ﻣﺠﻠﺔ اﻟﺮاﺷﺪ اﻟﻌﺪد اﻟﺴﺎﺑﻊ ﺷﮭﺮ ﺟﻮﯾﻠﯿﺔ /2013ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن 1434
ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺼﮭﯿﻮﻧﯿﺔ
ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺳﺒﺎق ﻣﺤﻤﻮم ﻣُﺠَﻠْﺠِﻞ ﺗﺎرة وﺻﺎﻣﺖ ﺗﺎرة أﺧﺮى ،وھﻮ ﺳﺒﺎق ﺣﻮل اﻻﺳﺘﺤﻮاذ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﻮاق وﻛﺴﺐ اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻤﺰﯾﺪ واﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ...واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أنَّ اﻟﺘﺮﻛﯿﺒﺔ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ﻷﺳﻮاق اﻟﻤﺎل واﻷﻋﻤﺎل وﺣﺮﻛﺔ اﻻﺳﺘﮭﻼك واﻹﻧﺘﺎج ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﻷﺣﺪ أن ﯾﻈﻞ واﻗﻔﺎً ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﯿﮫ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﺨﺪم ﻛﻞ ذﻛﺎﺋﮫ وﻛﻞ ﺟﮭﺪه ووﻗﺘﮫ وأﺣﯿﺎﻧﺎً ﻛﻞ ﻣﻜﺮه ودھﺎﺋﮫ وﺧﺒﺜﮫ ...وﻣﻊ أنَّ ﻣﻦ ﺣﻖ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ أن ﯾﺴﺘﻨﻜﺮ اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ اﻟﺮاھﻨﺔ ،إﻻ أنَّ ﻓﺎﺋﺪة ذﻟﻚ ﺷﺒﮫ ﻣﻌﺪوﻣﺔ، وﻣﻦ ھﻨﺎ ﻓﺈﻧﮫ -ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪى اﻟﻘﺼﯿﺮ -ﻟﯿﺲ أﻣﺎم اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺳﻮى اﻟﺘﻜﯿُّﻒ واﻟﻌﻤﻞ ﺣﺴﺐ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﺴﻮق وﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﻦ ﻣﺒﺎدﺋﮫ وﻗﯿﻤﮫ. اﻟﯿﻮم ﻛﻞ اﻟﺸﺮﻛﺎت واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت وﻛﻞ دواﺋﺮ اﻟﺘﻮﻇﯿﻒ ﺗﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﺷﯿﺌﯿﻦ ﻣﮭﻤﯿﻦ :ﺗﺤﺴﯿﻦ ﻣﺎ ﺗﻘﺪّﻣﮫ ﻣﻦ ﺳﻠﻊ وﺧﺪﻣﺎت وﻣﺨﺮﺟﺎت وﺗﺨﻔﯿﺾ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﺘﻜﻠﻔﺔ .وإنَّ اﻟﻨﺠﺎح ﻓﻲ ھﺬﯾﻦ اﻷﻣﺮﯾﻦ ھﻮ ﺷﺮط اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ،واﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ھﻮ ﺷﺮط اﻻﺳﺘﻤﺮار وﻋﺪم اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ اﻹﻓﻼس ،ﻓﻤﺎ ﻣﻔﺮدات ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﻧﺠﺎز اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﺘﺜﻘﻒ ﺑﮭﺎ اﻟﺠﯿﻞ اﻟﺠﺪﯾﺪ اﻟﯿﻮم ﺣﺘﻰ ﯾﻌﯿﺶ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺴﻮﯾﺔ اﻟﻼﺋﻘﺔ؟ -1اﻣﺘﻼك داﻓﻌﯿﺔ ﻗﻮﯾﺔ ﻟﻠﻨﺠﺎح ﺣﯿﺚ إنَّ اﻟﻤﻄﻠﻮب اﻟﯿﻮم ﻟﯿﺲ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﻤﺘﺎزة .وإن ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻆ أن ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﯿﻮم ﻻ ﯾﺴﺘﮭﺪف ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﮫ اﻟﻨﺠﺎح واﻟﺘﻔﻮق ،وإﻧﻤﺎ ﯾﻌﻤﻞ وﻓﻲ ذھﻨﮫ ﺗﺠﻨﺐ اﻟﻔﺸﻞ أو اﻟﻄﺮد ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ .ﻣﻦ اﻟﻤﮭﻢ أن ﻧﺪرك أﻧﻨﺎ ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﻧﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺳﯿﺎق ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ ،ﻓﺈﻧَّﮫ ﻻ ﯾﻜﻔﻲ أن ﺗﻜﻮن إﻧﺠﺎزاﺗﻨﺎ ﻣﻤﺘﺎزة ،ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪَّ أن ﺗﺘﻔﻮق ﻋﻠﻰ إﻧﺠﺎزات ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻨﺎﻓﺴﯿﻨﺎ ،وإﻻ ﺗﺤﻮل اﻟﻨﺠﺎح إﻟﻰ ﻓﺸﻞ ذرﯾﻊ ،أﻧﺎ أﻋﺮف أنَّ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻣﻘﺘﺮﻧﺔ داﺋﻤﺎً ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻧﺤﻄﺎط اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻤﺸﻜﻞ أن ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻋﺪم اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺎت اﻟﺴﺎﺋﺪة ﺗﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻛﺎرﺛﯿﺔ! -2اﻟﺴﻌﻲ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ إﻟﻰ ﺗﺨﻔﯿﺾ ﺗﻜﺎﻟﯿﻒ اﻟﻤﻨﺘﺞ ،وھﺬا ﻛﻤﺎ ﯾﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﺎﻧﻊ واﻟﺸﺮﻛﺎت ﯾﻨﻄﺒﻖ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﺮاد ،واﻟﮭﺪف ﻣﻦ ذﻟﻚ ھﻮ اﻟﻨﺠﺎح ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺒﯿﻊ ﺑﺄﺳﻌﺎر أﻗﻞ ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ اﺟﺘﺬاب اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ ،وھﺬا واﺿﺢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻊ ،أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻷﻓﺮاد ﻓﺈنَّ ﺧﻔﺾ اﻟﺘﻜﺎﻟﯿﻒ ﯾﻌﻨﻲ ﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﻮﻗﺖ واﻟﺠﮭﺪ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺮاﺣﺔ وإﺗﺎﺣﺔ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻠﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻨﺸﺎط اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﺻﻠﺔ اﻷرﺣﺎم وﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ،وھﻜﺬا ﻓﺈنَّ اﻟﻄﺎﻟﺐ اﻟﺬي ﯾﺬاﻛﺮ دروﺳﮫ وﯾﻜﺘﺐ ﺑﺤﻮﺛﮫ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺟﯿﺪة وﺣﺪﯾﺜﺔ ﯾﻮﻓﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺎﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ..
وﻻ ﺑﺪَّ ھﻨﺎ ﻣﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أنَّ ﺗﺨﻔﯿﺾ اﻟﺘﻜﺎﻟﯿﻒ ﯾﺘﻄﻠﺐ داﺋﻤًﺎ )ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﮭﺪر( ھﺪر اﻟﻮﻗﺖ وھﺪر اﻟﻤﻮاد اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ وھﺪر اﻟﺠﮭﺪ، وھﺬا ﯾﻌﻨﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺴﯿﻦ أﺳﺎﻟﯿﺐ اﻟﻌﻤﻞ واﻹﻧﺘﺎج ﺑﺼﻮرة داﺋﻤﺔ .أﻧﺎ ﺷﺨﺼﯿﺎً ﻻ أﻋﺮف ﻧﺎﺟﺤﺎً ﻻ ﯾﮭﺘﻢ ﺑﺎﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ وﻗﺘﮫ وﻻ ﯾﮭﺘﻢ ﺑﺘﻄﻮﯾﺮ أداﺋﮫ.
-3ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﻧﺠﺎز ﻣﻦ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ أن ﯾﺠﺎھﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻀﺠﺮ واﻟﻤﻠﻞ واﻟﺘﻌﺐ ،وﻣﻦ اﻟﺜﺎﺑﺖ أنَّ اﻟﻌﻤﻞ ﺿﻤﻦ ﻓﺮﯾﻖ ﯾﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻞ ،وﻟﻜﻦ ﯾﺠﺐ أن ﻧﺤﺬّر ﻣﻦ ھﺪر اﻷوﻗﺎت ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺪث ﻋﻦ أﻣﻮر ﺟﺎﻧﺒﯿﺔ ﻻ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ،ﻛﻤﺎ أنَّ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أنَّ اﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻛﻞ ﺛﻼث أو أرﺑﻊ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﺪة ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﯾﺠﺪد اﻟﻌﺰﯾﻤﺔ وﯾﻨﺸﻂ اﻟﺤﻮاﻓﺰ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وﻗﺪ ﻗﯿﻞ :إنَّ ﻓﻲ إﻣﻜﺎن ﻛﺘﯿﺒﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ أن ﺗﻤﺸﻲ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم ﻋﺸﺮ ﺳﺎﻋﺎت إذا اﺳﺘﺮاﺣﺖ ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ ﻋﺸﺮ دﻗﺎﺋﻖ. -4اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻤﻨﺠﺰ ﯾﻘﺎوم اﻟﺮﺗﺎﺑﺔ ،ﻛﻤﺎ ﯾﻘﺎوم اﻟﻤﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺤَﯿِّﺰ اﻵﻣﻦ ،إﻧﮫ ﯾﺨﺎﻃﺮ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮة اﻟﻤﻌﺘﺪﻟﺔ واﻟﻤﺤﺴﻮﺑﺔ ،وﻗﺪ ﺛﺒﺖ أنَّ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ أي ﻣﺠﺎل ﺗﻈﻞ ﻣﻘﺮوﻧﺔ ﺑﺪرﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮة ،وﺗﺠﺪ ھﺬا واﺿﺤﺎً ﻓﻲ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺑﺎ واﻟﺘﺠﺎرة، ﻓﺎﻟﻤﺎل اﻟﺬي ﯾﻮﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﻮك ﺗﻜﻮن ﻋﺎﺋﺪاﺗﮫ -ﻣﻊ ﺣﺮﻣﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﯿﺎن -ﺿﺌﯿﻠﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺣﯿﻦ أنَّ اﻟﻤﺎل اﻟﻤﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة ﻗﺪ ﯾﺘﻀﺎﻋﻒ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ ﻣﺮات ﻋﺪﯾﺪة ،واﻟﻔﺮق ھﻮ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮة ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة واﻧﻌﺪاﻣﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﺑﺎ. -5اﻟﻤﯿﻞ إﻟﻰ إﻧﺠﺎز اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺼﻌﺒﺔ واﻟﻤﺜﺎﺑﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ أﺧﻼﻗﯿﺎت وﻋﺎدات اﻷﺷﺨﺎص ذوي اﻹﻧﺠﺎز اﻟﻌﺎﻟﻲ .إنَّ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺳﻒ أن اﻟﻤﺪارس واﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﻀﻌﯿﻔﺔ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﺖ أﺑﻨﺎءﻧﺎ ﯾُﺪْﻣِﻨﻮن اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺴﮭﻠﺔ ،وﺣﺮﻣﺘﮭﻢ ﻣﻦ ﺗﺬوق ﻃﻌﻢ اﻟﻌﻨﺎء ﻣﻊ أنَّ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺑﺎھﺮة ﯾﺘﻄﻠﺐ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﺘﺮات ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻗﺪ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻋﺸﺮﯾﻦ ﻋﺎﻣﺎً ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﺠﺮﯾﺐ واﻟﺘﻄﻮﯾﺮ واﻷداء اﻟﻤﺘﻤﯿﺰ. أﻧﺎ أﻋﺘﻘﺪ أنَّ ﺑﻨﺎء ﺑﯿﺌﺎت ﻋﻤﻞ ﻣﻤﺘﺎزة ھﻮ أﻓﻀﻞ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻟﺘﻮﻟﯿﺪ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﻧﺠﺎز وﺗﺮﺳﯿﺨﮭﺎ ﻟﺪى ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ،وﻣﻊ أنَّ ﺑﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺒﯿﺌﺎت ﯾﺘﻄﻠﺐ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ واﻟﺠﮭﺪ ،إﻻ أﻧَّﮫ ﻟﯿﺲ ﻟﺪﯾﻨﺎ أي ﺧﯿﺎر آﺧﺮ. واﷲ ﻣﻦ وراء اﻟﻘﺼﺪ.
ﻇﻠّﺖ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻣﻨﺬ أن ﻓﺘﺤﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ، وﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮط دوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ أﺳﺴﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﺧﻼﻓﺔ أﻣﻮﯾﺔ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ اﺳﺘﻤﺮت ﻗﺮاﺑﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﻗﺮون ،ﺛﻢ اﻧﻘﺴﻤﺖ إﻟﻰ دوﯾﻼت وأﻗﺎﻟﯿﻢ ﺻﻐﯿﺮة ،واﻧﻔﺮد ﻛﻞ ﺣﺎﻛﻢ ﺑﺈﻗﻠﯿﻢ ﻣﻨﮭﺎ ،ﻓﯿﻤﺎ ﻋﺮف ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻌﺼﺮ ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ ، واﻧﺸﻐﻞ اﻟﺤﻜﺎم ﺑﻌﻀﮭﻢ ﺑﺒﻌﺾ ،واﺷﺘﻌﻠﺖ ﺑﯿﻨﮭﻢ اﻟﻨﺰاﻋﺎت واﻟﺨﻼﻓﺎت ،ﻣﻤﺎ أﻏﺮى ﺑﮭﻢ ﻋﺪوّھﻢ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎن اﻟﻨﺼﺎرى اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺘﺮﺑﺼﻮن ﺑﮭﻢ اﻟﺪواﺋﺮ . ﻓﺴﻘﻄﺖ ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺤﻜﻤﮭﺎ ﺑﻨﻮ ذي اﻟﻨﻮن ﻓﻲ ﯾﺪ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ اﻟﻨﺼﺮاﻧﻲ ﻣﻠﻚ "ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ" ،ﺑﻌﺪ أن ﺧﺬﻟﮭﺎ ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ وﻟﻢ ﯾﮭﺒّﻮا ﻟﻨﺼﺮﺗﮭﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻮﻓﮭﻢ ﻣﻦ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ،وﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﻌﺎھﺪات اﻟﺘﻲ أﺑﺮﻣﻮھﺎ ﻣﻌﮫ ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ اﻟﺤﺎل ﺑﺒﻌﻀﮭﻢ إﻟﻰ أن ﯾﺪﻓﻊ ﻟﮫ اﻟﺠﺰﯾﺔ ،ﻣﻘﺎﺑﻞ أن ﯾﻜﻒ اﻟﯿﺪ ﻋﻨﮫ وﻋﻦ ﺑﻼده . وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﯿﮫ ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ ﻣﻨﻘﺴﻤﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮭﻢ ،ﯾﺘﺂﻣﺮ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﺿﺪ اﻵﺧﺮ ،وﯾﺴﺘﻌﯿﻦ ﺑﺎﻟﻨﺼﺎرى ﺿﺪ إﺧﻮاﻧﮫ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻜﮫ وﺳﻠﻄﺎﻧﮫ ،ﻛﺎن اﻟﻨﺼﺎرى ﻗﺪ ﺑﺪؤوا ﻓﻲ ﺗﻮﺣﯿﺪ ﺻﻔﻮﻓﮭﻢ واﻻﺟﺘﻤﺎع ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﺳﻮاء ،ﻣﻦ أﺟﻞ ھﺪف واﺣﺪ وھﻮ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻮد اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ . وﺑﻌﺪ اﺳﺘﯿﻼء أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ﻋﻠﻰ " ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ " أﺻﺒﺢ ﻣﺠﺎوراً ﻟﻤﻤﻠﻜﺔ "إﺷﺒﯿﻠﺔ " اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺤﻜﻤﮭﺎ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ، ﻓﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ إذﻻﻟﮫ وإھﺎﻧﺘﮫ ،ﺣﺘﻰ إﻧﮫ أرﺳﻞ إﻟﯿﮫ ﯾﮭﻮدﯾﺎً ﻟﯿﺄﺧﺬ ﻣﻨﮫ اﻟﺠﺰﯾﺔ ،ﻓﺮﻓﺾ ﺗﺴﻠﱡﻤﮭﺎ ﺑﺤﺠﺔ أﻧﮭﺎ ﻣﻦ ﻋﯿﺎر ﻧﺎﻗﺺ ،وھﺪﱠد ﺑﺄﻧﮫ إذا ﻟﻢ ﯾﻘﺪم ﻟﮫ اﻟﻤﺎل ﻣﻦ ﻋﯿﺎر ﺣﺴﻦ ﻓﺴﻮف ﺗُﺤﺘﻞ ﻣﺪاﺋﻦ " إﺷﺒﯿﻠﯿﺔ " ،ﻓﻀﺎق اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ذرﻋﺎً ﺑﺎﻟﯿﮭﻮدي وأﻣﺮ ﺑﺼﻠﺒﮫ وﺳﺠﻦ أﺻﺤﺎﺑﮫ ،وﺑﻠﻎ اﻟﺨﺒﺮ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ﻓﺎزداد ﺣﻨﻘﺎً وﻏﯿﻈﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ،وﺑﻌﺚ ﺟﻨﻮده ﻟﻼﻧﺘﻘﺎم واﻟﻘﯿﺎم ﺑﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﺴﻠﺐ واﻟﻨﮭﺐ ،وأﻏﺎر ھﻮ ﻋﻠﻰ ﺣﺪود " إﺷﺒﯿﻠﯿﺔ" وﺣﺎﺻﺮھﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﺛﻢ ﺗﺮﻛﮭﺎ ،وﻓﻲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ أرﺳﻞ ﻟﮫ رﺳﺎﻟﺔ ﯾﺘﮭﻜﻢ ﻓﯿﮭﺎ وﯾﻘﻮل ﻓﯿﮭﺎ " :ﻛَﺜُﺮَ -ﺑﻄﻮل ﻣﻘﺎﻣﻲ -ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺴﻲ اﻟﺬﺑﺎب ،واﺷﺘﺪﱠ ﻋﻠﻲّ اﻟﺤﺮّ ،ﻓﺄﺗْﺤِﻔْﻨﻲ ﻣﻦ ﻗﺼﺮك ﺑﻤﺮوﺣﺔ أُروﱢح ﺑﮭﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ وأﻃﺮد ﺑﮭﺎ اﻟﺬﺑﺎب ﻋﻦ وﺟﮭﻲ" ،ﻓﺄﺧﺬ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ وﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻇﮭﺮھﺎ" :ﻗﺮأت ﻛﺘﺎﺑﻚ ،وﻓﮭﻤﺖ ﺧُﯿﻼءك وإﻋﺠﺎﺑﻚ ،وﺳﺄﻧﻈﺮ ﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺮاوِح ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻮد اﻟﻠﻤﻄﯿﺔ ﺗُﺮوﱢح ﻣﻨﻚ ﻻ ﺗﺮوح ﻋﻠﯿﻚ إن ﺷﺎء اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ" ﻓﺎرﺗﺎع ﻟﺬﻟﻚ وﻓﮭﻢ ﻣﻘﺼﻮد اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ . وﻛﺎن اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻗﺪ ﻋﺰم ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺮاﺑﻄﯿﻦ وأﻣﯿﺮھﺎ ﯾﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﺑﺄﻣﺮاء اﻟﻄﻮاﺋﻒ وﻋﺮض ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻷﻣﺮ ،وﻟﻜﻨﮭﻢ أﺑﺪوا ﺗﺨﻮﻓﮭﻢ ﻣﻦ أن ﯾﺴﯿﻄﺮ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻼده وﯾﻨﻔﺮد ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن دوﻧﮫ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﮫ " :اﻟﻤُﻠْﻚ ﻋﻘﯿﻢ ،واﻟﺴﯿﻔﺎن ﻻ ﯾﺠﺘﻤﻌﺎن ﻓﻲ ﻏِﻤْﺪ واﺣﺪ " ،وﻗﺎل ﻟﮫ وﻟﺪه " :ﯾﺎ أﺑﺖ أﺗُﺪﺧِﻞ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻲ أﻧﺪﻟﺴﻨﺎ ﻣﻦ ﯾﺴﻠﺒﻨﺎ ﻣﻠﻜﻨﺎ ،وﯾﺒﺪّد ﺷﻤﻠﻨﺎ " ،ﻓﻘﺎل اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ " :أي ﺑﻨﻲ واﷲ ﻻ ﯾﺴﻤﻊ ﻋﻨﻲ أﺑﺪًا أﻧﻲ أﻋﺪت اﻷﻧﺪﻟﺲ دار ﻛﻔﺮ وﻻ ﺗﺮﻛﺘﮭﺎ ﻟﻠﻨﺼﺎرى ﻓﺘﻘﻮم اﻟﻠﻌﻨﺔ ﻋﻠﻲّ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮي " ،وﻗﺎل : "ﯾﺎ ﻗﻮم إﻧﻲ ﻣﻦ أﻣﺮي ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺘﯿﻦ :ﺣﺎﻟﺔ ﯾﻘﯿﻦ وﺣﺎﻟﺔ ﺷﻚ وﻻ ﺑﺪ ﻟﻲ ﻣﻦ إﺣﺪاھﻤﺎ ،أﻣﺎ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺸﻚ :ﻓﺈﻧﻲ إن اﺳﺘﻨﺪت إﻟﻰ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ أو إﻟﻰ اﻷذﻓﻮﻧﺶ ﻓﯿﻤﻜﻦ أن ﯾﻔﻲ ﻟﻲ وﯾﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ وﻓﺎﺋﮫ ،وﯾﻤﻜﻦ أﻻ ﯾﻔﻌﻞ ،ﻓﮭﺬه ﺣﺎﻟﺔ ﺷﻚ ،وأﻣﺎ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﯿﻘﯿﻦ :ﻓﺈﻧﻲ إن اﺳﺘﻨﺪت إﻟﻰ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ ﻓﺄﻧﺎ أرﺿﻲ اﷲ ،وإن اﺳﺘﻨﺪت إﻟﻰ اﻷذﻓﻮﻧﺶ أﺳﺨﻄﺖ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺸﻚ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﺎرﺿﺔ ﻓﻸي ﺷﻲء أدع ﻣﺎ ﯾﺮﺿﻲ اﷲ وآﺗﻲ ﻣﺎ ﯾﺴﺨﻄﮫ ؟! " ﺛﻢ ﻗﺎل ﻛﻠﻤﺘﮫ اﻟﻤﺸﮭﻮرة اﻟﺘﻲ ﺳﺠﻠﮭﺎ اﻟﺘﺎرﯾﺦ " :رﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎل ﻋﻨﺪي -واﷲ -ﺧﯿﺮ ﻣﻦ رﻋﻲ اﻟﺨﻨﺎزﯾﺮ" . رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات
رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات ﻓﺄﺟﺎب اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ اﻟﻨﺪاء وﻗﺎل " :أﻧﺎ أول ﻣﻨﺘﺪِب ﻟﻨﺼﺮة ھﺬا اﻟﺪﯾﻦ" ،وﻋﺒﺮ اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﺟﯿﺶ ﻋﻈﯿﻢ ،وﻟﻤﺎ ﻋﻠﻢ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ﺑﺘﺤﺮك اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ ﻛﺘﺐ إﻟﯿﮫ ﯾﮭﺪّده وﯾﺘﻮﻋّﺪه ،ﻓﺮد ﻋﻠﯿﮫ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ ﺑﻘﻮﻟﮫ " :اﻟﺬي ﯾﻜﻮن ﺳﺘﺮاه " . ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺎد اﻟﻜﺘﺎب إﻟﻰ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ارﺗﺎع ﻟﻜﻼﻣﮫ ،ﻓﺰاد اﺳﺘﻌﺪاداً وﺗﺄھّﺒﺎً ،ﺣﺘﻰ رأى ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﮫ ﻛﺄﻧﮫ راﻛﺐٌ ﻓﯿﻼ ،وﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ﻃﺒﻞٌ ﺻﻐﯿﺮ ،وھﻮ ﯾﻨﻘﺮ ﻓﯿﮫ ،ﻓﻘﺺّ رؤﯾﺎه ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺴﯿﺴﯿﻦ ،ﻓﻠﻢ ﯾﻌﺮف ﺗﺄوﯾﻠﮭﺎ أﺣﺪ ،ﻓﺄﺣﻀﺮ رﺟﻼً ﻣﺴﻠﻤﺎً ، ﻋﺎﻟﻤﺎً ﺑﺘﻌﺒﯿﺮ اﻟﺮؤﯾﺎ ،ﻓﻘﺼّﮭﺎ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﻔﺎه ﻣﻦ ﺗﻌﺒﯿﺮھﺎ ،ﻓﻠﻢ ﯾﻌﻔﮫ ،ﻓﻘﺎل ":ﺗﺄوﯾﻞ ھﺬه اﻟﺮؤﯾﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب اﷲ اﻟﻌﺰﯾﺰ ،وھﻮ ﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ } :أﻟﻢ ﺗﺮ ﻛﯿﻒ ﻓﻌﻞ رﺑﻚ ﺑﺄﺻﺤﺎب اﻟﻔﯿﻞ { ،وﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ } :ﻓﺈذا ﻧﻘﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﻗﻮر ، ﻓﺬﻟﻚ ﯾﻮﻣﺌﺬ ﯾﻮم ﻋﺴﯿﺮ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﻓﺮﯾﻦ ﻏﯿﺮ ﯾﺴﯿﺮ { ،وﯾﻘﺘﻀﻲ ھﻼك ھﺬا اﻟﺠﯿﺶ اﻟﺬي ﺗﺠﻤﻌﮫ " . وﻟﺒﺚ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ ﻓﻲ " إﺷﺒﯿﻠﯿﺔ " ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﯾﺎم ﯾﺮﺗّﺐ اﻟﻘﻮات وﯾﻌﺪّ اﻟﻌﺪّة ،وﻛﺎن ﻣﻜﺜﺮاً ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺒّﺪ واﻟﺼﯿﺎم واﻟﻘﯿﺎم وأﻋﻤﺎل اﻟﺒﺮ ،ﺛﻢ ﻏﺎدر " إﺷﺒﯿﻠﯿﺔ " إﻟﻰ " ﺑﻄﻠﯿﻮس ". وﻛﺎن أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ﻣﺸﻐﻮﻻً ﺑﻘﺘﺎل اﺑﻦ ھﻮد أﻣﯿﺮ " ﺳﺮﻗﺴﻄﺔ " ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﮫ اﻟﺨﺒﺮ اﺳﺘﻨﻔﺮ اﻟﺼﻐﯿﺮ واﻟﻜﺒﯿﺮ ﻟﻠﻘﺘﺎل ،وﻟﻢ ﯾﺪع أﺣﺪاً ﻓﻲ أﻗﺎﺻﻲ ﻣﻤﻠﻜﺘﮫ ﯾﻘﺪر ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل إﻻ اﺳﺘﻨﮭﻀﮫ ،وﺗﺠﻤﻊ اﻟﻨﺼﺎرى ﻣﻦ ﺷﻤﺎﻟﻲ إﺳﺒﺎﻧﯿﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ وأﻟﻤﺎﻧﯿﺎ وإﯾﻄﺎﻟﯿﺎ ،ﻣﻌﮭﻢ اﻟﻘﺴﺲ واﻟﺮھﺒﺎن ﯾﺤﺮﺿﻮﻧﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل . ﻓﻠﻤﺎ اﺟﺘﻤﻊ ﺟﯿﺸﮫ رأى ﻛﺜﺮﺗﮫ ﻓﺄﻋﺠﺒﺘﮫ ،ﻓﺄﺣﻀﺮ ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﺒّﺮ ،وﻗﺎل ﻟﮫ " :ﺑﮭﺬا اﻟﺠﯿﺶ أﻟﻘﻰ إﻟﮫ ﻣﺤﻤﺪ ،ﺻﺎﺣﺐ ﻛﺘﺎﺑﻜﻢ " ،ﻓﺎﻧﺼﺮف اﻟﻤﻌﺒّﺮ ،وﻗﺎل ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ :ھﺬا اﻟﻤﻠﻚ ھﺎﻟﻚ وﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﻌﮫ ،وذﻛﺮ ﻗﻮل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ) :ﺛﻼث ﻣﮭﻠﻜﺎت ..وﻓﯿﮫ :وإﻋﺠﺎب اﻟﻤﺮء ﺑﻨﻔﺴﮫ (. ﺛﻢ ﻛﺎن اﻟﺘﻘﺎء اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ ﻓﻲ ﺳﮭﻞ " اﻟﺰﻻﻗﺔ " ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ " ﺑﻄﻠﯿﻮس " ،وﻛﺎن ﺟﯿﺶ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔً وأرﺑﻌﯿﻦ أﻟﻔﺎً ﻧﺼﻔﮭﻢ ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺴﯿﯿﻦ وﻧﺼﻔﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﺑﻄﯿﻦ ،وﺟﯿﺶ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ﻣﺎﺋﺔُ أﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎة ،وﺛﻤﺎﻧﻮن أﻟﻔﺎً ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن . وﻟﺒﺚ اﻟﺠﯿﺸﺎن ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ،ﺗﺒﺎدل اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻓﻜﺘﺐ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ إﻟﻰ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ﯾﺪﻋﻮه إﻟﻰ اﻹﺳﻼم أو اﻟﺠﺰﯾﺔ أو اﻟﻘﺘﺎل ،ﻓﺎﺧﺘﺎر اﻟﻘﺘﺎل ،وﻛﺘﺐ إﻟﯿﮫ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ﯾﻘﻮل ﻟﮫ " :اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻟﻜﻢ ،واﻟﺴﺒﺖ ﻟﻠﯿﮭﻮد وھﻢ وزراؤﻧﺎ وﻛﺘﺎﺑﻨﺎ وأﻛﺜﺮ ﺧﺪم اﻟﻌﺴﻜﺮ ﻣﻨﮭﻢ ﻓﻼ ﻏﻨﻰ ﻟﻨﺎ ﻋﻨﮭﻢ ،واﻷﺣﺪ ﻟﻨﺎ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﯾﻮم اﻹﺛﻨﯿﻦ ﻛﺎن ﻣﺎ ﻧﺮﯾﺪه ﻣﻦ اﻟﺰﺣﻒ " ،وﻗﺼﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺒﺎﻏﺘﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﻐﺪر ﺑﮭﻢ ،وﻟﻜﻦ اﷲ ﻟﻢ ﯾﺘﻢ ﻟﮫ ﻣﺎ أراد . ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮ اﻷول ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ 479ھـ ﺗﺄھّﺐ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻟﺼﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ ،وﺧﺮج اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ ھﻮ وأﺻﺤﺎﺑﮫ ﻓﻲ ﺛﯿﺎب اﻟﺰﯾﻨﺔ ﻟﻠﺼﻼة ،أﻣﺎ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻓﻘﺪ أﺧﺬ ﺑﺎﻟﺤﺰم ﺧﺸﯿﺔ ﻏﺪر اﻟﺮﺟﻞ ،ﻓﺮﻛﺐ ھﻮ وأﺻﺤﺎﺑﮫ ﻣﺴﻠﺤﯿﻦ وﻗﺎل ﻷﻣﯿﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ " :ﺻﻞﱢ ﻓﻲ أﺻﺤﺎﺑﻚ ،وأﻧﺎ ﻣﻦ وراﺋﻜﻢ وﻣﺎ أﻇﻦ ھﺬا اﻟﺨﻨﺰﯾﺮ إﻻ ﻗﺪ أﺿﻤﺮ اﻟﻔﺘﻚ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ " ،ﻓﺄﺧﺬوا ﻓﻲ اﻟﺼﻼة ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻘﺪوا اﻟﺮﻛﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ﺛﺎرت ﻓﻲ وﺟﻮھﮭﻢ اﻟﺨﯿﻞ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ اﻟﻨﺼﺎرى ،وﺣﻤﻞ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ﻟﻌﻨﺔ اﷲ ﻓﻲ أﺻﺤﺎﺑﮫ ﯾﻈﻦّ أﻧﮫ اﻧﺘﮭﺰ اﻟﻔﺮﺻﺔ ،وإذا ﺑﺎﻟﻤﻌﺘﻤﺪ وأﺻﺤﺎﺑﮫ ﻣﻦ وراء اﻟﻨﺎس ﯾﺼﺪّون ھﺠﻮم اﻟﻨﺼﺎرى ،وأﺧﺬ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻮن ﺳﻼﺣﮭﻢ ورﻛﺒﻮا ﺧﯿﻮﻟﮭﻢ ،واﺧﺘﻠﻂ اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن ، وأﻇﮭﺮ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ وأﺻﺤﺎﺑﮫ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ واﻟﺜﺒﺎت وﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء اﻟﺸﻲء اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ﻓﻘﺎﺗﻞ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻓﻲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ اﻟﺼﻔﻮف ، وأُﺛﺨﻦ ﺑﺎﻟﺠﺮاح ،وھﻠﻚ ﺗﺤﺘﮫ ﺛﻼﺛﺔ أﻓﺮاس ﻛﻠﻤﺎ ھﻠﻚ ﺟﻮاد ﻗﺪﻣﻮا ﻟﮫ ﻏﯿﺮه ،وﻗﺎﺗﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻗﺘﺎل ﻣﻦ ﯾﻄﻠﺐ اﻟﺸﮭﺎدة وﯾﺘﻤﻨﻰ اﻟﻤﻮت ،ﺣﺘﻰ ھﺰم اﷲ اﻟﻌﺪو ،وأﺗﺒﻌﮭﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﯾﻘﺘﻠﻮﻧﮭﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ اﺗﺠﺎه ،وﻧﺠﺎ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ ﻓﻲ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﮫ ﻋﻨﺪ ﺣﻠﻮل اﻟﻈﻼم ،ﺑﻌﺪ أن أﺻﺎﺑﺘﮫ ﻃﻌﻨﺔ ﻓﻲ ﻓﺨﺬه . ﻓﮭﺰﻣﮫ اﷲ ﺷﺮ ھﺰﯾﻤﺔ وأﻋﺰ ﺟﻨﺪه اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،وﻛُﺘﺒﺖ ﻟﻸﻧﺪﻟﺲ ﺑﺴﺒﺒﮭﺎ ﺣﯿﺎة ﺟﺪﯾﺪة اﻣﺘﺪت أرﺑﻌﺔ ﻗﺮون أﺧﺮى ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻊ اﻟﻔﻨﺎء واﻻﺳﺘﺌﺼﺎل.
رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات
ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﻣﻦ ﺣﻜﻤﺔ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ أن ﻓﺎﺿﻞ ﺑﯿﻦ ﺧﻠﻘﮫ زﻣﺎﻧﺎً وﻣﻜﺎﻧﺎً ،ﻓﻔﻀﻞ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻜﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ،وﻓﻀﻞ ﺑﻌﺾ اﻷزﻣﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ،ﻓﻔﻀﻞ ﻓﻲ اﻷزﻣﻨﺔ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺸﮭﻮر ،ﻓﮭﻮ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﺑﯿﻦ اﻟﻜﻮاﻛﺐ ،واﺧﺘﺺ ھﺬا اﻟﺸﮭﺮ ﺑﻔﻀﺎﺋﻞ ﻋﻈﯿﻤﺔ وﻣﺰاﯾﺎ ﻛﺒﯿﺮة ،ﻓﮭﻮ اﻟﺸﮭﺮ اﻟﺬي أﻧﺰل اﷲ ﻓﯿﮫ اﻟﻘﺮآن ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن اﻟﺬي أﻧﺰل ﻓﯿﮫ اﻟﻘﺮآن ھﺪىً ﻟﻠﻨﺎس وﺑﯿﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﮭﺪى واﻟﻔﺮﻗﺎن{ )اﻟﺒﻘﺮة ،(185:وﻋﻦ واﺛﻠﺔ ﺑﻦ اﻷﺳﻘﻊ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ أن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :أﻧﺰﻟﺖ ﺻﺤﻒ إﺑﺮاھﯿﻢ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم ﻓﻲ أول ﻟﯿﻠﺔ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن، وأﻧﺰﻟﺖ اﻟﺘﻮراة ﻟﺴﺖ ﻣﻀﯿﻦ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ،واﻹﻧﺠﯿﻞ ﻟﺜﻼث ﻋﺸﺮة ﺧﻠﺖ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ،وأﻧﺰل اﻟﻔﺮﻗﺎن ﻷرﺑﻊ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺧﻠﺖ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن( رواه أﺣﻤﺪ. وھﻮ اﻟﺸﮭﺮ اﻟﺬي ﻓﺮض اﷲ ﺻﯿﺎﻣﮫ ،ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ } :ﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻟﺬﯾﻦ آﻣﻨﻮا ﻛﺘﺐ ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻟﺼﯿﺎم ﻛﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﯾﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺘﻘﻮن{ )اﻟﺒﻘﺮة.(183: وھﻮ ﺷﮭﺮ اﻟﺘﻮﺑﺔ واﻟﻤﻐﻔﺮة ،وﺗﻜﻔﯿﺮ اﻟﺬﻧﻮب واﻟﺴﯿﺌﺎت ،ﻓﻌﻦ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ ،واﻟﺠﻤﻌﺔ إﻟﻰ اﻟﺠﻤﻌﺔ ،ورﻣﻀﺎن إﻟﻰ رﻣﻀﺎن ،ﻣﻜﻔﺮات ﻟﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻦ إذا اﺟﺘﻨﺒﺖ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ( رواه ﻣﺴﻠﻢ، ﻣﻦ ﺻﺎﻣﮫ وﻗﺎﻣﮫ إﯾﻤﺎﻧﺎً ﺑﻤﻮﻋﻮد اﷲ ،واﺣﺘﺴﺎﺑﺎً ﻟﻸﺟﺮ واﻟﺜﻮاب ﻋﻨﺪ اﷲ ،ﻏﻔﺮ ﻟﮫ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﻣﻦ ذﻧﺒﮫ ،ﻓﻔﻲ "اﻟﺼﺤﯿﺢ" أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :ﻣﻦ ﺻﺎم رﻣﻀﺎن إﯾﻤﺎﻧﺎً واﺣﺘﺴﺎﺑﺎً ﻏُﻔِﺮ ﻟﮫ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﻣﻦ ذﻧﺒﮫ( ،وﻗﺎل) :ﻣﻦ ﻗﺎم رﻣﻀﺎن إﯾﻤﺎﻧﺎً واﺣﺘﺴﺎﺑﺎً ﻏﻔﺮ ﻟﮫ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﻣﻦ ذﻧﺒﮫ( ،وﻗﺎل أﯾﻀﺎً) :ﻣﻦ ﻗﺎم ﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر إﯾﻤﺎﻧﺎً واﺣﺘﺴﺎﺑﺎً ﻏﻔﺮ ﻟﮫ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﻣﻦ ذﻧﺒﮫ( .وﻣﻦ أدرﻛﮫ ﻓﻠﻢ ﯾُﻐﻔﺮ ﻟﮫ ﻓﻘﺪ رﻏﻢ أﻧﻔﮫ وأﺑﻌﺪه اﷲ ،ﺑﺬﻟﻚ دﻋﺎ ﻋﻠﯿﮫ ﺟﺒﺮﯾﻞ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم ،وأﻣﱠﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻋﻮة ﻧﺒﯿﻨﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ، ﻓﻤﺎ ﻇﻨﻚ ﺑﺪﻋﻮة ﻣﻦ أﻓﻀﻞ ﻣﻼﺋﻜﺔ اﷲ ،ﯾﺆﻣّﻦ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺧﯿﺮ ﺧﻠﻖ اﷲ. وھﻮ ﺷﮭﺮ اﻟﻌﺘﻖ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ،ﻓﻔﻲ ﺣﺪﯾﺚ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ :ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :وﯾﻨﺎدي ﻣﻨﺎد :ﯾﺎ ﺑﺎﻏﻲ اﻟﺨﯿﺮ أﻗﺒﻞ ،وﯾﺎ ﺑﺎﻏﻲ اﻟﺸﺮ أﻗﺼﺮ ،وﷲ ﻋﺘﻘﺎء ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ،وذﻟﻚ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ( رواه اﻟﺘﺮﻣﺬي. وﻓﯿﮫ ﺗﻔﺘﺢ أﺑﻮاب اﻟﺠﻨﺎن وﺗﻐﻠﻖ أﺑﻮاب اﻟﻨﯿﺮان ،وﺗﺼﻔﺪ اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل: )إذا ﺟﺎء رﻣﻀﺎن ﻓﺘﺤﺖ أﺑﻮاب اﻟﺠﻨﺔ ،وﻏﻠﻘﺖ أﺑﻮاب اﻟﻨﺎر ،وﺻﻔﺪت اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ( ،وﻓﻲ ﻟﻔﻆ )وﺳﻠﺴﻠﺖ اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ( ،أي :أﻧﮭﻢ ﯾﺠﻌﻠﻮن ﻓﻲ اﻷﺻﻔﺎد واﻟﺴﻼﺳﻞ ،ﻓﻼ ﯾﺼﻠﻮن ﻓﻲ رﻣﻀﺎن إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺼﻠﻮن إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﻏﯿﺮه. وھﻮ ﺷﮭﺮ اﻟﺼﺒﺮ ،ﻓﺈن اﻟﺼﺒﺮ ﻻ ﯾﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدات ﻛﻤﺎ ﯾﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺼﻮم ،ﻓﻔﯿﮫ ﯾﺤﺒﺲ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻧﻔﺴﮫ ﻋﻦ ﺷﮭﻮاﺗﮭﺎ وﻣﺤﺒﻮﺑﺎﺗﮭﺎ ،وﻟﮭﺬا ﻛﺎن اﻟﺼﻮم ﻧﺼﻒ اﻟﺼﺒﺮ ،وﺟﺰاء اﻟﺼﺒﺮ اﻟﺠﻨﺔ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :إﻧﻤﺎ ﯾﻮﻓﻰ اﻟﺼﺎﺑﺮون أﺟﺮھﻢ ﺑﻐﯿﺮ ﺣﺴﺎب{ )اﻟﺰﻣﺮ.(10: وھﻮ ﺷﮭﺮ اﻟﺪﻋﺎء ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻘﯿﺐ آﯾﺎت اﻟﺼﯿﺎم} :وإذا ﺳﺄﻟﻚ ﻋﺒﺎدي ﻋﻨﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺮﯾﺐ أﺟﯿﺐ دﻋﻮة اﻟﺪاع إذا دﻋﺎن{ )اﻟﺒﻘﺮة ، (186:وﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :ﺛﻼﺛﺔ ﻻ ﺗﺮد دﻋﻮﺗﮭﻢ :اﻟﺼﺎﺋﻢ ﺣﺘﻰ ﯾﻔﻄﺮ ،واﻹﻣﺎم اﻟﻌﺎدل ،ودﻋﻮة اﻟﻤﻈﻠﻮم( رواه أﺣﻤﺪ. وھﻮ ﺷﮭﺮ اﻟﺠﻮد واﻹﺣﺴﺎن؛ وﻟﺬا ﻛﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -ﻛﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﯿﺢ -أﺟﻮد ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن. وھﻮ ﺷﮭﺮ ﻓﯿﮫ ﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر ،اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻞ اﷲ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﺧﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ أﻟﻒ ﺷﮭﺮ ،واﻟﻤﺤﺮوم ﻣﻦ ﺣﺮم ﺧﯿﺮھﺎ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر ﺧﯿﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ ﺷﮭﺮ{ )اﻟﻘﺪر ،(3:روى اﺑﻦ ﻣﺎﺟﮫ ﻋﻦ أﻧﺲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل :دﺧﻞ رﻣﻀﺎن ،ﻓﻘﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :إن ھﺬا اﻟﺸﮭﺮ ﻗﺪ ﺣﻀﺮﻛﻢ ،وﻓﯿﮫ ﻟﯿﻠﺔ ﺧﯿﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ ﺷﮭﺮ ،ﻣﻦ ﺣﺮﻣﮭﺎ ﻓﻘﺪ ﺣﺮم اﻟﺨﯿﺮ ﻛﻠﮫ ،وﻻ ﯾﺤﺮم ﺧﯿﺮھﺎ إﻻ ﻣﺤﺮوم(. ﻓﺎﻧﻈﺮ -ﯾﺎ رﻋﺎك اﷲ -إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﺠﻤّﺔ ،واﻟﻤﺰاﯾﺎ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﮭﺮ اﻟﻤﺒﺎرك ،ﻓﺤﺮي ﺑﻚ -أﺧﻲ اﻟﻤﺴﻠﻢ -أن ﺗﻌﺮف ﻟﮫ ﺣﻘﮫ ,وأن ﺗﻘﺪره ﺣﻖ ﻗﺪره ،وأن ﺗﻐﺘﻨﻢ أﯾﺎﻣﮫ وﻟﯿﺎﻟﯿﮫ ،ﻋﺴﻰ أن ﺗﻔﻮز ﺑﺮﺿﻮان اﷲ ،ﻓﯿﻐﻔﺮ اﷲ ﻟﻚ ذﻧﺒﻚ وﯾﯿﺴﺮ ﻟﻚ أﻣﺮك ،وﯾﻜﺘﺐ ﻟﻚ اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻵﺧﺮة ،ﺟﻌﻠﻨﺎ اﷲ وإﯾﺎﻛﻢ ﻣﻤﻦ ﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﺤﻖ رﻣﻀﺎن ﺧﯿﺮ ﻗﯿﺎم.
ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻟﻠﺼﺪﻗﺔ ﺷﺄن ﻋﻈﯿﻢ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،ﻓﮭﻲ ﻣﻦ أوﺿﺢ اﻟﺪﻻﻻت ،وأﺻﺪق اﻟﻌﻼﻣﺎت ﻋﻠﻰ ﺻﺪق إﯾﻤﺎن اﻟﻤﺘﺼﺪق؛ وذﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﺟﺒﻠﺖ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻨﻔﻮس ﻣﻦ ﺣﺐ اﻟﻤﺎل واﻟﺴﻌﻲ إﻟﻰ ﻛﻨﺰه ،ﻓﻤﻦ أﻧﻔﻖ ﻣﺎﻟﮫ وﺧﺎﻟﻒ ﻣﺎ ﺟُﺒِﻞ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺑﺮھﺎن إﯾﻤﺎﻧﮫ وﺻﺤﺔ ﯾﻘﯿﻨﮫ ،وﻓﻲ ذﻟﻚ ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :واﻟﺼﺪﻗﺔ ﺑﺮھﺎن( أي :ﺑﺮھﺎن ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ إﯾﻤﺎن اﻟﻌﺒﺪ ،ھﺬا إذا ﻧﻮى ﺑﮭﺎ وﺟﮫ اﷲ ،وﻟﻢ ﯾﻘﺼﺪ ﺑﮭﺎ رﯾﺎء وﻻ ﺳﻤﻌﺔ. ﻷﺟﻞ ھﺬا ﺟﺎءت اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻜﺜﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺒﯿﻦ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ واﻹﻧﻔﺎق ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ ،وﺗﺤﺚ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺬل واﻟﻌﻄﺎء اﺑﺘﻐﺎء اﻷﺟﺮ ﻣﻦ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ. ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻞ اﷲ اﻹﻧﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺋﻞ واﻟﻤﺤﺮوم ﻣﻦ أﺧﺺ ﺻﻔﺎت ﻋﺒﺎد اﷲ اﻟﻤﺤﺴﻨﯿﻦ ،ﻓﻘﺎل ﻋﻨﮭﻢ} :إﻧﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻣﺤﺴﻨﯿﻦ * ﻛﺎﻧﻮا ﻗﻠﯿﻼً ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ﻣﺎ ﯾﮭﺠﻌﻮن * وﺑﺎﻷﺳﺤﺎر ھﻢ ﯾﺴﺘﻐﻔﺮون * وﻓﻲ أﻣﻮاﻟﮭﻢ ﺣﻖ ﻟﻠﺴﺎﺋﻞ واﻟﻤﺤﺮوم{ )اﻟﺬارﯾﺎت ،(19-16:ووﻋﺪ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ -وھﻮ اﻟﺠﻮاد اﻟﻜﺮﯾﻢ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺨﻠﻒ اﻟﻤﯿﻌﺎد -ﺑﺎﻹﺧﻼف ﻋﻠﻰ ﻣﻦ أﻧﻔﻖ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﮫ ،ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ} :وﻣﺎ أﻧﻔﻘﺘﻢ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻓﮭﻮ ﯾﺨﻠﻔﮫ وھﻮ ﺧﯿﺮ اﻟﺮازﻗﯿﻦ{ )ﺳﺒﺄ ،(39:ووﻋﺪ ﺑﻤﻀﺎﻋﻔﺔ اﻟﻌﻄﯿﺔ ﻟﻠﻤﻨﻔﻘﯿﻦ ﺑﺄﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎ أﻧﻔﻘﻮا أﺿﻌﺎﻓﺎً ﻛﺜﯿﺮة ،ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ} :ﻣﻦ ذا اﻟﺬي ﯾﻘﺮض اﷲ ﻗﺮﺿﺎً ﺣﺴﻨﺎً ﻓﯿﻀﺎﻋﻔﮫ ﻟﮫ أﺿﻌﺎﻓﺎً ﻛﺜﯿﺮة{ )اﻟﺒﻘﺮة.(245: واﻟﺼﺪﻗﺔ ﺑﺎﻷﻣﻮال ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺠﮭﺎد اﻟﻤﺘﻌﺪدة ،ﺑﻞ إن اﻟﺠﮭﺎد ﺑﺎﻟﻤﺎل ﻣﻘﺪم ﻋﻠﻰ اﻟﺠﮭﺎد ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻵﯾﺎت اﻟﺘﻲ ورد ﻓﯿﮭﺎ ذﻛﺮ اﻟﺠﮭﺎد إﻻ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ واﺣﺪ ،وﻗﺪ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :ﺟﺎھﺪوا اﻟﻤﺸﺮﻛﯿﻦ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻜﻢ وأﻧﻔﺴﻜﻢ وأﻟﺴﻨﺘﻜﻢ( رواه أﺑﻮ داود. وﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﯾﺚ اﻟﻤﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺪﻗﺔ ،واﻟﻤﺒﯿﻨﺔ ﻟﺜﻮاﺑﮭﺎ وأﺟﺮھﺎ ،ﻣﺎ ﺗﻘﺮ ﺑﮫ أﻋﯿﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،وﺗﮭﻨﺄ ﺑﮫ ﻧﻔﻮس اﻟﻤﺘﺼﺪﻗﯿﻦ، وﻣﻦ ذﻟﻚ أﻧﮭﺎ ﻣﻦ أﻓﻀﻞ اﻷﻋﻤﺎل وأﺣﺒﮭﺎ إﻟﻰ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ،أن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :وإن أﺣﺐ اﻷﻋﻤﺎل إﻟﻰ اﷲ ﺳﺮور ﺗﺪﺧﻠﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺆﻣﻦ ،ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻨﮫ ﻛﺮﺑﺎً ،أو ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻨﮫ دﯾﻨﺎً ،أو ﺗﻄﺮد ﻋﻨﮫ ﺟﻮﻋﺎً( ،رواه اﻟﺒﯿﮭﻘﻲ ،وﺣﺴﻨﮫ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ. واﻟﺼﺪﻗﺔ ﺗﺮﻓﻊ ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻮﺻﻠﮫ أﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎزل ،ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :إﻧﻤﺎ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻷرﺑﻌﺔ ﻧﻔﺮ :ﻋﺒﺪ رزﻗﮫ اﷲ ﻣﺎﻻً وﻋﻠﻤﺎً ﻓﮭﻮ ﯾﺘﻘﻲ ﻓﯿﮫ رﺑﮫ ،وﯾﺼﻞ ﻓﯿﮫ رﺣﻤﮫ ،وﯾﻌﻠﻢ ﷲ ﻓﯿﮫ ﺣﻘﺎً ﻓﮭﺬا ﺑﺄﻓﻀﻞ اﻟﻤﻨﺎزل( رواه اﻟﺘﺮﻣﺬي. وھﻲ ﺗﺪﻓﻊ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ واﻟﺒﻼﯾﺎ ،وﺗﻨﺠﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﻜﺮوب واﻟﺸﺪاﺋﺪ ،ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :ﺻﻨﺎﺋﻊ اﻟﻤﻌﺮوف ﺗﻘﻲ ﻣﺼﺎرع اﻟﺴﻮء واﻵﻓﺎت واﻟﮭﻠﻜﺎت ،وأھﻞ اﻟﻤﻌﺮوف ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ھﻢ أھﻞ اﻟﻤﻌﺮوف ﻓﻲ اﻵﺧﺮة( رواه اﻟﺤﺎﻛﻢ وﺻﺤﺤﮫ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ. وﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ ﻋﻈﻢ أﺟﺮ اﻟﺼﺪﻗﺔ ،وﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﺛﻮاﺑﮭﺎ ،ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :ﻣﺎ ﺗﺼﺪق أﺣﺪ ﺑﺼﺪﻗﺔ ﻣﻦ ﻃﯿﺐ -وﻻ ﯾﻘﺒﻞ اﷲ إﻻ اﻟﻄﯿﺐ -إﻻ أﺧﺬھﺎ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﯿﻤﯿﻨﮫ ،وإن ﻛﺎن ﺗﻤﺮة ،ﻓﺘﺮﺑﻮ ﻓﻲ ﻛﻒ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮن أﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ ،ﻛﻤﺎ ﯾﺮﺑﻲ أﺣﺪﻛﻢ ﻓُﻠُﻮﱠه أو ﻓﺼﯿﻠﮫ( رواه ﻣﺴﻠﻢ. واﻟﺼﺪﻗﺔ ﺗﻄﻔﺊ اﻟﺨﻄﺎﯾﺎ ،وﺗﻜﻔﺮ اﻟﺬﻧﻮب واﻟﺴﯿﺌﺎت ،ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻟﻤﻌﺎذ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ) :واﻟﺼﺪﻗﺔ ﺗﻄﻔﺊ اﻟﺨﻄﯿﺌﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﻄﻔﺊ اﻟﻤﺎء اﻟﻨﺎر ( رواه اﻟﺘﺮﻣﺬي. وھﻲ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﺳﺒﺎب ﺑﺮﻛﺔ اﻟﻤﺎل ،وزﯾﺎدة اﻟﺮزق ،وإﺧﻼف اﷲ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ ﺑﻤﺎ ھﻮ أﺣﺴﻦ ،ﻗﺎل اﷲ ﺟﻞ وﻋﻼ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻘﺪﺳﻲ) :ﯾﺎ اﺑﻦ آدم! أَﻧﻔﻖْ أُﻧﻔﻖْ ﻋﻠﯿﻚ( رواه ﻣﺴﻠﻢ. ﻛﻤﺎ أﻧﮭﺎ وﻗﺎﯾﺔ ﻣﻦ ﻋﺬاب اﷲ ،ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :اﺗﻘﻮا اﻟﻨﺎر وﻟﻮ ﺑﺸﻖ ﺗﻤﺮة( رواه اﻟﺒﺨﺎري. وھﻲ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﺪق اﻹﯾﻤﺎن ،وﻗﻮة اﻟﯿﻘﯿﻦ ،وﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ،إﻟﻰ ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﻜﺜﯿﺮة ،اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﯾﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻷﺟﺮ واﻟﺜﻮاب ﻣﻦ اﷲ ،وﯾﺴﺘﻌﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﺰع اﻟﺸﯿﻄﺎن اﻟﺬي ﯾﺨﻮﻓﮫ اﻟﻔﻘﺮ ،وﯾﺰﯾﻦ ﻟﮫ اﻟﺸﺢ واﻟﺒﺨﻞ ،وﺻﺪق اﷲ إذ ﯾﻘﻮل: }اﻟﺸﯿﻄﺎن ﯾﻌﺪﻛﻢ اﻟﻔﻘﺮ وﯾﺄﻣﺮﻛﻢ ﺑﺎﻟﻔﺤﺸﺎء واﷲ ﯾﻌﺪﻛﻢ ﻣﻐﻔﺮة ﻣﻨﮫ وﻓﻀﻼً واﷲ واﺳﻊ ﻋﻠﯿﻢ{ )اﻟﺒﻘﺮة ،(268:ﻧﺴﺄل اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ أن ﯾﺠﻌﻠﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻔﻘﯿﻦ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﮫ وأﻻ ﯾﺠﻌﻠﻨﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﺤﺎء واﻟﺒﺨﻼء ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﮫ ،إﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪﯾﺮ ،وﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ ﺟﺪﯾﺮ.
ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﻘﯿﺎم ﻗﯿﺎم اﻟﻠﯿﻞ ﻣﻦ أﻓﻀﻞ اﻟﻄﺎﻋﺎت ،وأﺟﻞ اﻟﻘﺮﺑﺎت ،وھﻮ ﺳﻨﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ أوﻗﺎت اﻟﻌﺎم ،وﯾﺘﺄﻛﺪ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن اﻟﻤﺒﺎرك ،وﻗﺪ ﺟﺎءت اﻟﻨﺼﻮص ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ﺑﺎﻟﺤﺚ ﻋﻠﯿﮫ ،واﻟﺘﺮﻏﯿﺐ ﻓﯿﮫ ,وﺑﯿﺎن ﻋﻈﯿﻢ ﺷﺄﻧﮫ وﺛﻮاﺑﮫ ﻋﻨﺪ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ. ﻓﻘﺪ ﻣﺪح اﷲ أھﻞ اﻹﯾﻤﺎن ,ﺑﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺼﺎل واﻷﻋﻤﺎل ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﺧﺺ ھﺬه اﻷﻋﻤﺎل ﻗﯿﺎﻣﮭﻢ اﻟﻠﯿﻞ ,ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: }إﻧﻤﺎ ﯾﺆﻣﻦ ﺑﺂﯾﺎﺗﻨﺎ اﻟﺬﯾﻦ إذا ذﻛﺮوا ﺑﮭﺎ ﺧﺮوا ﺳﺠﺪاً وﺳﺒﺤﻮا ﺑﺤﻤﺪ رﺑﮭﻢ وھﻢ ﻻ ﯾﺴﺘﻜﺒﺮون * ﺗﺘﺠﺎﻓﻰ ﺟﻨﻮﺑﮭﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻀﺎﺟﻊ ﯾﺪﻋﻮن رﺑﮭﻢ ﺧﻮﻓﺎً وﻃﻤﻌﺎً وﻣﻤﺎ رزﻗﻨﺎھﻢ ﯾﻨﻔﻘﻮن * ﻓﻼ ﺗﻌﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﻣﺎ أﺧﻔﻲ ﻟﮭﻢ ﻣﻦ ﻗﺮة أﻋﯿﻦ ﺟﺰاء ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻌﻤﻠﻮن{ )اﻟﺴﺠﺪة ،(17-15:ووﺻﻒ اﷲ ﻋﺒﺎده ﺑﻘﻮﻟﮫ} :واﻟﺬﯾﻦ ﯾﺒﯿﺘﻮن ﻟﺮﺑﮭﻢ ﺳﺠﺪا وﻗﯿﺎﻣﺎ{ )اﻟﻔﺮﻗﺎن ،(64:ووﺻﻒ اﻟﻤﺘﻘﯿﻦ ﺑﻜﺜﺮة ﺻﻼﺗﮭﻢ ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ ،واﺳﺘﻐﻔﺎرھﻢ ﺑﺎﻷﺳﺤﺎر ،ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ} :إن اﻟﻤﺘﻘﯿﻦ ﻓﻲ ﺟﻨﺎت وﻋﯿﻮن * آﺧﺬﯾﻦ ﻣﺎ آﺗﺎھﻢ رﺑﮭﻢ إﻧﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻣﺤﺴﻨﯿﻦ * ﻛﺎﻧﻮا ﻗﻠﯿﻼً ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ﻣﺎ ﯾﮭﺠﻌﻮن * وﺑﺎﻷﺳﺤﺎر ھﻢ ﯾﺴﺘﻐﻔﺮون{ )اﻟﺬارﯾﺎت ،(15:وﻟِﻤﺎ ﻟﺼﻼة اﻟﻠﯿﻞ ﻣﻦ ﺷﺄن ﻋﻈﯿﻢ ﻓﻲ ﺗﺜﺒﯿﺖ اﻹﯾﻤﺎن, واﻟﻘﯿﺎم ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﺠﻠﯿﻠﺔ ،وﺗﺤﻤﻞ أﻋﺒﺎء اﻟﺪﻋﻮة وﺗﻜﺎﻟﯿﻔﮭﺎ ،ﻓﻘﺪ أﻣﺮ اﷲ ﺑﮭﺎ ﻧﺒﯿﮫ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،ﻓﻘﺎل} :ﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻟﻤﺰﻣﻞ * ﻗﻢ اﻟﻠﯿﻞ إﻻ ﻗﻠﯿﻼً * ﻧﺼﻔﮫ أو اﻧﻘﺺ ﻣﻨﮫ ﻗﻠﯿﻼ{ إﻟﻰ أن ﻗﺎل} :إﻧﺎ ﺳﻨﻠﻘﻲ ﻋﻠﯿﻚ ﻗﻮﻻً ﺛﻘﯿﻼً * إن ﻧﺎﺷﺌﺔ اﻟﻠﯿﻞ ھﻲ أﺷﺪ وﻃﺌﺎً وأﻗﻮم ﻗﯿﻼً{ )اﻟﻤﺰﻣﻞ.(6-1: وﺟﺎءت ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ أﺣﺎدﯾﺚ ﻛﺜﯿﺮة ﺗﺒﯿﻦ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﻗﯿﺎم اﻟﻠﯿﻞ ،وﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻗﯿﺎم اﻟﻠﯿﻞ ﻋﺎدة اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻣﻢ، ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :ﻋﻠﯿﻜﻢ ﺑﻘﯿﺎم اﻟﻠﯿﻞ ,ﻓﺈﻧﮫ دأب اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ,وﻗﺮﺑﺔ ﻟﻜﻢ إﻟﻰ رﺑﻜﻢ ,وﻣﻜﻔﺮة ﻟﻠﺴﯿﺌﺎت, وﻣﻨﮭﺎة ﻋﻦ اﻹﺛﻢ( أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺤﺎﻛﻢ. وھﻲ أﻓﻀﻞ ﺻﻼة ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺮﯾﻀﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ "ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ" أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :أﻓﻀﻞ اﻟﺼﻼة ﺑﻌﺪ اﻟﺼﻼة اﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ اﻟﺼﻼة ﻓﻲ ﺟﻮف اﻟﻠﯿﻞ( ،وﻗﺎل أﯾﻀﺎً) :أﻗﺮب ﻣﺎ ﯾﻜﻮن اﻟﺮب ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺪ ﻓﻲ ﺟﻮف اﻟﻠﯿﻞ اﻵﺧﺮ, ﻓﺈن اﺳﺘﻄﻌﺖ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻤﻦ ﯾﺬﻛﺮ اﷲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻜﻦ( رواه اﻟﺘﺮﻣﺬي. وھﻲ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﺳﺒﺎب إﺟﺎﺑﺔ اﻟﺪﻋﺎء ,واﻟﻔﻮز ﺑﺎﻟﻤﻄﻠﻮب ،وﻣﻐﻔﺮة اﻟﺬﻧﻮب ،ﻓﻘﺪ روى أﺑﻮداود ﻋﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﺒﺴﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل :ﻗﻠﺖ :ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ ،أي اﻟﻠﯿﻞ أﺳﻤﻊ؟ ﻗﺎل) :ﺟﻮف اﻟﻠﯿﻞ اﻵﺧﺮ ،ﻓﺼﻞﱢ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ,ﻓﺈن اﻟﺼﻼة ﻣﺸﮭﻮدة ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ( ،وﻗﺎل ﻛﻤﺎ ﻓﻲ "ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ") :إن ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ﺳﺎﻋﺔ ﻻ ﯾﻮاﻓﻘﮭﺎ ﻋﺒﺪ ﻣﺴﻠﻢ ﯾﺴﺄل اﷲ ﺧﯿﺮا إﻻ أﻋﻄﺎه إﯾﺎه(. وﺻﻼة اﻟﻠﯿﻞ ﻣﻦ ﻣﻮﺟﺒﺎت دﺧﻮل اﻟﺠﻨﺔ ،وﺑﻠﻮغ اﻟﺪرﺟﺎت اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻓﻘﺪ روى اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﻋﻦ أﺑﻲ ﻣﺎﻟﻚ اﻷﺷﻌﺮي رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :إن ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ﻏﺮﻓﺎً ,ﯾُﺮى ﻇﺎھﺮھﺎ ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻨﮭﺎ ,وﺑﺎﻃﻨﮭﺎ ﻣﻦ ﻇﺎھﺮھﺎ ,أﻋﺪھﺎ اﷲ ﻟﻤﻦ أﻻن اﻟﻜﻼم ,وأﻃﻌﻢ اﻟﻄﻌﺎم ,وﺗﺎﺑﻊ اﻟﺼﯿﺎم ,وﺻﻠﻰ ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ واﻟﻨﺎس ﻧﯿﺎم(. ﻓﺎﺣﺮص -أﺧﻲ اﻟﻤﺴﻠﻢ -ﻋﻠﻰ أن ﯾﻜﻮن ﻟﻚ ورد ﻣﻦ ﺻﻼة اﻟﻠﯿﻞ ،وﻟﻮ ﻗﻠﯿﻼً ﺑﺎﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﯾﻨﻔﻲ ﻋﻨﻚ ﺻﻔﺔ اﻟﻐﻔﻠﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻋﻨﺪ أﺑﻲ داود) :ﻣﻦ ﻗﺎم ﺑﻌﺸﺮ آﯾﺎت ﻟﻢ ﯾﻜﺘﺐ ﻣﻦ اﻟﻐﺎﻓﻠﯿﻦ( ،واﺣﺮص ﻋﻠﻰ ﺻﻼة اﻟﺘﺮاوﯾﺢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﮭﺮ اﻟﻜﺮﯾﻢ ،وﻻ ﺗﻨﺼﺮف ﺣﺘﻰ ﯾﻨﺼﺮف اﻹﻣﺎم ،ﻟﯿﺤﺼﻞ ﻟﻚ أﺟﺮ ﻗﯿﺎم اﻟﻠﯿﻞ ﻛﻠﮫ ،ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :ﻣﻦ ﻗﺎم ﻣﻊ اﻹﻣﺎم ﺣﺘﻰ ﯾﻨﺼﺮف ﻛُﺘﺐ ﻟﮫ ﻗﯿﺎم ﻟﯿﻠﺔ( رواه اﻟﺘﺮﻣﺬي.
ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﯿﺎم اﻟﺼﯿﺎم ﻋﺒﺎدة ﻣﻦ أﺟﻞﱢ اﻟﻌﺒﺎدات ،وﻗﺮﺑﺔ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻘﺮﺑﺎت ،وھﻮ دأب اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ وﺷﻌﺎر اﻟﻤﺘﻘﯿﻦ ،ﯾﺰﻛﻲ اﻟﻨﻔﺲ وﯾﮭﺬب اﻟﺨﻠﻖ ،وھﻮ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻘﻮى ودار اﻟﮭﺪى ،ﻣﻦ دﺧﻠﮫ ﺑﻨﯿﺔ ﺻﺎدﻗﺔ واﺗﺒﺎع ﺻﺤﯿﺢ ﺧﺮج ﻣﻨﮫ ﺑﺸﮭﺎدة اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺟﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻵﺧﺮة ،وﻋﻠﯿﮫ ﻓﻼ ﻏﺮو أن ﺗﺮد ﻓﻲ ﻓﻀﻠﮫ ﻧﺼﻮص ﻛﺜﯿﺮة ﺗﺒﯿﻦ آﺛﺎره وﻋﻈﯿﻢ أﺟﺮه ،وﻣﺎ أﻋﺪه اﷲ ﻷھﻠﮫ ،وﺗﺤﺚ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻜﺜﺎر ﻣﻨﮫ ،وﺗﮭﻮن ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺎ ﻗﺪ ﯾﺠﺪه ﻣﻦ ﻋﻨﺎء وﻣﺸﻘﺔ ﻓﻲ أداﺋﮫ. ﻓﻤﻤﺎ ورد ﻓﻲ ﻓﻀﻞ اﻟﺼﻮم :أﻧﮫ ﺟُﻨﱠﺔ -أي وﻗﺎﯾﺔ وﺳﺘﺮ -ﻓﮭﻮ ﯾﻘﻲ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ،روى ﺟﺎﺑﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :اﻟﺼﻮم ﺟﻨﺔ ﯾﺴﺘﺠﻦ ﺑﮭﺎ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر( رواه أﺣﻤﺪ. وﻣﻤﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﺼﻮم أﯾﻀﺎ أﻧﮫ :ﯾﻜﺴﺮ ﺛﻮران اﻟﺸﮭﻮة وﯾﮭﺬﺑﮭﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ أرﺷﺪ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﻮن اﻟﺰواج ،أن ﯾﺴﺘﻌﯿﻨﻮا ﺑﺎﻟﺼﻮم ﻟﯿﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﺷﮭﻮاﺗﮭﻢ ،ﻓﻌﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :ﯾﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﺸﺒﺎب! ﻣﻦ اﺳﺘﻄﺎع ﻣﻨﻜﻢ اﻟﺒﺎءة ﻓﻠﯿﺘﺰوج ،ﻓﺈﻧﮫ أﻏﺾ ﻟﻠﺒﺼﺮ وأﺣﺼﻦ ﻟﻠﻔﺮج، وﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ ﻓﻌﻠﯿﮫ ﺑﺎﻟﺼﻮم ﻓﺈﻧﮫ ﻟﮫ وﺟﺎء( ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫ. وورد أن اﻟﺼﻮم ﺳﺒﯿﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻞ اﻟﺠﻨﺔ وﺑﺎب ﻣﻦ أﺑﻮاﺑﮭﺎ ،ﻓﻘﺪ روى اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻋﻦ أﺑﻲ أﻣﺎﻣﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ أﻧﮫ ﻗﺎل :ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ ،ﻣﺮﻧﻲ ﺑﺄﻣﺮ ﯾﻨﻔﻌﻨﻲ اﷲ ﺑﮫ ،ﻗﺎل) :ﻋﻠﯿﻚ ﺑﺎﻟﺼﻮم ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﻣﺜﻞ ﻟﮫ( ،ﻓﺒﯿﻦ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم أﻧﮫ ﻻ ﺷﻲء ﻣﺜﻞ اﻟﺼﻮم ﯾﻘﺮب اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ رﺑﮫ ﺟﻞ وﻋﻼ ،وأﺧﺒﺮ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ،أن ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ﺑﺎﺑﺎً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﺎﻟﺼﺎﺋﻤﯿﻦ ﻻ ﯾﺪﺧﻞ ﻣﻨﮫ ﻏﯿﺮھﻢ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫ ﻋﻦ ﺳﮭﻞ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :إن ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ﺑﺎﺑﺎ ﯾﻘﺎل ﻟﮫ اﻟﺮﯾﱠﺎن ،ﯾﺪﺧﻞ ﻣﻨﮫ اﻟﺼﺎﺋﻤﻮن ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ،ﻻ ﯾﺪﺧﻞ ﻣﻨﮫ أﺣﺪ ﻏﯿﺮھﻢ ،ﯾﻘﺎل :أﯾﻦ اﻟﺼﺎﺋﻤﻮن؟ ﻓﯿﻘﻮﻣﻮن ،ﻻ ﯾﺪﺧﻞ ﻣﻨﮫ أﺣﺪ ﻏﯿﺮھﻢ ،ﻓﺈذا دﺧﻠﻮا أﻏﻠﻖ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺪﺧﻞ ﻣﻨﮫ أﺣﺪ(. وورد أﯾﻀﺎً أن اﻟﺼﯿﺎم ﯾﺸﻔﻊ ﻟﺼﺎﺣﺒﮫ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ،ﻓﻘﺪ روى اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :اﻟﺼﯿﺎم واﻟﻘﺮآن ﯾﺸﻔﻌﺎن ﻟﻠﻌﺒﺪ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ،ﯾﻘﻮل اﻟﺼﯿﺎم :أي رب ﻣﻨﻌﺘﮫ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﮭﻮات ﺑﺎﻟﻨﮭﺎر ﻓﺸﻔﻌﻨﻲ ﻓﯿﮫ ،وﯾﻘﻮل اﻟﻘﺮآن :ﻣﻨﻌﺘﮫ اﻟﻨﻮم ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ ﻓﺸﻔﻌﻨﻲ ﻓﯿﮫ ،ﻗﺎل :ﻓﯿُﺸَﻔﱠﻌﺎن(. واﻟﺼﻮم ﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﺳﺒﺎب ﻣﻐﻔﺮة اﻟﺬﻧﻮب وﺗﻜﻔﯿﺮ اﻟﺴﯿﺌﺎت ،ﻓﻔﻲ "اﻟﺼﺤﯿﺤﯿﻦ" ﻋﻦ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :ﻣﻦ ﺻﺎم رﻣﻀﺎن إﯾﻤﺎﻧﺎً واﺣﺘﺴﺎﺑﺎً ﻏﻔﺮ ﻟﮫ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﻣﻦ ذﻧﺒﮫ( ،أي :إﯾﻤﺎﻧﺎً ﺑﺄن اﷲ ﻓﺮض اﻟﺼﻮم ﻋﻠﯿﮫ ،واﺣﺘﺴﺎﺑﺎً ﻟﻸﺟﺮ واﻟﻤﺜﻮﺑﺔ ﻣﻨﮫ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ. وﺛﻮاب اﻟﺼﯿﺎم ﻣﻄﻠﻖ ﻏﯿﺮ ﻣﻘﯿﺪ ،إذ ﯾﻌﻄﻰ اﻟﺼﺎﺋﻢ أﺟﺮه ﺑﻐﯿﺮ ﺣﺴﺎب ،ﻓﻔﻲ "اﻟﺼﺤﯿﺤﯿﻦ" ﻋﻦ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻛﻞ ﻋﻤﻞ اﺑﻦ آدم ﻟﮫ إﻻ اﻟﺼﯿﺎم ،ﻓﺈﻧﮫ ﻟﻲ وأﻧﺎ أﺟﺰي ﺑﮫ ( ،وﻓﻲ رواﯾﺔ ﻟﻤﺴﻠﻢ) :ﻛﻞ ﻋﻤﻞ اﺑﻦ آدم ﯾﻀﺎﻋﻒ ،اﻟﺤﺴﻨﺔ ﺑﻌﺸﺮ أﻣﺜﺎﻟﮭﺎ إﻟﻰ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﺿﻌﻒ ،ﻗﺎل اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ :إﻻ اﻟﺼﻮم ،ﻓﺈﻧﮫ ﻟﻲ وأﻧﺎ أﺟﺰي ﺑﮫ ،ﯾﺪع ﺷﮭﻮﺗﮫ وﻃﻌﺎﻣﮫ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ( ،ﻓﺎﺧﺘﺺ اﷲ اﻟﺼﻮم ﻟﻨﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻋﻤﺎل ﻟﺸﺮﻓﮫ ﻋﻨﺪه ،وﻷﻧﮫ ﺳﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺒﺪ وﺑﯿﻦ رﺑﮫ ﻻ ﯾﻄﻠﻊ ﻋﻠﯿﮫ إﻻ اﷲ. واﻟﺼﻮم ﺳﺒﺐ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة اﻟﺪارﯾﻦ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫ ﻋﻦ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :ﻟﻠﺼﺎﺋﻢ ﻓﺮﺣﺘﺎن :ﻓﺮﺣﺔ ﻋﻨﺪ ﻓﻄﺮه ،وﻓﺮﺣﺔ ﻋﻨﺪ ﻟﻘﺎء رﺑﮫ( ،ﻓﻌﻨﺪ ﻓﻄﺮه ،ﯾﻔﺮح ﺑﻤﺎ أﻧﻌﻢ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﮭﺬه اﻟﻌﺒﺎدة وإﺗﻤﺎﻣﮭﺎ ،وﺑﻤﺎ أﺑﺎح اﷲ ﻟﮫ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻤﻨﻮﻋﺎً ﻣﻨﮫ ﺣﺎل ﺻﯿﺎﻣﮫ ،وﻋﻨﺪ ﻟﻘﺎء اﷲ ﯾﻔﺮح ﺣﯿﻦ ﯾﺠﺪ ﺟﺰاء ﺻﻮﻣﮫ ﻛﺎﻣﻼً ﻓﻲ وﻗﺖ ھﻮ أﺣﻮج ﻣﺎ ﯾﻜﻮن إﻟﯿﮫ. وﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ أن ﺧﻠﻮف ﻓﻢ اﻟﺼﺎﺋﻢ -وھﻲ اﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻤﻨﺒﻌﺜﺔ ﻣﻦ ﻓﻤﮫ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺧﻠﻮ اﻟﻤﻌﺪة ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم -أﻃﯿﺐ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ رﯾﺢ اﻟﻤﺴﻚ ،ﻓﮭﺬه اﻟﺮاﺋﺤﺔ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺮوھﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻠﻖ ،إﻻ أﻧﮭﺎ ﻣﺤﺒﻮﺑﺔ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺟﻞ وﻋﻼ ،ﻷﻧﮭﺎ ﻣﻦ آﺛﺎر اﻟﻌﺒﺎدة واﻟﻄﺎﻋﺔ ،وھﻮ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻢ ﺷﺄن اﻟﺼﯿﺎم ﻋﻨﺪ اﷲ. ﻓﮭﺬه ﺑﻌﺾ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﻮم ،وﺗﻠﻚ ھﻲ آﺛﺎرة ،وھﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﮭﺎ ﻣﻮﺻﻠﺔ اﻟﻌﺒﺪ إﻟﻰ اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﮭﺎ ﺷُﺮِع اﻟﺼﻮم ،وھﻲ ﺗﺤﺼﯿﻞ اﻟﺘﻘﻮى ،ﻟﯿﻨﺎل رﺿﺎ اﷲ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻵﺧﺮة.
اﻟﻌﺸﺮ اﻷواﺧﺮ وﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر
ﯾﻘﻮل اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ} :ورﺑﻚ ﯾﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﯾﺸﺎء وﯾﺨﺘﺎر ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﮭﻢ اﻟﺨِﯿَﺮة{ )اﻟﻘﺼﺺ ، (68وﻗﺪ اﺧﺘﺎر ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ اﻟﻌﺸﺮ اﻷواﺧﺮ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ،ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﯾﺎم اﻟﺸﮭﺮ ،وﺧﺼﮭﺎ ﺑﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻞ وﻋﻈﯿﻢ اﻷﺟﺮ. ﻓﻜﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﯾﺠﺘﮭﺪ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻓﯿﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﯿﺮھﺎ ،ﺗﻘﻮل ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﺎ) :ﻛﺎن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﯾﺠﺘﮭﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮ اﻷواﺧﺮ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺠﺘﮭﺪ ﻓﻲ ﻏﯿﺮه( رواه ﻣﺴﻠﻢ. وﻛﺎن ﯾﺤﯿﻲ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻠﯿﻞ ﻛﻠﮫ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﻌﺒﺎدة ﻣﻦ ﺻﻼة وذﻛﺮ وﻗﺮاءة ﻗﺮآن ،ﺗﻘﻮل ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﺎ) :ﻛﺎن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ إذا دﺧﻞ اﻟﻌﺸﺮ أﺣﯿﺎ اﻟﻠﯿﻞ ،وأﯾﻘﻆ أھﻠﮫ ،وﺟَﺪﱠ وﺷﺪﱠ اﻟﻤﺌﺰر( رواه ﻣﺴﻠﻢ . ﻓﻜﺎن ﯾﻮﻗﻆ أھﻠﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ ﻟﻠﺼﻼة واﻟﺬﻛﺮ ،ﺣﺮﺻﺎ ﻋﻠﻰ اﻏﺘﻨﺎﻣﮭﺎ ﺑﻤﺎ ھﻲ ﺟﺪﯾﺮة ﺑﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدة ،ﻗﺎل اﺑﻦ رﺟﺐ " :وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ إذا ﺑﻘﻲ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ﻋﺸﺮة أﯾﺎم ﯾﺪع أﺣﺪاً ﻣﻦ أھﻠﮫ ﯾﻄﯿﻖ اﻟﻘﯿﺎم إﻻ أﻗﺎﻣﮫ". وﺷﺪ اﻟﻤﺌﺰر ھﻮ ﻛﻨﺎﯾﺔ ﻋﻦ ﺗﺮك اﻟﺠﻤﺎع واﻋﺘﺰال اﻟﻨﺴﺎء ،واﻟﺠﺪ واﻻﺟﺘﮭﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎدة .وﻛﺎن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﯾﺪاوم ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﻜﺎف ﻓﯿﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﺾ ،ﻓﻔﻲ "اﻟﺼﺤﯿﺤﯿﻦ" ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﺎ) :أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻛﺎن ﯾﻌﺘﻜﻒ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮ اﻷواﺧﺮ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﺎه اﷲ ،ﺛﻢ اﻋﺘﻜﻒ أزواﺟﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه(. وﻣﺎ ذﻟﻚ إﻻ ﺗﻔﺮﻏﺎً ﻟﻠﻌﺒﺎدة ،وﻗﻄﻌﺎً ﻟﻠﺸﻮاﻏﻞ واﻟﺼﻮارف ،وﺗﺤﺮﯾﺎً ﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر ،ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺸﺮﯾﻔﺔ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻞ اﷲ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﺧﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ أﻟﻒ ﺷﮭﺮ ،ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ} :ﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر ﺧﯿﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ ﺷﮭﺮ{ ) اﻟﻘﺪر.(3: ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺗﻘﺪر ﻣﻘﺎدﯾﺮ اﻟﺨﻼﺋﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﻌﺎم ،ﻓﯿﻜﺘﺐ ﻓﯿﮭﺎ اﻷﺣﯿﺎء واﻷﻣﻮات ،واﻟﺴﻌﺪاء واﻷﺷﻘﯿﺎء، واﻵﺟﺎل واﻷرزاق ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :ﻓﯿﮭﺎ ﯾﻔﺮق ﻛﻞ أﻣﺮ ﺣﻜﯿﻢ{ )اﻟﺪﺧﺎن.(4: وﻗﺪ أﺧﻔﻰ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻋﻠﻢ ﺗﻌﯿﯿﯿﻦ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺎد ،ﻟﯿﻜﺜﺮوا ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدة ،وﯾﺠﺘﮭﺪوا ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﯿﻈﮭﺮ ﻣﻦ ﻛﺎن ﺟﺎداً ﻓﻲ ﻃﻠﺒﮭﺎ ﺣﺮﯾﺼﺎً ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﻣﻦ ﻛﺎن ﻋﺎﺟﺰاً ﻣﻔﺮﻃﺎً ،ﻓﺈن ﻣﻦ ﺣﺮص ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﺟﺪ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﮫ ،وھﺎن ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺎ ﯾﻠﻘﺎه ﻣﻦ ﺗﻌﺐ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﯿﮫ. ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﯾُﺴﺘﺤﺐ ﺗﺤﺮﯾﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮ اﻷواﺧﺮ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ،وھﻲ ﻓﻲ اﻷوﺗﺎر أرﺟﻰ وآﻛﺪ ،ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ "اﻟﺼﺤﯿﺤﯿﻦ" أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل) :اﻟﺘﻤﺴﻮھﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮ اﻷواﺧﺮ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ،ﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر ﻓﻲ ﺗﺎﺳﻌﺔ ﺗﺒﻘﻰ ،ﻓﻲ ﺳﺎﺑﻌﺔ ﺗﺒﻘﻰ ،ﻓﻲ ﺧﺎﻣﺴﺔ ﺗﺒﻘﻰ( ،وھﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻊ اﻷواﺧﺮ أرﺟﻰ ﻣﻦ ﻏﯿﺮھﺎ ،ﻓﻔﻲ ﺣﺪﯾﺚ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ أن رﺟﺎﻻً ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ أُروا ﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎم ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻊ اﻷواﺧﺮ ،ﻓﻘﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ) :أرى رؤﯾﺎﻛﻢ ﻗﺪ ﺗﻮاﻃﺄت ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻊ اﻷواﺧﺮ ،ﻓﻤﻦ ﻛﺎن ﻣﺘﺤﺮﯾﮭﺎ ﻓﻠﯿﺘﺤﺮھﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻊ اﻷواﺧﺮ( رواه اﻟﺒﺨﺎري. ﺛﻢ ھﻲ ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﺳﺒﻊ وﻋﺸﺮﯾﻦ أرﺟﻰ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ،ﻟﺤﺪﯾﺚ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺎ ) :ﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر ﻟﯿﻠﺔ ﺳﺒﻊ وﻋﺸﺮﯾﻦ( رواه أﺑﻮ داود. ﻓﺎﺣﺮص أﺧﻲ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﻨﺒﯿﻚ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ،واﺟﺘﮭﺪ ﻓﻲ ھﺬه اﻷﯾﺎم واﻟﻠﯿﺎﻟﻲ ،وﺗﻌﺮﱠض ﻟﻨﻔﺤﺎت اﻟﺮب اﻟﻜﺮﯾﻢ اﻟﻤﺘﻔﻀﻞ ،ﻋﺴﻰ أن ﺗﺼﯿﺒﻚ ﻧﻔﺤﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺤﺎﺗﮫ ﻻ ﺗﺸﻘﻰ ﺑﻌﺪھﺎ أﺑﺪاً ،وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎء واﻟﺘﻀﺮع ،ﺧﺼﻮﺻﺎً اﻟﺪﻋﺎء اﻟﺬي ﻋﻠﻤﮫ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻟﻌﺎﺋﺸﺔرﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﺎ ﺣﯿﻦ ﻗﺎﻟﺖ :ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ ،أرأﯾﺖَ إن واﻓﻘﺖُ ﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر ،ﻣﺎ أﻗﻮل ﻓﯿﮭﺎ؟ ﻗﺎل) :ﻗﻮﻟﻲ :اﻟﻠﮭﻢ إﻧﻚ ﻋﻔﻮ ﺗﺤﺐ اﻟﻌﻔﻮ ﻓﺎﻋﻒ ﻋﻨﻲ( رواھﺄﺣﻤﺪ وﻏﯿﺮه
ﻓﺘﺢ ﻋﻤﻮرﯾﺔ 223
ھــه
ﻇﮭﺮت ﻓﻲ ﺑﻼد ﻓﺎرس وأذرﺑﯿﺠﺎن ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﮭﺠﺮي ﺳﻨﺔ 192ھـ ﺣﺮﻛﺔ ﺑﺎﻃﻨﯿّﺔ ﺧﺒﯿﺜﺔ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﺤﻠﻮل وﺗﻨﺎﺳﺦ اﻷرواح وﺗﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻹﺑﺎﺣﯿﺔ اﻟﺠﻨﺴﯿﺔ ،وﻛﺎن زﻋﯿﻢ ھﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ رﺟﻞ ﯾُﺪﻋﻰ " ﺑﺎﺑﻚ اﻟﺨﺮﻣﻲّ " ،اﻟﺬي ﻧﺴﺒﺖ إﻟﯿﮫ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺗﻌﺮف ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ وﺗﺠﻤّﻊ ﻟﺪﯾﮫ ﻧﺤﻮاً ﻣﻦ ﻋﺸﺮﯾﻦ أﻟﻒ ﺑـ " اﻟﺨﺮﻣﯿﱠﺔ " ،وﻗﺪ ﺷﻐﻠﺖ ھﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻓﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻋﺸﺮﯾﻦ ﻋﺎﻣﺎً ، .ﻣﻘﺎﺗﻞ ﻣﻦ ﻏﻮﻏﺎء اﻟﻨﺎس واﻟﻤﺠﺮﻣﯿﻦ وﻗﻄّﺎع اﻟﻄﺮق ،واﻧﻀﻢّ إﻟﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﺰﻧﺎدﻗﺔ واﻟﻔﺴّﺎق اﻟﻌﺪد اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻓﺠﻌﻞ ﻣﻦ أوﻟﻰ ﻣﮭﺎﻣﮫ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻨﺔ " ﺑﺎﺑﻚ اﻟﺨﺮﻣﻲّ " ،ﺣﯿﺚ أرﺳﻞ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ،وﻟﻲ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪه أﺧﻮه اﻟﻤﺄﻣﻮن وﻟﻤﺎ ﺗﻮﻓﻲ اﻟﺬي ﻋﺮف ﺑﺤﻨﻜﺘﮫ وﺧﺒﺮﺗﮫ اﻟﻘﺘﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻄﺎع ﻣﺤﺎﺻﺮة " ﺑﺎﺑﻚ " وأﺳﺮه واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺘﮫ ،ﺛﻢ اﻹﻓﺸﯿﻦ ﺟﯿﺸًﺎ ﺿﺨﻤﺎً ﺑﻘﯿﺎدة اﻟﺬي أﻣﺮ ﺑﻘﻄﻊ رأﺳﮫ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ ﺷﻮال ﺳﻨﺔ 222ھـ ﻓﻘﻄﻊ اﷲ داﺑﺮ ھﺬه اﻟﻔﺘﻨﺔ ،وأراح اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ أﺣﻀﺮه إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ .اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺷﺮه وﻛﺎن " ﺑﺎﺑﻚ اﻟﺨﺮﻣﻲﱠ " ﺣﯿﻦ اﺷﺘﺪ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺤﺼﺎر وأﯾﻘﻦ ﺑﺎﻟﮭﻼك ،ﻗﺪ اﺗﺼﻞ ﺑﺈﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺮوم آﻧﺬاك ﯾﻐﺮﯾﮫ ﺑﻐﺰو ﺑﻼد اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ، .واﻧﺘﮭﺎز اﻟﻔﺮﺻﺔ ﺑﺎﻟﮭﺠﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻐﻮر وأﻃﺮاف اﻟﺒﻼد ،وﻛﺎن ﻏﺮﺿﮫ ﺷﻐﻞ اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،وﻓﺘﺢ ﺟﺒﮭﺔ أﺧﺮى ﺗﺨﻔﻒ ﻋﻨﮫ ﻣﺎ ﯾﻠﻘﺎه ﻓﺎﺳﺘﻐﻞ إﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺮوم اﻟﻔﺮﺻﺔ ،وﺗﻮﺟﮫ ﺑﺠﯿﺶ ﻋﻈﯿﻢ ﻗﻮاﻣﮫ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ،وھﺎﺟﻢ ﻣﺪﯾﻨﺔ "زﺑﻄﺮة " ،وارﺗﻜﺐ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺠﺮاﺋﻢ اﻟﺒﺸﻌﺔ ، ﻓﻘﺘﻞ اﻟﺼﻐﯿﺮ واﻟﻜﺒﯿﺮ ،وﺳﺒﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ اﻣﺮأة ﺑﻌﺪ أن ذﺑﺢ أﻃﻔﺎﻟﮭﻦ ،وﻣﺜﱠﻞ ﺑﻤﻦ وﻗﻊ ﻓﻲ ﯾﺪه ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﺳﻤﻞ أﻋﯿﻨﮭﻢ " .وﻗﻄﻊ أﻧﻮﻓﮭﻢ وآذاﻧﮭﻢ ،ﺛﻢ أﻏﺎر ﻋﻠﻰ " ﻣﻠﻄﯿﺔ " ﻓﻔﻌﻞ ﺑﮭﺎ وﺑﺄھﻠﮭﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺑـ " زﺑﻄﺮة اﻟﺨﺒﺮ ھﺎﻟﮫ ﻣﺎ ﺣﺪث ،ﻓﻨﺎدى ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﮫ اﻟﻨﻔﯿﺮ اﻟﻨﻔﯿﺮ ،وأﺣﻀﺮ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺮأي وأﺷﮭﺪھﻢ ﻋﻠﻰ أﻣﻼﻛﮫ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ وﻟﻤﺎ ﺑﻠﻎ ،ﻓﺠﻌﻞ ﺛﻠﺜﺎً ﻣﻨﮭﺎ ﻟﻮﻟﺪه ،وﺛﻠﺜﺎً ﷲ ،وﺛﻠﺜﺎً ﻟﻤﻮاﻟﯿﮫ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺚ ﺑﻨﺠﺪة ﻷھﻞ اﻟﺜﻐﻮر اﻟﻤﻌﺘﺪى ﻋﻠﯿﮭﺎ ﯾﺆَﻣﱢﻨﮭﻢ وﯾُﻄﻤﺌﻨﮭﻢ وﯾﻄﻠﺐ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻗﺮاھﻢ ودﯾﺎرھﻢ اﻟﺘﻲ ﻓﺮوا ﻣﻨﮭﺎ ،وﺟﮭّﺰ ﺟﯿﺸﺎً ﻋﻈﯿﻤﺎً ﻟﻢ ﯾﺠﮭّﺰه أﺣﺪ ﻗﺒﻠﮫ ،وأﺧﺬ ﻣﻌﮫ ﻣﻦ آﻻت اﻟﺤﺮب واﻷﺣﻤﺎل واﻟﺪواب ﺷﯿﺌﺎً ﻟﻢ ﯾﺴﻤﻊ ﺑﻤﺜﻠﮫ . ﺛﻢ ﺳﺄل :أي ﺑﻼد اﻟﺮوم أﻣﻨﻊ وأﺣﺼﻦ ؟ ﻓﻘﯿﻞ " :ﻋَﻤﱡﻮرﯾﺔ " ،ﻟﻢ ﯾﻌﺮض ﻟﮭﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻨﺬ ﻛﺎن اﻹﺳﻼم ،وھﻲ ﻋﯿﻦ .اﻟﻨﺼﺮاﻧﯿﺔ ،وھﻲ أﺷﺮف ﻋﻨﺪھﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺴﯿﺮ إﻟﯿﮭﺎ ،وﻛﺎن ﺧﺮوﺟﮫ ﻓﻲ ﺟﻤﺎدى اﻷوﻟﻰ ﺳﻨﺔ 223ھـ وواﺻﻞ اﻟﺴﯿﺮ ﺑﺎﻟﺠﯿﺶ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻧﮭﺮ اﻟﻼﻣﺲ وھﻮ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ،وھﻨﺎك ﺗﻮﺟﮭﺖ ﺷﻤﺎﻻً ﺻﻮب أﻧﻘﺮة ،وﻓﺮﻗﮫ ﻛﺎن ھﻮ ﻋﻠﻰ رأﺳﮭﺎ ،وﻛﺎن إﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺮوم اﻷﻓﺸﯿﻦ اﻟﻤﻌﺘﺼﻤﺠﯿﺸﮫ إﻟﻰ ﻓﺮﻗﺘﯿﻦ ﻓﺮﻗﺔ ﺑﻘﯿﺎدة ﻗﺴﻢ ھﺰﯾﻤﺔ ﻗﻮﯾﺔ ،اﻷﻓﺸﯿﻦ ﻓﺘﻘﺎﺑﻼ ﻋﻨﺪ " دزﻣﻮن " ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﺷﻌﺒﺎن ﺳﻨﺔ 223ھـ ،وأﻟﺤﻖ ﺑﮫ ﻗﺪ ﺧﺮج ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔاﻷﻓﺸﯿﻦ " .ھﺮب اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻋﻠﻰ إﺛﺮھﺎ إﻟﻰ " اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ " وﺗﺮك ﺟﺰءاً ﻣﻦ ﺟﯿﺸﮫ ﻓﻲ " ﻋﻤﻮرﯾﺔ " ﺑﻘﯿﺎدة " ﯾﺎﻃﺲ ھﻨﺎك ،ﻓﺪﺧﻠﮭﺎ اﻟﺠﯿﺶ اﻷﻓﺸﯿﻦ ﺑﮭﺰﯾﻤﺔ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻓﺴﺮﱠه ذﻟﻚ ،ﺛﻢ رﻛﺐ ﻣﻦ ﻓﻮره إﻟﻰ أﻧﻘﺮة وﺗﻘﺎﺑﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ وﺟﺎءت اﻷﺧﺒﺎر إﻟﻰ .اﻹﺳﻼﻣﻲ دون أي ﻣﻘﺎوﻣﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﱠ أھﻠﮭﺎ ﻋﻘﺐ ھﺰﯾﻤﺔ إﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺮوم ﺛﻢ ﺗﻮﺟﮫ ﺑﻌﺪھﺎ إﻟﻰ " ﻋﻤﻮرﯾﺔ " ﻓﻮﺻﻠﮭﺎ ﺻﺒﯿﺤﺔ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﺴﺎدس ﻣﻦ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن اﻟﻤﺒﺎرك ﺳﻨﺔ 223ھـ وﺿﺮب ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺣﺼﺎرًا ﯾﻄﻠﺐ ﻣﻨﮫ اﻟﺼﻠﺢ ،وﯾﻌﺘﺬر ﻟﮫ ﻋﻤﺎ ﻓﻌﻠﮫ ﺑـ " زﺑﻄﺮة " ،وﺗﻌﮭّﺪ أن اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﻣﺤﻜﻤﺎً ،وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ﺑﻌﺚ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ أﺑﻰ اﻟﺼﻠﺢ ،وﻟﻢ ﯾﻄﻠﻖ ﺳﺮاح اﻟﺮﺳﻮل ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺢ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﯾﻌﯿﺪھﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ،وأن ﯾﻔﺮج ﻋﻦ أﺳﺮى اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻨﺪه ،إﻻ أن " " .ﻋﻤﻮرﯾﺔ ﻗﺪ ﻋﻠﻢ ﻣﻦ أﺣﺪ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻘﯿﻤﻮن ﻓﻲ " ﻋﻤﻮرﯾﺔ " أن ﻣﻮﺿﻌﺎً ﻣﻦ ﺳﻮر اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺟﺎءه ﺳﯿﻞ ﺷﺪﯾﺪ ﻓﺎﻧﮭﺎر ،ﻓﻠﻢ ﯾﺤﻜﻢ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ وﻛﺎن اﻟﺮوم ﺑﻨﺎءه ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ،وﺑﻘﻲ ھﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﺴﻮر ﺿﻌﯿﻔﺎ ،وﻋﻨﺪھﺎ ﺿﺮب اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺧﯿﻤﺘﮫ ﺗﺠﺎه ھﺬا اﻟﻤﻮﺿﻊ ،وﻧﺼﺐ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻤﺠﺎﻧﯿﻖ ،وﺑﺪأ ﯾﻘﺼﻔﮫ ﻗﺼﻔﺎً ﻣﺘﻮاﺻﻼً ﺣﺘﻰ ﺗﮭﺪم واﻧﻔﺮج اﻟﺴﻮر ،ﻓﮭﺐ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﮭﻢ ﻟﺪﺧﻮل اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ودوﱠت اﻷﺻﻮات ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎﺗﮭﺎ ، ﻓﺪﺧﻠﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻜﺒﺮﯾﻦ راﻓﻌﯿﻦ راﯾﺎت اﻟﻨﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ 223ھـ ،ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﺴﻠﻢ ﻗﺎﺋﺪھﻢ " ﯾﺎﻃﺲ " ، ﺑﮭﺪم ﺳﺎﺋﺮ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ وأﺳﻮارھﺎ ،وأﺧﺬ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن أﻣﻮاﻻً وﻏﻨﺎﺋﻢ ﻻ ﺗُﺤَﺪﱡ وﻻ ﺗﻮﺻﻒ ،ﻓﺤﻤﻠﻮا اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ وﻗُﺘِﻞ ﻣﻨﮭﻢ ﺧﻠﻖ ﻛﺜﯿﺮ ،وأﻣﺮ ﻣﻨﮭﺎ ﻣﺎ أﻣﻜﻨﮭﻢ ﺣﻤﻠﮫ وأﺣﺮﻗﻮا ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺘﺎد وآﻻت اﻟﺤﺮب ﻟﺌﻼ ﯾﺘﻘﻮى ﺑﮭﺎ اﻟﺮوم ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎل اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﺛﻢ اﻧﺼﺮف اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ راﺟﻌﺎً إﻟﻰ " ﻃﺮﺳﻮس " ﻓﻲ أواﺧﺮ ﺷﻮال ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺴﻨﺔ ،ﻣﻨﺘﺼﺮاً ﻇﺎﻓﺮاً ،ﺑﻌﺪ أن أﻋﺎد ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ھﯿﺒﺘﮭﺎ ،وﻟﺒﱠﻰ ﻧﺪاء اﻟﺤﺮاﺋﺮ ﻣﻦ .اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت
رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات
ﻓﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ 92ھـ
ﺑﻌﺪ أن وﻟﱠﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻷﻣﻮي اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻗﺎﺋﺪه ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﺮب ،اﺳﺘﻄﺎع أن ﯾﻔﺘﺢ ﻃﻨﺠﺔ ،وﺗﺮك ﺑﮭﺎ ﺣﺎﻣﯿﺔ ﯾﻘﻮدھﺎ ﻣﻮﻻه ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ،وﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ ﺑﺪأ ﻃﺎرق ﯾﺘﻄﻠﻊ ﻟﻔﺘﺢ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﯿﻨﮭﻢ وﺑﯿﻨﮭﺎ إﻻ ﺧﻠﯿﺞ ﯾﺴﯿﺮ ،وﻛﺎن ﻣﯿﻨﺎء ﺳﺒﺘﮫ ھﻮ أﻗﺮب اﻟﻤﺪن إﻟﯿﮫ ،وﻛﺎن ﺣﺎﻛﻤﮭﺎ ھﻮ اﻟﻜﻮﻧﺖ ﯾﻮﻟﯿﺎن اﻟﺬي ﻛﺎن ﻧﺎﺋﺒﺎً ﻟﻺﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﻲ ﻟﺬرﯾﻖ ﺣﺎﻛﻢ ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ ،وﻟﻜﻨﮫ ﺗﺤﺮر ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ،وأﺻﺒﺢ ﻛﺎﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﺘﺔ وﻣﺎ ﺣﻮﻟﮭﺎ ، ﺑﺴﺒﺐ أﺣﻘﺎد ﻛﺎﻧﺖ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ،وذﻟﻚ أن ﻟﺬرﯾﻖ اﻋﺘﺪى ﻋﻠﻰ ﻋِﺮض اﺑﻨﺔ ﯾﻮﻟﯿﺎﻧﺒﻌﺪ أن ﺑﻌﺚ ﺑﮭﺎ إﻟﯿﮫ ﻟﺘﺨﺪﻣﮫ واﺳﺘﺄﻣﻨﮫ ﻋﻠﯿﮭﺎ .وﻗﺪ اﺳﺘﻔﺎد ﻣﻮﺳﻰ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ وراﺳﻞ ﯾﻮﻟﯿﺎن ﺣﺘﻰ ﻛﺴﺐ وده ،وﺻﺎر دﻟﯿﻼً ﻟﮭﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد. وﻋﻨﺪھﺎ ﻛﺘﺐ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ﯾﺴﺘﺄذن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﻲ أن ﯾﻮﺳﻊ داﺋﺮة اﻟﻔﺘﺢ ﻟﺘﺸﻤﻞ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻓﺮد ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻗﺎﺋﻼً ﻟﮫ " :ﺧﻀﮭﺎ ﺑﺎﻟﺴﺮاﯾﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺮى وﺗﺨﺘﺒﺮ ﺷﺄﻧﮭﺎ ،وﻻ ﺗﻐﺮر ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﺷﺪﯾﺪ اﻷھﻮال" ،ﻓﻜﺘﺐ إﻟﯿﮫ ﻣﻮﺳﻰ ﻣﺒﯿﱢﻨﺎ ﻟﮫ أﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﺑﺒﺤﺮ ﺧِﻀَﻢّ ،وإﻧﻤﺎ ھﻮ ﺧﻠﯿﺞ ﯾﺒﯿﻦ ﻟﻠﻨﺎﻇﺮ ﻣﻨﮫ ﻣﺎ ﺧﻠﻔﮫ " ،ﻓﺮد ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﺧﺘﺒﺎره ﺑﺎﻟﺴﺮاﯾﺎ ﻗﺒﻞ ﺧﻮﺿﮫ واﻗﺘﺤﺎﻣﮫ. ﻓﺄرﺳﻞ ﻣﻮﺳﻰ رﺟﻼً ﻣﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ ﯾﺴﻤﻰ ﻃﺮﯾﻔﺎً ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﻓﺎرس وأرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ راﺟﻞ ،وﺟﺎز اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ أرﺑﻌﺔ ﻣﺮاﻛﺐ ، ﻣﺴﺘﻌﯿﻨﺎً ﺑﯿﻮﻟﯿﺎن ،وﻛﺎن دﺧﻮﻟﮫ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ )91ھـ( ،ﻓﺴﺎر ﺣﺘﻰ ﻧﺰل ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺤﺎذي ﻃﻨﺠﺔ ،وھﻮ اﻟﻤﻌﺮوف اﻟﯿﻮم ﺑـ" ﺟﺰﯾﺮة ﻃﺮﯾﻒ " اﻟﺘﻲ ﺳﻤﯿﺖ ﺑﺎﺳﻤﮫ ﻟﻨﺰوﻟﮫ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻓﻘﺎم ﺑﺴﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺎرات اﻟﺴﺮﯾﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﻞ ،وﻏﻨﻢ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺸﻲء اﻟﻜﺜﯿﺮ ،ﺛﻢ رﺟﻊ ﺳﺎﻟﻤﺎً ﻏﺎﻧﻤﺎً ،وﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﺸﺠﯿﻌﺎً ﻟﻤﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ وﺑﻌﺪھﺎ اﻧﺘﺪب ﻣﻮﺳﻰ ﻟﮭﺬه اﻟﻤﮭﻤﺔ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ،ﻓﺮﻛﺐ اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﺳﺒﻌﺔ آﻻف ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،أﻛﺜﺮھﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ ، وﺗﺬﻛﺮ اﻟﺮواﯾﺎت أﻧﮫ ﻟﻤﺎ رﻛﺐ اﻟﺒﺤﺮ ﻏﻠﺒﺘﮫ ﻋﯿﻨﮫ ﻓﺮأى اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -وﺣﻮﻟﮫ اﻟﻤﮭﺎﺟﺮون واﻷﻧﺼﺎر ،ﻗﺪ ﺗﻘﻠﺪوا اﻟﺴﯿﻮف ،وﺗﻨﻜﺒﻮا اﻟﻘِﺴﻲّ ،ورﺳﻮل اﷲ ﯾﻘﻮل ﻟﮫ " :ﯾﺎ ﻃﺎرق ﺗﻘﺪم ﻟﺸﺄﻧﻚ" ،وﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫ وإﻟﻰ أﺻﺤﺎﺑﮫ وﻗﺪ دﺧﻠﻮا اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻗﺪّاﻣﮫ ،ﻓﮭﺐ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﮫ ﻣﺴﺘﺒﺸﺮاً ،وﺑﺸﱠﺮ ﺑﮭﺎ أﺻﺤﺎﺑﮫ ،وﻟﻢ ﯾﺸﻜﻮا ﻓﻲ اﻟﻈﻔﺮ. ورﺳﺖ اﻟﺴﻔﻦ ﻋﻨﺪ ﺟﺒﻞ ﻻ ﯾﺰال ﯾﻌﺮف ﺣﺘﻰ اﻟﯿﻮم ﺑـ " ﺟﺒﻞ ﻃﺎرق " ،وﻛﺎن ﻧﺰوﻟﮫ ﻓﻲ رﺟﺐ ﺳﻨﺔ )92ھـ( ،وﻟﻤﺎ ﻧﺰل ﻓﺘﺢ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﺨﻀﺮاء وﻏﯿﺮھﺎ ،وﺑﻠﻎ ﻟﺬرﯾﻖ ﻧﺰول اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﺄرض اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻋﻈﻢ ذﻟﻚ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻛﺎن ﻏﺎﺋﺒﺎً ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻏﺰواﺗﮫ، ﻓﺠﻤﻊ ﺟﯿﺸﺎً ﺟﺮاراً ﺑﻠﻎ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ. وﻛﺘﺐ ﻃﺎرق إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﯾﻄﻠﺐ ﻣﻨﮫ اﻟﻤﺪد وﯾﺨﺒﺮه ﺑﻤﺎ ﻓﺘﺢ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ ،وأﻧﮫ ﻗﺪ زﺣﻒ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻠﻚ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻃﺎﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﮫ ، ﻓﺒﻌﺚ إﻟﯿﮫ ﻣﻮﺳىﺒﺨﻤﺴﺔ آﻻف ﻣﻘﺎﺗﻞ ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ،ﻓﺘﻜﺎﻣﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ أﻟﻔﺎً وﻣﻌﮭﻢ ﯾﻮﻟﯿﺎن ﯾﺪﻟﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﻮرة اﻟﺒﻼد وﯾﺘﺠﺴﺲ ﻟﮭﻢ اﻷﺧﺒﺎر ،ﻓﺄﺗﺎھﻢ ﻟﺬرﯾﻖ ﻓﻲ ﺟﻨﺪه واﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﯿﺸﺎن ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺮ ﻟﻜﺔ ،ﯾﻮم اﻷﺣﺪ ﻟﻠﯿﻠﺘﯿﻦ ﺑﻘﯿﺘﺎ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ )92ھـ( ،واﺳﺘﻤﺮت اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﯾﺎم ،وأﺧﺬ ﯾﻮﻟﯿﺎن ورﺟﺎﻟﮫ ﯾﺨﺬﻟﻮن اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻟﺬرﯾﻖ وﯾﻘﻮﻟﻮن ﻟﮭﻢ " :إن اﻟﻌﺮب ﺟﺎؤوا ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻟﺬرﯾﻖ ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻜﻢ إن ﺧﺬﻟﺘﻤﻮه اﻟﯿﻮم ﺻﻔﺖ ﻟﻜﻢ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ" ،وأﺛﺮ ھﺬا اﻟﻜﻼم ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮد ﻓﺎﺿﻄﺮب ﻧﻈﺎم ﺟﯿﺸﮫ ،وﻓﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻨﮭﻢ ،وﺧﺎرت ﻗﻮى ﻟﺬرﯾﻖ ،ﻟﻤﺎ رأى ﺟﻨﺪه ﯾﻔﺮون أو ﯾﻨﻀﻤﻮن ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ، وھﺠﻢ ﻃﺎرق ﻋﻠﻰ ﻟﺬرﯾﻖ ﻓﻀﺮﺑﮫ ﺑﺴﯿﻔﮫ ﻓﻘﺘﻠﮫ ،وﻗﯿﻞ :إﻧﮫ ﺟﺮﺣﮫ ،ﺛﻢ رﻣﻰ ﻟﺬرﯾﻖ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻓﻲ وادي ﻟﻜﺔ ﻓﻐﺮق ،وھﺰم اﻟﻠﮭﻠﺬرﯾﻖ وﻣﻦ ﻣﻌﮫ وﻛﺘﺐ اﻟﻐﻠﺒﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ. وﺑﻌﺪ ھﺬه اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺗﻮﺳﻊ ﻃﺎرق ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺢ ،وﺗﻮﺟﮫ إﻟﻰ اﻟﻤﺪن اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻓﻔﺘﺢ ﺷﺬوﻧﺔ وﻣﺪوّرة ،وﻗﺮﻣﻮﻧﺔ، وإﺷﺒﯿﻠﯿﺔ ،واﺳﺘﺠﺔ ،واﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ زﺣﻔﮫ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﮭﻰ إﻟﻰ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻷﻧﺪﻟﺲ "ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ" وﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻓﺘﺤﮭﺎ ،وﺣﯿﻨﮭﺎ ﺟﺎءﺗﮫ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ﺗﺄﻣﺮه ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻒ. ودﺧﻞ ﻣﻮﺳﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻲ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ )93ھـ( ﻓﻲ ﺟﻤﻊ ﻛﺜﯿﺮ ﻗﻮاﻣﮫ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮ أﻟﻔﺎً ،ﻓﻔﺘﺢ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻔﺘﺤﮭﺎ ﻃﺎرق ﻛﺸﺬوﻧﺔ ،وﻗﺮﻣﻮﻧﺔ ،وإﺷﺒﯿﻠﯿﺔ ،وﻣﺎردة. وھﻜﺬا ﺗُﻮﱢﺟﺖ ھﺬه اﻻﻧﺘﺼﺎرات اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﮭﺮ اﻟﻤﺒﺎرك ،وﻛﺎن ﻟﮭﺎ أﻋﻈﻢ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ ﺑﻘﺎء ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻟﻤﺪة ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ ﻗﺮون ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ،أﻗﺎﻣﻮا ﻓﯿﮭﺎ ﺣﻀﺎرةً ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﮭﺎ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﻛﻠﮭﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺣﻞ ﺑﮭﻢ داء اﻷﻣﻢ ﻗﺒﻠﮭﻢ ،وﻓﺸﺎ ﻓﯿﮭﻢ اﻟﺘﻨﺎزع واﻻﺧﺘﻼف واﻷﺛﺮة ،ﻓﺎﻧﺸﻐﻠﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﮭﻢ ﻋﻦ أﻋﺪاﺋﮭﻢ ،ﻓﺤﻘﺖ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﺳﻨﺔ اﷲ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺎﺑﻲ أﺣﺪاً } وﻻ ﺗﻨﺎزﻋﻮا ﻓﺘﻔﺸﻠﻮا وﺗﺬھﺐ رﯾﺤﻜﻢ واﺻﺒﺮوا إن اﷲ ﻣﻊ اﻟﺼﺎﺑﺮﯾﻦ{ )اﻷﻧﻔﺎل.(46: رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات
ﺑﻌﺪ أن ﻓﺘﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺳﻨﺔ 92ھـ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻘﺎﺋﺪﯾﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤَﯿﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ و ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ،أراد ﻣﻮﺳﻰ أن ﯾﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت وﯾﺘﺠﮫ ﺷﻤﺎﻻ ﻧﺤﻮ أورﺑﺎ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻷﻣﻮي اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻟﻢ ﯾﻄﺎوﻋﮫ ﺧﺸﯿﺔ أن ﯾﻐﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ﻣﺠﮭﻮﻟﺔ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻋﻘﺒﺎھﺎ ،وﻇﻞّ ھﺬا اﻷﻣﺮ ﺣﻠﻤﺎً ﯾﺮاود اﻟﺤﻜﺎم واﻟﻮﻻة اﻟﺬﯾﻦ ﺗﻌﺎﻗﺒﻮا ﻋﻠﻰ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺴﻤﺢ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ اﻟﺬي ﺑﺪأ ﺑﺎﻹﻋﺪاد ﻟﮭﺬه اﻟﻤﮭﻤﺔ اﻟﺼﻌﺒﺔ ،وﻋﺒّﺄ اﻟﺠﯿﻮش ﻟﻐﺰو ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻘﺪم ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ وﻻﯾﺔ "ﺳﺒﺘﻤﺎﻧﯿﺎ " ﺟﻨﻮب ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وھﻲ إﺣﺪى اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﺎﺣﻠﯿﺔ اﻟﻤﻄﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﯿﺾ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ،وﻋﺒﺮ ﺟﺒﺎل اﻟﺒﺮاﻧﺲ ،ﻣﺘﺠﮭﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺮب ﺣﯿﺚ ﻣﺠﺮى ﻧﮭﺮ اﻟﺠﺎرون ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ " ﺗﻮﻟﻮز " ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ ذي اﻟﺤﺠﺔ 102ﺳﻨﺔ ھـ . وھﻨﺎك ﻧﺸﺒﺖ ﻣﻌﺮﻛﺔ ھﺎﺋﻠﺔ ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ اﻟﻔﺮﻧﺞ ﺛﺒﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺛﺒﺎﺗﺎ ﻋﻈﯿﻤﺎ ،وﺳﻘﻂ اﻟﺴﻤﺢ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺷﮭﯿﺪاً ،ﻓﺄﺣﺪث ذﻟﻚ اﺿﻄﺮاﺑﺎً ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﺠﯿﺶ ،ﻣﻤﺎ اﺿﻄﺮ ﻗﺎﺋﺪه ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻐﺎﻓﻘﻲ إﻟﻰ اﻻﻧﺴﺤﺎب ﺣﻔﺎﻇﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﺠﯿﺶ . ﺛﻢ ﺧﻠﻒ اﻟﺴﻤﺢ ﻋﻠﻰ وﻻﯾﺔ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻋﻨﺒﺴﺔ ﺑﻦ ﺳﺤﯿﻢ اﻟﻜﻠﺒﻲ وذﻟﻚ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ ﺻﻔﺮ ﺳﻨﺔ 103ھـ ،ﻓﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺻﻠﺔ أﻋﻤﺎل اﻟﻔﺘﺢ ، واﺳﺘﻜﻤﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺴﻤﺢ ﻗﺪ ﺑﺪأه ،ﻓﺨﺮج ﻓﻲ ﺣﻤﻠﺔ أﺧﺮى ﻟﻔﺘﺢ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻲ أواﺧﺮ ﺳﻨﺔ 105ھـ ،وأﺗﻢّ ﻓﺘﺢ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ إﻗﻠﯿﻢ " ﺳﺒﺘﻤﺎﻧﯿﺎ " ، وﺗﻤﻜّﻦ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ "أوﺗﺎن" ﻓﻲ أﻋﺎﻟﻲ ﻧﮭﺮ اﻟﺮون ،واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺪة ﻗﻼع ،وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﺆﻣّﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﻋﻮدﺗﮫ ،ﻓﺘﺼﺪت ﻟﮫ ﺟﻤﻮع ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء ﻋﻮدﺗﮫ ،ﻓﺄﺻﯿﺐ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ ﺑﻌﺪھﺎ أن ﺗُﻮﻓﱢﻲ ﻓﻲ ﺷﻌﺒﺎن ﺳﻨﺔ 107ھـ وﻋﺎد ﺟﯿﺸﮫ ﻣﺮة أﺧﺮى إﻟﻰ أرﺑﻮﻧﺔ ﻓﻲ " ﺳﺒﺘﻤﺎﻧﯿﺎ " . ﺛﻢ ﺗﻮﻟﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻐﺎﻓﻘﻲ أﻣﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺳﻨﺔ 112ھـ ،ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻷﻣﻮي ھﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ،وﻇﻞ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺎﻣﯿﻦ ﯾُﻌِﺪﱡ اﻟﻌﺪة ﻟﻐﺰو ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﻓﻄﺎف اﻷﻗﺎﻟﯿﻢ ﯾﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ،وﯾﻘﺘﺺ ﻟﻠﻀﻌﻔﺎء ،وﯾﺤﺮض ﻋﻠﻰ اﻟﺠﮭﺎد واﻟﺸﮭﺎدة ،وأﻋﻠﻦ اﻟﺠﮭﺎد ﻓﻲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺟﺎءﺗﮫ اﻟﻮﻓﻮد ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻟﻤﻨﺎﺻﺮﺗﮫ ،واﺟﺘﻤﻊ ﻋﻨﺪه ﻣﺎ ﯾﻘﺪر ﺑﺤﻮاﻟﻲ ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺒﻌﯿﻦ أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ ،ﺟﻤﻌﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ " ﺑﻨﺒﻠﻮﻧﺔ " ﺷﻤﺎل اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ اﻟﺤﻤﻠﺔ ﻓﻲ أواﺋﻞ ﺳﻨﺔ 114ھـ ،ﻓﻌﺒﺮ ﺑﮭﻢ ﺟﺒﺎل اﻟﺒﺮاﻧﺲ ﺷﻤﺎل أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ ،واﻧﻄﻠﻘﻮا ﻛﺎﻟﺴﯿﻞ اﻟﮭﺎدر ﯾﻔﺘﺤﻮن اﻟﻤﺪن اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،ﻓﺎﺗﺠﮫ ﺷﺮﻗﺎً ﻟﯿﻔﺘﺢ ﻣﺪﯾﻨﺔ "آرال" اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺮ اﻟﺮون ،وﻓﺘﺤﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺮﻛﺔ ھﺎﺋﻠﺔ ﺳﻘﻂ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻠﻰ ﻣﻦ ﻛﻼ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ ،ﺛﻢ اﺗﺠﮫ ﻏﺮﺑﺎ إﻟﻰ " أﻗﻄﺎﯾﻨﺎ " ﻓﻔﺘﺤﮭﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻘﺪم ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺢ " ﺳﺎﻧﺲ " ﻟﯿﺼﺒﺢ ﻧﺼﻒ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﺗﺤﺖ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﺑﻠﺪة " ﺑﻮاﺗﯿﯿﮫ " اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺑﺎرﯾﺲ ﺳﻮى ﺳﺒﻌﯿﻦ ﻛﯿﻠﻮ ﻣﺘﺮًا ﻓﻘﻂ ،وﻋﻨﺪھﺎ أﺣﺲّ اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ اﻟﺪاھﻢ ،واھﺘﺰت أوروﺑﺎ ﻛﻠﮭﺎ ﻟﺴﻘﻮط اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ ﻓﻲ ﯾﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﺎﺳﺘﻨﺠﺪ ﺣﺎﻛﻢ " أﻗﻄﺎﻧﯿﺎ " ﺑـ ﺑﺸﺎرل ﻣﺎرﺗﻞ ﺣﺎﻛﻢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﯿﺮوﻓﻨﺠﯿﺔ ،ﻓﻠﺒّﻰ اﻷﺧﯿﺮ اﻟﻨﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺎت ،وﺟﻤﻊ ﻋﺪداً ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ اﻟﻤﺤﺎرﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺘّﺸﺤﻮن ﺑﺠﻠﻮد اﻟﺬﺋﺎب ،وﺗﻨﺴﺪل ﺷﻌﻮرھﻢ ﻋﻠﻰ أﻛﺘﺎﻓﮭﻢ اﻟﻌﺎرﯾﺔ ،وﺗﻮﺣّﺪت اﻟﻘﻮى اﻟﻨﺼﺮاﻧﯿﺔ إﺣﺴﺎﺳﺎً ﻣﻨﮭﻢ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ اﻟﺬي ﯾﺘﮭﺪدھﻢ واﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﯿﺸﺎن ﻗﺮب ﻣﺪﯾﻨﺔ " ﺑﻮاﺗﯿﯿﮫ " ﺟﻨﻮب ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻋﺸﺮﯾﻦ ﻛﯿﻠﻮﻣﺘﺮاً ﻣﻨﮭﺎ ،ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﻌﺮف ﺑﺎﻟﺒﻼط ،وھﻲ ﺗﻌﻨﻲ -ﻓﻲ ﻟﻐﺔ اﻷﻧﺪﻟﺲ -اﻟﻘﺼﺮ أو اﻟﺤﺼﻦ اﻟﺬي ﺣﻮﻟﮫ ﺣﺪاﺋﻖ ،ﻓﺴﻤﯿﺖ ھﺬه اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺑﺒﻼط اﻟﺸﮭﺪاء ؛ وذﻟﻚ ﻟﻜﺜﺮة ﻣﻦ اﺳﺘﺸﮭﺪ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ . وﻛﺎن ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ أواﺧﺮ ﺷﻌﺒﺎن ﺳﻨﺔ 114ھـ ،واﺳﺘﻤﺮ ﺗﺴﻌﺔ أﯾﺎم ﺣﺘﻰ أواﺋﻞ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ،واﻧﻘﻀﺖ اﻷﯾﺎم اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ دون أن ﺗﺮﺟﺢ ﻓﯿﮫ ﻛﻔّﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻔّﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ أﺑﺪاه اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن ﻣﻦ ﺷﺠﺎﻋﺔ واﺳﺘﺒﺴﺎل . وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﻌﺎﺷﺮ اﺳﺘﻐﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻹﻋﯿﺎء واﻹﺟﮭﺎد اﻟﺬي أﺻﺎب ﺟﯿﺶ اﻟﻔﺮﻧﺞ ،ﻓﺤﻤﻠﻮا ﻋﻠﯿﮭﻢ ﺣﻤﻠﺔ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮭﺎ أن ﯾﻔﺘﺤﻮا ﺛﻐﺮة ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﺠﯿﺶ ،وﻻﺣﺖ ﺗﺒﺎﺷﯿﺮ اﻟﻨﺼﺮ ،ﻟﻮﻻ أن أﻏﺎرت ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻨﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﻨﺎﺋﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺤﻤﻠﻮﻧﮭﺎ ﻣﻌﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﺆﺧﺮة اﻟﺠﯿﺶ ،ﻓﺎﻧﺸﻐﻞ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺘﺨﻠﯿﺼﮭﺎ ﻣﻨﮭﻢ ،ﻣﻤﺎ ﺳﺒﺐ إﺣﺪاث ﺧﻠﻞ وارﺗﺒﺎك ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﺠﯿﺶ . وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻐﺎﻓﻘﻲ ﯾﺴﻌﻰ ﻹﻋﺎدة ﻧﻈﺎم اﻟﺠﯿﺶ أﺻﺎﺑﮫ ﺳﮭﻢ ﻓﺴﻘﻂ ﺷﮭﯿﺪاً ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﻮاده ,واﻧﺘﻈﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺣﺘﻰ أﻗﺒﻞ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺎﻧﺴﺤﺒﻮا ﻣﻨﺘﮭﺰﯾﻦ ﻓﺮﺻﺔ اﻟﻈﻼم . ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﻛﺔ " ﺑﻼط اﻟﺸﮭﺪاء " آﺧﺮ ﺧﻄﻮات اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ،وﻟﻮﻻ اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ اﻟﻤﺮّة اﻟﺘﻲ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻟﺪﺧﻠﻮا أوروﺑﺎ ﻓﺎﺗﺤﯿﻦ ﻧﺎﺷﺮﯾﻦ ﻟﻺﺳﻼم ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﯾﺎر اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﯿﺶ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﮭﻞ واﻟﺘﺨﻠﻒ واﻟﮭﻤﺠﯿّﺔ ،واﷲ ﻏﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ أﻣﺮه وﻟﻜﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﻻ ﯾﻌﻠﻤﻮن.
رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات
ﻓﺘﺢ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ 666ھـ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﯾﻨﺔ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ﻣﻦ ﻣﺪن اﻟﺸﺎم اﻟﺘﻲ ﺷﻤﻠﮭﺎ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺮاﺷﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب - رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ، -وﻗﺪ ﻓﺘﺤﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻋﻘﺐ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﯿﺮﻣﻮك ﺑﻘﯿﺎدة أﺑﻲ ﻋﺒﯿﺪة ﺑﻦ اﻟﺠﺮاح -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ - ،وﻇﻠﺖ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺑﺄﯾﺪي اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ إﻟﻰ أن ﺑﺪأت اﻟﺤﻤﻼت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم ﺳﻨﺔ 491ھـ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻣﺪﯾﻨﺔ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ؛ وذﻟﻚ ﻷھﻤﯿﺘﮭﺎ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻋﻨﺪھﻢ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻮﻗﻌﮭﺎ اﻟﻤﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﻄﺮق اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ﻟﻠﺸﺎم ؛ وﻷﻧﮭﺎ ﻣﻘﺮ ﻣﻤﻠﻜﺔ ھﺮﻗﻞ أﯾﺎم اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻠﺸﺎم ، ﻓﻌﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ إزاﻟﺔ أي أﺛﺮ إﺳﻼﻣﻲ ﻓﯿﮭﺎ ،وﺣﻮﻟﻮا اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ إﻟﻰ ﻛﻨﺎﺋﺲ ،واھﺘﻤﻮا ﺑﺘﺤﺼﯿﻨﮭﺎ ﻏﺎﯾﺔ اﻻھﺘﻤﺎم ﻟﺘﻜﻮن ﻧﻘﻄﺔ اﻧﻄﻼق ﻟﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﺒﻼد اﻷﺧﺮى ،ﺣﺘﻰ ﺑﻨﻮا ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺳﻮراً ﻃﻮﻟﮫ اﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ ﻣﯿﻼً ،وﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺴﻮر ﻣﺎ ﯾﻘﺎرب ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺘﺔ وﺛﻼﺛﯿﻦ ﺑﺮﺟﺎً ،وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺑﺮاج ﻣﺎ ﯾﻘﺎرب أرﺑﻌﺔ وﻋﺸﺮﯾﻦ أﻟﻒ ﺷﺮﻓﺔ ،ﯾﻄﻮف ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺤﺮاس ﻛﻞ ﯾﻮم وﻟﯿﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﺎوب ،ﻓﻐﺪت ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻤﺪن ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ ﻣﻨﺎﻋﺔ وﺣﺼﺎﻧﺔ . وﻇﻠﺖ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻗﺮاﺑﺔ ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺒﻌﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎً ﺣﺘﻰ ﻗﯿﺾ اﷲ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﯾﺨﻠﺼﮭﺎ ﻣﻨﮭﻢ وھﻮ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﯿﺒﺮس اﻟﺬي ﺗﻮﻟﻰ ﺳﻠﻄﻨﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﺳﻨﺔ 658ھـ ،وأﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﮫ اﺳﺘﺮﺟﺎع اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﻦ أﯾﺪي اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،ﻓﻘﺎم ﺑﻄﺮد اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻦ اﻟﺸﺎم إﻟﻰ اﻟﻌﺮاق ﻟﯿﺘﻔﺮغ ﻟﻘﺘﺎل اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،وﺑﺪأ ﯾﻔﺘﺢ اﻟﻤﺪن ،اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،ﻓﻔﺘﺢ ﻗﯿﺴﺎرﯾﺔ وأرﺳﻮف وﺻﻔﺪ ،ﺛﻢ أﺧﺬ اﻟﻜﺮك وﯾﺎﻓﺎ ،وﺿﺮب ﻗﻠﻌﺔ ﻋﻜﺎ ،ﺛﻢ ﻧﺰل ﻋﻠﻰ ﺣﺼﻦ اﻷﻛﺮاد ﻓﺤﻤﻞ إﻟﯿﮫ أھﻠﮫ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺞ اﻷﻋﻄﯿﺎت ﻓﺄﺑﻰ أن ﯾﻘﺒﻠﮭﺎ وﻗﺎل " :أﻧﺘﻢ ﻗﺘﻠﺘﻢ ﺟﻨﺪﯾّﺎً ﻣﻦ ﺟﯿﺸﻲ وأرﯾﺪ دﯾﺘﮫ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﯾﻨﺎر " ،وﺑﺬﻟﻚ ﻣﮭﺪ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻟﻔﺘﺢ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ،واﺳﺘﻄﺎع ﻋﺰﻟﮭﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﺪن اﻟﻤﺠﺎورة ،وﻗَﻄَﻊ ﻛﻞ اﻹﻣﺪادات ﻋﻨﮭﺎ . وﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﺷﻌﺒﺎن ﺳﻨﺔ 666ھـ ﺧﺮج ﺑﯿﺒﺮس ﻣﻦ ﻃﺮاﺑﻠﺲ ،دون أن ﯾﻄﻠﻊ أﺣﺪًا ﻣﻦ ﻗﺎدﺗﮫ ﻋﻠﻰ وﺟﮭﺘﮫ ،وأوھﻢ أﻧﮫ ﯾﺮﯾﺪ ﺑﻠﺪاً آﺧﺮ ﻏﯿﺮ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ،ﻓﻨﺰل ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺺ ،وﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ ﺣﻤﺎة ،ﺛﻢ إﻟﻰ ﻓﺎﻣﯿﺔ ،وﻛﺎن ﯾﺴﯿﺮ ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ وﯾﻨﺰل ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد ﺑﺎﻟﻨﮭﺎر ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺘﻤﻜﻦ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ھﺪﻓﮫ ،وﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺴﯿﻢ ﺟﯿﺸﮫ إﻟﻰ ﺛﻼث ﻓﺮق ،اﺗﺠﮭﺖ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﯿﻨﺎء اﻟﺴﻮﯾﺪﯾﺔ ﻟﺘﻘﻄﻊ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﯿﻦ إﻧﻄﺎﻛﯿﺔ واﻟﺒﺤﺮ ،وﻓﺮﻗﺔ أﺧﺮى اﺗﺠﮭﺖ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻟﺴﺪ اﻟﻤﻤﺮات ﺑﯿﻦ ﻗﻠﻘﻠﯿﺔ واﻟﺸﺎم ،وﻣﻨﻊ وﺻﻮل اﻹﻣﺪادات ﻣﻦ أرﻣﯿﻨﯿﺔ اﻟﺼﻐﺮى . أﻣﺎ اﻟﻔﺮﻗﺔ اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻘﯿﺎدﺗﮫ ﻓﺘﻮﺟﮭﺖ ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ إﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ،وﺿﺮب ﺣﻮﻟﮭﺎ ﺣﺼﺎرًا ﻣﺤﻜﻤًﺎ ﻓﻲ أول رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ 666ھـ . وﺑﻌﺪ أن ﻓﺮض ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺤﺼﺎر ﻃﻠﺐ أھﻠُﮭﺎ اﻷﻣﺎن ،وأرﺳﻠﻮا وﻓﺪاً ﻟﻠﺘﻔﺎوض ﻣﻌﮫ ،وﻟﻜﻨﮭﻢ اﺷﺘﺮﻃﻮا ﺷﺮوﻃ ًﺎ رﻓﻀﮭﺎ ﺑﯿﺒﺮس ﻓﺸﺪّد ﻓﻲ ﺣﺼﺎرھﻢ ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺤﮭﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮة ﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ 666ھـ ،وﻏﻨﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ اﻟﻜﺜﯿﺮة ،وأُﻃْﻠﻖ ﻣﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ أﺳﺮى اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻋﺎدت ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﻌﺪ أن ﺳﯿﻄﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺼﻠﯿﺒﻮن ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺒﻌﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎً ،وﻛﺎن ﺳﻘﻮط إﻧﻄﺎﻛﯿﺔ أﻋﻈﻢ ﻓﺘﺢ ﺣﻘﻘﮫ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣﻄﯿﻦ . رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات
ﻛﯿﻒ ﻧﻘﺒﻞ ﻋﻠﻰ رﻣﻀﺎن؟ اﻟﺸﯿﺦ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﯾﺰ رﺟﺐ
اﻟﺤﻤﺪ ﷲ اﻟﺬي أﻋﻈﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎده اﻟﻤﻨﺔ ،ﺑﻤﺎ دﻓﻊ ﻋﻨﮭﻢ ﻛﯿﺪ اﻟﺸﯿﻄﺎن وﻓﻨﮫ ،ورد أﻣﻠﮫ وﺧﯿﺐ ﻇﻨﮫ إذ ﺟﻌﻞ اﻟﺼﻮم ﺣﺼﻨﺎ ﻷوﻟﯿﺎﺋﮫ وﺟُﻨﱠﺔ ،وﻓﺘﺢ ﻟﮭﻢ ﺑﮫ أﺑﻮاب اﻟﺠﻨﺔ ،وﻋﺮﻓﮭﻢ أن وﺳﯿﻠﺔ اﻟﺸﯿﻄﺎن إﻟﻰ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ اﻟﺸﮭﻮات واﻷھﻮاءُ اﻟﻤﺴﺘﻜﻨﱠﺔ ،وأن ﺑﻘﻤﻌﮭﺎ ﺗﺼﺒﺢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﻄﻤﺌﻨﺔ ﻇﺎھﺮةَ اﻟﺸﻮﻛﺔ ﻓﻲ ﻗﺼْﻢِ ﺧَﺼْﻤِﮭﺎ ﻗﻮﯾﺔ اﻟﻤُﻨﱠﺔ . وأﺷﮭﺪ أن ﻻ إﻟﮫ اﷲ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﯾﻚ ﻟﮫ ،ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻨﺔ،وﻧﺎﺻﺮ ﻣﺘﺒﻌﻰ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ. وأﺷﮭﺪ أن ﺳﯿﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪاً ﻋﺒﺪه ورﺳﻮﻟﮫ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺨﻠﻖ وﻣﻤﮭﺪ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻋﻠﻰ آﻟﮫ وأﺻﺤﺎﺑﮫ وﻣﻦ ﺗﺒﻌﮭﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن أھﻞ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﻄﻤﺌﻨﺔ ،إﻟﻰ ﯾﻮم أن ﯾﺪﺧﻞ اﻟﻨﺎس إﻣﺎ إﻟﻰ ﻧﺎر وإﻣﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺔ. وﺑﻌﺪ ﻣﺮﺣﺒﺎ ﺑﻄﻠﻌﺔ اﻟﻮﻟﯿﺪ اﻟﻮﺳﯿﻢ ،ﺑﺸﯿﺮ اﻟﺨﯿﺮ اﻟﻌﻤﯿﻢ ،ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ،وﺗﻨﺰﯾﻞ أﻧﻮار اﻟﻘﺮآن ،وﺷﺬا ﻧﻔﺤﺎت اﻟﺠﻨﺎن ،وواﺣﺔ اﻻﺳﺘﺮواح ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء اﻟﻌﺎم ،وراﺣﺔ اﻷرواح ﺑﺎﻟﺼﻼة واﻟﺼﯿﺎم واﻟﻘﯿﺎم. أﺣﺒﺘﻲ ﻓﻲ اﷲ:ﺟﺎء رﻣﻀﺎن ،ﻣﻮﺳﻢ اﻟﻄﺎﻋﺎت ،واﻟﻔﻮز ﺑﺎﻟﺪرﺟﺎت ،واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﻨﺎت ، واﻟﺮﻓﻌﺔ ﻓﻲ أﻋﻠﻰ اﻟﺪرﺟﺎت ،واﻟﻘﺮب ﻣﻦ رب اﻷرض واﻟﺴﻤﺎوات. ﻓﺄھﻼ ﺑﻤﺠﺎﻟﺴﺔ اﻟﻘﺮآن ،ﻛﻼم اﻟﺮﺣﻤﻦ،ﻟﻨﺘﺸﺒﮫ ﺑﺎﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺑﺎﻟﺼﯿﺎم ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻔﻄﺮ اﻹﻧﺴﺎن ،ﻟﻨﻜﻮن ﺑﺠﻮار اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻌﺪﻧﺎن -ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم.ﻓﻤﺮﺣﺒﺎ ﺑﻚ ﯾﺎ رﻣﻀﺎن ،ﻓﻨﻌﻢ اﻟﻀﯿﻒ أﻧﺖ ﯾﺎ رﻣﻀﺎن. رﻣﻀﺎن اﻟﺬى ﯾﻨﺎدى ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻛﻞ ﻋﺎم ﺑﻠﺴﺎن اﻟﺤﺎل ﻗﺎﺋﻼ: أﻧﺎ رﻣﻀﺎن ﻣﺰرﻋﺔ اﻟﻌﺒﺎد ﻟﺘﻄﮭﯿﺮ اﻟﻘﻠﻮب ﻣﻦ اﻟﻔﺴﺎد ﻓﺄد ﺣﻘﻮﻗﮫ ﻗﻮﻻ وﻓﻌﻼ وزادك ﻓﺎﺗﺨﺬه ﻟﻠﻤﻌﺎد ﻓﻤﻦ زرع اﻟﺤﺼﺎد وﻣﺎ ﺳﻘﺎھﺎ ﺗﺄوه ﻧﺎدﻣﺎ ﯾﻮم اﻟﺤﺼﺎد إﻧﮫ اﻟﺸﮭﺮ اﻟﺬى ﺗﻀﺎﻋﻒ ﻓﯿﮫ اﻟﺤﺴﻨﺎت ،وﺗﻘﺒﻞ ﻓﯿﮫ اﻟﻄﯿﺒﺎت ،وﯾﻌﻔﻰ ﻓﯿﮫ ﻋﻤﻞ ﻣﺎ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ اﻟﺬﻧﻮب واﻟﺴﯿﺌﺎت ،إذا أﻗﺒﻞ أﻗﺒﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﷲ ﺑﺄﯾﺪي ﻣﺘﻮﺿﺌﺔ ﻃﺎھﺮة ،وﻗﻠﻮب ﻋﺎﻣﺮة ﺑﺬﻛﺮ اﷲ و اﻟﺪﻋﻮات. ﻣﺎذا ﯾﻘﻮل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﻗﺪوم ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ؟ ﻋﻦ ﻋﺒﺎدة ﺑﻦ اﻟﺼﺎﻣﺖ -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ-ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -ﻗﺎل "\:أﺗﺎﻛﻢ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ ﺑﺮﻛﺔ ﻓﯿﮫ ﺧﯿﺮ ﯾﻐﺸﯿﻜﻢ اﷲ ﻓﯿُﻨﺰل اﻟﺮﺣﻤﺔَ وﯾَﺤُﻂﱡ ﻓﯿﮫ اﻟﺨﻄﺎﯾﺎ وﯾﺴﺘﺠﯿﺐ ﻓﯿﮫ اﻟﺪﻋﺎء ﯾﻨﻈﺮ اﷲ إﻟﻰ ﺗﻨﺎﻓﺴﻜﻢ وﯾﺒﺎھﻰ ﺑﻜﻢ ﻣﻼﺋﻜﺘﮫ ﻓﺄروا اﷲ ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻜﻢ ﺧﯿﺮا ﻓﺈن اﻟﺸﱠﻘِﻰّ ﻣﻦ ﺣُﺮم ﻓﯿﮫ رﺣﻤﺔ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ\" )(1 اﺳﺘﻌﺪاد رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ: ﻓﻜﯿﻒ ﻛﺎن ﯾﺴﺘﻌﺪ اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -وأﺻﺤﺎﺑﮫ واﻟﺴﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ اﻷﻣﺔ واﻟﺬي ﻧﺤﻦ ﻣﺄﻣﻮرون ﺑﺈﺗﺒﺎﻋﮭﻢ –ﺑﻘﺪوم رﻣﻀﺎن؟
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن رﺳﻮل اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ – إذا ﺟﺎء رﻣﻀﺎن اﺳﺘﻌﺪ ﷲ ،ﻻ ﺑﺎﻟﻤﺄﻛﻞ وﻻ ﺑﺎﻟﻤﺸﺮب ،وﻻ ﺑﺎﻟﺰﯾﻨﺔ ..ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ واﻟﻌﺒﺎدة واﻟﺠﻮد واﻟﺴﺨﺎء ،ﻓﺈذا ھﻮ ﻣﻊ اﷲ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﻄﺎﺋﻊ ،وﻣﻊ اﻟﻨﺎس اﻟﺮﺳﻮل اﻟﺠﺎﺋﻊ ،وﻣﻊ إﺧﻮاﻧﮫ وﺟﯿﺮاﻧﮫ :اﻟﺒﺎر اﻟﺠﻮاد ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ وﺻﻔﮫ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮭﻤﺎ "\ :-ﻛﺎن رﺳﻮل اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -أﺟﻮدَ اﻟﻨﺎس ،وﻛﺎن أﺟﻮدَ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﻓﻲ رﻣﻀﺎن ﺣﯿﻦ ﯾﻠﻘﺎه ﺟﺒﺮﯾﻞ .وﻛﺎن ﯾﻠﻘﺎه ﺟﺒﺮﯾﻞُ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ،ﻓﯿﺪارﺳﮫ اﻟﻘﺮآن ،ﻓَﻠَﺮَﺳﻮلُ اﷲ ﺣﯿﻦ ﯾﻠﻘﺎه ﺟﺒﺮﯾﻞ أﺟﻮد ﺑﺎﻟﺨﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﯾﺢ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ\"(2). وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﺻﺤﺎﺑﺘﮫ ﯾﻔﻌﻠﻮن ،واﻟﺴﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﯾﺘﺼﻔﻮن ،وﺑﺬﻟﻚ ﻛﺎن رﻣﻀﺎن ﻋﻨﺪھﻢ ﻣﻮﺳﻤﺎ ﺗﺘﻨﺴﻢ ﻓﯿﮫ أرواﺣﮭﻢ رواﺋﺢ اﻟﺠﻨﺔ ،وﺗﻄﯿﺮ ﻓﯿﮫ أﻓﺌﺪة اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎوات اﻟﻌﻠﻰ ،وﺗﺮﺗﻔﻊ ﻓﯿﮫ ﺟﺒﺎه اﻟﻤﺼﻠﯿﻦ ﻋﻠﻰ رؤوس اﻟﻄﻐﺎة اﻟﻈﺎﻟﻤﯿﻦ(3). ﻋﻤﺮ ﯾﺴﺘﻌﺪ ﺑﺈﻧﺎرة اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺑﺎﻷﻧﻮار واﻟﻘﺮآن: وھﺬا ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﯾﺴﺘﻌﺪ ﻟﺮﻣﻀﺎن ﻓﺄﻧﺎر اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺑﺎﻟﻘﻨﺎدﯾﻞ ،ﻓﻜﺎن أول ﻣﻦ أدﺧﻞ إﻧﺎرة اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ،وﺟﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺻﻼة اﻟﺘﺮاوﯾﺢ ،ﻓﻜﺎن أول ﻣﻦ ﺟﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺻﻼة اﻟﺘﺮاوﯾﺢ ﻓﻲ رﻣﻀﺎن ،ﻓﺄﻧﺎرھﺎ ﺑﺎﻷﻧﻮار وﺑﺘﻼوة اﻟﻘﺮآن . ﺣﺘﻰ دﻋﺎ ﻟﮫ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ –ﺑﺴﺒﺐ ذﻟﻚ. ﻋﻦ أﺑﻰ إﺳﺤﺎق اﻟﮭﻤﺪاﻧﻲ ﻗﺎل :ﺧﺮج ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﻓﻲ أول ﻟﯿﻠﺔ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن واﻟﻘﻨﺎدﯾﻞ ﺗﺰھﺮ وﻛﺘﺎب اﷲ ﯾﺘﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ،ﻓﻘﺎل "\:ﻧﻮر اﷲ ﻟﻚ ﯾﺎ اﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻓﻲ ﻗﺒﺮك ﻛﻤﺎ ﻧﻮرت ﻣﺴﺎﺟﺪ اﷲ ﺑﺎﻟﻘﺮآن\"(4). ﺟﺎرﯾﺔ ﺗﻌﻠﻢ أﺳﯿﺎدھﺎ ﻛﯿﻒ ﯾﺴﺘﻌﺪون ﻟﺮﻣﻀﺎن: ﺑﺎع ﻗﻮم ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻒ ﺟﺎرﯾﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮب ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ،رأﺗﮭﻢ ﯾﺘﺄھﺒﻮن ﻟﮫ ،وﯾﺴﺘﻌﺪون ﺑﺎﻷﻃﻌﻤﺔ وﻏﯿﺮھﺎ . ﻓﺴﺄﻟﺘﮭﻢ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ذﻟﻚ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻧﺘﮭﯿﺄ ﻟﺼﯿﺎم رﻣﻀﺎن .ﻓﻘﺎﻟﺖ:وأﻧﺘﻢ ﻻ ﺗﺼﻮﻣﻮن إﻻ رﻣﻀﺎن !ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪ ﻗﻮم ﻛﻞ زﻣﺎﻧﮭﻢ رﻣﻀﺎن ،ردوﻧﻲ ﻋﻠﯿﮭﻢ . اﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺴﻤﺎء ﻟﻘﺪوم رﻣﻀﺎن: وﻋﻦ أﺑﻰ ھﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ :ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ –ﻗﺎل "\:إذا ﻛﺎن أَوﱠلُ ﻟﯿﻠﺔ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﺻُﻔﱢﺪَتِ اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦُ وَﻣَﺮَدَةُ اﻟﺠﻦﱢ وَﻏُﻠﱢﻘَﺖْ أﺑﻮابُ اﻟﻨﺎرِ ﻓﻠﻢ ﯾُﻔْﺘَﺢْ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﺎبٌ وَﻓُﺘﱢﺤَﺖْ أﺑﻮابُ اﻟﺠﻨﺔِ ﻞ وﯾﺎ ﺑَﺎﻏِﻲَ اﻟﺸﱠﺮﱢ أَﻗْﺼِﺮْ وﷲِ ﻋُﺘَﻘَﺎءُ ﻣﻦ اﻟﻨﺎرِ ﻓﻠﻢ ﯾُﻐْﻠَﻖْ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﺎبٌ وَﯾُﻨَﺎدِى ﻣُﻨَﺎد ٍﻛﻞﱠ ﻟﯿﻠﺔٍ ﯾﺎ ﺑَﺎﻏِﻲَ اﻟْﺨَﯿْﺮِ أَﻗْﺒِ ْ وذﻟﻚ ﻛﻞﱠ ﻟﯿﻠﺔٍ\"(5). ﻓﮭﻞ ﯾﺎ ﺗﺮى أن اﷲ ﻓﺘﺢ ﻟﻚ أﺑﻮاب اﻟﺠﻨﺔ وھﻮ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺤﺮﻣﻚ ﻣﻨﮭﺎ ،وأﻏﻠﻖ أﺑﻮاب اﻟﻨﺎر دوﻧﻚ وﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻌﺬﺑﻚ ﻓﯿﮭﺎ ،وﺻﻔﺪ اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ إﻻ ﻟﺘﻘﺒﻞ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺎﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫ ﻛﯿﻒ ﯾﻌﺎﻣﻠﻚ وﻛﯿﻒ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ!! ﻛﯿﻒ ﯾﻄﻠﺒﻚ وأﻧﺖ ﺗﮭﺮب ﻣﻨﮫ !! ﻛﯿﻒ ﯾﺪﻋﻮك إﻟﻰ ﻧﺠﺎﺗﻚ وﺗﺘﻮاﻧﻰ !! وﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺷﮭﺮ اﻟﺼﯿﺎم ﻓﺈﻧﮫ ﻟﺨﺎﻣﺲ أرﻛﺎن ﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﺪ
وﺗﻔﺘﺢ أﺑﻮاب اﻟﺠﻨﺎن ﻟﻌﺒﺪ ﺗﻐﻠﻖ أﺑﻮاب اﻟﺠﺤﯿﻢ إذا أﺗﻰ ﺗﺮﻓﺮف ﺟﻨﺎت اﻟﻨﻌﯿﻢ وﺣﻮرھﺎ ﻷھﻞ اﻟﺮﺿﺎ ﻓﯿﮫ وأھﻞ اﻟﺘﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ أﻟﻒ ﺷﮭﺮ ﻓﻀﻠﺖ ﻓﻠﺘﺘﺰود وﻗﺪ ﺧﺼﮫ اﷲ اﻟﻌﻈﯿﻢ ﺑﻠﯿﻠﺔ ﻛﯿﻒ ﻧﺴﺘﻌﺪ ﻟﺮﻣﻀﺎن؟ ورﻣﻀﺎن ﻓﺮﺻﺔ ﻻ ﺗﺘﺎح ﻛﻞ ﻋﺎم إﻻ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻓﻠﻨﻐﺘﻨﻢ ھﺬه اﻟﻔﺮﺻﺔ ،وﻟﻨﺴﺘﻔﺪ ﻣﻨﮫ ﻛﺄﻧﮫ آﺧﺮ رﻣﻀﺎن ﺳﯿﻤﺮ ﻋﻠﯿﻨﺎ ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﯾﺄﺗﻲ اﻟﻌﺎم اﻟﻘﺎدم وﺑﻌﻀﺎ ﻏﯿﺮ ﻣﻮﺟﻮد،ﻷﻧﮫ ﺗﺤﺖ اﻟﺘﺮاب ،ﻛﻤﺎ ﺳﯿﺤﻀﺮ رﻣﻀﺎن ھﺬا اﻟﻌﺎم وﻗﺪ ﻓﻘﺪﻧﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ أﺣﺒﺎﺑﻨﺎ ،ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻤﻨﻰ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺘﻤﻨﻮن أن ﻧﻜﻮن ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻣﻌﺎ ﻓﻲ رﻣﻀﺎن –ﻧﺴﺄل اﷲ أن ﯾﺠﻤﻌﻨﺎ وإﯾﺎھﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻘﺮ رﺣﻤﺘﮫ ودار ﻛﺮاﻣﺘﮫ ﺑﺠﻮار ﺳﯿﺪ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺤﻤﺪ –ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ. ﯾﻘﻮل اﻟﺸﯿﺦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻐﺰاﻟﻰ "\:ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ ﺗﺼﻮر اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﺑﺄﻧﮫ ﺗﺪﺑﯿﺮ اﻟﻨﻔﻘﺎت وﺗﺠﮭﯿﺰ اﻟﻮﻻﺋﻢ ﻟﻸﺿﯿﺎف .إن ھﺬا اﻟﺸﮭﺮ ﺷﺮع ﻟﻺﻗﺒﺎل ﻋﻠﻰ اﷲ واﻻﺟﺘﮭﺎد ﻓﻰ ﻣﺮﺿﺎﺗﮫ وﺗﺪﺑﺮ اﻟﻘﺮآن وﺟﻌﻞ ﺗﻼوﺗﮫ ﻣﻌﺮاج ارﺗﻘﺎء وﺗﺰﻛﯿﺔ ،إﻧﮫ ﺳﺒﺎق ﻓﻰ اﻟﺨﯿﺮات ﯾﻈﻔﺮ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ ﯾﻨﺸﻂ وﯾﺘﺤﻤﺲ\"(6). وﻧﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﻧﺴﺘﻌﺪ ﻟﺮﻣﻀﺎن وﻟﻨﺴﺘﻔﺪ ﻣﻨﮫ ﻓﻲ ﻧﻘﺎ ط ﻣﺤﺪدة: -1اﻟﺘﻮﺑﺔ واﻹﻗﻼع ﻋﻦ ﻛﻞ اﻟﺬﻧﻮب اﻵن وﻓﻰ اﻟﺘﻮ: أن ﻧﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔ واﻹﻧﺎﺑﺔ إﻟﻰ اﷲ ،واﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ واﻹﺳﺎءة ،وﺳﻮء اﻟﻔﻌﻞ وﺳﯿﻲء اﻟﻘﻮل ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺪاﯾﺔ ﻣﻊ اﷲ ﺗﻮﺑﺔ ﻧﺼﻮﺣﺎ ﺗﻄﮭﺮ اﻟﺮوح ،وﺗﺰﻛﻰ اﻟﻘﻠﺐ ،ﺗﺴﻘﻂ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺪﻣﻮع ،وﯾﻨﺠﻠﻲ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺨﺸﻮع ،ﻓﯿﺼﺤﻮ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﻐﺎﻓﻞ ﻣﻦ ﻧﺴﯿﺎﻧﮫ ،ﯾﺴﺒﺢ ﺑﺤﻤﺪ رﺑﮫ وﯾﺴﺘﻐﻔﺮه ،وﯾﺘﻮب إﻟﯿﮫ ،ﻓﺈن ﺑﺸﺮﯾﺎت اﻟﻘﺒﻮل ﻗﺪ ﺑﺪت ﺗﻠﻮح ﻓﻲ اﻵﻓﺎق. ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻹﻗﻼع ﻋﻦ اﻟﺬﻧﻮب اﻟﺘﻲ ﻋﺸﻘﻨﺎھﺎ ﻃﻮل اﻟﻌﺎم . ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﺴﺘﻘﺒﻠﮫ ﺑﺎﻟﻌﺰم ﻋﻠﻰ ﺗﺮك اﻵﺛﺎم واﻟﺴﯿﺌﺎت واﻟﺘﻮﺑﺔ اﻟﺼﺎدﻗﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺬﻧﻮب ,واﻹﻗﻼع ﻋﻨﮭﺎ وﻋﺪم اﻟﻌﻮدة إﻟﯿﮭﺎ ,ﻓﮭﻮ ﺷﮭﺮ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﯾﺘﺐ ﻓﯿﮫ ﻓﻤﺘﻰ ﯾﺘﻮب ؟\" ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ } : وَﺗُﻮﺑُﻮا إِﻟَﻰ اﻟﻠﱠﮫِ ﺟَﻤِﯿﻌﺎً أَﯾﱡﮭَﺎ اﻟْﻤُﺆْﻣِﻨُﻮنَ ﻟَﻌَﻠﱠﻜُﻢْ ﺗُﻔْﻠِﺤُﻮنَ { ] اﻟﻨﻮر .[31 : اﻧﺰع ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ أوﺻﺎف اﻟﺪﻧﯿﺎ اﻟﺘﻲ ﻏﺮﺗﻚ ﻓﻲ ﺳﺎﻟﻒ اﻷﯾﺎم ،اﻋﺘﻖ رﻗﺒﺘﻚ ﻣﻦ أﺳﺮ اﻟﮭﻮى واﻵﺛﺎم ،ﺣﺮر ﻗﻠﺒﻚ ﻣﻦ ﺳﺠﻮن اﻟﻤﺎدﯾﺔ اﻟﻐﻠﯿﻈﺔ واﻷوھﺎم ،إذا ﺻﻠﺤﺖ ﺑﺪاﯾﺘﻚ ﺻﻠﺤﺖ ﻧﮭﺎﯾﺘﻚ ،وﻣﻦ ﺻﻠﺤﺖ ﺑﺪاﯾﺘﮫ ﺻﻠﺤﺖ ﻧﮭﺎﯾﺘﮫ ،وإﻧﮫ إذا أﺣﺴﻦ اﻟﺒﺪء ﺣﺴﻦ اﻟﺨﺘﺎم. وﻟﻨﻨﺪم ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺼﯿﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺟﻨﺐ اﷲ ،وﻛﻢ أن اﷲ أﻣﮭﻠﻨﺎ ﺣﺘﻰ ھﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻨﺘﻮب ،وإذا ﻟﻢ ﻧﺘﺐ اﻵن ﻓﻤﺘﻰ ﻧﺘﻮب؟! ﺑﺂھﺔ واﺣﺪة ﻗﺒﻠﺖ ﺻﻼة اﻟﺠﻤﯿﻊ: ﺣﻜﻰ أن رﺟﻼ ﻛﺎن دﺧﻞ ﻣﺴﺠﺪ رﺳﻮل اﷲ –ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ – ﻋﻠﻰ ﺣﯿﻦ ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﯾﺨﺮﺟﻮن ﻣﻨﮫ ،ﻓﺘﺴﺎﺋﻞ اﻟﺮﺟﻞ :ﻟﻤﺎذا ﯾﺨﺮج اﻟﻨﺎس ﻗﺒﻞ أن أﺻﻠﻰ ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﮫ أﺣﺪ اﻟﻤﺼﻠﯿﻦ :ﻗﺪ أﻗﯿﻤﺖ ﺻﻼة ا ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ وﻓﺮﻏﻨﺎ ﻣﻨﮭﺎ ،ﻓﻘﺎل :ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮا!!! ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ آھﺔ ﺗﻤﺰﻗﺖ ﻣﻨﮭﺎ روﺣﮫ ،وﺣﻤﻠﺖ راﺋﺤﺔ ﻣﻦ دم ﻗﻠﺒﮫ ،ﻓﻘﺎل ﻟﮫ رﺟﻞ :ﯾﺎ أﺧﻲ ھﻮن ﻋﻠﯿﻚ ،ھﺐ ﻟﻲ ﺗﻠﻚ اﻵھﺔ وﺻﻼﺗﻲ ﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل وھﺒﺘﮭﺎ ﻟﻚ وﻗﺒﻠﺖ اﻟﺼﻼة ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎء اﻟﻠﯿﻞ ﻗﺎل ﻟﮫ ھﺎﺗﻒ ﻓﻲ اﻟﺮؤﯾﺎ :ﻟﻘﺪ اﺷﺘﺮﯾﺖ ﺟﻮھﺮ اﻟﺤﯿﺎة وﺷﻔﺎء اﻟﺮوح ،ﻓﺒﺤﺮﻗﺔ ھﺬه اﻵھﺔ ،وﺑﺼﺪق ھﺬا اﻟﻨﺪم ،ﻗﺒﻠﺖ ﺻﻼة اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻓﺔ.
ﻓﮭﯿﺎ ﯾﺎ أﺧﻲ وﯾﺎ أﺧﺘﻲ ﻟﻨﺤﺮق ﻧﺎر اﻟﮭﻮى واﻟﻤﻌﺎﺻﻲ وﻟﻨﺮﺟﻊ إﻟﻰ رﺑﻨﺎ اﻟﺮﺣﯿﻢ اﻟﺬى ﯾﻘﺒﻞ ﺗﻮﺑﺔ ﻋﺒﺪه إذا ﺗﺎب إﻟﯿﮫ وأﻧﺎب. ﯾﺎ ذا اﻟﺬي ﻣﺎ ﻛﻔﺎه اﻟﺬﻧﺐ ﻓﻲ رﺟﺐ ﺣﺘﻰ ﻋﺼﻰ رﺑﮫ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ ﺷﻌﺒﺎن ﻟﻘﺪ أﻇﻠﻚ ﺷﮭﺮ اﻟﺼﻮم ﺑﻌﺪھﻤﺎ ﻓﻼ ﺗﺼﯿﺮه أﯾﻀﺎ ﺷﮭﺮ ﻋﺼﯿﺎن و اﺗﻞ اﻟﻘﺮآن و ﺳﺒﺢ ﻓﯿﮫ ﻣﺠﺘﮭﺪا ﻓﺈﻧﮫ ﺷﮭﺮ ﺗﺴﺒﯿﺢ و ﻗﺮآن ﻓﺎﺣﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪ ﺗﺮﺟﻮ اﻟﻨﺠﺎة ﻟﮫ ﻓﺴﻮف ﺗﻀﺮم أﺟﺴﺎد ﺑﻨﯿﺮان ﻛﻢ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﺮف ﻣﻤﻦ ﺻﺎم ﻓﻲ ﺳﻠﻒ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ أھﻞ و ﺟﯿﺮان و إﺧﻮان أﻓﻨﺎھﻢ اﻟﻤﻮت و اﺳﺘﺒﻘﺎك ﺑﻌﺪھﻢ ﺣﯿﺎ ﻓﻤﺎ أﻗﺮب اﻟﻘﺎﺻﻲ ﻣﻦ اﻟﺪاﻧﻲ وﻟﻨﺘﺬﻛﺮ أﻧﻨﺎ ﻏﯿﺮﻗﺎدرﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻨﺎر اﻟﺘﻲ أﻋﺪھﺎ اﷲ – ﻋﺰ وﺟﻞ – ﻟﻠﻌﺎﺻﯿﻦ. أﯾﺎ ﺷﺎﺑًﺎ ﻟﺮب اﻟﻌﺮش ﻋﺎﺻﻲ أﺗﺪرى ﻣﺎ ﺟﺰاء ذوى اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺳﻌﯿﺮ ﻟﻠﻌﺼﺎة ﻟﮭﺎ زﻓﯿﺮ وﻏﯿﻆ ﯾﻮم ﯾﺆﺧﺬ ﺑﺎﻟﻨﻮاﺻﻲ ﻓﺈن ﺗﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﯿﺮان ﻓﺎﻋﺺ و إﻻ ﻛﻦ ﻋﻦ اﻟﻌﺼﯿﺎن ﻗﺎص وﻓﯿﻤﺎ ﻗﺪ ﻛﺴﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﯾﺎ رھﻨﺖ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﺎﻟﺰم ﺑﺎﻟﺨﻼص وﻟﻨﺮد اﻟﻤﻈﺎﻟﻢ إﻟﻰ أھﻠﮭﺎ . -2اﻟﺪﻋﺎء ﺑﺄن ﯾﺒﻠﻐﻚ اﷲ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن وأﻧﺖ ﻓﻲ ﺻﺤﺔ وﻋﺎﻓﯿﺔ : ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺸﻂ ﻓﻲ ﻋﺒﺎدة اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻣﻦ ﺻﯿﺎم وﻗﯿﺎم وذﻛﺮ ،ﻓﻘﺪ روي ﻋﻦ أﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ – رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ – أﻧﮫ ﻗﺎل ﻛﺎن اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -إذا دﺧﻞ رﺟﺐ ﻗﺎل "\ :اﻟﻠﮭﻢ ﺑﺎرك ﻟﻨﺎ ﻓﻲ رﺟﺐ وﺷﻌﺒﺎن وﺑﻠﻐﻨﺎ رﻣﻀﺎن \" (7). وﻛﺎن اﻟﺴﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﯾﺪﻋﻮن اﷲ أن ﯾﺒﻠﻐﮭﻢ رﻣﻀﺎن ,ﺛﻢ ﯾﺪﻋﻮﻧﮫ أن ﯾﺘﻘﺒﻠﮫ ﻣﻨﮭﻢ .ﻓﺈذا أھﻞ ھﻼل رﻣﻀﺎن ﻓﺎدع اﷲ وﻗﻞ ) اﷲ أﻛﺒﺮ اﻟﻠﮭﻢ أھﻠﮫ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺑﺎﻷﻣﻦ واﻹﯾﻤﺎن واﻟﺴﻼﻣﺔ واﻹﺳﻼم ،واﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﻟﻤﺎ ﺗﺤﺐ وﺗﺮﺿﻰ رﺑﻲ ورﺑﻚ اﷲ ( )(8 وﻗﻞ )اﻟﻠﮭﻢ ارزﻗﻨﺎ ﻋﻤﺮا ﻣﺪﯾﺪا ،وﻗﻮﻻ ﺳﺪﯾﺪا ،وﻋﻤﻼ ﺻﺎﻟﺤﺎ ﻛﺜﯿﺮا ،اﻟﻠﮭﻢ أﺟﺰ ﻟﻨﺎ اﻟﻌﻄﯿﺔ ، وأﺻﻠﺢ ﻟﻨﺎ اﻟﻨﯿﺔ ،وأﺣﯿﻨﺎ ﻓﯿﮫ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻤﺮﺿﯿﺔ . -3اﻟﺤﻤﺪ واﻟﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮﻏﮫ: ﻗﺎل اﻟﻨﻮوي–رﺣﻤﮫ اﷲ–ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻷذﻛﺎر "\:اﻋﻠﻢ أﻧﮫ ﯾﺴﺘﺤﺐ ﻟﻤﻦ ﺗﺠﺪدت ﻟﮫ ﻧﻌﻤﺔ ﻇﺎھﺮة،أو اﻧﺪﻓﻌﺖ ﻋﻨﮫ ﻧﻘﻤﺔ ﻇﺎھﺮة أن ﯾﺴﺠﺪ ﺷﻜﺮا ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وأن ﯾﺤﻤﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،أو ﯾﺜﻨﻲ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﻤﺎ ھﻮ أھﻠﮫ \")(9 وإن ﻣﻦ أﻛﺒﺮ ﻧﻌﻢ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺪ ﺗﻮﻓﯿﻘﮫ ﻟﻠﻄﺎﻋﺔ ،واﻟﻌﺒﺎدة ﻓﻤﺠﺮد دﺧﻮل ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ وھﻮ ﻓﻲ ﺻﺤﺔ ﺟﯿﺪة ھﻲ ﻧﻌﻤﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻟﺸﻜﺮ واﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﷲ اﻟﻤﻨﻌﻢ اﻟﻤﺘﻔﻀﻞ ﺑﮭﺎ ، ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ ﷲ ﺣﻤﺪاً ﻛﺜﯿﺮاً ﻛﻤﺎ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﺠﻼل وﺟﮭﮫ وﻋﻈﯿﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ . وﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﺗﺰﯾﺪ اﻟﻨﻌﻢ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ} :وَإِذْ ﺗَﺄَذﱠنَ رَﺑﱡﻜُﻢْ ﻟَﺌِﻦ ﺷَﻜَﺮْﺗُﻢْ ﻷَزِﯾﺪَﻧﱠﻜُﻢْ وَﻟَﺌِﻦ ﻛَﻔَﺮْﺗُﻢْ إِنﱠ ﻋَﺬَاﺑِﻲ ﻟَﺸَﺪِﯾﺪٌ {)إﺑﺮاھﯿﻢ(7:
-4اﻟﻔﺮح واﻻﺑﺘﮭﺎج : ﺛﺒﺖ ﻋﻦ رﺳﻮل اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺒﺸﺮ أﺻﺤﺎﺑﮫ ﺑﻤﺠﻲء ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ،ﻓﻌﻦ أﺑﻰ ھﺮﯾﺮة –رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ-أن رﺳﻮل اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -ﻗﺎل وھﻮ ﯾﺒﺸﺮ أﺻﺤﺎﺑﮫ "\:ﻗﺪ ﺟﺎءﻛﻢ رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ ﻣﺒﺎرك ﻛﺘﺐ اﷲ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﺻﯿﺎﻣﮫ ﯾﻔﺘﺢ ﻓﯿﮫ أﺑﻮاب اﻟﺠﻨﺔ وﯾﻐﻠﻖ أﺑﻮاب اﻟﺠﺤﯿﻢ وﺗﻐﻞ ﻓﯿﮫ اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ ﻓﯿﮫ ﻟﯿﻠﺔ ﺧﯿﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ ﺷﮭﺮ ﻣﻦ ﺣﺮم ﺧﯿﺮھﺎ ﻓﻘﺪ ﺣﺮم \"(10). وﻗﺪ ﻛﺎن ﺳﻠﻔﻨﺎ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﺻﺤﺎﺑﺔ رﺳﻮل اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -واﻟﺘﺎﺑﻌﯿﻦ ﻟﮭﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن ﯾﮭﺘﻤﻮن ﺑﺸﮭﺮ رﻣﻀﺎن ،وﯾﻔﺮﺣﻮن ﺑﻘﺪوﻣﮫ ،وأي ﻓﺮح أﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻹﺧﺒﺎر ﺑﻘﺮب رﻣﻀﺎن ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺨﯿﺮات ، وﺗﻨﺰل اﻟﺮﺣﻤﺎت؟ ! -5وﺿﻊ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻋﻤﻠﻲ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ رﻣﻀﺎن : اﻟﻜﺜﯿﺮون ﻣﻦ اﻟﻨﺎس وﻟﻸﺳﻒ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻠﺘﺰﻣﯿﻦ ﺑﮭﺬا اﻟﺪﯾﻦ ﯾﺨﻄﻄﻮن ﺗﺨﻄﯿﻄﺎً دﻗﯿﻘﺎً ﻷﻣﻮر اﻟﺪﻧﯿﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻗﻠﯿﻠﻮن ھﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺨﻄﻄﻮن ﻷﻣﻮر اﻵﺧﺮة ،وھﺬا ﻧﺎﺗﺞ ﻋﻦ ﻋﺪم اﻹدراك ﻟﻤﮭﻤﺔ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﯿﺎة ،وﻧﺴﯿﺎن أو ﺗﻨﺎﺳﻰ أن ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﻓﺮﺻﺎً ﻛﺜﯿﺮة ﻣﻊ اﷲ وﻣﻮاﻋﯿﺪ ﻣﮭﻤﺔ ﻟﺘﺮﺑﯿﺔ ﻧﻔﺴﮫ ﺣﺘﻰ ﺗﺜﺒﺖ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻷﻣﺮ وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ھﺬا اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻟﻶﺧﺮة ،اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻻﺳﺘﻐﻼل رﻣﻀﺎن ﻓﻲ اﻟﻄﺎﻋﺎت واﻟﻌﺒﺎدات ،ﻓﯿﻀﻊ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻟﮫ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﺎً ﻋﻤﻠﯿﺎً ﻻﻏﺘﻨﺎم أﯾﺎم وﻟﯿﺎﻟﻲ رﻣﻀﺎن ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻣﺜﻞ : • ﯾﺤﺪد اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺬى ﺳﯿﺼﻠﻰ ﻓﯿﮫ اﻟﺘﺮاوﯾﺢ واﻟﺘﮭﺠﺪ واﻻﻋﺘﻜﺎف. • ﯾﺤﺪد اﻷوﻗﺎت اﻟﺘﻰ ﺳﯿﻘﺮأ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻘﺮآن . • اﻟﺪروس اﻟﺘﻰ ﺳﯿﺴﺘﻤﻊ إﻟﯿﮭﺎ ،أو ﺳﯿﻠﻘﯿﮭﺎ إن ﻛﺎن ﻣﻤﻦ ﯾﻠﻘﻰ اﻟﺪروس ﻓﻠﯿﺤﻀﺮھﺎ ﻗﺒﻞ رﻣﻀﺎن ،وإن ﻛﺎن ﯾﺼﻠﻰ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﯾﺮاﺟﻊ اﻟﻘﺮآن . • ﻋﻤﻞ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻟﺘﺠﻤﯿﻊ ﺷﻨﻄﺔ رﻣﻀﺎن وﺗﻮزﯾﻌﺎھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء ،ﻣﻦ ﺳﯿﻌﻤﻞ ﻣﻌﮫ ؟وﻣﻦ ﺳﯿﺄﺧﺬ ھﺬه اﻟﺼﺪﻗﺎت ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮاء؟ • ﺗﺠﮭﯿﺰ إﻓﻄﺎر اﻟﺼﺎﺋﻤﯿﻦ ﺳﻮاء ﻛﺎن ﺟﻤﺎﻋﯿﺎ أم ﻓﺮدﯾﺎ ﻗﺪر اﻟﻤﺴﺘﻄﺎع وﻟﻮ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺮ أو ﻣﺎء أو ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ. • ﺗﺠﮭﯿﺰ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻣﻦ إﺿﺎءة ،وﺳﻤﺎﻋﺎت ،وﺗﻨﻈﯿﻒ اﻟﺴﺠﺎد ،ودورة اﻟﻤﯿﺎة ،وإﻋﺪاد ﻣﺼﻠﻰ ﻟﻠﺴﯿﺪات إذا ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﺼﻠﻰ ﻟﻠﺴﯿﺪات . • وﺿﻊ اﻟﻤﺼﺎﺣﻒ وﻛﺘﯿﺒﺎت ﺻﻐﯿﺮة ﻓﻰ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ . • وﺿﻊ ﺟﺪول ﻟﺰﯾﺎرة اﻷھﻞ واﻷﻗﺎرب واﻟﺠﯿﺮان وﺗﻔﻘﺪ أﺣﻮاﻟﮭﻢ ﺑﻤﻌﺪل ﻛﻞ ﯾﻮم أﺳﺮة ،ﻓﻰ وﻗﺖ ﻻ ﯾﺘﺠﺎوز رﺑﻊ اﻟﺴﺎﻋﺔ. • ﻋﻤﻞ ﺣﻤﻠﺔ ﻟﺘﻨﻈﯿﻒ اﻟﺸﻮارع وﺗﺰﯾﯿﻦ اﻟﺸﻮارع واﻟﻤﺤﻼت اﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ واﻟﻤﻨﺎزل ﻗﺒﻞ ﻗﺪوم رﻣﻀﺎن ﻟﺘﮭﯿﺌﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﺬﻟﻚ. • ﺗﺠﮭﯿﺰ ﻧﻔﺴﮫ ﻟﻠﻌﻤﺮة إن ﻛﺎن ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ذﻟﻚ. ﻓﻌﻦ ﺟﺎﺑﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ :ﻋﻦ رﺳﻮل اﷲ –ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ –ﻗﺎل :ﻋﻤﺮة ﻓﻰ رﻣﻀﺎن ﺗﻌﺪل ﺣﺠﺔ\"وﻓﻰ رواﯾﺔ ﺣﺠﺔ ﻣﻌﻲ\"(11). وإن ﻛﺎن اﻋﺘﻤﺮ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ وﻋﻨﺪه اﺳﺘﻄﺎﻋﺔ ﻓﺎﻷﻓﻀﻞ أن ﯾﺨﺮج ﺷﺨﺼﺎ آﺧﺮ ﻟﻢ ﯾﻌﺘﻤﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻏﯿﺮ ﻣﺴﺘﻄﯿﻊ ،وﻟﮫ ﻣﺜﻞ أﺟﺮه وزﯾﺎدة أﻧﮫ ﯾﻌﻤﻞ أﻋﻤﺎﻟًﺎ أﺧﺮى ﻓﻰ رﻣﻀﺎن ﻓﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ.
• ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻌﻤﻞ ﻛﻞ ذﻟﻚ. (6ﻋﻘﺪ اﻟﻌﺰم اﻟﺼﺎدق ﻋﻠﻰ اﻏﺘﻨﺎﻣﮫ وﻋﻤﺎرة أوﻗﺎﺗﮫ ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ : ﻓﻤﻦ ﺻﺪق اﷲ ﺻﺪﻗﮫ وأﻋﺎﻧﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ وﯾﺴﺮ ﻟﮫ ﺳﺒﻞ اﻟﺨﯿﺮ ﻗﺎل اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ }:ﻓَﻠَﻮْ ﺻَﺪَﻗُﻮا اﻟﻠﱠﮫَ ﻟَﻜَﺎنَ ﺧَﯿْﺮاً ﻟَﮭُﻢْ { ] ﻣﺤﻤﺪ {21 : وﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﺤﻀﺮت ﻧﯿﺎت أﻋﻤﺎل ﻛﺜﯿﺮة ﻃﯿﺒﺔ ﻛﺘﺐ اﷲ ﻟﻚ أﺟﺮ ھﺬه اﻷﻋﻤﺎل وﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻌﻤﻠﮭﺎ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺻﺎدﻗﺎ ﻓﻰ ﻧﯿﺘﻚ. ﻓﻌﻦ أﺑﻰ ھﺮﯾﺮة -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ :ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -ﻗﺎل:أﻇﻠﻜﻢ ﺷﮭﺮﻛﻢ ھﺬا ﺑﻤﺤﻠﻮف رﺳﻮل اﷲ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺷﮭﺮ ھﻮ ﺧﯿﺮ ﻟﮭﻢ ﻣﻨﮫ وﻻ ﯾﺄﺗﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﯿﻦ ﺷﮭﺮ ﺷﺮ ﻟﮭﻢ ﻣﻨﮫ إن اﷲ ﯾﻜﺘﺐ أﺟﺮه وﺛﻮاﺑﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺪﺧﻞ وﯾﻜﺘﺐ وزره وﺷﻘﺎءه ﻗﺒﻞ أن ﯾﺪﺧﻞ وذﻟﻚ أن اﻟﻤﺆﻣﻦ ﯾﻌﺪ ﻓﯿﮫ اﻟﻨﻔﻘﺔ ﻟﻠﻘﻮة ﻓﻰ اﻟﻌﺒﺎدة وﯾﻌﺪ ﻓﯿﮫ اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ اﻏﺘﯿﺎب اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ واﺗﺒﺎع ﻋﻮراﺗﮭﻢ ﻓﮭﻮ ﻏُﻨْﻢ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ وﻣﻌﺼﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﺟﺮ \"(12). (7اﻟﺘﮭﯿﺌﺔ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ واﻟﺮوﺣﯿﺔ: ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻘﺮاءة واﻹﻃﻼع ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺐ واﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ،وﺳﻤﺎع اﻷﺷﺮﻃﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﺿﺮات واﻟﺪروس ،واﻟﺘﻲ ﺗﺒﯿﻦ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﻮم وأﺣﻜﺎﻣﮫ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﮭﯿﺄ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻠﻄﺎﻋﺔ ﻓﯿﮫ ﻓﻜﺎن اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -ﯾﮭﯿﺊ ﻧﻔﻮس أﺻﺤﺎﺑﮫ ﻻﺳﺘﻐﻼل ھﺬا اﻟﺸﮭﺮ. ھﻜﺬا ﯾﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻤﺴﻠﻢ رﻣﻀﺎن اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻷرض اﻟﻌﻄﺸﻰ ﻟﻠﻤﻄﺮ واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻤﺮﯾﺾ ﻟﻠﻄﺒﯿﺐ اﻟﻤﺪاوي ، واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺒﯿﺐ ﻟﻠﻐﺎﺋﺐ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ .ﯾﺴﺘﻘﺒﻠﮫ: أ -ﻣﻊ اﷲ -ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ -ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔ اﻟﺼﺎدﻗﺔ. ب-ﻣﻊ اﻟﺮﺳﻮل -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ -ﺑﻄﺎﻋﺘﮫ ﻓﯿﻤﺎ أﻣﺮ واﺟﺘﻨﺎب ﻣﺎ ﻧﮭﻰ ﻋﻨﮫ وزﺟﺮ . ج -ﻣﻊ اﻟﻮاﻟﺪﯾﻦ واﻷﻗﺎرب واﻷرﺣﺎم واﻟﺰوﺟﺔ واﻷوﻻد ﺑﺎﻟﺒﺮ واﻟﺼﻠﺔ. د -ﻣﻊ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﺗﻌﯿﺶ ﻓﯿﮫ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮن ﻋﺒﺪاً ﺻﺎﻟﺤﺎً وﻧﺎﻓﻌﺎً .ﻗﺎل -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ–\" أﺣﺐﱡ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ اﷲ أﻧﻔﻌُﮭﻢ ﻟﻠﻨﺎس\" (13). وﺻﻞ اﻟﻠﮭﻢ وﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﯿﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻰ آﻟﮫ وﺻﺤﺒﮫ وﺳﻠﻢ. اﻟﺸﯿﺦ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﯾﺰ رﺟﺐ Zeka2040@yahoo.com
ﻓﻌﻦ أﰉ ﻫﺮﯾﺮة -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ :ﻋﻦ اﻟﻨﱯ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل:أﻇﻠﻜﻢ ﺷﻬﺮﻛﻢ ﻫﺬا ﲟﺤﻠﻮف رﺳﻮل اﷲ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠﻤﲔﺷﻬﺮ ﻫﻮ ﺧﲑ ﳍﻢ ﻣﻨﻪ وﻻ ﯾﺄﺗﻰ ﻋﻠﻰ اﳌﻨﺎﻓﻘﲔ ﺷﻬﺮ ﺷﺮ ﳍﻢ ﻣﻨﻪ إن اﷲ ﯾﻜﺘﺐ أﺟﺮه وﺛﻮاﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺪﺧﻞ وﯾﻜﺘﺐ وزره وﺷﻘﺎءه ﻗﺒﻞ أن ﯾﺪﺧﻞ وذﻟﻚ أن اﳌﺆﻣﻦ ﯾﻌﺪ ﻓﯿﻪ اﻟﻨﻔﻘﺔ ﻟﻠﻘﻮة ﰱ اﻟﻌﺒﺎدة وﯾﻌﺪ ﻓﯿﻪ اﳌﻨﺎﻓﻖ اﻏﺘﯿﺎب اﳌﺆﻣﻨﲔ واﺗﺒﺎع ﻋﻮراﲥﻢ ﻓﻬﻮ ﻏﻨﻢ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ وﻣﻌﺼﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﺟﺮ \".
أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﮭﺠﺮي وﺗﺤﺪﯾﺪاً ﺳﻨﺔ 617ھـ اﺟﺘﺎح اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻼد اﻹﺳﻼم ﺑﻘﯿﺎدة ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن ،واﻧﻄﻠﻘﻮا ﻛﺎﻹﻋﺼﺎر اﻟﻤﺪﻣﱢﺮ ﯾﻐﺰون اﻟﻘﺮى واﻟﻤﺪن ،وﯾﻘﺘﻠﻮن اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺸﯿﻮخ ،وﯾﻌﯿﺜﻮن ﻓﻲ اﻷرض ﻓﺴﺎداً ،ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﺪن اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺑﺎﻟﻤﺸﺮق ﻓﻲ أﯾﺪﯾﮭﻢ ،وﻓﻌﻠﻮا ﻓﯿﮭﺎ اﻷﻋﺎﺟﯿﺐ ،وﺳﻔﻜﻮا اﻟﺪﻣﺎء ،وﻗﺘﻠﻮا ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أﻋﺪاداً ﻻ ﯾﺤﺼﯿﮭﻢ إﻻ اﷲ ،ﺛﻢ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﺻﻮب ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ وﻗﺒﻠﺔ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﻀﺎرة " ﺑﻐﺪاد " ،ﻓﺪﺧﻠﻮھﺎ ﺑﻘﯿﺎدة ھﻮﻻﻛﻮ ﺣﻔﯿﺪ ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن ،وأﺳﻘﻄﻮا اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وﻗﺘﻠﻮا اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ﺑﺎﷲ وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ 656ھـ ،وﻗﺘﻠﻮا ﺑﮭﺎ ﻋﺪداً ﻛﺒﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﻠﯿﻮن إﻧﺴﺎن ،ودﻣﺮوا ﻣﻜﺘﺒﺎﺗﮭﺎ ،وﺟﺮى ﻧﮭﺮ اﻟﻔﺮات ﺑﻠﻮن اﻟﺪم واﻟﻤﺪاد ﻣﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﻘﺘﻠﻰ واﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ أﻟﻘﯿﺖ ﻓﯿﮫ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﺼﯿﺒﺔ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻷﻣﺔ ،ﺣﺘﻰ إن ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻤﺆرﺧﯿﻦ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﻮا أن ﯾﺼﻔﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼم ،ﻣﻦ ﺷﺪة ھﻮل وﺑﺸﺎﻋﺔ ﻣﺎ ارﺗﻜﺒﮫ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﺋﻢ . ﺛﻢ ﺗﻘﺪﻣﻮا إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ " ﺣﺮان " و" اﻟﺮﱡھﺎ " و" اﻟﺒﯿﺮة " وﻏﯿﺮھﺎ ،ووﺻﻠﻮا إﻟﻰ ﺣﻠﺐ ﻓﻲ ﺻﻔﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ 658ھـ ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﺼﺎر ﺷﺪﯾﺪ ،وﻓﻌﻠﻮا ﻓﯿﮭﺎ اﻷﻓﺎﻋﯿﻞ ،ﺛﻢ زﺣﻔﻮا ﻋﻠﻰ " دﻣﺸﻖ " ﻓﺎﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻓﻲ رﺑﯿﻊ اﻷول ﺳﻨﺔ 658ھـ ﺑﻌﺪ أن ﻓﺮ ﺣﺎﻛﻤﮭﺎ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﯾﻮﺳﻒ ﺑﻦ أﯾﻮب ﻓﻲ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﮫ ،ﺛﻢ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ "ﻧﺎﺑﻠﺲ" ،و"اﻟﻜﺮك" ،ﺛﻢ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ،و" ﻏﺰة" وذﻟﻚ دون أي ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺗﺬﻛﺮ ،ﺛﻢ ﺑﺪأت أﻧﻈﺎرھﻢ ﺗﺘﺠﮫ إﻟﻰ ﺑﻼد ﻣﺼﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ آﻧﺬاك .
وﺑﻌﺪھﺎ ﻏﺎدر ھﻮﻻﻛﻮ اﻟﺸﺎم ﻋﺎﺋﺪاً إﻟﻰ ﺑﻼده ﺑﺴﺒﺐ ﺻﺮاع ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﺟﺮى ﺑﯿﻦ إﺧﻮﺗﮫ ،ووﻟﻰ أﻣﻮر اﻟﺠﯿﺶ ﻗﺎﺋﺪه ﻛﺘﺒﻐﺎﻧﻮﯾﻦ ،وﻗﺒﻞ ﻣﻐﺎدرﺗﮫ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻛﺘﺎﺑﺎً إﻟﻰ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺼﺮ ﯾﮭﺪده وﯾﺘﻮﻋﺪه وﯾﻄﻠﺐ ﻣﻨﮫ ﺗﺴﻠﯿﻢ اﻟﺒﻼد ،وﻛﺎن ﺣﺎﻛﻤﮭﺎ ھﻮ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺰ أﯾﺒﻚ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻤﺮه آﻧﺬاك ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎً ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﺎدرًا ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﺘﺤﺪﯾﺎت ،وﻗﯿﺎدة اﻷﻣﺔ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺮﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﺑﮭﺎ ،ﻣﻤﺎ ﺣﺪا ﺑﺴﯿﻒ اﻟﺪﯾﻦ ﻗﻄﺰ إﻟﻰ ﺧﻠﻌﮫ وﺗﻮﻟﻲ زﻣﺎم اﻷﻣﻮر ﻣﻜﺎﻧﮫ وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 657ھـ . وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة وﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ اﻟﺸﯿﺦ ﻛﻤﺎل اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺪﯾﻢ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻷﻋﻼم ،وﻛﺎن ﻗﺪ أرﺳﻠﮫ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﯾﻮﺳﻒ ﺑﻦ أﯾﻮب ﺻﺎﺣﺐ دﻣﺸﻖ ﻃﺎﻟﺒﺎً ﻣﻦ ﻗﻄﺰ اﻟﻨﺼﺮة ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﺑﻐﻲ اﻟﺘﺘﺎر وﻃﻐﯿﺎﻧﮭﻢ . ﻓﺠﻤﻊ ﻗﻄﺰ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻷﻣﺮاء وﻗﺎدة اﻟﺠﻨﺪ وﺷﺎورھﻢ ﻓﯿﻤﺎ ﻋﺰم ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﻗﺘﺎل اﻟﺘﺘﺎر ،وأﺧْﺬِ اﻷﻣﻮال ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻟﺘﺠﮭﯿﺰ اﻟﺠﯿﺶ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ اﻟﺸﯿﺦ اﻹﻣﺎم اﻟﻌﺰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ﻓﻜﺎن ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﮫ " :إذا ﻃﺮق اﻟﻌﺪو ﺑﻼد اﻹﺳﻼم وﺟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻗﺘﺎﻟﮭﻢ ،وﺟﺎز ﻟﻜﻢ أن ﺗﺄﺧﺬوا ﻣﻦ اﻟﺮﻋﯿﺔ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻌﯿﻨﻮن ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﺟﮭﺎدﻛﻢ ،ﺑﺸﺮط أﻻ ﯾﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﺎل ﺷﻲء ،وﺗﺒﯿﻌﻮا ﻣﺎﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻮاﺋﺺ -وھﻲ ﺣﺰام اﻟﺮﺟﻞ وﺣﺰام اﻟﺪاﺑﺔ -اﻟﻤﺬَھﱠﺒﺔ واﻵﻻت اﻟﻨﻔﯿﺴﺔ ،وﯾﻘﺘﺼﺮ ﻛﻞ اﻟﺠﻨﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﻮﺑﮫ وﺳﻼﺣﮫ ،وﯾﺘﺴﺎووا ھﻢ واﻟﻌﺎﻣﺔ ،وأﻣﺎ أﺧﺬ اﻷﻣﻮال ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻣﻊ ﺑﻘﺎﯾﺎ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﺠﻨﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال واﻵﻻت اﻟﻔﺎﺧﺮة ﻓﻼ ".
وا إﺳﻼﻣﺎه ....وا إﺳﻼﻣﺎه ،ﯾﺎ اﷲ اﻧﺼﺮ ﻋﺒﺪك ﻗﻄﺰ رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات
رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات
ﻓﻌﻘﺪ ﻗﻄﺰ اﻟﻌﺰم ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎل اﻟﺘﺘﺎر ،وﻛﺎن أول ﺷﻲء ﻗﺎم ﺑﮫ ھﻮ ﻗﺘﻞ رُﺳُﻞِ ھﻮﻻﻛﻮ وﺗﻌﻠﯿﻘﮭﻢ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻘﺎھﺮة . ﺛﻢ ﺑﺪأ ﺑﺘﺠﮭﯿﺰ اﻟﺠﯿﺶ وأﺧﺬ اﻟﻌﺪﱠة ﻟﻠﻘﺘﺎل ،واﺳﺘﺪﻋﻰ ﺑﻌﺾ أﻣﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﻣﻦ اﻟﺸﺎم وﻣﻨﮭﻢ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﯿﺒﺮس اﻟﺒﻨﺪﻗﺪاري واﻧﻀﻤﻮا إﻟﻰ ﺟﯿﺸﮫ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﻟﮫ ﻗﺮاﺑﺔ أرﺑﻌﯿﻦ أﻟﻔًﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﺸﺎﻣﯿﺔ واﻟﻤﺼﺮﯾﺔ . ﺛﻢ ﺧﺮج ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ 658ھـ ،ﻓﻮﺻﻞ ﻣﺪﯾﻨﮫ "ﻏﺰة" وﻛﺎﻧﺖ ﺑﮭﺎ ﻗﻮات ﻣﻦ اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻘﯿﺎدة ﺑﯿﺪر ،ﻓﺪاھﻤﮭﺎ واﺳﺘﻌﺎد "ﻏﺰة " ﻣﻦ أﯾﺪﯾﮭﻢ ،وأﻗﺎم ﺑﮭﺎ ﯾﻮﻣًﺎ واﺣﺪًا ،ﺛﻢ ﻏﺎدرھﺎ ﺷﻤﺎﻻً ،وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ﺑﻠﻎ ﻛﺘﺒﻐﺎﻧﻮﯾﻦ ﻗﺎﺋﺪ ھﻮﻻﻛﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎم أن ﻗﻄﺰ ﻗﺪ ﺧﺮج ﻟﻘﺘﺎﻟﮫ ،ﻓﺎﺳﺘﺸﺎر أﺻﺤﺎﺑﮫ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﻓﻤﻨﮭﻢ ﻣﻦ رأى أن ﯾﺘﻤﮭﻞ ﺣﺘﻰ ﯾﺼﻞ إﻟﯿﮫ ﻣﺪد ﻣﻦ "ھﻮﻻﻛﻮ" ،وﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ رأى أن ﯾﺴﺮع ﺑﻠﻘﺎﺋﮫ ﻓﺎﺧﺘﺎر اﻟﺮأي اﻷﺧﯿﺮ . وﻛﺎن ﻗﻄﺰ ﻋﻨﺪ ﺧﺮوﺟﮫ ﻗﺪ ﺑﻌﺚ ﻃﻼﺋﻊ ﻣﻦ ﻗﻮاﺗﮫ ﺑﻘﯿﺎدة اﻷﻣﯿﺮ رﻛﻦ اﻟﺪﯾﻦ ﺑﯿﺒﺮس ﻟﻤﻨﺎوﺷﺔ اﻟﺘﺘﺎر ،واﺧﺘﺒﺎر ﻗﻮﺗﮭﻢ ،ﻓﻨﺎوﺷﮭﻢ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻘﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻋﻨﺪ " ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت " ﺑﯿﻦ " ﺑﯿﺴﺎن " و" ﻧﺎﺑﻠﺲ " وﻓﻲ ﯾﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ 25رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ 658ھـ اﺑﺘﺪأ اﻟﻘﺘﺎل ﺑﯿﻦ اﻟﺠﯿﺸﯿﻦ ،وﻛﺎن اﻟﺘﺘﺎر ﯾﺤﺘﻠﻮن اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت اﻟﻤُﻄِﻠﱠﺔ ﻋﻠﻰ " ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت " ، ﻓﺎﻧﻘﻀﻮا ﻋﻠﻰ ﺟﯿﺶ ﻗﻄﺰ وﺗﻐﻠﻐﻠﻮا ﺣﺘﻰ اﺧﺘﺮﻗﻮا اﻟﻤﯿﺴﺮة ،وأﺣﺪث ذﻟﻚ ﺷﺮﺧﺎً ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺶ ،ﻓﺘﻘﺪم ﻗﻄﺰ ﺑﻘﻮات اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻘﻮدھﺎ واﻗﺘﺤﻢ اﻟﻘﺘﺎل ﺑﻨﻔﺴﮫ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻌﺎد اﻟﺠﯿﺶ ﺗﻮازﻧﮫ . وﻛﺎن ﻗﻄﺰ ﻗﺪ أﺧﻔﻰ ﻗﻮاﺗﮫ اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺎب واﻟﺘﻼل اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ"ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت" ﻟﯿﺒﺎﻏﺖ ﺑﮭﺎ اﻟﻌﺪو ،ﻓﻠﻤﺎ رأوا اﺷﺘﺪاد اﻟﻘﺘﺎل ھﺠﻤﻮا ﻋﻠﻰ ﺟﯿﺶ اﻟﺘﺘﺎر ،و ﻗﻄﺰ أﻣﺎﻣﮭﻢ ﯾﺼﺮخ وﯾﺼﯿﺢ :وا إﺳﻼﻣﺎه ....وا إﺳﻼﻣﺎه ،ﯾﺎ اﷲ اﻧﺼﺮ ﻋﺒﺪك ﻗﻄﺰ " ،وھﻮ ﯾﺸﺠﻊ أﺻﺤﺎﺑﮫ وﯾﺤﺴّﻦ ﻟﮭﻢ اﻟﻤﻮت ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻞ ﻓﺮﺳﮫ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﮫ ،وﻛﺎد أن ﯾﺘﻌﺮض ﻟﻠﻘﺘﻞ ﻟﻮﻻ أن أﺳﻌﻔﮫ أﺣﺪ ﻓﺮﺳﺎﻧﮫ ﻓﻨﺰل ﻟﮫ ﻋﻦ ﻓﺮﺳﮫ . وﻣﺎ ھﻲ إﻻ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ اﻧﻘﻠﺒﺖ ﻣﻮازﯾﻦ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﺎرﺗﺒﻜﺖ ﺻﻔﻮف اﻟﻌﺪو ،وﺷﺎع أن ﻗﺎﺋﺪھﻢ ﻛﺘﺒﻐﺎﻧﻮﯾﻦ ﻗﺪ ﻗﺘﻞ ،ﻓﻔَﺖﱠ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﻀﺪھﻢ ،ووﻟﻮا اﻷدﺑﺎر ﯾﺠﺮون أذﯾﺎل اﻟﺨﯿﺒﺔ واﻟﮭﺰﯾﻤﺔ . وﻟﻤﺎ رأى ﻗﻄﺰ اﻧﻜﺴﺎر اﻟﺘﺘﺎر ﻧﺰل ﻋﻦ ﻓﺮﺳﮫ ،وﻣﺮﱠغ وﺟﮭﮫ ﺑﺎﻷرض ﺧﻀﻮﻋﺎً وﺗﻮاﺿﻌﺎً ﷲ ﺟﻞ وﻋﻼ ﺛﻢ ﺻﻠﻰ رﻛﻌﺘﯿﻦ ﺷﻜﺮًا ﷲ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺼﺮ اﻟﻤﺒﯿﻦ . وھﻜﺬا ﻛﺎن ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن اﻟﻤﺒﺎرك ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻊ ھﺬا اﻟﯿﻮم اﻟﺨﺎﻟﺪ ﻓﻲ ﺣﯿﺎة اﻷﻣﺔ ،واﻟﺬي ھﺰم اﷲ ﻓﯿﮫ اﻟﺘﺘﺎر ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺨﮭﻢ ﻣﻨﺬ ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن ،وﺗﻼﺷﺖ ﺑﻌﺪه آﻣﺎﻟﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ ﺑﻼد اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ .
وﻛﺎن ﻗﻄﺰ ﻗﺪ أﺧﻔﻰ ﻗﻮاﺗﮫ اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺎب واﻟﺘﻼل اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ"ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت" ﻟﯿﺒﺎﻏﺖ ﺑﮭﺎ اﻟﻌﺪو ،ﻓﻠﻤﺎ رأوا اﺷﺘﺪاد اﻟﻘﺘﺎل ھﺠﻤﻮا ﻋﻠﻰ ﺟﯿﺶ اﻟﺘﺘﺎر ،و ﻗﻄﺰ أﻣﺎﻣﮭﻢ ﯾﺼﺮخ وﯾﺼﯿﺢ :وا إﺳﻼﻣﺎه ....وا إﺳﻼﻣﺎه ،ﯾﺎ اﷲ اﻧﺼﺮ ﻋﺒﺪك ﻗﻄﺰ "
رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات
ﻣﺮت ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺨﮭﻢ ﻓﺘﺮات ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ واﻟﻔﺮﻗﺔ واﻟﺸﺘﺎت ،ﻛﺜﺮت ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺨﻼﻓﺎت وﺗﻌﺪّدت ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺮاﯾﺎت ،وﺗﻤﺰﻗﻮا ﺷﺮ ﻣﻤﺰق ﺣﺘﻰ ﻃﻤﻊ ﻓﯿﮭﻢ أﻋﺪاؤھﻢ ،وﻣﻦ رﺣﻤﺔ اﷲ ﺑﮭﺬه اﻷﻣﺔ أن ﻗﯿّﺾ ﻟﮭﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻷﺧﺮى رﺟﺎﻻً ﯾﺬودون ﻋﻦ ﺣﻤﺎھﺎ وﯾﻌﯿﺪون ﻟﮭﺎ ھﯿﺒﺘﮭﺎ وﻛﺮاﻣﺘﮭﺎ ،وﻣﻦ ھﺆﻻء اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻌﺎدل ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﻮد زﻧﻜﻲ اﻟﻤﺸﮭﻮر ﺑـ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺸﮭﯿﺪ اﻟﺬي ﻋﺮف ﺑﻌﺪﻟﮫ وﺗﻘﻮاه وورﻋﮫ وﻋﺒﺎدﺗﮫ وﺣﺒﮫ ﻟﻠﺠﮭﺎد . وﻛﺎن ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻗﺪ اﻧﮭﺰم ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 558ھـ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﻋُﺮﻓﺖ ﺑـ " اﻟﺒﻘﯿﻌﺔ " ،وﺳﺒﺒﮭﺎ أﻧﮫ رﺣﻤﮫ اﷲ ﺟﻤﻊ ﻋﺴﺎﻛﺮه ودﺧﻞ ﺑﻼد اﻟﻔﺮﻧﺞ وﻧﺰل ﻓﻲ " اﻟﺒﻘﯿﻌﺔ " ﺗﺤﺖ ﺣﺼﻦ اﻷﻛﺮاد ﻣﺤﺎﺻﺮًا ﻟﮫ ،ﻋﺎزﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺪ ﻃﺮاﺑﻠﺲ وﻣﺤﺎﺻﺮﺗﮭﺎ ،ﻓﺎﺗﻔﻖ اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﻏﺘﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻧﮭﺎراً وھﻢ آﻣﻨﻮن ،وﺑﯿﻨﻤﺎ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻣﮭﻢ وﺳﻂ اﻟﻨﮭﺎر ﻟﻢ ﯾﺮُﻋْﮭﻢ إﻻ ﻇﮭﻮر اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻣﻦ وراء اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺬي ﻋﻠﯿﮫ ﺣﺼﻦ اﻷﻛﺮاد ،ﻓﺄراد اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻨﻌﮭﻢ ﻓﻠﻢ ﯾﻄﯿﻘﻮا ذﻟﻚ ،ﻓﺄرﺳﻠﻮا إﻟﻰ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﯾُﻌْﻠِﻤﻮﻧﮫ ﺑﻤﺎ ﺣﺼﻞ وﯾﻄﻠﺒﻮن ﻣﻨﮫ اﻟﻨﺠﺪة ،إﻻ أن ﻣﺒﺎﻏﺘﺔ اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻟﮭﻢ ﺣﺎﻟﺖ دون أﺧﺬ اﻟﻌﺪة واﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻘﺎﺋﮭﻢ ،ﻓﮭﺠﻢ ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ رﻛﻮب اﻟﺨﯿﻞ أو أﺧﺬ اﻟﺴﻼح ،وأﻛﺜﺮوا ﻓﯿﮭﻢ اﻟﻘﺘﻞ واﻷﺳﺮ ،واﺳﺘﻄﺎع ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ أن ﯾﻨﺠﻮ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺳﮫ ﺣﺘﻰ ﻧﺰل ﻋﻠﻰ ﺑﺤﯿﺮة " ﻗﺪس " ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺣﻤﺺ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﯾﺒﻌﺪ أرﺑﻌﺔ ﻓﺮاﺳﺦ ﻋﻦ ﻣﻜﺎن اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،وﻟﺤﻖ ﺑﮫ ﻣﻦ ﺳﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ ﺣﺘﻰ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﺑﮫ وﻛﺎن ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﮫ ﻟﮫ ﺑﻌﻀﮭﻢ : " ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺮأي أن ﺗﻘﯿﻢ ھﺎھﻨﺎ ،ﻓﺈن اﻟﻔﺮﻧﺞ رﺑﻤﺎ ﺣﻤﻠﮭﻢ اﻟﻄﻤﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﻲء إﻟﯿﻨﺎ ﻓﻨﺆﺧﺬ وﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺤﺎل ،ﻓﻘﺎل ﻟﮭﻢ " :إذا ﻛﺎن ﻣﻌﻲ أﻟﻒ ﻓﺎرس ﻟﻘﯿﺘﮭﻢ وﻻ أﺑﺎﻟﻲ ﺑﮭﻢ ،وواﷲ ﻻ أﺳﺘﻈﻞ ﺑﺴﻘﻒ ﺣﺘﻰ آﺧﺬ ﺑﺜﺄري وﺛﺄر اﻹﺳﻼم " وﻛﺎن اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻗﺪ ﻋﺰﻣﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﺣﻤﺺ ﺑﻌﺪ اﻧﺘﺼﺎرھﻢ ،ﻷﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻗﺮب اﻟﺒﻼد إﻟﯿﮭﻢ ،وﻟﻤﺎ ﺑﻠﻐﮭﻢ ﻧﺰول ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﺑﯿﻨﮭﺎ وﺑﯿﻨﮭﻢ ﻗﺎﻟﻮا :ﻟﻢ ﯾﻔﻌﻞ ھﺬا إﻻ وﻋﻨﺪه ﻗﻮة ﯾﻤﻨﻌﻨﺎ ﺑﮭﺎ ،ﻓﺮاﺳﻠﻮه ﯾﻄﻠﺒﻮن ﻣﻨﮫ اﻟﺼﻠﺢ ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺒﮭﻢ ،وﺗﺮﻛﻮا ﻋﻨﺪ ﺣﺼﻦ اﻷﻛﺮاد ﻣﻦ ﯾﺤﻤﯿﮫ وﻋﺎدوا إﻟﻰ ﺑﻼدھﻢ وﺑﻌﺪھﺎ ﺑﺪأ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ رﺣﻤﮫ اﷲ ﺑﺘﺠﮭﯿﺰ ﻗﻮاﺗﮫ ،اﺳﺘﻌﺪاداً ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻔﺮﻧﺞ واﻷﺧﺬ ﺑﺎﻟﺜﺄر ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺧﺼﺺ أﻣﻮاﻻً ﻣﻦ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﺎل ﯾﻨﻔﻘﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻌﺒﺎد واﻟﻔﻘﺮاء ،ﻓﻘﺎل ﻟﮫ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﮫ ﻟﻤﺎ رأى ﻛﺜﺮة إﻧﻔﺎﻗﮫ " :ﻟﻮ اﺳﺘﻌﻨﺖ ﺑﮭﺬه اﻷﻣﻮال ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻜﺎن أﺻﻠﺢ ،ﻓﻐﻀﺐ ﻋﻠﯿﮭﻢ وﻗﺎل " :واﷲ إﻧﻲ ﻻ أرﺟﻮ اﻟﻨﺼﺮ إﻻ ﺑﺄوﻟﺌﻚ ،ﻓﺈﻧّﻤﺎ ﺗﺮزﻗﻮن وﺗﻨﺼﺮون ﺑﻀﻌﻔﺎﺋﻜﻢ ،ﻛﯿﻒ أﻗﻄﻊ ﺻﻼة ﻗﻮم ﯾﻘﺎﺗﻠﻮن ﻋﻨﻲ وأﻧﺎ ﻧﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﺷﻲ ﺑﺴﮭﺎم ﻻ ﺗﺨﻄﺊ ،وأﺻﺮﻓﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻻ ﯾﻘﺎﺗﻞ ﻋﻨﻲ إﻻ إذا رآﻧﻲ ﺑﺴﮭﺎم ﻗﺪ ﺗﺼﯿﺐ وﻗﺪ ﺗﺨﻄﺊ ؟ ، وھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻟﮭﻢ ﻧﺼﯿﺐ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﺎل ،ﻛﯿﻒ ﯾﺤﻞ ﻟﻲ أن أﻋﻄﯿﮫ ﻏﯿﺮھﻢ " . وﻓﻲ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﺳﻨﺔ 559ھﺠﺮﯾﺔ ﺧﺮج اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻣﻦ " ﻋﺴﻘﻼن " ﻟﻘﺘﺎل أﺳﺪ اﻟﺪﯾﻦ ﺷﯿﺮﻛﻮه ﺑﻤﺼﺮ ،ﻓﺎﺳﺘﻐﻞ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻓﺮﺻﺔ ﺧﺮوﺟﮭﻢ ،وراﺳﻞ اﻷﻣﺮاء ﯾﻄﻠﺐ اﻟﻌﻮن واﻟﻨﺼﺮة ﻓﺠﺎؤوا ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓَﺞّ ،وﻛﺘﺐ إﻟﻰ اﻟﺰُھﱠﺎد واﻟﻌﺒﺎد ﯾﺴﺘﻤﺪّ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﺪﻋﺎء ،وﯾﻄﻠﺐ أن ﯾﺤﺜﻮا اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺰو واﻟﺠﮭﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ . وﻟﻤﺎ اﺟﺘﻤﻌﺖ اﻟﺠﯿﻮش ﺳﺎر ﻧﺤﻮ " ﺣﺎرم " -وھﻮ ﺣﺼﻦ ﺣﺼﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﻧﺎﺣﯿﺔ ﺣﻠﺐ -ﻓﻲ ﺷﮭﺮ رﻣﻀﺎن ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺴﻨﺔ ﻓﺤﺎﺻﺮھﺎ وﻧﺼﺐ اﻟﻤﺠﺎﻧﯿﻖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ اﻟﺰﺣﻒ ﻟﻠﻘﺎء اﻟﻔﺮﻧﺞ اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺠﻤﻌﻮا ﻗﺮﯾﺒﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺣﻞ ﻣﻊ أﻣﺮاﺋﮭﻢ وﻓﺮﺳﺎﻧﮭﻢ ﺑﺰﻋﺎﻣﺔ أﻣﯿﺮ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ . وﻗﺒﯿﻞ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻧﻔﺮد ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﺗﺤﺖ ﺗﻞ " ﺣﺎرم " ،وﺳﺠﺪ ﷲ وﻣﺮﱠغ وﺟﮭﮫ وﺗﻀﺮع وﻗﺎل " :ﯾﺎ رب ھﺆﻻء ﻋﺒﯿﺪك وھﻢ أوﻟﯿﺎؤك ،وھﺆﻻء ﻋﺒﯿﺪك وھﻢ أﻋﺪاؤك ،ﻓﺎﻧﺼﺮ أوﻟﯿﺎءك ﻋﻠﻰ أﻋﺪاﺋﻚ " " .....أﯾﺶ ﻓﻀﻮل ﻣﺤﻤﻮد ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻂ " وھﻮ ﯾﻌﻨﻲ أﻧﻚ إن ﻧﺼﺮﺗﻨﺎ ﻓﺪﯾﻨﻚ ﻧﺼﺮت ﻓﻼ ﺗﻤﻨﻊ اﻟﻨﺼﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﺴﺒﺒﻲ ،ﺛﻢ ﻗﺎل " :اﻟﻠﮭﻢ اﻧﺼﺮ دﯾﻨﻚ وﻻ ﺗﻨﺼﺮ ﻣﺤﻤﻮداً ،ﻣﻦ ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻜﻠﺐ ﺣﺘﻰ ﯾُﻨﺼﺮ " ؟! . وﺑﺪأ اﻟﻘﺘﺎل واﻟﺘﺤﻤﺖ اﻟﺼﻔﻮف ،ﻓﮭﺠﻢ اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﯿﻤﻨﺔ اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺮاﺟﻌﺖ اﻟﻤﯿﻤﻨﺔ وﺑﺪا وﻛﺄﻧﮭﺎ اﻧﮭﺰﻣﺖ ، وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﺧﻄﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﺗﱡﻔِﻖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻟﻜﻲ ﯾﻠﺤﻖ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻓﻠﻮل اﻟﻤﯿﻤﻨﺔ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﯿﻨﮭﻢ وﺑﯿﻦ اﻟﻤﺸﺎة ﻣﻦ ﻗﻮاﺗﮭﻢ ،ﻓﯿﺘﻔﺮغ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎة ،ﻓﺈذا رﺟﻊ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻟﻢ ﯾﺠﺪوا أﺣﺪاً ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎة اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺤﻤﻮن ﻇﮭﻮرھﻢ . وﺑﮭﺬه اﻟﺨﻄﺔ أﺣﺎط ﺑﮭﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وأﻟﺤﻘﻮا ﺑﮭﻢ ھﺰﯾﻤﺔ ﻣﺪوﯾﺔ ،وﺧﺴﺎﺋﺮ ﻓﺎدﺣﺔ ﻗُﺪﱢرت ﺑﻌﺸﺮة آﻻف ﻗﺘﯿﻞ ،وﻣﺜﻞ ھﺬا اﻟﻌﺪد أو أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺮى ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻷﺳﺮى أﻣﯿﺮ " أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ " ،وأﻣﯿﺮ " ﻃﺮاﺑﻠﺲ " ،وﺣﺎﻛﻢ " ﻗﯿﻠﯿﻘﯿﺔ " اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﻲ ،وﻗﺪ أﺳﺮ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻣﺮاء ﻋﺪا أﻣﯿﺮ " اﻷرﻣﻦ " . وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ " ﺣﺎرم " ﺑﻌﺪ أن أﺟﻠﻰ اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻋﻨﮭﺎ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﺘﺤﺎً ﻛﺒﯿﺮاً ،وﻧﺼﺮاً ﻣﺒﯿﻨﺎً أﻋﺎد ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﮭﯿﺒﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب أﻋﺪاﺋﮭﻢ ،وأﻋﺰ اﷲ ﺟﻨﺪه وأوﻟﯿﺎءه ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﮭﺮ اﻟﻤﺒﺎرك .
رﻣﻀﺎن ﺷﮭﺮ اﻻﻧﺘﺼﺎرات