدى كل منهما خالل املرحلة الراهنة أسهمت بشكل كبير التفاهم والتقارب بني اجلانبني إنعكست في إيجاد مساحة من ُ في شكل تعاون في عدد من املجاالت املختلفة .فمن ناحية تنظر إيران إلى روسيا باعتبارها قوة توازن من شأنها أن تق ِّلل من الهيمنة الغربية على املنطقة ،وفى هذا اإلطار ال متانع إيران من تقدمي بعض التنازالت لروسيا .ومن ناحية أخرى تسعى روسيا لتوسيع نفوذها في ً فضل عن منطقة الشرق األوسط وحماية مصاحلها االستراتيجية، االستحواذ على جزء كبير من التعاون االقتصادي مع إيران التي ُتعتبر مهمة ومؤثرة في املنطقة. دولة َّ
160
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
املصالح االقتصادية الروسية فى إيران بني الشراكة والعقوبات
حـد ذاتهـا ،بـل هـي جـزء مـن نهـج إن روسـيا ال تعتبـر سياسـتها جتـاه إيـران غايـة فـي ّ اسـتراتيجي أكبـر يضـ ّم أطرا ًفـا متعـددة .لكـن حتديـ ًدا تبـدو سياسـة موسـكو جتـاه إيـران مرتبطـة بعـدد مـن احملـ ِّددات ،منهـا َعالقـة إيـران املتأزمـة مـع الواليـات املتَّحـدة ومـدى اسـتفادتها من اخلالف بينهما ،واألمن القومي الروسـي وارتباطه بالتط ُّورات اإلقليمية في وعالقة روسـيا به، القوقاز وآسـيا الوسـطى ومنطقة الشـرق األوسـط ،وملف إيران النووي َ ويُضـاف إلـى تلـك احملـ ِّددات املصالـح االقتصاديـة الروسـية فـي إيـران. تُ َع ّد إيران شريكا اقتصاد ًّيا ُمهِ ًّما لروسيا ،ال سيما في ضوء اعتماد اخلارجية الروسية في إقامة شبكة َعالقاتها االقتصادية مع العالَم اخلارجي على الشركات الروسية احلكومية جناحا مه ًّما على وشبه احلكومية املدعومة من الرئيس بوتني وإدارته ،التي حقَّقت بدورها ً صعيد ال َعالقات االقتصادية مع إيران( .)1وال شك أن التقارب االقتصادي بني البلدين خالل املرحلة الراهنة يطرح مزي ًدا من التساؤالت حول أسبابه وأبعاده ومجاالته ،وانعكاساته على كل منهما. في هذا السياق ستُلقِ ي الدراسة الضوء على أه ِّم َّية إيران استراتيج ًّيا لروسيا ،ثم ً وصول إلى ا ِّتفاقات عام 2017حول استبدال تتناول تاريخ ال َعالقات الروسية-اإليران َّية ً وصول ال ِّنفْط بالغذاء ،مرو ًرا باستعراض واقع ال َعالقات االقتصادية الراهنة بني البلدين، إلى استعراض القطاعات اإليران َّية التي ترغب روسيا في السيطرة عليها ،وأخي ًرا بحث مستقبَل ال َعالقات االقتصادية بني البلدين ،ال سيما أن ال َعالقة على اجلانب العسكري ً عامل حاس ًما في تشكيل التط ُّورات في تَ َو َّط َدت حتى أصبحت خالل املرحلة األخيرة الشرق األوسط. ً واألهم َّية االستراتيجية إليران أول :روسيا ِّ
منــذ القــدم تُ َعـ ّـد إيــران مجــاال جيو-سياس ـ ًّيا حيو ًّيــا لروســيا ،إذ َتـ َّـدث بطــرس األكبــر قيصــر روســيا( )2فــي وصيتــه عــن امليــاه الدافئــة والوصــول إلــى اخلليــج الفارسـ ّـي الغنـ ّـي بالثــروات كضــرورة ،وذلــك لتأمــن املصالــح الروســية وربــط األراضــي الروســية مبيــاه ـدب احليــاة فــي األراضــي الروســية املتجمــدة .ولــم يـ ِ ـأت قيصــر آخــر بعــد احمليــط كــي تـ ّ بطــرس إال اهت ـ ّم بتلــك الوصيــة ،بــل ولــم يعتبرهــا أي منهــم مج ـ َّرد فكــرة ُمه َملــة ،بــل اتفــق جميعهــم عليهــا وأ َّيدوهــا تأمي ًنــا للمصالــح الوطنيــة .ورغــم مــرور مئــات الســنوات وإســقاط القياصــرة ووصــول هــؤالء الذيــن يتكلمــون عــن العوملــة وعــن ِّ االتــاد َ العالــي للكادحــن والعمــال وعــن حســن اجلــوار إلــى ُسـ َّـدة احلكــم ،فــإن املصالــح الوطنيــة املدونــة فــي وصيــة مجلة الدراسات اإليرانية
161
بطــرس األكبــر واملنقوشــة فــي قلــب الزعمــاء ظلَّــت مبــدأً لــكل مــن جــاؤوا بعــده ،ومِ ــن ثَ ـ َّم لــم يتمكــن أي حاكــم روســي مــن الوفــاء بوعــود بعــض احلــكام بتســوية اخلــاف احلــدودي مــع اجلــارة إيــران وتســليمها أراضيهــا املغتصبــة ،فــي الوقــت نفســه حالــت املصالــح دون االعتــداء علــى اجلــارة اإليران َّيــة(.)3 تكتسـب األراضـي اإليران َّيـة أهميتهـا فـي ضـوء املكانـة اجليو-سياسـية التـي حتتلهـا فـي السـاحة اإلقليمية والدولية باعتبارها معب ًرا يربط بني وسـط آسـيا وشـرقها من جهة ،وبني ً فضل عـن هيمنتها على مضيـق هرمز الذي غـرب آسـيا والبحـر املتوسـط من جهة أخـرى، أكسـبها أه ِّم َّيـة اسـتراتيجية َ عاليـة( .)4وإيـران بهـذا املوقـع تطـ ّل علـى أهم ثالثة مسـطحات مائيـة :اخلليـج العربـي فيسيوغرافيا إيران فـي اجلنـوب الغربـي، والبحـر العربـي واحمليـط الهنـدي فـي اجلنـوب، و بحـر قز و يــن فـي الشـمال بطـول مـا يقـرب مـن 2500كيلومتر ،وتلك املكانـة البحريـة الناجتـة عـن امتـداد السـواحل المصدر The Geopolitics of Iran: Holding the Center of a Mountain Fortress, https://goo.gl/v86XrM : ُشـرف اإليران َّيـة جعلتهـا ت ِ علـى خطـوط إمـداد ال ِّنفْط الذي يُ َعـ ّد العمود الفقري لقطاعات النقـل والصناعات وغيرها َ العالـي(.)5 مـن مجـاالت منـو االقتصـاد وال يعد املوقع اجلغرافي املصدر الرئيسي ألهمية إيران وتأثيرها وحسب ،بل ثرواتها ال ِّنفْطية الضخمة ،فإيران ت ُِط ّل على بحر قزوين الذي يحتوي على احتياطيات ضخمة من ال ِّنفْط والغاز ،األمر الذي يجعلها رابع أكبر احتياطي للنفط اخلام في العالم وثاني أكبر ما احتياطي للغاز الطبيعي في العالم( .)6وتُعتبر تلك االحتياطيات ثروة اقتصادية ضخمةَّ ِ ، جعل تلك املنطقة َم َح ّط نظر روسيا على مر السنوات ،ومجال اهتمام شركاتها ال ِّنفْطية التي تسعى لتوسيع استثماراتها في حقول ال ِّنفْط اإليران َّية ،حلفظ مكانتها في السوق ال ِّنفْطية َ العالية ،وتأكيد نفوذها في تلك املنطقة احليوية التي هي مح ّل تنافس بني القوى الدولية الرئيسية في ال ِّنظام الدولي.
162
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
املصالح االقتصادية الروسية فى إيران بني الشراكة والعقوبات
العالقات االقتصادية بني روسيا وإيران ً تطورات َ ثانياُّ :
ظلّت ال َعالقات االقتصادية بني البلدين وثيقة الصلة بالسياسة وحت ُّوالتها ،سواء على الصعيد الداخلي في البلدين أو على صعيد موقع كل من البلدين في السياسة اإلقليمية والدولية ،لكن ميكن القول إن التعاون االقتصادي بعد الثورة اإليران َّية ظ ّل محدو ًدا ،وكانت بداياته في عام 1986عندما عقد الطرفان املباحثات واملشاورات لبحث فرص التعاون في هذا املجال ،وقد نتج عن تلك املشاورات توقيع ا ِّتفاق بعيد األمد في ما يتعلق بالتعاون االقتصادي والفني بقيمة 15مليار دوالر( ،)7ورغم أن التعاون ظ ّل محدو ًدا خالل هذه ومقدمة إلحداث مزيد من التقارب بني البلدين في املرحلة ،فقد كان هذا اال ِّتفاق حافزًا ِّ املجاالت األخرى في ما بعد .فبعد تفكك ِّ االتاد السوفييتي بدأت ال َعالقات السياسية َعم َقت ال َعالقات الثنائية ،فلم ت ُعد إيران ترى تأخذ ً منحى مختل ًفا بني البلدين ،وعلى أثرها ت َّ في روسيا خط ًرا يه ِّدد أمنها ،وبدأ تبادل الزيارات الرسم َّية بني قيادات البلدين َ وت َّر َك مع السياسة وتط ُّوراتها اإليجابية التعا ُون في املجال االقتصادي ،فبدأ كل طرف يحظى بوجود اقتصادي متزايد في أسواق الطرف اآلخر. وكان تدشني التعاون في املجال النووي من أبرز مالمح تَط ُّور ال َعالقة بني البلدين، فدخلت روسيا الستكمال بناء محطة بوشهر النووية عام ،1995بعد انسحاب أملانيا وأوكرانيا من املشروع بسبب الضغوط األمريك َّية واإلسرائيلية .وفي أثناء زيارة خامتي ملوسكو في نهاية التسعينيات أُع ِلنَت موافقة روسيا على بناء ثالثة مفاعالت نووية أخرى بتكلفة تقدر بنحو مليا َري دوالر( ،)8ثم اتسعت املصالح االستراتيجية املشتركة بني البلدين لتتخطى التعاون النووي ،حتى إن إيران بدأت تنظر إلى روسيا باعتبارها مصد ًرا أساس ًّيا للتسليح واملساندة التي ميكن أن تخ ِّفف الضغوط الدولية املفروضة على إيران بقيادة الواليات املتَّحدة األمريك َّية. وقد تَعزَّز التعاون االقتصادي والعسكري بني البلدين من خالل عدة ا ِّتفاقيات ُو ِّق َعت َوصل بينها في ما يتعلق بإمداد إيران باألسلحة الدفاعية كالدبابات وقطع الغيار ،كذلك ت َّ البلدان إلى ا ِّتفاق حول ال ِّنظام القانوني الستخدام موارد مياه بحر قزوين املثار اجلدل حولها من قبل الدول اخلمس املطلة عليه ،وا َّت َفق اجلانبان ً أيضا على معارضة وجود قوات أجنبية في تلك املنطقة ،على أن يتم العمل على م ّد أنابيب البترول إلى هذا البحر( ،)9إذ تهدف روسيا إلى استغالل الفرص االقتصادية املتاحة لدى طهران بعد اال ِّتفاق النووي، املجمدة الذي مبوجبه ستستعيد إيران ما بني 100و 140مليار دوالر من عائدات ال ِّنفْط َّ مجلة الدراسات اإليرانية
163
في املصارف األجنبية( ،)10وهو ما سيو ِّفر سيولة مالية ضخمة بالتزامن مع الفوائض املالية التي ستحصل عليها بعد زيادة إنتاجها من ال ِّنفْط والغاز بعد رفع العقوبات الدولية عنها. اإليراني في وقت ويُشير ا ِّتفاق ال ِّنفْط مقابل السلع إلى دور روسيا في دعم االقتصاد ّ كان هذا االقتصاد يعاني فيه الضغوط والعقوبات ،وقد تَغ َّير مضمون اال ِّتفاق أكثر من مرة منذ بدء العمل به في ،2014فهو حينذاك قضى باستيراد روسيا 500ألف برميل من اإليراني يوم ًّيا مقابل حصول إيران على سلع قيمتها 1,5مليار دوالر شهر ًّيا ،ثم ُعلّق ال ِّنفْط ّ اإليراني في بداية ذلك اال ِّتفاق مخافة تأثيره على املفاوضات النووية .وبعد اال ِّتفاق النووي ّ إيراني ،حتى انتهى األمر روسي في تنفيذ اال ِّتفاق مقابل إصرار 2016بدا تَ َر ُّدد أو تل ُّكؤ ٌّ ّ ينص على تصدير إيران 100ألف برميل نفط يوم ًّيا إلى روسيا بإبرام ا ِّتفاق في مايو ّ 2017 بعد أن كان إطار اال ِّتفاق األول في 2014يقضى بتصدير 500ألف برميل .ومن نتائج هذا مب َع َّدات سكك اال ِّتفاق حسب التليفزيون اإليراني “برس تي في” ،فقد ز ّو َدت موسكو إيران ُ ّ حديد وآالت ثقيلة وتكنولوجيا جوية مقابل %50من ك ِّمية ال ِّنفْط املت َفق عليها ،على أن تُس ِّدد روسيا قيمة الكمية املتبقية من ال ِّنفْط نق ًدا(.)11 اإليراني على استمرار ا ِّتفاق املقايضة مع روسيا ناجت عن مخاوفها ويبدو أن اإلصرار ّ من املواقف املتباينة للواليات املتَّحدة في ما يتعلق باال ِّتفاق النووي ،واحتمال مراجعة بنوده ً فضل عن استمرار سياسة حسبما يل ِّوح الرئيس ترامب منذ حملته االنتخابية حتى اآلن، العقوبات سواء في عهد أوباما أو خلفه ،وتلويح ترامب بفرض عزلة على طهران ،وهو اإليراني ألضرار بالغة ،كما قد يَ ُحول دون السماح إليران األمر الذي قد يع ِّرض االقتصاد ّ باالندماج في منظومة االقتصاد الدولي .كما أن الواليات املتَّحدة لم ترفع بَ ْع ُد العقوبات االقتصادية عن القطاعات اإليران َّية ككل ،وال يزال بعض املصارف األجنبية تخشى التعامل مع الشركات اإليران َّية .في مقابل ذلك ُت ِاول روسيا أن تظ ّل في وضع وسط ،بحيث تكسب و ّد القوى الغربية بعدم إظهار تعاون كبير مع إيران ،والعمل في الوقت نفسه على اقتناص كل فرصة سياسية واقتصادية سانحة لتعزيز وجودها االقتصادي والسياسي في إيران ،لذا لم متانع روسيا تلبية رغبة إيران بفتح الباب للتفاوض على إعادة العمل باال ِّتفاق ،اعتقا ًدا من موسكو بأه ِّم َّية احلفاظ على َعالقة إيجابية مع إيران ،وإميا ًنا بأن الشراكة مع إيران من وترسخ دورها شأنها أن تُغنِي عن التنافس معها ،ناهيك بأن هذه ال َعالقة تعزِّز نفوذ روسيا ِّ ووجودها في الشرق األوسط. 164
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
املصالح االقتصادية الروسية فى إيران بني الشراكة والعقوبات
ً ثالثاّ : ومعدالت التبادل التجاري مؤشرات التعاون َّ
مع بداية األلفية اجلديدة بدت حالة من الرواج التجاري بني كل من طهران وموسكو، ظهرت ّ واملؤسسات التجارية واالقتصادية مؤشراتها في وجود عدد كبير من الشركات َّ ً فضل عن تَنَ ُّوع مجاالت عمل تلك الشركات بني العمل في مجال الروسية العاملة في إيران، ال ِّنفْط والغاز وشركات التعدين والصلب والسيارات .ودليل ذلك أن حجم التجارة بني إيران وروسيا قد منا ِّ باطراد منذ بداية العقد األول من القرن احلادي والعشرين ،ووصل إلى ذروته في 2011/2010ليسجل حجم التجارة نحو 3,7مليار دوالر( ،)12بلغت الصادرات الروسية منها 3,4مليار دوالر. لكن بد ًءا من عام ،2012أي بعد فرض عقوبات غربية جديدة على إيران ،فانفصلت إيران عن نظام الدفع بني البنوك الدولية “ ،”SWIFTوبدأت الشركات الروسية تواجه مشكالت كبيرة في ما يتعلق األمر بعملية التسوية املالية مع الشركاء اإليران ّيني ،كما أدت ما أ َّدى بدوره العقوبات إلى زيادة كبيرة في تكلفة ممارسة األعمال التجارية داخل إيرانَّ ِ ، إلى انخفاض حجم التجارة الثنائية إلى 1,25مليار دوالر في عام .)13(2015 كانت منتجات صناعة الصلب تستحوذ على النصيب األكبر من حجم الصادرات عي مص ِّنعو الصلب الروس التجار الدوليني الروسية إلى إيران في وقت فرض العقوبات ،إذ َّ ُو َسطا َء ،مقابل منحهم ِح َّصة من األرباحَ ، حل ّل مشكلة الوصول إلى العمالت األجنبية. مع بدء رفع العقوبات الغربية عن طهران ،اخترقت الشركات الروسية السوق اإليران َّية لينمو حجم التجارة الروسية-اإليران َّية من 1,25مليار دوالر في عام 2015إلى ما يقرب من ً فضل عن املشاركة في مشروعات مليا َري دوالر عام ،2016إذ استؤ ِن َفت شحنات األسلحة، البنية التحتية املم َّولة من القروض الروسية ،كما تضاعفت صادرات املنتجات غير ال ِّنفْطية من روسيا إلى إيران(.)14 وبعد رفع العقوبات لم تب َق أي مشكالت تتعلق بنظام الدفع ،وهو ما أسهم في توقيع روسيا وإيران عشرات مذ ِّكرات التفاهم املتعلقة باملشروعات الصناعية ،والتي قد تصل قيمتها إلى 40مليار دوالر( ،)15لكن حتى اآلن لم تدخل تلك املشروعات ح ِّيز التنفيذ .في الوقت نفسه و َّق َعت إيران وروسيا ا ِّتفاقية جمركية ملا يُ َس َّمى “املمر األخضر” ،مبا في ذلك تبادل املعلومات حول تَ َد ُّفق البضائع بني اجلمارك. كذلك انعكس من ّو التعاون االقتصادي على حجم التجارة الشهري بني اجلانبني ،ففي يناير 2017أفادت التقارير بأن حجم التجارة قد تضاعف تقري ًبا على أساس سنوي مجلة الدراسات اإليرانية
165
من عام 2016إلى 155مليون دوالر( ،)16وتواكب مع هذه الزيادة منو الصادرات الروسية إلى الصنع .كما رصد صندوق النقد الدولي إيران ،التي كان أغلبها من املاكينات والسلع تا َّمة ُّ ()17 النم ّو في القطاع غير ال ِّنفْطي في إيران الذي زاد بنسبة ٪0.9في . 2017/2016 املعدالت املتسارعة من النم ّو والشراكة املتزايدة ،أصبحت السوق اإليران َّية سو ًقا بهذه َّ مه َّمة اجتذبت رأس املال الروسي ،وقد تركزت خالل تلك املرحلة صادرات روسيا إلى إيران في القمح والشعير والصلب املدر َفل ،ومن املرجح زيادة صادرات اآلالت الروسية إلى إيران، اإليراني. وال سيما توريد ُم َع َّدات لقطاع الطاقة ّ وفى سياق تسهيل التعامالت االقتصادية اتفق البلدان على التبادل التجاري باستخدام العمالت الوطنية في سبتمبر ،2016ودار حديث عن تطوير بنك إسالمي مشت َرك في ً فضل عن بحث اجلانبني فتح حسابات ديسمبر ،2016ويبدو أنه مشروع قيد الدراسة، مؤسسات االئتمان في البلدين ،وكذلك التعاون في مجال مكافحة غسل مراسلة بني َّ حصل عليها بوسائل إجرامية وأموال متويل اإلرهاب( .)18لكن يبقى األموال ،واألموال التي يُ َ اإليراني قائم بأكمله على أحكام الشريعة اإلسالمية امللزمة القول إن ال ِّنظام املصرفي ّ للشركات األجنبية ،وهذا األمر قد يعرقل بعض ا ِّتفاقيات التعاون في املجال املصرفي. رابعا :روسيا ومجاالت التعاون االقتصادي مع إيران ً
صدر زراعي ها ّم، بخاص ًة بعد انقطاع أصبحت طهران ذات أه ِّم َّية كبيرة ملوسكو ك ُم ِّ َّ الصادرات الزراعية األوروب َّية إلى روسيا ،كشكل من أشكال العقوبات الدولية املفروضة عليها ،إذ بدأت روسيا -في أعقاب توتُّر عالقتها مع الغرب في ضوء ض ِّمها شبه جزيرة مفتاحا القرم -البحث عن فرص استثمار وجتارة في آسيا ،مبا في ذلك إيران التي تُعتبر ً ُمهِ ًّما للنفوذ في منطقة الشرق األوسط .وتوجد مجاالت متعددة تهدف موسكو إلى السيطرة عليها في إيران في ظ ّل احتياج األخيرة إلى تد ُّفق رؤوس األموال واالستثمارات وفتح األسواق أمام منتجاتها ملعاجلة األوضاع االقتصادية املتردية بعد سلسلة طويلة من العقوبات بخاص ًة القطاع ال ِّنفْطي الذي تعتمد عليه التي َّد َمرت البنية التحتية لكثير من القطاعات، َّ الدولة في متويل ميزانياتها ،ومن أه ّم تلك املجاالت: -1املجاالن النووي والعسكري :يُ َع ّد التعاون النووي أساس ًّيا في َعالقة طهران وموسكو، بخاصة بعد ِّ اإليراني إثر قيام الثورة تخلي الواليات املتَّحدة األمريك َّية عن تطوير البرنامج َّ ّ اإلسالمية اإليران َّية وسقوط الشاه ،ولَعِ ب روسيا دو ًرا مه ًّما في استكمال هذا البرنامج، إذ بُن َِي املفاعل النووي الوحيد في إيران في مدينة بوشهر اجلنوبية مبساعدة روسية عام 166
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
املصالح االقتصادية الروسية فى إيران بني الشراكة والعقوبات
،1995كما تكفلت روسيا في سبتمبر 2011مبواجهة العقبات التقنية والقيود الدولية اخلاصة بتشغيل املفاعل ،ويُقال إن احملطة وصلت إلى القدرة اإلنتاجية الكاملة في عام َّ ،2012وفي أبريل 2016سلمت روسيا الوحدة إليران .ومن املقرر إطالق مفاعلَي بوشهر الثاني والثالث ،اللذين تُ َق َّدر تكلفتهما بأكثر من 10مليارات دوالر ،في عا َمي 2024و2026 على التوالي ،مع نية توسيع عدد احملطات النووية إلى ست محطات(.)19 في السياق ذاته و َّق َعت شركة «فيل» للوقود (شركة تابعة لشركة «روساتوم» النووية الروسية اململوكة للحكومة الروسية) في وقت الحق من عام 2017ا ِّتفا ًقا مع َّ منظمة الطاقة الذرية اإليران َّية لتقدمي دفعة احتياطية من الوقود النووي بتكلفة مبدئية 30مليون دوالر لصالح جمعيات الوقود املتقدم ( )AFAمن أجل الوحدة األولى من محطة بوشهر للطاقة النووية .وحسب خُ َطط التعاون ،من املقرر أن تبدأ شركة «تي إف إل» للصناعات النووية اإليران َّية في إنتاج الدفعة األولى في املستقبل القريب مع التسليم املق َّرر في أواخر نوفمبر ،)20(2017وذلك اال ِّتفاق من شأنه أن يؤ ِّمن الوقود النووي اإليراني باإلضافة إلى أنه سيزيل جميع املخاطر املرتبطة على عبوره من الدول املجاورة إليران. في مجال التعاون العسكري جند أن روسيا لعبت دو ًرا ُمهِ ًّما في أثناء املفاوضات اإليران َّية مع القوى الغربية بشأن البرنامج النووي ،التي انتهت بتوقيع اال ِّتفاق النووي في فيينا في يوليو ،2015ومع بداية عام 2016بدأ تنفيذ اال ِّتفاق بالتزامن مع رفع العقوبات ،مما نتج واضحا في موافقة روسيا على تسليم عنه مزيد من التقارب بني روسيا وإيران ،الذي ظهر ً إيران صفقة صواريخ «إس »300-روسية الصنع ،بعد أن كانت العقوبات الغربية حتظر بيع تلك الصواريخ إليران(.)21 حد كبير بسوق السالح الروسي كمورد رئيسي، ويالحظ أن إيران ال تزال متمسكة إلى ّ َ على الرغم من توسيع رقعة وارداتها من األسلحة العسكرية من دول أخرى كالصني. فاملنظومة الدفاعية اجلوية العسكرية إليران روسية الصنع ،ومنظومة الصواريخ الدفاعية روسية ً أيضا ،وأبرزها منظومة “إس ،”300-وقد اشترت إيران تلك املنظومات الصاروخية من روسيا مقابل 800مليون دوالر ،وبدأت في احلصول على الدفعات األولى منها في يالحظ مدى التنسيق بني البلدين في امللف أبريل ،)22(2016وفي ما يتعلق باملجال العسكري َ السوري ،إذ يحارب الروس في سوريا جن ًبا إلى جنب مع اإليران ّيني ،وإن تباينت املصالح بينهما بعض الشيء. -2الطاقة :يُ َع ّد ّ ملف الطاقة واح ًدا من أه ّم ملفات التعاون االقتصادي بني روسيا وإيران، في هذا اإلطار و َّقع نائب وزير البترول للشؤون الدولية والتجارة اإليران َّية األمير حسني مجلة الدراسات اإليرانية
167
زماني نيا ،ونائب وزير الطاقة الروسي كيريل مولودتسوف ،في يونيو 2017خارطة طريق للتعاون في هذا القطاع ،فروسيا وإن كانت من أكبر الدول املنتجة لل ِّنفْط فإنها ليست ضمن الدول التي متتلك احتياطيات نفطية كبيرة ،أما إيران فتمتلك أكبر احتياطي َ عال ّي من ال ِّنفْط بعد اململكة العربية السعود َّية ،وأكبر احتياطي للغاز الطبيعي بعد روسيا ،وهي بحاجة إلى استثمارات كبيرة لزيادة صادراتها منهما خالل العقدين القادمني .وحسب حسني زماني نيا ،نائب وزير ال ِّنفْط لشؤون التجارة وال َعالقات ،فـ»بعد إزالة العقوبات من املمكن إليران مشروعا لل ِّنفْط والغاز بقيمة 185مليار دوالر حتى عام ،»2020مِ ن ثَ َّم تطوير نحو خمسني ً فإن هذه السوق بحكم ما تتيحه من فرص اقتصادية وبحكم املصالح املشتركة وموقع البلدين اجلغرافي واجليو-سياسي ،مت ِّثل أولوية لصانع القرار االقتصادي الروسي(.)23 وم َّثل افتقار الشركات اإليران َّية اململوكة للدولة إلى اخلبرات التكنولوجية العالية فرصة لروسيا لتوسيع نشاطها في إيران ،على الرغم من أن الروس ليسوا متقدمني كثي ًرا في ذلك املجال ،لكنهم اخليار املتاح إليران في وقت ما زالت تتخوف فيه الشركات األوروب َّية من االستثمار في إيران ،كما تسعى روسيا لتكون شركاتها شري ًكا مه ًّما في االكتشافات ال ِّنفْطية اإليران َّية اجلديدة ،ألن اإلسهام في مجال إنتاج وتصدير البترول والغاز من احلقول اجلديدة لن يق ِّوي قدرات روسيا االستراتيجية وحسب ،باعتبار أن روسيا وإيران متلكان َ العالي ،بل سيق ِّوض احملاوالت األمريك َّية إلضعاف م ًعا نصف احتياطي الغاز الطبيعي ()24 النفوذ الروسي في آسيا الوسطى . ومع أن روسيا ليست دولة عض ًوا في َّ منظمة الدول املصدرة للبترول «أوبك» ألنها َ عاد ًة ما ترفض االنضمام إليها خشية أن تقع حتت مظلة َّ مخاطبة بااللتزام املنظمة وتكون اإليراني وكذلك العراقي والفنزويلي بقراراتها ،فإنها حتاول السيطرة على قطاع ال ِّنفْط ّ لتعزيز دور تلك الدول في َّ والتوجه الروسي الذي يرمى إلى دفع هذه املنظمة ،وهذا يتَّفق ُّ َ العالية في مواجهة سياسات اململكة العربية الدول لتكون قوة توازن في أسواق ال ِّنفْط السعود َّية الرامية إلى العودة إلى توازن أسواق ال ِّنفْط َ العالية. -3الغذاء :بدأت روسيا عام 2014تصدير كميات كبيرة من احلبوب إلى إيران ،ورغم أن عدي ًدا من اخلبراء يرون هذا املنتج محفو ًفا باملخاطر ،فإنه بحلول عام 2016أصبحت إيران من أكبر خمسة مستوردين للحبوب الروسية .وميكن مالحظة أه ِّم َّية ذلك القطاع لروسيا في تأسيس شركة «روساغروترانز» ،أكبر مش ِّغل روسي في مجال نقل احلبوب، باالشتراك مع السكك احلديدية األذربيجانية ،عام 2016شركة «أزروسترانز» لغرض 168
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
املصالح االقتصادية الروسية فى إيران بني الشراكة والعقوبات
ِّ وتخطط الشركة ً تسليم احلبوب إلى إيران وتركيا، أيضا لبناء محطة للحبوب بطاقة أولية طن سنو ًّيا على احلدود األذربيجانية-اإليران َّية ،وهو ما مي ِّثل تط ُّو ًرا مه ًّما تبلغ نحو 30ألف ّ يُسهِ م في إنعاش قطاع صادرات احلبوب الروسية(.)25 ِّ تخطط السلطات الروسية لبناء مرافق لتخزين احلبوب في إيران ،ذلك بعد كما انخفاض قدرة تصدير القمح احلالية من روسيا إلى إيران بسبب ارتفاع األسعار ،وسيسمح ما يزيد بناء محطات للحبوب في إيران بتخفيض أسعار احلبوب الروسية إلى ّ حد كبير ِ َّ حجم صادراتها إلى إيران ،ألن األسعار ميكن أن تنخفض بنسبة َ ،%30-20و ْف ًقا لتصريحات أندري لوغانسكي ،مم ّثل مبيعات روسيا في إيران(.)26 -4صناعـة األدويـة :يوجـد اجتـاه جديـد آخـر هـو التعـاون فـي مجـال إنتـاج األدويـة ،ففـي عـام 2016و َّق َعـت شـركة «سـوبهان البروتين املؤتلـف» (واحـدة مـن أكبـر شـركات األدويـة تنـص علـى إنتـاج اإليران َّيـة) وشـركة «روسـيا بتروفاكـس فـارم» ،عـد ًدا مـن اال ِّتفاقـات التـي ّ لقاحـات ضـ ّد اإلنفلونـزا فـي إيـران باسـتخدام التكنولوجيا الروسـية .كذلك اتفقـت طهران اخلاصة باألمراض املسـتعصية وموسـكو علـى تشـييد مصنع إلنتـاج العقاقير الطبية ،منهـا َّ فـي إيـران( .)27وبينهمـا تعاون فـي مجال صناعة املسـتحضرات الصيدالنية ،إذ سـيُنتَج لقاح «التهاب الكبد »Bلصالح إيران في روسيا. -5السياحة :في مجال السياحة ً أيضا بعض التق ُّدم ،إذ و َّق َعت موسكو وطهران ا ِّتفاقية حول التبسيط املتبادل إلجراءات التأشيرة ،وأ َّدى ذلك مع انخفاض قيمة الروبل إلى زيادة إيراني عدد السياح اإليران ّيني الذين يزورون روسيا ،فقد زار روسيا ما يقرب من 67ألف ّ في عام ،2016وهو منو يصل إلى نسبة ٪72مقارنة بالعام السابق ،ويتوقع الروس أن يزور إيراني خالل .)28(2017 البالد نحو 100ألف ّ في املقابل تبنت احلكومة اإليران َّية قرا ًرا بإقامة نظام السفر دون تأشيرات لألفواج السياحية القادمة من روسيا ،ورغم أن اإلجراءات تبدو متبا َدلة بني اجلانبني الروسي واإليراني في هذا املجال فيبدو أن روسيا هي املستفيد األكبر ،ألن إيران تكافح فعل ًّيا في جذب السياح الروس ،لكن يواجه ذلك صعوبات ذات صلة بطبيعة ال ِّنظام وثقافته وقيوده على النشاط السياحي الروسي ومتطلباته التي تتعارض مع القواعد والقيم السائدة، وحسب أحدث البيانات املتاحة فقد زار إيران نحو 25ألف روسي في عام .)29(2015 -6الصناعات الثقيلة ومشروعات البنية التحتية :في عام 2016حلّت املاكينات مح ّل املنتجات الزراعية ،وقد ش َّكلَت تلك املاكينات %60من الصادرات الروسية للبالد .وفي مجلة الدراسات اإليرانية
169
ً قرضا بقيمة 2,2مليار دوالر ملشروعات البنية العام ذاته وافقت روسيا على منح إيران التحتية ،بجانب إنشاء محطة لتوليد الكهرباء في بندر عباس ،واستكمال س َّكة حديد رشت- أستارا ،وكهربة ّ خط سكة حديد غارمزار-إنش بورون(.)30 الروسية-اإليرانية العالقات االقتصادية خامسا :مستقبل َ َّ ً
في حتليل ال َعالقة بني إيران وروسيا ،ميكن القول إنه بالنظر إلى االجتاه احلالي ً فضل عن املواقف الرسم َّية املعت َمدة في ما يتعلق ب َعالقاتهما الثنائية ،فإن لل َعالقات، الشراكة االقتصادية خالل السنوات املقبلة ستشهد -على األرجح -مزي ًدا من التعاون والنُّ ُم ّو .وكان الرئيس الروسي فالدميير بوتني من بني أول زعماء العالَم الذين هنَّؤوا روحاني على فوزه في انتخابات 19مايو ،2017وأ َّكد استعداده لتطوير الشراكة بني طهران وموسكو حول القضايا الثنائية والدولية التي تشمل مجاالت البنية األساسية والصناعة والطاقة واملصارف .وبخالف التعاون العسكري في املرحلة الراهنة ص َّر َحت السلطات اإليران َّية في 18مايو ،2017بأن إيران وروسيا قد اتخذتا اخلطوة األولى نحو إدماج نظم تيسر السياحة وأنشطة التجارة اجلزئية، بطاقات مصرفية ،وهي اخلطوة التي ميكن أن ِّ وفي الوقت نفسه تَ َو َّصل البَلَدان إلى ا ِّتفاقات بشأن تيسير متطلبات التأشيرة(.)31 ً يالحظ أن روسيا هي املستفيد األكبر في َعالقاتها االقتصادية مع إيران ،لكن إجمالَ ، عمو ًما يبدو أن عد ًدا من التحديات يحول دون وصول هذا التعاون إلى ا َ حل ّد الذي يطمح إليه البلدان ،ومن أبرز تلك التحديات ما يلي(:)32 -1غياب األُ ُطر والضمانات الالزمة الستمرار ال َعالقات االقتصادية ومن ّوها بني البلدين، فعلى الرغم من احلديث املتواصل عن تطوير ال َعالقات االقتصادية واال ِّتفاقيات وبروتوكوالت التعاون ،لكن كثي ًرا من هذه اال ِّتفاقيات لم يدخل ح ِّيز التنفيذ. مؤسساته العسكرية واألمنية -2طبيعة ال ِّنظام السياسي ،وأجندته االقتصادية ،وهيمنة َّ اخلاصة به ،وكلها عوامل غير مساعدة على القرار االقتصادي وأهم األنشطة واملجاالت َّ على تطوير الشراكة مع روسيا أو غيرها من الدول ،إذ تُ َع ّد إيران بيئة استثمار غير آمنة. -3الضغوط الدولية على إيران والعقوبات االقتصادية على بعض الشركات املتعاونة معها، فرغم توقيع اال ِّتفاق النووي ال تزال حتيط به حالة من الغموض ،ال سيما وأن الغرب خصوصا في ما يتعلق بسياساتها والواليات املتَّحدة لديهم شكوك في سلوك إيران، ً اإلقليمية وحرصها على تطوير قدراتها النووية والعسكرية وتهديد جيرانها ،ومت ِّثل العقوبات االقتصادية آلية غير مستب َعدة َطوال الوقت ملواجهة هذا السلوك. 170
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
املصالح االقتصادية الروسية فى إيران بني الشراكة والعقوبات
-4اخللفية التاريخية لل َعالقات بني البلدين ،إذ لم ت ُكن روسيا على م ّر التاريخ صدي ًقا حمي ًما إليران ،بل كانت قوة احتالل وتهديد منذ عهد القياصرة ،وزاد من فجوة الثقة بني البلدين تضحية روسيا في أثناء فترة حكم ميدفيديف ب َعالقاتها مع إيران مقابل إعادة إحياء َعالقاتها مع الواليات املتَّحدة وأوروبا. -5حرص روسيا على توازن َعالقاتها مع القوى املتنافسة في الشرق األوسط ،إذ تخشى روسيا من تأثير عالقتها املتطورة مع إيران على تَض ُّرر َعالقاتها مع دولة إقليمية أخرى تتمتع بثقل ونفوذ ،كإسرائيل ودول مجلس التعاون اخلليجي ،ورمبا لهذا تكتفى روسيا قطاعي الطاقة والتعاون النووي ،وهي باإلعالن عن شراكتها االقتصادية مع إيران في َ مجاالت لها أه ِّم َّيتها احليوية لروسيا. -6تراجع ِّ َ العالية بنسبة مؤشرات االقتصاد الروسي ال سيما بعد تراجع أسعار ال ِّنفْط ً فضل وصلت إلى ،%60وهو األمر الذي ألقى بظالل كثيفة على حجم التعاون مع إيران، عن القدرة على الوفاء الروسي بااللتزامات واال ِّتفاقيات ،واإلشكالية أن إيران حتتاج إلى مليارات الدوالرات والتكنولوجيا املتقدمة لدعم اقتصادها ،لكنها عناصر غير متوافرة في املرحلة الراهنة لدى اجلانب الروسي. -7ماتزال طهران تواجه مشكالت في ما يتعلق بإعادة ربط البنوك اإليران َّية باألسواق َ ما يعني أن الشركات الروسية املُقبِلة على مزيد من التعاون مع إيران قد املالية العاليةَّ ِ ، تواجه مشكالت كبيرة في مسألة تسوية تعامالتها املالية من جهة ،والتعرض لعقوبات دولية من جهة أخرى. وميكن القول إنه على الرغم من رغبة إيران في تنمية َعالقاتها االقتصادية مع روسيا، فرصا ج ِّيدة لالقتصاد وعلى الرغم من أن حت ُّوالت البيئة االقتصادية اإليران َّية تُتِيح ً الروسي في مختلف املجاالت ،غير أن روسيا ما زالت مترددة بشكل كبير في تطوير التعاون االقتصادي مع اجلانب اإليراني ،فالشركات الروسية ليس لديها رغبة في مواجهة اآلثار اإليراني ،إذ ال تزال البنوك األجنبية املستم َّرة للعقوبات الدولية على القطاع املصرفي ّ حذرة من التعامل مع الشركات اإليران َّية ،كما أنه على الرغم من توقيع اال ِّتفاق النووي َ َ وت ُّرر إيران من كثير من العقوبات والقيود املفروضة على اقتصادها ،فإن الواليات املتَّحدة لم ترفع العقوبات االقتصادية بالكامل عن القطاعات كافة ،وما زالت عملية إدماج إيران سياس ًّيا واقتصاد ًّيا على املستوى الدولي مسألة محاطة بالغموض والشك ،ال سيما في ضوء سلوك إيران وسياساتها في املنطقة. مجلة الدراسات اإليرانية
171
خاتــمــة
في النهاية وعلى ضوء ما سبق ميكن القول إن احلديث عن مستق َبل ال َعالقات االقتصادية بني روسيا وإيران مرهون بتحوالت البيئة الداخلية واخلارجية ،فمزيد من إدماج إيران في السوق َ العالية ،وحترير اقتصادها من العقوبات والقيود ،يفتح املجال أمام مزيد من التعاون الروسي مع إيران على املستوى االقتصادي ،لكن َ يظ ّل مستوى التعاون بتحسن أوضاع االقتصاد الروسي وقدرته على تلبية احتياجات االقتصاد ومن ّوه مق َّي ًدا ُّ ً فضل عن قدرة الشركات الروسية على منافسة الشركات األوربية واألمريك َّية اإليراني، ّ التي لديها نهم كبير القتحام هذه السوق الواعدة الكبيرة. اإليراني في االلتفاف على اال ِّتفاق النووي وحت ِّدي املجتمع أما إذا ما استم ّر ال ِّنظام ّ الدولي وتَ َب ِّني سياسات ُّ تدخلية في دول املنطقة وتهديد األمن واالستقرار اإلقليم َّيني، فإنه سيكون مع َّر ً ضا ملزيد من العقوبات والعزلة ،وهو األمر الذي سوف يؤثر على قدرة الشركاء االقتصاديني على تعزيز َعالقاتهم االقتصادية مع إيران .وفى هذا الصدد ال نُغفِ ل اجتاهات الداخل اإليراني في ما يتعلق باخليارات االقتصادية ،ففي حني يدعو املرشد األعلى إلى اقتصاد املقاومة واالعتماد على الذات ،يتبنى الرئيس وفريق اإلصالحيني العالي ،وبني هذا االجتاه وذاك َ َ اإليراني يظ ُّل االقتصاد االنفتاح واالندماج في االقتصاد ّ أمام حالة من االرتباك ال تسمح لروسيا أو غيرها من الشركاء بتطوير التعاون معها بعي ًدا عن املجاالت ذات الطبيعة االستراتيجية والعسكرية.
172
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
املصالح االقتصادية الروسية فى إيران بني الشراكة والعقوبات
قائمة املراجــع والهوامــش (1) Nikolay Kozhanov: Russia’s Relations With Iran: Dialogue without Commitments, the Washington Institute, Accessed 17 June 2017. https://goo.gl/wsQd8C وهو،) ُولد في الكرملني1725 وت ُو ِّفي1672 ((( بطرس األكبر أو بيتر العظيم أو بيتر األول أو بيوتر ألكسييفيتش رومانوف ( ُولد وكان يحكم.1725 خلفا لفيودر الثالث حتى وفاته عام1682 حكم روسيا من عام.ابن القيصر الروسي الكسي ميخايلوفيتش . مشار ًكا ألخيه غير الشقيق إيفان اخلامس في احلكم ألن األخير كان يعاني املرض1696 روسيا حتى .44-43 ص،2000 ، الدار الثقافية للنشر، مدخل إلى السياسة اخلارجية جلمهورية إيران اإلسالمية:((( بيزن إيزدي ، األكادمييون للنشر والتوزيع، التوازنات االستراتيجية اجلديدة في ضوء بيئة أمنية متغيرة:((( فراس محمد أحمد اجلحيشي .153-152 ص،2015 https://goo.gl/AeASb5 .2007 يوليو5 ، موقع البينة، إيران من منظور اجلغرافيا السياسية:((( حسن الرشيدي (6) Iran: Iran- International- Analysis- U.S Energy Information Administration (EIA) https://goo.gl/vNGRY8. . شراكة أم حتالف استراتيجي؟ مركز الروابط للبحوث والدراسات االستراتيجية.. إيران وروسيا:((( فاطمة الصمادى https://goo.gl/dpgXyj .251 ص،2010 ، العربي للنشر والتوزيع، إيران من أين إلى أين؟.. من الشاه إلى جناد:((( محمد صادق إسماعيل .251 ص،((( املرجع السابق https://goo.gl/wGWsnG . اقتصاد من أجل السياسة.. روسيا وإيران:(( موقع اجلزيرة نت1( https://goo.gl/E5YbDd .2017 يونيو20 الدخول في،روسي-إيراني اتفاق اقتصادي،(( ماثيو بودنر1( ّ https://goo.gl/AnEUQj .٢٠١٥ (( حجم التبادل التجاري بني إيران وروسيا عام1( (13) Russian International Affairs Council Institute for Iran-Eurasia Studies: Russia-Iran Partnership: an Overview and Prospects for the Future, Moscow 2016, P.23. https://goo.gl/8ZR6es (14)Nikita Smagin: How Russia managed to double its exports to Iran in 2016, Russia Beyond The Headlines. https://goo.gl/rZ36WA 19 ، معهد واشنطن ليساسة الشرق األدنى، التوقعات الروسية من إيران في مرحلة ما بعد العقوبات:(( حسني باناهوف1( http://cutt.us/HGSYe .2017 فبراير (16) Sputnik: Russia-Iran Trade Turnover Doubled in January. https://goo.gl/rH6LRE (17) International monetary Fund : IMF Executive Board Concludes 2016 Article IV Consultation with the Islamic Republic of Iran. https://goo.gl/3Lr3hj https://goo.gl/rucHB8 . إيران وروسيا تبحثان إنشاء مصرف إسالمي:(( رويترز1( (19)iranian students news agency: Iran’s Bushehr N. plant 2nd unit’s start-up planned for October 2024. https://goo.gl/dsycyB (20) Press Service of TVEL JSC: TVEL JSC and Atomic Energy Organization of Iran (AEOI) Agree on Reserve Batch of Nuclear Fuel Supply, 20 June 2017. https://goo.gl/XreCuH (21) Financial Tribune: Russia to Supply Fuel for Bushehr Nuclear Plant. https://goo.gl/T3tDEq (22) Iranian Labour News Agency ILNA : Russia is ready to make tanks in Iran. https://goo.gl/kgr2zP https://goo.gl/db4qrS . آفاق العالقات االقتصادية بني إيران وروسيا:(( اجلزيرة نت2( https://goo.gl/WvocVP . قوة أم ضعف؟.. الثروات الطبيعية إليران:(( حسن الرشيدى2( https://goo.gl/gUsvKr & Russia Beyond The .((الدعم اللوجستي إلمدادات احلبوب الروسية إلى أذربيجان وإيران2( Headlines: How Russia managed to double its exports to Iran in 2016. https://goo.gl/JpVVRL (26) AGROINFO: Russia wants to increase wheat exports to Iran. https://goo.gl/dtvE8m (27) Sputnik: Drug Money, in a Good Way: Russia & Iran Launch Multimillion Dollar Pharma Deal. https://sptnkne.ws/eN9K (28) vestnik: Iran seeks balanced tourism ties with Russia – media. https://goo.gl/BSn5dN (29) Financial Tribune Daily: Time to Attract Russian Tourists. https://goo.gl/QZ0Qty (30)30I. Ivanov: Russia-Iran Partnership: an Overview and Prospects for the Future: Report No. 292016/, Russian International Affairs& Council Institute for Iran-Eurasian Studies, 2016 p.123. https://goo.gl/8ZR6es (31)Al-Monitor: Second-term Rouhani likely to move closer to Russia.https://goo.gl/wv4B9f https://goo.gl/TxgVtT.2017.اإليران َّية- مسارات التح ُّول في العالقات الروسية:» «الشراكة اليقظة:(( نيكوالي كوزهانوف3( 173
مجلة الدراسات اإليرانية
عروض الكتب السعودية وإيران اململكة العربية َّ السلْطة واملنافسة فـي الشرق األوسط ُّ املؤلف :ساميون مابون الناشر :آي بي توريس سنة النشر2015 : مكان النشر :الواليات املتحدة األمريكية
174
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
عروض الكتب
في أعقاب الثورة اإليران َّية عام ،1979أُعي َدت صياغة العالقات بني دول الشرق وج َعت بني َع ِش َّية وضحاها .وقد كانت العالقات بني اململكة العربية السعود َّية األوسط و ُر ِ وإيران هي األكثر تَض ُّر ًرا من هذا التغيير ،ألن وجود نظام جديد في طهران أ َّدى إلى مواجهات متزايدة بني هاتني الدولتني ،وظهرت مالمح هذه املواجهة في كثير من َّ ومؤخ ًرا في البحرين وسوريا. الصراعات اإلقليمية ،مثل الصراعات في لبنان والعراق، من أجل تسليط الضوء على هذا التنافس ،يحلِّل سيمون مابون في هذا الكتاب طبيعة العالقات بني الدولتني عبر مقاربة واقعية في حتليل العالقات الدولية ،وفي هذا اإلطار يطرح الكاتب فرضيته بأن التركيبة السكانية املختلفة داخل اململكة العربية السعود َّية وإيران حتمل ً بعضا من التناقض ،وأن هذا التناقض في ال ُه ِو َّية يؤ ِّثر على األمن الداخلي ،وهذا بدوره له تأثير هائل على تب ِّني النخبة في البلدين الستراتيجيات املنافسة اآليديولوجية واجليو-سياسية األوسع مع القوى املجاورة ملعاجلة معضلة األمن في الداخل. بنا ًء على هذه الفرضية يتع َّرض الكتاب ألبعاد الصراع اإلقليمي وقضاياه ،وذلك بتقدمي الفارسي» ،بوصف املصطل َ َحني مي ِّثالن مصطلحي «اخلليج العربي» و»اخلليج مقارنة بني َ ّ تلخيصا لطبيعة الصراع واملنافسة اآليديولوجية والقوم َّية بني البلدين ،هذا الصراع الذي ً الس ِّن ّي ِّ والشيعِ ّي وعوامله. َّ يتضمن اخلالفات الطائفية واالنقسام بني املذهبني ُّ كذلك يستعرض الكتاب السردية التاريخية والسياسية ألصل نشأة الدولتني ،وفي هذا السياق يتناول الكاتب بالتفصيل النسيج املجتمعي لكل من الدولتني ،فيدرس الشبكة ال َقبَ ِل َّية في اململكة العربية السعود َّية ومك ِّوناتها وحتالفاتها ،وكذلك االختالف العِ رقِ ّي في وضوحا عن البنية السياسية لكلتا الدولتني، إيران ،كما يحاول الكاتب تقدمي صورة أكثر ً واألوضاع األمنية الداخلية واخلارجية ،كما يبحث التناقض الديني بني الدولتني وتأثير ذلك على اخلالف اآليديولوجي بني البلدين وانعكاسه على التنافس بينهما. وينتقل الكتاب إلى تناول طبيعة الصراع داخل كل من املجتمعني السعودي واإليراني، مع التركيز على بداية ظهور العنف في إيران وأساليب القمع الذي ظهر نتيجة التمييز بني مك ِّونات النسيج املجتمعي املتنوعة ،بجانب تناول طبيعة العالقات داخل اململكة العربية السعود َّية وظروف التعايش بني ِّ والسنَّة والعوامل املؤثرة على ال َعالقة بينهما ،وعلى الشي َعة ُّ اجلانب اآلخر سلَّط الكتاب الضوء على قضية التفرقة بني ِّ والسنَّة في الداخل الشي َعة ُّ السلْطة مع الطوائف األخرى كاملسيحية واليهودية وغيرهما. اإليراني وطريقة تعامل ُّ ّ ينتقل بنا الكتاب بعد ذلك إلى بحث التناقضات املرتبطة بال ُه ِو َّية في كل من الدولتني، فيشير إلى أثر التكوين العشائري وال َق َبلِي في اململكة العربية السعود َّية على مسألة ال ُه ِو َّية، مجلة الدراسات اإليرانية
175
كما يشير إلى تَ َأثُر ال ُه ِو َّية في إيران بتع ُّدد املك ِّونات العرقية ،كالفرس واألذر واألكراد التماسك الداخلي، ما أ َّدى إلى ظهور عنف داخلي أ َّثر على والبلوش والعرب والتركمانَّ ِ ، ُ السلْطة والشعب. َّ وحدد طبيعة ال َعالقة بني ُّ وأخي ًرا يشير الكتاب إلى أن العوامل اآليديولوجية ليست وحدها املسؤولة عن هذا التناقض وتزايُد ِح َّدة املنافسة بني البلدين وظهور املعضالت األمنية الداخلية واخلارجية، إذا يشير الكاتب إلى عدد من العوامل التي كان لها الفضل في تأجيج الصراع وتزايد ِح َّدة املنافسة ،لعل أهمها كان الثورة اإليران َّية عام 1979وتَبَ ِّني مبدأ تصديرها من جانب إيران ،واحلرب العراقية-اإليران َّية وتداعياتها اإلقليمية ،وحرب اخلليج الثانية وانعكاساتها السلبية على القوى الرئيسية في املنطقة ،وما يطلق عليه الكاتب حر ًبا َ عالية ثالثة ،قاص ًدا التغ ُّيرات التي حدثت بعد أحداث احلادي عشر من سبتمبر ،وكذلك حروب الوكالة التي ُّ والتدخل السافر في الشأن بخاصة في بالد الشام والعراق، تتوالها إيران في اخلارج، َّ ً األمريكي غير البعيد عن تط ُّورات األوضاع في فضل عن الدور الداخلي البحريني، ّ املنطقة ،ناهيك بالعوامل االقتصادية كواحد من عوامل تصا ُعد ِح َّدة التنافس والصراع.
176
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
عروض الكتب
إيران :ظهـــور اإلمبراطوريـــة الـماليــة اإليـــراني للحـــرس الثـــوري ّ املؤلف والناشر :مكتب ممثلية املقاومة اإليرانية الوطني في الواليات املتحدة األمريكية سنة النشر2017 : مكان النشر :الواليات املتحدة األمريكية
مجلة الدراسات اإليرانية
177
أصدر املجلس الوطني للمقاومة اإليران َّية ،الذي يُ َع ّد املم ِّثل العسكري للمقاومة اإليران َّية، اإليراني وهيمنته على قطاعات كتا ًبا تناول فيه تنامي الدور االقتصادي للحرس الثوري ّ واسعة اقتصادية ومالية في إيران ،بوصف هذه األنشطة مت ِّثل اعتدا ًء على أموال الشعب اإليراني و ُمصا َدر ًة لها .واألمر األكثر خطورة أن هذا النشاط يتيح لهذه اجلهات موارد ّ ضخمة يستغلُّها احلرس واملرشد في متويل أنشطة خارجية في بلدان الشرق األوسط واملنطقة العربية ،وفي مقدمة هذه البلدان سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين ومصر واجلزائر وفلسطني وغيرها. في هذا السياق يُلقِ ي الكتاب الضوء على الدور الرئيسي للمرشد األعلى واحلرس اإليراني ،الذي بدأ يتزايد منذ عام ،2005هذا الدور الذي أخذ منحى الثوري في االقتصاد ّ وتبي هذه الدراسة كيف أن املمتلكات الهيمنة على القطاعات احليوية واألكثر تأثي ًرا وعائ ًداِّ . العا َّمة في مختلف مجاالت االقتصاد تتح َّول تدريج ًّيا من أيدي السكان اإليران ِّيني إلى أيدي اإليراني ،التي تتمثل في 14 األقلِّية احلاكمة في مكتب املرشد األعلى واحلرس الثوري ّ مركزًا رئيس ًّيا. ً أله ّم هذه املراكز احليوية ،وهي« :سيتاد» ،ومت ِّثل املقا ّر وتق ِّدم الدراسة استعراضا َ «مؤسسة املستضعفني» ،و»أستان قدس رضوي»، الرئيسية لتنفيذ أوامر اإلمام ،وما يُ َس َّمى َّ اإليراني بجميع ومؤسسة احلرس الثوري ومؤسسة «الشهيد» ،وهيئة «إمداد» لإلغاثة، َّ َّ ّ ومؤسسة قوات الباسيج التعاونية ،إضاف ًة إلى شركة الغدير أجنحتها ،ومقا ّر «خامت األنبياء»، َّ َّ ومنظمة الرعاية االجتماعية «ساتا» للقوات املسلَّحة االستثمارية ،وشركة «خامت االستثمارية اخلاصة بقوات أمن الدولةِ ، أض ْف إلى ومؤسسة «ناجا» التعاونية األوصياء» لإلنشاءات، َّ َّ املؤسسة التعاونية لهيئة األركان اخلاصة باجليش ،وأخي ًرا مؤسسة «بتاجا» التعاونية َّ َّ ذلك َّ املشتركة «فداجا». السلْطة إلجناز مه َّمة االستحواذ كذلك تتناول الدراسة السياسات االقتصادية التي تبنتها ُّ على النصيب األكبر من املوارد االقتصادية ،فتشير إلى سياسة اخلصخصة التي اتبعتها املؤسسات االقتصادية اإليران َّية ملكتب املرشد األعلى السلْطة وسيل ًة لتسليم جزء كبير من َّ ُّ واجلهاز األمني والعسكري .ويشير الكتاب إلى كيفية تأثير هذه السياسات االقتصادية على توسيع نطاق نفوذ مكتب خامنئي واحلرس الثوري اإلسالمي وهيمنتهما على املوارد االقتصادية للب الد ،وانعكاسات ذلك على تكثيف النشاط اإلرهابي الذي متارسه الدولة، ً فضل عن السعي الستكمال البرنامج النووي اإليراني. وتُلقِ ي الدر اسة الضوء على الفساد الذي متارسه املراكز الرئيسية التابعة للمرشد األعلى واحلر س الثوري ،فتق ِّدم وص ًفا تفصيل ًّيا لكيفية حصول عدد قليل من الشركات 178
مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثالث • يونيو 2017
عروض الكتب
و َمن يديرونها واملق َّربني من املرشد األعلى واحلرس الثوري والقوات املسلَّحة على تسهيل الوصول إلى القروض ذات الفائدة املنخفضة ،التي لم يُد َفع معظمها ،وهو األمر الذي كانت له انعكاساته على زيادة حدة األزمة املالية في داخل إيران. وتتعرض الدراسة للصعوبات التي تواجه االستثمار اخلارجي في داخل إيران ،ففي الوقت الذي تسعى فيه الشركات األجنبية لتبقى أنشطتها في نطاق التعامل مع «القطاع اخلاص» ،فإنها جتد أن تعامالتها تنتهي بالضرورة إلى التعامل مع أطراف وثيقة الصلة ّ بخامنئي واحلرس الثوري اإلسالمي أو مع أي منهما ُم َ باشر ًة. ومن الواضح حسب الدراسة أن املرشد األعلى وأذرعه قد أصبح لهم تأثير ووجود املؤسسات االقتصادية في إيران ،وأصبح لهم النصيب األكبر من االستثمارات كبير في كل َّ الداخلية واخلارجية ،كما أن احلرس الثوري يستحوذ على نصيب كبير من االقتصاد اإليراني ،ال سيما بعد تقييد عمليات الشركات الغربية هناك .وال شك أن طبيعة ال ِّنظام ّ السياسي واالقتصادي سمحت للحرس بتوفير الدعم الالزم لتمويل نشاطه العسكري ً فضل عن توفير شبكة من الشركات الوهمية التي تعزِّز موقع داخل إيران وفى اخلارج، مؤسسات الدولة بجميع أشكالها. ال ِّنظام السياسي وهيمنته على َّ ِّ ومؤشرات تراجع كذلك لم تتجاهل الدراسة اإلشارة إلى األوضاع االقتصادية الداخلية ُّ التضخم والتراجع شبه معدالت معدالت البطالة ،وارتفاع َّ األداء االقتصادي من قبيل تزايد َّ التام لقطاع الصناعات التحويلية ،وانتشار الفساد على نطاق واسع ،واألجور املتدنية ...وهي السلْطة ،كما أنها ّ ّ مؤشرات املؤشرات التي تنعكس سل ًبا على مستويات الرضا الشعبي عن ُّ سلبية تُلقِ ي بظاللها على مستقبل االستقرار الداخلي في إيران. وتنتهى الدراسة إلى تأكيد استخدام هذه األنشطة االقتصادية في تنفيذ أجندات خارجية ،وتتبعت الدراسة في هذا الصدد مسارات متويل احلرب في سوريا وتوفير جميع املتطلبات لعمالء إيران وميليشياتها العاملة هناك ،بالتوازي مع دعم اإلرهاب والطائفية في ً فضل عن دعم احلرب في العراق ،إذ تنفق إيران مليارات الدوالرات لتنفيذ أجندتها هناك، اليمن حيث تتلقَّى جماعات احلوثي الدعم املستم ّر عسكر ًّيا واقتصاد ًّيا ،واملوارد التي ِّ تغطي تكاليف البرامج النووية والصاروخية ،ونفقات األجهزة األمنية في إيران ،ومتويل العمليات ً اإليراني لقمع السكان فضل عن تسخير االقتصاد الوطني اإلرهابية في جميع أنحاء العالَم، ّ احملل ِّيني بجانب برامج وسياسات تصدير الثورة ودعم اإلرهاب. ال ّ شك أن الدراسة مت ِّثل إضافة مه َّمة ،وحتتوي على معلومات ق ِّيمة عن اتساع األدوار واملؤسسات التابعة ملكتبه وللحرس الثوري ،وانعكاسات تلك االقتصادية للمرشد األعلى َّ الفوائض على متويل األنشطة العدائية التي تن ِّفذها إيران في املنطقة. مجلة الدراسات اإليرانية
179
180
+966112166696 INFO@ARABIANGCIS.COM
www.arabiangcis.org ARABIANGCIS
JOURNAL FOR IRANIAN STUDIES Specialized Studies
A Peer-Reviewed Quarterly Periodical Journal
Year 1, issue 3- June. 2017
www.arabiangcis.org