Whats %28 مجلة الدراسات الإيرانية،%28العدد الثاني مارس ٢٠١٧

Page 1



‫مجلة الدراسات اإليرانية‬ ‫دراسات وأبحاث علمية متخصصة‬ ‫مجلة علمية ربع سنوية محكمة تصدر باللغتين العربية واإلنجليزية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬مارس ‪2017‬‬

‫‪www.arabiangcis.org‬‬

‫‪3‬‬


‫مجلة الدراسات اإليرانية‬ ‫مجلة علمية ربع سنوية محكمة تصدر باللغتني العربية واإلجنليزية‬

‫حي الصحافة‪ ،‬طريق التخصصي‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬الرياض‪ّ ،‬‬ ‫صندوق بريد‪ 12275 :‬الرمز البريدي‪11473 :‬‬ ‫البريد اإللكتروني للمجلة‬ ‫‪JIS@arabiangcis.com‬‬

‫لالشتراك السنوي فـي املجلة‬ ‫أفراد داخل اململكة‪ً 120 :‬‬ ‫ريال‬

‫أفراد خارج اململكة‪ 300 :‬ريال‬ ‫مؤسسات داخل وخارج اململكة‪ 600 :‬ريال‬ ‫أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‬ ‫لالشتراك يرجى التواصل عبر البريد اإللكتروني للمجلة‬ ‫‪JIS@arabiangcis.com‬‬

‫‪1658-7464‬‬

‫‪ISSN‬‬


‫ضوابط ومعايير النشر‬ ‫تخصص املجلة‪.‬‬ ‫• أن تكون املادة فـي إطار‬ ‫ُّ‬

‫• أن ال تكون قد نُش َرت من قبل أو أ ُ ِ‬ ‫رسلَت إلى‬

‫دورية أخرى‪.‬‬

‫• أن تكون الهوامش واملراجع فـي آخر املادة‪.‬‬ ‫• توثيق املادة بهوامشها ومراجعها ومصادرها‪ ،‬مع‬ ‫العناية باملصطلحات وضبط أسماء األعالم‪.‬‬ ‫• ترتيب قائمة املراجع ألفبائ ًيا َو ْف ًقا لالسم األخير‪.‬‬

‫يفضل إرسال املادة عبر البريد اإللكتروني للمركز‪.‬‬ ‫• َّ‬ ‫ً‬ ‫ُرسل صورة منها‪.‬‬ ‫• أن تكون املادة‬ ‫أصل‪ ،‬وأن ال ت َ‬

‫• ال تعيد املجلة املادة املرسلة للنشر إذا لم تقبل للنشر‪.‬‬ ‫• ُينَع إعادة نشر أي مادة من موا ّد املجلة دون إذن‬ ‫كتابي من رئيس التحرير‪.‬‬ ‫• تخضع األعمال املرسلة إلى املجلة للتحكيم‬

‫الهيئة االستشارية‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬أحمــــــــــــد الشـــــــــاذلــــــــــــــــي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬رضــــــــــــــــــــوان السيـــــــــــــــــــد‬ ‫أ‪.‬د‪.‬صـــــالـــــــــــــــح الــــخثــــــــــــــالن‬ ‫أ‪.‬د‪.‬عبد احلميـــــــد األنصـــــــــــاري‬ ‫أ‪.‬د‪.‬محمد السعـيد جمال الديــــــن‬ ‫أ‪.‬د‪.‬مــــــهنـــــــد الـــمبـــيـضــــــيــــــــن‬ ‫أ‪.‬د‪.‬يحيـى بـن محـمـود بــن جـنيــــد‬ ‫د‪.‬سلطـــــــــــــــــان النـــــــعيمـــــــــــــــي‬ ‫د‪ .‬عبــــــد الكريــــــــــــــم جــــــــرادات‬

‫قبل نشرها‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫رئيس التحرير‬ ‫د‪.‬محمد بن صقر السلمي‬ ‫هيئة التحرير‬ ‫د‪.‬فتحي أبو بكر املراغي‬ ‫د‪.‬معتصم صديق عبد اهلل‬ ‫د‪.‬عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي‬ ‫أ‪.‬أحمد شمس الدين ليلة‬ ‫مدير التحرير‬ ‫محمود حمدي أبو القاسم‬ ‫سكرتير التحرير‬ ‫محمود عبد الرازق جمعة‬ ‫اإلخراج الفني‬ ‫هانـي محمـود ياسـني‬


‫احملتــويـــــات‬ ‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫ أمناط التهديد‬‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سالمة‪...........................................................................‬‬ ‫د‪.‬معتز‬ ‫‪8‬‬ ‫ العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬‫‪...................................................................‬‬ ‫د‪.‬عبد اهلل بوزكرت‬ ‫‪34‬‬ ‫ مستقبل َح َراك األق ِّل َّيات العرقية والدِّ ِين َّية فـي إيران‬‫التحوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬ ‫فـي ظل‬ ‫ُّ‬ ‫‪........................................................................‬‬ ‫عبديان‬ ‫د‪.‬كرمي‬ ‫‪50‬‬ ‫ إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬‫د‪.‬جنالء مرعي‪64 ........................................................................‬‬ ‫اإليراني املعاصر‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ ِوالية الف َِقيه فـي العقل املَذْ َه ّ‬‫احملدِّ دات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫د‪.‬فتحي أبو بكر املراغي‪82 .............................................................‬‬ ‫تركيا وإيران‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬‫سعيد‪...........................................................................‬‬ ‫د‪.‬كرم‬ ‫‪98‬‬

‫واله ِو َّية فـي سوريا والعراق‬ ‫ تغيير الدميوغرافـيا ُ‬‫‪.............................................................‬‬ ‫أ‪.‬محمد السيد الصياد‬ ‫‪120‬‬

‫‪ -‬عروض الكتب ‪146 .............................................................‬‬

‫‪7‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫اإليراني‬ ‫أنماط التهديد‬ ‫ّ‬ ‫العربي‬ ‫لألمن القومي‬ ‫ّ‬ ‫‪2016-1979‬‬ ‫د‪.‬معتز سالمة‬ ‫رئيس وحدة الدراسات العرب َّية واإلقليم َّية‬ ‫العربي مبركز الدراسات االستراتيج َّية باألهرام‬ ‫ومدير برنامج اخلليج‬ ‫ّ‬

‫العربي منذ خمسينيات القرن املاضي بإسرائيل والصراع‬ ‫ارتبط مفهوم األمن القومي‬ ‫ّ‬ ‫ـرائيلي‪ ،‬وقبلهمـا باالسـتعمار وباالحتلال األجنبـي‪ ،‬وعلـى الرغـم مـن‬ ‫العرب ّـي اإلس‬ ‫ّ‬ ‫اخلسـائر التـي أحلقتهـا القـوى االسـتعمارية بالكيانـات العرب َّيـة فــي القرنين التاسـع‬ ‫عشـر والعشـرين‪ ،‬بـدا التهديـد اإلس‬ ‫ـرائيلي منـذ منتصـف القـرن العشـرين مختلفً ـا‬ ‫ّ‬ ‫اخلاصـة‬ ‫نوعـا‪ ،‬وجتـاوز فــي خطورتـه خطـر االسـتعمار‪ ،‬مـن زوايـا كثيـرة‪ ،‬أهمهـا تلـك‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫بانعكاسـاته وآثـاره التفتيتيـة علـى التكويـن الدميوغرافــي واالمتـداد اجلغرافــي للعا َلـم‬ ‫العرب ّـي(‪.)1‬‬ ‫ولقـد اسـتمر احلـال كذلـك حتـى بـدأت تبـرز مه ِّـددات أخـرى لألمـن القومـي‪ ،‬فبـرز‬ ‫احلديـث بعـد فتـرة عـن التهديـدات مـن دول اجلـوار اإلقليمـي‪ ،‬وباألسـاس إيـران وتركيـا‬ ‫وإثيوبيا‪ .‬وفــي حني عكفت تركيا على مسـارها الوطني العلماني لعقود ممتدة‪ ،‬إلى أن‬ ‫سـعت منذ أواسـط تسـعينيات القرن العشـرين إلى اسـتعادة روابطها التاريخ َّية بالدول‬ ‫السياسي فـي الداخل‪،‬‬ ‫اإلسالم َّية‪ ،‬مدفوعة باآليديولوجيا الدينية وببروز قوى اإلسالم‬ ‫ّ‬ ‫ثـم باملشـروع األردوغانـي‪ ،‬ومبـا أطلـق عليـه "العثمانيـة اجلديـدة ‪،"New-Ottomanism‬‬ ‫وفــي حين لـم يتجـاوز التهديـد الـذي طرحتـه إثيوبيـا علـى العا َلـم العرب ّـي اخللاف‬ ‫اخلاص بسـد النهضة وحصة مصر والسـودان التاريخ َّية من مياه النيل‪ ،‬وهي القضايا‬ ‫العربي‬ ‫خاص‪ ،‬ظلت التهديدات اإليران َّية لألمن القومي‬ ‫التي برزت منذ ‪ 2011‬بشـكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متواصلـة ومتصلـة منـذ قيـام الثَّـورة اإلسلام َّية عـام ‪ ،1979‬وشـكلت أحـد أه ّـم مالمـح‬ ‫املنطقـة علـى مـدى العقـود األربعـة املاضيـة‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫لقـد اختلفـت الـرؤى العرب َّيـة إليـران ال َّثـورة‪ ،‬فنظر بعض العـرب بتفاؤل إلـى موقفها املؤ ِّيد‬ ‫العربـي‪،‬‬ ‫للقض َّيـة الفلسـطين َّية واملعـادي إلسـرائيل والغـرب‪ ،‬واعتبروهـا إضافـة إلـى املوقـف‬ ‫ّ‬ ‫خصوصـا بعـد خـروج مصر مبعاهدة السلام مع إسـرائيل عام ‪ ،1979‬فــي حين ارتاب بعض‬ ‫ً‬ ‫األنظمـة والنخـب الفكرية فــي ثـورة رجال الدين وتوجهاتها املتشـددة‪ ،‬واعتبروا أن سياسـتها‬ ‫اخلارج َّيـة لـن تكـون سـوى امتـداد لنظـام الشـاه الـذي لعـب دور شـرطي اخلليـج ملصلحـة‬ ‫القـوى الغرب َّيـة‪ .‬ثـم جـاءت احلـرب العراق َّية‪-‬اإليران َّيـة ‪ ،1988-1980‬لتكـرس وضعيـة إيـران‬ ‫العربـي‪ ،‬بعدمـا خاضـت احلـرب ضـ ّد دولـة بعثيـة كان يُنظـر إليها‬ ‫فــي قائمـة مهـ ِّددات األمـن‬ ‫ّ‬ ‫لص َّـدام‬ ‫علـى أنهـا أحـد حصـون القوم َّيـة العرب َّيـة‪ ،‬وأفاضـت الدعايـة العراق َّيـة فــي الترويـج َ‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫حسين باعتبـاره حـارس البوابـة الشـرقية للعالَـم‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مبعـان رمزية على‬ ‫وارتـدت‬ ‫عراقي‪،‬‬ ‫وعلـى الرغـم مـن أن احلـرب انتهـت إلى شـبه انتصـار‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫األمـن القومـي بتأكيـد مكانـة العـراق ُم ِ‬ ‫داف ًعـا عـن "جبهـة الشـرق"‪ ،‬فـإن محصلتهـا أحلقـت‬ ‫ضـر ًرا بالغًـا بالقـدرة الكليـة للدولـة العراق َّيـة‪ ،‬وكانـت البدايـة إلخراجهـا مـن حلبـة الصـراع‬ ‫العراقـي بغزو الكويت عـام ‪ ،1990‬الـذي انتهى‬ ‫اإلسـرائيلي‪ ،‬ثـم تلتهـا مغامـرة النِّظـام‬ ‫العربـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربـي بـكل أوراقـه خلـف‬ ‫بحـرب "عاصفـة الصحـراء" والتحريـر‪ ،‬وبعدهـا دفـع النِّظـام‬ ‫ّ‬ ‫التسـوية السـلمية للقض َّيـة الفلسـطين َّية فــي مؤمتـر مدريـد عـام ‪ .1991‬ومـا بين احلـرب‬ ‫العراق َّية‪-‬اإليران َّيـة واملسـار التدميـري للقـدرات العراق َّيـة منـذ عـام ‪ ،1991‬والغـزو‬ ‫األمريكـي‬ ‫ّ‬ ‫العربـي‪.‬‬ ‫للعـراق عـام ‪ ،2003‬ظلـت إيـران أحـد مصـادر التهديـد األساسـية لألمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اإلشكاليات الكبرى لألمن القومي‬ ‫أول‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫العربي ‪2016-2011‬‬ ‫ّ‬ ‫العربـي أو األمـن الوطنـي للـدول العرب َّيـة‬ ‫اخلاصـة باألمـن القومـي‬ ‫اعتـادت الدراسـات‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫تنـاول عنـوان كالسـيكي حتـت اسـم "مرتكزات‪/‬محـ ِّددات األمـن القومـي أو الوطنـي‬ ‫‪ ،"National Security Determinants‬وهـو أمـر شـائع فــي األطروحـات العلميـة واملؤ َّلفـات‬ ‫األكادمييـة‪ .‬وحتـت هـذا العنـوان جتـري دراسـة العوامـل األكثـر تأثيـ ًرا فــي األمـن القومـي‬ ‫ُقسـم هـذه احملـ ِّددات إلـى داخل َّيـة‬ ‫واألكثـر‬ ‫ً‬ ‫حتديـدا لسياسـات الـدول بشـأنه‪ ،‬وفــي األغلـب ت َّ‬ ‫وإقليم َّيـة ودول َّيـة‪ .‬وإلـى حـ ّد كبيـر اتسـمت العناصـر التـي جتـري دراسـتها حتـت عنـوان‬ ‫محـ ِّددات األمـن القومـي باجلمـود واالسـتاتيكية‪ ،‬وضمنهـا كان يجـري تسـليط الضـوء علـى‪:‬‬ ‫الس َّـكانية‪،‬‬ ‫املوقع اجلغرافــي للدولة‪ ،‬ووضعها‬ ‫السياسـي واالقتصادي واالجتماعي وتركيبتها ُّ‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪9‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫فضلا عـن طبيعـة ومنـط قيادتهـا السياسـ َّية ونخبهـا الثقافــية‪ ،‬وكل ذلـك بهـدف االقتـراب‬ ‫مـن مصـادر التهديـد التـي تعتبرهـا هـذه الوحـدة السياسـ َّية أو مجموعـة الـدول املتحالفـة‬ ‫مهـ ِّددات ألمنهـا القومـي‪ ،‬واستكشـاف أمنـاط ردود كل منهمـا وسياسـاتها عليهـا فــي حـال‬ ‫وقـوع تهديـد مباشـر‪.‬‬ ‫العربـي‪،‬‬ ‫وفــي هـذه اجلزئيـة سـوف نتنـاول "إشـكال َّيات" ‪-‬ال محـ ِّددات‪ -‬األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫ضمـن بنـود وجزئيـات أكثـر اقترا ًبا مـن الوضعية احلركيـة والديناميكية للواقـع القومي‪ ،‬التي‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫اإليراني فــي العالَـم‬ ‫العربـي إزاء إيـران وتسـببت فــي زيـادة النُّفُوذ‬ ‫أثـرت فــي املوقـف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وبالنظـر إلـى أنـه مـن الصعـب فــي هـذه املسـاهمة اإلحاطـة والتفصيل فــي هذه اإلشـكال َّيات‬ ‫اسـتخالصا من اخلبرة العرب َّية‬ ‫الكبرى‪ ،‬فسـوف نكتفــي مبا يُعتقد أنه أه ّم هذه اإلشـكال َّيات‬ ‫ً‬ ‫مـا أفرزتـه وكشـفت عنـه دروس الثـورات منـذ ‪ .2011‬فــي سـياق ذلـك‬ ‫املمتـدة‪ ،‬واسـتفادة ِ َّ‬ ‫العربـي‪ ،‬باألخـص تلـك التـي شـكلت‬ ‫سـوف يتـم دراسـة اإلشـكال َّيات الكبـرى لألمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫اإليراني فــي الدول العرب َّيـة‪ ،‬مبا يتصل مبوضوع هذه الدراسـة‪ ،‬وذلك‬ ‫ثغـرات للنفـوذ والنفـاذ‬ ‫ّ‬ ‫علـى النحـو التالي‪:‬‬ ‫‪1.1‬األمـن القومـي العرب ّـي وإشـكالية املفهـوم‪ :‬ارتبـط مفهـوم األمـن القومـي‬ ‫العربـي‬ ‫ّ‬ ‫اخلـاص‬ ‫العربـي فــي ُمج َملـه حسـب املنظـور القومـي‪ ،‬ال حسـب األمـن‬ ‫تقليد ًيـا بأمـن العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالـدول الوطن َّيـة العرب َّيـة‪ ،‬ولقـد سـعى بعـض اآلراء إلـى التمييـز بين االثنين‪ ،‬باحلديـث عـن‬ ‫"األمـن القومـي" حين يرتبـط احلديـث بأمـن مجمـوع الـدول العرب َّيـة أو األ ُ َّمـة العرب َّيـة فــي‬ ‫السـياق اجلماعـي‪ ،‬وبإطلاق مصطلـح "األمـن الوطنـي" حين يتعلـق األمـر بأمـن كل دولـة‬ ‫عرب َّيـة علـى حـدة‪ .‬مـن ثـم فـإن األمـن القومـي ال يتصـل بالـدول العرب َّيـة ككيانـات سياسـ َّية‬ ‫منفـردة ‪-‬وإن كان يشـملها‪ -‬بـل مبجمـل الـدول التـي تنتمـي إلـى القوم َّيـة العرب َّيـة والتـي تتـوزع‬ ‫علـى أكثـر مـن ‪ 20‬دولـة‪ ،‬وتريـد الدفـاع عن نفسـها من خالل صيغـة أمن قومـي جامعة‪ .‬وعلى‬ ‫الرغـم مـن االرتبـاط بين مفهـوم األمـن القومـي ومفهـوم األُ َّمـة العرب َّيـة علـى أسـاس الرابطـة‬ ‫بين كلمـة "القوم َّيـة" وكلمـة "األ ُ َّمـة"‪ ،‬فـإن ذلـك يترتـب عليـه تداخـل كبيـر‪ ،‬ألن مفهـوم األمـن‬ ‫القومـي يسـتهدف أمـن ‪ 22‬دولـة عرب َّيـة‪ ،‬وإشـكالية ذلـك أن هـذا املفهـوم يرتبـط فــي املفهـوم‬ ‫العربـي مبفهـوم "القوم َّيـة" و"األ ُ َّمـة" ال "الدولـة"‪ ،‬ومـن ثـم أخذ مفهوم األمـن القومي‬ ‫والعقـل‬ ‫ّ‬ ‫منحـى تضامن ًيـا عاطفــ ًيا ووجدان ًيـا وانفعال ًيـا‪ ،‬ال عمل َّيات ًيـا وإجرائ ًيـا قائ ًمـا علـى‬ ‫العربـي ً‬ ‫ّ‬ ‫‪10‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫التزامـات متبادلـة وخطـط وبرامـج بين دول ذات كيانـات منفصلـة‪ ،‬إذ افتـرض العـرب وجـود‬ ‫الوحـدة والتالحـم والتضامـن األمنـي قبـل العمل على جتسـيد أي مـن االلتزامـات والتعهدات‬ ‫علـى أرض الواقـع‪ ،‬وهـو مـا أوقـع كثيـ ًرا مـن الـدول واألنظمـة فــي خطـأ كبيـر‪ ،‬وأوجـد أوها ًما‬ ‫بالتضامـن فــي األزمـات أ َّدت إلـى نكسـات فعليـة‪ .‬فلا يتأسـس األمـن القومـي ملجموعـة مـن‬ ‫الـدول علـى مجـ َّرد اإلميـان بقوم َّيـة أو أ ُ َّمـة واحـدة‪ ،‬حتـى لـو توافـر الرضـا وال َقبُول‬ ‫السياسـي‬ ‫ّ‬ ‫َضفاضا وهالم ًيا‬ ‫مـن جانـب الـدول التي تتشـكل منها هذه القوم َّية أو األ ُ َّمة‪ ،‬إذ يظـل املفهوم ف‬ ‫ً‬ ‫وأقـرب إلـى احللـم والطمـوح منـه إلـى الواقـع‪ ،‬ويقيـم حالـة مـن التعنُّـت القسـري والتعسفــي‪،‬‬ ‫حين يتماهـى مواطنـو األُ َّمـة مـع كل قضاياهـا التـي تتجـاوز عشـرات علـى نحـو ينتهـي إلـى‬ ‫حالـة مـن اإلنـكار وعـدم األمـان‪ ،‬فــيتشتت فكـر املواطـن علـى شـبكة واسـعة مـن الهمـوم التـي‬ ‫مؤسسـات الدولة فــيجعلها تتماهى مع‬ ‫تؤ ِّثر عليه‬ ‫ً‬ ‫سياسـيا وشـخص ًيا‪ ،‬وهو أمر قد يؤ ِّثر فــي َّ‬ ‫اخلطـاب القومـي مـن خـارج احلـدود‪ ،‬وينتهـي كل ذلـك فــي النهايـة بقضايـا األمـن القومـي‬ ‫إلـى حالـة أشـبه بلغـة اخلطـاب الدعائـي غيـر املتحقّـق علـى أرض الواقـع‪.‬‬ ‫‪2.2‬إشـكالية صياغـة نظر َّيـة أمـن قومـي عرب َّيـة‪ :‬يحتـاج مفهـوم األمـن القومـي للدولـة إلـى‬ ‫حتديـد حـدود الوحـدة السياسـ َّية‪ ،‬وهـي الدولـة علـى نحـو محـدد ال فضفـاض‪ .‬أمـا األمـن‬ ‫القومـي علـى أسـاس مفهـوم األ ُ َّمـة (مثـل األُ َّمـة العرب َّيـة التـي تتضمـن فـوق ‪ 20‬دولـة)‪ ،‬فإنـه‬ ‫يصعـب حتديـد املعن ِّيين بـه ومفاهيمهـم لـه‪ .‬صحيـح أنـه ميكـن ملجموعـة مـن الـدول أن تؤمـن‬ ‫بعقيـدة تتضمـن أن أي تهديـد ألمـن أي منهـا‪ ،‬هـو تهديـد لهـا جمي ًعـا علـى غـرار مـا توافقـت‬ ‫عليـه دول حلفَـي األطلنطـي ووارسـو (سـابقًا)‪ ،‬وهـو مـا عملت ألجلـه دول الكتلتين على توثيق‬ ‫روابـط أمنهـا القومـي‪ ،‬ووصلـت إلـى تعريـف مشـترك يشـملها جمي ًعـا‪ ،‬لكـن إشـكالية ذلـك‬ ‫العربـي أو األُ َّمـة العرب َّيـة هـي أن بين األهـداف والواقـع فجـوة‪ ،‬فاألهـداف كثيـرة‬ ‫مـع العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫العربـي بكثيـر وجتعـل مفهـوم األمـن القومـي أقـرب إلـى املفهـوم‬ ‫والطموحـات تتجـاوز الواقـع‬ ‫ّ‬ ‫الطوبـاوي غيـر الواقعـي‪ .‬وبشـكل عـا ّم‪ ،‬فإنـه يصعـب حتديـد مفهـوم أمـن قومـي جامـع للـدول‬ ‫العرب َّيـة إال مـن بـاب تقـارب التهديـدات فــي مـا بينهـا فــي الصيـغ العا َّمـة‪ ،‬واالشـتراك فــي‬ ‫مجموعـة مـن املخاطـر والتح ِّديـات التـي يُفتـرض أن تكـون مشـتركة‪ ،‬وهنـا تبـدو اإلشـكالية‬ ‫العربـي َوفْـق ذلـك مجمـوع أمـن كل الـدول العرب َّيـة‬ ‫األساسـية‪ ،‬فهـل يعنـي األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫فُـرا َدى‪ ،‬أو علـى نحـو مـا يـرى بعـض األقـوال "حصيلـة جمـع أمـن كل الـدول العرب َّيـة"‪ ،‬مبـا‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪11‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫يعنـي أن تهديـد األمـن الوطنـي لدولـة عرب َّيـة مـا أو لعـدة دول ينتقـص مـن األمـن اجلماعـي‬ ‫العربـي؟(‪ )2‬إن‬ ‫العربـي‪ ،‬وأن زيـادة مسـتوى األمـن الوطنـي للـدول العرب َّيـة يدعم األمـن القومي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مشـكلة هذا التعريف أنه ال يعتمد على وحدة القضايا اجلماعية واالشـتراك فــي اإلدراكات‬ ‫ملصـادر تهديـد األمـن القومـي‪ ،‬وإمنـا يسـتند إلـى مفهـوم جتميعـي‪ ،‬يعتمـد علـى رصـد ك ِّم ّـي‬ ‫ملهـددات أمـن الوحـدات السياسـ َّية‪ ،‬دون أن يعنـي أمنًـا قوم ًيـا باملعنـى احلقيقـي‪ .‬وهـذا هـو‬ ‫ِّ‬ ‫العربـي الـذي ظـ ّل سـائ ًدا علـى مـدى العقـود املاضيـة‪ ،‬وكان‬ ‫املفهـوم املغلـوط لألمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫يُعتبـر فــيه إجمالـي القـوى العسـكرية الكميـة للجيـوش العرب َّيـة كتلـ ًة واحـدة فــي الدفـاع عـن‬ ‫أمنهـا القومـي ضـ ّد إسـرائيل‪ ،‬وهـو أمـر لم يحـدث ُمطلَقًا‪ ،‬فــي ظـ ّل اختالفات الـدول العرب َّية‬ ‫العربـي حـول حتديـد مصـادر التهديـد لألمـن لـكل منهـا‪.‬‬ ‫واملناطـق الفرعيـة للنظـام‬ ‫ّ‬ ‫‪3.3‬إشـكال َّيات التفكيـر االس‬ ‫ـتراتيجي العرب ّـي‪ :‬يعـود جانـب مـن إشـكال َّيات األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫إلـى عـدم اتِّفـاق النخب العرب َّيـة‪ ،‬واملواالة واملماهـاة ألنظمة مختلفة‪ ،‬والتقاطعـات البينية بني‬ ‫األمريكـي هـاري آر يارغـر‪ ،‬إلـى أن يركـز ‪-‬وهـو‬ ‫املواطنين العـرب‪ .‬ولعـل ذلـك مـا دعـا الباحـث‬ ‫ّ‬ ‫األمريكـي‪،‬‬ ‫اخلاصـة بتحديـد األمـن القومـي‬ ‫األمريكـي‪ -‬علـى اإلشـكال َّيات العلميـة‬ ‫املواطـن‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويشـكو مـن عـدم القـدرة علـى صياغة نظر َّية واسـتراتيج َّية جيـدة لألمن القومي بسـبب عدم‬ ‫الس ْـلطة واملتخصصين والـرأي العـا ّم واإلعلام للدخـول‬ ‫االسـتعداد بين املمسـكني بزمـام ُّ‬ ‫فــي نقاشـات وحـوارات متخصصـة فــي شـؤون األمـن القومـي‪ ،‬و َوفْـق قولـه فـإن "املشـاركني‬ ‫الذيـن يحاولـون االنخـراط فــي مثـل هـذا اجلـدل حائـرون ال يعرفـون كيـف يف ِّرقـون بين‬ ‫ـب وسـائل اإلعلام‬ ‫بس ِّ‬ ‫السياسـة واالسـتراتيج َّية والتخطيـط"‪ .‬وقـد تفاقـم هـذا الوضـع " َ‬ ‫الوطن َّيـة املرتبكـة‪ ،‬التـي تقـوم عـادة بتضليـل عا َّمة الشـعب الذين غال ًبـا ما تأتـي ردود أفعالهم‬ ‫السياسـي احمللِّ ّـي بـدوره إلـى زيـادة صعوبـة إجـراء اجلـدل‬ ‫مبالَغًـا فــيها‪ .‬ويـؤ ِّدي التناحـر‬ ‫ّ‬ ‫البَنَّـاء املناسـب وحشـد اإلجمـاع الوطنـي لدفـع األُ َّمـة إلـى األمـام"(‪ .)3‬وإذا كان هـذا هو وصف‬ ‫باحـث متخصـص فــي شـؤون األمـن القومـي ِلَـا يتعلـق بصعوبـات صياغـة نظر َّيـة أمـن قومـي‬ ‫أمريك َّيـة‪ ،‬فكيـف بحـال األوضـاع السياسـ َّية واالقتصاد َّيـة واالجتماعيـة واإلعالميـة بين ‪22‬‬ ‫بلـ ًدا عرب ًيـا‪ ،‬فــي ظـ ّل وضـع إعلام مـا بعـد الثـورات؟!‬ ‫‪4.4‬الصـراع بين القُ ط ِـر ّي والقومـي‪ :‬علـى الرغـم مـن أن الـدول الــ ‪ 22‬األعضـاء فــي‬ ‫اجلامعة العرب َّية تع ِّرف نفسـها بأنها دول عرب َّية‪ ،‬وتضع ذلك فــي تسـميتها أو فــي دسـاتيرها‬ ‫‪12‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫أو تقـر بـأن اللغـة العرب َّيـة لغتهـا الرسـم َّية(‪ ،)4‬إال أنهـا تظ ّل كيانـات ً‬ ‫ودول مسـتقلة ذات مصالح‬ ‫وسياسـات مختلفـة‪ ،‬تتعـارض وتتصـادم أحيا ًنـا‪ ،‬ورمبـا فــي أغلـب األحيـان‪ .‬وهـذه احلالـة‬ ‫العربـي فــي‬ ‫مـن التناقـض بين القومـي والقُطـري هـي أمـر قائـم منـذ نشـأة النِّظـام‬ ‫الرسـمي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أواسـط األربعينيـات مـع تأسـيس جامعـة الـدول العرب َّيـة‪ ،‬ويعنـي ذلـك أنـه علـى الرغـم مـن‬ ‫العربي يجعل‬ ‫ترديـد مفهـوم األمـن القومـي كثي ًرا فــي الوثائق واملقـ َّررات العرب َّيـة‪ ،‬فإن الواقـع‬ ‫ّ‬ ‫موحـد‬ ‫هـذا املفهـوم أحـد األمـور غيـر‬ ‫َّ‬ ‫محـددة املعانـي‪ ،‬فليـس لـه تعريـف محـدد‪ ،‬أو حتديـد َّ‬ ‫ملصـادر التهديـد‪ ،‬أو توزيـع للسياسـات واملها ِّم واألهداف بني الـدول العرب َّية‪ ،‬وما قد تراه دولة‬ ‫عرب َّيـة جـز ًءا مـن األمـن القومـي قـد تـراه دول أخـرى ضـ ّد األمـن القومـي‪ ،‬وفــي كل األحـوال‬ ‫العربـي لـم حتقّـق قض َّيـة أو مسـألة توا ُفقًـا بشـأنها غيـر‬ ‫فإنـه علـى امتـداد تاريـخ النِّظـام‬ ‫ّ‬ ‫القض َّيـة الفلسـطين َّية‪ ،‬وحتـى هـذه القض َّيـة تباينـت حولهـا الوسـائل واألسـاليب واألهـداف‪،‬‬ ‫وكانـت هـي ذاتهـا إحـدى قضايـا الصـراع الكبـرى بين األنظمـة العرب َّيـة(‪.)5‬‬ ‫ً‬ ‫العربي‪،‬‬ ‫فضلا عن االختالف حول مفهوم األمن القومي‬ ‫‪5.5‬الصراعـات العرب َّية‪-‬العرب َّيـة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ُطـري بشـأن املصالـح‪ ،‬وعـدم االتِّفـاق علـى القض َّيـة املركزيـة‬ ‫والتناقـض بين القومـي والق ّ‬ ‫العربـي‪ ،‬فقـد بـرزت الصراعـات العرب َّية‪-‬العرب َّيـة مبكـ ًرا‪ ،‬علـى نحو شـ َّكك فــي إمكان‬ ‫للنظـام‬ ‫ّ‬ ‫انعقـاد مفهـوم مشـترك لألمـن القومـي يجمـع بين الـدول العرب َّية جميعهـا‪ .‬لقد دخلـت الدول‬ ‫العرب َّية فــي صراعات م ًعا‪ ،‬بسبب خالفات النظم السياس َّية‪ ،‬والصراع على املوارد واحلدود‬ ‫العربـي اآلخَ ـر‪ ،‬فتواجهـت‬ ‫والتوجهـات‪ ،‬وتَبنِّـي جماعـات معارضـة ألنظمـة احلكـم فــي البلـد‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫أنظمـة مختلفـة تتبنـى آيديولوجيـات متعـددة ومقاربـات مختلفـة إزاء أوضاعهـا الداخل َّيـة‬ ‫وأولوياتهـا اإلقليم َّيـة‪ ،‬فكثيـ ًرا مـا تدخلت دول عرب َّية فــي شـؤون دول عرب َّية أخـرى‪ ،‬وكثي ًرا ما‬ ‫عربـي ثالث‪ ،‬وكثيـ ًرا ما تواجهـت كتل عرب َّية‬ ‫تصـادم بَلَـ َدان عرب ّيـان مباشـر ًة أو علـى أرض بلـد‬ ‫ّ‬ ‫ونشـأت حتالفـات متواجهـة بخصـوص قضايـا عرب َّيـة‪ ،‬وفــي احلقيقـة فـإن أكثـر مـا أضـ َّر‬ ‫العربـي لـم ي ُكـن تهديدات اخلارج‪ ،‬بـل الصراعات بني الـدول العرب َّية التقدمية‬ ‫األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫وامللكيـة‪ ،‬والتقدميـة بعضهـا مـع بعـض‪ ،‬والصراعـات العرب َّيـة حـول القض َّيـة الفلسـطين َّية‪،‬‬ ‫وصراعـات احلـدود واملطالـب اإلقليم َّيـة‪ ،‬والوحـدة العرب َّيـة‪ ،‬واالرتباطـات األجنبيـة‪ ،‬وأمـن‬ ‫األقطـار العرب َّيـة والقضايـا االقتصاد َّيـة‪ ،‬وذلـك مـا خلصـت إليـه الدراسـة الرائـدة حـول‬ ‫الصراعـات العرب َّيـة العرب َّيـة للدكتـور أحمـد يوسـف أحمـد(‪ .)6‬وفــي مقابـل تطـور الصراعات‬ ‫العربي ً‬ ‫فشلا ذريعا‬ ‫العرب َّية‪-‬العرب َّيـة كأحـد اإلشـكاالت الكبـرى لألمـن القومـي‪ ،‬شـهد العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪13‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ألغلـب منـاذج التعـاون وجتـارب الوحـدة بين بعـض الـدول العرب َّيـة‪ ،‬مثـل جتـارب الوحـدات‬ ‫بين مصـر وسـوريا ‪ ،1961-1958‬وجتـارب التكامـل بين مصـر والسـودان فــي السـبعينيات‪،‬‬ ‫تأسـس بين مصـر والعـراق واألردن واليمـن عـام‬ ‫وجتربـة مجلـس التعـاون‬ ‫العربـي الـذي َّ‬ ‫ّ‬ ‫العراقـي للكويـت ‪ ،1990‬وحال ًيـا يشـهد اليمـن خطـوات علـى طريق‬ ‫‪ 1989‬وسـقط مـع الغـزو‬ ‫ّ‬ ‫فشـل الوحدة أو على األقل الكونفــيدرالية أو الفــيدرالية بعد انتهاء احلرب الراهنة‪ .‬عالوة‬ ‫علـى ذلـك فـإن أغلـب خطـوات توحيـد مفاهيـم األمـن القومـي العرب َّيـة لـم تلـ َق ال َقبُـول أو‬ ‫العربـي املشـترك التـي ُو ِّق َعـت بين الـدول العرب َّيـة‬ ‫النجـاح‪ ،‬فظلَّـت حتـى اآلن اتِّفاقيـة الدفـاع‬ ‫ّ‬ ‫فــي مطلـع اخلمسـينيات حبـ ًرا علـى ورق‪ ،‬كمـا فشـل مقتـرح القـوة العرب َّيـة املشـتركة الـذي‬ ‫طرحتـه مصـر فــي السـنوات األخيـرة‪.‬‬ ‫‪6.6‬إشـكالية التكويـن االجتماعـي والطائفــي للـدول العرب َّيـة‪ :‬عديـد مـن الدولـة العرب َّيـة‬ ‫اإلثني والعرقي والطائفــي الشـديد‪ ،‬كالعراق وسوريا‪،‬‬ ‫غير متجانسـة سـكان ًيا وتتَّسـم بالتن ُّوع‬ ‫ّ‬ ‫وهمـا أكبـر دولتين عرب ّيتين متعددتين مجتمع ًيـا ومجاورتين لدولتـي جـوار لديهمـا نزعـات‬ ‫تدخُّ ليـة‪ .‬وفــي احلقيقـة فـإن التكوين االجتماعي للـدول العرب َّية كان ميكـن أن يقتصر تأثيره‬ ‫علـى الدولـة مـن الداخـل فقـط‪ ،‬إذا لـم ت ُكـن لـدول اجلـوار العرب َّيـة تقاطعـات طائفــ َّية وإثنيـة‬ ‫مـع بعـض الـدول العرب َّيـة‪ ،‬لكـن هـذه احلالـة موجـودة مـع كل مـن إيـران وتركيـا‪ ،‬وقـد اجتهـت‬ ‫كلتـا الدولتين إلـى تنشـيط هـذه احلـاالت وتوظيفها خلدمـة مصاحلها التدخُّ لية فــي شـؤون‬ ‫مـا جعـل الشـؤون الداخل َّيـة العرب َّيـة ُعرضـة للضغـوط املسـتمرة مـن دول‬ ‫الـدول العرب َّيـة‪َّ ِ ،‬‬ ‫اجلوار‪ ،‬وهي سياسة لم تتّجه الدول العرب َّية إلى مقاومتها عبر التأثير فــي الوضع الداخلي‬ ‫مـا جعـل العالقـة عالقـة تدخُّ ليـة مـن جانب واحـد‪ ،‬وجعل الـدول العرب َّيـة متل ِّقية‬ ‫للدولتين‪َّ ِ ،‬‬ ‫للتهديـد ال َمصـ َد ًرا لـه‪ ،‬وفــي احلـاالت التـي انكسـرت فــيها الدولـة العرب َّيـة بفعـل ضغـوط‬ ‫داخل َّيـة أمـام دولـة اجلـوار فقـد خلَّفَـت حالـة أصبحـت عب ًئـا علـى األمـن القومـي وعـززت‬ ‫الوضعيـة التدخُّ ليـة لدولـة اجلـوار أمـام الـدول العرب َّيـة األُخـ َرى‪ ،‬فـكل مـن العـراق وسـوريا‬ ‫العربـي حين تقـارب ِنظا َمـا البلديـن مـع كل مـن تركيـا وإيـران علـى‬ ‫أصبـح عب ًئـا علـى العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫نحـو م َّكـن كلتـا الدولتين من تعزيـز موقفها ووضعيتهـا إزاء دول اخلليج العرب َّيـة‪ .‬ولقد مكنت‬ ‫احلالـة السياسـ َّية املضطربـة للـدول العرب َّيـة منـذ ‪ 2011‬مـن اسـتيالء أمنـاط مـن ال َعالقـات‬ ‫العربـي فــي عمومـه‪،‬‬ ‫اإليران َّيـة مـع كل مـن العـراق وسـوريا بالغـة الضـرر باألمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫إذ أصبحـت إيـران علـى حـ ّد قول مسـؤوليها السياسـيني حتت ّل أربع دول عرب َّيـة‪ ،‬وأصبحت ‪4‬‬ ‫اإليراني‪.‬‬ ‫عواصـم عرب َّيـة تدور فــي الفلـك‬ ‫ّ‬ ‫‪14‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪7.7‬عـدم اسـتقرار عالقـة العـرب بقـوى اجلـوار‪ :‬علـى الرغـم مـن مـرور مـا يزيـد علـى‬ ‫العربـي‪ ،‬ال ميكـن القـول بـأن الـدول العرب َّيـة قـد متكنـت فــي‬ ‫سـبعة عقـود علـى نشـأة النِّظـام‬ ‫ّ‬ ‫إطـار منظومتهـا اجلماعيـة مـن صياغـة رؤيـة واسـتراتيج َّية محـددة ومشـتركة فــي مـا يتعلـق‬ ‫بعالقتهـا بـدول اجلـوار اإلقليمـي‪ ،‬ومـا إذا كانـت هـذه الـدول مهـ ِّد ًدا أم عنصـ ًرا إيجاب ًيـا فــي‬ ‫أمنهـا القومـي‪ ،‬ومتـى تتحـول مـن حليـف وصديـق إلـى خصـم وعـد ّو‪ ،‬وكيـف تديـر سياسـتها‬ ‫العربـي هيمنـت‬ ‫اخلارج َّيـة معـه‪ ،‬واألدوات التـي توظفهـا مـع كل منهـا‪ .‬فمنـذ بدايـات النِّظـام‬ ‫ّ‬ ‫النظر َّيـة القوم َّيـة علـى رؤيـة العـرب لقـوى اجلـوار‪ ،‬ونظـرت الرؤيـة القوم َّيـة لـدول اجلـوار‬ ‫العربـي‪.‬‬ ‫لات الفعليـة لـدول اجلـوار فــي الشـأن‬ ‫مـن منظـار عدائيـة‪ ،‬سـاعد علـى ذلـك التدخُّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫العربـي‪ ،‬وحـال تبايـن‬ ‫ولقـد منـع كل ذلـك إمكانيـة بنـاء َعالقـات مسـتقرة مـع دول اجلـوار‬ ‫ّ‬ ‫السياسـات العرب َّيـة مـن دول اجلـوار دون تطابـق املقـررات والوثائـق العرب َّيـة بخصوصهـا مـع‬ ‫السياسـات علـى األرض‪ ،‬فتحمـل الوثائـق العرب َّية‪ ،‬املمثلة فــي بيانات ومقـ َّررات القمة العرب َّية‬ ‫واالجتماعـات الوزاريـة‪ ،‬توجهـات وقـرارات ين ِّدد أغلبهـا بتدخالت قوى اجلوار اإلقليمي‪ ،‬فــي‬ ‫العربـي وسياسـات الـدول العرب َّيـة علـى عكـس هـذا ِّ‬ ‫االتـاه كثيـ ًرا‪ .‬ولقـد‬ ‫حين يسـير الواقـع‬ ‫ّ‬ ‫انعكسـت اخلالفـات علـى مواقـف الـدول العرب َّيـة بشـأن دول اجلـوار وم َّكنَـت مـن تسـلُّل هـذه‬ ‫الـدول إلـى عمـق األمـن القومـي‪ .‬وعلـى سـبيل املثـال فـإن أهـم بلديـن عرب َّيين تَ َبنَّيـا اخلطـاب‬ ‫العربـي‪ ،‬واآلن ينفتـح‬ ‫القومـي البعثـي (سـوريا والعـراق) كانـا أكبـر نافذتين إليـران إلـى العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫البلـدان كلِّ ًيـا علـى إيـران أكثـر مـن انفتاحهمـا عرب ًيـا‪ ،‬كمـا تبـدو َعالقـات تركيـا ببعـض الـدول‬ ‫العرب َّيـة كذلـك علـى رغـم اسـتمرار رؤيتهـا املناقضـة ملصـر بعـد ‪ 30‬يونيـو‪ ،‬وهكـذا ميكن رسـم‬ ‫صـور مختلفـة ل َعالقـات الـدول العرب َّيـة بكل مـن إيـران وتركيا‪ ،‬تتـراوح بني َعالقـات الصداقة‪،‬‬ ‫وعالقـات الفتـور‪ ،‬وال َعالقـات عاديـة‪ .‬وقـد خلّـف ذلـك اضطرابـات‬ ‫وعالقـات التوتُّـر والعـداء‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وأسـس لتناقـض كبيـر بين النظر َّيـة والتطبيـق‬ ‫كثيـرة فــي مفهـوم األمـن القومـي‬ ‫العربـي َّ‬ ‫ّ‬ ‫واملمارسـات‪ ،‬وانتهـى األمـر بـأن أصبحـت اجلامعـة العرب َّية ذاتهـا غير قادرة علـى حتديد رؤية‬ ‫تخـص َعالقـات العـرب بقوى اجلوار‪ ،‬وهو ما ظهر فــي طـرح أطروحات مغايرة‬ ‫واسـتراتيج َّية‬ ‫ّ‬ ‫ومفاجئـة فــي السـنوات األخيـرة‪ً ،‬‬ ‫مثلا فــي عـام ‪ 2010‬طـرح األمين العـا ّم للجامعـة عمـرو‬ ‫العربـي التـي كانـت تسـعى لبنـاء رابطـة‬ ‫موسـى (آنـذاك) مبـادرة إلنشـاء "رابطـة دول اجلـوار"‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسـية مـع كل مـن إيـران وتركيـا‪.‬‬ ‫عرب َّيـة َّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪15‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪8.8‬تبايـن االرتباطـات األجنبيـة والدفاعيـة للـدول العرب َّيـة‪ :‬ترتبـط الـدول العرب َّيـة‬ ‫ب َعالقات مختلفة مع القوى َ‬ ‫العال َّية‪ ،‬ففــي السـتينيات من القرن العشـرين كانت لبعض الدول‬ ‫ِّ‬ ‫واالتاد السوفــييتي حتدي ًدا‪ ،‬فــي‬ ‫خاصـة بالكتلـة الشـرقية وحلف وارسـو‬ ‫العرب َّيـة َعالقـات َّ‬ ‫خاصة بـدول الكتلـة الغرب َّية وحلف‬ ‫حين كانـت لـدول عرب َّيـة أخـرى ارتباطات دفاعيـة وأمنية َّ‬ ‫حتديـدا‪ ،‬وهذه االرتباطات املختلفة باملعسـكرات الدول َّية ظلت‬ ‫األطلنطـي والواليـات املتَّحـدة‬ ‫ً‬

‫تؤثـر فــي قـرار الـدول العرب َّيـة طـوال فتـرة احلـرب البـاردة‪ ،‬ونظـ ًرا إلـى تبايـن وجهـات نظـر‬ ‫العربـي وهـي القض َّيـة الفلسـطين َّية‪،‬‬ ‫الـدول فــي مـا يتعلـق بالقض َّيـة األولـى لألمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫فقـد تعـددت رؤاهـا لألمـن القومـي انطال ًقـا من اختالفها بشـأن منهجـي الصراع والتسـوية‪،‬‬ ‫ولقـد اسـتمرت هـذه اخلالفات العرب َّية حتـى بعد انتهاء احلرب الباردة وانهيار حلف وارسـو‪،‬‬ ‫وعلـى الرغـم مـن ِّ‬ ‫اتـاه أغلـب الـدول العرب َّيـة نحـو الغـرب والواليـات املتَّحـدة حتديـ ًدا‪ ،‬وعلى‬ ‫العراقـي والليبـي‬ ‫الرغـم مـن انهيـار عديـد مـن األنظمـة العرب َّيـة الراديكاليـة مثـل النِّظامين‬ ‫ّ‬ ‫وتَعقُّـد مسـتقبل النِّظـام السـوري وانهيـار مـا كان يُ َس َّـمى "معسـكر املمانعـة" فــي السياسـات‬

‫العرب َّيـة‪ ،‬فقـد اسـتمرت الـدول العرب َّيـة مختلفـة فــي ارتباطاتهـا الدول َّيـة وفــي تسـليحها‬ ‫وعقائدهـا العسـكرية وفــي حجـم ونوعيـة التزاماتهـا إزاء قضايـا األمـن القومـي فــي ظـ ّل‬ ‫العربـي بقـوى دول َّيـة مختلفـة يحـ ّد مـن‬ ‫َعالقاتهـا الدول َّيـة املتضاربـة‪ ،‬ومـن ثـم ظـ ّل االرتبـاط‬ ‫ّ‬

‫قـدرة كل دولـة عرب َّيـة علـى تنفــيذ التزاماتهـا إزاء األمن القومي‪ ،‬حتى بني الدول التي تتشـابه‬ ‫وعالقاتهـا بالـدول الغرب َّيـة‪ .‬وعلـى الرغـم مـن أن توجهـات اجلامعـة‬ ‫فــي توجهاتهـا الدول َّيـة َ‬

‫الغربـي‪ ،‬فمالـت‬ ‫العرب َّيـة نفسـها فــي األعـوام األخيـرة تأثـرت بتحـ ُّوالت القـوة فــي الواقـع‬ ‫ّ‬

‫العربـي ‪-‬علـى نحـو مـا بـرز‬ ‫الغربـي والـدور الدولـي فــي الوضـع‬ ‫نحـو التسـليم بواقـع النُّفُـوذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فــي موقفهـا فــي أزمتـي سـوريا وليبيا واليمن‪ -‬فقـد اسـتم َّرت االختالفات العرب َّية بشـأن دور‬

‫القـوة العسـكرية الدول َّيـة فــي األزمـات العرب َّية‪.‬‬

‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫ثانيا‪ :‬أمناط التهديد‬ ‫العربي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي لألمـن القومـي‬ ‫فــي ضـوء مـا سـبق‪ ،‬ميكـن رصـد سـبعة أمنـاط للتهديـد‬ ‫العربـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منـذ تفجـر ال َّثـورة اإليران َّيـة عـام ‪ ،1979‬ولقـد طرحـت إيـران هـذه األمنـاط السـبعة مـن‬

‫العربـي‪ ،‬وذلك علـى النحو التالي‪:‬‬ ‫التهديـد انطال ًقـا مـن إدراكها لإلشـكال َّيات السـابقة لألمن‬ ‫ّ‬ ‫‪16‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫العربي على قضيته املركزية (الصراع مع إسرائيل)‪:‬‬ ‫تشتيت تركيز النِّظام‬ ‫ّ‬

‫علـى الرغـم مـن التأثيرات السـلبية للحـرب العراق َّية‪-‬اإليران َّية على األمـن القومي‬ ‫العربي‬ ‫ّ‬ ‫خلال عقـد الثمانينيـات مـن القـرن العشـرين‪ ،‬ال ميكـن حتميـل إيـران وحدهـا مسـؤولية‬ ‫إحـداث اخللـل فــي ميـزان القـوى العرب َّيـة مـع إسـرائيل‪ ،‬ألنـه فــي األغلـب لـم ت ُكـن القـدرات‬ ‫التسـليحية للدولـة العراق َّيـة آنـذاك تتّجـه إلـى إسـرائيل باألسـاس‪ ،‬ولـو لـم تقـع احلـرب رمبـا‬ ‫التوجهـات العدائيـة‬ ‫اخلليجـي مـع‬ ‫كانـت هـذه القـدرات سـتتّجه ضـ ّد دول مجلـس التعـاون‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫صـدام‬ ‫لص َّـدام حسين‪ .‬مـع ذلـك فباحلسـابات الواقعيـة واملاديـة البحتـة‪ ،‬وباعتبـار أن عـراق َّ‬ ‫َ‬ ‫التوسـعي فــي اجلـوار‪ ،‬فقـد أ َّدت احلـرب العراق َّية‪-‬اإليران َّيـة إلى تعزيز‬ ‫لـم ي ُكـن ليسـلك نهجه‬ ‫ُّ‬ ‫العربـي(‪.)7‬‬ ‫الفصـل بين أمـن اخلليـج واألمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫العربـي‪،‬‬ ‫لقـد نالـت احلـرب مـن مكانـة القض َّيـة الفلسـطين َّية كقض َّيـة مركزيـة للنظـام‬ ‫ّ‬ ‫وانتهـت وأوضـاع القض َّيـة الفلسـطين َّية أشـد سـو ًءا منهـا قبلهـا‪ ،‬وهـو أمـر ال يتضـح فقـط مـن‬ ‫العربـي الضائـع الـذي تَ َو َّجـه إلـى الصـراع مـع إيـران علـى مـدى‬ ‫حجـم املجهـود العسـكري‬ ‫ّ‬ ‫أيضـا مـن‬ ‫مـا يقـرب مـن عقـد‪ ،‬والـذي كان مـن املفتـرض أن يتوجـه ضـ ّد إسـرائيل‪ ،‬بـل اتضـح ً‬ ‫مواثيـق ومقـ َّررات اجلامعـة العرب َّيـة التـي أظهـرت االنشـغال باحلـرب العراق َّية‪-‬اإليران َّية على‬ ‫نحـو قلَّـص مـن مجهـودات اجلامعـة املوجهـة إلـى قض َّيـة فلسـطني‪ .‬لقـد اتضـح ذلـك فــي‬ ‫مقـررات القمـة العرب َّيـة فــي ع ّمـان بـاألردن عـام ‪ 1987‬التـي حتدثـت عـن املخاطـر الكبيـرة‬ ‫اإليرانـي وأعطـت احلـرب العراق َّية‪-‬اإليران َّية أولوية‬ ‫التـي تهـ ِّدد األمـن القومـي َج َّراء السـلوك‬ ‫ّ‬ ‫اإلسـرائيلي‪ ،‬بـل صـارت اعتبـارات مواجهـة اخلطـر‬ ‫العربي‪-‬‬ ‫واضحـة علـى الصـراع‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جتـب مثيالتهـا بالنسـبة إلـى اخلطـر الصهيونـي(‪.)8‬‬ ‫ولقـد وضعـت احلـرب دول اخلليـج العرب َّيـة بين قوتين إقليميتين دخلتـا فــي صـراع‬ ‫ممتـد‪ ،‬انتهـى بخريطـة مغايـرة ألمـن اخلليـج‪ ،‬فبـدأت احلـرب ودول مجلـس التعـاون تعلـن‬ ‫ّ‬ ‫أجنبـي فــي املنطقـة وتطالـب بضـرورة إبعـاد املنطقـة بأكملهـا‬ ‫رفضهـا املُطلَـق ألي تدخُّ ـل‬ ‫ّ‬ ‫بخاصـة وجـود األسـاطيل العسـكرية والقواعـد األجنبيـة(‪ ،)9‬ثـم‬ ‫عـن الصراعـات الدول َّيـة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫انتهـت واألسـاطيل األجنبيـة جتـوب ميـاه اخلليـج مـن كل ناحيـة‪ ،‬وهكـذا كانـت احلـرب‬ ‫ً‬ ‫العربـي‪.‬‬ ‫منفصلا عـن األمـن القومـي‬ ‫السـبب الرئيسـي فــي اتخـاذ أمـن اخلليـج مسـا ًرا‬ ‫ّ‬ ‫وخلال عقـد الثمانينيـات مـن القـرن العشـرين (الـذي شـهد هـذه احلـرب) حقّقـت إسـرائيل‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪17‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫العربـي فــي موازيـن القـوى العسـكرية‪ ،‬وشـنّت أكثـر اعتداءاتهـا‬ ‫أهـم التمايـزات علـى العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫العسـكرية علـى الـدول العرب َّيـة‪ ،‬وطالـت الـذراع اإلسـرائيل َّية الطويلـة كال مـن العـراق (ضرب‬ ‫مفاعـل أوزيـراك ‪ ،)1981‬ولبنـان ‪ ،1982‬وتونـس ‪ ،1985‬وأحدثـت احلـرب شـرخً ا كبيـ ًرا بين‬ ‫دولتـي البعـث فــي العـراق وسـوريا‪ ،‬علـى أثـر وقـوف األخيـرة إلـى جانـب إيـران‪.‬‬ ‫العربي‪:‬‬ ‫تقييد القدرة العسكرية اخلليج َّية فـي املجهود‬ ‫ّ‬ ‫العربـي خلال‬ ‫كان أحـد األدوار التـي قامـت بهـا إيـران فــي اإلضـرار باألمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫الفتـرة ‪ ،2016-1979‬أنهـا أسـهمت فــي تقليـص دور القـدرات العسـكرية اخلليج َّيـة كطاقـة‬ ‫اإلسـرائيلي‪ ،‬فعلـى الرغـم مـن أن دول مجلس التعـاون لم تق ِّدم‬ ‫إضافــية فــي الصـراع‬ ‫العربـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسـرائيلي‪ ،‬بحكـم محدوديـة قدراتهـا قبل‬ ‫مسـاهمات عسـكرية كبيـرة فــي الصـراع‬ ‫العربـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اخلاصـة‪ ،‬فإنهـا أ َّدت أدوا ًرا إسـنادية متميـزة‬ ‫السـبعينيات مـن القـرن العشـرين وظروفهـا‬ ‫َّ‬ ‫للقـدرات الدفاعيـة العرب َّيـة فــي حربـي ‪ 1967‬و‪ .1973‬وميكـن حتديـد جوانـب تفاعـل‬ ‫دول اخلليـج مـع القض َّيـة الفلسـطين َّية تاريخ ًيـا فــي أربعـة ِّ‬ ‫اتاهـات‪ :‬اإلسـهام فــي املجهـود‬ ‫العسـكري‪ ،‬والدعـم االقتصـادي لـدول املواجهـة وللفلسـطينيني‪ ،‬وتوظيـف دور ال ِّنفْـط‪ ،‬وطرح‬ ‫اخلليجـي مـع الصـراع‬ ‫مبـادرات سياسـ َّية‪ .‬ومـن املؤ َّكـد أن هـذه اجلوانـب األربعـة للتفاعـل‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي قائ ًمـا‪.‬‬ ‫اإلسـرائيلي كانـت سـتتّخذ مسـتويات أعلـى لـو لـم ي ُكـن التهديـد‬ ‫العربـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لقـد أ َّدى تَبَنِّـي إيـران مبـدأ تصديـر ال َّثـورة إلـى انشـغال دول اخلليـج بأمنهـا‪ ،‬وأنفقـت‬ ‫ً‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬ومسـاعي‬ ‫طويلا فــي مواجهـة اإلعلام‬ ‫أدوات السياسـة واإلعلام اخلليج َّيـة وقتًـا‬ ‫ّ‬ ‫إيـران لزعزعـة اسـتقرارها الداخلـي‪ .‬وسـعت إيـران لتعزيـز شـرعيتها اإلقليم َّيـة بتوظيـف‬ ‫دعمهـا للقض َّيـة الفلسـطين َّية‪ ،‬حتـى بـدا أن مـا يجمع إيـران بالفلسـطينيني وقضيتهم هو على‬ ‫شـاكلة خطوط اتصال كثيفة تتقاطع أحيا ًنا عند نقطة اشـتراك واضحة تتمثل فــي اإلجماع‬ ‫علـى العـد ّو املشـت َرك متم ِّث ًلا فــي إسـرائيل‪ ،‬لكـن هـذه اخلطوط تختلف وتتشـعب عنـد نقاط‬ ‫أخـرى تطغـى عليهـا لغـة املصالـح(‪ .)10‬ودفعـت ضـرورات التوفــيق بين الثوابـت واملصالـح فــي‬ ‫َبن اجلمهور َّيـة‬ ‫السياسـة اإليران َّيـة إلـى انتهـاج طهـران طريقًـا مغايـ ًرا للطريـق‬ ‫العربـي‪ ،‬فلـم ت ِ‬ ‫ّ‬ ‫اإليران َّيـة علـى املجهـودات العرب َّيـة فــي القض َّيـة الفلسـطين َّية‪ ،‬ولـم تدخل إلى سـاحة الصراع‬ ‫اإلسـرائيلي مـن البوابة اإلضافــية للعرب‪ ،‬بل من بوابة املنافسـة عبـر احتضان وتَبَنِّي‬ ‫العربـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عسـكري‬ ‫مـواز‪ ،‬تصـادم ‪-‬فــي كثيـر مـن األحيان‪ -‬مـع الدولـة الوطن َّيـة العرب َّية‪،‬‬ ‫مسـار‬ ‫صدامـي ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪18‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫بـدل مـن أن يتصـادم مـع إسـرائيل‪ ،‬إذ دعمـت طهـران تنظيمـات مناهضـة للخـط القومـي‬ ‫مـا وضـع‬ ‫واخلـط الفلسـطيني‬ ‫الرسـمي‪ ،‬بحـد انتهـى إلـى اخلصـم مـن القـدرات العرب َّيـة‪َّ ِ ،‬‬ ‫ّ‬

‫الفلسـطينيني فــي حـرج كبيـر نـاجت عـن عـدم القـدرة علـى خلـق حالـة تـوازن بين َعالقاتهـم‬ ‫بـدول اخلليـج العرب َّيـة‪ ،‬التـي قدمـت كثيـ ًرا للقض َّيـة الفلسـطين َّية‪ ،‬وإيـران التـي تقاربـت معهـم‬ ‫وسـاندتهم لكنهـا دخلـت فــي تنافـس واسـتقطاب مـع دول مجلـس التعـاون(‪.)11‬‬ ‫ضد الدولة الوطن َّية‪:‬‬ ‫تعزيز ال َعالقات مع اجلماعات األدنى ّ‬ ‫العربي‪ ،‬عـدم إميانهـا باملداخل‬ ‫مـن أشـد األخطـار التـي ألقتهـا إيـران على األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫الرسـم َّية والسـلطات الشـرعية والوطن َّيـة فــي َعالقاتهـا بالـدول العرب َّيـة‪ ،‬وارتكانهـا إلـى نهج‬ ‫تدخُّ لـي فــي املك ِّونـات الداخل َّيـة للدولـة الوطن َّيـة‪ ،‬فلا تقتصـر إيـران فــي َعالقاتهـا بالـدول‬ ‫العرب َّيـة علـى ال َعالقـات الرسـم َّية كدولـة فــي عالَـم مـن الـدول‪ ،‬وإمنـا تتدخـل فــي املك ِّونـات‬ ‫الداخل َّيـة للوحـدات الوطن َّيـة‪ ،‬وتتبـع سياسـات متييزيـة بين الفصائـل واجلماعـات الوطن َّيـة‪،‬‬ ‫وتؤسـس لتوابـع فصائليـة وجيـوب بؤريـة‬ ‫لتخلـق‬ ‫ً‬ ‫أوضاعـا داخل َّيـة تضـ ّر باالسـتقرار الوطنـي‪ِّ ،‬‬ ‫تـدور فــي فلكهـا القائـم علـى ا ّدعائهـا الواليـة املذهب َّيـة علـى ِّ‬ ‫الشـي َعة‪ ،‬وهـو مـا يشـ ِّكل أدوات‬ ‫اإليراني فــي‬ ‫تدريجـي للـدول العرب َّيـة مـن الداخل‪ .‬ولقد دفعت شـواهد وعقيـدة التم ُّدد‬ ‫هـدم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫توسـعها علـى‬ ‫الـدول العرب َّيـة بعـض احملللين إلـى تأكيـد أن اجلمهور َّيـة اإليران َّيـة راهنـت فــي ُّ‬ ‫منهجيـة أن القـدرة تهـزم الكثـرة‪ ،‬إمـا بإخضاعهـا وإمـا بتشـتيتها‪ ،‬وهـو مـا ط َّبقَتـه فــي أكثـر‬ ‫مـن مدينـة وحاضـرة عرب َّيـة تاريخ َّيـة فــي الشـام وبلاد مـا بين النهريـن (بغـداد‪ ،‬والنجـف‪،‬‬ ‫واملوصـل‪ ،‬وحمـص‪ ،‬وحلـب‪ ،‬ودمشـق)‪ ،‬فــي عمليـة يـرى بعـض اآلراء أنهـا شـكلت "اسـتهدا ًفا‬ ‫السـ ِّن َّية إلـى أقليـة"(‪.)12‬‬ ‫ً‬ ‫واضحـا للدميوغرافــيا العرب َّيـة وحتويـل األغلبيـة العرب َّيـة ُّ‬ ‫وتشـ ِّكل األسـاليب واملناهـج اإليران َّيـة فــي التعامـل مـع كل مـن لبنـان والعـراق واجلماعات‬ ‫الفلسـطين َّية قبـل وبعـد ‪ 2011‬وسـوريا واليمـن بعـد ‪ 2011‬منـاذج علـى النهـج‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫التفتيتـي للكيانـات الوطن َّيـة للـدول العرب َّيـة‪ ،‬ففــي هـذه الـدول انتهـت ال َعالقـات اإليران َّيـة‬ ‫ّ‬ ‫مـع األطـر الرسـم َّية للدولـة إلـى تعزيـز وخلـق كيانـات فصائليـة متـارس احلـرب علـى الكيـان‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬وفــي كل مـن سـوريا والعراق‬ ‫الوطنـي ملصلحـة العقيـدة السياسـ َّية والنهـج‬ ‫املذهبـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واليمـن عملـت إيـران علـى إنشـاء ميليشـيات وأحـزاب طائفــ َّية مسـلَّحة علـى غـرار حـزب‬ ‫اهلل(‪َ ،)13‬‬ ‫اإليرانـي فــي الشـؤون الداخل َّيـة العرب َّيـة فــي أفضـل صـوره فــي‬ ‫وت َّسـد التدخُّ ـل‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪19‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ر ّد فعـل إيـران علـى قـرار اململكـة العرب َّيـة السـعود َّية إعـدام الشـيخ منـر النمـر فــي مطلـع‬ ‫ينايـر ‪ ،2016‬ومـا تبعـه مـن اعتـداءات على السـفارة السـعود َّية فــي طهران والقنصلية فــي‬ ‫وتزُّبـات فــي األوسـاط ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫مشـهد‪َ ،‬‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬ع َّبـر عنهـا زعيم حزب‬ ‫ـيع َّية دع ًمـا للموقـف‬ ‫ّ‬ ‫اهلل حسـن نصـر اهلل أفضـل تعبيـر‪.‬‬ ‫وفــي احلقيقـة‪ ،‬أسـهمت املمارسـات اإليران َّيـة فــي السـنوات األخيـرة ‪-‬ضمـن عوامـل‬ ‫التوحـد وفـق أسـاس وطنـي قـوي بشـأن‬ ‫العربـي مـن فرصـة‬ ‫أخـرى‪ -‬فــي حرمـان العالَـم‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫العربـي لعقـود منقسـ ًما بين محـوري االعتـدال‬ ‫القض َّيـة الفلسـطين َّية‪ ،‬فظـ ّل العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫واملمانعـة‪ ،‬وحينمـا سـقطت قـوى محـور املمانعـة (العـراق وسـوريا باألسـاس)‪ ،‬اندفعـت‬ ‫العربـي‪،‬‬ ‫التوحـد‬ ‫إيـران لبنـاء محـور بديـل تعويضـي‪ ،‬ونفّـذت أدوا ًرا لـم ت ُكـن فــي مصلحـة‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫فجمعـت حولهـا ً‬ ‫دول عرب َّيـة تابعـة وكيانـات دون وطن َّيـة‪ ،‬واخترقـت نسـيج املجتمعـات‪،‬‬ ‫العربـي مـن فرصـة توحيـد قـواه الوطن َّيـة َوفْـق نهـج متقـارب بشـأن‬ ‫علـى نحـو حـرم العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫القض َّيـة الفلسـطين َّية‪ ،‬وأصبحـت أدوار هـذه القـوى األدنـى التابعـة إليـران خَ ص ًمـا مـن‬ ‫األدوار الوطن َّيـة الكليـة للـدول العرب َّيـة‪ .‬وينـدرج ضمـن هـذه اجلزئيـة محـاوالت اجلمهور َّية‬ ‫اإليران َّيـة إضافـة عناصـر اضطـراب إلـى ال ُهوِ َّيـة الوطن َّيـة والدينيـة واملذهب َّيـة‪ ،‬وإرهـاق‬ ‫النسـيج الطائفــي واالجتماعـي فــي الـدول العرب َّيـة‪ ،‬مـن خلال السـعي إلـى التشـ ُّيع ونشـر‬ ‫ـيع ّي‪ ،‬أو إسـناد وتعظيـم الطوائـف ِّ‬ ‫املذهـب ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية‪ ،‬وهنـاك اتهامـات كثيـرة إليـران‬ ‫فــي هـذا الشـأن‪ ،‬األمـر الـذي جعـل دوال عرب َّيـة تتـر َّدد فــي بنـاء َعالقـات معهـا‪ ،‬أو تقطـع‬ ‫َعالقاتهـا بهـا فــي فتـرات مختلفـة‪.‬‬ ‫وكان الفتًـا فــي عـام ‪ 2016‬مـا بـدا مـن قلـق جزائـري مـن التمـ ُّدد ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي‪ ،‬حين حـ ّذر‬ ‫رئيـس املجلـس اإلسلامي األعلـى فــي اجلزائـر مـن "محـاوالت زعزعـة وحـدة املجتمـع‬ ‫اجلزائـري"‪ ،‬وكان وزيـر الشـؤون الدينيـة واألوقـاف اجلزائـري قـد صـرح بـأن "ت َّيـارات‬ ‫حتـاول اختـراق املجتمـع‪ ،‬مثـل الطريقـة األحمديـة واملذهـب ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي"‪ ،‬واشـتكى مـن‬ ‫الغـزو الطائفــي فــي بلاده(‪ .)14‬واتهـم مسـؤول الصحـوة احلـرة السلفــية باجلزائـر سـفارة‬ ‫إيـران بنشـر املذهـب ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي‪ ،‬بأسـاليب وصفهـا بـ"األخطبوطيـة"(‪ .)15‬وفــي ينايـر ‪2016‬‬ ‫ً‬ ‫تفاعلا مـع حملـة لطـرد امللحـق الثقافــي بسـفارة إيـران أميـر‬ ‫أبـدى ناشـطون جزائريـون‬ ‫موسـوي‪ ،‬ألنـه ‪-‬كمـا يقولـون‪" -‬يسـعى بقـوة إلـى نشـر التشـ ُّيع"‪ ،‬حتـت غطـاء التقـارب بين‬ ‫البلديـن فــي املجـال االقتصـادي(‪ .)16‬وليـس ُمسـتب َع ًدا أن يكـون تسـويف مصـر املسـتم ّر‬ ‫‪20‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫أساسـي مـن اعتبـارات أمنيـة‪ ،‬خو ًفـا مـن‬ ‫إزاء مسـاعي التقـارب اإليران َّيـة ناب ًعـا بشـكل‬ ‫ّ‬ ‫اإلضـرار بالنسـيج الوطنـي مـن محـاوالت التشـييع‪.‬‬ ‫أمـا اململكـة العرب َّيـة السـعود َّية فقـد سـبق وقطعـت َعالقاتهـا الدبلوماسـ َّية مـع إيـران‬ ‫بين عا َمـي ‪ ،1991-1987‬إثـر مواجهـات داميـة فــي احلـرم املكـي‪ ،‬عقـب قيـام احلجـاج‬ ‫اإليران ِّيين مبظاهـرة عنيفـة‪ .‬كمـا كانـت اململكـة املغرب َّيـة قـررت فــي مـارس ‪ 2009‬قطـع‬ ‫َعالقاتهـا الدبلوماسـ َّية مـع اجلمهور َّيـة اإليران َّيـة‪ ،‬بعـد اتهـام املغـرب إليران مبحاولـة تغيير‬ ‫السـن ِّّي الـذي تتبنـاه اململكة‪،‬‬ ‫األ ُ ُسـس اجلوهريـة للهويـة املغرب َّيـة‪ ،‬وتقويـض املذهـب املالكـي ُّ‬ ‫مـا اعتبـره البيـان "تدخُّ ًلا ال ميكـن َقبُولـه" فــي الشـؤون املغرب َّيـة‪ ،‬و"يخالـف القواعـد‬ ‫الدبلوماسـية"‪ .‬كمـا قـ َّر َرت احلكومـة اليمنيـة الشـرعية طـرد السفــير‬ ‫واألخلاق‬ ‫اإليرانـي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫فــي صنعـاء وسـحب القائـم باألعمـال اليمنـي لـدى طهـران فــي منتصـف ‪ ،2015‬تعبيـ ًرا‬ ‫عـن رفضهـا دعـم إيـران النقلاب جماعـة احلوثيين ضـ ّد الرئيـس عبـد ربه منصـور هادي‪.‬‬ ‫دعـم َّ‬ ‫جتسـس‪:‬‬ ‫منظمـات وجماعـات داخل َّيـة وخاليا ُّ‬

‫إذا كانـت األشـكال السـابقة تتضمـن ِّ‬ ‫اتاهـات سياسـ َّية وتوجهـات عق َِد َّيـة مذهب َّيـة‬ ‫جتسـد األشـكال الكبـرى للسياسـة التدخُّ ليـة للجمهور َّيـة اإليران َّيـة‪ ،‬فـإن أنشـطة إيـران‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫أشـكال عمليـة فعليـة علـى أراضـي دول مجلـس‬ ‫العربـي اتّخـذت‬ ‫الضـا َّرة باألمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫اخلليجـي‪ ،‬وذلـك مـا أبرزتـه وقائـع كثيـرة أعلنـت عنهـا دول املجلـس وألقـت‬ ‫التعـاون‬ ‫ّ‬ ‫مبسـؤوليتها علـى إيـران‪ ،‬وتوجـد عشـرات احلـوادث فــي السـنوات األخيـرة التـي أعلنـت‬ ‫إيرانـي صريـح فــيها لزعزعـة أمنهـا الداخلـي وتـو ُّرط‬ ‫دول مجلـس التعـاون عـن تـورط‬ ‫ّ‬ ‫جتسـس وعنـف‪ ،‬ولقـد تكـررت هـذه احلـوادث‬ ‫عناصـر إيران َّيـة فــي خاليـا وشـبكات‬ ‫ُّ‬ ‫خصوصـا فــي البحريـن والكويـت والسـعود َّية التـي أعلنـت مـرا ًرا القبـض علـى خاليا عنف‬ ‫ً‬ ‫وجتسـس ملصلحـة إيـران‪ .‬وفــي اإلطـار العـا ّم يـؤ ِّدي ذلـك إلـى تبديـد طاقـة سـلطات األمـن‬ ‫ُّ‬ ‫الداخلـي بـدول املجلـس فــي هـذه القضايـا واحلـوادث األصغـر‪.‬‬ ‫لقـد أوردت بيانـات وزارات الداخل َّيـة فــي دول مجلـس التعـاون تُ َه ًمـا مو َّثقـة نحو إيران‪،‬‬ ‫ولـي عهـد السـعود َّية وزيـر الداخل َّيـة األميـر محمـد بـن نايـف أمـام اجلمعيـة‬ ‫وكانـت كلمـة ّ‬ ‫العا َّمـة خلال أعمـال الـدورة السـنوية الــ‪ 71‬للأمم املتَّحـدة فــي ‪ 21‬سـبتمبر ‪2016‬‬ ‫مع ِّبـرة‪ ،‬حين أ َّكـد أن اململكـة تعرضـت منـذ عـام ‪ 1992‬ألكثـر مـن ‪ 100‬عمليـة إرهابيـة‪،‬‬ ‫منهـا ‪ 18‬نفذتهـا عناصـر مرتبطـة تنظيم ًيـا بدولـة إقليم َّيـة‪ .‬كمـا كانـت كلمـة وزيـر خارج َّيـة‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪21‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫البحريـن أمـام اجلمعيـة العا َّمـة فــي ‪ 26‬سـبتمبر ‪ 2016‬أكثـر صراحـة حين أ َّكـد أن بلاده‬ ‫ال تـزال تواجـه محـاوالت إيـران العبـث بأمنهـا وسـلمها األهلـي‪ ،‬مشـي ًرا إلـى أن طهـران‬

‫تواصـل تدخُّ لهـا فــي املنطقـة عبـر ميليشـيات وجماعـات إرهابيـة‪.‬‬

‫السن ِّّي ِّ‬ ‫ـيع ّي‪:‬‬ ‫الش ِ‬‫تطييـف احلالـة العرب َّيـة وتكريـس االسـتقطاب املذهب ّـي ُّ‬

‫اإليرانـي لتطييـف احلالـة العرب َّيـة هـو توجـه ارتبـط بال َّثـورة اإليران َّيـة وبرجـال‬ ‫التوجـه‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫الديـن‪ ،‬ففــي الوقـت الـذي يتّجـه فــيه العالَـم إلـى بنـاء دول دميقراطيـة عصريـة‪ ،‬تق ّل فــيها‬

‫املؤسسـة الدينيـة واخلطـاب الدينـي‪ ،‬توظـف إيـران التاريـخ وأحـداث املاضـي‬ ‫هيمنـة‬ ‫َّ‬ ‫إلحيـاء الن ُ​ُّظـم العق َِد َّيـة الطائفــ َّية فــي عديـد مـن الـدول العرب َّية كجـزء من جهودهـا لتعزيز‬ ‫نفوذهـا السياسـي(‪ ،)17‬وتسـعى املرجعيـة الدينيـة والقيـادة السياسـ َّية إلـى توظيـف التشـ ُّيع‬ ‫الدينـي فــي تكريـس املـواالة املذهب َّيـة والسياسـ َّية إليـران‪ ،‬مسـتخدمة قوتهـا الناعمـة عبـر‬ ‫أدوات الثقافـة اإليران َّيـة‪ ،‬والتأثيـر الثقافــي فــي املناطـق التـي تعتنـق املذهـب ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي‪،‬‬ ‫مـن خلال إنعـاش نشـاطات احلـوزة العلميـة فــي قـ ّم واحلـد مـن مكانـة قـوة ومرجعيـة‬ ‫حـوزة النجـف‪ ،‬ونشـر احلـوزات العلميـة ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية فــي بعـض الـدول العرب َّيـة‪ ،‬وإقامـة بعـض‬

‫احلسـينيات فــي دول أخـرى‪ ،‬وترويـج النسـخة اإليران َّيـة مـن التشـ ُّيع فــي البلـدان العرب َّيـة‪،‬‬ ‫علاوة علـى ذلـك توظـف إيـران أكبـر أداة إعالميـة فــي املنطقـة‪ ،‬وتوجـد هيئـة رسـم َّية‬

‫يشـرف عليهـا املرشـد األعلـى للجمهور َّيـة اإليران َّيـة‪ ،‬تشـرف علـى السياسـات اإلعالميـة‬ ‫اخلاصـة بجميـع احملطـات التليفزيونيـة وإذاعـات الراديـو فــي البلاد مبـا يتناسـب مـع‬ ‫َّ‬

‫توجهـات الدولـة(‪.)18‬‬

‫ومـع موجـة الثـورات العرب َّيـة فــي ‪ ،2011‬اجتهـت السياسـة اإليران َّيـة أكثـر نحـو صبـغ‬

‫املقدس‪ ،‬فانتعشـت حمالت‬ ‫صراعهـا‬ ‫السياسـي بالصبغـة املذهب َّيـة حتـت شـعارات اجلهـاد َّ‬ ‫ّ‬ ‫التجنيـد والتعبئـة لأللويـة اجلهاديـة التابعـة للحـرس الثـوري فــي بعـض دول الثـورات‬ ‫خصوصـا فــي العـراق وسـوريا‪ ،‬وعملـت علـى جتنيـد القـوى اجلهاديـة ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية مـن‬ ‫ً‬

‫أفغانسـتان وباكسـتان ودول آسـيا الوسـطى فــي املواجهـة املذهب َّيـة ضـ ّد اجلماعـات‬ ‫والقـوى السلفــية املسـلَّحة فــي سـوريا والعـراق‪ ،‬علـى نحـو يرسـخ ابتعـاث الصراعـات‬ ‫املذهب َّيـة التاريخ َّيـة فــي الـدول العرب َّيـة‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫التوجهـات التـي تنحـو نحوهـا السياسـة اإليران َّيـة قـد تشـ ِّكل مق ِّدمـة السـتقطاب‬ ‫وهـذه‬ ‫ُّ‬ ‫اسـتراتيجي أكبـر وشـامل باإلقليـم‪ ،‬بحيـث يتأسـس مـا يسـمى "الهلال ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي"‬ ‫مذهبـي‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪،‬‬ ‫القائـم علـى قيـادة إقليم َّيـة حتيـط بهـا أربـع دول عرب َّيـة تقـع فــي دائـرة النُّفُـوذ‬ ‫ّ‬ ‫مقابـل محـور ُسـن ِّّي حـول اململكـة العرب َّيـة السـعود َّية‪ ،‬فــي مشـهد يعكـس أكبـر صـدع‬ ‫مذهبـي تشـهده املنطقـة فــي تاريخهـا‪ .‬وصحيـح أن كثيـ ًرا مـن القـوى مـن الطائفتين‬ ‫ِّ‬ ‫والش ِ‬ ‫ـيع َّية ّ‬ ‫حتـذر مـن االنـزالق وراء هـذا النـوع مـن الصـراع‪ ،‬إال أنـه بالنظـر إلـى‬ ‫الس ِّـن َّية‬ ‫ُّ‬ ‫السـ َّكانية تعتمـد علـى املرجعيـات الفقهيـة مـن اجلانبين‪ ،‬فـإن ذلـك‬ ‫أن أغلبيـة الكتـل ُّ‬ ‫قـد يُ ِ‬ ‫حـدث انقسـا ًما يـؤ ِّدي إلـى حـروب أشـمل فــي اإلقليـم‪ ،‬تكـون هـذه املعـارك التـي‬ ‫تخوضهـا جماعـات حـزب اهلل اللبنانـي ولـواء أبـو الفضـل العبـاس أو لـواء "زينبيـون" ولواء‬ ‫"فاطميـون"‪ ،‬أو جماعـات مثـل "داعـش" و"فتـح الشـام" و"أحـرار الشـام"‪ ،‬بالنسـبة إليهـا‬ ‫منـاذج مصغَّـرة ومقدمـة لالندفـاع نحـو صـدام إقليمـي واسـع‪.‬‬ ‫السـعودي‬ ‫احلـج فــي عامـي ‪ 2015‬و‪،2016‬‬ ‫اإليرانـي حـول شـؤون‬ ‫ولعـ ّل اخللاف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املقدسـة‪،‬‬ ‫وخـروج بعـض الدعـوات اإليران َّيـة املطالبـة بتدويـل شـؤون احلـج واألماكـن‬ ‫َّ‬ ‫ودعـوات الترويـج السـتبدال النجـف وكربلاء مبكـة واملدينـة‪ ،‬قـد تصبـح مق ِّدمـات تنـذر‬ ‫بانقسـامات أكبـر فــي اإلقليـم‪ ،‬فـإذا كانـت هـذه النوعيـة مـن الصراعـات تـدور معاركهـا‬ ‫األساسـية فــي سـاحتَي اخلليـج واملشـرق‪ ،‬فـإن نتائجهـا لـن تتـرك أي بقعـة فــي اإلقليـم‬ ‫املذهبـي داخـل الدول‬ ‫العربـي‪ ،‬إذ ميكـن استنسـاخ ونشـر منـاذج مصغَّـرة لهـذا االسـتقطاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العرب َّيـة‪ ،‬فتنشـأ صراعـات مذهب َّيـة بين اجلماعـات األصغـر‪ ،‬علـى هوامـش هـذا الصـراع‬ ‫الطائفــي األكبـر‪.‬‬ ‫وتبـرز خطـورة ذلـك مـع بـوادر تعانـق "اجلهاديـة الطائفــ َّية" أو "التط ُّيـف اجلهـادي" أو‬ ‫املذهبـي" مـع اإلرهـاب‪ ،‬وهـي الظواهـر التـي بـرزت فــي أعقـاب الثـورات العرب َّية‬ ‫"اجلهـاد‬ ‫ّ‬ ‫التـي نظـرت إليهـا إيـران علـى أنهـا فرصـة سـانحة ملـد نفوذهـا فــي املنطقـة(‪ ،)19‬وذلـك مـا‬ ‫أملـح إليـه األمين العـام ملجلـس وزراء الداخل َّيـة العـرب فــي كلمتـه خلال أعمـال املؤمتـر‬ ‫العربـي التاسـع عشـر للمسـؤولني عـن مكافحـة اإلرهـاب حين أ َّكـد أن "أخطـر عامـل‬ ‫ّ‬ ‫العربـي اليـوم هـو اخلطـاب الطائفــي املقيـت الـذي تعمـل قوى‬ ‫يؤجـج اإلرهـاب فــي الوطـن‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫إقليم َّيـة علـى نشـره إلضعـاف األ ُ َّمـة العرب َّيـة"(‪.)20‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪23‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫النووي)‪:‬‬ ‫السـعي حليـازة تهديـد نوعي (السلاح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫امللـف‬ ‫النـووي إليـران حت ِّديـات شـديدة علـى أمـن دول اخلليـج العرب َّيـة‪ ،‬فلـم ي ُكـن‬ ‫طـرح‬ ‫ّ‬ ‫العربـي األُخـ َرى علـى‬ ‫هـذا التهديـد محـ ّل إدراك متعـادل بخطورتـه فــي مناطـق العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫خصوصـا اململكـة العرب َّيـة السـعود َّية‪ ،‬إذ كان احتمـال‬ ‫نحـو مـا استشـعرته منطقـة اخلليـج‪،‬‬ ‫ً‬ ‫"إيـران نوو َّيـة" ينطـوي علـى تهديـد شـديد للمملكـة‪ ،‬لذلـك أعلـن مسـؤولون سـعود ّيون‬ ‫النـووي فــي حـال‬ ‫مؤسسـة علـى وجـوب امتلاك اململكـة السلاح‬ ‫ّ‬ ‫مـا يشـبه عقيـدة نوو َّيـة َّ‬ ‫سـتتوجه إلـى صناعـة أو حيـازة قنبلتهـا النوو َّيـة ‪-‬إذا حازتها‬ ‫امتلاك إيـران لـه‪ ،‬وأن اململكـة‬ ‫ّ‬ ‫إيـران‪ -‬مهمـا كلَّـف األمـر‪.‬‬ ‫ولقـد ظلّـت دول اخلليـج العرب َّيـة طـوال سـنوات املفاوضـات النوو َّيـة بين إيـران والغـرب‬ ‫تستشـعر اخلطـر مـن أن يأتـي هـذا االتِّفـاق علـى حسـابها‪ ،‬ومن أن يـؤ ِّدي إلى تعظيـم مكانة‬ ‫إيـران فــي اإلقليـم والعالَـم‪ .‬وبعـد إبـرام االتِّفـاق شـ َّكك بعـض احمللين فــي نتائجـه‪ ،‬وفــي‬ ‫أن بعـض بنـوده غيـر قاطعـة وأنـه ال يـزال يسـمح إليـران بـأن تصبـح قـوة نوو َّيـة علـى املـدى‬ ‫البعيـد‪ .‬وإلـى اآلن ال تـزال دول مجلـس التعـاون تستشـرف نتائـج االتِّفـاق وتتل َّمـس بعـض‬ ‫آثـاره السـلبية‪ ،‬الباديـة فــي التبـ ُّدل فــي التحالفـات األمريك َّيـة (إدارة أوبامـا حتديـ ًدا) التي‬ ‫مالـت نحـو إيـران علـى حسـابها‪.‬‬ ‫التدخـل العسـكري املباشـر فــي مناطـق األزمـات العرب َّيـة بعد ‪:2011‬‬ ‫ُّ‬ ‫العربـي علـى األمنـاط السـابقة للتدخُّ ـل‬ ‫اإليرانـي لألمـن القومـي‬ ‫لـم يقتصـر التهديـد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتهديـد غيـر املباشـر‪ ،‬إذ انتهجـت فــي مـا بعـد الثـورات العرب َّيـة فــي ‪ً 2011‬‬ ‫منطـا جدي ًدا‬ ‫للتهديـد‪ ،‬وهـو التدخُّ ـل العسـكري امليدانـي املباشـر لقـوات وقيـادات احلـرس الثـوري فــي‬ ‫اإليراني العسـكري املباشـر‬ ‫دول األزمـات العرب َّيـة‪ ،‬وهـذا النمـط اجلديـد يتضمـن التدخُّ ـل‬ ‫ّ‬ ‫بعناصـر وقيـادات إيران َّيـة لتضـع اخلطـط العسـكرية وتديـر املعـارك وتغ ِّيـر موازيـن القـوى‬ ‫علـى األرض فــي دول األزمـات العرب َّيـة‪ ،‬ويعمـل احلـرس الثـوري خـارج إيـران عبـر ذراعـه‬ ‫اخلارج َّيـة‪" ،‬فــيلق القـدس" التابـع للحـرس الثـوري‪ ،‬علـى ذلـك‪ ،‬ويوجـد باألخـص فــي‬ ‫العـراق وسـوريا(‪ .)21‬وفــي السـنوات األخيـرة أصبـح وجـود قائـد فــيلق القدس اللواء قاسـم‬ ‫سـليماني وانتقالـه مـن العـراق إلـى سـوريا أمـ ًرا اعتياد ًيـا‪ ،‬وأصبحـت صـوره وحت ُّركاتـه بين‬ ‫مناطـق ومـدن الصـراع بين العـراق وسـوريا أمـ ًرا تتناقلـه وكاالت اإلعلام والفضائيـات‬ ‫‪24‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫السـور َّية كان ملنتسـبي احلـرس الثوري وجود عسـكري‬ ‫علـى نحـو عـادي‪ .‬وفــي معركـة حلب ُّ‬ ‫فــي مناطـق مختلفـة شـرقي حلـب‪ ،‬وقـد لعبـوا دو ًرا مباشـ ًرا فــي اجلهـد املدفعـي‪ ،‬وكانـت‬ ‫فــي مدينـة حلـب جلنـة أمنيـة يشـارك فــيها مم ّثـل مـن قـادة احلـرس الثـوري(‪ .)22‬وقـد‬ ‫ُقتـل كثيـر مـن عناصـر وقـادة احلـرس فــي املعـارك الدائـرة فــي سـوريا‪ ،‬ويشـير بعـض‬ ‫إيرانـي فــي سـوريا منـذ أكتوبـر ‪ 2015‬حتـى‬ ‫التقديـرات إلـى مقتـل نحـو ثالثمئـة عسـكري‬ ‫ّ‬ ‫يوليـو ‪ 2016‬خلال مـا تصفـه باملواجهـات مـع "اجلماعـات التكفــيرية فــي أثنـاء دفاعهـم‬ ‫عـن املراقـد الدينيـة"‪ .‬وتنظـر إيـران إلـى وجودهـا العسـكري فــي سـوريا والعـراق باعتبـاره‬ ‫جـز ًءا مـن عقيدتهـا ألمنهـا القومـي‪ ،‬وهـو مـا يتبـدى مـن قـول قائـد احلمايـة فــي احلـرس‬ ‫الثـوري العميـد غرجـي زاده إن "املدافعين عـن املراقـد الدينيـة لـم يذهبـوا إلـى سـوريا‬ ‫للدفـاع عـن الرئيـس بشـار‪ ،‬بـل للدفـاع عـن وجـود إيـران"‪ ،‬مؤ ِّكـ ًدا أنـه ينبغـي عـدم انتظـار‬ ‫وصـول األعـداء إلـى حـدود بلاده‪ ،‬بـل يجـب مالحقتهـم حيـث هـم(‪.)23‬‬

‫والنتيجـة العا َّمـة التـي ميكـن الوصـول إليهـا مـن خلال رصـد أمنـاط السياسـات‬ ‫العربـي منـذ ال َّثـورة عـام ‪ ،1979‬هـي أن‬ ‫اإليران َّيـة التـي أثـرت فــي األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫اجلمهور َّيـة اإلسلام َّية مثلـت أحـد العراقيـل األساسـية أمـام تطـ ُّور منظومـة أمـن قومـي‬ ‫العربـي‪،‬‬ ‫عرب َّيـة فاعلـة‪ ،‬فعملـت علـى فصـل منطقـة اخلليـج عـن منظومـة األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫وفرضـت علـى الـدول اخلليج َّيـة تهديـ ًدا شـدي ًدا جعلهـا تكـ ِّرس هدفهـا األساسـي حلمايـة‬ ‫الـذات مـن التدخُّ لات اإليران َّيـة‪ ،‬كمـا فرضـت إيـران علـى دول املنطقـة قائمـة نزاعـات‬ ‫وصراعـات داخل َّيـة خطيـرة كانـت املنطقـة فــي ِغنًـى عنهـا‪ ،‬وصحيـح أن إيـران لـم ت ُكـن‬ ‫وحدهـا املتسـبب فــي ذلـك‪ ،‬ولكنهـا شـ َّكلَت ‪-‬على األقـل منذ مطلع األلفــية الثالثة‪ -‬الشـاغل‬ ‫األول جلهـات األمـن القومـي اخلليج َّيـة‪.‬‬ ‫وفــي ظـ ّل أمنـاط التهديـد السـبعة سـالفة الذكـر التـي شـ ّكلَتها إيـران علـى األمـن‬ ‫جسـ َدت فعل ًيـا مـا ميكـن تسـميته‬ ‫القومـي‬ ‫العربـي‪ ،‬ميكـن القـول إن اجلمهور َّيـة اإليران َّيـة َّ‬ ‫ّ‬ ‫اخلليجـي حتديـ ًدا‪ ،‬وهـو‬ ‫العربـي‪ ،‬ولـدول مجلـس التعـاون‬ ‫بحـال "اجلـار املناكـف" للعالَـم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجلـار الـذي ال يَ ْسـلَم منـه جـاره وال يسـعى لطمأنتـه بشـأن َعالقـات اجلـوار‪ ،‬ويفـرض عليه‬ ‫تكاليـف أمنيـة باهظـة بسـبب تدخُّ لـه الدائـم فــي شـؤون جـاره بالغمـوض وعـدم سلامة‬ ‫النيـة‪ ،‬وبالتهديـد أو االمتـداد بـاألذى الفعلـي‪.‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪25‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫العربي مع إيران‬ ‫ثالثـا‪ :‬سـيناريوهات التعامل‬ ‫ّ‬

‫العربـي التفكير فــي بدائل وسـيناريوهات‬ ‫فــي ضـوء مـا سـبق‪ ،‬سـيكون مـن املهـ ّم للعالَـم‬ ‫ّ‬ ‫للتعامـل مـع إيـران بالشـكل الـذي يعـزِّز األمـن القومـي‪ ،‬ويقـدم أشـكال حركـة تختلـف عـن‬ ‫السـابق‪ .‬وميكـن تلخيـص السـيناريوهات احملت َملـة لل َعالقـات العرب َّيـة اإليران َّيـة مـن منظـور‬ ‫العربـي فــي مـا يلي‪:‬‬ ‫األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫اسـتمرار النمـط الصراعـي الراهـن (حـروب الوكالـة والوجود فــي دول األزمات)‬

‫اإليرانـي املسـتم ّر فــي بعـض‬ ‫يعنـي ذلـك اسـتمرار منـط املواجهـة والتدخُّ ـل االعتيـادي‬ ‫ّ‬ ‫املذهبـي فــي اإلقليـم‪،‬‬ ‫الـدول العرب َّيـة منـذ فتـرة‪ ،‬ومـن ثـم ازديـاد حالـة االسـتقطاب‬ ‫ّ‬ ‫واسـتمرار الصراعـات الدائـرة مبنهجيتهـا وآل َّياتهـا الراهنـة علـى جبهـات سـوريا والعـراق‬ ‫واإليرانـي‪ .‬وهـذا‬ ‫واليمـن ولبنـان‪ ،‬حيـث يبقـى الصـراع ممتـ ًدا وينهـك اجلانبين‬ ‫العربـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السـيناريو هـو "سـيناريو استنزافــي"‪ ،‬سـوف ينتهـي بالطرفـين إلـى حالـة مـن الضعـف‬ ‫واإلنهـاك‪ ،‬وهـو يعنـي اسـتمرار معـارك الوكالء مـن اجلماعـات والتنظيمات املسـلَّحة حتت‬ ‫ـي‬ ‫عبـاءة الطائفــ َّية‪ ،‬وهـؤالء ال أمـد‬ ‫َّ‬ ‫محـد ًدا لقدرتهـم علـى االسـتمرار فــي الصـراع‪ ،‬مـا بَ ِق َ‬ ‫تل ِّقـي الدعـم واإلسـناد العسـكري واملالـي مـن األطـراف األساسـيني‪.‬‬ ‫وفــي سـياق هـذه احلالـة سـتظل ال َعالقـات العرب َّيـة مـع إيـران عنـد مسـتوى حـروب‬ ‫إيرانـي مباشـر فــي دول األزمـات دون حتـرك‬ ‫التنظيمـات الوكيلـة ووجـود عسـكري‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن ذلـك سـوف تـزداد تكاليـف فاتـورة احلـرب علـى اجلانبين‬ ‫عربـي‪،‬‬ ‫عسـكري‬ ‫ّ‬ ‫مـع سـباق التسـلُّح اإلقليمـي‪ .‬وفــي هـذه احلالـة سـتظ ّل إيـران تفـرض الضغـوط السـلبية‬ ‫العربـي فــي األمنـاط السـبعة سـالفة الذكـر‪ .‬وإذا أخذنـا فــي االعتبـار َتـ ُّرر‬ ‫علـى األمـن‬ ‫ّ‬ ‫النـووي وانفتاحهـا علـى‬ ‫اجلمهور َّيـة اإليران َّيـة مـن الصـراع مـع الغـرب علـى أثـر االتِّفـاق‬ ‫ّ‬ ‫املجتمـع الدولـي‪ ،‬فــي حين يبـدأ املسلسـل العكسـي لتراجـع أسـعار ال ِّنفْـط وخطـط‬ ‫ُّ‬ ‫التقشـف احلكوميـة فــي دول اخلليـج العرب َّيـة‪ ،‬ميكـن تَصـ ُّور سـيناريو تتغـول فــيه إيـران‬ ‫العربـي فــي حين تتضـاءل قـدرات العـرب علـى االسـتمرار فــي مثـل هـذه‬ ‫علـى األمـن‬ ‫ّ‬ ‫املواجهـة ‪.‬‬ ‫العربـي‪ ،‬واسـتمرار‬ ‫ويعنـي هـذا السـيناريو اسـتمرار الضغـوط اإليران َّيـة علـى األمـن‬ ‫ّ‬ ‫عـدم قـدرة العـرب علـى تَبَنِّـي رؤيـة واسـتراتيج َّية واحـدة أو متَّسـقة إزاءهـا‪ ،‬وهـو احلالـة‬ ‫‪26‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫العربـي على غرار‬ ‫السـيئة التـي تشـير إلـى اسـتمرار النفاذيـة اإليران َّيـة فــي األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫مـا هـو قائـم منـذ ال َّثـورة اإليران َّيـة‪.‬‬ ‫ازديـاد نطـاق ومسـتوى املواجهـات اإلقليم َّيـة ذات األشـكال العسـكرية‪:‬‬

‫قـد تتّجـه إيـران إلـى االندفـاع نحـو مزيـد مـن السـلوكيات العدائيـة‪ ،‬مبحاوالتهـا إعـادة‬ ‫اختبـار الن َّيـات واستكشـاف القـدرات والسياسـات املمكنـة فــي اإلقليـم‪ .‬لذلـك قـد تـزداد‬ ‫عمل َّيـات احلـرس الثـوري فــي جبهـات الصـراع املفتوحـة بين إيران والسـعود َّية فــي سـوريا‬ ‫خصوصـا‬ ‫والعـراق واليمـن‪ ،‬وهـذه الوضعيـة سـوف تفـرض علـى دول اخلليـج العرب َّيـة ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫يرجـح اسـتمرار‬ ‫السـعود َّية‪ -‬اسـتمرار تأكيـد قدرتهـا علـى املضـي فــي املواجهـات‪ ،‬وهـو مـا ِّ‬ ‫أمنـاط املواجهـات رمبـا أكثـر مـن السـابق‪.‬‬ ‫النـووي‬ ‫اإليراني ‪-‬إذا اسـتمر تنفــيذه‪-‬‬ ‫ويدعـم ذلـك أن االتِّفـاق النهائـي بشـأن البرنامـج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫سـوف يتيـح ضـخّ أرصـدة إيـران املجمـدة علـى نحـو ميكنهـا مـن توسـيع انخراطهـا فــي‬ ‫جميـع أرجـاء الشـرق األوسـط‪ ،‬وفــي اخلـارج البعيـد(‪ .)24‬واألرجـح أن مت ّكـن حالـة إيـران‬ ‫اجلديـدة مـن تعزيـز السـيطرة اإليران َّيـة علـى احلكومـة املركزيـة فــي العـراق وقـوات األمن‬ ‫العراق َّيـة وامليليشـيات الطائفــ َّية‪ ،‬مـع وضـع أجـزاء كثيـرة مـن الدولـة ‪-‬مبـا فــيها بعـض‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اإليرانـي(‪.)25‬‬ ‫مجـال حصر ًيـا للنفـوذ‬ ‫احلقـول األكثـر إنتاجيـة لل ِّنفْـط فــي الشـرق األوسـط‪-‬‬ ‫وميكـن أن تسـعى إيـران لزيـادة نفوذهـا فــي أنحاء من شـبه اجلزيـرة العرب َّيـة‪ ،‬مما قد جتد‬ ‫اخلليجـي نفسـها محاصـرة مـن إيـران التـي قـد تتـورط أكثـر فــي‬ ‫معـه دول مجلـس التعـاون‬ ‫ّ‬ ‫صراعـات الوكالـة علـى حافـة اجلزيـرة العرب َّيـة(‪.)26‬‬ ‫وتـزداد أه ِّم َّيـة هـذا السـيناريو بعـد تَ َك ُّشـف املواقـف احلقيقيـة إلدارة دونالـد ترامـب‬ ‫التـي تتّجـه إلـى تبنِّـي منهـج جديـد نحـو إيـران‪ ،‬ومـع دالئـل حميميـة َعالقاتهـا وتقاطعاتهـا‬ ‫اخلليجـي‪ .‬ولكـن قيمـة هـذا السـيناريو فــي‬ ‫االسـتراتيج َّية مـع دول مجلـس التعـاون‬ ‫ّ‬ ‫األسـاس فــي أنـه يتعـارض مـع التحليلات التـي كانـت تربـط احتمـال تنامـي السـلوك‬ ‫اخلليجـي أو تراجعـه فقـط بامتلاك إيـران‬ ‫العدوانـي إليـران جتـاه دول مجلـس التعـاون‬ ‫ّ‬ ‫النـووي يشـير هـذا السـيناريو إلـى أن‬ ‫النـووي(‪ ،)27‬ألنـه علـى الرغـم مـن االتِّفـاق‬ ‫للسلاح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسـات العدائيـة إليـران ستسـتم ّر بعـده العتبـارات تخـص اآليديولوجيـا السياسـ َّية‬ ‫والطائفــ َّية للدولـة اإليران َّيـة‪ .‬وعلـى األرجـح لـن تسـعى دول مجلـس التعـاون فــي ظـ ّل‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪27‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫للصـ َدام العسـكري املباشـر مـع إيـران‪ ،‬أمـا لـو قـ َّرر‬ ‫هـذا السـيناريو إلـى دفـع إدارة ترامـب ِّ‬ ‫يشـن حر ًبـا واسـعة علـى إيـران‪ ،‬فعلـى األرجـح سـترفض دول املجلـس السـير‬ ‫ترامـب أن‬ ‫َّ‬ ‫خلفـه‪ ،‬لكنهـا حتـى اآلن ‪-‬علـى األقـ ّل‪ -‬تعتبـر ذلـك أمـ ًرا خـارج التصـ ُّور‪ ،‬لكنها قـد ال متانع أو‬ ‫تفضـل مسـتوى املواجهـة األدنـى عبـر إحيـاء العقوبـات االقتصاد َّيـة علـى إيـران‪ ،‬التـي‬ ‫قـد ِّ‬ ‫األمريكـي السـابق‪ ،‬والتـي أثبتـت أنهـا أعظـم تأثيـ ًرا وأقـ ّل مخاطـرة مـن كل‬ ‫َو َقفَهـا الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫العمل َّيـات العسـكرية فــي املنطقـة التـي ميكـن أن تُسـتخدم ضـ ّد نظـام طهـران(‪.)28‬‬

‫وفــي ظـ ّل هـذا السـيناريو قـد تترجـم اخلالفـات العرب َّيـة بشـأن املوقـف مـن إيـران إلـى‬ ‫العربـي مـن مرحلـة عـدم القـدرة علـى تَ َبنِّـي‬ ‫سياسـات علـى األرض‪ ،‬وهنـا ينتقـل الوضـع‬ ‫ّ‬ ‫موقـف مشـترك مـن إيـران إلـى مرحلـة مـن االختبـار والفـرز للمواقـف‪ ،‬وقـد يجـد بعـض‬ ‫الـدول العرب َّيـة نفسـه فــي موقـف العجـز عـن الفعـل‪ ،‬أو قـد يتّجـه إلـى االنخـراط مـع إيران‬ ‫اخلاصـة‪،‬‬ ‫اإليرانـي منهـا خلال أزماتهـا‬ ‫العربـي‪ ،‬ر ًدا جلميـل املوقـف‬ ‫ضـ ّد األمـن القومـي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ونـزول علـى حت ِّديـات واقـع داخلـي كانـت إيـران‬ ‫املذهبـي‪ ،‬أو اضطـرا ًرا‬ ‫اندفاعـا بالـوالء‬ ‫أو‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫قـد أحكمـت وجودهـا فــيه منـذ سـنوات‪.‬‬ ‫التهدئـة واحلـوار (التفـاوض اإلقليمي)‪:‬‬ ‫ترجيحـا فــي منطقـة‬ ‫علـى الرغـم مـن أن زيـادة التوتُّـر قـد تكـون السـيناريو األكثـر‬ ‫ً‬ ‫اخلليـج‪ ،‬اتسـا ًقا مـع خبـرة العقـود السـابقة‪ ،‬فإنـه ال ميكـن اسـتبعاد احتمـال اإلقـدام علـى‬ ‫مرحلـة مـن التهدئـة واحلـوار بين العـرب وإيـران‪ ،‬بشـكل لـم تعهـده املنطقـة فــي السـابق‪،‬‬ ‫اإليرانـي فــي اخلليـج يعـود إلـى تَبَـ ُّدل‬ ‫العربي‪-‬‬ ‫فجانـب مـن أسـباب ارتفـاع ِح َّـدة الصـراع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املرجـح أن يـؤ ِّدي اندفـاع إدارة ترامـب إلـى وضـع األطـراف‬ ‫السياسـات األمريك َّيـة‪ ،‬ومـن‬ ‫َّ‬ ‫عنـد حافـة الهاويـة وعلـى مشـارف الصدام العسـكري املباشـر والوقـوف الفعلي عنـد عتبة‬ ‫احلـرب الشـاملة ‪-‬بـكل تداعياتهـا علـى إقليـم يعيـش حالـة اضطـراب مزمنـة منـذ عقـود‪-‬‬ ‫توجهـات القـرار ووزن اخلطـوات مبيـزان‬ ‫إلـى دفـع األطـراف إلـى تغييـرات فعليـة فــي ُّ‬ ‫اخلاصـة بقيمـة‬ ‫مـن ذهـب‪ ،‬وقـد تـؤ ِّدي إلـى إعـادة احلسـابات والتقديـرات والترجيحـات‬ ‫َّ‬ ‫التعايـش اإلقليمـي‪.‬‬ ‫ومـن املؤ َّكـد أن خيـار املواجهـة والصـدام هـو أقـ ّل خيـارات دول مجلـس التعـاون‬ ‫ً‬ ‫تفضيلا‪ ،‬علـى الرغـم مـن الصـداع املزمـن الـذي تسـ ِّببه اجلمهور َّيـة اإليران َّيـة‪.‬‬ ‫اخلليجـي‬ ‫ّ‬ ‫‪28‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫أمناط التهديد‬ ‫اإليراني لألمن القومي العربيّ ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬

‫تشـجع اجلانبين‬ ‫ولقـد كانـت الواليـات املتَّحـدة فــي ظـ ّل إدارة أوبامـا‬ ‫واإليرانـي‬ ‫العربـي‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تشـجعه‪ ،‬منهم وزير‬ ‫علـى الدخـول فــي حـوار ومحادثـات عمليـة‪ ،‬كما أن فــي إيران أصواتًـا‬ ‫ِّ‬ ‫األمريكي مـع دول مجلـس التعاون‬ ‫اخلارج َّيـة جـواد ظريـف(‪ ،)29‬وصحيـح أن بـروز اخللاف‬ ‫ّ‬ ‫األمريكـي مـع إيـران‪ ،‬إال أن حصـاد‬ ‫اخلليجـي فــي أواخـر عهـد أوبامـا ترافـق مـع التقـارب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اخلبـرة اإليران َّيـة مـع الواليـات املتَّحـدة قـد يرشـد القـرار ويقلِّـص االندفاعـات اإلقليم َّيـة‬ ‫للجمهور َّيـة اإليران َّيـة نحـو حـروب الوكالـة واسـتمرار "احلـرب الباردة" مـع اململكـة العرب َّية‬ ‫السـعود َّية‪ ،‬ويعـزِّز ذلـك أن املصالـح تعلـو علـى اآليديولوجيـا فــي النهاية‪ ،‬وفــي حين تك ِّرس‬ ‫اخلشـونة اإليران َّيـة االنطبـاع بـأن إيـران لديهـا خطـوط حمـراء‪ ،‬وأنهـا ملتزمـة إلـى أقصـى‬ ‫درجـة باملواقـف املدفوعـة باآليديولوجيـا‪ ،‬فـإن حتليل املنافـع والتكاليف لصناع القرار فــي‬ ‫مـا يوحـي بـه اخلطـاب(‪.)30‬‬ ‫طهـران قـد مييـل إلـى إنتـاج سياسـة عمليـة أكثـر حـذ ًرا بكثيـر ِ َّ‬ ‫املرجـح أن كل هـذه ِّ‬ ‫االتاهـات فــي السياسـة اإليران َّيـة التـي تدعـو إلـى التهدئـة قـد‬ ‫ومـن‬ ‫َّ‬ ‫تَعـ َّززَت مـع وضـوح خيـارات إدارة ترامـب التـي تلـ ِّوح إليـران بالعصـا‪.‬‬ ‫وتقـف اجلمهور َّيـة اإليران َّيـة علـى موعـد مع حت ُّوالت داخل َّيـة دراماتيكية قـد تقلب كثي ًرا‬ ‫التوجهـات االسـتراتيج َّية‬ ‫مهمـة فــي‬ ‫ُّ‬ ‫مـن قواعـد ال َعالقـات البين َّيـة‪ ،‬فهـي تنتظـر تغييـرات َّ‬ ‫فــي حالـة رحيـل املرشـد األعلـى علـي خامنئـي‪ ،‬كمـا تنتظـر انتخابـات رئاسـية فــي مايـو‬ ‫مهمـة فــي‬ ‫‪ .2017‬وعلـى اجلانـب‬ ‫العربـي حتمـل السـنوات املقبلـة إمكانـات حـدوث نقلـة َّ‬ ‫ّ‬ ‫األوضـاع الداخل َّيـة بـدول اخلليـج وسياسـاتها‪ ،‬علـى أثـر التحـ ُّوالت الهائلـة فــي أسـعار‬ ‫ال ِّنفْـط‪ِّ ،‬‬ ‫واتـاه احلكومـات إلـى تبنِّـي سياسـات جديـدة فــي الداخـل‪ ،‬وكلهـا عوامـل تدعـو‬ ‫اجلانبين (دول مجلـس التعـاون وإيـران) إلـى إعـادة حتديـد األهـداف واملواقـف‪.‬‬

‫ومـن شـأن هـذه التحـ ُّوالت أن تدخـل مسـتجدات أساسـية علـى املعادلـة املزمنـة‬ ‫العربـي‪،‬‬ ‫اإليرانـي لألمـن القومـي‬ ‫اخلاصـة باألمنـاط السـبعة سـالفة الذكـر للتهديـد‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقـد ينتـج عـن ذلـك أشـكال وصـور تعاونيـة لل َعالقـات تنتهـي إلـى سـيادة نهـج براغماتـي‬ ‫اإليرانـي إزاء العـرب‪ ،‬وضمـن هـذه احلالـة‬ ‫التوجـه‬ ‫عدائـي‪ -‬فــي‬ ‫تصاحلـي ‪-‬ال‬ ‫آيديولوجـي‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قـد تشـهد ال َعالقـات تغ ُّيـرات تسـاعد علـى حتسين املسـتويات الرسـم َّية لل َعالقـات‪ .‬ومت ِّثـل‬ ‫مبـادرة الكويـت (اخلليج َّيـة) نحـو إيـران‪ ،‬التـي تبلـورت فــي ينايـر وفبرايـر ‪ ،2017‬علاوة‬ ‫اإليرانـي حسـن روحانـي لـكل مـن سـلطنة عمـان والكويـت فــي فبرايـر‬ ‫علـى زيـارة الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪29‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ ،2017‬بدايـات أولـى جلهـود قـد تسـتغرق زمنًـا علـى طريـق طويـل‪ ،‬ينتهـي إمـا بانفراجـة‬ ‫مؤ َّقتـة أو ممتـدة فــي َعالقـات العـرب بإيـران‪ ،‬وإمـا بانتكاسـة تؤ ِّكـد فشـل الرهـان علـى‬ ‫التغ ُّيـر فــي السياسـات اإليرانيـة جتـاه العـرب‪.‬‬ ‫وتبقـى مجموعـة مـن التوصيـات ميكـن توظيفهـا فــي احلـ ّد مـن ‪-‬أو مواجهـة‪ -‬مصـادر‬ ‫العربـي‪ ،‬وذلـك علـى النحـو التالـي‪:‬‬ ‫اإليرانـي لألمـن القومـي‬ ‫التهديـد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫أن ترتكـز أي اسـتراتيجية عرب َّيـة جتـاه إيـران علـى نفــي الرفـض لهـا علـى أسـاس‬ ‫والتوجهـات العرب َّيـة نحـو اجلمهور َّيـة‬ ‫الدينـي‪ ،‬واسـتمرار تأكيـد أن السياسـات‬ ‫املذهـب‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليران َّيـة هـي بسـبب طائفــيتها السياسـ َّية ومسـاعيها لبنـاء الواليـة املذهب َّيـة السياسـ َّية‬ ‫علـى ِّ‬ ‫اإليرانـي بكراهيـة العـرب لهـا علـى‬ ‫يتصـدر اال ِّدعـاء‬ ‫الشـي َعة‪ ،‬ذلـك أنـه حتـى اآلن‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫الدينـي‪ ،‬وهـو مـا مي ِّكنهـا مـن ترويـج دعايـة خاطئـة فــي أوسـاط األطيـاف‬ ‫أسـاس املذهـب‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية فــي بعـض الـدول واملجتمعـات‪ ،‬فاألسـاس واألهـ ّم هو فضـح السياسـات اإليران َّية‬

‫ورفضهـا‪.‬‬

‫تفكيـك إيـران مفاهيم ًيـا وسياسـ ًيا‪ ،‬والتعامـل معهـا علـى نحـو مختلـف ال يسـتعدي كل‬ ‫إيـران‪ ،‬بـان فــيها أطـراف داخل َّيـة سـاخطة علـى نظـام احلكـم ورافضة لـه سياسـ ًيا ومؤ ِّيدة‬ ‫العربـي‪ ،‬وهـي أطـراف ال تقتصـر علـى ُسـنَّة إيـران أو عربهـا ِّ‬ ‫الشـي َعة أو األقلِّ َّيـات‬ ‫للنهـج‬ ‫ّ‬ ‫العرقيـة والقوم َّيـة داخلهـا‪ ،‬بـل تشـمل بعـض املعارضـة السياسـ َّية فــي الداخـل واخلـارج‬ ‫مـن أبنـاء القوم َّيـة الفارسـ َّية‪ ،‬والتواصـل مـع األوضـاع الداخل َّيـة اإليران َّيـة ليـس مـن بـاب‬ ‫الصـراع والتفتيـت‪ ،‬بـل مـن بـاب تعزيـز وتقويـة أصدقـاء العرب فــي إيـران واملسـتنيرين من‬ ‫رجـال الديـن والسياسـة‪.‬‬ ‫اإليرانـي فــي العالَـم‬ ‫العربـي مـع دول وفصائـل الفلـك‬ ‫جتنُّـب مزيـد مـن الشـ ّد والتوتُّـر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إيراني خلفــي فــي املنطقـة العرب َّية‪ ،‬عبر اسـتراتيج َّية‬ ‫العربـي‪ ،‬بهـدف إفشـال بنـاء معسـكر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إعـادة اجلـزء إلـى الـك ّل‪ ،‬وقـد يشـمل ذلـك اسـتراتيج َّية جديـدة لالنفتـاح علـى العـراق‬ ‫عربـي جديـد يأخـذ فــي االعتبـار أنهمـا بَلَـدان َذ َوا‬ ‫وسـوريا والنظـر إليهمـا َوفْـق منظـور‬ ‫ّ‬ ‫السياسـي لـكل منهمـا‬ ‫العربـي لفتـرة‪ ،‬إذ ال يع ِّبـر النِّظـام‬ ‫خاصـة فــي النِّظـام‬ ‫وضعيـة‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسـي للدولـة‪ ،‬بحيـث ال يسـتأثر النِّظامـان بفـرض حالـة داخل َّيـة‬ ‫عـن مجمـل الكيـان‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪.‬‬ ‫تسـتعدي علـى العـرب وتكـ ِّرس للنفـوذ‬ ‫ّ‬ ‫‪30‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫أمناط التهديد‬ ‫اإليراني لألمن القومي العربيّ ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬

‫فصـل احملاولـة اإلقليم َّيـة إلدخـال إسـرائيل علـى ّ‬ ‫خـط َعالقـات العرب بإيـران‪ ،‬إذ يرفع‬ ‫اإلسـرائيلي‪ ،‬وجـز ًءا مـن‬ ‫العربـي‪ ،‬وال شـك فــي أن اخلطـاب‬ ‫ذلـك أسـهم إيـران فــي العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربـي‪ ،‬يضـع إيـران عنصـر توحيـد بين إسـرائيل والـدول العرب َّيـة فــي اخلليـج‪،‬‬ ‫اخلطـاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يصـب فــي مصلحـة عالقـة‬ ‫اخلليجـي عرب ًيـا مـن إيـران‪ ،‬وال‬ ‫صـف املوقـف‬ ‫وهـذا ليـس فــي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربـي بإيـران‪ ،‬ومي ِّكـن إيـران مـن حشـد طاقـات خلفــية سياسـ َّية ومجتمعيـة‬ ‫العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫العربـي‪.‬‬ ‫وإعالميـة فــي داخـل العالَـم‬ ‫ّ‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪31‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ ‫العربي ‪2016-1979‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الهوامــش واملراجــع‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ورقة د‪.‬حسن نافعة‪ ،‬األمن القومي العربي بني أخطار املاضي وحتديات احلاضر وآفاق املستقبل‪ ،‬مجلة املستقبل‬ ‫العربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬أغسطس ‪https://goo.gl/gb7kk9 .2015‬‬ ‫(‪ )2‬د‪.‬نزار مؤيد جزان‪ ،‬محاضرات فـي األمن القومي العربي‪ ،‬ص‪https://goo.gl/EgMoLN .2‬‬ ‫(‪ )3‬هاري آر يارغر‪ ،‬االستراتيجية ومحترفو األمن القومي‪ :‬التفكير االستراتيجي وصياغة االستراتيجية فـي القرن احلادي‬ ‫والعشرين (مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبي‪ ،)2011 ،‬ص‪.15‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‪ :‬التجاني الهمزاوي‪ ،‬دول ٌة عربية‪ ..‬محاولة للتعريف‪ ،‬دنيا الوطن‪https://goo.gl/79SKUf .2016 /3/7 ،‬‬ ‫(‪ )5‬ذلك ما كشفت عنه الدراسة الرائدة للدكتور أحمد يوسف أحمد بعنوان "الصراعات العربية‪-‬العربية ‪،"1981-1945‬‬ ‫انظر‪ :‬الدكتور أحمد يوسف أحمد‪ ،‬الصراعات العربية‪-‬العربية ‪ /1981-1945‬دراسة استطالعية‪( ،‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية‪ :‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2‬مايو ‪ ،)1996‬صص ‪.153-152‬‬ ‫(‪ )6‬املرجع السابق‪ ،‬صص ‪.158-145‬‬ ‫ِّ‬ ‫(‪ )7‬ورد تعبير "أمن اخلليج العربي" للمرة األولى فـي مق َّررات القمم العربية فـي قمة فاس ‪ ،1982‬ويؤكد ذلك أن اهتمام‬ ‫القمم العربية به لم ِ‬ ‫يأت إال بعد الثورة اإليرانية عام ‪ ،1979‬أي إن املطامع اإلقليمية لشاه إيران وعالقته بالواليات املتحدة‬ ‫التوجهات اجلديدة لنظام احلكم اإليراني ذي الصبغة‬ ‫الرسمي بقدر ما كانت‬ ‫األمريكية لم ت ُكن مصد ًرا لقلق النِّظام العربي‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية بعد الثورة‪ .‬انظر د‪.‬أحمد يوسف أحمد‪ ،‬األمن القومي العربي‪ ،‬دروس اخلبرة املاضية و ُم ِ‬ ‫عضالت الوضع الراهن‪،‬‬ ‫البرملان العربي‪ ،‬جلنة الشؤون السياسية واخلارجية واألمن القومي‪ ،‬يونيو‪/‬حزيران ‪ ،2007‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ )8‬د‪.‬أحمد يوسف أحمد‪" ،‬قضية العرب األولى" فـي مجلس اجلامعة‪ ،‬صحيفة االحتاد‪ 12 ،‬مارس ‪.2013‬‬ ‫‪https://goo.gl/LneyAn‬‬ ‫َضمنَه نص البيان اخلتامي للدورتني األولى والثانية للمجلس األعلى ملجلس التعاون لدول اخلليج العربي فـي‬ ‫(‪ )9‬ذلك ما ت َّ‬ ‫القمتني اخلليجيتني فـي أبو ظبي والرياض ‪ 25-26‬مايو و‪ 10-11‬نوفمبر ‪ 1981‬على التوالي‪https://goo.gl/veSJyZ .‬‬ ‫(‪ )10‬عبد القادر طافش‪ ،‬إيران والقضية الفلسطينية‪ :‬الواقع واملتغيرات‪ ،‬مركز اجلزيرة للدراسات‪ 13 ،‬ديسمبر ‪.2012‬‬ ‫‪https://goo.gl/bPU31s‬‬ ‫(‪ )11‬د‪.‬أحمد يوسف‪ ،‬إيران والقضية الفلسطينية بني عاطفة الدين واستراتيجيات السياسة‪ ،‬وكالة سما اإلخبارية‬ ‫الفلسطينية‪ 17 ،‬أغسطس ‪.2013‬‬ ‫(‪ )12‬مصطفى فحص‪ ،‬حواضرنا املد َّمرة فـي سفر التم ُّدد اإليراني‪ ،‬صحيفة الشرق األوسط‪ 3 ،‬نوفمبر ‪.2016‬‬ ‫(‪ )13‬انظر مقال‪ :‬عبد الرحمن الراشد‪ ،‬اليمن‪ :‬كيف نتعامل مع احلوثي‪ ،‬صحيفة الشرق األوسط‪ 1 ،‬نوفمبر ‪.2016‬‬ ‫(‪ )14‬قلق جزائري من امل ّد الشيعي‪ّ ..‬‬ ‫ملف الطائفة األحمدية أمام القضاء قري ًبا‪ ،‬صحيفة الشرق األوسط‪ 19 ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬ ‫(‪ )15‬التش ُّيع فـي اجلزائر‪ ،‬مركز التأصيل للدراسات والبحوث‪ ،‬موقع البرهان‪ 4 ،‬مايو ‪https://goo.gl/4uHy0w .2015‬‬ ‫(‪ )16‬حميد غمراسة‪ ،‬اجلزائر‪ ..‬حملة لطرد دبلوماسي إيراني يسعى لنشر التش ُّيع‪ ،‬موقع العربية‪ 25 ،‬يناير ‪.2016‬‬ ‫‪https://goo.gl/R34tQX‬‬ ‫‪(17) Arab and Muslim National Security: Debating the Iranian Dimension, Cordoba Intellectual Revisions,‬‬ ‫‪Series briefing Paper no. 2, .....11 January 201, p. 3. https://goo.gl/Fy95OR‬‬ ‫(‪ )18‬رضوي أحمد عبد اجلليل‪ ،‬االستراتيجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية فـي الفترة ‪ :2015-2003‬دراسة حالة‬ ‫"العراق‪-‬لبنان"‪ ،‬املركز الدميقراطي العربي‪http://democraticac.de/?p=41389 .‬‬

‫‪32‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني لألمن القومي‬ ‫أمناط التهديد‬ 2016-1979 ‫العربي‬ ّ ّ

(19) Ephraim Kam, Iran and the Turmoil in the Arab World, in; Yoel Guzansky and Mark A. Heller (Editors), One Year of the Arab Spring: Global and Regional Implications, The Institute for National Security Studies, Memorandum 113. p. 43. .2016 /10 /19 ،‫ جريدة الشرق األوسط‬،‫) اجتماع عربي فـي تونس يبحث تطويق اإلرهاب وتداعياته الوخيمة‬20( .2016 ‫ يناير‬2 ،‫ املجلس الوطني للمقاومة‬،‫ دول باملنطقة‬5 ‫ ألف مقاتل فـي‬200 :‫) قائد احلرس الثوري اإليراني‬21( .2016 ‫ ديسمبر‬21 ،‫ موقع العربية‬،‫ هذه هي ميليشيات احلرس الثوري التي قاتلت فـي حلب‬،‫) سعد املسعودي‬22( .23/7/2016 ،‫ موقع اجلزيرة‬،‫ نقاتل فـي سوريا حماية إليران‬:‫) احلرس الثوري‬23( (24) General James Conway, USMC (ret.) and General Charles Wald, Assessment of the Joint Comprehensive Plan of Action: Strategic Consequences for U.S. National Security, JINSA’s Iran Strategy Council, September 2015, p.7. http://www.jinsa.org/files/StrategicConsequencesforU.S.NationalSecurity.pdf .Ibid, p. 8 )25( .Ibid, p. 8 )26( (27) See: Alireza Nader, Iran After the Bomb: How Would a Nuclear-Armed Tehran Behave?, RAND Corporation. National Security Research Division, 2013, pp. vii - viii.https://goo.gl/go0y7J .2017 ‫شباط‬/‫ فبراير‬16 ،‫ جريدة الشرق األوسط‬،‫ هل نسير خلف ترامب؟‬،‫) عبد الرحمن الراشد‬28( (29) See: Payam Mohseni (Editor), Iran and the Arab World after the Nuclear Deal, Rivalry and Engagement in a New Era, The Iran Project, Belfer Center for Science and International Affairs, Harvard Kennedy School, August 2015, pp. 12-.https://goo.gl/SWuONf (30) Rouzbeh Parsi,The Middle East and the Deal: In Search of a New Balance, In: Paolo Magri and Annalisa Perteghella (Editors), Iran After the Deal: the Road Ahead, The Italian Institute for International Political Studies (ISPI), First edition: 2015 p. 74.https://goo.gl/tZsYx7

33

2017 ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫العالقات االقتصادية الترك َّية‬ ‫الباهتة مع إيران‬

‫د‪.‬عبد اهلل بوزكرت‬ ‫باحث تركي متخصص فـي الشأن اإليراني‬

‫نتيجـة إلطلاق اإلمكانيـات الكاملـة للسياسـات احلمائ َّيـة التـي اتبعهـا نظـام‬ ‫حبطـت عالقـات تركية‪-‬إيران َّيـة عديـدة‪،‬‬ ‫طهـران علـى مـدى عقـود مضـت‪ُ ،‬أ ِ‬ ‫علمـا بـأن هاتين القوتين اإلقليميتين متتلـكان ناجتً ـا‬ ‫جتاريـة واسـتثمارية‪ً ،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫مح ِّل ًيـا مشـت َركً ا يقـدر ب ـ ‪ 1.14‬تريليـون دوالر أمريك ّـي ‪.‬‬ ‫دوما على حماية صناعاتها غير التنافسية‬ ‫وبالنسبة إلى إيران‪ ،‬فقد حرصت ً‬ ‫مقابـل الصناعـات التحويليـة واملنتجـات الصناعيـة الترك َّيـة‪ ،‬كمـا يعمـل‬ ‫نظـام املاللـي واجليـش علـى تأكيـد سـيطرتهما علـى اقتصادهـا‪ .‬إن العـداء‬ ‫اآليديولوجـي جتـاه تركيـا ‪-‬وهـي دولـة ُسـ ِّن َّية باألغلبيـة‪ -‬والتنافـس التاريخـي‬ ‫هامـا فــي إعاقـة ت َ​َط ُّـور العالقـات‬ ‫معـا دو ًرا ً‬ ‫الـذي طـال أمـده فــي املنطقـة‪ ،‬لعبـا ً‬ ‫االقتصاديـة بين البلديـن‪.‬‬ ‫وفــي بعـض األحيـان جتـاوزت االعتبـارات األمنيـة املصالـح التجاريـة مـع‬ ‫اإلشـارة إلـى انفتـاح الصناعـات الرئيسـية فــي االقتصـاد اإليران ّـي علـى‬ ‫الشـركات الترك َّية‪ .‬فــي بعض احلاالت كانت تركيا ضح َّية السياسـة التنافسـية‬ ‫السـلْطة بين املصالـح التـي تتبعهـا احلكومـة والطبقـة الدينيـة‬ ‫الداخل َّيـة فــي ُّ‬ ‫واملؤسسـات األمنيـة واالسـتخباراتية‪ .‬ومـن املذهـل أن نـرى التحيـزات املتأصلـة‬ ‫َّ‬ ‫بعمـق فــي البيروقراطيـة اإليران َّيـة ض ّـد تركيـا‪ ،‬والتـي أسـهمت فــي تراجـع مـا‬ ‫ظهـر فــي البدايـة علـى أنـه مشـروعات مشـتركة واتِّفاقـات جتاريـة واعـدة‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫‪1.1‬حجم التداول الرائج‬ ‫يُعتبـر األداء التجـاري بين البلديـن مخ ِّي ًبـا لآلمـال‪ ،‬نظـ ًرا إلـى النـاجت احمللِّ ّـي اإلجمالـي‬ ‫املشـترك والسـوق االسـتهالكية الضخمـة التـي تتألـف مـن نحـو ‪ 160‬مليـون شـخص‪ ،‬التـي‬ ‫تبين عـدم َ َ‬ ‫تقُّـق أي مـن االحتمـاالت بين تركيـا وإيـران‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫لقد أعلن رئيس الوزراء التركي (رئيس اجلمهورية حال ًيا) رجب طيب أردوغان خالل‬ ‫زيارتـه طهـران فــي نوفمبـر ‪ 2009‬أن البلديـن قـ َّر َرا حتديـد هـدف ‪ 30‬مليـار دوالر فــي‬ ‫حجـم الت َِّجـارة املتبادلـة بينهمـا فــي السـنوات اخلمـس التـي تلـي ذلـك‪ ،‬مسـتله ًما شـجاعته‬ ‫مـن الرقـم الـذي مت تسـجيله فــي عـام ‪ 2008‬حين وصـل حجـم التبـادل التجـاري بين‬ ‫البلديـن إلـى ‪ 10.2‬مليـار دوالر للمـرة األولـى‪ .‬لكـن هـذا الهـدف تَعـ َّرض لضربـة مباشـرة‬ ‫عندمـا انخفـض إلـى النصـف تقري ًبـا بعـد شـهرين مـن هـذه الزيـارة‪ ،‬إذ أُع ِلـن فــي عـام‬ ‫‪ 2009‬أن حجـم الت َِّجـارة املتبادلـة السـنوية تراجـع إلـى ‪ 5.4‬مليـار دوالر بنسـبة انخفـاض‬ ‫‪ %47‬مقارنـة بعـام ‪.2008‬‬ ‫وعلـى الرغـم مـن دور األزمـة املاليـة لعـام ‪ 2008‬فــي الركـود‪ ،‬فـإن حتليـل البيانـات‬ ‫علـى مـ ّر السـنني منـذ األزمـة يشـير إلـى أن املشـكلة األساسـية فــي منـع زيـادة الروابـط‬ ‫التجاريـة واالقتصاديـة بين تركيـا وإيـران مرتبطـة بأسـباب هيكليـة وتنظيميـة أكثـر مـن‬ ‫ارتباطهـا بتحـ ُّول مؤ َّقـت فــي األوضـاع املاليـة واالقتصاديـة علـى نطـاق َ‬ ‫عالـي‪ .‬لقـد مـر أكثـر‬ ‫مـن سـبع سـنوات منـذ أعلـن املسـؤولون األتـراك واإليران ُّيـون عـن حجـم الهـدف املشـترك‬ ‫البالـغ ‪ 30‬مليـار دوالر‪ ،‬إال أن الرقـم التجـاري لعـام ‪ 2016‬ظـ ّل عنـد ‪ 9.7‬مليـار دوالر‪،‬‬ ‫املسـجل فــي عـام ‪ ،2008‬وبعبـارة أخـرى‪ ،‬مـ َّرت ثمانـي سـنوات‬ ‫أي أقـ ّل بقليـل مـن الرقـم‬ ‫َّ‬ ‫وحجـم التبـادل التجـاري علـى حالـه لـم يتغيـر‪.‬‬ ‫ويُعزَى االرتفاع غير املسـبوق فــي حجم التبادل التجاري فــي سـنوات ‪ 2012‬و‪2013‬‬

‫و‪ 2014‬إلـى بيـع املـواد الثمينـة‪ ،‬ومعظمهـا مدفوعـات الذهـب مقابـل مشـتريات تركيـا مـن‬ ‫املؤسسـات‬ ‫ال ِّنفْـط والغـاز اإليران َّيين‪ ،‬إذ واجهـت صعوبـات فــي جتهيـز املدفوعـات عبـر‬ ‫َّ‬ ‫النـووي املثيـر للجـدل‪.‬‬ ‫املاليـة بسـبب العقوبـات املفروضـة علـى طهـران نتيجـة لبرنامجهـا‬ ‫ّ‬ ‫لذلـك ال ينبغـي اعتبـار ذلـك جتـارة حقيقيـة‪ ،‬بـل أمـوال منقولـة بالذهـب وبوسـائل أخـرى‪.‬‬ ‫فــي الواقـع كشـفت حتقيقـات الفسـاد الرئيسـية فــي ديسـمبر ‪ 2013‬فــي تركيـا كيـف‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪35‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫إيرانـي لـه صلات باحلكومـة‬ ‫اسـتخدمت إيـران الوسـيط (رضـا ضـراب)‪ ،‬وهـو مواطـن‬ ‫ّ‬ ‫اإليران َّيـة‪ ،‬لتنظيـم جتـارة الذهـب غيـر املشـروعة والت َِّجـارة الوهميـة فــي السـلع مـن أجـل‬ ‫َّ‬ ‫معين والتالعـب باألمـوال اإليران َّيـة‪.‬‬ ‫إدارة‬ ‫مخطـط مالـي َّ‬ ‫هـذه األنشـطة التجاريـة غيـر املشـروعة وضعـت تركيـا فــي موقـف خلاف مـع حليفتهـا‬ ‫الواليـات املتَّحـدة‪ ،‬التـي فرضـت بدورهـا عقوبـات مـن جانـب واحـد علـى إيـران باإلضافـة‬ ‫إلـى العقوبـات التـي وافقـت عليهـا قـرارات مجلـس األمـن التابـع للأمم املتَّحـدة‪ .‬ويبـدو أن‬ ‫ُ‬ ‫اضطـ ُّروا فــي‬ ‫ضـراب رشـا كبـار املسـؤولني احلكوميين األتـراك‪ ،‬مبـن فــيهم ثالثـة وزراء‪،‬‬ ‫مـا بعـد إلـى االسـتقالة مـن احلكومـة‪ .‬وقـد أ ُ ِ‬ ‫سـق َطت القضيـة التـي ُر ِف َعـت ضـ ّد ضـراب‬ ‫فــيما بعـد وانقطـع التحقيـق بعـد تدخـل احلكومـة الترك َّيـة‪ .‬فــي وقـت الحـق اعتقـل عملاء‬ ‫مكتب التحقيقات الفــيدرالي ضراب فــي ميامي فــي مارس ‪ 2015‬بتهمة غسل األموال‬ ‫اإليرانـي‪ .‬وقـد احتُ ِجـز قبـل احملاكمـة‪ ،‬وال تـزال القضيـة معلَّقـة‬ ‫وانتهـاك قانـون العقوبـات‬ ‫ّ‬ ‫فــي محكمة املقاطعة األمريك َّية فــي مانهاتن‪.‬‬ ‫َو ْفقًـا للمعهـد التركـي لإلحصـاء "تويـك"‪ ،‬أشـارت آخـر البيانـات املتاحـة فــي ينايـر‬ ‫‪ 2017‬إلـى أن الصـادرات الشـهرية الترك َّيـة إلـى إيـران وصلـت إلـى ‪ 275‬مليـون دوالر‬ ‫أمريكـي‪ ،‬بانخفـاض ‪ 4.4‬فــي املئـة مقارنـة بالفتـرة نفسـها مـن العـام املاضـي‪ .‬وبلغـت‬ ‫ّ‬ ‫مـا يشـير إلـى‬ ‫واردات تركيـا مـن إيـران ‪ 563‬مليـون دوالر‬ ‫أمريكـي فــي نفـس الفتـرة‪َّ ِ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫زيـادة كبيـرة بنسـبة ‪ 56‬فــي املئـة مقارنـة بالفتـرة نفسـها مـن العـام املاضـي‪ِ .‬مـن ثَـ َّم فـإن‬ ‫امليزان التجاري عاد إلى وضعه لصالح إيران لعام ‪ 2016‬بسـبب انخفاض أسـعار ال ِّنفْط‬ ‫اخلـام‪ .‬بعبـارة أخـرى‪ ،‬فـإن العالقـات التجاريـة احلال َّيـة مـع إيـران تسـهم إلـى حـ ّد مـا فــي‬ ‫توسـيع عجـز احلسـاب اجلـاري فــي تركيـا‪ ،‬وهـو أحـد التحديـات الرئيسـية التـي يواجههـا‬ ‫احلالـي نحـو ‪ 2.76‬مليـار دوالر فــي ينايـر‪ ،‬بزيـادة‬ ‫االقتصـاد التركـي‪ .‬وبلـغ عجـز احلسـاب‬ ‫ّ‬ ‫قدرهـا ‪ 561‬مليـون دوالر علـى أسـاس سـنوي َو ْفقًـا لتقريـر البنـك املركـزي التركـي(‪ ،)2‬وهـو‬ ‫مـا يقابـل العجـز املتـداول ملـدة ‪ 12‬شـه ًرا البالـغ ‪ 33.16‬مليـار دوالر‪.‬‬ ‫وتُظهِ ـر املقارنـة بين صـادرات تركيـا إلـى إيـران مـع سـوق اسـتهالكية تقـدر بــ‪ 80‬مليـون‬ ‫دوالر‪ ،‬والصـادرات إلـى دولـة اإلمـارات العربيـة املتَّحـدة وسـوق اسـتهالكية تقـدر بــ‪9.4‬‬ ‫مليـون دوالر‪ ،‬كيـف تتخلّـف إيـران عـن دولـة اخلليـج رغـم وجـود سـوق اسـتهالكية أكبـر‪،‬‬ ‫‪36‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫كمـا تؤ ّكـد الصعوبـات التـي تواجههـا الشـركات الترك َّيـة فــي الدخـول إلـى السـوق اإليران َّيـة‪.‬‬

‫وبلغـت صـادرات تركيـا إلـى إيـران ‪ 3.5‬فــي املئـة مـن إجمالـي الصـادرات الترك َّيـة فــي عـام‬ ‫ما يجعل‬ ‫‪ ،2016‬فـي حني استحوذت دولة اإلمارات العربية املتَّحدة على ‪ 3.8‬فـي املئة‪َّ ِ ،‬‬ ‫الدولـة اخلليجيـة أكبـر وجهـة تصديـر للمنتجـات الترك َّيـة‪ ،‬ويحـدث العكـس فــي مـا يتعلـق‬ ‫بالواردات إلى تركيا‪ .‬وش َّكلَت إيران نسبة ‪ 2.4‬فـي املئة من إجمالي الواردات الترك َّية فـي‬ ‫وسـجل حجـم‬ ‫عـام ‪ ،2016‬فــي حين ظلـت اإلمـارات العربيـة املتَّحـدة عنـد ‪ 1.9‬فــي املئـة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الت َِّجـارة بين تركيـا واإلمـارات العربيـة املتَّحـدة ‪ 9.1‬مليـار دوالر فــي عـام ‪ ،2016‬بزيـادة‬ ‫قدرهـا ‪ 36‬فــي املئـة مقارنـة بالعـام السـابق‪.‬‬ ‫املعتمدة فـي الغالب على الن ِّْفط والغاز‬ ‫ِّجارة‬ ‫‪2.2‬الت َ‬ ‫َ‬

‫َّ‬ ‫تتكشف املشكالت فـي اجلانب‬ ‫عند إلقاء نظرة أعمق على الت َِّجارة بني تركيا وإيران‪،‬‬ ‫أيضا تقوم بشكل أساسي‬ ‫النوعي للتجارة‪ ،‬التي ال تفـيد اجلانب‬ ‫اإليراني فحسب ولكنها ً‬ ‫ّ‬ ‫علـى مبيعـات الهيدروكربونـات لتركيـا‪ .‬وتُعتبـر إيـران املـورد األول لل ِّنفْـط اخلـام إلـى تركيـا‪،‬‬ ‫إذ بلغـت حصـة تركيـا مـن الـواردات ال ِّنفْطيـة ‪ %26.7‬فــي ديسـمبر ‪َ 2016‬و ْفقًـا للبيانـات‬ ‫الصـادرة عـن هيئـة تنظيـم سـوق الطاقـة (إبـدك)(‪ .)3‬وجـاء العـراق فــي املركـز الثانـي بحصـة‬ ‫‪ 23.45‬فــي املئـة مـن واردات تركيـا مـن ال ِّنفْـط اخلـام فــي نفـس الفتـرة‪.‬‬ ‫يحـدد َ‬ ‫عال ًيـا‪ ،‬وبتوافـر عديـد مـن البائعين‪ ،‬فـإن لتركيـا بدائـل‬ ‫وألن سـعر ال ِّنفْـط اخلـام َّ‬ ‫اإليرانـي‪ .‬عندمـا فرضـت الواليـات املتَّحـدة عقوبـات علـى مبيعـات ال ِّنفْـط‬ ‫أخـرى لل ِّنفْـط‬ ‫ّ‬ ‫والغـاز اإليران َّيـة َت َّكنَـت تركيـا مـن خفـض وارداتهـا مـن إيـران بشـكل كبيـر علـى الرغـم مـن‬ ‫أنهـا تلقـت إعفـاءات لفتـرة مع َّينـة فــي عامـي ‪ 2012‬و‪ .)4(2013‬مـع ذلـك فـإن أنقـرة أكثـر‬ ‫اعتما ًدا على إيران فـي واردات الغاز الطبيعي التي تتطلب عقو ًدا طويلة األمد واستثمارات‬ ‫ثابتـة مبليـارات الـدوالرات للبنيـة التحتيـة مثـل وضـع خطـوط األنابيـب واملضخَّ ـات‪.‬‬ ‫ويُظهِ ـر آخـر البيانـات املتوافـرة مـن الهيئـة الترك َّيـة لتنظيـم الكهربـاء أن تركيـا اسـتوردت‬ ‫‪ 15.39‬فـي املئة من الغاز الطبيعي من إيران فـي ديسمبر ‪ ،)5(2016‬أما مو ِّردو الغاز اآلخرون‬ ‫فـي تركيا فكانوا روسيا (‪ 50.70‬فـي املئة) وأذربيجان (‪ 10.67‬فـي املئة)‪ ،‬والباقي مضمون‬ ‫بخاصـة مـن اجلزائـر‬ ‫مـن عقـود الغـاز الطبيعـي املسـال واملشـتريات فــي األسـواق الفوريـة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ 10.32‬فـي املئة) ونيجيريا (‪ 3.49‬فـي املئة)‪.‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪37‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫اخلاصـة عندمـا كان‬ ‫ويبـدو أن إيـران أحـرزت تَق ُّد ًمـا أكبـر فــي تعزيـز مصاحلهـا‬ ‫َّ‬ ‫الس ْـلطة فــي تركيـا‪ ،‬و ُو ِّقـع العقـد األول الـذي يقضـي بعشـرة مليـارات‬ ‫اإلسلاميون فــي ُّ‬ ‫متـر مك َّعـب مـن الغـاز علـى أسـاس سـنوي بين تركيـا وإيـران خلال احلكومـة االئتالفــية‬ ‫برئاسـة جنـم الديـن أربـكان (أبـو اإلسلام السياسـي فــي تركيـا ومرشـد الرئيـس التركـي‬ ‫أردوغـان)‪ .‬وسـاعدت العالقـة ال ُو ّديـة بين أربـكان وإيـران علـى إنهـاء عقـد دام ‪ 25‬عا ًمـا‬ ‫رئيسـا للـوزراء‪ .‬ومـن احملافظـات احلدوديـة الترك َّيـة‬ ‫فــي ‪ 8‬أغسـطس ‪ 1996‬عندمـا كان‬ ‫ً‬ ‫اإليرانـي إلـى حـ ّد‬ ‫إلـى العاصمـة أنقـرة عديـد مـن املـدن التـي تعتمـد اليـوم علـى الغـاز‬ ‫ّ‬ ‫كبيـر‪ ،‬األمـر الـذي جعـل تركيـا تعتمـد علـى إيـران فــي مـا يقـارب خُ مـس وارداتهـا مـن‬ ‫الغـاز‪ ،‬وهـو وسـيلة ضغـط لـم يفشـل اإليران ُّيـون فــي طرحـه فــي كل مـرة يتحدثـون فــيها‬ ‫عـن اعتمـاد تركيـا علـى إيـران‪.‬‬ ‫وخال ًفـا لغيرهـا مـن املورديـن مثـل روسـيا وأذربيجـان‪ ،‬واجهـت تركيـا فــي كثيـر مـن‬ ‫األحيـان مشـكالت مـع إيـران عندمـا كان يتعلـق األمـر بتجـارة الغـاز الطبيعـي‪ .‬ومـن ناحيـة‬ ‫أخـرى تسـببت البنيـة التحتيـة الضعيفـة نسـب ًيا فــي انقطـاع خـط األنابيـب مـن اجلانـب‬ ‫بخاصـة خلال فصـل الشـتاء‪ ،‬فــي فتـرة حرجـة وحاجـة ُم ِل َّحـة إلـى الغـاز فــي‬ ‫اإليرانـي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليراني‪،‬‬ ‫املناطق السـكنية لتدفئة املنازل‪ .‬واسـتنا ًدا إلى ذروة الطلب الذروة فــي الداخل‬ ‫ّ‬ ‫مـا يجعـل‬ ‫قـررت إيـران حتويـل تَ َدفُّـق الغـاز إلـى العملاء احمللِّ ّيين فــي عـدة مناسـبات‪َّ ِ ،‬‬ ‫حجـم التدفُّـق اليومـي إلـى تركيـا يصـل إلـى مـا دون احلـد األدنـى املتفَـق عليـه مبوجـب‬ ‫اإليرانـي ظلّـت ضعيفـة مقارنـة‬ ‫العقـد‪ .‬وعلاوة علـى ذلـك أ َّكـ َدت تركيـا أن نوعيـة الغـاز‬ ‫ّ‬ ‫مبنتجـات املو ِّرديـن اآلخريـن‪.‬‬ ‫اإليرانـي هـو التسـعيرة‪ ،‬إذ يُعتبـر‬ ‫يُذكـر أن حتد ًيـا رئيسـ ًيا آخَ ـر واجهتـه تركيـا مـع الغـاز‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رسـمي لثمن‬ ‫اإليراني األغلى سـع ًرا لتركيا َو ْفقًا لألرقام الواردة‪ ،‬ومع أن أي‬ ‫الغاز‬ ‫تأكيد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغاز بني الطرفـني سيش ِّكل خر ًقا لس ِّرية العقد‪ ،‬فإن األرقام الواردة فـي وسائل اإلعالم‪،‬‬ ‫والتـي يُفتـرض أنهـا جـاءت مـن تسـريبات موثـوق بهـا مـن دوائـر احلكومـة الترك َّيـة‪ ،‬تُعتبـر‬ ‫دقيقـة‪ ،‬ولـم تنكـر احلكومـة الترك َّيـة هـذه األرقـام َق ّ‬ ‫ـط‪ .‬يشـار إلـى أن تكلفـة الغـاز‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫لكل ‪ 1000‬متر مك َّعب كان ‪ 507‬دوالرات أمريك َّية فـي عام ‪ ،2013‬فـي حني دفعت تركيا‬ ‫أمريكـي لنفـس الكميـة التـي اسـتوردتها مـن روسـيا‪ ،‬و‪ 349‬دوال ًرا أمريك ًيـا‬ ‫‪ 428‬دوال ًرا‬ ‫ّ‬ ‫‪38‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫ألذربيجـان(‪ِ .)6‬مـن ثَـ َّم فـإن تركيـا تشـتري الغـاز الطبيعـي مـن إيـران بأغلـى مـن األسـعار‬ ‫التـي يعرضهـا املـو ِّردون اآلخـرون‪.‬‬ ‫علـى النقيـض مـن املورديـن اآلخريـن‪ ،‬مثـل روسـيا وأذربيجـان‪ ،‬الذيـن عدلـوا أسـعارهم‬ ‫تَبَ ًعـا لظـروف السـوق املتغيـرة علـى النحـو املتوخَّ ـى فــي العقـد‪ ،‬ثبـت أن إيـران لـم تقـ ِّدم‬ ‫مـا جعـل احلكومـة الترك َّيـة إلـى أن تلجـأ إلـى التحكيـم الدولـي‪ .‬وعندمـا‬ ‫أي خصومـات‪َّ ِ ،‬‬ ‫اسـتندت تركيـا إلـى املـادة ذات الصلـة فــي العقـد فــي عـام ‪ 2003‬اسـتنا ًدا إلـى ظـروف‬ ‫السـوق املختلفـة وتقلُّبـات العـرض والطلـب‪ ،‬فـإن إيـران اعترضـت علـى طلـب تركيـا‪ .‬نتيجـ ًة‬ ‫ُ‬ ‫اضطـ ّرت تركيـا إلـى التقـ ُّدم بطلـب إلـى غرفـة الت َِّجـارة الدوليـة فــي مـارس ‪2004‬‬ ‫لذلـك‬ ‫لتسـوية اخلالفـات املتعلقـة باألسـعار‪ .‬اسـتم َّر التحكيـم خمـس سـنوات‪ ،‬وحكمـت احملكمـة‬ ‫اجلنائية الدولية لصالح تركيا‪ ،‬وق َّر َرت أن إيران لم ِ‬ ‫توف بالتزاماتها فـي العقد‪ ،‬وفرضت‬ ‫غرامـة ضخمـة بقيمـة ‪ 760‬مليـون دوالر علـى شـركة الغـاز اإليران َّيـة‪.‬‬ ‫وفـي عام ‪ 2012‬نشب اخلالف على األسعار بني إيران وتركيا من جديد‪ ،‬وبعد فشل‬ ‫احملادثـات الثنائيـة مـع طهـران رفعـت تركيـا دعـوى أخـرى فــي احملكمـة اجلنائيـة الدوليـة‬ ‫بسـبب املبالغـة فــي أسـعار الغـاز الطبيعـي‪ ،‬حكمـت فــيها احملكمـة اجلنائيـة الدوليـة مـرة‬ ‫أخـرى لصالـح تركيـا فــي ‪ 20‬ينايـر ‪ 2016‬بقـرار مؤ َّقـت يشـير إلـى أن قيمـة اخلصـم بين‬ ‫‪ 13.3‬و‪ 15.8‬فــي املئـة تكـون علـى أسـاس ظـروف السـوق التـي تتطلـب تعديـل السـعر‬ ‫مبوجـب العقـد(‪ .)7‬وتغطـي التغييـرات السـعرية الفتـرة مـن ‪ 1‬ينايـر ‪ 2014‬إلـى ‪ 19‬سـبتمبر‬ ‫تعويضـا لتركيـا َو ْفقًـا ملـا‬ ‫‪ .2011‬ومـن املتو َّقـع أن تدفـع إيـران ‪ 1.9‬مليـار دوالر‬ ‫أمريكـي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫اضطـ َّرت إلـى أخـذ‬ ‫قالـه مسـاعد وزيـر ال ِّنفْـط حميـد رضـا عراقـي(‪ .)8‬وحقيقـة أن تركيـا‬ ‫إيـران للتحكيـم مرتين فــي ظـل ظـروف مماثلـة‪ ،‬تُظهِ ـر صعوبـة تعزيـز العالقـات التجاريـة‬ ‫واالقتصاديـة مـع نظـام طهـران‪.‬‬ ‫ولتنويـع مو ِّرديهـا‪ ،‬عملـت تركيـا منـذ فتـرة طويلـة علـى التقـارب مـع تركمانسـتان جللـب‬ ‫الغـاز إلـى السـوق الترك َّيـة عـن طريـق بحـر قزويـن عبـر أذربيجـان وجورجيـا‪ ،‬متجـاوزة‬ ‫اإلطـاري لتوريـد ‪ 30‬مليـار متـر مك َّعـب مـن الغـاز إلـى تركيـا (منهـا ‪16‬‬ ‫إيـران‪ُ .‬و ّقـع االتِّفـاق‬ ‫ّ‬ ‫مليار متر مك َّعب تذهب إلى السوق األوروب َّية) فــي أنقرة فــي ‪ 29‬أكتوبر ‪ .1988‬وأعقب‬ ‫ذلـك اتِّفـاق ملـدة ‪ 30‬عا ًمـا لبيـع ‪ 16‬مليـار متـر مك َّعـب مـن الغـاز ُو ّقـع بين البلديـن فــي‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪39‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫عشـق آبـاد فــي ‪ 21‬مايـو ‪ .1999‬ولألسـف لـم تتحقّـق هـذه االتِّفاقـات َق ّ‬ ‫ـط فــي ظـل جهـود‬ ‫الضغـط التـي تبذلهـا إيـران لتغييـر املسـار مـن بحـر قزويـن إلـى منطقتهـا‪ .‬كذلـك كان‬ ‫للخالفات التي لم ُ َ‬ ‫ت ّل فــي بحر قزوين بني الدول الساحلية‪ ،‬مبا فــيها إيران‪ ،‬دور فــي‬ ‫إفشـال هـذا العقـد‪ .‬وفــي الوقـت نفسـه كانـت إيـران تشـتري الغـاز التركمانـي بأسـعار‬ ‫زهيـدة وتعيـد بيعـه لتركيـا بأسـعار خياليـة باملقارنـة‪.‬‬ ‫‪3.3‬حظر االستثمارات الترك َّية‬ ‫يخـص السـماح للشـركات‬ ‫علـى اجلانـب االسـتثماري‪ ،‬أظهـرت إيـران نهـج حمايـة مبـا‬ ‫ُّ‬ ‫الترك َّية بدخول السوق اإليران َّية‪ .‬يوجد مثاالن لكيفـية إحباط إيران االستثمارات الترك َّية‬ ‫التـي تكلِّـف الشـركات الترك َّيـة مبالـغ طائلـة وال تـزال مسـتمرة إلـى اليـوم‪ .‬احلالـة األولـى‪:‬‬ ‫و ّق َعت شركة خدمة الهاتف احملمول "تُرك‪-‬سل" صفقة بقيمة ‪ 3‬مليارات دوالر مع إيران‬ ‫فـي ما ُوصف بأنه أكبر استثمار أجنبي استقبلته إيران على مدى عقود مضت(‪ ،)9‬ولكن‬ ‫متكنـت قـوات احلـرس الثـوري اإليران َّيـة والت َّيـار احملافـظ مـن إحبـاط الصفقـة‪.‬‬ ‫وقـد أ ُ ِ‬ ‫عطـي العقـد فــي وقـت الحـق ملجموعـة ‪ MTN‬فــي جنـوب إفريقيـا‪ ،‬أكبـر مشـ ِّغل‬ ‫اإليراني نقّح شروط‬ ‫للهاتف احملمول فــي إفريقيا‪ ،‬بعد مشروع قانون ُطرح فــي البرملان‬ ‫ّ‬ ‫مـا أ َّدى إلـى خفـض نسـبة اسـتخدام "تُرك‪-‬سـل" بشـكل ف َّعـال‪ِ ،‬‬ ‫ومـن ثَـ َّم ُطـرد‬ ‫االتِّفـاق‪َّ ِ ،‬‬ ‫مشـغل ‪ GSM‬التركـي مـن العقـد‪ .‬ثـم زار رئيـس الـوزراء التركـي والرئيـس احلالـي أردوغـان‬ ‫طهـران يـوم ‪ 26‬سـبتمبر مـن عـام ‪ 2004‬مـع وفـد أعمـال كبيـر‪ ،‬لكنـه لـم يتمكـن مـن حـ ّل‬ ‫اخلالفـات‪ .‬ق ّد َمـت بعـد ذلـك شـركة "تُو ْرك‪ِ -‬سـ ْل" القضيـة إلـى هيئـة التحكيـم فــي الهـاي‬ ‫فــي عـام ‪ ،2008‬مستشـهدة باالتِّفـاق احلكومـي الدولـي لعـام ‪ 1996‬الـذي أُط ِلـق عليـه‬ ‫"اتِّفـاق تعزيـز وحمايـة االسـتثمار املتبـا َدل"‪ .‬وأحيلـت القضيـة إلـى جلنـة األمم املتَّحـدة‬ ‫للقانـون التجـاري الدولـي (اليونسـيترال)‪.‬‬

‫وفــي الشـكوى ا ّدعـت تُو ْرك‪ِ -‬سـ ْل أنهـا تكبـدت خسـائر بلغـت ‪ 600‬مليـون دوالر‪ .‬وفــي‬ ‫بيـان صـادر عـن مجلـس أسـواق رأس املـال فــي تركيـا فــي ‪ 16‬أكتوبـر ‪ ،2014‬أعلنـت‬ ‫"تُو ْرك‪ِ -‬سـ ْل" أن احملكمـة رأت أنـه ليـس لديهـا اختصـاص للنظـر فــي املطالبـات املقدمـة‬ ‫مبوجـب معاهـدة االسـتثمار الثنائيـة بين إيـران وتركيـا(‪ .)10‬وفــي ‪ 28‬مـارس ‪ 2012‬تقدمـت‬ ‫أيضـا بدعـوى قضائ َّيـة قيمتهـا ‪ 4.2‬مليـار دوالر ضـ ّد شـركة "‪ "MTN‬فــي‬ ‫"تُو ْرك‪ِ -‬سـ ْل" ً‬ ‫‪40‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫مدعية أن الشركة َ‬ ‫رشت مسؤولني‬ ‫محكمة الواليات املتَّحدة األمريك َّية ملقاطعة كولومبيا‪َّ ،‬‬ ‫كبـا ًرا‪ ،‬ونظمـت اجتماعـات بين قـادة إيـران وجنـوب إفريقيـا‪ ،‬ووعـدت مبزيـد مـن األسـلحة‬ ‫اإليران َّيـة واألصـوات فــي األمم املتَّحـدة مقابـل احلصـول علـى ترخيـص لتوفــير اخلدمـات‬ ‫الالسـلكية فــي إيـران(‪ .)11‬وعقـب صـدور قـرار احملكمـة العليـا األمريك َّيـة فــي أبريـل ‪2013‬‬ ‫فــي قضيـة أخـرى‪ ،‬التـي فسـرت قانـون األضـرار الغريبـة والتـي شـ َّكلت سـابقة‪ ،‬قـررت‬ ‫"تُو ْرك‪ِ -‬سـ ْل" سـحب الدعـوى القضائ َّيـة مـن احملكمـة األمريك َّيـة(‪ ،)12‬وقالـت الشـركة إنهـا‬ ‫سـحبت الدعـوى القضائ َّيـة "مـن أجـل رفـع دعـوى قضائ َّيـة فــي واليـة قضائ َّيـة أخـرى"(‪،)13‬‬ ‫معدلة ض ّد "‪ "MTN‬فــي جوهانسـبرغ فــي جنوب‬ ‫وقدمت الشـركة بعدها دعوى قضائ َّية َّ‬ ‫إفريقيا‪.‬‬ ‫اإليراني شركة تركية اسمها "تاف إيربورتس‬ ‫وفـي احلالة الثانية طرد احلرس الثوري‬ ‫ّ‬ ‫هولدينـغ" فــي عـام ‪ 2004‬بعـد أن أنفقـت ماليين الـدوالرات علـى عقـد مدتـه ‪ 11‬عا ًمـا‬ ‫لتشـغيل احملطة األولى من مشـروع املطار الدولي اجلديد وبناء محطة ثانية بقيمة ‪193‬‬ ‫أمريكي‪ ،‬التي منحت لشـركة "تاف" فــي يوليو ‪ 2003‬جز ًءا من اتِّفاق البناء‬ ‫مليون دوالر‬ ‫ّ‬ ‫والتشـغيل والنقـل(‪ .)14‬وافتُتـح املطـار الـذي أُط ِلـ َق عليـه اسـم "آيـة اهلل روح اهلل اخلمينـي"‬ ‫اإليراني إلى‬ ‫لفترة وجيزة‪ ،‬مع السماح لطائرة واحدة فقط بالهبوط‪ ،‬قبل دخول اجليش‬ ‫ّ‬ ‫زعـم أن القـرار اتُّخـذ بشـأن الشـواغل املتعلقـة باألمـن الوطنـي‪ .‬وا َّدعـى‬ ‫املطـار وإغالقـه‪ .‬ويُ َ‬ ‫أيضا‬ ‫اجليش أن إسـناد بناء املطار إلى شـركة "تاف" يه ِّدد أمن البالد وكرامتها‪ ،‬وأُشـي َر ً‬ ‫إلـى أن "املسـؤولني فــي املطـار اتّخـذوا هـذا القـرار فــي وقـت غيـر مناسـب دون مراعـاة‬ ‫القيـود األمنيـة أو قانـون املجلـس األعلـى لألمـن الوطنـي الـذي يوصـي بحظـر اسـتخدام‬ ‫وس ْـر َعان ما أصبحت هذه القضية مسـألة ثنائية بني تركيا وإيران‪.‬‬ ‫القوى األجنبية"(‪َ ،)15‬‬ ‫جتـدر اإلشـارة إلـى أن رئيـس الـوزراء التركـي بينالـي يلديـرم‪ ،‬الـذي كان آنـذاك وزيـرا‬ ‫للنقل‪ ،‬تَ َو َّجه إلى طهران الفتتاح املطار مع املسؤولني اإليران ّيني فـي األول من فبراير من‬ ‫عام ‪ ،2004‬وبدأ املطار العمليات الرسـم َّية فــي ‪ 8‬مايو ‪ ،)16(2004‬وفــي غضون سـاعات‬ ‫اإليرانـي إلـى املطـار واحتـ ّل البـرج‪ ،‬وأنهـى العمليـات متا ًمـا‪.‬‬ ‫قليلـة انتقـل احلـرس الثـوري‬ ‫ّ‬ ‫ومت حتويل الطائرة املدنية الثانية إلى مطار آخر فــي املنطقة مبصاحبة مقاتالت جوية‬ ‫إيران َّيـة‪ .‬وقـد أ ُ ِعيـ َد فتـح املطـار فــي ‪ 13‬مايـو مـع سـيطرة احلـرس الثـوري الكاملـة بعـد‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪41‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫ُ‬ ‫اضطـ َّرت الشـركة الترك َّيـة إلـى اخلـروج‪ .‬وقـد أثـارت تركيـا هـذه املسـألة علـى املسـتوى‬ ‫أن‬ ‫الثنائي فــي مناسـبات عديدة دون نتائج إيجابية تُذ َكر‪.‬‬ ‫هـذه التجـارب املأسـاوية فــي السـوق اإليران َّيـة مـن شـركتني تركيتين كبيرتين هـزَّت‬ ‫مـا دفـع معظـم الشـركات الكبيـرة إلـى االبتعـاد عـن‬ ‫ثقـة املسـتثمرين األتـراك بإيـران‪َّ ِ ،‬‬ ‫السـوق اإليران َّيـة‪ .‬وقـد أثـرت علـى مواقـف رجـال األعمـال األتـراك لسـنوات قادمـة‪ ،‬وهـو‬ ‫أحـد األسـباب التـي جعلـت عديـ ًدا مـن الشـركات الترك َّيـة متـرددة بشـأن االسـتثمار فــي‬ ‫النـووي مـع طهـران فــي عـام ‪2015‬‬ ‫إيـران بعـد أن وافقـت القـوى الكبـرى علـى االتِّفـاق‬ ‫ّ‬ ‫بعـد مفاوضـات طويلـة مقابـل تخفــيف العقوبـات املفروضـة علـى إيـران‪.‬‬ ‫و ُو ِّقعـت اتِّفاقيـة أخـرى فــي السـنوات األخيـرة الستكشـاف الغـاز فــي حقـل بـارس‬ ‫اإليراني من ِقبَل شـركة البترول الترك َّية اململوكة للحكومة‪ ،‬و ُو ّقع على االتِّفاقية‬ ‫اجلنوبي‬ ‫ّ‬ ‫التـي بلغـت قيمتهـا ‪ 6‬مليـارات دوالر فــي أكتوبـر ‪ 2009‬خلال زيـارة أردوغـان لطهـران‪،‬‬ ‫ولكنها أ ُ ِلغيَت فـي نهاية املطاف فـي عام ‪ 2014‬بعد خمس سنوات من املفاوضات‪ .‬وكان‬ ‫قد َمتهـا إيـران‬ ‫السـبب الرئيسـي النسـحاب تركيـا مـن حقـل بـارس هـو أن ال ُعـروض التـي َّ‬ ‫كانـت ضعيفـة باملقارنـة مـع العـروض األوليـة‪ .‬وبعبـارة أخـرى‪ ،‬حاولـت طهـران حلصـر أنقـرة‬ ‫مـن خلال عـدم السـماح لشـركة "تبـاو" االسـتفادةَ مـن املجـاالت التـي يُحتمـل أن تكـون‬ ‫مربحـة‪ ،‬كمـا لعبـت الضغـوط األمريك َّيـة علـى تركيـا دو ًرا فــي هـذا القـرار‪ ،‬وقالـت تركيـا‬ ‫عرضـا جديـ ًدا بشـروط جديـدة(‪.)17‬‬ ‫قد َمـت إيـران‬ ‫ً‬ ‫إنهـا سـتعيد النظـر فــي قرارهـا إذا َّ‬ ‫ويبدو أن االستثناء الوحيد فــي اخلط الطويل لفشل االستثمارات الترك َّية فــي إيران‬ ‫هـو شـراء شـركة "الـرازي للبتروكيماويـات" اإليران َّيـة فــي ‪ 20‬فبرايـر ‪ 2008‬مـن ِقبـل‬ ‫أمريكـي‪.‬‬ ‫شـركة األسـمدة الترك َّيـة (غوبـري فابريـكاالر ‪ )T.A.S.‬مببلـغ ‪ 656‬مليـون دوالر‬ ‫ّ‬ ‫تَع َّرضـت هـذه العمليـة الضخمـة جلـدل كبيـر عندمـا قـدم حـزب املعارضـة الرئيسـي‬ ‫اقتراحـا فــي البرملـان فــي ‪ 29‬مـارس ‪ ،)18(2013‬طلـب فــيه مـن احلكومـة الكشـف عـن‬ ‫ً‬ ‫وبخاصة شـركتا "(آسـياغاز إنيرجي إن بيتروكيميا‬ ‫أصحاب املصالح فــي هذه املجازفة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أورونليـري سـاناي فــي تيكاريـت أنونيـم شـركيتي" و"تابوسـان موهنديسـليك ملـاالت فــي‬ ‫مونتـاج شـركيتي"‪ ،‬اللتين شـاركتا فــي شـراء شـركة "الـرازي للبتروكيماويـات" اإليران َّيـة‪.‬‬ ‫وجـاء فــي االقتـراح أن "آسـياغاز" أُنشـئت قبـل ‪ 20‬يو ًمـا فقـط مـن البيـع‪ ،‬وأنهـا قـد‬ ‫‪42‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫تكـون شـركة وهميـة‪ ،‬وأن "تابوسـان" كانـت علـى وشـك اإلفلاس وقـت البيـع(‪ .)19‬علاوة‬ ‫علـى ذلـك‪ُ ،‬منحتـا خـط ائتمـان بقيمـة ‪ 20‬مليـون يـورو لـكل منهمـا مـن البنـوك الترك َّيـة‬ ‫اململوكـة للدولـة "واقـف بانـك" و"هالـك بانـك" فــي ‪ 7‬أبريـل ‪ ،2008‬أي قبـل ثالثـة أسـابيع‬ ‫مـن البيـع‪ .‬ومتلـك "آسـياغاز" و"تابوسـان" مـا نسـبته ‪ %23.91‬و‪ %10.88‬بالترتيـب فــي‬ ‫شـركة "الـرازي للبتروكيماويـات" (‪.)20‬‬ ‫وقـد أصبحـت عمليـة البيـع فــي وقـت الحـق موضـع حتقيـق محقّقين أتـراك كانـوا‬ ‫يتابعون أنشطة االستخبارات اإليران َّية فـي تركيا فـي إطار حتقيقهم فـي جماعة "تيفـيد‬ ‫سالم" اإلرهابية التي تدعمها إيران ومي ِّولها ويدعمها فـيلق القدس‪ ،‬ذراع احلرس الثوري‬ ‫العسكرية اإليران َّية فـي اخلارج‪ .‬وقد ُكشف عن عديد من املشتبه بهم‪ ،‬ويُذكر منهم سيد‬ ‫علـي أكبـر ميـر وكيلـي‪ ،‬عميـل فــي املخابـرات اإليران َّيـة‪ ،‬الـذي ّبين بأمـر مـن القاضـي كيـف‬ ‫نوقشـت "غوبريتـاش" والشـركتان الوهميتـان ("آسـياغاز" و"تابوسـان") هـذه االتِّفاقيـة‪.‬‬ ‫دعـى "هاكلـي سـيلكوك شـانلي"‪ ،‬ذكـر أنـه سـاعد‬ ‫وكشـف التحقيـق ً‬ ‫أيضـا عـن رجـل تركـي يُ َ‬ ‫فــي تسـهيل عمليـات فــيلق القـدس فــي تركيـا بنـا ًء علـى أوامـر مـن قائـد احلـرس الثـوري‬ ‫آنذاك ناصر تاكيبور فــي التسعينيات‪ ،‬الذي نسق بيع غوبريتاش‪ .‬وقد هزت التحقيقات‬ ‫فــي "تيفــيد سالم" احلكومة الترك َّية عندما ُكشف تو ُّرط كبار املسؤولني فــيها‪.‬‬ ‫‪4.4‬عقبات عمليات النقل‬ ‫نفـذت إيـران عـدة إجـراءات ملنـع تركيـا مـن اسـتخدام األراضـي اإليران َّيـة بوابـ ًة لـدول‬ ‫آسـيا الوسـطى‪ ،‬مبـا فــيها تركمانسـتان وأوزبكسـتان وأفغانسـتان‪ .‬وتتو ّلـد هـذه املشـكلة‬ ‫الدائمـة مـن الصعوبـات والقيـود التـي تواجههـا عمليـات النقـل الترك َّيـة عندمـا يتعلـق األمـر‬ ‫بتسـليم احلمولـة إلـى وجهـة فــي إيـران أو عبـور إيـران إلـى بلـد ثالـث مـن أجـل التسـليم‪.‬‬ ‫و َو ْفقًـا ِّ‬ ‫التـاد النقـل الدولـي‪ ،‬اسـتم َّرت هـذه املشـكلة علـى مـدى ‪ 20‬عا ًمـا بانتهـاك‬ ‫اتِّفاقيـة املعاهـدات القائمـة لعـام ‪ 1994‬والبروتوكـول الـذي وضعتـه اللجنـة االقتصاديـة‬ ‫املشتركة فـي عام ‪ .)21(2001‬و َو ْفقًا ِلَا ذكره ِّ‬ ‫االتاد (‪ ،)UND‬فرضت إيران رسو ًما إضافـية‬ ‫بصورة غير مشروعة على سائقي شاحنات العبور األتراك‪ ،‬فغ َّرمتهم مدفوعات إضافـية‬ ‫على الوقود قدرها ‪ 750‬دوال ًرا أمريك ًيا و‪ 550‬دوال ًرا على العودة لكل شاحنة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫مـا أ َّدى إلـى خسـارات مباليين الـدوالرات‪ .‬وبسـبب املمارسـات‬ ‫إلـى رسـوم أخـرى‪َّ ِ ،‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪43‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫اإليران َّيـة‪ ،‬اسـتولى السـائقون اإليران ُّيـون علـى ‪ %90‬مـن طـرق النقـل بين إيـران وتركيـا‪،‬‬ ‫اإليرانـي‪.‬‬ ‫حيـث تَخلَّـى عشـرات آالف سـائقي الشـاحنات األتـراك عـن الطريـق‬ ‫ّ‬ ‫وظلّت هذه املشـكلة عالقة لسـنوات على الرغم من عقد عديد من اجتماعات للجنة‬ ‫املشـتركة التـي أثـار مـن خاللهـا املمثلـون األتـراك هـذه القضيـة مـرا ًرا وتكـرا ًرا‪ ،‬وبعـد أن‬ ‫ُ‬ ‫اضطـ ّرت تركيـا إلـى تنفــيذ تدابيـر مضـا ّدة للمم ِّثلين اإليران ّيين‪ ،‬وافقـت األخيـرة علـى‬

‫خفـض رسـوم الوقـود التـي مـن شـأنها توفــير ‪ 21‬مليـون يـورو لقطـاع النقـل بالشـاحنات‬ ‫الترك َّيـة التـي مـن املقـدر أن ترسـل ‪ 35-30‬ألـف شـاحنة إلـى إيـران سـنو ًيا(‪ .)22‬ولـم ينفَّـذ‬ ‫املتوصـل إليـه خلال االجتمـاع املشـترك فــي الفتـرة ‪ 15-13‬ينايـر ‪ 2015‬مـن‬ ‫االتِّفـاق‬ ‫َّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ودفَـت‬ ‫اجلانـب‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬وال يـزال مم ِّثلـو قطـاع النقـل اإلبلاغ عـن املشـكالت التـي ُ‬ ‫ّ‬ ‫فــي أثنـاء التعامـل مـع مسـؤولي احلـدود واجلمـارك اإليران ّيين‪.‬‬ ‫وقـد اسـتم َّرت مشـكالت حتديـث البوابـات احلدوديـة اجلمركيـة القائمـة وفتـح أبـواب‬ ‫أضـ َّر بقطـاع النقـل وأضـاف مزيـ ًدا مـن التكاليـف‬ ‫مـا َ‬ ‫جديـدة لتسـهيل الت َِّجـارة لسـنوات‪َّ ِ ،‬‬ ‫علـى كاهـل الشـركات الترك َّيـة‪ .‬ويوجـد حال ًيـا ثالثـة معابـر حدوديـة بين البلديـن علـى‬ ‫طـول احلـدود املشـتركة التـي متتـد علـى مسـافة ‪ 499‬كيلومتـ ًرا‪ ،‬هـي غوربـوالك (ويصـل‬ ‫هـذا املعبـر إلـى بازارغـان فــي إيـران) فــي مقاطعـة آغـري الشـرقية‪ ،‬وكابكـوي (رازي)‬ ‫فــي مقاطعـة فـان‪ ،‬وإسـندير (سـيرو) فــي مقاطعـة هـكاري اجلنوبيـة الشـرقية‪ .‬ومـن‬ ‫وقـت إلـى آخـر تغلـق إيـران هـذه البوابـات احلدوديـة معلِّلـة ذلـك مبخاوفهـا األمنيـة‪ .‬وفــي‬ ‫مدعيـة أن الشـاحنات اإليران َّيـة‬ ‫أغسـطس ‪ 2015‬أغلقـت إيـران غوربـوالك مـن جانبهـا‪َّ ،‬‬ ‫هوجمت فــي تركيا(‪ .)23‬وحول نقطة عبور كابيكوي التي تفتح فقط للمركبات الصغيرة‪،‬‬ ‫قالت إيران إنها ال تسـتطيع إكمال الطريق البالغ طوله ‪ 75‬كم والذي كان من املفترض‬ ‫ً‬ ‫وبـدل مـن‬ ‫اإليرانـي جلعـل احلـدود تعمـل بشـكل كامـل للشـاحنات‪.‬‬ ‫إكمالـه مـن اجلانـب‬ ‫ّ‬ ‫ذلـك اقتُـرح أن تبنيهـا تركيـا وتدفـع النفقـات(‪.)24‬‬ ‫‪5.5‬السـياحة الواعدة‬ ‫أهـ ِّم اجلوانـب الواعـدة فــي العالقـات االقتصاديـة بين تركيـا وإيـران هـو‬ ‫لعـ ّل أحـد َ‬ ‫ازدهار السـياحة‪ ،‬وقد أثبتت تركيا أنها واحدة من الوجهات الرائدة للسـياح اإليران ّيني‪.‬‬ ‫إيرانـي تركيـا فــي عـام ‪،2016‬‬ ‫و َو ْفقًـا لبيانـات احلكومـة الترك َّيـة‪ ،‬زار ‪ 1.7‬مليـون سـائح‬ ‫ّ‬ ‫‪44‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫مبا نسبته ‪ 6.7‬فـي املئة من مجموع السياح الكلِّي الذين زاروا تركيا فـي ذلك العام(‪.)25‬‬

‫ويبـدو أن الرقـم ظـ ّل ثابتًـا فــي السـنوات األخيـرة‪ .‬وسـاعد علـى ذلـك نظـام التأشـيرة‬ ‫الـذي تق ِّدمـه تركيـا للمواطنين اإليران ّيين والـذي يوفّـر ميـزة البقـاء فــي البلاد ملـدة‬ ‫تصـل إلـى ‪ 90‬يو ًمـا‪ .‬كذلـك يشـمل العـدد اإلجمالـي عـدد اإليران ّيين الذيـن يأتـون إلـى‬ ‫تركيـا السـتخدام البلـد نقطـة عبـور‪.‬‬ ‫وعلـى الرغـم مـن أن عـدد املسـافرين األجانـب إلـى تركيـا قـد انخفـض بنسـبة ‪30‬‬

‫فــي املئـة فــي عـام ‪ 2016‬مقارنـة بالعـام السـابق‪ ،‬فـإن انخفـاض السـياح اإليران ّيين‬ ‫ً‬ ‫ضئيلا‪ ،‬بنسـبة ‪ 2.07‬فــي املئـة فقـط‪ .‬أمـا ينايـر ‪ 2017‬فقـد ارتفـع عـدد السـياح‬ ‫كان‬ ‫سـائحا فــي ينايـر‬ ‫سـائحا‪ ،‬فــي حين كان ‪92.260‬‬ ‫اإليران ّيين فــيه ليصـل إلـى ‪101.636‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ .2016‬وفـي حني سجلت تركيا انخفاضا سياح ًيا بنسبة كلية ‪ %9.81‬فـي يناير مبقارنة‬ ‫الشـهور على التوالي‪ ،‬كانت نسـبة السـياح اإليران ّيني إلى تركيا فــي ازدياد‪ .‬فــي املقابل‬ ‫فـإن عـدد السـياح األتـراك الذيـن يـزورون إيـران منخفـض جـ ًدا‪ ،‬ففــي عـام ‪ 2016‬بلـغ‬ ‫عـدد األتـراك الذيـن زاروا إيـران ‪ 244‬ألفًـا َو ْفقًـا ملعهـد اإلحصـاء التركـي (تركسـتات)‪،‬‬ ‫فــي حين وصـل العـدد إلـى ‪ 164‬ألـف سـائح فــي عـام ‪.)26(2015‬‬ ‫‪َّ 6.6‬‬ ‫ِّجـارة العالَ َّيـة واملشـكالت األخـرى‬ ‫منظمـة الت َ‬ ‫ومـن العقبـات األخـرى التـي تعتـرض ازدهـار الت َِّجـارة بين تركيـا وإيـران أن إيـران‬ ‫ليسـت عضـوا فــي َّ‬ ‫َ‬ ‫العال َّيـة بسـبب معارضـة الواليـات املتَّحـدة‪ .‬وتسـاعد‬ ‫منظمـة الت َِّجـارة‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫العال َّيـة علـى تعزيـز الت َِّجـارة وتقـ ِّدم آل َّيـة حـ ّل النزاعـات ذات صلـة‬ ‫منظمـة الت َِّجـارة‬ ‫بالت َِّجـارة بين األعضـاء ّ‬ ‫حلـل خالفاتهـم‪ .‬وكان عـدم وجـود مثـل هـذه اآلل َّيـة مثيـ ًرا للقلـق‬ ‫فــي العالقـات التجاريـة واالقتصاديـة الثنائيـة لسـنوات عديـدة‪ .‬وقـد أصبـح هـذا األمـر‬ ‫أكثـر أه ِّم َّيـة لتركيـا بسـبب أه ِّم َّيـة االتِّفاقيـة التـي تضـ ّم ‪ 164‬عضـ ًوا‪ ،‬املعروفـة باسـم‬ ‫"اتِّفاقية تسـهيل الت َِّجارة"‪ ،‬والتي دخلت ح ِّيز التنفــيذ رسـم ًيا فــي ‪ 22‬فبراير ‪.)27(2017‬‬ ‫وتعـزِّز الصفقـة حركـة البضائـع وتخليصهـا‪ ،‬مبـا فــي ذلـك البضائـع العابـرة‪.‬‬ ‫و َو ْفقًـا لتو ُّقعـات احلكومـة الترك َّيـة‪ ،‬فـإن اتِّفـاق َّ‬ ‫َ‬ ‫العال َّيـة قـد يو ِّفـر ‪20‬‬ ‫منظمـة الت َِّجـارة‬

‫مليـار دوالر إضافــية مـن عائـدات التصديـر‪ ،‬و‪ 40‬مليـار دوالر مـن ارتفـاع النـاجت احمللِّ ّـي‬ ‫اإلجمالـي فــي االقتصـاد التركـي‪ ،‬ناهيـك ِ‬ ‫صتهـا مـن خلـق فـرص العمـل لنحـو ‪20‬‬ ‫بح َّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪45‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫مليـون شـخص فــي املجمـل(‪ .)28‬وقـد ت ََّبين أن عديـ ًدا مـن القضايـا التـي عاجلهـا مجلـس‬ ‫التعـاون الفنـي يصعـب حلُّـه علـى املسـتوى الثنائـي مـع احلكومـة اإليران َّيـة‪ .‬ينطبـق ذلـك‬

‫خـاص علـى قطـاع النقـل وحركـة البضائـع عبـر اجلمـارك‪ .‬وقـد ق ّد َمـت تركيـا حتـى‬ ‫بوجـه‬ ‫ّ‬ ‫اآلن شـكاوى ضـ ّد ثالثـة شـركاء جتاريين‪ :‬مصـر وجنـوب إفريقيـا واملغـرب‪ ،‬باسـتخدام‬ ‫آل َّيـة تسـوية املنازعـات التابعـة َّ‬ ‫َ‬ ‫العال َّيـة‪.‬‬ ‫ملنظمـة الت َِّجـارة‬ ‫ومن العوائق الرئيسية األخرى أمام التجار واملستثمرين األتراك نظام سعر الصرف‬

‫املزدوج فـي إيران‪ ،‬مع وجود تباين بني أسعار السوق الرسم َّية وغير الرسم َّية‪ .‬وقد أ َّدت‬ ‫تَقلُّبـات العملـة فــي العالَـم إلـى صعوبـة إدارة هـذا النِّظـام املـزدوج للشـركات التـي تتعامـل‬ ‫أيضـا املضاعفـات املصرفــية والصعوبـات‬ ‫مـع إيـران‪ .‬ومبوجـب نظـام العقوبـات‪ ،‬كانـت ً‬

‫فــي جتهيـز املعاملات املاليـة تعرقـل العمليـات التجاريـة بين البلديـن لسـنوات عديـدة‪.‬‬

‫َ‬ ‫العال َّيـة‬ ‫وعلـى الرغـم مـن إعـادة ربـط عديـد مـن البنـوك اإليران َّيـة بشـبكة املعاملات‬ ‫(سـويفت) بعـد رفـع العقوبـات املفروضـة علـى طهـران‪ ،‬فإنـه ال يـزال يجـري اإلبلاغ عـن‬ ‫مشـكالت‪ .‬ولـم حتقّـق املبـادرات الترك َّيـة السـتخدام العملات احمللِّ َّيـة فــي الت َِّجـارة مـع‬

‫إيـران سـوى جنـاح محـدود‪.‬‬

‫كذلـك يشـ ِّكل غيـاب اتِّفاقيـة الت َِّجـارة ا ُ‬ ‫حلـ َّرة عثـرة أخـرى فــي الت َِّجـارة الثنائيـة بين‬ ‫تركيـا وإيـران‪ ،‬وقـد ُو ّق َعـت أخيـ ًرا اتِّفاقيـة الت َِّجـارة التفضيليـة‪ ،‬التـي جـرى التفـاوض عليهـا‬ ‫ملـدة عشـر سـنوات‪ ،‬فــي عـام ‪ ،)29(2014‬ومنـذ بـدأ سـريان االتِّفـاق فــي ينايـر ‪ 2015‬لـم‬ ‫حتقّـق النتائـج املتو َّقعـة خلفـض التعريفـات التـي ِّ‬ ‫يغطيهـا عـدد محـدود مـن السـلع‪َ .‬ت َّكـن‬

‫اإليران ُّيـون‪ ،‬املعروفـون مبهـارات التفـاوض والدهـاء‪ ،‬مـن حـ ّد التنـازالت التـي تَلَقَّتهـا تركيـا‬ ‫على السلع الصناعية إلى ‪ 125‬بن ًدا فقط‪ ،‬وبالنظر إلى أن الصادرات الترك َّية إلى إيران‬

‫تتألـف إلـى حـ ّد كبيـر مـن السـلع الصناعيـة‪ ،‬فقـد كانـت منطقـة الت َِّجـارة التفضيليـة تركـت‬ ‫جـز ًءا كبيـ ًرا مـن الت َِّجـارة خـارج نطـاق االتِّفـاق‪ .‬فــي الواقـع انخفضـت صـادرات اآلالت‬

‫إلـى إيـران‪ ،‬التـي بلغـت ‪ 475‬مليـون دوالر فــي عـام ‪ ،2014‬بنسـبة ‪ 11‬فــي املئـة فــي عـام‬ ‫‪ ،2015‬وقـد احتلـت تركيـا املرتبـة السادسـة مـن حيـث تصديـر اآلالت إلـى إيـران‪ ،‬ومـن‬

‫املقـرر أن تفقـد مزيـ ًدا مـن حصـة السـوق لصالـح جهـات أخـرى(‪.)30‬‬ ‫َّ‬ ‫‪46‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫علـى النقيـض مـن الصعوبـات املرتبطـة بدخـول السـوق اإليران َّيـة التـي ص َّنفَهـا البنـك‬

‫الدولي فــي املرتبة ‪ 120‬فــي عام ‪ 2016‬من حيث ّ‬ ‫التجاري (‪ 1‬هو أكثر البيئات‬ ‫مؤشره‬ ‫ّ‬

‫مالئمـة لألعمـال)‪ ،‬وجـد عديـد مـن الشـركات اإليران َّيـة أنـه مـن السـهل تأسـيس نفسـها‬ ‫فــي السـوق التركيـة التـي كانـت فــي املرتبـة ‪ 69‬فــي نفـس التصنيـف‪ .‬و َو ْفقًـا ِّ‬ ‫التـاد‬

‫الغرف والبورصات (توب)‪ ،‬أنشـأ اإليران ُّيون ‪ 298‬شـركة فــي تركيا فــي عام ‪،)31(2016‬‬ ‫لتصبـح ثانـي أكبـر دولـة مالكـة للشـركات األجنبيـة فــي تركيـا‪ .‬ولـم ي ُكـن مـن املسـتغ َرب‬

‫أن نـرى سـوريا البلـد الرائـد مبجـال األعمـال فــي تركيـا بالنظـر إلـى أن مـا يقـرب مـن ‪3‬‬

‫ماليين سـوري يعيشـون فــي تركيـا الجئين و ُمنحـوا حقو ًقـا لفتـح الشـركات‪.‬‬

‫وقـد بـدأت زيـادة عـدد الشـركات اململوكـة إليـران فــي تركيـا منـذ عـام ‪ ،2011‬إذ‬ ‫أنشـئت ‪ 590‬شـركة فــي عـام واحـد بزيـادة نسـبتها ‪ 41‬فــي املئـة مقارنـة بالعـام السـابق‪.‬‬

‫وبالنظـر إلـى أن إيـران ليسـت شـري ًكا جتار ًيـا رئيسـ ًيا لتركيـا‪ ،‬شـ ّكك بعـض املمثلين فــي‬

‫تركيـا فــي هـذه الزيـادة املفاجئـة مـن خلال تأكيـد أن بعـض هـذه الشـركات قـد يكـون‬ ‫وهم ًيـا لصالـح النِّظـام‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬وذلـك الختـراق األسـواق الثالثـة باسـتخدام تركيـا نقطـ َة‬ ‫ّ‬

‫ٍ‬ ‫انطالق‪ ،‬وكذلك االلتفاف على العقوبات املفروضة من األمم املتَّحدة والواليات املتَّحدة‬

‫ِّ‬ ‫األوروبـي علـى إيـران‪ .‬وفــي ِملَـف حتقيقـات الشـرطة فــي قضيـة‬ ‫واالتـاد‬ ‫األمريك َّيـة‬ ‫ّ‬ ‫جماعـة "تيفــيد سلام" اإلرهابيـة املدعومـة مـن إيـران‪ ،‬اكتشـف احملقّقـون أن فــيلق‬ ‫ً‬ ‫أعمـال جتاريـة فــي مختلـف‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬تنشـئ‬ ‫القـدس‪ ،‬الـذراع اخلارجيـة للحـرس الثـوري‬ ‫ّ‬

‫محافظـات تركيـا غطـا ًء لـزرع النشـطاء ومتويـل عملياتهـم‪.‬‬

‫وقد أ َّثر التنافس بني تركيا وإيران على العالقات االقتصادية والتجارية لتركيا فــي‬ ‫بخاصة أن إيران تتمتَّع فـي هذا الصدد بنفوذ كبير‪ ،‬فعلى سبيل املثال تشكو‬ ‫دول أخرى‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الشـركات الترك َّية وشـركات املقاوالت من احملسـوبية التي يعرضها املسـؤولون العراقيون‬ ‫علـى الشـركات اإليران َّيـة فــي عمليـات تقـدمي العطـاءات والعقـود‪ً ،‬‬ ‫بـدل مـن التنافـس‬ ‫علـى سـعر وجـودة الصناعـة بين األطـراف‪ ،‬واألسـباب اآليديولوجيـة وضعـت الشـركات‬

‫ٍ‬ ‫مؤات فــي ما يتعلق باملنافسين اإليران ّيني فــي السـوق العراقية‪.‬‬ ‫الترك َّية فــي وضع غير‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪47‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫اخلالصة‬ ‫إن احتمـال رؤيـة تطـ ُّور جـ ِّد ّي فــي العالقـات التجاريـة واالقتصاديـة بين تركيـا وإيـران‬ ‫ً‬ ‫احتمـال ضباب ًيـا بعـض الشـيء‪ ،‬مـا دام‬ ‫يتناسـب مـع حجـم اقتصاداتهـا وأسـواقها يبـدو‬ ‫املوجـه نحـو األمـن مـن القيـادة اإليران َّيـة يسـاعد علـى صياغـة السياسـات املتعلقـة‬ ‫النهـج‬ ‫َّ‬ ‫بتركيـا‪ .‬وتعتبـر طهـران السياسـات التجاريـة واالقتصاديـة امتـدا ًدا لنفوذهـا السياسـي‪،‬‬ ‫وال متتنـع عـن اسـتخدام هـذه الروابـط لتحقيـق أهدافهـا السياسـية‪ .‬وقـد أشـارت إيـران‬ ‫مـرا ًرا وتكـرا ًرا إلـى أنهـا سـتكون علـى اسـتعداد للتضحيـة بالعالقـات االقتصاديـة إلرسـال‬ ‫رسـالة سياسـية إلـى شـركائها‪.‬‬ ‫اإليرانـي مـن انتقـادات قـادة تركيـا املوجهـة إلـى‬ ‫فــي الواقـع‪ ،‬وتعبيـ ًرا عـن الغضـب‬ ‫ّ‬ ‫التركي‪-‬‬ ‫سياسات إيران فـي العراق وسوريا‪ ،‬ق َّر َرت إيران تأجيل منتدى األعمال‬ ‫اإليراني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذي كان من املق َّرر أن يُعقَد فـي ‪ 25‬فبراير فـي طهران بحضور وزراء تركيا وإيران(‪.)32‬‬ ‫إن التح ُّيـز والعـداء ضـد تركيـا ال يـزاالن متج ِّذ َريـن بعمـق فــي البيروقراطيـة اإليران َّيـة‪،‬‬ ‫وقد أبدت إيران ‪-‬وهي مجتمع متعدد األعراق‪ -‬مع عدد كبير من السكان األذربيجانيني‪-‬‬ ‫األتـراك شـكو ًكا فــي االنفتـاح علـى مبـادرات األعمـال الترك َّيـة‪ ،‬خو ًفـا مـن أن يُ ِ‬ ‫ضعـف نظـا َم‬ ‫املؤسسـة الرئاسـية‪ .‬وفــي الوقـت نفسـه تعـرف طهـران أنهـا ال تسـتطيع‬ ‫ويقـوض‬ ‫املاللـي ِّ‬ ‫َّ‬ ‫مـا يسـمح لعـدد محـدود فقـط مـن الشـركات الترك َّيـة‪،‬‬ ‫إغلاق جميـع األبـواب أمـام تركيـا‪َّ ِ ،‬‬ ‫بخاصـة الشـركات الصغيـرة واملتوسـطة احلجـم‪ ،‬بتنفــيذ أعمـال جتاريـة فــي السـوق‬ ‫َّ‬ ‫أيضـا أنهـا حتتـاج إلـى سـلع مصنَّعـة فــي تركيـا‪ ،‬وال سـيما اآلالت‬ ‫اإليران َّيـة‪ .‬وتـدرك إيـران ً‬ ‫اخلاصـة‪ ،‬كمـا يخرجهـا شـراء املـوا ّد مـن السـوق التركيـة مـن‬ ‫الالزمـة لدعـم صناعتهـا‬ ‫َّ‬ ‫ضائقـة الضغـوط دوليـة‪.‬‬ ‫لذلـك سـتبقى إيـران دائ ًمـا متـ ُّد ذراعيهـا‪ ،‬فــي محاولـة إلدارة العالقـات التجاريـة‬ ‫املؤسسـة اإليران َّيـة علـى حسـاب الشـعب‬ ‫اخلاصـة التـي سـتعود بالنفـع علـى‬ ‫بشـروطها‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اإليرانـي وعلـى حسـاب اقتصادهـا املعتمـد علـى ال ِّنفْـط‪ .‬باختصـار‪ ،‬مـا دامـت إيـران تعمـل‬ ‫ٍ‬ ‫عقالنـي مـع نهـج واقعـي فــي السياسـة‬ ‫كممثـل غيـر حكومـي وممثـل آيديولوجـي ال‬ ‫العـب‬ ‫ّ‬ ‫اإلقليميـة‪ ،‬فـإن تَ َو ُّقـع أن تكـون لتركيـا عالقـات اقتصاديـة وجتاريـة مـع إيـران علـى منـط‬ ‫منـو مسـتدام سـيكون إلـى حـ ّد كبيـر غيـر قابـل للتطبيـق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪48‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫العالقات االقتصادية الترك َّية الباهتة مع إيران‬

‫الهوامــش واملراجــع‬ (1) World Development Indicators Database, World Bank, (2017, February 1). Retrieved from https://goo.gl/aiby7x (2) Ödemeler Dengesi: Ocak 2017, Central Bank of Turkey (2017, January). Retrieved from https://goo.gl/KREyia (3) Petrol Piyasası Sektör Raporu / Aralık 2016 (2016, December) T.C. Enerji Piyasası Düzenleme Kurumu. Retrieved fromhttps://goo.gl/qy7urx (4) Turkey’s Iranian oil purchases fall by one-third in one month, (2013, February 23). Retrieved from https://goo.gl/niVThJ (5) Petrol Piyasası Sektör Raporu / Aralık 2016 (2016, December) T.C. Enerji Piyasası Düzenleme Kurumu. Retrieved from http://www.epdk.org.tr/TR/Dokumanlar/Petrol/YayinlarRaporlar/Aylik (6) Türkiye hangi ülkeden kaç liraya doğalgaz alıyor? (2013, March 31). Retrieved from https://goo.gl/8mO7fk (7) Doğalgazda indirim bilmecesi! (2016, February 2). Retrieved from https://goo.gl/dsXf8c (8) Iran to pay $1.9 billion to Turkey in gas dispute, reduce prices (2017, January 24). Retrieved from https://goo.gl/xP66Y5 (9) Turkcell sees risks in Iran GSM licence after bill (2005, February 15). Retrieved from https://goo.gl/2vwrxU (10) Announcement Regarding the Arbitration Case in Relation to the GSM License Tender in Iran (2014, October 16). Retrieved from https://goo.gl/VvlVwT (11) Turkcell Dismisses Suit Against MTN Over Iran License (2013, May 2). Retrieved from https://goo.gl/JDIVVJ (12) Turkcell withdraws U.S. lawsuit against MTN Group (2013, May 1). Retrieved from https://goo.gl/QxovVu (13) Turkcell’s consolidated financial statements (2015, December 31). Retrieved from https://goo.gl/93783q (14) Iran to compensate Turkey's TAV – report (2008, March 10). Retrieved from https://goo.gl/hfP3HC (15) New Tehran airport shut by army (2004, May 8) Retrieved from https://goo.gl/g0POix (16) Parliamentary question motion. (2004, May 31) Response by Abdullah Gül, Foreign Minister of Turkey. Retrieved from http://www2.tbmm.gov.tr/d22/7/7-2624c.pdf (17) Turkish government decides against TPAO investment in Iranian energy sector (2014, February 12). Retrieved from https://goo.gl/3iochG (18) Parliamentary question motion (2013, May 16) Response by Mehmet Mehdi Eker, Agriculture Minister of Turkey. Retrieved from http://www2.tbmm.gov.tr/d24/7/7-20976c.pdf (19) Gübrede Büyük Vurgun (2010, June 9). Retrieved from http://www.ortadogugazetesi.net/haber.php?id=16580 (20) Informality process of the company. Retrieved from http://www.razip.com/en/aboutus/informality (21) UND’den Türkiye-İran Krizine Çözüm Atağı (Basın Bülteni) | UND. (2014, October 17). Retrieved from https://und.web.tr/tr/16034/undden-turkiye-iran-krizine-cozum-atagi-basin-bulteni(22) İran'la "tır sorunu"nun çözümü nakliyecileri sevindirdi (2015, January 16). Retrieved from https://goo.gl/xI3yTb (23) İran Türkiye sınırındaki Gürbulak-Bazargan Gümrük Kapısı'nı kapadı (2015, August 12). Retrieved from https://goo.gl/5SfZY4 (24) Türkiye'nin yeni bir sınır kapısı olacak (2015, February 3). Retrieved from https://goo.gl/I1vHbN (25) Sınır Giriş-Çıkış İstatistikleri, Turkey’s culture and Tourism Ministry. Retrieved from https://goo.gl/Nrp80T (26) Gidilen Ülkelere Göre Yurt Dışına Giden Vatandaşlar, 2003-2016, TUİK. Retrieved from https://goo.gl/EyHuF1 (27) WTO members welcome entry into force of the Trade Facilitation Agreement (2017, February 27). Retrieved from https://www.wto.org/english/news_e/news17_e/fac_27feb17_e.htm (28) Deliberations at Turkey’s Parliamentary Commission for Industry, Trade, Energy, Natural Resources, Information and Technology (2015, December 23). Retrieved from https://www.tbmm.gov.tr/develop/owa/komisyon_tutanaklari.goruntule?pTutanakId=1395 (29) Türkiye-İran Tercihli Ticaret Anlaşması Metni, The Official Gazette of Turkey (2014, November 4). Retrieved from http://www.resmigazete.gov.tr/eskiler/2014/11/20141104-2-1.pdf (30) Ambargo Sonrası Iran Ekonomik ve Ticari Etki Analizi, DEIK & TİM, (2016, June). Retrieved fromhttps://goo.gl/E7fjrP (31) Kurulan/Kapanan Şirket İstatistikleri, TOBB, (2017, January 20). Retrieved fromhttps://goo.gl/EBTGGs (32) İran'daki iş toplantısına siyaset gölgesi (2017, February 22). Retrieved from https://goo.gl/iqwX44

49

2017 ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫مستقبل َح َراك األق ِّل َّيات‬ ‫والدي ِن َّية فـي إيران‬ ‫العرقية‬ ‫ِّ‬ ‫التحوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬ ‫فـي ظل‬ ‫ُّ‬

‫د‪.‬كرمي عبديان‬ ‫كاتب متخصص فـي قضايا إيران والشرق األوسط‬

‫الد ْو َلـة اإليران َّيـة املعاصـرة إلـى أوائـل القـرن السـادس عشـر‬ ‫يعـود شـكل َّ‬ ‫الصف َِو َّيـة‬ ‫امليلادي‪ ،‬حتد ًيـدا إلـى عـام ‪ ،1501‬وذلـك مـع تأسـيس َّ‬ ‫الد ْو َلـة َّ‬ ‫الد ْو َلـة فــي‬ ‫علـى يـد الشـاه إسـماعيل الصفـوي‪ .‬وفــي احلقيقـة لـم تكُ ـن َّ‬ ‫تلـك الفتـرة قائمـة علـى قوم َّيـة بعينهـا‪ ،‬بـل كانـت تتكـون مـن أقاليـم‬ ‫مختلفـة ومجموعـات عرقيـة غيـر متجانسـة ومسـتقلّ بعضهـا عـن بعـض‬ ‫وتعيـش دون أي ارتبـاط عضـوي(‪.)1‬‬ ‫باإلضافـة إلـى الشـعوب املختلفـة التـي كانـت تعيـش فــي هـذه املنطقـة‬ ‫كانـت هنـاك ديانـات مختلفـة مثـل املانويـة واملزدكيـة وامليترائيـة‬ ‫والزرادشـتية قبـل اإلسلام‪ ،‬بقيـت تعيـش فــي هـذه املنطقـة حتـى بعـد‬ ‫الفتـح اإلسلامي وهزميـة الساسـانيني علـى يـد املسـلمني العـرب فــي‬ ‫معركـة القادسـية(‪.)2‬‬ ‫والد ِين َّيـة‬ ‫لقـد كانـت هـذه األقـوام والشـعوب مبكوناتهـا العرقيـة واللغويـة ِّ‬ ‫والثقافــية مجموعـات غيـر متجانسـة ولـم يكُ ـن بينهـا فــي أي مرحلـة‬ ‫حتـى مـا قبـل ظهـور الصفويين أي انسـجام‪ ،‬ال مـن الناحيـة التاريخيـة‪،‬‬ ‫وال مـن الناحيـة السياسـية(‪.)4(-)3‬‬

‫‪50‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫تركيبة الشعوب فـي إيران خالل التاريخ احلديث واملعاصر‬ ‫اتس َمتَا‬ ‫شهِ َدت إيران على مدار تاريخها احلديث واملعاصر املمت ّد خلمسة قرون ِح ْق َبتَني َ‬ ‫الع ِ‬ ‫مبحاولة إذابة ِ‬ ‫اإليراني داخل العرقية الفارسـية‪ ،‬هما‬ ‫رقيات والقوميات املشـكلة للشـعب‬ ‫ّ‬ ‫ِحقْبة الد ْولَة الصفَوِ ية (‪ِ )1736-1501‬‬ ‫وحقْبة الد ْولَة ال َب ْهلَوِ ية (‪.)1979-1925‬‬ ‫الصف َِو َّية‬ ‫فـي عهد َّ‬ ‫الد ْولَة َّ‬

‫الصفَوِ يُّـون أسـلوب مشـاركة األقلِّ َّيـات أو ِ‬ ‫الع ْر ِق َّيـات املختلفـة فــي نظـام احلكم‪،‬‬ ‫لـم يعـرف َّ‬ ‫ولـم يسـتثنوا مـن اضطهادهـم حتـى ِّ‬ ‫الشـي َعة اآلخريـن كاملشعشـعني العـرب الذيـن كانـوا‬ ‫الصفَوِ يُّون عليه تسـمية «عربسـتان»‪،‬‬ ‫يحكمـون فــي احلويـزة فــي إقليـم األحـواز الـذي أطلـق َّ‬ ‫ومارسـوا ض ّدهـم القتـل اجلماعـي‪ِ ،‬‬ ‫ومـن ثَـ َّم اسـتطاعوا أن يسـيطروا علـى مناطـق واسـعة‬ ‫متتـد مـن بلاد مـا بين النهريـن حتـى اخلليـج العربـي فــي اجلنـوب وإلـى الهنـد شـر ًقا‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫الد ْولَة ال َب ْه َل ِو َّية‬ ‫فـي عهد َّ‬ ‫بعـد االنقلاب العسـكري الـذي نفّـذه رضـا بهلـوي وقضائـه علـى جترِ بـة احلركـة‬ ‫الدسـتورية‪ ،‬أنهـى نظـا َم األقاليـم والواليـات الـذي كان سـائ ًدا لعـدة قـرون فــي البلاد‪ ،‬ومعهـا‬ ‫بـدأت مشـكلة القوم َّيـات فــي إيـران‪.‬‬

‫كان رضـا شـاه يسـعى للقضـاء علـى هـذه القوم َّيـات وتوحيـد إيـران بـأي ثمـن وبـكل مـا‬ ‫يسـتطيع مـن قـوة وبالسـرعة املمكنـة‪ ،‬فاعتمـد فــي فـرض حكمـه وتثبيـت سـلطته علـى ثلاث‬ ‫ومؤسسـة اجلهـاز البيروقراطـي‬ ‫مؤسسـة اجليـش‬ ‫َّ‬ ‫مؤسسـات رئيسـية‪ ،‬هـي علـى التوالـي‪َّ :‬‬ ‫َّ‬ ‫املؤسسـات الثلاث بـدأ رضـا خـان بتنفــيذ‬ ‫للدولـة‬ ‫ومؤسسـة النِّظـام امللكـي‪ .‬ومـن خلال هـذه َّ‬ ‫َّ‬ ‫برنامـج طمـوح فــي املجـاالت االقتصاديـة واالجتماعيـة والثقافــية‪ ،‬مبـا يتماشـى مـع الطـرح‬ ‫الـذي كان يحلـم بـه ِّ‬ ‫املنظـرون القوميـون العنصريـون الفـرس آنـذاك(‪.)5‬‬ ‫شـهدت املرحلـة الواقعـة بين ‪ 1941‬و‪ 1946‬ثالثـة أحـداث رئيسـية ها َّمـة‪ ،‬هـي قيـام‬ ‫حكومـة أذربيجـان الوطنيـة أو «جمهوريـة أذربيجـان ذات احلكـم الذاتـي»‪ ،‬وقيـام حكومـة‬ ‫كردسـتان الوطنيـة أو «جمهوريـة مهابـاد»‪ ،‬ومطالبـة العـرب فــي عربسـتان باحلكـم الذاتـي‪.‬‬ ‫أوضاع القوم َّيات فـي عهد الشاه رضا بهلوي وابنه من ‪ 1925‬حتى ‪1979‬‬ ‫بدأ حكم الشـاه رضا بهلوي بتنفــيذ مشـروع القوميني الفرس املتطرفـين بتبنِّي مشـروع‬ ‫الد ْولَة األُ َّمة فــي أوروبا فــي القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫الد ْولَة األ ُ َّمة‪ ،‬وهو نسخة مش َّوهة ملشروع َّ‬ ‫َّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪51‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫ألنـه خلـق كيانـا سياسـ ًيا جديـ ًدا و ُهوِ َّيـة جديـدة لهـذا الكيـان‪ ،‬بعيـدة كل البعـد عـن الوضـع‬ ‫الـذي كان قائمـا قبـل انقالبـه‪.‬‬ ‫متناقضـا متا ًمـا مـع املشـروع‬ ‫الد ْولَـة األ ُ َّمـة الـذي تَبَنَّـاه البهلـوي‬ ‫األوروبـي‬ ‫ً‬ ‫وكان مشـروع َّ‬ ‫ّ‬

‫الـذي شـكلت الدميقراطيـة أساسـه‪ ،‬إذ قـام نظـام الشـاه علـى مجموعـة مـن القـرارات‬ ‫َضمنَت تعديل بعض بنود الدسـتور الذي كان حصيلة احلركة الدسـتورية (ثورة املشـروطة)‬ ‫ت َّ‬ ‫وتعطيـل بعضهـا اآلخـر‪.‬‬ ‫مهمـة البرملـان فــي‬ ‫وانتهـى أمـده إلـى إفـراغ الدسـتور مـن محتـواه األساسـي‪ ،‬وانحصـرت َّ‬ ‫التصديـق علـى القـرارات التـي يُ ِ‬ ‫صدرهـا النِّظـام متهيـ ًدا لقيـام دولـة مركزيـة قويـة قائمـة‬ ‫علـى االسـتبداد‪.‬‬ ‫نظرية العرق اآلري‬ ‫الفارسـي» على فرضيـة تاريخية‬ ‫اإليرانـي «‬ ‫التعصـب القومـي والثقافــي‬ ‫لقـد ُوضعـت نظريـة‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خاطئـة‪َ ،‬مفَا ُدهـا إن احلضـارة فــي األراضـي اإليران َّية هـي من إبداعات اآلريني دون سـواهم‪،‬‬ ‫باإلضافـة إلـى تأكيدهـا وحـدة الـدم والعـرق‪ .‬وهـذه النظريـة تسـتثني العـرب واألتـراك فــي‬ ‫إيـران ألنهـم غيـر آريني‪ ،‬فــي حني تعتبـر األكراد والبلوش من الشـعب اآلري‪ ،‬وتؤ ّكد الشـواهد‬ ‫طب ًعـا أنـه لـم يُعثـر فــي األوابـد التاريخية علـى أي أثر لهـذا املصطلح مبعنـاه العرقي(‪.)6‬‬ ‫ضد القوم َّيات‬ ‫دستور ّ‬

‫فح ِذفَت األسماء‬ ‫فــي ‪ 10‬أكتوبر ‪ 1937‬أ ُ ِعي َد النظر فــي التقسيمات اإلدارية من جديد‪ُ ،‬‬ ‫التاريخيـة القدميـة لألقاليـم اإليران َّيـة مـن اخلارطـة القدميـة و ُق ّسـمت إيـران مبوجـب هـذا‬ ‫القانـون إلـى سـت محافظـات‪ ،‬الشـمالية الغربيـة‪ ،‬والغربيـة‪ ،‬والشـمالية‪ ،‬واجلنوبيـة‪ ،‬ومكران‪،‬‬ ‫والشمال الشرقي‪ ،‬وفـي ديسمبر من نفس العام أعيد النظر فـي هذه التقسيمات التي َّ‬ ‫متت‬ ‫على أساس اجلهات اجلغرافــية‪ ،‬و ُق ّسمت البالد إلى ‪ 10‬محافظات و‪ 49‬قضا ًء و‪ 29‬ناحية‪.‬‬ ‫تعامل نظام اجلمهورية اإلسالمية مع القوم َّيات‬

‫شـاركت القوم َّيـات غيـر الفارسـ َّية بفاعل َّيـة فــي ثـورة الشـعوب اإليران َّيـة ضـ ّد نظام الشـاه‬ ‫التـي انتهـت بسـقوطه فــي عـام ‪ ،1979‬وعقـدت هـذه القوم َّيـات آمالهـا علـى أن تنـال حقوقها‬ ‫فــي ظـ ّل نظـام جديـد ينـادي بقيـم اإلسلام املبن َّيـة علـى العـدل واملسـاواة واحلقـوق لـكل‬ ‫َـض النظـر عـن عرقهـم أو انتمائهـم أو أصلهـم‪.‬‬ ‫الشـعوب بغ ِّ‬ ‫‪52‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫شن نظام اجلمهورية اإلسالمية الناشئ حملة قمع واسعة‬ ‫لكن ما حصل هو العكس‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ضـ ّد عـرب األحـواز املنتفضين فــي احملمـرة‪ ،‬والتركمـان فــي تركمـن صحـراء‪ ،‬واألكـراد فــي‬ ‫غربـي إيـران‪ ،‬و َر ّد علـى مطالبهـم باحلكـم الذاتـي واحلقـوق املتسـاوية باإلعدامات اجلماعية‬ ‫ّ‬ ‫للقـادة التركمـان وفتـح النـار علـى املتظاهريـن فــي احملمـرة واجتيـاح عسـكري لكردسـتان‬ ‫ومؤسـس اجلمهوريـة اإلسلامية‪.‬‬ ‫بفتـوى جهـاد مـن اخلمينـي قائـد ال َّثـورة‬ ‫ِّ‬ ‫وخلال السـنوات األخيـرة أعـادت االحتجاجـات املسـتمرة فــي إقليـم أذربيجـان شـمال غرب‬ ‫الرسـمي القوم َّيـة التركية‪ ،‬قضي َة القوم َّيات فــي إيران إلى‬ ‫إيـران‪ ،‬للتنديـد بإهانـة التليفزيون‬ ‫ّ‬ ‫الواجهة‪ ،‬وهكذا كانت انتفاضة العرب فـي ‪ 15‬أبريل ‪ 2005‬ض ّد ما ُعرف بـ«وثيقة أبطحي»‪،‬‬ ‫معـاون محمـد خامتـي‪ ،‬الهادفـة إلـى تغييـر النسـيج السـكاني للشـعب العربـي األحـوازي‪ ،‬إذ‬ ‫تتصاعـد مطالـب هـذه الشـعوب التـي تشـ ِّكل أكثـر من نصف سـكان البلاد وتنـذر بعواقب قد‬ ‫تصـل إلـى تَفَـ ُّكك البلاد فــي حـال عدم منـح احلقوق األساسـية لهـذه القوم َّيـات(‪.)7‬‬

‫واسـتمر نظـام اجلمهوريـة اإلسلامية علـى نهـج نظـام الشـاه رضا بهلـوي وابنه‪ ،‬فأضاف‬ ‫الد ْولَـة الفارسـ َّية‪ِ ،‬‬ ‫ومـن ثَـ َّم هيمنـت الطغمـة احلاكمـة‬ ‫هـذا النِّظـام شـرط التشـ ُّيع إلـى ُهوِ َّيـة َّ‬ ‫السـلْطة فــي إيـران‪،‬‬ ‫التـي تؤمـن بآيديولوجيـا « ملي‪-‬مذهبـي» أي «قومي‪-‬دينـي» علـى ُّ‬ ‫الفارسـية مـن أبسـط حقوقهـا‪ ،‬ومـا زالـوا‬ ‫وحرمـت األقلِّ َّيـات ال ِّدي ِن َّيـة والقوم َّيـات غيـر‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫مع َّرضين لإلدمـاج القسـري واالنصهـار وذوبـان هويتهـم‪.‬‬

‫نظرة أمنية جتاه قضايا القوم َّيات‬

‫ً‬ ‫حلـول قمعية‬ ‫الد ْولَـة املركزيـة إلـى مطالـب القوم َّيـات برؤية أمنية ض ِّيقـة‪ ،‬تقترح غال ًبا‬ ‫تنظـر َّ‬ ‫لتحـركات أبنـاء هـذه الشـعوب‪ .‬ويقـول احملامـي حسين رئيسـي إن األجـواء املتأثـرة بالنظـرة‬ ‫األمنيـة واملقرونـة بالقمـع الشـديد الـذي شـمل جميـع نشـطاء القوم َّيـات اإلثنيـة وال ِّدي ِن َّيـة‬ ‫جعلـت «احليـاة اليوميـة» لهـذه األقلِّ َّيـات تواجـه عديـ ًدا مـن املشـكالت والصعـاب‪ ،‬ويؤ ّكـد أن‬ ‫«التمييـز غيـر املبـ َّرر ضـ ّد األقلِّ َّيـات‪ ،‬وبدعـم مـن الدسـتور وعبـر القوانين يُنَفَّـذ فــي عمـوم‬ ‫مـا أ َّدى إلـى تكريـس ثقافـة التمييـز والعنـف ضـ ّد جميـع القوم َّيـات فــي إيـران»(‪.)8‬‬ ‫إيـران‪َّ ِ ،‬‬ ‫ضد األق ِّل َّيات فـي الدستور‬ ‫التمييز ّ‬ ‫التمييـز ضـ ّد األقلِّ َّيـات ال ِّدي ِن َّيـة والقوم َّيـة يبـدأ مـن دسـتور اجلمهوريـة اإلسلامية‪ ،‬إذ يقـول‬ ‫اإليرانـي حسين رئيسـي‪ ،‬املدافـع عـن حقـوق اإلنسـان‪ ،‬إن املـا َّدة ‪ 107‬مـن الدسـتور‬ ‫احملامـي‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪53‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫تنـص صراحـ ًة علـى منـع أي شـخص مـن أتبـاع الديانـات واملذاهـب األخـرى‪ ،‬مبـن فــيهم‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫الترشـح ملنصـب القائـد أو لعضويـة فــي مجلـس اخلبـراء فــي إيران‪ ،‬وهـذه املا َّدة‬ ‫الس َّـنة‪ ،‬مـن‬ ‫ُّ‬ ‫تيـز فقـط لعـدد قليـل من رجال الدين ِّ‬ ‫ُِ‬ ‫خاصة التمتُّع بهـذا احلقّ ‪ .‬كما‬ ‫الشـي َعة وفــي ظـروف َّ‬ ‫يُحـ َرم باقـي األقلِّ َّيـات ال ِّدي ِن َّيـة واملذهبيـة مـن تَبَـ ُّوؤ جميـع املناصـب السياسـية والقضائ َّيـة‬ ‫والرئاسـية‪ ،‬علـى سـبيل املثـال أن يكـون رئيـس اجلمهوريـة مـن بني الرجـال ِّ‬ ‫الشـي َعة املتدينني‬ ‫نصـت الفقـرة ‪ 5‬مـن املـا َّدة ‪ 115‬علـى يكـون رئيـس اجلمهوريـة مؤمنًـا‬ ‫السياسـيني‪ ،‬إذ َّ‬ ‫الرسـمي (الشـيعي) للبلاد‪ .‬كمـا ورد‬ ‫ومعتقـ ًدا مببـادئ جمهوريـة إيـران اإلسلامية واملذهـب‬ ‫ّ‬ ‫اخلـاص برئيـس اجلمهوريـة‬ ‫فــي قسـم مـن املـا َّدة ‪ 121‬مـن الدسـتور املتعلقـة بـأداء القسـم‬ ‫ّ‬ ‫الرسـمي» فقـط(‪.)9‬‬ ‫اإلسلامية «كونـه حام ًيـا للمذهـب‬ ‫ّ‬ ‫أمـا تكريـس التمييـز ضـ ّد األقلِّ َّيـات القوم َّيـة فــي الدسـتور فــيتم َّثل فــي احلرمـان مـن اللُّغـة‬ ‫األم فــي املـدارس واجلامعـات والنشـر واإلعلام‪ ،‬كمـا أن مـن نتائـج سـيطرة اللغـة الفارسـ َّية‬ ‫أيضـا تدمير واضمحلال اآلداب والثقافة واملوسـيقي لهذه‬ ‫وعـدم االهتمـام باللغـات احمللِّ َّيـة ً‬ ‫القوم َّيات(‪.)10‬‬ ‫مستقبل َح َراك األق ِّل َّيات فـي إيران‬ ‫رغـم أن إيـران تُ َعـ ّد مـن بين أكثـر بلـدان الشـرق األوسـط مـن حيـث التنـ ُّوع القومـي‪ ،‬فـإن‬ ‫بخاصـة مـن‬ ‫َعم َـدت إخفـاء هـذه احلقيقـة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫احلكومـات اإليران َّيـة املتعاقبـة علـى احلكـم ت َّ‬ ‫خلال جهـاز اسـتخبارات نظـام الشـاه «السـافاك» الـذي عمـل كثيـ ًرا علـى سياسـة التعتيـم‬ ‫العنصـري يحـاول هـو اآلخـر إنـكار هـذه احلقيقـة‪،‬‬ ‫هـذه(‪ ،)11‬كمـا أن الت َّيـار القومـي‬ ‫الفارسـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أي دراسـة ِج ِّديـة حـول القوم َّيـات فــي إيـران(‪.)12‬‬ ‫لـذا لـم يق ِّدمـوا َّ‬ ‫إال أنـه مـع تنامـي ال َّثـورة املعلوماتيـة والعوملـة وارتقـاء الوعـي القومـي اليوم لدى الشـعوب‬ ‫غيـر الفارسـ َّية امله َّمشـة واملُب َعـدة مـن املشـاركة فــي اتخـاذ القـرار السياسـي أصبـح إخفـاء‬ ‫ً‬ ‫مسـتحيل‪.‬‬ ‫َحـ َراك هـذه القوم َّيـات واألقلِّ َّيـات أمـ ًرا‬

‫أمـا احلقيقـة األخـرى فــي هـذا الصـدد فهـي أنـه بعـد ‪ 38‬عا ًمـا مـن عمـر اجلمهوريـة‬ ‫اإلسلامية وجهـود املعارضـة مـن أجـل إسـقاط نظـام واليـة الفقيـه‪ ،‬ثبـت أن إسـقاط هـذا‬ ‫النِّظـام وتغييـره ال ميكـن حتقيقـه دون مشـاركة جميـع مك ِّونـات املجتمـع‪ ،‬وعلـى رأسـها‬ ‫القوم َّيـات واألقلِّ َّيـات املضط َهـدة‪ ،‬وأن أ ًيـا مـن هـذه الشـعوب فــي إيـران ال يسـتطيع تغييـر‬ ‫النِّظـام مبفـرده مهمـا امتلـك مـن إمكانيـات(‪.)13‬‬ ‫‪54‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫وتَ َب َّين لنـا خلال ‪ 38‬عا ًمـا أن جميـع محـاوالت املعارضـة فــي تغييـر النِّظـام فشـلت‪ ،‬وهنا‬ ‫ال بـد لنـا مـن ذكـر منوذجين من هـذه احملاوالت‪:‬‬

‫أول‪ :‬عمل َّيـات مـا يُعـ َرف بـ«فـروغ جاويـدان» أي «الضيـاء اخلالـد»‪ ،‬وهـي معركة ّ‬ ‫ً‬ ‫خط َطت‬ ‫منظمـة «مجاهـدي خلـق» عـام ‪ ،1988‬وقـد بـدأت بهجـوم واسـع شـنّته َّ‬ ‫لهـا َّ‬ ‫املنظمـة عبـر‬ ‫احلـدود الغربيـة مـع العـراق‪ ،‬ورغـم الضعـف الشـديد الـذي كان يعانـي منـه اجليـش‬ ‫اإليرانـي آنـذاك نتيجـة احلـرب مـع العـراق‪ ،‬التـي دامـت ‪ 8‬سـنوات‪ ،‬فإنـه بعـد عـدة أيـام مـن‬ ‫ّ‬ ‫املعـارك خسـر «مجاهـدو خلـق» املعركـة و ُقتـل منهـم كثيـر وفشـلت اخلطـة‪.‬‬ ‫ثانيـا‪ :‬انتفاضـة حزيـران اجلماهيريـة عـام ‪ 2009‬التـي ُعرفـت فــي حينهـا بـ«احلركـة‬ ‫ً‬ ‫اخلضـراء»‪ ،‬والتـي اشـترك فــيها أكثـر مـن ‪ 3‬ماليين مواطـن فــي طهـران‪ ،‬والتـي انتهـت هي‬ ‫األخـرى بالفشـل‪.‬‬ ‫وعلـى الرغـم مـن كل التضحيـات والشـجاعة التـي أبداهـا مقاتلـو «مجاهـدي خلـق»‪ ،‬أو‬ ‫منتفضـو «احلركـة اخلضـراء»‪ ،‬فإنهـم لـم يشـيروا فــي حتليالتهم إلى أسـباب فشـل مشـروع‬ ‫إسـقاط النِّظـام أو تغييـره إلـى أن السـبب الرئيسـي ‪-‬مـن وجهـة نظـري‪ -‬الـذي أ َّدى إلـى فشـل‬ ‫احملاولتين‪ ،‬هـو عـدم مشـاركة الشـعوب غيـر الفارسـ َّية بصـورة َّ‬ ‫منظمـة وف َّعالـة فــي هذيـن‬ ‫احلادثين‪ ،‬فلـم يكتـرث قـادة احلركتين بـدور الشـعوب واتِّسـاع رقعة املواجهة مـع النِّظام إلى‬ ‫األقاليـم التـي تقطنهـا القوم َّيـات‪.‬‬

‫إن عـدم اتِّسـاع رقعـة االنتفاضـة اخلضـراء ومتركزهـا فــي العاصمـة طهـران‪ ،‬سـمح‬ ‫للنظـام بـأن يج ِّمـع قـواه وأن ينتصـر عليهـا‪ ،‬وكذلـك حـدث مع «مجاهدي خلـق» إذ ركزوا على‬ ‫َ‬ ‫املضطهـدة فــي ا َ‬ ‫حلـ َراك ضـ ّد النِّظـام‪ .‬وعليـه نـرى أن‬ ‫قواهـم الذاتيـة ولـم يُشـرِ كوا القوم َّيـات‬ ‫الطريق الوحيد النتصار أي حركة فــي املسـتقبل يتم بالضرورة عبر التنسـيق العا ّم وإعالن‬ ‫العصيـان املدنـي فــي املـدن الكبـرى مثـل طهـران وتبريـز‪ ،‬مـع أقاليـم القوم َّيـات التـي تشـهد‬ ‫َح َرا ًكا واسـ ًعا مثل إقليم كردسـتان وعربسـتان (األحواز) وبلوشسـتان وإقليم تركمن صحراء‪.‬‬ ‫إن تزامـن التحـ ُّرك مـن شـأنه أن يضعـف النِّظـام بشـدة ويجبـره علـى توزيـع قـواه وإرسـالها‬ ‫إلـى هـذه املناطـق‪ ،‬وسـوف يـؤ ِّدي هذا األمر إلى تشـتت قـواه ويضعفه إلى أبعد احلـدود‪ ،‬وإن‬ ‫قـوى النِّظـام احلال َّيـة لـن يكـون مبقدورهـا إطال ًقـا أن تنتشـر فــي هذه املسـاحات الشاسـعة‪،‬‬ ‫وإن جتـارِ ب نهـوض الشـعوب فــي ِّ‬ ‫االتـاد السوفــييتي السـابق خليـر دليـل على ذلـك(‪.)15(-)14‬‬ ‫َّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪55‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫مستقبل َح َراك القوم َّيات كقُ َّوة تغيير‬ ‫وتوسـع‬ ‫يُعتبـر َحـ َراك القوم َّيـات إحـدى أهـم قـوى التغييـر فــي إيـران‪ ،‬نظـ ًرا إلـى اتِّسـاعه‬ ‫ُّ‬ ‫ضيَـا‪ .‬وتأتـي هـذه القُـ َّوة ال مـن العمليـات‬ ‫نشـاطه‪،‬‬ ‫بخاصـة خلال نحـو عقـد ونصـف َم َ‬ ‫َّ‬ ‫العسـكرية احملـدودة التـي ين ِّفذهـا بعـض تنظيمـات القوم َّيـات‪ ،‬بـل مـن القُـ َّوة الناعمـة‬ ‫تتحـدى القمـع واالضطهاد‪ .‬وبدأ هـذا ا َ‬ ‫وا َ‬ ‫حل َراك‬ ‫القـوي علـى األرض‪ ،‬التـي‬ ‫حل َـراك‬ ‫الشـعبي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يشـبه ‪-‬إلـى حـ ّد كبيـر‪ -‬مـا حـدث فــي دول أوروبـا الشـرقية مـن ثـورات ُمخ َمل َّية ضـ ّد األنظمة‬ ‫القمعيـة(‪.)16‬‬ ‫بخاصـة فــي‬ ‫اإليرانـي فــي احملافـل الدول َّيـة‪،‬‬ ‫مـن أدوات القُـ َّوة الناعمـة مقارعـة النِّظـام‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ِمل َ ّ‬ ‫اإليرانـي فــي احملافـل الدول َّيـة‪،‬‬ ‫ـف حقـوق اإلنسـان‪ ،‬الـذي يشـكل «كعـب أخيـل» للنظـام‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫سـجل أسـود فــي االنتهـاكات ضـ ّد مختلـف مكونـات الشـعب‬ ‫ألن للنظـام‬ ‫اإليرانـي‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مـن الشـعوب غيـر الفارسـ َّية أو األقلِّ َّيـات العرقيـة وال ِّدي ِن َّيـة‪ ،‬وهـو ِمل َ ّ‬ ‫ـف مطـروح بقـوة علـى‬ ‫أجنـدة األمم املتَّحـدة ومجلـس حقـوق اإلنسـان‪.‬‬

‫هـذه االنتهـاكات مو َّثقـة لـدى َّ‬ ‫اإليرانـي وحلفـاءه ولوبياتـه‬ ‫املنظمـة الدول َّيـة‪ ،‬لكـن النشـاط‬ ‫ّ‬ ‫والذكـي مـن جهـة‪ ،‬وغيـاب التحـ ُّرك العربـي مـن جهـة أخـرى‪ ،‬حـاال دون‬ ‫ونشـاطهم احلثيـث‬ ‫ّ‬ ‫إرسـال ا ِملل َ ّ‬ ‫ـف إلـى مجلـس األمـن رغـم صـدور قـرارات إدانـة أمم َّيـة عديـدة ضـ ّد إيـران(‪.)17‬‬ ‫علـى سـبيل املثـال ميكـن طـرح قض َّيـة التطهيـر العرقـي ضـ ّد الشـعب العربـي األحـوازي‬ ‫أعـده مـا يُ َس َّـمى «جلنـة حقوق اإلنسـان‬ ‫واالسـتناد إلـى كثيـر مـن األد َّلـة‪ ،‬منهـا التقريـر الـذي َّ‬ ‫السـلْطة القضائ َّيـة اإليران َّيـة» حـول القوم َّيـات واألقلِّ َّيـات‪ ،‬الـذي حـذف اسـم عـرب‬ ‫فــي ُّ‬ ‫األحـواز عندمـا وز َ​َّعتـه بعثـة إيـران فــي األمم املتَّحـدة فــي أعمـال الـدورة التاسـعة للمنتـدى‬ ‫املعنـي بقضايـا األقلِّ َّيـات بـاألمم املتَّحـدة الـذي ُع ِق َـد يومـي ‪ 24‬و‪ 25‬نوفمبـر ‪ 2016‬فــي مقـ ّر‬ ‫مجلـس حقـوق اإلنسـان بجنيـف(‪.)18‬‬ ‫َح َراك القوم َّيات واملعارضة اإليران َّية‬

‫عظـم قـوى املعارضـة اإليران َّيـة يتجاهـل َحـ َراك القوم َّيـات وأن ُم َ‬ ‫ال يـزال ُم َ‬ ‫عظمهـا لـم‬ ‫ِ‬ ‫ترسـبات اخلطـاب املعـادي للقوم َّيـات‪.‬‬ ‫يسـتطع أن يتخلـص مـن ُّ‬

‫وعلـى الرغـم مـن أن مشـاركة القـوى الفارسـ َّية التـي تناضـل مـن أجـل تغييـر النِّظـام‬ ‫الديكتاتـوري أمـر مصيـري لكـن نقطـة الضعـف األساسـية لهـذه القوى تكمن فــي انقسـامها‬ ‫‪56‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫وتَشـتُّتها وعـدم انسـجامها مـن جهـة‪ ،‬وعـدم ثقـة قسـم كبيـر منهـا بحـركات الشـعوب غيـر‬ ‫الفارسـ َّية وعزوفهـا الدخـول فــي حتالـف معهـا مـن أجـل إيجـاد ائتلاف شـامل‪ ،‬مـن جهـة‬ ‫أخـرى‪ ،‬باإلضافـة إلـى تَ َدخُّ ـل نظـام املاللـي وشـراء ِذ َم كثيـر مـن ت َّيـارات املعارضـة ألسـباب‬ ‫ما ِّديـة وعق َِد َّيـة‪.‬‬ ‫أما َح َراك القوم َّيات نفسها‪ ،‬فعلى الرغم من أنه فــي تصاعد مستم ّر كما أسلفنا‪ ،‬فإنه‬ ‫بخاصـة فــي مـا يتعلـق مبوضوعـات طـرح‬ ‫فــي نفـس الوقـت يعانـي بعـض نقـاط الضعـف‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫املطالـب املرحليـة حـول حـقّ تقريـر املصيـر‪ ،‬إذ تنقسـم احلركات القوم َّية فــي االسـتراتيجية‬ ‫والتكتيـكات حـول حتقيـق املطالـب واسـترجاع احلقـوق املنتهكـة بين دعايـة االنفصـال‬ ‫وتشـكيل دول مسـتقلة‪ ،‬ومـن يـ َر ْون وجـوب قيـام حكـم ال مركـزي فــيدرالي علـى أنقاض نظام‬ ‫حـق تقريـر املصيـر‪.‬‬ ‫املاللـي‪ ،‬مي ِّكنهـم مـن ممارسـة ّ‬ ‫وبإلقـاء نظـرة علـى واقـع احلـركات القوم َّيـة ميكـن أن ُن ِمـل نقـاط الضعـف والقُـ َّوة لـدى‬ ‫مختلف ت َّيارات الشـعوب غير الفارسـ َّية فــي ما يلي‪:‬‬

‫األذريـون)‪ :‬تكمـن قوتهـم فــي كثـرة عـدد سـكانهم ألنهـم أكبـر‬ ‫‪ -1‬األتـراك األذربيجانيـون (‬ ‫ُّ‬ ‫قوم َّيـة فــي إيـران‪ ،‬باإلضافـة إلـى سـيطرتهم علـى «البـازار»‪ ،‬أي اقتصـاد السـوق‪ ،‬ونفوذهـم‬ ‫الد ْولَـة‪ ،‬كمـا لديهـم فئـة مثقفـة واسـعة وجترِ بـة‬ ‫فــي اجليـش واحلـرس الثـوري‬ ‫ومؤسسـات َّ‬ ‫َّ‬ ‫نضاليـة تاريخيـة طويلـة منـذ احلركـة الدسـتورية(‪ )19‬حتـى الوقـت الراهـن‪.‬‬ ‫إال أن نقـاط ضعـف األتـراك فــي إيـران تكمـن فــي فقدانهـم تنظيمـات قوم َّيـة قويـة‬ ‫قياسـا بالشـعوب‬ ‫وتشـتت صفوفهـم وعـدم وجـود قيـادة سياسـية منسـجمة لديهـم‪ .‬كمـا أنهم ً‬ ‫واالقتصـادي‬ ‫النسـبي‪ .‬ومبـا أن كثيـ ًرا‬ ‫نوعـا مـن الرفـاه‬ ‫املعيشـي‬ ‫ّ‬ ‫اإليران َّيـة األخـرى يعيشـون ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منهـم يسـيطر علـى اقتصـاد السـوق‪ ،‬فـإن خوفهـم مـن ِفقْـدان هـذه االمتيـازات تدفعهـم إلـى‬ ‫الس ْـلطة والثروة‪ .‬كما‬ ‫عدم التفكير أو طرح مطلب االنفصال أو االسـتقالل أو حتى تقسـيم ُّ‬ ‫أن النِّظـام يحـاول اسـتمالتهم بشـتى الطـرق‪ ،‬مثـل السـماح لهـم بتشـكيل تَ َكتُّـل فــي مجلـس‬ ‫الشـورى (البرملـان) مـن قبـل نحـو ‪ 100‬نائـب مـن املناطـق التركيـة فــي إيـران‪.‬‬ ‫النقطـة األخـرى التـي ت ِ‬ ‫اإليراني تكمن فــي خالفاتهم‬ ‫ُضعـف نضـال األتـراك بوجه النِّظام‬ ‫ّ‬ ‫التاريخيـة مـع األكـراد حـول احلـدود اإلداريـة إلقليمـي أذربيجـان وكردسـتان حيـث يتنـازع‬ ‫الطرفـان حـول بعـض املناطـق املختلطـة بالسـكان األتـراك واألكـراد أو بعـض املـدن والقـرى‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪57‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫ذات األغلبية الكردية فــي حدود محافظات إقليم أذربيجان أو مناطق يقطنها األتراك فــي‬

‫مناطـق تتبـع كردسـتان إدار ًيـا‪ ،‬وتصاعـد هـذه اخلالفات من شـأنه أن يـؤ ِّدي إلى حرب أهلية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ومـن ثَـ َّم إضعـاف اجلبهـة املعاديـة للنظـام‪.‬‬ ‫‪ -2‬األكـراد‪ :‬يُعتبـر الشـعب الكـردي مـن الناحيـة التنظيميـة مـن أكثـر الشـعوب اإليران َّيـة‬

‫جترِ بـة‪ ،‬ولديهـم تاريـخ نضالـي طويـل‪ ،‬باإلضافـة إلـى وجـود انسـجام تنظيمـي وقيـادة قويـة‬

‫نسـب ًيا‪ ،‬وإن كانـوا يتوزعـون علـى عـدد مـن األحـزاب‪ ،‬إال أن الغالبيـة العظمـى مـن الشـعب‬ ‫الكـردي ملتفَّـة حـول هـذه األحـزاب التـي ال يتجـاوز عددهـا أصابـع اليـد‪ .‬وقـد دخـل بعـض‬

‫اإليرانـي (التنظيـم األم لـكل‬ ‫هـذا األحـزاب‪ ،‬علـى رأسـها احلـزب الدميقراطـي الكردسـتاني‬ ‫ّ‬ ‫األحزاب الكردية)‪ ،‬فــي الوقت الراهن فــي صراع مسلَّح مباشر مع النِّظام‪ ،‬كما أن حركتهم‬

‫حتظـى بدعـم دولـي‪.‬‬

‫املهمـة التـي مت ِّيـز الشـعب الكـردي فــي إيـران هـي أن الغالبيـة العظمـى‬ ‫النقطـة األخـرى َّ‬

‫السـنَّة‪ ،‬وهـذه اخلصوصيـة متيزهـم مذهب ًيـا وثقافــ ًيا مـن الشـعب‬ ‫منهـم علـى مذهـب أهـل ُّ‬

‫الشـيعي‪.‬‬ ‫الفارسـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫غيـر أن ضعـف األكـراد يكمـن فــي ترابطهـم وقربهـم العرقـي واللغـوي مـع الفـرس‪ ،‬ألن‬

‫معظـم مثقفــي الشـعبني يعتبـرون أنفسـهم مـن اآلريين‪ ،‬ويضعـون أنفسـهم فــي مواجهـة‬

‫بخاصـة العـرب واألتـراك‪ .‬ومـن هـذه الناحيـة كان الفـرس‬ ‫الشـعوب األخـرى غيـر اآلريـة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫دائ ًما يحاولون كسـب األكراد وبناء حتالفاتهم معهم على أسـاس خطاب تَ َف ُّوق العرق اآلري‬ ‫علـى باقـي شـعوب املنطقـة‪.‬‬

‫‪ -3‬عـرب األحـواز‪ :‬باعتـراف عديـد مـن املؤرخين الفرس‪ ،‬قطن الشـعب العربي فــي أرض‬ ‫األحـواز منـذ آالف السـنني‪ ،‬وإلـى قـرون ِلَـا قبـل اإلسلام‪ ،‬علـى عكـس مـا يـر ِّوج لـه اخلطـاب‬

‫العنصـري املتشـ ِّدد مـن أن الوجـود العربـي فــي األحـواز حديـث ويعـود إلـى ِحقْبـة دخـول‬

‫اإلسلام إلـى إيـران(‪.)20‬‬

‫تكمـن نقـاط القُـ َّوة لـدى األحوازييين ً‬ ‫أول فــي وجـود عمـق قومـي وثقافــي لديهـم هـو العمـق‬

‫العربـي‪ ،‬وتزايـد وقـوف ودعـم الشـارع العربـي لنضالهـم رغـم اسـتمرار جتاهـل األنظمـة‬

‫الرسـم َّية العربيـة لقضيـة األحـواز‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫كمـا أنهـم السـكان األصليـون لإلقليـم الذيـن كان لديهـم إمـارة شـبه مسـتقلّة حتـى‬

‫إسـقاط آخـر حاكـم لهـا (الشـيخ خزعـل بـن جابـر الكعبـي) عـام ‪.1925‬‬

‫القومـي لـدى األحوازيين أكبـر عامـل السـتمرار نضالهـم‪ ،‬باإلضافـة‬ ‫ويشـ ِّكل الوعـي‬ ‫ّ‬ ‫إلـى اتِّسـاع رقعـة نشـاطهم داخل ًيـا وإقليم ًيـا ودول ًيـا‪ ،‬وبـدء إبـراز قضيتهـم أكثـر مـن ذي قبـل‬

‫بخاصـة فــي مـا يتعلـق باملمارسـات القمعيـة التـي تنتهجهـا احلكومـات اإليران َّيـة املتعاقبـة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫مبخططات التغيير الدميوغرافــي والتهميش‬ ‫التي حتاول إنهاء الوجود العربي فــي اإلقليم‬ ‫واإلفقـار والتهجيـر وطمـس معالَـم التـراث وال ُهوِ َّيـة والثقافـة العربيـة‪.‬‬

‫أمـا نقـاط الضعـف األساسـية التـي كانـت دو ًمـا ‪-‬وال تـزال‪ -‬تعرقـل َح َراك الشـعب العربي‬

‫األحـوازي والتجـاوب الدولـي معـه فهـي وجـود ال ِّنفْـط الـذي يقولـون عنـه إنـه أصبـح نقمـة‬

‫عليهـم بـدل أن يكـون نعمـة لهـم‪.‬‬

‫األمريكـي الشـهير وليـام سـترونغ‪ ،‬فــي كتابـة «حكـم‬ ‫وفــي هـذا الصـدد يقـول الباحـث‬ ‫ّ‬

‫الشـيخ خزعـل وسـقوط إمـارة عربسـتان»‪ ،‬إنـه فــي عـام ‪ 1908‬مـع اكتشـاف ال ِّنفْـط فــي‬

‫عربسـتان (األحـواز) كان ‪ %98‬مـن سـكان املنطقـة عر ًبـا‪.‬‬

‫َّ‬ ‫مخطـط التفريـس والتهجيـر الـذي مارسـته األنظمـة اإليران َّيـة‬ ‫واليـوم علـى الرغـم مـن‬

‫الشاهنشـاهية واجلمهوريـة اإلسلامية‪ ،‬لـم تسـتطيع تغييـر الواقـع الدميغرافــي علـى الرغـم‬ ‫مـن أنهـا أوصلـت نسـبة املهاجريـن واملسـتوطنني إلـى نحـو ‪.%30‬‬

‫معـدالت الفقـر والبطالـة واألميـة‬ ‫ومـن أسـباب تَخَ لُّـف املجتمـع العربـي األحـوازي ارتفـاع َّ‬

‫بنسـبة أكبـر بكثيـر مـن باقـي القوم َّيـات بسـبب سياسـات التمييـز والتهميـش‪ ،‬األمـر الـذي‬ ‫اإليرانـي‪،‬‬ ‫أ َّدى إلـى تصعيـد اخلطابـات املناديـة بالعنـف وضـرورة املواجهـة املسـلَّحة للنظـام‬ ‫ّ‬ ‫مـا أضعـف ا َ‬ ‫اجلماهيري‬ ‫حلـ َراك‬ ‫الدميقراطي‬ ‫السـلمي‬ ‫ّ‬ ‫ر ًدا علـى هـذه السياسـات اجلائـرة‪َّ ِ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـض مضاجـع النِّظـام خلال العقديـن األخيريـن علـى األقـ ّل‪.‬‬ ‫الـذي أ َق َّ‬

‫كذلـك فلـدى األحوازيين تشـتُّتًا علـى مسـتوى القوى السياسـية وعـدم امتالكهم اسـتراتيجية‬ ‫طويلـة األمـد‪ .‬ويعتقـد بعـض الباحثين أن اشـتراك الغالبيـة مـن سـكان األحـواز فــي العامـل‬ ‫أه ِّم املع ِّوقات التي يعاني منها الشـعب العربي فــي نضاله‬ ‫املذهبـي (الشـيعي) مـع الفـرس من َ‬

‫اإليراني(‪.)21‬‬ ‫ضـ ّد النِّظـام‬ ‫ّ‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪59‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫مزدوجـا‪ ،‬قوم ًيـا مذهب ًيـا‪ ،‬لكونهـم مـن‬ ‫‪ -4‬البلـوش‪ :‬يعانـي البلـوش فــي إيـران اضطهـا ًدا‬ ‫ً‬ ‫معـدالت الفقـر واحلرمـان والتخلُّـف وانعـدام التنميـة‬ ‫السـنَّة‪ ،‬كمـا أنهـم يعانـون أعلـى َّ‬ ‫أهـل ُّ‬

‫علـى اإلطلاق‪ .‬مـا يعطـي نضـال البلـوش ُقـ َّوة هـو رابطتهـم العرقيـة وعالقاتهـم الوطيـدة مـع‬ ‫وأيضـا فــي أفغانسـتان حيـث‬ ‫أشـقائهم البلـوش فــي باكسـتان حيـث يتمتعـون بالفــيدرالية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يشـ ِّكل ذلـك عمقًـا اسـتراتيج ًيا ولوجسـت ًيا لتح ُّركهـم‪ ،‬كمـا أن لديهـم عمقًـا فــي دول اخلليـج‬

‫العربـي ألن عديـ ًدا منهـم موظفـون كبـار ورجال أعمال ومسـؤولون فــي عدد مـن دول اخلليج‪.‬‬

‫معـدالت التخلُّـف الثقافــي واالجتماعـي‬ ‫أمـا نقطـة ضعـف البلـوش فتكمـن فــي ارتفـاع َّ‬

‫واألميـة وفقـدان األحـزاب السياسـة (عـدا بعـض األحـزاب فــي اخلـارج) وعـدم وجـود‬ ‫اسـتراتيجية مسـتقبلية ِّ‬ ‫تؤطـر نضاالتهـم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نشـطا لبعـض احلـركات السلفــ َّية التي تؤ ّكـد العامل الديني‪ ،‬األمر‬ ‫كمـا أن هنـاك حضـو ًرا‬ ‫اإليرانـي ذريعـة َ‬ ‫لش ِّـن حـرب إعالميـة واسـعة وقويـة ض ّد نضال الشـعب‬ ‫الـذي أعطـى النظـام‬ ‫ّ‬

‫اآلري‪ ،‬فإنهم يختلفون‬ ‫البلوشـي‪ .‬ورغـم ا ِّدعـاءات مثقَّفــي الفـرس بانتمـاء البلـوش إلـى العـرق‬ ‫ّ‬

‫عنـه فــي املذهـب واللغة‪.‬‬

‫‪ -5‬التركمـان‪ :‬علـى الرغـم مـن أن عددهـم بالنسـبة إلـى القوم َّيـات األخـرى قليـل جـ ًدا‬

‫فإنهـم بسـب ارتباطهـم الوثيـق مـع جمهوريـة تركمانسـتان ميتلكـون وع ًيـا ثقافــ ًيا عال ًيـا‪،‬‬ ‫أيضـا‪ ،‬وكذلـك بأقلِّيـة اإليغـور فــي الصين‪ ،‬إذ يشـ ِّكالن‬ ‫ويرتبطـون قوم ًيـا بتركمـان العـراق ً‬ ‫عمقًـا اسـتراتيج ًيا ولوجسـت ًيا لنضاالتهـم‪ ،‬كمـا أن أراضيهـم الزراعيـة اخلصبـة متنحهـم‬ ‫القـدرة علـى االكتفـاء الذاتـي‪.‬‬

‫محاصرِ يـن بعـدة محافظـات فارسـ َّية‪،‬‬ ‫أمـا نقطـة ضعـف التركمـان فتكمـن فــي كونهـم‬ ‫َ‬

‫باإلضافـة إلـى فقدانهـم جترِ بـة التنظيـم السياسـي‪ ،‬وأن كانـوا فــي طليعـة املناضلين ضـ ّد‬ ‫أيضـا‬ ‫تشـكيل نظـام اجلمهوريـة اإلسلامية فــي إيـران بعـد انتصـار ال َّثـورة‪ ،‬لكـن مـا مي ِّيزهـم ً‬ ‫أنهـم ال يرتبطـون ال بعامـل اللغـة وال بعامـل املذهـب مـع املركـز لكونهـم ُسـنَّة‪.‬‬

‫‪ -6‬اللـور والبختياريـة‪ :‬قبائـل اللـور والبختياريـة بسـبب وجودهـم تاريخ ًيـا فــي منطقـة جبليـة‬

‫فإنهـم حافظـوا علـى نسـيجهم القومي‪ ،‬وخالل السـنوات املاضيـة ازداد لديهم عـدد املتعلمني‬ ‫واملثقفـني فـي أوساطهم‪ ،‬وكانوا فـي عهد حكم الشيخ خزعل يرتبطون معه بروابط حسنة(‪.)22‬‬ ‫‪60‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫أمـا نقـاط ضعـف اللـور والبختياريـة فأهمهـا تكمـن فــي شـراء النِّظـام ِذ َم كثيـر منهـم‪،‬‬ ‫ما ِّ‬ ‫املؤسسـات األمنية‬ ‫يشـكل طابو ًرا‬ ‫ِ َّ‬ ‫ً‬ ‫خامسـا فــي املناطق العربية‪ ،‬وذلك عبر نفوذهم فــي َّ‬

‫واجليـش واحلـرس الثـوري‪.‬‬

‫كذلـك مينحهـم النِّظـام امتيـازات ماديـة وسياسـية باعتبارهـم ينتمـون إلـى العـرق اآلري‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يهجـر اجلنـرال‬ ‫ويسـتخدمهم فــي‬ ‫مخطـط التغييـر الدميوغرافــي فــي إقليـم األحـواز‪ ،‬حيـث ِّ‬

‫محسـن رضائـي‪ ،‬أمين مجلـس تشـخيص مصلحـة النِّظـام والقائـد السـابق الثـوري‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫الـذي ينتمـي إلـى البختياريين‪ ،‬عـد ًدا كبيـ ًرا مـن اللـور والبختياريين مـن مناطقهم‪ ،‬ويسـ ِّكنهم‬ ‫فــي وسـط األحيـاء واملـدن العربيـة‪ ،‬كمـا سـلب‪ ،‬مبسـاعدة احلكومـة‪ ،‬األراضـي الزراعيـة‬

‫والسـكنية العربيـة ومنحهـا لهم‪.‬‬

‫َّ‬ ‫مخطـط التغييـر الدميغرافــي الـذي‬ ‫إن إقحـام اللـور والبختياريـة أنفسـهم أدا ًة لتنفــيذ‬ ‫تسـتمر فــيه احلكومـة املركزيـة فــي إقليـم األحـواز يُ ِ‬ ‫نـذر بوقـوع حـرب أهليـة مسـتقبَ ًل بينهـم‬ ‫وبين العـرب‪.‬‬

‫التحوالت اإلقليم َّية والدول َّية وانعكاساتها على قضايا القوم َّيات‬ ‫ُّ‬ ‫يـرى باحثـون أن وجـود ال ِّنفْـط أحـد األسـباب الرئيسـية فــي إهمـال وجتاهـل البلـدان‬ ‫الغربيـة مطالـب القوم َّيـات والشـعوب غيـر الفارسـ َّية فــي إيـران‪ .‬ومـن الناحيـة التاريخيـة‬

‫فـإن الشـركات ال ِّنفْطيـة الكبـرى‪ ،‬العتبـارات اقتصاديـة وللحفـاظ علـى إيـران كسـوق‬ ‫فضلـت التعامـل مـع حكومـات مركزية قوية بعينهـا ً‬ ‫بدل من التعامـل مع عدد من‬ ‫اسـتهالكية‪َّ ،‬‬

‫الدويلات(‪ .)23‬لهـذا حافظـت الـدول الغربيـة بحـزم علـى وحـدة إيـران وعـدم جتزئتهـا‪ ،‬وقـد‬ ‫حصـل ذلـك كلـه العتبـارات اقتصاديـة بحتـة‪ .‬مـن جهـة أخرى‪ ،‬فـإن احتمـال عدم االسـتقرار‬ ‫والفوضـى األمنيـة بسـبب املوقـع اجليو‪-‬سـتراتيجي للبلـد‪ ،‬ومـن أجـل احلافـظ علـى مصالـح‬ ‫االقتصـاد‪ ،‬يجعـل هـذه الـدول تعـارض أي دعـوة لتفكيـك إيـران‪.‬‬

‫وفــي االجتماعـات التـي حضرهـا كاتـب هـذه الدراسـة مـع الـوزارات األمريك َّيـة املعن َّيـة‪،‬‬

‫بخاصـة وزارة اخلارج َّيـة‪َّ ،‬تَ َبين لنـا أن رؤسـاء الواليـات املتَّحـدة‪ ،‬سـواء فــي عهـد كلينتـون أو‬ ‫َّ‬ ‫بـوش أو أوبامـا‪ ،‬يعارضـون أي دعـوة مـن القوم َّيـات اإليران َّيـة لتقسـيم إيـران‪.‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪61‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫األوروبي فــي‬ ‫باإلضافـة إلـى مـا ورد فقـد ملـس الكاتـب فــي أثنـاء لقاءاته مع قادة البرملان‬ ‫ّ‬ ‫بروكسـل‪ ،‬أن رؤسـاء دول ِّ‬ ‫أيضـا يشـترطون الدفـاع عـن حقـوق القوم َّيـات‬ ‫االتـاد‬ ‫األوروبـي ً‬ ‫ّ‬ ‫وعـن نضاالتهـم الوطنيـة بعـدم طـرح هـذه القوم َّيـات مطلب االسـتقالل فــي إيران‪.‬‬ ‫أمـا بلـدان املنطقـة فإنهـا بسـبب وجـود األقلِّ َّيـات القوم َّيـة واإلثنيـة واللغويـة وال ِّدي ِن َّيـة‪،‬‬ ‫ليسـت هـي األخـرى علـى اسـتعداد لدعـم حقـوق قوم َّيات الشـعوب الواقعـة حتت االضطهاد‬ ‫القومـي فــي إيـران علنًـا‪.‬‬ ‫االستنتاجات‬ ‫َقـدم‪ ،‬نـرى أن الورقـة الرابحـة التـي حتتـ ُّل ُسـلَّم األولويـات لـدى القوم َّيـات‬ ‫بنـا ًء علـى مـا ت َّ‬ ‫السـلْطة فــي إيـران تسـتطيع أن تتعايـش‬ ‫هـي أن تثبـت للمجتمـع الدولـي أنـه فــي حـال تغييـر ُّ‬ ‫فــي ما بينها سـلم ًيا‪ ،‬وبأنها سـوف تتصدى ألي نوع من عدم االسـتقرار‪ .‬وفــي الوقت نفسـه‬ ‫يجـب أن تطـرح ً‬ ‫السـلْطة بين املركـز واألطـراف للحيلولـة دون‬ ‫بديلا َّللا مركزيـة‪ ،‬أي توزيـع ُّ‬ ‫قيـام أي حكـم ديكتاتـوري فــي إيـران مسـتق َب ًل‪ ،‬وهـذا مـا سـيقضي علـى أحلام نظـام واليـة‬ ‫الفقيـه فــي بنـاء حكم إمبراطوري شـيعي‪.‬‬ ‫منوذجـا‬ ‫وفــي احلقيقـة ميكـن أن تكـون جترِ بـة تعايـش مختلـف الشـعوب فــي الهنـد‬ ‫ً‬ ‫يقتـدي بـه الشـعوب والقوم َّيـات فــي إيـران‪ ،‬وكذلـك حلـ ّل املشـكلة القوم َّيـة املزمنـة فــي‬ ‫إيـران‪ ،‬وهـو مـا مـن شـأنه أن يضـع فــي املسـتقبل حـ ًدا للتوتُّـرات اإلقليم َّيـة وملغامـرات نظـام‬ ‫التوسـعية فــي املنطقـة‪.‬‬ ‫اجلمهوريـة اإلسلامية‬ ‫ُّ‬ ‫إضاف ًة إلى ذلك‪ ،‬فإن الشـعوب غير الفارسـ َّية يجب أن تطالب بضمان دسـتوري إلرسـاء‬ ‫نظـام ال مركـزي فــيدرالي قـوي شـبه مسـتق ّل كحـ ّد أدنَـى ملعاجلـة عـدم املسـاواة السياسـية‬ ‫واالقتصاديـة واالجتماعيـة والثقافــية فــي إيـران‪ ،‬وتعلـن إنهـا غيـر مسـتعدة للتراجـع عـن‬ ‫هـذا املطلـب ألنـه يأتـي فــي إطـار التدابيـر الالزمـة لضمـان اسـتمرارية الدميقراطيـة‬ ‫والتعايـش السـلمي بين جميـع القوم َّيـات مبـا فــيها القوم َّيـة الفارسـ َّية نفسـها‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫مستقبل َح َراك األقلِّ َّيات العرقية والدِّي ِن َّية فـي إيران فـي ظل التح ُّوالت اإلقليم َّية والدول َّية‬

‫الهوامــش واملراجــع‬ (1) Ethnic Identity Crisis in Iran: Dr. Ali Al-Taie, Shadegan Publication, Tehran 1999 p-165 2‫ ص‬،1984،‫ تهران‬،‫ نشر گنجینه‬،‫ از عرب تا دیامله‬،‫) عزیز الله بیات‬2( (3) Alireza Asgharzadeh, Iran and the Challenge of Diversity, Islamic Fundamentalism, Aryanist Racism, and Democratic Struggle New York, Palgrave2007 pp-8 (4) Nike R. Keddie, Modern Iran, Roots and Results of Revolution- New Heaven &London, Yale University Press 2003 P2 8‫ ص‬،‫م‬1974 ،" ‫ انتشارات حزب توده " توفان‬،‫ شش سال از انقالب مشروطه‬،‫) محمد قاسمي‬5( .87‫ ص‬،1379 ،‫ تهران‬،‫ نشر كارنك‬،‫ كتاب أول‬،‫ قرن سكوت‬12 ،‫) ناصر پور پيرار‬6( http://ara.tv/m4xvd :‫ متاح على الرابط‬،‫نت‬.‫ العربية‬،‫ صالح حميد‬،‫ حقوق الشعوب أم تفكك إيران؟‬..‫) االحتجاجات القومية‬7( ‫ متاح‬،‫ ترجمة جابر أحمد‬،‫ التمييز ضد القوميات واألَ َقلِّ َّيات الدينية فـي دستور اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‬،‫) حسني رئيسي‬8( http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=397321 :‫عبر موقع احلوار املتمدن‬ https://goo.gl/zEDBHY :‫ متاح عبر الرابط‬،‫) راجع دستور اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‬9( .‫ نفس املصدر‬،‫) حسني رئيسي‬10( (11) Keddi, p 113 (12) Joya Blondel Saad, The Images of Arabs in Modern Persian Liertature, University Press of America, Maryland, p3 (13) Manifesto, Congress of Nationalities for a Federal Iran http://www.iran-federal.org (14) NYT Opinion 31988/14/ Soviet nationalities seeking autonomy https://goo.gl/M5l60G (15) The challenge of Russian nationalism to soviet stability https://goo.gl/e93Fe4 (16) Peter Ackerman and Jack Dual, A force More Poweful, a century of nonviolent conflict, palgrave,,2000 NYC, p 494 ‫ على العرب استخدام القوة الناعمة فـي‬،‫ كرمي عبديان بني سعيد عبديان‬:‫) انظر مقال الكاتب فـي صحيفة الشرق األوسط‬17( https://goo.gl/rgFHSP :‫ متاح عبر الرابط‬،2016 ‫ فبراير‬11 ،‫الصراع مع إيران‬ (18) Ahmad Bina, Supervisor Iran High Council for Human Rights, Center of The Press and Publication of the Judiciary, Tehran 2016 http://ar.ahwaznews.tv/201612//AhwazUN.html (19) Mostafa Ansari: The History of Khuzestan, 18781925-,  PhD Dissertation, University of Chicago, Chicago, Illinois 1974p1 (20) Mostafa Ansari: The History of Khuzestan, 18781925-,  PhD Dissertation, University of Chicago, Chicago, Illinois 1974 p1 (21) Joya Blondel Saad,  The image of Arabs in Modern Persian Literature,  University Press of AmericaNew  York and London p-5    (22) William TH Srrunk, The Reign of Shaykh Khaz»l Ibn Jaber and the Suppression of the Principality of Arabistan: A  Study of British Imperialism in Southwestern iran PhD Dissertation, 1977 University of Indianap-124 (23) Vali Nasr, The Shia Revival, How Conflicta Within Islam Shape the Future,  W.W. Norton  company, New York 2006 P212

63

2017 ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫إيران ومواجهة التدافع الدولي‬ ‫نحو إفريقيا‬ ‫د‪.‬جنالء مرعي‬ ‫باحثة سياسية متخصصة فـي الشؤون الدول َّية‪-‬اإلفريق َّية‬

‫تصاعـد االختـراق اإليران ّـي الناعـم فــي إفريقيـا فــي ظـلّ التكالـب والتنافـس الدولـي‬ ‫واإلقليمـي‪ ،‬إذ توصلـت إيـران إلـى أنهـا تسـتطيع حتقيـق بعض املكاسـب فــي تنافسـها مع‬ ‫الغـرب عـن طريـق االصطفـاف مـع مجموعـة واسـعة مـن الـدول اإلفريق َّيـة‪ ،‬وذلـك مـن‬ ‫ضدهـا فــي َّ‬ ‫ـددا‬ ‫املنظمـات الدول َّيـة‪ .‬وغـدت إيـران تتبنـى ع ً‬ ‫أجـل عـدم عزلتهـا والتصويـت ّ‬ ‫مـن األهـداف واألدوار فــي سياسـتها اخلارج َّيـة‪ ،‬جلهـة احلفـاظ علـى سـيادتها‪ ،‬وتأمين‬ ‫أمنهـا فــي مواجهـة التحديـات اخلارج َّيـة‪.‬‬ ‫والواقع أن التنافس بني القوى الدول َّية واإلقليمية فـي إفريقيا انتقل إلى حلقة جديدة‬ ‫هـي الصـراع بين هـذه القـوي عليهـا‪ ،‬ألنهـا حتتـوي علـى عنصـري اليورانيـوم والن ِّْفـط‪،‬‬ ‫وأولويـة تأمين اإلمـدادات مـن الطاقـة التـي تُعتبـر واح ًـدا مـن االعتبارات الرئيسـية التي‬ ‫وعالقاتهـا اخلارج َّيـة‪ ،‬إذ جتـذب إيـران الدولـة اإلفريق َّيـة‬ ‫تصـوغ بهـا الـدول سياسـاتها َ‬ ‫بخاصـة فــي قطاعـي الطاقـة والبنـاء‪،‬‬ ‫عـن طريـق تقـدمي وعـود باملسـاعدة االقتصاد َّيـة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وتقـدمي الن ِّْفـط بأسـعار زهيـدة حافـزً ا لتوثيـق َعالقاتهـا معهـا‪.‬‬ ‫اإليراني الناعم فــي إفريقيـا‪ ،‬وبيان حجم‬ ‫لـذا‪ ،‬تهـدف هـذه الدراسـة إلـى معاجلـة النفـوذ‬ ‫ّ‬ ‫هـذا النفـوذ فــي عمـوم القـا َّرة‪ ،‬فــي ظـلّ تأثيـرات القـوى الدول َّيـة واإلقليميـة األخـرى‬ ‫الفاعلـة فــي القـا َّرة‪ ،‬والتـي جتعلهـا تبحـث عـن مبـ ِّررات إلثـارة العـداء إزاء إيـران‪ ،‬وإبـراز‬ ‫بخاصـة إسـرائيل‪ ،‬فــي‬ ‫مـدى اسـتفادة اخلارج َّيـة اإليران َّيـة مـن خبـرات دول إقليميـة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫التغلغـل فــي القـا َّرة اإلفريق َّيـة‪ ،‬إليجـاد مداخـل وأدوات تتيـح معادلـة هـذا التغلغـل‪،‬‬ ‫بخاصـة مـع تنامـي دور ومكانـة إيـران كقـوة إقليميـة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪64‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫وحتـاول الدراسـة اإلجابـة عـن سـؤال رئيسـي‪ ،‬مفـاده‪ :‬مـا مـدى تأثيـر التدافـع الدولـي‬ ‫اإليرانـي الناعـم بهـا؟ مـن خلال احملـاور التاليـة‪:‬‬ ‫نحـو القـا َّرة اإلفريق َّيـة فــي تصاعـد النفـوذ‬ ‫ّ‬ ‫احملور األول‬

‫اإليراني فـي إفريقيا‪ ..‬مناطقه وأهدافه‬ ‫الوجود‬ ‫ّ‬

‫األمريكي فـي إفريقيا‪،‬‬ ‫عزّزت إيران َعالقاتها مع بعض الدول اإلفريق َّية املعادية للوجود‬ ‫ّ‬ ‫وكسبت تأييد هذه الدول للمواقف اإليران َّية‪ ،‬ال س َّيما أح ِّق َّيتها فـي امتالك تكنولوجيا نوو َّية‬ ‫سلمية‪.‬‬ ‫اإلفريقي‬ ‫فـي منطقة شرق إفريقيا والقرن‬ ‫ّ‬ ‫اإلفريقي والدول املجاورة التي تقع‬ ‫تسـعى اسـتراتيجية إيران فــي شـرق إفريقيا والقرن‬ ‫ّ‬ ‫على البحر األحمر‪ ،‬لترسـيخ نفوذها السياسـي كجزء من احملور املعادي للغرب الذي تسـعى‬ ‫اإلفريقي يُ ِلقي‬ ‫مما ال شـك فــيه أن تزايد النشـاطات اإليران َّية فــي منطقة القرن‬ ‫إلنشـائه‪ .‬و َّ‬ ‫ّ‬ ‫بظالله وانعكاساته السلبية على األمن القومي العربي ككل‪ ،‬شأنه شأن النشاط اإلسرائيلي‬ ‫فـي هذه املنطقة(‪.)1‬‬ ‫مسـرحا للتنافـس الدولـي‬ ‫أمـا فــي منطقـة غـرب إفريقيـا‪ ،‬فقـد شـكل إقليـم غـرب إفريقيـا‬ ‫ً‬ ‫واإلقليمـي نظـ ًرا إلـى تنامـي االكتشـافات ال ِّنفْطيـة‪ ،‬كمـا حتـرص إيـران علـى توثيـق ال َعالقـات‬ ‫النـووي‪،‬‬ ‫املاسـة إلـى مصـادر اليورانيـوم لتغذيـة برنامجهـا‬ ‫ّ‬ ‫بـدول اإلقليـم فــي إطـار حاجتهـا َّ‬ ‫وفــي مقدمتهـا نيجيريـا إذ أبـدت إيـران اهتمامـا كبيـ ًرا بنقـل خبرتهـا مـن الطاقـة النوو َّيـة إلـى‬ ‫نيجيريـا ملسـاعدتها فــي مواجهـة النقـص فــي إمـدادات الطاقـة الكهربائيـة‪ ،‬وجامبيـا التـي‬ ‫أ َّيـدت حـقّ إيـران فــي تطويـر قـدرات نوو َّيـة ألغـراض سـلم َّية‪ ،‬متتعـت ب َعالقـات إيجابيـة مـع‬ ‫غربـي(‪.)2‬‬ ‫إيـران‪ ،‬تسـتند ‪-‬إلـى حـ ّد كبيـر‪ -‬إلـى إحسـاس مشـت َرك بوجـود اسـتغالل‬ ‫ّ‬ ‫اإلفريقي‬ ‫فـي اجلنوب‬ ‫ّ‬ ‫األخـص الـدول‬ ‫تر ِّكـز إيـران كثيـ ًرا علـى بنـاء َعالقـات اقتصاد َّيـة وسياسـية قويـة‪ ،‬وعلـى‬ ‫ّ‬ ‫الفاعلـة علـى املسـتوى الدولـي بعيـ ًدا عـن الديـن‪ ،‬إذ تتميـز هـذه املنطقـة بوفـرة مصادرهـا‬ ‫الطبيعيـة كال ِّنفْـط واليورانيـوم‪ .‬وتسـعى إيـران السـتقطاب هـذه الـدول فــي احملافـل الدول َّيـة‬ ‫للوقوف معها ض ّد مترير عقوبات دول َّية عليها فـي عديد من امللفَّات‪ِ ،‬‬ ‫كملَفَّات حقوق اإلنسان‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪65‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫النـووي‪ ،‬فنجحـت إيـران فــي إسـقاط قـرارات دول َّيـة‪ ،‬مسـتخدمة أصدقاءهـا فــي‬ ‫وبرنامجهـا‬ ‫ّ‬ ‫دول جنوب‪-‬جنـوب الصحـراء الكبـرى(‪.)3‬‬

‫وبالفعل امتنعت دولة جنوب إفريقيا عن التصويت لصالح قرار فــي األمم املتَّحدة يدين‬ ‫انتهاك إيران حلقوق اإلنسـان‪ ،‬ناهيك برفضها فرض مزيد من العقوبات على إيران بسـبب‬ ‫النـووي‪ .‬وأ َّيـ َدت زميبابـوي حـقّ إيـران فــي السـعي لالسـتخدام السـلمي للطاقـة‬ ‫برنامجهـا‬ ‫ّ‬

‫النوو َّيـة‪ ،‬ولتعزيـز التعـاون الثنائـي و َّق َعـت إيـران معهـا عشـر اتِّفاقيـات فــي مجـال التكنولوجيـا‬ ‫ومتويـل محطـة توليـد الكهربـاء واالسـتثمار فــي قطـاع الطاقـة وغيرهـا(‪.)4‬‬

‫احملور الثاني‬ ‫الطموحات اإليران َّية‪ ..‬والنفوذ الدولي فـي إفريقيا‬ ‫فــي ظـ ّل تصاعـد الطموحـات اإليران َّيـة فــي املنطقـة كمـا سـبق توضيحـه‪ ،‬فلا جـدوى مـن‬

‫بعيـدا عـن تأثيـرات القـوى الدول َّيـة واإلقليم َّيـة األخـرى‬ ‫توضيـح ال َعالقـات اإليران َّية‪-‬اإلفريق َّيـة ً‬ ‫الفاعلـة فــي القـا َّرة‪ ،‬والتـي جتعلهـا تبحـث عـن مبـررات إلثـارة العـداء إزاء إيـران‪ ،‬وذلـك علـى‬

‫النحـو التالـي‪:‬‬

‫ً‬ ‫األمريكي املتصاعد فـي إفريقيا‬ ‫أول‪ :‬إيران والنفوذ‬ ‫ّ‬ ‫أصبحت أمريكا بعد أحداث ‪ 11‬سـبتمبر ‪ 2001‬عنص ًرا أساسـ ًيا وحاسـ ًما فــي إفريقيا‬

‫بعـد اكتشـاف ثرواتهـا البتروليـة‪ ،‬وإثـر تبنِّـي اإلدارة األمريك َّيـة سياسـة «محاربـة اإلرهـاب»‪،‬‬

‫ومحاولـة تعبئـة العالَـم للقضـاء علـى مـا سـ َّمته «اإلرهـاب اإلسلامي»‪ .‬وقـد ربطـت إدارة بـوش‬

‫مساعداتها االقتصاد َّية للدول اإلفريق َّية بتبنِّي تلك الدول للمعايير األمريك َّية فــي التص ِّدي‬ ‫«لإلرهاب»‪ِ ،‬من ثَ َّم حتولت إفريقيا إلى قاعدة استراتيجية خلفـ َّية َمه َّمتُها تأمني اإلمدادات‬

‫البتروليـة للواليـات املتَّحـدة‪ ،‬وقـد دفـع ذلـك اإلدارة األمريك َّيـة إلـى توطيـد عالقتهـا العسـكرية‬ ‫بالدول اإلفريق َّية‪ ،‬وإلى العمل على إقامة قواعد عسكرية وإجراء مناورات لقواتها فـي القا َّرة‬ ‫وحولهـا‪ ،‬واسـتخدمت الواليـات املتَّحـدة األمريك َّيـة مجموعـة مـن األدوات مـن أجـل حتقيـق‬ ‫أهدافها بالقا َّرة‪ ،‬تتمثل فــي‪:‬‬ ‫‪66‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫تدعيم ال َعالقات الدبلوماس َّية والسياسية‬ ‫عملت الواليات املتَّحدة األمريك َّية على تدعيم ال َعالقات الدبلوماس َّية مع الدول ال ِّنفْطية‬

‫اإلفريق َّيـة‪ ،‬مـن أجـل احلفـاظ علـى مصاحلهـا ال ِّنفْطيـة مـن خلال سلسـلة مـن الزيـارات لعـدد‬ ‫من هذه الدول‪ ،‬بهدف تعزيز وجودها العسكري‪ ،‬ور َّكزَت على بحث القضايا األمن َّية وقضية‬ ‫وجه إلى إفريقيا‬ ‫تأمني الطاقة‪ ،‬ومنها زيارة الرئيس باراك أوباما لغانا فـي يوليو ‪ ،2009‬حني ّ‬ ‫ً‬ ‫شـامل من منبر البرملان الغاني‪ ،‬وكانت نيجيريا واحدة من أه ِّم احملطات األساسـية‬ ‫خطا ًبا‬ ‫إفريقي لواردات البترول للواليات املتَّحدة(‪.)5‬‬ ‫فـي معظم هذه الزيارات‪ ،‬ألنها تُ َع ُّد أه َّم مصدر‬ ‫ّ‬

‫كذلك عملت الواليات املتَّحدة على إنهاء بعض النزاعات القائمة بسبب قربها من مناطق‬ ‫حقـول ال ِّنفْـط االسـتراتيجية‪ ،‬فتن ِّفـذ فــي نيجيريـا ِع َّـدة حتـ ُّركات ملواجهـة عـدم االسـتقرار‬

‫السياسـي فــي الدلتـا‪ ،‬الـذي مـن شـأنه تهديـد أمـن الطاقـة األمريك َّيـة‪ ،‬منهـا تكثيـف وجودهـا‬ ‫العسكري فـي املنطقة عبر التدريبات واملناورات البحرية املشتركة‪ ،‬وحماية خطوط املالحة‬ ‫الدول َّيـة(‪ .)6‬وم َّكنَـت نيجيريـا مـن حتقيـق تَقـ ُّدم واضـح بالنسـبة إلـى خالفـات ترسـيم حدودهـا‬ ‫الدول َّية مع كل من ساوتومي وغينيا االستوائية‪ ،‬فقد و َّق َعت مع ساوتومي اتِّفا ًقا يح ِّدد املنطقة‬ ‫َقد َمت الشركات ال ِّنفْطية األمريك َّية‬ ‫التي تتقاطع فـيها دعاوى السيادة املتنازعة‪ ،‬وعقب ذلك ت َّ‬

‫لالسـتثمار فــي تلك املنطقة(‪ .)7‬واسـتجابت واشـنطن لفكرة معهد «الدراسـات االسـتراتيجية‬

‫والسياسية» (‪ )IASPS‬املتقدم بإقامة القاعدة العسكرية فـي ساوتومي لتأمني حركة الناقالت‬

‫اإلفريقي» (‪ ،)ACSP‬إذ‬ ‫البترولية فـي خليج غينيا‪ ،‬وذلك حتت مظلة «برنامج األمن للساحل‬ ‫ّ‬ ‫يتض َّمـن أنشـطة تقـدمي التسـهيالت الضروريـة للقـوات البحريـة واجلويـة األمريك َّيـة‪ ،‬وخُ َطـط‬ ‫تعزيز قدرات القوات البحرية فـي دول اإلقليم‪.‬‬

‫أمريكـي إلـى ات ٍ‬ ‫وفــي مـا يتعلـق بغينيـا االسـتوائية‪ ،‬فقـد تَ َو َّصلَـت مـع نيجيريـا بتعـاون‬ ‫ِّفـاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اخلط احلدودي‪ ،‬ومت ِّثل حالة غينيا االستوائية بوضوح غلبة املصالح األمريك َّية‬ ‫بشأن ترسيم‬ ‫أي اعتبـارات أخـرى تتعلـق باحتـرام حقـوق اإلنسـان‪ ،‬ففــي ضـوء ضـرورات االحتيـاج‬ ‫علـى ّ‬ ‫اإلفريقـي‪ ،‬ارتفعـت الواليـات املتَّحـدة مبسـتوى َعالقاتهـا الدبلوماسـ َّية مـع‬ ‫األمريكـي للبتـرول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫األمريكـي فــي إفريقيـا‪ ،‬علـى الرغـم مـن‬ ‫تلـك الدولـة‪ ،‬وأصبحـت رابـع أهـ ّم مقصـد لالسـتثمار‬ ‫ّ‬ ‫عـدم حتقيـق أي َ َ‬ ‫ت ُّسـن فــي حالـة حقـوق اإلنسـان(‪.)8‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪67‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫املساعدات االقتصاد َّية والتنموية‬ ‫سـيما تلك‬ ‫شـهدت املسـاعدات األمريك َّية إلفريقيا زيادة كبيرة فــي السـنوات األخيرة‪ ،‬ال َّ‬ ‫التي تتعلق بالبرامج الصحية‪ ،‬وقد ح ّددت الواليات املتَّحدة عد ًدا من األهداف االستراتيجية‬ ‫التـي تشـ ِّكل مجـال عمـل هـذه املسـاعدات‪ ،‬وهـي‪ :‬تعزيـز الشـراكات االسـتراتيجية‪ ،‬ومكافحـة‬ ‫ً‬ ‫فضل عن حتفـيز‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬وترسيخ عمليات التح ُّول الدميقراطي‪ ،‬وتعزيز األمن اإلقليمي‪،‬‬ ‫التنمية االقتصاد َّية والنم ّو‪ ،‬والتركيز على البرامج اإلنسـانية واملسـاعدات اإلمنائية‪ ،‬وتعزيز‬ ‫َّ‬ ‫املنظمـات اإلقليمية(‪.)9‬‬ ‫كذلـك ق ّدمـت دع ًمـا اقتصاد ًيـا مه ًمـا لـدول القـا َّرة فــي صناعـة البتـرول‪ ،‬إذ تَلَقَّـت صناعـة‬ ‫اجلابـون ال ِّنفْطيـة دع ًمـا مـن شـركة «أميراداهيـس» األمريك َّيـة‪ ،‬وضخَّ ـت ‪ 18‬مليـار دوالر‬ ‫بهـدف الوصـول باإلنتـاج األجنولـي مـن ال ِّنفْـط إلـى ‪ 3,2‬مليـون برميـل يوم ًيـا‪ ،‬كمـا قدمـت‬ ‫منحـة قدرهـا ‪ 368‬ألـف دوالر لتوليـد الطاقـة فــي بوتسـوانا‪ ،‬و‪ 695‬ألـف دوالر لتنميـة الغـاز‬ ‫الطبيعـي فــي الكاميـرون(‪.)10‬‬ ‫املساعدات العسكرية للدول اإلفريق َّية‬ ‫اإلفريقـي لعمليـات التدريـب‬ ‫اعتمـدت اللجنـة الفرعيـة إلفريقيـا بالكونغـرس البرنامـج‬ ‫ّ‬ ‫واملعونة مبيزانية بلغت ‪ 660‬مليون دوالر موزَّعة على ُم َّدة خمس سنوات‪ ،‬ويندرج فـي نطاق‬ ‫املؤسسـات العسـكرية‬ ‫الشـراكة األمريك َّيـة مـع العسـكريات اإلفريق َّيـة بغـرض تدعيـم مهـارات َّ‬ ‫علـى مهـا ّم حفـظ السلام‪.‬‬ ‫اإلفريقي ‪ ،ARP‬مبيزانية‬ ‫كذلك أنشـأت الواليات املتَّحدة برنامج حفظ السلام اإلقليمي‬ ‫ّ‬ ‫سنوية تتراوح بني ‪ 30‬و‪ 40‬مليون دوالر‪ ،‬يُستفاد منها فـي متويل جتهيز وتدريب ودعم قوات‬ ‫الدول اإلفريق َّية املشاركة فـي عمليات حلفظ السالم‪ ،‬وتُعتبر نيجيريا هي الهدف الرئيسي‬ ‫لبرامج املعونة التدريبية العسكرية األمريك َّية(‪.)11‬‬ ‫عملـت اإلدارة األمريك َّيـة علـى إعـادة انتشـار ومتركـز وحداتهـا العسـكرية فــي األقاليـم‬ ‫املختلفة بالقرب من املناطق الغنية بالبترول فـي إفريقيا‪ ،‬أبرزها القيادة العسكرية األمريك َّية‬ ‫املوحـدة إلفريقيـا «أفريكـوم»‪ ،‬وهدفهـا حمايـة املصالـح األمريك َّيـة األمن َّيـة االسـتراتيجية فــي‬ ‫القـا َّرة والبحـار احمليطـة بهـا‪ ،‬وترتكـز منهجيـة عمـل القيـادة العسـكرية اجلديـدة بصـورة شـبه‬ ‫‪68‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫الوقائي القائم على تنفــيذ خطوات استباق َّية فــي مجاالت عديدة‪،‬‬ ‫كاملة على مفهوم األمن‬ ‫ّ‬ ‫إنسـانية واقتصاد َّية واجتماعية‪ ،‬جن ًبا إلى جنب مع اخلطوات العسـكرية واألمن َّية(‪.)12‬‬ ‫اإليرانـي املتصاعـد فــي إفريقيـا‪ ،‬إذ‬ ‫ومـن هـذا املنطلـق‪ ،‬تواجـه الواليـات املتَّحـدة النفـوذ‬ ‫ّ‬ ‫تسـتغ ّل إيـران عنصـر العقيـدة الدينيـة املشـتركة وتقـدمي ال ِّنفْـط بأسـعار زهيـدة حافـزًا لتوثيـق‬ ‫َعالقاتهـا بـدول إفريقيـا‪ .‬وأله ِّم َّيـة السـودان االسـتراتيجية واجهـت إيـران النفـوذ‬ ‫األمريكـي‬ ‫ّ‬ ‫فــيه‪ ،‬بتطويـر َعالقاتهـا السياسـية واالقتصاد َّيـة والعسـكرية معـه‪ ،‬فاعتبرتـه بوابـة ال َّثـورة‬ ‫اإليران َّيـة لتصديـر ال َّثـورة اإلسلامية‪ .‬وعلـي خلفــية حجـم هـذه ال َعالقـات شـجبت إيـران أمـر‬ ‫االعتقـال الدولـي الـذي أصدرتـه احملكمـة اجلنائيـة الدول َّيـة ضـ ّد الرئيـس السـوداني عمـر‬ ‫البشـير‪ ،‬ووصفتـه بكونـه «أمـ ًرا غيـر عـادل ال حت ِّركـه إال اعتبـارات سياسـية»‪ ،‬وفــي املقابـل‬ ‫أعربـت احلكومـة السـودانية عـن دعمهـا وتأييدهـا َ‬ ‫حلـقِّ إيـران فــي امتلاك الطاقـة النوو َّيـة‬ ‫لألغـراض السـلمية(‪.)13‬‬ ‫إال أنـه مـع انطلاق عمليـة «عاصفـة احلـزم» فــي اليمـن‪ ،‬ومـا تزامـن مـع تلـك العمليـة‬ ‫من انطالق التحالف العربي بقيادة اململكة العربية السـعود َّية‪ ،‬أصبحت اسـتراتيجية اململكة‬ ‫اإلفريقـي‪ .‬وبالفعـل شـارك السـودا ُن فــي‬ ‫تتّجـه إلـى بنـاء َعالقـات متينـة وقويـة مـع احمليـط‬ ‫ّ‬ ‫التحالـف العربـي لدعـم «الشـرع َّية» فــي اليمـن‪ ،‬وجـاء إرسـالُه عـد ًدا مـن اجلنـود إلـى اليمـن‬ ‫بعـد تفاهمـات بين الريـاض واخلرطـوم‪ ،‬أ َّدت إلـى أن تقلِّـص األخيـرة تعاونهـا السياسـي‬ ‫والعسـكري مـع طهـران‪.‬‬ ‫يأتي ذلك فـي إطار الشروع بالبدء فـي اخلطوات السعود َّية إلقامة َعالقات استراتيجية‬ ‫اإليرانـي الناعـم للقـا َّرة‪ ،‬وهـو مـا اتضـح فــي جـوالت‬ ‫مـع القـا َّرة السـمراء‪ ،‬ملواجهـة االختـراق‬ ‫ّ‬ ‫السـعودي فــي أكثـر مـن دولـة إفريق َّيـة‪ ،‬مبـا تنطـوي عليـه مـن‬ ‫عـادل اجلبيـر وزيـر اخلارج َّيـة‬ ‫ّ‬ ‫رؤيـة سـعود َّية بعيـدة املـدى لتوضيـح املسـاعي اإليران َّيـة العدوانيـة فــي القـا َّرة‪.‬‬ ‫كان فــي إفريقيـا دول عربيـة سـريعة االسـتجابة للنـداءات السـعود َّية‪ ،‬فقطـع السـودان‬ ‫والصومـال وجيبوتـي وجـزر ال ُق ُمـر َعالقاتهـا متا ًمـا مـع طهـران‪ ،‬وطـردت سـفراء إيـران لديهـا‬ ‫معلنـة تضامنهـا مـع الريـاض بعـد االعتـداء علـى السـفارة السـعود َّية لـدى إيـران‪ ،‬ونتيجـة لذلـك‬ ‫شـارك السـودان بقـوات مـن اجليـش فــي منـاورات «رعـد الشـمال» فــي منطقـة حفـر الباطـن‬ ‫شـمالي السـعود َّية ضمـن ‪ 20‬دولـة(‪.)14‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪69‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫ولقـد ْ‬ ‫أطلَـع اجلبيـر قـادة وكبـار مسـؤولي البلاد اإلفريق َّيـة التـي زارهـا‪ ،‬علـى بعـض نتائـج‬ ‫تلـك املسـاعي اإليران َّيـة التـي بـرزت علـى السـطح فــي بعـض شـرائح تلـك املجتمعـات‪ ،‬األمـر‬ ‫ـس عليـه نظـرة إفريق َّيـة إيجابيـة للتضامـن مـع اململكـة وتعزيـز شـراكاتها معهـا فــي‬ ‫الـذي تَ َأ َّس َ‬ ‫مختلـف املجـاالت دون حتديـد أي سـقف جغرافــي أو زمنـي بعينـه‪ .‬ولوحـظ فــي فتـرة وجيـزة‬ ‫عقب تلك املباحثات‪ ،‬التغ ُّير الذي طرأ على مواقف الدول التي زارها من االعتداء‬ ‫اإليراني‬ ‫ّ‬ ‫علـى البعثـات الدبلوماسـ َّية السـعود َّية فــي طهـران‪.‬‬ ‫لذلـك تبـرز هنـا أه ِّم َّيـة التقـارب فــي ال َعالقـات مـا بين السـعود َّية ودول القـرن اإلفريقـي‬ ‫َّ‬ ‫اإليرانـي الـذي يحـاول تكريـس توسـيع نفـوذ طهـران‬ ‫املخطـط‬ ‫الـذي يأتـي لقطـع الطريـق علـى‬ ‫ّ‬ ‫مـن خلال اسـتراتيجية سـبق أن وضـع أ ُ ُس َسـها اخلمينـي بتصديـر ال َّثـورة إلـى عمـق القـا َّرة‬ ‫السمراء(‪.)15‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬إيران‪ ..‬ومنافسة النفوذ اإلسرائيلي‬ ‫تُ َعـ ُّد إفريقيـا سـاحة للتنافـس بين إيـران وإسـرائيل‪ ،‬فـكل منهمـا تسـعى لفـرض هيمنتهـا‬ ‫علـى تلـك القـا َّرة‪ ،‬ومـن املؤ َّكـد أن الفتـرة القادمـة ستشـهد حر ًبـا نفسـ َّية شـديدة بين اجلانبين‬ ‫لتعزيز وجودهما فــي القا َّرة السمراء‪.‬‬ ‫اإليراني فــي إفريقيا فــي محاولة السياسـة‬ ‫وتتم َّثل الرؤية اإلسـرائيل َّية لطبيعة النشـاط‬ ‫ّ‬ ‫اخلارج َّية اإليران َّية فـي اآلونة األخيرة َفتْح ٍ‬ ‫مزيد من دوائر التعاون مع التج ُّمعات كافة‪ ،‬سواء‬ ‫النـووي الغربي‪-‬‬ ‫كانـت دول َّيـة أو إفريق َّيـة أو عرب َّيـة‪ ،‬تسـعى طهـران بعـد توقيـع االتِّفـاق‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(إيران مع دول ‪ ،)1+5‬بشكل ف َّعال للتعاون مع دول الهامش (الشركاء) فــي إفريقيا لتحقيق‬ ‫عديـد مـن األهـداف املتداخلـة واملتشـابكة‪ ،‬مسـتخدمة فــي ذلـك األدوات والوسـائل املتكاملـة‬ ‫لتنفــيذ وجتسـيد هـذه األهـداف‪ ،‬وفــي مق ِّدمتهـا مـا يسـمى «القـوة الناعمـة»‪ ،‬وذلـك فــي‬ ‫محاولـة المتلاك أوراق جديـدة لكسـب مزيـد مـن التأييـد الدولـي ملواقفهـا‪ ،‬ال سـ َّيما أحقيتهـا‬ ‫فــي امتلاك تكنولوجيـا نوو َّيـة سـلم َّية‪ ،‬وإرسـال رسـالة إلـى الدوائـر الغربيـة حتديـ ًدا مفادهـا‬ ‫أن لديهـا القـدرة علـى االنفتـاح‪ ،‬لتغييـر الصـورة النمطيـة عنهـا التـي تصفهـا دائ ًمـا بالتشـ ُّدد‪.‬‬

‫اإليرانـي لبعـض الـدول اإلفريق َّيـة االهتمـام‬ ‫وقـد تأ َّكـد مـن خلال زيـارات الرئيـس‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالقـا َّرة‪ ،‬ومنهـا زيـارة جيبوتـي‪ ،‬فــي سـياق محـاوالت إيـران لالرتبـاط بالـدول الواقعـة علـى‬ ‫البحـر األحمـر‪ ،‬فهـي تسـيطر علـى أهـ ّم الطـرق املالحيـة‪ ،‬ولهـا حـدود ب ِّريـة مـع إريتريـا تُهـ َّرب‬ ‫‪70‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫اإليرانـي علـى دعـم وتأييـد نظيـره‬ ‫األسـلحة عبرهـا وعبـر السـودان‪ .‬وقـد حصـل الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وسـيطا إقليم ًيـا‪ ،‬وهـذا التقـارب يثيـر‬ ‫النـووي لبلاده وتعزيـز دور إيـران‬ ‫اجليبوتـي للمشـروع‬ ‫ّ‬ ‫مخـاوف إسـرائيل والغـرب علـى حـ ّد سـواء مـن إمكانيـة أن تصبـح هـذه الدولـة الصغيـرة تاب ًعـا‬ ‫آخَ ـر إليـران وتكـون محطـة ها َّمـة فــي الطريـق إلـى السـيطرة علـى الشـرق األوسـط‪ ،‬مثلهـا‬ ‫فــي ذلـك مثـل الصومـال والسـودان وإريتريـا التـي ترتبـط ب َعالقـات دبلوماسـ َّية مـع إيـران(‪.)16‬‬ ‫وعلـي الرغـم مـن ذلـك فـإن تَتَ ُّبـع اململكـة العربيـة السـعود َّية اسـتراتيجي ًة بعيـدة املـدى‬ ‫لبنـاء شـراكات اقتصاد َّيـة وجتاريـة واسـتثمارية‪ِ ،‬لَـا لذلـك مـن بعـد اسـتراتيجي‪ ،‬مـع الـدول‬ ‫اإلفريق َّيـة‪ ،‬بـات مـن أهـ ِّم األولويـات فــي َعالقاتهـا اخلارج َّيـة‪ .‬وتُ َعـ ّد منطقـة القـرن اإلفريقـي‬ ‫للريـاض موق ًعـا اسـتراتيج ًيا مـن حيـث تخـدم تأمين بـاب املنـدب وتدعـم عملياتهـا العسـكرية‬ ‫فــي اليمن‪ ،‬فبدأت حت ُّركات وزيارات لقيادات عسكرية سعود َّية لبعض املناطق فــي جيبوتي‬ ‫اإليراني فــي‬ ‫متهي ًدا إلقامة قواعد عسكرية هناك(‪ ،)17‬وهي رسالة واضحة ملواجهة الوجود‬ ‫ّ‬ ‫وضوحـا حينمـا أعلـن وزيـر خارج َّيـة جيبوتـي أن بلاده‬ ‫إفريقيـا‪ ،‬ويبـدو أن الرسـالة كانـت أكثـر‬ ‫ً‬ ‫«استشـعرت منـذ البدايـة أن التعـاون مـع طهـران ظهـر فــيه كثيـر مـن اللَّبْـس‪ ،‬وأمـور قـد ت ِ‬ ‫ُدخـل‬ ‫جيبوتـي فــي متاهـات‪ ،‬فآثـرت االبتعـاد عنهـا»‪.‬‬ ‫السـعودي فــي جيبوتـي مؤخَّ ـ ًرا يُ َعـ ُّد مه ًمـا وضرور ًيـا فــي ظـ ّل التدافـع‬ ‫والواقـع أن الوجـود‬ ‫ّ‬ ‫الدولـي واإلقليمـي عليهـا باعتبارهـا واحـ ًدا مـن أهـ ِّم ممـ َّرات املالحـة َ‬ ‫العاليـة يكتسـب موق ًعـا‬ ‫استراتيج ًيا فـي خارطة التفاعالت الكبرى‪ ،‬فـي ظ ّل احتوائها على قاعدة «ليمونير» العسكرية‬ ‫األمريك َّية منذ عام ‪ ،2001‬والقاعدة الفرنسـية املالصقة ملطار جيبوتي(‪.)18‬‬ ‫السـعودي نحو جيبوتي مبنحها ‪ 5‬زوارق بحرية سـريعة ومتطورة‪،‬‬ ‫وكانت باكورة التح ُّرك‬ ‫ّ‬ ‫مـع تكثيـف الوجـود العسـكري فــيها‪ ،‬ومـن هنـا أسـهمت جيبوتـي كثيـ ًرا فــي جنـاح عمليـات‬ ‫السـفن والبـوارج العسـكرية لقـوات التحالـف العربـي فــي حتريـر جزيـرة ميـون اليمنيـة مـن‬ ‫سـيطرة احلوثيين‪ ،‬فاسـتعادوا السـيطرة علـى مضيـق بـاب املنـدب‪ ،‬وتَسـلَّمته قـوات اجليـش‬ ‫الوطنـي اليمنـي الـذي وصـل إلـى هنـاك عبـر جيبوتـي(‪.)19‬‬ ‫ومن الالفت قدرة دولتني مثل كينيا وأوغندا على احلفاظ على َعالقات جيدة مع إيران‬ ‫من جهة‪ ،‬ومع الواليات املتَّحدة األمريك َّية وإسرائيل من جهة أخرى‪ ،‬إذ تستفـيد الدولتان من‬ ‫املداخـل اإليران َّيـة فــي َعالقاتهمـا اإلفريق َّيـة‪ ،‬ومنهـا املسـاعدات االقتصاد َّيـة والدعـم الفنـي‪،‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪71‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫بـل وتصديـر ال ِّنفْـط والسلاح‪ .‬ولـم تخـرج جيبوتـي التـي فــيها قاعـدة عسـكرية أمريك َّيـة مـن‬ ‫منوذجـا براغمات ًيـا فــي التفاعـل‬ ‫أس َسـت‬ ‫ً‬ ‫هـذا السـياق‪ ،‬فمـن الواضـح أن دول شـرق إفريقيـا َّ‬ ‫اإلفريقـي‪ ،‬وهـو مـا يثيـر قلقًـا إسـرائيل ًيا‬ ‫مـع القـوى املتنافسـة علـى موطـئ قـدم لهـا فــي القـرن‬ ‫ّ‬ ‫كبيـ ًرا إلـى حـ ّد إثـارة وزيـر اخلارج َّيـة اإلسـرائيل َّية أفــيغدور ليبرمـان هـذا املوضـوع فــي زيارتـه‬ ‫اإلفريقـي عـام ‪.2009‬‬ ‫أربـع دول فــي القـرن‬ ‫ّ‬ ‫اإليراني‪-‬اإلريتري وحصول إيران على تسهيالت‬ ‫أما على املستوى العسكري وإزاء التعاون‬ ‫ّ‬ ‫عسـكرية على اجلزر اإلريترية‪ ،‬فإن اإلجراءات اإلسـرائيل َّية تبلورت خالل العامني األخيرين‬ ‫بنشـر قـوة بحريـة مناسـبة قـادرة علـى مواجهـة التهديـدات املفاجئـة‪ ،‬تتض َّمـن ‪-‬طبقًـا للجنـرال‬ ‫اإلسرائيلي يعقوب عميدور‪ -‬قوارب صاروخية وطائرات مروحية وغواصات فـي مواقع مه َّمة‬ ‫فـي البحر األحمر‪ ،‬وأشار عميدور إلى أن هذه القوات نَ َف َذت إلى البحر األحمر أول مرة عبر‬ ‫قناة السـويس‪ ،‬كما تتعاون إسـرائيل تعا ُو ًنا ً‬ ‫األمريكي‪ ،‬وأوصي‬ ‫كامل مع األسـطول اخلامس‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫اإليراني فـي القا َّرة(‪.)20‬‬ ‫للتوغل‬ ‫فـي تقريره ملركز األمن القومي اإلسرائيلي بضرورة التص ِّدي‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي والـدول اإلفريق َّيـة قـد‬ ‫وتخشـى إسـرائيل مـن أن ال َعالقـات الوثيقـة بين النِّظـام‬ ‫ّ‬ ‫ُترجـم إلـى دعـم لوجسـتي وعسـكري‪ ،‬لـذا ُو ِض َعـت األهـداف االسـتراتيجية اإلسـرائيل َّية فــي‬ ‫ت َ‬ ‫إفريقيـا‪ ،‬وتتمثـل فــي‪ :‬كسـر ِح َّـدة العزلـة التـي فرضتهـا عليهـا الـدول العربيـة ومحاولـة كسـب‬ ‫قواعـد للتأييـد واملسـاندة وإضفـاء نـوع مـن الشـرعية السياسـية عليهـا فــي السـاحة الدول َّيـة‪،‬‬ ‫وكسـب تأييد الدول اإلفريق َّية من أجل تسـوية الصراع العربي‪-‬اإلسـرائيلي‪ ،‬ودعم متطلَّبات‬ ‫وتوسـعها‪ ،‬وبناء قاعدة اسـتراتيجية‬ ‫األمن املائي اإلسـرائيلي التي تُ َع ّد عماد اسـتمرار الدولة‬ ‫ُّ‬ ‫شـد األطراف‪ ،‬إذ تعتمد‬ ‫لتحقيق الهيمنة اإلقليمية‪ ،‬وذلك من خالل ما ميكن تسـميته مبدأ ّ‬ ‫إسـرائيل علـى ال َّنيْـل مـن أطـراف نظـام األمـن العربـي باعتبـاره املسـته َدف فــي االسـتراتيجية‬ ‫اإلسـرائيل َّية‪ً ،‬‬ ‫فضلا عـن حريـة املالحـة فــي البحـر األحمـر باعتبارهـا أحـد امل ُ َ‬ ‫عطيَـات احمللِّ َّيـة‬ ‫لألمن اإلسرائيلي مبا يشمله من توفـير املتطلبات العسكرية واالقتصاد َّية لدولة إسرائيل(‪.)21‬‬ ‫ممـا‬ ‫اتبعـت إسـرائيل وسـائل عديـدة للدخـول إلـى قلـب املجتمعـات اإلفريق َّيـة مستفــيدة َّ‬ ‫ميكـن تسـميته «النمـوذج اإلسـرائيلي» الـذي يسـتطيع جـذب اهتمـام وتأييـد املجتمـع الدولـي‪.‬‬ ‫ولعل سياسة املساعدات التنموية تعد إحدى أبرز هذه األدوات التي تستخدمها الدبلوماس َّية‬ ‫اإلسـرائيل َّية لتحقيـق هـذه الغايـة‪ ،‬وقـد درج كثيـر مـن ال ُكتَّـاب اإلسـرائيليني علـى وصـف هـذه‬ ‫االسـتراتيجية بأنهـا مت ّثـل تطبيقًـا ملبـدأ القـوة الناعمـة ‪ Soft Power‬جلوزيـف نـاي‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫املساعدات التنموية إلفريقيا‪:‬‬ ‫حتاول إسرائيل أن تستخدم برنامج التعاون الدولي لتحقيق أهداف سياستها اخلارج َّية‬ ‫جتاه إفريقيا‪ ،‬مستفــيدة من خبرتها فــي مجال الزراعة والري وتخطيط املدن والتعاونيات‪،‬‬ ‫ومـع تطـور ال َعالقـات اإلسـرائيل َّية اإلفريق َّيـة تَ َو َّس َـعت هـذه البرامـج حتـى إن إسـرائيل أنشـأت‬ ‫وحدة التعاون الدولي «مشاف» داخل وزارة اخلارج َّية إلدارة وتنسيق برامج تلك املساعدات‪.‬‬ ‫ولعـ ّل مـن أبـرز املشـروعات التـي تق ِّدمهـا إسـرائيل إلفريقيـا فــي مجـال الزراعـة واألمـن‬ ‫الغذائـي‪ ،‬مشـروع «حديقـة السـوق اإلفريق َّيـة» ويهـدف املشـروع إلـى تقليـل املخاطـر وزيـادة‬ ‫اإلنتاجيـة فــي املـزارع العائليـة الصغيـرة التـي تقـع فــي نطـاق األراضـي القاحلـة(‪.)22‬‬ ‫املساعدات العسكرية واالستراتيجية‬ ‫تتنوع األسـاليب العسـكرية التي تلجأ إليها إسـرائيل السـتكمال دائرة نفوذها وسـيطرتها‬ ‫املؤسسـات السياسـية فــي إفريقيا‪ ،‬إذ امت ّد تغلغلها لكي يشـمل إقامة القواعد‬ ‫املباشـرة على َّ‬ ‫العسـكرية ومراكـز املخابـرات واالشـتراك فــي تأمين بعـض األنظمـة اإلفريق َّيـة‪ ،‬وقـد جنحـت‬ ‫فــي إقامـة َعالقـات تعـاون عسـكري مـع أكثـر مـن ‪ 25‬دولـة إفريق َّيـة(‪.)23‬‬ ‫ويتميز الوجود اإلسرائيلي فـي إريتريا بأنه محدود‪ ،‬ولكنه مؤ ّثر وذو مغزًى كبير‪ ،‬ففـي عام‬ ‫‪ 2012‬كشـفت وكالة «سـتراتفور» األمريك َّية أن إسـرائيل متتلك وحدات بحرية فــي أرخبيل‬ ‫ً‬ ‫للتنصـت فــي جبـال أمبـا سـويرا‪ .‬وتسـتهدف‬ ‫فضلا عـن وجـود مركـز‬ ‫دهلـك ومينـاء مصـوع‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫هـذه القواعـد جمـع املعلومـات االسـتخباراتية عـن أي أنشـطة غيـر معتـادة فــي ميـاه البحـر‬ ‫سـيما مـن إيـران‪.‬‬ ‫األحمـر‪ ،‬وال َّ‬ ‫إن الهاجس األمني هو الدافع األكبر إلريتريا الذي يجعلها ِّ‬ ‫توطد ال َعالقات مع إسرائيل‪،‬‬ ‫فإثيوبيا أضحت دولة حبيسة بعد استقالل إريتريا‪ ،‬وهي ما فتئت حتاول الوصول إلى مياه‬ ‫البحـر األحمـر مـن خلال إعـادة السـيطرة علـى مينـاء عصـب‪.‬‬ ‫ويبـدو أن محاولـة إريتريـا كسـر طـوق العزلـة الدول َّيـة عليهـا هـي مـا دفعهـا إلـى التعـاون‬ ‫مـع إيـران التـي تسـعى للسـيطرة علـى بـاب املنـدب والطريـق املائـي املـؤ ِّدي إلـى قنـاة السـويس‪،‬‬ ‫وعليـه أضحـت إريتريـا سـاحة لتنافـس القـوى الشـرق أوسـطية املتنافسـة (إسـرائيل وإيـران)‬ ‫مبـا يهـ ِّدد املصالـح العربيـة فــي املنطقـة(‪.)24‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪73‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫التغلغل التجاري‪-‬االقتصادي‬ ‫يحتــ ّل اجلانــب االقتصــادي فـــي اســتراتيجية إســرائيل للتغلغــل فـــي إفريقيــا أه ِّم َّيــة‬ ‫كبيــرة‪ ،‬فقــد ارتفــع حجــم التبــادل التجــاري مــع بعــض الــدول اإلفريق َّيــة فـــي عــام ‪،2010‬‬ ‫فـــي مق ِّدمتهــا كينيــا‪ ،‬إذ بلــغ حجــم الصــادرات معهــا نحــو ‪ 67‬مليــون دوالر وحجــم واردتهــا‬ ‫‪ 18,9‬مليــون دوالر عــام ‪ ،2010‬وإثيوبيــا بصــادرات بلغــت نحــو ‪ 19,7‬مليــون دوالر وواردات‬ ‫بنحــو ‪ 45,7‬مليــون دوالر عــام ‪.)25(2010‬‬ ‫وتســتهدف إســرائيل الســيطرة على قطاع الصناعة االســتخراجية فـــي القا َّرة اإلفريق َّية‪،‬‬ ‫مر ِّكــزة فـــي هــذا املجــال علــى اســتغالل الثــروات الطبيعيــة كاألملــاس فـــي كل مــن الكونغــو‬ ‫الدميقراطيــة وســيراليون وغانــا وإفريقيــا الوســطى‪ ،‬واليورانيــوم فـــي النيجــر‪.‬‬ ‫وميلــك اإلســرائيليون اليــوم كبــرى الشــركات التــي تتحكــم فـــي االقتصــاد‬ ‫اإلفريقــي‬ ‫ّ‬ ‫كشــركة «أغريــد أب» للتطـ ُّور الزراعــي التــي تســتصلح األراضــي وتقيــم املــزارع‪ ،‬وشــركة «ألــرا»‬ ‫و»موتــوروال» ‪ Motorola‬و«كــون التجاريــة» و«ســوليل بونيــه ‪ »SolelBoneh‬الفــرع اخلارجــي‪،‬‬ ‫وكذلــك شــركة «فنــادق إفريقيــا»‪ ،‬وغيرهــا‪.‬‬ ‫واســتحوذت الشــركات اإلســرائيل َّية علــى تعاقــدات قيمتهــا أكثــر مــن أربعــة مليــارات‬ ‫دوالر إلقامــة املبانــي احلكوميــة ومــ ّد شــبكات الطــرق واجلســر وحفــر األنفــاق وإنشــاء‬ ‫املوانــي‪ ،‬وتوافــد فـــي إطــار هــذا النشــاط آالف اخلبــراء واملستشــارين اإلســرائيليني علــى‬ ‫الــدول اإلفريق َّيــة‪ .‬وتصــدر إســرائيل إلــى القــا َّرة طائــرات النقــل والتدريــب والطائــرات املقاتلــة‬ ‫والدبابــات وأجهــزة االتصــال والصواريــخ(‪.)26‬‬ ‫ـس األدوات التــي اســتخدمتها‬ ‫أخيـ ًرا‪ ،‬ميكــن القــول إن اســتخدام السياســة اإليران َّيــة نَ ْفـ َ‬ ‫إســرائيل لكســب األفارقــة‪ ،‬وهــي دبلوماس ـ َّية املســاعدات التنمويــة‪ ،‬هــو مــا يثيــر حفـــيظة‬ ‫إســرائيل التي ترى فـــي إيران وسياســتها اإلفريق َّية تهدي ًدا مباشـ ًرا ملصاحلها االســتراتيجية‬ ‫فـــي القا َّرة الســمراء‪.‬‬ ‫احملور الثالث‬ ‫اإليراني فـي إفريقيا‬ ‫القوة الناعمة» لتنفـيذ االختراق‬ ‫دبلوماس َّية « َّ‬ ‫ّ‬

‫إن اســتراتيجية إيــران جتــاه إفريقيــا مص َّممــة بشــكل عــا ٍّم لتخفـــيف وطــأة الضغــوط‬ ‫الدبلوماس ـ َّية واالقتصاد َّيــة الناجمــة عــن املنافســة مــع الغــرب‪ ،‬وعلــي الرغــم مــن أن هــذه‬ ‫‪74‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫املنافســة تصــل إلــى نتائــج مختلفــة فـــي كل مــن الــدول املعنيــة‪ ،‬فــإن كثيـ ًرا مــن هــذه الــدول‬ ‫توضــح لنــا كيــف تتنافــس الواليــات املتَّحــدة األمريك َّيــة وإيــران فـــي‬ ‫ميكــن أن يكــون منــاذج ِّ‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬وهــو مــا ســيتَّضح مــن خــال تنــاول األدوات التــي تنفــذ مــن خاللهــا إيــران سياســاتها‬ ‫اخلارج َّيــة جتــاه إفريقيــا‪ ،‬وتتمثــل فـــي‪:‬‬ ‫األدوات الدبلوماس َّية‪ ..‬ودبلوماس َّية «القوة الناعمة»‬

‫تنتهج إيران دبلوماس َّية براغماتية جتاه الدول اإلفريق َّية‪ ،‬فـي إطار منافستها مع إسرائيل‬ ‫والواليــات املتَّحــدة‪ ،‬فإســرائيل لديهــا ســج ّل‬ ‫تاريخــي طويــل مــن ال َعالقــات الدبلوماســ َّية‬ ‫ّ‬ ‫واالقتصاد َّيــة واألمن َّيــة مــع إفريقيــا‪ ،‬وأســهمت جهودهــا الدبلوماس ـ َّية الواســعة فـــي أنحــاء‬ ‫هــذه القــا َّرة فـــي عرقلــة تَ َو ُّســع النفــوذ اإليرانـ ّـي‪ ،‬غيــر أن إيــران متكنــت مــن حتقيــق بعــض‬ ‫املكاســب مؤخَّ ـ ًرا علــى حســاب إســرائيل‪ ،‬ففـــي مــارس ‪ 2010‬علــى ســبيل املثــال اقتربــت‬ ‫إيــران مــن موريتانيــا‪ ،‬عندمــا أقدمــت موريتانيــا علــى قطــع َعالقاتهــا مــع إســرائيل بســبب‬ ‫احلــرب اإلســرائيل َّية علــى قطــاع غــزة‪.‬‬

‫وفـــي ســبتمبر ‪ 2010‬اســتضافت طهــران مؤمتــر قمــة إيران‪-‬إفريقيــا ملــدة يومــن لتعزيــز‬ ‫املشــاركة الواســعة‪ ،‬وحضــر املؤمتــر دول ودبلوماســيون ورجــال أعمــال وقــادة مــن نحــو ‪50‬‬ ‫دولــة إفريق َّيــة‪ ،‬وفـــي محاولتــه اســتثارة مشــاعر عــدم االنحيــاز لــدى عديــد مــن القــادة‬ ‫األفارقــة‪ ،‬اسـ َّ‬ ‫ـتغل أحمــدي جنــاد املناســبة ملــدح إمكانيــة التعــاون بصــورة أكبــر‪ ،‬والتنويــه بــأن‬ ‫إيــران والــدول اإلفريق َّيــة ميكــن أن تنشــئ نظا ًمــا َ‬ ‫عال ًيــا يقــوم علــى أســاس «احتــرام حقــوق‬ ‫الــدول وكرامتهــا»‪.‬‬

‫غيــر أن جهــود إيــران الدبلوماس ـ َّية ال تــزال مق َّيــدة بعوامــل عديــدة‪ :‬أولهــا أن إيــران ال‬ ‫متلــك املــوارد التــي تضاهــي التأثيــر االقتصــادي والدبلوماســي واإلنســاني للقــوى الكبــرى فـــي‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬وهــي علــى وجــه التحديــد الواليــات املتَّحــدة األمريك َّيــة والصــن‪ .‬ثانيهــا أنــه علــى‬ ‫يرحــب باجلهــود اإليران َّيــة لتعزيــز ال َعالقــات‬ ‫الرغــم مــن أن كثيــ ًرا مــن الــدول اإلفريق َّيــة ِّ‬ ‫االقتصاد َّيــة‪ ،‬فإنــه ال يُتوقــع أن تنشــئ عالقــة ارتبــاط مــع طهــران إذا كان مثــل هــذا الدعــم‬ ‫سـيُ ِ‬ ‫لحق ضــر ًرا خطيـ ًرا بال َعالقــات القائمــة ســابقًا مــع القــوى األكثــر ثــرا ًء واســتقرا ًرا‪ .‬ثالثهــا‬ ‫أن جتــارة األســلحة الســرية التــي متارســها إيــران‪ ،‬وعالقتهــا املعقــدة مــع القــوى املتشــددة‬ ‫التــي تعمــل بالوكالــة عنهــا تــؤ ِّدي إلــى تعقيــد َعالقــات إيــران فـــي هــذه املنطقــة‪ .‬وأخي ـ ًرا‬ ‫فــإن طموحــات إيــران فـــي إفريقيــا مق َّيــدة بســوء الوضــع االقتصــادي الداخلــي‪ ،‬والضغــوط‬ ‫اخلارج َّيــة الناجمــة عــن العقوبــات(‪.)27‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪75‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫مثــال ذلــك دولــة جنــوب إفريقيــا ذات العالقــة املتأرجحــة مــع إيــران‪ ،‬فقــد تعاملــت‬ ‫ـووي اإليرانـ ّـي بالتأكيــد املتكــرر‬ ‫جنــوب إفريقيــا مــع العقوبــات املتصاعــدة ضـ ّد البرنامــج النـ ّ‬ ‫لضــرورة أن تســعى الــدول التــي وقعــت معاهــدة عــدم انتشــار األســلحة النوو َّيــة إلــى امتــاك‬ ‫الطاقــة النوو َّيــة لألغــراض الســلمية‪َ .‬‬ ‫وتا ُو ًبــا مــع الضغــوط الدول َّيــة فقــد وقفــت شــركات‬ ‫جنــوب إفريقيــا التــي لديهــا اســتثمارات فـــي إيــران‪ ،‬مثــل شــركة «ساســول ‪ »Sasol‬التــي تعــد‬ ‫أكبــر شــركة منتجــة لوقــود الســيارات مــن الفحــم فـــي العالَــم‪ ،‬توســعة عملياتهــا فـــي إيــران‪،‬‬ ‫وراجعــت مشــروعاتها احلال َّيــة(‪.)28‬‬ ‫لــذا اعتمــدت الدبلوماسـ َّية اإليران َّيــة علــى سياســة «املســاعدات التنمويــة» التــي تُ َعـ ّد مــن‬ ‫أبــرز األدوات التــي تســتخدمها لتحقيــق أهدافهــا‪ ،‬وحتــاول إيــران أن تســتخدم برنامــج التعــاون‬ ‫الدولــي لتحقيــق أهــداف سياســتها اخلارج َّيــة جتــاه إفريقيــا‪ ،‬أي إن سياســة املســاعدات‬ ‫التنمويــة التــي تقدمهــا للــدول اإلفريق َّيــة مت ِّثــل تطبي ًقــا عمل ًيــا ملفهــوم «القــوة الناعمــة»‪.‬‬ ‫وقدمــت املســاعدات التنمويــة‬ ‫لقــد عملــت إيــران علــى تســويق النمــوذج اإليرانـ ّـي إلفريقيــا‪َّ ،‬‬ ‫والتعــاون املشــترك‪ ،‬وال سـ َّيما فـــي قطــاع التكنولوجيــا ومجــاالت الطاقــة‪ ،‬مثــل التنقيــب عــن‬ ‫ال ِّن ْفــط وصيانــة معامــل تكريــر ال ِّن ْفــط واســتغالل اإلمكانيــات البتروكيماويــة والغــاز‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إلــى تنميــة القطاعــات الزراعيــة والصحيــة وإقامــة الســدود واالســتفادة مــن قــدرة إيــران‬ ‫املتطــورة فـــي مجــال الدفــاع واالســتخدامات العســكرية(‪.)29‬‬ ‫ففـــي تنزانيا افتتحت إيران مكت ًبا جلهاد التعمير لتنفـــيذ عدد من املشروعات العمرانية‬ ‫املقدمــة منحـ ًة مــن احلكومــة اإليران َّيــة وافتتحــت املركــز التعليمــي فـــي منطقــة ســركا‪ .‬وفـــي‬ ‫َّ‬ ‫نيجيريــا أقامــت جســر «جــاو» علــى نهــر النيجــر مبعونــة فنِّيــة إيران َّيــة واملســاعدات فـــي نقــل‬ ‫اخلبــرات والتكنولوجيــا فـــي مجالَــي الزراعــة والصناعــة‪ ،‬ومنهــا إنشــاء ِعـ َّـدة مصانــع إلنتــاج‬ ‫الســيارات واحلافالت واملعدات الزراعية‪ .‬وفـــي أوغندا أنشــأت سـ َّـدين على النيل ومحطات‬ ‫لتوليــد الكهربــاء باســتخدام املســاقط املائيــة املوجــودة‪ .‬وفـــي الســنغال طـ َّو َرت إيــران مشــروع‬ ‫النقــل فأرســلت ‪ 300‬ســيارة ســمند(‪.)30‬‬ ‫وعلــي الرغــم مــن ذلــك فــإن برامــج املســاعدات األمريك َّيــة أ َّدت دو ًرا مه ًمــا فـــي خلــق‬ ‫صـ ٍّـد قويــة فـــي الــدول التــي حتــاول طهــران التقـ ُّرب إليهــا وتوثيــق َعالقاتهــا بهــا‪ ،‬وهــو‬ ‫حواجــز َ‬ ‫مــا قلَّــل احلضــور اإليرانـ ّـي فـــي إفريقيــا نســب ًيا مقارنــه مبــا حتتــاج إليــه هــذه الــدول للقيــام‬ ‫بعمليــة التنميــة ومواجهــه االختــاالت الهيكليــة فـــي موازيــن مدفوعاتهــا وتدهــور اقتصادياتهــا‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫األدوات االقتصاد َّية ودبلوماس َّية «الن ِّْفط مقابل اليورانيوم»‬ ‫تُ َعــ ّد زميبابــوي حالــة واضحــة لتبنِّــي إيــران دبلوماســ َّية «ال ِّنفْــط مقابــل اليورانيــوم»‪،‬‬ ‫ألن اجلهــود اإليران َّيــة لتشــغيل دورة وقــود مســتقلَّة متا ًمــا فـــي املفاعــات النوو َّيــة اإليران َّيــة‬ ‫حتتــاج إلــى مــا هــو أكثــر مــن التقنيــة املتطــورة واملهندســن والعلمــاء املتخصصــن‪ ،‬فبــا‬ ‫ـووي‪،‬‬ ‫تأمــن كميــات كافـــية مــن خــام اليورانيــوم فــإن تلــك العمليــة‪ ،‬أي تشــغيل دورة الوقــود النـ ّ‬ ‫ســتكون مســتحيلة متا ًمــا‪ .‬وبالفعــل فـــي إبريــل ‪ 2010‬و َّق َعــت إيــران اتِّفاقــا ُس ـ ِّمي «اتِّفاقيــة‬ ‫تعزيــز وحمايــة االســتثمار الثنائــي» مــع زميبابــوي لالســتفادة مــن احتياط َّيــات اليورانيــوم‬ ‫غيــر املســت َغلَّة مــن زميبابــوي‪ ،‬مقابــل تزويدهــا بال ِّن ْفــط الــذي حتتــاج إليــه بشــدة لإلبقــاء علــى‬ ‫اقتصادهــا املتهالــك‪ ،‬ومبوجبهــا سـيُتاح إليــران أن تصــل إلــى مــا يقــدر بنحــو ‪ 455‬ألــف طــن‬ ‫مــن اليورانيــوم اخلــام الــذي قــد ينتــج ‪ 20‬ألــف طــن مــن اليورانيــوم القابــل للتخصيــب‪ .‬فـــي حــن‬ ‫يبــدو أن هــذه االتِّفاقيــة توقفــت لــدى البرملــان الزميبابــوي بســبب الضغــوط الدول َّيــة عليــه(‪.)31‬‬ ‫الحــظ إن السياســة اإليران َّيــة التــي جنحــت فـــي إبــرام كثيــر مــن اتِّفاقيــات التعــاون‬ ‫امل ُ َ‬ ‫الثنائــي فـــي معظــم مجــاالت االقتصــاد والتعــاون الف ِّنــي مــع الــدول اإلفريق َّيــة‪ ،‬وكــذا فـــي‬ ‫ـاص فـــي القــا َّرة‪ ،‬لــم حت ّقــق حتــى الوقــت الراهــن‬ ‫فتــح آفــاق واســعة لالســتثمار العــا ّم واخلـ ّ‬ ‫نفــس القــدر مــن النجــاح فـــي تنميــة التجــارة البينيــة مــع أغلــب دول القــا َّرة بســبب بعــض‬ ‫اإلشــكاليات التــي حتـ ّد مــن انطــاق السياســة اإليران َّيــة فـــي إفريقيــا‪ ،‬ويأتــي علــى رأس هــذه‬ ‫اإلشــكاليات وجــود قــدر كبيــر مــن التخ ـ ُّوف لــدى اجلانــب اإلفريقـ ّـي مــن ارتبــاط النشــاط‬ ‫التنمــوي وال َعالقــات االقتصاد َّيــة اإليران َّيــة مــع دول القــا َّرة مبحــاوالت إيــران لتصديــر ال َّثــورة‬ ‫اإلســامية إلــى القــا َّرة‪ ،‬أو لنشــر املذهبــي الشــيعي‪.‬‬ ‫األداة املذهبية ومآالت امل َّد الشيعي‬ ‫فـــي هذا اإلطار تأتي نيجيريا أكثر بلدان إفريقيا من حيث انتشــار التشـ ُّيع فـــيها‪ ،‬ففـــي‬ ‫مدينــة زاريــا توجــد «احلركــة اإلســامية»‪ ،‬أكبــر تنظيــم يضـ ّم ِّ‬ ‫الشــي َعة اإلماميــة فـــي غــرب‬ ‫إفريقيــا عمو ًمــا‪ ،‬فتهتـ ّم باألوضــاع العا َّمــة للمســلمني ِّ‬ ‫الشــي َعة وإقامــة االحتفــاالت آلل البيــت‪،‬‬ ‫مؤسســات تربوية شــيع َّية شــبه رســم َّية يبلغ عددها ‪ 50‬مدرســة‪ ،‬فـــي مدينة كانو‬ ‫كما ظهرت َّ‬ ‫وباوشــي ووزاريــا والغــوس ومكتبــة «أمــان األُ َّمــة اإلســامية» و«املدرســة الفوديــة»‪ .‬وإعالم ًيــا‬ ‫توجــه اإلذاعــة اإليران َّيــة ب ًثــا يوم ًيــا إلــى دولــة نيجيريــا يســتغرق أكثــر مــن ثــاث ســاعات(‪.)32‬‬ ‫ِّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪77‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫ونظ ـ ًرا إلــى ال َعالقــات املتميــزة مــع بنــن‪ ،‬تنشــط الســفارة اإليران َّيــة فـــي إحيــاء معالَــم‬ ‫التش ُّيع بها‪ ،‬ال س َّيما فـي املناسبات الدينية الكبرى‪ ،‬وللجالية الشيع َّية دور كبير فـي االستثمار‬ ‫فـــي إقامــة املــدارس واملعاهــد‪ ،‬أبرزهــا «الكوثــر اإلســامي» واملستشفـــيات واملســتوصفات‪،‬‬ ‫واملؤسســات الدعوية واخليرية‪ ،‬أبرزها «أهل البيت اإلســامي للدعوة والتبليغ‬ ‫وفتح املراكز‬ ‫َّ‬ ‫باراكــو» و«مركــز األمــام الصــادق للدعــوة واإلرشــاد ‪ -‬كانــدي»‪ .‬وغال ًبــا مــا يستفـــيد الراغبــون‬‫مــن احلاصلــن علــى شــهادة الثانويــة مــن معاهدهــم مــن االبتعــاث إلــى إيــران(‪.)33‬‬ ‫وفـــي مالــي أُنشــئ املركــز الثقافـــي اإليرانـ ّـي فـــي العاصمــة باماكــو‪ ،‬وتوجــد ‪ 10‬مــدارس‬ ‫منوذجــا‬ ‫تابعــة لــه‪ ،‬وتَخـ َّرج فـــيها عديــد مــن اخلطبــاء واألئمــة فـــي البــاد‪ .‬وتُعتبــر جــزر القمــر‬ ‫ً‬ ‫ملــدى قــدرة إيــران علــى االختــراق والتغلغــل ومحــاوالت تَشـيِيع هــذه الدولــة املســلمة‪ ،‬ففـــي‬ ‫عــام ‪ 2006‬أُنشــئ مركــز ثقافـــي فـــي العاصمــة مورنــي يُ َسـ َّمى «مركــز الثقلــن»‪ ،‬ومــن مها ِّمــه‬ ‫جتميــع وابتعــاث الطــاب والطالبــات فـــي احلــوزات اإليران َّيــة (‪.)34‬‬

‫اخلامتة‬ ‫اإليراني فـي إفريقيا‬ ‫رؤية حول املنافسة االستراتيجية للقوى الدول َّية ومآالتها على النفوذ‬ ‫ّ‬

‫تأتــي ُّ‬ ‫توغــات إيــران فـــي إفريقيــا نتيجــة جلهــود دبلوماسـ َّية حثيثــة ترمــي إلــى تخفـــيف‬ ‫الضغــوط الناجمــة عــن العقوبــات التــي تقودهــا الــدول الغربيــة‪ ،‬إذ يتصاعــد النفــوذ اإليرانـ ّـي‬ ‫ـووي مــع الغــرب فـــي ‪ 14‬يوليــو‬ ‫فـــي دول القــا َّرة الســمراء‪،‬‬ ‫بخاصــة بعــد توقيعهــا اتِّفاقهــا النـ ّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ ،2015‬فـــي ظـ ّل تأثيــر املشــاركة األمريك َّيــة املســتدامة‪ ،‬والضغــوط التــي متارســها الواليــات‬ ‫املتَّحــدة علــى الــدول املعنيــة‪ ،‬وفــرض العقوبــات علــى تلــك التــي تفكــر فـــي تزويــد إيــران‬ ‫باملــوا ِّد االنشــطارية أو التــي تن ِّفــذ ذلــك بالفعــل‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫التوغــات اإليران َّيــة بعــن فاحصــة تعمــل علــى فهــم مقاصــد‬ ‫وتتابــع الواليــات املتَّحــدة‬ ‫اســتراتيجية إيــران الشــاملة فـــي محاوالتهــا لتجنُّــب الضغــوط الغربيــة وتوســيع مصاحلهــا‬ ‫اإلقليميــة‪ .‬مــن هــذا املنطلــق وافــق مجلــس النــواب األمريكـ ّـي علــى متديــد قانــون العقوبــات‬ ‫املفروضــة علــى إيــران ملــدة عشــر ســنوات فـــي نوفمبــر ‪ 2016‬لــردع ســعي طهــران للحصــول‬ ‫علــى أســلحة نوو َّيــة‪.‬‬ ‫ميكــن القــول إنــه رغــم املخــاوف األمريك َّيــة واإلســرائيل َّية مــن التمـ ُّدد اإليرانـ ّـي فـــي القــا َّرة‪،‬‬

‫‪78‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫ـجل أي ســلوك يضــر باملصالــح األمريك َّيــة مباشــرة‪ ،‬وإن كانــت تقديــرات األمنيــن‬ ‫فإنــه لــم يسـ َّ‬ ‫ضت املنشــآت النوو َّية اإليران َّية لهجوم‬ ‫اإلســرائيليني أن هذا االحتمال يبقى وار ًدا إذا ما تَع َّر َ‬ ‫عســكري‪ ،‬وأي مكســب إيرانـ ّـي فـــي القــا َّرة ال شــك سـ ِّ‬ ‫ـتوظفه لصاحلهــا حينهــا‪ ،‬ولكــن يبــدو‬ ‫أن احلســابات احلال َّيــة تتوقــف عنــد املكاســب الدبلوماسـ َّية‪ ،‬واالقتصاد َّيــة ومحاولــة متكــن‬ ‫مؤيديــن لهــا أو حتــى أتبــاع جــدد‪.‬‬ ‫وال تــزال إيــران بعيــدة للغايــة عــن التوصــل إلــى حتالــف َ‬ ‫عالــي ملوازنــة قــوة الغــرب‪ ،‬غيــر أن‬ ‫بُ ْعـ َد إيــران عــن الوصــول إلــى هــذا الهــدف إمنــا يأتــي نتيجــة االنخــراط الن َِّشــط ويقظــة الــدول‬ ‫بخاصــة مــع املســاعي الســعود َّية‬ ‫التــي تعمــل علــى عزلهــا واحملافظــة علــى الوضــع القائــم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أس َســت املباحثــات التــي أجراهــا وزيــر‬ ‫األخيــرة حملاصــرة الوجــود اإليرانـ ّـي فـــي القــا َّرة‪ ،‬إذ َّ‬ ‫ـعودي مــع بعــض الرؤســاء ووزراء اخلارج َّيــة واملســؤولني اآلخريــن فـــي بعــض‬ ‫اخلارج َّيــة السـ ّ‬ ‫البــاد اإلفريق َّيــة‪ ،‬مــن بينهــا جنــوب إفريقيــا وزامبيــا وأوغنــدا وكينيــا وإثيوبيــا وبوركينــا‬ ‫َواصــل مه َّمــة بــن الطرفـــن‪.‬‬ ‫فاســو وبنــن وغيرهــا‪ ،‬جســور ت ُ‬ ‫وكانــت امتــدا ًدا للِّقــاءات املك َّثفــة التــي أجراهــا الوزيــر مــع الزعمــاء األفارقــة فـــي‬ ‫أديــس أبابــا فـــي أثنــاء ِق َّمــة ِّ‬ ‫االتــاد اإلفريقـ ّـي األخيــرة‪ ،‬فضـ ًـا عــن بعــض املباحثــات التــي‬ ‫أجراهــا اجلبيــر فـــي بعــض البــاد العربيــة فـــي إفريقيــا‪ ،‬ومــن بينهــا الســودان وتونــس‬ ‫واملغــرب ومصــر وموريتانيــا وغيرهــا‪ ،‬والتــي أثبتــت حقيقيــة إدمــاج العمــل العربــي اإلفريقـ ّـي‬ ‫املشــترك بقيــادة اململكــة‪.‬‬

‫وجاءت النتائج ســري ًعا‪ ،‬ســواء على صعيد تشــكيل التحالف اإلســامي العســكري ملكافحة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬الــذي تلعــب الــدول اإلفريق َّيــة دو ًرا ُمهِ ًمــا فـــيه‪ ،‬أو علــى صعيــد قطــع ال َعالقــات مــع‬ ‫توجســهم مــن النفــوذ والتدخــات اإليران َّيــة‪ ،‬حتديـ ًدا بعــد االعتــداءات‬ ‫إيــران وحتجيمهــا‪ ،‬بعــد ُّ‬ ‫على البعثات الدبلوماس َّية السعود َّية فـي إيران‪.‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪79‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫الهوامــش واملراجــع‬ ‫(‪ )1‬نسرين قصاب‪" ،‬التنافس اإلسرائيلي‪-‬اإليراني فـي القرن اإلفريقي"‪ ،‬مركز املزماة للدراسات والبحوث‪ 1 ،‬أبريل ‪.2014‬‬ ‫‪https://goo.gl/M0VirQ‬‬ ‫‪(2) Brandon Fite, Chloe Coughlin Schulte, U.S and Iranian Strategic Competition: The Impact of Latin‬‬ ‫‪America, Africa, and the Peripheral States, (USA, Center for Strategic and International Studies, July‬‬ ‫‪2013), p24 - 23.‬‬ ‫(‪ )3‬عبد امللك علي احلامدي‪" ،‬التوغل اإليراني فـي القارة اإلفريقية"‪ ،‬مركز اخلليج العربي للدراسات اإليرانية‪ 25 ،‬يوليو‬ ‫‪https://goo.gl/CV5lj5 .2016‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬السيد عوض عثمان‪" ،‬النفوذ اإليراني الناعم فـي القارة اإلفريقية"‪ ،‬سلسلة دوليات‪ ،‬ع‪( ،1‬القاهرة‪ :‬املركز العربي‬ ‫للدراسات اإلنسانية‪ ،‬يناير ‪ ،)2010‬ص‪-‬ص ‪.49-48‬‬ ‫(‪ )5‬د‪.‬جنالء مرعي‪" ،‬موقع إفريقيا فـي استراتيجية األمن القومي األمريكي ‪ ،"2015‬املؤمتر السنوي بعنوان "التحديات‬ ‫األمنية واالقتصادية الراهنة فـي إفريقيا‪( ،‬جامعة القاهرة‪ :‬معهد البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،)2016 ،‬ص‪-‬ص‪.140-138‬‬ ‫(‪ )6‬عبد املنعم طلعت‪ ،‬الهجوم الهادئ‪ :‬املصالح االستراتيجية األمريكية والتهديدات األمنية فـي خليج غينيا‪( ،‬القاهرة‪:‬‬ ‫مؤسسة األهرام‪ ،)2008 ،‬ص‪-‬ص‪.173-165‬‬ ‫(‪ )7‬عبد املنعم طلعت‪" ،‬مشاكل األمن واالستقرار فـي خليج غينيا"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬ع‪ ،177‬يوليو ‪ ،2009‬ص‪-‬ص‪.266-265‬‬ ‫(‪ )8‬عبد املنعم طلعت‪ ،‬الهجوم الهادئ‪ :‬املصالح االستراتيجية األمريكية والتهديدات األمنية فـي خليج غينيا‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪-‬ص‪.170-162‬‬ ‫‪(9) "Sub - Saharan Africa: Overview of U.S Foreign Assistance to Africa" ,www.usaid. gov.‬‬ ‫(‪ )10‬د‪.‬جنالء مرعي‪ ،‬ال ِّنفْط والدماء‪ :‬االستراتيجية األمريكية جتاه إفريقيا "السودان منوذجا"‪( ،‬القاهرة‪ :‬املركز العربي‬ ‫للدراسات اإلنسانية‪ ،)2012 ،‬ص‪.163‬‬ ‫‪(11) Volman, Daniel., "The Bush Administration & African Oil; the security Implications of Us Energy‬‬ ‫‪policy", Review of African Political Economy, No. 98, 2003, pp . 576 - 578.‬‬ ‫‪(12) Crawley, Vince., "U-S Military's Africa Command will help African leaders: Officials say new AFRICOM‬‬ ‫‪will emphasize humanitarian missions, civil affairs", Bureau of International Information programs, U-S‬‬ ‫‪Department of state, April 2007.‬‬ ‫(‪ )13‬د‪.‬جنالء مرعي‪ ،‬ال َعالقات األمريكية السودانية‪ :‬ال ِّنفْط والتكالب األمريكي على السودان‪( ،‬القاهرة‪ :‬العربي للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،)2016 ،‬ص‪.87‬‬ ‫(‪ )14‬شهيناز العقباوي‪" ،‬حرب سعودية‪-‬إيرانية باردة فـي إفريقيا‪ ..‬دبلوماسية اململكة تغزو القارة السمراء"‪ ،‬األهرام‬ ‫العربي‪ 12 ،‬مارس ‪.2017‬‬ ‫(‪ )15‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫(‪ )16‬أحمد الغريب‪" ،‬النشاط العسكري اإليراني فـي القرن اإلفريقي وحقيقة املخاوف اإلسرائيلية؟"‪ ،‬احلملة العاملية‬ ‫ملقاومة العدوان‪ 24 ،‬أبريل ‪https://goo.gl/R6RYZW .2009‬‬ ‫(‪ )17‬زهير فهد احلارثي‪" ،‬السعودية ودول القرن اإلفريقي‪ ..‬مغزى الزيارات!"‪ ،‬جريدة الرياض‪ 12 ،‬فبراير ‪.2017‬‬ ‫(‪ )18‬إسالم فرحات‪" ،‬السعودية وإفريقيا‪ ..‬هل جاء الرد على إيران متأخِّ ًرا؟!"‪ ،‬إسالم أون الين‪ 19 ،‬ديسمبر ‪.2016‬‬ ‫‪http://islamonline.net/19450‬‬ ‫(‪ )19‬عبد احلليم حامت‪" ،‬استدارة السعودية نحو إفريقيا‪ ..‬استثمار سياسي بجدوى أعلى!"‪ ،‬اخلليج أونالين‪24 ،‬فبراير‬ ‫‪https://goo.gl/HsoueF .2016‬‬ ‫(‪ )20‬د‪.‬أماني الطويل‪" ،‬إسرائيل والقرن اإلفريقي‪ :‬مح ِّددات العالقة وآليات التطبيق"‪ ،‬فـي‪ :‬إجالل رأفت وآخرون‪ ،‬العرب‬ ‫والقرن اإلفريقي‪ :‬جدلية اجلوار واالنتماء‪( ،‬الدوحة‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،)2013 ،‬ص‪-‬ص‪.342-341‬‬

‫‪80‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫إيران ومواجهة التدافع الدولي نحو إفريقيا‬

‫(‪ )21‬د‪.‬حمدي عبد الرحمن‪" ،‬إسرائيل وإفريقيا فـي عالَم متغير‪ :‬من التغلغل إلى الهيمنة"‪ ،‬سلسلة دراسات مصرية‬ ‫إفريقية‪ ،‬ع‪( ،3‬جامعة القاهرة‪ :‬مركز الدراسات املصرية اإلفريقية‪ ،‬أكتوبر ‪ ،)2001‬ص‪.2‬‬ ‫(‪ )22‬د‪.‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬االختراق اإلسرائيلي إلفريقيا‪( ،‬قطر‪ :‬منتدى ال َعالقات العربية والدولية‪ ،)2015 ،‬ص‪-‬ص‪.92-90‬‬ ‫(‪ )23‬جمال منصور حسن‪ ،‬دور املؤسسة العسكرية فـي صنع السياسة اخلارجية اإلسرائيلية جتاه إفريقيا بعد انتهاء‬ ‫احلرب الباردة عام ‪ ،1991‬رسالة ماجستير‪( ،‬جامعة القاهرة‪ :‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،)2012 ،‬ص‪-‬ص‪.132-130‬‬ ‫(‪ )24‬د‪.‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬االختراق اإلسرائيلي إلفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.112-111‬‬ ‫‪(25) Israel Center Bureau of Statistics, Export and Imports by Country of Purchases and Destination 2010.‬‬ ‫(‪ )26‬عامر خليل أحمد خليل‪ ،‬السياسة اخلارجية اإلسرائيلية جتاه إفريقيا "السودان منوذجا"‪( ،‬بيروت‪ :‬مركز الزيتونة‬ ‫للدراسات واالستشارات‪ ،)2011 ،‬ص‪-‬ص‪.43-41‬‬ ‫‪(27) Brandon Fite, Chloe Coughlin Schulte, U.S and Iranian Strategic Competition: The Impact of Latin‬‬ ‫‪America, Africa, and the Peripheral States, (USA, Center for Strategic and International Studies, July‬‬ ‫‪2013), p22.‬‬ ‫‪(28) Ibid, pp 2526.‬‬ ‫(‪ )29‬شريف شعبان مبروك‪" ،‬السياسة اخلارجية اإليرانية فـي إفريقيا"‪ ،‬دراسات استراتيجية‪ ،‬ع‪( ،166‬أبو ظبي‪ :‬مركز‬ ‫اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،)2011 ،‬ص‪-‬ص‪.65-64‬‬ ‫(‪ )30‬ماهر محمد علي‪ ،‬ال َعالقات اإليرانية‪-‬اإلفريقية منذ عام ‪ ،1979‬رسالة ماجستير‪( ،‬القاهرة‪ :‬معهد البحوث والدراسات‬ ‫اإلفريقية‪ ،)2009،‬ص‪-‬ص‪.131-126‬‬ ‫(‪ )31‬د‪.‬جنالء مرعي‪" ،‬االختراق اإليراني الناعم فـي إفريقيا ومآالته على األُ َّمة العربية فـي ظ ّل الربيع العربي"‪ ،‬فـي‬ ‫(األمة ومعركة الطائفـية)‪ ،‬التقرير االستراتيجي الثالث عشر للمركز العربي للدراسات اإلنسانية‪( ،‬القاهرة‪ :‬املركز العربي‬ ‫للدراسات اإلنسانية‪ ،)2016 ،‬ص‪-‬ص‪.378-375‬‬ ‫(‪ )32‬تقرير التش ُّيع فـي إفريقيا (تقرير ميداني)‪ ،‬مركز مناء‪ ،‬الرياض ‪ ،2011‬ص‪-‬ص‪.234-230‬‬ ‫(‪ )33‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.132-130‬‬ ‫(‪ )34‬د‪.‬السيد عوض عثمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.70-69‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪81‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫وِ الية َ‬ ‫الم ْذ َ‬ ‫بي‬ ‫الفقِ يه فـي العقل َ‬ ‫ه ّ‬ ‫اإليراني المعاصر‬ ‫والسياسي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المحددات الفكر َّية للت َّيار المعارض‬ ‫ِّ‬

‫د‪.‬فتحي أبو بكر املراغي‬ ‫باحث سياسي متخصص فـي الشأن اإليراني‬ ‫مبركز اخلليج العربي للدراسات اإليرانية‬

‫تؤسـس اجلُ مهور َّيـة اإلسلام َّية فــي إيـران ملشـروعية نظامهـا احلاكـم َوفْ ـق نظريـة‬ ‫ِّ‬ ‫ِو َليـة الف َِقيـه الفقه َّيـة ِّ‬ ‫الديـن احل َّـق املطلـق فــي قيـادة‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية‪ ،‬التـي متنـح رجـال ِّ‬ ‫وتزعـم ال ِّنظـام السياس ّـي دون بقيـة فئـات الشـعب‪ ،‬إذ إن ثـورة ‪1979‬م‬ ‫املجتمـع‬ ‫ُّ‬ ‫التـي قامـت فــي إيـران فكّ كـت بنيـة الدولـة السـابقة عليهـا عمل ًيـا وتنظير ًيـا‪ ،‬فلـم‬ ‫تعـد الشـرع َّية امللكيـة مسـ ِّوغً ا للحكـم و َق ُبـول احملكومين بسـلطة احلاكـم فــي‬ ‫ُ‬ ‫إيـران‪ ،‬بـل أنتـج ال ِّنظـام السياس ّـي اجلديـد نظريـة ِو َليـة الف َِقيـه بشـكلها احلداثـي‬ ‫الديـن فــي اجلُ مهور َّيـة‬ ‫نظريـةً سياسـ َّيةً فقه َّيـةً تؤسـس لشـرع َّية حكـم رجـال ِّ‬ ‫اإليران َّيـة‪.‬‬ ‫الدراسـة احمل ِّـددات الفكر َّيـة للت َّيـار املعـارض ِلو َليـة‬ ‫وفــي هـذا السـياق تتنـاول ِّ‬ ‫الدراسات‬ ‫الف َِقيه فـي األدب َّيات السياس َّية اإليران َّية املعاصرة‪ ،‬وقد سبقها كثير من ِّ‬ ‫التـي تناولـت عـرض نظريـة ِو َليـة الف َِقيـه وانعكاسـاتها علـى ال ِّنظـام السياس ّـي‬ ‫مسـت احلاجـة‬ ‫اإليرا ّنـي‪ ،‬وكذلـك احلَـ َراك السياس ّـي املعـارض ِلو َليـة الف َِقيـه‪ ،‬لـذا َّ‬ ‫إلـى توضيـح احمل ِّـددات الفكر َّيـة التـي انطلقـت منهـا معارضـة ِو َليـة الف َِقيـه والتـي‬ ‫أسـهمت فــي تشـكيل العقـل امل َْذ َهب ّـي والسياس ّـي اإليران ّـي املعاصـر‪.‬‬ ‫‪82‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫تتنـاول ال ِّدراسـة فــي مق ِّدمتهـا تَطـ ُّور نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه للوقـوف علـى طبيعـة تطـور‬ ‫صالح َّيـات ال َو ِل ّـي الف َِقيـه‪ ،‬ثـم تقسـم ال ِّدراسـة احملـ ِّددات الفكر َّيـة للت َّيـار املعـارض لوِ َليـة‬ ‫الف َِقيـه إلـى قسـمني‪ :‬األول هـو احملـ ِّددات املَذ َْهبيـة التـي ينـدرج حتتهـا أربعـة محـ ِّددات‪:‬‬ ‫‪ -1‬احلكـم ِّ‬ ‫بالش ْـرك والتكفــير‪ -2 ،‬رفـض وِ َليـة الف َِقيـه لعـدم ثبـوت أد ّلتهـا مـن مرو َّيـات آل‬ ‫البيـت‪ -3 ،‬رفـض وِ َليـة الف َِقيـه لعـدم ثبوتهـا فــي كتـب علمـاء ِّ‬ ‫الشـي َعة األوائـل‪ -4 ،‬رفـض‬ ‫تَ َو ِّلـي رجـال ال ِّديـن املناصـب اإلداريـة التنفــيذية‪ .‬أمـا القسـم الثانـي فــيتناول احملـ ِّددات‬ ‫السياسـ َّية للت َّيـار املعـارض لوِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬وينـدرج حتتهـا ثالثـة محـددات‪ -1 :‬نظريـة‬ ‫الشـرع َّية اإلله َّيـة َّ‬ ‫الشـعب َّية‪ -2 ،‬تناقـض وِ َليـة الف َِقيـه مـع احلكـم الدميقراطـي‪ -3 ،‬الدعـوة‬ ‫إلـى البروتسـتانتية اإلسلام َّية‪.‬‬ ‫تطـور نظريـة ِو َليـة الف َِقيـه‬

‫ترجع األصول التاريخية لنظرية وِ َلية الف َِقيه إلى بداية عهد تدوين الفقه ِّ‬ ‫الش ِيع ّي فـي‬ ‫القرن الرابع الهجري‪ ،‬إذ لوحظت إرهاصاتها فـي مؤ َّلفات أعالم ِّ‬ ‫الشي َعة أمثال الشيخ‬ ‫املفـيد (م‪413‬هـ‪.‬ق) (‪ ،)1‬والسيد املرتضى (م‪436‬هـ‪.‬ق)(‪ .)2‬كانت بداية احلديث عن وِ َلية‬ ‫اخلاصة التي خلصوا إليها نتيجة استنتاجهم‬ ‫الف َِقيه مقصورة على ما يُع َرف بالوالية‬ ‫َّ‬ ‫قاعدة أن جميع احلكام فـي عهد غيبة اإلمام غاصبون حلقّ اإلمام وال يجوز التعامل معهم‪،‬‬ ‫وينوب الفقيه ِّ‬ ‫الش ِيع ّي اجلامع للشرائط عن اإلمام الغائب فـي القضاء وإقامة احلدود‬ ‫ولي له واحملجور عليهم وجمع الصدقات وتوزيعها متى ِأم َن احلاك َم‬ ‫والوالية على من ال ّ‬ ‫حلقِّ إمام الزمان(‪ .)3‬ومع قيام الدولة الصفوية ِّ‬ ‫املغتص َب َ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِيع َّية مطلع القرن‬ ‫اجلائ َر‬ ‫السادس عشر امليالدي‪ ،‬أ َق َّر علماء ِّ‬ ‫الشي َعة أمثال احملقّق الكركي(‪ )4‬بشرع َّية حكم امللك‬ ‫الصفوي فـي عصر الغيبة‪ ،‬مقابل اإلقرار باملكانة السياس َّية للفقهاء‪ ،‬وذلك بتعيني احملقّق‬ ‫الكركي فـي منصب نائب اإلمام املهدي‪ ،‬وواصل أئمة ِّ‬ ‫الشي َعة فـي عهد الدولة الصفوية‬ ‫ترسيخ هذه املكانة لعلماء ال ِّدين عمل ًيا وتنظير ًيا(‪.)5‬‬ ‫خطا أحمد النراقي(ت‪1245‬هـ)(‪)6‬خطوة أكبر فـي التنظير لوِ َلية الف َِقيه‪ ،‬بدأها‬ ‫بضرورة قيام الدولة فـي أي عصر هاد ًما قاعدة االنتظار وإدانة جميع ا ُ‬ ‫حل َّكام باغتصاب‬ ‫حقّ اإلمام الغائب‪ .‬النراقي كان يدعو إلى وِ َلية الف َِقيه على احلكام‪ ،‬من منطلق الضرورة‬ ‫َ‬ ‫حتظ آراء النراقي بتأييد واسع بني فقهاء ِّ‬ ‫الشي َعة إال أن جاء ا ُ‬ ‫ال املشروعية‪ .‬ولم‬ ‫ميني‬ ‫خل ّ‬ ‫بنظرية الوالية العا َّمة للفقيه‪.‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪83‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫انطلق ا ُ‬ ‫ميني فــي إثبات شـرع َّية تو ِّلي الفقيه شـؤون الدولة من منطلق ضرورة إقامة‬ ‫خل ّ‬ ‫الدولة فــي عصر الغيبة‪ ،‬وإثبات أفضلية تو ِّلي الفقيه بأد َّلة عقل َّية ال نقل َّية من قبيل القدرة‬ ‫علـى الفهـم والتأويـل ألحـكام الشـريعة‪ ،‬ونقـل احلديـث عـن وِ َليـة الف َِقيـه سـواء مـن الواليـة‬ ‫نـص عليـه الدسـتور‬ ‫اإليرانـي‬ ‫الصغـرى أو نصـح الفقيـه للحاكـم إلـى احلكـم املباشـر‪ ،‬وهـو مـا ّ‬ ‫ّ‬ ‫املهـدي تكـون واليـة األمـر‬ ‫صراحـ ًة فــي املـا َّدة اخلامسـة منـه‪ ،‬وتقـول‪« :‬فــي زمـن غيبـة اإلمـام‬ ‫ّ‬ ‫وإمامـة األ ُ َّمـة فــي ُجمهور َّيـة إيـران اإلسلام َّية بيـد الفقيـه العـادل‪ ،‬املتقـي‪ ،‬البصيـر بأمـور‬ ‫العصـر‪ ،‬الشـجاع القـادر علـى اإلدارة والتدبيـر»(‪ ،)7‬وهـذه املـا َّدة تضـع الفقيـه علـى رأس هـرم‬ ‫الس ْـلطة فــي ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة اإليران َّيـة‪ ،‬بعبـارة واليـة األمـر وإمامـة األُ َّمـة‪ ،‬وإن كان الدسـتور فــي‬ ‫ُّ‬ ‫ـص علـى وجـوب إدارة شـؤون الدولـة باالعتمـاد علـى رأي األ ُ َّمـة الذي‬ ‫املـا َّدة التاليـة مباشـرة ينُ ّ‬ ‫يتجلـى عـن طريـق انتخـاب رئيـس ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة والبرملـان واملجالـس احمللِّ َّية‪.‬‬ ‫ال شـك فــي أن صياغـة املا َّدتَين مختلفـة إلـى حـ ّد كبيـر مـن حيـث احلسـم والوضـوح‬ ‫للولـي الفقيـه‪ ،‬ومكانـة رئيـس ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة‬ ‫املسـتخ َدم فــي إثبـات واليـة األمـر وإمامـة األُ َّمـة‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬لـذا ظلـت حـول حـدود صالح َّيـات كل منهمـا مسـاحة‬ ‫فــي بنيـة النِّظـام‬ ‫السياسـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للنقاش‪ ،‬إلى أن أعلن ا ُ‬ ‫ميني فــي عام ‪1988‬م مبدأ وِ َلية الف َِقيه املُطلَقة‪ ،‬التي تعني َوفْق‬ ‫خل ّ‬ ‫وجههـا إلـى خامنئـي رئيـس ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة آنـذاك أن األحكام والقـرارات الصادرة‬ ‫الرسـالة التـي ّ‬ ‫مؤسسـة فــي الدولـة‬ ‫عـن ال َو ِل ّـي الف َِقيـه أعلـى مـن القانـون وأعلـى مـن صالح َّيـات أي فـرد أو َّ‬ ‫اإلسالم َّية‪.‬‬ ‫رمبـا كانـت األد َّلـة العقل َّيـة التـي ق ّدمهـا ا ُ‬ ‫صحـة وِ َلية الف َِقيه العا َّمة واملُطلَقة‬ ‫مينـي على َّ‬ ‫خل ّ‬ ‫فجـ َرت ‪-‬وال تـزال‪ -‬موجـات مـن االعتـراض‬ ‫مقنعـة للت َّيـار املؤ ِّيـد لـه‪ ،‬لكنهـا فــي نفـس الوقـت َّ‬ ‫والرفض داخل إيران‪ ،‬سـواء َوفْق مح ِّددات فقه َّية ِش ِ‬ ‫سياسـية مدن َّية‪.‬‬ ‫ـيع َّية أو مح ِّددات‬ ‫َّ‬ ‫محددات الرفض الفقهي ِلو َلية الف َِقيه‬ ‫أ‪-‬‬ ‫ِّ‬ ‫علـى الرغـم مـن أن االعتراضـات الفقه َّيـة علـى وِ َليـة الف َِقيـه بـدأت منـذ اللحظـة األولـى‬ ‫إلعالنهـا‪ ،‬ألنهـا لـم َ َ‬ ‫تْـظ ب َقبُـول معظـم فقهـاء ِّ‬ ‫الشـي َعة فــي ذلـك الوقـت باسـتثناء آيـة اهلل‬ ‫بروجـردي الـذي وافـق عليهـا بشـكل محـدود ومشـروط‪ ،‬فإننـا ال نريـد أن نتنـاول تلـك‬ ‫االعتراضـات َوفْـق الترتيـب الزمنـي لهـا‪ ،‬ولكـن نتناولهـا مـن حيـث التقـارب فــي املنطلقـات‬ ‫الفكر َّيـة التـي صـدرت عنهـا‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫احلكم ِّ‬ ‫بالش ْرك والتكفـير‬

‫يسـتند احلكـم ِّ‬ ‫بالشـ ْرك والتكفــير للقائـل بوِ َليـة الف َِقيـه إلـى أن الواليـة املُطلَقـة للفقيه ال‬ ‫أسـاس لهـا فــي القـرآن الكـرمي‪ ،‬وأن املؤمنين بهـا سـواء امللا أحمـد النراقـي أو ا ُ‬ ‫مينـي لـم‬ ‫خل ّ‬ ‫معي من‬ ‫يأتيـا بـأي اسـتدالل مـن القـرآن الكـرمي إلثبـات وِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬مع القول بـأن الفقيه َّ‬ ‫النبـي أو اإلمـام إلدارة أمـور املسـلمني ال ِّدي ِن َّيـة والدنيو َّيـة‪ ،‬وهـو مـا ذكـره ا ُ‬ ‫ميني‬ ‫خل ّ‬ ‫قبـل اهلل أو ّ‬ ‫رئيسـا للحكومة‬ ‫صراحـ ًة فــي عـدة مواقـع‪ ،‬منهـا ر ُّده علـى الرافضين تعيينـه مهـدي بازرجان ً‬ ‫نصبته فتنصيبي له إمنا‬ ‫املؤ َّقتـة بعـد ال َّثـورة‪ ،‬إذ قـال‪:‬‬ ‫ٌّ‬ ‫وحـري بـي التذكيـر مـرة أخرى بأنني إذ ّ‬ ‫نصبتـه فـإن طاعتـه‬ ‫جـاء بفضـل الواليـة التـي أمتتَّـع بهـا مـن لـدن الشـارع‬ ‫َّ‬ ‫املقـدس‪ ،‬وإننـي إذ َّ‬ ‫واجبـة‪ ،‬وعلـى الشـعب اتِّباعـه(‪ .)8‬وهـو مـا يُ َعـ ُّد افتـرا ًء علـى اهلل ورسـوله وكذ ًبـا عليهما‪.‬‬ ‫اخلطاب الذي‬ ‫دعم القو َل بحكم تكفــير القائل بوِ َلية الف َِقيه لدي أصحاب هذا الرأي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وج َهـه ا ُ‬ ‫مينـي إلـى خامنئـي فــي عـام ‪1988‬م الـذي قـال فــيه‪« :‬احلكومـة التـي هـي شـعبة‬ ‫َّ‬ ‫خل ّ‬ ‫مـن الواليـة املُطلَقـة للرسـول صلـى اهلل عليـه وسـلم واحـد مـن األحـكام األوليـة لإلسلام‬ ‫ومقدمـة حتـى علـى الصالة والصـوم وا َ‬ ‫حل ّج»‪ ،‬ألن ما‬ ‫ومقدمـة علـى جميـع األحـكام الفرعيـة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اعتمـد عليـه ا ُ‬ ‫مينـي فــي مقولتـه تلـك هـو اآليـات القرآنيـة التـي ورد فــيها كلمـة «احلكم»‪،‬‬ ‫خل ّ‬ ‫أو «األحـكام»‪ ،‬فــي حين يـرى أصحـاب هـذا الـرأي أن كلمـة «احلكـم» فــي القـرآن الكـرمي‬ ‫تعنـي التحكيـم والقضـاء والقواعـد األخالقيـة وال ِّدي ِن َّيـة وال تعنـي إجبـار النـاس علـى اإلميان‬ ‫وعبـادة اهلل‪ ،‬أو تسـيير شـؤون الدولـة(‪.)9‬‬ ‫ع َّبـر عـن هـذا الـرأي آيـ ُة اهلل السـيد أبـو الفضـل بـن الرضـا البرقعـي القمـي‬ ‫(ت‪1991‬م) فــي كتابـه «سـوانح األيـام»‪ ،‬يقـول البرقعـي‪« :‬ينبغـي لنـا أن ال نُلبِـس القوانين‬ ‫الشـرك َّية لبـاس اإلسلام‪ ،‬فقـد يقـول قائـل‪ :‬ثَ َّمـة مجموعـة مـن األخبـار واألحاديـث ّ‬ ‫تـدل على‬ ‫واليـة الفقهـاء‪ .‬واجلـواب‪ :‬ال توجـد أي آيـة أو حديـث يقـول بـأن للفقهـاء واليـة علـى املؤمنين‪،‬‬ ‫وقـد يتمسـك بعضهـم ببعـض األخبـار الـواردة مـن مثـل «العلمـاء ورثـة األنبيـاء» ويط ِّبقُونهـا‬ ‫علـى وِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬وقـد يسـتدلون بقـول «فارجعـوا إلـى رواة أحاديثنـا»‪ ،‬مـع أن هـذا اخلبـر‬ ‫ال ّ‬ ‫يـدل علـى ذلـك أبـ ًدا‪ .‬ثان ًيـا‪ :‬ال يجـوز َقبُـول األخبـار التـي تخالـف القـرآن‪ ،‬وهـؤالء يُريـدون‬ ‫ضـوا أنفسـهم علـى الشـعب مـن خلال بعـض األخبـار‪ ،‬والـذي كتبه الفقهـاء املتق ِّدمون‬ ‫أن يَفرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫وت َّدثوا عنه هو أن للفقيه واحلاكم اجلامع للشـرائط والي ًة على اليتيم والصغير واملجنون‬ ‫(‪)10‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪85‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫ولـي‪ ،‬واآلن هـؤالء يجعلـون جميـع الشـعب فــي حكـم الصغـار واملجانين‬ ‫إذا لـم ي ُكـن لهـم ّ‬ ‫الذيـن يجـب أن يكونـوا حتـت واليتهـم‪ ،‬يضعـون العمائـم علـى رؤوسـهم‪ ،‬ويدعـون النـاس إلـى‬ ‫وِ َليـة الف َِقيـه‪ .‬وال يَخفَـى أن طاعـة احلاكـم املسـلم فــي اإلسلام واجبـة علـى الشـعب‪ ،‬وذلـك‬ ‫إذا حكـم بطاعـة اهلل‪ ،‬ففــي احلقيقـة إمنـا نطيعـه طاعـ ًة ألمـر اهلل ال ملجـرد ُح ِ‬ ‫كمـه وواليتـه‪،‬‬ ‫يختـص باملجتهـد‪ ،‬ألننـا نعـرف‬ ‫لهـذا نطيعـه سـواء كان مجتهـ ًدا أو غيـر مجتهـد‪ ،‬فاألمـر ال‬ ‫ّ‬ ‫أن مصطلـح «مجتهـد» لـم يظهـر إال فــي القـرن الرابـع الهجـري‪ ،‬وأنـا شـخص ًيا لـم أتوقـع‬ ‫إطال ًقـا أن يُفـ َرض ِّ‬ ‫الشـ ْرك ‪-‬شـرك الطاعـة‪ -‬رسـم ًيا فــي ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة‪ ،‬ألن مـن سـ َّوغ طاعـة‬ ‫ونصـب نفسـه نـ ًدا هلل سـبحانه وتعالـى‪ ،‬ونحن‬ ‫ُمطلَقـة ملعبـود غيـر اهلل فقـد أقـ َّر بالطاغـوت‪َّ ،‬‬ ‫يجـب أن نقـول احلـقّ مـع أن (أكثرهـم للحـق كارهـون) يقـول تعالـى فــي كتابـه املجيـد‪َ ﴿ :‬و َمـا‬ ‫يـر﴾ [البقـرة‪ .]107:‬وإعطـاء الواليـة الكاملـة لغيـر اهلل‬ ‫لَ ُكـم ِ ّمـن ُدونِ اهلل ِمـن َو ِل ّـي َو َل نَ ِص ٍ‬ ‫تعالـى دليـل علـى الكفـر والشـرك»‪.‬‬ ‫مؤسـس حـوزة قـم العلميـة‪ ،‬وقـد حصل‬ ‫البرقعـي هـو أحـد تالمـذة عبـد الكـرمي احلائـري ِّ‬ ‫علـى إجـازة االجتهـاد فــي النجـف مـن السـيد أبـو احلسـن األصفهاني‪ ،‬وينتمـي البرقعي إلى‬ ‫جماعـة القرآنيين ِّ‬ ‫الشـي َعة‪ ،‬وقـد أعلـن وهـو فــي اخلامسـة واألربعين مـن عمـره أن َمذ َْهـب‬ ‫ِّ‬ ‫والتوسـل باألئمة‪ ،‬وقال إن‬ ‫علي بن أبي طالب‬ ‫ُّ‬ ‫الشـي َعة به كثير من اخلرافات‪ ،‬منها تقديس ّ‬ ‫حكـم ا ُ‬ ‫خـاص بغنائـم احلـرب فقـط‪ ،‬ورفـض االعتقـاد فــي كرامـات ومعجـزات قبـور‬ ‫خل ْمـس‬ ‫ّ‬ ‫بخاصـة كتابـه «درس عـن الواليـة»‪،‬‬ ‫األئمـة‪ .‬وقـد أحدثـت آراؤه ردود فعـل قويـة فــي إيـران‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ـب الشـيخ محمـد بـن عبـد الوهـاب وابـن‬ ‫وزاد مـن ردود الفعـل الغاضبـة‬ ‫َ‬ ‫جتاهـه ترجمتُـ ُه ُكتُ َ‬ ‫تيميـة‪ ،‬ومنهـا كتـاب «التوحيـد»‪ ،‬إلـى اللغة الفارسـ َّية(‪.)11‬‬ ‫مينـي قولـه‪« :‬كان السـيد ا ُ‬ ‫ومـن آراء البرقعـي فــي ا ُ‬ ‫مينـي غار ًقـا فــي الفلسـفة‬ ‫خل ّ‬ ‫خل ّ‬ ‫اليونانية والعرفان‪ ،‬وليس عنده ِّ‬ ‫اطالع كبير على حقائق القرآن‪ ،‬ويفسر القرآن حسب آراء‬ ‫الفالسـفة‪ ،‬ويعتقـد أن كتـاب اهلل ليـس ً‬ ‫قابلا للفهـم‪ ،‬كأنـه لـم يقـرأ قـول اهلل عـن القـرآن بأنه‬ ‫ّاس﴾[البقـرة‪!]1855:‬‬ ‫ّـاس﴾[آل عمـران‪ ،]138:‬و﴿ ُهـ ًدى ِللنَ ِ‬ ‫َّـاس﴾‪ ،‬و﴿بَيَـا ٌن ِللنَ ِ‬ ‫﴿ َم ْو ِع َظـ ٌة ِللن ِ‬ ‫مينـي ِّ‬ ‫وأسـتطيع القـول بـأن السـيد ا ُ‬ ‫حـد كبيـر»(‪.)12‬‬ ‫متلطـخ باخلرافـات إلـى ٍّ‬ ‫خل ّ‬

‫تَعـ َّرض البرقعـي لكثيـر مـن النقـد واالتهـام بسـبب آرائـه الرافضـة لوِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬وقـد‬ ‫السـنَّة‪ ،‬وقـد أنكـر ذلـك فــي مذ ّكراتـه‪ ،‬واتُّهِ ـ َم‬ ‫ـي بـه فــي السـجن بتُه َمـة اتِّبـاع َمذ َْهـب أهـل ُّ‬ ‫أ ُ ِلق َ‬ ‫‪86‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫باتِّبـاع فكـر اإلمـام محـم بـن عبـد الوهـاب‪ ،‬وكذلـك أنكـره‪ .‬ال شـك فــي أن كثيـ ًرا مـن علمـاء‬ ‫ِّ‬ ‫الشـي َعة فــي بدايـة عهـد ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة اإليران َّيـة قـد عارضـوا وِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬لكـن ألسـباب‬ ‫متعـ ِّددة‪ ،‬أمـا البرقعـي فقـد َ َ‬ ‫كمـه بتكفــير ا ُ‬ ‫بح ِ‬ ‫مينـي بافترائـه علـى اهلل مـا‬ ‫ت َّيـز مـن غيـره ُ‬ ‫خل ّ‬ ‫لـم يَـرِ ْد فــي القـرآن الكـرمي‪.‬‬ ‫رفض ِو َلية الف َِقيه لعدم ثبوت أدلَّتها من مرو َّيات آل البيت‬ ‫أتبـاع هـذا النهـج االسـتداللي فــي رفـض وِ َليـة الف َِقيـه لـم يقولـوا بتكفــير ا ُ‬ ‫مينـي‪،‬‬ ‫خل ّ‬ ‫وإمنـا لضعـف االسـتدالل مـن روايـات آل البيـت رفضـوا نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬وإن كان وراء‬ ‫السياسـي مـع ا ُ‬ ‫مينـي بدايـة األمـر‪ ،‬ثـم‬ ‫رفضهـم دوافـع سياسـ َّية الشـتراكهم فــي العمـل‬ ‫خل ّ‬ ‫ّ‬ ‫افترقوا عنه بعدما وجدوا أن وِ َلية الف َِقيه ت ِ‬ ‫الس ْـلطة التي كان‬ ‫ُعطي الفقيه سـلطة أكبر من ُّ‬ ‫يتمتـع بهـا الشـاه‪ .‬ومـن ممثلـي هـذا ِّ‬ ‫االتـاه آيـة اهلل العظمـى محمـد حسـن طباطبائـي قمـي‬ ‫(‪2007-1905‬م)(‪ )13‬وآية اهلل املرجع محمد كاظم شريعتمداري (‪1905‬م‪1986-‬م) (‪.)14‬‬ ‫تتَّع القائلون بهذا الرأي مبكانة علمية وفقه َّية رفــيعة بني ِّ‬ ‫َ​َ‬ ‫الشـي َعة‪ ،‬فكل من طبطبائي‬ ‫قمـي وشـريعتمداري كان مـن مراجـع التقليـد داخـل إيران وخارجهـا‪ ،‬وقد عارض طباطبائي‬ ‫قمـي الروايـات املنقولـة حـول مـا يتعلـق بصالح َّيـات وِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬وقـال بأنهـا إمنـا تنحصـر‬ ‫فـي بيان الوظيفة ال ِّدي ِن َّية‪ ،‬ويرى طباطبائي قمي أن لفظ «حاكم» الذي جاء فـي مقولة ابن‬ ‫حنظلـه «وقـد جعلتـه عليكـم حاك ًمـا» تشـير إلـى احلكـم بين النـاس فــي مـا يتعلـق بالفصـل‬ ‫بين املنازعـات والفتـوى‪ ،‬وال تعنـي حاك ًمـا مبعنـى سـلطان أو أميـر أو الواليـة العا َّمـة فــي‬ ‫سائر األمور(‪ .)15‬أما شريعتمداري الذي دعم ا ُ‬ ‫ميني فــي بداية عهد ال َّثورة وأ َّيد تأسيس‬ ‫خل ّ‬ ‫ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة اإلسلام َّية فــي اسـتفتاء عـام ‪1980‬م فقـد عـارض وِ َليـة الف َِقيـه عندمـا أُدرِ َجت‬ ‫بخاصـة فــي‬ ‫فــي الدسـتور وأعطـت ال َو ِل ّـي الف َِقيـه صالح َّيـات سياسـ َّية وعسـكر َّية وإدار َّيـة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫اإليرانـي(‪ ،)16‬وهـذا يعنـي أن معارضـة شـريعتمداري لوِ َليـة‬ ‫املـا َّدة رقـم ‪ 110‬مـن الدسـتور‬ ‫ّ‬ ‫سياسـي وإن أسـبغ عليهـا اسـتدالالت فقه َّيـة مـن بـاب إعـادة تفسـير‬ ‫الف َِقيـه كانـت بدافـع‬ ‫ّ‬ ‫املرو َّيـات التـي اسـتندت إليهـا نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه‪.‬‬ ‫رفض ِو َلية الف َِقيه لعدم ثبوتها فـي كتب علماء ِّ‬ ‫الشي َعة األوائل‬ ‫اعتمـد عـدد مـن ال ُكتَّـاب ُ‬ ‫بخاصـة فــي عهـد حكومـة اإلصلاح إبـان رئاسـة‬ ‫امل َدثين‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫للجمهور َّيـة اإليران َّيـة‪ ،‬فــي إعلان رفضهـم واليـة الفقيـه‪ ،‬علـى عـدم ورودهـا‬ ‫محمـد خامتـي ُ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪87‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫فــي مؤ َّلفـات علمـاء ِّ‬ ‫الشـي َعة منـذ القـرن الرابـع الهجـري حتـى العصـر احلديـث‪ ،‬إال فــي مـا‬

‫ولـي لـه مثـل‬ ‫يتعلـق بالقضـاء ومـا يترتَّـب عليـه مـن إقامـة احلـدود والتعزيـر ورعايـة مـن ال ّ‬ ‫األيتـام واملجانين والسـفهاء‪ ،‬مـع التصـرف فــي أموالهـم‪ .‬وحتـى القـرن العاشـر الهجـري‬ ‫السياسـي ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي يعتـرف بحكـم حاكـم غيـر معصـوم‪ ،‬ألن العصمـة لديهـم‬ ‫لـم ي ُكـن الفكـر‬ ‫ّ‬

‫النبـي واألئمـة مـن بعـده‪ ،‬ولـم يتحـدث علمـاء ِّ‬ ‫الشـي َعة‬ ‫شـرط احلكـم‪ ،‬وهـي ال تتوافـر إال فــي‬ ‫ّ‬ ‫عـن أي نظريـة سياسـ َّية إلدارة املجتمـع‪ ،‬ومـن خلال رصـد ت َ​َطـ ُّور نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه فــي‬

‫مرحلـة متأخـرة مـن تاريـخ الفقـه ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي(‪ ،)17‬يسـعى أصحـاب هـذا املنهـج إلـى إثبـات أنـه ال‬ ‫يوجـد منشـأ إلهـي لوِ َليـة الف َِقيـه وأنهـا محـض نظريـة سياسـ َّية ال عالقـة لهـا بال ِّديـن‪ِ ،‬‬ ‫ومـن‬ ‫ثَـ َّم ال قداسـة للولـي الفقيـه وال حـقّ لـه فــي صالح َّياتـه املُطلَقـة التـي يسـتم ُّدها مـن خلال‬ ‫التفويـض اإللهـي الواصـل لـه عبـر األئمـة‪.‬‬

‫أصحـاب هـذا الـرأي محسـن كديـور‪ ،‬وقـد أ َّثـ َر فــي العقـل‬ ‫ميثـل‬ ‫بـي‬ ‫َ‬ ‫السياسـي واملَذ َْه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حاصل‬ ‫اإليراني منذ منتصف عقد التسـعينيات من القرن املاضي‪ ،‬ودعم مصداقيتَه كونُه‬ ‫ّ‬ ‫علـى إجـازة فــي االجتهـاد الفقهـي مـن آيـة اهلل منتظـري بعـد ‪ 17‬عا ًمـا مـن ال ِّدراسـات‬ ‫احلوزوية‪ ،‬ودرجة الدكتوراه فـي الفلسفة من جامعة «تربيت مدرس» بطهران‪ ،‬وما لبث أن‬

‫صـدرت بحقـه أحـكام قضائ َّيـة بالسـجن ثـم اإلبعـاد واملنـع مـن التدريـس‪ ،‬وانتهـى بـه املطـاف‬

‫إلـى اإلقامـة خـارج إيـران‪.‬‬

‫الدين املناصب اإلدارية التنفـيذية‬ ‫رفض تو ِّلي رجال ِّ‬ ‫املناصـب اإلداريـة سـوف يـؤ ِّدي إلـى‬ ‫أصحـاب هـذا الـرأي قالـوا إن تو ِّلـي رجـال ال ِّديـنِ‬ ‫َ‬ ‫ـب البعـض لهـم لقضـاء حوائجهـم‪ ،‬و ُكـره البعـض اآلخر‪ ،‬هذه الكراهية التي سـوف تنعكس‬ ‫ُح ّ‬

‫ِمـن ثَـ َّم علـى شـعور النـاس جتـاه ال ِّديـن ذاتـه‪ ،‬وسـتؤ ِّدي إلـى نفـور النـاس مـن ال ِّديـن بسـبب‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن الفسـاد املتو َّقـع حدوثـه‪،‬‬ ‫كراهيتهـم لرجـال ال ِّديـن الذيـن لـم يل ُّبـوا احتياجاتهـم‪،‬‬ ‫األمـر الـذي سـيضر باملكانـة الروحيـة لرجـال ال ِّديـن‪ ،‬ويحبـط دورهـم األساسـي فــي الدعوة‬

‫إلـى اهلل وتقريـب النـاس إلـى اإلميـان والنهـج القـومي‪ .‬ورأوا أن واجـب العلمـاء هـو االجتهـاد‬ ‫فــي أن تكون احلكومات ُم ِ‬ ‫ؤمنة بأصول اإلسلام وقواعد القانون‪ ،‬ونصح الناس بأن يعطوا‬ ‫أصواتهـم االنتخابيـة لألشـخاص الصاحلين ال أن يديـر الفقيـه الدولـة مباشـرةً‪.‬‬ ‫‪88‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫من أعالم هذا ِّ‬ ‫االتاه آيت اهلل السيد رضا زجناني (‪1903‬م ‪1983 -‬م)(‪ ،)18‬وقد ط َّبق‬ ‫أفـكاره عمل ًيـا برفضـه تو ِّلـي أي منصـب فــي حكومـة مصـدق‪ ،‬وتَك َّرر األمـر بعد ثورة ‪1979‬م‬ ‫مؤسـس حـوزة قـم السـيدان مرتضـي‬ ‫إذ رفـض هـو وأخـوه األكبـر السـيد أبـو الفضـل وولـدا َّ‬ ‫ومهـدي احلائـري‪ ،‬أن يتولـوا أي منصـب حكومـي‪ ،‬وطلبـوا مـن ا ُ‬ ‫مينـي أن مينع تَ َدخُّ ل رجال‬ ‫خل ّ‬ ‫ال ِّدين فــي إدارة الدولة(‪.)19‬‬ ‫لـم تقتصـر معارضـة رجـال ال ِّديـن اإليران ّيين نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه عبـر االسـتدالالت‬ ‫قد ْمناهـا‪ ،‬فقائمـة طويلـة مـن رجـال ال ِّديـن رفضوا تلـك الن َ​َّظرِ َّية‬ ‫الفقه َّيـة علـى النمـاذج التـي َّ‬ ‫وعارضوهـا‪ ،‬وأولئـك ميكـن إدراج منهـج معارضتهـم حتـت واحـد مـن االسـتدالالت الثالثـة‬ ‫السـابقة‪ ،‬وقـد تَعا َمـل نظـام ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة اإلسلام َّية معهـم بأسـلوب قمعـي بعيـد عـن أسـلوب‬ ‫احلـوار واملناظـرات الـذي كان أولـى بـه رجـال ال ِّديـن‪ ،‬ومنهـم علـى سـبيل املثـال ال احلصـر‪:‬‬ ‫آيـة اهلل محمـد الشـيرازي رأس التيـار الشـيرازي‪ ،‬وآيـة اهلل محمـد رضـا جلبايجانـي‪ ،‬وآيـة‬ ‫اهلل محمـد صـادق طهرانـي‪ ،‬وآيـة اهلل علـى صفائـي قمـي الـذي ُحكم عليه باإلقامة اجلبرية‬ ‫فــي منزلـه حتـى تـ ُو ّف‪ ،‬وآيـة اهلل أحمـد خوانسـاري‪ ،‬ومـن أبـرز املعارضين لوِ َليـة الف َِقيه‪ :‬آية‬ ‫اهلل محمـد الشـيرازي رأس الت َّيـار الشـيرازي‪ ،‬وآيـة اهلل محمـد رضـا جلبايجانـي‪ ،‬وآيـة اهلل‬ ‫محمـد صـادق طهرانـي‪ ،‬وآيـة اهلل علـى صفائـي قمـي الـذي ُحكـم عليـه باإلقامـة اجلبريـة‬ ‫فــي منزلـه حتـى تـ ُو ِّف‪ ،‬وآيـة اهلل أحمـد خوانسـاري الـذي تعـرض لإلهانـة بسـبب معارضتـه‬ ‫وحكـم عليـه باإلقامـة اجلبريـة فــي منزلـه حتـى تـ ُو ِّف فــي ظـروف غامضـة‪،‬‬ ‫وِ َليـة الف َِقيـه ُ‬ ‫ونفس املصير القاه آية اهلل حسين على منتظري‪ ،‬وآية اهلل السـيد حسـن طباطبائي قمي‪،‬‬ ‫وآيـة اهلل يوسـف صانعـي‪ ،‬وامتـ ّد األمـر إلـى مـن أظهـر تعاطفًـا مـع رجـال ال ِّديـن املعارضين‬ ‫بخاصـة مرجـع التقليـد آيـة اهلل شـريعتمداري الـذي اتهمـه النِّظـام‬ ‫لوِ َليـة الف َِقيـه‪،‬‬ ‫اإليرانـي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليراني مطلع ال َّثورة‪ ،‬فكان مصير كل من حضر جنازته‬ ‫بالضلوع فــي محاولة قلب النِّظام‬ ‫ّ‬ ‫مـن رجـال ال ِّديـن أنـه إمـا ُسـجن وإمـا ُحكـم عليـه باإلقامـة اجلبريـة فــي املنزل‪ ،‬أمثال السـيد‬ ‫رضـا الصـدر أخـي اإلمـام الصـدر‪ ،‬وآيـة اهلل طسـوجي‪ ،‬وآيـة اهلل سـيد رسـول(‪.)20‬‬ ‫محددات الرفض السياس َّية لنظرية ِو َلية الف َِقيه‬ ‫ِّ‬ ‫مـن الالفـت أن رفـض وِ َليـة الف َِقيـه فــي األدب َّيـات السياسـ َّية اإليران َّيـة كان سـابقًا علـى‬ ‫تأسـيس ا ُ‬ ‫جلمهور َّية اإليران َّية‪ ،‬وقبل ظهور نظرية وِ َلية الف َِقيه بشـكلها النهائي‪ ،‬فقد اقترن‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪89‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫اإليرانـي لتأسـيس حكـم نيابـي‬ ‫هـذا الرفـض بأحـداث ال َّثـورة الدسـتورية والنضـال‬ ‫ّ‬ ‫والتصـ ِّدي للملكيـة الدكتاتوريـة عـام ‪1906‬م‪.‬‬ ‫الشـعب َّية‬ ‫نظريـة الشـرع َّية اإلله َّيـة َّ‬ ‫أنتـج محمـد حسين الغـروي النائينـي املتوفَّـى عـام ‪1936‬م نظريـة «الشـرع َّية اإلله َّيـة‬ ‫َّ‬ ‫الشـعب َّية»‪ ،‬التـي تقـول إن اهلل قـد فـ َّوض أمـر تدبيـر سياسـة أ ُ َّمـة اإلسلام إلـى ذاتهـا‬ ‫لكـي تنفـذ حاكميتـه فــي إطـار معاييـر ال ِّديـن‪ ،‬والنـاس حـكام علـى شـؤونهم االجتماعيـة‬ ‫بتفويـض مـن اهلل عـز وجـ ّل‪ ،‬وليـس ألحـد أن يسـلبهم هـذا احلـقّ ‪ ،‬وعلـى النـاس أن يختاروا‬ ‫للشـروط الشـرع َّية حتـى ِّ‬ ‫زعيـم املجتمـع ومديريـه مـن بين احلائزيـن ُّ‬ ‫ينظمـوا املجتمـع‬ ‫وفـق الدسـتور املتوائـم مـع أحـكام ال ِّديـن‪ ،‬ويسـتطيع الفقهـاء أن يضمنـوا عـدم تعـارض‬ ‫القوانين التـي يشـرعها النـاس مـع أحـكام الشـرع(‪.)21‬‬ ‫ذكر النائيني آراءه تلك فــي كتابه الشـهير «تنبيه األُ َّمة وتنزيه ا ِمللَّة» بتقدمي اثنني من‬ ‫كبـار مراجـع التقليـد بالنجـف همـا آيـة اهلل األخونـد محمـد كاظـم اخلراسـاني‪ ،‬والشـيخ‬ ‫اإليرانـي بـآراء النائينـي فــي حينهـا‬ ‫عبـد اهلل املازندرانـي‪ ،‬ومـع هـذا لـم يرحـب املجتمـع‬ ‫ّ‬ ‫ـيع ّي فــي ُم َ‬ ‫لتجاهلـه مبـادئ الفكـر ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫عظـم مقدماتـه وانطالقـه مـن مبـادئ اإلسلام‬ ‫العا َّمـة اللا َمذ َْهبيـة‪ ،‬وكان تأثُّـره بكتـاب «طبائـع االسـتبداد» لعبـد الرحمـن الكواكبـي‬ ‫واضحا(‪.)22‬‬ ‫ً‬ ‫اإليرانـي مبرحلـة ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة اإلسلام َّية‬ ‫أ َّثـر كتـاب النائينـي فــي العقـل‬ ‫السياسـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مـن خلال إعـادة آيـة اهلل الطالقانـي إلحيائـه عندمـا كتـب مق ِّدمـة لـه وأعـاد طباعتـه‬ ‫اإليرانـي منـذ ذلـك احلين‪ .‬لقـد‬ ‫أهـ ِّم مصـادر الفكـر‬ ‫السياسـي‬ ‫عـام ‪1955‬م‪ ،‬فصـار مـن َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسـي حول شـرع َّية الدولة‬ ‫أحدثت آراء النائيني تغيي ًرا جوهر ًيا فــي مسـار اخلطاب‬ ‫ّ‬ ‫بـإدراج احلـقِّ‬ ‫الشـعبي مق ِّو ًمـا لشـرع َّية احلكـم‪ ،‬وإقـرار قاعـدة النـزول علـى رأي األغلبيـة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مرفوضـا فــي األدب َّيـات ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية ِمـن قبـ ُل لعـدم االعتـراف بالشـورى‬ ‫األمـر الـذي كان‬ ‫ً‬ ‫واشـتراط العصمـة فــي القائـد الشـرعي(‪.)23‬‬ ‫لـم يرفـض النائينـي كـون اإلقـرار بـأن أي حكـم فــي عهـد غيبـة اإلمـام هـو اغتصـاب‬ ‫َ‬ ‫حل ِّـق اإلمـام‪ ،‬لكنـه أ َّكـد عـدم إمكانيـة االسـتناد إلـى حكـم نُـ َّواب اإلمـام فــي هـذا العصـر‪،‬‬ ‫‪90‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫حلـقِّ اإلمـام الغائـب واغتصا ًبـا َ‬ ‫ألن فــيه اغتصا ًبـا َ‬ ‫لحـظ مـن‬ ‫حلـقِّ الشـعب وظل ًمـا لـه(‪ .)24‬ويُ َ‬ ‫مـا يـد ُّل علـى عـدم‬ ‫كالم النائينـي عـدم اسـتخدامه اصطلاح «وِ َليـة الف َِقيـه» صراحـ ًة‪َّ ِ ،‬‬ ‫شـيوع الفكـرة فــي مطلـع القـرن العشـرين علـى الرغـم مـن حديـث النراقـي عنهـا قبـل‬ ‫ذلـك بفتـرة طويلـة‪.‬‬ ‫ضـت‬ ‫تلـك األفـكار التنويريـة التـي كانـت رائجـة فــي إيـران مطلـع القـرن العشـرين تَع َّر َ‬ ‫للطمـس والتشـويه خلال حقبتـي الدولـة القاجاريـة والدولـة البهلويـة‪ ،‬ولكنهـا ظلّـت‬

‫اإليرانـي لـدى دعـاة الدميقراطيـة الرافضين للحكـم‬ ‫راسـخة فــي العقـل‬ ‫السياسـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االسـتبدادي‪ ،‬ومـع منـو الت َّيـارات املعارضـة حلكـم الشـاه محمـد رضـا بهلـوي تَنَ َّبـه آيـة‬ ‫تؤسـس‬ ‫اهلل طالقانـي إلحيـاء فكـر النائينـي باعتبـاره رجـل ال ِّديـن صاحـب الرؤيـة التـي ِّ‬ ‫التوجهـات الشـرع َّية وسـيادة الشـعب لكـي يتجمـع‬ ‫لنظريـة حكـم حديثـة جتمـع بين‬ ‫ُّ‬ ‫حولهـا املعارضـون مـن ذوي التوجهـات ال ِّدي ِن َّيـة واملعارضـون مـن ذوي الت َّيـارات الليبرال َّيـة‬ ‫واالشـتراكية‪.‬‬ ‫تناقـض ِو َليـة الف َِقيـه مـع احلكـم الدميقراطـي‬ ‫الصدمـة التـي أحدثهـا إدراج ا ُ‬ ‫مينـي لنظريـة وِ َليـة الف َِقيـه فــي الدسـتور‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫خل ّ‬ ‫الصـادر عـام ‪1980‬م لـدي شـركائه فــي ال َّثـورة‪ ،‬جعلـت بقيـة الفصائـل السياسـ َّية تـدرك‬ ‫سياسـي لـكل الفصائـل األخـرى‪،‬‬ ‫أن رجـال ال ِّديـن فــي إيـران بصـدد تنفــيذ عمليـة إقصـاء‬ ‫ّ‬ ‫وتأسـيس حكـم دينـي ثيوقراطـي عبـر نظريـة فقه َّيـة ِش ِ‬ ‫ـيع َّية مبت َدعـة لـم يسـبق أن ُطبقـت‬ ‫سياسـ ًيا كأسـاس ملشـروع َّية النِّظـام وال حتـى فــي العصـر الصفـوي‪.‬‬ ‫تراوحـت ردود الفعـل التـي اتّخذتهـا الت َّيـارات السياسـ َّية بين إعلان الرفـض والتمـ ُّرد‪،‬‬ ‫وتنفــيذ عمليـات مسـلَّحة ضـ ّد نظـام احلكـم اجلديـد‪ ،‬ومـن بين هـذه الت َّيـارات السياسـ َّية‬ ‫خاصـا بإصدراهـا‬ ‫اتّخـذت «نهضـت آزادي إيـران» (جبهـة حتريـر إيـران) موقفًـا فكر ًيـا‬ ‫ً‬ ‫رسـمي للحركـة‬ ‫كتا ًبـا بعنـوان «تفصيـل وحتليـل الواليـة املُطلَقـة للفقيـه»(‪ ،)25‬مبثابـة بيـان‬ ‫ّ‬ ‫ر ًدا علـى إعلان وِ َليـة الف َِقيـه املُطلَقـة بخطـاب ا ُ‬ ‫املوجـه إلـى خامنئـي‪ ،‬وذلـك‬ ‫مينـي‬ ‫َّ‬ ‫خل ّ‬ ‫باقتـراح مـن املهنـدس مهـدي بازرجـان رئيـس احلكومـة االنتقاليـة الـذي ع َّينـه ا ُ‬ ‫مينـي‬ ‫خل ّ‬ ‫سياسـي لوِ َليـة الف َِقيـه فــي عهـد ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة اإلسلام َّية‪.‬‬ ‫بعـد قيـام ال َّثـورة‪ ،‬وهـو أول نقـد‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪91‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫رأت جبهـة حتريـر إيـران أن الواليـة املُطلَقـة للفقيـه تتعـارض مـع جميـع ا ُ‬ ‫حل ِّر َّيـات التـي‬

‫تكفلهـا النظـم الدميقراطيـة‪ ،‬مثـل حريـة العقيـدة والتعبيـر واألحـزاب‪ ،‬وتناقـض مفهـوم‬ ‫االسـتناد إلى آراء الشـعب‪ ،‬وت ُِخ ُّل بالسـيادة القوم َّية للدول‪ ،‬وت ِ‬ ‫ُهدر حقوق اإلنسـان وحقوق‬ ‫األقلِّ َّيـات ال ِّدي ِن َّيـة‪ ،‬وهـو مـا يناقـض آراء ا ُ‬ ‫مينـي التـي كان قـد أدلـى بهـا والعهـود التـي‬ ‫خل ّ‬

‫اإليرانـي فــي أثنـاء إقامتـه فــي املنفــي بالنجـف وباريـس(‪.)26‬‬ ‫قطعهـا علـى نفسـه للشـعب‬ ‫ّ‬

‫أ َّكـدت احلركـة أن وِ َليـة الف َِقيـه املُطلَقـة مت ِّهـد لظهـور الدكتاتوريـة االسـتبدادية‪ ،‬إن‬

‫لـم ت ُكـن حتقّقهـا بالفعـل‪ ،‬مستشـهدة فــي ذلـك بـآراء عبـد الرحمـن الكواكبـي فــي كتابـه‬ ‫«طبائـع االسـتبداد»‪ ،‬وآراء النائينـي فــي «تنبيـه األُ َّمـة وتنزيـه ا ِمللَّـة»‪ ،‬مـن حيـث جتميـع‬

‫السـلطات فــي يـد فـرد واحـد‪ ،‬فال َو ِل ّـي الف َِقيـه لديـه سـلطة التشـريع‪ ،‬وهـو القائـم علـى‬

‫الس ْـلطة التنفــيذية‪ ،‬ولـه الكلمـة العليـا فــي القضـاء‪ .‬أيـدت حركـة حتريـر إيـران رأي‬ ‫ُّ‬ ‫ينـي يـؤ ِّدي‬ ‫النائينـي الـذي قـال إن االسـتبداد هـو الشـجرة اخلبيثـة‪ ،‬وأن االسـتبداد ال ِّد ّ‬

‫إلـى ربوبيـة علمـاء ال ِّديـن‪ ،‬وأن النجـاة مـن االسـتبداد ال ِّدينـي أصعـب بكثيـر مـن النجـاة‬ ‫السياسـي(‪.)27‬‬ ‫مـن االسـتبداد‬ ‫ّ‬

‫اإليرانـي فــي مـوا ِّده‬ ‫وأعلنـت حركـة حتريـر إيـران أن وِ َليـة الف َِقيـه تنتهـك الدسـتور‬ ‫ّ‬

‫َّـص علـى أن مجلـس‬ ‫أرقـام ‪ 6‬و‪ 7‬و‪ 8‬و‪،9‬‬ ‫َّ‬ ‫اخلاصـة بـإدارة الدولـة وفـق رأي الشـعب‪ ،‬والن ّ‬ ‫الشـورى اإلسلامي ومجالـس احمللِّ ّيـات املنتخَ بـة مصـدر اتِّخـاذ القـرارات فــي إيـران‪،‬‬

‫وال ّنَّـص علـى أن األمـر باملعـروف والنهـي عـن املنكـر مسـؤولية جماعيـة ومتبا َدلـة بين‬

‫َّـص علـى عـدم أحقيـة أي فـرد بسـلب ا ُ‬ ‫حل ِّر َّيـات املشـروعة ولـو بإصـدار‬ ‫النـاس‪ ،‬والن ّ‬ ‫القوانين(‪.)28‬‬ ‫السياسـي الوحيـد‬ ‫ممـا سـبق جنـد أن حركـة حتريـر إيـران ‪-‬وهـي تـكاد تكـون الفصيـل‬ ‫ّ‬

‫مـن خـارج دائـرة رجـال ال ِّديـن الـذي مـارس أنشـطة سياسـ َّية إلـى أن وقفـت أنشـطتها‬ ‫السياسـي فــي ا ُ‬ ‫جلمهور َّيـة‬ ‫املؤسسـة لشـرع َّية النِّظـام‬ ‫فــي عـام ‪2009‬م‪ -‬تـرى أن الن َ​َّظرِ َّيـة‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليران َّيـة ‪-‬وهـي نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه‪ -‬نظريـة اسـتبدادية ت ِ‬ ‫ُهـدر القيـم الدميقراطيـة‬ ‫وا ُ‬ ‫حل ِّر َّيـات العا َّمـة وتتعـارض مـع الدسـتور وتنتهكـه‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫الدعـوة إلـى البروتسـتانتية اإلسلام َّية‬ ‫السياسـي النسـبي الـذي عاشـته إيـران فــي فتـرة حكـم الرئيـس‬ ‫مـع االنفتـاح‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األسـبق محمـد خامتـي ومشـروعه اخلـاص بالتنميـة السياسـ َّية‪ ،‬بـدأت األصـوات تعلـو‬ ‫مـن جديـد فــي نقـد نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬وشـهدت السـاحة السياسـ َّية اإليران َّيـة‬

‫حضـو ًرا لفصائـل سياسـ َّية كانـت قـد أ ُ ِبعـ َدت منـذ مطلـع ال َّثـورة‪ ،‬وظهـر أفـراد معروفـون‬

‫بانتماءاتهـم الليبرال َّيـة شـبه احملظـورة‪ ،‬واملم َّثلـة بجبهـات تنحـدر مـن جبهـة الزعيـم‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن قـوى‬ ‫الوطنـي محمـد مصـدق وأفـراد ينتمـون إلـى الت َّيـار ال ِّدينـي املسـتنير‪،‬‬ ‫اليسـار بأطيافـه املتعـددة(‪.)29‬‬

‫مؤسسـة رجـال ال ِّديـن ومكانتهـم‬ ‫َّ‬ ‫وجـه اإلصالحيـون انتقاداتهـم فــي هـذه املرحلـة إلـى َّ‬

‫اإليرانـي خلال السـنوات السـابقة مـن عمـر‬ ‫االجتماعيـة التـي فُرضـت علـى املجتمـع‬ ‫ّ‬ ‫ا ُ‬ ‫موج ًهـا إلـى نظريـة وِ َليـة الف َِقيه مـن منطلقات ِدي ِن َّية‬ ‫جلمهور َّيـة اإلسلام َّية‪ ،‬ولـم ي ُعـد النقـد َّ‬ ‫أو حتى سياس َّية بهدف إثبات بطالنها‪ ،‬كأن األمر لم ي ُعد بحاجة إلى كثير من العناء إلثبات‬ ‫ذلـك‪ ،‬وإمنـا األَ ْولـى هـو هـدم ذلـك البنـاء الكهنوتـي علـى حـ ّد قـول اإلصالحيين‪ ،‬الـذي يقـف‬

‫النـاس‪ ،‬وكان مـن أبـرز رجـاالت اإلصالحيين‬ ‫وراء هـذه األوهـام التـي يسـتعبد مـن خاللهـا‬ ‫َ‬ ‫الذيـن قالـوا بذلـك عبـد الكـرمي سـروش‪ ،‬وأضـاف أنـه إذا مـا حتـول ال ِّديـن إلـى آيديولوجيـا‬

‫دولتيـة َت َّولَـت وظيفتـه مـن مصـدر لألخالقيـات الرفــيعة إلـى تبريـر للهيمنـة الطبقيـة(‪.)30‬‬

‫وامتـ ّد األمـر إلـى رفـض قواعـد املَذ َْهـب ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي مـن وجهـة نظـر رجـال ال ِّديـن‪ ،‬وكان أولهـا‬ ‫تصنيـف املسـلمني إلـى مجتهِ ديـن ومقلِّديـن‪ ،‬فرجـل ال ِّديـن احلائـز علـى إجـازة االجتهـاد هـو‬ ‫تخصصاتهم أو مكانتهم‬ ‫املجتهِ د‪ ،‬أما بق َّية املسـلمني بغض النظر عن مكانتهم العلمية فــي‬ ‫ُّ‬ ‫االجتماعية فهم مقلِّدون للمجتهد يتبعونه فــي آراءه وأحكامه‪ ،‬ولو كانت تتعلق باملستح َدث‬ ‫مـن شـؤون احلياة‪.‬‬

‫أمـا خامتـي فقـد رفـع قيمـة الدسـتور علـى نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬ويـرى أن الدسـتور‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬ووِ َليـة الف َِقيـه اكتسـبت أهميتهـا بسـبب إقرارهـا فــي‬ ‫هـو القانـون األعلـى للنظـام‬ ‫ّ‬ ‫الدسـتور‪ ،‬ولوال الدسـتور لكانت مج َّرد نظرية مثل كثير من النظر َّيات الفقه َّية األخرى(‪.)31‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪93‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫قدمـه الدكتـور هاشـم آقاجـري عـام ‪2002‬م‬ ‫فــي طـرح البروتسـتانتية اإلسلام َّية الـذي َّ‬ ‫املؤسسـ َة ال ِّدي ِن َّيـ َة اإليران َّيـ َة مشـ ِّب ًها‬ ‫اإليرانـي علـى شـريعتي‪ ،‬انتقـد‬ ‫فــي ذكـرى وفـاة املف ِّكـر‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬

‫إياهـا بالكنيسـة الكاثوليكيـة قبـل ظهـور حركـة اإلصلاح ال ِّدينـي املسـيحية البروتسـتانتية‪،‬‬ ‫املقدس‪،‬‬ ‫مـن حيـث القـول بعـدم قـدرة الفـرد العـادي مـن غيـر رجـال ال ِّدين على فهـم الكتاب َّ‬

‫املقـدس يحتاجـون إلـى رجـال ال ِّديـن‪ ،‬كمـا قـارن بين املوقـف‬ ‫وأن املسـيحيني لفهـم الكتـاب‬ ‫َّ‬ ‫املعـادي للعلـم الـذي كان لـدى الكنيسـة فــي العصـور الوسـطي‪ ،‬وموقـف احلـوزات العلميـة‬ ‫ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية التـي كانـت تـرى أن تَ َعلُّـم اللغـة اإلجنليزيـة قبـل ‪ 70‬أو ‪ 80‬عا ًمـا مخالـف للشـرع‪.‬‬

‫أقاجـري رفـض أن يكـون فهـم رجـال ال ِّديـن للقـرآن الكـرمي فــي العصـور السـابقة‬ ‫احلالـي‪ ،‬وقـال إنـه كمـا كان لهـم احلـقّ فــي االجتهـاد فــي‬ ‫ُملزِ ًمـا للمسـلمني فــي العصـر‬ ‫ّ‬ ‫الفهـم فلنـا نفـس احلـقّ ‪ ،‬وكان يـرى أن رجـال ال ِّديـن فــي إيـران يـرون إقـدام طالـب مـا‬ ‫علـى تد ُّبـر القـرآن والسـعي لفهمـه جر ًمـا كبيـ ًرا ألنـه بذلـك يجعـل بضاعتهـم كاسـدة‪.‬‬ ‫خاصـة لرجـال ال ِّديـن‪ ،‬واعتبـر أن درجاتهـم مـا هـي‬ ‫أقاجـري رفـض وجـود طبقـة‬ ‫َّ‬ ‫إال أسـماء ابتدعوهـا فــي العصـر الصفـوي علـى نفـس منـط املراتـب الكهنوتيـة فــي‬ ‫الكنيسـة‪ ،‬فاإلسلام لـم يعـرف ألقا ًبـا مثـل «آيـة اهلل» و«حجـة اإلسلام» و«ثقـة اإلسلام»‬ ‫و«املرجـع» و«آيـة اهلل العظمـي»‪ ،‬وقـال‪« :‬لقـد َتـ َّول ال ِّديـن إلـى مناصـب إداريـة‪ ،‬وأصبـح‬ ‫رجالـه يشـ ِّكلون طبقـة اجتماعيـة منفصلـة عـن املجتمـع وإن اختلطـت معيشـ ًيا مع أفراده»‪،‬‬ ‫التحجـر والتصلُّـب(‪.)32‬‬ ‫ويـرى أن البروتسـتانتية اإلسلام َّية مشـروع مسـتم ّر للخلاص مـن‬ ‫ُّ‬ ‫اسـتمرار حـاالت انتقـاد نظر َّيـات وِ َليـة الف َِقيـه منـذ بدايـة طرحهـا حتـى اآلن يعكـس‬ ‫اإليرانـي نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه‪ِ ،‬‬ ‫ومـن ثَـ َّم نقص‬ ‫َقـ ْد ًرا مـن رفـض العقـل‬ ‫بـي‬ ‫ّ‬ ‫السياسـي واملَذ َْه ّ‬ ‫ّ‬ ‫مشـروع َّية النِّظـام احلاكـم املسـتند إليهـا‪ ،‬ومـن ثـم ميكـن أن يُ َعـ ّد الدافـع وراء قبـول‬ ‫اإليران ّيين بنظامهـم احلاكـم هـو التغلُّـب بالقـوة‪ .‬لكـن مـا سـبق ال يعنـي بالضـرورة رفـض‬ ‫اإليرانـي لوِ َليـة الف َِقيـه‪ ،‬إذ إن كثـرة رجـال ال ِّديـن واملف ِّكريـن الرافضين‬ ‫غالبيـة الشـعب‬ ‫ّ‬ ‫لوِ َليـة الف َِقيـه وكثـرة أطروحاتهـم ال تعنـي بالضـرورة كثـرة املؤمنين بهـا‪ ،‬وباملثـل ال نقـول‬ ‫إنهـا غيـر شـائعة بين اإليران ّيين‪ ،‬وإمنـا نقـول إنهـا جـزء مؤ ِّثـر وفاعل فــي العقل‬ ‫السياسـي‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬قـد تتوافـر لـه الفرصـة السياسـ َّية حتـى يتحـول إلـى نظريـة مسـيطرة‬ ‫واملَذ َْه ّبـي‬ ‫ّ‬ ‫علـى جمـوع اإليران ّيين‪ ،‬مبعنـي أن غيـاب القـوة القاهـرة علـى اإلميـان بوِ َليـة الف َِقيـه‬ ‫‪94‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫تنظيـري فــي مصـدر مشـروعية النِّظـام‪ ،‬ألن فكـرة رفـض وِ َليـة الف َِقيـه‬ ‫سـيتبعه تَ َغ ُّيـر‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪.‬‬ ‫موجـودة فــي العقـل‬ ‫السياسـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اخلالصة واالستنتاجات‬ ‫أطروحـات رفـض وِ َليـة الف َِقيـه َوفْـق محـ ِّددات ِدي ِن َّيـة كانـت األغـزر واألكثـر جـرأة مـن‬ ‫فقهـي فــي‬ ‫السياسـية‪ ،‬ألسـباب‪ ،‬منهـا كـون الن َ​َّظرِ َّيـة ذات منشـأ‬ ‫احملـددات‬ ‫مثيلتهـا ذات‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫األسـاس‪ ،‬وأن قوة رجال ال ِّدين فــي عهد ا ُ‬ ‫سياسـي‪ ،‬وصعوبة‬ ‫جلمهور َّية غير مقترِ نة بظرف‬ ‫ّ‬ ‫اتِّهامهـم بالعمالـة ومعـاداة النِّظـام إال فــي حـاالت نـادرة‪.‬‬ ‫قلَّصـت عمليـات التصفــية السياسـ َّية وشـرط اإلميـان بوِ َليـة الف َِقيـه ملمارسـة العمـل‬ ‫السياسـي فــي إيـران‪ ،‬مـن األطروحـات السياسـ َّية املنتقـدة لوِ َليـة الف َِقيـه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي عمليـة إدمـاج بين نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه ورجـال‬ ‫أصبـح فــي العقـل‬ ‫السياسـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َعمقَـت حالـة مـن الكراهيـة والرفـض لرجـل ال ِّديـن‪،‬‬ ‫ال ِّديـن‬ ‫واملؤسسـة ال ِّدي ِن َّيـة عمو ًمـا‪ ،‬لـذا ت َّ‬ ‫َّ‬ ‫اإليرانـي‪.‬‬ ‫ورمبـا للديـن نفسـه‪ ،‬داخـل قطاعـات عريضـة فــي املجتمـع‬ ‫ّ‬

‫ر ُّد‬ ‫املؤسسـة احلاكمة على االجتاه املعارض لوِ َلية الف َِقيه برفع سـقف صالح َّيات ال َو ِل ّي‬ ‫َّ‬ ‫الف َِقيـه‪ ،‬والتمـادي فــي طـرح أبعـاد جديـدة لوِ َليـة الف َِقيـه املُطلَقـة‪ ،‬قطـع طريـق العـودة علـى‬ ‫املؤسسـة احلاكمـة أصبحـت قـادرة علـى تقليـص صالح َّيـات ال َو ِل ّـي الف َِقيه أو‬ ‫الطرفـين‪ ،‬فلا َّ‬ ‫إجـراء تعديلات تنظيريـة‪ ،‬وال املعارضـون باتـوا قادريـن علـى اإلقـرار بقـدر مـن وِ َليـة الف َِقيه‬ ‫جلمهور َّيـة‪ِ ،‬‬ ‫كمـا كان الوضـع سـابقًا فــي بدايـة عهـد ا ُ‬ ‫ومـن ثَـ َّم سـوف يكـون الصـدام مد ِّو ًيا لو‬ ‫الس ْـلطة احلاكمة‪.‬‬ ‫ض ُعفَت قبضة ُّ‬ ‫اإليراني‪ ،‬قلَّص ُقد َرتَها على االنتشـار‬ ‫املوجـه إلـى نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه مـن الداخل‬ ‫النقـد َّ‬ ‫ّ‬ ‫خارج حدود األراضي اإليران َّية‪ ،‬أو أن تكون ُمق ِنعة لتج ُّمعات ِش ِ‬ ‫ـيع َّية خارج إيران‪.‬‬

‫جتاهلـت نظريـة وِ َليـة الف َِقيـه أن تقـ ِّدم للمواطنين اإليران ّيين مـن غيـر ِّ‬ ‫الشـي َعة مبـ ِّر ًرا‬ ‫اإليرانـي غيـر ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي وغيـر املسـلم كذلـك‬ ‫ملشـروع َّي ٍة النِّظـام‪ ،‬إذ كيـف يؤمـن املواطـن‬ ‫ّ‬ ‫بشـرع َّية النِّظـام احلاكـم َوفْـق نظريـة فقهيـه نابعـة مـن َمذ َْهـب ِدي ِن ٍّـي ال يؤمـن بـه؟‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪95‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫الهوامــش واملراجــع‬ ‫(‪ )1‬الشيخ املفـيد‪ ،‬عاش فـي النصف الثاني من القرن الرابع الهجري وأوائل القرن اخلامس‪ ،‬اسمه محمد بي محمد بن النعمان‪،‬‬ ‫مؤسس مدرسة االجتهاد ِّ‬ ‫د َّون أصول الفقه ِّ‬ ‫الشيعِ َّية‪ ،‬وميثل الطريق الوسط بني منهجية احلديث ومنهجية القياس‪،‬‬ ‫الشيعِ ّي‪ ،‬و ُي َع ُّد ِّ‬ ‫وقد استلهم املفـيد منهجه من أستاذه ابن أبي عقيل العماني‪ .‬املوسوعة اإللكترونية ألهل البيت‪http://cutt.us/qWGve .‬‬ ‫علي بن احلسني بن موسى املعروف بالسيد املرتضي والشريف املرتضي‪ ،‬وعلم الهدى‪ ،‬فقيه من‬ ‫(‪ )2‬السيد املرتضي‪ :‬هو ّ‬ ‫متكلمي اإلمامية‪ُ ،‬ولد عام ‪355‬هـ‪ ،‬ت ُو ِّفي ‪436‬هـ من أكبر علماء ِّ‬ ‫الشي َعة اإلمام َّية‪ ،‬وهو صاحب كتاب "األمالي"‪ ،‬وهو تلميذ‬ ‫الشيخ املفـيد وأستاذ الشيخ الطوسي‪ .‬املوسوعة اإللكترونية ألهل البيت‪http://cutt.us/qWGve .‬‬ ‫(‪ )3‬أبو منصور احلسن احلِ لِّي‪ :‬مختلف ِّ‬ ‫الشي َعة‪ ،‬تهران‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.497‬‬ ‫(‪ )4‬احمل ّقق الكركي‪ :‬هو علي بن احلسني بن عبد العالي الكركي العاملي‪ ،‬املعروف باحملقق الثاني‪ ،‬واحملقق الكركي (ت‪940‬هـ)‪،‬‬ ‫من علماء ِّ‬ ‫وجهها إليه الشاه‬ ‫الشي َعة الكبار الذين عاشوا فـي العصر الصفوي‪ ،‬هاجر من لبنان إلى إيران بسبب الدعوة التي َّ‬ ‫الشيعِ ّي‪ ،‬وكان له دور كبير فـي نشر الثقافة ِّ‬ ‫إسماعيل الصفوي من أجل ترويج املذهب ِّ‬ ‫الشيعِ َّية فـي إيران‪ ،‬له آثار فقهية كثيرة‪،‬‬ ‫وأهمها كتاب "جامع املقاصد فـي شرح قواعد العالمة"‪ ،‬وبنا ًء عليه ُس ّمي بـ"صاحب املقاصد"‪ ،‬كما كانت له آراء مؤ ِّيدة لوِ َل َية‬ ‫الفَقِ يه‪ .‬املوسوعة اإللكترونية ألهل البيت‪http://cutt.us/qWGve .‬‬ ‫(‪ )5‬مالك مصطفـي العاملي‪ :‬اتفاق الكلمة بني علماء ا ُأل َّمة على وِ َل َية الفَقِ يه العا َّمة‪ ،‬بيروت ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.130‬‬ ‫(‪ )6‬أحمد النراقي‪ :‬هو أحمد بن محمد مهدي النراقي‪ ،‬وقيل مهدي بن أبي ذر الصفائي‪ ،‬النراقي (‪1185-1245‬هـ)‪ ،‬وهو‬ ‫عالِم وفقيه وشاعر‪ ،‬من أهل نراق‪ُ ،‬ولد أحمد النراقي فـي نراق‪ ،‬إحدى قرى كاشان اإليرانية‪ ،‬وذلك فـي الرابع عشر من شهر‬ ‫جمادى اآلخر سنة ‪1185‬هـ‪ ،‬وقيل سنة ‪1186‬هـ‪ ،‬سافر إلى العراق ملواصلة الدراسة احلوزوية على يد علماء النجف وكربالء‪،‬‬ ‫رجع َّية بعد وفاة والده عام ‪1209‬هـ‪http://cutt.us/mD7g5 ،‬‬ ‫َص َّدى فـيها لل َم ِ‬ ‫عاد بعدها إلى كاشان‪ ،‬وت َ‬ ‫(‪ )7‬دستور اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‪http://cutt.us/xjh1x ،‬‬ ‫مؤسسة تنظيم ونشر تراث اإلمام اخلميني‪ ،‬تهران ‪ 1358‬هـ ج ‪ ،6‬ص‪.31‬‬ ‫(‪ )8‬صحيفة النور‪َّ :‬‬ ‫(‪ )9‬محسن كديور‪ :‬نخستني نقد واليت فقيه‪ ،‬وب سايت رسمي محسن كديور‪http://cutt.us/ummfV ،‬‬ ‫شيعي‪ ،‬من أهل قم‪ .‬يرجع نسبه إلى السيد أحمد بن موسى املبرقع‬ ‫(‪ )10‬أبو الفضل البرقعي (‪1908-1992‬م) هو عالم دين‬ ‫ّ‬ ‫السن ِّّي بسبب مؤلَّفاته‪ ،‬وإن كان قد أقر‬ ‫املذهب‬ ‫باتباع‬ ‫ُّهم‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫وقد‬ ‫الرضا‪،‬‬ ‫ابن اإلمام محمد التقي اجلواد ابن علي بن موسى‬ ‫ُّ‬ ‫مبرجعيته عدد من مراجع ِّ‬ ‫الشي َعة‪ .‬املوقع الرسمي آلية الله البرقعي‪http://cutt.us/fGzr ،‬‬ ‫(‪ )11‬آية الله العظمي أبو الفضل البرقعي‪ :‬سوانح األيام‪ ،‬دار العقيدة‪2013 ،‬م‪ ،‬ص‪.178‬‬ ‫(‪ )12‬نفسه ص‪.180‬‬ ‫(‪ )13‬آية الله العظمى محمد حسن طباطبائي قمي‪ :‬آية الله العظمى حسن الطباطبائي القمي‪ ،‬هو مرجع شيعي إيراني‪ُ ،‬ولد‬ ‫سنة ‪1329‬هـ فـي مدينة مشهد‪ ،‬وت ُو ّفي فـيها سنة ‪1428‬هـ‪ .‬كان من املراجع الذين وقفوا ضد إزالة الشهادة الثالثة من األذان‬ ‫املذاع فـي اإلذاعة اإليرانية‪ ،‬وقد تَع َّرض لإلقامة اجلبرية فـي نهاية حياته نتيجة آلرائه الرافضة لوِ َل َية الفَقِ يه‪.‬‬ ‫(‪ )14‬آية الله املرجع محمد كاظم شريعتمداري‪ :‬مرجع شيعي إيراني كانت له أدوار دِ ي ِن َّية وسياسية كبيرة فـي إيران والعراق‪،‬‬ ‫رجع َّية سنة ‪ 1961‬بعد وفاة‬ ‫كان من أه ّم إجنازاته السياسية فـي زمن الشاه رضا بهلوي إنقاذ اخلميني من اإلعدام‪َ .‬ت َولَّى امل َ ِ‬ ‫املرجع حسني البروجردي‪ ،‬فرجع إليه فـي التقليد عدد كبير من ِّ‬ ‫الشي َعة فـي إيران وباكستان والهند ولبنان ودول اخلليج‪.‬‬ ‫(‪ )15‬سيد محسن طباطبائي‪ :‬نهج البالغة‪ ..‬تعليق على كتاب البيع من املكاسب للشيخ األعظم األنصاري‪ ،‬انتشارات ‪22‬‬ ‫نقل عن جميله كديور‪ ،‬حتول گفتمان سیاسی شیعه در ایران‪ ،‬ص‪ً ،376‬‬ ‫بهمن‪ ،‬قم ‪ 1371‬ه‪.‬ش‪ ،‬ص‪ً ،299‬‬ ‫نقل عن الشيماء‬ ‫الدمرداش العقالي‪ :‬نظرية وِ َل َية الفَقِ يه وتطبيقاتها‪ ،‬بيروت ‪2011‬م‪ ،‬ص‪.190‬‬ ‫(‪ )16‬تاریخچه ای از حصر‪ ،‬سنت جمهوری اسالمی برای حذف معترضان از آیت الله کاظم شریعتمداری تا موسوی‬ ‫وکروبی‪ ،‬كمپنی بني املللي حقوق بشر در ايران‪http://cutt.us/nNwt ،‬‬

‫‪96‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫اإليراني املعاصر‪ -‬احملدِّدات الفكر َّية للت َّيار املعارض‬ ‫والسياسي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وِ الية الفَقِ يه فـي العقل امل َ ْذهَ ّ‬

‫(‪ )17‬د‪.‬محسن كديور‪ :‬تاملي در مسئله واليت فقيه‪ ،‬وب سايت رسمي محسن كديور‪http://cutt.us/K527K ،‬‬ ‫مؤسس حوزة قم‪ ،‬شارك اخلميني الذي يكبره بعام واحد‬ ‫(‪ )18‬آية الله سيد رضا زجناني‪ ،‬التلميذ املقرب لعبد الكرمي احلائري ِّ‬ ‫وأم‬ ‫فـي الدراسة بقم‪ ،‬كان من أقرب رجال الدين إلى محمد مصدق‪ ،‬وهو ِّ‬ ‫مؤسس حركة املقاومة الوطنية‪َ ،‬ت َولَّى رئاسة الوزارة َّ‬ ‫يح به على أثر انقالب عام ‪1953‬م‪.‬‬ ‫ال ِّن ْفط‪ ،‬و ُأ ِط َ‬ ‫(‪ )19‬محسن كديور‪ :‬سید رضا زجنانی وتکفیر خمینی‪ ،‬وب سايت رسمي محسن كديور‪ ،http://cutt.us/Cfy7S ،‬نقال عن‬ ‫علی اشرف فتحی‪ ،‬برادران زجنانی‪ ،‬گزارشی از گفتگو با حسنی شاه حسینی‪ ،‬تورجان‪ ۴ ،‬مرداد ‪.۱۳۸۷‬‬ ‫(‪ )20‬لیست آیتاللههای مخالف والیت فقیه‪ ،‬باالترين‪http://cutt.us/q5bLf ،‬‬ ‫(‪ )21‬د‪.‬محسن كديور‪ :‬نظريه هاي دولت در فقه شيعي‪ ،‬نشر ني‪ ،‬تهران ‪ 1376‬هـ‪.‬ش‪ ،‬ص‪.49‬‬ ‫(‪ )22‬محسن كرميي‪ :‬بررسي مقايسه أي نظريه حكوت إسالمي از ديدگاه محقق نائيني وامام خميني پايان نامه كار شناسي‬ ‫ارشد‪ ،‬دانشكده علوم انساني‪ ،‬دانشگاه تربیت مدرس‪ ،‬به راهنمايي مير حسني موسوي ‪ 1375-1376‬هـ‪.‬ش ص‪.61-91‬‬ ‫(‪ )23‬د‪.‬محسن كديور‪ :‬نظريه هاي دولت در فقه شيعي‪ ،‬ص‪.118-120‬‬ ‫(‪ )24‬محمد حسني النائيني‪ :‬تنبيه ا ُأل َّمة وتنزيه امللة‪ ،‬ص‪.65‬‬ ‫َ‬ ‫َقِ‬ ‫(‪ )25‬أصدرت حركة حترير إيران بيانني للتعبير عن رأيها بشأن وِ ل َية الف يه‪ ،‬األول فـي ‪ 20‬يناير عام ‪1988‬م بعنوان "بيان‬ ‫حركة حترير إيران حول وِ َل َية الفَقِ يه املُطلَقة أو االنقالب الرابع"‪ ،‬وكان نق ًدا إجمال ًيا لوِ َل َية الفَقِ يه املُطلَقة‪ ،‬والبيان الثاني هو‬ ‫كتاب "تفصيل وحتليل الوالية املُطلَقة للفقيه"‪ ،‬وقد صدر على شكل نشرة داخلية حلركة حترير إيران فـي أبريل ‪1988‬م‪.‬‬ ‫(‪ )26‬تفصيل وحتليل واليت مطلقه فقيه‪ ،‬ص‪http://cutt.us/AwpT9 ،48‬‬ ‫(‪ )27‬نفسه‪ ،‬ص‪.55‬‬ ‫(‪ )28‬نفسه ‪.68‬‬ ‫(‪ )29‬د‪.‬سعد محمد صالح بن نامي‪ :‬حركة اإلصالح السياسي فـي إيران فـي عهد خامتي (‪1997-2005‬م)‪ ،‬دار الرضا‬ ‫‪2008‬م القاهرة‪ ،‬ص‪.117‬‬ ‫َ‬ ‫السلْطة السياسية فـي الفقه ِّ‬ ‫َقِ‬ ‫الشيعِ ّي‪ ،‬الرياض‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪.330‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫وإشكال‬ ‫يه‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫صالح‪:‬‬ ‫(‪ )30‬جالل الدين محمد‬ ‫وِ‬ ‫َّ ُّ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )31‬توفـيق السيف‪ :‬حدود الدميقراطية الدينية‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.215‬‬ ‫(‪ )32‬منت كامل سخنراني دكتر آغاجري در مورخ ‪ ،29/3/81‬تاالر معلم همدان‪ ،‬گراميداشت سالروز شهادت دكتر شريعتي‪،‬‬ ‫مهاجر‪http://cutt.us/Kmdiv ،‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪97‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫تركيا وإيران‬ ‫حرب إقليمية باردة تسعفها‬ ‫المصالح االقتصادية‬

‫د‪.‬كرم سعيد‬ ‫التركي‬ ‫باحث متخصص فـي الشأن‬ ‫ّ‬ ‫مركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‬

‫بـدأت التباينـات بين تركيـا وإيـران تتزايـد منـذ أواخـر ‪ ،2016‬وهـو مـا انعكـس‬ ‫فــي التصريحـات والتصريحـات املضـا َّدة بين البلديـن‪ .‬ويبـدو أن مسـاحة هـذا‬ ‫بخاصـة فــي ظـلّ اجتـاه البلديـن إلـى زيـادة‬ ‫التبايـن سـوف تتسـع تدريج ًيـا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫نفوذهمـا السياسـي والعسـكري املتعـارض فــي سـوريا والعـراق‪.‬‬ ‫وفــي الوقـت الـذي تسـعى فــيه تركيـا إلـى بنـاء قواعـد عسـكرية ممتـدة مـن‬ ‫جرابلـس إلـى أعـزاز فــي سـوريا‪ ،‬وتكثيـف عمليـات «درع الفـرات» التـي انطلقت‬ ‫فــي ‪ 25‬أغسـطس املاضـي رغـم معارضـة إيران َّيـة‪ ،‬متتلـك طهـران‪ ،‬الداعـم‬ ‫األول لنظـام األسـد‪ ،‬مراكـز نفـوذ عـدة فــي األراضـي السـورية متكِّ نهـا مـن‬ ‫خصوصـا أن إيـران تـرى فــي سـوريا‬ ‫السـيطرة علـى املمـرات االسـتراتيجية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫مهمة‬ ‫معبرا اسـتراتيج ًيا لها للوصول إلى شـواطئ البحر املتوسـط‪،‬‬ ‫ومحطة َّ‬ ‫ً‬ ‫فــي بنـاء الهلال ِّ‬ ‫ـيع ّي‪ ،‬فــي حين تـرى فــيها تركيـا بوابـة إلـى العا َلـم العربـي‬ ‫الش ِ‬ ‫االتـاد األوروب ّـي‬ ‫جتار ًيـا واقتصاد ًيـا وسياسـ ًيا فــي ظـلّ حالـة التوتُّـر مـع ِّ‬ ‫وجتميـد البرملـان األورو ّبـي فــي نوفمبـر املاضـي مفاوضـات عضويـة تركيـا‬ ‫ل ّلحـاق بالقطـار األوروب ّـي‪.‬‬ ‫‪98‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫علـى صعيـد متصـل كشـفت معركـة حتريـر مدينـة املوصـل التـي انطلقـت فــي ‪ 17‬أكتوبـر‬ ‫املاضي عن حجم التناقض بني تركيا وإيران‪ ،‬ففـي حني تعتبر إيران معركة املوصل املعركة‬ ‫الكبرى لتمدد النفوذ ِّ‬ ‫الش ِيع ّي فــي املنطقة‪ ،‬وإعادة تركيبة الدميوغرافــيا العراقية بتقليص‬ ‫شـمالي العـراق‪ ،‬تـرى تركيـا أن معركـة املوصـل تعنـي قيمـة اسـتراتيجية‬ ‫السـنِّي‬ ‫الوجـود ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ألمنهـا القومـي‪ ،‬لهـذا ضغطـت علـى واشـنطن بهـدف املشـاركة‪ ،‬واتخـذت إجـراءات أمن َّيـة‬ ‫وعسـكرية علـى احلـدود اسـتعدا ًدا لها‪.‬‬ ‫توجهـات أنقـرة وطهـران جتـاه ِملَفَّـات اإلقليم‪،‬‬ ‫وأصبحـت ال َعالقـة أكثـر تعقيـ ًدا مـع تبايُـن ُّ‬ ‫كـردي مسـتق ّل‪،‬‬ ‫فتركيـا تؤ ِّيـد جماعـات املعارضـة املسـلَّحة فــي سـوريا وتعـارض إقامـة كيـان‬ ‫ّ‬ ‫فــي حين تسـاند إيـران نظـام األسـد وال متانـع فــي منـح األكـراد موق ًعـا وموض ًعـا أكبـر فــي‬ ‫سـوريا والعراق‪.‬‬ ‫ودخـل املنـاخ بين البلديـن مرحلـة الشـحن بعـد احتجـاج إيـران رسـم ًيا علـى وصـف وزيـر‬ ‫التركـي مولـود جاويـش أوغلـو‪ ،‬علـى هامـش مؤمتـر األمـن مبدينـة ميونـخ فــي‬ ‫اخلارجيـة‬ ‫ّ‬ ‫فبرايـر املاضـي‪ ،‬السياسـة التـي تتبعهـا إيـران بأنهـا "طائفــية"‪ .‬وأضـاف أن "طهـران تطمـح‬ ‫إلـى حتويـل سـوريا والعـراق لدولتين شـيعيتني"‪ .‬ولـم ي ُكـن تصريـح أوغلو جديـ ًدا أو هو األول‬ ‫التركـي أن‬ ‫مـن نوعـه‪ ،‬فعشـ َّية زيارتـه البحريـن فــي منتصـف فبرايـر املاضـي أ َّكـد الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫إيـران تسـعى لتقسـيم العـراق وسـوريا وتتصـرف مـن منطلقـات قوم َّيـة‪.‬‬ ‫وضوحـا وإقال ًقـا فــي آن م ًعـا‪ ،‬عندمـا‬ ‫التوجـه الطائفــي إليـران بـات أكثـر‬ ‫األرجـح أن‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫اعترفت فــي أغسطس املاضي بإنشاء جيش طائفــي حتت اسم "جيش التحرير ِّ‬ ‫الش ِيع ّي"‬

‫يقاتـل فــي سـوريا والعـراق واليمـن‪ ،‬وقـال اجلنـرال محمـد علـى فلكـي القيـادي فــي احلـرس‬ ‫الثـوري وأحـد قـادة القـوات اإليران َّيـة فــي سـوريا فــي حـوار أجرتـه معـه وكالـة "مشـرق"‬ ‫القريبـة مـن احلـرس الثـوري‪" ،‬إن بلاده شـكلت جيـش التحريـر ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي بقيـادة قائـد فــيلق‬ ‫القـدس قاسـم سـليماني‪ ،‬الـذي يقاتـل علـى ثلاث جبهـات فــي العـراق وسـوريا واليمـن"(‪.)1‬‬ ‫أس َسـت إيـران قاعـدة فــي‬ ‫وفــي إطـار تعزيـز احلضـور‬ ‫اإليرانـي عسـكر ًيا فــي املنطقـة‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫اإليراني‪ ،‬إضاف ًة إلى قاعدة فــي‬ ‫مطار دمشق الدولي‪ ،‬وهي املق ّر الرئيسي للحرس الثوري‬ ‫ّ‬ ‫جبـل عـزان قـرب حلـب‪ .‬وتعتقـد إيـران أنهـا باتت قوة عسـكرية صاعدة ضمن القوى الدولية‬ ‫التقليديـة‪ ،‬وهـو مـا يفـرض عليهـا أه ِّم َّيـة إنشـاء قواعـد عسـكرية خـارج أراضيهـا تع ِّبـر عـن‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪99‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫وضعهـا العسـكري اجلديـد‪ .‬وفــي هـذا السـياق أعلـن رئيـس هيئـة األركان اإليران َّيـة‪ ،‬اللـواء‬ ‫محمد باقري‪ ،‬فـي ‪ 26‬نوفمبر ‪ ،2016‬أن بالده تتجه نحو "بناء قواعد بحرية فـي سواحل‬ ‫سـوريا واليمـن‪ ،‬حلاجـة األسـاطيل اإليران َّيـة إلـى قواعـد بعيـدة"‪ ،‬وهـو األمـر الـذي لـم يُ ِثـر‬ ‫قلـق أنقـرة‪ ،‬بـل دول اجلـوار اخلليجـي(‪.)2‬‬ ‫ً‬ ‫مجـال للنفـوذ والصـراع عليهمـا بين‬ ‫كذلـك متثـل منطقـة آسـيا الوسـطي وبحـر قزويـن‬ ‫بخاصـة بعـد انهيـار ِّ‬ ‫االتـاد السوفــييتي وظهـور الـدول املسـتقلَّة فــي هـذه‬ ‫أنقـرة وطهـران‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫املنطقـة التـي حتـوي ك ِّم َّيـات معتبـرة مـن مصـادر الطاقـة والبتـرول والغـاز‪.‬‬ ‫فــي هـذا السـياق العـا ّم يتصاعـد الصـراع البينـي بين دوافـع جيو‪-‬سياسـية مصلحيـة‬ ‫وأخـرى طائفــية مذهبيـة‪ ،‬نتـج عنهـا محطـات تاريخيـة للعالقات بني البلديـن بني م ّد وجزر‪،‬‬ ‫وظـ ّل التوتُّـر السياسـي والثقافــي هـو العنـوان األبـرز لل َعالقـة‪ ،‬ودائ ًمـا مـا يلطفـه التعـاون‬ ‫االقتصـادي والتبـادالت التجاريـة بين البلديـن‪.‬‬ ‫محفِّ زات الصراع ومستوى السقف‬ ‫رغـم تصاعـد ِح َّـدة التوتُّـر بين البلديـن فــي ِملَفَّـات قدميـة ومتجـددة‪ ،‬فإنهـا املـرة األولـي‬ ‫التـي تندفـع فــيها أنقـرة وطهـران إلـى صـراع سياسـي مفتـوح علـى خلفــية األوضـاع فــي‬ ‫سـوريا والعـراق‪ .‬وتطغـى االتهامـات املتبا َدلـة بينهمـا علـى شـبكة مصاحلهمـا االقتصاديـة‬ ‫اإليرانـي الذي كان مق َّر ًرا عقده فــي‬‫والتجاريـة‪ ،‬ف ُعلقـت اجتماعـات منتـدى األعمـال‬ ‫التركي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 25‬فبرايـر ‪.2017‬‬ ‫فعلـى مـر تاريـخ ال َعالقـة التـي تقتـرب مـن نحـو سـتة قـرون مـن الزمـن‪ ،‬ومنـذ احلـرب‬ ‫بين اإلمبراطوريتين العثمانيـة والصفويـة‪ ،‬أظهـرت كل مـن إيـران وتركيـا براغماتيـة فــي‬ ‫عالقاتهمـا الثنائيـة‪ ،‬وتغليـب املصالـح علـى عوامـل الصـراع الكثيـرة‪ .‬ورغـم أنهمـا تختلفـان‬ ‫ً‬ ‫فــي كل شـيء تقري ًبـا بـد ًءا مـن الصـراع علـى النفـوذ فــي جمهوريـات آسـيا الوسـطي‬ ‫وصـول‬ ‫إلـى العالَـم العربـي‪ ،‬فقـد حـرص البلـدان فــي احلفـاظ علـى عالقـات ثنائيـة مي ِّثـل االقتصاد‬ ‫ض حكومة أنقرة الطرف فــي عام‬ ‫رافعة ومح ّر ًكا لها فــي أحيان كثيرة‪ ،‬وكان بارزًا‪ ،‬هنا‪َ ،‬غ ّ‬ ‫‪ 2014‬عـن مناقشـات تركيـة بشـأن إحيـاء املئويـة اخلامسـة ملعركـة "جالديـران" التـي جـرت‬ ‫وقائعهـا بين البلديـن فــي عـام ‪ ،1514‬تفاد ًيـا للتوتُّـر مـع إيـران‪.‬‬ ‫‪100‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫مـع ذلـك فـإن انتفاضـات الربيـع العربـي كشـفت تنافـرات عميقـة‪ ،‬إذ ظهـرت اخلالفـات‬

‫مـع بدايـة األزمـة فــي العـراق وسـوريا‪ ،‬ففــي حين حاولـت أنقـرة إقنـاع دمشـق بإدخـال‬ ‫إصالحـات واالسـتجابة للمطالـب الشـعبية ً‬ ‫بـدل مـن رفـع العصـا الغليظـة فــي مواجهـة‬

‫احملتجين‪ ،‬وعندمـا فشـلت فــي ذلـك انحـازت إلـى الفصائـل املناهضـة لألسـد ودعمـت‬ ‫َّ‬ ‫املسـلحة‪ ،‬نشـرت إيران ميليشـياتها ووقفت إلى جانب النِّظام فــي دمشـق‪ ،‬بجانب‬ ‫املعارضة‬ ‫جتنيـد أنصارهـا اللبنانيين‪ ،‬ومنهـم حـزب اهلل وتشـكيالت أخـرى مـن ميليشـيات ِش ِ‬ ‫ـيع َّية‬ ‫عراقيـة ومتطوعـون ِشـي َعة‪.‬‬ ‫وأصبحـت ال َعالقـة أكثـر تعقيـ ًدا بين البلديـن مـع ظهـور تنظيـم الدولة اإلسلامية داعش‬

‫الـذي ميعـن فــي تقطيـع أوصـال الـدول والنـاس ومـا يطرحه من تشـويه ُمغرِ ض لإلسلام‪ ،‬إذ‬

‫فتحـت تركيـا قاعدتهـا اجلويـة "أجنرليـك" أمـام قـوات التحالـف الدولـي التي تأسسـت فــي‬

‫عـام ‪ 2014‬بقيـادة الواليـات املتَّحـدة لدحـر داعـش‪ ،‬ومـا تلا ذلـك مـن سـماح أنقـرة عشـية‬ ‫دخـول روسـيا ميدان ًيـا فــي سـبتمبر ‪ 2015‬علـى خـط األزمـة السـورية‪َّ ،‬‬ ‫ملنظمـة حلف شـمال‬ ‫األطلسـي بنصـب درع مضـا َّدة للصواريـخ علـى أراضيهـا‪ ،‬ممـا أثـار قلـق وغضـب طهران‪.‬‬

‫يتصـل بذلـك التصريحـات الرسـم َّية اخلشـنة التـي يطلقهـا اجلانبـان‪ ،‬وآخرهـا تصريـح‬

‫التركـي مولـود جاويـش أوغلـو‪ ،‬علـى هامش مؤمتر األمن الثالث واخلمسين‬ ‫وزيـر اخلارجيـة‬ ‫ّ‬

‫مبدينـة ميونـخ فــي ‪ 17‬فبرايـر املاضـي‪ ،‬إذ وصـف السياسـة التـي تتبعهـا إيـران بأنهـا‬

‫"طائفــية"‪ ،‬وأنهـا تسـعى لنشـر التشـ ُّيع وحتويـل سـوريا والعـراق إلـى دولتين شـيعيتني‬

‫التركـي رجـب طيـب أردوغـان انتقـادات إلـى‬ ‫وجـه الرئيـس‬ ‫خالصتين‪ ،‬بعـد أن سـبق أن َّ‬ ‫ّ‬ ‫طهـران خلال زيارتـه البحريـن فــي منتصـف فبرايـر املاضـي‪ ،‬الفتًـا إلـى إن "إيـران تسـعى‬ ‫واحتجـت إيران رسـم ًيا على هذه‬ ‫لتقسـيم العـراق وسـوريا وتتصـ َّرف مـن منطلقـات قوم َّيـة"‪.‬‬ ‫َّ‬

‫التركي فـي طهران‪ ،‬ووصفتها بـ"غير البنَّاءة"‪ ،‬وقال وزير‬ ‫التصريحات‪ ،‬واستدعت السفـير‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي جـواد ظريـف إن تركيـا "جـارة ذاكرتهـا ضعيفـة وتنكـر اجلميـل"‪.‬‬ ‫اخلارجيـة‬ ‫ّ‬

‫غيـر أن التوتُّـرات خلال الفتـرة املاضيـة‪ ،‬بسـبب التبايـن فــي التعامـل مـع بعـض ا ِمللَفَّـات‪،‬‬

‫علـى غـرار معركـة املوصـل‪ ،‬والتطـ ُّورات التـي تشـهدها دول الصراعـات‪ ،‬ال سـيما سـوريا‬

‫ُنـس البلديـن اعتبـارات عديـدة قـد تدفعهمـا ليـس فقـط إلـى محاولـة ضبـط‬ ‫واليمـن‪ ،‬لـم ت ِ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪101‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫حـدود هـذا التوتُّـر وعـدم تصعيـده أكثـر مـن ذلـك‪ ،‬بشـكل ميكـن أن يفـرض تداعيـات سـلبية‬

‫أيضـا السـعي للوصـول إلـى محـاور توافـق حـول القضايـا اخلالفــية‪.‬‬ ‫علـى مصاحلهمـا‪ ،‬بـل ً‬

‫فاألرجـح أنـه علـى الرغـم مـن الشـكوك العميقـة بين البلدين‪ ،‬نظ ًرا إلـى جتربة احلروب‬

‫الدمويـة بينهمـا قبـل خمسـة قـرون‪ ،‬ورغـم طموحـات كليهمـا للتمـ ُّدد خـارج احلـدود‪،‬‬ ‫والتركـي‪ ،‬فـإن للصـراع بين أنقـرة وطهـران‬ ‫والتنافـر التاريخـي بين املشـروعني‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سـقفًا وحـدو ًدا َ ُ‬ ‫تـول دون مت ُّكنهمـا مـن حتقيـق طموحاتهمـا دون أخـذ مصالـح اآلخـر فــي‬ ‫االعتبـار‪ ،‬أو الذهـاب بعيـ ًدا نحـو مواجهـة عسـكرية مباشـرة‪ .‬صحيـح أن طهـران ميكنهـا‬ ‫إزعـاج أنقـرة مبـا متلكـه مـن أوراق متعـددة‪ ،‬منهـا امليليشـيات ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية وورقـة حـزب العمـال‬

‫الكردسـتاني فــي سـنجار العراق‪ ،‬لكنها ال ميكنها املجازفة بتعميق اخلالف مع أنقرة‪ ،‬كما‬ ‫أن الطبيعـة البراغماتيـة لتركيـا متنعهـا مـن االجنـرار وراء مغامـرة عسـكرية مـع طهـران(‪.)3‬‬ ‫وتؤ ّكـد اخلبـرات التاريخيـة فــي إدارة الصراعـات املمتـ ّدة بين البلديـن‪ ،‬وعمـر العالقات‬

‫التـي شـهدت نحـو ‪ 12‬حر ًبـا‪ ،‬آخرهـا فــي عـام ‪ ،1823‬أن الواقعيـة السياسـية هـي التـي‬ ‫طبعـت مسـلكية البلديـن‪َ َ ،‬‬ ‫أيضا‬ ‫وتلَّـى ذلـك فــي توقيـع معاهـدة قصـر شـيرين‪ ،‬التـي تُعرف ً‬ ‫باسـم معاهـدة "زهـاب"‪ ،‬فــي ‪ 17‬مايـو ‪ ،1639‬والتـي ظلّـت رغـم صراعـات َت َّـددت بعدهـا‬ ‫مرج ًعـا فــي تسـوية النزاعـات بين البلديـن‪.‬‬

‫ورغـم أن أنقـرة وطهـران متثلان نظا َمين سياسـ َّيني لهمـا طبيعـة شـديدة االختلاف‪،‬‬

‫فأحدهمـا علمانـي والثانـي ثيوقراطـي‪ ،‬فقـد اسـتطاعتا التعايـش والقفـز علـى حالـة التنافر‬ ‫اآليديولوجـي‪ ،‬فقـد حـرص البلـدان علـى تطويـر وتعضيـد عالقاتهمـا االقتصاديـة‪ ،‬وارتفـع‬ ‫السـلْطة‬ ‫مسـتوي التنسـيق والتبـادل االقتصـادي مـع وصـول حـزب "العدالـة والتنميـة" إلـى ُّ‬ ‫فــي تركيا‪ ،‬ومتيزت السـنوات العشـر األولي من حكم أردوغان ورفاقه بتقارب غير مسـبوق‬

‫منذ سـقوط حكم الشـاه‪ ،‬كما تدعمت العالقات السياسـية وتضاعفت الزيارات الرسـم َّية‪،‬‬

‫وارتفـع حجـم التبـادل التجـاري بين البلديـن مـن مليـار دوالر عـام ‪ 2000‬ليصـل إلـى نحـو‬

‫‪ 16,5‬مليـار دوالر عـام ‪ .2012‬وبلـغ التنسـيق السياسـي مبلغًـا كبيـ ًرا مـع انخـراط أنقـرة‬

‫النـووي‬ ‫اإليرانـي‪.‬‬ ‫مهمـة وسـاطة حـول امللـف‬ ‫ّ‬ ‫فــي يونيـو ‪ 2010‬باالشـتراك مـع البرازيـل فــي َّ‬ ‫ّ‬ ‫التركـي مـن مبـدأ رفـض فـرض مزيـد مـن العقوبـات علـى قاعـدة‬ ‫وانطلـق املوقـف‬ ‫الرسـمي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪102‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫عـدم كفايـة األد َّلـة إلدانـة إيـران‪ ،‬لـذا ص َّوتَـت تركيـا ضـ ّد القـرار األممـي رقـم ‪ 1929‬الصادر‬ ‫فــي يونيـو ‪ 2010‬والقاضـي بفـرض عقوبـات جديـدة علـى طهـران(‪.)4‬‬ ‫وبنـاء علـى مـا سـبق‪ ،‬ت ُِلقـي الدراسـة الضـوء علـى ال َعالقـة التاريخيـة بين إيـران وتركيـا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن االعتبـارات املضـا َّدة التـي تفرض القفز‬ ‫وا ِمللَفَّـات الشـائكة فــي ال َعالقـة الراهنـة‪،‬‬ ‫وأيضـا محفـزات اسـتمرار التعـاون‪.‬‬ ‫علـى خالفاتهمـا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رؤى متباينة‬ ‫شهِ َدت ال َعالقة بني أنقرة وطهران دفعة قو َّية على صعيد تط ُّورها بعد املوقف‬ ‫اإليراني‬ ‫ّ‬ ‫الداعـم للحكومـة التُّرك َّيـة عشـ َّية االنقلاب الفاشـل فــي يوليـو ‪ ،2016‬وكشـف عـن ذلـك‬ ‫يخـص األزمـة السـورية‪،‬‬ ‫التركـي مـع محـور "موسـكو‪-‬طهران‪-‬حزب اهلل" فــي مـا‬ ‫التماهـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫التحسـن النسـبي سياسـ ًيا‬ ‫برعاية روسـ َّية‪ ،‬إال أن‬ ‫وانخراط البلدين فــي مفاوضات أسـتانة‬ ‫ُّ‬ ‫ظـ ّل علـى قلق‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اخللاف األبـرز بينهمـا‪ ،‬فـإن بينهمـا‬ ‫وإذا كان صـراع النفـوذ بين تركيـا وإيـران يظـ ُّل‬ ‫خالفـات أخـرى ال تقـل أه ِّم َّيـة‪:‬‬ ‫إدارة األزمة فـي سوريا‬ ‫توجهات أنقرة وطهران بشـأن إدارة األزمة السـورية‪ ،‬فاألخيرة تشـعر بحساسـية‬ ‫تتباين ُّ‬ ‫التركي فـي األراضي السورية‪ ،‬إذ صرح العميد حسني‬ ‫من األساس جتاه الوجود العسكري‬ ‫ّ‬ ‫التركـي فــي األراضـي السـورية‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬بـأن "التدخُّ ـل العسـكري‬ ‫دهقـان‪ ،‬وزيـر الدفـاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يُ َعـ ُّد اعتـدا ًء وجتـاوزًا علـى األراضـي السـورية كافَّـة‪ ،‬ويحـدث دون موافقـة‪ ،‬بـل وباسـتياء‪،‬‬ ‫مـن احلكومـة السـورية"‪ .‬وأضـاف دهقـان أنـه "إذا كان دخـول تركيـا إلـى سـوريا بطلـب مـن‬ ‫احلكومـة السـورية‪ ،‬فـإن عليهـم اخلـروج فـو ًرا مبجـ َّرد طلـب دمشـق‪ ،‬أمـا إن كان غيـر ذلـك‬ ‫فإنهـم معتـدون علـى سـوريا"(‪.)5‬‬ ‫التركـي فــي سـوريا‪،‬‬ ‫وتكشـف مثـل هـذه التصريحـات عـن رؤيـة إيـران للوجـود العسـكري‬ ‫ّ‬ ‫ولعمليـة "درع الفـرات" التـي انطلقـت فــي ‪ 25‬أغسـطس املاضـي‪ .‬فــي املقابـل فـإن عمليـة‬ ‫حتريـر حلـب التـي َجـ َرت فــي ديسـمبر املاضـي وكانـت نقطة َت ُّول رسـخت الوجـود‬ ‫اإليراني‬ ‫ّ‬ ‫الـذي يراهـن علـى تسـوية سياسـية‪ ،‬كانـت لتركيـا نقطـة بدايـة لعمليـات عسـكرية أوسـع فــي‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪103‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫الشـرق السـوري‪ ،‬وهي قضية تأتي على العكس متا ًما من األولويات السياسـية والعسـكرية‬ ‫اإليران َّية فــي الصراع السـوري‪.‬‬ ‫قضيـة أخـرى تُ َعـ ّد ً‬ ‫والتركـي فــي األزمـة السـورية‪،‬‬ ‫دليلا علـى تعـارض املوقفَين‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هـي الفرقـة وعـدم وجـود وجهـة نظـر مشـتركة جتـاه مسـتقبل النِّظام السياسـي فــي سـوريا‪.‬‬ ‫والسـؤال األساسـي لتركيـا هنـا يـدور حـول كيفــية التسـامح مـع حاكـم قتـل شـعبه وواجـه‬ ‫بالرصـاص ثـورة شـعبية ضـ ّد االسـتبداد والقهـر فــي سـوريا‪ .‬مـن جانـب آخـر تـرى أنقـرة‬ ‫احلالـي مـا هـو إال أفضليـة‬ ‫أن دخولهـا فــي تعـاون اسـتراتيجي مـع إيـران فــي ظـ ّل الوضـع‬ ‫ّ‬ ‫سياسـية إليـران الداعمـة حلكومـة األسـد فــي مسـتقبل التطـ ُّورات السـورية‪ ،‬فــي حين تـرى‬ ‫أنقـرة األسـد فاقـ ًدا للشـرعية‪.‬‬ ‫طائفـية إيران‬ ‫أ َّدت املمارسات اإليران َّية الطائفـية فـي سوريا والعراق‪ ،‬والسياسات املذهبية املمنهجة‪،‬‬ ‫سـع ًيا لبنـاء نفـوذ شـيعي فــي املنطقـة‪ ،‬إلـى جعـل التقـارب بينهمـا عشـ َّية االنقلاب‬ ‫التركـي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫هشـا‪ .‬وتصاعـد اخللاف بين أنقـرة وطهـران بعـد رفـض األخيـرة فــي فبرايـر املاضـي‬ ‫الدعـوات التُّرك َّيـة إلقامـة مناطـق آمنـة فــي سـوريا السـتيعاب النازحين‪ ،‬معتبرة على لسـان‬ ‫املتحـدث باسـم اخلارجيـة اإليران َّيـة بهـرام قاسـمي أن ذلـك "سـيزيد تـأزُّم الوضـع هنـاك"‪،‬‬ ‫وترفض إيران إقامة مناطق آمنة‪ ،‬ألنها فكرة خاطئة‪ ،‬معتبرة أن الوضع فــي سـوريا معقَّد‬ ‫ويتطلـب تفاهمـات ومبـادرات متعـددة للوصـول إلـى احلـل‪.‬‬ ‫فــي املقابـل َتـ َّول املشـهد بين إيـران وتركيـا فــي الفتـرة املاضيـة إلـى بؤر توتُّـر وصدام‪،‬‬ ‫وبـدت مالمـح ال تخطئهـا عين السـتعادة الصـراع القـدمي اجلديـد بين البلديـن ببعـده‬ ‫ِّ‬ ‫السني‪-‬الش ِ‬ ‫ـيع ّي‪ ،‬وحتولـت العـراق وسـوريا‬ ‫العثماني‪-‬الصفـوي علـى قاعـدة البعـد الطائفــي‬ ‫ولبنـان إلـى سـاحات لهـذا الصـراع(‪.)6‬‬ ‫وتصاعـد منحنـي الصـراع املذهبـي‪ ،‬مـع معارضـة تركيـا مشـروع إيـران الـذي يعتمد على‬ ‫التوسـعي‬ ‫ذراعـا عسـكرية وسياسـية لبنـاء مشـروعها‬ ‫توظيـف الطائفــية فــي دول اجلـوار‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫القومي فــي دول اإلقليم‪ .‬وترى إيران أن الوجود ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي فــي املنطقة العربية يشـ ِّكل أقلِّ َّية‬ ‫السـ ِّن َّية ال بـد مـن‬ ‫متناثـرة وسـط أكثريـة ُسـ ِّن َّية متَّصلـة جغرافــ ًيا‪ ،‬والختـراق اجلغرافــية ُّ‬ ‫إحـداث تغييـرات دميوغرافــية فــي الكتلـة البشـرية للجغرافــيا التـي يُشـ ّكل العـرب السـنَّة‬ ‫‪104‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫غالبيتهـا العظمـى‪ ،‬والتـي متتـ ُّد مـن املوصـل إلـى حلـب مـرو ًرا مبـدن عراقيـة مثـل تلعفـر‬ ‫وسـنجار مبـوازاة احلـدود مـع تركيـا فــي سـوريا والعـراق(‪.)7‬‬ ‫وضوحـا وقلقًـا فــي آن م ًعـا‪ ،‬عندمـا‬ ‫التوجـه الطائفــي إليـران بـات أكثـر‬ ‫واألرجـح أن‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫اعترفـت طهـران فــي شـهر أغسـطس املاضـي بإنشـاء جيـش طائفــي حتـت اسـم "جيـش‬ ‫التحريـر ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي" يقاتـل فــي سـوريا والعـراق واليمـن‪ ،‬وقـال اجلنـرال محمـد علـي فلكـي‬ ‫القيـادي فــي احلـرس الثـوري وأحـد قـادة القـوات اإليران َّيـة فــي سـوريا‪ ،‬فــي حـوار أجرتـه‬ ‫معه وكالة "مشـرق" القريبة من احلرس الثوري‪" ،‬إن بالده شـكلت جيش التحرير ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي‬ ‫بقيـادة قائـد فــيلق القـدس قاسـم سـليماني الـذي يقاتـل علـى ثلاث جبهـات فــي العـراق‬ ‫وسـوريا واليمـن"(‪.)8‬‬ ‫التركي فـي العراق‬ ‫تقليص النفوذ‬ ‫ّ‬

‫وس َـعت معركـة حتريـر املوصـل التـي انطلقـت فــي ‪ 17‬أكتوبـر ‪ 2016‬الشـقاق بني طهران‬ ‫َّ‬ ‫وأنقـرة‪ ،‬بعدمـا دفعـت األولـى باجتـاه منـع مشـاركة تركيـا فــي املعركـة‪ ،‬وفــي تصريـح لـه فــي‬ ‫اإليرانـي حسين أميـر عبـد اللهيـان‪ ،‬وجـود‬ ‫أكتوبـر ‪ ،2016‬اعتبـر مسـاعد وزيـر اخلارجيـة‬ ‫ّ‬ ‫القـوات التُّرك َّيـة فــي معسـكر بعشـيقة العراقـي "إجـرا ًء خاط ًئـا"‪ .‬فــي حين تـرى أنقـرة أن‬ ‫لديهـا مسـوغات قانونيـة ملشـاركتها‪ ،‬فهـي طـرف فــي التحالـف الدولـي ضـ ّد تنظيـم الدولـة‪،‬‬ ‫ويخـ ِّول إليهـا ذلـك حـقّ نشـر قواتهـا فــي العـراق حملاربتـه مـن دون موافقـة حكومـة بغـداد‪،‬‬ ‫كمـا تسـتند إلـى قـرار مجلـس األمـن الدولـي ‪ 2249‬عـام ‪ ،2015‬بوصفهـا إحـدى الـدول‬ ‫املتضـررة مـن هجمـات داعـش الـذي اسـتهدف مدنهـا وحدودهـا اجلنوبيـة خلال العامين‬ ‫املاضيين‪ ،‬إضافـة إلـى أن اتفاقيـة أنقـرة ‪ 1926‬ومعاهـدة لـوزان ‪ 1923‬تعطيـان تركيـا احلقّ‬ ‫فــي تأمني حدودها بالتدخُّ ل العسـكري فــي العراق أو سـوريا(‪.)9‬‬ ‫علـى صعيـد متصـل انعكسـت تداعيـات معركـة املوصـل سـل ًبا علـى طبيعـة ال َعالقـة بين‬ ‫إيـران وتركيـا‪ ،‬مـع دعـم إيـران انتهـاكات قـوات "احلشـد الشـعبي"‪ ،‬الـذراع العسـكرية إليران‬ ‫فــي العـراق‪ ،‬التـي تشـارك فــي معركـة املوصـل‪ ،‬التـي تصاعـدت ضـ ّد األقليـة التركمانيـة‬ ‫املوالية لألتراك فــي منطقة تلعفر‪ ،‬وهو ما يعني تغييرات دميوغرافــية وسكانية وعمليات‬ ‫تهجيـر قسـري قـد تتحمـل تركيـا تبعاتهـا اإلنسـانية واالقتصاديـة‪.‬‬ ‫كانـت إيـران جنحـت بعـد انطلاق معركـة املوصـل وإجبـار العـراق علـى مشـاركة عناصـر‬ ‫"احلشـد الشـعبي" ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية فــي مأسسـة وجودهـا فــي العـراق‪ ،‬إذ مـ َّرر البرملـان العراقـي‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪105‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫فــي ‪ 26‬نوفمبـر ‪ 2016‬قانـون "احلشـد الشـعبي"‪ .‬ومبوجـب هـذا القانـون تُعتبـر فصائـل‬ ‫وتشـكيالت "احلشـد الشـعبي" كيانات قانونية تتمتع باحلقوق وتلتزم بالواجبات باعتبارها‬ ‫قـوة رديفـة ومسـاندة للقـوات األمن َّيـة‪ ،‬ولهـا احلـقّ فــي احلفـاظ علـى ُهوِ َّيتهـا وخصوصيتهـا‪.‬‬ ‫ومـع قـرب إجنـاز معركـة املوصـل التـي يُنتظـر إعلان حتريرهـا بعـد تَقـ ُّدم عسـكري جنـح‬ ‫فــي قضـم تنظيـم داعـش‪ ،‬فـإن لـدي الفصائـل املنضويـة فــي "احلشـد الشـعبي" تصـورات‬ ‫أحقَّ بذلك من سياسـيني‬ ‫لالنقضـاض علـى احلكـم فــي العـراق‪ .‬وتـرى هـذه الفصائـل نفسـها َ‬ ‫السـلْطة بحمايـة األمريك ّيين الذيـن احتلـوا العـراق فــي أبريـل ‪ .2003‬ويريـد‬ ‫وصلـوا إلـى ُّ‬ ‫"احلشـد الشـعبي" املدعوم إيران ًيا تقاسـم الكعكة َوفْق سـياقات وخرائط جديدة ال تختلف‬ ‫كثيـ ًرا عـن السـياقات احلال َّيـة فــي احملاصصـة احلزبيـة والفئويـة واملناطقيـة‪.‬‬ ‫وتعتقد أنقرة أن هذا القانون سيُسـهِ م فــي تصاعد الطائفــية فــي املنطقة‪ ،‬كما سـيع ِّقد‬ ‫ً‬ ‫التركـي فــي العـراق قـد يكـون‬‫فضلا عـن أن التنافـس‬ ‫جهـود حـ ّل األزمـة السـورية‪،‬‬ ‫اإليراني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫علـى أشـده‪ ،‬إذ يدفـع إقـرار القانـون أنقـرة إلـى البحـث عـن خيـارات جديـدة حملاولـة موازنـة‬ ‫التركـي فــي شـمال العـراق‪ ،‬وتكثيـف‬ ‫اإليرانـي املتصاعـد‪ ،‬مـن ذلـك تعزيـز احلضـور‬ ‫النفـوذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دعمهـا لقـوات احلشـد الوطنـي املوجـودة فــي معسـكر بعشـيقة‪.‬‬

‫والواقـع أن غيـاب تركيـا عـن معركـة املوصـل شـ َّكل ضربـة كبيـرة للمصالـح التُّرك َّيـة فــي‬ ‫املنطقـة‪ ،‬وألمنهـا القومـي‪ ،‬بجانـب زيـادة رقعـة اخلـوف لديهـا مـن تغلغـل الكردسـتاني فــي‬ ‫العـراق فــي ظـ ّل اتسـاع مسـاحة التفاهـم والتنسـيق بينـه وبين إيـران التـي متسـك مبفاصـل‬ ‫املشـهد العراقي‪ ،‬وتسـعى لصياغة املشـهد على مقاس طموحاتها اإلقليمية‪ .‬على صعيد ذي‬ ‫بخاصـة فــي ظـ ّل وقـوع‬ ‫شـأن فـإن تركيـا يقلقهـا أزمـة الالجئين الذيـن يتدفقـون إليهـا بليـل‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ممارسات تطهير عرقي من مليشيات "احلشد الشعبي" ِّ‬ ‫السنَّة‪.‬‬ ‫الش ِيع َّية بحقِّ أبناء املوصل ُّ‬

‫واإليرانـي‪ ،‬ويكشـف‬ ‫وراء مـا سـبق مي ِّثـل امللـف الكـردي ورقـة مزعجـة للنظـام‬ ‫التركـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عـن ذلـك املواجهـات العسـكرية الدائـرة جنـوب شـرقي تركيـا بين اجليـش وحـزب العمـال‬ ‫الكردستاني منذ يوليو ‪ 2015‬بعد فشل تسوية سياسية بدأت فـي عام ‪ ،2012‬وفـي املقابل‬ ‫نهجـا تصعيد ًيـا ضـ ّد أكـراد إيـران‪ ،‬وهـو مـا وضـح فــي إعـدام ‪ 20‬كرد ًيـا فــي‬ ‫فـإن لطهـران ً‬ ‫‪ 2‬أغسـطس ‪ ،2016‬والتهديد بعملية عسـكرية فــي مناطق ميليشـيا "احلزب الدميقراطي‬ ‫شـمالي العـراق‪ ،‬ر ًدا علـى املواجهـات التـي‬ ‫(اإليرانـي) وحركـة "بيجـاك" فــي‬ ‫الكردسـتاني"‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪106‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫جـرت بين احلـرس الثـوري وعناصـر كرد َّيـة فــي بعـض مناطـق أذربيجـان الغربيـة وكردسـتان‬ ‫إيـران‪ ،‬إضافـة إلـى رؤيـة مشـتركة تعتبـر التنظيمـات الكرد َّيـة فــي تركيـا وإيـران وسـوريا‬ ‫"تشـكل مصـدر تهديـد"(‪.)10‬‬ ‫وإذا كانـت تركيـا وإيـران ال ميكنهمـا تغييـر قواعـد التفاهـم االسـتراتيجي علـى خنـق‬ ‫تطلُّعـات الكـرد فــي اإلقليـم‪ ،‬فـإن اسـتغالل الورقـة الكرد َّيـة ظ ّل حاض ًرا فــي مشـهد ال َعالقة‬ ‫الصراعيـة مـن جانـب إيـران‪ ،‬وهـو األمـر الـذي انعكـس علـى تقليـص مسـاحة التفاهمـات‬ ‫فــي هـذا ا ِملل َ ّ‬ ‫ـف‪ ،‬وقـد تخلخـل هـذا التوافـق عندمـا سـاعد اجلنرال سـليماني حـزب "العمال‬ ‫الكردسـتاني" الـذي تصنفـه أنقـرة إرهاب ًيـا فــي حتريـر عين العـرب مـن تنظيـم الدولـة‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن رصـد تركيا دع ًما إيران ًيـا للفصائل الكرد َّية‬ ‫اإلسلامية داعـش قبـل نحـو عامين‪،‬‬ ‫شـرقي تركيـا‪.‬‬ ‫جنـوب‬ ‫ّ‬ ‫واتسـعت ال ُهـ َّوة بين موقفَـي البلديـن مـن حـزب العمـال الكردسـتاني‪ ،‬ففــي حين تسـعى‬ ‫توسـع الكردسـتاني فــي شـمال العـراق‪ ،‬ال سـ َّيما بعـد انتشـار‬ ‫أنقـرة إلـى احليلولـة دون ُّ‬ ‫قواعده فــي سـنجار الذي أسـهم فــي عام ‪ 2014‬فــي حتريرها من قبضة داعش‪ ،‬وحتذير‬ ‫التركـي فــي ‪ 27‬أكتوبـر ‪ 2016‬بـأن "سـنجار تتحـول إلـى قنديـل جديـدة" فــي‬ ‫الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫العراقي‪-‬التركي‪-‬اإليرانـي) فــي شـمال العـراق‬ ‫إشـارة إلـى جبـال قنديـل (املثلـث احلـدودي‬ ‫ّ‬ ‫التـي تشـ ِّكل قاعـدة خلفــية حلـزب العمـال الكردسـتاني‪ ،‬عملـت طهـران علـى تعزيـز وجـود‬ ‫الــ"‪ "pkk‬مـن خلال ِّ‬ ‫االتـاد الوطنـي الكردسـتاني بقيـادة جلال طالبانـي‪ ،‬الـذي يرحـب‬ ‫اإليرانـي قاسـم سـليماني‪ ،‬حـزب العمـال‬ ‫بوجـود الكردسـتاني‪ ،‬كمـا دعـا قائـد فــيلق القـدس‬ ‫ّ‬ ‫الكردسـتاني للمشـاركة فــي معركة املوصل‪ ،‬وتَع ّهد بزيادة الدعم العسـكري واملا ِّدي له‪ ،‬على‬ ‫الرغـم مـن رفـض رئاسـة إقليـم كردسـتان وتركيـا لهـذه املشـاركة‪.‬‬ ‫وتهـدف إيـران مـن وراء تعزيـز وجـود "‪ "pkk‬فــي شـمال العـراق ليكـون ورقـة ضغـط ضـ ّد‬ ‫تركيـا‪ ،‬وفــي نفـس الوقـت ضـ ّد احلـزب الدميقراطـي الكردسـتاني بقيـادة بارزانـي‪ ،‬الـذي‬ ‫يتمتـع ب َعالقـة واسـعة مـع تركيـا‪.‬‬ ‫التركـي بـأدوات كرد َّيـة‪ ،‬كان أكثـر بـروزًا فــي أحـداث بلـدة‬‫صـراع النفـوذ‬ ‫اإليراني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تابعـة لسـنجار فــي العـراق فــي ‪ 36‬مـارس ‪ ،2017‬حيـث وقعـت اشـتباكات بين فصيلين‬ ‫كرديين‪ ،‬همـا "وحـدات حمايـة سـنجار" املدعومـة مـن حـزب العمـال الكردسـتاني‬ ‫التركـي‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪107‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫والتـي لهـا عالقـات وثيقـة مـع إيـران وميليشـيا "احلشـد الشـعبي"‪ ،‬ومـن اجلهـة املقابلـة‬ ‫"قوات البيشـمركة السـورية" التي د ّربها احلزب الدميقراطي الكردسـتاني بزعامة مسـعود‬ ‫عمـا حـدث فــي‬ ‫بارزانـي‪ ،‬وترتبـط بعالقـات وثيقـة مـع تركيـا‪ .‬وال تنفصـل هـذه املواجهـات َّ‬ ‫ِّ‬ ‫"االتـاد‬ ‫‪ 2‬مـارس ‪ 2017‬عشـية سـيطرة قـوة مـن البيشـمركة الكرد َّيـة التابعـة حلـزب‬ ‫الوطنـي" بزعامـة جلال طالبانـي القريـب مـن طهـران علـى حقـول نفطيـة فــي كركوك كانت‬ ‫تديرهـا قـوات كرد َّيـة تابعـة للحـزب "الدميقراطـي الكردسـتاني" املدعـوم مـن أنقـرة(‪.)11‬‬ ‫التركي‪-‬اإليراني‪ ،‬لكن بأدوات‬ ‫األرجـح أن هـذه األحـداث هـي أحـد جتلِّيـات صـراع النفوذ‬ ‫ّ‬ ‫خصوصـا أن إيـران تسـعى لالسـتحواذ علـى نصيـب معتبـر مـن نفـط كركـوك وبنـاء‬ ‫كرد َّيـة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أنبـوب تصديـر مـن كركـوك إلـى طهـران ً‬ ‫بـدل مـن خـط كركوك‪-‬أنقـرة الـذي حـ َّول تركيـا إلـى‬ ‫ً‬ ‫شـوطا رئيسـ ًيا فــي تنفــيذ ّ‬ ‫مركـز َ‬ ‫التركـي لنقـل‬ ‫خـط السـيل‬ ‫عالـي للطاقـة‪ ،‬بعـد أن قطعـت‬ ‫ّ‬ ‫وسـي إلـى األسـواق األوروب َّيـة عبـر تركيا‪.‬‬ ‫الغـاز ال ُّر ّ‬ ‫الدائرة اخلليجية‬ ‫تنظـر إيـران بقلـق إلـى التوافـق فــي ال َعالقـة بين تركيـا ودول اخلليـج‪ ،‬الـذي تبلـور‬ ‫منـذ مطلـع ‪ ،2015‬وترسـخ مـع إعلان تركيـا دعـم عمليـة "عاصفـة احلـزم" التـي تقودهـا‬ ‫السـعودي‬ ‫السـعود َّية ضـ ّد احلوثين فــي اليمـن دون املشـاركة فــيها‪ ،‬ودعـم أنقـرة املوقـف‬ ‫ّ‬ ‫بعـد إعـدام رجـل الديـن ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي منـر باقـر النمـر فــي ينايـر ‪ ،2016‬ناهيـك بدعـم سياسـات‬ ‫اإليرانـي فــي البحريـن عبـر دعـم املجموعـات ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية‪.‬‬ ‫البحريـن فــي مواجهـة التدخُّ ـل‬ ‫ّ‬

‫وأسـهم تنامي املصالح والرؤى السياسـية املشـتركة فــي ا ِمللَفَّات اإلقليمية‪ ،‬الذي كشـفته‬ ‫التركـي فــي ‪ 13‬فبرايـر ‪ 2017‬للسـعود َّية والبحريـن وقطـر‪ ،‬فــي إحـداث‬ ‫زيـارة الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫نقلـة نوعيـة فــي ال َعالقـة بين أنقـرة ودول اخلليـج‪ ،‬كشـفتها ِّ‬ ‫مؤشـرات ِع َّـدة‪ ،‬منهـا تصاعـد‬ ‫معـدالت التبـادل التجـاري التـي وصلـت إلـى ‪ 20‬مليـار دوالر مع السـعود َّية‪ ،‬كما حقّق التبادل‬ ‫َّ‬ ‫التجـاري مـع اإلمـارات مسـتويات متق ِّدمـة إذ بلـغ إجمالـي التجـارة اخلارجيـة غيـر ال ِّنفْطيـة‬ ‫معدل‬ ‫بني البلدين فــي نهاية عام ‪ 2015‬نحو ‪ 7.4‬مليار دوالر‪ ،‬شـاملة املناطق احلرة‪ ،‬وبلغ َّ‬ ‫التبـادل التجـاري مـع قطـر نحـو ‪ 700‬مليـون دوالر‪ ،‬كمـا تضاعـف حجم التبادل التجاري بني‬ ‫سـجل نحـو ‪ 165‬مليـون دوالر فــي ‪2002‬‬ ‫تركيـا والكويـت ‪ 3‬مـرات منـذ عـام ‪ 2002‬بعدمـا َّ‬ ‫السـ َّياح الكويتيين‬ ‫ليصـل إلـى نحـو ‪ 700‬مليـون دوالر بنهايـة عـام ‪ ،20016‬وشـهد عـدد ُّ‬ ‫‪108‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫وسـجل ‪ 180‬ألـف سـائح فــي عـام ‪ 2016‬بعـد أن‬ ‫فــي تركيـا زيـادة خلال األعـوام األخيـرة‬ ‫َّ‬ ‫كانـوا ‪ 8‬آالف سـائح عـام ‪ .2002‬وبلـغ عـدد الكويتيين الذيـن يتملكـون عقـارات فــي تركيـا‬ ‫نحـو ‪ 1744‬كويت ًيـا‪ ،‬وهـم يحتلـون املرتبـة الثالثـة فــي قائمـة األجانب أصحاب العقارات فــي‬ ‫تركيـا بعـد العـراق والسـعود َّية‪ .‬ووصلـت االسـتثمارات الكويتيـة فــي تركيا نحو مليـا َري دوالر‬ ‫ومؤسسـة تنشـط فــي السـوق الترك َّية منذ عام ‪ 2004‬فــي املجاالت‬ ‫من خالل ‪ 271‬شـركة‬ ‫َّ‬ ‫العقاريـة والتجاريـة والصناعيـة‪ .‬فــي املقابـل وصـل حجـم التبـادل التجـاري مـع البحرين إلى‬ ‫نحـو ‪ 350‬مليـون دوالر(‪.)12‬‬ ‫السـعودي‬ ‫التركـي فــي‬ ‫كذلـك شـهدت ال َعالقـة دفعـة كبيـرة مـع إنشـاء مجلـس التنسـيق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أبريـل ‪ ،2016‬أمـا التطـور األكثـر أه ِّم َّيـة فهـو افتتـاح أنقرة فــي مايو ‪ 2016‬قاعدة عسـكرية‬ ‫فــي دولـة قطـر حليفتهـا األقـرب فــي املنطقـة‪ ،‬وهـو أمـر يحـدث ألول مـرة منـذ نهايـة‬ ‫السـن ِّّي الـذي أطلقتـه‬ ‫اإلمبراطوريـة العثمانيـة‪ .‬وقـد جـاءت تلـك املبـادرة تنا ُغ ًمـا مـع التحالـف ُّ‬ ‫الريـاض بصفـة رسـم َّية فــي مـارس ‪ ،2016‬وهـو حتالـف انض َّمـت إليـه أنقـرة والدوحـة(‪.)13‬‬ ‫وفــي الوقت الذي تشهد فــيه تركيا تقا ُر ًبا مع اخلليج‪ ،‬تبدو ال َعالقة بني طهران وجوارها‬ ‫خصوصـا مـع تصاعـد األدوار السـلبية إليـران فــي اليمـن والبحريـن مـن‬ ‫اخلليجـي علـى قلـق‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خالل مسـاندة تنظيم "احلوثي" فــي األولى‪ ،‬ودعم تنظيم "سـرايا األشـتر" اإلرهابي‪ ،‬املت َهم‬ ‫بتنفــيذ عشرات العمليات اإلرهابية فــي البحرين‪ ،‬واستهداف رجال األمن واستقرار اململكة‬ ‫بالدرجـة األولي‪.‬‬ ‫علـى صعيـد ذي شـأن كانـت ال َعالقـة بين طهـران والريـاض تأ َّز َمـت العـام املاضـي بعـد أن‬ ‫منعت السـلطات اإليران َّية مواطنيها من أداء مناسـك ا َ‬ ‫حل ّج على خلفــية النزاعات السياسـية‬ ‫مـع السـعود َّية‪ ،‬التـي أعلنـت قطـع عالقاتهـا الدبلوماسـية والسياسـية مـع طهـران بعـد الهجوم‬ ‫الـذي تعرضـت لـه السـفارة السـعود َّية بطهـران فــي ينايـر ‪ ،2016‬علـى خلفــية إعـدام ‪47‬‬ ‫ضـا" مـن بينهـم رجـل الديـن ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي باقـر النمـر‪ ،‬وعـدم تدخُّ ـل السـلطات‬ ‫"إرهاب ًيـا ومح ِّر ً‬ ‫اإليران َّيـة ملعاقبـة من ِّفـذي هـذا الهجـوم‪.‬‬ ‫السـعودي هـذا هـو األول مـن نوعـه‪ ،‬فقد سـبق أن حاولت طهران‬‫ولـم ي ُكـن التوتُّـر‬ ‫اإليراني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السـعودي لدي الواليات املتَّحدة آنذاك عادل اجلبير بيد‬ ‫فــي أكتوبر ‪ 2011‬اغتيال السفــير‬ ‫ّ‬ ‫َّ (‪)14‬‬ ‫اثنني من عناصرها‪ .‬وكشفت وزارة العدل األمريك َّية فــي وقتها عن تفاصيل املخطط ‪.‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪109‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫التركـي املتنامـي فــي‬ ‫وتوجـد محـاوالت إيران َّيـة لتهدئـة التوتُّـر مـع اخلليـج وموازنـة الـدور‬ ‫ّ‬

‫اإليرانـي جـواد ظريـف لقطـر مطلـع‬ ‫األوسـاط اخلليجيـة‪ ،‬كشـفت عنهـا زيـارة وزيـر اخلارجيـة‬ ‫ّ‬ ‫مارس ‪ ،2017‬ناهيك برسالة إيران َّية تسلمتها الكويت نهاية الشهر نفسه فــي إطار مسلسل‬

‫إيران لتحسني الن َّيات لتطبيع عالقاتها املتأزمة مع دول اخلليج‪ .‬غير أن سعي إيران الختراق‬ ‫يتعـدى حـدود املسـتوي اللفظـي والشـعارات‪ ،‬فــي حين حتـاول إيـران‬ ‫عالقاتهـا مـع اخلليـج ال َّ‬ ‫عمل ًيـا توسـيع نفوذهـا داخـل الدوائـر اجلغرافــية التـي مت ِّثـل عمقًا اسـتراتيج ًيا للخليج‪ ،‬ومنها‬ ‫سـوريا واليمن والعراق‪.‬‬

‫وم َّثلَـت زيـارة الرئيـس حسـن روحانـي لـكل مـن سـلطنة عمـان والكويـت منتصـف مـارس‬

‫خصوصـا‬ ‫‪ 2017‬عالمـة فارقـة علـى رغبـة إيران َّيـة فــي القفـز علـى حالـة التوتُّـر مـع اخلليـج‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وج َهتها‬ ‫فـي ظ ّل التوتُّر املتصاعد بني إيران والواليات املتَّحدة األمريك َّية بعد التهديدات التي َّ‬ ‫األمريكـي دونالـد ترامـب إلـى طهـران خلال الفتـرة األخيـرة‪.‬‬ ‫إدارة الرئيـس‬ ‫ّ‬

‫فقد بدأت إدارة ترامب واليتها من خالل تَبَنِّي موقف أكثر تش ُّد ًدا من إيران‪ .‬مؤخَّ ًرا كتب‬

‫ترامـب عبـر حسـابه علـى تويتـر أن "إيـران تلعـب بالنـار‪ ،‬كمـا أنهـم ال يقـ ِّدرون كـم كان الرئيـس‬ ‫الرسـمي باسـم البيـت‬ ‫أوبامـا متعاطفًـا معهـم‪ ،‬ولكنـه ليـس أنـا!"‪ ،‬كمـا حتـدث الحقًـا املتحـدث‬ ‫ّ‬ ‫األبيض سين سبيسـر‪ً ،‬‬ ‫قائل إن "اإليران ّيني حصلوا على الرسـالة‪ ،‬كما أنهم مسـتمرون فــي‬ ‫ً‬ ‫ما‬ ‫احلصول عليها‪،‬‬ ‫فضل عن أن اإلدارة األمريك َّية ستكون أكثر صرامة فـي التعامل معهم‪َّ ِ ،‬‬

‫كان عليـه الوضـع فــي عهـد الرئيـس أوبامـا"‪ .‬وظهـرت مالمـح التصعيـد فــي فـرض عقوبـات‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬إضافـة إلـى متديـد‬ ‫علـى الكيانـات املشـاركة فــي برنامـج الصواريـخ البالسـتية‬ ‫ّ‬ ‫الكونغرس العقوبات لعشر سنوات إضافــية(‪.)15‬‬

‫توجه‬ ‫فـي هذا السياق العا ّم كانت أه ِّم َّية زيارة روحاني للكويت وسلطنة عمان فـي إطار ُّ‬

‫إيرانـي إلـى محاولـة تأسـيس قنـوات خلفــية تسـتطيع مـن خاللهـا الوصـول إلـى تفاهمات مع‬ ‫ّ‬ ‫اإلدارة األمريك َّيـة اجلديـدة حـول ا ِمللَفَّـات اخلالفــية املتعـددة‪ ،‬وهـو ما يرتبط باحمل ِّددات التي‬

‫تضبـط حـدود تعامـل طهـران مـع الضغـوط التـي تفرضهـا اإلدارات األمريك َّيـة املتعاقبـة منـذ‬ ‫ً‬ ‫فضل عن سـعيها الدائم‪ ،‬وعلى عكس ما ت ّدعي‪ ،‬إلى "تطويع"‬ ‫قيام الثورة فــي عام ‪،1979‬‬ ‫آيديولوجيتها لتحقيق مصاحلها فــي حالة اقتراب اخلطر من حدودها‪.‬‬ ‫‪110‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫إضافـة إلـى طلـب وسـاطة كويتيـة لتطبيـع ال َعالقـة مـع الريـاض‪ ،‬فـإن زيـارة روحانـي تأتـي‬ ‫فــي أعقـاب افتتـاح حلـف الناتـو مركـزًا إقليم ًيـا لـه فــي الكويـت فــي ينايـر ‪ ،2017‬فــي إطـار‬ ‫مبـادرة إسـطنبول للتعـاون التـي تشـكلت فــي عـام ‪ 2004‬بين دول اخلليـج واحللـف‪ ،‬واملركـز‬ ‫اإلقليمي للناتو هو أول مركز مماثل فــي هذه املنطقة ملواجهة التهديدات التي تشهدها(‪.)16‬‬ ‫تقارب الضرورة‬ ‫رغـم اجلـدل الـذي ظهـر فــي ال َعالقـة بين إيـران وتركيـا‪ ،‬وتصاعـد القلـق بسـبب‬ ‫التصريحـات والتصريحـات املضـا َّدة‪ ،‬وشـعور أنقـرة بالقلـق مـن سـعى إيـران إلـى مـ ّد نفوذهـا‬ ‫فــي العراق وسوريا واليمن باستغاللها خطر داعش و"القاعدة" فــي تلك البلدان‪ ،‬والتح ُّكم‬ ‫فــي قراراتهـا‪ ،‬فقـد تدفـع اعتبـارات عديـدة الطرفـين إلـى العمـل علـى ضبـط حـدود هـذا‬ ‫التوتُّـر واحلفـاظ علـى قنـوات تواصـل مفتوحـة خلال املرحلـة القادمـة‪ ،‬إذ ت ِ‬ ‫ُبـدي كل مـن‬ ‫خاصا باحلرب ض ّد التنظيمات اإلرهابية‪ ،‬وال سـيما تنظيم داعش‪،‬‬ ‫أنقرة وطهران اهتما ًما‬ ‫ً‬ ‫بخاصـة بعـد الهجمـات األخيـرة التـي تَعـ َّرض لهـا بعـض املـدن التُّرك َّيـة‪ ،‬وأعلـن التنظيـم‬ ‫َّ‬ ‫مسـؤوليته عنهـا فــي إطـار ر ّده علـى عمليـة "درع الفـرات" التـي تدعمهـا تركيـا فــي الشـمال‬ ‫السـوري‪.‬‬ ‫أمـا عنـد النظـر إلـى سياسـة إيـران فــي مواجهـة داعـش فنجـد أنهـا مبن َّيـة علـى مواجهـة‬ ‫ازديـاد النفـوذ األجنبـي فــي املنطقـة‪ ،‬مـن خلال التحالـف الدولـي الـذي تقـوده واشـنطن‬ ‫ملكافحـة داعـش‪ ،‬والبحـث عـن طـرق بديلـة تُنهِ ـي قوة داعش والتنظيمـات املتطرفة دون تزايد‬ ‫النفـوذ األجنبـي فــي دول اإلقليـم(‪.)17‬‬ ‫خصوصـا بعـد‬ ‫مـن جهـة أخـرى أصبحـت إيـران إحـدى نقـاط اسـتهداف تنظيـم داعـش‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أن تَ َو َّعـد أبـو احلسـن املهاجـر املتحـدث باسـم تنظيـم داعـش‪ ،‬إيـران فــي خطـاب ب َّثتـه وكالـة‬ ‫"أعماق" فــي ‪ 2‬ديسـمبر ‪ ،2016‬ووصفها بأقسـى العبارات ً‬ ‫السـنَّة‬ ‫قائل إنها "فتكت بأهل ُّ‬ ‫فــي العراق والشـام عبر وكالئها وخبرائها ومستشـاريها‪ ،‬وها هي ذي اليوم جتوب ديار أهل‬ ‫السنَّة ً‬ ‫املوحدين املجاهدين حتت قصف ومساندة الصليبني‬ ‫طول‬ ‫ً‬ ‫وعرضا حتارب عباد اهلل ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫املرتـدة"‪ .‬ولـم ي ُكـن هـذا التهديـد هـو األول من نوعه‪ ،‬فقد أعلن املتحدث السـابق‬ ‫وحكوماتكـم‬ ‫َّ‬ ‫باسـم تنظيـم داعـش أبـو محمـد العدنانـي‪ ،‬أن مهادنـة «اجلمهوريـة اإلسلامية" كانـت‬ ‫"للحفاظ على مصالح القاعدة‪ ،‬وخطوط إمدادها»‪ ،‬ودعا إلى تنفــيذ تفجيرات فــي إيران‪.‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪111‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫وقال فـي تسجيل صوتي نشرته وكالة "أعماق" التابعة لتنظيم داعش فـي ‪ 27‬يوليو ‪:2016‬‬ ‫"أدعـو جميـع املسـلمني فــي إيـران إلـى القيـام بتفجيـرات فــي إيـران فــي قلـب طهـران للـر ّد‬ ‫السـنَّة فــي العـراق والشـام"(‪.)18‬‬ ‫علـى جرائمهـم جتـاه أهـل ُّ‬ ‫والواضـح أن تنظيـم داعـش أصبـح ظاهـرة تهـ ِّدد كل دول اإلقليـم‪ ،‬حتـى تلـك التـي أثيـرت‬ ‫شبهات عن َعالقة جتمعها بالتنظيم‪ .‬ومن هذا املنطلق تصبح إعادة األمن للدول املستهدفة‬ ‫بخاصة‬ ‫مـن داعـش مثـل سـوريا والعـراق هد ًفـا إليـران التـي تغلغلـت ميليشـياتها فــي العـراق‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ميليشيا احلشد الشعبي التي تلعب دو ًرا محور ًيا فـي معركة املوصل‪ ،‬وكذلك سوريا‪ .‬كما أن‬ ‫تركيـا هـي األخـرى فــي حاجـة إلـى قضـم داعـش‪ ،‬وتخـوض حر ًبـا شرسـة فــي مدينـة البـاب‬ ‫اآلن فــي إطـار عمليـة دعـم الفـرات وتركيـا‪.‬‬ ‫املهمـة التـي سـوف تشـهدها كل مـن تركيـا وإيـران‬ ‫إلـى جانـب ذلـك فـإن االسـتحقاقات َّ‬ ‫خلال املرحلـة املقبلـة‪ ،‬قـد تفـرض علـى الطرفـين ضـرورة العمـل علـى خفـض ِح َّـدة التوتُّـر‬ ‫وتوسـيع نطـاق التفاهمـات‪ ،‬باعتبـار أن العالقـات الثنائيـة سـوف تكـون محـو ًرا مه ًما فــي تلك‬ ‫ّ‬ ‫التركي فـي العراق‬ ‫مبلف سوريا والوجود‬ ‫بخاصة أنها ترتبط بدرجة مباشرة‬ ‫االستحقاقات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫خـاص مـن القوى السياسـية‬ ‫وطبيعـة ال َعالقـة مـع دول اخلليـج‪ ،‬وهـي ِملَفَّـات َت َظـى باهتمـام‬ ‫ّ‬ ‫فــي كلتا الدولتني‪.‬‬ ‫وتنتظـر تركيـا فــي ‪ 16‬أبريـل إجـراء االسـتفتاء علـى التعديلات الدسـتورية املنـوط بهـا‬ ‫حتويل النِّظام السياسي من برملاني إلى رئاسي بهدف تعزيز صالحيات الرئيس‪ ،‬فــي حني‬ ‫جتـري االنتخابـات الرئاسـية فــي إيـران فــي ‪ 19‬مايـو املقبـل‪ ،‬إذ يسـعى الرئيـس اإلصالحـي‬ ‫حسـن روحانـي للفـوز بواليـة ثانيـة‪ ،‬فــي الوقـت الـذي يتوقـع أن يواجـه فــيه منافسـة قويـة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الترشـح مـن‬ ‫بخاصـة فــي ظـ ّل تهديـد الت َّيـار احملافـظ واألصوليين املتشـددين مبنعـه مـن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫املرشـحني الذيـن‬ ‫يبـت بأهليـة‬ ‫خلال سـحب الثقـة عنـه فــي مجلـس صيانـة الدسـتور‪ ،‬الـذي ّ‬ ‫يهيمنـون عليه‪.‬‬ ‫خلـف مـا سـبق تـزداد أه ِّم َّيـة العالقـات التُّرك َّيـة اإليران َّيـة بعـد صعـود دونالـد ترامـب إلـى‬ ‫ُس َّـدة البيـت األبيـض‪ ،‬الـذي تدعـو إدارتـه إلـى إضعـاف ومحاصـرة إيـران‪َ َ ،‬‬ ‫وتلَّـى ذلـك فــي‬ ‫تغريـدات ترامـب عـن إيـران‪ ،‬فكتـب فــي ‪ 3‬فبرايـر املاضـي علـى حسـابه فــي موقـع تويتـر‪:‬‬ ‫‪112‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫"تبتلـع إيـران مزيـ ًدا مـن العـراق‪ ،‬ومتـ ّد نفوذهـا إلـى البلـد الـذي كانـت الواليـات املتَّحـدة‬ ‫األمريك َّيـة أنفقـت عليـه ‪ 3‬تريليونـات دوالر"‪.‬‬ ‫األمريكـي (مجلـس النـواب) فــي ديسـمبر املاضـي قانـون العقوبـات‬ ‫مـدد الكونغـرس‬ ‫كمـا َّ‬ ‫ّ‬ ‫علـى إيـران‪ ،‬الـذي كان مـن املقـرر أن تنتهـي صالحيتـه فــي ‪ 31‬ديسـمبر ‪ ،2016‬ملـدة عشـر‬ ‫سـنوات أخـرى‪ ،‬بأغلبيـة سـاحقة بلغـت ‪ 419‬مؤيـ ًدأ مقابـل معـارض واحـد‪ .‬وتخضـع إيـران‬ ‫لعقوبـات أمريك َّيـة منـذ ‪ 4‬أغسـطس ‪ 1996‬عندمـا و َّقـع الرئيـس بيـل كلينتـون علـى قانـون‬ ‫العقوبـات علـى ليبيـا وإيـران املعـروف بـ"داماتـو" الـذي أقـ َّره الكونغـرس‪ ،‬وفــي عـام ‪2006‬‬ ‫أُجرِ يَـت تعديلات عليـه‪ُ ،‬‬ ‫فشـطبت منـه العقوبـات علـى ليبيـا‪ ،‬واقتصـرت العقوبـات علـى‬ ‫اجلمهوريـة اإلسلامية اإليران َّيـة‪ .‬ويفـرض هـذا القانـون عقوبـات على الشـركات التي تتعامل‬ ‫مع إيران فـي مجال ال ِّنفْط والغاز وتزيد استثماراتها على ‪ 20‬مليون دوالر فـي العام‪ .‬وتشمل‬ ‫ً‬ ‫أمناطـا مختلفـة مـن العقوبـات‪ ،‬وهـو فــي املجمـل‬ ‫العقوبـات املنصـوص عليهـا فــي القانـون‬ ‫يشـ ِّكل سـ ًدا مني ًعـا أمـام االسـتثمارات األجنبيـة فــي مجـال الطاقـة فــي إيـران(‪.)19‬‬ ‫فـي املقابل ال تبدو تركيا‪ ،‬رغم انتقاداتها املتواصلة للسياسة اإليران َّية‪ ،‬فـي وارد تصعيد‬ ‫خصوصـا بعـد تفضيـل‬ ‫بخاصـة خلال الفتـرة احلال َّيـة‪،‬‬ ‫التوتُّـر إلـى درجـة غيـر مسـبوقة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫واشـنطن االعتمـاد علـى قـوات "سـوريا الدميقراطيـة" فــي معركـة حتريـر الرقـة‪ .‬وح َّيـدت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والقـوات األخـرى املواليـة لهـا كـ"اجليـش‬ ‫واشـنطن بالتنسـيق مـع موسـكو‬ ‫القـوات التُّرك َّيـ َة‬ ‫السـوري ا ُ‬ ‫حل ّر" و"البيشـمركة الكرد َّية العراقية"‪ ،‬كما اسـتضافت موسـكو املؤمتر الكردي‪،‬‬ ‫ودعـت وحـدات حمايـة الشـعب الكـردي إلـى مفاوضـات جنيـف‪ ،‬كمـا منحـت األكـراد فــي‬ ‫قدمتـه فــي أسـتانة حك ًمـا ذات ًيـا‪ ،‬وهـو األمـر الذي أثـار غضب أنقرة‪.‬‬ ‫مسـ َّودة الدسـتور الـذي َّ‬ ‫فــي املقابل يتع َّمق اخلالف بني أنقرة وواشـنطن بشـأن املوقف من القوات الكرد َّية فــي‬ ‫خصوصـا جلهـة مشـاركة‬ ‫شـمال سـوريا‪ ،‬وجتاهـل اإلدارة األمريك َّيـة التحفُّظـات التُّرك َّيـة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫"وحـدات حمايـة الشـعب" فــي عمليـة حتريـر الرقـة‪ .‬وعـززت الواليـات املتَّحـدة وجودهـا‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن اسـتئناف أكـراد سـوريا العمليـات‬ ‫العسـكري فــي منبـج بالشـمال السـوري‪،‬‬ ‫العسـكرية لـ"غضـب الفـرات" ضمـن املرحلـة الثالثـة فــي ‪ 5‬مـارس ‪ ،2017‬التـي تزامنـت‬ ‫األمريكـي لقـوات التحالـف الدولـي‪ ،‬أن أكـراد سـوريا‬ ‫مـع إعلان ستيفـين تاونسـند القائـد‬ ‫ّ‬ ‫التركـي فــي ‪ 4‬مـارس ‪ 2017‬اسـتعداد‬ ‫سيشـاركون فــي اسـتعادة الرقـة‪ .‬لـذا أبـدى الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪113‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫فسـره البعـض علـى‬ ‫بلاده ملشـاركة روسـيا فــي القتـال ضـ ّد داعـش فــي سـوريا‪ ،‬األمـر الـذي َّ‬ ‫أنـه عـرض للتعـاون فــي العمليـة املقـ َّررة لتحريـر الرقـة(‪.)20‬‬

‫ماسة إلى التنسيق مع إيران وموسكو فـي الشمال السوري‪،‬‬ ‫كذلك تبدو أنقرة فـي حاجة َّ‬ ‫فــي ظـ ّل التطـ ُّور اجلديـد علـى املشـهد العسـكري هنـاك‪ ،‬وإعلان مجلـس منبـج اخلاضـع‬

‫ـاس مـع‬ ‫لسـيطرة "وحـدات حمايـة الشـعب الكرد َّيـة" تسـليم القـرى الواقعـة علـى خـط ال َّت َم ّ‬ ‫"درع الفـرات" احملاذيـة ملنطقـة البـاب فــي اجلبهـة الغربيـة ملنبـج‪ ،‬لقـوات النِّظـام السـوري‪،‬‬

‫مبوجـب اتفـاق أبرمـه املجلـس مـع موسـكو‪ ،‬التـي دفعت بآليات ومد َّرعات عسـكرية إلى ريف‬ ‫منبـج الغربـي لتأمين القـرى التـي سـلمها لهـا مجلس منبج العسـكري‪.‬‬

‫َ‬ ‫املنتظـرة تنسـيقًا خفــ ًيا بين أنقـرة وطهـران‪،‬‬ ‫علـى جانـب آخـر فقـد تفـرض معركـة الرقـة‬

‫فتركيـا تسـعى للحيلولـة دون مشـاركة كرد َّيـة فــي الرقـة‪ ،‬أمـا إيـران فتخشـى أن تكـون معركة‬ ‫وسـي فــي املنطقة‪ ،‬ومن ثم اسـتهداف‬ ‫الرقة التي تسـتهدف داعش بداي ًة لتفكيك احملور ال ُّر ّ‬

‫طهـران بعـد ذلـك عبـر العمـل علـى خلخلـة عالقاتهـا الوثيقـة مـع موسـكو‪ ،‬باللعـب علـى‬ ‫التناقضـات املسـتترة للحليفـين فــي مـا يتعلـق مبـآالت اآلزمـة السـورية‪ ،‬إذ تـدرك طهران أن‬ ‫معركة الرقة‪ ،‬حال جناحها‪ ،‬قد تكون الباب اخللفــي لتقليص نفوذها فــي سـوريا‪ ،‬ال سـيما‬

‫مـع إعلان نيكـي هالـي سفــيرة أمريـكا لـدى األمم املتَّحـدة‪ ،‬أن "بالدهـا تدعـم محادثـات‬ ‫السلام السـورية التـي تقودهـا َّ‬ ‫املنظمـة الدوليـة"‪ ،‬مشـ ِّددة علـى أن "سـوريا ال ميكـن أن تظـل‬

‫ملا ًذا آمنًـا لإلرهابيين‪ ،‬ومـن املهـ ّم إخـراج إيـران ووكالئهـا مـن سـوريا"(‪.)21‬‬

‫ويعـود االعتبـار الرابـع إلـى إدراك إيـران أه ِّم َّيـة أنقـرة دولـ ًة مفتاحي ًة‪ ،‬إذ باتت مت ِّثل الرئة‬

‫االقتصاديـة لهـا بعـد قـرار الكونغـرس فــي نوفمبـر ‪ 2016‬متديـد العقوبـات علـى إيـران‬ ‫لعشـر سـنوات جديـدة‪ .‬أمـا أنقـرة فتعـي أه ِّم َّيـة إيـران كبوابـة لتركيـا إلـى آسـيا‪ ،‬كمـا تظـ ّل‬

‫تركيـا وإيـران رغـم تناقـض مواقفهمـا مـن مجمـوع ِملَفَّـات املنطقـة مرتبطتَين مبجموعـة‬ ‫خاصـة مبـوارد الطاقـة‪ ،‬فاألولـي تسـتورد‬ ‫مـن العالقـات قوامهـا تبـادالت اقتصاديـة وأخـرى َّ‬ ‫مـن الثانيـة ال ِّنفْـط والغـاز‪ ،‬فــي حين تعتمـد طهـران علـى أنقـرة فــي توفــير جـزء معتبـر مـن‬

‫احتياجاتهـا االسـتهالكية مثـل املـوز واحلبـوب والتبـغ واآلالت الصناعيـة والقطـن واخلشـب‬

‫واألدويـة والـورق‪.‬‬ ‫‪114‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫مسارات ال َعالقة‬ ‫علـى الرغـم مـن أن ال َعالقـة الدبلوماسـية بين طهـران وأنقـرة تعـود إلـى أكثـر مـن سـتة‬ ‫قـرون فرضتهـا اعتبـارات املصلحـة واجلـوار اجلغرافــي‪ ،‬فـإن منحنـى ال َعالقـة بلـغ الـذروة‬ ‫مـع قيـام الثـورة السـورية عـام ‪ ،2011‬وإصـرار طهـران على االصطفاف بجوار األسـد‪ .‬وكان‬ ‫ً‬ ‫عامل مؤث ًرا فــي بقاء األسـد ضمن مك ِّونات املشـهد السـوري بفضل الدعم‬ ‫الدور‬ ‫اإليراني‬ ‫ّ‬ ‫العسـكري وسياسـة املعونات‪.‬‬ ‫وزادت الهـوة السياسـية واآليديولوجيـة بين البلديـن علـى ضـوء التطـ ُّورات احلادثـة فــي‬ ‫سـوريا والعـراق‪ ،‬ومحاولـة طهـران تفصيـل املشـهد علـى األرض علـى مقـاس طموحاتهـا‬ ‫السياسـية‪ ،‬لـذا اعتبـرت قـوات تركيـا فــي العـراق فــي معسـكر بعشـيقة وقـرب املوصـل علـى‬ ‫اإليراني حسـن روحاني وجود‬ ‫أنهـا "عناصـر غيـر شـرعية"‪ ،‬وكان بـارزًا هنـا وصـف الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫التركـي فــي مدينـة بعشـيقة العراقيـة بأنـه "خطيـر جـ ًدا"‪.‬‬ ‫كتيبـة تابعـة جليـش البـر‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي علـى حدودهـا‪ ،‬والدعـم‬ ‫فــي املقابـل ثمـة شـعو ًرا قلقًـا لـدي أنقـرة مـن التمـدد‬ ‫ّ‬ ‫املباشـر لقواعـد حـزب العمـال الكردسـتاني" فــي مناطـق سـنجار العراقيـة‪ ،‬إضافـة إلى دور‬ ‫التركـي فــي العـراق‪.‬‬ ‫إيرانـي ال تخطئـه عين لتقليـص النفـوذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فــي هـذا السـياق العـا ّم‪ ،‬ومـن الناحيـة النظريـة‪ ،‬ميكـن اإلشـارة إلـى ثالثـة مسـتويات قـد‬ ‫تتعـرض لهـا العالقـات اإليران َّية‪-‬التُّرك َّيـة‪:‬‬ ‫املسـتوى األول هـو جتميـد الوضـع علـى مـا هـو عليـه‪ ،‬دون أي تَقـ ُّدم ملمـوس فــي أي‬ ‫مشـكلة‪ ،‬واسـتمرار احتمـاالت التصعيـد علـى نحـو أو آخـر فــي املسـتقبل‪.‬‬ ‫حتسـن محـدود تسـمح بـه التطـ ُّورات احملليـة فــي البلديـن‪ ،‬فإيـران‬ ‫املسـتوي الثانـي هـو ُّ‬ ‫تنتظـر انتخابـات رئاسـية هـي األكثـر اسـتثنائية فــي تاريـخ اجلمهوريـة اإلسلامية‪ ،‬فداخل ًيـا‬ ‫خصوصـا أن‬ ‫تشـهد االنتخابـات اسـتقطا ًبا سياسـ ًيا حـا ًدا بين اإلصالحيين واملتشـددين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ـحني اإلصالح َّيين ميـر‬ ‫السـلطات اإليران َّيـة مـا زالـت تفـرض اإلقامـة اجلبريـة علـى‬ ‫املرش َ‬ ‫حسين موسـوي ومهـدي كروبـي منـذ عـام ‪ 2011‬بعـد قيـادة احتجاجـات احلركـة اخلضـراء‬ ‫ً‬ ‫اإليرانـي والـدور‬ ‫فضلا عـن تداعـي االقتصـاد‬ ‫عقـب إعالنهمـا رفـض نتائـج االنتخابـات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي فــي هندسـة العمليـة االنتخابيـة(‪.)22‬‬ ‫املشـبوه للحـرس الثـوري‬ ‫ّ‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪115‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫أمريكـي ضـ ّد طهـران‪ ،‬وكان بـارزًا هنـا‬ ‫وخارج ًيـا تتزامـن هـذه االنتخابـات مـع تصعيـد‬ ‫ّ‬ ‫األمريكـي ترامـب عشـ َّية لقائـه رئيـس الـوزراء العراقـي حيـدر العبـادي‬ ‫مطالبـة الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫فــي واشنطن فــي ‪ 21‬مارس ‪ ،2017‬بضرورة إبعاد عناصر احلشد الشعبي املوالي إليران‬ ‫وتسـليم أسـلحتهم الثقيلـة‪ ،‬وعـدم بقائهـم فــي منظومـة األمـن العراقيـة‪.‬‬ ‫فــي الوقت نفسـه ستشـهد تركيا اسـتفتاء على تعديالت دسـتورية منوط بها َ َ‬ ‫ت ُّول نظام‬ ‫بخاصـة بعـد دخـول‬ ‫احلكـم إلـى النِّظـام الرئاسـي‪ ،‬إضافـة إلـى ُمج َمـل الظـروف اإلقليميـة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تفاهـم علـى بعـض املشـكالت‪،‬‬ ‫تركيـا عسـكر ًيا املسـتنقع السـوري‪ .‬وفــي هـذا اإلطـار قـد يُ َ‬ ‫وعلـى عـدم تصعيـد البعـض اآلخـر الـذي يصعـب تسـويته بشـكل آنـي فــي الوقـت احلاضـر‪.‬‬ ‫أما املستوي الثالث فهو َ َ‬ ‫ت ُّرك البلدين باجتاه إنهاء التوتُّر الذي انعكس فـي تصريحات‬ ‫اإليرانـي حسـن روحانـي علـى‬ ‫التركـي نظيـ َره‬ ‫حـا َّدة متبا َدلـة‪ ،‬وكان بـارزًا هنـا لقـاء الرئيـس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هامـش قمـة َّ‬ ‫منظمـة التعـاون االقتصـادي "إيكـو" فــي إسلام آبـاد فــي مطلـع مـارس ‪.2017‬‬ ‫وأعطـت أنقـرة عقـب هـذا اللقـاء إشـارات واضحـة علـى اسـتدارة نحـو خفـض التوتُّـر مـع‬ ‫التركـي قبـل لقـاء‬ ‫طهـران والعمـل علـى ترطيـب أجـواء ال َعالقـة‪ ،‬وعـاد وزيـر اخلارجيـة‬ ‫ّ‬ ‫أردوغان‪-‬روحانـي فــي باكسـتان ليصـف عالقـات بلاده مـع إيـران بـ"األخويـة"‪ ،‬مؤ ّكـ ًدا أنهـا‬ ‫ال تنسـى دعمهـا عشـ َّية انقلاب يوليـو ‪ 2016‬الفاشـل فــي تركيـا‪.‬‬ ‫والواقـع أن إيـران كانـت مـن الـدول األولـى التـي اصطفَّـت بجـوار تركيـا عشـ َّية محاولـة‬ ‫وجـه وزيـر الشـؤون اخلارجيـة‬ ‫االنقلاب الفاشـل فــي منتصـف يوليـو ‪ ،2016‬فعبـر تويتـر َّ‬ ‫التركي برقية مساندة إلى احلكومة التُّرك َّية‪ ،‬وبعد ذلك انعقد املجلس األعلى لألمن القومي‬ ‫ّ‬ ‫برئاسـة الرئيـس حسـن روحانـي وع َّبـر عـن مسـاندته الرسـم َّية للحكومـة الشـرعية التُّرك َّية‪.‬‬ ‫كذلـك أعلـن علـي أكبـر واليتـي مستشـار املرشـد األعلـى علـي خامنئـي‪ ،‬أن بلاده تعارض‬ ‫االنقلاب الـذي وقـع فــي تركيـا‪ ،‬وقـال واليتـي‪" :‬فــي البلـد اجلـار والشـقيق‪ ،‬أقيمـت‬ ‫انتخابات‪ ،‬واحلكومة التُّرك َّية تشـكلت منذ سـنوات َو ْفقًا للمبادئ الدميقراطية‪ ،‬وإذا ض َّي َعت‬ ‫مجموعـة صغيـرة مـن العسـكريني أصـوات الشـعب حتـت تأثيـر أي عامـل وأسـقطت حكومـة‬ ‫أردوغـان الشـعبية‪ ،‬فمـن الطبيعـي أن اجلمهوريـة اإلسلامية انطال ًقـا مـن مبادئها سـترفض‬ ‫هـذا االنقلاب وأي انقلاب آخـر"(‪.)23‬‬ ‫‪116‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫صحيح أن إيران وضعت موقفها من دعم حكومة العدالة والتنمية الشـرعية فــي سـياق‬ ‫اإليراني بإدانة‬ ‫التوجه‬ ‫دعمها للحكومات الشـرعية‪ ،‬وعلى رأسـها احلكومة السـورية‪ ،‬إال أن‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫إيرانـي‪ ،‬ولـو محدود‪ ،‬إلى تغييـر املوقف‬ ‫االنقلاب يعـود مـن ناحيـة أخـرى إلـى طمـوح‬ ‫التركي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جتـاه األزمـة السـورية‪ ،‬باإلضافـة إلـى حلحلة ِملَفَّـات أخرى باملنطقة(‪.)24‬‬ ‫لـذا فـإن عالقـات التعـاون تظـ ُّل هـي األرجـح بني البلدين‪ ،‬على أن تبقى مصحوبة كالعادة‬ ‫بالترقـب واحلـذر دون املغامـرة بالتوتُّـر الكامـل فــي العالقـات بين الدولتين‪ ،‬وهـو مـا َ َ‬ ‫تلَّـى‬ ‫فــي رفض تركيا املشاركة فــي عملية عاصفة احلزم التي تقودها اململكة العربية السعود َّية‬ ‫التوصل إلى تسوية سلمية سع ًيا للحفاظ على مصاحلها فــي‬ ‫فــي اليمن‪ ،‬وسعيها إلمكانية‬ ‫ُّ‬ ‫االحتفـاظ بعالقـات جيـدة مع الرياض وطهران‪.‬‬ ‫مـن جهتهـا عرضـت طهـران وسـاطتها فــي األزمـة التـي حدثـت بين أنقـرة وموسـكو إثـر‬ ‫روسـي ًة من طراز "سـوخوي" فــي ‪ 27‬نوفمبر ‪ ،2015‬كما‬ ‫إسـقاط املقاتالت التُّرك َّية طائر ًة‬ ‫َّ‬ ‫و َّقـع الطرفـان رغـم هـوة اخللاف السياسـي‪ ،‬فــي ربيـع ‪ ،2016‬اتفاقيـة حـول السـياحة‪،‬‬ ‫ناهيـك مبناقشـة تعـاون اسـتراتيجي فــي مجـال ال ِّنفْـط والطاقـة‪.‬‬ ‫وإذا كانـت السياسـية والطموحـات اإلقليميـة متثـل ُهـ َّوة سـحيقة بين البلديـن يصعـب‬ ‫جتسـيرها‪ ،‬فمـا زال االقتصـاد ميثـل رافعـة وضمانـة فــي آن م ًعـا إلجلـام كل توتُّـر يحـدث‬ ‫بينهمـا‪ ،‬إذ تتغلـب فــي نهايـة املطـاف البنيـة التحتيـة التـي ترتبـط باآلثـار االقتصاديـة‬ ‫واالجتماعية املباشـرة‪ ،‬على البنية الفوقية التي تتعلق باآليديولوجيا ونسـق القيم واألفكار‪.‬‬ ‫وانعكـس اخللاف بين البلديـن جل ًيـا علـى قيمـة التبـادالت االقتصاديـة بينهمـا‪ ،‬إذ‬ ‫سـجلت ال َعالقـة االقتصاديـة تراج ًعـا مـن ‪ 21,89‬مليـار دوالر عـام ‪ 2002‬إلـى ‪ 13,7‬مليـار‬ ‫دوالر عـام ‪ ،2014‬ثـم إلـى ‪ 9,7‬مليـار دوالر بنهايـة ‪ .2015‬واألرجـح أن هـذا االنخفـاض‬ ‫املتتالـي للتبـادالت التجاريـة ِّ‬ ‫معدل‬ ‫يؤشـر إلـى جتميـد البلديـن خطـوة كانـت مسـته َدفة برفـع َّ‬ ‫التبـادل إلـى نحـو ‪ 35‬مليـار دوالر‪ ،‬ورمبـا ‪ 50‬مليـار دوالر‪ ،‬بحلـول عـام ‪.)25(2020‬‬ ‫إيراني على استعادة زَخْ م التبادالت االقتصادية‪ ،‬ال‬‫لكن فـي املقابل يوجد حرص‬ ‫تركي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫س َّيما أن أنقرة تسعى إلعادة هندسة سياستها اخلارجية عبر تقليل اخلصوم فــي اإلقليم‪،‬‬ ‫التركـي منـذ ‪،2012‬‬ ‫بخاصـة مـع تصاعـد التوتُّـر مـع أوروبـا‪ ،‬وتراجـع أرقـام االقتصـاد‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪117‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫ً‬ ‫فضلا عـن حاجاتهـا إلـى تأمين وارداتهـا‬ ‫وهبـوط قيمـة الليـرة أمـام الـدوالر بنحـو ‪،20%‬‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬كمـا متثـل طهـران سـو ًقا رابحـة للصـادرات التُّرك َّيـة‪ .‬ومـن جهتهـا تسـعى‬ ‫مـن الغـاز‬ ‫ّ‬ ‫إيـران لتجميـد اخللاف مـع أنقـرة أو منـع اتسـاعه‪ ،‬فمـع تصاعد العقوبـات الدولية والغربية‬ ‫بخاصـة فــي‬ ‫علـى طهـران مجـد ًدا‪ ،‬متثـل لهـا تركيـا منفـ ًذا مه ًمـا لاللتفـاف علـى العقوبـات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تأمين اسـتمرار حصولهـا علـى عائـدات تصديـر إنتاجهـا من الطاقـة‪ ،‬وكذلك احلصول على‬ ‫الذهـب ً‬ ‫بديلا حلظـر كثيـر مـن تعامالتهـا املصرفــية مـن اخلـارج‪.‬‬ ‫وظهـرت مالمـح اسـتعادة الزَّخْ ـم االقتصـادي فــي إعلان الغرفـة التجاريـة بإسـطنبول‬ ‫فــي ‪ 27‬أكتوبـر املاضـي خطـة جديـدة إلنشـاء منطقـة صناعيـة تُ َعـ ُّد األولـى مـن نوعها ضمن‬ ‫مشـروع تبلـغ قيمتـه ‪ 10‬مليـارات دوالر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عاملا حتم ًيـا للتعـاون‪،‬‬ ‫علـى صعيـد متصـل‪ ،‬ميثـل مخـزون اخلبـرات التاريخيـة بـدوره‬ ‫فثمـة ثبـات جغرافــي عمـره مـن عمـر معاهـدة قصـر شـيرين التـي رسـمت أقـدم حـدود ثابتة‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن املسـتجدات اإلقليميـة علـى مسـار األزمـة‬ ‫بين بلديـن فــي الشـرق األوسـط‪،‬‬ ‫األمريكي فــي الشرق األوسط بعد فترة من‬ ‫السورية‪ ،‬ومحاولة إدارة ترامب استعادة الدور‬ ‫ّ‬ ‫االنكفـاء فــي عهـد أوبامـا‪ ،‬ناهيـك بتطـ ُّورات الداخـل وتداعياتهـا احملتملـة‪ ،‬إذ تنتظـر إيـران‬ ‫عمليـة اقتـراع رئاسـي فــي حين تسـتع ّد تركيـا السـتفتاء علـى تعديلات دسـتورية سـتمنح‬ ‫الرئيـس صالحيـات واسـعة‪ ،‬وقـد جتعلـه أقـرب إلـى حكـم الفـرد‪.‬‬

‫‪118‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تركيا وإيران ‪ ،‬حرب إقليمية باردة تسعفها املصالح االقتصادية‬

‫الهوامــش واملراجــع‬ ‫(‪ )1‬كرم سعيد‪ ،‬تركيا وإيران‪ :‬تقارب الضرورة‪ ،‬مختارات إيرانية‪ ،‬مركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‪ ،‬يناير ‪.2017‬‬ ‫(‪ )2‬النظام اإليراني والقواعد العسكرية البحرية فـي سوريا واليمن‪ ،‬مركز الروابط للبحوث والدراسات االستراتيجية‪،29/11/2016 ،‬‬ ‫‪www.rawabetcenter.com‬‬ ‫(‪ )3‬جورج سمعان‪ ،‬املواجهة بني تركيا وإيران فـي قبضة ترامب وبوتني‪ ،‬احلياة ‪ 6‬مارس ‪.2017‬‬ ‫(‪ )4‬محمد رضا جليلي وتياري كلنر‪ ،‬تركيا وإيران‪ ..‬حتالف أم تنافس؟‪ ،‬األهرام‪ ،‬ملحق لوموند دبلوماتيك‪ 7 ،‬يناير ‪.2017‬‬ ‫(‪ )5‬وزير الدفاع اإليراني‪ :‬على األتراك اخلروج من سوريا إذا طلبت دمشق ذلك‪www.arabic.sputniknews.com ،27/12/2016 ،‬‬ ‫(‪ )6‬خورشيد دلى‪ ،‬اجلمهورية احلائرة‪ :‬الثمن التركي الباهظ لسياسات أردوغان اخلارجية ‪ -‬مركز املستقبل لألبحاث والدراسات‬ ‫املستقبلية‪ 23 ،‬يناير ‪.WWW.FUTUREAE.COM ،2017‬‬ ‫(‪ )7‬كرم سعيد‪ ،‬التقاطع التركي‪-‬اإليراني فـي العراق‪ ،‬مجلة السياسية الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،207‬يناير ‪.2017‬‬ ‫(‪ )8‬إيران تعترف بتشكيلها "جيش التحرير الشيعي" فـي سوريا والعراق واليمن‪ ،‬الشرق األوسط‪.18/8/2016 ،‬‬ ‫(‪ )9‬عمر كوش‪ ،‬تركيا ومفاعيل معركة املوصل‪.www.alhazeera.net ،23/10/2017 ،‬‬ ‫(‪ )10‬مركز املستقبل لألبحاث والدراسات املتقدمة‪ ،‬مواجهة خاصة‪ :‬دوافع وآليات التصعيد اإليراني ضد األكراد‪،11/8/2016 ،‬‬ ‫‪.www.futuercenter.ae‬‬ ‫(‪ )11‬صراع نفوذ إيراني‪-‬تركي بأدوات كردية‪ ،‬احلياة‪ 3 ،‬مارس ‪.2017‬‬ ‫(‪ )12‬سعيد عبد الرازق‪ ،‬أمير الكويت يبدأ زيارة لتركيا اليوم تركز على العالقات الثنائية‪ ،‬الشرق األوسط‪ 20 ،‬مارس ‪.2017‬‬ ‫(‪ )13‬قاعدة تركية فـي قطر‪ :‬مصالح سياسية ونفوذ عسكري‪ ،‬البديل ‪www.elbadil.com ،4/4/2016‬‬ ‫(‪ )14‬محاولة اغتيال السفـير السعودي فـي واشنطن ‪ ،2011‬ويكبيديا‪www.wikipedia.com ،‬‬ ‫(‪ )15‬ترامب‪ :‬إيران تلعب بالنار ولن أكون طي ًبا معها ‪ 3 -‬فبراير ‪.www.aljazeera.net ،2017‬‬ ‫(‪ )16‬افتتاح املركز اإلقليمي للناتو فـي الكويت‪.www.skynewsarabia.com ،24/1/2017 ،‬‬ ‫(‪ )17‬د‪ .‬حسني أحمد يان ‪ -‬الرؤية من إيران‪ :‬ملاذا "جتب" مواجهة التنظيمات املتطرفة‪ ،‬حالة اإلقليم‪ ،‬العدد ‪ ،12‬املركز اإلقليمي‬ ‫للدراسات االستراتيجية‪.‬‬ ‫(‪ )18‬داعش يتوعد تركيا ويهاجم إيران ويدعو مسلَّحيه إلى عدم الفرار من تلعفر‪.www.kurdistan24.net، 2/12/2016 ،‬‬ ‫(‪ )19‬فتحي خطاب‪ ،‬تصعيد سياسي ساخن‪ :‬أميركا متدد العقوبات‪ ..‬وإيران تسيطر على مضيق هرمز‪ ،‬موقع الغد‪،3/12/2016 ،‬‬ ‫‪www.alghad.tv‬‬ ‫(‪ )20‬جنرال أمريكي‪ :‬مقاتلون أكراد سيشاركون فـي هجوم الرقة بسوريا‪ 1 ،‬مارس ‪www.reuters.com ،2017‬‬ ‫(‪ )21‬مصطفى شفـيق عالم‪ ،‬مصالح متنافسة‪ :‬هل تتجه واشنطن وأنقرة وموسكو لصفقة فـي معركة الرقة؟‪ ،‬مركز املستقبل‬ ‫لألبحاث والدراسات املتقدمة‪ 16 ،‬مارس ‪.www.futuercenter.ae ،2017‬‬ ‫(‪ )22‬خامئني ينفـي تدخله فـي االنتخابات الرئاسية ويواصل انتقاداته لالقتصاد‪ ،‬الشرق األوسط‪)22/3/2017( ،‬‬ ‫(‪ )23‬محمد عبود‪ ،‬وسط حذر متبادل‪ ..‬عالقات تركيا وإيران بني التعاون والتنافس‪ ،‬جريدة اخلليج‪.18/9/2016 ،‬‬ ‫(‪ )24‬كرم سعيد‪ ،‬تركيا بعد االنقالب‪ ..‬إعادة هندسة السياسة اخلارجية‪ ،‬كراسات استراتيجية‪ ،‬مركز األهرام للدراسات السياسية‬ ‫واالستراتيجية‪ ،‬العدد ‪ ،266‬يوليو ‪.2016‬‬ ‫(‪ )25‬محمد رضا جليلي وتياري كلنر‪ ،‬تركيا وإيران‪ ..‬حتالف أم تنافس؟‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪119‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫ُ‬ ‫والهوِ َّية‬ ‫تغيير الديموغرافـيا‬ ‫فـي سوريا والعراق‬

‫أ‪.‬محمد السيد الصياد‬ ‫باحث فـي الدراسات الفكرية واأليدلوجية‬ ‫مبركز اخلليج العربي للدراسات اإليرانية‬

‫منـذ قيـام الثَّـورة اإلسلام َّية فــي إيـران‪ ،‬وإيـران ال تتوانى فــي إعلان مبدأ تصدير‬ ‫الثَّـورة‪ ،‬ودعـم حـركات التحـرر ِّ‬ ‫ـيع َّية‪ ،‬عبـر التسـليح والدعـم اللوجسـتي‬ ‫الش ِ‬ ‫واملعلوماتـي‪ ،‬وتخليـق جيـوب مواليـة لهـا فــي املنطقـة‪ .‬ومـا لبثـت الدولـة‬ ‫اإليران َّيـة ْأن زادت فــي مفهومهـا لألمـن القومـي اإليران ّـي فسـعت إلـى اسـتغالل‬ ‫العربي‬ ‫حالـة الفوضـى فــي املنطقـة بعـد الغـزو األمريك ّـي للعـراق وثـورات الربيـع‬ ‫ّ‬ ‫فــي املنطقـة‪ ،‬فقفـزت علـى خيـارات الشـعوب‪ ،‬وارتـأت ّأن الفرصـة مواتيـة لتغييـر‬ ‫دميوغرافــي حاسـم وعميـق يضمـن وجـود نفـوذ لهـا فــي املنطقـة علـى املديين‬ ‫املتوسـط والبعيـد‪ ،‬و َي ْصعـب مواجهتـه ك ِّل ًيـا فــي حـال اسـتقرار الظـروف األمنيـة‬ ‫واالقتصاد َّيـة فــي اإلقليـم‪ .‬وهـذه احلالـة تدخـل فــي إطـار مـا ُيس َّـمى «احلـروب‬ ‫الدميوغرافــية» (‪ ،)demographic wars‬وتأثيرهـا علـى األرض أشـد خطـورة‬ ‫مـن القـوة اخلشـنة‪ ،‬وتبـدأ بتأسـيس جيـوب مواليـة ثـم حتويـل اجليـوب والبـؤر‬ ‫مـا يدخـل فــي إطـار‬ ‫إلـى جماعـات ضغـط سياس ّـي واقتصـادي ومذهب ّـي‪َّ ِ ،‬‬ ‫ِصـدات اجلغرافــية واملذهب َّيـة اخلادمـة لألمـن القومـي اإليرا ّنـي‪.‬‬ ‫امل َ َّ‬ ‫ونسـعى فــي هـذه الدراسـة لرصـد التح ُّـركات اإليران َّيـة واجليـوب املواليـة لهـا‬ ‫فــي املنطقـة‪ ،‬إلعـادة متوضـع األق ِّل َّيـات ِّ‬ ‫ـيع َّية وتكثيرهـا‪ ،‬وتخليـق كيانـات‬ ‫الش ِ‬ ‫أخـرى جديـدة‪ ،‬وجيـوب متعـددة‪ ،‬وتوزيعهـا لتمت ّـد عبـر أكبـر عـدد ممكـن مـن‬ ‫املناطـق التـي تقـع فــي بـؤرة االهتمـام اإليران ّـي‪ ،‬ومسـاحة نفـوذه وأمنـه القوم ّـي‬ ‫الفعل ّـي أو املـراد إيجـاده وتخليقـه فــي العقـل اجلمعـي لصانـع القـرار اإليران ّـي‪.‬‬ ‫‪120‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫ً‬ ‫أول‪ :‬ملاذا احلفاظ على اإلرث الدميوغرافـي؟‬ ‫والس َّكان هم ركيزة الدول‪ ،‬وأعمدة جيوشها‪ ،‬وبهم‬ ‫الس َّكان(‪،)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫الدميوغرافـيا هي علم ُّ‬ ‫أي دولـة أمن ًيـا واقتصاد ًيـا وسياسـ ًيا‬ ‫تصنـع الـدول نهضتهـا وحضارتهـا‪ ،‬ويعتمـد اسـتقرار ّ‬ ‫السـ َّكان‪/‬أبناء الوطـن الواحـد‪ ،‬وكلمـا متأسسـت الفلسـفة‬ ‫علـى مـدى االنسـجام بين ُّ‬ ‫الس َّكانية على ركائز ومشتركات ثقافــية وحضارية‪ ،‬وتقاطعت فــي موروث‬ ‫وقومي‬ ‫ديني‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألن‬ ‫موحـد‪ ،‬زادت نسـبة التعايـش السـلمي‪ ،‬واالسـتقرار‬ ‫السياسـي بين طوائـف الشـعب‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫قـ َّوة املجتمـع أهـ ّم مـن قـوة الدولـة كمـا تُقـرر النظريـة السياسـ َّية ‪ ،‬وكلمـا زادت الهـوة‬ ‫الس َّـكان فــي اللغـة والديـن والثقافـة واملوروثـات الدينيـة والقوم َّيـة واحلضاريـة‪ ،‬زادت‬ ‫بين ُّ‬ ‫نسـبة إمكانية القالقل السياسـ َّية والطائفــ َّية‪ ،‬وتصنيع والءات عابرة للحدود‪ ،‬واسـتغالل‬ ‫تلـك الـوالءات مـن قـوى إقليميـة ودوليـة‪ ،‬ال سـيما فــي دول العالَـم الثالـث‪ ،‬حيـث ال‬ ‫قواعـد حاكمـة‪ ،‬وال أطـر جامعـة للتعايـش املشـترك‪ ،‬وال توجـد ثقافـة احتـرام األقلِّ َّيـات‬ ‫والتع ُّدديـة الدينيـة واملذهب َّيـة‪ ،‬فمـن ثـ ّم تبـرز خطـورة تغييـر الدميوغرافــيا وال ُهوِ َّيـة فــي‬ ‫املنطقـة واإلقليـم‪ ،‬حيـث يتهـدد السـلم العـا ّم‪ ،‬واالسـتقرار املجتمعـي املتـوا َرث منـذ قـرون‪،‬‬ ‫ومـن ثـ ّم تتغيـر خرائـط الصراعـات وتتبـدل مقاعـد القـوى النافـذة بنـا ًء علـى التغ ُّيـرات‬ ‫الدميوغرافـية‪.‬‬ ‫ويكمـن الهـدف الرئيسـي مـن احلـروب الدميوغرافــية فــي تفكيـك املجتمعـات وتفريـغ‬ ‫والتوسـع وإملاء القـرارات‪،‬‬ ‫الس َّـكان‪ ،‬لصالـح قـ َّوة نافـذة علـى األرض تسـعى للهيمنـة‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫السـ َّكان بـأن تسـتبدل مبجموعـات شـعبية غيـر مواليـة لهـا‪،‬‬ ‫فتقـوم بتغييـر دميوغرا ْفيَـا ُّ‬ ‫مجموعـات شـعبية مواليـة لهـا ثقافــ ًيا وفكر ًيـا وسياسـ ًيا‪ ،‬أي ذات تأثُّـر بنفـس امليـراث‬ ‫الثقافــي واحلضـاري ورمبـا العرقـي‪ ،‬وهـذا هـو الواقـع فــي سياسـة إيـران جتـاه دمشـق‬ ‫أن إيـران تـدرك محـ ِّددات أي صـراع إقليمـي وارتـكاز تلـك احملـ ِّددات علـى‬ ‫وبغـداد‪ ،‬ذلـك ّ‬ ‫فـإن التغييـر الدميوغرافــي يعتمـد تـارة علـى‬ ‫السـ َّكان(‪ً .)3‬‬ ‫أيضـا ّ‬ ‫املوقـع اجلغرافــي وعـدد ُّ‬ ‫االسـتبدال التـا ّم‪ ،‬أي أن يُسـتبدل مبجموعـات سـكانية غيـر مواليـة مجموعـات أخـرى‬ ‫السـ َّكانية احمللِّ َّيـة لكـن مـع‬ ‫مواليـة‪ ،‬ويعتمـ ُد تـارة أخـرى علـى اإلبقـاء علـى املجموعـات ُّ‬ ‫تفكيكهـا مجتمع ًيـا عبـر سياسـة التجهيـل واإلفقـار واحلرمـان مـن املـوارد العا َّمـة‪ ،‬وجعلهـم‬ ‫مواطنين مـن الدرجـة الثانيـة‪ .‬وقـد يُج َمـع بين الطريقتين‪.‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪121‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫وإذا نظرنا إلى باكستان والهند كمثال على تهديدات وخطورة احلروب الدميوغرافـية‪،‬‬ ‫السـ َّكان والـدم والتاريـخ‪ ،‬ثـم انقسـمت علـى‬ ‫فسـنجد أنهمـا كانتـا دولـة واحـدة مـن حيـث ُّ‬ ‫أسس دينية ومذهب َّية فقط(‪.)4‬‬ ‫والعراق وسوريا دولتان كبيرتان‪ ،‬متلكان قدرات بشرية ضخمة‪ ،‬وأخرجت كل منهما‬ ‫ً‬ ‫أن احلـروب الدميوغرافــية أفقـدت الدولتين‬ ‫عقـول متخصصـة فــي ك ّل املجـاالت‪ ،‬بيـد ّ‬ ‫السياسـي واالقتصادي‪،‬‬ ‫ديناميكياتهما وتفاعلهما فــي اإلقليم‪ ،‬وافتقارهما إلى نفوذهما‬ ‫ّ‬ ‫وحتولهمـا إلـى دولتين فاشـلتني بفعـل االحتـراب الطائفــي واملذهبـي‪ ،‬النـاجت عـن خلخلـة‬ ‫واهتـزاز امليـزان الدميوغرافــي ‪ Demographic Transition‬املدعـوم مـن إيـران‪.‬‬ ‫وتكمـن األهـداف اإليران َّيـة مـن التغييـر الدميوغرافــي املرتكـز علـى االقتتـال الطائفــي‬ ‫فــي سوريا والعراق فــي‪:‬‬ ‫الس ِّـن ّي‪ ،‬من خالل تشـويه البنية الدميوغرافــية‪،‬‬ ‫‪1.1‬تفكيك (‪ )Disassembly‬املجتمع ُّ‬ ‫ومصـادرة املسـتقبل‪ ،‬مـن خلال القضـاء علـى جيـل كامـل‪ ،‬ودفعـه إلـى التطـ ُّرف والعنـف‬ ‫واإلرهـاب‪ ،‬ومـن ثـ ّم حتويلـه مـن عامـل بنـاء وتنميـة إلـى ِمعـ َول هـدم وتدميـر‪ ،‬ثـم تأتـي‬ ‫أجيـال أخـرى أكثـر تخلُّفًـا و ُعنفًـا‪.‬‬ ‫‪2.2‬مارسـت إيران حربها الدميوغرافــية من حيث الك ّم عن طريق التهجير القسـري‪،‬‬ ‫والتغييـر الدميوغرافــي‪ ،‬كمـا سـيأتي(‪ ،)5‬ومـن حيـث الكيـف‪ :‬بالقضـاء علـى أجيـال مـن‬ ‫الشباب وحتويلهم إلى التش ُّرد واجلهل والتخلُّف‪ .‬من ث ّم فحروب العراق وسوريا الطائفـ َّية‬ ‫قابلـة لالسـتمرار والتمـ ُّدد ألنهـا حتقّـق األهـداف الدميوغرافــية إليـران بتدميـر اجليـوش‬ ‫الوطنيـة وإحلال امليليشـيات الطائفــ َّية‪ ،‬وتدميـر النسـيج املجتمعـي وإحلال عنصـر وافـد‬ ‫جديـد(‪ ،)6‬فــي ظـ ّل غيـاب اسـتراتيج َّية عرب َّيـة تسـتغل حالـة السـيولة والفوضـى باملنطقـة‬ ‫لتغييـر دميوغرافــي شـامل لصاحلهـا‪ ،‬فلـم تلجـأ الـدول العرب َّيـة إلـى مثـل هـذه احلـروب‬ ‫أن الدخـول فــي هـذه احلـرب سـيُ َؤ ِّدي إلـى تص ُّدعـات مجتمعيـة‪ ،‬وإدانـات‬ ‫رمبـا إلدراكهـا ّ‬ ‫دولية‪ ،‬واعتقادها فـي قوتها الناعمة وأثرها فـي احلفاظ على النسيج املجتمعي‪ ،‬ورمبا‬ ‫حلفاظهـا علـى احلـ ّد األدنـى مـن املواطنـة والتع ُّدديـة الثقافــية واالجتماعيـة‪ ،‬فــي حين‬ ‫أن إيـران تتجاهـل ك ّل هـذه القيـم واملُثُـل‪ ،‬بـل وتتجاهـل إدانـات املجتمـع الدولـي مقابـل‬ ‫ّ‬ ‫أي جهود سـلمية‪،‬‬ ‫مشـروعها‬ ‫التوسـعي وفرض سياسـة األمر الواقع على األرض لتعطيل ّ‬ ‫ُّ‬ ‫‪122‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫أن اخلطـوط احلمـراء‪ ،‬ومفهـوم الصـراع‪ ،‬وخرائـط النُّفُـوذ‪ ،‬تختلـف جذر ًيـا عنـد‬ ‫فاحلاصـل ّ‬ ‫املتنافسين اإلقليميني‪.‬‬ ‫اإليرانية فـي التغيير الدميوغرافـي فـي سوريا والعراق‬ ‫ثانيا‪ :‬املرتكزات‬ ‫ً‬ ‫َّ‬

‫ترتكـز السياسـة اإليران َّيـة علـى مرتكـزات تُعتبـر مبثابـة مفاتيـح يُفهـم مـن خاللهـا‬ ‫املمارسـات اإليران َّيـة فــي السياسـة اخلارج َّيـة‪ ،‬إذ تدخـل تلـك املرتكـزات عقيـد ًة قتاليـة‬ ‫الصلبـة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وثوابـت فــي عقـل الدبلوماسـ َّية اإليران َّية‪/‬القـوة الناعمـة‪ ،‬واحلـرس الثوري‪/‬القـوة ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫سـواء‪ .‬وميكـن بيانهـا فــي احملـاور التاليـة‪:‬‬ ‫علـى حـ ِّد‬ ‫املذهبي‬ ‫احملور األول‪ :‬سلسلة الصدع‬ ‫ّ‬ ‫ويعنـى بهـا الـدول التـي حتـوي أقلِّ َّيـات ِش ِ‬ ‫ـيع َّية تُسـهل مـن عمليـة بنـاء ارتـكازات سياسـ َّية‬

‫السياسـي واملذهبـي‪ ،‬ومـن ثـم تأمين مجـال‬ ‫ومصـدات مذهب َّيـة‪ ،‬تسـاعد فــي التمـ ُّدد‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫إيـران احليـوي‪ .‬بحيـث متثـل مبجموعهـا صدعـا يُهـدد الـدول العرب َّيـة (شـوكة فــي ظهـر‬ ‫خاصـة الـدول التـي تضـم أقلِّ َّيـات ِش ِ‬ ‫ـيع َّية‪ ،‬وبإعـادة تكويـن وتهيئـة تلـك‬ ‫الـدول العرب َّيـة)‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫املصـدات الدفاعيـة اجليوبولوتيكيـة‪ ،‬فــيتمدد املجـال احليـوي‬ ‫الصدعيـة تتشـكل‬ ‫َّ‬ ‫اجليـوب َّ‬ ‫اإليرانـي(‪.)7‬‬ ‫املذهبـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ميكن فهم أبعاد األهداف االستراتيج َّية للسياسة اإليران َّية فـي سلسلة الصدع‬ ‫املذهبي‬ ‫ّ‬ ‫أسسـها محمـد‬ ‫مـن رؤيـة اخلمينـي ملفهـوم وماهيـة الدولـة‪ ،‬ومـن نظريـة «أ ّم القـرى» التـي َّ‬ ‫السياسـي وتوجهـات ومعتقـدات النخبـة‬ ‫جـواد الريجانـي‪ ،‬حيـث تنعكـس طبيعـة النِّظـام‬ ‫ّ‬ ‫(‪)8‬‬ ‫َ‬ ‫مباشـر ًة علـى السياسـة اخلارج َّيـة للدولـة ‪.‬‬ ‫احلاكمـة‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬بـل متتـ ّد‬ ‫الولـي الفقيـه علـى الشـعب‬ ‫فنظريـة واليـة الفقيـه ال تقصـر نفـوذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لتشـمل ك ّل األ َّمـة ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية فــي العالَـم‪ ،‬وتسـلبهم حـقّ االختيـار وتقريـر املصيـر‪ ،‬فليـس مـن‬ ‫الولـي الفقيـه فــي طهـران عليـه فــي‬ ‫حـقّ الشـيعي فــي لبنـان أو العـراق أن يرفـض واليـة‬ ‫ّ‬ ‫ولـي (بعبـارة اخلمينـي‪« :‬كالطفـل الصغيـر الـذي‬ ‫بغـداد أو بيـروت‪ ،‬أل ّنـه قاصـر يحتـا ُج إلـى ّ‬ ‫فـإن النظريـة تقصـر‬ ‫يحتـاج إلـى واليـة والـده»)(‪ ،)9‬يقـ ِّرر مصيـره ويديـر شـؤونه‪ .‬كذلـك ّ‬ ‫الولـي الفقيـه علـى املراجـع والفقهـاء اإليران ّيين‪ ،‬وتقصـر عمليـة انتخابـه وآل َّيـات‬ ‫منصـب‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬ومـع ذلـك يريـدون‬ ‫اإليرانـي ومركـز اخلبـراء‬ ‫تعيينـه علـى اإليران ّيين عبـر البرملـان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن آل َّياتهـا كلّهـا محلِّ َّيـة‪.‬‬ ‫للنظريـة أن تكـون إقليميـة ال محلِّ َّيـة‪ ،‬مـع ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪123‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫اإليرانـي علـي خامنئـي فــي اسـتفتاءاته أنـه طبقًـا للمذهـب الشـيعي‬ ‫ويـرى املرشـد‬ ‫ّ‬ ‫للولي الفقيه‪ ،‬ويشـمل هذا احلكم‬ ‫على جميع املسـلمني طاعة األوامر والنواهي الوالئية‬ ‫ّ‬ ‫أيضـا‪ ،‬وال ميكـن الفصـل بين االلتـزام بواليـة الفقيـه وااللتـزام باإلسلام‬ ‫مراجـع التقليـد ً‬ ‫وواليـة األئمـة املعصومين(‪.)10‬‬ ‫ِم ْن ثَ ّم تستند السياسة اخلارج َّية اإليران َّية إلى كون نظرية احلكم والقواعد احلاكمة‬ ‫عال َّيـة إقليميـة‪ ،‬فصـار تخليـق اجليـوب والبـؤر ِّ‬ ‫التـي تنطلـق منهـا َ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية الثوريـة التـي‬ ‫اإليرانـي لألمـن القومـي‬ ‫تديـن بالـوالء لطهـران وللولـي الفقيـه جـز ًءا ال يتجـزأ مـن املفهـوم‬ ‫ّ‬ ‫والعالقـات الدولية‪.‬‬ ‫أ ّمـا نظريـة «أ ّم القـرى» فهـي ِّ‬ ‫اجليو‪-‬سياسـي لنظريـة اخلمينـي‪ ،‬فتعتمـد علـى‬ ‫الشـقُّ‬ ‫ّ‬ ‫املذهبـي(‪ ،)11‬وتقـوم النظريـة علـى‪:‬‬ ‫اجليو‪-‬سياسـي ال‬ ‫املنظـور‬ ‫اآليديولوجـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪1.1‬تشكيل حكومة إسالم َّية َ‬ ‫عال َّية موحدة للدول اإلسالم َّية تكون إيران مركزها‪.‬‬ ‫للولي الفقيه سلطة الوالية على األ َّمة اإلسالم َّية جمعاء بعد السيطرة عليها(‪.)12‬‬ ‫‪2.2‬يكون‬ ‫ّ‬

‫نالحـظ هنـا غلبـة الطابـع الشـعبوي والقومـي علـى ّ‬ ‫ُ‬ ‫منظـري السياسـة اإليران َّيـة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اإليرانـي الـذي ع َّينـه‬ ‫والولـي الفقيـه‬ ‫العال َّيـة يكـون مقرهـا إيـران‪،‬‬ ‫فاحلكومـة اإلسلام َّية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجلـس اخلبـراء‬ ‫السـلْطة علـى األ َّمـة العرب َّيـة واإلسلام َّية‪ ،‬ومـن ثـ ّم‬ ‫اإليرانـي يكـون لـه ُّ‬ ‫ّ‬ ‫مـا‬ ‫فالقوم َّيـة الفارسـ َّية تطغـى علـى العقـل اجلمعـي والذاكـرة التراكميـة اإليران َّيـة(‪َّ ِ ،)13‬‬ ‫التوسـعي زائـد‬ ‫يُغلّـف السياسـة اخلارج َّيـة اإليران َّيـة وعالقتهـا الدوليـة بنفـس النهـج‬ ‫ُّ‬ ‫«تشـييع» و«تفريـس» املنطقـة لتسـهل عمليـة خضوعهـا للحكومـة املركزيـة فــي طهـران‪.‬‬ ‫السـن ِّّي‬ ‫وتلك السياسـة تقوم على أسـاس فلسفــي فــي عالقات إيران بالعالَم اإلسلامي ُّ‬ ‫تأسيسـا علـى أن املذهـب اإلثنـا َ‬ ‫عشـرِ ّي فــي أصلـه ليـس مذه ًبـا تبشـير ًيا لغيـر‬ ‫حتديـدا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اآليديولوجـي يكـون غال ًبـا فــي احملـور‬ ‫فالتوسـع‬ ‫الس َّـنة‪ ،‬ومـن ثـ ّم‬ ‫والسـن ِّّي‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫العربـي ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقـط‪ ،‬ال جتـاه الـدول اآلسـيوية أو اجليـران اآلخريـن(‪.)14‬‬ ‫التوسعي قد ينجح مرحل ًيا وعلى املدى املتوسط إذا‬ ‫أن مشروعها‬ ‫ً‬ ‫أيضا تُدرك إيران ّ‬ ‫ُّ‬ ‫اكتفى بالتم ُّدد السياسي‪ ،‬لكن بقاءه ودميومته مرهون بالتغيير ال ُهوِ َّياتي والدميوغرافـي‬ ‫على األرض‪ ،‬فقد حكمت الدولة الفاطمية مصر أكثر من ‪ 200‬سـنة لكنها لم تسـتعمل‬ ‫‪124‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫أن الدولـة‬ ‫احلـرب الدميوغرافــية املُمن َهجـة(‪ ،)15‬ومـن ثـ ّم بقيـت مصـر ُسـ ِّن َّية‪ ،‬فــي حين ّ‬ ‫الصفويـة اسـتطاعت احلكـم والسـيطرة وإقامـة دولـة ِش ِ‬ ‫ـيع َّية فارسـ َّية علـى أرض ُسـ ِّن َّية‬ ‫(شـافعية أشـعرية) خصبـة عـن طريـق احلـرب الدميوغرافــية املُمن َهجـة‪ ،‬أي َم ْأ َس َسـة‬ ‫التغييـر الدميوغرافــي وحتويلـه إلـى آيديولوجيـا يتبناهـا اجلنـود وصانعـو السياسـات‪،‬‬ ‫الصفـوي سياسـ ًيا ودين ًيـا‪ ،‬لتفعيـل وإحيـاء تلـك العقيـدة‬ ‫فتسـعى إيـران‪ ،‬وريثـة النِّظـام‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪.‬‬ ‫القتاليـة فــي املنطقـة‪ِ ،‬لَـا لهـا مـن أثـر بالـغ ومفعـول عميـق فــي الذهـن‬ ‫ّ‬ ‫إ ًذا فبين نظريـة واليـة الفقيـه ونظريـة أ ّم القـرى انسـجام تـا ّم‪ ،‬فاألولـى ترتكـز علـى‬ ‫َ‬ ‫الولـي الفقيـه فــي طهـران هـو‬ ‫العال َّيـة‪ ،‬بحيـث يكـون‬ ‫محوريـة قـ ّم الدينيـة‪ ،‬وواليـة الفقيـه‬ ‫ّ‬ ‫املتحكـم فــي قـرار املسـلمني شـر ًقا وغر ًبـا ال فــي إطـار وطنـي متعـا َرف عليـه‪ ،‬فوضعـت‬ ‫النظريـة علـى عاتقهـا "تخليـص املستضعفـين واحملرومين"(‪ ،)16‬وهـم فــي رؤيـة القيـادة‬ ‫اإليرانـي وواليـة الفقيـه‪ ،‬فغايـة السـعادة‬ ‫الدينيـة األشـخاص الذيـن ال يُح َكمـون بالقانـون‬ ‫ّ‬ ‫الفلسفــية إليـران هـي انـزواء هـؤالء "املسـتضعفني" داخل ًيـا وخضوعهـم لواليـة الفقيـه‪.‬‬ ‫السياسي القومي والشعبوي‬ ‫احملور الثاني‪ :‬العامل‬ ‫ّ‬ ‫مـن أهـداف إيـران فــي التمـ ُّدد ِتـاه العـراق وسـوريا وتغييـر التركيبـة الدميوغرافــية‬ ‫واملذهبـي ووجـوب إخضـاع املسـلمني لواليـة الفقيـه‪،‬‬ ‫هنـاك ليـس فقـط العامـل الدينـي‬ ‫ّ‬ ‫الـذي تعتقـده القيـادة اإليران َّيـة‪ ،‬بـل العامـل األقـوى هـو العامـل القومـي والشـعبوي الـذي‬ ‫يهيمـن علـى العالقـات اخلارج َّيـة فــي السياسـة اإليران َّيـة وملفَّـات األمـن القومـي‪ ،‬وهنـا‬ ‫املذهبـي هـو‬ ‫السياسـي واالقتصـادي مـع الدينـي واملذهبـي‪ ،‬ورمبـا كان العامـل‬ ‫يتداخـل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)17‬‬ ‫التوسـعية لإلمبراطوريـة الفارسـ َّية فــي املنطقـة ‪.‬‬ ‫وسـيلة لتحقيـق األحلام‬ ‫ُّ‬ ‫اإليرانـي فــي طهـران‪،‬‬ ‫التوسـعية تطغـى علـى عقليـة النِّظـام‬ ‫فالهواجـس الفارسـ َّية‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫الفارسـي متمـ ِّدد حتـى فــي نظريـة واليـة الفقيـه نفسـها التـي حتصـر‬ ‫وهـذا النفَـس‬ ‫الولـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُوسـع نفـوذه‬ ‫الفقيـه فــي اإليران ّيين‪ ،‬وحتصـر انتخابـه فــي مجلـس اخلبـراء‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬ثـ ّم ت ِّ‬ ‫ّ‬ ‫وهيمنتـه لتشـمل ِّ‬ ‫وترسـخ النظريـة‬ ‫الشـي َعة فــي العالَـم كلّـه‪ ،‬بـل واألُ َّمـة اإلسلام َّية كلهـا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الفارسـي ميتاز بالتف ُّوق والنبوغ والقيادة‪ ،‬ومن حقه أن يكون‬ ‫لفكرة أن العنصر‬ ‫اإليراني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وص ًيـا علـى اجلميـع‪ ،‬فمنـذ نشـوء الدولـة الصفويـة باتـت إيـران حاضنـة لبـروز القوم َّيـة‬ ‫واستراتيجي‪ ،‬وبروز التش ُّيع الصفوي كآيديولوجيا‬ ‫الفارس َّية ك ُهوِ َّية ثقافـية ونهج‬ ‫سياسي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪125‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫ِّ‬ ‫والش ِ‬ ‫مناقضـة ومناهضـة ملفاهيـم اإلسلام الصحيـح ِ‬ ‫ـيع ّي‪ .‬فقـد اسـتولت‬ ‫السـن ِّّي‬ ‫بشـقَّيه ُّ‬ ‫خصوصـا‪ ،‬واآلخـر‬ ‫الكراهـة املرضيـة ‪ Pathological hate‬علـى اإليران ّيين جتـاه العـرب‬ ‫ً‬ ‫اإليرانـي محمـود أحمـدي جنـاد بابـا الفاتيـكان خلال‬ ‫عمو ًمـا(‪ .)18‬وقـد أهـدى‬ ‫الرئيـس‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وعلَـت النبـرة اإليران َّيـة فــي عهـد أحمـدي جنـاد فقـد‬ ‫لقائـه معـه كتـاب «الشـاهنامه»(‪َ ،)19‬‬ ‫كان فريـق جنـاد يؤمـن بعظمـة إيـران‪ ،‬وقدرتهـا علـى صنـع حضـارة وتقـود العالَـم‪ ،‬ونشـر‬ ‫«مؤسـس أول إمبراطوريـة إيران َّيـة» عـن حقـوق املواطنـة(‪.)20‬‬ ‫جنـاد واحتفـى مبنشـور‬ ‫َّ‬ ‫وتلك العقيدة تنتقل من سلطة إلى سلطة‪ ،‬فمستشار الرئيس روحاني علي اليونسي‬ ‫بـأن بغـداد عـادت عاصمـة لإلمبراطوريـة الفارسـ َّية‪ ،‬وطالـب بعـودة رمـز األسـد‬ ‫صـ ّرح ّ‬ ‫والشـمس احلمـراء‪ ،‬وهمـا مـن رمـوز العهـد ِ‬ ‫الك ْسـ َروِ ّي(‪ .)21‬ونتيجـة لهـذه العقيـدة اإليران َّيـة‬ ‫ومعـدالت الفقـر العاليـة‪،‬‬ ‫فقـد أنفقـت الدولـة مليـارات‪ ،‬فــي ظـ ّل مشـكالتها االقتصاد َّيـة‬ ‫َّ‬ ‫أن‬ ‫مـن أجـل حتقيـق أحالمهـا‬ ‫التوسـعية القوم َّيـة والشـعبوية فــي املنطقـة(‪ ،)22‬علاوة علـى ّ‬ ‫ُّ‬ ‫فلسـفة نظريـة واليـة الفقيـه تدعـم هـذا املبـدأ‪ ،‬فواليـة الفقيـه عابـرة للحـدود واألوطـان‪،‬‬ ‫ومـن وجهـة نظـر إيـران فعلـى األُ َّمـة ِّ‬ ‫ـيع َّية‪ ،‬بـل األ َّمـة اإلسلام َّية‪ ،‬أن ت ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ُذعـن‬ ‫للولـي‬ ‫ّ‬ ‫الفقيـه فــي طهـران(‪.)23‬‬ ‫وقـد أدرك فالسـفة ِّ‬ ‫الشـي َعة العـرب هـذا البُعـد‬ ‫فــي‬ ‫والقومـي‬ ‫الطائفــي‬ ‫ّ‬ ‫والشـعبوي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬فأبـدوا اعتراضهـم علـى السياسـة اإليران َّيـة‪ ،‬ليـس فقـط‬ ‫مفهـوم األمـن‬ ‫القومـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الس َّـنة بل ِتاه ِّ‬ ‫الشـي َعة العرب! إ ًذا فالهواجس اإليران َّية فــي السـيطرة ليسـت ض ّد‬ ‫ِتاه ُّ‬ ‫الس َّـنة فقـط‪ ،‬بـل ضـ ّد العـرب جمي ًعـا‪ ،‬لكـن اإليران ّيين فقـط ميتطـون ويسـتغلون التشـ ُّيع‬ ‫ُّ‬ ‫فــي فـرض مشـروعاتهم علـى األرض‪ .‬ورأى فالسـفة ِّ‬ ‫الشـي َعة العـرب أن نظريـة واليـة‬ ‫ألن‬ ‫الولي الفقيه فــي‬ ‫مؤسسـة لفلسـفة الكوزموبوليتيا(‪ّ ،)24‬‬ ‫الفقيه فــي ذاتها هي نظرية ِّ‬ ‫ّ‬ ‫إيـران يؤمـن بأح ِّق َّيتـه فــي خضـوع ِشـي َعة العالَـم لنفـوذه‪ ،‬بـل خضـوع األ َّمـة كلهـا‪ ،‬وأ ّنـه ال‬ ‫مـا يُرسـخ فكـرة الكوزموبوليتيـا(‪ )25‬اإليران َّيـة انطال ًقـا مـن التشـ ُّيع‬ ‫يجـوز تَعـ ُّدد األوليـاء‪َّ ِ ،‬‬ ‫مذه ًبـا‪ ،‬ومـن نظريـة واليـة الفقيـه‪ .‬لكـن فالسـفة ومفكـري ِّ‬ ‫أن هـذا‬ ‫الشـي َعة العـرب أدركـوا ّ‬ ‫ّ‬ ‫اخلـط الفكـري يُهـدد الكيـان والنسـيج الشـيعي‬ ‫السـن ِّّي‬ ‫العربـي‪ ،‬ويُهـدد التعايـش الشـيعي ُّ‬ ‫ّ‬ ‫داخـل الوطـن الواحـد آلالف السـنني‪.‬‬ ‫أن إيـران تسـتعمر العـرب سياسـ ًيا‪ ،‬ويصفهـم‬ ‫فقـد اعتبـر السـيد هانـي فحـص ّ‬ ‫«ألن‬ ‫باجلاليـة اإليران َّيـة فــي التعامـل مـع ِشـي َعة لبنـان‪ ،‬ويبـرر ذلـك بقولـه‪:‬‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪126‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫حـب أن يكـون لـه دور وإمنـا نفـوذ‪ .‬الـدور يعنـي الشـراكة‪ ،‬الـدور يشـترط‬ ‫اسـتيالئي‪ ،‬ال يُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫زبائنـي ريعـي يشـتري الرقبـة والقـرار‪ ،‬يهمـه‬ ‫اآلخـر‪ ،‬والنُّفُـوذ اسـتتباع واسـتلحاق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫براغماتـي جـ ًدا‪ ،‬ومسـكو ٌن بهاجـس اإلمبراطوريـة التـي يريـد‬ ‫الوصـول إلـى هدفـه‪ ،‬هـو‬ ‫ّ‬ ‫اسـتعادتها مبنطـق القـوة الفارسـ َّية أو ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية أو اإليران َّيـة مقابـل الكثـرة العرب َّيـة»(‪.)26‬‬ ‫«انتبهـت إلـى وطنيـة إيران َّيـة عميقـة‪ ،‬أنـا‬ ‫ويُحـ ّذر مـن الكوزموبوليتيـا اإليران َّيـة فــيقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫خرافــي‪ ،‬بال حدود‪،‬‬ ‫كنت كوزموبوليت ًيا عاب ًرا للوطن ال وطن ًيا‪ ،‬أو لي وطن هو‬ ‫شـخصيا ُ‬ ‫ّ‬ ‫معين‪ .‬انتبهـت إلـى أن هنـاك وطنيـة إيران َّيـة‪ ،‬أنـا مسـلم‪ ،‬فهـل وطنيتهـم هـي‬ ‫بلا مـكان َّ‬ ‫ضـ ّد اإلسلام‪ ،‬ضـ ّد الشـريعة؟ ملـاذا ال أنتبـه إلـى عروبتـي؟! ليـس بالضـرورة أن أكـون‬ ‫عربـي وهـذا جـزء مـن هويتـي املركبـة‪ ،‬فقـررت العـودة إلـى‬ ‫بعث ًيـا وال قوم ًيـا عرب ًيـا‪ ،‬لكنـي‬ ‫ّ‬ ‫لبنـان لبنان ًيـا عرب ًيـا مـن دون عـداء إليـران‪ ،‬لكنّـي ُمصـ ّر علـى التمايـز‪ ،‬وهكـذا‬ ‫بـدأت‬ ‫ُ‬ ‫وجـددت قراءاتـي ملعنـى العروبـة الثقافــي‪ ،‬ونشـأة الكيـان ودوره‬ ‫أتغيـر مـن موقـع فكـري‬ ‫ُ‬ ‫ومعنـاه‪ ،‬ومعنـى املواطنـة كاختيـار ال بـ ّد أن يُصبـح قانو ًنـا»(‪.)27‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬التغيير الدميوغرافــي فــي سـوريا (‪)Demographic changes‬‬ ‫السـور َّية للتدخُّ ـل الصريـح واملباشـر‬ ‫ّ‬ ‫ربـا اسـتفادت إيـران الدولـة مـن نشـوب ال َّثـورة ُّ‬ ‫السـور َّية‪ ،‬واالسـتيالء علـى ملفَّـات النِّظـام األمنيـة واالقتصاد َّيـة‪،‬‬ ‫فــي شـؤون الدولـة ُّ‬ ‫اإليرانـي ‪-‬فــي ظـ ّل غيـاب الفاعلين‬ ‫السـور َّية فرصـة سـانحة للنظـام‬ ‫فكانـت ال َّثـورة ُّ‬ ‫ّ‬ ‫املؤثريـن فــي املنطقـة‪ -‬لتضـ ّم سـوريا إلـى حزامهـا الدميوغرافــي‪ ،‬مـع العـراق‪ ،‬ومـن ثـ ّم‬ ‫تصـل حدودهـا الدميوغرافــية إلـى البحـر املتوسـط‪.‬‬ ‫ومنـذ عقـود تعمـل إيـران بتُـ َؤ َدة ومت ُّهـل لتغييـر دميوغرافــي شـامل فــي سـوريا وض ّمهـا‬ ‫اإليرانـي‪ .‬وميكننـا هنـا رصـد‬ ‫إلـى احلـزام الدميوغرافــي‪ ،‬لتكـون فــي نطـاق النُّفُـوذ‬ ‫ّ‬ ‫التحـ ُّوالت الدميوغرافــية فــي سـوريا والعوامـل التـي أ ّدت إلـى سـرعة وتيرتهـا بعـد‬ ‫ال َّثـورة‪ ،‬فــي احملـاور التاليـة‪:‬‬ ‫تاريخ التغيير الدميوغرافـي فـي سوريا‪:‬‬ ‫ال ّ‬ ‫السـور َّية‪،‬‬ ‫شـك فــي أن التغييـر الدميوغرافــي احلاسـم لوحـظ بعـد نشـوب ال َّثـورة ُّ‬ ‫أن عمليـة التغييـر الدميوغرافــي الهـادئ لـم تنقطـع يومـا‬ ‫لكـن املتابـع اجل ِّيـد يالحـظ ّ‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪127‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫اإليرانـي والسـوري‬ ‫واحـ ًدا طـوال حكـم عائلـة األسـد‪ .‬وقـد تقاطعـت مصالـح النِّظامين‬ ‫ّ‬ ‫اإليراني‪ ،‬أما بالنسبة إلى مصالح النِّظام‬ ‫فــي هذه املسألة‪ ،‬وقد نوهنا مبصالح النِّظام‬ ‫ّ‬ ‫السـوري فمنـذ مواجهتـه سلسـلة مـن االحتجاجـات فــي نهايـة السـبعينيات والثمانينيـات‬ ‫التـي شـملت معظـم مـدن سـوريا‪ ،‬أدرك النِّظـام السـوري أ ّنـه يحكـم أغلبيـة ُسـ ِّن َّية‪ ،‬إذ‬

‫كانـت الطائفـة العلويـة فــي ذلـك الوقـت متثـل مـا يقـرب مـن ‪ %7‬مـن إجمالـي الشـعب‬ ‫السـوري‪ ،‬فعمـل نظـام األسـد علـى عـدد مـن احملـاور لرفـع هـذه النسـبة‪:‬‬ ‫علوي تركيا ولبنان‪ ،‬وجتنيسهم‪.‬‬ ‫‪1.1‬عن طريق تسهيل استقدام‬ ‫ّ‬ ‫‪2.2‬أنشـأ جميـل األسـد سـنة ‪1981‬م جمعيـة املرتضـى التـي تعتنـي بنشـر املذهـب‬

‫بـأن هـذا هـو مذهـب سـوريا قبـل فـرض العثمانيين‬ ‫العلـوي فــي سـوريا‪ ،‬وإقنـاع النـاس ّ‬

‫الس ِّـن ّي‪.‬‬ ‫املذهـب ُّ‬

‫‪3.3‬التسـهيالت املالية للعلويني‪ :‬إذ تَكفَّل رفعت األسـد مبصاريف زواج جنود الطائفة‬

‫العلويـة‪ ،‬مـع منـح حوافـز لإلجنـاب‪.‬‬

‫‪4.4‬إنشـاء ميليشـيات عسـكرية طائفــ َّية‪ :‬فأنشـؤوا قطاعـات عسـكرية كبيـرة وحديثـة‬

‫التسليح‪ ،‬وصافـية من ناحية التكوين الطائفـي‪ ،‬مثل سرايا الدفاع واحلرس اجلمهوري‪،‬‬ ‫علاوة علـى قيـادات القطاعـات العسـكرية األُخـ َرى‪ .‬ومتركـز هـؤالء الضبـاط والقـادة‬

‫مـا أوجـد‬ ‫بالقـرب مـن أماكـن وحداتهـم العسـكرية فــي الالذقيـة وطرطـوس ودمشـق‪َّ ِ ،‬‬ ‫أحزمـة طائفــ َّية حـول هـذه املـدن‪ ،‬فدمشـق علـى سـبيل املثـال يح ّدهـا السـومرية فــي‬ ‫ّ‬ ‫وعـش الـورور فــي الشـمال‪ ،‬وسـكانهما بالكامـل مـن العلويين‪ ،‬وبجوارهمـا املـزة‬ ‫اجلنـوب‪،‬‬ ‫مـن اجلنـوب وضاحيـة األسـد مـن الشـمال‪ ،‬وأغلبيـة سـكانهما مـن العلويين(‪.)28‬‬

‫‪5.5‬فالتغييـر الدميوغرافــي فــي هـذه املرحلـة كان بأيـدي النِّظـام الطائفــي نفسـه‪،‬‬ ‫‪،‬السـ َّكانية فـأدرك أن بقـاءه يحتـاج‬ ‫خو ًفـا مـن احتماليـة قالقـل يواجههـا مـن األغلبيـة ُّ‬

‫إلـى تغييـر بنيـوي وجـذري فــي العمـق اجلغرافــي والدميوغرافــي‪ ،‬فعمـل علـى التغييـرات‬ ‫الس ِّن َّية‪ ،‬حتى حدوث ال َّثورة‬ ‫الدميوغرافـية لصالح الطائفة العلوية على حساب األغلبية ُّ‬ ‫اإليران َّيـة وبـروز إيـران الع ًبـا مه ًمـا وف َّع ً‬ ‫ـال فــي الداخـل السـوري نفسـه‪ ،‬فأخـذ التغييـر‬ ‫منحـى آخـر(‪.)29‬‬ ‫الدميوغرافــي ً‬ ‫‪128‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫اإليراني على ّ‬ ‫خط التغيير الدميوغرافـي‪:‬‬ ‫التدخل‬ ‫مرحلة‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫بعـد قيـام ثـورة ‪1979‬م فــي إيـران نشـأ حتالـف بين اخلمينـي وحافـظ األسـد‪ ،‬وال‬ ‫للخمينـي وإيـران‪ ،‬فالعقـل‬ ‫ميكـن هنـا جتاهـل مـا ُت ّثلـه دمشـق مـن قيمـة تاريخيـة ومعنويـة‬ ‫ّ‬ ‫السـ ِّن َّية واحتضانها فــي ثوب التشـ ُّيع‬ ‫السياسـي‬ ‫الفارسـي يعتبر انكسـار دمشـق العرب َّية ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفارسـي لـم يتخلـص بعـد مـن العقـد‬ ‫ألن العقـل‬ ‫الفارسـي إجنـازا سياسـ ًيا ومذهب ًيـا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخيـة وامليـراث الطائفــي‪ ،‬فـإذا كانـت بغـداد ينظـرون إليهـا كحاضـرة مـن حواضـر‬ ‫اإليراني(‪ ،)30‬فإنهم ينظرون إلى‬ ‫دولة فارس‪ ،‬كما ص ّرح علي اليونسـي مستشـار الرئيس‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مـوي يجـب هدمـه وض ّمـه إلـى قالعهـم وحواضرهـم‪.‬‬ ‫دمشـق‬ ‫كمعقـل أ ُ ّ‬

‫هرولت طهران صوب دمشق بعد ال َّثورة‪ ،‬وأرادت أن ِّ‬ ‫توطد عالقتها بالنِّظام السوري‬ ‫املقـرب منهـا آيديولوج ًيـا وكذلـك للقـرب مـن القواعـد ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية فــي جنـوب لبنـان‪ ،‬لتقويـة‬ ‫نفـوذ طهـران فــي املنطقـة‪ ،‬فاسـتعجلت إيـران دعـم اجليـوب ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية بعـد ال َّثـورة مباشـرة‬ ‫تنفــي ًذا لسياسـة اجليبولوتيـك الشـيعي أو الهلال الشـيعي الـذي تتبنـاه إيـران حتـت مـا‬ ‫يُ َسـ َّمى «تصديـر ال َّثـورة»(‪ ،)31‬ودعـم املضطهديـن واحملرومين‪.‬‬ ‫أن نظـام األسـد احتـاج إلـى إيـران لدعـم وجـوده فــي ظـ ّل اسـتمرار التوتُّـر‬ ‫فــي حين ّ‬ ‫ص َّـدام حسين وعـدد مـن الـدول العرب َّيـة‪ ،‬علاوة علـى القالقـل الداخل َّيـة التـي‬ ‫بينـه وبين َ‬ ‫املذهبـي بينـه وبين النِّظـام‬ ‫واجههـا كانتفاضـة حمـاة سـنة ‪1986‬م‪ .‬وإلدراكـه القـرب‬ ‫ّ‬ ‫قـوي يتقاطـع معـه فــي‬ ‫اإليرانـي اجلديـد بعـد ال َّثـورة‪ ،‬فـأراد أن يسـتند إلـى حليـف إقليمـي ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن ِ‬ ‫الطائفــي واملشـروعات الطائفــ َّية‬ ‫الف ْعـل‬ ‫امليـراث احلضـاري والثقافــي‪ ،‬علاوة علـى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـي هـذا‬ ‫جتمـع النِّظامين‪ ،‬فهـي كلمـ ُة السـ ّر وحلقـة الوصـل بين أركان النِّظامين‪ ،‬و ُغ ِّط َ‬ ‫التحالف الطائفـي إعالم ًيا باسم «محور املقاومة أو املمانعة»‪ .‬لكن أراد صانعو القرار أن‬ ‫مرحلي ينتهي بانتهاء‬ ‫سياسـي أو تكتيكي‬ ‫ال يكون التحالف بني النِّظامني مج َّرد حتالف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسـية وخرائط الصراع فــي املنطقة‪،‬‬ ‫السياسـية‪ ،‬أو يكون ُع ْرضة للتقلبات‬ ‫املصالح‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بـل أراد صانعـو هـذا التحالـف أن يكـون حتالفًـا اسـتراتيج ًيا طويـل األمـد‪ ،‬ومجتمع ًيـا‬ ‫متجـذ ًرا قبـل أن يكـون سياسـ ًيا‪ ،‬ومـن ثـ ّم عملـوا علـى متتين العالقـات املذهب َّيـة وتهيئـة‬ ‫املذهبـي‪،‬‬ ‫حـدة اخللاف‬ ‫اجلمهـور والـرأي العـا ّم ملثـل هـذا التحالـف عـن طريـق تخفــيف َّ‬ ‫ّ‬ ‫والتكفــير الـذي ورثـوه عـن مراجـع الطائفتين «العلويـة واإلثنـا َ‬ ‫عشـرِ َّية»‪ ،‬وكذلـك السـماح‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪129‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫السـور َّية‪ ،‬فكانـت نسـبة ِّ‬ ‫الشـي َعة اإلثنـا‬ ‫لإليران ّيين بالتشـييع‬ ‫املذهبـي فــي ك ّل األراضـي ُّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫السـن ِّّي‪.‬‬ ‫عشـرِ َّية سـنة ‪1970‬م نحـو ‪ ،%1‬وكانـوا يتّجهـون نحـو االنصهـار فــي محيطهـم ُّ‬ ‫لكـن ال َّثـورة اإليران َّيـة قـ ّوت األقليـة ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية هنـاك‪ ،‬وأ َّدت احلـرب األهليـة فــي لبنـان إلـى‬ ‫فش ّد عصب ِّ‬ ‫نزوح كبير جتاه سوريا‪ُ ،‬‬ ‫الشي َعة فـي دمشق وما حولها‪ ،‬وحتولوا من وضعية‬ ‫التقوقع إلى وضعية التفاعل والديناميكية والتبشـير والفعل على األرض‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫عوامـل مثـل احلـرب اإلسـرائيلية علـى لبنـان‪ ،‬واحلصـار املفـروض علـى العـراق واحلـرب‬ ‫األمريكـي للعـراق‪ ،‬كل هـذه العوامـل أ ّدت إلـى تغييـرات‬ ‫العراق َّيـة اإليران َّيـة وانتهـاء بالغـزو‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫فمثلا‪ :‬بلـدة جرمانـا قـرب دمشـق كان يقطنهـا بضعـة‬ ‫السـور َّية‪،‬‬ ‫جذريـة فــي عمـق الدولـة ُّ‬ ‫آالف‪ ،‬أغلبهم من الدروز واملسـيحيني‪ ،‬حتولت فــي التسـعينيات إلى مدينة يقطنها أكثر‬ ‫مـن نصـف مليـون شـخص يغلـب عليهـم الطابـع العراقـي مـن حيـث اللهجـة والتسـميات‬ ‫(‪)32‬‬ ‫حـي السـيدة زينـب الـذي حتـول‬ ‫العا َّمـة‪ ،‬والطابـع الشـيعي مـن حيـث املذهب َّيـة ! كذلـك ّ‬ ‫فارسـي داخـل سـوريا(‪.)33‬‬ ‫إلـى إقليـم‬ ‫ّ‬ ‫اقتصادي مه ّم ال ميكن جتاهله فـي عمل َّيات إعادة التركيبة الدميوغرافـية‬ ‫ويوجد عامل‬ ‫ّ‬ ‫إيراني يشدون رحال‬ ‫والسور َّية‪ ،‬فأكثر من نصف مليون‬ ‫التي تنتهجها السلطات اإليران َّية‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫احلـج إلـى دمشـق سـنو ًيا لزيـارة املراقـد(‪ ،)34‬وهـذا يتطلـب فنـادق ذات ثقافـة فارسـ َّية‬ ‫فأسـس رجـال األعمـال‬ ‫فــي دمشـق وسـوريا تسـتقبل هـذا العـدد الكبيـر مـن اإليران ّيين‪َّ ،‬‬ ‫اإليران ّيـون فنـادق وضخُّ ـوا اسـتثمارات ضخمـة فــي هـذا اجلانـب‪ ،‬علاوة علـى شـراء‬ ‫وأراض واسـعة حـول املراقـد وبالقـرب منهـا‪ ،‬وصـارت اللغـة املتداولـة فــي تلـك‬ ‫عقـارات‬ ‫ٍ‬ ‫الفنـادق وأسـواق املدينـة هـي الفارسـ َّيةـ‪ ،‬وأصبحـت السـفارة اإليران َّيـة واملراكـز الثقافــية‬ ‫اإليران َّية بؤرا تبشيرية ومذهب َّية(‪ ،)35‬ونشطت التجارة فـي محيط املراقد نتيج ًة طبيعي ًة‬ ‫لوجود عشـرات آالف احلجيج اإليران ّيني‪.‬‬ ‫مرحلة احلسم الدميوغرافـي‪:‬‬ ‫السـور َّية ليـس فقـط مـن منظـور مردودهـا علـى تـوازن القـوى‬ ‫نظـرت إيـران إلـى ال َّثـورة ُّ‬ ‫اإلقليمـي وخرائـط الصراعـات والتحالفـات فــي املنطقـة‪ ،‬ولكنهـم تعاملـوا معهـا مبنطـق‬ ‫االزدواجيـة واالسـتغالل البراغماتـي‪ ،‬فهـم وإن رفضوهـا فــي الظاهـر واتّخـذوا موقفـا‬ ‫عدائ ًيـا منهـا(‪ ،)36‬فإنهـم فــي الواقـع اسـتفادوا منهـا إضعـاف النِّظـام السـوري وإحلال‬ ‫‪130‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫القوى العسكرية اإليران َّية واخلبراء اإليران ّيني فـي مواقع قيادية وحساسة داخل اجليش‬ ‫السـور َّية قـررت‬ ‫السـوري‪ ،‬وإبـرام اتِّفاق َّيـات اقتصاد َّيـة غيـر متكافئـة‪ .‬وفــي مرحلـة ال َّثـورة ُّ‬

‫أن الفرصـة لـن تكـون مواتيـة مـرة أخـرى‬ ‫إيـران احلسـم الدميوغرافــي‪ ،‬فهـي رمبـا تـدرك ّ‬ ‫لتكليـل مجهودهـا طـوال الثالثين سـنة املاضيـة فــي التالعـب بالدميوغرافــيا‪ ،‬بالنجـاح‪.‬‬ ‫وشـملت مرحلـة احلسـم مجموعـة مـن ا ُ‬ ‫خل َطـط واألهـداف واآلل َّيـات‪ ،‬أبرزهـا وأه ّمهـا‪:‬‬ ‫‪1.1‬مصـادرة األملاك‪ :‬صـادر النِّظـام السـوري أملاك آالف املواطنين بزعـم أنهـم‬ ‫َّ‬ ‫نصـت املـا َّدة الرابعـة مـن قانـون‬ ‫ينتمـون إلـى املعارضـة أو‬ ‫املنظمـات اإلرهابيـة‪ ،‬وقـد ّ‬ ‫مـا فتـح البـاب‬ ‫مكافحـة اإلرهـاب علـى مصـادرة أملاك ك ّل مـن يثبـت دعمـه لإلرهـاب‪َّ ِ ،‬‬ ‫أمام النظام الستغالل تلك املا َّدة أسوأ استغالل‪ ،‬وتُنقل هذه األمالك إلى أمالك الدولة‪،‬‬

‫بـأي‬ ‫وهـذا مـا يجعـل صاحبهـا غيـر مخـ َّول إليـه بيعهـا‪ ،‬أو نقـل ملكيتهـا‪ ،‬أو املطالبـة بهـا ّ‬

‫علني‪ .‬حدث هذا مع‬ ‫شـكل من أشـكال القانون‪ ،‬وليس له حقّ معارضة بيعها فــي مزاد‬ ‫ّ‬ ‫مئات العائالت‪ ،‬ففــي يبرود بالقلمون وحدها أكثر من ‪ 300‬حالة‪ ،‬ومثيل تلك احلاالت‬ ‫(‪)37‬‬ ‫السـور َّية‪ .‬ويضمـن النِّظـام مـع طـول املـدة إضاعـة مالكهـا‬ ‫فــي الالذقيـة وسـائر املـدن ُّ‬

‫احلقيقـي‪ ،‬ال سـيما فــي حـال تداولهـا بين أكثـر مـن شـخص الحقًـا‪ ،‬وتَعـ ُّدد ُم ّ‬ ‫الكهـا(‪.)38‬‬

‫وأحيا ًنـا يصـادر النِّظـام العقـارات ونقـل ملكيتهـا لعناصـر وضبـاط حـزب اهلل واحلـرس‬ ‫الثـوري ممـن يعملـون فــي هـذه املناطـق(‪.)39‬‬ ‫بل وأحيا النِّظام قانون اإلصالح الزراعي لعام ‪1958‬م بعد أن ُطوي فـي سج ّل النسيان‪،‬‬ ‫األراضـي الزراعيـة‬ ‫وصـادرت علـى أثـره مـن كبـار املسـتثمرين احملسـوبني علـى املعارضـة‬ ‫َ‬ ‫حددهـا القانـون‪ .‬ولـم يُ َط َّبـق القانـون إال علـى مجموعـة‬ ‫الزائـدة علـى سـقف امللكيـة التـي َّ‬

‫مـا يعـزز القـول بأ ّنهـا انتقائيـة وتأتـي فــي إطـار تغييـر‬ ‫مـن رجـال األعمـال دون آخريـن‪َّ ِ ،‬‬

‫السـور َّية والعمـق املجتمعـي‪ ،‬ممـا يجعـل التغييـر الدميوغرافــي‬ ‫مراكـز القـوى فــي البنيـة ُّ‬ ‫بخاصة أن تلك األراضي أو الشركات‬ ‫واق ًعا على األرض‪ ،‬وحاس ًما يصعب التعامل معه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُسـحب تذهـب إلـى مسـتثمرين إيران ّيين(‪.)40‬‬ ‫التـي ت َ‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪131‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫َّ‬ ‫مخططـات وآل َّيـات أ َّدت إلـى تهجيـر‬ ‫‪2.2‬تهجي ُـر السـكّ ان األصليين‪ :‬اعتمـد النِّظـام‬ ‫الس َّـكان‪ ،‬وذلـك عـن طريـق‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫‪.‬أاالعتقال والقتل داخل املعتقالت(‪.)41‬‬ ‫‪.‬باخلطف والتعذيب(‪.)42‬‬ ‫‪.‬جاحلصار وتضييق اخلناق ثم املساومة(‪.)43‬‬ ‫‪.‬دالتجنيد أو الترحيل‪.‬‬ ‫‪.‬هالقصف العشوائي(‪.)44‬‬

‫وهـذه كلهـا مراحـل تـؤ ِّدي إلـى التهجيـر القسـري(‪ ،)45‬فــي صـورة التهجيـر الطوعـي‪ ،‬ثـم‬ ‫السـ َّكان‬ ‫تأتـي مرحلـة التهجيـر القسـري العلنـي إن لـم تـؤ ِّد املراحـل السـابقة إلـى تهجيـر ُّ‬ ‫جماعـي للسـكان‬ ‫احمللِّ ّيين(‪ ،)46‬كمـا حـدث مـع مدينـة داريـا‪ ،‬إذ نفّـذ النِّظـام عمليـة ترحيـل‬ ‫ّ‬ ‫أن احلـرب الدميوغرافــية‬ ‫مـا يؤ ّكـد ّ‬ ‫األصليين لصالـح مقاتلـي إيـران وحـزب اهلل‪َّ ِ ،‬‬ ‫اإليرانـي والسـوري‪ ،‬وهـي الهـدف الرئيسـي للتفانـي فــي هـذه‬ ‫اسـتراتيج َّية للنظامين‬ ‫ّ‬ ‫أن احلـرب وإن كانـت مكلفـة فإنهـا سـتضمن‬ ‫احلـرب ودميومتهـا‪ ،‬إذ يعتقـد النِّظامـان ّ‬ ‫ترميـم النِّظـام السـوري لعشـرات ورمبـا ملئـات السـنني القادمـة بعـد تغييـر دميوغرافــيا‬ ‫أن احلرب ستضمن له‬ ‫الدولة‪ ،‬وتخليق والءات سكانية ضخمة‪ .‬ويعتقد النِّظام‬ ‫اإليراني ّ‬ ‫ّ‬ ‫مـا يحـ ِّول‬ ‫الدخـول إلـى العمـق السـوري دميوغرافــ ًيا ومجتمع ًيـا وسياسـ ًيا واقتصاد ًيـا‪َّ ِ ،‬‬ ‫تابـع ومنصهـر فــي الدولـة اإليران َّيـة‪ ،‬وهـو‬ ‫سـوريا مـن حليـف‬ ‫سياسـي‬ ‫واسـتراتيجي إلـى ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النمـوذج الـذي جنحـت فــيه طهـران فــي العـراق ولبنـان(‪.)47‬‬ ‫السـكَّ ان األصليين‪ّ :‬ثـم تأتـي مرحلـة إحلال‬ ‫‪3.3‬إحلال عائلات ِش ِ‬ ‫ـيع َّية محـلّ عائلات ُّ‬ ‫السـ ّكان الوافديـن مـن عائلات املقاتلين مـن حـزب اهلل واحلـرس الثـوري وامليليشـيات‬ ‫السـ َّكان األصليين‪ ،‬مكافـأة لهـم جلهودهـم العسـكرية فــي محاربـة ال َّثـورة‪ ،‬وتغييـ ًرا‬ ‫محـ ّل ُّ‬ ‫حي القاعة بيبرود الذي حتول‬ ‫حاسـ ًما للخارطة الدميوغرافــية‪ .‬ويظهر ذلك جل ًيا فــي ّ‬ ‫اسـمه إلـى «حـي الزهـراء» بعـد أن سـكنه مقاتلـو حـزب اهلل وعائالتهـم(‪.)48‬‬ ‫ِ‬ ‫يكتـف النِّظـام السـوري‬ ‫‪4.4‬إحـراق الوثائـق الرسـم َّية واملق َّـرات احلاضنـة‪ :‬لـم‬ ‫واإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫بالتهجيـر ومصـادرة املمتلـكات بـل أحـرق املقـ َّرات الرسـم َّية التـي حتفـظ الوثائـق القوم َّيـة‬ ‫أي أثـر‬ ‫ملمتلـكات املواطنين‪ ،‬كمـا حصـل فــي السـجل العقـاري بحمـص(‪ ،)49‬حتـى ال يتبقـى ّ‬ ‫‪132‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫هجريـن فــي العـودة إلـى بيوتهـم وممتلكاتهـم‪ ،‬وكذلـك لطمـس أي سـند‬ ‫قانونـي‬ ‫حلقـوق امل ُ َّ‬ ‫ّ‬ ‫املهجـرون مسـتق َب ًل(‪.)50‬‬ ‫قـد يعتمـد عليـه‬ ‫َّ‬ ‫السـوري منـذ قيـام ال َّثـورة حتـى اآلن عشـرات‬ ‫‪5.5‬التجنيـس املباشـر‪ :‬جنَّـس النِّظـام‬ ‫ّ‬ ‫آالف اإليران ّيني والعراقيني(‪ )51‬وغيرهم ممن يسـتقدمهم احلرس الثوري(‪ ،)52‬ألن طبيعة‬ ‫أي حرب أن يعقبها انسـحاب ك ّل امليليشـيات املسـلَّحة‪ ،‬فأرادت إيران أن يكون مقاتلوها‬ ‫السـور َّية اجلديدة بعد احلرب‪ ،‬ولبنة مسـتقبلية من مكوناتها الثقافــية‬ ‫جز ًءا من الدولة ُّ‬ ‫والدميوغرافـية‪ ،‬ورمبا العسكرية(‪ .)53‬عالوة على حفظ مصاحلها االستراتيج َّية واجليو‪-‬‬ ‫سياسـ َّية التـي دخلـت احلـرب مـن أجلهـا‪.‬‬ ‫وم ْأ َس َسة النشاطات الدعوية‪ :‬نشطت احللقات الدعوية للمذهب الشيعي‬ ‫‪6.6‬التبشير َ‬ ‫من أتباع حزب اهلل‪ ،‬ضمن األحياء التي يرتكزون فــيها‪ ،‬إضافة إلى انتشـار النشـاطات‬ ‫مـا يضمـن‬ ‫الشـبابية لطالئـع الشـبيبة التابعـة حلـزب البعـث بين أطفـال املـدارس‪َّ ِ ،‬‬ ‫تنشـئة اجليـل الصاعـد علـى تأييـد نظـام البعـث‪ ،‬واعتنـاق موقـف إيجابـي جتـاه التشـ ُّيع‬ ‫السياسـي وإيـران(‪ ،)54‬بالطبـع علاوة علـى وجـود احلسـينيات واحلـوزات ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية‪ ،‬فــي‬ ‫ّ‬ ‫مناطـق املراقـد‪ ،‬مثـل مرقـد السـيدة زينـب ومرقـد السـيدة رقيـة وغيرهمـا‪ ،‬علاوة علـى‬ ‫مـا يُصاحـب ذلـك مـن بـروز الشـعائر والطقـوس وامل ّداحين(‪.)55‬‬ ‫‪7.7‬شـراء العقـارات‪ :‬اشـترى اإليران ّيـون منـذ عهـد حافـظ األسـد عقـارات وأراضـي‬ ‫مجـاورة للمراقـد ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع َّية‪ ،‬وعملـوا علـى توسـيع املراقـد‪ ،‬وخدمتهـا‪ ،‬فمـا إن انتهـى عقـد‬ ‫الثمانينيات حتى استولى ِّ‬ ‫الس ِّن َّية‪ ،‬التي تضمنت‬ ‫الشي َعة املدعومون إيران ًيا على األوقاف ُّ‬ ‫مقامات ومراقد اكتشفوها واستحدثوها‪ ،‬وكان أبرزها مقام السيدة رقية الذي تعرضت‬ ‫البيـوت احمليطـة بـه للتخريـب‪ ،‬إلقامـة مبنًـى ضخـم للمقـام يحتـوي علـى مدرسـة ومسـجد‬ ‫كبيـ ًرا‪ ،‬وانتهـى إعمـاره سـنة ‪ ،1990‬وتكـرر األمـر فــي مقا َمـي عـدي بـن حجـر الكنـدي‬ ‫فــي ريف دمشـق‪ ،‬وعمار بن ياسـر فــي الرقة‪ .‬فتاريخ شـراء العقارات ممت ّد منذ ال َّثورة‬ ‫اإليران َّيـة حتـى اليـوم(‪.)56‬‬ ‫السـور َّية أجـرى النِّظـام السـوري مناقصـات صوريـة مفتوحـة فقـط‬ ‫وبعـد ال َّثـورة ُّ‬ ‫فأسسـت السـفارة‬ ‫لإليران ّيين‪َّ ِ ،‬‬ ‫السـور َّية‪َّ ،‬‬ ‫مـا يسـمح لهـم التغلغـل داخـل البنيـة العقاريـة ُّ‬ ‫إيرانـي كامـل‪ .‬وأصـدر‬ ‫حـي‬ ‫ّ‬ ‫اإليران َّيـة فــي دمشـق ح ًيـا سـكن ًيا فــي منطقـة املـزة‪ ،‬وهـو ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪133‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫خاصـة لتسـهيل َ َ‬ ‫تلُّـك اإليران ّيين فــي سـوريا‪ ،‬مثـل القانـون رقـم‬ ‫النِّظـام السـوري قوانين‬ ‫َّ‬ ‫السـور َّية على‬ ‫‪ 25‬لسـنة ‪2013‬م‪ ،‬وأصدر مراسـيم رئاسـية تسـمح ببيع وشـراء األراضي ُّ‬ ‫اإليرانـي املسـتثمرين اإليران ّيين للتملـك فــي‬ ‫وشـجع النِّظـام‬ ‫قاعـدة الربحيـة والتشـاركية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫سـوريا‪ ،‬وضخّ املال فــي قطاع العقارات واألراضي(‪ ،)57‬فاشـترى التجار واملسـتثمرون بيوتًا‬ ‫وفــيلت وشققًا فــي مناطق حيوية بالعاصمة دمشق وعلى طول ّ‬ ‫َّ‬ ‫خط الساحل(‪.)58‬‬ ‫فخمة‬ ‫أيضـا‪ ،‬إذ اسـتولت إيـران باتِّفاقيـة مخّ لـة‬ ‫فالعامـل االقتصـادي كان حاضـ ًرا فــي املشـهد ً‬ ‫السـور َّية‪ ،‬فو َّق َعت اتِّفاق َّيات صفقات فــي القطاع‬ ‫وطويلة األمد على حصص فــي السـوق ُّ‬ ‫احلكومـي والصناعـات الثقيلـة‪.‬‬ ‫السـور َّية‬ ‫اخلالصة أن اإليران ّيني يسـتثمرون‬ ‫ً‬ ‫دميوغرافــيا فــي سـوريا ويعتبرون الدولة ُّ‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬إذ يؤ ّكـد مهـدي طائـب أه ِّم َّيـة نظـام احلكـم‬ ‫عمقًـا اسـتراتيج ًيا لألمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫فــي سـوريا بالنسـبة إلـى إيـران‪ ،‬فبعـد أن وصـف سـوريا باحملافظـة اخلامسـة والثالثين‬ ‫إليـران قـال‪« :‬لـو احتفظنـا بسـوريا فسـنتمكن مـن اسـتعادة خوزسـتان‪ ،‬ولكـن لـو خسـرنا‬ ‫سـوريا فلـن نتمكـن مـن االحتفـاظ بطهـران»‪ .‬وبعـد تأكيـده أه ِّم َّيـة سـوريا االسـتراتيج َّية‬ ‫بالنسـبة إلى طهران أ َّكد دعم نظام بشـار فــي إدارة حرب املدن‪ ،‬فقال‪« :‬النِّظام السـوري‬ ‫ميتلـك ً‬ ‫السـور َّية‪ ،‬لهـذا اقترحـت‬ ‫جيشـا ولكـن يفتقـر إلـى إمكانيـة إدارة احلـرب فــي املـدن ُّ‬ ‫احلكومـة اإليران َّيـة تكويـن قـوات تعبئـة حلـرب املـدن قوامهـا ‪ 60‬ألـف عنصـر مـن القـوات‬ ‫املقاتلة‪ ،‬لتتسلَّم مه َّمة حرب الشوارع من اجليش السوري»(‪ ،)59‬فال َّثورة على بشار يعتبرها‬ ‫اإليران ّيـون ثـورة علـى خامنئـي نفسـه(‪.)60‬‬ ‫رابعا‪ :‬التغيير الدميوغرافـي فـي العراق‬ ‫ً‬ ‫أن العراق جزء من اإلمبراطورية الفارس َّية القدمية‪،‬‬ ‫تعتبر إيران فـي أدب َّياتها الفارس َّية ّ‬ ‫َعـدت تلـك األدب َّيـات إلـى اخلطـاب‬ ‫السياسـي‬ ‫ميـا وحدي ًثـا‪ ،‬وت َّ‬ ‫وجـزء مـن مملكـة التشـ ُّيع قد ً‬ ‫ّ‬ ‫الرسـمي(‪ )61‬فحكمت الدولتان الفارسـ َّية والصفوية العراق فــي فترات من التاريخ‪ ،‬وحكم‬ ‫ّ‬ ‫البويهيـون القادمـون مـن أرض فـارس أجـزا ًء مـن العـراق َ‬ ‫وت َّكمـوا فــي صناعـة القـرار‬ ‫السياسـي فــي فتـرة مـن فتـرات احلكـم العباسـي(‪ .)62‬مـن ثـ ّم فالعقـل اجلمعـي‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجليو‪-‬سياسـية(‪.)63‬‬ ‫والذاكرة التراكمية لصانعي السياسـات يعرفون أهم َّية العراق‬ ‫َّ‬ ‫‪134‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫عملـت إيـران علـى تغييـر دميوغرافــيا العـراق لصاحلهـا‪ ،‬عـن طريـق الكـ ّم بالتهجيـر‬ ‫الس َّكانية والتوازن الدميوغرافـي واستغالل احلرب ض ّد اإلرهاب‬ ‫القسري وخلخلة املعادلة ُّ‬ ‫السـ ِّن َّية‪ ،‬وعـن طريـق الكيـف بحرمـان ‪-‬أو تقليـل اإلنفـاق علـى‪-‬‬ ‫لتحقيـق ذلـك فــي املـدن ُّ‬ ‫الس ِّـن َّية مـن املرافـق العا َّمـة والبنيـة التحتيـة والتعليـم والصحـة ونحـو ذلـك مـن‬ ‫احملافظـات ُّ‬ ‫مق ّومـات العقـول واألبـدان‪ ،‬فنشـأ جيـ ٌل أقـ ُّل فــي إمكانياتـه التعليميـة والثقافــية مـن نظيـره‬ ‫فــي اجلنـوب العراقـي املسـيطر علـى احلكـم والثـروة‪ ،‬ومـن نظيـره فــي الشـمال العراقـي‬ ‫ذاتـي‪.‬‬ ‫املتمتـع‬ ‫ٍ‬ ‫بحكـم ّ‬ ‫وكان التغيير الدميوغرافــي الذي تنفّذه إيران فــي العراق أسهل بكثير من نظيره فــي‬ ‫بخاصـة بعـد الغـزو‬ ‫اإليرانـي‪،‬‬ ‫ألن العـراق يدخـل فــي احلـزام‬ ‫األمريكـي‬ ‫املذهبـي‬ ‫سـوريا‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رأسـا‬ ‫للعراق‪ ،‬فاسـتطاعت جتنيد وتأسـيس ميليشـيات تتكون من عشـرات اآلالف التابعة ً‬ ‫للحـرس الثـوري والقيـادة اإليران َّيـة‪ .‬وصنعـت والءات مذهب َّيـة حوزويـة‪ ،‬ووالءات عشـائرية‪،‬‬ ‫باإلضافـة إلـى وجـود حـزب الدعـوة املدعـوم منهـا فــي احلكـم‪ ،‬فاسـتطاعت أن تُن ِّفـذ‬ ‫السلْطة‪.‬‬ ‫شعبي طائفــي‪،‬‬ ‫سياستها الدميوغرافــية بغطاء‬ ‫ّ‬ ‫وسلطوي متحكم فــي مفاصل ُّ‬ ‫ّ‬ ‫استراتيج َّية إيران جتاه العراق‪:‬‬ ‫الكيفـي على العراق كلّه‪ ،‬فتكمن املصلحة اإليران َّية‬ ‫متارس إيران التغيير الدميوغرافـي‬ ‫ّ‬ ‫فــي منع العراق من التح ُّول مرة أخرى إلى دولة قوية تواجه إيران ‪-‬عسكر ًيا أو سياس ًيا‪-‬‬ ‫العربـي‪ ،‬وذلـك أبـرز‬ ‫وحتـد مـن قدراتهـا علـى مـدى نفوذهـا وحتقيـق أهدافهـا فــي اإلقليـم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)64‬‬ ‫الهواجـس التاريخيـة اإليران َّيـة‪ ،‬سـيما منـذ احلـرب العراق َّيـة اإليران َّيـة ‪ ،‬فتسـعى إلـى‬ ‫(‪)65‬‬ ‫تدميـر القـرار العراقـي وحتويـل العـراق بأكملـه إلـى تبع َّيـة إيران َّيـة سياسـ َّية واقتصاد َّيـة‬ ‫وذلك عبر مجموعة أوتاد استراتيج َّية تن ِّفذ املصالح اإليران َّية والتغيير الدميوغرافـي على‬ ‫األرض‪ .‬ولم ت ُكن إيران تعطي األولوية للتغير الدميوغرافـي الك ّمي فـي العراق لوجود كتل‬ ‫سـكانية ضخمـة ِش ِ‬ ‫ـيع َّية بالعـراق تكفــي لصناعـة والءات مذهب َّيـة وسياسـ َّية(‪ ،)66‬لكـن بـدأ‬ ‫السـ ِّن َّية بعـد تفجيـر مرقـدي اإلمامين العسـكريني‬ ‫التغييـر الك ّمـي فــي بعـض املـدن العرب َّيـة ُّ‬ ‫فــي مدينة سـامراء فــي ‪2006‬م‪ ،‬وإن كان قد بدأ عمل ًيا ببطء بعد الغزو األمريكي سـنة‬ ‫‪2003‬م(‪ .)67‬وارتكـزت السياسـة اإليران َّيـة علـى مجموعـة مـن األسـس فــي إحـداث تغييـر‬ ‫دراماتيكـي علـى األرض(‪ ،)68‬ميكـن رصدهـا فــي النقـاط التاليـة‪:‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪135‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫ً‬ ‫الس ِّن َّية‬ ‫أول‪ :‬عسكرة املدن ُّ‬

‫فـي العراق استراتيج َّية إيران َّية تعمل على إبعاد املدن واحملافظات ِّ‬ ‫الش ِيع َّية الصرفة‬ ‫ألن‬ ‫السـ ِّن َّية بنيـران احلـرب‪ّ ،‬‬ ‫عـن بـؤر التوتُّـر واإلرهـاب والطائفــ َّية‪ ،‬وصهـر احملافظـات ُّ‬ ‫احلرب العسـكرية من أعمدة وأسـباب التغيير الدميوغرافــي الذي تطمح إليه األنظمة‪،‬‬ ‫األمريكـي للعـراق أبعـدت إيـران شـركاءها املذهب ِّيين عـن‬ ‫بـل حتـى فــي أثنـاء االحتلال‬ ‫ّ‬ ‫مواجهة االحتالل إ ّال فـي حوادث قليلة ج ًدا‪ ،‬فـي حني دعمت املواجهات ض ّد األمريكان‬ ‫ألن‬ ‫الس ِّـن َّية‪ ،‬لتحقيق مصاحلها‬ ‫السياسـية والدميوغرافــية فــي العراق‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫فــي احملافظات ُّ‬ ‫مـا‬ ‫احلـرب يوازيهـا خـروج نازحين‪ ،‬وحتجيـم‬ ‫إمنائـي‬ ‫ّ‬ ‫وبنيـوي‪ ،‬وتشـريد آالف العائلات‪َّ ِ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫يُسـ ّهل عمليـة التغييـر الدميوغرافــي وعـدم مواجهتهـا شـعب ًيا لضعـف العمـق املجتمعـي‬ ‫فــي أثناء احلروب(‪.)69‬‬ ‫السنَّة‬ ‫ثان ًيا‪ :‬التهجير القسري للعرب ُّ‬ ‫للتغيير الدميوغرافــي احلاسم مرحلة أخرى اتبعتها إيران فــي احملافظات احلدودية‬ ‫التـي تقلقهـا‪ ،‬ففــي محافظـة ديالـى(‪ً )70‬‬ ‫مثلا عملـت إيـران علـى تغييـر ُمن َهـج للخارطـة‬ ‫الس َّـكانية‪ ،‬معتمـدة فــي ذلـك علـى أذرعهـا امليليشـياتية املسـلَّحة‪ ،‬فشـنَّت حملات اعتقـال‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫(‪)71‬‬ ‫وتهـدمي للمسـاجد ‪ ،‬وجتريـف لألراضـي‪ ،‬وصـار ذلـك عملا ُمن َه ًجـا بعـد تفجيـر‬ ‫املرقديـن سـنة ‪2006‬م ومـا أعقبـه مـن اقتتـال داخلـي(‪.)72‬‬ ‫منحى أش ّد طائفـ َّية وعنفًا بعد طرد تنظيم الدولة‬ ‫ث ّم أخذ التهجير القسري العنيف ً‬ ‫من ديالى سنة ‪2014‬م‪ ،‬إذ غ َّي َرت امليليشيات ِّ‬ ‫الش ِيع َّية دميوغرافـيا املدينة تغيي ًرا حاس ًما‬ ‫ً‬ ‫وشـامل(‪ ،)73‬شـملت عمل َّيـات قتـل علـى ال ُهوِ َّيـة‪ ،‬وتهجيـ ًرا قسـر ًيا‪ ،‬واعتقـاالت باجلملـة‪،‬‬ ‫(‪)74‬‬ ‫السـ ِّن َّية حتـت‬ ‫ومنـع النازحين مـن الرجـوع إلـى املدينـة ‪ .‬وحـدث مثـل هـذا فــي ك ّل املـدن ُّ‬ ‫زعـم محاربـة اإلرهـاب كمـا حصـل فــي املوصـل وصلاح الديـن والرمـادي(‪ .)75‬لكـن تبقـى‬ ‫املـدن احملاذيـة للحـدود اإليران َّيـة وحـزام بغـداد لهـا النصيـب األوفـر فــي عمل َّيـات التهجيـر‬ ‫القسـري والعنيف(‪.)76‬‬ ‫ثالثا‪ :‬التهجير غير املباشر‪:‬‬ ‫شمل ذلك مجموعة من اآلل َّيات‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫‪136‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫احلرمـان مـن امليـاه‪ :‬بَنَـت إيـران سـدو ًدا علـى منابـع نهـر ديالـى ممـا أ َّدى إلـى انخفـاض‬ ‫السـ َّكان إلـى الرحيـل‬ ‫منسـوب النهـر وارتفـاع نسـبة التلـوث فــيه‪َّ ِ ،‬‬ ‫مـا اضطـر كثيـ ًرا مـن ُّ‬ ‫وهجـر مزارعهـم ومسـاكنهم(‪.)77‬‬ ‫املكاتـب الثقافــية اإليران َّيـة‪ :‬إذ افتتحـت إيـران فــي عهـد نـوري املالكـي ثالثـة مكاتـب‬ ‫ثقافــية داخـل محافظـة ديالـى وحدهـا‪ ،‬وهـذا العـدد أكبـر مـن عـدد املكاتـب اإليران َّيـة فــي‬ ‫النجـف والبصـرة وكربلاء إذ حتـوي كل مدينـة مكت ًبـا واحـ ًدا(‪.)78‬‬ ‫توزيع األراضي على ِّ‬ ‫الس ِّن َّية‬ ‫الشي َعة املوالني‪ :‬إذ وزَّع نوري املالكي أراضي احملافظات ُّ‬ ‫األخـص ديالـى‪ -‬علـى املواطنين مـن اجلنـوب العراقـي املوالين للحكومـة طائفــ ًيا‬ ‫وعلـى‬‫ِّ‬ ‫ومذهب ًيا(‪.)79‬‬ ‫السـ َّكانية‬ ‫هـذه اآلل َّيـات الناعمـة أ َّدت إلـى تغييـر كامـل ‪-‬أصبـح واق ًعـا‪ -‬فــي اخلارطـة ُّ‬ ‫وعربـي ف َّعـال‬ ‫السـ ِّن َّية العرب َّيـة‪ ،‬آخـذ فــي التنامـي فــي ظـ ّل غيـاب ضغـط دولـي‬ ‫للمـدن ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ومؤ ِّثـر علـى احلكومـة العراق َّيـة‪.‬‬ ‫النتائج املترتبة على التغيير الدميوغرافـي‪:‬‬ ‫دميوغرافـي حاسم فـي سوريا والعراق ‪-‬قطع‬ ‫اإليراني فـي‬ ‫إذا ما جنح املشروع‬ ‫تغيير‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شـوطا كبيـ ًرا فــي العـراق‪ -‬فسـوف يكـون لـه نتائـج سياسـ َّية كارثيـة سياسـ ًيا واقتصاد ًيـا‬ ‫وآيديولوج ًيـا علـى املنطقـة مـن الصعـب خلخلتهـا علـى املـدى املتوسـط‪ ،‬كذلـك مـن الصعـب‬ ‫التن ُّبـؤ بـك ّل آثارهـا علـى األرض‪ ،‬بيـد أنـه ميكننـا اسـتقراء عقليـة صانـع القـرار‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ّ‬ ‫فـي استماتته لض ِّم سوريا إلى إقليمه وحزامه الدميوغرافـي‪ ،‬من خالل النقاط التالية‪:‬‬ ‫اسـتراتيجي كامـل‪ ،‬فــي ظـ ّل غيـاب قـوة‬ ‫أن املنطقـة متـ ّر بفـراغ‬ ‫‪1.1‬يعتقـد اإليران ّيـون ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬ومـن ثـ ّم فالفرصـة مواتيـة للهيمنـة علـى القـرار‬ ‫عرب َّيـة مشـتركة تواجـه التمـ ُّدد‬ ‫ّ‬ ‫السياسـي العراقـي(‪.)80‬‬ ‫ّ‬ ‫واملذهبي فـي سوريا‬ ‫السياسي والعسكري‬ ‫‪2.2‬تضمن إيران من خالل ترسيخ وجودها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعـراق حصتهـا مـن ثـروات الدولتين‪ ،‬املتمثلـة فــي األسـواق وال ِّنفْـط‪ ،‬والطاقـة‪ ،‬واملعـادن‪،‬‬ ‫يصب فـي صالح شركاتها ورؤوس أموالها(‪.)81‬‬ ‫ما‬ ‫والتبادل التجاري غير املتكافئ‪َّ ِ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪137‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫‪3.3‬بالسـيطرة علـى سـوريا والعـراق ولبنـان تضمـن إبعـاد تركيـا كلِّ ًيـا أو جزئ ًيـا‪ ،‬وعزلهـا‬ ‫العربي‪ ،‬ومن ث ّم التخلُّص من أحد أكبر املنافسين لها فــي املنطقة‪،‬‬ ‫عن جزء من العالَم‬ ‫ّ‬ ‫بخاصـة أن العـراق وسـوريا‬ ‫ألي تغلغـل تركـي‪،‬‬ ‫عبـر قواعـد شـعبية داعمـة لهـا‪ ،‬ورافضـة ّ‬ ‫َّ‬ ‫كانتـا حتـت نفـوذ الدولـة العثمانيـة‪ ،‬ومت ِّثلان منفذيـن ُمهِ َّمين لالقتصـاد التركـي‪ ،‬علاوة‬ ‫علـى كونهمـا عمقـا أمن ًيـا واسـتراتيج ًيا لتركيـا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شـرطي املنطقـة‬ ‫قـوي‪ ،‬ميكنـه أن يكـون‬ ‫‪4.4‬تُقـ ِّدم إيـران نفسـها للغـرب‬ ‫كالعـب‬ ‫إقليمـي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغربـي‪ ،‬فــي حالـة التوافـق وتقسـيم‬ ‫وميكـن االعتمـاد عليـه فــي تأمين األمـن القومـي‬ ‫ّ‬ ‫ويعضـد هـذا الطـرح‬ ‫بخاصـة‪.‬‬ ‫األدوار‪ ،‬علـى حسـاب الـدول العرب َّيـة بعا َّمـة واخلليج َّيـة‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫مـا متارسـه إيـران مـن دبلوماسـ َّية ِتـاه الغـرب‪ ،‬ومـا متارسـه مـن وصايـة ولهجـة طائفــ َّية‬ ‫ومذهب َّيـة جتـاه جيرانهـا فــي املنطقـة واإلقليـم‪.‬‬ ‫اإليراني املتمثل فـي ض ّم سوريا والعراق إلى احلزام الدميوغرافـي‬ ‫لكن هذا املشروع‬ ‫ّ‬ ‫يواجه مشكالت ونقاط ضعف يجب أخذها فـي االعتبار‪ ،‬والعمل عليها‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫‪1.1‬االسـتنزاف املالـي الضخـم مـن اخلزانـة اإليران َّيـة فــي سـوريا والعـراق واليمـن مـع‬ ‫فتـح جبهـات جديـدة‪ ،‬فــي ظـ ّل خزينـة فارغـة‪ ،‬وتضخـم كبيـر‪ ،‬ومشـكالت داخل َّيـة تهـ ِّدد‬ ‫النِّظـام الداخلـي بالتصـدع(‪.)82‬‬ ‫العربـي واإلسلامي بسـبب دعمهـا امليليشـيات‬ ‫‪2.2‬تشـويه صـورة إيـران فــي العالَـم‬ ‫ّ‬ ‫مـا وضعهـا فــي مواجهـة مليـار‬ ‫السـور َّية وقضايـا اإلقليـم‪َّ ِ ،‬‬ ‫الطائفــ َّية وموقفهـا مـن ال َّثـورة ُّ‬ ‫مسـلم ُسـن ِّّي حول العالَم‪ ،‬وهذا يه ِّدد صورة إيران وقوتها الناعمة فــي التبشـير والتم ُّدد‬ ‫السـن ِّّي‪.‬‬ ‫الثقافــي واالجتماعي فــي النسـيج ُّ‬ ‫‪3.3‬ال تتحمـل إيـران االسـتمرار فــي مواجهـة قوانين املجتمـع الدولـي‪ ،‬ومواثيـق حقـوق‬ ‫اإلنسـان‪ ،‬مبعنـى أنهـا إذا لـم تنجـح فــي تغييـر حاسـم وعميـق علـى األرض فسـتلجأ إلـى‬ ‫سياسـة النفس الطويل فــي تغيير هادئ واسـتراتيج َّيات بعيدة املدى‪.‬‬ ‫هـدد‬ ‫مـا َّ‬ ‫الدميوغرافــيا املعاكسـة‪ :‬فعشـرات آالف الالجئين ذهبـوا إلـى لبنـان‪َّ ِ ،‬‬ ‫مـا دعـاه إلـى املطالبـة بعـودة‬ ‫الدميوغرافــيا اللبنانيـة بالتغييـر‪ ،‬وهـذا يقلـق حـزب اهلل‪َّ ِ ،‬‬ ‫الالجئين السـوريني القابعين فــي لبنـان إلـى ديارهـم‪ ،‬وهـذه الدعـوة سـببها اخلـوف مـن‬ ‫ما يُه ِّدد التفوق الدميوغرافــي حلزب اهلل فــي لبنان(‪.)83‬‬ ‫تغيير دميوغرافــي فــي لبنان ِ َّ‬ ‫‪138‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫املقاربات املمكنة‪:‬‬ ‫اإليرانـي فــي العـراق وسـوريا عبـر‬ ‫العربـي مواجهـة املشـروع‬ ‫بإمـكان صانـع القـرار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجموعـة آل َّيـات ميكـن رصدهـا فــي النقـاط التاليـة‪:‬‬ ‫السـنَّة فــي العـراق‪ ،‬وافتتـاح مراكـز ثقافــية‬ ‫‪1.1‬الدعـم‬ ‫السياسـي واللوجسـتي للعـرب ُّ‬ ‫ّ‬ ‫علـى غـرار املراكـز اإليران َّيـة‪ ،‬حتافـظ علـى ال ُهوِ َّيـة الثقافــية واحلضاريـة للعـرب هنـاك‪.‬‬ ‫‪2.2‬مواجهة إيران إعالم ًيا عبر فضح املمارسات التي متارسها فـي سوريا والعراق‪.‬‬ ‫اإليراني فـي املنطقة‪،‬‬ ‫قوي‪ ،‬ملواجهة النُّفُوذ‬ ‫‪3.3‬بناء حلف‬ ‫عربي‬‫خليجي‬ ‫تركي إسالمي ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومنـع مت ُّددهـا الدميوغرافــي علـى حسـاب الثوابـت التاريخيـة واملوروثـات احلضاريـة‬ ‫العرب َّية‪.‬‬ ‫‪4.4‬خلق جيوب داعمة وموالية للقضايا العرب َّية داخل الدولة اإليران َّية‪.‬‬ ‫توسـعي يبـدأ بهزميتـه فــي نقطـة يعتبرهـا محوريـة‪،‬‬ ‫‪5.5‬بدايـة انكسـار ّ‬ ‫أي مشـروع ُّ‬ ‫اإليراني فــي سـوريا أو كبحه وفرملته كفــيل بتراجع تا ّم فــي‬ ‫أن هزمية املشـروع‬ ‫مبعنى ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسـة اإليران َّيـة‪ ،‬وتص ُّدعـات رأسـية فــي منظومتهـا اآليديولوج َّيـة‪ ،‬تليهـا مراجعـات‬ ‫شـاملة وأفول ما يُ َسـ َّمى «مشـروع اجليبولوتيك الشـيعي»‪ ،‬فالثمن األفدح إليران سـيكون‬ ‫فــي حالـة سـقوط النِّظـام السـوري بـكل مـا يعنيـه مـن تداعـي رهانـات املشـروع اإلقليمـي‬ ‫اإليراني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أهم نتائج الدراسة فـي النقاط التالية‪:‬‬ ‫وميكن حصر ِّ‬ ‫‪1.1‬جنحت إيران فـي تخليق جيوب وبؤر موالية مذهب ًيا وسياس ًيا لطهران فـي سوريا‬ ‫والعراق‪ ،‬وهذه ثمرة سياسة النفس الطويل منذ قيام ال َّثورة اإليرانية حتى اآلن‪.‬‬ ‫‪2.2‬فـرض الدولـة اإليران َّيـة واق ًعـا سـكان ًيا جديـ ًدا فــي سـوريا والعـراق يصعـب تغييـره‬ ‫ٍ‬ ‫ومبـان تتبـع الدولـة اإليران َّيـة مباشـرة‪،‬‬ ‫علـى املـدى البعيـد‪ ،‬عـن طريـق شـراء مسـاكن‬ ‫وتغييـر مناهـج التعليـم‪ ،‬وتهجيـر أعـداد سـكانية ضخمـة‪.‬‬ ‫‪3.3‬استغالل إيران ملجموعات ِش ِيع َّية فـي كل من العراق وسوريا لتحقيق ما يُ َس َّمى‬ ‫«الكوزموبوليتيا ِّ‬ ‫الش ِيع َّية»‪ ،‬التي تخدم املصالح اإليران َّية‪.‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪139‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫وأن العراق صار‬ ‫أن سوريا هي احملافظة اخلامسة والثالثون إليران‪ّ ،‬‬ ‫‪4.4‬اعتقاد إيران ّ‬ ‫مـا ّ‬ ‫أن املواجهـة مـع إيـران هـي اسـتراتيج َّية‬ ‫يـدل علـى ّ‬ ‫عاصمـة لإلمبراطوريـة اإليران َّيـة‪َّ ِ ،‬‬ ‫اإليرانـي فــي سـوريا والعـراق ليـس فقـط ملصاحلهـا السياسـ َّية‬ ‫آيديولوج َّيـة‪ ،‬فالتمـ ُّدد‬ ‫ّ‬ ‫عملـي لنظريـة‬ ‫واالقتصاد َّيـة‪ ،‬بـل جـزء ال يتجـزأ مـن عقيدتهـا اآليديولوج َّيـة‪ ،‬وتطبيـق‬ ‫ّ‬ ‫واليـة الفقيـه‪ ،‬وممارسـة الفقيـه خـارج احلـدود الوطنيـة القوم َّيـة التـي ال يعتـرف بهـا‪.‬‬ ‫السـن ِّّي فــي سـوريا والعـراق‪ ،‬وجتريـده مـن‬ ‫‪5.5‬عملـت إيـران علـى تفكيـك املجتمـع ُّ‬ ‫مـا أ َّدى إلـى إضعافـه ومـن ثـ ّم‬ ‫العوامـل احليويـة لبنـاء العمـران وصناعـة احلضـارة‪َّ ِ ،‬‬ ‫سـهولة السـيطرة عليـه وتوجيهـه‪.‬‬ ‫‪6.6‬املواجهـة مـع إيـران تتطلـب صياغـة الـدول العرب َّيـة لرؤيـة مشـتركة‪ ،‬ومفهـوم دقيـق‬ ‫العربـي‪ ،‬وحتالفـات عسـكرية تسـتند إلـى قـوة عسـكرية رادعـة‪.‬‬ ‫لألمـن القومـي‬ ‫ّ‬

‫‪140‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫الهوامــش واملراجــع‬ ‫الس َّكان اإلحصائية فـي املجتمعات أو الدول التي تتوافر فـيها املعطيات اإلحصائية التي تسمح‬ ‫(‪ )1‬يهت ُّم علم الدميوغرافـيا بدراسة ُّ‬ ‫َّ‬ ‫السكانية وتوزّع عناصرها جغرافـ ًيا واجتماع ًيا‪ ،‬كما تسمح تلك‬ ‫الس َّكان فـي مكان وزمان معينني‪ ،‬وبتحليل التركيبة ُّ‬ ‫بتحديد حجم ُّ‬ ‫الس َّكان وعوامل تق ُّلباتهم فـي املدى الطويل‪ .‬لكن سرعان ما تعددت اهتمامات الدميوغرافـيا وتنوعت ليصبح‬ ‫املعطيات بضبط حركة ُّ‬ ‫لها أبعاد اجتماع َّية واقتصاد َّية وسياس َّية‪ .‬وهناك الدميوغرافـيا التاريخية التي تدرس كل الشعوب فـي املاضي القريب والبعيد‪،‬‬ ‫التي ال منلك عنها أي معطيات إحصائية أو معطيات كافـية‪.‬‬ ‫الس َّكان حسب الطوائف واملذاهب‪،‬‬ ‫أما الدميوغرافـيا التمايزية فهي تشمل املجتمعات املركبة مثل سويسرا وبلجيكا ولبنان‪ ،‬إذ يتوزع ُّ‬ ‫مؤسسات الدولة‪ .‬ولتوزيع هذه الوظائف ُترِ ي الدولة إحصاءات‬ ‫مع ما يترتب على ذلك من متثيل هذه الطوائف واملذاهب فـي مختلف َّ‬ ‫ملعرف حجم كل طائفة لديها‪ ،‬فـيأخذ هذا اإلحصاء ُبع ًدا سياس ًيا طائفـ ًيا متا ًما‪ ،‬كما هو احلاصل فـي لبنان‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫وأمني‬ ‫سياسي‬ ‫واقتصادي‪ ،‬فتتأزم‬ ‫جهة أخرى فالدميوغرافـيا التمايزية جتعل من هذا البلد اخلاضع لها فـي حالة عدم استقرار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السلْطة فـي لبنان وخريطة الدميوغرافـيا التمايزية‪،‬‬ ‫أوضاعه دائ ًما‪ ،‬ال سيما إذا لم ت ُكن مك ّوناته متفاهمة‪ .‬د‪.‬ألكسندر أبي يونس‪ُّ :‬‬ ‫مجلة الدفاع الوطني الصادرة عن اجلش اللبناني‪ ،‬كانون الثاني ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )2‬راجع‪ :‬د‪.‬نصر عارف‪ :‬قوة املجتمع أه ّم من قوة الدولة‪ ،‬األهرام اليومي‪ 15 ،‬فبراير ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‪ :‬د‪.‬أشرف كشك‪ ،‬دول اخلليج وإيران قضايا الصراع واستراتيج َّيات املواجهة‪ ،‬مجلة الدراسات اإليران َّية‪ ،‬العدد األول‬ ‫ديسمبر ‪2016‬م‪.‬‬ ‫الس َّكان‪ ،‬األهرام‪ 23 ،‬يناير ‪2017‬م‪.‬‬ ‫وتفريغ‬ ‫املجتمعات‬ ‫تفكيك‬ ‫الدميوغرافـية‪،‬‬ ‫احلروب‬ ‫عارف‪:‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬نصر‬ ‫ُّ‬ ‫‪(5) Dr. Josef Olmet, The Syrian Civil War and the Demographic Changes to Expect. 082012/27/.‬‬ ‫‪http://www.huffingtonpost.com/dr-josef-olmert/syrian-civil-war-demographics_b_1833672.html‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬نصر عارف‪ :‬احلروب الدميوغرافـية‪ ،‬األهرام ‪ 23‬يناير ‪2017‬م‪ .‬واألبعاد الدميوغرافـية للفوضى العرب َّية‪ ،‬األهرام‪16 ،‬‬ ‫يناير ‪2017‬م‪.‬‬ ‫(‪ )7‬إيران ودول اخلليج‪ :‬مص َّدات مذهب َّية على تصدعات سياس َّية‪ ،‬د‪.‬عادل علي العبد الله‪ ،‬مستشار األمني العام لدول مجلس‬ ‫اإليراني فـي املنطقة» ط‪ /‬دار البشير‪.‬‬ ‫التعاون‪ ،‬ص‪ ،306‬دراسة منشورة ضمن «املشروع‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )8‬راجع‪ :‬د‪.‬محمد جواد الريجاني‪ :‬اإلدارة السياس َّية فـي الصدر اإلسالمي‪ ،‬حوار مطول ضمن كتاب‪« :‬مطارحات فـي الفكر‬ ‫العربي بيروت ‪2015‬م‪ ،‬ص‪.55‬‬ ‫السياسي اإلسالمي»‪ ،‬حليدر حب الله‪ ،‬ط‪ /1‬االنتشار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرسمي آلية الله علي خامنئي‪ ،‬االستفتاءات‪ ،‬باب‪ ،‬احكام تقليد‪ -‬واليت فقيه وحكم حاكم‪ .‬وراجع‪ :‬حسن العمري‪ :‬القرار‬ ‫(‪ )9‬املوقع‬ ‫ّ‬ ‫السياسي فـي إيران بني ال َّثورة والدولة‪ ،‬مركز اجلزيرة للدراسات‪https://goo.gl/FMWt6t .‬‬ ‫ّ‬ ‫الرسمي آلية الله علي خامنئي‪ ،‬االستفتاءات‪ ،‬باب‪ ،‬احكام تقليد‪ -‬واليت فقيه وحكم حاكم‪ .‬وراجع‪ :‬حسن العمري‪:‬‬ ‫(‪ )10‬املوقع‬ ‫ّ‬ ‫السياسي فـي إيران بني ال َّثورة والدولة‪ ،‬مركز اجلزيرة للدراسات‪https://goo.gl/vMN833 .‬‬ ‫القرار‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪ً ،‬‬ ‫نقل عن‪ :‬إيران ودول اخلليج مص َّدات‬ ‫اخلليج‬ ‫منطقة‬ ‫فـي‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫اإليران‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫السياس‬ ‫كات‬ ‫ر‬ ‫احمل‬ ‫الله‪:‬‬ ‫عبد‬ ‫علي‬ ‫د‪.‬عادل‬ ‫راجع‪:‬‬ ‫(‪)11‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مذهب َّية على تصدعات سياس َّية‪ ،‬ط‪ /‬مركز أمية‪ ،‬سابق‪ .‬ص‪.313‬‬ ‫(‪ )12‬محمد جواد الريجاني‪ :‬مقوالت فـي االستراتيج َّية الوطنية‪ ،‬ط‪ /1‬مركز العصر للدراسات االستراتيج َّية واملستقبلية ‪2013‬م‪،‬‬ ‫ص‪ .46‬وراجع‪ :‬د‪.‬محمد السلمي‪ :‬اجليوبوليتيك الشيعي الواقع واملستقبل‪ ،‬مجلة الدراسات اإليران َّية العدد األول ديسمبر ‪2016‬م‪،‬‬ ‫ص‪.48‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪141‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫(‪ )13‬راجع‪ :‬جيمس وارل‪ ،‬بني دارا واخلميني استكشاف إشكالية ال ُهوِ َّية القوم َّية فـي إيران‪ ،‬ط‪ /‬مكتبة اإلسكندرية ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )14‬إيران ودول اخلليج مص َّدات مذهب َّية على تصدعات سياس َّية‪ ،‬ص‪« .313‬سابق»‪.‬‬ ‫(‪ )14‬راجع‪Stnly Lane Poole: A History Of Egyptian In The Middle Ages, Publisher: New York: C. Scribner’s :‬‬ ‫‪.Sons, 1901‬‬ ‫(‪ )16‬يحدد اخلميني نفسه و َمن معه ِمن املاللي على أنهم النخبة التي اصطفاها الله إلنقاذ الشعوب‪( :‬أ ّما نحن املكلفـني بإنقاذ‬ ‫احملرومني املظلومني‪ ،‬نحن مأمورون بإعانة املظلومني ومناوأة الظاملني)‪- .‬اخلميني‪ :‬احلكومة اإلسالم َّية ص‪.58-‬‬ ‫التوسعية القابلة للتم ُّدد‪،‬‬ ‫ألن إيران بطبيعتها اجلينية ومكوناتها الثقافـية وميراثها القومي واحلضاري تدخل فـي إطار الدول‬ ‫(‪ّ )17‬‬ ‫ُّ‬ ‫أي ضمن احلزام اإلمبراطوري‪ ،‬فهناك دول بطبيعتها التاريخية والثقافـية متقوقعة على الذات مهما كانت قوتها االقتصاد َّية ومكانتها‬ ‫اجلغرافـية‪ ،‬فتدخل ضمن اإلطار اإلقليمي واحمللِّ ّي‪ ،‬ودول أخرى ‪-‬بحكم ميراثها احلضاري وجيناتها التاريخية‪ -‬ال تؤمن بوجودها‬ ‫إال بأحالمها اإلمبراطورية ومن ث ّم تنطلق سياستها اخلارج َّية ارتكازًا على هذا املفهوم‪ ،‬مهما كان ضعفها االقتصادي ومشكالتها‬ ‫الداخل َّية‪ ،‬وهذا النوع من الدول ُي َع ّد ضمن اإلطار اإلمبريالي‪ .‬وهذا ما ُي َس َّمى بشخص َّية املكان‪ ،‬فك ّل دولة لها موضع وموقع‪ ،‬وإن‬ ‫كانت جغرافـيتها صامتة فتاريخها ‪-‬املتقوقع أو املتم ِّدد‪ -‬ينبئ عنها‪ ،‬كما ُيق ِّرر فـيلسوف اجلغرافـيا د‪.‬جمال حمدان‪ .‬راجع‪ :‬د‪.‬جمال‬ ‫حمدان‪ ،‬مقدمة موسوعة شخص َّية مصر‪ ،‬ط‪ /4‬دار الشروق بالقاهرة‪.‬‬ ‫الفارسي احلديث‪ ،‬ترجمة صخر احلاج حسني‪ ،‬ط‪ /‬األهلية للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫(‪ )18‬راجع‪ :‬جويا بلندل سعد‪ :‬صورة العرب فـي األدب‬ ‫ّ‬ ‫األردن‪ .‬ص‪.28-16‬‬ ‫اإليراني فـي املنطقة‪ ،‬ص‪ ،13‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫(‪ )19‬د‪.‬عبد الله النفـيسي‪ ،‬والسعيد إدريس وفاطمة الصمادي وآخرون‪ :‬املشروع‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )20‬د‪.‬محمد السعيد‪ ،‬اجلمهورية الثالثة فـي إيران‪ ،‬ط‪ /‬الهيئة املصرية العا َّمة للكتاب ‪2012‬م‪ ،‬ص‪.152‬‬ ‫(‪ )21‬انظر‪ :‬تصريحات مستشار روحاني وتداعياتها‪ :‬روسيا اليوم‪2015 /3 /17 ،‬م‪ .‬والرايات التي حتمل رمز األسد والشمس‬ ‫الفارسي ما قبل اإلسالم‪ ،‬وأعلن القاجار أن هذه الراية هي «احل ّد الفاصل‬ ‫استعملتها الدولة الصفوية والقاجارية‪ ،‬إحياء للوجدان‬ ‫ّ‬ ‫بني اخلير والشر منذ أيام زرادشت»‪ .‬وأصبحت الراية رمزًا قوم ًيا متميزة بوضوح على هالل القمر العثماني‪ .‬أروند إبراهيميان‪:‬‬ ‫تاريخ إيران احلديثة‪ ،‬ط‪/‬عالَم املعرفة الكويت ‪ ،2014‬ص‪http://cutt.us/stOTv .38‬‬ ‫(‪ )22‬راجع‪ :‬شذى خليل‪ ،‬أجندة إيران تهلك اقتصادها وتزعزع استقرار الشرق األوسط‪ ،‬مركز الروابط للدراسات االستراتيج َّية‪.‬‬ ‫‪ 14‬يناير ‪2017‬م‪.‬‬ ‫(‪ )23‬بحوث فـي والية الفقيه‪ ،‬إعداد مركز نون للتأليف والترجمة ط‪1999 /‬م‪ ،‬فصل‪« :‬كيف يكون الولي الفقيه املنتخب من مجلس‬ ‫اخلبراء فـي إيران ول ًيا على أهل بلد آخر؟»‪ ،‬ص‪ .114‬جدير بالذكر هنا أن السلطات اإليران َّية اعتقلت أحمد القباجني املف ّكر‬ ‫العراقي‪ ،‬لكتاباته ض ّد نظرية والية الفقيه‪ ،‬وذلك فـي أثناء زيارته لطهران‪ .‬وهذه ممارسة عملية لكوزموبوليتيا نظرية والية الفقيه‪.‬‬ ‫انظر‪ :‬أحمد الكناني‪ :‬محاكم التفتيش تعود من جديد‪ ،‬صحيفة املثقف ‪ 30‬نوفمبر ‪2012‬م‪.‬‬ ‫(‪ )24‬إلهه روستامى‪ :‬تأثير إيران ونفوذها فـي املنطقة‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪.‬فاطمة نصر‪ ،‬ط‪.2011 /1‬‬ ‫‪Elaheh Rostami - Povey: Iran’s Influence: A Religious- Political State and Society in Its Region. Zed Books‬‬ ‫‪.2010‬‬ ‫اإليراني فـي املنطقة العرب َّية واإلسالم َّية‪ ،‬د‪.‬السعيد إدريس وفاطمة الصمادي وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫وراجع‪ :‬املشروع‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )25‬الكوزموبوليتيا ‪ Cosmopolitanism‬مصطلح يعني الوالء العابر للحدود واألوطان‪ ،‬وتعني سياسة كونية أو عال َّية ال‬ ‫تختص‬ ‫ّ‬ ‫بدولة واحدة‪ .‬وعندما قامت ال َّثورة اإليران َّية عملت على تدجني الطوائف ِّ‬ ‫الش ِيع َّية العرب َّية‪ ،‬وجذب والءاتها من الدول املوطن لصالح‬ ‫طهران‪ ،‬وصنعت جيو ًبا طائفـ َّية وميليشياتوية خاضعة لها ولسياستها‪ ،‬تعمل على توسيع نفوذ طهران فـي الدول األ ّم‪.‬‬ ‫(‪ )26‬هاني فحص‪ :‬حوار مع جريدة النهار اللبنانية ‪ 18‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪2014‬م‪.‬‬ ‫اإليراني محمد خامتي‪،‬‬ ‫الرئيس‬ ‫مع‬ ‫حوار‬ ‫خاص‪،‬‬ ‫(‪ )27‬هاني فحص‪ :‬جريدة النهار ‪ 18‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪2014‬م‪ .‬وراجع‪ :‬لقاء‬ ‫ّ‬ ‫‪1999 /5 /23‬م‪ ،‬اجلزيرة نت‪.‬‬ ‫(‪ )28‬د‪.‬عماد بوظو‪ :‬أوهام التغيير الدميوغرافـي فـي سوريا‪ ،‬أورينت ‪13‬يناير ‪2016‬م‪ .‬وراجع‪ :‬عبيدة عامر‪ :‬اللعبة الكبرى‪ ..‬كيف‬ ‫تعيد إيران تشكيل سوريا دميوغرافـ ًيا؟‪ 20 ،‬فبراير ‪2017‬م‪ ،‬موقع ميدان‪.‬‬

‫‪142‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫(‪ )29‬راجع‪ :‬د‪.‬عاطف معتمد‪ِّ ،‬‬ ‫الشي َعة فـي املشرق اإلسالمي‪ ،‬تثوير املذهب وتفكيك اخلريطة‪ ،‬ط‪ /1‬نهضة مصر ‪2008‬م‪ ،‬ص‪.155‬‬ ‫وراجع‪ :‬خريطة ِّ‬ ‫الشي َعة فـي العالَم اإلسالمي‪ ،‬أمير سعد‪ ،‬ط‪ /4‬مركز الرسالة للدراسات ‪2013‬م‪.‬‬ ‫(‪ )30‬انظر تصريحات علي اليونسي‪ :‬إيران‪ ..‬أصبحنا إمبراطورية عاصمتها بغداد‪ ،‬العرب َّية نت ‪ 8‬مارس ‪2015‬م‪.‬‬ ‫‪http://cutt.us/qz83m‬‬ ‫العربي‬ ‫(‪ )31‬راجع‪ :‬د‪.‬السلمي‪ ،‬د‪.‬غنيمي‪ :‬اجليوبوليتيك الشيعي‪ ،‬مجلة الدراسات اإليران َّية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬ص‪ .32‬ط‪ /‬مركز اخلليج‬ ‫ّ‬ ‫للدراسات اإليران َّية‪ ،‬الرياض‪.‬‬ ‫(‪ )32‬راجع‪ :‬عماد بوظو‪ ،‬أوهام التغيير الدميوغرافـي فـي سوريا‪ ،‬سابق‪.‬‬ ‫(‪ )33‬راجع‪ :‬هكذا تبتلع إيران عاصمة األمويني‪« .‬ملف عن التش ُّيع فـي دمشق»‪ ،‬أورينت ‪2016 /5 /26‬م‪ .‬وراجع‪ :‬اللعبة الكبرى‪..‬‬ ‫كيف تعيد إيران تشكيل سوريا دميوغرافـ ًيا؟‪ 20 -‬فبراير ‪2017‬م‪ .‬موقع ميدان‪http://cutt.us/vZ18H .‬‬ ‫‪http://cutt.us/6ignn‬‬ ‫إيراني فـي سوريا سنو ًيا‪ ،‬الشرق األوسط‪ 4 ،‬ديسمبر ‪2009‬م‪http://cutt.us/bNX6 .‬‬ ‫(‪ )34‬راجع‪ :‬نصف مليون‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )35‬انظر‪ :‬أسرار التغلغل الشيعي فـي دمشق‪ -‬تقرير‪2015 /5 /11 .‬م‪https://goo.gl/76Fltf .‬‬ ‫اإليراني فـي املنطقة العرب َّية واإلسالم َّية‪ ،‬ص‪ ،178‬ط‪ /‬مركز‬ ‫(‪ )36‬د‪.‬محمد السعيد إدريس ود‪.‬فاطمة الصمادي وآخرون‪ :‬املشروع‬ ‫ّ‬ ‫أمية للبحوث والدراسات االستراتيج َّية ‪ +‬دار البشير‪ ،‬ط‪2015 /3‬م‪.‬‬ ‫عربي ‪ 25 ،21‬فبراير ‪2015‬م‪http://cutt.us/hEcgL .‬‬ ‫(‪ )37‬نظام األسد ُيصادر ممتلكات الالجئني واملعارضة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )38‬القلمون‪ ..‬تهجير واستنزاف وتسخي ٌر للحرب‪ ،‬اجلزيرة نت ‪2016 /2 /9‬م‪http://cutt.us/MuyD4 .‬‬ ‫(‪ )39‬تأسيد القلمون‪ ،‬اجلزيرة نت ‪2015 /1 /14‬م‪http://cutt.us/9AcMG .‬‬ ‫العربي اجلديد‪ 29 :‬يونيو ‪2016‬م‪.‬‬ ‫عقود‪،‬‬ ‫(‪ )40‬األسد يصادر أمالك املعارضني مبوجب قانون يعود لستة‬ ‫ّ‬ ‫‪http://cutt.us/auRjw‬‬ ‫(‪ )41‬ففـي سجن صيدنايا (هو أضخم سجن فـي سوريا ويقع على بعد ‪ 30‬كم شمال العاصمة دمشق) وحده ُشنق أكثر من‬ ‫‪ 13‬ألف معتقل ما بني عا َمي ‪ 2011‬و‪2015‬م‪ ،‬ووصفت َّ‬ ‫السور َّية‬ ‫منظمة العفو الدولية السجن بأنّه َمسلَخٌ‬ ‫ّ‬ ‫بشري‪ .‬وداخل السجون ُّ‬ ‫أكثر من ‪ 10‬آالف امرأة معتقلة‪ .‬راجع‪ :‬تقرير َّ‬ ‫منظمة العفو الدولية الثالثاء ‪ 7‬فبراير ‪2017‬م‪« :‬مسلخ بشري‪ :‬شنق جماعي وإبادة‬ ‫فـي سجن صيدنايا»‪http://cutt.us/r3qwk http://cutt.us/gb9Z7 .‬‬ ‫العربي‪ ،‬بتاريخ‪2015 /5 /23 :‬م‪ .‬اجلزيرة الفضائية‪.‬‬ ‫(‪ )42‬انظر‪ :‬سجن تدمر‪ ..‬املوت أرحم من احلياة‪ ،‬برنامج الواقع‬ ‫ّ‬ ‫وانظر‪ :‬سجون سوريا‪ ..‬املوت تعذي ًبا‪« ،‬ملف شامل»‪ ،‬اجلزيرة نت‪http://cutt.us/HDvE4 .‬‬ ‫‪And; Rights Organization Accuses Syrian Government of Mass Hangings. http://cutt.us/NAUum‬‬ ‫(‪ )43‬عمر كوش‪ :‬الهدن والتغيير الدميوغرافـي فـي سوريا‪ 1 ،‬يناير ‪2016‬م‪ .‬اجلزيرة نت‪http://cutt.us/rsOop .‬‬ ‫مدن أخرى أو إلى خارج‬ ‫(‪ )44‬وشمل القصف املنازل واألراضي واملستشفـيات بطريقة عشوائية‪ ،‬أ ّدت إلى هروب املدنيني إلى ٍ‬ ‫سوريا‪ ،‬وفـي كلتا احلالتني تُصا َدر أمالكهم بعد خروجهم‪.‬‬ ‫(‪ )45‬راجع‪ :‬هل يسعى األسد إلفراغ سوريا من معارضيه؟‪ -‬اجلزيرة نت ‪2015 /9 /8‬م‪http://cutt.us/njuY2 .‬‬ ‫الس َّكان علنًا‪« ،‬تقرير»‪ 20 ،‬سبتمبر ‪2016‬م‪http://cutt.us/dkd0X .‬‬ ‫(‪ )46‬حزب الله فـي سوريا‪ ..‬تهجير ُّ‬ ‫العربي اجلديد‪ ،‬األحد ‪2016 /8 /28‬م‪ .‬وانظر‪:‬‬ ‫«تقرير»‪،‬‬ ‫املفـيدة‪،‬‬ ‫سورية‬ ‫إلقامة‬ ‫التهجير‬ ‫(‪ )47‬داريا‪ ..‬حلقة جديدة من مسلسل‬ ‫ّ‬ ‫العربي ‪ 29‬أغسطس ‪2015‬م‪:‬‬ ‫القدس‬ ‫بالتهجير‪،‬‬ ‫سوري‬ ‫ألف‬ ‫إيراني فـي دمشق يه ِّدد مئتي‬ ‫مشروع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪http://cutt.us/xdfb8 http://cutt.us/K1eM‬‬ ‫(‪ )48‬القلمون‪ ..‬تهجير واستنزاف وتسخير للحرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬وانظر‪ :‬عمر كوش‪ :‬الهدن والتغيير الدميوغرافـي فـي سوريا‪،‬‬ ‫عربي ‪ 15 ،21‬يناير ‪2017‬م‪.‬‬ ‫اجلزيرة نت‪ ،‬سابق‪ .‬وانظر‪ :‬الغارديان‪ ..‬كيف تغير إيران التركيبة الطائفـ َّية بسوريا إلى األبد؟‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪http://cutt.us/kNys‬‬ ‫الس َّكان‪ ،‬حلقة ما وراء اخلبر‪ ،‬قناة اجلزيرة الفضائية‪2013 /7 /17 ،‬م‪ .‬وانظر‪ :‬إيران‬ ‫(‪ )49‬النِّظام السوري وتعديل دميوغرافـيا ُّ‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪143‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫الس َّكانية بتوطني ِّ‬ ‫الشي َعة‪ 15 .‬يناير ‪2017‬م‪http://cutt.us/LJBGC .‬‬ ‫تغير تركيبة سوريا ُّ‬ ‫َّ‬ ‫العربي‪ ،‬تاريخ احللقة ‪2014 /12 /8‬م‪.‬‬ ‫السكانية بسوريا عبر التهجير واإلحالل‪ ،‬برنامج الواقع‬ ‫(‪ )50‬تغيير الدميوغرافـيا ُّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )51‬راجع‪ :‬مايكل نايتس‪ :‬فـيلق إيران األجنبي دور امليليشيات ِّ‬ ‫الش ِيع َّية العراق َّية فـي سوريا‪ ،‬معهد واشنطن لسياسة الشرق‬ ‫األدنى‪ 27 ،‬يونيو ‪2013‬م‪http://cutt.us/1vGA5 .‬‬ ‫الس َّكانية بسوريا‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ويشير بعض التقارير إلى أن النِّظام السوري منح اجلنسية لنحو‬ ‫(‪ )52‬تغيير الدميوغرافـيا ُّ‬ ‫‪ 750‬ألف شخص من لبنان والعراق واليمن وإيران‪ ،‬وذلك ما بني عامي ‪ 2011‬و‪2013‬م فقط‪ .‬راجع‪ :‬النِّظام السوري وتعديل‬ ‫الس َّكان‪ ،‬سابق‪.‬‬ ‫دميوغرافـيا ُّ‬ ‫(‪ )53‬جتنيس اإليران ّيني فـي سوريا‪ ،‬العرب َّية احلدث‪ 25 .‬أغسطس ‪2015‬م‪http://cutt.us/ugqRW .‬‬ ‫وانظر‪ :‬جتنيس امليليشيات اإليران َّية من بغداد إلى دمشق‪ .‬جريدة عكاظ ‪ 1‬فبراير ‪2016‬م‪https://goo.gl/pY84U7 .‬‬ ‫(‪ )54‬القلمون تهجير وتسخير للحرب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫العربي للدراسات اإليران َّية‪.‬‬ ‫(‪ )55‬املداحون املتجهون إلى دمشق يدعون إليران‪« ،‬تقرير» ‪ 27‬أكتوبر ‪2016‬م‪ .‬مركز اخلليج‬ ‫ّ‬ ‫‪http://cutt.us/MMNL9‬‬ ‫(‪ )56‬اللعبة الكبرى‪ ..‬كيف تعيد إيران تشكيل سوريا دميوغرافـ ًيا‪ ،‬سابق‪.‬‬ ‫‪(57) Iran’s Plan for Syria Without Assad. https://goo.gl/mFsa0m And: Iranians Fuel Property Frenzy in Syria.‬‬ ‫‪https://goo.gl/GnkRru‬‬ ‫عربي ‪ 27 ،21‬مارس ‪2016‬م‪ .‬وانظر‪ :‬الهدن والتغيير الدميوغرافـي‬ ‫إيراني مبوجة شراء العقارات فـي دمشق‪،‬‬ ‫(‪ )58‬راجع‪ :‬اعتراف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فـي سوريا‪ ،‬سابق‪http://cutt.us/jcMKJ .‬‬ ‫وانظر‪ :‬مشروع استيطاني!‪ ..‬إيران تغزو سوق العقارات فـي دمشق وحمص‪ ،‬هافنتغون بوست‪ 26 ،‬مارس ‪2016‬م‪.‬‬ ‫‪http://cutt.us/8xD8‬‬ ‫وانظر‪ :‬إيران تشتري سوريا‪ ،‬تقرير‪ ،‬ساسة بوست‪ 31 ،‬مارس ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )59‬راجع تصريحات مهدي طائب‪ :‬العرب َّية نت اجلمعة ‪ 15‬فبراير ‪2013‬م‪http://cutt.us/voZZa .‬‬ ‫(‪ )60‬راجع‪ :‬اإلخوان وإيران‪ ،‬مركز املسبار ط‪2015 /1‬م‪ ،‬ص‪.151‬‬ ‫اإليراني‪« :‬جغرافـية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك‪ ،‬لذا‬ ‫(‪ )61‬قال علي اليونسي مستشار الرئيس‬ ‫ّ‬ ‫علينا أن نقاتل م ًعا أو نتحد‪ .‬إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حال ًيا‪ ،‬وهي مركز حضارتنا‬ ‫وثقافتنا وهويتنا اليوم كما فـي املاضي»‪ ،‬وذلك فـي إشارة إلى إعادة اإلمبراطورية الفارس َّية الساسانية قبل اإلسالم التي احتلت‬ ‫العراق وجعلت املدائن عاصمة لها‪ .‬راجع تصريحات مستشار روحاني‪« :‬إيران‪ :‬أصبحنا إمبراطورية عاصمتنا بغداد‪ ،‬العرب َّية نت‪:‬‬ ‫‪ 8‬مارس ‪2015‬م»‪http://cutt.us/IGnbG .‬‬ ‫العربي‪ ،‬ص‪.325‬‬ ‫االنتشار‬ ‫ط‪/‬‬ ‫الشيعي‪،‬‬ ‫االجتهاد‬ ‫فـي‬ ‫الدستوري‬ ‫(‪ )62‬راجع‪ :‬عبد األمير كاظم زاهد‪ :‬الفقه‬ ‫ّ‬ ‫العربي للنشر والتوزيع ‪2016‬م‪،‬‬ ‫اإليراني فـي العراق‪ :‬د‪.‬عرفات جرغون‪ :‬العالقات اإليران َّية اخلليج َّية‪ ،‬ط‪/1‬‬ ‫(‪ )63‬راجع ال ُّنفُوذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ص‪.247‬‬ ‫العربي للنشر والتوزيع ‪2016‬م‪ ،‬ص‪.88‬‬ ‫(‪ )64‬د‪.‬محمد طالب حميد‪ ،‬العالقات اإليران َّية األمريك َّية‪ ،‬ط‪/1‬‬ ‫ّ‬ ‫الفارسي ومصاحلها االقتصاد َّية فـي‬ ‫اخلليج‬ ‫فـي‬ ‫إيران‬ ‫ملوقع‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫حت‬ ‫(‪ )65‬يقول إسحاق نقاش‪« :‬لقد ش َّكل تشكيل العراق احلديث ِّ ً‬ ‫ّ‬ ‫املنطقة‪ ،‬فإنشاء خطوط السكك احلديدية العراق َّية‪ ،‬وشق الطريق املؤ ِّدي من احلدود الغرب َّية إلى همدان قبل عام ‪1921‬م‪ ،‬كانا‬ ‫مبثابة إغالق طرق إيران التجارية الشمالية التقليدية‪ ،‬وأسفر ذلك عن حتويل غالبية جتارة التصدير واملرور ‪-‬ترانزيت‪ -‬فـي شمال‬ ‫غربي إيران ِّ‬ ‫باتاه بغداد والبصرة‪ ،‬وزيادة مصالح إيران التجارية فـي العراق‪ ،‬فسعت احلكومة اإليران َّية دو ًما إلى تعكير الشؤون‬ ‫ّ‬ ‫الداخل َّية العراق َّية‪ .‬واحلقّ أن إيران حاولت إضعاف العراق‪ ،‬وكانت تتمنى لو جتهض أي محاولة لتأسيس جيش وطني قوي»‪.‬‬ ‫إسحاق نقاش‪ِ :‬شي َعة العراق‪ ،‬ترجمة عبد اإلله النعيمي‪ ،‬ط‪ /‬دار املدى ‪1996‬م‪ ،‬ص‪( .180‬إسحاق النقاش هو‪ :‬أستاذ تاريخ‬ ‫فـي جامعة برانديز األمريك َّية‪ ،‬وعضو مدرسة الدراسات التاريخية فـي معهد الدراسات املتقدمة فـي جامعة برنستون األمريك َّية‪،‬‬ ‫مستشرق يهودي من أصول عراق َّية)‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫تغيير الدميوغرافيا وال ُهوِ َّية يف سوريا والعراق‬

‫(‪ )66‬ديالى والتغيير الدميوغرافـي‪ ،‬مركز برق لألبحاث والدراسات‪« .‬دراسة»‪http://cutt.us/ywJEg .‬‬ ‫العربي‪ ،‬فضائية اجلزيرة‪ 29 ،‬أكتوبر ‪2015‬م‪.‬‬ ‫الس َّكانية لديالى العراق َّية األبعاد والدوافع‪ ،‬الواقع‬ ‫(‪ )67‬تغيير التركيبة ُّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )68‬راجع‪ :‬التغيير الدميوغرافـي آلية طائفـ َّية لتمزيق العراق‪ ،‬اجلزيرة نت ‪2014 /9 /11‬م‪.‬‬ ‫(‪ )69‬انظر‪ :‬مخاوف عراق َّية من عسكرة الطائفـ َّية‪ ،‬اجلزيرة نت ‪2014 /6 /16‬م‪.‬‬ ‫(‪ )70‬محافظة ديالى‪ :‬تقع شمال شرق بغداد على احلدود العراق َّية اإليران َّية‪ ،‬ومركزها مدينة بعقوبة‪ ،‬تبعد عن بغداد ‪ 60‬كم فقط‪،‬‬ ‫َّماس مع إقليم كردستان العراق‪ ،‬وتشترك مع إيران بحدود برية تصل إلى ‪ 240‬كم تقري ًبا‪ ،‬وهي بوابة عبور‬ ‫وتقع على خط الت ِّ‬ ‫السنَّة فـيها ‪ 80%‬تقري ًبا‪.‬‬ ‫احلجاج وزائري املق َّدسات من إيران إلى العراق وسوريا‪ .‬وتبلغ نسبة العرب ُّ‬ ‫(‪ )71‬فن ّفذَت امليليشيات ِّ‬ ‫السنَّة‪ ،‬مثل مذبحة مسجد سارية‪ ،‬ومسجد مصعب بن‬ ‫الش ِيع َّية بقيادة هادي العامري مذابح فـي مساجد ُّ‬ ‫َّ‬ ‫السكاني فـي ديالى‪ ،‬مركز اجلزيرة للدراسات‪20 ،‬‬ ‫عمير‪ ،‬ومنطقة بروانة‪ .‬راجع‪ :‬رائد احلامد‪ :‬طهران وبغداد سعي لإلخالل بالتوازن ُّ‬ ‫مارس ‪2015‬م‪ .‬وانظر‪ :‬مخاوف من جت ُّدد الهجمات الطائفـ َّية بعد مجزرة مسجد ديالى‪ ،‬اجلزيرة نت‪ ،‬السبت ‪ 23‬أغسطس ‪2014‬م‪.‬‬ ‫العربي‪ ،‬فضائية اجلزيرة‪ 29 ،‬أكتوبر ‪2015‬م‪.‬‬ ‫الس َّكانية لديالى العراق َّية األبعاد والدوافع‪ ،‬الواقع‬ ‫(‪ )72‬تغيير التركيبة ُّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )73‬انظر‪ :‬ديالى قلق من التغيير الدميغرافـي بالقوة‪ ،‬اجلزيرة نت ‪2016 /8 /2‬م‪ .‬وديالى العراق َّية تغيير دميوغرافـي وتوتر‬ ‫طائفـي وعرقي‪ ،‬اجلزيرة نت ‪2015 /10 /25‬م‪ .‬وما الذي يجري فـي ديالى العراق َّية‪ ،‬اجلزيرة نت اخلميس ‪ 14‬يناير ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )74‬ديالى والتغيير الدميوغرافـي‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬وتشير اإلحصائيات إلى تهجير ‪ 350‬ألف عائلة من ديالى وحدها‪ .‬راجع‪ :‬السابق‪.‬‬ ‫(‪ )75‬انظر‪ :‬سعد بن عبد القادر‪ :‬أبعاد التغيير الدميوغرافـي فـي املوصل‪ ،‬جريدة اجلزيرة السعود َّية‪2016 /10 /22 ،‬م‪.‬‬ ‫الس َّكاني فـي ديالى‪ ،‬دراسة‪ ،‬مركز اجلزيرة للدراسات‪،‬‬ ‫(‪ )76‬رائد احلامد‪ :‬طهران وبغداد سعي لإلخالل بالتوازن ُّ‬ ‫‪2015 /3 /20‬م‪.‬‬ ‫(‪ )77‬رواء حيدر‪ :‬مياه العراق بني َف َّكي كماشة تركيا وإيران‪ ،‬إذاعة «صوت العراق احلر»‪https://goo.gl/2PXBKJ .‬‬ ‫(‪ )78‬انظر‪ :‬ديالى والتغيير الدميوغرافـي‪ ،‬مركز برق لألبحاث والدراسات‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫(‪ )79‬انظر‪ :‬السابق‪.‬‬ ‫(‪ )80‬راجع‪ :‬تنافس وصراعات للهيمنة على قرار ِشي َعة العراق‪ ،‬الشرق األوسط‪ 10 ،‬أكتوبر ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )81‬راجع‪ :‬السلع اإليران َّية بالعراق بني التجارة والسياسة‪« ،‬تقرير»‪ ،‬اجلزيرة نت‪2012 /6 /26 ،‬م‪.‬‬ ‫التوسعية‪ ،‬تهلك اقتصادها وتزعزع استقرار الشرق األوسط‪ ،‬مركز روابط للدراسات االستراتيج َّية‪،‬‬ ‫(‪ )82‬شذى خليل‪ :‬أجندة إيران‬ ‫ُّ‬ ‫مرجع سابق‪.‬‬ ‫(‪ )83‬السوريون بلبنان‪ ..‬هواجس الدميوغرافـيا وتعقيدات السياسة‪ ،‬تقرير باجلزيرة نت‪2017 /2 /13 ،‬م‪.‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪145‬‬


‫عروض الكتب‬

‫عروض الكتب‬ ‫العا َلم العربي وإيران‬ ‫منطقة مضطربة فـي مرحلة انتقالية‬ ‫احمل ِّرر‪ :‬أمني سايكال‬ ‫الناشر‪ :‬بالغرايف ماكمليان‬ ‫تاريخ النشر‪2016 :‬‬ ‫مكان النشر‪ :‬الواليات املتحدة‬

‫‪146‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫عروض الكتب‬

‫ير ّكـز الكتـاب علـى تفسـير الديناميـات احمللِّ َّيـة واإلقليميـة املتغيـرة فــي العالَـم العربـي‬ ‫تخـص البلـدان واجلهات الفاعلة فــي‬ ‫وإيـران‪ ،‬وتناقـش فصولـه مجموعـة مـن القضايـا التـي‬ ‫ّ‬ ‫املنطقـة‪ ،‬ويوفّـر دراسـة ِلَـا يُ َس َّـمى "الربيـع العربـي"‪ ،‬كمـا يستكشـف دور التنافـس اجليـو‪-‬‬ ‫اإليراني‪ ،‬وتأثيـر السياسـة الطائفــية فــي سـوريا والعـراق عبـر‬‫السـعودي‬ ‫سـتراتيجي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املنطقـة‪.‬‬ ‫يغطـي اجلـزء األول مـن الكتـاب جوانـب ودينام َّيـات التغييـر فــي العالَـم العربي‪ ،‬فــيتناول‬ ‫وجهـات النظـر والتح ِّديـات فــي املراحـل االنتقاليـة‪ ،‬ويتطـرق إلـى مسـألة ال َّثـورة فــي تونـس‬ ‫ومصـر منـذ بدايتهـا إلـى تفاقـم الوضـع فــي مـا بعدهـا‪ ،‬ثـم يبحـث فــي ديناميـات االقتصـاد‬ ‫السياسـي فــي دول اخلليـج‪.‬‬ ‫أمـا اجلـزء الثانـي فــيتناول دور اإلسلام واإلسلام َّية واحلكـم اإلسلامي والسياسـة‬ ‫الطائفــية فــي املنطقـة‪ ،‬وير ِّكـز اجلـزء الثالـث علـى السياسـة احمللِّ َّيـة واإلقليميـة اإليران َّيـة‪.‬‬ ‫يقـ ِّدم الكتـاب فــي املجمـل تقيي ًمـا متواز ًنا للتح ِّديات اجليو‪-‬سياسـية والداخل َّية والدينية‬ ‫للنظـام السياسـي واالجتماعـي للـدول العربيـة وإيـران‪ ،‬ألن الـرؤى الفريـدة التـي يعرضهـا‬ ‫هـذا الكتـاب ذات أه ِّم َّيـة ُم ِل َّحـة لصانعـي السياسـات واجلمهـور القـارئ علـى حـ ّد سـواء‪.‬‬ ‫ويُعتبـر هـذا الكتـاب إسـها ًما بالـغ األه ِّم َّيـة فــي النقـاش املعاصـر حـول التغ ُّيـرات‬ ‫االجتماعية والسياسـية السـريعة فــي الشـرق األوسـط‪ ،‬ويركز الكتاب فــي موضوعه ونهجه‬ ‫علـى العالقـات املعقَّـدة بين إيـران والعالَـم العربـي‪ ،‬فــيستكشف االنبعـاث األخيـر للنـزاع‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن دور اآليديولوجيـات السياسـية املتنوعـة فــي املنطقـة‪ .‬إن‬ ‫الطائفــي اإلقليمـي‪،‬‬ ‫التركيـز علـى إيـران وسياسـتها اخلارج َّيـة املعقَّـدة فــي مـا يتعلـق بالـدول العربيـة املجـاورة‪،‬‬ ‫بخاصـة جتـاه اململكـة العربيـة السـعود َّية‪ ،‬هـو جانـب هـا ّم مـن جوانـب هـذا الكتـاب‪ ،‬يُسـهِ م‬ ‫َّ‬ ‫فــي توسـيع النقـاش حـول السياسـة اإليران َّيـة والـدور االسـتراتيجي للبلاد فــي املنطقـة بعد‬ ‫التصـور النمطـي إليـران كدولـة "راديكاليـة" ومارقـة‪.‬‬ ‫وبنظـرة شـمولية يتبنَّاهـا الكتـاب‪ ،‬فـإن منطقة الشـرق األوسـط وشـمال إفريقيا هي أكثر‬ ‫املناطـق اململـوءة باألزمـات‪ ،‬وال ينكـر الـدور التأثيـري للقـوى َ‬ ‫العاليـة‪ ،‬وعلـى رأسـها الواليـات‬ ‫املتَّحـدة األمريك َّيـة‪ ،‬فــي األحـداث اجلاريـة واملسـتقبلية‪ ،‬وجديـر بال ِّذ ْكـر أن الكتاب يذكر‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪147‬‬


‫عروض الكتب‬

‫بشـكل ُمد َمـج االسـتراتيج َّيات التـي تتّخذهـا جميـع األطـراف باختلاف الطـرف املقابـل‬ ‫وحسـب ِّ‬ ‫املستشـرفة‪.‬‬ ‫اتـاه املصالـح‬ ‫َ‬ ‫اخلاصـة بهـم فــي‬ ‫يوجـه الكتـاب دعـوة إلـى القـراء السـتخالص النتائـج‬ ‫فــي النهايـة ِّ‬ ‫َّ‬ ‫أيضـا تفسـي ًرا جديـ ًدا للديناميكيـات املتغيـرة‬ ‫مـا يتعلـق مبسـتقبل الشـرق األوسـط‪ ،‬ويتيـح ً‬ ‫مـا يُ ِلغـي التعقيـدات التـي تكتنـف النزاعـات والصراعـات‬ ‫فــي العالَـم العربـي وإيـران‪َّ ِ ،‬‬ ‫واملنافسـات واألهـداف الفاشـلة وعمليـات التغييـر والتنميـة التـي جعلـت الشـرق األوسـط‬ ‫مضطر ًبـا‪ ،‬وتعـارض األطـراف الفاعلـة اإلقليميـة والدوليـة علـى حـ ّد سـواء بهـذا الشـأن‪.‬‬

‫‪148‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫عروض الكتب‬

‫احلرس الثوري اإليراني‬ ‫ّ تاريخ َّ‬ ‫املنظمة العسكرية اإليران َّية املختارة‬ ‫املؤلف‪ :‬دان غاليغير‬ ‫الناشر‪ :‬تشارليز ريفـير إيديتورز‬ ‫تاريخ النشر‪2016 :‬‬ ‫مكان النشر‪ :‬الواليات املتحدة‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪149‬‬


‫عروض الكتب‬

‫كان مـن أكثـر التصريحـات املثيـرة للجـدل فــي عـام ‪ ،2016‬ذلـك الذي َت َّدث به القيادي‬ ‫اإليراني سـتصل‬ ‫اإليرانـي سـاالر أبنـوش‪ ،‬فذكـر أن "قـوات احلرس الثوري‬ ‫باحلـرس الثـوري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلـى الواليـات املتَّحـدة وأوروبـا ع َّمـا قريـب"‪ ،‬جاء ذلك ُقبيل االنتخابات الرئاسـية األمريك َّية‪،‬‬ ‫األمريكي السابق باراك أوباما تقليص نشاطاته‪ ،‬وكان املجتمع‬ ‫حني ق َّرر الرئيس‬ ‫األمريكي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مشـغول الفكر فــي اإلجراءات والقرارات السـابقة التي اتّخذها على مدى سـنواته الثماني‬ ‫فــي احلكـم‪ ،‬وإجـراءات وقـرارات الرئيـس اجلديـد دونالـد ترامـب الـذي قـ َّرر التركيـز علـى‬ ‫أهـ ّم محـاور‬ ‫"متزيـق" االتِّفـاق‬ ‫النـووي‪ ،‬وكان علـى رأس جـدول أعمالـه الرئاسـية‪ .‬كان مـن َ‬ ‫ّ‬ ‫هـذا االتِّفـاق املوافقـة اإليران َّيـة علـى تقليص مخزونات اليورانيوم وقدرات التخصيب مقابل‬ ‫النـووي‬ ‫اخلـاص بهـا‪ ،‬ونظـ ًرا إلـى تـو ُّرط احلـرس‬ ‫إنهـاء العقوبـات املترتبـة علـى البرنامـج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬فإنـه املستفــيد األول مـن رفـع وإنهـاء هـذه العقوبـات‪ .‬وكانـت‬ ‫الثـوري باالقتصـاد‬ ‫ّ‬ ‫السـلْطة فــي إيـران‪ ،‬باملثـل كمـا يثيـر احلرس الثـوري القلق‬ ‫لتهديـدات ترامـب آثـار قلـق علـى ُّ‬ ‫فــي الشـرق األوسـط نتيجـة اتسـاع رقعـة نشـاطه‪ ،‬فقـد امتـ ّد مـن العـراق إلـى سـوريا الع ًبـا‬ ‫أساس ًيا فــي احلرب‪.‬‬ ‫يتضمن الكتيب نبذة عن الثورات فــي إيران‪ ،‬فبعد الفتح اإلسلامي فــي القرن السـابع‬ ‫الس ِّـن ّي هـو السـائد فــي إيـران‪ ،‬إلـى أن جـاءت الفتـرة الصفويـة التـي‬ ‫امليلادي كان املذهـب ُّ‬ ‫الرسـمي للدولـة إلـى ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي فــي عـام ‪ 1501‬ميالد ًيـا علـى يـد الشـاه‬ ‫ح َّولَـت املذهـب‬ ‫ّ‬ ‫السـنَّة فــي ذلـك الزمـن‪ ،‬واسـتمرت هـذه ِ‬ ‫احلقْبـة إلـى‬ ‫إسـماعيل الـذي أشـعل العنـف ضـ ّد ُّ‬ ‫عـام ‪ 1794‬امليلادي حين بـدأ احلكـم القاجـاري علـى يـد آغـا محمـد خـان ووريثـه فتـح اهلل‬ ‫شـاه‪ ،‬اللذين أعطيا العلماء (رجال الدين) احلرية املطلقة فــي التدخُّ ل فــي شـؤون احلكم‪،‬‬ ‫َأصـل بعدهـا حكـم رجـال الديـن فــي الدولـة‪.‬‬ ‫وت َّ‬ ‫واسـتم َّرت ِ‬ ‫احلقْبـة القاجاريـة فــي احلكـم إلـى عـام ‪ 1925‬امليلادي‪ ،‬حين جـرى انقلاب‬ ‫دعـى رضـا خان‪ ،‬غ َّير اسـم البالد من "بالد‬ ‫علـى النِّظـام القاجـاري علـى يـد قائـد عسـكري يُ َ‬ ‫فـارس" إلـى "إيـران"‪ ،‬وأطلـق ُكنيـة "البهلـوي" على نفسـه‪ ،‬وأنشـأ امللكيـة البهلوية‪.‬‬ ‫أيضـا نبـذة مختصـرة وشـاملة عـن حيـاة الوريـث الثانـي واألخيـر للملكيـة‬ ‫يذكـر الكتيـب ً‬ ‫البهلويـة محمـد رضـا شـاه بهلـوي‪ ،‬الـذي اعتلـى العـرش فــي السـادس مـن سـبتمبر عـام‬ ‫مؤهـل للحكـم وأنـه دميـة فــي يـد الغـرب آنـذاك‪،‬‬ ‫‪1941‬م‪ ،‬والـذي كان شـعبه يعتبـره غيـر َّ‬ ‫‪150‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫عروض الكتب‬

‫ويسـتم ّر السـرد إلـى بدايـة املشـاحنات بين امللكيـة البهلويـة واخلمينـي‪ ،‬وميـر علـى فتـرات‬ ‫حياتـه فــي املنفـى خـارج إيـران وحين وبـدأ بشـحذ العلمـاء (رجـال الديـن) وجتنيدهـم‬ ‫اإليرانـي ضـ ّد النِّظـام امللكـي‪ ،‬وانتهـاء ذلـك بثـورة شـعبية اسـتخدمها‬ ‫لتحريـض الداخـل‬ ‫ّ‬ ‫اخلمينـي عـام ‪ 1979‬امليلادي لتحقيـق االنقلاب علـى نظـام محمد رضا شـاه بهلوي ونفــيه‬ ‫خـارج إيـران‪.‬‬ ‫اإليرانـي من‬ ‫وكمـا يشـير الكتيـب‪ ،‬مـع وصـول اخلمينـي إلـى إيـران شـ ّكل احلـرس الثـوري‬ ‫ّ‬ ‫نخبـة القـادة املوالين لـه وحتـت إشـراف العلمـاء‪ ،‬بعـد ذلـك أصبـح احلـرس الثـوري أكثـر مـن‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬وت َ​َشـ َّعب إلـى عـدة‬ ‫قـوة عسـكرية‪ ،‬فقـد تغلغـل فــي جميـع القطاعـات فــي املجتمـع‬ ‫ّ‬ ‫أذرع خلدمـة مصالـح مع َّينـة‪ ،‬فأنشـأ قـوات البسـيج وفــيلق القـدس بقيـادة قاسـم سـليماني‬ ‫اإليرانـي‪.‬‬ ‫الـذي يُعتبـر الشـخص َّية األبـرز واألخطـر بين قـادة احلـرس الثـوري‬ ‫ّ‬ ‫مسـتعرضا فترتَـي محمود أحمدي جناد‬ ‫ميـر الكتيـب علـى فتـرات مـا بعـد علي خامنئي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪ ،‬وكيـف اسـتفاد‬ ‫وفتـرة روحانـي وارتبـاط الطموحـات النوو َّيـة اإليران َّيـة بالدسـتور‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي مـن رفـع العقوبـات عـن إيـران مـن خلال أذرعـه املمتـدة فــي‬ ‫احلـرس الثـوري‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسـات الدولـة جميعهـا إذ يشـارك بشـكل واسـع فــي جميـع النشـاطات االقتصاديـة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أيضـا االرتبـاط بحـزب اهلل وامليليشـيات ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّية فــي العـراق وغيرهـا من‬ ‫يذكـر الكتيـب ً‬ ‫َّ‬ ‫املنظمـات مـن غيـر الـدول‪ ،‬وكيـف أن غـزو العـراق وسـقوط نظـام صـدام حسين كان سـب ًبا‬ ‫رئيسـ ًيا لتمـ ُّدد احلـرس الثـوري فــي املنطقـة‪ ،‬ويبين القلـق الـذي تشـعر بـه دول اخلليج حيال‬ ‫اإليرانـي لنظـام‬ ‫قدمـه احلـرس الثـوري‬ ‫هـذا التمـ ُّدد‪ ،‬كمـا يعطـي تَصـ ُّو ًرا عـن الدعـم الـذي َّ‬ ‫ّ‬ ‫بشـار األسـد واحلوثي‪-‬صالـح فــي اليمـن‪.‬‬ ‫وجلـي فــي أزمـات الشـرق‬ ‫جديـر بالذكـر أن احلـرس الثـوري اشـترك بشـكل ملحـوظ‬ ‫ّ‬ ‫األوسـط‪ ،‬وال سـيما فــي دعـم اجلماعـات ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّية مـن خلال التدريـب العسـكري والتمويـل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن دعـم إعـداد القـوات االحتياطيـة فــي سـاحة املعركـة‪ .‬احلـرس الثـوري يخـدم‬ ‫مصالـح إيـران املباشـرة ويعـزِّز املذهـب ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـيع ّي فــي املناطـق التـي تريـد إيران بسـط نفوذها‬ ‫فــيها‪ .‬احلـرس الثـوري هـو أكبـر مثـال السـتخدام الثيوقراطيـة اإليران َّيـة فــي العمليـات‬ ‫العسـكرية‪ ،‬وتنفــيذ مبادئ ال َّثورة اإليران َّية‪ ،‬لذلك مت تأطير مشـاركتها دائ ًما والتركيز فقط‬ ‫علـى األهـداف العا َّمـة لتعزيـز مبـادئ ال َّثـورة اإليران َّيـة‪.‬‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪151‬‬


‫عروض الكتب‬

‫َّ‬ ‫للمنظمـات شـبه العسـكرية األخـرى مثـل حـزب‬ ‫احلـرس الثـوري يعمـل بطريقـة مشـابهة‬ ‫اهلل وحمـاس وتنظيـم الدولـة (داعـش)‪ ،‬إن مثـل هـذه اجلماعـات متتلـك نفوذهـا مـن خلال‬ ‫سـيطرتها علـى املجتمعـات مـن املنطلـق اآليديولوجـي‪ ،‬لكـن احلـرس الثـوري مختلـف ألنـه‬ ‫َ‬ ‫واملهمـة األساسـية للنظـام الثيوقراطـي وهـو‬ ‫يدعـم هـدف القيـادة اإليران َّيـة األول‬ ‫مباشـر ًة‬ ‫َّ‬ ‫"تصديـر ال َّثـورة"‪.‬‬ ‫يوضـح الكتيـب َ َ‬ ‫وتوسـع نفـوذه مـن خلال‬ ‫تـذُّر احلـرس الثـوري‬ ‫فــي املُج َمـل‪ِّ ،‬‬ ‫اإليرانـي‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫وأه ُّمهـا قطـاع التعليـم‬ ‫الشـراكات الرسـم َّية واملشـبوهة مـع املكونـات األساسـية للمجتمـع‪َ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫واملؤسسـات الدينيـة‪ ،‬بنـا ًء علـى أوامـر املرشـد األعلـى‬ ‫واملنظمـات املدنيـة‬ ‫وقطـاع األعمـال‬ ‫َّ‬ ‫اإليرانـي وبتنسـيق وإشـراف مباشـر منـه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتوسـع رقعـة سـطوته‪ ،‬أصبحـت‬ ‫مـع كل هـذا النفـوذ السـلطوي لقـوات احلـرس الثـوري‬ ‫ُّ‬ ‫طموحاتـه اليـوم أكبـر‪ ،‬إذ يسـعى لبسـط سـيطرته علـى مناطـق أوسـع فــي الشـرق األوسـط‬ ‫وتفعيـل خاليـاه فــي الـدول املختلفـة واسـتخدام األذرع املختلفـة لتحقيـق ذلـك‪ ،‬بـل ووصـل‬ ‫النووي‪ ،‬فــيحاول احلرس دائ ًما تطوير امل ُ َع َّدات احلربية‪ ،‬وينفق عليها‬ ‫طموحه إلى املستوى‬ ‫ّ‬ ‫اإليرانـي‪.‬‬ ‫مغـامن االقتصـاد‬ ‫ّ‬

‫‪152‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫عروض الكتب‬

‫ة‪-‬اإليرانية‬ ‫السعودي‬ ‫تطور العالقات‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫منذ التسعينيات بني الصراع والتعايش‬ ‫املؤلف‪ :‬الدكتور فهد السلطان والدكتور بدرام سعيد‬ ‫الناشر‪ :‬روتليدج‬ ‫تاريخ النشر‪2016 :‬‬ ‫مكان النشر‪ :‬الواليات املتحدة‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪153‬‬


‫عروض الكتب‬

‫فــي اآلونـة األخيـرة بـرزت اململكـة العربيـة السـعود َّية وإيـران ق َّوتَين سياسـ َّيتَني‬ ‫َ‬ ‫العالـي‪ ،‬وقـد ظهـر‬ ‫إقليم َّيتَين فــي واحـدة مـن أكثـر املناطـق اضطرا ًبـا علـى املسـتوى‬ ‫التنافـس بين البلديـن علـى عديـد مـن اجلبهـات‪ ،‬منهـا السياسـية واإلقليميـة‪ ،‬كمـا يشـمل‬ ‫يخـص أسـعار ال ِّنفْـط والسـباق نحـو قيـادة العالَـم اإلسلامي‪ ،‬ولكـن هـذا‬ ‫التنافـس فــي مـا‬ ‫ّ‬ ‫السـباق كان لـه تداعيـات ال ميكـن إنكارهـا علـى الشـرق األوسـط والعالَـم‪.‬‬ ‫ويذهـب املراقبـون لهـذا الوضـع إلـى حـ ّد الزعـم أن مـا يحـدث فــي املنطقـة هـو مجـ َّرد‬ ‫السـلْطة‪ ،‬مـع تزايـد أه ِّم َّيـة املنطقـة باعتبارهـا املـورد الرئيسـي للطاقـة فــي‬ ‫صـراع علـى ُّ‬ ‫العالَـم‪ .‬حتلِّـل مجموعـة مـن العوامـل التفسـيرية الداخل َّيـة واخلارج َّيـة أسـباب الصعـود‬ ‫والهبـوط فــي العالقـات السـعود َّية‪-‬اإليران َّية منـذ ‪1990‬م‪.‬‬ ‫يجسـد هـذا الكتـاب هـذه التعقيـدات مـن خلال االعتمـاد علـى تفسـيرات متعـددة‬ ‫ِّ‬ ‫املسـتويات فــي حتليـل األحـداث التفصيليـة‪ ،‬ويُ َعـ ّد الكتـاب األول مـن نوعـه حـول هـذا‬ ‫إيرانـي‪ ،‬فسـمح هـذا التعـاون للمؤ ِّلفَين‬ ‫سـعودي وآخَ ـر‬ ‫املوضـوع‪ ،‬إذ يشـترك فــيه مؤ ّلـف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بتحقيـق أفضـل مسـتوى مـن الشفافــية فــي املعلومـات واسـتخدام املصـادر الفارسـ َّية‬ ‫والعربيـة علـى حـ ّد سـواء‪.‬‬ ‫يتكلـم الكتـاب ً‬ ‫أول عـن تنظيـر العالقـات السـعود َّية‪-‬اإليران َّية‪ ،‬أي توضيـح الفرضيـات‬ ‫َّ‬ ‫مخططات وجداول‬ ‫والنظريـات التـي تقـوم عليهـا العالقـة بين البلديـن‪ ،‬كما يضع الكاتبان‬

‫تبين كيـف تتأثـر العالقـة اخلارج َّيـة للبلديـن بدايـة مـن قـرارات األفـراد واجلماعـات‪ ،‬مبـا‬ ‫ِّ‬ ‫املؤسسـية املؤ ِّثـرة ورجـاالت الدولـة واألنظمـة احلاكمـة عمو ًمـا‪ ،‬كمـا يربـط‬ ‫فــيها الهيـاكل‬ ‫َّ‬ ‫حتليلـي أشـمل‬ ‫الكاتبـان املصالـح الوطنيـة للبلديـن باجلانـب التنظيـري إلعطـاء تفسـير‬ ‫ّ‬ ‫شـرحا‬ ‫ألسـباب الصعـود واألفـول فــي العالقـات السـعود َّية‪-‬اإليران َّية‪ ،‬ويعطـي الكتـاب‬ ‫ً‬ ‫تفصيل ًيـا عـن السياسـة اخلارج َّيـة لـكال البلديـن‪ ،‬وكيفــية التعامـل الدبلوماسـي اخلارجـي‬ ‫خصوصـا‪.‬‬ ‫عمو ًمـا وبين البلديـن‬ ‫ً‬ ‫يبين هـذا الكتـاب ِ‬ ‫احلقَـب الزمنيـة التـي مـ َّرت بهـا العالقـات السـعود َّية‪-‬اإليران َّية‬ ‫بذ ْكـر ِ‬ ‫مـع تبيـان احلالـة السـائدة بين البلديـن فــي تلـك ِ‬ ‫احلقْبـة‪ ،‬فــيبدأ الكاتبـان ِ‬ ‫احلقْبـة‬

‫‪154‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬


‫عروض الكتب‬

‫الزمنيـة فــي زمـن امللـك فهـد بـن عبـد العزيـز (رحمـه اهلل) التـي كان يتولـى فــيها‬ ‫رفسـنجاني رئاسـة اجلمهوريـة اإليران َّيـة بين عا َمـي ‪ 1989‬و‪ 1997‬امليالد َّيين‪ ،‬و ُو ِصفَـت‬ ‫هـذه ِ‬ ‫احلقْبـة باحلالـة الطبيعيـة‪ ،‬إذ كان تبـا ُدل العالقـات فــيها عاد ًيـا كأي دولتين‬

‫تتشـاركان التبـادل الدبلوماسـي والتجـاري‪.‬‬

‫ينتقـل الكتـاب إلـى ِحقْبـة الرئيـس خامتـي الـذي تولـى الرئاسـة مـن ‪1997‬م إلـى‬ ‫أيضـا امللـك فهـد بـن عبـد العزيـز (رحمـه اهلل)‪ ،‬واتسـمت هـذه‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬والـذي عاصـر ً‬ ‫الفتـرة بانفـراج غيـر مسـبوق للعالقـات السـعود َّية‪-‬اإليران َّية‪ ،‬وفــي تلـك الفتـرة زار األميـر‬ ‫عبـد اهلل بـن عبـد العزيـز (رحمـه اهلل) طهـران حلضـور قمـة َّ‬ ‫منظمـة املؤمتـر اإلسلامي‪،‬‬ ‫إيرانـي يـزور اململكـة‬ ‫وفــي املقابـل كان الرئيـس خامتـي فــي عـام ‪1999‬م أول رئيـس‬ ‫ّ‬ ‫العربيـة السـعود َّية منـذ ‪1979‬م‪.‬‬ ‫أيضـا علـى ِحقْبـة الرئيـس محمـود أحمـدي جنـاد الـذي تولـى الرئاسـة‬ ‫ميـر الكتـاب ً‬ ‫عـام ‪2005‬م‪ ،‬واتصفـت هـذه الفتـرة بعـدم اسـتقرار فــي العالقـات‪ ،‬ألن جنـاد اتّخـذ‬ ‫سياسـة خارج َّيـة متشـ ِّددة‪ ،‬واتَّضـح فــي هـذه الفتـرة تعطـش طهـران إلـى بسـط نفوذهـا‬ ‫فــي املنطقة‪ ،‬عن طريق حروب الوكالة التي تَبَ َّنتْها إيران فــي لبنان والعراق وأفغانسـتان‬

‫وغيرهـا‪َ َ ،‬‬ ‫وتلَّـى الـدور األبـرز لطهـران فــي أحـداث مـا يسـمى بـ"الربيـع العربـي" فــي‬ ‫عـام ‪2011‬م‪ ،‬حينهـا زادت العالقـات الثنائيـة تَ َوتُّـ ًرا واتَّه َمـت اململكـة العربيـة السـعود َّية‬

‫وج َهـت وزارة العـدل‬ ‫إيـران بإشـعال الفتنـة فــي البحريـن آنـذاك‪ .‬فــي نفـس السـنة ّ‬ ‫السـعودي فــي الواليـات املتَّحـدة‬ ‫األمريك َّيـة اتها ًمـا إلـى إيـران مبحاولـة اغتيـال السفــير‬ ‫ّ‬ ‫آنـذاك عـادل اجلبيـر‪.‬‬

‫يُنهِ ـي الكتـاب رحلتـه بفتـرة رئاسـة روحانـي التـي بـدأت عـام ‪2013‬م‪ ،‬واتصفـت هـذه‬

‫املرحلـة بخطـوة إلـى األمـام وخطوتين إلـى الـوراء فــي العالقـات الثنائيـة وتَ َذبـذُب بين‬ ‫بـوادر الصعـود واألفـول الواضـح‪ ،‬إلـى أن وقـع احلـدث األبرز فــي عـام ‪2016‬م‪ ،‬وعلى أثر‬ ‫إعـدام منـر النمـر الـذي كان متو ِّر ًطـا فــي حـركات التفريـق والفتنـة فــي املنطقة السـعود َّية‬ ‫جماعـات إيرانيـة السـفارة السـعود َّية فــي طهـران وأحرقتهـا‪ ،‬وكذلـك‬ ‫الشـرقية‪ ،‬هاجمـت‬ ‫ٌ‬ ‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬

‫‪155‬‬


‫عروض الكتب‬

‫محاولـة الهجـوم علـى القنصليـة السـعودية فــي مشـهد‪ ،‬وأ َّدى ذلـك إلـى قطـع العالقـات‬ ‫الدبلوماسـية وزيـادة التوتُّـر بين البلديـن إلـى أعلـى املسـتويات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متسلسلا ومعيار ًيـا متم ِّيـزًا فــي تسلسـل األحـداث ونقـاط‬ ‫عرضـا‬ ‫هـذا الكتـاب يقـ ِّدم‬ ‫ً‬ ‫الصعـود واألفـول فــي العالقـات الثنائيـة بين اململكـة العربيـة السـعود َّية وإيـران بأسـلوب‬ ‫منحى محاي ًدا فــي سـرد‬ ‫مم َّيـز‪،‬‬ ‫ً‬ ‫معتمـدا علـى احلقائـق التاريخيـة املو َّثقـة‪ ،‬ويأخـذ الكتـاب ً‬

‫ٍ‬ ‫بضـ ِّم وجهتَـي‬ ‫الوقائـع‪ ،‬مسـتعينًا مبصـاد َر ووثائـ َق‬ ‫عربيـة وفارسـ َّي ٍة‪ ،‬كمـا يتميـز الكتـاب َ‬ ‫نظـر سـعود َّية وإيران َّيـة مـن خلال املؤ ِّلف َْين‪ ،‬لتقـدمي نظـرة عميقـة وشـاملة للفتـرة التـي‬ ‫تتحـدث عنهـا فصـول الكتاب‪.‬‬

‫‪156‬‬

‫مجلة الدراسات اإليرانية • السنة األولى • العدد الثاني • مارس ‪2017‬‬



Journal for Iranian Studies Specialized Scientific studies

A quarterly periodical peer-reviewed Journal Issued in both Arabic and English Languages

Year 1, Issue 2 - March 2017

www.arabiangcis.org




Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.