بكر آبوبكر في كتابه: أساطير اليهود وآرض فلسطين في القرآن الكريم #بكر_أبوبكر

Page 1


‫أساطري اليهود وأرض فلسطني‬ ‫يف القرآن الكريم‬ ‫يف تفنيد املزاعم اليهود التوراتية والتاريخية‬ ‫والجغرافية يف سياق التفاسري اإلسالمية‬

‫بكر أبوبكر‬


‫دار األمني للنرش والتوزيع‬

‫أساطري اليهود وأرض فلسطني يف القرآن الكريم‬ ‫بكر أبو بكر ‪ /‬فلسطني‬ ‫الطبعة العربية االوىل‪2017 ،‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة‬ ‫رام الله – فلسطني‬ ‫وطنية ‪+970568549769‬‬ ‫جوال ‪+970599649769‬‬ ‫‪E:mail:daralamin2010@gmail.com‬‬ ‫تصميم الغالف‪ :‬رامي قبج‬

‫املونتاج الفني‪ :‬دار البريق العربي‬ ‫‪All rights reserved. No part of this book may be reproduced in‬‬ ‫‪any form or by any means without the prior permission of the‬‬ ‫‪publisher‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة‪ .‬ال يسمح بإعادة اصدار هذا الكتاب او أي جزء منه‪،‬‬ ‫بأي شكل من األشكال‪ ،‬اال باذن خطي مسبق من النارش‬


‫مقدمة‬ ‫جاءت مطالب اإلرسائيليني برشط (قومية) أو (يهودية‬ ‫الدولة العربية) يف العام ‪ 2014‬كمعيق مقصود إلمكانية‬ ‫فتح أي باب لعملية التسوية للقضية الفلسطينية (العربية)‬ ‫اإلرسائيلية‪ ،‬ووضعتها الحكومة اإلرسائيلية كحاجز أوسور‬‫يصد رياح السالم‪ ،‬لكنها يف االتجاه املقابل تتوافق مع تنظريات‬ ‫اليمني اإلرسائييل واملتطرفني الذين يؤمنون بأساطري التناخ‬ ‫(التوراة ومالحقها) تلك التي تدعي زورا ملكية أرض فلسطني‬ ‫فرتة من الزمن‪.‬‬ ‫واستطرادا ملوضوع (يهودية الدولة)‪ ،‬قام بعض الكتاب‬ ‫اإلرسائيليني بالتامدي عىل الدين اإلسالمي مدعني أن القرآن‬ ‫الكريم ميلّك (يجعلها مملوكة) أرض فلسطني العربية لليهود‬ ‫وأنه (يورثهم) اياها () كوراثة األبن عن أبيه‪ ،‬كام إنه يقّر‬ ‫جعلهم (ملوكا) و (أمئة) للعامل‪ ،‬يف تزييف فاضح للمعاين اإللهية‬ ‫السامية‪ ،‬وإخراجها عن سياقها وحقيقتها الناصعة‪ ،‬لكنه يلقى‬ ‫هوى يف النفوس املرتعشة التي إما تهدف للطعن يف الرسالة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬أوللطعن يف الحق التاريخي العريب (واملسيحي‬ ‫واإلسالمي) يف فلسطني‪ ،‬أو تلك النفوس املريضة واملترشبة‬ ‫بأساطري التوراة وتزييف كهنتها وعلامئها من املهووسني‬ ‫الغربيني بالخرافات حديثا‪ ،‬ومن سبقهم‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫من املهم أن نشري هنا لعودة معظم الكتاب اإلرسائيليني‬ ‫إلطالق املصطلح الوهمي الداللة (يهودا والسامرة) عىل الضفة‬ ‫الغربية من فلسطني بدال مام كانوا يستخدمونه سابقا من‬ ‫مصطلح (املناطق) يك ال يستخدموا تعبري (املناطق املحتلة) أو‬ ‫الضفة الغربية يف ردة دينية تاريخية فاضحة املرامي‪.‬‬ ‫وما وضع الفتة عند املسجد األقىص (املسجد األقىص‬ ‫مساحته ‪ 144‬دونم أو ‪ 144‬ألف مرت مربع ويضم املسجد القبيل‬ ‫ذو القبة الرصاصية وقبة الصخرة الذهبية اللون ومسجد عمر‬ ‫واملصىل املرواين وغريها‪ ،‬وكل املساحات املفتوحة واملغطاة‬ ‫والسور وما داخله) تحت اسم (جبل الهيكل) املزعوم مؤخرا‬ ‫يف العام ‪ 2015‬إال يف ذات السياق التزويري املركب‪ .1‬وكان‬ ‫‪ -1‬اعتربت الهيئة اإلسالمية املسيحية لنرصة القدس واملقدسات‬ ‫اليوم االربعاء املوافق ‪2015/2/11‬م نصب طواقم بلدية االحتالل‬ ‫يف القدس الفتة تعريفية بالقرب من باب الناظر (املجلس)‪ ،‬أحد‬ ‫بوابات املسجد األقىص الرئيسية‪ ،‬الفتة تسمية (جبل الهيكل) باإلشارة‬ ‫إىل املسجد األقىص املبارك‪ ،‬باللغات العربية والعربية واالنجليزية‪،‬‬ ‫اعالن إرسائييل عن قرب اقامة الهيكل عىل انقاض االقىص املبارك‪.‬‬ ‫واشارت الهيئة يف بيانها اىل التطرف اإلرسائييل بفرض االمر الواقع بتهويد‬ ‫املسجد االقىص وتحويله اىل كنيس يهودي متهيدا القامة الهيكل املزعوم‬ ‫عىل انقاضه‪ ،‬منوه ًة اىل تسارع املخططات واالج�راءات التهويدية يف‬ ‫الحرم القديس الرشيف وكأن دولة االحتالل اإلرسائييل مبعاونة مستوطنيها‬ ‫ومتطرفيها تسابق الزمن لتحقيق الحلم اليهودي باقمة الهيكل بارسع‬

‫‪4‬‬


‫(جون كريي) وزير الخارجية األمرييك وكام هو حال املسيحية‬ ‫الصهيونية قد ر ّدد املصطلح املضلّل منذ زمن‪ ،‬إذ قال يف شهر‬ ‫أكتوبر من العام ‪ 2014‬وما كرره عام ‪ 2015‬إثر غضبة القدس‬ ‫وانتفاضتها (أنا قلق للغآية من تصعيد التوترات يف القدس وال‬ ‫سيام حول باحة املسجد االقىص‪/‬جبل الهيكل)‪.2‬‬ ‫وال يغيب عن البال ما تسميه الدولة العربية (إعالن‬ ‫االستقالل) عام ‪ 1948‬الذي يقرر (حقا) لليهود يف وطننا فلسطني‬ ‫العربية‪ ،‬كام نشري لكتاب حديث صدر يف العام ‪ 2015‬للكاتبة‬ ‫اإلرسائيلية (كارولني غليك) تحت عنوان (الخطة اإلرسائيلية‪:‬‬ ‫الضم اآلن‪ ،‬الطريق إىل الدولة الواحدة) والذي يطالب بتطبيق‬ ‫القانون اإلرسائييل عىل ما تسميه الكاتبة (يهودا والسامرة) أي‬ ‫الضفة الغربية من فلسطني حيث يقرأ الباحث عليان الهندي‬ ‫يف كتابها السبب األول كالتايل‪( :‬استعادة الحقوق التاريخية‬ ‫وقت ممكن‪( .‬عن موقع نقطة واول السطر‪ ،‬وموقع دنيا الوطن‪،‬‬ ‫والوكاالت‪ ،‬ولنقرأ املزيد يف دنيا الوطن عىل (الرابط)‪ :‬‬ ‫)‪http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015660853/11/02/.html‬‬

‫‪ -2‬قال جون كريي (انا قلق للغآية من تصعيد التوترات يف القدس وال‬ ‫سيام حول باحة املسجد األقىص‪/‬جبل الهيكل)‪ .‬وأضاف (من املهم للغآية‬ ‫ان تتحىل كل األطراف بضبط النفس وان متتنع عن أي عمل او ترصيح‬ ‫استفزازي‪ ،‬وان تحافظ‪ ،‬قوال وفعال‪ ،‬عىل الوضع القائم التاريخي يف‬ ‫باحة املسجد االقىص‪/‬جبل الهيكل)‪ .‬أ ف ب يف ‪ 2014/10/31‬وكرر عام‬ ‫‪ 2015‬‬

‫‪5‬‬


‫والدينية لليهود يف كل أرض إرسائيل‪ ،‬والرغبة يف رفع الظلم‬ ‫الذي مورس عليهم عىل مدار أكرث من ثالثة آالف عام)‪ ،‬ويف‬ ‫إطار التعليل لضم الضفة الغربية من فلسطني إىل (إرسائيل)‬ ‫تقررالكاتبة اإلرسائيلية أن (التنازل عن حقوق إرسائيل يف يهودا‬ ‫والسامرة يعترب تنكرا للاميض ولإلرث اليهودي‪ ،‬ويفرغ الديانة‬ ‫اليهودية من أهميتها‪ ،‬ووفق ذلك ال يحق (إلرسائيل) التنازل‬ ‫عن هذه املناطق)‪.‬‬ ‫إذا تجاوزنا قليال بعض اآلراء لدى اإلرسائيليني الرشقيني‬ ‫التي تطعن يف قيام دولة (إرسائيل) وتعتربها ضد نبوءات‬ ‫التوراة‪ ،‬وأن قيامها ثم بناء (الهيكل) يعني خرابها‪ ،‬فإن التيار‬ ‫السائد اليوم ‪-‬وعىل رأسه ‪ 23‬منظمة متطرفة بالقدس تطالب‬ ‫ببناء (الهيكل) (هارهبيت) يف القدس مكان املسجد األقىص‬ ‫املبارك‪ -‬يحاول جاهدا ومنذ ‪ 100‬عام عىل األقل أن يجد مربرا‬ ‫دينيا أوتاريخيا أو ثقافيا أو فلسفيا أو قانونيا أو آثاريا إلحتالل‬ ‫أرضنا عربية النشأة والجذور واالستمرار‪ ،‬وملا فشل اإلرسائيليون‬ ‫عامة ومن فشلهم إىل ما كان بالحفريات إذ مل يجدوا حبة رمل‬ ‫واحدة يف فلسطني والقدس تنطق بأكاذيبهم بدأوا باستغالل‬ ‫ضعف األمة العربية يف ظل التمزق الواقع بعد الحراكات‬ ‫العربية‪ ،‬وإضعاف املنطقة بافتعال النزاعات املذهبية وداخل‬ ‫كل مذهب يك يستقر الفضاء للهيمنة اإلرسائيلية‪-‬اليهودية عىل‬ ‫املنطقة‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫سنحاول يف هذه الدراسة أن نعالج استخدامات كرثة من‬ ‫سياسيي وكتُّاب اليهود ومن جاراهم من الغربيني ومن العرب‬ ‫مبا يسمونه سواء أرض امليعاد‪ ،‬أو ملكيتهم ألرض فلسطني (فـ‬ ‫(بنيامني نتنياهو) الذي ترأس الحكومة الصهيونية عام ‪،2015‬‬ ‫للمرة الرابعة معروف بأنه كذاب ومخادع حتى بنظر شعبه‪،‬‬ ‫وإذا أردنا التعرف عىل أيديولوجيته‪ ،‬وأفكاره‪-‬متثل فكر اليمني‬ ‫كله‪ -‬التي يعمل مبوجبها‪ ،‬علينا قراءة مؤلفه املشهور‪( :‬مكان‬ ‫تحت الشمس)‪ ،‬الذي صدر باللغة العربية‪ ،‬وترجم إىل العربية‬ ‫عام ‪ ،1995‬فهو يكشف برصاحه يف كتابه أن أرض فلسطني‬ ‫الكاملة ملك بال منازع للشعب اليهودي‪ ،‬ومن غري املمكن‬ ‫التنازل عن شرب واحد منها‪ ،‬ويعرتف أن دعوته للمفاوضات‬ ‫تهدف إىل إرضاء الرأي العام الدويل من جهة‪ ،‬واالستمرار‬ ‫مبرشوع البناء االستيطاين من الجهة األخرى‪ ،‬والسيطرة عىل‬ ‫املزيد من أرايض الفلسطينيني‪ ،‬حتى ال يبقى أرض إلقامة‬ ‫الدولة الفلسطينية)‪.3‬‬ ‫كام سنتعرض يف هذه الدراسة ملا يعتقده غالب‬ ‫اإلرسائيليني اليوم مبا يسمونه أحقيتهم بالقدس وباملسجد‬ ‫األقىص‪ ،‬أو (أنهم) (ورثوها) لألبد‪ ،‬أو أن الله جعلهم يف‬ ‫فلسطني (ملوكا أو أمئة)‪ ،‬سالطني وحكام مستندين–نحن‪-‬‬ ‫‪ -3‬من مقال للكاتب غازي السعدي‪ ،‬اتجاهات الفكر السيايس اإلرسائييل‬ ‫يف ‪ 2015/10/28‬‬

‫‪7‬‬


‫أساسا لتفاسري مفرسين املسلمني للقرآن الكريم‪ ،‬ولعدد من‬ ‫األبحاث والدراسات األخرى ذات الصلة ملجموعة هامة من‬ ‫الكُتاب‪ ،‬وملساحة من النظر والتأمل والتفكر ما أمدنا الله بها‪،‬‬ ‫ووفقنا إليها سبحانه وتعاىل‪ ،‬وبتعاون عدد من األساتذة الكرام‬ ‫معنا‪.4‬‬

‫‪ -4‬يقول األستاذ أحمد أشقر يف مقاله الهام اليهودية‪-‬الصهيونية‪ :‬ترفض‬ ‫بعض الفرق اليهودية املتصوفة واألصولية أي ربط بني الصهيونية وفكرها‬ ‫االستعامري وبني الدين اليهودي‪ .‬وعليه وجب قراءة (التناخ) قراءة‬ ‫باطنية أو تأويلية‪ .‬هذا التأكيد‪ ،‬هو لإلنصاف املوضوعي واألكادميي يف‬ ‫آن واحد‪ .‬فهذه الفرق تنتظر (املشيح) الذي هو يف كل األحوال لصالح‬ ‫اليهود وضد الـ ‪( .goyem‬الغوييم أو األميني أو األمميني أواألغيار=كل ما‬ ‫غري اليهود‪ ،‬وهم كفار)‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫الفصل األول‬ ‫دعونا نتساءل مع املتسائلني‬ ‫هل كان اإلرسائيليون (ملوكا) وسالطني‪ ...‬أباطرة‪...‬‬ ‫بنصوص القرآن؟‬ ‫وهل (أورثهم) الله أرض فلسطني بنص القرآن الكريم؟‬ ‫وهل اليهود هم اإلرسائيليني يف القرآن الكريم؟‬ ‫وبغض النظر عن النصوص اإلسالمية‪ ،‬فهل التوراة عىل‬ ‫تحريفها وأسطوريتها أورثتهم أرض فلسطني؟ وهل امتلكوا‬ ‫القدس فعال هم و(ملوكهم)؟‬ ‫وإن كان من (أرض) ثم (توريثها) لقبيلة (إرسائيل)‬ ‫فام معنى األرض‪ ،‬وأين هي؟ وما هي؟ وكيف فهمها مفرسو‬ ‫القرآن؟‬ ‫وهل كان لداود وسليامن بنص القرآن الكريم ُملك‬ ‫فلسطني (املباركة)؟‬ ‫وهل هناك ما أسموه (هيكل سليامن) يف القدس؟‬

‫‪9‬‬


‫كيف فهم العلامء ال ُج ُدد واملؤرخني املتنورين وعلامء‬ ‫اآلثار والجغرافيا الواردة يف القرآن الكريم؟‬ ‫وما هي (األرض) التي كتبها الله لعباده الصالحني وما‬ ‫عالقتها بـ(إيراثها) (توريثها) بالتخصيص (لبني إرسائيل)؟‬ ‫ونعرج عىل تساؤل آخر إن كان لبني إرسائيل من (وعد)‬ ‫فهل يهود اليوم نسل بني إرسائيل‪ ،‬أو نسل اليهود العرب؟‬ ‫إن كان الله (وارث األرض) ومن عليها‪ ،‬بعد أن يرثها‬ ‫عباده الصالحني‪ ،‬فهل يعقل أن مييز أو يفضّ ل بني عباده‬ ‫بالجنس والعرق واللون؟‬ ‫لنقرأ معا أوال ما كتبه املوقع اإلرسائييل عىل الشبكة‬ ‫(‪( )internet‬إرسائيل ان أرابيك) نصا‪ ،‬ثم نتكل عىل الله سبحانه‬ ‫وتعاىل‪ ،‬ونحاول تفكيك األسطورة والتخريفات والتحريفات‬ ‫املتعمدة‪ ،‬حيث يكتب املوقع الدعايئ اإلرسائييل نصا‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫حتى (القرآن) اعرتف بيهودية أرض (إرسائيل)‪!5‬‬ ‫(االستيطان) أو (بناء املستوطنات) عبارات تجتاح‬ ‫الوسائل اإلعالمية العربية‪ ،‬للتعبري عن سخطهم لقيام الشعب‬ ‫اليهودي ببناء تجمعات سكنية عىل أرضه التاريخية ()‪.‬‬ ‫محاولة دعائية وبروبغندا استعامرية مل يفتأ العرب عن‬ ‫استخدامها لتحويل شعب إرسائيل شعبا غريبا عن هذه األرض‪.‬‬ ‫االستيطان هو التَّوطُّن يف أرض محتلَّة‪ ،‬واملعروف تاريخيا‬ ‫() أن أرض إرسائيل هي يهودية الهوية () منذ ‪ 3000‬سنة‪،‬‬ ‫ومل تعرف للعرب وجودا إال يف زمن االحتالل العريب والغزو‬ ‫اإلسالمي () حيث جاؤوا هذه األرض فارضني عليها سيطرتهم‬ ‫واستيطانهم ()‪.‬‬ ‫إذا (العرب) يف أرض إرسائيل هم املستوطنون وهم‬ ‫الغرباء عن األرض وليس الشعب اليهودي‪ ،‬هذا ما نصت عليه‬ ‫التوراة‪ ،‬وهذا ما سجله التاريخ من آثار وذكريات‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ذكره القرآن مرجع املسلمني األول واألخري‪ ،‬حيث جاءت بعض‬ ‫أبياته ()‪ 6‬خري تعبري عن يهودية أرض إرسائيل ()‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬ ‫‪ -5‬عنوان املوقع اإلرسائييل‪ ،‬والنص املشار إليه أعاله‪.‬‬ ‫‪http://www.israelinarabic.com.‬‬ ‫‪ -6‬هكذا وردت الكلمة (أبياته) وليست آياته‪ ،‬رمبا للسخرية املقصودة‬

‫‪11‬‬


‫وس لِ َق ْو ِم ِه يَا قَ ْو ِم‬ ‫سورة املائدة (‪ )5‬اآلية‪َ ﴿ :‬و ِإ ْذ ق َ​َال ُم ىَ‬ ‫ا ْذكُ ُروا نِ ْع َم َة اللَّ ِه َعلَيْ ُك ْم إِ ْذ َج َع َل ِفي ُك ْم أَنْ ِبيَا َء َو َج َعلَ ُك ْم ُملُوكًا‬ ‫َوآت َاكُ ْم َما لَ ْم يُ ْؤ ِت أَ َح ًدا ِم َن الْ َعالَ ِم َني (‪ )20‬يَا قَ ْو ِم ا ْد ُخلُوا الأْ َ ْر َض‬ ‫الْ ُم َق َّد َس َة الَّ ِتي كَتَ َب اللَّ ُه لَ ُك ْم َولاَ ت َ ْرتَ ُّدوا َعلىَ أَ ْدبَا ِركُ ْم فَتَ ْن َقلِ ُبوا‬ ‫خَاسرِ ِي َن (‪.﴾)21‬‬ ‫ومن النصوص القرآنية األخرى التي تقول أن اإلله أورث‬ ‫بني إرسائيل األرض‪.‬‬ ‫﴿ َوأَ ْو َرث ْ َنا الْ َق ْو َم ال َِّذي َن كَانُوا يُ ْستَضْ َعفُو َن َمشَ ار َِق الأْ َ ْر ِض‬ ‫تمَ​َّت كَلِ َم ُت َربِّ َك الْ ُح ْس َن ٰى َعلىَ ٰ بَ ِني‬ ‫َو َمغَا ِربَ َها الَّ ِتي بَا َركْ َنا ِفي َها َو ْ‬ ‫إِسرْ َائِ َيل بمِ َا َصبرَ ُوا َو َد َّم ْرنَا َما كَا َن يَ ْص َن ُع ِف ْر َع ْو ُن َوقَ ْو ُم ُه َو َما كَانُوا‬ ‫يَ ْعرِشُ و َن﴾ (االعراف‪.)137 :‬‬ ‫﴿ َونُرِي ُد أَن نمَّ ُ َّن َعلىَ ال َِّذي َن ْاستُضْ ِعفُوا فيِ الأْ َ ْر ِض َونَ ْج َعلَ ُه ْم‬ ‫أَئمَِّ ًة َونَ ْج َعلَ ُه ُم الْ َوا ِرثِ َني (‪َ )5‬ونمُ َ ِّك َن لَ ُه ْم فيِ الأْ َ ْر ِض﴾‪( .‬القصص)‪.‬‬ ‫﴿فَأَ ْخ َر ْج َنا ُه ْم ِم ْن َج َّن ٍ‬ ‫ات َو ُعيُونٍ (‪َ )57‬وكُ ُنو ٍز َو َمق ٍَام‬ ‫كَرِيمٍ (‪ )58‬كَ َذلِ َك َوأَ ْو َرث ْ َنا َها بَ ِني إِسرْ َائِ َيل (‪(.﴾)59‬الشعراء)‪.‬‬ ‫اب َوالْ ُح ْك َم َوال ُّنبُ َّو َة َو َر َزقْ َنا ُهم‬ ‫﴿ َولَ َق ْد آتَيْ َنا بَ ِني إِسرْ َائِ َيل الْ ِكتَ َ‬ ‫ِّم َن الطَّيِّبَ ِ‬ ‫ات َوفَضَّ لْ َنا ُه ْم َعلىَ الْ َعالَ ِم َني﴾‪( .‬الجاثية‪.)16 :‬‬ ‫لعنهم الله‪ ،‬عدا عن أنهم أصال ال يعرتفون بالقرآن الكريم‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫﴿ َوقُلْ َنا ِمن بَ ْع ِد ِه لِبَ ِني إِسرْ َائِ َيل ْاس ُك ُنوا ْ األَ ْر َض فَ ِإذَا َجاء‬ ‫َو ْع ُد ِ‬ ‫اآلخ َر ِة ِجئْ َنا ِب ُك ْم لَ ِفيفاً﴾ (االرساء‪.)104 :‬‬ ‫القرآن حتى القرآن اعرتف بيهودية أرض إرسائيل ()‪.‬‬ ‫وكام نلحظ‪ ،‬مل يكن هناك أي ذكر لشعب فلسطني‪ ،‬ألن‬ ‫(فلسطني) مل يكن لها وجود بل كانت (أرض إرسائيل) ()‪.‬‬ ‫إذا‪ ،‬نحن مل نقل‪ ،‬إمنا التاريخ والكتب الساموية قد قالت‬ ‫()… فهل أحد ميكنه أن ينكر يهودية أرض إرسائيل؟ إىل هنا‬ ‫‪7‬‬ ‫انتهى النص‬ ‫وقف (بنيامني نتنياهو) رئيس الوزراء اإلرسائييل‬ ‫املهووس بالخرافات والتاريخ يف حشد من أنصاره صارخا يقول‬ ‫يف العام ‪( 2014‬كيف يجرؤون– يقصد الفلسطينيني واألمة‬ ‫‪8‬‬ ‫العربية واإلسالمية– أال يعرتفوا بالقدس عاصمة (إرسائيل)‬ ‫مضيفا للتأكيد بالقول (نحن هنا منذ ‪ 3‬آالف عام!) كام اضاف‬ ‫‪ -7‬ومن التعليقات أسفل املوقع لشخص يسمي نفسه‪ :‬لدين العلم احمد‬ ‫العدوان‪:‬نعم األرض إلرسائيل كام أقرها القرآن‪ ،‬وال يوجد يشء اسمه‬ ‫فلسطني‪ ،‬ويعلق مرة ثانية ذاته‪ :‬لدين العلم احمد العدوان األرض لليهود‪،‬‬ ‫ومن يحكم بأرضه أو ماله ما ظلم‪.‬‬ ‫‪ -8‬من ادراج للكاتب عن الصحافة العربية يف مقال له يف صحيفة الحياة‬ ‫الجديدة تحت عنوان هل نتنياهو عدو املسجد األقىص الوحيد‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫يف لقاءات اخرى أن القدس مل تذكر بالقرآن الكريم وذكرت‬ ‫عديد املرات قي التوراة ()‪.9‬‬ ‫ونضيف إىل ذلك حادثتني األوىل وقعت معي أثناء‬ ‫دراستي الجامعية‪ ،‬والثانية منذ أيام‪ ،‬ففي الجامعة وكنت‬ ‫ادرس الهندسة املدنية‪ ،‬أخذت مادة اختيارية هي‪ :‬قضية‬ ‫فلسطينية‪ ،‬مع عدد آخر من الطالب بالفصل‪ ،‬ويف إطار‬ ‫النقاشات املطولة يف التاريخ العريب اإلسالمي واملاملك لبني‬ ‫إرسائيل‪ ،‬وتاريخ الصهيونية واليهود كان االستغراب ألكرث من‬ ‫طالب أن ما فهموه من الكتاب املعتمد وهو كتاب (الخطر‬ ‫الصهيوين) هو عكس السائد لدينا‪ ،‬إذ أنهم فهموا أن فلسطني‬ ‫لليهود! فضحكت‪ ،‬واستغرب األستاذ ذلك وقام كام قمت‬ ‫بإيضاح الصورة وفق املرويّات التاريخية الرسمية‪.‬‬ ‫سيل متدفق يف عدد من التفسريات اإلسالمية الرتاثية‬ ‫التاريخية تق ّر سلطان و(ملكية) وأحقية بني إرسائيل لألرض‬ ‫(يقرن أحيانا القول ببني إرسائيل‪،‬أنهم واليهود واحد) وإن‬ ‫‪ -9‬هذا ال يعني شيئا من الناحية العلمية والتاريخية‪ ،‬عدا عن أن القدس‬ ‫القرية ذكرت ‪ 3‬مرات بالتوراة لتعني ‪ 3‬مواقع مختلفة موجودة حتى‬ ‫اليوم يف اليمن القديم‪ ،‬وذكرت أورشليم كموقع آخر رابع كام أثبت‬ ‫بالدالئل املفكر العريب فاضل الربيعي يف كتابه الثمني (القدس ليست‬ ‫أورشليم)‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫أضاف بعض هذه التفسريات أحيانا كلمة لكن! أي تضع‬ ‫الرشوط واملحددات‪ ،‬أو حاول هؤالء املفرسون أن يجدوا‬ ‫مخرجا ما‪ ،‬لكن يف ظل موافقتهم الواضحة أو الضمنية عىل‬ ‫ملكية بني إرسائيل لألرض!‬ ‫أما الرأي املسيحي املتشدد أيضا يف أن (فلسطني) (أو‬ ‫أي أرض) أنها ملك أبدي لليهود يتجىل كمثال فيام يقوله أ‪.‬‬ ‫حلمي القمص يعقوب يف رده عىل عدد ممن يدينون التطرف‬ ‫اليهودي وينكرونه إذ يسطر‪( :10‬ملاذا ينكر ناجح املعموري‬ ‫وغريه وعد الله لبني إرسائيل بأرض كنعان‪ ،‬مع أن القرآن‬ ‫قد أق َّر هذه الحقيقة‪ ،‬ولكن هذه هي عادة ال ُنقَّاد األحادي‬ ‫النظرة فال ينظرون إالَّ يف اتجاه واحد وهو الهجوم عىل الكتاب‬ ‫املق َّدس‪ ،‬حتى أنهم ال يدركون كث ًريا فيام هم يهاجمون الكتاب‬ ‫املق َّدس‪ ،‬فأنهم يهاجمون ما يدينون به بحكم عقيدتهم‪ ،‬فالله‬ ‫بسابق علمه كان يعلم ما ستؤول إليه شعوب كنعان من‬ ‫فساد‪ ،‬فوعد الله شعبه بامتالك أراضيهم‪ ،‬وهذه حقيقة يعرتف‬ ‫بها الجميع‪ ،‬يهود ومسيحيون ومسلمون‪:‬‬ ‫ جاء يف سورة إبراهيم‪َ ﴿ :‬وق َ​َال ال َِّذي َن كَ َف ُروا لِ ُر ُسلِ ِه ْم‬‫‪ -10‬كتاب النقد الكتايب‪ :‬مدارس النقد والتشكيك والرد عليها ‪ -‬أ‪ .‬حلمي‬ ‫القمص يعقوب‪ ،‬وعىل الرابط‪:‬‬ ‫‪http://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/910.html‬‬

‫‪15‬‬


‫لَ ُن ْخ ِر َج َّنكُم ِّم ْن أَ ْر ِض َنا أَ ْو لَتَ ُعو ُد َّن فيِ ِملَّ ِت َنا َأَ ْو َح ٰى إِلَيْ ِه ْم َربُّ ُه ْم‬ ‫لَ ُن ْهلِ َك َّن الظَّالِ ِم َني (‪َ )13‬ولَ ُن ْس ِك َن َّن ُك ُم الأْ َ ْر َض ِمن بَ ْع ِد ِه ْم َٰذلِ َك‬ ‫َاف َمقَا ِمي َوخ َ‬ ‫لِ َم ْن خ َ‬ ‫َاف َو ِع ِيد (‪( ﴾)14‬إبراهيم‪.)14-13 :‬‬ ‫وس لِ َق ْو ِم ِه ْاستَ ِعي ُنوا‬ ‫ وجاء يف سورة األعراف‪﴿ :‬ق َ​َال ُم ىَ ٰ‬‫اصبرِ ُوا إِ َّن الأْ َ ْر َض لِلَّ ِه يُو ِرث ُ َها َمن يَشَ ا ُء ِم ْن ِع َبا ِد ِه َوالْ َعا ِق َب ُة‬ ‫بِاللَّ ِه َو ْ‬ ‫لِلْ ُمتَّ ِق َني (‪ )128‬قَالُوا أُو ِذي َنا ِمن قَ ْبلِ أَن تَأْتِ َي َنا َو ِمن بَ ْع ِد َما ِجئْتَ َنا‬ ‫س َربُّ ُك ْم أَن يُ ْهلِ َك َع ُد َّوكُ ْم َويَ ْستَ ْخلِ َف ُك ْم فيِ الأْ َ ْر ِض فَ َينظُ َر‬ ‫ق َ​َال َع ىَ ٰ‬ ‫كَ ْي َف ت َ ْع َملُو َن (‪( ﴾)129‬األعراف‪.)129-128 :‬‬ ‫ وجاء يف سورة املائدة‪﴿ :‬يَا قَ ْو ِم ا ْد ُخلُوا الأْ َ ْر َض الْ ُم َق َّد َس َة‬‫الَّ ِتي كَتَ َب اللَّ ُه لَ ُك ْم َولاَ ت َ ْرت َ ُّدوا َعلىَ ٰ أَ ْدبَا ِركُ ْم فَتَن َقلِ ُبوا خَاسرِ ِي َن‬ ‫وس إِ َّن ِفي َها قَ ْو ًما َج َّبارِي َن َوإِنَّا لَن نَّ ْد ُخلَ َها َحتَّ ٰى‬ ‫(‪ )21‬قَالُوا يَا ُم ىَ ٰ‬ ‫يَ ْخ ُر ُجوا ِم ْن َها فَ ِإن يَ ْخ ُر ُجوا ِم ْن َها فَ ِإنَّا َد ِ‬ ‫اخلُو َن (‪ )22‬ق َ​َال َر ُجلاَ نِ‬ ‫اب فَ ِإذَا‬ ‫ِم َن ال َِّذي َن يَخَافُو َن أَنْ َع َم اللَّ ُه َعلَيْ ِهماَ ا ْد ُخلُوا َعلَيْ ِه ُم الْبَ َ‬ ‫َد َخلْتُ ُمو ُه فَ ِإنَّ ُك ْم غَالِبُو َن َو َعلىَ اللَّ ِه فَتَ َوكَّلُوا إِن كُنتُم ُّم ْؤ ِم ِن َني‬ ‫وس إِنَّا لَن نَّ ْد ُخلَ َها أَبَ ًدا َّما َدا ُموا ِفي َها فَا ْذ َه ْب‬ ‫(‪ )23‬قَالُوا يَا ُم ىَ ٰ‬ ‫نت َو َربُّ َك فَقَاتِلاَ إِنَّا َها ُه َنا قَا ِع ُدو َن (‪.﴾)24‬‬ ‫أَ َ‬ ‫﴿ق َ​َال فَ ِإنَّ َها ُم َح َّر َم ٌة َعلَ ْي ِه ْم أَ ْربَ ِع َني َس َن ًة يَ ِتي ُهو َن فيِ الأْ َ ْر ِض‬ ‫فَلاَ تَأْ َس َعلىَ الْ َق ْو ِم الْف ِ‬ ‫َاس ِق َني (‪( ﴾)26‬املائدة‪.)26 :‬‬ ‫فهل تظن أيها الناقد أن بني إرسائيل سيمتلكون األرض‬

‫‪16‬‬


‫من أصحابها بطريقة وديَّة وحبيَّة دون رصاع وحروب وقتال‪..‬؟!!‬ ‫وهل تظن أيها الناقد أن أصحاب األرض الكنعانيني سيرتكون‬ ‫أرضهم لبني إرسائيل بنفس راضية وقلوب مطمئنة؟! وإن قلت‬ ‫أن هذا ال يدخل يف نطاق املعقول‪ .‬إذًا أنت ال تقر القرآن‬ ‫عندما أشار بطريقة غري مبارشة لهذا الرصاع وتلك الحروب‬ ‫لكيام ميتلك بنو إرسائيل األرض تنفيذًا للمشيئة اإلله َّية)‪.‬‬ ‫ثم جرى بالنهر الكثري بعد ذلك‪ ،‬إذ منذ فرتة وأنا أعد‬ ‫لهذه املادة استنادا أساسيا لتفسريات علامئنا املجتهدين من‬ ‫املفرسين للقرآن الكريم‪ ،‬يفاجئني أحد األصدقاء بالقول أن‬ ‫ابنه الطالب يف إحدى الجامعات ويف مادة القضية الفلسطينية‬ ‫تحديدا‪ ،‬استنتج مام قرأه أن فلسطني لليهود! ف ُعدت فورا لحادثة‬ ‫شبيهة من سنوات طوال ألقر‪-‬كام سبقني باالقرار واالكتشاف‬ ‫كثري من العلامء‪ -‬أن مروياتنا املشبعة باإلرسائيليات‪ 11‬التي‬ ‫‪ -11‬اإلرسائيليات‪ ‬هو اسم يطلق عىل األحاديث املوضوعة املنقولة من‬ ‫كتب‪ ‬التوراة‪ ‬واإلنجيل‪ .‬يف‪ ‬علم الحديث‪ ‬تستخدم أيضً ا كلمة إرسائيليات‬ ‫لوصف حديث ضعيف أو غري موثوق به‪ ،‬أصل الكلمة يعود إىل أعراف‬ ‫وتقاليد (اليهودية‪ - ‬املسيحية (وأيضً ا من‪ ‬النبي‪ ‬محمد‪ ‬صىل الله عليه‬ ‫وسلم‪ .‬اإلرسائيليات غال ًبا ليس لها قصص مفسرّ ة يف الكتاب املقدس‪ .‬ويف‬ ‫اليهودية (מדרש وتنطق ‪ Midrash‬وتعني يدرس) وهي أن تعطي‬ ‫معلومات أكرث أو تفسريات حول األحداث والقصص التي حدثت عن‬ ‫طريق شخص يف النصوص اليهودية‪ .‬وأغلبها تكون محرفة وغري صحيحة‬ ‫(املوسوعة الحرة)‬

‫‪17‬‬


‫كان أشار لها د‪.‬محمد محمد أبوشهبة‪،‬والشيخ محمد الذهبي‪،‬‬ ‫وسيد قطب وعدد من الباحثني‪ ،‬وغريهه هي مرويات تحتاج‬ ‫فعال إلعادة نظر من زوايا فكرية وعلمية وتاريخية وجغرافية‬ ‫نفسية‪ ،‬ومن زاوية تطور العلوم املختلفة مبا فيها مناهج‬ ‫البحث والدراسات وعلم اآلثار‪ ،‬واألهم من ذلك طريقة التفكري‬ ‫بل وطريقة عرض الروآية ما حاولنا يف ما كتبناه سابقا أن نسهم‬ ‫به‪ ،‬وما نحاول اليوم أن نفعله‪.12‬‬ ‫والله غايتنا وهو ويل التوفيق‪.‬‬

‫‪ -12‬روي عن جابر بن عبد الله يف البدآية والنهآية‪:‬‬ ‫أن عمر بن الخطاب أىت النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه‬ ‫عىل النبي قال فغضب وقال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب‪ ،‬والذي نفيس‬ ‫بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ال تسألوهم عن يشء فيخربوكم بحق‬ ‫فتكذِّبوا به‪ ،‬أو بباطل فتصدقوا به‪ ،‬والذي نفيس بيده‪ ،‬لو أن موىس ‪ --‬كان‬ ‫حيا ما وسعه إال أن يتبعني أخرجه اإلمام أحمد يف املسند‪..‬‬

‫‪18‬‬


‫الفصل الثاني‬ ‫ّ‬ ‫(مفضلني)‪ 13‬و(ملوكا)‪ ،‬واليهود‬ ‫اليهود‬ ‫(أئمة)؟!‬ ‫هل كان اليهود (ملوكا) بنصوص القرآن؟ وهل كانوا‬ ‫(مفضَ لني) عىل غريهم؟ ولألبد؟ هذا ما سنجيب عنه مبشيئة‬ ‫الله‪ ،‬لكن من املهم اإلشارة يف البدء إىل أن األنبياء سليامن‬ ‫وداود عليهام السالم هام م ّمن م ّن الله عليهام بالحكمة‬ ‫والنبوة وامل ُلك حيث قال الله تعاىل عن داود‪َ ﴿ :‬وآت َا ُه اللّ ُه‬ ‫الْ ُمل َْك َوال ِْح ْك َم َة َو َعلَّ َم ُه ِمماَّ يَشَ ا ُء (‪( .﴾)251‬البقرة‪.)251:‬‬ ‫وقال‪﴿ :‬لُ ِع َن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ِمن بَ ِني إِسرْ َائِ َيل َعلىَ ٰ لِ َسانِ‬ ‫يس ابْنِ َم ْريَ َم َٰذلِ َك بمِ َا َع َصوا َّوكَانُوا يَ ْعتَ ُدو َن (‪﴾)78‬‬ ‫َدا ُوو َد َو ِع ىَ‬ ‫(املائدة‪.)78:‬‬ ‫وقال الله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َدا ُوو َد َو ُسلَيْماَ َن إِ ْذ يَ ْح ُكماَ نِ فيِ‬ ‫الْ َح ْر ِث إِ ْذ نَفَشَ ْت ِفي ِه َغ َن ُم الْ َق ْو ِم َوكُ َّنا لِ ُح ْك ِم ِه ْم شَ ا ِه ِدي َن (‪﴾78‬‬ ‫(األنبياء‪.)78:‬‬ ‫﴿فَ َف َّه ْم َنا َها ُسلَ ْيماَ َن َوك اًُّل َآتَ ْي َنا ُح ْكماً َو ِعلْماً َو َس َّخ ْرنَا َم َع‬ ‫خريا وإحسانًا‪ .‬واإلفضال‪ :‬هو اإلحسان‪.‬‬ ‫‪ -13‬الفضل‪ :‬هو الزيادة يف اليشء ً‬ ‫واملتفضل هو مدعي الفضل عىل غريه ومنه قوله تعاىل‪( :‬يُرِي ُد أَ ْن يَتَفَضَّ َل‬ ‫َعلَيْ ُك ْم)‪( .‬املؤمنون‪( 24:‬موقع الشيخ سلامن بن فهد العودة)‬

‫‪19‬‬


‫َدا ُوو َد الْ ِجبَ َال يُ َسبِّ ْح َن َوالطَّيرْ َ َوكُ َّنا فَا ِعلِ َني (‪( ﴾)79‬األنبياء‪.)79:‬‬ ‫ذرية داوود من نوح‬ ‫وثابت باآليات أيضا ُملك سليامن الذي ورث والده داود‬ ‫باآليات الكرمية‪ ،‬أما اليهود (وليس بني إرسائيل) فال دليل‬ ‫يف القرآن مطلقا عىل ملكهم أو حكمهم‪ ،‬وحتى أن كل من‬ ‫داوود وسليامن غري مقطوع بانتسابهم لقبيلة بني إرسائيل‪،‬‬ ‫وفق منطوق اآلية الكرمية يف سورة األنعام‪( :‬ووهبنا له إسحاق‬ ‫ويعقوب‪ ،‬كال هدينا‪ ،‬ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود‬ ‫وسليامن وموىس وهارون)‪ .‬حيث يقول املفرسون أن الضمري‬ ‫يف ‪-‬ومن ذريته داود وسليامن‪ -‬عائد إىل نوح ألنه أقرب‬ ‫مذكور‪ ،‬وألن الله ذكر مع َمن ذكر لوطا‪ ،‬وهو ذرية نوح ال‬ ‫من ذرية إبراهيم‪ ،‬ويحتمل أن الضمري يعود إىل إبراهيم ألن‬ ‫السياق يف مدحه والثناء عليه‪( .‬يراجع ابن جرير وابن كثري‬ ‫والقرطبي‪ ،)...‬واليكم ما يقوله القرطبي يف (الجامع ألحكام‬ ‫القرآن) نصا‪( :‬ومن ذريته أي ذرية‪ ‬إبراهيم‪ .‬وقيل‪ :‬من‬ ‫ذرية‪ ‬نوح‪ ،‬قاله‪ ‬الفراء‪ ‬واختاره‪ ‬الطربي‪ ‬وغري واحد من املفرسين‬ ‫كالقشريي‪ ‬وابن عطية‪ ‬وغريهام)‪.14‬‬ ‫وهؤالء األنبياء جميعا عليهم السالم وكام يف اآليات‬ ‫الكرمية يف سورة األنعام بغض النظر عن نسبهم‪ /‬قبيلتهم‪/‬‬ ‫‪14- http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.‬‬

‫‪20‬‬


‫عنرصهم‪ /‬مو ّرثاتهم (جيناتهم) هم َمن فضّ لهم الله سبحانه‬ ‫وتعاىل عىل العاملني وليس فقط عىل بني إرسائيل ضمن‬ ‫املفهوم العنرصي اليوم الذي يستند للعرق أو القبيلة أو‬ ‫‪15‬‬ ‫الجنس البرشي املميز‪ ،‬يف سياق أكذوبة شعب الله املختار‪،‬‬ ‫حيث يقول الله تعاىل يف استكامل تعداده لعدد من األنبياء يف‬ ‫ذات السورة الكرمية‪ ،‬وبعد أن يذكر إسامعيل واليسع ويونس‬ ‫ولوط وغريهم من األنبياء عليهم السالم جميعا (وكال فضلنا‬ ‫عىل العاملني) مضيفا أن اجتبائهم وهدايتهم وإتيانهم الكتاب‬ ‫وال ُحكم والنبوة هو مربر التفصيل الرباين‪-‬أي أن الفضل من‬ ‫الله‪ -‬وليس الرتباط ذلك بعرق أو جنس مطلقا‪.‬‬ ‫تفضيل األنبياء‬ ‫يف رسدنا الحايل نرى أن من بني (إرسائيل) ومن غريهم‬ ‫من األقوام والقبائل اختار املوىل عز وجل األنبياء‪ ،‬ففضّ لهم عىل‬ ‫كل يف زمانه وبقعته الجغرافية املحدودة ويف قومه‪،‬‬ ‫العاملني ّ‬ ‫‪ -15‬جاء يف ِسفْر أشعيا (‪( :)6-5/61‬ويقف األجانب‪ ،‬وير َع ْون غنمكم‪،‬‬ ‫الرب‪،‬‬ ‫ويكون بَنو الغريب َح َّراثيكم وكَ ّراميكم‪ .‬أما أنتم فتُدعون كَ َهنة ِّ‬ ‫تأكلون ثروة األمم‪ ،‬وعىل مجدهم تتآمرون)!!‬ ‫خلقت َخلْقاً سوى شعبك املختار؟‬ ‫ائيل ربَّ��ه قائالً‪ :‬مل��اذا‬ ‫سأل إرس ُ‬ ‫َ‬ ‫ومتتصوا دماءهم‪ ،‬وتحرقوا أخرضهم‪ ،‬وتل ّوثوا‬ ‫فأجابه لرتكبوا ظهورهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫طاهرهم‪ ،‬وتهدموا عامرهم‪( {.‬ناهيك عن عديد االشارات العنرصية يف‬ ‫التناخ=التوراة وملحقاتها)‬

‫‪21‬‬


‫ومل يخرت (شعبا) أو (قبيلة) أو (جامعة) أو (عرقا) أو (قومية)‬ ‫محددة أبدا ليخصها بالتميز مبعنى العنرصية الحرصية‪-‬كام‬ ‫يدعي مفرسو التوراة اليوم وبعض من سار عىل دربهم‪ ،-‬ال‬ ‫سيام أن من بني إرسائيل القبيلة من آمن‪ ،‬ومنهم من كفر‬ ‫بنص اآليات الكرمية‪ 16،‬وحقائق التاريخ‪ ،‬وكان اصطفائه لهذا‬ ‫النبي أو ذاك مربر تفضيله‪ ،‬ال لعرقه أو نسبه أو انتامئه‬ ‫العنرصي‪ ،‬فالله خالق الجميع ومشيئته يف الجميع من الناس‬ ‫واحدة‪ ،‬وهو من يهدي أو يضل‪ 17،‬فيفضّ ل أو مييز من يشاء‬ ‫‪﴿ -16‬لعن الله الذين كفروا من بني إرسائيل عىل لسان داود وعيىس ابن‬ ‫مريم مبا عصوا وكانوا يعتدون﴾ (املائدة‪.)78 :‬‬ ‫موقع االلوكة االسالمي‪http://www.alukah.net/Culture :‬‬ ‫‪ .17‬يقول الله تعاىل يف محكم التنزيل يف سورة املائدة‪﴿ :‬إن الذين‬ ‫كفروا لو أن لهم ما يف األرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب‬ ‫يوم القيامة ما تقبل منهم‪ ‬ولهم عذاب أليم‪ ،.﴾)36( ‬ويعرض اإلمام‬ ‫الطربي تفسريه كاالتايل‪( :‬إن الذين جحدوا ربوبية ربهم وعبدوا غريه‪،‬‬ ‫من بني إرسائيل الذين عبدوا العجل‪ ،‬ومن غريهم الذين عبدوا األوثان‬ ‫واألصنام‪ ،‬وهلكوا عىل ذلك قبل التوبة لو أن لهم ملك ما يف األرض‬ ‫كلها وضعفه‪ ‬معه‪ ،‬ليفتدوا به من عقاب الله إياهم عىل تركهم أمره‪،‬‬ ‫وعبادتهم غريه يوم القيامة‪ ،‬فافتدوا بذلك كله‪ ،‬ما تقبل الله منهم ذلك‬ ‫فداء وعوضا من عذابهم وعقابهم‪ ،‬بل هو معذبهم يف حميم يوم القيامة‬ ‫عذابا موجعا لهم‪ ( .‬ص‪ ) 293 :‬‬ ‫وإمنا هذا إعالم من الله جل ثناؤه‪ ‬لليهود‪ ‬الذين كانوا بني ظهراين مهاجر‬ ‫رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ :‬أنهم وغريهم من سائر املرشكني به‪ ،‬سواء‬

‫‪22‬‬


‫ليؤتيه الكتاب والحكم والنبوة أو الخري‪ ،‬أو العذاب أو الجنة‪.‬‬ ‫وهنا لنا أن نتطرق ألكاذيب االنتساب (النسب) يف‬ ‫التناخ (التوراة وملحقاتها)‪ 18‬ما يقول عنها األستاذ الباحث‬ ‫محمود حسن عمر يف موقع (األلوكة)‪( :19‬إن القصاصني‬ ‫التوراتيني يعرضون علينا (أصول إرسائيل كسلسلة من العصور‬ ‫املحددة تحديدا دقيقا فهم يدخلون كل الذكريات والتواريخ‬ ‫عنده فيام لهم من العذاب األليم والعقاب العظيم‪ .‬وذلك أنهم كانوا‬ ‫يقولون‪﴿ :‬لن متسنا النار إال أياما معدودة﴾‪ .‬اغرتارا بالله جل وعز وكذبا‬ ‫عليه‪ .‬فكذبهم تعاىل ذكره بهذه اآلية وبالتي بعدها‪ ،‬وحسم طمعهم‪،‬‬ ‫فقال لهم ولجميع الكفرة به وبرسوله‪﴿ :‬إن الذين كفروا لو أن لهم ما‬ ‫يف األرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل‬ ‫منهم‪ ‬ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجني‬ ‫منها ولهم عذاب مقيم﴾‪( .‬ونقول ويأتيك من أمة املسلمني من يقول‬ ‫نعم إن الله خصهم وأعطاهم (منحهم) لألبد؟! األرض حتى اليوم أهذا‬ ‫يعقل؟! واألرض مبنطوق اآليات ال يرثها اال عباد الله الصالحني)؟‬ ‫‪ -18‬التناخ (‪ )Tanakh‬هو أكرنيم (ت ن خ) (توراه ‪ -Torah‬نڤيئيم‬ ‫‪ -Nevieam‬كتوڤيم‪/‬ختوڤيم ‪ )Ktouvim‬متثل الكتاب املقدس العربي‪،‬‬ ‫أحياناً يسمى التناخ املقرأ (‪.)Miqraa‬‬ ‫ينقسم الكتاب املقدس العربي إىل ثالثة أقسام‪ :‬التوراة – قسم الرشيعة‪،‬‬ ‫األنبياء – القسم املتعلق باألنبياء والكتابات – قسم األدبيات‪.‬‬ ‫‪.http://www.israelinarabic.com‬‬ ‫‪ - 19‬موقع االلوكة اإلسالمي‪:‬‬ ‫‪http://www.alukah.net/Culture‬‬

‫‪23‬‬


‫والخرافات والحكايات واألشعار التي وصلتهم والتي نقلها لنا‬ ‫التاريخ الشفهي ضمن إطار محدد لألنساب والتاريخ‪ ،‬ويتفق‬ ‫معظم املفرسين املحدثني عىل أن هذه الصورة التاريخية‬ ‫ما هي إال صورة وهمية إىل حد كبري) مضيفا (وقد برهنت‬ ‫أعامل (ألربخت آلت‪ ،‬ومارتن نوت) ‪-‬وعىل وجه الخصوص‪-‬‬ ‫أن التقسيم إىل عصور متوالية ‪ -‬اآلباء‪ ،‬السخرة يف مرص‪ ،‬غزو‬ ‫كنعان ‪ -‬هو تقسيم اصطناعي)‪.‬‬ ‫ويقول العامل التورايت األملاين (يوليوس فيلهاوزن) يف‬ ‫هذا الشأن‪( :‬أنه يجب النظر إىل القصص التوراتية كأساطري‬ ‫وطنية ال يزيد أساسها التاريخي عىل األساس التاريخي ألسفار‬ ‫(أوريوس) يف ملحمة هومريوس (أو قصة تأسيس (إينياس)‬ ‫ملدينة روما يف ملحمة (فريجل)‪.20‬‬ ‫وبعودتنا لتفاسري القرآن الكريم نقول‪ :‬إذن إن كان‬ ‫يخص فيه أمة‪ /‬شعب‪ /‬قوم‬ ‫(التفضيل) م ّنة من الله‪ ،‬فهو مل ّ‬ ‫مطلقا لوحدهم‪ ،‬ومل يكن ذا طابع مادي‪ ،‬أو زماين مطلق‬ ‫الزمان‪ ،‬وإمنا ارتبطت (املِ ّنة) بالهدآية والدين والتكليف‬ ‫والعمل واصطفاء الخالق ألشخاص محدودين من بينهم‪ ،‬بينام‬ ‫(االستخالف) ما سنتحدث عنه الحقا مرتبط بالبرش عامة‬ ‫‪ -20‬أ‪.‬د‪ .‬إرسائيل فنكلشتاين‪ ،‬ونيل أرش سيلربمان‪ ،‬التوراة اليهودية‬ ‫مكشوفة عىل حقيقتها‪ ،‬ترجمة سعد رستم‪،‬دار األوائل للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫دمشق‪ 2005 ،‬وذلك ص ‪ 66‬من الكتاب‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫وضمن قواعد ربانية‪.21‬‬ ‫يقول اإلمام إبن كثري كمثال للتفاسري والوعي الحقيقي‬ ‫باملفهوم‪ .‬قال‪( :‬أغري الله أبغيكم إلهاً وهو فضَّ لكم عىل العاملني‪.‬‬ ‫{واملقصود أنهم ‪-‬أي قوم موىس من بني إرسائيل القبيلة اليمنية‬ ‫العربية املنقرضة اليوم‪-‬املؤلف‪-‬كانوا أفضل أمم زمانهم‪ ،‬وإال‬ ‫فهذه األمة ‪-‬أي أمة املسلمني‪ -‬أرشف منهم‪ ،‬وأفضل عند اللّه‪،‬‬ ‫وأكمل رشيعة‪ ،‬وأقوم منهاجاً‪ ،‬وأكرم نبياً‪ ،‬وأعظم ملوكاً‪ ،‬وأغزر‬ ‫أرزاقاً‪ ،‬وأكرث أمواالً وأوالدا ً‪ ،‬وأوسع مملكة وأدوم عزا ً)‪ .‬قال‬ ‫الله تعاىل‪﴿ :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء عىل‬ ‫الناس﴾‪ .‬وقد ذكرنا األحاديث املتواترة يف فضل هذه األمة‬ ‫ورشفها وكرمها عند الله بقوله تعاىل‪﴿ :‬كنتم خري أمة أخرجت‬ ‫‪﴿ -21‬قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾‪.‬‬ ‫*‪.‬يعني بذلك جل ثناؤه‪ :‬قل يا محمد لهؤالء اليهود الذين وصفت قولهم‬ ‫ألوليائهم‪ :‬إن الفضل بيد الله‪ ،‬إن التوفيق لالميان‪ ،‬والهدآية لإلسالم بيد‬ ‫الله‪ ،‬وإليه دونكم ودون سائر خلقه‪( * ،‬يؤتيه من يشاء)* من خلقه‪،‬‬ ‫يعني‪ :‬يعطيه من أراد من عباده تكذيبا من الله عز وجل لهم يف قولهم‬ ‫لتباعهم‪ :‬ال يؤىت أحد مثل ما أوتيتم‪ .‬فقال الله عز وجل لنبيه (ص)‪ :‬قل‬ ‫لهم‪ :‬ليس ذلك إليكم‪ ،‬إمنا هو إىل الله الذي بيده األشياء كلها‪ ،‬وإليه‬ ‫الفضل‪ ،‬وبيده يعطيه من يشاء‪( * .‬والله واسع عليم)* يعني‪ :‬والله ذو‬ ‫سعة بفضله عىل من يشاء أن يتفضل عليه عليم ذو علم مبن هو منهم‬ ‫للفضل أهل‪( .‬يراجع ابن جرير الطربي الجزء‪ 3‬ص‪)429‬‬

‫‪25‬‬


‫للناس﴾‪.22.‬‬ ‫يستغل اليهود (أي أتباع الديانة اليهودية بالعامل وخاصة‬ ‫من الكهنة واملتعصبني‪ ،‬والسياسيني املتطرفني) الصورة املشوهة‬ ‫واملح ّرفة بأيديهم يف التناخ (التوراة وملحقاتها) إلعطاء انعكاس‬ ‫لها يف القرآن الكريم الذي طاملا حذّر من أنهم (يحرفون الكلم‬ ‫عن مواضعه)‪ 23‬مشريا لرضورة التدقيق فيام يقولون أو يكتبون‪،‬‬ ‫وعليه ينسبون ألنفسهم دون وجه حق األفضلية واالختيار بل‬ ‫االنتساب لبني إرسائيل‪ ،‬بل و(امل ُلك) لهم جميعا دون غريهم‪،‬‬ ‫ويحاولون تطويع كالم الله يف ذلك ما قد يظنه العامة صحيحا‬ ‫وس‬ ‫وهم مخطئون من منطوق اآلية الكرمية‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ ق َ​َال ُم ىَ ٰ‬ ‫لِ َق ْو ِم ِه يَا قَ ْو ِم ا ْذكُ ُروا نِ ْع َم َة اللَّ ِه َعلَ ْي ُك ْم إِ ْذ َج َع َل ِفي ُك ْم أَن ِب َيا َء‬ ‫َو َج َعلَكُم ُّملُوكًا َوآت َاكُم َّما لَ ْم يُ ْؤ ِت أَ َح ًدا ِّم َن الْ َعالَ ِم َني (‪.﴾)20‬‬ ‫‪ -22‬من تفسري اإلمام ابن كثري الصفحة‪.http://www.alro7.net/ayaq :‬‬ ‫‪﴿ -23‬فَ ِبماَ نَق ِْضهِم ِّميثَاقَ ُه ْم لَ َع َّنا ُه ْم َو َج َعلْ َنا قُلُوبَ ُه ْم ق َِاس َي ًة يُ َح ِّرفُو َن ال َكلِ َم‬ ‫َعن َّم َو ِاض ِع ِه َون َُسوا َحظاًّ مِّماَّ ُذكِّ ُروا ِب ِه َوالَ ت َ َز ُال تَطَّلِ ُع َعلىَ خَائِ َن ٍة ِّم ْن ُه ْم إِالَّ‬ ‫قَلِيالً ِّم ْن ُه ْم‪( ﴾..‬املائدة‪ .)13 :‬وخص بعضهم ﴿ ِم َن ال َِّذي َن َهادُوا يُ َح ِّرفُو َن‬ ‫الْ َكلِ َم َع ْن َم َو ِاض ِع ِه ﴾ (النساء‪ .)46 :‬وهم الكهنة املزورون حتام ممن كتبوا‬ ‫التوراة املزورة واملؤسطرة‪ ،‬ومن سار عىل دربهم كام يثبت العلامء اليوم‬ ‫عدم صحة ما تتضمنه من وقائع جغرافية أو تاريخية مبا تحويه التوراة‬ ‫عىل املبالغات واألحالم والتمنيات واألشعار واإلدخاالت املقصودة‪ ،‬التي‬ ‫أدرجت يف سياق النص املقدس (أنظر علامء اآلثار اإلرسائيليني أنفسهم‬ ‫أمثال د‪.‬إرسائيل فنكلستاين ونيل أرش سبيلربغ‪ ،‬وزئيف هرتزوغ‪ ...‬كمثال)‬

‫‪26‬‬


‫سورة املائدة‪.‬‬ ‫(وجعلكم ملوكا)‬ ‫حيث يقول ابن عباس يف تفسري اآلية (وجعلكم ملوكا)‬ ‫أي (الخادم واملرأة والبيت) مضيفا (كان الرجل من بني‬ ‫إرسائيل اذا كان له الزوجة والخادم والدار سمي ملكا)‪ ،‬وكذلك‬ ‫قال الحسن البرصي والثوري والكثري غريهم (يراجع تفسري ابن‬ ‫كثري)‪.‬‬ ‫أما الشيخ رشيد رضا مع الشيخ محمد عبده يف تفسري‬ ‫(املنار) الذي فسرّ ا فيه القرآن الكريم فيقول يف اآلية السابقة‬ ‫(إن من يفهم اللغة العربية حق الفهم يجزم بأنه ليس املراد‬ ‫انه جعل أولئك املخاطبني رؤساء لألمم والشعوب يسوسونها‬ ‫ويحكمون بينها‪ ،‬وال أنه جعل بعضهم ملوكا ألنه قال (وجعلكم‬ ‫ملوكا) ومل يقل‪ :‬وجعل فيكم ملوكا‪ ،‬كام قال‪( :‬جعل فيكم‬ ‫أنبياء) فظاهر هذه العبارة أنهم كلهم صاروا ملوكا (!؟)‪ ،‬وإن‬ ‫أريد بـ (كل) املجموع ال الجميع‪ ،‬أي أن معظم رجال الشعب‬ ‫صاروا ملوكا‪ ،‬بعد أن كانوا عبيدا‪ ،‬بل معنى امللك هنا ال ُح ّر‪،‬‬ ‫امللك‪ /‬املالك لنفسه وتدبري أمر أهله‪ ،‬فهوا تعظيم لنعمة‬ ‫الحرية واالستقالل بعد ذلك الرق واالستعباد)‪.‬‬ ‫بل ويضيف الشيخ رضا يف روآية أخرى (أن املراد‬

‫‪27‬‬


‫بامللك هنا‪ :‬االستقالل الذايت‪ ،‬والتمتع بنحو ما يتمتع به امللوك‬ ‫من الراحة والحرية يف الترصف وسياسة البيوت‪ ،‬وهو مجاز‬ ‫تستعمله العرب إىل اليوم يف جميع ما عرفنا من بالدهم‪،‬‬ ‫يقولون ملن كان مهنئا يف معيشته‪ ،‬مالكا ملسكنه‪ ،‬مخدوما مع‬ ‫أهله‪ ،‬فالن َملِك‪ ،‬أو ملك زمانه)‪.‬‬ ‫واليكم الرأي الثالث أيضا كام أورده حيث (ذهب بعض‬ ‫املفرسين إىل أن املعنى أنه جعلهم ملوكا بالقوة واالستعداد‬ ‫مبا آتاهم (ص‪ )268 ‬من الحرية واالستقالل ورشيعة التوراة‬ ‫العادلة التي يرتقون بها يف مراقي االجتامع‪ ،‬وهو بشارة بأنه‬ ‫سيكون منهم ملوك بالفعل‪ ،‬ألن ما استعدت له األمة من ذلك‬ ‫يف مجموعها ال بد أن يظهر أثره بعد ذلك يف بعض أفرادها‪،‬‬ ‫وهذا املعنى ال يعارض ما قبله‪ ،‬بل يجامعه ويتفق معه‪ ،‬فإن‬ ‫تلك املعيشة املنزلية الراضية هي األصل يف االستعداد لهذه‬ ‫العيشة الثانية‪ ،‬عيشة امللك والسلطة‪ ،‬فإن الشعوب التي يفسد‬ ‫فيها نظام‪ ‬املعيشة املنزلية ال تكون أمام عزيزة قوية؛ فهي إذا‬ ‫كان لها ملك تضيعه‪ ،‬فكيف تكون أهال لتأسيس ملك‪ ‬جديد؟!‬ ‫فليعترب املسلمون بهذا‪ ،‬ولينظروا أين هم من العيشة األهلية‬ ‫التي وصفناها)‪ .‬ثم يضيف يف تكملة اآلية (أما) إيتاؤهم ما مل‬ ‫يؤت أحد من العاملني‪( ،‬أي عاملي زمانهم وشعوبه التي كانت‬ ‫مستعبدة للملوك العتاة الطغاة‪ ،‬كالقبط والبابليني)‪.‬‬ ‫إذن ال مربر أبدا لالستشهاد باآلية الكرمية أو ّيل عنق‬

‫‪28‬‬


‫الكلامت‪ ،‬إلعطاء داللة عنرصية تشري لتفوق بنى إرسائيل‬ ‫(القبيلة اليمنية العربية القدمية التي زالت‪ ،‬كام زال قوم عاد‬ ‫ومثود ونوح‪...‬الخ) واختيارهم عىل غريهم كجنس أو قبيلة أو‬ ‫مجموعة من الناس كملوك يحكمون ويسوسون ويتسلطنون‪،‬‬ ‫عدا عن أن (اليهودية) كديانة أشار لها القرآن الكريم‪ -‬مبا‬ ‫ح ّرفوه وأسطروه وز ّوروه‪ -‬هي ديانة ال متت بصلة هي أو‬ ‫املنتمني لها الحقا لديانة قوم إرسائيل النبي‪ ،‬التي كانت قطعا‬ ‫هي ديانة اإلسالم‪ ،‬وهي ديانة كل األنبياء منذ آدم عليه السالم‬ ‫حتى اكتامل الدين عىل يد محمد صىل الله عليه وسلم‪ ،‬كام‬ ‫أن اليهودية دين وليست قومية مطلقا‪ ،‬وان ارتبطت كديانة‬ ‫ُمح ّرفة عن انشقاق مملكة‪ /‬إمارة يهوذا (وأحيانا ينسب علامء‬ ‫آخرون قوم اليهود اىل النبي هود حيث حصل التحريف منهم)‬ ‫فال صحة يف االنتساب ال ِعرقي لبني إرسائيل (يراجع املفكر‬ ‫العريب فاضل الربيعي يف مقال حول (يهودية الدولة)‪ :‬هل‬ ‫كانت إرسائيل يف املايض دولة يهودية؟)‪.24‬‬ ‫‪ -24‬يقول املفكر العريب فاضل الربيعي يف هذا املقام (اليهودية دين عريب‬ ‫قديم‪ .‬وبكل يقني‪ ،‬فهذا الدين مل يظهر يف اسكتلندا أو املكسيك‪ ،‬وموىس‬ ‫النبي ليس أمريا ً دامناركيا‪ ،‬وداود امللك ليس نبيالً من نبالء بريطانيا‪ .‬وألنها‬ ‫ّ‬ ‫دين عريب قديم؛ فإن الجامعات التي اعتنقت اليهودية قبل ‪ 2000‬عام‪،‬‬ ‫مل تكن بكل تأكيد قبائل جرمانية أو من قبائل الفايكنغ؛ بل كانت قبائل‬ ‫عربية‪ .‬وهذا يعني أن يهود األمس البعيد الذين استوطنوا يف جنوب‬ ‫الشام (فلسطني) كانوا قبائل عربية يهودية‪ ،‬ومل يكونوا مهاجرين جلبتهم‬

‫‪29‬‬


‫ويف ذات السياق الواضح الداللة تفهم اآلية الكرمية‬ ‫مبنطق (التفضيل) كام أوردنا بوضوح ولتلك الفرتة الزمنية‬ ‫الغابرة املحددة‪ ،‬وعليه يقول الله تعاىل يف سورة الجاثية‪16 :‬‬ ‫﴿ولقد آتينا بني إرسائيل الكتاب والحكم والنبوة‪ ،‬ورزقناهم‬ ‫من الطيبات وفضلناهم عىل العاملني﴾‪.‬‬ ‫يقول د‪ .‬محمد بن عدنان السامن املدير التنفيذي‬ ‫لشبكة ملتقى أهل الحديث ﴿ َذلِ َك فَضْ ل اللَّه يُ ْؤتِيه َم ْن‬ ‫يَشَ اء﴾‪ .‬ق َ​َال‪ :‬الْفَضْ ل‪ :‬ال ِّدين ﴿ َوا َللَّه ذُو الْفَضْ ل الْ َع ِظيم﴾‪.‬‬ ‫يَقُول‪ :‬اللَّه ذُو الْفَضْ ل َعلىَ ِع َباده‪ ،‬الْ ُم ْح ِسن ِم ْن ُه ْم َوالْ ُمسيِ ء‪،‬‬ ‫َواَل َِّذي َن بُ ِعثَ ِفي ِه ْم ال َّر ُسول ِم ْن ُه ْم َو َغيرْ ه ْم‪ ،‬الْ َع ِظيم ال َِّذي يَ ِق ّل‬ ‫فَضْ ل ك ُّل ِذي فَضْ ل ِع ْنده)‪.‬‬

‫الوكالة الصهيونية يف السفن‪ ).‬مضيفا (يف هذا السياق وحده‪ ،‬يتوجب‬ ‫إسقاط أي ادعاء زائف بوجود قرابة دم بني يهودي فرنيس أو أمرييك‪،‬‬ ‫وبني بني إرسائيل‪ ،‬فهذا شبيه بإدعاء املسيحيني يف الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية بأنهم يتحدّرون من ساللة اليعاقبة العرب يف بالد الشام‪ ،‬كام‬ ‫ميكن ألي مسلم صيني أن يدعي وجود قرابة دم بنبي اإلسالم أو الخلفاء‬ ‫الراشدين؟) (ويف مؤلف اليهودي الهنغاري أرثر كوستلر واإلرسائييل‬ ‫شلومو ساند ما يؤكد تاريخيا وعلميا أن يهود الخزر هم يهود اليوم مع‬ ‫قلّة من الفرس والعرب والرتك)‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫الله جل وعال َمن يتفضل‬ ‫ويقول سلامن بن فهد العودة‪ 25‬يف (الفضل)‪( :‬فهو‬ ‫سبحانه كل خري ناله عباده يف دينهم ودنياهم؛ فإنه من عنده‬ ‫ابتدا ًء وتفضلاً عليهم من غري استحقاق منهم ذلك عليه‪.‬وقوله‪:‬‬ ‫﴿ َوالل ُه يَ ْختَ ُّص ِب َر ْح َم ِت ِه َم ْن يَشَ ا ُء َوالل ُه ذُو الفَضْ لِ ال َع ِظيمِ ﴾‪.‬‬ ‫البقرة‪ .105 :‬تعريف من الله تعاىل ذكره بأهل الكتاب أن الذي‬ ‫آىت نبيه محم ًدا صىل الله عليه وسلم واملؤمنني من الهدآية‬ ‫تفضلاً منه وأن نعمه ال تدرك باألماين‪ ،‬ولكنها مواهب يختص‬ ‫بها من يشاء من خلقه‪.‬وإفضال الله عز وجل أفضل من إفضال‬ ‫غريه لوجوه‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن كل ما سوى الله ال يتفضل وال يحسن إال إذا‬ ‫حصلت يف قلبه داعية اإلفضال واإلحسان‪ ,‬وتلك الداعية حادثة‬ ‫فال تحصل إال بتخليق الله تعاىل‪ ،‬وبهذا ينكشف أن املتفضل‬ ‫عىل الحقيقة ليس إال الله الذي خلق تلك الداعية املوجبة‬ ‫لهذا الفعل‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن كل من تفضل يطلب أو يستفيد نو ًعا من‬ ‫أنواع الكامل وعوضً ا عن تفضله‪ ،‬إما مالاً أو ثنا ًء أو غريه‪ ،‬وهو‬ ‫سبحانه يتفضل ال عن عوض ألنه كامل الذات‪.‬‬ ‫‪ -25‬سلامن بن فهد بن عبد الله العودة (‪ 14‬ديسمرب ‪ ،)- 1956‬داعية‬ ‫إسالمي‪ ،‬وعامل دين‪ ،‬ومفكر سعودي‪ ،‬ومقدم برامج رائية=تلفزية‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫الثالث‪ :‬أن كل من تفضل عىل غريه فاملتفضل عليه‬ ‫يكون ممنونًا عليه من املتفضل‪ ،‬وهذا منفر‪ ،‬والله سبحانه‬ ‫هو املوجد الخالق للخلق فال يستنكف أحد من قبول فضله‬ ‫وإحسانه‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬أن امل ُتفَضَّ ل عليه ال ينتفع بفضل غريه من الخلق‬ ‫إال إذا حصلت له حواس يدرك بها ذلك الفضل وينتفع به‪،‬‬ ‫والخالق هو الله؛ فصح بذلك أنه املتفضل ال سواه‪ .‬وهو‬ ‫سبحانه ذو الفضل فال مينعه مانع من إيصال بره وفضله ملن‬ ‫أراد من مخلوقاته‪َ ﴿ :‬وإِ ْن يُ ِر ْد َك ِب َخيرْ ٍ فَلاَ َرا َّد لِفَضْ لِ ِه﴾‪ .‬يونس‪:‬‬ ‫‪﴿ ،)107‬إِ َّن الفَضْ َل ِب َي ِد الل ِه يُ ْؤتِي ِه َم ْن يَشَ ا ُء﴾‪ .‬آل عمران‪،73 :‬‬ ‫اب أَلاَّ يَق ِْد ُرو َن َعلىَ شيَ ْ ٍء ِم ْن فَضْ لِ الل ِه‬ ‫﴿لِئَلاَّ يَ ْعلَ َم أَ ْه ُل ال ِكتَ ِ‬ ‫َوأَ َّن الفَضْ َل ِب َي ِد الل ِه يُ ْؤتِي ِه َم ْن يَشَ ا ُء َوالل ُه ذُو الفَضْ لِ ال َع ِظيمِ ﴾‪.‬‬ ‫الحديد‪.29 :‬‬ ‫بل ونضيف نحن مام يقوله الله سبحانه وتعاىل عن‬ ‫اليهود‪( :‬وليس بني إرسائيل حيث ال صلة بينهام كديانة أونسل‬ ‫واضح)‪َ ﴿ ،‬وقَال َِت الْ َي ُهو ُد َوال َّن َصا َرى نَ ْح ُن أَبْ َنا ُء اللَّ ِه َوأَ ِح َّباؤُهُ ق ُْل‬ ‫فَلِ َم يُ َع ِّذبُ ُك ْم ِب ُذنُو ِب ُك ْم بَ ْل أَنْتُ ْم بَشرَ ٌ ِم َّم ْن َخل َ​َق يَ ْغ ِف ُر لِ َم ْن يَشَ ا ُء‬ ‫َويُ َعذ ُِّب َم ْن يَشَ ا ُء َولِلَّ ِه ُمل ُْك السَّماَ َو ِ‬ ‫ات َوالأْ َ ْر ِض َو َما بَيْ َنهُماَ‬ ‫َوإِلَيْ ِه الْ َم ِص ُري﴾‪ .‬املائدة‪ .18 :‬الحظوا القول املحكم‪﴿ :‬بل أنتم‬ ‫برش ممن خلق﴾‪ .‬فال متييز مطلقا‪ ،‬وال شعب الله املختار يتم‬ ‫وعده بوعد قاطع مانع لألبد كام تدعي التوراة والتناخ‪ ،‬وال‬

‫‪32‬‬


‫تفضيل مبعنى العنرصية مطلقا‪ ،‬سبحان الله‪ ،‬وحاشاه‪.‬‬ ‫اب َمن يَ ْع َم ْل ُسو ًءا‬ ‫﴿لَّ ْي َس ِبأَ َمانِ ِّي ُك ْم َولاَ أَ َمانيِ ِّ أَ ْهلِ الْ ِكتَ ِ‬ ‫يُ ْج َز ِب ِه َولاَ يَ ِج ْد لَ ُه ِمن ُدونِ اللَّ ِه َولِ ًّيا َولاَ ن َِص ًريا‪ .﴾)123( ‬سورة‬ ‫النساء‪.‬‬ ‫أئمة أم سالطني‬ ‫أما جعلهم أمئة فليست مبعنى امللكية واإلمارة والسلطان‬ ‫الزمني أبدا‪ ،‬وإمنا ملن يفهم اللغة العربية فهي مبعنى جعلهم‬ ‫قدوة ومبعنى جعلهم يف مقام الصالح والهادين للناس‪ ،‬حيث‬ ‫يقول ابن كثري يف تفسريه‪َ ﴿ :‬و َج َعلْ َنا ِم ْن ُه ْم أَئمِ َّ ًة يَ ْه ُدو َن ِبأَ ْم ِرنَا‬ ‫لَماَّ َصبرَ ُوا َوكَانُوا بِآيَاتِ َنا يُو ِق ُنو َن (‪.﴾)24‬سورة السجدة‪ .‬أي ملا‬ ‫كانوا صابرين عىل أوامر اللّه‪ ،‬وترك زواجره‪ ،‬وتصديق رسله‪،‬‬ ‫واتباعهم فيام جاؤوهم به‪ ،‬كان منهم أمئة يهدون إىل الحق‬ ‫بأمر اللّه‪ ،‬ويدعون إىل الخري ويأمرون باملعروف وينهون عن‬ ‫املنكر‪ ،‬ثم ملا ب ّدلوا وح ّرفوا سلبوا ذلك املقام‪ ،‬وصارت قلوبهم‬ ‫قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه‪ ،‬فال عمل صالحاً وال اعتقادا ً‬ ‫صحيحاً)‪ ،‬وقال كذلك القرطبي والطربي‪﴿ :‬أَنَّ ُه َج َع َل ِم ْن ُه ْم قَا َدة‬ ‫فيِ الْ َخيرْ ‪ ،‬يُ ْؤتَ ّم ِب ِه ْم‪َ ،‬ويُ ْهتَ َدى ِب َه ْد ِيهِم (‪ .﴾)24‬سورة السجدة‪.‬‬ ‫وقال الشيخ محمد متويل الشعراوي (أمئة‪ :‬ليس املقصود‬ ‫باإلمامة هنا السلطة الزمنية من باطنهم‪ ،‬إمنا إمامة القدوة‬ ‫بأمر الله؛ لذلك قال سبحانه‪﴿ :‬يَ ْه ُدو َن ِبأَ ْم ِرنَا‪ .﴾..‬السجدة‪،24 :‬‬

‫‪33‬‬


‫فهم ال يصدرون يف يشء إال عىل هدى من الله‪.‬‬ ‫ويف سورة األنبياء قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َج َعلْ َنا ِم ْن ُه ْم أَئمِ َّ ًة يَ ْه ُدو َن‬ ‫ِبأَ ْم ِرنَا لَماَّ َصبرَ ُوا َوكَانُوا بِآيَاتِ َنا يُو ِق ُنو َن (‪ .﴾)24‬سورة السجدة‪.‬‬ ‫واإليقان‪ :‬هو اإلميان الذي ال يتزعزع‪ ،‬وال يطفو إىل العقل‬ ‫ليبحث من جديد‪ ،‬يعني‪ :‬أصبحت مسألة ُمسلَّامً بها‪ ،‬مستقرة‬ ‫يف النفس‪.26‬‬ ‫(يحرّفون َ‬ ‫الكلِم عن مواضعه)‬ ‫وقبل أن نستطرد يف الرشح من الجدير التعرض لنقض‬ ‫املرويات اإلرسائيلية التي تتخلل ذات التفاسري اإلسالمية للقرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬والتي يتم تناقلها عن التناخ (التوراة وملحقاتها) رغم‬ ‫التحذير اإللهي الواضح والشديد من عدم األخذ بروايات‬ ‫اليهود‪ ،‬وقبل أن نستطرد فمن املعلوم أنه زمن الرسول صىل‬ ‫الله عليه وسلم كانت القبائل العربية التي تدين بالديانة‬ ‫اليهودية (اليهود) ليس من بينها قبيلة بني إرسائيل‪ ،‬بل هي‬ ‫قبائل مثل بني قريظة وبني النضري وبني قينقاع يف املدينة‬ ‫املنورة‪ ،‬وغريهم أمثال بني املصطلق وهكذا‪.‬‬ ‫واليكم ما يقوله املفرسون املسلمون يف اآلية الكرمية‪:‬‬ ‫‪ -26‬المكانية الرجوع ملن يرغب لتفسري اإلمامة هنا يف التفاسري املختلفة‬ ‫عىل الرابط ‪http://www.alro7.net‬‬

‫‪34‬‬


‫﴿ ِّم َن ال َِّذي َن َها ُدوا يُ َح ِّرفُو َن الْ َكلِ َم َعن َّم َو ِاض ِع ِه َويَقُولُو َن َس ِم ْع َنا‬ ‫َو َع َصيْ َنا َو ْاس َم ْع َغيرْ َ ُم ْس َمعٍ َو َرا ِع َنا لَيًّا ِبأَل ِْس َن ِت ِه ْم َوطَ ْع ًنا فيِ الدِّينِ‬ ‫َولَ ْو أَنَّ ُه ْم قَالُوا َس ِم ْع َنا َوأَطَ ْع َنا َو ْاس َم ْع َوانظُ ْرنَا لَكَا َن َخيرْ ًا لَّ ُه ْم‬ ‫َوأَقْ َو َم َولَٰ ِكن لَّ َع َن ُه ُم اللَّ ُه ِب ُك ْف ِر ِه ْم فَلاَ يُ ْؤ ِم ُنو َن إِلاَّ قَلِيلاً (‪.﴾)46‬‬ ‫سورة النساء‪.‬‬ ‫ففي تفسري ابن كثري يقول نصا‪( :‬يخرب تعاىل عن اليهود‬ ‫عليهم لعائن اللّه املتتابعة إىل يوم القيامة‪ ،‬أنهم يشرتون‬ ‫الضاللة بالهدى‪ ،‬ويعرضون عام أنزل اللّه عىل رسوله‪ ،‬ويرتكون‬ ‫ما بأيديهم من العلم عن األنبياء األولني يف صفة محمد صىل‬ ‫اللّه عليه وسلم ليشرتوا به مثناً قليالً من حطام الدنيا ﴿ويريدون‬ ‫أن تضلوا السبيل﴾‪ .‬أي يودون لو تكفرون مبا أنزل عليكم أيها‬ ‫املؤمنون‪ ،‬وترتكون ما أنتم عليه من الهدى والعلم ﴿النافع واللّه‬ ‫أعلم بأعدائكم﴾‪ .‬أي‪ :‬هو أعلم بهم ويحذركم منهم‪﴿ ،‬وكفى‬ ‫باللّه وليا وكفى باللّه نصريا﴾‪ .‬أي‪ :‬كفى به ولياً ملن لجأ إليه‬ ‫نصريا ً ملن استنرصه‪.‬‬ ‫ثم قال تعاىل‪﴿ :‬من الذين هادوا﴾‪ .‬من يف هذا لبيان‬ ‫الجنس كقوله‪﴿ :‬فاجتنبوا الرجس من األوثان﴾‪ ،.‬وقوله‪﴿ :‬يحرفون‬ ‫الكلم عن مواضعه﴾‪ .‬أي‪ :‬يتأولونه عىل غري تأويله‪ ،‬ويفرسونه بغري‬ ‫وجل قصدا ً منهم وافرتاء‪﴿ ،‬ويقولون سمعنا﴾‪ .‬أي‪:‬‬ ‫مراد اللّه ع َّز َّ‬ ‫سمعنا ما قلته يا محمد‪ ،‬وال نطيعك فيه‪ ...‬هكذا فرسه مجاهد‬ ‫وهو املراد‪ ،‬وهذا أبلغ يف كفرهم وعنادهم‪ ،‬وأنهم يتولون عن‬

‫‪35‬‬


‫كتاب اللّه بعدما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم يف ذلك من اإلثم‬ ‫والعقوبة‪ .‬وقولهم‪﴿ :‬واسمع غري مسمع﴾‪ .‬أي‪ :‬اسمع ما نقول‬ ‫ال سمعت‪ ،‬رواه ابن عباس‪ ،‬وقال مجاهد والحسن‪ :‬واسمع غري‬ ‫مقبول منك‪ ،‬قال ابن جرير‪ :‬واألول أصح وهو كام قال‪ ،‬وهذا‬ ‫استهزاء منهم واستهتار‪ ،‬عليهم لعنة اللّه ﴿وراعنا ل َّيا بألسنتهم‬ ‫وطعناً يف الدين﴾‪ .‬أي‪ :‬يوهمون أنهم يقولون راعنا سمعك بقولهم‬ ‫راعنا‪ ،‬وإمنا يريدون الرعونة بسبهم النبي‪ ،‬وقد تقدم الكالم عىل‬ ‫هذا عند قوله‪﴿ :‬يا أيها الذين آمنوا ال تقولوا راعنا وقوال انظرنا﴾‪،.‬‬ ‫ولهذا قال تعاىل عن هؤالء اليهود الذين يريدون بكالمهم خالف‬ ‫ما يظهرونه‪ { :‬ليَّا بألسنتهم وطعناً يف الدين﴾‪ .‬يعني‪ :‬بسبهم‬ ‫النبي صىل اللّه عليه وسلم‪ ،‬ثم قال تعاىل‪﴿ :‬ولو أنهم قالوا سمعنا‬ ‫وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خريا لهم وأقوم ولكن لعنهم اللّه‬ ‫بكفرهم فال يؤمنون إال قليالً﴾‪ .‬أي‪ :‬قلوبهم مطرودة عن الخري‬ ‫مبعدة منه فال يدخلها من اإلميان يشء نافع لهم‪ ،‬وقد تقدم‬ ‫الكالم عىل قوله تعاىل‪﴿ :‬فقليالً ما يؤمنون﴾‪ ،.‬واملقصود أنهم‬ ‫ال يؤمنون إمياناً نافعاً)‪.‬‬ ‫وهل يف ذلك سواء من اآلية الكرمية واآليات غريها ومن‬ ‫هذا التفسري وغريه داللة عىل رضورة حذف أو تنقية مرويّاتنا‬ ‫وتاريخنا وتفاسرينا وأحاديثنا من دسائس وافرتاءات وتحريفات‬ ‫كهنة اليهود التي قلبت الحقائق والتاريخ رأسا عىل عقب منذ‬ ‫مئات السنني وما زال نفس املنهج للكهنة حتى اليوم‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫ويف تفسري القرطبي يقول‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬أمل تر إىل الذين‬ ‫أوتوا نصيبا من الكتاب﴾‪ .‬إىل قوله تعاىل‪﴿ :‬فمنهم من آمن‬ ‫به ومنهم من ص ّد عنه﴾‪ .‬اآلية‪ .‬نزلت يف يهود املدينة وما‬ ‫واالها‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬وكان رفاعة بن زيد بن التابوت من‬ ‫عظامء يهود‪ ،‬إذا كلم رسول الله صىل الله عليه وسلم لوى‬ ‫لسانه وقال‪ :‬أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك؛ ثم طعن يف‬ ‫اإلسالم وعابه فأنزل الله عز وجل‪﴿ :‬أمل تر إىل الذين أوتوا نصيبا‬ ‫من الكتاب﴾‪ .‬إىل قوله {قليال}‪ .‬ومعنى {يشرتون} يستبدلون ويف‬ ‫الكالم حذف تقديره يشرتون الضاللة بالهدى؛ كام قال تعاىل‪﴿ :‬‬ ‫أولئك الذين اشرتوا الضاللة بالهدى﴾‪ .‬سورة البقرة‪.16 :‬‬ ‫ويضيف القرطبي‪{( :‬يحرفون} يتأولونه عىل غري تأويله‪.‬‬ ‫وذمهم الله تعاىل بذلك ألنهم يفعلونه متعمدين‪ .‬وقيل {عن‬ ‫مواضعه} يعني صفة النبي صىل الله عليه وسلم‪{ .‬ويقولون‬ ‫سمعنا وعصينا} أي سمعنا قولك وعصينا أمرك‪{ .‬واسمع غري‬ ‫مسمع} قال ابن عباس‪ :‬كانوا يقولون النبي صىل الله عليه‬ ‫وسلم‪ :‬اسمع ال سمعت‪ ،‬هذا مرادهم ‪-‬لعنهم الله‪ -‬وهم‬ ‫يظهرون أنهم يريدون اسمع غري مسمع مكروها وال أذى‪.‬‬ ‫ومعنى {ليا بألسنتهم} أي يلوون ألسنتهم عن الحق أي‬ ‫مييلونها إىل ما يف قلوبهم‪.‬‬ ‫أما الشيخ الشعراوي فيقول قوال قويا واضح الداللة يف‬ ‫تأمالته القرآنية ما يجب أن نستفيد منه يف نقض مرويات كهنة‬

‫‪37‬‬


‫اليهود‪ ،‬خاصة فيام نعالجه يف مبحثنا هذا الذي يتعرض لقضايا‬ ‫جغرافية تاريخية ز ّورها الكهنة وكَتَبة التوراة وأخذناها عنهم‬ ‫رغم علمنا مبا حذر منه كتاب الله؟ أم كان يجب أن يأيت علامء‬ ‫اآلثار من اليهود املنصفني اليوم ليفتحوا أعيننا مع عدد العلامء‬ ‫العرب اىل أن كثري مام نظنه حقائق (استنادا لتفسريات مردها‬ ‫التوراة أقحمت إقحاما يف تاريخنا وكتب تراثنا) هي أوهام‬ ‫وافرتاءات وأكاذيب بل وأساطري ال ح ّظ لها من الحقيقة كام‬ ‫قال عنها (أو عن كثري من أسفارها) علامء اآلثار اإلرسائيليني‬ ‫أنفسهم أمثال زئيف هرتزوغ وإرسائيل فنكلستاين ونيل أرش‬ ‫‪27‬‬ ‫سيلربمان ومائري ومائري بن دوف‪ ،‬وعامل التاريخ شلومو ساند؟‬ ‫عموما أنظروا ملا يقوله شيخنا الجليل محمد متويل‬ ‫الشعراوي يف سياق التدبر والتحذير‪( :‬ويف اآلية التي نحن‬ ‫بصدد خواطرنا عنها يقول سبحانه‪﴿ :‬يُ َح ِّرفُو َن ٱلْ َكلِ َم ِمن بَ ْع ِد‬ ‫َم َو ِاض ِع ِه﴾‪ ،.‬فكأن املسألة لها أصل عندهم‪ ،‬فالكالم املنزل من‬ ‫الله وضع ‪ -‬أوال ‪ -‬وضعه الحقيقي ثم أزالوه وب َّدلوه ووضعوا‬ ‫مكانه كالما غريه مثل تحريفهم الرجم بوضعهم الحد مكانه‪ .‬أما‬ ‫قوله‪ِ ﴿ :‬من بَ ْع ِد َم َو ِاض ِع ِه﴾‪ .‬فتفيد أنهم رفعوا الكالم املقدس‬ ‫‪ -27‬من املمكن الرجوع لكتاب فنكلستاين وسبيلربغ معا حول (التوراة‬ ‫مكشوفة عىل حقيقتها)‪ ،‬وكتاب شلومو ساند (اخرتاع الشعب اليهودي)‬ ‫وكتاب (أسطورة أرض إرسائيل) الذي يشري أن أرض إرسائيل مصطلح‬ ‫مختلق كام (الشعب) باألدلة الدقيقة‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫من موضعه الحق ووضعوه موضع الباطل‪ ،‬بالتأويل والتحريف‬ ‫حسب أهوائهم مبا اقتضته شهواتهم‪ ،‬فكأنه كانت له مواضع‪.‬‬ ‫وهو جدير بها‪ ،‬فحني حرفوه تركوه كالغريب املنقطع الذي‬ ‫ال موضع له‪ ،‬فمرة يبدلون كالم الله بكالم من عندهم‪ ،‬ومرة‬ ‫أخرى يحرفون كالم الله بتأويله حسب أهوائهم)‪ .‬وهل من‬ ‫أبلغ من هذا التأمل أو التفسري لآليات البينات الواضحات‪.‬‬ ‫ونعود لنكمل‪.‬‬ ‫وانتصب الرازي لهذه املسألة فقال يف تفسريه لسورة‬ ‫النساء آية ‪( :46‬املسألة الرابعة‪ :‬ذكر الله تعاىل ههنا‪َ :‬عن‬ ‫مواضعه ويف املائدة ِمن بَ ْع ِد مواضعه‪ ،‬املائدة‪ .41 :‬والفرق أنا‬ ‫إذا فرسنا التحريف بالتأويالت الباطلة‪ ،‬فههنا قوله‪ :‬يُ َح ّرفُو َن‬ ‫الكلم َعن مواضعه معناه‪ :‬أنهم يذكرون التأويالت الفاسدة‬ ‫لتلك النصوص‪ ،‬فههنا قوله‪﴿ :‬يُ َح ّرفُو َن الكلم َعن مواضعه﴾‪.‬‬ ‫معناه‪ :‬أنهم يذكرون التأويالت الفاسدة لتلك النصوص‪ ،‬وليس‬ ‫فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب‪ .‬وأما اآلية‬ ‫املذكورة يف سورة املائدة‪ ،‬فهي دالة عىل أنهم جمعوا بني‬ ‫األمرين‪ ،‬فكانوا يذكرون التأويالت الفاسدة‪ ،‬وكانوا يخرجون‬ ‫اللفظ أيضا من الكتاب‪ ،‬فقوله‪ :‬يُ َح ّرفُو َن الكلم إشارة إىل‬ ‫التأويل الباطل وقوله‪ِ :‬من بَ ْع ِد مواضعه إشارة إىل إخراجه عن‬ ‫الكتاب) منقول من املوسوعة الشاملة‪.28‬‬ ‫‪ -28‬أنظر ملتقى أهل التفسري عىل املوقع‪http://vb.tafsir.net :‬‬

‫‪39‬‬


‫ونشري ملا يقوله عامل التاريخ اإلرسائييل (شلومو ساند)‬ ‫حول أسطورية التاريخ العربي وكذب روآية (الشعب) و(األمة)‬ ‫اليهودية التي تم اخرتاعها حديثا –عىل نهج الكهنة الذين كتبوا‬ ‫التوراة‪ -‬كام تم اخرتاع أسطورة (أرض) إرسائيل‪ ،‬يقول‪( :‬مل يربز‬ ‫مفهوم (األمة اليهودية) بصورة رصيحة إال يف النصف الثاين‬ ‫من القرن التاسع عرش‪ ،‬حيث صدرت يف اليبزغ‪ ،‬يف سنوات‬ ‫الخمسينيات من ذلك القرن‪ ،‬املجلدات األوىل ملؤلف هرنيش‬ ‫غريتز بعنوان‪( :‬تاريخ اليهود منذ العصور القدمية وحتى أيامنا‬ ‫هذه)‪ ،‬الذي ترك أثرا ً مهامً عىل تشكّل اإليديولوجية الصهيونية‬ ‫فيام بعد‪ ،‬وفيه‪ ،‬بذل غريتز جهدا ً كبريا ً الخرتاع الشعب‬ ‫اليهودي‪ ،‬ولعب مؤلفه دورا ً كبريا ً يف بلورة النمط القومي لكتابة‬ ‫تاريخ (اليهود)‪ ،‬باالستناد إىل األسطورة املسيحية الشعبية عن‬ ‫الشعب القديم املنفي الرتكابه الخطيئة)‪.29‬‬ ‫ولإلشارة أيضا يكتب عامل اآلثار اإلرسائييل (إرسائيل‬ ‫فنكلستاين) يف كتابه الضخم (التوراة مكشوفة عىل حقيقتها)‬ ‫فيقول نصا ص‪ 38‬كمثال واحد فقط‪( :‬لقد أصبح الكل يجمع عىل‬ ‫أن األسفار الخمسة (التوراة) ليست تأليفا فرديا (كتلة واحدة)‬ ‫بل تجميع وترقيع ملصادر مختلفة‪،‬كل منها كتب تحت ظروف‬ ‫تاريخية مختلفة‪،‬إلبداء وجهات نظر دينية أو سياسية مختلفة)‪.‬‬ ‫‪ -29‬اخرتاع الشعب اليهودي‪ ،‬شلومو ساند‪ ،‬رام الله‪ ،‬مؤسسة مدار‪ ،‬أيلول‬ ‫‪ 415 ،2010‬صفحة‪ ،‬مرتجم عن العربية‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫ويقول ص‪( 28‬أصبح اآلن واضحا أن العديد من أحداث‬ ‫التاريخ التورايت مل تحدث ال يف املكان وال بالطريقة واألوصاف‬ ‫التي رويت يف (الكتاب املقدس العربي) بل بعض أشهر‬ ‫الحوادث يف الكتاب املقدس مل تحدث أصال)‪.‬‬ ‫ويقول الباحث أحمد أشقر (شكَّل حقل الحفريات‬ ‫واألبحاث اآلثارية‪ ،‬وال يزال‪ ،‬سالحاً سياس ّياً‪ -‬معرف ّياً‪ -‬إميان ّياً بأيدي‬ ‫املجموعات اليهودية‪ -‬الصهيونية واملسيح ّية التي ساندتها منذ‬ ‫القرن التاسع عرش إىل يومنا الراهن‪ ،‬من أجل رشعنة الغزو‬ ‫الصهيوين وتثبيت الكيان الصهيوين عىل أرض فلسطني العرب ّية‪.‬‬ ‫مادي يف‬ ‫هدفت هذه األبحاث والدراسات إىل إيجاد واقع‬ ‫ّ‬ ‫النص األسطوري اإلمياين للتناخ‪ ،‬كتاب اليهود‬ ‫فلسطني‪ ،‬يُحايك ّ‬ ‫امل ُق ّدس‪ .‬لذا بذلت الحركة الصهيونية وحلفاؤها من جمعيات‬ ‫مسيحية مختلفة وبعدها الكيان الصهيوين ومراكز أبحاثه يف‬ ‫َحقيل اآلثار والتاريخ جهودا ً كبرية من أجل التأكيد عىل هذه‬ ‫امل ُحاكاة‪ .‬لكن حديث حجارة وفخّار فلسطني والذهب الذي‬ ‫كان يزيّن جياد وصدور وأيادي الكنعانيات‪ ،‬بدأ صوته يعلو أكرث‬ ‫فأكرث منذ سبعينات القرن املايض ليصبح الصوت الوحيد الناطق‬ ‫باسم أرض فلسطني الكنعانية‪ -‬العرب ّية وأهلها)‪.30‬‬ ‫‪ -30‬من مقال للباحث املختص احمد أشقر منشوريف ‪ 2016/9/7‬عىل‬ ‫موقع قناة امليادين تحت عنوان (وانترصت َم ِجدّو الكنعانية عىل‬ ‫الحفريات االرسائيلية)‬

‫‪41‬‬


‫ويقول عيىس الشارقي يف كتابه هكذا نطق الرساة‪:‬‬ ‫(يتألف الكتاب املقدس من العهد القديم والعهد الجديد‪،‬‬ ‫العهد الجديد هو اإلنجيل‪ ،‬أ ّما العهد القديم فهو التوراة‪،‬‬ ‫وقد اختُلِ َف يف عدد الكتب واألسفار التي تشكل الكتاب‬ ‫املقدس بختالف املذاهب املسيحية واليهودية‪ ،‬يف مقابل هذا‬ ‫االختالف يتفق الجميع عىل األسفار الخمسة املنسوبة ملوىس‬ ‫(ع) وهي‪ :‬سفر التكوين‪ ,‬سفر الخروج‪ ,‬سفر الالويني‪ ,‬سفر‬ ‫العدد‪ ،‬وسفر التثنية‪ .‬وبقدر ما أثارت هذه األسفار الخمسة‬ ‫من خالف عند الباحثني وعلامء األديان والتاريخ فقد شكلت‬ ‫كل ما يتعلق بالحضارة‬ ‫األساس الذي اعتمده الغربيون ملعرفة ّ‬ ‫العربية وتاريخها وجغرافيتها‪ ،‬والتي سموها بالرشق األدىن‬ ‫وعيل هذه األسفار استند املسترشقون يف كتابة تاريخنا فتاهوا‬ ‫بني املزيف والحقيقي واختلطت عليهم القرون والسنون‬ ‫واملسميات فأصبح وادي النيل مرص‪ ،‬واملعلوم أن تسمية‬ ‫مرص حديثة‪ ،‬وغدا بنو إرسائيل العشرية املجهرية الصغرية أ ّمة‬ ‫حق يف األرض املقدسة التي مل تطأها أقدامهم‪ ،‬وهكذا‬ ‫لها ّ‬ ‫الحال مع عدد كثري من املسميات‪ .‬واملحزن املبيك أننا قبلنا‬ ‫كعرب ومسلمني مقوالتهم ونتائجهم والتي مصدرها مدونات‬ ‫التوراة كام علمنا‪ ،‬واعتربنا بعضها مسلامت تاريخيّة وجغرافيّة‪،‬‬ ‫رغم ما تحويه مدونات التوراة من نصوص وقصص ونظريات‬ ‫تتناقض مع القرآن الكريم والفطرة اإلنسانية والرباهني العلمية‬

‫‪42‬‬


‫واملكتشفات األثريّة‪ ،‬رغم ذلك بقيت هذه النصوص والقصص‬ ‫غري قابلة للبحث والتشكيك بسبب هالة القدسية التي أحيطت‬ ‫بها مدعومة بقوة املال والسلطان والسيف)‪.‬‬ ‫يف جميع األحوال ومام سبق وأشار له علامء املسلمني‬ ‫ال ميكن األخذ من التوراة‪ 31‬لسبب أنها تعج بالكذب والخلط‬ ‫املقصود والواضح فيها‪ 32،‬كام أثبتت ‪-‬مصداقا لقول علامئنا‬ ‫وتفاسريهم ‪-‬هذه األبحاث التاريخية واآلثارية الرصينة الحديثة‪،‬‬ ‫فهو–أي كتاب التوراة أو التناخ‪ -‬يف غالبه ليس كتابا دينيا‪،‬‬ ‫إذ يضم التاريخ املشكوك يف معظمه والسياقات الجغرافية‬ ‫املختلفة وغري الصحيحة‪ ،‬واملبالغات واألكاذيب والتحريفات‬ ‫‪ -31‬أيضا ميكن النظر يف (صورة املسلمني يف مناهج الرتبية اإلرسائيلية)‬ ‫اليوم ما ال يختلف مع التعبئة والتحريض العنرصي الوارد يف النصوص‬ ‫اليهودية املقدسة‪ ،‬بل ويُستند اليها يف التعليم والرتبية للناشئة‪ ،‬بامكان‬ ‫من يرغب مطالعة عديد املقاالت بالشأن ومنها مقال الباحث عدنان‬ ‫أبونارص يف شهرية النبأ العدد‪ 81‬العام ‪.2006‬‬ ‫‪ -32‬موقف اإلمام الحافظ ابن حجر العسقالين من اإلرسائيليات‪ :‬الحافظ‬ ‫رحمه الله ال يخفى عليه حكم (ا ِإلرسائيليات)‪ ،‬بل نص عىل أن (فيام قصه‬ ‫الله علينا يف القرآن من ذلك كفآية عن غريه)‪ ،‬ولذا فإنه كان بصريا ً مبا‬ ‫ينقل‪ ،‬فلم ينقل يف الجزء املدروس‪ ،‬مع قلة ما نقل منها ما يكذبه الرشع‬ ‫أو يحيله العقل أو يخالف العقيدة أو يخدش يف عصمة نبي إال أن يبني‬ ‫ذلك‪ .‬عن (منهج الحافظ ابن حجر يف التفسري من خالل كتابه فتح الباري‪،‬‬ ‫إعداد‪:‬فيصل البعداين)‬

‫‪43‬‬


‫ذات اإلسفاف الصارخ التي تخرج األحداث عن حقيقتها‪.33‬‬ ‫هل (اليهود) هم (اإلرسائيليني) يف القرآن‬ ‫الكريم؟‬ ‫يتعمد كتبة التوراة أن يخلطوا بني املصطلحات ومن‬ ‫سار عىل ضاللهم من الرواة عرب التاريخ وصوال للقرن السابع‬ ‫عرش والثامن عرش اىل اليوم حيث أزيل الغبار من عىل التوراة‬ ‫القدمية لتستخدم كاداة استعامرية غربية لقهر األمة العربية‬ ‫واحتالل أرايض العرب واملسلمني واستعامرها تحت دعاوي‬ ‫توراتية من خالل إيجاد جسم غريب يف قلب هذه االمة‬ ‫فلم يجد العقل االستعامري أفضل من فرض الروآية التوراتية‬ ‫بالتفسريات الجغرافية والتاريخية املستحدثة التي تفرتض‬ ‫أحداث ومرسح احداث ومصطلحات مل تكن لتمثل الحقيقة‬ ‫بقدر ما كانت متثل خرافات واحالم وأماين الكهنة كتبة التوراة‬ ‫(يقول يف ذلك أيضا علامء اآلثار االرسائئيليني اليوم امثال‬ ‫‪34‬‬ ‫إرسائيل فنكلسشتاين ونيل أرش سبيلربغ وزئيف هرتزوغ)‪.‬‬ ‫‪ -33‬كام كررنا اإلشارة ميكن الرجوع ل (أ‪.‬د إرسائيل فنكلشتاين‪ ،‬ونيل‬ ‫أرش سيلربمان‪،‬التوراة اليهودية مكشوفة عىل حقيقتها‪The Bible ،‬‬ ‫‪ ،Unearthed‬ترجمة سعد رستم‪،‬دار األوائل‪،‬دمشق‪،‬ط ‪)2005‬‬ ‫‪ -34‬ملاذا اليهوديّة دين قومي؟ سؤال يبقى يكرب ويتشعب مع الزمن‬ ‫طاملا بقي التناقض بني الفطرة اإلنسانية التي فطر الله الناس عليها وبني‬ ‫تعاليم اليهودية املكتوبة قامئاً‪ ،‬فاملعروف أ َّن الدين لله يعتنقه اآلسيوي‬

‫‪44‬‬


‫ومن أهم اإلدخاالت التاريخية التي أعيد التاكيد عليها‬ ‫حديثا هو الربط بني (اليهودي) و(اإلرسائييل) القدماء مبعنى‬ ‫أن اليهودي هو اإلرسائييل‪ ،‬وهو العربي أيضا‪ ،‬وما كان للعقيدة‬ ‫أن متثل قبيلة أبدا واال لكان اإلسالم هو قريش كمثال‪ ،‬وما‬ ‫كان لقبيلة مل يؤمن كل أفرادها أن تنعت قوميا وجينيا وكانها‬ ‫متثل كل أتباع الديانة اليهودية من قوميات عربية وغري عربية‬ ‫أضف لكل ذلك أن القرآن الكريم وهو سياق ما نتعامل معه يف‬ ‫هذا الكتاب قد تعامل مع املصطلحني بشكل مختلف‪ ،‬مبعنى‬ ‫أن القرآن الكريم تعامل مع اإلرسائيليني بشكل مختلف عن‬ ‫اليهود فاالول ميثل قبيلة أو جامعة قبلية او قومية عربية مينية‬ ‫والثاين ميثل أتباع ديانة متعدة قبائل مل تكن القبيلة اإلرسائيلية‬ ‫اال بعضها‪ .‬عدا عن أن العربانيني يشء ثالث مختلف كليا له‬ ‫عديد التفسريات التي إحداها متثل القبائل العربية البدوية‬ ‫املتمردة ما ميكن ان نشبها بالصعاليك بالعرص الجاهيل او‬ ‫واألفريقي واألورويب فكيف أصبحت اليهوديّة عرقاً ونسباً خالفًا لكل‬ ‫األديان السامويّة؟ فاملسلمون مثالً منهم العريب والرتيك واإلندونييس‬ ‫وكذلك املسيحيّة‪ ,‬فلِ َم كانت اليهوديّة هي االستثناء الوحيد؟ كيف يدعي‬ ‫اليهود صفاء عرقهم ونحن نشهد أ َّن منهم األبيض واألسود‪ ،‬والعريب‬ ‫واألورويب‪،‬أال يُعترب ذلك استخفافاً بكل املفاهيم والنظريات االجتامع ّية‬ ‫والتاريخيّة والجغرافيّة؟ أهذا وليد الصدف أم أنّه طفرة مشابهة لطفرات‬ ‫دارون؟! كيف أصبح ألوالد يعقوب (إرسائيل) ديناً خاصاً بهم؟‪-‬من كتاب‬ ‫هكذا نطق الرساة‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫بالزعار والشطار والعيارين يف العرص العبايس‪.‬‬ ‫تقول جمعية التجديد الثقافية البحرينية يف كتابها‬ ‫(عندما نطق الرساة)‪( :35‬إ َّن املتتبع الستخدام كلمتي (اليهود)‬ ‫و(بني إرسائيل) عندهم‪ ،‬يجدهم يستخدمانهام لتوصيف‬ ‫حالة واحدة فكل يهودي هو إرسائييل والعكس بالرغم من‬ ‫أن يعقوب (ع) (إرسائيل) عاش ومات قبل اآلالف السنني وكرث‬ ‫أبناؤه وتكاثروا عرب القرون‪ ،‬وكام يدعي اليهود أنفسهم أنهم‬ ‫قد اضطهدوا من قبل اآلخرين واضطروا ألن يتنقلوا إىل بقع‬ ‫كل شعوب األرض التي‬ ‫مختلفة خالل القرون‪ ،‬وحالهم كحال ّ‬ ‫بدأت مبجموعات صغرية وبعضها بفرد واحد أصبحوا أمامً‬ ‫وقوميات وتفرقوا بني األديان بل بني اإللحاد واإلميان‪ .‬فكيف‬ ‫وكل‬ ‫بقي هذان املصطلحان ملسمي واحد رغم تقلبات الزمن ّ‬ ‫الهجرات)؟‬ ‫يقول األستاذ حسن الباش‪( :‬لقد وجد زعامء العدو‬ ‫الصهيوين أنه ال ميكن ان يُخلق الفرد الصهيوين كام يريدون‬ ‫دون حقنه بالتعاليم التي تفرتض وجود جذور جينية تربطه‬ ‫بتعاليم التوراة القائلة بأن فلسطني أرض لليهود‪ ،‬وتنبع من هذا‬ ‫التوجه مسألة االرتباط التاريخي التي هي أهم مكمل للفكرة‬ ‫الدينية‪ ،‬فراحوا يرشحون التوراة تاريخياً‪ ،‬ويلقنون أفرادهم‬ ‫‪ -35‬ميكن الرجوع للموقع الخاص ب (جمعية التجديد الثقافية‬ ‫االجتامعية) البحرينية ‪http://tajdeed.org‬‬

‫‪46‬‬


‫احداث الزمان التورايت وأحداث املكان التي هي اساس الربط‬ ‫بني اآلفاق املعارصة وبني املايض اليهودي السحيق‪ ،‬لقد افرتض‬ ‫هذا التوجه عدم وجود شعب فلسطيني عريب يف املنطقة‬ ‫ومبعنى آخر افرتض أن األرض الفلسطينية خالية من البرش‪.‬‬ ‫وتنتظر عودة الشعب اليهودي إليها‪ .‬لقد ألغى هذا االفرتاض‬ ‫كل حيثيات التاريخ وحيثيات الجغرافيا وحيثيات املجتمع‬ ‫وغريها وأبقى عىل يشء واحد هو ارتباط اليهودي (فقط) بهذه‬ ‫األرض كونهم يزعمون أن له صلة تاريخية وجغرافية بها)‪.36‬‬ ‫أما القرآن الكريم فهو الذي ال يأتيه الباطل من بني يديه‬ ‫وال من خلفه فواضح بهذا الشأن فالقرآن الكريم يذكر اللفظني‬ ‫و يفرق بينهام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَال َْت الْ َي ُهو ُد لَ ْي َس ْت ال َّن َصا َرى‬ ‫َعلىَ شيَ ْ ٍء َوقَال َْت ال َّن َصا َرى لَ ْي َس ْت الْ َي ُهو ُد َعلىَ شيَ ْ ٍء َو ُه ْم يَتْلُو َن‬ ‫اب﴾‪ .‬البقرة‪َ ﴿ ،113 :‬ولَ ْن تَ ْر ىَض َع ْن َك الْ َي ُهو ُد َوالَ ال َّن َصا َرى‬ ‫الْ ِكتَ َ‬ ‫َحتَّى تَتَّ ِب َع ِملَّتَ ُه ْم﴾‪ .‬البقرة‪َ ﴿ ،120 :‬ما كَا َن إِبْ َرا ِهي ُم يَ ُهو ِديًّا َوالَ‬ ‫نَصرْ َانِيًّا َولَ ِك ْن كَا َن َح ِنيفًا ُم ْسلِماً َو َما كَا َن ِم ْن الْ ُمشرْ ِكِ َني﴾‪.‬آل‬ ‫عمران‪﴿ ،67 :‬يَا بَ ِني إِسرْ َائِ َيل ا ْذكُ ُروا نِ ْع َم ِتي الَّ ِتي أَنْ َع ْم ُت َعلَيْ ُك ْم‬ ‫َوأَ ْوفُوا ِب َع ْه ِدي أُ ِ‬ ‫اي فَا ْر َه ُبونيِ ﴾‪ .‬البقرة‪،)40/‬‬ ‫وف ِب َع ْه ِدكُ ْم َوإِيَّ َ‬ ‫﴿لَ َق ْد أَ َخ ْذنَا ِميث َ​َاق بَ ِني إِسرْ َائِ َيل َوأَ ْر َسلْ َنا إِلَ ْي ِه ْم ُر ُسالً﴾‪.‬‬ ‫(املائدة‪﴿ ،)70/‬أَ ْن أَ ْر ِس ْل َم َع َنا بَ ِني إِسرْ َائِ َيل﴾‪( .‬الشعراء‪،)17/‬‬ ‫‪ -36‬األستاذ احمد باش يف كتابه (الرتبية الصهيونية من عنرصية التوراة‬ ‫إىل دموية االحتالل)‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫فاستخدام القرآن الكريم لألسامء والكلامت كان دقيقاً‪ ،‬وخري‬ ‫دليل عىل هذا ذلك أنّه فرق بني كلمة بني إرسائيل وكلمة‬ ‫اليهود‪ ،‬فبنو إرسائيل ال ميكن أن تعني يف القرآن الكريم غري‬ ‫أبناء فرد محدد اسمه إرسائيل كام تعني كلمة بني آدم من‬ ‫نسل من نسله‪ ،‬أ ّما اليهود فقد قرنهم بالنصارى أي أصحاب‬ ‫دين‪ ،‬فيقال دين اليهود ودين النصارى)‪.37‬‬ ‫ونضيف أيضا من مرجعنا يف كتاب (هكذا نطق الرساة)‬ ‫القول ما نتفق معه كليا‪( :‬اعتنق اليهودية عرب التاريخ أقوام‬ ‫وأمم يف أزمان تاريخية ومواقع جغرافية مختلفة‪ ،‬كام ارتد عنها‬ ‫أفراد وجامعات كأي عقيدة أو دين حالهم متاماً كبقية األديان‬ ‫والعقائد األخرى‪ ،‬إال اليهوديّة صار الدين فيها عرقاً وقوم ّية‪،‬‬ ‫الحق‬ ‫فإذا تهود فرد أو جامعة يف بلد ما نسبوه إليهم وأصبح له ّ‬ ‫يف األرض املقدسة واخرتعوا له نسباً إىل يعقوب (ع) سواء أكان‬ ‫من اليمن أو العراق أو الحبشة أو البريو أو روسيا‪ ,‬أكان هذا‬ ‫التهود يف القرن الخامس قبل امليالد أو السابع بعد امليالد أو‬ ‫الحق يف هذه األرض املقدسة كام‬ ‫القرن العرشين كلهم لهم ّ‬ ‫يزعمون‪ ،‬وقصة يهود الخزر خري شاهد عىل ما نقول‪ ،‬يقول‬ ‫‪ -37‬ملراجعة جمعية التجديد البحرينية التي يرأسها األستاذ عيىس‬ ‫الشارقي يف كتاب (عندما نطق الرساة‪/‬والرساة هي اسم الجبال املمتدة‬ ‫من جنوب مكة اىل اليمن)‪ ،‬ولكتاب املفكر العريب الكبري فاضل الربيعي‬ ‫يف سفره الثمني فلسطني املتخيلة‪ :‬أرض التوراة يف اليمن القديم‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫بنيامني فريدمان (إن ما تفضحه أصول ‪ 327‬مرجعاً ودراسة من‬ ‫حقائق عن الخزر التي تضمها مكتبة نيويورك العامة‪ ،‬وغريها‬ ‫من املراجع والدراسات املوجودة يف املكتبات األخرى الرئيسية‬ ‫العامة والخاصة)‪ .‬‬

‫‪49‬‬


50


‫الفصل الثالث‬ ‫هل أورث أو م ّلك أو كتب الله لـ (بني‬ ‫إرسائيل) أرض فلسطني؟‬ ‫بعد أن نشري ونؤكد عىل عدم وجود الصلة بشكل قطعي‬ ‫الداللة بني يهود األمس ويهود قبيلة (إرسائيل)‪ 38‬التاريخية‪،‬‬ ‫حسب حقائق التاريخ واألبحاث الجديدة لكثري من املؤرخني‬ ‫واملفكرين والعلامء ممن سنشري لهم يف ثنايا الدراسة‪ ،‬وطبقا‬ ‫لعلوم األجناس ولعلامء اآلثار ننتقل إىل وراثة بني إرسائيل‬ ‫أرض فلسطني‪.‬‬ ‫نشري أيضا إىل أن ما انطبق عىل األمم الغابرة من أقوام‬ ‫وقرون وقبائل من فناء ونهآية ينطبق عىل قبيلة بني إرسائيل‬ ‫تلك‪ ،‬وبنص القرآن الكريم إذ يقول الله تعاىل يف محكم التنزيل‬ ‫﴿ َوكَم أَهلَكنا قَبلَ ُهم ِمن قَرنٍ َهل ت ُِح ُّس ِمن ُهم ِمن أَ َح ٍد أَو‬ ‫‪ -38‬فام بالك بإدعاء الصلة املوهومة بني أولئك الغابرين ومعتنقي‬ ‫اليهودية ممن يعيشون بني ظهرانينا اليوم؟ وحيث أكدت أبحات الوراثة‬ ‫واملورثات (الجينات) أن ال صلة مطلقا بني األجناس والقوميات املختلفة‬ ‫التي اعتنقت الديانة اليهودية‪ ،‬كام أكد مؤلفني مثل «شلومو ساند»‬ ‫املفكر اليهودي االرسائييل اليوم ‪ 2014‬أنه ال يوجد عرب التاريخ ما اسمه‬ ‫(أرض ارسائيل) كام ال يوجد ما يسميه االرسائيليني اليوم‪ ،‬يف التاريخ‬ ‫القديم يشء اسمه (شعب ارسائيل)‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫ت َس َم ُع لَ ُهم رِك ًزا﴾‪( .‬مريم‪.)98 :‬‬ ‫ومعنى اآلية‪ :‬وما أكرث األمم التي أهلكناها من قبل‬ ‫قومك‪-‬الخطاب لنبينا الكريم‪ ،-‬فهل تشعر اليوم بأحد من تلك‬ ‫األمم؟! وهل تسمع لهم صوتًا خف ًّيا؟! فام أصابهم قد يصيب‬ ‫غريهم حني يأذن الله‪ -.‬املخترص يف تفسري القرآن الكريم‪،‬‬ ‫وهي بالقطع تنطبق عىل بني إرسائيل القبيلة اليمنية العربية‬ ‫‪39‬‬ ‫املنقرضة أيضا‪.‬‬ ‫يف محاولة لإلجابة عن السؤال هل أورث أو ملّك أو‬ ‫كتب الله ل (بني إرسائيل) أرض فلسطني؟ من نصوص القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬وتفاسري املفرسين املسلمني أنفسهم ومستعينني‬ ‫بالفهم السليم والتفاسري املعتمدة ذاتها إضافة ألبحاث ال ُج ُدد‬ ‫من املفكرين حول املرسح الجغرايف املختلِف فإننا نستطيع‬ ‫الدخول يف معنى (الوراثة) ومعنى (األرض املقدسة) تاركني‬ ‫‪ -39‬يقول اإلمام الطربي يف تفسري اآلية الكرمية‪ :‬يقول تعاىل ذكره ‪( :‬وكثريا‬ ‫أهلكنا يا محمد قبل قومك من مرشيك قريش‪ ،‬من قرن‪ ،‬يعني من جامعة‬ ‫من الناس‪ ،‬إذا سلكوا يف خاليف وركوب معايص مسلكهم‪ ،‬هل تحس منهم‬ ‫من أحد ‪ :‬يقول ‪ :‬فهل تحس أنت منهم أحدا يا محمد فرتاه وتعاينه (أو‬ ‫تسمع لهم ركزا ) يقول ‪ :‬أو تسمع لهم صوتا‪ ،‬بل بادوا وهلكوا‪ ،‬وخلت‬ ‫منهم دورهم‪ ،‬وأوحشت منهم منازلهم‪ ،‬وصاروا إىل دار ال ينفعهم فيها‬ ‫إال صالح من عمل قدموه‪ ،‬فكذلك قومك هؤالء‪ ،‬صائرون إىل ما صار إليه‬ ‫أولئك‪ ،‬إن مل يعالجوا التوبة قبل الهالك‪( .‬ص‪.))265 :‬‬

‫‪52‬‬


‫(ببني إرسائيل) ملعالجة الحقة‪.‬‬ ‫معنى امللكية‬ ‫يف هذه النقطة سنحاول أن نبني معنى (الوراثة)‬ ‫التي ترد يف عدد من اآليات الكرمية منها ما هو مرتبط ببني‬ ‫إرسائيل‪ ،‬ومنها ما هو مرتبط بالذات اإللهية‪ ،‬وأخرى مرتبطة‬ ‫بالصالحني أو الكتاب أو النبوة وسواها مام هو مرتبط بالجنة‪،‬‬ ‫ومبتعدين عن اآليات املنحرصة باإلرث بني األقرباء ما داللتها‬ ‫واضحة ومحددة بدقة يف القرآن الكريم‪.‬‬ ‫وسرنكز عىل اآليات املحددة ببني إرسائيل فقط يف سياق‬ ‫االستعراض للتفسري وداللتها‪ ،‬وللدراسات يف املوضوع املتعلق‬ ‫بالوراثة ومعانيها التي أول ما يتخ ّيلها املرء مربوطة بأساطري‬ ‫التوراة تلك التي تعطي معنى (االمتالك) أو (امللكية) لألرض‬ ‫بل وأرض محددة ول (قوم) محددين وملدة من الزمن أولزمن‬ ‫طويل أو لألبد‪ ،‬وأن ضمن رشوط وردت يف التوراة ماال يصح‬ ‫مطلقا وال يتفق أبدا مع منطوق القرآن الكريم وحكمته‬ ‫وعدالة الخالق‪.‬‬ ‫﴿قال موىس لقومه استعينوا بالله واصربوا‪ ،‬إن األرض‬ ‫لله يورثها من يشاء من عباده‪ ،‬والعاقبة للمتقني﴾‪( .‬األعراف‪:‬‬ ‫‪ )128‬ويف اآلية ‪ 137‬من سورة األعراف‪﴿ :‬وأورثنا القوم الذين‬

‫‪53‬‬


‫كانوا يستضعفون مشارق األرض ومغاربها التي باركنا فيها‪،‬‬ ‫ومتت كلمة ربك الحسنى عىل بني إرسائيل مبا صربوا‪ ،﴾...‬ثم يف‬ ‫سورة الشعراء اآلية ‪ 59‬نقرأ ﴿كذلك وأورثناها بني إرسائيل﴾‪،.‬‬ ‫ونشري هنا أن الله عز وجل قد أورد يف كتابه العزيز آيات‬ ‫محكامت أخرى تربط بني مفاهيم (االستخالف) و(التمكني)‬ ‫بوراثة األرض ما متت فيه مخاطبة بني إرسائيل حيث زمنهم‪،‬‬ ‫أو املسلمني يف عهد الرسول محمد صىل الله عليه وسلم أو‬ ‫الناس كافة‪.‬‬ ‫عالجت كُتُب التفاسري مفهوم (وراثة) األرض أو الوراثة‬ ‫للنبوة والعلم والكتاب من منطق أنها عاقبة للمتقني ونرص‬ ‫لهم يف الحياة الدنيا واآلخرة‪ ،‬بل وربطوا مفهوم (الوراثة) (غري‬ ‫‪40‬‬ ‫املادي بني األقرباء) مبعنيني هامني هام (التمكني واالستخالف)‪.‬‬ ‫اب يَأْ ُخذُو َن‬ ‫﴿فَ َخل َ​َف ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم َخل ٌْف َو ِرث ُوا الْ ِكتَ َ‬ ‫َع َر َض َهذَا الأْ َ ْدنىَ َويَقُولُو َن َس ُي ْغ َف ُر لَ َنا َوإِ ْن يَأْتِ ِه ْم َع َر ٌض ِمثْلُ ُه‬ ‫اب أَ ْن لاَ يَقُولُوا َعلىَ اللَّ ِه‬ ‫يَأْ ُخذُو ُه أَلَ ْم يُ ْؤ َخ ْذ َعلَ ْي ِه ْم ِميث َُاق الْ ِكتَ ِ‬ ‫إِلاَّ الْ َح َّق َو َد َر ُسوا َما ِفي ِه َوال َّدا ُر الآْ َ ِخ َر ُة َخيرْ ٌ لِلَّ ِذي َن يَتَّقُو َن أَفَلاَ‬ ‫اب َوأَقَا ُموا الصَّلاَ َة إِنَّا لاَ ن ُِضي ُع‬ ‫ت َ ْع ِقلُو َن َوال َِّذي َن يمُ َ ِّسكُو َن بِالْ ِكتَ ِ‬ ‫يت َونَ ْح ُن الْ َوا ِرث ُونَ﴾ (الحجر‪ ،)23 :‬وإنا لنحن‬ ‫‪َ ﴿ - 40‬وإِنَّا لَ َن ْح ُن نُ ْحيِي َونمُ ِ ُ‬ ‫نحيي املوىت بخلقهم من العدم وببعثهم بعد املوت‪ ،‬ومنيت األحياء إذا‬ ‫استوفوا آجالهم‪ ،‬ونحن الباقون الذين نرث األرض ومن عليها‪ ،‬املخترص يف‬ ‫التفسري ‪ -‬بواسطة تطبيق آية‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫أَ ْج َر الْ ُم ْصلِ ِح َني﴾‪( .‬االعراف‪.)169 :‬‬ ‫الصالِ َح ِ‬ ‫ات‬ ‫﴿ َو َع َد اللَّ ُه ال َِّذي َن َآ َم ُنوا ِم ْن ُك ْم َو َع ِملُوا َّ‬ ‫لَ َي ْستَ ْخلِ َف َّن ُه ْم فيِ الأْ َ ْر ِض كَماَ ْاستَ ْخل َ​َف الَّ ِذي َن ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم َولَ ُي َم ِّك َن َّن‬ ‫لَ ُه ْم ِدي َن ُه ُم ال َِّذي ا ْرت ىَ​َض لَ ُه ْم َولَ ُي َب ِّدلَ َّن ُه ْم ِم ْن بَ ْع ِد َخ ْو ِف ِه ْم أَ ْمناً‬ ‫يَ ْع ُب ُدونَ ِني﴾‪( .‬النور‪.)55 :‬‬ ‫﴿ َو َما ت َ َف َّرقُوا إِلاَّ ِمن بَ ْع ِد َما َجا َء ُه ُم الْ ِعلْ ُم بَ ْغ ًيا بَ ْي َن ُه ْم‬ ‫ُض بَ ْي َن ُه ْم‬ ‫َولَ ْولاَ كَلِ َم ٌة َس َبق ْ‬ ‫َت ِمن َّربِّ َك إِلىَ ٰ أَ َجلٍ ُّم َس ًّمى لَّق يِ َ‬ ‫ِيب﴾‪.‬‬ ‫اب ِمن بَ ْع ِد ِه ْم لَ ِفي شَ ٍّك ِّم ْن ُه ُمر ٍ‬ ‫َوإِ َّن ال َِّذي َن أُو ِرث ُوا الْ ِكتَ َ‬ ‫(الشورى‪.)14 :‬‬ ‫كام اعترب املفرسون أن وراثة (األرض) وكام يقول القرآن‬ ‫الكريم هي (لعباده الصالحني)‪ ،‬الذين هم أمة محمد‪ ،‬ومل‬ ‫تعنى ألي منهم مطلقا وراثة اإلبن عن أبيه أو القوم عمن‬ ‫سبقهم أو أنها تسجيل (لطابو) مؤقت أو أبدى ألي قومية أو‬ ‫قبيلة أو عنرص أو جنس محدد أو أتباع ديانة مبتدعة‪.‬‬ ‫وراثة أرض الجنة‬ ‫يورد تفسري ابن كثري وتفسري الجاللني حول اآلية الكرمية‬ ‫﴿إن الله يورثها من يشاء من عباده﴾‪ .‬واآلية ﴿يرثها عبادي‬ ‫الصالحون﴾‪ .‬أنها تعنى وراثة ألرض الجنة‪ ،‬وكام يؤكد ذلك‬ ‫تفسري الشيخ محمد متويل الشعراوي الذي يقول حول اآلية‬

‫‪55‬‬


‫الكرمية ‪﴿ 105‬أن األرض يرثها عبادي الصالحون﴾‪ .‬يف سورة‬ ‫األنبياء هي األرض املبدلة املعادة يف اآلخرة والتي يرثها عباد‬ ‫الله الصالحون‪ ،‬واإلرث هنا كام يقول يأيت من معنى قوله تعاىل‬ ‫﴿تلكم الجنة أورثتموها مبا كنتم تعملون﴾ (األعراف‪ .)43 :‬ثم‬ ‫يستطرد الشيخ الشعراوي قائال أونقول‪( :‬األرض يراد بها الدنيا‬ ‫ويكون املعنى أن الله يمُ كّن الصالح من األرض الذي يعمرها‬ ‫ولو كان كافرا ألن الله تعاىل ال يحرم اإلنسان مثار عمله حتى‬ ‫وان كان كافرا‪ ،‬يقول تعاىل‪َ ﴿ :‬من كَا َن يُرِي ُد َح ْرثَ اآلخرة نَ ِز ْد لَ ُه‬ ‫فيِ َح ْرثِ ِه َو َمن كَا َن يُرِي ُد َح ْرثَ الدنيا نُ ْؤتِ ِه ِم ْن َها َو َما لَ ُه فيِ اآلخرة‬ ‫يب﴾ (الشورى‪.41)20 :‬‬ ‫ِمن ن َِّص ٍ‬ ‫وما يدعم وراثة األرض هنا مبعنى أنها أرض الجنة وليس‬ ‫أرضنا التي نعيش عليها هو اآلية الكرمية ﴿وقالوا الحمد لله‬ ‫الذي صدقنا وعده وأورثنا األرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء‬ ‫فنعم أجر العاملني﴾‪( .‬الزمر ‪.42)174‬‬ ‫ويقول سيد قطب (يف ظالل القرآن) يف تفسريه ﴿ولقد‬ ‫‪ -41‬موقع اإلميان‪-‬اإلسالمي‪http://www.al-eman.com :‬‬ ‫‪ -42‬املروي عن بن عباس أنها أرض الجنة‪ ،‬كام هو قول الله تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ َوقَالُوا الْ َح ْم ُد لِلَّ ِه ال َِّذي َص َدقَ َنا َو ْعدَهُ َوأَ ْو َرث َ َنا الأْ َ ْر َض نَتَ َب َّوأُ ِم َن الْ َج َّن ِة‬ ‫َحيْثُ نَشَ ا ُء فَ ِن ْع َم أَ ْج ُر الْ َعا ِملِ َني﴾‪ .‬الزمر (‪ )74‬وروى عن عباس أنها األرض‬ ‫التي نعيش عليها ترثها أمة محمد‪ ،‬عن ابراهيم الحسني يف موقع ملتقى‬ ‫أهل التفسري‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫كتبنا يف الزبور من بعد الذكر أن األرض يرثها عبادي الصالحون﴾‬ ‫(ويعود السياق لبيان سنة الله يف وراثة األرض وصريورتها‬ ‫للصالحني من عباده يف الحياة الدنيا)‪ .‬ويقول‪( :‬لقد وضع الله‬ ‫للبرش منهجا كامال متكامال للعمل عىل وفقه يف هذه األرض‪،‬‬ ‫منهجا يقوم عىل اإلميان والعمل الصالح‪ ،‬ويف الرسالة األخرية‬ ‫للبرش فصل املنهج ورشع له القوانني التي تقيمه وتحرسه‪،‬‬ ‫وتكفل التناسق والتوازن بني خطواته)‪ .‬ثم (وحيثام اجتمع‬ ‫إميان القلب ونشاط العمل يف أمة فهي الوارثة لألرض ألي فرتة‬ ‫من فرتات التاريخ)‪.43‬‬ ‫وراثة النرص وامل ِ ّنة‬ ‫حيث ينحى معظم املفرسين إىل أن هذه الوارثة هي‬ ‫وراثة الجنة‪ 44‬بينام يرى آخرون منهم الباحث عدنان الغامدي‬ ‫‪ :43‬موقع الدعوة وتفسري يف ظالل القرآن لسيد قطب‪:‬‬ ‫‪http://www.daawa-info.net‬‬ ‫‪ -44‬كان حل إقامة دولة إرسائيل لليهود مرشوعا اعتمدته املركزية‬ ‫األوربية منذ القرن ‪ 17‬عىل خلفية قراءة حرفية للعهد القديم (التوراة)‬ ‫تربط اليهود بأرض فلسطني عىل أنهم ورثة العهد اإللهي‪ ،‬واستثامر‬ ‫هذه الدولة محفزا متقدما للغرب يف هذه املنطقة‪ ،‬قد القى املعارضة‬ ‫من معظم التجمعات اليهودية األوربية ألن مصالحهم مع االندماج يف‬ ‫املجتمعات األوربية وهذه القراءة الحرفية التي تربط اليهود تعسفا‬ ‫بأرض فلسطني ومن ثم فاملسألة التي تدعي هي الصهيونية مبعنى‬

‫‪57‬‬


‫يف ملتقى أهل التفسري‪ :‬أنها وراثة النرص عىل عدوهم ألن‬ ‫اآليات تأيت يف سياق الرصاع بني الحق والباطل والخري والرش‪،‬‬ ‫ويستدل عىل هذا الرأي باآلية ﴿وكم أهلكنا من قرية بطرت‬ ‫معيشتها فتلك مساكنهم مل تكن من بعدهم إال قليال‪ ،‬وكنا‬ ‫نحن الوارثني) (القصص‪ )58 :‬وهذا شاهد رائع عىل وراثة‬ ‫النرص من جهة‪ ،‬وعىل أن مفهوم الوراثة ليس بتسجيل األرض‬ ‫للناس (ملكية أو طابو او يف السجل‪ /‬الشهر العقاري) أكانوا‬ ‫(لسكناها) وفق نص اآلية الكرمية‪.‬‬ ‫عامة أو قبيلة أو شعبا وإمنا ُ‬ ‫ومن الوراثة أيضا وراثة املِ ّنة من الله سبحانه وتعاىل‬ ‫عىل املستضعفني عامة كام يقول يف اآلية ‪ 5‬من سورة القصص‬ ‫﴿ونريد أن منن عىل الذين استضعفوا يف األرض ونجعلهم أمئة‬ ‫ونجعلهم الوارثني) أي أنها امل ّنة االلهية بتغيري حال املستضعفني‬ ‫إىل التمكني ومن االضطهاد إىل القوة‪ ،‬ومن الهزمية إىل النرص‬ ‫العودة اىل فلسطني مبفهوم متعصب يحل دولة إرسائيل محل إله‬ ‫إرسائيل‪ ،‬لقد كانت هذه القراءة نقيض وجهة نظر املذهب الرسمي‬ ‫للكنيسة بحسب القديس أوغسطني يف القرن ‪ 5‬امليالدي من أن ما ورد‬ ‫يف العهد القديم بشأن مملكة الله إرسائيل قائم يف السامء وليس عىل‬ ‫األرض‪ ،‬ومن ثم فإن القدس وصهيون ليسا مكانني محددين عىل األرض‬ ‫لسكن اليهود ولكنهام مكانان سامويان مفتوحان أمام كل املؤمنني بالله‬ ‫(وثيقة كامبل بانرمان‪،‬مركز الكاشف للدراسات االسرتاتيجية – عن مجلة‬ ‫البحث التاريخي التي تصدرها الجمعية التاريخية السورية العدد رقم‬ ‫‪ 10‬لعام ‪- )2008‬‬

‫‪58‬‬


‫(فلم يكن مطلب موىس وقومه نزاع فرعون عىل ُملكه ومل‬ ‫يكونوا يريدون قصورهم وكنوزهم وما كانوا يعرشون‪ ،‬بل كان‬ ‫مطلبهم عبادة الله وحدة والخروج من مرص بسالم) (أنظر‬ ‫الباحث عدنان الغامدي) وتبقي الوراثة الحقيقية لله تعاىل‪.‬‬ ‫ويضيف الباحث عدنان الغامدي يف ملتقى أهل التفسري‬ ‫أيضا برأيه (أنهم آل إليهم األمر‪ ‬وانترصوا‪ ‬يف رصاعهم مع قوى‬ ‫الكفر ومل يكونوا يطلبون األرض‪ ‬كمرياث‪ ،‬بل كان طلبهم الجنة‬ ‫ورصاعهم ألجلها يف األرض فانترصوا يف ميدان رصاعهم‪ ،‬وآل‬ ‫إليهم ما هو أعظم من األرض فتدخل فيه األرض حتامً أي أنهم‬ ‫هم من كسبوا هذا الرصاع وانترصوا فيه‪ ،‬ونحن نعلم بال شك‬ ‫أن األرض بعد دخول الناس أصبحت مكانا موحشا ال تجد فيه‬ ‫عوجا وال أمتا فليست مبغنم يف ذاتها ولكن يف معنى االنتصار‬ ‫كانت الوراثة مثل ما حدث لبني إرسائيل التي دمر الله ما كان‬ ‫بني إرسائيل يعرشون ويبنون فلم تعد مغنام ولكن الوراثة‬ ‫بالنرص عىل عدوهم وإال فاألرض املذكورة كنآية عن الرصاع بني‬ ‫الحق والباطل والخري والرش)‪.45‬‬ ‫يورد أبن منظور يف (لسان العرب) أن ﴿وأورثنا األرض﴾‪.‬‬ ‫أي أورثنا أرض الجنة نتبوأ منها من املنازل حيث نشاء‪،‬‬ ‫ويستشهد بحديث الرسول (ص)‪( :‬اللهم امتعني بسمعي‬ ‫‪ -45‬الباحث عدنان الغامدي يف موقع أهل التفسري‪:‬‬ ‫‪/http://vb.tafsir.net/tafsir32972‬‬

‫‪59‬‬


‫وبرصي‪ ،‬واجعلهام الوارث منى) أي أبقهام معي صحيحني‬ ‫سلميني حتى أموت‪ ،‬ولرمبا أراد بالسمع الوعي والبرص االعتبار‬ ‫‪46‬‬ ‫مبا يرى ونور القلب‪.‬‬ ‫وراثة فلسطني أم جميع األرض؟‬ ‫يف تفسري القرطبي بقول‪﴿ :‬وأورثنا القوم﴾‪ .‬يريد بني‬ ‫إرسائيل ﴿الذين كانوا يستضعفون﴾‪ .‬أي يُستذلّون بالخدمة ﴿‬ ‫مشارق األرض ومغاربها﴾‪ .‬مشريا أنها قد تحدد بأرض معنية‬ ‫– كام يشري بعضهم بأنها فلسطني أوالشام أو مرص‪ ،‬لخطأ‬ ‫يف الجغرافيا والتاريخ وقع فيه املؤرخون ولحقهم فيه بعض‬ ‫املفرسين كام سرنى واستنادا لإلرسائيليات – ويرى آخرون كام‬ ‫يشري القرطبي أن املراد بها جميع األرض‪.‬‬ ‫اال أن الشيخ الشعراوي يعترب مشارق األرض ومغاربها‬ ‫تقال بالنسبيات فليس هناك مكان إسمه مرشق وآخر اسمه‬ ‫مغرب‪ ،‬لكن هذه اتجاهات نسبية‪ ،‬فيقال هذا مرشق نسبة‬ ‫ملكان ما‪ ،‬وكذلك يقال له مغرب بالنسبة ملكان آخر وان أشار‬ ‫إىل أنها كمكان تصبح تحت (إمرة) وليس (ملكية مادية) لبني‬ ‫إرسائيل حينها‪ ،‬وذلك لصربهم واستضعافهم وكام حصل مع‬ ‫أقوام اخرى غريهم‪ ،‬وم ّنة الله عليهم باإلميان وليس لسواد‬ ‫عيونهم أو بياض برشتهم أو جنسهم أو قبيلتهم‪.‬‬ ‫‪ -46‬من مادة ورث يف كتاب (لسان العرب) البن منظور‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫ويذكر سيد قطب عن قصة موىس يف تفسريه لسورة‬ ‫األعراف يف (ظالل القرآن) أن القصة (وردت يف أكرث من ‪30‬‬ ‫موضعا يف القرآن كله – مكية ومدنية – ولكن ورودها مفصلة‬ ‫اقترص عىل ‪ 10‬مواضع يف ‪ 10‬سور منها ستة مواضع هي أكرثها‬ ‫تفصيال والذي ورد منها يف سوره األعراف كان أول تفصيل كام‬ ‫أنه هو أوسع مساحة)‪.‬‬ ‫ويشريهنا إىل أن الرصاع كان دائرا وكام ذكر القرآن‬ ‫الكريم وغريه من املفرسين بني الدعوة إىل الله وتوحيد‬ ‫الربوببة ضد سلطان فرعون الذي شعر بخطر ذلك هو وملؤه‬ ‫لذا كان تعبريهم عن الخوف والفزع والشعور بالخطر هو‬ ‫التحريض ضد موىس قائلني ﴿يريد أن يخرجكم من أرضكم﴾‪.‬‬ ‫ويقول سيد قطب (وما أرادوا إال أن هذه الدعوة إىل رب‬ ‫العاملني ال تحمل إال مدلوال واحدا هو انتزاع السلطان من يد‬ ‫العبيد – الطواغيت – ور ّده إىل صاحبه – سبحانة‪ ،)...‬فلم‬ ‫يفرس ‪-‬كام مل يفرس غريه من غالب إن مل يكن كل املفرسين‪-‬‬ ‫أن سعي قوم موىس كان املراد به هو (وراثة) األرض مبنطق‬ ‫التوراة املخادع أي أنهم (يتملكونها) كنسل وقبيلة أو شعب‬ ‫(أو قوم‪/‬قومية ما)‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫رصاع الحق مقابل الباطل‬ ‫إنه رصاع بني الحق والنور مقابل الشيطان والجربوت‬ ‫وان تكون كلمة الله هي العليا‪ ،‬الهدف هو ليس السيطرة عىل‬ ‫أرض محددة ما مطلقا سواء اكانت فلسطني أو الشام أو مرص‬ ‫أو اليمن أو غريها‪ ،‬لذلك فإن معنى الوارثة هنا واضح الداللة‬ ‫يف اآليات املتعلقة بشأن بني إرسائيل ويف اآلية ﴿وأورثنا القوم‬ ‫الذين كانوا يستضعفون مشارق األرض ومغاربها التي باركنا‬ ‫فيها‪ ،‬ومتت كلمة ربك الحسنى عىل بني إرسائيل مبا صربوا‬ ‫ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) أنها‬ ‫متكني املؤمنني كام يقول سيد قطب وليس استيالئهم عىل أرض‬ ‫اآلخرين ليسجلوها بأسامئهم إرثا ماديا مطلقا‪.‬‬ ‫من هنا تتضح لنا الصورة جلية‪:‬أن املفرسين عندما‬ ‫تعرضوا ملفهوم الوراثة (غري وراثة النبوة وال ُحكم والكتاب‬ ‫والجنة‪ ،‬وتلك بني األقرباء) كان املعنى طلب الحرية يف‬ ‫العبادة وطلب انتصار الدين وجعل كلمة الله هي العليا‪،‬‬ ‫وانتزاع سلطان الرش‪ ،‬أو معناها تحقيق الغلبة والنرص عىل‬ ‫العدو‪ ،‬وليس افتكاك أرضه منه وكأنهم يف حرب حدود وأرايض‬ ‫وعقارات‪ ،‬فلم يكن الدين يوما حاكام أرضيا مستبدا يوزع‬ ‫الهبات واألرايض عىل أحد فالجنة والهدآية والنرص هي جزاء‬ ‫املؤمنني الصادقني‪ ،‬وال قيمة مطلقا لحفنة من الرتاب عند الله‬ ‫ليغري بها عباده املؤمنني ليؤمنوا به‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫ويف سياق سورة األعراف وقفات مع قصص قوم نوح‬ ‫وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وصوالً لقوم‬ ‫إرسائيل (وكلها قبائل منقرضة اليوم – وكام يشري فاضل الربيعي‬ ‫وفرج الله صالح ديب واحمد الدبش وغريهم يف مؤلفاتهم‪،‬‬ ‫وحسب مرويات العرب) أرسلها الله للقرية (والقرية يف‬ ‫القرآن تعنى ما نعرفه بالقرية اليوم أو املدينة) حيث دالالت‬ ‫االستخالف ملعني الوراثة نراها أيضا يف القرآن الكريم يف كل‬ ‫مكان ويف سياق سورة األعراف إذ يقول ﴿أفأمن أهل القرى أن‬ ‫يأتيهم بأسنا وهم نامئون‪ )...‬ليقول ﴿أو مل ِ‬ ‫يهد للذين يرثون‬ ‫األرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع‬ ‫عىل قلوبهم فهم ال يسمعون﴾‪ .‬حيث ترى مفهوم الوراثة هنا‬ ‫مرتبط بالصالح أي وراثة هدآية الناس ودعوتهم لإلميان ونرش‬ ‫رسالة الله وليس امتالك األرض أبدا‪.‬‬ ‫االستخالف ال الوراثة‬ ‫ولنا ولكم أن تروا التفسري الجميل لسيد قطب لآلية‬ ‫الكرمية يف سورة األعراف (قال موىس لقومه‪﴿ :‬استعينوا بالله‬ ‫واصربوا إن األرض لله يورثها من يشاء من عباده‪ ،‬والعاقبة‬ ‫للمتقني قالوا‪ :‬أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا‪ .‬قال‪:‬‬ ‫عىس ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم يف األرض فينظر‬ ‫كيف تعملون﴾ بقوله الدال الواضح‪( :‬إنها رؤية النبي لحقيقة‬

‫‪63‬‬


‫االلوهية وإرشاقها يف قلبه ولحقيقة الواقع الكوين‪ ،‬والقوى التي‬ ‫تعمل فيه ولحقيقة السنة واإللهية‪ ،‬وما يرجوه منها الصابرون)‬ ‫(وأن األرض لله‪ 47‬وما فرعون وقومه إال نزالء فيها والله يورثها‬ ‫من يشاء من عباده – وفق سنته وحكمته – فال ينظر الداعون‬ ‫إىل رب العاملني إىل يشء من ظواهر األمور التي ميثل للناظرين‬ ‫أن الطاغون مكني يف األرض غري مزحزح عنها‪ )...‬ويضيف أن‬ ‫النبي موىس يرى من خالل سنة الله هالك الطاغوت وأهله‬ ‫واستخالف الصابرين املستعينني بالله وحده فيدفع قومه دفعا‬ ‫إىل الطريق لتجري بهم سنة الله إىل ما يريد‪ ...‬وهو يعلمهم –‬ ‫منذ البدء – أن استخالف الله لهم هو ابتالء لهم‪ ،‬وليس أنهم‬ ‫أبناؤه وأحباؤه كام زعموا‪ ...‬أنه استخالف لالمتحان (فينظر‬ ‫‪48‬‬ ‫كيف تعلمون)‪.‬‬ ‫ومن املناسب االشارة لتحوطات سيد قطب من النهل‬ ‫من املرويات التوراتية ما وقع فيها عدد من املفرسين عندما‬ ‫مل يجدوا طريقة لحل الثغرات يف القصص القرآنية‪-‬من الزاوية‬ ‫التاريخية أو تسلسل األحداث والشخصيات‪ -‬حيث يقول يف‬ ‫(الظالل) أنه يقف (عند حدود النص القرآين يف مثل هذه‬ ‫املواضيع ال سبيل لنا إىل يشء منها إال عن طريق الكتاب‬ ‫‪ -47‬أنظر سورة املؤمنون ﴿قُل لِّ َمنِ الأَْ ْر ُض َو َمن ِفي َها إِن كُنتُ ْم تَ ْعلَ ُمو َن‬ ‫(‪َ )84‬س َيقُولُو َن لِلَّ ِه ق ُْل أَفَلاَ تَ َذكَّ ُرو َن (‪.﴾)85‬‬ ‫‪ -48‬سيد قطب يف تفسريه آليات سورة األعراف‬

‫‪64‬‬


‫أو السنة الصحيحة) ملاذا يفعل ذلك؟ فال ينقل السياقات‬ ‫والروايات التاريخية التي تتقاطع أحيانا مع قصص القرآن‬ ‫يجيب هو نفسه وكام درج كثريون من املج ّددين بالقول‬ ‫(وذلك تحرزا من اإلرسائيليات واألقوال والروايات التي ال أصل‬ ‫لها والتي ترسبت – مع األسف – اىل التفاسري القدمية لكنها‪،‬‬ ‫حتى ما ينجو منها تفسري واحد من هذه التفاسري‪ ،‬وحتى أن‬ ‫تفسري اإلمام ابن جرير الطربي – عىل نفاسة قيمته – وتفسري‬ ‫ابن كثري كذلك – عىل عظيم قدرة – مل ينجوا من هذه الظاهرة‬ ‫‪49‬‬ ‫الخطرية)‪.‬‬ ‫ويعود سيد قطب لتفسري (الوراثة) مبعنى االستخالف‬ ‫حيث يورد يف سياق اآلية ﴿وأورثنا القوم الذين كانوا‬ ‫‪ -49‬الباحث أ‪.‬أحمد نجيب بن عبد الله صالح قدم رسالة ماجستري يف‬ ‫الجامعة اإلسالمية تحت عنوان (الروايات اإلرسائيلية يف تفسري الطربي‬ ‫(من سورة الفاتحة إىل آخر سورة اإلرساء) جمعاً ودراسةً) وحصل فيها‬ ‫عىل مرتبة الرشف‪ ،‬أثبت أن عدد اإلرسائيليات يف تفسري الطربي من أوله‬ ‫إىل نهآية سورة اإلرساء بلغ (‪ )1132‬روآية تقريباً‪ .‬وقدمت د‪.‬آمال محمد‬ ‫عبدالرحامن ربيع رسالة علمية (رسالة دكتوراه) متفردة‪،‬اتخذت من‬ ‫(اإلرسائيليات يف تفسري الطربي) موضوعا لها‪ ،‬ومتت طباعته من قبل‪:‬‬ ‫املجلس األعىل للشئون اإلسالمية القاهرة رصدت بالكتاب‪/‬الرسالة بشكل‬ ‫حرصي علمي دقيق ‪ -‬بعد دراسة متعمقة للغة واملصادر العربية ‪ -‬جميع‬ ‫النصوص اإلرسائيلية املوجودة يف تفسري الطربي املعرف باسم (جامع‬ ‫البيان يف تأويل القرآن)‪ ،‬والتي وصل عددها إىل ‪ 344‬نصا وأثرا‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫يستضعفون مشارق األرض مغاربها﴾‪ .‬بالقول (إن استخالف‬ ‫بني إرسائيل – يف الفرتة التي كانوا أقرب ما يكونون فيها‬ ‫إىل الصالح وقبل أن يزيغوا فيكتب عليهم الذل والترشد‬ ‫– مل يكن يف مرص‪ ،‬ومل يكن يف مكان فرعون وآله‪ )...‬ورغم‬ ‫أنه يقع يف خطيئة اإلرسائيليات‪-‬كام نعتقد وغرينا اليوم من‬ ‫حيث الجغرافيا فقط هنا‪ -‬ما يعذرعليه واملفرسين اآلخرين‬ ‫حينها لعدم تقدم علوم التاريخ واآلثار كام اليوم إذ يعترب أن‬ ‫(وراثتهم) مبعنى االستخالف (وليس االمتالك لألرض أو تطويبها‬ ‫لهم لألبد أو حتى مؤقتا) كانت وملدة محددة وانقضت يف‬ ‫أرض الشام‪ ،‬والشام هنا عىل حد نقله دون متحيص تاريخي‪-‬‬ ‫جغرايف ع ّمن سبقه‪.‬‬ ‫واستمرارا مع تفسري سيد قطب يف الظالل لسورة‬ ‫األعراف وبني إرسائيل والوراثة واالستخالف يشدد بالقول‬ ‫عن الرسالة املحمدية وما نعرفه جميعا‪ ،‬وقال به الجميع من‬ ‫املسلمني (أنها الرسالة األخرية فهي الرسالة الشاملة التي ال‬ ‫تختص بقوم وال أرض وال جيل‪ ...‬ولقد كانت الرساالت فبلها‬ ‫رساالت محلية قومية محددة بفرتة من الزمان – ما بني عهدي‬ ‫رسولني – وكانت البرشية تخطو خطوات محددة تأهيال لها‬ ‫للرسالة األخرية)‪ ،‬وما االستشهاد هنا إال لتشديدنا أن الرساالت‬ ‫ما قبل اإلسالم وما حملته من وعد بالوراثة مبعنى االستخالف‬ ‫أو غريه إال مرتبطة ‪-‬وكام دالالت اآليات أيضا‪ -‬بفرتة زمنية‬

‫‪66‬‬


‫محددة من جهة ومبساحة محددة يكون محور املامرسة‬ ‫فيها إقامة الدين والدعوة إىل الله وليس االمتالك أبدا لقطعة‬ ‫أرض أو السيطرة عىل رقاب االغيار كام تدعي التناخ (التوراة‬ ‫وملحقاتها)‪.‬‬

‫‪67‬‬


68


‫الفصل الرابع‬ ‫(األرض) (املوروثة) يف القرآن‬ ‫إن الله سبحانه وتعاىل يف ‪ 462‬آية ذكر كلمة األرض‬ ‫يف القرآن الكريم‪ ،‬وعدا اآليات املحكامت التي ربطت األرض‬ ‫بالسامء بالهدآية والخلق‪ ،‬فإن قسام كبريا منها ارتبط بالنظر‬ ‫للعاقبة كام يقول الله تعاىل يف سورة النمل اآلية ‪﴿ 69‬قل سريوا‬ ‫يف األرض فانظروا كيف كان عاقبة املجرمني﴾‪ .‬وما تراه أيضا‬ ‫يف آل عمران (‪ )137‬واألنعام (‪ )11‬ويف الروم وغافر والفجر‬ ‫ومحمد مبا مجموعه ‪ 10‬مرات‪.‬‬ ‫خالصة االستشهاد آليات األرض والعاقبة‪ ،‬أنها مرتبطة‬ ‫بالوراثة واالستخالف وإعامر األرض والصرب‪ ،‬واالستضعاف هو‬ ‫للداللة األكيدة عىل أن الرصاع مل يكن يوما عىل قطعة أرض‬ ‫ومل تكن الرساالت لتعنى أفضلية قوم من حيث الجنس أو‬ ‫القبيلة عىل غريهم وإمنا أفضلية اختيار الله لهم وفق مشيئته‬ ‫لتمييزهم بالهدآية‪ ،‬أي تخصيصهم باألنبياء لهدايتهم‪ ،‬فهو رب‬ ‫الجميع ووارث األرض والساموات لذا فإن دعوته (للنظر)‬ ‫واالعتبار هي حقيقة االستخالف وتحقق اإلميان‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫الصالح رشط وراثة األرض‬ ‫وعن رشوط الوراثة لألرض كام يورد مركز الدراسات‬ ‫‪50‬‬ ‫التخصصية‪:‬‬ ‫(ما دامت هذه الوراثة مام ال يحصل بالنسب وال‬ ‫بالسبب‪ ،‬بل هو أمر إلهي‪ ،‬ألنه ال بد من تحقق رشوط معينة‪،‬‬ ‫حتى يتم التوريث‪ ،‬و إذا رجعنا إىل اآليات القرآنية‪ ،‬لوجدنا‬ ‫الرشط األول هو تحقق حالة االستضعاف‪،‬حيث ركزت اآليات‬ ‫عىل مبدأ االستضعاف كام يظهر من آيات الوراثة‪َ :‬و أَ ْو َرث ْ َنا‬ ‫الْ َق ْو َم الَّذي َن كانُوا يُ ْستَضْ َعفُونَ‪َ ،‬و نُري ُد أَ ْن نمَ ُ َّن َعلىَ الَّذي َن‬ ‫ْاستُضْ ِعفُوا‪.‬‬ ‫و الرشط الثاين هو صالح وإميان املستضعفني‪َ ( ،‬ولَ َق ْد كَتَبْنا‬ ‫الصالِ ُحونَ﴾‪،.‬‬ ‫فيِ ال َّزبُو ِر ِم ْن بَ ْع ِد ال ِّذكْ ِر أَ َّن الأْ َ ْر َض يَ ِرث ُها ِعبا ِد َي َّ‬ ‫وكام ورد أيضا عىل لسان موىس‪َ :‬‬ ‫قال ُموىس‏ لِ َق ْو ِم ِه ْاستَعي ُنوا‬ ‫اصبرِ ُوا إِ َّن الأْ َ ْر َض لِلَّ ِه يُو ِرث ُها َم ْن يَشا ُء ِم ْن ِعبا ِد ِه‪،‬‬ ‫بِاللَّ ِه َو ْ‬ ‫واالستعانة بالله والصرب هي ميزان الصالح وااللتزام الديني‪،‬‬ ‫الصالِ ِ‬ ‫حات‬ ‫ويف آية ثالثة َو َع َد اللَّ ُه الَّذي َن آ َم ُنوا ِم ْن ُك ْم َو َع ِملُوا َّ‬ ‫لَيَ ْستَ ْخلِ َف َّن ُه ْم فيِ الأْ َ ْر ِض كَماَ ْاستَ ْخل َ​َف الَّذي َن ِم ْن قَبْلِ ِه ْم﴾‪.‬‬ ‫ويضيف أيضا أنه (ميكن القول أن هذا الرشط هو مبثابة‬

‫‪ -50‬مركز الدراسات التخصصية يف اإلمام املهدي‪:‬‬ ‫‪http://www.m-mahdi.info/forum‬‬

‫‪70‬‬


‫رشط صحة للرشط السابق أي أن املستضعف الذي يورثه الله‬ ‫األرض ليس أي مستضعف‪ ،‬بل هو خصوص ذلك املستضعف‬ ‫الذي يتميز بالصالح و التقوى‪ ،‬خاصة أن الله يف سورة النساء قد‬ ‫توعد جزءا من املستضعفني بالعذاب األليم وهم املستضعفني‬ ‫الذين يظلمون أنفسهم بالخنوع تحت سلطان الباطل مع‬ ‫القدرة عىل الرفض‪ ،‬حيث قال‪﴿ :‬إِ َّن الَّذي َن ت َ َوفَّا ُه ُم الْ َمالئِ َك ُة‬ ‫ظالِمي‏ أَنْف ُِس ِه ْم قالُوا في َم كُ ْنتُ ْم قالُوا كُ َّنا ُم ْستَضْ َعف َني فيِ الأْ َ ْر ِض‬ ‫قالُوا أَ لَ ْم تَ ُك ْن أَ ْر ُض اللَّ ِه ِ‬ ‫واس َع ًة فَتُها ِج ُروا فيها فَأُول ِئ َك َمأْوا ُه ْم‬ ‫َج َه َّن ُم َوسا َءتْ َمصريا ً﴾‪ .‬وهؤالء استثنى منهم الله املستضعفني‬ ‫غري الظاملني ألنفسهم أو املعذورين‪ ،‬والظلم املذكور هنا ال‬ ‫يتناسب مع الصالح‪ ،‬وبالتايل فاملستضعف غري الصالح من‬ ‫ناحية االلتزام الديني غري موعود بالوراثة)‪.‬‬ ‫ويستطرد (وهذا الرشط كام يكون سابقا عىل الوراثة‬ ‫هو أيضا مقوم لها حيث أن الله ال يحقق هذه الوراثة إال‬ ‫إذا تحققت يف املستضعفني الوارثني قيمة الصالح عىل امتداد‬ ‫الخط‪ ،‬ولينرصن الله من ينرصه… ﴿الَّذي َن إِ ْن َم َّك َّنا ُه ْم فيِ‬ ‫الصال َة َوآتَ ُوا ال َّزكا َة َوأَ َم ُروا بِالْ َم ْع ُر ِ‬ ‫وف َونَ َه ْوا َعنِ‬ ‫الأْ َ ْر ِض أَقا ُموا َّ‬ ‫الْ ُم ْن َك ِر َولِلَّ ِه عا ِق َب ُة الأْ ُ ُمورِ﴾‪ ...‬وإال فإذا كان الوارثون سوف‬ ‫يسلكون نفس الطريق السابق للظاملني فال تتحقق الوراثة)‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫وراثة العلم ال املال‬ ‫وكنموذج نورده من قوله عز وجل‪َ :‬و َورِثَ ُسلَيْماَ ُن‬ ‫َدا ُو َد (النمل‪)16 :‬؛ يعني وهب الله لداود سليامن وجعل‬ ‫فيه امل ُلك والنبوة‪ ،‬وأثنى عليه بقوله‪َ :‬و َو َه ْب َنا لِ َدا ُو َد ُسلَ ْيماَ َن‬ ‫اب‪( ‬ص‪ ،)30 :‬واألنبياء ال يورثون دينارا ً وال‬ ‫نِ ْع َم الْ َع ْب ُد إِنَّ ُه أَ َّو ٌ‬ ‫درهامً‪ ،‬ولكن يورثون العلم‪ ،‬فورث سليامن داود يف النبوة‬ ‫والعلم والحكم والقضاء‪ ،‬كذلك ورثه يف امللك (أي الحكم‬ ‫والسلطة ال متلك األرض والضياع)‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َق ْد آتَيْ َنا َدا ُو َد‬ ‫َو ُسلَيْماَ َن ِعلْماً َوقَاال الْ َح ْم ُد لِلَّ ِه الَّ ِذي فَضَّ لَ َنا َعلىَ كَ ِثريٍ ِم ْن ِعبَا ِد ِه‬ ‫الْ ُم ْؤ ِم ِن َني﴾‪( ‬النمل‪.51)15 :‬‬

‫يقول الله تعاىل يف سورة البقرة‪َ ﴿ :‬و َمن يَ ْرغ َُب َعن ِّملَّ ِة‬ ‫اصطَ َفيْ َنا ُه فيِ ال ُّدنْيَا َوإِنَّ ُه فيِ‬ ‫إِبْ َرا ِهي َم إِالَّ َمن َس ِف َه نَف َْس ُه َولَق َِد ْ‬ ‫ِ‬ ‫الصالِ ِح َني (‪ .)130‬إِ ْذ ق َ​َال لَ ُه َربُّ ُه أَ ْسلِ ْم ق َ​َال أَ ْسلَ ْم ُت‬ ‫اآلخ َر ِة لَ ِم َن َّ‬ ‫ُوب يَا‬ ‫لِ َر ِّب الْ َعالَ ِم َني (‪َ .)131‬و َو ىَّص ِب َها إِبْ َرا ِهي ُم بَ ِني ِه َويَ ْعق ُ‬ ‫اصطَفَى لَ ُك ُم ال ِّدي َن فَالَ تمَ ُوتُ َّن إَالَّ َوأَنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن‬ ‫بَ ِن َّي إِ َّن اللّ َه ْ‬ ‫ُوب الْ َم ْوتُ إِ ْذ ق َ​َال لِ َب ِني ِه‬ ‫(‪ .)132‬أَ ْم كُنتُ ْم شُ َه َداء إِ ْذ َحضرَ َ يَ ْعق َ‬ ‫َما ت َ ْع ُب ُدو َن ِمن بَ ْع ِدي قَالُوا ْ نَ ْع ُب ُد إِلَ َه َك َوإِلَ َه آبَائِ َك إِبْ َرا ِهي َم‬ ‫َوإِ ْسماَ ِع َيل َوإِ ْس َح َق إِلَ ًها َو ِ‬ ‫اح ًدا َونَ ْح ُن لَ ُه ُم ْسلِ ُمو َن (‪.﴾)133‬‬ ‫وعليه نستنتج بوضوح من كل ما سبق أن وراثة األرض‬ ‫‪ -51‬الشيخ أحمد فريد يف تفسري قصة سيدنا سليامن عليه السالم‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫واستخالفها هو باعامرها والتمكن فيها لدين الله الذي ارتضاه‬ ‫لسعادة البرشية‪ ،‬وبصالح الناس‪ ،‬وليس أبدا بتملك قطعة أرض‬ ‫أي أرض كانت (محددة أو عىل إطالقها)‪.‬‬

‫‪73‬‬


74


‫الفصل الخامس‬ ‫هل ُكتبت ُ‬ ‫(سجّ لت) فلسطني بالقرآن باسم‬ ‫(بني إرسائيل) أو (اليهود)؟‬ ‫يف الرد عىل هذا السؤال امل ُضلّل القصد من البعض‪ ،‬نورد‬ ‫أوال اآلية القرآنية التي يستدل بها عميان البرص والبصرية عىل‬ ‫ذلك مفرتضني أوال أن اليهود هم بني إرسائيل سواء بسواء‪ ،‬وما‬ ‫هم كذلك‪ ،‬عدا أن ال عالقة اليوم لبني إرسائيل مبعتنقي الديانة‬ ‫اليهودية يف الكيان اإلرسائييل أو خارجه‪ ،‬لذا سنتعرض للتفاسري‬ ‫الصحيحة لآلية الكرمية كام وردت لدى املفرسين املسلمني‪،‬‬ ‫وننتقل بعد ذلك ملعالجة خطأ أو مثلبة املساواة بني اليهودية‪،‬‬ ‫وبني إرسائيل ‪-‬بحسب ما كتب املفكر العريب فاضل الربيعي‪-‬‬ ‫وبني معظم من دانوا باليهودية اليوم من أقوام مملكة الخزر‬ ‫(بني القرنني ‪ 12-8‬ميالدي) يف املنطقة املمتدة بني بحر قزوين‬ ‫والبحر األسود اليوم (تضم جنوب روسيا وأكرانيا وجورجيا‬ ‫وشبه جزيرة القرم‪ )..‬فيام عرف حينها مبملكة الخزر وبحسب‬ ‫كافة الروايات ومرجعية كتاب املؤلف اليهودي الهنغاري أرثر‬ ‫كوستلر‪ :‬القبيلة الثالثة عرشة مملكة الخزر‪.‬‬ ‫يقول القرآن الكريم يف سورة املائدة عىل لسان موىس‬ ‫عليه السالم‪﴿ :‬يا قوم ادخلوا األرض املقدسة التي كتب الله‬

‫‪75‬‬


‫لكم‪ ،‬وال ترتدوا عىل أدباركم فتنقلبوا خارسين (‪ )22‬قالوا يا‬ ‫موىس إن فيها قوما جبارين‪ ،‬وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها‬ ‫فإنا داخلون (‪.﴾)22‬‬ ‫وهنا اختلف املفرسون – ونعذرهم جميعا ألن تطور‬ ‫علم التاريخ واالكتشافات األثرية مل تكن موجودة يف زمانهم‬ ‫– لذا قال بعضهم أنها ايلياء وبيت املقدس (رغم أن إيلياء‬ ‫غري بيت املقدس)‪ ،‬وقال آخرون أنها أريحا‪ ،‬وقال الكلبي‬ ‫هي دمشق وفلسطني وبعض األردن‪ ،‬وقال قتادة هي الشام‪،‬‬ ‫وقال سفيان الثوري هي الطور‪ ،‬ومن قال أنها مرص‪ ،‬وقد ذكر‬ ‫الطربي الخالف يف التحديد الجغرايف ملعنى األرض املقدسة ثم‬ ‫قال‪( :‬وأوىل األقوال يف ذلك بالصواب‪ ،‬أن يقال‪ :‬هي (األرض‬ ‫املقدسة) كام قال نبي الله موىس‪ ،‬ألن القول يف ذلك بأنها‬ ‫أرض دون أرض‪ ،‬ال تدرك حقيقة صحته إال بالخرب وال خرب بذلك‬ ‫يجوز قطع الشهادة به) وهنا نتفق كليا معه إال أنه يعود‬ ‫ليجتهد وفق علم زمانه‪ ،‬وما وصلوا اليه رحمه الله بالقول‬ ‫(غري أنها لن تخرج من أن تكون من األرض التي ما بني الفرات‬ ‫وعريش مرص إلجامع جميع أهل التأويل والسري والعلامء‬ ‫باألخبار عىل ذلك)‪.52‬‬

‫‪ -52‬تفسري الطربي ‪.172 /6‬‬

‫‪76‬‬


‫ال دليل قطعي عىل الشام‬ ‫وقال د‪.‬محمد أبوزيد (ليس لدينا دليل قطعي عىل‬ ‫تخصيص مكان معني يف بالد الشام‪ .‬ومن املعلوم أن فلسطني‬ ‫من بالد الشام)‪ ،53‬وأضاف عىل فرضية أن األرض املقدسة هي‬ ‫مرص تلك التي رفضها سيد قطب يف الظالل (مل نجد يف القرآن‬ ‫والس ّنة حدود األرض التي ورثوها يف مرص عىل وجه التفصيل‪،‬‬ ‫وال كم بقوا من الزمن فيها‪ ،‬بل الظاهر أن موىس مل يرجع إىل‬ ‫مرص بعد غرق فرعون وجنوده)؟!‬ ‫وعىل خطأ التحديد بهذا الشكل وتضاربه بني جموع‬ ‫املفرسين ما ال نق ّره‪ ،‬فاملكان غري محدد بالقرآن الكريم فعال‪،‬‬ ‫لذا اختلف الفرسون واملؤرخون‪ ،‬وهو غري مهم برأينا يف سياق‬ ‫الحكمة القرآنية املقصودة‪ ،‬وأخذ العربة من األقوام املختلفة‬ ‫بالكفر واإلميان‪ ،‬وال يؤثر يف آيات القرآن وداللتها مطلقا‪.‬‬ ‫يقول د‪.‬محمد عامرة يف توضيح اآلية ﴿يا قوم ادخلوا‬ ‫األرض املقدسة التي كتب الله لكم‪ .﴾...‬أنها متثل آية تتعلق‬ ‫بتاريخ ارتبط بفرتة زمنية انقضت فهي (ليست ترشيعا‪ ،‬وال هي‬ ‫أمر من الله لبني إرسائيل‪ ،‬عىل عهد النبوة‪-‬عهد الرسول محمد‬ ‫‪ -53‬د‪ .‬محمد أبو زيد أبو زيد‪ ،‬دكتور التفسري وعلوم القرآن‪ ،‬كلية اآلداب‬ ‫– جامعة تعز يف دراسة (نظرة قرآنية يف العهود التوراتية)‪ ،‬البحث منشور‬ ‫يف مجلة الرتاث العريب ‪ -‬دمشق‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫(ص)‪ ،54)....‬ألن (القضية مل تكن مطروحة وال واردة عىل عهد‬ ‫النبوة املحمدية‪ ،‬وليست هذه املقولة الرتاثية العربانية بالنسبة‬ ‫لنا دينا أو ترشيعا‪ ،‬وإال كنا مع فالسفة الحركة الصهيونية الذين‬ ‫يتحدثون عن (وعد الله لبني إرسائيل يف أرض املعاد)! فالسياق‬ ‫وسبب النزول فيصل فاصل يف تحديد الخصوص أو العموم‬ ‫وبيان الترشيع من غري الترشيع)‪.55‬‬ ‫مرسح األحداث‬ ‫ولو رجعنا معا لألبحاث املوثقة‪ ،‬والتاريخ الجديد املصحح‬ ‫كام أثبته املفكر العريب فاضل الربيعي يف عديد األسفار الثمينة‬ ‫التي كتبها‪ ،‬ود‪ .‬فرج الله صالح ديب وأحمد الدبش وزياد منى‬ ‫وآخرون فأن قصص القرآن الكريم وهي كلها صحيحة بالطبع‪،‬‬ ‫وإن تشابهت يف أحداث مع بعض مرويات التوراة فإن الوقائع‬ ‫املرتبطة ببعض األحداث ومرسح األحداث الجغرايف قد وقعت‬ ‫يف اليمن القديم عىل ما أثبت هؤالء البحاثة‪ ،‬ولن نخوض يف‬ ‫إثبات هذه النظرية‪/‬الحقائق الهامة بل نحيل كل من يرغب‬ ‫‪ -54‬د‪.‬محمد عامرة يعرض املوضوع كمثال يف سياق موضوع آخر‪،‬‬ ‫للتفريق بني الترشيع العام‪ ،‬وبني الخصوص وسياق وسبب النزول لآليات‪،‬‬ ‫ويضع يدنا عىل املالبسات كام يذكر‪.‬‬ ‫‪ -55‬د‪ .‬محمد عامرة‪،‬الدولة اإلسالمية بني العلامنية والسلطة الدينية‪،‬دار‬ ‫الرشوق‪،‬القاهرة‪،‬ط‪ 1‬عام ‪،1988‬ص‪42‬‬

‫‪78‬‬


‫أن يستزيد مام كتبناه يف موقعنا الشخيص ويف الصحف‪،‬‬ ‫وكذلك لكتب املفكر العريب فاضل الربيعي خاصة (فلسطني‬ ‫املتخيلة‪ :‬أرض التوراة يف اليمن القديم) وكتاب (القدس ليست‬ ‫أورشليم)‪ 56‬وكتاب (أسطورة عبور األردن ودخول أريحا)‬ ‫وكتاب (حقيقة السبي البابيل) وكتاب (حب يف اورشليم)‬ ‫ولكتب األستاذ أحمد الدبش‪ ،‬ولكتاب د‪.‬فرج الله صالح ديب‪.‬‬ ‫(التوراة العربية وأورشليم اليمنية)‪.57‬‬ ‫‪ -56‬فاضل الربيعي‪ ،‬فلسطني املتخيلة‪ :‬أرض التوراة يف اليمن القديم‪،‬دار‬ ‫الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ 3‬يف ‪( 2010‬الطبعة االوىل ‪ ،)2008‬وكتابه القدس‬ ‫ليست أورشليم‪ ،‬مساهمة يف تصحيح تاريخ فلسطني‪،‬رياض الريس‬ ‫للكتب والنرش‪،‬ط‪.2010 1‬‬ ‫‪ - 57‬قال د‪ .‬فرج الله صالح ديب (الحقيقة ان مرسح التوراة كان هناك‬ ‫يف اليمن‪ .‬فمن ابناء نوح حسب التوراة ازال وحرضموت وازال اسم‬ ‫صنعاء عاصمة اليمن حتى القرن السادس ميالدي او مدينة سام‪ .‬كام‬ ‫ان ابراهيم رحل من اور قاصديم من بالد بني قاصد اي يافع السفىل‬ ‫جنوب اليمن اىل مرص بني بريم وإب جنوب صنعاء‪ .‬ومل يتساءل الفكر‬ ‫الغريب التورايت عن مرصاييم التوراتية وتناىس ان مرص الدولة الحارضة كان‬ ‫اسمها التاريخي بالد القبط‪ .‬ثم ارتحل ابراهيم اىل حربون التي ما زالت‬ ‫باسمها شامل رشق عدن يف منطقة الواحدي)‪ .‬واضاف (ان الفكر العريب‬ ‫يالم تاريخيا وآثاريا وال يالم الفكر الغريب‪ .‬فهل كان الهمذاين (يف كتاب‬ ‫االكليل) والطربي (يف تاريخ االمم وامللوك) من االغبياء عندما ذكرا ان‬ ‫فراعنة مرص ايام يوسف وموىس كانا الوليد بن الريان والوليد بن مصعب‬ ‫ام ان احدا مل يقرأ الطربي بل اعتمد فهرسه فقط؟ ان اليهود عشائر عربية‬

‫‪79‬‬


‫َك َتب بمعنى َفرَض‬ ‫وهذا الحوار ينشأ عندنا أصال عىل الفرضية اإلرسائيلية يف‬ ‫مطلع هذا البحث التي تقول أن معنى الكالم يف كلمة (كَتَب)‬ ‫باآلية هو (منح) او أعطى ما قال به بشكل آخر ابن إسحاق‪،‬‬ ‫إال أن املفرسين اآلخرين قد أعطوا مفردة (كتب) معاين أخرى‬ ‫مل تقف عند حد الهِبة أو املنح والجعل واإلعطاء‪ ،‬ما نراه‪-‬أي‬ ‫املنح‪ -‬بعيدا جدا عن املعنى الحقيقي‪ ،‬وكام قال بذلك األسدى‬ ‫الذي استنبط معنى آخر يف سياق اآليات القرآنية األخرى فهي‬ ‫تعنى قطعا هنا (التي أمركم بدخولها) وليس (منحكم إياها)‬ ‫أو (كتبها أو ط ّوبها باسمكم) (أوجعلها صكا أو ملكية لكم)‪،‬‬ ‫وقال قتادة أمروا بها كام أمروا بالصالة أي‪ :‬فرض عليكم‪.‬‬ ‫ويقول الشيخ رشيد رضا يف تفسري املنار أن قوله تعاىل‬ ‫(كتب الله لكم) كتب لهم –يقصد بني إرسائيل القبيلة‬ ‫املنقرضة اليوم‪-‬الحق يف سكنى تلك البالد املقدسة مضيفا‪،‬‬ ‫وليس معناه أنها تكون ملكا لهم دامئا‪ ،‬أو ال يزاحمهم فيها‬ ‫أحد‪،‬ألن هذا مخالف للواقع‪ ،‬ولن يخلف الله وعده فاستنبط‬ ‫اليهود من ذلك الوعد انه ال بد أن يعود لهم امللك يف البالد‬ ‫‪58‬‬ ‫املقدسة غري صحيح‪.‬‬ ‫مينية نسبة اىل النبي هود الوارد ذكره يف القرآن والذي كان من االحقاف‬ ‫شامل حرضموت‪( ).‬رويرتز يف ‪)2012/11/15‬‬ ‫‪ -58‬كام هو الحال مع املفرسين اآلخرين يعتقد الشيخ رشيد رضا أن‬

‫‪80‬‬


‫النص التورايت كام يورد‬ ‫من خالل قراءته املعمقة يف ّ‬ ‫الباحث أحمد أشقر‪-59‬وان كان ليس بواردنا هنا وضع التوراة‬ ‫مقابل القرآن الكريم ابدا ما قد يخرجنا عن سياقنا‪ ،‬ولكن‬ ‫سنضع هذا املقتضب بني أيديكم كنموذج بحثي رصني ورسيع‪-‬‬ ‫يقول‪( :‬نفهم أن الوعد مل يكن وعدا ً‪ ،‬وأن العهد مل يكن عهدا ً‪،‬‬ ‫ومل يزد عن كونه اتفاقاً بسيطاً بني طرفني‪ .‬فيه يضمن (يهوه‪/‬‬ ‫ءلوهيم) منح أرض (كنعن) لـ (ءبرم) الالجئ ونسله من (ءور‬ ‫األرض املقدسة املذكورة هي أرض فلسطني‪ ،‬ورغم قوله بذلك فإنه ال‬ ‫يرى أنها كانت ملكا لهم أو صكا أو طابو أو لنسلهم إىل األبد كام تزعم‬ ‫التوراة‪ -‬رغم انقطاع النسل أصال‪ ،‬حيث بني إرسائيل قبيلة منقرضة مثل‬ ‫قوم لوط ومثود وعاد وقوم صالح‪ -‬بل يؤكد الشيخ رشيد رضا أن املقصود‬ ‫هو حق االنتفاع بها هنا‪ ،‬مستنتجا بعد أن يقرا يف نصوص التوراة التي‬ ‫يوردها يف تفسريه (‪....‬وهو يوافق ما قلناه قبل من أن بني إرسائيل يكون‬ ‫لهم حظ يف تلك البالد يف وقت ما‪ ،‬وأن وعد (وعد ؟! مصطلح ورد فقط‬ ‫بالتوراة) الله إلبراهيم صىل الله عليه وسلم يشمل ذلك‪ ،‬ولكنه ليس‬ ‫خاصا بهم‪ ،‬وال هم أوىل به من أوالد عمهم العرب‪ ،‬بل هؤالء هم األوىل‬ ‫كام حصل بالفعل)‪ ،‬ونقول أن كل من األنبياء عليهم السالم ابراهيم‬ ‫واسحق واسامعيل ثم يعقوب (إرسائيل) هم من القبائل العربية التي‬ ‫آمنت بالله وبالتوحيد وباإلسالم‪ ،‬وال عالقة (لليهودية) بالنسب كام ال‬ ‫عالقة لقبيلة إرسائيل األمس باليوم مطلقا‪.‬‬

‫‪http://library.islamweb.net/newlibrary/display‬‬

‫‪ -59‬الباحث أحمد أشقر يف مدونته اليهودية‪ -‬الصهيونية التي زودنا بها‬ ‫مشكورا ونرشت يف عديد الصحف‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫كسديم)‪ ،‬مقابل أن يقوم (ءبرم) ونسله باختتان ذريتهام‪ .‬نعلم‬ ‫طبعاً أن لـ (ءبرهم) ولدين‪( :‬يشمعـ ِءل) البكر و(يصحق)‪.‬‬ ‫أما اليهود واملسيحيون الذين تبنوا (التناخ) بصيغة‬ ‫(العهد القديم)‪ ،‬فقد اعتربوا (يصحق) هو االبن الرشعي‪ ،‬دون‬ ‫أخيه (يشمعـ ِءل)‪ ،‬الذي يعتربه العرب جدهم‪ ،‬ألنه ابن (هجر)‬ ‫الجارية (املرصمية)‪ ،‬التي هي ليست من جامعة (ءبرهم‪/‬‬ ‫ءبرم) و(رسه‪ /‬رسي)‪ .‬أي أنها ‪ goya‬بحسب الرشيعة اليهودية‪.‬‬ ‫النص (التناخي) ال يجزم جزماً قاطعاً ال ّ‬ ‫شك‬ ‫هذا مع العلم أن ّ‬ ‫فيه‪ ،‬بأن (يصحق) هو ابن (ءبرهم) ومن صلبه‪ ،‬فقد َر ّج ْح ُت‬ ‫ن يكون إبنا لـ (فرعه)‪ .‬وبينام أبوية (ءبرهم) لـ (يشمعـ ِءل)‪،‬‬ ‫مؤكدة ليس فيها أية ذرة ّ‬ ‫النص (التناخي))‪.‬‬ ‫شك‪ ،‬كام يتضح يف ّ‬ ‫التزام أحكام الله‪ ،‬ال (امتالك) فلسطني كوعد‬ ‫يقول د‪.‬محمد أبوزيد يف دراسته (نظرة قرآنية يف العهود‬ ‫التوراتية) أن‪:‬العهد إلبراهيم يف‪ ...‬يصطدم عقدياً مع اإلسالم‬ ‫صداماً مبارشا َ؛ ألن خلف الوعد ال يليق أن يكون من صفات‬ ‫اإلله الحق ويف القرآن‪﴿ :‬إِ َّن اللَّ َه ال يُ ْخلِ ُف الْ ِمي َعا َد(‪ )9‬فَال‬ ‫تَ ْح َس نَ​َّب اللَّ َه ُم ْخلِ َف َو ْع ِد ِه ُر ُسلَ ُه (‪.﴾)10‬‬ ‫ولهذا أرى أنه من تحريفات اليهود التي أضافوها إىل‬ ‫التوراة لتوافق هوى يف نفوسهم وسياستهم كام هو معلوم عن‬

‫‪82‬‬


‫أخالقهم وسلوكهم يف تحريف كتاب الله التوراة‪.‬‬ ‫يقول الباحث صدقي البيك يف تفسري اآلية أي ﴿التي‬ ‫أمركم أن تدخلوها﴾‪ .‬ويف تفسري مقاتل والسمرقندي والتفسري‬ ‫امليرس وتفسري ابن أيب زمنني ومفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ويف تفسري‬ ‫السيد طنطاوي أيضا (فرض عليكم دخولها وأمركم به‪ ،‬ومفعول‬ ‫كتب محذوف‪ ،‬أي كتب أن تدخلوها) ليضيف الباحث صدقي‬ ‫البيك أيضا أن األرض املقدسة (كتب‪ /‬فرض‪ /‬أمر) بنى إرسائيل‬ ‫بدخولها (مبا صربوا) كام جاء يف سورة األعراف اآلية‪، 137 :‬‬ ‫﴿ومتت كلمة ربك الحسنى عىل بني إرسائيل مبا صربوا﴾‪،‬‬ ‫ومثلها يف قوله تعاىل ﴿واكتب لنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة‬ ‫إنا ُهدنا اليك﴾‪ ،‬وليس يف ذلك القول أي معنى كوين حتمي‬ ‫أو معنى رشعي أبدا كام يرد لهذه الداللة األخرية يف اآليات ﴿‬ ‫كتب الله ألغلنب أنا ورسيل﴾‪ ُ.‬وقوله‪﴿ :‬كتب ربكم عىل نفسه‬ ‫الرحمة﴾‪ .‬أو كحكم رشعي واجب النفاذ حني يكايفء الله‬ ‫سبحانه وتعاىل من يعمل به ويعاقب من يخالفه‪ ،‬كام يف قوله‬ ‫تعاىل‪﴿:‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس‪ .﴾...‬وكقوله‪﴿ :‬‬ ‫كُتب عليكم الصيام‪.﴾..‬أو أن يكون املكتوب جزاء عىل عمل‪،‬‬ ‫مثل‪﴿ :‬واكتب لنا يف هذه الدنيا حسنة﴾‪.‬‬ ‫ويضيف صدقي البيك أيضا بالقول (ثم إن هذه الكتابة‬ ‫مهام كانت داللتها فهي مرتبطة بالتزام املكتوب لهم أحكا َم‬ ‫الله وإطاعة أوامره واالنتهاء عام نهاهم عنه‪ .‬فبقية اآليات‬

‫‪83‬‬


‫تنص عىل أن الله تعاىل عاقبهم‪ ،‬عىل عصيانهم أوامر الله التي‬ ‫جاءت عىل لسان موىس عليه السالم‪ ،‬بتحرميها عليهم أربعني‬ ‫وس إِ َّن ِفي َها‬ ‫سنة والتيه يف األرض‪ .‬واآليات هي‪﴿ :‬قَالُوا يَا ُم ىَ‬ ‫قَ ْو ًما َج َّبارِي َن َوإِنَّا لَ ْن نَ ْد ُخلَ َها َحتَّى يَ ْخ ُر ُجوا ِم ْن َها فَ ِإ ْن يَ ْخ ُر ُجوا‬ ‫ِم ْن َها فَ ِإنَّا َد ِ‬ ‫اخلُونَ﴾‪( .‬املائدة‪ .)22 :‬ثم ردواعىل موىس وهارون‪:‬‬ ‫وس إِنَّا لَ ْن نَ ْد ُخلَ َها أَبَ ًدا َما َدا ُموا ِفي َها فَا ْذ َه ْب أَن َْت‬ ‫(﴿قَالُوا يَا ُم ىَ‬ ‫َو َربُّ َك فَقَاتِلاَ إِنَّا َها ُه َنا قَا ِع ُدو َن﴾‪( .‬املائدة‪.)24 :‬‬ ‫مستطردا فأي عصيان وفسق هذا؟! ولذلك عاقبهم الله‬ ‫بتحريم دخولها عليهم وبالتيه يف الصحراء‪( :‬قال فإنها مح ّرمة‬ ‫عليهم أربعني سنة يتيهون يف األرض فال تأس عىل القوم‬ ‫‪60‬‬ ‫الفاسقني‪).‬‬ ‫‪ -60‬رغم أننا ال نستدل يف التوراة يف هذا السياق‪ ،‬ألننا نرى األرض غري‬ ‫األرض أصال‪ ،‬ونرى أنه ال وعد أصال ما يتناقض مع القرآن الكريم‪ ،‬وأوضحنا‬ ‫معنى الوراثة وامللوك‪ ،‬وال تسجيل كملكية‪/‬صك طابو ألحد مطلقا يف أية‬ ‫أرض كام أثبتنا‪ ،‬اال أن هناك نص يف التوراة يف سياق ما يتحدث به الباحث‬ ‫صدقي البيك يقول‪ :‬يف سفر العدد ‪ ،11 :14‬يقارب هذه اآليات من سورة‬ ‫املائدة ويدل عىل ربط تحقيق الوعد باإلميان والطاعة‪.‬فبعد الحديث‬ ‫يف هذا اإلصحاح عن عودة الذين تجسسوا أرض كنعان‪ ،‬وتذ ُّمر جميع‬ ‫بني إرسائيل ومتنيهم لو ماتوا يف مرص (أي مرص؟) بدال من أي يسقطوا‬ ‫بالسيف يف هذه األرض‪ ...‬يذكر النص‪ 11-( :‬وقال الرب ملوىس حتى متى‬ ‫يهينني هذا الشعب‪ 22-...‬إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآيايت‪...‬‬ ‫ومل يسمعوا لقويل لن يروا األرض التي حلفت آلبائهم‪ .‬وجميع الذين‬

‫‪84‬‬


‫بني اليهود وبني إرسائيل‬ ‫وفيام يرفض الباحث د‪.‬محمد أبوزيد املساواة بني‬ ‫(اليهود) أو أتباع الديانة اليهودية يف الغابر من العصور‪ ،‬وبني‬ ‫(بني إرسائيل) (هم القبيلة العربية اليمنية الغابرة) حيث‬ ‫الفرق كبري ما هو حق‪ ،‬وما مل يقل بالخلط بينهام إال من يريد‬ ‫اعتباط التاريخ‪ ،‬فإن الكاتب يستند يف ذلك لآليات محكامت إذ‬ ‫يقول‪( :‬نجد يف القرآن نهياً لليهود والنصارى عن إقحام إبراهيم‬ ‫فيام يخصهم بغري دليل واضح ألن زمن إبراهيم‪،‬كام هو معلوم‬ ‫سابق للتوراة بنحو أربعة قرون وزيادة واإلنجيل نزل بعد‬ ‫التوراة بنحو عرشة قرون تقريباً‪ ).‬ويضيف قال تعاىل‪) :‬يَا أَ ْه َل‬ ‫ِيل إِال‬ ‫اب لِ َم تُ َحآ ُّجو َن فيِ إِبْ َرا ِهي َم َو َما أُنْ ِزل َْت التَّ ْو َرا ُة َواإلنج ُ‬ ‫الْ ِكتَ ِ‬ ‫ِم ْن بَ ْع ِد ِه أَفَال تَ ْع ِقلُونَ((‪ .)13‬وقال‪َ ) :‬ما كَا َن إِبْ َرا ِهي ُم يَ ُهو ِديًّا َوال‬ ‫نَصرْ َانِ ًّيا َولَ ِك ْن كَا َن َح ِنيفًا ُم ْسلِماً َو َما كَا َن ِم ْن الْ ُمشرْ ِكِ َني((‪.)14‬‬ ‫إن االستدالل عىل صحة رأي املفرسين الذين قالوا أن‬ ‫الله كتب لبني إرسائيل (وليس لليهود الديانة أولبني إرسائيل‬ ‫يل ‪30-‬‬ ‫أهانوين ال يرونها‪..29- ...‬من ابن عرشين فصاعدا الذين تذمروا ع َّ‬ ‫لن تدخلوا األرض التي دفعت يدي ألسكنكم فيها‪ 30-...‬وبنوكم يكونون‬ ‫رعاة يف القفر أربعني سنة)‪.‬‬ ‫فهذا النص التورايت كام يقول صدقي البيك‪ :‬يحرمهم من دخولها وسكناها‬ ‫لفسادهم وإهانتهم لله‪ ،‬وهذا يعني أنه كان وعدا رشعيا متوقفا عىل‬ ‫طاعتهم لله‪ ،‬وليس عطاء أبديا وال حقا أزلياً‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫القبيلة املنقرضة مثل قوم عاد وقوم مثود وقوم صالح وقوم تبّع‬ ‫وقوم لوط وقوم نوح‪ )...‬تأيت من استنتاج الباحث صدقي البيك‬ ‫إذ يقول معلقا عىل هذه اآلية الكرمية ما نتفق فيه معه كامل‬ ‫االتفاق هو (الحقيقة ان الله تعاىل ال يؤثر قوما بيشء من أمور‬ ‫الدنيا أو اآلخرة بسبب عرقهم أو لغتهم أو لونهم‪ ،‬فهو يخاطب‬ ‫الناس جميعا يف سورة الحجرات (يا ايها الناس انا خلقناكم من‬ ‫ذكر‪ ...‬خبري (الحجرات ‪ 13‬فالناس يف حكم الله سواء‪.‬‬ ‫موىس عربي يمني‬ ‫نضيف اىل ذلك حديث الرسول املنقول أثناء معراجه‬ ‫عليه السالم اىل السامء‪ ،‬ونحن نؤمن قطعا كمسلمني باالرساء‬ ‫واملعراج‪ ،‬يتحدث محمد صىل الله عليه وسلم عن النبي موىس‬ ‫عليه السالم باعتباره عريب ميني من أزد شنوءة (قبيلة عربية‬ ‫مينية)‪ ،61‬وعليه تكون (األرض املقدسة) أعني بها أرضنا هناك‬ ‫‪( -61‬حدثنا‏‏إبراهيم بن موىس‏‏أخربنا‏‏هشام بن يوسف‏‏أخربنا‏‏معمر‏‬ ‫‏عن‏‏الزهري‏‏عن‏‏سعيد بن املسيب‏‏عن‏‏أيب هريرة‏‏ريض الله عنه‏‏قال‪:‬‬ ‫قال رسول الله‏‏صىل الله عليه وسلم‏‏ليلة أرسي يب‏‏رأيت‏‏موىس‏‏وإذا‬ ‫هو رجل رضب رجل كأنه من رجال‏‏شنوءة‪ )....‬و (شنوءة) َح ٌّي ِم ْن الْ َي َمنِ‬ ‫يُ ْن َس ُبو َن إِلىَ شَ ُنو َء َة َو ُه َو َع ْب ُد اللَّ ِه بْ ُن كَ ْع ِب بْنِ َع ْب ِد اللَّ ِه بْنِ َمالِ ِك بْنِ نَصرْ ِ‬ ‫بْنِ الأْ َ ْز ِد ‪َ ,‬ولَق َُب شَ ُنو َء َة لِشَ َنآنٍ كَا َن بَيْ َن ُه َوبَينْ َ أَ ْهلِ ِه ‪َ ,‬وال ِّن ْسبَ ُة إِلَيْ ِه شَ ُنوئيِ ٌّ‬ ‫بِالْ َه ْم ِز بَ ْع َد الْ َوا ِو َوبِالْ َه ْم ِز ِب َغيرْ ِ َوا ٍو ‪ ,‬ق َ​َال اِبْ ُن قُتَ ْي َبةَ‪ُ :‬س ِّم َي ِب َذلِ َك ِم ْن قَ ْولِك‬ ‫َر ُج ٌل ِفي ِه شَ ُنو َء ٌة أَ ْي ت َ َق ُّززٌ‪َ .‬والتَّ َق ُّز ُز ِبق ٍ‬ ‫َاف َوزَايَينْ ِ التَّبَا ُع ُد ِم ْن الأْ َ ْدن ِ‬ ‫َاس‪ ،‬ق َ​َال‬

‫‪86‬‬


‫يف البعيد يف اليمن القديم‪ ،‬وطلب دخولها من جامعة محددة‬ ‫(عصت) ولفرتة محددة انقضت و (انقرضت)‪ ،‬واليكم الحديث‬ ‫الرشيف‪ :‬قال عليه الصالة والسالم‪ ...( :‬ثم أصعدين إىل السامء‬ ‫السادسة‪ ،‬فإذا فيها رجل آدم طويل أقنى‪ ،‬كأنه من رجال‬ ‫شنوءة ؛ فقلت له‪ :‬من هذا يا جربيل؟ قال‪ :‬هذا أخوك موىس‬ ‫بن عمران‪)...‬‬ ‫فالناس يف حكم الله سواء‪ :‬من كفر فعليه كفره‪ ،‬ومن‬ ‫آمن وعمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها‪ .‬والله تعاىل ال‬ ‫يحايب أتباع أي نبي إذا ارتكبوا اآلثام‪ ،‬وال يتغاىض عنهم بحجة‬ ‫أنهم مسلمون مؤمنون به‪ ،‬فيقول‪﴿:‬لَ ْي َس ِبأَ َمانِ ِّي ُك ْم َولاَ أَ َمانيِ ِّ‬ ‫اب َم ْن يَ ْع َم ْل ُسو ًءا يُ ْج َز ِب ِه َولاَ يَ ِج ْد لَ ُه ِم ْن ُدونِ اللَّ ِه‬ ‫أَ ْهلِ الْ ِكتَ ِ‬ ‫َولِ ًّيا َولاَ ن َِص ًريا﴾‪( .‬النساء‪.)123 :‬‬ ‫﴿ َوقَال َِت الْ َي ُهو ُد َوال َّن َصا َرى نَ ْح ُن أَبْ َنا ُء اللَّ ِه َوأَ ِح َّباؤُهُ‬ ‫ق ُْل فَلِ َم يُ َع ِّذبُ ُك ْم ِب ُذنُو ِب ُك ْم بَ ْل أَنْتُ ْم بَشرَ ٌ ِم َّم ْن َخل َ​َق يَ ْغ ِف ُر لِ َم ْن‬ ‫يَشَ ا ُء َويُ َعذ ُِّب َم ْن يَشَ ا ُء َولِلَّ ِه ُمل ُْك السَّماَ َو ِ‬ ‫ات َوالأْ َ ْر ِض َو َما بَ ْي َنهُماَ‬ ‫‪62‬‬ ‫َوإِلَ ْي ِه الْ َم ِص ُري﴾‪( .‬املائدة‪.)18 :‬‬ ‫الدَّا ُو ِد ُّي ِر َج ُال الأْ َ ْز ِد َم ْع ُروفُو َن بِالطُّولِ‪-‬وليد اليحصبي يف دراسته األنبياء‬ ‫وأرض اليمن املقدسة يف موقع العقالنيني العرب‏‬ ‫‪ -62‬مدونة صدقي البيك يف رابط املوضوع‬ ‫‪http://www.alukah.net/sharia‬‬

‫‪87‬‬


‫من كل ما سبق يثبت كذب الزعم بأن الله سبحانه‬ ‫وتعاىل (س ّجل) أو (ط ّوب) أو (ملّك) أرض–أي أرض‪ ،‬فام بالك‬ ‫أن تكون أرض فلسطني – باسم بني إرسائيل‪،‬القبيلة اليمنية‬ ‫العربية املنقرضة‪ 63،‬عدا أن تكون لليهوديني الديانة سابقا‬ ‫أو اليوم‪ ،‬فهو إذ يذكر يف الكتاب العزيز القصة تلو القصة‬ ‫فإمنا كل ذلك للحكمة واالعتبار‪ ،‬حيث أوجب عليهم وفرض‬ ‫وأمر (كتب) دخولها أو سكناها‪ ،‬وهم كانوا عصاة مل يلتزموا‬ ‫بأوامر الله فلم يصح أبدا عىل لسان أي من املفرسين أن املراد‬ ‫باآلية الكرمية ما يحاول اإلرسائيليون اليوم ومن لف لفهم من‬ ‫مزروري التناخ (التوراة) ان يقرروه أنها ملك مصكوك لهم‪.‬‬

‫‪ -63‬قبيلة بني ارسائيل أو قوم ارسائيل كقبيلة عربية قدمية‪ ،‬مل تعد‬ ‫مؤثرة عىل مرسح التاريخ أو منقرضة متاما كام الحال مع قوم مثود وقوم‬ ‫لوط وقوم عاد وقوم نوح وغريها من االقوام املذكورة يف القرآن الكريم‬ ‫كعربة‪ ،‬وكذلك االمر كمثال مع قبيلة قريش التي سادت العرص االموي ثن‬ ‫العبايس مل يعد لها كقبيلة سطوة عىل مرسح التاريخ اليوم‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫الفصل السادس‬ ‫اليهود والقدس واألرض املباركة‬ ‫يطرح اليهود اليوم أن القدس يف القرآن ال ذكر لها‪،‬‬ ‫ورغم أن اآلية التي تشري للمسجد األقىص املبارك واضحة يف‬ ‫﴿س ْب َحا َن ال َِّذي أَسرْ َ ٰى ِب َع ْب ِد ِه لَ ْيلاً ِم َن الْ َم ْسج ِ​ِد الْ َح َر ِام‬ ‫القرآن ُ‬ ‫إِلىَ الْ َم ْسج ِ​ِد الأْ َقْصىَ الَّ ِذي بَا َركْ َنا َح ْولَ ُه لِنرُ ِيَ ُه ِم ْن آيَاتِ َنا إِنَّ ُه ُه َو‬ ‫الس ِمي ُع الْبَ ِص ُري﴾‪-.‬االرساء‪.)1‬‬ ‫َّ‬ ‫أبحاث بعض املسلمني قبل اليهود تشري ضمن دالالت‬ ‫عدة إىل أن املسجد األقىص (هو املساحة املقدرة ‪ 144‬ألف‬ ‫مرت مربع من املباين والساحات متضمنة السور وما هو داخله‬ ‫بالقدس اليوم) املشار إليه باإلرساء واملعراج قد ال يكون‬ ‫جغرافيا وتاريخيا يف املكان الحايل‪ ،‬وبغض النظر عن النقاش يف‬ ‫هذا الباب حيث أننا نؤمن دينيا‪ ،‬فإن املسجد األقىص‪( 64‬البناء‬ ‫الحايل) ثابت تاريخيا بكل الروايات أنه للمسلمني‪ ،‬وأنه ُحدد‬ ‫أو بنى كبناء أومساحة منذ عمر بن الخطاب والحقا يف زمن‬ ‫‪ -64‬يقصد باملسجد األقىص كامل املساحة املستطيلة يف مدينة القدس‬ ‫اليوم التي تضم املسجد القبيل (البعض يسميه خطأ وحرصا املسجد‬ ‫األقىص) ومسجد عمر ومسجد قبة الصخرة واملباين األخرى والساحات‬ ‫واألسوار‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫عبد امللك بن مروان‪.‬‬

‫‪65‬‬

‫تقول أدبيات املسلمني التايل‪ :‬قال الرسول عليه الصالة‬ ‫والسالم‪( :‬عن أَبيَ َذ ٍّر َرضيِ َ اللَّ ُه َع ْن ُه ق َ​َال‪ :‬قُل ُْت يَا َر ُس َ‬ ‫ول اللَّ ِه‬ ‫(أَ ُّي َم ْسج ٍِد ُو ِض َع فيِ الأْ َ ْر ِض أَ َّو َل؟ ق َ​َال‪( :‬الْ َم ْس ِج ُد الْ َح َرا ُم)‪ ،‬ق َ​َال‪:‬‬ ‫قُل ُْت ث ُ َّم أَ ٌّي؟ ق َ​َال‪( :‬الْ َم ْس ِج ُد الأْ َقْصىَ )‪ ،‬قُل ُْت‪ :‬كَ ْم كَا َن بَ ْي َنهُماَ ؟‬ ‫ق َ​َال‪ :‬أَ ْربَ ُعو َن َس َنةً‪ ،‬ث ُ َّم أَيْنَماَ أَ ْد َركَتْ َك الصَّلاَ ُة بَ ْع ُد ف َ​َصلِّ ْه‪ ،‬فَ ِإ َّن‬ ‫الْفَضْ َل ِفي ِه)‪ .‬ولقد وردت روايات تؤكد أن أول من بنى املسجد‬ ‫الحرام هو آدم عليه السالم‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإن أول بناء كان للمسجد‬ ‫األقىص عىل عهد آدم عليه السالم‪ ،‬أو يف عهد أبنائه‪ ،‬قال ابن‬ ‫حجر العسقالين‪( :‬فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم‪ ،‬ثم‬ ‫انترش ولده يف األرض‪ ،‬فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت‬ ‫‪66‬‬ ‫املقدس‪(.‬‬ ‫إن استندنا للروايات العربية‪ ،‬واألحاديث الرشيفة كام‬ ‫سبق‪ ،‬ال لآلثار والتاريخ فيام قاله ابن حجر العسقالين‪ ،‬فهو‬ ‫يقول (جائز) أي هو غري متيقن تاريخيا من وضع ابن آدم‬ ‫‪ -65‬مع الفتح اإلسالمي للقدس عام ‪636‬م (املوافق ‪ 15‬للهجرة)‪ ،‬بنى‬ ‫عمر بن الخطاب الجامع القبيل‪ ،‬كنواة للمسجد األقىص‪ .‬ويف عهد الدولة‬ ‫األموية‪ ،‬بنيت قبة الصخرة‪ ،‬كام أعيد بناء الجامع القبيل‪ ،‬واستغرق هذا‬ ‫كله قرابة ‪ 30‬عاما من ‪ 66‬هجرية‪ 685 /‬ميالدية – ‪ 96‬هجرية‪715/‬‬ ‫ميالدية‪ ،‬ليكتمل بعدها املسجد األقىص بشكله الحايل‪.‬‬ ‫‪ -66‬صالح الرقب‪ ،‬خرافات بال حدود من موقع ‪http://felesteen.ps‬‬

‫‪90‬‬


‫لبيت املقدس‪ 67،‬ويقول آخرون (جائز) أيضا أن يكون ولد آدم‬ ‫مل يضع بيت املقدس يف جغرافيا فلسطني اليوم‪ ،‬ما قد يفتح‬ ‫الباب أن يكون املقصود يف فضاء جغرايف آخر‪.‬‬ ‫أما ادعاء اليهود مللكيتهم القدس أو أورشليم حسب‬ ‫أبحاث فاضل الربيعي عن املواقع الثالثة املسامة قدس‪ ،‬وعن‬ ‫أورشليم –املذكورة يف نصوص التوراة‪-‬كلها يف اليمن القديم‬ ‫وليست يف فلسطني أبدا‪.‬‬ ‫مرويات ضعيفة‬ ‫ونضيف للروايات التايل‪( :‬كلمة‪( )..‬املسجد األقىص)‪..‬‬ ‫تعني أنه قد يوجد بجانبه مسجدا ً أدىن)‪..‬حتى يتم متييزه‪،‬‬ ‫واملؤرخني املسلمني يقولون أن املسجد األقىص املذكور موجود‬ ‫يف قرية‪ )..‬الجعرانة)‪.‬بالقرب من مكة‪ ،‬يقول الرشواين‪( :‬اعتمر‬ ‫منها‪ ،‬أي من الجعرانة‪ .‬وقال الواقدي أن الرسول صىل الله‬ ‫عليه وسلم أحرم منها من املسجد األقىص الذي تحت الوادي‬ ‫‪ -67‬يقول القرطبي يف الجامع ألحكام القرآن (ج‪ 4‬ص‪( : )148‬واختلف يف‬ ‫أول من أسس بيت املقدس (هذا بافرتاض أن جغرافيا بيت املقدس يقصد‬ ‫بها يف فلسطني وهي فرضية‪-‬الكاتب)‪ ،‬فروي أن أول من بنى البيت –‬ ‫يعني البيت الحرام – آدم عليه السالم‪ ،‬فيجوز أن يكون ولده وضع بيت‬ ‫املقدس من بعده بأربعني عاماً‪ ،‬ويجوز أن تكون املالئكة‪ ‬أيضاً بنته بعد‬ ‫بنائها البيت بإذن الله‪ ،‬وكل محتمل والله أعلم)‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫بالعدوة القصوى‪ ...‬ثم عاد بعد االعتامر إىل الجعرانة فأصبح‬ ‫فيها فكأنه بات فيها ومل يخرج منها)‪( ..‬حوايش الرشواين عىل‬ ‫تحفة املحتاج برشح املنهاج البن حجر الهيثمي ‪)50/4‬‬ ‫ويقول األرزقي قال محمد ابن طارق‪( :‬اتفقت أنا‬ ‫ومجاهد بالجعرانة فأخربين أن املسجد األقىص الذي من وراء‬ ‫الوادي بالعدوة القصوى مصىل النبي كان بالجعرانة‪ ،‬أما هذا‬ ‫املسجد األدىن فإمنا بناه رجل من قريش)‪( ..‬أخبار مكة وما جاء‬ ‫فيها من األثار ‪.)207/2‬‬ ‫ومعنى كالم الرشواين واألرزقي أن املسجد األقىص يوجد‬ ‫بالقرب من مكة‪ ،‬وكان هو ُمصلىّ الرسول بخالف املسجد األدىن‬ ‫الذي بناه رجل من قريش‪..‬فام الذي مينع من أن يكون اإلرساء‬ ‫‪68‬‬ ‫الذي حدث ليالً بالنبي حدث باملسجد األقىص يف ال ُجعرانة؟)‬ ‫وإن عدنا للروايات املتداولة ولزمن الخليفة عمر بن‬ ‫الخطاب ريض الله عنه فإن تحديد موقع املسجد األقىص يف‬ ‫جغرافيا القدس الحالية يف فلسطني‪ ،‬قد خضع لتساؤل من‬ ‫الخليفة مل يجب عليه إال الصحايب كعب األحبار (اليهودي‬ ‫‪ -68‬التفصيل املذكور من موقع العقالنيني ال��ع��رب‪http://arab-‬‬ ‫‪ ،rationalists.net/forums‬ويشري املوقع أيضا للروايات العباسية‬ ‫بالقول‪ :‬ال يُلتفت إىل الروايات العباسية التي كتبها البخاري وابن حنبل‬ ‫وغريهم‪ ،‬فهي روايات ظهرت بعد بناء بيت املقدس يف زمن عبدامللك بن‬ ‫مروان ب‪ 150‬عاماً عىل األقل‪.‬‬

‫‪92‬‬


‫الذي أسلم) بافرتاض املسلمني أنه األعلم بالتاريخ والجغرافيا‬ ‫والتوراة قطعا‪ ،‬رغم تشكك عمر بن الخطاب الواضح يف أهداف‬ ‫وغايات كعب‪ ،‬واليكم مضمون ذلك التشكك بوضوح إذ بعد‬ ‫تحديد كعب ملكان املسجد األقىص يف إيلياء (استشار عمر بن‬ ‫الخطاب كع ًبا‪ :‬أين يضع املسجد؟ فأشار عليه بأن يجعله وراء‬ ‫الصخرة‪( ،‬القدس شامل مكة‪ ،‬فلو بنى املسجد خلف الصخرة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ من يتجه نحو القبلة يف البيت الحرام‪ ،‬ستكون الصخرة‬ ‫حائالً بينه وبني القبلة) فرضب يف صدره وقال‪ :‬يا ابن أم كعب‬ ‫ضارعت اليهود (أي أن كعبًا كان يريد أن يجعل قبلة اليهود‬ ‫واملسلمني واحدة‪ ،‬إىل الصخرة!!) وأمر ببنائه يف ُم َق ِّدم بيت‬ ‫املقدس (أمام الصخرة)‪.69‬‬ ‫فإذا كان التشكك من الخليفة العادل عمر بن الخطاب‬ ‫ريض الله عنه يف الرجل‪ 70‬قامئا يف غاياته يف تحديد القبلة وهذا‬ ‫‪ -69‬يراجع موقع د‪.‬راغب الرسجاين يف موقعه قصة اإلسالم‪.‬‬ ‫‪ -70‬يقول أحمد أمني عىل سبيل املثال (كعب األحبار‪ ،‬أو كعب بن‬ ‫ماتع‪،‬يهودي من اليمن‪ ،‬ومن أكرب من ترسبت منهم أخبار اليهود إىل‬ ‫املدينة ثم إىل الشام‪ ،‬وقد أخذها عنه اثنان‪ ،‬هام أكرب من نرش علمه‪:‬‬ ‫ابن عباس‪ -‬وهذا يعلل ما يف تفسريه من اإلرسائيليات‪ -‬وأبو هريرة‪..‬‬ ‫كل تعاليمه كانت شفوية‪ ،‬وما نقل عنه يدل عىل علمه الواسع بالثقافة‬ ‫اليهودية وأساطريها‪ ،)...‬كام شكك بروايات الرجل (االرسائيلية) أيضا‬ ‫الشيخ رشيد رضا ونقال عن ابن تيمية‪ ،‬ويقول عنه موقع أهل الحديث‬ ‫(هو كعب بن ماتع الحمريي أبو إسحاق املعروف بكعب األحبار كان‬

‫‪93‬‬


‫أمر جلل‪ ،‬أال يكون التشكك متصال أيضا بقدرته (أو غايته) من‬ ‫عدمها عىل تحديد املكان الجغرافيا أصال؟!ّ مبعنى من املعاين‬ ‫العديدة أال يحتمل أنه خلط أو قصد الخلط لغآية يف نفسه بني‬ ‫جغرافيا القدس (أو أورشليم) تلك (يف اليمن القديم)‪ ،‬ومفهوم‬ ‫مكان املسجد األقىص جغرافيا الذي أصبح الحقا محددا البيت‬ ‫املقدس‪ 71‬للمسلمني‪ ،‬وحيث أنهام –أي املكانني الجغرافيني‬ ‫من أهل اليمن فسكن الشام أدرك النبي صىل الله عليه وسلم وسلم‬ ‫وأسلم يف خالفة أيب بكر وهو من كبار التابعني تويف يف آخر خالفة عثامن‬ ‫سنة‪.32:‬‬ ‫روى له البخاري ومسلم وأبو داود والرتمذي والنسايئ وابن ماجه يف‬ ‫التفسري‪ ،‬رتبته عند ابن حجر ثقة وقد كان يحدث مبا يعلمه من أخبار‬ ‫بني إرسائيل وال حرج يف ذلك‪ ،‬ومل ينسب شيئا من ذلك إىل نبينا محمد‬ ‫صىل الله عليه وسلم) ويقول فيه وأمثاله أيضا املفكر االسالمي أحمد‬ ‫امني‪« :‬وعىل الجملة فقد دخل عىل املسلمني من هؤالء وأمثالهم ‪ -‬يريد‬ ‫كعباً ووهباً وغريهام من أهل الكتاب ‪ -‬ىف عقيدتهم وعلمهم كثري كان له‬ ‫فيهم أثر غري صالح» –موقع أهل الحديث‪ ،‬أنظر مقال عبدالرحمن بن‬ ‫عمر الفقيه الغامدي‪-‬مكة املكرمة‪ ،‬وهو يدافع عن كعب‪ ،‬حيث يرد عىل‬ ‫العنوان‪ :‬هل كان كعب األحبار يهوديا يتظاهر باالسالم؟‬ ‫‪http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=182876‬‬ ‫‪ -71‬يف ص (‪ : )91‬ورد) ‪:‬أن السبب يف بناء املسجد األقىص وقبة الصخرة‬ ‫يعود إىل اعتامد املسلمني عىل املعتقدات اليهودية‪ ،‬التي تقدس جبل‬ ‫الهيكل) (ما يسمى هيكل سليامن املدعى زورا أنه هنا يف فلسطني)‬ ‫عن كتاب (األقليات يف إرسائيل) املسلمون واملسيحيون والبهائيون‬

‫‪94‬‬


‫أيلياء التي فتحها عمر‪ ،‬وتلك القدس أوأورشليم التوراتية ليسا‬ ‫يف بقعة واحدة؟‬ ‫ثالث قدس وأورشليم‬ ‫القدس املذكورة يف التوراة مشار لها ضمن دالالت‬ ‫علمية يف ‪ 3‬مواقع جغرافية مختلفة إضافة ألورشليم التوراة‬ ‫وهي موقع آخر غري القدس (القدس يف فلسطني) حيث يثبت‬ ‫‪72‬‬ ‫العلامء اليوم أنها أي األربعة التوراتية مواقع يف اليمن القديم‬ ‫من املمكن أن نشري أيضا لدالالت املسلمني لباب ِحطّة‬ ‫املذكور يف القرآن الكريم منسوبا لليهود القدماء ال يستند‬ ‫ألي قيمة علمية‪ ،‬وال استدالل ديني صحيح‪ ،‬حيث أن باب‬ ‫حطة القائم اليوم يف القدس يعد من أقدم أبواب‪ ‬املسجد‬ ‫األقىص‪ ‬املبارك‪ ،‬يقع عىل سوره الشاميل بني بايب‪ ‬األسباط‪ ‬وفيصل‪،‬‬ ‫وجدد يف الفرتة األيوبية زمن السلطان‪ ‬امللك املعظم‪ ‬رشف‬ ‫والدروز‪،‬تأليف‪ :‬زئيف فلتايئ‪.‬‬ ‫‪ .72‬يقول ابن كثري يف البدآية والنهآية (جاء عمر إىل الصخرة فاستدل عىل‬ ‫مكانها من كعب األحبار‪ ،‬فأشار عليه كعب أن يجعل املسجد من ورائه‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬ضاهيت اليهودية‪ ،‬ثم جعل املسجد يف قبيل بيت املقدس وهو‬ ‫العمري اليوم) ‪ /http://ar.wikisource.org/wiki‬وانظر أيضا موقع‬ ‫إرسائيل بالعربية‪ .‬وأنظر كتاب القدس ليست أورشليم للكاتب واملفكر‬ ‫العريب فاضل الربيعي‬

‫‪95‬‬


‫الدين عيىس‪ ‬عام‪617 ‬هـ‪-1220 ‬م‪ ،‬وال يعرف أول من بناه‪،‬‬ ‫وإن كان بعض العلامء املفرسين قد قال إنه كان موجودا ً‬ ‫قبل دخول‪ ‬بني إرسائيل‪ ‬إىل‪ ‬األرض املقدسة (رشحنا فيام‬ ‫سبق مفهوم األرض املقدسة‪ ،‬وأنها ليست يف فلسطني حيث‬ ‫االختالف)‪ ،‬لآلية الكرمية ﴿وادخلوا الباب سجدا ً وقولوا حطة)‪،‬‬ ‫غري أنه ال يوجد دليل مطلقا عىل أنه الباب املذكور يف اآلية‪،73.‬‬ ‫ويف ذلك ينقل عن‪ ‬أيب هريرة‪ ‬ريض الله عنه أن رسول الله ‪-‬‬ ‫صىل الله عليه وسلم – قال‪( :‬قيل لبني إرسائيل‪﴿ :‬ادخلوا‬ ‫الباب سجدا وقولوا حطة) (البقرة‪ ،74)58 :‬فب ّدلوا فدخلوا‬ ‫‪ -73‬ميكن مراجعة املوسوعة الحرة عىل الشابكة بند باب حطة‪.‬‬ ‫‪﴿ -74‬وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا‬ ‫الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد املحسنني (‪)58‬‬ ‫فبدل الذين ظلموا قوال غري الذي قيل لهم فأنزلنا عىل الذين ظلموا‬ ‫رجزا من السامء مبا كانوا يفسقون (‪( )59‬سورة البقرة)‪ ،‬يقول اإلمام‬ ‫البغوي يف تفسريه (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) سميت القرية قرية ألنها‬ ‫تجمع أهلها ومنه املقراة للحوض ألنها تجمع املاء‪ ،‬قال ابن عباس ريض‬ ‫الله عنهام هي أريحاء (الحظ أنه يوجد أريحا اليوم يف سوريا واليمن‬ ‫وفلسطني‪ ،‬ورمبا غريها‪ ،‬بل ويف الواليات املتحدة األمريكية‪-‬املؤلف) وهي‬ ‫قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العاملقة ورأسهم‬ ‫عوج بن عنق وقيل بلقاء وقال مجاهد بيت املقدس‪ ،‬وقال الضحاك‪:‬‬ ‫هي الرملة (ص‪ )99 :‬واألردن وفلسطني وتدمر وقال مقاتل‪ :‬إيليا (أيضا‬ ‫الحظ التفريق بني إيلياء وبني بيت املقدس‪-‬املؤلف) وقال ابن كيسان‪:‬‬ ‫الشام) ونالحظ هنا الحرية املعتادة أو التخمني أو االختالف للمفرسين‬

‫‪96‬‬


‫يزحفون عىل أستاههم‪ ،‬وقالوا‪ :‬حبة يف شعرة) متفق عليه‪،‬‬ ‫ومن الواضح سواء يف اآلية أو الحديث الرشيف املذكور أن ال‬ ‫مكان للجغرافيا يف فلسطني مطلقا أو القدس‪.‬‬ ‫ويف سياق آخر‪ ،‬ميكننا القول‪ :‬أذكرت القدس (القدس‬ ‫يف فلسطني اليوم) يف القرآن الكريم نصا أو استدل عليها‬ ‫تلميحا أو تفسريا من بعض املفرسين‪ ،‬أم مل تذكر ‪-‬ال سيام أن‬ ‫القرآن الكريم ليس كتاب جغرافيا أو كتاب تاريخ‪ -‬فإن ذلك‬ ‫ال يعني شيئا يك يؤسس لحق اآلخرين امل ّدعني الذين يح ّرفون‬ ‫ويبتدعون يف التاريخ والجغرافيا وبأصباغ دينية ال تصمد أمام‬ ‫حقائق العلم‪ ،‬ويأكلون بثمن تحريفهم مثنا قليال‪.‬‬ ‫أما عن املحاججة اليهودية األخرى اليوم املستندة آليات‬ ‫القرآن الكريم التي يستدلون بها كام بعض التفاسري اإلسالمية‬ ‫أيضا عىل وجود ماملك أو إمارات (مخاليف جمع مخالف‬ ‫باملصطلح اليمني القديم) لقبيلة بني إرسائيل‪ 75‬يف فلسطني‬ ‫حينام يتعاملون مع الجغرافيا‪ ،‬ونالحظ االختالف البينّ بني إيلياء وهي ما‬ ‫استلمها عمربن الخطاب حني الفتح‪ ،‬وبني بيت املقدس التي قد تكون‬ ‫أي مدينة مقدسة عند العرب‪ .‬ويراجع الرابط ملوقع (إسالم ويب) التايل‪:‬‬ ‫‪http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.‬‬ ‫‪php?idfrom=29&idto=29&bk_no=51&ID=28‬‬ ‫‪ -75‬بني إرسائيل قبيلة عربية مينية منقرضة‪ ،‬كغريها من القبائل‪ ،‬وكغريها‬ ‫من األق��وام التي قطنت الجزيرة العربية مثل آل لوط وآل ابراهيم‬

‫‪97‬‬


‫اليوم استنادا لآليات‪ ،‬فلقد أثبت كثري من العلامء عدم دقة أن‬ ‫ينسب ملك النبي سليامن أوداوود‪ 76‬أو موىس أو يوشع لهذه‬ ‫البقعة من األرض‪ ،‬وحيث يوضح فاضل الربيعي واملؤرخون‬ ‫املستنريون أمثاله املكان بوضوح لهذه املخاليف (اإلمارات)‬ ‫العربية القبيلية يف اليمن القديم‪.‬‬

‫واسامعيل‪ ،‬وقوم تبع ومثود وعاد‪ ،‬وآل فرعون‪ ،‬وهي‪-‬قبيلة إرسائيل‪ -‬إن‬ ‫أسلم عدد منها فلقد كفر اآلخر‪ ،‬وكرمها الله باألنبياء كام الكتاب وخصها‬ ‫بذلك (فضلها) ومل تحرتم التخصيص والفضل عىل عامل زمانهم الذي وىل‪،‬‬ ‫وهي اليوم منقرضة كقبيلة عربية قدمية‪ ،‬ولكن الديانة اليهودية اعتنقتها‬ ‫قبائل عربية أخرى وكام األمر مع أخرى فارسية وتركية وكردية‪ ،‬ومن وسط‬ ‫آسيا وروسيا (الخزر) وأوربا الحقا (يراجع آرثر كوستلر يف كتابه مملكة‬ ‫الخزر‪ ،‬وفاضل الربيعي عن فلسطني املتخيلة‪ ،‬أرض التوراة يف اليمن القديم‪،‬‬ ‫وأحمد الدبش يف كتابه‪ :‬يهودية الدولة‪ ،‬الحنني اىل األساطري‪ ،‬واىل فرج الله‬ ‫صالح ديب‪ ،‬واىل كتاب‪ :‬اخرتاع شعب إرسائيل لشلومو ساند)‪.‬‬ ‫‪ -76‬يف القرآن الكريم نجد ارتباط النبي داوود عليه السالم) بالزبور‬ ‫(وال َزبُو ْر كان نظام كتابة مستخدم يف اليمن القديم إىل جانب خط‬ ‫املسند والفرق بينهام أن األخري يتحدث عن شواهد وأحداث تاريخية‬ ‫غالبا أما الزبور فهو املعامالت اليومية لليمنيني القدماء عىل أوراق بردي‬ ‫أو األوراق النفيسة وطرس أو أسعف النخل وقد تكون دينية أو غري ذلك‬ ‫وهذا التعريف ‪ -‬املوسوعة الحرة‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫مملكة سبأ وسليمان‬ ‫وعن جدلية مملكة سبأ والنبي سليامن نقرأ الكثري‬ ‫الذي يشري لوجود اململكتني‪/‬املخالفني‪/‬االمارتني يف ذات الحيز‬ ‫الجغرايف أي كالهام كانتا يف اليمن القديم‪ ،‬ما يق ّوض االدعاء‬ ‫أنهام كانتا يف فلسطني‪.‬‬ ‫ذكر النبي (امللك) سليامن يف القرآن الكريم ‪ 17‬مرة‬ ‫يف سياق الوصف والعرب وأعطاه الله فهام وحكام وعلام ﴿‬ ‫ففهمناها سليامن وكال آتينا حكام وعلام﴾‪ .‬ثم أعطاه امل ُلك‬ ‫(أي السلطة وال ُحكم) ويف قصة مملكة سبأ االشارة املتكررة يف‬ ‫تفاسري املسلمني وقصصهم أن سليامن كان يف فلسطني أو يف‬ ‫القدس دون أدىن إشارة من القرآن الكريم لذلك‪ ،‬يف ظل أنه‬ ‫أشار يف اآليات اىل موقعني واضحني هام بابل وسبأ وتحدث‬ ‫عن األرض املباركة دون تحديد جغرايف واضح لها ما يتيح فتح‬ ‫الباب مرشعا لالجتهادات العلمية والتاريخية‪.‬‬ ‫وها هي بابل واضحة الذكر ﴿ َوات ّ َب ُعوا ْ َما تَتْلُوا ْ الشّ َي ِاط ُني‬ ‫َعلىَ َ ُمل ِْك ُسلَ ْيماَ َن َو َما كَ َف َر ُسلَ ْيماَ ُن َولَ َـ ِك ّن الشّ ْي ِاط َني كَ َف ُروا ْ‬ ‫الس ْح َر َو َمآ أُنْز َِل َعلىَ الْ َملَ َكينْ ِ ِببَاب َِل َها ُروتَ‬ ‫اس ّ‬ ‫يُ َعلّ ُمو َن ال ّن َ‬ ‫َو َما ُروتَ ﴾‪ .‬البقرة‪.15 :‬‬ ‫وها هي سبأ وها هي القرى املباركة ﴿لَ َق ْد كَا َن لِ َس َب ٍإ‬ ‫فيِ َم ْس َك ِن ِه ْم آيَ ٌة َج ّنتَانِ َعن يمَ ِ ٍني َو ِشماَ ٍل كُلُوا ْ ِمن ّرزْقِ َربّ ُك ْم‬

‫‪99‬‬


‫َواشْ ُك ُروا ْ لَ ُه بَلْ َد ٌة طَيّبَ ٌة َو َر ّب َغفُو ٌر﴾‪( .‬سبأ‪ )15 :‬ويضيف القرآن‬ ‫الكريم أن الله وضع بني سبأ وبني القرى املباركة (أو األرض‬ ‫املباركة) قرى ظاهره وقدرنا فيها السري أياما وليايل وليس‬ ‫شهورا (املسافة بني اليمن وفلسطني شهورا بامليش والركوبة)‬ ‫حيث يقول الله تعاىل و َ﴿ َج َعلْ َنا بَ ْي َن ُه ْم َوبَينْ َ الْ ُق َرى الّ ِتي بَا َركْ َنا‬ ‫السيرْ َ ِس ُريوا ْ ِفي َها لَ َياليِ َ َوأَيّاماً‬ ‫ِفي َها قُ ًرى ظَا ِه َر ًة َوقَ ّد ْرنَا ِفي َها ّ‬ ‫آ ِم ِن َني﴾‪( .‬سبأ‪.)18 :‬‬ ‫ويورد الطربي‪ 77‬أن القرى=املدن=األرض املباركة حسب‬ ‫اآلية هي‪ :‬الشام أو بيت املقدس‪ ،‬وبينهام قرى عربية بني‬ ‫املدينة والشام وقيل الرسوات‪ ،‬بينام قال ابن عباس أنها األرض‬ ‫املباركة دون تحديد للموضع جغرافيا‪ ،‬وقال وهب بن منبه‬ ‫عن املقصود باآلية الكرمية { َو َج َعلْ َنا بَ ْي َن ُه ْم َوبَينْ َ الْ ُق َرى الَّ ِتي‬ ‫بَا َركْ َنا ِفي َها} هي قرى بصنعاء‪ ،‬وكذا قال أبو مالك‪ 78.‬بينام يورد‬ ‫يف بحار األنوار نقال عن الحسن البرصي أن األرض املباركة هنا‬ ‫هي مكة املكرمة‪ ،‬وما بني منى ومكة أو بني مكة واملدينة‬ ‫القرى الواصلة‪.79‬‬ ‫‪ -77‬من تفسري الطربي عىل الرابط‪/http://quran.ksu.edu.sa/tafseer :‬‬ ‫‪ -78‬املصباح املنري يف تهذيب تفسري ابن كثري سورة سبأ من اآلية (‪ )18‬إىل‬ ‫اآلية (‪ )27‬وعىل الرابط ‪ /http://www.khaledalsabt.com‬ويورد ذلك‬ ‫أيضا أنها قرى بصنعاء تفسري ابن كثري أيضا نقال عن وهب بن مالك وأيب‬ ‫مالك‪ ،‬وال يحدد سيد قطب يف الظالل مكانا‪.‬‬ ‫‪ -79‬للمرجع يف بحار األنوار أحد أهم كتب املسلمني الشيعة الجعفرية‬

‫‪100‬‬


‫وعليه إن كانت األرض املباركة واحدة فقط‪ ،‬وليست‬ ‫متعددة فهي تحتمل أن تكون يف مكة أو اليمن كام احتملت‬ ‫أن تكون بالشام‪.‬‬ ‫أما حني الحديث عن األرض التي باركنا فيها يف اآلية‬ ‫‪ http://www.al-shia.org‬وال تهمنا هنا املحاججة املذهبية التي وردت‬ ‫يف سياق االعرتاض عىل التفسري التي منها فقط لالطالع كام ورد يف البحار‬ ‫الروآية التالية‪ :‬عن عبدالله بن سنان عن أيب عبدالله عليه السالم قال‪:‬‬ ‫دخل الحسن البرصي عىل محمد بن عيل عليه السالم فقال له‪ :‬يا أخا‬ ‫أهل البرصة بلغني أنك فرست آية من كتاب الله عىل غري ما انزلت‪ ،‬فإن‬ ‫كنت فعلت فقد هلكت واستهلكت‪ ،‬قال‪ :‬وما هي جعلت فداك؟ قال‪:‬‬ ‫قول الله عزوجل‪﴿ :‬و جعلنا بينهم وبني القرى التي باركنا فيها قرى‬ ‫ظاهرة وقدّرنا فيها السري سريوا فيها ليايل وأياما آمنني﴾‪ .‬ويحك كيف‬ ‫يجعل الله لقوم أمانا ومتاعهم يرسق مبكة واملدينة وما بينهام؟ ورمبا اخذ‬ ‫عبد أو قتل وفاتت نفسه‪) ،‬وكان البرصي قد فرس القرية املباركة باآلية‬ ‫بأنها مكة املكرمة( ثم مكث مليا‪ ،‬ثم أومأ بيده إىل صدره وقال‪ :‬نحن‬ ‫القرى التي بارك الله فيها‪ ،‬قال‪ :‬جعلت فداك أوجدت (‪ )3‬هذا يف كتاب‬ ‫الله إن القرى رجال؟ قال‪ :‬نعم قول الله عز وجل‪﴿ :‬وكأين من قرية‬ ‫عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا‬ ‫(‪ )4‬فمن العايت عىل الله عزوجل؟ الحيطان والبيوت أم الرجال؟ فقال‪:‬‬ ‫الرجال‪ ،‬ثم قال‪ :‬جعلت فداك زدين‪ ،‬قال‪ :‬قوله عزوجل يف سورة يوسف‬ ‫(‪ )5‬عليه السالم‪﴿ :‬واسأل القرية التي كنا فيها والعري التي أقبلنا فيها﴾‪.‬‬ ‫ملن أمروه (‪ )6‬أن يسأل؟ القرية والعري أم الرجال؟ فقال‪ :‬جعلت فداك‬ ‫فأخربين عن القرى الظاهرة قال‪ :‬هم شيعتنا‪ ،‬يعني العلآمء منهم (‪.)7‬‬

‫‪101‬‬


‫املتعلقة بامللك والنبي سليامن عليه السالم فتقول التفاسري‬ ‫التايل‪( :‬يقول تعاىل ذكره (و) سخرنا (لسليامن) بن داود‪ ‬‬ ‫(‪ ‬الريح عاصفة)‪ ‬وعصوفها‪ :‬شدة هبوبها ﴿تجري بأمره إىل‬ ‫األرض التي باركنا فيها﴾‪ .‬يقول‪ :‬تجري الريح بأمر‪ ‬سليامن‪ ‬إىل‬ ‫األرض التي باركنا فيها‪ ،‬يعني‪ :‬إىل‪ ‬الشام‪ ،‬وذلك أنها كانت‬ ‫تجري‪ ‬بسليامن‪ ‬وأصحابه إىل حيث شاء‪ ‬سليامن‪ ،‬ثم تعود به‬ ‫إىل منزله‪ ‬بالشام‪ ،‬فلذلك قيل‪﴿ :‬إىل األرض التي باركنا فيها‬ ‫(‪ .80) ‬‬ ‫واليكم مضامني ومعنى (األرض املباركة) –املقصودة‬ ‫مبا يتعلق بقصة بسليامن وداوود هنا‪ -‬كام يرى الباحث سعد‬ ‫عبداملطلب العدل‪( :‬قال تعاىل‪َ﴿ :‬ونَ ْجي َنا ُه ولُوطاً إِلىَ اْألَرِض‬ ‫الَّ ِتي بَاَ ْرك َنا ِف َيها لِلَعالَمينَ {‪ }71‬األنبياء‪ .‬ملا خرج أبو األنبياء‬ ‫وتبعه ابن أخيه لوط مل يكن لتستقبلهم أي أرض سوى أرض‬ ‫الجزيرة العربية النها خارج حدود اململكة املرصية‪ ،‬ولكنا‬ ‫نفاجأ بأن كل كتب التفسري بال استثناء تجمع عىل أنها أرض‬ ‫فلسطني‪ ،‬وهذا يف حد ذاته خطأ كبري ويناقض يف حقيقة االمر‬ ‫اآلية القرآنية التي ينطلقون منها إىل هذا املعنى؛‬ ‫﴿ولِسليَامَن الِّريَ َح عاِص َف ًة تَجِري ِبأَ ِمرِه إِلىَ اْألَرِض الَّ ِتي‬ ‫بَاَ ْرك َنا ِفيَهاَ ُوك َّنا ِبك َّل شيْ ٍ َءعالِمينَ {‪ }81‬األنبياء‪.‬‬ ‫‪ -80‬أنظر تفسري الطربي وابن كثري والبغوي والقرطبي واليك رابط االول‬ ‫‪.http://library.islamweb.net‬‬

‫‪102‬‬


‫ويقولون يف تفسري هذه اآلية من سورة األنبياء أن األرض‬ ‫املباركة هنا هي أرض فلسطني‪ ،‬دون أن ينوهوا إىل أي إشكالية‬ ‫يف املوضوع‪ ،‬وكانها بديهية من البديهيات‪ ،‬وهي وللحق ليست‬ ‫بديهية‪.‬‬ ‫فاملالحظ أن اآلية التي ص ّدرنا بها هذا املقال هي آية‬ ‫رقم (‪ )71‬من نفس السورة (األنبياء)‪،‬أهذه مصادفة أم أن الله‬ ‫تعاىل أراد أن يورد لنا معلومة جغرافية يف خط سري القبيلة‬ ‫املوحدة‪ ،‬وأراد أن يرشحها يف اآلية رقم (‪ )81‬سالفة الذكر‪،‬‬ ‫ولكن ماذا حدث؟ لقد فشلنا يف تفسري االثنتني ‪ ٬‬أال يدعو هذا‬ ‫للحرسة !!‬ ‫ولنحاول اآلن أن نسرتجع ما فاتهم يف تفسري اآلية‪:‬‬ ‫﴿َولِسلَيَامَن الِّريَ َح عاِص َف ًة تَجِري ِبأَ ِمرِه إِلىَ اْألَرِض الَّ ِتي بَاَ ْرك َنا‬ ‫ِف َيهاَ ُوك َّنا ِبك َِّل شيْ ٍ َءعالِمينَ ﴾‪( .‬األنبياء‪ .)81 :‬فإذا قلنا إن سليامن‬ ‫كان مقر حكمه يف أرض الشام فلسطني ‪ ٬‬فالبديهي أنه عندما‬ ‫تجري الريح مسخرة بأمره يكون اتجاهها إىل مكان آخر وليس‬ ‫إىل حيث يقيم ‪ ٬‬ألن حرف الجر (إىل) يفيد اإلرسال يف اتجاه‬ ‫آخر غري الذي نحن فيه‪.‬‬ ‫ويكون األْوىل أن نقول أنه يسري الريح إىل أرض أخرى‬ ‫غري فلسطني تكون مباركة‪ .‬فام تلك األرض املقصودة إن مل تكن‬ ‫أرض الحجاز؟‬

‫‪103‬‬


‫وقد يثري البعض تساؤال (ما الحكم إذن يف آية سورة‬ ‫اإلرساء‪ُْ ﴿ :‬سبَحاَن الَّذي أَسرَ ى ِب ْعب ِ​ِده لَيالً َمن اْلَ ْم ِسجِد اْلَ َحراِم‬ ‫إِلىَ اْلَ ْم ِسجِد األَ قَىص الَّذي بَاَ ْرك َناَ ْحولَ ُه‪( .﴾...‬اإلرساء‪.)1 :‬‬ ‫نقول ‪-‬ومازال الحديث للباحث سعد عبداملطلب‪ -‬بأن‬ ‫املسجد األقىص املبارك حوله ال يستتبع بالرضورة أن تكون‬ ‫األرض التي يقع فيها مباركة بالرضورة ‪ ٬‬إضافة إىل ذلك أنه‬ ‫عىل طول مراحل التاريخ املعروف مل تظهر عىل أرض فلسطني‬ ‫أي بوادر للربكة ‪ ٬‬فالحروب والفنت هي السائدة يف هذه البقعة‬ ‫‪81‬‬ ‫إىل يومنا هذا‪.‬‬ ‫فال يبقى لنا اآلن إال أن نسلم بأن األرض التي بارك الله‬ ‫فيها للعاملني فحفظها وأمنها هي أرض الجزيرة العربية وال‬ ‫ريب‪ .‬ويكون معنى اآلية رقم (‪ )71‬من سورة األنبياء‪( :‬ونجى‬ ‫الله إبراهيم ولوطا من أرض الظاملني املعتدين الوثنيني إىل‬ ‫األرض املباركة وهي أرض الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫ويكون معنى اآلية رقم (‪﴿ :)81‬سخّر الله لسليامن‬ ‫الريح يجريها بأمره إىل األرض املباركة لكل العاملني التي هي‬ ‫سورة النمل واألرض املباركة أرض الحجاز‪ .‬ألنه ال حاجة به‬ ‫‪ -81‬نحن نرى وفقا لتفاسري املسلمني أن الربكة يف اآلية الواردة يف املسجد‬ ‫األقىص (الذي باركنا حوله) تأخذ معاين ثالثة‪ :‬هي بركة األرض وبركة‬ ‫الزرع والرضع والثامر وثالثا بركة املجاهدين الصابرين املرابطني‪.‬‬

‫‪104‬‬


‫للدوران يف مكانه بل يسخر الريح لتنقله من أرض فلسطني‬ ‫‪82‬‬ ‫حيث هو إىل أرض الحجاز املباركة حيث يريد‪).‬‬ ‫مملكة سليمان ليست يف فلسطني‬ ‫ويقول الشيخ د‪.‬محمود أبوالهدى الحسيني الخطيب‬ ‫يف مسجد حلب يف تفسريه املحدد لذات اآلية الكرمية رقم‬ ‫‪ 81‬من سورة النمل أن‪ :‬مملكة سليامن مل تكن يف فلسطني‬ ‫أبدا‪ 83.‬ويذهب مؤكدا أن القرآن الكريم يكذّب جهرة أن يكون‬ ‫للملك والنبي سليامن أي وجود يف فلسطني كام يدعي يهود‬ ‫اليوم مشريا إىل أنه‪ :‬لو قال الله تعاىل يف اآلية ( ِمن) وليس‬ ‫(إىل) لفهمنا أن مملكة داوود كانت يف األرض املباركة ‪-‬عىل‬ ‫فرض أنها فلسطني‪ -‬لكن اآلية قالت إىل األرض املباركة‪ ،‬فتكون‬ ‫مملكته ليست يف فلسطني قطعا‪.‬‬ ‫اعرتف اآلثاري (اإلرسائييل) (زئيف هريتسوج) قائالً‪( :‬بعد‬ ‫سبعني عاماً من الحفريات امل ُكثّفة‪ ،‬يف أرض إرسائيل (فلسطني)‪،‬‬ ‫توصل علامء اآلثار إىل نتيجة أنه مل يكن أي يشء لليهود‬ ‫ّ‬ ‫‪ -82‬املصدر‪ :‬فصل من كتاب (الخليل اخناتون يف القرآن الكريم) ملؤلفه ‪/‬‬ ‫األستاذ ‪ /‬سعد عبد املطلب العدل‪ :‬تفسري سورة النمل‪.‬‬ ‫‪/http://www.alargam.com‬‬ ‫‪ -83‬موقع البدر وتحت عنوان‪ :‬أكذوبة أرض امليعاد‪ ،‬للشيخ د‪.‬محمود‬ ‫أبوالهدى الحسيني عىل الرابط ‪/http://www.albadr.org‬‬

‫‪105‬‬


‫هنا سوى األساطري‪ ،‬حيث ال وجود ململكة داود وسليامن‪،‬‬ ‫والباحثون يعرفون هذه الحقائق)‪ .‬واعرتاف (هريتسوج) جاء‬ ‫ُمتأخرا ً؛ فقد سبقه إىل هذا‪ -‬عىل سبيل ال َحرص فقط‪ -‬كل م ّن‬ ‫رينهارت دوزي (‪ )1883 1820-‬الذي وضع كتاباً عام ‪1864‬‬ ‫‪84‬‬ ‫بعنوان‪:‬‬ ‫(‪Die Israeliten zu Mekka von Davids Zeit‬‬ ‫‪bis in’s funfte Jahrhundert unsrer Zeitrechnung:ein‬‬ ‫‪Beitrag zur alttestamentlichen Kritik und zur‬‬ ‫‪Erforschung des Ursprungs des Islam / aus dem‬‬ ‫‪ -84‬يذكر الباحث أحمد أشقر أن عنوان الكتاب بالعربية ُمرت َج ًام عن‬ ‫الهولندية‪( :‬بنو إرسائيل يف مكّة من عهد داود حتى القرن الخامس من‬ ‫تاريخنا الحايل (أي امليالدي)‪ :‬إسهام يف نقد العهد القديم والبحث يف‬ ‫مؤسسات عربية عديدة ترجمت كتب دوزي‬ ‫تاريخ اإلسالم‪ .‬نذكر هنا أن ّ‬ ‫التي تحدّثت عن اللغة واملالبس إال أنها أحجمت عن ترجمة هذا الكتاب‬ ‫الهام‪ ،‬ألنه يتعارض مع الفكر السائد عن تاريخ اليهود يف الترُ اث العر ّيب‬ ‫واإلسالمي‪ .‬ونقل الدكتور نزيه مؤيّد العظم (‪ )1977 1890-‬يف كتابه‬ ‫ّ‬ ‫(رحلة إىل العرب ّية السعيدة) يف العام ‪( 1927‬صدرت يف كتاب عام ‪)1936‬‬ ‫عن عبد الرحمن الشهبدنر (‪ )1940 1879-‬أن راباياً يهوديّاً من اليمن‬ ‫أخربه أنه كانت لليهود مملكة عظيمة يف اليمن‪ .‬وكام يؤكّد كل من‬ ‫كامل الصليبي (‪ ،)2011 1929-‬توماس تومسون وكيت ويتالم وزياد منى‬ ‫نصاً تاريخيّاً‪ ،‬بل‬ ‫واملفكر العريب فاضل الربيعي عىل عدم قبولهم التناخ ّ‬ ‫يتقاطعون_ كل وفق منهجه الخاص‪ -‬أن ميدان أحداث التناخ‪ ،‬الذي هو‬ ‫تاريخ قبيلة بني إرسائيل العربية‪ ،‬يف غرب شبه جزيرة العرب‪.‬‬

‫‪106‬‬


‫‪.)Hollandischen ubersetzt‬‬

‫‪85‬‬

‫إن تحديد الشام (يقصد بها فلسطني واألردن وسوريا‬ ‫ولبنان) بأنها مقدسة هنا‪-‬أي لدى غالب املفرسين املسلمني‪-‬‬ ‫ال يعني –عىل فرضية صحة الجغرافيا‪-‬أنها يف القدس أو‬ ‫فلسطني‪ ،‬فأطراف كثرية من بادية الشام قدميا تقع اليوم يف‬ ‫العراق والسعودية‪ ،‬عدا عن أن ما يورده املفرسون ويعتربونه‬ ‫بديهية غري واضح املصدرالتاريخي كليا‪ ،‬ما يعني أنهم أخذوا‬ ‫باملشهور واملتداول‪ ،‬واملشهور واملتداول حينها هو روايات‬ ‫مفرسي التوراة‪ ،‬ال سيام أنهم أهل كتاب (وخاصة من اليهود)‬ ‫الذين يجب أن تؤخذ رواياتهم بعنآية وبعني الفحص والتحري‬ ‫العلمي والعقيل الشديد‪ ،‬ما أصبح هذا املكان جغرافيا اليوم‬ ‫مجال تشكك حسب الدراسات الحديثة املوثقة وحسب علم‬ ‫‪86‬‬ ‫اآلثار كام أسلفنا‪.‬‬ ‫‪ -85‬ونحن نقول أن عدم وجود مملكة رسول الله سليامن او داوود يف‬ ‫فلسطني ال يعني عدم وجود النبيني كام قد يرتاءى لـ(هرتزوغ)‪ ،‬وامنا‬ ‫الجغرافيا قد تكون مختلفة‪ ،‬ألن وجود االنبياء ال تشكيك فيه لدينا قطعا‬ ‫فهو منصوص حيث اللوح املحفوظ يف القرىن الكريم‪.‬‬ ‫‪( -86‬مع توايل األيام وتداخل السنوات واكتامل العقود متتزج املشاهد‬ ‫وتبهت املالمح‪ ،‬وتتآكل األسامء تنفصل عن أصحابها‪ ،‬وهذا أول عالمات‬ ‫الفناء‪ ،‬تتبادل املرئيات موقعها يف الذاكرة) –الكاتب جامل غيطاين‪،‬دىن‬ ‫فتدىل‪ ،‬دار الرشوق‪،‬القاهرة ‪ 2003‬ص‪ ،165‬هذا فيام يتعلق بسنوات‬ ‫معدودة بعمر االنسان فام بالك ِ‬ ‫بسفر كُ ِتب بعد مئات السنني اسمه التوراة‪.‬‬

‫‪107‬‬


‫أين األرض املباركة؟‬ ‫ولدينا هنا يف مختلف اآليات وتفسريها عدة أقوال‬ ‫تتعرض (للتحديد الجغرايف) لألرض املباركة أواملقدسة التي‬ ‫ذكرت يف عهد موىس‪ 87،‬وتلك لسليامن وداوود‪ ،‬وتلك يف سبأ‪،‬‬ ‫فإن كانت األرض املباركة واحدة‪ ،‬أي يف منطقة واحدة بعينها‬ ‫يف كل العصور واألزمان‪ ،‬يصبح الدليل خاضعا للفحص والتحري‬ ‫العلمي أيها املقصود‪ ،‬واألصوب أن تكون يف الحجاز أي يف‬ ‫مكة املكرمة ألن قدسيتها وبركتها ليست محل جدل‪ 88.‬أو‬ ‫يتم التعامل مع كل حدث تاريخي ضمن جغرافيته فال تكون‬ ‫األرض املقدسة أو املباركة حيثام وردت تعني نفس املكان‪.‬‬ ‫وإن كانت األرض املباركة يف اآلية ليست يف مكان واحد‪،‬‬ ‫‪ -87‬قال وهب بن منبّه‪ ( :‬أوحى الله تعاىل إىل موىس أن يتخذ مسجدا ً‬ ‫لجامعتهم‪ ،‬وبيت املقدس للتوارة‪ ،‬ولتابوت السكينة)‪ .‬أنظر موقع الرافد‬ ‫‪( rafed.net‬وموىس وجسب التوراة ذاتها مل يدخل فلسطني‪ ،‬فجاز أن‬ ‫يكون املقصود بالبيت املقدس هنا يف مكان آخر)‬ ‫‪ -88‬ملزيد من التأصيل البحثي العلمي من املمكن الرجوع لكتابات‬ ‫املفكر العريب فاضل الربيعي العديدة مثل فلسطني املتخيلة‪ ،‬والقدس‬ ‫ليست أورشليم‪ ،‬وأسطورة عبور األردن ودخول أريحا‪ ،‬وحقيقة السبي‬ ‫البابيل‪ ،‬وغريها الكثري الهام‪ ،‬كام نحيلكم لكتابات األستاذ أحمد الدبش‪،‬‬ ‫وفرج الله صالح ديب‪ ،‬عدا عن األبحاث العلمية اآلثارية للعلامء الغربيني‬ ‫والعرب واإلرسائيليني أيضا‪.‬‬

‫‪108‬‬


‫أي أنها منترشة ومتعددة ما بني الشام والقدس أواليمن أومكة‬ ‫حسب املرويات املختلفة‪ ،‬وحسب الزمن والعهد فإنها أيضا‬ ‫بحاجة لتحقيق‪ ،‬حيث ال تثبت اآلثار مطلقا أي وجود ألنبياء‬ ‫‪89‬‬ ‫التوراة كلهم ال يف مرص وال يف فلسطني‪.‬‬

‫‪ -89‬تشري دراس��ات وأبحاث وآث��ار البحاثة اإلرسائيليني د‪.‬إرسائيل‬ ‫فنكلستاين وسبيلبريغ‪ ،‬ود‪.‬زئيف هرتزوغ وأبحاث شلومو ساند اىل عدم‬ ‫وجود أي أثر لهذه املاملك القدمية ما جعلهم ينكرون وجود االنبياء أصال‪،‬‬ ‫كام جاء ذكرهم يف التوراة‪ ،‬بينام نوضح أن األنبياء‪/‬امللوك حقيقة ثابتة‬ ‫دينيا وتاريخيا‪ ،‬ولكنها وجدت يف نطاق جغرايف مختلف كليا عام يدعيه‬ ‫يهود اليوم ومفرسو التوراة ومحوروها‪.‬‬

‫‪109‬‬


110


‫الفصل السابع‬ ‫هل (باع) الله جل وعال أرض فلسطني‬ ‫لليهود؟‬ ‫الباحث واملفكر العريب فاضل الربيعي يف بحثه املعنون‬ ‫(حول (يهودية الدولة)‪ :‬هل كانت إرسائيل يف املايض دولة‬ ‫يهودية؟) وبعد أن يعرض سلسلة من الحقائق التاريخية من‬ ‫أبحاثه ومقارناته ومقارباته املضنية املتعلقة مبملكة‪/‬مخالف‬ ‫بني إرسائيل ثم مملكة‪/‬مخالف‪ 90‬يهودا (هي (مشايخ) كام‬ ‫يوصفها عامل اآلثار اإلرسائييل يف جامعة تل أبيب اليوم إرسائيل‬ ‫فلكنستاين)‪ ،‬واالنشقاق يف موطن املشيختني يف اليمن القديم‬ ‫وتشكل الدين اليهودي الحقا يقول (لكل ذلك‪ ،‬فليس من حق‬ ‫اليهود (املعارصين) االستيالء عىل تراث قبيلة قدمية من قبائل‬ ‫العرب تعرف تاريخياً ب (بني إرسائيل) ملجرد أنهم اعتنقوا‬ ‫دين هذه القبيلة يف وقت ما؟ مثل هذا الحق االفرتايض‪ ،‬شبيه‬ ‫بحق مسلمي الصني وتركيا وإيران‪ ،‬مثالً باالستيالء عىل تراث‬ ‫قريش‪ ،‬والزعم أنهم من ساللتها؟ وبكل تأكيد فليس لدى يهود‬ ‫الغرب قاطبة أي دليل يخالف هذا املنطق‪ ،‬فال وجود ألي أثر‬ ‫اركيولوجي أو ثقايف‪ ،‬يؤكد أو يشري أو يلمح مجرد تلميح إىل‬ ‫‪ -90‬مخالف (الجمع‪:‬مخاليف) هو املصطلح العريب اليمني القديم الذي‬ ‫يوصف اإلمارة‪/‬اململكة القبلية‬

‫‪111‬‬


‫أن يهود أوروبا مثالَ‪ ،‬هم من نسل اليهود العرب الذين اعتنقوا‬ ‫اليهودية قبل ‪2000‬عام؟‬ ‫وإذا كان هناك إرصار أخرق عىل اعتبار يهود اليوم هم‬ ‫امتداد طبيعي ‪ -‬قرايب ليهود األمس‪ ،‬ففي هذه الحال يجب‬ ‫عىل كل يهودي‪ ،‬مهام كانت جنسيته األصلية‪ ،‬أن يعترب نفسه‬ ‫ومبوجب هذا اإلدعاء‪ ،‬عربياً عاد إىل أصوله العرقية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فال حق له‪ ،‬بأي صورة من الصور‪ ،‬بأي مطلب ديني‪ -‬تاريخي‬ ‫ما دام عربياً؟)‪.‬‬ ‫ولرند عىل السؤال هل باع الله –حاشاه تعاىل‪ -‬أرض‬ ‫فلسطني أو غريها (يف تجارته) أوأ ّجرها أووهبها أو أقطعها‬ ‫أومنحها أوملّكها لبني إرسائيل أو غريهم‪ ،‬نحيلكم‪-‬إضافة لكل‬ ‫ما ذكرناه آنفا‪ -‬لتفسري ابن كثري يف آيات كرميات توضح معنى‬ ‫التجارة والبيع والرشاء مع الله سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫يعرض ثم يفرس ابن كثري اآليات الكرمية يف سورة الصف‬ ‫﴿ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم عىل تجارة تنجيكم من عذاب‬ ‫أليم (‪ )10‬تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون يف سبيل الله‬ ‫بأموالكم وأنفسكم ذلكم خري لكم إن كنتم تعلمون (‪)11‬‬ ‫يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها األنهار‬ ‫ومساكن طيبة يف جنات عدن ذلك الفوز العظيم (‪ )12‬وأخرى‬ ‫تحبونها نرص من الله وفتح قريب وبرش املؤمنني (‪.﴾)13‬‬

‫‪112‬‬


‫البيع والتجارة عند الله‬ ‫تقدم يف حديث عبد الله بن سالم أن الصحابة‪ ،‬ريض‬ ‫الله عنهم‪ ،‬أرادوا أن يسألوا عن أحب األعامل إىل الله عز وجل‬ ‫ليفعلوه‪ ،‬فأنزل الله هذه السورة‪ ،‬ومن جملتها هذه اآلية‪﴿ :‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم عىل تجارة تنجيكم من عذاب‬ ‫أليم﴾‪ .‬ثم فسرّ هذه التجارة العظيمة التي ال تبور‪ ،‬والتي هي‬ ‫محصلة للمقصود‪ ،‬ومزيلة للمحذور فقال‪﴿ :‬تؤمنون بالله‬ ‫ورسوله وتجاهدون يف سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم‬ ‫خري لكم إن كنتم تعلمون﴾‪ .‬أي‪ :‬من تجارة الدنيا‪ ،‬والك ّد لها‪،‬‬ ‫والتصدي لها وحدها‪.91‬‬ ‫ثم قال‪﴿ :‬يغفر لكم ذنوبكم﴾‪ .‬أي‪ :‬إن فعلتم ما أمرتكم‬ ‫به ودللتكم عليه‪ ،‬غفرت لكم الزالت‪ ،‬وأدخلتكم الجنات‪،‬‬ ‫واملساكن الطيبات‪ ،‬والدرجات العاليات (وليس وهبتم أرض‬ ‫تتملكونها صكا يف السجل‪/‬الشهر العقاري) ولهذا قال‪﴿ :‬‬ ‫ويدخلكم جنات تجري من تحتها األنهار ومساكن طيبة يف‬ ‫جنات عدن ذلك الفوز العظيم﴾‪.‬‬ ‫ثم قال‪﴿ :‬وأخرى تحبونها﴾‪ .‬أي‪ :‬وأزيدكم عىل ذلك‬ ‫زيادة تحبونها‪ ،‬وهي‪﴿ :‬نرص من الله وفتح قريب﴾‪ .‬أي‪ :‬إذا‬ ‫‪ -91‬يف تفسري ابن كثري الرجوع للموقع التايل‪:‬‬ ‫‪http://library.islamweb.net/newlibrary/display‬‬

‫‪113‬‬


‫قاتلتم يف سبيله ونرصتم دينه‪ ،‬تكفل الله بنرصكم‪ .‬قال الله‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬يا أيها الذين آمنوا إن تنرصوا الله ينرصكم ويثبت‬ ‫أقدامكم﴾‪( .‬محمد‪ )7 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ولينرصن الله من ينرصه‬ ‫إن الله لقوي عزيز﴾‪( .‬الحج‪ )40 :‬وقوله ﴿وفتح قريب﴾‪ .‬أي‪:‬‬ ‫عاجل فهذه الزيادة هي خري الدنيا موصول بنعيم اآلخرة‪،‬‬ ‫ملن أطاع الله ورسوله‪ ،‬ونرص الله ودينه‪ ،‬ولهذا قال‪﴿ :‬وبرش‬ ‫املؤمنني﴾‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪114‬‬


‫الخاتمة‬ ‫نثبت يف هذا البحث أن ال (وراثة) مادية (لليهود) أو‬ ‫غريهم يف أرض فلسطني سواء اليهود القدماء أو يهود اليوم‪،‬‬ ‫كام هو املعنى الشعبي املتداول ملصطلح وراثة أي بني األقارب‪،‬‬ ‫وال (أرض مقدسة) (كُتبت) يف القرآن الكريم لبني إرسائيل‪-‬قوم‬ ‫إرسائيل العرب املنقرضني تاريخيا‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن االجتهادات لدى عديد من املفرسين‬ ‫املسلمني واملؤرخني القدماء‪ ،‬يف محاولة لتحديد موقع (األرض)‬ ‫املقصودة واملشار اليها يف القرآن الكريم تحت اسم (األرض) أو‬ ‫(األرض املقدسة)‪ ،‬فان معنى (الوراثة) يف سياق اآليات وارتباطا‬ ‫باألرض (اآلية‪ :‬كذلك وأورثناها بني إرسائيل‪ ،‬ومثيالتها)‪ ،‬التي‬ ‫نتحدث عنها والواردة يف الكتاب الحكيم‪ ،‬مل تعني صكّا مكتوبا‪،‬‬ ‫و ال وراثة متلك األبن عن أبيه مطلقا‪ ،‬وإمنا كانت تعني عند‬ ‫جميع املفرسين املسلمني واحدا أو أكرث من املعاين الثامنية‬ ‫التالية ما أرشنا له بالتفصيل يف هذه الورقة‪ :‬فهي وراثة‬ ‫الخريات‪ ،‬أو وراثة األرض املب ّدلة بأرض الجنة‪ ،‬أو وراثة الزرع‬ ‫و البساتني واألموال لزمن محدد‪ ،‬أو ِوراثة الصالح والتمكني‪ ،‬أو‬ ‫بسكنى األرض (ال متلّكها)‪.‬‬ ‫أوأنها صارت (تحت إمرة) القوم‪ ،‬أو هي وراثة النرص‬ ‫عىل األعداء وإقامة الدين الق ّيم‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫يقول الله تعاىل يف آل عمران اآلية‪َ ﴿ :67‬ما كَا َن إِبْ َرا ِهي ُم‬ ‫يَ ُهو ِديًّا َولاَ نَصرْ َانِيًّا َولَٰ ِك ْن كَا َن َح ِنيفًا ُم ْسلِماً َو َما كَا َن ِم َن‬ ‫الْ ُمشرْ ِكِ َني) ويقول‪﴿ :‬وقال موىس ياقوم إن كنتم آمنتم بالله‬ ‫فعليه توكلوا إن كنتم مسلمني﴾‪( .‬يونس‪ .)84 :‬ويقول عن‬ ‫الدين التوحيدي الواحد لكل األنبياء والعاملني أيضا ﴿قَال َْت يَا‬ ‫اب كَرِي ٌم (‪ )29‬إِنَّ ُه ِم ْن ُسلَ ْيماَ َن َوإِنَّ ُه‬ ‫أَيُّ َها الْ َملأَ ُ إِنيِّ أُلْ ِق َي إِليَ َّ كِتَ ٌ‬ ‫ب ِْسمِ اللَّ ِه ال َّر ْح َمنِ ال َّر ِحيمِ (‪ )30‬أَلاَّ ت َ ْعلُوا َعليَ َّ َوأْتُونيِ ُم ْسلِ ِم َني‬ ‫(‪( .﴾)31‬سورة النمل)‪ .‬وهو الدين الذي وىص به ابراهيم بنيه‬ ‫كام هو منطوق اآليات ‪ 133-130‬يف سورة البقرة‪.‬‬ ‫ويف سياق االستخالف املعبرّ عنه بالوراثة يكون املعنى‬ ‫واضحا أيضا بأعامر األرض التي ﴿كتب الله لكم﴾‪-.‬اآلية مبعنى‬ ‫(أمر وأوجب وفرض عليكم دخولها‪ ،‬ال أنه س ّجلها لكم يف‬ ‫الس ّجل‪ /‬الشهر العقاري كملكية أبدية‪-‬طابو كام يرث األبن‬ ‫عن أبيه‪.‬‬ ‫ونثبت يف هذه الدراسة أنه بالرغم أيضا من اختالف‬ ‫املؤرخني عىل تحديد معنى األرض أهي محددة ببقعة‬ ‫جغرافية ما أواألرض عامة‪ ،‬أو يف تحديد مكانها جغرافيا ما ال‬ ‫يؤثر و ال يضري القرآن الكريم بيشء‪ ،‬إذ ال قيمة مطلقا ملوقع‬ ‫(األرض) (أي أرض) يف سياق قصص القرآن الكريم‪ ،‬ألنها كلها‬ ‫لله‪ ،‬فهو الوارث األخري‪ ،‬وما يرضب فيه من قصص فإمنا للحكمة‬ ‫واالعتبار ألويل األلباب‪.‬‬

‫‪116‬‬


‫كام أن االستدالل لعديد من املفرسين جريا عىل ما‬ ‫فعل املؤرخون القدامى‪-‬والجدد‪ -‬مبنطوق روايات و أساطري‬ ‫التناخ (التوراة وملحقاتها) –أي تبني الروآية الرسمية القدمية‬ ‫املترشبة باإلرسائيليات‪ -‬ال يعتد به عند املؤرخني‪ ،‬وعند علامء‬ ‫اآلثار بل و عند املفكرين العرب املتنورين ممن ذكرنا‪،‬وغريهم‬ ‫الكثري‪-‬خاصة بالجغرافيا ودقة األحداث ومرسح التاريخ‪.‬‬ ‫كام ونثبت و نؤكد أن ال وراثة أبن عن أبيه يف ما تسميه‬ ‫التوراة (وعدا َ) إلبراهيم ثم يعقوب (إرسائيل)‪ ،92‬فهو حتى يف‬ ‫التناخ (الكتاب املقدس عند اليهود اليوم مبا فيه التوراة) كان‬ ‫مرشوطا لديهم و رشوطه بادت‪ ،‬أونقضت كليا‪.‬‬ ‫وإننا اذ ال نعرتف بأي (وعد) موهوم ومخرتع – ما مل‬ ‫يرد مطلقا بهذه الصيغة أو غريها يف القرآن الكريم – فان‬ ‫األرض املقدسة املذكورة يف الفرقان أكانت هي فلسطني أم‬ ‫الشام أم الطور أم اليمن القديم‪ -‬ونحن يف حجتنا واضحني‬ ‫الداللة تاريخيا‪ -‬فالقرآن الكريم ال يتعرض لجغرافيا محددة‬ ‫مبوضوعنا‪ ،‬و ال يضري التفسري أن ينتقل بني املساحات املختلفة‬ ‫ألن قصص القرآن الكريم‪ 93‬ليست سندا أو صكا لتوزيع األرايض‬ ‫‪ -92‬دراسات جديدة تحاجج أصال أن إرسائيل هو غري النبي يعقوب‪.‬‬ ‫‪ -93‬ال داللة أيضا عىل منطوق التوراة‪-‬املحرفة مبا تسميه الوعد من‬ ‫حيث خطل ارتباطه بالعرق‪ ،‬وخطأ انتسابه لعنرص دون غريه‪ ،‬وكذب‬ ‫تحريف مضمونه‪ ،‬وارتباطه بأحالم وأساطري وآمال ورغبات‪ ،‬د ّونها كتاب‬

‫‪117‬‬


‫أو شهادات امللكية الحرصية‪،‬أو اإلميان الحرصي األبدي لفئة أو‬ ‫جامعة أو قوم بل هي للنظر والحكمة واالعتبار‪ ،‬و هي للناس‬ ‫كافة الذين ال مييزالله عز وجل أحدهم عن اآلخر اال بالتقوى‪.‬‬ ‫ونوضح يف هذا البحث أيضا كيف أن الله جعل بني‬ ‫إرسائيل (ملوكا) وجعل فيهم (أمئة)‪ ،‬عىل حقيقة املقصد القرآين‬ ‫الكريم‪ ،‬حيث جعل الله بني إرسائيل ملوكا نعم‪ ،‬مبا هو واضح‬ ‫الداللة لدى كل املسلمني‪ ،‬أنهم أصبحوا ميلكون شؤون أنفسهم‬ ‫وأحرارا بعد استعباد‪ ،‬وكان بينهم أمئة خري مبعنى ُهداة (جمع‬ ‫هادي) وقدوة‪ ،‬وليس سالطني و أمراء يدوسون رقاب القبائل‬ ‫ويسخرون الشعوب األخرى‪.‬‬ ‫كام نشري لحقيقة االختالف بني قبيلة إرسائيل (بني‬ ‫إرسائيل)‪ ،‬وبني اليهود (أي معتنقي الديانة اليهودية)–‬ ‫املذكورين يف القرآن الكريم‪-‬يف القديم أوال‪ ،‬واختالف يهود‬ ‫األمس أيضا عن يهود اليوم‪ 94.‬ونشري أيضا استتباعا ملا سبق‬ ‫التوراة عرب عصور طويلة كام يقول أ‪.‬د‪.‬إرسائيل فنكلستاين ونيل سبيلبريغ‬ ‫(التوراة مكشوفة عىل حقيقتها)‪ ،‬وكام يقول زئيف هرتزوغ‪ ،‬وأيضا من‬ ‫العرب فاضل الربيعي وفرج الله صالح ديب والكثريين‪.‬‬ ‫‪ -94‬أهمية الرجوع لكتاب آرثر كوستلر (القبيلة ‪ :13‬مملكة يهود الخزر)‪،‬‬ ‫كام أن املؤرخ اليهودي الشهري بن زيون دينور (‪ )Ben Zion Dinur‬‬ ‫الذي يوصف بكونه أب عملية التأريخ اإلرسائيلية‪ ،‬مل يرتدد يف وصف‬ ‫مملكة الخزر بأنها (أم الشتات) اليهودي يف أوروبا الرشقية‪.‬‬

‫‪118‬‬


‫أن أوهام املعبد الذي يسمونه (الهيكل) وما يخصه كام يدعى‬ ‫اإلرسائيليني اليوم يف القدس ال عالقة وال صله لنا وال للعلم به‬ ‫آثاريا وتاريخيا ال من قريب وال من بعيد يف فلسطني والقدس‪.‬‬ ‫ونثبت أن ال يوجد حق ألحد بأرض فلسطني اليوم إال‬ ‫أصحابها العرب الذين كانوا ومازالوا فيها‪ ،‬ويف إشاراتنا حول‬ ‫قصص األنبياء داوود وسليامن عليهام السالم والقدس ما‬ ‫فيه وضوح بذلك‪.‬حيث يكذّب جهرة عديد من علامء الدين‬ ‫املسلمني أن يكون للملك والنبي سليامن أي وجود يف فلسطني‬ ‫كام يدعي يهود اليوم) فاألرض املباركة يف اآليات غري حقيقة‬ ‫املرويات التوراتية والتي نتوارثها كمسلمني عنهم‪.‬‬ ‫إن تعرض القرآن الكريم للقصص عن قوم لوط وقوم‬ ‫نوح وقوم صالح ومثود وقوم عاد وقوم‪/‬قبيلة إرسائيل وغريهم‪،‬‬ ‫هو استعراض محكم الداللة لرصاع الحق مع الباطل ألمم‬ ‫بادت‪ ،‬وقبائل أنقرضت مل يعرث لها عىل أثر‪ ،‬ومنها بني إرسائيل‬ ‫قطعا‪ ،‬وما إلتصاق أصحاب كثري من معتنقي ديانة اليهودية‬ ‫اليوم مبرويات (التناخ) املح ّرفة بالدليل اال لتربير االستيالء‬ ‫عىل أرض فلسطني يف محاولة لن تنجح أبدا الستجداء التاريخ‬ ‫وتزويره‪ ،‬والستدعاء الدين والتاريخ املزور والعواطف ما مل‬ ‫تسطره آيات القرآن مطلقا‪ ،‬وما مل يقل به أحد من املسلمني‪.‬‬ ‫التشويه الحاصل أو املتعمد لتفسري بعض اآليات‪،‬‬ ‫واالستدالل اليهودي منها عىل ملكية (دولة إرسائيل)‪ ،‬أو ما‬

‫‪119‬‬


‫يسمونها (أرض إرسائيل) اليوم ألرض فلسطني العربية (أو‬ ‫أي أرض عىل إطالقها) ما هو إال إسفاف و خداع واستنساخ‬ ‫ألساطري مل تقع أصال‪ -‬كام تورد نصوص التوراة والتناخ‪ -‬فلم يكن‬ ‫هناك متلّك‪ ،‬ومل يكن هناك صك أبدي‪ ،‬ومل يكن اإلرسائيليون‬ ‫أو اليهود‪-‬عىل اختالفهام‪ -‬سالطني‪ ،‬ومل يحصل أنهم ُوعدوا‬ ‫باألرض‪-‬أي أرض‪ ،‬وما كانوا شعبا‪ ،‬ليصبحوا شعبا‪/‬عرقا مميزا‬ ‫أبدا‪ ،‬ليكونوا (شعب الله املختار)؟! ما أشار له بالرفض الواضح‬ ‫‪95‬‬ ‫مفرسونا املسلمني‪.‬‬ ‫سبحان الله عماّ يصفون‪ ،‬وتعاىل القرآن الكريم عن‬ ‫السفهاء وقصريي النظر‪ ،‬وملن اجتهد فأصاب أجران ومن‬ ‫اجتهد يف قراءة التاريخ‪ ،‬والنظر يف جغرافيا األحداث‪ ،‬أو القراءة‬ ‫يف مرامي التفاسري أو يف التفسري فأخطأ فله أجر‪.‬‬ ‫انتهى بحمد الله‬ ‫فلسطني‪-‬رام الله‪.2016 -‬‬ ‫‪ - 95‬علامء اآلثار اإلرسائيليني واألجانب‪ ،‬وعلامء التاريخ اليوم‪ ،‬يرون أن‬ ‫الروايات التناخية (التناخ هي التوراة وملحقاتها) يف حقبتها‪ ،‬مل يكن‬ ‫مرسح جغرافيتها وأحداثها هو فلسطني عىل ما يقول البحاثة امللتزمني‬ ‫اليوم‪ ،‬ويراجع أيضا الباحث اإلرسائييل (د‪.‬شلومو ساند) يف كتاب‪:‬اخرتاع‬ ‫(أرض إرسائيل)‪ ،‬ترجمة أنطوان شلحت وأسعد زعبي‪ ،‬وكتاب مركز مدار‪،‬‬ ‫فلسطني‪ ،2013 ،‬وكتاب اخرتاع (الشعب اليهودي) ترجمة سعيد عياش‪،،‬‬ ‫مركز مدار‪ ،‬فلسطني‪.2010 ،‬‬

‫‪120‬‬


‫املؤلف‪ :‬بكر أبو بكر‬ ‫مواليد فلسطني عام ‪ ،1960‬تخرج يف العام ‪1985‬‬‫هندسة مدنية‪.‬‬ ‫ حاصل عىل شهادة الدراسات العليا يف العلوم السياسية‬‫عضو األمانة العامة التحاد الكتاب واألدباء الفلسطينيني‬‫(السابق)‪ ،‬وعضو االتحاد حاليا‪.‬‬ ‫رئيس املعهد الوطني لتدريب الكوادر‪.‬‬‫ عضو املجلس الوطني الفلسطيني‪ ،‬ثم املجلس الثوري‬‫لحركة فتح سابقا‪ ،‬فقيادي بحركة فتح‪.‬‬ ‫ كاتب وأديب و مفكر وباحث متخصص‪ ،‬ومدرب‬‫متمرس‬ ‫ باحث وله العديد من الدراسات واألبحاث واملحارضات‬‫والندوات والدورات‪ ،‬ومشاركة املؤمترات‪ ،‬وعضوية عدد من‬ ‫مراكز الدراسات‪ ،‬وله عديد الكتابات املنشورة‪.‬‬ ‫من كتبه‪:‬‬ ‫* مفاهيم ال بد منها – عناة للطباعة والنرش – رام الله‬ ‫‪1997‬م‪.‬‬

‫‪121‬‬


‫‪1998‬‬

‫* مبادئ املسؤولية االدارية ‪ -‬عناة للطباعة والنرش‪-‬‬ ‫* حركة (فتح) والتنظيم الذي نريد‪ ،‬دار عناة‪.2003 ،‬‬

‫* وجوه القيادة‪ ،‬املركز الفلسطيني للدراسات‪ ،‬رام‬ ‫الله‪2005،‬‬ ‫* حركة حامس سيوف ومنابر‪ ،‬دار عناة‪ ،‬رام الله‪2008 ،‬‬ ‫‪2014‬‬

‫*التفكري والتعبئة يف االخوان املسلمني وحركة حامس‬

‫*أوعية الفكر اإلسالموي‪ ،‬محاولة للفهم‪ ،‬دار الجندي‪،‬‬ ‫القدس‪2016 ،‬‬ ‫‪2016‬‬

‫*حركة فتح واإلسالم والعلامنية‪ ،‬دار األمني‪ ،‬فلسطني‪،‬‬

‫عدد من الكتب تحت الطبع منها‬ ‫مدينـة القـدس التاريخ الحقيقي وتهويد االحتالل‬ ‫فن الحوار وأدب النقد واالختالف‬ ‫من النتاجات األدبية‬ ‫* مل ال ! (مجموعة قصصية)‪-.‬دار الزاهرة‪-2000‬‬

‫‪122‬‬


‫* يف الزمن الواقع بإمكانكم أن تطريوا (مجموعة‬ ‫قصصية)‪ ،‬دار الرشوق‪2003 ،‬‬ ‫* برق مقيم (نصوص نرثية) –اتحاد الكتاب‬ ‫الفلسطينيني‪ -‬القدس‪ * 2004 ،‬ثالثة رشوط بسيطة (مجموعة‬ ‫قصصية)‪ ،‬اتحاد كتاب تونس ‪2007‬‬ ‫* ليس للفقري أن يحلم (مجموعة قصصية) ‪-‬لبنان‪-2009‬‬ ‫*صدر السامء الحافية (نصوص) ‪-‬رام الله‪-‬دار األمني‬ ‫للنرش‪-2011‬‬ ‫*بيدي أن أصري دبابة (نصوص) ‪-‬رام الله‪-‬دار األمني‬ ‫للنرش‪-2013‬‬ ‫‪www.bakerabubaker.info‬‬ ‫‪https://ar.scribd.com/user/27293740/Baker‬‬‫‪AbuBaker‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/baker.abubaker‬‬

‫‪123‬‬


124


‫فهرس املحتويات‬ ‫مقدمة ‬ ‫الفصل األول‪ :‬دعونا نتساءل مع املتسائلني‬ ‫حتى (القرآن) اعرتف بيهودية أرض (إرسائيل)!‬ ‫‪:‬‬ ‫الفصل الثاين ‬ ‫اليهود (مفضّ لني) و(ملوكا)‪ ،‬واليهود (أمئة)؟! ‬ ‫ذرية داوود من نوح ‬ ‫تفضيل األنبياء ‬ ‫(وجعلكم ملوكا) ‬ ‫الله جل وعال َمن يتفضل ‬ ‫أمئة أم سالطني ‬ ‫(يح ّرفون ال َكلِم عن مواضعه) ‬ ‫هل (اليهود) هم (اإلرسائيليني) يف القرآن الكريم؟‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬‬ ‫هل أورث أو ملّك أو كتب الله لـ (بني إرسائيل)‬ ‫أرض فلسطني؟‬ ‫معنى امللكية ‬ ‫وراثة أرض الجنة ‬ ‫وراثة النرص واملِ ّنة ‬ ‫وراثة فلسطني أم جميع األرض؟ ‬ ‫رصاع الحق مقابل الباطل ‬ ‫االستخالف ال الوراثة ‬

‫‪125‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪63‬‬


‫الفصل الرابع‪ :‬‬ ‫(األرض) (املوروثة) يف القرآن ‬ ‫الصالح رشط وراثة األرض ‬ ‫وراثة العلم ال املال ‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬‬ ‫(س ّجلت) فلسطني بالقرآن باسم‬ ‫هل كُتبت ُ‬ ‫(بني إرسائيل) أو (اليهود)؟ ‬ ‫ال دليل قطعي عىل الشام ‬ ‫مرسح األحداث ‬ ‫كَتَب مبعنى فَ َرض ‬ ‫التزام أحكام الله‪ ،‬ال (امتالك) فلسطني كوعد‬ ‫بني اليهود وبني إرسائيل ‬ ‫موىس عريب ميني ‬ ‫الفصل السادس‪ :‬‬ ‫اليهود والقدس واألرض املباركة ‬ ‫مرويات ضعيفة ‬ ‫ثالث قدس وأورشليم ‬ ‫مملكة سبأ وسليامن ‬ ‫مملكة سليامن ليست يف فلسطني ‬ ‫أين األرض املباركة؟ ‬ ‫الفصل السابع‪ :‬‬ ‫هل (باع) الله جل وعال أرض فلسطني لليهود؟‬

‫‪126‬‬

‫‪69‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪111‬‬


‫‪113‬‬ ‫‪115‬‬

‫البيع والتجارة عند الله ‬ ‫الخامتة ‬

‫‪127‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.