المفكر والكاتب بكر ابوبكر في ورقة وثيقة حماس بالميزان

Page 1


‫وثيقة "حماس" في الميزان‬ ‫بكر أبو بكر‬ ‫التقديم الطويل الذي قام به خالد مشعل لوثيقة "حماس" الجديدة كان مفهوما لدي‪ ،‬فهو به‬ ‫يحاول أن يخفف من صدمة أو معارضة البعض في "حماس" خاصة لما جاء فيها‪ ،‬ألن‬ ‫االختالف بدا كبيرا في الرؤيا الجديدة ل"حماس" عن تلك المتمثلة بتربيتها العقدية الداخلية‬ ‫الحدية التي ما فتأت تسير على خطى "االخوان المسلمين" التقليديين في فكر رفض اآلخر‬ ‫والمحنة والظلم ومدرسة الفسطاطين‪ ،‬و(قتالنا في الجنة وقتالكم في النار)‪.‬‬ ‫التقديم الطويل أو االستهالل الذي قدم به مشعل الوثيقة عبر بحق عن تطور فكري‬ ‫وسياسي أخذ وقتا طويال ليتبلور‪ ،‬ولنقل على األقل من العام ‪ 1988‬وإعالن انطالقة الفصيل‬ ‫بثوب (الميثاق) الذي تمزق عبر الزمن‪ ،‬وها هو مشعل يلبس ثوبا جديدا وإن احتفظ من الثوب‬ ‫القديم ببعض المفاهيم الذائبة أو المنسوجة بشكل خفي في خلطة الميثاق الجديد‪.‬‬ ‫إن ميراث "األخوان المسلمين" ميراث طويل في فلسطين‪ ،‬فمنذ االربعينيات من القرن‬ ‫العشرين وضع حسن البنا أقدامه في فلسطين‪ ،‬وفتحت فروع التنظيم اإلخواني الذي لطالما‬ ‫اعتبر نفسه (حتى إعالن مشعل الجديد) أنه جزء ال يتجزأ من "االخوان المسلمين" بنهجهم‬ ‫التقليدي الرسمي رغم تعدد المناهج‪.‬‬ ‫مدرسة الفسطاطين واالستيالء على اآلخر‬ ‫بدأت مسيرة فصيل (حماس) منذ انطالقتها بحدة الرفض لآلخر وعدم القدرة على‬ ‫ابتالعه‪ ،‬باعتبارها البديل الجاهز المغمس حصريا بروح اإلسالم والمعبر عنه‪ ،‬فرفضت أن‬ ‫تكون جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية (العلمانية الكافرة)‪ ،‬ومنذ كرست مسارها النضالي‬ ‫المنفصل عبر بياناتها وفعالياتها في االنتفاضة‪ ،‬بعد إدراك متأخر لجدوى الكفاح المسلح‪ ،‬سواء‬ ‫في االنتفاضة األولى(‪ )1987-1993‬أو في الثانية (‪ ،)2000-2004‬فكان فكر أو منهج‬ ‫المعسكرين أو الفسطاطين‪ :‬فسطاط الحق والباطل‪ ،‬ونحن أو هم‪ ،‬هو النهج القائم في التعامل‬ ‫مع اآلخر‪ ،‬وفي التكوين الداخلي للعناصر‪ ،‬واستمر هذا الطور طويال حتى بعد قيام السلطة‬ ‫الوطنية الفلسطينية عام ‪.1994‬‬ ‫‪2‬‬


‫حاولت "حماس" أن تستولي على منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬ولم تستطع حتى مع‬ ‫التحالف مع نظام بشار األسد في سوريا في العام ‪ 2011‬ثم مع دول أخرى بالمنطقة‪ ،‬وعليه‬ ‫فإنها وجدت من إطار السلطة القائم والجاهز فرصة ذهبية لالنقضاض على قيادة السلطة‬ ‫واالستيالء عليها‪ ،‬والحلول باستبدال معسكر الشيطان و"أوسلو" والخيانة والكفر واالتفاقات‬ ‫‪1‬‬ ‫االستسالمية والتنسيق األمني بمعسكر الرحمان و (الوطنية اإلسالمية) واإليمان‪.‬‬ ‫استمرت هذه المرحلة طويال (‪ )1988-2017‬أي ما يقارب من الثالثين عاما‪ ،‬جرى‬ ‫في النهر مياه كثيرة‪ ،‬وتغير في المعادالت الكثير‪ ،‬لتصبح "حماس" عبر الزمن مؤهلة لطور‬ ‫(االعتدال والتجدد والتطور والمرونة والواقعية واالنفتاح والوسطية) مما عبر عنه خالد مشعل‬ ‫في االستهالل لكلمته‪ ،‬وهو يعلن وثيقة "حماس" الجديدة من فندق في العاصمة القطرية مساء‬ ‫يوم العمال ‪ 2017/5/1‬ومترافقا مع إضراب األسرى بقيادة حركة التحرير الوطني‬ ‫الفلسطيني‪ -‬فتح‪ ،‬وفي ظل زيارة الرئيس أبومازن ألمريكا للقاء الرئيس األمريكي الجديد‪.‬‬ ‫ال شك لدي أن الطور الجديد لحركة "حماس" قد لقي نزاعا وخالفا داخليا حادا بين‬ ‫تيارات التجدد وتيارات التشدد فيها‪ ،‬وال شك لدى أن العامل الداخلي على أهميته في بناء‬ ‫الوثيقة قد تأثر الى حد كبير بمتغيرات الذات‪ ،‬والمحيط والعالم في ‪ 30‬عاما‪ ،‬فمن ال يتجدد‬ ‫يتبدد‪ ،‬وهو ما كان من شعار خالد مشعل في استهالله الطويل‪.‬‬

‫االنعطافة الفكرية‬ ‫من الممكن أن نرجع أسباب تدشين إعالن االنعطافة الفكرية ل"حماس" أوالتجدد النسبي‬ ‫(وقد يراه البعض الظاهري افتراضا لعدم التطبيق) إلى األمور التالية‪:‬‬ ‫ألسباب تأثيرات داخلية‪ 2‬وإقليمية وعالمية‪ :‬مثل انقسام العالم العربي لمعسكرات فئوية‪،‬‬ ‫واشتعال فكرة الطائفية والقبلية فيها‪ ،‬والصراع العربي الفارسي على النفوذ والمصالح‪.‬‬ ‫‪ 1‬أنظر حملة التكفير والشتائم والتخوين على األقل في الفترة من منتصف شهر ‪ 4‬إلى آخره لهذا‬ ‫العام ‪ 2017‬بأفواه معظم قادتهم‪ ،‬وما تالها من حملة مظاهرات مناهضة للرئيس واعتقاالت لمئات الكوادر‬ ‫من حركة فتح في غزة‪.‬‬ ‫‪ 2‬عبر خالد مشعل عن "الصراع الداخلي" بين المحاور مخففا إياه بالقول أن الوثيقة أخذت "حوارات"‬ ‫ونقاشات طويلة داخل حماس ولسنوات‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫وظهور االسالمويين المتطرفين كرقم صعب بالمنطقة والعالم‪،‬عدا عن اعتبار "حماس"‬ ‫منظمة إرهابية‪ ،‬وسقوط دولة "االخوان المسلمين" في مصر‪.‬‬ ‫وتطور فكر الغنوشي في تونس‪ ،‬والمطامع التركية واإليرانية بالمنطقة العربية‪.‬‬ ‫وانهيار جدار األمة الصلب من حول القضية الفلسطينية انشغاال بقضاياها الداخلية‪،‬‬ ‫حيث نرى أنها كلها عوامل تآزرت مع فشل حركة "حماس" في حروب ثالثة على غزة دمرت‬ ‫الحرث والنسل‪ ،‬متضافرة مع الحصار الظالم وضغوطات اإلقليم‪.‬‬ ‫تآزرت هذه العوامل مع فشل "حماس" بطرح نموذج يحتذي به في الحكم‪ ،‬وإن‬ ‫عدت هي كل معاركها مع العدو وأسلوبها بالحكم انتصارات‪ ،‬ولكن العبرة بالنتائج فال نصر‬ ‫ينتج وضعا أسوأ مما سبقه ومعاناة تزداد يوما وال تنقص‪ ،‬إال أن كان النصر هو منع أي‬ ‫عدوان جديد‪ ،‬وكما قال مشعل في استهالله بأنه (ال يريد حربا) ما يعني حكما التزامه المطلق‬ ‫بالتنسيق األمني مع االسرائيليين عبر منع اطالق أي رصاصة أو حجر على االحتالل من‬ ‫غزة‪.‬‬ ‫العوامل المتآزرة مما ذكرناها مع تجربة "حماس" الفاشلة أيضا برأينا في ملف‬ ‫االنقالب‪ /‬المصالحة لعشر سنوات‪ ،‬كلها عوامل ساهمت في بلورة فكر جديد يستطيع أن يقدم‬ ‫"حماس" للعالم بحلة منمقة تصلح ألن تقدمها فتجلس على طاولة المفاوضات مع االسرائيليين‬ ‫مما لم يرفضه مشعل قط‪ ،‬ومما أكد عليه كثيرا فيما سبق وأكد عليه بوضوح هذا اليوم لماذا‬ ‫(ألن األعداء يتفاوضون) كما قال نصا‪ ،‬وإن كان التفاوض (سياسة قابلة للتغيير) كما أضاف‪.‬‬

‫مسافة طويلة‪ ،‬لكن مساحة واسعة‬ ‫لقد قطعت "حماس" مسافة طويلة هي ‪ 64‬عاما منذ ظهور أول خلية إخوانية في‬ ‫فلسطين في أربعينيات القرن العشرين‪ ،‬ومنذ ‪ 29‬عاما على ظهورها أو انطالقتها‪ ،‬ومنذ ‪10‬‬ ‫أعوام على االنقالب‪ ،‬و ‪ 3‬سنوات على العدوان الثالث المدمر على غزة‪ ،‬لتقرر أن تغتسل بماء‬ ‫النهر الجاري ليصب في بحر االنسانية التي اعتبرت "حماس" أنه جزء منها‪ 3،‬إذ عبر مشعل‬ ‫‪ 3‬ومن الممكن أن نلحظ تطور هذا الفكر العملياني =البراجماتي الحمساوي في سياق الوعي بالمتغيرات‬ ‫ليخوض هذا التيار الصراع الداخلي العميق في "حماس" بين تيار المعتدلين والمتشددين وأولئك الذين‬ ‫أمسكوا برقبة غزة‪ ،‬وكان لخالد مشعل قصب السبق في التغيير الفكري منذ زمن طويل‪ ،‬وهو صاحب‬ ‫التجربة الخارجية العميقة التي حاول بها جاهدا أن يظهر حماس دوما مقبولة عالميا‪ ،‬ولم يتورع عن اإلقدام‬ ‫‪4‬‬


‫في خطابه معلنا الوثيقة الجديدة عن كثير من هذه المفاهيم (اإلنسانية) بوضوح هام‪ ،‬ولكنه‬ ‫يتناقض كليا مع تعبئة "اإلخوان المسلمين" وفكر سيد قطب االقصائي على األقل‪.‬‬ ‫إننا نحيي فكر (التطور والتجدد ضد التكلس) كما أشار مشعل له‪ ،‬ونتفق معه على ما‬ ‫قاله من أنه ليس (كل حاجة ثوابت فيتم تقليص مساحة المتغيرات ‪ ،‬فالمجال الطبيعي هو‬ ‫التطور والمرونة‪ ،‬ولسنا أيضا مع توسع المتغيرات ما يؤدي لضياع الثوابت والحقوق وبالتالي‬ ‫التفريط)‪.‬‬ ‫إن االستهالل الذي بدأ به خالد مشعل إعالنه عن الوثيقة الفلسفية والفكرية (والسياسية)‬ ‫الجديدة يستحق أن يدرس فعال داخل "حماس" لعلها تنفض عن تربيتها الداخلية إرث الجمود‬ ‫العقالني‪ ،‬والتيار الكهربي الفكري الصاعق الذي ينزه فكرها‪ ،‬بل وحامليه وينأى بها عن‬ ‫اآلخرين فال تجد من عدائهم بدا‪ ،‬وهو تجدد لمشعل وواضعي الورقة يستحق أن يتم التوسع به‬ ‫ليضاف للوثيقة الفكرية عامة ألي تنظيم ‪.‬‬ ‫شكلت مقدمة خالد مشعل إضاءة محترمة‪ ،‬وتناوال بديعا لمفاهيم "المرحلية" و"الواقعية‬ ‫السياسية" والعمليانية (البراجماتية) عندما جعل من (االبداع والتجدد والتطور والمرونة‬ ‫والوسطية) بنص حديثة مطلبا ال يعني التخلي عن الثوابت من جهة‪ ،‬ويرفض (تضييق‬ ‫المساحات) مما قال وهو بذلك يقر بوعي أو بال وعي ‪-‬واالحتمال األول أقرب لي‪ -‬بسقوط‬ ‫مدرسة الفسطاطين أو المعسكرين ألنه اعتبر (االبداع والتجدد ‪ )...‬وسطا بين االفراط‬ ‫والتفريط‪ ،‬أو التشدد والميوعة‪.‬‬ ‫من المعلوم أن "الوسط" ليس واحدا بل متعدد النظرات حيث تعددية وتشاركية‬ ‫مقبولة‪ ،‬بمعنى أنه ما بين الطرفين البعيدين للشيء أو الفكرة‪ ،‬وهما كما سماهما "التشدد‬ ‫والميوعة" العديد من الوسطيات‪ ،‬ما يعني السقوط المدوي لفكر "االخوان المسلمين" التقليدي‬ ‫بمنهج سيد قطب ومصطفى مشهورعلى األقل القائل بالكفر مقابل اإليمان‪ ،‬واإلسالم مقابل‬ ‫المجتمع الجاهلي‪ ،‬أوما كان قد عبر عنه مشعل ذاته سابقا عام ‪ 2007‬أثناء االنقالب من خالل‬ ‫فكر "الفسطاطين" أو"المعسكرين" في سكرة االنقالب والنصر‪ !،‬وسار على دربه معظم‬ ‫نواطق "حماس" والى زمن يوم واحد فقط قبل إعالن الوثيقة‪.‬‬

‫على طرح أفكار ال يقبلها المتشددون‪ ،‬عام ‪ 2012‬كمثال‪ ،‬ولنا النظر كنموذج جديد إلى لقائه مع الصحيفة‬ ‫الهندية في قطر بتاريخ ‪ 2016/7/26‬واسما (دنا انديا)‬ ‫‪5‬‬


‫نحيي بشدة فكر التجدد واإلبداع‪ ،‬ونرحب بعقلية المساحات المفتوحة‪ ،‬وبمنطق فهم‬ ‫المتغيرات وفلسفة حالة التجدد عقالنيا بال خجل وبال خوف من أن هذا أو ذاك قد يكون مخالفا‬ ‫"للشرع" ما يحتاج لفتوى ومرجعية نصية!‬ ‫تبرير كل تجدد أو إبداع أو إصالح كان يضطر المبدعين لمواجهة أصحاب الفكر‬ ‫الجامد والمتحجر بشراسة‪ ،‬وقد يدفعون ثمن ذلك حياتهم‪.‬‬ ‫وكان التجدد ‪-‬أو الرغبة فيه‪ -‬يضطر أصحاب الفكر المرتبك للنأي عن المواجهة‬ ‫بالتراجع أو التساوق‪.‬‬ ‫وكان يضطر أصحاب النظام التسلطي أو غير الشرعي ولكنه الراغب بالتطوير‬ ‫الستخدام سالح الفتوى! كما هو الحال بالدولة العثمانية عندما استوردت المطبعة ألول مرة‬ ‫فارتبكت واهتز كيانها واضطرت ألخذ فتوى تجيز استخدام المطبعة وتقول أنها حالل!‬ ‫تماما كما اتخذ السلطان العثماني سليم األول من غزو أو فتح مصر وقتل أهلها‬ ‫وتخريبها وسرقتها حقا له تم التعبير عنه بفتوى أيضا!‬ ‫الفهم المرتبك أو السلطوي أو المتردد نتيجة الخوف يجعل من االستناد لحائط‬ ‫الفتوى حتى في المصالح الظاهرة تعبيرا عن شرعية مفقودة يعمل السلطان أوالتنظيم أوالحزب‬ ‫على اعتصارها رغما عن أنف "الشرع" وبأداته ذاتها‪.‬‬ ‫فتوى أو شرعية الفكرة أو الموقف السياسي تحتاج من التنظيمات الفكرانية‬ ‫(االيديولوجية) لتأهيل واستهالل وتهيئة مناخ للعناصر لديها‪ ،‬مستندة للنصوص الدينية التي‬ ‫تبيح ما ال يباح‪ ،‬فتقدس الفكرة أو الحدث وشخوصه حتى لو فسقوا وفجروا‪ ،‬أو فجروا الناس‬ ‫في الشوارع‪ ،‬كما سالت الدماء الطاهرة في االنقالب على غزة عام ‪ 2007‬الذي لم يشر له‬ ‫مشعل في وثيقته الجديدة‪ ،‬وكأن مئات األنفس التي قضت في االنقالب ليست من المسلمين‪،‬‬ ‫أوليست من الفلسطينيين لتذكر‪ ،‬فيقوم باالعتذار عن الفتوى وعن التطبيق‪ ،‬وكالهما جريمة‬ ‫استهللنا بذكرها اآلن‪ ،‬كما استهالل مشعل هذه الورقة الذي نسيها‪ ،‬ولربما أطلنا كما أطال‪،‬‬ ‫ويستحق االستهالل ذلك‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫"المنهجية المتوازنة"‬ ‫عموما لم يستند مشعل للنص المقدس أو الفتوى بل للعقل والمنطق والفلسفة في‬ ‫استهالله وهذا تطور محمود‪ ،‬على عكس وثيقة "حماس" األولى أي الميثاق وهي الوثيقة التي‬ ‫لم تجرؤ أن تتحدث في بنودها إال مدعمة ما تطرح بآية قرآنية أو حديث وبالتفسير الذي‬ ‫يفهمونه‪.‬‬ ‫لقد أسمى مشعل فكره أو فكر "حماس" الجديد ب"المنهجية المتوازنة"‪ ،‬وحسنا فعل‬ ‫ف"الوسطية" و"الميزان" يفترضان "العقالنية"‪ ،‬والثالثي يقترض إزالة كل الخرافات‬ ‫والخزعبالت التي علقت سواء بفكر "اإلخوان المسلمين" التقليدي أو "حماس" ‪ ،‬بل وبفكر‬ ‫األمة الذي أدى بنا لواد سحيق‪ ،‬مع التفسير والفهم الخرافي للقرآن واألحاديث من قبل التيارات‬ ‫المتطرفة التي نأى مشعل بتنظيمه عنها وحسنا فعل‪.‬‬ ‫لقد أراد مشعل ب"منهجيته المتوازنة" أن يجمع وال يفرق بين أمور ثالثة هي الفكر‬ ‫الوسطي المعتدل (وليس ما يقدمه المتشددون كما قال)‪ ،‬وبين العقل السياسي المنفتح‪ ،‬وبين‬ ‫المقاومة الصلبة‪ ،‬وحسنا فعل نكررها ثانية‪.،‬‬ ‫إذ جعل مشعل من هذا المنهج المتوازن –والى جواره عشرات المناهج الوسطية‬ ‫األخرى للعلم– يربط بين التطور والتجدد واالنفتاح وبين الثوابت واألصالة‪ ،‬فيما أشار له من‬ ‫مفاهيم تعبوية وطنية تربوية صلبة ‪،‬نتفق معه بها‪ ،‬حيث التأكيد على الحقوق الوطنية‬ ‫الفلسطينية العادلة‪ ،‬وأن ال تنازل وال تفريط‪.‬‬ ‫دعوني أشير لفكر األصالة (الوطني) التي اعتبرها مشعل من األجزاء الثابتة في‬ ‫(المنهجية المتوازنة) ل"حماس" فهي‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫أرض فلسطين الكاملة أرضنا‪.‬‬ ‫قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين ال يلغي حقنا بها‪.‬‬ ‫ال تنازل وال تفريط بالقدس ‪ ،‬واألقصى حقنا‪.‬‬ ‫حق العودة ال عودة عنه‪ ،‬و ضد التوطين أو الوطن البديل ‪.‬‬ ‫المشروع الصهيوني عنصري احتاللي إحاللي ‪.‬‬ ‫نعم التباع كافة أساليب المقاومة (وفي القلب منها المقاومة المسلحة‪-‬النص )‬ ‫الدولة الفلسطينية الحقيقية ثمرة التحرير ‪.‬‬ ‫رفض وعد بلفور وما نشأ عنه ‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫وهل نجد فلسطينيا واحدا (أو عربيا حرا) يرفض هذه المبادئ الوطنية العامة؟ ال اعتقد‬ ‫ذلك‪ ،‬وهي إن تطورت في فكر "حماس"‪ ،‬وقد كانت متجذرة في فكر من سبقوا "حماس" ممن‬ ‫لم يتجرأ لإلشارة لهم خشية االتهام بأنه يسير على دربهم‪ ،‬وإن كان قد جوبه بمثل هذا السؤال‬ ‫بوضوح‪ ،‬أي أنكم تسيرون على درب حركة فتح‪.‬‬ ‫حركة تحرير و مقاومة "وطنية" "اسالمية"‬ ‫في إطار تعاملنا مع االستهالل والوثيقة‪ ،‬دعونا نناقش البند األول‪ ،‬من ‪ 42‬بندا شكلت‬ ‫الوثيقة الجديدة‪ ،‬مما تعرض له مشعل في االستهالل أيضا‪ ،‬والذي يقول أن "حماس" (حركة‬ ‫تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسالمية هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني‪،‬‬ ‫مرجعيتها اإلسالم في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها)‪.‬‬

‫أن تكون "حماس" حركة تحرر فهذا تعريف كل الثورات ضد المحتل واالستعمار‬ ‫والظلم‪ ،‬وأن يضاف لها كلمتا "الوطني الفلسطيني" فهذه حركة فتح (حركة التحرير الوطني‬ ‫الفلسطيني– فتح)‪ ،‬وال يعني إضافة النكهة "اإلسالمية" للتعريف إال تمسكا بالتمييز‪ ،‬ألن‬ ‫(المقاومة الوطنية اإلسالمية) كما سماها مشعل ال تكون (وطنية) و(إسالمية) بالفهم المستنير‬ ‫دون أن تكون (وطنية) و (مسيحية) أيضا‪ ،‬ألن مفاهيم "المواطن والوطن والوطنية" الحقيقية‬ ‫تضم كافة األعراق واألديان والمذاهب داخل الوطن التي عبرت الوثيقة عن احترامها‬ ‫ومساواتها في فلسطين‪ ،‬وعليه تصبح السمة "االسالمية" الالحقة "للوطنية" بال معنى حقيقي إال‬ ‫احتفاظا بموروث قديم‪ ،‬أو نقع في تناقض المصطلحات‪.‬‬ ‫التعريف الذي يجعل "الوطنية" و"اإلسالمية" قابلين للتعانق‪ ،‬ورغم ما يتضمنه من‬ ‫جدل كبير إال أننا نقبل به لحركة "حماس" التي تحرص على تاريخها و تميزها‪ 4،‬ولكن وجب‬ ‫أن تعي بوضوح ما نعيد التأكيد عليه أنه في الوطنية تتساوى االسالمية و المسيحية في الوطن‬ ‫‪. 4‬الحظ "التميز" حتى بالعنوان للبند وفي المضمون في النص من ميثاق حماس ‪ 1988‬الذي يقول‪:‬‬ ‫((التميز واالستقاللية ‪:‬المادة السادسة ‪:‬حركة المقاومة اإلسالمية حركة فلسطينية متميزة‪ ،‬تعطي والءها هلل‪،‬‬ ‫وتتخذ من اإلسالم منهج حياة‪ ،‬وتعمل على رفع راية هللا على كل شبر من فلسطين‪ ،‬ففي ظل اإلسالم يمكن‬ ‫أن يتعايش أتباع الديانات جميعًا في أمن وأمان على أنفسهم وأموالهم وحقوقهم‪ ،‬وفي غياب اإلسالم ينشأ‬ ‫الصراع‪ ،‬ويستشري الظلم وينتشر الفساد وتقوم المنازعات والحروب))‬ ‫‪8‬‬


‫الواحد‪ ،‬وتتساوى "الوطنية" ضمن مساحات التعددية بالفكر والرأي والموقف في تنظيمات‬ ‫الفلسطينيين كافة‪ ،‬فال احتكار للوطنية كما ال احتكار للدين ‪.‬‬ ‫بالتعريف الجديد ل"حماس" بالبند األول من الوثيقة الجديدة أنها (حركة تحرر‬ ‫ومقاومة وطنية إسالمية)‪ ،‬وان كان هذا قد يتضارب مع االسم الرسمي للفصيل الذي هو‬ ‫(حركة المقاومة اإلسالمية) والذي ال يذكر السمة الوطنية والفلسطينية‪ ،‬إال أننا و رغم الخلط‬ ‫المفاهيمي نرى ذلك يمثل نقلة جديدة بالفهم‪.‬‬ ‫ل"حماس" أن تقول أن مرجعيتها "إسالمية"‪ ،‬وان كان ذلك يحتاج ألحبار كثيرة‪ ،‬إال‬ ‫أن "حماس" حين تقيد نفسها ب"إسالمية" (المنطلقات واألهداف) في التعريف ذاته قد يكون‬ ‫هذا مقبوال من الزاوية المفاهيمية‪ ،‬أما أن تجعل لنفسها مرجعية إسالمية أيضا في (الوسائل)‬ ‫حسب التعريف‪ ،‬فان في ذلك تقييد شديد للحركة الى حد التحجر‪ ،‬الذي حذر منه مشعل نفسه‬ ‫بمعنى أنها جعلت من أي مناورة أو تكتيك سياسي عرضة لالستخدام أوالتبرير الديني ما يعود‬ ‫بالضرر الشديد على "حماس" و حراكها الجديد بل وعلى تعبئتها الجديدة‪ ،‬وعلى ثابت الدين‪.‬‬ ‫نضيف إلى ما سبق أن "حماس" في هذه الزاوية ‪-‬أي زاوية ما تسميه المرجعية‬ ‫االسالمية‪ -‬لم تستطع أن تتخلص إلى اآلن من الربط "االخواني" التقليدي بين الدعوي العقدي‬ ‫وبين الحزبي السياسي فمازال الربط قائما ومختلطا‪ ،‬ولم ال! وهو مازال مجال االستقطاب‬ ‫الخصب الذي لم تصل "حماس" فيه إلى درجة ما فعل د‪.‬راشد الغنوشي الذي قال في مؤتمر‬ ‫حزب النهضة االسالموي التونسي العاشر عام ‪( 2016‬نميز السياسي عن بقية المجاالت‬ ‫المجتمعية كتتويج لمسار تاريخي حيث تمايز السياسي عن المجتمعي والثقافي والدعوي في حركتنا)‬ ‫فأسقط الربط بين السياسي والديني الدعوي الذي رسخه حسن البنا وسيد قطب من بعده وغالب‬ ‫األخوان المشارقة النتفاء التوفيق بينهما دون أن يتم استغالل الدين لمصلحة الحزبي السياسي كما‬ ‫أشار بتجرده من المصالح الحزبية في مقابل الوطن‪.5‬‬ ‫بل وأضاف الغنوشي في خطابه ‪-‬ما لم تطبقه حماس في غزة مطلقا حتى اآلن‪ -‬قائال‪( :‬اننا‬ ‫(حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية ‪ ،‬والنأي بالمساجد عن خصومات السياسة‬ ‫والتوظيف الحزبي‪.) ...‬‬

‫‪ 5‬أنظر مقالنا حول الموضوع بعنوان‪ :‬ثورة الغنوشي البيضاء وسفينة النجاة على موقعنا‬ ‫‪www.bakerabubaker.info‬‬ ‫‪9‬‬


‫خمسة حقول‬ ‫لنبدأ بتحليل الوثيقة في ظل خمسة حقول هي ‪-1‬التطور أو التجدد الفكري‪ ،‬و ‪-2‬مصيدة‬ ‫أو حفرة المصطلحات‪ ،‬و ‪-3‬الثبات التعبوي الوطني مقابل المتغير السياسي‪ ،‬ثم ‪-4‬نتعرض‬ ‫للمتناقصات رابعا‪-5 ،‬وصوال لألسئلة السكوت عن اإلجابة عليها ‪.‬‬ ‫بعد االستهالل لخالد مشعل قام باستعراض عشوائي لعدد من بنود (وثيقة المبادئ‬ ‫والسياسات العامة)‪ ،‬و التي اشتملت على مقدمة من صفحة واحدة و ‪ 42‬بندا ابتدأت بأقسام‬ ‫التعريف‪ ،‬ثم بقسم أرض فلسطين‪ ،‬وتاله قسم شعب فلسطين‪ ،‬ثم اإلسالم وفلسطين‪ ،‬فالقدس‪،‬‬ ‫وانتهت بالقسم المتعلق بالجانب اإلنساني والدولي في ‪ 6‬صفحات شكلت الوثيقة القصيرة لكنها‬ ‫الهامة‪ ،‬وبناء عليه سنعرض للحقول الخمسة التي اشرنا لها ‪-:‬‬

‫الحقل األول ‪ :‬التطور الفكري والسياسي واالنتصار‬ ‫لقد عبرت وثيقة "حماس" بحق عن قفزات نوعية وتطور مشهود في المفاهيم‪ ،‬وربما‬ ‫بزمن معقول‪ ،‬وان كان يراه البعض طويال ‪ ،‬مما ال شك به أن "حماس" رغم ما فعلته من‬ ‫خطايا فإن لها من المزايا والقدرة على المواجهة المشهود لها بها‪ ،‬والتي جعلتها رغم كل‬ ‫الضغوط تستطيع أن تحصل على قصبة التنفس فتنجو من الغرق الذي دفعت نفسها إليه‬ ‫أودفعها اآلخرون إليه أو االثنين معا‪ ،‬فسارت على درب التغيير‪ ،‬وإن كان المركب الذي‬ ‫استقلته هو مركب حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح‪ ،‬ومركب الوطنية الفلسطينية‬ ‫والثورة الفلسطينية المعاصرة بال جدال‪ ،‬ما يمثل انتصارا مزدوجا للحركتين‪ ،‬وانتصارا للفكرة‬ ‫ولفلسطين‪.‬‬ ‫نجد أن "حماس" صعدت إلى مركب حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪" -‬فتح"‪،‬‬ ‫أوإلى مركب "الوطنية الفلسطينية الوحدوية"‪ ،‬وأنا هنا ال يهمني أن تعترف "حماس" أوحركة‬ ‫"فتح" بمنطق من األسبق ممن‪ ،‬ومن تأثر بمن‪ ،‬ما قد يدخل في باب المناكفات الحزبية‪.‬‬ ‫وإنما ما يهمني أن المركب الوطني قد يسير بقوة ‪-‬إن أحسنت إدارة دفته– إلى بر‬ ‫األمان‪ ،‬وعليه نجد انتصار الفكر الوطني الفلسطيني في وثيقة "حماس" على األقل في ‪10‬‬ ‫نقاط كالتالي ‪:‬‬

‫‪10‬‬


‫‪ .1‬في تعريف الصهيونية والمشروع الصهيوني‪ ،‬و التخلص من إرث فكرة الحرب الدينية‬ ‫‪6‬‬ ‫(بند‪.)14‬‬ ‫‪ .2‬في بند الواقعية السياسية في التعامل مع النظام السياسي الفلسطيني واألمة العربية‬ ‫واإلسالمية و الجانب اإلنساني ‪.‬‬ ‫‪ .3‬في اتباع "المرحلية" (االعتراف بالدولة على حدود ‪ 1997‬دون االعتراف بالكيان‬ ‫‪8‬‬ ‫الصهيوني)‪ ،7‬و االعتراف بالسلطة الوطنية (من البند ‪.)30-27‬‬ ‫‪ .4‬االعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع‪ ،‬وان ظل البند مبهما إذ لم تقل‬ ‫(الممثل الشرعي و الوحيد)‪.‬‬ ‫‪ .5‬التجدد في المفاهيم–رغم شبهة الخلط – وذلك حين القول (وطنيون إسالميون)‪.‬‬ ‫‪ .6‬القول أن التحرير واجب الفلسطيني‪ ،‬وواجب األمة‪ ،‬واإلنسانية بدوائر متكاملة (البند‬ ‫‪. )23‬‬ ‫‪ .7‬القول بتنوع وسائل المقاومة "بالوسائل واألساليب كافة"‪" ،‬وفي القلب منها المقاومة‬ ‫‪9‬‬ ‫المسلحة التي تعد الخيار االستراتيجي" نصا (البند ‪.)25‬‬ ‫‪ 6‬في البند ‪ 7‬من ميثاق حماس‪(( :‬حركة المقاومة اإلسالمية تتطلع إلى تحقيق وعد هللا مهما طال الزمن‪،‬‬ ‫والرسول صلى هللا عليه وسلم يقول" ‪:‬ال تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى‬ ‫يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر‪ ،‬فيقول الحجر والشجر‪ :‬يا مسلم يا عبد هللا‪ ،‬هذا يهودي خلفي تعال‬ ‫فاقتله‪ ،‬إال الغرقد فإنه من شجر اليهود "‪(.‬رواه البخاري ومسلم)))‪ .‬وفي الوثيقة الحالية البند‪(( :14‬المشروع‬ ‫الصهيوني هو مشروع عنصري ‪ ،‬عدواني‪ ،‬إحاللي‪ ،‬توسعي‪ ،‬قائم على اغتصاب حقوق اآلخرين‪ ،‬ومعاد‬ ‫للشعب الفلسطيني وتطلعاته في الحرية والتحرير والعودة وتقرير المصير؛ وإن الكيان االسرائيلي هو أداة‬ ‫المشروع الصهيوني وقاعدته العدوانية‪)).‬‬ ‫‪ 7‬في الميثاق المادة‪(( 9‬أما األهداف‪ :‬فهي منازلة الباطل وقهره ودحره‪ ،‬ليسود الحق‪ ،‬وتعود األوطان‪،‬‬ ‫وينطلق من فوق مساجدها األذان معلنًا قيام دولة اإلسالم‪ ،‬ليعود الناس واألشياء كل إلى مكانه الصحيح‪،‬‬ ‫وهللا المستعان ‪)).‬‬

‫‪8‬كان مشعل في لقاء الصحيفة الهندية في قطر عام ‪ 2016‬قد قال نصا وبوضوح‪( :‬وافقنا على المشروع‬ ‫العربي‪-‬الفلسطيني بالحل على أساس حدود عام ‪ 1967‬والقدس الشرقية عاصمة لها‪ ،‬مع حق عودة‬ ‫الفلسطينيين الذين طردوا خالل سنوات من قبل الحكومات اإلسرائيلية المتعاقبة)‪ ،‬مع أن هذا القول‬ ‫قديم في "حماس" ومن سنوات أسبق‪ ،‬رغم األصوات العالية في غزة لرفضه‪.‬‬ ‫‪ 9‬في الميثاق البند ‪(( 13‬وال حل للقضية الفلسطينية إال بالجهاد‪ ،‬أما المبادرات والطروحات والمؤتمرات‬ ‫الدولية‪ ،‬فمضيعة للوقت‪ ،‬وعبث من العبث))‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫‪ .8‬إن قضية فلسطين قضية أرض‪ 10‬و شعب (أي ليست قضية المقدسات ووقف إسالمي‬ ‫‪( )...‬البند ‪ )12‬وإنها قضية مركزية لألمة‪.‬‬ ‫‪ .9‬الفصل الواضح بين اليهود أواليهودية كديانة وبين الحركة الصهيونية (البند‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ ،) 15،16،17‬و ظهور األبعاد اإلنسانية الجامعة‪.‬‬ ‫‪ .10‬القول بعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية‪ ،‬والقول بوحدة األمة لالنفتاح‬ ‫العالمي و العالقات المتوازنة (بند ‪.)36،37‬‬ ‫لربما تكون هذه أبرز النقاط التي عبرت عن التطور الملحوظ في البناء "الفكري‬ ‫الفلسفي" كما أسماه مشعل‪ ،‬وبالتالي في منهج التعبئة والتربية الداخلية الجديدة الذي يجب أن‬ ‫يسود "حماس" أيضا كما قال‪.‬‬ ‫وهي نقاط تتبعت فيها "حماس" خطى من سبقوها كما قلنا‪ ،‬و على رأسها حركة التحرير‬ ‫الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح ما يحسب لحركة "فتح" أنها المبدعة و المتجددة و السباقة‪ ،‬ويحسب‬ ‫لحركة "حماس" أنها صوبت المسار في هذه الحقل على األقل‪ ،‬ونظريا حتى اآلن‪ ،‬إن شاءت‬ ‫أن تفهم انعطافتها بشكل صحيح‪.‬‬

‫المفاجأة!‬ ‫لربما ال يعلم الكثيرون أن عددا من نقاط الوثيقة الجديدة هذه قد نسخت نصا مما قاله‬ ‫خالد مشعل في ندوة له عام ‪ 2012‬تحت عنوان (الفكر السياسي عند "حماس" ورؤية الحركة‬ ‫لمتغيرات الربيع العربي)‪ ،‬وفيها طرح ‪ 19‬نقطة فقط‪ ،‬ما يعني حصول حوارات عديدة وتجدد‬ ‫كبير أيضا‪.،‬‬

‫‪ 10‬في الميثاق طرحت "حماس" فكرا مناقضا بشكل كلي لما هو مطروح اآلن‪ ،‬إذ حسب المادة ‪ 15‬من‬ ‫الميثاق‪( :‬ال بد من ربط قضية فلسطين في أذهان األجيال المسلمة على أنها قضية دينية‪ ،‬ويجب معالجتها على‬ ‫هذا األساس‪).‬‬ ‫‪ 11‬من المادة ‪ 15‬في الميثاق ((وفي مواجهة اغتصاب اليهود لفلسطين ال بد من رفع راية الجهاد))‪ ،‬بينما البند‬ ‫في الوثيقة الجديدة البند ‪(( 16‬تؤكد حماس أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعا مع اليهود بسبب‬ ‫ديانتهم؛ وحماس ال تخوض صراعا ضد اليهود لكونهم يهودا ‪ ،‬وإنما تخوض صراعا ضد الصهاينة المحتلين‬ ‫المعتدين))‬ ‫‪12‬‬


‫وهذه الورقة عام ‪ 2012‬ألقاها خالد مشعل‪،‬رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"‪،‬‬ ‫في مؤتمر "اإلسالميون في العالم العربي والقضية الفلسطينية في ضوء التغيرات والثورات‬ ‫العربية"‪ ،‬والذي عقده مركز الزيتونة بين ‪ 28‬و‪ 29‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪ .2012‬ولكم أن‬ ‫تقار نوا بين النصوص على سبيل المثال فيما يتعلق بتعريف اليهودية والصهيونية والدولة‬ ‫والمبادرات السياسية‪...‬الخ‪.‬‬

‫دولة فلسطينية واالعتراف (باسرائيل)‬ ‫وفي ذات السياق الذي سيأخذ جدال سياسيا واسعا في "حماس"‪ ،‬والعالم الغربي‬ ‫الموجهة له الرسالة تحديدا‪ ،‬كما حصل مع حركة فتح أي االعتراف بضرورة قيام الدولة‬ ‫الفلسطينية على حدود ‪ 1967‬ك(صيغة وطنية توافقية مشتركة) حسب الوثيقة‪ ،‬دون االعتراف‬ ‫(باسرائيل)‪ ،‬من الممكن أن نقول أن فكر المرحلية والبراجماتية "لحماس" هنا تفوق كثيرا على‬ ‫فكر التصلب العقدي حتى أن فكرة عدم االعتراف ب(إسرائيل) ستصبح الحقا منعدمة‬ ‫باعتقادي‪ ،‬إن أخذنا باالعتبار إشارات خالد مشعل كما الحال في لقائه عام ‪ 2016‬مع صحيفة‬ ‫(دنا انديا)‪.‬‬ ‫قال مشعل في لقائه مع الصحيفة الهندية مؤهال المسرح لما سيأتي ومقدما نفسه‬ ‫وحزبه للعالم أن المشكلة ليست باالعتراف ب(اسرائيل)‪ ،‬وانما االعتراف بحقوقنا‪ ،‬وأعلن‬ ‫االستعداد في مرحلة ما لالعتراف بدولة (اسرائيل)‪ ،‬والقضية مرتبطة بموافقة الشعب ضمن‬ ‫استفتاء‪ ،‬كما أعلن إمكانية التفاوض مع العدو‪ ،‬بينما األهم فيما قاله هو موافقته "المتكررة" كما‬ ‫قرأنا بوضوح حينها على دولة في حدود ‪ ،1967‬ونصا كان قد قال‪( :‬المشكلة ليست حول‬ ‫االعتراف ب"اسرائيل"‪ .‬فال توجد طرق مختصرة في الصراع‪.‬والسبب الرئيسي هو احتالل‬ ‫"إسرائيل" ورفضها االعتراف بحقوق الشعب‪).‬‬ ‫وبعد أن يشيد خالد مشعل بمواقف حركة "فتح" والفصائل‪ ،‬ويتغطى بهذه المواقف مع‬ ‫التمايز يوضح بالقول‪( :‬عندما نتخلص من االحتالل‪ ،‬سنحدد شكل عالقاتنا مع "إسرائيل"‪).‬‬ ‫بمعنى آخر أن المبدأ مقبول‪ ،‬ولكنه يرتبط بثمن وظرف وآلية‪ ،‬ومن األثمان المطلوبة اتفاق‬ ‫‪12‬‬ ‫سالم واضح على حدود ‪.1967‬‬

‫‪ 12‬رابط المقابلة في موقع الصحيفة الهندية واليكم رابط المقابلة مع خالد مشعل باالنجليزية‬ ‫‪13‬‬


‫الحقل الثاني ‪ :‬حقل الثابت التعبوي‬ ‫في هذا الجانب أي التعبوي السياسي يحسب لحماس وضوحها خاصة فيما يتعلق‬ ‫بتعريف (أرض فلسطين) وملكيتها و حقنا بها‪ ،‬ورفضها إلعالن بلفور المشؤوم‪ ،‬و ما نشأ‬ ‫عنه (البند ‪.)19-18‬‬ ‫وفي تعريفها كما أسلفنا للمشروع الصهيوني (ال اليهودي) االستعماري (العنصري‬ ‫اإلحاللي التوسعي الغاصب) (بند ‪.)14‬‬ ‫وفي التمسك بحق العودة لالجئين لكل فلسطين بند (‪ ،)19‬وفي التأكيد على وحدة‬ ‫الشعب الفلسطيني وهويته (الوطنية) (بند ‪،)5-4‬و بعدم التنازل عن أي جزء من فلسطين (البند‬ ‫‪.)20‬‬ ‫هذا الوضوح التعبوي‪/‬التربوي الهام هو ذات المفهوم الذي يؤمن فيه الفلسطيني عامة‬ ‫بين جوانحه‪ ،‬فهو وإن رأى في الدولة العبرية كيانا سياسيا وجب التعامل معه‪ ،‬كما ستفعل‬ ‫"حماس" قطعا‪ ،‬فهو كيان سياسي غاصب وقائم على أرضنا نحن‪ ،‬أي على أرض فلسطين‪.‬‬

‫الحقل الثالث ‪ :‬حفرة المصطلحات المضللة‬ ‫في حقل أو حفرة المصطلحات نجد ‪ 5‬من المفاهيم المتعارضة أوالخطرة‪.‬ففي البند ‪4‬‬ ‫ينص (الفلسطينيون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون في فلسطين حتى سنة ‪1947‬‬ ‫سواء من أخرج منها أم من بقي فيها ‪.) ....‬‬ ‫فإن فهمنا هذا البند وفق التطور والتجدد في فكر "حماس" الذي ال يعادي اليهود أبدا‪،‬‬ ‫والذي يؤمن بالوطنية واإلنسانية‪ ،‬وحسب نصوص الوثيقة الجديدة فإن الدولة الفلسطينية التي‬ ‫تسعى لها "حماس" على كامل أرض فلسطين تشمل على األقل (المواطنين العرب) من‬ ‫"اليهود" الذين كانوا في فلسطين قبل ‪ ،1947‬وفي هذا تطور كبير في قبول "اليهود العرب"‬

‫‪http://www.dnaindia.com/india/report-we-are-a-national-resistance-movement‬‬‫‪not-a-terrorist-organisation-khalid-mashal-2238099‬‬ ‫‪14‬‬


‫الذين هجرتهم الصهيونية لبالدنا‪ 13،‬وهو مفتاح لقبول اآلخرين جميعا ضمن مفهوم التجدد‬ ‫والوطنية واإلنسانية الذي تم تغليبه على فكر "حماس" الجديد‪.‬‬ ‫أما النقطة الثانية فهي القول بعدم االعتراف ب"شرعية الكيان" وليس عدم االعتراف‬ ‫(بإسرائيل) ما يجر لفكرة االعترافات الثالثة‪ ،‬أي االعتراف الواقعي والسياسي والقانوني‪ ،‬ما‬ ‫كان سليم الزعنون أبواألديب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح قد كتبه في كتاب له فترة‬ ‫تعامل حركة "فتح" و(م‪.‬ت‪.‬ف) مع القرار ‪ 242‬و ‪ 338‬ما يعني أن االعتراف السياسي قادم‬ ‫بينما الواقعي قائم أما القانوني فغير الزم‪.‬‬ ‫وقعت الوثيقة الجديدة في خطأ كبير باعتقادي من الزاوية التاريخية‪ ،‬فهي حين تقرر أنه‬ ‫في ثرى فلسطين (رفات اآلالف من األنبياء والصحابة والمجاهدين ‪ ) ...‬في البند ‪ 7‬ال تقول‬ ‫حقا‪ ،‬إذ ال دليل علمي البتة على وجود رفات األنبياء هنا (إذ استثنينا حكمة اإلسراء والمعراج‬ ‫وميالد المسيح)‪.‬‬ ‫وفي اإلصرار على منطق وجود (األنبياء) إشارة واضحة ألنبياء بني إسرائيل العرب‬ ‫اليمنيين المنقرضين‪ ،‬وهم أنبياؤنا الذين ينسبهم (اإلسرائيليون) اليوم لهم حصريا‪ ،‬إذ ال صلة‬ ‫جينية أو قومية أو قبلية لهم بهم‪ ،‬وال يوجد ديانة في العالم تورث أرضا ألصحاب ديانة ما‪.‬‬ ‫إذ أن هذا البند يفتح الباب للتمسك الصهيوني بما يدعونه "حقهم الديني‪-‬القومي" هنا‪،‬‬ ‫بداللة حجة وجود (رفات األنبياء) وهم كما يدعون انبياؤهم أو ملوكهم‪ ،‬وبالتالي ممالكهم (هي‬ ‫إمارات بني إسرائيل العرب القدماء المنقرضين) كما يتوهمون استنادا لخرافات التوراة ‪ ،‬فلم‬ ‫نفتح نحن هذا الباب‪ ،‬أم أن ذلك مقصود؟‬ ‫النقطة الخطرة األخرى التي عرجت عليها الوثيقة بما يتعلق بالمصطلح هي ورود كلمة‬ ‫(الالسامية)‪ ،‬وإن كان ورودها بسياق مقبول (البند ‪ )17‬إال أن مجرد االعتراف باللفظة‬ ‫المخترعة إضرار بالتاريخ الحقيقي‪ ،‬وتساوق مع مفاهيم مخترعة حديثا‪ ،‬إذ ال يوجد أصال‬ ‫بالتاريخ ما يثبت وجود سام أو ما يثبت والرواية المرتبطة بذلك‪ ،‬فكيف تصبح "الالسامية"؟‬ ‫إن استخدام مصطلح "الالسامية"‪ ،‬وان جاء عرضا‪ ،‬خاصة حالما اقترن بـمصطلح‬ ‫(رفات األنبياء) ومصطلح (العرب الفلسطينيون)‪،‬أي بما فيهم اليهود من سكان فلسطين عام‬ ‫‪ 13‬في الميثاق الوطني الفلسطيني يشير لما قبل العام ‪ 1917‬قبوال للجميع‪ ،‬وحيث كان أتباع الديانة اليهودية‬ ‫حينها بحدود ‪ %5‬فقط من السكان‪ ،‬بينما وصل عددهم إلى ‪ %30‬عام ‪.1947‬‬ ‫‪15‬‬


‫‪ ،1947‬وفي ظل أننا ك"حماس" حسب الوثيقة نرفض (اضطهاد أي إنسان أو االنتقاص من‬ ‫حقوقه على أساس قومي أو ديني أو طائفي – البند ‪ 17‬أيضا)‪ ،‬فإن ذلك يعني تساوقا غير‬ ‫مفهوم مع الرواية اإلسرائيلية التاريخية الخرافية‪ ،‬والتي يشعلها "نتنياهو" واليمين حاليا‪ ،‬وفي‬ ‫نفس الوقت تقديم سياسي للوجه الجديد ل"حماس" الذي يقبل بوجود اليهود بال شك‪.‬‬ ‫إن نقطة (رفض االنتقاص من حقوق أي إنسان) التي سبق اإلشارة لها بالوثيقة مع‬ ‫تأييدنا لها‪ ،‬هي مما ينقض األفكار االسالموية اإلخوانية التقليدية التي تفهم اآلخر ك"أهل ذمة"‬ ‫و"أهل عهد" عليهم الجزية ال كمواطنين بحقوق متساوية‪.‬‬ ‫هذه النقطة التجديدية أيضا تناقض ذات األفكار التقليدية المشربة بالوثيقة‪ ،‬خاصة في قسم‬ ‫اإلسالم وفلسطين‪ ،‬حيث يظهر تناقضها مع الفهم اإلخواني الصريح لمعنى "الدولة اإلسالمية"‪،‬‬ ‫والوارد في البند ‪ 8‬من الوثيقة حيث يقول البند‪ :‬أنه في ظل اإلسالم ‪"-‬أي ما يفهم أنه في ظل‬ ‫الدولة اإلسالمية المهيمن بها االسالمويون أوالمسلمون ال دولة كل مواطنيها"‪( -‬يعيش أتباع‬ ‫الشرائع واألديان في أمن وأمان) بمعنى تضارب مفهوم الوطنية والحقوق لكل األديان مع‬ ‫هيمنة دين واحد يمثله بالضرورة أتباعه أو حزب محدد على الوطن‪.‬‬

‫الحقل الرابع ‪ :‬حقل التناقضات‬ ‫إن إمكانية ايجاد الربط بين المفاهيم التي تبدو متناقضة (أو هي فعال متناقضة‪ ،‬أو تم‬ ‫التعبئة بها على أنها كذلك) يحتاج لجهد فكري وتربوي مكثف ينتقل بالمفهوم من إطاره األول‬ ‫ليصبح في حلة جديدة استنادا للتطور الفكري من جهة‪ ،‬واستنادا للتجارب من جهة أخرى‪.‬‬ ‫حصل التطور الفكري في استيعاب "اإلخوان المسلمين" لمفاهيم الوطنية والديمقراطية‬ ‫بل العلمانية‪ ،‬وهي مفاهيم كانت منبوذة ومحتقرة‪ ،‬وتعتبر في إطار فكرة أو منهج المعسكرين‬ ‫أنها ضد اإلسالم‪ ،‬إال أنها اليوم تصبح مقبولة‪ ،‬بل وال تتعارض مع فهم اإلسالم "اإلخواني"‬ ‫الوسطي والمتجدد والواقعي الذي يطرحه مشعل فكرا جديدا ل"حماس"‪.‬‬ ‫إن قبول فكرة الوطنية‪ 14،‬وإنها ليست ضد اإلسالم‪ ،‬كان سبقا لإلخوان المسلمين‬ ‫المصريين والفلسطينيين والتوانسة نعم ‪ ،‬وفهم الديمقراطية في الفكر اإلخواني جاء بعد مرحلة‬ ‫‪ 14‬يطرح حسن البنا مفهومه للوطنية كجزء من الفكرة اإلسالمية المهيمنة‪ ،‬وسار على ذات الدرب ميثاق‬ ‫حماس‪ ،‬ما يحالف أو يتعارض مع فكرة الوطنية اليوم‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫مخاض عسير من الرفض واالشتراط ثم التقبل ‪ ،‬ثم جاء القبول بالعلمانية أو العلمانية المؤمنة‬ ‫أو الجزئية أو المدنية‪.‬‬ ‫نرى القبول لفكرة العلمانية في فكر المفكرين االسالميين د‪.‬محمد عمارة و د‪.‬راشد‬ ‫الغنوشي وعبد الوهاب المسيري‪ ،‬وأيضا لدى خالد الحسن من قيادات حركة فتح‪ ،‬بل وفي فكر‬ ‫الرئيس أردوغان الذي عبر عن ذلك علنا وفكر إسالميين آخرين كثر‪ ،‬وهو أي (الفكر‬ ‫العلماني) ‪-‬و لنقل (المدني ) حذرا‪ -‬قد تسلل بقوة لوثيقة "حماس" الجديدة شاءت "حماس" أم‬ ‫أبت‪ ،‬اعترفت به كمصطلح أم رفضته‪ ،‬والعبرة بالنصوص ال بورود الكلمة المحددة‪.‬‬ ‫تسقط وثيقة "حماس" كليا التعريف الحدي وغير المقبول الذي يرى العلمانية فكرة‬ ‫ضد الدين (كما رأى فكر االخوان ذلك سابقا بالوطنية والقومية والديمقراطية واالشتراكية)‬ ‫أوأنها تعني التعريف األوحد المقدس‪ :‬فصل الدين عن السياسة أو الدولة‪.‬‬ ‫إن الوثيقة تـعرف العلمانية دون أن تسجل اللفظة حرفيا (ولنقل المدنية) بالشكل‬ ‫التالي‪ :‬أنها الشراكة في القرار والوطن‪ ،‬وأن الدولة لكل مواطنيها بغض النظر عن االنتماء‬ ‫القومي أو الديني او الطائفي ‪ ...‬الخ‪،‬مما ورد في وثيقة حماس و هذا تطور مفهوم‪.‬‬ ‫يصطدم المفهوم "المدني" في الوثيقة ‪،‬وسيصطدم في الميدان‪ ،‬مع مفاهيم أخرى في‬ ‫ذات الوثيقة من مخلفات فكر "االخوان المسلمين" التقليدي أي الذي لم يتطور‪ ،‬حيث نرى‬ ‫عكس هذا المفهوم "المدني أو العلماني" حين الحديث بالوثيقة عن اإلسالم و فلسطين‪ ،‬وكأن‬ ‫اإلسالم يحتاج لمن يقدمه لفلسطين عبر حزب بالشكل الذي ثم تقديمه‪ ،‬وما هو ربط بين العقدي‬ ‫والحزبي‪.‬‬ ‫يبدو (اإلسالم) في البند الوارد بالوثيقة السياسية كأنه دين مصاغ بفهم حزب محدد‬ ‫وبشكل محدد ويلقي على كل الناس بهذا الفهم سواء أكان هذا الفهم صحيحا أم قابال للتطوير‪،‬‬ ‫ما هو نقيض فكرة الوسطية الوطنية‪ ،‬ونقيض فكرة الديمقراطية‪ ،‬ونقيض فكرة العلمانية‬ ‫أوالمدنية حيث تقف الدولة على مسافة واحدة من كافة المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم‬ ‫العقدية أو القومية أو المذهبية‪ ،‬وأن الدولة هي أداة لتنظيم عالقات الناس الذين هم متساوون‬ ‫أمام القانون‪ ،‬ما يتناقض مع النص بوثيقة "حماس" على فهم محدد لمعنى اإلسالم‪.‬‬ ‫يتناقص فكر الوطنية الجامعة وفكر "المدنية" الذي تغشى الورقة ل"حماس" مع‬ ‫القول تحديدا أنه في ظل اإلسالم حسب البند ‪( 8‬يعيش أتباع الشرائع و األديان في أمن وأمان)‬ ‫ما هو فهم اخواني‪ ،‬بل وفهم اسالمي قديم كان يمثل فتحا كبيرا في مرحلة من المراحل‬ ‫‪17‬‬


‫بالتاريخ اإلنساني‪ ،‬لكن تم تطوره و تجدده‪ ،‬و نحن في سياق تطور وتجدد الفكر في "حماس"‬ ‫ليصل لفكرة المواطنة المتساوية للجميع بغض النظر عن دينهم أو قوميتهم أو مذهبهم‪.‬‬ ‫السؤال الذي يتوجب على "حماس" اإلجابة عليه الحقا هو إلى أي المفهومين تنتمي‬ ‫حركة "حماس" اليوم؟ هل إلى مفهوم الدولة الوطنية والمواطنة و المدنية (أو العلمانية‬ ‫المؤمنة) والشراكة و الديمقراطية؟ أم إلى مفهوم "الدولة اإلسالمية" التقليدي؟ الذي عبرت عنه‬ ‫بهيمنة الحكم اإلسالمي وفهم السلطان اإلسالمي على الطوائف األخرى‪ ،‬كما هو نص العبارة‬ ‫بالوثيقة (يعيش أتباع الشرائع واألديان في أمن وأمان)‪ ،‬فان كانت الثانية فهذا نكوص كبير عن‬ ‫كل مضامين تطور الفكر االسالمي‪ ،‬و نكوص كبير عن حقيقة التطور عامة ‪.‬‬ ‫إن تناقص فكرة الوطنية والمدنية والديمقراطية الواردة بالوثيقة بوضوح مع الفهم‬ ‫اإلخواني التقليدي وغير المستنير لمعنى "الدولة اإلسالمية" المهيمن هو تناقص واضح حيث‬ ‫تجد المعنيين وإن بإشارات‪ ،‬بمعنى أنه تناقض يجب حله‪.‬‬ ‫حل التناقض األول واجب كما الحال في التناقص الثاني حيث نرى قبول الدخول في‬ ‫لعبة السلطة مع رفض "حماس" االتفاقيات التي أنشأتها كليا؟‬ ‫إن رفض االتفاقيات عامة يؤدي لرفض النتائج‪ ،‬ومنها وجوب رفض الكيان الناشئ‬ ‫عنها‪ ،‬وإال وقعنا في التناقض‪.‬‬ ‫وان كان الفكرة لدى الوثيقة بما يتعلق بالسلطة تتجه نحو رفض "التنسيق األمني" أساسا‬ ‫الذي تعبر الوثيقة عن رفضه‪ ،‬فهو رفض يدخل في تناقض سياسي فاضح آخر حيث يؤكد‬ ‫مشعل من البداية أننا ال نريد حربا ما يعني تمسكه األبدي بالهدنة أو وقف اطالق النار ما يمثل‬ ‫"تنسيقا أمنيا" معاش يوميا على الحدود مع غزة ‪.‬‬ ‫إن اكتفينا بهذين التناقضين الواضحين في الوثيقة‪ ،‬فان تناقضها مع التطبيق الواقع على‬ ‫األرض هو الذي يراه المواطن في غزة ويلمسه ويعيشه‪ ،‬ما ال تنفع معه االشادة والمديح من‬ ‫خالد مشعل بشعبنا في غزة مرارا وتكرارا‪.‬‬ ‫وفي اإلطار نرى النقيض لفكر التجدد النظري ل"حماس" بما يجري على األرض في‬ ‫قطاع غزة من خالل رفض المصالحة بأشكال متعددة‪ ،‬ومن خالل كل مسارات التكفير‬ ‫والتخوين والشتائم المتجددة‪ ،‬والتي كان آخرها في النصف الثاني من شهر ‪ 20/7/4‬وبشكل‬ ‫الذع ومقذع ومؤذي بل وبشكل خارج عن القيم االسالمية و المسيحية وتلك االنسانية التي‬ ‫تصفق لها "حماس" في الوثيقة‪ ،‬بل واالعتقاالت التي تلت إعالن الوثيقة!‬ ‫‪18‬‬


‫الحقل الخامس ‪ :‬حقل األسئلة المسكوت عنها‬ ‫األسئلة المسكوت عنها في الوثيقة كثيرة‪ ،‬ومنها العالقة الخاصة مع مصر واألردن‪،‬‬ ‫والعالقة مع فلسطينيي ‪ ، 48‬وفكرة و طبيعة الدولة الواحدة‪ ،‬وهل اليهود مواطنين فيها‪،‬‬ ‫وقضية تبادل األراضي بين الضفة وأراضي فلسطين ال ‪ ، 48‬والوالية العربية على القدس‪،‬‬ ‫وتسليم غزة إلى السلطة الوطنية ‪ ،‬و كيفية الدخول بوضوح للمجلس الوطني الفلسطيني‪.‬‬ ‫لم تجب الوثيقة على سؤال أو تعريف من هو اليهودي أو االسرائيلي والفروقات‬ ‫الصارخة بينهما‪ ،‬كما لم تجب الوثيقة عن كثير من التفاصيل المتعلقة بإدارة الدولة القادمة‬ ‫أودستورها و قانونها و طريقة الربط بين قطاع غزة والضفة الفلسطينية‪.،‬‬ ‫وهكذا من الممكن أن تجد عديد األسئلة الفرعية الكثيرة‪ ،‬التي يراها البعض أساسية‪،‬‬ ‫كما هو الحال بعدم النص على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والمواطنة‬ ‫‪15‬‬ ‫(انظر البند العام المتعلق بالمرأة رقم‪.)34‬‬

‫خاتمة‪:‬‬ ‫إن الوثيقة الجديدة ل"حماس" على ما فيها من تطور وتجديد في بعض المفاصل‬ ‫السياسية والمفاهيمية‪ ،‬لم تشر للعالقة مع "االخوان المسلمين" رغم أن خالد مشعل أكدها في‬ ‫حديثة ردا على أحد األسئلة قائال أن "حماس" من مدرسة االخوان المسلمين‪.‬‬ ‫تبنت الوثيقة فكرة الوطنية‪ ،‬وإن ألحقتها باالسالمية‪ ،‬واقتربت الوثيقة من فكرة‬ ‫(المدنية) أو العلمانية واإلنسانية الشاملة إلى حد التبني‪ ،‬رغم التعارض البين مع البعض البنود‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫الوثيقة إذ تطرح فكرا سياسيا متقدما أو مقدما ومبشرا العالم ب"حماس" الجديدة ‪ ،‬فإن‬ ‫ذلك ما كان ليقع إال لضغوطات المحيط ووقع التجربة المريرة التي مرت بها "حماس"‪.‬‬ ‫‪ 15‬في الوثيقة الحالية (إن دور المرأة الفلسطينية أساس في بناء الحاضر والمستقبل‪ ،‬كما كان دائما في‬ ‫صناعة التاريخ الفلسطيني‪ ،‬وهو دور محوري في مشروع المقاومة والتحرير وبناء النظام السياسي‪ ).‬وفي‬ ‫الميثاق القديم ((للمرأة المسلمة في معركة التحرير دور ال يقل عن دور الرجل فهي مصنع الرجال‪ ،‬ودورها‬ ‫في توجيه األجيال وتربيتها دور كبير))‪ ،‬وفي الحالتين مازال المفهوم قاصرا بالنظر إلى المرأة‪ ،‬وان تطور‬ ‫قليال‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫إن الواقعية السياسية‪ ،‬والتغيير في فكر "حماس" على الشكل الذي جاءت به الوثيقة‬ ‫التي احتوت وميض ايجابي مع بعض التناقضات‪ ،‬ما كان ليقع إال لتفك "حماس" عزلتها مع‬ ‫المحيط والعالم بثوبها القشيب الجديد‪.‬‬ ‫وما كان ذلك إال لتنزع "حماس" جبة التهم الثقيلة المحيطة بها والتي تلوح كلما تم‬ ‫الحديث عن تس لمها مفتاح حل القضية على اعتبار ربطها بالتشدد واإلرهاب والعنصرية‬ ‫و(الالسامية) والمعاداة لليهود‪.‬‬ ‫مع الوثيقة الجديدة ذات الفكر المعتدل الجديد بايجابياته وسلبياته‪،‬وحيث تحللت‬ ‫"حماس" من بعض األعباء الفكرانية (األيديولوجية)‪ ،‬يسدل الستار على الميثاق القديم‬ ‫ل"حماس"‪ ،‬فيما تسعى قيادتها بوضوح لتقدم نفسها لألمة وللعالم أنها القيادة الجديدة للشعب‬ ‫الفلسطيني‪ -‬رغم أن الميدان ال يبشر بخير من أفعال "حماس" السلبية في غزة التي ترافقت مع‬ ‫‪16‬‬ ‫االعالن‪-‬ولتجلس "حماس" األنيقة الجديدة على طاولة المفاوضات‪ ،‬من بوابة األمريكان‪،‬‬ ‫حيث التفاوض مع العدو جائز‪ ،‬أوكما قال خالد مشعل نصا (األعداء يتفاوضون)‪.‬‬ ‫مع الوثيقة الجديدة فإن "حماس" تطالب وطنيا بالشراكة بالحكم والقرار وبالسلطة‪ ،‬بل‬ ‫و"تقاتل" بحرفية الكلمة كما وردت على لسان مشعل من أجل هذه "الشراكة"‪ ،‬ما قد يعني أنها‬ ‫تستبدل مفهوم البديل بمفهوم الشريك‪ ،‬إن لم يكن في ذلك تكتيكا يشكك الكثيرون به‪ ،‬وإن بدا‬ ‫هذا الشريك شرسا ومشاكسا منذ البداية فهو يريد مفتاح السلطة والقضية واألفق العالمي معا‪.‬‬

‫انتهى‬ ‫بكر أبوبكر‬ ‫‪www.bakerabubaker.info‬‬

‫‪/https://www.facebook.com/baker.abubaker‬‬ ‫‪ 16‬لم يترك خالد مشعل أبو التجدد الحمساوي و"المنهجية المتوازنة" مجاال إال واستغله ‪ ،‬مستخدما الوثيقة‬ ‫الجديدة فورا‪ ،‬ففي لقائه مع قناة (سي أن أن) االمريكية يوم ‪ 2017/5/3‬قال التالي‪( :‬ما ورد في وثيقة‬ ‫"حماس" يكفي ألي منصف بالعالم ألن يلتقط الفرصة ويتعامل مع حركة "حماس" بجدية) مضيفا أن (على‬ ‫إدارة الرئيس األمريكي "ترامب" أن تعمل مقاربة جديدة وتلتقط الموقف االيجابي الحمساوي والعربي) بل‬ ‫ومادحا اإلدارة األمريكية بالقول هذه اإلدارة (لديها هامشا أكبر من الجرأة)‪ ،‬وأضاف (أنها تستطيع أن‬ ‫تحدث تغييرا في ملف الصراع العربي اإلسرائيلي)‪.‬‬ ‫‪20‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.