وثيقة "حماس" في الميزان بكر أبو بكر التقديم الطويل الذي قام به خالد مشعل لوثيقة "حماس" الجديدة كان مفهوما لدي ،فهو به يحاول أن يخفف من صدمة أو معارضة البعض في "حماس" خاصة لما جاء فيها ،ألن االختالف بدا كبيرا في الرؤيا الجديدة ل"حماس" عن تلك المتمثلة بتربيتها العقدية الداخلية الحدية التي ما فتأت تسير على خطى "االخوان المسلمين" التقليديين في فكر رفض اآلخر والمحنة والظلم ومدرسة الفسطاطين ،و(قتالنا في الجنة وقتالكم في النار). التقديم الطويل أو االستهالل الذي قدم به مشعل الوثيقة عبر بحق عن تطور فكري وسياسي أخذ وقتا طويال ليتبلور ،ولنقل على األقل من العام 1988وإعالن انطالقة الفصيل بثوب (الميثاق) الذي تمزق عبر الزمن ،وها هو مشعل يلبس ثوبا جديدا وإن احتفظ من الثوب القديم ببعض المفاهيم الذائبة أو المنسوجة بشكل خفي في خلطة الميثاق الجديد. إن ميراث "األخوان المسلمين" ميراث طويل في فلسطين ،فمنذ االربعينيات من القرن العشرين وضع حسن البنا أقدامه في فلسطين ،وفتحت فروع التنظيم اإلخواني الذي لطالما اعتبر نفسه (حتى إعالن مشعل الجديد) أنه جزء ال يتجزأ من "االخوان المسلمين" بنهجهم التقليدي الرسمي رغم تعدد المناهج. مدرسة الفسطاطين واالستيالء على اآلخر بدأت مسيرة فصيل (حماس) منذ انطالقتها بحدة الرفض لآلخر وعدم القدرة على ابتالعه ،باعتبارها البديل الجاهز المغمس حصريا بروح اإلسالم والمعبر عنه ،فرفضت أن تكون جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية (العلمانية الكافرة) ،ومنذ كرست مسارها النضالي المنفصل عبر بياناتها وفعالياتها في االنتفاضة ،بعد إدراك متأخر لجدوى الكفاح المسلح ،سواء في االنتفاضة األولى( )1987-1993أو في الثانية ( ،)2000-2004فكان فكر أو منهج المعسكرين أو الفسطاطين :فسطاط الحق والباطل ،ونحن أو هم ،هو النهج القائم في التعامل مع اآلخر ،وفي التكوين الداخلي للعناصر ،واستمر هذا الطور طويال حتى بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام .1994 2
حاولت "حماس" أن تستولي على منظمة التحرير الفلسطينية ،ولم تستطع حتى مع التحالف مع نظام بشار األسد في سوريا في العام 2011ثم مع دول أخرى بالمنطقة ،وعليه فإنها وجدت من إطار السلطة القائم والجاهز فرصة ذهبية لالنقضاض على قيادة السلطة واالستيالء عليها ،والحلول باستبدال معسكر الشيطان و"أوسلو" والخيانة والكفر واالتفاقات 1 االستسالمية والتنسيق األمني بمعسكر الرحمان و (الوطنية اإلسالمية) واإليمان. استمرت هذه المرحلة طويال ( )1988-2017أي ما يقارب من الثالثين عاما ،جرى في النهر مياه كثيرة ،وتغير في المعادالت الكثير ،لتصبح "حماس" عبر الزمن مؤهلة لطور (االعتدال والتجدد والتطور والمرونة والواقعية واالنفتاح والوسطية) مما عبر عنه خالد مشعل في االستهالل لكلمته ،وهو يعلن وثيقة "حماس" الجديدة من فندق في العاصمة القطرية مساء يوم العمال 2017/5/1ومترافقا مع إضراب األسرى بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح ،وفي ظل زيارة الرئيس أبومازن ألمريكا للقاء الرئيس األمريكي الجديد. ال شك لدي أن الطور الجديد لحركة "حماس" قد لقي نزاعا وخالفا داخليا حادا بين تيارات التجدد وتيارات التشدد فيها ،وال شك لدى أن العامل الداخلي على أهميته في بناء الوثيقة قد تأثر الى حد كبير بمتغيرات الذات ،والمحيط والعالم في 30عاما ،فمن ال يتجدد يتبدد ،وهو ما كان من شعار خالد مشعل في استهالله الطويل.
االنعطافة الفكرية من الممكن أن نرجع أسباب تدشين إعالن االنعطافة الفكرية ل"حماس" أوالتجدد النسبي (وقد يراه البعض الظاهري افتراضا لعدم التطبيق) إلى األمور التالية: ألسباب تأثيرات داخلية 2وإقليمية وعالمية :مثل انقسام العالم العربي لمعسكرات فئوية، واشتعال فكرة الطائفية والقبلية فيها ،والصراع العربي الفارسي على النفوذ والمصالح. 1أنظر حملة التكفير والشتائم والتخوين على األقل في الفترة من منتصف شهر 4إلى آخره لهذا العام 2017بأفواه معظم قادتهم ،وما تالها من حملة مظاهرات مناهضة للرئيس واعتقاالت لمئات الكوادر من حركة فتح في غزة. 2عبر خالد مشعل عن "الصراع الداخلي" بين المحاور مخففا إياه بالقول أن الوثيقة أخذت "حوارات" ونقاشات طويلة داخل حماس ولسنوات. 3
وظهور االسالمويين المتطرفين كرقم صعب بالمنطقة والعالم،عدا عن اعتبار "حماس" منظمة إرهابية ،وسقوط دولة "االخوان المسلمين" في مصر. وتطور فكر الغنوشي في تونس ،والمطامع التركية واإليرانية بالمنطقة العربية. وانهيار جدار األمة الصلب من حول القضية الفلسطينية انشغاال بقضاياها الداخلية، حيث نرى أنها كلها عوامل تآزرت مع فشل حركة "حماس" في حروب ثالثة على غزة دمرت الحرث والنسل ،متضافرة مع الحصار الظالم وضغوطات اإلقليم. تآزرت هذه العوامل مع فشل "حماس" بطرح نموذج يحتذي به في الحكم ،وإن عدت هي كل معاركها مع العدو وأسلوبها بالحكم انتصارات ،ولكن العبرة بالنتائج فال نصر ينتج وضعا أسوأ مما سبقه ومعاناة تزداد يوما وال تنقص ،إال أن كان النصر هو منع أي عدوان جديد ،وكما قال مشعل في استهالله بأنه (ال يريد حربا) ما يعني حكما التزامه المطلق بالتنسيق األمني مع االسرائيليين عبر منع اطالق أي رصاصة أو حجر على االحتالل من غزة. العوامل المتآزرة مما ذكرناها مع تجربة "حماس" الفاشلة أيضا برأينا في ملف االنقالب /المصالحة لعشر سنوات ،كلها عوامل ساهمت في بلورة فكر جديد يستطيع أن يقدم "حماس" للعالم بحلة منمقة تصلح ألن تقدمها فتجلس على طاولة المفاوضات مع االسرائيليين مما لم يرفضه مشعل قط ،ومما أكد عليه كثيرا فيما سبق وأكد عليه بوضوح هذا اليوم لماذا (ألن األعداء يتفاوضون) كما قال نصا ،وإن كان التفاوض (سياسة قابلة للتغيير) كما أضاف.
مسافة طويلة ،لكن مساحة واسعة لقد قطعت "حماس" مسافة طويلة هي 64عاما منذ ظهور أول خلية إخوانية في فلسطين في أربعينيات القرن العشرين ،ومنذ 29عاما على ظهورها أو انطالقتها ،ومنذ 10 أعوام على االنقالب ،و 3سنوات على العدوان الثالث المدمر على غزة ،لتقرر أن تغتسل بماء النهر الجاري ليصب في بحر االنسانية التي اعتبرت "حماس" أنه جزء منها 3،إذ عبر مشعل 3ومن الممكن أن نلحظ تطور هذا الفكر العملياني =البراجماتي الحمساوي في سياق الوعي بالمتغيرات ليخوض هذا التيار الصراع الداخلي العميق في "حماس" بين تيار المعتدلين والمتشددين وأولئك الذين أمسكوا برقبة غزة ،وكان لخالد مشعل قصب السبق في التغيير الفكري منذ زمن طويل ،وهو صاحب التجربة الخارجية العميقة التي حاول بها جاهدا أن يظهر حماس دوما مقبولة عالميا ،ولم يتورع عن اإلقدام 4
في خطابه معلنا الوثيقة الجديدة عن كثير من هذه المفاهيم (اإلنسانية) بوضوح هام ،ولكنه يتناقض كليا مع تعبئة "اإلخوان المسلمين" وفكر سيد قطب االقصائي على األقل. إننا نحيي فكر (التطور والتجدد ضد التكلس) كما أشار مشعل له ،ونتفق معه على ما قاله من أنه ليس (كل حاجة ثوابت فيتم تقليص مساحة المتغيرات ،فالمجال الطبيعي هو التطور والمرونة ،ولسنا أيضا مع توسع المتغيرات ما يؤدي لضياع الثوابت والحقوق وبالتالي التفريط). إن االستهالل الذي بدأ به خالد مشعل إعالنه عن الوثيقة الفلسفية والفكرية (والسياسية) الجديدة يستحق أن يدرس فعال داخل "حماس" لعلها تنفض عن تربيتها الداخلية إرث الجمود العقالني ،والتيار الكهربي الفكري الصاعق الذي ينزه فكرها ،بل وحامليه وينأى بها عن اآلخرين فال تجد من عدائهم بدا ،وهو تجدد لمشعل وواضعي الورقة يستحق أن يتم التوسع به ليضاف للوثيقة الفكرية عامة ألي تنظيم . شكلت مقدمة خالد مشعل إضاءة محترمة ،وتناوال بديعا لمفاهيم "المرحلية" و"الواقعية السياسية" والعمليانية (البراجماتية) عندما جعل من (االبداع والتجدد والتطور والمرونة والوسطية) بنص حديثة مطلبا ال يعني التخلي عن الثوابت من جهة ،ويرفض (تضييق المساحات) مما قال وهو بذلك يقر بوعي أو بال وعي -واالحتمال األول أقرب لي -بسقوط مدرسة الفسطاطين أو المعسكرين ألنه اعتبر (االبداع والتجدد )...وسطا بين االفراط والتفريط ،أو التشدد والميوعة. من المعلوم أن "الوسط" ليس واحدا بل متعدد النظرات حيث تعددية وتشاركية مقبولة ،بمعنى أنه ما بين الطرفين البعيدين للشيء أو الفكرة ،وهما كما سماهما "التشدد والميوعة" العديد من الوسطيات ،ما يعني السقوط المدوي لفكر "االخوان المسلمين" التقليدي بمنهج سيد قطب ومصطفى مشهورعلى األقل القائل بالكفر مقابل اإليمان ،واإلسالم مقابل المجتمع الجاهلي ،أوما كان قد عبر عنه مشعل ذاته سابقا عام 2007أثناء االنقالب من خالل فكر "الفسطاطين" أو"المعسكرين" في سكرة االنقالب والنصر !،وسار على دربه معظم نواطق "حماس" والى زمن يوم واحد فقط قبل إعالن الوثيقة.
على طرح أفكار ال يقبلها المتشددون ،عام 2012كمثال ،ولنا النظر كنموذج جديد إلى لقائه مع الصحيفة الهندية في قطر بتاريخ 2016/7/26واسما (دنا انديا) 5
نحيي بشدة فكر التجدد واإلبداع ،ونرحب بعقلية المساحات المفتوحة ،وبمنطق فهم المتغيرات وفلسفة حالة التجدد عقالنيا بال خجل وبال خوف من أن هذا أو ذاك قد يكون مخالفا "للشرع" ما يحتاج لفتوى ومرجعية نصية! تبرير كل تجدد أو إبداع أو إصالح كان يضطر المبدعين لمواجهة أصحاب الفكر الجامد والمتحجر بشراسة ،وقد يدفعون ثمن ذلك حياتهم. وكان التجدد -أو الرغبة فيه -يضطر أصحاب الفكر المرتبك للنأي عن المواجهة بالتراجع أو التساوق. وكان يضطر أصحاب النظام التسلطي أو غير الشرعي ولكنه الراغب بالتطوير الستخدام سالح الفتوى! كما هو الحال بالدولة العثمانية عندما استوردت المطبعة ألول مرة فارتبكت واهتز كيانها واضطرت ألخذ فتوى تجيز استخدام المطبعة وتقول أنها حالل! تماما كما اتخذ السلطان العثماني سليم األول من غزو أو فتح مصر وقتل أهلها وتخريبها وسرقتها حقا له تم التعبير عنه بفتوى أيضا! الفهم المرتبك أو السلطوي أو المتردد نتيجة الخوف يجعل من االستناد لحائط الفتوى حتى في المصالح الظاهرة تعبيرا عن شرعية مفقودة يعمل السلطان أوالتنظيم أوالحزب على اعتصارها رغما عن أنف "الشرع" وبأداته ذاتها. فتوى أو شرعية الفكرة أو الموقف السياسي تحتاج من التنظيمات الفكرانية (االيديولوجية) لتأهيل واستهالل وتهيئة مناخ للعناصر لديها ،مستندة للنصوص الدينية التي تبيح ما ال يباح ،فتقدس الفكرة أو الحدث وشخوصه حتى لو فسقوا وفجروا ،أو فجروا الناس في الشوارع ،كما سالت الدماء الطاهرة في االنقالب على غزة عام 2007الذي لم يشر له مشعل في وثيقته الجديدة ،وكأن مئات األنفس التي قضت في االنقالب ليست من المسلمين، أوليست من الفلسطينيين لتذكر ،فيقوم باالعتذار عن الفتوى وعن التطبيق ،وكالهما جريمة استهللنا بذكرها اآلن ،كما استهالل مشعل هذه الورقة الذي نسيها ،ولربما أطلنا كما أطال، ويستحق االستهالل ذلك.
6
"المنهجية المتوازنة" عموما لم يستند مشعل للنص المقدس أو الفتوى بل للعقل والمنطق والفلسفة في استهالله وهذا تطور محمود ،على عكس وثيقة "حماس" األولى أي الميثاق وهي الوثيقة التي لم تجرؤ أن تتحدث في بنودها إال مدعمة ما تطرح بآية قرآنية أو حديث وبالتفسير الذي يفهمونه. لقد أسمى مشعل فكره أو فكر "حماس" الجديد ب"المنهجية المتوازنة" ،وحسنا فعل ف"الوسطية" و"الميزان" يفترضان "العقالنية" ،والثالثي يقترض إزالة كل الخرافات والخزعبالت التي علقت سواء بفكر "اإلخوان المسلمين" التقليدي أو "حماس" ،بل وبفكر األمة الذي أدى بنا لواد سحيق ،مع التفسير والفهم الخرافي للقرآن واألحاديث من قبل التيارات المتطرفة التي نأى مشعل بتنظيمه عنها وحسنا فعل. لقد أراد مشعل ب"منهجيته المتوازنة" أن يجمع وال يفرق بين أمور ثالثة هي الفكر الوسطي المعتدل (وليس ما يقدمه المتشددون كما قال) ،وبين العقل السياسي المنفتح ،وبين المقاومة الصلبة ،وحسنا فعل نكررها ثانية.، إذ جعل مشعل من هذا المنهج المتوازن –والى جواره عشرات المناهج الوسطية األخرى للعلم– يربط بين التطور والتجدد واالنفتاح وبين الثوابت واألصالة ،فيما أشار له من مفاهيم تعبوية وطنية تربوية صلبة ،نتفق معه بها ،حيث التأكيد على الحقوق الوطنية الفلسطينية العادلة ،وأن ال تنازل وال تفريط. دعوني أشير لفكر األصالة (الوطني) التي اعتبرها مشعل من األجزاء الثابتة في (المنهجية المتوازنة) ل"حماس" فهي:
أرض فلسطين الكاملة أرضنا. قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين ال يلغي حقنا بها. ال تنازل وال تفريط بالقدس ،واألقصى حقنا. حق العودة ال عودة عنه ،و ضد التوطين أو الوطن البديل . المشروع الصهيوني عنصري احتاللي إحاللي . نعم التباع كافة أساليب المقاومة (وفي القلب منها المقاومة المسلحة-النص ) الدولة الفلسطينية الحقيقية ثمرة التحرير . رفض وعد بلفور وما نشأ عنه . 7
وهل نجد فلسطينيا واحدا (أو عربيا حرا) يرفض هذه المبادئ الوطنية العامة؟ ال اعتقد ذلك ،وهي إن تطورت في فكر "حماس" ،وقد كانت متجذرة في فكر من سبقوا "حماس" ممن لم يتجرأ لإلشارة لهم خشية االتهام بأنه يسير على دربهم ،وإن كان قد جوبه بمثل هذا السؤال بوضوح ،أي أنكم تسيرون على درب حركة فتح. حركة تحرير و مقاومة "وطنية" "اسالمية" في إطار تعاملنا مع االستهالل والوثيقة ،دعونا نناقش البند األول ،من 42بندا شكلت الوثيقة الجديدة ،مما تعرض له مشعل في االستهالل أيضا ،والذي يقول أن "حماس" (حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسالمية هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيتها اإلسالم في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها).
أن تكون "حماس" حركة تحرر فهذا تعريف كل الثورات ضد المحتل واالستعمار والظلم ،وأن يضاف لها كلمتا "الوطني الفلسطيني" فهذه حركة فتح (حركة التحرير الوطني الفلسطيني– فتح) ،وال يعني إضافة النكهة "اإلسالمية" للتعريف إال تمسكا بالتمييز ،ألن (المقاومة الوطنية اإلسالمية) كما سماها مشعل ال تكون (وطنية) و(إسالمية) بالفهم المستنير دون أن تكون (وطنية) و (مسيحية) أيضا ،ألن مفاهيم "المواطن والوطن والوطنية" الحقيقية تضم كافة األعراق واألديان والمذاهب داخل الوطن التي عبرت الوثيقة عن احترامها ومساواتها في فلسطين ،وعليه تصبح السمة "االسالمية" الالحقة "للوطنية" بال معنى حقيقي إال احتفاظا بموروث قديم ،أو نقع في تناقض المصطلحات. التعريف الذي يجعل "الوطنية" و"اإلسالمية" قابلين للتعانق ،ورغم ما يتضمنه من جدل كبير إال أننا نقبل به لحركة "حماس" التي تحرص على تاريخها و تميزها 4،ولكن وجب أن تعي بوضوح ما نعيد التأكيد عليه أنه في الوطنية تتساوى االسالمية و المسيحية في الوطن . 4الحظ "التميز" حتى بالعنوان للبند وفي المضمون في النص من ميثاق حماس 1988الذي يقول: ((التميز واالستقاللية :المادة السادسة :حركة المقاومة اإلسالمية حركة فلسطينية متميزة ،تعطي والءها هلل، وتتخذ من اإلسالم منهج حياة ،وتعمل على رفع راية هللا على كل شبر من فلسطين ،ففي ظل اإلسالم يمكن أن يتعايش أتباع الديانات جميعًا في أمن وأمان على أنفسهم وأموالهم وحقوقهم ،وفي غياب اإلسالم ينشأ الصراع ،ويستشري الظلم وينتشر الفساد وتقوم المنازعات والحروب)) 8
الواحد ،وتتساوى "الوطنية" ضمن مساحات التعددية بالفكر والرأي والموقف في تنظيمات الفلسطينيين كافة ،فال احتكار للوطنية كما ال احتكار للدين . بالتعريف الجديد ل"حماس" بالبند األول من الوثيقة الجديدة أنها (حركة تحرر ومقاومة وطنية إسالمية) ،وان كان هذا قد يتضارب مع االسم الرسمي للفصيل الذي هو (حركة المقاومة اإلسالمية) والذي ال يذكر السمة الوطنية والفلسطينية ،إال أننا و رغم الخلط المفاهيمي نرى ذلك يمثل نقلة جديدة بالفهم. ل"حماس" أن تقول أن مرجعيتها "إسالمية" ،وان كان ذلك يحتاج ألحبار كثيرة ،إال أن "حماس" حين تقيد نفسها ب"إسالمية" (المنطلقات واألهداف) في التعريف ذاته قد يكون هذا مقبوال من الزاوية المفاهيمية ،أما أن تجعل لنفسها مرجعية إسالمية أيضا في (الوسائل) حسب التعريف ،فان في ذلك تقييد شديد للحركة الى حد التحجر ،الذي حذر منه مشعل نفسه بمعنى أنها جعلت من أي مناورة أو تكتيك سياسي عرضة لالستخدام أوالتبرير الديني ما يعود بالضرر الشديد على "حماس" و حراكها الجديد بل وعلى تعبئتها الجديدة ،وعلى ثابت الدين. نضيف إلى ما سبق أن "حماس" في هذه الزاوية -أي زاوية ما تسميه المرجعية االسالمية -لم تستطع أن تتخلص إلى اآلن من الربط "االخواني" التقليدي بين الدعوي العقدي وبين الحزبي السياسي فمازال الربط قائما ومختلطا ،ولم ال! وهو مازال مجال االستقطاب الخصب الذي لم تصل "حماس" فيه إلى درجة ما فعل د.راشد الغنوشي الذي قال في مؤتمر حزب النهضة االسالموي التونسي العاشر عام ( 2016نميز السياسي عن بقية المجاالت المجتمعية كتتويج لمسار تاريخي حيث تمايز السياسي عن المجتمعي والثقافي والدعوي في حركتنا) فأسقط الربط بين السياسي والديني الدعوي الذي رسخه حسن البنا وسيد قطب من بعده وغالب األخوان المشارقة النتفاء التوفيق بينهما دون أن يتم استغالل الدين لمصلحة الحزبي السياسي كما أشار بتجرده من المصالح الحزبية في مقابل الوطن.5 بل وأضاف الغنوشي في خطابه -ما لم تطبقه حماس في غزة مطلقا حتى اآلن -قائال( :اننا (حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية ،والنأي بالمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي.) ...
5أنظر مقالنا حول الموضوع بعنوان :ثورة الغنوشي البيضاء وسفينة النجاة على موقعنا www.bakerabubaker.info 9
خمسة حقول لنبدأ بتحليل الوثيقة في ظل خمسة حقول هي -1التطور أو التجدد الفكري ،و -2مصيدة أو حفرة المصطلحات ،و -3الثبات التعبوي الوطني مقابل المتغير السياسي ،ثم -4نتعرض للمتناقصات رابعا-5 ،وصوال لألسئلة السكوت عن اإلجابة عليها . بعد االستهالل لخالد مشعل قام باستعراض عشوائي لعدد من بنود (وثيقة المبادئ والسياسات العامة) ،و التي اشتملت على مقدمة من صفحة واحدة و 42بندا ابتدأت بأقسام التعريف ،ثم بقسم أرض فلسطين ،وتاله قسم شعب فلسطين ،ثم اإلسالم وفلسطين ،فالقدس، وانتهت بالقسم المتعلق بالجانب اإلنساني والدولي في 6صفحات شكلت الوثيقة القصيرة لكنها الهامة ،وبناء عليه سنعرض للحقول الخمسة التي اشرنا لها -:
الحقل األول :التطور الفكري والسياسي واالنتصار لقد عبرت وثيقة "حماس" بحق عن قفزات نوعية وتطور مشهود في المفاهيم ،وربما بزمن معقول ،وان كان يراه البعض طويال ،مما ال شك به أن "حماس" رغم ما فعلته من خطايا فإن لها من المزايا والقدرة على المواجهة المشهود لها بها ،والتي جعلتها رغم كل الضغوط تستطيع أن تحصل على قصبة التنفس فتنجو من الغرق الذي دفعت نفسها إليه أودفعها اآلخرون إليه أو االثنين معا ،فسارت على درب التغيير ،وإن كان المركب الذي استقلته هو مركب حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح ،ومركب الوطنية الفلسطينية والثورة الفلسطينية المعاصرة بال جدال ،ما يمثل انتصارا مزدوجا للحركتين ،وانتصارا للفكرة ولفلسطين. نجد أن "حماس" صعدت إلى مركب حركة التحرير الوطني الفلسطيني" -فتح"، أوإلى مركب "الوطنية الفلسطينية الوحدوية" ،وأنا هنا ال يهمني أن تعترف "حماس" أوحركة "فتح" بمنطق من األسبق ممن ،ومن تأثر بمن ،ما قد يدخل في باب المناكفات الحزبية. وإنما ما يهمني أن المركب الوطني قد يسير بقوة -إن أحسنت إدارة دفته– إلى بر األمان ،وعليه نجد انتصار الفكر الوطني الفلسطيني في وثيقة "حماس" على األقل في 10 نقاط كالتالي :
10
.1في تعريف الصهيونية والمشروع الصهيوني ،و التخلص من إرث فكرة الحرب الدينية 6 (بند.)14 .2في بند الواقعية السياسية في التعامل مع النظام السياسي الفلسطيني واألمة العربية واإلسالمية و الجانب اإلنساني . .3في اتباع "المرحلية" (االعتراف بالدولة على حدود 1997دون االعتراف بالكيان 8 الصهيوني) ،7و االعتراف بالسلطة الوطنية (من البند .)30-27 .4االعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع ،وان ظل البند مبهما إذ لم تقل (الممثل الشرعي و الوحيد). .5التجدد في المفاهيم–رغم شبهة الخلط – وذلك حين القول (وطنيون إسالميون). .6القول أن التحرير واجب الفلسطيني ،وواجب األمة ،واإلنسانية بدوائر متكاملة (البند . )23 .7القول بتنوع وسائل المقاومة "بالوسائل واألساليب كافة"" ،وفي القلب منها المقاومة 9 المسلحة التي تعد الخيار االستراتيجي" نصا (البند .)25 6في البند 7من ميثاق حماس(( :حركة المقاومة اإلسالمية تتطلع إلى تحقيق وعد هللا مهما طال الزمن، والرسول صلى هللا عليه وسلم يقول" :ال تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ،فيقول الحجر والشجر :يا مسلم يا عبد هللا ،هذا يهودي خلفي تعال فاقتله ،إال الغرقد فإنه من شجر اليهود "(.رواه البخاري ومسلم))) .وفي الوثيقة الحالية البند(( :14المشروع الصهيوني هو مشروع عنصري ،عدواني ،إحاللي ،توسعي ،قائم على اغتصاب حقوق اآلخرين ،ومعاد للشعب الفلسطيني وتطلعاته في الحرية والتحرير والعودة وتقرير المصير؛ وإن الكيان االسرائيلي هو أداة المشروع الصهيوني وقاعدته العدوانية)). 7في الميثاق المادة(( 9أما األهداف :فهي منازلة الباطل وقهره ودحره ،ليسود الحق ،وتعود األوطان، وينطلق من فوق مساجدها األذان معلنًا قيام دولة اإلسالم ،ليعود الناس واألشياء كل إلى مكانه الصحيح، وهللا المستعان )).
8كان مشعل في لقاء الصحيفة الهندية في قطر عام 2016قد قال نصا وبوضوح( :وافقنا على المشروع العربي-الفلسطيني بالحل على أساس حدود عام 1967والقدس الشرقية عاصمة لها ،مع حق عودة الفلسطينيين الذين طردوا خالل سنوات من قبل الحكومات اإلسرائيلية المتعاقبة) ،مع أن هذا القول قديم في "حماس" ومن سنوات أسبق ،رغم األصوات العالية في غزة لرفضه. 9في الميثاق البند (( 13وال حل للقضية الفلسطينية إال بالجهاد ،أما المبادرات والطروحات والمؤتمرات الدولية ،فمضيعة للوقت ،وعبث من العبث)). 11
.8إن قضية فلسطين قضية أرض 10و شعب (أي ليست قضية المقدسات ووقف إسالمي ( )...البند )12وإنها قضية مركزية لألمة. .9الفصل الواضح بين اليهود أواليهودية كديانة وبين الحركة الصهيونية (البند 11 ،) 15،16،17و ظهور األبعاد اإلنسانية الجامعة. .10القول بعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية ،والقول بوحدة األمة لالنفتاح العالمي و العالقات المتوازنة (بند .)36،37 لربما تكون هذه أبرز النقاط التي عبرت عن التطور الملحوظ في البناء "الفكري الفلسفي" كما أسماه مشعل ،وبالتالي في منهج التعبئة والتربية الداخلية الجديدة الذي يجب أن يسود "حماس" أيضا كما قال. وهي نقاط تتبعت فيها "حماس" خطى من سبقوها كما قلنا ،و على رأسها حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح ما يحسب لحركة "فتح" أنها المبدعة و المتجددة و السباقة ،ويحسب لحركة "حماس" أنها صوبت المسار في هذه الحقل على األقل ،ونظريا حتى اآلن ،إن شاءت أن تفهم انعطافتها بشكل صحيح.
المفاجأة! لربما ال يعلم الكثيرون أن عددا من نقاط الوثيقة الجديدة هذه قد نسخت نصا مما قاله خالد مشعل في ندوة له عام 2012تحت عنوان (الفكر السياسي عند "حماس" ورؤية الحركة لمتغيرات الربيع العربي) ،وفيها طرح 19نقطة فقط ،ما يعني حصول حوارات عديدة وتجدد كبير أيضا.،
10في الميثاق طرحت "حماس" فكرا مناقضا بشكل كلي لما هو مطروح اآلن ،إذ حسب المادة 15من الميثاق( :ال بد من ربط قضية فلسطين في أذهان األجيال المسلمة على أنها قضية دينية ،ويجب معالجتها على هذا األساس). 11من المادة 15في الميثاق ((وفي مواجهة اغتصاب اليهود لفلسطين ال بد من رفع راية الجهاد)) ،بينما البند في الوثيقة الجديدة البند (( 16تؤكد حماس أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعا مع اليهود بسبب ديانتهم؛ وحماس ال تخوض صراعا ضد اليهود لكونهم يهودا ،وإنما تخوض صراعا ضد الصهاينة المحتلين المعتدين)) 12
وهذه الورقة عام 2012ألقاها خالد مشعل،رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، في مؤتمر "اإلسالميون في العالم العربي والقضية الفلسطينية في ضوء التغيرات والثورات العربية" ،والذي عقده مركز الزيتونة بين 28و 29نوفمبر/تشرين الثاني .2012ولكم أن تقار نوا بين النصوص على سبيل المثال فيما يتعلق بتعريف اليهودية والصهيونية والدولة والمبادرات السياسية...الخ.
دولة فلسطينية واالعتراف (باسرائيل) وفي ذات السياق الذي سيأخذ جدال سياسيا واسعا في "حماس" ،والعالم الغربي الموجهة له الرسالة تحديدا ،كما حصل مع حركة فتح أي االعتراف بضرورة قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967ك(صيغة وطنية توافقية مشتركة) حسب الوثيقة ،دون االعتراف (باسرائيل) ،من الممكن أن نقول أن فكر المرحلية والبراجماتية "لحماس" هنا تفوق كثيرا على فكر التصلب العقدي حتى أن فكرة عدم االعتراف ب(إسرائيل) ستصبح الحقا منعدمة باعتقادي ،إن أخذنا باالعتبار إشارات خالد مشعل كما الحال في لقائه عام 2016مع صحيفة (دنا انديا). قال مشعل في لقائه مع الصحيفة الهندية مؤهال المسرح لما سيأتي ومقدما نفسه وحزبه للعالم أن المشكلة ليست باالعتراف ب(اسرائيل) ،وانما االعتراف بحقوقنا ،وأعلن االستعداد في مرحلة ما لالعتراف بدولة (اسرائيل) ،والقضية مرتبطة بموافقة الشعب ضمن استفتاء ،كما أعلن إمكانية التفاوض مع العدو ،بينما األهم فيما قاله هو موافقته "المتكررة" كما قرأنا بوضوح حينها على دولة في حدود ،1967ونصا كان قد قال( :المشكلة ليست حول االعتراف ب"اسرائيل" .فال توجد طرق مختصرة في الصراع.والسبب الرئيسي هو احتالل "إسرائيل" ورفضها االعتراف بحقوق الشعب). وبعد أن يشيد خالد مشعل بمواقف حركة "فتح" والفصائل ،ويتغطى بهذه المواقف مع التمايز يوضح بالقول( :عندما نتخلص من االحتالل ،سنحدد شكل عالقاتنا مع "إسرائيل"). بمعنى آخر أن المبدأ مقبول ،ولكنه يرتبط بثمن وظرف وآلية ،ومن األثمان المطلوبة اتفاق 12 سالم واضح على حدود .1967
12رابط المقابلة في موقع الصحيفة الهندية واليكم رابط المقابلة مع خالد مشعل باالنجليزية 13
الحقل الثاني :حقل الثابت التعبوي في هذا الجانب أي التعبوي السياسي يحسب لحماس وضوحها خاصة فيما يتعلق بتعريف (أرض فلسطين) وملكيتها و حقنا بها ،ورفضها إلعالن بلفور المشؤوم ،و ما نشأ عنه (البند .)19-18 وفي تعريفها كما أسلفنا للمشروع الصهيوني (ال اليهودي) االستعماري (العنصري اإلحاللي التوسعي الغاصب) (بند .)14 وفي التمسك بحق العودة لالجئين لكل فلسطين بند ( ،)19وفي التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني وهويته (الوطنية) (بند ،)5-4و بعدم التنازل عن أي جزء من فلسطين (البند .)20 هذا الوضوح التعبوي/التربوي الهام هو ذات المفهوم الذي يؤمن فيه الفلسطيني عامة بين جوانحه ،فهو وإن رأى في الدولة العبرية كيانا سياسيا وجب التعامل معه ،كما ستفعل "حماس" قطعا ،فهو كيان سياسي غاصب وقائم على أرضنا نحن ،أي على أرض فلسطين.
الحقل الثالث :حفرة المصطلحات المضللة في حقل أو حفرة المصطلحات نجد 5من المفاهيم المتعارضة أوالخطرة.ففي البند 4 ينص (الفلسطينيون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون في فلسطين حتى سنة 1947 سواء من أخرج منها أم من بقي فيها .) .... فإن فهمنا هذا البند وفق التطور والتجدد في فكر "حماس" الذي ال يعادي اليهود أبدا، والذي يؤمن بالوطنية واإلنسانية ،وحسب نصوص الوثيقة الجديدة فإن الدولة الفلسطينية التي تسعى لها "حماس" على كامل أرض فلسطين تشمل على األقل (المواطنين العرب) من "اليهود" الذين كانوا في فلسطين قبل ،1947وفي هذا تطور كبير في قبول "اليهود العرب"
http://www.dnaindia.com/india/report-we-are-a-national-resistance-movementnot-a-terrorist-organisation-khalid-mashal-2238099 14
الذين هجرتهم الصهيونية لبالدنا 13،وهو مفتاح لقبول اآلخرين جميعا ضمن مفهوم التجدد والوطنية واإلنسانية الذي تم تغليبه على فكر "حماس" الجديد. أما النقطة الثانية فهي القول بعدم االعتراف ب"شرعية الكيان" وليس عدم االعتراف (بإسرائيل) ما يجر لفكرة االعترافات الثالثة ،أي االعتراف الواقعي والسياسي والقانوني ،ما كان سليم الزعنون أبواألديب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح قد كتبه في كتاب له فترة تعامل حركة "فتح" و(م.ت.ف) مع القرار 242و 338ما يعني أن االعتراف السياسي قادم بينما الواقعي قائم أما القانوني فغير الزم. وقعت الوثيقة الجديدة في خطأ كبير باعتقادي من الزاوية التاريخية ،فهي حين تقرر أنه في ثرى فلسطين (رفات اآلالف من األنبياء والصحابة والمجاهدين ) ...في البند 7ال تقول حقا ،إذ ال دليل علمي البتة على وجود رفات األنبياء هنا (إذ استثنينا حكمة اإلسراء والمعراج وميالد المسيح). وفي اإلصرار على منطق وجود (األنبياء) إشارة واضحة ألنبياء بني إسرائيل العرب اليمنيين المنقرضين ،وهم أنبياؤنا الذين ينسبهم (اإلسرائيليون) اليوم لهم حصريا ،إذ ال صلة جينية أو قومية أو قبلية لهم بهم ،وال يوجد ديانة في العالم تورث أرضا ألصحاب ديانة ما. إذ أن هذا البند يفتح الباب للتمسك الصهيوني بما يدعونه "حقهم الديني-القومي" هنا، بداللة حجة وجود (رفات األنبياء) وهم كما يدعون انبياؤهم أو ملوكهم ،وبالتالي ممالكهم (هي إمارات بني إسرائيل العرب القدماء المنقرضين) كما يتوهمون استنادا لخرافات التوراة ،فلم نفتح نحن هذا الباب ،أم أن ذلك مقصود؟ النقطة الخطرة األخرى التي عرجت عليها الوثيقة بما يتعلق بالمصطلح هي ورود كلمة (الالسامية) ،وإن كان ورودها بسياق مقبول (البند )17إال أن مجرد االعتراف باللفظة المخترعة إضرار بالتاريخ الحقيقي ،وتساوق مع مفاهيم مخترعة حديثا ،إذ ال يوجد أصال بالتاريخ ما يثبت وجود سام أو ما يثبت والرواية المرتبطة بذلك ،فكيف تصبح "الالسامية"؟ إن استخدام مصطلح "الالسامية" ،وان جاء عرضا ،خاصة حالما اقترن بـمصطلح (رفات األنبياء) ومصطلح (العرب الفلسطينيون)،أي بما فيهم اليهود من سكان فلسطين عام 13في الميثاق الوطني الفلسطيني يشير لما قبل العام 1917قبوال للجميع ،وحيث كان أتباع الديانة اليهودية حينها بحدود %5فقط من السكان ،بينما وصل عددهم إلى %30عام .1947 15
،1947وفي ظل أننا ك"حماس" حسب الوثيقة نرفض (اضطهاد أي إنسان أو االنتقاص من حقوقه على أساس قومي أو ديني أو طائفي – البند 17أيضا) ،فإن ذلك يعني تساوقا غير مفهوم مع الرواية اإلسرائيلية التاريخية الخرافية ،والتي يشعلها "نتنياهو" واليمين حاليا ،وفي نفس الوقت تقديم سياسي للوجه الجديد ل"حماس" الذي يقبل بوجود اليهود بال شك. إن نقطة (رفض االنتقاص من حقوق أي إنسان) التي سبق اإلشارة لها بالوثيقة مع تأييدنا لها ،هي مما ينقض األفكار االسالموية اإلخوانية التقليدية التي تفهم اآلخر ك"أهل ذمة" و"أهل عهد" عليهم الجزية ال كمواطنين بحقوق متساوية. هذه النقطة التجديدية أيضا تناقض ذات األفكار التقليدية المشربة بالوثيقة ،خاصة في قسم اإلسالم وفلسطين ،حيث يظهر تناقضها مع الفهم اإلخواني الصريح لمعنى "الدولة اإلسالمية"، والوارد في البند 8من الوثيقة حيث يقول البند :أنه في ظل اإلسالم "-أي ما يفهم أنه في ظل الدولة اإلسالمية المهيمن بها االسالمويون أوالمسلمون ال دولة كل مواطنيها"( -يعيش أتباع الشرائع واألديان في أمن وأمان) بمعنى تضارب مفهوم الوطنية والحقوق لكل األديان مع هيمنة دين واحد يمثله بالضرورة أتباعه أو حزب محدد على الوطن.
الحقل الرابع :حقل التناقضات إن إمكانية ايجاد الربط بين المفاهيم التي تبدو متناقضة (أو هي فعال متناقضة ،أو تم التعبئة بها على أنها كذلك) يحتاج لجهد فكري وتربوي مكثف ينتقل بالمفهوم من إطاره األول ليصبح في حلة جديدة استنادا للتطور الفكري من جهة ،واستنادا للتجارب من جهة أخرى. حصل التطور الفكري في استيعاب "اإلخوان المسلمين" لمفاهيم الوطنية والديمقراطية بل العلمانية ،وهي مفاهيم كانت منبوذة ومحتقرة ،وتعتبر في إطار فكرة أو منهج المعسكرين أنها ضد اإلسالم ،إال أنها اليوم تصبح مقبولة ،بل وال تتعارض مع فهم اإلسالم "اإلخواني" الوسطي والمتجدد والواقعي الذي يطرحه مشعل فكرا جديدا ل"حماس". إن قبول فكرة الوطنية 14،وإنها ليست ضد اإلسالم ،كان سبقا لإلخوان المسلمين المصريين والفلسطينيين والتوانسة نعم ،وفهم الديمقراطية في الفكر اإلخواني جاء بعد مرحلة 14يطرح حسن البنا مفهومه للوطنية كجزء من الفكرة اإلسالمية المهيمنة ،وسار على ذات الدرب ميثاق حماس ،ما يحالف أو يتعارض مع فكرة الوطنية اليوم. 16
مخاض عسير من الرفض واالشتراط ثم التقبل ،ثم جاء القبول بالعلمانية أو العلمانية المؤمنة أو الجزئية أو المدنية. نرى القبول لفكرة العلمانية في فكر المفكرين االسالميين د.محمد عمارة و د.راشد الغنوشي وعبد الوهاب المسيري ،وأيضا لدى خالد الحسن من قيادات حركة فتح ،بل وفي فكر الرئيس أردوغان الذي عبر عن ذلك علنا وفكر إسالميين آخرين كثر ،وهو أي (الفكر العلماني) -و لنقل (المدني ) حذرا -قد تسلل بقوة لوثيقة "حماس" الجديدة شاءت "حماس" أم أبت ،اعترفت به كمصطلح أم رفضته ،والعبرة بالنصوص ال بورود الكلمة المحددة. تسقط وثيقة "حماس" كليا التعريف الحدي وغير المقبول الذي يرى العلمانية فكرة ضد الدين (كما رأى فكر االخوان ذلك سابقا بالوطنية والقومية والديمقراطية واالشتراكية) أوأنها تعني التعريف األوحد المقدس :فصل الدين عن السياسة أو الدولة. إن الوثيقة تـعرف العلمانية دون أن تسجل اللفظة حرفيا (ولنقل المدنية) بالشكل التالي :أنها الشراكة في القرار والوطن ،وأن الدولة لكل مواطنيها بغض النظر عن االنتماء القومي أو الديني او الطائفي ...الخ،مما ورد في وثيقة حماس و هذا تطور مفهوم. يصطدم المفهوم "المدني" في الوثيقة ،وسيصطدم في الميدان ،مع مفاهيم أخرى في ذات الوثيقة من مخلفات فكر "االخوان المسلمين" التقليدي أي الذي لم يتطور ،حيث نرى عكس هذا المفهوم "المدني أو العلماني" حين الحديث بالوثيقة عن اإلسالم و فلسطين ،وكأن اإلسالم يحتاج لمن يقدمه لفلسطين عبر حزب بالشكل الذي ثم تقديمه ،وما هو ربط بين العقدي والحزبي. يبدو (اإلسالم) في البند الوارد بالوثيقة السياسية كأنه دين مصاغ بفهم حزب محدد وبشكل محدد ويلقي على كل الناس بهذا الفهم سواء أكان هذا الفهم صحيحا أم قابال للتطوير، ما هو نقيض فكرة الوسطية الوطنية ،ونقيض فكرة الديمقراطية ،ونقيض فكرة العلمانية أوالمدنية حيث تقف الدولة على مسافة واحدة من كافة المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم العقدية أو القومية أو المذهبية ،وأن الدولة هي أداة لتنظيم عالقات الناس الذين هم متساوون أمام القانون ،ما يتناقض مع النص بوثيقة "حماس" على فهم محدد لمعنى اإلسالم. يتناقص فكر الوطنية الجامعة وفكر "المدنية" الذي تغشى الورقة ل"حماس" مع القول تحديدا أنه في ظل اإلسالم حسب البند ( 8يعيش أتباع الشرائع و األديان في أمن وأمان) ما هو فهم اخواني ،بل وفهم اسالمي قديم كان يمثل فتحا كبيرا في مرحلة من المراحل 17
بالتاريخ اإلنساني ،لكن تم تطوره و تجدده ،و نحن في سياق تطور وتجدد الفكر في "حماس" ليصل لفكرة المواطنة المتساوية للجميع بغض النظر عن دينهم أو قوميتهم أو مذهبهم. السؤال الذي يتوجب على "حماس" اإلجابة عليه الحقا هو إلى أي المفهومين تنتمي حركة "حماس" اليوم؟ هل إلى مفهوم الدولة الوطنية والمواطنة و المدنية (أو العلمانية المؤمنة) والشراكة و الديمقراطية؟ أم إلى مفهوم "الدولة اإلسالمية" التقليدي؟ الذي عبرت عنه بهيمنة الحكم اإلسالمي وفهم السلطان اإلسالمي على الطوائف األخرى ،كما هو نص العبارة بالوثيقة (يعيش أتباع الشرائع واألديان في أمن وأمان) ،فان كانت الثانية فهذا نكوص كبير عن كل مضامين تطور الفكر االسالمي ،و نكوص كبير عن حقيقة التطور عامة . إن تناقص فكرة الوطنية والمدنية والديمقراطية الواردة بالوثيقة بوضوح مع الفهم اإلخواني التقليدي وغير المستنير لمعنى "الدولة اإلسالمية" المهيمن هو تناقص واضح حيث تجد المعنيين وإن بإشارات ،بمعنى أنه تناقض يجب حله. حل التناقض األول واجب كما الحال في التناقص الثاني حيث نرى قبول الدخول في لعبة السلطة مع رفض "حماس" االتفاقيات التي أنشأتها كليا؟ إن رفض االتفاقيات عامة يؤدي لرفض النتائج ،ومنها وجوب رفض الكيان الناشئ عنها ،وإال وقعنا في التناقض. وان كان الفكرة لدى الوثيقة بما يتعلق بالسلطة تتجه نحو رفض "التنسيق األمني" أساسا الذي تعبر الوثيقة عن رفضه ،فهو رفض يدخل في تناقض سياسي فاضح آخر حيث يؤكد مشعل من البداية أننا ال نريد حربا ما يعني تمسكه األبدي بالهدنة أو وقف اطالق النار ما يمثل "تنسيقا أمنيا" معاش يوميا على الحدود مع غزة . إن اكتفينا بهذين التناقضين الواضحين في الوثيقة ،فان تناقضها مع التطبيق الواقع على األرض هو الذي يراه المواطن في غزة ويلمسه ويعيشه ،ما ال تنفع معه االشادة والمديح من خالد مشعل بشعبنا في غزة مرارا وتكرارا. وفي اإلطار نرى النقيض لفكر التجدد النظري ل"حماس" بما يجري على األرض في قطاع غزة من خالل رفض المصالحة بأشكال متعددة ،ومن خالل كل مسارات التكفير والتخوين والشتائم المتجددة ،والتي كان آخرها في النصف الثاني من شهر 20/7/4وبشكل الذع ومقذع ومؤذي بل وبشكل خارج عن القيم االسالمية و المسيحية وتلك االنسانية التي تصفق لها "حماس" في الوثيقة ،بل واالعتقاالت التي تلت إعالن الوثيقة! 18
الحقل الخامس :حقل األسئلة المسكوت عنها األسئلة المسكوت عنها في الوثيقة كثيرة ،ومنها العالقة الخاصة مع مصر واألردن، والعالقة مع فلسطينيي ، 48وفكرة و طبيعة الدولة الواحدة ،وهل اليهود مواطنين فيها، وقضية تبادل األراضي بين الضفة وأراضي فلسطين ال ، 48والوالية العربية على القدس، وتسليم غزة إلى السلطة الوطنية ،و كيفية الدخول بوضوح للمجلس الوطني الفلسطيني. لم تجب الوثيقة على سؤال أو تعريف من هو اليهودي أو االسرائيلي والفروقات الصارخة بينهما ،كما لم تجب الوثيقة عن كثير من التفاصيل المتعلقة بإدارة الدولة القادمة أودستورها و قانونها و طريقة الربط بين قطاع غزة والضفة الفلسطينية.، وهكذا من الممكن أن تجد عديد األسئلة الفرعية الكثيرة ،التي يراها البعض أساسية، كما هو الحال بعدم النص على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والمواطنة 15 (انظر البند العام المتعلق بالمرأة رقم.)34
خاتمة: إن الوثيقة الجديدة ل"حماس" على ما فيها من تطور وتجديد في بعض المفاصل السياسية والمفاهيمية ،لم تشر للعالقة مع "االخوان المسلمين" رغم أن خالد مشعل أكدها في حديثة ردا على أحد األسئلة قائال أن "حماس" من مدرسة االخوان المسلمين. تبنت الوثيقة فكرة الوطنية ،وإن ألحقتها باالسالمية ،واقتربت الوثيقة من فكرة (المدنية) أو العلمانية واإلنسانية الشاملة إلى حد التبني ،رغم التعارض البين مع البعض البنود األخرى. الوثيقة إذ تطرح فكرا سياسيا متقدما أو مقدما ومبشرا العالم ب"حماس" الجديدة ،فإن ذلك ما كان ليقع إال لضغوطات المحيط ووقع التجربة المريرة التي مرت بها "حماس". 15في الوثيقة الحالية (إن دور المرأة الفلسطينية أساس في بناء الحاضر والمستقبل ،كما كان دائما في صناعة التاريخ الفلسطيني ،وهو دور محوري في مشروع المقاومة والتحرير وبناء النظام السياسي ).وفي الميثاق القديم ((للمرأة المسلمة في معركة التحرير دور ال يقل عن دور الرجل فهي مصنع الرجال ،ودورها في توجيه األجيال وتربيتها دور كبير)) ،وفي الحالتين مازال المفهوم قاصرا بالنظر إلى المرأة ،وان تطور قليال. 19
إن الواقعية السياسية ،والتغيير في فكر "حماس" على الشكل الذي جاءت به الوثيقة التي احتوت وميض ايجابي مع بعض التناقضات ،ما كان ليقع إال لتفك "حماس" عزلتها مع المحيط والعالم بثوبها القشيب الجديد. وما كان ذلك إال لتنزع "حماس" جبة التهم الثقيلة المحيطة بها والتي تلوح كلما تم الحديث عن تس لمها مفتاح حل القضية على اعتبار ربطها بالتشدد واإلرهاب والعنصرية و(الالسامية) والمعاداة لليهود. مع الوثيقة الجديدة ذات الفكر المعتدل الجديد بايجابياته وسلبياته،وحيث تحللت "حماس" من بعض األعباء الفكرانية (األيديولوجية) ،يسدل الستار على الميثاق القديم ل"حماس" ،فيما تسعى قيادتها بوضوح لتقدم نفسها لألمة وللعالم أنها القيادة الجديدة للشعب الفلسطيني -رغم أن الميدان ال يبشر بخير من أفعال "حماس" السلبية في غزة التي ترافقت مع 16 االعالن-ولتجلس "حماس" األنيقة الجديدة على طاولة المفاوضات ،من بوابة األمريكان، حيث التفاوض مع العدو جائز ،أوكما قال خالد مشعل نصا (األعداء يتفاوضون). مع الوثيقة الجديدة فإن "حماس" تطالب وطنيا بالشراكة بالحكم والقرار وبالسلطة ،بل و"تقاتل" بحرفية الكلمة كما وردت على لسان مشعل من أجل هذه "الشراكة" ،ما قد يعني أنها تستبدل مفهوم البديل بمفهوم الشريك ،إن لم يكن في ذلك تكتيكا يشكك الكثيرون به ،وإن بدا هذا الشريك شرسا ومشاكسا منذ البداية فهو يريد مفتاح السلطة والقضية واألفق العالمي معا.
انتهى بكر أبوبكر www.bakerabubaker.info
/https://www.facebook.com/baker.abubaker 16لم يترك خالد مشعل أبو التجدد الحمساوي و"المنهجية المتوازنة" مجاال إال واستغله ،مستخدما الوثيقة الجديدة فورا ،ففي لقائه مع قناة (سي أن أن) االمريكية يوم 2017/5/3قال التالي( :ما ورد في وثيقة "حماس" يكفي ألي منصف بالعالم ألن يلتقط الفرصة ويتعامل مع حركة "حماس" بجدية) مضيفا أن (على إدارة الرئيس األمريكي "ترامب" أن تعمل مقاربة جديدة وتلتقط الموقف االيجابي الحمساوي والعربي) بل ومادحا اإلدارة األمريكية بالقول هذه اإلدارة (لديها هامشا أكبر من الجرأة) ،وأضاف (أنها تستطيع أن تحدث تغييرا في ملف الصراع العربي اإلسرائيلي). 20