كتاب بكر أبوبكر المطر والانتصار الانطلاقة

Page 1


‫االنطالقة‬

‫االغتسال يف املطر واالنتصار‬


‫االنطالقة‬ ‫االغتسال يف املطر واالنتصار‬ ‫بكر أبو بكر‪ /‬مؤلف من فلسطني‬ ‫الطبعة األوىل‪2018 :‬‬ ‫دار األمني للنرش والتوزيع‬

‫رام الله فلسطني‬ ‫وطنية ‪970568549769+‬‬ ‫جوال ‪970599649769+‬‬ ‫‪e: mail: daralamin2010@gmail. com‬‬ ‫تصميم الغالف‪ :‬رامي قبج‬

‫‪All rights reserved. No part of this book may be reproduced in‬‬ ‫‪any form or by any means without the prior permission of the‬‬ ‫‪publisher.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‪ .‬ال يسمح باعادة اصدار هذا الكتاب أو أي جزء‬ ‫منه‪ ،‬بأي شكل من األشكال‪ ،‬اال باذن خطي مسبق من النارش‪.‬‬


‫االنطالقة‬ ‫االغتسال يف املطر واالنتصار‬

‫بكر أبوبكر‬

‫منشورات‬ ‫حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح‬ ‫مفوضية االعالم والثقافة والتعبئة الفكرية‬



‫احملتويات‬ ‫‪1 .1‬املقدمة ‪7 ..................................................................................‬‬ ‫‪2 .2‬يف ذكرى انطالقة حركة فتح‬ ‫ انتصار الفكرة وصعود التنظيم الجامهريي‪( .‬للعام ‪9................)2008‬‬ ‫‪3 .3‬كالم االنطالقة الجديدة‪:‬‬ ‫ حركة فتح واستثامر الذات (للعام ‪33 ................................ )2009‬‬ ‫‪4 .4‬حتام سنجد حالً مل تكتشفه بعد (للعام ‪43.......>..................... )2010‬‬ ‫‪5 .5‬يف ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية‪:‬‬ ‫ فتح تنترص بالعمل والجامهري (للعام ‪49 ............................ )2011‬‬ ‫‪6 .6‬حركة فتح ودور يتجاوز الجغرافيا (للعام ‪75............................ )2012‬‬ ‫‪7 .7‬الفكر الصاعد والتنظيم املنهك‪ ،‬ومياه التجدد‪،‬‬ ‫ يف كالم ما بعد االنطالقة (للعام ‪85 ................................... )2013‬‬ ‫‪8 .8‬مبناسبة الذكرى الخمسني النطالقة الثورة‪،‬‬ ‫ نظرات يف ثقافة الحركة (للعام ‪123 ................................... )2014‬‬ ‫‪9 .9‬الخطاب مبناسبة اليوبيل الذهبي االنطالقة‬ ‫ ال‪ 50‬للثورة الفلسطينية العمالقة وحركة «فتح» ‪147.....................‬‬ ‫‪1010‬مبناسبة االنطالقة ‪51‬‬ ‫ حركة فتح والبحث عن الغيامت املاطرة (للعام ‪171 .......... )2016‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪1111‬حركة «فتح» الوطنية‪ ،‬وقضايانا القومية (العام ‪193 ............ )2017‬‬ ‫‪1212‬فتح» التنظيم الطائر‪ُ :‬هنا خالدون (‪203 ............................ )2018‬‬

‫‪6‬‬


‫مقدمة‪:‬‬ ‫يف إطار املراجعات الفكرية والتأمالت والكتابة إع��دادا لخطاب‬ ‫أو محارضة أو ندوة أو دورة سطّرنا مجموعة من الدراسات واملقاالت‬ ‫والتحليالت السياسية نرشناها‪ ،‬أو ألقيناها يف حينها‪.‬‬ ‫كتبنا يف املواضيع التي متعن النظر يف األداء التنظيمي والسيايس من‬ ‫حيث رضورة استمطار األفكار واالغتسال الذهني التجديدي‪ ،‬ومن حيث‬ ‫املعب عنها‬ ‫تقابل األداء مع الفكرة والهدف‪ ،‬ومن حيث صالحية الفكرة رَّ‬ ‫باألداء الفعال‪ ،‬وأيضا من حيث اتساق األداء بناء عىل آليات البناء املرتبط‬ ‫باإلدارة (اإلنسانية) التنظيمية التي تُعيل من قيمة (االتصاالت) الفعالة مع‬ ‫األعضاء‪ ،‬فنترشف بأن تكون (القيادة) محفّزة ومحرضة ومحركة لكوامن‬ ‫اإلبداع يف اآلخرين‪.‬‬ ‫يف ذات الوقت افرتضنا فيام نكتب أن يأخذ كل عضو من األعضاء‬ ‫(دوره) ضمن (الفريق) الذي يشتمل عىل أدوار متكاملة يف آلية (الخدمة)‬ ‫للقضية وفلسطني‪ ،‬واألعضاء ضمن اإلطار‪.‬‬ ‫يشتمل هذا الكتاب عىل عدد من املواضيع املرتبطة بانطالقة الثورة‬ ‫الفلسطينية انطالقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح التي ارتأينا‬ ‫أن ت ُنرش معا‪ ،‬ما ميكّن االستفادة القصوى منها يف آليات فتح آفاق مشرتكة‬ ‫‪7‬‬


‫للتفكري‪ ،‬ويف نطاق التعبئة االيجابية داخل التنظيم أو أي جامعة‪ ،‬ويف‬ ‫حركة «فتح» تحديدا‪ ،‬ويف تنظيم وعمل الدورات والندوات عىل طريق‬ ‫التثقيف الذايت والجامعي‪.‬‬

‫وإنها لثورة حتى النرص‬ ‫بكر أبو بكر‬ ‫عضو قيادة مفوضية االعالم والثقافة والتعبئة الفكرية‬ ‫رئيس لجنة التعبئة الفكرية يف حركة فتح‬

‫‪8‬‬


‫يف ذكرى انطالقة حركة فتح‬ ‫انتصار الفكرة وصعود التنظيم اجلماهريي‪.‬‬ ‫تستقبل حركة فتح العام ‪ 2008‬وهي قوية ثابتة دميقراطية‪ ،‬حيث‬ ‫األرض ممهدة الستمرار انخراط األعضاء يف املشاركة وصنع القرار عرب‬ ‫العملية الدميقراطية الداخلية املتصلة حتى انعقاد املؤمتر العام السادس‬ ‫هذا العام‪ .‬وحيث السياسة بني أيدي قادة فتح أثبتت أنها تسري وفق‬ ‫وصايا الراحل الخالد يارس عرفات الذي وضع بني نظر الجميع القدس‬ ‫والدولة والالجئني والسيادة والشهادة معا‪ ،‬كام وضع بني يديها وديعة‬ ‫الوحدة الداخلية والوحدة الوطنية ألنه بفتح املوحدة وفتح الوطنية‬ ‫الدميقراطية وفتح الشفافية وفتح الصعود التنظيمي والجامهريي تكسب‬ ‫فلسطني البوصلة وفلسطني الدولة‪ ،‬وألنه بدون فتح تضعف اإلشارات‬ ‫وتتناقص الروابط وتنهار عوامل الجمع وتبدأ القسمة تنخر يف عظام األمة‪.‬‬ ‫قال الرجل الثاين يف حركة فتح صالح خلف (أبو إياد) يف أحد مهرجاناته‬ ‫الصاخبة (إن قوتنا يف وحدتنا‪ ،‬كونوا جميعا وإن تضايقتم‪ ،‬وال تكونوا آحادا‬ ‫وإن شعرتم بالراحة) وقال رحمه الله (دعني أدافع عنك لتقول رأيك‪،‬‬ ‫واجتهد يف مخالفتك) ما مل تقبله القيادات الفلسطينية ما قبل االنطالقة‪،‬‬ ‫وخاصة قيادات اإلخوان املسلمني (يراجع كتاب د‪ .‬عبد الله أبوعزة مسؤول‬ ‫‪9‬‬


‫اإلخوان املسلمني تلك الحقبة)((( والقوميني يف فلسطني وخارجها‪.‬‬ ‫إن فتح انتصار الفكرة ال تجعل من مواقف الهزال واالندحار لرجال‬ ‫صغار فيها أو من خارجها عنوانا‪ ،‬وإمنا فتح االنتصار للفكرة أعمدة خمسة‬ ‫للعمل الوطني‪ ،‬وفلسفة عقل ناقد ومبدع‪ ،‬وعمل مرتبط بالحضارة العربية‬ ‫اإلسالمية‪ .‬وفتح االنتصار بصعود التنظيم الجامهريي مساحة دميقراطية‬ ‫واسعة داخلها‪ ،‬ويف الوطن لكافة تياراته‪ ،‬خالفا لحركات االستئصال‬ ‫واالنقالب والفكر املنغلق يف تيارات حركة حامس أو غريها التي أصبح‬ ‫مثقب األرجل والرصاصة يف الرأس شعارها ملطخا بالتكبرية‪.‬‬ ‫إن فتح املعادلة املركبة من اإلميان بالله والوطن وااللتزام باملسرية‬ ‫بكافة السبل عرب (الثوابت الفلسطينية) التي تعد من أبرز منجزات فتح‬ ‫الواقعية العقالنية والتي أجمع عليها الكافة وراء فتح‪ ،‬وانجاز التمسك‬ ‫بالوحدة الوطنية التي أدماها اآلخرون‪ ،‬وبحركة دءوبة داخلية هي فتح‬ ‫االنتصار والتقدم‪ .‬وهي فتح االنتصار لفكرها الرثي الذي عربت عنه‬ ‫الجامهري املليونية الغفرية يف غزة الجريحة بااللتفاف الواسع حول ذكرى‬ ‫وفاة قائد األمة والوطن الخالد يارس عرفات طيب الله ثراه‪.‬‬ ‫سنتعرض يف هذه الورقة مبناسبة ذكرى انطالقة فتح‪ ،‬انطالقة الثورة‬ ‫الفلسطينية الحديثة‪ ،‬لستة مواضيع نرى أولويتها يف مقالنا هذا العام‪ ،‬عىل‬ ‫‪ -1‬د‪ .‬عبد الله أبوعزة‪ ،‬يف كتابه مع الحركة اإلسالمية يف الدول العربية يذكر أنهم‪-‬اإلخوان‬ ‫املسلمني يف فلسطني‪ -‬رفضوا عرض األخ خليل الوزير للثورة والكفاح املسلح بوضوح‬ ‫وألسباب واهية ما يدلل عىل الجمود ورفض أي رأي‪ .‬ويشري د‪ .‬فهد النفييس إىل أن عقلية‬ ‫املتحزب (اإلسالموي) ال تقبل الرأي اآلخر وهي ذات اتجاه واحد فقط‪ ،‬وتجعله يعيش‬ ‫معزوال عن الناس بحاجز نفيس فيحرم االبداع والتفكري‪ ،‬مضيفا التداخل الخطري بني‬ ‫الدين وأوامره ونواهيه وبني التنظيم كإدارة برشية ما أضفى اللبوس الديني عىل أي رأي‬ ‫برشي داخل الحركة اإلسالمية بحيث يجعل العضو يشعر باإلثم لو خالف أمرا تنظيميا‬ ‫أو اعرتض عليه (من ص‪ )31-24‬من كتابه أوراق يف النقد الذايت للحركة اإلسالمية‪ ،‬مكتبة‬ ‫مدبويل‪ ،‬مرص‪.1989 ،‬‬

‫‪10‬‬


‫أهمية مواضيع أخرى قد تجد النور يف أوراق قادمة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أعمدة الفكر الفتحوي‬

‫أول ما يواجهك من الناس الذين ال يفهمون الحركة أو يتعمدون‬ ‫اإلساءة إليها لخلل أصابهم يف املسرية فتجاوزتهم‪ ،‬أو لرغبة مل تتحقق‬ ‫فمألت القلب غيظا والنفس حقدا ‪ -‬أول ما يواجهك من أمثال هؤالء‬ ‫الناس هو قولهم خاصة لكوادرنا الصغار‪ :‬إنك تنتمي لتنظيم بال فكر‪ ،‬فهل‬ ‫حركة فتح كذلك؟‬ ‫أن التنظيم أي تنظيم هو مجموعة من األفكار تتجىل يف األشخاص‬ ‫واألعامل‪ ،‬فال تنظيم سيايس أو اجتامعي أو اقتصادي ينشأ بال أهداف أو‬ ‫أفكار عدا عن أن الله سبحانه وتعإىل م ّن عىل اإلنسان باالستخالف لعامرة‬ ‫األرض مبا أودعه فيه من عقل ليس زينة وإمنا لينجز جهدا يعرب عنه بالفكر‪،‬‬ ‫وعليه فكل إنسان أو جامعة أو تنظيم بالرضورة متتلك فكرا‪ ،‬وفتح بكل‬ ‫بساطة هي صاحبة العالمة املسجلة يف الفكر الوطني الذي يعطى األولوية‬ ‫للقضية الوطنية دون أن ينزع عنها عمقها العريب واإلسالمي والعاملي‪ ،‬ويف‬ ‫إطار األولوية يدفع األعضاء للرتكيز لتحقيق األهداف وجمع الطاقات يف‬ ‫اتجاه فلسطني ضمن مراحل شكلت العقل الواقعي السيايس لهذه الحركة‪.‬‬ ‫‪1 313‬فتح الهوية الوطنية‬ ‫أن الوطنية مبعنى التخصص واألولوية والرتكيز كانت من مميزات حركة‬ ‫فتح التي مل يستطع أي تنظيم أن يباريها فيها‪ ،‬بل أن فتح التي جوبهت‬ ‫باتهامات رشسة باإلقليمية والكفر بعد أكرث من أربعني عاما تجد أن كل‬ ‫املتهمني لها أخذوا يتهافتون عىل تبنى فكر الوطنية الفتحوي متخلني عن‬ ‫اتهاماتهم لها بالرجعية أو اإلقليمية أو الكفر‪.‬‬ ‫أن الوطنية متثل العمود األول من أعمدة فكر فتح الخمسة وهي‬ ‫‪11‬‬


‫االستقاللية والكيانية والوسطية والتشاركية‪ .‬أن حركة فتح باتخاذها‬ ‫فلسطني بوصلتها ألقت بأثواب الحزبية جانبا ملا تجذبه عىل الناس من‬ ‫تعصب مقيت نرى نتائجه يوميا فيام يحدث يف غزة الصمود واألبطال‪،‬‬ ‫حيث التعصب الحزيب أدى لسلسلة خداعة من الفتوى والتكفري والقتل‪.‬‬ ‫إن فتح الهوية الوطنية (ال القومية الشوفينية وال اإلسالموية الحزبية‬ ‫وال الشيوعية العاملية) انجاز االنطالقة الحديثة للثورة الفلسطينية الباسلة‬ ‫التي مل يسبقها أحد‪ ،‬ولحقها اآلخرون كبّاً عىل وجوههم حينا والهثني حينا‪،‬‬ ‫إىل الدرجة التي يأيت فيها كاتب محدث مؤخرا بال هوية أو اسم رصيح‬ ‫لينكر عىل فتح إطالقها رشارة الثورة الفلسطينية املعارصة لؤما وحسدا بل‬ ‫(((‬ ‫وتجنيا مقصودا عىل التاريخ‪.‬‬ ‫وإذا جاز لنا أن نقتبس رأي الفتحويني بفتح الوجه الوطني فإننا ننقل‬ ‫رأي أحد األخوة يف امللتقى الفتحاوي ما ميثل ثراء هذا الفكر حيث يقول‬ ‫يف رسالة وجهها يل((( (أن فكر التحرر الوطني الذي رفعت فتح رايته‬ ‫له قسمني رئيسيني‪ :‬أحدهام سيايس وهو محدد يف مجموعة املبادئ‬ ‫واألهداف واألسلوب يف الباب األول من نظامنا األسايس‪ (((،‬وفيه تحديد‬ ‫‪ -2‬يذكر من ال اسم له‪ ،‬فيام أسامه (مركز دراسات الوحدة الفلسطينية) يف ورقة مسمومة‬ ‫وزعت للبعض عرب الشبكة أن (فتح أدعت ان انطالقتها هي انطالقة الثورة الفلسطينية‬ ‫املعارصة‪ ...‬الخ) ص ‪ ،3‬من تخرصات مشابهة ليست ذات سند وتنبع عن حقد واستهتار‬ ‫بالتاريخ الفلسطيني‪ ،‬تهيئة العتبار ظهور حامس عىل املرسح فقط هو بداية ظهور الثورة‬ ‫كام يفهم من سياق الحق للكاتب يتهم فتح بالعلامنية وعدم التفكري وتقديم كافة‬ ‫التنازالت ومحاربة حامس)؟؟‬ ‫‪ -3‬يراجع امللتقى الفتحاوي ‪www. fateh. tv‬‬ ‫‪ -4‬ونقول أن فكر فتح متطور غري جامد خاصة يف شقه السيايس حيث الواقعية وفهم‬ ‫عوامل القوى لذا كان لفتح اسرتاتيجيات ثالث كانت أولها رساطية (=اسرتاتيجية) الكفاح‬ ‫املسلح وحده ثم أعقبها اسرتاتيجية العمل السيايس والعمل العسكري وثالثها اسرتاتيجية‬ ‫النضال بكافة األشكال التي أمثرت ما أصبح يطلق عليه الثوابت الوطنية الفلسطينية‬ ‫انجاز فهم فتح الواقعي العميل السيايس‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫واضح وجيل‪ ،‬لكيفية بناء وتحديد معسكرات الخريطة السياسية بني‬ ‫معسكر صديق ومعادي ومحايد نسعى الستاملته‪ ...‬واآلخر تنظيمي‪ :‬وهو‬ ‫محدد يف النظرية التنظيمية التي تحدد وترسم األطر والصالحيات والرقابة‬ ‫والنقد‪ ...‬وتوضح بدقة كيفية بناء التنظيم وتسيري أعامله مبا يخدم تحقيق‬ ‫األهداف النضالية من خالل عمل تراكمي جامعي يصهر الفرد يف بوتقة‬ ‫الجامعة دون أن ينزع عنه خصوصيته وإنسانيته‪ ،‬وهي (النظرية الثورية)‬ ‫التي تحتاج للتجديد‪).‬‬ ‫‪1414‬فتح القرار الوطني الفلسطيني املستقل‬ ‫باالستقاللية حافظت فتح عىل الحرية يف التفكري‪ ،‬وأعلت من شأن‬ ‫العقل‪ ،‬وشجعت الخيارات واإلبداع‪ ،‬وحافظت عىل القرار الوطني املستقل‬ ‫منذ محاوالت التخريب العريب يف جسدها عام ‪ 1966‬والحقا عام ‪ 1968‬ثم‬ ‫باالنشقاق عام ‪ 1983‬وما تبعة‪ ،‬ومنذ االنقالب التابع لألجنبي عام ‪2007‬‬ ‫يف غزة‪.‬‬ ‫لقد رسمت االستقاللية خيارات الثورة بتعدد أشكال النضال وتعدد‬ ‫أشكال املقاومة العسكرية والجامهريية والسياسية حيث الشعار الذي‬ ‫ما فتأ يردده هاين الحسن بأن (العمل العسكري يزرع والعمل السيايس‬ ‫يحصد ومن يزرع يحصد ومجنون من يزرع وال يحصد)‪.‬‬ ‫‪1515‬فتح وبناء الكيانية الفلسطينية‬ ‫أما بالكيانية فقد كرست فتح منظمة التحرير الفلسطينية (م‪ .‬ت‪.‬‬ ‫ف) ممثلة للشعب الفلسطيني ووطنا معنويا‪ ،‬بعد أن أعادت للشعب‬ ‫هويته وعزته وكرامته وشخصيته الثورية التي سعت أنظمة السقوط‬ ‫العريب ‪-‬وتنظيامت الشعارات الخيالية أو الدجل عىل الجامهري‪ -‬لطمسها‬ ‫وتكريسها كهوية الجئني مرشدين بال وطن أو دولة‪ ،‬يحتاجون إلغاثة ال‬ ‫‪13‬‬


‫لوطن حر مستقل‪ .‬كام أمثرت فتح إنجازها الساطع عرب السلطة الوطنية‬ ‫الفلسطينية التي أصبحت املدخل الرشعي للدولة القادمة مبقاومة‬ ‫االحتالل الصهيوين الجاثم عىل أرض اإلرساء واملعراج‪.‬‬ ‫والكيان أو الشخصية إذ تصنع تتشكل كثقافة هي معرب الناس وسبلها‬ ‫للتعبري عن حياتها وحاجاتها‪ ،‬وفتح يف هذا اإلطار صنعت ثقافة الثورة‬ ‫والثوار ما مل يسبقها اليه سابق‪ ،‬فأحيت الكوفية رمز الثورة ورفعت العلم‬ ‫الفلسطيني عاليا فوق كل الرايات‪ ،‬وكرست طقوسا محددة للجلسات‬ ‫واملهرجانات حيث الوقوف حدادا والرتحم عىل الشهداء‪ ،‬وفتح بالثقافة‬ ‫أدخلت إىل قاموس اللغة العربية اسمها الجميل كام أدخلت الكادر‬ ‫واملناضل والفدايئ ولفظة (أخ وأخت) التي ساوت باستخدامها بني الكبري‬ ‫والصغري يف الحقوق والواجبات‪ ،‬ما جعل من الزمة الكبري خليل الوزير‬ ‫أبوجهاد (بسيطة يا أخ) تكرارا يعرب فيه عن قانون املحبة يف فتح مشفوعا‬ ‫بابتسامته الغامرة يغدقها عىل كل أخ متضايق أو حزين أو بائس أو‬ ‫غاضب أو يائس أو يجهد نفسه بالنقد سعيا لألفضل‪.‬‬ ‫‪1616‬فتح الوسطية حيث حرية العقل‬ ‫أن الوسطية يف فتح واقعية سياسية ال تفريط وال تطرف ال أحكام‬ ‫مقدسة وال فتاوى وال تكفري بل احرتام ومحبة للشعب الفلسطيني كافة‬ ‫مبسيحييه ومسلميه‪ ،‬ووسطية فتح السياسية ليست توافقية تلفيقية‬ ‫كام يظن البعض وإمنا موقف بل مواقف حفاظ عىل املبادئ واألهداف‬ ‫والتوازن املجتمعي ألن فتح كانت األوىل وما زالت باحرتام الرأي والرأي‬ ‫األخر فهي بكوادرها متثل فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫وفتح كام يقول أحد زمالئنا وأخوتنا األحبة من امللتقى الفتحاوي‬ ‫(فلسفه حياة كاملة متكاملة‪ ،‬تنعكس كليا عىل املؤمن بها وتؤثر بشكل‬ ‫‪14‬‬


‫مبارش عىل كامل مامرساته‪ ،‬إن كانت تلك املامرسات آنية تتعلق بأمور‬ ‫الحياة اليومية‪ ،‬أو دامئة تتعلق بالهدف األسمى والبعيد لإلنسان نفسه‪،‬‬ ‫وهي فلسفة قامئة عىل تحكيم العقل واملنطق يف كل القضايا الوطنية‬ ‫والشخصية‪ ،‬ووضع ما ميليه العقل واملنطق تحت مجهر الفحص النقدي‬ ‫الدائم واملستمر الستكشاف فجواته ونواقصه‪ ،‬وبالتايل تصحيح املامرسة‬ ‫وعدم التواين عن نقد الذات‪ ،‬واستخالص الدروس والعرب وإعادة ’’القطار’’‬ ‫إىل سكته الطبيعية التي تصل به إىل محطته النهائية املرجوة)‪.‬‬ ‫(((‬ ‫مضيفا أن (فتح كام فهمتها هي اإلميان بالعقل كثمرة قابله للتطور‬ ‫املستمر الستيعاب املعطيات الثابتة واملتغرية التي تؤثر يف املسرية‪ ،‬والقادر‬ ‫بالتايل عىل التأقلم معها والتأثري بها لتحقيق الهدف‪ .‬إن فتح ‪-‬كام آمنت‬ ‫بها ‪ -‬هي دعوة مفتوحة ودامئة للنهل من كل ما هو متوفر لنا من علم‬ ‫ومعرفه وثقافة‪ ،‬واستغاللها لتوسيع مقدراتنا عىل التفوق ب’’السباحة ’’‬ ‫يف «محيطنا العاصف والهائج» ‪-‬باملعنى الحيايت الذايت والوطني العام‪-‬‬ ‫فتح التي أحاول مامرستها‪ :‬هي التحيل بالشجاعة الالزمة لنقد الذات ليس‬ ‫‪ -5‬يف نقده للخطاب السيايس (اإلسالموي) غري العقالين يقول الكاتب اإلسالمي د‪.‬‬ ‫فهد النفييس يف كتابة أوراق يف النقد الذايت ص ‪ 29‬أن التوجيه الفكري يجب أن يركز‬ ‫عىل البناء العقيل بينام التوجيه الخطايب (لإلسالمويني) يركز عىل البناء العاطفي حيث‬ ‫الخطيب يتعامل مع الروايات والتاريخ يف إطار العاطفة املشبوبة منتقدا ذلك بشدة‬ ‫ومعتربا أن بذرة التوجيه الفكري أدوم حيث ينقص الحركة اإلسالمية كام يقول صف من‬ ‫املوجهني الفكريني‪.‬‬ ‫ويقول د‪ .‬محمد عامرة أن هذه الحركات بالغت يف ترويض أعضائها عىل الطاعة أكرث‬ ‫مام دربتهم عىل املحاسبة والنقد والتقويم‪ ،‬ما يؤدي لعدم منو شجاعة االعرتاض ونقص‬ ‫الحريات العقلية‪ ،‬حيث وحدانية الرأي رأي املرشد واألمري واإلمام فقط‪ ،‬والذي يؤدي‬ ‫للتفكك والقصور والترشذم ويقتل يف األعضاء ملكات الحرية والنقد واالبداع والقيادة‪.‬‬ ‫ويضيف النتقاداته أنه يف هذه األحزاب يتحكم األموات باألحياء حيث املايض يحكم‬ ‫الحارض‪ ،‬وحيث ال نظرة ايجابية لآلخر يف املجتمع ألن الحزب وحده عند بعض هذه‬ ‫الجامعات ميثل املسلمني فقط دون اآلخرين (ص‪.)335‬‬

‫‪15‬‬


‫بهدف جلد النفس‪ ،‬بل من أجل معالجه األمراض قبل استفحالها‪ ،‬وفتح‬ ‫هذه وبهذا املعنى هي فلسفه حياة باستطاعتنا غرسها بسهوله يف عقول‬ ‫وقلوب أطفالنا‪ ،‬كام غرسها السابقون منا فينا‪ ،‬وهم ونحن بذلك نستطيع‬ ‫النوم قريري العني عىل أن أجيالنا الحالية والالحقة‪ ،‬أنها متتلك البوصلة‬ ‫الحقيقية والصحيحة ملواجهة تحديات الحياة‪ ،‬والصمود عىل طريق‬ ‫(((‬ ‫الهدف النهايئ)‪.‬‬ ‫‪1717‬فتح الدميقراطية والعدالة االجتامعية‬ ‫فتح التشاركية‪ :‬دميقراطية وعدالة اجتامعية وحقوق إنسان وشفافية‬ ‫وتداول عىل السلطة‪ ،‬ما أثبتته أمام أعني العامل أجمع حينام سلمت السلطة‬ ‫لخصم مل يستطيع الحفاظ عىل السلطة فانقلب عليها بالقوة املسلحة‪.‬‬ ‫أعب عنه كام قال الفيلسوف زيك نجيب محمود يف‬ ‫أن موقف وفكر فتح رّ‬ ‫كتابه تجديد الفكر العريب صفحة ‪ 199‬هو املوقف الذي (أن بقيت ظروفه‬ ‫عىل حالها تبقى مبادئه مثال عليا للحارض كام كانت للاميض‪ ،‬وما تغريت‬ ‫ظروفه تتغري مبادئه‪ ،‬فاملوروث عن األسالف هو لنا مبثابة نقطة ابتداء أي‬ ‫–مبدأ‪ -‬ينقي بعضها وتحذف بعضها بحسب ما تقتضيه حياتنا العرصية)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬صورة حركة فتح‬

‫استطاعت فتح أن ترسم صورة مرشقة استقرت يف أذهان الناس سواء‬ ‫يف الوطن أو خارجه فهي مفجر الثورة وهي الكوفية وهي االنطالقة وهي‬ ‫منجزات األمة‪ ،‬وهي االعرتاف العاملي بالقضية وهي منظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية وهي يارس عرفات وهي الدميقراطية وهي يدا مروان الربغويث‬ ‫املرسبلة بالحديد يرفعهام يف وجه جالديه‪ ،‬وهي فارس عودة يف مواجهة‬ ‫‪ -6‬مساهمة فعالة ورائعة من أحد األخوة الكرام أعضاء امللتقى الفتحاوي ‪www.‬‬ ‫‪fatehforums. com‬‬

‫‪16‬‬


‫الدبابات‪ ،‬وهي آيات األخرس أول شهيدة يف االنتفاضة الثانية‪ .‬لكنها يف‬ ‫املقابل ولسلسلة من أالزمات التي سبقت ولحقت وفاة الرئيس الخالد‬ ‫قد شوشت هذه الصورة‪ ،‬ورسمتها بشكل سوداوي يف بعض جوانبها ما‬ ‫جعل الخصم والعدو يستغل ذلك يف محاولة لتكريس فتح وكأنها الفساد‬ ‫والنزاع وما ذلك إال ظلم مقصود وتجني مرصود يؤخذ به الكافة بجرائر‬ ‫القلة الذين ندينهم ونعريهم دون أن نحتاج لتخ ّرصات ومفاسد أحد بيننا‪،‬‬ ‫((( وإنها فوىض وخالفات وإنها كفر وزندقة أو خالفه من املفاهيم التي‬ ‫مل تدخل يف رأس الناس‪ ،‬وظلمت الصورة الحقيقة التي متثل الصورة األوىل‬ ‫والراسخة‪.‬‬ ‫يقول املثل العريب الشهري (إياك والسآمة يف طلب األمور‪ ،‬فتقذفك‬ ‫الرجال خلف أعقابها) وفتح مل تسأم من بذل الجهد أبدا ومل تفرط يف‬ ‫الكفاح‪ ،‬بل كانت ومازالت حركة متواصلة دءوبة تجاه األعضاء والجامهري‬ ‫وتجاه األصدقاء والعامل‪.‬‬

‫فتح الصدر الحاني‬

‫رغم مناورات الخصوم وحقد بعضهم الغريب‪ ،‬إىل درجة تزوير التاريخ‬ ‫واقتالع الجذور‪ ،‬ورغم أراجيف األعداء املحتلني الذين يتنفسون الصعداء‬ ‫مع كل لطمة لحركة فتح‪ ،‬ظلت فتح األوىل يف كل ايجابية فلم يستطع‬ ‫أحد تجاوزها ألن (دونها خرط النقاد)‪ .‬ففتح أن مل تكن األوىل بني الثورات‬ ‫العاملية فإنها املتميزة‪ ،‬صنعت مساحة حركتها وجذبت املوافق واملخالف‬ ‫لها فحققت صورة التنظيم العنيف ضد االحتالل‪ ،‬الثوري‪ ،‬واسع الصدر‬ ‫عىل األعضاء والجامهري‪ ،‬الحاين‪ ،‬املحافظ أبدا عىل الوحدة الوطنية‪ ،‬املهتم‬ ‫بأمور الناس والذي مل تتلطخ يداه بدماء الفلسطينيني أبدا‪.‬‬ ‫‪ -7‬يراجع كتابنا عن سلبيات وأزمات فتح وعن الفاسدين فيها املعنون‪ :‬حركة فتح‬ ‫والتنظيم الذي نريد الصادر يف رام الله عن دار عناة للنرش عام ‪.2003‬‬

‫‪17‬‬


‫إذا مل تكن األول فكن متميزا‪ ،‬وإذا مل تكن السبّاق فكن األفضل‪ .‬فام‬ ‫بالك وحركة فتح حازت األسبقية بالنضال كام حازت التم ّيز‪ ،‬وبشهادة‬ ‫الثائر الكبري ماوتيس تونغ‪ ،‬ورغم التشوشات الكثرية‪ ،‬بل واألزمات‪ ،‬وأيضا‬ ‫مخططات التشويه ومحاوالت الهدم واإلبادة املستمرة يف مسريتها من‬ ‫عديد األنظمة العربية واإلقليمية((( ومن العدو املحتل ال أحد يشري لغريها‬ ‫حينام يذكر النضال الفلسطيني أو الجهد الوطني‪ ،‬وال أحد يستطيع أن‬ ‫يتخطى رقاب الفتحاويني يف أي صالة أكانت يف املسجد أم يف العراء‪.‬‬ ‫إن من أوجب واجباتنا أن نحافظ عىل هذه الصورة يف أذهان الناس‬ ‫بأن نطور من قدراتنا وذواتنا وأن نقرتب أكرث من هموم الناس وان نتمسك‬ ‫مبسلكياتنا االيجابية ونتخلص من السلبية‪ ،‬ونكون قدوة يف القول والفعل كام‬ ‫كان الرسول األعظم قدوتنا‪ ،‬وكام كان قادة النضال مناذج لنا نحتذي بها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬فتح واإلسالم‬

‫مل يتحدث أحد عن فتح واملسيحيني‪ ،‬ألنهم يعلمون أن الرتبية الوطنية‬ ‫السياسية((( الفتحوية تعتمد املواطنة واالنتامء الوطني ال الطائفة أو‬ ‫كل الحديث الذي يواجه كوادر فتح خاصة من الطالب يدور‬ ‫الدين‪ ،‬وإمنا ّ‬ ‫عىل فتح والدين اإلسالمي وكأمنا مطلوب من كل مسلم يوميا أن يقدم‬ ‫‪ -8‬األزمة مع األردن عام ‪ ،1071-1970‬واألزمة واالقتتال مع السوريني خاصة منذ العام‬ ‫‪ ،1975‬واألزمة مع حزب البعث العراقي من خالل أبونضال‪ ،‬واألزمة مع النظام الليبي‬ ‫الحقا‪ ،‬وأزمة االنشقاق املدعوم سوريا‪ ،‬وأزمات املخيامت مع السوريني وحلفاؤهم‪،‬‬ ‫وأزمات طرد القيادة الفلسطينية من أكرث من بلد‪( .‬يراجع كتاب يزيد صايغ‪ ،‬الكفاح‬ ‫املسلح والبحث عن الدولة‪ ،‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بريوت ‪ ،)2002‬وكتاب طالل‬ ‫أبوعفيفة‪ ،‬اإلسرتاتيجية والدبلوماسية يف السياسة الفلسطينية ‪ ،1997-1897‬فلسطني‪،‬‬ ‫‪.1998‬‬ ‫‪ -9‬يقول د‪ .‬محمد عامرة أن الحركات اإلسالمية تعاين قصورا يف الرتبية السياسية لفقرها‬ ‫فكريا وقلة بضاعتها من صناعته وص ّناعه مضيفا وإمنا النغالق هذه الحركات عن الفكر‬ ‫السيايس ونظرياته يف مقال مظاهر الخلل ص‪.344‬‬

‫‪18‬‬


‫فاتورة دينية أمام مدعي النيابة عن الله يف األرض‪ ،‬يف خلط عجيب بني‬ ‫البناء الروحي والرتبية السياسية‪ ،‬أو كأمنا مطلوب من كل مسلم فتحوي أن‬ ‫يقدم كشف حساب ألصحاب الفتوى من الجهلة املعممني وغري املعممني‬ ‫الذين يطلقون األحكام واالتهامات جزافا فهذا مسلم وهذا مرتد وذالك‬ ‫كافر لتشتعل آلة الحقد املجنون رصاصا وإلقاء من أعايل البنايات وأرجل‬ ‫مثقوبة ورؤوس مهشمة وصلت ألكرث من ‪ 450‬جرمية ضد اإلنسانية يف‬ ‫قطاع غزة‪ ،‬والقامئون عليها من مدعي اإلسالم الذين ال يفقهون للحظة‬ ‫مدى حرمة الدم عند الله سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫‪1.1‬فتح والعقل‬ ‫فتح ال تحتاج للدفاع عن نفسها أبدا أمام الذين يخلطون الزيت بالخل‬ ‫فيجعلون من الدين وقود السياسة‪ ،‬ويجعلون من الحرام والحالل طعام‬ ‫السياسيني وال مييزون بني العقل واإلميان وال يستطيعون أن يروا الدين‬ ‫هاديا ومرشدا للفكرة ال متحكام ومتسلطا عىل العقل‪ ،‬فالله سبحانه‬ ‫وتعإىل الذين خلق الخلق ترك لهم حرية الخيار يفعلون ما يشاؤون مبنحة‬ ‫العقل‪ ،‬وأنزل لهم القران هاديا ومرشدا ‪-‬ملن شاء‪ -‬واعد لهم جنة ونارا‪ ،‬ومل‬ ‫يوكل عنه أحدا ليكون هاديا ومرشدا نيابة عنه فينزع املنحة من الناس‪،‬‬ ‫وهذا ما تدركه فتح وتعمل به‪.‬‬ ‫أو كام يقول الكاتب املغريب قاسم شعيب (قاسم شعيب‪ ،‬تحرير العقل‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬املغرب ‪ ،2007‬ص‪ :)8‬أن الحقيقة التي‬ ‫يغفلها النص ّيون(‪ ((1‬هي أن القران مل يأت بديال عن العقل بقدر ما جاء‬ ‫‪ -10‬يقول د‪ .‬محمد عامرة الكاتب اإلسالمي املعروف يف مقال له بعنوان مظاهر الخلل يف‬ ‫الحركات اإلسالمية املعارصة من كتاب الحركة اإلسالمية رؤية مستقبلية ص ‪( 341‬نلحظ‬ ‫ضمن مظاهر الخلل تزايد جمود النصوصيني‪ ،‬وتدين جرعة العقالنية لدى العقالنيني)‬ ‫مضيفا أن العقالنية يف االخوان املسلمني (هبطت لتتناسب مع مستوى العامة) ما أدى‬ ‫إىل (تجنب التفكري العقالين الذي يثري بجرأته الكثري من املشكالت) ويف ص ‪( 343‬وزاد‬

‫‪19‬‬


‫هاديا له ومرشد ا‪ ،‬فمثل العقل والقرآن كمثل البرص والضياء فال العني‬ ‫ميكنها أن تبرص دون ضياء‪ ،‬وال الضياء قادر عىل أن يجعل األعمى بصريا‪،‬‬ ‫وهذا يعنى أن العقل والنص يتكامالن من أجل خدمة اإلنسان والتخيل‬ ‫عن أحدهام هو تخيل عنهام معا‪.‬‬ ‫أن رجال ونساء فتح فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية‬ ‫وأصحاب الرتبية السياسية التعددية الدميقراطية ال يقيمون وزنا‬ ‫التهامات الرجعية والزندقة والردة والعلامنية الن األفواه ذاتها التي تكيل‬ ‫الشتائم واالتهامات هي ذاتها التي كانت تشتم (الوطنية) و(القومية)‬ ‫و(الدميقراطية) ثم عندما ملع يف رأسها نور الفهم تبنتها وقبلتها ‪-‬رمبا ليس‬ ‫كليا‪ ،‬ورمبا تكتيكيا ريثام تنقلب عىل هذه املفاهيم‪ -‬فلم تعد فتح كافرة‬ ‫بعد ذلك (يراجع‪ :‬د‪ .‬محمد عابد الجابري‪ ،‬وجهة نظر نحو إعادة بناء‬ ‫الفكر العريب املعارص‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت ‪.)1988‬‬ ‫‪2.2‬فتح وعلامنية اإلسالم‬ ‫أن كانت حركة فتح حركة علامنية فهي علامنية الدين اإلسالمي كام قال‬ ‫املفكر العريب الفتحوي الكبري خالد الحسن‪ ،‬مبعنى التي رفضت الظالمية‬ ‫والتقديس لألشخاص والتكفري كام رفضت انتزاع السلطة بالدماء بدعوى‬ ‫الحق املطلق يتفجر من عيون من عبدوا األشخاص والحزب أو أ ّجروا‬ ‫عقولهم ألصحاب أعراس املثاقب تنخر عظام األبرياء من أبناء غزة األبطال‪.‬‬ ‫مل تقل فتح يوما إنها ذات فكرانية (=أيديولوجية) مطلقا‪ ،‬ومل تقل أنها‬ ‫تشكل حزبا سلطويا‪ ،‬يعشق الكرايس ويتغنى باأللقاب‪ ،‬كام مل تتبنى طرحا‬ ‫مجتمعيا علامنيا رغم الكثري مام يقال بهذا الشأن‪ ،‬وإمنا قالت بالثورية‬ ‫وضوح هذا الخلل وضاعف من تأثرياته عجز الكثري من هذه الحركات حتى اآلن عن‬ ‫إقامة العالئق والخيوط التي تصنع وتقنن التاميز بني مؤسسات الفكر وأعالمه وبني‬ ‫تنظيامت الحركة وجمهورها)‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫كام قالت بالدميقراطية –وكفى‪ -‬الدميقراطية التي خشيها اإلسالمويون‬ ‫(املتحزبون) وكفروها ثم تبنوها‪ ،‬وقالت باملجتمع املدين الذي خشية‬ ‫اإلسالمويون وكفروه ثم تبنوه‪ ،‬وقالت بحقوق اإلنسان وحقوق املرأة التي‬ ‫رفضها اإلسالمويون باعتبارها نتاج الغرب الكافر ثم تبناها بعضهم إىل‬ ‫الدرجة التي طالبوا فيها بقيام دولة علامنية يف فلسطني كام قال عضو‬ ‫قيادة اإلخوان املسلمني يف مرص عبد املنعم أبو الفتوح‪.‬‬ ‫‪3.3‬فتح وطالب السلطة‬ ‫قال يل صديق خرج من املعتقل حديثا أن بعض قيادات حركة حامس‬ ‫يتجنبون التعاون مع حركة فتح يف املعتقل ويتقربون من اليسار‪-‬وكام هو‬ ‫الحال يف الجامعات أيضا‪ ،-‬فلام سأله صديقنا وهو من أحد أحزاب اليسار‬ ‫مل تفعلون ذلك وأنتم أقرب إليهم‪-‬أي إىل فتح‪ -‬فكريا منا‪ .‬قال له‪ :‬أنتم ال‬ ‫تنازعوننا السلطة وهم من ينازعنا ألنهم قريبون من الدين؟!‬ ‫لذلك نرى سالسة التفاوض بني اإلرسائيليني وحركة حامس تلك التي‬ ‫تجري خفية عىل قدم وساق‪ ،‬ومن خالل اإلعالن العلني املتكرر املتمثل‬ ‫بالغزل املمزوج باالستجداء اليومي لوقف إطالق النار من قبلهم مربوطا‬ ‫بهدنة مجانية لعرشات السنني‪ ،‬دون أي تحرك مقابل إلنهاء االنقالب‬ ‫الدموي يف غزة كمنطلق ملصالحة األخوة الذي ما فتأت فتح تطالب به‪.‬‬ ‫أن حركة فتح حركة الشعب الفلسطيني العريب املسلم واملسيحي‪،‬‬ ‫وهي نتاج تاريخ وتراث هذه األمة العربية اإلسالمية باسهاماتها املسيحية‬ ‫الرشقية‪ ،‬وهي بذلك تبث الرعب دوما يف قلوب مدعي احتكار اإلسالم‬ ‫ألنها ترضب مثال ال يستطيعون مجاراته يف التسامح واملحبة والوحدة‬ ‫الوطنية‪ ،‬والعدالة االجتامعية التي هي حقيقة الدين الحنيف الذي ال‬ ‫يقبل انكامشه يف حزب أو شخص‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫رابعا‪ :‬حركة فتح و«حماس»‬

‫حركة فتح التي حملت مشعل الثورة يف زمن انحطاط األمة وبعد‬ ‫انكساراتها املتكررة يف األعوام (‪ )1967 ،1956 ،1948‬أعادت األمل للشعب‬ ‫الفلسطيني وبعثت شخصيته وشكلت كيانه ورفعت اسمه عاليا من خالل‬ ‫كوفية الختيار التي زنّرت الكرة األرضية حتى اليوم‪ ،‬ليس لعظمة يف قادتها‬ ‫وعىل رأسهم النجم العاملي يارس عرفات أو يف حركتها فقط‪ ،‬وإمنا لعظمة‬ ‫هذا الشعب الذي رأى فيها السبيل للخالص فأسلس لها القيادة‪ ،‬وهفا‬ ‫لها قلبه‪ ،‬وال يعني ذلك تفاخرا أو تبخرتا أبدا فال عصمة وال قداسة وال‬ ‫مطلقية والصواب دائم يف العمل السيايس‪ ،‬ألن أي انحراف يف فتح سيواجه‬ ‫بقوة من هذا الشعب –رمبا قبل أعضاء فتح‪ -‬الذي وثق بها وجعلها عنوان‬ ‫فلسطني‪ ،‬إلن الشعب الفلسطيني كام ظل يردد املرحوم أبوعامر يسبق‬ ‫قياداته دوما‪.‬‬ ‫‪1.1‬فتح أخطأت لكنها أنجزت‬ ‫حركة فتح التي عملت وأخطأت وهي تجهد نفسها يف مراكمة‬ ‫االنتصارات منذ العام ‪ 1957‬حيث النشأة ومنذ العام ‪ 1965‬حيث‬ ‫الرصاصة األوىل التي أرعبت املنطقة الساكنة‪ ،‬ألقت بانطالقة الثورة‬ ‫الفلسطينية حجرا يف مستنقع األحزاب امليتة مثل البعث والقوميني‬ ‫والشيوعيني واالخوان املسلمني وحزب التحرير ذات الشعارات الطبلية‬ ‫الطنانة والزمرية الرنانة‪ ،‬التي ال تغني وال تسمن من جوع‪ ،‬فكانت فتح‬ ‫أفضل من غريها الذي قعد عن القتال أو حتى مجرد التفكري به‪ ،‬مستبدلني‬ ‫ذلك باتهامات للحركة مازالت متواصلة‪ ،‬كام هو شأن اإلخوان املسلمني‬ ‫يف فلسطني (الذين أصبحوا حركة حامس منذ العام ‪ ،)1987‬وكام يقول‬ ‫مسؤول اإلخوان املسلمني يف قطاع غزة سابقا د‪ .‬عبد الله أبو عزة يف كتابه‬ ‫(مع الحركة اإلسالمية يف الدول العربية ص ‪( :)163‬إن فتح أخطأت وهي‬ ‫‪22‬‬


‫تبادر وتعمل‪ ،‬وإذا كانت أخفقت يف الوصول إىل الهدف ‪-‬تحرير كامل‬ ‫فلسطني‪ -‬فقد حققت عددا من اإلنجازات تحسب لها بالتقدير والثناء‬ ‫وذلك من حيث القدرة عىل التنظيم‪ ،‬والقدرة عىل التحرك وسط الظروف‬ ‫املعقدة‪ ،‬كذلك يحتسب لفتح متكنها من تعبئة قوى الشعب الفلسطيني‬ ‫وإنشاء عديد من املؤسسات التي أعادت للشعب الفلسطيني إحساسه‬ ‫بذاته‪ ،‬وفرضت قدرا من إحساس اآلخرين بهذه الذاتية الفلسطينية)‪.‬‬ ‫‪2.2‬فتح أفسحت املجلس‬ ‫فتح الدميقراطية مل تضيق املجلس بل أفسحته لغريها رغم أنه ظن‬ ‫نفسه بديال عنها وعن منظمة التحرير الفلسطينية فترصف بعد االنتخابات‬ ‫وفق ذلك‪ ،‬فجاء ليكرس عقلية اإلقصاء واالنقالب واالتهام لآلخرين وتنزيه‬ ‫الذات يف خطابات احتفالية ألناس غري مؤهلني سياسيا‪ ،‬بال مضمون سيايس‬ ‫وبتحريض عىل اآلخر وتحشيد األحقاد ضده‪.‬‬ ‫وكام أثبتت األحداث أمام كل من ألقي السمع وهو شهيد‪ ،‬ونستعري‬ ‫من نقد إسالمي للحركات اإلسالموية الحزبية ما ينطبق عىل حركة حامس‬ ‫ما يقوله أحد الكتاب اإلسالميني الكبار غري املتحزبني‪ ،‬حيث يقول الكاتب‬ ‫اإلسالمي عمر حسنه يف كتابه مراجعات يف الفكر والدعوة والحركة الصادر‬ ‫عن املعهد العاملي للفكر اإلسالمي عام ‪ ،1991‬ص ‪( :43 24-‬فقد ال نجايف‬ ‫الحقيقة كثريا إذا قلنا أن الكثري من مواقعنا –يقصد مواقع اإلسالمويني‪ -‬يف‬ ‫مجال اإلعالم وغريه يحتلها أصحاب الوالء واالنتامء والتحزب ويف أحسن‬ ‫األحوال أهل الحامس‪ ،‬ويفتقد فيها أهل االختصاص واألهلية‪ ...‬يكرث فيها‬ ‫الخطباء ويغيب عنها الفقهاء‪.)...‬‬ ‫‪3.3‬االعالم اإلسالموي‬ ‫يضيف عمر حسنة أن (الكثري من املؤسسات اإلعالمية التي ترفع‬ ‫‪23‬‬


‫الشعار اإلسالمي ال تزال تفتقد الكوادر البرشية املسلمة املتخصصة‬ ‫املدربة‪ ...‬كام أن خطابها يف معظمه ال يزال داخليا مل تستطع أن تصل‬ ‫به إىل مرحلة الخطاب العام والعاملي) ولكم أن تقارنوا ذلك مع إعالم‬ ‫وخطاب حركة حامس كمثال صاخب؟!‬ ‫ويضيف أيضا أنها مل تستطع أن (تحمل هموم الجامهري‪ ،‬وتقدم لهم‬ ‫الرؤية اإلسالمية لحل مشكالتهم‪ ،‬حيث استغرقت يف املايض ومشكالته)‪،‬‬ ‫وقال ص ‪ 46‬أنهم ميسكون عن (النقد والتقويم واملراجعة ألسباب واهية‬ ‫موهومة) ويقول ص ‪ 62‬منتقدا عقلية (التبعيض) اإلسالمية‪-‬كام يسميها‬ ‫هو‪ -‬التي (متثل األحادية الضيقة التي تتوهم إنها اكتشفت الحقيقة‬ ‫املطلقة كلها‪ ...‬فتتحزب لها وتنغلق عليها وتلغي حق غريها يف النظر‪،‬‬ ‫كام تحول دون االستفادة من جهود اآلخرين) ما (يورث الفشل واإلحباط‬ ‫ثم التخاذل الفكري والشلل الرتبوي واالنتحار الروحي والهروب إىل عوامل‬ ‫الوهم والخرافة‪ )...‬هذا ما يتحفنا به منصف من املفكرين اإلسالميني‬ ‫ما يرثي رأينا الذي نعرضه لكم حول الخطاب السيايس لحامس اللهاث‬ ‫وراء السلطة وتدمري إرث فتح‪ ،‬إرث فلسطني (دراسة بكر أبوبكر‪ ،‬سامت‬ ‫الخطاب السيايس لحركة حامس‪ )2006 ،‬فيامييل‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬خطاب املأزق‬

‫ملاذا نكرس التعرض لحركة حامس الحزب السيايس املغلق فكريا –لنقل‬ ‫يف تيار متنفذ فيها‪ -‬يف حديثنا مبناسبة ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية‬ ‫وفتح؟ نقول ألن فتح صعود الفكرة وانتصار التنظيم الجامهريي تجلت‬ ‫من خالل الجامهري التي أظهرت التفافها حول الرشعية واألصل باالستنهاض‬ ‫املليوين يف ذكرى وفاة الخالد يارس عرفات بعد أن أزالت الخوف من‬ ‫عصابات البغض والقتل والتنويم املغناطييس من قلوبها‪ ،‬فتكرست الحركة‬ ‫منهج حياة وفلسفة لكل الناس لذا وجب علينا ملحو أي تأثري سلبي‬ ‫‪24‬‬


‫مستمر أن نبسط لهذه الجامهري ‪-‬وخاصة الكتلة الحائرة فيها‪ -‬أزموية‬ ‫حامس وتنظيمها وقادتها وخطابها يف تعبري دائم عن احرتامنا لهذه‬ ‫الجامهري من جهة‪ ،‬ومن خالل إظهار توضيح أدوار اآلخرين التخريبية‬ ‫حيث تتكالب القوى العدوة واالقليمية واملحلية عىل فتح كام تتكالب‬ ‫األكلة عىل قصعتها‪.‬‬ ‫‪1 .1‬حركة «حامس» باغتها الفوز فجاءها عىل حني غرة جعلها تقف‬ ‫فرحة ثم مشدوهة ثم عاجزة عن استيعاب ما حصل ومن ثم‬ ‫عن استيعاب رضورة التغيري للخطاب وفقا لتكاليف السلطة‬ ‫(‪((1‬‬ ‫واستحقاقاتها‪.‬‬ ‫‪2 .2‬ومل تستطع أن ترسم خطاً واضحاً بني موقفها كمعارضة يف السابق‬ ‫وبني تسلمها لزمام السلطة كحكومة فوقعت يف مجموعة من املآزق‬ ‫واألزمات استهانت بها يف البداية وقللت من أمرها يف إطار نشوة‬ ‫النرص والعنفوان املرافق لها‪ ،‬ويف إطار اإلميان بأن الله معهم‪.‬‬ ‫‪3 .3‬وحاولت التغطية عىل عجزها هذا بإلقاء املسؤولية عىل اآلخرين‬ ‫يف الداخل والخارج من خالل عقلية غيبية تستمطر اللعنات عىل‬ ‫املخالفني‪ ،‬وتعد األنصار بالنرص‪ ،‬وتطالب بدعم الحكومة واال‬ ‫فالتهديد والوعيد‪ ،‬ألن الثابتني عىل دينهم ينرصهم الله‪ ،‬والخونة أو‬ ‫الكفار هم الذين يحلمون أو يعملون عىل إسقاط الحكومة‪.‬‬ ‫‪4 .4‬مل تستطع حركة حامس أن تخرج من نطاق الخطاب الحزيب الضيق‬ ‫إىل الخطاب الوطني إال ما ندر‪ ،‬فألقت بضعفها يف حل املشاكل‬ ‫عىل الناس‪ ،‬حني طالبتهم بالجوع وعدم الركوع وبدأت تجمع منهم‬ ‫‪ -11‬من النقطة ‪ 1‬إىل ‪ 17‬وردت يف خالصة دراسة مطولة للكاتب تحت عنوان سامت‬ ‫الخطاب السيايس لحركة حامس‪ ،‬وصدرت الدراسة قبل االنقالب الدموي لحامس يف غزة‬ ‫عام ‪.2007‬‬

‫‪25‬‬


‫‪.5‬‬

‫‪.6‬‬ ‫‪.7‬‬

‫‪.8‬‬

‫‪.9‬‬

‫األموال وملا سيرّ ت القوافل لتجمع من خزائن األمة وجدت مفاتيحها‬ ‫صدئة تفتح بصعوبة شديدة‪.‬‬ ‫‪5‬بدا خطاب حامس حزبياً صميام يدافع عن متاسك الحركة التي‬ ‫أغوتها السلطة وبهرتها إىل درجة التمسك بها باألسنان والنواجذ‪،‬‬ ‫ورغبت من خاللها أن تحقق الرشعية الدستورية والسياسية بعد أن‬ ‫اعتقدت أنها حققت الرشعية القتالية وامليدانية عرب تصويرها للرأي‬ ‫العام أنها قامت بتحريرغزة‪.‬‬ ‫‪6‬وسعت بالتايل للسيطرة عىل القرار ومحاولة تلقف منظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية وترؤسها بقوة الدفع الناتجة عن حجم الفوز لها‪ ،‬وحجم‬ ‫الكبوة التي وقعت بها فتح‪.‬‬ ‫‪7‬لقد ظهر خطاب حامس قلقاً متوترا ً يف البداية‪ ،‬لذلك لجأ لألوهام‬ ‫ولجأ للغيبيات‪ ،‬ولجأت حامس إلنكار الواقع وابتعدت عن الرؤية‬ ‫السياسية التي تقدم الخبز للناس وتقدم الحل للمشكل االقتصادي‬ ‫واملايل‪.‬‬ ‫‪8‬لقد حاولت حامس جاهدة –وهو ما يحسب لها إيجابا – الخروج‬ ‫من املآزق املتعددة التي وقعت فيها حيناً من خالل التحرك‬ ‫الخارجي املحموم‪ ،‬وحيناً آخر من خالل محاولة تجنيد الشارع‬ ‫واملساجد فنجحت يف أمور وفشلت يف أخرى‪.‬‬ ‫‪9‬ففي حني فشلت مسريات الفرح بالجوع ورفض الركوع فإنها‬ ‫حصلت يف املقابل عىل التفاف شعبي رغم سوء الحال إىل أن‬ ‫تصاعدت أصوات الجوعى بعد ‪ 4‬شهور حالكة لتغطي عىل أصوات‬ ‫االتهامات لهم بالغوغاء وتقر حقهم بالتظاهر‪ ،‬وكام جاء يف وثيقة‬ ‫الوفاق الوطني املعدلة‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫‪1010‬يف إطار محاولة حركة حامس البحث عن مخرج‪ ،‬تخبطت كثريا ً‬ ‫ووقعت يف تناقض الصيحات العالية واملواقف والخطابات املغالية‬ ‫واملتناقضة ما كان بامتياز من حقوق حركة فتح فقط لتظهر حركة‬ ‫جديدة تتخطفها األضواء وتلعب بها الفضائيات فتقع يف املستنقع‬ ‫الذي وقع به سلفها التنظيم الذي اعترب نفسه العمود الفقري للثورة‪.‬‬ ‫‪1111‬مل يفد حامس االستهانة بالرشعيات الثالثة‪ :‬الوطنية عرب منظمة‬ ‫التحرير الفلسطينية والعربية عرب قرارات اإلجامع العريب والدولية‬ ‫عرب قرارات األمم املتحدة بل أساءت كثريا ً للعمل الوطني وعزلت‬ ‫نفسها والقضية والسلطة والشعب عن العامل الذي بدأ يتشدد يف‬ ‫التعامل مع الحكومة الفلسطينية التي مل تفدها جولة وزير الشؤون‬ ‫الخارجية يف فكفكة الحصار الخارجي‪.‬‬ ‫‪1212‬إىل أن نجحت الحركة يف تجاوز أزمتها الداخلية التي تأججت مع‬ ‫صدور وثيقة األرسى وثيقة الوفاق الوطني باالعرتاف بالرشعيات‬ ‫الثالث يف املعدل من الوثيقة ما يحسب إيجابا لحركة حامس‪.‬‬ ‫‪1313‬إن سوء إدارة األزمات كان من أهم األسباب التي جعلت حامس‬ ‫تعيش يف حرية وتخبط أدى بها الستخدام لغة الرتغيب والرتهيب‬ ‫لفظاً وعمالً‪ ،‬لفظاً عرب الخطاب الناري وعمالً عرب القوة التنفيذية‪.‬‬ ‫‪ 1414‬لقد فشل خطاب حامس يف استقطاب الجامهري غري املنظمة‪ ،‬ونجح‬ ‫يف تحديد شكل املعسكرات من حولها‪ ،‬ومن حول فتح‪ ،‬ومن حول‬ ‫التنظيامت األخرى‪ ،‬حتى تلك التي كان صوتها خافتاً مثل (حزب‬ ‫التحرير) و(السلفيني)‪ ،‬ألن تصاعد حدة الخطاب الديني قد حفز‬ ‫التنظيامت الدينية األخرى الستغالل املساجد والدفاع عن وجودها‬ ‫كام فعلت حركة حامس يف استغالل املساجد‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫‪1515‬يف محاولة إلظهار نفسها كقوة متصاعدة سعت حامس إلضعاف‬ ‫القوى األخرى وخاصة حركة فتح عرب الشكوى من الفساد وخلو‬ ‫الخزينة بأرقام متناقضة ‪-‬رد عليها وزير املالية السابق(‪ ((1‬مفندا‬ ‫كافة االدعاءات‪ -‬وعرب االتهام بالفوىض‪ ،‬ولكن مقدرة حركة فتح عىل‬ ‫مللمة بيتها قد حد من هذه املحاولة ووضعها يف سياق الخالف‬ ‫الذي يجب أن يتعامل مع الحجوم عىل حقيقتها يف اإلطار الوطني‬ ‫واإلقليمي والدويل‪.‬‬ ‫‪1616‬ما يسجل نجاحاً لحركة حامس أيضاً أنها جذبت قطاعاً واسعاً من‬ ‫الشارع الفلسطيني والعريب خاصة وتزنّرت بدعم حركة األخوان‬ ‫املسلمني لها –باعتبارها إطار حركة اإلخوان املسلمني الفلسطينية –‬ ‫ما كان مؤثرا ً‪ ،‬هذا النجاح الذي تساوق مع اإلميان بنظرية املؤامرة‬ ‫عىل (اإلسالميني) التي ما زالت تشكل أحد أشكال االستقطاب‬ ‫والتحليل السيايس يف الوعي العريب واإلسالمي وخاصة عند منارصي‬ ‫االخوان املسلمني ‪-‬منذ عهد الرئيس املرصي الراحل جامل عبد‬ ‫النارص‪ -‬الذين ال يفهمون سبب النكبات واألزمات إال مبنطق‬ ‫املؤامرة‪ ،‬وكيف ال ونحن خري أمة (حزب) أخرجت للناس؟!‪.‬‬ ‫‪1717‬يف الختام نقول أنه خريا ً فعلت حركة حامس حينام وافقت عىل‬ ‫وثيقة الوفاق الوطني املعدلة رغم ما قد تثريه بعض البنود فيها‬ ‫لدى فئة متشددة فيها ال ترى السياسة إال يف لون واحد هو لونها‬ ‫فقط ما قد ميزق النسيج الذي يبدو مرتابطا يف الحركة التي تقف‪...‬‬ ‫عىل مفرتق طرق صعب وبحاجة التخاذ قرارات حاسمة تجنبها‬ ‫االضمحالل أو التفتت‪.).‬‬ ‫‪ -12‬هو ورئيس الوزراء السابق د‪ .‬سالم فياض‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫* االنقالب كحل للمأزق‬

‫أن الصورة بااليجابيات والسلبيات املذكورة يف دراستنا ‪-‬املشار إىل‬ ‫نتائجها أعاله‪ -‬عام ‪ ،2006‬رسعان ما تنقلب للون األحمر فقط بعد االنقالب‬ ‫الدموي العنيف لحركة حامس يف غزة ضد السلطة (شهريونيو‪)2007‬‬ ‫الذي مل يسبق له مثيل يف تاريخ الثورات الفلسطينية منذ بداية القرن‬ ‫العرشين‪ ،‬والذي جاء حال لالضمحالل أو التفتت وحال ملأزقها القيمي‬ ‫والفكري ورصاع السلطة فيها الداخيل والخارجي‪ ،‬والذي جعل من كل‬ ‫ما تخوفنا من حدوثه وتوقعناه حقيقة واقعة غطت عىل عيون منفذيها‬ ‫فأدمت القلوب‪ ،‬وغطت عىل عيون الحكامء فجعلوا من املتعصبني القتلة‬ ‫يقودونهم كاألنعام يف طريق رمبا ال يريدونه ولكن ال حول وال قوة لهم‪.‬‬ ‫ونجمل القول بأن‪:‬‬ ‫ •حامس السياسة تخبط وزلل‪ ،‬وفتح السياسة ثبات بال وجل‪.‬‬ ‫ • فتح السياسة قمر منري‪ :‬فكرة واضحة‪ ،‬وثبات عىل املبادئ‪ ،‬وحامس‬ ‫السياسة خيل بال رجلني‪ :‬تخبط واستجداء للعدو وحرب عىل‬ ‫الشقيق‪.‬‬ ‫ •حامس السياسة فوىض سالح وعدوان مستمر‪ ،‬وفتح السياسة‬ ‫استقرار نسبي ورفض لرشوط العدو‪.‬‬ ‫ •فتح السياسة رأي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ‪ ،‬وحامس السياسة‬ ‫قول مقدس ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه كام يدعون‪.‬‬ ‫ •فتح السياسة قادة إنسانيون من هذا الشعب املؤمن الصابر يصيبون‬ ‫ويخطئون‪ ،‬وحامس السياسة قادة مالئكة ربانيون‪-‬يف كثري منهم‪-‬‬ ‫وأحيانا أنصاف أنبياء وصحابة‪-‬كام يدعون‪ -‬ال يقولون إال حقا‪ ،‬وما‬ ‫هو بالحق حيث يفتون مبا ال يفقهون ويدمرون ويجهلون‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫ •حامس التنظيم تكالب عىل الدنيا والسلطة والجاه ومتييز لألتباع‪،‬‬ ‫وفتح تنظيم صاعد شبعان ريان من الدنيا والسلطة‪ ،‬وسعي حثيث‬ ‫إلرضاء الله‪ ،‬ولتحقيق الثوابت‪ ،‬ولخدمة الناس جميعا‪ ...‬جميعا‪ ،‬نعم‬ ‫جميعا دون متييز ودون استثناء‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬األجيال يف حركة فتح‪:‬‬

‫لو مر عىل تنظيم غري فتح من املشاكل واألزمات واملؤامرات التي‬ ‫مرت بها فتح النشطر إىل ألف قطعة أو لخبت ناره‪ ،‬واندثر‪ ،‬ولكن شعلة‬ ‫حركة فتح ذات الضياء ال تنطفئ واآلالف ينضمون يوميا ليعلنوا الوالء لله‬ ‫ولفلسطني عرب الوالء لفتح‪.‬‬ ‫ولو كان يف نيتنا التعرض ألزمات حركة فتح ومشاكلها ونقدها يف ذكرى‬ ‫االنطالقة العمالقة لفعلنا‪ ،‬ألننا ال نخىش يف الحق لومة الئم وال نخىش النقد‬ ‫والنقد الذايت يف فتح‪ ،‬كام ال نخاف املراجعة للمسرية‪ ،‬واالعرتاف باألخطاء‪،‬‬ ‫تلك التي عندما تصدر عن اآلخرين تعد منهم مقدسات وأحاديث نبوية‬ ‫(‪((1‬‬ ‫أو مسلكيات رشيفة ال يجوز املساس بها‪.‬‬ ‫‪1.1‬املسرية املليونية الغزاوية‬ ‫لو كانت فتح حركة العقول املغلقة أو األيادي امللطخة بدم األخوة‬ ‫ملا كان لألجيال جميعا أن تشكل مسرية مليونية مل تشهد لها فلسطني‬ ‫واملنطقة مثيال يف غزة يف ذكرى وفاة الرمز والثائر والبطل والزعيم الخالد‬ ‫يارس عرفات‪.‬‬ ‫أن فتح األجيال تعنى التقدم براية واحدة‪ ،‬وسبل متعددة يف داخل‬ ‫البناء‪ ،‬وكام قال سبحانه وتعإىل يف سورة العنكبوت (والذين جاهدوا فينا‬ ‫‪ -13‬يراجع كتابنا املعنون حركة فتح والتنظيم الذي نريد‪ ،‬دار عناة للطباعة والنرش‪ ،‬رام‬ ‫الله‪-‬فلسطني‪ ،‬ط‪.2003 ،1‬‬

‫‪30‬‬


‫لنهدينهم سبلنا‪ ،‬وأن الله ملع املحسنني) صدق الله العظيم‪.‬‬ ‫وفتح األجيال بذلك مساحة اتسعت وتتسع لآلراء فال تحارب وال‬ ‫قتال‪ ،‬وال اتهام وال نصال‪ ،‬ورغم مراحل الغيبوبة التي اصطدم فيها أبناء‬ ‫فتح داخل فتح وأحيانا عىل الفضائيات تحت ادعاءات أرادها اآلخرون‬ ‫لنا مبسمى رصاع األجيال‪ .‬إال أن فتح استطاعت مللمة نفسها وتوحيد‬ ‫صوتها اآلن‪ ،‬وبعث قوتها الكامنة يف شبابها مستفيدة من حكمة شيوخها‬ ‫وبنت أسس العمل التنظيمي عرب تداول السلطة بالدميقراطية التنظيمية‬ ‫يف كل الشعب واملناطق واألقاليم واملكاتب الحركية ومنظامت فتح‪ ،‬وما‬ ‫انتخابات إقليم يطا والخليل وجنني وغزة‪ ،‬واألقاليم املختلفة الجارية اآلن‪،‬‬ ‫إال البداية لالنتصار الدميقراطي يف الطريق إىل املؤمتر العام السادس‪.‬‬ ‫‪2.2‬فتح والقدوة‬ ‫وقف املفكر الفتحوي العنيد عضو اللجنة املركزية يف حركتنا خالد‬ ‫الحسن يف يوم من عام ‪ 1975‬ليخطب يف مؤمتر نقايب عقد يف تونس‪،‬‬ ‫فتحدث وأجاد وقال وأعجز حتى ضجت القاعة بالتصفيق ليقف الرئيس‬ ‫التونيس الحبيب بورقيبة عىل ِق رَصه ويحتضن خالد الحسن (أبو السعيد)‬ ‫فارع الطول محاوال حمله قائال‪ :‬لو كان عندي عرشة مثلك لوزنتهم‬ ‫بالذهب‪.‬‬ ‫ويف نفس السياق يقف املناضل مروان الربغويث رافعا يديه املكبلة‬ ‫بالحديد يف قاعة املحكمة صارخا مبلء الفم بعدم عدالة املحكمة وعدم‬ ‫أحقيتها يف محاكمته يف موقف صمود مشاركا فيه كل األرسى واملعتقلني‬ ‫الذين بغالبهم من حركة فتح‪.‬‬ ‫وهكذا تنتقل الراية من شهيد إىل أسري إىل كادر‪ ،‬فتعرف فتح برجالها‬ ‫الصناديد وهم النامذج والقدوة للتنظيم والجامهري‪ ،‬وكل منهم عىل العدو‬ ‫‪31‬‬


‫(أعز من أنف األسد)‪ ،‬وكل منهم يختلج قلبه بحب الوطن وعقله بالحرية‬ ‫وروحه باالنطالق الذي سريسم فلسطني لوحة لألجيال‪.‬‬ ‫‪3.3‬يف كل خري‬ ‫ال الكبار ماتوا وال الصغار نسوا كام أراد (جون فوسرت داالس) وزير‬ ‫الخارجية األمرييك يف الخمسينات‪ ،‬وأضحت بيضة الشعب الفلسطيني‬ ‫بفضل حركة فتح عصية عىل الكرس والتي تغنى بكرسها موشيه ديان وزير‬ ‫الحرب اإلرسائييل األسبق أثناء معركة الكرامة املجيدة‪.‬‬ ‫أن الجيل القديم ُمش ِعل الرشارة‪ ،‬والجيل الجديد حامل املشاعل ويف‬ ‫كل خري‪ ،‬ويف كل منا جديد وقديم‪ ،‬وما الهنات واإلشكاالت يف جسد فتح‬ ‫إال رصاع يقوي الحوار أو هكذا نراه يكون دون إغفال للنقد الحثيث‬ ‫والحريات‪ ،‬فتصطبغ الحركة بلون التعددية والدميقراطية الداخلية‪،‬‬ ‫فتنترص الفكرة ويصعد التنظيم الجامهريي‪ ،‬ولكن مع التزام يجب أن‬ ‫نتعلمه ونتقنه يف التعبري خارج اإلطار فال حرية بال التزام‪ ،‬وال التزام أعمى‪،‬‬ ‫وال دميقراطية للقلة‪ ،‬وإمنا التشاركية بني األجيال تلك التي ال تعرتف بالسن‬ ‫وإمنا بالقدرة عىل بذل الجهد والتجدد‪ ،‬عىل العطاء واإلبداع إرضاء لله‬ ‫تعاىل‪ ،‬ويف خدمة القضية والشعب‪.‬‬

‫(انتهى)‬

‫‪32‬‬


‫كالم االنطالقة اجلديدة‪ :‬حركة فتح‬ ‫(‪((1‬‬ ‫واستثمار الذات‬ ‫مل يكن الخيار الذي اتخذته حركة فتح خيارا عبثيا‪ ،‬ومل يكن خيارا‬ ‫للتميز يف سياق امتالء األنفاس بالشعارات الحارقة يف محيط محطم‪ ،‬بل‬ ‫كان خيار فتح الفكري والعميل مرتبطا برؤية متيز بها املؤسسون‪ ،‬ومرتبطا‬ ‫بتجربة مرة لهم أجمعني مع التنظيامت اإليديولوجية العقدية‪.‬‬ ‫أن القرار الفتحوي املستقل كان خيارا ارتبط منذ البداية بإميان‬ ‫املؤسسني بالحركية ورفضهم االنقياد للقوالب الجاهزة واألفكار املعلبة‬ ‫والنصوص «اإلنسانية املقدسة»‪ ،‬وكان رغبة يف التعبري عن التمرد عىل‬ ‫الواقع القائم الذي كانت فيه رائحة السلبية والرتاجع والهزمية والنقد‬ ‫والردح رائحة تزكم األنوف‪.‬‬ ‫كان الخيار الفتحوي وعيا حقيقيا بالرابط النضايل القابل لشد كافة‬ ‫أجزاء الجسد بعضها ببعض‪ ،‬وبذلك رفضوا الفكرنة (=األدلجة) ورفضوا أن‬ ‫يثقلوا ظهورهم بنظريات قد تبدو جملية عىل الورق إال أنها رسعان ما‬ ‫متزقها رياح الواقع وطني األرض‪.‬‬ ‫سادت يف األرض ماملك فكرية مغلقة هي مملكة الشيوعية الفكرية أو‬ ‫‪ -14‬كتبت وألقيت مبناسبة االنطالقة للعام ‪.2009‬‬

‫‪33‬‬


‫(االشرتاكية العلمية) ومملكة القومية «الشوفينية»‪ ،‬ومملكة (اإلسالمويني)‬ ‫وكلها ذات سياق مغلق إقصاىئ لآلخر‪ ،‬طوباوي وخيايل الحلم ال تؤمن‬ ‫بوجود التقاطعات مع اآلخر بل تجرمه وتتهمه وال تراه يستحق الوجود‪.‬‬ ‫وان وجدت مساحات ضئيلة للتفاعل مع األفكار املخالفة يف بعض‬ ‫كتابات مفكري أي من هذه املاملك الفكرية العقدية فإنها تضع ذاتها‬ ‫مقدمة عىل اآلخر أو مهيمنة عليه‪ ،‬وال شك لديها بصدقية نظريتها‬ ‫املطلقة‪ ،‬وقدرتها عىل تحقيق األهداف وكل ما عداها يليها أو يتبعها أو‬ ‫يجب أن تذوب يف إطارها وإال فالسجن واالعتقال أو االتهام بالكفر أو‬ ‫الرجعية أو املعاداة للقومية وأمال وطموحات األمة ويف التجارب الثالث‬ ‫علقت املشانق ومات واستشهد اآلالف يف وطننا العريب‪ ،‬بل املاليني عىل‬ ‫مساحة العامل‪.‬‬

‫الوعي‪ :‬إدراك وحرية وتمرد‬

‫لقد شكلت املاملك الفكرية الثالث يف الوعي العريب عقلية التعصب‬ ‫ال الحرية‪ ،‬وعقلية االنقياد ال التمرد‪ ،‬وعقلية االنفكاك عن اآلخر املخالف‬ ‫بالوعي أو الرؤية أو الفكرة‪ ،‬لتأيت فتح وتكرس ثالثية (الحرية والتمرد‬ ‫والوعي النضايل) التي أمثرت فكر الوطنية الدميقراطي املرتبط باألداة‬ ‫النضالية وباالستقاللية وبالوحدة الوطنية‪.‬‬ ‫وها نحن أوالء اليوم نعود ثانية لذات الرصاع املحتدم بني مملكة‬ ‫(اإلسالمويني) عىل اختالف مشاربهم وعدم توحد كلمتهم وتباعد آرائهم‬ ‫من اليمن إىل اليسار أو من االعتدال (ومنه االعتدال املدعى) إىل التطرف‬ ‫(ومنه التطرف املفرتض) واحتكارهم لله والحقيقة معا‪ ،‬ومملكة العلامنيني‬ ‫أيضا بتعدديتهم ومحاولتهم سحب البساط من تحت أرجل مخالفيهم‬ ‫بادعاء امتالكهم للحقيقة وقدرتهم عىل بناء املجتمع املدين لوحدهم‬ ‫‪34‬‬


‫ليصطدموا بالليرباليني كام يقول املفكر د‪ .‬فهمي جدعان يف كتابه الهام‬ ‫الخالص النهايئ‪.‬‬ ‫وما بني هؤالء وأولئك تربز فتح ثانية كفكرة ثاقبة قابلة للتقدم‬ ‫والتطور وهي إذ اختارت االبتعاد عن األدلجة فألنها تؤمن بحركية التاريخ‬ ‫واختالف حوادث الزمن وتغري املكونات العقلية للبرش لذلك كان من‬ ‫السهل عىل حركة فتح أن تتبنى الدميقراطية وتقلص من حجم املركزية‬ ‫فيها‪ ،‬كام كان من السهل عليها ان تعترب الدميقراطية تكنولوجيا سياسية‬ ‫وفق مصطلح (د‪ .‬فهمي جدعان) أو أداة فرز يف ذات الوقت الذي اعتربت‬ ‫فيه الدميقراطية ثقافة أيضا يجب أن ترتسخ كقيمة مجتمعية‪ ،‬إذ ال يكفي‬ ‫أن يحكم الصندوق واألوراق وإمنا يجب أن تسود املجتمع ثقافة التنوع‬ ‫والتعدد وعدم اإلقصاء واالستبعاد ورجم اآلخرين بالغيب والشق عن‬ ‫قلوبهم وإميانهم وأفكارهم‪ ،‬وتدمريهم ملجرد املخالفة بالرأي أو الفكرة‬ ‫أو الدين أو الطائفة ما هو مالزم ألصحاب املاملك الفكرية اإليديولوجية‬ ‫بطابعها االقصايئ والخيايل والرتايث أيضا ذاك الذي يفرتض امتالك الجنة يف‬ ‫اآلخرة والحقيقة يف الدنيا‪ ،‬أو االثنتني معا يف الدنيا‪.‬‬

‫الديمقراطية سلوك وثقافة‪:‬‬

‫أن فتح التي آمنت بالدميقراطية سلوكاً وثقافة يف الثورة ويف التنظيم‬ ‫ويف املجتمع الفلسطيني تواجه اليوم تنظيامت ال تقر مثل هذا اإلميان يف‬ ‫عنارصها وأعضائها فهي تدعي االنقياد للدميقراطية وتعترب يف أدبياتها ويف‬ ‫تعبئتها لعنارصها أن الدميقراطية دين جديد لذا فهي ضد اإلسالم وبالتايل‬ ‫مرفوضة‪ ،‬أو هي فقط للعلامنيني أو ال ينقع لها إال الليرباليني‪ ،‬وكل هؤالء‬ ‫يف ضالل مبني‪ ،‬فكام كانت الدميقراطية العربية أو اإلسالمية نتاج تاريخ‬ ‫عريب اإلسالمي شوروي فهي تطور من ثقافة القتل والصواب األوحد إىل‬ ‫ثقافة عمر بن الخطاب ذو الرأي املتغري املتطور واملتنور املرتبط بحاجات‬ ‫‪35‬‬


‫الناس واملستند لثقافته العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫أن فكرة (الوطنية) الفتحوية ليست – ومل تكن– انقطاعا عن املحيط‬ ‫الذي تعيش فيه‪ ،‬فالوطنية كتخصيص هي جزء من السياق العرويب‪،‬‬ ‫والوطنية كمفهوم هي جزء من الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬والوطنية‬ ‫كرتكيز هي حرص مجال الرصاع والنضال وتحديد أولويته بالقضية مثار‬ ‫السجال إال وهي قضيتنا الفلسطينية‪.‬‬

‫الوطنية كمفهوم وتخصيص وتركيز‪:‬‬

‫إذن الوطنية تخصيص ومفهوم وتركيز يف سياق أدوات نضال متعددة‬ ‫ومراحل متغريه‪ .‬لذلك اختارت فتح الكفاح املسلح طريقا نضاليا ثم ألحقت‬ ‫به آليات وأدوات نضالية أخرى إعالمية وسياسية واجتامعية لتخلص يف‬ ‫إطار تحديد املراحل إىل استخدام التنوع النضايل وفق ما أبدعته االنتفاضة‬ ‫الجبارة واالنتفاضات الالحقة ثم املواجهات الشعبية الحالية‪:‬‬ ‫أن الوطنية من حيث هي مفهوم فإنها تشكل الغراء الذي يربط‬ ‫املناضلني ويركز فعلهم‪ ،‬ويخصص أدوارهم ضمن دائرة الرصاع العربية‪-‬‬ ‫الصهيونية فال تعلو هامة قضية أخرى عىل هذه‪ ،‬فهي ليست تخصصنا‬ ‫وليست أولويتنا فنحن ال نتحدث عن كل العرب وال نريد‪.‬‬ ‫ونحن كفتح ال نتحدث عن كل املسلمني أو املسيحيني وال نريد‪،‬‬ ‫فهذا ليس جزء من شخصيتنا أو فكرنا الوطني‪ ،‬بينام تجد اآلخرين وهم‬ ‫غارقني يف املآيس يدعون متثيلهم لإلسالم أو املسلمني عامة‪ ،‬ويتعاملون‬ ‫مع اآلخرين عىل ضعف عدتهم كإسالم وغرب كام فعل عىل سبيل املثال‬ ‫محمود الزهار يف اللقاء األمرييك يف زيورخ هذا العام (‪.)2009‬‬ ‫إن التنظيامت اإليديولوجية ال تعرتف بالحدود كام الحال مع حزب‬ ‫البعث وحزب التحرير وحزب االخوان املسلمني والشيوعيني وغريهم‪،‬‬ ‫‪36‬‬


‫وهي بذلك تحاول أن تلتقط حجرا كبريا فال تصيب وتبقى تراوح مكانها‬ ‫أو ترتاجع خاصة متى ما ركبت سيارة الحكم الذي ال تستطيع أن تستمر‬ ‫فيه إال بالدم واإلرهاب والتسلط القرسي دون ان تدرك أن لكل زمان دولة‬ ‫ورجال‪ ،‬واأليام دول‪ ،‬وان دول التجرب واالستبداد بالرضورة إىل بوار‪.‬‬

‫شيخوخة مركز العالم‬

‫يقول الكاتب عياد البطنيجي (أن الفكر صياغات عقلية نفسرّ من‬ ‫خالله الواقع ونحاول فهمة حيث أن الواقع يتغري ويتبدل) وعليه فان‬ ‫التنظيم أو القائد الذي ال يدرك التغيري يجمد عن حدود شعاراته وأفكاره‬ ‫املطلقة فيجد نفسه بعد سنوات خارج سياق التاريخ والناس لذلك فان‬ ‫(اإلسالمويني) والعلامنيني والشوفينني من القوميني أصحاب العقائد‬ ‫املطلقة االقصائية ال يدركون جدلية الزمان واملكان والحقيقة والتاريخ‬ ‫واملطلق والنسبي لذلك تفشل حينام تحكم أو تتحكم يف مفاصل األمور‪.‬‬ ‫أن مثل هذه التنظيامت (تنظر للاميض بأنه يجسد ما تدعيه من‬ ‫أطروحات وان املستقبل لهم هكذا بشكل اعتباطي وأن أهدافهم سوف‬ ‫تتحقق وان عىل إتباعهم الصرب‪ ،‬وهكذا يتحولون إىل مركز العامل (؟؟!!) وان‬ ‫العامل يدور من حولهم) كام يقول البطنيجي فيكون مآلهم الفشل والزوال‬ ‫ألنهم يدخلون يف حقيقة األمر (طور الشيخوخة)‪.‬‬ ‫ان املرشوع الوطني الفلسطيني الذي أسسته فتح مرشوع يرتبط‬ ‫بأحالم وآمال وحاجات الشعب‪ ،‬كام يرتبط باألمة من حيث أن القضية‬ ‫الفلسطينية فعل جامع وإطار رافع ولغة توحيد ومدخل يشد أجزاء األمة‬ ‫ويحقق يف مرحلة ما شكل من أشكال الوحدة املنتظرة‪.‬‬ ‫إن الوطنية مرشوع فكرة وفعل تجسده عىل الواقع يعني اإلعالء من‬ ‫شان األمة بتجسيد طموحاتها عىل األرض فال تبقى محلقة يف السامء أو‬ ‫‪37‬‬


‫تظهر فقط عرب ألسنة ال قلوب املصلني حينام يؤ ّمنون عىل كل ما يقوله‬ ‫خطيب الجمعة فقط‪.‬‬

‫عالمات طيبة‬

‫بعد املؤمتر السادس للحركة الذي أكد عىل الفهم والوعي الوطني وعىل‬ ‫الثوابت والتجدد‪ ،‬ض ّخت يف النهر مياه جديدة‪ ،‬وبرزت عالمات طيبة من‬ ‫التغيري يف داخل األطر من مثل اعتامد لغة الحوار أساسا لالتفاق‪ ،‬والتخيل‬ ‫عن التحاور الذايت والرتاشق عرب الفضائيات‪ ،‬واالستناد للنظام ومقررات‬ ‫املؤمتر والقرارات املتخذة أصوال ما تبدي يف مجموعة من الفعاليات‬ ‫الفتحوية التي نرغب يف املزيد منها مثل‪:‬‬ ‫ •بناء جرس متني من التواصل عرب اللقاءات مع قيادات وكادرات األطر‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫ •اللقاءات مع قيادات وكوادر املنظامت الشعبية واملكاتب الحركية‬ ‫والتي منها من مل يعقد اجتامعا من سنوات طوال‪.‬‬ ‫ •عقد ورشات إعالمية هامة ستؤسس لخطة علمية إعالمية خالل‬ ‫ستة شهور‪.‬‬ ‫ •رعاية النقد الفتحوي داخل األطر‪ ،‬ورفض األساليب السابقة يف النقد‬ ‫املفيض لإلساءة ألنفسنا عرب اإلعالم‪.‬‬ ‫ •وحدة الخطاب واللغة التي ظهرت يف كثري من الندوات واملهرجانات‬ ‫الحاشدة‪.‬‬ ‫ •تنظيم سلسلة من النشاطات واملهرجانات خاصة تلك التي حصلت‬ ‫بذكرى استشهاد الرئيس الخالد يارس عرفات رحمه الله‪ ،‬والتي أكدت عىل‬ ‫االلتفاف حول فتح كام أظهرت قدرة الحركة عىل التفاعل مع الجامهري‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫ •القرار الحريك بالبدء فورا بتنظيم املجالس الحركية‪ ،‬وغربلة العضوية‪،‬‬ ‫ووضع نظام لالشرتاكات املالية‪ ،‬وإعادة ترتيب الصفوف يف املنظامت‬ ‫الشعبية ويف شبيبة فتح يف إطار وحدوي ميكنها أن تكون خالقة‬ ‫مبدعة تطري بجناحني‪ :‬جناح اإلدارة الشبابية الفاعلة املرتكزة عىل‬ ‫البعد التحرري الفتحوي‪ ،‬وعىل جناح الفكر الوطني الوحدوي غري‬ ‫االقصايئ املرتبط باملجتمع التعددي الدميقراطي الذي ينهل من نبع‬ ‫حضارتنا العربية اإلسالمية‪.‬‬

‫مسارات الكادر‪:‬‬

‫أن حركة فتح تنظيم ثوري سيايس يسعى للحرية واالستقالل والدولة‬ ‫كام يسعى لتكريس العدالة والتنمية والوحدة والتعددية يف إطار املجتمع‬ ‫املدين‪ ،‬إنها تنظيم التكنولوجيا الدميقراطية والثقافة الدميقراطية الذي‬ ‫يرحب باآلخر وال يبتئس من املخالفني يف ظل تحريم التكفري واالتهام‬ ‫والتشهري واالنقالب ورائحة الدم التي أزكمت األنوف يف غزة عىل سبيل‬ ‫املثال‪.‬‬ ‫أن هذا التنظيم يحتاج منا أن نكون من اليوم فصاعدا فضاء حركته‬ ‫ووقود عمله ومياه نهره ومفاتيح التغيريفيه‪ ،‬واقصد بنحن أنا وأنت أي‬ ‫الكادر أو العضو عموما صاحب الرغبة يف العمل والتغيري الذي يحتفظ‬ ‫بعقليته االيجابية‪ ،‬وهذه العقلية ال تظهر بوضوح إال حيث امللامت تحيط‬ ‫بنا‪ ،‬لذا فالكادر مدعو لعبور املسارات الخمسة التالية كام ييل‪:‬‬ ‫ •أحب وطني‪ :‬مسار املحبة للبيئة والعائلة واألصدقاء‪ ،‬فلن اسمح‬ ‫ألحد أن يخطف مني قلبي ألي سبب‪.‬‬ ‫ •أنا أفكر وأتامل‪ :‬وكذلك أبحث وأقدر‪ ،‬لذلك أنا حر فلن اسمح‬ ‫ألحد أن مينعني من التفكري والحوار بأن يحتل عقيل باسم القومية‬ ‫‪39‬‬


‫الشوفينية أو الدين أو العشرية أو مطلق الصواب‪.‬‬ ‫ •أنا مؤمن بالله‪ :‬فلن اسمح ألحد أن يحتل روحي أبدا‪ ،‬الن عالقتي‬ ‫مع الله ال تحتاج لوسيط (ونحن قرب إليه من حبل الوريد – ق‪،)16‬‬ ‫وال يحق ألحد أن يحكم عىل حجم إمياين‪.‬‬ ‫ •أنا واثق من نفيس‪ :‬وأنا عامل ومنجز‪ ،‬فلن اسمح ألحد أن ينتقص‬ ‫من شخصيتي‪ ،‬أو يسئ يل‪ ،‬فرغبتي‪-‬واراديت وعميل‪ -‬يف خدمة بلدي‬ ‫وحركتي (فتح) وأهيل مام أترشف به طواعية بال مقابل‪.‬‬ ‫ •أنا استطيع ألنني قادر‪ :‬فلن اسمح ألحد أن يحد من قدرايت أو‬ ‫يح ّجمها‪ ،‬فأنا قادر وأنا ايجايب وأنا متفاعل‪ ،‬وأنا من يستطيع أن‬ ‫يبدع ويستكشف‪ ،‬وان يج ّدد ويغيرّ يف ذاته ويف اآلخرين‪.‬‬

‫املهمات الخمس الرئيسة لحركة «فتح»‬

‫أن حركة فتح تحتاج يف سياق بنائها الداخيل إىل مهامت عدة منها‬ ‫خمسة مهامت نراها رئيسية تؤديها دون إهامل النقد وتواصله يف سياق‬ ‫اإلبداع والعمل وضمن األطر التنظيمية ال الفضائيات وامللتقيات واملواقع‬ ‫أبدا‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫املهمة األوىل‪ :‬رسم مساحات أوسع للخطاب املوحد وتضييق مساحات‬ ‫التباعد الداخلية‪ ،‬وإعادة رص الصفوف يف نطاق الخطة الفتحوية العامة‪،‬‬ ‫ويف اإلطار السيايس الذي عرب عنه األخ الرئيس أبو مازن يف نقاطه الثامين‪،‬‬ ‫وتحركاته الدبلوماسية لرسم حدود الدولة القادمة‪ ،‬وتحركه العاملي لحشد‬ ‫الدعم والتأييد‪.‬‬ ‫املهمة الثانية‪ :‬لزوم توثيق االرتباط بالجامهري يف سياق خطة ال تستثني‬ ‫فئة وال تعلق العمل مع فئة‪ ،‬بل تجعل حركة فتح يف امليدان ‪-‬عرب كوادرنا‬ ‫يف األقاليم فام دون من األطر‪ -‬قلوبا مفتوحة وأطرا داعمة واتصاالت ال‬ ‫‪40‬‬


‫تنقطع مع هموم الناس اليومية أو الوطنية العامة‪.‬‬ ‫املهمة الثالثة‪ :‬تحديد العالقات ورسم املسؤوليات وتوزيع األدوار‬ ‫داخل األطر عامة (اإلقليم‪ /‬املنطقة‪ /‬الشعبة بل والخلية‪ ،‬ويف نطاق‬ ‫املكاتب الحركية‪ )...‬ووفق النظام الداخيل أو ما يتسق معه‪ ،‬حيث يلزم أن‬ ‫يكون لكل عضو مهمة أو تكليف أو دور‪ ،‬وحيث يلزم أن يعرف كل عضو‬ ‫مسؤوله ليقدم له رؤيته وتقاريره‪.‬‬ ‫ويف مثل هذا التوزيع الهيكيل النظامي يكون لإلدارة الواعية املرتبطة‬ ‫بالخطة وباملتابعة شأنا أساسيا‪ ،‬فاالنقطاع هو املرض اإلداري القاتل حيث‬ ‫تبقى املهامت دون متابعة أو ال تصل ملنتهاها من خالل معرفة ما تم‬ ‫انجازه عرب التقرير واملحاسبة واملساءلة التي تستدعي عنرص (االنتباه) من‬ ‫العضو والكادر والقائد يف عالقة تبادلية صاعدة ونازلة ليست يف اتجاه‬ ‫واحد فقط‪.‬‬ ‫املهمة الرابعة‪ :‬رضورة استثامر الكوادر خارج األطر الحركية النظامية‪،‬‬ ‫عىل اعتبار أن كل عمل يقوم به العضو الحريك مبا فيه العمل الوظيفي هو‬ ‫عملية تنظيمية أو تكليف تنظيمي ميارس فيه فتحويته بالتنظري للحركة ال‬ ‫بالشتم أو النقد الخارجي لها وباالستقطاب وجذب الجامهري من حولها‪،‬‬ ‫وبوضع نفسه أمام املسؤولني خادما للحركة والشعب‪.‬‬ ‫واملهمة الخامسة‪ :‬جني املحصول‪ ،‬فالقدرة عىل تحويل املبادرات أو‬ ‫االنتصارات الفردية الجامعية الصغرية إىل مثرات ت ُجمع لتصب يف معرصة‬ ‫الحركة هي قدرة كبرية وليست سهلة‪ ،‬فحيث خبا نجم أي فعل أو مبادرة‬ ‫أو انتصار تخرس الحركة‪ ،‬وحيثام تم مراكمة كل ذلك تظهر الحركة قوية‬ ‫عمالقة بكافة هذه الجهود‪ ،‬وأحسبنا يف حركة فتح نحتاج ألن نتعلم كيف‬ ‫نوزع األدوار دون االستئثار‪ ،‬وألن نتعلم كيف نستثمر الكوادر دون إقصاء‬ ‫‪41‬‬


‫أو اكتفاء مبا لدينا‪ ،‬ونحتاج للمراكمة وجني املحصول وإبراز ذلك يف اإلعالم‬ ‫كمقدمة لصنع الصورة املرشقة والحقيقية للحركة‪( .‬سطرت للعام ‪)2009‬‬

‫وانها لثورة حتى النرص‬

‫‪42‬‬


‫حتما سنجد ً‬ ‫حال مل تكتشفه بعد!‬

‫(‪((1‬‬

‫ها هناك عالقة بني التفاحة والدميقراطية وعمر بن الخطاب؟‬ ‫هكذا افتتحت كلمتي يف املجلس الثوري لحركة التحرير الوطني‬ ‫الفلسطيني‪-‬فتح ردا ً عىل تقرير اللجنة املركزية للحركة وتابعت أن من‬ ‫يقول ال جوابا عىل السؤال فهو يفكر بعقل منطقي الن العلوم تتعامل‬ ‫مع املعادالت والتجارب والنتائج املبدئية عىل فرضيات أو مسلامت تخترب‬ ‫وتضع حلوال‪ ،‬وأما من يجيب عن السؤال نعم هناك عالقة فهو يفكر بعقل‬ ‫إبداعي وكل هذه املكرمة قدمتها تعليقا عىل عبارة جميلة جاءت يف سياق‬ ‫التقرير تقول (وحتام سنجد حال مل نكتشفه بعد)!‬ ‫إن التنظيم الذي يغلق باب اإلبداع واألمل واالكتشاف واملستقبل‬ ‫والخيال والصور هو تنظيم ذو منحنى هابط رمبا بعد صعود‪ ،‬والتنظيم‬ ‫الذي ال يثق بقدرات أبنائه وك��وادره هو تنظيم عاجز ويعاين من‬ ‫الشيخوخة‪ ،‬والتنظيم الذي يظن فيه قادته إنهم األهم واألوعى واألكمل‬ ‫وكل صيغ املبالغة للنعوت هو تنظيم عاجز وفاشل يف آن واحد‪ ،‬وهكذا‬ ‫هي حركة فتح‪.‬‬ ‫تغريت صورة الحركة وتزحزحت عن تلك السلبية والقامئة التي سبقت‬

‫‪ -15‬يف تحليل باملناسبة وضمن جلسات املجلس الثوري لحركة فتح عام ‪2010‬‬

‫‪43‬‬


‫مؤمتر فتح السادس ويعود الفضل يف ذلك إلرادة الفتحويني كافة ما أثبتوه‬ ‫من نزاهة وشفافية ورقابة عىل األداء أدت لتوحيد الخطاب الفتحوي كام‬ ‫أدت النتظام اجتامعات األطر بدءا من اللجنة املركزية حتى األقاليم عىل‬ ‫طريق املؤسسة ولكن هذا اليكفي‪.‬‬ ‫لقد تزحزحت الصورة قليال أي صورة فتح يف نظر الناس‪ ،‬وما تزال‬ ‫بحاجة إىل غسيل وحسن إبراز‪ ،‬وما تزال بحاجة لجهد منظم وإرادة فاعلة‬ ‫وعمل ملتزم ومتصل‪.‬‬ ‫كيف ينظر الناس للتنظيم السيايس؟ سؤال هام والتعاطي معه يعني‬ ‫بداية وضع األقدام عىل طريق تغيري الصورة بتحقيق األهداف‪ .‬يقول‬ ‫العامل (اينشتاين) إن الصورة والخيال أقوى من املعرفة وهو العامل املنطقي‬ ‫واملبدع‪ ،‬ونقول إن الجامهري ال يهمها الكالم املنمق أو التنظري أو (الحيك)‬ ‫العقالين بال روح الن الجامهري تعيش باالنتصارات وباالنجازات وتعيش‬ ‫أحيانا مبا متثله لها أهداف الحركة من قدرات عىل الحلم والخيال وإنعاش‬ ‫اآلمال‪ ،‬تعيش الجامهري والكوادر بالقدوة والنموذج واألسوة كام تحرتم‬ ‫من يحرتمها ويتواصل معها وال يغلط لها القول (يقول الله تعإىل يف محكم‬ ‫التنزيل‪ :‬فبام رحمة من الله لنت لهم‪ ،‬ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا‬ ‫من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم يف األمر‪ ،‬فإذا عزمت‬ ‫فتوكل عىل الله‪ ،‬إن الله يحب املتوكلني‪ .‬آل عمران ‪ )159‬وتقوى العالقة‬ ‫مع الجامهري وتتأثر بالقائد متى المس فيها القلوب واألرواح واملشاعر‬ ‫واألحاسيس ومل يتعفف أو يتكرب عن تلبية احتياجاتها ومطالبها اليومية‪،‬‬ ‫لذلك فإننا يف حركة فتح ومع عظم القضية التي نتوىل زمامها ومع صعوبة‬ ‫(االستخالف) الذي نحمل عبئه ليس لنا أن ننفض أو نبتعد عن الجامهري‬ ‫وليس لنا أن نتربم أو ننزعج من الناس أبدأ فهم مادة الثورة ومادة الفعل‬ ‫ووقود النرص يف معركة التحرير‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫إن حركة فتح تستطيع أن تستجمع قواها املرتكزة يف ذاتها واإلنسان‬ ‫والكادر وها هي تقرر استنهاض وبعث الفعل الحريك عرب إعادة النظر يف‬ ‫كافة الهياكل القامئة وفق قاعدة املتابعة واملحاسبة وها هي تضع خطاً‬ ‫فاصالً ومفهومها واضحا بني العضو املنتمي املنضبط امللتزم املوايل وبني‬ ‫العضو النصري وما قرار االشرتاكات املالية وضبط املهامت (النشاطات) يف‬ ‫األطر إال يف سياق بعث الدفء يف الجسد وتركيز الطاقة وتوجيهها يف مسار‬ ‫تحقيق األهداف الوطنية والتنظيمية‪.‬‬ ‫تقع التنظيامت يف كثري من املشاكل‪ ،‬وترتكب الكادرات اآلثام واألخطاء‬ ‫ورمبا تنتهج نهجا مضلال وقد تقع يف ثغرات صغرية أو كبرية أثناء مسريتها‬ ‫مايجب أن نتلمسه ونحس به ونراه وال نسكت عليه‪ ،‬قد ترتكب القيادات‪-‬‬ ‫وإمثها أعظم‪ -‬والكوادر‪ -‬واألعضاء األخطاء‪ ،‬وقد ترسم عىل خد القمر قوسا‬ ‫معوجا يعطي النظرة السلبية لذات القمر فمن ثغرات األداء التنظيمي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬سوء اإلدارة من حيث افتقاد التامسك الجامعي وانحدار العقلية‬ ‫الجمعية‪ ،‬فتتعاظم األنا عىل حساب املجموع‪ ،‬ويظهر القائد فوق مستوى‬ ‫الناس بل والكادر الذي يعمل معه وقد يظن بذاته االكتفاء أو إن الحياة‬ ‫أو الفعل ابتدأ معه فال ينصاع ألدبيات الحركة يف قواعد املسلكية التي‬ ‫تحث عىل التامسك والتوحد والعمل الجامعي إذ رسعان ما يجد نفسه‬ ‫يتعرث ويعادي زمالئه وال يحقق نتيجة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬العمل العشوايئ املزاجي غري املستمر أو املتواصل أي العمل‬ ‫املوسمي أو املرتبط بهوى طارئ أو فكرة عجولة أو رغبة رسيعة أو نزوة‬ ‫إلثبات الذات ماال ينفع وال تثري انتباهاً وال يؤثر يف اآلخرين حتى لو حقق‬ ‫هذا العمل نتائج آنية فان توقفه أو اختالطه أو تبدالته الرسيعة ستحقق‬ ‫تراجعا بعد تقدم طفيف ماميس صورة وهيبة الحركة وسمعتها‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫ثالثا‪ :‬إن آفة التنظيامت السياسية عامة ويف العامل الثالث خاصة هو‬ ‫(اإلرادة) من افتقار التخطيط كعقلية وسلوك وافتقاد الخطة من ورق‬ ‫مكتوب ومتابعة تنفيذ‪ ،‬فتجد من تخليط املراحل فال تدرك هل أنت يف‬ ‫(منطقة األمان) حيث ارتكاب األخطاء مسموح ولكن عىل الورق أي يف‬ ‫مرحلة التخطيط أم انك يف مرحلة التجهيز واإلعداد مبلء الفراغات يف‬ ‫الخطة باملكلفني وتوصيفات أعاملهم وتوقيتاتها أم انك يف مرحلة العد‬ ‫التنازيل حيث تتكاثف االتصاالت والرتتيبات أم انك يف مرحلة التنفيذ‬ ‫والتطبيق‪.‬‬ ‫إن افتقاد الخطة والتخطيط كمنهج تفكري‪ ،‬أو خلطها باملراحل حرق‬ ‫للورق وبعرثة للجهد ما يعكس صورة سلبية ويجعل من الحركة تنجرف‬ ‫يف وحل الفشل‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬أن تجد شخصا عاديا ال يدري ما يفعل أو عندما تسأله ما هي‬ ‫أهدافه يف الحياة ال يستطيع اإلجابة أو يتفاجأ بالسؤال فال تخرج من‬ ‫فمه الجمل والحروف ال يشكل ذلك مصيبة وإمنا املصيبة أن تجد قائدا‬ ‫ال يعرف ماذا يفعل ومسرية اإلحداث فال يرى موضع إقدامه وال يدرك‬ ‫حجم الجهد املطلوب ليحقق األهداف التي يجب أن يفكر بها ويضعها‬ ‫أمام عينه يوميا ليصبح واقعا ينعكس عىل التنظيم وعىل الصورة العامة‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬إن تضارب املصالح بني أقطاب القيادة يف أي تنظيم سيايس‬ ‫تعني أن يويل القائد جل اهتاممه للسيارات واملرافقني واألبهة وصورته‬ ‫اإلعالمية ما رأينا ال جليا اثر النقالب يف غزة حيث الجوع للسلطة افرز‬ ‫قيادات تويل املظاهر أهمية عظمى فام بالك وهي مرتبطة بالقداسة‬ ‫والتشابكات املجدولة بني األشخاص والدين والطاعة التي تشد الناس من‬ ‫رقابهم قرسا ليقولوا ألمثال هؤالء سمعا وطاعة وكان األول أن يقال لهم‪،‬‬ ‫ولغريهم يف التنظيامت األخرى ومنها يف فتح السمعا وال طاعة فمحددات‬ ‫‪46‬‬


‫االلتزام واالنضباط هي النظام والقدوة وقواعد السلكية واالنجاز‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬قلام تجد قائدا بأخطائه رغم أن (خري الخطائني التوابون) وان‬ ‫اعرتف‪ -‬وهؤالء قلة‪ -‬فانك ال ترى تغيريا يف سلوكه‪ -‬أقواله وأفعاله‪ -‬وال ترى‬ ‫سعيا لتطوير الذات وتغيريا األساليب‪.‬‬ ‫إن تحميل املسؤولية للمستوى األدىن هو سمة القائد الذي ال يعرتف‬ ‫بأخطائه‪ ،‬وال يرغب بان يغري يف ذاته وأساليبه وهو القائد (املتذايك) الذي‬ ‫يظن يف ذاته الكامل أو السمو عىل ما دونه‪.‬‬ ‫إن إلقاء اللوم عىل اآلخرين أو تحميلهم مسؤوليات الفشل أو العجز‬ ‫أو التكاسل أو الرتاجع هو عجز بحد ذاته وتخىل عن حقيقة املسؤولية‬ ‫التي يتحمل عباها القائد الذي يجب أن يكون قادرا عىل صنع الرؤية‬ ‫والخط السيايس الن هذه هي سمة قادة الرأي ومحريك الجامهري‪.‬‬ ‫سابعا‪ :‬إن الوحدة الداخلية والتالؤم والتوافق عىل السياسات ودعم‬ ‫الخط السيايس العام سمة من سامت التنظيم الفاعل‪ ،‬ونحن يف حركة فتح‬ ‫إذ نؤكد عىل سياسات الرئيس أبو مازن ونقدرها ونراها املعرب عن قرارات‬ ‫املؤمتر واللجنة املركزية واملجلس الثوري فإننا ال نقبل ما يعارضها من‬ ‫أطر الحركة أو قياداتها لكل يف إطاره فقط‪ ،‬حيث إن التوحد حول الخط‬ ‫العام والسياسات الحركية مرعاه للتقدم وإعطاء صورة ايجابيه عن الحركة‬ ‫(وحتام سنجد حال مل نكتشفه بعد)‪.‬‬ ‫إن السقوط املروع أو الفشل يدفن االنجازات مام ال تقبله حركة‬ ‫فتح‪ ،‬وكام قال الرئيس أبو مازن يف اجتامع املجلس الثوري لذا فان (درهم‬ ‫وقاية خري من قنطار عالج) كام يقولون ما ميكن أن تتجنبه بالنظر يف‬ ‫الثغرات السبعة التي أوردناها والتي تحتاج يف كل تنظيم كام تحتاج‬ ‫يف حركة فتح إىل ورشة تخطيط اسرتاتيجي تضم أعضاء اللجنة املركزية‬ ‫‪47‬‬


‫واملجلس الثوري وكوادر متقدمه حتى تستطيع أن تحقق مشاركه يف رسم‬ ‫السياسات للحركة والسلطة والقضية وتحقق التزاما أوسع يف العالقة بني‬ ‫القيادة والكوادر والجامهري‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫يف ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية‪:‬‬ ‫(‪((1‬‬ ‫فتح تنتصر بالعمل واجلماهري‬ ‫عندما كان يارس عرفات يضع رأسه بني يديه كان يستقبل يف رأسه‬ ‫هموم فلسطني واألمة جمعاء‪ ،‬فلم يكن ليفصل بني القضية الفلسطينية‬ ‫وان أعطاها األولوية دوما‪ -‬وبني األمة العربية واإلسالمية وجامهريها‪.‬‬‫ولطاملا ردد القائد العرويب اإلسالمي الفتحوي خالد الحسن أن القاطرة‬ ‫الفلسطينية ال تسري بدون القطار العريب مكرسا العمق الحضاري للثورة‬ ‫الفلسطينية وحركة فتح‪.‬‬ ‫أما الشهيد الصارم والكلمة املدفع صالح خلف فانه ومن أعامق قلبه‬ ‫كان ينشد لألمة ويسابق الريح لتسمع كلامته من الشام لبغداد ومن مين‬ ‫لتطوان حيث تتموضع فلسطني دامئا يف قلوب الجامهري‪ ،‬وهذا هو ديدن‬ ‫حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح‪.‬‬

‫فتح «الحركة»‬

‫انطلقت فتح (حركة) حيث يجتمع بني جنباتها التيار العام للشعب‬ ‫بكافة فئاته‪ ،‬الذي ينزع كل أرديه التحزب البغيضة واإليديولوجية‬ ‫الحرصية ليتكرس لخدمة الشعب وقضيته‪ ،‬ليتكرس لفلسطني ال لخدمة‬ ‫‪ -16‬يف ذكرى انطالقة للثورة الفلسطينية للعام ‪.2011‬‬

‫‪49‬‬


‫الفكرة الواسعة املمتدة والخيالية يف آن (دكتاتورية الربوليتاريا‪ ،‬انتصار‬ ‫الطبقة العاملة‪ ،‬قيام الخالفة اإلسالمية‪ ،‬تحقيق الوحدة العربية الفورية‪)...‬‬ ‫وهي حركة وليست حزبا (ايديولوجيا) كام هو حالة منظمة «حامس»‬ ‫أو منظامت اليسار‪ ،‬وان مل تكن الحزبية يوما عيبا فان التعصب نشأ يف‬ ‫العرص الحديث يف اإلطار الحزيب (غري الدميقراطي) حيث تصارعت األفكار‬ ‫الثالثة الكربى يف بداية القرن العرشين وهي االشرتاكية والقومية والدينية‬ ‫ففشلت جميعها ألنها تعارضت دون رغبة بااللتقاء‪ ،‬وتصارعت يف ظن‬ ‫شبه أكيد أنها مكتملة بذاتها فقط‪ ،‬ما بدا ومع الصعود العريب الحديث‬ ‫انها أخطأت من حيث ظنت (الحرصية) و(الحصانة) واالكتفاء الذايت‬ ‫و(الشمولية)‬ ‫وها هي هذه األفكار تعود اليوم يف عباءة جديدة حيث فارقت جميعها‬ ‫الظنون وتدثرت بعباءة الدميقراطية والتعددية واملدنية التي رفضتها تلك‬ ‫األحزاب جميعا فيام سبق تحت نظريات دكتاتورية الربوليتاريا أو املستبد‬ ‫العادل أو الخالفة أو الحزب القائد أو حزب القائد‪.‬‬ ‫وتكشف لألمة وللمتنورين يف هذه األحزاب مدى محدودية الفكر‬ ‫عامة مهام كان منبعه‪ ،‬كام ظهر لها الحاجة امللحاحة لكل فكر اوفكرانية‬ ‫(=إيديولوجية) أن تأخذ من األخرى يف إطار منفتح وسياق متصل ورغبة‬ ‫يف التطور واإلثراء‪.‬‬

‫فلسطني جامعة النقائض‬

‫منذ البداية وحتى اليوم وحركة فتح ال تجمد وال تتحيز وال تقيص وال‬ ‫تغتاظ من نجاحات اآلخرين‪ ،‬بل كانت مرحابة دوما منفتحة أبدا بحيث‬ ‫أنها احتملت يف داخلها النقائص تلك التي عاشت متحاورة ومتجاورة‪،‬‬ ‫متحاربة حينا ومتصالحة حينا يحدها من الجهات الستة قضية فلسطني‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫فحيثام اختلفت وصعدت أو حطت رحالها كان الجامع لنقائص أو‬ ‫تيارات أو اجتهادات حركة فتح هو فلسطني‪ ،‬وليس كأولئك الذين وضعوا‬ ‫فلسطني عىل هامش مرشوعهم األكرب أو الشمويل فأصبحت ثانوية ال‬ ‫أساسية وفرع ال أصل‪.‬‬ ‫فتح الحركة حيوية ودميومة‪ ،‬أصالة وتغري دائم‪ ،‬وفتح الفكرة والخلق‬ ‫والسلوك كانت تنهض من عبق الشارع واغرتاف املعاين الصاعدة من نهر‬ ‫الحضارة العربية اإلسالمية وباإلسهامات املسيحية الرشقية‪ ،‬وباالنفتاح‬ ‫عىل الفكر والحضارة والثقافة اإلنسانية عامة وهي بذلك أبرزت مفهوم‬ ‫(الوطنية) يف السياق املحيط‪.‬‬

‫تختص وتر ّكز وتك ّرس‬

‫إن فتح حركة (وطنية) من حيث أنها (تختص) ومن حيث أنها (تركّز)‬ ‫ومن حيث أنها (تضع األولوية)‪ ،‬انها ليست حركة اقليمية وامنا قطرية‬ ‫وطنية يف الفضاء العريب كام استلهمت ذلك اليوم كل الثورات العربية‪،‬‬ ‫ففي حني عمم اآلخرون فكرهم ورشقوه أو غربوه‪ ،‬وحملوه ما ال يحتمل‬ ‫أو انقصوه‪ ،‬فان حركة فتح اختصت بفلسطني حيث هي الهدف أوال وما‬ ‫سواها من القضايا عىل أهميته يليها ويغذيها‪.‬‬ ‫فال قضية أفغانستان أو البوسنة أو العراق أو‪ ...‬من القضايا تتقدم عىل‬ ‫فلسطني وان كانت التهمل يف اإلطار الفتحوي العرويب والثوري العاملي‬ ‫حينام يضع يارس عرفات رأسه بني يديه‪ ،‬ولكنها قضايا عىل أهميتها تأيت‬ ‫يف سياق خدمة (الوطنية الفلسطينية) ذات األولوية من جهة ومجال‬ ‫االختصاص الفلسطيني من جهة ثانية‪.‬‬ ‫كانت حركة فتح حركة وطنية ألنها (كرست) و(ركّزت) و(أضاءت)‬ ‫بشكل أساس عىل فلسطني من كافة الجوانب‪ ،‬وهل كان املطلوب من أي‬ ‫‪51‬‬


‫تنظيم فلسطيني أن يرصخ قائال غري فلسطني؟ وهو (الفلسطيني)؟ وهل‬ ‫كان عىل الفلسطيني أن يحمل أعباء الثوار يف العامل يف نفس امليزان مع‬ ‫فلسطني؟! ومبعنى آخر أمل يكن األجدر بكل صاحب قضية ان يكرس ويركز‬ ‫ويضئ عىل قضيته أوال قبل ان يضع يف جعبته قضايا العامل معا؟! وهذا ما‬ ‫فعلته حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح‪.‬‬ ‫ويف سياق وطنية الحركة دافعت طويال عن استقالليتها وحاربتها‬ ‫أنظمة وجهات عدة خرست تلك األنظمة وفازت فتح االستقاللية يف عمقها‬ ‫الوطني وامتدادها يف محيطها الشاسع‪.‬‬

‫تحرير فلسطني محور الفكرة‬

‫فتح الحركة الوطنية الفلسطينية كفكر هي حركة تحرر مبعنى أن‬ ‫شغلها الشاغل كهدف وفكرة محورية محركة للفعل هو التحرير‪ ،‬وتحديدا‬ ‫تحرير فلسطني من االحتالل الصهيوين ويف ذلك فليتنافس املتنافسون‪،‬‬ ‫دولة مستقلة ثم دولة دميقراطية مدنية عىل كامل الرتاب الفلسطيني‪.‬‬ ‫إن التحرير الوطني أو القومي هو كفاح للتخلص من العبودية‬ ‫للمستعمر واحتالل األرض واإلنسان‪ ،‬ويف هذا السياق اقتدت الثورة‬ ‫الفلسطينية وحركة فتح بتجارب الشعوب حتى اكتشفت طريقها الخاص‪.‬‬ ‫فمن حيث هي اقتدت بالثورة الجزائرية والصينية والفيتنامية‬ ‫والروسية والكورية والكوبية يف حرب الشعب طويلة األمد أو النفس‬ ‫وجدت يف مراحل متقدمة واثر نضاالت بطولية تحسب ملصلحة فلسطني‬ ‫وفتح‪ ،‬وجدت أن املسار النضايل التونيس قابل للتأيس‪ ،‬كام وجدت يف‬ ‫تجارب الثورات األخرى مثل تجربة جنوب افريقيا إمكانية لالستفادة منها‬ ‫واالحتذاء ببعض جوانبها إىل أن اكتشفت متيز تجربتها ونضالها وقدرتها‬ ‫الذاتية عىل االبداع التجدد‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫أصلت الكيانية للشعب الفلسطيني تلك التي‬ ‫ان حركة فتح التحرير ّ‬ ‫حاول الكثريون اسقاطها أو هدمها ابتداء من العدو الصهيوين الذي ما‬ ‫زال ينكر هذه الكيانية والشعب وقيام الدولة‪ ،‬إىل هذا النظام أو ذاك‪،‬‬ ‫اال ان فتح أركبتها مركب الصعود يف عربة منظمة التحرير الفلسطينية‪،‬‬ ‫التي قامت ونامت وقويت وضعفت‪ ،‬ولكنها حتى يف ظل السلطة الوطنية‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬ويف ظل نزاعات عكست نفسها علينا ومن خالل التنظيامت‬ ‫بقيت هي الدار وهي الحامي وهي مقر الكيانية للفلسطينيني يف الداخل‬ ‫والخارج‪.‬‬

‫الفتحاويون أبناء عمر‬

‫إن فتح كحركة تحرر وطني‪ ،‬فعل نضايل متصل ومخالطة وتواصل‬ ‫وتفاعل مع الناس‪ ،‬وقدرة عىل العطاء ال تنضب‪ ،‬وسعي للعمل كقيمة‬ ‫وصدق مرصود بحيث أن أبناء حركة فتح يعدون بحق أحفاد عمر بن‬ ‫الخطاب‪ ،‬حيث انه يؤثر عن عمر ابن الخطاب ريض الله عنه أنه شهد‬ ‫عنده أحدهم شهادة يف شخص فرفضها عمر ألنه اعترب الرجل ال يعرفه‬ ‫استنادا لقواعد املعرفة املمثلة بالصدق واملخالطة واملعاملة حيث قال‬ ‫عمر (فهل كانت بينك وبينه معاملة‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬فهل ائتمنته عىل يشء‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ال‪ ،‬فأنت الذي ال علم لك به‪ ،‬أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه يف املسجد‪)...‬‬ ‫وقال يف موضع آخر (ال تنظروا إىل صيام أحد وال صالته‪ ،‬ولكن انظروا إىل‬ ‫صدق حديثه إذا ح ّدث وأمانته إذا أئتمن‪ ،‬وورعه إذا أشفى)(‪.((1‬‬

‫ثالثية صعود الحركة‬

‫فتح حركة الوطنية الفلسطينية الصادقة صعدت بعوامل ثالثة أولها‪:‬‬ ‫أنها جاءت من آالم وآمال الشعب‪ ،‬وتواصلت بذلك فجعلت من التحامها‬ ‫‪ -17‬أشفى أي أرشف عىل يشء‪ ،‬وظهر‪ ،‬وال يكون ظهور الورع اال باملعاملة‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫واعتامدها والتصاقها وتعليمها وتعلمها من الجامهري أحد أهم أسس‬ ‫انطالقتها ودميومتها‪ ،‬فال تكاد ترى فواصل أو فروقات أو أبواب موصددة‬ ‫بني قياداتها السياسية والتنظيمية وامليدانية والناس‪ ،‬فهم منهم وبهم‪.‬‬ ‫وثانيها أنها رفعت شعارات الجامهري بالتحرر والعودة والكفاح الوطني‬ ‫ومارست ذلك قيادة للجامهري أمامها ومعها فقدمت آالف الشهداء يف‬ ‫سبيل الله ويف سبيل فلسطني بال حساب‪ ،‬يف الوقت الذي اعتربت فيه‬ ‫بعض تنظيامت االستكانة والهزمية والنكوص أن شهداء الثورة الفلسطينية‬ ‫وحركة فتح (فطيس)‪.‬‬ ‫أو أنهم ميوتون كفارا أو غري ذلك من التهم القبيحة والتي ما زالت‬ ‫ينصبون أنفسهم أوصياء‬ ‫تعشعش يف رؤوس أمثال هؤالء حتى اليوم ممن ّ‬ ‫عىل دين الله أو عىل القومية أو عىل الوطنية أو عىل املقاومة يف عملية‬ ‫تباعد عن الناس وتالقي مع أحالمهم وعجزهم وفتاواهم التي ستلقى بهم‬ ‫يف نار جهنم بعد أن يكشفهم الناس وينبذوهم يف العراء‪.‬‬

‫القيادة يف املقدمة‬

‫وثالثها أنها تنظيم الصدق‪ ،‬فلم يكن لكوادرها أو قياداتها أن تراوغ أو‬ ‫تداور مع الناس‪ ،‬فحيث أشعلت نار الكفاح املسلح كانت قيادة وكوادر‬ ‫يف املقدمة‬ ‫وحيث اختارت طريق االنتفاضة حملت معها كل الفئات وشاركت‬ ‫فيها كل األطر‪ ،‬وحيث اعتمدت الكفاح الشعبي واملقاومة الجامهريية‬ ‫مارستها بأشكالها السياسية واالعالمية وامليدانية‪ ،‬فلم تلتبس عليها الوسيلة‬ ‫بل اختارتها بقدرة التحليل للمحيط ورصد املتغريات وبقدرة الفرز‬ ‫للمعسكرات املعادية واملراوغة والصديقة‪ ،‬وبوعي القادم وسارت خلفها‬ ‫الركبان من كافة التنظيامت وآخرها حامس التي رمبا استوعبت مصداقية‬ ‫‪54‬‬


‫فتح يف خياراتها وتعاملها مع جامهريها‪ ،‬وقدرة أهدافها عىل عكس نفسها‬ ‫من اآلخرين وعليهم‪.‬‬

‫ما شئت ال ما شاءت األقدار؟!‬

‫اعتاد البعض أن يكون الكالم عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬‬ ‫فتح مبنطق السلب‪ ،‬حيث اعتادوا سعة صدر القيادة الفتحوية إىل حد‬ ‫التسيب‪ ،‬وتعلموا الدميقراطية عىل ظهر حركة فتح الذي ألهبوه بالسياط‪،‬‬ ‫وتنسموا نسائم الحرية يف أروقة مكاتب الحركة‪ ،‬وبساتينها‪ ،‬وحاوروا‬ ‫وناوروا وجادلوا وعارضوا وصارعوا يف مواجهة فتح‪ ،‬إال أنهم جلسوا مقيدي‬ ‫األيدي والفكر حينام يتعلق األمر بأحزاب شمولية أو أنظمة شمولية‬ ‫(األفكار الشيوعية واإلسالموية الحرصية‪ ،‬والقومية‪ -‬الشوفينية)‬ ‫وكأن الدميقراطية والحرية والتعددية وإمكانية النقد تقف فقط عند‬ ‫عتبة باب اللجنة املركزية لحركة فتح‪ ،‬وتنأى عن تلك النظم واألحزاب‬ ‫االستبدادية حيث تستبدل النغمة العالية مبدائح تشبه مديح ذاك الشاعر‬ ‫املتزلّف ابن هانئ األندليس الذي وقف يقول للمعز لدين الله الفاطمي‪:‬‬ ‫فاحكم فأنت الواحد القهار‬ ‫ما شئت ال ما شاءت األقدار‬ ‫وكأمنا أن��ص��ارك األنصار‬ ‫وكأمنا أن��ت النبي محمد‬ ‫يف كتبها األحبار واألخبار‬ ‫أنت الذي كانت تبرشنا به‬ ‫أو قول أبو الحسن بن جبلة الشاعر‪:‬‬ ‫وتنقل الدهر من حال إىل حال‬ ‫أنت الذي تنزل األيام منزلها‬ ‫أال قضيت ب���أرزاق وآج��ال‬ ‫وما مددت مدى طرف إىل أحد‬ ‫وهذا هو الحال هذه األيام بني منتقد لطبائع الحرية والدميقراطية‬ ‫والتعددية ومتوقف عند حد املديح لرذائل حزبه أو فكره االقصايئ أو‬ ‫نظام االستبداد الذي يتعلق به‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫فتح تهزم التفكك وتزعج املنافسني‬

‫اعتادوا تعداد سلبيات فتح‪ ،‬إما طعنا أو حسدا أو رغبة يف التدمري‬ ‫الرغبة يف اإلصالح والتطوير لتنظيم تكالبت عليه األكلة (كام تتكالب عىل‬ ‫قصعتها)‪ ،‬ولكنه ظل عفيّا يناطح السحاب قوة‪ ،‬مل يستطيعوا حتى اآلن أن‬ ‫يفكوا رموز قوته حتى باستخدام الرياضيات الحديثة أو معادلة (أنيشتني)‬ ‫يف النظرية النسبية‪.‬‬ ‫استطاعت حركتنا حركة فتح أن تهزم التفكك والرصاعات‪ ،‬كام‬ ‫هزمت الشدائد والرزايا‪ ،‬وخاضت املعركة تلو املعركة تلك العسكرية‬ ‫منها أو السياسية أو اإلعالمية أو الجامهريية فتخطت أزماتها‪ ،‬ومنها‬ ‫أزمة االنشقاق الكبري عام ‪ ،1983‬وأزمة االنقالب الدموي يف غزة عام‬ ‫‪ 2007‬وأزمات العالقات العدائية التي نصبت فيها األنظمة االستبدادية‬ ‫املدفعيات والراجامت والبنادق لتدق عنق الثورة أو تشوه جسدها كام‬ ‫فعل نظام القذايف أو نظام حافظ األسد طوال أكرث من ‪ 30‬عاما‪ ،‬ولكنها‬ ‫عفت وسامحت وتجاوزت وتخطت وخرجت من كل مآسيها يف حروب‬ ‫املخيامت يف لبنان ومن االنتفاضات أكرث قوة وقدرة ومحبة أزعجت‬ ‫املنافسني وأ ّرقتهم وجعلتهم و َمن وراءهم يداومون عىل رضبها وتشويهها‬ ‫بال جدوى ومن حيث فشلوا فشل معهم االحتالل الصهيوين‪.‬‬

‫فتح الرحابة والدولة املدنية‬

‫وألنها حركة فتح أي الرحابة والسعة والفضاء الواسع مل تضق يوما‬ ‫ذرعا مبعارض‪ ،‬ومل توجه له سكينا أو بندقية كام فعل متطرفو حامس‬ ‫يف انقالب غزة عام ‪ ،2007‬وكام فعل قبلهم أتباع (ابن هانئ االندليس)‬ ‫مداحي نظام االستبداد والجور والظلم الذين دكوا حجارة طرابلس عام‬ ‫‪ 1993‬عىل رؤوس الفلسطينيني‪ ،‬واكملوا كشف عوراتهم عرب حروب‬ ‫‪56‬‬


‫املخيامت الطويلة يف لبنان‪.‬‬ ‫ان فتح الرحابة والسعة والفضاء الواسع تتغاىض وتسامح وتفتح‬ ‫الصدر مبودة ومحبة متاما كام فعلت مع االنقالبيني يف غزة‪ ،‬حيث يجب‬ ‫أن تقف بصالبة ضد القتلة ورضورة محاسبتهم‪ ،‬وضد االنفراد واالنتخابات‬ ‫ملرة واحدة عرب تكريس الدميقراطية والتعددية برصامة‪ ،‬وان تقف ضد‬ ‫من يتوهمون ويحلمون أو تخنقهم روائح األدخنة يف الغرف املغلقة‬ ‫حينام يحلّقون فكريا دون وعي أو فهم أو تجربة أو تفاعل مع الناس‪ ،‬فال‬ ‫يحاربون من اجل حريتهم وكرامتهم وحقهم يف الحياة والتفكري والتعبري‬ ‫يف ظل الدولة املدينة التي قد تحتاج منا لعرشات السنني ليستطيع الناس‬ ‫جميعا أن يدركوا أنها مستقبلهم يف ظل االحتالل أو حني زوال االحتالل فال‬ ‫نستبدل احتالل األرض والهواء باحتالل العقل والرئتني‪.‬‬

‫ثغرات يف املسرية‬

‫آن لنا أن نفرد صفحات لبعض الثغرات يف مسرية حركة فتح املتجددة‬ ‫بعد انطالقتها الجديدة مع املؤمتر السادس عام ‪ 2009‬والتي منها‪.‬‬ ‫بطء التغري‪ :‬وحيث أن التغيري قد حدث يف األفكار والسياسات والربامج‬ ‫والشخوص‪ ،‬فلم يكن لفتح إال أن تضع كل ذلك يف مسار الفعل‪ ،‬وهي وان‬ ‫أحدثت تغيريا «محدودا» يف األطر‪ ،‬وعميقا يف الفكرة وامليدان (اعتربت‬ ‫العمل معيار االنتامء‪ ،‬وفرضت االشرتاك املايل‪ ،‬وقامت باالنخراط الشعبي‬ ‫والتواصل التنظيمي‪ ،)...‬إال أن هذا التغيري سار وما زال ببطء مل يطبع‬ ‫بصامته عىل جسد الكادر ويف قلبه‪.‬‬ ‫ومل يكن للتثقيف أو التعبئة الداخلية أو التدريب أو املتابعة أو‬ ‫التخطيط حد مقبول يف اإلطار الصاعد والنازل رأسيا وكذلك أفقيا‪ ،‬وهو وان‬ ‫بدا واضحا يف بعض خاليا التفكري ولجان املساندة وعدد من املفوضيات‬ ‫‪57‬‬


‫ومجموعة من األقاليم التي نعتز بتطورها‪ ،‬إال أن هذه التغيرّ ات مل تصبح‬ ‫حتى اآلن سمة أو طابع أو لغة مشرتكة أو بصمة أو عالمة مسجلة لحركة‬ ‫فتح حتى اآلن‪.‬‬ ‫خوف من املستقبل‪ :‬يتل ّبس بعض الكوادر يف الحركة رداء التشيك‬ ‫الدائم ضمن قلة الحيلة والسلبية ويتلبس اآلخرون خوف من املجهول‬ ‫ومن القادم ومن املستقبل‪ ،‬وهم إذ يرون متغريات داخلية ولدى االحتالل‪،‬‬ ‫ويف املحيط العريب تصطك ركبهم كام ركب أولئك يف حامس من القادم‪،‬‬ ‫فهؤالء يخشون التاليش كام يخشاه أولئك‪ ،‬والطرفان ميثالن شخصيات‬ ‫مليئة بالثغرات أو الحذر املبالغ‪ ،‬وعدم الرغبة يف التقدم‪.‬‬ ‫إن كان الخوف رضورة فانه يجب أن يكون حافزا ودافعا ومحرضا‬ ‫عىل الفعل ال عىل القعود ونكران الفعل‪ ،‬وإلقاء كل يشء يف وجه القدر‪.‬‬ ‫إن اآللة تدور برتوسها جميعا‪ ،‬و(االوركسرتا) ال تصدر اللحن الشجي إال‬ ‫بتناغم كامل عنارصها‪ ،‬فلكل فرد أو عضو دوره يف مسار الفعل الجامعي‬ ‫ولكل موقعه ولكل عمله الذي يعرف به حيث يقول عيل بن أيب طالب‬ ‫ريض الله عنه (وقيمة املرء ما قد كان يحسنه‪ ،‬والجاهلون ألهل العلم‬ ‫أعداء)‪.‬‬ ‫التشاؤم والسوداوية‪ :‬إن من ابرز عيوب (القلة) يف جسد فتح هي‬ ‫نظرة التشاؤم الدامئة والسواد الحالك الذي يحيط عيونهم وعقولهم‪،‬‬ ‫فاملايض جميل والحارض يسء واملستقبل مخيف‪ ،‬ومبثل هؤالء تتقهقر‬ ‫الحركة ومبثل هؤالء ينطفيء لظاها وتخبو نار مشعلها‪ ،‬امليضء حتى‬ ‫تحرير فلسطني وعودة الالجئني وتحقيق الدولة الدميقراطية املدينة‪.‬‬ ‫إن فكر (النعي) والتذمر الدائم والشكوى هو سم قاتل يف جسد أي‬ ‫تنظيم خاصة إن ارتبط بالقعود والتثبيط للذات واآلخرين‪ ،‬حينها يتحول‬ ‫‪58‬‬


‫النشاط إىل تخريب مقصود ومتعمد‪.‬‬ ‫إن الفكر االيجايب ال يربز إال يف املحيط السلبي‪ ،‬وإال فان االيجابية يف‬ ‫املحيط االيجايب ال تعد فضيلة‪ ،‬بل الفضيلة بالتفكري االيجايب الذي ينتزع‬ ‫ذاته من بني أنياب السواد والجو املحبط‪ ،‬وهنا يظهر الشجعان حيث‬ ‫يقول الشاعر جرير‪ :‬قل للجبان إذا تأخر رسجه‪ /‬هل أنت من رشك املنية‬ ‫ناجي؟‬

‫النقد الفضائحي‬

‫يف حركة فتح تعلمنا أن ننظر بالعينني االثنتني فتعلمنا النقد‪ ،‬ولكننا‬ ‫معه تعلمنا أن نأخذ بيدنا اليمنى زمام أمرنا فنعمل ثم نعمل ثم نعمل‪ ،‬ألن‬ ‫العمل يف فتح لخدمة القضية والناس والتنظيم ما ميثل فضيلة حركة فتح‪،‬‬ ‫وهي‪-‬أي الحركة‪ -‬إذ تضع الله سبحانه وتعإىل نصب العينني‪ ،‬فانها ترى يف‬ ‫الناس مفتاح الحل ومربر الوجود وهدف الفعل ألن تحرير فلسطني تحرر‬ ‫للجامهري‪ ،‬ودحر االحتالل ملصلحة الناس‪ ،‬وإعالء قيمة الفرد وخدمته يف‬ ‫شؤونه الصحية واالقتصادية واالجتامعية الصغرية والكبرية واجب‪.‬‬ ‫يف فتح تعلمنا النقد ومل نرتك العمل‪ ،‬فلم يكن النقد ملجرد تعداد‬ ‫السلبيات أو التنفيس أو التشفي أو داللة الكراهية‪ ،‬وإمنا بغرض تصفية‬ ‫النفوس وبطرح أفكار اإلصالح وبالقيام بأعامل تنايف ما تم النقد عليه‪،‬‬ ‫وحافزا للتقويم ودافعا للعمل‪ ،‬ال كام نرى اليوم أشباه مثقفني أو بضعة‬ ‫أشخاص يعتلون املنابر فقط للذم املرذول والشتم غري املقبول أو الشكوى‬ ‫املذلة أو الشتم امللفوظ أو االتهام غري املغفور‪ ،‬أو تلقط سقطات اآلخرين‬ ‫فقط كمربر للنكوص أو الرتاجع أو السكون أو التدمري وعدم العمل‪،‬‬ ‫وأظنني أجد مثل هذه النوعيات قلّت أو كرثت عىل امتداد الهرم القيادي‬ ‫من أسفل إىل أعىل أو العكس ويف كافة التنظيامت‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫ •ضعف التواصل‪ :‬ميكننا القول أن الثورة التونسية أو املرصية الحديثة‬ ‫انترصت بإرادة الشباب وتصميمهم ويف ذلك الكثري من الحقيقة‪،‬‬ ‫وان وضعنا عامل القدرة والتخطيط ووضوح الهدف نكون اقرتابنا‬ ‫من الواقع‪ ،‬وان قلنا أن االلتزام كان محركا‪ ،‬والفعل والجهد املبذول‬ ‫بدأب كان ميثل العامل الرابع فأننا ال ميكن ان نغفل ابدا ان العامل‬ ‫الخامس هنا هو حسن التواصل أو حسن استخدام الوسيلة‪.‬‬ ‫إن التواصل يف حركة فتح عىل إقراري بوجوده فهو ضعيف نسبيا‪،‬‬ ‫وعىل أهميته فهو يحتاج لجهد فكري وإداري رفيع يلزم املسؤول األول‬ ‫أن يكون راعيا لرعيته كام يقول الرسول األعظم صىل الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫ويكون يف نهاره كام ليله ال يشغل فكره إال خدمة شعبه ووطنه وحسن‬ ‫استخدام الوسيلة من متابعة واجتامعات دورية واتصاالت هاتفية وشابكة‬ ‫(االنرتنت) وعرب مواقع التواصل االجتامعي‪ ،‬وعرب التقرير الدوري ومن‬ ‫خالل االلتحام اليومي الذي يستشعر فيه الفرد واملواطن العادي أن ابن‬ ‫فتح يف موقعه القيادي امليداين أو موقعه الوسيط أو املتقدم هو جزء ال‬ ‫يتجزأ من جسده وروحه ودمه‪.‬‬ ‫ان حركة فتح بحاجة أكرب للنظر يف عيون الكوادر والتفاعل مع ما‬ ‫يشغل فكرها‪ ،‬وتصوير ما يعتمل يف قلبها وتجنيد أرواحها لنتقدم وننترص‪.‬‬ ‫ •نقص الثقافة والتثقيف‪ :‬قلت يف أكرث من محفل أن املثقف يحتاج‬ ‫ليكون كذلك ألن يعرب عن بيئته‪ ،‬ولكل بيئة وفئة ومجتمع ثقافتها‪،‬‬ ‫وليك يتميز الكادر يف فتح فال مناص من الصعود ملنصة الثقافة عرب‬ ‫مركب القراءة‪ ،‬فمن ال يقرأ ال يتجدد كمن ال يستحم اذ ترتاكم عىل‬ ‫املقل أو املفارق للكتاب الورقي أو االلكرتوين‬ ‫جسده األوساخ‪ ،‬كذلك ّ‬ ‫حديثا حيث يرتاكم عىل فكرة الصدأ من كل جانب ما ال يجلوه إال‬ ‫القراءة ومن ال يقرأ ال يكتب‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫إن التثقيف يف الحركة حصانة والتثقيف يف الحركة قوة للشخصية‬ ‫والتثقيف يف الحركة ثقة مبا نقول ونعمل فان مل اس َع للتحصني واكتساب‬ ‫القوة والثقة من خالل التفاعل مع ثقافة الجمهور‪ ،‬وعرب الكتاب ومن‬ ‫خالل املامرسة فمن أين سأكون قيمة يف التنظيم؟! ومن اين سأختط‬ ‫لنفيس مسلكا مميزا وكيف سأمتاثل مع أقراين يف آلية العمل بروح الفريق؟‬ ‫ان التعبئة والتثقيف الداخيل يف الحركة ليست مهمة لجنة التدريب‬ ‫فقط وإمنا هي مهمة كل عضو نحو ذاته أوال‪ ،‬فالنهر موجود والرشبة ال‬ ‫تحتاج إال ملن يغرتفها‪ ،‬وهي مهمة اإلطار (خلية‪ ،‬شعبة‪ ،‬منطقة‪ ،‬إقليم)‬ ‫وكذلك يف املكاتب الحركية‪ ،‬فحيث نهمل الفكرة وقيمتها واألخالق‬ ‫وانعكاسها يف سلوكنا وحيث نهمل االحتكاك باآلخرين واالستفادة منهم‬ ‫تجتاحنا نوازع األنانية وحب الذات والتقوقع والظن اليسء‪.‬‬ ‫ •الفردية وفقدان اإلدارة املحكمة‪ :‬إن مرض الفردية أو الشخصانية‬ ‫قد يصيب الكثريين خاصة ممن يعشقون صورتهم‪ ،‬وبدلك يصبح‬ ‫سعيهم األساس نحو تكريس هذه الصورة بحيث ال يرغبون أن‬ ‫يروا إىل جانبهم إال من يكيلون املديح لهم بحق ودون وجه حق‬ ‫ويتزلفون‪.‬‬ ‫قد يربع أمثال هؤالء يف أعاملهم ولكنها وان حققت نتائج إال ان محركها‬ ‫الرئيس صورة الفرد ومكانته بحيث ال يرغب يف رؤية اآلخر املخالف أو‬ ‫حتى املتفق معه‪ ،‬فظهوره أىل جواره يصبح مجال مقارنة ال يرغب بها‬ ‫(الرنجيس) الفرداين الشخصاين‪.‬‬ ‫ان العمل الفردي قد ينجز‪ ،‬وقطعا يحتاج التنظيم ملبادرات أفراده‪،‬‬ ‫ولكن العمل املثمرواألكرب تحقيقا لألهداف‪ ،‬وبزمن مرتبط بالخطة هو‬ ‫العمل الجامعي أو العمل بروح الفريق من حيث أنه‪:‬‬ ‫‪61‬‬


‫ •يخلق التقارب‬ ‫ •ويحقق الرتابط والتناغم‬ ‫ •ويزيد الثقة املتبادلة‬ ‫ •ويكرس االنتامء‬ ‫ •ويحقق االنجازات‬ ‫ •ويوفر الجهد والوقت واملال‬ ‫وان كان هؤالء الشخصانيني يف حركة فتح ويف التنظيامت األخرى قطعا‬ ‫يستبسلون إلبراز ذاتهم‪ ،‬ويخشون العمل الجامعي فان مهمة الكوادر يف‬ ‫األطر هو مزيد من العمل الجامعي واملنظم ومزيد من روح الفريق الذي‬ ‫يجعل مثل هؤالء محارصين وأسلوب ‘دارتهم منبوذ‪.‬‬ ‫أما اإلدارة املحكمة من حيث تطبيق عنارص اإلدارة الستة املعروفة‬ ‫من تخطيط وتنظيم للجهود وتوجيه (قيادة واتصاالت وتحفيز) وتشغيل‬ ‫ورقابة (ومحاسبة) وتنسيق فإنها ويف ظل تعدد مدارس اإلدارة التنظيمية‬ ‫نجدها يف حركة فتح ونحس بها وهذا متغري جيد‪ ،‬ولكنها صفة تحبو‬ ‫وفكرة تشق لها طريقا صعب للتطبيق يف مختلف األطر‪ ،‬وسبيل تتنازعه‬ ‫رغبات الرجال واالرتجال واالتجاه نحو العشوائية وردود الفعل كبديل عن‬ ‫التخطيط والتوجيه واملتابعة‪.‬‬ ‫إن االتجاه نحو اإلدارة التنظيمية بعنارصها يستدعي تغريا فكريا أداريا‪،‬‬ ‫وتغيريا يف الثقافة السائدة حيث ال يعقل وكل وسائل االتصال الحديثة بني‬ ‫يدينا أن ال نقدر عىل بناء جسور التواصل والثقة واملحبة واملخالطة بيننا‬ ‫وبني أعضاء التنظيم؟ وال يعقل أن نهمل الكادر ليبحث عن متنفس آخر‬ ‫يجده يف مساحات افرتاضية متاحة عرب وسائط التواصل االجتامعي وقد‬ ‫‪62‬‬


‫يجهد نفسه مبا هوبال طائل‪ ،‬وكان األدعى أن نجذبه بنشاطات املناطق‬ ‫واألقاليم والنقابات واملؤسسات واملركز‪.‬‬ ‫إن اإلدارة الفتحوية يجب أن تكون هي اإلدارة بالقدوة‪ ،‬وهي اإلدارة‬ ‫بالعمل واالنجاز‪ ،‬وهي اإلدارة بالتعاون وهي االدارة بااللتزام‪ ،‬وهي‬ ‫االدارة بالجامهري‪ ،‬وبدون ذلك فاننا سنظل نعاين ونعاين ونرتاجع ونتقهقر‬ ‫ونتساءل ملاذا؟ ونحن نعرف الجواب‪.‬‬ ‫ان كان عىل حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح كقيادة وكوادر‬ ‫متقدمة مآخذ فان آليات الحوار يف الحركة مفتوحة ضمن كافة األطر‪،‬‬ ‫وهي مكان االستيعاب األكرب لكل نقد هو رضوري‪ ،‬ولكل اقرتاح هو واجب‬ ‫ولكل صاحب رأي يعتقد أن لديه ما يقوله وعليه ما يفعله‪.‬‬

‫فتح الفكر السيايس‬

‫استطاع الرئيس أبو مازن وحركة فتح أن يرسموا اسرتاتيجية نضالية‬ ‫ارتكزت وفق ما عرب عنه املؤمتر السادس للحركة عام ‪ 2009‬ومسار‬ ‫األحداث السياسية وقرارات اللجنة املركزية واملجلس الثوري يف اعتقادي‬ ‫عىل األمور التالية‪- :‬‬ ‫‪1.1‬التمسك بالثوابت الفلسطينية‪:‬‬ ‫وذل��ك وفق ما استقر عليه اإلج�ماع الفلسطيني ممثال بالدولة‬ ‫الفلسطينية املستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة الالجئني‪،‬‬ ‫ولحقت جميع الفصائل بحركة فتح بهذا املجال داللة عىل قدرة الفكر‬ ‫الفتحوي الواقعي أن يفرض نفسه ويحقق إجامعا وتوحدا هو من شيمة‬ ‫الفتحويني‪.‬‬ ‫‪2.2‬الكفاح الجامهريي‪:‬‬ ‫‪63‬‬


‫شددت الحركة عىل حقها مبامرسة كافة أشكال النضال وفق ما أقرته‬ ‫الرشائع الدولية ومبا غيها الكفاح املسلح‪ ،‬واختارت يف املرحلة الراهنة‬ ‫الكفاح الجامهريي أو النضال الشعبي أو املقاومة السلمية كخط نضايل‪،‬‬ ‫يجب أن يتصاعد ليس فقط يف نقاط املواجهة حيث يتواجد الجدار‪ ،‬ويف‬ ‫بعض القرى وإمنا ان يتحول بفعل نضايل يومي متصاعد ال يقر لالحتالل‬ ‫بتواصل بغية وعدوانيته‪ ،‬ويشكل من الجامهري جدار حامية وطاقات‬ ‫نضالية‪ ،‬ويف هذا البعد فان حركة فتح مقرصة ومطلوب منها ومنا جميعا‬ ‫حجم ومساحة اكرب لهذا الفعل‪.‬‬ ‫‪3.3‬تعزيز املواطنة واالنتامء لفلسطني‬ ‫ما بني االنتامءات التنظيمية لهذا الفصيل أو ذاك أقدم الرئيس أبو‬ ‫مازن والسلطة الوطنية الفلسطينية عىل الفصل بني االنتامء التنظيمي‬ ‫وبني الوظائف يف السلطة الوطنية الفلسطينية بشقيها املدين والعسكري‪،‬‬ ‫وعليه أضحت التعبئة والرسالة الداخلية يف مختلف املؤسسات والوزارات‬ ‫واألجهزة رسالة وطنية فلسطينية ال متيز بني املنتمي لهذا الفصيل أو ذاك‪.‬‬ ‫ورغم أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي حركة الشعب‬ ‫اال أنها مل تدعي يوما أنها متثل حرصيا الشعب الفلسطيني‪ ،‬أو متثل حرصيا‬ ‫اإلسالم (كام يدعي اآلخرون) أو متثل حرصيا العمق العرويب اإلسالمي‬ ‫الحضاري لذلك كان مسارها مرتبط باإلطار الجبهوي التآلفي التوافقي‬ ‫ممثال مبنظمة التحرير الفلسطينية والحقا ما حصل يف ‘طار السلطة‬ ‫الوطنية الفلسطينية‪.‬‬ ‫تتميز حركة (فتح) يف أن أول حرف من اختصار اسمها هو حرف الفاء‬ ‫املأخوذ من كلمة فلسطني‪ ،‬وقسمها ليس قسم اإلخالص لحركة فتح وإمنا‬ ‫قسم اإلخالص لفلسطني‪ ،‬ويتوسط شعار العاصفة فيها خريطة فلسطني‬ ‫‪64‬‬


‫الكاملة‪ ،‬وهي مل تشعر يف يوم من األيام أنها متاميزة عن جامهريها فلم‬ ‫تفرق بينهم يف الرعاية والدعم واملساعدات واالحرتام‪.‬‬ ‫‪4.4‬الدميقراطية والوحدة الوطنية والرشاكة‬ ‫الدميقراطية متثل حياة يف حركة فتح‪ ،‬عكستها يف املجتمع اذ يشعر‬ ‫الفلسطيني بحريته يف ظل وجود حركة فتح الضامن الستقرار وحرية الفرد‬ ‫واملجتمع كام أفادىن أكرث من أخ مستقل مشبها حركة فتح بعود الخيمة أو‬ ‫أساس البناء أو العمود الفقري للثورة الفلسطينية‪...‬‬ ‫والن الدميقراطية ليست صندوق انتخابات فقط بل فكرة وثقافة‬ ‫ومامرسة تنعكس يف البيت والحزب والبلد ارتفع صوت الفتحويني عاليا‬ ‫بالنقد الصادق والحوار وتعزيز املسار‪ ،‬فلم يرتكوا مثلبه أو إساءة أو فسادا‬ ‫عاما أو خاصا إال فضحوه بادئني بأنفسهم وملحقني اآلخرين بهم‪ ،‬فاملؤمن‬ ‫ال يكون كذابا أبدا كام قال الرسول صىل الله عليه وسلم وال طعانا وال لعانا‬ ‫وال شتاما وإمنا ناقدا باحرتام وضمن القوانني‪.‬‬ ‫وإذا كانت آية املنافق تتمثل يف أنه‪ :‬إذا ح ّدث كذب وإذا وعد اخلف‬ ‫وإذ اؤمتن خان وإذا خاصم فجر كام يروى يف الحديث الرشيف فان‬ ‫الحركة العمالقة مل يؤثر عنها يف تاريخها إال تطبيقها األمني لهذا الحديث‬ ‫الرشيف‪ ،‬لذا كانت مساحة الدميقراطية تتعزز‪ ،‬ألنها تعري وتفضح من‬ ‫يكذب ويخون ويخلف ويفجر‪.‬‬ ‫وإذ استطاعت الحركة أن تعكس الدميقراطية يف عالقاتها الداخلية‬ ‫والخارجية وفق مقولة الرئيس الشهيد الخالد يارس عرفات أنها (دميقراطية‬ ‫غابة البنادق) فان حامس كمثال مل تلتزم بهذا املبدأ ونقضته علنا عرب‬ ‫حربها عىل الشعب الفلسطيني يف غزة من خالل االنقالب األسود عام‬ ‫‪ 2007‬حبا بالسلطة وسعيا لها‪ ،‬الذي أودى بأكرث من ألف شهيد‪ ،‬مل يسبقها‬ ‫‪65‬‬


‫ملثل هذا الفعل اال نظام االستبداد والظلامت عام ‪.1993‬‬ ‫ومع ذلك فان فكر الوحدة الوطنية هو فكر فتح التي قادت والفصائل‬ ‫الوطنية عامة ويف االنتفاضة األوىل ثم االنتفاضة الثانية وصربت عىل تفرد‬ ‫حامس بفعالياتها ونشاطاتها وانشقاقها عىل القيادة الوطنية املوحدة إىل‬ ‫إن جاء اليوم الذي يجلس فيه خالد مشعل إىل جانب الرئيس أبو مازن‬ ‫مق ّرا بالخط الواقعي لحركة فتح وملنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬وإىل أن‬ ‫جاء اليوم الذي يعرتف به موىس أبو مرزق علنا أنهم يف حامس كانوا‬ ‫ينظرون للمنظمة أنها األخر‪ ،‬رغم وجود الكثري مام يوحد عىل حد تعبريه‪.‬‬ ‫إن الوحدة الوطنية لدى حركة فتح مفتاح رفض القداسة أو العصمة‬ ‫التي يدعيها بعض التنظيامت اليوم سواء العصمة الوطنية أو الدينية‪،‬‬ ‫وهي مفتاح قبول اآلخر ال استبعاده أو النظر له كنقيض إن مل يكن كعدو‬ ‫يجب إقصاؤه كام املح أبو مرزوق مؤخرا‪.‬‬ ‫إن الرشاكة يف صلب فكر فتح املستنري والرحب الذي يتقبل ويتفهم‬ ‫ويتجاور ويتحاور مع اآلخر بكل محبة وكل تقدير وكل احرتام‪ ،‬وهاجسه‬ ‫ميل من‬ ‫األساس كام كان يردد الشهيد القائد صالح خلف (أبو اياد) ومل ّ‬ ‫التكرار (أنني أخالفك بالرأي ولكنني أقاتل دفاعا عن حقك بإبداء الرأي)‪.‬‬ ‫وما مآل األمور مؤخرا عرب املصالحة الوطنية إال تكريسا حقيقيا لفكر‬ ‫حركة فتح السيايس يف الدميقراطية والتعددية والوحدة الوطنية والرشاكة‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫‪5.5‬العمق الحضاري العرويب اإلسالمي‪:‬‬ ‫جهد املخالفون بأن يضللوا الشعب الفلسطيني ويصموا حركة فتح‬ ‫بأنها حركة كافرة أو علامنية (مبفهوم أن العلامنية كفر)‪ ،‬وما زال هناك‬ ‫فئة غري قليلة تحمل هذه الفكرة امللغومة‪ ،‬والتي هي امتداد التهامات‬ ‫‪66‬‬


‫تشويهية تربز عند كل مفصل أو يف االنتخابات حاليا‪ ،‬وما هي اتهامات‬ ‫باعتقادي صادرة عن عقالء أو مؤمنني وإمنا عن حاقدين اقصائيني ال يرون‬ ‫إال أنفسهم‪ ،‬إذ يفجرون بالخصومة ويتطاولون عىل اآلخرين وعىل فتح‬ ‫ويستعلون عليها يف سياق فهم مضطرب يدعي قداسة (الوالء والرباء‬ ‫واالستعالء)‪.‬‬ ‫إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي التيار العام الذي يضم‬ ‫كل مكونات وفئات وأفكار الشعب الفلسطيني من أولئك الذين خلعوا‬ ‫رداء الحزبية املتعصبة وانضموا لقافلة التحرير‪ ،‬لذا فحركة فتح هي حركة‬ ‫هذا الشعب املنتمي قطعا لبيئته وملحيطه ولحضارته‪ ،‬وأىن له أن يخرج‬ ‫من عباءته هذه؟ وكيف له أن يتناقض مع مكوناته الذاتية؟ وهي تلك‬ ‫املنفتحة عىل الحضارات دون تعصب أو تأزيم أو تحيز‪.‬‬ ‫إن الحضارة العربية اإلسالمية املنفتحة‪ ،‬وباالمتدادات املسحية الرشقية‬ ‫هي حضارة هذه املنطقة وهي تشكل أبرز مكونات ثقافة هذا الشعب‬ ‫وهي خيار حركة فتح منذ البداية حتى اليوم‪ ،‬وما كان اسم (فتح) إال‬ ‫استلها ما للفتح املبني ال الحتف واالنتحار والدمار‪.‬‬ ‫إن قدرة حركة فتح عىل احتواء التيارات الفكرية الثالثة يف حضنها يف‬ ‫مرحلة سابقة إمنا كان داللة الرحابة والتكرس لفلسطني كام هي الداللة‬ ‫عىل العمق الحضاري امللتزم باألصالة واملنفتح عىل الحداثة‪.‬‬ ‫ان حركة فتح فكر الوسطية وفكر االعتدال املجتمعي فلم تكن يوما‬ ‫تنظيم متهاونني يف القيم أو األخالق أو الدين‪ ،‬كام مل تكن تنظيم متشددين‬ ‫مذعورين من رائحة الورد القادمة من اآلخر‪ ،‬انها تنظيم الحداثة واألصالة‬ ‫حيث التجاور والتحاور واالغناء‪.‬‬ ‫مل يكن اإلسالم يف يوم من األيام مشكلة أو عائق أو ميثل فجوة يف‬ ‫‪67‬‬


‫الحركة‪ ،‬وإمنا كان واستمر وسيظل دينا حنيفا ال يستطيع أي احد أن ميسه‬ ‫بسوء أو يقصيه عن التأثري يف الجامهري‪ ،‬وذلك الن لإلسالم الدور الفاعل يف‬ ‫رسم الشخوص وتشكيل الثقافات وبناء الحضارة العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫إن محاولة إيجاد تناقض لإلسالم مع حركة فتح إمنا هو لعب بالنار‬ ‫وشق للشعب‪ ،‬ويأيت يف سياق ادعاء بعض التنظيامت أنها هي وكيل الله‬ ‫عىل األرض‪ ،‬أو أنها والقداسة صنوان‪ ،‬أوان فكرها فقط هو املعرب عن الله‬ ‫واإلسالم والدين‪ ،‬أو أنها حيث تلتف فإنها تحتكر (اإلسالمية) ما ال يجوز‬ ‫قبوله ويف ذلك يقول الشيخ عبد الرحامن الكواكبي (ال يوجد يف اإلسالمية‬ ‫نفوذ ديني مطلقا يف غري مسالة إقامة شعائر الدين‪ ،‬ومنها القواعد العامة‬ ‫الترشيعية‪.)...‬‬ ‫فالرأي عامة هو فكر أنساين سواء أكان هذا الفكر سيايس أم اقتصادي‬ ‫أم مجتمعي أو غريه‪ ،‬ولذا فهو قابل للخطأ والصواب‪ ،‬واإلسالم (أو األديان‬ ‫عامة) غري قابل للخطأ والصواب‪ ،‬لذلك قالوا إن مصطلح (اإلسالم السيايس)‬ ‫مصطلح خاطئ فاإلسالم ثابت ومطلق والسيايس نسبي‪ ،‬واإلسالم ال يخطئ‬ ‫والسيايس يخطئ ويصيب‪ ،‬ومن هنا وقع التحديد إن (األمور) اإلنسانية‬ ‫عامة والشؤون البرشية هي يف موقع النظر الفكري اإلنساين املرتبط ثقافة‬ ‫وحضارة بفكرنا الوسطي املعتدل الفكر العرويب اإلسالمي قطعا وهو‬ ‫الفكراملنفتح عىل الحضارات األخرى دون استغالل للدين أو متسحا به‪.‬‬ ‫إن (التدين) وحجم (اإلميان) ونطاق (إسالمية) (أو مسيحية) الشخص‬ ‫أو ما يحمله من أفكار ال يصح الحكم عليه برشيا‪ ،‬فالله سبحانه وتعإىل‬ ‫هو الحكم فحيث ال يقاس إميان املرء وتدينه باملقياس الدنيوي الن الله‬ ‫هو الحكم يوم القيامة لذا ال يجوز أن يدعي أي كان وكالته عن الله‬ ‫سبحانه وتعإىل والذي هو اقرب ألي منا من حبل الوريد كام يأيت يف القران‬ ‫الكريم‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫إن الرأي السيايس واملجتمعي واالقتصادي أو أي رأي يف شؤون الناس ال‬ ‫يحق ألحد أن يدعي انه ميثله أو ينطق به نيابة عن الله‪ ،‬وإمنا عن نفسه‬ ‫أو تنظيمه يك ال نقع يف منطقة القداسة أو الكهنوت التي توهم الناس‬ ‫أن هذا الشخص (أو الفصيل) أو ذاك هو وحده الذي يعرب عن الحق ألنه‬ ‫يطلق لحيته أو يصيل يف املسجد أو عىل جينه زبيبة الصالة‪.‬‬ ‫إن الفكر الفتحوي فكر الشعب الفلسطيني فكر الثورة الفلسطينية‪،‬‬ ‫هو املستمد واملستلهم من بيئتنا وتفاعالتها أي من حضارة الشعب واألمة‪،‬‬ ‫الحضارة العربية اإلسالمية وتجارب الشعوب‪ ،‬لذا فلتحبط دعوات أو‬ ‫تخرصات من يحاولون اتهام الحركة باالتهامات الباطلة وكأنها أو غريها‬ ‫من الفصائل عىل طريف نقيض من الله سبحانه وتعإىل أو اإلسالم أو التدين‪.‬‬ ‫‪6.6‬املؤسساتية والدولة املدينة‪.‬‬ ‫إن املؤسساتية عقل إداري منفتح وفكرة تستمد قبولها من أن الكل‬ ‫هو القادر عىل البناء‪ ،‬وان الفرد جزء من الكل‪ ،‬ولذلك فان النظام أو‬ ‫املؤسسة ال تبني عىل عقل االستبداد (الديكتاتورية) املرتبطة بشخص‬ ‫لوحده‪.‬‬ ‫يقول الشيخ عبد الرحامن الكواكبي (االستبداد أعظم بالء النه جدب‬ ‫مستمر بتعطيل األعامل‪ ،‬وحريق متواصل بالسلب والغصب‪ ،‬وسيل جارف‬ ‫للعمران وخوف يقطع القلوب وظالم يعمي األبصار)‬ ‫وان كان حديث الكواكبي عن االستبداد الديني والسيايس فهو يصح يف‬ ‫أي مجال ويف أي حزب أو مؤسسة ما نرفضه فتحويا ونسجل انتصارنا عليه‬ ‫من خالل عقلية املؤسسة والعمل الجامعي أو العمل بروح الفريق‪ ،‬ولذلك‬ ‫صيغت الهياكل التنظيمية ليستطيع من خاللها ووفق النظام الداخيل أن‬ ‫يعرب كل كادر أو فرد عن ذاته وفكرته ضمن فكر الحركة‪ ،‬وعن مقرتحاته‬ ‫‪69‬‬


‫ونشاطاته وأعامله كل يف إطاره وكل يف منظمته الحركية التنظيمية أو‬ ‫النقابية‪.‬‬ ‫إن عقلية املؤسسة يف الحكم ويف التنظيم ويف البيت ويف الدولة هي‬ ‫نقيض االستبداد أو الذي يقول عنه أيضا الشيخ الكواكبي انه (ما من‬ ‫مستبد سيايس إىل اآلن إال ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه‬ ‫مقام ذي عالقة مع الله‪.)...‬‬

‫حركة فتح والفكر التنظيمي‬

‫إن الفكر التنظيمي لحركة فتح ينعقد له اللواء بالتعانق ما بني فكرة‬ ‫التحرير والهياكل التنظيمية ومقومات األداء‪ ،‬حيث يتحقق الرابط الوثيق‬ ‫بني اإلميان بالفكرة واملسارب أو املسارات التي عربها يتم متثيل وتكريس‬ ‫يعب عنه بالهياكل التنظيمية من القاعدة إىل‬ ‫وتحقيق االنتامء وااللتزام ما رّ‬ ‫القمة التي متارس العمل أو القيام باملهمة أو األداء‪.‬‬ ‫إن مهمة الكادر وواجبه يحدده النظام الداخيل بوضوح لكل إطار‪ ،‬وبال‬ ‫عمل ال يوجد تنظيم إذ أن العمل هو مكمل خاميس التعريف للمنظمة‬ ‫أو التنظيم (الفكرة‪ ،‬أعضاء‪ ،‬هياكل‪ ،‬نظام‪ ،‬عمل مشرتك)‪ ،‬وكام أوضحنا أن‬ ‫فتح تنظيم العمل الدائم املرتبط بالفكرة والقضية والناس‪.‬‬ ‫إن آليات العمل ضمن الهيكل هي محقق الفكرة وقناة األداء وسبيل‬ ‫التواصل عرب االجتامعات والتقارير واملؤمترات‪.‬‬ ‫لذلك فإنه يصح أن نقول أن الفكر التنظيمي يستند للمفاهيم التالية‪:‬‬ ‫‪1.1‬اإلميان العميق بفلسطني جامع لنا‪ ،‬وبفكرة التحرير‪ ،‬ورضورة‬ ‫النضال بكافة األشكال ابتداء من الكفاح املسلح وحرب الشعب إىل‬ ‫إبداعات الفلسطينيني باالنتفاضات والكفاح أو املقاومة الشعبية‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫‪2 .2‬وكام ينص النظام الداخيل فإن االنتامء وااللتزام بالفكرة واألهداف‬ ‫واملنطلقات وتواصل العمل‪ ،‬والرسية فيام هو محظور ومرتبط‬ ‫بالوقت واملهمة والشخوص‪ ،‬إىل جانب علنية األفكار والسياسات‬ ‫والرؤى ثم النقد والنقد الذايت تشكل ركنا رئيسا يف الفكر التنظيمي‬ ‫للحركة‪.‬‬ ‫‪3.3‬الخطاب الحضاري املستمد من بيئتنا ومحيطنا وكياننا وامتدادنا‬ ‫العرويب اإلسالمي‪ ،‬فحركة فتح بكادر تنظيميها املسلم أو املسيحي‬ ‫املؤمن بالله وبقدرته عىل العطاء هو من صلب هذه الحضارة وهذه‬ ‫الثقافة مهام تعدد عنده الرأي ألن الرأي مكون شخيص إنساين قابل‬ ‫لألخذ والرد وللخطأ والصواب ما ينزع أي مفاهيم ظالمية بقداسة‬ ‫أو مطلقية الرأي الذي يجب أن ينضبط للفكرة واألطر‪.‬‬ ‫‪4 .4‬إن حركة فتح فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية بعطاء‬ ‫دائم وحضاري ومنفتح عىل كل تجارب الشعوب‪ ،‬وباحرتام شديد‬ ‫لكل اإلسهامات املسيحية واإلسالمية يف أتون هذه الحضارة‪ ،‬وكذلك‬ ‫بالنهل من الحضارات األخرى ضمن االنفتاح والوسطية واالعتدال‬ ‫الذي متثله حركة الشعب الفلسطيني‪.‬‬ ‫ إن اإلبداع يف صلب التنظيم يرفض ورقة النعي أو السوداوية أو‬ ‫البكاء واللطم‪ ،‬وإن كان اإلبداع يرحب بالنقد وفق أرضية اإلصالح‬ ‫والتطوير والتقدم‪ ،‬ويف ذلك دوما تكون البداية من عندي (عندك)‪،‬‬ ‫حيث ال يقبل الفكر التنظيمي الفتحوي مفهوم عالقة املالبس‬ ‫(الشامعة) سواء كانت متمثلة بالقيادة أو بالنظر أحادي الزاوية‬ ‫للسلبيات واإلخفاقات‪.‬‬ ‫ إن كل إخفاق أو سلبية يجب أن تنقد وتقابل بفعل إيجايب‪ ،‬وكل‬ ‫‪71‬‬


‫تراجع أو أزمة يجب أن تكون دافعا وحافزا للمراجعة واالستفادة‬ ‫لتشكيل دفعة لألمام وليس إىل حافة الهاوية‪.‬‬ ‫ إن اإلبداع سياق فعل متصل‪ ،‬وأفكار وخطط ال تنضب فإن تكون‬ ‫فتحاويا فأنت صاحب اإللهام لآلخرين‪ ،‬ومدرسة اإلقدام والشجاعة‪،‬‬ ‫ورمز االنجاز قبل أن تتصدى لآلخرين بشجاعة أيضا مشريا إىل‬ ‫سلبياتهم أو مساوئهم‪.‬‬ ‫‪5.5‬التواصل التنظيمي‪ :‬مل تعد الفكرة وحدها واإلميان بها والتعبئة‬ ‫باتجاهها هي عامل االستقطاب أو الحفاظ عىل العضو‪ ،‬ومل تعد‬ ‫النشاطات هي املحفز الوحيد لألداء حيث أن االتصاالت بأشكالها‬ ‫املختلفة يف السياق الرأيس واألفقي‪ ،‬والشفوي منها والكتايب‪ ،‬الفردي‬ ‫منها والجامعي والجامهريي كلها تشكل حقيقة التعاون والتنسيق‬ ‫والتساند‪.‬‬ ‫ إن دخول العامل يف عرص الفضاء والشابكة (االنرتنت) ولغة التواصل‬ ‫االجتامعي أصبح يوجب عىل كادر الحركة أن يقود هذه الوسائل مبا‬ ‫ترسمه الحركة من سياسات ورؤى وخطط‪ ،‬ولكن ذلك عىل أهميته‬ ‫ما ثبت بالثورات العربية الحديثة فانه ال غنى أبدا عن االجتامع‬ ‫التنظيمي واللقاءات التنظيمية املهرجانات الجامهريية واملؤمترات‪،‬‬ ‫يف آليات متابعة يومية ودورية تجعل من التواصل قنطرة توحيد‬ ‫األفكار ومكان التنفيس كام طلب البعض‪ ،‬ومساحة تصارع أو تقابل‬ ‫اآلراء واتخاذ القرارات أو التوصيات وتحقيق املحاسبة‪ ،‬وحيث يجب‬ ‫أن يكون عامل التوافق هو محركنا يف ذلك‪.‬‬ ‫ إن اإلدارة الحكيمة أو الرشيدة يف التنظيم تجعل من التواصل‬ ‫التنظيمي مدخال لتحقيق الخطط والربامج عرب تنظيم الجهود‬ ‫‪72‬‬


‫وتوجيهها وقيادتها واملحاسبة عليها‪.‬‬ ‫‪6.6‬االرتباط مع الناس‪ :‬إن فتح مل تقبل أن تكون حركة الطليعة أو النخبة‬ ‫املنفصلة‪ ،‬أو الصفوة املنقطعة عن الناس أبدا فمزجت بني طليعية‬ ‫كوادرها‪ ،‬وجامهريية تطلعاتها وعالقاتها مع الناس باملحبة واالعتامد‬ ‫والتعلم من الجامهري وتحسس شؤونها وحاجاتها ودوام االقرتاب‬ ‫والتواصل معها‪ ،‬فحركتنا كالسمكة التي تعيش بني الجامهري‪ ،‬متى‬ ‫ما انقطعت عن العوم يف هذا البحر تالشت وانتهت‪.‬‬ ‫ إن حركة فتح الجامهري محبة غامرة‪ ،‬وفعل خدمة ال تنضب‬ ‫ملصلحة الناس‪ ،‬مادة الثورة‪ ،‬ومعينها‪ ،‬فال يجوز يف الحركة أن نرتفع‬ ‫عن الجامهري وندعي العلم أو القداسة أو املعرفة أو النزاهة أو‬ ‫االستعالء كام هو شأن تنظيامت أخرى تضع بينها والجامهري حاجزا‬ ‫نفسيا أو دينيا بادعاء عصمتها أو فوقيتها ما هو يف حقيقته سقوط‬ ‫للفكرة والقائد التنظيمي معا‪.‬‬ ‫ إن الجامهري هي مقياس النجاح أو الفشل‪ ،‬ومهام كانت األفكار‬ ‫عظيمة فإنها تظل حبيسة العقل أو األدراج أو األوراق أو الشابكة‬ ‫(االنرتنت) إن مل تعتنقها الجامهري وتجعل منها كائنا حيا يرزق‪.‬‬ ‫‪7.7‬اإليجابية واملؤسسية‪ :‬إن حركة فتح مل تكن يوما من أولئك الذين‬ ‫يردحون أو يدعون املظلومية التاريخية أو البكائني عىل أمجاد عابرة‪،‬‬ ‫أو من مستدعيي التاريخ لينقذهم‪ ،‬ألن فكر العمل واالنجاز يعيش‬ ‫بالعقلية اإليجابية‪ ،‬والعقلية اإليجابية تظهر باملنعطفات الصعبة‪،‬‬ ‫يف املآيس ويف الضائقة واألزمات فتتغلب عليها بآليات حل األزمات‬ ‫وباالستفادة من التجارب وبدفع العربة إىل األمام‪.‬‬ ‫إن قاعدة البكاء واللطم والسلبية ليست من شيم الرجال أو النساء يف‬ ‫‪73‬‬


‫حركتنا‪ ،‬ألن مشعل االنتصار يسري يف فضاء عقلية اإلنجاز والتطور والتدفق‬ ‫الحر إىل األمام‪.‬‬ ‫إن االيجابية واإلبداع وااللتزام واالرتباط مع الناس والتواصل التنظيمي‬ ‫مع فكر التحررالوطني كلها من مقومات املؤسسة التي تشكل فيها اإلدارة‬ ‫الحكيمة فرضا الزما وليس سنة‪ ،‬ومن هنا فان القائد الحقيقي هو الذي‬ ‫يشيع املناخ االيجايب الحافز تحت إدارته أو قيادته‪ ،‬وهو القادر عىل دفع‬ ‫لآلخرين للتحرق شوقا لتنفيذ واجباته‪ ،‬وحيث أن البداية دوما من عندي‬ ‫(عندك) عند أي عضو أو كادر فإن املسؤولية تكرب بكرب املوقع حيث ال‬ ‫يجوز أن نلقي اللوم عىل األعضاء أو الكوادر يف ظل تقاعس أو خذالن أو‬ ‫ضعف القائد‪.‬‬ ‫إن عقلية املؤسسة وإيجابية التفكري واملناخ الحافز هام من أركان‬ ‫البعث التنظيمي‪ ،‬والنهضوية يف حركة فتح حيث ال يصح أبدا االستناد‬ ‫إىل حوائط غري ثابتة‪ ،‬وإمنا إىل الفريق الذي يسند بعضه بعضا من خالل‬ ‫توزيع األدوار واملهامت والواجبات‪.‬‬ ‫إن حركة فتح هي حركة املستقبل وهي ضامنة الثورة واملجتمع‬ ‫وهي حركة الجهود املجدولة باتجاه فلسطني وهي حركة تكريس األسس‬ ‫التنظيمية واإلدارية والسياسية يف سياق أركان معادلة التقدم الثالثة حيث‬ ‫العمل مرتكز وحيث العمل عمود الخيمة وسارية السفينة‪ ،‬وهو العمل‬ ‫املرتبط باإلميان بالله والفكرة والقدرة عىل تحقيق األهداف ثانيا‪ ،‬وليكون‬ ‫التناغم والتناسق العمود الثالث أو الركن الثالث لتنظيم مقدام‪ ،‬لن يهزم‪،‬‬ ‫قادر عىل التطوير واإلبداع والتغيري ما هو يف حقيقته قدرة عىل الحياة‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫حركة فتح ودور يتجاوز اجلغرافيا‬

‫(‪((1‬‬

‫تقف حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح اليوم أمام منعطف أو‬ ‫مفرتق طرق إجباري فإما تستطيع أن تتقدم وإما يكون مآلها الرتاجع يف‬ ‫مسار من التخبط والتضارب والتدهور‪.‬‬ ‫إن القادم مبتغرياته التي صعدت إىل السطح يف أواخر العام ‪2010‬‬ ‫قد برز منه مجموعة من التفاعالت التي ستقلب املعادالت وتعيد رسم‬ ‫املنطقة جغرافيا وسياسيا‪ ،‬وعليه فإن األدوار واملواقع لكل «مادة تغيري»‬ ‫سواء كانت دول أو منظامت أو أشخاص ستكون مرتبطة ومتساوقة مع‬ ‫مجمل املتغريات‪.‬‬ ‫أن املنطقة العربية التي تدخل يف العام ‪ 2012‬مرحلة (التشكل‬ ‫الجديد) لن تعدم عوامل الفوىض والقالقل واألزمات حيث أن كل جديد‬ ‫يحتاج لفرتة من الزمن ليستطيع أن يرسم مرحلته وشكل النظام املنبثق‬ ‫عنها‪ ،‬فكيف إذا كان هذا (التشكل) يتقاطع يف عملية رسمه أو اعادة‬ ‫رسمه عوامل دولية وإقليمية و(انبعاثات) داخلية جديدة‪.‬‬ ‫إن املنطقة العربية مرت بثالثة مراحل منذ القرن العرشين كان أولها‬ ‫الرصاع مع االستعامر يف ظل تنافس شديد بني التيارات الفكرية الكربى‬ ‫‪ -18‬من املقاالت املتعلقة بالحركة يف االنطالقة للعام ‪.2012‬‬

‫‪75‬‬


‫حينها عىل تحقيق االستقالل والحرية والعدالة االجتامعية والوحدة‬ ‫العربية‪ ،‬وإذ استطاعت الدول العربية أن تحقق استقاللها يف املرحلة‬ ‫األوىل‪ ،‬فإنها يف املرحلة الثانية انشغلت كليا يف بناء دولها لتدخل يف‬ ‫مرحلة الرصاع الداخيل بني مختلف التيارات التي ساهمت بشكل أو بآخر‬ ‫باالستقالل عرب ثورات أو مفاوضات أو اقتباسات غربية أو سلفية‪.‬‬ ‫لقد كانت الدعوات االيديولوجية وأحزابها عامة يف معظم الدول‬ ‫العربية ولسبب ارتباطها باالستقالل واعتقاد جامهرييتها وحرصية‬ ‫انبعاثاتها‪ ،‬مبعنى أن من يؤمن بها ميثل الشعب ومن ال يؤمن بها فهو‬ ‫اآلخر املرفوض تحت أي صيغة دينية أو قومية أو اشرتاكية‪.‬‬ ‫وهذا السياق االيديولوجي يف غالب الدول العربية جعل من األنظمة‬ ‫تتجه ملامرسات استبدادية أو أحادية أو قرسية ال دميقراطية أو لتلك‬ ‫األفعال التي تشوش الناس بصيحات الحرب أو الحفاظ عىل األمن أو‬ ‫االستقالل أو وحدة الوطن أو الدين يف مقابل استمرار عذابات الناس‬ ‫وظلمها‪.‬‬ ‫يف هذه املرحلة التي طالت حتى دخلنا القرن ‪ 21‬التفت الناس إىل‬ ‫أن الشعارات الكبرية كلها مل تحقق لهم شيئا مام قالته‪ -‬أو عىل األقل‬ ‫ذابت شعاراتها بالحرية والعدالة والكرامة والوحدة واالشرتاكية لتخص وال‬ ‫تعم‪ -‬يف ظل انفتاح عاملي واتصاالت فاقت التصور ونظرات فكرية وثقافية‬ ‫وجامهريية واسعة تعدت البحار واملحيطات‬ ‫إذ أصبحت يف املرحلة الثالثة من الزمن العريب رصخة الشارع املسامل‬ ‫هي صاحبة القرار يف التغيري ما بدأ مع معجزة الثورة التونسية عام ‪2011‬‬ ‫وما لحقها بالثورة املرصية وغريها‪.‬‬ ‫يف التمهيد لهذه املرحلة ومنذ الثامنينات تحديدا كان للفعل النضايل‬ ‫‪76‬‬


‫الكفاحي املتواصل الذي شقت طريقه حركة فتح والثورة الفلسطينية منذ‬ ‫العام ‪ 1965‬الدور األكرب يف اعادة بناء الوعي العريب وتعظيم احساسه‬ ‫بكرامته وانجذابه للتحررالذايت والدميقراطية‪ ،‬ورغبته يف ردع الظامل والنهد‬ ‫نحو العدالة ال سيام وما قامت به حركة فتح وباقي التنظيامت من‬ ‫استقبال آلالف املنضمني للصفوف من كافة أبناء الدول العربية الذين‬ ‫ترشبوا الثورة فعافوا الظلم يف بالدهم‪.‬‬ ‫وأيضا فقا ملا انعكس يف الجامهري العربية من تأثريات الصمود أسطوري‬ ‫ألبطال الفتح والثورة الفلسطينية يف مختلف املعارك ومنها يف معركة‬ ‫بريوت ‪ 1982‬ووفقا ملا تعلمته من حروب (م‪ .‬ت‪ .‬ف) التي فرضت عليها‬ ‫لتكريس استقاللية قرارها‪ ،‬ثم تعلام من تجربة االنتفاضات الفلسطينية‬ ‫الثالث كام قال الرئيس التونيس املنصف املرزوقي مؤخرا‪.‬‬ ‫يحق للثورة الفلسطينية أن تفخر بأنها كانت ومازالت مشعل النضال‬ ‫يف العامل العريب والعامل أجمع‪ ،‬كام فخر بها التوانسة واملرصيني مام قالوه‬ ‫مؤخرا‪ ،‬ويحق لها أن ترسم شارة النرص التي ظلت مالزمة للختيار وكوفيته‬ ‫حتى لقي ربه راضيا مرضيا باذن الله‬ ‫إن متغريات الوعي العريب والثقافة الشعبية يف املرحلة الثالثة الحالية‬ ‫اتخذت منحيني األول هو تركيز فكرة رفض االستبداد واألداء السلطوي‬ ‫من جهة حركت الجامهري للثورة‪ ،‬وطلبا للعدالة االجتامعية‪ ،‬واملنحى‬ ‫الثاين متثل بخلو الساحة للتنظيامت العريقة التي كان من املتوقع حلولها‬ ‫مكان األحزاب السلطوية التي ذابت‪ ،‬نظرا لتجربتها الطويلة يف املعارضة‬ ‫وصفوف الجامهري‪ ،‬وحيث مل تجد هذه الجامهري من تركن اليه اال من‬ ‫تعتقد امكانية أن تضعه أمام شعاراته تلك ذات الطابع الشعبي ‪-‬اإلسالمي‬ ‫فيحقق لها ما مل يتحقق يف العهود السابقة‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫عىل الرغم من أن الحراك الشعبي بدأ شبابيا وليرباليا دميقراطيا‬ ‫مستندا عىل عمق الشعور باألذى والظلم والرغبة يف التغيري يف ظل إرادة‬ ‫التحدي‪ ،‬فإن الحصاد مل يأيت يف مظ ّنة أحالم الشباب وإمنا تلقفته األحزاب‬ ‫اإليديولوجية العريقة وخاصة (اإلخوان املسلمني) لعدة أسباب منها‬ ‫امتالك القدرة التنظيمية التشابكية والتواصل مع الناس واستغالل حاجاتها‬ ‫من جهة‪ ،‬وتوفر املقدرات املالية للرصف عليها من جهة ثانية ونضيف‬ ‫ثالثا الخطاب اإلسالمي الديني الشعبوي الذي جيرّ قطعا ملصلحة الحزب‬ ‫وليس العكس‪ ،‬والذي استعل الدين الستقطاب الناس للحزب وأهدافه‬ ‫التي تصور يف وعي الناس عىل أنها متطابقة مع أهداف اإلسالم‪ ،‬فال يكون‬ ‫هناك أي فواصل بينها‪ ،‬مام أدى لربط نفيس تلقايئ يف املخيال الشعبي بني‬ ‫الدين والحزب وشخوصه ما ستنكره األيام القادمة فيعود كل ما هو برشي‬ ‫إىل طبيعته حتام‪.‬‬ ‫ال شك أن املنطقة العربية أو ما باتت تعرف دوليا (مبنطقة الرشق‬ ‫األوسط) تعاين من احتقانات كام تعاين من ضغوط وتعاين من رصاعات‬ ‫وأزمات‪ ،‬وما األحزاب الصاعدة حديثا واملتمثلة باإلخوان املسلمني وأحزاب‬ ‫أخرى يف سياق ما سبق إال ستواجه حتام بكل هذه املتغريات الداهمة‬ ‫وامامها الفرصة إلثبات نفسها للجامهري أو العكس حيث تنزل الشعارات‬ ‫لتسعى مع الناس‪ ،‬خاصة وخيار الدميقراطية والتعددية والرقابة الشعبية‬ ‫أصبح أكرث فعالية عند الناس التي باتت تأىب حياة القطيع وترفع عقريتها‬ ‫بالرصاخ متى قرصت لتحقق مطالبها وهي باألساس تأيت من السعي للقمة‬ ‫العيش والحرية والحياة الكرمية أوال ويف ذلك حياة أو مقتل أي حزب‪.‬‬ ‫إن كانت االنتخابات يف عدد من الدول العربية قد قدمت السلطة‬ ‫عىل طبق من ذهب للتنظيامت األيديولوجية فإن الناس لن ترحم ولن‬ ‫تدع مجاال ألي حزب أن يتفلت من التزاماته التي يجب أن تحقق مطالب‬ ‫‪78‬‬


‫وحاجات الناس أوال‪ ،‬ويف ظل الرصاعات واالحتقانات واألزمات التي تسود‬ ‫املنطقة والتي تسعى لها الدول الكربى وخاصة أمريكا عرب إعادة ترتيب‬ ‫املنطقة عىل أساس مذهبي طائفي من جهة وعرب إضعاف األزمة العربية‬ ‫وتهميش القضية الفلسطينية‪ ،‬فإن األحزاب الصاعدة ستواجه بالعواصف‬ ‫إن تساوقت مع (التفتيت) الطائفي املذهبي‪ ،‬أو مع معاول الهدم يف جسد‬ ‫األمة العربية بحيث يقتطع جزء من هنا وجزء من هناك‪ ،‬وهي تتفرج‪ ،‬أو‬ ‫حني تهمش يف برامجها (كام هو حاصل حتى اليوم) دعم وإبراز وتقوية‬ ‫القضية الفلسطينية دون انجازات أيديولوجية كام كان شأن األنظمة‬ ‫العربية السابقة‪ .‬كام ستواجه األحزاب الصاعدة أيضا بالرفض الشعبي إذا‬ ‫ما تعمقت األزمة االقتصادية يف أي من بلدان التغيري‪.‬‬ ‫إن الرصاعات اإلقليمية إىل جانب تلك العاملية قد تأخذ باألمة العربية‬ ‫إىل إبعاد ال يعلم اال الله مداها فثاليث السيطرة (إرسائيل‪ ،‬إيران‪ ،‬تركيا) ال‬ ‫تحكمه القيم أو املبادئ أو رفعة األمة العربية أو وحدة شعوبها أو تقوية‬ ‫اقتصادها أو تحريرها لفلسطني وإمنا تهمها وتحكمها املصالح وهو سمة‬ ‫السياسة ومفاعيلها‪.‬‬ ‫إن (إرسائيل) يف طل ما بات يعرف (الربيع العريب) يف حالة هيجان‬ ‫وانفالت ما يؤهلها الفتعال أزمات كبرية سواء عىل الصعيد الفلسطيني أو‬ ‫اإلقليمي‪ ،‬وما تغ ّول املستوطنني واملتدينني اليهود‪ ،‬وسد اآلذان يف حكومة‬ ‫نتنياهو وتهربها من استحقاقات السالم اال مظاهر أولية ألزمة أو أزمات‬ ‫تسعى هذه الحكومة الفتعالها عىل الصعيد الفلسطيني رغبة يف تعميق‬ ‫رشخ االنقالب واالنقسام الفلسطيني ورمبا منعها ألي انتخابات فلسطينية‬ ‫قد تؤدي لوحدة الجسد‪.‬‬ ‫ويف املقابل فإن الهاجس اإلرسائييل األكرب املتمثل بالقنبلة النووية‬ ‫اإليرانية قد يؤسس لرضبات استباقية عسكرية محدودة أو واسعة‪ ،‬أو عرب‬ ‫‪79‬‬


‫تعظيم العقوبات االقتصادية كام أشار عدد من الساسة اإلرسائيليني‪ ،‬عدا‬ ‫عن الدور الذي تلعبه القيادة اإلرسائيلية يف هدم مقدرات األمة العربية‬ ‫ومحاولة اخرتاقها سياسيا واقتصاديا بل وتهديدها أمنيا وعسكريا وكام‬ ‫يحصل يف السودان‪.‬‬ ‫إن لكل من إيران وتركيا مصالحها السياسة واالقتصادية التي ال ميكن‬ ‫أن تضحي بها من أجل عيون األمة‪ ،‬فكام حل اردوغان مع مائتني من رجال‬ ‫األعامل يف القاهرة وغريها يف سعي الكتساب أسواق جديدة وموطيء قدم‬ ‫ثابتة فإن نفس الهدف هو ما تسعى له مع الدول العربية األخرى حيث‬ ‫يطغى مسعى تحقيق النفوذ السيايس واالقتصادي عىل أحالم املتظاهرين‬ ‫املرصيني الذين خرجوا منبهرين الستقبال رئيس الوزراء الرتيك ظانني أنه‬ ‫جاءهم معتمرا عاممة الخالفة فخيب أردوغان فيهم الرجاء مؤكدا عىل‬ ‫مصالح الدولة الرتكية ودميقراطيتها وعلامنيتها‪.‬‬ ‫إن الدور اإليراين يف املنطقة يراد له أمريكيا أن يكون (ف ّزاعة) دول‬ ‫الخليج العريب‪ ،‬فكام ال ينكر أحد أن التيار الفاريس يف الحكم اإليراين يضع‬ ‫املذهب عىل جناح السياسة ويخرتق جسد األمة‪ ،‬فإن يف إيران تيارات‬ ‫متنورة ال ترى إال الرضر والخراب من التمدد اإليراين السيايس املذهبي‬ ‫القرسي يف الجوار‪ ،‬ومع ذلك ويف سياق تضخيم الخطر النووي اإليراين‬ ‫ومحاوالت الهيمنة االقليمية والتمذهب فإن عملية االستدراج الدويل التي‬ ‫تتقاطع معها القيادة اإليرانية الحالية قد تلقى باملنطقة يف غياهب املجهول‬ ‫وتجعل من العرب يتخذون إيران وليس (إرسائيل) العدو رقم واحد‪.‬‬ ‫يف خضم هذه املتغريات اإلقليمية يربز الحدث الفلسطيني متأخرا‪،‬‬ ‫إذ أن الجمود يلف الوضع فحيث تتقدم أولويات إعادة ترتيب املنطقة‬ ‫تتوقف اإلحداثيات عن استيعاب التخطيط يف القضية الفلسطينية‪ ،‬التي‬ ‫ألقت الواليات املتحدة األمريكية مرساها يف بحر اإلرسائيليني فعني عىل‬ ‫‪80‬‬


‫أمن (إرسائيل) وعني عىل النفط خاصة يف ظل االنتخابات األمريكية‪.‬‬ ‫إن جمود الوضع السيايس الفلسطيني ينذر ببدائل ما بني الحراك‬ ‫السيايس عىل صعيد ويف اتجاهات عدة‪ ،‬كام ينذر بتململ شعبي فلسطيني‬ ‫قد يجد له متسعا ليبدع آليات مقاومة جديدة تعرب عن تواصل إحباطه‬ ‫وأمله من ظلم العدوان واالحتالل املتواصل فينفجر كالربكان‪.‬‬ ‫إن الحراك السيايس الذي قاده الرئيس أبو مازن وحركة التحرير‬ ‫الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح والقيادة الفلسطينية أخذ باالعتبار متغريات‬ ‫املنطقة وإفشال اإلرسائيليني املستمر ألي تقدم سيايس وانحسار الدور‬ ‫األمرييك الفعال فانطلق عىل قواعد راسخة من‪:‬‬ ‫‪1 .1‬التمسك بالثوابت الفلسطينية املتمثلة بالدولة الفلسطينية ذات‬ ‫السيادة وعاصمتها القدس وعودة الالجئني‪.‬‬ ‫‪2 .2‬إن ال مفاوضات دون تجميد االستيطان واالعرتاف بالحدود‪.‬‬ ‫‪3 .3‬إن البيت العريب هو الحاضنة الحقيقية ألي حراك فلسطيني‪.‬‬ ‫‪4 .4‬االستمرار يف التحركات األممية (تقديم طلب عضوية دولة فلسطني‬ ‫يف مجلس األمن‪ ،‬وانتصار بالحصول عىل العضوية يف اليونسكو‪،‬‬ ‫والقرارات الجديدة املؤيدة لفلسطني يف الجمعية العامة‪.)...‬‬ ‫‪ 5 .5‬فتح قنوات العالقات مع األحزاب الجديدة عىل الحكم يف الدول‬ ‫العربية وحثها عىل متتني مواقفها من القضية الفلسطينية ودعمها‪،‬‬ ‫دون انحياز لطرف ضد آخر كام كان شأن األنظمة السابقة؟‪.‬‬ ‫‪6 .6‬ال بديل عن الوحدة الوطنية يف إطار منظمة التحرير الفلسطينية‬ ‫ذات الطابع الجبهوي االئتاليف التي يجب إعادة تفعيلها وفق‬ ‫إسرتاتيجية وخطة وبرامج جديدة‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫‪7 .7‬املصالحة وإنهاء االنقالب وما نتج عنه من دماء وأطر متناحرة‬ ‫وانقسام تظل أولوية وطنية ذات قيمة عالية يف فكر وتطبيق حركة‬ ‫فتح الوحدوي‪ ،‬إذ ال بد من إنهاء انفصال شطري الوطن وعىل قواعد‬ ‫قانونية ووفق ما تم االتفاق عليه‪.‬‬ ‫إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح مدعوة اليوم أكرث من أي‬ ‫وقت مىض لرسم خطة عمل مستمدة من إسرتاتيجيتها التي قررتها يف‬ ‫املؤمتر السادس للحركة تأخذ باالعتبار (االنقالب) الحاصل يف املنطقة من‬ ‫حيث األدوار والتوازنات ومن حيث األولويات الجديدة‪ ،‬ومدعوة لتكريس‬ ‫النهج الوطني النضايل املتمثل لوجه ورؤية حركة فتح املرتبطة بالدائرة‬ ‫الحضارية العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫إن حركتنا أمام مفرتق طرق سيايس وتنظيمي ومجتمعي وإعالمي‬ ‫ومن املمكن القول أن ذلك يف مختلف املجاالت فهي أمام تحديات وطنية‬ ‫داخلية تتمثل بالتايل‪:‬‬ ‫‪1 .1‬اإلعداد الجيد لالنتخابات الرئاسية والترشيعية يف ظل عدم رغبة‬ ‫الرئيس أبو مازن عىل االستمرار والتي ما زلنا نتمنى أن نستطيع‬ ‫تغيريها‪.‬‬ ‫‪2 .2‬إعادة تجديد الجسد الفتحوي من خالل انتخابات يف الوطن نظامية‬ ‫تستطيع أن تفرز قيادات فاعلة وقادرة عىل البناء‪.‬‬ ‫‪3 .3‬التصدي ملفاسد الحكومة الفلسطينية وما قامت به من إرضار‬ ‫بالجامهري عرب الرضائب وارتفاع األسعار‪ ،‬وما تقوم به ضد املوظفني‬ ‫من مثل قانون التقاعد املبكر املجحف إضافة للفساد الذي ما زال‬ ‫واقعا وإن يف دوائر محدودة يف الوزارات‪.‬‬ ‫‪4 .4‬حل مشكلة قطاع غزة املستعصية والتي فرضها اآلمر الواقع عرب‬ ‫‪82‬‬


‫االنقالب الذي أثقل الرضائب واالتاوات عىل كاهل املواطن‪ ،‬واستنزفه‬ ‫عرب اإلرهاب األمني وسيطرة الفكر الواحد وقمع الحريات‪.‬‬ ‫‪ 5 .5‬تعميق الفكر الفتحوي النضايل والوطني ذو العمق املرتبط‬ ‫حتام بالحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬ما هو شأن كل الفلسطينيني‪،‬‬ ‫فال يتكسب هذا الحزب أو ذاك عىل ظهر اإلسالم بادعاء امتالكه‬ ‫الحرصي له أو امتالكه ملفاتيح الجنة يف محاولة لجر املجتمع لتصادم‬ ‫ديني عىل حساب الفعل النضايل الذي هو كان وما زال أولوية الثورة‬ ‫والوطن‪.‬‬ ‫ان حركة فتح تعي جيدا حجم االنقالب الحاصل يف املنطقة كام تفهم‬ ‫املتغريات وواقع (التشكل الجديد) وحجم تأثرياته وانبعاثاته وزهو اللحظة‬ ‫التي قد تعمي األبصار عن الرؤية العميقة‪ ،‬فامزلنا يف مرحلة يجب أن‬ ‫نكرس فيها كل طاقتنا وقدراتنا إلنهاء االحتالل الصهيوين يف أولوية يجب‬ ‫أال يسبقها يشء آخر‪ ،‬كام يجب أال تضعفنا أو تردنا الشعارات الكبرية‬ ‫واملنفصلة عن الواقع التي قد ترفع كغطاء قد تؤدي لشق الشعب‬ ‫الفلسطيني عرب تصنيفه إىل «فسطاطني» أي مسلم وكافر أو وطني وخائن‬ ‫أو رشيف وغري رشيف سعيا وراء الكسب الحزيب الضيق وخدمة ألهداف‬ ‫االحتالل وتدمريا ملقدرات الشعب والوطن‪.‬‬ ‫ان حركة فتح بقيادتها وكل أعضائها يف كل مكان مدعوة هذا الوقت‬ ‫أكرث من أي وقت مىض للتآلف والتعاون والتفكري االيجايب والسعي املوحد‬ ‫والعمل الجاد لتكون كام قال الرسول صىل الله عليه وسلم كالجسد الواحد‬ ‫فتضيع الفرصة بذلك عىل أدعياء الفرقة واالنقسام‪ ،‬وتضع يف أولوياتها‬ ‫كأطر وأعضاء أهمية السعي الحثيث للعمل والعطاء وخدمة الجامهري يف‬ ‫مطالبها اليومية املحقة ويف توجيهها نحو غاية النضال الكربى غاية حركة‬ ‫فتح والثورة الفلسطينية فال تتوه البوصلة التي هي أبدا باتجاه فلسطني‬ ‫‪83‬‬


‫والقدس‪ ،‬وال تطغى الفئوية واالنتهازية والشخصانية عىل مستقبل هو‬ ‫حتام أفضل لفلسطني ولشعبنا وحركتنا العمالقة بشعبها وأعضائها وفكرها‬ ‫املستنري‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫الفكر الصاعد والتنظيم املنهك‪ ،‬ومياه التجدد‬ ‫(‪((1‬‬ ‫يف كالم ما بعد االنطالقة‬ ‫راقب السلطان اململويك املنهك بالفكرانية (االيديولوجية) والنزاعات‬ ‫الداخلية قنصوه الغوري بفزع جيشه ينهار من حوله‪.‬‬ ‫كان غبار املعركة كثيفا لدرجة جعلت الجيشني ال يكاد أحدهام يرى‬ ‫اآلخر‪ .‬لجأ «قنصوه» إىل مستشاريه الدينيني (كان ممثيل املذاهب األربعة‬ ‫والخليفة العبايس الصوري يحفّون به) وحثهم عىل الدعاء لتحقيق نرص مل‬ ‫يعد يؤمن أن جنده (املنتكس) يستطيعون تحقيقه‪.‬‬ ‫وحني أدرك أحد قادة املامليك أن املوقف ميئوس منه‪ ،‬أنزل راية‬ ‫السلطان وطواها وتوجه اليه قائال‪ :‬يا موالنا السلطان‪ ،‬إن عسكر ابن‬ ‫فأنج بنفسك واهرب‬ ‫عثامن «وهي الدولة الصاعدة حينها» قد أدركنا‪ُ ،‬‬ ‫إىل حلب‪.‬‬ ‫وحني أدرك السلطان املنهك صدق كلامت الضابط أصابته سكتة‬ ‫دماغية جعلته شبه مشلول‪ ،‬وعندما حاول أن ميتطي صهوة جواده سقط‬ ‫ميتا يف الحال‪.‬‬ ‫‪ -19‬يف إطار الكثري مام قيل يف جلسات املجلس الثوري لحركة فتح‪ ،‬وعدد من الندوات‬ ‫واملحارضات التي ألقيناها للعام ‪2013‬‬

‫‪85‬‬


‫تركت الحاشية املشغولة بالفرار جثة امللك ‪ -‬وكان ذلك يف معركة مرج‬ ‫دابق الشهرية مع السلطان الصاعد بدولته العثامين سليم االول عام ‪1516‬‬ ‫م– فلم يعرث لها عىل أثر قط‪ ،‬وكأن األرض انشقت وبلعتها‬

‫الدول املنهكة والصاعدة‬

‫وماذا يهمنا نحن بعد أكرث من ‪ 500‬عام تقريبا من هذه الواقعة أو‬ ‫الوقفة التاريخية؟ لقد وقف أحمد داوود أوغلو(‪ ((2‬وزير خارجية تركيا يف‬ ‫‪ 2012 /11 /29‬بشكل مغاير من وقفة الغوري‪ ،‬إىل جانب الرئيس أبو مازن‬ ‫يف قاعة األمم املتحدة يف نيويورك ليتلقى التهاين مبيالد دولة فلسطني ملقيا‬ ‫من عىل كتفيه اإلرث الفكراين (االيديولوجي) وصانعا دولة إقليمية عمالقة‬ ‫بسياستها العلامنية املعتدلة‪ ،‬وباقتصادها الرثي فرضب مثال‪ ،‬وأرسل رسائل‬ ‫للعامل أن دولة فلسطني الفتية والصاعدة تلتقي مع دولة تركيا الجديدة‬ ‫غري املنهكة‪ ،‬وترسم خطا فكريا وسياسيا واقتصاديا صاعدا لذلك وضع يده‬ ‫بيد حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح وأبو مازن‪ ،‬ليسقط الوقفة‬ ‫الثالثة أو الصورة الثالثة يف عرصنا الحديث حيث تحالفت اإلمرباطورية‬ ‫املنهكة اقتصاديا أمريكا مع الحزب املنهك أيديولوجيا (اإلخوان املسلمني)‬ ‫يف القاهرة لتعلن وزيرة الخارجية االمريكية ووزير الخارجية املرصي وقف‬ ‫اطالق النار بني حامس و(إرسائيل) أو بني االمربيالية العاملية واإلسالمويني‬ ‫فيتوقف الصعود ويبدأ االنهاك‪.‬‬ ‫إن االنهاك السيايس أو الفكراين (=االيديولوجي) أو التنظيمي قد‬ ‫يصيب أشجع الرجال (أو النساء) أو التنظيامت أو الجيوش ويصيب الدول‬ ‫وله أسباب عدة‪ ،‬ولكن الصمود يف محطات األزمات‪ ،‬والصعود يف مواضع‬ ‫األمل والقفز عن الحواجز وتخطي املشكالت‪ ،‬وبث روح الفخر والحامسة‬ ‫‪ -20‬أصبح رئيسا للوزراء الحقا لفرتة معينة يف عهد رئاسة رجب طيب أردوغان‪ ،‬وهو من‬ ‫صناع السياسة الرتكية الحديثة‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫واالنجاز واألمل املقرون بالعمل الدائب يح ّول مثل هذا اإلنهاك إن توفرت‬ ‫اإلرادة إىل منصة انتقال إىل املستقبل‪ ،‬وان استسلم التنظيم‪ /‬الحزب أو‬ ‫صاحب الفكرة أو الدولة ملكونات سلبية الواقع فان العجز نصيبه‪ ،‬ومن‬ ‫إنهاك إىل انهيار إىل موات‪.‬‬

‫رساج التجدد والفكرانية (= االيديولوجية)‬

‫دوما ما تكون انطالقة الثورة الفلسطينية مناسبة عظيمة للمراجعة‪،‬‬ ‫خاصة ومليونية فتح يف غزة قد أزعجت األع��داء والحاقدين معا إىل‬ ‫الدرجة التي أطاحت فيها بالتوازن للكثريين‪ ،‬وما تتضمنه هذه املراجعة‬ ‫من استعراض وإشارات تشتمل عىل مواضع التقدم أو االضاءات‪ ،‬وعىل‬ ‫مواضيع الخلل أو الزلل أو بقع الضوء‪.‬‬ ‫لقد شكلت انطالقة الثورة الفلسطينية إضاءة بحجم نجم يف سامء‬ ‫معتمة باليأس ومل ّبدة بالقهر واالنتكاس والهزائم حيث كانت األمة‬ ‫العربية قد نفضت عن كتفيها للت ّو عرصين من عصور الظلامت كانت‬ ‫فيها القناديل تنطفئ وال تجد فتيال لالستعامل‪ ،‬أو تفتقد فيها الزيت‪.‬‬ ‫عندما أطل العام ‪ 1948‬عىل األمة العربية كانت شعوب األمة تحبو‬ ‫نحو الدولة الحديثة بعد أن تخلصت من إرث الدولة الرتكية الظامل‬ ‫والفاسد واالستبدادي لتقع بني براثن االستعامر الجائر واالحتاليل والذي‬ ‫يسعى الستغالل ثروات األمة وشعوبها عرب االقتسام للنفوذ واالحتالل بني‬ ‫فرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا‪.‬‬ ‫فلم تكن األمة حينها قد رسمت مالمح الفكرة أو الطريق أو املسار‬ ‫املح ّدد ال سيام وأن دولها املتحررة من االستعامر حديثا كانت قليلة‪،‬‬ ‫فكانت دول املغرب العريب والخليج العريب محتلة ودول املرشق العريب‬ ‫وباألخص سوريا ومرص تعاين وتناضل للتحرر من ذيول االستعامر وتخوض‬ ‫‪87‬‬


‫رصاعات ذات بعاد ثالثة‪ :‬أولها رصاع تحرري من االحتالالت االستعامرية‪.‬‬ ‫وثانيها رصاع مع التاريخ يف محاولة للتخلص من إرث الجمود العقالين‬ ‫وانطفاء رساج التجدد الذي كان للحكم الرتيك الفضل يف ذلك خاصة يف‬ ‫مرحلته األخرية واإلمرباطورية العجوز تحترض‪.‬‬ ‫وثالثها‪ :‬رصاع داخيل بني تيارات األمة التي ظهرت تتصارع عىل‬ ‫املستقبل ما بني الجامعة العربية أو الجامعة اإلسالمية‪ ،‬ثم مل ّا أصبحت‬ ‫األحزاب واقعا قامئا ظهرت التيارات الفكرانية (االيديولوجية) التي توزعت‬ ‫عليها جامهري األمة العربية‪.‬‬

‫نكبة العرب يف نكبة ‪1948‬‬

‫ظل الحنني للرعاية «العل ّية‪-‬من العلو» العثامنية عند فئة من العرب‬ ‫واملسلمني الذين مل يروا يف االمرباطورية العثامنية ذات اإلرث املثقل‬ ‫بالفساد واالستبداد والقمع إال فضيلة «الخالفة» عن كل املسلمني املشبعة‬ ‫بأوهام العدل املنسوجة من خيط الخلفاء األربعة ريض الله عنهم أجمعني‪،‬‬ ‫وسعت تيارات أخرى لبناء «خالفة» جديدة عربية الشكل أو إسالمية (منذ‬ ‫بداية القرن العرشين تحديدا) مل يكتب لها نجاح حيث كان منهج الج ّراح‬ ‫االستعامري قد جعل من األمة الصاعدة من انهاكني فُتاتا وأقساما‪ ،‬فلم‬ ‫يعد ممكنا معها جمع املجزأ أو املقسم بسهولة فكان ال بد من بروز أفكار‬ ‫ملهمة ونهضوية سياسية وعملية واجتامعية وثقافية ارتبطت مبشاريع‬ ‫كان من نتيجتها يف عاملنا اليوم ظهور «الدولة الوطنية»‪.‬‬ ‫كان العام ‪ 1948‬ليس عاما لنكبة الفلسطيني فقط‪ ،‬وإمنا نكبة للعرب‬ ‫ألنه وضعهم أمام أنفسهم وحقيقة أحالمهم وقدراتهم‪ ،‬يتأملون وينظرون‬ ‫ويفكّرون يف (األولويات) و(األفكار)‪ ،‬ورمبا فكروا يف (املصالح) بعد أن‬ ‫أدركوا أن القيم واملباديء واألخالق ال تحكم عامل السياسة‪ ،‬رغم أن األفكار‬ ‫‪88‬‬


‫الكربى تضع لها أهدافا فوق محلية‪ ،‬قومية أو عاملية‪.‬‬ ‫فانخرطت األم��ة تخوض رصاعاتها الثالثة (ال�صراع التحرري من‬ ‫االستعامر‪ ،‬والرصاع التحرري من األفكار الجامدة املثبطة‪ ،‬ورصاع عىل‬ ‫شكل بناء املستقبل)‪ ،‬ورمبا تأخروا باالكتشاف زمنا أطول أنهم يخرسون‬ ‫وحدتهم الجغرافية واالقتصادية والسياسية واألمنية والثقافية‪.‬‬

‫سنابك الخيل واالنعطافة‬

‫لقد خرس العرب بخسارة فلسطني القلب النابض‪ ،‬والجرس الجامع‬ ‫بني الجناحني‪ ،‬ونقطة االنعطاف من مايض داسته سنابك خيل سالطني‬ ‫العثامنيني‪ ،‬ثم دبابات االستعامر إىل مستقبل قادر أن ينفض عن ذاته‬ ‫الرتاب‪ ،‬ورغم أن سياسة الترتيك العثامنية قد ألهبت املشاعر القومية‬ ‫العربية وكوامن الرفض للطغيان واالستبداد والتخلف النسبي إال ان‬ ‫دعوات تحرر العرب وبناء مملكتهم مل تلقى قبوال استعامريا مع انهيار‬ ‫االمرباطورية العثامنية عام ‪ 1918‬إذ قام العامل الجديد حينها عىل القواعد‬ ‫األوروبية ال عىل قواعد الرئيس االمرييك (وودرو ويلسون) الذي طرح‬ ‫رضورة وحق االوطان بتقرير مصريها وفق نقاطه ال‪ 14‬الشهرية‪.‬‬ ‫أدى االستعامر الغريب إىل صدام بني الدول العربية الناشئة (العراق‪/‬‬ ‫سوريا‪ /‬مرص) والفكرانيات (=االيديولوجيات) الناشئة ذات العمق القومي‪.‬‬ ‫وملا مل تستطع االستجابة للتحديات (القومية) ويف ظل ضعف تلك التي‬ ‫ارتبطت مبفهوم الجامعة اإلسالمية‪ ،‬وعىل رأسها االخوان املسلمني منذ‬ ‫العام ‪ 1928‬فلقد شكلت الدول الوطنية النموذج الذي خيب آمال العرب‬ ‫حينها أولئك الذين كانوا يسعون ململكة أو دولة أو وحدة عربية من‬ ‫املحيط إىل الخليج‪.‬‬ ‫كان العام ‪ 1948‬بابا آخر هبت من خالله رياح قوية اطفأت قنديال‬ ‫‪89‬‬


‫من قناديل (ظاهر العمر الزيداين – ملك الجليل) إذ سقطت فلسطني بيد‬ ‫الحركة الصهيونية وأصبح العرب ما بني مرشوع تحرير جديد ومرشوع‬ ‫الوحدة العربية والقومية وأولويات أي منها يف سياق االستقالالت لهذه‬ ‫الدول (من االربعينيات إىل السبعينيات من القرن العرشين)‪.‬‬

‫نور الفكرانيات والكريس‬

‫تنازعت األحزاب الالمعة النجم حينها (القوميني والشيوعيني والبعثيني)‬ ‫جامهري األمة وطرحت كام طرح االخوان املسلمني املنطفئني أفكارا شمولية‬ ‫جامعة‪ ،‬وأفكارا َ وحدوية تسلّطية وأفكار هيمنة اقتصادية‪ .‬وأصبح الرصاع‬ ‫بني الفكرانيات (االيديولوجيات) الثالثة (القومية الشوفينية) والشيوعية‬ ‫واالخوانية رصاع حياة أو موت‪ ،‬رصاع وجود واقصاء‪ ،‬فكل ال يرى النور أو‬ ‫الجنة أو التقدمية أو املستقبل وإال وهو الوحيد املمسك بالشمعة املضيئة‬ ‫والجالس عىل كريس الحكم واملسيطر عىل رقاب الناس‪.‬‬ ‫وها نحن بعد ‪ 60‬عاما سقطت فيه الشيوعية وتهاوت فيها القومية‬ ‫الشوفينية‪ ،‬وكانت أثناءها الفكرة االخوانية تعاين املوت الرسيري‪ ،‬ها نحن‬ ‫نعود لنخوض رصاع أولوية بناء الدولة والوطن أم تكريس املفهوم الواحد‬ ‫والفكرة الواحدة والرأي الواحد وما يتل ّبسها من عمليات اقصاء وطرد‬ ‫لآلخر‪.‬‬ ‫رغم التغيري الهائل الذي حصل يف العامل الذي انتقل يف مفهومه‬ ‫للدميقراطية من املركزية الدميقراطية (املرتبطة باالشرتاكية العلمية) إىل‬ ‫(الدميقراطية) التي تحرتم ليس رأي االغلبية فقط وإمنا حاجات األقلية‬ ‫أيضا‪ ،‬وانتقل مبفهومه (للوحدة) من املفهوم القرسي الجربي االستبدادي‬ ‫إىل املفهوم التشاريك (الوحدة االوروبية)‪ ،‬وانتقل من املفهوم الفكراين‬ ‫(= االيديولوجي) الذي يقدس الحزب والشخص والنظام الداخيل وأفكار‬ ‫‪90‬‬


‫الحزب املقدسة التي ال يأتيها الباطل من بني يديها أو خلفها إىل الفكر‬ ‫التحريري (=الليربايل) والفكر الواقعي (=الرباغاميت) والفكر املدين الذي‬ ‫يقر بالتعددية ويتفهم االجتهادات يف سياق إعالء شأن الشعب واهتامماته‬ ‫والجامهري ومقتضيات العرص‪ ،‬اال أننا وبعد «الربيع العريب» نعود إىل‬ ‫املربع األول‪.‬‬

‫إطاللة واستفادة وأثوابنا‬

‫كانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح إطاللة عن كثب‬ ‫عىل املتغريات‪ ،‬فلم نتقطع عن سياق الحضارة العربية اإلسالمية (عربية‬ ‫اللسان وإسالمية الحضارة املسلمة واملسيحية‪ ،‬وثقافة االنفتاح والتجدد)‪،‬‬ ‫واستفادت من إرثها الثقايف كام استفادت من األهداف والهياكل وأساليب‬ ‫العمل التي استقتها من تجارب الشعوب الثورية يف كل من كوبا وكوريا‬ ‫وروسيا والصني دون أن تتبنى فكرها الشيوعي وإن ضمنت يف جنباتها من‬ ‫اليساريني أولئك املستقلني واملبدعني‪ ،‬كام استفادت من األفكار املنفتحة‬ ‫والتعددية من الدول الغربية دون أن تتبنى ايقاع الحياة الرأساملية التي‬ ‫تفتقد االتصال مع الجامهري الكادحة وفئات الشعب الفقرية‪.‬‬ ‫استفادت حركة فتح من الثورة املرصية عام ‪ 1952‬والثورة الجزائرية‬ ‫عام ‪ 1956‬والثورات العربية األخرى يف عرص انتهاء االستعامر (تونس‬ ‫كمثال آخر) فصنعت نسيجا فكريا متامسكا ربط ما بني الثورية بصيغة‬ ‫عملية‪ ،‬حيث صحة الفكرة النضالية وتعددية الوسيلة‪.‬‬ ‫لقد جعلت حركة فتح من التوحد نحو الهدف االكرب (تحرير فلسطني)‬ ‫هو الضابط إليقاع األفكار املتنوعة‪ ،‬وجعلت من (األولوية) و(البوصلة) ال‬ ‫تشري إال لفلسطني ال ملوسكو وال لواشنطن‪ ،‬وال ايل فكرانية (=أيديولوجية)‬ ‫ما‪ ،‬ومنها كان (الرتكيز) و(التكرس) للفكرة الجامعة وهي فكرة تحرير‬ ‫‪91‬‬


‫فلسطني أن أصبحت بعيدا عن كل (الثانويات) إطارا جامعا حتى ألصحاب‬ ‫الفكرانيات (= االيديولوجيات) املتصارعة‪.‬‬ ‫لقد قبل أصحاب الفكرانيات (االيديولوجيات) وان بعد زمن طويل‪،‬‬ ‫قبلوا أن يلبسوا ثوب حركة فتح وهو ثوب (الوطنية والثورية واالستقاللية‬ ‫والكيانية الجامعة والوحدة والتشاركية والوسطية) ما هو يف حقيقته فكر‬ ‫حركة فتح الجامع الذي استطاع أن يصهر كثري من التناقضات الثانوية يف‬ ‫الهدف األكرب‪ ،‬والذي استطاع والبوصلة ذات اتجاه محدد أن يجعل من‬ ‫مكونات الشعب الفلسطيني كله تسري وراءها نشطة ومحبة وواثقة غري‬ ‫جافلة أوخائفة أو متوترة‪.‬‬

‫الخوف والجفلة الفلسطينية‬

‫إن الخوف والجفلة والتوتر‪ ،‬والقبول املغلف بالرفض الداخيل عند‬ ‫الشعب الفلسطيني (والشعوب العربية) كان يأيت من محاوالت إلباس‬ ‫هذا الشعب (أو االمة) أفكارا أو مسلكيات ال تتفق مع حضارته العربية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬إذ كانت تأيت من املساومات الفكرية ملستوردي األفكار من‬ ‫يقدسون الفكر اإلنساين‬ ‫خارج نطاق حضارتنا‪ ،‬وأيضا مل ّدعي الدين الذين ّ‬ ‫عىل إ ّدعاء أنه من الخالق ماداموا هم ممثليه حرصيا‪ ،‬ومتناسني سامحة‬ ‫وقدرة الدين اإلسالمي الحنيف عىل التجدد يف مصالح الناس ما أفرز يف‬ ‫الفكر الديني مدارس ومجتهدين وآراء‪ ،‬مل تفرز أحزابا أو فرق أو طوائف‬ ‫يف التاريخ العريب اإلسالمي إال كان مآلها االنهيار (‪ 800‬فرقة عرب التاريخ‬ ‫اإلسالمي انتهت)‪ ،‬أو التقوقع واالنفضاض عنها من عامة الجامهري‪ ،‬أوتحولها‬ ‫لطوائف أو فرق (أو أحزاب حديثا) خاصة مبعتنقي فكر و(عقيدة) هذه‬ ‫األحزاب‪.‬‬ ‫(ملاذا خرجت غزة عن بكرة أبيها يف ‪ 2013 /1 /4‬لتحتفل بانطالقة‬ ‫‪92‬‬


‫الثورة الفلسطينية ‪48‬؟ أمل يكن يف ذلك سيل من الرسائل ضد االستبداد‬ ‫وضد الخوف وضد الكبت وضد مدعي القداسة ووو‪)...‬‬ ‫إن الخوف والجفلة والتوتر كانت تأيت من تبادل أنظمة االستبداد‬ ‫حكمها علينا فمن سيف الرضائب الباهظة املسلطة عىل رقاب الفلسطينيني‬ ‫والعرب يف ظل جور العثامنيني الذي تصدى له ملك الجليل الثائر واملناضل‬ ‫الفلسطيني ظاهر العمر الزيداين يف القرن ‪ 18‬إىل انتفاضات وه ّبات التحرير‬ ‫الوطني من االستعامر االنجليزي الذي رضب بالدنا والعباد قتال وارهابا‪،‬‬ ‫وصوال للخوف من أفكار خائبة متخلفة تضع مصالح الناس وحاجاتهم‬ ‫وسعادتهم يف سلة الزبالة‪ ،‬أو يف الصفحة الخلفية من قامئة األولويات‪.‬‬ ‫(اجتاحت القوات العثامنية مدينة يافا يف مايو ‪ 1775‬وأعملت‬ ‫السيف يف أهلها‪ ،‬واجتاح الذعر املدن األخرى‪ )...‬ومل يكن ذلك غريبا يف‬ ‫عرف السالطني املستبدين عامة إذ (اجتاح الجيش العثامين الظافر مدينة‬ ‫القاهرة – بعد هزميته للمامليك – عام ‪ 1517‬وظل يعمل فيها السلب‬ ‫ثالثة أيام‪ ،‬ترك السكان تحت رحمة الجيش الغازي وهم ال حول لهم وال‬ ‫قوة‪ ..‬كام بقول املؤرخ املسلم ابن إياس)‪.‬‬ ‫ومام ال جدال فيه ما قامت به قوات االستعامر الفرنيس واالنجليزي‬ ‫(وااليطايل واالسباين) من مذابح يف فلسطني والدول العربية ما تحفل فيه‬ ‫كتب التاريخ‪.‬‬ ‫انتفض العرب واملسلمني عىل الظلم واالستبداد حتى ذاك املتربنس‬ ‫ِبدثار الدين‪ ،‬والدين من االستبداد براء‪ ،‬ثم ضد االستعامر‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫ما دعى الشيخ عبد الرحامن الكواكبي ليكتب كتابه الثمني يف (طبائع‬ ‫االستبداد ومصارع االستعباد) لتلحق به الدولة العثامنية يف مرص وتقيض‬ ‫عليه‪ ،‬وليشكل الشيخ رفاعة الطهطاوي قبله حالة نهوض عارمة لحقها‬ ‫‪93‬‬


‫رفض أحمد عرايب يف مرص ملنطق االستبداد الرشكيس وتحكم القناصل‬ ‫األجانب يف مرص‪.‬‬ ‫فال اختالف حول رفض االستبداد واالستعباد من أي سلطة أو نظام أو‬ ‫شخص جاء‪ ،‬لذلك كان مفهوم التحرر الوطني من االستعامر واالحتالل‪،‬‬ ‫ثم الثورات العربية الحالية بعد العام ‪ 2011‬يف أحد أهم تجلياتها طلب‬ ‫الكرامة والعدالة والعيش املشرتك ورفض االستبداد‪.‬‬

‫(الله يرحم أبوك السبع!) والفلسطيني‬

‫قص علينا الرئيس أبو مازن يف ‪ 2012 /12 /28‬يف دورة املجلس‬ ‫الثوري العارشة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح قصة املثل العريب‬ ‫الفلسطيني (الله يرحم أبوك السبع) حيث أنه كان أيام العثامنيني تأيت‬ ‫فوات (الجندرمة) لتأخذ املكوس أو الرضائب الباهظة من الفالحني‪ ،‬ومن‬ ‫ال يدفع يرضب رضبا مربحا ويتم الغداء عىل حسابه حتى يدفع‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫يحدث ألحد الفالحني يف قصتنا كلام جاءت قوات األمن إىل بيته‪ ،‬إىل أن‬ ‫تويف وتعلق بعنق ولده دفع املبالغ‪ ،‬فكان ولده هذا قبل أن تصل قوات‬ ‫القمع يخرج لهم بكيس الفلوس وحينها قالت له أمه (الله يرحم أبوك‬ ‫السبع) كان ال يرىض يعطيهم املال إال بعد ان يشبعوه رضبا لخمس أو‬ ‫ست أو سبع مرات‪.‬‬ ‫يف هذه الحكاية الشعبية غضب كامن عىل الظلم واالستبداد ثم عىل‬ ‫االحتالل واالستعامر‪ ،‬ورفض فلسطيني وعريب عتيق لالستبداد عرب عنه‬ ‫الغ ّزيون بوضوح يف ‪ ،2013 /1 /4‬فأصبح الفلسطيني رمز النضال العاملي‬ ‫ألنه ذاق من خالل مو ّرثاته (= جيناته) معنى االضطهاد بأبعاده املتعددة‬ ‫يف االتجاهات املختلفة‪ ،‬ومن ذلك تشكلت شخصية املناضل امل ّر يف بعدها‬ ‫الورايث‪ ،‬واملناضل الحر يف بعدها االنساين واملناضل صاحب الرؤيا والهدف‬ ‫‪94‬‬


‫يف بعدها الفكري والعمليايت‪.‬‬ ‫يف اجتامعات املجلس الثوري للحركة بدورته العارشة دار حوار طويل‬ ‫وعميق حول ماذا حققنا أو أنجزنا وأين أخفقنا‪ ،‬وما املتوجب علينا‪ ،‬وللحق‬ ‫فلقد كانت دورة ثرية جاءت مع االنطالقة ‪ 48‬للثورة الفلسطينية أو‬ ‫قبيلها بيومني (‪ )2012 /12 /28-26‬ولحقت اإلنجاز الفلسطيني املشهود‬ ‫يف األمم املتحدة حيث والدة دولة فلسطني مع ما تقاطع من صمود‬ ‫متكرر للشعب الفلسطيني يف مقاومته لالحتالل يف الضفة الغربية ويف‬ ‫غزة‪ ،‬وأقرت دورة املجلس مجموعة من التوجهات لإلرساع بعقد املؤمترات‬ ‫الحركية يف املناطق واألقاليم تجهيزا لعقد املؤمتر السابع يف موعده يف‬ ‫صيف ‪.2014‬‬

‫كلمة الرس والشبيبة‬

‫لقد اشتملت تقارير ‪ 4‬لجان (مفوضية األقاليم الشاملية‪ ،‬وتقرير‬ ‫املجلس الثوري‪ ،‬وتقرير الرقابة الحركية‪ ،‬وتقرير وفد املجلس الثوري إىل‬ ‫غزة بعد العدوان) عىل كلمة رس واحدة‪ ،‬ولكنها هامة مدلولها الرغبة يف‬ ‫التجدد ورسم مالمح مرحلة حديثة يف ظل املتغريات السياسية الواسعة‬ ‫وامليدانية عىل الصعيد الوطني وعىل الصعيد العريب واإلقليمي والعاملي‪.‬‬ ‫قال املفكر االقتصادي واإلداري الكبري «بيرت دراكر»‪ :‬إن الشبيبة دوما‬ ‫عىل حق‪ ،‬ألن الزمن معها‪ ،‬لذا فمن املتوجب علينا أن نتغري‪.‬‬ ‫منذ ‪ 2010‬وانطالق الربيع العريب وما أنتجه من بروز قوى جديدة‪،‬‬ ‫وانطفاء قوى أخرى ومتدد القوى االقليمية عىل حساب األمة العربية‪،‬‬ ‫وفعل القوة العظمى الوحيدة‪ ،‬ومحاوالت تشتيت قوى األمة وإضعاف‬ ‫دولها‪ ،..‬واتجاه املجتمع اإلرسائييل نحو اليمني‪ ،‬ومتسكه برفض الدولة‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬وظهور أوروبا ال ِقلقة من املتغيرّ ات‪ ،‬واتجاهها أكرث ولو نسبيا‬ ‫‪95‬‬


‫نحو الحق الفلسطيني‪ ،‬وبدايات صعود قوى عاملية عىل رأسها الصني ورمبا‬ ‫الهند والربازيل‪ ...‬منذاك حتى اآلن واملنطقة بشعوبها ودولها وأحزابها‬ ‫تعيش مخاض التغيري فإما حسن االستجابة والفهم‪ ،‬والشبيبة دوما عىل‬ ‫حق وإما السقوط الذي ال يرحم‪..‬‬ ‫إن املتغريات الوطنية واإلقليمية والعاملية وانعكاساتها كانت كبرية‬ ‫الحجم بحيث عكست نفسها عىل األبعاد الوطنية ما يحتاج منا لبناء‬ ‫رساطية (=اسرتاتيجية) جديدة عرب عنها أعضاء املجلس الثوري كام عرب‬ ‫عنها مختلف الكوادر يف األقاليم (واالخوة واالخوات الذين استرشناهم‬ ‫عىل مواقع التواصل االجتامعي عند كتابة هذه الورقة) برضورة إعادة‬ ‫صياغة البناء والخطط واألهداف وآليات العمل والعنوان الكبري هو قدما‬ ‫نحو التجدد ونحو عقد املؤمتر السابع لحركة فتح‪.‬‬

‫عمى العينني أم عمى القلوب؟‬

‫بال شك أن العمى ليس عمى العينني ولكنه عمى القلوب التي يف‬ ‫الصدور‪ ،‬يقول الله تعاىل‪:‬‬ ‫ُوب يَ ْع ِقلُونَ ِب َها أَ ْو آ َذانٌ‬ ‫﴿أَ َفل َْم يَ ِسريُوا فيِ الأْ َ ْر ِض َف َتكُونَ لَ ُه ْم ُقل ٌ‬ ‫الصدُ ورِ﴾‬ ‫ُوب الَّ ِتي فيِ ُّ‬ ‫َي ْس َم ُعونَ ِب َها َفإِنَّ َها لاَ تَ ْع َمى الأْ َ ْب َصا ُر َولَ ِكن تَ ْع َمى الْ ُقل ُ‬ ‫(الحج‪ ،)46 :‬مبعنى أن اإلنسان قد يرى الكثري مام حوله بعينيه‪ ،‬ولكنه ال‬ ‫يدرك كُنه وحقيقة ما يرى‪ ،‬وال يعرف أنه إن مل يستخدم بصريته أو رؤيته‬ ‫أو قدرته عىل استكشاف املتغريات ما املتوجب عليه عمله‪ ،‬أو ما املتوجب‬ ‫عليه تج ّنبه‪.‬‬ ‫ويف املرحلة منذ العام ‪ 2010‬ومع املتغريات العربية الساحقة انطفأت‬ ‫قناديل دول‪ ،‬وأض��اءت قناديل دول اخرى‪ ،‬فسقطت دول االستبداد‬ ‫واإلهانة والظلم‪ ،‬وسعى الحاملون والثوار والدميقراطيون واملدنيون لبناء‬ ‫‪96‬‬


‫دول العيش املشرتك والكرامة والعدالة والحرية (يف مرص وتونس واليمن‬ ‫واملغرب وليبيا وسوريا)‪ ،‬وجهدوا بإخالص لتحقيق ذلك‪ ،‬وإن كان الثوار‬ ‫يثورون‪ ،‬واالنتهازيون يقطفون الثامر‪ ،‬فإن الرصاع يف هذه الدول يتفجر‬ ‫اآلن يف أبعاد ثالثة من الجدير النظر اليها ملا لها من تأثري عىل الحصان‬ ‫رسج ليختال بني الخيول‪ ،‬ويندفع إىل‬ ‫العريب الذي وحده من املمكن أن يُ َ‬ ‫القدس‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬دخلت دول الربيع العريب يف ذات املشكلة التي برزت بداية‬ ‫القرن العرشين وإن بلباس جديد سالحه اليوم اإلعالم الطاغي وميدان‬ ‫األفكار املتصارعة برشاسة وتجليات املجتزأ من التاريخ‪ ،‬مشكلة رصاع‬ ‫متجدد عىل السلطة والناس يف معركة القديم والجديد‪ ،‬الديني واملدين‪،‬‬ ‫والتدين والتمدن‪ ،‬والبدع والرشك‪ ،‬واألصالة والحداثة‪ ،‬والدعوي والسيايس‪،‬‬ ‫ومفهوم الرشعية‪ ،‬ودور رجال الدين يف الحكم‪ ،‬والتعامل مع املعاهدات‬ ‫واالتفاقات الدولية الخاصة بحقوق االنسان واملرأة‪.‬‬ ‫مل تكن هذه املواضيع جديدة عىل اإلمام محمد عبده أو عىل جامل‬ ‫الدين االفغاين أواخر القرن ‪ 19‬وأوائل القرن العرشين‪ ،‬وتصدى لحلها‬ ‫مفكرو العرب واملسلمني ومنهم ميشيل عفلق وحسن البنا وأكرم الحوراين‬ ‫ومالك بن نبي‪ ،‬وعبد الحميد بن باديس قبلهم وخري الدين التونيس يف‬ ‫أزمنة أخرى وعرشات املفكرين واملصلحني والثوار والسياسيني‪ ،‬إال انها‬ ‫تعود اليوم مع ضمور معسكر اليسار (الشيوعي واالشرتاكيني) والقوميني‬ ‫(البعث‪ ،‬القوميني‪ ،‬النارصيني‪ ،)...‬وصعود معسكرات جديدة هي معسكر‬ ‫اإلسالمويني (االخوان املسلمني والتنظيامت املنشقة عنهم‪ ،‬وتنظيامت‬ ‫السلفيني املتنافرة وحيث يشار لوجود أكرث من ‪ 300‬تنظيم سلفي عرب‬ ‫العامل اليوم كام يقول الكاتب الجزائري محمد بن بريكة) والحرياتيني‬ ‫(الليرباليني) أو املدنيني (ويطلق عليهم العلامنيني أحيانا)‪.‬‬ ‫‪97‬‬


‫إن الرصاع الجديد تختلط فيه الفكرة والقيم بالسلطة‪ ،‬فان كانت‬ ‫معركة َص ّد الظلم واالستبداد قد بدأت مشرتكة بني كافة املكونات السياسية‬ ‫واملجتمعية والفكرية بغض النظر عمن سبق اآلخر أو حجم مشاركته‪ ،‬اال‬ ‫أن السلطة والكريس والنفوذ فرقتهم‪ ،‬وشيئا فشيئا بدأت تظهر محاوالت‬ ‫االستئثار من جهة واإلقصاء من جهة اخرى‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬كانت القضية الفلسطينية أحدى العوامل التي شكلت تدريبا‬ ‫للثورة‪ /‬االنتفاضة ضد االنظمة االستبدادية القمعية‪ ،‬وكان تحدي‬ ‫الجامهري للسلطة يف االنتفاضات‪ ،‬ودعمها لغزة والضفة بصمود أهاليها‬ ‫وما خالط ذلك من تظاهرات عبارة عن رواسب صلبة استقرت يف الدماغ‬ ‫العريب‪ ،‬حيث استطاع هذا العقل الجمعي العريب عندما تهيأت البيئة‬ ‫وحان القطاف أن يستدعيها من مخزون ذاكرته‪ ،‬وينفض من عىل كتفيه‬ ‫الوجع والخوف والوجل وينطلق رافضا ثائرا ليسقط عروشا ظنت أنها‬ ‫مخلدة‪.‬‬ ‫إن القضية الفلسطينية بتأثرياتها الجامهريية العربية كانت عامل‬ ‫إلهام أوال (وكام قال الرئيس التونيس املنصف املرزوقي)‪ ،‬وكانت عامل‬ ‫تحفيز ثانيا‪ ،‬وعامل اقتداء ثالثا‪ ،‬كام كانت مشعل ضوء ووقود للمعركة‬ ‫ضد الظلم‪ ،‬وهي كانت بأهدافها وأساليبها ووسائلها قدوة خامسا‬ ‫للمتظاهرين الذين حطموا االغالل‪ ،‬ورسموا لبالدهم شمسا جديدة‪.‬‬ ‫عىل الرغم من تأثريات القضية الفلسطينية املرتاكمة منذ االنطالقة عام‬ ‫‪ 1965‬يف الجامهري العربية‪ ،‬وما كان لرتسبها يف الدماغ العريب من تشكيل‬ ‫كوامن الغضب ثم شحذ االرادة للتغيري فتحقيق النرص‪ ،‬اال أن املفارقة يف‬ ‫الحراك (الربيع العريب) أن العمق العريب أو القومي قد تراجع بوضوح‬ ‫(وان إىل حني) مقابل االنخراط الكيل يف الشأن الوطني‪.‬‬ ‫‪98‬‬


‫إن (الوطنية) كمفهوم أو كفكرة ملهمة للعطاء والثورة والنضال‬ ‫الجامهريي كانت فكرة ‪ -1‬تكريس‪ ،‬و‪ -2‬فكرة تركيز‪ ،‬و‪ -3‬مسار تخصص‬ ‫و‪ -4‬منطق أولوية‪ ،‬و‪ -5‬سياق فعل يجتهد الجميع لتحقيقه‪.‬‬ ‫كانت فكرة الوطنية أحدى ابداعات حركة فتح التي منذ انطالقتها‬ ‫رفضت الركود والسلبية كام رفضت الشعارات الكبرية املطاطة بال رجلني‬ ‫من مثل (أمة عربية واحدة) أو (يا عامل العامل اتحدوا) أو (دولة إسالمية‬ ‫أو الخالفة قادمة‪ )...‬قبل التحرير‪ ،‬بحيث أن مثل تلك الشعارات كانت‬ ‫تطرح كأولوية ذات أسبقية عىل مرشوع التحرير ما أثبت التاريخ فشلها‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬فأعادت حركة فتح الحصان أمام العربة بعد أن كان خلفها‪.‬‬ ‫إن (الوطنية) كفكرة لحركة فتح رفضت (ديكتاتورية الربوليتاريا)‬ ‫حرصيا‪ ،‬و(تحالف الشعوب الكادحة) أيضا يف سياق شعارات سقطت‪ ،‬بل‬ ‫أرصت عىل ابراز القضية الفلسطينية والنضال بكافة األشكال (القطرية)‬ ‫متل من تكرار أن القاطرة‬ ‫مع الحرص املتني عىل السياق (العرويب)‪ ،‬فلم ُّ‬ ‫الفلسطينية تسري ضمن القطار العريب‪ ،‬إمنا بإرادتها الحرة واالستقاللية‬ ‫التي خاضت الحركة فيها حروبا ضد أنظمة القمع العربية واالستبداد مثل‬ ‫النظام السوري اآليل للسقوط‪ ،‬والنظام الليبي الهزيل‪.‬‬ ‫إن فكرة (الوطنية) مبعنى االهتامم بالشأن الوطني الداخيل املحيل‬ ‫وبقدر ما هي فكرة صحيحة يف إطار خامسية التك ّرس وااللتزام والرتكيز‬ ‫واألولوية والتخصص يف النضال فإنها ضعيفة لو سارت لوحدها دون‬ ‫القطار الكبري (قطارنا العريب)‪.‬‬ ‫إن ما يحصل حاليا يف دول التغيري العريب هو الرتكيز املفرط عىل‬ ‫الشؤون الداخلية والوطنية مبا ذكرناها يف البند األول ما يعني ورمبا لفرتة‬ ‫قد تطول أن تصبح القضية الفلسطينية ليست يف متناول الجامهري العربية‬ ‫‪99‬‬


‫أو األنظمة العربية األخرى التي تعاين إما من رعب التغيري يف الجوار أو‬ ‫رعب الخطر اإليراين‪ ،‬وتلك املشغولة مبتغرياتها الداخلية فلم تستطيع حتى‬ ‫اآلن أن تكشف معادلة االستقرار تلك التي تربط بني الحفاظ عىل أمن‬ ‫الوطن واقتصاده وحرية أو مشاركة أفراده يف تقرير املصري‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬لقد ظهرت أجيال جديدة شابة «مامنعة» للجمود‪ ،‬رافضة‬ ‫ملفاهيم التسلط والقرس والجرب‪ ،‬تؤمن باالختيار والتعددية‪ ،‬وتستطيع أن‬ ‫تسري يف أي بستان لتقطف زهرة من أي نوع أو مكان شاءت‪.‬‬ ‫لقد شكّل العامل (املعلواتصايل) املفتوح تحديّا حقيقيا ليس ألنظمة‬ ‫االستبداد والتسلط والظلم والقمع فقط‪ ،‬وإمنا لألحزاب والتنظيامت‬ ‫الفكرانية (= األيديولوجية) يف دول الربيع العريب‪ ،‬ويف فلسطني‪.‬‬ ‫لقد سقطت مفاهيم عديدة‪ ،‬ونبتت مكانها مفاهيم كثرية جديدة فام‬ ‫كان (سمعا وطاعة يف املنشظ واملكره) كام يقول ق َ​َسم «االخوان املسلمني»‬ ‫أصبح و ْهام لدى الكثريين‪ ،‬وما تقوله التنظيامت القومية والوطنية من‬ ‫(التزام وانضباط كامل) أو (التزام حديدي) أصبح التزاما تنكيا أو رسابا‬ ‫كلام ضعفت نسبة املشاركة وااللتفات لحاجات الجامهري واألعضاء‪ ،‬كام‬ ‫تراجعت املركزية (صنو االستبداد ولكنه املق ّنن) لصالح الشوروية (=‬ ‫الدميقراطية) يف مختلف األحزاب‪ /‬التنظيامت‪ ،‬ومن ال يرى املتغريات فإنها‬ ‫ال تعمى العيون ولكن القلوب (العقول)‪.‬‬ ‫إن ثورة املعلواتصاالت عصفت بالعقل‪ ،‬باملستقر منه‪ ،‬بالثابت‪ ،‬فأصبح‬ ‫الثابت متحوال‪ ،‬واملتغري أكرث تغريا‪ ،‬فلم يكن باليد حيلة أن يخرج شخص‬ ‫عىل طاعة األمري أو الزعيم امللهم يف تنظيم ديني إسالموي أو مسيحاين‬ ‫أو بوذي‪ ،‬ألن أي شخص اآلن ميكنه ببساطة دون أن يشعر بذنب خرق‬ ‫القداسة أو االلهام للقائد املعلم أن يؤسس حزبا جديدا أو فكرة جديدة‬ ‫‪100‬‬


‫أو منتدى أو مجموعة تستقطب العرشات أو اآلالف ورمبا املاليني‪ ،‬ولنا‬ ‫بعرشات األحزاب اإلسالموية أو املدنية يف مرص وتونس وليبيا النموذج‪،‬‬ ‫كام لنا مبئات املجموعات واملنتديات عىل العامل االفرتايض وقفة للتأمل‪.‬‬ ‫إن فكر االنطالق والتجدد والقدرة عىل اإلبداع (وهو أس فكر حركة‬ ‫فتح)‪ ،‬أسقط فكرة التلقي السلبي التي عكسها قادة األحزاب والحركات‬ ‫الثورية واالجتامعية والدينية السابقني (ومثلهم من الحاليني) عىل‬ ‫(أتباعهم) ليظلوا مهيمنني عىل عقولهم وعىل عقول الناس (كان الحسن‬ ‫الصباح منوذج مقدس يف عملية غسيل الدماغ لألتباع يشابهه العديد من‬ ‫قادة األحزاب اليوم وان مل يكن الخنجر إىل جانبهم)‪ ،‬إنهم يط ّوحون بهم‬ ‫يف أي اتجاه شاءوا‪ ،‬وما عىل العجزة السلبيني إال ترقب تحقق األوهام التي‬ ‫يتشبعون بها بال طائل‪.‬‬

‫املحمديون‬

‫جاء األنبياء عامة ومنهم الرسول عيىس عليه السالم ثم النبي محمد‬ ‫صىل الله عليه وسلم بالدين اإلسالمي السمح من الله تعإىل ليس ليج ّمد‬ ‫العقول‪ ،‬وليس ليم ّجد األشخاص‪ ،‬وإمنا ليم ّجد الله وحده‪ ،‬ويطلق العقول‬ ‫تتفكر بحرية‪ ،‬وتبدع وتنشط وتعمل وتنجز‪ ،‬وهو جل وعال القائل‪:‬‬ ‫﴿ ُه َو الَّ ِذي َج َع َل لَك ُ​ُم الأْ َ ْر َض َذلُوالً فَا ْمشُ وا فيِ َم َنا ِك ِب َها َوكُلُوا ِم ْن ِر ْز ِق ِه‬ ‫َوإِلَ ْي ِه ال ُّنشُ و ُر ﴾ (امللك ‪ ،)15‬والقائل‪﴿ :‬كَ َذلِكَ ُي َب نِّ ُي اللَّهُ لَك ُ​ُم اآل َي ِ‬ ‫ات‬ ‫لَ َعلَّك ُْم تَ َت َفكَّ ُرونَ ﴾ (البقرة‪.)219 :‬‬ ‫ركب الشباب العريب يف دول الربيع العريب دابة (الرباق) التي ركبها‬ ‫نبينا الكريم‪ ،‬وانطلقوا بفكرهم وروحهم وأدائهم نحو الغيوم‪ ،‬فلم يعودوا‬ ‫يركنون ألكاذيب الغرف املغلقة‪ ،‬ومظاهر التوقري للمحنطني من أدعياء‬ ‫الحقيقة املطلقة‪ ،‬بل اختاروا أن يكونوا عيسويني ومحمديّني بسلوكهم‬ ‫وتفكريهم وعطائهم وأدائهم‪ ،‬فام أن تنفض الصالة حتى يسعون يف‬ ‫‪101‬‬


‫مناكبها‪ ،‬والله يظلّلهم‪ ،‬لقد اختاروا الحرية والكرامة واملحبة واالنسانية‪.‬‬ ‫إن ثورة الفكر املتحرر من أرس القوالب الجامدة والرتاكيب الثابتة‪،‬‬ ‫واملعاين التي ال تتغري‪ ،‬والسياقات السجعية قد انترصت‪ ،‬وهي لن تقبل‬ ‫ر ّدة‪ ،‬فمسيلمة الكذاب وسجاح التميمية واألسود العنيس لن يتكرروا أبدا‬ ‫فيفتنون األمة‪.‬‬ ‫لقد أصبح بإمكان أي كان أن يتمثّل حكمة أكثم بن صيفي أو شجاعة‬ ‫خالد بن الوليد أو عدل عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز‪ ،‬أو‬ ‫أن يستفيد من انفتاح عىل رشيعتي أو مبادرات يارس عرفات أو العالمة‬ ‫محمد حسني فضل الله أو الشيخ محمد الغزايل أو مالك بن نبي‪ ،‬أو أي‬ ‫من (تجمع) املفكرين والساسة والعلامء واملثقفني‪ ،‬فيقتطف أو يقتطفون‬ ‫من كل يف مجاله‪ ،‬مع الحفاظ عىل صفاء العقيدة والوحدانية لرب العزة‪.‬‬ ‫باختصار فإن العوامل الرئيسية الثالثة وهي‪ :‬انخراط دول التغيري أو‬ ‫الحراك العريب بعملية رصاع وتنازع الرؤى واألفكار واملفاهيم‪ ،‬وإغراقها‬ ‫يف الشأن الوطني املحليّ ‪ ،‬وتحرر الجامهري وخاصة الشباب من أرس‬ ‫القوالب الجامدة وانعكاسات ثورة االتصاالت‪ ،‬كلها عوامل تعكس نفسها‬ ‫عىل وجوب التفكري من باب جديد أو من منصة انطالق تخرجنا عربيا‬ ‫وفلسطينيا من جمودنا السيايس والفكري وأيضا ذاك التنظيمي‪.‬‬ ‫لقد انتهى عهد التنظيامت الحديدية الواهمة‪ ،‬وبدأ عرص أحزاب‬ ‫وتنظيامت (املشاركة) الحقيقية فكلام اتسعت املساحات كلام زاد عدد‬ ‫الركاب‪ ،‬وكلام قلت املقاعد يف الحافلة اما تزاحم الركاب أو انفضوا عن‬ ‫الركوب‪.‬‬ ‫إن تنظيامت‪ /‬منظامت املساحات القادرة عىل استيعاب االبداعات‬ ‫واألفكار والخطط املتنوعة قد بزغ نجمها‪ ،‬وملن ال يرى ال تنفع معه ال‬ ‫‪102‬‬


‫النظارات وال املكربات‪ ،‬فالعامل يخلق من جديد‪ ،‬ونحن عىل أعتاب ثورة‬ ‫كونية فإما أن نتجدد وإما أن منسك بذيل األمم أو نندثر‪.‬‬

‫من مظاهر اإلنهاك التنظيمي‬

‫إن من مظاهر اإلنهاك والتقهقر يف أي تنظيم سيايس‪ ،‬ما نعاين منه يف‬ ‫التنظيامت الفلسطينية عامة ويف حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح‬ ‫له خمسة مظاهر أساسية باعتقادي‪ ،‬أجملها بالتايل‪:‬‬ ‫‪1 .1‬ضعف أو انعدام التواصل‪ :‬فهو تواصل ضعيف أحياناً ويف بعض‬ ‫املستويات إىل درجة االنعدام‪ ،‬بحيث أن القائد‪ /‬أمني الرس املعني‬ ‫يف موقعه مكتفي بذاته‪ ،‬ال يجد بنفسه حاجة للتواصل واملشاركة‬ ‫مع زمالئه فام بالك مبن هم ضمن مسؤوليته‪.‬‬ ‫ كام أن التواصل قد يأخذ شكالً موسميا أو مرتبطا بحدث (مهرجان‪/‬‬ ‫انتخابات‪ /‬حشد‪ )...‬مام يفقد القاعدة التنظيمية كام يفقد الجامهري‬ ‫ثقتها‪ ،‬وتنظر لهذه األطر‪ /‬املستويات نظرة انتهازية‪.‬‬ ‫ أضف إىل ذلك ضعف الوعي الدميقراطي الذي يؤدي لتعطيل الحياة‬ ‫الدميقراطية املتوجب استمرارها عرب االجتامع والتقرير والندوة‬ ‫واملؤمترات‪ ،‬والتي حني فقدانها وماهو حاصل فعالُ فإن تراكم الفشل‬ ‫يصبح موهبة أو مهنة‪.‬‬ ‫‪2 .2‬جمود العقليات‪ :‬وتربز يف شكلني رئيسيني األول التمسك أو النضال‬ ‫للتمسك مبسميات بال مضمون من جهة‪ ،‬وعدم تقبل التجدد أو‬ ‫التغيري يف الفكرة أو املوقع باعتباره نسف للواقع القائم املريح‪،‬‬ ‫وبالتايل هو طريق سالك للتخلص من أصحاب العقول املتكلسة أو‬ ‫الجامدة ما ترفضه مثل هذه العقول بإباء فتعطل وتدمر وتخ ّرب‪.‬‬ ‫إن التغيري عدو الجبناء وعدو الفاشلني وعدو جامدي التفكري ناقيص‬ ‫‪103‬‬


‫الفعل يقاومونه دفاعاً عن مركب الفشل فيهم‪ ،‬وحامية ملواقعهم‬ ‫التي قد تكون يف كثري من األحيان شكلية‪.‬‬ ‫ إن التجدد باالغتسال مبياه جديدة كل يوم هو سمة املبتكرين‬ ‫املبدعني والطموحني وااليجابيني الراغبني برقي ذواتهم ومحيطهم‪،‬‬ ‫ال يخشون وال يجبنون واليجفلون‪.‬‬ ‫‪3 .3‬انعدام الهياكل‪ /‬األطر‪ :‬إذا كان الرتابط التنظيمي يف أي مؤسسة‬ ‫وسيلة لنقل املعلومات يف الجسد من أسفل إىل أعىل‪ ،‬ونقل‬ ‫التوجيهات والقرارات والتعاميم من أعىل إىل أسفل‪ ،‬ووسيلة‬ ‫إلحداث التفاعل املطلوب‪ ،‬وتحديد صالحيات ومهامت عمل كل‬ ‫مرتبة فإننا نجد هذه الهياكل أو الرتاتبية مفقودة عامة‪ ،‬وإن وجدت‬ ‫يف بعض املفاصل فوهمية أو شكلية‪.‬‬ ‫ إن العطاء والعمل والتفاعل واملحاسبة والتواصل كلها يف الهيكل‬ ‫التنظيمي كالدماء التي ترسي يف الجسد والهيكل هو متاماً كالهيكل‬ ‫العظمي باإلنسان يربز الجسد ويعطيه متانته‪ ،‬فال جسد صحيح‬ ‫حي ال ترسي فيه الدماء‪.‬‬ ‫والعظام متكرسة‪ ،‬وال جسد ّ‬ ‫‪4 .4‬السوداوية‪ :‬لطاملا تحدثنا عن حالة السوداوية أو السلبية‪ ،‬أو النقد‬ ‫املفرط إىل حد جلد الذات أو التغني بأمجاد املايض أو أننا تنظيم‬ ‫األول ّيات يف حركة فتح‪ ،‬ولطاملا برز من بني الجموع يف امليدان وعىل‬ ‫مواقع التواصل االجتامعي من يلبس نظارة سوداء يأىب أن ينزعها‬ ‫عن عينيه‪.‬‬ ‫ إن ورقة النعي التي طاملا تحدث عنها املفكر هاين الحسن مشريا ً‬ ‫ألمثال هؤالء السلبيني تدلل عىل وجود فئة منقبضة‪ ،‬مبتعدة‪،‬‬ ‫متهربة من املسؤولية أو لفئة راكمت السلبيات فلم ترى من بني‬ ‫‪104‬‬


‫كومتها أي بارقة أمل‪ ،‬أو هي فئة من التطهريينّ الذين يسقطون يف‬ ‫أول امتحان‪.‬‬ ‫ إن كان النقد رضورياً وهو حتام كذلك‪ ،‬فهو شائن للكادر التنظيمي‬ ‫أن كان لذاته وانفصل عن العمل‪ ،‬وهو ضار بالجسد التنظيمي إن مل‬ ‫يقرتن بالعمل‪ ،‬وهو مام اليستمع أحد له أن جاء من شخص سلبي‪.‬‬ ‫ إن السوداوية أو السلبية عىل سوئها‪ ،‬إال أن هناك عوامل حقيقية‬ ‫تدفع بالبعض من العنارص والكوادر لهذه الزاوية وأهمها إغفالها‬ ‫أو إبعادها أو عدم مشاورتها أو عدم التواصل معها وعدم االعرتاف‬ ‫بدورها أو مكانتها ما هو خلل قيادي‪.‬‬ ‫‪5 .5‬عدم التطور يف األفكار‪ :‬ان الفكر كائن حي ينمو ويتطور فال يجمد‬ ‫عند فكرة ملهمة ويتوقف‪ ،‬وال يرى املتغريات الداهمة فيقف‬ ‫متفرجاً بل متفاعالً‪ ،‬وأزعم أن التطور يف الفكر السيايس لحركة فتح‬ ‫سمة من سامتها‪ ،‬ولكن‪.‬‬ ‫إن الفكر إن مل يرتبط مبركز أبحاث أو لجان تخطيط رساطي (=‬ ‫اسرتاتيجي) ومراكز دراسات ولجان عمل أو خاليا تفكري يصبح مجموعة‬ ‫اجتهادات هامة ولكنها متناثرة وال ترقى لتصبح برنامج عمل تنظيمي‪.‬‬ ‫إن اإلبداعات واالضاءات واإلرشاقات يف حركة فتح كثرية تلطم خدود‬ ‫السوداويني فيها والحاقدين من خارجها‪ ،‬ولكن التطور والتغيري املمنهج‬ ‫والجامعي يف األطر واألفكار والشخوص رضورة ال محيد عنها‪ ،‬تتكامل‬ ‫حكام مع تفعيل الحياة الدميقراطية مبا تجلبه من حراك وتواصل ومشاركة‬ ‫دورية ال موسمية تفجر الطاقات وتق ّدر اإلبداعات وتشد عىل يد أصحاب‬ ‫االنجازات حيث الطريق مفتوح واملساحة متاحة للجميع أو يجب أن‬ ‫تكون كذلك‪.‬‬ ‫‪105‬‬


‫محطات الراغب للتفكري‬

‫مبناسبة انطالقة حركة فتح الـ ‪ ،48‬انطالقة الثورة الفلسطينية املعارصة‪،‬‬ ‫رص حركة فتح وفصائل (م‪ .‬ت‪ .‬ف) عىل اعتبارها انطالقة الثورة‬ ‫حيث ت ّ‬ ‫الفلسطينية الحديثة يف سياق وعي وحدوي‪ ،‬بهذه املناسبة واستتباعا‬ ‫للتحليل السابق ذو الطابع السيايس والفكري سأضع محطات للتفكري‬ ‫والتأمل بني يدي الراغب والحريص عىل االستفادة والنهوض بذاته‬ ‫ومجتمعه وتنظيمه وبلده‪.‬‬

‫أوال‪ :‬استثمار الفرصة‬

‫عندما وضع رفاعة الطهطاوي قدميه عىل سلّم السفينة التي أقلته إىل‬ ‫فرنسا كان شابا يف ال ‪ 27‬من عمره‪ ،‬مل يرى (أو ما درسه باتجاه أحادي‬ ‫لريى) إال مجد األمة اإلسالمية والدين‪ ،‬وتطورها الذي ال ميكن «للكفار» أن‬ ‫يصلوه‪ ،‬ولكنه منذ الخطوة األوىل التي وطأت فيها قدميه ثرى فرنسا حتى‬ ‫اكتامل السنة الخامسة هناك وهو يعيش (أزمة) بني املستقر الثابت وبني‬ ‫الجديد املختلف‪ ،‬بني عمق إميانه بدينه ووطنه وعروبته وبني املتناقض‬ ‫من عظمة ما رآه هناك من انجازات سياسية واقتصادية وعلمية أبهرته‬ ‫حتى الحد األقىص‪.‬‬ ‫عىل درج السفينة وهو عائد إىل مرص –عام ‪1831‬م يف القرن التاسع‬ ‫عرش‪ -‬من فرنسا كان قد أدرك جازما أن العامل أصبح غري العامل الذي اطأمن‬ ‫له وخربه‪ ،‬فخرج بخطوة واسعة انتقل فيها من املريح املستقر ولكنه‬ ‫الضيق إىل الفسيح الواسع لكنه املقلِق‪.‬‬ ‫يف باريز (باريس) استثمر وقته الثمني يف الدرس واملطالعة والقراءة‬ ‫والرتجمة حتى أرض بعينيه‪ ،‬لقد رأى الفرصة السانحة فلم يرتك لحظة‬ ‫اال واستثمرها‪ ،‬وكان قد ترجم ‪ 12‬كتابا‪ ،‬وكتب كتابه الهام يف اإلصالح‬ ‫‪106‬‬


‫والنهوض املعنون (تخليص األبريز ىف تلخيص باريز)‪ ،‬وهو الكتاب الذي‬ ‫ارتبط إسمه به‪ ،‬ووصف فيه الحياة يف باريس وعادات أهلها وأخالقهم‪،‬‬ ‫وهو ليس وصفًا لرحلة أو تعريفًا ألمة بقدر ما هو دعوة لالرتقاء‪ ،‬ورصخة‬ ‫للبعث والنهوض‪.‬‬ ‫ويف العرص الحديث وتحديدا عام ‪ 1954‬عندما وضع يارس عرفات وهو‬ ‫يف الـ ‪ 25‬من عمره قدمه عىل سطح السفينة التي أقلته إىل أوروبا‪ ،‬منتقال‬ ‫إىل مهرجان الشباب العاملي يف وارسو كان مع صحبه يسابق الزمن‪ ،‬ويقفز‬ ‫مراحل عدة‪ .‬فالشاب الذي انخرط عضوا يف الوفد املرصي بقوة شخصيته‬ ‫(مل تكن فلسطني موجودة ال عىل الخريطة وال عىل أي صعيد) مع زمالئه‬ ‫كانت الدقائق والثواين تعني له الكثري فهو مل يقيض وقته يف املهرجان‬ ‫حيث الثقافة والرياضة والفن والرتفيه وإمنا كان يف عقله استثامر الفرصة‪.‬‬ ‫قام يارس عرفات بثالثة أمور رئيسة‪ :‬أولها أنه م ّيز وفده (وفد الطلبة‬ ‫الفلسطينيني) عن الوفد املرصي بعد أن جعل بينهام فاصال يوم العرض‬ ‫للوفود‪ ،‬وثانيا قىض ليلته فيام أفصح عنه صباح العرض العلني للدول يف‬ ‫وسط امللعب الحاشد‪ ،‬ففي الوقت الذي رفعت فيه الدول أعالمها والفتات‬ ‫مكتوب عيل كل منها اسم الدولة كان ليل يارس عرفات مكرسا لعمل نفس‬ ‫الالفتة كبقية الوفود (رغم أنهم جزء من الوفد املرصي) ولكنه كتب عليها‬ ‫كلمة واحدة هي‪( :‬فلسطني) ورفعها يف صف (طابور) العرض أمام مئات‬ ‫اآلالف املحتشدين يتفرجون‪.‬‬ ‫يكل وال ميل وال يهدأ أبدا ‪ -‬إذ أن حياته كام‬ ‫أما ثالثا فألنه رجل عميل ال ّ‬ ‫خربنا حافلة بالنشاطات واالنجازات‪ -‬فلقد رتب جدول مواعيده ليلتقي‬ ‫بالوفود التي فاقت املئة الحارضة للمهرجان‪ ،‬ونسج معها عالقات صاحبته‬ ‫عندما أطلق والرواد األوائل الرصاصة األوىل يف ‪.1965 /1 /1‬‬ ‫‪107‬‬


‫ويارس عرفات الشاب ذاته ويف نفس املهرجان (مهرجان الطلبة‬ ‫والشباب العاملي) ولكن بعد ‪ 20‬عاما استلم علم الثورة العاملية من فيتنام‬ ‫وكان قد دق باب األمم املتحدة يف خطابه الشهريعام ‪ ،1974‬ما لحقه به‬ ‫أبو مازن يف خطابني هامني‪ ،‬آخرهم كان يف العام ‪2012‬‬ ‫ليست درجات السفينة التي صعدها كل من الطهطاوي وعرفات‬ ‫هي وجه الشبه بينهام‪ ،‬ولكن القدرة لكل منهام عىل إدراك وفهم الواقع‬ ‫واملتغريات والتعلم منه‪ ،‬واالستثامر للفرص ما نحن بحاجة له اليوم يف‬ ‫ظل واقع معقّد التغيري سياسيا‪ ،‬ومتقاطع أو متداخل املصالح كل ّيا‪ ،‬ويف‬ ‫ظل الرشكات عابرة القارات‪ ،‬واالنفتاح املعلواتصايل‪ ،‬وبعد أن قطع العرب‬ ‫عهود الظالم واالستبداد واالنهاك السابق بسيف «الربيع العريب» يف‬ ‫انطالقتهم الجديدة نحو مستقبل واعد لكنه ما زال قلِق وتكسوه عالمات‬ ‫الرتقب والرتبص والحذر‪.‬‬ ‫إننا فلسطينيا بحاجة ل َنفَس جديد ورساطية جديدة وفعل أكيد حيث‬ ‫اإلقدام ال يعني التهور‪ ،‬والشجاعة ال تعني فقدان التوازن‪ ،‬وتخيرّ البديل‬ ‫النضايل املناسب يف الظرف القائم ال تعني شطب البدائل األخرى‪ ،‬بل أن‬ ‫تبقى مشتعلة أو متجلجلة يف النفس‪ ،‬وحيث الصعود ال يعني كرس الدرج‬ ‫وامنا تحسني السبيل‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬فكرة الوطنية والوحدة‬

‫مل تكن الفكرة الوطنية (أو القومية) وليدة القرن العرشين أو القرن‬ ‫‪ 19‬بل كانت أقدم من ذلك‪ ،‬وكان الوعي بها فلسطينيا يف ظل هيمنة‬ ‫سلطنة استبدادية هي الدولة العثامنية تلك التي أرهقت (رعاياها)‬ ‫بالظلم والرضائب والحروب‪ ،‬وكبت الحريات‪ ،‬ووقف االجتهاد والتفكري‪،‬‬ ‫وإظالم النفس يف مراحل طويلة بعيدا عن العلم والثقافة وأسباب التقدم‪.‬‬ ‫‪108‬‬


‫يف طربيا برز ظاهر العمر الزيداين (‪1775-1695‬م) مدافعا عن حقوق‬ ‫الناس والفالحني وحقوق زراعة القطن ورد املظامل‪ ،‬فلم يهدأ له بال وهو‬ ‫الذي رضع حليب الفرس إال بعد أن اقام دولته يف الجليل وحيث النارصة‬ ‫وطربيا وعكا ويافا وصوال إىل غزة والقدس‪.‬‬ ‫شكلت دولة فلسطني يف عهد ظاهر العمر الزيداين الذي حكم لستني‬ ‫عاما مستشهدا يف الـثامنينات من عمره‪ ،‬منوذجا متميزا يف بعث (الفكرة)‬ ‫واالفتكاك من أرس قيود وهمية ربطت بني السلطان الظامل واإلسالم‪ ،‬حيث‬ ‫نظرت العامة آنذاك للسلطة املهيمنة باعتبارها «خالفة»‪ ،‬وما أحيط بها‬ ‫من قداسة موهومة رغم الكرب والبالء والظالم الذي أحاط بالناس‪ ،‬لكن‬ ‫خطل الربط بني االستبداد واإلسالم كان كبريا ما حطمه ظاهر العمر‬ ‫الزيداين ثم رواد االصالح والتجدد أمثال رفاعة الطهطاوي وخري الدين‬ ‫التونيس ومحمد عىل باشا يف مرص‪ ،‬وعىل اعتاب القرن العرشين الشيخ‬ ‫عبد الرحمن الكواكبي‪ ،‬ومن تبعهم باحسان‪.‬‬ ‫لقد عانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح أم الوطنية‬ ‫الفلسطينية كام عاىن ظاهر العمر الزيداين ملك الجليل من اتهامات‬ ‫ألعوام طويلة حيث تم النظر إىل أن (الوطنية) ضد القومية‪ ،‬والوطنية‬ ‫ضد (االشرتاكية) والوطنية ضد اإلسالم يف مقابالت ظاملة‪ ،‬إىل أن تبنتها‬ ‫التنظيامت «الدميقراطية» العربية حديثا ومنها اإلسالموية (الوطنية)‬ ‫مهرولة وراء فكرة كان القصد منها ليس رفض الوحدة العربية أبدا أو‬ ‫الوحدة اإلسالمية أبدا‪ ،‬ولكن التكريس والرتكيز والتخصص واألولوية‬ ‫وااللتزام ما ذكرناه آنفا يف موضع آخر يف سياق بوتقة أو كيان (م‪ .‬ت‪ .‬ف‬ ‫ثم السلطة مع بقاء األوىل)‪ ،‬ويف إطارالتجدد الشعبي والوحدة الجامعة‬ ‫غري االقصائية أو الرفضوية لآلخر التي ما زالت متثل أساس من أسس فكر‬ ‫حركة فتح حتى اليوم‪.‬‬ ‫‪109‬‬


‫إن هذا اآلن هو نهج كل دول «الربيع العريب» التي نأمل ان تتخلص‬ ‫من رصاعاتها الداخلية لتوظف «الوطني» يف مصلحة الوحدة‪ ،‬قضية األمة‬ ‫العربية واإلسالمية قضية فلسطني‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬رؤية املتغريات‬

‫عندما وقف أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية الرتيك يف األمم املتحدة‬ ‫إىل جانب الرئيس أبو مازن شامخني‪ ،‬كان بذلك يرسم معامل للنظام الجديد‬ ‫الذي هو من ص ّناعه الكبار يف املنطقة‪ ،‬فهو إذ يقف وحيدا دون العرب‬ ‫ليتلقى التهاين بسطوع شمس دولة فلسطني فإنه كان يرسل ثالثة رسائل‬ ‫للعرب وللعامل‪.‬‬ ‫الرسالة األوىل هي أن خط العمالنية (الرباغامتية) واالعتدال والوسطية‬ ‫يف الفكر والسياسة واملجتمع هو الخط القابل للحياة يف عامل اليوم املفتوح‬ ‫عىل الصعيد املكاين والزماين والفضايئ (املعلواتصايل)‪ ،‬ويؤكد يف رسالته‬ ‫الثانية أن بناء املؤسسات والتنظيامت واالقتصاد مبا يلبي حاجات الناس‬ ‫والبالد مكون رئييس ملن يريد بناء بلده أو دولته‪ ،‬وليس الخطل والختالف‬ ‫«الرغايئ‪-‬من رغاء الجمل» يف البناءات الفكرانية (=االيديولوجية) املعيقة‪،‬‬ ‫ورسالته الثالثة تقول‪ :‬أن االنسان هو الجوهر وليس البناء التحتي‪ ،‬فهذا‬ ‫البناء التحتي عىل أهميته يجيء لخدمة االنسان مبا ال يفعله االنهاك‬ ‫املنظم لفكره وإرادته‪.‬‬ ‫ومن هنا جاء التالقي بني أيب مازن يف دولته الصاعدة‪ ،‬دولتنا الصاعدة‪،‬‬ ‫والدولة الرتكية الصاعدة (استطاعت تركيا يف ‪ 10‬أعوام أن تسدد ديونها‪،‬‬ ‫وتقوم بتسليف البنك الدويل ‪ 5‬مليارات) التي تخلصت من االنهاك والحرية‬ ‫لزمن طويل‪.‬‬ ‫إننا نرسم هذه الصورة مبناسبة انطالقة الثورة الفلسطينية لنقول‬ ‫‪110‬‬


‫أن‪ :‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح الفكرة جاءت وهي تحمل‬ ‫يف طياتها ‪ 3‬عنارص‪ :‬فهي متغرية‪ ،‬متجددة‪ ،‬منطلقة‪ ،‬إذ جاء التغيري من‬ ‫رفض عنيف للواقع االحتاليل‪ ،‬وجاء التجدد بإطالق ثورة بأساليب مختلفة‬ ‫اعتمدت الكفاح املسلح ثم االنتفاضات ثم عناق املقاومة الشعبية مع‬ ‫النضال السيايس يف مراحل عدة ووفق قواعد رؤية معمقة للواقع املتغري‬ ‫وآلليات األصوب أو الخيار األمثل للتعامل معه‪.‬‬ ‫وكان االنطالق يف حركة فتح ثالثا مبعنى دميومة الحركة والفعل‬ ‫والنشاط‪ ،‬حيث أسقطت الحركة وما زالت الشعارات الكبرية فارغة‬ ‫وخصصت نضالها يف البعد الوطني‬ ‫املضمون والفعل‪ ،‬وركزت وك ّرست ّ‬ ‫الفلسطيني ما لحقها به كافة ثورات الربيع العريب اليوم‪ ،‬وإن أكدت أن‬ ‫القاطرة الفلسطينية ال تصل املحطة األخرية إال يف القطار العريب‪.‬‬ ‫إن حركة فتح قد حسمت أمرها يف اجتامع املجلس الثوري األخري‬ ‫عىل تكريس الدميقراطية باطالق االنتخابات الداخلية التي سيتلوها‬ ‫املؤمتر العام السابع صيف ‪ 2014‬علّه يستجيب ملنطق ملتغريات الداخلية‬ ‫واالقليمية واالعاملية الداهمة‪.‬‬ ‫إن القدرة عىل التجدد تدركه املقلة الواسعة التي ترى املتغريات‬ ‫بعني فاحصة فتقرأ الواقع بنظرة مختلفة متازج بني الداخيل واإلقليمي‬ ‫والقدرات والفرص ومكامن التأثري فتلقي بالبايل من الثياب ثم تغتسل‬ ‫لتلبس ثوبها الجديد‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬إعادة قراءة التاريخ والتجدد‬

‫إن التاريخ الفلسطيني كام العريب واإلسالمي طالته يد العبث املقصود‬ ‫والتزوير‪ ،‬أو الخلط‪ ،‬وشابه من (اإلرسائيليات) ما ال يحىص تلك التي استقرت‬ ‫يف الوعي العريب واإلسالمي مسلّامت أصبحت بقداسة القرآن الكريم أو‬ ‫‪111‬‬


‫الكتب الدينية‪ ،‬ما يجب أن نتصدى لها اليوم بفكر ثاقب وعقل مفتوح‪.‬‬ ‫لقد أكد علامء اآلثار اإلرسائيليني ومن علامء التاريخ األجانب عدم‬ ‫دقة أو صحة‪ ،‬وأشاروا إىل أسطورية أو كذب كثري من أسفار التوراة‪ ،‬وملن‬ ‫يريد االستزادة أن يجهد نفسه قليال عىل أي من محركات البحث عىل‬ ‫الشابكة (= االنرتنت) ليقرأ عن (إرسائيل فلنكشتاين) أو (زئيف هرتزوغ)‬ ‫أو (شلومو ساند) والثالثة أساتذة يف جامعة تل أبيب اليوم‪ ،‬أو يقرأ يف‬ ‫موقع جمعية التجديد االجتامعية الثقافية البحرينية‪ ،‬أو يقرأ للباحث‬ ‫فاضل الربيعي ليبلع ريقه مرارا‪ ،‬ويبسمل ويحوقل وينكر الكثري مام‬ ‫درسه‪ ،‬أو ينكر نفسه‪.‬‬ ‫يؤكد علامء اليهود الثالث وغريهم أنه مل يكن ألي من انبياء اليهود‬ ‫(موىس وداوود وسليامن عليهم السالم) أي وجود يف هذه البالد – فلسطني‬ ‫– ويقر منهم أن من أسفار اليهود ما هو أساطري محضة مختلقة‪ ،‬ليأتيك‬ ‫من أمة العرب واملسلمني من يصرّ عىل تكذيب ذلك‪ ،‬والعلامء املذكورين‬ ‫خاصة (فلنكشتاين وهرتزوغ) علامء آثار يؤمنون مبا يقول الحجر ال الورق‪،‬‬ ‫فأين السبيل وما يف كل ذلك ال تناقض ال مع القرآن العظيم وال أي من‬ ‫آياته؟! كام قد يظن النصوصيني‪.‬‬ ‫إن إعادة قراءة التاريخ – ما يدخل يف صلب الرصاع العريب الصهيوين‬ ‫والرصاع اإلسالمي الصهيوين – يحتاج لفكر منفتح‪ ،‬ويحتاج لجهد العلامء‬ ‫كام يفرتض أن تتسع الصدور للحقيقة ليس ألنها تخدمنا كفلسطينيني بل‬ ‫ألننا نضاليا ودينيا مأمورون بالنظر والتأمل وإعادة التفكري حيث يصبح‬ ‫البحث العلمي أحد مناهجنا يف الثورة الفلسطينية لنكتشف أن جبال‬ ‫السرُ اة يف اليمن القديم مدفون فيها ارث اليهود واللخميني (بيت لحم)‬ ‫والكُنانيني (الكنعانيني) وجبل القدس وأسوار أورشليم‪.‬‬ ‫‪112‬‬


‫إننا ال ميكن يف محطات النضال أن نكتفي باملستقر املريح أو الثابت‬ ‫السعيد‪ ،‬أو القديم أو املصبوب سواء تاريخيا أو سياسيا أو مدنيا ولو‬ ‫كان األمر كذلك ملا انطلق الحجر برصخته املدوية عام ‪ 1987‬وملا كانت‬ ‫االنتفاضة الثانية عام ‪ 2000‬بإبداعات جديدة‪ ،‬وملا كان لصمود غزة معنى‬ ‫أو لفلسطني دولة يف األمم املتحدة أهمية‪ ،‬وقبل كل ذلك ملا كان النطالقة‬ ‫الثورة الفلسطينية وحركة فتح مثل هذا الربيق‪.‬‬ ‫إن التعلم والتأمل والتجدد والتغيري سمة من سامت الثوار واملناضلني‪،‬‬ ‫واملتجددين والشخصيات االبداعية كام كان خالد بن الوليد يف مختلف‬ ‫معاركه‪ ،‬وكام كان أبو الطيب املتنبي وحفيده محمود درويش يف شعره‪،‬‬ ‫وكام كان كل العظامء يف املناحي املختلفة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬ضد الفكرانيات (=االيديولوجيات)‬ ‫االقصائية‬

‫تحكمت األفكار اإلنسانية «املقدسة» يف عقول الناس‪ ،‬وط ّوحت بهم‬ ‫يف االتجاهات املتعددة‪ ،‬بإميانهم الثابت واملقدس بالفكر اإلنساين‪ ،‬وان‬ ‫استند ملعتقدات دينية أو غري دينية فلقد أذهب العقول بعيدا عن جادة‬ ‫الصواب‪.‬‬ ‫إن الفكرانيات (=االيديولوجيات) قد فعلت فعلها السلبي يف كثري‬ ‫من العقول والتنظيامت‪ ،‬فهي وان استطاعت الحفاظ عىل متاسك البناء‬ ‫الفكري واعتباره الخط املميز والحاكم الذي ت ُستمد منه السياسات التي‬ ‫تخضع لها الرساطيات (=االسرتاتيجيات) والخطط‪ ،‬إال أنها ولعوامل الجمود‬ ‫أو الرتهل وعدم التجدد أو االستجابة للمتغريات جمدت عند أقوال وأفكار‬ ‫(ما أصبحت مسلامت ومقدسات ومرجعيات ثابتة) املؤسسني أو الرواد أو‬ ‫الذين يُنظَر لهم يف حقيقة األمر كقدسيني أو زعامء أو مناذج خالدة يصبح‬ ‫‪113‬‬


‫كل ما تقوله مصباحا منريا‪ ،‬وكل إشارة ولو عابرة منها مفتاحا للحلول‬ ‫لكافة املسائل‪.‬‬ ‫إن آفة الفكرانيات (وان كان لها فضل التجميع وتحقيق الغراء الالصق‬ ‫وااللتزام) هي الجمود والتصلب يف الرشايني‪ ،‬وافتقاد التجدد وبالتايل‬ ‫غياب القدرة عىل الرؤية وعىل إدراك املستجدات‪ ،‬ومن ثم يصبح الشلل‬ ‫الفكري كابحا للتطور والعمل الذي يخدم مصالح الناس‪ ،‬ومتغري حاجاتهم‬ ‫وتطلعاتهم‪.‬‬ ‫ويصبح التمسك بالثابت رفضا لآلخر عىل اعتبار أن ثوابته ال تأتيها‬ ‫الباطالت أبدا فيتعمق االستبداد الفكري واليقني وإقصاء اآلخر‪.‬‬ ‫سقطت يف مسرية الثورة الفلسطينية الطويلة ومنذ انطالقتها الحديثة‬ ‫كل الفكرانيات (عىل األقل بثوابتها املهرتئة وثوابتها املنهكة وتنظيامتها‬ ‫غري املتجددة)‪ ،‬وبقيت حركة فتح ألنها استمدت فكرها وطني الصبغة‪،‬‬ ‫وحدوي اللون‪ ،‬ثابت السعي الجامهريي‪ ،‬نضايل األساليب‪ ،‬أصيل التجدد‬ ‫من حركتها وتفاعلها العقالين مع املتغريات وإن كان مثن ذلك أن ع ّجت‬ ‫الحركة بأصحاب النظرات واألفكار والرؤى املختلفة سواء الوطنية أو‬ ‫الفوق وطنية‪ ،‬وسواء جمعية الطابع الغاية أو الشخصانية‪.‬‬ ‫‪1 .1‬استطاع منهج التفكري السيايس‪-‬الواقعي يف حركة فتح أن يهزم‬ ‫املناهج الثالثة األخرى التي طاملا أشار إليها املفكر العرويب اإلسالمي‬ ‫الكبري عضو اللجنة املركزية للحركة خالد الحسن رحمه الله وهي‪:‬‬ ‫املنهج التفكريي القضايئ حيث الحكم عىل األشياء واملواقف‬ ‫والسياسات بعني الخطأ والصواب دون مستويات أو بعني الكفر‬ ‫واإلميان أو بعني الوطنية والخيانة دون دليل يشري للمسافة يف حدي‬ ‫الوتر املشدود ميينا ويسارا‪.‬‬ ‫‪114‬‬


‫‪2.2‬منهج التفكري الفلسفي‪ :‬الذي ينظر من زاوية شمولية تغطي‬ ‫مساحة واسعة متكاملة‪ ،‬فال تتعامل مع الجزئيات أو التفاصيل أو‬ ‫الفرعيات إال باعتبارها الزمة االرتباط (وان مل تكن) مع الفكرة أو‬ ‫النظرة الشمولية‪ ،‬وعليه فلم يكن االعرتاف بالفكرة االستقاللية أو‬ ‫الوطنية أو الداعية لشخصية وكيانية فلسطينية إال عبث فلسفي أو‬ ‫عقدي عند هؤالء‪.‬‬ ‫‪3.3‬منهج التفكري التاريخي املاضوي‪ :‬وهو املنهج الذي يقدس أو يق ّدر‬ ‫األمجاد باعتبارها مل تكن (ولن تكون) إال بعصور غابرة‪ ،‬وعليه فانه‬ ‫ميجد األموات ونبلهم وكاملهم‪ ،‬كام يقدس أو مي ّجد أو ال يرى نفسه‬ ‫إال تبعا مخلصا لنامذجهم كنسخة طبق األصل‪ ،‬رغم بعد املسافات‬ ‫واألزمات ومتغريات الحال‪.‬‬ ‫لقد أدى الفكر املاضوي إىل البكاء عىل أطالل مدينة طليطلة والحمراء‬ ‫كام حصل مؤخرا لركاب موقع التواصل االجتامعي (الفيسبوك) الذي‬ ‫سخنت فيه الدموع تذرف مبناسبة سقوط األندلس يف ‪ 1492 /1 /2‬دون‬ ‫أن يرف جفن للمدن املحتلة يف املغرب والجزر التي تستوىل عليها اسبانيا‬ ‫منذ ذلك الحني إىل اآلن‪.‬‬ ‫وبنفس املنطق املعوج يتم تبييض صفحة التاريخ بالجملة دون أخذ‬ ‫العربة من االنتكاسات والهزائم والجرائم واالستبداد واالندحار‪ ،‬والتفكري‬ ‫املظلم الذي ساد طويال حتى غطي رؤوس العباد وأحوالهم يف فرتات هامة‬ ‫بالتاريخ العريب اإلسالمي‪ ،‬ويصبح الناظر للتاريخ بعني الفاحص املمحص‬ ‫الناقد كافرا فاسقا فاجرا‪.‬‬ ‫لقد هزم فكر حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح املتجدد واملتغري‬ ‫واملنطلق هذه املناهج الثالثة يف التفكري‪ ،‬ومن هنا جاء التالقي بني دولة‬ ‫‪115‬‬


‫فلسطني ودولة تركيا الحديثة الفتية‪ ،‬وقبل ذلك كان فكر االنطالقة مسلحا‬ ‫بالبندقية عندما رسمت الساحة تحت وقع قعقعة السالح الذي رفعته‬ ‫الثورات العربية والعاملية يف الخمسينات والستينات من القرن العرشين‪.‬‬ ‫إن العقالنية هو اتجاه معاكس للظالمية التي هي العيش يف جاهلية‬ ‫الفكر يف تاريخنا وثقافتنا العربية اإلسالمية‪ ،‬وحيث تشكل العقالنية آلية‬ ‫تعامل مع ‪ 3‬مساحات متقاطعة هي مساحة القبول ومساحة النقد‬ ‫ومساحة التعبري‪ ،‬مبعنى أنني مبقدار ما أنقد اآلخرين وبالتايل أمسك بيدي‬ ‫اليمني حق التعبري فأنني يجب أن أتقبل من اآلخرين نفس مساحة النقد‬ ‫يف تقاطع مثمر للمساحات الثالث ما متيزت فيه حركة الوطنية واإلبداع‬ ‫الفلسطيني حركة فتح حيث (القبول والنقد والتعبري)‪.‬‬ ‫وقبل أن ننهي هذه النقطة ال بد أن نختم بهذا النموذج الرائع ويقابله‬ ‫منوذج سلبي‪ ،‬فلقد عرض األصحاب عىل اإلمام عيل بن أيب طالب مسألة‬ ‫الخوارج عىل أنهم كفار أو فساق فرفض تسميتهم بأي من هاتني الصفتني‬ ‫رغم حربهم عليه‪ ،‬قائال أنهم يصلّون ويصومون ويقرأون القرآن فكيف‬ ‫يكونوا أي مام سبق؟ فلام حار صحابته يف تصنيفهم‪ ،‬سألوه فام هم؟ فقال‬ ‫فيهم قولته املشهورة والرائعة واملتسامحة يف كلامت ثالثة فقط‪ ،‬حيث‬ ‫قال‪( :‬إخواننا بغوا علينا)‪.‬‬ ‫ويف املَثَل املقابل وبعد انقالب عام ‪ 2007‬يف غزة سألوا خالد مشعل عن‬ ‫الرصاع الدموي واالنقالب عىل حركة فتح يف غزة مستشهدين عىل فضائية‬ ‫الفجر باآلية الكرمية‪َ ﴿ :‬وإِنْ طَائِ َف َتانِ ِم ْن الْ ُم ْؤ ِم ِن َني ا ْق َت َتلُوا َفأَ ْصلِ ُحوا َب ْي َن ُهماَ‬ ‫َت إِ ْحدَ ا ُهماَ َع ىَل األُ ْخ َرى َفقَاتِلُوا الَّ ِتي تَ ْب ِغي َح َّتى تَ ِفي َء إِلىَ أَ ْم ِر اللَّ ِه‬ ‫َفإِنْ بَغ ْ‬ ‫َفإِنْ فَا َء ْت َفأَ ْصلِ ُحوا َب ْي َن ُهماَ بِالْ َعدْ لِ َوأَ ْق ِسطُوا إِنَّ اللَّهَ ُي ِح ُّب الْ ُمق ِْس ِط َني﴾‬ ‫(سورة الحجرات‪.)9 :‬‬ ‫‪116‬‬


‫قال ال فض فوه كلمتني فقط تدلل – حينها عىل األقل – عىل عمق‬ ‫الفكرة الفكرانية (االيديولوجية) املستهينة باآلخر والطاردة له‪ ،‬اذ قال‬ ‫خالد مشعل (ال تنطبق)‪ ،‬ومل يعقب‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬تفاعلية العالم الالمحدود (الفضاء‬ ‫االلكرتوني)‬

‫ال تثقل أكتاف حركة فتح أحامل الفكرانية (االيديولوجية) املانعة‬ ‫لإلبداع أحيانا كثرية‪ ،‬واملحطمة للمبادرات‪ ،‬والرافضة لالنطالق‪ .‬لذا كانت‬ ‫مساحة الفعل يف الفضاء االلكرتوين للحركيني (وأحسبها اليوم لكافة‬ ‫التنظيامت أيضا) مام يع ّوض النقص الحريك الخطري فتحويا يف وسائل‬ ‫اإلعالم األخرى من صحافة ورقية أو فضائيات‪.‬‬ ‫يف العامل االلكرتوين مواقع وصفحات ومجموعات وملتقيات ومنتديات‬ ‫حركية ناشطة ومميزة بإبداعات أبناء الفتح املبني‪ ،‬وعىل صفحات التواصل‬ ‫االجتامعي يتواجد أعضاء الحركة وكوادرها وخاصة الشباب وبعض قياداتها‬ ‫يف حوار يجب ان يتسع ضمن ضوابط وآداب الحوار والحديث‪.‬‬ ‫تفاجأ العامل عندما انترشت الحواسيب وبرنامج النوافذ (ويندوز)‬ ‫ثم صعق عندما أصبحت الشابكة (= االنرتنت) يف كل بيت تزاحم الرايئ‬ ‫(=التلفزة) واملذياع‪ ،‬وبُهِر عندما وجد نفسه يركض وراء مواقع التواصل‬ ‫االجتامعي وخاصة (الفيسبوك) الذي أصبح بسكانه املليار ثالث دولة‬ ‫بالعامل‪ ،‬وأكرب تنظيم بالتاريخ‪.‬‬ ‫إن املقدرة التفاعلية الحركية الفلسطينية والتي شكلت ارشاقات‬ ‫حقيقية يف ظل تنامي الصعود العريب عىل الشابكة تعد عبئا ثقيال عىل‬ ‫صانع القرار حيث أصبح تجنب املساحات التفاعلية كمن يرفض القاء ندوة‬ ‫يف الجامهري‪ ،‬أو كمن يتعدى املشاركة يف أفراح وأتراح الناس ومناسباتهم‪،‬‬ ‫‪117‬‬


‫وأصبح النظر للمشاة من غري ركاب الفيسبوك كالقابعني يف برج عاجي‪ ،‬أو‬ ‫كأصحاب السيارات الفارهة ذات النوافذ السوداء‪.‬‬ ‫إن األعضاء والكوادر يقولون‪ :‬انزلوا من هذه السيارات الفارهة‪،‬‬ ‫واركبوا الحافالت أو سيارات األجرة أو القطارات معنا‪ ،‬وشاركونا منشوراتنا‬ ‫عىل (الفيسبوك) وأخواته‪ ،‬وإال لن نسكت لكم‪.‬‬ ‫لقد غدت وسائل التواصل االجتامعي صحيفة حائط يف الجامعة‪،‬‬ ‫ومذياع للجامهري يف الحافالت‪ ،‬ورايئ (=تلفزة) يف كل بيت‪ ،‬كام أنها‬ ‫متاثل منصة خطابة لحكامءالعرب أمثال‪ :‬أكثم بن صيفي وحاجب بن‬ ‫زرارة واالقرع بن جابس وعبد املطلب بن هاشم جد الرسول عليه الصالة‬ ‫والسالم‪ ،‬وهند بنت الخس‪ ،‬من حكامء العرب االقدمني‪.‬‬ ‫لقد تشتت الورق وغارت الجرائد‪ ،‬وفقدت الصحف هيبتها (قال لينني‪:‬‬ ‫أعطني صحيفة اصنع لك حزبا) وبكت التعاميم والرسائل التنظيمية إن‬ ‫مل تكن الشبكة العنكبوتية مستقرها‪ ،‬ويف حركة فتح حركة دؤوبة ال فتة‬ ‫ُحتم يف هذا املجال قد تصل لقوة التأثري الذي قدمته وسائل التواصل‬ ‫ت رَ‬ ‫االجتامعي وشبابها يف (الربيع العريب)‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬التنظيم والجماهري‬

‫كتبنا سابقا يف حركة فتح وصعودها بالجامهري‪ ،‬وتحفل أدبيات الحركة‬ ‫وتاريخها باالرتباط الوثيق بينها والناس‪ ،‬وما زالت الفكرة مل تتغري هنا‬ ‫حيث أن (طليعية) حركة فتح مل تتناقض يوما مع (جامهريية) الحركة‪ .‬فلم‬ ‫تكن الطليعة لتعني النخبة املنفصلة أو الطبقة املتحكمة مقابل ما كان‬ ‫يطلق عليهم بالعامة من الناس ويف صفات أخرى الرعاع‪.‬‬ ‫لقد آمنت حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح (باالقرتان) ومل تؤمن‬ ‫(باالنفصال) بني املفهومني‪ ،‬فكام شجعت الفنانني واملثقفني واملفكرين‬ ‫‪118‬‬


‫والكتاب واألدباء عىل احرتام واعتبار تخصصهم بصفتهم (طليعة) فإنها‬ ‫أدرجت (الثوار) املبادرين يف نفس الصف أو الفرقة‪.‬‬ ‫وارتأت حركة فتح وما زالت أن العناق واالقرتان بني الطليعة والشعب‬ ‫ال يعني أن توجد (بني األعضاء‪ ،‬أو بني الكوادر والناس) مسافات فوقية‪،‬‬ ‫أو فوارق فئوية أو طبقية أو ثقافية‪ ،‬وإمنا أسست لعالقة تبادلية مل يشعر‬ ‫فيها الطليعي أو الكادر بأنه فوق الناس‪ ،‬ومل يشعر فيها الناس أنهم اقل‬ ‫من الكادرات أو القيادة‪ ،‬وكل املظاهر املخالفة ما وجدت يف الحركة فهي‬ ‫إدانة ألصحابها فقط بصفتهم مناذج منفرة أو ملفوظة حركيا‪.‬‬ ‫إن مستوى التفاعل والتواصل بني الطليعة أو القيادة يف حركة فتح‬ ‫والجامهري مستوى يرضب به املثل فال حوائط اسمنتية أو حتى زجاجية‬ ‫تفصل بني رأي العضو أو شكايته وبني املسؤول‪ ،‬وان حصلت تجاوزات يف‬ ‫العالقة فان مستويات التقايض الثالثة يف الحركة غري األطر جاهزة للفصل‬ ‫(لجان املجلس الثوري والرقابة الحركية وحامية العضوية واملحكمة‬ ‫الحركية)‪.‬‬ ‫إن جامهريية حركة فتح تأيت من‪:‬‬ ‫‪1.1‬عملية االقرتان بني الطليعة والشعب‪.‬‬ ‫‪2.2‬حجم التواصل واملشاركة مع الجامهري‪ ،‬وبني األعضاء معا والتي كلام‬ ‫ارتبطت بخامسية التنظيم أمثرت وإال فالفشل يحف بنا (االجتامع‬ ‫الدوري‪ /‬التقرير الدوري‪ /‬الواجب أو املهمة املحددة لكل عضو‪/‬‬ ‫معرفة املسؤول ومتابعته الدورية‪ /‬القيام بالعمل واالبداع)‪.‬‬ ‫‪3.3‬الفكر املتجدد واملتغري واملنطلِق وهو الفكر الذي يلبي تطلعات‬ ‫وحاجات الجامهري وحراكها االجتامعي‪ ،‬وتجددها واملتغريات التي‬ ‫تحيط بها‪.‬‬ ‫‪119‬‬


‫يف هذه النقطة التي حاولنا أن نسلط الضوء قليال عىل (الجامهريية)‬ ‫ولنضعكم بالقصة التالية التي نقلها لنا األخ هاين الحسن املفكر العرويب‬ ‫وعضو اللجنة املركزية للحركة حيث نقل لنا‪ :‬أن خالد بكداش رئيس املكتب‬ ‫السيايس يف الحزب الشيوعي السوري‪ ،‬وهو حزب صغري زار الرئيس (ماو‬ ‫تيس تونغ) رئيس الصني عىل عادة األحزاب الشيوعية‪ .‬وملا علم (ماو)‬ ‫بالحجم املتواضع للحزب الشيوعي السوري سأله ماذا تفعل الجامهري‬ ‫وكيف هي حياتها اليومية؟! وكيف تتفاعلون معها؟! فذكر له خالد بكداش‬ ‫أنهم يعملون ويدرسون ويصلّون ويصومون ألنهم مسلمني‪ ،‬فقال وانتم أال‬ ‫تصلون وتصومون معهم؟! وملا حارت اإلجابة عرف الرئيس ماو أن انقطاعا‬ ‫وانفصاال حقيقيا بني الحزب والناس فقام بحثهم عىل احرتام الناس وقيمهم‬ ‫ودينهم وعاداتهم ال ما يقومون به من عليائية وانفصال‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫مل تكن تباشري عيد امليالد املجيد لوحدها التي أطلقت يف عقيل رشارة‬ ‫التجيل‪ ،‬وإمنا عناق السيد املسيح الفلسطيني األبدي مع هذه األرض‪،‬‬ ‫وعناق الفلسطينيون األبدي واملتجذر يف أرضهم النابتة بالحب‪.‬‬ ‫وكان لرايات فلسطني العالية املتعانقة مع رايات الثورة الفلسطينية‬ ‫لحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح وكافة الفصائل يف عيد االنطالقة‬ ‫يف رام الله ونابلس والخليل ولبنان وأقاليم فتح بالخارج أن اشعلت أوار‬ ‫الفكر‪.‬‬ ‫وال أكتم رسا عندما أقول أن فرحة االنجازين الكبريين يف غزة واألمم‬ ‫املتحدة املتعانقني مع مهرجان االنطالقة العظيم يف ساحة الشهيد يارس‬ ‫عرفات يف غزة كان لها أيضا ذات الفعل املحفز لنقول كالما شفافا بالقلم‬ ‫األحمر حيث الفكر الصاعد والتنظيم الصاعد يحتاج ملستوى عا ٍل من‬ ‫‪120‬‬


‫اإلدراك والوعي وإحداث التغيري‪ ،‬وحيث أن اإلنهاك التنظيمي قد يشوش‬ ‫الرؤيا ويطيح بالهيكل‪.‬‬ ‫(كتبت الورقة مبناسبة االنطالقة ‪ 2013‬للثورة الفلسطينية وحركة فتح)‬

‫‪121‬‬


122


‫مبناسبة ذكرى انطالقة الثورة‬ ‫(‪((2‬‬ ‫نظرات يف ثقافة احلركة‬

‫بكر أبوبكر‬

‫مبناسبة اليوبيل الذهبي للثورة الفلسطينية وانطالقة حركة فتح نضع‬ ‫للتفكري املتمهل ورقة لنتداولها حول الفكرو الثقافة والتثقيف يف الحركة‬ ‫الوطنية الفلسطينية علنا نكسب األجر أو األجرين‪.‬‬ ‫لدى السيايس تصبح الثقافة فعال رضوريا ألنه معني مبخاطبة مساحات‬ ‫واسعة ومناذج متنوعة وجامهري ذات اهتاممات وتطلعات متعددة‪ .‬مهام‬ ‫كان جامعها (قضية) موحدة فإن احتياجاتها ال تشكل عندها أمرا ثانويا‬ ‫وإمنا مرتافقا مع نداء الواجب‪.‬‬ ‫ولكل شعب أو تنظيم أو جامعة ثقافتها التي من املحقق امتالكها‬ ‫لعدد من املقومات هي‪ :‬التعدد والتنوع‪ ،‬االنفتاح واالستفادة من اآلخر‪،‬‬ ‫العراقة والتجذر والرتاكم‪ ،‬واألهم من ذلك كام يسرتسل الخويلدي الرباط‬ ‫الجامع وتأسيس املشرتك‪ ،‬والتقريب بني وجهات النظر املتباينة‪ ،‬وأيضا‬ ‫تحقيق التواصل ومد الجسور بني األجيال‪ ،‬والتجاوز والتسامي عن‬ ‫‪ -21‬بناء عىل طلب األخ أمري رس اللجنة املركزية لحركة فتح أبوماهر غنيم عام ‪2014‬‬ ‫كانت الورقة تقتفي الثقافة الوطنية والحركية‪.‬‬

‫‪123‬‬


‫الخالفات واألمور الجانبية‪.‬‬ ‫إن اهتامم التنظيم السيايس بالثقافة يأيت من أنها تقوم ببناء الشخصية‬ ‫أو الشخصيات‪ ،‬لذا اهتمت كافة الدول والتنظيامت واألحزاب بشأن الرتبية‬ ‫والتثقيف أو جهاز الدعوة الذي يعترب يف مقدمة الفعل الحزيب امله ّدف‪.‬‬ ‫يقول املفكر العريب مالك بن نبي (القدرة عىل إنتاج الفكرة هي ميزة‬ ‫اإلنسان وحده‪ ،‬بحيث أنها متثل الحد الفاصل بينه وبني جميع الكائنات‬ ‫األخرى‪ ،‬ويجمع هذه األفكار املنتجة يظهر النسق الفكري عىل هيأة أفكار‬ ‫مرتبة‪ ،‬وهذه األخرية عند ضمها بعضها إىل بعض تعطي مذهبا أو فكرانية‬ ‫(= إيديولوجية) معينة‪ ،‬وهذا الرتكيب إن هو وجد مساحة له يف الواقع‪،‬‬ ‫ليظهر عرب املامرسات املختلفة لألفراد‪ ،‬وبعدما يكون قد شغل حيزا هاما‬ ‫بني مقدساتهم املتنوعة‪ ،‬فإنه يطل عليه مصطلح الثقافة‪ ،‬لذلك فالثقافة‬ ‫هي‪ ...« :‬ما يبقى عالقا باألذهان عندما ننىس ما تعلمنا عىل مقاعد‬ ‫الدراسة والجامعات‪.»...‬‬ ‫يقول لينني (أن التثقيف السيايس يعني نتائج عملية‪ ،‬يعني تعليم‬ ‫الشعب كيفية بلوغ ذلك‪( )..‬يجب عىل هيئات التثقيف السيايس أن‬ ‫توجه عملها كله نحو الهدف‪ ،‬إن مكافحة األمية أمر رضوري ولكن معرفة‬ ‫القراءة والكتابة وحدها ال تكفي‪ .‬إذ ال بد من تلك الثقافة التي تعلم‬ ‫النضال ضد األمية والغطرسة الشيوعية والرشوة)‪.‬‬ ‫إن الثقافة الحركية تعد املكان األول يف بناء الشخصية‪ ،‬وتنمية الفكر‬ ‫الفتحوي‪ ،‬ومتثّل حقيقة التعبئة ومضامني املبادئ واألهداف واملنطلقات‬ ‫التي يجب أن تكون الهادي واملرشد ملسرية الحركة والشعب‪ ،‬ولطريقة‬ ‫عمل األعضاء والكوادر ويف نظرتهم لألمور‪ ،‬ويف استعدادهم للعطاء‬ ‫والبذل‪ ،‬وبناء الشخصية يف اتجاهاتها الخمسة‪ :‬الجسد والنفس والروح‬ ‫‪124‬‬


‫والعاطفة والعقل‪.‬‬ ‫إن تكامل الفكرة الحركية يف «فتح» تتجىل من حيث هي فكرة وطنية‬ ‫جامعة‪ ،‬فكرة تحررية للوطن واإلنسان‪ ،‬ومن حيث هي فكرة عقالنية‬ ‫تشارك ّية دميقراطية باملجتمع‪ ،‬ومن حيث هي فكرة بناء ال هدم للكيانية‬ ‫الوحدوية الجامعة‪ ،‬ما يعني أنها فكرة عميقة وأصيلة متجذّرة‪.‬‬

‫الوطنية والتحرير والثقافة الحركية‬

‫تأخذ «الوطنية» عندنا معنى التخصيص والتكريس واألولوية‬ ‫لفلسطني‪ ،‬ال معنى االنعزال أو اإلقليمية واالنكفاء عن املحيط العريب‪،‬‬ ‫وهي بذلك مبدأ أو فكرة ال تنطلق من فراغ‪ ،‬وإمنا من واقع االرتباط‬ ‫الحضاري العريب اإلسالمي يف األفق الحضاري العاملي‪ ،‬العقالين واملتفتح‬ ‫عىل تجارب الشعوب قاطبة‪.‬‬ ‫وبذات الوقت فإن فكرة }التحرر{ يف حركة فتح ال تقترص عىل منطق‬ ‫تحرير الذات واملجتمع من رواسب الجهل والتفكري السلبي‪ ،‬لسبب النكبة‬ ‫والواقع الفاسد وغريها‪ ،‬وال تنطلق فقط من واقع الظروف الصعبة وما‬ ‫تحمله من مشاعراليأس والقنوط لدى البعض‪ ،‬وإمنا تبغي إىل ذلك تحرير‬ ‫الوعي الحضاري الشمويل‪.‬‬ ‫وتسعى فكرة أو مبدأ التحرر للتخلص من واقع االحتالل الجغرايف‬ ‫لإلرسائييل لبالدنا عرب املقاومة الشعبية بكافة األشكال وليس هذا فقط‪،‬‬ ‫وإمنا التحرر أيضا من ِشباك الغزو الثقايف‪-‬االقتصادي الصهيوين االستعامري‬ ‫لعقولنا وأرضنا ومقدراتنا يف فلسطني واملنطقة العربية‪.‬‬ ‫إن القدرة الحركية يف «فتح» وفكرتها أيضا تتجىل يف «التشاركية»‬ ‫حيث تؤمن بالعقالنية ال باألساطري والخرافات املمزوجة بسياقات فكرية‪،‬‬ ‫وتؤمن بالحوار واالختالف والدميقراطية ضمن معادلة الحرية وااللتزام‬ ‫‪125‬‬


‫يف داخل التنظيم‪ ،‬وهو ما أسس فيها للفكر «الوحدوي» الذي يجمع‬ ‫املؤتلفني واملختلفني معا يف إطار الثورة و(م‪ .‬ت‪ .‬ف) ثم يف إطار السلطة‬ ‫والدولة القادمة الذي وهو الفكر أو املبدأ الفتحوي الذي يرفض اإلقصاء‬ ‫واالستعالء ورفض اآلخر‪.‬‬ ‫إن حركة فتح يف سعيها ألخذ دور «فوق وطني‪-‬إنساين» تسعي ألن‬ ‫يكون لها موقع يف النسيج العريب واإلسالمي والعاملي من حيث دعوتها‬ ‫الشمولية لتحرر الفكر والثقافة وارتباطها البناء بالحضاري العريب اإلسالمي‬ ‫وإسهاماته املسيحية الرشقية‪ ،‬الذي يتقبل اآلخر ويف نطاق تحقيق األهداف‬ ‫اإلنسانية الجامعة بالحرية واملساواة والعدالة والتقدم‪.‬‬

‫مكونات التثقيف الحركي والتعبئة‬

‫من املمكن أن نتعرض للثقافة وعملية التثقيف والتعبئة للشعب‬ ‫الفلسطيني ويف حركة فتح يف سياق ‪ 7‬أمور‪-:‬‬ ‫األول يتمثل يف‪ :‬سعينا الدائب لتحقيق هدف وغاية النضال الفلسطيني‬ ‫املرحيل املتمثل بتحقيق مرشوعنا الوطني بالتحرير والعودة والدولة يف‬ ‫سياق النضال الثوري السيايس‬ ‫ثانيا‪ :‬إن ثقافة الحركة‪ ،‬والثقافة الوطنية الفلسطينية عامة هي ثقافة‬ ‫النضال الوطني الفلسطيني وهي ثقافة البناء ملكونات الوطن‪ ،‬وهي‬ ‫ثقافة الجامهري بكل رشائحه‪ ،‬ألنها ثقافة مرشوعنا الوطني‪ ،‬وألنها ثقافة‬ ‫الكفاح واملقاومة بطابعها الجامهريي الشامل وليس النخبوي أو الضيق‪ ،‬ما‬ ‫يستدعي برنامجا وطنيا متكامال إلمضاء ما أطلقنا عليه (الحرب الشعبية‬ ‫طويلة النفس) اليوم بصيغة املقاومة الشعبية الشاملة‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬يتمثل يف بناء ونرش الفكرة والرواية التاريخية الحضارية التي‬ ‫متثلنا والتي تربز حقيقة التاميز (والتأكيد) بني إمياننا املطلق بأن أرض‬ ‫‪126‬‬


‫فلسطني (التاريخية) لنا منذ األزل وإىل األبد‪ ،‬وبني سعينا لحل واقعي‬ ‫يأخذ باالعتبار قواعد علم السياسية وفن املمكن ومتغريات اإلقليم‪.‬‬ ‫الرابع إن ثقافتنا يجب أن تكون ثقافة وعي وفهم وتصدي ومواجهة‬ ‫تواجه طبيعة االحتالل الصهيوين (االحتاليل اإلحاليل اإللغايئ لآلخر) الذي‬ ‫يحاول إلغاء وجود الـشعب الفلـسطيني عبـر تزويـر الحقـائق التاريخية‬ ‫والسياسية وعرب التكريس للوقائع عىل األرض‪ ،‬وعرب طمس هويته الوطنية‪،‬‬ ‫وتشويه صورة نضاله‪ ،‬وسلبه حقوقه املرشوعة‬ ‫أما خامسا فإن عىل الثقافة الفلسطينية والحركية خاصة أن تجهد يف‬ ‫بناء أو دعم طرائق تفكري علمية عقالنية ايجابية تحفيزية ابداعية يف‬ ‫عقول املنتمني للحركة بحيث يتمكنون من رفد الحركة بعطاءاتهم وبرامج‬ ‫عملهم اليومية‪ ،‬وال يكونوا كام مهمال أو أرقاما يف سجل العضوية بال نفع‪،‬‬ ‫فدرب الثورة طويل وشاق وال يصمد فيه إال الرجال والنساء املؤمنون‬ ‫بيقني‪ ،‬ال تخالطه شكوك برضورة التحدي والتضحية والنرص‪.‬‬ ‫ويف ذات السياق العقالين يتم دعم االنتامء الوطني فوق االنتامء‬ ‫الحزيب العصبوي الضيق ما يؤكد فكر حركة فتح الرحب الذي ينهد للحرية‬ ‫والحوار والدميقراطية‪ ،‬وهو الفكر الوحدوي الجامع‪ ،‬الذي يرفض التفرد أو‬ ‫الهيمنة أو الحرصية أو اإلقصاء لآلخر‪.‬‬ ‫سادسا أن بناء الذات والتعبئة والتثقيف يف حركة فتح يقتيض تكريس‬ ‫معنى الحياة التنظيمية الدميقراطية مبا هي التزام وحرية‪ ،‬وتأكيد دور‬ ‫التنظيم األسايس بتحقيق االلتحام بالجامهري بكافة فئاتها ورشائحها‪ ،‬وما‬ ‫ميتزج مع ذلك من مامرسة بث الوعي وخدمة الشعب‪ ،‬ما يقتيض من‬ ‫التنظيم باآلليات املناسبة‪ :‬تكريس مبدأ االجتامعات الدورية والدورات‬ ‫واللقاءات والندوات والثقافة الذاتية والجامعية للكوادر وللجامهري‪ ،‬ما‬ ‫‪127‬‬


‫يقتيض قيام العضو من تلقاء نفسه ببناء شخصيته بالعلم والعمل عرب‬ ‫التجارب والقيام بالنشاطات‪ ،‬أي باملامزجة الفعلية بني النظري والتطبيقي‪،‬‬ ‫وبني ما يقوله ويفعله‪ ،‬وبني الحرية املتاحة يف اإلطار ومنطقة االلتزام‪ ،‬وبني‬ ‫ما ينتقده ويقابله مببادرة يجتاز بها الطريق النضايل الطويل‪ ،‬كام يتجىل‬ ‫دور القناة التنظيمية الواجب بالبناء الكادري والجامهريي‪.‬‬ ‫سابعا‪ :‬كام أن اإلميان بالفكرة ال يظهر إال بإتباعها قوال وعمال‪ ،‬فإن قناة‬ ‫التعبري عن الفكرة والثقافة الحركية يجب أن تكون سالكة‪ ،‬ويجب أن‬ ‫تكون مهنية‪ ،‬ومتطورة بحيث تصبح هذه القناة أو الوعاء أو اإلطار أداة‬ ‫صالحة لالستيعاب و ُحسن االتصال ومامرسة القيادة واإلدارة والتخطيط‬ ‫والنقد ودقة املتابعة والرقابة‪.‬‬ ‫إن ركائز االهتامم يف الفكر الحريك ال تتمحور حول اإلميان بصحة الفكرة‬ ‫أو الغاية أو املبدأ فقط ألن املبادئ بدون أرجل ال تنترش‪ ،‬واألفكار دون‬ ‫َح َملَة مشاعل يضيئون بها طريقهم وطريق اآلخرين قد متوت‪ ،‬والفكرة مبا‬ ‫هي إنسانية إن مل تخضع للتجدد والتطور والتغيري يف ظل معادلة الثابت‬ ‫واملتغري منها فإنها مرشحة ألن يتجاوزها الزمن‪ ،‬وهذا التجدد أو التطور‬ ‫من املهم للفكرة وحملتها أن يكون ضمن قنوات سالكة‪.‬‬

‫جامعة الفكر الفتحوي‬

‫الثقافة والتعبئة والرتبية التنظيمية يف حركة التحرير الوطني‬ ‫الفلسطيني «فتح» ترتكز حول «ذات الفكر الفتحوي» الذي ميثل النور‬ ‫الذي نحمله لفلسطني والعامل منطلقني بحافز النفس الطويل‪ ،‬مبا يشتمل‬ ‫عليه من مضامني‪ :‬تاريخية حضارية تعبوية جذرية‪ ،‬ومضامني سياسية‬ ‫واقعية متغرية‪ ،‬ووعي ثوري متجدد يأخذ تجارب كل الشعوب يف التحرر‬ ‫واالستقالل والثورة باالعتبار‪ ،‬وأدوات فعل ثورية متطورة ما بني الكفاحي‬ ‫‪128‬‬


‫واملقاوم والشعبي‪ ،‬وإميان ديني مستنري‪ ،‬وأسس تنفيذ إدارية قيادية‬ ‫علمية إنسانية‪ ،‬وسياقات اتصال وتواصل دميقراطي ال ينقطع‪.‬‬ ‫كام أنها كفكرة أو ثقافة حركية من املهم أن تُفهم جليا‪ ،‬ويف خانة أنه‬ ‫مهام غيرّ نا يف أثواب العرض لها‪ ،‬فإننا من ّيزدوما فيها بني الثابت وبني املتغري‪،‬‬ ‫بني املطلق وبني النسبي‪ ،‬يف بوتقة الصهر الفتحوي التي ال تكرتث بطبيعة‬ ‫االتجاهات الفكرانية (األيديولوجية) للمنتمني للحركة أو مبقدار اقرتابهم‬ ‫أو ابتعادهم عام يحملونه من فكرانيات (أيديولوجيات) ألن الكلمة‬ ‫الجامعة والنور املتجيل يف فكرة الثقافة الفتحوية لنا واألمة هي فلسطني‬ ‫التحرير واالستقاللية والوحدة‪ ،‬وحركية الوسيلة (الوسائل) وبناء الكيانيّة‬ ‫يف إطار دميقراطي تشاريك حر يسعى للتقدم والعدالة‪.‬‬

‫العضو اإلنسان‬

‫َح َمل َة النور هم األعضاء يف الحركة‪ ،‬لذا فإن التمحور يف عمل الحركة‬ ‫ينصب ملا فيه خري األعضاء ومطالب الجامهري املتغرية يف‬ ‫القادم يجب أن‬ ‫ّ‬ ‫سياق العمل النضايل‪.‬‬ ‫إن االهتامم بالعضو يجب أن يكون له األولوية عىل االهتامم (بالعضو‬ ‫يف اإلطار‪ /‬املوقع‪ /‬املركز) مبعنى التوجه يف بناء العضو الشخص املبدع ال‬ ‫العضو القائد فقط‪ ،‬من حيث تنفيذه ملا هو مطلوب منه من الواجبات وما‬ ‫يقابله من اكتساب الحقوق التي تعني بحجم مشاركته باإلطار واملبادرة‬ ‫والفعل الجامهريي‪ ،‬وما يقابله أيضا مام يحصل عليه من مكافأة أو مردود‬ ‫معنوي مح ّبب عىل إنجازاته‪ ،‬تتمثل بالدور واملكانة واالحرتام استنادا ملا‬ ‫يقوم به العضو من فعل ضمن مقياس تنظيمي دقيق‪ ،‬ال من منظور تبوئه‬ ‫ملوقع قيادي ما‪ ،‬ببساطة فإن اإلنسان العضو هو الهدف وليس موقعه (أو‬ ‫منصبه)‪ ،‬وعليه يصبح عبء إيجاد ومتابعة دور وعمل ومهمة ونشاط‬ ‫‪129‬‬


‫لكل عضو مسألة ذاتية‪ ،‬ومسألة حركية معا ال غنى عنها‪.‬‬

‫اإلطار أو القناة السالكة‬

‫ال ميكن أن تجري املياه بشكل سلِس إال عرب قنوات مفتوحة‪ ،‬ومن‬ ‫هنا تأيت رضورة االهتامم الواجب يف حركة فتح باإلطار التنظيمي‪-‬خاصة‬ ‫باألطر واملكونات القاعدية‪ -‬الذي يجمع األعضاء وينسق جهودهم ويتابع‬ ‫نشاطاتهم ويعبئهم ويثقفهم ويحفزهم‪ ،‬وقبل كل ذلك يحافظ عىل ِ‬ ‫الصلة‬ ‫معهم يف ظل مركزية املتابعة والقرار ودميقراطية الرأي واإلبداعات‪.‬‬ ‫واإلطار التنظيمي إن مل يكن قادرا عىل حمل األعضاء نتيجة الخلل‬ ‫الذي قد يقع بأحد االتجاهني من أعىل إىل أسفل أو العكس يعني إما‬ ‫تجميد ِ‬ ‫الحراك والفعل الكيل‪ ،‬أو التهرب والتكلس وظهور فكر السلبية‬ ‫واإلحباط والسوداوية‪ ،‬ورمبا االبتعاد العدواين‪ ،‬ومن هنا جاءت األهمية‬ ‫للمرتكزات الثالثة يف الثقافة الحركية أال وهي (الفكرة والعضو والقناة)‪.‬‬ ‫ومن هنا تأيت رضورة إنشاء قناة موازية ومتقاطعة مع اإلطار التنظيمي‪،‬‬ ‫متقاطعة ألن عملها متداخل كليا مع عمل اإلطار التنظيمي‪ ،‬ولكنها موازية‬ ‫ألنها تعمل بشكل تخصيص محدد عىل طول اإلطار التنظيمي من أعىل إىل‬ ‫أسفل بالتنسيق الثابت مع األطر فيام يتعلق بالرتبية والتثقيف الحريك‬ ‫وذلك عرب مركز أو معهد أو مؤسسة متخصصة بالتدريب وإعداد الكادر‬ ‫والتثقيف والدراسات الحركية‪.‬‬ ‫ويف إطار القنوات يجب أن يتعانق الفكري والسيايس معا‪ ،‬كام‬ ‫يندمج الفني والرتبوي والتثقيفي بالقلم والفرشاة ولوحة املفاتيح‪ ،‬مبا‬ ‫يشمله ذلك من شعر ونرث وقصة ومنشورات ومقاالت ودراسات وكتابات‬ ‫متعددة ورعاية الكُتاب والبحاثة والعلامء والشعراء‪ ،‬وكذلك دعم الفنانني‬ ‫الفلسطينيني بكافة املجاالت أكانت نتاجاتهم لوحات فنية أو متثّالت فنية‬ ‫‪130‬‬


‫عرب الحاسوب والشابكة (االنرتنت) أو دبكات أو أناشيد أو غناء أو صناعة‬ ‫الرشائط (األفالم) أو فرق متثيلية ومرسحية تعيد بعث الرتاث والفلكلور‬ ‫الوطني الفلسطيني واالهتامم به وحسن إبرازه ما هو دور وطني وفتحوي‬ ‫يف آن واحد ال يغنينا عن عمل فرقة تراثية أو فنية مركزية جنبا إىل جنب‬ ‫مع بناء مراكز أو لجان ثقافية يف كل األقاليم‪.‬‬

‫الثقافة والتجارب ووسائل االتصال الحديثة‬

‫إن العامل قد تحول اليوم من خالل وسائل االتصال الحديثة إىل قرية‬ ‫كبرية‪ ،‬ال نستطيع من خاللها أن نفرض رأيا أو فكرة أو منهجا أو قرارا‬ ‫أن مل تكن مرتكزة عىل‪ :‬مقدار ِصحة وصوابية الفكرة وفائدتها اتعكاسا‬ ‫عىل الواقع للفرد واملجتمع‪ ،‬انها الفكرة املرتبطة بالغاية‪ ،‬وبقدرة األعضاء‬ ‫عىل التعبري عنها ومتثلها وتطبيقها‪ ،‬وعىل كفاءة اإلطار بآليات التدريب‬ ‫واالجتامع والتثقيف والتكوين التنظيمي التي إن أهملت أصبحت‬ ‫التجارب الحركية متناثرة وأصبح األعضاء كل يف واد‪.‬‬ ‫ومن هنا وجب التأكيد عىل أهمية (اإلطار‪ /‬الوعاء‪ /‬القناة) من حيث‬ ‫تحقيقه الحرتام الفرد لذاته ودوره وعمله الجامعي‪ ،‬ومن هنا التأكيد عىل‬ ‫أهمية اإلطار من حيث الفرصة املتاحة له فيه للحوار والتعبري والحديث‬ ‫والنقد والنقاش بدال من أن يقيض الساعات الطوال ينفّس عن غضبه‬ ‫لعدم إعطائه الفرصة للتعبري يف وسائل التواصل االجتامعي عىل الشابكة‬ ‫(االنرتنت) مفرتضا أنه بذلك يقوم بدوره الحريك وما هذا إال النسداد أو‬ ‫عدم كفاءة أو عدم فاعلية القناة من جهة‪ ،‬ولسبب األسلوب القيادي‬ ‫غري الفاعل بافتقاده قدرة االستيعاب واالحتضان أو بعدم تفعيله ألداة‬ ‫املحاسبة واملتابعة من جهة أخرى‪ ،‬وأيضا لضعف إميان العضو واستهتاره‬ ‫بدوره الحقيقي يف اإلطارمن جهة ثالثة‪.‬‬ ‫‪131‬‬


‫إن ثقافة حركة فتح يجب أن تدمج بني تجاربها األربعة الكربى‪ :‬تجربة‬ ‫القواعد الثورية يف الخارج وتجربة املعتقالت يف الوطن‪ ،‬وتجربة التنظيم‬ ‫يف الخارج مع النقابات والعمل االجتامعي‪ ،‬مع تجربة التنظيم يف الوطن‬ ‫بشقيه الشعبي االجتامعي وشقه الثوري التنظيمي‪.‬‬ ‫ولتحقيق دمج التجارب يف آليات العمل التثقيفي يقتيض منا ُحسن‬ ‫التواصل امليداين أوال عرب االجتامعات الدورية الالزمة‪ ،‬وعرب اللقاءات‬ ‫املتواصلة‪ ،‬ثم بامكانيات استخدام الشابكة والتقانة العالية عرب فتح أسس‬ ‫التواصل الحر يف الفضاء االلكرتوين وما يقتضيه ذلك من إنشاء كلية أو‬ ‫مدارس أو معهد عرب تكوين سلسلة محارضات حركية (ودراسات وكتيبات‬ ‫ونرشات ورسائل‪ ،‬ومنشورات) تجعل من التنوع الحيوي هدفا يدمج بني‬ ‫املريئ (استخدام اليوتيوب وأشباهه) والصويت (إنشاء أو دعم اإلذاعات‬ ‫عىل الشابكة=االنرتنت) وتسخري الصور والرسومات واملنتديات وامللتقيات‬ ‫واملواقع‪ ،‬ووسائل التواصل االجتامعي كلها مبا يحقق مضامني الفكر‬ ‫الفتحوي‪ ،‬وتحقيق ُحسن االتصال باالتجاهني‪ ،‬وبناء شخوص حملة النور‪،‬‬ ‫خاصة يف قطاع األشبال والطالب يف الوطن والخارج‪.‬‬ ‫إن أهمية استثامر وسائل التواصل االجتامعي والشابكة ال تغني‬ ‫مطلقا عن رضورة العمل امليداين بل تُكا ِمله وتربِطه وتعرِضه ما دامت‬ ‫الجهة املقصودة يف تثقيفنا هي العضو‪ ،‬لذا هو املع ِني فردا وجامعة‬ ‫بنرش فكر وثقافة ومواقف وسياسات الحركة للجامهري‪ ،‬بكل فئاتها من‬ ‫فالحني وعامل ومناضلني قدماء وموظفني وتجار‪ ،‬وأيضا من حيث السن‬ ‫من األشبال والزهرات وصوال للشبيبة‪ ،‬إىل كل فئات املجتمع مبؤسساته‬ ‫ونقاباته املختلفة‪.‬‬ ‫كام أن للشابكة (شبكة االنرتنت) والعمل الجامهريي الحريك عرب‬ ‫الندوات واللقاءات والتنسيقات دور أسايس بتحسني شكل التوجه‬ ‫‪132‬‬


‫للمؤسسات واألحزاب والتنظيامت يف املجتمعات خارج فلسطني‪.‬‬

‫القناة أو اإلطار‬

‫يظهر يف العمل التنظيمي يف املنظامت واألحزاب نوعان من األعضاء‪،‬‬ ‫عضو يهمل اإلطار فيعطله وعضو يتمسك بالقناة (اإلطار) إىل الحد الذي‬ ‫يرفض معه أي فعل من املمكن أن يتجىل خارجه‪ ،‬وبالتايل يقمع فكر‬ ‫اإلبداع واإلمكانيات‪ ،‬وهي نظرة حرصية تفرتض (االمتالك) للعضو من‬ ‫حيث هو منتمي للتنظيم فال يستطيع فعل يشء إال بأمر أو من خالل‬ ‫تكليف أو عرب االجتامع‪.‬‬ ‫إن ش ّدة التمسك باإلطار إىل الدرجة التي يصبح فيها العضو أسريا له ال‬ ‫يستطيع أن يتنفس خارجه ولو بكلمة شكر أو تعبري عن احرتام أو مبادرة‬ ‫أو إبداع خطر يكتنفه تحقق الجمود واالستبداد‪:‬‬ ‫‪1 .1‬إن التمسك ذو الطابع االستبدادي باإلطار أو القناة يظهر من خالل‪:‬‬ ‫‪2 .2‬التمسك بالقناة باعتبارها األداة الوحيدة لكل من الرأي السيايس‬ ‫والثقافة والقرار واملهمة (العمل) والثواب والعقاب‪ ،‬ما قد يؤسس‬ ‫لالستبداد إن مل يخالطه ُحسن التواصل‪.‬‬ ‫‪3 .3‬عدم االعرتاف بأي فعل وإن كان مثمرا وايجابيا‪ ،‬إن مل يكن اإلطار‬ ‫صاحب القرار فيه‪.‬‬ ‫‪4 .4‬التشدد يف التعامل مع العضو إىل الدرجة التي من املمكن أن يعاقب‬ ‫فيها ألي هفوة فيطرد خارج اإلطار إىل حد التجميد أو الفصل‪.‬‬ ‫‪5 .5‬تقدم الجامعات الرافضة (أو األفراد املتذمرون) لإلطار سواء من‬ ‫شخص املسوؤل أو طريقة إداراته إىل تشكيل عالقات رسية موازية‪.‬‬ ‫‪6 .6‬تقوم الجامعات التي تعترب أن حياتها تبدأ وتنتهي من خالل (القناة)‬ ‫‪133‬‬


‫إما إىل انشاء أطر موازية بغرض التحدي أو ينفرط عقد األفراد‬ ‫فيبتعدون شيئا فشيئا عن اإلطار إىل درجة اليأس أو اإلنكار ما قد‬ ‫يؤدي لالنشقاق والخروج‪.‬‬ ‫النظرة الثانية ال ترى يف االطار أهمية وتتعامل معه بشكل هالمي‬ ‫مبعني أنها تستخدمه وتستغله فقط يف حالة الحاجة وال تكون الحاجة‬ ‫شديدة إال يف ‪ 3‬مواضيع رئيسية األوىل لغرض عقد مؤمتر والثانية لغرض‬ ‫عمل تظاهرة ما والثالثة لحل مشكلة مستعصية‪.‬‬ ‫إن النظرة االستغاللية لإلطار هي نزعة استبدادية تضيق ذراعا بالحوار‬ ‫وال ترى يف اآلخر موازاة أو مساواة تتيح له أن يناظرها‪ ،‬أو ألنها تخاف منه‬ ‫فتتجنبه أو تقصيه‪.‬‬ ‫يقع االستغالل للقناة (اإلطار) ليس فقط من املسئول األول‪ ،‬وإمنا قد‬ ‫يحدث من عدد من املنتمني فيه عرب تعمد إضعافه أو تصويره هزيال‬ ‫أو إدخاله بعقلية تخريبية يف قضايا ومشاكل هو يف غنى عنها فتشتت‬ ‫جهده‪ ،‬إذ أنه بدل أن يتحول إلطار نقاش مثمر وتخطيط وتوزيع عمل‬ ‫وتثقيف ومتابعة وحوار يتحول إىل إطار مخصص فقط لتلقي الرضبات‬ ‫وحل املشكالت‪.‬‬ ‫قد تجد درجة أكرث تطرفا يف إهامل اإلطار أكرث من جعله هالميا أو‬ ‫منسيا أو موسميا وهي الدرجة التي يتم فيها التعامل معه مرة واحدة بني‬ ‫مؤمترين أو عمليتني انتخابيتني ورمبا فقط عىل الورق مبعنى إن األسامء‬ ‫الواردة أما غري حقيقية أوانها مجرد أسامء بال فعال ال باملايض وال باملستقل‪.‬‬ ‫الفكرة مهام كانت جميلة أو صحيحة أو مثمرة ال تنترش إن مل يحملها‬ ‫شخص أو أشخاص قادرين عىل نرشها بالتبشري والدعوة واالستقطاب لها‪.‬‬ ‫أصل الفكرة أن تُلهم ِ‬ ‫املرسل وتح ّركه فتهزه من األعامق‪ ،‬وأصل الفكرة‬ ‫‪134‬‬


‫عمق بحث أو تنوير‪ ،‬أو رسالة تتبلور نتيجة الوعي والظروف املتغرية –‬ ‫أصل فكرة الرساالت الساموية مشيئة الخالق لتحقيق االستخالف بالهداية‬ ‫والتوحيد والعقل والدين والعمل – وهذا الرسول أو الناقل أو الحامل‬ ‫للفكرة إن استطاع بلورتها بشكل جيد ومن ثم إيصالها لغريه عندها فقط‬ ‫نستطيع أن نقول أن الفكرة خرجت من البرئ عرب دلو الرسول ماء سلسبيال‬ ‫يروي املتعطشني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املستقطب شخصية محورية يف أي تنظيم – وإن‬ ‫الداعية أو املبرش أو‬ ‫كانت الدعوة واالستقطاب مهمة الجميع فال تنجح يف الواقع بها إال قلة –‬ ‫ألنه شخصية تتمتع مبواصفات جذابة يف البناء والعرض‪.‬‬ ‫ويأيت دور الوعاء أو القناة أو اإلطار ليشكل حاضنة أو مدرسة لل ُدعاة‬ ‫– إن سلمنا إن كل املنتمني كذلك أو مدرسة لألعضاء إن كان لهم أدوار‬ ‫أخرى مطلوبة‪.‬‬ ‫دور الوعاء يف اإلعداد يعني الرتبية والتثقيف‪ ،‬إذ أنه يف ظل سيل‬ ‫املعلومات من خالل وسائل التواصل االجتامعي الحديثة قد يفقد اإلطار‬ ‫بريقه الرتبوي ما يحتاج من الداعية أو املنظر يف كل إطار إىل جهد‬ ‫مضاعف ليقدم الفكرة أو النشاط أو املهمة بشكل ابداعي أو متجدد أو‬ ‫ملهم يستطيع أن يحقق الجذب لألعضاء‪.‬‬ ‫والكن ال يقترص دوره عىل (اإلعداد) والتثقيف عىل أهميته‪ ،‬وإمنا أيضا‬ ‫عىل اعتباره مساحة متاحة للحوار والتخطيط والنقاش كام هو لتلقي‬ ‫الرسمي من الوضع السيايس وبوابة االطالع عىل حقيقة األخبار التنظيمية‪،‬‬ ‫كام أن اإلطار يحتاج لبناء عالقات أخوية تأخذ باالعتبار القيم الخلقية من‬ ‫محبة واحرتام وتواصل يشمل أعضاء اإلطار ليمتد إىل األطر األخرى وإىل‬ ‫الجامهري‪.‬‬ ‫‪135‬‬


‫من األهم‪ ،‬العضو أو املؤتمر؟‬

‫إن كان املؤمتر ‪-‬أي مؤمتر قيادي‪-‬هدف كل الكوادر (يف املساحة‬ ‫الجغرافية أو ضمن معطيات الحضور) مبعنى الحضور جسديا فكأننا‬ ‫نحصرُ الفكرة وتجلياتها بإطار محدد يتم تحميله أكرث مام يحتمل يف‬ ‫حقيقة الواقع املتطور‬ ‫بينام ما يجب أن ندعو له هو تعزيز فكرة الحضور للكادر بالرأي‬ ‫واملشاركة والتواصل سواء أكان جسديا حارضا أم ال (جنبا إىل جنب مع‬ ‫التثقيف الذايت والجامعي ضمن اإلطار وخارجه دوريا)‬ ‫ملاذا نقول ذلك؟‬ ‫ألن الفكرة أو الرأي أو الفعل يف ظل وسائل التواصل اليوم قابلة‬ ‫للوصول والتبني من عدمه‪ ،‬بقدرتها عىل النفاذ شاء الشخص يف املوقع‬ ‫رصح بذلك أم رفض‬ ‫املتقدم أم رفض‪ ،‬وتؤثر فيه أ ّ‬ ‫إمنا السؤال اآلخر هو‪ :‬ما إمكانية أن نصل إىل مرحلة نستطيع بها أن‬ ‫نحول الفكرة ‪-‬أي فكرة صالحة‪ -‬لدى الكادر لتصبح تسري عىل األرض؟ إن‬ ‫مل نكرسها أوال!‬ ‫الفكرة تتفاعل مع غريها‪ ،‬فتزيد وتنقص وتتعدل‪ ،‬لكنه يف ظل هيمنة‬ ‫فكرة «التقليص» ال «التوسيع» يف عدد الحضور املشارك يف املؤمترات‬ ‫القيادية يف التنظيم‪-‬أي تنظيم‪ ،‬فإن علينا أن نجد حال؟‬ ‫ألنه تطغى اليوم «الفرضية القدمية» التي تقول أن الحوار والثقافة‬ ‫والقرار ال يتخذ إال باإلطار فقط (املؤمتر‪ /‬اللجنة العليا‪ /‬القيادة أو اإلدارة‬ ‫العليا‪ /‬اإلطار)؟!‬ ‫بينام يف حقيقة األمر أن هذا الشكل القديم التخاذ القرار‪ ،‬أي أنه‬ ‫‪136‬‬


‫يتخذ فقط باللجنة (اإلطار) قد تجاوزته ال ِتقانة الحديثة‪ ،‬كام تجاوزته‬ ‫قدرات اإلبداع والتغيري‪ ،‬وتأثريات املحيط يف الحركات الشبابية واملبادرات‬ ‫الكادرية يف التنظيم السيايس واملجتمعي التي فرضت نفسها عىل طاولة‬ ‫صاحب القرار أو فرضت نفسها عىل جدول أعامل أي مؤمتر‬ ‫املعنى أننا يجب أن نفكر معا كيف نوصل فكرنا ورأينا عرب العمل‬ ‫عىل األرض‪ ،‬ما هو أوىل من أن نغرق يف قصة هل لنا مكان يف مؤمتر اإلقليم‬ ‫أو املنطقة أو املؤمتر العام‪.‬‬ ‫ألنه دون تكريس عمل عىل األرض‪ :‬مبادرة وعطاء وعمل يومي‪،‬‬ ‫وإنجاز‪ ،‬فإن الفكرة املهيمنة ستظل فكرة الحرص للقرار (والنفوذ) يف‬ ‫نطاقه الضيق ما هو معاكسة للعرص والتقدم الحاصل‪ ،‬ما يقابله فكرة‬ ‫املظلومية واإلنحسار واالبتعاد والسوداوية ملن ال يضُ مه إطار محدد خاصة‬ ‫إطار علوي وباألخص يف املؤمترات (أي يف قمة الهرم التنظيمي)‬ ‫إن األصل يف الثقافة الحركية يجب أن تكون ممثلة يف‪ :‬بناء العضو من‬ ‫حيث هو عضو‪ ،‬إنسان‪ ،‬واالهتامم بأن يقوم بواجباته أوال ليصبح عضوا‬ ‫نشطا فاعال وليتحمل مسؤولية مطالبته بحق إسامع رأيه بعد أن يكون‬ ‫قد استطاع املرور مبرحلة بناء الذات ‪-‬التي ال تنتهي‪ -‬فبناء الذات مسرية‬ ‫متصلة يتعاضد فيها دور العضو مع التنظيم ويتكامل‬ ‫إن أهمية العضو ال تأيت من وجوده يف قمة الهرم التنظيمي إطالقا وال‬ ‫يجب أن تأيت من حضوره يف مؤمتر أو عدم حضوره له‪ ،‬كام ال يجب أن تأيت‬ ‫من مقدار نفوذه داخل اإلطار املعنى مطلقا؟‬ ‫فالكثري ممن هم باألطر ومن النافذين ال يزعجون عضوا أو برشا وال‬ ‫مبقدار جناح بعوضة ألن ما يفعلونه أو يقولونه هراء‪ ،‬وإن أثر يف جامعة‬ ‫وقرار ما‬ ‫‪137‬‬


‫إن العمل الباقي يف األرض ويف فلسطني ويف حركة فتح هو العمل‬ ‫النافع لفلسطني أوال ما نحتاج منها هي أوال وسام البطولة أو وسام‬ ‫التحدي أو وسام املحبة‪.‬‬ ‫ثم إننا نحتاج العمل لتسليك القنوات التنظيمية لتصبح مفتوحة‬ ‫مبقدار طلب إسامع الرأي ومبقدار رضورة التثقيف ومبقدار الفعل اليومي‬ ‫الذي يجب أن نقوم به بال كلل‪ ،‬ومبقدار تواصلنا اليومي واألسبوعي يف‬ ‫اجتامع يضمنا ويقرب أفكارنا‪.‬‬ ‫إن العضو بأهمية ما يفعل‪ ،‬ويقدم لله ما هو لسعادته يف الدنيا‬ ‫واآلخرة‪ ،‬والعضو مبقدار ما يقدم لفلسطني وحركة فتح وإرضاء لضمريه‬ ‫الحي‪ ،‬ال يهمه فساد الفاسدين‪-‬الذين يقاومهم ويصارعهم حتام‪ -‬ويسري‬ ‫واثق الخطوة أبدا‪.‬‬

‫العضو الجندي والعضو امللك‬

‫هل يأيت عىل التنظيم السيايس يوم من الدهر يتعامل فيه مع العضو‬ ‫عىل أنه (القيمة) الحقيقية وأنه (رأس املال) الحقيقي للتنظيم وأنه‬ ‫(امل ُك ّرم) و(املستخلف)؟‬ ‫وهل يأيت عىل التنظيم يوم من الدهر يتمكن فيه العضو العادي أن‬ ‫يفتخر أنه «لصوته» دو ٌر يف تقرير السياسات وأن «لرأيه» اعتبار وأن‬ ‫«لنشاطه» «تقدير»‪ ،‬وأنه يستطيع أن يحقق يف إطاره «املكانة» التي‬ ‫يبتغيها من خالل قيامه «بالدور» الذي يرتئيه واملتوافق مع ذاك الدور؟‬ ‫نكاد نجزم أن الفرتات التي كان يعترب بها التنظيم «وقود» الثورة‬ ‫مبعنى «املجاميع» التي يتم تحريكها دون إرادة منها أو مشاركة‪ ،‬قد وىل؟‪.‬‬ ‫ونكاد نقرر أن العرص الذي كان يتم النظر فيه إىل العضو أو الفرد يف‬ ‫الجمهور باعتباره «مادة» الثورة قد وىل؟ فاملادة واملجاميع والوقود ت ُعامل‬ ‫‪138‬‬


‫مع ُجموع كأنها واحد وتعامل مع حشود ال جامهري تفكر ولها مطالب‬ ‫وآراء من الرضوري أن توضع يف امليزان‪.‬‬ ‫إن العرص الذي كانت فيه الفكرة تلتمع برأس (املفكر) أو (القائد) أو‬ ‫(امللهم) أو املدير الجهبذ مل تعد قادرة عىل الصمود لتمثل معنى اإلبداع‬ ‫الحرصي‪ ،‬فكل شخص ميتلك االمكانيات والقدرات ويتعب يف بناء ذاته من‬ ‫املمكن أن يصبح مفكرا أو مبدعا أو إيجابيا أو منفّذا أمينا أو ُملهام يف‬ ‫أعامله وأفكاره لذاته‪ ،‬وملهام لغريه‪ .،‬أي أن اقتصار الفكر واإلبداع واإللهام‬ ‫عىل فئة محددة تشري إىل املجاميع‪ /‬الجامهري مبا هم كتلة صامء هو عرص‬ ‫قد وىل‪.‬‬ ‫إن أهمية املجموع الواعي مبعنى الهيئة العامة للتنظيم أو مبعنى‬ ‫الجامهري لحزب أو مؤسسة مفهوم قابل للحياة يف إطار احرتام الحزب‬ ‫بقوانينه وتياراته وهياكله ونشاطاته دميقراطيته للعضو‪ ،‬وللشخص‪ ،‬وهي‬ ‫أهمية تقتيض إعادة النظر يف التعامل مع أعضاء الحزب من أنهم كتلة‬ ‫صامء أو مجاميع أو حشد أو مادة إىل التعامل مع كل منهم كإنسان ذو‬ ‫قيمة يشكل رأسامل التنظيم أو الحزب وهو املك ّرم ألنه املستخلف عىل‬ ‫أمانة التنظيم بعدنا‪.‬‬ ‫أما أهمية العضو التي يجب أن تُصاحب الهيكل‪ /‬اإلطار التنظيمي‬ ‫من أسفل إىل أعىل أي من النواة األوىل مبعنى الخلية أو الشعبة فتربز‬ ‫من خالل طريقة النظر للعضو ثم طريقة التعامل معه فال يعاين من‬ ‫االرتباك أو الخشية أو اإلهامل أو التجاهل كام ال يجب أن يعاين من الظلم‬ ‫واالستبداد واإلقصاء‪.‬‬

‫‪139‬‬


‫آليات تمكني العضو‬

‫إن النظرة الصحيحة للعضو تأيت من خالل متكينه عرب سلسلة من‬ ‫الخطوات كالتايل‪:‬‬ ‫‪1 .1‬أن ميتلك املعلومات عن الوضع السيايس بشكل دوري‪ ،‬من إطاره‪.‬‬ ‫‪2 .2‬أن يُن ّمي ذاته ويطور قدراته بنفسه‪ :‬بالتجربة والقراءة والتطبيق‪،‬‬ ‫وبالحث واملتابعة لذلك من إطاره‪.‬‬ ‫‪3 .3‬أن ميارس حقه بإبداء الرأي بحرية تامة داخل إطاره‪.‬‬ ‫‪4 .4‬أن تُسند له األعامل والنشاطات وامل ُهامت التي تتناسب مع قدراته‬ ‫ويقتضيها الحدث‪.‬‬ ‫‪5 .5‬أن تتم مساعدته بأن يُقدم من وقته ومن جهده ومن ماله اشرتاكه‬ ‫الدوري يف سبيل التنظيم والعمل‪.‬‬ ‫‪6 .6‬أن يطرح أفكاره ومشاريع عمله ويشارك يف صنع الخطط والقيام‬ ‫بالنشاطات يف إطاره‪-‬خليته‪ /‬شعبته‪ /‬لجنته‪.‬‬ ‫‪7 .7‬أن يقدم املقرتحات والتوصيات ومشاريع العمل عرب إطاره لألطر‬ ‫األعىل ويتلقى الرد أن سلبا أو إيجابا دون إهامل أو تقصري أو‬ ‫استهتار‪.‬‬ ‫‪8 .8‬أن يتعلم كيف يفكر مبنهجية التنظيم وأسلوب عمله‪ ،‬بان تصقل‬ ‫شخصيته بالندوات والدورات والتدريب والتكليفات‪.‬‬ ‫‪9 .9‬أن يحس بأنه مثني‪ ،‬وأنه محرتم وأنه يكافأ إن أحسن‪ ،‬ويجازى‬ ‫بالقانون إن أساء‪.‬‬ ‫‪1010‬أن الحد األدىن ملامرسة العضو الفاعل التي تستجلب رضاه الذايت‬ ‫ورضا التنظيم‪ ،‬ورضا الله سبحانه قبل ذلك‪ ،‬أن يعرب عن فكر‬ ‫‪140‬‬


‫التنظيم وقراراته بال مواربة‪ ،‬بل ويفتخر بذلك‪ .‬وان ينتقد يف اإلطار‪،‬‬ ‫ويف املقابل أن يُصان رأيه فال يُسفّه‪ ،‬وأن يتم إرشاكه يف القرارات‬ ‫املصريية داخل شعبته أو إقليمه أو يف الحركة عامة‪ ،‬ويتم ذلك‬ ‫وحسب النظام بواحد من طرق ثالثة‪ :‬إما عرب صوته يف االنتخابات‬ ‫أو عرب تنفيذه للقرارات وقيامه بالنشاطات التي يُثاب عليها‪ ،‬أو‬ ‫باالحرتام واالعتبار لرأيه مهام كان مخالفا ما دام ملتزما بآداب‬ ‫الحوار والحديث ويف إطاره ال عىل صفحات «الفيسبوك» وغريه من‬ ‫وسائل التواصل االجتامعي عرب الشابكة‪ ،‬أو يف الشارع‪.‬‬

‫عدد أم دور ومكانة‬

‫إن قيمة العضو ضمن (املجاميع أو الحشد أو الكتلة الصامء) هي‬ ‫احتسابه عددا يُضاف لألعداد األخرى‪ ،‬أما أهميته ضمن التنظيم أو يف‬ ‫إطار الجامهري فتتجىل بأن له دور محدد (عمل ومهمة وتكليف‪ )...‬وله‬ ‫مكانة وله رأي محرتم والفرق بني منهجي التفكري كبري‪ ،‬كالفرق بني الخادم‬ ‫اململوك الذي ليس له من أمره شيئا وبني السيد الحر املالك ألمره فاألول‬ ‫عبارة عن منفذ أمني بال عقل وال روح والثاين هو املنفذ األمني ولكن‬ ‫بعقل وإميان وروح‪ .‬ولسنا يف هذا الزمان ممن يقبلون ألنفسهم أو لغريهم‬ ‫التس ّيد عىل أحد وكام قال الله تعإىل (وجعلناكم ملوكا‪-‬املائدة‪ )20‬مبعنى‬ ‫أحرار كام جاء يف اآلية الكرمية‪.‬‬ ‫إن الفكرة العظيمة تظل حبيسة العقل إن مل تجد لها قنوات أو دعاة‬ ‫مبرشين يستطيعون أن يحملون عبء هذه الفكرة‪ .‬وهنا يأيت دور العضو‬ ‫األسايس‪ ،‬فهو إن كان مؤمنا اميانا يقينيا بالفكرة والهداف بذل يف سبيل‬ ‫تحقيقها الكثري من عقلة وجهده وإمكانياته ووقته بل ومن ماله‪ ،‬وليك‬ ‫تستطيع أن متتلك عقول وقلوب الناس واألعضاء فعلينا أن نحقق معادلة‬ ‫الحرية واالحرتام والدور‪.‬‬ ‫‪141‬‬


‫إن الحرية للعضو تتجىل يف إتاحة املساحة الكاملة له يف إطاره‬ ‫التنظيمي «الذي يجب أن يكون موجودا وإال أصبح العضو يرصخ خارجه‬ ‫وحينها يصبح اللوم موجها ليس له وإمنا للمسئولني» ليقول ويصول ويجول‬ ‫يف إطار التزامه الكامل بالفكرة والقانون والقرار‪ ،‬ويف إطار سعيه لخدمة‬ ‫الفكرة والقرار والقانون‪.‬‬

‫االحرتام الواجب للدور‬

‫معبا عنه باملهمة (العمل‬ ‫أما االحرتام الواجب فهو بان يكون «الدور» رّ‬ ‫أو النشاط أو التكليف املوكل به) الذي يتعاطى مع قدراته وإمكانياته‬ ‫ورغباته مبا ال يتعارض مع برنامج اإلطار وقرارات الحركة‪ ،‬وكام يكون‬ ‫االحرتام للدور بالعمل والنشاط املقياس الحقيقي لاللتزام العضو فإنه أيضا‬ ‫يُعرب عنه مبقدار تحليه بالقيم السامية واألخالق الحسنة فكيف استطيع‬ ‫أن أطلب من الجامهري أو األعضاء أن يحرتموا عضوا شغوال نشيطا قد ال‬ ‫يباريه احد يف نشاطه ولكنه يسء الخلق جايف الطباع شتّام ل ّعان ورمبا‬ ‫كذاب (حديث الرسول عليه السالم)‪.‬‬ ‫ومن هنا يصبح االحرتام مرتبطا بالعمل نعم وباألخالق ثانيا ال انفصام‬ ‫بينهام‪ ،‬اذ أنني ال أتعامل مع جهاز الحاسوب الذي ال ميتلك قيام أو أخالقا‬ ‫فهو يقوم بالعمل بدقة وأمانة رمبا أفضل من كثريين ولكنه مادة أو أداة‪،‬‬ ‫وما العضو يف التنظيم بأداة أو مادة إنه إنسان يُحرتم إلنسانيته ولعمله‬ ‫وألخالقه وملدى التزامه يف قياس واجب الوجود يضعه الشخص لنفسه‬ ‫ويضعه التنظيم لكل عضو لديه ليتحقق ماذا فعل يف يومه ويف أسبوعه‬ ‫ويف شهره فيحاسب نفسه يوميا عىل العمل الخيرّ وعىل االخالق فال يخرج‬ ‫من يومه إال وكفّر عن سيئاته وع ّدل من مسلكه ومساره‪ ،‬وأعاد نفسه‬ ‫بثوب جديد‪.‬‬ ‫‪142‬‬


‫قلنا أن معادلة العضو واحتسابه فاعال يف إطار التنظيم تتحقق مبقدار‬ ‫الحرية املمنوحة حسب النظام وباالحرتام الذي يجب أن يحظى به‪،‬‬ ‫وبالدور الذي يجب أن يسند إليه يف رداء األخالق الثورية الكرمية‪.‬‬

‫حُ سن االتصاالت‬

‫إن االحرتام و ُحسن االتصاالت بني األعضاء يف اإلطار وعرب األطر أفقيا‬ ‫وعموديا يف الهرم التنظيمي تجعل العضو يحس أنه محرتم أمام نفسه‬ ‫ومحيطه ويف التنظيم‪ ،‬وأن ما يقوم به له التقدير‪ ،‬ومبا يجعله يشعر‬ ‫بالثقة واالهتامم فال يضطر ألن يخرق انضباط العمل التنظيمي فيجد‬ ‫نفسه يغني خارج الرسب وال يتأىت ذلك إال بأن يصبح التنظيم بحق راعيا‬ ‫للمبادرات وحفزا للنشاطات ومشجعا للطاقات‪.‬‬ ‫إن الحرية واالحرتام واملكانة للعضو يف التنظيم مع كل ما سبق ال‬ ‫تتعارض مع العمل املوحد أو العمل املشرتك أو العمل التعاوين الذي‬ ‫يجب أن يكون بني أعضاء الفريق الواحد (يف أي إطار أو لجنة) وألن‬ ‫الناس خلقوا مختلفني وتتعدد بيئات نشأتهم لزمت عملية البناء الذايت‬ ‫والتنظيمي والسيايس والفكري والقيمي‪-‬االخالقي التي تجعل من األعضاء‬ ‫بقناعة تامة صوتا واحدا‪ ،‬ويدا واحدة وجسدا واحدا يف مواجهة العدو‪،‬‬ ‫ويف مواجهة األخطار‪ ،‬ويف مواجهة الخصوم مع الفوارق يف توقيت وشدة‬ ‫املواجهة فقط‪.‬‬

‫جنديّ وملك‬

‫إن معادلة (أش��داء عىل الكفار رحامء بينهم) تستدعي أن ينىس‬ ‫الشخص أمام املخاطر تحفظاته أو انتقاداته أو انتكاساته ويضع يده بيد‬ ‫من اختلف معه إلزالة ال ُغ ّمة وتجاوز املشكلة‪ ،‬وهنا يصبح العضو عبارة‬ ‫عن جندي يف رسية أو كتيبة من كتائب الحق التي ليس للعضو فيها إال‬ ‫‪143‬‬


‫السمع والطاعة واالنضباط وااللتزام‪.‬‬ ‫إن تبادل األدوار للعضو بني أنه (ملك‪-‬حر) وأنه (جندي‪-‬ملتزم) يف‬ ‫لحس كبري باملسؤولية قد ال يستطيع أن يدركه ويعرفه‬ ‫ذات الوقت يحتاج ّ‬ ‫ثم يطبقه إال صاحب اإلميان الساطع والثقة الكربى وحامل األمانة املكرم‬ ‫الذي يستشعر أنه وأي كان داخل اإلطار مهام عال أو تساوى أو كان يف‬ ‫إطار أدىن منه هو يضع عىل كتفيه ثقال كبريا يجب أن يقوم به وال يقرص‬ ‫أطلب منه ذلك أو مل يطلب‪.‬‬ ‫نعم إن عىل التنظيم السيايس يف هذا الدهر أن يتعامل مع العضو عىل‬ ‫أنه (القيمة) الحقيقية وأنه (رأس املال) الحقيقي للتنظيم وأنه (امل ُك ّرم)‬ ‫و(املستخلف)؟‬ ‫وعىل التنظيم يوم يف هذا الدهر أن يتيح فيه للعضو العادي أن يفتخر‬ ‫أنه «لصوته» دو ٌر يف تقرير السياسات وأن «لرأيه» اعتبار وأن «لنشاطه»‬ ‫«تقدير»‪ ،‬وأنه يستطيع أن يحقق يف إطاره «املكانة» التي يبتغيها من‬ ‫خالل قيامه «بالدور» الذي يرتئيه واملتوافق مع ذاك الدور؟‬ ‫لدى السيايس تصبح الثقافة فعال رضوريا ألنه معني مبخاطبة مساحات‬ ‫واسعة ومناذج متنوعة وجامهري ذات اهتاممات وتطلعات متعددة‪ .‬مهام‬ ‫كان جامعها (قضية) موحدة فإن احتياجاتها ال تشكل عندها أمرا ثانويا‬ ‫وإمنا مرتافقا مع نداء الواجب‪.‬‬ ‫ولكل شعب أو تنظيم أو جامعة ثقافتها التي من املحقق امتالكها‬ ‫لعدد من املقومات هي‪ :‬التعدد والتنوع‪ ،‬االنفتاح واالستفادة من اآلخر‪،‬‬ ‫العراقة والتجذر والرتاكم‪ ،‬واألهم من ذلك كام يسرتسل الخويلدي الرباط‬ ‫الجامع وتأسيس املشرتك‪ ،‬والتقريب بني وجهات النظر املتباينة‪ ،‬وأيضا‬ ‫تحقيق التواصل ومد الجسور بني األجيال‪ ،‬والتجاوز والتسامي عن‬ ‫‪144‬‬


‫الخالفات واألمور الجانبية‪.‬‬ ‫جندي ٌ‬ ‫وملك‪ ،‬حر ومنضبط‪( .‬وجعلناكم‬ ‫إن ابن التنظيم الحق هو‬ ‫ٌ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ات َواألَ ْر ِض‪-‬‬ ‫ملوكا‪-‬املائدة‪ )20 :‬أي أحرارا‪ ،‬وكونه جنديا ( َولِلَّ ِه ُج ُنو ُد َّ‬ ‫الفتح‪ )٤‬وجنود األرض هم املؤمنني‪ ،‬أي أن العضو الحق ميتلك الحرية‬ ‫(بالحوار والتعبري والنقد) يف إطاره‪ ،‬وهو مؤمن بالفكرة ملتزم بعمله‬ ‫ينفذه مبحبة وحامسة‬

‫عندما تمطر االنطالقة بسواعد الشباب‬

‫مبناسبة انطالقة الثورة الفلسطينية‪ ،‬وانطالقة حركة فتح استوقفتني‬ ‫‪ 5‬مشاهد ذات مؤرش ايجايب عىل متغريات الفكر الفتحوي‪ ،‬والحالة‬ ‫التنظيمية والسياسية تحتاج لقراءة أكرث ولدراسة وتعمق‬ ‫األوىل أن هناك عددا من الشباب قد بدؤوا يرتبطون بالقيادة الفتحوية‬ ‫بشكل ايجايب عرب التسمي بأسامء الشهداء منهم‪ ،‬وأن عىل مواقع التواصل‬ ‫االجتامعي ما يؤسس لرضورة القراءة والبحث واالقتداء بهم باالستدالل‪.‬‬ ‫والثانية أن هناك جيل جديد يك ّرس ه ّمه للعمل فقط دون جعجعة‬ ‫أو تكاسل أو احباط‪ ،‬ما هو سمة حركة فتح التي قدمت العمل باملبادرة‬ ‫والتواصل واإلب��داع‪ ،‬ورأيت من هؤالء مشاريع دعم لفئات عديدة يف‬ ‫املجتمع من فقراء ومسنني‪ ،‬عدا عن مشاريع مفرحة حقا موجهة لألطفال‬ ‫أو ملقاطعة البضائع من املستوطنات ما قالوه ونفذوه‪.‬‬ ‫واملشهد الثالث هو إنشاء عدد من الكوادر الفتحوية وخاصة من‬ ‫الشباب والشابات ملؤسسات وجمعيات ولجان وحمالت تطوعية ناجحة‬ ‫يف فلسطني تدلل عىل رغبة العطاء ليس داخل الحركة فقط وإمنا لكل‬ ‫املجتمع الفلسطيني‪.‬‬ ‫أما املشهد الرابع فكان هو بروز عدد من الكتّاب الشباب من الحركة‬ ‫‪145‬‬


‫الذين نجحوا بأن يحفروا أسامءهم يف سجل الصحافة واإلعالم والحركة‪،‬‬ ‫وهم من ذوي التفكري العلمي والنقدي االيجايب‪ ،‬أو االبداعي التعبوي يف‬ ‫كل من قطاع غزة والضفة وأيضا من الخارج‪.‬‬ ‫أما املشهد الخامس فكان حجم الفرح امل َع رِّب عن االنتامء الذي الحظته‬ ‫لدى قطاع كبري من الكادر ومن الشباب مبسرية الدميقراطية واالستنهاض‬ ‫الحريك الداخيل – عىل ما لدينا من انتقادات كثرية عليه – وعىل عقد‬ ‫املؤمترات التي رأوها اسرتجاع لدور الحركة والحركيني يف أخذ زمام أمورهم‬ ‫بأيديهم بالتواصل واملشاركة الفاعلة‪.‬‬ ‫إن اإلمساك بالقلم واملعول كام اتخاذ القدوة والعمل املنظم املثمر‪،‬‬ ‫واالنتامء باملشاركة من املشاهد النابضة بالحياة التي سطّرها الشباب اليوم‬ ‫الذين يرسمون شكل السحابات املاطرة يف بستان حركة فتح وفلسطني‬ ‫اليوم وغدأ‪.‬‬ ‫إن االنطالقة مشعل نور لتحرير كل فلسطني‪ ،‬وهي قنديل أمل ييضء‬ ‫درب الفدائيني‪ ،‬وهي صفصافة شابة صامدة يف مواجهة عتو الرياح‪ ،‬وهي‬ ‫خندق مواجهة للواقع االحتاليل الفاسد‪ ،‬كام هي الخالصة لقوة االستمرار‬ ‫الثورية األكيدة التي أنتجت مزيج الثبات عىل املبدأ والوحدة الوطنية‪ ،‬ما‬ ‫نحدب عىل تكرسه يف فعل وفكر ونفس الشباب لتظل النار وقادة‪.‬‬

‫‪146‬‬


‫اخلطاب مبناسبة اليوبيل الذهيب‬ ‫االنطالقة ال‪ 50‬للثورة الفلسطينية العمالقة‬ ‫وحركة «فتح»‬ ‫(‪((2‬‬

‫تنسج من خيوط الليل املسبلة ضياء‬ ‫يف البدء تجلت فلسطني‪ُ ...‬‬ ‫الروح‪ ...‬ولهباً وعواصفا و ِعزة‬ ‫أنا قد كرست القيد قيد مذلتي‪ /‬وسحقت جالدي وصانع نكبتي‬ ‫(‪((2‬‬ ‫ونسفت سجني وانطلقت عواصفاً‪ /‬لهباً يدمدم تحت راية ثوريت‬ ‫يف الجو املشحون واملأزوم واملضطرب املم ّهد للنكبة الكربى يف تاريخ‬ ‫األمة‪ ،‬يف هذا الجو امللئ بحصاد من الرش املحيط باملنطقة العربية عانت‬ ‫فلسطني األم ّرين من االستعامر والتهويد معا‪ ،‬مع ما القته من االستهانة‬ ‫السابقة من الحكام العثامنيني ثم العرب‪ ،‬إىل ان أوقعت بريطانيا فينا‬ ‫‪ -22‬الكلامت يف املهرجان يف مدينة برلني كانت لألخوة عوض حجازي ومحمد بركة‬ ‫والسفرية خلود دعيبس‪ ،‬وكلمتنا هذه بني أيديكم (أعيد صياغتها مبا يتناسب مع طبيعة‬ ‫كل مهرجان من حيث الطول والقرص)‪ ،‬وكلامت لعدد آخر من األخوة الكرام يف الفصائل‬ ‫العربية والفلسطينية واملتضامنني يف برلني‪ ،‬ثم يف املهرجان يف مدينة كريفلد يف الغربـ‪،‬‬ ‫ومن ثم عقدت ندوة للكوادر يف فرانكفورت يف اليوم التايل‪.‬‬ ‫‪ -23‬من أناشيد الثورة الفلسطينية من تأليف األخ سليم الزعنون‪ ،‬عضو اللجنة املركزية‬ ‫لحركة فتح‬

‫‪147‬‬


‫وبالتعاون مع العصابات اليهودية نكبة فلسطني عام ‪ ،1948‬وبذا متكنت‬ ‫صهيونية هرتزل أن تحصل عىل األرض والشعب (يف أرض فلسطني)‪ ،‬وأن‬ ‫تحصل عيل الحق القانوين (الرباءة) من قبل األمم املتحدة بإنشاء دولة‬ ‫لليهود من أجناس وقوميات شتى ألول مرة لهم يف التاريخ يف أرضنا نحن‬ ‫أرض فلسطني التي مل تطأها أرجل هؤالء أو أي من أسالفهم أبدا‪.‬‬

‫مناخ الفشل العربي‬

‫يف هذا الخصم املتكالب تنازعت الحركات واألح �زاب الوليدة يف‬ ‫املنطقة العربية أمنيات وآمال الوحدة العربية‪ ،‬ورغبات البناء األممي‬ ‫االش�ترايك‪ ،‬وأحالم الوحدة اإلسالمية‪ ،‬فقامت تنظيامت وأح�زاب عدة‬ ‫انشغلت بشعاراتها وبنائها النظري الفكراين عن حقيقة امليدان وآالم‬ ‫الناس وطموحاتهم‪ ،‬فأعاشت األمة والشعب الفلسطيني يف دوامة االختيار‬ ‫ما بني مشاريعها املتعددة بعيدا عن فلسطني كأولوية‪ ،‬هذه املشاريع‬ ‫التي فشلت جميعها فيام لحق منذ زمن (الشيوعية والقومية العنرصية‬ ‫واإلسالموية)‪.‬‬ ‫يف مناخ النشأة املمهد لحركة فتح‪ ،‬رفعت األنظمة العربية الضعيفة‬ ‫حديثة النشأة املرتبطة باالستعامر ‪-‬رغم التآمرات الغربية والدولية‪-‬رفعت‬ ‫راية الفشل مبكرا عرب إشهارها سيف األحالم الوردية (القومية العنرصية‪،‬‬ ‫واإلسالموية والشيوعية األممية)‪ ،‬إذ جعلت الهدف كبريا جدا ليك يعيش‬ ‫اإلنسان العريب يف بحرها املتالطم‪ ،‬وال يدرك حقيقة أن الشعار العميل‬ ‫مبقدار حاجته‪ ،‬ومبقدار قدرته عىل التحقيق‪ .‬وعندما حكم هؤالء دوال يف‬ ‫املنطقة يف ظالل سيوف األحالم الوردية أوقعوها يف ظلم الحزب وساديتّه‬ ‫واستبداده تحت غطاء شفاف وكاشف اسمه تحرير فلسطني‪.‬‬ ‫فشلت األنظمة العربية يف عالقتها القضية الفلسطينية خاصة يف أمرين‪،‬‬ ‫‪148‬‬


‫األول‪ :‬فشلت أن تطمس الشخصية الفلسطينية والكيانية املوحدة سواء‬ ‫عرب الشعارات الرباقة التي روجت لها‪ ،‬أو عرب االغراءات والتهديدات‪ ،‬كام‬ ‫فشلت ثانيا في كسر الإرادة الفلسطينية الوطنية التي عبرت عن ذاتها‬ ‫من خارج الأحزاب وخارج الحكومات الرسمية فكانت حركة التحرير‬ ‫الوطني الفلسطيني ‪ -‬فتح‪.‬‬ ‫يف ظل فشل األنظمة ظهر الثوريون بجالء كجمال عبد الناصر‪،‬‬ ‫وهواري بومدين فانترص االثنان للشعب وللقضية ورصخا طويال معلنني‬ ‫صعود نجم «الظاهرة النبيلة»‪ ،‬وقال الرئيس الجزائري الراحل هواري‬ ‫بومدين معلنا ذلك للحكام العرب يف أحد املؤمترات العربية غاضبا‪ :‬لكم‬ ‫أن تنظروا لفلسطني كصاعق التفجري يف املنطقة‪ ،‬أو تعتربونها قبلتكم‪ ،‬وأنا‬ ‫أرى أن ليس لكم إال أن تدعموها ألنني مع فلسطني ظاملة أو مظلومة‪.‬‬ ‫ورد عليه أمري الشهداء خليل الوزير بالقول‪ :‬أن من يتخذ موقفا مؤيدا‬ ‫أو يرمي حجرا تجاه االحتالل الصهيوين فنحن نحبه‪ ،‬فكيف مبن يفعل أكرث‬ ‫من ذلك؟‬

‫الشخصية الفلسطينية ثالثية الصفات‬

‫كانت ظروف النشأة لحركة فتح ممتدة لجذر الهيمنة االستعامرية‬ ‫االنجليزية عىل فلسطني‪ ،‬فاستفادت الحركة من كافة الثورات منذ العام‬ ‫‪ 1919‬فصاعدا وخاصة من ثورة ‪ 1936‬ومن تجربة الشيخ عز الدين‬ ‫القسام ومن تاله من كبار القادة املجاهدين‪ ،‬فأنشدت أنا قد كرست القيد‬ ‫قيد مذلتي كام أنشدت(‪:((2‬‬ ‫ُمرسبالً بك يا جراحي‬ ‫سقطت عىل الرتاب‬ ‫أنا إن‬ ‫ُ‬ ‫ومال يف جنبي سالحي‬ ‫وتدفقت مني الدما ُء‬ ‫‪ -24‬من أناشيد الثورة الفلسطينية وحركة فتح‪ ،‬منذ البدايات‬

‫‪149‬‬


‫وتلقفت جسدي الطيو ُر‬ ‫الحامئات عىل البطا ِح‬ ‫فيا أخي أمتم كفاحي‬ ‫هذا طريقي يف الكفاح‬ ‫كام كان للهجرة اليهودية ومامرسات العصابات الصهيونية‪ ،‬وما قامت‬ ‫به من اقتالع وإرهاب وقتل أن أدى إىل مقاومة شديدة باسلة‪ ،‬بينام‬ ‫المسرح كان قد تهيأ والقتلة اقتسموا دماء الفريسة ما أدى إلى طرد‬ ‫ولجوء وإحباط وحالات يأس‪ ،‬لكنه مع ذلك حفر في عقل الفلسطيني‬ ‫عميقا عقيدة العمل لانتزاع الأمل وليس الأمل بلا عمل‪.‬‬ ‫إىل ما سبق كان للهجرة اليهودية‪ ،‬وما قابلها من اقتالع ولجوء وإحباط‬ ‫أن ُح ِفر يف عقل الفلسطيني عقيدة العمل النتزاع األمل وليس األمل بال‬ ‫عمل‪.‬‬ ‫يقول الله تعإىل يف محكم التنزيل ضمن ‪ 550‬آية تحث عىل الفعل‬ ‫والعمل ﴿وقل اعملوا فسريى الله عملكم ورسوله واملؤمنون﴾ (التوبة‪:‬‬ ‫‪ )105‬ما استقر يف الخلفية الدينية‪-‬الثقافية للمؤسسني والرواد الثوار‪ ،‬ويف‬ ‫حركة فتح كمبدأ الحقا‪.‬‬ ‫ويقول الفيلسوف االملاين «فيخته»‪( :‬إدراك النفس لذاتها ولقدراتها‬ ‫بعد توعيتها ال ميكن أن يتحقق إال من خالل مقارنة بني الذات ونقيض‬ ‫الذات أي بني النفس والخارج‪ ،‬كام انه ال ميكن أن يتحقق دون اعتامد‬ ‫الذات عىل مقاييسها التي فطرت عليها واإلميان بها والثقة بإمكانية‬ ‫استثامرها)‪.‬‬ ‫من هذا الواقع األليم‪ ،‬وب ُحسن اإلدراك قرر الفلسطينيون وحركة فتح‬ ‫ضمن الطليعة املناضلة‪ ،‬أن تكون الشخصية الفلسطينية متكاملة التكوين‬ ‫بعيدة عن اإلحباط والسلبية والشاشة السوداء‪ ،‬وبعيدة عن الشكوى‬ ‫واالندحار ِ‬ ‫والذلّة‪ ،‬فبنيت الشخصية التي تش ّمر عن ساعد الجد‪ ،‬املعتمدة‬ ‫‪150‬‬


‫عىل ذاتها من خالل البيئة الطاردة يف املخيامت التي جعلت من األهل‬ ‫يسعون جاهدين لدفع أوالدهم ليحققوا أحلامهم عبرهم من خلال‬ ‫تعليمهم وإن عروا وأفقروا ومنعوا اللقمة من افواههم وظل مفهوم‬ ‫التعليم هذا ثابتا في الشخصية الفلسطينية حتى اليوم‪.‬‬ ‫أما ثانيا وكثمرة لهذا البناء االبداعي املقاوم لظروف القهر فلقد اعتمد‬ ‫أبناء املخيامت عىل ذاتهم بأن انساح كثير منهم في الأرض يبحثون عن‬ ‫لقمة العيش الكريم بعيدا عن بطاقة اللجوء‪ ،‬ويبنون ذاتهم ويدعمون‬ ‫عائلاتهم في الوطن أو الجوار حيث مخيمات اللجوء‪ ،‬ويف نفس الوقت‬ ‫يسهمون بعلمهم وعملهم ببناء دول األمة الناشئة ما كان لهم به أيادي‬ ‫بيضاء‪.‬‬ ‫أما ثالثا فلقد استطاعت الابداعية الفلسطينية وحركة فتح إن تنقذ‬ ‫الشخصيته الفلسطينية من الذوبان في المحيط الأكبر‪ ،‬وتنتشلها من‬ ‫محاولات طمسها ببعث القاعدة النضالية الوطنية فيها بالتكرس وأعطاء‬ ‫الاولوية والتخصص في الكفاح الموجهة أساسا لفلسطين لا لأي قضية‬ ‫(كبرى) أخرى‪.‬‬

‫التجارب الثورية‬

‫احتضنت حركة فتح منذ أواخر الأربعينيات وعلى الفترة العشرية‬ ‫الممتدة من ‪ 1957-1947‬تجارب الشعوب العربية الثورية كلها‬ ‫(الثورة المصرية‪ /‬الجزائرية‪ /‬التونسية) وتجارب الشعوب الآسيوية‬ ‫(الصينية‪ /‬الفيتنامية‪ /‬الكورية) وتجارب الشعوب الامريكية (الثورة‬ ‫الكوبية)‪ ،‬وألحقتها حديثا بتجربة جنوب افريقيا‪ ،‬كما استمدت عمقها‬ ‫الحضاري العربي الإسلامي من انتمائها الأصيل الممتد في عمق تاريخنا‬ ‫القديم والحديث ليس فقط منذ وقع الشيخ عزالدين القسام أوراق‬ ‫‪151‬‬


‫اعتماده كأول مفكر تنظيمي وصاحب مدرسة العمل المرتبطة بالتعبئة‬ ‫والتحريض على النضال‪ ،‬وإنما منذ ان قام الشريف ظاهر العمر الزيداني‬ ‫يف القرن ‪ 18‬بإنشاء أول دولة فلسطينية يف فلسطني وما حولها يف سابقة‬ ‫نشؤ دولة متكاملة مل يكن مثيل لها عند ال ُدخالء القادمني من شتى بقاع‬ ‫األرض ينهبون ما ال ميلكون وال ميتون له دينيا أو تاريخيا بصلة‪.‬‬ ‫لقد استطاع يارس عرفات وخليل الوزير وأبو اياد صالح خلف وخالد‬ ‫الحسن وأبو ماهر غنيم وأبو اللطف وسليم الزعنون وكامل عدوان وأبو‬ ‫يوسف النجار ومحمود عباس وزمالئهم الكثري من الرواد‪ ،‬ومن تالهم‪ ،‬أن‬ ‫يص ّوبوا بدقة فأصابوا الهدف‪ ،‬إذ ربطوا مجموعة من العالقات املؤثرة مع‬ ‫كل من الزعامء‪ :‬تيش جيفارا وماوتيس تونغ وامللك فيصل بن عبد العزيز‬ ‫وهواري بومدين وجامل عبد النارص و«هويش منه» والجرنال جياب‪.‬‬ ‫قال ياسر عرفات لـ«هوشي منه» قائد الثورة الفيتنامية ذات يوم‪ :‬لنا‬ ‫الشرف أن نلتقي ونتعلم من قائد أعظم ثورة في العالم‪ .‬فرد هوشي منه‬ ‫قائلا‪ :‬بل أنتم أعظم ثورة في الحقيقة لأنكم تديرون الثورة في منطقة‬ ‫النفط‪ ،‬وهي الأشد حساسية في العالم‪.‬‬ ‫صنع القادة وال��رواد األوائ��ل ثورة‪ ،‬تنقلت عىل بساط الريح‪-‬وإن‬ ‫بصعوبة‪ -‬عرب املراحل بوعي عميق للتجارب تداخلت فيها شتى الرصاعات‪،‬‬ ‫وتنقلت بني التاريخ والواقع املتغري بذكاء التنقل بني حقول األشواك‬ ‫واختيار أدوات الفعل النضايل‪.‬‬

‫املراحل والتجاوز‬

‫يف البدء‪ :‬كانت السامء حدو َدنا الدنيا‪ ،‬إذ كلّمنا الغيامت والقمر‬ ‫وخطبنا ود الكواكب فتنقلنا بني املشرتي واملريخ‪.‬‬ ‫منل من‬ ‫نكل أو ّ‬ ‫ويف مرحلة املد الثوري والعنفوان الجامهريي مل ّ‬ ‫‪152‬‬


‫استخدام كافة أشكال العمل العسكري ل ُنس ِمع صوتنا للقايص والداين‬ ‫وحتى من به صمم‪ ،‬مصداقا لقول شاعرنا العريب الكبري أبو الطيب املتنبي‪:‬‬ ‫َـت كلامتـي مَـ ْن بـه َصمَـ ُم‪،‬‬ ‫وأس َمع ْ‬ ‫أنا الـذي نظـَ َراألعمى إىل أدبــي‪ْ ...‬‬ ‫والسيـف‬ ‫والليـل والبيـدا ُء تعـرفني‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫فالخيـل‬ ‫ُ‬ ‫مسببا هذا األمر بالقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫والقرطاس والقل ُم‪.‬‬ ‫والرمـح‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثم تولدت لدينا مرحلة الواقعية السياسية وخط النضال املرحيل‪،‬‬ ‫وهي املرحلة التي نعيشها اليوم‪ ،‬بعد طول جدال نظري وميداين بني‬ ‫مدارس وتجارب واجتهادات حركة فتح التي شملت اليمني واليسار وما‬ ‫بينهام‪.‬‬ ‫ويف املراحل الثالث كان االبداع الثوري املرتبط بالتجدد يستخدم عقلية‬ ‫(التجاوز) للقديم واملتهالك واملحبط واليائس و(يقفز) نحو املستقبل يف‬ ‫رؤية واضحة للواقع واملتغريات‪ ،‬ونحو األفضل ونحو العنفوان (الثورة)‬ ‫جسدت عمال وفعال وكفاحا ما زال حتى اليوم من سامت حركة فتح‬ ‫التي ّ‬ ‫التي تؤمن بامليدان‪ ،‬والخطوات املتقدمة بدل من أن تكون يف ذيل الحدث‬ ‫تالحقه أو تعلق عليه‪ ،‬بل آثرت حتى اليوم أن تصنعه وتراكمه وتبدعه‪،‬‬ ‫ولكنها قد تخطيء وتعطب‪.‬‬ ‫ويف ذلك العطب الفتحوي قال العلامة هاني فحص(‪( ((2‬أريد لفتح‬ ‫ان تعالج أعطابها‪ ...‬لان فلسطين لا تستغني عنها‪ ،‬وأنا لا أحب فتح لأنها‬ ‫جميلة أو طويلة أو غنية‪ ،‬أنا أحب فتح لأنها بنت فلسطين التي تشبهها‪...‬‬ ‫ولأنها أم فلسطين التي ت ُشبهها ولا أحب أن يتراجع الشبه بين فتح‬ ‫وفلسطين لأن في ذلك حراما بيننا وشبهات لا تبعد كثيرا عن الحرام)‪.‬‬ ‫‪ -25‬العالمة هاين فحص كاتب ومفكر كبري‪ ،‬وهو رجل دين مسلم شيعي لبناين مستنري‪،‬‬ ‫كان من أوائل من ارتبطوا بالثورة الفلسطينية عىل قاعدة النضال املشرتك‪ ،‬وظل كذلك‬ ‫حتى وفاته مؤخرا عام ‪2014‬‬

‫‪153‬‬


‫املشهد اليوم‬

‫إن املشهد بعد خمسني عاما من انطالقة الثورة الفلسطينية وحركة‬ ‫فتح الباسلة‪ ،‬املشهد اليوم يف العام ‪ 2015‬مشه ٌد مأساوي ممزق‪ ،‬ومشهد‬ ‫أسود حيث دخلنا يف النفق املظلم الذي لطاملا حذر منه الخالد يارس‬ ‫عرفات‪ ،‬فاإلرسائيليون يسريون بخطى رسيعة نحو التطرف واليمينية‪،‬‬ ‫ألنه يف بضع سنوات سيصبح املتطرفون أو املتدينون يف الكيان الصهيوين‬ ‫اليهودي العنرصي هم املمثلني لألغلبية حسب آخر االحصائيات‪.‬‬ ‫أما املشهد العريب الكئيب فهو مرشح ملزيد من التمزق والتشتت‬ ‫والحروب الطائفية‪ ،‬ومزيد من الضعف‪ ،‬أو اإلضعاف‪ ،‬الذي ميثل هدف‬ ‫من أهداف العقلية االمريكية االستعامرية الكربى املهيمنة عىل منطقتنا‬ ‫مع أدواتها املحلية التابعة‪.‬‬ ‫كام أن املشهد الفلسطيني يف ظل عربات الظالم والرش التي تجرها‬ ‫خيول االنفصاليني عن الشعب يبدو غري فاتح اللون أبدا‪ ،‬لذا فرصاعنا هذا‬ ‫إن أضفنا له البُعد الفكراين التاريخي مع السيايس الدبلومايس القانوين‬ ‫رياح كثرية عاتية‪.‬‬ ‫سيشتد إىل درجة قد تعصف بنا خالله ٌ‬ ‫ومع ذلك فالرش يف نظر املفكر املعروف (هيغل) ليس كله رشا‪.‬‬ ‫«فلواله ملا اكتشف (الناس) الذين يصنعون التاريخ معنى الخري‪ .‬وبالتايل‬ ‫فهناك وظيفة إيجابية للرش أو للعامل السلبي‪ .‬وال ينبغي أن نستهني بها‪.‬‬ ‫فلوال السلبي ملا كان اإليجايب‪ :‬وال بد دون الشهد من إبر النحل»‪ ..‬فام‬ ‫يحصل من كوارث وفواجع اليوم يف العراق أو فلسطني أو اليمن أو ليبيا أو‬ ‫سوريا أو كل مكان رمبا كان رضوريا ليك نفتح أعيننا عىل خطورة العوامل‬ ‫السلبية يف التاريخ‪ ،‬فنحاول إيجاد مضادات حيوية لها‪.‬‬ ‫‪154‬‬


‫اله ّزات يف حركة فتح‬

‫‪1 .1‬مرت حركة فتح بسلسلة من االنتصارات تجلت يف ‪ 5‬نقاط نوجزها‪:‬‬ ‫إنها تجلت يف بناء الذات الوطنية التي جعلت الالجيء فدائيا‬ ‫مقداما‪ ،‬وبلورة الكيانية الجامعة‪ ،‬وتكريس خط النضال بكافة‬ ‫األشكال‪ ،‬وإبراز الفعل الفلسطيني املستقل ضمن القطار العريب‬ ‫الواحد املوحد‪ ،‬وتجلت يف قدرتها عىل انتشال اليأس من صدور‬ ‫املحبطني‪ ،‬فبنت طريق الكفاح املسلح يف إطار الحرب الشعبية‬ ‫طويلة النفس التي تعانقت مع فكر العمليات االستشهادية‪ ،‬ثم‬ ‫االنتفاضات الثالث‪ ،‬وصوال للمقاومة الشعبية التي يجب ان تكون‬ ‫شاملة عامة مبنهج ووعاء حاضن ودميومة بال هوادة‪ ،‬نعم هي‬ ‫سلسلة انتصارات نرفع بها رأسنا عاليا‪ ...‬ولكن!‪.‬‬ ‫‪2 .2‬كرثت فينا الطعنات والرضبات واالخرتاقات من القريب والبعيد‬ ‫فأثقل الجسد بالدمامل والطفيليات‪ ،‬وخرجت مرص من معادلة‬ ‫املعركة الكربى الفاصلة‪ ،‬فاختار الفلسطينيون يف قراءة الواقع‬ ‫واالستفادة منه أن يتبنوا طريق القطاف عرب املساعي السياسية منذ‬ ‫العام ‪ 1974‬فكان شعار «العمل العسكري يزرع والعمل السيايس‬ ‫يحصد»‪ ،‬وما كان لخروج سوريا والعراق قبل سنوات قليلة من هذه‬ ‫املعادلة االقليمية إال تأكيدا عىل املسعى االستعامري من جهة لتفرد‬ ‫(إرسائيل) وتحقيق هيمنتها‪ ،‬وتأكيدا عىل صحة الرؤية الفلسطينية‬ ‫ملآالت ألمور‪.‬‬ ‫‪3 .3‬تعرضت الحركة لهزة كبرية إثر االنشقاق عام ‪ 1983‬املدعوم خارجيا‪،‬‬ ‫رغم أنها كرست مبدأ مل ِ‬ ‫تحد عنه حتى اآلن‪ ،‬وهو استقاللية القرار‬ ‫الوطني ما ثبتته بالدم أوال‪ ،‬ويف يف مؤمترها الرابع بوضوح عام‬ ‫‪ ،1980‬وإن كانت االستقاللية عن أي محور عريب أو اقليمي أو‬ ‫‪155‬‬


‫‪.4‬‬

‫‪.5‬‬

‫‪.6‬‬

‫‪.7‬‬

‫عاملي ترتبط لدى حركتنا بعدم التدخل يف شؤون اآلخرين إال أن‬ ‫اآلخرين وبأدواتهم الفلسطينية كانوا يجدون يف الجسد مجال طعن‬ ‫وموطن متزيق‪.‬‬ ‫‪4‬كانت االنتفاضات الثالث (‪ )2000 ،1998 ،1987‬عملية دافقة يف‬ ‫نهرالفعل الثوري املتجدد‪ ،‬ورغم سلبيات شابتها خاصة يف الخواتيم‪،‬‬ ‫وأثرت علينا‪ ،‬إال أن عقلية االستفادة والتجاوز الفلسطينية الخالقة‬ ‫كانت قادرة عىل اإلبداع دوما‪.‬‬ ‫‪5‬ومع دخولنا االجباري ‪-‬إثر هزمية األمة يف حروب الخليج املتتالية‬ ‫ يف معرتك مفاوضات مدريد ثم (أوسلو) يف العام ‪ ،1993‬وما نتج‬‫عنه من اتفاقيات وسلطة أعادت اآلالف لوطنهم وك ّرست بناء‬ ‫ألسس الدولة‪ ،‬إال أن بعض مضامني االتفاقيات البائسة‪ ،‬ومع عليائية‬ ‫العدو وغطرسته ومامطالتة قد أفرغت الكثري من بنود االتفاق من‬ ‫مضامنيه فوقعنا يف منتصف الطريق حائرين مشلولني‪.‬‬ ‫‪6‬ثم كانت مرحلة االنقالب الدموي عام ‪ 2007‬من فصيل «حامس»‬ ‫لتشكّل معركة اخالقية بامتياز وقفت فيها حركتنا ضد االقتتال‬ ‫األخوي‪ ،‬رغم كل يشء‪ ،‬ورغم التحريض املمنهج واملتواصل عىل‬ ‫الفتنة ضمن فكر الظالمية واإلقصاء ورفض اآلخر القادم الينا من‬ ‫غياهب التاريخ‪ ،‬فلم تقابل حركة فتح عمليات القتل والذبح‬ ‫والتعذيب والسحل بالشوارع مبثله‪ ،‬فرضبت مثال عرب التاريخ‬ ‫لرفض الفكر الحزيب‪-‬الطائفي الضيق ورفض منطق الدم والتصفيات‬ ‫الداخلية ما كان شبيها لنفس النموذج الذي قادته الحركة فرتة لبنان‬ ‫(‪.)1983 1971-‬‬ ‫‪7‬إن املرحلة الحالية عىل ما رافقها وسبقها من أزمات يف السلطة‬ ‫‪156‬‬


‫الوطنية الفلسطينية‪ ،‬ويف تلبية مطالب الوحدة الوطنية‪ ،‬ويف البناء‬ ‫السيايس‪ ،‬وطريقة اإلدارة والقيادة التي نختلف يف جوانب فيها‪ ،‬بل‬ ‫ويف البناء التنظيمي‪ ،‬وصعوبة الحراك الدويل‪.‬‬ ‫إال أن معطيات البناء عىل األرض ما زالت قامئة تستطيع بعقلية‪:‬‬ ‫‪ -1‬اإلبداع و‪ -2‬عقلية التجاوز و‪ -3‬عقلية الثورة معا أن تحقق الثورة‬ ‫املتجددة بثوب املقاومة الشعبية الجامهريية الشاملة التي تتعانق مع‬ ‫الرصاع الفكراين التاريخي وذاك القانوين الصاعد‪.‬‬

‫حركة فتح واآلخر‬

‫إن ما يحصل مؤخرا من حراك دبلومايس سيايس وقانوين ممثال‬ ‫باملقاطعة الفاعلة واملوجعة (إلرسائيل)‪ ،‬وباالنضامم املتالحق واملربمج‬ ‫لالتفاقات الدولية أدى ذلك مع كافة تضحيات شعبنا إىل عزل الكيان‬ ‫الصهيوين ألول مرة بتاريخه بهذه الكثافة‪.‬‬ ‫ومع تواصل املقاومة الشعبية عىل األرض تلك التي تحتاج لشحنات‬ ‫أكرب كتلك التي كانت يف صدر رفيقنا الراحل زياد أبوعني‪ ،‬ميكننا القول‬ ‫للمجتمع الدويل‪ :‬كفى! كفى صمتا ملن ما يزال كذلك‪ ،‬وكفى خوفا وكفى‬ ‫تذبذبا واحسم أمرك مع حقوق الشعوب يف تقرير املصري وبادر وقاطع‬ ‫وبادر وكافح وبادر ومزق رداء خوفك‪ ،‬ومعا لعزل الكيان الصهيوين‬ ‫العنرصي فالحق أبلج والفجر ال بد آت عىل فلسطني‪.‬‬ ‫وزير الخارجية االمرييك «كريي» يف محادثة هاتفية له مع الرئيس‬ ‫«أبو مازن» هدده قائال‪« :‬ستخرس سلطتك وستخرس نفسك وستخرس‬ ‫حل الدولتني»‪ ،‬وذلك يف محاولة لثنيه عن طرح املرشوع الفلسطيني‬ ‫إلنهاء االحتالل‪ ،‬وما انثنى وال الن وال مال‪ ،‬وال انثنينا وال ملنا‪ ...‬ولن منيل‪،‬‬ ‫أتعرفون ملاذا؟ ألننا عن حب فلسطني ال نحيد‪.‬‬ ‫‪157‬‬


‫(إن (إرسائيل) تريد معاقبة «أبو مازن»‪ ،‬للتحول الذي نجح به‪ ،‬يف‬ ‫اصطفاف املجموعة األوروبية إىل جانب القضية الفلسطينية‪ ،‬ومهاجمة‬ ‫هذه املجموعة لالستيطان واملامرسات اإلرسائيلية ضد الفلسطينيني‪،‬‬ ‫ومقاطعتها ملنتجات املستوطنات‪ ،‬والتسبب يف عزلة (إرسائيل)‪ ،‬وأدى‬ ‫ذلك إىل انحياز دول عديدة لصالح الفلسطينيني‪ ،‬وأن من أهم إنجازات‬ ‫الرئيس أبو مازن خالل واليته‪ ،‬تحويل الرأي العام الدويل‪ ،‬ليقف إىل جانب‬ ‫القضية الفلسطينية‪ ،‬التي كانت حكرا ل (إرسائيل)‪ ،‬وتوظيفها املحارق‬ ‫النازية‪ ،‬لصالح مرشوعها الصهيوين‪ ،‬مع أنه ال عالقة ال من قريب وال من‬ ‫بعيد للفلسطينيني يف املحارق النازية التي تفعلها هي ضد الفلسطينيني‬ ‫(‪((2‬‬ ‫وحقوقهم املرشوعة‪).‬‬ ‫أما اآلخر الوطني‪ ،‬الشقيق غري الشفوق أو الرفيق بنا‪ ،‬فلقد كان منا‬ ‫الصدر الواسع واملِرحاب ما هو سمة الزمة لحركة فتح يف التعامل معه‪،‬‬ ‫إذ أن حركة فتح هي التي انضوى تحت لوائها أصحاب مختلف التيارات‬ ‫الفكرية لتشكل يف حقيقة األمر مجتمعا فلسطينيا تعدديا وسطيا‪ ،‬جعل‬ ‫من وعاء فلسطني وبوصلتها الجامع املانع‪ ،‬فلم تنظر لعرق أو عائلة أو‬ ‫طبيعة فكر اجتامعي مادام الغرض املو ِّحد هو االتفاق عىل فلسطني‪،‬‬ ‫فدخلها العرب كام الفلسطينيون أفواجا‪.‬‬ ‫وك ّرست ذلك يف كل املراحل عرب ‪ 4‬أشكال يف األول منها جعلت من‬ ‫ذاتها الحضن الدايفء للجميع من الفلسطينيني والعرب‪ ،‬ثم كرست (م‪ .‬ت‪.‬‬ ‫ف) بيتا وكيانية وموئال‪ ،‬اما ملا اشتد الرصاع بني التنظيامت الفلسطينية‬ ‫عىل قاعدة الخالفات الفكرانية يف األعوام ‪ 1969-1968‬وما بعدها وقفت‬ ‫حركة فتح وقفة الرافض لالقتتال األخوي الداخيل وحمت التنظيامت من‬ ‫تصفية بعضها البعض‪.‬‬ ‫‪ -26‬من مقال للكاتب غازي السعدي‬

‫‪158‬‬


‫اما ثالثا فإنها مل تبدأ يف قتال املعتدين عليها‪ ،‬أو املنشقني عليها عام‬ ‫‪ 1983‬كام رفضت قتال املنقلبني يف «حامس» عىل الرشعية عام ‪2007‬‬ ‫الذين حللوا وحرموا وكفّروا وخونوا‪ ،‬وبالتايل كرست مفهوم «أم الولد»‬ ‫عرب إتاحة حرية الرأي والفكرة واالختالف فلم تقبل بالرصاصة والسكني‬ ‫ُحكام‪ ،‬وكان لنا يف عيل بن أيب طالب ريض الله عنه منوذجا يف عدم االنجرار‬ ‫للقتال أو تكفري املخالفني ليعتربهم بغاة أو كام قال ريض الله عنه وأرضاه‬ ‫(اخواننا بغوا علينا)‪ ،‬ما فعل عكسه مفتو الفتنة يف «حامس»‪.‬‬ ‫ولطاملا كان القائد الفذ‪-‬الرجل الثاين يف حركة فتح‪ -‬صالح خلف‬ ‫(أبواياد) يردد دوما ما «قال فولتري لـ جان جاك روسو حني حكمت‬ ‫السلطات السويرسية بإعدام كتاب «العقد اإلجتامعي» وكان فولتري ال‬ ‫يُقر أراء روسو فيه‪ :‬إننى ال أومن برأيك لكني عىل استعداد ألن أموت‬ ‫دفاعاً عن حقك ىف أن تبديه وتعلنه عىل الناس»‪.‬‬ ‫وظلت هذه القاعدة الذهبية يف عالقتنا مع املختلِفني داخلنا وخارجنا‬ ‫ما حدا بنا للحوار مع املنشقني ثم مع املنقلبني رغم فكرانية (أيديولوجية)‬ ‫«االخوان املسلمني» بعمقها القطبي ذات الطابع الحرصي الحق‪ ...‬لها‪،‬‬ ‫االقصايئ لآلخر‪ ،‬العليايئ عىل الغري التي ال ترى الحق أو الصواب والقداسة‬ ‫اال يف ذاتها دونا عن أمة املسلمني يف ما تسميه عقلية «الفسطاطني»‪،‬‬ ‫وصوال التفاقية الشاطيء عام ‪ 2014‬التي أمامها من الضباب الكثيف‬ ‫والعوائق ما مينع الرؤية لدى تيار املامنعة للمصالحة يف حركة «حامس»‬ ‫املستفيد من الوضع املزري القائم‪.‬‬

‫‪159‬‬


‫حركة فتح اآلن‬

‫(اقرتبت الساعة وانشق القمر) وال بد لليّل أن ينجيل‪ ،‬والفارس عاجال‬ ‫أم آجال سيرتجل‪ ،‬ونحن إذ نعيش يف كل صباح مع تحدي يومي جديد‪،‬‬ ‫فإن املطلوب أمامنا كث ٌري لن نحققه بالصف القيادي األول‪ ،‬ولن نحققه‬ ‫بالخذالن لبعضنا البعض‪ ،‬ولن نحققه ونحن عىل كرايس املتفرجني يف‬ ‫امللعب فعىل الحركة مهامت جسيمة‪ ،‬تجربها أن تنزل دوما إىل امللعب‪ ،‬ما‬ ‫يحتاج منا لنقاط مثانية هي‪:‬‬ ‫‪1 .1‬يجب إال تعيش حركتنا أبدا عيل أمجاد املايض التليد‪ ،‬وسرية الخالد‬ ‫يارسعرفات وصحبه وهي املدد وامل ُلهم نعم‪ ،‬ولكن فعل االقتداء‬ ‫واالنحياز لها يكون بالتج ّدد يف ماء النهر يوميا مبا يقربنا من النرص‬ ‫األكرب دوما‪( .‬وإن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح‪-‬األنفال ‪ ،)19‬وع ُد‬ ‫من الله كان مفعوال‪.‬‬ ‫‪2 .2‬ان تكريس النظام واإلطار املؤسيس الجامعي يف الحركة يجب أن‬ ‫يكون ضد عقلية االستبداد والفساد والهوى الشخيص واملكاسب‬ ‫املصلحية‪ ،‬ما يعني غسل الثوب كل فرتة وأخرى ونرشه‪ ،‬للتخلص‬ ‫مام علق به من أدران‪ ،‬فمن وضع التضحية الفتة عىل باب بيته‬ ‫وأمام عينيه‪ ،‬عىل الورق أو يف الحاسوب‪ ،‬وسار عىل الدرب نرحب‬ ‫به‪ ،‬ومن جعل من عقيدته هواه ال نهواه وال نجله وال نسري وراءه‪.‬‬ ‫‪3 .3‬اننا بحاجة ملراجعات جادة للمسار سواء السيايس بعد ‪ 20‬عاما من‬ ‫املفاوضات العقيمة أو بعد تجربة ودميقراطية تنظيمية مل تكتمل‬ ‫حتى اليوم‪ ،‬أو بعد بناء سلطة أخذت تنزع نزوعا سلبيا نحو الحفاظ‬ ‫عىل ذاتها عىل حساب الوطن واملواطن فتتكتل حولها الحشائش‬ ‫الضارة والعفن والصديد‪.‬‬ ‫‪160‬‬


‫‪.4‬‬

‫‪.5‬‬

‫‪.6‬‬

‫‪.7‬‬

‫‪4‬إن اعادة البعث أوال ثم البناء ل (م‪ .‬ت‪ .‬ف) وضخ الدماء يف‬ ‫هياكلها ومؤسساتها وبوجود كافة القوى الفلسطينية الفاعلة يعني‬ ‫انتصارا منا للفكر الوحدوي لحركة فتح ال للعجز الفصائيل‪ ،‬والضيق‬ ‫املصلحي واالنتامءات الفوق وطنية اإللهائية‪ ،‬امل ُق ِعدة عن التواصل‪.‬‬ ‫‪5‬إن تفعيل البناء الثقايف الفكري يعني إعادة تركيب الرواية التعبوية‬ ‫العربية التاريخية الفلسطينية حيث مل يكن لبني إرسائيل القبيلة‬ ‫العربية اليمنية املنقرضة وجود عىل أرضنا فلسطني وجغرافيتنا أبدا‪،‬‬ ‫وحيث ال يحق ألتباع أي ديانة‪-‬وخاصة اليهودية‪-‬إدعاء انتسابهم‬ ‫وكل ظنهم إثم ومخالف‬ ‫ملوطن يظنون أن معتقداتهم تشري إليه‪ّ ،‬‬ ‫فعل ثقايف ضخم‬ ‫للعلم والحجر والحقيقة‪ ،‬وما يستدعي منا جميعا ُ‬ ‫متواصل ومستمر مع الفعل امليداين والسيايس جنبا إىل جنب‪.‬‬ ‫‪6‬إن بناء شكل جديد للكفاح الوطني الفلسطيني يجب ان يكون يف‬ ‫ظل (الوعي) واإلدراك لحقيقة املستجدات واملتغريات‪ ،‬حيث تعرث‬ ‫أو صعوبة الكفاح املسلح بشكله القديم‪ ،‬وحيث ضعف املقاومة‬ ‫الشعبية املوسمية‪ ،‬وحيث فشل أو عقم املسار السيايس لوحده‪ ،‬ما‬ ‫يعني أن تحقيق شعار املقاومة الشعبية الشاملة يحتاج منا لهزة‬ ‫كبرية يف الفكر والخطط والربامج‪ ،‬كام يحتاج لثالثية االبداع والتجدد‬ ‫األصيلة فينا من‪ :‬تجاوز وقفز وثورة‪.‬‬ ‫‪7‬ان حركة فتح مل تهمل العامل الخارجي العريب أو الدويل‪ ،‬فهي تؤمن‬ ‫بنظرية تهيئة املناخ وتوفري الظروف املناسبة‪ ،‬وبالتحشيد الشعبي‬ ‫واالقليمي‪ ،‬وتؤمن بعقلية البدائل والخيارات وبتسديد الرضبات‬ ‫يف الوقت املناسب ضمن عقلية استثامر الفرص أو هي يجب‬ ‫أن تكون كذلك‪ .‬من هنا كانت العالقات الخارجية ضمن مفاتيح‬ ‫العمل القيادي بالحركة منذ كان املفكر العريب خالد الحسن يطوف‬ ‫‪161‬‬


‫الربملانات األوربية منظرا للثورة والقضية‪ ،‬ومنذ قام أبوعامر بجعل‬ ‫كوفيته املرقطة أيقونة النضال الوطني والعاملي‪.‬‬ ‫ولالشارة الهامة هنا كاستطراد نقول أنه‪ :‬يف عام ‪ 1983‬قام «أولوف‬ ‫بامله»‪ ،‬بصفته زعيامً للحزب االش�ترايك ورئيساً للحكومة السويدية‪،‬‬ ‫بدعوة عرفات لزيارة استكهومل وذلك لالجتامع مع القادة الدميقراطيني‬ ‫االشرتاكيني يف الدول اإلسكندنافية‪ .‬وبدأ «بامله» بعد ذلك يحثّ األحزاب‬ ‫األوروبية املنضوية تحت لواء االشرتاكية الدولية عىل اإلعرتاف مبنظمة‬ ‫التحريرالفلسطينية‪ ،‬جنباً إىل جنب مع املستشار النمساوي «برونو‬ ‫كرايسيك» واملستشار األملاين (الغريب) «وييل برانت»‪ ،‬ومن هنا تواصل‬ ‫الحراك الديلومايس الذي يتكامل اليوم مع عزل الكيان العنرصي اإلرسائييل‬ ‫وجره إىل املحاكم الدولية‪ ،‬والذي يجب استمرار دميومته‪.‬‬ ‫‪8 .8‬علينا خلق التوازن بني الواقعية السياسية يف حركة فتح وبني الثورية‬ ‫امليدانية عملية فكرانية ثقافية تنتزع وتنتج‪ ،‬وهي عملية يجب أن‬ ‫تغرينا نحن اوال‪ ،‬ونغيرّ فيها‪ ،‬فالبداية دوما من عندي‪ :‬يف ذايت وفكري‬ ‫ونفيس‪ ،‬وحيث حققت توازين أحقق ذلك يف املصنع واملدرسة‬ ‫والحقل‪ ،‬ويف أطر الثورة والدولة القادمة‪.‬‬ ‫إن الانسان فينا يجب أن يتحرر من ظلامية الفكرة الآسرة‪ ،‬ومن‬ ‫التفاسير والموروث والروايات المخطوفة للسرد التوراتي الخرافي أو‬ ‫الظلامي الديني‪ ،‬ويجب أن نقضي وقتا جيدا في ذلك لأن الوعي مفتاحنا‬ ‫نحو التقدم والفهم ورؤية الدرب‪.‬‬ ‫يجب أن نُنجز واجبنا يف بناء ذاتنا يف الفكر الواقعي املتوازن مع الفعل‬ ‫امليداين مهام ثارت العواصف التي ترضب باملحيط‪ ،‬ويف ظل التخيل عنا‬ ‫فعليا ويف ظل التغول الصهيوين االمرييك‪.‬‬ ‫‪162‬‬


‫انطلقنا يف مرحلة االنبعاث الثوري والكفاح املسلح وصوال ملرحلة‬ ‫ال ُنضج السيايس حيث منو الفكر الثوري الراديكايل مقابل الواقعية‬ ‫السياسية‪ ،‬وصوال ملرحلة تكريس التمثيل يف فتح ثم املنظمة‪ ،‬وصوال‬ ‫للدولة لنصل ملرحلة نقل الثقل القيادي للوطن‪ ،‬فمرحلة بناء السلطة‬ ‫واملؤسسات ومازلنا نجرتح املعجزات ونعقد املقارنات‪ ،‬ونؤسس إلخفاقات‬ ‫نعم اخفاقات وانجازات‪ ،‬ما عادالزمن يحتمل منا اخفاقات جديدة‬ ‫وتجارب فاشلة وقيادات هزيلة‪ ،‬فإيل أين نحن ذاهبون إن مل تكن فلسطني‬ ‫بوصلتنا والشعب مد ُدنا والله نارصنا‪.‬‬ ‫(أنا األرض‪ .‬يا أيّها العابرون عىل األرض يف صحوها‬ ‫لن مت ّروا)‬ ‫إنا هنا باقون)‬ ‫(فلترشبوا البحرا‬ ‫نحرس ظل التني والزيتون‬ ‫ونزرع األفكار‪ ،‬كالخمري يف العجني‬ ‫برود ُة الجليد يف أعصابنا‬ ‫ويف قلوبنا جهنم حمرا‬ ‫إذا عطشنا نعرص الصخرا‬ ‫ونأكل الرتاب إن جعنا‪ ..‬وال نرحل)(‪.((2‬‬ ‫ُص ّناع التاريخ‬ ‫إن فلسطني التاريخ والقضية والجغرافيا ليست وليدة اليوم بل ُص ِنعت‬ ‫‪ -27‬للشاعر سميح القاسم‬

‫‪163‬‬


‫من غابر العصور‪ ،‬فالبلد التي أرشقت بنور الحضارة مل تقبل الغزاة أبدا‪،‬‬ ‫وعاشت بسالم وتقبلت كل من أعلن الوالء لها‪ ،‬مل تلفظ أحدا إال من‬ ‫استكرب وعال‪ ،‬وإال من طغى وتجرب‪ ،‬لذلك تجد جبال فلسطني ووهادها‬ ‫تنطق بالحب والصفاء والسالم فتنرشه أريجاً يع ّم أنحاء العامل‪ ،‬هكذا كانت‬ ‫فرشفها السيد املسيح عليه السالم برسالة املحبة والسالم العاملي‪ ،‬وهكذا‬ ‫سنكون يف فلسطني األرض التي نشأنا وفيها سنموت بعد ان نقيض يف‬ ‫حياتنا سعيا إلعامر هذه االرض وتحريرها من البغى والظلم والعدوان‬ ‫شعب صلب صام ٌد أ ّيب‪ ،‬كان‬ ‫واألرهاب واالحتالل‪ ،‬فالشعب الفلسطيني‬ ‫ٌ‬ ‫مستقرا هنا يف فلسطني منذ األبد‪ ،‬وسيظل إىل أن يرث الله األرض ومن‬ ‫عليها‪ ،‬أنها األرض التي مل نعرف غريها ومل تعرف غرينا‪ ...‬فإن كنتم يف ريب‬ ‫من ذلك اسألوها بصوت عا ٍل وستسمعون الجواب الحق‪.‬‬ ‫ثالثة صنعوا يف التاريخ الفلسطيني الحديث منارات شاهقة وعالمات‬ ‫بارزة تطل علينا ب ُعل ّوها كلّام أبحرنا تجاه فلسطني أو مررنا بسامئها أو‬ ‫حللنا بني أغصان زيتونها وبرتقالها والنخيل‪.‬‬ ‫كان «محمد يارس» عبد ال��رؤوف عرفات القدوة الحسيني أول‬ ‫املنارات التي سعت لتسلق الجبال منذ الصغر‪ ،‬فطاردت الرياح وسبقت‬ ‫وشوشات الربتقال وعانقت عروق املريمية‪ ،‬وسبحت يف بحر يافا وغزة‬ ‫فولد يارسعرفات قامة سامقة ليجعل من ُحلمه واقعا‪ ،‬وهكذا دأب العرب‬ ‫الفلسطينيون الثائرون‪.‬‬ ‫ٌدسنا نحن العرب‬ ‫يارس عرفات منذ وطأت قدماه مدينة القدس‪-‬ق ُ‬ ‫واملسلمني واملسيحيني‪-‬كتب يف كتاب أرساره األحمر املدفون يف جيب‬ ‫سرتته الخرضاء كلامت حب وشوق وحنني لفلسطني‪ ،‬كام وضع يف الكتاب‬ ‫أحالمه الثالثة‪ ،‬مع وردة جميلة كان قد أهداها له سلفُه‪.‬‬ ‫‪164‬‬


‫وكانت املنارة الثانية يف تاريخ فلسطني الحديث شيخنا الجليل عز‬ ‫الدين القسام الذي مل يُرهبه سوط االستعامر الفرنيس‪ ،‬وإن التف عليه‬ ‫ليرصخ ويغني يف فلسطني‪ ،‬يغني بصوت أجش ضد االحتالل وضد اإلرهاب‬ ‫وضد الظلم‪ ،‬حامال عىل كتفيه الهرِمني مهمة القضاء عليه منذ عانق حيفا‬ ‫بلدنا طويال وما جاورها‪ ،‬فكتب عز الدين القسام يف كتابه األحمر الصغري‬ ‫يف جيبته ُج َمال هي ما بني الحلم والتنبؤ‪ ،‬ما بني شعلة األمل والحقائق ثم‬ ‫أهدى الكتاب ملن أوصلوه لع ِقبِة‪.‬‬ ‫أما املنارة الثالثة يف رواية فلسطني الجديدة‪ ،‬فظهرت تأليلء يف القرن‬ ‫الثامن عرش حيث تجلىّ ظاهر العمر الزيداين ملك فلسطني والجليل‬ ‫ليكرس بعمله ُرعب الظلم واالستبداد وليم ّزق أستار الروايات املكذوبة وما‬ ‫يدبر بليلٍ لفلسطني‪ ،‬منذ تلك الفرتة‪ ،‬فأقام دولة فلسطني وأنشأ الكيانية‬ ‫الوليدة منطلقا من طربيا إىل النارصة إىل عكا وحيفا ونابلس وغزة‪ ،‬وأرجاء‬ ‫أخرى يف فلسطني وجوارها‪ ،‬فأثبت عىل الخريطة وحدة األرض والشعب‬ ‫واملستقبل‪ ،‬وكتب ذلك يف دفرته األحمر الصغري الذي دفع به ملن خلَ َف ُه‪.‬‬ ‫إن املنارات الثالث تعاقبت لرتسم‪ ،‬كام غريها من املشاعل يف دربنا‪،‬‬ ‫طريق الحرية والحرير‪ ،‬طريق العدالة والنور الوفري‪ ،‬طريق الثورة والعبء‬ ‫الثقيل فكتبت وتوارثت ِخالفة األرض التي نحبها طائعني مختارين‪.‬‬

‫بيدي أن أصري دبابة‬

‫(‪((2‬‬

‫بيدي أن أصري دبابة‬ ‫بيدي ان اطري‬ ‫بيدي ان اغري‬ ‫‪ -28‬من كتاب للمؤلف بكر أبوبكر حمل نفس العنوان صادر عام ‪2013‬‬

‫‪165‬‬


‫بيدي ان اكون اطول‬ ‫استطيع ان امنو اكرث‬ ‫بيدي ان اقاوم‬ ‫بيدي اال أساوم‬ ‫استطيع ان أقفز‬ ‫عن النحيب والوجع واليأس الكمني‬ ‫أستطيع أن أنجز‬ ‫رغم العيص والسالمل والطاقات‬ ‫أستطيع أن أقرأ يف ضوء فراشة‬ ‫وأقدر أن أرسم يف عني الشمس‬ ‫وأميش منتصبا بدون ظالل‬ ‫أنا القادم نهرا باردا‬ ‫وسقفا عاليا‬ ‫وربيعا ضاويا‬ ‫وسوسنة جديت‬ ‫أنا الناف ُر الزاف ُر الواف ُر‬ ‫حس ُن الطلعة غري هيّاب‬ ‫ولكنك حدودي والرحيل‬ ‫وأنت عشقي النبيل‬ ‫ملحتُك تغدقني بال كتاب‬ ‫‪166‬‬


‫وتبتسمني للغيامت والعتبات والنفري‬ ‫وتأكلني بأطراف أصابعك وتس ّبحني‬ ‫التقيتك سيفا بجراب‬ ‫وقلام يهوى كتاب‬ ‫وبَ ْكرا يرنو الجواب‬ ‫انا الصدى لصوت املحرومني‬ ‫وأنت قدري‬ ‫وأنا ال ِر ْج ُز املنزل عىل الفاسدين‬ ‫ِ‬ ‫وأنت ثغري‬ ‫وأنا الشهور التسعة‬ ‫ِ‬ ‫وأنت حميل‬ ‫بيدي أن أصري دبابة‬ ‫وبيدك ان تلقمي املدفع‬ ‫وأستطيع أن أصري حاممة‬ ‫وأنت فضاء الرحاب‬ ‫«بيدي ال بيد عمرو»‬ ‫قد التقى بك وحتفي‬ ‫احتفظت بك يف حلقي‬ ‫ويف كتبي ودموعي‬ ‫وعند انتصار الفجر‬ ‫‪167‬‬


‫ويف عيد الصبايا‬ ‫وارتجاف ذرة الرتاب شوقا‬ ‫أنا العناق وأنت النحر‬ ‫وحيث تكونني يتجىل هو‬ ‫فاسمحي يل ان اكون أطول‬ ‫ودعيني أطري‬ ‫(‪((2‬‬ ‫وهو ينظر‪ ...‬فأنا غدوت ثورة‬ ‫ظن الكثريون أن الكتاب األحمر الصغري الذي توارثه الثالثة واآلالف‬ ‫معهم من األحرار واملردة والثوار قد كُتب حديثا‪ ،‬ولكنه كان مع أول‬ ‫الزمان حيث ُصنعت األرض وكانت فلسطني‪ ،‬ومنذ ُسطّريف الكتاب أن‬ ‫(بسم الله الرحمن الرحيم) وتىل هذه االفتتاحية املقدسة أربعة عبارات‬ ‫مام توارثته املنارات الثالث‪.‬‬ ‫(أرض فلسطني) لتعلّق يف أعناقنا لألبد‪،‬‬ ‫يف السطر األول كُتبت عبارة ُ‬ ‫لذلك صنع الرشيف ظاهر العمر الزيداين أول دولة فلسطينية يف التاريخ‬ ‫الحديث ليكسرِ من خاللها أكاذيب املسترشقني واملستعمرين والصهاينة‬ ‫من مثل‪ :‬أن هذه األرض بال شعب أو بال حضارة أو بال تاريخ سوى ما‬ ‫شعب فلسطني طافحا باملحبة والسعي للحرية‬ ‫ابتدعوه وألّفوه‪ ،‬وكان‬ ‫ُ‬ ‫والسعادة‪.‬‬ ‫ثم كَتب يف الصفحة الثانية عز الدين القسام كلم ًة واحدة لكنها‬ ‫عميقة وكبرية وح ْملُها قد تنوء به الجبال‪ ،‬إذ كتب (وجاهدوا) لتصبح‬ ‫معوال وبندقية‪ ،‬وحجرا وبندقية‪ ،‬ومنجال وقلام يف يد األمة جمعاء‪.‬‬ ‫‪ -29‬من كتاب النصوص األدبية للكاتب واألديب بكر أبوبكر‪ ،‬بامكاين أن أصري دبابة‬

‫‪168‬‬


‫(شعب فلسطني)‬ ‫أما يف الصفحة الثالثة فكتب يارس عرفات كلمتني هام‬ ‫ُ‬ ‫إذ أن به بهذا الشعب العريب طريق التحرير والحرية والخالص األكيد‪.‬‬ ‫الصفحات التالية بقيت بيضاء تنتظر العبارة أو األسطر التي تمُ ثل‬ ‫رباعية املبادئ الحضارية العربية اإلسالمية كافة‪ ،‬وهي ما ألقى عىل أكتاف‬ ‫(كل األمة والشعب) التي عليها أن تفيق من غفوتها وتطرد النعاس أو‬ ‫الرتاخي واالستهانة والكسل‪ ،‬فتسعى للعلم والثقافة وللعمل والوحدة‬ ‫ورفض الظلم واالستبداد‪ ،‬كام تسعى لإلبداع‪ ...‬فتعود فلسطني اليها إىل‬ ‫االمة جمعاء منارة ومشعال وحقيقة خالدة ال تنطفئ مهام دوت الرياح أو‬ ‫صفّرت الزوابع‪ ،‬ومهام أغربت األجواء أو غيّمت السامء‪.‬‬ ‫هذه رَ ِ‬ ‫التكة الثقيلة ولكنها املقدسة التي نتوارثها اليوم من كتاب الله‬ ‫الكريم‪ ،‬وكتاب منارات نضالنا مع الوردة الجميلة‪ ،‬تشكل لنا أيقونات‬ ‫النضال والكفاح واملحبة والعيون املفتوحة أبدا عىل املستقبل‪ ،‬حيث‬ ‫فلسطني كل فلسطني تلوح لنا يف األفق‪ ،‬قبلَتُنا النضالية التي نتوجه إليها‬ ‫خمسني مرة يف اليوم ولن نستسلم أو نستكني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يستحق الحيا ْة‪:‬‬ ‫«عىل هذه األرض ما‬ ‫عىل هذه األرض سيد ُة‬ ‫األرض‪ ،‬أ ّم البدايات‪ ،‬أ ّم النهايات‬ ‫كانت تسمى فلسطني‪.‬‬ ‫صارت تسمى فلسطني‪.‬‬ ‫سيدتي‪ :‬أستحق ألنك سيدتي‬ ‫أستحق الحياة»(‪.((3‬‬ ‫‪ -30‬الشاعر محمود درويش‬

‫‪169‬‬


‫والدرب طويل والزاد قليل‪ ،‬ونحن يف منتصف الطريق‪ ،‬وليس لنا إال‬ ‫النرص‪.‬‬

‫وإنها لثورة حتى النرص‪.‬‬

‫‪170‬‬


‫مبناسبة االنطالقة ‪51‬‬ ‫حركة فتح والبحث عن الغيمات املاطرة‬ ‫بكر أبو بكر‬ ‫‪2016‬‬ ‫مل يكن يارس عرفات ليتنبأ بالقادم‪ ،‬فلم يكن ع ّرافا أو منجام أو كاهنا‬ ‫ومل يكن يحتاج ألن يكون أي من هؤالء عندما ش ّخص صعوبة الدرب‬ ‫ومشاق النضال وحجم العقبات والعوائق التي تعرتض وستعرتض العمل‬ ‫الفدايئ‪.‬‬ ‫منذ الرصاصة األوىل بل وما قبلها‪ ،‬رمبا ملزاياه القيادية وامتالكه للرؤية‬ ‫وحسن النظر كان يدرك ِعظَم املسؤولية امللقاة عىل عاتق الرواد األوائل‪،‬‬ ‫ف ِعظم التضحيات يجب أن تناظر ِعظم القضية‪ ،‬وعظمة الرجال ال تظهر‬ ‫إال باملهام العظيمة‪ ،‬واملهام العظيمة هي دوما صعبة وقد يراها أصحاب‬ ‫الهمم النافقة مستحيلة‪ ،‬ومن هنا كان القرار صعبا أن تنطلق حركة‬ ‫التحرير الوطني الفلسطيني – فتح بعد النكبة عام ‪.1948‬‬ ‫تلك النكبة التي خلفت صدمتها للوهلة األوىل حطاما برشيا ونفسيا‬ ‫‪171‬‬


‫واجتامعيا وثقافيا عكس نفسه بالذهول والتشتت وافتقاد السند واالحباط‬ ‫الشديد‪ ،‬وعكس نفسه بالبحث عن الذات يف ظل الضياع الذي أصاب األمة‬ ‫والشعب الفلسطيني فطفق يبحث عن حقيقة هويته فيغرف من األفكار‬ ‫«الصلبة» التي افرتضت بذاتها الكامل أو القداسة‪ ،‬وافرتضت بذاتها املطلق‬ ‫والشمولية‪ ،‬وافرتضت بذاتها االنتصار بالشعارات واالمتداد‪.‬‬ ‫الفلسطينيون‪-‬بعد تجاوز الصدمة نفسيا‪-‬هم الذين رفضوا اإلبحار‬ ‫طويال يف مركب البؤس واليأس واإلحباط فتوزعوا بني تيارات األمة الكربى‬ ‫آنذاك وهي التيارات أو األحزاب التي تولدت إثر رصاع عميق داخل األمة‪.‬‬ ‫يقول صالح خلف (أبوإياد) الشهري بخطاباته الحامسية التحفيزية املفعمة‬ ‫باألمل عن «الحفنة الطيبة من الشباب التي انطلقت» أنهم «جمعوا يأس‬ ‫األمة العربية وحولوه إىل آمال»‪.‬‬ ‫(يف عام ‪ 1965‬عندما انطلقت حركة فتح مل يكن عددنا كبريا‪ ،‬كان‬ ‫العدد بسيطا جدا‪ ،‬وإمنا كانت الفكرة يف نظرنا كبرية جدا‪ ،‬ألننا كنا نعتقد‬ ‫أن الرصاصات التي سنطلقها يف األرايض املحتلة‪ ،‬ال ميكن أن تعيد لنا‬ ‫فلسطني‪ ،‬إمنا هذه الرصاصة لها مردود عىل نفسية اإلنسان الفلسطيني‪ ،‬ال‬ ‫بد أن يشعر اإلنسان أنه موجود أوال) ويضيف صالح خلف (أبوإياد) يف‬ ‫موضع آخر (أقول نحن كشعب فلسطيني كان ال بد أن نعود إىل الخارطة‬ ‫السياسية‪ ،‬قيمة كل نضال شعبنا يف عام ‪ 1965‬أنه أعاد هذا الشعب‬ ‫(‪((3‬‬ ‫الفلسطيني إىل الخارطة السياسية)‬

‫‪ -31‬كتاب من إصدار مكتب الشؤون الفكرية والدراسات يف حركة فتح تحت عنوان‬ ‫الفكر الوطني الثوري يف املامرسة‪ :‬من خطب الشهيد أبوإياد‪ ،‬الطبعة‪ 2‬عام ‪2008‬‬ ‫واالقتباسني من ص ‪ 67‬ومن ص ‪ ،137‬والجملة األوىل اليأس واآلمال ص‪145‬‬

‫‪172‬‬


‫نهوض أمة وتشظي أخرى‬

‫تشظّت األمة العربية واألمة اإلسالمية عىل مدار زمني طويل ارتبط‬ ‫بالنهوض األورويب الذي ترافق مع تغلغل عقلية الهيمنة واالستعامر‬ ‫واالستبداد االوريب الذي وجد شكله الحقيقي من خالل احتالل أرايض‬ ‫الغري تحت ادعاءات النقاء والطُهر والتقدم للرجل األبيض‪ ،‬وتحت مدامك‬ ‫الفكر العنرصي الذي أباح النظر لألقوام األخرى من زاوية السيد املطاع‬ ‫الذي يحمل الحضارة للوحوش وهو السيد الذي ينبغي من االتباع الطاعة‬ ‫له وتقديم القرابني والشكر إلل ِه ِه‪.‬‬ ‫كان املطلوب يف ظالم (االستعامر) الغريب أن تقدم الشعوب ثقافتها‬ ‫وروحها ودينها وقوميتها وإنسانيتها وخرياتها وأرضها فداء للرجل األبيض‬ ‫الذي افرتض امتالكه لكل الحقائق وافرتض امتالكه للحقيقة الدينية‪،‬‬ ‫وافرتاض أن هيمنته تشكل قدرا عىل اآلخر أن ينصاع له‪ ،‬فسوغت العقلية‬ ‫االستعامرية لنفسها النظرة االستعالئية واالحتقارية لشعوب األرض‬ ‫فاستعبدتها يف فرتات الرصع االسباين الربتغايل عىل املستعمرات‪ ،‬وما تالها‬ ‫من فرتة الرصع االستعامري الثقايف – االقتصادي االنجليزي الفرنيس‪ ،‬هذا‬ ‫الرصاع الذي حط رحاله يف منطقتنا العربية بقوة منذ القرن التاسع عرش‬ ‫ثم تألق إثر الحربني االوروبيتني الكربيني (املسميتني الحرب العاملية االوىل‬ ‫والثانية)‪ ،‬وما كان للنزاع السلطوي ونزاع النفوذ واملصالح االقتصادية إال‬ ‫متوافقا يف هذه العقلية مع نزعات التفوق والتي وجدت ضالتها بعد‬ ‫تحطم االمرباطورية العثامنية‪.‬‬

‫فلسطني يف ثالثة وجوه استعمارية‬

‫نالت املنطقة العربية العنت واالضطهاد واالستعامر الال أخالقي سواء يف‬ ‫مناطق االحتالل والهيمنة يف الخليج العريب من الربتغاليني (متكن الربتغاليون‬ ‫‪173‬‬


‫من الوصول إىل الهند بعد اكتشافهم لطريق‪ ‬رأس الرجاء الصالح‪ ‬ورسعان‬ ‫ما أسسوا لهم إمرباطورية يف ال�شرق‪ .‬يف عام ‪1507‬م متكن اسطول‬ ‫برتغايل يقوده‪ ‬ألفونسو دي ألبوكريك‪ ‬من احتالل‪ ‬مسقط‪ ‬وصحار‪ ‬وخور‬ ‫فكان‪ ‬ثم‪ ‬هرمز‪ ‬التي وقع ملكها اتفاقية الوالء للتاج الربتغايل‪ ،‬يف عام ‪1521‬‬ ‫سقطت‪ ‬البحرين‪ ‬بيد الربتغاليني‪ ،).‬ومن االنجليز الحقا‪ ،‬أو يف الجزائر منذ‬ ‫احتالل واستعامر الجزائر العام (‪1830‬م)‪ ،‬ثم بلغت ذروتها بعد الحرب‬ ‫(االوروبية – العاملية األوىل ‪1918-1914‬م) واالتفاق عىل تقسيم العامل‬ ‫العريب يف (سايكس بيكو عام ‪ )1916‬ثم يف (سان رميو) عام ‪ ،1920‬وما كان‬ ‫ذلك بغريب عىل العقلية التي ال ترى يف اآلخر إال خادما وعبدا‪ .‬ومن هنا‬ ‫وقعت فلسطني يف صلب املخطط االستعامري االوريب عىل ثالثة أوجه‪:‬‬ ‫كان الوجه األول منه هو‪ :‬ضامن الهيمنة واالغتصاب والسيطرة األبدية‬ ‫عىل مقدرات األمة واملنطقة االقتصادية والجغرافية والثقافية والروحية‬ ‫بفصل جزئيها الرشقي والغريب إىل األبد‪ ،‬وبتفتيتها إىل كيانات متحاربة‪.‬‬ ‫والوجه الثاين من املخطط االستعامري هو تغلغل عقدة العقل‬ ‫االستعامري املتفوق الغريب الذي يري اآلخر مأمورا أو منبوذا أو مس ّخرا‬ ‫نتيجة ارتباط هذه العقلية ب ُبعدها االقتصادي التوسعي (تحولت «رشكة‬ ‫الهند الرشقية املحرتمة» الربيطانية من مرشوع تجاري تأسس عام ‪1600‬م‬ ‫إىل مؤسسة تحكم جميع الواليات الهندية وجميع مستعمرات التاج‬ ‫الربيطاين يف املنطقة وذلك بدعم سيايس وعسكري من بريطانيا‪ ).‬وب ُبعدها‬ ‫العنرصي الذي يستغل االختالف العقدي يف االقصاء عوضا عن التقبل‪،‬‬ ‫وهو ما ناله يهود أوروبا الذين تقرر أن يُستبعدوا من القارة ويف ذات‬ ‫الوقت يرشخوا منطقتنا فيتحقق للغرب االستعامري و(للحركة الصهيونية‬ ‫الحقا) أن يرضبوا عدة عصافري بحجر واحد‪.‬‬ ‫أما الوجه الثالث فكان تحقيق الدول الغربية لتواصل احتكار العلم‬ ‫‪174‬‬


‫والزراعة املتطورة والصناعة والتقدم والتقانة (التكنولوجيا)‪ ،‬فوقعت‬ ‫فلسطني يف (بؤرة) الحدث االستعامري ولألسباب الكثرية التي ميزت‬ ‫جغرافيتها وموقعها وأساطري التناخ (التوراة وملحقاتها) التي أعيد تحريفها‬ ‫لتُفهم وكأنها تتحدث عن بالدنا‪.‬‬ ‫يقول يارس عرفات (ومن هنا يبدأ جذر املشكلة الفلسطينية‪ ،‬أن هذا‬ ‫يعني أن أساس املشكلة ليس خالفاً دينياً أو قومياً بني دينني أو قوميتني‬ ‫وليس نزاعاً عىل حدود بني دول متجاورة‪ ،‬انها قضية شعب اغتصب وطنه‬ ‫(‪((3‬‬ ‫ورشد من أرضه لتعيش أغلبيته يف املنايف والخيام‪).‬‬

‫بريطانيا واالحتالل الصهيوني‬

‫نالت املنطقة العربية من الضغط والقسوة واالستعامر ما جعل من‬ ‫الكيانات الناشئة بقوة وإرادة أبطال التحرر واالستقالل العرب يسعون‬ ‫لبناء هذه البلدان والسعي لتقدمها‪ ،‬ولكن من موقف ضعيف مرتبط‬ ‫بشكل أو بآخر بالدولة التي احتلتها أكانت بريطانيا أو فرنسا (أو إيطاليا‬ ‫أو إسبانيا أو الربتغال) إال أن فلسطني كانت قضية مركبة فعل فيها العقل‬ ‫الغريب االستعامري أبشع جرمية يف القرن العرشين (والواحد وعرشين)‬ ‫وهي جرمية وضع مبقتضاها عدد من أتباع ديانة محددة من قوميات‬ ‫متعددة وهم اتباع الديانة اليهودية األوروبيني خاصة مكان سكان فلسطني‬ ‫العرب يف آلية تهجري وطرد وإحالل برزت بذورها منذ العام ‪ 1881‬م ثم‬ ‫يف مؤمتر (بانر‪ -‬كامبل) ‪ 1907 – 1905‬يف لندن وصوال لتحالف العقل‬ ‫الغريب مع الحركة الصهيونية (منذ مؤمتر بازل ‪1897‬م) فتوىل االنجليز منذ‬ ‫احتاللهم لفلسطني وعرب ما يسمى (صك االنتداب) عام ‪ 1922‬القيام بهذه‬ ‫املهمة الالأخالقية‪.‬‬ ‫‪ -32‬من خطاب أبوعامر يف االمم املتحدة عام ‪1974‬‬

‫‪175‬‬


‫وقعت فلسطني يف قبضة عقلية الهيمنة واالستعامرالثقايف واالقتصادي‪،‬‬ ‫واإلحالل فسهلت الهجرة اليهودية ويسرّ ت رسقة األرض‪ ،‬ثم عمدت النشاء‬ ‫الكيان فوقعت نكبة العام ‪ 1948‬التي دفعت بالشباب الفلسطيني ألن‬ ‫يأخذ بزمام املبادرة ضمن فهم عميق لجذور املشكلة‪ ،‬ويف تطور وعي‬ ‫استغرق زمنا طويال ليحدد من خالله حجم القوى والتدافع الدويل‪ ،‬ثم لريى‬ ‫حجم قوته وامتداداتها فريى بوضوح أين يقف من كل ذلك‪ ،‬ففلسطني قد‬ ‫سقطت بني أيدي إحتاللني اجنبيني انجليزي وصهيوين‪ ،‬ثم ترك األمر كله‬ ‫للقاعدة املتقدمة للغرب الذي ورث سطوته وهيمنته الواليات املتحدة‬ ‫االمريكية‪.‬‬ ‫قال الخالد فينا الراحل يارس عرفات من عىل منصة االمم املتحدة يف‬ ‫نيويورك عام ‪( :1974‬ترجع جذور املشكلة الفلسطينية إىل أواخر القرن‬ ‫التاسع عرش أو بكلامت أُخرى إىل ذلك العهد الذي كان يسمى عرص‬ ‫االستعامر واالستيطان وبداية انتقال إىل عرص اإلمربيالية حيث بدأ التخطيط‬ ‫الصهيوين_ االستعامري لغزو أرض فلسطني مبهاجرين من يهود أ ُوروبا كام‬ ‫كان الحال بالنسبة للغزو االستيطاين إلفريقيا‪ .‬يف تلك الحقبة التي توطدت‬ ‫فيها سطوة عتاه االستعامر القادمني من الغرب إىل أفريقيا وآسيا وأمريكا‬ ‫الالتينية لالستيطان وإقامة املستعمرات ومامرسة أشد أشكال االستغالل‬ ‫واالضطهاد والنهب لشعوب القارات الثالث‪ .‬إنها الحقبة التي ما زلنا نشهد‬ ‫آثارها العنرصية البشعة يف الجنوب اإلفريقي وكذلك يف فلسطني‪.‬‬ ‫وكام استخدم االستعامر واملستوطنون أفكار ((التمدن والتحرض))‬ ‫لتربير الغزو والنهب والعدوان يف إفريقيا وغريها‪ .‬كذلك استخدمت هذه‬ ‫الذرائع لغزو فلسطني مبوجات املهاجرين الصهاينة‪ .‬وكام استخدم االستعامر‬ ‫واملستوطنون الدين واللون والعرق والغة لتمرير عملية استغالل الشعوب‬ ‫وإخضاعها بالتمييز والتفرقة واإلرهاب يف إفريقيا‪ ،‬كذلك استخدمت هذه‬ ‫‪176‬‬


‫األساليب الغتصاب الوطن الفلسطيني واضطهاد شعبه ومن ثم ترشيده‪.‬‬ ‫وكام استخدم االستعامر‪ ،‬وقتئذ‪ ،‬املحرومني والفقراء واملستغلني كوقود‬ ‫لنار عدوانه‪ ،‬ومرتكزات االستيطان‪ ،‬كذلك استخدم االستعامر العاملي‬ ‫والقادة الصهاينة اليهود املحرومني واملضطهدين يف أُوروبا كوقود للعدوان‬ ‫ومرتكزات لالستيطان والتمييز العنرصي‪.‬‬ ‫إن اإليديولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا الستيطان‬ ‫فلسطني بالغزاة الوافدين من الغرب استخدمت يف الوقت ذاته القتالع‬ ‫اليهود من جذورهم يف أوطانهم املختلفة ولتغريبهم عن األمم‪.‬‬ ‫إنها أيديولوجيا استعامرية استيطانية عنرصية متييزية رجعية تلتقي‬ ‫مع الال سامية يف منطلقاتها‪ ،‬بل هي الوجه اآلخر للعملة نفسها‪ .‬فعندما‬ ‫نقول أن تابعي دين معني هو اليهود‪ ،‬أياً كان وطنهم‪ ،‬ال ينتسبون إىل‬ ‫ذلك الوطن وال ميكن أن يعيشوا كمواطنني متساوين مع بقية املواطنني‬ ‫من الطوائف األخرى‪ ،‬فإن تلك اللقاء مبارش مع دعاة الالسامية‪ ،‬وعندما‬ ‫يقولون أن الحل الوحيد ملشكلتهم هو أن ينفصلوا عن األمم واملجتمعات‬ ‫التي هم جزء منها عرب تاريخ طويل‪ ،‬ثم يهاجرون ليستوطنوا أرض شعب‬ ‫آخر ويحلوا محله بالقوة واإلرهاب يأخذون من غريهم املوقف نفسه‬ ‫(‪((3‬‬ ‫الذي أخذه دعاة الالسامية منهم)‪.‬‬

‫سقوط جغرافيا فلسطني وجدل الحل‬

‫يف ظل جدل ال�صراع وأصوله وكيفية مواجهة تحديات التشظي‬ ‫والترشذم لألمة يف بلدانها ومقدرتها وحضارتها وثقافتها برزت األفكار‬ ‫الكربى الثالثة تلتمس الحل النهايئ وتصبو لإلجابة عىل كل األسئلة ومن‬ ‫‪ -33‬ميثل خطاب الرئيس الراحل والفدايئ االول يارس عرفات رحمه الله يف االمم املتحدة‬ ‫‪ 1974 /11 /13‬مفتاحا حقيقيا لفهم االستعامر واالحتالل وما يعد بالفعل وثيقة تاريخية‬ ‫تستحق أن تدرس يف مدارس فلسطني واألمة جمعاء‪.‬‬

‫‪177‬‬


‫هنا منى التيار القومي وبرز اإلسالمي وكان لالشرتايك ظهورا ومكانة‪.‬‬ ‫سقطت جغرافيا فلسطني بني أيدي الحركة الصهيونية بتسهيالت كان‬ ‫ال غنى عنها من (االنتداب الربيطاين)‪ ،‬ومل يكن الشعب العريب الفلسطيني‬ ‫إزاء ذلك مستكينا وال مستسلام وال خانعا‪ ،‬وإمنا كان ثائرا شجاعا مقداما‬ ‫قدم الهبّات والثورات منذ العام ‪ 1919‬ثم يف العرشينيات‪ ،‬وهبّة الرباق‬ ‫عام ‪( 1929‬تعود اليوم القضية يف حائط الرباق واملسجد األقىص املبارك‬ ‫ككل لتغلغل العقلية التوراتية الخرافية يف املجتمع اإلرسائييل يف فلسطني)‬ ‫فالنشاط التنظيمي للشيخ عزالدين القسام ثم ثورة ‪ 1939 – 1936‬وما‬ ‫رافقها من أساليب نضال عدة كان لألخ العريب فيها دورا واضحا بغض‬ ‫النظر عن دينه أو مذهبه‪ ،‬ومع سقوط الجغرافيا برز العلم السيايس‬ ‫الجديد الذي يعلن والدة دولة (إرسائيل) عىل أشالء فلسطني املمزقة‬ ‫جغرافيا فكانت النكبة التي ما زالت ح ّية فينا كفلسطينيني وكماليني من‬ ‫الالجئني املتوزعني عىل أصقاع املعمورة الذين سيك ّحلون أعينهم مهام‬ ‫طال الزمن بكحل فلسطني وهوائها املعطّر‪.‬‬ ‫يف هذا الخضم من التاريخ واألفكار‪ ،‬ويف هذه البيئة الصعبة حيث‬ ‫املرواحة بني اليأس واألمل وبني االحباط والعمل وبني السلبية وعقلية‬ ‫االبداع االيجابية اختطت حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح تاريخا‬ ‫جديدا منذ العام ‪ 1957‬حيث تعالت الهمسات لتنشئ كيانا أعلن عن ذاته‬ ‫بقوة عام ‪.1965‬‬ ‫فلسطني فقدت الجغرافيا بإنشاء الكيان اإلرسائييل‪ ،‬ثم طحنتها دهاليز‬ ‫السياسة لتنشئ فوق جسدها كيانا جديدا‪ ،‬كان البد من أن ترفضه هذه‬ ‫الجغرافيا (األرض) وأهلها بأشكال عدة ليس أولها الكفاح املسلح أو حرب‬ ‫الشعب طويلة األمد (النفس) وليس آلخرها املقاومة الشعبية املنترصة‬ ‫اليوم واملحصنة بغضبة القدس أو هبة أو انتفاضة القدس (‪ )2015‬التي‬ ‫‪178‬‬


‫ال تحتاج لكثري جهد لتعلن أن هذا الشعب ال ينىس وال ييأس وال تخور‬ ‫قواه مهام جهدت (إرسائيل) يف محاوالت احتالل التاريخ عرب وسائط املادة‬ ‫بغرس املستوطنات (املستعمرات أو املستدمرات) بني ثنايا الجسد أو شق‬ ‫الجسد الذي توافق الفلسطينيون أن يقيموا فيه دولتهم املستقلة دولة‬ ‫فلسطني عىل جزء صغري من أرض فلسطني‪.‬‬

‫حركة ضد الشمولية واالقصائية‬

‫إن مسرية حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح مل تكن لتؤمن‬ ‫بهيمنة األفكار الشمولية سواء تلك القومية الشوفينية أو اإلسالموية أو‬ ‫الشيوعية فخلعت كل العباءات الرباقة‪ ،‬وقررت أن امللعب األول لها هو‬ ‫وتخصص نضالها نحو قضية واحدة فقط هي قضية وطن‬ ‫أن تركّز وتك ّرس‬ ‫ّ‬ ‫قضية فلسطني ومن هنا فهم الفتحويون طبيعة متيزهم الحقيقي منذ‬ ‫اليوم األول والبالغ األول (بالغ قوات العاصفة) ومنذ (هيكل البناء الثوري)‬ ‫واستطرادا يف أدبيات الحركة‪ ،‬ومسارها النضايل الذي ارتقى درجات‬ ‫النضالية والثورية من درجة الثورية املثالية إىل الثورية الواقعية‪.‬‬ ‫رفض رواد حركة فتح فكر جامعة (االخ��وان املسلمني) الحرصي‬ ‫االقصايئ الذي يقدس الفكرة وحامليها معا كام يق ّدس الجامعة عىل‬ ‫حساب األمة‪ ،‬رفض فكرهم السيايس النظري غري العميل‪ ،‬فكرهم الذي‬ ‫يجمد الرصاع لدواعي ادعاء املظلومية والسجن وعدم توفر الظروف‪،‬‬ ‫فخرج عدد ممن انتموا للجامعة ‪-‬يف غزة خاصة‪ -‬عىل قاعدة أن فلسطني‬ ‫تجمعنا‪ ،‬لينهضوا من أجل فلسطني ال من أجل فكر االخوان املسلمني‬ ‫(خليل الوزير وأبويوسف النجار وصالح خلف‪ ،)...‬وتالقوا مع زمالئهم‬ ‫الذين مل ينتموا ألي حزب أبدا اال حزب فلسطني كام هو شأن يارس عرفات‬ ‫ود‪ .‬عادل عبدالكريم ومحمود عباس وهاين الحسن‪ ،‬وليلتقوا مع أولئك‬ ‫ممن خرجوا من حزب البعث العريب االشرتايك (فاروق القدومي كمثال)‪،‬‬ ‫‪179‬‬


‫وأولئك الذين طلّقوا الشيوعية والفكر املاركيس‪-‬اللينيني الحزيب (ماجد‬ ‫ابورشار‪ )...‬والذين تركوا حزب التحرير (اإلسالمي) (مثل خالد الحسن)‬ ‫وغريهم‪ ،‬فكان هذا اللقاء الجامع الذي خلع األردية الحزبية الضيقة لقاء‬ ‫بني األنوية املتعددة يف غزة والضفة والخليج العريب وأملانيا والنمسا (بدأت‬ ‫التباشري بعد العام ‪ 1948‬وصوال للنشأة عام ‪ 1957‬ثم االنطالقة عام ‪1965‬‬ ‫واالنطالقة الثانية عام ‪1968‬م)‪ ،‬ومثّل هذا اللقاء أيضا التقاء أفكار سياسية‬ ‫متعددة اتفقت عىل أولوية فلسطني‪ ،‬واتفقت عىل رضورة اشعال جمرة‬ ‫النضال‪ ،‬واتفقت عىل تطليق االحزاب الشمولية التي تهمش فلسطني‪،‬‬ ‫وتتلهى بأفكار إقصائية لآلخر‪ ،‬أفكار شمولية أفكار ال دميقراطية أفكار‬ ‫ال ترى بنفسها اال النهج االوحد التي قتلتنا سابقا وعادت لتدمرنا اليوم‪،‬‬ ‫فكانت حركة فتح الحاضنة للكل الفلسطيني بفئاته وتنوعاته‪ ،‬ومازالت‪.‬‬ ‫يقول محمود عباس (أبو مازن) ردا عىل سؤال حول الوحدة والتنوع‬ ‫داخل حركة فتح بديال للحزبية منذ البدايات (لتبقى األفكار كام هي‪،‬‬ ‫لكنه ممنوع االرتباط بأي حزب‪ ،‬فقط يف الحركة‪ ،‬فكان التنظيم يضم‬ ‫كل االتجاهات تقريبا‪ ،‬كان هناك إخوان وبعثيون‪ ،‬قوميون عرب‪ ،‬وكان‬ ‫الكثري من الشباب يف الحركة قد دخلوا حزب البعث‪ ،‬ومل يقتنعوا‪ ،‬وكذلك‬ ‫حركة القوميني العرب‪ ،‬واإلخوان املسلمني‪ ،‬وتركوا‪ ،‬ووجدوا يف حركة فتح‬ ‫(‪((3‬‬ ‫ضالتهم‪)...‬‬ ‫لقد ميزت حركة فتح بوضوح بني حقيقة الفهم‪ ،‬وصدق التحليل‬ ‫املشفوع بحقائق الجغرافيا والتاريخ والقانون والسياسة‪ ،‬ولكنه املرتبط‬ ‫بالرؤية االسرتاتيجية التي تفهم جيدا رصاع القوى واملعسكرات وطبيعة‬ ‫تقاطع املصالح‪ ،‬فرأت أن املحرك يف القضايا العاملية مل يكن هو القيم‬ ‫‪ -34‬كتاب ملكتب الشؤون الفكرية والدراسات لحركة فتح‪ ،‬تحت عنوان صفحات مرشقة‬ ‫من تاريخ الثورة الفلسطينية‪ ،‬مع الرئيس محمود عباس‪ ،‬الطبعة ‪ 2‬عام ‪ 2010‬ص ‪20‬‬

‫‪180‬‬


‫واألخ�لاق والعدالة‪ ،‬وإمن��ا هذا الكم الهائل من التوحش الألخالقي‬ ‫االستعامري سواء يف الفكر الغريب أو الفكر الصهيوين االحاليل الذي بدأ‬ ‫(‪((3‬‬ ‫استعامريا (قوميا) لينتهي اليوم (عنرصيا) (توراتيا) دينيا خرافيا‪.‬‬

‫مراحل وغيمات عرفات‬

‫إن يارس عرفات الذي أجهد نفسه طوال حياته وهو يبحث عن الغيامت‬ ‫املاطرة‪ ،‬ووجد بعضا منها فحقق انتصارات هنا وهناك وأرادها تراكمية‪،‬‬ ‫وص ّدر عبقرية الحث هذه ملضمون فعل حركة فتح التي آمنت باملبادرة‬ ‫واملبادأة واإلنجاز فلم تقف خلف املصداح «امليكرفون» تنرش وترصخ‬ ‫فقط‪ ،‬وإمنا جعلت من (الحركة) فعال ايجابيا‪ ،‬فحيث تكون املقدرة عىل‬ ‫تحقيق انجاز (أكان وطنيا شعبيا‪ ،‬أو عسكريا‪ ،‬أو قانونيا‪ ،‬أو سياسيا‪)...‬‬ ‫كانت ال تتواىن عن خوض غامر الحرب لتحقيقه وهذا ما كان فكانت‬ ‫االنطالقة عام ‪ ،1965‬وكانت الحرب الشعبية طويلة األمد والكفاح املسلح‬ ‫بإشكاله املتعددة (‪ )1974 – 1965‬وكان العمل السيايس يحصد زرع العمل‬ ‫العسكري (‪ ((3()1987 – 1974‬ثم كانت اإلرادة الشعبية الجامهريية تعرب‬ ‫بقوة عن حضورها ودورها املبارش يف أرض الوطن عرب انتفاضة الحجارة‬ ‫التي كان فيها خليل الوزير (ابو جهاد) أول الرصاص أول الحجارة مع‬ ‫‪ -35‬يقول د‪ .‬عامر عيل حسن‪« :‬اإلسرتاتيجية تتسم بأنها «استباقية توقعية»‪ ،‬إن مل‬ ‫تكن «تنبؤية»‪ ،‬وهذا االستباق يرمي إىل رعاية املصالح الوطنية وحاميتها مام يخبئه‬ ‫املستقبل‪ ،‬ولذا ال يجب أن يقوم عىل التقديرات الجزافية أو الخياالت األسطورية‪ ،‬إمنا‬ ‫دراسة االحتامالت والسيناريوهات‪ ،‬ووضع االفرتاضات واملنطلقات‪ ،‬والتي تكون بدورها‬ ‫مرشوطة مبا يجري عىل األرض‪ ،‬وباإلمكانات املتاحة»‪.‬‬ ‫‪ -36‬قال يارس عرفات أمام االمم املتحدة يف خطابه التاريخي ‪« :1974 /11 /13‬وإننا‬ ‫حني نتكلم من عىل هذا املنرب الدويل فإن ذلك تعبري يف حد ذاته عن إمياننا بالنضال‬ ‫السيايس والدبلومايس مكمالً معززا ً لنضالنا املسلح وتعبري عن تقديرنا للدور الذي ميكن‬ ‫لألُمم املتحدة أن تقوم به يف حل املشكالت العاملية»‪ ،‬ومثلت عبارة «العمل العسكري‬ ‫يزرع والعمل السيايس يحصد‪ ،‬ومجنون من يزرع وال يحصد» واحدة من أشهر مقوالت‬ ‫هاين الحسن‪.‬‬

‫‪181‬‬


‫شبيبة الفتح وفلسطني يف الوطن (‪ ،)1993 – 1987‬وباالنتقال لعناق‬ ‫البناء والتكريس للوطن من نافذة اتفاقيات املرحلة االنتقالية (‪1994‬‬ ‫– ‪1999‬م) اقتنصت حركة فتح غيمة ماطرة فأعادت مئات اآلالف من‬ ‫املناضلني للوطن وكرست آليات التشبث باألرض‪ ،‬ورسخت مفهوم معول‬ ‫البناء ومنجل الحصاد وإرادة الثائر يف بناء مداميك الدولة الفلسطينية‬ ‫القادمة‪ ،‬فامذا حققنا؟‪.‬‬ ‫بال شك أن النجاحات السياسية كانت ذات طبيعة تراكمية يف النضال‬ ‫الفلسطيني ويف جهود حركة فتح املضنية منذ اعالن الدولة عام ‪ 1988‬يف‬ ‫العاصمة الجزائر عىل وقع انتفاضة الحجارة‪ ،‬ثم انتفاضة األقىص (‪-2000‬‬ ‫‪2004‬م) وصوال إىل إعالن العامل اعرتافا أمميا بفلسطني دولة (غري عضو)‬ ‫يف األمم املتحدة (قرار الجمعية العامة لألمم املتحدة ‪ 19 /67‬هو قرار‬ ‫صوتت عليه الجمعية العامة لألمم املتحدة يف ‪ 29‬نوفمرب ‪ ،2012‬وهو‬ ‫تاريخ اليوم العاملي للتضامن مع الشعب الفلسطيني‪ .‬قدم االقرتاح ممثل‬ ‫فلسطني يف األمم املتحدة‪ .‬التصويت كان ملنح فلسطني صفة دولة غري‬ ‫عضو يف األمم املتحدة‪ .‬يف األساس‪ ،‬يرقي القرار مرتبة فلسطني من كيان‬ ‫غري عضو إىل دولة غري عضو‪ .‬مع رفض الحكومة اإلرسائيلية القرار‪ ،‬إال أن‬ ‫رئيس الوزراء السابق إيهود أوملرت عرب عن تأييده له‪ .‬أيد القرار ‪138‬‬ ‫دولة‪ ،‬وعارضته ‪ 9‬دول‪ ،‬وامتنع عن التصويت ‪ ،41‬وتغيبت خمس‪ ).‬ثم‬ ‫النجاحات التي جعلت من مطاردة الكيان اإلرسائييل يف املؤسسات الدولية‬ ‫هدفا لنا وهاجسا لإلرسائيليني وتكاتفت هذه النجاحات (أو االنتصارات)‬ ‫الهامة مع تواصل الفعل امليداين اليومي من خالل املقاومة الشعبية‬ ‫السلمية املتواصلة منذ العام ‪2005‬م‪.‬‬

‫‪182‬‬


‫بندقية ومفتاح وم ّ‬ ‫طارة‬

‫عىل الدرب الطويل سار رجاالت حركة فتح‪ ،‬كانوا يحملون يف جعبتهم‬ ‫بندقية ومفتاح ومطرة (زمزمية)‪ ،‬يف األداة األوىل أي البندقية فتحوا‬ ‫الطريق نحو بعث القضية من النسيان‪ ،‬فبدون الكفاح املسلح والحرب‬ ‫الشعبية طويلة األمد ما كان للفتح أن يكون السيام والنسيان والتجاهل‬ ‫واالنكسار كان يرخي بذيوله عىل سامء األمة العربية واإلسالمية خاصة‬ ‫فرتة الخمسينيات والستينيات من القرن العرشين‪.‬‬ ‫وحمل الفدايئ مفتاح العودة يف جيبه وما زال يحمله ولن يتخىل عنه‬ ‫ألن العودة ومهام طالت األيام والسنون متحققة باألجيال‪ ،‬فكام أن األرض‬ ‫تعلن يوميا أنها ألصحابها العرب الفلسطينيني فإن أصحابها يف الشتات‬ ‫يتشبثون بحزب العودة‪ ،‬فهي العودة التي ال محيد عنها مهام كرثت‬ ‫العقبات وتكاثفت األكاذيب وأحدقت بنا املؤامرات‪ .‬وحمل الفدايئ يف‬ ‫جعبته مطّارة ليمألها باملاء كلام اشتد به عطش لذلك قىض الفلسطيني‬ ‫حياته يبحث عن الغيامت املاطرة‪.‬‬ ‫وعن مفتاح العودة الذهبي يقول عضو اللجنة املركزية للحركة‬ ‫(آنذاك) خالد الحسن يف املجلس الوطني الفلسطيني بدورته العرشين‬ ‫عام ‪( 1991‬أنا خالد الحسن‪ ،‬ابن حيفا‪ ،‬إذا فقدت حق العودة وبالتايل‬ ‫أميل بالعودة إىل حيفا‪ ،‬شو بدي فيكم «ما حاجتي بكم»‪ ،‬أنا والله عندي‬ ‫(‪((3‬‬ ‫حيفا والقدس زي «مثل» بعض‪ ،‬ألن كل فلسطني مقدسة)‪.‬‬ ‫ومع مفتاح العودة كانت مفاتيح التحرير والنضال بكافة أشكاله‬ ‫مرتافقة مع مفتاح الدميقراطية والتعددية الداخلية (فنحن عودنا أنفسنا‬ ‫منذ البداية عىل الدميقراطية‪ ،‬وعىل الحوار الهادف‪ ،‬فلم نرفع يوما سالحا‬ ‫‪ -37‬من كلمة األخ خالد الحسن يف املجلس الوطني الفلسطيني الدورة ‪ 20‬دورة القدس‬ ‫والشهداء‪1991 /9 /28-23 ،‬‬

‫‪183‬‬


‫فلسطينيا يف وجه فلسطينيني‪ ،‬ومل نقبل أن يسود منطق الغابة هذه‬ ‫(‪((3‬‬ ‫الساحة الفلسطينية‪)...‬‬ ‫يف فلسطني ال نزرع األشجار فقط وال النباتات بل نزرع الفداء يف قلوب‬ ‫الرجال وعقول األطفال ألن الوطن والقدر متامهيان‪ ،‬فكام كُتب علينا أن‬ ‫نكون من هنا فإن الوطن ال يحيا إال فينا‪ ،‬ومهام كانت التضحيات فيه أو‬ ‫من أجله فهي استجابة القدر فينا لنداء األرض‪.‬‬ ‫يف فلسطني ال نزرع األرض فقط بل ونزرع النفوس والعقول واألرواح‬ ‫بالنداء والعمل واألمل الكبري لذلك فالثورة أو ثورة بساط الربح كام‬ ‫كان يسميها يارس عرفات عرفت الجدب والخصب وعرفت االنتكاسات‬ ‫واالنتصارات‪ ،‬وتنقلت وتجاوزت وحرثت ويف جميع أطوارها ومراحلها‬ ‫كانت تبحث عن الغيامت املاطرة‪ ،‬واألجوبة الشافية والسياسيات الواقعية‬ ‫أحيانا واملجنونة حينا كل ذلك فداء لفلسطني‪.‬‬

‫أدوات النضال وحاجاتنا امللحة‬

‫ظهرت األجوبة والغيامت املاطرة يف فهم للمراحل‪ ،‬من النضال‬ ‫العسكري‪ ،‬فالعناق بينه وبني السيايس‪ ،‬إىل النضال متعدد األوجه‬ ‫(االقتصادي واإلعالمي واالجتامعي مع ما سبق‪ ،)...‬إىل النضال الجامهريي‬ ‫عرب االنتفاضات والهبات (انتفاضة الحجارة عام ‪ 1993-1987‬ثم هبة‬ ‫النفق عام ‪ 1996‬ثم انتفاضة األقىص عام ‪ 2000‬ثم ‪#‬غضبة_القدس أو‬ ‫هبتها الحالية)‪ ،‬واملقاومة الشعبية السلمية املتواصلة اليوم بأشكالها‬ ‫املتعددة التي دفع يف سبيلها العديد من الشهداء أرواحهم وكان فيهم‬ ‫البطل الشهيد زياد أبوعني عضو املجلس الثوري لحركة فتح علام بارزا‪.‬‬ ‫‪ -38‬املصدر السابق‪ ،‬من خطب صالح خلف‪ ،‬كلمة له عام ‪ 1982‬يف الكتاب املشار له‬ ‫سابقا ص ‪142‬‬

‫‪184‬‬


‫سارت حركة (فتح) وأصابت وأخطأت‪ ،‬وأفلحت وعانت كثريا إىل أن‬ ‫أصبحنا عىل أبواب العام ‪ 2016‬واالنطالقة تتجاوز األعوام الخمسني التي‬ ‫نحتاج فيها للحكمة ولنقد وتأمل وتفكر وتطوير وابداع‪ ،‬والجعبة ما زالت‬ ‫كام هي‪ ،‬ونحن بانتظار الغيث فاألرض ال يحرثها إال أبطالها والبحث عن‬ ‫األبواب املفتوحة تحتاج ألكرث بكثري من الدعاء فقط‪.‬‬ ‫‪1.1‬بني التخيل والتمسك‪ ،‬والشجاعة‬ ‫إننا مطلّون عىل مرحلة تحتاج لكثري تفعيل ألدوات النضال السيام‬ ‫والخراب يف الساحة العربية أصبح شديدا‪ ،‬ما بني طعن ِ‬ ‫الحراب وتشتيت‬ ‫الفكر ورصاع النفوذ‪ ،‬والسيام واألمم تسعى ملصالحها ونحن يف أشد‬ ‫حاالت الضيق‪ ،‬والنفق ما زال مظلام‪ ،‬ويف هذه املرحلة فإن أدوات النضال‬ ‫واعتصار الغيامت وامتالك مفاتيحها يحتاج منا كفلسطينيني أكرث من أي‬ ‫يشء آخر لتبادلية (التخيل) و(التمسك)‪.‬‬ ‫إن مل نتخىل‪-‬ويف التخيل شجاعة‪ -‬ال نستطيع أن نتحىل بشجاعة‬ ‫التمسك‪ ،‬إذ علينا التخيل عن أنانيتنا السلطوية أو الحزبية كتنظيامت‬ ‫ّ‬ ‫وكأفكار (مكتفية بذاتها) وكآراء ومواقف متباعدة‪ ،‬وأن نتخىل عن أي‬ ‫ارتباطات خارجية هي وهمية لنا ألنها – وبالتجربة – ال تسعى إال‬ ‫ملصالحها‪ ،‬فلم يكن يوما للعدل والحق والضمري أن تغلب عىل املصالح‬ ‫إال يف مراحل أو حاالت تاريخية محدودة‪ ،‬لذا فإن علينا يف حركة التحرير‬ ‫الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح أوال ويف الفصائل األخرى أن (نتخىل) عن كل‬ ‫ذلك إن وجد فينا (لنتمسك) ويتمسك غرينا بفكر وسجايا «الصدق‬ ‫والشجاعة والتناغم» مع الجامهري‪ ،‬فكر فلسطني فكر الوطن‪ ،‬فكر األولوية‬ ‫لفلسطني‪ ،‬ال ألي فكرة وأخرى مهام بدت مقدسة أو كبرية أو عظيمة‪ ،‬ألن‬ ‫مهمتنا التي ألقاها الله سبحانه وتعإىل علينا أن نكون مرابطني يف هذا‬ ‫البلد جميعا وليس كِ رَسا وأجزاء‪.‬‬ ‫‪185‬‬


‫يقول املفكر العريب الفتحوي خالد الحسن إن الشعب (قد اشتاق‬ ‫لقيادة الصدق والشجاعة والوضوح واملصارحة والتنظيم والتعبئة والتناغم‬ ‫مع نبض الجامهري العربية يف فلسطني‪ ،‬تلك الجامهري التي تسامت عىل‬ ‫كل قياداتها منذ العام ‪ 1920‬حتى اآلن بوحدتها الوطنية وبرفضها الوقوع‬ ‫(‪((3‬‬ ‫يف مصيدة االنشقاقات الحزبية أو التنظيمية أو القيادية‪)...‬‬ ‫إن الذهاب لعقلية التمسك بالجوامع الوطنية بديال عن القواسم‪،‬‬ ‫واالتكال عىل الله‪ ،‬ووحدتنا هي قصبة النجاة‪ ،‬وهي الغيمة املاطرة‪ ،‬وقد‬ ‫يقول قائل أن هذا الفصيل أو ذاك يرى ذاته أو فصيله (تنظيمه) أو فكره‬ ‫من ّزها ربانيا مطلقا ال ياتيه الباطل من بني يديه أومن خلفه‪ ،‬وقد يرى ذلك‬ ‫نعم‪ ،‬ولكن من واجبنا ‪-‬رغم علمنا هذا‪ -‬أن نفتح األبواب بل ونرشعها‪،‬‬ ‫ونتنازل إلخوتنا ونتقدم أكرث من خطوة باتجاههم عرب الحوار املفتوح‬ ‫والتقبل والتفاهم والتجاور يف نفس املساحة‪ ،‬ففلسطني والقضية أكرب منا‬ ‫جميعا‪.‬‬ ‫‪2.2‬بناء القلعة الكربى‬ ‫نحن يف مرحلة أحوج ما نكون فيها للخطاب الواحد والصوت الواحد‬ ‫والهدف الواحد والذي يستدعي حني استقرار القناعة بناء قلعة‪ ،‬نعم‬ ‫بناء قلعة وطنية كربى‪ ،‬ففي ظل تهدم قلعة منظمة التحرير الفلسطينية‬ ‫وتشقق جدرانها وجدران السلطتني سواء يف رام الله أو غزة‪ ،‬ال بد أن‬ ‫نبني قلعة جديدة تستلهم تجارب تلك املتداعية وتؤسس لفكر وثقافة‬ ‫الدميقراطية (الرشاكة) الحقيقية دون إبطاء سيتجاوزنا به الزمن‪.‬‬ ‫من هنا يقع واجب بناء الربنامج والخطة والرساطية (اإلسرتاتيجية)‬ ‫الوطنية الشاملة عىل الكل الفلسطيني‪ ،‬ويف إطار منظمة التحرير‬ ‫‪ -39‬من مقال لخالد الحسن تحت عنوان «علينا التمسك مبطالبنا الوطنية الفلسطينية‪،‬‬ ‫ولو بحدها األدىن»‪ ،‬الرباط يف ‪1993 /8 /9‬‬

‫‪186‬‬


‫الفلسطينية ذات األسس الدميقراطية املدنية الجديدة‪ ،‬بال إسفافات‬ ‫األفواه الكبرية عرب الفضائيات ومواقع التواصل االجتامعي املمتلئة بالقبح‬ ‫والقذارة من تخوين وتشويه وتكفري‪.‬‬ ‫إن البيت الوطني مخرتق ومثقل بالثقوب فال يتحصل عىل قدرة‬ ‫تجميع املاء‪ ،‬وما استمرت الثقوب بال إصالح ال نستطيع ان نحرص املاء‬ ‫فرنتوي أو نتقدم‪.‬‬ ‫‪3.3‬بعيدا عن القمة و«العضو املحرتم»‬ ‫أما ثالثا فكام نحتاج للتخيل كمقدمة للتمسك‪ ،‬وكام نحتاج لبناء قلعة‬ ‫وطنية حصينة‪ ،‬فإننا عىل الصعيد الحريك الفتحوي الداخيل بال شك أخذتنا‬ ‫األحداث اليومية بعيدا عن (طُهر) الفكرة‪ ،‬وبعيدا عن (ثقافة) االنتامء‬ ‫وااللتزام واالنضباط‪ ،‬فاستبدلنا الذي هو أدىن بالذي هو خري‪ ،‬لتصبح‬ ‫محطة انتامء البعض فينا ذات طابع انتقايئ أو ذرائعي أو مصلحي أو‬ ‫شخصاين‪ ،‬وهو ما يتعارض مع تعريف االنتامء الفتحوي أنه لفلسطني‬ ‫وترابها وسامئها وحجارتها وزيتونها وقضيتها‪...‬‬ ‫ليس االنتامء قطعا لهذا أو ذاك‪ ،‬وكيف لالنتامء والثقافة الوطنية أن‬ ‫تنمو والجسد (التنظيمي) منهك والجسد التنظيمي يعاين من األمراض‪،‬‬ ‫والنفوس مليئة بالثقوب والسواد واليأس واإلحباط‪ ،‬والهياكل تتآكل فال‬ ‫أبواب مفتوحة وال آذان تسمع وال قلوب لذكر الله سبحانه وتعاىل‪،‬‬ ‫ولهدف فلسطني تخشع! وكيف لتعاضد وتكاتف وتساند يُبني ومسار‬ ‫الحراك داخل التنظيم السيايس يتكالب نحو القمة وليس نحو (العضو)‬ ‫من حيث هو الطاقة الجبارة والقيمة واالحرتام بفكره وأدائه وفعله بغض‬ ‫النظر عن مكان وجوده يف السلم التنظيمي‪.‬‬ ‫يقول خليل الوزير (أبوجهاد) أول الرصاص أول الحجارة عام أسامها‬ ‫‪187‬‬


‫القواعد الذهبية األربع لحركة فتح وهي قواعد العمل الخاصة بنا «كأعضاء‬ ‫يف الحركة»‪ ،‬أنها تتمثل‪ :‬بتبني (الوحدة الوطنية مع اتساع الصدر ورحابة‬ ‫األفق‪ ،‬والثانية هي توظيف كل الطاقات لتحقيق حرب الشعب طويلة‬ ‫األمد ما نحتاج معها إىل الصرب والنفس الطويل‪ ،‬والقاعدة الثالثة‪ :‬هي‬ ‫بالعمل عىل تفتيت جبهة األعداء‪ ،‬والقاعدة الرابعة‪ :‬هي استقاللية قرارنا‬ ‫التي ال تنبع من إقليمية ضيقة مغلقة‪ ،‬بل تنبع من منطلقاتنا ذات األبعاد‬ ‫القومية استنادا إىل أن صاحب الجرح هو األكرث إحساسا باألمل واألكرث‬ ‫إحساسا بحجم املعاناة‪ ،‬ولذا ال بد أن يكون هو األكرث تفاعال واندفاعا‬ ‫(‪((4‬‬ ‫ملعالجة جرحه)‬ ‫إن إعالء قيمة (العضو) أي الشخص املنضوي تحت لواء التنظيم‬ ‫السيايس بقناعة وإميان‪ ،‬يجب أن تكون أساس الثقافة التنظيمية الناهضة‪،‬‬ ‫فكام يُطالب هو باالنضباط للقوانني واألوامر والتوجيهات فمن حقه أال‬ ‫يُدار له الظهر‪ ،‬وأن يُعطى الدور يف مساحته وإطاره وأن يتم التواصل‬ ‫الدوري معه‪.‬‬ ‫ما يعنى أن ال حياة تنظيمية داخلية متواصلة بدون ُخامسية (‪-1‬‬ ‫االجتامع الدوري لكل إطار ببنوده الكاملة‪ -2 ،‬تقديم التقارير عن األعامل‬ ‫والتكليفات‪ -3 ،‬امتالك «التكليف واملهمة أو الدور» الذي ميارسه العضو‬ ‫يوميا‪ ،‬ومامرسته التثقيف والبناء الذي ال غنى عنه‪ -4 ،‬عقد اللقاءات‬ ‫الدورية وعقد املؤمترات مبواعيدها‪ -5 ،‬تحقيق التواصل االجتامعي‬ ‫(‪((4‬‬ ‫الداخيل‪ ،‬والجامهريي املبني عىل الحب والتفهم والتقبل والتجاور)‪.‬‬ ‫‪ -40‬د‪ .‬محمد حمزة‪ ،‬أبوجهاد‪ :‬أرسار بداياته وأسباب اغتياله‪ ،‬االتحاد العام للكتاب‬ ‫واألدباء الفلسطينيني‪ ،‬رام الله‪-‬فلسطني‪ ،‬الطبعة‪ ،8‬عام ‪ 2010‬ص‪180‬‬ ‫‪ -41‬مراجعة دراسة بكر أبوبكر حول البناء والتثقيف يف األقاليم عىل موقعه ‪www.‬‬ ‫‪bakerabubaker. info‬‬

‫‪188‬‬


‫‪4.4‬استمطار األمة العربية‬ ‫نعم نحن نلتفت للداخل فينا كحركة فتح وفينا كمنظمة تحرير‪ ،‬وفينا‬ ‫كفكرة وثقافة مشاركة ودور جامعة متجددة‪ ،‬ما نراه أولوية عظمى يف‬ ‫ظل الخراب الذي يرضب يف ظهرنا يف عمق أمتنا العربية‪ ،‬أو انكفائها‬ ‫وابتعادها (الذي نسعى ألن يكون مؤقتا) عن قضية األمة األوىل قضية‬ ‫فلسطني‪.‬‬ ‫ويف (سعينا) الستمطار غيامت األمة العربية الشك أن قنواتنا يجب‬ ‫أن تظل مفتوحة عىل ذات القاعدة التي ألِفناها فنحن واألمة جسد واحد‬ ‫مهام أثقلته الجراح هذه األيام‪( .‬هل نتذكر شعارنا الخالد الذي طاملا أكد‬ ‫عليه القائد صالح خلف وخالد الحسن أننا قاطرة ال تسري إال ضمن قطار‬ ‫األمة العربية‪ ،‬وأننا رأس الرمح فيها‪)...‬‬ ‫ومن هنا يف النقطة الرابعة املطلوبة حاليا تقول أن‪ :‬لنا دور مشرتك‬ ‫يجب أن منارسه يف تعظيم قيم التوافق والتعاضد والتقارب بني األمة ومع‬ ‫األمة العربية حيث يجمعنا التاريخ والحضارة واملكان واللغة العظيمة‬ ‫والثقافة والقضايا املشرتكة‪ ،‬كام تجمعنا الحضارة واإلسالم العظيم مع عدد‬ ‫من دول اإلقليم املجاورة (مع ايران وتركيا)‪ ،‬ولنا دور يجب أن منارسه يف‬ ‫تعظيم قيم التوافق أيضا مع الدول اإلسالمية‪ ،‬بل ومع أحرار العامل حيث‬ ‫قيم العاملية الحضارية‪.‬‬ ‫يف حديثنا يف اإلطار الواسع املساحة أي االقليم أو األمة العربية‬ ‫وجب علينا أمران األول‪ :‬االستمرار بطرق الخزان العريب سواء الرسمي أو‬ ‫الشعبي‪ ،‬فام زال هذا الخ ّزان يضم الكنوز البرشية يف االعالم والصحافة‬ ‫والفكر واالقتصاد والثقافة الجامعة والتقانة وغريها من املجاالت التي ال‬ ‫غنى عنها لنا كأمة‪ ،‬ويف فلسطني القضية والدولة واملستقبل‪.‬‬ ‫‪189‬‬


‫ويف االمر الثاين يجب تحقيق مساهمتنا يف دعم قيام (كيان) األمة‬ ‫الناهضة‪ ،‬ونحو مزيد من التقارب والتآلف وصوال للوحدة بأي شكل‬ ‫مقبول من شعوب األمة‪ ،‬وهل أوربا متعددة القوميات أفضل منا لتشكل‬ ‫(االتحاد االورويب)؟ ونحن نتفرج عىل أعتاب فكرة خيالية سلطوية‬ ‫استبدادية‪ ،‬ليست نهضوية أصبحت بائدة اسمها (أمة عربية واحدة‪،)...‬‬ ‫أو اسمها املخادع (الخالفة اإلسالمية)‪ ،‬وهي مهام كان مسماّ ها ما يجب‬ ‫أن ننهض بها ثقافيا وفكريا كحركة فتح لدعمها يف نظرية أقرب ما تكون‬ ‫ملفهوم «أمة دميقراطية حضارية واحدة منفتحة»‪ ،‬وأن تعددت األنظمة‬ ‫السياسية‪ ،‬يجمعها املصلحة الواحدة‪ ،‬لتتبوأ مكانا مرموقا بني األمم بالتحرر‬ ‫وبالفكر والثقافة والصناعة والتقانة والوحدة االقتصادية واحرتام حقوق‬ ‫اإلنسان والتعددية واملدنية‪ ...‬الخ‪ ،‬بعيدا عن معازل (غيتوات) الجهالة‬ ‫والتطرف واالنعزال العنرصي واإلرهاب الذي عصف بأمتنا‪.‬‬ ‫لنا أن تحلّق األمة معنا‪ ،‬فال تضيع فلسطني يف ظل البُهتان الصهيوين‬ ‫الذي يحاول أن يجعل من الخطر االقليمي (ايران تحديدا) هو الخطر‬ ‫األوحد‪ ،‬يف محاولة فاشلة الستقطاب األمة‪ ،‬ولنا أن نزرع مع األمة بذور‬ ‫الوحدة الناهضة أيضا‪ ،‬وننتظر اإلمثار‪ ،‬فالغيامت فينا رابية‪.‬‬ ‫‪«5.5‬الفهم» والرصاعات‬ ‫يف النقطة الخامسة بعد أن تعرضنا للوحدة الداخلية بشقيها الفتحوي‬ ‫والوطني العام‪ ،‬وبناء الرساطية (االسرتاتيجية) والربنامج املوحد‪ ،‬ووحدة‬ ‫األمة يف اإلطار الحضاري‪ ،‬فإن فهم الرصاع بأبعاده الذي قد ال ينتبه له‬ ‫الكثريون يحتاج جهدا مضاعفا‪ ،‬وهذه األيام خاصة يف ظل رصاعات جديدة‬ ‫تحيط بنا منها رصاع اإلسالمويني ورصاعات التطرف ورصاع اإلرهاب‪ ،‬ورصاع‬ ‫(اإلسالموفوبيا) بالغرب‪ ،‬ورصاع األصالة ورصاع األديان والطوائف‪ ،‬ورصاع‬ ‫التقسيم الجديد للمنطقة العربية‪ ،‬ورصاع العلامنية وأبوابها املتعددة‪،‬‬ ‫‪190‬‬


‫ورصاعات الحداثة والعوملة والبيئة‪ ،‬ناهيك عن رصاع الرواية التوراتية‬ ‫الرائجة هذه األيام يف ظل خرافية وأسطورية فكر اليمني اإلرسائييل الصاعد‪،‬‬ ‫وكثري من مرويات الرتاث العريب واإلسالمي التي استجابت لهذه األساطري‬ ‫التوراتية‪ ،‬ومل تعد تطيق تقبل الدالئل والرباهني التي تسقطها وترصعها‪.‬‬ ‫إن رصاعنا الثقايف الفكري التاريخي النضايل سواء يف املنطقة‪ ،‬أو فيام‬ ‫يتعلق بفلسطني هو مام يجب أن نقرنه مع ما استجد من رصاعات نخوضها‬ ‫مثل رصاع مقاطعة الكيان اإلرسائييل العنرصي يف كل املحافل ويف الوطن‪،‬‬ ‫والرصاع القانوين الذي ذهبنا إليه حديثا مرتافقا مع النجاحات السياسية‪،‬‬ ‫ودعام السرتاتيجية تحطيم أسطورة (إرسائيل) كدولة (دميقراطية) ما هي‬ ‫يف الحقيقة إال عنرصية تبتغي (اليهودية) اإلقصائية‪ ،‬األكرث بغضا مام كان‬ ‫يف جنوب افريقيا‪.‬‬ ‫إننا بحاجة كفلسطينيني وكحركة فتح وكتنظيامت عامة للفهم املشرتك‬ ‫أوال‪ ،‬ويف إطار تحقيق هذا الفهم المناص من استبعاد أولئك املعوقني‬ ‫للوصول لهذا (الفهم املشرتك) وهذا الفهم إن مل يعود لجذره وهو‬ ‫(فلسطني) ولجذره الحضاري يف صميم حضارة أمتنا العربية اإلسالمية‬ ‫واملسيحية الرشقية نكون يف حالة (تيه) كتلك التي حصلت لقبيلة بني‬ ‫إرسائيل العربية اليمنية املنقرضة هناك يف الجغرافيا البعيدة‪.‬‬ ‫إن املأساة يف فلسطني اليوم ذات طابع مركب ما بني اختالالت‬ ‫الجغرافيا ورصاخ األرض املغروس فيها خنجر االستيطان واالحتالل‪،‬‬ ‫وتكرار مآيس اللجوء‪ ،‬وما بني تزويرات السياسيني اإلرسائيليني وشحذ‬ ‫سكاكينهم امللونة لقطع رقبة نضالنا‪ ،‬بل ومتزيق تاريخنا وحضارتنا‪ ،‬وما‬ ‫يساعدهم يف عملية الذبح اإلرهابية هذه هو عدم القدرة عىل «الفهم»‬ ‫وعدم القدرة عىل التوافق عىل التحليل لدينا نحن كتنظيامت فلسطينية‬ ‫سياسية أساسا‪ ،‬وعدم القدرة لدى فئة كبرية عىل تقبل اآلخر والتعددية‬ ‫‪191‬‬


‫والدميقراطية والرشاكة‪ ،‬وما يساعد العدو يف مذبحته ضدنا هو تفككنا‪،‬‬ ‫وله ْو األمة وانرصافها إىل مواضيع تأخذ أنظمتها ومنظامتها بعيدا وتجعل‬ ‫من انخراطهم يف محاور متقابلة‪-‬متقاتلة أساس الرصاع والفرز الذي يدمر‬ ‫األمة من حيث تدمري فكرة الدول الوطنية‪ ،‬ومن حيث هز االستقرار‪ ،‬ومن‬ ‫حيث تلطيخ الثقافة الحضارية املتعددة‪.‬‬ ‫إن حاجتنا للفهم املشرتك يف التوافق عىل وحدة فكرتنا الجامعة يعني‬ ‫أول ما يعنيه قطع الخيوط مع ما يظنه البعض «أكرب» من «فلسطني‬ ‫الفكرة الجامعة»‪ ،‬وهو ذاته الخيط «األكرب» الذي التف نحو رقابنا فجمد‬ ‫نضالنا كفلسطينيني يف فرتة تكاثف غيامت االنطالقة ما قبل عام ‪،1965‬‬ ‫وها هو يعود اليوم ليلتف حول رقبة القضية بوجه جديد يجعل من‬ ‫فلسطني قضية ثانوية‪ ،‬أو إلحاقية أو قابلة لالنتظار ال يرفع من أجلها إال‬ ‫الشعارات الفضائية‪ ،‬ومن هنا فواجب حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬‬ ‫فتح داخيل وخارجي‪ ،‬وثقايف كام هو ميداين صادق وشجاع وصبور بال كلل‪.‬‬

‫وإنا ملنترصون بإذن الله‪ ،‬وإنها لثورة حتى النرص‪.‬‬

‫‪192‬‬


‫حركة «فتح» الوطنية‪ ،‬وقضايانا القومية‬ ‫(العام ‪)2017‬‬ ‫حركة فتح الحركة الوطنية الفلسطينية كفكر هي حركة تحرر مبعنى أن‬ ‫شغلها الشاغل كهدف وفكرة محورية محركة للفعل هو التحرير‪ ،‬وتحديدا‬ ‫تحرير فلسطني من االحتالل الصهيوين ويف ذلك فليتنافس املتنافسون‪،‬‬ ‫دولة مستقلة ثم دولة دميقراطية مدنية عىل كامل الرتاب الفلسطيني‪.‬‬ ‫إن التحرير الوطني أو القومي هو كفاح للتخلص من العبودية‬ ‫للمستعمر‪ ،‬واحتالل األرض واإلنسان‪ ،‬ويف هذا السياق اقتدت الثورة‬ ‫الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح بتجارب الشعوب‬ ‫حتى اكتشفت طريقها الخاص‪.‬‬ ‫منذ البداية وحتى اليوم وحركة فتح ال تجمد وال تتحيز وال تقيص وال‬ ‫تغتاظ من نجاحات اآلخرين‪ ،‬بل كانت مرحابة دوما منفتحة أبدا بحيث‬ ‫أنها احتملت يف داخلها النقائص تلك التي عاشت متحاورة ومتجاورة‪،‬‬ ‫متحاربة حينا ومتصالحة حينا يحدها من الجهات الستة قضية فلسطني‪.‬‬ ‫فحيثام اختلفت وصعدت أو حطت رحالها كان الجامع لنقائص أو‬ ‫تيارات أو اجتهادات حركة فتح هو فلسطني‪ ،‬وليس كأولئك الذين وضعوا‬ ‫فلسطني عىل هامش مرشوعهم األكرب أو الشمويل فأصبحت ثانوية ال‬ ‫‪193‬‬


‫أساسية وفرع ال أصل‪.‬‬ ‫فتح الحركة حيوية ودميومة‪ ،‬أصالة وتغري دائم‪ ،‬وفتح الفكرة والخلق‬ ‫والسلوك كانت تنهض من عبق الشارع واغرتاف املعاين الصاعدة من نهر‬ ‫الحضارة العربية اإلسالمية وباإلسهامات املسيحية الرشقية‪ ،‬وباالنفتاح‬ ‫عىل الفكر والحضارة والثقافة اإلنسانية عامة وهي بذلك أبرزت مفهوم‬ ‫(الوطنية) يف السياق املحيط(‪.((4‬‬

‫شعار «عدم التدخل» والدول «القومية»‬

‫اعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية (م‪ .‬ت‪ .‬ف) وحركة «فتح»‬ ‫سياسة عدم التدخل يف الشؤون الداخلية للدول العربية‪ ،‬ألنها جعلت‬ ‫فلسطني امللتقى والهدف‪ ،‬ومن يأيت لفلسطني أهال وسهال به بيننا ومعا‬ ‫يدا بيد وسويا‪ ،‬يف إطار املعركة «القومية»(‪ ((4‬أو النضالية عامة‪ ،‬ورغم‬ ‫أن هذا الشعار الذي طبقته فعليا عىل األرض اجترُ ح لغرض كف رشور‬ ‫األنظمة العربية عن العبث يف جسد الثورة‪ ،‬السيام فرتة االنقالبات العربية‬ ‫والتقلبات السياسية التي صاحبت االنطالقة ‪ ،1965‬ولتكريس الثورة‬ ‫باتجاه العدو الرئيس إال أن العكس هو ما حصل من هذه األنظمة‪ ،‬إذ‬ ‫كان لعديد األنظمة قصب السبق يف العمل عىل تحطيم وشق املنظمة‬ ‫وحركة فتح عند أول فرصة تلوح لها‪.‬‬ ‫‪ -42‬من مقال للكاتب بكر أبوبكر تحت عنوان (يف ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية‬ ‫‪ 47‬فتح تنترص بالعمل والجامهري) عىل موقع صحيفة الحياة الجديدة‪ ،‬وعىل موقعه‬ ‫الشخيص ‪www. bakerabubaker. info‬‬ ‫‪ -43‬كان شعار الوحدة العربية وقومية املعركة يطغى عىل املفهوم «الوطني» الذي‬ ‫اعتمدته حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح بني أفكار‪ :‬القومية الشوفينية وبني‬ ‫االشرتاكية العلمية (الشيوعية) وبني اإلسالموية (خاصة اإلخوان املسلمني وحزب التحرير)‬ ‫كلها فكرانيات (أيديولوجيات) ذات األفق العاملي أو الواسع‪ ،‬ويف السياق طرحت الحركة‬ ‫فكرا غري مؤدلج يرص عىل أن (فلسطني طريق الوحدة) مخالفة شعار األحزاب والدول‬ ‫البعثية القومية آنذاك أن‪ :‬الوحدة طريق التحرير‪.‬‬

‫‪194‬‬


‫غنى عن الحديث املسهب ما حصل من النظام السوري (يف أقله دعم‬ ‫االنشقاق عىل فتح عام ‪ 1983‬ثم حرب طرابلس‪-‬لبنان‪ ،‬وحرب املخيامت‬ ‫البشعة يف لبنان (‪ ،)1988-1985‬واملحاوالت املتكررة إلنشاء منظمة‬ ‫تحرير بديلة(‪ ((4‬سواء مع بعض تنظيامت اليسار ثم الحقا مع دعم النظام‬ ‫السوري لفصيل «حامس» الذي سعى جاهدا إلنشاء املنظمة البديلة(‪)...((4‬‬ ‫‪ -44‬أنظر ماذا يقول الكاتب عصام عدوان يف مجلة فلسطني اآلن التابعة لـ«حامس»‬ ‫‪ /http:/ / felesteen. ps‬هذا يف ‪ 2015 /9 /8‬بعد أن ينظّر لفشل «حامس» يف دخول‬ ‫املنظمة رغم محاوالتها كام يرى (؟!) وحيث اعترب الدخول للمنظمة دخوال إىل «قفص»‬ ‫و«عبودية» (؟!) حيث يختم بالقول‪« :‬عىل حركة حامس‪ ،‬ومعها كل فصائل املقاومة‬ ‫خارج إطار منظمة التحرير أن ت ُ ِق ّر بفشل سياسة الدخول إىل منظمة التحرير‪ ،‬لرتفع تلك‬ ‫الغشاوة عن ناظريها‪ ،‬لتبرص آفاق الخيارات والبدائل األفضل»‪.‬‬ ‫‪ -45‬يف شهر فرباير‪ 2009‬ومازالت «حامس» يف دمشق وبعد االنقالب يف غزة بعامني‪:‬‬ ‫((تعهد رئيس املكتب السيايس لحركة حامس خالد مشعل بـ«مفاجأة» لبناء مرجعية‬ ‫جديدة بديال عن منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬رافضً ا الرشوط اإلرسائيلية لفتح املعابر مع‬ ‫قطاع غزة مقابل االفراج عن الجندي اإلرسائييل جلعاد شاليط‪ .‬وكشف مشعل يف خطاب‬ ‫خالل حفل اقيم يف الدوحة تحت عنوان «وانترصت غزة»‪« :‬عن تحرك تقوم به الفصائل‬ ‫سوف تفاجئ به االطراف االخرى لبناء مرجعية وطنية جديدة متثل فلسطينيي الداخل‬ ‫والخارج وتضم جميع القوى الوطنية الفلسطينية وقوى الشعب وتياراته الوطنية»‪ .‬وأكد‬ ‫ان «منظمة التحرير الفلسطينية يف حالتها الراهنة مل تعد متثل مرجعية الفلسطينيني‬ ‫وتحولت إىل ادارة النقسام البيت الفلسطيني»))‪ .‬أنظر صحيفة الرشق االوسط يف ‪/2 /7‬‬ ‫‪ ،2015‬ويقول صالح القالب يف فرباير ‪2009‬حول املوضوع‪(( :‬مل يكن االجتامع الذي عقدته‬ ‫مثاين فصائل فلسطينية يف دمشق‪ ،‬ست منها وهمية ومجرد انشقاقات عن انشقاقات‪،‬‬ ‫والذي سبقه اجتامع مع الرئيس السوري بشار األسد وتبعته جولة قادت خالد مشعل أوال‬ ‫إىل الدوحة ثم إىل طهران‪ ،‬وإمنا ذلك املؤمتر الذي انعقد يف يناير (كانون الثاين) من العام‬ ‫املايض ‪ 2008‬تحت «الفتة» حق العودة‪ ،‬وثبت أن هدفه الحقيقي هو شطب املنظمة‬ ‫الحالية املعرتف بها من قبل نحو مائة وعرشين دولة من دول العامل والتي اتخذ العرب‬ ‫يف قمة الرباط عام ‪ 1974‬قرارا ملزما بأنها املمثل الرشعي والوحيد للشعب الفلسطيني‪.‬‬ ‫قبل هذا املؤمتر‪ ،‬الذي انعقد يف دمشق يف يناير (كانون الثاين) يف العام املايض والذي‬ ‫شكل لجنة إلقامة املنظمة البديلة ملنظمة التحرير التي أعلن عنها خالد مشعل بعد‬ ‫لقاء مع الرئيس بشار األسد وعشية جولة قادته أوال إىل الدوحة ثم إىل طهران «الثورة»‪،‬‬ ‫كانت «حامس» قد قامت بانقالب يونيو (حزيران) الذي قامت به يف غزة‪ ،‬وشطرت‬

‫‪195‬‬


‫والنظام العراقي (ويف أقله استغالل جامعة أبونضال كبندقية لإليجار يف‬ ‫(‪((4‬‬ ‫تصفية قياداتنا‪ ،‬والتي تنقلت بندقيته الحقا من كتف إىل كتف‪)...‬‬ ‫والنظام الليبي يف مراحل عديدة (مثل استغالل جامعة جربيل وبعض‬ ‫الفصائل األخرى ضد الثورة‪ ،‬و«نصيحة»‪ :‬موتوا يف ب�يروت‪ )((4(...‬حيث‬ ‫عكس الخالف السيايس املفكرن (املؤدلج) نفسه عىل العالقة والناس‪،‬‬ ‫ال سيام بني الرئيس الراحل يارس عرفات واملنظمة من جهة وبني هذه‬ ‫األنظمة املغرتة بذاتها‪ ،‬وما كان الخالف عىل تحرير فلسطني أبدا‪ ،‬وإمنا‬ ‫الوضع الفلسطيني سياسيا وجغرافيا إىل شطرين‪ ،‬إمارة غزة اإلسالمية التي أقيمت وفق‬ ‫املواصفات الخمينية يف مواجهة دولة الضفة الغربية والسلطة الوطنية يف رام الله‪)).‬‬ ‫‪ -46‬صربي خليل البنا (‪ 16‬مايو ‪ 16 - 1937‬أغسطس ‪ ،)2002‬وشهرته‪ ‬أبو نضال‪،‬‬ ‫مؤسس‪ ‬ما أسامه فتح‪-‬املجلس الثوري‪ ،‬وهي جامعة مسلحة فلسطينية منشقة‪ ،‬عرفت‬ ‫أيضً ا باسم‪ ‬منظمة‪ ‬أيب نضال‪ ،‬وإبان فرتة السبعينات والثامنينات من القرن العرشين‪ ،‬كان‬ ‫البنا يف أوج قوته‪ ،‬وحينها عرف عىل نحو واسع بكونه بندقية لاليجار حيث مارس العديد‬ ‫من عمليات اإلرهاب واالغتيال للقيادات الفلسطينية بأوامر عراقية ثم ليبية الحقا مثل‬ ‫سعيد حاممي وعزالدين القلق وعيل ياسني ود‪ .‬عصام الرسطاوي‪.‬‬ ‫‪ -47‬كتب حافظ الربغويث رئيس تحرير الحياة الجديدة عام ‪ 2000‬يف الصحيفة الفلسطينية‬ ‫يقول ‪( 0‬وسألت ابو اياد قبل اجتياح «إرسائيل» للبنان فقال ذهبنا إىل ليبيا نطلب‬ ‫صواريخ «لونا» التي يبلغ مداها ‪ 60‬كيلومرتا لردع «إرسائيل» حتى ال تفكر يف غزو لبنان‬ ‫فرفض القذايف وقال «انه مبجرد بدء الغزو فان طائرات ليبية ستنطلق لرضب تل ابيب‬ ‫وهناك طيارون فلسطينيون يف سالح الجو الليبي سيقومون باألمر فال حاجة للصواريخ»‬ ‫فقلت ألبو اياد ولكن اال يعطونكم اسلحة ومدافع؟ فقال «لفتح ال‪ ..‬انهم يعطونها ألحمد‬ ‫جربيل‪ ..‬ونحن نأخذها منه بطرقنا» يف البداية لعب‪-‬القذايف‪ -‬دورا داعام للثورة ثم انقلب‬ ‫وبدأ يلعب دور االفساد يف الثورة الفلسطينية من حيث بث الفرقة وتبني االنشقاقات‬ ‫ودعمها واستخدامها يف االغتياالت الداخلية والخارجية والرتويج بأنه يضع اقتصاد ليبيا‬ ‫وأموالها يف خدمة القضية الفلسطينية‪ .‬وهو ما مل يحدث بل سخر االموال لرضب القضية‬ ‫الفلسطينية‪ ..‬فالدولة الوحيدة التي ال تسدد اي التزام بالدعم املايل‪ ..‬هي ليبيا سابقا‬ ‫والحقا وحتى ما تم االلتزام به يف قمتي رست مل يدفع منه فلس واحد من جانب ليبيا‪.‬‬ ‫فدور القذايف كان دوما استاملة فصائل معارضة أليب عامر والحقا أليب مازن‪ ..‬وحياكة‬ ‫املؤامرات ودعمها‪ ..‬فهو يلعب ماديا الدور الذي تلعبه قناة الجزيرة اعالميا اي النميمة‬ ‫ونرش الفساد والفتنة وآخرها محاولة عقد لقاء بني احد قادة فتح وقادة من حامس يف‬ ‫طرابلس لخلق تحالف ضد أبو مازن برعاية ليبية‪)).‬‬

‫‪196‬‬


‫عىل حجم دور هذه األنظمة يف الشأن الفلسطيني الذي كان يرفعها أو‬ ‫ينزلها يف عيون جامهريها وبالتايل يثبت أو يعظّم رشعية نُظُمها املهتزة‪،‬‬ ‫فكان الطعن يف جسد الثورة ومحاربتها بالنار والبارود وقطع األموال عنها‬ ‫وشن حرب إعالمية رشسة عليها وعىل الفلسطينيني هو األسلوب األمثل‬ ‫واألسهل (والذي يرونه ذو الجدوى) لها بدال من اللجوء للحوار ومزيد من‬ ‫إيجاد الجوامع‪.‬‬

‫حركة فتح واإلجماع العربي‬

‫رغم تأكيدنا أن الدول العربية‪ ،‬وحتى تلك املشار لها كانت يف مراحل‬ ‫محددة ذات ثقل حقيقي وداعم للثورة بال جدال(‪ ،((4‬إال أنه يف حاالت‬ ‫الخالف ِ‬ ‫والشقاق كان الحل لدى أنظمتها أو لدى أجهزتها األمنية خاصة‬ ‫من جنس ما عاملت به شعوبها‪ ،‬وهو إدخال املبضع يف جسد الثورة‬ ‫وحركة فتح ما شكل تدخال سافرا وقاتال وخرقا لسياسة الحركة واملنظمة‪.‬‬ ‫يف ذات اإلطار اتخذت حركة فتح مواقف واضحة يف دعمها اإلجامع‬ ‫العريب عىل صعوبة تحقيقه‪ ،‬وأحيانا عىل تساهله ومسايراته املائعة لألنظمة‬ ‫وجنوحها للتنازل‪ ،‬وكانت فتح واملنظمة مع الحل العريب والتنسيق العريب‬ ‫دون فقدان روحها االستقاللية (القرار الفلسطيني املستقل شعار حركة‬ ‫فتح مل يعني العنرصية أو التقوقع أو العزلة أو االقليمية‪ ،‬وإمنا عنى القرار‬ ‫يف إطار التعاون العريب) ورفض انسحاقها تحت أقدام األنظمة ومصالحها‬ ‫الخاصة‪ ،‬فكانت مع الحل العريب فيام يتعلق بالقضية الفلسطينية يف ظل‬ ‫فقدان الداعم العريب االسرتاتيجي ملعنى الجبهة الثورية ضد االحتالل‬ ‫الصهيوين لفلسطني‪( .‬أنظر املوقف من مرشوع قمة فاس الثانية بعد‬ ‫حصار بريوت ‪ 1982‬ومبادرة السالم العربية عام ‪ 2002‬أثناء حصار أبوعامر‬ ‫‪ -48‬حيث ال ينكر الدور السوري يف الستينيات والسبعينيات من القرن املايض يف الدعم‬ ‫الرشيف للثورة كمثال‪ ،‬وخاصة قبل مرحلة حكم آل األسد‪ ،‬ويف بداياتها‪.‬‬

‫‪197‬‬


‫يف املقاطعة برام الله)‪.‬‬ ‫دعمت حركة فتح العمل العريب عرب الجامعة العربية وعرب مختلف‬ ‫صيغ التعاون يف كل املفاصل‪ ،‬يف القضايا العربية كلها وأبرزها السياسية‬ ‫والوجودية ضد العدو اإلرسائييل باحتالله فلسطني أساسا بالقطع‪،‬‬ ‫وباحتالله الجوالن وجزء من االرايض اللبنانية‪ ،‬وسيناء (حتى تحررت)‪،‬‬ ‫وأيضا املوقف الواضح من احتالل جزردولة اإلمارات العربية املتحدة من‬ ‫قبل النظام اإليراين الشاهنشاهي (‪ ((4‬حني احتاللها فكله احتالل‪.‬‬ ‫كان موقف حركتنا دوما موقفا عروبيا صارما‪ ،‬ألنها رأت االعتداء عىل‬ ‫أي جزء من األمة العربية ‪-‬بكافة مكوناتها‪ -‬هو اعتداء عىل ثغرة من‬ ‫الثغور واعتداء عىل أولوية القضية الفلسطينية ومحاولة لحرف املسار‬ ‫العريب عن القضية املركزية قضية أمة العرب واملسلمني وأحرار العامل‪ ،‬كام‬ ‫هو حاصل اليوم باالقتتاالت الداخلية الواسعة املدعومة اقليميا‪.‬‬ ‫التفتيت القائم اليوم يف جسد األمة العربية من رشقها إىل غربها ‪-‬إن‬ ‫عرجنا عليه ب ُعجالة‪ -‬هو بإرادة الفكر االستعامري التمزيقي الذي يحاول‬ ‫تسويق إعادة تركيب األمة عىل منطق طائفي‪ /‬مذهبي وإثني واقتصادي‬ ‫مهمني لها‪ ،‬ال يجابهه ويقف له باملرصاد ويصمد أمامه إال استعادة مفهوم‬ ‫حركة فتح األصيل بتكثيف الفكر الوطني الوحدوي ضمن حيز اإلقليم‪/‬‬ ‫الدولة املنفتح عىل البناء الوحدوي العريب‪ /‬اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ -49‬أقدمت إيران يف ‪ 30‬نوفمرب عام ‪ 1971‬عىل احتالل الجزر اإلماراتية الثالث‪ :‬طنب‬ ‫الكربى وطنب الصغرى اللتان تتبعان إمارة رأس الخيمة‪ ،‬وجزيرة أبو موىس التي تتبع‬ ‫إمارة الشارقة‪ .‬قبل أيام من استقالل اإلمارات العربية املتحدة يف ‪ 2‬ديسمرب ‪ ،1971‬ويف‬ ‫هذا اليوم أيضا نالت استقاللها من الحامية الربيطانية‪.‬‬

‫‪198‬‬


‫«الفكر الوطني» يف مواجهة «الطائفية والتمزق‬

‫يقف الفكر الوطني الجامع للمكونات حالً ضد ما انترش اليوم من‬ ‫دعوات طائفية أو مذهبية أو إثنية من بعض مكونات األمة الالهية أو‬ ‫الغاضبة أو املظلومة أو املنخرطة يف اللعبة التفتيتية‪ ،‬بل ويقف هذا‬ ‫املفهوم «الوطني الجامع» ضد الدعوات اإلسالموية املتطرفة والخطرية التي‬ ‫تُفتت الشعوب وجسد األمة وتنقل الثقل من الكُل الجمعي‪ ،‬ومن العمل‬ ‫عىل بناء اإلنسان والبلدان بالعلم عرب التطوير واإلبداع‪ ،‬وباالقتصاد القوي‬ ‫والصناعة والزراعة‪ ،‬وبالتغيري بالفكر إىل الرجوع قرونا للخلف واستفراغ‬ ‫سواد ليا ٍل حالكة عىل شذوذها كان الوعي فيها خارج عن السياق العلمي‬ ‫أو الحضاري اإلنساين بل وخارج عن السياق اإلسالمي السمح‪.‬‬ ‫من منطلق عدم التدخل‪ ،‬واحرتام الدول وشؤونها الداخلية‪ ،‬ودعم‬ ‫االجامع ودعم الثورات‪ ،‬والشعوب وشؤونها يف أوطانها‪ ،‬وقفت حركة فتح‬ ‫مع الثورة اإليرانية (‪ )1979‬فكانت أول املرحبني بها بل ومن الداعمني‬ ‫لعديد الرجال يف مساراتها دعام لفلسطني‪ ،‬فكان (يوم القدس)(‪ ((5‬الذي‬ ‫أعلنه اإلمام الخميني اقرتابا أصيال من فلسطني وقضايا األمة عامة عرب‬ ‫‪ -50‬اإلعالن جاء بعد ‪ 6‬أشهر من عودة اإلمام الخميني إىل إيران وبعد أربعة أشهر‬ ‫من قيام «الجمهورية اإلسالمية» أي يف متوز من العام ‪1979‬م إلثبات حضور القضية‬ ‫الفلسطينية والقدس يف فكر اإلمام‪ ،‬واليوم مل يكن خاصاً باملسلمني‪ ،‬بل يوماً عاملياً (كام‬ ‫يضيف موقع دار الوالية) «ولعل يف ذلك إشارة إىل إعطاء اإلمام للقضية بعدها العاملي‪،‬‬ ‫كنموذج للرصاع بني الحق والباطل‪ ،‬وهذا ما عرب عنه اإلمام والذي سيتضح من دالالت‬ ‫يوم القدس» ويقول الخميني نصا حول هذا املوضوع‪« :‬يوم القدس يوم عاملي‪ ،‬ليس‬ ‫فقط يوماً خاصاً بالقدس‪ ،‬انه يوم مواجهة املستضعفني مع املستكربين»‪ .‬ويقول قدس‬ ‫رسه‪« :‬انه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغريها للقوى الكربى»‬ ‫مضيفا‪« :‬يوم القدس يوم يجب أن نخلّص فيه كل املستضعفني من مخالب املستكربين‪،‬‬ ‫يوم يجب أن تعلن كل املجتمعات اإلسالمية عن وجودها وتطلق التحذيرات إىل القوى‬ ‫الكربى»‪- .‬أنظر موقع ‪.http:/ / alwelayah. net/ ?p=26807‬‬

‫‪199‬‬


‫القدس‪ ،‬ما مل مينعها من الرتدد يف املوقف من الحرب العراقية اإليرانية‪،‬‬ ‫فوقفت حركة فتح بالبداية محايدة إىل أن ظهرت مطامع النظام االيراين‬ ‫جلية‪ ،‬هذه املطامع التي ظهرت لدى ال ُحكم املطلق بالهيمنة اإلقليمية‬ ‫وتصدير الفكر السيايس السلطوي (دستور الجمهورية اإلسالمية يف إيران‬ ‫يلزمها بالتدخل لحامية املستضعفني يف العامل!) الذي تريد حقنه قرسا يف‬ ‫جسد األمة ما كان معناه أن نكون مع أمتنا العربية واإلسالمية وإما ضدها‪-‬‬ ‫عدا عن تدخالتها الالحقة يف الساحة الفلسطينية حتى اليوم‪ -‬فوقفت‬ ‫القيادة الفلسطينية بوضوح ضد التدخالت اإليرانية يف الشأن الفلسطيني‪،‬‬ ‫والعريب سواء يف العراق أو سوريا أو اليمن‪ ،‬مع االحرتام لسيادتها الوطنية‬ ‫وعضويتها يف األرسة اإلسالمية ويف اإلقليم‪.‬‬ ‫ورغم موقف القيادة الفلسطينية من احتالل الكويت عام ‪ 1991‬من‬ ‫قبل النظام العراقي الذي شابه تكثيف اإلدانات الظاملة‪ ،‬إال أن حقيقته‬ ‫بأجمعه كان ضد مبدأ االحتالل ألي دولة عربية أو جزء منها‪ ،‬واللجوء لحل‬ ‫عريب كام رأى عديد القياديني فيها‪ ،‬فيام انربى آخرون لرفض االحتالل دون‬ ‫تحديد رشوط الحل‪.‬‬ ‫ومن هنا كان منطق حركة فتح يف السعي الدائم للحفاظ عىل اإلجامع‬ ‫العريب (يف اإلطار العريب‪ ،‬ال األمرييك أو األجنبي) ضد االعتداءات االقليمية‬ ‫التي أساسها من العدو الصهيوين‪ ،‬ويتداخل معها اليوم مصالح سياسية‬ ‫(‪((5‬‬

‫‪ -51‬حرب الخليج األوىل أو الحرب العراقية اإليرانية‪ ،‬أطلق عليها من قبل الحكومة‬ ‫العراقية آنذاك اسم قادسية صدام بينام عرفت يف إيران باسم الدفاع املقدس (بالفارسية‪:‬‬ ‫دفاع مقدس)‪ ،‬هي حرب نشبت بني العراق وإيران من سبتمرب ‪ 1980‬حتى أغسطس‬ ‫‪ ،1988‬خلفت الحرب نحو مليون قتيل‪ ،‬وخسائر مالية بلغت ‪ 400‬مليار دوالر أمرييك‪،‬‬ ‫دامت الحرب مثاين سنوات لتكون بذلك أطول نزاع عسكري يف القرن العرشين‪ ،‬وواحدة‬ ‫من أكرث الرصاعات العسكرية دموية‪ ،‬أثرت الحرب عىل املعادالت السياسية ملنطقة‬ ‫الرشق األوسط وكان لنتائجها بالغ األثر يف العوامل التي أدت إىل حرب الخليج الثانية‬ ‫والثالثة (عن املوسوعة الحرة‬

‫‪200‬‬


‫واقتصادية وهيمنة من السلطة‪ /‬الدولة اإليرانية والدولة الرتكية التي ال‬ ‫يصدها إال محور عريب وحدوي جامع ذو ثقل له أهداف واضحة وخطة‬ ‫طريق‪.‬‬

‫حركة فتح و«املحور العربي»‬

‫وقفت حركة فتح ثابتة يف السياق الوحدوي يف إطار املنظمة (م‪.‬‬ ‫ت‪ .‬ف)‪ ،‬عندما انطلقت رشارة ما أسمى «الربيع العريب» وتعاملت مع‬ ‫إفرازاته حتى عندما مل تعجبها‪ ،‬فوقفت هنا مع إرادة الشعوب ضد الظلم‬ ‫واالستبداد والفُرقة‪ ،‬ألن إرادة الشعوب أهم من بقاء أو زوال األنظمة‬ ‫السياسية أو رموزها‪ ،‬ما ال يعني تدمري الدولة وتفتيت الشعب وتقسيم‬ ‫األمة‪.‬‬ ‫قوة «املحور العريب» هذه األي��ام كأولوية تتجىل حقيقته برأسه‬ ‫السعودية ومبرص وسوريا والجزائر‪ ،‬وقلبه النابض بالقضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫فإن كانت سوريا قد أخرجت من املعادلة كام أُخرجت العراق ودول‬ ‫أخرى ألهداف تعظيم القوة اإلرسائيلية يف اإلقليم وألهداف استمرار‬ ‫السيطرة االستعامرية عىل أمتنا برأس حربتها الصهيونية إىل األبد‪ ،‬إال أنه‬ ‫كان لزاما عىل البقية من أمة العرب يف مثل هذا الظرف الكئيب الحفاظ‬ ‫عىل الوحدة أو استعادتها وإن بشكل تدريجي أو جديد‪ ،‬ثم التعبري عنها‬ ‫بالتصدي للهجامت يف جسد األمة أوال وقبل كل يشء عرب مسارات العلم‬ ‫والتعليم والرتبية والوعي والنور وهو النموذج للبناء الحضاري‪ ،‬وبالكفاح‬ ‫واملقاومة ضد العدو املشرتك‪ ،‬وبتوقي محاوالت الهيمنة االقليمية سواء‬ ‫اإليرانية أو الرتكية أو غريها‪.‬‬ ‫إن العالقات القومية الفلسطينية‪-‬العربية ليست عالقات شوفينية أو‬ ‫عنرصية أو انعزالية مطلقا‪ ،‬ترتبط بالجنس أو العرق أو القبيلة‪ ،‬أمنا هي‬ ‫‪201‬‬


‫عالقات مكانية تاريخية‪ /‬حضارية ثقافية‪ ،‬مصلحية قومية بصبغة تعاونية‬ ‫تشاركية وحدوية اقرتابية للكثري من املشرتكات‪ ،‬وهي عالقات ال تحد من‬ ‫رضورة متتني العالقات األخرى مع دول اإلقليم ومع دول املحيط أي تلك‬ ‫اإلفريقية أو اآلسيوية‪ ،‬ومع الدول اإلسالمية غري العربية‪ ،‬وكذا املنظامت‬ ‫والجامعات‪ ،‬بل إن الفناء العريب السمح ذو العمق العرويب‪-‬اإلسالمي‬ ‫يستطيع بجامعية فلسطني أن يستقبل اإلسهامات التي تُق ّرب وال تب ّعد‪،‬‬ ‫ويستطيع أن يُص ِعد يف مركبه الواسع كل الثوار يف العامل‪.‬‬

‫‪202‬‬


‫«فتح» التنظيم الطائر‪ُ :‬هنا خالدون (‪)2018‬‬ ‫يف الذكرى الثالثة والخمسني النطالقة ثورتنا الفلسطينية املعارصة‪،‬‬ ‫رشد‪ ،‬والضياع واألمل‬ ‫انطالقة املارد الفتحاوي‪ ،‬من جوف اللجوء‪ ،‬والت ُّ‬ ‫نقف اليوم وبكل اعتزاز لنؤكّد أ َّن مسرية شعبنا الكفاحية التي‬ ‫واألحزان‪ُ .‬‬ ‫بدأت مع الطلقة األوىل‪ ،‬والعملية األوىل‪ ،‬واألسري األول‪ ،‬والشهيد األول‪،‬‬ ‫تشق طريقها بقوة اإلميان املطلق بحقوقنا الوطنية‪،‬‬ ‫واالمل األول مازالت ُّ‬ ‫ومازالت تواج ُه التحديات‪ ،‬وتتجاوز العقبات‪ ،‬متمسكة باالنجازات‬ ‫التاريخية التي كرست لشعبنا ُهويّته العربية الوطنية‪ ،‬وحضو َره السيايس‬ ‫والوطني عىل الخارطة الجغرافية‪ ،‬رافض ًة املساومة واملقايضة عىل قرارها‬ ‫املستقل هكذا يبتديء الفتحويون خطاباتهم باالنطالقة وذكراها فاقول‬ ‫عنها ونحن قد دخلنا العام ‪ 2018‬بصعوبة وكانت ‪ 2017‬متميزة‬ ‫أعتق ُد أ َّن العام ‪ 2017‬كان عا ًما فلسطين ًّيا بامتياز‪ ،‬فال تعجبوا أب ًدا‪،‬‬ ‫حيثُ استطاع الفلسطينيون‪ ،‬شع ًبا وقياد ًة واع ّيةً‪ ،‬أن يثبتوا رسوخهم‬ ‫منهج حياة‪.‬‬ ‫باألرض‪ ،‬عرب متكنهم من تكريس الثبات والصمود َ‬ ‫لقد أثبت الفلسطينيون قدرتهم عىل الصمود والتحدي وإن بأقل‬ ‫اإلمكانيات‪ ،‬رغم تغ ّول االحتالل ومشاريعه االستعامرية واألبارتهايدية‪،‬‬ ‫فكانت غضبات وه ّبات القدس واألقىص منذ العام ‪ ،2014‬وحتى العام‬ ‫‪203‬‬


‫الفائت‪ ،‬الداللة الكبرية عىل هذا املكون الذي أصبح جز ًءا ال يتج ّزأ من‬ ‫شخصية الفلسطيني‪.‬‬ ‫لست بوارد نسيان أ ّن الرسوخ والثبات والصمود كمك ّون وطني أصيل‬ ‫ُ‬ ‫بدأ يأخذ سياقه املنهجي ليس فقط يف الخارج حيث انطلقت الثورة‪،‬‬ ‫وليس يف الضفة والقدس فقط‪ ،‬وإنمَّ ا حيث تص ّدى الفلسطينيون يف غ ّزة‬ ‫البطلة بصدورهم و ُح ِّبهم ومقاومتهم لالعتداءات الصهيونية املتك ّررة‪،‬‬ ‫فرسموا يف سامء الوطن عالمة الحقيقة‪.‬‬ ‫ودعني أقول أن مركَب الشخصية الفلسطينية بعد النكبة عام ‪1948‬‬ ‫تشكَّل من عنارص ثالثة هي‪ :‬الشخصية املتعلِّمة التي تك َّونت ض َّد األمية‬ ‫والجهل والغفلة واليأس والشعور بالتهميش أوالً‪.‬‬ ‫والشخصية الفاعلة العاملة املبادرة التي تخدم نفسها وعائلتها‬ ‫رشد واللجوء واملساعدات اإلنسانية‪ ،‬فنحن‬ ‫ومجتمعها رفضً ا لواقع الت ُّ‬ ‫ودؤوب‪.‬‬ ‫شعب ُم ِج ٌّد‬ ‫ٌ‬ ‫ث ُ َّم ثالثًا الشخصية الثورية التي تجلَّت مع بروز وجه الفتح املبني يف‬ ‫ظالم واقع األمة العربية بأنظمتها املتخلِّفة وبشعارات املنظّامت الخلاّ بة‬ ‫بال فعل‪.‬‬ ‫ومع تراكم الثالثية يف الخارج حيثُ مخ ّيامت اللجوء ويف الداخل بدأ‬ ‫الصمود والرسوخ يف األرض يأخذ شكالً يوميًّا‪ ،‬أي يتح ّول ملنهج حياة لن‬ ‫تستطيع الدبابة أو الجرافة أو الرواية الصهيونية الخرافية أن تقتلعنا ثانية‬ ‫من أرضنا‪.‬‬ ‫كان ُّ‬ ‫الشك يُحيط بالكثريين ويكاد يطيح بهم مع خفوت صوت‬ ‫البندقية سواء يف غزة أو الضفة‪ ،‬وقبله من الخارج‪ ،‬وما كان لشكوكهم‬ ‫هذه أن تعطي مثرها يف الشعب الفلسطيني بالخارج أو الداخل أل َّن اختيار‬ ‫‪204‬‬


‫وعي وإدر ٍ‬ ‫اك‬ ‫شكل النضال والجهاد والكفاح يُق ِّرره الشعب‪ ،‬ويف ّ‬ ‫ظل ٍ‬ ‫وفهم للمعطيات واملتغيرّ ات‪ ،‬فال يتوه بني الخيارات‪ ،‬وال ين َج ُّر للمراهقة‬ ‫ٍ‬ ‫أرض معرك ٍة مفروش ٍة بالراحة ومك َّون ٍة من‬ ‫السياسية‪ ،‬وال يعطي العدو َ‬ ‫معطيات التفوق للعدو‪.‬‬ ‫أدرك الفلسطينيون عامل قوتهم برسوخهم وثباتهم ومقاومتهم‬ ‫(ووحدتهم)‪ ،‬وعمقهم العرويب اإلسالمي املسيحي الراسخ‪ ،‬فانترصوا‬ ‫بالقدس وفلسطني يف جولة وجوالت‪ ،‬ومازالت الجوالت كثرية‪ ،‬لكن املنهج‬ ‫قد أصبح واض ًحا‪.‬‬ ‫كل أفكار الكُساح السيايس‬ ‫يف العام ‪ 2017‬انترص الفلسطينيون عىل ّ‬ ‫واالنكسار التي تظن أ َّن الفلسطينيني ال ميتلكون شيئًا من السياسة إال رف َع‬ ‫العقري ِة بالصياح‪ ،‬وال َمن يستمعون‪.‬‬ ‫نحن بالعمل الدؤوب أسمعنا حتى الص ّم يف العامل العريب واإلسالمي‪،‬‬ ‫كام أسمعنا العامل الغريب بحراكنا امليداين املقاوم‪ ،‬وبحراكنا السيايس‬ ‫والدبلومايس املتقن‪ ،‬والذي فهم أن فلسطني ودولة فلسطني والقدس هي‬ ‫الحق بعينه‪ ،‬إذ حني ينظرون بعني القانون والتاريخ والسياسة والقرارات‬ ‫واملنظامت الدولية فالحرية والعدالة والحق إىل جوار فلسطني‪.‬‬ ‫الصم من يجب أن يسمعوا ويفهموا أ َّن يف فلسطني‬ ‫مازال يف األمة من ُ‬ ‫ويف الخارج شع ًبا يتقن معادلة الرسوخ والثبات والبقاء واملقاومة يف وطنه‬ ‫املحتلز‬ ‫وشعبًا أتقن ف َّن االستمرار‪ ،‬ولن يُك ِّرر خطيئة لوم اآلخرين أو الوثوق‬ ‫بالغري الذين مل يُطعمونا ال خب ًزا وال سك ًرا‪ ،‬و ُهم َمن توقَّفوا عن رسج‬ ‫الخيول منذ زمن طويل‪.‬‬ ‫نحن األَ ْوىل أن نكون طليعة األُ ّمة العربية واإلسالمية ورأس الرمح‪،‬‬ ‫‪205‬‬


‫وبنا ومعنا تتعملَق األمة‪ ،‬وتعتيل أسوار القدس‪ ،‬وتصدح الكنائس‪ ،‬ويقام‬ ‫األذان‪ ،‬ونصيل معا بإذن الله تعاىل‪.‬‬ ‫أ َّما رسالة حركة «فتح» للعام الجديد وحتى النرص املبني باذن الله‪ ،‬فال‬ ‫يستطيع إلاّ أعمى ألاّ يراها وهنا الطامة الكربى يف ُمعاقي األمة‪ ،‬فحركة‬ ‫«فتح» ما كانت فاصلة يف التاريخ وال كانت عالمة تعجب‪.‬‬ ‫حركة «فتح» كانت ومازالت ِسف ًرا مليئًا باألفكار والربامج وال ِق َيم‬ ‫والتوجهات واملواقف وال�صراع��ات والنتائج وال��ح��وارات واملباديء‬ ‫الدميقراطية والسهد والسهر والنزف والتضحية والعقل‪ ،‬والنكوص أحيانا‬ ‫والعبث والتخلخل والفرقة‪.‬‬ ‫«فتح» آمنت أ َّن النرس ال يطري إلاّ بجناحني اثنني‪ُ ،‬هام جناح اإلميان‬ ‫بالله وحتمية النرص‪ ،‬وجناح التضحية هي الحركة التي جعلت من الوحدة‬ ‫شعا ًرا مل متل من تكراره‪ ،‬وان دخلت يف مراحل من االنتكاسات ستمر‬ ‫وتزول ما أن يرفع الغريب يده املبللة بسموم املال واملصالح والشعارات‬ ‫الكاذبة‪.‬‬ ‫حركة «فتح» الحركة الرسالية شاء من شاء وأىب من أىب‪ ،‬يف رسالتها روح‬ ‫لكل مكونات‬ ‫الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬وثقافتها االستيعابية السمحة ّ‬ ‫الوطن من مسيحيني ومسلمني‪ ،‬ولكل أبناء األمة العربية بال متييز بالعضوية‬ ‫فيها بني العراقي واملرصي واملغريب واألردين أو الفلسطيني‪.‬‬ ‫حركة «فتح» التي عانت كث ًريا من الدلف‪ ،‬إذ كث ًريا ما غرقت باملياه‬ ‫العادمة التي كانت تُلقى عليها من أصحاب الربامج املشبوهة يف األمة‬ ‫العربية واإلقليم‪ ،‬إلاّ أنَّها وكام كان ير ّدد قائد املسرية الختيار يارس عرفات‬ ‫كطائر الفينيق تقوم أب ًدا من تحت الرماد‪.‬‬ ‫حركة «فتح» التفلُّت والفوىض واالهامل وافتقاد الربنامج والتعارض‬ ‫‪206‬‬


‫واملصالح الفردية واالنكامش والهزالة والقبح وقلة الحيلة والسوداوية‬ ‫والشكوى واالستبداد والبؤس واللطم والكهرباء الساكنة‪ ،‬والرتدد والضعف‬ ‫والغفلة‪ ،‬ومجال الصدمات املفتوح هي حركة «فتح» التي ال نريدها‪ ،‬وإن‬ ‫عشنا بشخوص فيها ميتلكون من عنارص التبعرث واألفول والسوداوية ما مل‬ ‫(ولن) يستطيعوا معه أن يقلبوها أو يد ِّمروها‪ ،‬ولن يستطيعوا أب ًدا‪.‬‬ ‫حركة «فتح» التي يجب ألاّ يتغافل عن رؤيتها َمن يظن بذاته ينشد‬ ‫لفلسطني هي املحطة األويل يف رسم عالمة رقم ‪ 7‬أي عالمة النرص التي‬ ‫اقرتنت بيارس عرفات ومازالت فيه واضحة‪ ،‬رغم الكثريين الذين رفعوها‬ ‫قبله وبعده‪ ،‬ما يؤكد شعار حركة «فتح» الدائم ثورة حتى النرص امللفَّع‬ ‫بكوفية األمل‪.‬‬ ‫كرست باملقاومة الشعبية واالنتفاضات‬ ‫رسالة حركة «فتح» التي َّ‬ ‫والغضبات والهبات وجمعات الغضب ومخيامت الصمود هي أ َّن هذا‬ ‫الشعب لهذه األرض‪ ،‬وهذه األرض ما عرفت شع ًبا سواه‪..‬‬ ‫هذه األرض هي فلسطيننا منذ ‪ 10‬آالف عام‪ ،‬والعرب الكنعانيون‬ ‫والعرب الفلسطينيون القدماء والعرب اليبوسيون وغريهم من القبائل‬ ‫العربية‪ ،‬هي التي أقامت الحضارة وزرعت األرض بالشجر والحب والثقافة‬ ‫الجامعة‪ .‬ونحن امتدادها‬ ‫هي فلسطني التي حرثت فيها األرض طوال وعرضا حتى عندما جاء‬ ‫الصهاينة لريكبوا خرافة «أرض بال شعب» اكتشفوا‬ ‫مذهولني كام قال أحد مفكريهم الكبار يف القرن ‪- 19‬هوآحاد هاعام‪-‬‬ ‫اكتشفوا أنها عىل غري الشعار الكاذب الذي حاولوا إيهام العامل به‪ ،‬فهي أرض‬ ‫تنبض بالحياة ومزروعة طوال وعرضا‪ ،‬وهي تتحدث بلغة شعبها العريب‪.‬‬ ‫رسالة حركة «فتح» يف مطلع العام ‪ 2018‬أننا من هنا‪ ،‬فنحن املرابطون‬ ‫‪207‬‬


‫كام قال عنا الرسول الكريم‪ ،‬وهنا نحن باقون وهنا راسخون وهنا‬ ‫مستمرون‪.‬‬ ‫الفكر وااليديولوجية العنرصية الصهيونية‪ ،‬أو اليهودية املتطرفة هي‬ ‫االيديولوجية الزائلة وهنا يكمن الفرق الجوهري يف رسالة حركة «فتح»‬ ‫اإلنسانية الدميقراطية الحضارية للعامل‪ ،‬حيث تحتضن األرض وال تقبل‬ ‫هدير الجرافات وال أزيز الطائرات‪ ،‬وترفض العنرصية املتعملقة بالذات‬ ‫اليمينية اإلرسائيلية (املدعومة من اليمني الغريب الصهيوين) كام ترفض‬ ‫املستعمرات واملستعمرين يف جسدنا ويف عاصمتنا األبدية القدس‪.‬‬ ‫حركة «فتح» م َّيزت بوضوح ‪-‬ال يفقهه األغبياء أو األدعياء أو الحاقدون‪-‬‬ ‫ميزت بني الوطن واألرض والرواية والتاريخ والجغرافيا حيث تحتضن هذه‬ ‫الخامسية فلسطني التي فيها حيفا ويافا والنارصة والقدس وخانيونس‬ ‫ورفح ونابلس وبيت لحم سواء بسواء‪ ،‬وحيث نسعى لكيان سيايس أو‬ ‫لدولة يف حدود العام ‪ 1967‬وعودة الالجئني والسيادة والقدس‪ ،‬فنحن‬ ‫بالسياسة نبني الكيان املستقل‪.‬‬ ‫يظل الوطن واألرض والتاريخ والحضارة والجغرافيا ال تفرق أب ًدا‪ ،‬بل‬ ‫تجمعنا واألمة‪ ،‬أي بكل وضوح فان التعبئة الفكرية الثقافية والحضارية‬ ‫هي باالرتباط الكيل‪ ،‬فنحن يف الداخل والضفة وغزة والخارج شعب واحد‬ ‫ألرض واحدة‪.‬‬ ‫ومهام كانت الدولة بعيدة أو قريبة فهي املدخل السيايس الصحيح‬ ‫للنضال الطويل من بعدها‪ ،‬فال يتوه أحد بني دهاليز السياسة فيخلط يف‬ ‫عقله بني الحضاري التعبوي االيديولوجي وبني السيايس‪.‬‬ ‫معركتنا ال تكاد تنتهي فامزال مشوارنا طويال‪ ،‬ويحتمل صعود األجيال‪،‬‬ ‫جيل يتلوه جيل‪ ،‬فإن مل ننجح بالتوحد حول الهدف والغاية واختيار‬ ‫‪208‬‬


‫املسلك والوسيلة بقيم املحبة والثقة والربنامج املشرتك‪ ،‬والرسوخ فكيف‬ ‫لنا أن نتوجه لألمة بطلب الدعم واملؤازرة!‬ ‫نحن من يجب أن يبدأ بنفسه فنكون كام قال قائد املسرية األخ‬ ‫أبو مازن يف إضاءة الشعلة ومستلهام من اآلية الكرمية نحن الصابرون‬ ‫املصابرون املرابطون والله معنا‪.‬‬

‫‪209‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.