االنطالقة
االغتسال يف املطر واالنتصار
االنطالقة االغتسال يف املطر واالنتصار بكر أبو بكر /مؤلف من فلسطني الطبعة األوىل2018 : دار األمني للنرش والتوزيع
رام الله فلسطني وطنية 970568549769+ جوال 970599649769+ e: mail: daralamin2010@gmail. com تصميم الغالف :رامي قبج
All rights reserved. No part of this book may be reproduced in any form or by any means without the prior permission of the publisher.
جميع الحقوق محفوظة .ال يسمح باعادة اصدار هذا الكتاب أو أي جزء منه ،بأي شكل من األشكال ،اال باذن خطي مسبق من النارش.
االنطالقة االغتسال يف املطر واالنتصار
بكر أبوبكر
منشورات حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح مفوضية االعالم والثقافة والتعبئة الفكرية
احملتويات 1 .1املقدمة 7 .................................................................................. 2 .2يف ذكرى انطالقة حركة فتح انتصار الفكرة وصعود التنظيم الجامهريي( .للعام 9................)2008 3 .3كالم االنطالقة الجديدة: حركة فتح واستثامر الذات (للعام 33 ................................ )2009 4 .4حتام سنجد حالً مل تكتشفه بعد (للعام 43.......>..................... )2010 5 .5يف ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية: فتح تنترص بالعمل والجامهري (للعام 49 ............................ )2011 6 .6حركة فتح ودور يتجاوز الجغرافيا (للعام 75............................ )2012 7 .7الفكر الصاعد والتنظيم املنهك ،ومياه التجدد، يف كالم ما بعد االنطالقة (للعام 85 ................................... )2013 8 .8مبناسبة الذكرى الخمسني النطالقة الثورة، نظرات يف ثقافة الحركة (للعام 123 ................................... )2014 9 .9الخطاب مبناسبة اليوبيل الذهبي االنطالقة ال 50للثورة الفلسطينية العمالقة وحركة «فتح» 147..................... 1010مبناسبة االنطالقة 51 حركة فتح والبحث عن الغيامت املاطرة (للعام 171 .......... )2016 5
1111حركة «فتح» الوطنية ،وقضايانا القومية (العام 193 ............ )2017 1212فتح» التنظيم الطائرُ :هنا خالدون (203 ............................ )2018
6
مقدمة: يف إطار املراجعات الفكرية والتأمالت والكتابة إع��دادا لخطاب أو محارضة أو ندوة أو دورة سطّرنا مجموعة من الدراسات واملقاالت والتحليالت السياسية نرشناها ،أو ألقيناها يف حينها. كتبنا يف املواضيع التي متعن النظر يف األداء التنظيمي والسيايس من حيث رضورة استمطار األفكار واالغتسال الذهني التجديدي ،ومن حيث املعب عنها تقابل األداء مع الفكرة والهدف ،ومن حيث صالحية الفكرة رَّ باألداء الفعال ،وأيضا من حيث اتساق األداء بناء عىل آليات البناء املرتبط باإلدارة (اإلنسانية) التنظيمية التي تُعيل من قيمة (االتصاالت) الفعالة مع األعضاء ،فنترشف بأن تكون (القيادة) محفّزة ومحرضة ومحركة لكوامن اإلبداع يف اآلخرين. يف ذات الوقت افرتضنا فيام نكتب أن يأخذ كل عضو من األعضاء (دوره) ضمن (الفريق) الذي يشتمل عىل أدوار متكاملة يف آلية (الخدمة) للقضية وفلسطني ،واألعضاء ضمن اإلطار. يشتمل هذا الكتاب عىل عدد من املواضيع املرتبطة بانطالقة الثورة الفلسطينية انطالقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح التي ارتأينا أن ت ُنرش معا ،ما ميكّن االستفادة القصوى منها يف آليات فتح آفاق مشرتكة 7
للتفكري ،ويف نطاق التعبئة االيجابية داخل التنظيم أو أي جامعة ،ويف حركة «فتح» تحديدا ،ويف تنظيم وعمل الدورات والندوات عىل طريق التثقيف الذايت والجامعي.
وإنها لثورة حتى النرص بكر أبو بكر عضو قيادة مفوضية االعالم والثقافة والتعبئة الفكرية رئيس لجنة التعبئة الفكرية يف حركة فتح
8
يف ذكرى انطالقة حركة فتح انتصار الفكرة وصعود التنظيم اجلماهريي. تستقبل حركة فتح العام 2008وهي قوية ثابتة دميقراطية ،حيث األرض ممهدة الستمرار انخراط األعضاء يف املشاركة وصنع القرار عرب العملية الدميقراطية الداخلية املتصلة حتى انعقاد املؤمتر العام السادس هذا العام .وحيث السياسة بني أيدي قادة فتح أثبتت أنها تسري وفق وصايا الراحل الخالد يارس عرفات الذي وضع بني نظر الجميع القدس والدولة والالجئني والسيادة والشهادة معا ،كام وضع بني يديها وديعة الوحدة الداخلية والوحدة الوطنية ألنه بفتح املوحدة وفتح الوطنية الدميقراطية وفتح الشفافية وفتح الصعود التنظيمي والجامهريي تكسب فلسطني البوصلة وفلسطني الدولة ،وألنه بدون فتح تضعف اإلشارات وتتناقص الروابط وتنهار عوامل الجمع وتبدأ القسمة تنخر يف عظام األمة. قال الرجل الثاين يف حركة فتح صالح خلف (أبو إياد) يف أحد مهرجاناته الصاخبة (إن قوتنا يف وحدتنا ،كونوا جميعا وإن تضايقتم ،وال تكونوا آحادا وإن شعرتم بالراحة) وقال رحمه الله (دعني أدافع عنك لتقول رأيك، واجتهد يف مخالفتك) ما مل تقبله القيادات الفلسطينية ما قبل االنطالقة، وخاصة قيادات اإلخوان املسلمني (يراجع كتاب د .عبد الله أبوعزة مسؤول 9
اإلخوان املسلمني تلك الحقبة)((( والقوميني يف فلسطني وخارجها. إن فتح انتصار الفكرة ال تجعل من مواقف الهزال واالندحار لرجال صغار فيها أو من خارجها عنوانا ،وإمنا فتح االنتصار للفكرة أعمدة خمسة للعمل الوطني ،وفلسفة عقل ناقد ومبدع ،وعمل مرتبط بالحضارة العربية اإلسالمية .وفتح االنتصار بصعود التنظيم الجامهريي مساحة دميقراطية واسعة داخلها ،ويف الوطن لكافة تياراته ،خالفا لحركات االستئصال واالنقالب والفكر املنغلق يف تيارات حركة حامس أو غريها التي أصبح مثقب األرجل والرصاصة يف الرأس شعارها ملطخا بالتكبرية. إن فتح املعادلة املركبة من اإلميان بالله والوطن وااللتزام باملسرية بكافة السبل عرب (الثوابت الفلسطينية) التي تعد من أبرز منجزات فتح الواقعية العقالنية والتي أجمع عليها الكافة وراء فتح ،وانجاز التمسك بالوحدة الوطنية التي أدماها اآلخرون ،وبحركة دءوبة داخلية هي فتح االنتصار والتقدم .وهي فتح االنتصار لفكرها الرثي الذي عربت عنه الجامهري املليونية الغفرية يف غزة الجريحة بااللتفاف الواسع حول ذكرى وفاة قائد األمة والوطن الخالد يارس عرفات طيب الله ثراه. سنتعرض يف هذه الورقة مبناسبة ذكرى انطالقة فتح ،انطالقة الثورة الفلسطينية الحديثة ،لستة مواضيع نرى أولويتها يف مقالنا هذا العام ،عىل -1د .عبد الله أبوعزة ،يف كتابه مع الحركة اإلسالمية يف الدول العربية يذكر أنهم-اإلخوان املسلمني يف فلسطني -رفضوا عرض األخ خليل الوزير للثورة والكفاح املسلح بوضوح وألسباب واهية ما يدلل عىل الجمود ورفض أي رأي .ويشري د .فهد النفييس إىل أن عقلية املتحزب (اإلسالموي) ال تقبل الرأي اآلخر وهي ذات اتجاه واحد فقط ،وتجعله يعيش معزوال عن الناس بحاجز نفيس فيحرم االبداع والتفكري ،مضيفا التداخل الخطري بني الدين وأوامره ونواهيه وبني التنظيم كإدارة برشية ما أضفى اللبوس الديني عىل أي رأي برشي داخل الحركة اإلسالمية بحيث يجعل العضو يشعر باإلثم لو خالف أمرا تنظيميا أو اعرتض عليه (من ص )31-24من كتابه أوراق يف النقد الذايت للحركة اإلسالمية ،مكتبة مدبويل ،مرص.1989 ،
10
أهمية مواضيع أخرى قد تجد النور يف أوراق قادمة.
أوال :أعمدة الفكر الفتحوي
أول ما يواجهك من الناس الذين ال يفهمون الحركة أو يتعمدون اإلساءة إليها لخلل أصابهم يف املسرية فتجاوزتهم ،أو لرغبة مل تتحقق فمألت القلب غيظا والنفس حقدا -أول ما يواجهك من أمثال هؤالء الناس هو قولهم خاصة لكوادرنا الصغار :إنك تنتمي لتنظيم بال فكر ،فهل حركة فتح كذلك؟ أن التنظيم أي تنظيم هو مجموعة من األفكار تتجىل يف األشخاص واألعامل ،فال تنظيم سيايس أو اجتامعي أو اقتصادي ينشأ بال أهداف أو أفكار عدا عن أن الله سبحانه وتعإىل م ّن عىل اإلنسان باالستخالف لعامرة األرض مبا أودعه فيه من عقل ليس زينة وإمنا لينجز جهدا يعرب عنه بالفكر، وعليه فكل إنسان أو جامعة أو تنظيم بالرضورة متتلك فكرا ،وفتح بكل بساطة هي صاحبة العالمة املسجلة يف الفكر الوطني الذي يعطى األولوية للقضية الوطنية دون أن ينزع عنها عمقها العريب واإلسالمي والعاملي ،ويف إطار األولوية يدفع األعضاء للرتكيز لتحقيق األهداف وجمع الطاقات يف اتجاه فلسطني ضمن مراحل شكلت العقل الواقعي السيايس لهذه الحركة. 1 313فتح الهوية الوطنية أن الوطنية مبعنى التخصص واألولوية والرتكيز كانت من مميزات حركة فتح التي مل يستطع أي تنظيم أن يباريها فيها ،بل أن فتح التي جوبهت باتهامات رشسة باإلقليمية والكفر بعد أكرث من أربعني عاما تجد أن كل املتهمني لها أخذوا يتهافتون عىل تبنى فكر الوطنية الفتحوي متخلني عن اتهاماتهم لها بالرجعية أو اإلقليمية أو الكفر. أن الوطنية متثل العمود األول من أعمدة فكر فتح الخمسة وهي 11
االستقاللية والكيانية والوسطية والتشاركية .أن حركة فتح باتخاذها فلسطني بوصلتها ألقت بأثواب الحزبية جانبا ملا تجذبه عىل الناس من تعصب مقيت نرى نتائجه يوميا فيام يحدث يف غزة الصمود واألبطال، حيث التعصب الحزيب أدى لسلسلة خداعة من الفتوى والتكفري والقتل. إن فتح الهوية الوطنية (ال القومية الشوفينية وال اإلسالموية الحزبية وال الشيوعية العاملية) انجاز االنطالقة الحديثة للثورة الفلسطينية الباسلة التي مل يسبقها أحد ،ولحقها اآلخرون كبّاً عىل وجوههم حينا والهثني حينا، إىل الدرجة التي يأيت فيها كاتب محدث مؤخرا بال هوية أو اسم رصيح لينكر عىل فتح إطالقها رشارة الثورة الفلسطينية املعارصة لؤما وحسدا بل ((( وتجنيا مقصودا عىل التاريخ. وإذا جاز لنا أن نقتبس رأي الفتحويني بفتح الوجه الوطني فإننا ننقل رأي أحد األخوة يف امللتقى الفتحاوي ما ميثل ثراء هذا الفكر حيث يقول يف رسالة وجهها يل((( (أن فكر التحرر الوطني الذي رفعت فتح رايته له قسمني رئيسيني :أحدهام سيايس وهو محدد يف مجموعة املبادئ واألهداف واألسلوب يف الباب األول من نظامنا األسايس (((،وفيه تحديد -2يذكر من ال اسم له ،فيام أسامه (مركز دراسات الوحدة الفلسطينية) يف ورقة مسمومة وزعت للبعض عرب الشبكة أن (فتح أدعت ان انطالقتها هي انطالقة الثورة الفلسطينية املعارصة ...الخ) ص ،3من تخرصات مشابهة ليست ذات سند وتنبع عن حقد واستهتار بالتاريخ الفلسطيني ،تهيئة العتبار ظهور حامس عىل املرسح فقط هو بداية ظهور الثورة كام يفهم من سياق الحق للكاتب يتهم فتح بالعلامنية وعدم التفكري وتقديم كافة التنازالت ومحاربة حامس)؟؟ -3يراجع امللتقى الفتحاوي www. fateh. tv -4ونقول أن فكر فتح متطور غري جامد خاصة يف شقه السيايس حيث الواقعية وفهم عوامل القوى لذا كان لفتح اسرتاتيجيات ثالث كانت أولها رساطية (=اسرتاتيجية) الكفاح املسلح وحده ثم أعقبها اسرتاتيجية العمل السيايس والعمل العسكري وثالثها اسرتاتيجية النضال بكافة األشكال التي أمثرت ما أصبح يطلق عليه الثوابت الوطنية الفلسطينية انجاز فهم فتح الواقعي العميل السيايس.
12
واضح وجيل ،لكيفية بناء وتحديد معسكرات الخريطة السياسية بني معسكر صديق ومعادي ومحايد نسعى الستاملته ...واآلخر تنظيمي :وهو محدد يف النظرية التنظيمية التي تحدد وترسم األطر والصالحيات والرقابة والنقد ...وتوضح بدقة كيفية بناء التنظيم وتسيري أعامله مبا يخدم تحقيق األهداف النضالية من خالل عمل تراكمي جامعي يصهر الفرد يف بوتقة الجامعة دون أن ينزع عنه خصوصيته وإنسانيته ،وهي (النظرية الثورية) التي تحتاج للتجديد). 1414فتح القرار الوطني الفلسطيني املستقل باالستقاللية حافظت فتح عىل الحرية يف التفكري ،وأعلت من شأن العقل ،وشجعت الخيارات واإلبداع ،وحافظت عىل القرار الوطني املستقل منذ محاوالت التخريب العريب يف جسدها عام 1966والحقا عام 1968ثم باالنشقاق عام 1983وما تبعة ،ومنذ االنقالب التابع لألجنبي عام 2007 يف غزة. لقد رسمت االستقاللية خيارات الثورة بتعدد أشكال النضال وتعدد أشكال املقاومة العسكرية والجامهريية والسياسية حيث الشعار الذي ما فتأ يردده هاين الحسن بأن (العمل العسكري يزرع والعمل السيايس يحصد ومن يزرع يحصد ومجنون من يزرع وال يحصد). 1515فتح وبناء الكيانية الفلسطينية أما بالكيانية فقد كرست فتح منظمة التحرير الفلسطينية (م .ت. ف) ممثلة للشعب الفلسطيني ووطنا معنويا ،بعد أن أعادت للشعب هويته وعزته وكرامته وشخصيته الثورية التي سعت أنظمة السقوط العريب -وتنظيامت الشعارات الخيالية أو الدجل عىل الجامهري -لطمسها وتكريسها كهوية الجئني مرشدين بال وطن أو دولة ،يحتاجون إلغاثة ال 13
لوطن حر مستقل .كام أمثرت فتح إنجازها الساطع عرب السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبحت املدخل الرشعي للدولة القادمة مبقاومة االحتالل الصهيوين الجاثم عىل أرض اإلرساء واملعراج. والكيان أو الشخصية إذ تصنع تتشكل كثقافة هي معرب الناس وسبلها للتعبري عن حياتها وحاجاتها ،وفتح يف هذا اإلطار صنعت ثقافة الثورة والثوار ما مل يسبقها اليه سابق ،فأحيت الكوفية رمز الثورة ورفعت العلم الفلسطيني عاليا فوق كل الرايات ،وكرست طقوسا محددة للجلسات واملهرجانات حيث الوقوف حدادا والرتحم عىل الشهداء ،وفتح بالثقافة أدخلت إىل قاموس اللغة العربية اسمها الجميل كام أدخلت الكادر واملناضل والفدايئ ولفظة (أخ وأخت) التي ساوت باستخدامها بني الكبري والصغري يف الحقوق والواجبات ،ما جعل من الزمة الكبري خليل الوزير أبوجهاد (بسيطة يا أخ) تكرارا يعرب فيه عن قانون املحبة يف فتح مشفوعا بابتسامته الغامرة يغدقها عىل كل أخ متضايق أو حزين أو بائس أو غاضب أو يائس أو يجهد نفسه بالنقد سعيا لألفضل. 1616فتح الوسطية حيث حرية العقل أن الوسطية يف فتح واقعية سياسية ال تفريط وال تطرف ال أحكام مقدسة وال فتاوى وال تكفري بل احرتام ومحبة للشعب الفلسطيني كافة مبسيحييه ومسلميه ،ووسطية فتح السياسية ليست توافقية تلفيقية كام يظن البعض وإمنا موقف بل مواقف حفاظ عىل املبادئ واألهداف والتوازن املجتمعي ألن فتح كانت األوىل وما زالت باحرتام الرأي والرأي األخر فهي بكوادرها متثل فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية. وفتح كام يقول أحد زمالئنا وأخوتنا األحبة من امللتقى الفتحاوي (فلسفه حياة كاملة متكاملة ،تنعكس كليا عىل املؤمن بها وتؤثر بشكل 14
مبارش عىل كامل مامرساته ،إن كانت تلك املامرسات آنية تتعلق بأمور الحياة اليومية ،أو دامئة تتعلق بالهدف األسمى والبعيد لإلنسان نفسه، وهي فلسفة قامئة عىل تحكيم العقل واملنطق يف كل القضايا الوطنية والشخصية ،ووضع ما ميليه العقل واملنطق تحت مجهر الفحص النقدي الدائم واملستمر الستكشاف فجواته ونواقصه ،وبالتايل تصحيح املامرسة وعدم التواين عن نقد الذات ،واستخالص الدروس والعرب وإعادة ’’القطار’’ إىل سكته الطبيعية التي تصل به إىل محطته النهائية املرجوة). ((( مضيفا أن (فتح كام فهمتها هي اإلميان بالعقل كثمرة قابله للتطور املستمر الستيعاب املعطيات الثابتة واملتغرية التي تؤثر يف املسرية ،والقادر بالتايل عىل التأقلم معها والتأثري بها لتحقيق الهدف .إن فتح -كام آمنت بها -هي دعوة مفتوحة ودامئة للنهل من كل ما هو متوفر لنا من علم ومعرفه وثقافة ،واستغاللها لتوسيع مقدراتنا عىل التفوق ب’’السباحة ’’ يف «محيطنا العاصف والهائج» -باملعنى الحيايت الذايت والوطني العام- فتح التي أحاول مامرستها :هي التحيل بالشجاعة الالزمة لنقد الذات ليس -5يف نقده للخطاب السيايس (اإلسالموي) غري العقالين يقول الكاتب اإلسالمي د. فهد النفييس يف كتابة أوراق يف النقد الذايت ص 29أن التوجيه الفكري يجب أن يركز عىل البناء العقيل بينام التوجيه الخطايب (لإلسالمويني) يركز عىل البناء العاطفي حيث الخطيب يتعامل مع الروايات والتاريخ يف إطار العاطفة املشبوبة منتقدا ذلك بشدة ومعتربا أن بذرة التوجيه الفكري أدوم حيث ينقص الحركة اإلسالمية كام يقول صف من املوجهني الفكريني. ويقول د .محمد عامرة أن هذه الحركات بالغت يف ترويض أعضائها عىل الطاعة أكرث مام دربتهم عىل املحاسبة والنقد والتقويم ،ما يؤدي لعدم منو شجاعة االعرتاض ونقص الحريات العقلية ،حيث وحدانية الرأي رأي املرشد واألمري واإلمام فقط ،والذي يؤدي للتفكك والقصور والترشذم ويقتل يف األعضاء ملكات الحرية والنقد واالبداع والقيادة. ويضيف النتقاداته أنه يف هذه األحزاب يتحكم األموات باألحياء حيث املايض يحكم الحارض ،وحيث ال نظرة ايجابية لآلخر يف املجتمع ألن الحزب وحده عند بعض هذه الجامعات ميثل املسلمني فقط دون اآلخرين (ص.)335
15
بهدف جلد النفس ،بل من أجل معالجه األمراض قبل استفحالها ،وفتح هذه وبهذا املعنى هي فلسفه حياة باستطاعتنا غرسها بسهوله يف عقول وقلوب أطفالنا ،كام غرسها السابقون منا فينا ،وهم ونحن بذلك نستطيع النوم قريري العني عىل أن أجيالنا الحالية والالحقة ،أنها متتلك البوصلة الحقيقية والصحيحة ملواجهة تحديات الحياة ،والصمود عىل طريق ((( الهدف النهايئ). 1717فتح الدميقراطية والعدالة االجتامعية فتح التشاركية :دميقراطية وعدالة اجتامعية وحقوق إنسان وشفافية وتداول عىل السلطة ،ما أثبتته أمام أعني العامل أجمع حينام سلمت السلطة لخصم مل يستطيع الحفاظ عىل السلطة فانقلب عليها بالقوة املسلحة. أعب عنه كام قال الفيلسوف زيك نجيب محمود يف أن موقف وفكر فتح رّ كتابه تجديد الفكر العريب صفحة 199هو املوقف الذي (أن بقيت ظروفه عىل حالها تبقى مبادئه مثال عليا للحارض كام كانت للاميض ،وما تغريت ظروفه تتغري مبادئه ،فاملوروث عن األسالف هو لنا مبثابة نقطة ابتداء أي –مبدأ -ينقي بعضها وتحذف بعضها بحسب ما تقتضيه حياتنا العرصية).
ثانيا :صورة حركة فتح
استطاعت فتح أن ترسم صورة مرشقة استقرت يف أذهان الناس سواء يف الوطن أو خارجه فهي مفجر الثورة وهي الكوفية وهي االنطالقة وهي منجزات األمة ،وهي االعرتاف العاملي بالقضية وهي منظمة التحرير الفلسطينية وهي يارس عرفات وهي الدميقراطية وهي يدا مروان الربغويث املرسبلة بالحديد يرفعهام يف وجه جالديه ،وهي فارس عودة يف مواجهة -6مساهمة فعالة ورائعة من أحد األخوة الكرام أعضاء امللتقى الفتحاوي www. fatehforums. com
16
الدبابات ،وهي آيات األخرس أول شهيدة يف االنتفاضة الثانية .لكنها يف املقابل ولسلسلة من أالزمات التي سبقت ولحقت وفاة الرئيس الخالد قد شوشت هذه الصورة ،ورسمتها بشكل سوداوي يف بعض جوانبها ما جعل الخصم والعدو يستغل ذلك يف محاولة لتكريس فتح وكأنها الفساد والنزاع وما ذلك إال ظلم مقصود وتجني مرصود يؤخذ به الكافة بجرائر القلة الذين ندينهم ونعريهم دون أن نحتاج لتخ ّرصات ومفاسد أحد بيننا، ((( وإنها فوىض وخالفات وإنها كفر وزندقة أو خالفه من املفاهيم التي مل تدخل يف رأس الناس ،وظلمت الصورة الحقيقة التي متثل الصورة األوىل والراسخة. يقول املثل العريب الشهري (إياك والسآمة يف طلب األمور ،فتقذفك الرجال خلف أعقابها) وفتح مل تسأم من بذل الجهد أبدا ومل تفرط يف الكفاح ،بل كانت ومازالت حركة متواصلة دءوبة تجاه األعضاء والجامهري وتجاه األصدقاء والعامل.
فتح الصدر الحاني
رغم مناورات الخصوم وحقد بعضهم الغريب ،إىل درجة تزوير التاريخ واقتالع الجذور ،ورغم أراجيف األعداء املحتلني الذين يتنفسون الصعداء مع كل لطمة لحركة فتح ،ظلت فتح األوىل يف كل ايجابية فلم يستطع أحد تجاوزها ألن (دونها خرط النقاد) .ففتح أن مل تكن األوىل بني الثورات العاملية فإنها املتميزة ،صنعت مساحة حركتها وجذبت املوافق واملخالف لها فحققت صورة التنظيم العنيف ضد االحتالل ،الثوري ،واسع الصدر عىل األعضاء والجامهري ،الحاين ،املحافظ أبدا عىل الوحدة الوطنية ،املهتم بأمور الناس والذي مل تتلطخ يداه بدماء الفلسطينيني أبدا. -7يراجع كتابنا عن سلبيات وأزمات فتح وعن الفاسدين فيها املعنون :حركة فتح والتنظيم الذي نريد الصادر يف رام الله عن دار عناة للنرش عام .2003
17
إذا مل تكن األول فكن متميزا ،وإذا مل تكن السبّاق فكن األفضل .فام بالك وحركة فتح حازت األسبقية بالنضال كام حازت التم ّيز ،وبشهادة الثائر الكبري ماوتيس تونغ ،ورغم التشوشات الكثرية ،بل واألزمات ،وأيضا مخططات التشويه ومحاوالت الهدم واإلبادة املستمرة يف مسريتها من عديد األنظمة العربية واإلقليمية((( ومن العدو املحتل ال أحد يشري لغريها حينام يذكر النضال الفلسطيني أو الجهد الوطني ،وال أحد يستطيع أن يتخطى رقاب الفتحاويني يف أي صالة أكانت يف املسجد أم يف العراء. إن من أوجب واجباتنا أن نحافظ عىل هذه الصورة يف أذهان الناس بأن نطور من قدراتنا وذواتنا وأن نقرتب أكرث من هموم الناس وان نتمسك مبسلكياتنا االيجابية ونتخلص من السلبية ،ونكون قدوة يف القول والفعل كام كان الرسول األعظم قدوتنا ،وكام كان قادة النضال مناذج لنا نحتذي بها.
ثالثا :فتح واإلسالم
مل يتحدث أحد عن فتح واملسيحيني ،ألنهم يعلمون أن الرتبية الوطنية السياسية((( الفتحوية تعتمد املواطنة واالنتامء الوطني ال الطائفة أو كل الحديث الذي يواجه كوادر فتح خاصة من الطالب يدور الدين ،وإمنا ّ عىل فتح والدين اإلسالمي وكأمنا مطلوب من كل مسلم يوميا أن يقدم -8األزمة مع األردن عام ،1071-1970واألزمة واالقتتال مع السوريني خاصة منذ العام ،1975واألزمة مع حزب البعث العراقي من خالل أبونضال ،واألزمة مع النظام الليبي الحقا ،وأزمة االنشقاق املدعوم سوريا ،وأزمات املخيامت مع السوريني وحلفاؤهم، وأزمات طرد القيادة الفلسطينية من أكرث من بلد( .يراجع كتاب يزيد صايغ ،الكفاح املسلح والبحث عن الدولة ،مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،بريوت ،)2002وكتاب طالل أبوعفيفة ،اإلسرتاتيجية والدبلوماسية يف السياسة الفلسطينية ،1997-1897فلسطني، .1998 -9يقول د .محمد عامرة أن الحركات اإلسالمية تعاين قصورا يف الرتبية السياسية لفقرها فكريا وقلة بضاعتها من صناعته وص ّناعه مضيفا وإمنا النغالق هذه الحركات عن الفكر السيايس ونظرياته يف مقال مظاهر الخلل ص.344
18
فاتورة دينية أمام مدعي النيابة عن الله يف األرض ،يف خلط عجيب بني البناء الروحي والرتبية السياسية ،أو كأمنا مطلوب من كل مسلم فتحوي أن يقدم كشف حساب ألصحاب الفتوى من الجهلة املعممني وغري املعممني الذين يطلقون األحكام واالتهامات جزافا فهذا مسلم وهذا مرتد وذالك كافر لتشتعل آلة الحقد املجنون رصاصا وإلقاء من أعايل البنايات وأرجل مثقوبة ورؤوس مهشمة وصلت ألكرث من 450جرمية ضد اإلنسانية يف قطاع غزة ،والقامئون عليها من مدعي اإلسالم الذين ال يفقهون للحظة مدى حرمة الدم عند الله سبحانه وتعاىل. 1.1فتح والعقل فتح ال تحتاج للدفاع عن نفسها أبدا أمام الذين يخلطون الزيت بالخل فيجعلون من الدين وقود السياسة ،ويجعلون من الحرام والحالل طعام السياسيني وال مييزون بني العقل واإلميان وال يستطيعون أن يروا الدين هاديا ومرشدا للفكرة ال متحكام ومتسلطا عىل العقل ،فالله سبحانه وتعإىل الذين خلق الخلق ترك لهم حرية الخيار يفعلون ما يشاؤون مبنحة العقل ،وأنزل لهم القران هاديا ومرشدا -ملن شاء -واعد لهم جنة ونارا ،ومل يوكل عنه أحدا ليكون هاديا ومرشدا نيابة عنه فينزع املنحة من الناس، وهذا ما تدركه فتح وتعمل به. أو كام يقول الكاتب املغريب قاسم شعيب (قاسم شعيب ،تحرير العقل اإلسالمي ،املركز الثقايف العريب ،املغرب ،2007ص :)8أن الحقيقة التي يغفلها النص ّيون( ((1هي أن القران مل يأت بديال عن العقل بقدر ما جاء -10يقول د .محمد عامرة الكاتب اإلسالمي املعروف يف مقال له بعنوان مظاهر الخلل يف الحركات اإلسالمية املعارصة من كتاب الحركة اإلسالمية رؤية مستقبلية ص ( 341نلحظ ضمن مظاهر الخلل تزايد جمود النصوصيني ،وتدين جرعة العقالنية لدى العقالنيني) مضيفا أن العقالنية يف االخوان املسلمني (هبطت لتتناسب مع مستوى العامة) ما أدى إىل (تجنب التفكري العقالين الذي يثري بجرأته الكثري من املشكالت) ويف ص ( 343وزاد
19
هاديا له ومرشد ا ،فمثل العقل والقرآن كمثل البرص والضياء فال العني ميكنها أن تبرص دون ضياء ،وال الضياء قادر عىل أن يجعل األعمى بصريا، وهذا يعنى أن العقل والنص يتكامالن من أجل خدمة اإلنسان والتخيل عن أحدهام هو تخيل عنهام معا. أن رجال ونساء فتح فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية وأصحاب الرتبية السياسية التعددية الدميقراطية ال يقيمون وزنا التهامات الرجعية والزندقة والردة والعلامنية الن األفواه ذاتها التي تكيل الشتائم واالتهامات هي ذاتها التي كانت تشتم (الوطنية) و(القومية) و(الدميقراطية) ثم عندما ملع يف رأسها نور الفهم تبنتها وقبلتها -رمبا ليس كليا ،ورمبا تكتيكيا ريثام تنقلب عىل هذه املفاهيم -فلم تعد فتح كافرة بعد ذلك (يراجع :د .محمد عابد الجابري ،وجهة نظر نحو إعادة بناء الفكر العريب املعارص ،املركز الثقايف العريب ،بريوت .)1988 2.2فتح وعلامنية اإلسالم أن كانت حركة فتح حركة علامنية فهي علامنية الدين اإلسالمي كام قال املفكر العريب الفتحوي الكبري خالد الحسن ،مبعنى التي رفضت الظالمية والتقديس لألشخاص والتكفري كام رفضت انتزاع السلطة بالدماء بدعوى الحق املطلق يتفجر من عيون من عبدوا األشخاص والحزب أو أ ّجروا عقولهم ألصحاب أعراس املثاقب تنخر عظام األبرياء من أبناء غزة األبطال. مل تقل فتح يوما إنها ذات فكرانية (=أيديولوجية) مطلقا ،ومل تقل أنها تشكل حزبا سلطويا ،يعشق الكرايس ويتغنى باأللقاب ،كام مل تتبنى طرحا مجتمعيا علامنيا رغم الكثري مام يقال بهذا الشأن ،وإمنا قالت بالثورية وضوح هذا الخلل وضاعف من تأثرياته عجز الكثري من هذه الحركات حتى اآلن عن إقامة العالئق والخيوط التي تصنع وتقنن التاميز بني مؤسسات الفكر وأعالمه وبني تنظيامت الحركة وجمهورها).
20
كام قالت بالدميقراطية –وكفى -الدميقراطية التي خشيها اإلسالمويون (املتحزبون) وكفروها ثم تبنوها ،وقالت باملجتمع املدين الذي خشية اإلسالمويون وكفروه ثم تبنوه ،وقالت بحقوق اإلنسان وحقوق املرأة التي رفضها اإلسالمويون باعتبارها نتاج الغرب الكافر ثم تبناها بعضهم إىل الدرجة التي طالبوا فيها بقيام دولة علامنية يف فلسطني كام قال عضو قيادة اإلخوان املسلمني يف مرص عبد املنعم أبو الفتوح. 3.3فتح وطالب السلطة قال يل صديق خرج من املعتقل حديثا أن بعض قيادات حركة حامس يتجنبون التعاون مع حركة فتح يف املعتقل ويتقربون من اليسار-وكام هو الحال يف الجامعات أيضا ،-فلام سأله صديقنا وهو من أحد أحزاب اليسار مل تفعلون ذلك وأنتم أقرب إليهم-أي إىل فتح -فكريا منا .قال له :أنتم ال تنازعوننا السلطة وهم من ينازعنا ألنهم قريبون من الدين؟! لذلك نرى سالسة التفاوض بني اإلرسائيليني وحركة حامس تلك التي تجري خفية عىل قدم وساق ،ومن خالل اإلعالن العلني املتكرر املتمثل بالغزل املمزوج باالستجداء اليومي لوقف إطالق النار من قبلهم مربوطا بهدنة مجانية لعرشات السنني ،دون أي تحرك مقابل إلنهاء االنقالب الدموي يف غزة كمنطلق ملصالحة األخوة الذي ما فتأت فتح تطالب به. أن حركة فتح حركة الشعب الفلسطيني العريب املسلم واملسيحي، وهي نتاج تاريخ وتراث هذه األمة العربية اإلسالمية باسهاماتها املسيحية الرشقية ،وهي بذلك تبث الرعب دوما يف قلوب مدعي احتكار اإلسالم ألنها ترضب مثال ال يستطيعون مجاراته يف التسامح واملحبة والوحدة الوطنية ،والعدالة االجتامعية التي هي حقيقة الدين الحنيف الذي ال يقبل انكامشه يف حزب أو شخص. 21
رابعا :حركة فتح و«حماس»
حركة فتح التي حملت مشعل الثورة يف زمن انحطاط األمة وبعد انكساراتها املتكررة يف األعوام ( )1967 ،1956 ،1948أعادت األمل للشعب الفلسطيني وبعثت شخصيته وشكلت كيانه ورفعت اسمه عاليا من خالل كوفية الختيار التي زنّرت الكرة األرضية حتى اليوم ،ليس لعظمة يف قادتها وعىل رأسهم النجم العاملي يارس عرفات أو يف حركتها فقط ،وإمنا لعظمة هذا الشعب الذي رأى فيها السبيل للخالص فأسلس لها القيادة ،وهفا لها قلبه ،وال يعني ذلك تفاخرا أو تبخرتا أبدا فال عصمة وال قداسة وال مطلقية والصواب دائم يف العمل السيايس ،ألن أي انحراف يف فتح سيواجه بقوة من هذا الشعب –رمبا قبل أعضاء فتح -الذي وثق بها وجعلها عنوان فلسطني ،إلن الشعب الفلسطيني كام ظل يردد املرحوم أبوعامر يسبق قياداته دوما. 1.1فتح أخطأت لكنها أنجزت حركة فتح التي عملت وأخطأت وهي تجهد نفسها يف مراكمة االنتصارات منذ العام 1957حيث النشأة ومنذ العام 1965حيث الرصاصة األوىل التي أرعبت املنطقة الساكنة ،ألقت بانطالقة الثورة الفلسطينية حجرا يف مستنقع األحزاب امليتة مثل البعث والقوميني والشيوعيني واالخوان املسلمني وحزب التحرير ذات الشعارات الطبلية الطنانة والزمرية الرنانة ،التي ال تغني وال تسمن من جوع ،فكانت فتح أفضل من غريها الذي قعد عن القتال أو حتى مجرد التفكري به ،مستبدلني ذلك باتهامات للحركة مازالت متواصلة ،كام هو شأن اإلخوان املسلمني يف فلسطني (الذين أصبحوا حركة حامس منذ العام ،)1987وكام يقول مسؤول اإلخوان املسلمني يف قطاع غزة سابقا د .عبد الله أبو عزة يف كتابه (مع الحركة اإلسالمية يف الدول العربية ص ( :)163إن فتح أخطأت وهي 22
تبادر وتعمل ،وإذا كانت أخفقت يف الوصول إىل الهدف -تحرير كامل فلسطني -فقد حققت عددا من اإلنجازات تحسب لها بالتقدير والثناء وذلك من حيث القدرة عىل التنظيم ،والقدرة عىل التحرك وسط الظروف املعقدة ،كذلك يحتسب لفتح متكنها من تعبئة قوى الشعب الفلسطيني وإنشاء عديد من املؤسسات التي أعادت للشعب الفلسطيني إحساسه بذاته ،وفرضت قدرا من إحساس اآلخرين بهذه الذاتية الفلسطينية). 2.2فتح أفسحت املجلس فتح الدميقراطية مل تضيق املجلس بل أفسحته لغريها رغم أنه ظن نفسه بديال عنها وعن منظمة التحرير الفلسطينية فترصف بعد االنتخابات وفق ذلك ،فجاء ليكرس عقلية اإلقصاء واالنقالب واالتهام لآلخرين وتنزيه الذات يف خطابات احتفالية ألناس غري مؤهلني سياسيا ،بال مضمون سيايس وبتحريض عىل اآلخر وتحشيد األحقاد ضده. وكام أثبتت األحداث أمام كل من ألقي السمع وهو شهيد ،ونستعري من نقد إسالمي للحركات اإلسالموية الحزبية ما ينطبق عىل حركة حامس ما يقوله أحد الكتاب اإلسالميني الكبار غري املتحزبني ،حيث يقول الكاتب اإلسالمي عمر حسنه يف كتابه مراجعات يف الفكر والدعوة والحركة الصادر عن املعهد العاملي للفكر اإلسالمي عام ،1991ص ( :43 24-فقد ال نجايف الحقيقة كثريا إذا قلنا أن الكثري من مواقعنا –يقصد مواقع اإلسالمويني -يف مجال اإلعالم وغريه يحتلها أصحاب الوالء واالنتامء والتحزب ويف أحسن األحوال أهل الحامس ،ويفتقد فيها أهل االختصاص واألهلية ...يكرث فيها الخطباء ويغيب عنها الفقهاء.)... 3.3االعالم اإلسالموي يضيف عمر حسنة أن (الكثري من املؤسسات اإلعالمية التي ترفع 23
الشعار اإلسالمي ال تزال تفتقد الكوادر البرشية املسلمة املتخصصة املدربة ...كام أن خطابها يف معظمه ال يزال داخليا مل تستطع أن تصل به إىل مرحلة الخطاب العام والعاملي) ولكم أن تقارنوا ذلك مع إعالم وخطاب حركة حامس كمثال صاخب؟! ويضيف أيضا أنها مل تستطع أن (تحمل هموم الجامهري ،وتقدم لهم الرؤية اإلسالمية لحل مشكالتهم ،حيث استغرقت يف املايض ومشكالته)، وقال ص 46أنهم ميسكون عن (النقد والتقويم واملراجعة ألسباب واهية موهومة) ويقول ص 62منتقدا عقلية (التبعيض) اإلسالمية-كام يسميها هو -التي (متثل األحادية الضيقة التي تتوهم إنها اكتشفت الحقيقة املطلقة كلها ...فتتحزب لها وتنغلق عليها وتلغي حق غريها يف النظر، كام تحول دون االستفادة من جهود اآلخرين) ما (يورث الفشل واإلحباط ثم التخاذل الفكري والشلل الرتبوي واالنتحار الروحي والهروب إىل عوامل الوهم والخرافة )...هذا ما يتحفنا به منصف من املفكرين اإلسالميني ما يرثي رأينا الذي نعرضه لكم حول الخطاب السيايس لحامس اللهاث وراء السلطة وتدمري إرث فتح ،إرث فلسطني (دراسة بكر أبوبكر ،سامت الخطاب السيايس لحركة حامس )2006 ،فيامييل.
خامسا :خطاب املأزق
ملاذا نكرس التعرض لحركة حامس الحزب السيايس املغلق فكريا –لنقل يف تيار متنفذ فيها -يف حديثنا مبناسبة ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية وفتح؟ نقول ألن فتح صعود الفكرة وانتصار التنظيم الجامهريي تجلت من خالل الجامهري التي أظهرت التفافها حول الرشعية واألصل باالستنهاض املليوين يف ذكرى وفاة الخالد يارس عرفات بعد أن أزالت الخوف من عصابات البغض والقتل والتنويم املغناطييس من قلوبها ،فتكرست الحركة منهج حياة وفلسفة لكل الناس لذا وجب علينا ملحو أي تأثري سلبي 24
مستمر أن نبسط لهذه الجامهري -وخاصة الكتلة الحائرة فيها -أزموية حامس وتنظيمها وقادتها وخطابها يف تعبري دائم عن احرتامنا لهذه الجامهري من جهة ،ومن خالل إظهار توضيح أدوار اآلخرين التخريبية حيث تتكالب القوى العدوة واالقليمية واملحلية عىل فتح كام تتكالب األكلة عىل قصعتها. 1 .1حركة «حامس» باغتها الفوز فجاءها عىل حني غرة جعلها تقف فرحة ثم مشدوهة ثم عاجزة عن استيعاب ما حصل ومن ثم عن استيعاب رضورة التغيري للخطاب وفقا لتكاليف السلطة (((1 واستحقاقاتها. 2 .2ومل تستطع أن ترسم خطاً واضحاً بني موقفها كمعارضة يف السابق وبني تسلمها لزمام السلطة كحكومة فوقعت يف مجموعة من املآزق واألزمات استهانت بها يف البداية وقللت من أمرها يف إطار نشوة النرص والعنفوان املرافق لها ،ويف إطار اإلميان بأن الله معهم. 3 .3وحاولت التغطية عىل عجزها هذا بإلقاء املسؤولية عىل اآلخرين يف الداخل والخارج من خالل عقلية غيبية تستمطر اللعنات عىل املخالفني ،وتعد األنصار بالنرص ،وتطالب بدعم الحكومة واال فالتهديد والوعيد ،ألن الثابتني عىل دينهم ينرصهم الله ،والخونة أو الكفار هم الذين يحلمون أو يعملون عىل إسقاط الحكومة. 4 .4مل تستطع حركة حامس أن تخرج من نطاق الخطاب الحزيب الضيق إىل الخطاب الوطني إال ما ندر ،فألقت بضعفها يف حل املشاكل عىل الناس ،حني طالبتهم بالجوع وعدم الركوع وبدأت تجمع منهم -11من النقطة 1إىل 17وردت يف خالصة دراسة مطولة للكاتب تحت عنوان سامت الخطاب السيايس لحركة حامس ،وصدرت الدراسة قبل االنقالب الدموي لحامس يف غزة عام .2007
25
.5
.6 .7
.8
.9
األموال وملا سيرّ ت القوافل لتجمع من خزائن األمة وجدت مفاتيحها صدئة تفتح بصعوبة شديدة. 5بدا خطاب حامس حزبياً صميام يدافع عن متاسك الحركة التي أغوتها السلطة وبهرتها إىل درجة التمسك بها باألسنان والنواجذ، ورغبت من خاللها أن تحقق الرشعية الدستورية والسياسية بعد أن اعتقدت أنها حققت الرشعية القتالية وامليدانية عرب تصويرها للرأي العام أنها قامت بتحريرغزة. 6وسعت بالتايل للسيطرة عىل القرار ومحاولة تلقف منظمة التحرير الفلسطينية وترؤسها بقوة الدفع الناتجة عن حجم الفوز لها ،وحجم الكبوة التي وقعت بها فتح. 7لقد ظهر خطاب حامس قلقاً متوترا ً يف البداية ،لذلك لجأ لألوهام ولجأ للغيبيات ،ولجأت حامس إلنكار الواقع وابتعدت عن الرؤية السياسية التي تقدم الخبز للناس وتقدم الحل للمشكل االقتصادي واملايل. 8لقد حاولت حامس جاهدة –وهو ما يحسب لها إيجابا – الخروج من املآزق املتعددة التي وقعت فيها حيناً من خالل التحرك الخارجي املحموم ،وحيناً آخر من خالل محاولة تجنيد الشارع واملساجد فنجحت يف أمور وفشلت يف أخرى. 9ففي حني فشلت مسريات الفرح بالجوع ورفض الركوع فإنها حصلت يف املقابل عىل التفاف شعبي رغم سوء الحال إىل أن تصاعدت أصوات الجوعى بعد 4شهور حالكة لتغطي عىل أصوات االتهامات لهم بالغوغاء وتقر حقهم بالتظاهر ،وكام جاء يف وثيقة الوفاق الوطني املعدلة. 26
1010يف إطار محاولة حركة حامس البحث عن مخرج ،تخبطت كثريا ً ووقعت يف تناقض الصيحات العالية واملواقف والخطابات املغالية واملتناقضة ما كان بامتياز من حقوق حركة فتح فقط لتظهر حركة جديدة تتخطفها األضواء وتلعب بها الفضائيات فتقع يف املستنقع الذي وقع به سلفها التنظيم الذي اعترب نفسه العمود الفقري للثورة. 1111مل يفد حامس االستهانة بالرشعيات الثالثة :الوطنية عرب منظمة التحرير الفلسطينية والعربية عرب قرارات اإلجامع العريب والدولية عرب قرارات األمم املتحدة بل أساءت كثريا ً للعمل الوطني وعزلت نفسها والقضية والسلطة والشعب عن العامل الذي بدأ يتشدد يف التعامل مع الحكومة الفلسطينية التي مل تفدها جولة وزير الشؤون الخارجية يف فكفكة الحصار الخارجي. 1212إىل أن نجحت الحركة يف تجاوز أزمتها الداخلية التي تأججت مع صدور وثيقة األرسى وثيقة الوفاق الوطني باالعرتاف بالرشعيات الثالث يف املعدل من الوثيقة ما يحسب إيجابا لحركة حامس. 1313إن سوء إدارة األزمات كان من أهم األسباب التي جعلت حامس تعيش يف حرية وتخبط أدى بها الستخدام لغة الرتغيب والرتهيب لفظاً وعمالً ،لفظاً عرب الخطاب الناري وعمالً عرب القوة التنفيذية. 1414لقد فشل خطاب حامس يف استقطاب الجامهري غري املنظمة ،ونجح يف تحديد شكل املعسكرات من حولها ،ومن حول فتح ،ومن حول التنظيامت األخرى ،حتى تلك التي كان صوتها خافتاً مثل (حزب التحرير) و(السلفيني) ،ألن تصاعد حدة الخطاب الديني قد حفز التنظيامت الدينية األخرى الستغالل املساجد والدفاع عن وجودها كام فعلت حركة حامس يف استغالل املساجد. 27
1515يف محاولة إلظهار نفسها كقوة متصاعدة سعت حامس إلضعاف القوى األخرى وخاصة حركة فتح عرب الشكوى من الفساد وخلو الخزينة بأرقام متناقضة -رد عليها وزير املالية السابق( ((1مفندا كافة االدعاءات -وعرب االتهام بالفوىض ،ولكن مقدرة حركة فتح عىل مللمة بيتها قد حد من هذه املحاولة ووضعها يف سياق الخالف الذي يجب أن يتعامل مع الحجوم عىل حقيقتها يف اإلطار الوطني واإلقليمي والدويل. 1616ما يسجل نجاحاً لحركة حامس أيضاً أنها جذبت قطاعاً واسعاً من الشارع الفلسطيني والعريب خاصة وتزنّرت بدعم حركة األخوان املسلمني لها –باعتبارها إطار حركة اإلخوان املسلمني الفلسطينية – ما كان مؤثرا ً ،هذا النجاح الذي تساوق مع اإلميان بنظرية املؤامرة عىل (اإلسالميني) التي ما زالت تشكل أحد أشكال االستقطاب والتحليل السيايس يف الوعي العريب واإلسالمي وخاصة عند منارصي االخوان املسلمني -منذ عهد الرئيس املرصي الراحل جامل عبد النارص -الذين ال يفهمون سبب النكبات واألزمات إال مبنطق املؤامرة ،وكيف ال ونحن خري أمة (حزب) أخرجت للناس؟!. 1717يف الختام نقول أنه خريا ً فعلت حركة حامس حينام وافقت عىل وثيقة الوفاق الوطني املعدلة رغم ما قد تثريه بعض البنود فيها لدى فئة متشددة فيها ال ترى السياسة إال يف لون واحد هو لونها فقط ما قد ميزق النسيج الذي يبدو مرتابطا يف الحركة التي تقف... عىل مفرتق طرق صعب وبحاجة التخاذ قرارات حاسمة تجنبها االضمحالل أو التفتت.). -12هو ورئيس الوزراء السابق د .سالم فياض.
28
* االنقالب كحل للمأزق
أن الصورة بااليجابيات والسلبيات املذكورة يف دراستنا -املشار إىل نتائجها أعاله -عام ،2006رسعان ما تنقلب للون األحمر فقط بعد االنقالب الدموي العنيف لحركة حامس يف غزة ضد السلطة (شهريونيو)2007 الذي مل يسبق له مثيل يف تاريخ الثورات الفلسطينية منذ بداية القرن العرشين ،والذي جاء حال لالضمحالل أو التفتت وحال ملأزقها القيمي والفكري ورصاع السلطة فيها الداخيل والخارجي ،والذي جعل من كل ما تخوفنا من حدوثه وتوقعناه حقيقة واقعة غطت عىل عيون منفذيها فأدمت القلوب ،وغطت عىل عيون الحكامء فجعلوا من املتعصبني القتلة يقودونهم كاألنعام يف طريق رمبا ال يريدونه ولكن ال حول وال قوة لهم. ونجمل القول بأن: •حامس السياسة تخبط وزلل ،وفتح السياسة ثبات بال وجل. • فتح السياسة قمر منري :فكرة واضحة ،وثبات عىل املبادئ ،وحامس السياسة خيل بال رجلني :تخبط واستجداء للعدو وحرب عىل الشقيق. •حامس السياسة فوىض سالح وعدوان مستمر ،وفتح السياسة استقرار نسبي ورفض لرشوط العدو. •فتح السياسة رأي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ ،وحامس السياسة قول مقدس ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه كام يدعون. •فتح السياسة قادة إنسانيون من هذا الشعب املؤمن الصابر يصيبون ويخطئون ،وحامس السياسة قادة مالئكة ربانيون-يف كثري منهم- وأحيانا أنصاف أنبياء وصحابة-كام يدعون -ال يقولون إال حقا ،وما هو بالحق حيث يفتون مبا ال يفقهون ويدمرون ويجهلون. 29
•حامس التنظيم تكالب عىل الدنيا والسلطة والجاه ومتييز لألتباع، وفتح تنظيم صاعد شبعان ريان من الدنيا والسلطة ،وسعي حثيث إلرضاء الله ،ولتحقيق الثوابت ،ولخدمة الناس جميعا ...جميعا ،نعم جميعا دون متييز ودون استثناء.
سادسا :األجيال يف حركة فتح:
لو مر عىل تنظيم غري فتح من املشاكل واألزمات واملؤامرات التي مرت بها فتح النشطر إىل ألف قطعة أو لخبت ناره ،واندثر ،ولكن شعلة حركة فتح ذات الضياء ال تنطفئ واآلالف ينضمون يوميا ليعلنوا الوالء لله ولفلسطني عرب الوالء لفتح. ولو كان يف نيتنا التعرض ألزمات حركة فتح ومشاكلها ونقدها يف ذكرى االنطالقة العمالقة لفعلنا ،ألننا ال نخىش يف الحق لومة الئم وال نخىش النقد والنقد الذايت يف فتح ،كام ال نخاف املراجعة للمسرية ،واالعرتاف باألخطاء، تلك التي عندما تصدر عن اآلخرين تعد منهم مقدسات وأحاديث نبوية (((1 أو مسلكيات رشيفة ال يجوز املساس بها. 1.1املسرية املليونية الغزاوية لو كانت فتح حركة العقول املغلقة أو األيادي امللطخة بدم األخوة ملا كان لألجيال جميعا أن تشكل مسرية مليونية مل تشهد لها فلسطني واملنطقة مثيال يف غزة يف ذكرى وفاة الرمز والثائر والبطل والزعيم الخالد يارس عرفات. أن فتح األجيال تعنى التقدم براية واحدة ،وسبل متعددة يف داخل البناء ،وكام قال سبحانه وتعإىل يف سورة العنكبوت (والذين جاهدوا فينا -13يراجع كتابنا املعنون حركة فتح والتنظيم الذي نريد ،دار عناة للطباعة والنرش ،رام الله-فلسطني ،ط.2003 ،1
30
لنهدينهم سبلنا ،وأن الله ملع املحسنني) صدق الله العظيم. وفتح األجيال بذلك مساحة اتسعت وتتسع لآلراء فال تحارب وال قتال ،وال اتهام وال نصال ،ورغم مراحل الغيبوبة التي اصطدم فيها أبناء فتح داخل فتح وأحيانا عىل الفضائيات تحت ادعاءات أرادها اآلخرون لنا مبسمى رصاع األجيال .إال أن فتح استطاعت مللمة نفسها وتوحيد صوتها اآلن ،وبعث قوتها الكامنة يف شبابها مستفيدة من حكمة شيوخها وبنت أسس العمل التنظيمي عرب تداول السلطة بالدميقراطية التنظيمية يف كل الشعب واملناطق واألقاليم واملكاتب الحركية ومنظامت فتح ،وما انتخابات إقليم يطا والخليل وجنني وغزة ،واألقاليم املختلفة الجارية اآلن، إال البداية لالنتصار الدميقراطي يف الطريق إىل املؤمتر العام السادس. 2.2فتح والقدوة وقف املفكر الفتحوي العنيد عضو اللجنة املركزية يف حركتنا خالد الحسن يف يوم من عام 1975ليخطب يف مؤمتر نقايب عقد يف تونس، فتحدث وأجاد وقال وأعجز حتى ضجت القاعة بالتصفيق ليقف الرئيس التونيس الحبيب بورقيبة عىل ِق رَصه ويحتضن خالد الحسن (أبو السعيد) فارع الطول محاوال حمله قائال :لو كان عندي عرشة مثلك لوزنتهم بالذهب. ويف نفس السياق يقف املناضل مروان الربغويث رافعا يديه املكبلة بالحديد يف قاعة املحكمة صارخا مبلء الفم بعدم عدالة املحكمة وعدم أحقيتها يف محاكمته يف موقف صمود مشاركا فيه كل األرسى واملعتقلني الذين بغالبهم من حركة فتح. وهكذا تنتقل الراية من شهيد إىل أسري إىل كادر ،فتعرف فتح برجالها الصناديد وهم النامذج والقدوة للتنظيم والجامهري ،وكل منهم عىل العدو 31
(أعز من أنف األسد) ،وكل منهم يختلج قلبه بحب الوطن وعقله بالحرية وروحه باالنطالق الذي سريسم فلسطني لوحة لألجيال. 3.3يف كل خري ال الكبار ماتوا وال الصغار نسوا كام أراد (جون فوسرت داالس) وزير الخارجية األمرييك يف الخمسينات ،وأضحت بيضة الشعب الفلسطيني بفضل حركة فتح عصية عىل الكرس والتي تغنى بكرسها موشيه ديان وزير الحرب اإلرسائييل األسبق أثناء معركة الكرامة املجيدة. أن الجيل القديم ُمش ِعل الرشارة ،والجيل الجديد حامل املشاعل ويف كل خري ،ويف كل منا جديد وقديم ،وما الهنات واإلشكاالت يف جسد فتح إال رصاع يقوي الحوار أو هكذا نراه يكون دون إغفال للنقد الحثيث والحريات ،فتصطبغ الحركة بلون التعددية والدميقراطية الداخلية، فتنترص الفكرة ويصعد التنظيم الجامهريي ،ولكن مع التزام يجب أن نتعلمه ونتقنه يف التعبري خارج اإلطار فال حرية بال التزام ،وال التزام أعمى، وال دميقراطية للقلة ،وإمنا التشاركية بني األجيال تلك التي ال تعرتف بالسن وإمنا بالقدرة عىل بذل الجهد والتجدد ،عىل العطاء واإلبداع إرضاء لله تعاىل ،ويف خدمة القضية والشعب.
(انتهى)
32
كالم االنطالقة اجلديدة :حركة فتح (((1 واستثمار الذات مل يكن الخيار الذي اتخذته حركة فتح خيارا عبثيا ،ومل يكن خيارا للتميز يف سياق امتالء األنفاس بالشعارات الحارقة يف محيط محطم ،بل كان خيار فتح الفكري والعميل مرتبطا برؤية متيز بها املؤسسون ،ومرتبطا بتجربة مرة لهم أجمعني مع التنظيامت اإليديولوجية العقدية. أن القرار الفتحوي املستقل كان خيارا ارتبط منذ البداية بإميان املؤسسني بالحركية ورفضهم االنقياد للقوالب الجاهزة واألفكار املعلبة والنصوص «اإلنسانية املقدسة» ،وكان رغبة يف التعبري عن التمرد عىل الواقع القائم الذي كانت فيه رائحة السلبية والرتاجع والهزمية والنقد والردح رائحة تزكم األنوف. كان الخيار الفتحوي وعيا حقيقيا بالرابط النضايل القابل لشد كافة أجزاء الجسد بعضها ببعض ،وبذلك رفضوا الفكرنة (=األدلجة) ورفضوا أن يثقلوا ظهورهم بنظريات قد تبدو جملية عىل الورق إال أنها رسعان ما متزقها رياح الواقع وطني األرض. سادت يف األرض ماملك فكرية مغلقة هي مملكة الشيوعية الفكرية أو -14كتبت وألقيت مبناسبة االنطالقة للعام .2009
33
(االشرتاكية العلمية) ومملكة القومية «الشوفينية» ،ومملكة (اإلسالمويني) وكلها ذات سياق مغلق إقصاىئ لآلخر ،طوباوي وخيايل الحلم ال تؤمن بوجود التقاطعات مع اآلخر بل تجرمه وتتهمه وال تراه يستحق الوجود. وان وجدت مساحات ضئيلة للتفاعل مع األفكار املخالفة يف بعض كتابات مفكري أي من هذه املاملك الفكرية العقدية فإنها تضع ذاتها مقدمة عىل اآلخر أو مهيمنة عليه ،وال شك لديها بصدقية نظريتها املطلقة ،وقدرتها عىل تحقيق األهداف وكل ما عداها يليها أو يتبعها أو يجب أن تذوب يف إطارها وإال فالسجن واالعتقال أو االتهام بالكفر أو الرجعية أو املعاداة للقومية وأمال وطموحات األمة ويف التجارب الثالث علقت املشانق ومات واستشهد اآلالف يف وطننا العريب ،بل املاليني عىل مساحة العامل.
الوعي :إدراك وحرية وتمرد
لقد شكلت املاملك الفكرية الثالث يف الوعي العريب عقلية التعصب ال الحرية ،وعقلية االنقياد ال التمرد ،وعقلية االنفكاك عن اآلخر املخالف بالوعي أو الرؤية أو الفكرة ،لتأيت فتح وتكرس ثالثية (الحرية والتمرد والوعي النضايل) التي أمثرت فكر الوطنية الدميقراطي املرتبط باألداة النضالية وباالستقاللية وبالوحدة الوطنية. وها نحن أوالء اليوم نعود ثانية لذات الرصاع املحتدم بني مملكة (اإلسالمويني) عىل اختالف مشاربهم وعدم توحد كلمتهم وتباعد آرائهم من اليمن إىل اليسار أو من االعتدال (ومنه االعتدال املدعى) إىل التطرف (ومنه التطرف املفرتض) واحتكارهم لله والحقيقة معا ،ومملكة العلامنيني أيضا بتعدديتهم ومحاولتهم سحب البساط من تحت أرجل مخالفيهم بادعاء امتالكهم للحقيقة وقدرتهم عىل بناء املجتمع املدين لوحدهم 34
ليصطدموا بالليرباليني كام يقول املفكر د .فهمي جدعان يف كتابه الهام الخالص النهايئ. وما بني هؤالء وأولئك تربز فتح ثانية كفكرة ثاقبة قابلة للتقدم والتطور وهي إذ اختارت االبتعاد عن األدلجة فألنها تؤمن بحركية التاريخ واختالف حوادث الزمن وتغري املكونات العقلية للبرش لذلك كان من السهل عىل حركة فتح أن تتبنى الدميقراطية وتقلص من حجم املركزية فيها ،كام كان من السهل عليها ان تعترب الدميقراطية تكنولوجيا سياسية وفق مصطلح (د .فهمي جدعان) أو أداة فرز يف ذات الوقت الذي اعتربت فيه الدميقراطية ثقافة أيضا يجب أن ترتسخ كقيمة مجتمعية ،إذ ال يكفي أن يحكم الصندوق واألوراق وإمنا يجب أن تسود املجتمع ثقافة التنوع والتعدد وعدم اإلقصاء واالستبعاد ورجم اآلخرين بالغيب والشق عن قلوبهم وإميانهم وأفكارهم ،وتدمريهم ملجرد املخالفة بالرأي أو الفكرة أو الدين أو الطائفة ما هو مالزم ألصحاب املاملك الفكرية اإليديولوجية بطابعها االقصايئ والخيايل والرتايث أيضا ذاك الذي يفرتض امتالك الجنة يف اآلخرة والحقيقة يف الدنيا ،أو االثنتني معا يف الدنيا.
الديمقراطية سلوك وثقافة:
أن فتح التي آمنت بالدميقراطية سلوكاً وثقافة يف الثورة ويف التنظيم ويف املجتمع الفلسطيني تواجه اليوم تنظيامت ال تقر مثل هذا اإلميان يف عنارصها وأعضائها فهي تدعي االنقياد للدميقراطية وتعترب يف أدبياتها ويف تعبئتها لعنارصها أن الدميقراطية دين جديد لذا فهي ضد اإلسالم وبالتايل مرفوضة ،أو هي فقط للعلامنيني أو ال ينقع لها إال الليرباليني ،وكل هؤالء يف ضالل مبني ،فكام كانت الدميقراطية العربية أو اإلسالمية نتاج تاريخ عريب اإلسالمي شوروي فهي تطور من ثقافة القتل والصواب األوحد إىل ثقافة عمر بن الخطاب ذو الرأي املتغري املتطور واملتنور املرتبط بحاجات 35
الناس واملستند لثقافته العربية اإلسالمية. أن فكرة (الوطنية) الفتحوية ليست – ومل تكن– انقطاعا عن املحيط الذي تعيش فيه ،فالوطنية كتخصيص هي جزء من السياق العرويب، والوطنية كمفهوم هي جزء من الحضارة العربية اإلسالمية ،والوطنية كرتكيز هي حرص مجال الرصاع والنضال وتحديد أولويته بالقضية مثار السجال إال وهي قضيتنا الفلسطينية.
الوطنية كمفهوم وتخصيص وتركيز:
إذن الوطنية تخصيص ومفهوم وتركيز يف سياق أدوات نضال متعددة ومراحل متغريه .لذلك اختارت فتح الكفاح املسلح طريقا نضاليا ثم ألحقت به آليات وأدوات نضالية أخرى إعالمية وسياسية واجتامعية لتخلص يف إطار تحديد املراحل إىل استخدام التنوع النضايل وفق ما أبدعته االنتفاضة الجبارة واالنتفاضات الالحقة ثم املواجهات الشعبية الحالية: أن الوطنية من حيث هي مفهوم فإنها تشكل الغراء الذي يربط املناضلني ويركز فعلهم ،ويخصص أدوارهم ضمن دائرة الرصاع العربية- الصهيونية فال تعلو هامة قضية أخرى عىل هذه ،فهي ليست تخصصنا وليست أولويتنا فنحن ال نتحدث عن كل العرب وال نريد. ونحن كفتح ال نتحدث عن كل املسلمني أو املسيحيني وال نريد، فهذا ليس جزء من شخصيتنا أو فكرنا الوطني ،بينام تجد اآلخرين وهم غارقني يف املآيس يدعون متثيلهم لإلسالم أو املسلمني عامة ،ويتعاملون مع اآلخرين عىل ضعف عدتهم كإسالم وغرب كام فعل عىل سبيل املثال محمود الزهار يف اللقاء األمرييك يف زيورخ هذا العام (.)2009 إن التنظيامت اإليديولوجية ال تعرتف بالحدود كام الحال مع حزب البعث وحزب التحرير وحزب االخوان املسلمني والشيوعيني وغريهم، 36
وهي بذلك تحاول أن تلتقط حجرا كبريا فال تصيب وتبقى تراوح مكانها أو ترتاجع خاصة متى ما ركبت سيارة الحكم الذي ال تستطيع أن تستمر فيه إال بالدم واإلرهاب والتسلط القرسي دون ان تدرك أن لكل زمان دولة ورجال ،واأليام دول ،وان دول التجرب واالستبداد بالرضورة إىل بوار.
شيخوخة مركز العالم
يقول الكاتب عياد البطنيجي (أن الفكر صياغات عقلية نفسرّ من خالله الواقع ونحاول فهمة حيث أن الواقع يتغري ويتبدل) وعليه فان التنظيم أو القائد الذي ال يدرك التغيري يجمد عن حدود شعاراته وأفكاره املطلقة فيجد نفسه بعد سنوات خارج سياق التاريخ والناس لذلك فان (اإلسالمويني) والعلامنيني والشوفينني من القوميني أصحاب العقائد املطلقة االقصائية ال يدركون جدلية الزمان واملكان والحقيقة والتاريخ واملطلق والنسبي لذلك تفشل حينام تحكم أو تتحكم يف مفاصل األمور. أن مثل هذه التنظيامت (تنظر للاميض بأنه يجسد ما تدعيه من أطروحات وان املستقبل لهم هكذا بشكل اعتباطي وأن أهدافهم سوف تتحقق وان عىل إتباعهم الصرب ،وهكذا يتحولون إىل مركز العامل (؟؟!!) وان العامل يدور من حولهم) كام يقول البطنيجي فيكون مآلهم الفشل والزوال ألنهم يدخلون يف حقيقة األمر (طور الشيخوخة). ان املرشوع الوطني الفلسطيني الذي أسسته فتح مرشوع يرتبط بأحالم وآمال وحاجات الشعب ،كام يرتبط باألمة من حيث أن القضية الفلسطينية فعل جامع وإطار رافع ولغة توحيد ومدخل يشد أجزاء األمة ويحقق يف مرحلة ما شكل من أشكال الوحدة املنتظرة. إن الوطنية مرشوع فكرة وفعل تجسده عىل الواقع يعني اإلعالء من شان األمة بتجسيد طموحاتها عىل األرض فال تبقى محلقة يف السامء أو 37
تظهر فقط عرب ألسنة ال قلوب املصلني حينام يؤ ّمنون عىل كل ما يقوله خطيب الجمعة فقط.
عالمات طيبة
بعد املؤمتر السادس للحركة الذي أكد عىل الفهم والوعي الوطني وعىل الثوابت والتجدد ،ض ّخت يف النهر مياه جديدة ،وبرزت عالمات طيبة من التغيري يف داخل األطر من مثل اعتامد لغة الحوار أساسا لالتفاق ،والتخيل عن التحاور الذايت والرتاشق عرب الفضائيات ،واالستناد للنظام ومقررات املؤمتر والقرارات املتخذة أصوال ما تبدي يف مجموعة من الفعاليات الفتحوية التي نرغب يف املزيد منها مثل: •بناء جرس متني من التواصل عرب اللقاءات مع قيادات وكادرات األطر املختلفة. •اللقاءات مع قيادات وكوادر املنظامت الشعبية واملكاتب الحركية والتي منها من مل يعقد اجتامعا من سنوات طوال. •عقد ورشات إعالمية هامة ستؤسس لخطة علمية إعالمية خالل ستة شهور. •رعاية النقد الفتحوي داخل األطر ،ورفض األساليب السابقة يف النقد املفيض لإلساءة ألنفسنا عرب اإلعالم. •وحدة الخطاب واللغة التي ظهرت يف كثري من الندوات واملهرجانات الحاشدة. •تنظيم سلسلة من النشاطات واملهرجانات خاصة تلك التي حصلت بذكرى استشهاد الرئيس الخالد يارس عرفات رحمه الله ،والتي أكدت عىل االلتفاف حول فتح كام أظهرت قدرة الحركة عىل التفاعل مع الجامهري. 38
•القرار الحريك بالبدء فورا بتنظيم املجالس الحركية ،وغربلة العضوية، ووضع نظام لالشرتاكات املالية ،وإعادة ترتيب الصفوف يف املنظامت الشعبية ويف شبيبة فتح يف إطار وحدوي ميكنها أن تكون خالقة مبدعة تطري بجناحني :جناح اإلدارة الشبابية الفاعلة املرتكزة عىل البعد التحرري الفتحوي ،وعىل جناح الفكر الوطني الوحدوي غري االقصايئ املرتبط باملجتمع التعددي الدميقراطي الذي ينهل من نبع حضارتنا العربية اإلسالمية.
مسارات الكادر:
أن حركة فتح تنظيم ثوري سيايس يسعى للحرية واالستقالل والدولة كام يسعى لتكريس العدالة والتنمية والوحدة والتعددية يف إطار املجتمع املدين ،إنها تنظيم التكنولوجيا الدميقراطية والثقافة الدميقراطية الذي يرحب باآلخر وال يبتئس من املخالفني يف ظل تحريم التكفري واالتهام والتشهري واالنقالب ورائحة الدم التي أزكمت األنوف يف غزة عىل سبيل املثال. أن هذا التنظيم يحتاج منا أن نكون من اليوم فصاعدا فضاء حركته ووقود عمله ومياه نهره ومفاتيح التغيريفيه ،واقصد بنحن أنا وأنت أي الكادر أو العضو عموما صاحب الرغبة يف العمل والتغيري الذي يحتفظ بعقليته االيجابية ،وهذه العقلية ال تظهر بوضوح إال حيث امللامت تحيط بنا ،لذا فالكادر مدعو لعبور املسارات الخمسة التالية كام ييل: •أحب وطني :مسار املحبة للبيئة والعائلة واألصدقاء ،فلن اسمح ألحد أن يخطف مني قلبي ألي سبب. •أنا أفكر وأتامل :وكذلك أبحث وأقدر ،لذلك أنا حر فلن اسمح ألحد أن مينعني من التفكري والحوار بأن يحتل عقيل باسم القومية 39
الشوفينية أو الدين أو العشرية أو مطلق الصواب. •أنا مؤمن بالله :فلن اسمح ألحد أن يحتل روحي أبدا ،الن عالقتي مع الله ال تحتاج لوسيط (ونحن قرب إليه من حبل الوريد – ق،)16 وال يحق ألحد أن يحكم عىل حجم إمياين. •أنا واثق من نفيس :وأنا عامل ومنجز ،فلن اسمح ألحد أن ينتقص من شخصيتي ،أو يسئ يل ،فرغبتي-واراديت وعميل -يف خدمة بلدي وحركتي (فتح) وأهيل مام أترشف به طواعية بال مقابل. •أنا استطيع ألنني قادر :فلن اسمح ألحد أن يحد من قدرايت أو يح ّجمها ،فأنا قادر وأنا ايجايب وأنا متفاعل ،وأنا من يستطيع أن يبدع ويستكشف ،وان يج ّدد ويغيرّ يف ذاته ويف اآلخرين.
املهمات الخمس الرئيسة لحركة «فتح»
أن حركة فتح تحتاج يف سياق بنائها الداخيل إىل مهامت عدة منها خمسة مهامت نراها رئيسية تؤديها دون إهامل النقد وتواصله يف سياق اإلبداع والعمل وضمن األطر التنظيمية ال الفضائيات وامللتقيات واملواقع أبدا ،وهي: املهمة األوىل :رسم مساحات أوسع للخطاب املوحد وتضييق مساحات التباعد الداخلية ،وإعادة رص الصفوف يف نطاق الخطة الفتحوية العامة، ويف اإلطار السيايس الذي عرب عنه األخ الرئيس أبو مازن يف نقاطه الثامين، وتحركاته الدبلوماسية لرسم حدود الدولة القادمة ،وتحركه العاملي لحشد الدعم والتأييد. املهمة الثانية :لزوم توثيق االرتباط بالجامهري يف سياق خطة ال تستثني فئة وال تعلق العمل مع فئة ،بل تجعل حركة فتح يف امليدان -عرب كوادرنا يف األقاليم فام دون من األطر -قلوبا مفتوحة وأطرا داعمة واتصاالت ال 40
تنقطع مع هموم الناس اليومية أو الوطنية العامة. املهمة الثالثة :تحديد العالقات ورسم املسؤوليات وتوزيع األدوار داخل األطر عامة (اإلقليم /املنطقة /الشعبة بل والخلية ،ويف نطاق املكاتب الحركية )...ووفق النظام الداخيل أو ما يتسق معه ،حيث يلزم أن يكون لكل عضو مهمة أو تكليف أو دور ،وحيث يلزم أن يعرف كل عضو مسؤوله ليقدم له رؤيته وتقاريره. ويف مثل هذا التوزيع الهيكيل النظامي يكون لإلدارة الواعية املرتبطة بالخطة وباملتابعة شأنا أساسيا ،فاالنقطاع هو املرض اإلداري القاتل حيث تبقى املهامت دون متابعة أو ال تصل ملنتهاها من خالل معرفة ما تم انجازه عرب التقرير واملحاسبة واملساءلة التي تستدعي عنرص (االنتباه) من العضو والكادر والقائد يف عالقة تبادلية صاعدة ونازلة ليست يف اتجاه واحد فقط. املهمة الرابعة :رضورة استثامر الكوادر خارج األطر الحركية النظامية، عىل اعتبار أن كل عمل يقوم به العضو الحريك مبا فيه العمل الوظيفي هو عملية تنظيمية أو تكليف تنظيمي ميارس فيه فتحويته بالتنظري للحركة ال بالشتم أو النقد الخارجي لها وباالستقطاب وجذب الجامهري من حولها، وبوضع نفسه أمام املسؤولني خادما للحركة والشعب. واملهمة الخامسة :جني املحصول ،فالقدرة عىل تحويل املبادرات أو االنتصارات الفردية الجامعية الصغرية إىل مثرات ت ُجمع لتصب يف معرصة الحركة هي قدرة كبرية وليست سهلة ،فحيث خبا نجم أي فعل أو مبادرة أو انتصار تخرس الحركة ،وحيثام تم مراكمة كل ذلك تظهر الحركة قوية عمالقة بكافة هذه الجهود ،وأحسبنا يف حركة فتح نحتاج ألن نتعلم كيف نوزع األدوار دون االستئثار ،وألن نتعلم كيف نستثمر الكوادر دون إقصاء 41
أو اكتفاء مبا لدينا ،ونحتاج للمراكمة وجني املحصول وإبراز ذلك يف اإلعالم كمقدمة لصنع الصورة املرشقة والحقيقية للحركة( .سطرت للعام )2009
وانها لثورة حتى النرص
42
حتما سنجد ً حال مل تكتشفه بعد!
(((1
ها هناك عالقة بني التفاحة والدميقراطية وعمر بن الخطاب؟ هكذا افتتحت كلمتي يف املجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح ردا ً عىل تقرير اللجنة املركزية للحركة وتابعت أن من يقول ال جوابا عىل السؤال فهو يفكر بعقل منطقي الن العلوم تتعامل مع املعادالت والتجارب والنتائج املبدئية عىل فرضيات أو مسلامت تخترب وتضع حلوال ،وأما من يجيب عن السؤال نعم هناك عالقة فهو يفكر بعقل إبداعي وكل هذه املكرمة قدمتها تعليقا عىل عبارة جميلة جاءت يف سياق التقرير تقول (وحتام سنجد حال مل نكتشفه بعد)! إن التنظيم الذي يغلق باب اإلبداع واألمل واالكتشاف واملستقبل والخيال والصور هو تنظيم ذو منحنى هابط رمبا بعد صعود ،والتنظيم الذي ال يثق بقدرات أبنائه وك��وادره هو تنظيم عاجز ويعاين من الشيخوخة ،والتنظيم الذي يظن فيه قادته إنهم األهم واألوعى واألكمل وكل صيغ املبالغة للنعوت هو تنظيم عاجز وفاشل يف آن واحد ،وهكذا هي حركة فتح. تغريت صورة الحركة وتزحزحت عن تلك السلبية والقامئة التي سبقت
-15يف تحليل باملناسبة وضمن جلسات املجلس الثوري لحركة فتح عام 2010
43
مؤمتر فتح السادس ويعود الفضل يف ذلك إلرادة الفتحويني كافة ما أثبتوه من نزاهة وشفافية ورقابة عىل األداء أدت لتوحيد الخطاب الفتحوي كام أدت النتظام اجتامعات األطر بدءا من اللجنة املركزية حتى األقاليم عىل طريق املؤسسة ولكن هذا اليكفي. لقد تزحزحت الصورة قليال أي صورة فتح يف نظر الناس ،وما تزال بحاجة إىل غسيل وحسن إبراز ،وما تزال بحاجة لجهد منظم وإرادة فاعلة وعمل ملتزم ومتصل. كيف ينظر الناس للتنظيم السيايس؟ سؤال هام والتعاطي معه يعني بداية وضع األقدام عىل طريق تغيري الصورة بتحقيق األهداف .يقول العامل (اينشتاين) إن الصورة والخيال أقوى من املعرفة وهو العامل املنطقي واملبدع ،ونقول إن الجامهري ال يهمها الكالم املنمق أو التنظري أو (الحيك) العقالين بال روح الن الجامهري تعيش باالنتصارات وباالنجازات وتعيش أحيانا مبا متثله لها أهداف الحركة من قدرات عىل الحلم والخيال وإنعاش اآلمال ،تعيش الجامهري والكوادر بالقدوة والنموذج واألسوة كام تحرتم من يحرتمها ويتواصل معها وال يغلط لها القول (يقول الله تعإىل يف محكم التنزيل :فبام رحمة من الله لنت لهم ،ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم يف األمر ،فإذا عزمت فتوكل عىل الله ،إن الله يحب املتوكلني .آل عمران )159وتقوى العالقة مع الجامهري وتتأثر بالقائد متى المس فيها القلوب واألرواح واملشاعر واألحاسيس ومل يتعفف أو يتكرب عن تلبية احتياجاتها ومطالبها اليومية، لذلك فإننا يف حركة فتح ومع عظم القضية التي نتوىل زمامها ومع صعوبة (االستخالف) الذي نحمل عبئه ليس لنا أن ننفض أو نبتعد عن الجامهري وليس لنا أن نتربم أو ننزعج من الناس أبدأ فهم مادة الثورة ومادة الفعل ووقود النرص يف معركة التحرير. 44
إن حركة فتح تستطيع أن تستجمع قواها املرتكزة يف ذاتها واإلنسان والكادر وها هي تقرر استنهاض وبعث الفعل الحريك عرب إعادة النظر يف كافة الهياكل القامئة وفق قاعدة املتابعة واملحاسبة وها هي تضع خطاً فاصالً ومفهومها واضحا بني العضو املنتمي املنضبط امللتزم املوايل وبني العضو النصري وما قرار االشرتاكات املالية وضبط املهامت (النشاطات) يف األطر إال يف سياق بعث الدفء يف الجسد وتركيز الطاقة وتوجيهها يف مسار تحقيق األهداف الوطنية والتنظيمية. تقع التنظيامت يف كثري من املشاكل ،وترتكب الكادرات اآلثام واألخطاء ورمبا تنتهج نهجا مضلال وقد تقع يف ثغرات صغرية أو كبرية أثناء مسريتها مايجب أن نتلمسه ونحس به ونراه وال نسكت عليه ،قد ترتكب القيادات- وإمثها أعظم -والكوادر -واألعضاء األخطاء ،وقد ترسم عىل خد القمر قوسا معوجا يعطي النظرة السلبية لذات القمر فمن ثغرات األداء التنظيمي: أوال :سوء اإلدارة من حيث افتقاد التامسك الجامعي وانحدار العقلية الجمعية ،فتتعاظم األنا عىل حساب املجموع ،ويظهر القائد فوق مستوى الناس بل والكادر الذي يعمل معه وقد يظن بذاته االكتفاء أو إن الحياة أو الفعل ابتدأ معه فال ينصاع ألدبيات الحركة يف قواعد املسلكية التي تحث عىل التامسك والتوحد والعمل الجامعي إذ رسعان ما يجد نفسه يتعرث ويعادي زمالئه وال يحقق نتيجة. ثانيا :العمل العشوايئ املزاجي غري املستمر أو املتواصل أي العمل املوسمي أو املرتبط بهوى طارئ أو فكرة عجولة أو رغبة رسيعة أو نزوة إلثبات الذات ماال ينفع وال تثري انتباهاً وال يؤثر يف اآلخرين حتى لو حقق هذا العمل نتائج آنية فان توقفه أو اختالطه أو تبدالته الرسيعة ستحقق تراجعا بعد تقدم طفيف ماميس صورة وهيبة الحركة وسمعتها. 45
ثالثا :إن آفة التنظيامت السياسية عامة ويف العامل الثالث خاصة هو (اإلرادة) من افتقار التخطيط كعقلية وسلوك وافتقاد الخطة من ورق مكتوب ومتابعة تنفيذ ،فتجد من تخليط املراحل فال تدرك هل أنت يف (منطقة األمان) حيث ارتكاب األخطاء مسموح ولكن عىل الورق أي يف مرحلة التخطيط أم انك يف مرحلة التجهيز واإلعداد مبلء الفراغات يف الخطة باملكلفني وتوصيفات أعاملهم وتوقيتاتها أم انك يف مرحلة العد التنازيل حيث تتكاثف االتصاالت والرتتيبات أم انك يف مرحلة التنفيذ والتطبيق. إن افتقاد الخطة والتخطيط كمنهج تفكري ،أو خلطها باملراحل حرق للورق وبعرثة للجهد ما يعكس صورة سلبية ويجعل من الحركة تنجرف يف وحل الفشل. رابعا :أن تجد شخصا عاديا ال يدري ما يفعل أو عندما تسأله ما هي أهدافه يف الحياة ال يستطيع اإلجابة أو يتفاجأ بالسؤال فال تخرج من فمه الجمل والحروف ال يشكل ذلك مصيبة وإمنا املصيبة أن تجد قائدا ال يعرف ماذا يفعل ومسرية اإلحداث فال يرى موضع إقدامه وال يدرك حجم الجهد املطلوب ليحقق األهداف التي يجب أن يفكر بها ويضعها أمام عينه يوميا ليصبح واقعا ينعكس عىل التنظيم وعىل الصورة العامة. خامسا :إن تضارب املصالح بني أقطاب القيادة يف أي تنظيم سيايس تعني أن يويل القائد جل اهتاممه للسيارات واملرافقني واألبهة وصورته اإلعالمية ما رأينا ال جليا اثر النقالب يف غزة حيث الجوع للسلطة افرز قيادات تويل املظاهر أهمية عظمى فام بالك وهي مرتبطة بالقداسة والتشابكات املجدولة بني األشخاص والدين والطاعة التي تشد الناس من رقابهم قرسا ليقولوا ألمثال هؤالء سمعا وطاعة وكان األول أن يقال لهم، ولغريهم يف التنظيامت األخرى ومنها يف فتح السمعا وال طاعة فمحددات 46
االلتزام واالنضباط هي النظام والقدوة وقواعد السلكية واالنجاز. سادسا :قلام تجد قائدا بأخطائه رغم أن (خري الخطائني التوابون) وان اعرتف -وهؤالء قلة -فانك ال ترى تغيريا يف سلوكه -أقواله وأفعاله -وال ترى سعيا لتطوير الذات وتغيريا األساليب. إن تحميل املسؤولية للمستوى األدىن هو سمة القائد الذي ال يعرتف بأخطائه ،وال يرغب بان يغري يف ذاته وأساليبه وهو القائد (املتذايك) الذي يظن يف ذاته الكامل أو السمو عىل ما دونه. إن إلقاء اللوم عىل اآلخرين أو تحميلهم مسؤوليات الفشل أو العجز أو التكاسل أو الرتاجع هو عجز بحد ذاته وتخىل عن حقيقة املسؤولية التي يتحمل عباها القائد الذي يجب أن يكون قادرا عىل صنع الرؤية والخط السيايس الن هذه هي سمة قادة الرأي ومحريك الجامهري. سابعا :إن الوحدة الداخلية والتالؤم والتوافق عىل السياسات ودعم الخط السيايس العام سمة من سامت التنظيم الفاعل ،ونحن يف حركة فتح إذ نؤكد عىل سياسات الرئيس أبو مازن ونقدرها ونراها املعرب عن قرارات املؤمتر واللجنة املركزية واملجلس الثوري فإننا ال نقبل ما يعارضها من أطر الحركة أو قياداتها لكل يف إطاره فقط ،حيث إن التوحد حول الخط العام والسياسات الحركية مرعاه للتقدم وإعطاء صورة ايجابيه عن الحركة (وحتام سنجد حال مل نكتشفه بعد). إن السقوط املروع أو الفشل يدفن االنجازات مام ال تقبله حركة فتح ،وكام قال الرئيس أبو مازن يف اجتامع املجلس الثوري لذا فان (درهم وقاية خري من قنطار عالج) كام يقولون ما ميكن أن تتجنبه بالنظر يف الثغرات السبعة التي أوردناها والتي تحتاج يف كل تنظيم كام تحتاج يف حركة فتح إىل ورشة تخطيط اسرتاتيجي تضم أعضاء اللجنة املركزية 47
واملجلس الثوري وكوادر متقدمه حتى تستطيع أن تحقق مشاركه يف رسم السياسات للحركة والسلطة والقضية وتحقق التزاما أوسع يف العالقة بني القيادة والكوادر والجامهري.
48
يف ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية: (((1 فتح تنتصر بالعمل واجلماهري عندما كان يارس عرفات يضع رأسه بني يديه كان يستقبل يف رأسه هموم فلسطني واألمة جمعاء ،فلم يكن ليفصل بني القضية الفلسطينية وان أعطاها األولوية دوما -وبني األمة العربية واإلسالمية وجامهريها.ولطاملا ردد القائد العرويب اإلسالمي الفتحوي خالد الحسن أن القاطرة الفلسطينية ال تسري بدون القطار العريب مكرسا العمق الحضاري للثورة الفلسطينية وحركة فتح. أما الشهيد الصارم والكلمة املدفع صالح خلف فانه ومن أعامق قلبه كان ينشد لألمة ويسابق الريح لتسمع كلامته من الشام لبغداد ومن مين لتطوان حيث تتموضع فلسطني دامئا يف قلوب الجامهري ،وهذا هو ديدن حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح.
فتح «الحركة»
انطلقت فتح (حركة) حيث يجتمع بني جنباتها التيار العام للشعب بكافة فئاته ،الذي ينزع كل أرديه التحزب البغيضة واإليديولوجية الحرصية ليتكرس لخدمة الشعب وقضيته ،ليتكرس لفلسطني ال لخدمة -16يف ذكرى انطالقة للثورة الفلسطينية للعام .2011
49
الفكرة الواسعة املمتدة والخيالية يف آن (دكتاتورية الربوليتاريا ،انتصار الطبقة العاملة ،قيام الخالفة اإلسالمية ،تحقيق الوحدة العربية الفورية)... وهي حركة وليست حزبا (ايديولوجيا) كام هو حالة منظمة «حامس» أو منظامت اليسار ،وان مل تكن الحزبية يوما عيبا فان التعصب نشأ يف العرص الحديث يف اإلطار الحزيب (غري الدميقراطي) حيث تصارعت األفكار الثالثة الكربى يف بداية القرن العرشين وهي االشرتاكية والقومية والدينية ففشلت جميعها ألنها تعارضت دون رغبة بااللتقاء ،وتصارعت يف ظن شبه أكيد أنها مكتملة بذاتها فقط ،ما بدا ومع الصعود العريب الحديث انها أخطأت من حيث ظنت (الحرصية) و(الحصانة) واالكتفاء الذايت و(الشمولية) وها هي هذه األفكار تعود اليوم يف عباءة جديدة حيث فارقت جميعها الظنون وتدثرت بعباءة الدميقراطية والتعددية واملدنية التي رفضتها تلك األحزاب جميعا فيام سبق تحت نظريات دكتاتورية الربوليتاريا أو املستبد العادل أو الخالفة أو الحزب القائد أو حزب القائد. وتكشف لألمة وللمتنورين يف هذه األحزاب مدى محدودية الفكر عامة مهام كان منبعه ،كام ظهر لها الحاجة امللحاحة لكل فكر اوفكرانية (=إيديولوجية) أن تأخذ من األخرى يف إطار منفتح وسياق متصل ورغبة يف التطور واإلثراء.
فلسطني جامعة النقائض
منذ البداية وحتى اليوم وحركة فتح ال تجمد وال تتحيز وال تقيص وال تغتاظ من نجاحات اآلخرين ،بل كانت مرحابة دوما منفتحة أبدا بحيث أنها احتملت يف داخلها النقائص تلك التي عاشت متحاورة ومتجاورة، متحاربة حينا ومتصالحة حينا يحدها من الجهات الستة قضية فلسطني. 50
فحيثام اختلفت وصعدت أو حطت رحالها كان الجامع لنقائص أو تيارات أو اجتهادات حركة فتح هو فلسطني ،وليس كأولئك الذين وضعوا فلسطني عىل هامش مرشوعهم األكرب أو الشمويل فأصبحت ثانوية ال أساسية وفرع ال أصل. فتح الحركة حيوية ودميومة ،أصالة وتغري دائم ،وفتح الفكرة والخلق والسلوك كانت تنهض من عبق الشارع واغرتاف املعاين الصاعدة من نهر الحضارة العربية اإلسالمية وباإلسهامات املسيحية الرشقية ،وباالنفتاح عىل الفكر والحضارة والثقافة اإلنسانية عامة وهي بذلك أبرزت مفهوم (الوطنية) يف السياق املحيط.
تختص وتر ّكز وتك ّرس
إن فتح حركة (وطنية) من حيث أنها (تختص) ومن حيث أنها (تركّز) ومن حيث أنها (تضع األولوية) ،انها ليست حركة اقليمية وامنا قطرية وطنية يف الفضاء العريب كام استلهمت ذلك اليوم كل الثورات العربية، ففي حني عمم اآلخرون فكرهم ورشقوه أو غربوه ،وحملوه ما ال يحتمل أو انقصوه ،فان حركة فتح اختصت بفلسطني حيث هي الهدف أوال وما سواها من القضايا عىل أهميته يليها ويغذيها. فال قضية أفغانستان أو البوسنة أو العراق أو ...من القضايا تتقدم عىل فلسطني وان كانت التهمل يف اإلطار الفتحوي العرويب والثوري العاملي حينام يضع يارس عرفات رأسه بني يديه ،ولكنها قضايا عىل أهميتها تأيت يف سياق خدمة (الوطنية الفلسطينية) ذات األولوية من جهة ومجال االختصاص الفلسطيني من جهة ثانية. كانت حركة فتح حركة وطنية ألنها (كرست) و(ركّزت) و(أضاءت) بشكل أساس عىل فلسطني من كافة الجوانب ،وهل كان املطلوب من أي 51
تنظيم فلسطيني أن يرصخ قائال غري فلسطني؟ وهو (الفلسطيني)؟ وهل كان عىل الفلسطيني أن يحمل أعباء الثوار يف العامل يف نفس امليزان مع فلسطني؟! ومبعنى آخر أمل يكن األجدر بكل صاحب قضية ان يكرس ويركز ويضئ عىل قضيته أوال قبل ان يضع يف جعبته قضايا العامل معا؟! وهذا ما فعلته حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح. ويف سياق وطنية الحركة دافعت طويال عن استقالليتها وحاربتها أنظمة وجهات عدة خرست تلك األنظمة وفازت فتح االستقاللية يف عمقها الوطني وامتدادها يف محيطها الشاسع.
تحرير فلسطني محور الفكرة
فتح الحركة الوطنية الفلسطينية كفكر هي حركة تحرر مبعنى أن شغلها الشاغل كهدف وفكرة محورية محركة للفعل هو التحرير ،وتحديدا تحرير فلسطني من االحتالل الصهيوين ويف ذلك فليتنافس املتنافسون، دولة مستقلة ثم دولة دميقراطية مدنية عىل كامل الرتاب الفلسطيني. إن التحرير الوطني أو القومي هو كفاح للتخلص من العبودية للمستعمر واحتالل األرض واإلنسان ،ويف هذا السياق اقتدت الثورة الفلسطينية وحركة فتح بتجارب الشعوب حتى اكتشفت طريقها الخاص. فمن حيث هي اقتدت بالثورة الجزائرية والصينية والفيتنامية والروسية والكورية والكوبية يف حرب الشعب طويلة األمد أو النفس وجدت يف مراحل متقدمة واثر نضاالت بطولية تحسب ملصلحة فلسطني وفتح ،وجدت أن املسار النضايل التونيس قابل للتأيس ،كام وجدت يف تجارب الثورات األخرى مثل تجربة جنوب افريقيا إمكانية لالستفادة منها واالحتذاء ببعض جوانبها إىل أن اكتشفت متيز تجربتها ونضالها وقدرتها الذاتية عىل االبداع التجدد. 52
أصلت الكيانية للشعب الفلسطيني تلك التي ان حركة فتح التحرير ّ حاول الكثريون اسقاطها أو هدمها ابتداء من العدو الصهيوين الذي ما زال ينكر هذه الكيانية والشعب وقيام الدولة ،إىل هذا النظام أو ذاك، اال ان فتح أركبتها مركب الصعود يف عربة منظمة التحرير الفلسطينية، التي قامت ونامت وقويت وضعفت ،ولكنها حتى يف ظل السلطة الوطنية الفلسطينية ،ويف ظل نزاعات عكست نفسها علينا ومن خالل التنظيامت بقيت هي الدار وهي الحامي وهي مقر الكيانية للفلسطينيني يف الداخل والخارج.
الفتحاويون أبناء عمر
إن فتح كحركة تحرر وطني ،فعل نضايل متصل ومخالطة وتواصل وتفاعل مع الناس ،وقدرة عىل العطاء ال تنضب ،وسعي للعمل كقيمة وصدق مرصود بحيث أن أبناء حركة فتح يعدون بحق أحفاد عمر بن الخطاب ،حيث انه يؤثر عن عمر ابن الخطاب ريض الله عنه أنه شهد عنده أحدهم شهادة يف شخص فرفضها عمر ألنه اعترب الرجل ال يعرفه استنادا لقواعد املعرفة املمثلة بالصدق واملخالطة واملعاملة حيث قال عمر (فهل كانت بينك وبينه معاملة ،قال :ال ،فهل ائتمنته عىل يشء ،قال: ال ،فأنت الذي ال علم لك به ،أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه يف املسجد)... وقال يف موضع آخر (ال تنظروا إىل صيام أحد وال صالته ،ولكن انظروا إىل صدق حديثه إذا ح ّدث وأمانته إذا أئتمن ،وورعه إذا أشفى)(.((1
ثالثية صعود الحركة
فتح حركة الوطنية الفلسطينية الصادقة صعدت بعوامل ثالثة أولها: أنها جاءت من آالم وآمال الشعب ،وتواصلت بذلك فجعلت من التحامها -17أشفى أي أرشف عىل يشء ،وظهر ،وال يكون ظهور الورع اال باملعاملة.
53
واعتامدها والتصاقها وتعليمها وتعلمها من الجامهري أحد أهم أسس انطالقتها ودميومتها ،فال تكاد ترى فواصل أو فروقات أو أبواب موصددة بني قياداتها السياسية والتنظيمية وامليدانية والناس ،فهم منهم وبهم. وثانيها أنها رفعت شعارات الجامهري بالتحرر والعودة والكفاح الوطني ومارست ذلك قيادة للجامهري أمامها ومعها فقدمت آالف الشهداء يف سبيل الله ويف سبيل فلسطني بال حساب ،يف الوقت الذي اعتربت فيه بعض تنظيامت االستكانة والهزمية والنكوص أن شهداء الثورة الفلسطينية وحركة فتح (فطيس). أو أنهم ميوتون كفارا أو غري ذلك من التهم القبيحة والتي ما زالت ينصبون أنفسهم أوصياء تعشعش يف رؤوس أمثال هؤالء حتى اليوم ممن ّ عىل دين الله أو عىل القومية أو عىل الوطنية أو عىل املقاومة يف عملية تباعد عن الناس وتالقي مع أحالمهم وعجزهم وفتاواهم التي ستلقى بهم يف نار جهنم بعد أن يكشفهم الناس وينبذوهم يف العراء.
القيادة يف املقدمة
وثالثها أنها تنظيم الصدق ،فلم يكن لكوادرها أو قياداتها أن تراوغ أو تداور مع الناس ،فحيث أشعلت نار الكفاح املسلح كانت قيادة وكوادر يف املقدمة وحيث اختارت طريق االنتفاضة حملت معها كل الفئات وشاركت فيها كل األطر ،وحيث اعتمدت الكفاح الشعبي واملقاومة الجامهريية مارستها بأشكالها السياسية واالعالمية وامليدانية ،فلم تلتبس عليها الوسيلة بل اختارتها بقدرة التحليل للمحيط ورصد املتغريات وبقدرة الفرز للمعسكرات املعادية واملراوغة والصديقة ،وبوعي القادم وسارت خلفها الركبان من كافة التنظيامت وآخرها حامس التي رمبا استوعبت مصداقية 54
فتح يف خياراتها وتعاملها مع جامهريها ،وقدرة أهدافها عىل عكس نفسها من اآلخرين وعليهم.
ما شئت ال ما شاءت األقدار؟!
اعتاد البعض أن يكون الكالم عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح مبنطق السلب ،حيث اعتادوا سعة صدر القيادة الفتحوية إىل حد التسيب ،وتعلموا الدميقراطية عىل ظهر حركة فتح الذي ألهبوه بالسياط، وتنسموا نسائم الحرية يف أروقة مكاتب الحركة ،وبساتينها ،وحاوروا وناوروا وجادلوا وعارضوا وصارعوا يف مواجهة فتح ،إال أنهم جلسوا مقيدي األيدي والفكر حينام يتعلق األمر بأحزاب شمولية أو أنظمة شمولية (األفكار الشيوعية واإلسالموية الحرصية ،والقومية -الشوفينية) وكأن الدميقراطية والحرية والتعددية وإمكانية النقد تقف فقط عند عتبة باب اللجنة املركزية لحركة فتح ،وتنأى عن تلك النظم واألحزاب االستبدادية حيث تستبدل النغمة العالية مبدائح تشبه مديح ذاك الشاعر املتزلّف ابن هانئ األندليس الذي وقف يقول للمعز لدين الله الفاطمي: فاحكم فأنت الواحد القهار ما شئت ال ما شاءت األقدار وكأمنا أن��ص��ارك األنصار وكأمنا أن��ت النبي محمد يف كتبها األحبار واألخبار أنت الذي كانت تبرشنا به أو قول أبو الحسن بن جبلة الشاعر: وتنقل الدهر من حال إىل حال أنت الذي تنزل األيام منزلها أال قضيت ب���أرزاق وآج��ال وما مددت مدى طرف إىل أحد وهذا هو الحال هذه األيام بني منتقد لطبائع الحرية والدميقراطية والتعددية ومتوقف عند حد املديح لرذائل حزبه أو فكره االقصايئ أو نظام االستبداد الذي يتعلق به. 55
فتح تهزم التفكك وتزعج املنافسني
اعتادوا تعداد سلبيات فتح ،إما طعنا أو حسدا أو رغبة يف التدمري الرغبة يف اإلصالح والتطوير لتنظيم تكالبت عليه األكلة (كام تتكالب عىل قصعتها) ،ولكنه ظل عفيّا يناطح السحاب قوة ،مل يستطيعوا حتى اآلن أن يفكوا رموز قوته حتى باستخدام الرياضيات الحديثة أو معادلة (أنيشتني) يف النظرية النسبية. استطاعت حركتنا حركة فتح أن تهزم التفكك والرصاعات ،كام هزمت الشدائد والرزايا ،وخاضت املعركة تلو املعركة تلك العسكرية منها أو السياسية أو اإلعالمية أو الجامهريية فتخطت أزماتها ،ومنها أزمة االنشقاق الكبري عام ،1983وأزمة االنقالب الدموي يف غزة عام 2007وأزمات العالقات العدائية التي نصبت فيها األنظمة االستبدادية املدفعيات والراجامت والبنادق لتدق عنق الثورة أو تشوه جسدها كام فعل نظام القذايف أو نظام حافظ األسد طوال أكرث من 30عاما ،ولكنها عفت وسامحت وتجاوزت وتخطت وخرجت من كل مآسيها يف حروب املخيامت يف لبنان ومن االنتفاضات أكرث قوة وقدرة ومحبة أزعجت املنافسني وأ ّرقتهم وجعلتهم و َمن وراءهم يداومون عىل رضبها وتشويهها بال جدوى ومن حيث فشلوا فشل معهم االحتالل الصهيوين.
فتح الرحابة والدولة املدنية
وألنها حركة فتح أي الرحابة والسعة والفضاء الواسع مل تضق يوما ذرعا مبعارض ،ومل توجه له سكينا أو بندقية كام فعل متطرفو حامس يف انقالب غزة عام ،2007وكام فعل قبلهم أتباع (ابن هانئ االندليس) مداحي نظام االستبداد والجور والظلم الذين دكوا حجارة طرابلس عام 1993عىل رؤوس الفلسطينيني ،واكملوا كشف عوراتهم عرب حروب 56
املخيامت الطويلة يف لبنان. ان فتح الرحابة والسعة والفضاء الواسع تتغاىض وتسامح وتفتح الصدر مبودة ومحبة متاما كام فعلت مع االنقالبيني يف غزة ،حيث يجب أن تقف بصالبة ضد القتلة ورضورة محاسبتهم ،وضد االنفراد واالنتخابات ملرة واحدة عرب تكريس الدميقراطية والتعددية برصامة ،وان تقف ضد من يتوهمون ويحلمون أو تخنقهم روائح األدخنة يف الغرف املغلقة حينام يحلّقون فكريا دون وعي أو فهم أو تجربة أو تفاعل مع الناس ،فال يحاربون من اجل حريتهم وكرامتهم وحقهم يف الحياة والتفكري والتعبري يف ظل الدولة املدينة التي قد تحتاج منا لعرشات السنني ليستطيع الناس جميعا أن يدركوا أنها مستقبلهم يف ظل االحتالل أو حني زوال االحتالل فال نستبدل احتالل األرض والهواء باحتالل العقل والرئتني.
ثغرات يف املسرية
آن لنا أن نفرد صفحات لبعض الثغرات يف مسرية حركة فتح املتجددة بعد انطالقتها الجديدة مع املؤمتر السادس عام 2009والتي منها. بطء التغري :وحيث أن التغيري قد حدث يف األفكار والسياسات والربامج والشخوص ،فلم يكن لفتح إال أن تضع كل ذلك يف مسار الفعل ،وهي وان أحدثت تغيريا «محدودا» يف األطر ،وعميقا يف الفكرة وامليدان (اعتربت العمل معيار االنتامء ،وفرضت االشرتاك املايل ،وقامت باالنخراط الشعبي والتواصل التنظيمي ،)...إال أن هذا التغيري سار وما زال ببطء مل يطبع بصامته عىل جسد الكادر ويف قلبه. ومل يكن للتثقيف أو التعبئة الداخلية أو التدريب أو املتابعة أو التخطيط حد مقبول يف اإلطار الصاعد والنازل رأسيا وكذلك أفقيا ،وهو وان بدا واضحا يف بعض خاليا التفكري ولجان املساندة وعدد من املفوضيات 57
ومجموعة من األقاليم التي نعتز بتطورها ،إال أن هذه التغيرّ ات مل تصبح حتى اآلن سمة أو طابع أو لغة مشرتكة أو بصمة أو عالمة مسجلة لحركة فتح حتى اآلن. خوف من املستقبل :يتل ّبس بعض الكوادر يف الحركة رداء التشيك الدائم ضمن قلة الحيلة والسلبية ويتلبس اآلخرون خوف من املجهول ومن القادم ومن املستقبل ،وهم إذ يرون متغريات داخلية ولدى االحتالل، ويف املحيط العريب تصطك ركبهم كام ركب أولئك يف حامس من القادم، فهؤالء يخشون التاليش كام يخشاه أولئك ،والطرفان ميثالن شخصيات مليئة بالثغرات أو الحذر املبالغ ،وعدم الرغبة يف التقدم. إن كان الخوف رضورة فانه يجب أن يكون حافزا ودافعا ومحرضا عىل الفعل ال عىل القعود ونكران الفعل ،وإلقاء كل يشء يف وجه القدر. إن اآللة تدور برتوسها جميعا ،و(االوركسرتا) ال تصدر اللحن الشجي إال بتناغم كامل عنارصها ،فلكل فرد أو عضو دوره يف مسار الفعل الجامعي ولكل موقعه ولكل عمله الذي يعرف به حيث يقول عيل بن أيب طالب ريض الله عنه (وقيمة املرء ما قد كان يحسنه ،والجاهلون ألهل العلم أعداء). التشاؤم والسوداوية :إن من ابرز عيوب (القلة) يف جسد فتح هي نظرة التشاؤم الدامئة والسواد الحالك الذي يحيط عيونهم وعقولهم، فاملايض جميل والحارض يسء واملستقبل مخيف ،ومبثل هؤالء تتقهقر الحركة ومبثل هؤالء ينطفيء لظاها وتخبو نار مشعلها ،امليضء حتى تحرير فلسطني وعودة الالجئني وتحقيق الدولة الدميقراطية املدينة. إن فكر (النعي) والتذمر الدائم والشكوى هو سم قاتل يف جسد أي تنظيم خاصة إن ارتبط بالقعود والتثبيط للذات واآلخرين ،حينها يتحول 58
النشاط إىل تخريب مقصود ومتعمد. إن الفكر االيجايب ال يربز إال يف املحيط السلبي ،وإال فان االيجابية يف املحيط االيجايب ال تعد فضيلة ،بل الفضيلة بالتفكري االيجايب الذي ينتزع ذاته من بني أنياب السواد والجو املحبط ،وهنا يظهر الشجعان حيث يقول الشاعر جرير :قل للجبان إذا تأخر رسجه /هل أنت من رشك املنية ناجي؟
النقد الفضائحي
يف حركة فتح تعلمنا أن ننظر بالعينني االثنتني فتعلمنا النقد ،ولكننا معه تعلمنا أن نأخذ بيدنا اليمنى زمام أمرنا فنعمل ثم نعمل ثم نعمل ،ألن العمل يف فتح لخدمة القضية والناس والتنظيم ما ميثل فضيلة حركة فتح، وهي-أي الحركة -إذ تضع الله سبحانه وتعإىل نصب العينني ،فانها ترى يف الناس مفتاح الحل ومربر الوجود وهدف الفعل ألن تحرير فلسطني تحرر للجامهري ،ودحر االحتالل ملصلحة الناس ،وإعالء قيمة الفرد وخدمته يف شؤونه الصحية واالقتصادية واالجتامعية الصغرية والكبرية واجب. يف فتح تعلمنا النقد ومل نرتك العمل ،فلم يكن النقد ملجرد تعداد السلبيات أو التنفيس أو التشفي أو داللة الكراهية ،وإمنا بغرض تصفية النفوس وبطرح أفكار اإلصالح وبالقيام بأعامل تنايف ما تم النقد عليه، وحافزا للتقويم ودافعا للعمل ،ال كام نرى اليوم أشباه مثقفني أو بضعة أشخاص يعتلون املنابر فقط للذم املرذول والشتم غري املقبول أو الشكوى املذلة أو الشتم امللفوظ أو االتهام غري املغفور ،أو تلقط سقطات اآلخرين فقط كمربر للنكوص أو الرتاجع أو السكون أو التدمري وعدم العمل، وأظنني أجد مثل هذه النوعيات قلّت أو كرثت عىل امتداد الهرم القيادي من أسفل إىل أعىل أو العكس ويف كافة التنظيامت. 59
•ضعف التواصل :ميكننا القول أن الثورة التونسية أو املرصية الحديثة انترصت بإرادة الشباب وتصميمهم ويف ذلك الكثري من الحقيقة، وان وضعنا عامل القدرة والتخطيط ووضوح الهدف نكون اقرتابنا من الواقع ،وان قلنا أن االلتزام كان محركا ،والفعل والجهد املبذول بدأب كان ميثل العامل الرابع فأننا ال ميكن ان نغفل ابدا ان العامل الخامس هنا هو حسن التواصل أو حسن استخدام الوسيلة. إن التواصل يف حركة فتح عىل إقراري بوجوده فهو ضعيف نسبيا، وعىل أهميته فهو يحتاج لجهد فكري وإداري رفيع يلزم املسؤول األول أن يكون راعيا لرعيته كام يقول الرسول األعظم صىل الله عليه وسلم، ويكون يف نهاره كام ليله ال يشغل فكره إال خدمة شعبه ووطنه وحسن استخدام الوسيلة من متابعة واجتامعات دورية واتصاالت هاتفية وشابكة (االنرتنت) وعرب مواقع التواصل االجتامعي ،وعرب التقرير الدوري ومن خالل االلتحام اليومي الذي يستشعر فيه الفرد واملواطن العادي أن ابن فتح يف موقعه القيادي امليداين أو موقعه الوسيط أو املتقدم هو جزء ال يتجزأ من جسده وروحه ودمه. ان حركة فتح بحاجة أكرب للنظر يف عيون الكوادر والتفاعل مع ما يشغل فكرها ،وتصوير ما يعتمل يف قلبها وتجنيد أرواحها لنتقدم وننترص. •نقص الثقافة والتثقيف :قلت يف أكرث من محفل أن املثقف يحتاج ليكون كذلك ألن يعرب عن بيئته ،ولكل بيئة وفئة ومجتمع ثقافتها، وليك يتميز الكادر يف فتح فال مناص من الصعود ملنصة الثقافة عرب مركب القراءة ،فمن ال يقرأ ال يتجدد كمن ال يستحم اذ ترتاكم عىل املقل أو املفارق للكتاب الورقي أو االلكرتوين جسده األوساخ ،كذلك ّ حديثا حيث يرتاكم عىل فكرة الصدأ من كل جانب ما ال يجلوه إال القراءة ومن ال يقرأ ال يكتب. 60
إن التثقيف يف الحركة حصانة والتثقيف يف الحركة قوة للشخصية والتثقيف يف الحركة ثقة مبا نقول ونعمل فان مل اس َع للتحصني واكتساب القوة والثقة من خالل التفاعل مع ثقافة الجمهور ،وعرب الكتاب ومن خالل املامرسة فمن أين سأكون قيمة يف التنظيم؟! ومن اين سأختط لنفيس مسلكا مميزا وكيف سأمتاثل مع أقراين يف آلية العمل بروح الفريق؟ ان التعبئة والتثقيف الداخيل يف الحركة ليست مهمة لجنة التدريب فقط وإمنا هي مهمة كل عضو نحو ذاته أوال ،فالنهر موجود والرشبة ال تحتاج إال ملن يغرتفها ،وهي مهمة اإلطار (خلية ،شعبة ،منطقة ،إقليم) وكذلك يف املكاتب الحركية ،فحيث نهمل الفكرة وقيمتها واألخالق وانعكاسها يف سلوكنا وحيث نهمل االحتكاك باآلخرين واالستفادة منهم تجتاحنا نوازع األنانية وحب الذات والتقوقع والظن اليسء. •الفردية وفقدان اإلدارة املحكمة :إن مرض الفردية أو الشخصانية قد يصيب الكثريين خاصة ممن يعشقون صورتهم ،وبدلك يصبح سعيهم األساس نحو تكريس هذه الصورة بحيث ال يرغبون أن يروا إىل جانبهم إال من يكيلون املديح لهم بحق ودون وجه حق ويتزلفون. قد يربع أمثال هؤالء يف أعاملهم ولكنها وان حققت نتائج إال ان محركها الرئيس صورة الفرد ومكانته بحيث ال يرغب يف رؤية اآلخر املخالف أو حتى املتفق معه ،فظهوره أىل جواره يصبح مجال مقارنة ال يرغب بها (الرنجيس) الفرداين الشخصاين. ان العمل الفردي قد ينجز ،وقطعا يحتاج التنظيم ملبادرات أفراده، ولكن العمل املثمرواألكرب تحقيقا لألهداف ،وبزمن مرتبط بالخطة هو العمل الجامعي أو العمل بروح الفريق من حيث أنه: 61
•يخلق التقارب •ويحقق الرتابط والتناغم •ويزيد الثقة املتبادلة •ويكرس االنتامء •ويحقق االنجازات •ويوفر الجهد والوقت واملال وان كان هؤالء الشخصانيني يف حركة فتح ويف التنظيامت األخرى قطعا يستبسلون إلبراز ذاتهم ،ويخشون العمل الجامعي فان مهمة الكوادر يف األطر هو مزيد من العمل الجامعي واملنظم ومزيد من روح الفريق الذي يجعل مثل هؤالء محارصين وأسلوب ‘دارتهم منبوذ. أما اإلدارة املحكمة من حيث تطبيق عنارص اإلدارة الستة املعروفة من تخطيط وتنظيم للجهود وتوجيه (قيادة واتصاالت وتحفيز) وتشغيل ورقابة (ومحاسبة) وتنسيق فإنها ويف ظل تعدد مدارس اإلدارة التنظيمية نجدها يف حركة فتح ونحس بها وهذا متغري جيد ،ولكنها صفة تحبو وفكرة تشق لها طريقا صعب للتطبيق يف مختلف األطر ،وسبيل تتنازعه رغبات الرجال واالرتجال واالتجاه نحو العشوائية وردود الفعل كبديل عن التخطيط والتوجيه واملتابعة. إن االتجاه نحو اإلدارة التنظيمية بعنارصها يستدعي تغريا فكريا أداريا، وتغيريا يف الثقافة السائدة حيث ال يعقل وكل وسائل االتصال الحديثة بني يدينا أن ال نقدر عىل بناء جسور التواصل والثقة واملحبة واملخالطة بيننا وبني أعضاء التنظيم؟ وال يعقل أن نهمل الكادر ليبحث عن متنفس آخر يجده يف مساحات افرتاضية متاحة عرب وسائط التواصل االجتامعي وقد 62
يجهد نفسه مبا هوبال طائل ،وكان األدعى أن نجذبه بنشاطات املناطق واألقاليم والنقابات واملؤسسات واملركز. إن اإلدارة الفتحوية يجب أن تكون هي اإلدارة بالقدوة ،وهي اإلدارة بالعمل واالنجاز ،وهي اإلدارة بالتعاون وهي االدارة بااللتزام ،وهي االدارة بالجامهري ،وبدون ذلك فاننا سنظل نعاين ونعاين ونرتاجع ونتقهقر ونتساءل ملاذا؟ ونحن نعرف الجواب. ان كان عىل حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح كقيادة وكوادر متقدمة مآخذ فان آليات الحوار يف الحركة مفتوحة ضمن كافة األطر، وهي مكان االستيعاب األكرب لكل نقد هو رضوري ،ولكل اقرتاح هو واجب ولكل صاحب رأي يعتقد أن لديه ما يقوله وعليه ما يفعله.
فتح الفكر السيايس
استطاع الرئيس أبو مازن وحركة فتح أن يرسموا اسرتاتيجية نضالية ارتكزت وفق ما عرب عنه املؤمتر السادس للحركة عام 2009ومسار األحداث السياسية وقرارات اللجنة املركزية واملجلس الثوري يف اعتقادي عىل األمور التالية- : 1.1التمسك بالثوابت الفلسطينية: وذل��ك وفق ما استقر عليه اإلج�ماع الفلسطيني ممثال بالدولة الفلسطينية املستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة الالجئني، ولحقت جميع الفصائل بحركة فتح بهذا املجال داللة عىل قدرة الفكر الفتحوي الواقعي أن يفرض نفسه ويحقق إجامعا وتوحدا هو من شيمة الفتحويني. 2.2الكفاح الجامهريي: 63
شددت الحركة عىل حقها مبامرسة كافة أشكال النضال وفق ما أقرته الرشائع الدولية ومبا غيها الكفاح املسلح ،واختارت يف املرحلة الراهنة الكفاح الجامهريي أو النضال الشعبي أو املقاومة السلمية كخط نضايل، يجب أن يتصاعد ليس فقط يف نقاط املواجهة حيث يتواجد الجدار ،ويف بعض القرى وإمنا ان يتحول بفعل نضايل يومي متصاعد ال يقر لالحتالل بتواصل بغية وعدوانيته ،ويشكل من الجامهري جدار حامية وطاقات نضالية ،ويف هذا البعد فان حركة فتح مقرصة ومطلوب منها ومنا جميعا حجم ومساحة اكرب لهذا الفعل. 3.3تعزيز املواطنة واالنتامء لفلسطني ما بني االنتامءات التنظيمية لهذا الفصيل أو ذاك أقدم الرئيس أبو مازن والسلطة الوطنية الفلسطينية عىل الفصل بني االنتامء التنظيمي وبني الوظائف يف السلطة الوطنية الفلسطينية بشقيها املدين والعسكري، وعليه أضحت التعبئة والرسالة الداخلية يف مختلف املؤسسات والوزارات واألجهزة رسالة وطنية فلسطينية ال متيز بني املنتمي لهذا الفصيل أو ذاك. ورغم أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي حركة الشعب اال أنها مل تدعي يوما أنها متثل حرصيا الشعب الفلسطيني ،أو متثل حرصيا اإلسالم (كام يدعي اآلخرون) أو متثل حرصيا العمق العرويب اإلسالمي الحضاري لذلك كان مسارها مرتبط باإلطار الجبهوي التآلفي التوافقي ممثال مبنظمة التحرير الفلسطينية والحقا ما حصل يف ‘طار السلطة الوطنية الفلسطينية. تتميز حركة (فتح) يف أن أول حرف من اختصار اسمها هو حرف الفاء املأخوذ من كلمة فلسطني ،وقسمها ليس قسم اإلخالص لحركة فتح وإمنا قسم اإلخالص لفلسطني ،ويتوسط شعار العاصفة فيها خريطة فلسطني 64
الكاملة ،وهي مل تشعر يف يوم من األيام أنها متاميزة عن جامهريها فلم تفرق بينهم يف الرعاية والدعم واملساعدات واالحرتام. 4.4الدميقراطية والوحدة الوطنية والرشاكة الدميقراطية متثل حياة يف حركة فتح ،عكستها يف املجتمع اذ يشعر الفلسطيني بحريته يف ظل وجود حركة فتح الضامن الستقرار وحرية الفرد واملجتمع كام أفادىن أكرث من أخ مستقل مشبها حركة فتح بعود الخيمة أو أساس البناء أو العمود الفقري للثورة الفلسطينية... والن الدميقراطية ليست صندوق انتخابات فقط بل فكرة وثقافة ومامرسة تنعكس يف البيت والحزب والبلد ارتفع صوت الفتحويني عاليا بالنقد الصادق والحوار وتعزيز املسار ،فلم يرتكوا مثلبه أو إساءة أو فسادا عاما أو خاصا إال فضحوه بادئني بأنفسهم وملحقني اآلخرين بهم ،فاملؤمن ال يكون كذابا أبدا كام قال الرسول صىل الله عليه وسلم وال طعانا وال لعانا وال شتاما وإمنا ناقدا باحرتام وضمن القوانني. وإذا كانت آية املنافق تتمثل يف أنه :إذا ح ّدث كذب وإذا وعد اخلف وإذ اؤمتن خان وإذا خاصم فجر كام يروى يف الحديث الرشيف فان الحركة العمالقة مل يؤثر عنها يف تاريخها إال تطبيقها األمني لهذا الحديث الرشيف ،لذا كانت مساحة الدميقراطية تتعزز ،ألنها تعري وتفضح من يكذب ويخون ويخلف ويفجر. وإذ استطاعت الحركة أن تعكس الدميقراطية يف عالقاتها الداخلية والخارجية وفق مقولة الرئيس الشهيد الخالد يارس عرفات أنها (دميقراطية غابة البنادق) فان حامس كمثال مل تلتزم بهذا املبدأ ونقضته علنا عرب حربها عىل الشعب الفلسطيني يف غزة من خالل االنقالب األسود عام 2007حبا بالسلطة وسعيا لها ،الذي أودى بأكرث من ألف شهيد ،مل يسبقها 65
ملثل هذا الفعل اال نظام االستبداد والظلامت عام .1993 ومع ذلك فان فكر الوحدة الوطنية هو فكر فتح التي قادت والفصائل الوطنية عامة ويف االنتفاضة األوىل ثم االنتفاضة الثانية وصربت عىل تفرد حامس بفعالياتها ونشاطاتها وانشقاقها عىل القيادة الوطنية املوحدة إىل إن جاء اليوم الذي يجلس فيه خالد مشعل إىل جانب الرئيس أبو مازن مق ّرا بالخط الواقعي لحركة فتح وملنظمة التحرير الفلسطينية ،وإىل أن جاء اليوم الذي يعرتف به موىس أبو مرزق علنا أنهم يف حامس كانوا ينظرون للمنظمة أنها األخر ،رغم وجود الكثري مام يوحد عىل حد تعبريه. إن الوحدة الوطنية لدى حركة فتح مفتاح رفض القداسة أو العصمة التي يدعيها بعض التنظيامت اليوم سواء العصمة الوطنية أو الدينية، وهي مفتاح قبول اآلخر ال استبعاده أو النظر له كنقيض إن مل يكن كعدو يجب إقصاؤه كام املح أبو مرزوق مؤخرا. إن الرشاكة يف صلب فكر فتح املستنري والرحب الذي يتقبل ويتفهم ويتجاور ويتحاور مع اآلخر بكل محبة وكل تقدير وكل احرتام ،وهاجسه ميل من األساس كام كان يردد الشهيد القائد صالح خلف (أبو اياد) ومل ّ التكرار (أنني أخالفك بالرأي ولكنني أقاتل دفاعا عن حقك بإبداء الرأي). وما مآل األمور مؤخرا عرب املصالحة الوطنية إال تكريسا حقيقيا لفكر حركة فتح السيايس يف الدميقراطية والتعددية والوحدة الوطنية والرشاكة السياسية. 5.5العمق الحضاري العرويب اإلسالمي: جهد املخالفون بأن يضللوا الشعب الفلسطيني ويصموا حركة فتح بأنها حركة كافرة أو علامنية (مبفهوم أن العلامنية كفر) ،وما زال هناك فئة غري قليلة تحمل هذه الفكرة امللغومة ،والتي هي امتداد التهامات 66
تشويهية تربز عند كل مفصل أو يف االنتخابات حاليا ،وما هي اتهامات باعتقادي صادرة عن عقالء أو مؤمنني وإمنا عن حاقدين اقصائيني ال يرون إال أنفسهم ،إذ يفجرون بالخصومة ويتطاولون عىل اآلخرين وعىل فتح ويستعلون عليها يف سياق فهم مضطرب يدعي قداسة (الوالء والرباء واالستعالء). إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي التيار العام الذي يضم كل مكونات وفئات وأفكار الشعب الفلسطيني من أولئك الذين خلعوا رداء الحزبية املتعصبة وانضموا لقافلة التحرير ،لذا فحركة فتح هي حركة هذا الشعب املنتمي قطعا لبيئته وملحيطه ولحضارته ،وأىن له أن يخرج من عباءته هذه؟ وكيف له أن يتناقض مع مكوناته الذاتية؟ وهي تلك املنفتحة عىل الحضارات دون تعصب أو تأزيم أو تحيز. إن الحضارة العربية اإلسالمية املنفتحة ،وباالمتدادات املسحية الرشقية هي حضارة هذه املنطقة وهي تشكل أبرز مكونات ثقافة هذا الشعب وهي خيار حركة فتح منذ البداية حتى اليوم ،وما كان اسم (فتح) إال استلها ما للفتح املبني ال الحتف واالنتحار والدمار. إن قدرة حركة فتح عىل احتواء التيارات الفكرية الثالثة يف حضنها يف مرحلة سابقة إمنا كان داللة الرحابة والتكرس لفلسطني كام هي الداللة عىل العمق الحضاري امللتزم باألصالة واملنفتح عىل الحداثة. ان حركة فتح فكر الوسطية وفكر االعتدال املجتمعي فلم تكن يوما تنظيم متهاونني يف القيم أو األخالق أو الدين ،كام مل تكن تنظيم متشددين مذعورين من رائحة الورد القادمة من اآلخر ،انها تنظيم الحداثة واألصالة حيث التجاور والتحاور واالغناء. مل يكن اإلسالم يف يوم من األيام مشكلة أو عائق أو ميثل فجوة يف 67
الحركة ،وإمنا كان واستمر وسيظل دينا حنيفا ال يستطيع أي احد أن ميسه بسوء أو يقصيه عن التأثري يف الجامهري ،وذلك الن لإلسالم الدور الفاعل يف رسم الشخوص وتشكيل الثقافات وبناء الحضارة العربية اإلسالمية. إن محاولة إيجاد تناقض لإلسالم مع حركة فتح إمنا هو لعب بالنار وشق للشعب ،ويأيت يف سياق ادعاء بعض التنظيامت أنها هي وكيل الله عىل األرض ،أو أنها والقداسة صنوان ،أوان فكرها فقط هو املعرب عن الله واإلسالم والدين ،أو أنها حيث تلتف فإنها تحتكر (اإلسالمية) ما ال يجوز قبوله ويف ذلك يقول الشيخ عبد الرحامن الكواكبي (ال يوجد يف اإلسالمية نفوذ ديني مطلقا يف غري مسالة إقامة شعائر الدين ،ومنها القواعد العامة الترشيعية.)... فالرأي عامة هو فكر أنساين سواء أكان هذا الفكر سيايس أم اقتصادي أم مجتمعي أو غريه ،ولذا فهو قابل للخطأ والصواب ،واإلسالم (أو األديان عامة) غري قابل للخطأ والصواب ،لذلك قالوا إن مصطلح (اإلسالم السيايس) مصطلح خاطئ فاإلسالم ثابت ومطلق والسيايس نسبي ،واإلسالم ال يخطئ والسيايس يخطئ ويصيب ،ومن هنا وقع التحديد إن (األمور) اإلنسانية عامة والشؤون البرشية هي يف موقع النظر الفكري اإلنساين املرتبط ثقافة وحضارة بفكرنا الوسطي املعتدل الفكر العرويب اإلسالمي قطعا وهو الفكراملنفتح عىل الحضارات األخرى دون استغالل للدين أو متسحا به. إن (التدين) وحجم (اإلميان) ونطاق (إسالمية) (أو مسيحية) الشخص أو ما يحمله من أفكار ال يصح الحكم عليه برشيا ،فالله سبحانه وتعإىل هو الحكم فحيث ال يقاس إميان املرء وتدينه باملقياس الدنيوي الن الله هو الحكم يوم القيامة لذا ال يجوز أن يدعي أي كان وكالته عن الله سبحانه وتعإىل والذي هو اقرب ألي منا من حبل الوريد كام يأيت يف القران الكريم. 68
إن الرأي السيايس واملجتمعي واالقتصادي أو أي رأي يف شؤون الناس ال يحق ألحد أن يدعي انه ميثله أو ينطق به نيابة عن الله ،وإمنا عن نفسه أو تنظيمه يك ال نقع يف منطقة القداسة أو الكهنوت التي توهم الناس أن هذا الشخص (أو الفصيل) أو ذاك هو وحده الذي يعرب عن الحق ألنه يطلق لحيته أو يصيل يف املسجد أو عىل جينه زبيبة الصالة. إن الفكر الفتحوي فكر الشعب الفلسطيني فكر الثورة الفلسطينية، هو املستمد واملستلهم من بيئتنا وتفاعالتها أي من حضارة الشعب واألمة، الحضارة العربية اإلسالمية وتجارب الشعوب ،لذا فلتحبط دعوات أو تخرصات من يحاولون اتهام الحركة باالتهامات الباطلة وكأنها أو غريها من الفصائل عىل طريف نقيض من الله سبحانه وتعإىل أو اإلسالم أو التدين. 6.6املؤسساتية والدولة املدينة. إن املؤسساتية عقل إداري منفتح وفكرة تستمد قبولها من أن الكل هو القادر عىل البناء ،وان الفرد جزء من الكل ،ولذلك فان النظام أو املؤسسة ال تبني عىل عقل االستبداد (الديكتاتورية) املرتبطة بشخص لوحده. يقول الشيخ عبد الرحامن الكواكبي (االستبداد أعظم بالء النه جدب مستمر بتعطيل األعامل ،وحريق متواصل بالسلب والغصب ،وسيل جارف للعمران وخوف يقطع القلوب وظالم يعمي األبصار) وان كان حديث الكواكبي عن االستبداد الديني والسيايس فهو يصح يف أي مجال ويف أي حزب أو مؤسسة ما نرفضه فتحويا ونسجل انتصارنا عليه من خالل عقلية املؤسسة والعمل الجامعي أو العمل بروح الفريق ،ولذلك صيغت الهياكل التنظيمية ليستطيع من خاللها ووفق النظام الداخيل أن يعرب كل كادر أو فرد عن ذاته وفكرته ضمن فكر الحركة ،وعن مقرتحاته 69
ونشاطاته وأعامله كل يف إطاره وكل يف منظمته الحركية التنظيمية أو النقابية. إن عقلية املؤسسة يف الحكم ويف التنظيم ويف البيت ويف الدولة هي نقيض االستبداد أو الذي يقول عنه أيضا الشيخ الكواكبي انه (ما من مستبد سيايس إىل اآلن إال ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقام ذي عالقة مع الله.)...
حركة فتح والفكر التنظيمي
إن الفكر التنظيمي لحركة فتح ينعقد له اللواء بالتعانق ما بني فكرة التحرير والهياكل التنظيمية ومقومات األداء ،حيث يتحقق الرابط الوثيق بني اإلميان بالفكرة واملسارب أو املسارات التي عربها يتم متثيل وتكريس يعب عنه بالهياكل التنظيمية من القاعدة إىل وتحقيق االنتامء وااللتزام ما رّ القمة التي متارس العمل أو القيام باملهمة أو األداء. إن مهمة الكادر وواجبه يحدده النظام الداخيل بوضوح لكل إطار ،وبال عمل ال يوجد تنظيم إذ أن العمل هو مكمل خاميس التعريف للمنظمة أو التنظيم (الفكرة ،أعضاء ،هياكل ،نظام ،عمل مشرتك) ،وكام أوضحنا أن فتح تنظيم العمل الدائم املرتبط بالفكرة والقضية والناس. إن آليات العمل ضمن الهيكل هي محقق الفكرة وقناة األداء وسبيل التواصل عرب االجتامعات والتقارير واملؤمترات. لذلك فإنه يصح أن نقول أن الفكر التنظيمي يستند للمفاهيم التالية: 1.1اإلميان العميق بفلسطني جامع لنا ،وبفكرة التحرير ،ورضورة النضال بكافة األشكال ابتداء من الكفاح املسلح وحرب الشعب إىل إبداعات الفلسطينيني باالنتفاضات والكفاح أو املقاومة الشعبية. 70
2 .2وكام ينص النظام الداخيل فإن االنتامء وااللتزام بالفكرة واألهداف واملنطلقات وتواصل العمل ،والرسية فيام هو محظور ومرتبط بالوقت واملهمة والشخوص ،إىل جانب علنية األفكار والسياسات والرؤى ثم النقد والنقد الذايت تشكل ركنا رئيسا يف الفكر التنظيمي للحركة. 3.3الخطاب الحضاري املستمد من بيئتنا ومحيطنا وكياننا وامتدادنا العرويب اإلسالمي ،فحركة فتح بكادر تنظيميها املسلم أو املسيحي املؤمن بالله وبقدرته عىل العطاء هو من صلب هذه الحضارة وهذه الثقافة مهام تعدد عنده الرأي ألن الرأي مكون شخيص إنساين قابل لألخذ والرد وللخطأ والصواب ما ينزع أي مفاهيم ظالمية بقداسة أو مطلقية الرأي الذي يجب أن ينضبط للفكرة واألطر. 4 .4إن حركة فتح فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية بعطاء دائم وحضاري ومنفتح عىل كل تجارب الشعوب ،وباحرتام شديد لكل اإلسهامات املسيحية واإلسالمية يف أتون هذه الحضارة ،وكذلك بالنهل من الحضارات األخرى ضمن االنفتاح والوسطية واالعتدال الذي متثله حركة الشعب الفلسطيني. إن اإلبداع يف صلب التنظيم يرفض ورقة النعي أو السوداوية أو البكاء واللطم ،وإن كان اإلبداع يرحب بالنقد وفق أرضية اإلصالح والتطوير والتقدم ،ويف ذلك دوما تكون البداية من عندي (عندك)، حيث ال يقبل الفكر التنظيمي الفتحوي مفهوم عالقة املالبس (الشامعة) سواء كانت متمثلة بالقيادة أو بالنظر أحادي الزاوية للسلبيات واإلخفاقات. إن كل إخفاق أو سلبية يجب أن تنقد وتقابل بفعل إيجايب ،وكل 71
تراجع أو أزمة يجب أن تكون دافعا وحافزا للمراجعة واالستفادة لتشكيل دفعة لألمام وليس إىل حافة الهاوية. إن اإلبداع سياق فعل متصل ،وأفكار وخطط ال تنضب فإن تكون فتحاويا فأنت صاحب اإللهام لآلخرين ،ومدرسة اإلقدام والشجاعة، ورمز االنجاز قبل أن تتصدى لآلخرين بشجاعة أيضا مشريا إىل سلبياتهم أو مساوئهم. 5.5التواصل التنظيمي :مل تعد الفكرة وحدها واإلميان بها والتعبئة باتجاهها هي عامل االستقطاب أو الحفاظ عىل العضو ،ومل تعد النشاطات هي املحفز الوحيد لألداء حيث أن االتصاالت بأشكالها املختلفة يف السياق الرأيس واألفقي ،والشفوي منها والكتايب ،الفردي منها والجامعي والجامهريي كلها تشكل حقيقة التعاون والتنسيق والتساند. إن دخول العامل يف عرص الفضاء والشابكة (االنرتنت) ولغة التواصل االجتامعي أصبح يوجب عىل كادر الحركة أن يقود هذه الوسائل مبا ترسمه الحركة من سياسات ورؤى وخطط ،ولكن ذلك عىل أهميته ما ثبت بالثورات العربية الحديثة فانه ال غنى أبدا عن االجتامع التنظيمي واللقاءات التنظيمية املهرجانات الجامهريية واملؤمترات، يف آليات متابعة يومية ودورية تجعل من التواصل قنطرة توحيد األفكار ومكان التنفيس كام طلب البعض ،ومساحة تصارع أو تقابل اآلراء واتخاذ القرارات أو التوصيات وتحقيق املحاسبة ،وحيث يجب أن يكون عامل التوافق هو محركنا يف ذلك. إن اإلدارة الحكيمة أو الرشيدة يف التنظيم تجعل من التواصل التنظيمي مدخال لتحقيق الخطط والربامج عرب تنظيم الجهود 72
وتوجيهها وقيادتها واملحاسبة عليها. 6.6االرتباط مع الناس :إن فتح مل تقبل أن تكون حركة الطليعة أو النخبة املنفصلة ،أو الصفوة املنقطعة عن الناس أبدا فمزجت بني طليعية كوادرها ،وجامهريية تطلعاتها وعالقاتها مع الناس باملحبة واالعتامد والتعلم من الجامهري وتحسس شؤونها وحاجاتها ودوام االقرتاب والتواصل معها ،فحركتنا كالسمكة التي تعيش بني الجامهري ،متى ما انقطعت عن العوم يف هذا البحر تالشت وانتهت. إن حركة فتح الجامهري محبة غامرة ،وفعل خدمة ال تنضب ملصلحة الناس ،مادة الثورة ،ومعينها ،فال يجوز يف الحركة أن نرتفع عن الجامهري وندعي العلم أو القداسة أو املعرفة أو النزاهة أو االستعالء كام هو شأن تنظيامت أخرى تضع بينها والجامهري حاجزا نفسيا أو دينيا بادعاء عصمتها أو فوقيتها ما هو يف حقيقته سقوط للفكرة والقائد التنظيمي معا. إن الجامهري هي مقياس النجاح أو الفشل ،ومهام كانت األفكار عظيمة فإنها تظل حبيسة العقل أو األدراج أو األوراق أو الشابكة (االنرتنت) إن مل تعتنقها الجامهري وتجعل منها كائنا حيا يرزق. 7.7اإليجابية واملؤسسية :إن حركة فتح مل تكن يوما من أولئك الذين يردحون أو يدعون املظلومية التاريخية أو البكائني عىل أمجاد عابرة، أو من مستدعيي التاريخ لينقذهم ،ألن فكر العمل واالنجاز يعيش بالعقلية اإليجابية ،والعقلية اإليجابية تظهر باملنعطفات الصعبة، يف املآيس ويف الضائقة واألزمات فتتغلب عليها بآليات حل األزمات وباالستفادة من التجارب وبدفع العربة إىل األمام. إن قاعدة البكاء واللطم والسلبية ليست من شيم الرجال أو النساء يف 73
حركتنا ،ألن مشعل االنتصار يسري يف فضاء عقلية اإلنجاز والتطور والتدفق الحر إىل األمام. إن االيجابية واإلبداع وااللتزام واالرتباط مع الناس والتواصل التنظيمي مع فكر التحررالوطني كلها من مقومات املؤسسة التي تشكل فيها اإلدارة الحكيمة فرضا الزما وليس سنة ،ومن هنا فان القائد الحقيقي هو الذي يشيع املناخ االيجايب الحافز تحت إدارته أو قيادته ،وهو القادر عىل دفع لآلخرين للتحرق شوقا لتنفيذ واجباته ،وحيث أن البداية دوما من عندي (عندك) عند أي عضو أو كادر فإن املسؤولية تكرب بكرب املوقع حيث ال يجوز أن نلقي اللوم عىل األعضاء أو الكوادر يف ظل تقاعس أو خذالن أو ضعف القائد. إن عقلية املؤسسة وإيجابية التفكري واملناخ الحافز هام من أركان البعث التنظيمي ،والنهضوية يف حركة فتح حيث ال يصح أبدا االستناد إىل حوائط غري ثابتة ،وإمنا إىل الفريق الذي يسند بعضه بعضا من خالل توزيع األدوار واملهامت والواجبات. إن حركة فتح هي حركة املستقبل وهي ضامنة الثورة واملجتمع وهي حركة الجهود املجدولة باتجاه فلسطني وهي حركة تكريس األسس التنظيمية واإلدارية والسياسية يف سياق أركان معادلة التقدم الثالثة حيث العمل مرتكز وحيث العمل عمود الخيمة وسارية السفينة ،وهو العمل املرتبط باإلميان بالله والفكرة والقدرة عىل تحقيق األهداف ثانيا ،وليكون التناغم والتناسق العمود الثالث أو الركن الثالث لتنظيم مقدام ،لن يهزم، قادر عىل التطوير واإلبداع والتغيري ما هو يف حقيقته قدرة عىل الحياة.
74
حركة فتح ودور يتجاوز اجلغرافيا
(((1
تقف حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح اليوم أمام منعطف أو مفرتق طرق إجباري فإما تستطيع أن تتقدم وإما يكون مآلها الرتاجع يف مسار من التخبط والتضارب والتدهور. إن القادم مبتغرياته التي صعدت إىل السطح يف أواخر العام 2010 قد برز منه مجموعة من التفاعالت التي ستقلب املعادالت وتعيد رسم املنطقة جغرافيا وسياسيا ،وعليه فإن األدوار واملواقع لكل «مادة تغيري» سواء كانت دول أو منظامت أو أشخاص ستكون مرتبطة ومتساوقة مع مجمل املتغريات. أن املنطقة العربية التي تدخل يف العام 2012مرحلة (التشكل الجديد) لن تعدم عوامل الفوىض والقالقل واألزمات حيث أن كل جديد يحتاج لفرتة من الزمن ليستطيع أن يرسم مرحلته وشكل النظام املنبثق عنها ،فكيف إذا كان هذا (التشكل) يتقاطع يف عملية رسمه أو اعادة رسمه عوامل دولية وإقليمية و(انبعاثات) داخلية جديدة. إن املنطقة العربية مرت بثالثة مراحل منذ القرن العرشين كان أولها الرصاع مع االستعامر يف ظل تنافس شديد بني التيارات الفكرية الكربى -18من املقاالت املتعلقة بالحركة يف االنطالقة للعام .2012
75
حينها عىل تحقيق االستقالل والحرية والعدالة االجتامعية والوحدة العربية ،وإذ استطاعت الدول العربية أن تحقق استقاللها يف املرحلة األوىل ،فإنها يف املرحلة الثانية انشغلت كليا يف بناء دولها لتدخل يف مرحلة الرصاع الداخيل بني مختلف التيارات التي ساهمت بشكل أو بآخر باالستقالل عرب ثورات أو مفاوضات أو اقتباسات غربية أو سلفية. لقد كانت الدعوات االيديولوجية وأحزابها عامة يف معظم الدول العربية ولسبب ارتباطها باالستقالل واعتقاد جامهرييتها وحرصية انبعاثاتها ،مبعنى أن من يؤمن بها ميثل الشعب ومن ال يؤمن بها فهو اآلخر املرفوض تحت أي صيغة دينية أو قومية أو اشرتاكية. وهذا السياق االيديولوجي يف غالب الدول العربية جعل من األنظمة تتجه ملامرسات استبدادية أو أحادية أو قرسية ال دميقراطية أو لتلك األفعال التي تشوش الناس بصيحات الحرب أو الحفاظ عىل األمن أو االستقالل أو وحدة الوطن أو الدين يف مقابل استمرار عذابات الناس وظلمها. يف هذه املرحلة التي طالت حتى دخلنا القرن 21التفت الناس إىل أن الشعارات الكبرية كلها مل تحقق لهم شيئا مام قالته -أو عىل األقل ذابت شعاراتها بالحرية والعدالة والكرامة والوحدة واالشرتاكية لتخص وال تعم -يف ظل انفتاح عاملي واتصاالت فاقت التصور ونظرات فكرية وثقافية وجامهريية واسعة تعدت البحار واملحيطات إذ أصبحت يف املرحلة الثالثة من الزمن العريب رصخة الشارع املسامل هي صاحبة القرار يف التغيري ما بدأ مع معجزة الثورة التونسية عام 2011 وما لحقها بالثورة املرصية وغريها. يف التمهيد لهذه املرحلة ومنذ الثامنينات تحديدا كان للفعل النضايل 76
الكفاحي املتواصل الذي شقت طريقه حركة فتح والثورة الفلسطينية منذ العام 1965الدور األكرب يف اعادة بناء الوعي العريب وتعظيم احساسه بكرامته وانجذابه للتحررالذايت والدميقراطية ،ورغبته يف ردع الظامل والنهد نحو العدالة ال سيام وما قامت به حركة فتح وباقي التنظيامت من استقبال آلالف املنضمني للصفوف من كافة أبناء الدول العربية الذين ترشبوا الثورة فعافوا الظلم يف بالدهم. وأيضا فقا ملا انعكس يف الجامهري العربية من تأثريات الصمود أسطوري ألبطال الفتح والثورة الفلسطينية يف مختلف املعارك ومنها يف معركة بريوت 1982ووفقا ملا تعلمته من حروب (م .ت .ف) التي فرضت عليها لتكريس استقاللية قرارها ،ثم تعلام من تجربة االنتفاضات الفلسطينية الثالث كام قال الرئيس التونيس املنصف املرزوقي مؤخرا. يحق للثورة الفلسطينية أن تفخر بأنها كانت ومازالت مشعل النضال يف العامل العريب والعامل أجمع ،كام فخر بها التوانسة واملرصيني مام قالوه مؤخرا ،ويحق لها أن ترسم شارة النرص التي ظلت مالزمة للختيار وكوفيته حتى لقي ربه راضيا مرضيا باذن الله إن متغريات الوعي العريب والثقافة الشعبية يف املرحلة الثالثة الحالية اتخذت منحيني األول هو تركيز فكرة رفض االستبداد واألداء السلطوي من جهة حركت الجامهري للثورة ،وطلبا للعدالة االجتامعية ،واملنحى الثاين متثل بخلو الساحة للتنظيامت العريقة التي كان من املتوقع حلولها مكان األحزاب السلطوية التي ذابت ،نظرا لتجربتها الطويلة يف املعارضة وصفوف الجامهري ،وحيث مل تجد هذه الجامهري من تركن اليه اال من تعتقد امكانية أن تضعه أمام شعاراته تلك ذات الطابع الشعبي -اإلسالمي فيحقق لها ما مل يتحقق يف العهود السابقة. 77
عىل الرغم من أن الحراك الشعبي بدأ شبابيا وليرباليا دميقراطيا مستندا عىل عمق الشعور باألذى والظلم والرغبة يف التغيري يف ظل إرادة التحدي ،فإن الحصاد مل يأيت يف مظ ّنة أحالم الشباب وإمنا تلقفته األحزاب اإليديولوجية العريقة وخاصة (اإلخوان املسلمني) لعدة أسباب منها امتالك القدرة التنظيمية التشابكية والتواصل مع الناس واستغالل حاجاتها من جهة ،وتوفر املقدرات املالية للرصف عليها من جهة ثانية ونضيف ثالثا الخطاب اإلسالمي الديني الشعبوي الذي جيرّ قطعا ملصلحة الحزب وليس العكس ،والذي استعل الدين الستقطاب الناس للحزب وأهدافه التي تصور يف وعي الناس عىل أنها متطابقة مع أهداف اإلسالم ،فال يكون هناك أي فواصل بينها ،مام أدى لربط نفيس تلقايئ يف املخيال الشعبي بني الدين والحزب وشخوصه ما ستنكره األيام القادمة فيعود كل ما هو برشي إىل طبيعته حتام. ال شك أن املنطقة العربية أو ما باتت تعرف دوليا (مبنطقة الرشق األوسط) تعاين من احتقانات كام تعاين من ضغوط وتعاين من رصاعات وأزمات ،وما األحزاب الصاعدة حديثا واملتمثلة باإلخوان املسلمني وأحزاب أخرى يف سياق ما سبق إال ستواجه حتام بكل هذه املتغريات الداهمة وامامها الفرصة إلثبات نفسها للجامهري أو العكس حيث تنزل الشعارات لتسعى مع الناس ،خاصة وخيار الدميقراطية والتعددية والرقابة الشعبية أصبح أكرث فعالية عند الناس التي باتت تأىب حياة القطيع وترفع عقريتها بالرصاخ متى قرصت لتحقق مطالبها وهي باألساس تأيت من السعي للقمة العيش والحرية والحياة الكرمية أوال ويف ذلك حياة أو مقتل أي حزب. إن كانت االنتخابات يف عدد من الدول العربية قد قدمت السلطة عىل طبق من ذهب للتنظيامت األيديولوجية فإن الناس لن ترحم ولن تدع مجاال ألي حزب أن يتفلت من التزاماته التي يجب أن تحقق مطالب 78
وحاجات الناس أوال ،ويف ظل الرصاعات واالحتقانات واألزمات التي تسود املنطقة والتي تسعى لها الدول الكربى وخاصة أمريكا عرب إعادة ترتيب املنطقة عىل أساس مذهبي طائفي من جهة وعرب إضعاف األزمة العربية وتهميش القضية الفلسطينية ،فإن األحزاب الصاعدة ستواجه بالعواصف إن تساوقت مع (التفتيت) الطائفي املذهبي ،أو مع معاول الهدم يف جسد األمة العربية بحيث يقتطع جزء من هنا وجزء من هناك ،وهي تتفرج ،أو حني تهمش يف برامجها (كام هو حاصل حتى اليوم) دعم وإبراز وتقوية القضية الفلسطينية دون انجازات أيديولوجية كام كان شأن األنظمة العربية السابقة .كام ستواجه األحزاب الصاعدة أيضا بالرفض الشعبي إذا ما تعمقت األزمة االقتصادية يف أي من بلدان التغيري. إن الرصاعات اإلقليمية إىل جانب تلك العاملية قد تأخذ باألمة العربية إىل إبعاد ال يعلم اال الله مداها فثاليث السيطرة (إرسائيل ،إيران ،تركيا) ال تحكمه القيم أو املبادئ أو رفعة األمة العربية أو وحدة شعوبها أو تقوية اقتصادها أو تحريرها لفلسطني وإمنا تهمها وتحكمها املصالح وهو سمة السياسة ومفاعيلها. إن (إرسائيل) يف طل ما بات يعرف (الربيع العريب) يف حالة هيجان وانفالت ما يؤهلها الفتعال أزمات كبرية سواء عىل الصعيد الفلسطيني أو اإلقليمي ،وما تغ ّول املستوطنني واملتدينني اليهود ،وسد اآلذان يف حكومة نتنياهو وتهربها من استحقاقات السالم اال مظاهر أولية ألزمة أو أزمات تسعى هذه الحكومة الفتعالها عىل الصعيد الفلسطيني رغبة يف تعميق رشخ االنقالب واالنقسام الفلسطيني ورمبا منعها ألي انتخابات فلسطينية قد تؤدي لوحدة الجسد. ويف املقابل فإن الهاجس اإلرسائييل األكرب املتمثل بالقنبلة النووية اإليرانية قد يؤسس لرضبات استباقية عسكرية محدودة أو واسعة ،أو عرب 79
تعظيم العقوبات االقتصادية كام أشار عدد من الساسة اإلرسائيليني ،عدا عن الدور الذي تلعبه القيادة اإلرسائيلية يف هدم مقدرات األمة العربية ومحاولة اخرتاقها سياسيا واقتصاديا بل وتهديدها أمنيا وعسكريا وكام يحصل يف السودان. إن لكل من إيران وتركيا مصالحها السياسة واالقتصادية التي ال ميكن أن تضحي بها من أجل عيون األمة ،فكام حل اردوغان مع مائتني من رجال األعامل يف القاهرة وغريها يف سعي الكتساب أسواق جديدة وموطيء قدم ثابتة فإن نفس الهدف هو ما تسعى له مع الدول العربية األخرى حيث يطغى مسعى تحقيق النفوذ السيايس واالقتصادي عىل أحالم املتظاهرين املرصيني الذين خرجوا منبهرين الستقبال رئيس الوزراء الرتيك ظانني أنه جاءهم معتمرا عاممة الخالفة فخيب أردوغان فيهم الرجاء مؤكدا عىل مصالح الدولة الرتكية ودميقراطيتها وعلامنيتها. إن الدور اإليراين يف املنطقة يراد له أمريكيا أن يكون (ف ّزاعة) دول الخليج العريب ،فكام ال ينكر أحد أن التيار الفاريس يف الحكم اإليراين يضع املذهب عىل جناح السياسة ويخرتق جسد األمة ،فإن يف إيران تيارات متنورة ال ترى إال الرضر والخراب من التمدد اإليراين السيايس املذهبي القرسي يف الجوار ،ومع ذلك ويف سياق تضخيم الخطر النووي اإليراين ومحاوالت الهيمنة االقليمية والتمذهب فإن عملية االستدراج الدويل التي تتقاطع معها القيادة اإليرانية الحالية قد تلقى باملنطقة يف غياهب املجهول وتجعل من العرب يتخذون إيران وليس (إرسائيل) العدو رقم واحد. يف خضم هذه املتغريات اإلقليمية يربز الحدث الفلسطيني متأخرا، إذ أن الجمود يلف الوضع فحيث تتقدم أولويات إعادة ترتيب املنطقة تتوقف اإلحداثيات عن استيعاب التخطيط يف القضية الفلسطينية ،التي ألقت الواليات املتحدة األمريكية مرساها يف بحر اإلرسائيليني فعني عىل 80
أمن (إرسائيل) وعني عىل النفط خاصة يف ظل االنتخابات األمريكية. إن جمود الوضع السيايس الفلسطيني ينذر ببدائل ما بني الحراك السيايس عىل صعيد ويف اتجاهات عدة ،كام ينذر بتململ شعبي فلسطيني قد يجد له متسعا ليبدع آليات مقاومة جديدة تعرب عن تواصل إحباطه وأمله من ظلم العدوان واالحتالل املتواصل فينفجر كالربكان. إن الحراك السيايس الذي قاده الرئيس أبو مازن وحركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح والقيادة الفلسطينية أخذ باالعتبار متغريات املنطقة وإفشال اإلرسائيليني املستمر ألي تقدم سيايس وانحسار الدور األمرييك الفعال فانطلق عىل قواعد راسخة من: 1 .1التمسك بالثوابت الفلسطينية املتمثلة بالدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة الالجئني. 2 .2إن ال مفاوضات دون تجميد االستيطان واالعرتاف بالحدود. 3 .3إن البيت العريب هو الحاضنة الحقيقية ألي حراك فلسطيني. 4 .4االستمرار يف التحركات األممية (تقديم طلب عضوية دولة فلسطني يف مجلس األمن ،وانتصار بالحصول عىل العضوية يف اليونسكو، والقرارات الجديدة املؤيدة لفلسطني يف الجمعية العامة.)... 5 .5فتح قنوات العالقات مع األحزاب الجديدة عىل الحكم يف الدول العربية وحثها عىل متتني مواقفها من القضية الفلسطينية ودعمها، دون انحياز لطرف ضد آخر كام كان شأن األنظمة السابقة؟. 6 .6ال بديل عن الوحدة الوطنية يف إطار منظمة التحرير الفلسطينية ذات الطابع الجبهوي االئتاليف التي يجب إعادة تفعيلها وفق إسرتاتيجية وخطة وبرامج جديدة. 81
7 .7املصالحة وإنهاء االنقالب وما نتج عنه من دماء وأطر متناحرة وانقسام تظل أولوية وطنية ذات قيمة عالية يف فكر وتطبيق حركة فتح الوحدوي ،إذ ال بد من إنهاء انفصال شطري الوطن وعىل قواعد قانونية ووفق ما تم االتفاق عليه. إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح مدعوة اليوم أكرث من أي وقت مىض لرسم خطة عمل مستمدة من إسرتاتيجيتها التي قررتها يف املؤمتر السادس للحركة تأخذ باالعتبار (االنقالب) الحاصل يف املنطقة من حيث األدوار والتوازنات ومن حيث األولويات الجديدة ،ومدعوة لتكريس النهج الوطني النضايل املتمثل لوجه ورؤية حركة فتح املرتبطة بالدائرة الحضارية العربية اإلسالمية. إن حركتنا أمام مفرتق طرق سيايس وتنظيمي ومجتمعي وإعالمي ومن املمكن القول أن ذلك يف مختلف املجاالت فهي أمام تحديات وطنية داخلية تتمثل بالتايل: 1 .1اإلعداد الجيد لالنتخابات الرئاسية والترشيعية يف ظل عدم رغبة الرئيس أبو مازن عىل االستمرار والتي ما زلنا نتمنى أن نستطيع تغيريها. 2 .2إعادة تجديد الجسد الفتحوي من خالل انتخابات يف الوطن نظامية تستطيع أن تفرز قيادات فاعلة وقادرة عىل البناء. 3 .3التصدي ملفاسد الحكومة الفلسطينية وما قامت به من إرضار بالجامهري عرب الرضائب وارتفاع األسعار ،وما تقوم به ضد املوظفني من مثل قانون التقاعد املبكر املجحف إضافة للفساد الذي ما زال واقعا وإن يف دوائر محدودة يف الوزارات. 4 .4حل مشكلة قطاع غزة املستعصية والتي فرضها اآلمر الواقع عرب 82
االنقالب الذي أثقل الرضائب واالتاوات عىل كاهل املواطن ،واستنزفه عرب اإلرهاب األمني وسيطرة الفكر الواحد وقمع الحريات. 5 .5تعميق الفكر الفتحوي النضايل والوطني ذو العمق املرتبط حتام بالحضارة العربية اإلسالمية ،ما هو شأن كل الفلسطينيني، فال يتكسب هذا الحزب أو ذاك عىل ظهر اإلسالم بادعاء امتالكه الحرصي له أو امتالكه ملفاتيح الجنة يف محاولة لجر املجتمع لتصادم ديني عىل حساب الفعل النضايل الذي هو كان وما زال أولوية الثورة والوطن. ان حركة فتح تعي جيدا حجم االنقالب الحاصل يف املنطقة كام تفهم املتغريات وواقع (التشكل الجديد) وحجم تأثرياته وانبعاثاته وزهو اللحظة التي قد تعمي األبصار عن الرؤية العميقة ،فامزلنا يف مرحلة يجب أن نكرس فيها كل طاقتنا وقدراتنا إلنهاء االحتالل الصهيوين يف أولوية يجب أال يسبقها يشء آخر ،كام يجب أال تضعفنا أو تردنا الشعارات الكبرية واملنفصلة عن الواقع التي قد ترفع كغطاء قد تؤدي لشق الشعب الفلسطيني عرب تصنيفه إىل «فسطاطني» أي مسلم وكافر أو وطني وخائن أو رشيف وغري رشيف سعيا وراء الكسب الحزيب الضيق وخدمة ألهداف االحتالل وتدمريا ملقدرات الشعب والوطن. ان حركة فتح بقيادتها وكل أعضائها يف كل مكان مدعوة هذا الوقت أكرث من أي وقت مىض للتآلف والتعاون والتفكري االيجايب والسعي املوحد والعمل الجاد لتكون كام قال الرسول صىل الله عليه وسلم كالجسد الواحد فتضيع الفرصة بذلك عىل أدعياء الفرقة واالنقسام ،وتضع يف أولوياتها كأطر وأعضاء أهمية السعي الحثيث للعمل والعطاء وخدمة الجامهري يف مطالبها اليومية املحقة ويف توجيهها نحو غاية النضال الكربى غاية حركة فتح والثورة الفلسطينية فال تتوه البوصلة التي هي أبدا باتجاه فلسطني 83
والقدس ،وال تطغى الفئوية واالنتهازية والشخصانية عىل مستقبل هو حتام أفضل لفلسطني ولشعبنا وحركتنا العمالقة بشعبها وأعضائها وفكرها املستنري.
84
الفكر الصاعد والتنظيم املنهك ،ومياه التجدد (((1 يف كالم ما بعد االنطالقة راقب السلطان اململويك املنهك بالفكرانية (االيديولوجية) والنزاعات الداخلية قنصوه الغوري بفزع جيشه ينهار من حوله. كان غبار املعركة كثيفا لدرجة جعلت الجيشني ال يكاد أحدهام يرى اآلخر .لجأ «قنصوه» إىل مستشاريه الدينيني (كان ممثيل املذاهب األربعة والخليفة العبايس الصوري يحفّون به) وحثهم عىل الدعاء لتحقيق نرص مل يعد يؤمن أن جنده (املنتكس) يستطيعون تحقيقه. وحني أدرك أحد قادة املامليك أن املوقف ميئوس منه ،أنزل راية السلطان وطواها وتوجه اليه قائال :يا موالنا السلطان ،إن عسكر ابن فأنج بنفسك واهرب عثامن «وهي الدولة الصاعدة حينها» قد أدركناُ ، إىل حلب. وحني أدرك السلطان املنهك صدق كلامت الضابط أصابته سكتة دماغية جعلته شبه مشلول ،وعندما حاول أن ميتطي صهوة جواده سقط ميتا يف الحال. -19يف إطار الكثري مام قيل يف جلسات املجلس الثوري لحركة فتح ،وعدد من الندوات واملحارضات التي ألقيناها للعام 2013
85
تركت الحاشية املشغولة بالفرار جثة امللك -وكان ذلك يف معركة مرج دابق الشهرية مع السلطان الصاعد بدولته العثامين سليم االول عام 1516 م– فلم يعرث لها عىل أثر قط ،وكأن األرض انشقت وبلعتها
الدول املنهكة والصاعدة
وماذا يهمنا نحن بعد أكرث من 500عام تقريبا من هذه الواقعة أو الوقفة التاريخية؟ لقد وقف أحمد داوود أوغلو( ((2وزير خارجية تركيا يف 2012 /11 /29بشكل مغاير من وقفة الغوري ،إىل جانب الرئيس أبو مازن يف قاعة األمم املتحدة يف نيويورك ليتلقى التهاين مبيالد دولة فلسطني ملقيا من عىل كتفيه اإلرث الفكراين (االيديولوجي) وصانعا دولة إقليمية عمالقة بسياستها العلامنية املعتدلة ،وباقتصادها الرثي فرضب مثال ،وأرسل رسائل للعامل أن دولة فلسطني الفتية والصاعدة تلتقي مع دولة تركيا الجديدة غري املنهكة ،وترسم خطا فكريا وسياسيا واقتصاديا صاعدا لذلك وضع يده بيد حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح وأبو مازن ،ليسقط الوقفة الثالثة أو الصورة الثالثة يف عرصنا الحديث حيث تحالفت اإلمرباطورية املنهكة اقتصاديا أمريكا مع الحزب املنهك أيديولوجيا (اإلخوان املسلمني) يف القاهرة لتعلن وزيرة الخارجية االمريكية ووزير الخارجية املرصي وقف اطالق النار بني حامس و(إرسائيل) أو بني االمربيالية العاملية واإلسالمويني فيتوقف الصعود ويبدأ االنهاك. إن االنهاك السيايس أو الفكراين (=االيديولوجي) أو التنظيمي قد يصيب أشجع الرجال (أو النساء) أو التنظيامت أو الجيوش ويصيب الدول وله أسباب عدة ،ولكن الصمود يف محطات األزمات ،والصعود يف مواضع األمل والقفز عن الحواجز وتخطي املشكالت ،وبث روح الفخر والحامسة -20أصبح رئيسا للوزراء الحقا لفرتة معينة يف عهد رئاسة رجب طيب أردوغان ،وهو من صناع السياسة الرتكية الحديثة.
86
واالنجاز واألمل املقرون بالعمل الدائب يح ّول مثل هذا اإلنهاك إن توفرت اإلرادة إىل منصة انتقال إىل املستقبل ،وان استسلم التنظيم /الحزب أو صاحب الفكرة أو الدولة ملكونات سلبية الواقع فان العجز نصيبه ،ومن إنهاك إىل انهيار إىل موات.
رساج التجدد والفكرانية (= االيديولوجية)
دوما ما تكون انطالقة الثورة الفلسطينية مناسبة عظيمة للمراجعة، خاصة ومليونية فتح يف غزة قد أزعجت األع��داء والحاقدين معا إىل الدرجة التي أطاحت فيها بالتوازن للكثريين ،وما تتضمنه هذه املراجعة من استعراض وإشارات تشتمل عىل مواضع التقدم أو االضاءات ،وعىل مواضيع الخلل أو الزلل أو بقع الضوء. لقد شكلت انطالقة الثورة الفلسطينية إضاءة بحجم نجم يف سامء معتمة باليأس ومل ّبدة بالقهر واالنتكاس والهزائم حيث كانت األمة العربية قد نفضت عن كتفيها للت ّو عرصين من عصور الظلامت كانت فيها القناديل تنطفئ وال تجد فتيال لالستعامل ،أو تفتقد فيها الزيت. عندما أطل العام 1948عىل األمة العربية كانت شعوب األمة تحبو نحو الدولة الحديثة بعد أن تخلصت من إرث الدولة الرتكية الظامل والفاسد واالستبدادي لتقع بني براثن االستعامر الجائر واالحتاليل والذي يسعى الستغالل ثروات األمة وشعوبها عرب االقتسام للنفوذ واالحتالل بني فرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا. فلم تكن األمة حينها قد رسمت مالمح الفكرة أو الطريق أو املسار املح ّدد ال سيام وأن دولها املتحررة من االستعامر حديثا كانت قليلة، فكانت دول املغرب العريب والخليج العريب محتلة ودول املرشق العريب وباألخص سوريا ومرص تعاين وتناضل للتحرر من ذيول االستعامر وتخوض 87
رصاعات ذات بعاد ثالثة :أولها رصاع تحرري من االحتالالت االستعامرية. وثانيها رصاع مع التاريخ يف محاولة للتخلص من إرث الجمود العقالين وانطفاء رساج التجدد الذي كان للحكم الرتيك الفضل يف ذلك خاصة يف مرحلته األخرية واإلمرباطورية العجوز تحترض. وثالثها :رصاع داخيل بني تيارات األمة التي ظهرت تتصارع عىل املستقبل ما بني الجامعة العربية أو الجامعة اإلسالمية ،ثم مل ّا أصبحت األحزاب واقعا قامئا ظهرت التيارات الفكرانية (االيديولوجية) التي توزعت عليها جامهري األمة العربية.
نكبة العرب يف نكبة 1948
ظل الحنني للرعاية «العل ّية-من العلو» العثامنية عند فئة من العرب واملسلمني الذين مل يروا يف االمرباطورية العثامنية ذات اإلرث املثقل بالفساد واالستبداد والقمع إال فضيلة «الخالفة» عن كل املسلمني املشبعة بأوهام العدل املنسوجة من خيط الخلفاء األربعة ريض الله عنهم أجمعني، وسعت تيارات أخرى لبناء «خالفة» جديدة عربية الشكل أو إسالمية (منذ بداية القرن العرشين تحديدا) مل يكتب لها نجاح حيث كان منهج الج ّراح االستعامري قد جعل من األمة الصاعدة من انهاكني فُتاتا وأقساما ،فلم يعد ممكنا معها جمع املجزأ أو املقسم بسهولة فكان ال بد من بروز أفكار ملهمة ونهضوية سياسية وعملية واجتامعية وثقافية ارتبطت مبشاريع كان من نتيجتها يف عاملنا اليوم ظهور «الدولة الوطنية». كان العام 1948ليس عاما لنكبة الفلسطيني فقط ،وإمنا نكبة للعرب ألنه وضعهم أمام أنفسهم وحقيقة أحالمهم وقدراتهم ،يتأملون وينظرون ويفكّرون يف (األولويات) و(األفكار) ،ورمبا فكروا يف (املصالح) بعد أن أدركوا أن القيم واملباديء واألخالق ال تحكم عامل السياسة ،رغم أن األفكار 88
الكربى تضع لها أهدافا فوق محلية ،قومية أو عاملية. فانخرطت األم��ة تخوض رصاعاتها الثالثة (ال�صراع التحرري من االستعامر ،والرصاع التحرري من األفكار الجامدة املثبطة ،ورصاع عىل شكل بناء املستقبل) ،ورمبا تأخروا باالكتشاف زمنا أطول أنهم يخرسون وحدتهم الجغرافية واالقتصادية والسياسية واألمنية والثقافية.
سنابك الخيل واالنعطافة
لقد خرس العرب بخسارة فلسطني القلب النابض ،والجرس الجامع بني الجناحني ،ونقطة االنعطاف من مايض داسته سنابك خيل سالطني العثامنيني ،ثم دبابات االستعامر إىل مستقبل قادر أن ينفض عن ذاته الرتاب ،ورغم أن سياسة الترتيك العثامنية قد ألهبت املشاعر القومية العربية وكوامن الرفض للطغيان واالستبداد والتخلف النسبي إال ان دعوات تحرر العرب وبناء مملكتهم مل تلقى قبوال استعامريا مع انهيار االمرباطورية العثامنية عام 1918إذ قام العامل الجديد حينها عىل القواعد األوروبية ال عىل قواعد الرئيس االمرييك (وودرو ويلسون) الذي طرح رضورة وحق االوطان بتقرير مصريها وفق نقاطه ال 14الشهرية. أدى االستعامر الغريب إىل صدام بني الدول العربية الناشئة (العراق/ سوريا /مرص) والفكرانيات (=االيديولوجيات) الناشئة ذات العمق القومي. وملا مل تستطع االستجابة للتحديات (القومية) ويف ظل ضعف تلك التي ارتبطت مبفهوم الجامعة اإلسالمية ،وعىل رأسها االخوان املسلمني منذ العام 1928فلقد شكلت الدول الوطنية النموذج الذي خيب آمال العرب حينها أولئك الذين كانوا يسعون ململكة أو دولة أو وحدة عربية من املحيط إىل الخليج. كان العام 1948بابا آخر هبت من خالله رياح قوية اطفأت قنديال 89
من قناديل (ظاهر العمر الزيداين – ملك الجليل) إذ سقطت فلسطني بيد الحركة الصهيونية وأصبح العرب ما بني مرشوع تحرير جديد ومرشوع الوحدة العربية والقومية وأولويات أي منها يف سياق االستقالالت لهذه الدول (من االربعينيات إىل السبعينيات من القرن العرشين).
نور الفكرانيات والكريس
تنازعت األحزاب الالمعة النجم حينها (القوميني والشيوعيني والبعثيني) جامهري األمة وطرحت كام طرح االخوان املسلمني املنطفئني أفكارا شمولية جامعة ،وأفكارا َ وحدوية تسلّطية وأفكار هيمنة اقتصادية .وأصبح الرصاع بني الفكرانيات (االيديولوجيات) الثالثة (القومية الشوفينية) والشيوعية واالخوانية رصاع حياة أو موت ،رصاع وجود واقصاء ،فكل ال يرى النور أو الجنة أو التقدمية أو املستقبل وإال وهو الوحيد املمسك بالشمعة املضيئة والجالس عىل كريس الحكم واملسيطر عىل رقاب الناس. وها نحن بعد 60عاما سقطت فيه الشيوعية وتهاوت فيها القومية الشوفينية ،وكانت أثناءها الفكرة االخوانية تعاين املوت الرسيري ،ها نحن نعود لنخوض رصاع أولوية بناء الدولة والوطن أم تكريس املفهوم الواحد والفكرة الواحدة والرأي الواحد وما يتل ّبسها من عمليات اقصاء وطرد لآلخر. رغم التغيري الهائل الذي حصل يف العامل الذي انتقل يف مفهومه للدميقراطية من املركزية الدميقراطية (املرتبطة باالشرتاكية العلمية) إىل (الدميقراطية) التي تحرتم ليس رأي االغلبية فقط وإمنا حاجات األقلية أيضا ،وانتقل مبفهومه (للوحدة) من املفهوم القرسي الجربي االستبدادي إىل املفهوم التشاريك (الوحدة االوروبية) ،وانتقل من املفهوم الفكراين (= االيديولوجي) الذي يقدس الحزب والشخص والنظام الداخيل وأفكار 90
الحزب املقدسة التي ال يأتيها الباطل من بني يديها أو خلفها إىل الفكر التحريري (=الليربايل) والفكر الواقعي (=الرباغاميت) والفكر املدين الذي يقر بالتعددية ويتفهم االجتهادات يف سياق إعالء شأن الشعب واهتامماته والجامهري ومقتضيات العرص ،اال أننا وبعد «الربيع العريب» نعود إىل املربع األول.
إطاللة واستفادة وأثوابنا
كانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح إطاللة عن كثب عىل املتغريات ،فلم نتقطع عن سياق الحضارة العربية اإلسالمية (عربية اللسان وإسالمية الحضارة املسلمة واملسيحية ،وثقافة االنفتاح والتجدد)، واستفادت من إرثها الثقايف كام استفادت من األهداف والهياكل وأساليب العمل التي استقتها من تجارب الشعوب الثورية يف كل من كوبا وكوريا وروسيا والصني دون أن تتبنى فكرها الشيوعي وإن ضمنت يف جنباتها من اليساريني أولئك املستقلني واملبدعني ،كام استفادت من األفكار املنفتحة والتعددية من الدول الغربية دون أن تتبنى ايقاع الحياة الرأساملية التي تفتقد االتصال مع الجامهري الكادحة وفئات الشعب الفقرية. استفادت حركة فتح من الثورة املرصية عام 1952والثورة الجزائرية عام 1956والثورات العربية األخرى يف عرص انتهاء االستعامر (تونس كمثال آخر) فصنعت نسيجا فكريا متامسكا ربط ما بني الثورية بصيغة عملية ،حيث صحة الفكرة النضالية وتعددية الوسيلة. لقد جعلت حركة فتح من التوحد نحو الهدف االكرب (تحرير فلسطني) هو الضابط إليقاع األفكار املتنوعة ،وجعلت من (األولوية) و(البوصلة) ال تشري إال لفلسطني ال ملوسكو وال لواشنطن ،وال ايل فكرانية (=أيديولوجية) ما ،ومنها كان (الرتكيز) و(التكرس) للفكرة الجامعة وهي فكرة تحرير 91
فلسطني أن أصبحت بعيدا عن كل (الثانويات) إطارا جامعا حتى ألصحاب الفكرانيات (= االيديولوجيات) املتصارعة. لقد قبل أصحاب الفكرانيات (االيديولوجيات) وان بعد زمن طويل، قبلوا أن يلبسوا ثوب حركة فتح وهو ثوب (الوطنية والثورية واالستقاللية والكيانية الجامعة والوحدة والتشاركية والوسطية) ما هو يف حقيقته فكر حركة فتح الجامع الذي استطاع أن يصهر كثري من التناقضات الثانوية يف الهدف األكرب ،والذي استطاع والبوصلة ذات اتجاه محدد أن يجعل من مكونات الشعب الفلسطيني كله تسري وراءها نشطة ومحبة وواثقة غري جافلة أوخائفة أو متوترة.
الخوف والجفلة الفلسطينية
إن الخوف والجفلة والتوتر ،والقبول املغلف بالرفض الداخيل عند الشعب الفلسطيني (والشعوب العربية) كان يأيت من محاوالت إلباس هذا الشعب (أو االمة) أفكارا أو مسلكيات ال تتفق مع حضارته العربية اإلسالمية ،إذ كانت تأيت من املساومات الفكرية ملستوردي األفكار من يقدسون الفكر اإلنساين خارج نطاق حضارتنا ،وأيضا مل ّدعي الدين الذين ّ عىل إ ّدعاء أنه من الخالق ماداموا هم ممثليه حرصيا ،ومتناسني سامحة وقدرة الدين اإلسالمي الحنيف عىل التجدد يف مصالح الناس ما أفرز يف الفكر الديني مدارس ومجتهدين وآراء ،مل تفرز أحزابا أو فرق أو طوائف يف التاريخ العريب اإلسالمي إال كان مآلها االنهيار ( 800فرقة عرب التاريخ اإلسالمي انتهت) ،أو التقوقع واالنفضاض عنها من عامة الجامهري ،أوتحولها لطوائف أو فرق (أو أحزاب حديثا) خاصة مبعتنقي فكر و(عقيدة) هذه األحزاب. (ملاذا خرجت غزة عن بكرة أبيها يف 2013 /1 /4لتحتفل بانطالقة 92
الثورة الفلسطينية 48؟ أمل يكن يف ذلك سيل من الرسائل ضد االستبداد وضد الخوف وضد الكبت وضد مدعي القداسة ووو)... إن الخوف والجفلة والتوتر كانت تأيت من تبادل أنظمة االستبداد حكمها علينا فمن سيف الرضائب الباهظة املسلطة عىل رقاب الفلسطينيني والعرب يف ظل جور العثامنيني الذي تصدى له ملك الجليل الثائر واملناضل الفلسطيني ظاهر العمر الزيداين يف القرن 18إىل انتفاضات وه ّبات التحرير الوطني من االستعامر االنجليزي الذي رضب بالدنا والعباد قتال وارهابا، وصوال للخوف من أفكار خائبة متخلفة تضع مصالح الناس وحاجاتهم وسعادتهم يف سلة الزبالة ،أو يف الصفحة الخلفية من قامئة األولويات. (اجتاحت القوات العثامنية مدينة يافا يف مايو 1775وأعملت السيف يف أهلها ،واجتاح الذعر املدن األخرى )...ومل يكن ذلك غريبا يف عرف السالطني املستبدين عامة إذ (اجتاح الجيش العثامين الظافر مدينة القاهرة – بعد هزميته للمامليك – عام 1517وظل يعمل فيها السلب ثالثة أيام ،ترك السكان تحت رحمة الجيش الغازي وهم ال حول لهم وال قوة ..كام بقول املؤرخ املسلم ابن إياس). ومام ال جدال فيه ما قامت به قوات االستعامر الفرنيس واالنجليزي (وااليطايل واالسباين) من مذابح يف فلسطني والدول العربية ما تحفل فيه كتب التاريخ. انتفض العرب واملسلمني عىل الظلم واالستبداد حتى ذاك املتربنس ِبدثار الدين ،والدين من االستبداد براء ،ثم ضد االستعامر ،وكان ذلك ما دعى الشيخ عبد الرحامن الكواكبي ليكتب كتابه الثمني يف (طبائع االستبداد ومصارع االستعباد) لتلحق به الدولة العثامنية يف مرص وتقيض عليه ،وليشكل الشيخ رفاعة الطهطاوي قبله حالة نهوض عارمة لحقها 93
رفض أحمد عرايب يف مرص ملنطق االستبداد الرشكيس وتحكم القناصل األجانب يف مرص. فال اختالف حول رفض االستبداد واالستعباد من أي سلطة أو نظام أو شخص جاء ،لذلك كان مفهوم التحرر الوطني من االستعامر واالحتالل، ثم الثورات العربية الحالية بعد العام 2011يف أحد أهم تجلياتها طلب الكرامة والعدالة والعيش املشرتك ورفض االستبداد.
(الله يرحم أبوك السبع!) والفلسطيني
قص علينا الرئيس أبو مازن يف 2012 /12 /28يف دورة املجلس الثوري العارشة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح قصة املثل العريب الفلسطيني (الله يرحم أبوك السبع) حيث أنه كان أيام العثامنيني تأيت فوات (الجندرمة) لتأخذ املكوس أو الرضائب الباهظة من الفالحني ،ومن ال يدفع يرضب رضبا مربحا ويتم الغداء عىل حسابه حتى يدفع ،وكان ذلك يحدث ألحد الفالحني يف قصتنا كلام جاءت قوات األمن إىل بيته ،إىل أن تويف وتعلق بعنق ولده دفع املبالغ ،فكان ولده هذا قبل أن تصل قوات القمع يخرج لهم بكيس الفلوس وحينها قالت له أمه (الله يرحم أبوك السبع) كان ال يرىض يعطيهم املال إال بعد ان يشبعوه رضبا لخمس أو ست أو سبع مرات. يف هذه الحكاية الشعبية غضب كامن عىل الظلم واالستبداد ثم عىل االحتالل واالستعامر ،ورفض فلسطيني وعريب عتيق لالستبداد عرب عنه الغ ّزيون بوضوح يف ،2013 /1 /4فأصبح الفلسطيني رمز النضال العاملي ألنه ذاق من خالل مو ّرثاته (= جيناته) معنى االضطهاد بأبعاده املتعددة يف االتجاهات املختلفة ،ومن ذلك تشكلت شخصية املناضل امل ّر يف بعدها الورايث ،واملناضل الحر يف بعدها االنساين واملناضل صاحب الرؤيا والهدف 94
يف بعدها الفكري والعمليايت. يف اجتامعات املجلس الثوري للحركة بدورته العارشة دار حوار طويل وعميق حول ماذا حققنا أو أنجزنا وأين أخفقنا ،وما املتوجب علينا ،وللحق فلقد كانت دورة ثرية جاءت مع االنطالقة 48للثورة الفلسطينية أو قبيلها بيومني ( )2012 /12 /28-26ولحقت اإلنجاز الفلسطيني املشهود يف األمم املتحدة حيث والدة دولة فلسطني مع ما تقاطع من صمود متكرر للشعب الفلسطيني يف مقاومته لالحتالل يف الضفة الغربية ويف غزة ،وأقرت دورة املجلس مجموعة من التوجهات لإلرساع بعقد املؤمترات الحركية يف املناطق واألقاليم تجهيزا لعقد املؤمتر السابع يف موعده يف صيف .2014
كلمة الرس والشبيبة
لقد اشتملت تقارير 4لجان (مفوضية األقاليم الشاملية ،وتقرير املجلس الثوري ،وتقرير الرقابة الحركية ،وتقرير وفد املجلس الثوري إىل غزة بعد العدوان) عىل كلمة رس واحدة ،ولكنها هامة مدلولها الرغبة يف التجدد ورسم مالمح مرحلة حديثة يف ظل املتغريات السياسية الواسعة وامليدانية عىل الصعيد الوطني وعىل الصعيد العريب واإلقليمي والعاملي. قال املفكر االقتصادي واإلداري الكبري «بيرت دراكر» :إن الشبيبة دوما عىل حق ،ألن الزمن معها ،لذا فمن املتوجب علينا أن نتغري. منذ 2010وانطالق الربيع العريب وما أنتجه من بروز قوى جديدة، وانطفاء قوى أخرى ومتدد القوى االقليمية عىل حساب األمة العربية، وفعل القوة العظمى الوحيدة ،ومحاوالت تشتيت قوى األمة وإضعاف دولها ،..واتجاه املجتمع اإلرسائييل نحو اليمني ،ومتسكه برفض الدولة الفلسطينية ،وظهور أوروبا ال ِقلقة من املتغيرّ ات ،واتجاهها أكرث ولو نسبيا 95
نحو الحق الفلسطيني ،وبدايات صعود قوى عاملية عىل رأسها الصني ورمبا الهند والربازيل ...منذاك حتى اآلن واملنطقة بشعوبها ودولها وأحزابها تعيش مخاض التغيري فإما حسن االستجابة والفهم ،والشبيبة دوما عىل حق وإما السقوط الذي ال يرحم.. إن املتغريات الوطنية واإلقليمية والعاملية وانعكاساتها كانت كبرية الحجم بحيث عكست نفسها عىل األبعاد الوطنية ما يحتاج منا لبناء رساطية (=اسرتاتيجية) جديدة عرب عنها أعضاء املجلس الثوري كام عرب عنها مختلف الكوادر يف األقاليم (واالخوة واالخوات الذين استرشناهم عىل مواقع التواصل االجتامعي عند كتابة هذه الورقة) برضورة إعادة صياغة البناء والخطط واألهداف وآليات العمل والعنوان الكبري هو قدما نحو التجدد ونحو عقد املؤمتر السابع لحركة فتح.
عمى العينني أم عمى القلوب؟
بال شك أن العمى ليس عمى العينني ولكنه عمى القلوب التي يف الصدور ،يقول الله تعاىل: ُوب يَ ْع ِقلُونَ ِب َها أَ ْو آ َذانٌ ﴿أَ َفل َْم يَ ِسريُوا فيِ الأْ َ ْر ِض َف َتكُونَ لَ ُه ْم ُقل ٌ الصدُ ورِ﴾ ُوب الَّ ِتي فيِ ُّ َي ْس َم ُعونَ ِب َها َفإِنَّ َها لاَ تَ ْع َمى الأْ َ ْب َصا ُر َولَ ِكن تَ ْع َمى الْ ُقل ُ (الحج ،)46 :مبعنى أن اإلنسان قد يرى الكثري مام حوله بعينيه ،ولكنه ال يدرك كُنه وحقيقة ما يرى ،وال يعرف أنه إن مل يستخدم بصريته أو رؤيته أو قدرته عىل استكشاف املتغريات ما املتوجب عليه عمله ،أو ما املتوجب عليه تج ّنبه. ويف املرحلة منذ العام 2010ومع املتغريات العربية الساحقة انطفأت قناديل دول ،وأض��اءت قناديل دول اخرى ،فسقطت دول االستبداد واإلهانة والظلم ،وسعى الحاملون والثوار والدميقراطيون واملدنيون لبناء 96
دول العيش املشرتك والكرامة والعدالة والحرية (يف مرص وتونس واليمن واملغرب وليبيا وسوريا) ،وجهدوا بإخالص لتحقيق ذلك ،وإن كان الثوار يثورون ،واالنتهازيون يقطفون الثامر ،فإن الرصاع يف هذه الدول يتفجر اآلن يف أبعاد ثالثة من الجدير النظر اليها ملا لها من تأثري عىل الحصان رسج ليختال بني الخيول ،ويندفع إىل العريب الذي وحده من املمكن أن يُ َ القدس. أوال :دخلت دول الربيع العريب يف ذات املشكلة التي برزت بداية القرن العرشين وإن بلباس جديد سالحه اليوم اإلعالم الطاغي وميدان األفكار املتصارعة برشاسة وتجليات املجتزأ من التاريخ ،مشكلة رصاع متجدد عىل السلطة والناس يف معركة القديم والجديد ،الديني واملدين، والتدين والتمدن ،والبدع والرشك ،واألصالة والحداثة ،والدعوي والسيايس، ومفهوم الرشعية ،ودور رجال الدين يف الحكم ،والتعامل مع املعاهدات واالتفاقات الدولية الخاصة بحقوق االنسان واملرأة. مل تكن هذه املواضيع جديدة عىل اإلمام محمد عبده أو عىل جامل الدين االفغاين أواخر القرن 19وأوائل القرن العرشين ،وتصدى لحلها مفكرو العرب واملسلمني ومنهم ميشيل عفلق وحسن البنا وأكرم الحوراين ومالك بن نبي ،وعبد الحميد بن باديس قبلهم وخري الدين التونيس يف أزمنة أخرى وعرشات املفكرين واملصلحني والثوار والسياسيني ،إال انها تعود اليوم مع ضمور معسكر اليسار (الشيوعي واالشرتاكيني) والقوميني (البعث ،القوميني ،النارصيني ،)...وصعود معسكرات جديدة هي معسكر اإلسالمويني (االخوان املسلمني والتنظيامت املنشقة عنهم ،وتنظيامت السلفيني املتنافرة وحيث يشار لوجود أكرث من 300تنظيم سلفي عرب العامل اليوم كام يقول الكاتب الجزائري محمد بن بريكة) والحرياتيني (الليرباليني) أو املدنيني (ويطلق عليهم العلامنيني أحيانا). 97
إن الرصاع الجديد تختلط فيه الفكرة والقيم بالسلطة ،فان كانت معركة َص ّد الظلم واالستبداد قد بدأت مشرتكة بني كافة املكونات السياسية واملجتمعية والفكرية بغض النظر عمن سبق اآلخر أو حجم مشاركته ،اال أن السلطة والكريس والنفوذ فرقتهم ،وشيئا فشيئا بدأت تظهر محاوالت االستئثار من جهة واإلقصاء من جهة اخرى. ثانيا :كانت القضية الفلسطينية أحدى العوامل التي شكلت تدريبا للثورة /االنتفاضة ضد االنظمة االستبدادية القمعية ،وكان تحدي الجامهري للسلطة يف االنتفاضات ،ودعمها لغزة والضفة بصمود أهاليها وما خالط ذلك من تظاهرات عبارة عن رواسب صلبة استقرت يف الدماغ العريب ،حيث استطاع هذا العقل الجمعي العريب عندما تهيأت البيئة وحان القطاف أن يستدعيها من مخزون ذاكرته ،وينفض من عىل كتفيه الوجع والخوف والوجل وينطلق رافضا ثائرا ليسقط عروشا ظنت أنها مخلدة. إن القضية الفلسطينية بتأثرياتها الجامهريية العربية كانت عامل إلهام أوال (وكام قال الرئيس التونيس املنصف املرزوقي) ،وكانت عامل تحفيز ثانيا ،وعامل اقتداء ثالثا ،كام كانت مشعل ضوء ووقود للمعركة ضد الظلم ،وهي كانت بأهدافها وأساليبها ووسائلها قدوة خامسا للمتظاهرين الذين حطموا االغالل ،ورسموا لبالدهم شمسا جديدة. عىل الرغم من تأثريات القضية الفلسطينية املرتاكمة منذ االنطالقة عام 1965يف الجامهري العربية ،وما كان لرتسبها يف الدماغ العريب من تشكيل كوامن الغضب ثم شحذ االرادة للتغيري فتحقيق النرص ،اال أن املفارقة يف الحراك (الربيع العريب) أن العمق العريب أو القومي قد تراجع بوضوح (وان إىل حني) مقابل االنخراط الكيل يف الشأن الوطني. 98
إن (الوطنية) كمفهوم أو كفكرة ملهمة للعطاء والثورة والنضال الجامهريي كانت فكرة -1تكريس ،و -2فكرة تركيز ،و -3مسار تخصص و -4منطق أولوية ،و -5سياق فعل يجتهد الجميع لتحقيقه. كانت فكرة الوطنية أحدى ابداعات حركة فتح التي منذ انطالقتها رفضت الركود والسلبية كام رفضت الشعارات الكبرية املطاطة بال رجلني من مثل (أمة عربية واحدة) أو (يا عامل العامل اتحدوا) أو (دولة إسالمية أو الخالفة قادمة )...قبل التحرير ،بحيث أن مثل تلك الشعارات كانت تطرح كأولوية ذات أسبقية عىل مرشوع التحرير ما أثبت التاريخ فشلها حتى اآلن ،فأعادت حركة فتح الحصان أمام العربة بعد أن كان خلفها. إن (الوطنية) كفكرة لحركة فتح رفضت (ديكتاتورية الربوليتاريا) حرصيا ،و(تحالف الشعوب الكادحة) أيضا يف سياق شعارات سقطت ،بل أرصت عىل ابراز القضية الفلسطينية والنضال بكافة األشكال (القطرية) متل من تكرار أن القاطرة مع الحرص املتني عىل السياق (العرويب) ،فلم ُّ الفلسطينية تسري ضمن القطار العريب ،إمنا بإرادتها الحرة واالستقاللية التي خاضت الحركة فيها حروبا ضد أنظمة القمع العربية واالستبداد مثل النظام السوري اآليل للسقوط ،والنظام الليبي الهزيل. إن فكرة (الوطنية) مبعنى االهتامم بالشأن الوطني الداخيل املحيل وبقدر ما هي فكرة صحيحة يف إطار خامسية التك ّرس وااللتزام والرتكيز واألولوية والتخصص يف النضال فإنها ضعيفة لو سارت لوحدها دون القطار الكبري (قطارنا العريب). إن ما يحصل حاليا يف دول التغيري العريب هو الرتكيز املفرط عىل الشؤون الداخلية والوطنية مبا ذكرناها يف البند األول ما يعني ورمبا لفرتة قد تطول أن تصبح القضية الفلسطينية ليست يف متناول الجامهري العربية 99
أو األنظمة العربية األخرى التي تعاين إما من رعب التغيري يف الجوار أو رعب الخطر اإليراين ،وتلك املشغولة مبتغرياتها الداخلية فلم تستطيع حتى اآلن أن تكشف معادلة االستقرار تلك التي تربط بني الحفاظ عىل أمن الوطن واقتصاده وحرية أو مشاركة أفراده يف تقرير املصري. ثالثا :لقد ظهرت أجيال جديدة شابة «مامنعة» للجمود ،رافضة ملفاهيم التسلط والقرس والجرب ،تؤمن باالختيار والتعددية ،وتستطيع أن تسري يف أي بستان لتقطف زهرة من أي نوع أو مكان شاءت. لقد شكّل العامل (املعلواتصايل) املفتوح تحديّا حقيقيا ليس ألنظمة االستبداد والتسلط والظلم والقمع فقط ،وإمنا لألحزاب والتنظيامت الفكرانية (= األيديولوجية) يف دول الربيع العريب ،ويف فلسطني. لقد سقطت مفاهيم عديدة ،ونبتت مكانها مفاهيم كثرية جديدة فام كان (سمعا وطاعة يف املنشظ واملكره) كام يقول ق ََسم «االخوان املسلمني» أصبح و ْهام لدى الكثريين ،وما تقوله التنظيامت القومية والوطنية من (التزام وانضباط كامل) أو (التزام حديدي) أصبح التزاما تنكيا أو رسابا كلام ضعفت نسبة املشاركة وااللتفات لحاجات الجامهري واألعضاء ،كام تراجعت املركزية (صنو االستبداد ولكنه املق ّنن) لصالح الشوروية (= الدميقراطية) يف مختلف األحزاب /التنظيامت ،ومن ال يرى املتغريات فإنها ال تعمى العيون ولكن القلوب (العقول). إن ثورة املعلواتصاالت عصفت بالعقل ،باملستقر منه ،بالثابت ،فأصبح الثابت متحوال ،واملتغري أكرث تغريا ،فلم يكن باليد حيلة أن يخرج شخص عىل طاعة األمري أو الزعيم امللهم يف تنظيم ديني إسالموي أو مسيحاين أو بوذي ،ألن أي شخص اآلن ميكنه ببساطة دون أن يشعر بذنب خرق القداسة أو االلهام للقائد املعلم أن يؤسس حزبا جديدا أو فكرة جديدة 100
أو منتدى أو مجموعة تستقطب العرشات أو اآلالف ورمبا املاليني ،ولنا بعرشات األحزاب اإلسالموية أو املدنية يف مرص وتونس وليبيا النموذج، كام لنا مبئات املجموعات واملنتديات عىل العامل االفرتايض وقفة للتأمل. إن فكر االنطالق والتجدد والقدرة عىل اإلبداع (وهو أس فكر حركة فتح) ،أسقط فكرة التلقي السلبي التي عكسها قادة األحزاب والحركات الثورية واالجتامعية والدينية السابقني (ومثلهم من الحاليني) عىل (أتباعهم) ليظلوا مهيمنني عىل عقولهم وعىل عقول الناس (كان الحسن الصباح منوذج مقدس يف عملية غسيل الدماغ لألتباع يشابهه العديد من قادة األحزاب اليوم وان مل يكن الخنجر إىل جانبهم) ،إنهم يط ّوحون بهم يف أي اتجاه شاءوا ،وما عىل العجزة السلبيني إال ترقب تحقق األوهام التي يتشبعون بها بال طائل.
املحمديون
جاء األنبياء عامة ومنهم الرسول عيىس عليه السالم ثم النبي محمد صىل الله عليه وسلم بالدين اإلسالمي السمح من الله تعإىل ليس ليج ّمد العقول ،وليس ليم ّجد األشخاص ،وإمنا ليم ّجد الله وحده ،ويطلق العقول تتفكر بحرية ،وتبدع وتنشط وتعمل وتنجز ،وهو جل وعال القائل: ﴿ ُه َو الَّ ِذي َج َع َل لَك ُُم الأْ َ ْر َض َذلُوالً فَا ْمشُ وا فيِ َم َنا ِك ِب َها َوكُلُوا ِم ْن ِر ْز ِق ِه َوإِلَ ْي ِه ال ُّنشُ و ُر ﴾ (امللك ،)15والقائل﴿ :كَ َذلِكَ ُي َب نِّ ُي اللَّهُ لَك ُُم اآل َي ِ ات لَ َعلَّك ُْم تَ َت َفكَّ ُرونَ ﴾ (البقرة.)219 : ركب الشباب العريب يف دول الربيع العريب دابة (الرباق) التي ركبها نبينا الكريم ،وانطلقوا بفكرهم وروحهم وأدائهم نحو الغيوم ،فلم يعودوا يركنون ألكاذيب الغرف املغلقة ،ومظاهر التوقري للمحنطني من أدعياء الحقيقة املطلقة ،بل اختاروا أن يكونوا عيسويني ومحمديّني بسلوكهم وتفكريهم وعطائهم وأدائهم ،فام أن تنفض الصالة حتى يسعون يف 101
مناكبها ،والله يظلّلهم ،لقد اختاروا الحرية والكرامة واملحبة واالنسانية. إن ثورة الفكر املتحرر من أرس القوالب الجامدة والرتاكيب الثابتة، واملعاين التي ال تتغري ،والسياقات السجعية قد انترصت ،وهي لن تقبل ر ّدة ،فمسيلمة الكذاب وسجاح التميمية واألسود العنيس لن يتكرروا أبدا فيفتنون األمة. لقد أصبح بإمكان أي كان أن يتمثّل حكمة أكثم بن صيفي أو شجاعة خالد بن الوليد أو عدل عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز ،أو أن يستفيد من انفتاح عىل رشيعتي أو مبادرات يارس عرفات أو العالمة محمد حسني فضل الله أو الشيخ محمد الغزايل أو مالك بن نبي ،أو أي من (تجمع) املفكرين والساسة والعلامء واملثقفني ،فيقتطف أو يقتطفون من كل يف مجاله ،مع الحفاظ عىل صفاء العقيدة والوحدانية لرب العزة. باختصار فإن العوامل الرئيسية الثالثة وهي :انخراط دول التغيري أو الحراك العريب بعملية رصاع وتنازع الرؤى واألفكار واملفاهيم ،وإغراقها يف الشأن الوطني املحليّ ،وتحرر الجامهري وخاصة الشباب من أرس القوالب الجامدة وانعكاسات ثورة االتصاالت ،كلها عوامل تعكس نفسها عىل وجوب التفكري من باب جديد أو من منصة انطالق تخرجنا عربيا وفلسطينيا من جمودنا السيايس والفكري وأيضا ذاك التنظيمي. لقد انتهى عهد التنظيامت الحديدية الواهمة ،وبدأ عرص أحزاب وتنظيامت (املشاركة) الحقيقية فكلام اتسعت املساحات كلام زاد عدد الركاب ،وكلام قلت املقاعد يف الحافلة اما تزاحم الركاب أو انفضوا عن الركوب. إن تنظيامت /منظامت املساحات القادرة عىل استيعاب االبداعات واألفكار والخطط املتنوعة قد بزغ نجمها ،وملن ال يرى ال تنفع معه ال 102
النظارات وال املكربات ،فالعامل يخلق من جديد ،ونحن عىل أعتاب ثورة كونية فإما أن نتجدد وإما أن منسك بذيل األمم أو نندثر.
من مظاهر اإلنهاك التنظيمي
إن من مظاهر اإلنهاك والتقهقر يف أي تنظيم سيايس ،ما نعاين منه يف التنظيامت الفلسطينية عامة ويف حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح له خمسة مظاهر أساسية باعتقادي ،أجملها بالتايل: 1 .1ضعف أو انعدام التواصل :فهو تواصل ضعيف أحياناً ويف بعض املستويات إىل درجة االنعدام ،بحيث أن القائد /أمني الرس املعني يف موقعه مكتفي بذاته ،ال يجد بنفسه حاجة للتواصل واملشاركة مع زمالئه فام بالك مبن هم ضمن مسؤوليته. كام أن التواصل قد يأخذ شكالً موسميا أو مرتبطا بحدث (مهرجان/ انتخابات /حشد )...مام يفقد القاعدة التنظيمية كام يفقد الجامهري ثقتها ،وتنظر لهذه األطر /املستويات نظرة انتهازية. أضف إىل ذلك ضعف الوعي الدميقراطي الذي يؤدي لتعطيل الحياة الدميقراطية املتوجب استمرارها عرب االجتامع والتقرير والندوة واملؤمترات ،والتي حني فقدانها وماهو حاصل فعالُ فإن تراكم الفشل يصبح موهبة أو مهنة. 2 .2جمود العقليات :وتربز يف شكلني رئيسيني األول التمسك أو النضال للتمسك مبسميات بال مضمون من جهة ،وعدم تقبل التجدد أو التغيري يف الفكرة أو املوقع باعتباره نسف للواقع القائم املريح، وبالتايل هو طريق سالك للتخلص من أصحاب العقول املتكلسة أو الجامدة ما ترفضه مثل هذه العقول بإباء فتعطل وتدمر وتخ ّرب. إن التغيري عدو الجبناء وعدو الفاشلني وعدو جامدي التفكري ناقيص 103
الفعل يقاومونه دفاعاً عن مركب الفشل فيهم ،وحامية ملواقعهم التي قد تكون يف كثري من األحيان شكلية. إن التجدد باالغتسال مبياه جديدة كل يوم هو سمة املبتكرين املبدعني والطموحني وااليجابيني الراغبني برقي ذواتهم ومحيطهم، ال يخشون وال يجبنون واليجفلون. 3 .3انعدام الهياكل /األطر :إذا كان الرتابط التنظيمي يف أي مؤسسة وسيلة لنقل املعلومات يف الجسد من أسفل إىل أعىل ،ونقل التوجيهات والقرارات والتعاميم من أعىل إىل أسفل ،ووسيلة إلحداث التفاعل املطلوب ،وتحديد صالحيات ومهامت عمل كل مرتبة فإننا نجد هذه الهياكل أو الرتاتبية مفقودة عامة ،وإن وجدت يف بعض املفاصل فوهمية أو شكلية. إن العطاء والعمل والتفاعل واملحاسبة والتواصل كلها يف الهيكل التنظيمي كالدماء التي ترسي يف الجسد والهيكل هو متاماً كالهيكل العظمي باإلنسان يربز الجسد ويعطيه متانته ،فال جسد صحيح حي ال ترسي فيه الدماء. والعظام متكرسة ،وال جسد ّ 4 .4السوداوية :لطاملا تحدثنا عن حالة السوداوية أو السلبية ،أو النقد املفرط إىل حد جلد الذات أو التغني بأمجاد املايض أو أننا تنظيم األول ّيات يف حركة فتح ،ولطاملا برز من بني الجموع يف امليدان وعىل مواقع التواصل االجتامعي من يلبس نظارة سوداء يأىب أن ينزعها عن عينيه. إن ورقة النعي التي طاملا تحدث عنها املفكر هاين الحسن مشريا ً ألمثال هؤالء السلبيني تدلل عىل وجود فئة منقبضة ،مبتعدة، متهربة من املسؤولية أو لفئة راكمت السلبيات فلم ترى من بني 104
كومتها أي بارقة أمل ،أو هي فئة من التطهريينّ الذين يسقطون يف أول امتحان. إن كان النقد رضورياً وهو حتام كذلك ،فهو شائن للكادر التنظيمي أن كان لذاته وانفصل عن العمل ،وهو ضار بالجسد التنظيمي إن مل يقرتن بالعمل ،وهو مام اليستمع أحد له أن جاء من شخص سلبي. إن السوداوية أو السلبية عىل سوئها ،إال أن هناك عوامل حقيقية تدفع بالبعض من العنارص والكوادر لهذه الزاوية وأهمها إغفالها أو إبعادها أو عدم مشاورتها أو عدم التواصل معها وعدم االعرتاف بدورها أو مكانتها ما هو خلل قيادي. 5 .5عدم التطور يف األفكار :ان الفكر كائن حي ينمو ويتطور فال يجمد عند فكرة ملهمة ويتوقف ،وال يرى املتغريات الداهمة فيقف متفرجاً بل متفاعالً ،وأزعم أن التطور يف الفكر السيايس لحركة فتح سمة من سامتها ،ولكن. إن الفكر إن مل يرتبط مبركز أبحاث أو لجان تخطيط رساطي (= اسرتاتيجي) ومراكز دراسات ولجان عمل أو خاليا تفكري يصبح مجموعة اجتهادات هامة ولكنها متناثرة وال ترقى لتصبح برنامج عمل تنظيمي. إن اإلبداعات واالضاءات واإلرشاقات يف حركة فتح كثرية تلطم خدود السوداويني فيها والحاقدين من خارجها ،ولكن التطور والتغيري املمنهج والجامعي يف األطر واألفكار والشخوص رضورة ال محيد عنها ،تتكامل حكام مع تفعيل الحياة الدميقراطية مبا تجلبه من حراك وتواصل ومشاركة دورية ال موسمية تفجر الطاقات وتق ّدر اإلبداعات وتشد عىل يد أصحاب االنجازات حيث الطريق مفتوح واملساحة متاحة للجميع أو يجب أن تكون كذلك. 105
محطات الراغب للتفكري
مبناسبة انطالقة حركة فتح الـ ،48انطالقة الثورة الفلسطينية املعارصة، رص حركة فتح وفصائل (م .ت .ف) عىل اعتبارها انطالقة الثورة حيث ت ّ الفلسطينية الحديثة يف سياق وعي وحدوي ،بهذه املناسبة واستتباعا للتحليل السابق ذو الطابع السيايس والفكري سأضع محطات للتفكري والتأمل بني يدي الراغب والحريص عىل االستفادة والنهوض بذاته ومجتمعه وتنظيمه وبلده.
أوال :استثمار الفرصة
عندما وضع رفاعة الطهطاوي قدميه عىل سلّم السفينة التي أقلته إىل فرنسا كان شابا يف ال 27من عمره ،مل يرى (أو ما درسه باتجاه أحادي لريى) إال مجد األمة اإلسالمية والدين ،وتطورها الذي ال ميكن «للكفار» أن يصلوه ،ولكنه منذ الخطوة األوىل التي وطأت فيها قدميه ثرى فرنسا حتى اكتامل السنة الخامسة هناك وهو يعيش (أزمة) بني املستقر الثابت وبني الجديد املختلف ،بني عمق إميانه بدينه ووطنه وعروبته وبني املتناقض من عظمة ما رآه هناك من انجازات سياسية واقتصادية وعلمية أبهرته حتى الحد األقىص. عىل درج السفينة وهو عائد إىل مرص –عام 1831م يف القرن التاسع عرش -من فرنسا كان قد أدرك جازما أن العامل أصبح غري العامل الذي اطأمن له وخربه ،فخرج بخطوة واسعة انتقل فيها من املريح املستقر ولكنه الضيق إىل الفسيح الواسع لكنه املقلِق. يف باريز (باريس) استثمر وقته الثمني يف الدرس واملطالعة والقراءة والرتجمة حتى أرض بعينيه ،لقد رأى الفرصة السانحة فلم يرتك لحظة اال واستثمرها ،وكان قد ترجم 12كتابا ،وكتب كتابه الهام يف اإلصالح 106
والنهوض املعنون (تخليص األبريز ىف تلخيص باريز) ،وهو الكتاب الذي ارتبط إسمه به ،ووصف فيه الحياة يف باريس وعادات أهلها وأخالقهم، وهو ليس وصفًا لرحلة أو تعريفًا ألمة بقدر ما هو دعوة لالرتقاء ،ورصخة للبعث والنهوض. ويف العرص الحديث وتحديدا عام 1954عندما وضع يارس عرفات وهو يف الـ 25من عمره قدمه عىل سطح السفينة التي أقلته إىل أوروبا ،منتقال إىل مهرجان الشباب العاملي يف وارسو كان مع صحبه يسابق الزمن ،ويقفز مراحل عدة .فالشاب الذي انخرط عضوا يف الوفد املرصي بقوة شخصيته (مل تكن فلسطني موجودة ال عىل الخريطة وال عىل أي صعيد) مع زمالئه كانت الدقائق والثواين تعني له الكثري فهو مل يقيض وقته يف املهرجان حيث الثقافة والرياضة والفن والرتفيه وإمنا كان يف عقله استثامر الفرصة. قام يارس عرفات بثالثة أمور رئيسة :أولها أنه م ّيز وفده (وفد الطلبة الفلسطينيني) عن الوفد املرصي بعد أن جعل بينهام فاصال يوم العرض للوفود ،وثانيا قىض ليلته فيام أفصح عنه صباح العرض العلني للدول يف وسط امللعب الحاشد ،ففي الوقت الذي رفعت فيه الدول أعالمها والفتات مكتوب عيل كل منها اسم الدولة كان ليل يارس عرفات مكرسا لعمل نفس الالفتة كبقية الوفود (رغم أنهم جزء من الوفد املرصي) ولكنه كتب عليها كلمة واحدة هي( :فلسطني) ورفعها يف صف (طابور) العرض أمام مئات اآلالف املحتشدين يتفرجون. يكل وال ميل وال يهدأ أبدا -إذ أن حياته كام أما ثالثا فألنه رجل عميل ال ّ خربنا حافلة بالنشاطات واالنجازات -فلقد رتب جدول مواعيده ليلتقي بالوفود التي فاقت املئة الحارضة للمهرجان ،ونسج معها عالقات صاحبته عندما أطلق والرواد األوائل الرصاصة األوىل يف .1965 /1 /1 107
ويارس عرفات الشاب ذاته ويف نفس املهرجان (مهرجان الطلبة والشباب العاملي) ولكن بعد 20عاما استلم علم الثورة العاملية من فيتنام وكان قد دق باب األمم املتحدة يف خطابه الشهريعام ،1974ما لحقه به أبو مازن يف خطابني هامني ،آخرهم كان يف العام 2012 ليست درجات السفينة التي صعدها كل من الطهطاوي وعرفات هي وجه الشبه بينهام ،ولكن القدرة لكل منهام عىل إدراك وفهم الواقع واملتغريات والتعلم منه ،واالستثامر للفرص ما نحن بحاجة له اليوم يف ظل واقع معقّد التغيري سياسيا ،ومتقاطع أو متداخل املصالح كل ّيا ،ويف ظل الرشكات عابرة القارات ،واالنفتاح املعلواتصايل ،وبعد أن قطع العرب عهود الظالم واالستبداد واالنهاك السابق بسيف «الربيع العريب» يف انطالقتهم الجديدة نحو مستقبل واعد لكنه ما زال قلِق وتكسوه عالمات الرتقب والرتبص والحذر. إننا فلسطينيا بحاجة ل َنفَس جديد ورساطية جديدة وفعل أكيد حيث اإلقدام ال يعني التهور ،والشجاعة ال تعني فقدان التوازن ،وتخيرّ البديل النضايل املناسب يف الظرف القائم ال تعني شطب البدائل األخرى ،بل أن تبقى مشتعلة أو متجلجلة يف النفس ،وحيث الصعود ال يعني كرس الدرج وامنا تحسني السبيل.
ثانيا :فكرة الوطنية والوحدة
مل تكن الفكرة الوطنية (أو القومية) وليدة القرن العرشين أو القرن 19بل كانت أقدم من ذلك ،وكان الوعي بها فلسطينيا يف ظل هيمنة سلطنة استبدادية هي الدولة العثامنية تلك التي أرهقت (رعاياها) بالظلم والرضائب والحروب ،وكبت الحريات ،ووقف االجتهاد والتفكري، وإظالم النفس يف مراحل طويلة بعيدا عن العلم والثقافة وأسباب التقدم. 108
يف طربيا برز ظاهر العمر الزيداين (1775-1695م) مدافعا عن حقوق الناس والفالحني وحقوق زراعة القطن ورد املظامل ،فلم يهدأ له بال وهو الذي رضع حليب الفرس إال بعد أن اقام دولته يف الجليل وحيث النارصة وطربيا وعكا ويافا وصوال إىل غزة والقدس. شكلت دولة فلسطني يف عهد ظاهر العمر الزيداين الذي حكم لستني عاما مستشهدا يف الـثامنينات من عمره ،منوذجا متميزا يف بعث (الفكرة) واالفتكاك من أرس قيود وهمية ربطت بني السلطان الظامل واإلسالم ،حيث نظرت العامة آنذاك للسلطة املهيمنة باعتبارها «خالفة» ،وما أحيط بها من قداسة موهومة رغم الكرب والبالء والظالم الذي أحاط بالناس ،لكن خطل الربط بني االستبداد واإلسالم كان كبريا ما حطمه ظاهر العمر الزيداين ثم رواد االصالح والتجدد أمثال رفاعة الطهطاوي وخري الدين التونيس ومحمد عىل باشا يف مرص ،وعىل اعتاب القرن العرشين الشيخ عبد الرحمن الكواكبي ،ومن تبعهم باحسان. لقد عانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح أم الوطنية الفلسطينية كام عاىن ظاهر العمر الزيداين ملك الجليل من اتهامات ألعوام طويلة حيث تم النظر إىل أن (الوطنية) ضد القومية ،والوطنية ضد (االشرتاكية) والوطنية ضد اإلسالم يف مقابالت ظاملة ،إىل أن تبنتها التنظيامت «الدميقراطية» العربية حديثا ومنها اإلسالموية (الوطنية) مهرولة وراء فكرة كان القصد منها ليس رفض الوحدة العربية أبدا أو الوحدة اإلسالمية أبدا ،ولكن التكريس والرتكيز والتخصص واألولوية وااللتزام ما ذكرناه آنفا يف موضع آخر يف سياق بوتقة أو كيان (م .ت .ف ثم السلطة مع بقاء األوىل) ،ويف إطارالتجدد الشعبي والوحدة الجامعة غري االقصائية أو الرفضوية لآلخر التي ما زالت متثل أساس من أسس فكر حركة فتح حتى اليوم. 109
إن هذا اآلن هو نهج كل دول «الربيع العريب» التي نأمل ان تتخلص من رصاعاتها الداخلية لتوظف «الوطني» يف مصلحة الوحدة ،قضية األمة العربية واإلسالمية قضية فلسطني.
ثالثا :رؤية املتغريات
عندما وقف أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية الرتيك يف األمم املتحدة إىل جانب الرئيس أبو مازن شامخني ،كان بذلك يرسم معامل للنظام الجديد الذي هو من ص ّناعه الكبار يف املنطقة ،فهو إذ يقف وحيدا دون العرب ليتلقى التهاين بسطوع شمس دولة فلسطني فإنه كان يرسل ثالثة رسائل للعرب وللعامل. الرسالة األوىل هي أن خط العمالنية (الرباغامتية) واالعتدال والوسطية يف الفكر والسياسة واملجتمع هو الخط القابل للحياة يف عامل اليوم املفتوح عىل الصعيد املكاين والزماين والفضايئ (املعلواتصايل) ،ويؤكد يف رسالته الثانية أن بناء املؤسسات والتنظيامت واالقتصاد مبا يلبي حاجات الناس والبالد مكون رئييس ملن يريد بناء بلده أو دولته ،وليس الخطل والختالف «الرغايئ-من رغاء الجمل» يف البناءات الفكرانية (=االيديولوجية) املعيقة، ورسالته الثالثة تقول :أن االنسان هو الجوهر وليس البناء التحتي ،فهذا البناء التحتي عىل أهميته يجيء لخدمة االنسان مبا ال يفعله االنهاك املنظم لفكره وإرادته. ومن هنا جاء التالقي بني أيب مازن يف دولته الصاعدة ،دولتنا الصاعدة، والدولة الرتكية الصاعدة (استطاعت تركيا يف 10أعوام أن تسدد ديونها، وتقوم بتسليف البنك الدويل 5مليارات) التي تخلصت من االنهاك والحرية لزمن طويل. إننا نرسم هذه الصورة مبناسبة انطالقة الثورة الفلسطينية لنقول 110
أن :حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح الفكرة جاءت وهي تحمل يف طياتها 3عنارص :فهي متغرية ،متجددة ،منطلقة ،إذ جاء التغيري من رفض عنيف للواقع االحتاليل ،وجاء التجدد بإطالق ثورة بأساليب مختلفة اعتمدت الكفاح املسلح ثم االنتفاضات ثم عناق املقاومة الشعبية مع النضال السيايس يف مراحل عدة ووفق قواعد رؤية معمقة للواقع املتغري وآلليات األصوب أو الخيار األمثل للتعامل معه. وكان االنطالق يف حركة فتح ثالثا مبعنى دميومة الحركة والفعل والنشاط ،حيث أسقطت الحركة وما زالت الشعارات الكبرية فارغة وخصصت نضالها يف البعد الوطني املضمون والفعل ،وركزت وك ّرست ّ الفلسطيني ما لحقها به كافة ثورات الربيع العريب اليوم ،وإن أكدت أن القاطرة الفلسطينية ال تصل املحطة األخرية إال يف القطار العريب. إن حركة فتح قد حسمت أمرها يف اجتامع املجلس الثوري األخري عىل تكريس الدميقراطية باطالق االنتخابات الداخلية التي سيتلوها املؤمتر العام السابع صيف 2014علّه يستجيب ملنطق ملتغريات الداخلية واالقليمية واالعاملية الداهمة. إن القدرة عىل التجدد تدركه املقلة الواسعة التي ترى املتغريات بعني فاحصة فتقرأ الواقع بنظرة مختلفة متازج بني الداخيل واإلقليمي والقدرات والفرص ومكامن التأثري فتلقي بالبايل من الثياب ثم تغتسل لتلبس ثوبها الجديد.
رابعا :إعادة قراءة التاريخ والتجدد
إن التاريخ الفلسطيني كام العريب واإلسالمي طالته يد العبث املقصود والتزوير ،أو الخلط ،وشابه من (اإلرسائيليات) ما ال يحىص تلك التي استقرت يف الوعي العريب واإلسالمي مسلّامت أصبحت بقداسة القرآن الكريم أو 111
الكتب الدينية ،ما يجب أن نتصدى لها اليوم بفكر ثاقب وعقل مفتوح. لقد أكد علامء اآلثار اإلرسائيليني ومن علامء التاريخ األجانب عدم دقة أو صحة ،وأشاروا إىل أسطورية أو كذب كثري من أسفار التوراة ،وملن يريد االستزادة أن يجهد نفسه قليال عىل أي من محركات البحث عىل الشابكة (= االنرتنت) ليقرأ عن (إرسائيل فلنكشتاين) أو (زئيف هرتزوغ) أو (شلومو ساند) والثالثة أساتذة يف جامعة تل أبيب اليوم ،أو يقرأ يف موقع جمعية التجديد االجتامعية الثقافية البحرينية ،أو يقرأ للباحث فاضل الربيعي ليبلع ريقه مرارا ،ويبسمل ويحوقل وينكر الكثري مام درسه ،أو ينكر نفسه. يؤكد علامء اليهود الثالث وغريهم أنه مل يكن ألي من انبياء اليهود (موىس وداوود وسليامن عليهم السالم) أي وجود يف هذه البالد – فلسطني – ويقر منهم أن من أسفار اليهود ما هو أساطري محضة مختلقة ،ليأتيك من أمة العرب واملسلمني من يصرّ عىل تكذيب ذلك ،والعلامء املذكورين خاصة (فلنكشتاين وهرتزوغ) علامء آثار يؤمنون مبا يقول الحجر ال الورق، فأين السبيل وما يف كل ذلك ال تناقض ال مع القرآن العظيم وال أي من آياته؟! كام قد يظن النصوصيني. إن إعادة قراءة التاريخ – ما يدخل يف صلب الرصاع العريب الصهيوين والرصاع اإلسالمي الصهيوين – يحتاج لفكر منفتح ،ويحتاج لجهد العلامء كام يفرتض أن تتسع الصدور للحقيقة ليس ألنها تخدمنا كفلسطينيني بل ألننا نضاليا ودينيا مأمورون بالنظر والتأمل وإعادة التفكري حيث يصبح البحث العلمي أحد مناهجنا يف الثورة الفلسطينية لنكتشف أن جبال السرُ اة يف اليمن القديم مدفون فيها ارث اليهود واللخميني (بيت لحم) والكُنانيني (الكنعانيني) وجبل القدس وأسوار أورشليم. 112
إننا ال ميكن يف محطات النضال أن نكتفي باملستقر املريح أو الثابت السعيد ،أو القديم أو املصبوب سواء تاريخيا أو سياسيا أو مدنيا ولو كان األمر كذلك ملا انطلق الحجر برصخته املدوية عام 1987وملا كانت االنتفاضة الثانية عام 2000بإبداعات جديدة ،وملا كان لصمود غزة معنى أو لفلسطني دولة يف األمم املتحدة أهمية ،وقبل كل ذلك ملا كان النطالقة الثورة الفلسطينية وحركة فتح مثل هذا الربيق. إن التعلم والتأمل والتجدد والتغيري سمة من سامت الثوار واملناضلني، واملتجددين والشخصيات االبداعية كام كان خالد بن الوليد يف مختلف معاركه ،وكام كان أبو الطيب املتنبي وحفيده محمود درويش يف شعره، وكام كان كل العظامء يف املناحي املختلفة.
خامسا :ضد الفكرانيات (=االيديولوجيات) االقصائية
تحكمت األفكار اإلنسانية «املقدسة» يف عقول الناس ،وط ّوحت بهم يف االتجاهات املتعددة ،بإميانهم الثابت واملقدس بالفكر اإلنساين ،وان استند ملعتقدات دينية أو غري دينية فلقد أذهب العقول بعيدا عن جادة الصواب. إن الفكرانيات (=االيديولوجيات) قد فعلت فعلها السلبي يف كثري من العقول والتنظيامت ،فهي وان استطاعت الحفاظ عىل متاسك البناء الفكري واعتباره الخط املميز والحاكم الذي ت ُستمد منه السياسات التي تخضع لها الرساطيات (=االسرتاتيجيات) والخطط ،إال أنها ولعوامل الجمود أو الرتهل وعدم التجدد أو االستجابة للمتغريات جمدت عند أقوال وأفكار (ما أصبحت مسلامت ومقدسات ومرجعيات ثابتة) املؤسسني أو الرواد أو الذين يُنظَر لهم يف حقيقة األمر كقدسيني أو زعامء أو مناذج خالدة يصبح 113
كل ما تقوله مصباحا منريا ،وكل إشارة ولو عابرة منها مفتاحا للحلول لكافة املسائل. إن آفة الفكرانيات (وان كان لها فضل التجميع وتحقيق الغراء الالصق وااللتزام) هي الجمود والتصلب يف الرشايني ،وافتقاد التجدد وبالتايل غياب القدرة عىل الرؤية وعىل إدراك املستجدات ،ومن ثم يصبح الشلل الفكري كابحا للتطور والعمل الذي يخدم مصالح الناس ،ومتغري حاجاتهم وتطلعاتهم. ويصبح التمسك بالثابت رفضا لآلخر عىل اعتبار أن ثوابته ال تأتيها الباطالت أبدا فيتعمق االستبداد الفكري واليقني وإقصاء اآلخر. سقطت يف مسرية الثورة الفلسطينية الطويلة ومنذ انطالقتها الحديثة كل الفكرانيات (عىل األقل بثوابتها املهرتئة وثوابتها املنهكة وتنظيامتها غري املتجددة) ،وبقيت حركة فتح ألنها استمدت فكرها وطني الصبغة، وحدوي اللون ،ثابت السعي الجامهريي ،نضايل األساليب ،أصيل التجدد من حركتها وتفاعلها العقالين مع املتغريات وإن كان مثن ذلك أن ع ّجت الحركة بأصحاب النظرات واألفكار والرؤى املختلفة سواء الوطنية أو الفوق وطنية ،وسواء جمعية الطابع الغاية أو الشخصانية. 1 .1استطاع منهج التفكري السيايس-الواقعي يف حركة فتح أن يهزم املناهج الثالثة األخرى التي طاملا أشار إليها املفكر العرويب اإلسالمي الكبري عضو اللجنة املركزية للحركة خالد الحسن رحمه الله وهي: املنهج التفكريي القضايئ حيث الحكم عىل األشياء واملواقف والسياسات بعني الخطأ والصواب دون مستويات أو بعني الكفر واإلميان أو بعني الوطنية والخيانة دون دليل يشري للمسافة يف حدي الوتر املشدود ميينا ويسارا. 114
2.2منهج التفكري الفلسفي :الذي ينظر من زاوية شمولية تغطي مساحة واسعة متكاملة ،فال تتعامل مع الجزئيات أو التفاصيل أو الفرعيات إال باعتبارها الزمة االرتباط (وان مل تكن) مع الفكرة أو النظرة الشمولية ،وعليه فلم يكن االعرتاف بالفكرة االستقاللية أو الوطنية أو الداعية لشخصية وكيانية فلسطينية إال عبث فلسفي أو عقدي عند هؤالء. 3.3منهج التفكري التاريخي املاضوي :وهو املنهج الذي يقدس أو يق ّدر األمجاد باعتبارها مل تكن (ولن تكون) إال بعصور غابرة ،وعليه فانه ميجد األموات ونبلهم وكاملهم ،كام يقدس أو مي ّجد أو ال يرى نفسه إال تبعا مخلصا لنامذجهم كنسخة طبق األصل ،رغم بعد املسافات واألزمات ومتغريات الحال. لقد أدى الفكر املاضوي إىل البكاء عىل أطالل مدينة طليطلة والحمراء كام حصل مؤخرا لركاب موقع التواصل االجتامعي (الفيسبوك) الذي سخنت فيه الدموع تذرف مبناسبة سقوط األندلس يف 1492 /1 /2دون أن يرف جفن للمدن املحتلة يف املغرب والجزر التي تستوىل عليها اسبانيا منذ ذلك الحني إىل اآلن. وبنفس املنطق املعوج يتم تبييض صفحة التاريخ بالجملة دون أخذ العربة من االنتكاسات والهزائم والجرائم واالستبداد واالندحار ،والتفكري املظلم الذي ساد طويال حتى غطي رؤوس العباد وأحوالهم يف فرتات هامة بالتاريخ العريب اإلسالمي ،ويصبح الناظر للتاريخ بعني الفاحص املمحص الناقد كافرا فاسقا فاجرا. لقد هزم فكر حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح املتجدد واملتغري واملنطلق هذه املناهج الثالثة يف التفكري ،ومن هنا جاء التالقي بني دولة 115
فلسطني ودولة تركيا الحديثة الفتية ،وقبل ذلك كان فكر االنطالقة مسلحا بالبندقية عندما رسمت الساحة تحت وقع قعقعة السالح الذي رفعته الثورات العربية والعاملية يف الخمسينات والستينات من القرن العرشين. إن العقالنية هو اتجاه معاكس للظالمية التي هي العيش يف جاهلية الفكر يف تاريخنا وثقافتنا العربية اإلسالمية ،وحيث تشكل العقالنية آلية تعامل مع 3مساحات متقاطعة هي مساحة القبول ومساحة النقد ومساحة التعبري ،مبعنى أنني مبقدار ما أنقد اآلخرين وبالتايل أمسك بيدي اليمني حق التعبري فأنني يجب أن أتقبل من اآلخرين نفس مساحة النقد يف تقاطع مثمر للمساحات الثالث ما متيزت فيه حركة الوطنية واإلبداع الفلسطيني حركة فتح حيث (القبول والنقد والتعبري). وقبل أن ننهي هذه النقطة ال بد أن نختم بهذا النموذج الرائع ويقابله منوذج سلبي ،فلقد عرض األصحاب عىل اإلمام عيل بن أيب طالب مسألة الخوارج عىل أنهم كفار أو فساق فرفض تسميتهم بأي من هاتني الصفتني رغم حربهم عليه ،قائال أنهم يصلّون ويصومون ويقرأون القرآن فكيف يكونوا أي مام سبق؟ فلام حار صحابته يف تصنيفهم ،سألوه فام هم؟ فقال فيهم قولته املشهورة والرائعة واملتسامحة يف كلامت ثالثة فقط ،حيث قال( :إخواننا بغوا علينا). ويف املَثَل املقابل وبعد انقالب عام 2007يف غزة سألوا خالد مشعل عن الرصاع الدموي واالنقالب عىل حركة فتح يف غزة مستشهدين عىل فضائية الفجر باآلية الكرميةَ ﴿ :وإِنْ طَائِ َف َتانِ ِم ْن الْ ُم ْؤ ِم ِن َني ا ْق َت َتلُوا َفأَ ْصلِ ُحوا َب ْي َن ُهماَ َت إِ ْحدَ ا ُهماَ َع ىَل األُ ْخ َرى َفقَاتِلُوا الَّ ِتي تَ ْب ِغي َح َّتى تَ ِفي َء إِلىَ أَ ْم ِر اللَّ ِه َفإِنْ بَغ ْ َفإِنْ فَا َء ْت َفأَ ْصلِ ُحوا َب ْي َن ُهماَ بِالْ َعدْ لِ َوأَ ْق ِسطُوا إِنَّ اللَّهَ ُي ِح ُّب الْ ُمق ِْس ِط َني﴾ (سورة الحجرات.)9 : 116
قال ال فض فوه كلمتني فقط تدلل – حينها عىل األقل – عىل عمق الفكرة الفكرانية (االيديولوجية) املستهينة باآلخر والطاردة له ،اذ قال خالد مشعل (ال تنطبق) ،ومل يعقب.
سادسا :تفاعلية العالم الالمحدود (الفضاء االلكرتوني)
ال تثقل أكتاف حركة فتح أحامل الفكرانية (االيديولوجية) املانعة لإلبداع أحيانا كثرية ،واملحطمة للمبادرات ،والرافضة لالنطالق .لذا كانت مساحة الفعل يف الفضاء االلكرتوين للحركيني (وأحسبها اليوم لكافة التنظيامت أيضا) مام يع ّوض النقص الحريك الخطري فتحويا يف وسائل اإلعالم األخرى من صحافة ورقية أو فضائيات. يف العامل االلكرتوين مواقع وصفحات ومجموعات وملتقيات ومنتديات حركية ناشطة ومميزة بإبداعات أبناء الفتح املبني ،وعىل صفحات التواصل االجتامعي يتواجد أعضاء الحركة وكوادرها وخاصة الشباب وبعض قياداتها يف حوار يجب ان يتسع ضمن ضوابط وآداب الحوار والحديث. تفاجأ العامل عندما انترشت الحواسيب وبرنامج النوافذ (ويندوز) ثم صعق عندما أصبحت الشابكة (= االنرتنت) يف كل بيت تزاحم الرايئ (=التلفزة) واملذياع ،وبُهِر عندما وجد نفسه يركض وراء مواقع التواصل االجتامعي وخاصة (الفيسبوك) الذي أصبح بسكانه املليار ثالث دولة بالعامل ،وأكرب تنظيم بالتاريخ. إن املقدرة التفاعلية الحركية الفلسطينية والتي شكلت ارشاقات حقيقية يف ظل تنامي الصعود العريب عىل الشابكة تعد عبئا ثقيال عىل صانع القرار حيث أصبح تجنب املساحات التفاعلية كمن يرفض القاء ندوة يف الجامهري ،أو كمن يتعدى املشاركة يف أفراح وأتراح الناس ومناسباتهم، 117
وأصبح النظر للمشاة من غري ركاب الفيسبوك كالقابعني يف برج عاجي ،أو كأصحاب السيارات الفارهة ذات النوافذ السوداء. إن األعضاء والكوادر يقولون :انزلوا من هذه السيارات الفارهة، واركبوا الحافالت أو سيارات األجرة أو القطارات معنا ،وشاركونا منشوراتنا عىل (الفيسبوك) وأخواته ،وإال لن نسكت لكم. لقد غدت وسائل التواصل االجتامعي صحيفة حائط يف الجامعة، ومذياع للجامهري يف الحافالت ،ورايئ (=تلفزة) يف كل بيت ،كام أنها متاثل منصة خطابة لحكامءالعرب أمثال :أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة واالقرع بن جابس وعبد املطلب بن هاشم جد الرسول عليه الصالة والسالم ،وهند بنت الخس ،من حكامء العرب االقدمني. لقد تشتت الورق وغارت الجرائد ،وفقدت الصحف هيبتها (قال لينني: أعطني صحيفة اصنع لك حزبا) وبكت التعاميم والرسائل التنظيمية إن مل تكن الشبكة العنكبوتية مستقرها ،ويف حركة فتح حركة دؤوبة ال فتة ُحتم يف هذا املجال قد تصل لقوة التأثري الذي قدمته وسائل التواصل ت رَ االجتامعي وشبابها يف (الربيع العريب).
سابعا :التنظيم والجماهري
كتبنا سابقا يف حركة فتح وصعودها بالجامهري ،وتحفل أدبيات الحركة وتاريخها باالرتباط الوثيق بينها والناس ،وما زالت الفكرة مل تتغري هنا حيث أن (طليعية) حركة فتح مل تتناقض يوما مع (جامهريية) الحركة .فلم تكن الطليعة لتعني النخبة املنفصلة أو الطبقة املتحكمة مقابل ما كان يطلق عليهم بالعامة من الناس ويف صفات أخرى الرعاع. لقد آمنت حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح (باالقرتان) ومل تؤمن (باالنفصال) بني املفهومني ،فكام شجعت الفنانني واملثقفني واملفكرين 118
والكتاب واألدباء عىل احرتام واعتبار تخصصهم بصفتهم (طليعة) فإنها أدرجت (الثوار) املبادرين يف نفس الصف أو الفرقة. وارتأت حركة فتح وما زالت أن العناق واالقرتان بني الطليعة والشعب ال يعني أن توجد (بني األعضاء ،أو بني الكوادر والناس) مسافات فوقية، أو فوارق فئوية أو طبقية أو ثقافية ،وإمنا أسست لعالقة تبادلية مل يشعر فيها الطليعي أو الكادر بأنه فوق الناس ،ومل يشعر فيها الناس أنهم اقل من الكادرات أو القيادة ،وكل املظاهر املخالفة ما وجدت يف الحركة فهي إدانة ألصحابها فقط بصفتهم مناذج منفرة أو ملفوظة حركيا. إن مستوى التفاعل والتواصل بني الطليعة أو القيادة يف حركة فتح والجامهري مستوى يرضب به املثل فال حوائط اسمنتية أو حتى زجاجية تفصل بني رأي العضو أو شكايته وبني املسؤول ،وان حصلت تجاوزات يف العالقة فان مستويات التقايض الثالثة يف الحركة غري األطر جاهزة للفصل (لجان املجلس الثوري والرقابة الحركية وحامية العضوية واملحكمة الحركية). إن جامهريية حركة فتح تأيت من: 1.1عملية االقرتان بني الطليعة والشعب. 2.2حجم التواصل واملشاركة مع الجامهري ،وبني األعضاء معا والتي كلام ارتبطت بخامسية التنظيم أمثرت وإال فالفشل يحف بنا (االجتامع الدوري /التقرير الدوري /الواجب أو املهمة املحددة لكل عضو/ معرفة املسؤول ومتابعته الدورية /القيام بالعمل واالبداع). 3.3الفكر املتجدد واملتغري واملنطلِق وهو الفكر الذي يلبي تطلعات وحاجات الجامهري وحراكها االجتامعي ،وتجددها واملتغريات التي تحيط بها. 119
يف هذه النقطة التي حاولنا أن نسلط الضوء قليال عىل (الجامهريية) ولنضعكم بالقصة التالية التي نقلها لنا األخ هاين الحسن املفكر العرويب وعضو اللجنة املركزية للحركة حيث نقل لنا :أن خالد بكداش رئيس املكتب السيايس يف الحزب الشيوعي السوري ،وهو حزب صغري زار الرئيس (ماو تيس تونغ) رئيس الصني عىل عادة األحزاب الشيوعية .وملا علم (ماو) بالحجم املتواضع للحزب الشيوعي السوري سأله ماذا تفعل الجامهري وكيف هي حياتها اليومية؟! وكيف تتفاعلون معها؟! فذكر له خالد بكداش أنهم يعملون ويدرسون ويصلّون ويصومون ألنهم مسلمني ،فقال وانتم أال تصلون وتصومون معهم؟! وملا حارت اإلجابة عرف الرئيس ماو أن انقطاعا وانفصاال حقيقيا بني الحزب والناس فقام بحثهم عىل احرتام الناس وقيمهم ودينهم وعاداتهم ال ما يقومون به من عليائية وانفصال.
خاتمة
مل تكن تباشري عيد امليالد املجيد لوحدها التي أطلقت يف عقيل رشارة التجيل ،وإمنا عناق السيد املسيح الفلسطيني األبدي مع هذه األرض، وعناق الفلسطينيون األبدي واملتجذر يف أرضهم النابتة بالحب. وكان لرايات فلسطني العالية املتعانقة مع رايات الثورة الفلسطينية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح وكافة الفصائل يف عيد االنطالقة يف رام الله ونابلس والخليل ولبنان وأقاليم فتح بالخارج أن اشعلت أوار الفكر. وال أكتم رسا عندما أقول أن فرحة االنجازين الكبريين يف غزة واألمم املتحدة املتعانقني مع مهرجان االنطالقة العظيم يف ساحة الشهيد يارس عرفات يف غزة كان لها أيضا ذات الفعل املحفز لنقول كالما شفافا بالقلم األحمر حيث الفكر الصاعد والتنظيم الصاعد يحتاج ملستوى عا ٍل من 120
اإلدراك والوعي وإحداث التغيري ،وحيث أن اإلنهاك التنظيمي قد يشوش الرؤيا ويطيح بالهيكل. (كتبت الورقة مبناسبة االنطالقة 2013للثورة الفلسطينية وحركة فتح)
121
122
مبناسبة ذكرى انطالقة الثورة (((2 نظرات يف ثقافة احلركة
بكر أبوبكر
مبناسبة اليوبيل الذهبي للثورة الفلسطينية وانطالقة حركة فتح نضع للتفكري املتمهل ورقة لنتداولها حول الفكرو الثقافة والتثقيف يف الحركة الوطنية الفلسطينية علنا نكسب األجر أو األجرين. لدى السيايس تصبح الثقافة فعال رضوريا ألنه معني مبخاطبة مساحات واسعة ومناذج متنوعة وجامهري ذات اهتاممات وتطلعات متعددة .مهام كان جامعها (قضية) موحدة فإن احتياجاتها ال تشكل عندها أمرا ثانويا وإمنا مرتافقا مع نداء الواجب. ولكل شعب أو تنظيم أو جامعة ثقافتها التي من املحقق امتالكها لعدد من املقومات هي :التعدد والتنوع ،االنفتاح واالستفادة من اآلخر، العراقة والتجذر والرتاكم ،واألهم من ذلك كام يسرتسل الخويلدي الرباط الجامع وتأسيس املشرتك ،والتقريب بني وجهات النظر املتباينة ،وأيضا تحقيق التواصل ومد الجسور بني األجيال ،والتجاوز والتسامي عن -21بناء عىل طلب األخ أمري رس اللجنة املركزية لحركة فتح أبوماهر غنيم عام 2014 كانت الورقة تقتفي الثقافة الوطنية والحركية.
123
الخالفات واألمور الجانبية. إن اهتامم التنظيم السيايس بالثقافة يأيت من أنها تقوم ببناء الشخصية أو الشخصيات ،لذا اهتمت كافة الدول والتنظيامت واألحزاب بشأن الرتبية والتثقيف أو جهاز الدعوة الذي يعترب يف مقدمة الفعل الحزيب امله ّدف. يقول املفكر العريب مالك بن نبي (القدرة عىل إنتاج الفكرة هي ميزة اإلنسان وحده ،بحيث أنها متثل الحد الفاصل بينه وبني جميع الكائنات األخرى ،ويجمع هذه األفكار املنتجة يظهر النسق الفكري عىل هيأة أفكار مرتبة ،وهذه األخرية عند ضمها بعضها إىل بعض تعطي مذهبا أو فكرانية (= إيديولوجية) معينة ،وهذا الرتكيب إن هو وجد مساحة له يف الواقع، ليظهر عرب املامرسات املختلفة لألفراد ،وبعدما يكون قد شغل حيزا هاما بني مقدساتهم املتنوعة ،فإنه يطل عليه مصطلح الثقافة ،لذلك فالثقافة هي ...« :ما يبقى عالقا باألذهان عندما ننىس ما تعلمنا عىل مقاعد الدراسة والجامعات.»... يقول لينني (أن التثقيف السيايس يعني نتائج عملية ،يعني تعليم الشعب كيفية بلوغ ذلك( )..يجب عىل هيئات التثقيف السيايس أن توجه عملها كله نحو الهدف ،إن مكافحة األمية أمر رضوري ولكن معرفة القراءة والكتابة وحدها ال تكفي .إذ ال بد من تلك الثقافة التي تعلم النضال ضد األمية والغطرسة الشيوعية والرشوة). إن الثقافة الحركية تعد املكان األول يف بناء الشخصية ،وتنمية الفكر الفتحوي ،ومتثّل حقيقة التعبئة ومضامني املبادئ واألهداف واملنطلقات التي يجب أن تكون الهادي واملرشد ملسرية الحركة والشعب ،ولطريقة عمل األعضاء والكوادر ويف نظرتهم لألمور ،ويف استعدادهم للعطاء والبذل ،وبناء الشخصية يف اتجاهاتها الخمسة :الجسد والنفس والروح 124
والعاطفة والعقل. إن تكامل الفكرة الحركية يف «فتح» تتجىل من حيث هي فكرة وطنية جامعة ،فكرة تحررية للوطن واإلنسان ،ومن حيث هي فكرة عقالنية تشارك ّية دميقراطية باملجتمع ،ومن حيث هي فكرة بناء ال هدم للكيانية الوحدوية الجامعة ،ما يعني أنها فكرة عميقة وأصيلة متجذّرة.
الوطنية والتحرير والثقافة الحركية
تأخذ «الوطنية» عندنا معنى التخصيص والتكريس واألولوية لفلسطني ،ال معنى االنعزال أو اإلقليمية واالنكفاء عن املحيط العريب، وهي بذلك مبدأ أو فكرة ال تنطلق من فراغ ،وإمنا من واقع االرتباط الحضاري العريب اإلسالمي يف األفق الحضاري العاملي ،العقالين واملتفتح عىل تجارب الشعوب قاطبة. وبذات الوقت فإن فكرة }التحرر{ يف حركة فتح ال تقترص عىل منطق تحرير الذات واملجتمع من رواسب الجهل والتفكري السلبي ،لسبب النكبة والواقع الفاسد وغريها ،وال تنطلق فقط من واقع الظروف الصعبة وما تحمله من مشاعراليأس والقنوط لدى البعض ،وإمنا تبغي إىل ذلك تحرير الوعي الحضاري الشمويل. وتسعى فكرة أو مبدأ التحرر للتخلص من واقع االحتالل الجغرايف لإلرسائييل لبالدنا عرب املقاومة الشعبية بكافة األشكال وليس هذا فقط، وإمنا التحرر أيضا من ِشباك الغزو الثقايف-االقتصادي الصهيوين االستعامري لعقولنا وأرضنا ومقدراتنا يف فلسطني واملنطقة العربية. إن القدرة الحركية يف «فتح» وفكرتها أيضا تتجىل يف «التشاركية» حيث تؤمن بالعقالنية ال باألساطري والخرافات املمزوجة بسياقات فكرية، وتؤمن بالحوار واالختالف والدميقراطية ضمن معادلة الحرية وااللتزام 125
يف داخل التنظيم ،وهو ما أسس فيها للفكر «الوحدوي» الذي يجمع املؤتلفني واملختلفني معا يف إطار الثورة و(م .ت .ف) ثم يف إطار السلطة والدولة القادمة الذي وهو الفكر أو املبدأ الفتحوي الذي يرفض اإلقصاء واالستعالء ورفض اآلخر. إن حركة فتح يف سعيها ألخذ دور «فوق وطني-إنساين» تسعي ألن يكون لها موقع يف النسيج العريب واإلسالمي والعاملي من حيث دعوتها الشمولية لتحرر الفكر والثقافة وارتباطها البناء بالحضاري العريب اإلسالمي وإسهاماته املسيحية الرشقية ،الذي يتقبل اآلخر ويف نطاق تحقيق األهداف اإلنسانية الجامعة بالحرية واملساواة والعدالة والتقدم.
مكونات التثقيف الحركي والتعبئة
من املمكن أن نتعرض للثقافة وعملية التثقيف والتعبئة للشعب الفلسطيني ويف حركة فتح يف سياق 7أمور-: األول يتمثل يف :سعينا الدائب لتحقيق هدف وغاية النضال الفلسطيني املرحيل املتمثل بتحقيق مرشوعنا الوطني بالتحرير والعودة والدولة يف سياق النضال الثوري السيايس ثانيا :إن ثقافة الحركة ،والثقافة الوطنية الفلسطينية عامة هي ثقافة النضال الوطني الفلسطيني وهي ثقافة البناء ملكونات الوطن ،وهي ثقافة الجامهري بكل رشائحه ،ألنها ثقافة مرشوعنا الوطني ،وألنها ثقافة الكفاح واملقاومة بطابعها الجامهريي الشامل وليس النخبوي أو الضيق ،ما يستدعي برنامجا وطنيا متكامال إلمضاء ما أطلقنا عليه (الحرب الشعبية طويلة النفس) اليوم بصيغة املقاومة الشعبية الشاملة. والثالث :يتمثل يف بناء ونرش الفكرة والرواية التاريخية الحضارية التي متثلنا والتي تربز حقيقة التاميز (والتأكيد) بني إمياننا املطلق بأن أرض 126
فلسطني (التاريخية) لنا منذ األزل وإىل األبد ،وبني سعينا لحل واقعي يأخذ باالعتبار قواعد علم السياسية وفن املمكن ومتغريات اإلقليم. الرابع إن ثقافتنا يجب أن تكون ثقافة وعي وفهم وتصدي ومواجهة تواجه طبيعة االحتالل الصهيوين (االحتاليل اإلحاليل اإللغايئ لآلخر) الذي يحاول إلغاء وجود الـشعب الفلـسطيني عبـر تزويـر الحقـائق التاريخية والسياسية وعرب التكريس للوقائع عىل األرض ،وعرب طمس هويته الوطنية، وتشويه صورة نضاله ،وسلبه حقوقه املرشوعة أما خامسا فإن عىل الثقافة الفلسطينية والحركية خاصة أن تجهد يف بناء أو دعم طرائق تفكري علمية عقالنية ايجابية تحفيزية ابداعية يف عقول املنتمني للحركة بحيث يتمكنون من رفد الحركة بعطاءاتهم وبرامج عملهم اليومية ،وال يكونوا كام مهمال أو أرقاما يف سجل العضوية بال نفع، فدرب الثورة طويل وشاق وال يصمد فيه إال الرجال والنساء املؤمنون بيقني ،ال تخالطه شكوك برضورة التحدي والتضحية والنرص. ويف ذات السياق العقالين يتم دعم االنتامء الوطني فوق االنتامء الحزيب العصبوي الضيق ما يؤكد فكر حركة فتح الرحب الذي ينهد للحرية والحوار والدميقراطية ،وهو الفكر الوحدوي الجامع ،الذي يرفض التفرد أو الهيمنة أو الحرصية أو اإلقصاء لآلخر. سادسا أن بناء الذات والتعبئة والتثقيف يف حركة فتح يقتيض تكريس معنى الحياة التنظيمية الدميقراطية مبا هي التزام وحرية ،وتأكيد دور التنظيم األسايس بتحقيق االلتحام بالجامهري بكافة فئاتها ورشائحها ،وما ميتزج مع ذلك من مامرسة بث الوعي وخدمة الشعب ،ما يقتيض من التنظيم باآلليات املناسبة :تكريس مبدأ االجتامعات الدورية والدورات واللقاءات والندوات والثقافة الذاتية والجامعية للكوادر وللجامهري ،ما 127
يقتيض قيام العضو من تلقاء نفسه ببناء شخصيته بالعلم والعمل عرب التجارب والقيام بالنشاطات ،أي باملامزجة الفعلية بني النظري والتطبيقي، وبني ما يقوله ويفعله ،وبني الحرية املتاحة يف اإلطار ومنطقة االلتزام ،وبني ما ينتقده ويقابله مببادرة يجتاز بها الطريق النضايل الطويل ،كام يتجىل دور القناة التنظيمية الواجب بالبناء الكادري والجامهريي. سابعا :كام أن اإلميان بالفكرة ال يظهر إال بإتباعها قوال وعمال ،فإن قناة التعبري عن الفكرة والثقافة الحركية يجب أن تكون سالكة ،ويجب أن تكون مهنية ،ومتطورة بحيث تصبح هذه القناة أو الوعاء أو اإلطار أداة صالحة لالستيعاب و ُحسن االتصال ومامرسة القيادة واإلدارة والتخطيط والنقد ودقة املتابعة والرقابة. إن ركائز االهتامم يف الفكر الحريك ال تتمحور حول اإلميان بصحة الفكرة أو الغاية أو املبدأ فقط ألن املبادئ بدون أرجل ال تنترش ،واألفكار دون َح َملَة مشاعل يضيئون بها طريقهم وطريق اآلخرين قد متوت ،والفكرة مبا هي إنسانية إن مل تخضع للتجدد والتطور والتغيري يف ظل معادلة الثابت واملتغري منها فإنها مرشحة ألن يتجاوزها الزمن ،وهذا التجدد أو التطور من املهم للفكرة وحملتها أن يكون ضمن قنوات سالكة.
جامعة الفكر الفتحوي
الثقافة والتعبئة والرتبية التنظيمية يف حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» ترتكز حول «ذات الفكر الفتحوي» الذي ميثل النور الذي نحمله لفلسطني والعامل منطلقني بحافز النفس الطويل ،مبا يشتمل عليه من مضامني :تاريخية حضارية تعبوية جذرية ،ومضامني سياسية واقعية متغرية ،ووعي ثوري متجدد يأخذ تجارب كل الشعوب يف التحرر واالستقالل والثورة باالعتبار ،وأدوات فعل ثورية متطورة ما بني الكفاحي 128
واملقاوم والشعبي ،وإميان ديني مستنري ،وأسس تنفيذ إدارية قيادية علمية إنسانية ،وسياقات اتصال وتواصل دميقراطي ال ينقطع. كام أنها كفكرة أو ثقافة حركية من املهم أن تُفهم جليا ،ويف خانة أنه مهام غيرّ نا يف أثواب العرض لها ،فإننا من ّيزدوما فيها بني الثابت وبني املتغري، بني املطلق وبني النسبي ،يف بوتقة الصهر الفتحوي التي ال تكرتث بطبيعة االتجاهات الفكرانية (األيديولوجية) للمنتمني للحركة أو مبقدار اقرتابهم أو ابتعادهم عام يحملونه من فكرانيات (أيديولوجيات) ألن الكلمة الجامعة والنور املتجيل يف فكرة الثقافة الفتحوية لنا واألمة هي فلسطني التحرير واالستقاللية والوحدة ،وحركية الوسيلة (الوسائل) وبناء الكيانيّة يف إطار دميقراطي تشاريك حر يسعى للتقدم والعدالة.
العضو اإلنسان
َح َمل َة النور هم األعضاء يف الحركة ،لذا فإن التمحور يف عمل الحركة ينصب ملا فيه خري األعضاء ومطالب الجامهري املتغرية يف القادم يجب أن ّ سياق العمل النضايل. إن االهتامم بالعضو يجب أن يكون له األولوية عىل االهتامم (بالعضو يف اإلطار /املوقع /املركز) مبعنى التوجه يف بناء العضو الشخص املبدع ال العضو القائد فقط ،من حيث تنفيذه ملا هو مطلوب منه من الواجبات وما يقابله من اكتساب الحقوق التي تعني بحجم مشاركته باإلطار واملبادرة والفعل الجامهريي ،وما يقابله أيضا مام يحصل عليه من مكافأة أو مردود معنوي مح ّبب عىل إنجازاته ،تتمثل بالدور واملكانة واالحرتام استنادا ملا يقوم به العضو من فعل ضمن مقياس تنظيمي دقيق ،ال من منظور تبوئه ملوقع قيادي ما ،ببساطة فإن اإلنسان العضو هو الهدف وليس موقعه (أو منصبه) ،وعليه يصبح عبء إيجاد ومتابعة دور وعمل ومهمة ونشاط 129
لكل عضو مسألة ذاتية ،ومسألة حركية معا ال غنى عنها.
اإلطار أو القناة السالكة
ال ميكن أن تجري املياه بشكل سلِس إال عرب قنوات مفتوحة ،ومن هنا تأيت رضورة االهتامم الواجب يف حركة فتح باإلطار التنظيمي-خاصة باألطر واملكونات القاعدية -الذي يجمع األعضاء وينسق جهودهم ويتابع نشاطاتهم ويعبئهم ويثقفهم ويحفزهم ،وقبل كل ذلك يحافظ عىل ِ الصلة معهم يف ظل مركزية املتابعة والقرار ودميقراطية الرأي واإلبداعات. واإلطار التنظيمي إن مل يكن قادرا عىل حمل األعضاء نتيجة الخلل الذي قد يقع بأحد االتجاهني من أعىل إىل أسفل أو العكس يعني إما تجميد ِ الحراك والفعل الكيل ،أو التهرب والتكلس وظهور فكر السلبية واإلحباط والسوداوية ،ورمبا االبتعاد العدواين ،ومن هنا جاءت األهمية للمرتكزات الثالثة يف الثقافة الحركية أال وهي (الفكرة والعضو والقناة). ومن هنا تأيت رضورة إنشاء قناة موازية ومتقاطعة مع اإلطار التنظيمي، متقاطعة ألن عملها متداخل كليا مع عمل اإلطار التنظيمي ،ولكنها موازية ألنها تعمل بشكل تخصيص محدد عىل طول اإلطار التنظيمي من أعىل إىل أسفل بالتنسيق الثابت مع األطر فيام يتعلق بالرتبية والتثقيف الحريك وذلك عرب مركز أو معهد أو مؤسسة متخصصة بالتدريب وإعداد الكادر والتثقيف والدراسات الحركية. ويف إطار القنوات يجب أن يتعانق الفكري والسيايس معا ،كام يندمج الفني والرتبوي والتثقيفي بالقلم والفرشاة ولوحة املفاتيح ،مبا يشمله ذلك من شعر ونرث وقصة ومنشورات ومقاالت ودراسات وكتابات متعددة ورعاية الكُتاب والبحاثة والعلامء والشعراء ،وكذلك دعم الفنانني الفلسطينيني بكافة املجاالت أكانت نتاجاتهم لوحات فنية أو متثّالت فنية 130
عرب الحاسوب والشابكة (االنرتنت) أو دبكات أو أناشيد أو غناء أو صناعة الرشائط (األفالم) أو فرق متثيلية ومرسحية تعيد بعث الرتاث والفلكلور الوطني الفلسطيني واالهتامم به وحسن إبرازه ما هو دور وطني وفتحوي يف آن واحد ال يغنينا عن عمل فرقة تراثية أو فنية مركزية جنبا إىل جنب مع بناء مراكز أو لجان ثقافية يف كل األقاليم.
الثقافة والتجارب ووسائل االتصال الحديثة
إن العامل قد تحول اليوم من خالل وسائل االتصال الحديثة إىل قرية كبرية ،ال نستطيع من خاللها أن نفرض رأيا أو فكرة أو منهجا أو قرارا أن مل تكن مرتكزة عىل :مقدار ِصحة وصوابية الفكرة وفائدتها اتعكاسا عىل الواقع للفرد واملجتمع ،انها الفكرة املرتبطة بالغاية ،وبقدرة األعضاء عىل التعبري عنها ومتثلها وتطبيقها ،وعىل كفاءة اإلطار بآليات التدريب واالجتامع والتثقيف والتكوين التنظيمي التي إن أهملت أصبحت التجارب الحركية متناثرة وأصبح األعضاء كل يف واد. ومن هنا وجب التأكيد عىل أهمية (اإلطار /الوعاء /القناة) من حيث تحقيقه الحرتام الفرد لذاته ودوره وعمله الجامعي ،ومن هنا التأكيد عىل أهمية اإلطار من حيث الفرصة املتاحة له فيه للحوار والتعبري والحديث والنقد والنقاش بدال من أن يقيض الساعات الطوال ينفّس عن غضبه لعدم إعطائه الفرصة للتعبري يف وسائل التواصل االجتامعي عىل الشابكة (االنرتنت) مفرتضا أنه بذلك يقوم بدوره الحريك وما هذا إال النسداد أو عدم كفاءة أو عدم فاعلية القناة من جهة ،ولسبب األسلوب القيادي غري الفاعل بافتقاده قدرة االستيعاب واالحتضان أو بعدم تفعيله ألداة املحاسبة واملتابعة من جهة أخرى ،وأيضا لضعف إميان العضو واستهتاره بدوره الحقيقي يف اإلطارمن جهة ثالثة. 131
إن ثقافة حركة فتح يجب أن تدمج بني تجاربها األربعة الكربى :تجربة القواعد الثورية يف الخارج وتجربة املعتقالت يف الوطن ،وتجربة التنظيم يف الخارج مع النقابات والعمل االجتامعي ،مع تجربة التنظيم يف الوطن بشقيه الشعبي االجتامعي وشقه الثوري التنظيمي. ولتحقيق دمج التجارب يف آليات العمل التثقيفي يقتيض منا ُحسن التواصل امليداين أوال عرب االجتامعات الدورية الالزمة ،وعرب اللقاءات املتواصلة ،ثم بامكانيات استخدام الشابكة والتقانة العالية عرب فتح أسس التواصل الحر يف الفضاء االلكرتوين وما يقتضيه ذلك من إنشاء كلية أو مدارس أو معهد عرب تكوين سلسلة محارضات حركية (ودراسات وكتيبات ونرشات ورسائل ،ومنشورات) تجعل من التنوع الحيوي هدفا يدمج بني املريئ (استخدام اليوتيوب وأشباهه) والصويت (إنشاء أو دعم اإلذاعات عىل الشابكة=االنرتنت) وتسخري الصور والرسومات واملنتديات وامللتقيات واملواقع ،ووسائل التواصل االجتامعي كلها مبا يحقق مضامني الفكر الفتحوي ،وتحقيق ُحسن االتصال باالتجاهني ،وبناء شخوص حملة النور، خاصة يف قطاع األشبال والطالب يف الوطن والخارج. إن أهمية استثامر وسائل التواصل االجتامعي والشابكة ال تغني مطلقا عن رضورة العمل امليداين بل تُكا ِمله وتربِطه وتعرِضه ما دامت الجهة املقصودة يف تثقيفنا هي العضو ،لذا هو املع ِني فردا وجامعة بنرش فكر وثقافة ومواقف وسياسات الحركة للجامهري ،بكل فئاتها من فالحني وعامل ومناضلني قدماء وموظفني وتجار ،وأيضا من حيث السن من األشبال والزهرات وصوال للشبيبة ،إىل كل فئات املجتمع مبؤسساته ونقاباته املختلفة. كام أن للشابكة (شبكة االنرتنت) والعمل الجامهريي الحريك عرب الندوات واللقاءات والتنسيقات دور أسايس بتحسني شكل التوجه 132
للمؤسسات واألحزاب والتنظيامت يف املجتمعات خارج فلسطني.
القناة أو اإلطار
يظهر يف العمل التنظيمي يف املنظامت واألحزاب نوعان من األعضاء، عضو يهمل اإلطار فيعطله وعضو يتمسك بالقناة (اإلطار) إىل الحد الذي يرفض معه أي فعل من املمكن أن يتجىل خارجه ،وبالتايل يقمع فكر اإلبداع واإلمكانيات ،وهي نظرة حرصية تفرتض (االمتالك) للعضو من حيث هو منتمي للتنظيم فال يستطيع فعل يشء إال بأمر أو من خالل تكليف أو عرب االجتامع. إن ش ّدة التمسك باإلطار إىل الدرجة التي يصبح فيها العضو أسريا له ال يستطيع أن يتنفس خارجه ولو بكلمة شكر أو تعبري عن احرتام أو مبادرة أو إبداع خطر يكتنفه تحقق الجمود واالستبداد: 1 .1إن التمسك ذو الطابع االستبدادي باإلطار أو القناة يظهر من خالل: 2 .2التمسك بالقناة باعتبارها األداة الوحيدة لكل من الرأي السيايس والثقافة والقرار واملهمة (العمل) والثواب والعقاب ،ما قد يؤسس لالستبداد إن مل يخالطه ُحسن التواصل. 3 .3عدم االعرتاف بأي فعل وإن كان مثمرا وايجابيا ،إن مل يكن اإلطار صاحب القرار فيه. 4 .4التشدد يف التعامل مع العضو إىل الدرجة التي من املمكن أن يعاقب فيها ألي هفوة فيطرد خارج اإلطار إىل حد التجميد أو الفصل. 5 .5تقدم الجامعات الرافضة (أو األفراد املتذمرون) لإلطار سواء من شخص املسوؤل أو طريقة إداراته إىل تشكيل عالقات رسية موازية. 6 .6تقوم الجامعات التي تعترب أن حياتها تبدأ وتنتهي من خالل (القناة) 133
إما إىل انشاء أطر موازية بغرض التحدي أو ينفرط عقد األفراد فيبتعدون شيئا فشيئا عن اإلطار إىل درجة اليأس أو اإلنكار ما قد يؤدي لالنشقاق والخروج. النظرة الثانية ال ترى يف االطار أهمية وتتعامل معه بشكل هالمي مبعني أنها تستخدمه وتستغله فقط يف حالة الحاجة وال تكون الحاجة شديدة إال يف 3مواضيع رئيسية األوىل لغرض عقد مؤمتر والثانية لغرض عمل تظاهرة ما والثالثة لحل مشكلة مستعصية. إن النظرة االستغاللية لإلطار هي نزعة استبدادية تضيق ذراعا بالحوار وال ترى يف اآلخر موازاة أو مساواة تتيح له أن يناظرها ،أو ألنها تخاف منه فتتجنبه أو تقصيه. يقع االستغالل للقناة (اإلطار) ليس فقط من املسئول األول ،وإمنا قد يحدث من عدد من املنتمني فيه عرب تعمد إضعافه أو تصويره هزيال أو إدخاله بعقلية تخريبية يف قضايا ومشاكل هو يف غنى عنها فتشتت جهده ،إذ أنه بدل أن يتحول إلطار نقاش مثمر وتخطيط وتوزيع عمل وتثقيف ومتابعة وحوار يتحول إىل إطار مخصص فقط لتلقي الرضبات وحل املشكالت. قد تجد درجة أكرث تطرفا يف إهامل اإلطار أكرث من جعله هالميا أو منسيا أو موسميا وهي الدرجة التي يتم فيها التعامل معه مرة واحدة بني مؤمترين أو عمليتني انتخابيتني ورمبا فقط عىل الورق مبعنى إن األسامء الواردة أما غري حقيقية أوانها مجرد أسامء بال فعال ال باملايض وال باملستقل. الفكرة مهام كانت جميلة أو صحيحة أو مثمرة ال تنترش إن مل يحملها شخص أو أشخاص قادرين عىل نرشها بالتبشري والدعوة واالستقطاب لها. أصل الفكرة أن تُلهم ِ املرسل وتح ّركه فتهزه من األعامق ،وأصل الفكرة 134
عمق بحث أو تنوير ،أو رسالة تتبلور نتيجة الوعي والظروف املتغرية – أصل فكرة الرساالت الساموية مشيئة الخالق لتحقيق االستخالف بالهداية والتوحيد والعقل والدين والعمل – وهذا الرسول أو الناقل أو الحامل للفكرة إن استطاع بلورتها بشكل جيد ومن ثم إيصالها لغريه عندها فقط نستطيع أن نقول أن الفكرة خرجت من البرئ عرب دلو الرسول ماء سلسبيال يروي املتعطشني. ِ املستقطب شخصية محورية يف أي تنظيم – وإن الداعية أو املبرش أو كانت الدعوة واالستقطاب مهمة الجميع فال تنجح يف الواقع بها إال قلة – ألنه شخصية تتمتع مبواصفات جذابة يف البناء والعرض. ويأيت دور الوعاء أو القناة أو اإلطار ليشكل حاضنة أو مدرسة لل ُدعاة – إن سلمنا إن كل املنتمني كذلك أو مدرسة لألعضاء إن كان لهم أدوار أخرى مطلوبة. دور الوعاء يف اإلعداد يعني الرتبية والتثقيف ،إذ أنه يف ظل سيل املعلومات من خالل وسائل التواصل االجتامعي الحديثة قد يفقد اإلطار بريقه الرتبوي ما يحتاج من الداعية أو املنظر يف كل إطار إىل جهد مضاعف ليقدم الفكرة أو النشاط أو املهمة بشكل ابداعي أو متجدد أو ملهم يستطيع أن يحقق الجذب لألعضاء. والكن ال يقترص دوره عىل (اإلعداد) والتثقيف عىل أهميته ،وإمنا أيضا عىل اعتباره مساحة متاحة للحوار والتخطيط والنقاش كام هو لتلقي الرسمي من الوضع السيايس وبوابة االطالع عىل حقيقة األخبار التنظيمية، كام أن اإلطار يحتاج لبناء عالقات أخوية تأخذ باالعتبار القيم الخلقية من محبة واحرتام وتواصل يشمل أعضاء اإلطار ليمتد إىل األطر األخرى وإىل الجامهري. 135
من األهم ،العضو أو املؤتمر؟
إن كان املؤمتر -أي مؤمتر قيادي-هدف كل الكوادر (يف املساحة الجغرافية أو ضمن معطيات الحضور) مبعنى الحضور جسديا فكأننا نحصرُ الفكرة وتجلياتها بإطار محدد يتم تحميله أكرث مام يحتمل يف حقيقة الواقع املتطور بينام ما يجب أن ندعو له هو تعزيز فكرة الحضور للكادر بالرأي واملشاركة والتواصل سواء أكان جسديا حارضا أم ال (جنبا إىل جنب مع التثقيف الذايت والجامعي ضمن اإلطار وخارجه دوريا) ملاذا نقول ذلك؟ ألن الفكرة أو الرأي أو الفعل يف ظل وسائل التواصل اليوم قابلة للوصول والتبني من عدمه ،بقدرتها عىل النفاذ شاء الشخص يف املوقع رصح بذلك أم رفض املتقدم أم رفض ،وتؤثر فيه أ ّ إمنا السؤال اآلخر هو :ما إمكانية أن نصل إىل مرحلة نستطيع بها أن نحول الفكرة -أي فكرة صالحة -لدى الكادر لتصبح تسري عىل األرض؟ إن مل نكرسها أوال! الفكرة تتفاعل مع غريها ،فتزيد وتنقص وتتعدل ،لكنه يف ظل هيمنة فكرة «التقليص» ال «التوسيع» يف عدد الحضور املشارك يف املؤمترات القيادية يف التنظيم-أي تنظيم ،فإن علينا أن نجد حال؟ ألنه تطغى اليوم «الفرضية القدمية» التي تقول أن الحوار والثقافة والقرار ال يتخذ إال باإلطار فقط (املؤمتر /اللجنة العليا /القيادة أو اإلدارة العليا /اإلطار)؟! بينام يف حقيقة األمر أن هذا الشكل القديم التخاذ القرار ،أي أنه 136
يتخذ فقط باللجنة (اإلطار) قد تجاوزته ال ِتقانة الحديثة ،كام تجاوزته قدرات اإلبداع والتغيري ،وتأثريات املحيط يف الحركات الشبابية واملبادرات الكادرية يف التنظيم السيايس واملجتمعي التي فرضت نفسها عىل طاولة صاحب القرار أو فرضت نفسها عىل جدول أعامل أي مؤمتر املعنى أننا يجب أن نفكر معا كيف نوصل فكرنا ورأينا عرب العمل عىل األرض ،ما هو أوىل من أن نغرق يف قصة هل لنا مكان يف مؤمتر اإلقليم أو املنطقة أو املؤمتر العام. ألنه دون تكريس عمل عىل األرض :مبادرة وعطاء وعمل يومي، وإنجاز ،فإن الفكرة املهيمنة ستظل فكرة الحرص للقرار (والنفوذ) يف نطاقه الضيق ما هو معاكسة للعرص والتقدم الحاصل ،ما يقابله فكرة املظلومية واإلنحسار واالبتعاد والسوداوية ملن ال يضُ مه إطار محدد خاصة إطار علوي وباألخص يف املؤمترات (أي يف قمة الهرم التنظيمي) إن األصل يف الثقافة الحركية يجب أن تكون ممثلة يف :بناء العضو من حيث هو عضو ،إنسان ،واالهتامم بأن يقوم بواجباته أوال ليصبح عضوا نشطا فاعال وليتحمل مسؤولية مطالبته بحق إسامع رأيه بعد أن يكون قد استطاع املرور مبرحلة بناء الذات -التي ال تنتهي -فبناء الذات مسرية متصلة يتعاضد فيها دور العضو مع التنظيم ويتكامل إن أهمية العضو ال تأيت من وجوده يف قمة الهرم التنظيمي إطالقا وال يجب أن تأيت من حضوره يف مؤمتر أو عدم حضوره له ،كام ال يجب أن تأيت من مقدار نفوذه داخل اإلطار املعنى مطلقا؟ فالكثري ممن هم باألطر ومن النافذين ال يزعجون عضوا أو برشا وال مبقدار جناح بعوضة ألن ما يفعلونه أو يقولونه هراء ،وإن أثر يف جامعة وقرار ما 137
إن العمل الباقي يف األرض ويف فلسطني ويف حركة فتح هو العمل النافع لفلسطني أوال ما نحتاج منها هي أوال وسام البطولة أو وسام التحدي أو وسام املحبة. ثم إننا نحتاج العمل لتسليك القنوات التنظيمية لتصبح مفتوحة مبقدار طلب إسامع الرأي ومبقدار رضورة التثقيف ومبقدار الفعل اليومي الذي يجب أن نقوم به بال كلل ،ومبقدار تواصلنا اليومي واألسبوعي يف اجتامع يضمنا ويقرب أفكارنا. إن العضو بأهمية ما يفعل ،ويقدم لله ما هو لسعادته يف الدنيا واآلخرة ،والعضو مبقدار ما يقدم لفلسطني وحركة فتح وإرضاء لضمريه الحي ،ال يهمه فساد الفاسدين-الذين يقاومهم ويصارعهم حتام -ويسري واثق الخطوة أبدا.
العضو الجندي والعضو امللك
هل يأيت عىل التنظيم السيايس يوم من الدهر يتعامل فيه مع العضو عىل أنه (القيمة) الحقيقية وأنه (رأس املال) الحقيقي للتنظيم وأنه (امل ُك ّرم) و(املستخلف)؟ وهل يأيت عىل التنظيم يوم من الدهر يتمكن فيه العضو العادي أن يفتخر أنه «لصوته» دو ٌر يف تقرير السياسات وأن «لرأيه» اعتبار وأن «لنشاطه» «تقدير» ،وأنه يستطيع أن يحقق يف إطاره «املكانة» التي يبتغيها من خالل قيامه «بالدور» الذي يرتئيه واملتوافق مع ذاك الدور؟ نكاد نجزم أن الفرتات التي كان يعترب بها التنظيم «وقود» الثورة مبعنى «املجاميع» التي يتم تحريكها دون إرادة منها أو مشاركة ،قد وىل؟. ونكاد نقرر أن العرص الذي كان يتم النظر فيه إىل العضو أو الفرد يف الجمهور باعتباره «مادة» الثورة قد وىل؟ فاملادة واملجاميع والوقود ت ُعامل 138
مع ُجموع كأنها واحد وتعامل مع حشود ال جامهري تفكر ولها مطالب وآراء من الرضوري أن توضع يف امليزان. إن العرص الذي كانت فيه الفكرة تلتمع برأس (املفكر) أو (القائد) أو (امللهم) أو املدير الجهبذ مل تعد قادرة عىل الصمود لتمثل معنى اإلبداع الحرصي ،فكل شخص ميتلك االمكانيات والقدرات ويتعب يف بناء ذاته من املمكن أن يصبح مفكرا أو مبدعا أو إيجابيا أو منفّذا أمينا أو ُملهام يف أعامله وأفكاره لذاته ،وملهام لغريه .،أي أن اقتصار الفكر واإلبداع واإللهام عىل فئة محددة تشري إىل املجاميع /الجامهري مبا هم كتلة صامء هو عرص قد وىل. إن أهمية املجموع الواعي مبعنى الهيئة العامة للتنظيم أو مبعنى الجامهري لحزب أو مؤسسة مفهوم قابل للحياة يف إطار احرتام الحزب بقوانينه وتياراته وهياكله ونشاطاته دميقراطيته للعضو ،وللشخص ،وهي أهمية تقتيض إعادة النظر يف التعامل مع أعضاء الحزب من أنهم كتلة صامء أو مجاميع أو حشد أو مادة إىل التعامل مع كل منهم كإنسان ذو قيمة يشكل رأسامل التنظيم أو الحزب وهو املك ّرم ألنه املستخلف عىل أمانة التنظيم بعدنا. أما أهمية العضو التي يجب أن تُصاحب الهيكل /اإلطار التنظيمي من أسفل إىل أعىل أي من النواة األوىل مبعنى الخلية أو الشعبة فتربز من خالل طريقة النظر للعضو ثم طريقة التعامل معه فال يعاين من االرتباك أو الخشية أو اإلهامل أو التجاهل كام ال يجب أن يعاين من الظلم واالستبداد واإلقصاء.
139
آليات تمكني العضو
إن النظرة الصحيحة للعضو تأيت من خالل متكينه عرب سلسلة من الخطوات كالتايل: 1 .1أن ميتلك املعلومات عن الوضع السيايس بشكل دوري ،من إطاره. 2 .2أن يُن ّمي ذاته ويطور قدراته بنفسه :بالتجربة والقراءة والتطبيق، وبالحث واملتابعة لذلك من إطاره. 3 .3أن ميارس حقه بإبداء الرأي بحرية تامة داخل إطاره. 4 .4أن تُسند له األعامل والنشاطات وامل ُهامت التي تتناسب مع قدراته ويقتضيها الحدث. 5 .5أن تتم مساعدته بأن يُقدم من وقته ومن جهده ومن ماله اشرتاكه الدوري يف سبيل التنظيم والعمل. 6 .6أن يطرح أفكاره ومشاريع عمله ويشارك يف صنع الخطط والقيام بالنشاطات يف إطاره-خليته /شعبته /لجنته. 7 .7أن يقدم املقرتحات والتوصيات ومشاريع العمل عرب إطاره لألطر األعىل ويتلقى الرد أن سلبا أو إيجابا دون إهامل أو تقصري أو استهتار. 8 .8أن يتعلم كيف يفكر مبنهجية التنظيم وأسلوب عمله ،بان تصقل شخصيته بالندوات والدورات والتدريب والتكليفات. 9 .9أن يحس بأنه مثني ،وأنه محرتم وأنه يكافأ إن أحسن ،ويجازى بالقانون إن أساء. 1010أن الحد األدىن ملامرسة العضو الفاعل التي تستجلب رضاه الذايت ورضا التنظيم ،ورضا الله سبحانه قبل ذلك ،أن يعرب عن فكر 140
التنظيم وقراراته بال مواربة ،بل ويفتخر بذلك .وان ينتقد يف اإلطار، ويف املقابل أن يُصان رأيه فال يُسفّه ،وأن يتم إرشاكه يف القرارات املصريية داخل شعبته أو إقليمه أو يف الحركة عامة ،ويتم ذلك وحسب النظام بواحد من طرق ثالثة :إما عرب صوته يف االنتخابات أو عرب تنفيذه للقرارات وقيامه بالنشاطات التي يُثاب عليها ،أو باالحرتام واالعتبار لرأيه مهام كان مخالفا ما دام ملتزما بآداب الحوار والحديث ويف إطاره ال عىل صفحات «الفيسبوك» وغريه من وسائل التواصل االجتامعي عرب الشابكة ،أو يف الشارع.
عدد أم دور ومكانة
إن قيمة العضو ضمن (املجاميع أو الحشد أو الكتلة الصامء) هي احتسابه عددا يُضاف لألعداد األخرى ،أما أهميته ضمن التنظيم أو يف إطار الجامهري فتتجىل بأن له دور محدد (عمل ومهمة وتكليف )...وله مكانة وله رأي محرتم والفرق بني منهجي التفكري كبري ،كالفرق بني الخادم اململوك الذي ليس له من أمره شيئا وبني السيد الحر املالك ألمره فاألول عبارة عن منفذ أمني بال عقل وال روح والثاين هو املنفذ األمني ولكن بعقل وإميان وروح .ولسنا يف هذا الزمان ممن يقبلون ألنفسهم أو لغريهم التس ّيد عىل أحد وكام قال الله تعإىل (وجعلناكم ملوكا-املائدة )20مبعنى أحرار كام جاء يف اآلية الكرمية. إن الفكرة العظيمة تظل حبيسة العقل إن مل تجد لها قنوات أو دعاة مبرشين يستطيعون أن يحملون عبء هذه الفكرة .وهنا يأيت دور العضو األسايس ،فهو إن كان مؤمنا اميانا يقينيا بالفكرة والهداف بذل يف سبيل تحقيقها الكثري من عقلة وجهده وإمكانياته ووقته بل ومن ماله ،وليك تستطيع أن متتلك عقول وقلوب الناس واألعضاء فعلينا أن نحقق معادلة الحرية واالحرتام والدور. 141
إن الحرية للعضو تتجىل يف إتاحة املساحة الكاملة له يف إطاره التنظيمي «الذي يجب أن يكون موجودا وإال أصبح العضو يرصخ خارجه وحينها يصبح اللوم موجها ليس له وإمنا للمسئولني» ليقول ويصول ويجول يف إطار التزامه الكامل بالفكرة والقانون والقرار ،ويف إطار سعيه لخدمة الفكرة والقرار والقانون.
االحرتام الواجب للدور
معبا عنه باملهمة (العمل أما االحرتام الواجب فهو بان يكون «الدور» رّ أو النشاط أو التكليف املوكل به) الذي يتعاطى مع قدراته وإمكانياته ورغباته مبا ال يتعارض مع برنامج اإلطار وقرارات الحركة ،وكام يكون االحرتام للدور بالعمل والنشاط املقياس الحقيقي لاللتزام العضو فإنه أيضا يُعرب عنه مبقدار تحليه بالقيم السامية واألخالق الحسنة فكيف استطيع أن أطلب من الجامهري أو األعضاء أن يحرتموا عضوا شغوال نشيطا قد ال يباريه احد يف نشاطه ولكنه يسء الخلق جايف الطباع شتّام ل ّعان ورمبا كذاب (حديث الرسول عليه السالم). ومن هنا يصبح االحرتام مرتبطا بالعمل نعم وباألخالق ثانيا ال انفصام بينهام ،اذ أنني ال أتعامل مع جهاز الحاسوب الذي ال ميتلك قيام أو أخالقا فهو يقوم بالعمل بدقة وأمانة رمبا أفضل من كثريين ولكنه مادة أو أداة، وما العضو يف التنظيم بأداة أو مادة إنه إنسان يُحرتم إلنسانيته ولعمله وألخالقه وملدى التزامه يف قياس واجب الوجود يضعه الشخص لنفسه ويضعه التنظيم لكل عضو لديه ليتحقق ماذا فعل يف يومه ويف أسبوعه ويف شهره فيحاسب نفسه يوميا عىل العمل الخيرّ وعىل االخالق فال يخرج من يومه إال وكفّر عن سيئاته وع ّدل من مسلكه ومساره ،وأعاد نفسه بثوب جديد. 142
قلنا أن معادلة العضو واحتسابه فاعال يف إطار التنظيم تتحقق مبقدار الحرية املمنوحة حسب النظام وباالحرتام الذي يجب أن يحظى به، وبالدور الذي يجب أن يسند إليه يف رداء األخالق الثورية الكرمية.
حُ سن االتصاالت
إن االحرتام و ُحسن االتصاالت بني األعضاء يف اإلطار وعرب األطر أفقيا وعموديا يف الهرم التنظيمي تجعل العضو يحس أنه محرتم أمام نفسه ومحيطه ويف التنظيم ،وأن ما يقوم به له التقدير ،ومبا يجعله يشعر بالثقة واالهتامم فال يضطر ألن يخرق انضباط العمل التنظيمي فيجد نفسه يغني خارج الرسب وال يتأىت ذلك إال بأن يصبح التنظيم بحق راعيا للمبادرات وحفزا للنشاطات ومشجعا للطاقات. إن الحرية واالحرتام واملكانة للعضو يف التنظيم مع كل ما سبق ال تتعارض مع العمل املوحد أو العمل املشرتك أو العمل التعاوين الذي يجب أن يكون بني أعضاء الفريق الواحد (يف أي إطار أو لجنة) وألن الناس خلقوا مختلفني وتتعدد بيئات نشأتهم لزمت عملية البناء الذايت والتنظيمي والسيايس والفكري والقيمي-االخالقي التي تجعل من األعضاء بقناعة تامة صوتا واحدا ،ويدا واحدة وجسدا واحدا يف مواجهة العدو، ويف مواجهة األخطار ،ويف مواجهة الخصوم مع الفوارق يف توقيت وشدة املواجهة فقط.
جنديّ وملك
إن معادلة (أش��داء عىل الكفار رحامء بينهم) تستدعي أن ينىس الشخص أمام املخاطر تحفظاته أو انتقاداته أو انتكاساته ويضع يده بيد من اختلف معه إلزالة ال ُغ ّمة وتجاوز املشكلة ،وهنا يصبح العضو عبارة عن جندي يف رسية أو كتيبة من كتائب الحق التي ليس للعضو فيها إال 143
السمع والطاعة واالنضباط وااللتزام. إن تبادل األدوار للعضو بني أنه (ملك-حر) وأنه (جندي-ملتزم) يف لحس كبري باملسؤولية قد ال يستطيع أن يدركه ويعرفه ذات الوقت يحتاج ّ ثم يطبقه إال صاحب اإلميان الساطع والثقة الكربى وحامل األمانة املكرم الذي يستشعر أنه وأي كان داخل اإلطار مهام عال أو تساوى أو كان يف إطار أدىن منه هو يضع عىل كتفيه ثقال كبريا يجب أن يقوم به وال يقرص أطلب منه ذلك أو مل يطلب. نعم إن عىل التنظيم السيايس يف هذا الدهر أن يتعامل مع العضو عىل أنه (القيمة) الحقيقية وأنه (رأس املال) الحقيقي للتنظيم وأنه (امل ُك ّرم) و(املستخلف)؟ وعىل التنظيم يوم يف هذا الدهر أن يتيح فيه للعضو العادي أن يفتخر أنه «لصوته» دو ٌر يف تقرير السياسات وأن «لرأيه» اعتبار وأن «لنشاطه» «تقدير» ،وأنه يستطيع أن يحقق يف إطاره «املكانة» التي يبتغيها من خالل قيامه «بالدور» الذي يرتئيه واملتوافق مع ذاك الدور؟ لدى السيايس تصبح الثقافة فعال رضوريا ألنه معني مبخاطبة مساحات واسعة ومناذج متنوعة وجامهري ذات اهتاممات وتطلعات متعددة .مهام كان جامعها (قضية) موحدة فإن احتياجاتها ال تشكل عندها أمرا ثانويا وإمنا مرتافقا مع نداء الواجب. ولكل شعب أو تنظيم أو جامعة ثقافتها التي من املحقق امتالكها لعدد من املقومات هي :التعدد والتنوع ،االنفتاح واالستفادة من اآلخر، العراقة والتجذر والرتاكم ،واألهم من ذلك كام يسرتسل الخويلدي الرباط الجامع وتأسيس املشرتك ،والتقريب بني وجهات النظر املتباينة ،وأيضا تحقيق التواصل ومد الجسور بني األجيال ،والتجاوز والتسامي عن 144
الخالفات واألمور الجانبية. جندي ٌ وملك ،حر ومنضبط( .وجعلناكم إن ابن التنظيم الحق هو ٌ الس َم َو ِ ات َواألَ ْر ِض- ملوكا-املائدة )20 :أي أحرارا ،وكونه جنديا ( َولِلَّ ِه ُج ُنو ُد َّ الفتح )٤وجنود األرض هم املؤمنني ،أي أن العضو الحق ميتلك الحرية (بالحوار والتعبري والنقد) يف إطاره ،وهو مؤمن بالفكرة ملتزم بعمله ينفذه مبحبة وحامسة
عندما تمطر االنطالقة بسواعد الشباب
مبناسبة انطالقة الثورة الفلسطينية ،وانطالقة حركة فتح استوقفتني 5مشاهد ذات مؤرش ايجايب عىل متغريات الفكر الفتحوي ،والحالة التنظيمية والسياسية تحتاج لقراءة أكرث ولدراسة وتعمق األوىل أن هناك عددا من الشباب قد بدؤوا يرتبطون بالقيادة الفتحوية بشكل ايجايب عرب التسمي بأسامء الشهداء منهم ،وأن عىل مواقع التواصل االجتامعي ما يؤسس لرضورة القراءة والبحث واالقتداء بهم باالستدالل. والثانية أن هناك جيل جديد يك ّرس ه ّمه للعمل فقط دون جعجعة أو تكاسل أو احباط ،ما هو سمة حركة فتح التي قدمت العمل باملبادرة والتواصل واإلب��داع ،ورأيت من هؤالء مشاريع دعم لفئات عديدة يف املجتمع من فقراء ومسنني ،عدا عن مشاريع مفرحة حقا موجهة لألطفال أو ملقاطعة البضائع من املستوطنات ما قالوه ونفذوه. واملشهد الثالث هو إنشاء عدد من الكوادر الفتحوية وخاصة من الشباب والشابات ملؤسسات وجمعيات ولجان وحمالت تطوعية ناجحة يف فلسطني تدلل عىل رغبة العطاء ليس داخل الحركة فقط وإمنا لكل املجتمع الفلسطيني. أما املشهد الرابع فكان هو بروز عدد من الكتّاب الشباب من الحركة 145
الذين نجحوا بأن يحفروا أسامءهم يف سجل الصحافة واإلعالم والحركة، وهم من ذوي التفكري العلمي والنقدي االيجايب ،أو االبداعي التعبوي يف كل من قطاع غزة والضفة وأيضا من الخارج. أما املشهد الخامس فكان حجم الفرح امل َع رِّب عن االنتامء الذي الحظته لدى قطاع كبري من الكادر ومن الشباب مبسرية الدميقراطية واالستنهاض الحريك الداخيل – عىل ما لدينا من انتقادات كثرية عليه – وعىل عقد املؤمترات التي رأوها اسرتجاع لدور الحركة والحركيني يف أخذ زمام أمورهم بأيديهم بالتواصل واملشاركة الفاعلة. إن اإلمساك بالقلم واملعول كام اتخاذ القدوة والعمل املنظم املثمر، واالنتامء باملشاركة من املشاهد النابضة بالحياة التي سطّرها الشباب اليوم الذين يرسمون شكل السحابات املاطرة يف بستان حركة فتح وفلسطني اليوم وغدأ. إن االنطالقة مشعل نور لتحرير كل فلسطني ،وهي قنديل أمل ييضء درب الفدائيني ،وهي صفصافة شابة صامدة يف مواجهة عتو الرياح ،وهي خندق مواجهة للواقع االحتاليل الفاسد ،كام هي الخالصة لقوة االستمرار الثورية األكيدة التي أنتجت مزيج الثبات عىل املبدأ والوحدة الوطنية ،ما نحدب عىل تكرسه يف فعل وفكر ونفس الشباب لتظل النار وقادة.
146
اخلطاب مبناسبة اليوبيل الذهيب االنطالقة ال 50للثورة الفلسطينية العمالقة وحركة «فتح» (((2
تنسج من خيوط الليل املسبلة ضياء يف البدء تجلت فلسطنيُ ... الروح ...ولهباً وعواصفا و ِعزة أنا قد كرست القيد قيد مذلتي /وسحقت جالدي وصانع نكبتي (((2 ونسفت سجني وانطلقت عواصفاً /لهباً يدمدم تحت راية ثوريت يف الجو املشحون واملأزوم واملضطرب املم ّهد للنكبة الكربى يف تاريخ األمة ،يف هذا الجو امللئ بحصاد من الرش املحيط باملنطقة العربية عانت فلسطني األم ّرين من االستعامر والتهويد معا ،مع ما القته من االستهانة السابقة من الحكام العثامنيني ثم العرب ،إىل ان أوقعت بريطانيا فينا -22الكلامت يف املهرجان يف مدينة برلني كانت لألخوة عوض حجازي ومحمد بركة والسفرية خلود دعيبس ،وكلمتنا هذه بني أيديكم (أعيد صياغتها مبا يتناسب مع طبيعة كل مهرجان من حيث الطول والقرص) ،وكلامت لعدد آخر من األخوة الكرام يف الفصائل العربية والفلسطينية واملتضامنني يف برلني ،ثم يف املهرجان يف مدينة كريفلد يف الغربـ، ومن ثم عقدت ندوة للكوادر يف فرانكفورت يف اليوم التايل. -23من أناشيد الثورة الفلسطينية من تأليف األخ سليم الزعنون ،عضو اللجنة املركزية لحركة فتح
147
وبالتعاون مع العصابات اليهودية نكبة فلسطني عام ،1948وبذا متكنت صهيونية هرتزل أن تحصل عىل األرض والشعب (يف أرض فلسطني) ،وأن تحصل عيل الحق القانوين (الرباءة) من قبل األمم املتحدة بإنشاء دولة لليهود من أجناس وقوميات شتى ألول مرة لهم يف التاريخ يف أرضنا نحن أرض فلسطني التي مل تطأها أرجل هؤالء أو أي من أسالفهم أبدا.
مناخ الفشل العربي
يف هذا الخصم املتكالب تنازعت الحركات واألح �زاب الوليدة يف املنطقة العربية أمنيات وآمال الوحدة العربية ،ورغبات البناء األممي االش�ترايك ،وأحالم الوحدة اإلسالمية ،فقامت تنظيامت وأح�زاب عدة انشغلت بشعاراتها وبنائها النظري الفكراين عن حقيقة امليدان وآالم الناس وطموحاتهم ،فأعاشت األمة والشعب الفلسطيني يف دوامة االختيار ما بني مشاريعها املتعددة بعيدا عن فلسطني كأولوية ،هذه املشاريع التي فشلت جميعها فيام لحق منذ زمن (الشيوعية والقومية العنرصية واإلسالموية). يف مناخ النشأة املمهد لحركة فتح ،رفعت األنظمة العربية الضعيفة حديثة النشأة املرتبطة باالستعامر -رغم التآمرات الغربية والدولية-رفعت راية الفشل مبكرا عرب إشهارها سيف األحالم الوردية (القومية العنرصية، واإلسالموية والشيوعية األممية) ،إذ جعلت الهدف كبريا جدا ليك يعيش اإلنسان العريب يف بحرها املتالطم ،وال يدرك حقيقة أن الشعار العميل مبقدار حاجته ،ومبقدار قدرته عىل التحقيق .وعندما حكم هؤالء دوال يف املنطقة يف ظالل سيوف األحالم الوردية أوقعوها يف ظلم الحزب وساديتّه واستبداده تحت غطاء شفاف وكاشف اسمه تحرير فلسطني. فشلت األنظمة العربية يف عالقتها القضية الفلسطينية خاصة يف أمرين، 148
األول :فشلت أن تطمس الشخصية الفلسطينية والكيانية املوحدة سواء عرب الشعارات الرباقة التي روجت لها ،أو عرب االغراءات والتهديدات ،كام فشلت ثانيا في كسر الإرادة الفلسطينية الوطنية التي عبرت عن ذاتها من خارج الأحزاب وخارج الحكومات الرسمية فكانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح. يف ظل فشل األنظمة ظهر الثوريون بجالء كجمال عبد الناصر، وهواري بومدين فانترص االثنان للشعب وللقضية ورصخا طويال معلنني صعود نجم «الظاهرة النبيلة» ،وقال الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين معلنا ذلك للحكام العرب يف أحد املؤمترات العربية غاضبا :لكم أن تنظروا لفلسطني كصاعق التفجري يف املنطقة ،أو تعتربونها قبلتكم ،وأنا أرى أن ليس لكم إال أن تدعموها ألنني مع فلسطني ظاملة أو مظلومة. ورد عليه أمري الشهداء خليل الوزير بالقول :أن من يتخذ موقفا مؤيدا أو يرمي حجرا تجاه االحتالل الصهيوين فنحن نحبه ،فكيف مبن يفعل أكرث من ذلك؟
الشخصية الفلسطينية ثالثية الصفات
كانت ظروف النشأة لحركة فتح ممتدة لجذر الهيمنة االستعامرية االنجليزية عىل فلسطني ،فاستفادت الحركة من كافة الثورات منذ العام 1919فصاعدا وخاصة من ثورة 1936ومن تجربة الشيخ عز الدين القسام ومن تاله من كبار القادة املجاهدين ،فأنشدت أنا قد كرست القيد قيد مذلتي كام أنشدت(:((2 ُمرسبالً بك يا جراحي سقطت عىل الرتاب أنا إن ُ ومال يف جنبي سالحي وتدفقت مني الدما ُء -24من أناشيد الثورة الفلسطينية وحركة فتح ،منذ البدايات
149
وتلقفت جسدي الطيو ُر الحامئات عىل البطا ِح فيا أخي أمتم كفاحي هذا طريقي يف الكفاح كام كان للهجرة اليهودية ومامرسات العصابات الصهيونية ،وما قامت به من اقتالع وإرهاب وقتل أن أدى إىل مقاومة شديدة باسلة ،بينام المسرح كان قد تهيأ والقتلة اقتسموا دماء الفريسة ما أدى إلى طرد ولجوء وإحباط وحالات يأس ،لكنه مع ذلك حفر في عقل الفلسطيني عميقا عقيدة العمل لانتزاع الأمل وليس الأمل بلا عمل. إىل ما سبق كان للهجرة اليهودية ،وما قابلها من اقتالع ولجوء وإحباط أن ُح ِفر يف عقل الفلسطيني عقيدة العمل النتزاع األمل وليس األمل بال عمل. يقول الله تعإىل يف محكم التنزيل ضمن 550آية تحث عىل الفعل والعمل ﴿وقل اعملوا فسريى الله عملكم ورسوله واملؤمنون﴾ (التوبة: )105ما استقر يف الخلفية الدينية-الثقافية للمؤسسني والرواد الثوار ،ويف حركة فتح كمبدأ الحقا. ويقول الفيلسوف االملاين «فيخته»( :إدراك النفس لذاتها ولقدراتها بعد توعيتها ال ميكن أن يتحقق إال من خالل مقارنة بني الذات ونقيض الذات أي بني النفس والخارج ،كام انه ال ميكن أن يتحقق دون اعتامد الذات عىل مقاييسها التي فطرت عليها واإلميان بها والثقة بإمكانية استثامرها). من هذا الواقع األليم ،وب ُحسن اإلدراك قرر الفلسطينيون وحركة فتح ضمن الطليعة املناضلة ،أن تكون الشخصية الفلسطينية متكاملة التكوين بعيدة عن اإلحباط والسلبية والشاشة السوداء ،وبعيدة عن الشكوى واالندحار ِ والذلّة ،فبنيت الشخصية التي تش ّمر عن ساعد الجد ،املعتمدة 150
عىل ذاتها من خالل البيئة الطاردة يف املخيامت التي جعلت من األهل يسعون جاهدين لدفع أوالدهم ليحققوا أحلامهم عبرهم من خلال تعليمهم وإن عروا وأفقروا ومنعوا اللقمة من افواههم وظل مفهوم التعليم هذا ثابتا في الشخصية الفلسطينية حتى اليوم. أما ثانيا وكثمرة لهذا البناء االبداعي املقاوم لظروف القهر فلقد اعتمد أبناء املخيامت عىل ذاتهم بأن انساح كثير منهم في الأرض يبحثون عن لقمة العيش الكريم بعيدا عن بطاقة اللجوء ،ويبنون ذاتهم ويدعمون عائلاتهم في الوطن أو الجوار حيث مخيمات اللجوء ،ويف نفس الوقت يسهمون بعلمهم وعملهم ببناء دول األمة الناشئة ما كان لهم به أيادي بيضاء. أما ثالثا فلقد استطاعت الابداعية الفلسطينية وحركة فتح إن تنقذ الشخصيته الفلسطينية من الذوبان في المحيط الأكبر ،وتنتشلها من محاولات طمسها ببعث القاعدة النضالية الوطنية فيها بالتكرس وأعطاء الاولوية والتخصص في الكفاح الموجهة أساسا لفلسطين لا لأي قضية (كبرى) أخرى.
التجارب الثورية
احتضنت حركة فتح منذ أواخر الأربعينيات وعلى الفترة العشرية الممتدة من 1957-1947تجارب الشعوب العربية الثورية كلها (الثورة المصرية /الجزائرية /التونسية) وتجارب الشعوب الآسيوية (الصينية /الفيتنامية /الكورية) وتجارب الشعوب الامريكية (الثورة الكوبية) ،وألحقتها حديثا بتجربة جنوب افريقيا ،كما استمدت عمقها الحضاري العربي الإسلامي من انتمائها الأصيل الممتد في عمق تاريخنا القديم والحديث ليس فقط منذ وقع الشيخ عزالدين القسام أوراق 151
اعتماده كأول مفكر تنظيمي وصاحب مدرسة العمل المرتبطة بالتعبئة والتحريض على النضال ،وإنما منذ ان قام الشريف ظاهر العمر الزيداني يف القرن 18بإنشاء أول دولة فلسطينية يف فلسطني وما حولها يف سابقة نشؤ دولة متكاملة مل يكن مثيل لها عند ال ُدخالء القادمني من شتى بقاع األرض ينهبون ما ال ميلكون وال ميتون له دينيا أو تاريخيا بصلة. لقد استطاع يارس عرفات وخليل الوزير وأبو اياد صالح خلف وخالد الحسن وأبو ماهر غنيم وأبو اللطف وسليم الزعنون وكامل عدوان وأبو يوسف النجار ومحمود عباس وزمالئهم الكثري من الرواد ،ومن تالهم ،أن يص ّوبوا بدقة فأصابوا الهدف ،إذ ربطوا مجموعة من العالقات املؤثرة مع كل من الزعامء :تيش جيفارا وماوتيس تونغ وامللك فيصل بن عبد العزيز وهواري بومدين وجامل عبد النارص و«هويش منه» والجرنال جياب. قال ياسر عرفات لـ«هوشي منه» قائد الثورة الفيتنامية ذات يوم :لنا الشرف أن نلتقي ونتعلم من قائد أعظم ثورة في العالم .فرد هوشي منه قائلا :بل أنتم أعظم ثورة في الحقيقة لأنكم تديرون الثورة في منطقة النفط ،وهي الأشد حساسية في العالم. صنع القادة وال��رواد األوائ��ل ثورة ،تنقلت عىل بساط الريح-وإن بصعوبة -عرب املراحل بوعي عميق للتجارب تداخلت فيها شتى الرصاعات، وتنقلت بني التاريخ والواقع املتغري بذكاء التنقل بني حقول األشواك واختيار أدوات الفعل النضايل.
املراحل والتجاوز
يف البدء :كانت السامء حدو َدنا الدنيا ،إذ كلّمنا الغيامت والقمر وخطبنا ود الكواكب فتنقلنا بني املشرتي واملريخ. منل من نكل أو ّ ويف مرحلة املد الثوري والعنفوان الجامهريي مل ّ 152
استخدام كافة أشكال العمل العسكري ل ُنس ِمع صوتنا للقايص والداين وحتى من به صمم ،مصداقا لقول شاعرنا العريب الكبري أبو الطيب املتنبي: َـت كلامتـي مَـ ْن بـه َصمَـ ُم، وأس َمع ْ أنا الـذي نظـَ َراألعمى إىل أدبــيْ ... والسيـف والليـل والبيـدا ُء تعـرفني... ُ فالخيـل ُ مسببا هذا األمر بالقول: ُ والقرطاس والقل ُم. والرمـح ُ ُ ثم تولدت لدينا مرحلة الواقعية السياسية وخط النضال املرحيل، وهي املرحلة التي نعيشها اليوم ،بعد طول جدال نظري وميداين بني مدارس وتجارب واجتهادات حركة فتح التي شملت اليمني واليسار وما بينهام. ويف املراحل الثالث كان االبداع الثوري املرتبط بالتجدد يستخدم عقلية (التجاوز) للقديم واملتهالك واملحبط واليائس و(يقفز) نحو املستقبل يف رؤية واضحة للواقع واملتغريات ،ونحو األفضل ونحو العنفوان (الثورة) جسدت عمال وفعال وكفاحا ما زال حتى اليوم من سامت حركة فتح التي ّ التي تؤمن بامليدان ،والخطوات املتقدمة بدل من أن تكون يف ذيل الحدث تالحقه أو تعلق عليه ،بل آثرت حتى اليوم أن تصنعه وتراكمه وتبدعه، ولكنها قد تخطيء وتعطب. ويف ذلك العطب الفتحوي قال العلامة هاني فحص(( ((2أريد لفتح ان تعالج أعطابها ...لان فلسطين لا تستغني عنها ،وأنا لا أحب فتح لأنها جميلة أو طويلة أو غنية ،أنا أحب فتح لأنها بنت فلسطين التي تشبهها... ولأنها أم فلسطين التي ت ُشبهها ولا أحب أن يتراجع الشبه بين فتح وفلسطين لأن في ذلك حراما بيننا وشبهات لا تبعد كثيرا عن الحرام). -25العالمة هاين فحص كاتب ومفكر كبري ،وهو رجل دين مسلم شيعي لبناين مستنري، كان من أوائل من ارتبطوا بالثورة الفلسطينية عىل قاعدة النضال املشرتك ،وظل كذلك حتى وفاته مؤخرا عام 2014
153
املشهد اليوم
إن املشهد بعد خمسني عاما من انطالقة الثورة الفلسطينية وحركة فتح الباسلة ،املشهد اليوم يف العام 2015مشه ٌد مأساوي ممزق ،ومشهد أسود حيث دخلنا يف النفق املظلم الذي لطاملا حذر منه الخالد يارس عرفات ،فاإلرسائيليون يسريون بخطى رسيعة نحو التطرف واليمينية، ألنه يف بضع سنوات سيصبح املتطرفون أو املتدينون يف الكيان الصهيوين اليهودي العنرصي هم املمثلني لألغلبية حسب آخر االحصائيات. أما املشهد العريب الكئيب فهو مرشح ملزيد من التمزق والتشتت والحروب الطائفية ،ومزيد من الضعف ،أو اإلضعاف ،الذي ميثل هدف من أهداف العقلية االمريكية االستعامرية الكربى املهيمنة عىل منطقتنا مع أدواتها املحلية التابعة. كام أن املشهد الفلسطيني يف ظل عربات الظالم والرش التي تجرها خيول االنفصاليني عن الشعب يبدو غري فاتح اللون أبدا ،لذا فرصاعنا هذا إن أضفنا له البُعد الفكراين التاريخي مع السيايس الدبلومايس القانوين رياح كثرية عاتية. سيشتد إىل درجة قد تعصف بنا خالله ٌ ومع ذلك فالرش يف نظر املفكر املعروف (هيغل) ليس كله رشا. «فلواله ملا اكتشف (الناس) الذين يصنعون التاريخ معنى الخري .وبالتايل فهناك وظيفة إيجابية للرش أو للعامل السلبي .وال ينبغي أن نستهني بها. فلوال السلبي ملا كان اإليجايب :وال بد دون الشهد من إبر النحل» ..فام يحصل من كوارث وفواجع اليوم يف العراق أو فلسطني أو اليمن أو ليبيا أو سوريا أو كل مكان رمبا كان رضوريا ليك نفتح أعيننا عىل خطورة العوامل السلبية يف التاريخ ،فنحاول إيجاد مضادات حيوية لها. 154
اله ّزات يف حركة فتح
1 .1مرت حركة فتح بسلسلة من االنتصارات تجلت يف 5نقاط نوجزها: إنها تجلت يف بناء الذات الوطنية التي جعلت الالجيء فدائيا مقداما ،وبلورة الكيانية الجامعة ،وتكريس خط النضال بكافة األشكال ،وإبراز الفعل الفلسطيني املستقل ضمن القطار العريب الواحد املوحد ،وتجلت يف قدرتها عىل انتشال اليأس من صدور املحبطني ،فبنت طريق الكفاح املسلح يف إطار الحرب الشعبية طويلة النفس التي تعانقت مع فكر العمليات االستشهادية ،ثم االنتفاضات الثالث ،وصوال للمقاومة الشعبية التي يجب ان تكون شاملة عامة مبنهج ووعاء حاضن ودميومة بال هوادة ،نعم هي سلسلة انتصارات نرفع بها رأسنا عاليا ...ولكن!. 2 .2كرثت فينا الطعنات والرضبات واالخرتاقات من القريب والبعيد فأثقل الجسد بالدمامل والطفيليات ،وخرجت مرص من معادلة املعركة الكربى الفاصلة ،فاختار الفلسطينيون يف قراءة الواقع واالستفادة منه أن يتبنوا طريق القطاف عرب املساعي السياسية منذ العام 1974فكان شعار «العمل العسكري يزرع والعمل السيايس يحصد» ،وما كان لخروج سوريا والعراق قبل سنوات قليلة من هذه املعادلة االقليمية إال تأكيدا عىل املسعى االستعامري من جهة لتفرد (إرسائيل) وتحقيق هيمنتها ،وتأكيدا عىل صحة الرؤية الفلسطينية ملآالت ألمور. 3 .3تعرضت الحركة لهزة كبرية إثر االنشقاق عام 1983املدعوم خارجيا، رغم أنها كرست مبدأ مل ِ تحد عنه حتى اآلن ،وهو استقاللية القرار الوطني ما ثبتته بالدم أوال ،ويف يف مؤمترها الرابع بوضوح عام ،1980وإن كانت االستقاللية عن أي محور عريب أو اقليمي أو 155
.4
.5
.6
.7
عاملي ترتبط لدى حركتنا بعدم التدخل يف شؤون اآلخرين إال أن اآلخرين وبأدواتهم الفلسطينية كانوا يجدون يف الجسد مجال طعن وموطن متزيق. 4كانت االنتفاضات الثالث ( )2000 ،1998 ،1987عملية دافقة يف نهرالفعل الثوري املتجدد ،ورغم سلبيات شابتها خاصة يف الخواتيم، وأثرت علينا ،إال أن عقلية االستفادة والتجاوز الفلسطينية الخالقة كانت قادرة عىل اإلبداع دوما. 5ومع دخولنا االجباري -إثر هزمية األمة يف حروب الخليج املتتالية يف معرتك مفاوضات مدريد ثم (أوسلو) يف العام ،1993وما نتجعنه من اتفاقيات وسلطة أعادت اآلالف لوطنهم وك ّرست بناء ألسس الدولة ،إال أن بعض مضامني االتفاقيات البائسة ،ومع عليائية العدو وغطرسته ومامطالتة قد أفرغت الكثري من بنود االتفاق من مضامنيه فوقعنا يف منتصف الطريق حائرين مشلولني. 6ثم كانت مرحلة االنقالب الدموي عام 2007من فصيل «حامس» لتشكّل معركة اخالقية بامتياز وقفت فيها حركتنا ضد االقتتال األخوي ،رغم كل يشء ،ورغم التحريض املمنهج واملتواصل عىل الفتنة ضمن فكر الظالمية واإلقصاء ورفض اآلخر القادم الينا من غياهب التاريخ ،فلم تقابل حركة فتح عمليات القتل والذبح والتعذيب والسحل بالشوارع مبثله ،فرضبت مثال عرب التاريخ لرفض الفكر الحزيب-الطائفي الضيق ورفض منطق الدم والتصفيات الداخلية ما كان شبيها لنفس النموذج الذي قادته الحركة فرتة لبنان (.)1983 1971- 7إن املرحلة الحالية عىل ما رافقها وسبقها من أزمات يف السلطة 156
الوطنية الفلسطينية ،ويف تلبية مطالب الوحدة الوطنية ،ويف البناء السيايس ،وطريقة اإلدارة والقيادة التي نختلف يف جوانب فيها ،بل ويف البناء التنظيمي ،وصعوبة الحراك الدويل. إال أن معطيات البناء عىل األرض ما زالت قامئة تستطيع بعقلية: -1اإلبداع و -2عقلية التجاوز و -3عقلية الثورة معا أن تحقق الثورة املتجددة بثوب املقاومة الشعبية الجامهريية الشاملة التي تتعانق مع الرصاع الفكراين التاريخي وذاك القانوين الصاعد.
حركة فتح واآلخر
إن ما يحصل مؤخرا من حراك دبلومايس سيايس وقانوين ممثال باملقاطعة الفاعلة واملوجعة (إلرسائيل) ،وباالنضامم املتالحق واملربمج لالتفاقات الدولية أدى ذلك مع كافة تضحيات شعبنا إىل عزل الكيان الصهيوين ألول مرة بتاريخه بهذه الكثافة. ومع تواصل املقاومة الشعبية عىل األرض تلك التي تحتاج لشحنات أكرب كتلك التي كانت يف صدر رفيقنا الراحل زياد أبوعني ،ميكننا القول للمجتمع الدويل :كفى! كفى صمتا ملن ما يزال كذلك ،وكفى خوفا وكفى تذبذبا واحسم أمرك مع حقوق الشعوب يف تقرير املصري وبادر وقاطع وبادر وكافح وبادر ومزق رداء خوفك ،ومعا لعزل الكيان الصهيوين العنرصي فالحق أبلج والفجر ال بد آت عىل فلسطني. وزير الخارجية االمرييك «كريي» يف محادثة هاتفية له مع الرئيس «أبو مازن» هدده قائال« :ستخرس سلطتك وستخرس نفسك وستخرس حل الدولتني» ،وذلك يف محاولة لثنيه عن طرح املرشوع الفلسطيني إلنهاء االحتالل ،وما انثنى وال الن وال مال ،وال انثنينا وال ملنا ...ولن منيل، أتعرفون ملاذا؟ ألننا عن حب فلسطني ال نحيد. 157
(إن (إرسائيل) تريد معاقبة «أبو مازن» ،للتحول الذي نجح به ،يف اصطفاف املجموعة األوروبية إىل جانب القضية الفلسطينية ،ومهاجمة هذه املجموعة لالستيطان واملامرسات اإلرسائيلية ضد الفلسطينيني، ومقاطعتها ملنتجات املستوطنات ،والتسبب يف عزلة (إرسائيل) ،وأدى ذلك إىل انحياز دول عديدة لصالح الفلسطينيني ،وأن من أهم إنجازات الرئيس أبو مازن خالل واليته ،تحويل الرأي العام الدويل ،ليقف إىل جانب القضية الفلسطينية ،التي كانت حكرا ل (إرسائيل) ،وتوظيفها املحارق النازية ،لصالح مرشوعها الصهيوين ،مع أنه ال عالقة ال من قريب وال من بعيد للفلسطينيني يف املحارق النازية التي تفعلها هي ضد الفلسطينيني (((2 وحقوقهم املرشوعة). أما اآلخر الوطني ،الشقيق غري الشفوق أو الرفيق بنا ،فلقد كان منا الصدر الواسع واملِرحاب ما هو سمة الزمة لحركة فتح يف التعامل معه، إذ أن حركة فتح هي التي انضوى تحت لوائها أصحاب مختلف التيارات الفكرية لتشكل يف حقيقة األمر مجتمعا فلسطينيا تعدديا وسطيا ،جعل من وعاء فلسطني وبوصلتها الجامع املانع ،فلم تنظر لعرق أو عائلة أو طبيعة فكر اجتامعي مادام الغرض املو ِّحد هو االتفاق عىل فلسطني، فدخلها العرب كام الفلسطينيون أفواجا. وك ّرست ذلك يف كل املراحل عرب 4أشكال يف األول منها جعلت من ذاتها الحضن الدايفء للجميع من الفلسطينيني والعرب ،ثم كرست (م .ت. ف) بيتا وكيانية وموئال ،اما ملا اشتد الرصاع بني التنظيامت الفلسطينية عىل قاعدة الخالفات الفكرانية يف األعوام 1969-1968وما بعدها وقفت حركة فتح وقفة الرافض لالقتتال األخوي الداخيل وحمت التنظيامت من تصفية بعضها البعض. -26من مقال للكاتب غازي السعدي
158
اما ثالثا فإنها مل تبدأ يف قتال املعتدين عليها ،أو املنشقني عليها عام 1983كام رفضت قتال املنقلبني يف «حامس» عىل الرشعية عام 2007 الذين حللوا وحرموا وكفّروا وخونوا ،وبالتايل كرست مفهوم «أم الولد» عرب إتاحة حرية الرأي والفكرة واالختالف فلم تقبل بالرصاصة والسكني ُحكام ،وكان لنا يف عيل بن أيب طالب ريض الله عنه منوذجا يف عدم االنجرار للقتال أو تكفري املخالفني ليعتربهم بغاة أو كام قال ريض الله عنه وأرضاه (اخواننا بغوا علينا) ،ما فعل عكسه مفتو الفتنة يف «حامس». ولطاملا كان القائد الفذ-الرجل الثاين يف حركة فتح -صالح خلف (أبواياد) يردد دوما ما «قال فولتري لـ جان جاك روسو حني حكمت السلطات السويرسية بإعدام كتاب «العقد اإلجتامعي» وكان فولتري ال يُقر أراء روسو فيه :إننى ال أومن برأيك لكني عىل استعداد ألن أموت دفاعاً عن حقك ىف أن تبديه وتعلنه عىل الناس». وظلت هذه القاعدة الذهبية يف عالقتنا مع املختلِفني داخلنا وخارجنا ما حدا بنا للحوار مع املنشقني ثم مع املنقلبني رغم فكرانية (أيديولوجية) «االخوان املسلمني» بعمقها القطبي ذات الطابع الحرصي الحق ...لها، االقصايئ لآلخر ،العليايئ عىل الغري التي ال ترى الحق أو الصواب والقداسة اال يف ذاتها دونا عن أمة املسلمني يف ما تسميه عقلية «الفسطاطني»، وصوال التفاقية الشاطيء عام 2014التي أمامها من الضباب الكثيف والعوائق ما مينع الرؤية لدى تيار املامنعة للمصالحة يف حركة «حامس» املستفيد من الوضع املزري القائم.
159
حركة فتح اآلن
(اقرتبت الساعة وانشق القمر) وال بد لليّل أن ينجيل ،والفارس عاجال أم آجال سيرتجل ،ونحن إذ نعيش يف كل صباح مع تحدي يومي جديد، فإن املطلوب أمامنا كث ٌري لن نحققه بالصف القيادي األول ،ولن نحققه بالخذالن لبعضنا البعض ،ولن نحققه ونحن عىل كرايس املتفرجني يف امللعب فعىل الحركة مهامت جسيمة ،تجربها أن تنزل دوما إىل امللعب ،ما يحتاج منا لنقاط مثانية هي: 1 .1يجب إال تعيش حركتنا أبدا عيل أمجاد املايض التليد ،وسرية الخالد يارسعرفات وصحبه وهي املدد وامل ُلهم نعم ،ولكن فعل االقتداء واالنحياز لها يكون بالتج ّدد يف ماء النهر يوميا مبا يقربنا من النرص األكرب دوما( .وإن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح-األنفال ،)19وع ُد من الله كان مفعوال. 2 .2ان تكريس النظام واإلطار املؤسيس الجامعي يف الحركة يجب أن يكون ضد عقلية االستبداد والفساد والهوى الشخيص واملكاسب املصلحية ،ما يعني غسل الثوب كل فرتة وأخرى ونرشه ،للتخلص مام علق به من أدران ،فمن وضع التضحية الفتة عىل باب بيته وأمام عينيه ،عىل الورق أو يف الحاسوب ،وسار عىل الدرب نرحب به ،ومن جعل من عقيدته هواه ال نهواه وال نجله وال نسري وراءه. 3 .3اننا بحاجة ملراجعات جادة للمسار سواء السيايس بعد 20عاما من املفاوضات العقيمة أو بعد تجربة ودميقراطية تنظيمية مل تكتمل حتى اليوم ،أو بعد بناء سلطة أخذت تنزع نزوعا سلبيا نحو الحفاظ عىل ذاتها عىل حساب الوطن واملواطن فتتكتل حولها الحشائش الضارة والعفن والصديد. 160
.4
.5
.6
.7
4إن اعادة البعث أوال ثم البناء ل (م .ت .ف) وضخ الدماء يف هياكلها ومؤسساتها وبوجود كافة القوى الفلسطينية الفاعلة يعني انتصارا منا للفكر الوحدوي لحركة فتح ال للعجز الفصائيل ،والضيق املصلحي واالنتامءات الفوق وطنية اإللهائية ،امل ُق ِعدة عن التواصل. 5إن تفعيل البناء الثقايف الفكري يعني إعادة تركيب الرواية التعبوية العربية التاريخية الفلسطينية حيث مل يكن لبني إرسائيل القبيلة العربية اليمنية املنقرضة وجود عىل أرضنا فلسطني وجغرافيتنا أبدا، وحيث ال يحق ألتباع أي ديانة-وخاصة اليهودية-إدعاء انتسابهم وكل ظنهم إثم ومخالف ملوطن يظنون أن معتقداتهم تشري إليهّ ، فعل ثقايف ضخم للعلم والحجر والحقيقة ،وما يستدعي منا جميعا ُ متواصل ومستمر مع الفعل امليداين والسيايس جنبا إىل جنب. 6إن بناء شكل جديد للكفاح الوطني الفلسطيني يجب ان يكون يف ظل (الوعي) واإلدراك لحقيقة املستجدات واملتغريات ،حيث تعرث أو صعوبة الكفاح املسلح بشكله القديم ،وحيث ضعف املقاومة الشعبية املوسمية ،وحيث فشل أو عقم املسار السيايس لوحده ،ما يعني أن تحقيق شعار املقاومة الشعبية الشاملة يحتاج منا لهزة كبرية يف الفكر والخطط والربامج ،كام يحتاج لثالثية االبداع والتجدد األصيلة فينا من :تجاوز وقفز وثورة. 7ان حركة فتح مل تهمل العامل الخارجي العريب أو الدويل ،فهي تؤمن بنظرية تهيئة املناخ وتوفري الظروف املناسبة ،وبالتحشيد الشعبي واالقليمي ،وتؤمن بعقلية البدائل والخيارات وبتسديد الرضبات يف الوقت املناسب ضمن عقلية استثامر الفرص أو هي يجب أن تكون كذلك .من هنا كانت العالقات الخارجية ضمن مفاتيح العمل القيادي بالحركة منذ كان املفكر العريب خالد الحسن يطوف 161
الربملانات األوربية منظرا للثورة والقضية ،ومنذ قام أبوعامر بجعل كوفيته املرقطة أيقونة النضال الوطني والعاملي. ولالشارة الهامة هنا كاستطراد نقول أنه :يف عام 1983قام «أولوف بامله» ،بصفته زعيامً للحزب االش�ترايك ورئيساً للحكومة السويدية، بدعوة عرفات لزيارة استكهومل وذلك لالجتامع مع القادة الدميقراطيني االشرتاكيني يف الدول اإلسكندنافية .وبدأ «بامله» بعد ذلك يحثّ األحزاب األوروبية املنضوية تحت لواء االشرتاكية الدولية عىل اإلعرتاف مبنظمة التحريرالفلسطينية ،جنباً إىل جنب مع املستشار النمساوي «برونو كرايسيك» واملستشار األملاين (الغريب) «وييل برانت» ،ومن هنا تواصل الحراك الديلومايس الذي يتكامل اليوم مع عزل الكيان العنرصي اإلرسائييل وجره إىل املحاكم الدولية ،والذي يجب استمرار دميومته. 8 .8علينا خلق التوازن بني الواقعية السياسية يف حركة فتح وبني الثورية امليدانية عملية فكرانية ثقافية تنتزع وتنتج ،وهي عملية يجب أن تغرينا نحن اوال ،ونغيرّ فيها ،فالبداية دوما من عندي :يف ذايت وفكري ونفيس ،وحيث حققت توازين أحقق ذلك يف املصنع واملدرسة والحقل ،ويف أطر الثورة والدولة القادمة. إن الانسان فينا يجب أن يتحرر من ظلامية الفكرة الآسرة ،ومن التفاسير والموروث والروايات المخطوفة للسرد التوراتي الخرافي أو الظلامي الديني ،ويجب أن نقضي وقتا جيدا في ذلك لأن الوعي مفتاحنا نحو التقدم والفهم ورؤية الدرب. يجب أن نُنجز واجبنا يف بناء ذاتنا يف الفكر الواقعي املتوازن مع الفعل امليداين مهام ثارت العواصف التي ترضب باملحيط ،ويف ظل التخيل عنا فعليا ويف ظل التغول الصهيوين االمرييك. 162
انطلقنا يف مرحلة االنبعاث الثوري والكفاح املسلح وصوال ملرحلة ال ُنضج السيايس حيث منو الفكر الثوري الراديكايل مقابل الواقعية السياسية ،وصوال ملرحلة تكريس التمثيل يف فتح ثم املنظمة ،وصوال للدولة لنصل ملرحلة نقل الثقل القيادي للوطن ،فمرحلة بناء السلطة واملؤسسات ومازلنا نجرتح املعجزات ونعقد املقارنات ،ونؤسس إلخفاقات نعم اخفاقات وانجازات ،ما عادالزمن يحتمل منا اخفاقات جديدة وتجارب فاشلة وقيادات هزيلة ،فإيل أين نحن ذاهبون إن مل تكن فلسطني بوصلتنا والشعب مد ُدنا والله نارصنا. (أنا األرض .يا أيّها العابرون عىل األرض يف صحوها لن مت ّروا) إنا هنا باقون) (فلترشبوا البحرا نحرس ظل التني والزيتون ونزرع األفكار ،كالخمري يف العجني برود ُة الجليد يف أعصابنا ويف قلوبنا جهنم حمرا إذا عطشنا نعرص الصخرا ونأكل الرتاب إن جعنا ..وال نرحل)(.((2 ُص ّناع التاريخ إن فلسطني التاريخ والقضية والجغرافيا ليست وليدة اليوم بل ُص ِنعت -27للشاعر سميح القاسم
163
من غابر العصور ،فالبلد التي أرشقت بنور الحضارة مل تقبل الغزاة أبدا، وعاشت بسالم وتقبلت كل من أعلن الوالء لها ،مل تلفظ أحدا إال من استكرب وعال ،وإال من طغى وتجرب ،لذلك تجد جبال فلسطني ووهادها تنطق بالحب والصفاء والسالم فتنرشه أريجاً يع ّم أنحاء العامل ،هكذا كانت فرشفها السيد املسيح عليه السالم برسالة املحبة والسالم العاملي ،وهكذا سنكون يف فلسطني األرض التي نشأنا وفيها سنموت بعد ان نقيض يف حياتنا سعيا إلعامر هذه االرض وتحريرها من البغى والظلم والعدوان شعب صلب صام ٌد أ ّيب ،كان واألرهاب واالحتالل ،فالشعب الفلسطيني ٌ مستقرا هنا يف فلسطني منذ األبد ،وسيظل إىل أن يرث الله األرض ومن عليها ،أنها األرض التي مل نعرف غريها ومل تعرف غرينا ...فإن كنتم يف ريب من ذلك اسألوها بصوت عا ٍل وستسمعون الجواب الحق. ثالثة صنعوا يف التاريخ الفلسطيني الحديث منارات شاهقة وعالمات بارزة تطل علينا ب ُعل ّوها كلّام أبحرنا تجاه فلسطني أو مررنا بسامئها أو حللنا بني أغصان زيتونها وبرتقالها والنخيل. كان «محمد يارس» عبد ال��رؤوف عرفات القدوة الحسيني أول املنارات التي سعت لتسلق الجبال منذ الصغر ،فطاردت الرياح وسبقت وشوشات الربتقال وعانقت عروق املريمية ،وسبحت يف بحر يافا وغزة فولد يارسعرفات قامة سامقة ليجعل من ُحلمه واقعا ،وهكذا دأب العرب الفلسطينيون الثائرون. ٌدسنا نحن العرب يارس عرفات منذ وطأت قدماه مدينة القدس-ق ُ واملسلمني واملسيحيني-كتب يف كتاب أرساره األحمر املدفون يف جيب سرتته الخرضاء كلامت حب وشوق وحنني لفلسطني ،كام وضع يف الكتاب أحالمه الثالثة ،مع وردة جميلة كان قد أهداها له سلفُه. 164
وكانت املنارة الثانية يف تاريخ فلسطني الحديث شيخنا الجليل عز الدين القسام الذي مل يُرهبه سوط االستعامر الفرنيس ،وإن التف عليه ليرصخ ويغني يف فلسطني ،يغني بصوت أجش ضد االحتالل وضد اإلرهاب وضد الظلم ،حامال عىل كتفيه الهرِمني مهمة القضاء عليه منذ عانق حيفا بلدنا طويال وما جاورها ،فكتب عز الدين القسام يف كتابه األحمر الصغري يف جيبته ُج َمال هي ما بني الحلم والتنبؤ ،ما بني شعلة األمل والحقائق ثم أهدى الكتاب ملن أوصلوه لع ِقبِة. أما املنارة الثالثة يف رواية فلسطني الجديدة ،فظهرت تأليلء يف القرن الثامن عرش حيث تجلىّ ظاهر العمر الزيداين ملك فلسطني والجليل ليكرس بعمله ُرعب الظلم واالستبداد وليم ّزق أستار الروايات املكذوبة وما يدبر بليلٍ لفلسطني ،منذ تلك الفرتة ،فأقام دولة فلسطني وأنشأ الكيانية الوليدة منطلقا من طربيا إىل النارصة إىل عكا وحيفا ونابلس وغزة ،وأرجاء أخرى يف فلسطني وجوارها ،فأثبت عىل الخريطة وحدة األرض والشعب واملستقبل ،وكتب ذلك يف دفرته األحمر الصغري الذي دفع به ملن خلَ َف ُه. إن املنارات الثالث تعاقبت لرتسم ،كام غريها من املشاعل يف دربنا، طريق الحرية والحرير ،طريق العدالة والنور الوفري ،طريق الثورة والعبء الثقيل فكتبت وتوارثت ِخالفة األرض التي نحبها طائعني مختارين.
بيدي أن أصري دبابة
(((2
بيدي أن أصري دبابة بيدي ان اطري بيدي ان اغري -28من كتاب للمؤلف بكر أبوبكر حمل نفس العنوان صادر عام 2013
165
بيدي ان اكون اطول استطيع ان امنو اكرث بيدي ان اقاوم بيدي اال أساوم استطيع ان أقفز عن النحيب والوجع واليأس الكمني أستطيع أن أنجز رغم العيص والسالمل والطاقات أستطيع أن أقرأ يف ضوء فراشة وأقدر أن أرسم يف عني الشمس وأميش منتصبا بدون ظالل أنا القادم نهرا باردا وسقفا عاليا وربيعا ضاويا وسوسنة جديت أنا الناف ُر الزاف ُر الواف ُر حس ُن الطلعة غري هيّاب ولكنك حدودي والرحيل وأنت عشقي النبيل ملحتُك تغدقني بال كتاب 166
وتبتسمني للغيامت والعتبات والنفري وتأكلني بأطراف أصابعك وتس ّبحني التقيتك سيفا بجراب وقلام يهوى كتاب وبَ ْكرا يرنو الجواب انا الصدى لصوت املحرومني وأنت قدري وأنا ال ِر ْج ُز املنزل عىل الفاسدين ِ وأنت ثغري وأنا الشهور التسعة ِ وأنت حميل بيدي أن أصري دبابة وبيدك ان تلقمي املدفع وأستطيع أن أصري حاممة وأنت فضاء الرحاب «بيدي ال بيد عمرو» قد التقى بك وحتفي احتفظت بك يف حلقي ويف كتبي ودموعي وعند انتصار الفجر 167
ويف عيد الصبايا وارتجاف ذرة الرتاب شوقا أنا العناق وأنت النحر وحيث تكونني يتجىل هو فاسمحي يل ان اكون أطول ودعيني أطري (((2 وهو ينظر ...فأنا غدوت ثورة ظن الكثريون أن الكتاب األحمر الصغري الذي توارثه الثالثة واآلالف معهم من األحرار واملردة والثوار قد كُتب حديثا ،ولكنه كان مع أول الزمان حيث ُصنعت األرض وكانت فلسطني ،ومنذ ُسطّريف الكتاب أن (بسم الله الرحمن الرحيم) وتىل هذه االفتتاحية املقدسة أربعة عبارات مام توارثته املنارات الثالث. (أرض فلسطني) لتعلّق يف أعناقنا لألبد، يف السطر األول كُتبت عبارة ُ لذلك صنع الرشيف ظاهر العمر الزيداين أول دولة فلسطينية يف التاريخ الحديث ليكسرِ من خاللها أكاذيب املسترشقني واملستعمرين والصهاينة من مثل :أن هذه األرض بال شعب أو بال حضارة أو بال تاريخ سوى ما شعب فلسطني طافحا باملحبة والسعي للحرية ابتدعوه وألّفوه ،وكان ُ والسعادة. ثم كَتب يف الصفحة الثانية عز الدين القسام كلم ًة واحدة لكنها عميقة وكبرية وح ْملُها قد تنوء به الجبال ،إذ كتب (وجاهدوا) لتصبح معوال وبندقية ،وحجرا وبندقية ،ومنجال وقلام يف يد األمة جمعاء. -29من كتاب النصوص األدبية للكاتب واألديب بكر أبوبكر ،بامكاين أن أصري دبابة
168
(شعب فلسطني) أما يف الصفحة الثالثة فكتب يارس عرفات كلمتني هام ُ إذ أن به بهذا الشعب العريب طريق التحرير والحرية والخالص األكيد. الصفحات التالية بقيت بيضاء تنتظر العبارة أو األسطر التي تمُ ثل رباعية املبادئ الحضارية العربية اإلسالمية كافة ،وهي ما ألقى عىل أكتاف (كل األمة والشعب) التي عليها أن تفيق من غفوتها وتطرد النعاس أو الرتاخي واالستهانة والكسل ،فتسعى للعلم والثقافة وللعمل والوحدة ورفض الظلم واالستبداد ،كام تسعى لإلبداع ...فتعود فلسطني اليها إىل االمة جمعاء منارة ومشعال وحقيقة خالدة ال تنطفئ مهام دوت الرياح أو صفّرت الزوابع ،ومهام أغربت األجواء أو غيّمت السامء. هذه رَ ِ التكة الثقيلة ولكنها املقدسة التي نتوارثها اليوم من كتاب الله الكريم ،وكتاب منارات نضالنا مع الوردة الجميلة ،تشكل لنا أيقونات النضال والكفاح واملحبة والعيون املفتوحة أبدا عىل املستقبل ،حيث فلسطني كل فلسطني تلوح لنا يف األفق ،قبلَتُنا النضالية التي نتوجه إليها خمسني مرة يف اليوم ولن نستسلم أو نستكني. ّ يستحق الحيا ْة: «عىل هذه األرض ما عىل هذه األرض سيد ُة األرض ،أ ّم البدايات ،أ ّم النهايات كانت تسمى فلسطني. صارت تسمى فلسطني. سيدتي :أستحق ألنك سيدتي أستحق الحياة»(.((3 -30الشاعر محمود درويش
169
والدرب طويل والزاد قليل ،ونحن يف منتصف الطريق ،وليس لنا إال النرص.
وإنها لثورة حتى النرص.
170
مبناسبة االنطالقة 51 حركة فتح والبحث عن الغيمات املاطرة بكر أبو بكر 2016 مل يكن يارس عرفات ليتنبأ بالقادم ،فلم يكن ع ّرافا أو منجام أو كاهنا ومل يكن يحتاج ألن يكون أي من هؤالء عندما ش ّخص صعوبة الدرب ومشاق النضال وحجم العقبات والعوائق التي تعرتض وستعرتض العمل الفدايئ. منذ الرصاصة األوىل بل وما قبلها ،رمبا ملزاياه القيادية وامتالكه للرؤية وحسن النظر كان يدرك ِعظَم املسؤولية امللقاة عىل عاتق الرواد األوائل، ف ِعظم التضحيات يجب أن تناظر ِعظم القضية ،وعظمة الرجال ال تظهر إال باملهام العظيمة ،واملهام العظيمة هي دوما صعبة وقد يراها أصحاب الهمم النافقة مستحيلة ،ومن هنا كان القرار صعبا أن تنطلق حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح بعد النكبة عام .1948 تلك النكبة التي خلفت صدمتها للوهلة األوىل حطاما برشيا ونفسيا 171
واجتامعيا وثقافيا عكس نفسه بالذهول والتشتت وافتقاد السند واالحباط الشديد ،وعكس نفسه بالبحث عن الذات يف ظل الضياع الذي أصاب األمة والشعب الفلسطيني فطفق يبحث عن حقيقة هويته فيغرف من األفكار «الصلبة» التي افرتضت بذاتها الكامل أو القداسة ،وافرتضت بذاتها املطلق والشمولية ،وافرتضت بذاتها االنتصار بالشعارات واالمتداد. الفلسطينيون-بعد تجاوز الصدمة نفسيا-هم الذين رفضوا اإلبحار طويال يف مركب البؤس واليأس واإلحباط فتوزعوا بني تيارات األمة الكربى آنذاك وهي التيارات أو األحزاب التي تولدت إثر رصاع عميق داخل األمة. يقول صالح خلف (أبوإياد) الشهري بخطاباته الحامسية التحفيزية املفعمة باألمل عن «الحفنة الطيبة من الشباب التي انطلقت» أنهم «جمعوا يأس األمة العربية وحولوه إىل آمال». (يف عام 1965عندما انطلقت حركة فتح مل يكن عددنا كبريا ،كان العدد بسيطا جدا ،وإمنا كانت الفكرة يف نظرنا كبرية جدا ،ألننا كنا نعتقد أن الرصاصات التي سنطلقها يف األرايض املحتلة ،ال ميكن أن تعيد لنا فلسطني ،إمنا هذه الرصاصة لها مردود عىل نفسية اإلنسان الفلسطيني ،ال بد أن يشعر اإلنسان أنه موجود أوال) ويضيف صالح خلف (أبوإياد) يف موضع آخر (أقول نحن كشعب فلسطيني كان ال بد أن نعود إىل الخارطة السياسية ،قيمة كل نضال شعبنا يف عام 1965أنه أعاد هذا الشعب (((3 الفلسطيني إىل الخارطة السياسية)
-31كتاب من إصدار مكتب الشؤون الفكرية والدراسات يف حركة فتح تحت عنوان الفكر الوطني الثوري يف املامرسة :من خطب الشهيد أبوإياد ،الطبعة 2عام 2008 واالقتباسني من ص 67ومن ص ،137والجملة األوىل اليأس واآلمال ص145
172
نهوض أمة وتشظي أخرى
تشظّت األمة العربية واألمة اإلسالمية عىل مدار زمني طويل ارتبط بالنهوض األورويب الذي ترافق مع تغلغل عقلية الهيمنة واالستعامر واالستبداد االوريب الذي وجد شكله الحقيقي من خالل احتالل أرايض الغري تحت ادعاءات النقاء والطُهر والتقدم للرجل األبيض ،وتحت مدامك الفكر العنرصي الذي أباح النظر لألقوام األخرى من زاوية السيد املطاع الذي يحمل الحضارة للوحوش وهو السيد الذي ينبغي من االتباع الطاعة له وتقديم القرابني والشكر إلل ِه ِه. كان املطلوب يف ظالم (االستعامر) الغريب أن تقدم الشعوب ثقافتها وروحها ودينها وقوميتها وإنسانيتها وخرياتها وأرضها فداء للرجل األبيض الذي افرتض امتالكه لكل الحقائق وافرتض امتالكه للحقيقة الدينية، وافرتاض أن هيمنته تشكل قدرا عىل اآلخر أن ينصاع له ،فسوغت العقلية االستعامرية لنفسها النظرة االستعالئية واالحتقارية لشعوب األرض فاستعبدتها يف فرتات الرصع االسباين الربتغايل عىل املستعمرات ،وما تالها من فرتة الرصع االستعامري الثقايف – االقتصادي االنجليزي الفرنيس ،هذا الرصاع الذي حط رحاله يف منطقتنا العربية بقوة منذ القرن التاسع عرش ثم تألق إثر الحربني االوروبيتني الكربيني (املسميتني الحرب العاملية االوىل والثانية) ،وما كان للنزاع السلطوي ونزاع النفوذ واملصالح االقتصادية إال متوافقا يف هذه العقلية مع نزعات التفوق والتي وجدت ضالتها بعد تحطم االمرباطورية العثامنية.
فلسطني يف ثالثة وجوه استعمارية
نالت املنطقة العربية العنت واالضطهاد واالستعامر الال أخالقي سواء يف مناطق االحتالل والهيمنة يف الخليج العريب من الربتغاليني (متكن الربتغاليون 173
من الوصول إىل الهند بعد اكتشافهم لطريق رأس الرجاء الصالح ورسعان ما أسسوا لهم إمرباطورية يف ال�شرق .يف عام 1507م متكن اسطول برتغايل يقوده ألفونسو دي ألبوكريك من احتالل مسقط وصحار وخور فكان ثم هرمز التي وقع ملكها اتفاقية الوالء للتاج الربتغايل ،يف عام 1521 سقطت البحرين بيد الربتغاليني ،).ومن االنجليز الحقا ،أو يف الجزائر منذ احتالل واستعامر الجزائر العام (1830م) ،ثم بلغت ذروتها بعد الحرب (االوروبية – العاملية األوىل 1918-1914م) واالتفاق عىل تقسيم العامل العريب يف (سايكس بيكو عام )1916ثم يف (سان رميو) عام ،1920وما كان ذلك بغريب عىل العقلية التي ال ترى يف اآلخر إال خادما وعبدا .ومن هنا وقعت فلسطني يف صلب املخطط االستعامري االوريب عىل ثالثة أوجه: كان الوجه األول منه هو :ضامن الهيمنة واالغتصاب والسيطرة األبدية عىل مقدرات األمة واملنطقة االقتصادية والجغرافية والثقافية والروحية بفصل جزئيها الرشقي والغريب إىل األبد ،وبتفتيتها إىل كيانات متحاربة. والوجه الثاين من املخطط االستعامري هو تغلغل عقدة العقل االستعامري املتفوق الغريب الذي يري اآلخر مأمورا أو منبوذا أو مس ّخرا نتيجة ارتباط هذه العقلية ب ُبعدها االقتصادي التوسعي (تحولت «رشكة الهند الرشقية املحرتمة» الربيطانية من مرشوع تجاري تأسس عام 1600م إىل مؤسسة تحكم جميع الواليات الهندية وجميع مستعمرات التاج الربيطاين يف املنطقة وذلك بدعم سيايس وعسكري من بريطانيا ).وب ُبعدها العنرصي الذي يستغل االختالف العقدي يف االقصاء عوضا عن التقبل، وهو ما ناله يهود أوروبا الذين تقرر أن يُستبعدوا من القارة ويف ذات الوقت يرشخوا منطقتنا فيتحقق للغرب االستعامري و(للحركة الصهيونية الحقا) أن يرضبوا عدة عصافري بحجر واحد. أما الوجه الثالث فكان تحقيق الدول الغربية لتواصل احتكار العلم 174
والزراعة املتطورة والصناعة والتقدم والتقانة (التكنولوجيا) ،فوقعت فلسطني يف (بؤرة) الحدث االستعامري ولألسباب الكثرية التي ميزت جغرافيتها وموقعها وأساطري التناخ (التوراة وملحقاتها) التي أعيد تحريفها لتُفهم وكأنها تتحدث عن بالدنا. يقول يارس عرفات (ومن هنا يبدأ جذر املشكلة الفلسطينية ،أن هذا يعني أن أساس املشكلة ليس خالفاً دينياً أو قومياً بني دينني أو قوميتني وليس نزاعاً عىل حدود بني دول متجاورة ،انها قضية شعب اغتصب وطنه (((3 ورشد من أرضه لتعيش أغلبيته يف املنايف والخيام).
بريطانيا واالحتالل الصهيوني
نالت املنطقة العربية من الضغط والقسوة واالستعامر ما جعل من الكيانات الناشئة بقوة وإرادة أبطال التحرر واالستقالل العرب يسعون لبناء هذه البلدان والسعي لتقدمها ،ولكن من موقف ضعيف مرتبط بشكل أو بآخر بالدولة التي احتلتها أكانت بريطانيا أو فرنسا (أو إيطاليا أو إسبانيا أو الربتغال) إال أن فلسطني كانت قضية مركبة فعل فيها العقل الغريب االستعامري أبشع جرمية يف القرن العرشين (والواحد وعرشين) وهي جرمية وضع مبقتضاها عدد من أتباع ديانة محددة من قوميات متعددة وهم اتباع الديانة اليهودية األوروبيني خاصة مكان سكان فلسطني العرب يف آلية تهجري وطرد وإحالل برزت بذورها منذ العام 1881م ثم يف مؤمتر (بانر -كامبل) 1907 – 1905يف لندن وصوال لتحالف العقل الغريب مع الحركة الصهيونية (منذ مؤمتر بازل 1897م) فتوىل االنجليز منذ احتاللهم لفلسطني وعرب ما يسمى (صك االنتداب) عام 1922القيام بهذه املهمة الالأخالقية. -32من خطاب أبوعامر يف االمم املتحدة عام 1974
175
وقعت فلسطني يف قبضة عقلية الهيمنة واالستعامرالثقايف واالقتصادي، واإلحالل فسهلت الهجرة اليهودية ويسرّ ت رسقة األرض ،ثم عمدت النشاء الكيان فوقعت نكبة العام 1948التي دفعت بالشباب الفلسطيني ألن يأخذ بزمام املبادرة ضمن فهم عميق لجذور املشكلة ،ويف تطور وعي استغرق زمنا طويال ليحدد من خالله حجم القوى والتدافع الدويل ،ثم لريى حجم قوته وامتداداتها فريى بوضوح أين يقف من كل ذلك ،ففلسطني قد سقطت بني أيدي إحتاللني اجنبيني انجليزي وصهيوين ،ثم ترك األمر كله للقاعدة املتقدمة للغرب الذي ورث سطوته وهيمنته الواليات املتحدة االمريكية. قال الخالد فينا الراحل يارس عرفات من عىل منصة االمم املتحدة يف نيويورك عام ( :1974ترجع جذور املشكلة الفلسطينية إىل أواخر القرن التاسع عرش أو بكلامت أُخرى إىل ذلك العهد الذي كان يسمى عرص االستعامر واالستيطان وبداية انتقال إىل عرص اإلمربيالية حيث بدأ التخطيط الصهيوين_ االستعامري لغزو أرض فلسطني مبهاجرين من يهود أ ُوروبا كام كان الحال بالنسبة للغزو االستيطاين إلفريقيا .يف تلك الحقبة التي توطدت فيها سطوة عتاه االستعامر القادمني من الغرب إىل أفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية لالستيطان وإقامة املستعمرات ومامرسة أشد أشكال االستغالل واالضطهاد والنهب لشعوب القارات الثالث .إنها الحقبة التي ما زلنا نشهد آثارها العنرصية البشعة يف الجنوب اإلفريقي وكذلك يف فلسطني. وكام استخدم االستعامر واملستوطنون أفكار ((التمدن والتحرض)) لتربير الغزو والنهب والعدوان يف إفريقيا وغريها .كذلك استخدمت هذه الذرائع لغزو فلسطني مبوجات املهاجرين الصهاينة .وكام استخدم االستعامر واملستوطنون الدين واللون والعرق والغة لتمرير عملية استغالل الشعوب وإخضاعها بالتمييز والتفرقة واإلرهاب يف إفريقيا ،كذلك استخدمت هذه 176
األساليب الغتصاب الوطن الفلسطيني واضطهاد شعبه ومن ثم ترشيده. وكام استخدم االستعامر ،وقتئذ ،املحرومني والفقراء واملستغلني كوقود لنار عدوانه ،ومرتكزات االستيطان ،كذلك استخدم االستعامر العاملي والقادة الصهاينة اليهود املحرومني واملضطهدين يف أُوروبا كوقود للعدوان ومرتكزات لالستيطان والتمييز العنرصي. إن اإليديولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا الستيطان فلسطني بالغزاة الوافدين من الغرب استخدمت يف الوقت ذاته القتالع اليهود من جذورهم يف أوطانهم املختلفة ولتغريبهم عن األمم. إنها أيديولوجيا استعامرية استيطانية عنرصية متييزية رجعية تلتقي مع الال سامية يف منطلقاتها ،بل هي الوجه اآلخر للعملة نفسها .فعندما نقول أن تابعي دين معني هو اليهود ،أياً كان وطنهم ،ال ينتسبون إىل ذلك الوطن وال ميكن أن يعيشوا كمواطنني متساوين مع بقية املواطنني من الطوائف األخرى ،فإن تلك اللقاء مبارش مع دعاة الالسامية ،وعندما يقولون أن الحل الوحيد ملشكلتهم هو أن ينفصلوا عن األمم واملجتمعات التي هم جزء منها عرب تاريخ طويل ،ثم يهاجرون ليستوطنوا أرض شعب آخر ويحلوا محله بالقوة واإلرهاب يأخذون من غريهم املوقف نفسه (((3 الذي أخذه دعاة الالسامية منهم).
سقوط جغرافيا فلسطني وجدل الحل
يف ظل جدل ال�صراع وأصوله وكيفية مواجهة تحديات التشظي والترشذم لألمة يف بلدانها ومقدرتها وحضارتها وثقافتها برزت األفكار الكربى الثالثة تلتمس الحل النهايئ وتصبو لإلجابة عىل كل األسئلة ومن -33ميثل خطاب الرئيس الراحل والفدايئ االول يارس عرفات رحمه الله يف االمم املتحدة 1974 /11 /13مفتاحا حقيقيا لفهم االستعامر واالحتالل وما يعد بالفعل وثيقة تاريخية تستحق أن تدرس يف مدارس فلسطني واألمة جمعاء.
177
هنا منى التيار القومي وبرز اإلسالمي وكان لالشرتايك ظهورا ومكانة. سقطت جغرافيا فلسطني بني أيدي الحركة الصهيونية بتسهيالت كان ال غنى عنها من (االنتداب الربيطاين) ،ومل يكن الشعب العريب الفلسطيني إزاء ذلك مستكينا وال مستسلام وال خانعا ،وإمنا كان ثائرا شجاعا مقداما قدم الهبّات والثورات منذ العام 1919ثم يف العرشينيات ،وهبّة الرباق عام ( 1929تعود اليوم القضية يف حائط الرباق واملسجد األقىص املبارك ككل لتغلغل العقلية التوراتية الخرافية يف املجتمع اإلرسائييل يف فلسطني) فالنشاط التنظيمي للشيخ عزالدين القسام ثم ثورة 1939 – 1936وما رافقها من أساليب نضال عدة كان لألخ العريب فيها دورا واضحا بغض النظر عن دينه أو مذهبه ،ومع سقوط الجغرافيا برز العلم السيايس الجديد الذي يعلن والدة دولة (إرسائيل) عىل أشالء فلسطني املمزقة جغرافيا فكانت النكبة التي ما زالت ح ّية فينا كفلسطينيني وكماليني من الالجئني املتوزعني عىل أصقاع املعمورة الذين سيك ّحلون أعينهم مهام طال الزمن بكحل فلسطني وهوائها املعطّر. يف هذا الخضم من التاريخ واألفكار ،ويف هذه البيئة الصعبة حيث املرواحة بني اليأس واألمل وبني االحباط والعمل وبني السلبية وعقلية االبداع االيجابية اختطت حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح تاريخا جديدا منذ العام 1957حيث تعالت الهمسات لتنشئ كيانا أعلن عن ذاته بقوة عام .1965 فلسطني فقدت الجغرافيا بإنشاء الكيان اإلرسائييل ،ثم طحنتها دهاليز السياسة لتنشئ فوق جسدها كيانا جديدا ،كان البد من أن ترفضه هذه الجغرافيا (األرض) وأهلها بأشكال عدة ليس أولها الكفاح املسلح أو حرب الشعب طويلة األمد (النفس) وليس آلخرها املقاومة الشعبية املنترصة اليوم واملحصنة بغضبة القدس أو هبة أو انتفاضة القدس ( )2015التي 178
ال تحتاج لكثري جهد لتعلن أن هذا الشعب ال ينىس وال ييأس وال تخور قواه مهام جهدت (إرسائيل) يف محاوالت احتالل التاريخ عرب وسائط املادة بغرس املستوطنات (املستعمرات أو املستدمرات) بني ثنايا الجسد أو شق الجسد الذي توافق الفلسطينيون أن يقيموا فيه دولتهم املستقلة دولة فلسطني عىل جزء صغري من أرض فلسطني.
حركة ضد الشمولية واالقصائية
إن مسرية حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح مل تكن لتؤمن بهيمنة األفكار الشمولية سواء تلك القومية الشوفينية أو اإلسالموية أو الشيوعية فخلعت كل العباءات الرباقة ،وقررت أن امللعب األول لها هو وتخصص نضالها نحو قضية واحدة فقط هي قضية وطن أن تركّز وتك ّرس ّ قضية فلسطني ومن هنا فهم الفتحويون طبيعة متيزهم الحقيقي منذ اليوم األول والبالغ األول (بالغ قوات العاصفة) ومنذ (هيكل البناء الثوري) واستطرادا يف أدبيات الحركة ،ومسارها النضايل الذي ارتقى درجات النضالية والثورية من درجة الثورية املثالية إىل الثورية الواقعية. رفض رواد حركة فتح فكر جامعة (االخ��وان املسلمني) الحرصي االقصايئ الذي يقدس الفكرة وحامليها معا كام يق ّدس الجامعة عىل حساب األمة ،رفض فكرهم السيايس النظري غري العميل ،فكرهم الذي يجمد الرصاع لدواعي ادعاء املظلومية والسجن وعدم توفر الظروف، فخرج عدد ممن انتموا للجامعة -يف غزة خاصة -عىل قاعدة أن فلسطني تجمعنا ،لينهضوا من أجل فلسطني ال من أجل فكر االخوان املسلمني (خليل الوزير وأبويوسف النجار وصالح خلف ،)...وتالقوا مع زمالئهم الذين مل ينتموا ألي حزب أبدا اال حزب فلسطني كام هو شأن يارس عرفات ود .عادل عبدالكريم ومحمود عباس وهاين الحسن ،وليلتقوا مع أولئك ممن خرجوا من حزب البعث العريب االشرتايك (فاروق القدومي كمثال)، 179
وأولئك الذين طلّقوا الشيوعية والفكر املاركيس-اللينيني الحزيب (ماجد ابورشار )...والذين تركوا حزب التحرير (اإلسالمي) (مثل خالد الحسن) وغريهم ،فكان هذا اللقاء الجامع الذي خلع األردية الحزبية الضيقة لقاء بني األنوية املتعددة يف غزة والضفة والخليج العريب وأملانيا والنمسا (بدأت التباشري بعد العام 1948وصوال للنشأة عام 1957ثم االنطالقة عام 1965 واالنطالقة الثانية عام 1968م) ،ومثّل هذا اللقاء أيضا التقاء أفكار سياسية متعددة اتفقت عىل أولوية فلسطني ،واتفقت عىل رضورة اشعال جمرة النضال ،واتفقت عىل تطليق االحزاب الشمولية التي تهمش فلسطني، وتتلهى بأفكار إقصائية لآلخر ،أفكار شمولية أفكار ال دميقراطية أفكار ال ترى بنفسها اال النهج االوحد التي قتلتنا سابقا وعادت لتدمرنا اليوم، فكانت حركة فتح الحاضنة للكل الفلسطيني بفئاته وتنوعاته ،ومازالت. يقول محمود عباس (أبو مازن) ردا عىل سؤال حول الوحدة والتنوع داخل حركة فتح بديال للحزبية منذ البدايات (لتبقى األفكار كام هي، لكنه ممنوع االرتباط بأي حزب ،فقط يف الحركة ،فكان التنظيم يضم كل االتجاهات تقريبا ،كان هناك إخوان وبعثيون ،قوميون عرب ،وكان الكثري من الشباب يف الحركة قد دخلوا حزب البعث ،ومل يقتنعوا ،وكذلك حركة القوميني العرب ،واإلخوان املسلمني ،وتركوا ،ووجدوا يف حركة فتح (((3 ضالتهم)... لقد ميزت حركة فتح بوضوح بني حقيقة الفهم ،وصدق التحليل املشفوع بحقائق الجغرافيا والتاريخ والقانون والسياسة ،ولكنه املرتبط بالرؤية االسرتاتيجية التي تفهم جيدا رصاع القوى واملعسكرات وطبيعة تقاطع املصالح ،فرأت أن املحرك يف القضايا العاملية مل يكن هو القيم -34كتاب ملكتب الشؤون الفكرية والدراسات لحركة فتح ،تحت عنوان صفحات مرشقة من تاريخ الثورة الفلسطينية ،مع الرئيس محمود عباس ،الطبعة 2عام 2010ص 20
180
واألخ�لاق والعدالة ،وإمن��ا هذا الكم الهائل من التوحش الألخالقي االستعامري سواء يف الفكر الغريب أو الفكر الصهيوين االحاليل الذي بدأ (((3 استعامريا (قوميا) لينتهي اليوم (عنرصيا) (توراتيا) دينيا خرافيا.
مراحل وغيمات عرفات
إن يارس عرفات الذي أجهد نفسه طوال حياته وهو يبحث عن الغيامت املاطرة ،ووجد بعضا منها فحقق انتصارات هنا وهناك وأرادها تراكمية، وص ّدر عبقرية الحث هذه ملضمون فعل حركة فتح التي آمنت باملبادرة واملبادأة واإلنجاز فلم تقف خلف املصداح «امليكرفون» تنرش وترصخ فقط ،وإمنا جعلت من (الحركة) فعال ايجابيا ،فحيث تكون املقدرة عىل تحقيق انجاز (أكان وطنيا شعبيا ،أو عسكريا ،أو قانونيا ،أو سياسيا)... كانت ال تتواىن عن خوض غامر الحرب لتحقيقه وهذا ما كان فكانت االنطالقة عام ،1965وكانت الحرب الشعبية طويلة األمد والكفاح املسلح بإشكاله املتعددة ( )1974 – 1965وكان العمل السيايس يحصد زرع العمل العسكري ( ((3()1987 – 1974ثم كانت اإلرادة الشعبية الجامهريية تعرب بقوة عن حضورها ودورها املبارش يف أرض الوطن عرب انتفاضة الحجارة التي كان فيها خليل الوزير (ابو جهاد) أول الرصاص أول الحجارة مع -35يقول د .عامر عيل حسن« :اإلسرتاتيجية تتسم بأنها «استباقية توقعية» ،إن مل تكن «تنبؤية» ،وهذا االستباق يرمي إىل رعاية املصالح الوطنية وحاميتها مام يخبئه املستقبل ،ولذا ال يجب أن يقوم عىل التقديرات الجزافية أو الخياالت األسطورية ،إمنا دراسة االحتامالت والسيناريوهات ،ووضع االفرتاضات واملنطلقات ،والتي تكون بدورها مرشوطة مبا يجري عىل األرض ،وباإلمكانات املتاحة». -36قال يارس عرفات أمام االمم املتحدة يف خطابه التاريخي « :1974 /11 /13وإننا حني نتكلم من عىل هذا املنرب الدويل فإن ذلك تعبري يف حد ذاته عن إمياننا بالنضال السيايس والدبلومايس مكمالً معززا ً لنضالنا املسلح وتعبري عن تقديرنا للدور الذي ميكن لألُمم املتحدة أن تقوم به يف حل املشكالت العاملية» ،ومثلت عبارة «العمل العسكري يزرع والعمل السيايس يحصد ،ومجنون من يزرع وال يحصد» واحدة من أشهر مقوالت هاين الحسن.
181
شبيبة الفتح وفلسطني يف الوطن ( ،)1993 – 1987وباالنتقال لعناق البناء والتكريس للوطن من نافذة اتفاقيات املرحلة االنتقالية (1994 – 1999م) اقتنصت حركة فتح غيمة ماطرة فأعادت مئات اآلالف من املناضلني للوطن وكرست آليات التشبث باألرض ،ورسخت مفهوم معول البناء ومنجل الحصاد وإرادة الثائر يف بناء مداميك الدولة الفلسطينية القادمة ،فامذا حققنا؟. بال شك أن النجاحات السياسية كانت ذات طبيعة تراكمية يف النضال الفلسطيني ويف جهود حركة فتح املضنية منذ اعالن الدولة عام 1988يف العاصمة الجزائر عىل وقع انتفاضة الحجارة ،ثم انتفاضة األقىص (-2000 2004م) وصوال إىل إعالن العامل اعرتافا أمميا بفلسطني دولة (غري عضو) يف األمم املتحدة (قرار الجمعية العامة لألمم املتحدة 19 /67هو قرار صوتت عليه الجمعية العامة لألمم املتحدة يف 29نوفمرب ،2012وهو تاريخ اليوم العاملي للتضامن مع الشعب الفلسطيني .قدم االقرتاح ممثل فلسطني يف األمم املتحدة .التصويت كان ملنح فلسطني صفة دولة غري عضو يف األمم املتحدة .يف األساس ،يرقي القرار مرتبة فلسطني من كيان غري عضو إىل دولة غري عضو .مع رفض الحكومة اإلرسائيلية القرار ،إال أن رئيس الوزراء السابق إيهود أوملرت عرب عن تأييده له .أيد القرار 138 دولة ،وعارضته 9دول ،وامتنع عن التصويت ،41وتغيبت خمس ).ثم النجاحات التي جعلت من مطاردة الكيان اإلرسائييل يف املؤسسات الدولية هدفا لنا وهاجسا لإلرسائيليني وتكاتفت هذه النجاحات (أو االنتصارات) الهامة مع تواصل الفعل امليداين اليومي من خالل املقاومة الشعبية السلمية املتواصلة منذ العام 2005م.
182
بندقية ومفتاح وم ّ طارة
عىل الدرب الطويل سار رجاالت حركة فتح ،كانوا يحملون يف جعبتهم بندقية ومفتاح ومطرة (زمزمية) ،يف األداة األوىل أي البندقية فتحوا الطريق نحو بعث القضية من النسيان ،فبدون الكفاح املسلح والحرب الشعبية طويلة األمد ما كان للفتح أن يكون السيام والنسيان والتجاهل واالنكسار كان يرخي بذيوله عىل سامء األمة العربية واإلسالمية خاصة فرتة الخمسينيات والستينيات من القرن العرشين. وحمل الفدايئ مفتاح العودة يف جيبه وما زال يحمله ولن يتخىل عنه ألن العودة ومهام طالت األيام والسنون متحققة باألجيال ،فكام أن األرض تعلن يوميا أنها ألصحابها العرب الفلسطينيني فإن أصحابها يف الشتات يتشبثون بحزب العودة ،فهي العودة التي ال محيد عنها مهام كرثت العقبات وتكاثفت األكاذيب وأحدقت بنا املؤامرات .وحمل الفدايئ يف جعبته مطّارة ليمألها باملاء كلام اشتد به عطش لذلك قىض الفلسطيني حياته يبحث عن الغيامت املاطرة. وعن مفتاح العودة الذهبي يقول عضو اللجنة املركزية للحركة (آنذاك) خالد الحسن يف املجلس الوطني الفلسطيني بدورته العرشين عام ( 1991أنا خالد الحسن ،ابن حيفا ،إذا فقدت حق العودة وبالتايل أميل بالعودة إىل حيفا ،شو بدي فيكم «ما حاجتي بكم» ،أنا والله عندي (((3 حيفا والقدس زي «مثل» بعض ،ألن كل فلسطني مقدسة). ومع مفتاح العودة كانت مفاتيح التحرير والنضال بكافة أشكاله مرتافقة مع مفتاح الدميقراطية والتعددية الداخلية (فنحن عودنا أنفسنا منذ البداية عىل الدميقراطية ،وعىل الحوار الهادف ،فلم نرفع يوما سالحا -37من كلمة األخ خالد الحسن يف املجلس الوطني الفلسطيني الدورة 20دورة القدس والشهداء1991 /9 /28-23 ،
183
فلسطينيا يف وجه فلسطينيني ،ومل نقبل أن يسود منطق الغابة هذه (((3 الساحة الفلسطينية)... يف فلسطني ال نزرع األشجار فقط وال النباتات بل نزرع الفداء يف قلوب الرجال وعقول األطفال ألن الوطن والقدر متامهيان ،فكام كُتب علينا أن نكون من هنا فإن الوطن ال يحيا إال فينا ،ومهام كانت التضحيات فيه أو من أجله فهي استجابة القدر فينا لنداء األرض. يف فلسطني ال نزرع األرض فقط بل ونزرع النفوس والعقول واألرواح بالنداء والعمل واألمل الكبري لذلك فالثورة أو ثورة بساط الربح كام كان يسميها يارس عرفات عرفت الجدب والخصب وعرفت االنتكاسات واالنتصارات ،وتنقلت وتجاوزت وحرثت ويف جميع أطوارها ومراحلها كانت تبحث عن الغيامت املاطرة ،واألجوبة الشافية والسياسيات الواقعية أحيانا واملجنونة حينا كل ذلك فداء لفلسطني.
أدوات النضال وحاجاتنا امللحة
ظهرت األجوبة والغيامت املاطرة يف فهم للمراحل ،من النضال العسكري ،فالعناق بينه وبني السيايس ،إىل النضال متعدد األوجه (االقتصادي واإلعالمي واالجتامعي مع ما سبق ،)...إىل النضال الجامهريي عرب االنتفاضات والهبات (انتفاضة الحجارة عام 1993-1987ثم هبة النفق عام 1996ثم انتفاضة األقىص عام 2000ثم #غضبة_القدس أو هبتها الحالية) ،واملقاومة الشعبية السلمية املتواصلة اليوم بأشكالها املتعددة التي دفع يف سبيلها العديد من الشهداء أرواحهم وكان فيهم البطل الشهيد زياد أبوعني عضو املجلس الثوري لحركة فتح علام بارزا. -38املصدر السابق ،من خطب صالح خلف ،كلمة له عام 1982يف الكتاب املشار له سابقا ص 142
184
سارت حركة (فتح) وأصابت وأخطأت ،وأفلحت وعانت كثريا إىل أن أصبحنا عىل أبواب العام 2016واالنطالقة تتجاوز األعوام الخمسني التي نحتاج فيها للحكمة ولنقد وتأمل وتفكر وتطوير وابداع ،والجعبة ما زالت كام هي ،ونحن بانتظار الغيث فاألرض ال يحرثها إال أبطالها والبحث عن األبواب املفتوحة تحتاج ألكرث بكثري من الدعاء فقط. 1.1بني التخيل والتمسك ،والشجاعة إننا مطلّون عىل مرحلة تحتاج لكثري تفعيل ألدوات النضال السيام والخراب يف الساحة العربية أصبح شديدا ،ما بني طعن ِ الحراب وتشتيت الفكر ورصاع النفوذ ،والسيام واألمم تسعى ملصالحها ونحن يف أشد حاالت الضيق ،والنفق ما زال مظلام ،ويف هذه املرحلة فإن أدوات النضال واعتصار الغيامت وامتالك مفاتيحها يحتاج منا كفلسطينيني أكرث من أي يشء آخر لتبادلية (التخيل) و(التمسك). إن مل نتخىل-ويف التخيل شجاعة -ال نستطيع أن نتحىل بشجاعة التمسك ،إذ علينا التخيل عن أنانيتنا السلطوية أو الحزبية كتنظيامت ّ وكأفكار (مكتفية بذاتها) وكآراء ومواقف متباعدة ،وأن نتخىل عن أي ارتباطات خارجية هي وهمية لنا ألنها – وبالتجربة – ال تسعى إال ملصالحها ،فلم يكن يوما للعدل والحق والضمري أن تغلب عىل املصالح إال يف مراحل أو حاالت تاريخية محدودة ،لذا فإن علينا يف حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح أوال ويف الفصائل األخرى أن (نتخىل) عن كل ذلك إن وجد فينا (لنتمسك) ويتمسك غرينا بفكر وسجايا «الصدق والشجاعة والتناغم» مع الجامهري ،فكر فلسطني فكر الوطن ،فكر األولوية لفلسطني ،ال ألي فكرة وأخرى مهام بدت مقدسة أو كبرية أو عظيمة ،ألن مهمتنا التي ألقاها الله سبحانه وتعإىل علينا أن نكون مرابطني يف هذا البلد جميعا وليس كِ رَسا وأجزاء. 185
يقول املفكر العريب الفتحوي خالد الحسن إن الشعب (قد اشتاق لقيادة الصدق والشجاعة والوضوح واملصارحة والتنظيم والتعبئة والتناغم مع نبض الجامهري العربية يف فلسطني ،تلك الجامهري التي تسامت عىل كل قياداتها منذ العام 1920حتى اآلن بوحدتها الوطنية وبرفضها الوقوع (((3 يف مصيدة االنشقاقات الحزبية أو التنظيمية أو القيادية)... إن الذهاب لعقلية التمسك بالجوامع الوطنية بديال عن القواسم، واالتكال عىل الله ،ووحدتنا هي قصبة النجاة ،وهي الغيمة املاطرة ،وقد يقول قائل أن هذا الفصيل أو ذاك يرى ذاته أو فصيله (تنظيمه) أو فكره من ّزها ربانيا مطلقا ال ياتيه الباطل من بني يديه أومن خلفه ،وقد يرى ذلك نعم ،ولكن من واجبنا -رغم علمنا هذا -أن نفتح األبواب بل ونرشعها، ونتنازل إلخوتنا ونتقدم أكرث من خطوة باتجاههم عرب الحوار املفتوح والتقبل والتفاهم والتجاور يف نفس املساحة ،ففلسطني والقضية أكرب منا جميعا. 2.2بناء القلعة الكربى نحن يف مرحلة أحوج ما نكون فيها للخطاب الواحد والصوت الواحد والهدف الواحد والذي يستدعي حني استقرار القناعة بناء قلعة ،نعم بناء قلعة وطنية كربى ،ففي ظل تهدم قلعة منظمة التحرير الفلسطينية وتشقق جدرانها وجدران السلطتني سواء يف رام الله أو غزة ،ال بد أن نبني قلعة جديدة تستلهم تجارب تلك املتداعية وتؤسس لفكر وثقافة الدميقراطية (الرشاكة) الحقيقية دون إبطاء سيتجاوزنا به الزمن. من هنا يقع واجب بناء الربنامج والخطة والرساطية (اإلسرتاتيجية) الوطنية الشاملة عىل الكل الفلسطيني ،ويف إطار منظمة التحرير -39من مقال لخالد الحسن تحت عنوان «علينا التمسك مبطالبنا الوطنية الفلسطينية، ولو بحدها األدىن» ،الرباط يف 1993 /8 /9
186
الفلسطينية ذات األسس الدميقراطية املدنية الجديدة ،بال إسفافات األفواه الكبرية عرب الفضائيات ومواقع التواصل االجتامعي املمتلئة بالقبح والقذارة من تخوين وتشويه وتكفري. إن البيت الوطني مخرتق ومثقل بالثقوب فال يتحصل عىل قدرة تجميع املاء ،وما استمرت الثقوب بال إصالح ال نستطيع ان نحرص املاء فرنتوي أو نتقدم. 3.3بعيدا عن القمة و«العضو املحرتم» أما ثالثا فكام نحتاج للتخيل كمقدمة للتمسك ،وكام نحتاج لبناء قلعة وطنية حصينة ،فإننا عىل الصعيد الحريك الفتحوي الداخيل بال شك أخذتنا األحداث اليومية بعيدا عن (طُهر) الفكرة ،وبعيدا عن (ثقافة) االنتامء وااللتزام واالنضباط ،فاستبدلنا الذي هو أدىن بالذي هو خري ،لتصبح محطة انتامء البعض فينا ذات طابع انتقايئ أو ذرائعي أو مصلحي أو شخصاين ،وهو ما يتعارض مع تعريف االنتامء الفتحوي أنه لفلسطني وترابها وسامئها وحجارتها وزيتونها وقضيتها... ليس االنتامء قطعا لهذا أو ذاك ،وكيف لالنتامء والثقافة الوطنية أن تنمو والجسد (التنظيمي) منهك والجسد التنظيمي يعاين من األمراض، والنفوس مليئة بالثقوب والسواد واليأس واإلحباط ،والهياكل تتآكل فال أبواب مفتوحة وال آذان تسمع وال قلوب لذكر الله سبحانه وتعاىل، ولهدف فلسطني تخشع! وكيف لتعاضد وتكاتف وتساند يُبني ومسار الحراك داخل التنظيم السيايس يتكالب نحو القمة وليس نحو (العضو) من حيث هو الطاقة الجبارة والقيمة واالحرتام بفكره وأدائه وفعله بغض النظر عن مكان وجوده يف السلم التنظيمي. يقول خليل الوزير (أبوجهاد) أول الرصاص أول الحجارة عام أسامها 187
القواعد الذهبية األربع لحركة فتح وهي قواعد العمل الخاصة بنا «كأعضاء يف الحركة» ،أنها تتمثل :بتبني (الوحدة الوطنية مع اتساع الصدر ورحابة األفق ،والثانية هي توظيف كل الطاقات لتحقيق حرب الشعب طويلة األمد ما نحتاج معها إىل الصرب والنفس الطويل ،والقاعدة الثالثة :هي بالعمل عىل تفتيت جبهة األعداء ،والقاعدة الرابعة :هي استقاللية قرارنا التي ال تنبع من إقليمية ضيقة مغلقة ،بل تنبع من منطلقاتنا ذات األبعاد القومية استنادا إىل أن صاحب الجرح هو األكرث إحساسا باألمل واألكرث إحساسا بحجم املعاناة ،ولذا ال بد أن يكون هو األكرث تفاعال واندفاعا (((4 ملعالجة جرحه) إن إعالء قيمة (العضو) أي الشخص املنضوي تحت لواء التنظيم السيايس بقناعة وإميان ،يجب أن تكون أساس الثقافة التنظيمية الناهضة، فكام يُطالب هو باالنضباط للقوانني واألوامر والتوجيهات فمن حقه أال يُدار له الظهر ،وأن يُعطى الدور يف مساحته وإطاره وأن يتم التواصل الدوري معه. ما يعنى أن ال حياة تنظيمية داخلية متواصلة بدون ُخامسية (-1 االجتامع الدوري لكل إطار ببنوده الكاملة -2 ،تقديم التقارير عن األعامل والتكليفات -3 ،امتالك «التكليف واملهمة أو الدور» الذي ميارسه العضو يوميا ،ومامرسته التثقيف والبناء الذي ال غنى عنه -4 ،عقد اللقاءات الدورية وعقد املؤمترات مبواعيدها -5 ،تحقيق التواصل االجتامعي (((4 الداخيل ،والجامهريي املبني عىل الحب والتفهم والتقبل والتجاور). -40د .محمد حمزة ،أبوجهاد :أرسار بداياته وأسباب اغتياله ،االتحاد العام للكتاب واألدباء الفلسطينيني ،رام الله-فلسطني ،الطبعة ،8عام 2010ص180 -41مراجعة دراسة بكر أبوبكر حول البناء والتثقيف يف األقاليم عىل موقعه www. bakerabubaker. info
188
4.4استمطار األمة العربية نعم نحن نلتفت للداخل فينا كحركة فتح وفينا كمنظمة تحرير ،وفينا كفكرة وثقافة مشاركة ودور جامعة متجددة ،ما نراه أولوية عظمى يف ظل الخراب الذي يرضب يف ظهرنا يف عمق أمتنا العربية ،أو انكفائها وابتعادها (الذي نسعى ألن يكون مؤقتا) عن قضية األمة األوىل قضية فلسطني. ويف (سعينا) الستمطار غيامت األمة العربية الشك أن قنواتنا يجب أن تظل مفتوحة عىل ذات القاعدة التي ألِفناها فنحن واألمة جسد واحد مهام أثقلته الجراح هذه األيام( .هل نتذكر شعارنا الخالد الذي طاملا أكد عليه القائد صالح خلف وخالد الحسن أننا قاطرة ال تسري إال ضمن قطار األمة العربية ،وأننا رأس الرمح فيها)... ومن هنا يف النقطة الرابعة املطلوبة حاليا تقول أن :لنا دور مشرتك يجب أن منارسه يف تعظيم قيم التوافق والتعاضد والتقارب بني األمة ومع األمة العربية حيث يجمعنا التاريخ والحضارة واملكان واللغة العظيمة والثقافة والقضايا املشرتكة ،كام تجمعنا الحضارة واإلسالم العظيم مع عدد من دول اإلقليم املجاورة (مع ايران وتركيا) ،ولنا دور يجب أن منارسه يف تعظيم قيم التوافق أيضا مع الدول اإلسالمية ،بل ومع أحرار العامل حيث قيم العاملية الحضارية. يف حديثنا يف اإلطار الواسع املساحة أي االقليم أو األمة العربية وجب علينا أمران األول :االستمرار بطرق الخزان العريب سواء الرسمي أو الشعبي ،فام زال هذا الخ ّزان يضم الكنوز البرشية يف االعالم والصحافة والفكر واالقتصاد والثقافة الجامعة والتقانة وغريها من املجاالت التي ال غنى عنها لنا كأمة ،ويف فلسطني القضية والدولة واملستقبل. 189
ويف االمر الثاين يجب تحقيق مساهمتنا يف دعم قيام (كيان) األمة الناهضة ،ونحو مزيد من التقارب والتآلف وصوال للوحدة بأي شكل مقبول من شعوب األمة ،وهل أوربا متعددة القوميات أفضل منا لتشكل (االتحاد االورويب)؟ ونحن نتفرج عىل أعتاب فكرة خيالية سلطوية استبدادية ،ليست نهضوية أصبحت بائدة اسمها (أمة عربية واحدة،)... أو اسمها املخادع (الخالفة اإلسالمية) ،وهي مهام كان مسماّ ها ما يجب أن ننهض بها ثقافيا وفكريا كحركة فتح لدعمها يف نظرية أقرب ما تكون ملفهوم «أمة دميقراطية حضارية واحدة منفتحة» ،وأن تعددت األنظمة السياسية ،يجمعها املصلحة الواحدة ،لتتبوأ مكانا مرموقا بني األمم بالتحرر وبالفكر والثقافة والصناعة والتقانة والوحدة االقتصادية واحرتام حقوق اإلنسان والتعددية واملدنية ...الخ ،بعيدا عن معازل (غيتوات) الجهالة والتطرف واالنعزال العنرصي واإلرهاب الذي عصف بأمتنا. لنا أن تحلّق األمة معنا ،فال تضيع فلسطني يف ظل البُهتان الصهيوين الذي يحاول أن يجعل من الخطر االقليمي (ايران تحديدا) هو الخطر األوحد ،يف محاولة فاشلة الستقطاب األمة ،ولنا أن نزرع مع األمة بذور الوحدة الناهضة أيضا ،وننتظر اإلمثار ،فالغيامت فينا رابية. «5.5الفهم» والرصاعات يف النقطة الخامسة بعد أن تعرضنا للوحدة الداخلية بشقيها الفتحوي والوطني العام ،وبناء الرساطية (االسرتاتيجية) والربنامج املوحد ،ووحدة األمة يف اإلطار الحضاري ،فإن فهم الرصاع بأبعاده الذي قد ال ينتبه له الكثريون يحتاج جهدا مضاعفا ،وهذه األيام خاصة يف ظل رصاعات جديدة تحيط بنا منها رصاع اإلسالمويني ورصاعات التطرف ورصاع اإلرهاب ،ورصاع (اإلسالموفوبيا) بالغرب ،ورصاع األصالة ورصاع األديان والطوائف ،ورصاع التقسيم الجديد للمنطقة العربية ،ورصاع العلامنية وأبوابها املتعددة، 190
ورصاعات الحداثة والعوملة والبيئة ،ناهيك عن رصاع الرواية التوراتية الرائجة هذه األيام يف ظل خرافية وأسطورية فكر اليمني اإلرسائييل الصاعد، وكثري من مرويات الرتاث العريب واإلسالمي التي استجابت لهذه األساطري التوراتية ،ومل تعد تطيق تقبل الدالئل والرباهني التي تسقطها وترصعها. إن رصاعنا الثقايف الفكري التاريخي النضايل سواء يف املنطقة ،أو فيام يتعلق بفلسطني هو مام يجب أن نقرنه مع ما استجد من رصاعات نخوضها مثل رصاع مقاطعة الكيان اإلرسائييل العنرصي يف كل املحافل ويف الوطن، والرصاع القانوين الذي ذهبنا إليه حديثا مرتافقا مع النجاحات السياسية، ودعام السرتاتيجية تحطيم أسطورة (إرسائيل) كدولة (دميقراطية) ما هي يف الحقيقة إال عنرصية تبتغي (اليهودية) اإلقصائية ،األكرث بغضا مام كان يف جنوب افريقيا. إننا بحاجة كفلسطينيني وكحركة فتح وكتنظيامت عامة للفهم املشرتك أوال ،ويف إطار تحقيق هذا الفهم المناص من استبعاد أولئك املعوقني للوصول لهذا (الفهم املشرتك) وهذا الفهم إن مل يعود لجذره وهو (فلسطني) ولجذره الحضاري يف صميم حضارة أمتنا العربية اإلسالمية واملسيحية الرشقية نكون يف حالة (تيه) كتلك التي حصلت لقبيلة بني إرسائيل العربية اليمنية املنقرضة هناك يف الجغرافيا البعيدة. إن املأساة يف فلسطني اليوم ذات طابع مركب ما بني اختالالت الجغرافيا ورصاخ األرض املغروس فيها خنجر االستيطان واالحتالل، وتكرار مآيس اللجوء ،وما بني تزويرات السياسيني اإلرسائيليني وشحذ سكاكينهم امللونة لقطع رقبة نضالنا ،بل ومتزيق تاريخنا وحضارتنا ،وما يساعدهم يف عملية الذبح اإلرهابية هذه هو عدم القدرة عىل «الفهم» وعدم القدرة عىل التوافق عىل التحليل لدينا نحن كتنظيامت فلسطينية سياسية أساسا ،وعدم القدرة لدى فئة كبرية عىل تقبل اآلخر والتعددية 191
والدميقراطية والرشاكة ،وما يساعد العدو يف مذبحته ضدنا هو تفككنا، وله ْو األمة وانرصافها إىل مواضيع تأخذ أنظمتها ومنظامتها بعيدا وتجعل من انخراطهم يف محاور متقابلة-متقاتلة أساس الرصاع والفرز الذي يدمر األمة من حيث تدمري فكرة الدول الوطنية ،ومن حيث هز االستقرار ،ومن حيث تلطيخ الثقافة الحضارية املتعددة. إن حاجتنا للفهم املشرتك يف التوافق عىل وحدة فكرتنا الجامعة يعني أول ما يعنيه قطع الخيوط مع ما يظنه البعض «أكرب» من «فلسطني الفكرة الجامعة» ،وهو ذاته الخيط «األكرب» الذي التف نحو رقابنا فجمد نضالنا كفلسطينيني يف فرتة تكاثف غيامت االنطالقة ما قبل عام ،1965 وها هو يعود اليوم ليلتف حول رقبة القضية بوجه جديد يجعل من فلسطني قضية ثانوية ،أو إلحاقية أو قابلة لالنتظار ال يرفع من أجلها إال الشعارات الفضائية ،ومن هنا فواجب حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح داخيل وخارجي ،وثقايف كام هو ميداين صادق وشجاع وصبور بال كلل.
وإنا ملنترصون بإذن الله ،وإنها لثورة حتى النرص.
192
حركة «فتح» الوطنية ،وقضايانا القومية (العام )2017 حركة فتح الحركة الوطنية الفلسطينية كفكر هي حركة تحرر مبعنى أن شغلها الشاغل كهدف وفكرة محورية محركة للفعل هو التحرير ،وتحديدا تحرير فلسطني من االحتالل الصهيوين ويف ذلك فليتنافس املتنافسون، دولة مستقلة ثم دولة دميقراطية مدنية عىل كامل الرتاب الفلسطيني. إن التحرير الوطني أو القومي هو كفاح للتخلص من العبودية للمستعمر ،واحتالل األرض واإلنسان ،ويف هذا السياق اقتدت الثورة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح بتجارب الشعوب حتى اكتشفت طريقها الخاص. منذ البداية وحتى اليوم وحركة فتح ال تجمد وال تتحيز وال تقيص وال تغتاظ من نجاحات اآلخرين ،بل كانت مرحابة دوما منفتحة أبدا بحيث أنها احتملت يف داخلها النقائص تلك التي عاشت متحاورة ومتجاورة، متحاربة حينا ومتصالحة حينا يحدها من الجهات الستة قضية فلسطني. فحيثام اختلفت وصعدت أو حطت رحالها كان الجامع لنقائص أو تيارات أو اجتهادات حركة فتح هو فلسطني ،وليس كأولئك الذين وضعوا فلسطني عىل هامش مرشوعهم األكرب أو الشمويل فأصبحت ثانوية ال 193
أساسية وفرع ال أصل. فتح الحركة حيوية ودميومة ،أصالة وتغري دائم ،وفتح الفكرة والخلق والسلوك كانت تنهض من عبق الشارع واغرتاف املعاين الصاعدة من نهر الحضارة العربية اإلسالمية وباإلسهامات املسيحية الرشقية ،وباالنفتاح عىل الفكر والحضارة والثقافة اإلنسانية عامة وهي بذلك أبرزت مفهوم (الوطنية) يف السياق املحيط(.((4
شعار «عدم التدخل» والدول «القومية»
اعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية (م .ت .ف) وحركة «فتح» سياسة عدم التدخل يف الشؤون الداخلية للدول العربية ،ألنها جعلت فلسطني امللتقى والهدف ،ومن يأيت لفلسطني أهال وسهال به بيننا ومعا يدا بيد وسويا ،يف إطار املعركة «القومية»( ((4أو النضالية عامة ،ورغم أن هذا الشعار الذي طبقته فعليا عىل األرض اجترُ ح لغرض كف رشور األنظمة العربية عن العبث يف جسد الثورة ،السيام فرتة االنقالبات العربية والتقلبات السياسية التي صاحبت االنطالقة ،1965ولتكريس الثورة باتجاه العدو الرئيس إال أن العكس هو ما حصل من هذه األنظمة ،إذ كان لعديد األنظمة قصب السبق يف العمل عىل تحطيم وشق املنظمة وحركة فتح عند أول فرصة تلوح لها. -42من مقال للكاتب بكر أبوبكر تحت عنوان (يف ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية 47فتح تنترص بالعمل والجامهري) عىل موقع صحيفة الحياة الجديدة ،وعىل موقعه الشخيص www. bakerabubaker. info -43كان شعار الوحدة العربية وقومية املعركة يطغى عىل املفهوم «الوطني» الذي اعتمدته حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح بني أفكار :القومية الشوفينية وبني االشرتاكية العلمية (الشيوعية) وبني اإلسالموية (خاصة اإلخوان املسلمني وحزب التحرير) كلها فكرانيات (أيديولوجيات) ذات األفق العاملي أو الواسع ،ويف السياق طرحت الحركة فكرا غري مؤدلج يرص عىل أن (فلسطني طريق الوحدة) مخالفة شعار األحزاب والدول البعثية القومية آنذاك أن :الوحدة طريق التحرير.
194
غنى عن الحديث املسهب ما حصل من النظام السوري (يف أقله دعم االنشقاق عىل فتح عام 1983ثم حرب طرابلس-لبنان ،وحرب املخيامت البشعة يف لبنان ( ،)1988-1985واملحاوالت املتكررة إلنشاء منظمة تحرير بديلة( ((4سواء مع بعض تنظيامت اليسار ثم الحقا مع دعم النظام السوري لفصيل «حامس» الذي سعى جاهدا إلنشاء املنظمة البديلة()...((4 -44أنظر ماذا يقول الكاتب عصام عدوان يف مجلة فلسطني اآلن التابعة لـ«حامس» /http:/ / felesteen. psهذا يف 2015 /9 /8بعد أن ينظّر لفشل «حامس» يف دخول املنظمة رغم محاوالتها كام يرى (؟!) وحيث اعترب الدخول للمنظمة دخوال إىل «قفص» و«عبودية» (؟!) حيث يختم بالقول« :عىل حركة حامس ،ومعها كل فصائل املقاومة خارج إطار منظمة التحرير أن ت ُ ِق ّر بفشل سياسة الدخول إىل منظمة التحرير ،لرتفع تلك الغشاوة عن ناظريها ،لتبرص آفاق الخيارات والبدائل األفضل». -45يف شهر فرباير 2009ومازالت «حامس» يف دمشق وبعد االنقالب يف غزة بعامني: ((تعهد رئيس املكتب السيايس لحركة حامس خالد مشعل بـ«مفاجأة» لبناء مرجعية جديدة بديال عن منظمة التحرير الفلسطينية ،رافضً ا الرشوط اإلرسائيلية لفتح املعابر مع قطاع غزة مقابل االفراج عن الجندي اإلرسائييل جلعاد شاليط .وكشف مشعل يف خطاب خالل حفل اقيم يف الدوحة تحت عنوان «وانترصت غزة»« :عن تحرك تقوم به الفصائل سوف تفاجئ به االطراف االخرى لبناء مرجعية وطنية جديدة متثل فلسطينيي الداخل والخارج وتضم جميع القوى الوطنية الفلسطينية وقوى الشعب وتياراته الوطنية» .وأكد ان «منظمة التحرير الفلسطينية يف حالتها الراهنة مل تعد متثل مرجعية الفلسطينيني وتحولت إىل ادارة النقسام البيت الفلسطيني»)) .أنظر صحيفة الرشق االوسط يف /2 /7 ،2015ويقول صالح القالب يف فرباير 2009حول املوضوع(( :مل يكن االجتامع الذي عقدته مثاين فصائل فلسطينية يف دمشق ،ست منها وهمية ومجرد انشقاقات عن انشقاقات، والذي سبقه اجتامع مع الرئيس السوري بشار األسد وتبعته جولة قادت خالد مشعل أوال إىل الدوحة ثم إىل طهران ،وإمنا ذلك املؤمتر الذي انعقد يف يناير (كانون الثاين) من العام املايض 2008تحت «الفتة» حق العودة ،وثبت أن هدفه الحقيقي هو شطب املنظمة الحالية املعرتف بها من قبل نحو مائة وعرشين دولة من دول العامل والتي اتخذ العرب يف قمة الرباط عام 1974قرارا ملزما بأنها املمثل الرشعي والوحيد للشعب الفلسطيني. قبل هذا املؤمتر ،الذي انعقد يف دمشق يف يناير (كانون الثاين) يف العام املايض والذي شكل لجنة إلقامة املنظمة البديلة ملنظمة التحرير التي أعلن عنها خالد مشعل بعد لقاء مع الرئيس بشار األسد وعشية جولة قادته أوال إىل الدوحة ثم إىل طهران «الثورة»، كانت «حامس» قد قامت بانقالب يونيو (حزيران) الذي قامت به يف غزة ،وشطرت
195
والنظام العراقي (ويف أقله استغالل جامعة أبونضال كبندقية لإليجار يف (((4 تصفية قياداتنا ،والتي تنقلت بندقيته الحقا من كتف إىل كتف)... والنظام الليبي يف مراحل عديدة (مثل استغالل جامعة جربيل وبعض الفصائل األخرى ضد الثورة ،و«نصيحة» :موتوا يف ب�يروت )((4(...حيث عكس الخالف السيايس املفكرن (املؤدلج) نفسه عىل العالقة والناس، ال سيام بني الرئيس الراحل يارس عرفات واملنظمة من جهة وبني هذه األنظمة املغرتة بذاتها ،وما كان الخالف عىل تحرير فلسطني أبدا ،وإمنا الوضع الفلسطيني سياسيا وجغرافيا إىل شطرين ،إمارة غزة اإلسالمية التي أقيمت وفق املواصفات الخمينية يف مواجهة دولة الضفة الغربية والسلطة الوطنية يف رام الله)). -46صربي خليل البنا ( 16مايو 16 - 1937أغسطس ،)2002وشهرته أبو نضال، مؤسس ما أسامه فتح-املجلس الثوري ،وهي جامعة مسلحة فلسطينية منشقة ،عرفت أيضً ا باسم منظمة أيب نضال ،وإبان فرتة السبعينات والثامنينات من القرن العرشين ،كان البنا يف أوج قوته ،وحينها عرف عىل نحو واسع بكونه بندقية لاليجار حيث مارس العديد من عمليات اإلرهاب واالغتيال للقيادات الفلسطينية بأوامر عراقية ثم ليبية الحقا مثل سعيد حاممي وعزالدين القلق وعيل ياسني ود .عصام الرسطاوي. -47كتب حافظ الربغويث رئيس تحرير الحياة الجديدة عام 2000يف الصحيفة الفلسطينية يقول ( 0وسألت ابو اياد قبل اجتياح «إرسائيل» للبنان فقال ذهبنا إىل ليبيا نطلب صواريخ «لونا» التي يبلغ مداها 60كيلومرتا لردع «إرسائيل» حتى ال تفكر يف غزو لبنان فرفض القذايف وقال «انه مبجرد بدء الغزو فان طائرات ليبية ستنطلق لرضب تل ابيب وهناك طيارون فلسطينيون يف سالح الجو الليبي سيقومون باألمر فال حاجة للصواريخ» فقلت ألبو اياد ولكن اال يعطونكم اسلحة ومدافع؟ فقال «لفتح ال ..انهم يعطونها ألحمد جربيل ..ونحن نأخذها منه بطرقنا» يف البداية لعب-القذايف -دورا داعام للثورة ثم انقلب وبدأ يلعب دور االفساد يف الثورة الفلسطينية من حيث بث الفرقة وتبني االنشقاقات ودعمها واستخدامها يف االغتياالت الداخلية والخارجية والرتويج بأنه يضع اقتصاد ليبيا وأموالها يف خدمة القضية الفلسطينية .وهو ما مل يحدث بل سخر االموال لرضب القضية الفلسطينية ..فالدولة الوحيدة التي ال تسدد اي التزام بالدعم املايل ..هي ليبيا سابقا والحقا وحتى ما تم االلتزام به يف قمتي رست مل يدفع منه فلس واحد من جانب ليبيا. فدور القذايف كان دوما استاملة فصائل معارضة أليب عامر والحقا أليب مازن ..وحياكة املؤامرات ودعمها ..فهو يلعب ماديا الدور الذي تلعبه قناة الجزيرة اعالميا اي النميمة ونرش الفساد والفتنة وآخرها محاولة عقد لقاء بني احد قادة فتح وقادة من حامس يف طرابلس لخلق تحالف ضد أبو مازن برعاية ليبية)).
196
عىل حجم دور هذه األنظمة يف الشأن الفلسطيني الذي كان يرفعها أو ينزلها يف عيون جامهريها وبالتايل يثبت أو يعظّم رشعية نُظُمها املهتزة، فكان الطعن يف جسد الثورة ومحاربتها بالنار والبارود وقطع األموال عنها وشن حرب إعالمية رشسة عليها وعىل الفلسطينيني هو األسلوب األمثل واألسهل (والذي يرونه ذو الجدوى) لها بدال من اللجوء للحوار ومزيد من إيجاد الجوامع.
حركة فتح واإلجماع العربي
رغم تأكيدنا أن الدول العربية ،وحتى تلك املشار لها كانت يف مراحل محددة ذات ثقل حقيقي وداعم للثورة بال جدال( ،((4إال أنه يف حاالت الخالف ِ والشقاق كان الحل لدى أنظمتها أو لدى أجهزتها األمنية خاصة من جنس ما عاملت به شعوبها ،وهو إدخال املبضع يف جسد الثورة وحركة فتح ما شكل تدخال سافرا وقاتال وخرقا لسياسة الحركة واملنظمة. يف ذات اإلطار اتخذت حركة فتح مواقف واضحة يف دعمها اإلجامع العريب عىل صعوبة تحقيقه ،وأحيانا عىل تساهله ومسايراته املائعة لألنظمة وجنوحها للتنازل ،وكانت فتح واملنظمة مع الحل العريب والتنسيق العريب دون فقدان روحها االستقاللية (القرار الفلسطيني املستقل شعار حركة فتح مل يعني العنرصية أو التقوقع أو العزلة أو االقليمية ،وإمنا عنى القرار يف إطار التعاون العريب) ورفض انسحاقها تحت أقدام األنظمة ومصالحها الخاصة ،فكانت مع الحل العريب فيام يتعلق بالقضية الفلسطينية يف ظل فقدان الداعم العريب االسرتاتيجي ملعنى الجبهة الثورية ضد االحتالل الصهيوين لفلسطني( .أنظر املوقف من مرشوع قمة فاس الثانية بعد حصار بريوت 1982ومبادرة السالم العربية عام 2002أثناء حصار أبوعامر -48حيث ال ينكر الدور السوري يف الستينيات والسبعينيات من القرن املايض يف الدعم الرشيف للثورة كمثال ،وخاصة قبل مرحلة حكم آل األسد ،ويف بداياتها.
197
يف املقاطعة برام الله). دعمت حركة فتح العمل العريب عرب الجامعة العربية وعرب مختلف صيغ التعاون يف كل املفاصل ،يف القضايا العربية كلها وأبرزها السياسية والوجودية ضد العدو اإلرسائييل باحتالله فلسطني أساسا بالقطع، وباحتالله الجوالن وجزء من االرايض اللبنانية ،وسيناء (حتى تحررت)، وأيضا املوقف الواضح من احتالل جزردولة اإلمارات العربية املتحدة من قبل النظام اإليراين الشاهنشاهي ( ((4حني احتاللها فكله احتالل. كان موقف حركتنا دوما موقفا عروبيا صارما ،ألنها رأت االعتداء عىل أي جزء من األمة العربية -بكافة مكوناتها -هو اعتداء عىل ثغرة من الثغور واعتداء عىل أولوية القضية الفلسطينية ومحاولة لحرف املسار العريب عن القضية املركزية قضية أمة العرب واملسلمني وأحرار العامل ،كام هو حاصل اليوم باالقتتاالت الداخلية الواسعة املدعومة اقليميا. التفتيت القائم اليوم يف جسد األمة العربية من رشقها إىل غربها -إن عرجنا عليه ب ُعجالة -هو بإرادة الفكر االستعامري التمزيقي الذي يحاول تسويق إعادة تركيب األمة عىل منطق طائفي /مذهبي وإثني واقتصادي مهمني لها ،ال يجابهه ويقف له باملرصاد ويصمد أمامه إال استعادة مفهوم حركة فتح األصيل بتكثيف الفكر الوطني الوحدوي ضمن حيز اإلقليم/ الدولة املنفتح عىل البناء الوحدوي العريب /اإلسالمي.
-49أقدمت إيران يف 30نوفمرب عام 1971عىل احتالل الجزر اإلماراتية الثالث :طنب الكربى وطنب الصغرى اللتان تتبعان إمارة رأس الخيمة ،وجزيرة أبو موىس التي تتبع إمارة الشارقة .قبل أيام من استقالل اإلمارات العربية املتحدة يف 2ديسمرب ،1971ويف هذا اليوم أيضا نالت استقاللها من الحامية الربيطانية.
198
«الفكر الوطني» يف مواجهة «الطائفية والتمزق
يقف الفكر الوطني الجامع للمكونات حالً ضد ما انترش اليوم من دعوات طائفية أو مذهبية أو إثنية من بعض مكونات األمة الالهية أو الغاضبة أو املظلومة أو املنخرطة يف اللعبة التفتيتية ،بل ويقف هذا املفهوم «الوطني الجامع» ضد الدعوات اإلسالموية املتطرفة والخطرية التي تُفتت الشعوب وجسد األمة وتنقل الثقل من الكُل الجمعي ،ومن العمل عىل بناء اإلنسان والبلدان بالعلم عرب التطوير واإلبداع ،وباالقتصاد القوي والصناعة والزراعة ،وبالتغيري بالفكر إىل الرجوع قرونا للخلف واستفراغ سواد ليا ٍل حالكة عىل شذوذها كان الوعي فيها خارج عن السياق العلمي أو الحضاري اإلنساين بل وخارج عن السياق اإلسالمي السمح. من منطلق عدم التدخل ،واحرتام الدول وشؤونها الداخلية ،ودعم االجامع ودعم الثورات ،والشعوب وشؤونها يف أوطانها ،وقفت حركة فتح مع الثورة اإليرانية ( )1979فكانت أول املرحبني بها بل ومن الداعمني لعديد الرجال يف مساراتها دعام لفلسطني ،فكان (يوم القدس)( ((5الذي أعلنه اإلمام الخميني اقرتابا أصيال من فلسطني وقضايا األمة عامة عرب -50اإلعالن جاء بعد 6أشهر من عودة اإلمام الخميني إىل إيران وبعد أربعة أشهر من قيام «الجمهورية اإلسالمية» أي يف متوز من العام 1979م إلثبات حضور القضية الفلسطينية والقدس يف فكر اإلمام ،واليوم مل يكن خاصاً باملسلمني ،بل يوماً عاملياً (كام يضيف موقع دار الوالية) «ولعل يف ذلك إشارة إىل إعطاء اإلمام للقضية بعدها العاملي، كنموذج للرصاع بني الحق والباطل ،وهذا ما عرب عنه اإلمام والذي سيتضح من دالالت يوم القدس» ويقول الخميني نصا حول هذا املوضوع« :يوم القدس يوم عاملي ،ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس ،انه يوم مواجهة املستضعفني مع املستكربين» .ويقول قدس رسه« :انه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغريها للقوى الكربى» مضيفا« :يوم القدس يوم يجب أن نخلّص فيه كل املستضعفني من مخالب املستكربين، يوم يجب أن تعلن كل املجتمعات اإلسالمية عن وجودها وتطلق التحذيرات إىل القوى الكربى»- .أنظر موقع .http:/ / alwelayah. net/ ?p=26807
199
القدس ،ما مل مينعها من الرتدد يف املوقف من الحرب العراقية اإليرانية، فوقفت حركة فتح بالبداية محايدة إىل أن ظهرت مطامع النظام االيراين جلية ،هذه املطامع التي ظهرت لدى ال ُحكم املطلق بالهيمنة اإلقليمية وتصدير الفكر السيايس السلطوي (دستور الجمهورية اإلسالمية يف إيران يلزمها بالتدخل لحامية املستضعفني يف العامل!) الذي تريد حقنه قرسا يف جسد األمة ما كان معناه أن نكون مع أمتنا العربية واإلسالمية وإما ضدها- عدا عن تدخالتها الالحقة يف الساحة الفلسطينية حتى اليوم -فوقفت القيادة الفلسطينية بوضوح ضد التدخالت اإليرانية يف الشأن الفلسطيني، والعريب سواء يف العراق أو سوريا أو اليمن ،مع االحرتام لسيادتها الوطنية وعضويتها يف األرسة اإلسالمية ويف اإلقليم. ورغم موقف القيادة الفلسطينية من احتالل الكويت عام 1991من قبل النظام العراقي الذي شابه تكثيف اإلدانات الظاملة ،إال أن حقيقته بأجمعه كان ضد مبدأ االحتالل ألي دولة عربية أو جزء منها ،واللجوء لحل عريب كام رأى عديد القياديني فيها ،فيام انربى آخرون لرفض االحتالل دون تحديد رشوط الحل. ومن هنا كان منطق حركة فتح يف السعي الدائم للحفاظ عىل اإلجامع العريب (يف اإلطار العريب ،ال األمرييك أو األجنبي) ضد االعتداءات االقليمية التي أساسها من العدو الصهيوين ،ويتداخل معها اليوم مصالح سياسية (((5
-51حرب الخليج األوىل أو الحرب العراقية اإليرانية ،أطلق عليها من قبل الحكومة العراقية آنذاك اسم قادسية صدام بينام عرفت يف إيران باسم الدفاع املقدس (بالفارسية: دفاع مقدس) ،هي حرب نشبت بني العراق وإيران من سبتمرب 1980حتى أغسطس ،1988خلفت الحرب نحو مليون قتيل ،وخسائر مالية بلغت 400مليار دوالر أمرييك، دامت الحرب مثاين سنوات لتكون بذلك أطول نزاع عسكري يف القرن العرشين ،وواحدة من أكرث الرصاعات العسكرية دموية ،أثرت الحرب عىل املعادالت السياسية ملنطقة الرشق األوسط وكان لنتائجها بالغ األثر يف العوامل التي أدت إىل حرب الخليج الثانية والثالثة (عن املوسوعة الحرة
200
واقتصادية وهيمنة من السلطة /الدولة اإليرانية والدولة الرتكية التي ال يصدها إال محور عريب وحدوي جامع ذو ثقل له أهداف واضحة وخطة طريق.
حركة فتح و«املحور العربي»
وقفت حركة فتح ثابتة يف السياق الوحدوي يف إطار املنظمة (م. ت .ف) ،عندما انطلقت رشارة ما أسمى «الربيع العريب» وتعاملت مع إفرازاته حتى عندما مل تعجبها ،فوقفت هنا مع إرادة الشعوب ضد الظلم واالستبداد والفُرقة ،ألن إرادة الشعوب أهم من بقاء أو زوال األنظمة السياسية أو رموزها ،ما ال يعني تدمري الدولة وتفتيت الشعب وتقسيم األمة. قوة «املحور العريب» هذه األي��ام كأولوية تتجىل حقيقته برأسه السعودية ومبرص وسوريا والجزائر ،وقلبه النابض بالقضية الفلسطينية، فإن كانت سوريا قد أخرجت من املعادلة كام أُخرجت العراق ودول أخرى ألهداف تعظيم القوة اإلرسائيلية يف اإلقليم وألهداف استمرار السيطرة االستعامرية عىل أمتنا برأس حربتها الصهيونية إىل األبد ،إال أنه كان لزاما عىل البقية من أمة العرب يف مثل هذا الظرف الكئيب الحفاظ عىل الوحدة أو استعادتها وإن بشكل تدريجي أو جديد ،ثم التعبري عنها بالتصدي للهجامت يف جسد األمة أوال وقبل كل يشء عرب مسارات العلم والتعليم والرتبية والوعي والنور وهو النموذج للبناء الحضاري ،وبالكفاح واملقاومة ضد العدو املشرتك ،وبتوقي محاوالت الهيمنة االقليمية سواء اإليرانية أو الرتكية أو غريها. إن العالقات القومية الفلسطينية-العربية ليست عالقات شوفينية أو عنرصية أو انعزالية مطلقا ،ترتبط بالجنس أو العرق أو القبيلة ،أمنا هي 201
عالقات مكانية تاريخية /حضارية ثقافية ،مصلحية قومية بصبغة تعاونية تشاركية وحدوية اقرتابية للكثري من املشرتكات ،وهي عالقات ال تحد من رضورة متتني العالقات األخرى مع دول اإلقليم ومع دول املحيط أي تلك اإلفريقية أو اآلسيوية ،ومع الدول اإلسالمية غري العربية ،وكذا املنظامت والجامعات ،بل إن الفناء العريب السمح ذو العمق العرويب-اإلسالمي يستطيع بجامعية فلسطني أن يستقبل اإلسهامات التي تُق ّرب وال تب ّعد، ويستطيع أن يُص ِعد يف مركبه الواسع كل الثوار يف العامل.
202
«فتح» التنظيم الطائرُ :هنا خالدون ()2018 يف الذكرى الثالثة والخمسني النطالقة ثورتنا الفلسطينية املعارصة، رشد ،والضياع واألمل انطالقة املارد الفتحاوي ،من جوف اللجوء ،والت ُّ نقف اليوم وبكل اعتزاز لنؤكّد أ َّن مسرية شعبنا الكفاحية التي واألحزانُ . بدأت مع الطلقة األوىل ،والعملية األوىل ،واألسري األول ،والشهيد األول، تشق طريقها بقوة اإلميان املطلق بحقوقنا الوطنية، واالمل األول مازالت ُّ ومازالت تواج ُه التحديات ،وتتجاوز العقبات ،متمسكة باالنجازات التاريخية التي كرست لشعبنا ُهويّته العربية الوطنية ،وحضو َره السيايس والوطني عىل الخارطة الجغرافية ،رافض ًة املساومة واملقايضة عىل قرارها املستقل هكذا يبتديء الفتحويون خطاباتهم باالنطالقة وذكراها فاقول عنها ونحن قد دخلنا العام 2018بصعوبة وكانت 2017متميزة أعتق ُد أ َّن العام 2017كان عا ًما فلسطين ًّيا بامتياز ،فال تعجبوا أب ًدا، حيثُ استطاع الفلسطينيون ،شع ًبا وقياد ًة واع ّيةً ،أن يثبتوا رسوخهم منهج حياة. باألرض ،عرب متكنهم من تكريس الثبات والصمود َ لقد أثبت الفلسطينيون قدرتهم عىل الصمود والتحدي وإن بأقل اإلمكانيات ،رغم تغ ّول االحتالل ومشاريعه االستعامرية واألبارتهايدية، فكانت غضبات وه ّبات القدس واألقىص منذ العام ،2014وحتى العام 203
الفائت ،الداللة الكبرية عىل هذا املكون الذي أصبح جز ًءا ال يتج ّزأ من شخصية الفلسطيني. لست بوارد نسيان أ ّن الرسوخ والثبات والصمود كمك ّون وطني أصيل ُ بدأ يأخذ سياقه املنهجي ليس فقط يف الخارج حيث انطلقت الثورة، وليس يف الضفة والقدس فقط ،وإنمَّ ا حيث تص ّدى الفلسطينيون يف غ ّزة البطلة بصدورهم و ُح ِّبهم ومقاومتهم لالعتداءات الصهيونية املتك ّررة، فرسموا يف سامء الوطن عالمة الحقيقة. ودعني أقول أن مركَب الشخصية الفلسطينية بعد النكبة عام 1948 تشكَّل من عنارص ثالثة هي :الشخصية املتعلِّمة التي تك َّونت ض َّد األمية والجهل والغفلة واليأس والشعور بالتهميش أوالً. والشخصية الفاعلة العاملة املبادرة التي تخدم نفسها وعائلتها رشد واللجوء واملساعدات اإلنسانية ،فنحن ومجتمعها رفضً ا لواقع الت ُّ ودؤوب. شعب ُم ِج ٌّد ٌ ث ُ َّم ثالثًا الشخصية الثورية التي تجلَّت مع بروز وجه الفتح املبني يف ظالم واقع األمة العربية بأنظمتها املتخلِّفة وبشعارات املنظّامت الخلاّ بة بال فعل. ومع تراكم الثالثية يف الخارج حيثُ مخ ّيامت اللجوء ويف الداخل بدأ الصمود والرسوخ يف األرض يأخذ شكالً يوميًّا ،أي يتح ّول ملنهج حياة لن تستطيع الدبابة أو الجرافة أو الرواية الصهيونية الخرافية أن تقتلعنا ثانية من أرضنا. كان ُّ الشك يُحيط بالكثريين ويكاد يطيح بهم مع خفوت صوت البندقية سواء يف غزة أو الضفة ،وقبله من الخارج ،وما كان لشكوكهم هذه أن تعطي مثرها يف الشعب الفلسطيني بالخارج أو الداخل أل َّن اختيار 204
وعي وإدر ٍ اك شكل النضال والجهاد والكفاح يُق ِّرره الشعب ،ويف ّ ظل ٍ وفهم للمعطيات واملتغيرّ ات ،فال يتوه بني الخيارات ،وال ين َج ُّر للمراهقة ٍ أرض معرك ٍة مفروش ٍة بالراحة ومك َّون ٍة من السياسية ،وال يعطي العدو َ معطيات التفوق للعدو. أدرك الفلسطينيون عامل قوتهم برسوخهم وثباتهم ومقاومتهم (ووحدتهم) ،وعمقهم العرويب اإلسالمي املسيحي الراسخ ،فانترصوا بالقدس وفلسطني يف جولة وجوالت ،ومازالت الجوالت كثرية ،لكن املنهج قد أصبح واض ًحا. كل أفكار الكُساح السيايس يف العام 2017انترص الفلسطينيون عىل ّ واالنكسار التي تظن أ َّن الفلسطينيني ال ميتلكون شيئًا من السياسة إال رف َع العقري ِة بالصياح ،وال َمن يستمعون. نحن بالعمل الدؤوب أسمعنا حتى الص ّم يف العامل العريب واإلسالمي، كام أسمعنا العامل الغريب بحراكنا امليداين املقاوم ،وبحراكنا السيايس والدبلومايس املتقن ،والذي فهم أن فلسطني ودولة فلسطني والقدس هي الحق بعينه ،إذ حني ينظرون بعني القانون والتاريخ والسياسة والقرارات واملنظامت الدولية فالحرية والعدالة والحق إىل جوار فلسطني. الصم من يجب أن يسمعوا ويفهموا أ َّن يف فلسطني مازال يف األمة من ُ ويف الخارج شع ًبا يتقن معادلة الرسوخ والثبات والبقاء واملقاومة يف وطنه املحتلز وشعبًا أتقن ف َّن االستمرار ،ولن يُك ِّرر خطيئة لوم اآلخرين أو الوثوق بالغري الذين مل يُطعمونا ال خب ًزا وال سك ًرا ،و ُهم َمن توقَّفوا عن رسج الخيول منذ زمن طويل. نحن األَ ْوىل أن نكون طليعة األُ ّمة العربية واإلسالمية ورأس الرمح، 205
وبنا ومعنا تتعملَق األمة ،وتعتيل أسوار القدس ،وتصدح الكنائس ،ويقام األذان ،ونصيل معا بإذن الله تعاىل. أ َّما رسالة حركة «فتح» للعام الجديد وحتى النرص املبني باذن الله ،فال يستطيع إلاّ أعمى ألاّ يراها وهنا الطامة الكربى يف ُمعاقي األمة ،فحركة «فتح» ما كانت فاصلة يف التاريخ وال كانت عالمة تعجب. حركة «فتح» كانت ومازالت ِسف ًرا مليئًا باألفكار والربامج وال ِق َيم والتوجهات واملواقف وال�صراع��ات والنتائج وال��ح��وارات واملباديء الدميقراطية والسهد والسهر والنزف والتضحية والعقل ،والنكوص أحيانا والعبث والتخلخل والفرقة. «فتح» آمنت أ َّن النرس ال يطري إلاّ بجناحني اثننيُ ،هام جناح اإلميان بالله وحتمية النرص ،وجناح التضحية هي الحركة التي جعلت من الوحدة شعا ًرا مل متل من تكراره ،وان دخلت يف مراحل من االنتكاسات ستمر وتزول ما أن يرفع الغريب يده املبللة بسموم املال واملصالح والشعارات الكاذبة. حركة «فتح» الحركة الرسالية شاء من شاء وأىب من أىب ،يف رسالتها روح لكل مكونات الحضارة العربية اإلسالمية ،وثقافتها االستيعابية السمحة ّ الوطن من مسيحيني ومسلمني ،ولكل أبناء األمة العربية بال متييز بالعضوية فيها بني العراقي واملرصي واملغريب واألردين أو الفلسطيني. حركة «فتح» التي عانت كث ًريا من الدلف ،إذ كث ًريا ما غرقت باملياه العادمة التي كانت تُلقى عليها من أصحاب الربامج املشبوهة يف األمة العربية واإلقليم ،إلاّ أنَّها وكام كان ير ّدد قائد املسرية الختيار يارس عرفات كطائر الفينيق تقوم أب ًدا من تحت الرماد. حركة «فتح» التفلُّت والفوىض واالهامل وافتقاد الربنامج والتعارض 206
واملصالح الفردية واالنكامش والهزالة والقبح وقلة الحيلة والسوداوية والشكوى واالستبداد والبؤس واللطم والكهرباء الساكنة ،والرتدد والضعف والغفلة ،ومجال الصدمات املفتوح هي حركة «فتح» التي ال نريدها ،وإن عشنا بشخوص فيها ميتلكون من عنارص التبعرث واألفول والسوداوية ما مل (ولن) يستطيعوا معه أن يقلبوها أو يد ِّمروها ،ولن يستطيعوا أب ًدا. حركة «فتح» التي يجب ألاّ يتغافل عن رؤيتها َمن يظن بذاته ينشد لفلسطني هي املحطة األويل يف رسم عالمة رقم 7أي عالمة النرص التي اقرتنت بيارس عرفات ومازالت فيه واضحة ،رغم الكثريين الذين رفعوها قبله وبعده ،ما يؤكد شعار حركة «فتح» الدائم ثورة حتى النرص امللفَّع بكوفية األمل. كرست باملقاومة الشعبية واالنتفاضات رسالة حركة «فتح» التي َّ والغضبات والهبات وجمعات الغضب ومخيامت الصمود هي أ َّن هذا الشعب لهذه األرض ،وهذه األرض ما عرفت شع ًبا سواه.. هذه األرض هي فلسطيننا منذ 10آالف عام ،والعرب الكنعانيون والعرب الفلسطينيون القدماء والعرب اليبوسيون وغريهم من القبائل العربية ،هي التي أقامت الحضارة وزرعت األرض بالشجر والحب والثقافة الجامعة .ونحن امتدادها هي فلسطني التي حرثت فيها األرض طوال وعرضا حتى عندما جاء الصهاينة لريكبوا خرافة «أرض بال شعب» اكتشفوا مذهولني كام قال أحد مفكريهم الكبار يف القرن - 19هوآحاد هاعام- اكتشفوا أنها عىل غري الشعار الكاذب الذي حاولوا إيهام العامل به ،فهي أرض تنبض بالحياة ومزروعة طوال وعرضا ،وهي تتحدث بلغة شعبها العريب. رسالة حركة «فتح» يف مطلع العام 2018أننا من هنا ،فنحن املرابطون 207
كام قال عنا الرسول الكريم ،وهنا نحن باقون وهنا راسخون وهنا مستمرون. الفكر وااليديولوجية العنرصية الصهيونية ،أو اليهودية املتطرفة هي االيديولوجية الزائلة وهنا يكمن الفرق الجوهري يف رسالة حركة «فتح» اإلنسانية الدميقراطية الحضارية للعامل ،حيث تحتضن األرض وال تقبل هدير الجرافات وال أزيز الطائرات ،وترفض العنرصية املتعملقة بالذات اليمينية اإلرسائيلية (املدعومة من اليمني الغريب الصهيوين) كام ترفض املستعمرات واملستعمرين يف جسدنا ويف عاصمتنا األبدية القدس. حركة «فتح» م َّيزت بوضوح -ال يفقهه األغبياء أو األدعياء أو الحاقدون- ميزت بني الوطن واألرض والرواية والتاريخ والجغرافيا حيث تحتضن هذه الخامسية فلسطني التي فيها حيفا ويافا والنارصة والقدس وخانيونس ورفح ونابلس وبيت لحم سواء بسواء ،وحيث نسعى لكيان سيايس أو لدولة يف حدود العام 1967وعودة الالجئني والسيادة والقدس ،فنحن بالسياسة نبني الكيان املستقل. يظل الوطن واألرض والتاريخ والحضارة والجغرافيا ال تفرق أب ًدا ،بل تجمعنا واألمة ،أي بكل وضوح فان التعبئة الفكرية الثقافية والحضارية هي باالرتباط الكيل ،فنحن يف الداخل والضفة وغزة والخارج شعب واحد ألرض واحدة. ومهام كانت الدولة بعيدة أو قريبة فهي املدخل السيايس الصحيح للنضال الطويل من بعدها ،فال يتوه أحد بني دهاليز السياسة فيخلط يف عقله بني الحضاري التعبوي االيديولوجي وبني السيايس. معركتنا ال تكاد تنتهي فامزال مشوارنا طويال ،ويحتمل صعود األجيال، جيل يتلوه جيل ،فإن مل ننجح بالتوحد حول الهدف والغاية واختيار 208
املسلك والوسيلة بقيم املحبة والثقة والربنامج املشرتك ،والرسوخ فكيف لنا أن نتوجه لألمة بطلب الدعم واملؤازرة! نحن من يجب أن يبدأ بنفسه فنكون كام قال قائد املسرية األخ أبو مازن يف إضاءة الشعلة ومستلهام من اآلية الكرمية نحن الصابرون املصابرون املرابطون والله معنا.
209