كتاب الوترر المشدود فتح بين التنظيم والسياسة والفكر لبكر أبوبكر

Page 1


‫الوتر املشدود‬ ‫أبناء “فتح” بني الفكر والتنظيم والسياسة‬


‫الوتر املشدود‬ ‫أبناء “فتح” بني الفكر والتنظيم والسياسة‬ ‫بكر أبو بكر‬ ‫الطبعة العربية االوىل‬ ‫‪2019‬‬ ‫دار االمني للنرش والتوزيع‬

‫رام الله فلسطني‬ ‫وطنية ‪+970568549769‬‬ ‫جوال ‪+970599649769‬‬ ‫‪e:mail:daralamin2010@gmail.com‬‬ ‫تصميم الغالف‪ :‬رامي قبج‬ ‫املونتاج الفني‪ :‬دار البريق العريب‬ ‫‪All rights reserved. No part of this book may be reproduced‬‬ ‫‪in any form or by any means without the prior permission of the‬‬ ‫‪publisher.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‪ .‬ال يسمح باعادة اصدار هذا الكتاب أو أي جزء‬ ‫منه‪ ،‬بأي شكل من األشكال‪ ،‬اال باذن خطي مسبق من النارش‪.‬‬


‫دراسات‬

‫الوتر املشدود‬

‫أبناء “فتح” بني الفكر والتنظيم والسياسة‬

‫بكر أبﻮ بكر‬



‫احملتويات‬ ‫املقدمة ‪7...............................................................................‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬الصالبة النضالية وشجاعة الرصاع‪11.............................‬‬ ‫الصالبة الوطنية النضالية ‪11...........................................................‬‬ ‫كيف نتعلم من الناس؟ ‪21.............................................................‬‬ ‫يف النقد والحركة الوطنية ‪26 ..........................................................‬‬ ‫يف ُصلب {التنظيم} و{الهوامش} ‪33................................................‬‬ ‫حركة فتح والفكر التنظيمي ‪47......................................................‬‬ ‫النضال الداخيل وشجاعة الرصاع ‪51................................................‬‬ ‫النقد والتوبة وقوى الرفض‪ ،‬وانحراف الرسول! ‪58 ............................‬‬ ‫املصالحة التنظيمية والرجم بالحجارة ‪62.........................................‬‬ ‫املتش ّبهون بحركة فتح والحاسدون ‪68.............................................‬‬ ‫الحجر املانع يف حركة فتح! ‪72........................................................‬‬ ‫االستقواء عىل حركة فتح ‪79 ...........................................................‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬املنهج التنظيمي يف حركة فتح ‪85...............................‬‬ ‫املؤمتر السابع لحركة “فتح” مرآة عاكسة أم فجر جديد؟ ‪87................‬‬ ‫عنواين الوحيد حركة فتح‪ ،‬بدون ولكن! ‪95.......................................‬‬ ‫يف العقل الحر واملنهج التنظيمي ‪102..............................................‬‬ ‫من يجب أن يقود حركة فتح؟ ‪116.................................................‬‬ ‫املتمردون يف حركة فتح والفكر السلطاين ‪119..................................‬‬ ‫حركة فتح ما بعد العاصفة! ‪122.....................................................‬‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح! ‪131...........................................................‬‬ ‫كيف نبني الشخصيات الحرة يف القيادات الطالبية؟ ‪136.......................‬‬


‫كيف نفهم القيادة يف حركة فتح؟ ‪140.............................................‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬الرصاع يف السياسة‪ ،‬والقيادة ‪145.............................‬‬ ‫يف إدارة الرصاع وإسرتاتيجية التنظيم ‪147........................................‬‬ ‫التنظيم السيايس واألوامر ‪153............ .............................................‬‬ ‫عناوين القيادة ‪161........................... .............................................‬‬ ‫كيف نعمل بثقة بالنفس ف ُنحدث التغيري ‪176..................................‬‬ ‫كيف نحافظ عىل الفوز؟ ‪184............. .............................................‬‬ ‫التعامل مع األجيال؟ تجاوز النقص واإلخالص لفلسطني ‪188.................‬‬ ‫االبداع ال السوداوية وخطاب األزمة ‪205.........................................‬‬ ‫استنهاض الكادر يف إطار عقلية العمل والتجدد ‪220............................‬‬


‫مقدمة‬ ‫عند الكتابة يف حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪« -‬فتح» فإنك تجد‬ ‫الكثري مام تقوله‪ ،‬ليس فقط لطول التاريخ الحريك منذ النشأة عام ‪ 1957‬أو‬ ‫االنطالقة عام ‪ 1965‬أو منذ االنتفاضة عام ‪ 1987‬أو غريها من املراحل الهامة‪.‬‬ ‫أن تكتب عن حركة فتح فأنت تكتب عن ثورة فلسطني‪ ،‬ثورة األمة‪ ،‬ليس‬ ‫فقط المتالء الصفحات باملنجزات أو االخفاقات من التجارب مع الراحل الخالد‬ ‫يارس عرفات الذي لفّت كوف ّيته العامل واخوانه‪ ،‬وصوالً للرئيس أبومازن‪ ،‬وامنا‬ ‫ألن معدل النقد والرصاع والحوار الداخيل املرتبط باألداء والعمل يف إطار‬ ‫النهج النضايل يف حركة فتح هو يف حالة ثورة وهيجان وتفجر دائم ال يهدأ‪.‬‬ ‫يف حركة فتح أنت تستطيع من بني عديد العناوين املتقاطعة أواملتناقضة‬ ‫أو املتجاورة أن ترسم لك مسارا داخل الحركة رغم الوتر املشدود بني الواثقني‬ ‫واملتشبهني وبني املتمردين واولئك املرتددين‪ ،‬وبني الكمون والتجدد‪.‬‬ ‫أن يكون لك مسا ٌر أو دو ٌر أو إسهام هو ما نحاول أن نسربه يف هذا‬ ‫الكتاب من خالل العناوين املقرتحة‪ ،‬سواء تلك التي تتعرض للجامهري أو‬ ‫القيادة أو التنظيم أو السياسة أو للعقل الحر والنضال وادارة الرصاع‪ ،‬أو‬ ‫البناء الجامعي أو الذايت لالستنهاض الوطني والعرويب‪ ،‬والنرص باذن الله‪.‬‬ ‫بكر أبوبكر‬ ‫مسؤول التعبئة الفكرية‬ ‫مفوضية االعالم والثقافة والتعبئة الفكرية‬ ‫يف حركة فتح‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪7‬‬


8


‫الفصل االول‪:‬‬ ‫الصالبة النضالية وشجاعة الصراع‬ ‫الصالبة الوطنية النضالية‬ ‫كيف نتعلم من الناس؟‬ ‫يف النقد والحركة الوطنية‬ ‫يف ُصلب {التنظيم} و{الهوامش}‬ ‫حركة فتح والفكر التنظيمي‬ ‫النضال الداخيل و شجاعة الرصاع‬ ‫النقد والتوبة وقوى الرفض‪ ،‬وانحراف الرسول!‬ ‫املصالحة التنظيمية والرجم بالحجارة‬ ‫املتش ّبهون بحركة فتح والحاسدون‪.‬‬ ‫الحجر املانع يف حركة فتح!‬ ‫االستقواء عىل حركة فتح‬



‫الصالبة الوطنية النضالية‬ ‫ما االختالف الذي ميكن أن تراه بني شخصيتني أحداهام بالتقييم النهايئ‬ ‫ُمنجزة والثانية غري منجزة‪ ،‬لكن للمفاجأة أن كليهام تتميزان بالوعي النظري‪.‬‬ ‫وكالهام يُ ِ‬ ‫قدم ويعمل‪ ،‬وكالهام يلجآن لوضع األهداف والتخطيط‪ ،‬وكالهام‬ ‫كل منهام يق ّدر الوقت‪ ،‬ويحرتم فريق العمل معه‪،‬‬ ‫مؤمن مبا يعمله بل وإن ّ‬ ‫ويتواصل معه دوريا دون إغفال وإهامل‪...‬‬ ‫إذن ما الفرق بني هاتني الشخصيتني التي أدت بأحدهام أن (يتجاوز)‬ ‫الكثري من العقبات‪ ،‬وهو يحتفظ بصفات االستمرار الثالثة وهي‪ :‬التفاؤل‬ ‫واإلميان وااليجابية‪ ،‬بينام مل يكن من اآلخر إال أن عمله يتضاءل مع تكاثر‬ ‫املعيقات والعقبات‪ ،‬وبدأ يلجأ للشكوى والتذمر والتشاؤم وإلقاء اللوم عىل‬ ‫اآلخرين وأصبح منظاره أسود كالح؟‬ ‫قدرة االستمرار ومقياس التجاوز‬

‫ما الفرق؟‬ ‫ميكننا أن نعزو الفرق اىل الوعي النظري و العميل أوال‪ ،‬واىل القدرة عىل‬ ‫تجاوز املعيقات ثانيا وامتالك القدرة عىل (االستمرار)‪ ،‬لعوامل عدة ذاتية‬ ‫وتنظيمية‪ ،‬وتلك املتعلقة بتأثريات املحيط املختلفة‪.‬‬ ‫لكن الوعي بأن أي عقبة او مشكلة ال تعني نهاية العامل كقناعة راسخة‬ ‫والقدرة عىل االستمرار وقدرة التجاوز املرتبطة بكل الصفات التي ذكرناها‬ ‫لكل من القائدين أو الكادرين هي قطعا مختلفة بالنسبة أوبالشدة والقوة‪،‬‬ ‫إذا افرتضنا مقياسا مدرجا من ‪ 7‬نقاط‪ ،‬فقد يتناقص لدى األول مع كل مصيبة‬ ‫أو نائبة أومحطة كابحة‪ ،‬لتصل أدناها بينام يظل الوعي وتظل قدرة االستمرار‬ ‫وتجاوز املعيقات محتفظة بألقها عند الثاين عند املحطة‪ /‬التدريج ‪ 5‬أو ‪ 6‬أو‬ ‫‪ 7‬وهي محطة (اليقني)‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫الصالبة الذاتية‬

‫دعونا نناقش السبب الذي أراه هاما ورمبا مؤثرا وذو أولوية عىل غريه‬ ‫من األسباب وهو قطعا يتعلق مبا ذكرناه من امتالك (الوعي) و(القدرة) عىل‬ ‫(التجاوز) وخاصية (االستمرار) إال وهو الصالبة‪ ،‬الصالبة الذاتية والصالبة‬ ‫الوطنية‪ ،‬والصالبة النضالية فامذا نعني بذلك؟‪.‬‬ ‫يقول العرب أن الصلب هو الشديد‪ ،‬ويف الرأي‪ :‬شديد الرأي‪ ،‬وهو القوي‪.‬‬ ‫ويقول علامء النفس إن الصالبة النفسية هي‪( :‬عملية التكيف السليم‬ ‫والجيد يف أوقات الشدة والضغوط والصدمات مع بقاء األمل والثقة بالنفس‬ ‫والقدرة عىل التحكم باملشاعر‪.)...‬‬ ‫إن الشعب الفلسطيني قد م ّر مبراحل تدفق يف العمل واالنجازات يف‬ ‫الرجال واملآثر يف عديد املجاالت‪ ،‬وجابه من املصاعب واملآيس الكثري منذ‬ ‫وطأت قدم الفلسطيني‪ 1‬هذه األرض‪.‬‬ ‫ودون أن نوغل يف التاريخ فإن لنا يف القرن الثامن عرش وسرية ملك‬ ‫فلسطني ظاهر العمر الزيداين مؤسس أول دولة فلسطينية‪ 2‬حديثة ُحسن‬

‫‪( -1‬الفلسطيني=الفلستي جامعة دينية‪ ،‬أو قبيلة عربية قدمية وهم أتباع اإلله العريب فلس‬ ‫يف اليمن كانوا يسمون فلستيني نسبة لهذا اإلله‪ ،‬وهم من أوائل من سكن هذه البالد مع‬ ‫الكنانيني (الكنعانيني) املنسوبني لقبيلة كنانة من طيء حيث تلفظ األلف يف بعض لهجات‬ ‫العرب عينا فتصبح كنان كنعان‪-‬راجع أبحاث فاضل الربيعي وفرج الله صالح ديب وأحمد‬ ‫الدبش وجواد عيل‪...‬الخ)‪-‬مراجعة فاضل الربيعي واحمد الدبش وفرج الله صالح ديب‪.‬‬ ‫‪ -2‬ظاهر العمر الزيداين (‪ 1196 - 1106‬ه‍ـ‪ 1775 - 1695 /‬م) كان أحد الحكام الفلسطينني‬ ‫يف فلسطني يف فرتة الحكم العثامين‪ ،‬عني ظاهر العمر عام ‪ 1705‬حاكامً عىل عكا وعمل‬ ‫عىل تقوية مركزه وأعاد تحصني عكا ضد أمراء الدروز‪ .‬ويف عام ‪1742‬م متكن من احتالل‬ ‫طربية‪ .‬عمل عىل جذب التجار األوروبيني ومبساعدة وزيره إبراهيم الصباغ أدخل سياسة‬ ‫اقتصادية جديدة وهي االحتكار ألهم املنتجات يف إمارته (دولته الفلسطينية االوىل يف‬ ‫التاريخ الحديث)‪ .‬وملا شكت الدولة العثامنية يف نواياه تحالف مع عيل بك شيخ البلد يف‬ ‫مرص وساعده عىل غزو بالد الشام ثم تحالف يف العام التايل مع األمري يوسف الدرزي ومتكن‬ ‫مبساعدة األسطول الرويس من االستيالء عىل بريوت وطرد حاكمها أحمد باشا الجزار‪ .‬وحكم‬

‫‪12‬‬


‫التأيس يف مجاالت كثرية‪ ،‬ولكن القرن العرشين بدا قاهرا مع تعاظم الهجمة‬ ‫الصهيونية منطلقة خاصة مع الصعود الثوري الفلسطيني الرافض للتهويد‬ ‫ونهب األرض والهجرة‪.‬‬ ‫ما أريد الرتكيز عليه أن املصاعب واألزمات واملصائب والنكبات واملظامل‬ ‫تكالبت يف كثري من العصور عىل العريب وعىل الفلسطيني‪ ،‬واستطاع يف كل‬ ‫مرحلة ان «يعي ويتجاوز ويقفز» ويُكمل الطريق يف درب األشواك الذي‬ ‫طاملا تحدث عنه وسار فيه يارس عرفات (‪2014-1929‬م) حامل مفتاح الدولة‬ ‫الفلسطينية الحديثة‪.‬‬ ‫صالبة الفكرة‪ ،‬وفلسطين‬

‫صالبة الفكرة من مقومات الصالبة‪ ،‬ال تعني التحجر أو التكلس أو انقطاع‬ ‫سيالن املاء مطلقا‪ ،‬فالتحجر أو التكلس يفرتض صالحية الفكرة يف كل زمان‬ ‫ومكان‪ 3،‬ويفرتض صالحية فهم وتطبيق الفكرة بشكل أوحدي‪ ،‬والتحجر ال‬ ‫يقبل النقاش أو الحوار كام ال يقبل التعديل أو التطور أو التغيري‪ ...‬ما ال نعنيه‬ ‫أبدا بصالبة الفكرة‪ ،‬التي منيز فيها بني الفكرة العليا أوالتي تقف يف مصاف‬ ‫العقيدة‪ ،‬والتي تصبح الغاية وبني الفكرة الدنيا الناشئة لخدمة العليا وهي‬ ‫كِ رَس أو أجزاء األهداف التي تخدم الغاية‪.‬‬ ‫إن الغاية يف الحركة الوطنية الفلسطينية عامة ويف حركة فتح وفكرتها‬ ‫الرئيسة هي (تحرير فلسطني) وحول هذه الفكرة القاعدة أو الفكرة العليا‬ ‫تنشأ مجموعة من األفكار املنبثقة أو الالحقة‪ ،‬ومهام جاز الحوار والتغيري‬ ‫والتفهم لهذه األفكار فإنه حتام يف خدمة الغاية أوالفكرة العليا‪ ،‬لذا فإن‬ ‫ما يقارب ‪ 60‬عاما يف مساحة طالت معظم فلسطني الحالية واستمر حتى جاوز الثامنني من‬ ‫عمره وقتل غيلة‪ ،‬وملزيد من االطالع عىل سريته العطرة االطالع عىل كتاب‪ /‬رواية (قناديل‬ ‫ملك الجليل) لألديب الفلسطيني ابراهيم نرص الله‪.‬‬ ‫‪ -3‬ال ننزه إال كالم الله عن التغري والتبدل‪ ،‬وما أفهام الناس حتى ملعاين كالم الله إال حالة‬ ‫من التغري والتبدل‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫الصالبة مبعنى انقطاع التأثريات عن الفكرة‪ /‬العقيدة هي الصالبة التي يجب‬ ‫أن يتحىل بها الفلسطيني واىل األبد‪.‬‬ ‫قد يجول يف الخاطر عن ماهية القاعدة‪ /‬الفكرة‪ /‬العقيدة لنقول أنها‬ ‫وطنيا وسياسيا ونضاليا لدينا هي‪:‬إن «فلسطني كلها لنا» مهام حصل أو كانت‬ ‫املرحلة‪ ،‬ومن هنا نفرق بني التعبئة االسرتاتيجية وتلك املرحلية‪.‬‬ ‫إذن من مقومات الصالبة صالبة الفكرة مبنطق الفكرة العليا أوالفكرة‬ ‫العقيدة أوالفكرة الغاية‪ ،‬مع حركية األفكار األخرى امللحقة أوالناشئة أو الساندة‬ ‫لألوىل‪ ،‬ومن هنا نرى الحق الفلسطيني يدخل يف هذا النطاق بكل وضوح‪.‬‬ ‫ثبات الفكرة العليا وصالبة اإلرادة‬

‫أما الصالبة من حيث صالبة الدفاع عن الفكرة فإنها تتضمن تنويع‬ ‫الوسائل حتامً‪ ،‬وتتضمن تعدد الخطط والربامج أو التكتيكات يف ظل ثبات‬ ‫الفكرة العليا يف الرساطية (=االسرتاتيجية)‪.‬‬ ‫إن صالبة الدفاع عن الفكرة يعني صالبة اإلرادة فكام أن صالبة الفكرة‬ ‫تعني عمق االميان لدرجة اليقني (وأعبد ربك حتى يأتيك اليقني‪ 4) ...‬فإن‬ ‫‪5‬‬ ‫صالبة الدفاع عن الفكرة تعنى صالبة اإلرادة‪.‬‬ ‫يف اإلرادة قد يقع الخيار‪ ،‬وقد يقع الدفع أو التأثري أوالضغوط ليظهر‬ ‫الشخص صلب اإلرادة يف قامة عالية ال يخضع للضغوط‪ ،‬وإن أتقن التعامل‬ ‫معها مبرونة ألن إرادة الصمود لديه وصالبة اإلرادة تُكمل لديه الصالبة‬ ‫الفكرية‪.‬‬ ‫‪ -4‬ضمن تفسريات اليقني أنه املوت وضمن التفسريات أيضا قال القرطبي‪ :‬واملراد استمرار‬ ‫العبادة مدة حياته‪ ،‬كام قال العبد الصالح‪ :‬وأوصاين بالصالة والزكاة ما دمت حياً‪ .‬انتهى‪،‬‬ ‫والعبادة يف االسالم تتضمن العمل الصالح دوما فالصالة تنهى عن الفحشاء واملنكر وهو‬ ‫عمل وأصل االستخالف عمل أي اعامر األرض‪.‬‬ ‫‪ -5‬الصالبة النفسية لدى العامل “كوبازا” تتكون من السيطرة (التحكم )‪ ،‬االلتزام والتحدي‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫من حقائق املواجهات الباسلة مع العدو يف غزة والضفة ما قاله الرئيس‬ ‫أبو مازن (ال منلك الطائرات واملدفعية ولكننا منلك قوة الحق والعدل‪ ،‬ولن‬ ‫نركع إال لله الواحد القهار) وهذه الصالبة هي ما متثل – رغم املخرصني‬ ‫واملح ّرضني والكذابني– عناق العمل امليداين مع السيايس والقانوين واإلعالمي‬ ‫لتصبح مطالب املقاومة وامليدان هي مطالب السيايس ويزيد عليها‪.‬‬ ‫إن صالبة الفكرة‪ /‬العقيدة لدى يارس عرفات ‪-‬وحركة فتح‪ -‬رغم ما مارسه‬ ‫من واقعية ومرحلية وعمليانية بدت للبعض تنازالً أو خضوعا للضغوط أو‬ ‫إنحسارا ً لإلرادة حتى ُو ِصف بأوصاف نابية كثرية‪ ،‬وما أصابوا أبدا‪ ،‬هذه‬ ‫الصالبة للفكرة ليارس عرفات شحذت اإلرادة لديه (ولدى املناضلني عامة‪،‬‬ ‫ومنهم العريب والفلسطيني والفتحوي اقتداءا به) فلم يتزلزل أمام ضغوط‬ ‫رئيس أكرب دولة يف العامل (بيل كلنتون) ليتنازل عن القدس أو أرض فلسطني‬ ‫فينهي الرصاع لألبد‪ 6‬ظانّني آمثني أننا ال نفرق بني الفكرة العليا‪ /‬املعتقد‬ ‫تلك التي تسندها الحقائق الحضارية والتاريخية والقانونية والدينية‪ ،‬وبني‬ ‫إمكانيات التعامل مع متغريات السياسة‪.‬‬ ‫الحقيقة واإليمان تسنِد الصالبة‬

‫إن فلسطني كأرض هي لنا نحن العرب الفلسطينيني‪ ،‬وهذه حقيقة‬ ‫علمية وتاريخية ال يصمد أمامها تزييفات التوراة أو الصهيونية‪ ،‬أو ضالالت‬ ‫العرب الذين انصاعوا لتاريخ التوراة يف استعادة واسقاط تاريخها املزيف‬ ‫عىل تاريخ األنبياء وإلصاقه بفلسطني‪ ،‬وما الحقيقة الوحيدة التي تصادفنا إال‬ ‫أن االرسائييل الجديد‪ 7‬قد أقام دولته‪ ،‬ولكن أين أقامها؟ أقامها عىل جزء من‬ ‫(أرض) فلسطني التي مل تكن يوما سوى ذلك‪ ،‬وهو أيضا ما نص عليه القرار‬

‫‪ -6‬وذلك يف (كامب ديفد‪ )2‬عام ‪2000‬‬ ‫‪ -7‬ملاذا نقول االرسائييل الجديد ألن االرسائييل اليوم أي ساكن فلسطني يف الجزء السيايس‬ ‫الذي يطلق عليه اسم (ارسائيل) ال عالقة له البتة باالرسائييل العريب اليمني القديم ال علميا‬ ‫وال جينيا وال تاريخيا وال إثنيا‪ /‬قوميا–ميكن مراجعة الكاتب اليهودي آرثر كوستلر والكاتب‬ ‫شلومو ساند وغريهام‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫األممي بالتقسيم‪ ،‬فال مجال للحديث إال عن أن فلسطني كلها لنا‪ ،‬أوعن‬ ‫البدائل مثل دولتني عىل (أرض فلسطني) أودولة واحدة عىل (أرض فلسطني)‪،‬‬ ‫وغري ذلك سفه‪.‬‬ ‫إن صالبة هذه الفكرة واالميان بها‪ ،‬وصالبة إرادة الدفاع عنها‪ 8‬بصالبة‬ ‫صمود الفلسطيني اليومية حني يزرع حقله‪ ،‬ويسقي زرعه ويحصده‪ ،‬وصالبته‬ ‫يف البذر والزرع واإلمثار‪ ،‬منذ آالف السنني‪ ،‬وصالبة البناء والتنمية واملقاومة‬ ‫بكل أشكالها يف فلسطني‪.‬‬ ‫الصالبة النفسية والحائط‬

‫وإن كان مبحثنا سياسياً ووطنياً إال أن تدعيم عامل الصالبة النفيس يأخذ‬ ‫حيزا هاما يف الفكرة ولدى الناس وهو جزء من التفاعل مع الذات والجامهري‪،‬‬ ‫حيث القناعة واإلميان والوعي واستمرار وتواصل شحذ الفكرة ويف الصالبة‪.‬‬ ‫يقول عامل النفس «وليامز وأخ��رون»‪« :‬أن الصالبة النسبية ترتبط‬ ‫‪ -8‬أشارت عاملة النفس كوبازا (‪)kobasa 1984‬اىل أن الصالبة النفسية تعمل عىل تسهيل‬ ‫أنواع عمليات االدراك والتقويم واملواجهة التى يقوم بها الفرد‪ ،‬وبالتاىل تقوده نحو الحل‬ ‫الناجح للموقف والناجم عن شعوره باألحداث السالبة الضاغطة ألن دور الصالبة النفسية‬ ‫يظهر يف تعديل العملية الدائرية التي تبدأ بالضغوط أو مجموعة الضغوط وتنتهى‬ ‫باالرهاق وما يصاحبه من أمراض نفسية أو جسمية‪.‬‬ ‫ويتم ذلك من خالل طرق متعددة‪:‬‬ ‫‪1 .1‬الصالبة تعدل من إدراك األحداث وتجعلها تبدو اقل وطأة وتأثريا سلبيا‪.‬‬ ‫‪2 .2‬تؤدى الصالبة إىل أساليب مواجهة نشطة أو تنقل الفرد من حالة أخرى أى يغري‬ ‫الفرد من أسلوبه بحيث يستطيع املواجهة لألحداث الضاغطة‪.‬‬ ‫‪3 .3‬الصالبة تؤثر عىل أسلوب املواجهة بطريقة غري مبارشة من خالل تأثريها عىل الدعم‬ ‫االجتامعي‪.‬‬ ‫‪4 .4‬الصالبة توجه الفرد إىل التغيري يف أسلوب حياته مثل التغيري يف النظام الغذايئ‪،‬‬ ‫املامرسات الصحية‪ ،‬مامرسة الرياضة وهذا بالطبع يقلل من اإلصابة باإلمراض‬ ‫الجسمية‬

‫‪16‬‬


‫بأسلوب املواجهة حيث أن األفراد الذين ميتلكون صالبة عالية مييلون إىل‬ ‫استخدام أسلوب املواجهة التحوييل‪ ،‬وأسامه (املواجهة الفعالة) وفيه يقوم‬ ‫األفراد بتغيري األحداث التي ميكن أن تولد ضغوطا إىل فرص للنمو»‪ ،‬أنظر‬ ‫املقاومة الشعبية واملقاطعة للمنتجات االرسائيلية وأنظر لتعدد أساليب‬ ‫النضال الفلسطيني‪ ،‬لذلك يضيف وليامز “نجدهم يتوافقون مع األحداث‬ ‫الضاغطة بطريقة ايجابية وفعاله ومتفائلة وعىل النقيض من ذلك األفراد‬ ‫أصحاب الصالبة املنخفضة مييلون إىل أسلوب املواجهة غري الفعال وهو‬ ‫أسلوب تراجعي تجنبي وفيه يتجنب األفراد املواقف التي ميكن أن تحدث‬ ‫لهم ضغوطا‪ ،‬وبالرغم من هذا التجنب أو االبتعاد فهو يكون مؤقتا حيث‬ ‫أن املواقف الضاغطة ال تنتهي فيظل هؤالء األفراد يعانون من التشاؤم‬ ‫والهموم»‪ .‬ونقول بل رمبا يكررون نفس األسلوب الذي ثبت فشله بالتجربة‬ ‫فال يتعلمون أبدا ويصطدمون بالحائط فيُحبَطون ورمبا يحبِطون‪.‬‬ ‫لقد ظهر للعاملة “كوبازا” يف دراستها حول الصالبة النفسية أن هناك‬ ‫سامت ثالثة ميزت الذين يتمتعون بالصالبة النفسية‪:‬‬ ‫‪ 1 .1‬درجة عالية من االلتزام‪ .‬اعتقاد قوى مبا يقومون به‪ ،‬وغياب شعور‬ ‫االغرتاب أثناء تأدية املهام املطلوبة منهم‪.‬‬ ‫‪2 .2‬درجة عالية من التحدي للقيام مبهامهم من منطلق االعتقاد بأن التغري‬ ‫حقيقة ينبغي التعامل معه واستثامره للنمو الشخيص‪.‬‬ ‫‪3 .3‬درجة عالية من التحكم يف األمور الوظيفية والحياتية مع إدراك شخيص‬ ‫يف قدرتهم عىل التحكم يف مرسات ومرضات الحياة‪ .‬أو الثواب والعقاب‬ ‫يف الحياة وتبني بأنه السمة الرئيسية عند هؤالء‪.‬‬ ‫وكذلك األمر ما ميكن أن نعكسه نحن عىل الكادر التنظيمي اوال يف‬ ‫قناعاته الخاصة‪ ،‬وقناعاته العامة بأهداف التنظيم والعمل فيه بجهد وقوة‪،‬‬ ‫وبالتايل بقدرة وصالبة التنظيم ككل إذ يف الدرجات او املستويات العالية من‬ ‫االلتزام والتحدي والتحكم تكمن الدرجة العالية من الصالبة ومن هنا يظهر‬ ‫معدن الكوارتز او التوباز أو الكورندوم أو االملاس لدى الكادر أويبقى يلعب‬ ‫‪17‬‬


‫يف مساحة بودرة التلك أو الجبس‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫التدريب على الصالبة‬

‫أما كيف نربيّ (نعلم‪ /‬ندرب) أنفسنا وأبناءنا وكوادر التنظيم السيايس‪،‬‬ ‫وأبناء األمة من جامهرينا عىل الصالبة الوطنية والنفسية‪ ،‬وصالبة اإلرادة‬ ‫والقيم فهي ترتبط بالتايل‪:‬‬ ‫‪1 .1‬من موقعك املسؤول يف أي عمل تجنب تلبية جميع احتياجات‬ ‫األشخاص (عامة ومنذ الطفولة)‪...‬فمثل هذا األمر يف التنشئة والرتبية‬ ‫ويف مجاالت التدريب التنظيمي الحقاً أو التعليم يعطل قدرتهم عىل‬ ‫التفكري وعىل حل املشكالت التي قد تعرتضهم ويجعلهم يتوقعون أن‬ ‫كل يشء يف حياتهم مرتب والداعي للقلق‪ .‬أي يجب أن يقلقوا ويتعلموا‬ ‫عدم الركون للغري كلياً‪ ،‬يجب أن ال تكون الرعاية أو اإلدارة أو القيادة‬ ‫هنا مبنطق السيطرة املطلقة أو مبنطق الدالل املفيض للقعود عن‬ ‫العمل عند أول عقبة أو مشكلة‪.‬‬ ‫‪2 .2‬تجنب الحامية الزائدة للشخص‪ /‬الكادر والخوف املفرط عليه من‬ ‫التعرض للخطر‪..‬فمنعه من القيام بنشاط ابداعي أو التفكري بحرية‬ ‫ضمن ضوابط التنظيم خوفاً عليه يحرمه خاصية التعود عىل مخاطر‬ ‫الحياة والعمل املبدع والتفكري الحر‪.‬‬ ‫‪3 .3‬علينا تعليم أبناءنا ثم كوادرنا يف التنظيم السيايس مهارات عدة وقدرات‬ ‫‪ -9‬من باب املقارنة فقط هل ميكننا تصنيف درجة الصالبة الوطنية مع (الصالدة) لدى‬ ‫(موس) التي تعني‪ :‬مقياس موس لصالدة املواد هو مقياس يستخدم للداللة عىل قدرة‬ ‫املواد املختلفة عىل مقاومة الخدش‪ .‬ويتم ذلك بفحص قدرة مادة صلبة عىل خدش مادة‬ ‫أقل صالبة منها‪ .‬وضع هذا املقياس عام ‪1812‬م عىل يد عامل املعادن األملاين فريدرش‬ ‫ّ‬ ‫مقياسا ترتيبيًا‪ ،‬أي أنه يعطي املواد ترتيبًا معينا يف قامئة املواد‬ ‫موس‪ .‬ويعترب مقياس موس‬ ‫ً‬ ‫وال يعطي القيمة املطلقة للصالبة‪ .‬فمثال ذلك األملاس الذي ييل الكورندم حسب مقياس‬ ‫موه مع أن صالبته تقارب أربع أضعاف صالبة الكورندم‪( .‬املقياس من ‪ 10‬يبدا بالتلك ثم‬ ‫الجبس‪ ،‬كالسايت‪ ،‬فلورايت‪ ،‬أباتيت‪ ،‬أورثوز‪ ،‬كوارتز‪ ،‬توباز لينتهي بالكورندوم ثم األملاس‬ ‫األشد صالدة)‬

‫‪18‬‬


‫عدة ننميها منها مهارة التخطيط ومهارة اتخاذ القرار ومهارة حل‬ ‫املشكالت‪..‬فإذا كان الشخص يشعر بالقلق من مامرسة عمل معني‪..‬‬ ‫ع ّرفه كيف يحدد أسباب مخاوفه وكيف يتعامل معها ويضع الحلول‬ ‫لها‪ ،‬واطلقه ليبدع يف ظل قيم وضوابط التنظيم حيث مركزية التخطيط‬ ‫واملتابعة وال مركزية التنفيذ‪.‬‬ ‫‪4 .4‬عندما يخطئ الشخص‪ /‬الكادر‪ ،‬ال بأس فكل ابن آدم خطاء (وخري‬ ‫الخطائني التوابون كام يقول الرسول عليه السالم) وعليه أن يتعلم‬ ‫االلتزام بالنظام والقيم واألفكار الجامعة وقوانني العمل وباعتبارها قيام‬ ‫وموجهات للسلوك ال معيقات للعمل‪..‬وتوجه للمخطيء واسأله‪ :‬كيف‬ ‫ستصلح ما أفسدته؟‪..‬يجب أن يشعر باملسؤولية عن أعامله وأن يحل‬ ‫املشكالت التي تسبب فيها‪ ،‬وأن يتعلم االنضباط للقوانني والنظام‪.‬‬ ‫‪5 .5‬ال تقدم للشخص‪ /‬الكادر كل األجوبة لألسئلة التي يطرحها‪...‬شجعه عىل‬ ‫أن يبحث عن إجابات لها بنفسه‪..‬وأن يتحمل التعامل مع الغموض يف‬ ‫الحياة ونقص املعلومات‪.‬‬ ‫‪6 .6‬تجنب القلق أو التشاؤم أو الظهور بسلبية طاغية وبشكل مفرط أمام‬ ‫اآلخرين‪ ،‬فكثريا ما ال يستحق املوقف ذلك القلق الشديد‪..‬وال تكرر‬ ‫الردح أو الشتم أو اللطم مثل قول‪ :‬هذه كارثة أومصيبة ال نستطيع‬ ‫التعامل معها‪..‬ما يعني تهويل األمور واخراجها من سياق القدرة عىل‬ ‫املعالجة‪.‬‬ ‫‪7 .7‬ادفعه دوما للعمل (وقل اعملوا‪ )...‬وال تجعل من قوله مقياسا لألداء‬ ‫لوحده فاقرتان حسن الكالم بالعمل يف الكادر التنظيمي يعلمه‬ ‫االنخراط بامليدان ومواجهة املشاكل والعقبات والتفكري والقدرة عىل‬ ‫التجاوز وااللتزام باملباديء يف وجه الضغوط فيتصلب‪.‬‬ ‫نلخص فنكرر ما ذكرناه أعاله يف أن الحقيقة واإلميان تس ِند الصالبة‬ ‫النضالية والوطنية حيث إن فلسطني كأرض هي لنا نحن العرب الفلسطينيني‬ ‫وهذه حقيقة علمية وتاريخية ال يصمد أمامها تزييفات التوراة أوالصهيونية‪،‬‬ ‫وما الحقيقة الوحيدة التي تصادفنا إال أن االرسائييل الجديد قد أقام دولته‪،‬‬ ‫ولكن أين أقامها؟ أقامها عىل (أرض) فلسطني التي مل تكن يوما سوى ذلك‪،‬‬ ‫‪19‬‬


‫وهو أيضا ما نص عليه القرار األممي بالتقسيم‪ ،‬فال مجال للحديث إال عن‬ ‫أن فلسطني كلها لنا‪ ،‬وعن البدائل مثل دولتني عىل (أرض فلسطني) أودولة‬ ‫واحدة عىل (أرض فلسطني)‪ ،‬وغري ذلك سفه‪.‬‬ ‫إن صالبة هذه الفكرة‪ ،‬وصالبة الوعي وصالبة إرادة الدفاع عنها‬ ‫بصالبة صمود الفلسطيني اليومية حني يزرع حقله‪ ،‬ويسقي زرعه ويحصده‪،‬‬ ‫وصالبته يف البذر والزرع واإلمثار‪ ،‬منذ آالف السنني‪ ،‬وصالبة البناء والتنمية‬ ‫واملقاومة بكل أشكالها يف فلسطني‪ ،‬وهي يف ذاتها صالبة التنظيم النضايل‬ ‫الوطني الذي يجعل من أهدافه العليا (مبادئه) االيقاع الذي يضبط تفكريه‬ ‫ويحمل مخاوفه ويربط أداءه العميل أو الواقعي بفكره‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪ -10‬الرجوع لعاملة النفس كوبازا (‪.) kobasa 1984‬‬

‫‪20‬‬


‫كيف نتعلم من الناس؟‬ ‫إن سألت أحدهم‪َ :‬من معلّمك؟ قد يرسح بعيدا يف تاريخه الشخيص‬ ‫محاوال تذكر (املد ّرس) أو(النموذج) الذي أث ّر فيه‪ ،‬فلرمبا زاده هذا املدرس‬ ‫ِعلامً أو ثقافة أو أدباً أو ق ّوم يف مسلكه‪ ،‬أوغيرّ من طريقة نظره للحياة أو‬ ‫الناس أواألشياء‪ ،‬وقد يرسع بالر ّد ليورد اسم نبي أو شخصية شهرية باعتبارها‬ ‫معل َم ُه‪ ،‬ولرمبا يتعصب البعض ليفرتض أن معلّمه األوحد هو هذا أو ذاك‪،‬‬ ‫أكان نبيا أو مصلحا أو شخصية تاريخية أو دينية أو فكرية‪...‬أو فنية‪ ،‬أو أمه‬ ‫أو أبيه‪ ،‬ولرمبا يأخذ منحى فكري ويقول‪:‬علمتني تجارب الحياة‪ ،‬أو تعلمت‬ ‫من أخطاء اآلخرين‪ ،‬أو ينخرط يف ذاتية مفرطة ليفرتض أنه فقط هو معلّم‬ ‫ذاته‪.‬‬ ‫السؤال كبري وقد تصح فيه كث ٌري من اإلجابات‪ ،‬فلكل رأيه فيمن علّمه‪،‬‬ ‫مبعنى نقل اليه علامً نافعا أوثقافة ما أث ّرت به‪ ،‬أو غيرّ سلوكياته أو اتجاهاته‬ ‫أو ق ّومه وأرشده وفتح أمامه دروبا أو أغلق أبواب رش مستطري‪.‬‬ ‫نتعلم من الناس أكانوا مشهورين أم مغمورين‪ ،‬متعلمني أم أميني بالقراءة‬ ‫والكتابة‪ ،‬ونتعلم من كل يشء (نعم يشء) وهذا اليشء أكان برشا ً أم حيوانا‬ ‫أم نباتاً‪ ،‬أم كان ريحا رصرصا ً عاتية‪ ،‬أو نسمة مساء لطيف‪ ،‬أو نازلة نزلت‬ ‫عىل رؤوسنا أو صاعقة ونتعلم من موج البحر‪ ،‬بغض النظر عن حجم العلم‬ ‫أو تأثريه فينا من أيها‪.‬‬ ‫التعلم من الناس والتنظيم‬

‫الوعي أن ال ِعلم متاح يف بطون الكتب ويف الحياة‪ ،‬ويف صدور الرجال‬ ‫والنساء داللة انفتاح فكري‪ ،‬وسعي خالص ل ُنشدان الحقيقة تلك القابعة‬ ‫هناك‪ ،‬أو عند طرف عينك‪ ،‬أويف ذرة الرتاب أو خل ّية القلب‪ ،‬ولرمبا يف أنني‬ ‫الفراشة أو صدى صوت الصحراء يف يوم حر قائظ‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫عنواننا كيف نتعلم من الناس؟ يفرتض أننا من الناس – عىل اطالق الناس‬ ‫أي بَ ّرهم وفاجرهم‪ ،‬من أحسن منهم ومن أساء – نتعلم ونتلقى الدروس‬ ‫فإن مل يكن لتجارب الحياة من تقدم وتراجع وصعود وهبوط وفشل وتردد‬ ‫ونجاح ُمعلّم‪ ،‬فهل نسبق ذلك بالتعلُّم من اآلخرين أم ال؟‬ ‫يف التنظيامت السياسية عامة تُعترب الجامهري»جامهري التنظيم» وقود‬ ‫الفعل أو كام تقول حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح (وقود الثورة)‬ ‫أوكام تقول األدبيات اليسارية (مادة الثورة)‪ ،‬والتنظيم مع الجامهري مثل‬ ‫(السمكة يف املاء) أومثل (الجمل املتس ّيد عىل عرش صحرائه وواحاته)‬ ‫والجامهري بالنسبة البن التنظيم هي املؤرش التجاه الرأي العام‪ ،‬وإن مل يكن‬ ‫فهي إشارة عىل املزاج العام‪ ،‬والدليل عىل رضورة التغيري أو التمسك بالفكرة‬ ‫أوالرأي أواألسلوب أو تنويعه‪.‬‬ ‫االعتراف واإلقرار قبل التعلّم‬

‫كيف نتعلم من الناس؟ من الجامهري؟ أفرادا وجامعات وتنظيامت‬ ‫سياسية يفرتض بنا فهم وإقرار ثالثة مبادئ أهمها‪:‬‬ ‫أننا نُ ِق ّر ونعرتف‪ ،‬ويجب أن نعترب أنفسنا جزء من الناس‪ ،‬ال طبقة‬ ‫أو(خاصة)‪ ،‬أو (أهل حل وعقد)‪،‬‬ ‫متس ّيدة‪ ،‬طبقة منفصلة‪ ،‬صفوة‪( ،‬طليعة)‬ ‫ّ‬ ‫أو (قيادة) دون غرينا أو‪ ...‬جاءت من املريخ لتهدي سكان األرض (الجامهري)‬ ‫الجهلة األغبياء (العامة)‪ ،‬وكلام ساد خطاب الفصل بني القائد أوامل ُصلِح أو‬ ‫النبي أواملفكر‪ ...‬أو املسؤول عن الناس يف نطاق مسؤوليته أوخارجها‪ ،‬كلام‬ ‫سارا يف اتجاهني متعاكسني‪.‬‬ ‫لذا وجب اإلقرر أوالً‪ :‬أننا (جزء من الشعب) وجزء غري متاميز إال‬ ‫باملسؤولية املامرسة فعال‪ ،‬وجزء ألنه (مسؤول) يعني أن مهمته الكربى‬ ‫(خدمة الناس) ال صفع وجوههم والتكرب عليهم‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫ثانيا‪ :‬علينا اإلقرار بأننا مل –ولن‪ -‬نختم العلم‪ ،‬لذا نحن نتعلّم‪ ،‬دوما وأبدا‪،‬‬ ‫وكام الحكمة العربية الشهرية (أطلبوا العلم من املهد إىل اللحد)‪ ،‬ونتعلم من‬ ‫كل يشء ( َوإِ ْن ِم ْن شيَ ْ ٍء إِ اَّل يُ َس ِّب ُح ِب َح ْم ِد ِه‪-‬االرساء ‪.)44‬‬ ‫يقول الله تعاىل ( َواللَّ ُه أَ ْخ َر َج ُك ْم ِم ْن بُطُونِ أُ َّم َهاتِ ُك ْم لاَ تَ ْعلَ ُمو َن شَ يْئًا‬ ‫الس ْم َع َوالأَْبْ َصا َر َوالأَْفْ ِئ َدةَ‪() ‬النحل‪ )78 :‬فالذي خلق الساموات‬ ‫َو َج َع َل لَ ُك ُم َّ‬ ‫وجل ينري لنا طريق التفكري والتأمل والتعقل والتدبر يف أحكام‬ ‫واألرض ع ّز ّ‬ ‫القرآن الكريم وقصصه‪ ،‬ويف خلجات النفس وصدر السامء الحافية‪ ،‬ويف ما‬ ‫خفي من أرسار الكائنات أكانت حجرا أم شجر أم برشا يف حث واضح الداللة‪،‬‬ ‫واآليات الكثرية‪ ،‬تحثنا عىل التفكر وعىل التعلم لذلك كانت األسامع واألبصار‬ ‫والعقول‪ ،‬ويف ذات األمر قال عليه السالم (الدنيا ملعونة‪ ،‬ملعون ما فيها‪ ،‬إال‬ ‫ذكر الله تعاىل وما وااله‪ ‬وعامل‪ ‬أو متعلم) وقال‪َ « :‬م ْن َخ َر َج فيِ طَل َِب الْ ِعل ِْم‬ ‫فَ ُه َو فيِ َسبِيلِ اللَّ ِه َحتَّى يَ ْر ِج َع «‬ ‫كل‬ ‫ومن هنا فنحن نتعلم من كل يشء مادي أوحيوي‪ ،‬وقطعا نتعلم من ّ‬ ‫الناس ب ّرهم وفاجرهم‪ ،‬من شيخهم الجاهل وذاك كبري األفعال‪ ،‬ومن شبابهم‬ ‫الطائش والنزِق وذاك املهذّب‪ ،‬كام نتعلم من النساء واألطفال‪.‬‬ ‫أما ثالثا فإننا نُق ّر‪ :‬أننا يجب أن نتعلم من الناس‪ ،‬كمعادلة هي نتيجة‬ ‫االقرار أننا من الناس بال طبقية أو انفصال أو متيز (مهام اختلفت املسؤوليات‬ ‫والصالحيات واملهامت وطرائق التفكري ومستواها)‪.‬‬ ‫مداميك تعلمنا من الناس‬

‫من هنا يصح أن ننطلق لنضع بعض مداميك (كيف) نتعلم (أو أتعلم)‬ ‫من اآلخر يف كل يشء ونخصص هنا من الناس‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬علينا أن نستمع‪ ،‬ن ِ‬ ‫ُحسن األصغاء‪ ،‬نُحسن التأمل‪ ،‬والتفكر والتدبر‬ ‫يف كل ما يقوله اآلخرين ولالستامع واإلصغاء فن قائم بذاته (فن اإلصغاء‬ ‫‪23‬‬


‫ومستوياته املختلفة قابل للتعلم والتدريب) فال نقاطع وال ندافع وال نرصخ‬ ‫وال نغفل وال نسهو وال نتعصب وال نتغافل وال نتهكم‪...‬ول ُحسن االنصات‬ ‫نحث اآلخر عىل الحديث‪ ،‬ونسأل حيث وجب بلطف ونعلّق حيث اقتىض‬ ‫ثانيا‪ :‬علينا أن نعطي «وقتاً محددا ً» للحوار واملحادثة أو االتصال‪ ،‬وعلينا‬ ‫أن نهتم‪ ،‬ونثني‪ ،‬ونستجيب سواء بالشكل أو الكالم‪ ،‬بالحركة واإلمياءة‪ ،‬أو‬ ‫بالتعبري اللفظي‪ ...‬فال إنصات ظاهر إن أدرنا الظهر للمتكلم أو تغافلنا عنه‬ ‫بحديث جانبي أو بحديث هاتفي أو عىل الحاسوب‪ ،‬وال اهتامم كام ال‬ ‫استفادة إن اخرجنا العيون من ميدان االصغاء‪ ...‬لذا فنحن نرغب ونهتم‬ ‫حقا‪ ،‬والوقت معك‪ ،‬وقد نثني ومندح حيث نرى اإليجايب‪ ،‬أو(ننقد) دون قدح‬ ‫أو جرح أو اتهام‪ ،‬لذا نحن نستجيب بأناقة حسب تقديرنا لشخصية املتحدث‬ ‫أمامنا‪ :‬أكان خجوالً أم ثرثارا ً أرعنا‪ ،‬أم موجها أم عدوانيا أومنفتحا‪...‬الخ‬ ‫أما ثالثا‪ :‬فنحن نتعلم ونتثقف ونستفيد من الناس بشكل مبارش أو‬ ‫غري مبارش بشكل آين أوالحق عرب إدخال (تعديالتهم) التي تفاعلت فينا‪،‬‬ ‫يف داخلنا‪ ،‬إدخالها يف مضامني (منظومة) أفكارنا أوأفعالنا أوسلوكنا‪ ،‬ويف‬ ‫هذا إقرار حقيقي عميل بأننا نتعلّم‪ ،‬وإال يصبح اإلصغاء كمشاهدة الرايئ‬ ‫(التلفزة) ملجرد قضاء الوقت أو االستمتاع الحر‪ ،‬أو يصبح كأننا نتعامل مع‬ ‫الناس باالستامع السطحي ملجرد إعطاء االنطباع أو التأثري املزيف أننا نهتم‪،‬‬ ‫ملكاسب شخصية‪.‬‬ ‫االلتزام والتعلم‬

‫إن التمسك باألفكار واألهداف املمثلة ملؤسسة أو تنظيم أو جامعة‬ ‫رضوري وهام‪ ،‬ويعني قبول انخراط الشخص فيها‪ ،‬وتفاعله داخل التنظيم‬ ‫يف إطار املوافقة منه عىل األفكار أوالغايات وعىل اآلليات التشاركية (االلتزام‬ ‫والحوار والدميقراطية والنظام)‪ ،‬وهذا ال يعني يف حال من األحوال الجمود‬ ‫والتكلس كام ال يعني التقديس‪ ،‬وال يعني التحجر‪ ،‬فاإلميان قاطع بالدليل‬ ‫‪24‬‬


‫والبينة‪ ،‬والشك جائز ويحتاج لبينة‪ ،‬والقرار وإن رفضته األقلية واجب اإلتباع‬ ‫يف ظل املامرسة املعارضة الرشيدة‪ ،‬من هنا تظهر العالقة الصحيحة بني األميان‬ ‫بالفكرة‪ ،‬واالنصباط لألوامر داخل التنظيم‪ ،‬وتقبل اآلخر‪ ،‬وبالتايل اإلنفتاح‬ ‫للتعلّم واإلستزادة فلرمبا ضمن عقلية البدائل واالحتامالت نرى طريقاً (أو‬ ‫طُرقا) مختلفا فنلُجه‪.‬‬ ‫إن مل نتعلم من الناس فتدخل أفكار وتوجهات واحتياجات الناس يف‬ ‫برامج وخطط األحزاب والتنظيامت السياسية وغري السياسية والجامعات‪،‬‬ ‫فهذه التنظيامت قطعاً منقطعة لفكرها أولذاتها تعيش يف عزلة‪ ،‬ليست‬ ‫بعيدة عن عزلة التنظيامت القومية أوالدينية أو الفكرانية (األيديولوجية)‬ ‫املتطرفة‪ ،‬التي تراها بذاتها الشمولية والكل ّية و الحرصيّة تمُ ِسك بسيف الحق‬ ‫ومفتاح الجنة‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫في النقد والحركة الوطنية‬ ‫إن مفهوم النقد للسياسات أو األفكار أو التوجهات ال يعنى قطعاً‬ ‫الطعن يف ذات الشخص أو عائلته‪ ،‬أو خياراته الشخصية‪ ،‬أو التهجم عليه‬ ‫وفق مرفوضات الحديث الرشيف (ط ّعان‪ ،‬ل ّعان‪ ،‬فاحش‪ ،‬بذيء) أبدا‪ ،‬ألن‬ ‫النقد مضمون تركيب جديد للصورة أو الرؤية أو النظرة‪ ،‬أو تبيان لنواقص‬ ‫ومثالب‪ ،‬من املمكن أن يكون املنقود قد أغفلها أو أهملها‪ ،‬وقد تكون طُغمة‬ ‫الحكم حول الزعيم “السلطان‪ /‬الرئيس‪ /‬املدير” أو البِطانة أوذوي املصالح‬ ‫الضيقة قد ضلّلوه‪ ،‬بل و رمبا يكون الشخص القائد أو املسؤول قد وصل فيه‬ ‫الغرور أو النزق و الهوى اىل نهايته (فإن مل يستجيبوا لك فاعلم امنا يتبعون‬ ‫أهواءهم‪ ،‬ومن أضل ممن اتبع هواه بغري هدى من الله‪ ،‬ان الله ال يهدي‬ ‫يل قبيلة بني‬ ‫القوم الظاملني – القصص ‪ )50‬كام اتبع هواه النموذج القرآين الج ّ‬ ‫ارسائيل العربية اليمنية املنقرضة فيام أشارت له اآليات الكرمية يف أكرث من‬ ‫موضع فاستب ّدوا ون ّزهوا أنفسهم فسقطوا‪.‬‬ ‫النقد ونموذج الهدهد‬

‫إن مفهوم النقد يكون لذات املوضوع أو الحالة أو املوقف أو الرأي‪،‬‬ ‫ومتى تعداه للطعن يف ذات الشخص أو (التنظيم) أو الجامعة بإطالق‬ ‫يل‪،‬‬ ‫أحكام مطلقة وكل ّية مثل التهم بالكفر أو الخيانة أو العهرأو الكذب الك ّ‬ ‫أو العنرصية‪ ،‬أو‪ ...‬الخ‪ ،‬فان الناقد هنا يكون قد خرج من مساحة النقد اىل‬ ‫مساحة أخرى هي ما بني الطعن املعاقب عليه قانونياً‪ ،‬وبني االنزالق الكيل‬ ‫نحو الهاوية‪.‬‬ ‫نأخذ العربة يف كثري من املجاالت من تاريخنا العريب االسالمي امليلء‬ ‫بااليجابيات كام السلبيات والثغرات (مبعنى أنه تاريخ وتراث قابل للنقد‬ ‫والتصحيح والنظر والحوار والتغيري) ولنا يف األمئة والصحابة واملجتهدين‬ ‫ِع رَب يف ذلك كثرية‪ ،‬كام لنا يف تاريخ األمم األخرى‪ ،‬بل ويف تاريخنا العريب‬ ‫‪26‬‬


‫الفلسطيني ما نحرتمه ونق ّدره ونجلّه يف فهم معنى االختالف‪ ،‬وفهم رضورة‬ ‫النقد وفهم كيف ومتى واىل أين يتم توجيه النقد‪.‬‬ ‫يقول اإلمام إبن القيم يف نقده اللطيف لشيخه (أستاذه) قبل أن يسطّر‬ ‫رأيه املختلف فيام قاله شيخه (مثيل ومثل الشيخ الهروي كمثل الهدهد‬ ‫مع سيدنا سليامن‪ ،‬حيث وقف الهدهد عىل باب سيده سليامن ذليال وهو‬ ‫«أحطت مبا مل تُحط به‪ ،‬وجئتك‬ ‫يستدرك عليه بعض ما نسيه أوأخطأه قائال‬ ‫ُ‬ ‫من سبأ بنبأ يقني»‪ ،‬ويبقى الهدهد هو الهدهد وسيدنا سليامن هو النبي‬ ‫وامللك العظيم)‪.‬‬ ‫النقد في الحركة الوطنية وعمر‬

‫إن كان النقد يف الحركة الوطنية مقبوالً‪ ،‬بل و يُحث عليه يف اللقاءات‬ ‫الداخلية مبعنى أن هذه التنظيامت تضع يف جدول أعامل اجتامعاتها‬ ‫التنظيمية بند (النقد والنقد الذايت) ما كان مامرسا لتنظيف الذات أوال‬ ‫بنقدها وتبيان أخطائها‪ ،‬قبل البحث يف عورات اآلخرين‪ ،‬لكن هذا األمر قد‬ ‫ض ُعف يف كثري من التنظيامت اىل الدرجة التي عال فيها صوت النقد منتقالً‬ ‫من النقد الصامت (الداخيل) اىل النقد الصاخب (خارج األطر) واىل الدرجة‬ ‫التي تناىس فيها الشخص الناقد ذاته وو ّجه كل سهامه لآلخر أو للمحيط‬ ‫أوللظروف‪ ،‬وما هذا أبدا هو غاية فكرة النقد و النقد الذايت‪.‬‬ ‫يقع الرضر يف التنظيامت السياسية من إهامل االجتامعات املثمرة أو‬ ‫الفعالة‪ ،‬فام بالك حني انعدام عقدها أصال؟! وان ُعقدت فيأيت الرضر من‬ ‫عدم دوريتها‪ ،‬ما يُف ِقد الكادر وحدة الخطاب ووحدة املوقف وتعميق‬ ‫روح االنتامء وااللتزام ويحرمهم مساحة التواصل الحروالحوار والقرار‪ ،‬بل‬ ‫ويحرمهم مساحة تنظيف الذات أوالً بالنقد الذايت أمام املأل‪ ،‬فالبداية دوما‬ ‫من عندي قبل أن أشري بأصبعي لآلخر بنقد فام بالك باتهام!‬ ‫ويف املقابل يكون اآلخر تحت العني ومتأهباً مبحبة لتقبل النقد وفق‬ ‫‪27‬‬


‫حكمة عمر بن الخطاب (ريض الله عنه) الذي كان يردد (رحم الله امرأ‬ ‫اهدى إ ّيل عيويب) وقيل بصيغة (إن أحب الناس ا ّيل من أهدى إ ّيل عيويب)‪،‬‬ ‫ال كام قال أحد الخلفاء األمويني حني صعد املنرب‪( :‬من قال برأسه كذا قلنا‬ ‫بسيفنا وكذا) مهددا كل من يعارضه من اليوم األول وهو الشخص ذاته َمن‬ ‫أعترب تذاكر سرية عمر بن الخطاب (ريض الله عنه) مفسدة للرعية! وهذه‬ ‫من تلك‪ ،‬و لنا العربة ملن يعترب حيث قيل لبعض العلامء وقد اعتزل الناس‬ ‫وكان منطوياً عنهم مل امتنعت عن املخالطة فقال‪ :‬وماذا أصنع بأقوام يخفون‬ ‫عني عيويب؟‬ ‫يقول لينني‪« :‬موقف الحزب السيايس تجاه أخطائه ميثل واحدا ً من‬ ‫املقاييس األكرث دقة يف تقييم جدية وإخالص هذا الحزب‪ ،‬وكذا أمانته يف‬ ‫التزاماته تجاه طبقته‪ .‬التعرف برصاحة عىل الخطأ‪ ،‬التأكد من األسباب التي‬ ‫أدت إليه‪ ،‬تأمني طريق تصحيحه – تلك هي السامت املميزة للحزب الجاد‪،‬‬ ‫والتي هي كيف ميارس دوره ويؤدي واجباته‪ ،‬وكيف يجب عليه تثقيف‬ ‫وتدريب طبقته‪ ،‬ومن ثم الجامهري»‪.‬‬ ‫مارست حركة فتح النقد والنقد الذايت يف مؤمتراتها ويف اجتامعاتها‪ ،‬وكثريا‬ ‫ما أبدى قادتها رأيا مغايرا يف لقاءاتهم الداخلية حتى أن كل من القياديني‬ ‫خالد الحسن (أبو السعيد) وصالح خلف (أبو إياد) كانا وغريهام ميثالن خطان‬ ‫مختلفان كام كان ماجد أبورشار‪ ،‬ومل يعني ذلك نقضا لاللتزام الداخيل واالنضباط‬ ‫يف آلية توازن الوطني مع الحريك ويف إطار واضح من الحرص ال التدمري‪.‬‬ ‫لدغة األفعى واالنتماء‬

‫قد يلجأ الكادر الحريك يف التنظيم عىل رفع صوته عاليا خارج األطر وذلك‬ ‫يف ظل إنحسار مساحة التواصل الداخيل يف آلياته املعروفة (اجتامع‪ ،‬لقاء‪،‬‬ ‫ندوة‪ ،‬مؤمتر‪)...‬ال سيام وأن مجاالت التعبري يف ظل علنية التنظيم (أو شبه‬ ‫علنيته) قد أعطت الكثريين الرغبة يف التعبري العلني حتى لو كان خروجا‬ ‫‪28‬‬


‫عن منطق االلتزام وكأن لسان حالهم يقول وهل يُالم الذي لدغته االفعى‬ ‫أن يرصخ؟‬ ‫قد يجد الكثريون العذر أيضا لضعف االنتامء ولضعف االلتزام عندهم‪،‬‬ ‫وكيف ال يتأىت ذلك وال لقاءات دورية أوتواصل ف ّعال يستطيع فيها الكادر‬ ‫ويحس أنه محرتم ويتم تقدير رأيه وليس خروفاً‬ ‫أن يربز نفسه ويثبت ذاته‬ ‫ّ‬ ‫الهش عليه كام يَهش الراعي عىل غنمه‪ ..‬الرغبة يف النقد‬ ‫ضمن قطيع يتم ّ‬ ‫ترتافق عند الكثريين مع مفهوم الحرية والدميقراطية‪ ،‬رغم عدم الفهم ملعنى‬ ‫املساحات املتاحة أواملفروض التعبري فيها‪ ،‬ويف كل منها بقدر مختلف أو‬ ‫شكل مختلف أو مضامني مختلفة‪ ،‬وما ذلك إال لفهم –عند البعض‪-‬ال يصح‬ ‫ملعنى الدميقراطية‪ ،‬والتي ال تعني قطعاً الفوىض أواتخاذ املنابر للطعن‬ ‫والشتم والتعريض باآلخرين‪ ،‬والتي تغفل أن الدميقراطية‪ :‬حوار والتزام يف‬ ‫رشاكة وتواصل‪.‬‬ ‫التواصل االجتماعي‪ ،‬والتقريع الشخصي‬

‫بال شك أن وسائل التواصل اإلعالمي واالجتامعي قد أتاحت مساحات‬ ‫واسعة للحريات‪ ،‬ما هو يشء جيد وهنا برز أيضا خطورة فهم الحرية مبعنى‬ ‫إسقاط الحدود وااللتزامات‪ ،‬فللبيت حدود‪ ،‬وكمثال‪ :‬فإن من يريد تزويج‬ ‫دب بالقول انها تأيت يوميا‬ ‫هب و ّ‬ ‫ابنته ال يشوهها‪ ،‬فال يكرر أمام كل من ّ‬ ‫متأخرة بعد ‪ 12‬ليال‪ ،‬أو انها كثرية السهرات أو‪ ...‬أو‪ ...‬ما هو إن صح عنها‬ ‫وجب أن يكون نقدا داخليا‪ ،‬ويصدق ذات األمر مع التنظيم‪.‬‬ ‫قال أحد الصحابة وهو مسعد بن كدام (رحم الله من أهدى اىل عيويب‬ ‫يف ِسرت بيني وبينه‪ ،‬فإن النصيحة يف املأل تقريع)‪ ،‬وبالطبع فان هذا يصدق يف‬ ‫األمور الذاتية والشخصية‪ ،‬أو حالة إقران الناقد بني املوقف وذات الشخص‪،‬‬ ‫ال يف أمور الرأي واملوقف واالتجاه ما له مجاالته الدميقراطية وطرق تعبريه‬ ‫املعروفة‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫هل تتصور أنك تض ّيق عىل عضو يف تنظيم سيايس فريى نفسه رقام‬ ‫أوبطاقة انتخابية أو شخص ضمن حشد (ال ضمن تنظيم) أنه سيك ّن احرتاما‬ ‫أو انتامء عاليا لتنظيمه؟ بالطبع ال‪ ،‬فاإلهامل أو اإلنكار أواالستصغار لآلخرين‬ ‫أو التعايل عليهم أوتحقريهم‪ ،‬واستخدامهم فقط كوقود ملعارك داخليه لن‬ ‫يكون مثنه إال مزيد من التمزق الذي نراه يف الفصائل الفلسطينية اليوم‪.‬‬ ‫مساحات النقد‬

‫يجد الشخص العادي كام العضو املنتمي لفصيل‪ ،‬يجد املساحة مفتوحة‬ ‫أمامه للتعبريعرب وسائل التواصل االجتامعي املختلفة‪ ،‬فال يظن أحد أن فكرة‬ ‫التنظيم املغلق عىل ذاته فكرة قابلة للحياة يف هذا الزمن‪ ،‬يف هذه الوسائل‬ ‫يقول الشخص ما يشاء وقد يتخطى الحدود بني الخاص والعام‪ ،‬بني الشخيص‬ ‫و الرأي املعلن‪ ،‬أو بني التنظيمي الداخيل والجامهريي العلني فيصبح كمن‬ ‫يريد تزويج ابنته ويش ّهر بها‪ ،‬فال يستقيم األمر أبدا ً‪.‬‬ ‫إن االهتامم بوسائل التواصل االجتامعي رضورة وهو ما يقوم به العديد‬ ‫من كادرات التنظيامت‪ ،‬ولكنه ال يُغني مطلقا عن الواقع‪ ،‬فالواقع االفرتايض‬ ‫يبقى افرتايض والواقع امل ُعاش يتنفس الهواء ويسعى بني الناس فيُ ِحدث‬ ‫التأثري الكبري وال بديل عن االتصاالت املبارشة بني الناس‪.‬‬ ‫مساحة الحرية املتاحة يف النقد تلك التي للشخص مع ذاته وبني ذاته بال‬ ‫حدود‪ ،‬وتلك من صديقه لشخصيته بينهام فقط‪ ،‬وتلك لترصفاته الشخصية‬ ‫بني أقرانه أو يف محيط ضيق تبقى يف املحيط‪ ،‬وتختلف هذه املساحة عن‬ ‫املساحة األخرى أي تلك املتوجب نزع غالف الشخصنة عنها كليا مبعنى‬ ‫إبعاد توصيف الشخص بأي شكل حينام يتخذ رأيا أو موقفا‪ ،‬ويتم نقد‬ ‫الرأي أو املوقف ال نقد ذات الشخص (فالن ألنه قال كذا “رأي” فهو طويل‬ ‫قصري”ذات”‪...‬الخ) ما يخلط بينهام الكثريون لضاللة مقصودة أولتشهري‬ ‫أولسوء فهم آلية الفصل‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫إذن املساحة األوىل للنقد هي مساحة شخصية بحتة‪ ،‬املساحة الثانية‬ ‫هي مساحة الرأي العام للفرد‪ ،‬ولها ‪ 3‬مجاالت‪ :‬مجال يف اإلطار الضيق البن‬ ‫التنظيم (إطاره املبارش) أواإلطار األوسع (للمسؤول األعىل أو عرب املؤمتر أو‬ ‫الجلسات العامة)‪ ،‬أو قد تصل حال شدة اإلهامل واالنكسار اىل رفع الصوت‬ ‫عالياً يف وسائل اإلعالم ما يجب التعامل معه بحذر‪.‬‬ ‫النقد لدى الفكرانيين صفر‬

‫يقع االختالف واضحاً بني التنظيامت الدميقراطية وتلك الفكرانية‬ ‫(األيديولوجية) فالثانية ال تفصل بني الشخص و املوقف وإمنا تربط بني‬ ‫إطالق التُ َهم ونقد املوقف بحيث أن املوقف إن أتخذ من أحد قادتها وإن‬ ‫كان مخالفا وشاذا فهو رحمه الله وسامحه أو يتم تأييده وحتى تنزيهه‪ ،‬وإن‬ ‫أخذ الرأي من شخص آخر خارج التنظيم يتم إلصاق أبشع التُهم فيه لذات‬ ‫املوقف‪.‬‬ ‫تتصل القداسة أو النزاهة أو الصواب املطلق يف التنظيامت الفكرانية‬ ‫بالفكرة لتنعكس عىل ذات التنظيم وتتن ّزل عىل ذوات قادة التنظيم‪،‬‬ ‫فيصبحون غري قابلني للنقد ألن مآل النقد يف مثل هذه التنظيامت الفصل‬ ‫أواإلبعاد والنبذ‪ ،‬أوالخروج من التنظيم كام قال الحاج مصطفى مشهور أحد‬ ‫قادة “االخوان” مستصغرا املخالفني ومق ّزما لهم ورافضاً النقد حيث قال هم‪:‬‬ ‫(كالورقة الصفراء التي تسقط من الشجرة الخرضاء اليانعة)‪.‬‬ ‫ال تكف غالب التنظيامت الفكرانية األيدولوجية سواء القومية الشوفينية‬ ‫أوالشيوعية أو اإلسالموية عن الربط بني الشخص واملوقف بشكل متعمد‪،‬‬ ‫لتحقيق املفاصلة بني املعسكريني (الفسطاطني) والربنامجني و الفكرين وكأن‬ ‫الدنيا خري مطلق يف ركابهم ورش مطلق مصاحب لآلخر‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫النقد لتنظيف الذات أوال ال لتنزيهها‬

‫إن النقد و النقد الذايت رضورة لتنظيف الذات أوال‪ ،‬ولتصحيح املسار‬ ‫لس ُبل أو مخارج جديدة وإلقالة العرثات‪،‬‬ ‫ثانيا و لتحقيق التواصل واإلشارة ُ‬ ‫وحل املشاكل واألزمات ال للطم والشتم واالتهام‪ ،‬و ال لبعث كوامن السلبية‬ ‫والظالمية واالنحسار‪ ،‬وإمنا للتفكري املشرتك ببعث جديد ونهضوية‪ ،‬ال تنقطع‪،‬‬ ‫ورصاع يسعى للتجديد والتغيري‪ ،‬وإيجابية تعني قطعا الصعود ال الهبوط‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫صلب {التنظيم} و{الهوامش}‬ ‫في ُ‬ ‫إن التنظيم السيايس يشك ُّل جسدا ً تتكامل فيه مكوناته‪ ،‬وتتفاعل‪ ،‬بال‬ ‫انقطاع‪ ،‬وهي يف تفاعلها الدائم تحافظ عىل حيوية الجسد ودميومته يف‬ ‫حركّية دؤوبة التهدأ‪ ،‬أكانت هذه الحركية مرتبطة {بالحوارأم الفعل}‪.‬‬ ‫إن التفاعل املكتمل الدائرة يف داخل جسد التنظيم يقتيض ُحسن‬ ‫التعاطي مع املسار (املسارات)‪ ،‬وهذا ال ُحسن يقتيض التبادلية‪ ،‬وال يعني‬ ‫مسارا ً باتجاه واحد أبدا‪ ،‬مبعنى أن مجرى الحركة ومسارها املتدفق (السلوك‪:‬‬ ‫الحوار والفعل) يسري من أعىل إىل أسفل‪ ،‬وأيضا بالعكس أي من أسفل إىل‬ ‫أعىل (يف تراتبية الهيكل التنظيمي الهرمي)‪ ،‬كام يسري يف داخل املرء ذاته‬ ‫وحواره النفيس‪-‬الروحي الفكري‪ ،‬كام يسري أفقيا (داخل الوحدة التنظيمية‬ ‫من خلية إىل إقليم يف حركة فتح‪ ،‬وكافة التنظيامت‪ ،‬أو داخل آليات االتصال‬ ‫يف االجتامعات والندوات والدورات‪ ،) ...‬وهذا يقتيض إتاحة الفرصة الالزمة‬ ‫لألعضاء ألن يقدموا ما لديهم من أفكار وتجارب واقرتاحات بحرية‪ ،‬دون‬ ‫بخس آلرائهم أو مبادراتهم‪ ،‬ودون تقليل من شانهم ودون محاوالت لفرض‬ ‫الرأي الواحد‪.‬‬ ‫يف التفاعالت الكيميائية‪ ‬يتم ترتيب الذرات يف الجزيئات الكيميائية‪،‬‬ ‫ويف مثل هذا التفاعل نشهد اتحاد بعض الجزيئات بطرق أخرى لتكوين‬ ‫شكل من مركب أكرب أو أعقد‪ ،‬أو تفكك املركبات لتكوين جزيئات أصغر‪ ،‬أو‬ ‫تكس‬ ‫إعادة ترتيب الذرات يف املركّب‪ .‬والتفاعالت الكيميائية تشمل عادة رّ‬ ‫أو تكوين روابط كيميائية‪ .‬ومن أنواع التفاعل‪ :‬ما يؤدي لتغيري جزيئ أو كيل‪،‬‬ ‫ومنه ما يؤدي لالندماج واالنصهار وتكوين مركب جديد‪ ،‬ومنه ما يؤدي‬ ‫لتفكك وبالتايل خروج وانهيار‪.‬‬ ‫ومن التفاعالت (الكيميائية) ما يكون نارشا ً للحرارة ومنها املاص للحرارة‬ ‫عىل ما يذكر علامء الكيمياء‪ ،‬وهل ترى التفاعالت اإلنسانية ببعيدة عن‬ ‫هذا التوصيف؟ ال أظن ذلك‪ .‬رغم تعقد الذات اإلنسانية والتعامل معها‪،‬‬ ‫‪33‬‬


‫إذ أنها تحتاج لتحقيق التوازن فيها –ومعها‪ -‬عىل املتعاملني مع الكادر ومع‬ ‫الناس‪-‬بل ومع أنفسهم‪ -‬أن يدركوا أوال أهمية ورضورة وحساسية املكونات‬ ‫(الذات‪ /‬الناس) والبيئة أو الوسط املحيط‪ ،‬وطبيعة التعامل محكوما بالفعل‬ ‫ورد الفعل‪ ،‬وأيضا الهدف والنتيجة‪ ،‬وهنا نحن نرى أن التفاعل املكتمل‬ ‫نريده يف التنظيم أن يكون نارشا لحرارة اإلميان والعمل للجميع‪ ،‬وأن يُحدث‬ ‫تغيريات بالشخصيات داخل التنظيم مبا ميكّن من حصول االندماج واحتكاك‬ ‫وانصهار األفكار يف بوتقة تحقق نتيجة واحدة مأمولة‪.‬‬ ‫إن التفاعل داخل جسد التنظيم يسري من أعىل إىل أسفل‪ ،‬فرنى االتصاالت‬ ‫املتيرسة واملتابعة والتخطيط وصدور القرارات والرقابة‪ ،‬وتسري من أسفل إىل‬ ‫أعىل (يف الهرم التنظيمي) فرنى األعامل ونسمع اآلراء واملقرتحات وتُق ّدم‬ ‫التقارير ومحارض االجتامعات وسجالت النشاطات واالشرتاكات املالية‪،‬‬ ‫وبدون هذه الحركية الرائقة‪ ،‬التي وجب مت ّيزها بالسالسة واللّيونة والتدفق‬ ‫ينسد مجرى النهر التنظيمي ويتوقف التدفق‪.‬‬ ‫حوض الماء والتفاعل في التنظيم‬

‫إن مستوى املاء يف الحوض (والحنفية مفتوحة عليه) يرتفع حتى يفيض‬ ‫يف نهاية األمر‪ .‬ماذا يحدث إن تدفق املاء خارجاً أرسع من تدفقه للداخل؟‬ ‫يبدأ مستوى املاء بالنزول‪ .‬وأخريا‪ ،‬نرى أننا إن استمررنا بتدفق املاء بنفس‬ ‫املعدل لتدفقه إىل الخارج فإن مستوى املاء سيبقى ثابتاً؟‬ ‫إن محاكاة حوض االستحامم هذه تبني هيكلية “التجميع و التدفق” التي‬ ‫توجد يف أنظمة مختلفة من حولنا ومنها يف التنظيم السيايس‪.‬‬ ‫إن الخزن هو تراكم‪ ،.‬واملاء يف الحوض هو املخزون املرتاكم‪ .‬فإن استطعنا‬ ‫تحقيق التوازن يف أطار املخزون املجمع‪ ،‬والتدفق الناتج فإننا نكون قد‬ ‫أدخلنا التنظيم يف مرحلة االستقرار ويف التفاعل املكتمل الذي نتحدث عنه‬ ‫ونهدف منه لتحقيق هذا التوازن‬ ‫‪34‬‬


‫من أشكال التفاعل االجتامعي (ومنه التنظيمي‪ :‬حيث أن التنظيم تفاعل‬ ‫بني جامعة إنسانية لديها فكر وأهداف مشرتكة وقوانني وتقوم بعمل)‬ ‫التعاون والتنافس والتوافق والرصاع‪ ،‬ويتضمن التفاعل االجتامعي (كام يشري‬ ‫موقع بذورالكوكب العلمي‪-‬بالنت سيد)التفاعل أو التأثري املتبادل لسلوك‬ ‫األفراد والجامعات الذي يتم عادة عن طريق االتصال الذي يتضمن بدروه‬ ‫العديد من الرموز وهناك عالقة بني أهداف الجامعة وما يتطلبه تحقيق تلك‬ ‫األهداف من تفاعل اجتامعي يُيَ رّس وصول الجامعة إىل تحقيق أهدافها‪.‬‬ ‫استنتج مظفر رشيف (أحد مؤسيس علم النفس االجتامعي) من خالل‬ ‫تجاربه انه عندما يتفاعل أعضاء الجامعة قاصدين تحقيق هدف مشرتك‬ ‫فانه مع الوقت يربز بناء الجامعة‪ ،‬ينظم األعضاء يف مراكز وادوار تحددها‬ ‫معايري تحكم السلوك االجتامعي وتكون أساس االتجاهات االجتامعية نحو‬ ‫املوضوعات واألشخاص ويحدث تفاعل اجتامعي بني جامعتني أو أكرث يلونه‬ ‫التنافس وتسوده املواقف املحبطة وتنمو إتجاهات سالبة نحو بعضها‬ ‫البعض‪ ،‬ووجد أيضا عندما تكون الجامعات حتى وان كان بينها توتر ويتم‬ ‫بينها تفاعل اجتامعي نحو هدف مشرتك ال ميكن تحقيقه بجهد جامعة‬ ‫واحدة فإن الجامعات متيل إىل التعاون ويقل من خالل هذا التفاعل ما بينها‬ ‫من رصاعات واتجاهات سالبة‪.‬‬ ‫النظرية التفاعلية في القيادة‬

‫يف فن القيادة نظريات عديدة منها نظرية الرجل العظيم التي سقطت‪،‬‬ ‫ونظرية السامت‪ /‬الخصائص للشخصية التي أصبحت مايض‪ ،‬ومن النظريات‬ ‫الحديثة‪ :‬النظرية الوظيفية‪ ،‬النظرية املوقفية‪ ،‬النظرية التفاعلية‪ /‬التكاملية‪،‬‬ ‫النظرية اإللهامية‪ ،‬النظرية التبادلية‪ ،‬النظرية التحويلية‪ ،‬نظرية مركزية‬ ‫املبادئ (يراجع الباحث أحمد بن عبد املحسن العساف يف بحث مهارات‬ ‫القيادة وصفات القائد‪ ،‬الرياض)‬ ‫‪35‬‬


‫ونحن يف إطار حديثنا هنا عن التفاعل التنظيمي وصلب التنظيم‪ ،‬من‬ ‫األجدر أن نركز عىل النظرية التفاعلية التي يطلق عليها أصحابها أيضاً‬ ‫النظرية التوافقية‪ ،‬وتقوم هذه النظرية عىل فكرة املزج بني متغريات‬ ‫النظريات السابقة‪ ،‬فهي تأخذ يف االعتبار السامت الشخصية والظروف‬ ‫املوقفية والعوامل الوظيفية معاً‪ ،‬وتعطي النظرية أهمية كبرية إلدراك القائد‬ ‫لنفسه‪ ،‬وإدراك اآلخرين له وإدراكه لآلخرين‪ ،‬فالحياة التنظيمية مثالً تتطلب‬ ‫سامت معينة للكادر والقائد‪ ،‬وتختلف هذه السامت باختالف املوقف الذي‬ ‫يوجب استخدام بعضها وتوفره‪ ،‬كام يختلف سلوك الكادر‪ /‬القائد باختالف‬ ‫موقعه أو مهمته التي تحدد له املهام والصالحيات التي سيترصف مبوجبها‬ ‫(أنظر القيادة اإلدارية للدكتور سامل القحطاين‪ ،‬العدد‪ 23‬مجلة البحوث‬ ‫األمنية السعودية‪1423 ،‬هـ)‪​ .‬‬ ‫إذن تؤكد هذه النظرية عىل التكامل والتفاعل بني املتغريات الرئيسة‬ ‫التالية التي تحقق نجاح القائد‪ :‬‬ ‫◊ ◊القائد‪ ،‬شخصيته ونشاطه يف الجامعة‪.‬‬ ‫◊ ◊األعضاء‪ ،‬اتجاهاتهم وحاجاتهم ومشكالتهم‪ .‬‬ ‫◊ ◊ الجامعة نفسها‪ ،‬من حيث العالقـة بني أفرادهـا وخصائصهـا وأهدافها‬ ‫وعملية التفاعل بني‪ ‬أفرادها‪.‬‬ ‫من الواضح هنا أن “النظرية التفاعلية”‪ ،‬تؤكد عىل أهمية املرؤوسني‬ ‫(األعضاء يف اإلطار التنظيمي)‪ ،‬كعامل مؤثر يف نجاح القيادة أو فشلها‪ .‬وإذا‬ ‫كانت النظرية التفاعلية‪ ،‬تقيم فهمها لخصائص القيادة‪ ،‬عىل ربط نجاح‬ ‫القائد بقدرته عىل التفاعل مع املرؤوسني‪ ،‬وتحقيق أهدافهم‪ ،‬فإن ذلك ال‬ ‫يعنى من الناحية الواقعية توفر القدرة لدى القائد‪ ،‬عىل إحداث تكامل يف‬ ‫سلوك الجامعة العاملة كلها‪ ،‬وإمنا يعني قدرته عىل إحداث تكامل‪ ،‬لدى‬ ‫معظم أعضاء الجامعة العاملة‪ .‬‬ ‫ونعود للقول ثانية أن خالصة مفهوم “النظرية التفاعلية» هي‪ :‬أن‪ ‬القائد‬ ‫الناجح هو الذي يكون قادرا ً عىل التفاعل مع املجموعة‪ ،‬وإحداث التكامل‬ ‫‪36‬‬


‫يف سلوك أعضائها‪ ،‬أو سلوك معظمهم‪ ،‬آخذا ً يف اعتباره آمال أفرادها‪ ،‬وقيمهم‬ ‫وتطلعاتهم‪( .‬أنظر بكر أبوبكر‪ ،‬وجوه القيادة‪ ،‬املركز الفلسطيني للدراسات‪،‬‬ ‫رام الله‪.)2005 ،‬‬ ‫كان يارس عرفات ال يعكس خالفاته السياسية أو التنظيمية عىل عالقته‬ ‫التفاعلية باألعضاء داخل منظمة التحرير الفلسطينية وداخل حركة فتح‬ ‫والحقا» السلطة‪ ،‬مبعنى أنه كان يعزل الخالف السيايس بالرأي عن طبيعة‬ ‫عالقاته –اتصاالته االنسانية معهم‪ ،‬فلم يقطع تواصله مع مخالفيه وإمنا أبقى‬ ‫دامئا عىل العالقة معهم يف فهم لقيم وتطلعات األفراد التي متزج بني املوقف‬ ‫السيايس وبني احتياجاتهم الفردية‪ ،‬فإن اختلف مع أحدهم مل يكن هذا يف‬ ‫عرفه أن يعاقبه أو يحد من طموحاته أو يُقصيه أبدا ً‪.‬‬ ‫لذا نستنتج مام سبق ويف إطار التوافق والتكامل يف نطاق النظرية‬ ‫القيادية التفاعلية إن متطلبات التفاعل املكتمل الدائرة (االيجايب وليس‬ ‫السلبي) داخل التنظيم السيايس تتمثل يف تحقيق مبادئ اتصالية ثالثة هي‪:‬‬ ‫االنسيابية والتبادلية وتوسيع املساحات‪ ،‬سواء للفعل أو الحوار يف ظل أسس‬ ‫الهيكل‪ ،‬وطبيعة األهداف املقررة والخطط املقررة‪.‬‬ ‫مساحات رحبة‬

‫يقول الكاتب عبدالكريم العامري يف شبكة النبأ‪ :‬إن االزدحام الشديد بني‬ ‫املجموعة البرشية يخلف آثارا ً مذهل ًة ونتائج بالغة الخطورة‪ ،‬منها تحطم‬ ‫وانحالل الحياة االجتامعية (فام بالك التنظيمية)‪ ،‬أما العادات والتقاليد‬ ‫العامة والرادع الديني اللذان يتحكامن يف ضبط النفس والسيطرة عىل عدم‬ ‫استعامل العنف‪ ،‬فتطرحان جانباً دون اكرتاث أو مباالة‪.‬‬ ‫ثم يعلق بالقول‪ :‬ليس علينا إال أن نفهم من أن ما يحيط باإلنسان من‬ ‫فراغات ومساحات تباعدت أوتقاربت امنا هي نتيجة إلحساساته من ملس‪،‬‬ ‫شم‪ ،‬شعور‪ ،‬رؤيا‪ ،‬إن هذه الفراغات هي ليست مجرد حيز من الفراغ أو‬ ‫‪37‬‬


‫الهواء فحسب‪ ،‬بل هي وسيلة اإلنسان التصاله بالعامل الخارجي وما يحيط‬ ‫به وهي يف عني الوقت تحميه منه‪ .‬أما زيادة الضغط عىل هذه الفراغات‬ ‫الحيوية والرضورية لبقاء اإلنسان عىل نحو يرضيه فقد تسبب له متاعب‬ ‫وأمراضا ال حرص لها وال دواء‪.‬‬ ‫إن توسيع مساحات التفاهم والحوار والعمل تعنى أن كل عضو أو‬ ‫شخص لديه الفرصة املتاحة ليطرح رأيه‪ ،‬أو يعرب عن ذاته أو يقدم مقرتحه‪،‬‬ ‫وألن يقوم بجهد أو مبادرة أو نشاط أو عمل ويشاركها اآلخرين‪ ،‬فال يستأثر‬ ‫رئيس الجامعة (الوحدة التنظيمية مهام علت) وكأنه صاحب األمر وليس‬ ‫لألعضاء سوى التنفيذ‪.‬‬ ‫◊ ◊إن توسيع مساحات التفاهم تعطى للمياه (التنظيمية) قدرة إن تنقي‬ ‫نفسها‪ ،‬ونرشبها يف النتيجة شفافة نقية‪.‬‬ ‫◊ ◊إن توسيع مساحات التفاهم يعني كرس عقل االحتكار وعقل االستبداد‬ ‫وعقل السيطرة وعقل األنا والعقل القمعي الكامن لصالح الرحابة‬ ‫واالنفتاح والتسامح والجامعية‪.‬‬ ‫مساحات التفاهم (وهذه املساحات وإن كانت معنوية‪ ،‬داخل العقل أو‬ ‫داخل النفس أو يف أسلوب التعامل‪ ،‬فهي باتساعها متاما كاملساحات املادية‬ ‫من حيث هي ساحات عامة وفضاءات تجلب االنرشاح والشعور باالنطالق‬ ‫والرحابة لدى اإلنسان) ومساحات أو أدوات التعبري من خالل االجتامعات أو‬ ‫اللقاءات أو إتاحة فرصة ذات قدر كبري من األهمية مبا تقلل من االحساس‬ ‫بالقهر أو النبذ و من عوامل االضطراب والحنق والضغط الشديد الذي قد‬ ‫يعاين منه الشخص‪.‬‬ ‫التبادلية واالجتماع وسيادة النظام‬

‫أما التبادلية‪ :‬كأحد رشوط التفاعل املكتمل يف صلب التنظيم فإنها‬ ‫تفرتض أوالً أن حقوق األعضاء واحدة ومصانة‪ ،‬فال يتقدم أحدهم الصفوف‬ ‫ليقول معرتضاً‪ :‬أهي هكذا فعال؟ مضيفا‪ :‬نحن نعلم أنها هكذا حسب ما هو‬ ‫‪38‬‬


‫مكتوب بالنظام‪ ،‬ولكن عىل األرض أهناك حقوق للعضوية متساوية؟ مبعنى‬ ‫هل يستطيع أي عضو أن يرفع شكوى أو اقرتاح أو سؤال كام يريد ضمن‬ ‫التسلسل؟ أم هل يستطيع مساءلة أومقاضاة مسئوله أمام الجهة األعىل؟ أم‬ ‫هل تراه يستطيع أن يعارض – يف إطاره – دون خشية من عقاب ما؟ أم هل‬ ‫يشعر بالرحابة واملساواة والندية املمزوجة باملحبة حني يتحدث أو يعرتض‬ ‫أو ينتقد؟ وكلّها أسئلة مرشوعة‪.‬‬ ‫إن هذا ما يجب أن نراه عملياً يف مسألة مساواة الحقوق لألعضاء‪ ،‬كرشط‬ ‫أساس لتحقيق التبادلية‪ ،‬فكيف أقتنع أن هناك (تبادلية) تفرتض تحقق‪:‬‬ ‫املساواة والندية والحرية‪ ،‬وأنا ال أعرتف أصال أو أستهني بحقوق اآلخرين؟‬ ‫لنقول نحن‪ :‬إن الرد عىل هذا الجدل يستدعي منا العمل معا عىل تحصني‬ ‫النظام‪ ،‬كيف ذلك؟ نقول‪ :‬بأن نقوم بتطبيقه‪ .‬ويف إطار التبادلية يأيت الحوار‬ ‫وااللتزام كقانون محدد لتسليس تدفق مجاري املياه الدميقراطية‪.‬‬ ‫يقول الرسول (صلىّ الله عليه وسلم )‪( :‬ال تكن إ ّمعة تقول أنا مع الناس‪،‬‬ ‫إن أحسنوا أحسنت‪ ،‬وإن أساءوا أسأت‪ ،‬بل وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس‬ ‫تحسنوا‪ ،‬وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم) ويف الحديث النبوي عىل توطني‬ ‫النفس باإلحسان إشارة واضحة لرضورة الحوار والرفض والنقد‪ ،‬فكام يجب‬ ‫تحقيق االنضباط وااللتزام والطاعة فإن التبادلية هنا يف الحديث الرشيف‬ ‫اقتضت أن ميتلك الشخص إرادة اإلحسان بأال يكون تابعا جهوال مسيئا‪ ،‬ما‬ ‫ينطبق مع كافة العالقات والتفاعالت اإلنسانية السوية‪.‬‬ ‫يجب أن تتسع املساحة الداخلية للحوار‪ ،‬من خالل االجتامعات التنظيمية‬ ‫الدورية‪ ،‬و إال أصبحت صفحات الشابكة (االنرتنت) واملقاهي‪ ،‬ورمبا وسائل‬ ‫اإلعالم األخرى هي مساحة التنفس املستهدفة‪.‬‬ ‫إن دورية عقد االجتامعات تدخل يف صلب العمل التنظيمي‪ ،‬إذ ال‬ ‫ميكن بناء الخطط واملشاريع وتوزيع التكليفات بالعمل‪ ،‬وتقييم ومتابعة‬ ‫مسار العمل‪ ،‬وتقديم التوصيات‪ ،‬ومامرسة النقد والنقد الذايت إال من خالل‬ ‫‪39‬‬


‫الصلة الصحيحة بني األطر املختلفة وبني‬ ‫االجتامع‪ .‬كام ال ميكن تحقيق ِّ‬ ‫القيادات إال عرب االجتامع الذي يرفع التوصيات ويقدم املقرتحات‪ ،‬ويف املقابل‬ ‫(من أعىل إىل أسفل) يتلقى التوجيهات كام يتلقى مفردات وتحليالت الوضع‬ ‫السيايس والتثقيفي لعرضه داخل االجتامع‪.‬‬ ‫إن االجتامع التنظيمي الدوري محطة الزمة للحوار ال غنى عنها مطلقا‪،‬‬ ‫وتوزيع العمل واملتابعة واتخاذ القرار فيام هو من شأن اإلطار (الوحدة‬ ‫التنظيمية) والنقد والتخطيط‪ ،‬ما يعنى أنه كلام اتسعت هذه املساحة كان‬ ‫املردود ايجابيا عىل العضو‪ ،‬بحيث يشعر بكيانه ودوره وإنسانيته‪ ،‬وأنه ميارس‬ ‫فعليا حقه التنظيمي‪ ،‬وإال فإن التفلّت واللجوء لوسائل تعبري أخرى يصبح‬ ‫لديه أكرث قبوالً‪ ،‬السيام يف ظل سيل املعلوماتية الذي يتدفق ليل نهار يف‬ ‫أذنيه وأمام برصه‪ ،‬يف كل آن ولحظة‪ ،‬ويدعوه للكالم واثبات الذات‪ ،‬والرصاخ‬ ‫وأحيانا البكاء والعويل‪.‬‬ ‫سيادة النظام‪ :‬يف طرفة تُذكر أثناء خطاب جامهريي لرئيس نظام قمعي‬ ‫عريب‪ ،‬همس األول من الجالسني املستمعني يف أذن الثاين‪ :‬أأنت مع سيادة‬ ‫القانون أم مع سيادة الرئيس؟ رد عليه الثاين باسامً‪ :‬هل بإمكاين اختيار‬ ‫اإلثنني معا؟ األول وقد رمقه حراس املستبد بنظرة حادة تعنى أن أغلق فمك‬ ‫فالزعيم يتكلم‪ ،‬وإال! فابتعد عن زميله جازعاً‪ ،‬وقال يف نفسه‪ :‬عرفت الجواب‪.‬‬ ‫إن سيادة النظام ال سيادة املسؤول يجب أن تكون ال َحكَم‪ ،‬وهذا ال يعني‬ ‫فرط عقد االلتزام مطلقا‪ ،‬وإمنا تأيت معادلة االلتزام مبقدار االلتزام بالنظام‬ ‫الداخيل‪ ،‬والصالحيات املحددة والقيم واألهداف بالجامعة‪.‬‬ ‫وكام (ال طاعة ملخلوق يف معصية الخالق) فال طاعة ملسؤول يف معصية‬ ‫القانون أو النظام‪ ،‬ولكن الرد بوسائل النظام‪ ،‬أي معالجة خرق القانون‬ ‫بتفعيله‪ ،‬ال خرقه‪ ،‬وهنا تظهر معادلة االلتزام وتحقيق سيادة النظام‪.‬‬ ‫معادلة باتجاهني‪ :‬إذ ال ميكن تحقيق التبادلية والعضو مطلوب منه دوما‬ ‫‪40‬‬


‫(االنصياع) لألوامر وااللتزام بالقرارات والتنفيذ لألعامل والتصفيق لالنجازات‬ ‫واإلشادة حتى باإلساءات‪ ،‬فهذا يف حقيقته مامرسة استبدادية تحت ستار‬ ‫(التزام األطر الدنيا بأوامر األطر العليا) ما يجب أن يصح فقط عىل قاعدة‬ ‫النظام‪ /‬القانون أوال وااللتزام بالقيم ثانيا والتبادلية يف اتجاهني بحيث يمُ كّن‬ ‫العضو من الحديث والحوار والنقد واملبادرة ورعاية منجزاته ضمن الجامعة‬ ‫وإبداء الرأي والدفاع عنه‪.‬‬ ‫ال نفرتض التزاما حقيقيا أن بخسنا حق العضو يف أن يفتح فمه أو يف أن‬ ‫يقرتح أو يف أن يتم شكره واإلشادة مبا أنجز‪ ،‬وعليه فإن مبدأ االتجاهني تعني‬ ‫الحقوق والواجبات وتعني صعودا ونزوال يف الهرم التنظيمي وتعني مسار‬ ‫متقدم وراجع هي (االتصاالت) اإلنسانية املكتملة‪ ،‬وتعنى إرسال واستقبال‪،‬‬ ‫وال تعني مطلقا تكميم األفواه وفرض ُحراس عىل الكلامت داخل االطار‬ ‫التنظيمي‪.‬‬ ‫إن التفاعل املكتمل يتحقق يف الوحدة (اإلطار) التنظيمية يف أي منظمة أو‬ ‫تنظيم سيايس أواجتامعي يف االنسيابية ويف التبادلية ويف املساحات الواسعة‪.‬‬ ‫االنسيابية والعوائق والتعطيل‬

‫ويف االنسيابية نقول أنه من املتوجب‪:‬‬ ‫◊ ◊عدم وضع عوائق للحوار وإبداء الرأي‪ ،‬وإثبات الذات يف إطار التنافس‬ ‫لتحقيق املصلحة العامة‪ ،‬ويف ذات الوقت عدم استخدام سيف النظام‬ ‫بشكل قهري‪ ،‬إذ يصبح التهديد ببند العقوبات يف كل ما هب ودب‬ ‫عجزا ً يف املسؤول‪ ،‬وسيفاً عىل رقبة العضو الذي قد يرى نفسه مجربا ً‬ ‫أما عىل الثورة والرفض‪ ،‬أو االنصياع دون قناعة‪ ،‬أو إحداث الشغب‬ ‫والفوىض والتخريب‪ ،‬وقد يتحول ملع ّوق للعمل بوضوح‪.‬‬ ‫◊ ◊عدم تعطيل أدوات النظام وهي االجتامع والتقرير واملؤمتر واللقاءات‪،‬‬ ‫واالتصاالت مع القيادة ضمن األطر‪ ،‬ملا ذكرناه يف أهمية االجتامع‬ ‫‪41‬‬


‫الدوري ما ينسحب عىل األدوات األخرى‪.‬‬ ‫ويف االنسيابية تسامح ولني وسهولة‪ ،‬ويف الحديث الرشيف‪« :‬أَت َ ْد ُرو َن عَلىَ‬ ‫الس ْهلِ ‪،‬‬ ‫َم ْن ُح ِّر َم ِت ال َّنا ُر؟»‪ ،‬قالوا‪ :‬الله ورسولُه أعلم‪ ،‬قال‪« :‬عَلىَ الهَينِّ ِ‪ ،‬اللِّينِّ ِ‪َّ ،‬‬ ‫ِيب»‪.‬‬ ‫ال َقر ِ‬ ‫◊ ◊ ُحسن استخدام النظام (القانون)‪ ،‬وذلك بتحقيق التوازن بني رضورة‬ ‫(االلتزام واالنضباط) وبني (النقد والنقد الذايت) ويف إطار معرفة‬ ‫مساحات الرسية مقابل العلنية‪ ،‬ويف التقابل الواضح يف النظام الداخيل‬ ‫(الدستور) بني واجبات العضو وحقوقه‪ ،‬وبني صالحيات املسؤول بال‬ ‫عسف‪.‬‬ ‫إذن ف»التفاعل املكتمل الدائرة» كام أسميناه داخل جسد التنظيم‬ ‫(صلب التنظيم) من ثالثية‪ :‬االنسيابية والتبادلية وتوسيع املساحات‪ ،‬يغلق‬ ‫الدائرة أو يحقق مقدارا متوازنا بني مساهامت األعضاء داخل التنظيم وبني‬ ‫املردود أو النتائج التي تعود بالفائدة والنفع علينا (كمجموعة) وعىل القضية‬ ‫وعىل الشخص ذاته‪.‬‬ ‫يتفاعل األعضاء يف صلب (صلب التنظيم) تفاعال مكتمل الدائرة يف سياق‬ ‫توازن مرغوب‪ ،‬وهو عىل صعوبته إال أن االقتناع به‪ ،‬ثم تنفيذه‪ ،‬ميهد لحياة‬ ‫تنظيمية مستقرة‪ ،‬غري متوترة أو مست ِف ّزة أو تناحرية‪.‬‬ ‫الصراع وديغول و المع ِّوقين و «الهوامش»‬

‫يقول الله تعاىل يف محكم التنزيل (‪ ‬قَ ْد يَ ْعلَ ُم اللَّ ُه الْ ُم َع ِّو ِق َني ِم ْن ُك ْم َوالْقَائِلِ َني‬ ‫ِإل ْخ َوانِ ِه ْم َهلُ َّم إِلَ ْي َنا َوال يَأْتُو َن الْ َبأْ َس إِالَّ قَلِيالً) (األحزاب‪ )-18‬ويف التفسري لآلية‬ ‫الكرمية يقول ابن كثري ما نصه‪(( :‬يخرب تعاىل عن إحاطة علمه باملعوقني‪-‬‬ ‫والعوق هو شدة املنع والرصف‪ -‬لغريهم من شهود الحرب (والجهاد بكل‬ ‫أنواعه هنا)‪ ،‬والقائلني إلخوانهم أي أصحابهم‪ ‬وعرشائهم وخلطائهم‪{ ‬هلم‬ ‫إلينا}‪ ‬أي إىل ما نحن فيه من اإلقامة يف الظالل والثامر وهم مع ذلك‪{ ‬ال‬ ‫يأتون البأس إال قليالً‪ .‬أشحة عليكم}‪ ‬أي بخالء باملودة والشفقة عليكم‪ ،‬وقال‬ ‫‪42‬‬


‫السدي‪{ ‬أشحة عليكم} أي يف الغنائم‪ ،‬فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك‬ ‫تدور أعينهم كالذي يغىش عليه من املوت {أي من شدة خوفه وجزعه‪،‬‬ ‫وهكذا خوف هؤالء الجبناء من القتال} فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة‬ ‫ح��داد}‪ ‬أي فإذا كان األمن تكلموا كالماً فصيحاً عالياً‪ ،‬وادع��وا ألنفسهم‬ ‫الشجاعة والنجدة‪ ،‬وهم يكذبون يف ذلك‪ ،‬قال ابن عباس‪{ :‬سلقوكم}‪ ‬أي‬ ‫استقبلوكم‪ ،‬وقال قتادة‪ :‬أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأه مقاسمة أعطونا‬ ‫أعطونا‪ ،‬قد شهدنا معكم‪ ،‬وأما عند البأس فأجنب قوم وأخذله للحق‪ ،‬وهم مع‬ ‫ذلك‪{ ‬أشحة عىل الخري}‪ ‬أي ليس فيهم خري قد جمعوا ال ُجنب والكذب وقلة‬ ‫الخري}‪.‬‬ ‫فهم كام قال يف أمثالهم الشاعر‪ :‬أيف السلم أعيار جفاء وغلظة ** ويف‬ ‫الحرب أمثال النساء العوارك؟ (األعيار‪ :‬جمع عري وهو الحامر) أي يف حال‬ ‫املساملة كأنهم ال ُح ُمر‪ ،‬ويف الحرب كأنهم النساء الحيض‪ ،‬ولهذا قال تعاىل‪:‬‬ ‫{أولئك مل يؤمنوا فأحبط اللّه أعاملهم وكان ذلك عىل اللّه يسريا}‪ ‬أي سهالً‬ ‫هيناً عنده‪)).‬‬ ‫ويقول د‪.‬محمد املجايل عميد كلية الدراسات العليا يف الجامعة األردنية‬ ‫تعليقا عىل اآلية الكرمية عن املعوقني (عجيب أمر القرآن وهو يتحدث‬ ‫برصاحة عن فئة من الناس ال ه ّم لها إال إعاقة الخري‪ ،‬بأية وسيلة متاحة‪،‬‬ ‫ولو بالكلمة؛ ال يعجبها الخري‪ ،‬وانتشاره‪ ،‬وال املجتمع النظيف اآلمن‪ ،‬وال حتى‬ ‫الخريية لها‪ ،‬ألن فكرها مش ّوش وبوصلتها تائهة ومعايريها منقلبة‪ ،‬جمعت‬ ‫الضالل والظالم معاً‪ ،‬فامذا نتوقع من أمثال هؤالء إال الوقوف عرثة يف طريق‬ ‫الحق؟ واألعجب مام سبق‪ ،‬أن يظن اإلنسا ُن نفسه أنه عىل حق‪ ،‬يف مبدئه‬ ‫ومنهجه‪ ،‬ويسارع إىل تخطئة اآلخرين ونقدهم النقد الالذع‪ ،‬وهو يعتقد أنه‬ ‫متبع رأياً سديدا ً)‪.‬‬ ‫ونحن نقول إن كان املع ِّوقني يفرتضون بأنفسهم أحيانا أنهم عىل حق‬ ‫كام يعتقد د‪.‬محمد املجايل‪ ،‬فإن هناك فئة ضالة ُم ِضلّة فاسدة ُم ِ‬ ‫فسدة‪،‬‬ ‫‪43‬‬


‫هي يف األصل ليست من صلب “التنظيم”‪ ،‬تعلم أنها مضلٍّلة (بكرس الالم)‪،‬‬ ‫وذات أهواء‪ ،‬ولكنها تتامدى َغيَّا وتتامدى يف الخطايا وتتامدى فسادا خفية‬ ‫أو علنا‪ ،‬فقط تحقيقا ملصالحها الذاتية أو مل ُشغّليها‪ ،‬ولو كان الثمن هو أن‬ ‫يدوسوا اآلخرين جميعا أمامهم‪ ،‬إنهم مع ّوقني (بكرس الواو) وهم انتهازيني‬ ‫وهم يف نفس الوقت متسلقني استطاعوا أن يركبوا رأس الهرم االجتامعي أو‬ ‫السيايس أواالقتصادي أو التنظيمي وتربعوا عىل عرش النظام قاصدين هدمه‬ ‫أو استبداله أو إحالل من يشابهونهم مكانهم وهم يف املجتمع األخطر واألكرث‬ ‫صعوبة يف ذات الوقت أن تصل لهم وتكشفهم‪ ،‬إنهم “الهوامش” املعوقني‬ ‫للحق‪ ،‬الذين سادوا‪.‬‬ ‫إن التفاعل ويف شكله اآلخر (الرصاع) قد يبقى مقبوال ما دام يف نطاق‬ ‫البيت الواحد ولهدف جامع‪ ،‬ويصبح ذو طابع تخريبي ممجوج عندما يخرج‬ ‫من بوابة املنزل الرحب – هذا إن كان رحباً فعالً – وهنا يظهر من نسميهم‬ ‫«الهوامش»‪ :‬وهم الطبقة الطفيلية أواالنتهازية أواملتسلقة التي ال تتمتع ال‬ ‫بالوعي وال الحس وال بالثقافة وال بالقيم وال بالتجربة التنظيمية وال بالفكر‬ ‫واألهداف التنظيمية‪ ،‬لتستغل قربها مجرد قربها– لغفلة من الزمن– مع‬ ‫القيادة‪ ،‬وتحاول أن تفرض رشوطها وأفكارها املنحرفة‪.‬‬ ‫أن الهوامش يف جسد التنظيم مجموعة من التجار املرتبّحني من تجارة‬ ‫السلطة الحاكمة داخل البلد أو التنظيم املستأثِر أو املؤثر‪ ،‬وهي الجامعة‬ ‫التي متاهت نظريا مع أفكار الحركة (أو التنظيم أي كان)‪ ،‬أويف الحقيقة مع‬ ‫توجهات القيادة ‪-‬بغض النظر عن صحتها أو فسادها‪ -‬دون سند من تاريخ‬ ‫أو قيم أو فكر إال تاريخ وقيم وفكر الوصولية مبا تعنيه من ذاتية غالبة‪ ،‬ومن‬ ‫مصلحة شخصية طاغية قد تصل لحد االغتيال السيايس أو حتى الجسدي‬ ‫للمعارضني أو املعيقني للهاميش ألن يصعد يف سلم رغباته‪.‬‬ ‫إن الهوامش (وهم أصال عىل هامش الفعل والتجربة والفكرة كام هوامش‬ ‫الصفحة ال متنها) يف جسد التنظيم الثوري يتكاثرون كالفطريات‪ ،‬متاما‬ ‫‪44‬‬


‫كام الفراشات عىل الضوء أوباألحرى كالذباب عىل املزابل‪ ،‬إذ يستطيعون‬ ‫إن يعملوا يف ظروف قاسية‪ ،‬ألن أهدافهم االنتهازية واضحة املعامل وعجلة‬ ‫مصالحهم تدور‪ ،‬و منطقة استهدافهم هي املسؤول (القائد‪ /‬الزعيم)‪ ،‬ومربرها‬ ‫مصلحي بحت‪ ،‬وان بثوب وطني هو قطعا زائف‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شك الجرناالت حول الرئيس ديغول بأحد الوزراء بأنه يتعامل مع جهة‬ ‫أجنبية‪ ،‬ولكنهم مل يستطيعوا أن يضبطوه متلبساً‪ ،‬أو أن يجدوا عليه دليل‬ ‫إدانة واحدة‪ ،‬وظلت شكوكهم تتزايد من ترصفاته وسلوكه إىل أن جاء اليوم‬ ‫الذي اضطروا فيه لعرض األمر عىل الرئيس‪ ،‬فاستدعاه واستغل محرر فرنسا‬ ‫من النازية “شارل ديغول” جاذبيته (كارزما الشخصية) فأطال انتظار الوزير‬ ‫تم أدخله وبعد فرتة صمت مرعبة وهو يدير الظهر له‪ ،‬واجهه مباغتا بالقول‪:‬‬ ‫منذ متى وأنت تتعامل مع العدو؟ فقال الوزير الذي أخذته املفاجأة‪ :‬منذ‬ ‫سنوات‪.‬‬ ‫وهنا قال ديغول ‪-‬بعد أن اعرتف الرجل من هول الصدمة‪ -‬لكن مخابراتنا‬ ‫مل تستطيع أن تجد عليك دليالً واحدا ً؟ ماذا كنت تفعل؟ وكيف كانوا يتصلون‬ ‫بك؟ قال‪ :‬مل يكونوا يتصلون يب وال أتصل بهم‪ ،‬وإمنا كل ما طُلب مني عندما‬ ‫ُج ّندت هو أن أتخري أسوأ الشخصيات ألضعها يف قيادة اللجان أو املؤسسات‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫مثل هؤالء من «الهوامش» عىل هامشيتهم ‪ -‬ومتوضعهم الحقيقي عىل‬ ‫هامش ُصلب التنظيم‪ -‬من حيث الفكر أو القيم أو التجربة التنظيمية‬ ‫ميلكون براعة التسلق والتزلف والتقرب من املسؤول فال يضريهم اإلساءة‬ ‫املقصودة لخيار الناس وال يضريهم أن يسقط التنظيم ويندحر‪ ،‬كام ال يهمهم‬ ‫أن تتناحر الناس وتشتبك‪ ،‬بل هم يتحمسون لذلك إن مل يكونوا أساسا‬ ‫املحرضني واملحفزين عىل التدمري‪.‬‬ ‫يف الثورة الفلسطينية ظهرت يف فرتة معينة عبارة (االستزالم‪-‬من زملة أي‬ ‫رجل) أي االرتباط الفردي بقائد يسبح بحمده دون الله‪ ،‬أو دون النظام‪ ،‬أو‬ ‫‪45‬‬


‫دون الحركة‪ ،‬وظهرت مصطلحات «االنتهازيون واملتسلقون واالنبطاحيون»‬ ‫يف إطار الخالفات الفكرية أو السياسية – وان كان كثري منها قد تم تعريفه‬ ‫بشكل تعسفي إال أنه يف البعض منها كان صحيحا ‪ -‬وما ندعوه اليوم باسم‬ ‫الهوامش هم األخطر‪ ،‬فاألوائل من االنتهازيني كان لهم تاريخ يف الثورة أو‬ ‫إميان جزيئ بالفكرة‪ ،‬أما الهوامش فال إميان وال عمل إال ما يحقق رغبة الذات‬ ‫أومصلحة العدو عدا عن افتقادهم الكيل للقيم واألخالق ناهيك عن فقدان‬ ‫التجربة التنظيمية‪-‬الجامهريية‪.‬‬ ‫إن صلب التنظيم يشتمل عىل العقل والفؤاد‪ ،‬و يشتمل عىل اللب‬ ‫والقلب‪ ،‬كام يشتمل عىل األطراف فإن كان العقل يتوزع عىل الجميع بشكل‬ ‫شمويل‪ ،‬فإن القلب مبعنى الرحابة واملحبة وتحقيق التفاعل املكتمل الدائرة‬ ‫مطلوب من الرئيس أو القائد أو املسؤول‪ ،‬دون إهامل لوجود الهوامش‬ ‫والتعامل معهم بق ّوة‪ ،‬ولكن بنفس الوقت دون تضخيم لهم عىل حساب‬ ‫ُصلب التنظيم‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫حركة فتح والفكر التنظيمي‬ ‫إن الفكر التنظيمي لحركة فتح ينعقد له اللواء بالتعانق ما بني فكرة‬ ‫التحرير والهياكل التنظيمية ومقومات األداء حيث يتحقق الرابط الوثيق‬ ‫بني اإلميان بالفكرة واملسارب أو املسارات التي عربها يتم متثيل وتكريس‬ ‫وتحقيق االنتامء وااللتزام ما يعرب عنه بالهياكل التنظيمية من القاعدة إىل‬ ‫القمة التي متارس العمل أو القيام باملهمة أو األداء‪.‬‬ ‫إن مهمة الكادر وواجبه يحدده النظام الداخيل بوضوح لكل إطار‪ ،‬وبال‬ ‫عمل ال يوجد تنظيم إذ أن العمل هو مكمل خاميس التعريف (الفكرة‪،‬‬ ‫أعضاء‪ ،‬هياكل‪ ،‬نظام‪ ،‬عمل) وكام أوضحنا فأن حركة فتح تنظيم العمل الدائم‬ ‫املرتبط بالفكرة والقضية والناس‪.‬‬ ‫إن آليات العمل ضمن الهيكل هي ُمحققة الفكرة وقناة األداء وسبيل‬ ‫التواصل عرب االحتياجات والتقارير واملؤرشات‪.‬‬ ‫لذلك فإنه يصح أن نقول أن الفكر التنظيمي يستند للمفاهيم التالية‪:‬‬ ‫‪1 .1‬اإلميان العميق بفلسطني جامع لنا‪ ،‬وبفكرة التحرير‪ ،‬ورضورة النضال‬ ‫بكافة األشكال ابتداء من الكفاح املسلح وحرب الشعب إىل إبداعات‬ ‫الفلسطينيني باالنتفاضات والكفاح أواملقاومة الشعبية‪ ،‬وبناء الدولة‬ ‫ومؤسساتها‪.‬‬ ‫‪2 .2‬وكام ينص النظام الداخيل فإن االنتامء وااللتزام فيام هو محظور‬ ‫ومرتبط بالوقت واملهمة إىل جانب علنية األفكار والسياسات والرؤى‬ ‫ثم النقد والنقد الذايت تشكل ركناً رئيساً يف الفكر التنظيمي للحركة‪.‬‬ ‫‪3 .3‬الخطاب الحضاري املستمد من بيئتنا ومحيطنا وكياننا وامتدادنا‬ ‫العرويب اإلسالمي‪ :‬فحركة فتح بكادر تنظيمها املسلم منه أو املسيحي‪،‬‬ ‫املؤمن بالله وبقدرته عىل العطاء هو من صلب هذه الحضارة وهذه‬ ‫الثقافة مهام تعدد عنده الرأي كمكون شخيص إنساين قابل لألخذ والرد‬ ‫وللخطأ والصواب ما ينزع أي مفاهيم ظالمية بقداسة أو مطلقية الرأي‬ ‫‪47‬‬


‫الذي يجب أن ينضبط للفكرة واألطر‪.‬‬ ‫إن حركة فتح فرسان العقل يف الحضارة العربية اإلسالمية بعطاء دائم‬ ‫وحضاري ومنفتح عىل كل تجارب الشعوب‪ ،‬وباحرتام شديد لكل اإلسهامات‬ ‫املسيحية واإلسالمية يف أتون هذه الحضارة‪ ،‬وكذلك بالنهل من الحضارات‬ ‫األخرى ضمن االنفتاح والوسطية واالعتدال الذي متثله حركة الشعب‬ ‫الفلسطيني‪.‬‬ ‫‪4 .4‬إن اإلبداع يف صلب التنظيم يرفض ورقة النعي أو السوداوية أو البكاء و اللطم‪،‬‬ ‫وإن كان اإلبداع يرحب بالنقد وفق أرضية اإلصالح والتطوير والتقدم ويف ذلك دوما‬ ‫تكون البداية من عندي (عندك) حيث ال يقبل الفكر التنظيمي الفتحوي مفهوم‬ ‫عالقة املالبس (الشامعة) سواء كانت متمثلة بالقيادة أو بالنظر أحادي الزاوية‬ ‫للسلبيات واإلخفاقات‪.‬‬

‫إن كل إخفاق أو سلبية يجب أن تقابل بعفل إيجايب وكل تراجع أو أزمة‬ ‫يجب أن تكون دافعاً وحافزا للمراجعة واالستفادة لتشكيل دفعة لألمام‬ ‫وليس إىل حافة الهاوية‪.‬‬ ‫إن اإلبداع سياق فعل متصل‪ ،‬وأفكار وخطط ال تنضب فإن تكون فتحاويا‬ ‫فأنت صاحب اإللهام لآلخرين‪ ،‬ومدرسة اإلقدام والشجاعة‪ ،‬ورمز اإلنجاز قبل‬ ‫أن تتصدى لآلخرين بشجاعة أيضا مشريا إىل سلبياتهم أو مساوئهم‪.‬‬ ‫‪5 .5‬التواصل التنظيمي‪ :‬مل تعد الفكرة وحدها واإلميان بها والتعبئة باتجاهها‬ ‫هي عامل االستقطاب والحفاظ عىل العضو‪ ،‬ومل تعد النشاطات هي‬ ‫املحفز الوحيد لألداء حيث أن االتصاالت بأشكالها املختلفة يف السياق‬ ‫الرأيس واألفقي‪ ،‬والشفوي منها والكتايب‪ ،‬الفردي منها والجامعي‬ ‫والجامهريي كلها تشكل حقيقة التعاون والتنسيق والتسان‪.‬‬ ‫إن دخول العامل يف عرص الفضاء والشبكات (االنرتنت) ولغة التواصل‬ ‫االجتامعي أصبح يوجب عىل كادر الحركة أن يقود هذه الوسائل مبا ترسمه‬ ‫الحركة من سياسات ورؤى وخطط‪ ،‬ولكن ذلك عىل أهمية ما ثبت بالثورات‬ ‫العربية الحديثة‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫ال غنى أبدا ً عن االجتامع التنظيمي واللقاءات التنظيمية املهرجانات‬ ‫الجامهريية يف آليات متابعة يومية ودورية تجعل من التواصل قنطرة توحيد‬ ‫األفكار ومكان التنفيس كام طلب البعض‪ ،‬ومساحة تصارع أو تقابل اآلراء‬ ‫وحيث يجب أن يكون عامل التوافق هو محركنا يف ذلك‪.‬‬ ‫إن اإلدارة الحكيمة أو الرشيدة يف التنظيم تجعل من التواصل التنظيمي‬ ‫مدخالً لتحقيق الخطط والربامج عرب تنظيم الجهود وتوجيهها وقيادتها‬ ‫واملحاسبة عليها‪.‬‬ ‫‪6 .6‬االرتباط مع الناس‪ :‬إن فتح مل تقبل أن تكون حركة الطليعة أو الصفوة‬ ‫املنقطعة عن الناس أبدا فمزجت بني طليعية كوادرها‪ ،‬وجامهريية‬ ‫تطلعاتها وعالقاتها مع الناس باملحبة واالعتامد والتعلم من الجامهري‬ ‫وتحسس شؤونها وحاجاتها ودوام االقرتاب والتواصل معها‪ ،‬فحركتنا‬ ‫كالسمكة‪ ،‬تعيش الجامهري متى ما انقطعت عن العوم يف هذا البحر‬ ‫تالشت وانتهت‪.‬‬ ‫إن فتح الجامهري محبة غامرة‪ ،‬وفعل خدمة ال تنضب ملصلحة الناس‬ ‫(مادة الثورة) معينها فال يجوز يف الحركة أن نرتفع عن الجامهري وندعي‬ ‫العلم أو القداسة أو املعرفة أو النزاهة أو االستعالء كام هو شأن تنظيامت‬ ‫أخرى تضع بينها والجامهري حاجزا نفسيا أو دينيا بادعاء عصمتها أو فوقيتها‬ ‫ما هو يف حقيقته سقوط للفكرة والقائد التنظيمي معا‪.‬‬ ‫إن الجامهري هي مقياس النجاح أو الفشل‪ ،‬ومهام كانت األفكار عظيمة‬ ‫فإنها تظل حبيسة العقل أواالدارج أو األوراق أو الشابكة إن مل تعتنقها‬ ‫الجامهري وتجعل منه كائنا حيا يرزق‪.‬‬ ‫‪7 .7‬اإليجابية واملؤسسية‪ :‬إن حركة فتح مل تكن يوما من أولئك الذين يردحون‬ ‫أو يدعون املظلومية التاريخية أو البكائني عىل أمجاد عابرة‪ ،‬أومن‬ ‫مستدعيي التاريخ لينقذهم ألن فكر العمل واالنجاز يعيش بالعقلية‬ ‫اإليجابية‪ ،‬والعقلية اإليجابية تظهر باملنعطفات الصعبة يف املآيس يف‬ ‫‪49‬‬


‫الضائقة واألزمات فتتغلب عليها بآليات حل األزمات وباالستفادة من‬ ‫التجارب وبدفع العربة إىل األمام‪.‬‬ ‫إن قاعدة البكاء واللطم والسلبية ليست من شيم الرجال أو النساء يف‬ ‫حركتنا‪ ،‬ألن مشعل االنتصار يسري يف فضاء عقلية اإلنجاز والتطور والتدفق‬ ‫الحر إىل األمام‪.‬‬ ‫إن االيجابية واإلبداع وااللتزام واالرتباط مع الناس والتواصل التنظيمي‬ ‫مع فكر التحرر كلها من مقومات املؤسسة التي تشكل فيها اإلدارة الحكيمة‬ ‫للمؤسسة فرضا الزما وليس سنة ومن هنا القائد الحقيقي هو الذي يشيع‬ ‫املناخ االيجايب الحافز تحت إدارته أو قيادته وهو القادر عىل دفع لآلخرين‬ ‫للتحرق شوقا لتنفيذ واجباته‪ ،‬وحيث أن البداية دوما من عندي (عندك) عند‬ ‫أي عضو أو كادر فإن املسؤولية تكرب بكرب املوقع حيث ال يجوز أن نلقي اللوم‬ ‫عىل األعضاء أو الكوادر يف ظل تقاعس أو خذالن أو ضعف القائد‪.‬‬ ‫إن عقلية املؤسسة وإيجابية التفكري واملناخ هام من أركان البعث‬ ‫التنظيمي‪ ،‬والنهضوية يف حركة فتح حيث ال يصح أبدا االستناد إىل حوائط‬ ‫غري ثابتة وإمنا إىل الفريق الذي يسند بعضه بعضا من خالل توزيع األدوار‬ ‫واملهامت والواجبات‪ ،‬وصون الحقوق‪.‬‬ ‫إن حركة فتح هي حركة األسس التنظيمية واإلدارية والسياسية الثالثة‬ ‫حيث العمل مركز وحيث العمل عمود الخيمة وسارية السفينة وهو العمل‬ ‫املرتبط باإلميان بالله والفكرة والقدرة عىل تحقيق األهداف وليكون التناغم‬ ‫والتناسق العمود الثالث أو الركن الثالث لتنظيم لن يُهزم‪ ،‬مقدام‪ ،‬مطور قادر‬ ‫عىل التفاعل والحياة‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫النضال الداخلي وشجاعة الصراع‬ ‫يعاين التنظيم السيايس أو املؤسسة من رصاع دائم يكون يف املؤسسات‬ ‫أو الجامعات ذات “االتصاالت الفاعلة” رصاعا نحو بناء أو تكديس أو إبراز‬ ‫اإلنجازات وبالتنافس لخدمة الناس وأهداف التنظيم‪.‬‬ ‫يكون الرصاع يف التنظيم املرتاجع واملخلخل واملنتكس محتدماً حول‬ ‫األحقية والواجب‪ ،‬واملفرتض والواقع‪...‬الخ‪ ،‬وما يشوب ذلك من تكالب عنيف‬ ‫المتالك عنارص تأثري وقوة وامتيازات أكرب قد تخرج عن حدودها‪.‬‬ ‫يهمل كثري من األشخاص يف داخل هذا الجسم التنظيمي (أو يف أي‬ ‫جامعة) أنه هو نفسه جزء من الرصاع بأفكاره وأقواله وأعامله‪ ،‬فريى باآلخر‬ ‫فقط صلب املشكلة أو يف اإلطار‪ ،‬أو يف داللة أو فائدة األفعال‪ ،‬وعليه يصبح‬ ‫الرصاع موجة اجتياحات للمتناقضات يف داخل التنظيم‪ ،‬كام هو يف ذات‬ ‫اإلنسان منبع الرصاع الحقيقي ومجال النرص والفوز فيها‪.‬‬ ‫الرصاع هو تدافع ذايت إنساين سواء داخل النفس‪ ،‬أو مع املحيط‪ ،‬وأشد‬ ‫أنواع رصاعاتنا مع أنفسنا‪ ،‬يف ذاتنا مع أفكارنا وتوقعاتنا بناء عىل افرتاضاتنا‪.‬‬ ‫لمن الفضل‪ ،‬والرضا‬

‫عندما أنجز عمالً‪-‬أي عمل‪ -‬وتظهر نتائجه اإليجابية الواضحة‪ ،‬ما يحقق‬ ‫يل الرضا أو السعادة أواالمتنان‪ ،‬وأكون فرحا جدا فأتوقع من اآلخرين أن‬ ‫يهنئوين أو يكافئوين أو يشكروين‪ ،‬أو ينسبوا الفضل يل عىل األقل ال أن يهملوين‬ ‫أو ينسبوه لهم هم‪ ،‬وعندما أتحدث عن موضوع ما وليكن ‪#‬غضبة_القدس‬ ‫أو (هبة القدس) وصريورتها منذ استشهاد محمد أبوخضري (‪)2014 /7 /2‬‬ ‫ثم القائد زياد أبوعني كتواصل مقاومة أفرتض أن ما أقوله الحقيقة‪ ،‬فكيف‬ ‫إن جاءين من يذكر أن تصدي لجان املقاومة‪ ،‬وصمود قرية قُرصة بنابلس‪،‬‬ ‫وصمود الخليل منذ أعوام وخاصة منذ بداية العام ‪ 2014‬ميثل تراكم مع‬ ‫‪51‬‬


‫صمود املقدسيني ليصنع عوامل الغضبة أو االنتفاضة؟‬ ‫هل أترك ما يُذكر من معلومة أو حقيقة وأفرتض صحة ما أقول فقط؟‬ ‫دون تغيري أو تعديل أو نقاش أو تق ُبل‪ ،‬أو جدال؟‬ ‫كل منا قد يفرتض أن الحقيقة أو الصحيح إىل جانبه‪ ،‬لذا يفرتض أن‬ ‫ّ‬ ‫يتفاعل اآلخرون معه وفق قاعدة فهمه هو‪ ،‬هكذا يظن أو يأمل‪.‬‬ ‫قد يلقى القبول نعم‪ ،‬ولكن قد ال يجد الشخص املؤمن بفكرته {املطلقة}‬ ‫من الكثريين إال حالة من حاالت الص ّد والرفض أو الدس‪ ...‬وهو حقيقة‬ ‫الرصاع إذ كيف نظن بأنفسنا الحقيقة املكتملة كأنها القمر املنري وال يكون‬ ‫هناك معارض لها؟ أو ال تكون حقيقة أصالً‪...‬وكيف نظن أن ال أعداء للحقيقة‬ ‫أيضا يف االتجاه اآلخر‪.‬‬ ‫أصل الصراع قوتان أو أكثر‬

‫أصل الرصاع قوتان (أو أكرث) متقابلتان ‪-‬وكام قلنا‪ -‬يف الذات يف النفس‪،‬‬ ‫وبني الناس‪ ،‬ويف املجتمعات‪ ،‬ويف الجامعة ويف التنظيم السيايس أو االجتامعي‪،‬‬ ‫وعىل رأسه‪ ،‬السيايس وبني الكائنات ويف الطبيعة عامة‪.‬‬ ‫لذا كان “الجهاد” مبعانيه العديدة خوضا للرصاع‪ ،‬بصرب وشجاعة ومحبة‪،‬‬ ‫وكشفاً ملجاهل الذات (ألهمها فجورها وتقواها)‪.‬‬ ‫إن الظن الذي يصل أحيانا يف كثري منا لحد اليقني بأن “كل” ما نقوله‬ ‫أو نفعله حقيقة أو صواب‪ ،‬قد يكون نابعا من ثقة ومن حرص‪ ،‬رمبا‪ ،‬لكنه‬ ‫قد يكون كذلك يف أجزاء منه‪ ،‬ومن هنا قد ال يراه اآلخرون كلّه أو جزء منه‬ ‫كام نراه نحن‪ ،‬أو قد ال يرونه كام نراه ألنه صادر مني‪ ،‬ويف ذلك استمرارية‬ ‫“ألوالية” الرصاع حيث قوتان أو أكرث متقابلتان تتبارزان‪ ،‬تتنافسان‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫«تحاث» الصبر والتجاور‬

‫“تحاث” الصرب والفهم وحسن التفاعل وشجاعة التف ّهم والتقبّل والتحاور‬ ‫بل والتجاور لألفكار والتناصح واإلقناع والعرض والكظم والحوار واالقرتاب‬ ‫تصبح مطلوبة يف أوالية الرصاع وتحاثّ القيم (التحاث أكرث من الحث حيث‬ ‫كل قيمة إيجابية تحث عىل بناء قيمة أخرى إيجابية‪ ،‬فقيمة الصدق قد‬ ‫تطلق قيام كثرية مثل قيمة املوضوعية وقيمة املوضوعية تستدعي قيمة‬ ‫حسن اإلنصات والحوار والتقبل والشجاعة‪.)...‬‬ ‫عندما تحدثت يف أحد الندوات عن أهمية اإلدارة للموارد واألفكار من ‪-1‬‬ ‫أموال و‪ -2‬ناس‪ ،‬و‪ -3‬وقت‪ ،‬و‪ -4‬أفكار‪ ،‬و‪ -5‬أعامل داخل التنظيم السيايس‬ ‫(ويف أي جامعة) ما يجب ُحسن استخدامه ضمن آليات علمية إدارية‪ ،‬قام‬ ‫األخ أحمد وتصدى بقوة معتربا أن “الوقت” ليس موردا أبدا‪ ،‬فرد عليه خالد‬ ‫قائال‪ :‬وهل املوارد دامئة أم أنها تنفد؟ قال أحمد املعرتض‪ :‬بل هي تنفد‪ ،‬فقال‬ ‫خالد‪ :‬إذن فالوقت مورد‪ ،‬فام أرسع نفاده‪ ،‬أكرث من قوة األشخاص واملال!‬ ‫فكل ما متتلك ينفد‪ ،‬وقد يتناقص فينفد أو يزيد وعليه نستطيع أن نعرفه‬ ‫كمورد‪.‬‬ ‫وثار جدل كان فيها للصرب واالستامع واالحرتام والتقبل يف محاولة جميلة‬ ‫من األخني ليصال معا ‪-‬واكرر معا‪ -‬ملفهوم يتشاركانه ومع الحضور ما أدى‬ ‫بالنهاية لنتيجة عربت عن ذاتها بشجاعة التقبل والتفهم والتغيري‪.‬‬ ‫ملاذا كل ذلك؟ إنه قاعدة “التحاث” التي تربز فينا لتحقيق راحة ذاتية‬ ‫ورضا واستقرار‪ ،‬ولتثبيت اإلميان الذايت وبالفكرة‪ ،‬وجدوى العمل من جهة‪،‬‬ ‫ومن جهة أخرى تحث عىل “التفهم” مبعنى البحث يف املشرتكات والتقاطعات‬ ‫والجوامع والقواسم ما يعني “تنازل” عن قسم مام نؤمن به‪ ،‬أو تقبله بعد‬ ‫فهمه رمبا بشكل جديد‪ ،‬أو مبشاركته‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫المصالح تلوث العذوبة‬

‫لو افرتضنا أن األخ أحمد أرص عىل رفض موقف املحارض يف الندوة وهو‬ ‫أنا وبرشاسة‪ ،‬أو أرص عىل رفض موقف خالد املخالف لرأيه‪ ،‬جملة وتفصيال‪،‬‬ ‫فامذا ميكن أن نقول يف هذا الوضع؟ إنه وضع صعب جدا ال شك‪.‬‬ ‫إن افرتضنا أننا كمجموع (داخل اجتامع ملؤسسة أو تنظيم سيايس‪ ،‬أو يف‬ ‫ندوة‪ )..‬نتخذ موقفا موحدا وصحيحا؟ نحن نراه هكذا أي موحدا وصحيحاً‪،‬‬ ‫قد يكون هو املوقف الصائب‪ ،‬ولكن قد يصيب أحمد املختلف معنا بالرأي‬ ‫(داخل االجتامع أو الندوة‪ )...‬يف جزء مام قاله أيضا وقد يكون مخطيء‪ ،‬ولكن‬ ‫إن أرص أحمد (كنموذج) أنه ال يخطيء أبدا ً –مثال‪ -‬بالقول‪ ،‬أو باملامرسة فقد‬ ‫يقفز سؤالنا عن العقل املغلق أو املوقف املسبق أواملصلحة هنا بقوة ليجعل‬ ‫من تساؤلنا عن السبب وراء ذلك منطقيا‪.‬‬ ‫لدي أنا أو لدى اآلخرين قد تطغى كثريا عىل عفوية‬ ‫نعم هناك مصالح ّ‬ ‫أوعذوبة أو مصداقية أو دقة الفكرة أو املوقف أو الفعل‪ ،‬ولكننا ال نتمكن‬ ‫أبدا ً من عزلها فهي من العوامل الكثرية املتحكمة بالرضورة يف نشاط العقل‬ ‫واتخاذ القرارات وبتحديد املواقف من اآلراء واألفعال والنظر إىل األشخاص‪.‬‬ ‫عود عىل بدء فإن الحوار الذايت عملية متواصلة ال تنتهي‪ ،‬يداعب فيها‬ ‫الضمري الوعي بالدين والواقع والقوانني واملواقف‪ ،‬حيث أخوض مع ذايت‬ ‫يوميا مثل هذا الحوار الرضوري والجاد‪ ،‬والذي قد يصل يف مداه للتفكري‬ ‫يف “جدوى” األشياء أو االنتامءات أو املواقف بل قد يصل “التفكري الحدي‬ ‫األقىص” للتفكري يف االميانيات والقطعيات‪.‬‬ ‫«تحاث» التنقيب وتطوير فهم الصراع‬

‫ويف ذات آليات التفكري‪ ،‬والبحث والتشكك ال بأس أن يكون ذلك‪ ،‬ولكن‬ ‫يجب حثّ الذات عىل البحث والتنقيب والدرس والتأمل وحسن النظر‬ ‫يف آالء الله ويف اآلخرين‪ ،‬فلرمبا نجد حتى ب”األرشار” منهم فيهم بصيص‬ ‫‪54‬‬


‫أمل أو سطعات نور‪ ،‬أو نلتمس لهم األعذار الرتباطات ومصالح وتحالفات‬ ‫وتقاطعات صحيحة أوغري صحيحة‪ ،‬ولكنها تصب يف آلية فهمنا نحن لذواتنا‪،‬‬ ‫وإحسان فهمنا لآلخرين ومحركهم الذايت‪.‬‬ ‫أمل يكن من األجدر فينا كلنا وباألخوين أحمد وخالد املختلفني بالرأي يف‬ ‫مثالنا أن يوطّنا النفس دوما عىل آليات تحاث التنقيب‪ ،‬وعىل صعوبة توطني‬ ‫النفس عىل التفكر والتقبل‪ ،‬بأن تحيل األمر لذاتك أوال‪ ،‬وتبدأ من هناك‪.‬‬ ‫لدينا واج���ب ذايت ب��ح��ثّ ال���ذات ع�لى تطوير فهمنا لذاتنا‬ ‫وللرصاع=الجهاد=النضال ورضورته وكيفية استثامره إيجابا يف رسم شكل‬ ‫الذات القادمة‪ ،‬أي كيف أريد أن أكون‪.‬‬ ‫(المساحة) المشتركة فيزيائيا ً‬

‫نعم إن للسنوات وعمليات الدرس والنظر والتبينّ والتأمل والتفكر أثر كبري‬ ‫عىل التثبت واليقني‪ ،‬ونعم لها أثر كبري عىل تقبل اآلخر (ورمبا بأشكال سلبية‬ ‫مثل تجنب أو إدارة الظهر أو اختيار مساحة بعيدة‪ )..‬بعجره وبجره‪ ،‬فامذا‬ ‫ميكن أن نفعل معه ما دمنا يف نفس املنطقة أو املحيط أو املساحة املشرتكة‬ ‫أو اإلطار (نفس البيت‪ ،‬املدرسة‪ ،‬الرشكة‪ ،‬املؤسسة‪ ،‬التنظيم‪ ،‬املجتمع‪)..‬‬ ‫ال يستطيع الطالب يف جامعته من أن ينفصل عن مساحته ومحيطه‬ ‫الجامعي املنخرط فيه‪ ،‬كام قد يكون مهووسا مبحيطه القروي الفئوي‪ ،‬أو‬ ‫بانتامئه الحزيب الضيق‪ ،‬وتصبح هذه املساحات بدال من أن تكون عامل نضال‬ ‫وجهاد مع األشقاء عامل «تغاضب» داخل الشخصية السلبية التي تستل من‬ ‫كل الفضاءات هذه ما يعينها عىل تخطي اآلخرين ال االقرتاب منهم‪.‬‬ ‫ويف هذا املعطى قد نبتئس وننقلب ونرتاجع ون�ترك‪ ،‬نرتك املساحة‬ ‫املشرتكة فيزيائيا (قد تظل املساحة املشرتكة مع اآلخرين عقليا تحكمنا)‬ ‫ومثل هذا الرتك والتخيل هو فعل املتطهرين املثاليني‪ ،‬وقد ننساق وننجر‬ ‫‪55‬‬


‫وننتهز(من االنتهازية السياسية) ونتساوق ونهتبل الفرص مع األنذال‪-‬من‬ ‫نراهم كذلك‪ -‬ولكن يف املقابل اإليجايب قد نتفهم ونعي ونخوض الرصاع‬ ‫ونجاهد ونتعب ونرتقى بذواتنا‪ ،‬ونحن نرى اآلخرين مبصالحهم وانتهازيتهم‬ ‫يرتاكبون ويذوون‪ ،‬وليكن‪.‬‬ ‫«الحرث» و«التحاث» و«الجهاد الكبير»‬

‫يجب أال ينرصف تفكرينا وفعلنا أبدا عن “التحاث” وعن “الحرث” يف‬ ‫حقل الذات أوال‪ ،‬كام يقول عيل رشيعتي‪ ،‬بل علينا أن نجاهد به “جهادا‬ ‫كبريا ً” (يف اآلية الكرمية الجهاد الكبري هو الجهاد بالحق والقرآن والكلمة) ويف‬ ‫هذا فإن تحقيق النرص يتمثل مبدى تحقيق انعكاس الذات عىل اآلخرين أو‬ ‫يف اآلخرين‪ ،‬انعكاس تجربة الذات االيجابية بنقلها لآلخرين‪ ،‬فانتصار الذات‬ ‫إن استطعنا نقله قد يكون مدويا يف نفس اآلخرين شاءوا أم أبوا‪ ،‬أحسوه‬ ‫واضحا أم مل يدركوه‪.‬‬ ‫النضال الخارجي‬

‫«الجهاد الداخيل» والنضال يف الرصاع املقصود هو‪ :‬يف ذايت‪ ،‬أنا حيث حقل‬ ‫الحرث و ّيف أنا حيث مكان التفكّر‪ ،‬وأنا من ميثل مساحة التغيري‪ ،‬يف كل ّية‬ ‫نفيس ومجامع فكري‪ ،‬وما ينتج عنه عديد الترصفات والسلوكيات‪.‬‬ ‫يف املعطى املثمر وااليجايب واملنري يف نفيس وذايت إن مل يظهر أثره يف‬ ‫نضايل ورصاعي وجهادي وكفاحي اإليجايب النتيجة‪ ،‬أي يف كفاحي “الداخيل”‬ ‫أن مل يصبح خارجيا مضيئا يف داخل سواي‪ ،‬أي بشكل “نضال خارجي” وهو‬ ‫النضال الذي أبذله لينعكس بعملية انتقال أقوم بها وأسقطها وأنقلها يف ذات‬ ‫اآلخرين أي خارج ذايت‪ ،‬فقد يظل هذا الجهاد “الذايت” الهام الذي أقوم به ذو‬ ‫يل أنا فقط‪ ،‬وقد يصبح منكفئا ويقود للمثالية‪.‬‬ ‫تأثر فردي ع ّ‬ ‫أنا أريد أن أصفع الروح الغرورة املتكربة االنتهازية يف ذايت قبل الجميع‪،‬‬ ‫‪56‬‬


‫ويف اآلخرين الحقا‪ ،‬وأنقل نضايل الداخيل بخارجيته كتجربة مشمسة لآلخر‬ ‫يف ذاته وداخل الجامعة‪ ،‬وعىل صعوبة ذلك مع عديد الشخصيات إال أن‬ ‫نجاحي هنا إن استطعت نجاح شجاع ومضاعف ومأجور‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫النقد والتوبة وقوى الرفض‪ ،‬وانحراف الرسول!‬ ‫عندما تظهر مالمح النقد يف التنظيم السيايس فليكن لديك قناعة أن‬ ‫هناك قوى رفض تتشكل‪ .‬وليس الخوف من النقد أو الرفض بحد ذاته‪ ،‬وإمنا‬ ‫يأيت الخوف ورمبا الخطر من القناة أو األسلوب‪ ،‬كام يأيت من االستغالل مبعنى‬ ‫أن تتقدم طبائع األشخاص وهواهم الشخيص عىل حقيقة اإلصالح أو التطوير‬ ‫أو التغيري املفرتض أنه هدف النقد‪.‬‬ ‫يف حركة فتح يظهر النقد ضمن مدارس عدة ال تتوقف عند تبيان املثالب‬ ‫وال يحدها حد اىل درجة الشطط أحيانا يف التعرض داخل األطر ويف خارجها‬ ‫ملا تراه خطأ‪ ،‬وإن كنا مع مدرسة النقد الصارخ داخل التنظيم يف األعم‬ ‫واألغلب فإن نقد الظواهر أو الحاالت الخارجة يعد مطلبًاها ّما‪.‬‬ ‫أنا المنقود أوال‬

‫من حيث ترىب الكادر يف حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح عىل‬ ‫رضورة أن ميارس نقد ذاته (وهي بذات مهمة املؤمن يف تنقية نفسه يف‬ ‫عالقته مع الله والناس) فإنه بذلك يتحصل عىل قوة نقد اآلخر باملعنى الذي‬ ‫يعطيه الحق أن يشري اىل ترصفات أو أفعال أو مامرسات أو أقوال هذا أو ذاك‬ ‫يف إطاره (خليته‪ ،‬شعبته‪ ،‬لجنته‪ ،‬اجتامعه‪ )...‬دون أن يربط ذلك بالغضب‬ ‫أو التحامل أو اإلقصاء للشخص ألن الهدف هو رفض العمل املدان‪ ،‬وال يصل‬ ‫األمر لرفض صاحبه‪ ،‬وإخراجه من التنظيم أو الجامعة إال برشوط قانونية‬ ‫دستورية مرتبطة بقانون العقوبات يف النظام‪.‬‬ ‫اذن نحن نتكلم عن السلبيات ورضورة مواجهتها ونقدها («بيده أو‬ ‫لسانه أو قلبه»‪ ...‬أنظر وتأمل يف عظمة الفكرة هنا حيث التدرج أو رضورة‬ ‫متييز الوسيلة‪ ،‬أو اختيار الزمن أو األنسب يف كالم الرسول عليه السالم)‪ ،‬فإن‬ ‫مل أكن قاد ًرا عىل تلمسها‪-‬أي السلبيات‪ -‬يف ذايت فأنقد نفيس أوال فكيف يل‬ ‫أن أشري فقط لآلخر وسوء مامرساته! ومن هنا جاءت (النقد والنقد الذايت)‬ ‫‪58‬‬


‫كبند أسايس يف االجتامع التنظيمي يف اإلطار الثوري والسيايس والتنظيمي‬ ‫ألي جامعة‪.‬‬ ‫الدرب ال ُمنار‬

‫أن أهمية النقد كام قلنا يف ظل افرتاض صيانة الناقد عن الهوى واألهداف‬ ‫الشخصية وعن الشتم والتعريض تكمن بأن مثل هذا النقد ينري دربا مل يكن‬ ‫مضاء لدى املنقود‪ ،‬وهو ما يجب أن يراه هكذا ألنه إن رآه طعنا وتحزبا ضده‬ ‫لن ِ‬ ‫يأت النقد مثاره أب ًدا‪ ،‬ومن هنا تكاملية عالقة (النقد والنقد الذايت)‪ ،‬فمن‬ ‫يفرتض أنه كامل مكمل وأنه يحق له ما ال يحق لغريه فهو ممن يرضبون‬ ‫بالقرار والنظام‪ /‬القانون بعرض الحائط ملجرد امتالكه القوة أو السطوة أو‬ ‫املركز‪.‬‬ ‫نعم نقبل عقلية النقد يف حركة فتح ما دامت ترتسم قسم نحو قاعدة‬ ‫البناء من خالل الكشف واإلنارة لطرق مل تطرق‪ ،‬والكشف عن مثالب مل ينتبه‬ ‫لها الشخص املنقود أو (اإلطار القيادي) محل النقد‪ ،‬ونعم نقبل النقد ما كان‬ ‫الناقد نفسه يتحرك يف مساحة مفتوحة يقبل هو ذاته من خاللها أن يكون‬ ‫عرضة للنقد‪ ،‬فهو ليس منزها أبدا‪ ،‬وعليه فإن التحيل بخاصية االنفتاح يعنى‬ ‫احتاملية الخطأ كليا او جزئيا قامئة‪.‬‬ ‫ونعم نقبل عقلية النقد أيضا ما ارتبطت بشخصية ايجابية وليست سلبية‪،‬‬ ‫بشخصية عاملة فاعلة‪ ،‬وليست خاملة ال تفعل سوى احباط اآلخرين أو‬ ‫شتمهم تحت مسمى النقد‪ ،‬ونعم فالنقد من الشخصية املنفتحة وااليجابية‬ ‫واملبا ِدرة يصبح مقبوال وقابال لألخذ به عىل عكس تلك الشخصيات التي يصل‬ ‫فيها اليأس والنكد والسوداوية أو القناعة بكامل أو قداسة فكرتها حدا ال‬ ‫تتورع به عن فعل املوبقات من طعن ولعن وشتم ما قد يصل لحد القتل‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫من شرائط الرفض‬

‫إن قوى الرفض يف التنظيم السيايس هي قوى حية متحركة‪ ،‬وتعرف كيف‬ ‫وأين ومتى تتحرك‪ ،‬وهي عامل دافع للتقدم متى ما استطاعت أن تعرب عن‬ ‫ذاتها بطريقة صحيحة‪ ،‬فال تنحرف ضد أشخاص بعينهم أحسنوا أم أساءوا‪،‬‬ ‫وال تتعاون مع الغريب عىل اإلطار‪ ،‬وال تتثبت برأيها حتى أن بدا لها صواب‬ ‫اآلخر‪ ،‬وال تتكتل نحو فكرة مغلقة بل تكون هي حالة متحركة وليست‬ ‫جامعة أو تكتال داخل التنظيم أبدا‪ ،‬حالة متحركة عىل مساحة تضيق أو‬ ‫تتسع ارتباطا باالستجابات من الطرف اآلخر‪ ،‬ومن هنا يكون االرتباط بالحالة‬ ‫حول املوقف أو الفكرة أو الفعل وليس حول الشخص أو االشخاص أو اإلقليم‬ ‫أو املذهب‪.‬‬ ‫انحراف «الرسول»‬

‫نأسف أن نرى يف تنظيامت أخرى‪ ،‬أن النقد يعني الشتم واللطم والقباحة‬ ‫والتبخيس والتعريض واالتهام دون وجه حق واألخذ باإلشاعة والظن ونفخ‬ ‫األحقاد وإشاعة أجواء الفتنة واالحرتاب الداخيل‪ ،‬وأن النقد من اآلخر ملثل‬ ‫هؤالء املخرصني يصل لديهم ولدى أتباعهم ملستوى الخيانة أو مبستوى الكفر‪.‬‬ ‫وقد يصل املدى يف مثل هذه املنظامت إىل حد القتل أيضا كام هو الحال‬ ‫يف التنظيامت الفكرانية (األيديولوجية) املتطرفة‪.‬‬ ‫وال نرى خريا يف تنظيم سيايس يحاول أن يجعل من ذاته رسوال جديدا‬ ‫للحق يف أمة محمد صىل الله عليه وسلم‪ ،‬وكأننا نعود ثانية لعصور الجهالة‬ ‫واالستغباء‪ ،‬ويبعث فينا من يظنون أنهم دونا عن البرش منزهون مقدسون‬ ‫يلقون بألفاظهم الثقيلة السمجة يف آذاننا شيبا وشبابا وأطفاال ونساء يف‬ ‫عرض مرسحي إن دل عىل يشء فإمنا يدل عىل فساد األرضية والرتبة والتنشئة‪،‬‬ ‫وهي تلك الرتبة املناقضة ملفهوم قبول اآلخر وملفهوم النقد والنقد الذايت أو‬ ‫باملصطلح اإلسالمي والقول الرشيف مناقضة للعالقة املبارشة مع الله حيث‬ ‫‪60‬‬


‫(التائب من الذنب كمن ال ذنب له)‪ ،‬والله جل جالله الذي هو (أقرب إليه‬ ‫من حبل الوريد) (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) (الشورى ‪ ،)25‬وليس‬ ‫التوبة بوساطة العبيد أبدا‪.‬‬ ‫إن من ينصب نفسه إل ًها أو نصف إله أو رسوال ‪-‬حاىش لله ورسوله‪ ،-‬هو‬ ‫ذاته من ينصب نفسه مستبدا مالكا لألمر دون جامعته‪ ،‬وهو ‪-‬أو أشباهه‪-‬‬ ‫من يوزع االتهامات عىل الناس باالتجاهات الستة‪ ،‬وهو من يغفر لهم أو‬ ‫يضعهم يف جهنم األرضية أو الساموية‪ ،‬وهو من يقلدهم مفاتيح الخلود؟!‬ ‫وهو ذاته من ينتقص من قيمة القرآن الكريم والصلة اإلميانية املبارشة مع‬ ‫الله يف عالقة (القرب‪ /‬الوريد‪ /‬التوبة)‪ ،‬وهو ذاته الذي يرفض أن ميارس‬ ‫مع نفسه ذات العالقة هذه‪ ،‬فهو ومريدوه املحصنون من الذنوب الذي‬ ‫يقررون ذنوب اآلخرين وال يرون أنفسهم محل ذنب مطلقًا‪ ،‬وهم بالتعبريات‬ ‫التنظيمية من ال ميارسون النقد لذاتهم‪ ،‬بل ومينعون زوجاتهم أو أوالدهم‪ ،‬أو‬ ‫ممن هم منتمني لفصيلهم أن يكون لهم أوعليهم أي مساحة نقد‪.‬‬ ‫إن أمثال هؤالء يف الغلو الديني‪ ،‬وأمثالهم يف الغلو السيايس يحتاجون‬ ‫لقوى رفض داخلهم تنتقدهم وتق ّومهم وترسم لهم منارة وطرقا جديدة‪ ،‬فال‬ ‫يتوهون ِ‬ ‫فيضلون غريهم بادعاء هداهم وعصيانهم عن النقد‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫المصالحة التنظيمية والرجم بالحجارة‬ ‫دار لغط كثري حول مصطلح (املصالحة) أو املصالحات الداخلية يف التنظيم‬ ‫السيايس عامة‪ ،‬ويف حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪( -‬فتح) تحديدا ضمن‬ ‫مداوالت أعضاء املجلس الثوري لحركة فتح‪ ،‬متهيدا للجلسة القادمة للمجلس‪،‬‬ ‫وحسب ما علمت أن الفكرة وإن تم تداولها بصيغ متعددة يتم طرحها‬ ‫يف دوائر مختلفة بالحركة سواء يف قطاع غزة أوالضفة أو أقاليم الخارج‪،‬‬ ‫وما ذالك إال عالمة فارقة يف مسرية حركة فتح التي تلطم السكون بحجارة‬ ‫الصخب فتثري يف املياه الراكدة هدير الحوار‪.‬‬ ‫متيزت حركة فتح وما زالت بخوض الرصاعات والنقاشات والحوارات‪،‬‬ ‫وهي ان تخلت عن ذالك فلن تقوم لها قامئة‪ ،‬ففكرة الفتح ثورة وتحرر‬ ‫وعطاء‪ ،‬وانتامء وطني خالص‪ ،‬وكل هذا ال يقبل السكون أو السبات أو األنني‪،‬‬ ‫وإمنا تسعى للمبادرة والجهد والعمل بفكر ال يهدأ ال ينام‪ ،‬يستثري املستقر‬ ‫ويبعث يف الغافني حلم الحقيقة‪.‬‬ ‫املصالحة يف داخل أطر فتح فكرة ليست ض ّيقة املفهوم أبدا‪ ،‬بل هي‬ ‫فكرة واسعة املعنى والدالالت‪ ،‬فإن كان التصالح هو يف األصل بني اإلنسان‬ ‫وذاته (توازن)‪ ،‬وبني اإلنسان وربه‪ ،‬وبني اإلنسان ومجتمعه وتنظيمه‪ ،‬أو بني‬ ‫التنظيامت ذاتها‪ ،‬أومع النقائض‪ ...‬فإنها يف داخل التنظيم السيايس ويف حركة‬ ‫فتح إضافة ملا سبق تطل علينا مبنية عىل أسس خمسة‪.‬‬ ‫ان املصالحة ان كان لنا أن نحدد أسسها تفرتض بنا فهم املعنى بصيغته‬ ‫السياسية‪ ،‬فاملصالحة قد تعني (االتجاه يف تسيري التناقضات نحو إعامل‬ ‫منهجية مساملة بدل منهجية املواجهة العنيفة)‪ ،‬أو هي (السعي املشرتك‬ ‫نحو إلغاء عوائق املايض‪ ،‬وتصحيح ما ترتب عن املايض من غنب وأخطاء)‬ ‫والتعريف هذا للناشط السيايس املغريب املصطفى صوليح‪.‬‬ ‫واملصالحة أيضا هي‪ :‬آلية استخدام الحوار يف حل النزاع نقيضا للقوة‬ ‫‪62‬‬


‫كام يقول الكاتب البحريني منصور الجمري‪ ،‬ويقول الشاعر يف مفهوم‬ ‫الصلح والصالح والتصالح ما يعني العمل ضد الفساد‪ :‬فكيف بإطراقي إذا ما‬ ‫شتمتني؟ وما بعد شتم الوالدين ُصلًوح‪.‬‬ ‫ويف املصالحة السياسية استناد لقيم التسامح والحوار والوصول لصيغة‬ ‫تفاهم‪ ،‬وبرامج وآليات محددة‪ ،‬يف ظل أن الخالف يشء طبيعي‪ ،‬عىل أال‬ ‫يتحول ألزمة كام يقول الكاتب السوري محمد العمري‪.‬‬ ‫أن املصالحة مع النفس كام يقول الكاتب السعودي د‪ .‬عبد الرحمن شالش‬ ‫تقوم عىل ‪ 3‬أركان هي (القناعة والحب والرضا)‪ ،‬وهل نقول إن املصالحة هي‬ ‫تقريب لوجهات النظر أم تضييق للفجوات؟‬ ‫والحديث يف املصالحة كثري سواء تلك املصالحة الوطنية أواملجتمعية أو‬ ‫االقليمية او الداخلية أو مع الذات أو مع املحيط‪ ،‬ومن املهم لنا اإلطالل عىل‬ ‫املفهوم وأن كنا هنا سنتعرض له بصيغة املصالحة التنظيمية الداخلية يف أي‬ ‫تنظيم أو حزب سيايس‪ ،‬ويف حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح‪.‬‬ ‫الصفح والعفو في حضارتنا‬

‫ح ِفل التاريخ عامة بالحروب والخالفات والكوارث‪ ،‬ويف ظل عالقات‬ ‫االستبداد واالنتقام والهوى واملصالح كان الكثريون من ذوي القلوب الرحبة‬ ‫والعقول النرية والصدور املنرشحة يتجاوزون عن اإلساءة (ما يعتقدونها‬ ‫كذلك)‪ ،‬وإن مل يكن ملفهوم النقد قدميا بلورة يف إطار دميقراطي إال أن بذور‬ ‫الفكرة أي التصالح والعفو والحوار وقبول النقد (نقيضً ا لحجارة الصخب‬ ‫السلبي) كانت حارضة دوما يف الحضارات ومنها يف حضارتنا العربية االسالمية‪.‬‬ ‫يف العهد املدين لقي الرسول صىل الله عليه وسلم من يهود املدينة (وهم‬ ‫يهود عرب ال عالقة لهم بقبيلة بني ارسائيل العربية اليمنية املنقرضة) أنوا ًعا‬ ‫من الخيانة فأنزل الله عليه قوله‪ :‬وَلاَ تَ َز ُال تَطَّلِ ُع عَلىَ َخائِ َن ٍة ِم ْن ُه ْم إِلاَّ قَلِيلاً‬ ‫‪63‬‬


‫اصف َْح ِإ َّن اللَّ َه يُ ِح ُّب الْ ُم ْح ِس ِننيَ‪[ ‬املائدة‪ ،]13 :‬فصرب‬ ‫ِم ْن ُه ْم فَا ْع ُف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫الرسول صىل الله عليه وسلم عليهم وعفا وصفح‪.‬‬ ‫ويف تأديب الله جل وعىل لرسوله الكريم أنزل الله عليه يف املرحلة املك ّية‬ ‫(فاصفح الصفح الجميل‪ ،‬ان ربك هو الخالق العليم (الحجر ‪ )86-85‬ثم أنزل‬ ‫عليه قوله (فاصفح عنهم وقل سالم فسوف يعلمون)(الزخرف (‪ ،)89‬فكان‬ ‫يقابل أذى أهل الرشك بالصفح الجميل‪ ،‬وهو الصفح الذي ال يكون مقرونا‬ ‫بغضب أوكِرب أو تذمر من املواقف املؤملة‪ ،‬وكان كام أدبه الله تعاىل ثم كان‬ ‫يقابل أذاهم بالصفح الجميل ويعرض قائال‪ :‬سالم‪.‬‬ ‫(أحب األمور إىل الله ثالثة‪ :‬العفو يف‬ ‫وعن عمر بن عبد العزيز قال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫القدرة‪ ،‬والقصد يف الجدة‪ ،‬والرفق يف العبادة‪ ،‬وما رفق أحد بأحد يف الدنيا إال‬ ‫رفق الله به يوم القيامة)‬ ‫التصالح في التنظيم السياسي‬

‫إن كان لنا من تصالح أو مصالحة ومصافحة يف التنظيم السيايس‪ ،‬أو يف‬ ‫حركة فتح مجال منوذجنا‪ ،‬فيجب أن تكون مصالحة مناهضة لفعل الرجم‬ ‫بالحجارة‪ ،‬مصالحة بني فكر قيادة الحركة يف كل املواقع من اللجنة املركزية‬ ‫حتى اإلقليم والخلية‪ ،‬وبني النظام الداخيل (القانون)‪ ،‬فاالفرتاق عن النظام‬ ‫أصبح واسعا‪ ،‬وال ُبعد عن ُحسن تطبيقه يف ضوء عمليات االستقواء والتهميش‬ ‫والتربم من املخالف واالستبعاد أصبح منهجا لدى مجموعة محددة ولكنها‬ ‫مؤثرة‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬لنتصالح مع الذات وقيمنا‬

‫لذا فان الخطوة األوىل لنتصالح مع أنفسنا هي أن نفتش يف داخلنا عن‬ ‫قيمة اإلميان وقيمة االلتزام‪ ،‬ومعنى (القيم) التي تحكمنا بعيدا عن شغب‬ ‫املصالح وعفرة الهوى‪ ،‬فان مل تستطع القيادة (يف أي مستوى إداري‪-‬تنظيمي)‬ ‫‪64‬‬


‫أن تتصالح مع ذاتها ومع القيم الناظمة‪ ،‬فالعداء ظاهر وبينّ ‪ ،‬والتوازن مختل‪،‬‬ ‫ومنطق القبيلة هو الذي سيسود‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬لنصلح ما بيننا والقانون‬

‫ولنصعد الدرجة الثانية حيث وجب تحقيق املصالحة بيننا وبني النظام‬ ‫(الدستور أو القانون أو النظام الداخيل)األوىل تطبيقا واألجدر تحقيقا‬ ‫متقاطعا مع قانون املحبة الذي مييز حركة فتح عمن سواها‪.‬‬ ‫بحسن االتصاالت‬ ‫ثالثا‪ :‬لنتصالح مع األطر ُ‬

‫يتلو الخطوة األوىل يف الدرجة الثالثة صعودا يف سلم املصالحة علينا أن‬ ‫نتصالح ما بني األطر‪ .‬والتصالح ما بني األطر (أفقيا وعموديا) هو بتفعيل معنى‬ ‫(االتصاالت) وتحقيق التواصل التنظيمي‪ ،‬هذا التواصل الذي وجب أن يتم‬ ‫وفق النظام الداخيل (الدستور أو القانون)‪ ،‬وضمن قاعدة بناء املحبة والثقة‬ ‫واالنتامء للحركة‪ ،‬وليس وفق قاعدة التحشيد الذايت أو االنتخايب املصلحي ما‬ ‫يعني االستخدام لألعضاء يف املعارك السياسية أو التنظيمية الداخلية‪.‬‬ ‫إن تفعيل االتصاالت هي مصالحة بني األطر (وبالطبع بني الكوادر‬ ‫واألعضاء داخل هذه األطر من الخلية فالشعبة فصاعدا)‪ ،‬فكام أن العالقة‬ ‫تبنى عىل االلتزام فإننا ملزمون بالحوار لتصبح كفتا ميزان الدميقراطية داخل‬ ‫األطر هام حوار والتزام‪ ،‬ولتصبح قيم العطاء مقرتنة بتعميق املحبة والثقة‬ ‫واالنتامء‪ ،‬وليصبح فكر الحوار يعني أن نفكر معا‪ ،‬وليس أشتاتا (بأسهم بينهم‬ ‫شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم ال يعقلون‪-‬الحرش ‪)14‬‬ ‫وليقرتن بثالثية (التق ّبل والتف ّهم والتجاور) ولنقل االعرتاف والتقبل ثم التفهم‬ ‫والتجاور‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫في المتعاطفين واألصدقاء‬

‫إن واجب َحسن االتصال وعدم التهميش يف التنظيم السيايس ال يطال فقط‬ ‫األعضاء يف العالقات البينية‪ ،‬وإمنا يطال الدائرتني األوسع أو الفئتني الهامتني‬ ‫اللتني ال غنى عنهام أي فئة األنصار (املتعاطفني‪ ،‬واملؤيدين‪ ،‬واملساندين‬ ‫دون انخراطهم يف الهيكل التنظيمي‪ ،)...‬واألصدقاء ممن ال يؤيدوننا يف كل‬ ‫مواقفنا بالرضورة‪ ،‬ولكنهم صادقني وناصحني ووطنيني ودميقراطيني‪ ،‬أو هم‬ ‫من فلسطينيي الهوى والنضال من الدول األخرى‪.‬‬ ‫وغني عن القول هنا يف السياق أن العالقة مع عموم الشعب بكل فئاته‬ ‫ورشائحه هو واجب من واجبات التنظيم السيايس بغض النظر عن موقف‬ ‫أو مواقف هذه الفئات من التنظيم السيايس ألن مهمة كادر التنظيم التعلم‬ ‫من الجامهري واالعتامد عليها وتعبئتها ومهمته أيضا خدمتها والسعي حثيثا‬ ‫لجذبها واستقطابها ال لتنفريها واستبعادها ملجرد االختالف‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬إعادة النظر بالمهمشين والمستبعدين‬

‫إن الركن الرابع يف التصالح الداخيل يف حركة فتح وأي تنظيم سيايس‬ ‫إجامال يعني أيضا إعادة النظر باملهمشني أو املستبعدين أو الحردانني‪ ،‬أو‬ ‫املستكفني عن العمل أوعن املشاركة ألي سبب‪ ،‬أو العازفني عن املشاركة‬ ‫(يف العازفني من املهم تفهم أسباب العزوف) أو غريهم‪ ...‬فلرمبا حني نجيل‬ ‫النظر ونعيد تركيب زوايا الصورة نكتشف قطعة مل تكن تحت أنظارنا سابقا‬ ‫تعدل النظر‪ ،‬وتعيد الرتكيب بشكل ينمي فكرة التجمع والتقارب ال االستبعاد‬ ‫والتباعد‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬تقييم القرارات والمناخ‬

‫خامسا فمام ال شك فيه أن أي مسؤول يف موقعه (أو أي قائد يف‬ ‫أما‬ ‫ً‬ ‫موقعه‪ ،‬رغم أن علمية معنى «القائد» ال تنطبق بالرضورة عىل كل مسؤول‬ ‫‪66‬‬


‫أومدير أو عضو يف موقع متقدم‪ )...‬يتخذ سلسلة من القرارات متس جوهر‬ ‫التنظيم‪ ،‬كام متس األعضاء‪.‬‬ ‫وقد تكون طبيعة القرارات نظامية أو قانونية وقد ال تكون كذالك‪ ،‬بل قد‬ ‫تكون قانونية ونظامية نعم‪ ،‬ولكنها جاءت يف ظرف أو مناخ قايس يستدعي‬ ‫التطبيق الحريف للنظام دون االخذ بعني االعتبار لتسلسل العقوبة أو تخفيفها‬ ‫أو اإلمكانية للصفح والعفو أو كأنها اتخذت يف حالة غضب‪ ،‬أوعربت عن‬ ‫اإلسفاف أوالتعسف بتطبيق النظام عىل حساب تفهم اآلخر وقانون املحبة‪.‬‬ ‫إن هناك الكثري من االعتبارات التي قد ترتبط بتطبيق النظام‪ ،‬ما تصبح‬ ‫بعد مرور الزمن غري نافذة أو فعالة‪ ،‬أو قد تربز مع الوقت معطيات جديدة‬ ‫تجعل من مراجعة القرارات وإعادة النظر يف إطار الحفاظ عىل األعضاء فعال‬ ‫واجبا‪ ،‬ومن هنا فإن النظر يف قرارات التجميد والفصل والعقوبات عامة بحق‬ ‫األفراد يصبح رضورة تأيت يف إطار املراجعة والنقد والتسامح والتصالح‪.‬‬ ‫إن الرصاع داخل التنظيم وخاصة السيايس عندما يأخذ شكل التحدي‬ ‫واالستقواء والتقاذف والرجم بالحجارة بني األطراف املتصارعة فإنه ميكّن‬ ‫للطرف األعىل مرتبة أو االكرث سلطوية ‪-‬إن غلّب هواه ال ضمريه‪ -‬أن يتعسف‬ ‫أو يظلم باستخدام النظام‪ ،‬ما يواجه بتحدي (أو مترد) فتصبح العالقة رجمية‬ ‫ِح ّدية ال تتناسب مع املفهوم اإلنساين السامي للتنظيم عامة‪ ،‬وهو التنظيم‬ ‫الذي يجمع وال يبرت‪.‬‬ ‫إن خفض وترية الرصاع واالستغناء عن الرجم‪ ،‬ليصبح يف اتجاهات تقديم‬ ‫األفضل واألمثل‪ ،‬وليصبح يف مواجهة العدو املشرتك‪ ،‬ويف إطار املنافسة‬ ‫الرضورية يف هذا الباب يشكل حجر الزاوية يف النجاح التنظيمي يف إدارة‬ ‫الرصاع‪ ،‬الرصاع الذي تصبح معه عملية “االتصاالت” الفعالة و”مقاومة‬ ‫التهميش” وبناء “الصالبة” الوطنية والتنظيمية من أساسيات “الجهاد”‬ ‫الداخيل والتصالح الداخيل والبناء املستقبيل‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫المتشبّهون بحركة فتح والحاسدون‪.‬‬ ‫املواضيع املتعلقة بحركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح تستأثر دوما‬ ‫بالضجيج واإلثارة‪ ،‬وخاصة عندما يتعلق األمر بالخالفات الداخلية‪ ،‬التي‬ ‫يتم التعامل معها من الجهات الحاقدة أو الحاسدة أو املغتاظة بالكثري من‬ ‫املبالغات والتضخيامت أو الكثري من الحقد أيضا‪ ،‬أو الكثري من التشفي أحيانا‪.‬‬ ‫ويف معرض الطعن يف حركة فتح –وباستخدام البعض لرصاعاتها الداخلية‬ ‫أو بعض اختالفاتها‪ -‬فإنك تحس يف ردود أفعالهم إضافة ملا سبق بيشء من‬ ‫التمني املكتوم أن يكون بعض هؤالء املتص ّيدون جز ًءا من نسيج حركة فتح‬ ‫برحابتها الواسعة‪ ،‬وبقدرتها عىل التعامل مع االختالفات والرصاعات الحادة‪،‬‬ ‫وقدرتها الفذة عىل الخروج من املشاكل واألزمات أكرث قوة‪ .‬هم ال يعرفون‬ ‫سحرها وال يدركون رسها الذي يخشونه ويتمنونه يف آن واحد فيرصخون‬ ‫ويض ّجون ويبدأون بالعواء‪.‬‬ ‫إن الضجيج حول أمور حركة فتح الداخلية ‪-‬لو أخرجنا العامل اإلقليمي‬ ‫والدويل منها هنا فقط لغرض الرتكيز وليس إلهامله‪ -‬أمر ليس جديد عىل‬ ‫هذه الحركة التي رفعت فوق أكتافها الكثريين ليعود قلّة منهم مسددين‬ ‫لها الخنجر املسموم بدل أن ينسحبوا بهدوء كام فعل الرواد األوائل‪ ،‬أم‬ ‫إنهم ال يستطيعون أن يكتبوا فيها تاريخا مجيدا عاشوا جزء منه فري ّدون‬ ‫بعض الجميل كام فعل معها الكثري من املنصفني أمثال الشيخ هاين فحص‬ ‫أو د‪.‬سعود املويل من لبنان الشقيق‪ ،‬أو كام فعل د‪ .‬محمد حمزة و د‪ .‬عمر‬ ‫محجوب من مرص الشقيق’ أو أو‪ ...‬والقامئة تطول‪..‬‬ ‫التضخيم واملبالغات ومشاعر الغضب أو الحسد‪ ،‬وحاالت التشفي ومتني‬ ‫املوت لآلخر‪ ،‬هي من املشاعر السلبية التي امتألت فيها النفوس من تيارات‬ ‫مختلفة عىل حركة فتح ومنها يف فصيل “حامس” نتيجة التعبئة البغيضة ضد‬ ‫اآلخر‪ ،‬ما عرب باالعتذار عنه علنا محمد نظمي نصار من قادة القسام التابع‬ ‫لحامس إذ قال يف منشور له عىل صفحته بالفيسبوك نصا‪(:‬اعتذر للشعب‬ ‫‪68‬‬


‫الفلسطيني‪ ،‬يف الداخل والخارج‪ ،‬ولرئيس الشعب الفلسطيني الخالد يارس‬ ‫عرفات أبو عامر‪ ،‬اعتذر لحركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح) ولكل‬ ‫الفصائل ثم أضاف (اعتذر لكم عن هول الكراهية التي كانت تسكنني لكم‪،‬‬ ‫وعن العمل الدؤوب ليك ال يكون لكم مكان عىل خارطة الوطن الجغرافيه‬ ‫والسياسية‪ ،‬اعتذر لكم عن حلمي األكرب وهو أن تكونوا جميعا راقدون تحت‬ ‫األرض أمواتا بال حراك‪ ،‬وارجو أن يغفر الله يل عيل هذا التلبيس من إبليس‪،‬‬ ‫من أن هذه الكراهية ستوصلني إىل الحور العني‪ ،‬والفردوس األعيل)‪.‬‬ ‫أنها مشاعر سلبية أشعلت مواقف سياسية بل ودينية استندت لتعبئة‬ ‫فكرانية (=ايديولوجية) حاقدة وفاسدة درج عليها البعض من الشخصيات‬ ‫واألحزاب لنقص يف الرتوية يف العروق‪ ،‬والنقطاعات الهواء عن أجسادهم‬ ‫فيحيلون الترب إىل تراب أو هكذا يتمنون‪.‬‬ ‫أن حركة فتح الفكرة وحركة فتح املبادىء‪ ،‬وحركة فتح هواء الحرية‬ ‫النقي‪ ،‬وحركة فتح الدميقراطية الصاعدة‪ ،‬وحركة فتح الفكر العرويب االسالمي‬ ‫الثوري العقالين املدين بأطرها ‪-‬عىل كثري خلل فيها وبعدد من شخوصها ورغم‬ ‫عدم تخلصها من كثري من الشوائب والعوالق‪ -‬هي مفتاح العشق املفيض إىل‬ ‫فلسطني‪.‬‬ ‫حركة فتح كام قال فيها املفكر العريب اإلسالمي هاين فحص‪« :‬تشبه‬ ‫فلسطني بل هي أخت فلسطني أو بنت فلسطني»‪ ،‬وكان صادقًا كل الصدق‬ ‫يف ذلك‪ ،‬لذا متتد مساحة الحوار الدميقراطية والتعددية فيها لتصل أحيانا إىل‬ ‫حاالت قصوى تقرتب من الفوىض والتشتت واالنحدار‪.‬‬ ‫يحتاج األمر منا دامئا عدم التويل أثناء زحف قطار التحطيم والتهشيم‬ ‫والرعب الداهم تجاه الحركة‪ ،‬وإمنا علينا حينها أن نرفع مشعل النقد و‬ ‫التطور واالستنهاض والعقلية املؤسسية‪ ،‬ونرا كم االنجاز بكل الطاقة‪ ،‬الن‬ ‫فلسطني تستحق منا الكثري‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫لن أضيف يف بوتقة واحدة أولئك الكارهني الحاسدين الحاقدين للحركة‬ ‫أو املتمنني أن يكونوا شبيهها رسا‪ ،‬ولن أذكر منهم األحزاب أو األسامء‪ ،‬وذكرت‬ ‫من مواقفهم يف مقااليت أو مقاباليت الرائية (التلفزية) الكثري بكل أدب واحرتام‪،‬‬ ‫وحتى مودة يف األخالق معهم‪.‬‬ ‫يف نفس إطار الحديث فان الناقدين للحركة –وحتى من أبنائها‪-‬عرب‬ ‫ما يظهر ذلك يف عباراتهم وكتاباتهم ولقاءاتهم مهام كانت شدة كلامتهم‬ ‫وانتقاداتهم‪ ،‬فان هذا حق لهم نصونه قطعا كأحرار وثوار ودميقراطني‪ ،‬وال‬ ‫نضعهم يف نفس الزمرة‪ ،‬أي زمرة الكارهني والحاسدين واملتشبهني‪ ،‬فشتان‬ ‫بني هؤالء وأولئك‪.‬‬ ‫وملن ال يفرقون بني النقد والطعن نحيلهم إلحدى الفضائيات املتخصصة‬ ‫ب”أقىص” البذاءة فيستغفرون الله العيل العظيم‪ ،‬وميسحونها من أوقاتهم‬ ‫الثمينة‪ ،‬ليضيفوا الرتددات الجديدة لتلك القنوات التي تبغي قول الحق‪ ،‬فال‬ ‫تلجأ للكذب أو التزوير أوالتضخيم أو االتهام أو التخوين‪.‬‬ ‫يستطيع العاقلون أن مييزوا بني قنوات «يوتيوب» ذات املحتوى الحزيب‬ ‫الدعايئ األسود وأحيانا الرمادي (الذي ميوه باالجتزاء والخلط‪ ،‬وتلبيس الحق‬ ‫بالباطل) وبني تلك التي تشري ملواضيع الخلل والزلل والخطأ كام تعرض‬ ‫مواضيع النجاح والفوز والتقدم بكل موضوعية وصدق ورغبة يف اإلصالح أو‬ ‫التطوير‪.‬‬ ‫يف حركة فتح تعلمنا الكثري‪ ،‬ومام تعلّمناه االحرتام واملحبة‪ ،‬وعدم االنحناء‬ ‫أبدا إال لله سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫وما تعلّمناه أال ننتمي أو نوايل َمن يستخدم فلسطني أو سيف الدين أو‬ ‫سيف القومية العنرصية املسار‪ ،‬أو سيف العشرية ضد إخوانه أو ضد مصلحة‬ ‫بالده‪.‬‬ ‫يف حركة فتح تعلمنا أن نتقىص الحقائق‪ ،‬وننهج منهج الصدق فال نتوه مع‬ ‫‪70‬‬


‫السيل العرِم من الشائعات واألكاذيب‪ ،‬ومواجهات الرأي والرأي املشاكس يف‬ ‫ظل التدفق اإلعالمي املستفيض اليوم‪.‬‬ ‫يف حركة فتح ال ندعي الكامل وال الصواب املطلق وال ندعي الرأي األوحد‬ ‫أو املقدس‪ ،‬وال نص ّنف الناس بني وطني وخائن أو مؤمن وكافر أو غريه‪ ،‬فلسنا‬ ‫قضاة ولسنا أوصياء عىل عقول الناس أو قلوبهم أبدا‪.‬‬ ‫يف حركة فتح قد تجد عديد مثالب ومساويء وسلبيات نعم‪ ،‬وقد ترى‬ ‫متسلقني وطفيليات صحيح‪ ،‬لذا عليك التوقف عندها وخوض الرصاع‬ ‫الداخيل ضدها بكل شجاعة ومحبة وعنفوان ونظام‪ ،‬إال أن حركة فتح تظل‬ ‫البيت الذي يحتضن كل من فيه ليال مهام كان سعيهم بالنهار‪.‬‬ ‫يف حركة فتح مل نتعلم الكذب أبدا‪ ،‬فيام أتقنه أولئك الذين جعلوا الشعارات‬ ‫مركبهم‪ ،‬واأللسنة الحداد والسيوف أدواتهم‪ ،‬ومل نتعلم “امليكافيلية” فيام‬ ‫جعله أولئك كتابهم الذي يهتدون بهديه‪.‬‬ ‫يف حركة فتح مل نتعلم الكراهية أو الحقد أو النفي لآلخر فيام د ّرسوه‬ ‫هم‪ ،‬بل وأرشبوه لصغارهم‪ ،‬حتى غدا الحقد والحسد والتمني والتش ُّبه يظهر‬ ‫واضحا يف كثري مواقف مل يستطيعوا حتى اآلن أن ينعموا بسببها بسكينة‬ ‫اإلميان باآلخر املختلف‪ ،‬وال سكينة االهتداء ملشاعر ومنطق األخوة والرفاقية‬ ‫الجميلة‪.‬‬ ‫حركة فتح وادي ذو زرع‪ ،‬يستطيع أن ينمو ويرتعرع مبختلف أنواع‬ ‫النباتات واألشجار املثمرة واألزهار‪ ،‬وكلام كان السامد واملاء والهواء والرعاية‬ ‫كافية‪ ،‬كلام استنشقنا عبري الزهور املختلفة‪ ،‬فنفرح لرائحة القرنفل والياسمني‬ ‫والفل والطيون‪ ،‬وال نعادي الورد الجوري أو الخزامى أو االقحوان‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪71‬‬


‫الحجر المانع في حركة فتح!‬ ‫نشأ التنظيم السيايس لخدمة الجامهري‪ ،‬ونشأت التنظيامت املجتمعية‬ ‫االنسانية عىل تعدد أطيافها لخدمة املجتمع أو رشائح وفئات منه تلتئم حول‬ ‫احتياجات أو رغبات او أهداف أو قضايا أو أفكار أوتوجهات جامعة‪.‬‬ ‫نشأ (التنظيم) من فكرة التجمع والتوحد حول هدف او حاجة أو اهتامم‬ ‫أو مصلحة عامة ما‪ ،‬وليس من فكرة إحداث االنقسام والتفتت يف املجتمع‪،‬‬ ‫أي ببساطة لتلبية احتياجات التنوع يف إطار التجمع‪.‬‬ ‫وتكون مجمل التنظيامت ضمن النظام العام (الدولة أو الثورة) يف خدمة‬ ‫الهدف املركزي امل ُجمع عليه‪ ،‬أما إن كان هذا الهدف او األهداف قد تناثرت‬ ‫أو تشظت أو ذابت فإنه حتام يصبح التجمع التنظيمي مبعنى التكتل بديال‬ ‫عن فكرة التنظيم الجامعة‪ ،‬وهي الفكرة التي ليس لها إال خدمة أهداف‬ ‫الجامهري‪.‬‬ ‫إن خطورة مرض االتصاالت الرسية‪ /‬املسترتة (أي الخارجه عن اإلطار‬ ‫الرسمي يف التنظيم من خلية فشعبة فصاعدا‪ )...‬تكمن يف إحداث رشخ‬ ‫حقيقي يف البنية التنظيمية التي تتكتل وتتجمع وتتحزب مخالفة أدوات‬ ‫الرصاع املتاحة ضمن النظام‪ ،‬هذه األدوات التي متثل الخطوات التي يبيحها‬ ‫النظام من اجتامعات ونقد داخيل ومؤمترات ومراجعات ومحاكامت‬ ‫ومساءالت وعقوبات‪.‬‬ ‫بين لينين ويكن وخالد الحسن‬

‫تصيب التنظيامت السياسية الكثري من األمراض التي عالجتها كافة‬ ‫التنظيامت فكتب فتحي يكن من قيادات االخوان املسلمني يف لبنان عن‬ ‫هذه األمراض تحت عنوان (املتساقطون عىل طريق الدعوة)‪ ،‬وكتب اآلباء‬ ‫الفتحويون املؤسسون يف املسلكية التنظيمية والسياسية والجامهريية‪ ،‬وكتب‬ ‫‪72‬‬


‫الشيوعيون وعىل رأسهم فالدميري لينني‪ ،‬كام كتب خالد الحسن عن االستبداد‬ ‫القيادي‪ ،‬كام كتب العديد من قيادات مختلف األطياف والفصائل‪.‬‬ ‫يذكر لينني من أمراض التنظيامت (االفتقار اىل التدريب الجاد والرتبية‬ ‫الثورية)‪ ،‬ويعترب فتحي يكن أن من أمراض الحركات اإلسالموية أن يعترب‬ ‫صنف من الناس ذاته الويص عىل اإلسالم واملسلمني من خالل تقزيم األمة‬ ‫يف طريق الخوارج الجدد‪ ،‬واعترب الفئوية والقبلية والحزبية البغيضة من‬ ‫االمراض‪ .‬ورغم تعصب فتحي يكن لرأيه وافرتاضه أن كل من خالفه يتموضع‬ ‫يف إطار اولئك املتساقطني إال أنه تعرض لهذه االمراض بشكل يستحق التامل‪.‬‬ ‫وكتب صخر حبش بحثا كامال وهاما يف النقد والنقد الذايت‪ ،‬كام كتب هاين‬ ‫الحسن يف نقد اتفاقيات أوسلو ما يشكل منوذجا صحيا للنقد دون اإلرضار‬ ‫بالتنظيم‪.‬‬ ‫نموذج حزب جبهة التحرير الجزائرية‬

‫يف منوذج الرصاع ما بني تحقيقه اليجابية تالقح األفكار وحوارها‪ ،‬وما بني‬ ‫سلبية تزاحمها وتناطحها عىل القمة مبنطق اإلقصاء وااللغاء نتعرض لنموذج‬ ‫من الرصاع الحديث يف حزب جبهة التحرير الجزائرية إذ أنه‪ :‬إثر رصاع طويل‬ ‫يف إطار قيادة الحزب وهي اللجنة املركزية لحزب جبهة التحرير الجزائرية‬ ‫أسفر هذا الرصاع يف أحد مراحله لتسلم عامر سعداين ألمانة الحزب الذي‬ ‫يرأسه رشف ّيا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة‪.‬‬ ‫وكانت اجتامعات اللجنة املركزية (متاثل اللجنة املركزية يف تنظيامت‬ ‫اليسار الفلسطيني‪ ،‬أواملجلس الثوري يف حركة فتح‪ ،‬أومجلس الشورى يف‬ ‫التنظيامت اإلسالموية)‪ ،‬اتخذت هذه االجتامعات املتكررة منحى رصاع‬ ‫عنيف جدا‪ ،‬ما أدى بهذا الرصاع يف ختامه إلزاحة عبدالعزيز بلخادم من‬ ‫زعامته بالحزب (من ‪ ،)2013-2011‬وكان ذلك يف دورة صعبة للجنة‬ ‫املركزية عىل عادة الخالفات التي تكاثرت وتصاعدت فيها بني أطراف اللجنة‬ ‫‪73‬‬


‫(القيادة)‪ ،‬واستخدمت فيها القوة‪ ،‬كام استخدمت أدوات سلطة الدولة باملنع‬ ‫أو السامح‪ ،‬و(البلطجة) من جميع األطراف كام تشري االنتقادات‪.‬‬ ‫مل يتوقف الرصاع بعد إزاحة بلخادم حيث استمرت املحاور (بلخادم‪-‬‬ ‫سعداين‪ )...‬يف التناطح ما أدى ألصدار رئيس الجمهورية قرارا بعزل عبد‬ ‫العزيز بلخادم من مناصبه الرسمية داخل الدولة‪.‬‬ ‫هذا العزل لبلخادم من مناصبه حول الرئيس يف الدولة من حق رئيس‬ ‫الجمهورية‪ ،‬أما عزله أوطرده من موقعه الحزيب فهنا يقع التساؤل ألقطاب‬ ‫الحزب حيث تورد صحيفة الخرب عام ‪ 2014‬تعليقها قائلة (ان العنف الذي‬ ‫حمله بيان العزل وشكل اإلقالة يظهر استمرار النظام السيايس يف التعامل‬ ‫بنفس االساليب املوروثة من عهد األحادية‪ ،‬اىل جانب الخلط بني مؤسسات‬ ‫الدولة واملؤسسات الحزبية‪ ،‬ناهيك عن توظيف وكالة األنباء الرسمية يف نزاع‬ ‫بني عصبة واحدة كام حدث مع عبد القادر حجار عام ‪.) ...1999‬‬ ‫وبغض النظر عن م�بررات االقالة أو العزل عام ‪ 2014‬لبلخادم من‬ ‫مناصبه بالدولة‪ ،‬وطبيعة الرصاعات الحادة يف داخل الحزب‪ ،‬فإن االشكالية‬ ‫الحقيقية كام نراها ظهرت جلية باالستقواء بأطر أوأجهزة أو مؤسسات أو‬ ‫أشخاص (بلطجية) من خارج التنظيم (أو الحزب)‪ ،‬وحيث متحورت حول‬ ‫الرصاع السلطوي‪ /‬املصلحي‪ /‬الشخيص يف الدولة والنفوذ بشكل رئيس‪ ،‬أي‬ ‫ضمن استمرار حقيقة الرصاع حول الحكم والسلطة مستخدمني كل األسلحة‬ ‫املرشوعة أو غري املرشوعة‪ ،‬أي تلك التي تتفق مع النظام الداخيل للتنظيم‬ ‫او تلك التي تستقوي عليه‪.‬‬ ‫قدم االمني العام لهذا الحزب التاريخي املناضل عامر سعداين (‪ 66‬عاما)‬ ‫فيام بعد استقالته أخريا (‪ )2016 /10 /22‬وذلك “ألسباب صحية” كام ذكر‪،‬‬ ‫ليخلفه جامل ولد عباس (‪ 82‬سنة) أمينا عاما حتى العام ‪ 2020‬كام أقرت‬ ‫اللجنة املركزية‪ ،‬ورمبا ال يزال الرصاع الحاد مستمرا ما ال نتمناه لهذا الحزب‬ ‫العمالق‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫الصراع في التنظيمات الفلسطينية‬

‫إن الرصاع يف التنظيامت الفلسطينية عامة طويل‪ ،‬ويحتاج لبحث أطول‪،‬‬ ‫سواء داخل التنظيامت اليسارية أو يف حركة فتح‪ ،‬او داخل االخوان املسلمني‬ ‫ويف «ح�ماس»‪ ،‬وال�صراع يف شكله السلبي التناطحي قد تخالطه أمراض‬ ‫عديدة‪ ،‬ولكنه يف شكله االيجايب التحاوري يولد آليه دفع تحث عىل التغيري‪،‬‬ ‫لذا فالفهم للرصاع يف هذا السياق االيجايب يعني حقيقة التمسك بالجوامع‬ ‫(يسمونها قواسم وكان الراحل القائد صخر حبش يرص عىل تسميتها جوامع‬ ‫مشرتكة وليست قواسم) واألهداف والقانون‪.‬‬ ‫التاريخ طويل للرصاعات داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطني منذ‬ ‫العام ‪ 1967‬سواء الفكرية اوالتنظيمية أو املصلحية الشخصية‪ ،‬كام الحال يف‬ ‫الرصاعات داخل التنظيامت االسالموية ومنها االخوان املسلمني منذ التأسيس‪،‬‬ ‫والحال يف حركة فتح‪.‬‬ ‫وإذ كان مفهوم الرصاع له معنيني كام ذكرنا أي معنى إيجايب حيث يولد‬ ‫تجددا يف األفكار وتنازالت واتفاقات وحرص مشرتك فإنه يف جانبه السلبي‬ ‫يولد تناطحات وإقصاءات‪ ،‬أحيانا ما تكون مفيدة للتيار العام كام الحال‬ ‫بخروج العديد من جسد االخوان املسلمني أو من جسد الجبهة الشعبية او‬ ‫من جسد حركة فتح‪ ،‬خاصة متى ما اقرتن الرصاع باالستقواء الخارجي‪.‬‬ ‫أمراض التنظيمات وقواعد المسلكية‬

‫إن أمراض التنظيامت السياسية كثرية‪ ،‬وحرصت حركة فتح أن تثبت يف‬ ‫منهج تفكريها التجديدي رفض العقل «االنتهازي» (الذي يستسهل املكاسب‬ ‫ويسعى لها عىل حساب األهداف)‪ ،‬ورفض املنطق العقل «التطهري» (الذي‬ ‫يتوقف وينقطع حني تصادم األهداف مع املصالح فيخرج) ويف املقابل كرست‬ ‫منطق التعامل «الثوري» أي بايجابية من خالل عرض ما يجب أن يكون‬ ‫وخوض الرصاع ضد ما تراه سلبيا فيام هو كائن‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫تدخل حركة فتح يف أدبياتها املرض يف نطاق التعامل مع العالج‪ ،‬أي بذكر‬ ‫السلبي يف سياق الرتكيز عىل اإليجايب محددة عرش قواعد للمسلكية الثورية‬ ‫الصحيحة والصحية يف املجال التنظيمي‪ :‬من االنتامء‪ ،‬واالنضباط‪ ،‬واملركزية‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬والنقد والنقد الذايت‪ ،‬والفعالية‪ ،‬واملبادرة‪ ،‬والرسية‪ ،‬والتخطيط‪،‬‬ ‫والتنفيذ والتطبيق‪ ،‬واملتابعة واملراقبة‪ ،‬والتي لطاملا شجع عثامن أبو غربية‬ ‫وهاين الحسن من قيادة الحركة عىل اعادة بنائها وتصليبها وتعديلها مبا‬ ‫يضيف عليها ويقويها ما نحاول منذ زمن وقلة من الكادر املثقف واملفكر أن‬ ‫يفعلها ويضيف عليها مبا ميتنها ويجددها ليكون تيار القيم واملسلكية الثورية‬ ‫هو التيار السائد‪.‬‬ ‫يف حركة فتح التي خاضت يف داخلها رصاعات عدة‪ ،‬وخاضت مع األصابع‬ ‫الخارجية عديد املواجهات فإن لديها هاجس الخصوصية‪ ،‬وعدم التدخل يف‬ ‫شؤونها الداخلية حتى أصبح ما تسميه (القرار الوطني املستقل) شعارا لها‬ ‫مرتبطا بفكرها الدميقراطي الوطني الحضاري يف محيط حضارتنا العربية‬ ‫االسالمية‪ ،‬إال أن دخول (السلطة‪ /‬الحكم) كعامل ومثري افتتان وفتنة جديد‬ ‫يف املعادلة‪ ،‬ومع تقاطعات االرسائيليني واإلقليم والخصوم قد جعل من هذا‬ ‫الرصاع معي ًبا بحق حركة فتح والشعب الفلسطيني‪ ،‬ونحن مل نحقق عىل‬ ‫األرض ال االستقالل وال الدولة حتى اآلن‪.‬‬ ‫القوة نحن‬

‫يقول العلامء حسب آخر األبحاث إن النملة تنشأ ال تعلم شيئاً ثم تتعلم‬ ‫جميع املهام الواجب القيام بها وفق برنامج شديد التعقيد يهديها إىل الطريق‬ ‫الصحيح‪ ،‬والسؤال‪ :‬أليس هذا هو ما تعنيه اآلية‪َ ( :‬ربُّ َنا ال َِّذي أَ ْعطَى ك َُّل شيَ ْ ٍء‬ ‫َخلْ َق ُه ث ُ َّم َه َدى)؟! وأليس أدعى بنا أن نركز عىل العضو يف داخل املجتمع‬ ‫والعضو يف داخل التنظيم من التصارع حول عنق الزجاجة فقط؟‬ ‫إن القوة الحقيقية التي يجب النظر لها داخل التنظيم السيايس هي يف‬ ‫‪76‬‬


‫الفكرة ويف األهداف ويف حراس الفكرة واألهداف‪ ،‬وفلسطني كجامع ووعاء‬ ‫لها كلها‪ ،‬وإن القوة واملنعة هي يف تطبيق النظام الداخيل واحرتام القوانني‬ ‫والقرارات املتخذة أصوال‪ ،‬والقوة الحقيقية هي يف جامهري الحركة املنتمية‬ ‫وامللتزمة واملثقفة والعاملة واملبدعة والناقدة باحرتام واملتجددة‪ ،‬والقوة كل‬ ‫القوة هي يف املساحة املفتوحة للتواصل بني القيادة والكوادر يف كل املفاصل‬ ‫وبشكل دوري‪ ،‬والوقوة الحقيقية يف اآلليات املتبعة التي ال يجب أن نخرقها‬ ‫بل نشدد عىل حراستها مقرونة بالقيم والتدريب والبناء الذايت والجامعي‬ ‫الداخيل‪.‬‬ ‫ذكر ابن املقفع يف كتاب الشهري كليلة ودمنة قصة مفادها أنهم‪ :‬زعموا‬ ‫أن جامع ًة من القردة كانوا سكاناً يف جبلٍ ‪ ،‬فالتمسوا يف ليل ٍة بارد ٍة ذات رياح‬ ‫وأمطا ٍر نادرا ً‪ ،‬فلم يجدوا‪ ،‬فرأوا يراع ًة‪ /‬حرشة تطري كأنها رشارة نارٍ‪ ،‬فظنوها‬ ‫نارا ً‪ ،‬وجمعوا حطباً كثريا ً فألقوه عليها‪ ،‬وجعلوا ينفخون طمعاً أن يوقدوا‬ ‫نارا ً يصطلون بها من الربد‪ .‬وكان قريباً منهم طائر عىل شجر ٍة‪ ،‬ينظرون إليه‬ ‫وينظر إليهم‪ ،‬وقد رأى ما صنعوا‪ ،‬فجعل يناديهم ويقول‪ :‬ال تتعبوا أنفسكم‬ ‫فإن الذي رأيتموه ليس بنارٍ‪ .‬فلام طال ذلك عليه عزم عىل القرب منهم‬ ‫رجل فعرف ما عزم عليه‪ .‬فقال له‪ :‬ال‬ ‫لينصحهم فينهاهم عام هم فيه‪ ،‬فمر به ٌ‬ ‫تلتمس تقويم ما ال يستقيم‪ ،‬فإن الحجر املانع الذي ال ينقطع ال تجرب عليه‬ ‫السيوف‪ ،‬والعود الذي ال ينحني ال يعمل منه القوس‪ ،‬فال تتعب‪ .‬فأىب الطائر‬ ‫أن يطيعه‪ ،‬وتقدم إىل القردة ليعرفهم أن الرياعة‪ /‬الحرشة املضيئة ليست بنارٍ‪.‬‬ ‫فتناوله بعض القردة فرضب به األرض فامت‪.‬‬ ‫شاهت الوجوه وتبت األيادي العابثة ألي شخص أو جهة أو فئة تص ّعد‬ ‫الخالفات الداخلية يف أي فصيل‪ ،‬أو يف املجتمع أو يف أي مؤسسة وطنية‪،‬‬ ‫وعىل رأسها حركة فتح عىل حساب الهدف األسايس والتناقض األسايس املعرب‬ ‫عنه فقط باالحتالل االرسائييل ويف نضالنا القتالعه من أرضنا‪.‬‬ ‫وشاهت وجوه أي فئة ترفض النظام والحكمة والقيم الجامعة‪ ،‬ونحن‬ ‫‪77‬‬


‫لن نجرب سيوفنا يف الحجر املانع‪ ،‬لكن عودنا ينحني ألخوتنا ومييل لهم‬ ‫فتستقيم األمور‪ ،‬وسنتعب كثريا ونخوض الرصاع االيجايب لتعتدل الكفة‬ ‫فيتحقق التوازن والقسطاس‪.‬‬ ‫وليس لنا كثوريني مجاهدين مثابرين إال الدعوة والعمل بحزم للملمة‬ ‫البيت الداخيل الفلسطيني عامة‪ ،‬فنحن تحت الضوء والنظر‪ ،‬وحالنا يختلف‬ ‫كل ّيا عن تلك الخالفات يف الدول أو االحزاب العربية الشقيقة‪ ،‬فهل ندرك‬ ‫ذلك ونتدارك وندفع املسرية اىل األمام‪.‬‬

‫‪78‬‬


‫االستقواء على حركة فتح‬ ‫هل يكون االستقواء التنظيمي قابال للنامء يف داخل التنظيم عامة؟ أم انه‬ ‫فقط يأيت من خارجها؟ وهل من املمكن أن يكون االستقواء ِصنو القيادة‪،‬‬ ‫أم أن الكادر قادر عىل الفعل باملثل؟ ومجموعة أخرى من األسئلة تربز يف‬ ‫ظل الضغوطات التي تهاجم حركة فتح وقيادتها أوال من العدو االرسائييل‪،‬‬ ‫وثانيا من الخصوم السلطويني‪ ،‬وثالثا من بعض األطراف الخارجية والداخلية‪،‬‬ ‫رغم أن معاركنا الحقيقية مع العدو الصهيوين قد ابتدأت وتستمر مع صدام‬ ‫الحق‪...‬‬ ‫وألن الشأن الفتحوي يف الكثري منه أصبح متا ًحا والكالم فيه مبا ًحا للعامل‬ ‫والجاهل‪ ،‬فإن مل تتكلم أنت يف قيادة الحركة فإنك ال تستطيع أن متنع‬ ‫تبلبل األفكار وتشتت الرؤى فالكالم والحوار من أوجب الواجب بني القيادة‬ ‫والكوادر عىل األرض ويف االجتامعات الدورية خاصة يف ظل منصات حوار قد‬ ‫ودب من الكالم الذي يف ثلثيه بعيد‬ ‫هب ّ‬ ‫طارت مع بساط الريح فتناقلت ما ّ‬ ‫عن الحقيقة والواقع‪.‬‬ ‫حركة “فتح” من التنظيامت الفلسطينية املناضلة يف كل مراحلها‪ ،‬وال‬ ‫أقول هذا كام يظن البعض تعصبا أو تطرفا للحركة‪ ،‬فأن أضع حق الحركة أو‬ ‫أي فصيل يف نصابه ال يعني أال أنقده فلطاملا نقدت حركة “حامس” و”الجبهة‬ ‫الشعبية” مع احرتامي لنضال هذين الفصيلني وغريهام مهام اختلفت معهام‪،‬‬ ‫ومل أكف عن نقد ما أراه بغيضا يف حركة “فتح”‪ ،‬ويل يف ذلك أسلويب والتزامي‬ ‫مبفاهيم النقد بصيَ ِغ ِه الحركية الثالث (الهامس والصارخ واله ّدار) حيث‬ ‫أن األولوية للنقد –خاصة متى ما ارتبط بأسامء محددة‪ -‬أن تكون باإلطار‬ ‫الداخيل‪.‬‬ ‫يف حركة فتح تخرج السياقات أحيانًا عن احرتام األطر ألننا نحن من نهلهلها‬ ‫ألي كان أن ينهش يف لحمنا‪ ،‬بل ونتساوق معه‬ ‫بفوضويتنا‪ ،‬فنتيح املجال ّ‬ ‫ونسري وراء اإلشاعات غري مدركني للتعبئة ِ‬ ‫الخطرة التي نخلقها يف استهالك‬ ‫‪79‬‬


‫أنفسنا يف الرصاع الداخيل مبعناه السلبي (للرصاع معنى ايجايب هام ورضوري‬ ‫يؤدي للتغيري)‪ ،‬فتظل العيون ألبناء الحركة والحريصني عليها يف أمتنا مس ّمرة‬ ‫عىل الشاشات فتترسب لروحها حاالت الوهن واالنقباض وهاالت السوداوية‬ ‫ورمبا االنسحاب واالنحسار واالنشقاق‪.‬‬ ‫إن أوىل أولويات حركة “فتح” العظيمة برجالها وفكرها وفلسطينيتها‬ ‫وحضارية فكرها العقالين املدين أن تُقبِل عىل البناء الداخيل بالفكر والتثقيف‬ ‫واح�ترام األطر والجامهري ولغة الحوار واملحبة‪ ،‬وأن تُقدم عىل التعبئة‬ ‫الداخلية السليمة التي تُعيل من االنتامء األصيل لفلسطني وللحضارة الجميلة‬ ‫الرحبة التي نحن منها أي حضارة أمتنا العربية االسالمية بجناحيها كمسلمني‬ ‫ومسيحيني‪ ،‬والتي ترتفع بالقيم واالخالق وحسن السلوك واملعاملة فوق‬ ‫كثري من األضواء التي تخلب بعض األلباب باألضواء املسلطة عىل أرباب‬ ‫الحكم والسلطة فيتنازعونها ويتقلبون بني أحضانها الوثرية وكراسيها الرخوة‪،‬‬ ‫متناسني العدو الرئيس وأولوية املجابهة التي لن تنتهي قريبا يف أرض الرباط‪،‬‬ ‫ومتناسني مهمتهم بخدمة الناس‪.‬‬ ‫يقول األخ نبيل عمرو أن حركة (فتح مليئة باألخطاء والخطايا‪ ،‬ومليئة‬ ‫بالتقصري فيام ال يجوز التقصري فيه‪ ،‬وهذه أمور رمبا تكون عىل الدوام هي‬ ‫مادة الحوار الداخيل فيها‪ ،‬ومصدر التذمر الدائم يف مزاجها‪ ،‬فام نراه اآلن‬ ‫من مظاهر ال تعجبنا يف تفكري وسلوك هذه الحركة‪ ،‬ليس باألمر الجديد‬ ‫عليها) ويقرر بال مواربة أن كلمة الرس فيها ما ال نختلف معه فيه تنبثق‬ ‫من املمنوعات الثالثة حيث (املمنوع األول‪ ...‬رهن القرار لغري الفلسطينيني‪.‬‬ ‫واملمنوع الثاين‪ ...‬مغادرة االنتامء العريب‪ .‬واملمنوع الثالث‪ ..‬االنعزال عن‬ ‫الحياة الدولية والتصادم معها‪).‬‬ ‫اىل ذلك يقول كاتب فتحوي آخر معلقا عىل أحداث مخيم األمعري يف‬ ‫رام الله حيث التصدي لعقد اجتامع لكادر من حركة فتح ((الحلول األمنية‬ ‫والعسكرية ال تستطيع ان تحافظ عىل نظام وال عىل رئيس وال عىل سلطة‪،‬‬ ‫‪80‬‬


‫لو كانت تستطيع لنجحت يف الحفاظ عىل نظام زين الدين بن عيل يف تونس‬ ‫ومعمر القذايف يف ليبيا و لنجحت يف الحفاظ عىل وحدة سوريا و غريها من‬ ‫النامذج‪ ،‬هذا و نحن نتحدث عن دول حقيقية وأنظمة حقيقية و ليس عن‬ ‫سلطة محدودة الصالحيات بحكم وجود االحتالل‪ .‬واألمر اآلخر هو ما عالقة‬ ‫األجهزة األمنية يف خالفات تنظيمية؟ ما هي عالقة حرس الرئيس الخاص‬ ‫واألمن الوقايئ واملخابرات واالستخبارات والرشطة املدنية واألمن الوطني‬ ‫والدفاع املدين يف اجتامع تنظيمي لكوادر من فتح يناقشون مستقبل حركة‬ ‫فتح ويعربون عن مواقفهم يف قضايا تنظيمية؟))‬ ‫وأتفق مع الكاتب برضورة رفض االستخدام السلطوي أو استخدام القوة‬ ‫مهام كانت يف الخالفات الداخلية ألي فصيل قطعا‪ ،‬ولكن باملقابل فإنني‬ ‫أطالب من أي شخص‪ ،‬أو مجموعة رسمية ضمن إطارها يف داخل حركة‬ ‫فتح أال تحركها أعالم بعض الدول العربية فتتسرت بها ويشتد ساعدها بها‪،‬‬ ‫حتى لو بدا هذا الساعد وكأنه غري مفتول العضالت‪ ،‬فحركة فتح ال تقبل أن‬ ‫ترهن قرارها للخارج لذا تتصدى يوميا لإلرسائييل املحتل بخشونة ال ّنزال عىل‬ ‫األرض‪ ،‬وبنعومة الدبلوماسية الشجاعة التي تعزل الكيان وتجلب له الجنون‪،‬‬ ‫ولذلك ال تقبل ألي استقواء منها عليها أو من خارجها عليها أكان عربيا أو‬ ‫اقليميا أو دوليا‪.‬‬ ‫كنا قد كتبنا عن مؤمتر(عني السخنة) مل نغفل فيه حق أي مركز أو مؤسسة‬ ‫الحديث بالقضية الفلسطينية ما هو فخر وقوة لنا‪ ،‬ولكننا أنكرنا عىل أبناء‬ ‫الحركة أن يستغلوا أي غطاء يف مواجهة الفكرة أوالهدف الجامع أو األطر‬ ‫املركزية نعم األطر املركزية‪ ،‬ألن االستقواء عىل الحركة بغريها مرفوض ما أظن‬ ‫أن كل الفتحويني يتفقون عليه ويعلمون خطورته‪.‬‬ ‫األسري املحرر من سجون “حامس” يف غزة زيك السكني قال يف رسالة‬ ‫له‪( :‬رسالة مني إىل الرئيس مبارشة‪ :‬أنت الكبري‪ ،‬ومثل ما يقول املثل‪ :‬الكبري‬ ‫يحمل الصغري‪ ،‬ويجب عىل الكبري ان يستوعب الصغري‪ ،‬هذا رجايئ أنا وكل‬ ‫‪81‬‬


‫األرسى وكل املعتقلني‪ ،‬انت يا فخامة الرئيس أنت الكبري مللم املوجود ان كان‬ ‫من فتح او من حامس ونحن معاك قلباً وقالباً‪).‬‬ ‫قال القيادي ب»الجهاد االسالمي” أحمد املدلل عىل قناة هنا القدس ‪/26‬‬ ‫‪( :2016 /10‬دامئا نقول ان الكرة يف ملعب الرئيس عباس فهو الذي يستطيع‬ ‫أن يجمع الكل الفلسطيني)مضيفا أننا (نبقى ندق عىل الجدران ونطالب‬ ‫الرئيس محمود عباس بأننا يجب ان نقف امام الحقيقة‪).‬‬ ‫ونعرض ما قاله اللواء توفيق الطرياوي برسالته لكوادر الحركة الفت ّية دوما‬ ‫تحت عنوان‪( :‬فلسطني وطننا‪ ،‬والقدس عاصمتنا‪ ،‬و”فتح” حركتنا‪ ،‬و”حامس”‬ ‫خصمنا السيايس‪ ،‬و”إرسائيل” عدونا‪ ..‬فأحكموا البوصلة) حيث يؤكد عىل‬ ‫رضورة االنتباه الجامعي للخطر الرئيس املحدق بشعبنا‪ ،‬وأرضنا وقضيتنا‪،‬‬ ‫من قبل النقيض االحتاليل‪ ،‬ويؤكد يف هذا النداء الهام‪ ،‬بأن أبناء حركة فتح‪،‬‬ ‫وكوادرها ومناضليها‪ ،‬تظل مسؤولة من قبل قيادتها‪ ،‬وأطرها التنظيمية‬ ‫والشعبية‪ ،‬برغم التباينات‪ ،‬عىل القيادة رعايتها واحتضانها‪ ،‬وتقوميها حني‬ ‫يلزم التقويم‪ ،‬وليس صحيحاً أبدا ً بأن حل إشكالية التباين أو االختالف يتأىت‬ ‫بالتخيل عنها‪ ،‬وتركها لكل املرتبصني بها‪ ،‬وعىل رأسهم االحتالل الذي يقوم‬ ‫بتغذية الفرقة والعداء واالستعداء بني أبناء الحركة‪.‬‬ ‫د‪.‬جامل محيسن عضو مركزية الحركة يقول‪( :‬أن فتح تشكل دوما صامم‬ ‫أمان للمرشوع الوطني الفلسطيني‪ ،‬وأنها موحدة‪ ،‬وستبقى كذلك‪ ،‬أمام كل‬ ‫املؤامرات التي تستهدف آمال وتطلعات شعبنا‪ ،‬يف إقامة دولته املستقلة عىل‬ ‫ترابه الوطني‪).‬‬ ‫نعم ستكون حركة فتح قوية وموحدة وضد املرتبصني‪ ،‬وترفض االستقواء‬ ‫ألن االستقواء عىل الحركة من الخارج قد خاب يف كل مراحلها التاريخية‬ ‫ومل ينجح أي منها مطلقا‪ ،‬وكذلك األمر هو ذاته ما سيحصل مع أي إستقواء‬ ‫يحصل أو سيحصل يف قادم األيام ألن الحركة التي تنسمت رحيق الحرية‬ ‫والفكر املستنري ونبع العقالنيةـ وحددت أن عدوها الرئيس هو االحتالل وأن‬ ‫‪82‬‬


‫هدفها األكرب تحرير فلسطني لن تخور ولن يخبو ألق نجمها أبدا‪.‬‬ ‫نعم قد يكون االستقواء من القيادة التنظيمية ألي فصيل مبا فيها حركتنا‬ ‫بسوء استخدام الحق أوبسوء تطبيق النظام أو عدم تطبيقه أو باإلهامل‬ ‫املتعمد‪ ،‬أو النبذ أو التكتيل االنتخايب‪ ،‬ونعم قد تستغل أي قيادة حجم‬ ‫نفوذها لتتالعب بالنظم والقوانني ما نراه يف أحزاب وفصائل عدة وما يحتاج‬ ‫منا يف النضال الداخيل أن يظل داخليا يف ظل معركة كربى هي حقيقة النضال‬ ‫ضد خطر االحتالل‪ ،‬ويف ظل أن االستقواء الداخيل القيادي ‪-‬إن وجد‪ -‬يجب‬ ‫أن يجابه ضمن زرع ومحصول الثقافة الحركية التي تنتمي لألمة والوطن ال‬ ‫لألشخاص أي كانوا أبدا‪.‬‬

‫‪83‬‬



‫الفصل الثاني‪:‬‬ ‫منهج البناء التنظيمي يف حركة فتح‪.‬‬ ‫املؤمتر السابع لحركة «فتح» مرآة عاكسة أم فجر جديد؟‬ ‫عنواين الوحيد حركة فتح‪ ،‬بدون ولكن!‬ ‫يف العقل الحر واملنهج التنظيمي‬ ‫من يجب أن يقود حركة فتح؟‬ ‫املتمردون يف حركة فتح والفكر السلطاين‬ ‫حركة فتح ما بعد العاصفة!‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح!‬ ‫كيف نبني الشخصيات الحرة يف القيادات الطالبية؟‬ ‫كيف نفهم القيادة يف حركة فتح‬



‫المؤتمر السابع لحركة «فتح»‬ ‫مرآة عاكسة أم فجر جديد؟‬ ‫لغرض اإلط�لال ‪-‬وان من خالل عدة ومضات‪ -‬عىل الرصح أو البناء‬ ‫الفتحوي املنهجي وكمساهمة جادة يف التفكري املشرتك يف أوضاع الحركة‬ ‫العربية الفلسطينية بغية التطوير والتجدد‪ ،‬ولتحقيق االمتزاج بني مختلف‬ ‫التجارب نطرح هذه الورقة للنقاش‪.‬‬ ‫كثرُ ت التحليالت واملطالبات من املؤمتر العام السابع لحركة فتح‪ ،‬بل ودار‬ ‫رصاع شديد لتثبيت إقرار موعده‪ ،‬وكان ملثل هذا اإلرصار املحمود أن تحقق‬ ‫املطلوب‪ ،‬وأن أن استطاعوا تحقيق مجموعة من املنجزات يجب أن تس ّجل‬ ‫لهم‪ ،‬ولكل كوادر الحركة بشكل جمعي باحرتام شديد‪ ،‬والتي كان آخرها‬ ‫النجاح بتكريس انعقاد دورات اللجنة ملركزية واملجلس الثوري وأطر اخرى‬ ‫ثم عقد املؤمتر العام العتيد‪.‬‬ ‫المرآة العاكسة‬

‫رسعت بانجاز التقارير‬ ‫لن تستعرض الظروف الذاتية والخارجية التي لرمبا ّ‬ ‫املطلوبة بعيدا عن خالفات وتباينات األخوة يف الخلية األوىل‪ ،‬فإن هناك‬ ‫مجموعة من األمور تظهر للعلن ومل تعد خافية عىل أحد السيام وإن حركة‬ ‫فتح عبارة عن صندوق مفتوح‪ ،‬ومرآة عاكسة للمجتمع العريب الفلسطيني‬ ‫بأمانة‪ ،‬عاكسة لتنوعه وتعدده‪ ،‬ورمبا العتداده وثقته بنفسه واعتزازه بتاريخه‬ ‫وثورته ووطنه وأمته كام هي عاكسة ملشاكله من مناطقية وعائلية‪ ،‬وسعي‬ ‫الكتساب الخطوة أو املكانة أو النفوذ‪ ،‬ولكن هذه املرآة العاكسة يف جميع‬ ‫األحوال ال تقبل االنعكاسات االقليمية والخارجية لتكرس ذاتها خطوطا يف‬ ‫جسد الشعب الفلسطيني أوجسد حركة فتح‪ ،‬فتسري بنا املركب باستقالليتها‬ ‫ضمن العمق العرويب الحضاري نحو األمان‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫ال نستطيع أن نُنكر املقدار الكبري للتدخالت غري الحميدة والعبث يف‬ ‫جسد الثورة وجسد حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪ -‬فتح تحت شعارات‬ ‫كبرية خادعة ومزيفة‪ ،‬وعرب التاريخ الحافل وامليضء لثورتنا‪ ،‬ورغم نجاح‬ ‫جزء من هذه التدخالت ملرحلة محددة إال أنها يف النهاية قد لقيت مصريها‬ ‫املحتوم‪ ،‬وهو الخروج من مسار الزمن‪.‬‬ ‫صراع الزرافات‬

‫تعتمد الزرافة للدفاع عن نفسها ضد عدو مثل منر أو أسد عىل الرفس‬ ‫بقدمها‪ ،‬وهذه الرفسة قوية مبا يكفي لتحطيم الجمجمة كالوعاء الفخار‪،‬‬ ‫ولهذا السبب ال ترفس زرافة زرافة أخرى مطلقا بل تتناطحان أوتدفعان‬ ‫بعضهام البعض بقوة برقبتيهام الطويلتني عندما تتصارعان‪ ،‬ألن رقبة الزرافة‬ ‫مرنة متتص الرضبات مثل العصا «الكاوتشوك»‪ ،‬ويصعب استخدامها لغري‬ ‫ذلك نظرا لثقلها وضخامتها‪.‬‬ ‫أحببت أن أورد هذا املثل من الطبيعة ألقول أن الرصاع والتغيري من سنن‬ ‫الخليقة والحياة‪ ،‬ولكن للرصاع والتغيري أدواته وحدوده وتوقيتاته‪ :‬تناطح أم‬ ‫رفس‪ ،‬والن الرصاع ال يوجد إال يف منت العالقات االجتامعية (أو التنظيمية) فإنه‬ ‫يظهر حني يدرك الفاعلون التضارب بني مصالحهم وترصفاتهم‪ ،‬بني أهدافهم‬ ‫وقيمهم بني سلوكياتهم ومواقفهم‪ ،‬وهذه (الرصاعات) داخل املجتمع أو‬ ‫التنظيم أو حتى داخل الفرد نفسه من املمكن ان تستمر حالة حاث ّة ومحفزة‬ ‫للتقدم حتى مستوى معني‪ ،‬أي ما بقيت يف نطاق (التناطح) ومل تصل إىل حد‬ ‫(الرفس) يف عامل الزرافات‪ ،‬فاإلرباك الذي يسببه الرصاع يف العمل والتنظيم‬ ‫ووسائل اتخاذ القرار قد يقترص عىل االختالف يف الرأي وتعدد البدائل وهو‬ ‫أمر مرغوب ويقود إىل التفكري الناقد واىل اإلبداع واالبتكار والتغيري بدل‬ ‫التقوقع والجمود‪.‬‬ ‫وقد تصل التناقضات والرصاعات املجتمعية أو التنظيمية (أو النفسية)‬ ‫‪88‬‬


‫إىل حد الشقاق واالنفصال متى ما عجزت إدارة الرصاع عن حفظ التوازن‬ ‫التنظيمي أو متى ارتبطت هذه النزاعات بأبعاد خارجية أو أجنبية أو نوايا‬ ‫مبيتة‪.‬‬ ‫المؤتمرات ضرورة‬

‫إن املؤمترات يف التنظيامت السياسية عامة‪ ،‬ومنها يف حركة فتح رضورة‬ ‫اتصالية وتطويرية ونهضوية‪ ،‬ويف إطار الرصاع املحمود‪ ،‬ومعنى الرضورة‬ ‫هنا يرتبط بأهمية تكريس املبدأ‪ ،‬مبدأ الدميقراطية املركزية الضابط لجسد‬ ‫الحركة‪.‬‬ ‫فال تتجه “القيادات” نحو االستبداد كام بدا يف مواقف مختلفة مضت‪،‬‬ ‫وال تتحول القاعدة إىل جموع قطيعية تس ّخر لخدمة األغراض املوسمية‬ ‫“للقيادة” أولهذا الشخص أوذاك من الصف األول‪ ،‬بينام حق الكوادر‬ ‫واألعضاء يف املشاركة واالح�ترام واكتساب الدور املطلوب هو األصل يف‬ ‫االتصاالت والعالقات الثورية النضالية‪ ،‬فنحافظ بذلك عىل األصالة والتجديد‬ ‫معا‪ ،‬فالقافلة تجمعنا‪ ،‬فال إهامل وال إقصاء وال تكالب وال تزاحم غري محمود‪.‬‬ ‫لن نكون مف ّرطني وال مستسلمني وال منبطحني وال مهرولني‪ ،‬فام ك ّنا ممن‬ ‫يخذل وطنه أو قضيته أبدا‪ ،‬وما كنا ل ُنلقي النفايات يف حديقة فلسطني‬ ‫‪11‬‬ ‫الخلفية قَط‪.‬‬ ‫يف ذهابنا ألي مؤمتر نعمل عىل أن نك ّرس ونؤكد ونتمسك ونش ّدد‪ ،‬ال‬ ‫لنفرط أو نتخاذل كام يكذب وير ّوج امل ُخ ّرصون‪ ،‬ويحرض املح ّرضون‪.‬‬ ‫ذاهبون لرنسم شارة النرص التي طاملا رسمها الخالد يارس عرفات متنقال‬ ‫مع صحبه من الثوار من مخيامت الصمود يف لبنان وسوريا واالردن‪ ،‬اىل‬ ‫‪ -11‬عقدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) مؤمترها السابع يوم ‪ 29‬نوفمرب‪/‬‬ ‫ترشين الثاين ‪ 2016‬يف قاعة أحمد الشقريي مبقر الرئاسة الفلسطينية يف رام الله يف الضفة‬ ‫الغربية‪ ،‬واختتم املؤمتر أشغاله يوم ‪ 4‬ديسمرب‪ /‬كانون األول من نفس العام‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫املنايف عائدا اىل فلسطني مؤسسا لفجر القدس الباهر القادم حتام‪.‬‬ ‫وذاهبون ملؤمتر الحركة لنعيد ما قد فُقد من ألق ومنعة وعزة وشغف‬ ‫بالعمل والعطاء مع ظهور الطفيليات والنباتات املتسلقة يف جسدنا‪ ،‬ذاهبون‬ ‫لند ّون يف رأس الصفحة األوىل ما نسيه اآلخرون من أهداف ومباديء وأخالق‬ ‫وقيم تجمعنا‪ ،‬وذاهبون لرنسم شارة النرص أمام عيون الفجر القادم‪ ،‬ذاهبون‬ ‫لرنسم منهج عمل جديد ورؤية تنطلق من نقاط أساسية خمسة كالتايل‪:‬‬ ‫فلسطين الخط األحمر الغليظ‬

‫ذاهبون للمؤمتر (لنغلّظ) من الخط األحمر‪ ،‬فال يستطيع أي كان أن‬ ‫يتجاوزه‪ ،‬ولنعلن أن فساد الرؤية والسياسة واملسار والرواية الصهيونية من‬ ‫جميع جوانبها‪ ،‬إضافة لتنامي تيارات اليمني اإلرسائييل الفايش العنرصي‪،‬‬ ‫واستمرار قبضة االحتالل الحديدية وسعيه املتواصل الجتثاث شعبنا واحتالل‬ ‫أرضنا أمور كلها تعمل عىل تغليظ الخط األحمر لدينا‪ ،‬املتمثل بالرواية‬ ‫نكل من التأكيد‬ ‫الفلسطينية الحقيقة والتاريخ العريب الفلسطيني الذي ال ّ‬ ‫فيه عىل الحق والتجذّر والعدالة يف فلسطني أرض آبائنا وأجدادنا منذ وجدت‬ ‫هذه األرض‪.‬‬ ‫وعليه فإن باب النضال الطويل سيظل مفتوحا ولن يغلق أبدا‪ ،‬ففكرة‬ ‫ثورتنا وخطابنا وروايتنا يسندها علم اآلثار كام ساندها التاريخ والعلم‬ ‫وامليزان‪ ،‬ومن هنا فالخط األحمر الغليظ سيظهر واضحا بال مواربة كام كان‬ ‫دامئا‪.‬‬ ‫(سو ٌد وقائعنا) وتعدد أبواب النضال‬

‫ذاهبون إىل املؤمتر لنحقق فتح جميع األبواب واملسارات عرب التمسك‬ ‫األصيل بالحرب (املقاومة) الشعبية طويلة األمد (النفس)‪ ،‬والتي إن بدأت مع‬ ‫الكفاح املسلح الذي سيظل خيارا‪ ،‬فإنها ال تتخىل عنه مطلقا‪ ،‬لكنها تستكمل‬ ‫‪90‬‬


‫حلقاتها حسب معطيات الواقع وموازين القوى وتقاطعات الفرص املتاحة‬ ‫واملصالح ومضامني الفعل املوحد القادر عىل تحقيق النرص بأي وسيلة كانت‪.‬‬ ‫باالنتفاضات واملقاومة الشعبية وغريها‪ ،‬وال تحيد أبدا عن مهمة الكشف‬ ‫الدوري عن الوجه العنرصي (االبارتهايدي) للكيان االرسائييل بكل جالء‪ ،‬كام‬ ‫وتحض عليها‬ ‫ال تتخيل عن كل أشكال املقاطعة لهذا الكيان البغيض‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫ومتارسها وتدعمها بكل قوة‪.‬‬ ‫وذاهبون للمؤمتر بعقلية اإلميان الراسخ بالله سبحانه وتعاىل معينا‬ ‫ووكيال‪ ،‬وبالهدف الجامع‪ ،‬مع الوعي املستنري بالواقع والقدرة عىل تخيرّ‬ ‫السبل لتحقيق الهدف الذي تتعانق فيه اإلرادة‬ ‫أفضل البدائل‪ ،‬أو اكتشاف ُ‬ ‫الفلسطينية ألسود الفتح مع اإلرادة العربية الجامعة مع كافة االحرار يف‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫(بيضاء نقية) وسال ٌم ال يقبل الدنيّة‬

‫رايتنا الفلسطينية يف أحد ألوانها بيضاء نقية ألننا منذ فجر وجودنا‬ ‫املتواصل بال انقطاع عىل أرضنا عىل أرض فلسطني ككنعانيني (كُنانيني)‬ ‫ويبوسيني وفلسطينيني ولخميني وغساسنة عرب كنا وما زلنا دعاة سلم‪ ،‬لكننا‬ ‫ال نقبل أن نُضام أبدا‪ ،‬ومن أكرث ضيام وظلام وعدوانا من االحتالل؟‬ ‫لذلك سنستمر بخوض نضالنا‪ :‬امليداين املقاوم والسيايس والدبلومايس‬ ‫والقانوين واإلعالمي ضد آخر احتالل عىل وجه البسيطة‪ ،‬وضد العنرصية‪،‬‬ ‫وضد األوهام واألكاذيب التوراتية التاريخية‪ ،‬وضد مدافع اليمني االرسائييل‬ ‫الذي يلوث األرض بخناجر االستيطان التي تُدمي أرضنا وتؤذي شعب‬ ‫فلسطني واألمة يف كل مكان‪.‬‬ ‫إن السالم الذي نريده لن يفرط بفلسطني األرض والتاريخ والجغرافيا‬ ‫أبدا‪ ،‬ولن يرسم قوسا يسقط حق الالجئني أبدا‪ ،‬ولن يجعل القدس خارج‬ ‫‪91‬‬


‫السياق أبدا فهي لنا كانت وستظل عربية فلسطينية اسالمية مسيحية‪ ،‬مهام‬ ‫زور املزورون وكذب املنجمون‪.‬‬ ‫إن السالم الذي نبتغيه سالم لن يعرتف لالرسائييل بأكاذيب وخرافات‬ ‫وأوهام “حقه” بفلسطني التي تربر له طرد الفلسطيني من أرضه يف حيفا‬ ‫ويافا واملثلث والنقب وأم الفحم‪ ،‬أو رام الله وبيت لحم والخليل وغزة‪ ،‬أو‬ ‫اإلمعان يف االستيطان عىل أجسادنا املرضجة بالدم وعبق الرتاب‪ ،‬وارتكاب‬ ‫املذابح‪.‬‬ ‫إن السالم الذي نريده سال ُم يرفض صيغة “الدولة القومية اليهودية”‬ ‫العنرصية والكاذبة‪ ،‬وس�لام يفتح الباب عىل مرصاعيه منذ ترصيح‬ ‫بلفور املشؤوم‪ ،‬فقرار التقسيم ال��ذي أدى ملظلمة النكبة التاريخية‬ ‫“محرقة=هولوكوست” الشعب الفلسطيني التي يجب االقرار بها من صناعها‬ ‫واالعتذار عنها‪ ،‬والتكفري عن كل الخطايا التي لحقتها‪.‬‬ ‫والسالم الذي نبتغيه سالم األنداد‪ ،‬والدميقراطية الجامعة‪ ،‬وسالم الشجعان‬ ‫الذين يضعون قضية األرسى إمامهم ال خلفهم ويصعدون بالدرجات نحو‬ ‫ضوء الفجر البازع من خلف الركام‪.‬‬ ‫األكف المشققة شعار برنامجنا الوطني‬

‫تتقدم حركة فتح يف هذا املؤمتر بواحد من أهم برامجها الوطنية املشتملة‬ ‫عىل الرؤية القادمة يف الجوانب االجتامعية واالقتصادية والفكرية والتنموية‬ ‫والثقافية الفكرية بشكل الفت ومتميز يجعل حركة فتح منارة حضارية‬ ‫لطاملا تغنت وتبنت العقالنية والواقعية يف مسار حضارتنا العربية اإلسالمية‬ ‫بجناحيها املسيحي واإلسالمي‪.‬‬ ‫ولطاملا سجلت يف فكرها وثقافتها ورؤيتها املجتمعية إنها تسعى حثيثا‬ ‫لتحقيق الدولة املدنية الدميقراطية‪ ،‬دولة املواطنة والقانون‪ ،‬دولة الحرية‬ ‫‪92‬‬


‫واملشاركة‪ ،‬وإنها تؤمن بالحوار والتسامح وتعرتف باآلخر‪ ،‬كام تؤمن بالحق‬ ‫والعدالة والحرية والكرامة االنسانية‪.‬‬ ‫تتقدم حركة فتح بربنامج أخرض‪ ،‬وشعاره األكف املشققة للعامل والفالح‬ ‫واملوظف واملناضل واملقاوم‪ ،‬تتقدم بربنامج البناء الوطني االجتامعي‬ ‫لفلسطني‪ ،‬ولن تكف بأن تجعل من أبواب هذا الربنامج مفتوحة عىل الربنامج‬ ‫وأسس ملرحلة نضالية جديدة يف سياق األهداف‬ ‫السيايس الذي عالج مرحلة ّ‬ ‫الثابتة بالدولة الفلسطينية املستقلة وعاصمتها القدس وعودة الالجئني‪.‬‬ ‫نحن يف حركة فتح من أسسنا ملقولة البندقية بيد ومنجل املزارع بيد‪،‬‬ ‫ونحن من اعتربنا النضال بزراعة أرضنا وبناء بالدنا والصمود فيها واجب‬ ‫رباط‪ ،‬ونحن من آمنا بالريشة والقلم واللحن والكلمة الطلقة اىل جوار نضالنا‬ ‫امليداين بحيث اعتربنا كل ذلك من مكونات شمولية مفهوم النضال‪.‬‬ ‫كلنا «أعضاء» في حركة فتح‪ ،‬وال فخر‬

‫عندما حمل البطل صالح الدين األيويب الراية الصفراء كان يتقدم الخطى‬ ‫حثيثا نحو فلسطني‪ ،‬وإن كان من لحقه من ساللته مل يحافظوا عىل نقاء‬ ‫الراية ولوثوها‪ ،‬فإن حركة فتح التي حملت هذه الراية الصفراء مع دخول‬ ‫االنتفاضات حيز الوعي العاملي ستظل وفية لعلم فلسطني املمثل لكل‬ ‫فلسطني‪ ،‬ولهذه الراية فكرا وثقافة وسياسة‪.‬‬ ‫ويف البعد التنظيمي الداخيل كام كانت حركة فتح وف ّية دوما ملسلسل‬ ‫النضاالت (شهداء وجرحى وأرسى‪ )...‬منذ البدء‪ ،‬ومنذ رسم ظاهر العمر‬ ‫الزيداين حدود فلسطني حديثا‪ ،‬ومنذ رصخ عز الدين القسام هذا «جهاد نرص‬ ‫أو استشهاد»‪ ،‬ستظل وفية لهام‪ ،‬ولقضيتنا وتاريخنا ومستقبلنا وللخالد يارس‬ ‫عرفات الذي جعل حطّته (كوفيته) رمزا لفلسطني والثورة املستمرة من خالل‬ ‫«شبل أو زهرة سرتفع علم فلسطني يف القدس» عاصمة الدولة الفلسطينية‬ ‫عىل أرض فلسطني‪.‬‬ ‫‪93‬‬


‫إن املؤمتر أدعى ما يكون لالحتفاء بالعرب والفلسطينيني الذين قدموا‬ ‫الكثري لهذه الثورة فمنهم من قيض نحبه ومنهم من ينتظر‪ ،‬فتكرس مفهوم‬ ‫الوفاء وتظهر الوجه العرويب للحركة الوجه االبداعي الوجه الحاضن لكل‬ ‫شموع الثورة من أي يد جاءت لتيضء معنا درب الحرية‪.‬‬ ‫إن املؤمتر أدعى ما يكون تنظيميا لتكريس مفهوم «العضوية ال املوقع‬ ‫كأولوية»‪ ،‬واعتبار العضو املناضل من حيث هو عضو يف التنظيم يعني اإلميان‬ ‫وااللتزام والفعالية والعطاء واإلمثار‪ ،‬ويعني املشاركة لكل من موقعه والدور‬ ‫واملامرسة‪ ،‬ما هو مدعاة للفخر بانتامئه لألمة وفلسطني والحركة‪.‬‬ ‫ال عضوية بال إطار تنظيمي‪ ،‬وال عضوية بال مسؤولية واضحة‪ ،‬وال عضو بال‬ ‫مسؤول أبدا أومرجعية نظامية‪ ،‬وال عضو ال يعرف دوره أو عمله أو موضع‬ ‫مشاركته‪.‬‬ ‫وال عضو بال اشرتاك مايل شهري يف هذا الجهد التنظيمي الطوعي من‬ ‫حيث أن التنظيم (التزام أخالقي وعمل تطوعي)‪.‬‬ ‫إن غري ذلك ال يكون إال حلم االنتهازيني واملستلقني الذي يريدون التنظيم‬ ‫جرسا نحو نجومية السلطة الخداعة‪ ،‬ال نحو آداب النضال ومقارعة املحتل‪،‬‬ ‫وقيم حضارتنا وثورتنا وحركتنا التي ترتبط مبرتكزين أساسيني هام‪ :‬التضحية‬ ‫واإلميان املطلق بالنرص‪ ،‬ما هو دأبنا ومسريتنا الجامهريية املستمرة ولن‬ ‫تتوقف قافلتها بإذن الله إال حني تظهر فلسطني الواحة املرشقة جليّة من‬ ‫البعيد‪.‬‬

‫‪94‬‬


‫عنواني الوحيد حركة فتح‪ ،‬بدون ولكن!‬ ‫من السهل أن يع ّدد الكثريون مجموعة من األسباب يحددون بها مواقع‬ ‫الزلل والخلل يف أمر ما أو مسار شخص أو جهة ما‪ ،‬أو يشريون بأصابعهم إىل‬ ‫مواضع الخطأ والرتاجع والخرسان‪ ،‬وذلك لطبيعة هذا اإلنسان الذي يلبس‬ ‫النظارة السوداء فال يرى إال اللون الواحد‪ ،‬وعندما تفاجئه أنت بالقول‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫هناك نواقص وأخطاء و”لكن”‪ ،‬يقول لك‪ :‬رجاء أن تعدم هذه “الالكن”!‬ ‫حيث ال يريد أن يرى من الصورة إال السلبي منها فقط‪ ،‬فرييح ذاته من عناء‬ ‫التفكري والعمل الجاد للتطوير‪.‬‬ ‫حركة فتح‬

‫نحن وبال هذه ال»لكن»‪ ،‬عىل يقني من عديد األسباب التي تجعلنا‬ ‫ال نضع عىل بطاقة التعريف السياسية لنا إال اسم حركة التحرير الوطني‬ ‫الفلسطيني‪ -‬فتح‪ ،‬وأن كنا قد مارسنا بحسب املسؤولية التاريخية التي‬ ‫نتحملها حريتنا يف النقد واالعرتاض والدميقراطية واإلشارة ملواطن الخلل‬ ‫يف كل مناسبة‪ ،‬وللموقف الذي نخالفه‪ ،‬ويف كل محفل‪ ،‬وحيث لكل مقام‬ ‫مقال فإننا أيضا مل نغمط أحدا حقه عىل وجه العموم‪ ،‬فكيف لنا أن ننتقص‬ ‫من حق حركة فتح عىل الثورة العاملية وعىل املحيط العريب برمته وعىل‬ ‫فلسطني‪ ...‬وعلينا!؟‬ ‫بال لكن‬

‫ألسنا حني نُن ِكر الفضل نكون بذلك أبناء قساة عاقني؟ وكام دأب أحدهم‬ ‫يتطاول مؤخرا بقسوة عىل هذه الحركة العمالقة لحقد دفني يف ذاته وأسانيد‬ ‫خرافية يف أحالمه‪ ،‬ميزج فيها بني فهمه املتعطل للدين وبني دفائن بُغضه‪،‬‬ ‫فيعبرّ مبا نهى الله ورسوله عليه السالم عنه من شدة خصومه شتام ولعنا‬ ‫وطعنا وبذاءة؟‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫نحن وبال (لكن) نستطيع وبكل ثقة أن نحدد مالمح إمياننا والتصاقنا‬ ‫الحر بحركة فتح‪ ،‬حركة فتح الفكرة الناهضة والصاعدة واالبداعية واملتجددة‪،‬‬ ‫وحركة فتح التضحيات الجسام‪.‬‬ ‫حركة فتح الشعب الواحد بال تصنيف‪ ،‬وحركة فتح الفكر املدين واملنهج‬ ‫املستنري‪ ،‬حركة فتح العمل والبناء والتنمية ال تريد حمدا وال شكورا‪ ،‬وال متن‬ ‫عىل أحد بثقل انجازاتها املشهودة‪.‬‬ ‫حركة فتح املحبة والدميقراطية‪ ،‬حركة فتح الثورة والجهاد والنضال بكافة‬ ‫أشكاله‪ ،‬وحركة فتح الشيوخ والشبيبة واملرأة الحامية‪ ،‬وحركة فتح الصدر‬ ‫الرحب املتسامح حتى مع ألد الخصوم‪ ،‬وحركة فتح التي مل توجه بندقيتها‬ ‫أبدا إال يف وجه العدو الصهيوين الذي يحتل أرضنا السليبة فلسطني‪.‬‬ ‫فلسطين القدس‬

‫يتقدس أسم فلسطني ويعلو بحيث ال يطاله اسم آخر‪ ،‬بل وال يجرؤ أن‬ ‫يقرتب منه‪ ،‬عندما تتحدث حركة فتح عن فلسطيننا‪ ،‬عن قدسنا‪ ،‬عن حيفا‬ ‫ويافا والنارصة ورام الله وغزة ورفح وطربيا فلست بوارد أن أضع يف أولويايت‬ ‫رقم ‪ 2‬ورقم ‪ 3‬ورقم ‪ 4‬سوى تحرير فلسطني‪ ،‬وهكذا هي «الوطنية» يف حركة‬ ‫فتح ال تقبل رشيكا وال منازعا وال منافسا‪ ،‬ومن هنا جاء “التخصيص” يف‬ ‫العمل لفلسطني و”الرتكيز للجهد” من أجلها فقط و”األولوية” حتى ال ثاين‬ ‫لها‪.‬‬ ‫شعب غير منقسم‬

‫حركة فتح هي حركة الشعب الواحد الذي ال يصنف استنادا للضامئر‬ ‫والظن‪ ،‬وال يقسم هذا الشعب بني مؤمن وغري مؤمن‪ ،‬أو مسلم فئة (أ) و‬ ‫مسلم فئة (ب) هو مرتد أو علامين أو كافر أو ضال أال ساء ما يصنعون! كام‬ ‫ال تقسم املسيحيني عىل ذات النمط‪ ،‬فالكل فلسطيني والكل مؤمن‪ ،‬ومهام‬ ‫‪96‬‬


‫كانت درجة اميانه فهذا مقياسه عند الله سبحانه وتعايل‪ ،‬بال حرصية لفئة أو‬ ‫إقصاء ألخرى‪ ،‬وحركة فتح حركة اإلميان يف مسار حضارتنا العربية اإلسالمية‬ ‫دون غلو أو تطرف‪ ،‬وبال تهاون أو تزلّف‪ .‬لذا نحن فرسان العقل يف حضارتنا‬ ‫العربية االسالمية‪.‬‬ ‫فتح السالح ال ُمش َرع‬

‫إن حركة فتح هي حركة السالح املوجه فقط نحو العدو‪ ،‬فهي الحركة التي‬ ‫أدارت ظهرها طويال للحرب مع الشقيق حتى سبقتها مدافع الجيش السوري‬ ‫إىل طرابلس (عام ‪ ،)1983‬ومل تواجه االنقالب الدموي لفصيل «حامس» عام‬ ‫‪ 2007‬حقنا للدماء ورفضا لقتال املسلم للمسلم والفلسطيني للفلسطيني‬ ‫والعريب للعريب‪.‬‬ ‫حركة فتح حامية الرشعية الفلسطينية تسيدت خنادق املواجهة ضد‬ ‫العدو يف كل املجاالت العسكرية والسياسية واالجتامعية والقانونية والثقافية‬ ‫والتاريخية‪ ،‬ومل تهمل الدفاع عن القرار الوطني الفلسطيني املستقل ضد‬ ‫تجار الدم والشعارات يف أمة العرب‪.‬‬ ‫فتح رفضت االقتتال كام يتقاتل األكباش من التنظيامت االسالموية‬ ‫املتطرفة يف مواجهة بعضهم البعض ال يعرفون ُحرمات الله اليوم ال يف العراق‬ ‫وال سوريا وال ليبيا وال سيناء وال اليمن‪ ،...‬ويحلّلون قتل بعضهم البعض ما‬ ‫س ّبب لهذه األمة وملدعي االنتساب لهذا الدين العظيم الخزي والعار‪ ،‬هو‬ ‫ذاته خزي وعار االنقالبيني يف غزة الذي سيالحقهم إىل األبد‪.‬‬ ‫حركة فتح امتشقت السالح منذ الفجر‪ ،‬ورصاصاتها مو ّجهة لقلب العدو‬ ‫الصهيوين املحتل فقط‪ ،‬فهي ال تعرف عنوانا آخر لذلك‪ ،‬يخشونها فال يردع‬ ‫عاصفتها إال تحرير فلسطني‪ ،‬كل فلسطني أمنا وتاريخنا وروايتنا الحقيقية‪،‬‬ ‫مهام كان سياق الفهم السيايس املرحيل‪.‬‬ ‫‪97‬‬


‫في دروب السياسة‬

‫حركة فتح عندما تتسلق درج أودروب السياسة الصعبة ال تداور وال‬ ‫تكذب وال متايلء وال تتزلف أحدا أو دولة أو قوة خارجية بل تتجه مبارشة‬ ‫إىل الهدف‪ ،‬فترضب حيث وجب‪ ،‬وتفاوض بكل أمانة وثقة وليس كام يهرف‬ ‫ويخ ّرف ذاك الهزيل الفكر‪.‬‬ ‫وعندما تتوقف حركة فتح لتتبرص وتتأمل وتنتقد نفسها وتصحح وتخطط‬ ‫وتتعلم فهي تعلم أين تضع أقدامها‪ ،‬وعندما تصبح البندقية أواالنتفاضة‬ ‫أواله ّبة أو الغضبة خيارها تجف االقالم وترفع الصحف فريتفع علم الفتح‬ ‫علم فلسطني فقط‪.‬‬ ‫وفتح املرحابة إىل الدرجة التي يتسلق عىل أكتافها الكثري من االنتهازيني‬ ‫تصارع وال تهدأ حتى تنفض عنها غبار استغاللهم فال يصبحون إال يف خرب كان‬ ‫ولو بعد زمن‪.‬‬ ‫سيارة ياسر عرفات والعودة والبناء‬

‫أعادت حركة التحريرالوطني الفلسطيني‪-‬فتح مئات اآلالف إىل وطنهم‪،‬‬ ‫الذي لن يفارقوه ولو غاب بعضهم عنه جسديا مقدار ألف عام‪ ،‬أو ألف حلم‬ ‫أوألف أمنية‪ ،‬يف أمل تحقق كان قد راود هذه الجموع‪ ،‬فإذ به مع سيارة‬ ‫الخالد فينا يارس عرفات التي تخرتق شوارع غزة الحبيبة عام ‪ 1994‬يعودون‬ ‫زرافات وجامعات مهللني مكربين‪.‬‬ ‫يعودون والعودة حق ناجز لكل فلسطني ولكل فلسطيني‪ ،‬ومن عادوا‬ ‫كانوا يقبّلون تراب هذا الوطن‪ ،‬ويرضبون مع الصامدين مبعاولهم يف عمق‬ ‫األرض يزرعون ويحصدون‪ ،‬ويبنون آالف املدارس واملستشفيات والشوارع‬ ‫واملؤسسات واملساجد والكنائس واملشاريع العمالقة من مطار ومعابر وميناء‬ ‫ومدن جديدة‪ ،‬وطرقات وحدائق وآالف االنجازات املادية والنفسية والعملية‬ ‫والعلمية والفنية دون أن تنتظر الحركة من أحد قول (شكرا لحركة فتح) إذ‬ ‫‪98‬‬


‫ت ُحسب كل االنجازات لغريها‪ ،‬ومع أول مثلبة تُتّهم بكلّها عند حافر الحصان‬ ‫املتعرث‪.‬‬ ‫أحب حركة فتح المتعطّرة‬

‫أحب حركة فتح ألنني استطيع بعطرها أن أشم روائح متعددة‪ ،‬مختلفة‬ ‫ُّ‬ ‫لكنها طيبة‪ ،‬متباينة أحيانا‪ ،‬لكنها جميلة مهام حملت من شوائب يف بعض‬ ‫األحايني‪ ،‬وتجد يف غالبها مؤرش واحد يشري إىل فلسطني‪ ،‬وألنني فيها أتنفس‬ ‫الحرية هواء نقيا‪ ،‬وقدرة حرة عىل التعبري والنقد واملامرسة العف ّية حتى لو‬ ‫اقتىض الرصاع مني حول أمر ما طول األمد‪.‬‬ ‫يف حركة فتح لست أخىش سيف التكفري أو التخوين أبدا ذاك السيف‬ ‫املشبوه املم ّرغ بالدم يحمله أصحاب الفكر األسود يلوحون به يف اإلعالم ويف‬ ‫املساجد أو املحافل‪ ،‬أو يستخدمونه حيث التسلط والطاغوتية واالستعباد يف‬ ‫مرحلة “التمكني” الظالمية‪.‬‬ ‫حركة الطالب والخريجين والثوار‬

‫حركة فتح التي تعاملت مع الكوادر والجامهري فخ ّرجت عرب بعثاتها‬ ‫حول العامل‪-‬ثم يف فلسطني‪ -‬مئات اآلالف من الطالب الخريجني مبختلف‬ ‫التخصصات‪ ،‬ودربت يف حياضها عسكريا (ثم سياسيا) اآلالف من الثوار‬ ‫الفلسطينيني والعرب ومن اإليرانيني واآلسيويني واألفارقة واألوروبيني ما ال‬ ‫يحىص من أبطال حركات التحرر‪ ،‬هي حركة فتح التي مدت اليد ألصدقائها‬ ‫فام خذلوها‪ ،‬ألنها مل تنسهم يف محنتهم فقدمت لهم أكرث مام تستطيع‪ ،‬ومل‬ ‫تقصرّ مع أرس األرسى والشهداء والجرحى فعاملتهم كفلسطينيني من كافة‬ ‫الفصائل ومن العرب عىل قدم املساواة‪ ،‬وجعلت من الدم الزيك املسفوح‬ ‫ألجل فلسطني مقدسا فأعلت من شأن الشهداء مل تفرق بني أحد منهم بجنة‬ ‫أو نار أو دعوة أو صالة فالله خري الحاكمني‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫وعاء فلسطين يجمعنا‬

‫مل تكن الحركة التي ولدت والدة عسرية لتنهض‪ ،‬لو استندت لفكرانية‬ ‫(=أليديولوجية) شعاراتية فارغة‪ ،‬أو لو استندت لفكرة متحجرة تقرتِن‬ ‫بالجمود والتكلس واالنغالق حيث ال هواء يتجدد‪ ،‬كام يف (االسالموية‬ ‫والشيوعية والقومية العنرصية) وهي التنظيامت التي سبقتها بالتأسيس‪،‬‬ ‫ولحقها بعضها متأخرا بالفهم وبالعمل بعد سبات عميق‪.‬‬ ‫فتح بدال من التيه األيديولوجي آثرت أن تجعل من وعاء فلسطني ِ‬ ‫متسعا‬ ‫لكل لون‪ ،‬فرفضت التصنيف واللون الواحد‪ ،‬فكان علم فلسطني هو علم‬ ‫حركة فتح الذي يجمع الكل الفلسطيني عىل اطالقه‪ ،‬ويجمع حوله كل األمة‬ ‫العربية واإلسالمية‪ ،‬بل وباعتباره علم الثورة العاملية يجمع أحرار العامل‪.‬‬ ‫حركة بلون التراب‬

‫يف حركة فتح –وبدون ولكن‪ -‬مل أشعر بالغربة أبدا بني األجيال رغم‬ ‫املواجهات الصحية بني األفهام أحيانا‪ ،‬ومل أشعر بالغربة بني اختالف التجارب‬ ‫(التنظيم والقاعدة الثورية واملعتقل‪ ،‬والداخل والخارج)‪ ،‬وما كنت غريبا بني‬ ‫فئات الشعب والجامهري الغفرية من عامل وموظفني ومهندسني وأطباء‪...‬‬ ‫يف حركة فتح قد تجد الفوىض أحيانا مام ال يطاق‪ ،‬ومن الدميقراطية‬ ‫بحلوها ومرها ما ال يبهج‪ ،‬وقد ترى من النباتات املتسلقة مجموعات‪ ،‬وقد‬ ‫يصدمك حجم تقدم بعض االنتهازيني وأهل الباطل‪ ،‬ولكنك بصالبة الثوري‬ ‫تتوقف وتتأمل فتأخذ نفسا وتشحذ سالحك وتثري النقع‪ ،‬ويف حركة فتح قد‬ ‫تتجابه كتل السحاب بشدة أحيانا فتولد من رشارة الربق غيثا نافعا أو سيوال‬ ‫جارفة‪ ،‬ولكنها يف جميع االحوال حركة ال تهدأ وال تك ّن وال تركد‪.‬‬ ‫يف حركة فتح قد ترى أحيانا ما ال يرسك وال يبهجك وال يفرحك فتنكمش‬ ‫وتنزعج وتتباطأ لديك رغبة الفعل! نعم‪ ،‬ولكنك رسعان ما تشتعل غضبا عىل‬ ‫املحتل فقط‪ ،‬ورسعان ما تجد يف ثنايا تاريخ أو فكر أو سرية أو منهج الحركة‬ ‫‪100‬‬


‫ما يشدك للوثوب والتقدم فأنت يف جنة الفلسطينيني‪ ،‬أنت يف حركة فتح‪.‬‬ ‫فتح حركة بلون تراب األرض‪ ،‬يتشابه فيها الطالب واملهندس وامليكانييك‬ ‫والنجار ومصمم املواقع االلكرتونية والفنان وصاحب القلم‪ ،...‬فال تكاد‬ ‫متيزهم عندما يسريون متأبطني كتاب الرتبية الوطنية التي تشري لفلسطني‬ ‫النظيفة والشقية واللطيفة والغاضبة والجذىل‪ ،‬واملتحررة قريبا بنرص الله‪،‬‬ ‫وما ذلك عىل الله بعسري‪.‬‬

‫‪101‬‬


‫في العقل الحر والمنهج التنظيمي‬ ‫ما املشكلة الحقيقية التي تعصف بالتنظيامت السياسية الفلسطينية‬ ‫داخليا وبتنظيم حركة فتح؟ وما هي العوامل التي تفاقم أو تهدئ من‬ ‫املشكالت يف بطن التنظيم؟ وهل كل املشكالت بالتنظيم السيايس وتحديدا‬ ‫الحركة ذات طبيعة خارجية؟ أم لنا أن ننظر يف ذاتنا أوال لنتحقق ونتقىص‬ ‫ونفحص ونش ّخص فنصل لألسباب الحقيقية ونسعى معا لخوض الرصاع‬ ‫لتجاوزها‪.‬‬ ‫إن املشكالت الداخلية يف داخل التنظيم السيايس – وهي ما سرنكز عليه‬ ‫هنا –تأيت من اتجهات ثالثة إما بنيوية هيكلية‪ ،‬أوانتهازية ذاتية مصلحية‪،‬‬ ‫أو منهجية وادارية‪ ،‬وقد يري االخرون زوايا أخرى للنظر‪ ،‬لن نبخسهم فيها‬ ‫حقهم بأن يتعاونوا معنا ويفيدونا‪.‬‬ ‫يف كثري من التنظيامت السياسية كانت املشكلة الفكرية‪-‬الثقافية املرتبطة‬ ‫بفكر التنظيم أو أهدافه تقف كالطود الشامخ بني التيارات‪ ،‬يحاولون تجاوزه‪-‬‬ ‫الطود املشكلة‪ -‬أو االلتفاف عليه او تسلقه‪ ،‬أو يقومون باالحرتاب كتيارات‬ ‫رافضني الخطوط الخارجة عن التيار العام‪ ،‬ولكن يف الوقت الحايل تعاين كثري‬ ‫من التنظيامت يف اليسار واليمني ومنها حركة فتح ضعفا يف األداء الفكري‪ ،‬ما‬ ‫يعني أن التيارات الفكرية املتصارعة حول الفكرة واالسرتاتيجية والربنامج غري‬ ‫موجودة‪ ،‬أومل تتفجر حتى اآلن‪.‬‬ ‫العقل االنتهازي‬

‫إن االنتهازية كمشكلة أصيلة يف التنظيم السيايس تغلّب األهداف الذاتية‪-‬‬ ‫األنوية (من األنا العظمى يف ذات الشخص) عىل األهداف العامة‪ ،‬وتغلّب‬ ‫املصالح االقتصادية أو السلطوية املرتبطة بالشخص او بالشخص وجامعته أو‬ ‫عشريته عىل الهدف الوطني‪ ،‬ويف أحسن االحوال فإن االنتهازي يستطيع أن‬ ‫يقنع ذاته أن الهدف العام (الوطني) مرتبط به شخصيا ومبصالحه الخاصة‪،‬‬ ‫‪102‬‬


‫حيث ال يرى التعارض الكبري إال ان افرتقتا‪ ،‬وال يستطيع أو ال يريد أن يفهم‬ ‫أن الوعي الوطني يقتيض منه التنازل‪ ،‬ويقتيض منه التخيل‪ ،‬ويطلب منه‬ ‫النظر أبعد من أرنبه أنفه‪ ،‬أو أبعد من مساحة مكتبه ومستشاريه املرمتني‬ ‫عىل أقدامه‪ ،‬وأبعد من أرجل كريس السلطة الوثري‪ ،‬فاملرسح ميتلئ باملمثلني‬ ‫وليس هو الالعب الوحيد أو النجم الذي ال ميكن أن يعوض‪ ،‬لذا يرى بوجوده‬ ‫حرصيا قصبة النجاة لآلخرين وللتنظيم وللوطن‪ ،‬وما هو كذلك‪.‬‬ ‫إن قرص النظر‪ ،‬أو غض النظر عن خطايا الشخص‪ ،‬أو تربيره الدائم ألفعالة‬ ‫وعدم قدرته عىل محاسبة الذات واملراجعة‪ ،‬وعدم رغبته بالتغيري واإلصالح‪،‬‬ ‫أو عدم قدرته عىل التسامح واالستيعاب ينبع من خوفه الشديد من فقدان‬ ‫املكانة‪-‬مكانته وهيمنته‪ ،‬وينبع منفقدانه الدور الذي ال يراه مرتبطا إال به‪،‬‬ ‫وإال مبوقعه وإال مبصالحة التي يفرتض بها االمتزاج باملصلحة الوطنية‪ ،‬فيق ّدم‬ ‫الخاص املحدود عىل العام ضمن تربير يراه منطقيا وما هو إال تعبري عن‬ ‫خوف ورعب وتوجس من التغيري ورفض لالعرتاف باألخطاء وإرصار عىل‬ ‫رذيلة الشخصانية (أو انفجار األنا العليا) التي قد تصل به لحدود التحكم‬ ‫يف مصائر اآلخرين واالستبداد (الدكتاتورية)‪ ،‬وكأن الكون يتمحور حول ذات‬ ‫هذا الشخص وال ينفك يطلب رضاه أو وجوده‪ ،‬فإن غاب غابت الشمس وأن‬ ‫بقي فقط فالحياة مستمرة‪.‬‬ ‫إن املشاكل والشخصيات االنتهازية تحرق الكفاءات عمدا‪ ،‬بل و تربر‬ ‫ذلك بكل جرأة تصل لحد الوقاحة‪ ،‬فهي ال تعرتف بالفكرة املجاورة لها أو‬ ‫املخالفة لها أو حتى تلك امل ُصاغة بشكل مختلف ولكنها يف ذات السياق‪،‬‬ ‫كام ال تعرتف باتساع املساحة وعمق االقرتاب فتلجأ لكل األساليب القانونية‬ ‫أو غري القانونية أو بتطويعها بتعسف يتم فيه رضب الصغري ليعترب الكبري‪،‬‬ ‫فيسري مع القطيع بال رأي وال عقل وال روح ويردد (الحائط الحائط‪ /‬الحيط‬ ‫الحيط‪ )..‬أو أنا ومن بعدي الطوفان‪.‬‬ ‫‪103‬‬


‫لهيب وصالة وريح‬

‫إن العقلية االنتهازية عقلية مهيمنة وعقلية استئثارية‪ ،‬وعقلية مصلحة‬ ‫تفعل مفاعليها يف ذات الشخص فينتكس‪ ،‬وقد ال يعود ليستقيم حتى لو صام‬ ‫وصىل وقام ولصوت الدعاء عالّ أبدا‪ ،‬فاملنتكس قد دخل يف طور جديد ابتعد‬ ‫فيه عن الجادة‪ ،‬واقرتب فيه من فوهة الجحيم‪ ،‬وهو ينظر إليها إما اله أو‬ ‫مستمتع أومحمل بكل الحطب الالزم الستمرار اللهيب بإرادته أو دون وعيه‪.‬‬ ‫إن التنظيم السيايس الذي تسود فيه الشخصيات أو العقليات أو املشاكل‬ ‫ذات الطبيعة االنتهازية تنظيم هو كالورقة يف مهب الريح‪ ،‬ال تثبت يف‬ ‫مكان وال تصمد عىل منهج أو فكرة أو اسرتاتيجية‪ ،‬بل يتقافز بني األفكار‬ ‫واملنهاج كالزئبق متاما حيث تتوه الخواص فيه ما بني الصالبة والسيولة‪،‬‬ ‫فتكون امليوعة يف األفكار واملواقف والسياسات اىل الدرجة التي تظهر فيها‬ ‫التناقضات والتضارب جليّة‪ ،‬ولكنها وهنا الطامة الكربى حيث تجد من يربرها‬ ‫ويشري إليها (لليشء ونقيضه) بأكف الراحة وببسامت الفرح‪.‬‬ ‫{العضو} انتماء أصيل و{مساهمات} دائمة‬

‫أما النوع الثاين من املشاكل يف التنظيم السيايس فهي املشاكل البنوية‪ ،‬أي‬ ‫تلك املتعلقة باألطر والهياكل وعندما نتكلم عن األطر أو الهيكل التنظيمي‬ ‫الرابط بهرم السلطة بني القيادة والقاعدة أفقيا‪ ،‬فإننا ال نتحدث عن أرقام‬ ‫وكتل مصمتة‪ ،‬وإمنا نتحدث عن أعضاء‪ /‬عضوية‪ ،‬عن برش‪ ،‬عن شخصيات لها‬ ‫للسقيا‪ ،‬وتحتاج ألن تظل دوما متأهبة الروح و‬ ‫عقول وأجساد وأرواح تحتاج ُ‬ ‫نشطة العقل ومشاركة بامليدان‪ ،‬وذات قيم متجذرة‪.‬‬ ‫تجس (تصنع جرسا)‬ ‫إن الفرق واضح بني التعامل مع األطر كمواقع رّ‬ ‫تجس لبذل الجهد لتحقيق األهداف‬ ‫لألهداف الذاتية واالنتهازية أوكمواقع رّ‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫ويف حوارات بناء أو تعديل (النظام الداخيل‪ /‬الدستور) تظهر الشخصيات‬ ‫‪104‬‬


‫منها تلك التي تريد إنتاج النظام (القانون أو الدستور الحاكم يف التنظيم)‬ ‫من منظور أين أكون أنا فيه! أو من منظور كيف نكون معا (ككادر وأعضاء)‬ ‫فيه‪ ،‬واملنظوران مختلفان كليا ومتصادمان‪.‬‬ ‫إن العضوية يف التنظيم السيايس بحد ذاتها أي ك»عضوية» هي مكسب‬ ‫وهي جائزة وهي مهمة وهي باب مفتوح للمشاركة‪ ،‬ومن هنا يأيت بذل‬ ‫الجهد طواعية وااللتزام أخالقيا ضمن شعارنا الذي ال ميوت (إن التنظيم‬ ‫التزام اخالقي وعمل تطوعي) وعليه فالعضوية {مساهامت} كثرية تفرتض‬ ‫توقد اإلرادة والقدرة وبذل الجهد عىل أداء الواجبات‪ ،‬وتوفر الوقت‪ ،‬وأحيانا‬ ‫كثرية توفر املال من الشخص يرصفه عىل العمل التنظيمي‪ ،‬ودون ذلك فإن‬ ‫العضوية ساقطة ال قيمة لها‪.‬‬ ‫منتم للحركة التي ما هي إال‬ ‫إن مكسب العضو يف التنظيم هو بكونه ٍ‬ ‫بوابة فلسطني وبوابة النرص باذن الله تعاىل‪ ،‬وماذا يريد الشخص من مجد‬ ‫أكرث من أن يكون جزاءا من هكذا حركة؟ وما يضريه أن يرى اىل جانبه‬ ‫الشخصيات التي ال يطيقها ولكنه يعمل إلصالحها او يصارع لتغيري مواقفها‬ ‫ومنهجها؟ او ما يضريه أن يهتم بذاته أوال ويحصنها‪ ،‬حتى لو فسد اآلخرون‪،‬‬ ‫فهو املحور وإشعاعه يجب أن يصيب ضمن عقل الجامعة أولئك االنتهازيني‬ ‫او املخربني‪.‬‬ ‫قال يل الكاتب واألديب املبدع يحيى يخلف رافضا التكالب حول املواقع‬ ‫التنظيمية املتقدمة‪ :‬يكفيني فخرا أن يشري يل الناس يف الشارع قائلني أنظروا‬ ‫هذا املبدع من حركة فتح‪.‬‬ ‫بدون {مساهمات} تتراكم الطحالب‬

‫قلنا أن مقدمات الفعل‪ /‬العطاء {مساهامت} يف داخل التنظيم السيايس‬ ‫هي بالرغبة األكيدة بالعمل‪ ،‬ثم توفر القدرة واإلمكانية واإلرادة لدى هذا‬ ‫الشخص‪ /‬العضو للعمل‪ ،‬وامتالكه أو تخصيصه للوقت (وأحيانا كثرية لجزء‬ ‫‪105‬‬


‫من ماله‪ ،‬أو روحه) فداء للوطن‪ ،‬وعمال يف داخل إطار التنظيم‪ ،‬وإال كانت‬ ‫النظرة بغري ذلك نظرة انتهازية بحته ال ترى يف التنظيم إال مكاسب مادية‬ ‫أو شخصية أو سلطوية‪ ،‬فيقع التنظيم واألعضاء يف فخ التدمري البنيوي‬ ‫(التنظيمي) ليتحول التنظيم اىل رصاعات قوى ونفوذ تحطم األطر‪ ،‬وتلقى يف‬ ‫سلة النفايات القيمة باحرتام األطر‪ ،‬بل وحينها قد ت ُعىل من قيمة االتصاالت‬ ‫املسترتة (الرسية) يف التنظيم التي تؤهل لنشوء التكتالت املصلحية‪ ،‬ولرتاكم‬ ‫الطحالب أو النباتات املتسلقة‪.‬‬ ‫مدعوون على عرس أم مشاركون؟‬

‫إن بناء النظام عىل قاعدة أن {العائدات} هي مبقدار {مساهامت} لكل‬ ‫عضو يف التنظيم تفرتض ‪ 4‬صفات رئيسة‪ .‬إذ أنها تفرتض‪:‬‬ ‫‪1 .1‬روحا متأهبة للعضو‪ ،‬روحا خالقة روحا إيجابية ال انتكاسية وال سوداوية‬ ‫وال تشاؤمية‪،‬‬ ‫‪ 2 .2‬سعيا حثيثا لألمام بالجهد املتواصل وتراكم العمل الفردي ضمن بوتقة‬ ‫الجامعة‪.‬‬ ‫‪3 .3‬عقال خالقا ِ‬ ‫نشطا ال يكل التفكري والتدبري‪ ،‬ويعي معنى االنتامء وااللتزام‬ ‫وأهمية االبداع واالنجاز‪ ،‬ويرص عىل دوره النظامي باملشاركة (يف‬ ‫االجتامعات الدورية واملامرسة الدميقراطية والنقد والتقييم‪ ،‬والقيام‬ ‫بالنشاطات بقوة و مبحبة‪ ،‬وباملراجعة الذاتية‪.)...‬‬ ‫‪4 .4‬رباعية االسهامات هو أن يكون ذلك مرتبطا باألخالق الثورية‪ ،‬وبقيمنا‬ ‫العربية االسالمية الحضارية بشقيها االسالمي واملسيحي‪ ،‬وبقيمنا‬ ‫الثورية التي تحافظ عىل عنفوان االنطالقة وحكمة النظر يف الواقع‬ ‫ورغبة التصدي للعوائق‪ ،‬وخوض {الرصاع} الرئيس ضد االحتالل‬ ‫والعدوان أوال‪ ،‬ويف املجتمع ضد التخلف والجهالة‪.‬‬ ‫ويف التنظيم السيايس نخوض {الرصاع} من أجل تحقيق نهضوية بنيوية‬ ‫تف ّعل كل اجزاء العمل ضمن فرق عمل (وحدات تنظيمية فاعلة) وضمن‬ ‫‪106‬‬


‫مجموعات‪ ،‬وليس كأجراء أو حشود مدعوين ألعراس أوبيوت عزاء مبجرد أن‬ ‫ينفض العرس ينفضون وهكذا دواليك‪.‬‬ ‫اإلهمال التنظيمي آفة‬

‫إن اهامل العضو يأيت من ذاته‪ ،‬أو من مسؤوله‪ ،‬أو من سوء إدارة البنية‬ ‫التنظيمية (غالبا ما يقع ذلك من رأس الهرم)‪ ،‬فال يجب عىل العضو هنا أن‬ ‫يتخىل عن الهدف الجامع‪ ،‬وال عن رضورة استمراره ببناء ذاته‪ ،‬سواء قدم له‬ ‫اآلخرون دعام هو واجبهم أم مل يفعلوا‪ ،‬فهو ملزم امام الله سبحانه وتعاىل‪،‬‬ ‫وأمام فلسطني وأمام ذاته أن يطور نفسه يوميا دون أن يكون دافعه لذلك‬ ‫إال اإلخالص لله ولفلسطني وللحركة ولذاته‪ ،‬وبال كلل بل وبإرصار ومحبة‪.‬‬ ‫أما من زاوية إهامل املسؤول لواجباته تجاه العضو فهنا تتأصل عقدة‬ ‫اإلطار‪ ،‬واالتصاالت الصحيحة (االتصاالت مبعنى بناء العالقات وإدامتها‬ ‫وطريقة التواصل الدوري بني األعضاء) التي إن ارتبطت بعقلية املنفعية‬ ‫واالنتهازية أو عقلية دعوات العرس أو بيت العزاء املوسمية ‪-‬وليست‬ ‫االجتامعات الدورية‪ -‬أي التعامل مع االعضاء فقط حني الحاجة لهم للحشد‬ ‫أو التجمهر نقول حينها عىل مثل هذا التنظيم السالم‪ ،‬فال {مخرجات} وال‬ ‫{املساهامت} وبالتايل ال {عائدات} إال تكريس املصلحية واالنتهازية واملنفعية‪.‬‬ ‫(العائدات‪ :‬وهي ما يعود عىل الشخص أو الجامعة باملنفعة العامة‪ ،‬ومنها‬ ‫الذاتية إلحاقامن خالل‪ :‬مشاركته‪ ،‬وأهمية الدور الذي يقوم به‪ ،‬وبالثناء عىل‬ ‫انجازاته‪ ،‬واكتساب املكانة واالحرتام واملحبة)‬ ‫االستغالل والمنفعية والفردية في اإلطار‬

‫إن التنظيم السيايس فكر وهدف ومصالح جامعة‪ ،‬والتنظيم السيايس‬ ‫إطار جامع للتنوع يف القدرات البرشية‪ ،‬مبنطق أو مبنهج إدارتها تحقيقا‬ ‫للتعاون والتكامل بينها بعقلية الفريق‪.‬‬ ‫‪107‬‬


‫يدخل التنوع التنظيمي يف نهر العطاء املتدفق والعمل ليكون الناتج أو‬ ‫{العائد} تراكميا وكبريا بحيث ال يقارن بناتج فعل الفرد املجرد‪ ،‬ومتى كان‬ ‫الفرد لوحده قادر عىل اإلبداع بعيدا عن اإلطار فلك أن تدرك أن املشكلة‬ ‫كبرية يف االتصاالت التنظيمية‪ ،‬ولك أن تدرك إن املصلحة أو املنفعية أو‬ ‫(االستخدام) وليس (االستثامر) ألبناء التنظيم هو حقيقة ما يحصل‪.‬‬ ‫اذا ال بديل عن املشاركة الدورية لكل عضو يف التنظيم‪ ،‬فاملشاركة يف‬ ‫الهيكل التنظيمي (وضمن وحدته التنظيمية) بأدواتها الخمس هي حقيقة‬ ‫الدور واملكانة واإلحساس بالوجود‪ ،‬واملؤرش الصائب إننا نقرتب من تحقيق‬ ‫االهداف الكربى‪( .‬األدوات الخمسة تتمثل‪ :‬باالجتامع الدوري لإلطار وعرب‬ ‫محرض وبرنامج معروف‪ ،‬والتقرير الدوري عن النشاط‪ ،‬واملهمة إذ لكل‬ ‫مهمته ومسؤوله‪ ،‬والهيكل التنظيمي‪ :‬إذ الكل منخرط ضمن الهيكل‪ ،‬و ُحسن‬ ‫االتصاالت بني األعضاء والجامهري)‬ ‫مدرسة الليوث أم النمور؟‬

‫إن العضوية مقدسة من حيث أن تكاتفها وتكاملها وتعاونها يعني جهدا‬ ‫مركزا‪ ،‬ويعني نجاحا جامعيا ويعني انتصارا يتلوه انتصار‪ ،‬بإذن الله وهمة‬ ‫الفرسان‪ ،‬من حيث أن املشاركة للعضو أصيلة وباألدوات الخمسة املذكورة‪،‬‬ ‫ولنكررها فهي تتمثل بالتايل بأهمية‬ ‫‪.1‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪1‬حضوره الدوري الجتامعاته السياسية والتثقيفية والعملية‪.‬‬ ‫‪2‬تقدمية لتقاريره عن أدائه ومهمته ومراجعاته وإبداعاته كلجنة‬ ‫وكمسئول لجنة يف اطاره‬ ‫‪3‬مبامرسته لدوره (حيث يكرس ويظهر ويثبت شخصيته وقدراته ألقرانه‬ ‫وللتنظيم) عرب املهمة الثابتة‪ ،‬والتكليف املؤقت‪ ،‬أي عرب العمل والنشاط‬ ‫املناط به بكل أشكاله‪.‬‬ ‫‪4‬بنقده لذاته وسعيه الدؤوب لتطوير ذاته وشخصيته‪ ،‬ومتسكه بأهداب‬ ‫الفضائل والقيم وتطوير قدراته الروحية‪.‬‬ ‫‪108‬‬


‫‪5 .5‬وبوجوده أصال ضمن إطار وباحرتامه إلطاره ورسية ما يدور فيه وحسن‬ ‫تواصله مع زمالئه ومع الجامهري‪.‬‬ ‫العضو الذي يحرتم قدسية عضويته وخصوصية إطاره (إن مل يكن له إطار‬ ‫عليه املطالبة بذلك) ضمن أخوته أو فريقه ال يعمد‪-‬عىل سبيل املثال‪ -‬إىل‬ ‫نرش الغسيل القذر بالفضاء فيزمجر مجروحا حني يكتئب أو يتضايق أو ال‬ ‫يوافق عىل يشء ما‪ ،‬عرب تحويل املجموعات االلكرتونية (عىل الواتس أب‬ ‫وغريها) أو منصات التواصل االجتامعي (يف الفيسبوك وغريه) أو املقاهي‬ ‫بديال متيرسا عن اإلطار التنظيمي‪ ،‬فلكل خصوصيته ورسية مداوالته مع‬ ‫علنية فكر الحركة‪ ،‬أو علنية توصيات اإلطار أو قراراته حسب النظام ونوع‬ ‫التوصية او القرار وحسب التدرج التنظيمي‪.‬‬ ‫يف التنظيم املشتت الذي تنخره عقلية الفردية والنزق واالنتهازية يحصل‬ ‫االنقطاع واالنعزال لألفراد ومنه تربز عقلية االقصاء مقابل األنا واالستئثار‪،‬‬ ‫إذ تتأسس مدرسة النمر االنعزالية عىل حساب مدرسة الليث (أي األسد)‬ ‫االتصالية التفاعلية‪( .‬تعيش األسود يف جامعات « ُز َمر» ما ال يفعله النمر‬ ‫الذي يعيش منفردا‪ ،‬وتتواصل األسود بالحركات التعبريية الجسدية املختلفة‬ ‫واملتطورة جدا‪ ،‬وعربالتواصل البرصي‪ ،‬والتعابري الصوتية املتعددة)‬ ‫(ليزر) التنظيم‬

‫إن املشاكل البنيوية تتفجر عندما ترى الكادرات املتقدمة يف الصفوف‬ ‫األوىل التي يطلق عليها مسمى (القيادات) ‪-‬رغم أن {املوقع} املتقدم ولو كان‬ ‫رأس الهرم ال يعني {القيادة} مبفهومها العلمي أبدا‪-‬عندما تراهم يتعاملون‬ ‫مع البناء التنظيمي كعملية توظيف أو استخدام أو حتى استغالل بينّ ‪ ،‬ال‬ ‫كعملية استثامر لقدرات األعضاء الخالقة ومشاركة‪ ،‬أو كنور جديد يضاف‬ ‫ألنوار أخرى فريكزها ويحولها ألداة ليزر قاطعة‪.‬‬ ‫هذه املشاكل النبوية تتفاقم كلام ثم خرق التعاهد غري املكتوب بني‬ ‫‪109‬‬


‫االطارات العليا والدنيا وهو التعاهد الذي ينص عىل تقابل {املساهامت}‬ ‫و{العائدات}‪ ،‬أو بشكل آخر عىل االلتزام الطوعي مقابل الهدف الجامع‪،‬‬ ‫أي اننا كلام اقرتبنا من الهدف معا نحقق التزاما أكرب به‪ ،‬وكلام كان الهدف‬ ‫هو آخر ما يفكر به املسؤول يف موقعه‪ ،‬كلام تناقص االلتزام وتناثر التنظيم‬ ‫(بأعضائه وكوادره) فتاتا عىل موائد للئام‪.‬‬ ‫العقلية المنهجية‬

‫املشاكل املنهجية يف التنظيم‪ ،‬وباعتقادي أنها عصب الحقيقة الغائبة عن‬ ‫وعينا‪ ،‬هي املشاكل التي تعاين منها كثري من التنظيامت السياسية يف عاملنا‬ ‫وسبل االدارة الرشيدة (أو القيادة‬ ‫العريب‪ ،‬اذ يتم استبدال النظام والقوانني ُ‬ ‫الحكيمة) مبا يتوافق أو يتم تطويعه لرغبات {الذات} املحصنة والبعيدة عن‬ ‫املحاسبة‪ ،‬ومبا يتوافق مع الطموحات الشخصية وأحيانا مع النزق وال ِكرب (أن‬ ‫متيش باألرض مرحا) بعيدا عن الدرع الذايت أو الجامعي برضورة اتباع املنهج‬ ‫االداري‪ /‬القيادي العلمي‪ ،‬أو الرشيد الذي يُعيل من القيم‪ ،‬ويثبت املبادئ‬ ‫ويسري بني البدائل يف حقل الزهور املتنوعة األلوان والروائح الزكية‪.‬‬ ‫ميكننا أن نعرف التفكري بأنه‪( :‬نشاط العقل أو منهج العقل يف حل‬ ‫املعضالت و املشاكل التي تواجه اإلنسان ومحاولة التك ّيف مع بيئته و فهم‬ ‫ما يصادفه من ظواهر)‪.‬‬ ‫ويف إطار رفضنا للتفكري الخيايل والتفكري الخرايف والتفكري بعقول اآلخرين‬ ‫(العقلية النقلية املسلوبة)‪ ،‬ومبعنى آخر بعيدا عن األوهام أوعن املحرمات‬ ‫بعقلية القوالب املصبوبة بتحريم مناقشة املسلامت يأيت التفكري التجريبي‪،‬‬ ‫والتفكري العلمي ما بني التفكري النقدي والتفكري اإلبداعي لينيشء املحددات‬ ‫واملسارات التي نريدها أو التي يجب أن نتبعها يف تفكرينا وحكمنا وإدارتنا‬ ‫التنظيمية‪.‬‬ ‫يقول الكاتب زيك امليالد إن ((فكرة املنهجية متثل رشطا أساسيا يف عملية‬ ‫‪110‬‬


‫البناء الفكري؛ ألنها تبلور الرؤية‪ ،‬وترسم الطريق‪ ،‬ويتأكد هذا الرشط عند‬ ‫معرفة أن البناء الفكري هو عملية طويلة‪ ،‬وبحاجة إىل زمن طويل نسبيا‪،‬‬ ‫كام أنها عملية بطيئة ال تظهر مثرتها‪ ،‬أو مثراتها رسيعا وعاجال‪ )).‬ويضيف‬ ‫قائال أيضا ((وعن رؤيتي لفكرة املنهجية يف عملية البناء الفكري‪ ،‬ويف طريقة‬ ‫اكتساب املعارف والعلوم‪ ،‬هذه الرؤية ابتداء ال تولد فجأة‪ ،‬وال تظل كام هي‬ ‫جامدة‪ ،‬من دون تغري أو تحريك‪ ،‬وإمنا تظل يف حالة تغري وتجدد وتراكم‬ ‫دائم ومستمر))‪.‬‬ ‫وعليه من املمكن آن نعرف املنهجية (املنهج) بأنها‪(:‬نسق عقيل منظَّم يف‬ ‫ربط الحوادث و الظواهر املراد تفسريها أوحلها بظواهر أو أحداث أخرى يف‬ ‫نفس النطاق مام يوفر الجهد و الوقت واملال‪).‬‬ ‫مناهج التفكير و حركة فتح‬

‫إن املنهج الذي يجب أن يسود يف حركة فتح هو املنهج الذي يرتبط‬ ‫باألهداف السياسية من جهة أوبالفكر السيايس أوالً‪ ،‬وباالتجاه االقتصادي‪،‬‬ ‫ثم ثالثا بالرؤية املجتمعية يف العالقات ضمن الدولة القادمة ورابعا يف تحديد‬ ‫شكل العالقات مع املحيط العريب ومع اإلرسائييل والعامل‪.‬‬ ‫أما خامسا فإن املنهج يف التعامل داخل اإلطار التنظيمي يجب أن ينبثق‬ ‫من أسس واضحة تدخل ضمن النظام ويتم تبينها ثم تطبيقها وهو الجزء‬ ‫األهم واإلخطر بالنسبة للعضو والعضوية واالتصاالت الداخلية التي متثل‬ ‫حياة التنظيم‪ ،‬ويك ال نبتعد كثريا يف املفاهيم سنميز يف البداية بني بعض‬ ‫املفاهيم‪.‬‬ ‫ففي حني أن {االسرتاتيجية} تعني ضمن ما تعنيه‪( :‬علم وفن وضع‬ ‫املخططات العامة) حسب املفكر العريب خالد الحسن‪ ،‬أو هي (أفضل السبل‪/‬‬ ‫الجرس لتخطي العقبات بالوصول من الضفة حيث نحن واقعا إىل الضفة الثانية‬ ‫للنهر حيث يجب أن نكون مستقبال‪ ،‬استنادا للقدرة والفرصة واإلمكانية)‪.‬‬ ‫‪111‬‬


‫وعليه تصبح {األه��داف} والغايات (الغايات هي األه��داف الكبرية‪،‬‬ ‫واألهداف هنا هي الصغرية أي املستتبعة للغايات) هي الضابط لإلسرتاتيجية‬ ‫عىل اعتبار أنها ت ُصنع لتحقيق الغايات وعليه ت ُرسم السياسات (قواعد‬ ‫العمل) وتوضع الخطط والربامج‪.‬‬ ‫أما أن تحدثنا عن {املنهج} ومنه املنهج الفكري فيمكننا أن نعرفه بالتايل‪:‬‬ ‫املوىل سبحانه وتعاىل يقول (لكل جعلنا منكم رشعه ومنهاجا) (املائدة ‪)48‬‬ ‫ويف هذا التعريف األوىل فاملنهج أو املنهاج يعني الطريق الواضح وضمن‬ ‫تعريفات عديدة فإننا منيل العتبار املنهج (نظام للتفكري يحدد أنواع أو أمناط‬ ‫التفكري‪ ،‬ويشكل املنهج القواعد املرجعية العامة عند التعامل مع املشكلة‬ ‫والبدائل)‪ ،‬أو لنقل ببساطة أن {املنهج أو املنهجية} الفكرية ‪-‬حيث لن تفرق‬ ‫بينهام‪ -‬سياسيا وتنظيميا هنا يعني‪( :‬الطريق العقيل املتبع للوصول للهدف)‪.‬‬ ‫فاملنهج التاريخي تكون كل تحليالته وتعامالته مع املشاكل وطبيعة‬ ‫قراراته املتخذة مرتبط باملقارنات التاريخية واملفاضالت‬ ‫واملنهج املاضوي وهو أيضا تاريخي لكنه مي ّجد املايض عىل حساب الحارض‬ ‫وال يرى املستقبل أفضل أبدا إال إذا استنسخ املايض‬ ‫بينام املنهج الوعظي هو الذي يأمر ويضع التعليامت وال يرى باآلخرين‬ ‫إال منفذين‬ ‫واملنهج القضايئ يفصل ويحكم ويقيض فإما حق أو باطل وإما برئ أو‬ ‫مدان‬ ‫بينام املنهج الفلسفي يحاول أن يجد عالقات بني مختلف مكونات األمر‬ ‫حتى لو كانت الروابط وهمية ويربطها مبا هو أوسع منها‬ ‫أما املنهج الثوري فهو منهج التعامل مع الواقع بعقلية نقدية تغيريية‪،‬‬ ‫يفهم الواقع ويسعى لخوض الرصاع لتغيريه‪.‬‬ ‫‪112‬‬


‫المنهج التغييري‬

‫إن املنهج الثوري ميثل طريقه التفكري‪ ،‬ويتمثل يف أسلوب القيادة وأسلوب‬ ‫اإلدارة الداخلية الذي يرتكز عىل قواعد هامة هي‪:‬‬ ‫هو املنهج الذي يعظم من دور اإلطار (الجامعة‪ /‬الفريق) عىل حساب‬ ‫الفرد فيه‪ ،‬فالقيمة لكل فرد يف إطاره وقيمة اإلطار مبخرجاته الجامعية‪.‬‬ ‫هو املنهج الذي يصل ال يقطع‪ ،‬ويتابع وال يرتاخى ويعتمد الدورية يف‬ ‫العمل (يف االجتامعات واللقاءات واملؤمترات‪ ،‬ودورية املحارض والتقارير عن‬ ‫سري العمل‪ ،‬والرد عىل الشكاوى‪ ،‬وإجراء املراجعات واملحاسبات يف اوقاتها‪.)...‬‬ ‫وهو املنهج الذي يعتمد عىل االجراءات والقواعد كحاكم ملجمل سري‬ ‫األمور يف التنظيم‪ ،‬فللنشاط أي نشاط قواعد تحكمه‪ ،‬ولالنضامم للحركة‬ ‫قواعد‪ ،‬ولقياس االلتزام قواعد‪ ،‬وللرتقي الحريك قواعد‪ ،‬وعليه فالنظام عامة‬ ‫والقواعد هي اساس الحكم ومقياس التطور والتقدم‪.‬‬ ‫إن املنهج القيادي الذي يحرتم اإلطار كإطار ال ينكر متيزات بعض االفراد‬ ‫فيسمح لهم باملبادرات واإلبداعات‪ ،‬واإلسهام عرب القنوات املتبعة‪ ،‬لذا فهو‬ ‫منهج انساين ليس تقليدي وال وظيفي‪.‬‬ ‫إن املنهج الثوري منهج متوازن ما بني بناء الشخصية الواعية واملثقفة ويف‬ ‫ذات الوقت الفاعلة الناشطة والعاملة وهي املؤثرة يف الجامهري‪.‬‬ ‫أن املنهج الثوري كسياسية هو منهج يركز وال يشتت‪ ،‬ويؤكد وال يشكك‪،‬‬ ‫فريكز عىل الهدف الرئييس (إزالة االحتالل‪ )...‬وال يجعل للثانوي تعديا عىل‬ ‫الرئيس أبدا‪.‬‬ ‫املنهج الثوري منهج فهم واضح ملعادالت الواقع وللمتغريات‪ ،‬وإدراك‬ ‫دائم للمستجدات وقد تختلف نسب الفهم فنميز بني األعضاء‪ ،‬وتظهر‬ ‫الرؤية القيادية مع وضوح الرؤيا وصفاء الفكرة إال أن ذات الفهم الواضح‬ ‫‪113‬‬


‫للمتغريات واملستجدات مبارشة أو عرب القدوة القيادية رضورة‪.‬‬ ‫املنهج الثوري السيايس يبتغى املصلحة من حيث فلسطني أوالً‪ ،‬ومن‬ ‫حيث أن القاطرة الفلسطينية ال يسرت إال يف القطار العريب ومن حيث فهم‬ ‫وجودنا األصيل يف معادلة حضارة أمتنا العربية اإلسالمية بشقيها املسيحي‬ ‫واإلسالمي املنفتحة عىل العامل‪.‬‬ ‫إن القواعد املتبعة أي املنهج الذي يحكم حراكنا السيايس واإلداري‬ ‫والتنظيمي ال ينفصل أبدا عن األخالق والقيم االصلية ومنطق القدوة‬ ‫والنموذج الذي يجب أن يتحىل به الجميع يف مقابل الجامهري‪.‬‬ ‫إن املنهج الذي يحكمنا يف النظام الداخيل للحركة محدد بعناوينه الرئيسة‬ ‫من التزام وانضباط وخصوصية (رسية)‪ ،‬ومركزية دميقراطية ونقد ذايت وهو‬ ‫إن مل يكن متبعا فال قيمة للنصوص‪ ،‬وإن مل ميارس دوريا فال يرسخ يف األذهان‪،‬‬ ‫وإن مل تنطلق املقاييس التنظيمية منه فال قيمة ملا نكتب ونسطر‪.‬‬ ‫إن املنهج الذي يحكم عقولنا كأعضاء يف التنظيم يجب أن يكون أنا‬ ‫مهم‪ ،‬أنا مؤثر‪ ،‬أنا يل دور‪ ،‬أنا فخور بانتاميئ‪ ،‬أنا أشارك إذا أنا ابن حركة‬ ‫فتح‪ ،‬فيصبح منطلق األهمية يف القدرة والنشاط وتوفر الوقت وليس منطلق‬ ‫األهمية ‪-‬وعليه الرصاع والتكالب‪ -‬عىل عنق الزجاجة أي بالتكالب عىل‬ ‫املراكز املتقدمة فقط‪ .‬فالعضو ملجرد أنه عضو هو محرتم وله مكانته بالتزامه‬ ‫باملساهامت وهوفاعل وهام ومؤثر وفخور‪.‬‬

‫‪114‬‬


‫خاتمة‬

‫إننا أدعى ما يكون تنظيميا لتكريس مفهوم “العضوية ال املوقع كأولوية”‪،‬‬ ‫واعتبار العضو املناضل من حيث هو عضو يف التنظيم يعني اإلميان وااللتزام‬ ‫والفعالية والعطاء واإلمثار‪ ،‬ويعني املشاركة لكل من موقعه والدور واملامرسة‪،‬‬ ‫ما هو مدعاة للفخر بانتامئه لألمة وفلسطني والحركة‪.‬‬ ‫ال عضوية بال إطار تنظيمي‪ ،‬وال عضوية بال مسؤولية واضحة‪ ،‬وال عضو بال‬ ‫مسؤول أبدا أومرجعية نظامية‪ ،‬وال عضو ال يعرف دوره أو عمله أو موضع‬ ‫مشاركته‪.‬‬ ‫وال عضو بال اشرتاك مايل شهري يف هذا الجهد التنظيمي الطوعي من‬ ‫حيث أن التنظيم (التزام أخالقي وعمل تطوعي)‪.‬‬ ‫إن غري ذلك ال يكون إال حلم االنتهازيني واملستلقني الذي يريدون التنظيم‬ ‫جرسا نحو نجومية السلطة الخداعة‪ ،‬ال نحو آداب النضال ومقارعة املحتل‪،‬‬ ‫وقيم حضارتنا وثورتنا وحركتنا التي ترتبط مبرتكزين أساسيني هام‪ :‬التضحية‬ ‫واإلميان املطلق بالنرص‪ ،‬ما هو دأبنا ومسريتنا الجامهريية املستمرة ولن‬ ‫تتوقف قافلتها بإذن الله إال حني تظهر فلسطني الواحة املرشقة جل ّية من‬ ‫البعيد‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫من يجب أن يقود حركة فتح؟‬

‫‪12‬‬

‫سأقرص الحديث عن الوضع التنظيمي‪ ،‬وداخل املؤمتر‪ ،‬فنحن ذاهبون‬ ‫للمؤمتر وفق برنامج وسياسات‪ ،‬ووفق فكر نظامي ووفق إرادة تغيري‪ :‬تسمح‬ ‫وال تسمح‪ ،‬تعي وال تغفل‪ ،‬تع ِقل وال ترخي‬ ‫وهذه اإلرادة التي ينبغي أن تكون صلبة‪ ،‬يجب أن تتجلىّ يف الواقع‬ ‫التنظيمي ملا بعد املؤمتر السابع‪ ،‬فام يعنيني لو كسبت العامل وخرست ذايت‬ ‫(كتنظيم) كام يقول املسيح عليه السالم‪ ،‬لذا كان الرتكيز من نقطة البداية‪،‬‬ ‫ونقطة البداية هي نحن‪ ،‬ألننا (نحن=الكل الفلسطيني والعريب) مادة الثورة‬ ‫ومشعل النضال الذي فينا إما يشتعل أويخمد‪ ،‬وفينا إما يتأصل أو يتهاوى‪.‬‬ ‫وألننا أصحاب مشعل الحرية والكرامة والنضال لن نقبل بأبواق االنهزامية‬ ‫والسوداوية والسلبية واللطميات داخل املؤمتر‪.‬‬ ‫وسنكون سعداء كام يريدنا الله سبحانه وتعاىل كمستخلفني يف األرض‪،‬‬ ‫بأن نعلم قبلتنا بوضوح‪ ،‬فال تتقلّب منا الوجوه‪ ،‬وقبلتنا الوطنية هي فلسطني‪،‬‬ ‫وما املركبات املختلفة (التنظيامت) إال مراكب نستقلها لتحرير فلسطني‪ ،‬ولن‬ ‫نخرق مركبنا أبدا‪.‬‬ ‫أننا ندخل املؤمتر بسعي طموح‪ ،‬وإرادة ال تلني‪ ،‬وسعادة لن تعطلها‬ ‫تخرصات األقارب أواألباعد‪ ،‬والفجر الذي يطل من عيون فلسطني وينادينا‬ ‫يفرض علينا أن ندقق يف َح َملة املشاعل (يف اللجنة املركزية واملجلس الثوري‪،‬‬ ‫ويف سياق االقليم بقيادة االقليم) فال نتوه بني األشجار‪ ،‬ولن نرتكس أمام‬ ‫النباتات املتسلقة أبدا‪ ،‬ال تشدنا الحم ّية أو العصبوية املناطقية‪ ،‬وال ننساق‬ ‫وراء أصحاب الوعود الالهبة أواملصالح اآلنية ما وجدوا‪.‬‬ ‫‪ -12‬كتبت هذه املادة قبيل انعقاد املؤمتر العام السابع لحركة فتح‪ .‬وقد يختلف معها بعض‬ ‫القراء مبقارنة الحدث والنتيجة ولكل رأيه‪ ،‬ولكن مضمون املادة بصيغته التعبوية يفتح باب‬ ‫الرصاع بشكل دائم ومتجدد‪.‬‬

‫‪116‬‬


‫إننا ندخل املؤمتر لبناء برنامج سيايس نضايل مقاوم فالرحلة طويلة‪ ،‬عىل‬ ‫كافة االتجاهات‪ ،‬برنامج وحدوي شمويل ال يلغي اآلخر وال يهمل وال يهمش‬ ‫وال يُقيص‪ ،‬بل يرعى ويضم ويجمع التنوع يف بوتقة الدميقراطية‪.‬‬ ‫ذاهبون للمؤمتر لتأكيد حقنا التاريخي والقانوين والسيايس الذي ال يزول‬ ‫يف هذه األرض وهذا الوطن يف فلسطني‪.‬‬ ‫ذاهبون وأهدافنا السياسية واضحة لذا لن نسمح للطفيليات أوالطحالب‬ ‫والنباتات املستسلقه أن تخنق االشجار الباسقة أبدا‪...‬‬ ‫سندقق يف َح َملَة املشاعل القادمني ملوقع قيادتنا عىل قواعد ثالث هي‪:‬‬

‫‪1 .1‬القدرة‪ :‬القدرة العقلية والجسدية والنفسية وال ِق َيم ّية (الخلق القويم‬ ‫والقدوة) للعضو يك ننتخبه ليتبوأ املوقع املطلوب‬ ‫‪2 .2‬توفر همة العمل وإرادة الفعل والربنامج وخوض الرصاع ال االنسحاق‬ ‫تحت رضبات االحتالل‪ ،‬أو تحت أقدام الفيلة من الداخل والخارج من‬ ‫أصحاب الذهنيات املستبدة أو املناهج الفوضوية‪.‬‬ ‫جل وقتنا (ومالنا وأرواحنا) فداء للوطن‪،‬‬ ‫‪3 .3‬قاعدة توفر الوقت بتخصيص ّ‬ ‫ولتحقيق هذه األهداف فنحن حملة األكفان‪ ،‬وأوائل من سنكون عىل‬ ‫الئحة الشهداء‪ ...‬هكذا وإال فال‪.‬‬ ‫ان القواعد الثالث املمثلة بالقدرة العقلية والنفسية والجسدية واالخالقية‪،‬‬ ‫جل الوقت واملال والروح‪ ،‬هي‬ ‫وبتوفر همة العمل وارادة الفعل‪ ،‬وبتخصيص ّ‬ ‫مقتضيات النظر ملن يتقدم ليشغل املواقع املتقدمة‪ ...‬وإال فال‪.‬‬ ‫لن نقبل من يشك أو يظن بالنرص‪ ،‬أومن نتوجس منهم أن ِ‬ ‫يطأطئوا‬ ‫الرؤوس أوينقادوا الشارات االحتالل أو أزالمه فيتحولون شيئا فشيئا اىل خنجر‬ ‫يف صدر الثورة والحركة‪.‬‬ ‫لن نقبل أيضا بأولئك الذين يستغلون مصالحهم املالية‪ ،‬أوالرأسامل القذر‬ ‫لنهب البلد والسيطرة عىل الهرم االقتصادي والهرم السيايس‪ ،‬وهم منزوعي‬ ‫‪117‬‬


‫االخالق والقيم والثقافة حني تُق ّدم مصالحهم (أوتختلط)عىل املصالح‬ ‫الوطنية‪ ،‬فالرأسامليون االستغالليون داء األحزاب وآفة التنظيامت السياسية‪،‬‬ ‫فإما يطيحون بها أويسخرونها لخدمتهم‪ ،‬ال لخدمة عموم الجامهري‪ ...‬سواء‬ ‫وجدوا يف املؤمتر‪ ،‬أو كان يف مسريتهم ما يدل عىل ذلك‪.‬‬ ‫لن نقبل الجثث الهامده أو ال ُخشُ ب املسندة أو أرجل الكرايس الذين‬ ‫يقبلّون األيادي واالقدام للمستبد (الديكتاتور) فينا‪ ،‬ويركعون عند أول‬ ‫اشارة تلوح لهم لتحقيق مكسب سلطوي يستغلونه سلبا لتحقيق مآربهم‬ ‫الخاصة‪ ،‬ال لخدمة الوطن بدماء متجددة وأفكار متجددة ومتطورة تنتهض‬ ‫به‪ ،‬وتشحن الهمم‪.‬‬ ‫لذا نحن لن نسمح ملثل هؤالء من الرأسامليني االستغالليني‪ ،‬أو الجثث‬ ‫الهامدة‪ ،‬أوالخناجر يف جسد الثورة أن يتقدموا الصفوف بكل جهدنا‪ ،‬فنحن‬ ‫مبجموعنا نعي ونعقل ونسمح لألزهار أن تتنوع‪.‬‬ ‫ويف ضوء قناعتنا بطهارة الثوب والبس ِي ِه من أبناء حركة فتح واملؤمترين‪،‬‬ ‫اال أن الظن يف بعضه إثم‪ ،‬ويف بعضه اآلخر ُحسن تدبر‪ ،‬ونحن أبدا مع وعد‬ ‫الله (وعد الله‪ ،‬ال يخلف الله وعده‪ ،‬ولكن أكرث الناس ال يعلمون –الروم آيه‬ ‫‪)6‬‬ ‫من ميتلك القدرة واإلرادة والوقت ويتحلىّ بالقيم‪ ،‬كام يتحىل بالتمسك‬ ‫األصيل باملباديء سنضعه فوق الهامات واألكتاف‪ ،‬ونكون له مع ذلك باملرصاد‬ ‫بالنقد الذايت واملراجعات واملحاسبة والتقويم‪ ،‬فمن منهم بقامة أيب بكر أو‬ ‫عمر‪ ،‬وهام مل يتكربا عىل املحاسبة والتقويم!‬ ‫نحن بلغة الحوار والحصاد نكون أقرب لعني األرض‪ ،‬ونحن بعمل الفريق‬ ‫نكتيس ُحلّة االنتصارات بإذن الله تعاىل‪ ،‬فنحن‪ /‬أنا‪ /‬كلنا ككوادر وأعضاء‬ ‫وقيادة سنبقى أوفياء لفلسطني وللختيار سيد الشهداء‪ ،‬ولرتاب هذه األرض‬ ‫الطيبة‪.‬‬ ‫‪118‬‬


‫المتمردون في حركة فتح والفكر السلطاني‬

‫‪13‬‬

‫فكرت مل ّيا عند كتابة هذا الجزء من الكتاب‪ ،‬وتأملت هل من املناسب‬ ‫نرشه أم عدم نرشه! ألن مضمونه غري املنحاز لن يعجب البعض من سدنة‬ ‫املعبد أو ذوي الفكر السلطاين املرفّه‪ ،‬فيأولونه وفق األمزجة واألهواء النزق‬ ‫الشخيص‪ ،‬ولكني مع تكرار الحوارات املثمرة مع أخوة كرام من أعضاء الحركة‬ ‫عامة قد توصلت لتبني فكرة الرضورة مبعنى ان ما يكون رضوري يف زمن‬ ‫يصبح بال فائدة ترجى عندما يتعداه الحدث‪.‬‬ ‫لذلك أكتب بشكل واضح‪ ،‬وإن كان مزع ًجا ملن يسري معتاشا عىل هامش‬ ‫األرباب‪ ،‬فال يعني أبناء حركة فتح أمثالهم‪ ،‬وال يعني أبناء حركة فتح وأنا‬ ‫منهم اال بروز الفكرة التي ابتدأت ولن تنتهي اال بشعار الحركة الخالد ثورة‬ ‫حتى النرص‪.‬‬ ‫لذا دعوين أتساءل مبودة‪ ،‬أمل يكن األجدر بنا خوض الرصاع الداخيل‬ ‫باألدوات “النظامية الداخلية” بحدها األقىص‪ ،‬فال تضيق بنا الصدور عند‬ ‫حدود الهمسات واالتهامات واإلشارات الباردة تتهم هذا وذاك؟‬ ‫أمل يكن من األجدر بنا التعامل مع كثري من املختلفني أو املخالفني لنا أو‬ ‫املتمردين منا يف جسدنا ‪-‬سمهم ما شئت‪ -‬مبنطق الحوار والنقاش الهادئ‬ ‫ومبنطق العقل والحجة والتفاهم‪ ،‬ومبنطق االحتواء واالستيعاب‪ ،‬بل وأحيانا‬ ‫التجاوز عن كثري من االساءات؟ انتصارا للنظام ولألخوية النضالية‪ ،‬وللمظهر‬ ‫الوحدوي الشامل‪ ،‬وابرازا للصورة باأللوان ال باألبيض واألسود فقط وهي‬ ‫الصورة التي تجلب األمل ألبناء الحركة امليامني و لهذا الشعب الصابر الذي‬ ‫قد نفتقد صربه علينا فيدير لنا الظهر؟‬ ‫أمل يكن من األكرم لوجوهنا أن تبدو باسمة وليست مقطبة‪ ،‬فتكون أكرث‬ ‫‪ -13‬جاءت كتابة هذا الجزء من الكتاب يف ظل الهمسات الداخلية يف حركة فتح‪ ،‬ويف ظل‬ ‫احتداد بعض الرصاعات الداخلية التي ال يخلو منها تنظيم‪ ،‬ومنها حركة فتح‪.‬‬

‫‪119‬‬


‫قدرة عىل مل الشتات يف ظرف طغيان االرسائييل الواسع‪ ،‬وطالق االقليمي لنا؟‬ ‫ومراوغات الدويل؟‬ ‫أمل يكن من األكرم لنا أن نعض عىل الجراح حتى ملن أساءوا لنا تنظيميا‬ ‫أو سياسيا فنعمل عىل مل شعثنا وتقريب األباعد؟‬ ‫قال يل الكثري من األخوة ال تكتب بهذا املوضوع فتصنف باتجاه اليمني‬ ‫أو اليسار! فقلت كام قال معلمنا وأستاذنا املفكر الكبري خالد الحسن رافضا‬ ‫منطق التصنيف األعمى (اللهم اجعلنا من أهل اليسار يف الدنيا‪ ،‬ومن أهل‬ ‫اليمني يف اآلخرة)‬ ‫هذا كان ردي وسيكون حسايب العقيل للمختلف مع فكر حركة فتح‬ ‫فلست من الذين يقتلون “النظام”‬ ‫الوسطي االحتوايئ الجامع النشط عس ًريا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫جل‬ ‫والقانون والهدف من أجل عيون هذا الزائل أو ذاك‪ ،‬ولست ‪-‬وأحسب ّ‬ ‫أبناءالحركة كذلك‪ -‬أو لسنا من حملة املباخر‪ ،‬أو ممن نُشرتى بقليل من‬ ‫الدراهم أو كثري‪ ،‬فهذه ثورة عمالقة وهذا فكر عظيم وهذا تاريخ مجيد‪،‬‬ ‫ومستقبل لن يكون مرشقا إال بكتف أخي إىل كتفي وبصدره يذود عني خفق‬ ‫البنود‪ ،‬أخي‪ /‬أختي يف حركة فتح‪ ،‬واخي من كافة الفصائل مهام كنت وقد‬ ‫أظل مختلفا معهم يف كثري من املواقف واألفكار والسياسات‪.‬‬ ‫كان من األوىل لنا بدال من أن نقيم املشانق‪ ،‬حتى دون محاكامت أحيانا‪،‬‬ ‫أن نستمع بأناة‪ ،‬ونصرب ونكظم الغيظ‪ ،‬ونضم األحبة واملتمردين منهم اىل‬ ‫جوانحنا رغم أن منهم من قد مالوا أو كالوا مبكيال آخر! ما هو مرفوض‬ ‫قطعا!‬ ‫أمل يكن من اآلجدر بنا أن نفتح الباب قليال فنوسع املساحة لتالقى العيون‬ ‫واقرتاب الصدور بديال عن برقيات التهديد املتبادلة عرب فضائيات مل يصبح لها‬ ‫من املهامت اال إحداث مزيد من التشظي والرشوخ يف الحركة الوطنية عامة‬ ‫ويف حركة فتح؟ لتفرح الحركة الصهيونية وتتسيد عىل فلسطني ويف ربوع‬ ‫‪120‬‬


‫املنطقة التي تحولت خرابا‪.‬‬ ‫إن يف حركة فتح “البعض من العرشات” الذين يحملون الفكر السلطاين‬ ‫املرفّه‪ ،‬وكرثة غالبة هم “قلب الحركة وعقلها” تحمل مفاتيح النضال فتضحي‬ ‫بوقتها وعقلها وروحها لفلسطني‪ ،‬وقلة أخرى تستقوي بالخارج‪ ،‬فإن تسامح‬ ‫الفكر الجمعي الفتحوي كثريا مع االستبداد وحتى مع اصحاب الفكر‬ ‫السلطاين‪ ،‬مع االستبداد يف سياق إيثار السالمة واتقاء الفتنة فإنه ال يتسامح‬ ‫أبدا بأن يدخل الدب إىل كرمنا من بوابة اآلخر‪.‬‬ ‫إننا يف رصاعنا الداخيل لن نغلق األبواب وراءنا أبدا‪ ،‬حتى يف وجه القلة‬ ‫أو األبعاض‪ ،‬فام حصل وهو أليم حقا ومل نرىض به‪ ،‬ما زال قابال للتجاوز‪ ،‬وال‬ ‫نريد لهذا الشعب وهذه الحركة أن يتفرق جمعها شذر مذر‪.‬‬ ‫لقد أوصاين أيب أن أعض عىل الجراح وأتجاوز‪ ،‬وقال يل أخي يارس املعتقل‬ ‫أن بعد الظالم شمس ساطعة‪ ،‬وهاتفني أخي عامر الشهيد باألمس قائال‪:‬‬ ‫مقعدك بجواري مازال خاليا فال تجعلني أطيل االنتظار‪ ،‬وال تطيل امل ُكث‬ ‫بالخارج‪...‬لقد اشتقت لك‪.‬‬

‫‪121‬‬


‫حركة فتح ما بعد العاصفة!‬

‫‪14‬‬

‫حني تتصارع األفكار فإن تلك األفكار الت ِعبة املجهدة منها رسعان ما ترتبك‬ ‫أو تستسلم‪ ،‬وتركب خيل السباق األفكار التي تختار لها من الجياد األصيلة‪.‬‬ ‫تقف األفكار األصيلة لكنها (التطهرية) حائرة ال تدري السبب يف الرتاجع؟‬ ‫فلم يتم تبنيها! أهو لخطأ يف ذات األفكار املح ّملة بالقيَم وأسس النظام‬ ‫ونسيج العقل وخريطة املرور؟ أم أن الخطأ يف (حملة املشاعل)؟ أي حملة‬ ‫الفكرة الصلبة حني تتجاذبهم أحالم السلطة الوردية أو اغراءات السلطان‬ ‫القرمزية‪ ،‬أوعصاه الغليظة!‬ ‫ولرمبا تحتار األفكار التطهرية اىل أن تنكمش أو ت ُه ّمش‪( .‬االفكار التطهرية‬ ‫بتعريفنا هي تلك األفكار التي ترى ذاتها صحيحة ألنها مرتبطة بالقيم‬ ‫واالخالق والجامهري والوعي‪ ،‬ولكنها تفتقد األسلوب الثوري يف التعامل)‪.‬‬ ‫حني يبدأ االستعراض ال تستطيع هذه األفكار أن ترسم لذاتها خطا مقروءا‪،‬‬ ‫إذ تكتشف أنها حتى لو كان لها خط واضح ومقروء فإن املستهدفني من‬ ‫الجمهور ال يقرأون أصال! فهم قد طلّقوا عقولهم‪ ،‬وأ ّجروا أدمغتهم‪ ،‬فأصبحوا‬ ‫أجسادا بال أرواح‪ ،‬أو فتات صخور كواكب أصابتها لوثة كونية فتشظت‬ ‫وتناثرت‪...‬فرِحة!‬ ‫كان الحوار حادا وثقيال بيني وبني أحد األخوة األصدقاء حول حزب جبهة‬ ‫التحرير الجزائرية‪ ،‬وهو إذ حاول أن يفلسف املآل الذي وصل اليه الحزب من‬ ‫رصاعات شديدة وتباينات خطرة ‪-‬استخدم فيها املال والبلطجية والسلطة‪-‬‬ ‫وهو الحزب املناضل الذي أطلق شعلة الثورة الجزائرية‪ ،‬فإنه حاول التمييز‬ ‫بني ثالثة اتجاهات رئيسة يف الجبهة‪ ،‬األول هو السلطوي االستبدادي‪ ،‬والثاين‬ ‫هو االتجاه الجذري الثوري كام أسامه لكنه التطهري‪ ،‬والثالث هو االتجاه‬ ‫اإل ّمعي (من اإلمعة الذي مييل حيث متيل الريح فال عقل وال رأي وال تدبري)‬ ‫‪ -14‬ضمن قراءتنا املبارشة ملا بعد مؤمتر حركة فتح السابع للعام ‪.2016‬‬

‫‪122‬‬


‫الذي يتصبب عرقا وهو يجري خلف السلطوي االستبدادي‪ ،‬ويغيرّ ِقناعه‬ ‫فيبدو بقناعات مغايرة عندما يقف يف مواجهة االتجاه الجذري محاوال‬ ‫التمظهر برداء التالميذ الذين ينهلون العلم‪ ،‬لكن عقولهم كالسنابل الخالية‬ ‫تسبح يف خياالت اللذة املشوبة بالبِطنة‪ ،‬وبريق العيون حني تلمع عىل باب‬ ‫رب األرباب‪ ،‬أو عندما يلمح طيف خد ِم ِه أو زبانيته‪.‬‬ ‫كان الحوار ج��ادا وح��ادا بيني وبني الصديق ألين رفضت املقارنة‬ ‫االستنساخية للتجارب خاصة بني النتيجة التي وصل لها التنظيم الثوري‬ ‫الجزائري حني تح ّزب‪ ،‬وبني حركة فتح الحائرة دون توازن بني التنظيم الثوري‬ ‫وعقلية الحزب السلطوي‪.‬‬ ‫كان املؤمتر السابع لحركة فتح يف نهاية العام ‪ ٢٠١٦‬مؤمترا براقا ومثريا‪،‬‬ ‫ومضلال بنفس الوقت‪ ،‬فربيق املظهر وكم االثارة التي ترافقت معه لرمبا‬ ‫طغت عىل كثري من الغموض والتضليل‪ ،‬عرب سيل الخطابات التي قدمها‬ ‫أعضاء املؤمتر ُمغ ِفلني أومؤخرين عرض الفكرة أو االنتقاد واملراجعة ليقدموا‬ ‫ذواتهم كأولوية طغت عىل األهداف الحقيقية لعقد املؤمترات‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫ظهرت مجموعة من االيجابيات الهامة التي مل يكن ليتوقعها الكثريون يف‬ ‫مقابل تكريس عدد من األبعاد السلبية‪.‬‬ ‫كان من املتوجب علينا أن نصارع ونقاتل ونعمل بشدة داخل الحركة‪،‬‬ ‫وإن بطريقة موىس وهارون مع الفرعون (فقوال له قوال لينا) لتغيريها‪ ،‬ولكننا‬ ‫فشلنا فشال ذريعا أو مل نستطع أن نقدم النموذج الذي يحتذى به‪ ،‬فانبطحنا‬ ‫أمام األنا العليا فينا‪.‬‬ ‫يف املؤمتر السابع لحركة فتح تصارعت األفكار مع املصالح‪ ،‬واملصالح‬ ‫اآلنية مع تلك اآلجلة‪ ،‬كام تصارعت األجيال بقسوة‪ ،‬كام كان للمناطقية دورا‬ ‫انتهازيا‪ ،‬بل وكان الرصاع شديد الوطأة بني خط السلطة‪ /‬الحزب‪ ،‬وخط الثورة‬ ‫(ترى مثله بوضوح يف كافة الفصائل الفلسطينية أيضً ا) حتي أسفرت املعركة‬ ‫عن فوز أحدهام عىل اآلخر رمبا بالرضبة القاضية‪.‬‬ ‫‪123‬‬


‫إن من إيجابيات املؤمتر السابع لحركة فتح أن ك ّرس رضورة عقد املؤمترات‬ ‫ورمبا دوريتها الحقا‪ ،‬كام ك ّرس قدرة حركة فتح عىل تجاوز األزمات والصعاب‬ ‫سواء الخارجية (الضغوط) أو الداخلية (التمرد‪ ،‬والتجنح‪ ،‬واملشاكسة) فعىل‬ ‫الرغم من كثري أخطاء وعرثات شابت التعامل مع املتمردين إن شئت‪ ،‬فإن‬ ‫حركة فتح التي ترفض التجنح أو االنشقاق أو الترشذم اعتادت التسامح‬ ‫مع االستبداد فيها اتقاء للفتنة او الترشذم وذلك عىل حساب الدميقراطية‬ ‫والنظام (القانون)‪ ،‬ولرمبا كان هذا امتدادا لعمقنا الرتايث الحضاري العريب‬ ‫االسالمي الذي يعترب (الفتنة أشد من القتل) فيوايل السلطان الفاجر ولكنه‬ ‫القوي اتقاء للفتنة‪ ،‬ويف سياق مفاده أن دفع الرضر أوىل من جلب املنفعة‬ ‫حتى يف الشأن العام واألمور السياسية‪.‬‬ ‫متكنت حركة فتح أن تظهر موحدة رغم أنف الحاقدين‪ ،‬ورغم أنف‬ ‫الشامتني املنتظرين بلهف لتشظي حركة فتح‪ ،‬او حامس او الشعبية‪ ،‬ليصعد‬ ‫ألعوبة االمرييك أو االرسائييل بديال عنهم‪ ،‬ظهرت موحدة ما يحسب لها‬ ‫باحرتام و ُحسن تقدير‪ ،‬إذ أمسك الرئيس أبومازن بالزمام وقاد الخيول بكفاءة‬ ‫اتفق البعض مع منهجه أو اختلف‪ -‬فإنه كان معلّام قطع بعمله هذا رقاب‬‫الفتنة‪ ،‬بل وأسكت بعض ألسنة الحق ذاتها فلم تواجهه خوفا وطمعا وليس‬ ‫رجاء‪ ،‬اال ان الكامن تحت السطح البارز لجبل الجليد كثري مام ال يستطيع‬ ‫املؤمتر السابع أو آليات وطرق اإلدارة الخائبة‪ ،‬والقيادة الحالية أن تتغافل‬ ‫عنه أو تتجاوزه أبدا‪ ...‬ما يوجب عليها البدء رسيعا بورشة عمل لحلّه من‬ ‫أسفل اىل أعىل‪.‬‬ ‫استطاعت حركة فتح التي ج ّددت لغالب قيادتها السابقة دون جهد كبري‪،‬‬ ‫أن تكرس احرتاما للقدماء والر ّواد بعقلية الدراويش واملريدين التي متيزها‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬ولكنها مل تستطع أن تخرج من إطار األنا والشخصنة واالرتباطات‬ ‫الض ّيقة‪ ،‬فلم تفرز ارتباطات متمحورة حول الفكرة أو الرأي السيايس أو‬ ‫املوقف الصلب‪ ،‬كام ان معظم من شارك باملؤمتر افرتض بذاته قامة متساوية‬ ‫لزمالئه حتى لوكان زميله متقدما عليه بآالف الخطوات‪ ،‬فوقع املحذور‬ ‫‪124‬‬


‫واملحظور إذ تنافس الصغار عىل املوقع املظنون به الكثري مام هو هراء‬ ‫ووهم‪ ،‬فنجح تكتيك الكبار‪ ،‬وتعملقت األنا وروح االستبداد فينا‪.‬‬ ‫نجحت حركة فتح بتقريب األبعاد بني التجارب النضالية الرئيسية (تجربة‬ ‫القواعد‪ /‬التنظيم بالداخل أوبالخارج‪ /‬االنتفاضة واملقاومة‪ /‬املعتقالت) ورمبا‬ ‫بشكل جزيئ‪ ،‬ولكنها مل تحقق اندماجها مطلقا كام كان للتجربة الحديثة‬ ‫وهي الخامسة اي تجربة (السلطة) ان تسيطر وتهيمن حتى عىل هواء‬ ‫املؤمتر‪...‬تقريبا بشكل كيل‪.‬‬ ‫مع كثري ايجابيات ارتبطت بالصورة‪ ،‬خاصة تلك التي وقف فيها األخ الرئيس‬ ‫ابومازن مع أعضاء اللجنة املركزية املنتخبني‪ ،‬ومع خطابه الشامل كرئيس‬ ‫دولة‪ ،‬ومع تقدميه واملؤمتر التقدير للقادة املؤسسني (أبوماهر وأبواألديب‬ ‫وأبواللطف)‪ ،‬ومع شفافية االنتخابات املشهود لها‪ ،‬إال أن السلبيات تأىب اال‬ ‫أن تطل برأسها ما يحتم عيل أخوتنا باللجنة املركزية (وأختنا دالل سالمة) أن‬ ‫يعيدوا حزم أمورهم وطرق ادارتهم وطريقة تعاطيهم مع أصل الحركة‪ ،‬ومع‬ ‫قلب الحركة‪ ،‬وعيون الحركة‪.‬‬ ‫إن أصل الحركة فكرة التحرير لفلسطني‪ ،‬وقلب الحركة النابض هم األعضاء‪،‬‬ ‫وعيون الحركة هم الجامهري‪ ،‬فبدون القدرة عىل إعادة تجديد وبلورة الفكر‬ ‫الفتحوي النهضوي التقدمي نسقط يف فخ الجمود والتكلس والرتاجع‪ ،‬ونصبح‬ ‫أرسى االستبداد والسلطوية واالجتهادات الشخصية‪ ،‬وهيمنة الفرد اإلله فقط‬ ‫يف أي موقع كان‪.‬‬ ‫وهذا يقتيض منا أن نتعلم أن نحني الرؤوس يف الصالة فقط لله عز وجل‬ ‫دون غريه (يا داوود إنا جعلناك يف االرض خليفة فاحكم بني الناس بالعدل‪...‬‬ ‫اين وليت عليكم ولست بخريكم فان أحسنت فأعينوين وان أسأت فقوموين)‪،‬‬ ‫ويقتيض ان نؤمن وننضبط ونلتزم ب(النظام الداخيل) والقرارات املتخذة‬ ‫أصوال‪ ،‬وبقيادتنا ما أحسنت‪ ،‬وأن نلتزم بقيمنا الجامعة‪ ،‬وبالنقد الشخيص‬ ‫لألداء يف داخل أطرنا فقط‪.‬‬ ‫‪125‬‬


‫لقد فشلنا باملؤمتر أن نضع ضوابط نظامية تكبح جامح اللجنة املركزية‬ ‫إذا أساءت‪ ،‬أو أخطأت يف مواضع كثرية فنق ّومها‪ ،‬وفشلنا بتكريس أداة رقابة‬ ‫فاعلة‪ ،‬بل ان املؤمترين ‪-‬وانا منهم‪ -‬مل يكلفوا أنفسهم أن يحاسبوا أعضاء‬ ‫اللجنة املركزية عىل كثري أخطاء تراكمت عرب السنني يف منهج السياسة‬ ‫وتشابك دهاليزها‪ ،‬ويف اإلدارة‪ ،‬واالنتخابات املختلفة‪ ،‬ويف التنظيم ومخرجات‬ ‫العمل‪ ،‬ووقفوا مبهوتني مبهورين‪ ،‬فسقطنا عند حدود الخطابات واستجالب‬ ‫األكف الالهبة بالتصفيق التي طغت عىل الحس النقدي لدينا‪ ،‬هذا الحس‬ ‫النقدي الذي كان مجاله الحقيقي يف هذا املؤمتر‪ ،‬ويف املؤمترات الحركية‪،‬‬ ‫واالجتامعات عامة ال يف الدواوين واملقاهي‪ ،‬أو عىل صفحات التواصل‬ ‫االجتامعي التي تتحول لنزيف أفئدة‪ ،‬وردح‪ ،‬وسخرية وسوداوية‪ ،‬وأدعية‬ ‫دون قطران‪.‬‬ ‫إن عبقرية السقوط هي النتيجة الحتمية السرتاتيجية الفشل‪ ،‬وال تأيت‬ ‫اسرتاتيجية الفشل اال يف حالة الرتنّح ما ال يحتاج من اصحاب العبقرية هذه‬ ‫نتيجة افتقادهم الوعي والرؤية الصحيحة اال دفعة قوية نحو الهاوية‪.‬‬ ‫عبقرية النرص هي النتيجة الحتمية السرتاتيجية املقاومة‪ ،‬وال تربز‬ ‫اسرتاتيجية املقاومة اال يف حالة الوضوح مع الذات والجامهري وحني امتالك‬ ‫الرؤية الصحيحة‪ ،‬ما ال يحتاج من اصحاب العبقرية اال دفقات متصلة ال‬ ‫تنتهي اال بالنرص‪ ،‬النرص الذي هو مربر الصمود والرباط وهدف تراكم‬ ‫الدفقات‪.‬‬ ‫إن قلب الحركة النابض هم أبناء الحركة‪ ،‬أعضاء الحركة‪ ،‬وإذ كرسنا‬ ‫“االستغالل” للعضو الحريك فإننا سرنيب جيال انتهازيا يسعى لألخذ ويسعى‬ ‫للجائزة‪ ،‬ويسعى ملصلحته يف إطار الربط الفاسد بني الحركة وبني السلطة‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬اذ يفرتضون أن هذا يشكل جرسا لذاك والعكس بالعكس‪ ،‬وما‬ ‫هذا صحيح أصال‪ ،‬وماهكذا تكون النضالية أبدا‪ ،‬وال هكذا هي الثورية التي‬ ‫إن فقدت روح التمرد والعمل لفلسطني فقط‪ ،‬وروح التضحية بحمل األرواح‬ ‫‪126‬‬


‫عىل االكف‪ ،‬وان افتقدت النظرية النضالية تحول اعضاء التنظيم اىل قطيع‬ ‫يدار بالكأل واملاء وعصا الراعي‪.‬‬ ‫العضوية مسلك وقيم وإميان وإرادة وإنجاز‪ ،‬وليست موقعا أو منصبا‬ ‫أبدا‪ ،‬وحيث ُوجِد العضو نفهم ان هناك (عمل) وهناك (ابداع) وهناك‬ ‫(انجاز)‪ ،‬وال نفهم العضوية ان تتحول اىل انتهازية مطلقة‪ ،‬وباب ِشكاية‬ ‫ولطميات وشتائم‪ ،‬أو تتحول اىل ذيلية لهذا او ذاك فيام كان سابقا يسمى‬ ‫ظاهرة (االستزالم)‪.‬‬ ‫إن العضو قدرة وعطاء ودور ومكانة تُحرتم‪ ،‬والعضو قبل ان يتحصل عىل‬ ‫(العائدات) فإن (مساهامته) هو هي التي يجب ان توضع بامليزان ل ُيصار‬ ‫لتحقيق البناء ومسح درج الصعود فال يتزحلق أحد‪.‬‬ ‫الجامهريهم أعني الحركة‪ ،‬وهم الناس الذين أرشكناهم بشؤوننا فلم نبتئس‬ ‫عندما انتقدونا او فرحوا لنا‪-‬رغم رضورة الحفاظ عيل خصوصية املداوالت‬ ‫باألطر ما تفتقده الرتبية التنظيمية‪ -‬رمبا ألن حركة فتح تعترب نفسها أم‬ ‫الجامهري وبنت فلسطني‪ ،‬فهي تشبه كل وطني وكل ثائر وكل حر‪ ،‬ولكن‬ ‫يجب اال نقف عند هذا الحد فقط‪ ،‬فرنقص طربا ونعيش عىل أمجاد املايض‪.‬‬ ‫الجامهري طاقة نضالية جبارة‪ ،‬وهم حقيق ُة الفعل الكليّ الذي بهم‬ ‫نتجاوزالعقبات ونخوض الرصاع الرشس ضد االحتالل‪ ،‬ونحقق برنامجنا‬ ‫السيايس والنضايل وعرب املقاومة الشعبية الشاملة ومن خالل أدوات النضال‬ ‫الجديدة األخرى التي أشار لها االخ الرئيس من قانونية ومقاطعة‪ ،‬وضد‬ ‫العنرصية (االبارتهايدية) ويف الرواية التاريخية‪.‬‬ ‫إن الربنامج السيايس لحركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح والربنامج‬ ‫الوطني والنظام الداخيل (الدستور‪ /‬القانون) قد ظُلمت باملؤمتر‪ ،‬فلم تأخذ‬ ‫حظها بالنقاش العميق أبدا لضيق الوقت‪ ،‬مع امكانية التمديد من جهة ما‬ ‫الصبغة الخطابية االنشائية عيل البناء الفكري والسيايس‪،‬‬ ‫مل يحصل‪ ،‬ولغلبة ّ‬ ‫‪127‬‬


‫ولتعدد اللجان التي فاقت ‪ ١٣‬لجنة توزع عليها املؤمتر‪ ،‬وأيضا لكثري من‬ ‫العمل الجانبي الطاغي باتجاه التحالفات االنتخابية‪ ،‬وتدخالت أدوات‬ ‫السلطة الخفية ولكنها امللموسة‪.‬‬ ‫لكن يف جميع األحوال فان القيادة القدمية الجديدة التي أحيلت لها‬ ‫الربامج تستطيع ان تعتمد سياسيا عىل الوثائق الثالث الرئيسية والهامة‪،‬‬ ‫وهي خطاب االخ الرئيس والتقرير السيايس للجنة املركزية‪ ،‬ومقرتح الربنامج‬ ‫السيايس الذي ألول مرة يف تاريخ الحركة يستغرق نقاشه أكرث من عامني‬ ‫برئاسة د‪.‬نبيل شعث ومشاركتنا يف‪ ٧٠‬ساعة عمل‪ ،‬اضافة لعدد من املداخالت‬ ‫الرثية‪ ،‬فتبني منها جميعا الربنامج السيايس النضايل‪ ،‬وتقدمه كاسرتاتيجية‬ ‫اشتباك مع االحتالل يف السنوات الخمس القادمة‪.‬‬ ‫حني الحديث عن النظام الداخيل (الدستور) فإننا نسجل باحرتام شديد‬ ‫قدرة املرأة الحركية عىل اثبات ذاتها‪ ،‬كام كانت قدرة الشبيبة‪ ،‬والذين لن‬ ‫تستطيع اللجنة املركزية ان تتجاوز مطالبهم املحقة بأطر رسمية معرتف فيها‬ ‫داخل النظام‪.‬‬ ‫رغم صعوبة النقاشات ملقرتح تعديل النظام داخل املؤمتر‪ ،‬وتباين‬ ‫الطروحات الختالف التجارب والعقليات ومناذج التفكري‪ ،‬إال أننا بالحقيقة‬ ‫بحاجة لنظرة عميقة للكثري من البنود املتعلقة باألطر القيادية والقاعدية‪،‬‬ ‫ويف آليات االنتخاب ويف طريقة تحديد عضوية املؤمتر العام‪ ،‬بل ويف املبادئ‬ ‫االساسية التي يبتدئ بها النظام‪ ،‬وهي مهمة ليست سهلة لتنظيم عريق‬ ‫فتي ينهد للدميقراطية والتجدد‪ ،‬عليه أن يخرج من أرس رمزية القيادات‬ ‫لكنه ّ‬ ‫التاريخية (أبوعامر‪ ،‬ابومازن) اىل مربع االرتباط الكيل بالقلب والعيون‬ ‫واألصل الجامع‪.‬‬ ‫يتموضع فكر حركة فتح يف األصل الوطني الحضاري الجامع للكل املتنوع‬ ‫فيها‪ ،‬الذي ان مل يتم اغناؤه بالثقافة والتعبئة والتحريض والفكرة الوحدوية‬ ‫حول فلسطني‪ ،‬وبالتدريب والتجديد‪ ،‬فان االندثار أواالنحسار عىل األقل قادم‬ ‫‪128‬‬


‫ال محالة‪ ،‬وسيكون مآل التنظيم ليس بأفضل مام هو حاصل مع تنظيامت‬ ‫عدة‪ ،‬مبا فيها تباينات حزب جبهة التحرير الجزائرية الصعبة والتي ابتدأنا‬ ‫حولها الحديث‪ ،‬أي اىل مآل االنتهازية والنفعية واألنا والسلطوية وما يجره‬ ‫ذلك من متزق وتشظي ال تحمد عقباه‪.‬‬ ‫إن الجامهري وجميع الفصائل مبا فيها “حامس” و”الجهاد”‪ ،‬وكذلك‬ ‫الحردانني واملستائني من الحركة قبل او بعد املؤمتر تنظر اىل حركة فتح‬ ‫نظرة األمل‪ ،‬ونظرة االخ االكرب املطلوب منه أن يُقدم ويبدع ويتحرك ويصنع‬ ‫األحداث ويحتضن‪ ،‬ما يعني ان املهامت القادمة أصعب فال مناص من أن‬ ‫تستعيد فتح عافيتها بعد عاصفة املؤمتر‪.‬‬ ‫ان عىل حركة فتح أن تستعيد دفء عالقتها مع األعضاء والجامهري وعليها‬ ‫أن تبني اسرتاتيجية نضالية شاملة تقلص من مساحة فعل السلطوي لصالح‬ ‫الكفاح الشعبي املقاوم‪ ،‬ومتد اليد مفتوحة لجميع االخوة‪ ،‬فالعقل التجميعي‬ ‫الوحدوي من حول فلسطني هو عقل حركة فتح التي رفضت اسالة الدم‬ ‫الفلسطيني عىل الحوار‪ ،‬وقبلت التنوع وعقلنته‪ ،‬ورغم كثري اساءات وجروح‬ ‫وطعنات عانتها الحركة من القريب والبعيد اال أنها رسعان ما تعود لتحتضن‬ ‫الجميع يف إطارنا الوطني الجامع‪ ،‬ومن خالل منظمة التحرير الفلسطينية‬ ‫املطلوب اعادة تنشيطها وتقويتها بكل الفصائل واملؤسسات والشخصيات‬ ‫الفلسطينية والعربية‪ ،‬وتوجيه السالح فقط ضد االحتالل االرسائييل الذي مل‬ ‫يُبقي لنا اال أن نتامسك ونتعاضد وفق حديث رسولنا الكريم صىل الله عليه‬ ‫وسلم (كالبنيان املرصوص يشد بعضه بعضا)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ترعاك كام ظل‬ ‫نجحت حركة فتح يف مؤمترها السابع‪ ،‬سريي وعني الله‬ ‫يردد قائدها التاريخي أبوماهرغنيم‪ ،‬فظهرت صلبة عف ّية قوية‪# ،‬حركة_‬ ‫فتح_قوية‪ ،‬فغ ّنت نشيد (الغالبة) و(أنا يا اخي) و(أنا قد كرست القيد)‪،‬‬ ‫ورسمت عالمة النرص‪ ،‬ولبست كوفية الختيار الخالد فينا‪ ،‬وبكت الشهداء‬ ‫ووعدت االرسى‪ ،‬لكنها بانتظار (حملة املشاعل) من الدعاة الصلبني فيها‪،‬‬ ‫‪129‬‬


‫الذين ينطبق عليهم قول الشاعر أحمد شوقي‪( :‬قف دون رأيك بالحياة‬ ‫مجاهدا ان الحياة عقيدة وجهاد) الذين يستطيعون خوض الرصاع بحزم‪،‬‬ ‫ويقدرون عىل تحويل النشيد اىل فعل مرتاكم‪ ،‬وإىل نور ساطع وإىل عمل‬ ‫وطني تحرري مقاوم شامل‪ ،‬ال غنى عنه وال بديل‪ ،‬فالقدس وفلسطني ان مل‬ ‫تكن يف مجرى دمائنا‪ ،‬فالجلطة نصيبنا املحتوم‪.‬‬

‫‪130‬‬


‫أنا ال أنتمي لحركة فتح!‬

‫‪15‬‬

‫أنا ال أنتمي لحركة فتح!‬ ‫من أجل أن أكون واضحا المعا نافرا معفرا‪ ،‬وامنا انتمى لحركة فتح ليشء‬ ‫آخر‪...‬‬ ‫ألنها أم فلسطني أو بنت فلسطني‪ ،‬ألنها سلم الوصول ألمها أو ابنتها‬ ‫ألنني رأيت فيها جادة الصواب‪ ،‬وألننى أقبل أن أكون جنديا يخدم‪،‬‬ ‫يخدم يف أي موقع‬ ‫وعضوا أصنع منهجى وأظهر أثري ونتاج لييل ببالغة‪...‬‬ ‫أنا ال انتمي ملن تهزهم املواقع أو املناصب‬ ‫أو ملن يختالون فيهتزون كالريشة يف مهب الريح‬ ‫ومن هنا نحسن البداية‪.‬‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح‬ ‫ألحصل عىل مكافأة نهاية الخدمة‬ ‫أو آلكل منها املحايش أو القدرة أو املشاوى أو املناسف أبدا‪...‬‬ ‫ولست أسعي لسدر الكنافة اللذيذ وال ايل أصابع الكالج (األالز) الزايك‬ ‫فلست بالساعي لغرور السلطة وبطنتها أو ردائها الوثري‬ ‫يكفيني رداء محمد (صىل الله عليه وسلم) آو عيل‬ ‫ولست ممن يلت ّذ مبامرسة نفوذ التسيّد عيل رقاب الناس‪.‬‬

‫‪( -15‬كتبت يف ‪2016- /11 /20‬فلسطني‪-‬رام الله)‬

‫‪131‬‬


‫لقد انتميت لحركة فتح ألنها حركة الدراويش‬ ‫فأضع خدى مداسا للفقراء الذين يعزمون عيل النضال‬ ‫فيصل ّون الفجر‬ ‫ويقرعون أجراس الكنائس‬ ‫مرددين نشيد الربتقال رافعني رايات الغضب وعصري الزيتون‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح‬ ‫ألنها متثل شخص هذا أو ذاك‬ ‫بل النها متثل فكرهم‪ /‬فكرنا الجمعي وسعيهم الكيل وثوريتنا الجامحة‬ ‫وأنا انتمى لحركة فتح الفكر والثقافة واألصالة الحضارية‬ ‫وألنها ترفع األهداف فوق الشخوص‬ ‫وتحتمي بأصالة االنتامء لألرض‬ ‫وبسالة الشعب وإبائه‪ ...‬يف امتداد رحيق األمة يرطب أفواه الجامهري‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح‬ ‫منخدعا باألضواء الرباقة أو بحليب السلطة منزوع الدسم‬ ‫وامنا انتمى ألخدم‬ ‫وأقدم‬ ‫وأعطي‬ ‫فأنا أخذت منها الكثري من القيم واالنتامء والنظرات والسلوى‬ ‫‪132‬‬


‫وتعلمت منها اإلباء والتساند والصالبة ونبع الحنني‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح‬ ‫ملجرد أن أكون رقام أو أضافة‪ ،‬أو ملحقا تافها‬ ‫وإمنا انتمى لحركة فتح ألمنح وأشارك وأبدع‬ ‫وأصنع مع اخواين‪ /‬أخوايت مستقبل بالدنا واملحيط اللجي‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح‬ ‫اال ألنها تشبهني وتشبه فلسطني‪...‬‬ ‫بالغني والتنوع وثراء متحف الرتاث‬ ‫وانتمى لها ألنها تعج بناس ميتلكون من اإلميان‬ ‫وطيبة القلب‬ ‫ونزق الحب الذي يفيض فيجري أنهارا‬ ‫يف حركة فتح نتصارع ونتشاكس‬ ‫وتظهر فينا نوازع اإلنسانية واألمل حني تحتقرنا دبابات العدو فتقتحم‬ ‫بيوتنا وعقولنا‪...‬‬ ‫نرفض ونرصخ بصيحات األمل املقرون بالعمل‬ ‫إذ نحمل الحجر ونجعله الشاهد الحي عيل موكب الشهداء‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح‬ ‫ألنها حفلة عرس أو مهرجان أو مؤمتر أو مسند أريكة‬ ‫أو ألنها بوابة فحيح‬

‫‪133‬‬


‫أو منشورا عىل وسائل التواصل االجتامعي‪...‬‬ ‫هي فتح ألنها سياج آمن‪ ،‬وتراث كامن‬ ‫هي فتح النها سياق متصل مل يجعل النهايات منفصلة عن البدايات‪،‬‬ ‫هي فتح آلنها سياق يتكامل … يجعلني أصحو مطمئنا عيل أطفايل‬ ‫وجرياين‬ ‫مطمئنا تحت سامء فلسطني العالية وشجرها الضارب الجذور آلالف‬ ‫السنني‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح‬ ‫لنوازع األنانية أو املصلحية أو الكربياء الفارغة‪،‬‬ ‫حركة فتح هي مجايل ألنني أشارك اخواين وأخواىت‬ ‫ومجايل الذي أصنع به وبهم ومعهم معلقات الفتح يف جوف الكعبة‬ ‫وآلنني معهم أقطف ُسهد النخيل يف باحات املسجد األقىص املبارك‬ ‫أنا أنتمي لحركة فتح فخورا‬ ‫بأن يشريون يل من البعيد قائلني‪ :‬من بريق عيون الفدائيني ترشق املنايا‬ ‫والرزايا‬ ‫وترتفع توابيت الشهداء‬ ‫وتتدىل أعواد املشانق‬ ‫وتنتفض األيادي املكبلة بزرد السالسل‬ ‫وينتفض قلم الكاتب وريشة الفنان وحنجرة الشاعر وقبضة املقاتل‬ ‫‪134‬‬


‫أنا أنتمي لحركة فتح‬ ‫ألنني أشم فيها رائحة الحامل‬ ‫يصحو عىل صياح الديكة‬ ‫مبهورا بجامل الفجر‬ ‫مسحورا بإبهار آيات الله جل وعال‬ ‫وانتمي لحركة فتح ألنني ارغب فيها أن أقبل يد العامل‬ ‫وأغسل قدم الفالح‬ ‫وأخيط رداء أمي يف نسيج كل األمهات‪...‬‬ ‫يف حركة فتح أعانق بحر حيفا واملجدل ورفح‬ ‫وأطل فيها من علياء جبال الجليل حتي صحراء السبع واريحا والخليل‪...‬‬ ‫أضل أنا!‬ ‫فهل ستظل هكذا أم ّ‬ ‫أنا ال أنتمي لحركة فتح‪ ،‬بل لفلسطني أوال‪ ،‬حيث وجدت املفتاح أخريا‬

‫‪135‬‬


‫كيف نبني الشخصيات الحرة في القيادات الطالبية؟‬ ‫إن بناء الشخصية تحتاج من الشخص نفسه (االعرتاف) أولاً بحاجة ما‬ ‫ت ٌشعل (الرغبة) لديه للبحث أو السعي (للمعرفة) للتز ّود بها‪ ،‬ومن ثم (بناء)‬ ‫ذاته بالعلم والثقافة والتجربة والقدوة والتدريب‪.‬‬ ‫وعليه فان قدرتنا كمكلفني أو قادة رأي عىل تحقيق التأثري يف الشخص‬ ‫يف أساسها إن مل تكن مرتبطة بالقدوة أو النموذج أوال‪ ،‬أو الحدث االبداعي‬ ‫واملبهر واملثري للشخص ثانيا‪ ،‬أوبالنشاط الجامع ثالثا وامللبي (لالحتياجات‬ ‫والرغبات)‪ ،‬أو رابعا عرب الفكرة املفيدة والنافذة‪ ،‬أو خامسا عرب تأصيل‬ ‫مستوى التواصل بشكل غري منقطع ميدانيا وفضائيا فإننا نكون يف البدايات‪،‬‬ ‫إن مل نكن يف املرحلة التي تسبق الوعي‪.‬‬ ‫إن عملية البناء للشخصية يف مرحلة “ما بعد”‪ ،‬أي يف املرحلة الجامعية‬ ‫ال ميكن أن تأيت بقرار خارجي‪ ،‬وان كان للعامل الخارجي من الحث الكثري ما‬ ‫يجب العمل فيه‪ ،‬وإمنا محرك البناء الرئيس قرار داخيل يف الشخص نفسه‪،‬‬ ‫ويكون قراره هذا من ذاته نعم ولكن ذاته املتأثرة باملحيط‪.‬‬ ‫لذا فان قدرتنا عىل أن نكون نحن من أدوات التأثري يف ذات الشخص هي‬ ‫مبقدار ما نستطيع أن نكون أحد عوامل التأثري يف محيطه‪ ،‬أو ببساطة أن‬ ‫نكون أمامه ال خلفه‪ ،‬بالفكرة أوالعمل أو النموذج‪.‬‬ ‫الطريق الشاق للتأثير‬

‫كيف نكون أمام الشخص تحت ناظريه وليس يف خلف عقله؟ يحتاج منا‬ ‫ذلك أن نسلك سبيال غري معبد‪ ،‬سبيال شاقا‪ ،‬ورمبا طويال‪ ،‬ألن عوامل التشتيت‬ ‫واإللهاء من جهة إضافة اىل قامئة االولويات الحديثة لدى االنسان العرصي‬ ‫تعددت اىل الدرجة التي ال يستطيع أو ال يريد مبوجبها أن يضعنا يف قامئة‬ ‫أولوياته هذا اوال‪.،‬‬ ‫‪136‬‬


‫وإن استطعنا أن نكون يف ذيل قامئة أولوياته فهذه بداية الطريق إذ‬ ‫نتمكن من التمدد أوالصعود درجة درجة لنكون يف مقدمة أو رأس القامئة‪،‬‬ ‫وبالتايل نصبح يف دوائر اهتامماته أو من أدوات التأثري يف محيطه‪.‬‬ ‫إن املشكلة الكربى ليست يف القيادات الشابة أبدا‪ ،‬وإمنا يف القيادات‬ ‫ِ‬ ‫املؤسسة أواملنظّمة التي ترغب بالوصول للطالب يف ظل فهمها أورضورة‬ ‫فهمها ملتغريات العرص‪ ،‬وأهمية التواصل والحوار واملشاركة‪ ،‬وكيفية التموضع‬ ‫يف دوائر اهتامم وقامئة أولويات‪ ،‬ويف محيط الشخص اوالطالب‪ ،‬وعليه فان‬ ‫آلية التمكني من التموضع هذه تعترب حجر الزاوية يف عملية البناء‪.‬‬ ‫التعبئة المؤقتة والتربية الدائمة‬

‫لنعد اىل البدايات فهل نستطيع استنادا ملجد سابق‪ ،‬أو تاريخ عريق‪،‬‬ ‫أواستنادا النجازات انقضت أولشخصيات خالدة‪ ،‬أو لكلامت مكررة أوعبارات‬ ‫أو شعارات مشحونة ومسجوعة‪ ،‬أو اقتباسات تحريضية أوتنفيذية أن نريب‬ ‫أجياال؟‬ ‫هل نستطيع عرب االستخدام “اليسء” للقرآن والدين‪ ،‬أو بسحب سوط‬ ‫التكفري أو التجهيل أوالتخوين أن نرضب به وجه املخالفني‪ ،‬أن نفوز؟‬ ‫هل نستطيع بكل هذه الوسائل أو بعض منها أن نريب أجياال؟ ال أعتقد‬ ‫أنها وسائل تربية وتعبئة دامئة‪ ،‬وان اشتملت عىل مكنون تعبوي هام قد‬ ‫يكون مؤقتا؟‬ ‫إن استطعنا رسم شخصيات مبضامني محدودة من الفكر املغلق أواملقولب‬ ‫وغري الحر بوسائل تفكريه‪ ،‬وبعدم اتساع اطالعه عىل املعارف واملناهج يف ظل‬ ‫املبادي‪ ،‬يكون الجيل القادم من جيل املنقبضني أواملرعوبني أو ببساطة‬ ‫ثبات‬ ‫ْ‬ ‫هم أجيال العبيد؟!‬ ‫‪137‬‬


‫كيف نكون ضمن االولويات؟‬

‫إن بناء جيل من األحرار يحتاج منا القفز للنظر بحكمة يف واحدة من‬ ‫خمسة أمور قد تضعنا كمؤسسة أو منظمة ضمن أولويات الشخص العضو‪،‬‬ ‫أوالطالب أو القائد الذي نبغيه أن يكون‪.‬‬ ‫اإلبهار واإلبداع أو اإلنجاز‪ :‬إن الحدث املبهر اليوم أو الحدث املبدع‪ ،‬او‬ ‫االنجاز املؤثر قد يجلب لنا مجموعة من الناس يتقارب اهتاممها مع مضمون‬ ‫الحدث (سيايس‪ /‬اجتامعي‪ /‬فني‪ /‬اقتصادي‪)...‬ما يشعل فيها الرغبة‪ ،‬وهذه‬ ‫بحد ذاتها بداية الطريق‪.‬‬ ‫النشاط الجامع (املشاركة)‪ :‬يف العلم فان ما يختزنه أو يتمثله االنسان من‬ ‫معلومات برصية أ سمعية ال يضاهي أبدا ذاك املرتبط مبشاركته يف الحدث‪،‬‬ ‫وعليه فان قيامة بالنشاط أو مشاركته به يضع يف عقله مجموعة من الخربات‬ ‫هي ما يجب أن نجتهد لنكون من ضمنها‪.‬‬ ‫القدوة أو النموذج‪ :‬ان التأثر الحاصل يف كثري من الناس يأيت من الفقهاء‬ ‫والدعاة أواملبرشين‪ ،‬أومن الحكامء واإلعالميني أومن املفكرين والسياسيني‬ ‫كام هم عىل شاشات الرايئ (=التلفزة) أوعىل صفحات التواصل االجتامعي‬ ‫وارد‪ ،‬كام هو التأثر باملطربني واملطربات واملمثلني وغريهم‪ ،‬ولكن سريتهم‬ ‫وحقيقة ما يتعلق بحياتهم ومنطق املشابهة هي ما يدفع بهم أن يكونوا يف‬ ‫مساحات اهتامم الشخص أوخارجها‪ ،‬ما يربز لنا أهمية (القدوة) أوالنموذج‪،‬‬ ‫السيام أن تكون من الناس‪ ،‬وبني الناس‪ ،‬وأن يشعروا ويحسوا بذلك فيقدرونه‬ ‫ويسعون للوصول له‪.‬‬ ‫الفكرة الناجزة أو النافذة‪ :‬أي تلك الفكرة التي تفتح نافذة‪ ،‬وهي بذاتها‬ ‫نافذة مؤثرة يف إدراكات الشخص واهتامماته‪ ،‬فليك تنفذ روحه أوقلبه وتحتل‬ ‫موقعا فيه فتسجل عىل قامئة أولوياته يجب ان يحس بها أويقتنع بها‪ ،‬أو‬ ‫تصيب حاجة من حاجاته‪ ،‬أو نجهد أنفسنا لتوضيحها ورشحها أو نرشكه بها‪.‬‬ ‫‪138‬‬


‫تأصيل مستويات التواصل‪ :‬والتأصيل يكون أفقيا وعموديّا وميدان ّيا‬ ‫وفضائيّا م ًعا‪ ،‬مبعنى أن االكتفاء بالتواصل ذو االتجاه الواحد قد ال يكون‬ ‫تأثريه بالقدر الكايف ولكن التأثري املحقق للهدف بالتأثري بالشخص وجذبه أو‬ ‫تغيريه يكمن باتباع أدوات اتصال متعددة وبأشكال مختلفة تصبح للشخص‬ ‫كمظلة أو حائط استناد من حيث هي تحيط به وتربطه باملضمون‪.‬‬

‫‪139‬‬


‫كيف نفهم القيادة في حركة فتح؟‬

‫‪16‬‬

‫ماذا نريد أن نفعل يف إطار مامرستنا الدميقراطية اليومية عامة يف التنظيم‬ ‫السيايس‪ ،‬ويف نشاطاتنا اليومية وعالقاتنا‪ ،‬ويف مؤمترات األطُر الدورية؟‬ ‫دورنا كأعضاء فاعلني ال يقل عن دور الذين تولوا الصفوف االمامية‪،‬‬ ‫فنحن منخرطون بالحركة وفق إميان عميق والتزام واعي‪.،‬‬ ‫منتمون للحركة وفق اقتناع وعمل بربنامج وسياسات‪ ،‬ووفق فكر نظامي‪،‬‬ ‫ووفق إرادة تغيري‪ :‬تسمح وال تسد الطريق‪ ،‬تعي وال تغفل‪ ،‬تع ِقل وال ترخي‬ ‫هذه اإلرادة التي ينبغي أن تكون صلبة ومتينة‪ ،‬يجب أن تتجلىّ وتظهر‬ ‫يف الواقع التنظيمي يف كل فعالية او عالقة او نشاط مقاوم‪ ،‬أو ملا بعد أي‬ ‫مؤمتريُعقد (أكان عىل مستوى املنطقة أو االقليم فصاعدا)‪ ،‬فام يعنيني لو‬ ‫كسبت العامل وخرست ذايت (كتنظيم) كام يقول املسيح عليه السالم‪.‬‬ ‫لذا كان الرتكيز من نقطة البداية‪ ،‬ونقطة البداية هي نحن‪ ،‬ألننا (نحن=‬ ‫الفرد مع الكل الفلسطيني والعريب) مادة الثورة ومشعل النضال الذي فينا‬ ‫إما يشتعل أويخمد‪ ،‬وفينا إما يتأصل أويتهاوى وينكرس‪.‬‬ ‫مشعل الحرية‬

‫إننا ندخل مركب الفعل التنظيمي الدوري أو اليومي يف حركة فتح ويف‬ ‫املؤمترات بسعي طموح‪ ،‬وإرادة ال تلني‪ ،‬وسعادة لن تعطلها تخرصات األقارب‬ ‫أو األباعد‪.‬‬ ‫والفجر الذي يطل من عيون فلسطني‪ ،‬وينادينا‪ ،‬يفرض علينا أن ندقق يف‬ ‫فريق العمل أي عمل‪ ،‬ويف َح َملة املشاعل (يف املنطقة ويف االقليم ويف اللجنة‬ ‫‪ -16‬يف التعبئة الداخلية للحركة‪ ،‬ويف رصاعنا الداخيل يجب ان ننطلق من واقع املشاركة‬ ‫الدميقراطية يف إحداث التغيري باعتبارنا فاعلني ال سلبيني انتظاريني بائسني‪.‬‬

‫‪140‬‬


‫املركزية واملجلس الثوري‪ )...‬فال نتوه بني األشجار‪ ،‬ولن نرتكس أمام النباتات‬ ‫املتسلقة أبدا‪ ،‬فنحن يف رصاع معها متواصل‪.‬‬ ‫يجب ال تشدنا الحم ّية أو العصبوية املناطقية أو العشائرية‪ ،‬وال ننساق‬ ‫وراء أصحاب الوعود الالهبة أواملصالح اآلنية ما وجدوا‪.‬‬ ‫إننا ندخل فعل االنخراط يف أي عمل أو نشاط‪ ،‬أو مؤمتر داخيل للبناء‪،‬‬ ‫أو القرتاح رؤى لربنامج سيايس نضايل مقاوم للحركة نرفعها كتوصيات لألطر‬ ‫العليا‪.‬‬ ‫لسنا حشدا انتخابيا يُساق كاألغنام‪ ،‬بال رأي أو نظرة أو علم أو تعلم أو‬ ‫مسؤولية‪ ،‬فالرحلة طويلة‪ ،‬وعىل كافة االتجاهات‪.‬‬ ‫اس �ث َلاَ ث َ ٌة‪ :‬فَ َعالِ ٌم َربَّانيِ ٌّ‪َ ،‬و ُمتَ َعلِّ ٌم عَلىَ‬ ‫وكام قال عيل بن أيب طالب (رض)‪ :‬ال َّن ُ‬ ‫َسبِيلِ نَ َجا ٍة‪َ ،‬و َه َم ٌج َر َعا ٌع أَتْ َبا ُع ك ُِّل نَا ِعقٍ ‪ ،‬يمَ ِيلُو َن َم َع ك ُِّل رِي ٍح‪ ،‬لَ ْم يَ ْستَ ِضيئُوا‬ ‫ِب ُنو ِر الْ ِعل ِْم‪َ ،‬ولَ ْم يَلْ َجئُوا إِلىَ ُركْنٍ َوثِيقٍ ‪ .‬فلنحدد أين نكون‬ ‫يجب أن يكون سعينا التأثري يف طرح الفكرة أو الرأي‪ ،‬واقرتاح الخطوة يف‬ ‫إطار التوصيات الناضجة لتحقيق برنامج عمل‪ ،‬ونشاطات‪ ،‬أنا ونحن أول من‬ ‫ينخرط للعمل فيه يف إطاري فصاعدا‪.‬‬ ‫إننا نتعامل يف محيطنا مبحبة وتفاعل وتفاين من أجل الوطن بحيث‬ ‫نتجاور‪ ،‬فال يُلغي أحدنا اآلخر‪ ،‬وال يهمل وال يهمش‪ ،‬وال يُقيص‪ ،‬بل يرعى‬ ‫ويضم ويجمع التنوع يف بوتقة الدميقراطية املنضبطة للقانون والنظام‪.‬‬ ‫ذاهبون ألي فعالية حركية لتأكيد أننا مؤمنون والحمد لله‪ ،‬وأننا‬ ‫منخرطون يف العمل من أجل حقنا التاريخي يف فلسطني كل فلسطني‪ ،‬مهام‬ ‫كانت املرحلية والواقعية السياسية‪ ،‬ولذلك نحن نعمل معا والنضال شاق‬ ‫والدرب صعب ونحن لها‪.‬‬ ‫ننفذ املطلوب منا من تكليف أو مهمة يف إطار عمل الفريق الواحد‪،‬‬ ‫‪141‬‬


‫وأهدافنا السياسية وبرنامج عملنا يف املنطقة أو االقليم وبكل الحركة واضح‪،‬‬ ‫لذا لن نسمح للطفيليات أوالطحالب والنباتات املستسلقه أن تخنق االشجار‬ ‫الباسقة أبدا‪ ،‬وإال فالرصاع قائم ماداموا يكبتون األنفاس‪.‬‬ ‫نعم ننفذ املطلوب منا بقيم التقبّل واالحرتام والتنفيذ األمني وااليجابية‬ ‫بال تذمر اوسلبية أوركون أوتيئيس لآلخرين‪...‬‬ ‫ندقق‬

‫سندقق يف َح َملَة املشاعل القادمني ملواقع قيادتنا يف االنتخابات (الوطنية‬ ‫او البلدية‪ ،‬او الطالبية اوالنقابية‪ ،‬اوالحركية‪...‬الخ)‪ ،‬أو باالستمزاج من املنطقة‬ ‫فاالقليم صعودا عىل قواعد منها التايل‪:‬‬ ‫‪1 .1‬القدرة‪ :‬القدرة العقلية والجسدية والنفسية وال ِقيَميّة (الخلق القويم‬ ‫والقدوة) للعضو يك ننتخبه أونزكيه ليتبوأ املوقع املطلوب‬ ‫ويف الخلق القويم وتأثريه يقول الحسن البرصي‪ِ :‬عظ الناس بفعلك‪ ،‬وال‬ ‫ت ِعظهم بقولك‪ .‬وعىل قاعدة‪:‬‬ ‫‪2 .2‬توفر همة العمل وإرادة الفعل والربنامج وخوض الرصاع بال تذمر‬ ‫وانكسار‪ ،‬وبال انسحاق تحت رضبات االحتالل‪ ،‬أو تحت أقدام الفيلة‬ ‫من الداخل والخارج من أصحاب الذهنيات املستبدة أو املناهج‬ ‫الفوضوية أو االستغالليني‪.‬‬ ‫جل وقتنا (ومالنا‬ ‫وعىل القاعدة الثالثة ‪3-‬قاعدة توفر الوقت بتخصيص ّ‬ ‫وأرواحنا وفكرنا) فداء للوطن‪.‬‬ ‫ولتحقيق هذه األهداف فنحن حملة األكفان‪ ،‬وأوائل من سنكون عىل‬ ‫الئحة الشهداء‪ ...‬هكذا وإال فال‪.‬‬ ‫إن القواعد الثالث املمثلة بالقدرة العقلية والنفسية والجسدية واالخالقية‪،‬‬ ‫جل الوقت واملال والروح‪ ،‬هي‬ ‫وبتوفرهمة العمل وارادة الفعل‪ ،‬وبتخصيص ّ‬ ‫‪142‬‬


‫مقتضيات النظر ملن يتقدم ليشغل املواقع املتقدمة يف أي إطار‪ ...‬وإال فال‪.‬‬ ‫لن نقبل‬

‫لن نقبل من يظن القيادة مكسبا ماديا أو مغنام أو وجاهة او تس ّيدا‪..‬‬ ‫(ال تقولوا أنت أوأنتم ال تفعلون هذا‪ ،‬فهو واجب علينا جميعا‪ ،‬إنه واجب ال‬ ‫ينتظر‪ ،‬فالكل يجب أن يقوم به وفق القاعدة النبوية الرشيفة‪ :‬باليد أوالقلب‬ ‫أواللسان وهو أضعف االميان)‬ ‫ولن نقبل من يشك أويظن بالنرص الظنون‬ ‫لن نقبل من نتوجس منهم أن ِ‬ ‫يطأطئوا الرؤوس‪.‬‬ ‫لن نقبل من ينقادون إلشارات االحتالل أو أزالمه فيتحولون شيئا فشيئا‬ ‫اىل خنجر يف صدر الثورة والحركة‪.‬‬ ‫لن نقبل أيضا بأولئك الذين يستغلون مصالحهم املالية‪ ،‬أوالرأسامل القذر‬ ‫لنهب البلد والسيطرة عىل الهرم االقتصادي والهرم السيايس‪ ،‬وهم منزوعي‬ ‫االخالق والقيم والثقافة حني تُق ّدم مصالحهم (أوتختلط)عىل املصالح‬ ‫الوطنية‪ ،‬فالرأسامليون االستغالليون داء األحزاب وآفة التنظيامت السياسية‪،‬‬ ‫فإما يطيحون بها أويسخرونها لخدمتهم‪ ،‬ال لخدمة عموم الجامهري‪ ...‬سواء‬ ‫وجدوا يف املؤمتر‪ ،‬أو كان يف مسريتهم ما يدل عىل ذلك‪.‬‬ ‫لن نقبل الجثث الهامدة أو ال ُخشُ ب املسندة أو أرجل الكرايس الذين‬ ‫يقبلّون األيادي واالقدام للمستبد (الديكتاتور) فينا‪ ،‬يف أي منا‪ ،‬ويركعون‬ ‫عند أول اشارة تلوح لهم لتحقيق مكسب سلطوي يستغلونه سلبا لتحقيق‬ ‫مآربهم الخاصة‪ ،‬ال لخدمة الوطن بدماء متجددة وأفكار متجددة ومتطورة‬ ‫تنتهض به‪ ،‬وتشحن الهمم‪.‬‬

‫‪143‬‬


‫لن نسمح‬

‫لذا نحن لن نسمح ملثل هؤالء من الرأسامليني االستغالليني‪ ،‬أو الجثث‬ ‫الهامدة‪ ،‬أوالخناجر يف جسد الثورة أو السوداويني السلبيني املنهارين نفسيا‬ ‫أن يتقدموا الصفوف‪.‬‬ ‫(وماذا إن تقدموا؟!‪ ،‬نقول أن الرصاع ال ينتهي وال يجب أن ننهار أو‬ ‫ننسحب أو نركن‪ ،‬فيتعملقون عىل ظهورنا)‬ ‫نفعل ذلك ب��إرادة خوض الرصاع بكل جهدنا‪ ،‬فنحن مبجموعنا نعي‬ ‫ونعقل‪ ،‬ونسمح لألزهار أن تتنوع‪.‬‬ ‫ويف ضوء قناعتنا بطهارة الثوب والبس ِي ِه من أبناء حركة فتح‪ ،‬اال أن الظن‬ ‫يف بعضه إثم‪ ،‬ويف بعضه اآلخر ُحسن تدبر‪ ،‬ونحن أبدا مع وعد الله (وعد‬ ‫الله‪ ،‬ال يخلف الله وعده‪ ،‬ولكن أكرث الناس ال يعلمون –الروم آيه ‪) 6‬‬ ‫نضعه فوق الهامات‬

‫من ميتلك القدرة واإلرادة والوقت ويتحلىّ بالقيم‪ ،‬كام يتحىل بالتمسك‬ ‫األصيل باملباديء سنضعه فوق الهامات واألكتاف‪.‬‬ ‫ونكون له مع ذلك باملرصاد بالنقد ال��ذايت‪ ،‬واملراجعات واملحاسبة‪،‬‬ ‫والتقويم مبحبة ولطف وتساند‪.‬‬ ‫ف َمن منهم ياتُرى بقامة أيب بكر أو عمر ريض الله عنهام‪ ،‬وهام مل يتكبرّ ا‬ ‫عىل املحاسبة والتقويم!‬ ‫نحن بلغة الحوار والحصاد نكون أقرب لعني األرض‪.‬‬ ‫ونحن بعمل الفريق نكتيس ُحلّة االنتصارات بإذن الله تعاىل‪.‬‬ ‫فنحن‪ /‬أنا‪ /‬كلنا ككوادر وأعضاء وقيادة سنبقى أوفياء لفلسطني ولشعبنا‬ ‫وحضارتنا وقيمها‪ ،‬وللختيار سيد الشهداء‪ ،‬ولرتاب هذه األرض الطيبة بعملنا‬ ‫وقيمنا وإمياننا‪ ،‬والله معنا‪.‬‬ ‫‪144‬‬


‫الفصل الثالث‪:‬‬ ‫الصراع يف السياسة‪ ،‬والقيادة‬ ‫يف إدارة الرصاع وإسرتاتيجية التنظيم‬ ‫التنظيم السيايس واألوامر‬ ‫عناوين القيادة‬ ‫كيف نعمل بثقة بالنفس فنحدث التغيري‬ ‫كيف نحافظ عىل الفوز؟‬ ‫التعامل مع األجيال؟ تجاوز النقص واالخالص لفلسطني‪.‬‬ ‫االبداع ال السوداوية وخطاب األزمة‪.‬‬ ‫استنهاض الكادر يف إطار عقلية العمل والتجدد‬



‫في إدارة الصراع وإستراتيجية التنظيم‬ ‫هل يعقل أن يكون هناك مؤسسة ال متتلك إسرتاتيجية واضحة؟ وهل‬ ‫يعقل أن يكون هناك تنظيم سيايس بال إسرتاتيجية أصال؟ نعم‪ ،‬يعقل!‬ ‫بل وهو حاصل إىل درجة أن كوادر أحد التنظيامت يفهمون اإلسرتاتيجية‬ ‫كفن للحرب فقط‪ ،‬ال شأن لها بالتنظيم السيايس غري مدركني التطورات‬ ‫املتالحقة يف مختلف العلوم واالستخدامات للمصطلحات التي منها‬ ‫(اإلسرتاتيجية) تلك التي انتقلت من عامل العسكر والحرب إىل عامل اإلدارة‬ ‫والتنظيم واملؤسسات وذلك منذ العام ‪ 1951‬كام يقول د‪ .‬سعد غالب ياسني‬ ‫يف كتابه الهام حول اإلدارة اإلسرتاتيجية‪.‬‬ ‫ونزيد عىل ذلك ان املؤسسات يف العامل بدأت تدخل االسرتاتيجيات يف‬ ‫كافة أعاملها حتى أن السمعة للرشكة أو املؤسسة (السمعة‪ :‬هي مجموع‬ ‫إدراكات الخارجني عن املؤسسة حول الصفات البارزة لها‪ ،‬وهي تعكس‬ ‫االحرتام العام الذي تتمتع به من قبل مساهميها املتعددين) أصبحت لها‬ ‫إسرتاتيجية ألنها مصدر ردود األفعال املبارشة للمساهمني يف بيئتهم أي أن منو‬ ‫الرشكات كام أثبتت الدراسات يتأثر بسمعتها يف السوق لذلك أصبح للسمعة‬ ‫إسرتاتيجية تدار‪ .‬ومع ذلك مازال هناك من يقول لك ما لنا واالسرتاتيجيات!!‬ ‫هل اإلسرتاتيجية خطة أو سبيل للعمل فقط كام يورد د‪.‬السيد عليوة‪،‬‬ ‫أم هي وسائل لتحقيق غاية ذات بدائل كام يقول العامل (بوسامن )؟ أم‬ ‫هي (أهداف وخطط وسياسات تتعلق بتحقيق التناسب بني موارد املنظمة‬ ‫الداخلية وظ��روف البيئة الخارجية املحيطة بها)وأن تحقيق التناسب‬ ‫“التكيف“ يؤدي إىل تحقيق األهداف اإلسرتاتيجية بكفاءة عالية؟‬ ‫أم هي حسب (منتسربع)‪ :‬عبارة عن خطة موضوعة تحدد سياقات وسبل‬ ‫الترصف‪ ،‬وهي حيلة أوخدعة تتمثل يف مناورة لاللتفاف حول املنافسني‪،‬‬ ‫وهي منوذج متناغم األجزاء من خالل السلوك املعتمد أوحتى غري املعتمد‬ ‫‪147‬‬


‫للوصول إىل وضع أو مركز مستقر يف البيئة‪ ،‬وهي يف النهاية منظور فكري‬ ‫(رؤية) يعطى القدرة عىل إدراك األشياء وفقا لعالقاتها الصحيحة‪.‬‬ ‫كلها تعريفات صحيحة وتنظر للمفهوم من زوايا مختلفة فأين نحن من‬ ‫ذلك؟‬ ‫ومبا أن البيئة وامل��وارد والقيم حسب (ثومبسون)تؤثر يف صياغة أي‬ ‫إسرتاتيجية‪ ،‬فإنه عموماً يجمل د‪ .‬فالح الحسيني أن اإلسرتاتيجية –ما نريد أن‬ ‫نعتمد عليه يف التعريف‪ -‬هي عملية تنظيم األفكار ملواجهة حاالت املخاطر‬ ‫وعدم التأكد‪ ،‬وتحديد الفرص املتاحة للمنظمة يف البيئة وبالتايل استخدام‬ ‫الكفاءة املميزة لالستفادة من املوارد املتاحة للمنظمة‪.‬‬ ‫وعليه تكون كل من مداخالت وكتب وآراء (صن تسو) و(كالوزفتز)‬ ‫و(ليدل هارت) و(بوفر)‪ 17‬عن اإلسرتاتيجية باعتبارها فناً للحرب فقط قد‬ ‫تطورت كثريا مستفيدة بالرضورة من هؤالء املفكرين الكبار‪ ،‬وبقيت قيادات‬ ‫فلسطينية عديدة تفكر باملسألة بعقلية ما قبل النكبة‪ ،‬أي قبل تطور املفهوم؟‬ ‫لماذا اإلستراتيجية؟‬

‫امتالك املؤسسة ألهداف يعد أولوية‪ ،‬وامتالكها لخطة ال نقاش فيه‪،‬‬ ‫رغم أنك قد تصادف يف مسريتك العملية مؤسسات تسري (عىل الله كام‬ ‫يقولون‪ ،‬أي بال تخطيط أواتجاهات أو رؤية‪ ،‬ويف واقعنا الفلسطيني حول‬ ‫هذا املوضوع حدث وال حرج‪.‬‬ ‫تنظيم سيايس يغني فيه قادته عىل كافة املوجات والطبقات ويف مختلف‬ ‫الفضائيات ويحلم أن يعود ويسود‪ ،‬وتنظيم سيايس آخر ال يستطيع ان يفرق‬ ‫بني إسرتاتيجية املقاومة العسكرية وإسرتاتيجية تحمل أعباء السلطة ويدعى‬ ‫أن الله حافظه دون سواه‪.‬‬ ‫‪ -17‬مفكرون اسرتاتيجيون عسكريون‪.‬‬

‫‪148‬‬


‫وتنظيم سيايس آخر يعترب أن إسرتاتيجية املظاهرات والبيانات واملعارضة‬ ‫لهدف املعارضة تبقيه حيا يف عقول أو قلوب الناس‪ ،‬وكلهم باعتقادي‬ ‫واهمون‪.‬‬ ‫إن اإلسرتاتيجية حينام يتم اختيارها بفهم صحيح‪ ،‬واإلدارة اإلسرتاتيجية‬ ‫أيضا‪ ،‬تفيد أي تنظيم سيايس (منظمة) أو غريه إفادة هامة يف‪:‬‬ ‫االستجابة للتحديات التي تواجه املنظمة وتعكس أفضل البدائل‬ ‫والخيارات املتاحة‪.‬‬ ‫تطبيق أنظمة كفؤة لتحفيز العاملني وتحقيق تناسق جامعات العمل‬ ‫وأفراد التنظيم‪.‬‬ ‫توفري فرص لتطبيق أساليب إدارية فعالة مثل اإلدارة باألهداف أو اإلدارة‬ ‫من خالل األنظمة‪.‬‬ ‫تنمية القدرة عىل التفكري االسرتاتيجي الخلاّ ق لدى القادة‪.‬‬ ‫«ويضيف د‪ .‬سعد غالب أيضا ملا سبق ذكره»‪ :‬تحدد الخصائص األساسية‬ ‫املميزة للمنظمة من غريها املنافسة لها‪.‬‬ ‫متنح املنظمة إمكانية امتالك ميزة تنافسية مؤكدة‪.‬‬ ‫تحديد الجامهري والقطاعات املمكن أن تؤثر فيها‪.‬‬ ‫تخصيص املوارد املتاحة لالستخدامات البديلة وزيادة الكفاءة والفعالية‪.‬‬ ‫خلق درجة عالية من التكامل والتنسيق يف البيئة التنظيمية‪.‬‬ ‫القدرة عىل التفكري املتميز ورؤية املستقبل والتنبؤ مبتغريات الواقع‪،‬‬ ‫واالستجابة الرسيعة واملرنة له‪.‬‬ ‫كل ذلك وتتساءل عن أهمية أن يكون لنا يف تنظيامتنا السياسية إسرتاتيجية‬ ‫‪149‬‬


‫ما؟ وإن تعاملنا مع إسرتاتيجية ما ال نستطيع األخذ باالعتبار القيم واملوارد‬ ‫والجهود والفرص معا يف آلية تكييف وتوازن تجعل من األهداف االسرتاتيجية‬ ‫قابلة للتحقيق‪ ،‬وليست مجرد شعار يأرس القلوب واأللباب‪.‬‬ ‫الصراع ونطاقه في التنظيم‪.‬‬

‫يف الرصاع داخل التنظيم السيايس يتم استغالل املوارد كأدوات‪ ،‬حيث‬ ‫يعترب األشخاص واألموال والعالقات أدوات يف الفوز بهذا الرصاع‪ ،‬ومعظم‬ ‫الرصاعات تأخذ أشكاال‪ ،‬و ترتكز حول األفكار أو استغالل األفكار والنفوذ‬ ‫والسلطة وحجم الصالحيات والتأثري يف القرار واملصالح الشخصية بزيادة‬ ‫حجم األموال أو تحسني الصورة أو التقدم يف التنظيم‪.‬‬ ‫قد يتخذ الرصاع منحى إيجايب وقد يتخذ منحى سلبي‪ .‬والرصاع يف النطاق‬ ‫االيجايب مهام كانت أهداف املتصارعني يعنى عدم املس بقواعد اللعب مثل‬ ‫القوانني أو اللوائح أو األعراف‪ ،‬فالرصاع أو ما يصطلح عليه (باللعب) عندما‬ ‫يكون مرتبطا بذلك فانه يف حالتي الشدة أو االنخفاض ال يرض التنظيم‬ ‫أوالحزب‪ ،‬بل قد يدفع لتحسني هذه القوانني أو اللوائح أو النظم الحاكمة‪،‬‬ ‫والتي رمبا لجمودها أو تآكلها وعدم قدرتها عىل استيعاب املتغريات مل تعد‬ ‫قادرة أن ترسم حدودا واضحة للعالقات والصالحيات والنفوذ‪ ،‬فيأيت الرصاع‬ ‫هنا كعامل تغيري أسايس بها‪.‬‬ ‫أما يف النطاق السلبي فان الرصاع يخرج عن الحدود أو القوانني أو‬ ‫األعراف فتستغل كافة األدوات لتكتيل االنتصارات حيث األشخاص يخضعون‬ ‫والعالقات يتم استغاللها والفكرة تصبح يف خدمة األفراد ال التنظيم‪.‬‬ ‫يف أحد التنظيامت الفلسطينية الصغرية عانت القيادة من سلسلة من‬ ‫األزمات شقت املكتب السيايس إىل قسمني إىل الدرجة التي تحولت فيها‬ ‫الكلمة والهمسة واالجتامع واملكاملة الهاتفية عنوانا الصطفاف أومدخالً‬ ‫إلعادة ترتيب املواقف‪ ،‬والنظر إىل املعسكرات بعني مختلفة‪ .‬وملا أصبح حجم‬ ‫‪150‬‬


‫النفوذ يتحدد بالقرب أو البعد من الشخص حصل االنشقاق‪.‬‬ ‫يف تنظيم سيايس فلسطيني إسالموي استخدمت األداة األكرث تطويعا يف‬ ‫عمليات الهجوم الداخيل بني مراكز النفوذ‪ ،‬وهذه األداة هي األشخاص أولاً‬ ‫واألفكار ثانياً‪ ،‬وألن األفكار يف التنظيامت األيديولوجية عامة ومنها الدينية‬ ‫سهلة التطويع إلرادة مركز النفوذ فال يبقى عىل األدوات الط ّيعة وهم األفراد‬ ‫إال الطاعة العمياء فيشكلون اصطفافات تؤدي يف حقيقة األمر لرشخ عمودي‪.‬‬ ‫إن النفوذ بشمول تأثري الشخص يف اآلخرين خارج نطاق أو حدود‬ ‫صالحياته قد يرتبط يف التنظيم السيايس باملال أو املوقع القبيل أو الشهادة‬ ‫العلمية أو الصورة اإلعالمية أو حجم العالقات التي قد ال يتيحها له املوقع‬ ‫أو الصالحية ولكنه يخرقها ويتمدد خارجها فيستفيق التنظيم متأخرا ً عىل‬ ‫إخطبوط له يف كل مكان ذراع‪.‬‬ ‫التنظيم قِيَم ومنجزات‬

‫يف أحد اللقاءات التنظيمية العشوائية أي تلك التي يرتب لها البعض دون‬ ‫هدف واضح أو جدول أعامل‪ ،‬ودون معرفة طبيعة الحضور‪ ،‬يف هذا اللقاء‬ ‫دار الحديث عن إدارة التنظيم وكان الحديث يف هكذا اجتامعات ينتقل بني‬ ‫املواضيع دون اتجاه محدد‪ ،‬واألنىك من ذلك واألم ّر أن عددا من الحضور‬ ‫كانوا يتكلمون بالهاتف أو يخرجون لذات السبب أي الحديث‪ ،‬مام س ّبب‬ ‫إرباكا شديدا ً حيث اضطر عدد من الحضور إلعادة ما قالوه مرارا وتكرارا‪.‬‬ ‫عن إدارة التنظيم ذكرتُ أن ملك اإلدارة أو من سمي (غورو) اإلدارة‪ 18‬بيرت‬ ‫دراكر تحدث عن املؤسسة الناجحة قائال أنها تحتاج إىل‪:‬‬ ‫‪1 .1‬قيم والتزامات وانتامء‪.‬‬ ‫‪2 .2‬إنجازات‪.‬‬ ‫‪« -18‬الغورو» عند الهندوس مصطلح يجمع بني الربوبية واملعلم – وهو هنا مبعنى املعلم‬ ‫االكرب‬

‫‪151‬‬


‫‪3 .3‬قدرة عىل التجدد والتغيري‪.‬‬ ‫‪4 .4‬قوانني عمل‪.‬‬ ‫‪5 .5‬الوعي بحاجات الجمهور وشبكة عالقات‪.‬‬ ‫وذكرت أن هذا (الغورو)‪ 19‬الذي تويف عن ‪ 95‬عاماً‪ ،‬والذي ولد يف النمسا‬ ‫عام ‪ 1909‬قد اعترب مقياس الحكم عىل (املوظفني)يف املؤسسات هو النقطتني‬ ‫األوليني ما دعا مدير رشكة «جرنال الكرتيك» يف الثامنينات من القرن العرشين‬ ‫أن يعتمد عليهام ليصنف موظفيه إىل ثالث فئات والثالث منها ال أمل فيه‪،‬‬ ‫ففصل ثلث املوظفني ليقفز ناتج أرباح الرشكة لعرش أضعاف يف فرتة قصرية‪،‬‬ ‫وأهمية االقتباس هنا أن املقياس هو القيم واالنجاز وكان ذلك يف الرشكة فام‬ ‫بالك بتنظيم سيايس هو أكرث حاجة لهاتني النقطتني‪.‬‬ ‫تصدى يل أحد الحضور متهكام معتربا أن ما ينطبق عىل املؤسسات ال‬ ‫ينطبق عىل التنظيامت السياسية فلم أجبه الن من ال يدرك أن العالقات‬ ‫اإلنسانية الطوعية يف التنظيامت السياسية هي أكرث حاجة لالنتامء والقيم‬ ‫من العالقات الوظيفية يف الرشكات ال يدرك حقيقة اإلدارة التنظيمية‪.‬‬ ‫ويف ذات السياق ويف رصاع عجيب عىل تثبيت أو نقض عقلية املؤسسة‬ ‫قمت ومجموعة من الخرباء واألساتذة بتقديم مشاريع لوائح ونظم ألطر‬ ‫مختلفة يف حركة فتح لقيت استحسانا وقبوالً من أحد األخوة القياديني‬ ‫حينها‪ ،‬وملا ح ّدثت باملوضوع أخا من املسؤولني امليدانيني اعترب ذلك ترفا ألننا‬ ‫كام قال‪ :‬نعمل بالقطعة وحسب الحدث ال حسب اللوائح والنظم!‬

‫‪ -19‬املقصود هنا هو بيرت فردناند دراكر (باإلنجليزية‪)Peter Ferdinand Drucker :‬‬ ‫كاتب إقتصادي أمرييك من أصل منساوي يهودي‪ ،‬ولد يف فيينا عاصمة النمسا يف ‪1909‬م‬ ‫وعاش معظم حياته يف الواليات املتحدة األمريكية حيث عاش يف الفرتة بني (‪ 19‬نوفمرب‬ ‫‪ 11 1909‬نوفمرب ‪ )2005‬أجمع الكل أنه األب الروحي لإلدارة‪ ،‬فهو الذي ح ّدد مفهوم‬‫الرشكة يف تحليله الرائع لرشكة جرنال موتورز تو ّيف يف عام ‪2005‬م عن عمر ‪ 96‬سنة وكان‬ ‫قد حصل عىل أرفع الجوائز التقديرية يف الواليات املتحدة “الوسام الرئايس للحرية” يف عام‬ ‫‪2002‬م‪.‬والده كان محامياً ووالدته طبيبة أي أنه عاش وترعرع يف بيئة مثقفة‪.‬أنتج أربع‬ ‫سالسل تعليمية مص ّورة عن اإلدارة‪ ،‬من صفاته املميزة (محب للقراءة‪ ،‬ذاكرة قوية‪ ،‬شديد‬ ‫الذكاء واالدراك والفهم)‪ ،‬وله اكرث من ‪ 40‬كتابا‬

‫‪152‬‬


‫التنظيم السياسي واألوامر‬ ‫عامل االقتصاد واإلدارة الشهري(بيرت دراك��ر) كان ُملهام للعديد من‬ ‫االقتصاديني واملدراء بحيث أن كتاباته وأفكاره ساعدت الكثري من الرشكات‬ ‫واملؤسسات عىل التطور استنادا العتامد أسس االنتامء والقيم للمؤسسة أوال‪،‬‬ ‫وللقدرة عىل االنجاز ثانيا‪.‬‬ ‫عندما أوضحت ذلك استسخف أحد الحارضين‪ 20‬يف االجتامع هذه‬ ‫املقارنة بني اإلدارة والتنظيم السيايس وهذا األمر يف العام ‪ 2008‬بعد أن‬ ‫أصبح املفهوم مفهوما من الجميع‪.‬‬ ‫ولكن للغرابة أنه بقى أناس تحكمهم عقلية الفوىض والالنظام بحيث‬ ‫أنهم يعتقدون أن التنظيم السيايس ال شأن له بعلم اإلدارة‪.‬‬ ‫اإلدارة والتنظيم السياسي‬

‫أن تحفز اآلخرين فأنت تقود‪ ،‬وأن تحل مشاكلهم فأنت تدير‪ .‬وان ت ُخرج‬ ‫منهم أفضل ما لديهم فأنت تقود‪ ،‬وان تكلفهم مبهام فأنت تدير‪ .‬وان تفعل‬ ‫األشياء بشكل صحيح فأنت تدير وأن تفعل اليشء الصحيح فأنت تقود‪ .‬لذا‬ ‫فالقائد بالرضورة مدير واملدير ليس بالرضورة قائدا‪ ،‬ويف التنظيم السيايس‬ ‫نحتاج ملدراء كام نحتاج لقادة ولقدرات أخرى‪.‬‬ ‫عندما بدأنا مع د‪.‬حسن املطري بانتهاج األسلوب العلمي يف عمل الدورات‬ ‫التنظيمية وكان ذلك يف العام ‪ 1987‬قمنا مبجموعة زيارات ألساتذة جامعة‬ ‫مختصني باإلدارة لنسألهم عن آلية تطويع مفاهيم اإلدارة لصالح التنظيم‬ ‫السيايس‪ ،‬إال أنهم كلهم لألسف مل يجدوا إمكانية لفعل ذلك حيث عربوا عن‬ ‫اختالف عميق بني املسألتني وبالطبع كانوا مخطئني؟‬ ‫‪ -20‬املفاجاة رمبا غريالسارة أن املذكور أصبح وزيرا يف مرحلة الحقة!‬

‫‪153‬‬


‫ألننا قمنا ضمن فريق د‪.‬حسن املطري‪ 21‬بتطويع كافة مفاهيم اإلدارة‬ ‫وعلم االجتامع وعلم النفس والفكر والفلسفة وغريها من املواضيع ذات‬ ‫الصلة‪ ،‬قمنا بتطويعها للوضع التنظيمي القيادي اإلنساين‪.‬‬ ‫يف مرحلة الحقة قمت بحمل ملفني ضخمني من املواد التدريبية التثقيفية‬ ‫التي ُج ّهزت من قبل عرشات األساتذة والكوادر عىل مدار سنوات يف سياق‬ ‫نفس القاعدة وسلمتها يف تونس لألخ هايل عبد الحميد (أبوالهول) الذي‬ ‫كان له حينها رحمه الله اهتامما عاليا بذلك‪ ،‬كام كان لألخ محمد غنيم (أبو‬ ‫ماهر) مسؤول التعبئة والتنظيم للحركة ذات االهتامم‪.‬‬ ‫عدد كبري من املواد وأغلب العناوين الرئيسة هي ذاتها التي استندنا‬ ‫عليها يف عملنا كمسؤول للتدريب والدورات يف التعبئة والتنظيم يف تونس‪،‬‬ ‫ثم يف فلسطني مع اتباع منهج منفتح يف التفكري ما أثرى وأغنى‪.‬‬ ‫أضفنا الحقًا مع عدد من األساتذة الكرام أخوات واخوة يف حركة فتح‬ ‫عناوين وتفصيالت أخرى هامة وذلك يف دورات األقاليم يف الخارج‪ ،‬ثم منذ‬ ‫العام ‪ 1996‬يف دوراتنا يف الوطن‪ ،‬لتظل اإلدارة إدارة نحتاجها يف أي جامعة‬ ‫او مؤسسة او تنظيم سيايس‪.‬‬ ‫كيف تعطي األوامر‬

‫أجد من املفيد يف املؤسسات عامة‪ ،‬وخاصة يف املنظامت املجتمعية‬ ‫والسياسية أن يتم التعامل مع األعضاء ضمن الهيكل أو اإلطار بعقلية‬ ‫املشاركة ال عقلية التابع واملتبوع‪ ،‬لذا فإن إعطاء األوامر يجب أن يأخذ شكل‬ ‫التوجيه واإلرشاد وضمن آليات اتخاذ القرار التي ترتبط باالجتامع واللوائح‪.‬‬ ‫‪ -21‬حسن املطري أو أبوعيل املطري‪ ،‬واسمه الحريك عيىس الكردي قيادي فلسطيني فذ من‬ ‫حركة فتح‪ ،‬واحد أهم القيادات املميزة التي أدخلت فن اإلدارة يف سياق العمل التنظيمي‬ ‫يف عمل الدورات التنظيمية والسياسية يف الكويت من العام ‪ ،1990-1987‬وكنا معها‬ ‫مزاملني يف هذا العمل الهام‪.‬‬

‫‪154‬‬


‫وبعد صدور القرار تأيت اللحظة الحرجة حيث أن طريقة تطبيق القرار‬ ‫عرب تبليغه يجب أال تأخذ صفة األمر املبارش‪ ،‬ملاذا؟ يجيبنا عىل ذلك الكاتب‬ ‫(ف‪ .‬جون ريه)‪ 22‬كالتايل‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪.2‬‬

‫‪.3‬‬

‫‪.4‬‬

‫‪1‬ال ِ‬ ‫تعط األوامر‪ :‬ألنه عندما تُعطى األوامر فإنك تطلب من شخص ما أن‬ ‫يفعل شيئا مثل (ضع امللف يف الدرج )‪ .‬انك عندما تعطى األوامر فإنك‬ ‫ال تتيح للشخص أن يفكر ماذا يفعل أو كيف يفعله‪ .‬كل ما يفعله هو‬ ‫أن يرضيك بأن ينفّذ حرفيا ما قلته (أمرت به)‪ .‬هناك سببان يجعالن‬ ‫هذا الشئ سيئا األول انك ال تسمح للشخص أن يتصور أفضل الطرق‬ ‫لتحقيق املهمة‪ ،‬وثانيا‪ :‬ال تدعه يتعلم‪.‬‬ ‫‪ِ 2‬‬ ‫أعط اإلرشادات بدالً من األوامر‪ :‬عندما تحدد للشخص (سواء املوظف‬ ‫أو الكادر) ماذا تريد أن ينفّذ بدال من إعطاء األوامر فإنك تعطيه‬ ‫الحرية لبذل كامل جهده ليحقق املهمة‪ .‬ومع ذلك فإن هذا ليس دامئا‬ ‫الحال ألنك قد تحتاج للمتابعة والتوجيه‪ ،‬ولكن تبقى فرصة أن يقوموا‬ ‫بعمل أفضل مام خططت له‪.‬‬ ‫‪3‬ويضيف «ف‪ .‬جون ريه» أن الشخص عندما يُعطى اإلرشادات‬ ‫والتوجيهات بدال من األوامر‪ 23‬فان عليه أن يفكر وليس إتباع األوامر‬ ‫فقط‪ ،‬حيث ينخرط (الكوادر أو املوظفون الذين أعطوا اإلرشادات) يف‬ ‫التفكري بآليات التنفيذ واتخاذ القرار بأفضل طريقة وبأن يستثمرون‬ ‫القليل من ذواتهم يف الحل‪ .‬وأيضا تتولد لديهم القناعة مبا فعلوا‬ ‫فيقدرونه ويدافعون عنه‪.‬‬ ‫‪4‬كن واض ًحا‪ :‬األوامر دوما واضحة (قدم يل التقرير عىل مكتبي يوم‬ ‫الخميس) متثل أمرا ً فال تدع مجاالً للتفسريات‪ ،‬وعليه فعندما تعطى‬

‫‪ -22‬ف‪.‬جون ريه كاتب ومؤلف متخصص بعلم االدارة‪ ،‬وخبري يف فن االدارة ومهاراتها‬ ‫حيث خصص جون وقته طوال حياته املهنية إلرشاد املديرين الجدد‪ ،‬يف كثري من األحيان‬ ‫النساء واألقليات‪.‬‬ ‫‪ -23‬التوجيه او اإلرشاد دالة عىل الطريق وسياقات متعلقة بالخطة ومباديء توصل للهدف‬ ‫وتعطى بشكل سلس وهو من سامت املديرالفعال والقائد بينام االوامر تفهم مبنطق الجرب‬ ‫والقرس‪.‬‬

‫‪155‬‬


‫التوجيهات تحتاج لتكون واضحاً بشأن النتائج املتوقعة‪.‬‬ ‫يشعر بعض السياسيني والقادة واملسؤولني ذوي الرؤية القصرية باملكانة‬ ‫أو القوة عرب مامرسة سيطرتهم عىل اآلخرين ومن أشكال هذه السيطرة‬ ‫إصدار األوامر بشكل واضح أو غري واضح‪ ،‬ولكنه صارم وملفت للنظر‪.‬‬ ‫إال أنه يف اإلرشادات فإن قاعدة الوضوح تعنى أال تقول مثال‪( :‬أريد منك‬ ‫أن تراجع تقارير الشهر املايض وأن ترجع يل)ألنها جملة قليلة الوضوح‪ ،‬بل‬ ‫ممكن أن تقول يف لقائنا يوم الخميس أريدك تنظيم تقارير الشهر املايض‬ ‫يف قامئة واحدة وأن تقول يل أين تقدمنا وأين تراجعنا‪ ،‬ما يعنى وضوحاً أكرث‬ ‫للتوجيهات‪.‬‬ ‫‪ِ .55 .5‬‬ ‫أعط التوجيهات ال األوامر‪ :‬وبواقع االستفادة من نفس الكاتب يقول‬ ‫أن واجبك كمدير (أو قائد أومسئول) أن تجعل األشياء تحصل‪ .‬وهذا‬ ‫يعنى أيضا أن تحصل األشياء من خالل اآلخرين‪ .‬انك عندما تعطي‬ ‫األوامر فانك تق ّيد الفريق (املجموعة) مبستوى خربتك فقط‪ ،‬ولكن‬ ‫عندما تعطى التوجيهات تدع الكوادر (أو املوظفني)أن يساهموا مبا‬ ‫يستطيعون‪.‬‬ ‫من املمكن أن تكون مساهامتهم ليست بنفس جودة ما تفعل‪ ،‬ولكنها‬ ‫تعطي مؤرشا عىل انك يجب أن تعطيهم تدريبات أخرى‪ .‬وعىل الرغم من‬ ‫ذلك قد تكون أفضل من فكرتك‪ .‬عندما يحصل ذلك يكون لديك كادر(أو‬ ‫موظف) يشعر باالنخراط واملشاركة كام يشعر بالتحفيز‪ ،‬وتبدو أنت أكرث‬ ‫فطنة‪.‬‬ ‫استغالل المرأة في التنظيمات السياسية‬

‫أصبح الجميع يتغنى بدور املرأة يف العمل السيايس‪ ،‬وقبله يف العمل‬ ‫املجتمعي والنشاطات الجامهريية‪ ،‬فبعد سنوات طوال من إغفال دور املرأة‬ ‫وتهميش وجودها بدأت التنظيامت السياسية وألهداف مصلحيه وليس‬ ‫لقناعة عميقة برفع شعارات متكني املرأة أو املرأة املؤمنة أو إرشاك املرأة يف‬ ‫‪156‬‬


‫القرار وغريها من الشعارات‪.‬‬ ‫استندت التنظيامت إىل الواقع االجتامعي الستغالل املرأة فالتنظيامت‬ ‫(اإلسالموية – السياسية)استغلت الجهل املجتمعي العام ومنه جهل بعض‬ ‫النساء‪ ،‬أو قلة وعيهن وخضوعهن للقيم املوروثة واملرتبطة خطأ باإلسالم‬ ‫لتكريس دعم النساء لهذه التنظيامت واألحزاب‪.‬‬ ‫ففي أكرث من بلد عريب استُغلت النساء تحت مظلة رموز أو شعارات‬ ‫دينية من مثل (صوتك أمانة) و(اإلسالم هو الحل) و(إقامة الشهادة لله)‬ ‫و(يد املتوضئ هي خري يد تصون) بوصفها التنظيامت التي تحمل صفة‬ ‫(املمثل الرشعي الوحيد لإلسالم) وباستغالل مبدأ املشاركة ليس كمبدأ‬ ‫دميقراطي وإمنا كواجب ديني‪.‬‬ ‫لقد لعبت البيئة االجتامعية الثقافية ذات الطابع التقليدي املاضوي‬ ‫التي تربط اإلسالم بالخرافات وتقديس شيخ الجامع أو الداعية –كام كانت‬ ‫الحال يف العصور الوسطى يف أوربا حول مركزية الكنيسة‪-‬حتى لو ارتكب‬ ‫الخطايا دورا يف تطويع عقول النساء خاصة عرب جلسات القسم والحلفان‬ ‫عىل انتخاب ممثيل التنظيامت (اإلسالموية) ألنهم ميثلون الله دون سواهم‪،‬‬ ‫ويدعمون ماليا وألنه ال يجوز الحنث بالقسم ما قد يشوه الجنني أو يسقط‬ ‫االبن يف الثانوية العامة أو يجعل من جسد املرأة أو زوجها أو أوالدها مرتعاً‬ ‫لألمراض ما يلقى قبوال عند العامة‪.‬‬ ‫ومل يكن الستغالل املرأة باعتبارها ضمن الفهم الناقص أنها «ناقصة عقل‬ ‫ودين» «ال يجوز توليها األمور العامة من حكم وقضاء خاصة»‪ 24‬مقترصا‬ ‫عىل التنظيامت االسالموية‪ ،‬بل ان عديد تنظيامت املجتمع املدين السياسية‬ ‫وغري السياسية األخرى من دميقراطية أو علامنية أو يسارية قد مارست ذات‬ ‫‪ -24‬يف العام ‪ 2012‬أصدر “االخوان املسلمني” اعالنا برفع الحظر! عن والية املراة! أي تم‬ ‫السامح لها حسب فكرهم املشاركة بالشؤون العامة أي ان تكون رئيسا او قاضية‪ ،‬بعد أن‬ ‫رفضوها ‪ 80‬عاما‪.‬‬

‫‪157‬‬


‫االستغالل! إما عرب مزيد من التحرر واالنفالت الذي يتنايف بكثري من أشكاله‬ ‫مع الدين اإلسالمي وحضارتنا ومع القيم واألخالق املرشقية عامة‪ ،‬أو تبني‬ ‫(أجندات)املنظامت واملؤسسات األجنبية يف النوع االجتامعي (الجندر) ويف‬ ‫العنف األرسي ويف حق املرأة بجسدها‪ ...‬الخ من العناوين التي ال تتفق مع‬ ‫قيمنا الرشقية يف الدين اإلسالمي والدين املسيحي‪.‬‬ ‫أما عن االستغالل بحجم املشاركة‪ ،‬فلقد اتفقت غالب التنظيامت عىل‬ ‫حرص حصة املرأة يف القيادة السياسية فعليا بالحد األدىن تحت دعاوى مختلفة‬ ‫منها حرمة االختالط أو عدم القدرة عىل السهر‪ ،‬أو رفض هذه التنظيامت‬ ‫وجود املرأة من أساسه يف قمة هرم السلطة يف الحزب أو الدولة‪.‬‬ ‫يف حالتنا الفلسطينية ‪-‬عىل سبيل املثال‪ -‬تتمثل املرأة يف قيادة حركة فتح‬ ‫املركزية بسيدة واحدة وعرش أخوات أو أكرث يف مجلسها الثوري‪ ،‬بينام يغيب‬ ‫مثل ذلك يف األطر الحزبية يف فصيل «حامس»‪.‬‬ ‫ويف حني تقوم املرأة بحركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬فتح بدور نشط‬ ‫يف زيادة حجم مشاركتها من باب األهلية واملساواة نجد الحث يف حامس عىل‬ ‫استبعاد ذلك يف األطر التنظيمية حيث األولوية للزوج والبيت واألوالد رغم‬ ‫اضطرار كافة التنظيامت إلعالن أسامء نساء مشاركات يف املجالس البلدية‪،‬‬ ‫أواالنتخابات الترشيعية رضوخا للقوانني فقط أو كسبا ألصوات النساء دون‬ ‫قناعة حقيقية بدورها‪.‬‬ ‫ورغم هذا االقصاء املفاهيمي للمراة يف التنظيامت اإلسالموية فإنه‬ ‫يسجل للمرأة بحامس رضائها بدورها املحجم‪ ،‬وهي من وقفت وراء عدد‬ ‫من انجازات حامس‪.‬‬ ‫إن استغالل املرأة يف األحزاب السياسية عامة يأيت من عدم احرتام دورها‬ ‫أوال‪ ،‬ويأيت من النظر إليها نظرة سلبية ثانيا‪ ،‬وأيضا باعتبار أن املرأة التي‬ ‫تعمل يف الشأن العام أما مسرتجلة أو أرملة أو مطلقة يف آلية تعريض بالنساء‬ ‫‪158‬‬


‫تسخف من قدرات وإمكانيات النساء‪ ،‬وتلجم الكثريات عن املشاركة خاصة‬ ‫والنظرة للمرأة املختلطة يف الرجال بالنشاط العام ال تحظى باحرتام ٍ‬ ‫كاف‬ ‫يف املجتمعات التقليدية ما تكرسه التنظيامت الدينية من جهة وكثري من‬ ‫كادرات التنظيامت األخرى ذات الواقع االجتامعي الثقايف املحافظ‪.‬‬ ‫تعيش كثري من كوادر األحزاب يف رصاع نفيس وتناقض ففي حني يشارك‬ ‫الكادر الرجل املرأة يف مواقع ومواقف ونشاطات مختلفة نجده يرفض ذلك‬ ‫لزوجته أو أخته أو ابنته ألنه ال يرى بها األهلية أويعتقد أن البيت مكانها‬ ‫الوحيد أو ال يثق ببيئة العمل أو االتصال التي تشارك فيها‪ ،‬أو أن يعرب عن‬ ‫رغبة بالتواصل مع املرأة ألهداف مختلفة ما ال يرغبه من اآلخرين يف قريباته‪،‬‬ ‫ما يدلل عىل هشاشة اميانه بالفكرة‪.‬‬ ‫أن النظر للمرأة كأم أو ابنة أو زوجة هو تحديد لوظيفتها ودورها يف‬ ‫املجتمع‪ ،‬والخوف من دخولها نطاق العمل العام هو حرمان املجتمع من‬ ‫أفكار وإبداعات وقدرات يجب استثامرها يف املرأة التي يجب ان ينظر لها‬ ‫كإنسان ومواطن له كافة الحقوق وليس غري ذلك‪.‬‬ ‫مع االحرتام الكامل لخصوصية املرأة ولخصوصية الر ّجل فلكل يف املجتمع‬ ‫اإلنساين دور تشاريك هو الذي يحافظ عىل النوع والبقاء ويف غري هذا الجانب‬ ‫فال اختالف الن الله خلق عقال منحه الرجل واملرأة ليتم استثامره يف كامل‬ ‫املجتمع ال من خالل نصفه فقط وتحت ذرائع وأسباب لن تصمد مع الزمن‪.‬‬ ‫يف حركة فتح ليس غريبا أبدا أن تفرد للمرأة مكانة هامة ضمن كافة‬ ‫الربامج واملشاريع النضالية امليدانية والثقافية واإلعالمية والسياسية ويف كافة‬ ‫القطاعات‪ ،‬وكام نفعل نحن يف دوراتنا وندواتنا كنموذج مرشق‪.‬‬ ‫وال يفوتنا التنويه للرسالة التي وجهها الرئيس محمود عباس للمرأة يف‬ ‫عيد املرأة قائال‪( :‬إن املرأة هي التي ربت األجيال وزرعت يف قلوبهم حب‬ ‫الوطن‪ ،‬وكانت رشيكا للرجل يف مواجهة املظامل التي لحقت بشعبنا) وقال‪:‬‬ ‫‪159‬‬


‫(املراة نصف املجتمع وهي املربية للنصف اآلخر‪ ،‬وهي املرساة والحضن‬ ‫الدايفء‪ ...‬إنها األم والزوجة واألخت والبنت‪ ،‬وهي املناضلة واألسرية والشهيدة‬ ‫والجريحة‪ ،‬لذلك فإن حقوقها يف املساواة مع الرجل ليست ِم ّنة منه بل هي‬ ‫أسس بناء وطننا ومجتمعنا السليم‪ ).‬وال تعليق فهذه هي حركة فتح‪.‬‬

‫‪160‬‬


‫عناوين القيادة‬ ‫القائد‪ 25‬المزاجي‬

‫يف النظام األسايس لحركة فتح‪ 26‬ويف ‪ 3‬مواضع عىل األقل يتم التعرض‬ ‫للمزاجية‪ ،‬يف املادة ‪ 29‬فرع هـ منه ترد كلمة املزاجية مرفوقة بالرفض‬ ‫ومقرونة بالعقاب حيث أن االنضباط يعنى‪ :‬عدم اتخاذ القرارات الفردية‬ ‫واملواقف املزاجية‪ ،‬ويف املادة ‪ 38‬الفرع «ل»‪ ،‬يعد من واجبات العضوية‬ ‫العمل بروح أخوية وجامعية ونبذ كل األساليب الفردية واملزاجية‪ ،‬وألن‬ ‫املزاجية والعشوائية والفوىض متثل مسلكيات مرتبطة معا فإن التنظيم‬ ‫السيايس يضع أنظمة ولوائح داخلية لتحكم بدال من ذاك املزاجي الذي يعترب‬ ‫أنه املرجعية بال قيم أو لوائح أو رادع‪.‬‬ ‫املزاجي يف الحياة العادية شخصية متذبذبة غري قادرة عىل بناء عالقات‬ ‫دامئة أو القيام بأعامل نافعة أو ذات أثر فام هو الحال عندما يكون هذا‬ ‫املزاجي قد وصل لقمة الهرم يف مؤسسة أو منظمة أو رشكة؟‬ ‫مفيد كان يف قمة هرم وزارة من الوزارات وكان هو املرجعية ملعظم أن مل‬ ‫يكن لكافة املوظفني بحكم موقعة ورغم أن الوزارة يفرتض أن يحكمها لوائح‬ ‫ونظم إال أن السيد مفيد مل يكن ذا صلة بهذه املفاهيم‪.‬‬ ‫يأمر بأمر هنا ولجهة محددة ويف ذات الحالة مع جهة أخرى يصدر أمرا‬ ‫مخالفا‪ ،‬يعاقب املوظف الفالين عىل جرم هو يراه جرما‪ ،‬اقرتفه دون سند‬ ‫‪ -25‬تعريف القائد يفرتض توفرعنارص منها القدرة للقائد كطرف أول بالتأثري عىل اآلخرين‬ ‫“تحت مسؤوليته” كطرف ثاين‪ ،‬وتوجيههم نحو تحقيق األهداف وفق الخطة‪ ،‬أوميكننا‬ ‫تعريف القيادة أنها‪ :‬تحقيق األهداف من خالل اآلخرين بحفز كل طاقتهم‪ .‬ومن هنا فمن‬ ‫زاوية القيم واالخالق قد نجد القائد اليسء اوالسلبي او باملقابل الجيد أوااليجايب‪ ،‬ولكنه‬ ‫قائد بالحالتني لتوفر العنارص بالتعريف‪.‬‬ ‫‪ -26‬يف املؤمتر السادس لحركة فتح عام ‪ 2009‬تم تغيري اسم النظام األسايس اىل النظام‬ ‫الداخيل‪.‬‬

‫‪161‬‬


‫قانوين‪ ،‬وال يعاقب املوظف الفالين عىل ذات الجرم‪.‬‬ ‫يطلب من املوظفني احرتام املرجعيات‪ ،‬ويخرتق األقسام واإلدارات‬ ‫والفروع غري آبه بوجود مسؤولني فيها‪ .‬يضع أطر بديلة لكل من ال يعجبه‬ ‫ورسعان ما يلقى بهذه األطر أو الشلل يف غياهب املجهول فال تعود تعلم‬ ‫أهي الرشعية أم تلك القامئة حسب هيكلية الوزارة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال يقبل بانتقاده أبدا‪ ،‬وهو مسموح له بنقد وشتم والتعريض مبن يشاء‬ ‫ويف االجتامعات‪ ،‬ويرى الحرية موقوفة عليه وعىل (شلّته)‪ ،‬ويجب أن يُحرم‬ ‫من نسمة الحرية كل مخالف ملزاجه العكر واملتغري‪.‬‬ ‫(يجب أن تكون العالقات بني األعضاء عالقات موضوعية مقياسها مبادئ‬ ‫الحركة وأنظمتها‪ ،‬وال يكون هناك مكان لعالقات شخصية مبعثها الرغائب‬ ‫والهوى ‪ -‬كام تقول املادة ‪ 5‬من مقدمة النظام األسايس لحركة فتح)مع‬ ‫(رضورة محاربة كل مظاهر الغرور والكسل والبحث عن الراحة واملزاجية‬ ‫وسائر املظاهر الضارة– املادة ‪ 38‬ن )‪.‬‬ ‫الشخص املزاجي وبال عىل نفسه وأرسته وأصدقائه فكيف وهو يف موقع‬ ‫املدير أو الوزير أو القائد أو املسؤول يف التنظيم أو املؤسسة أو كصاحبنا‬ ‫‪27‬‬ ‫السيد مفيد املدير العام يف الوزارة؟!‬ ‫القائد المدّعي!‬

‫متر عليك يف حياتك مناذج متنوعة من الشخصيات فيها املنجز أواملفكر‬ ‫أو الناقد أو االنبساطي املرح أو مغلق العقل أو املدعي أو األناين أواملفعم‬ ‫بالحيوية أو‪...‬الخ‪ ،‬ورمبا ال تستطيع أن تحدد مالمح وصفات الشخصية من‬ ‫اللقاء األول عىل أهميته‪ ،‬وبالرضورة تستطيع أن ترسمها بوضوح من خالل‬ ‫التجربة‪.‬‬

‫‪ -27‬هناك فروقات بني مفهوم املدير ومفهوم القائد‪ ،‬فقد يكون القائد مديرا‪ ،‬وال يكون‬ ‫املدير قائدا‪ .‬فالقائد يعلم األنصار ويطورهم ويسألهم ويهتم بهم ويشكر من ينجز بل‬ ‫ويذكر منجزاتهم‪ ...‬إنه ببساطة “نحن وليس أنا”‪.‬‬

‫‪162‬‬


‫والشخص امل ّدعي هو من يستثمر الوقت املخصص له‪ ،‬ويرسق أوقات‬ ‫اآلخرين ليضفى عىل شخصيته محدودة الكفاءة بالحقيقة أهمية طاغية‬ ‫معلوم لدى الغالبية يقينا أنها وهمية‪ ،‬حيث تظهر الرثثرة منه لساعات‬ ‫طويلة تراها مليئة باالدعاء أوالكذب أو بالعلك وتكرار الكالم‪ ،‬أو يف تعميق‬ ‫املشاكل والخالفات ال حلها‪.‬‬ ‫الشخص او القائد املدعي هو من أخطر األنواع التي تصادفها‪ ،‬فهي‬ ‫تستطيع أن ترسم لشخصها تاري ًخا يف أذهان اآلخرين‪ ،‬وان كان بالحقيقة‬ ‫وهميا أو مبالغا به‪ ،‬ولكن التكرار واالرصار من شخصه وصمت اآلخرين الذين‬ ‫يعرفونه‪ ،‬وجهل البعض اآلخر يجعل مثل هذه النوعية تتقدم الصفوف‪.‬‬ ‫القائد الملهم‬

‫من الصعوبة مبكان أن تنجب األمة زعامء أو رم��وز‪ ،‬إذ أن صناعة‬ ‫الرمز تحتاج ملواهب شخصية حادة وبارزة ولقدرات عالية‪ ،‬و)آللية أو‬ ‫ملاكنة(مرافقة للشخصية‪ ،‬إضافة لتوفر الظرف املناسب سياسيا أو اقتصاديا‬ ‫أواجتامعيا أوكلها معا‪.‬‬ ‫ورابعا عامل ارتباط الشخص بقضية يكرس نفسه لها ضمن امتالكه‪،‬‬ ‫وخامسا وجود فكرة أو أهدافا أو رؤية ووسائل فعالة وإبداعية تلهم‬ ‫الجامهري وتحفزهم وتجعلهم ينخرطون يف العمل تحت لواء هذا القائد‬ ‫امللهم أو الزعيم‪.‬‬ ‫وألنه كذلك فإن الزعيم أو القائد امللهم قد ال يتكرر يف نفس املجال‬ ‫(مجال سيايس‪ ،‬اقتصادي‪ ،‬اجتامعي‪ ،‬ديني‪ ،‬فني‪ ...‬الخ) إال كل عرشات السنني‪.‬‬ ‫أن العوامل الخمسة املذكورة أعاله والتي تسهم يف صناعة القائد املحفّز‬ ‫أو امل ُلهم لآلخرين وهو يف ذات الوقت قد يصبح الزعيم أو الرمز‪ ،‬هذه‬ ‫العوامل من الصعب أن تتوفر كل سنة أو عقد ورمبا قرن‪.‬‬ ‫‪163‬‬


‫فام بالَكُم ونحن نصطدم يوميا مبجموعة من الشخصيات يف العامل الثالث‬ ‫هم قادة بأحزابهم أودولهم أومنظامتهم املختلفة ويظنون كل الظن إىل حد‬ ‫اليقني أن الدولة أو الحزب أو التنظيم بدونهم سيتقهقر وينهار!‬ ‫هؤالء املتوهمون يعتقدون أن جهودهم جبارة وبدونهم فإن الحزب‬ ‫كالخيمة منزوعة العمدان! بل ولديهم يقني أنهم أصحاب رؤيا أو فكرة‬ ‫تتعاىل عن الجامهري وترتبط فقط باملجال الذي يصنعونه ألنفسهم فكريا أو‬ ‫دينيا أو سياسيا أواجتامعيا!‬ ‫وعليه فإن الحزب أو األمة أو العامل يعتمد عليهم وعىل أفكارهم امل ُلهمة‬ ‫أو جهودهم الجبارة؟! فهم يقودون وما عىل األمة إال الطاعة والخضوع‬ ‫واالستمتاع بنتائج قراراتهم!‬ ‫هذا الصنف من القادة (العظام!) كام يعتقدون رمبا تجده يف سوق‬ ‫الخضار أو عند سواقي سيارات االجرة (التاكيس) ورمبا عند عامل البناء كام‬ ‫تجده يف املستوى السيايس‪ ،‬وهو بيقينه بأفضليته وعبقريته وقدرته عىل‬ ‫إلهام اآلخرين مييش كالطاووس فال تسعه األرض لذا يتلقّب بألقاب الفخامة‬ ‫والسيادة والغبطة واملشيخة! وكيف ال وهو القائد (امللهم) و(العبقري) الذي‬ ‫مل ينجب الزمان له مثيال رغم امتالء املكان الذي يعمل فيه أو يتحرك من‬ ‫خالله بالعرشات الذين يقنعون أنفسهم أنهم مثله أو أفضل منه‪.‬‬ ‫إن القائد الذي يعترب نفسه العبقري أو القائد امللهم‪ ،‬هو أحد أبرز أسباب‬ ‫تخلف األمة أمتنا العربية واإلسالمية وهو أحد أهم عنارص تردي مقومات‬ ‫الدول من صناعة واقتصاد وتجارة وعلم بل وفن‪ ،‬ألنه باعتباره الشخصية‬ ‫الشاملة الكاملة التي تفهم يف كل العلوم عامة أو ضمن مجاله‪ ،‬يعني منطقه‬ ‫هذا عدم الحاجة للعلامء أو األدباء أو املختصني‪.‬‬ ‫نظرة فاحصة عىل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وعىل التنظيامت‬ ‫السياسية الفلسطينية تجعلنا منتلئ رعبا وغامّ إذ نجد (قادة عظام!) من‬ ‫‪164‬‬


‫مختلف األعامر ورمبا من ما قبل سن البلوغ‪ ،‬أما سقف السن فمفتوح‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن األمراض النفسية ألمثال هؤالء فهم يف الكثري منهم‬ ‫معدومي العافية الجسدية وال يَعتربون‪.‬‬ ‫القائد امللهم أو الرمز قد يظهر يف أي املجاالت رمبا يف كل قرن مرة ورمبا‬ ‫ال يجود علينا الزمان مبثله إال كل قرنني ويظل يف التاريخ عنوانا يف األدب‬ ‫أو العلم أو السياسة أو الحكمة أو الرياضة أو الفن أوالدين ماال ينفع معه‬ ‫أفعال أولئك الذين تحركهم ظنون العظمة واالستعالء والتكرب واإللهام ألنهم‬ ‫زائلون بال أثر‪ ،‬تالحقهم تعرث الغراب يف مشيته وضحكات أقرانهم‪ ،‬وسخرية‬ ‫الجامهري امل ّرة منهم‪.‬‬ ‫قيادة الفوضى!‬

‫هناك نوع من املسؤولني‪ ،‬وهم إما قادة أو مدراء يتولون إدارة مهام‬ ‫العمل يف مؤسسات‪ ،‬خاصة يف التنظيم السيايس عرب رسم التوجهات وإطالق‬ ‫الرؤية وتحديد السياسات‪ ،‬ثم يقومون بعد ذلك بتسليم مفاتيح العمل لكل‬ ‫مبادر وقادر عىل العمل‪ ،‬يدعمونه ويصدون عنه كل محاوالت التخريب أو‬ ‫القفز أوالتهميش أو التحقري‪.‬‬ ‫عندما يضع املدير أو القائد األهداف أو رؤية أو سياسة للعمل‪ ،‬ويختارأو‬ ‫ينتخب الطاقم يصبح دوره الرئيس بعد هاتني املرحلتني هو إمساك الخيوط‬ ‫ملنعها من التشابك‪ ،‬فال تضارب وال تقاطع‪ ،‬ويصبح دوره رسم مجاالت‬ ‫التعاون بني األطر واألفراد عرب توفري مناخ من الرعاية ومن خالل عملية‬ ‫الرقابة والتقييم واملتابعة‪.‬‬ ‫إن املتابعة فن ال يتقنه إال القلة من القادة امللهمني (بكرس الهاء) أواملدراء‬ ‫املبدعني ألن املتابعة عني عىل الخطة وعني عىل التنفيذ‪ ،‬واملتابعة فن متهيد‬ ‫السبل وتعبيد الطرق أمام القافلة ال إعاقتها أو نهبها‪ ،‬واملتابعة للقائد فن‬ ‫‪165‬‬


‫إدارة املوارد واألفراد لتحقيق الرؤية عرب االنجاز وتحقيق النتائج‪.‬‬ ‫إن القيادة بالرؤية قيادة شفافة ذات صدر مفتوح وأيادي مرحبة‪ ،‬قيادة‬ ‫الثقة بالذات واآلخرين‪ ،‬قيادة الطاقة التي تنطلق من الشخص كأنه كوكب‬ ‫دري ييضء يف اآلخرين أداء متعاظام‪ ،‬وينابيع متدفقة حيث التحفيز يعد‬ ‫عامال حاسام يف صاحب الرؤية الذي يعمل تحت ضوء الشمس ال يف الظلمة‪.‬‬ ‫يف التنظيم السيايس أفراد وصلوا ملواقع القيادة (أي املستويات التنظيمية‬ ‫العليا) يف غفلة من الزمن ليقودوا يف الفوىض‪ ،‬أو كام كان يردد أحد أعضاء‬ ‫اللجنة املركزية لحركة فتح ويسميهم القادة بالصدفة‪ ،‬وهؤالء وصلوا‬ ‫ملواقعهم نتيجة الرصاعات السياسية‪-‬التنظيمية‪-‬املصلحية‪ ،‬أو أوهام العمل‬ ‫الرسي أولقدرات انتهازية بلطجية طاغية أو لتقاطعات مراكز القوى أو‬ ‫العتبارات القبيلة او الجغرافيا‪.‬‬ ‫ومن هؤالء من يفتقر للبناء الذايت‪ ،‬فال هو ذو خلفية ثقافية عملية‬ ‫ِ‬ ‫مكتف مبا‬ ‫تساعده عىل ملء موقعه‪ ،‬وال هو يريد أن يتعلم أو يتطور فهو‬ ‫استقر يف رأسه من سنوات طوال فال كتاب وال دراسة وال جريدة تستحق‬ ‫القراءة!‬ ‫أو كام قال يل أحدهم متفاخرا؟! وهو ميط يديه وراء رأسه الكبرية‪ ،‬وهو‬ ‫جالس خلف مكتبه الوثري‪ :‬والله انني مل أقرأ كتابا من أربع سنوات؟!‬ ‫إن مثل هؤالء القادة يف خضم الفوىض تراهم أجسادا بال روح وشخصيات‬ ‫قد تظن أنت أنها للوهلة األوىل مليانة كام يقولون‪ ،‬ولكنه عندما يتكلم أو‬ ‫حتى يتنفس تكتشف أنه الطبل األجوف‪.‬‬ ‫إن املوكوسني من قادة الفوىض يحبون الرجال والنساء الضعفاء‪ ،‬ويقدرون‬ ‫العنارص باهتة املالمح‪ ،‬واألف��راد ذوي الحاجات املصلحية الذاتية ألنهم‬ ‫يستطيعون السيطرة عليهم بالتخويف أو املال أو إدعاء الوصول للمقامات‬ ‫العليا‪ ،‬أو عرب إظهار الرفق أو التدين أو الشعبية‪ ،‬فرتى األعضاء حوله مبنزلة‬ ‫‪166‬‬


‫األتباع أو املريدين من شيخ الطريقة فيستسلمون كليا‪ ،‬فام دامت حاجاتهم‬ ‫مشبعة فال بأس من قرع الدفوف يف عرس تنصيب القائد الفوضوي قائدا‬ ‫ملهام‪.‬‬ ‫إن القائد الفوضوي قائد بال مبادئ وبال قيم‪ :‬يحلف وال يلتزم ويفتي‬ ‫ويغري فتواه ويحلل بال دراية‪ ،‬هو نصف مستمع‪ ،‬يرسم ويخطط بال معلومات‪،‬‬ ‫ويرسق جهود اآلخرين دون أدىن حرج او خجل‪ ،‬ويكتل ويستزمل ومن يخرج‬ ‫من محيط دائرته يلقى العنت والشدائد‪.‬‬ ‫إن قائد الفوىض نقيض قائد الرؤية‪ ،‬حيث ال رؤية عنده وال تخطيط‪ ،‬وال‬ ‫تنظيم وال قوانني‪ ،‬وإمنا دفقات من األفكار العشوائية املرتبطة مبصلحة آنية‬ ‫تصيب أحيانا‪ ،‬وتنكرس يف أحايني كثرية‪ ،‬تنجح آنيا وتدمر التنظيم اسرتاتيجيا‬ ‫ولكنه يف نظره العليل وعقله الكليل عمل جليل ليس له مثيل‪.‬‬ ‫عندما يفتقد املدير أو القائد الرؤية والقيم والقوانني أو املبادئ أو مفاتيح‬ ‫العمل فإن عمله‪ ،‬وإن كرث جهد بال نتيجة وعمل بال مضمون وتعب مع رغبة‬ ‫يف ازدياد مبهمة األسباب‪.‬‬ ‫صادفت قائدا فوضويا من أكرث من عرشين عاما وكانت كنيته (أبو‬ ‫محمد)‪ ،‬وهو أيضا قائد بالصدفة حيث استشهد زمالؤه يف إطاره فلم يبق‬ ‫ليستلم املوقع إال هو‪ ،‬فكان أبو محمد ‪-‬رحمه الله اآلن‪ -‬يثري الغبار حول‬ ‫اآلخرين فيسد الرؤية عنهم ويسخف منجزاتهم وإن كانوا تحت إمرته من‬ ‫جهة‪ ،‬ويدبج املعلقات مبا يقوم به وإن كان من أتفه األمور‪ ،‬فعىل سبيل‬ ‫املثال ظهر تلك األيام جهاز املثالة (الفاكس) وهو كغريه أداة عمل إال أن‬ ‫قائد الفوىض اعترب الفاكس اخرتاعا رسيا فال ورقة أو رسالة تخرج أو تجيء‬ ‫إال تحت نظره وبيده هو فقط‪ ،‬فيصبح انتاج الفاكس انجازا من انجازاته‪،‬‬ ‫وما أسهل أن متحو اسم شخص لتكتب اسمك عوضا عنه حتى لقب املذكور‬ ‫باسم (فاكس مان)‪ ،‬وهذه األيام ظننت أن مثل هذا النوع انقرض فإذ ببيوض‬ ‫الديناصور تفقس‪ ،‬وعودة لصاحبنا أبو محمد الفاكسامن نوضح أنه مبجرد أن‬ ‫‪167‬‬


‫جفت املوارد املالية أطفئت عليه الكهرباء وأصبح املريدون ميرون عليه دون‬ ‫أن يحييوه حتى قىض كمدا‪.‬‬ ‫إن قائد الفوىض ينرش الفوىض ليسود‪ ،‬وقائد الفوىض يستغل الفوىض‬ ‫ليستمر‪ ،‬وقائد الفوىض‪-‬مع تحفظي أصال عىل تسميته بقائد‪ -‬يدعم الفوىض‬ ‫ليقود‪.‬‬ ‫يقول ملك اإلدارة الحديثة الفيلسوف (بيرت دراكر) إن القيادة نتائج‬ ‫وليست خصائصا‪ ،‬فامذا يفيد األمة قائد قنوع ذو أخالق حميدة ال يحقق‬ ‫نتائجا أوانجازات؟ّ فام بالك بقائد ال ميتلك ال الخصائص وال القدرة عىل‬ ‫االنجاز!!‬ ‫يف الثورة الفلسطينية‪-‬ولحقتها يف ذلك برسعة الريح حركة حامس‪ -‬نرى‬ ‫بوضوح من أشكال الصنف الثاين الكثري ورمبا أمناط أخرى سلبية‪ ،‬وهذا‬ ‫الصنف الفوضوي أو قائد الصدفة رغم أنه قد يستثمر بعضا مام يحفظ‬ ‫من ظاهر اآليات أو يتغنى بغابر األمجاد أويتظاهر بالعمل أو الجامهريية‬ ‫أوالبساطة‪ ،‬فإنه بتعبه هذا خارس وبال قيمة‪ ،‬ويظل أصحاب هذا النوع من‬ ‫اإلدارة يشكلون ثغرة يف املركب‪ ،‬أو تفاحة فاسدة يف الصندوق رسعان ما‬ ‫تصيب البقية بالعطن إن مل تنتزعه من حضنها‪.‬‬ ‫إن قائد الرؤية يف حركة فتح ويف أطر الثورة الفلسطينية باعتقادي موجود‬ ‫يف مختلف املستويات حتى مستوى الخلية‪ ،‬فحني ترى الفكر الوثاب ورعاية‬ ‫املبادرات وتطبيق القوانني وتحقيق للتعاون والتآلف بني األعضاء وحني ترى‬ ‫املركب يسري بثقة‪ ،‬وحني ترى متابعة بعينني مفتوحتني من رجل يشع طاقة‬ ‫تغمر اآلخرين ما يلههم للعمل فإنه بواردنا أن نتغري ونتقدم ونحقق أحالم‬ ‫األمة‪.‬‬

‫‪168‬‬


‫المهمشون‬

‫مل أكن أظن أنني سأصادف يف حيايت‪ ،‬وبشكل متكرر مثل هذه النوعية من‬ ‫البرش وهي نوعية من يطلق عليهم باملهمشني سياس ّيا‪ ،‬ولكن هذا ماحصل‬ ‫واضطررنا للتعامل معهم بصعوبة بالغة‪.‬‬ ‫إنك من املمكن أن تصنف املوظفني أو العاملني أو األعضاء يف التنظيم إىل‬ ‫‪ 3‬فئات أساسية كالتايل‪:‬‬ ‫الفئة األوىل‪ :‬العاملني أصحاب الرؤية وامللتزمني باالنجاز وتشكل ما نسبته‬ ‫تقريبا ‪.10%‬‬ ‫الفئة الثانية‪ :‬الراغبني بالعمل املحتاجني للتحفيز‪ ،‬أو املتكاسلني الذين‬ ‫يؤثر فيهم مناخ العمل وتشكل ما نسبته ‪.80%‬‬ ‫الفئة الثالثة‪ :‬وتتكون من صنفني هام الالمبالني او املهمشني‪ ،‬واىل جانبهم‬ ‫البلطجية‪.‬‬ ‫والفئة الثالثة هي من صادفتها بشكل متكرر وتعاملت بالطبع مع الفئتني‬ ‫األخريني ولكن هذه الفئة هي الفئة الخطرة ألنها بصنفها البلطجي تأرس‬ ‫التنظيم وترسقه وتصول وتجول مستخدمة كل أساليب اإلرهاب الفكري‬ ‫واإلداري واملايل‪.‬‬ ‫وبصنفها املهمش نتيجة تهميشها بإرادة منها أو بسبب اآلخرين فهي‬ ‫تعيش خارج سياق األحداث يف العمل أو التنظيم وقد تخطئ الحكم عليها‬ ‫بأنها ال مبالية مبعنى عدم رغبتها بأن تتخذ لنفسها دورا يف العملية اإلدارية‬ ‫أو التنظيمية‪.‬‬ ‫إن خطورة هذه الفئة تظهر بوضوح عندما تتاح لها الفرصة حيث أنها‬ ‫تتحول إىل وحش يريد أن يسرتد سنوات عمره الفانية التي عاش فيها منبوذا‬ ‫أو مهمشا أو يتحول إىل كلب مطواع للسيد البلطجي غال ًبا الذي فتح له‬ ‫الباب وجعل منه شيئا مذكورا‪.‬‬ ‫‪169‬‬


‫لقد كان صديقي ولنسمه فالح رجال ذو تاريخ نضايل ال يُنكر ولكنه شخص‬ ‫متطلب ال يعمل بقدر ما يطلب لذلك أدمن تقديم أوراق املساعدات املالية‬ ‫للرئيس عرفات رحمه الله‪ ،‬وأما يف عمله الوظيفي فقد كان محدود القدرات‬ ‫ال يعمل إال باتجاه واحد‪ ،‬ويريد من اآلخرين أن يحملوه عىل ظهورهم‪.‬‬ ‫ظل صديقنا فالح يف الظل عرش أعوام إىل أن جاء الوقت وقدمه أصدقاؤه‬ ‫بعد أن خلت الساحة فتحول إىل وحش كارس يلطم ذات اليمني وذات‬ ‫الشامل‪.‬‬ ‫أما الكلب املطواع للسيد البلطجي فكان رجال تعاملت معه عن بعد‪.‬‬ ‫كان قد فقد موقعه لسبب أو آلخر فلام أخرجه عدوه اللدود ضمن حسابات‬ ‫محددة يف التنظيم من قعر برئ النسيان تحول إىل ادأة لينة يف يده‪ ،‬ترضب‬ ‫ذات اليمن وذات الشامل دون التفات للصواب من الخطأ وإمنا يف آلية‬ ‫عرفان بالجميل ال تعرتف بالقوانني واللوائح بقدر ما تعيل من قدر الشخص‬ ‫الذي أعطاها عمال ومكانًا بني اآلخرين وبضع دريهامت بعد سنوات من‬ ‫العزلة والنبذ‪.‬‬ ‫القائد الحاسم‬

‫عرفت ثالثة مناذج من القادة يف الثورة الفلسطينية فيام يتعلق مبوضوع‬ ‫ُ‬ ‫حريصا حاز ًما حاسماً ‪ ،‬ال يرتك القضايا‬ ‫الحسم والبت يف األمر‪ ،‬فاألول كان‬ ‫ً‬ ‫تطول وال يدع مجاالً للفوىض أو للقيل والقال‪ ،‬وال يرتك مساحة اجتهاد غري‬ ‫منضبطة للوائح والنظم والقيم‪ ،‬إذ كان يسارع لطلب األطراف ذات العالقة‬ ‫باألمر أو املشكلة ويستمع ويربط الوقائع ويصدر الحكم فتنتهي املشكلة‪،‬‬ ‫وال تطول أو تتحول ألزمة‪ ،‬وال ترتك مساحة الستمرار التباغض أو التأثري‬ ‫السلبي عىل العمل‪.‬‬ ‫أما الثاين فكان قائدا متأن ّيا يطرح النموذج األبوي‪ ،‬يرتك املسائل لفرتة‬ ‫طويلة وال يتخذ موقفا من األطراف بشكل دائم‪ .‬قد يتخذه لصالح طرف مرة‬ ‫‪170‬‬


‫و يتجاوز املوقف للطرف اآلخر مرة أخرى‪ .‬أي أنه ال يحسم ولكن يتعامل‬ ‫مع املوقف ذاته مبنطق (التمرير)لهذا ثم التمرير لذاك الشخص بغض النظر‬ ‫عن القوانني واللوائح‪ ،‬وبغض النظر عن القرارات التي يكون هو من قام‬ ‫باتخاذها‪.‬‬ ‫وكان الثالث قائدا متهاونا يسعى للتوفيق وان مل يحصل يرتك األطراف‬ ‫تتصارع ويرتقب ظهور النتائج‪ ،‬ال يدافع عن قراره وال تهمه اللوائح‪ ،‬وينظر‬ ‫للمخرجات فان كانت يف صالحة من الطرفني رغم تنازعهام سعى للتهدئة‬ ‫دون إيجاد الحل الحاسم أو املرتبط باللوائح أو حتى املرتبط بقراراته‪ ،‬ولسان‬ ‫حاله يقول ما داموا يتصارعون ويرجعون يل يف كل مرة فليكن‪.‬‬ ‫األول يبني مؤسسة ألنه يحرتم اللوائح والقوانني والقيم‪ ،‬كام يحرتم‬ ‫التخصصات ويدافع عن قراراته‪.‬‬ ‫والثاين وسطى يحاول إرضاء الطرفني ومنحهام الفرصة للعمل بغض‬ ‫النظرعن اللوائح ويف سعى ضعيف لبناء عقلية املؤسسة بالتوافق‪.‬‬ ‫والثالث متهاون ال يهمه تواصل النزاع والخالف بقدر ما يهمه أال يخرس‬ ‫أحدا ولو عىل حساب القوانني والتخصصات واللوائح‪ ،‬وبقدر ما يهمه العمل‪.‬‬ ‫فهل نختار املؤسسة أم التوافق أم التناحر‪ ،‬وهل نختار املهتم باللوائح‬ ‫والقيم أم املهتم بإرضاء األشخاص أم نختار املهتم فقط بالعمل والنتائج؟‬ ‫يف التنظيم السيايس عامة‪ ،‬تتواجه األساليب الثالثة فال تنظيم وال يحزنون‪،‬‬ ‫وال مؤسسة وال خالفه‪ ،‬وال عناية تصل إىل حد تكريس الحرص‪ ،‬حتى أصبحت‬ ‫التنظيامت ملتقى لكتل وشلل وجامعات وفرق أشبه بالسوق «السوبرماركت»‬ ‫حيث العالمات التجارية لنفس املنتج متعددة وعليه بإمكانك أن تختار منها‬ ‫ما تشاء اليوم ما تلقيه غدا يف الزبالة وتختار غريه (والعوض بسالمتكم) كام‬ ‫يقول املثل الشعبي‪.‬‬ ‫‪171‬‬


‫المتابعة كمهمة قيادية‬

‫عندما يقوم أي شخص بعمل فإنه ينفذ مجموعة من الخطوات املتتالية‬ ‫التي ال يتم العمل إال بإنجازها‪.‬‬ ‫إن خطوات العمل هذه قد تحتاج لخطة وقد ال تحتاج عندما تصبح‬ ‫رتيبة (=روتينية) متكررة‪ ،‬فالنجار عندما يذهب إىل بناية ليحدد متطلبات‬ ‫األبواب للشقق يبدأ بأخذ القياسات ثم يحدد السعر ويعود ليصنع األبواب‬ ‫وكلها خطوات عمل ترتبط بآلية وخطة عقلية وميزانية ووقت وجهد ذهني‬ ‫لتحقيقها هو يتقنه‪ ،‬وعليه فإن املتابعة للعامل من رب عمله أنه يقوم‬ ‫بتنفيذ الخطوات وفق الخطة واألسلوب ويف الزمن املقرر‪.‬‬ ‫أما يف اإلدارة للمؤسسات فإن املتابعة فيها ترتبط بالقيادة والتوجيه‬ ‫ألن آلية التيقّن ترتبط مبقياس أومعيار األسلوب والخطوات املقررة والزمن‬ ‫وحدود اإلمكانيات واألشخاص وعدم التداخل‪ ...‬الخ من املعايري املحددة ألي‬ ‫عمل‪ ،‬وعليه تصبح املتابعة عبارة عن إطاللة دورية من رشفة اإلدارة عىل‬ ‫ساحة املعركة أو العمل‪.‬‬ ‫ويف التنظيم السيايس فإن مهمة املتابعة مرتبطة بالهيكل التنظيمي مبعنى‬ ‫أن كل مسؤول أو منسق أو أمني رس إلطار (اإلقليم‪ ،‬املنطقة‪( )...‬الوحدة‪،‬‬ ‫األرسة‪ )...‬حسب تقسيامت أي تنظيم‪ ،‬هذا املسؤول هو املعنى مبتابعة‬ ‫األعضاء والوحدات ونشاطاتها ضمن صالحياته مبعنى تيقنه من تنفيذهم‬ ‫لخطوات العمل وفق املعايري‪ ،‬أو تيقنه من استخدامهم لقدراتهم بحدودها‬ ‫القصوى لتحقيق اإلنجاز‪ ،‬أواستيثاقه من قدرتهم عىل التطور والعمل‪.‬‬ ‫يقوم الحداد أو بائع البطيخ أو مسوق زجاجات املاء أو موظف الكهرباء‬ ‫بإعطاء تقرير شفوي لرب عمله يف إطار املتابعة‪ ،‬وما هو رضوري يف التنظيم‬ ‫السيايس أن يقدم كل مسؤول وحدة أو مهمة أو لجنة ملسؤوله تقريرا دوريا‬ ‫شفويا ومكتوبا‪ ،‬يعلم فيه مسؤوله بتنفيذه لخطوات العمل باألسلوب املتفق‬ ‫عليه وبالشكل املقرر وباألشخاص املكلفني ويف الزمان واملكان املقررين‬ ‫‪172‬‬


‫وضمن امليزانية املتاحة‪ ،‬أو بغري ذلك أو إضافة لذلك من معايري‪.‬‬ ‫وعليه تصبح املتابعة بحسب علم اإلدارة مهمة إرشافية فاملدير أوالقائد‬ ‫الذي ميارس املتابعة ال يقوم هو شخصيا بتنفيذ العمل وأن حصل أن قام هو‬ ‫بالتنفيذ بدال عن اآلخرين فاما يعد ذلك نقص يف وعي القائد أو املدير وعدم‬ ‫فهمه ملهام عمله أو داللة عىل فشله يف إدارة الوحدات أو األشخاص‪.‬‬ ‫كثريا ً ما يحصل الخلط يف التنظيامت بني املهامت التنفيذية واملهامت‬ ‫اإلرشافية حيث أن الثانية هي مجال املتابعة واألوىل مجال تركز الفعل‬ ‫والعالقة بينهام ترتبط بوسائل املتابعة األساسية من‪ :‬محرض اجتامع‪ ،‬تقرير‬ ‫خطط‪ ،‬تقارير أداء وكلها دورية وترفع من املستوى التنفيذي إىل املستوى‬ ‫اإلرشايف أومن املستويات التنظيمية الدنيا إىل العليا‪.‬‬ ‫وللعلم فإنه يف التنظيامت السياسية قد يكون هناك تداخل يف املهمتني‬ ‫مبعنى أن تنفيذ أمني رس املنطقة ملهامه عرب تنفيذها (وهذه مهمة تنفيذية)‬ ‫ال يعفيه من متابعة عمل أعضاء لجنة املنطقة (وهذه مهمة إرشافية)‪.‬‬ ‫إن املهامت التخصصية يف التنظيامت أو االستشارية يف اإلدارة ليست‬ ‫مهامت يجوز لها أن تتابع النشاطات أو األعضاء ألن يف ذلك خلطا‪ ،‬بل‬ ‫وتدخال يف عمل األطر (الهياكل)صاحبة الصالحية‪ ،‬وما مهمة التخصص إال‬ ‫تقديم (خدمة) أو (فعل) يف اتجاه محدد (تنمية عقلية‪ ،‬تطوير أداء‪ ،‬تدريب‪،‬‬ ‫رشح‪ ،‬تحليل استنتاج‪ ،‬تقديم تقرير‪ ،‬استبيان أو استطالع رأي‪ ،‬فرز األعضاء‪،‬‬ ‫إجراء انتخابات‪ ،‬تقديم كشوف‪ ،‬تقديم أفكار أو آراء‪ ،‬تلخيص محارض‪.)...‬‬ ‫وليس لها أن تتابع ذلك يف األطر ما يعني نقص يف الوعي اإلداري التنظيمي‬ ‫أو اغتصاب ملهام اآلخرين‪ ،‬أو رغبة يف تشكيل محور أو تيار داخل التنظيم‬ ‫أو الحزب‪.‬‬ ‫إن املهامت االستشارية أو التخصصية مرتبطة باملسؤول األول فقط‪ ،‬أو‬ ‫بحدود الصالحيات املنصوص عليها دون االرتباط مطلقا بتشكيل آلية متابعة‬ ‫‪173‬‬


‫لألداء أو لألعضاء أنفسهم يف الهيكل‪ ،‬وإال ألصبحت خطوط السلطة من أعىل‬ ‫إىل أسفل كثرية ومتداخلة أوال وتضعف من خط السلطة الرضوري والوحيد‬ ‫واملتمثل باملتابعة واإلدارة والقيادة وفق التسلسل من أعىل إىل أسفل‪.‬‬ ‫الحرائق واألوراق الخضراء في المؤسسة‬

‫يحب أن يكون مهاباً مسيط ًرا فاستخدم يف ذلك األسلوب‬ ‫عرفت مدي ًرا كان ّ‬ ‫التقليدي املعروف أي الثواب والعقاب أو ما يسمى حديثا بسياسة الجزرة‬ ‫والعصا‪ .‬فكان يغدق عىل املق ّربني الذين يل ّبون أغراضه حتى لو مل تتوافق‬ ‫مع سياسة املؤسسة ويبعد املخال ِفني وأن كانوا من املتخصصني أواملهنيني‬ ‫املشهود لهم‪.‬‬ ‫ولتمتني موقعه يف املؤسسة أغلق باب املعلومات فكان يقننها فال تخرج‬ ‫إال (مفلرتة)وبالقدر الذي ال يرضه كام يعتقد‪ ،‬كام وبث العيون يف أجزاء‬ ‫املؤسسة يتحسب الخطوات‪ ،‬ويحسب الحركات فالنظرة والكلمة عنده‬ ‫لها معنى من أي شخص أتت قريب مقرب أو بعيد مبعد‪ ،‬وعليه كان ال‬ ‫بد للعصا والجزرة أن تظهر يف كل موقف وكل سكنة وه ّنة بحيث أن جو‬ ‫املؤسسة أصبح مليئا بالحرائق والدخان فالدسائس يف كل مكان و(املؤامرات)‬ ‫ال تكاد تنتهي‪ ،‬ال سيام وأن مجموعة امتهنت ذلك لغرض أن تتكسب فام دام‬ ‫رب البيت بالطبل ضارب فشيمة أهل البيت الرقص‪.‬‬ ‫يتحسبون للكلمة‬ ‫خرج الناس من قمصانهم النظيفة وبدوا قذرين‬ ‫ّ‬ ‫ويزاودون عىل بعضهم البعض يف التقرب من املدير‪ ،‬وكانت الحظوة تقاس‬ ‫بكمية املعلومات املقدمة للمدير عن فالن وعالن‪.‬‬ ‫إضافة للمرونة النفسية الشديدة للشخص الوايش إىل حد تقبل اإلهانات‬ ‫والتذلل الذي فيه تنحني قامة الرجال ليقبّلون األيادي واألقدام بعملية‬ ‫مربرها أنهم يتسابقون لنيل الرضا والقرب‪ .‬وبالطبع المتالك تلك املظاريف‬ ‫الورقية الصغرية الصفراء التي متتلئ باألوراق الخرضاء‪.‬‬ ‫‪174‬‬


‫ولكل مثنه حسب تقدير املدير فمنهم من ال يسوى ورقة خرضاء واحدة‬ ‫ومنهم من ال تكفيه األوراق العرشة ذات املائة دوالر للواحدة منها‪.‬‬ ‫كان املدير يتعامل مع املؤسسة وكأنها ملكه الخاص‪ ،‬ويتعامل مع منطقة‬ ‫صالحياته كنفوذ ال يحتمل التحدي بأي شكل من األشكال‪ .‬ملاذا؟ ألن مجلس‬ ‫اإلدارة الذي هو عضو مؤسس فيه كام كان يردد يتعامل مع بعضه البعض‬ ‫وفق نفس املنطق حيث أن القوي فيهم هو من يسيطر عىل منطقته سيطرة‬ ‫كاملة ويحكم قيادتها دون معارضة مطلقا‪.‬‬ ‫استخدم سياسة الثواب والعقاب وفق أهوائه ويف نطاق سيطرته وألغراضه‬ ‫ولزيادة قوته ونفوذه أما هو ف ُمعفي إعفاءا كامالً من املحاسبة حتى لو تم‬ ‫تدمري املعبد عىل من فيه‪ ،‬وهذه ليست نكتة أو قصة سخيفة أب ًدا‪ ،‬بل‬ ‫حقيقة هي أقرب لواقعك أكرث مام تظن‪.‬‬

‫‪175‬‬


‫كيف نعمل بثقة بالنفس فنُحدث التغيير‬ ‫يف بلدة سبسطية قرب نابلس وملجموعة من الشباب قمنا بإعطاء ورشة‬ ‫عمل حول تنمية الثقة بالنفس حيث تم استعراض ‪ 6‬آليات ميكن استخدامها‬ ‫لتعزيز الثقة بالنفس‪ ،‬ومبا أنني لست عاملا نفسيا فلم أكن ألدري هل تطبيق‬ ‫النظري يؤدي فعلياً للتعزيز أم ال‪.‬‬ ‫بعد ذلك أرسل يل طالب يف السنة الرابعة يف إحدى الجامعات رسالة‬ ‫يتحدث فيها عن ضعف ثقته بنفسه وعن خجله وعن عدم قدرته عىل‬ ‫املواجهة وأشار إىل انه قرأ املادة يف موقعي حول الثقة بالنفس ومل تفده‪،‬‬ ‫كام مل تفده أنه سكن مع طلبة أقوياء كام قال‪ ،‬وطلب مني معالجة األمر‬ ‫إن أمكن‪.‬‬ ‫ان كان يل أن أقدم سبيال من التجربة مع الذات و اآلخرين ال من املسطور‬ ‫النظري فيمكنني القول ان االعرتاف باملشكلة هو نصف الطريق للحل ألنه‬ ‫ال عالج ملريض ينكر مرضه وال دواء يحقق شفاء ما دام املريض مقتنعاً بعدم‬ ‫الشفاء لذا فان خطوة االعرتاف تعد غنيمة وهذا أوالً‪.‬‬ ‫ثانيا يجب توفر الرغبة يف التعزيز أو التطوير‪ ،‬والرغبة محرك اإلرادة‬ ‫للقيام بالفعل‪ .‬لقد كنت أشعر بخوف كبري من مجرد الجلوس يف اجتامع أو‬ ‫الصعود إىل املرسح لتسلم هدية تفوقي يف املدرسة فكيف بالحديث أمام‬ ‫اآلخرين‪.‬‬ ‫فامذا تغري؟ انه االعرتاف والرغبة واإلرادة ثم العمل وهذه الخطوات‬ ‫األربعة تعني ثالثا مامرسة االختالط والتواصل والحديث بني الناس ويف‬ ‫الندوات واالجتامعات بقناعة التغيري يف ذايت‪.‬‬ ‫أما رابعا فان اإلعداد املسبق ملا سيقال وان كان بضعة كلامت يعد منقبة‪.‬‬ ‫وخامسا فان تخيل املواقف املختلفة ومعايشتها ذهنيا ثم تطبيقها يف‬ ‫‪176‬‬


‫الواقع يعد خطوة ال غنى عنها وقد تفشل مرة فتتعرق فال تحملك رجالك‬ ‫وتخور قواك وال تتكلم وقد تتلعثم يف الثانية ويضحكون منك ولكنك يف‬ ‫الثالثة ستفوز أوتحقق قهرك ألسوأ مخاوفك‪.‬‬ ‫أما سادسا فال غنى عن الصالة والدعاء كام ال غنى عن مخاطبة النفس‬ ‫باألفكار االيجابية‪ :‬أنك ستفعلها وأنك ستفوز وأنك ستحقق املراد فأنا قوي‬ ‫وأنا قادر وأنا استطيع وأنا الفائز‪.‬‬ ‫يف املرات األوىل التي واجهت فيها الجامهري رددت عبارة أيها األخوات‬ ‫أيتها األخوات عدة مرات ومل تكن هناك أخت واحدة بني الحضور‪ ،‬ويف املرة‬ ‫يل ويف الثالثة عندما ألقيت محارضة أحسست‬ ‫الثانية شعرت بخوار يف رج ّ‬ ‫عيني‪ ،‬ولكن إرصاري عىل خوض غامر الفعل‬ ‫أن العرق شكّل غشاوة عىل ّ‬ ‫واختبار كافة املواقف الذهنية ثم الفعلية قد حقق الثقة بالنفس وباعتقادي‬ ‫القدرة عىل املواجهة والتغيري‪.‬‬ ‫استثمار العقل‬

‫كانت املرة األوىل التي كتبت فيها بحثا خارج نطاق تخصيص‪ -‬وتخصيص‬ ‫األول كان الهندسة املدنية‪ -‬قبل ‪ 30‬عاما أو أكرث‪ ،‬وكان البحث عن االتصاالت‬ ‫يف التنظيم‪.‬‬ ‫تخرجت مهندسا وعملت لفرتة محدودة يف املجال‪ ،‬وقام األخ أبو عيل‬ ‫مسؤويل التنظيمي يف حركة فتح حينها باإلعداد لدورة حول الثقافة الحركية‪،‬‬ ‫كانت مهمتي فيها إعداد مادة االتصاالت وتجهيزها ثم إلقائها يف الكادر‬ ‫الحريك بالدورة‪.‬‬ ‫سهل؟‬ ‫هل تظن أن مسؤولية إعداد مادة أو بحث أو دراسة عمل هينّ أو ٌ‬ ‫إن كنت كذلك أدعوك إلعداد ورقة من ‪ 4‬صفحات حول موضوع تنظيمي‬ ‫أو سيايس أو تثقيفي ليس بطريقة القص واللزق املنترشة هذه األيام‪ ،‬وإمنا‬ ‫‪177‬‬


‫بطريقة التمحيص والتقليب واإلعداد الذي يشغّل العقل‪ ،‬وبعد ذلك مطلوب‬ ‫منك أن تحارض باملادة أمام جمهور!‬ ‫فان كنت تظن أن العمل الفكري عمل سهل عىل اعتبار انه مجرد خربشة‬ ‫قلم أو صوت عىل الورق فأنت واهم‪ ،‬ألن العمل الفكري معركة تدور يف‬ ‫الدماغ لتنتقل إىل اللسان أو القلم هي حقيقة معركة يا غالب يا مغلوب‪.‬‬ ‫يقول العلامء أن اإلنسان يفكر بخمسني إىل ‪ 60‬ألف فكرة يوميا‪ ،‬تصوروا‬ ‫حجم االستهالك لخاليا الدماغ‪ ،‬وحجم التفعيل فيها‪ ،‬وهذه األفكار ليست‬ ‫بالرضورة هامة أو مفيدة أو مثمرة‪ ،‬وإال لكنا كأمة وأفراد يف حال غري هذا‬ ‫الحال أوال‪.‬‬ ‫وثانيا فإن اإلنسان بطبعه يستسهل األمور ويتعجلها (خلق اإلنسان‬ ‫عجوال)لذلك فإنه يستهلك دماغه فيام ال يرض وال ينفع وقد يرض وال ينفع‪.‬‬ ‫ما نريد قوله أن استثامر األفكار يف العقل يعني توجيها باتجاهات ثالثة‪،‬‬ ‫األول‪ :‬أن تكون أفكارا إيجابية‪ ،‬والثاين أن تشتمل عىل أشعة (ألفا)التأملية‪،‬‬ ‫والثالث أن نتحرى األفكار املفيدة‪.‬‬ ‫القدرات العقلية تتفاوت فمن يبذل جهدا يطور ذاته بذاته‪ ،‬ومن‬ ‫يستسهل أن تلعب األفكار برأسه ذات اليمن وذات الشامل وكأنه حائط‬ ‫مللعب (اسكواتش)يتلقى رضبات الكرة مستسلامً فله ذلك‪.‬‬ ‫أما من يريد أن يرى تغيريا يف مسار عقله فليس له إال نصيحة العامل‬ ‫واملخرتع أديسون التي تنص عىل أن يبذل الجهد ألن اإلبداع والتطور كام قال‬ ‫يحتاج إىل ‪ 99%‬جهد وعمل دؤوب‪.‬‬ ‫عودة لبحثنا يف االتصاالت من ‪ 30‬عاما مضت‪ ،‬أقول لقد كنت مجمدا ً‬ ‫لفكري البحثي عند حدود ما أخذته بالجامعة ويف كلية الهندسة تحديدا‪ ،‬بل‬ ‫كنت أرى البحث والدراسة عبء يجب التخلص منه‪ ،‬ولكن ذلك كله تغري‬ ‫‪178‬‬


‫منذ ذاك اليوم الذي كلفني فيه األخ أبوعيل املطري باستثامر عقيل والبحث‬ ‫واملحارضة‪ ،‬ليالزمني هذا املنهج مقرونا بالتوتر والقلق كحوافز للتعديل‬ ‫والتحسني والتطوير ونشدان األفضل أن يف كتابة الدراسات والبحوث وان يف‬ ‫أي أعامل أخرى‪.‬‬ ‫ُحسن اإلعداد هو الحل‬

‫ماذا يحدث عندما تعقد اجتامعا بال جدول أعامل‪ ،‬أو عندما تعد لرحلة‬ ‫دون أن تقوم بتنظيم نشاطاتها وتكليفاتها‪ ،‬أو أن تقيم حفلة مبجرد االتصال‬ ‫لدعوة املحتفى بهم دون برنامج زمني وإداري للحفلة؟‬ ‫بالطبع يف جميع هذه الحاالت ومبجرد عقد االجتامع أو الرحلة أو الحفلة‬ ‫ستقف مشدوها من كم املشاكل التي ستجابهك أو من القضايا الكثرية‬ ‫الصغرية التي مل تنتبه لها‪.‬‬ ‫إن اإلعداد املسبق أو التمرين عىل املوضوع باعتباره عنرصا رئيسا يف فن‬ ‫إتقان العمل ليس كالما يف الهواء بل حقيقة‪ ،‬وإليكم ماذا يحصل عند افتقاد‬ ‫اإلعداد املسبق أو املران أو التنظيم‪.‬‬ ‫قمت وعدد من األخوة بتنظيم رحلة لألخوة واألخوات يف الجامعة إىل‬ ‫منطقة جميلة فدعونا الجميع وجهزنا الحافالت‪ ،‬وملا مل يكن لدينا كشف مبن‬ ‫سيحرض فقد كان عدد الحافالت أقل من العدد الحارض فكانت أول املشاكل‬ ‫وأصعبها ما طغى عىل الرحلة وهدد سمعة مجلس الطلبة بالفشل‪.‬‬ ‫ومع انسحاب عدد من الطالب والطالبات‪ ،‬انطلقنا بالحافلة إىل املنطقة‬ ‫املحددة ومل نحدد طبيعة الربنامج فكانت كل مجموعة تتحلق معا أو‬ ‫تتشاجر أو تلعب بشكل عشوايئ وكنا نرغب كمنظمني بعقد ندوة سياسية‬ ‫قبل الغداء فلم نستطع لسوء التنظيم وافتقاد الربنامج وضياع التكليفات أن‬ ‫نجمع إال عددا قليال من األخوة واألخوات‪.‬‬ ‫‪179‬‬


‫ارتبكت وأنا أتحدث فيهم عن الوضع السيايس وتوقفت كثريا بوقفات غري‬ ‫محسوبة ما جعل كالمي ممال جدا‪ ،‬كام علمت الحقا‪ ،‬وعندما تداركت األمر‬ ‫بإشارة من أحد األخوة شكرتهم ودعوتهم للغداء‪.‬‬ ‫أن حسن األداء ال يتحقق بالفوىض والعشوائية‪ ،‬وإمنا بالتنظيم والتخطيط‬ ‫واإلعداد املسبق‪ ،‬بالتمرين املتكرر بل وبتصور املشاكل ذهنيا وتصور حلولها‬ ‫قبل وقوعها وإال فإن العواقب ستكون غري سليمة‪.‬‬ ‫المعاناة واتخاذ القرار‬

‫ماذا يدور يف عقلك عندما تفكر باتخاذ قرار صعب؟ وكيف تستطيع أن‬ ‫تقرر يف ظل محدودية البدائل؟ وكيف تعالج اآلثار الجانبية للقرار املتخذ؟‬ ‫وكيف تحسم يف النهاية رغم الصعوبة ورمبا األمل أن هذا القرار هو البديل‬ ‫األمثل لهذا املوقف ويف هذا التوقيت؟‬ ‫قد يسعفك الوقت للتفكري يف اتخاذ القرار‪ ،‬وتظل تعاين طويال وقد‬ ‫تجد نفسك فجأة أمام حالة ال تستطيع منها الفرار‪ ،‬فقرر! سواء أكان القرار‬ ‫املطلوب مستعجالً أو يف فسحة من الزمن فإنه يضغط عليك ويرصخ يف‬ ‫وعيك‪.‬‬ ‫إن املؤثرات الضاغطة يف اتخاذ القرار كثرية ولكن دعني أجمل بضعة‬ ‫عوامل اعتقد أهميتها أولها‪ :‬الوقت‪ ،‬فالوقت يف القرار ذو أهمية قصوى‪،‬‬ ‫إذ أن أهمية القرار أو نتائجه تعتمد عىل الوقت فإن فاتك القطار لن ينفع‬ ‫الندم‪.‬‬ ‫اما العامل الثاين فهو‪ :‬توفر إرادة اتخاذ القرار‪ ،‬فقد يعلم الشخص أن‬ ‫بدائله متاحة ولكنه منهك أومتعب أو ضعيف فال يتخذ القرار لضعف الهمة‬ ‫أو فقدان اإلرادة‪ ،‬وقد ميتلك الشخص جسدا ً قويا ولكنه يخور يف املواجهة‪،‬‬ ‫وثالثا‪ :‬فإن توفر اإلرادة عامل مهم ولكنها كلام كانت إرادة حرة كلام‬ ‫‪180‬‬


‫كانت ضاغطة باتجاه تحقيق أهداف الشخص ذاته‪ ،‬ما يختلف كثريا لو كانت‬ ‫إرادة الشخص مقيّدة أومسيرّ ة من آخرين‪.‬‬ ‫أما رابعا‪ :‬فإن تقبل النتائج يع ّد عامال ضاغطا‪ ،‬وكذلك الرغبة يف رؤية‬ ‫النتائج أو حتى تقبل النتائج السلبية أيضا يعد عامال مؤثرا وضاغطا التخاذ‬ ‫القرار‪.‬‬ ‫وخامسا‪ :‬توفر الظرف املناسب من دعم فني مثال أو دعم نفيس أو دعم‬ ‫اجتامعي من شخص أو أشخاص مقربني أو جامعة مقربة‪.‬‬ ‫أن الثالثية النفسية التي تحكم اتخاذ القرار تبدأ باملعاناة املشتتة ثم‬ ‫املركزة وتتصاعد إىل القمة ليصل اإلنسان أحيانا لحد التمزق‪ ،‬وعندها تنشق‬ ‫السحب عن ضوء أبيض فتظهر نقطة االنزالق والتي عندها يجب أن يتم‬ ‫اتخاذ القرار‪ ،‬فإن اتخذ فإن الراحة النفسية هي املكافأة لهذه العملية‬ ‫النفسية الشاقة‪.‬‬ ‫مررت كثريا يف نزاع أو رصاع نفيس كبري ليك اتخذ قرارا‪ ،‬مثل قرار الرتشيح‬ ‫للجنة اإلقليم يف حركة فتح بأحد الدول‪ ،‬ثم قرار االستمرار أو االنسحاب‬ ‫ىل عضو اللجنة املركزية املسيطر عىل‬ ‫يف ظل الضغط الكبري الذي مارسه ع ّ‬ ‫اإلقليم ومازلت يف العرشينات من عمري آنذاك‪ ،‬ثم كان لقرار الخروج من‬ ‫تلك الدولة معاناة أخرى ولحقه قرار العمل مع الرئيس الراحل يارس عرفات‬ ‫أو العمل يف مكتب التعبئة والتنظيم يف تونس مع األخ أبو ماهر‪ ،‬ثم قرار‬ ‫البقاء يف تونس أو العودة للوطن‪ ،‬وعرشات القرارات الصعبة األخرى يف‬ ‫الوطن والتي كلها كلفتني جهدا عصبيا وجهدا نفسيا مؤثرا باإلضافة لقرارات‬ ‫شخصية أخرى تتعلق بالدراسات العليا واألبحاث‪.‬‬ ‫مير القرار بالنفس اإلنسانية يف اعتقادي باملراحل التالية‪:‬‬ ‫‪1 .1‬اإلحساس بالحاجة التخاذ القرار‪ :‬فعندما تعارضت مباديئ مع‬ ‫املامرسات التي يقوم بها بعض الزمالء زمالء يف العمل خضت معركة‬ ‫‪181‬‬


‫‪.2‬‬

‫‪.3‬‬

‫‪.4‬‬

‫‪.5‬‬ ‫‪.6‬‬ ‫‪.7‬‬

‫نفسية إلحسايس بالحاجة التخاذ قرار يف هذا الوضع فإما أن استخدم‬ ‫إسرتاتيجية االنسحاب أو املواجهة ويف األوىل راحة والثانية معاناة‪.‬‬ ‫‪2‬املعاناة‪ :‬فمن الواضح أن املعاناة تسبق وترتافق وقد تلحق اتخاذ القرار‪،‬‬ ‫خاصة إذا كان الشخص يهتم‪ ،‬نعم‪ ،‬يهتم‪ .‬فاالهتامم بحد ذاته يولد‬ ‫عقلية اإلتقان والتميز واإلبداع والتغيري‪ ،‬فمن يهتم بأرسته أو مبادئه أو‬ ‫عملة أو متعته أو أصدقائه أو قضية عامة فإنه يتخذ السبل لتحقيقها‬ ‫ويضطر ألن يختار من بينها ويف ذلك معاناة كيف ومتى يقرر‪.‬‬ ‫‪3‬البحث عن البدائل‪ :‬ثم حني توفرها آلية البحث فيها‪ ،‬ما هو البديل‬ ‫األصلح أو األسهل أو األهم؟ أوالذي يخفف املعاناة أو الذي يجلب‬ ‫السكينة‪ ...‬الخ‪ ،‬وعملية البحث العقلية النفسية هذه تعنى ان تتقابل‬ ‫مجموعة العوامل الداعمة لهذا الخيار يف مواجهة مجموعة العوامل‬ ‫الداعمة لذاك الخيار يف الذهن أو عىل الورق وأنت بينها كالقايض‬ ‫يفصل بني حجج النيابة ومحامي الدفاع‪.‬‬ ‫‪4‬الشعور بالخوف‪ :‬حيث أن القرار خاصة املصريي يف حياة اإلنسان ينقله‬ ‫من حالة إىل حالة ومن مرحلة إىل مرحلة أخرى مختلفة كلياً‪ .‬من‬ ‫مرحلة املعروف واملجرب اىل مرحلة مجهولة غامضة‪ ،‬ينتقل من منطقة‬ ‫الراحة واألمان التي يعرفها إىل منطقة الفزع والخوف من املجهول‬ ‫القادم‪.‬‬ ‫‪5‬زوال العبء‪ :‬مع قرب اتخاذ القرار ورغم الشعور بالخوف من املستقبل‪،‬‬ ‫كتفي صاحب‬ ‫من القادم من النتائج‪ ،‬فإن حمالً ثقيال يبدأ بالزوال عن ّ‬ ‫القرار فيمتزج شعور الخوف بالراحة بشكل عجيب‪.‬‬ ‫‪6‬الحسم واتخاذ القرار‪ :‬أن مرحلة الحسم باتخاذ القرار تكون قد تجاوزت‬ ‫البدائل واختارت‪ ،‬ويكون املولود من تزاوج مرحلتي الشعور بالخوف‬ ‫وزوال العبء والراحة مولودا يجب التعامل معه ورعايته‪.‬‬ ‫‪7‬السكينة‪ :‬يف مرحلة السكينة تتوقف التعارضات التي كانت قامئة‬ ‫يف الذهن‪ ،‬وتنسحب أصابع املعاناة التي أطبقت عىل الدماغ حيث‬ ‫تواجهت العوامل يف معركة طاحنة‪ ،‬واآلن بعد اتخاذ القرار (البديل‬ ‫املتخذ) تختبئ البدائل األخرى تحت بند غري املقبول أو املرفوض أو‬ ‫‪182‬‬


‫املؤجل ويتقدم القرار مزهوا إىل األمام‪ ،‬يف حال ممتزجة من الخوف‬ ‫والراحة معا ليدخل اإلنسان بعد اتخاذه القرار لهذه املرحلة مرحلة‬ ‫السكينة التي قد تكون مؤقتة أو طويلة استعدادا ً آلثار ونتائج ما حسم‪.‬‬

‫‪183‬‬


‫كيف نحافظ على الفوز؟‬ ‫ليس من املهم أن تفوز حركة فتح يف جامعة بيت لحم أو جامعة بريزيت‪،‬‬ ‫وليس املهم أن تحقق انتصارات أخرى هنا وهناك‪ ،‬ملاذا؟ ألنه قد ال تستطيع‬ ‫الحفاظ عليها مستقبال‪ ،‬وعليه فإن املهم هو كيف نستطيع الحفاظ عىل‬ ‫الفوز واستثامره و ذلك بتحصني كادر فتح وكادر الشبيبة مبضامني الفكر‬ ‫والقيم الوطنية الفتحوية األصيلة تلك القيم املستمدة من حضارتنا العربية‬ ‫اإلسالمية املنفتحة غري املنغلقة‪ ،‬وبعقلية املامرسة وتحقيق االنجاز‪.‬‬ ‫من املهم لنستمر أن نعرف كيف نحافظ عىل قيم الوالء لخط الشهيد‬ ‫القائد الكبري الختيار يارس عرفات الذي مل يستشهد إال وكان قد حقق القفزة‬ ‫يف الفكر الثوري والوعي الوطني من جهة حيث ربط بني آلية الصالبة‬ ‫واملرونة يف توازن يفهم الواقع وقواه ويحلله ويستفيد منه‪ ،‬ومن جهة أخرى‬ ‫ربطه بحاجات الناس والجامهري‪.‬‬ ‫إن حركة فتح الناس وفتح الغد وفتح الجامهري وفتح فلسطني هي فتح‬ ‫املحبة التي تسبغ عىل الجميع حتى عىل املخطيء من أبناء الشعب محبة‬ ‫األب الحاين الذي يق ّوم االعوجاج وال يكرس‪ ،‬يصلح الخطأ وال يقتل‪ ،‬وهي‬ ‫فتح التي تأخذ أبناءها بالشدة الالزمة يف رحابة االستامع للنقد ورحابة حرية‬ ‫الحركة التي ترفض بعض عقليات السطوة أو الهيمنة أو االقطاعيات تلك‬ ‫التي تعشعش يف أقبية التنظيامت الشمولية‪.‬‬ ‫من الفوز يجب أن نصنع الغد‪ ،‬ونكرس الحدث ونتحىل باليقني‪ ،‬وعدم‬ ‫التوقف عند النتيجة ثم النوم عىل بساط من حرير‪ ،‬أو االحتفال من خالل‬ ‫التضييق عىل اآلخرين‪ ،‬أو العودة لتكرار األخطاء بال هيبة من النظام الفتحوي‬ ‫ستسبب عدم القدرة عىل استثامر الفوز‪.‬‬ ‫إن استثامر الفوز أهم من الفوز بحد ذاته‪ ،‬ومبا أن معركة الحركة الوطنية‬ ‫الفلسطينية وسيفها الدميقراطي ممثال بالطلبة يجب أن يظل مجردا ضد‬ ‫‪184‬‬


‫الطغاة ممن يتجهزون لسلب أسلحة الدميقراطية يف املجتمع من يد دعاتها‪،‬‬ ‫فعليه ال نوم بعد اليوم بل عمل وبناء ومتسك بالقيم والنظم‪.‬‬ ‫إن استثامر الفوز يبدأ أوال مبحاسبة الذات‪ ،‬نعم‪ ...‬فهذا وقته وليس أيام‬ ‫الفشل فقط‪ ،‬أين قرصنا ومن قرص فينا‪ ،‬ألن محاسبة املقرصين يف ظل الفوز‬ ‫رغبة يف الحفاظ عليه‪ ،‬ومحاسبة املرتاجع يف ظل الفوز رغبة يف تقدم أكرث‬ ‫وعمل أكرب ال يكتفي ببضعة مقاعد وال يكتفي بعمل وحيد أوحد هو الحشد‬ ‫لالنتخابات‪ ،‬بينام ننام طوال العام عن خدمة الطلبة وعن تطوير أنفسنا‬ ‫وأطرنا‪ :‬فال بناء وال تأسيس وال اجتامعات وال تقارير وال متابعة وال حساب‪.‬‬ ‫إن استثامر الفوز يعني رضورة العمل عىل التغيري ثانيا‪ ،‬التغيري يف‬ ‫مفاهيمنا وأهدافنا مبا يتوافق أكرث مع غايات وأهداف ومتطلبات الجامهري‬ ‫الطالبية‪ ،‬ألنه بال خدمة دؤوبة للطلبة وللمرشوع الوطني فإن الخسارة‬ ‫سام وهدف مقدس ال يتوقف إال بالتحرير‬ ‫قادمة‪ ،‬ونحن أصحاب مرشوع ٍ‬ ‫للوطن‪ ،‬وال يتوقف عند حدود األشخاص فاألفراد زائلون والفكرة ال تزول‪.‬‬ ‫إن استثامر الفوز يعني ثالثا وضع قواعد ولوائح وضوابط لعمل الكوادر‬ ‫يتحركون يف نطاقها ويبدعون وينطلقون‪ ،‬ويف نفس الوقت ينضبطون ملا أقروه‬ ‫بال تهاون وبال هوادة‪ ،‬فال مناص من املتابعة واملحاسبة وفق النظم واللوائح‪.‬‬ ‫يك ال نعتمد عىل الوضع السيايس وتأثرياته الدولية واإلقليمية وانعكاساتها‬ ‫عىل الساحة فنصبح غري فاعلني بل ورقة يف مهب الريح متى ما كان الوضع‬ ‫الدويل يف صفنا فزنا ومتى ما كان مخالفا لنا خرسنا‪ ،‬يجب رابعا أن نستثمر‬ ‫الفوز برؤية سياسية واضحة يف الحركة وبرؤية طالبية واضحة تحكم كل‬ ‫الجامعات واملعاهد فنعطي للطالب حرية واسعة يبتعدون فيها عن السياسة‬ ‫الرسمية فينطلقون يف ملعبهم بأنفة وقوة ومتيز ولكن ضمن األسس املتفق‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫إننا يف معرض متغريات كبرية سياسية وإسرتاتيجية يف املنطقة لذا يتوجب‬ ‫‪185‬‬


‫الستثامر الفوز أن نتعلم وال منل التعلم فنستمع لنبض الشارع يف البدء‬ ‫والختام فلسنا مالئكة ولسنا التنظيم الذي ال ينازع ولسنا حزب السلطة‬ ‫ولسنا الوحيدين يف امليدان ولسنا قوة التبارى‪ ،‬ولسنا صحابة الرسول ممن‬ ‫غفرت لهم ذنوبهم كام يدعي اآلخرون ألنفسهم‪ ،‬ولسنا املنزهني او أصحاب‬ ‫نزعة الصواب املطلق‪.‬‬ ‫ومع وضعنا كل اآلذان عىل قلب الشارع نستمع لدقاته ومخطط قلبه‬ ‫وجب علينا تحقيق الثقة بخياراتنا وأهدافنا التي يجب أن تكرب فال تقف يف‬ ‫جامعة بريزيت مثال عند حد ‪ 25‬مقعد فقط‪ ،‬ألننا نحن يف فتح صناع الكيانية‬ ‫والهوية الفلسطينية‪ ،‬أصحاب االستقاللية املتحررة من التبعيات ألي نظام‬ ‫رجعي أو تقدمي‪ ،‬ونحن تنظيم الجامهري وتنظيم القدرات املتجددة وتنظيم‬ ‫املبادرات وتنظيم الفكر الالمع وتنظيم اإلبداع‪ ،‬وتنظيم الوسطية يف أمة ال‬ ‫تقبل التطرف وتأنف من التجرب والتسلط الديني أو الدنيوي وهذا خامسا‪.‬‬ ‫إن االستثامر للفوز فينا –سادسا‪ -‬يستدعي تواصل الخطوات الدميقراطية‬ ‫يف كافة مفاصل الحركة يك ال يظل املؤمتر السادس أو السابع أو الثامن شعارا‬ ‫بل يصبح تاريخا‪ ،‬ونقبل عىل املؤمتر الذي يليه بأنفس جبارة وعيون مفتوحة‬ ‫ورغبات يف االنجاز‪.‬‬ ‫إذ نبارك لحركة فتح عرس الدميقراطية الوطني‪ ،‬فإننا والحال كذلك يجب‬ ‫وهذا سابعا‪ -‬أن نؤمن ونكرس ذلك فينا وباآلخرين قيم الدميقراطية من‬‫انتخابات وتداول سلمي وشفافية وقانون بحيث ال نقبل مكانا للميسء بيننا‬ ‫وال نقبل الدفاع عنه مهام كلف األمر‪ ،‬فال حصانة مليسء من دين او قانون‪،‬‬ ‫ألن الذين قتلوا أكرث من ‪ 650‬بريئا يف غزة تحت دعاوي التكفري والردة‬ ‫أو التخوين سيتبوءون مقعدهم خلف صفوف الجامهري التي ستلفظهم‬ ‫وتتجنبهم‪.‬‬ ‫ويك ال نكون يف الصفوف الخلفية غدا وجب علينا أن نصلح الكثري يف ذاتنا‬ ‫ال يضرينا فساد اآلخرين يف فكرهم أو مامرساتهم فاالقتداء ال يتم إال بالحلقة‬ ‫‪186‬‬


‫األقوى بالرسول األعظم وقادة األمة والثوار وقادة الرأي والعلم يف الوطن ويف‬ ‫العامل ممن يجب أن نسمع ونفهم ونتعلم منهم بنفسية الطالب املقبل عىل‬ ‫العلم وعقلية الثائر الذي ال يقبل الظلم وإرادة املواطن الذي يفهم حقوقه‬ ‫وواجباته‪.‬‬

‫‪187‬‬


‫التعامل مع األجيال؟ تجاوز النقص واإلخالص لفلسطين‪.‬‬ ‫سأعالج يف هذه املادة مواضيع أربعة يف أوالها عن التعامل مع االجيال‪،‬‬ ‫ثم انتقل للقسم لفلسطني وليس للحزب او التنظيم كآلية تثقيف لألجيال‪،‬‬ ‫ثم فكرة الحوار مع حامس‪ ،‬وملاذا ندافع عن حركة فتح وعقلية التجدد‪.‬‬ ‫كيف نتعامل مع األجيال؟‬

‫تعاين حركة فتح من تدافع لألجيال فيها خاصة يف الفرتة ما بني األعوام‬ ‫(‪)2008 -1989‬والحقا حتى العام ‪ 2018‬رغم املؤمتر السابع وهي الفرتة‬ ‫الزخمة والصعبة متالحقة األحداث الجسام سياسيا وتنظيميا وعسكريا بني‬ ‫مؤمتريها الخامس الذي عقد يف تونس‪ ،‬والسادس‪ ،‬ثم السابع‪.‬‬ ‫تدافع األجيال أو رصاع األجيال يف املجتمعات ملحوظ وقائم‪ ،‬ويكاد‬ ‫يكون أمرا طبيعيا وكذلك األمر يف التنظيم السيايس‪.‬‬ ‫انه يف فرتة ‪ 19‬عاما بني مؤمتري فتح (الخامس والسادس) مل يتغري يف‬ ‫الحركة صف القيادة األول والثاين فمن الطبيعي أن تصبح الرصاعات محتدمة‬ ‫عىل األفكار واملصالح واملكانة والتقدم للصفوف واملشاريع والنفوذ وخدمة‬ ‫الجامهري والنضال أو خدمة األهداف الذاتية يف توليفة متعددة الجوانب‪.‬‬ ‫نفخت عديد الفضائيات والصحف واألصابع األجنبية يف موضوع رصاع‬ ‫األجيال يف فتح‪ ،‬فوصفت اصطفافا بني الشيوخ سنا عىل حده وبني الشباب‬ ‫سنا ما هو توصيف جد خاطئ‪.‬‬ ‫يف حركة فتح عىل األقل هناك خمسة أجيال‪ ،‬جيل االنطالقة (‪-1948‬‬ ‫‪ )1965‬وجيل املد الثوري ثانيا (‪1971-1965‬م)‪ ،‬وجيل الرصاع السيايس‬ ‫الداخيل واإلقليمي (‪ )1987-1971‬وجيل االنتفاضة (‪ )1994-1987‬وجيل‬ ‫السلطة الوطنية ويتلوه جيل املقاومة الشعبية بامتياز منذ العام ‪.2005‬‬ ‫‪188‬‬


‫ولكل جيل ضمن كل مرحلة قيم وأفكار وأهداف ومشاريع ورؤى مختلفة‬ ‫ال يصح معها االعتباط بتقسيم الرصاع أو التدافع وكأنه فقط بني جيلني‪.‬‬ ‫فمن هم الشيوخ؟ وما هو السن؟ ومن هم الشباب؟ وما هو السن؟ انه‬ ‫تدافع أجيال متعددة ال حل لها إال بالدميقراطية والشفافية يف فتح وعرب‬ ‫تداول السلطة باالنصياع للوائح واحرتام القوانني والتنظيم‪.‬‬ ‫لماذا يكرهون فتح؟‬

‫مل أكن أفهم ملاذا يكرهون فتح؟ فيثريون رصاع األجيال أو عدم التجدد‬ ‫او عدم الدميقراطية أويكربون من حجم السلبيات لتفوق حجم جبل أحد‪،‬‬ ‫السيام وان الفكرة نبيلة والبناء النظري بغالبه متوافق مع تطلعات الجامهري‬ ‫بحيث أن حركة فتح تحسست آالم الشارع وأحالمه ورسمتها كأهداف‬ ‫ومسالك عمل‪ ،‬وأنجزت يف الطريق الكثري‪.‬‬ ‫يكرهون فتح كام قد يقول قائل‪ :‬ألن بها فُساد ومفسدين أو ألنها استأثرت‬ ‫بالسلطة دون اآلخرين أوألنها ابتعدت عن الناس وسعى قادتها وكوادرها‬ ‫لتحقيق مصالحهم الشخصية عىل حساب العباد‪ ،‬أو ألنها مارست طغيانا ما‬ ‫عىل الناس من خالل بعض مامرسات األجهزة األمنية يف مرحلة من املراحل‪.‬‬ ‫أو يكرهونها ألن قادتها يقولون ما ال يفعلون‪ ،‬أو ألنها مل تحقق ما‬ ‫وعدت به الشعب الفلسطيني من دولة واستقالل وحرية‪ ،‬ورمبا يقولون إنها‬ ‫مكروهة ألن الفتحويني زنادقة أو علامنيني أو دميقراطيني كفرة أو مرتدين‬ ‫من االتهامات الجديدة؟؟‬ ‫هل هذا صحيح أم أن به شئ من التجني‪ ،‬أو الكثري منه؟‬ ‫بإمكاين بعد هذه السنوات الطويلة يف حركة فتح أن أقول‪ :‬أن الناس ال‬ ‫تكره حركة فتح أبدا‪ ،‬فقد تختلف مع عصابات فيها أو منحرفني أو البعض‬ ‫ممن انتهت مدة صالحيتهم الذهنية وبإجاملهم فهم قلة‪ ،‬نعم تختلف مع‬ ‫‪189‬‬


‫مثل هؤالء الذين يتواجدون يف كل تنظيم‪ ،‬ولكن الناس ال تكره فتح‪.‬‬ ‫إن من يكره حركة فتح هم هؤالء العصابات أو البلطجية أو املنحرفني‬ ‫أو تجار التنظيامت داخلها أويف الفصائل غريها الذين يتعمدون تأجيج‬ ‫الرصاعات وخرق القوانني‪ ...‬أي قوانني‪ ،‬أو الذين يتعاملون مع الحركة كمورد‬ ‫مايل ومعقل نفوذ ومنصة سيطرة عىل عباد الله من األعضاء والكوادر األنقياء‪.‬‬ ‫هؤالء بشعورهم الطاغي بالنقص ورغبتهم أن يحرتمهم الناس دون‬ ‫جدوى يتواثبون حول القيادة ويتميزون غيظا وميتلؤن حقدا فيقومون بتدمري‬ ‫التنظيم ليس لفوضويتهم أو جهلهم أو نقص عقولهم أوعشوائيتهم كام‬ ‫يظهر األمر للوهلة األوىل‪ ،‬وإمنا عن سابق إرصار وترصد ألن تنظيم التنظيم‬ ‫ووضع أسس وقواعد وقوانني له يكشف مثل هذه الشخوص ويع ّريها أمام‬ ‫الكادر واألعضاء –يف كل التنظيامت‪-‬بعد أن كانت عارية فقط أمام نفسها‪،‬‬ ‫حيث تبصق عىل نفسها يف املرآة حني الخلوة‪ ،‬وتحاول أن تغطي عىل عجزها‬ ‫وجهلها مبامرسات ال نظامية مقصودة‪.‬‬ ‫إن من يكره فتح هم جهالها الذين يسعون للسيادة أو الوصول ملنصب‬ ‫من خاللها‪ ،‬والذين يعكسون جهلهم هذا عرب اإلعالم والفضائيات‪ ...‬ورب‬ ‫ضارة نافعة حيث يصبح الناس يف ظل توفر الفضائيات ومواقع التواصل‬ ‫االجتامعي أكرث قدرة عىل متييز الغث من السمني فال تختار إال األفضل‪ ،‬ألن‬ ‫الجامهري إن أخطأت مرة فال تخطئ مرة ثانية‪.‬‬ ‫يف حديثه عن الرصاع حول الرئيس يقول مروان كنفاين يف كتابه سنوات‬ ‫األمل ص ‪ 442‬أن أشخاص الدائرة حول الرئيس – ما يصدق يف العمل‬ ‫التنظيمي أيضا – معرضون دامئا (لدوامة متكررة من محاوالت العزل والدس‬ ‫والوقيعة‪ ...‬تبدو تلك الصورة كموجات بحر متالحقة تحمل كل منها تحالفات‬ ‫وقتية ومتغرية)‪.‬‬ ‫ويضيف كنفاين يف الصفحة التالية أن هذه الدائرة كانت (مغرقة يف‬ ‫‪190‬‬


‫التنافس والتناحر عامرة باالستعداد النتهاج كافة الطرق واستعامل كافة‬ ‫الوسائل لنهش الذمم والتعريض بالكفاءة والنزاهة الوطنية) ما أظنه يصدق‬ ‫عىل تلك الدوائر حول خليل الوزير أو صالح خلف وغريهم‪ ،‬أو حاليا حول‬ ‫قيادات التنظيامت الفلسطينية الحالية‪ ،‬ما أرجو أال يكون كلها‪.‬‬ ‫اإلخالص لفلسطين ال لإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫احتفلت حركة (هي حزب) حامس يف غزة‪ 28‬بتأسيسها بشكل عريض‪،‬‬ ‫لتحتفل بحقيقة األمر مبرور ‪ 80‬عاما عىل والدة حزب اإلخوان املسلمني‬ ‫حزبها ذو االمتداد العاملي ال العريب وال الوطني الفلسطيني ما بدا واضحا‬ ‫بقسم اإلخوان املسلمني يف املهرجان الباهت سياسيا‪.‬‬ ‫تحتفل حامس يف بهرجة وتزويق كبريين الفتني يف ظل واقع بائس مل تعش‬ ‫غزة مثله يف جميع العهود السابقة‪ ،‬فقر وبطالة وجوع وأيام سوداء‪.‬‬ ‫يف مقابل اكتساب واكتناز أمراء الحرب لألموال والرثوات القادمة عرب‬ ‫اإلنفاق واالحتكارات واملافيات‪ ،‬ويف مقابل الحفاظ عىل رؤوس قادة حامس‪،‬‬ ‫وبعد االنقالب الدموي البشع تهدي الحركة يف يوم (حامس األكرب) هدية‬ ‫للشعب الفلسطيني يف أكرب عملية فساد مايل علني من خالل املهرجان‬ ‫املذكور حيث أنها رصفت ما يقارب ‪ 5-3‬ماليني دوالر ‪-‬حسب بعض املواقع‬ ‫االلكرتونية – لتحتفل (بالحج األكرب يف مهرجانها) بديال عن الوقوف بعرفه‬ ‫(وكذلك االمر يف السنوات الالحقة حيث البذخ مل يتوقف مقابل معاناة‬ ‫الناس)‪.‬‬ ‫من ينظر لعدد من قادة أو نواطق هذا التنظيم يرى بوضوح عالمات‬ ‫‪ -28‬يف العام ‪ 2008‬كان قد مر عىل االخوان املسلمني األعوام الثامنني حيث تأسس الحزب‬ ‫“االخوان املسلمني” عام ‪ ،1928‬وكان االخوان املسلمني الفلسطينيني جزء منهم بذات‬ ‫االسم‪ ،‬اىل أن تم انشاء فصيل حامس وكام يف ميثاقها عام ‪ 1988‬باعتبارها الفرع الفلسطيني‬ ‫لالخوان املسلمني‪.‬‬

‫‪191‬‬


‫الفرقة واالرتباك واالنقسام الشديد سواء يف الترصيحات أو ردود الفعل‬ ‫العصبية أو الحناجر الهادرة أو االبتسامات الصفراء العريضة‪ ،‬ويرى يف عيون‬ ‫الجميع منهم رصاع الفاسدين والغالة املفسدين أولئك الذين يستغلون الدين‬ ‫استغالال شديدا بحيث أنهم يعرصونه عرصا وال يبقون منه قطرة واحدة فهم‬ ‫املؤمنون املسيطرون بفضل اإلخوان املسلمني وعرشات املحطات الفضائية‬ ‫التي تتبعهم ضد (املنافقني)أو(الكفار)الذين (ال تتكيف) معهم آيات اإلصالح‬ ‫والحوار كام أورد خالد مشعل يف قناة الفجر!؟‪.‬‬ ‫أن التنظيم –أي تنظيم وليس فقط حامس‪-‬الذي يعجز عن رؤية غريه‬ ‫ال محال أن مآله السقوط‪ ،‬وال محال أن نهايته ستكون بنفس الطريقة التي‬ ‫جعلته يرتقى عىل رقاب العباد قرسا وعرب فوهة البندقية‪ ،‬فالجامهري التي‬ ‫اضطر الكثري منها للمشاركة يف (عرس حامس األكرب)– بالرتهيب والرتغيب‪-‬‬ ‫البديل للوقوف بعرفة هي الجامهري نفسها التي تحس بعظم الظلم خاصة‬ ‫متى ما جاء من أولئك الذين يظنون أنه بقى شئ فيهم للداعية بعد أن انتحر‬ ‫عىل عتبة كريس السلطان وبعد أن استل السيف ليجز به رقاب الشعب‪،‬‬ ‫فإغواء الكريس الزائل لدى الذين (يك ّيفون)اآليات كام يشاؤون ال كام جاءت‬ ‫يف إغواء شيطاين المناص من االستجابة له‪.‬‬ ‫أن املسارات الثالثة التي تحدث عنها الحمساويون‪-‬تحديدا تيار االنقسام‬ ‫األبدي فيها‪ -‬وهي مسار املقاومة‪ :‬الشعار الزائف‪ ،‬حيث مل يبق مقاومة مبعنى‬ ‫كفاح مسلح وال يحزنون إال ضد حركة فتح‪ ،‬ومسار الدعوة التي انتحرت‬ ‫عىل محراب شهوات السلطة‪ ،‬ومسار السلطة (سلطتهم) التي تلوثت بالدم‬ ‫والفاقة والحصار هي مسارات مسدودة‪ .‬فلم يعد يترشف فرد من أبناء غزة‬ ‫أو العامل اإلسالمي أن ينتمي ألي من هذه املسارات التي دنست وداست‬ ‫جروح الناس وقتلت فرحتهم سواء بالحج أو العيد لتضخ األموال من أجل‬ ‫احتفال زائف استعرايض باذخ ال قيمة له إال بتحطيمه لكل أساس بني خالل‬ ‫‪ 40‬عاما للوحدة الوطنية‪.‬‬ ‫‪192‬‬


‫إن بداية االنهيار هي بالشعور بالتفوق وتضخم الذات العليا‪ ،‬وبداية‬ ‫االنهيار سوء االعتقاد بالنفس قبل سوء االعتقاد باآلخر‪ ،‬وبداية االنهيار أن‬ ‫يستحكم هوى السلطة وجربوت القوة يف عقل الداعية – الذي كان داعية‬ ‫– مهام أقسم من عىل منصة الخطابة قسم اإلخوان املسلمني‪ ،‬والذي ما هو‬ ‫يف كل األحوال كان أو سيكون قسم اإلخالص لفلسطني أبدا‪ ،‬قسم حركة فتح‪.‬‬ ‫(أقسم بالله العظيم‪ ،‬وأعد برشيف ومعتقدايت أن أكون مخلصا لفلسطني‪،‬‬ ‫وأن أعمل عىل تحريرها‪ ،‬باذال كل ما أستطيع‪ ...‬ألخ‪ ،‬هذا قسم حر والله عىل‬ ‫ما أقول شهيد) هذا هو قسم فتح املسمى قسم اإلخالص لفلسطني ال لغريها‬ ‫وهو الوالء والوفاء للوطن بعد الله ال لحزب أو تنظيم أو جامعة أو شخص‪.‬‬ ‫إن الذي ما زال يظن بنفسه حكومة رشعية بعد أن أوصل الدم إىل‬ ‫كل بيت يف غزة هو واهم‪ ،‬فالرشعية الوطنية ال تكتسب بالقتل حتى لو‬ ‫كانت بدايتها صندوق االنتخابات ألن املسدس يسقط الصندوق ويقيم دولة‬ ‫املافيات والفساد والتخريب كام هو حاصل‪ ،‬وأن الجامعات املتناحرة عىل‬ ‫النفوذ والسطوة واملال تحت غطاء الدين أو غريه رسعان ما سيخرج من بني‬ ‫ظهرانيها من يرفض جهرا ال رسا ً مثل هذا الفسوق ويعلن الرباءة منه‪ ،‬كام‬ ‫يعلن الوالء لله تعاىل وللقيادة الوطنية الرشعية املوحدة‪.‬‬ ‫إذا كان الزهار الذي يظن نفسه ممثل الفلسطينيني الوحيد يف لقائه‬ ‫مع صحفية (هآرتس) اإلرسائيلية ‪-‬التي يقول أنه ال يعرتف بها‪ -‬حامال معه‬ ‫ال ُعجب وال ِكرب فانه بال شك ال يستطيع النظر لنفسه باملرآة دون ان يصفر‬ ‫طربا للبدلة غالية الثمن التي أصبح يلبسها وملوكب السيارات التي تحف‬ ‫به من ميني وشامل –عندما أصبح وزيرا وبعدها‪-‬كلام خرج من بيته يف غزة‬ ‫ذات املساحة الصغرية الضيقة جدا‪ ،‬ما كان يعيبه عىل من سبقوه يف السلطة‬ ‫الزائلة‪ ،‬واىل هنا يكون قد تحقق حلمه بالعظمة والرئاسة والسلطة وبذلك‬ ‫ميلك جنة الدنيا واآلخرة كام قد يعتقد‪.‬‬ ‫ليعلم كل رافض للوحدة مؤيد لالنقالب واستمرار االنقسام يف حامس‬ ‫‪193‬‬


‫او غريها أن مئات التنظيامت يف التاريخ اإلسالمي ظنت نفس الظن أي‬ ‫الدميومة ومنهم القرامطة فلم ينفعها ادعاء العظمة أوالقوة أوالنيابة عن‬ ‫الله أو رسوله فتالشت‪ ،‬وبقى اإلسالم العظيم‪.‬‬ ‫إن االنهيار‪ :‬صعود صاروخي يعقبه عدم قدرة عىل التنفس يف األعىل‬ ‫حيث أن كمية األكسجني تقل لذلك فان الرئتني قد تتفجران‪ .‬ومهام صاحب‬ ‫الصعود من أدوات ملك زائل استخدمت بشكل حاقد فإن الناس ليسوا‬ ‫إمعات‪ ،‬والشعب الفلسطيني املحافظ واملؤمن بطبعه ليس كافرا وليس مرتدا‬ ‫وليس مشايعا لهم‪ ،‬والجامهري ليست عمياء‪ ،‬والبسطاء ملاحون وقادرون عىل‬ ‫تحديد املسار الحقيقي والذي ليس هو أي من مسارات حامس الثالثة التي‬ ‫حادت وابتعدت عنها‪.‬‬ ‫انك تستطيع أن تشرتي جوع الناس وغضبهم وسواد أيامهم بكرسة خبز‬ ‫أو لرت بنزين أو بدعوة غاضبة أو رصاخ عىل منرب ملرة واحدة‪ ،‬ولكنك ال‬ ‫تستطيع أن تشرتي شعورهم الحقيقي‪ ،‬وغضبهم الدفني وصربهم العفيف‬ ‫ودعواهم لله برد الظلم الذي فاجأتهم به مليشيات حامس تلك التي ظنوا‬ ‫بها خريا يف البداية فكانت عليهم طامة كربى يف دينهم أوال ويف وطنهم‬ ‫وقضيتهم ثانيا‪ ،‬ويف أوالدهم وأقواتهم ثالثا ورمبا أوال‪.‬‬ ‫انك قد تخدع الناس بعض الوقت ولكنك ال تستطيع أن تخدعهم كل‬ ‫الوقت‪ .‬فيوم الكفارة قريب مهام طال الزمن‪ ،‬وانحراف البوصلة للقائد‬ ‫السيايس ال تق ّوم إال بالقانون وبكلمة الحق التي ستقولها جامهري غزة هادرة‬ ‫بال وجل عند أقدام الجور‪.‬‬ ‫إن الشعب الذي بذل الغايل والنفيس وقام بعرشات الثورات واالنتفاضات‬ ‫ال يتخىل عن قيم الحرية والوطنية والوحدة ما تخىل عنها اآلخرون‪ ،‬لذلك‬ ‫فإن لصرب هذا الشعب العظيم املخلص لفلسطني فقط حدود‪.‬‬ ‫‪194‬‬


‫كيف نتصالح مع «حماس»؟‬

‫‪29‬‬

‫يف حركة فتح نتعلم االلتزام‪ ،‬وألننا أصالء الثورة الفلسطينية ونسل عظامء‬ ‫فلسطني ممن فجروا الثورات تلو الثورات‪ ،‬وألن فتح سيطرت عىل القرار‬ ‫الفلسطيني وعىل الحركة الوطنية بالرحابة واملحبة وبالقدرة عىل احتضان‬ ‫الجميع وبالقدرة عىل تفهم االختالفات وبالقدرة عىل رعاية التعددية يف ظل‬ ‫غابة البنادق كام كان يسميها املغفور له الزعيم الشهيد يارسعرفات‪.‬‬ ‫أقول ألن فتح كذلك‪ ،‬ونحن فيها تعلمنا االلتزام رغم املساحة الواسعة‬ ‫للحوار فيها ورغم الحرية الكبرية‪ ...‬‬ ‫ولكن ألن لكل فعل رد فعل كام تقول الفيزياء مساو له بالقوة ومضاد‬ ‫باالتجاه‪ ،‬ومن قام بفعل القتل الذي مل تشهد له الخمسني عاما من تاريخ‬ ‫الثورة املعارصة هم انقالبيو حامس‪ ...‬فهل ردة الفعل يشء غري طبيعي أم‬ ‫ماذا؟‬ ‫ويك ال نبتعد كثريا فإن القتل بكل وضوح غري مقبول‪ ،‬ليس ألننا مل نعتده‬ ‫ومل نفعله يف تاريخنا كحركة فتح ما أبقى صورتنا ناصعة البياض بهذا الجانب‪،‬‬ ‫بل وألنه مرفوض دينيا ووطنيا من أي طرف أوجهة جاء‪ ،‬وعليه نرفض ردات‬ ‫الفعل باملجمل ألن الفيصل هو القانون فقط ال تهم الردة أو العاملة والقتل‬ ‫بالسالح خارج نطاق القانون‪.‬‬ ‫والعامل كله قد شهد وعرب فضائية «حامس» مستوى ومعدل القتل من‬ ‫املتطرفني املتسرتين باإلسالم‪ ،‬بل وشهد حجم املغاالة التي خرجت عن أعراف‬ ‫وقوانني الرشيعة اإلسالمية السمحاء حتى تجاوز القتل املرعب أكرث من ‪600‬‬ ‫شهيدا ال نريد الخوض يف تفاصيلها ألنه ملن يريد بإمكانه الرجوع إىل عديد‬ ‫املواقع بالصوت والصورة‪ ،‬أو ألهايل الضحايا يف قطاع غزة‪.‬‬ ‫‪ -29‬رغم أن هذا الجزء قد كتب عام ‪ 2009‬فهو مازال يف العام ‪ 2019‬يتحدث يف ذات‬ ‫الشأن!‬

‫‪195‬‬


‫نعم لدعوات الحوار والوحدة الوطنية رغم الشتم والبغض واالتهامات‬ ‫املتتالية لحركة فح وقادتها سواء من حركة حامس أو ممن يؤيدونها بدعوى‬ ‫تسلمها راية املقاومة من كتف يارس عرفات‪ ،‬أو بدعوى أنها متثل اإلسالم‬ ‫حرصيا! وكأن األمة قد كفَرت عداهم‪ ،‬أو كُفّرت‪.‬‬ ‫إذن فإن موافقتنا عىل العودة الدامئة ملربع الحوار والوحدة الوطنية ال‬ ‫تعني أبدا عدم االقتصاص من القتلة من جهة كام ال تعني إال عودة األمور‬ ‫لنصابها قبل االنقالب األسود‪ ،‬وتعني إرساء أسس وقوانني ال حياد عنها للحوار‬ ‫متنع القتل املستقبيل استنادا لفتوى فاسق هنا أو هناك أو تهم الزندقة‬ ‫والتكفري والردة املسيّسة واملرفوضة‪.‬‬ ‫إن للحوار أسس وللحوار قواعد وللحوار مفاهيم حيث ال يجوز الحوار‬ ‫تحت تهديد أو تلويح السالح والدعم الخارجي الذي فاق املليارات‪ ،‬وال يجوز‬ ‫الحوار تحت تهديد سحق ومحق حركة فتح أو تحت عنوان أن ما يل يبقى‬ ‫يل وأريد مشاركتك فيام عدا ذلك‪.‬‬ ‫وال حوار متناغم أو متزن بدون الرجوع عن الباطل واالنقالب والقتل‬ ‫بحيث يصبح التخيل عن عبادة صنم السلطة واجبا عىل من استلموا السلطة‬ ‫طويال يف حركة فتح‪ ،‬أو عىل من ركبوا قطارها حديثا من حامس وأعجبتهم‬ ‫املقاعد الوثرية لدرجة أنهم سيبيدون األمة كلها دونها‪.‬‬ ‫إن الحوار إميان مسبق بإمكانية التعايش مع اآلخر املختلف بالرأي والفكر‬ ‫بل والعقيدة أيضا‪ ،‬وباإلميان بإمكانية الصواب من سواي وأيضا بإمكانية‬ ‫تعدد الصواب‪.‬‬ ‫إن الدعوة للحوار واملصالحة والوحدة الوطنية ال تعني فرض مفاهيم‬ ‫الدكتاتورية والتسلط ‪ ‬التي تعيشها بعض الشعوب‪ ‬العربية تحت حكم‬ ‫ملوك غري متوجني أكرث ظلام وعنفا وبغضا من ملوك متوجني يرعون حامس‬ ‫أو أدعياء املقاومة‪.‬‬ ‫‪196‬‬


‫إن الدعوة للحوار بل ومامرسته وااللتزام به‪ ،‬وتفهم اآلخر فريضة دينية‬ ‫ووطنية نلتزم بها‪ ،‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‪ ،‬ويف ظلهام فإن املواطنة‬ ‫املحتكمة للقانون هي املواطنة الحقة ال حكم أصحاب العباءات والعامئم أو‬ ‫أصحاب الربطات والياقات البيضاء‪.‬‬ ‫زمن الدفاع عن فتح!‬

‫‪30‬‬

‫سكتنا طوال فرتة املجزرة يف غزة عن أفعال مليشيات حركة أو فصيل‬ ‫«حامس» ولنقل املليشيات السوداء فيها مفرتضني بالرضورة وجود عنارص‬ ‫خري‪ ،‬ما هو أكيد ففي الناس كثري خري يف أي فصيل‪.‬‬ ‫نقول سكتنا عن إساءاتهم وأفعالهم التي تدمي القلب‪ ،‬وتوحد الفتحويون‬ ‫قاطبة مع املقاومة مع كافة الفصائل اىل الحد الذي شاركت فيه كتائب‬ ‫األقىص الجريحة يف غزة يف مقاومة العدوانات الصهيونية املتكررة عىل شعبنا‬ ‫الفلسطيني يف غزة‪.‬‬ ‫رغم عرشات عالمات االستفهام عىل استغالل دول املحيط للعدوانات؟ ما‬ ‫ظهر جليا من عدد من الدول التي صدعتنا مبدافعها الكالمية إذ مل تقدم شيئا‬ ‫لفلسطني أو غزة إال حرب الفضائيات والدعم الشفوي وجمدت ترسانات‬ ‫األسلحة وأغلقت كافة الحدود ليبقى شعبنا الفلسطيني لوحده يتجرع‬ ‫الوحشية و األمل الكبري و يداوي جراحه؟ يف كافة املدن الفلسطينية‪.‬‬ ‫سكتنا عن خطايا ترتكب من خالل الفكر االنغالقي االقصايئ الذي بدا‬ ‫يسود يف بعض حامس ومل نتكلم يف كثري من االحيان احرتاما للدم‪ ،‬وقلنا رمبا‬ ‫الدم يوحد والدم يوفق والدم يجمع وال يفرق ولكن هيهات فإن الحقد األعمى‬ ‫وانتشار مدارس التكفري والتطبري(رضب الرؤوس الحليقة واستقطار الدم)‬ ‫والتخوين يف كل زاوية يف فلسطني أصبحت سمة لفئة من االسالمويني الذين‬ ‫‪ -30‬هذا الجزء من الكتاب كتب عام ‪ 2009‬و مازال يف العام ‪ 2019‬يتحدث يف ذات الشأن!‬ ‫وصالحيته مل تنفد‪.‬‬

‫‪197‬‬


‫ال يرون‪-‬ضمن التعبئة الداخلية املغايرة أحيانا عن العلني‪ -‬إال معسكرين‬ ‫أو فسطاطني أحدهام فسطاط املامنعة (وهن الراغبات) واآلخر فسطاط‬ ‫الخيانة وال يرون ألوان قوس قزح يف الفعل الوطني والسياسة واملجتمع‪.‬‬ ‫إن ما حصل يف غزة أثناء العدوان الوحيش من قبل حامس فرتة االنقالب‬ ‫عام ‪ 2007‬وما بعدها كثري وغري مقبول وال يغسله إال إعادة التعبئة والتثقيف‬ ‫ملثل هؤالء املعتدين من حامس ‪-‬ونتمنى أن يكونوا قلة‪ -‬عىل الوطن‬ ‫واملواطن؟؟ ما يحتاج لقرار سيايس جريء من قيادة حامس إن أرادت أن‬ ‫تكون جزء من املجتمع وليس أداة لنحر املجتمع تحت حجج املقاومة أو‬ ‫اإلميان أو اإلسالم أو احتكار أي منها؟؟‬ ‫غريب أمر هؤالء القتلة؟؟ وغريب أمر هؤالء الحاقدين أصحاب البطش‬ ‫والبيانات؟ يظنون بالشعب األيب الصامد قبول اإلهانة منهم وأنه سيبقى‬ ‫عليهم وهم مازالوا يتجربون بدال من أن يتواضعوا لشعبهم حتى ملن‬ ‫خالفوهم؟؟ وغريب أمر هؤالء األشداء بينهم الفارين من وجه عدوهم؟؟ ال‬ ‫أعتقد أنهم ينتمون لتنظيم وطني أو إسالمي أبدا؟؟ وحتى لو ا ّدعوا ذلك؟؟‬ ‫فكيف يتفق أن يهدد الشخص قومه النازفني بالويل والثبور وكأن لسان‬ ‫حالهم يقول ما مل يستطع العدوان فعله فنحن له؟؟؟‬ ‫واىل بعض أصوات فتح غري املفهومة‪ ،‬مل يعد الصمت عليكم ممكنا‪ ،‬أنتم‬ ‫مستهدفون ومنظمة التحرير الفلسطينية والرشعية والدولة املستقلة هو‬ ‫املستهدف الحقيقي من الحرب الصهيونية عىل شعبنا وأرضنا وليس هنية‬ ‫أو الزهار أوعبدالسميع‪ ،‬يا أخي أنتم املستهدفون ومع ذلك تخرجون عىل‬ ‫الفضائيات تشتمون فتح وكأنكم ال تعون ما يحصل أبدا؟؟ وكأنكم تنظيم‬ ‫مهان دوما؟؟ وتتهمون فتح وليس هذا الوقت أو الزمان؟؟ فبدال من أن‬ ‫تدعموا الصمود واملقاومة والتي كانت فتح جزء ال يتجزأ؟ منه والشعب‬ ‫الفلسطيني البطل‪ ،‬تردحون‪.‬‬ ‫وبدال من أن تقووا حركتكم املحارصة سياسيا وماليا منذ سنوات تسريون يف‬ ‫‪198‬‬


‫طاحون تدمريها؟؟؟ وكأن الفكرة الوطنية عندكم قد استنفذت؟! وحان وقت‬ ‫إطالق رصاصة الرحمة عليها؟؟ ترووا قليال فحركة فتح الرحابة والدميقراطية‬ ‫والسامحة ال تعني أبدا أن نتشاتم عىل الفضائيات وال تعني أبدا أن نستخدم‬ ‫الفضائيات (الفضائحيات) منصة ألغراض شخصية لكم‪.‬‬ ‫إنه زمن الدفاع عن فتح وزمن الدفاع عن (م‪.‬ت‪.‬ف) التي استهدفت‬ ‫يف حرب املخيامت (‪ )1988-1984‬يف حرب ملصلحة األجندة اإلقليمية ذاتها‬ ‫اليوم حني راح يف تلك الحرب ما مل يقتله اإلرسائيليون منا يف مختلف الحروب‪.‬‬ ‫للقلة الفضائية من أبناء حركة فتح تعالوا عن مصالحكم الذاتية وافتخروا‬ ‫بانتامئكم الوطني الفلسطيني العرويب اإلسالمي‪ ،‬أي انتامئكم لحركة فتح‪،‬‬ ‫وال تخجلوا منه كلام تفاجأتم بسؤال ال تعرفون االجابة عليه انقلبتم عىل‬ ‫أعقابكم شتام يف ذواتكم‪ ،‬قوموا بقيادة حملة الدفاع عن حركة فتح وعن‬ ‫املنظمة وعن الرشعية اآلن واتركوا الخالفات جانبا أو أثريوها يف مكانها‬ ‫الصحيح أو اخرجوا من فتح فالطريق سالك‪.‬‬ ‫ولقيادة حامس يف الخارج أو يف غزة نقول‪ :‬إننا نطالب «حامس» التي‬ ‫ترغب بالسلطة بقوة وباستمرارها بيدها وحاربت من أجل ذلك ألهداف‬ ‫ال نتفق معها عليها‪ ،‬نطالبها أن ال تصمت فلم يعد السكوت مقبوال عن‬ ‫الفاسدين وتيار البطش فيها‪ ،‬و أن تكشف الغطاء عن مثل هؤالء املجرمني‬ ‫الذين يوزعون دوما بيانات الفتنة الجديدة‪ ،‬وأن تخرس أصوات القتل والرباء‬ ‫والوالء املغلوط‪ ،‬والتكفري والتخوين لهذه املجموعات التي تختطفها‪ ،‬وتنزع‬ ‫أسلحتهم املوجهة فقط للداخل وأن تعي أنها تعيش يف مجتمع دميقراطي‬ ‫ليس إقصايئ أوديكتاتوري‪ ،‬وبعدها تقول أنها تريد الوحدة الحقيقية وعدم‬ ‫تشطري الوطن؟ فهل نرى اختالفا؟؟‬

‫‪199‬‬


‫فتح إما التجدد أو تفرق السبل‬

‫نخرج من سياق الحوار مع «حامس» لنتكلم مع حركة فتح فنقول‪ :‬كيف‬ ‫لإلنسان املناضل عامة‪ ،‬وللمواطن الفلسطيني الصامد أن يرى اللوحة ذات‬ ‫الثقوب وال يتكلم؟! وكيف له أن يرى الصورة غري املكتملة ما يظهر القبح عىل‬ ‫حساب الجامل ويصمت؟؟ إذ ليس من عادة الفلسطيني الحر أن يصمت‪،‬‬ ‫فهو الذي هز العروش بقضيته وأطلق الطاقات بقضيته وألهم الجرناالت كام‬ ‫ألهم القيادات والكادرات بجرأته يف الحق التي أرعبت اإلنجليز ابتداء‪ ،‬ثم‬ ‫اإلرسائيليني باألمس واليوم ما ميثل محصلة شخصية جهادية نضالية صابرة‬ ‫صامدة مرابطة بعرف الدين الحنيف والفهم القومي والبناء الوطني‪.‬‬ ‫والشخصية الفلسطينية التي تأىب الصمت هي الشخصية املتمردة أبدا‬ ‫عىل الفاسد والباطل سواء لبس عباءة الدميقراطية أو الوطنية أو اإلسالم‬ ‫أو أي لون آخر‪ ،‬فلم تسكت أبدا عىل تجاوز أو إساءة أو فساد أوانحناء أو‬ ‫خطايا‪.‬‬ ‫لقد قادت حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» املسرية بهذه‬ ‫الشخصية (الفلسطينية) التي صنعت (فتح)‪ ،‬وفتح أسهمت بعظمة يف‬ ‫إبرازها وبلورتها وتصديرها لكل أنظمة الديكتاتورية والتسلط‪-‬قبل أن تعود‬ ‫لنا مثل هذه األنظمة بلبوس اإلسالم يف غزة‪ -‬يف العامل لتعلن أن الفلسطيني‬ ‫منهج فكري وأداة تغيري وفعل صائب ومقدرة ال تزول وإمكانية تجدد أبدية‪.‬‬ ‫إن فتح التي أبدعت وما زالت وعمقت الربط بني القضية والوسيلة‬ ‫بحيث أن تكاملهام أودع يف قلوب املوالني من األمة العربية واإلسالمية‬ ‫وأحرار العامل والء لهذه القضية عرب فتح‪ ،‬هي فتح التي تصنع التاريخ كل‬ ‫يوم وال تعجز بفلسطينيتها عن الرصاخ جهارا نهارا بالقول (ال) كبرية يف وجه‬ ‫العدوان واالحتالل ويف وجه االنقالبيني املخزي وأمام الظالميني‪.‬‬

‫‪200‬‬


‫كام ال تستحي أن ترصخ يف داخل بيتها عندما تشعر أن البوصلة قد‬ ‫تنحرف أو أن املسرية قد تتوقف او ترتاجع‪.‬‬ ‫إن بناء العقل الفلسطيني باملكونات املذكورة كان امتيازا فتحويا‪ ،‬وان‬ ‫الفتحوية بالبنود املذكورة كانت فعال فلسطينيا فحدث هذا التالقي الذي‬ ‫حاول الصهاينة أن ينسفوه كام حاول الالحقون بدعاوي الدين واملقاومة‬ ‫والتكفري أن يفككوه‪ ،‬وهيهات هيهات‪ ...‬فام بني الشعب الفلسطيني‬ ‫والفتحوية حبل مجدول ‪ ‬يربط وال يفصم‪.‬‬ ‫لقد أنتجت فتح عقلية منفتحة دميقراطية حرة شورويّة مدنية ال تفهم‬ ‫السكوت عىل الخطأ كام مل تفهم استقرار االحتالل فأبدعت ثورة مستمرة‬ ‫ثم أشكال متفاعلة متعددة يف املقاومة أو الكفاح الوطني وما زال يف جعبة‬ ‫الفتح ‪-‬ملن عمي أو صم أو خرس‪ -‬الكثري مام سيصعق املراهنني عىل زوال‬ ‫فتح أو ذوبان وهج مشعلها امليضء‬ ‫فتح التي أض��اءت ال��درب فصنعت الكيانية والشخصية و أظهرت‬ ‫الفتحويني كفرسان العقل يف خضم الحضارة العربية اإلسالمية تدوس عىل‬ ‫األزمات كام تدوس عىل الرمل األبيض وتسري بهدوء الواثق رغم الظن كل‬ ‫الظن من القريب أحيانا قبل البعيد أن فتح األزمات تعني الزوال ما هو‬ ‫سعي املحافل األمريكية واإلرسائيلية قبل سعي الحاقدين ‪ ‬من االنقالبني أو‬ ‫أولئك املترضرين من قوة وعملقة هذه الحركة فينرشون و يكتبون السموم‬ ‫ويلجأون للكذب واالفرتاء والتهجم الشخيص والشتم لضعف حججهم وقلة‬ ‫معينهم وبعدهم عن النزاهة‪ ،‬وال أسميهم يك ال يكربوا ويظلوا يف مربع‬ ‫الصغار‪.‬‬ ‫فتح النضج والتجدد أصاب العديد فيها مرض الشيخوخة الفكرية فال‬ ‫برنامج وال رؤية وال قدرة عىل إدراك املستجدات وال خطة وال قرار بل وال‬ ‫رغبة يف التجدد‪ ،‬وال إمكانية حتى جسدية عىل االستمرار ونحن عندما نقول‬ ‫ذلك داخل البيت وان حمل اإلعالم كالمنا فألننا نقولها والكثري من الناقدين‬ ‫‪201‬‬


‫الفتحويني األصالء برغبة التغيري الذي ال مناص منه والتجدد الذي ال بديل‬ ‫عنه فهو سنة الله يف خلقه وهو أصل األشياء ومسار الفعل‪.‬‬ ‫إن فتح التي جعلت من النقد نصف العملة جعلت الوجه اآلخر هو‬ ‫اإلبداع والعمل والتجدد فال نقد بال عمل وال عمل بال نقد وال نقد بال سعي‬ ‫للتجدد وإحداث التغيري واملبادرة يف الذات والفكرة والتنظيم وهذا أيضا من‬ ‫مقومات الفكر الفتحوي الذي ال يفهمه املنحازون لعقلية املؤامرة أو أصحاب‬ ‫الفنت أو أولئك القلة من الحاقدين لسبب أو بال سبب‪.‬‬ ‫إن شيخوخة فكر وعمل أعضاء اللجنة املركزية يف فتح وعدد ال يستهان‬ ‫به من املجلس الثوري يف كثري من املراحل بني املؤمترات‪ ،‬كانت ضمن أسباب‬ ‫عدة أخرى مدخل الرتدي وسبب األزمات التي عانت منها الحركة ففي كل‬ ‫محطة أو مفصل بدل أن تظهر اللجنة املركزية حكيمة متضامنة تقوم بالتوزع‬ ‫عىل مساحة االختالف العريب بل واإلقليمي والعاملي دون رابط يربطها ودون‬ ‫عقلية إلقاء الشباك التي كان ينتهجها الفارس الذي ترجل فحيثام أمطرت‬ ‫الغيمة فله خراجها‪.‬‬ ‫أما اآلن فاملطر غزير والغيامت كثرية‪ ،‬والخراج ليس لنا ألن إدارة القيادة‬ ‫أو إدارة التعارضات واالختالفات داخل اللجنة املركزية أصبحت بعيدة كل‬ ‫البعد عام كانت توصف به إدارة الرئيس الراحل املعلم يارس عرفات بأنهم‬ ‫يتناوبون أو يوزعون األدوار‪.‬‬ ‫لقد شطّت اللجنة املركزية بشخوصها وشطّت بتحالفاتها وخرجت عن‬ ‫العصمة النسبية التي كان الكادر ينظر لها بها‪ 31‬ألنها انحازت لذاتها‪ ،‬يف عدد‬ ‫من املفاصل واملواقف‪ ،‬ومل تلق نظرة واحدة عىل كم التحديات التي تواجه‬ ‫القضية والحركة من تحدي االحتالل الجاثم بحكومته املتطرفة التي ستهدم‬ ‫‪ -31‬كانت النظرة ذات االجالل للجنة املركزية للحركة مرتبطة بالعطاء والفعل واالقدام يف‬ ‫مراحل عديدة من مراحل الثورة‪ ،‬وبدأت تخبو هذه الحالة من االجالل بعد املؤمتر السادس‬ ‫ثم السابع لحركة فتح‪.‬‬

‫‪202‬‬


‫مرشوع الدولة إىل تحدي النظر يف تجديد أساليب النضال إىل تحدي إنهاء‬ ‫االنقالب الدموي يف غزة الذي دفع بالقضية عرشات السنوات إىل الخلف إىل‬ ‫تحدي البناء الذايت وتجديد األطر‪.‬‬ ‫إننا ال ندين ألحد يف الحركة‪ ،‬وندين للحركة فكرا وأطرا ومنهجا ومسارا‬ ‫موصال لفلسطني‪ ،‬وفتح أكرب من مجموعنا‪ ،‬كام فلسطني أكرب من أي مسار‪،‬‬ ‫لذا فلن نعيب عىل من يخرج شاهرا قلمه يف وجه الخطأ ألنه يف حركة فتح‬ ‫إمكانية النقد عايل الصوت الذي ال يفهمه الحاقدون واالنقالبيون يف غزة‬ ‫عىل سبيل املثال ويظنونه وغريهم ترشذم وسريكعوا عندما تلطمهم موجات‬ ‫الفتح‪.‬‬ ‫إن شيخوخة اللجنة املركزية‪ ،‬واملقصود دوما شيخوخة الفكرة والربنامج‬ ‫وطريقة التفكري وقلة املنجزات‪ ،‬هي التي أفضت لهذا الكم املرتاكم من‬ ‫األزمات وعدم ثقتها بالكوادر وظنها أن ال حركة بدونهم هو ما قصم ظهر‬ ‫البعري فهم تجربة نحرتمها ونجلها ولكن الكادر األصغر أصبح ميتلك مجموع‬ ‫تجاربهم ويزيد لذا فلقد كان األجدر بهم أن ينحازوا للتجدد والتجربة‬ ‫املتعاظمة ال أن ينحازوا للذات والشيطان وفقدان األمل وقلة الهمة وضعف‬ ‫اإلميان وافتقاد الرؤية السياسية لغالبهم‪.‬‬ ‫إن إدارة الرصاع يف اإلطار القيادي األول بأن تلقي مبشاكلها عىل الكادر‬ ‫الوسيط واألصغر أصبحت سياسة مفهومة‪ ،‬فمن نوعية األعضاء باملؤمترات‬ ‫إىل عددهم إىل مكان وزمان املؤمترات‪ ،‬ما هو يف حقيقة األمر تأجيل مستمر‬ ‫وصوال لثبات الوضع القائم أو لالستكامل غدا مرفوضا ألن من مينون النفس‬ ‫باالستكامل عامة ال يختلفون كثريا عن سابقيهم بل هم ممن يشعلون لهم‬ ‫النريان‪.‬‬ ‫أن خرق النظام سواء بتطليق مبدأ جامعية القيادة املنصوص عليه يف‬ ‫النظام الداخيل كام هو شأن طبيعة العالقات يف املركزية‪ ،‬إىل التفرد يف اإلعالن‬ ‫عن مكان وزمان املؤمتر‪-‬أي مؤمتر‪ -‬هو مام كان وأصبح غري مقبول لدى‬ ‫‪203‬‬


‫الكوادر التي سرتى أن عليها الكالم رفضا للصمت بل والفعل ما ميثل فضيلة‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬فتتحمل عبء التجدد بالحركة ال انتظار رضا فالن أو عالن من‬ ‫أعضاء املركزية‪ ،‬فإمياننا بالله الذي ال يهتز‪ ،‬واحرتامنا والتزامنا بالقانون وحركة‬ ‫فتح وفلسطني أكرب من الجميع‪ ،‬وأكرث ثقال يف ميزان حسناتنا عند الله تعاىل‪.‬‬

‫‪204‬‬


‫اإلبداع ال السوداوية وخطاب األزمة‬ ‫الحظت حالة احباط عامة وتهكم وحنق ورغبات يف االنفالش مرتابطة‬ ‫مع نظرات سوداوية خطرة‪ ،‬رمبا نتفهمها معا يف إطار كل كبوة او مذبحة‬ ‫او عدوان علينا يف غزة أو الضفة‪ ،‬ورغبتنا وجميع األخوة يف تقديم أرواحهم‬ ‫فداء ألهلنا يف غزة‬ ‫إال أن تلك الحالة لدى بعض كادر فتح إن استمرت فإنها تسبب الرجرجة‬ ‫للتنظيم والجرح النازف‪ ،‬بأن يسري عىل طريق كله مطبات ومنعرجات صعبة‬ ‫وهو ما ال نريده أبدا‪ ،‬وهو من مقدمات الشعور العارم بالكآبة املرضية ثم‬ ‫اليأس والقنوط الذي نهانا الله تعاىل عنه يف كتابه العزيز‪.‬‬ ‫إن التنوع يف الطرح والتحليل والحوار واآلراء القائم لدى األخوة عىل‬ ‫الشابكة وفيسبوك ويف مجموعات (واتس أب) داللة عىل قدرتهم الفكرية‬ ‫والعقلية التى تحرتم‪ ،‬وداللة أيضا عىل رحابة فتح ودميقراطيتها بحيث ال‬ ‫سيف يرفع ليجز الرؤوس وال إشارة (ال) ترتفع لتخرس األفواه وال تنصب‬ ‫مشانق لهذا أو ذاك كام ال متارس فتح سياسية االتهام والتشويه والنبذ‬ ‫للمخالف فيها أبدا‪.‬‬ ‫ولكن هذا ال يعفينا من التنبه لبعض األقالم من أصحاب التيئيس املقصود‬ ‫والرغبة يف تدمري الحركة تحت شعارات براقة وتحت دعاوي اإلصالح او‬ ‫التغيري‪.‬‬ ‫إن األخوة كوادر حركة فتح عىل الفضاء االلكرتوين خاصة باعتقادي‬ ‫متنبهني لهذه الفئة القليلة وقادرين عىل متييزها وتحجيمها السيام بعد أن‬ ‫يثبت الربنامج الحريك يف نطاقه ويصبح هو املرجعية للتعددية‪.‬‬ ‫أين هي فتح سؤال يردده البعض متهكام عىل كل إطار يعزل نفسه عنه‬ ‫أو أن اإلطار املعني مل يتمكن من استيعابه‪ ،‬ويف هذا بعض الصحة التي ال‬ ‫تعفي الشخص أن يتحىل بقيم حركة فتح األساسية تلك التي إن مل يتمكن من‬ ‫‪205‬‬


‫عكسها عىل مسار حياته فهو يقف عىل مفرتق طرق‪.‬‬ ‫إن من القيم األساسية التي ال تتغري يف الحركة هي اإلميان بالله سبحانه‬ ‫وتعاىل‪ ،‬واإلميان بحقنا الثابت يف فلسطني الذي ال ينازع‪ ،‬ومهام كربت املخاطر‬ ‫ومهام تأزمنا واختلفنا‪ ،‬ومهام ضعفنا أمامها فإن هذا اإلميان مستقر ال يتزعزع‬ ‫وثانيا التضحية ما يعني أن يأخذ اإلنسان من وقته وفكره وذاته وماله‬ ‫لصالح هذه الحركة ألن مقدار التضحية يجب أن يرتبط بحجم اإلميان‪.‬‬ ‫وثالثا وهو ما أريد أن أركز عليه هنا هو عقلية املبادرة واملبادأة والفعل‬ ‫والنشاط تلك التي تحرتم العمل وتقوم به فال تكتفي فقط بالنقد (أوالتشنيع‬ ‫أحيانا) أو تكتفي بذكر السلبيات يف إطار لن يكون نهايته إال قتل اإلميان‬ ‫والتضحية واإلبداع يف الفرد الفتحاوي‪.‬‬ ‫ورابعا وخامسا إىل عارشا قد نضع التفكري االيجايب املنطلق للمستقبل‬ ‫قيمة أساسية كام نضع االنتامء وااللتزام قيمة ال غنى عنها يجب أن تحرتم‬ ‫وتفهم وتنفذ بأدواتها كام أن الصدق واملحبة وحرمة العرض واملال والدم‬ ‫كلها تعترب من أهم وأبرز قيم فتح‪.‬‬ ‫إن يارس عرفات بهذه القيم الثالث وبالكثري بالطبع غريها متيز عن أقرانه‪،‬‬ ‫وظل دوما يف املقدمة ال يهمه من ينقده ألنه كان صانع سياسة وصانع فكرة‬ ‫وصانع منهج وصانع فعل‪.‬‬ ‫إن صناعة األشياء واألحداث واملبادرة تجعل من العقل حرا غري مقيد‬ ‫يفكر يف شتى االتجاهات‪ .‬يفكر كيف يعمل وكيف يقدم وكيف ينجز بينام‬ ‫اقتصار العقل عىل البحث يف املايض ومتجيد املايض وترقب األخطاء وإبراز‬ ‫السلبيات قد يصبح مدخال للجمود بل ومحققا للركود وسببا لرتهل التنظيم‬ ‫‪32‬‬ ‫وسلبيته‪.‬‬ ‫‪ -32‬د‪.‬عبدالحميد األنصاري يسمي هذه الفئة من االسالمويني‪ :‬املنتحرون عىل عتبة التاريخ‪.‬‬

‫‪206‬‬


‫إن النقد يف أي حركة ثورية أو دميقراطية رضوري بل ورضوري جدا وهام‬ ‫ويحض عليه‪ ،‬ألنه يصوب املسار أو يجب أن يفعل ذلك ويحدد األمور التي‬ ‫يجب أن تتغري ويصنع رأي عام باتجاه التغيري املحمود‪ ،‬لكنه يف حالة األزمات‬ ‫املصريية الكربى ووجود العدو الواضح واملنافس النشط الذي يبغي شق‬ ‫الحركة وتفتيها جهارا نهارا يصبح النقد الصارخ (وليس الهامس أواملرتفع‪،‬‬ ‫تراجع أدبيات فتح يف النقد والنقد الذايت) سالحا بيد اآلخر ويف نحورنا‬ ‫إن تقديم الفعل والعمل واملبادرة هو الحل فإن قلنا إن القيادة نامئة‬ ‫أوقامئة‪ ،‬فاترة الهمة أو فاعلة ال تفعل شيئا‪ ،‬أو فعالة مقرصة أو أدت ما‬ ‫تستطيع من واجبها‪ ،‬ال تسوى رشوى نقري أو أنها جواهر ال ميثل ذلك شيئا يف‬ ‫حقيقة أننا نغري يف فكرها وسلوكها ملاذا؟ ألن العمل وحده هو الذي يؤخذ‬ ‫بعني االعتبار وترتك كافة االنتقادات غري املرتبطة بفعل او إطار أو مجال‬ ‫تأثري ترتك محلقة يف الهواء دون أن تصل أي أذن‪ ،‬او تلقى يف سلة املهمالت‪،‬‬ ‫اوتبقى حروفا ناتئة عىل الشبكة فقط‪.‬‬ ‫ما أريد قوله أن ابن فتح ميثل بُعدا وطنيا نضاليا يف ذاته‪ ،‬ال يهمه إن‬ ‫تهاون اآلخرون أو انكرسوا أو قرصوا ألن منبع إميانه الله سبحانه وتعاىل أوال‬ ‫كام قلنا والقضية ثانيا‪:‬هو أي إميانه بنفسه‪ ،‬وثالثا وبقدراته وبرضورة أن يغري‬ ‫يف ذاته وقد قلت كثريا ومرارا أن محطة التغيري‪( :‬هي أنا)فإن مل أحدث تغيريا‬ ‫متصال يف عقيل وفكري وادايئ وطريقة فعيل يوميا من خالل صناعة األهداف‬ ‫والتخطيط والتنظيم لعميل فأنا واهم بأنني أقدم شيئا‪ .‬إنني بذلك ال أقدم‬ ‫شيئا لذايت فكيف لريب أو أهيل أو وطني أو تنظيمي؟!‬ ‫يقولون أين القيادة يف غزة؟ ويقولون أين القيادة يف الضفة؟ والبعض‬ ‫ينكر وجود التنظيم رغم االنجازات الكبرية املرتاكمة‪-‬وان ببطء‪ -‬التي حققتها‬ ‫الحركة ألول مرة يف تاريخها يف االنتخابات الداخلية املستمرة‪ ،‬ويف حرص‬ ‫العضوية وضخ سلسلة من املواد التثقيفية والدورات‪ ،‬ورغم التغيري العضوي‬ ‫يف آليات التفكري والدمقرطة‪...‬الخ‪.‬‬ ‫‪207‬‬


‫ويقولون القيادة مقرصة؟ ويقولون ويقولون الكثري‪ ...‬بل وأحيانا يرتفع‬ ‫القول لدرجة الخروج عن آداب النقد السليم والحديث والحوار‪ ،‬وقد اتفق‬ ‫مع الكثري من االنتقادات هذه بل ورمبا لدي أكرث منها ما كتبته يف مرحلة‬ ‫الراحة ال مرحلة الهجوم والتدمري اليوم الذي تتعرض فيه الحركة ألرشس‬ ‫هجمة مخطط لها‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬هذه الالكن اللعينة التي تتحكم يف تسلسل األفكار وتكبح التطرف‪...‬‬ ‫لكن لكل مقام مقال ولكل حالة دواءها الناجع ولكل مرحلة آليات التعامل‬ ‫معها‪ ،‬فال يجوز أن نجنح كثريا يف النقد إىل درجة الشتم والقدح املفيض‬ ‫للتيئيس ألننا نخرج أنفسنا دون أن ندري رمبا من أنفسنا‪ ،‬وننفصل نفسيا عن‬ ‫محيطنا وعن حركتنا‪ ،‬إن نظرة منا إىل الجانبني أو من فوق الشجرة وتحرر‬ ‫فينا قليل من ضغط األفكار السوداوية قد ميكن األكسجني أن يطوف بالدماغ‬ ‫فننطلق للفعل أكرث من النقد‪ ،‬ويجعلنا نضع كل يشء يف مساره‪ ،‬حيث النقد‬ ‫مطلوب وحيث العمل بال انجاز خسارة‪.‬‬ ‫يف التاريخ اإلسالمي اختلف املسلمون يف أواخر فرتة الصحايب عثامن‬ ‫ابن عفان ويف حياة الخليفة عيل بن أيب طالب ريض الله عنهام‪ ،‬اختلفوا‬ ‫يف السياسية والسلطة والحكم وتقاتلوا ومن ذلك الوقت بدأت بذور‬ ‫االنشقاقات تنمو إىل أن ظهرت يف مرحلة الحقة طائفة أو جامعة (أو تيار)‬ ‫عقالنية سميت باملعتزلة عقلنت الفكر اإلسالمي (والفكر إبداع أنساين كام‬ ‫نعلم جميعا) وقدمت للمسلمني الكثري وأسهمت يف صد االتهامات املوجهة‬ ‫ضد اإلسالم من أصحاب الديانات األخرى بفعالية‪.‬‬ ‫ولكن أين هذه الجامعة اآلن واليوم من التيارات اإلسالمية املوجودة؟‬ ‫لقد تبخرت؟ ملاذا؟ ألسباب عديدة بالطبع ومنها أنها التهت بالفعل النقدي‬ ‫عن العمل عىل األرض ملصلحة الناس‪ ...‬ما ال نريده من كوادر فتح‪ ،‬مبعنى أن‬ ‫االستمرارية لحركة فتح مادامت تحمل حاجات الجامهري عىل أكتافها فهي‬ ‫متواصلة وما دامت تتحمل تبعات القضية ومرشوعها‪ ،‬وما دام كادرها يتجدد‬ ‫‪208‬‬


‫يف األطر واألفكار ويف ذاته فهي حركة عفية وعصية عىل الكرس‪.‬‬ ‫إن حركة فتح مسار طويل أن انحرف نصلحه وفتح ثوب أن اتسخ ننظفه؟‬ ‫ألنها مازالت حركة اإلطار الصالح لتحقيق أهدافنا السياسية فال نغري املسار‬ ‫من النقيض إىل النقيض وال نلقي بالثوب فهو مل يتمزق وبالفتحاويني األشاوس‬ ‫لن يتمزق‪.‬‬ ‫عىل أنا وعىل جميع األخوة باعتقادي أال ميلوا النقد والحوار الداخيل نعم‬ ‫وهذا ما هو محمود‪ ،‬ولكن أن يكون بحسب درجة شدته يف إطاره أفضل‬ ‫بكثري‪ ،‬ويف وقته‪ ،‬ويف مجال تأثريه‪ ،‬مع تأكيدي أنه قد تحصل ظروف وحاجة‬ ‫للنقد الصارخ خارج األطر يف كثري من األحيان ولكن بنية التغيري ال التدمري‬ ‫وهو ما حصل يف كثري من مراحل حياتنا‪.‬‬ ‫إن املبادرة والعمل واالنجاز يجب أن يكون ديدننا (فال يجوز أن نظل‬ ‫نسمع جعجعة وال نرى طحنا=أي انجازا‪ ،‬كام يقول املثل) فال مناص لكل‬ ‫كادر فتحوي من االنخراط يف نشاطات مختلفة ذاتية‪ ،‬وجامهريية وفكرية‬ ‫واجتامعية ونفسية وإدارية وفنية ودينية بل ويوثقها وميررها إلخوانه‪،‬‬ ‫ولتكن مهارة بناء الذات وتطوير القدرات مجال تنافسنا ملصلحتنا وخدمة‬ ‫للحركة وفلسطني‪ ،‬ال املدافع الكالمية فق ما كان سمة اإلخوان املسلمني وما‬ ‫عاد ليصبح سمتهم ثانية مع حامس اليوم يلوكون الكالم ويتفلونه بال طعم‬ ‫ويتقزز منه الناس‪.‬‬ ‫إن (الكالم الكبري) والعبارات الرنانة الطنانة قد تشنف اآلذان ومتتع‬ ‫النفس وتحرك العواطف لفرتة ولكنها ال تحقق انجازا‪ ،‬فأن تطعم مسكينا‬ ‫سمكة هذا جيد ولكن أن تعلمه صيد السمك فهذا أفضل‪ ،‬ويك ال يصدق قول‬ ‫(شمعون بريز) أن العرب يحبون زخرف القول ويستخدمونه للتنميق فقط‬ ‫وال يستخدمونه للتعريف وإحداث الوعي‪ ،‬فإن اقرتان القول بالفعل لدى‬ ‫كادرنا هو صفة قرآنية يجب أن نتحىل بها‪ ،‬ومن ال يعجبه فليرشب من بحر‬ ‫غزة‪ ،‬وبحر فلسطني‪.‬‬ ‫‪209‬‬


‫إن ملسة عىل رأس ابن شهيد أو زيارة عائلة جريح أو سلة طعام ألرسة او‬ ‫بسمه يف وجه عجوز أوقراءة القرآن او قراءة تجارب الشعوب أوقراءة قصة‬ ‫ل(باولو كويليو) اوأمني املعلوف او (غابريل غارسيا ماركيز) مثال أو خدمة‬ ‫أرملة أو املشاركة النشطة يف تنمية أطفالنا أو يف األفراح واألتراح ألبناء شعبنا‬ ‫وحل مشاكلهم‪ ...‬الخ من النشاطات اإلبداعية‪ ،‬أهم لفلسطني وفتح من كل‬ ‫الحروب الكالمية لإلخوان املسلمني وأفكارهم الخرافية والظالمية‪.‬‬ ‫وهكذا كان الرسول محمد صىل الله عليه وسلم قدوتنا ومفرج كربنا‬ ‫وهمنا بفعله وبدعائه الكريم الدائم وبعدم يأسه وتباشري الفرح واالنفراج‬ ‫والتفاؤل تنري العامل كله منطلقة من وجهه الكريم‪ ،‬وهكذا كان الصحابة‬ ‫والحكامء وكان الخالد يارس عرفات‪.‬‬ ‫إن نفض فكر الرتهل وثياب السواد ونعي الذات والتشاؤم والنقد املفرط‬ ‫املفيض لليأس والقعود عن الفعل‪ ،‬ال تتم إال بالعمل وتحقيق االنجازات‪:‬‬ ‫الشخصية الذاتية والحركية والجامعية‪ ،‬أو املجتمعية‪ ،‬وال تتم إال باحرتامنا‬ ‫لتعدديتنا يف الرأي ضمن ضوابط الفكر الفتحوي واحرتامنا ألطرنا –حتى‬ ‫عىل ضعفها ورمبا عدم قدرتها كلها عىل التواصل ما هو مشكلتنا جميعا‬ ‫وما يحتاج لنقاش كل يف موضعه‪-‬وبالعمل فقط يعود لحركتنا نهضوية يف‬ ‫مرشوعها الفكري العرويب اإلسالمي اإلنساين املنفتح‪ ،‬والسيايس والجامهريي‪.‬‬ ‫أنتم‪ ،‬نحن املبتدأ وأنتم نحن الخرب‪ ،‬والله معنا حكام وإنها لثورة حتى‬ ‫النرص‪.‬‬ ‫الصوت العالي وتكتيكات المؤتمرات!‬

‫تعد املامرسة الدميقراطية أساس الحكم الرشيد (أو اإلدارة الرشيدة )‪،‬‬ ‫وعندما توضع قواعد املحاسبة واملساءلة والشفافية للتنفيذ عىل كل األعضاء‬ ‫يف التنظيم فإن مربر الخوف أو التوجس يصبح غري موجود‪ ،‬كام يزول مربر‬ ‫االتهام العشوايئ أو اإلشاعات‪.‬‬ ‫‪210‬‬


‫أن مربر السعي للحامية واألمان وفق منطق القطيع (أو االستزالم) الذي‬ ‫يبحث عن رأس يصبح أيضا غري وارد‪ ،‬إضافة إىل أن حكم النظام هو البديل‬ ‫األوحد لحكم الفرد املستبد أو الجامعة املهيمنة‪ ،‬لذا فإن التنظيم السيايس‬ ‫الذي يريد أن يحيا يف هذا العرص ال بد له من التمسك بحرية األفراد ودعم‬ ‫وعيهم وقدرتهم عىل إبداء الرأي وحقهم يف االختالف ضمن نظام املؤسسة‪.‬‬ ‫أقول قويل هذا ومؤمترات فتح الداخلية فيها األمواج تتالطم وتخرج‬ ‫األفكار وتتقاطع التحليالت وتتعدد اآلراء التي يجب أن تكون كذلك أي‬ ‫متعددة‪ ،‬ولكن يف سياق وحدة األهداف وما يتم االتفاق عليه من توجهات‬ ‫وقرارات‪.‬‬ ‫إن أهمية القرارات والتوجهات يف املؤمتر‪-‬أي مؤمتر‪ -‬أنها متثل حصيلة‬ ‫األفكار واآلراء التي تتقاطع أو تتغري أو ينفي القوي منها الضعيف يف إرادة‬ ‫البحث عن الفكرة املؤثرة أو الجامعة أو املحققة لألهداف‪.‬‬ ‫ال مناص من االتفاق يف أي مؤمتر عىل األهداف (أو الثوابت)التي تقرر‬ ‫أن فلسطني موطن الفلسطينيني وأن فتح مازالت حركة تحرر وطني تج ّد‬ ‫يف بناء السلطة والدولة‪ ،‬وأن ما أصبح يطلق علية (الثوابت الوطنية) يف‬ ‫إطار الواقعية السياسية ميثل الحد املقبول للحراك السيايس الفتحوي الوطني‬ ‫واإلقليمي والعاملي‪.‬‬ ‫امللفات أمام كل مؤمتر تكون كثرية والتعرض لها جميعا لن يكون متيرسا‬ ‫يف أقله تحت ضغط الوقت‪ ،‬ألنه لو فتح أي من ملفات الكبوات واألزمات‬ ‫والرصاعات‪ ،‬فإنه لن يكفيك أيام وأسابيع إلغالقها‪ ،‬أوالبت فيها‪ ،‬ولكن ذلك‬ ‫ال يعني عدم التطرق لها بقدر ما يعني رضورة الوعي باجرتاح آليات نظامية‬ ‫تقوم مبعالجتها ضمن أمد زمني معني‪.‬‬ ‫إن خطاب األزمات الذي سيصعد الكثريون رمبا ليتناولوا من خالله ما‬ ‫أصاب الحركة‪ ،‬يف املوقع أو الشعبة أو املنطقة أو االقليم او بالحركة ككل‪،‬‬ ‫‪211‬‬


‫هو خطاب له ثالث احتامالت‪.‬‬ ‫فأما أن يكون خطابا تنفيسيا أو ثوريا تطهريا يوجه االتهامات مشريا إىل‬ ‫أصحابها دون حسابات‪ ،‬أو خطابا انتخابيا يوجه االتهامات بقسوة دون أي‬ ‫إشارة ألصحابها‪ ‬أو لطرق الحل أو املحاسبة ألنه قطعا كان جزء من هذه‬ ‫األزمة أو األزمات‪ ،‬واالحتامل الثالث أن يكون خطابا موجها يشري إىل مكمن‬ ‫الداء ويطرح العالج عرب آليات الحل املرتبطة بالفكرة واألشخاص واملكان‬ ‫والزمن املحدد إلعطاء النتائج‪.‬‬ ‫إن خطاب األزمة والكبوة أو الرصاع قد يفتح جروحا كثرية البد أن‬ ‫تثار مبنطق الحرص ال االنتقام‪ ،‬ولكن الشجاعة ليست يف فتحها فقط‬ ‫وإمنا يف وضع الربامج والخطط والرؤى التي تقطع دابرها وتتخلص منها‪.‬‬ ‫إن الصوت العايل يف املؤمترات قد يحقق كسبا مؤقتا‪ ،‬ولكنه قد يكون صوتا‬ ‫مأمورا يف لعبة التوازنات لخدمة هذا الطرف عىل حساب ذلك ما يؤثر يف‬ ‫صندوق االنتخابات ما يحتاج منا لوعي عميق ورؤية شفافة وقراءة عميقة‬ ‫لخلفيات كل متحدث ودوافعه وأسبابه وحتى شكل طرحه وطبيعة حركاته‬ ‫وصوته‪ ،‬فاملستسلم نفسيا ال يتحول بني ليلة وضحاها إىل فدايئ‪ ،‬واملتعايل‬ ‫عىل الجامهري ال يتحول يف لحظات إىل حبيب الجامهري‪ ،‬والذي يظن أنه‬ ‫ميلك مفاتيح الفردوس ال يتحول فجأة إىل منبع حنان يستعطف الكوادر‬ ‫ويستثريها مدعيا أنه يسري خلفها فيام تقرر‪.‬‬ ‫يف الخواطر الصوفية يقولون‪( :‬تستسلم الذات اليائسة القلقة دون وعي‬ ‫لالندراج داخل حدود القطيع أوالحشد‪ ،‬وتغدو رقام ال شخصية متفردة‬ ‫متميزة‪ ،‬وبالطبع فإنها تخضع متاما ملعايري وقيم القطيع دون أدىن توقف أو‬ ‫مناقشة )‪.‬‬ ‫يف املؤمترات عامة‪ ،‬وما يسبقها تظهر مجموعة من التكتيكات واملناورات‬ ‫يجب االنتباه لها من أبرزها‬ ‫‪212‬‬


‫أوال‪ :‬التساوق مع الجو العام‪ ،‬حيث ترى األعضاء من كافة التوجهات‬ ‫املتعارضة يتحدثون حول موضوع محدد بنفس اللغة (مثال الكل سيكون مع‬ ‫الثوابت وأن كان له رأي آخر)‪.‬‬ ‫وثانيا‪ :‬ستخلق بعض التكتالت يف املؤمتر عدوا وهميا من مثل األمن‬ ‫يف املؤمتر‪ ،‬والوقت‪ ،‬والطرف الخارجي الفالين الذي يجب أن نحاربه وإال‬ ‫سيفشل املؤمتر‪.‬‬ ‫وثالثا‪ :‬خلق أجواء محددة قد تكون رئاسة املؤمتر ضليعة يف ذلك من‬ ‫خالل توجيهها ملسار الجلسات فمن أجواء محبطة أو سارة أو انتقائية إىل‬ ‫ودية أو متطرفة أو تفاؤلية أو تصعيدية‪.‬‬ ‫ورابعا‪ :‬فقد يسعى تكتل إلظهار رأسه وزعيمه بصورة البطل ليتمنى‬ ‫الجميع التقرب منه‪ ،‬أوبصورة املضطهد الذي يسعى الجميع لالنتقام ممن‬ ‫اضطهده‪.‬‬ ‫وخامسا‪ :‬الرضب بيد من حديد عرب إثارة الغبار حول شخص أو أشخاص‬ ‫يف املؤمتر يتم تقريعهم ليسكت اآلخرون أو ينزوون جانبا‪.‬‬ ‫وسادسا‪ :‬وهو العامل الهام يف التأثري عىل الناس أال وهو اإليهام‪( ‬صناعة‬ ‫الوهم أو الدعاية) من خالل اإلشادة بفكرة أو شخص والتكرار للفكرة ودور‬ ‫الشخص فيصبح قيدا ذهنيا ال نستطيع التحلل منه‪ ،‬كام تفعل الفضائيات‬ ‫والدعايات وأساليب (اإلخ��وان املسلمني)يف التلميع عرب إظهار ما يجب‬ ‫وإخفاء جبل الثلج تحت املياه‪.‬‬ ‫إن أهمية املؤمتر‪-‬أي مؤمتر يف أي تنظيم سيايس‪ -‬بنتائجه ومؤمترات‬ ‫حركة فتح هامة ألنها مؤمترات لحركة عظيمة يجب أن تصعد درجة إىل‬ ‫األمام فتصلح الكثري مام أفسده قادتها ليس فقط برضورة فتح امللفات وإمنا‬ ‫بإحالة كل قضية وكل متهم فيهم –ان وجد‪ -‬إىل العدالة واملساءلة واملحكمة‬ ‫الحركية ليصار للبت يف كافة املواضيع خالل شهور محددة‪.‬‬ ‫‪213‬‬


‫إن مؤمتر حركة فتح أو أي فصيل سيايس هو مؤمتر صنع السياسات‪،‬‬ ‫فام رآه البعض محسوما من حيث أن ال خالف سيايس واضح يف الحركة أو‬ ‫الفصيل يقابله رؤية البعض املختلفة واملحرتمة حول العديد من امللفات‪.‬‬ ‫كام أن البعض يرون أنهم ميثلون التيار الوطني مقابل الالوطني‪ -‬يف طرح‬ ‫غريب فان كان هناك توجه غري وطني يف مؤمتر فتح مثال‪ ،‬فلامذا نسمح‬ ‫بحضوره أصال‪ -‬وما يراه القسم الثالث من أن فتح املستقبل هي فتح النظام‬ ‫والقيم املستمدة من الدائرة الحضارية العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫وبناء عليه فإن عىل أكتاف كادرات املؤمتر السيايس التنظيمي مهمة صنع‬ ‫املستقبل بعيدا عن الغفلة والسقوط التي قال فيهام أبو حيان التوحيدي‬ ‫(إن الغفلة حضور الجهالة والغياب والعجز عن إدراك الحقيقة أو إدراكهام‬ ‫إدراكا وهميا زائفا ينطوي عىل الشبهة والضاللة واملخايلة مبعنى أن املوضوع‬ ‫يستقر محتجبا بظاهره الخارجي املموه الذي يستلب الوعي ويغيبه عن لب‬ ‫املوضوع وحقيقته الخفية يف عمقه )‪.‬‬ ‫آن األوان للذاهبني ألي مؤمتر ليتفقوا عىل األسس التي تحكم إيقاع‬ ‫حركتهم والتي قد تكون كالتايل‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬من املهم أن نختلف معا ولكن نتحاور‪ ،‬ونختلف مع اآلخرين‬ ‫ونتجاور‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬من املهم أن ننترص للفكرة والتجربة والرؤية والرجال األشداء‬ ‫القادرين عىل حملها‪ ،‬ال أن نعمل عبيدا عند اآلخرين‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬ال يجوز استثناء أحد فكل مخطئ أو ميسء يجب أن يأخذ قصاصه‬ ‫العادل حسب النظام‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬الحكم األوحد بيننا ليست الرواية لهذا أو ذاك بل النظام واملساءلة‬ ‫واملكاشفة والقانون‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬سقطت القالع الوهمية ودالت دولة الزعيم و األزالم وانتهى‬ ‫‪214‬‬


‫منطق االستبداد استنادا للتاريخ أو االدعاء‪ ،‬ألن ما يجمعنا الثوابت والحرية‬ ‫والدميقراطية والوعي والعقل ال االستغفال واإليهام أواالستهبال‪.‬‬ ‫لقد فعلتها «فتح»‪.‬‬

‫لقد فعلتها “فتح” دوما‪ ،‬فبعد كل كبوة جواد‪ ،‬او مرحلة انسداد‪ ،‬أو نبوة‬ ‫سيف‪ ،‬نراها تتجدد وتستطيع النهوض من جديد‪ ،‬فطائر الفينيق الذي طاملا‬ ‫تغنى به الشهيد القائد الخالد يارس عرفات الذي كان مرافقا ملشهد املؤمترات‬ ‫ومشهد االنتفاضات ومشهد املقاومة يطل برأسه محييا كل الفتحويني وأبناء‬ ‫فلسطني‪.‬‬ ‫تشكل املؤمترات يف حركة فتح انعطافة حقيقية ونقطة تغيري يف منحنى‬ ‫الحركة بكافة األطر‪ ،‬تفشل حال نجاحها رهان الكثريين من اإلرسائيليني‪،‬‬ ‫وكارهي” فتح” الذين يراهنون دوما عىل فشل الحركة بل وعىل انقسامها‬ ‫وتناثرها فيخيب دوما رجاؤهم‪.‬‬ ‫وكان الله معنا عند كل مفرتق ألن الحق يف ركابنا‪ ،‬وخابت كافة محاوالت‬ ‫املخرصني الهزيلة بتعطيل املسرية‪.‬‬ ‫إن نقطة التغيري تتمثل بدورية انعقاد املؤمترات عامة‪ ،‬ومنها مؤمتر‬ ‫الحركة العام (السادس ثم السابع) ما يجب أن يعيد الحركة بقوة إىل خريطة‬ ‫املنطقة سياسيا وتنظيميا ودبلوماسيا وإداريا لتستعيد «فتح” وتجدد رشعيتها‬ ‫الدستورية الداخلية‪ ،‬ولتذهب بعيدا نحو تقوية جسدها وخياراتها وكادرها‬ ‫املتقد حامسا والراغب يف العمل‪.‬‬ ‫كاد املنحنى يطبق عىل رقبة “فتح“ يف كثري من املراحل حيث تحاورت‬ ‫سنوات حتى دخلت معرتك املؤمترات‪ ،‬وهي جاهزة كليا للقرارات‪.‬‬ ‫إن دورية انعقاد املؤمترات واجبة‪ ،‬وانعقاد املؤمتر السادس بعد عرشين‬ ‫عاما‪ ،‬ثم السابع يف وقته تقريبا أدى النقالب املنحنى رأسا عىل عقب مشكال‬ ‫‪215‬‬


‫بالفعل نقطة انعطاف حقيقية جددت الخاليا وأضحكت وجوه الصحابة‬ ‫ريض الله عنهم‪ ،‬وضخت دماء غري ملوثة يف جسد حركة الشعب الفلسطيني‬ ‫تلك التي تنهل من محيطها الحضاري العريب اإلسالمي‪ ،‬ولطمت كل املراهنني‬ ‫بالسقوط فأوجعتهم الرضبة وأدارت رؤوسهم الخاوية‪.‬‬ ‫لقد فعلتها «فتح» فحققت بانعقاد مؤمتراتها ستة أهداف ميكن أن‬ ‫نحددها بالتايل‪:‬‬ ‫اثبت املؤمترات قدرة «فتح» املكينة عىل وقف مسلسل الكبوات واألزمات‬ ‫والسلبيات‪ ،‬ورغبتها يف النهوض والتطور والتقدم إىل األمام‪.‬‬ ‫عربت فتح عن متسكها بالثوابت الوطنية فكانت رسالة املؤمترات أن‬ ‫«فتح» ما زالت حركة وطنية ثورية تسعى للتحرير‪ ،‬وتقاتل االحتالل بكافة‬ ‫الوسائل وعىل رأسها الكفاح املسلح وحرب الشعب التي تظل خيارا إىل‬ ‫جانب الخيارات األخرى فام كفلته الرشعية الدولية بنضاالت أبناء الثورات‬ ‫املتعددة وأبناء الفتح كان حري باملؤمتر أن يثبتها‪.‬‬ ‫كرست «فتح» احتضانها ملرشوع الدولة املدنية الدميقراطية التعددية‬ ‫املستقلة يف آلية فهم عميل للواقع القائم وآليات التعامل معه‪.‬‬ ‫أعطت املؤمترات بانعقادها ألعضاء الحركة جميعا الحافز الكبري ألحداث‬ ‫التغيري يف كافة األطر واملستويات خاصة تلك التي تكلست يف التنظيم‬ ‫واملؤسسات والنقابات ما يستدعى ورشة كبرية لتشكيل صورة جديدة بكافة‬ ‫األبعاد‪.‬‬ ‫تفرض املؤمترات قاعدة رئيسة تتجىل يف أن النظام الداخيل للحركة‬ ‫والربنامج السيايس هام عامد الحركة ومو ّجه تحركها ومرجعيتها ما يسقط‬ ‫فكرة القائد املهيمن أو الزعيم األوحد (أو هذا ما يفرتض أن نسعى له) حيث‬ ‫ال مناص من العمل الجامعي الحقيقي ومبرجعية واحدة هي النظام الداخيل‬ ‫والربنامج‪.‬‬ ‫‪216‬‬


‫تثبت فتح بعقد املؤمترات أنها التنظيم األهم يف منطقة الرشق األوسط‪،‬‬ ‫فهي التنظيم الدميقراطي الحقيقي يف ظل ظلامت من فوقها ظلامت‬ ‫ألدعياء امتالك الحقيقة والكذب عىل الله والناس من تنظيامت القمع‬ ‫وفقدان الحرية وبيع الضامئر أو السيطرة عىل العقول واغتصابها بدعاوي‬ ‫إيديولوجية أوإلهية‪ ،‬وأثبتت قدرتها عىل النهوض والتطور معربة عن احرتام‬ ‫حقوق اإلنسان واملرأة‪ ،‬فها هي املرأة يتقرر حقها يف ‪ 30‬باملائة من املواقع‬ ‫الحركية‪ ،‬وها هو العضو يتوسع مجال حريته وحركته يف األطر التنظيمية‪،‬‬ ‫وهاهي املركزية تتعانق مع الدميقراطية يف سياق االلتزام والحرية‪.‬‬ ‫حركة « فتح « التي فلت منها العقال لفرتة طويلة فعانت من الكبوات‬ ‫إىل الدرجة التي ظن فيها العديد من الكوادر انه لن تقوم لها قامئة يف مراحل‬ ‫متعددة‪ ،‬ال سيام وان كثري من األقالم املمسوخة والفضائيات املعادية قد‬ ‫كرست وقتها فقط للطعن يف الحركة وتلميع تنظيامت أخرى‪ ،‬سقطت هذه‬ ‫التنظيامت يف امتحان املواجهة كام سقطت يف امتحان الدم وسقطت بني‬ ‫الجامهري‪.‬‬ ‫وهاهي حركة « فتح « تفعلها ثانية وثالثة وتنطلق بجداره من تحت‬ ‫الدمار الذي حاولوا أن يدفنوها فيه كام طائر الفينيق‪.‬‬ ‫لقد تقلب كادر «فتح» عىل جمر النار سنوات طويلة فمع كل كبوة كان‬ ‫يزداد لديه الشعور باملرارة واألىس‪ ،‬فيلجأ للنقد العلني إىل الحد الذي اخرج‬ ‫بعض الكادر عن طوره وانخدع بالصورة الرباقة املكذوبة لآلخرين وصدق‬ ‫الكثري مام أشيع عن حركته فنال من حركته عىل وسائل التواصل االجتامعي‬ ‫دون إدراك لحجم الرضر‪.‬‬ ‫لقد تحول النقد يف مرحلة من املراحل إىل عمل بحد ذاته‪ ،‬فتجمدت‬ ‫األفكار وتقلصت املبادرات وتراجعت إلبداعات وأصبح العمل الحقيقي مع‬ ‫األعضاء والكوادر والجامهري نسيا منسيا‪ ،‬ولكن فتح فعلتها مجددا ً وها هي‬ ‫تستعيد زمام األمور مع كل مؤمتر أو موجة مقاومة او انتصار سيايس فتضع‬ ‫‪217‬‬


‫املبادرة واإلبداع والتفكري االيجايب والتغيري والتجدد والعمل عىل رأس جدول‬ ‫أعاملها‪ ،‬فتذوب كل األفكار الخداعة واألفكار املعادية يف بحر عطاء ال ينضب‪.‬‬ ‫لقد فعلتها فتح ألنها تشكل الحائط املتني‪ ،‬والسد الضخم‪ ،‬الذي يسند‬ ‫ويدعم كل أصحاب املبادرات وكل الساعني لخدمة الوطن وكل القابضني عىل‬ ‫الجمر‪ ،‬وكل الذين يضعون خدودهم مداسا للجامهري حبا وحنانا وخدمة ال‬ ‫تتوقف‪ ،‬ولكل الذين جعلوا القضية الفلسطينية وتحرير فلسطني هدفا ال‬ ‫يتزحزح لحظة من أدمغتهم‪ ،‬فيالقيهم هذا الهدف قعودا ووقوفا ويف الصحو‬ ‫واملنام‪ .‬إنها السد الذي يسمح بالفعل وانهامر املاء بسالسة ونظام واتزان بني‬ ‫كل مكونات الوطن وطيف تعدديته‪.‬‬ ‫فتح كانت ومازالت هي املعني الذي ال ينضب لكل الظامئني والشاربني‬ ‫من الجامهري الفلسطينية والعربية العريضة‪ ،‬ممن ال يطعنون يف الظهر وال‬ ‫يبصقون يف اإلناء الذي رشبوا منه أواملنهل‪ ،‬وممن ال ينكرون اآلخرين‪ ،‬وال‬ ‫يطلقون الطلقة الحاقدة عليهم يف ظهورهم لتستقر يف جسد األخ أو ابن‬ ‫العم والجار الجنب‪ ،‬ثم يقبلون عليهم سلخا وتقطيعا ينزعون منهم القلوب‬ ‫ويقطعون فيهم األرجل واأليدى والرؤوس مسلحني مبفاتيح الجنة املكذوبة‬ ‫دنيا وآخرة‪.‬‬ ‫وتظل فتح املبتدأ وغريها ستعلو وجهه الغربة اليوم وغدا‪ ،‬وستتوارى‬ ‫القتة يف ظل ركام الزمن ويف يوم العرض الكبري‪ ،‬وسينىس‬ ‫الوجوه الكالحة ذات رَ‬ ‫الكثريون بإذن الله تعاىل مشاهد الرعب واإلرهاب والقتل من أولئك الذين مل‬ ‫يفهموا الحركة الوطنية والثورية إال انتقاما وطغيانا وتعصبا وتط ّرفا واقصا ًء‬ ‫وسيطرة عىل السلطة ورقاب العباد فدا ًء لشخوصهم ودفاعا عن ذواتهم‬ ‫الفانية‪.‬‬ ‫رغم أنف كل األعداء والحاقدين فعلتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني‪-‬‬ ‫فتح وتجددت‪ ،‬ورغم أنف أولئك الذين لن يكفوا أيديهم وال ألسنتهم عن‬ ‫الصحابة األبرار فعلتها حركة فتح‪ ،‬ومن جنبات املؤمتر ومن عىل ثرى املقاومة‬ ‫الشعبية يف كل مكان من فلسطني يف الضفة وغزة والداخل‪ ،‬ومع دعوات‬ ‫‪218‬‬


‫كل األمهات يف فلسطني‪ ،‬ومع مساعي كل الحركيني يف كل مكان وكل األخوة‬ ‫واألصدقاء يف العامل‪ ،‬ومن عيون أبناء الفتح الدافئة والساهرة‪ ،‬ومن عقول ال‬ ‫تحدها حدود السامء وال طبقات األرض منفتحة ومتزنة‪ ،‬وأذهان قلقة ولكنها‬ ‫تعي وتدرس وتقرر‪ ،‬وأفئدة حانية ولكنها متحفزة‪ ...‬خرج املارد الفتحوي‬ ‫بكل قوة وعنفوان وعليكم أن تسريوا يف مجراه الرئييس أو ضمن روافده‪،‬‬ ‫ولكل طاريء عىل التاريخ واملستقبل أن ينظر إن كان له نظر‪.‬‬

‫‪219‬‬


‫استنهاض الكادر في إطار عقلية العمل والتجدد‬ ‫( َونُرِي ُد أَن نمَّ ُ َّن عَلىَ ال َِّذي َن ْاستُضْ ِعفُوا فيِ الأَْ ْر ِض َونَ ْج َعلَ ُه ْم أَئمَِّ ًة َونَ ْج َعلَ ُه ُم‬ ‫الْ َوا ِرثِ َني) (القصص‪)5‬‬ ‫يف اآلية الكرمية داللة عىل أن الله تعاىل ميهل وال يهمل‪ ،‬فاملستضعفون يف‬ ‫األرض أي أرض البد أن يأيت يوم مي ّن فيه الله عليهم‪ ،‬وميكنهم من االستخالف‬ ‫وإعامر األرض‪ ،‬بجعلهم أمئة أي دعاة للخري والصالحات‪ ،‬وهي مدخل الوراثة‬ ‫‪33‬‬ ‫مبعنى متكينهم من خدمة الناس وإعامر األرض والدعوة لله‪.‬‬ ‫أركان العمل الثالثة‬

‫‪34‬‬

‫ويف الوعد االلهي دعوة للعمل ترتابط مع فكرة العمل الواردة يف القرآن‬ ‫الكريم بنص الكلمة‪:‬عمل الواردة بصيغ مختلفة ‪ 371‬مرة‪.‬‬ ‫واليكم الربط بحقيقته إذ يقول الله تعاىل ( َوتِل َْك الْ َج َّن ُة الَّ ِتي أُو ِرثْتُ ُمو َها‬ ‫بمَِا كُ ْنتُ ْم ت َ ْع َملُو َن) (الزخرف‪)72:‬‬ ‫الصالِ َح ِ‬ ‫ات‬ ‫ويقول سبحانه وتعاىل بتكرار متصل (إِ َّن ال َِّذي َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا َّ‬ ‫كَان َْت لَ ُه ْم َج َّناتُ الْ ِف ْر َد ْو ِس نُ ُزلاً ) (الكهف ‪ ،)107‬ما تكرر عدة مرات‪.‬‬ ‫نستنتج مام سبق أن الضعف ال ميكن تخطيه اال بالعمل‪ ،‬وليس أي عمل‬ ‫فهو العمل الرشوط بأركانه الثالثة‪ :‬أوال أنه عمل صالح مفيد ايجايب ومقرتن‬ ‫‪ -33‬يف التفسريات العامية املشوهة افرتاض أن “الوراثة” هنا هي كوراثة االبن عن أبيه ما‬ ‫هو غري صحيح البتة‪ ،‬بل هو القاء الواجب الرباين بالعمل يف األرض وخدمة الناس والدعوة‬ ‫لله وعمل الصالحات‪ ،‬وهو معنى الوراثة هنا‪ ،‬ال سيام أن اآلية الكرمية جاءت بالقبيلة‬ ‫العربية املنقرضة قبيلة بني ارسائيل املندثرة‪ ،‬وبالطبع القرآن الكريم تنطبق حكمه وعظاته‬ ‫وتعاليمه عىل كل زمان‪.‬‬ ‫‪ -34‬ألقيت كمحارضة يف جامعة خضوري يف حشد من الطلبة يف مدينة طولكرم‪-‬فلسطني‬ ‫‪2018 /11 /4‬‬

‫‪220‬‬


‫باالميان فالعمل رشط االميان وليس شطر من االميان‪.‬‬ ‫ومن هنا فاالميان بالهدف والغاية يشكل حافزا ودافعا للتقدم اىل األمام‪،‬‬ ‫ولكنه بال عمل ال قيمة له مام ميز املسلمون فيه بني املسلم واملؤمن‪،‬‬ ‫وبذلك يكون الركنان املتعانقان هام العمل واالميان‪ ،‬والبد للثالث من أركان‬ ‫العمل وهي صفته أي ان يكون عمال صالحا مفيدا ايجابيا كام أسلفنا‪ ،‬وعليه‬ ‫فاملكافأة الدنيوية بالفوز واألخروية بالجنة‪.‬‬ ‫ال ُع َمر والقسام وعرفات‬

‫( َونُرِي ُد أَن نمَّ ُ َّن عَلىَ ال َِّذي َن ْاستُضْ ِعفُوا فيِ الأَْ ْر ِض َونَ ْج َعلَ ُه ْم أَئمَِّ ًة َونَ ْج َعلَ ُه ُم‬ ‫الْ َوا ِرثِ َني القصص ‪)5‬‬ ‫ولنا يف النامذج العربية الفلسطينية الكثري يف سياق العمل‪ ،‬ولكن سنذكر‬ ‫منها ثالثة مناذج‪ ،‬األول‪ :‬ظاهر العمر الزيداين الذي كان أول من رسم حدودا‬ ‫لألرض الفلسطينية يف العرص الحديث يف القرن‪ 18‬ليكون اول رئيس للدولة‬ ‫الفلسطينية‪.‬‬ ‫ولنا أن نعرج عىل الشيخ عزالدين القسام الذي أضاف للثورة عقلها‬ ‫املنظم فجعل الجهاد ضد العدو أصال منظام وليس عمال فرديا او فزعة عرب‪.‬‬ ‫ليأيت يارس عرفات فيجعل من االعتامد عىل الجامهري أساسا وهؤالء الثالثة‬ ‫من قيادة املستضعفني يف األرض منا وممن م ّن الله عليهم بالثبات وانجاز‬ ‫النموذج لنحتذي به‪.‬‬ ‫هل نحن ضعفاء؟‬

‫ماذا نستفيد من ذلك يف عملنا الطاليب يف الجامعة‪ ،‬إننا نستفيد الكثري إذ‬ ‫يجب أال نظن بأنفسنا الضعف أمام أعدائنا‪ ،‬فإن حصل ذلك فقدنا من أركان‬ ‫املنة من الله الكثري‪ ،‬وفقدنا صفة هامة من صفات حرب الشعب طويلة‬ ‫‪221‬‬


‫األمد وهي امتالك القدرة عىل التأثري باآلخرين‪.‬‬

‫‪35‬‬

‫ليك مين الله علينا ويهدينا ويوفقنا ال مناص لنا من تحقيق رشائط املنة‬ ‫والفوز عىل الحد األدىن من خالل ثالثية‪ :‬االميان والعمل وااليجابية وهو‬ ‫بالعمل املوصوف بالصالح أو املفيد‪.‬‬ ‫الجهاد وخماسية التنظيم‬

‫دعوين أتحدث بالفكرة الثانية وهي حول التنظيم‪ ،‬وخاصة السيايس‪،‬‬ ‫وأيضا سأذكر من كتاب الله العزيز ما يغنينا عن كثري تفصيل‪.‬‬ ‫فيقول الله سبحانه وتعاىل ( َوال َِّذي َن َجا َه ُدوا ِفي َنا لَ َن ْه ِديَ َّن ُه ْم ُس ُبلَ َنا ۚ َو ِإ َّن‬ ‫اللَّ َه لَ َم َع الْ ُم ْح ِس ِن َني (العنكبوت‪ )69‬حيث ميكننا أن نتامل يف هذه اآلية‬ ‫الكرمية ما يخربنا عن مفهوم العمل الجامعي أو التنظيم‪.‬‬ ‫ف”الذين” داللة الجامعة املخاطبة و”جاهدوا” مبعنى بذل الوسع‬ ‫والجهد بالعمل املرتبط باالميان كام قلنا وهو العمل املفيد الصالح االيجايب‬ ‫لخدمة الناس وإرضاء الله التي تبدو واضحة باآلية حني القول “فينا” حيث‬ ‫الغاية رضاء الله وما ينبثق عنها من أهداف شخصية أو عامة أو تنظيمية أو‬ ‫وطنية كلها مربوطة بالحبل او الغاية األكرب وهو رضا الله سبحانه‪.‬‬ ‫ولتحقق الهداية من الله يقتيض هنا (الجامعية) و(العمل) و(الغاية)‬ ‫وفيها فإن امكانية تعدد (السبُل) يف العمل الخيرّ أو يف مساحات التفكري‬ ‫او التدبري يف الشأن السيايس اواالقتصادي او التنظيمي تصبح متاحة ولكن‬ ‫‪“ -35‬تعتمد حرب الشعب عىل تجنيد كامل طاقات الجامهري واالستفادة منها بعد تنظيمها‬ ‫وتثقيفها وتعبئتها لصالح تقويض جبهة العدو تفتيتها‪ .‬وحرب الشعب حرب ثورية طويلة‬ ‫االمد‪ ،‬ال ينحرص النضال من خاللها يف االمور العسكرية البحتة‪ ،‬بل يشمل ايضا النضال‬ ‫السيايس والنضال االجتامعي‪ ،‬وتطوير قيم ومسلكية الفرد باالضافة اىل تطوير قدرات‬ ‫الجامعة الثقافية واملهنية لتزيد من عطائها وخدمتها ملتطلبات الحرب والثورة «‪-‬من‬ ‫منشورات حركة فتح‪-‬التعبئة الفكرية‪-‬عن صخر حبش تحت عنوان حرب الشعب‪.‬‬

‫‪222‬‬


‫يتبقى وفق اآلية الكرمية عنرص خامس وهو عنرص (القيم) حيث املحسنني‬ ‫واالحسان تقوى وعبادة واالحسان كام يقول األمئة أن تعبد الله كأنك تراه‬ ‫فإن مل تكن تراه فإنه يراك‪ ،‬وإحسا ٌن يف حقوق ال َخلْق‪ ...‬وهو بذل جميع‬ ‫املنافع ِمن أي نو ٍع كان‪ ،‬ألي مخلوق يكون‪.‬‬ ‫التنظيم السيايس هو مجموعة من األفراد يلتئمون عىل أهداف محددة‬ ‫تجمعهم ويحكمهم قانون او نظام ذو هيكل تنظيمي‪ ،‬ويقومون بعمل‬ ‫مشرتك‪ ،‬لذا فالعمل املفيد والصالح واملستدعي للتمكني واملنة من الله من‬ ‫االوجب أن يكون منظام‪ ،‬فال تشكك مبقدار العمل الجامعي عىل إحداث‬ ‫التأثري مقارنة بانجاز الفرد مهام كبرُ وعظُم‪.‬‬ ‫منوذج الكسب لدى يارسعرفات‬ ‫إن التنظيم يتسع وقد ينكمش‪ ،‬وباتساعه أوانكامشه أسباب عدة لكننا‬ ‫نريد توسعه اعتامدا عىل الفكرة والفعل او املبادرة‪.‬‬ ‫ففكرة حركة «فتح» والثورة الفلسطينية هي فكرة تحرير فلسطني‪ ،‬ضمن‬ ‫االمة العربية ودورها‪ ،‬وهي الفكرة الجامعة لكل الناس بكافة الرشائح ومن‬ ‫هنا يتوقف علينا رضورة إحداث التأثري يف الناس الفئة املستهدفة‪.‬‬ ‫ويف الجامعة هي جموع الطالب املطلوب أن نجذبهم ونؤثر فيهم‬ ‫ونستقطبهم لفكرتنا وعملنا وأطرنا من خالل االنتقال خالل املراحل الخمسة‬ ‫للجذب وهي التصويب والتحديد للمستهدفني أوال‪ ،‬ثم مد الجسور ثانيا‪،‬‬ ‫ثم تحقيق الصداقات ثالثا‪ ،‬ما يليها من مرحلة النصري رابعا‪ ،‬فمرحلة العضو‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫ويف عملية الكسب والتأثري يف اآلخرين أساليب عدة دعونا نستعرض‬ ‫‪ 9‬فقط منها كالتايل من منوذج الراحل يارس عرفات‪ ،‬فلقد متيزت حياته يف‬ ‫مرحلة الصبا والشباب ما نريد أن نركز عليها هنا ألننا نحادث شبابا وشابات‬ ‫مبميزات جاذبة تسعة كالتايل‪:‬‬ ‫‪223‬‬


‫‪.1‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪.5‬‬ ‫‪.6‬‬ ‫‪.7‬‬ ‫‪.8‬‬ ‫‪.9‬‬

‫‪1‬كان يارسعرفات يتشوق للتعلم‪ ،‬وال يقف عند هذا الحد بل ينقل‬ ‫املعرفة ويعلّم‬ ‫‪2‬امتلك مهارة أو سمة العمل الدؤوب‪ ،‬وهو العمل غري النمطي بل‬ ‫‪36‬‬ ‫العمل املتجدد إذ كان يفاجيء اقرانه دوما بكل ما هو جديد‬ ‫‪3‬ذوعقلية جامعة غري مفرقة‪ ،‬وكان شخصية مستقلة عن الحزبية‬ ‫والعشائرية والعائلية‪.‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪4‬يحتفظ بجيبه دوما بالخطة (ب)‬ ‫‪5‬اليهاب محادثة الكبار باحرتام وحسن حديث (لقاء الحاج أمني‬ ‫الحسيني يف بيت والده‪ ،‬وهو بسن‪16‬عاما)‬ ‫‪6‬كان عمليا وليس نظريا فقط (يصنع خططه الحربية ويطبقها كطفل‪،‬‬ ‫ثم الحقا كقائد ثورة)‬ ‫‪7‬الثناء واإلشادة عىل زمالئه ما يحببهم به ويشدهم اليه‬ ‫‪8‬إدارة الحوارات والنقاشات املتنوعة إذ يُحسن االستامع‬ ‫يتخل يوما عن حلمه حتى غدا هدفا (عاد من حرب ‪ 1948‬النكبة‪،‬‬ ‫‪9‬مل ّ‬ ‫بعمر‪18‬عاما‪ ،‬والحلم بالتحرير أصبح هدفا)‪.‬‬ ‫حركة فتح والتأثير‬

‫واىل ذلك فمن املمكن أن نقول أيضا أن التأثريعامة يتطلب‬ ‫أوال‪ :‬االميان بالفكرة والتآلف معها‪،‬‬ ‫كام يتطلب ثانيا‪ :‬إحسان لغة الجسد مبا تشتمل عليه من االيجابية‬ ‫واملظهر الحسن‪ ،‬ومن االبتسامة واظهار الحفاوة والسعادة‪ ،‬ومن تقليد‬ ‫سلوك اآلخرين واملحاكاة لهم‪.‬‬

‫‪ -36‬كان يصلح األشياء يف البيت وخصص لذلك عدة خاصة‪ ،‬وكان يصنع األشياء ويجمع‬ ‫الكتب ويقراها ويتعرف عىل املحيط‪ ،‬ويربط عالقات متنوعة مع أقرانه من مختلف‬ ‫الخلفيات‪(...‬نانيس دوبرو‪ ،‬يارس عرفات متى مل يكن هنا‪ ،‬مؤسسة يارس عرفات)‬ ‫‪ -37‬كان يقود املظاهرات يف الثانوية يف مرص ضد االحتالل االنجليزي فقرا خطابا له ذات‬ ‫يوم يف املدرسة امام جمع من الطالب فجاه املدير ونزع الورقة‪ ،‬واىل أن غاب املدير عن‬ ‫األنظار قام يارس عرفات باخراج الخطبة بنسختها الثانية من جيبه الخلفي‪.‬‬

‫‪224‬‬


‫كام تايت ثالثا املصداقية والجدية من حيث إبداء االهتامم بالجمهور‪،‬‬ ‫وإثارة حامستهم والتعاطف معهم‪ ،‬ومن حيث االلتزام بالوعود حني تقطع‪،‬‬ ‫وعرب التمييز بني الشخص واملوقف‪ ،‬وتفويض العمل بثقة باآلخرين‪ ،‬وأن‬ ‫تكون الحدود والتوقعات والنتائج واضحة بني األفراد‪.‬‬ ‫ويف النقطة الرابعة وهي التواصل مبحبة البد من استخدام تقنية املدح‬ ‫والثناء مبكانها والتقاط األسامء‪ ،‬ويقول لك خرباء التنمية‪ :‬أعد املشاعر قبل‬ ‫الكلامت‪ ،‬ومن املهم حسن اإلصغاء و»االستامع االنعكايس» برتداد جزء مام‬ ‫يقوله الشخص مقابلك‪ ،‬وهنا أيضا لنا التقيد بقانون املحبة والنفس االيجايب‪.‬‬ ‫اما بالنقطة الخامسة وتحت عنوان كن إيجابيا فإنا نقول‪ :‬اعرتف بالخطأ‬ ‫وامسك زمام املبادرة‪ ،‬ونقول كام اآلية الكرمية «الكاظمني الغيظ»‪ ،‬ال تغضب‬ ‫ف»ليس الشديد بالرصعة» كام يقول سيد الخلق صىل الله عليه وسلم‪ ،‬ومرة‬ ‫اخرى نؤكد عىل اعدادك املشاعر االيجابية قبل التلفظ بالكلامت‪ ،‬ولك أن‬ ‫تبتعد عن الجدل ما استطعت وأن تتقمص شخصية محاورك لتفهمه ويف‬ ‫املشابهة بالنطق او اللبس او التعبريات رسالة إيجابية أيضا‪.‬‬ ‫وال مناص يف النقطة السادسة من تخري الزمان واملكان والحال لحسن‬ ‫االتصال واليقاع التأثري الكبري‪ ،‬وأيضا التصويب نحو دائرة التأثري وليس دوائر‬ ‫االهتامم‪.‬‬ ‫عقلية التجدد الحركي‬

‫ذكرنا العمل وأهميته والتنظيم واحتضانه للعمل املنتج‪ ،‬لنقول أيضا أننا‬ ‫يف حركة فتح نستنهض الكادر من ‪ 3‬جوانب األول‪ :‬من حيث الشخص مع‬ ‫نفسه والثاين من حيث هو وزميله أو الشخص اآلخر‪ ،‬وعالقتهام الثنائية‬ ‫أو ضمن مجموع‪ ،38‬والثالثة هي نحن بعالقاتنا الجامعية كتنظيم وجمهور‪.‬‬ ‫‪ -38‬يف املؤسسة تواجد فريق من ‪ 35‬موظف شاب ومرشق وحاميس‪ ،‬ومع ذلك مل يكونوا‬ ‫يتشاركون باملعلومات فيام بينهم (االنانية)‪ ،‬بل وحتى الحلول مل تكن مشرتكة‪ ،‬مبعنى تعمق‬ ‫الفردية واألنانية فيهم‪ ،‬فكان أن أجريت عليهم التجربة التالية‪ :‬وضع صندوق وسط املطعم‬

‫‪225‬‬


‫وعليه إلن حركة فتح تجذب اآلخرين بك ويب ومبا متتلكه من قدرات وكفاءات‬ ‫وفكر وتاريخ فعلينا أن ندرك أن عقلية التجدد الجاذبة يف حركة فتح هي‬ ‫التي تتسم بالتايل‪:‬‬ ‫‪1 .1‬التجاوز للقديم امل ُحبط البائس‬ ‫‪2 .2‬نفهم الواقع بالتثقيف الذايت والقراءة واالستفادة من التجارب‬ ‫‪3 .3‬القفز نحو املستقبل ولزوم اإليجابية (والد نبيل شعث قال له‪ :‬إلزم‬ ‫يارس عرفات)‬ ‫المنل الحركة فنصنع الحدث‪ ،‬فحركة فتح حركة التفكري املنطقي‬ ‫‪ّ 4 .4‬‬ ‫واالبداعي حركة الواقع وقدرة التخيل‬ ‫إن من مميزات حركة فتح أيضً ا كام سبق وأرشت اليها يف لقاء رايئ‬ ‫(تلفزي) يف فضائية فلسطني حيث قلت‪:‬‬ ‫‪1 .1‬أنها تغتسل يوميا مباء التجدد فال تقبل املاء الراكد أبدا فتأسن‪ ،‬واىل‬ ‫ذلك تحتفي بالشباب‬ ‫‪2 .2‬حركة فتح هي حركة بلون الرتاب فهي تجمع وال تفرق‪ ،‬وتقبل التعددية‬ ‫باملؤسسة بعد أن أزيحت الكرايس اىل الجدران‪ ،‬ويف الصندوق كمية كبرية من البالونات‬ ‫(النفافيخ) وطلب خبري التنمية البرشية من كل واحد منهم ان ينفخ بالونا‪ ،‬ويكتب عليه‬ ‫اسمه بلطف ألن نسيج البالونات رقيق‪ ،‬ففعلوا اال خمسة تفرقعت بالوناتهم فاستبعدوا‬ ‫من التجربة‪.‬‬ ‫وبعد ان نفخوها وطلب منهم أن يطيرّ وها باملكان‪ ،‬اخرجوا من املكان‪.‬‬ ‫يف املرحلة الثانية قام منسقو التجربة بنفخ باقي البالونات التي بالصندوق‪.‬‬ ‫ثم أعيد الفريق الذي أصبح تعداده ‪ 30‬موظفا وموظفة اىل املكان‪ ،‬وطلب من كل شخص‬ ‫فيهم ان يلتقط البالون الذي عليه اسمه من مئات البالونات الطائرة خالل ‪ 15‬دقيقة كحد‬ ‫أقىص‪ ،‬وهذا ما مل يتمكن فيه أحد يف ظل البالونات الكثرية الطائرة يف املكان‪.‬‬ ‫يف املرحلة الثالثة أعيد إدخالهم للمكان‪ ،‬للمطعم‪ ،‬وطلب من كل واحد منهم ان يلتقط‬ ‫بالونا عليه اسم‪ ،‬أي اسم‪ ،‬ويسلمه لصاحبه فانجروا املهمة يف بضع دقائق!‬ ‫ليتعلموا بوضوح مدى أهميته مشاركة املعلومات ومدى أهمية التوصل للحلول املشرتكة‬ ‫وأهمية العمل الجامعي والتخيل عن االنانية أو الفردية بالنظرة والعمل‪.‬‬ ‫قال قائد الفريق‪ :‬نحن اكرث كفاءة عندما نكون راغبني باملشاركة مع بعضنا البعض‪ ،‬ونحن‬ ‫أفضل يف حل املشاكل عندما نعمل معا وليس بشكل فردي‪.‬‬

‫‪226‬‬


‫فال تقدس األشخاص وال تقيص املختلفني‬ ‫‪3 .3‬وحركة فتح حركة متعطرة رغم وجود بعض الروائح العطنة فيها نعم‪،‬‬ ‫لكن رسعان ما يتغلب الثوري عىل عالعقل الوظيفي‪ ،‬فال يتحول اىل‬ ‫تطهري ويصارع االنتهازيني ممن ركبوا قطار الثورة يف مراحل املد‬ ‫او الكسب والرصاع بني الثالثة ال ينتهي أي بني التطهري والثوري‬ ‫واالنتهازي‪.‬‬ ‫‪4 .4‬حركة فتح حركة متأرجحة بني الفوىض العارمة اىل حد السيولة أحيانا‬ ‫وبني عقلية املؤسسة ما يحتاج منا لجهد ذايت وثنايئ وجامعي منظم‪،‬‬ ‫اصبرِ ُوا َو َصا ِب ُروا َو َرا ِبطُوا َواتَّقُوا اللَّ َه لَ َعلَّ ُك ْم ت ُ ْفلِ ُحو َن‬ ‫(يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ْ‬ ‫(آل عمران ‪.)200‬‬ ‫‪5 .5‬حركة فتح حركة وطنية دميقراطية مدنية تركز عىل األولويات وتنحي‬ ‫الثانويات وتصنع الشخصيات مبكوناتها الثالثة متعلمة وعاملة ونضالية‪.‬‬ ‫ودعوين هنا أقتطف كلمة للعالمة العريب اللبناين االسالمي هاين فحص‬ ‫رحمه الله إذ يقول عن حركة فتح (أريد لفتح أن تعالج أعطابها ألن فلسطني‬ ‫ال تستغني عنها‪ ،‬وأنا ال احب فتح ألنها جميلة او طويلة أو غنية‪...‬احب‬ ‫حركة فتح ألنها بنت فلسطني‪ ،‬ألنها أم فلسطني التي تشيبهها‪ ،‬وال احب أن‬ ‫يرتاجع الشبه بني فتح وفلسطني)‬ ‫تمايز‬

‫وللتاميز عن اآلخرين دعوين أقول أن مام ال تتصف به حركة فتح أبدا أي‬ ‫بأن نعرفها بالعكس عرب ‪ 5‬مواصفات قد نصف فيها الكثري من التنظيامت‬ ‫الفكرانية (االيديولوجية)‪.‬‬ ‫وهي ‪-‬أي تلك التنظيامت‪ -‬أنها ذات فكر سيايس مقدس ومطلق ال يأتيه‬ ‫الباطل ال من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬والقداسة تنسحب من الفكرة عىل‬ ‫الفصيل وقادته فيصبح الكل مجموعة من القدبسني‪.‬‬ ‫وهي ثانيا‪ :‬ذات فكر حرصي يخصها فقط‪.‬‬ ‫‪227‬‬


‫وثالثا‪ :‬هي إقصائية لآلخر من جنة فكرها وتنظيمها ورعايتها الحرصية‪.‬‬ ‫ورابعا‪ :‬هي تستخدم الخرافات باستغالل الثوابت‪.‬‬ ‫اما خامسا‪ :‬فهي تنظيامت متقوقعة عىل نفسها‪ ،‬منعزلة سواء من خالل‬ ‫بيئتها الذهنية اواملادية أو حتى االلكرتونية‪.‬‬ ‫سمعة التنظيم واالنتماء‬

‫‪39‬‬

‫عمل وتأثري وتنظيم ومواصفات يجب أن نتحىل بها لنكتسب السمعة‬ ‫التي هي أيضا من عوامل الجذب واالستقطاب للقضية وللتنظيم‪.‬‬ ‫ومن يصنع السمعة نحن‪ ،‬إذ مبقدار ما نكون منوذجا حيا للقيم واالخالق‬ ‫نسود‪ ،‬فأنا ال أرى منك إال فعلك وال أهتم كثريا لحديثك املنمق املنزوع‬ ‫العمل‪ 40‬يقول املتنبي‪:‬‬ ‫الس ِ‬ ‫ادات فَ ّع ُال‬ ‫ال يُدر ُِك امل َج َد إالّ َس ّي ٌد ف َِط ٌن لِماَ يَشُ ُّق َعىل ّ‬ ‫اس كُلُّ ُه ُم؛ أل ُجو ُد يُ ْف ِق ُر َواإلقدا ُم قَتّ ُال‪.‬‬ ‫لَ ْوال امل َشَ ّق ُة َسا َد ال ّن ُ‬ ‫أو كام قال أمري الشعراء أحمد شوقي‬ ‫وما نـيل الـمـطـالب بالتمنـي***ولـكـن تــؤخـذ الـدنـيا غالبـا‬

‫‪ -39‬منوذج الطالب الياباين»أوساهريا» الدارس يف أملانيا يف صناعة املحرك لبالده ونقلها‬ ‫ملصاف الدول املتقدمة‪ ،‬منوذج كام منوج «يل كوان يو» رئيس وزراء البلد ونهضة سنغافورة‬ ‫بالعلم والعمل‪ ،‬ومنوذج يارس عرفات الربكان الثائر الصغري يف مواجهة االرسائيليني وهو‬ ‫مازال طالبا‪ ،‬وأبوجهاد الذي بدا النضال بقنبلة مربوطة بخيط‪ ،‬كلها من مناذج االرصار‬ ‫والعزمية وصدق االنتامء للفكرة وكذلك أطقال تل الزعرت عام ‪ 1976‬وصناعة الشموع‬ ‫الضاءة املستشفى الوحيد املحارص من قبل االنعزاليني اكرث من ‪ 50‬يوما‪ .‬بينام نجد يف قصة‬ ‫السلطان اململويك قانصوه الغوري يف مواجهة السلطان سليم االول عام ‪ 1516‬مبعركة مرج‬ ‫دابق قرب حلب‪ ،‬وتففلت املامليك من الحرب نجد ضعف الدوافع والحوافز وفقدان‬ ‫االنتامء‪.‬‬ ‫‪ 40‬كَبرَُ َم ْقتًا ِعن َد اللَّ ِه أَن تَقُولُوا َما لاَ ت َ ْف َعلُو َن (الصف ‪)3‬‬

‫‪228‬‬


‫قوم ٌ‬ ‫منال***إذا اإلقـدام كـــان لــهـم ركابا‬ ‫وما استعـىص عىل ِ‬ ‫وللسمعة فعلها يف اآلخرين وفق ما تذكر الرواية عن أحد قادة الجيوش‬ ‫املتحاربة فرتة ما أسمي يف تاريخ الصني حروب املاملك الثالثة حيث انتحى‬ ‫القائد الذي ال يهزم بقطعة من جيشة يف قلعة بعيدا عن جيشه ليأخذ قسطا‬ ‫من الراحة‪ ،‬فعلم أعداؤه بذلك فتقدموا للقضاء عليه‪ ،‬فإذ به يفاجا بذلك من‬ ‫االستطالع خارج القلعة‪ ،‬فطلب منهم بكل ثقة آلة “أرهو” الصينية الوترية‪،‬‬ ‫واعتىل أعىل نقطة بالقلعة وبدا يعزف! وسط مفاجأة مجموعة الجند معه‬ ‫إال أن الجيش العرمرم القادم للقلعة عندما شاهد املنظر من بعيد ذهل وظن‬ ‫باالمر خدعة‪ ،‬فرجع يجر أذيال الخيبة‪ .‬إنها السمعة يا سادة التي يجب أن‬ ‫نحتفظ بها وال نتخىل عنها‪.‬‬ ‫صدق االنتماء‬

‫قلنا عمل وتأثري وتنظيم ومواصفات يجب توفرها يف الكادر ليكون قدوة‬ ‫ومنوذج وليكسب تنظيمه السمعة وان ركزنا عىل يشء محدد هنا فلنا ان‬ ‫نركز عىل االلتزام واالنتامء واالنضباط والدميقراطية ويف صدق االنتامء‬ ‫‪1 .1‬صفاء القلوب وتوحد التوجهات‬ ‫‪2 .2‬انجاز التكليفات بطريقة أكرث ابداعا واخالصا‬ ‫‪3 .3‬تنافس يف بذل العطاء‪ ،‬ال عىل املواقع بال عمل‬ ‫‪4 .4‬زيادة الثقة املتبادلة (انا وهو‪ ،‬نحن‪)..‬‬ ‫‪5 .5‬التشخيص املبكر لألخطاء‬ ‫‪6 .6‬عدم االكرتاث للمناصب والعناوين‬ ‫‪7 .7‬الثبات يف العمل حتى آخر املشوار‬ ‫واىل ذلك فإن مظاهر ضعف االنتامء قد تربز من خالل‪:‬‬ ‫◊ ◊عدم االهتامم بالعمل أو االنشطة‬ ‫◊ ◊وعدم االهتامم باملواعيد واالجتامعات‬ ‫‪229‬‬


‫◊ ◊بل والتهرب من القيام باملهام وإلقاء املسؤوليات عىل االخرين‬ ‫◊ ◊ويربز كرثة النقد والشكوى والرتكيز فقط عىل السلبيات‬ ‫◊ ◊وترى التقليل من شان املؤسسة وعدم االعرتاف مبنجزاتها‬ ‫◊ ◊وهناك من يروج لآلراء الشاذة وينسبها للتنظيم‬ ‫◊ ◊والعمل عىل التثبيط من خالل املقارنات غري الواقعية مع مؤسسات‬ ‫أخرى‬ ‫◊ ◊ناهيك عن املبالغة والتضليل أو التقليل والتهوين‪ ،‬وكلها أمراض وآفات‬ ‫البد من التصدي لها‪.‬‬ ‫ومن الله التوفيق‪ .‬وانها لثورة حتى النرص‬

‫‪230‬‬


‫الكاﺗﺐ‪ :‬بكر أبﻮبكر‬ ‫ مواليد فلسطني‪ ،‬تخرج يف العام‬‫‪ 1985‬بكالوريوس هندسة مدنية‪.‬‬ ‫ الشهادة العليا يف العلوم السياسية‬‫عام ‪.2003‬‬ ‫ شارك يف عدة حلقات ودورات‬‫ونــدوات ومــؤمتـرات فكرية وإداريــة‬ ‫ونقابية وسياسية‪.‬‬ ‫ عقد وأدار وحارض يف مئات الدورات لكوادر تنظيمية ووطنية وجاليات‬‫يف عدة تخصصات فكرية وسياسية وتنظيمية وانسانية يف فلسطني وخارجها‪.‬‬ ‫ رئيس االتحاد العام لطلبة فلسطني يف الكويت (‪).1986- 1984‬‬‫ عضو لجنة إقليم (قيادة) حركة (فتح)بالكويت (‪) 1991-1987‬‬‫ عضو املجلس اإلداري لالتحاد العام لطلبة فلسطني منذ ‪.1990‬‬‫ عضو املجلس الوطني الفلسطيني‪.‬ثم عضو األمانة العامة التحاد الكتاب‬‫واألدباء الفلسطينيني منذ (‪)-2010 2005‬‬ ‫ مسؤول الدراسات والدورات يف قيادة مكتب التعبئة والتنظيم لحركة‬‫(فتح)‪ ،‬تونس (‪)1996-1991‬‬ ‫ عضو قيادة مكتب التعبئة والتنظيم يف الوطن منذ العام ‪.2002‬‬‫ومسؤول التدريب وإعداد الكادر‬ ‫ نائب املفوض‪ ،‬ومسؤول دائرة التدريب يف التوجيه السيايس والوطني‬‫يف فلسطني (‪)2008-1996‬‬


‫ عضو املجلس الثوري لحركة فتح (‪ )2016-2009‬ثم عضو املجلس‬‫االستشاري للحركة‪.‬‬ ‫* مسؤول التعبئة الفكرية يف حركة فتح‪ ،‬مفوضية االعالم والثقافة والتعبئة‬ ‫الفكرية منذ العام ‪2017‬‬ ‫ له العديد من الدراسات واألبحاث والكتابات املنشورة يف الصحف‬‫واملعتمدة للدورات املختلفة‪.‬‬ ‫ مفكر وكاتب وأديب‬‫صدرت له الكتب التالية‪:‬‬ ‫الدراسات والكتابات‪:‬‬

‫‪1 .1‬مفاهيم ال بد منها – عناة للطباعة والنرش – رام الله ‪1997‬م‪.‬‬ ‫‪2 .2‬تحقيق الفوز يف قيادة الحملة االنتخابية – ‪.gups- 1999‬‬ ‫‪3 .3‬مبادئ املسؤولية التنظيمية‪ -.‬عناة للطباعة والنرش‪1998 -‬‬ ‫‪4 .4‬كيف تقيم معسكرا ً؟ التوجيه السيايس‪.1997 ،‬‬ ‫‪5 .5‬التفكري يف حركة (حامس)‪ -‬مدرسة الكوادر‪-1998‬‬ ‫‪6 .6‬حركة (فتح)بؤرة اإلبداع والتميز –مدرسة الكوادر‪.-1998‬‬ ‫‪7 .7‬حركة (فتح) والتنظيم الذي نريد‪ ،‬دار عناة‪.2003 ،‬‬ ‫‪8 .8‬وجوه القيادة‪ ،‬املركز الفلسطيني للدراسات‪ ،‬رام الله‪2005 ،‬‬ ‫‪9 .9‬حركة حامس سيوف ومنابر‪ ،‬دار عناة‪ ،‬رام الله‪2008 ،‬‬ ‫‪1010‬أوعية الفكر االسالموي محاولة للفهم‪ ،‬دار الجندي‪ ،‬القدس ‪2016‬‬ ‫‪1111‬مدينة القدس‪ ،‬التاريخ الحقيقي‪ ،‬وتهويد االحتالل‪ ،‬دار الجندي‪ ،‬القدس‪،‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪ 1212‬حركة فتح واالسالم والعلامنية‪ ،‬دار االمني‪ ،‬رام الله‪2016 ،‬‬ ‫‪1313‬أساطري اليهود وأرض فلسطني يف القرآن الكريم‪ ،‬دار االمني‪ ،‬رام الله‪،‬‬ ‫‪2017‬‬


‫‪1414‬طريق مغلق‪ ،‬الدميقراطية والتعبئة يف التنظيامت االسالموية‪ ،‬دار‬ ‫االمني‪ ،‬فلسطني‪2017 ،‬‬ ‫‪1515‬االنطالقة االغتسال يف املطر واالنتصار‪ ،‬دار االمني‪ ،‬فلسطني ‪2018‬‬ ‫النتاجات األدبية‪:‬‬

‫◊ ◊م ال! (مجموعة قصصية)‪-.‬دار الزاهرة‪-2000‬‬ ‫◊ ◊يف الزمن الواقع بإمكانكم أن تطريوا (مجموعة قصصية)‪ ،‬دار الرشوق‪،‬‬ ‫‪2003‬‬ ‫◊ ◊برق مقيم (نصوص نرثية) –اتحاد الكتاب الفلسطينيني‪ -‬القدس‪2004 ،‬‬ ‫◊ ◊ثالثة رشوط بسيطة (مجموعة قصصية)‪ ،‬اتحاد كتاب تونس ‪2007‬‬ ‫◊ ◊صدر السامء الحافية (نصوص)‪-‬رام الله‪-‬دار األمني للنرش‪-2011‬‬ ‫◊ ◊بيدي أن أصري دبابة (نصوص)‪-‬رام الله‪-‬دار األمني للنرش‪-2013‬‬ ‫املواقع عىل الشابكة‪:‬‬ ‫‪www.bakerabubaker.info‬‬ ‫‪baker.abubaker@yahoo.com‬‬ ‫‪http:/ / www.facebook.com/ baker.abubaker‬‬ ‫@‪bakerabubaker‬‬ ‫‪http:/ / ar.scribd.com/ bakerabubaker/ documents‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.