Ithinkmagazin 31

Page 1

‫هيئة التحرير‬ ‫أمين غوجل‬ ‫أخيل‬ ‫تيتان‬ ‫نور‬ ‫‪Hunger Mind‬‬ ‫دين‬ ‫تامبي‬ ‫كاترينا‬ ‫بن باز عزيز‬ ‫رامي‬

‫‪1‬‬

‫افتتاحية العدد‬

‫‪3‬‬

‫ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان‬

‫‪7‬‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪24‬‬

‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬

‫‪26‬‬

‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫‪40‬‬

‫مدخل موجز إىل فكر جودي كريشناموريت‬

‫‪46‬‬

‫هجن بشرية‬

‫‪62‬‬

‫بطالن االدلة العقلية‬

‫‪66‬‬

‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫‪72‬‬

‫امرأة غامضة‬

‫‪76‬‬

‫أمسائي يف املشفى‬

‫‪78‬‬

‫سراديب اآلهله ‪ -‬القسم األول‬

‫‪84‬‬

‫االحلاد بني اليوم واالمس‬

‫‪88‬‬

‫خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق‬

‫‪92‬‬

‫سـ ــورة م ــن مثل ـ ــه‬

‫‪94‬‬

‫أصنام ( املسلمني)‬

‫‪96‬‬

‫اسطورة ‪ Pegasus‬اليونانية و براق حممد الطائر‬

‫‪ 102‬فصل من كتاب «التارو ىف روح الزن»‬


‫كلمة رئيس التحرير‬ ‫واقع‬ ‫رمبا تكون مجلة « هؤالء ال ميثلون االسالم « و هذا ليس اسالماً وال ميت لألسالم بصلة « و اذا‬ ‫كان املسلمون سيئيني فال تتهمو األسالم بالسوء» من أكثر اجلمل استخداماً للدفاع عن انتشار‬ ‫العته االسالمي خصوصاً و باالتأكيد يستعمل يف بقية الديانات عموماً بنفس املعىن ‪.‬‬ ‫فكرهتم أن ماحيصل هو تطبيق سئ لألسالم رغم أن اكثر املسلمني تطرفاً هو برأيي و حبس‬ ‫النصوص االسالمية هو أقرهبم لتطبيق االسالم بصورته الصحيحة ‪.‬‬ ‫فالضرب فوق االعناق و قطع االيادي و اجللد و نشر الدين بالقوة هي آيات حمكمات يف القرآن‬ ‫ملن يعرف القرآن و مدعومة بعشار األحاديث الصحيحة ملن يعرف األحاديث ‪.‬‬ ‫لكن سنفرتض جدالً أن هذه الكذبه هي الواقع و أن هؤالء املليار مل يفهم احد منهم االسالم‬ ‫و لن يستطيع أي مسلم يتكلم مبنطق اجلمل اليت أوردهتا اعاله أن يدلك على ثالثة مسلمني من‬ ‫ضمن املليار يطبقون االسالم الصحيح (جربوها)‬ ‫بكل األحوال لنتفرض ن هؤالء ال ميثلون األسالم و هؤالء ال ميثلون املسيحية و هؤالء ال ميثلون‬ ‫اليهودية و هلم جرا‬ ‫واقعياً ما الذي ميكن أن يشكل فارقاً ‪.‬‬ ‫اآلن االديان هتدم كل منتجات احلضارة االنسانية بشكل ممنهج حالياً االسالم يضرب ارهاباً مينة و‬ ‫يسرة و حيصد االرواح‬ ‫واقعياً الكنائس حتارب كل ماهو علمي و انساين ‪ .‬واقعياً اليهودية تلغي كل خمتلف عنها أو تصهرة‬ ‫ببوتقة مسخ ‪.‬‬ ‫الواقع و بغض النظر عن فهم ذلك الدين أو الدين اآلخر هي أمور قاتلة و بأمتياز مثلها مثل‬ ‫اسلحة الدمار الشامل و تلغي و تشوه كل االخالقيات االنسانية اليت وصل هلا االنسان احلر ‪.‬‬ ‫اليهمين بصراحة اذا كان اتباع املاركسية أو البوذية مثالً اليفهمون ايديولوجيتهم‬ ‫و علينا أن نتحمل قتلهم و ختريبهم للكوكب و ال حناول منعهم حبجة أن املاركسية أو البوذية براء‬ ‫منهم و جيب احرتامها ‪.‬‬ ‫ال يهم ‪.‬‬

‫املتدينون و ادياهنم كينونة واحدة قاتلة و مدمرة و سافكة للدماء جيب القضاء عليها ك افكار أو‬ ‫حتييدها على األقل ‪.‬‬ ‫أما مسألة عدم متثيلهم ملا يؤمنون فيه فعدا اهنا فكرة غري واقعية أن يكون ‪ 4‬مليارات مؤمن مل يفهم‬ ‫اياً منهم دينه‬ ‫فهي مسألة ال هتمين شخصياً و ال جيب أن هتم أحداً غريهم ‪.‬‬ ‫العته و خاصة اذا كان يسبب القتل و ضياع مكتسبات احلضارة االنسانية و انعدام االخالقيات ال‬ ‫حيرتم و لو مسيتموه مقدساً ‪.‬‬ ‫العته و الغباوات القاتله هي عته و غباوات قاتله و ال توجد تسميه ( اكثر احرتاماً ) هلذه الغباوات‬ ‫‪.‬‬ ‫الدين نظام جمتمعي قائم حيرض على الكراهية و العنف و القتل و جيب على كل مؤمن باالنسانية‬ ‫أن يقاومه ‪.‬‬ ‫مثلما نقاوم اجلرمية و التلوث البيئي و جتارة املخدرات و العبودية ‪.‬‬ ‫ال بل أن االديان تدعم منهجياً كل ما سبق و اكثر بكثري ‪.‬‬ ‫اصدقائي‬ ‫مقاومة الدين ليست ترفاً فكرياً‬ ‫بل دفاع مشروع عن النفس و عن الغري و عن احلضارة ‪.‬‬ ‫و عيشو سعداء‬ ‫أمين غوجل‬ ‫مؤسس و رئيس التحرير‬

‫‪facebook.com/I.Think.Magazine‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬


‫ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان‬

‫ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان‬

‫يصادف هذه األيام ذكرى ميالد العامل الفيزيائي األمريكي ريتشارد فاينمان الذي‬ ‫ول يف ‪ 11‬أيار من عام ‪ ،1918‬والذي يعد واحداً من أعظم علماء القرن العشرين‪،‬‬ ‫واملعروف مبسامهاته الواسعة يف نظرية الكم وفيزياء اجلسيمات‪ ،‬وبسبب إسهاماته‬ ‫يف نظرية الكهروديناميكا الكمية حصل على جائزة نوبل للفيزياء عام ‪.1965‬‬

‫‪3‬‬

‫ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان‬

‫من أقوال ريتشارد فاينمان يف الشك وعدم اليقني‪:‬‬ ‫• ميكنين أن أتعايش مع الشك وعدم اليقني وعدم املعرفة‪ ،‬أعتقد أن التعايش‬ ‫م ــع ع ــدم امل ــع ــرف ــة أك ــث ــر تشويق اً وأف ــض ــل م ــن االع ــت ــق ــاد يف إج ــاب ــات خ ــاط ــئ ــة‪ .‬لدي‬ ‫إجابات تقريبية ومعتقدات تتسم باالحتمالية ودرجات خمتلفة من اليقني حول‬ ‫أشياء متعددة‪ .‬ولكىن لست متأكداً بشكل تام من أي شيء ويف بعض احلاالت‬ ‫ال أعرف أي شيء على اإلطالق عن أشياء من قبيل‪ :‬السؤال اخلاص بلماذا حنن‬ ‫هنا‪ ،‬وهل حيمل أي معىن على اإلطالق‪ ،‬ميكنين التفكري بصدده ملدة قصرية ولكن‬ ‫إذا مل أستطع إجياد إجابة‪ ،‬أتوجه بفكري إىل أي شيء أخر‪ ،‬فأنا لست مضط راً ألن‬ ‫أمتلك إجابة يقينية‪.‬‬ ‫ال أشعر باخلوف من عدم معرفة األشياء‪ ،‬من الضياع يف كون غامض ال حيمل‬ ‫أي هدف أو غاية‪ ،‬وهذه هي حقيقته فع الً كما ميكنين أن أمخن ‪ ..‬هذا ال خييفين‬ ‫البتة ‪.‬‬ ‫ويف شرحه خلطوات الوصول إىل قانون يتفق مع الواقع التجرييب يقول‪:‬‬ ‫• أوالً نقوم بتخمني القانون‬ ‫• مث نقوم حبساب نتائج هذا التخمني لنرى ما سيعنيه إن كان هذا القانون‬ ‫الذي مخّناه صحيح‪ .‬مث نقارن نتائج احلسابات بالطبيعة‪ ،‬بالتجربة‪ ،‬نقارهنا مباشرًة‬ ‫باملالحظة‪ ،‬لنرى ما إن كانت تعمل لو كانت تتعارض مع التجربة فهي خاطئة‪.‬‬ ‫• ال يهم مدى مجال ختمينك‪ ،‬ال يهم مدى ذكاؤك‪ ،‬ال يهم من قام بالتخمني‪،‬‬ ‫أو ما هو امسه‪ ،‬لو كانت تتعارض مع التجربة فهي خطأ‪.‬‬ ‫وعن غ رابة فيزياء اجلسيمات ونظرية الكوانتوم يقول‪:‬‬ ‫• إن نظرية االلكرتوديناميك الكمية تصف الطبيعة بصورة منافية للعقل‪،‬‬ ‫من وجهة نظر املنطق السليم‪ .‬ولكنها تتفق مع التجربة‪ ،‬لذلك آمل أن تتقبلوا‬

‫‪4‬‬


‫ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان‬

‫ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان‬

‫الطبيعة كما هي‪ ،‬منافية للعقل !!‬ ‫• من الصعب جداً تصديق كل األشياء اجلنونية ‪ ..‬اليت هي األمور عليها يف‬ ‫الواقع‬ ‫تتصرف اإللكرتونات كأمواج ‪ ..‬ال ليس متام اً !!‬ ‫تتصرف مثل جسيمات ‪ ..‬ال ليس متام اً !!‬ ‫افرتضوا أن تلك األشياء الصغرية ‪ ..‬تصرفت بشكل خمتلف ج ــداً عن أي شيء‬ ‫كبري‬ ‫ال شيء هو حق اً ما يبدو عليه ‪ ..‬إهنا خمتلفة بشكل مذهل ‪ ..‬عن أي شيء كبري‬ ‫العامل هو فوضى ديناميكية من األشياء املهتزة ‪ ..‬من الصعب تصديقها‬ ‫علي أن أتوقف يف مكان ما ‪ ..‬سأترك لكم شيئ اً لتخيله‬ ‫وعن فكرة اإلله يقول‪:‬‬ ‫• اهلل ما هو إال كلمة مت اخ رتاعها لتفسري األشياء الغامضة‪ ،‬فهو يتم استخدامه‬ ‫دائم اً لتفسري األشياء اليت ال تفهمها‪ .‬اآلن عندما تكتشف يف النهاية كيفية عمل‬ ‫ظاهرة ما‪ ،‬فأنت متتلك بعض القوانني اليت أخذهتا من نطاق اإلله‪ ،‬ومل تعد حباجة‬ ‫إليه لتفسري هذه الظاهرة‪ ،‬ولكنك حتتاجه بالنسبة إىل األلغاز األخ ــرى‪ .‬ومن مث‬ ‫فأنت ترتكه خيلق الكون ألننا مل نكتشف أصل الكون بعد‪ ،‬أنت حباجة إليه لفهم‬ ‫األشياء اليت تعتقد بأن القوانني العلمية لن تفسرها مثل الوعى اإلنساين أو ملاذا‬ ‫حتيا لفرتة معينة من الزمن ‪ ..‬احلياة واملوت ‪ ..‬وأشياء من هذا القبيل‪ .‬دائم اً ما‬ ‫يتم ربط اآلهلة باألشياء اليت ال تفهمها‪ ،‬و لذلك فأنا ال أعتقد بأن قوانني الطبيعة‬ ‫ميكن اعتبارها شبيهة باإلله ألننا قد عرفنا آلية عملها ومل تعد غامضة على‬ ‫اإلطالق ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬


‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪7‬‬

‫ما هي «النظرية العلمية»‪ ،‬وم ــا هي صلتها بالواقع ال ــذي تصفه؟ ال ي ـزال هذا‬ ‫السؤال مطروح اً طرح اً ملح اً‪ ،‬على الرغم من التقدم الذي حققته العلوم النظرية‬ ‫والتطبيقية‪ .‬وهو يعكس إشارة أعمق إىل صلة الوعي اإلنساين مبوضوع معرفته‪.‬‬ ‫أي عمل معريف‬ ‫كل ما ِّ‬ ‫يعب عنه ُّ‬ ‫ص لب احلق أن هذا السؤال حياول أن يسرب َّ‬ ‫ويف ُ‬ ‫أو فين‪.‬‬ ‫ولعل العلم يف تنوع ط رائقه وجماالته‪ ،‬ويف انفتاحه الدائم على ما هو أوسع وأغىن‬ ‫وأمجل‪ ،‬ويف حدسه‪ ،‬كما ويف اختباراته التجريبية‪ ،‬إمنا ميثل ذائقة فنية بالدرجة‬ ‫املتذوق وبني‬ ‫األوىل! وإن هذه الذائقة ال تنمو إال عرب إقامة الصلة العميقة بني ِّ‬ ‫موضوعه اجلمايل‪ .‬وهلذا السبب كان اإلبداع الفين مفتوح اً دائم اً بال حدود؛ وهلذا‬ ‫السبب نفسه أيض اً‪ ،‬مل يكن للعلم أن يبين نظرياته بناء حمدوداً وهنائي اً‪ :‬فهو ال‬ ‫يكتفي بإخضاعها للتجربة للربهان على صحتها‪ ،‬بل هو يقيس تقدُّمه حبالة‬ ‫جس دها يف لوحته األخرية!‬ ‫الشعور بالرضا أمام التناغمات اليت َّ‬ ‫حتكي قصة العلم عن رحلة فريدة‪ ،‬حاول فيها الوعي سرب هذه الصلة القائمة‬ ‫بني اإلنسان والطبيعة‪ .‬وال ت زال هذه القصة مستمرة‪ ،‬مبا هي عمل فين وتاريخ‪ ،‬ال‬ ‫دون عرب إجنازاتنا التطبيقية والنظرية فحسب‪ ،‬بل وعرب ما ِّ‬ ‫حيق قه فينا من تفتح‬ ‫يُ َّ‬ ‫نفسي وعقلي وروحي‪.‬‬ ‫***‬ ‫ترجع قصة العلم إىل تاريخ حضارات عريقة‪ ،‬كاملصرية والبابلية واهلندية والصينية‬ ‫واليونانية والعربية‪ .‬لكن العلم مل يأخذ شكله املنهجي إال مع بداية عصر النهضة‬ ‫األوروبية – هذا املنهج الذي تبلور وتعدَّل كث رياً عرب القرون القليلة املاضية‪.‬‬ ‫وال شك أن بيكون ‪ Bacon‬لعب دوراً أساسي اً يف متايز املنهج العلمي‪ :‬فهو‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫مل ي ــك ــن ي ــع ــت ــق ــد ب ــض ــرورة‬ ‫ال ــع ــودة إىل أرسطو أو إىل‬ ‫الكنيسة من أجل حتديد‬ ‫م ـ ــوق ـ ــف م ـ ــع ـ ــريف‪ ،‬ف ــك ــان‬ ‫ن ـ ـ ـ ــداؤه ص ــرحي ـ ـاً ب ــض ــرورة‬ ‫فصل املعتقد عن املنهج‬ ‫املعريف احلر للحقيقة‪ .‬وقد‬ ‫أهل ــم ــت ــه أع ــم ــال ن ــي ــك ــوالس‬ ‫ك ـ ـ ــوب ـ ـ ــرن ـ ـ ــي ـ ـ ــك ـ ـ ــوس ‪N.‬‬ ‫‪ Copernicus‬وتيخو‬ ‫ب ـ ـ ـراه ـ ــي ‪T. Brahe‬‬ ‫ويوهانس كبلر ‪ J. Kepler‬وغاليليو غاليليه ‪ G. Galilée‬ووليم هاريف ‪W.‬‬ ‫‪ Harvey‬وغريهم مقولته يف أنه جيب أال تُبىن الفلسفة الطبيعية على األفكار‬ ‫السلفية واألفكار الثابتة‪ ،‬وأن املنطق جيب أن يرتكز على رصد األشياء احملسوسة‬ ‫واختبارها‪.‬‬ ‫طرحت هذه اللغة اجلديدة‪ ،‬اليت ُسِّ يت بـ»العلم» ‪ Science‬فيما بعد‪ ،‬إشكاليات‬ ‫كثرية يف البداية‪ :‬ذلك أنه ال ميكن دائم اً تعميم حاالت حمدودة وقليلة الستنتاج‬ ‫نظرية عامة ثابتة‪ .‬ومرة بعد مرة‪ ،‬بدأ العلم يعرتف بأن تعديل نظرياته هو أساس‬ ‫تقدُّمه – ه ــذا التعديل ال ــذي يعين لغة قائمة ب ــذاهت ــا‪ ،‬ه ــي لغة املعرفة املستمرة‬ ‫والقابلة دائم اً للتعديل واالنفتاح‪.‬‬ ‫ومن أجل تاليف عدم القدرة على التعميم انطالق اً من معطيات جزئية‪ ،‬طرح بيكون‬ ‫منهجه العلمي االستق رائي‪ ،‬حيث ميكن بناء فرضية على معطيات بسيطة‪ ،‬حبيث‬ ‫تشكل منوذج اً ميكن حتصيل معطيات جديدة وفق اً له‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وصوالً إىل نظرية‬ ‫متكاملة‪ ،‬حبيث يستطيع الباحث اكتشاف قوانني الطبيعة اكتشاف اً منظم اً‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪9‬‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬طور العلماء مفهوم التجربة املضبوطة اليت تساعد على عزل أهداف‬ ‫الرصد وحتديدها وجعلها أكثر دقة‪ .‬وقد ميز رونيه ديكارت ‪R. Descartes‬‬ ‫ال راصد عن موضوع الرصد‪ ،‬وحدد هدف التجربة واملالحظة باكتشاف القوانني‬ ‫السببية ال ــي تربط ب ــن األش ــي ــاء وال ــظ ــاه ـرات‪ .‬وبعد ف ــرة‪ ،‬استفاد اسحق نيوتن‬ ‫‪ I. Newton‬من فكرة ديكارت‪ ،‬فأوجد عالقة بني مالحظات كوبرنيكوس‬ ‫وب راهني كبلر وغريمها‪ ،‬وطرح نظريته اليت مل تكن تشتمل إال على ثالثة مبادئ‬ ‫بسيطة‪ ،‬إضافة إىل فرضية تتعلق بالثقالة ‪ .gravity‬وأدى جناح قوانني كبلر إىل‬ ‫ترسيخ اعتقاد‪ ،‬أسسه ديكارت‪ ،‬بأن الطبيعة آلية يف عملها‪ .‬وقاد ذلك البالس‬ ‫‪ Laplace‬يف القرن التاسع عشر إىل التنبؤ مبعادلة قريبة‪ ،‬ستحمل اجلواب عن‬ ‫كل شيء موجود يف الطبيعة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫لقد أثرت أعمال نيوتن يف مدرسة فلسفية كاملة‪ ،‬كان أهم أساتذهتا لوك ‪Lock‬‬ ‫وبركلي ‪ Berkley‬وهيوم ‪ .Hume‬وعلى الرغم من تأكيد هؤالء – وخباصة‬ ‫هيوم – على الصفة املستقلة لل راصد عن موضوع التجربة‪ ،‬لكنهم مل يتأكدوا‬ ‫من أن االستق راء ميكن أن يقود إىل اليقني‪ .‬وبالتايل فإن ما يظهر لنا من انتظام يف‬ ‫أبدا أنه سيؤدي إىل معرفة مطلقة يف املستقبل‪.‬‬ ‫الطبيعة ال يعين ً‬ ‫عب فلسفي اً‪ ،‬بعد ظهور نظرييت‬ ‫ورمب ــا كان ك ــارل بوبر ‪ K. Popper‬أول من َّ‬ ‫النسبية العامة وامليكانيكا الكوانتية‪ ،‬عن الاليقني ‪ ،uncertainty‬وعن صلة‬ ‫ال راصد مبوضوع التجربة‪ .‬كذلك طرح بوبر فكرة الربهان بعكس االستق راء‪ ،‬أي‬ ‫بنفي حالة واحدة من النظرية العامة‪ :‬إن جبعة سوداء ميكن أن تنقض نظرية أن‬ ‫يكون البجع كله أبيض اللون‪ .‬وينعكس ذلك على الفهم الفلسفي للمنحى‬ ‫الذي اختذه العلم‪ :‬ف طَ ْر ُح نظرية جديدة جيب أن ي رتافق إذن بأسلوب برهان حاسم‬ ‫عليها أو بإمكانية دحضها‪ .‬ومل تكن قد تبلورت حىت ذلك احلني بالتايل‪ ،‬فكرة‬ ‫أن تكون النظرية العلمية إمكانية معرفية مفتوحة دائم اً‪.‬‬ ‫كانت امليكانيكا الكوانتية توحي يف تلك الفرتة بأن الظاه رات على املستوى ما‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫حتت الذري ‪ subatomic‬ليست حمكومة‬ ‫بقوانني مطلقة أو حمددة‪ ،‬خاضعة للسبب‬ ‫والالتعي‬ ‫والنتيجة‪ ،‬ب ــل بقوانني الصدفة‬ ‫ُّ‬ ‫‪ .indeterminacy‬ويف ال ــري ــاض ــي ــات‪،‬‬ ‫كان كورت غودل ‪ K. Gödel‬قد برهن أنه‬ ‫توجد دائم اً إثباتات حقيقية ومتجانسة‪،‬‬ ‫إمنا ال ميكن أن تُشتق من جمموعة حمدودة‬ ‫دائ ــم ـاً‪ ،‬حب ــي ــث ي ــل ــزم دائ ــم ـاً ال ــت ــوس ــع يف أي ــة‬ ‫منظومة جي ــب ال ــره ــان عليها‪ .‬وإذا أخذنا‬ ‫بعني االعتبار ما كانت قد طرحته نظرية‬ ‫النسبية م ــن ت ــوس ــي ــع ك ــب ــر ملفاهيم ال ــزم ــن‬ ‫وامل ــادة والطاقة واجلاذبية‪ ،‬ميكننا القول إن‬ ‫جممل هذه الرؤى اجلديدة طرح من جديد مسألة النظرية العلمية طرح اً خمتلف اً‪.‬‬ ‫ول م ــع بيكون‬ ‫وع ــر بوبر ع ــن ذل ــك بقوله‪« :‬إن مفهوم ال ــك ــون امليكانيكي ق ــد ّ‬ ‫ونيوتن وديكارت؛ فالعامل املوضوعي ليس مطلق اً يف شيء منه‪ .‬والعلم ال يرتكز‬ ‫دح ض‪ ».‬ويكمل توماس كوهن ‪ T. Kuhn‬هذا املنظور بقوله‬ ‫على أسس ال تُ َ‬ ‫إن النظريات تُعدَّل باستم رار مع ظهور تعارضات أو معضالت جديدة وهكذا‪،‬‬ ‫حىت يتطلب األمر تعدي الً جوهري اً يف النظرية وظهور نظرية جديدة‪.‬‬ ‫لقد مت حتسني النموذج األويل القائم على قوانني نيوتن األساسية‪ ،‬حىت ب ــدا يف‬ ‫هناية القرن التاسع عشر وكأنه قد اكتمل‪ .‬لكن ظهور النظرية النسبية عدَّل‬ ‫هذا الشعور بالنظرية الكاملة‪ ،‬وطرح يف املقابل فكرة جديدة‪ ،‬حيث ليس من‬ ‫الضروري أن تنقض النظري ةُ اجلديدةُ النظري ةَ السابقة‪ ،‬بل حتفظ هلا سوية خاصة‬ ‫هبا تُط بَّ ق فيها‪ .‬وك ــان ذل ــك إي ــذان ـاً بفتح الباب على مص راعيه على احل ــوار بني‬ ‫نظريات العامل اجلَ هاري (املاكروسكويب) والعامل اجملهري الدقيق (امليكروسكويب)‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪11‬‬

‫***‬ ‫استطاعت نظريتا النسبية والكوانتية َس ــبـْـ َـر جم ــاه ــل ج ــدي ــدة يف اجمل ــال امل ــع ــريف‪.‬‬ ‫واستطاعت أن‬ ‫دجمت الزمان باملكان‪ ،‬واملادة بالطاقة‪ ،‬واجملرد باحملسوس‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فالنسبية ْ‬ ‫تبين عامل اً هندسي اً خيلق املادة وماد ًة تؤثِّر يف بنية املكان اهلندسية‪ .‬وقد اعتمدت‬ ‫النسبية يف ذل ــك على قوانني نيوتنية يف أصوهلا‪ ،‬ووصلت بالسببية إىل أقصى‬ ‫مداها‪ .‬لكنها كانت تشري إىل قفزة يف ط رائق تفكرينا‪ ،‬من حيث إن هذه السببية‬ ‫والدينامي مل تعد قابلة للتوصيف من منظور حم لّ ي‬ ‫اليت حتكم هذا العامل املتحرك‬ ‫َّ‬ ‫حد بعيد‪،‬‬ ‫فقط‪ .‬أما النظرية الكوانتية فقد استطاعت اخ ـراق هذا احلاجز إىل ٍّ‬ ‫وأوجدت عامل اً غري سبيب‪ ،‬بل احتمايل يف جوهره‪ ،‬وال ينفصل عن وعينا‪.‬‬ ‫ويف كال العاملني ‪ ..‬الكبري السبيب والصغري الكوانيت ‪ ..‬كانت مثة مفاهيم ال َّ‬ ‫بد‬ ‫من تفسريها‪ :‬فهذه امل ــادة الطاقة كانت تعاين من «التعب»‪ ،‬وه ــذا اإللكرتون‬ ‫القافز من م ــدار إىل م ــدار كان ي ِ‬ ‫صد ر طاقة ضائعة‪ .‬فأين تذهب هذه الطاقة؟‬ ‫ُ‬ ‫وكيف نستطيع فهم ك ــون حيافظ على انتظامه رغ ــم خسارته للطاقة؟ كانت‬ ‫هذه النقطة بالذات مفتاح االجتاه اجلديد الذي سينطلق منه العلم‪ ،‬لكنها مع‬ ‫ص لب احل ــوار ال ــذي ق ــام بني النظريتني النسبية والكوانتية‪،‬‬ ‫األس ــف مل تكن يف ُ‬ ‫مم ثَّالً باحلوارات اليت دارت بني ألربت أينشتاين ‪ A. Einstein‬ونيلز بوهر ‪N.‬‬ ‫‪ Bohr‬بشكل خاص‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من أن ك الً من أينشتاين وبوهر كانا يقبالن بك لِّ ية الكون‪ ،‬لكن‬ ‫نظريتيهما كانتا خمتلفتني‪ :‬فالنسبية ترتكز على مفهوم احلقول املتصلة‪ ،‬يف‬ ‫(«كم ات»)‬ ‫حني أن الطبيعة الكوانتية غري متصلة‪ ،‬بل تتألف من كوانتونات‬ ‫َّ‬ ‫منفصلة‪ .‬وقد متَّ التخ لِّ ي عن فكرة املسار يف هذه األخرية لصاحل «القفزة الكوانتية»‬ ‫تطور مفهوم «املسار» إىل ٍّ‬ ‫خط جيوديسي هام يف‬ ‫‪ ،quantum leap‬يف حني َّ‬ ‫النسبية‪ .‬والكون يف نظر أينشتاين موضوعي وحمدود‪ ،‬فهو مستقل عن ال راصد‬ ‫الذي يكتشف فيه قوانني ثابتة وغري احتمالية‪ .‬ويف املقابل فإن النظرية الكوانتية‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫تكشف عن كون غري حمدَّد واحتمايل‪ ،‬وال ينفصل فيه فعل الرصد عن موضوع‬ ‫املعرفة‪ .‬ويف مقابل العالقة السببية يف الكون حبسب نظرية النسبية‪ ،‬كان تفسري‬ ‫النظرية الكوانتية الذي قدَّمه بوهر ومدرسة كوبنهاغن يقول بعدم إمكانية وجود‬ ‫ص ــورة هنائية يف العامل الصغري (امليكروكوزموس) للسبب والنتيجة‪ ،‬بل أم ــواج‬ ‫احتمالية فقط‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من اخلالف الذي نشأ بني بوهر وأينشتاين حول التفسري الفلسفي‬ ‫ترس ختا رس ــوخ ـاً ك ــب ـراً‪ ،‬حىت ب ــدأ العمل على‬ ‫للنظريتني‪ ،‬لكن هاتني األخ ــرت ــن َّ‬ ‫حماولة توحيدمها يف نظرية واح ــدة‪ .‬وك ــان اهل ــدف هو إجي ــاد وسيلة تعبري رياضية‪،‬‬ ‫مدع مة بتفسري فيزيائي‪ ،‬جتمع القوى األرب ــع املعروفة يف الطبيعة‪ ،‬حبيث تظهر‬ ‫َّ‬ ‫وكأهنا منبثقة عن قوة وحيدة أولية‪.‬‬ ‫أي تقدُّم‬ ‫عند هذا املنعطف‪ ،‬عاد التساؤل العلمي يطرح نفسه بقوة‪ :‬هل يتطلب ُّ‬ ‫تفس ر الظاه رات ك لَّ ها‪ ،‬وعلى كافة املستويات؟ وهل‬ ‫معريف إجياد منظومة واحدة ِّ‬ ‫ميكن حتقيق إبداع نظرية جديدة دون اخلروج مرة أخرى‪ ،‬عن الشكل التقليدي‬ ‫الذي بات م تَّبع اً يف العلم؟‬ ‫كان ديفيد بوهم ‪ D. Bohm‬من أوائ ــل الذين تن بَّ هوا إىل هذه النقطة‪ ،‬فقال‬ ‫بضرورة عدم جعل اليقني العلمي مطلق اً‪َّ ،‬‬ ‫وأك د خطأ فكرة البحث عن كوانتوم‬ ‫(أو ك ــم) القوة امل ـ ِّ‬ ‫ـوح ــدة‪ ،‬أو عن قُ َس ْي م أويل هو اللبنة األساسية للمادة‪ ،‬معت رباً‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ‬ ‫املوح دة‬ ‫أن ذلك يتناىف مع فكرة أن الكون يشكل ك الً‪ ،‬إذ تكون القوة ِّ‬ ‫جتميع اً ألج ـزاء ليس هو الكل بالضرورة‪ .‬كذلك ع ــارض روب ــرت ِش لدريك ‪R.‬‬ ‫‪ Sheldrake‬فكرة توحيد القوى كمنهج علمي‪ :‬إذ إن ذلك سيعين التساؤل‬ ‫عما كان قبل هذه القوة قبل أن يكون الكون بسببها‪ ،‬وهو سؤال ميتافيزيائي‬ ‫حبت‪ ،‬حيث سيـُ َع ُّد أن القانون الطبيعي قانون أزيل‪ ،‬وإنه ُو ِج َد قبل وجود الطبيعة‬ ‫نفسها!‬ ‫ـت نظريتا النسبية والكوانتية م ــن امل ــس ــائ ــل ال ــي ال ت ـزال‬ ‫ويف امل ــق ــاب ــل فقد ط ــرح ـ ْ‬

‫‪12‬‬


‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪13‬‬

‫غامضة ما يكفي للبدء جدي اً بالتحضري النطالقة جديدة يف الفهم‪ ،‬حبيث يتم‬ ‫احلفاظ على أساس النظريتني‪ ،‬إمنا مع إمكان حتقيق منظور أوسع وأمشل‪ .‬ولعل‬ ‫هذا املنظور كان ليحمل معه إمكانية منهج جديد يف العلم كما سنرى‪.‬‬ ‫***‬ ‫ك ــان ب ــوه ــم م ــن ال ــس ـبَّ ــاق ــن إىل حم ــاول ــة اخ ـ ـراق ه ــذا ال ــش ــك ــل ال ــت ــق ــل ــي ــدي للنظرية‬ ‫العلمية‪ .‬فقد استطاع بنظريته الك لِّ ية يف االنبساط ‪ explication‬واالنطواء‬ ‫بغض النظر عما إذا كان قد‬ ‫‪َ ،implication‬ر ْس َم أول اجتاه جديد يف العلم‪ِّ ،‬‬ ‫توص ل إىل نتيجة مقنعة أم ال‪ .‬لقد حاول دخول املرآة‪ ،‬كما فعلت أليس ‪،Alice‬‬ ‫َّ‬ ‫فاج أ بأن‬ ‫ليجد نفسه يف «بالد العجائب»! حاول تقطيع قالب احللوى‪ ،‬فإذا به يُ َ‬ ‫ِ‬ ‫الق طَع تعود لتتماسك من جديد!‬ ‫لقد أراد ب ــوه ــم اخل ــروج م ــن ال ــك ــون الفيزيائي امل ــع ــروف وط ــرح ك ــون ـاً جييب عن‬ ‫تساؤالت ليست علمية باملعىن املتعارف عليه‪ ،‬كاحلقيقة والفهم واللغة‪ ،‬وحاول‬ ‫أن يربهن على أن هذه املفاهيم توازي يف أمهيتها املفاهيم الكالسيكية‪ ،‬كالشحنة‬ ‫وكمية احلركة‪ .‬وترتكز فكرة بوهم على اتصالية العامل‪ .‬فالكون هولوغ رام كبري‪،‬‬ ‫كل جزء فيه على الصورة الك لِّ ية له‪ .‬إن الكون انبساط وإفصاح‬ ‫أي كلٌّ حيتوي ُّ‬ ‫لكمون منط ٍو‪ ،‬وهو يف حالة انبساط وانطواء مستمرة‪ ،‬هي اليت تعطي الكون‬ ‫مظهره احلركي والدينامي‪.‬‬ ‫ـدم شاسع‪ ،‬ميوج‬ ‫إن امل ــادة ليست عطالية ومنفصلة يف منظور بوهم‪ :‬فكوننا ع ـ ٌ‬ ‫جتع دات تظهر على سطحه‪ .‬وبالتايل ال ميكن أن توجد‬ ‫كل شيء على شكل ُّ‬ ‫فيه ُّ‬ ‫خارطة هنائية هلذا الكون‪ ،‬مبعىن نظرية كاملة‪ ،‬ألن خ رائطنا ستتغري ببساطة مع‬ ‫تغري انبساطاته‪ :‬إهنا ببساطة‪ ،‬النظريات ‪ ..‬امل رايا اليت ننظر هبا إليه‪ .‬أما لكي‬ ‫حد امل ــرآة‪ ،‬ومبعىن آخر الغوص فيه! فـنظرتنا نفسها‬ ‫نعرفه‪ ،‬فما علينا إال جتاوز ِّ‬ ‫حقل التجربة واالختبار معرفتَ نا ووعيَ نا‪.‬‬ ‫تغي حقل املعرفة املدروس؛ وبدوره‪ِّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫يغي ُ‬ ‫العديد من اإلشكاليات الفلسفية القدمية والعلمية‬ ‫حي ـ ُّـل ه ــذا النظام املنطوي‬ ‫َ‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫جتل لل راصد وأدواته اليت‬ ‫احلديثة‪ .‬فثنائية املوجة‪ ..‬اجلسيم عند بوهر ليست سوى ٍّ‬ ‫حترض اجملموعات املنطوية من الكمونات بأشكال خمتلفة‪ .‬أما إشكالية االتصال‬ ‫ِّ‬ ‫واالنفصال‪ ،‬اليت ترجع إىل أيام زينون‪ ،‬فيح لُّ ها بوهم بإرجاعها إىل عملية منفصلة‬ ‫تتم يف ِ‬ ‫املنبس ط أو يف املنطوي‪.‬‬ ‫ومتصلة يف الوقت نفسه‪ ،‬حبسب ما إذا كانت ُّ‬ ‫ويذهب بوهم بالسببية إىل حدِّها األقصى – وال ننسى أنه تلميذ أينشتاين –‬ ‫لكل شيء‪ .‬وهذا يعين‬ ‫ليحل إشكالية الالسببية‪ ،‬فيقول إن َّ‬ ‫َّ‬ ‫كل شيء هو سبب ِّ‬ ‫أي حدث حم لِّ ي يف النظام ِ‬ ‫ِّ‬ ‫متجذ راً جت ـ ُّـذ راً غري حم لِّ ي يف احلركة‬ ‫املنبس ط يكون‬ ‫أن َّ‬ ‫نظام–ص دفة‬ ‫الك لِّ ية املنطوية ‪ .Holomovement‬وبذلك‪ ،‬ال يكون مثة ثنائية‬ ‫ُ‬ ‫كل ما فيه من ظَّم وفق نظام أعلى فأعلى‪ .‬والكون‪ ،‬حبسب بوهم‪ ،‬حمدَّد‬ ‫يف كون ُّ‬ ‫وغري حمدَّد يف ٍ‬ ‫فكل شيء من ظَّم وحمدَّد يف احلركة الك لِّ ية‪ .‬أما اجلوانب‬ ‫آن واحد‪ُّ :‬‬ ‫متغيات خفية‬ ‫متغيات «خفية» ترتكز هي نفسها على ِّ‬ ‫غري احملدَّدة فتقوم على ِّ‬ ‫أخرى‪ ،‬وهكذا‪ ،‬حبيث تؤلِّف احلركة الك لِّ ية نفسها! ومن هذا املنظور فإن الكون‬ ‫غري حمدَّد‪.‬‬ ‫وي ــرى بوهم أن قوانني الطبيعة نفسها تتطور‪ ،‬وه ــذا ما يعطي الفرصة للجديد‬ ‫جمرد احتاد أولِّ ياهتا يف ظروف معينة‪ ،‬بل‬ ‫بالظهور حق اً‪ .‬فاحلياة ليست نامجة عن َّ‬ ‫لكل إبداع جديد‪ ،‬مبا يف ذلك القوانني‬ ‫هي كمون منط ٍو يف احلركة الك لِّ ية القابلة ِّ‬ ‫علم صريورة وليس علم عطالة‪.‬‬ ‫اجلديدة‪ .‬وهكذا فإن العلم‪ ،‬من منظور بوهم‪ُ ،‬‬ ‫الكل حيوي اجلزء‪ ،‬كما أن اجلزء حيوي الكل‪،‬‬ ‫والكل ليس جمموع أج زائه‪ ،‬بل إن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫يتحول إىل أحد عناصر التجربة‪ ،‬ليصبح هو نفسه موضوع‬ ‫وعلى هذا فإن ال راصد َّ‬ ‫املعرفة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن نظرية بوهم مل حتقق النجاح املتوقَّع هلا‪ ،‬ومع أهنا وقعت يف‬ ‫مطب العودة إىل اآللية يف كثري من جوانبها – حيث تعود بنا إىل تلك السلسلة‬ ‫ِّ‬ ‫م ــن ال ــس ــاح ــف ال ــي حت ــم ــل األرض بعضها ف ــوق ب ــع ــض دومن ــا هن ــاي ــة‪ ،‬ع ــر سلسلة‬ ‫انطواءاهتا وأنظمتها ال رتاتبية إىل أعلى فأعلى! – لكن أثرها واضح على ما قدَّم ْت ه‬

‫‪14‬‬


‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪15‬‬

‫من حماولة لتجاوز اإلط ــار العام لصريورة النظرية العلمية‪ .‬وك ــان ذلك‬ ‫ِّ‬ ‫مشج ع اً‬ ‫حملاولة أكثر ج رأة ومتاس اً مع الشكل العلمي املتعارف عليه‪ ،‬إمنا مع طرح منظور‬ ‫أوسع للمفاهيم األساسية‪ ،‬حبيث تغدو النظرية اجلديدة نفسها طريقة خمتلفة يف‬ ‫الفهم‪ .‬ف رمبا كان علينا حق اً‪ ،‬يف بعض األحيان أن نفعل كما فعلت أليس بعد‬ ‫بعد نقطعه!‬ ‫دخوهلا يف املرآة‪ :‬نأكل قالب احللوى ومن ُ‬ ‫كان غوته – هذا الشاعر والفيلسوف والعامل الكبري – قد انتقد رجال العلم يف‬ ‫عصره‪َّ ،‬‬ ‫يفس رون الصريورة يف الطبيعة‪ .‬وكان ال َّ‬ ‫بد من انتظار‬ ‫وات مهم بأهنم ال ِّ‬ ‫علم جديد للصريورة‪.‬‬ ‫إيليا بريغوجني ‪ I. Prigogine‬لينطلق ٌ‬ ‫يتعلق هذا العلم مبفهوم اإلنرتوبيا ‪ – entropy‬وهي ببساطة الطاقة املستن َف دة‬ ‫حتول هلا من شكل إىل آخر‪،‬‬ ‫فكل استخدام للطاقة‪ ،‬أو ُّ‬ ‫اليت ال ميكن اإلفادة منها‪ُّ :‬‬ ‫كل‬ ‫ي ــؤدي إىل خسارة جزء منها على شكل طاقة ضائعة‪ .‬ويف احلقيقة‪ ،‬خيسر ُّ‬ ‫شيء طاقته تدرجيي اً يف كوننا‪ ،‬ليتحول إىل إنرتوبيا‪ .‬وازدي ــاد اإلنرتوبيا هو الذي‬ ‫فكل شيء يكرب ويتحول يف صريورة وجوده‪،‬‬ ‫يعطي للزمن اجتاه اً حنو املستقبل‪ُّ .‬‬ ‫حىت يفقد طاقته يف النهاية‪.‬‬ ‫ي ــع ــاك ــس ه ــذا امل ــن ــظ ــور ال ــف ــك ــر ال ــن ــي ــوتُــي ال ــق ــدمي‪ ،‬ح ــي ــث ك ــان ال ــزم ــن َع ــك ــوس ـاً‬ ‫‪ .irreversible‬وأم ــا إذا تساءلنا نيوتوني اً‪ :‬مل ــاذا عندما نرمي حبجر يف امل ــاء‪،‬‬ ‫فيغوص إىل القعر بعد أن يُظ ِه ر دوائر على سطح املاء متباعدة عن مركز السقوط‪،‬‬ ‫ال ي ــع ــود احل ــج ــر إىل األع ــل ــى‪ ،‬م ــع ــي ــداً ال ــدوائ ــر م ــن احمل ــي ــط إىل امل ــرك ــز‪ ،‬ف ــإن اإلج ــاب ــة‬ ‫النيوتنية تأتينا بأن ذلك ليس مستحي الً‪ ،‬لكنه احتمال ال معىن فيزيائي اً له‪ .‬وهذا‬ ‫يعين أن مفهوم سهم الزمن‪ ،‬املرتبط بازدياد اإلنرتوبيا يف الرتموديناميكا‪ ،‬يرتبط‬ ‫يف امليكانيكا النيوتنية مبفهوم االحتمال‪ .‬فهل أن سيالن الزمن مرتبط بغياب‬ ‫األحداث غري احملتملة وبظهور األحداث احملتملة فقط؟‬ ‫لقد درس بولتسمان ‪ Boltzmann‬ه ــذه ال ــف ــك ــرة‪ ،‬واس ــت ــط ــاع تفسري طبيعة‬ ‫مسخ ن‪ ،‬تكون احل رارة مسة حلركة‬ ‫اإلنرتوبيا مبثال بسيط‪ :‬عندما يكون لدينا غاز َّ‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫اجلزيئات الغازية‪ ،‬أي أن احل رارة هي تعبري عن الشواش اجلزيئي‪ ،‬وهي طاقة ضائعة‬ ‫يف اجلزء األكرب منها‪ ،‬مهما كان العمل املستفاد منها‪ .‬أي أن هذا الشواش اجلزيئي‬ ‫هو اإلنرتوبيا‪ .‬وعندما يربد الغاز‪ ،‬أي تتوقف احلركة الشواشية للجزيئات‪ ،‬تبلغ‬ ‫أي‬ ‫اإلنرتوبيا أقصاها‪ ،‬إذ تصبح هذه اجلزيئات يف وضعية غري تفاعلية وال تؤدي َّ‬ ‫عمل‪ .‬وكان كالوزيوس قد خلَّص الرتموديناميكا ك لَّ ها يف عبارة واحدة‪« :‬إن طاقة‬ ‫العامل ثابتة‪ ،‬وإنرتوبيا العامل تنحو إىل حدِّها األقصى‪ ».‬وهذا يعين أن طاقة العامل‬ ‫باض ط راد للشواش ‪.chaos‬‬ ‫تتحول إىل طاقة غري فاعلة‪ ،‬وأن النظام يفسح اجملال ِّ‬ ‫وم ــن املدهش أن ــه‪ ،‬يف الوقت نفسه ال ــذي س ــادت فيه أفكار بولتسمان‪ ،‬كانت‬ ‫نظرية التطور لدار ِون ِّ‬ ‫حتق ق إجنازات كبرية‪ .‬ووفق هذه النظرية‪ ،‬كانت اجلزيئات‬ ‫البسيطة تتفاعل لتشكيل الربوتينات والسالسل النووية الريبية واإلنزميات‪ ،‬مث‬ ‫فاملتعض يات املعقدة‪ ،‬وصوالً إىل الكائنات احلية العليا‪ ،‬وذلك‬ ‫اخلاليا احلية األوىل‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ع ــر منظومات بيئية متداخلة وم ــت ــوازن ــة‪ ،‬وبواسطة ق ــوان ــن للتكاثر واالصطفاء‬ ‫والوراثة على غاية من االنتظام! فكيف نستطيع تفسري ظهور احلياة وارتقائها يف‬ ‫مواجهة الكون–اإلنرتوبيا؟‬ ‫شك أن املنهج العلمي كان يقف‪ ،‬هاهنا بالذات‪ ،‬عند منعطف حاسم‪ .‬فها‬ ‫ال َّ‬ ‫التعارض‪ ،‬ويتن بَّ ه إىل أن وضع‬ ‫يتوص ل‪ ،‬عرب منهجه الصارم إىل ما يشبه‬ ‫هو العلم َّ‬ ‫ُ‬ ‫النظريات وإثباهتا ال يكفي لفهم الظاهرة الطبيعية يف ك لِّ يتها‪ ،‬وي ــدرك إدراك ـاً‬ ‫صرحي اً أن معرفته اليت ِّ‬ ‫للتغي وللتعديل‪.‬‬ ‫حيق قها يف إطار نظرياته معرف ةٌ قابلة ُّ‬ ‫لقد الحظ بريغوجني أن ما مي يِّ ز املنظومات احلية املفتوحة عن املنظومات املغلقة‬ ‫أبدا بسبب تدفق الطاقة فيه على شكل مواد كيميائية أو‬ ‫هو الوسط غري املتوازن ً‬ ‫غريها؛ وهلذا يـُ َع ُّد هذا الوسط وس طًا شواشي اً‪ ،‬فيه تظهر املنظومات احلية وتتطور‪.‬‬ ‫بل إن هناك أمثلة كثرية على نشوء انتظامات آنية يف وس ــط شواشي‪ ،‬كما يف‬ ‫جتارب بينار ‪ Bénard‬أو جابوتنسكي–بلوسوف وغريهم‪ .‬ويوافق بريغوجني هنا‬ ‫على أن احلياة والالحياة يظه ران يف وضعيات عدم التوازن‪ .‬وهكذا‪ ،‬على عكس‬

‫‪16‬‬


‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪17‬‬

‫توص ف نشوء‬ ‫ترموديناميكا القرن التاسع عشر‪ ،‬اكتشف بريغوجني ترموديناميكا ِّ‬ ‫الب ىن املنتظمة واملعقدة يف الوسط الشواشي غري املتوازن؛ وقد د ِ‬ ‫ت برتموديناميكا‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫التدومية‪ .‬ودعا بريغوجني األشكال اليت تظهر يف وسط غري متوازن‬ ‫املنظومات ُّ‬ ‫بـ»البُ ىن املبدِّدة» ‪ :structures dissipatives‬ذلك أنه عليها‪ ،‬لكي حتافظ‬ ‫على شكلها‪ ،‬أن تبدِّد دائم اً الطاقة‪ ،‬أي أن تزيد من اإلنرتوبيا‪ ،‬حىت ال ت رتاكم‬ ‫ه ــذه األخ ــرة فيها‪ .‬ويتطلب ذل ــك احلصول على الطاقة باستم رار‪ .‬وبالتايل فإن‬ ‫ميران عرب املنظومة املبدِّدة املفتوحة ليحفظا هلا توازهنا وانتظامها‪،‬‬ ‫املادة والطاقة ّ‬ ‫يف حني تُس ِه م املنظومة يف طرح اإلنرتوبيا وزيادهتا‪.‬‬ ‫وي ــرى بريغوجني أن احلقيقة متعدِّدة األب ــع ــاد‪ ،‬وال يصح النظر إليها من منظور‬ ‫واح ــد‪ .‬وهكذا ف ــإن الشكل امليكانيكي يكون صحيح اً ضمن مستوى معني‪،‬‬ ‫ويبقى تطبيق قوانني نيوتن سليم اً فيه‪ ،‬إمنا مع حدود معينة ال ميكن جتاوزها‪.‬‬ ‫ويق لِّ ل ذلك كث رياً من أمهية املفاهيم املطلقة اليت سادت منذ نيوتن‪ .‬ويف املقابل‬ ‫تعطي املنظومات املبدِّدة باستم رار سويات أعلى فأعلى من التعقيد هلا قوانينها‬ ‫اخلاصة‪ ،‬املستقلة واملتداخلة‪ ،‬يف ٍ‬ ‫آن واحد مع املستويات األخرى‪ .‬وعلى عكس‬ ‫أي من هذه املستويات أساسي اً‪،‬‬ ‫منظور النسبية أو الكوانتية‪ ،‬ال ميكن اعتبار ٍّ‬ ‫وميكن ترتيب السويات األخرى وتصنيفها وفهمها اعتماداً عليه فقط‪.‬‬ ‫شك إىل التساؤل حول جوهر النظرية العلمية‪« :‬إذا‬ ‫وقاد ذلك بريغوجني دون ٍّ‬ ‫كان الكون ليس مبني اً من األدىن إىل األعلى‪ ،‬أو من اليسار إىل اليمني‪ ،‬بل هو‬ ‫نسيج ك لِّ ي من السويات والقوانني املتداخلة‪ ،‬فأين نقف منه ك راصدين فاعلني؟»‬ ‫الع كوس اً‪.‬‬ ‫وجييب بريغوجني بأن الكائنات احلية – ومنها البشر – تعيش وجوداً َ‬ ‫هم نا الزمين ي تَّجه حنو امل ــوت دائم اً‪ .‬لقد ساهم تطور البنية املبدِّدة – اليت‬ ‫فس ُ‬ ‫َ‬ ‫ندعوها «وعي اً» – بإضافة سوية جديدة من احلقيقة الواقعية‪ ،‬وبالتايل قانون اً‬ ‫طبيعي اً جديداً إىل التاريخ الكوين‪ .‬ويتعلق هذا القانون اجلديد مبوقف ال راصد يف‬ ‫تقدير االختالف بني املاضي واملستقبل‪ .‬واحلق أن ما مي يِّ زنا هو إدراكنا هذا لسهم‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫الزمن‪.‬‬ ‫***‬ ‫ي ــذه ــب ف ــري ــق م ــن ال ــع ــل ــم ــاء إىل أب ــع ــد م ــن ذل ــك يف ط ــرح ب ــري ــغ ــوج ــن للمنظومات‬ ‫امل ــب ــدِّدة‪ .‬فهذه املنظومات كما ي ــرى ف ر ِ‬ ‫انش ْس كو فاريال ‪ ،F. Varela‬تستمد‬ ‫استقالليتها من ارتباطها نفسه باحمليط الشواشي الذي تنشأ منه‪ .‬وينطبق ذلك‬ ‫على أن ــواع اململكة احليوانية والنباتية ك ــاف ــة‪ ،‬كما وعلى املنظومات األعقد‪،‬‬ ‫وصوالً إىل التجمعات البشرية‪ .‬وهكذا تكون املنظومة مغلقة من جهة بانتظامها‬ ‫وباستقالليتها‪ ،‬ومفتوحة يف الوقت نفسه بتفاعُ لها املستمر مع بيئتها‪ .‬وأضاف‬ ‫إىل ذل ــك إري ــك ي ــان ــت ــش ‪ E. Jantsch‬بُــع ــداً ج ــدي ــداً‪ :‬ف ــه ــو ي ــرى أن ال ــبُ ــى ذات ــي ــة‬ ‫االنتظام حتافظ على شكل صريورهتا بإقامة ت ــوازن ثابت حلاجتها لالحنفاظ من‬ ‫التغ ريات‪ ،‬مع حاجتها للبقاء مفتوحة عليها‪ .‬فعند اإلنسان‪ ،‬مث الً يكون دوران‬ ‫الدم أو العمليات الكيميائية يف اجلهاز اهلضمي مغلقني أمام التغ ريات أو الدفوق‬ ‫اخلارجية‪ ،‬وحتاول هاتان املنظومتان التخ لُّ ص من أية مادة غريبة تدخل يف دورهتا‪.‬‬ ‫أم ــا املنظومات العليا يف اجلسم اإلن ــس ــاين‪ ،‬كالدماغ فهي أكثر عرضة للدفوق‬ ‫الدينامي‪ .‬لكن الدماغ مفتوح‬ ‫اخلارجية‪ ،‬وهي حتاول أيض اً احلفاظ على توازهنا‬ ‫ِّ‬ ‫عرب احل ــواس انفتاح اً كب رياً على العامل اخلارجي‪ :‬إن بضعة أفكار ميكن أن تولد‬ ‫دفوق اً خارجية كبرية (كاآلمال أو اإلحباطات أو امل ــخ ــاوف)‪ ،‬قبل التخلص من‬ ‫هذه األفكار‪ .‬وبالعكس ميكن لفكرة إبداعية جديدة ِ‬ ‫توم ض يف حلظة بسبب مؤثر‬ ‫خ ــارج ــي‪ ،‬أال تُــط ـَـرح من املنظومة الدماغية حبيث تعمل على تغيري بنية الفكر‬ ‫نفسها‪ ،‬وتعطي رؤيا حدسية جديدة متام اً‪.‬‬ ‫إن الدماغ يعطينا فرص اً مم يَّ زة لالستقالل واحلرية‪ .‬فنحن غري حمدودين مث الً بالعيش‬ ‫وفق منط اجتماعي واح ــد كالنمل‪ .‬والدماغ ال ــذي يسمح لنا هبذه االستقاللية‬ ‫الفردية واالجتماعية مفتوح مع ذل ــك على ال ــدف ــوق اخلارجية‪ ،‬وه ــو بالتايل غري‬ ‫انفتاح‬ ‫مستقر‪ .‬وهكذا يكتشف يانتش أنه كلما ازدادت االستقاللية‪ ،‬قابل ذلك‬ ‫ٌ‬

‫‪18‬‬


‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪19‬‬

‫أكرب على اخلارج‪ ،‬األمر الذي يوسع ويه يِّ ئ طُ ُرق التواصل بني ما هو يف الداخل‬ ‫وما هو يف اخلارج من البنية نفسها‪.‬‬ ‫ويف املقابل فنحن كمنظومات حية‪ ،‬ال نعيش منفصلني ومستقلني إال بتفاعلنا‬ ‫وتواح ده معنا‪ :‬حنن نعرف مث الً أن الكثري‬ ‫مع اخلارج‪ ،‬بل وبدخول هذا اخلارج إلينا ُ‬ ‫من أن ــواع البكترييا الصديقة يدخل أجسامنا ويعيش فيها‪ ،‬أي أننا يف النهاية‬ ‫حد بعيد‪ ،‬وحنن متطورون ومتغريون مع صريورة‬ ‫منظومات متداخلة مع بيئتنا إىل ٍّ‬ ‫التغري املستمرة‪.‬‬ ‫ترى أليست تلك النتائج الصرحية للعلم دعوًة واضحة للعلم نفسه إىل االنطالق‬ ‫يف مناهج واجتاهات جديدة‪ ،‬موازية لألنساق الطبيعية يف تنوعها وانتظاماهتا‪،‬‬ ‫حبيث تكون النظريات العلمية أقدر على االنفتاح وعلى تشكيل بُناها املنطقية‬ ‫كتفاعل مباشر مع الكون؟‬ ‫لعل نظريات االنتظام الذايت ‪ ،auto-organization‬اليت سنع ِرض هلا الحق اً‪،‬‬ ‫تقدِّم لنا مثاالً هام اً على هذا التصور‪ .‬لكن لِنر أوالً إىل جوانب أخرى من صريورة‬ ‫املنهج العلمي يف مواجهة نفسه وجت ــدُّده عرب ما يطرحه على نفسه من أسئلة‪.‬‬ ‫إن الوعي ميثل بذلك م ــرآة حقيقية ينعكس فيها املعىن اآلين والك لِّ ي للحركة‬ ‫الطبيعية عرب مناذج نظرية ليست هنائية إمنا ٍّ‬ ‫تشك ل بشكل موا ٍز‪ ،‬مرحل ةً أساسية‬ ‫يف بناء الوعي نفسه‪.‬‬ ‫إن أحد األسئلة الكربى املطروحة على العلماء يتع لَّ ق مبعرفة الطريقة اليت تبلغ‬ ‫يوج ه مث الً بنية جنينية إىل‬ ‫هبا األشياء أشكاهلا احملددة وحتافظ عليها‪ .‬فما الذي ِّ‬ ‫شكلها الناضج بعد فرتة؟ وكيف ينشأ التمايز؟ وكيف نع لِّ ل انتقال املعلومات‬ ‫يؤم ن االرتقاء املتوازي للحياة؟‬ ‫اخلاصة بالتطور الشكالين عرب أمكنة متباعدة‪ ،‬مما ِّ‬ ‫يطرح ِش لدريك فرضية وجود حالة وسطى بني الـ‪ DNA‬وصريورة ُّ‬ ‫املتعض ية‬ ‫تشك ل‬ ‫ِّ‬ ‫‪ :organism‬وه ــي ع ــب ــارة ع ــن جمموعة معقدة م ــن احل ــق ــول اخلفية ال ــي حتكم‬ ‫كافة م راحل التكون الشكالين واألشكال النهائية لألشياء‪ ،‬مبا فيها سلوكها‪،‬‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫ورمب ــا نستطيع القول أيض اً وعيها‪ .‬ويدعو ِش لدريك هذه احلقول باملورفوجينية‬ ‫‪ ،morphogenetic fields‬وي ــس ــم ــي ف ــرض ــي ــت ــه ه ــذه ب ــ»ال ــع ـلَّ ــة امل ــش ـ ِّـك ــل ــة»‬ ‫‪.Causative Formation‬‬ ‫َّ‬ ‫تتشك ل‬ ‫حد مدهش مع احلقول اهلندسية اليت‬ ‫إن رؤيا ِش لدريك هذه تتقارب إىل ٍّ‬ ‫املادة وفق اً هلا يف النسبية العامة‪ ،‬إهنا حقول تعطي الكون ك لَّ ه شكله وحركته‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تتشك ل بواسطة األشياء اليت ِّ‬ ‫تشك لها‬ ‫وليس أمناط احلياة فيه فقط‪ .‬وهي يف املقابل‬ ‫حتول كينوناهتا‪.‬‬ ‫هي أوالً‪ .‬وهكذا فإن احلقول املورفوجينية عرضة للتحول دائم اً مع ُّ‬ ‫ت ــرى‪ ،‬هل نبالغ إذا ق ــارنَّــا أيض اً ه ــذه احلقول بالالوعي اجلمعي ‪Collective‬‬ ‫نوس ع‬ ‫‪ Unconscious‬ال ــذي حتدث عنه ك ــارل يونغ ‪C.G. Jung‬؟ مل ــاذا ال ِّ‬ ‫ه ــذا ال ــاوع ــي إىل الوع ــي ك ــوين‪ ،‬وإىل «ع ـلَّ ــة ِّ‬ ‫مشك لة» حبسب تعبري ِش ــل ــدري ــك‪،‬‬ ‫ونأنس فيه إىل «النماذج البدئية» ‪ Archetypes‬اليت َّ‬ ‫تشك ل الكون ك لُّ ه وف ًق ا‬ ‫واع‬ ‫لس ٍْب أعمق لصلتنا مع الطبيعة ولعمل ٍ‬ ‫هلا؟! ألن يكون ذلك مشروع اً أصي الً َ‬ ‫بالتايل على الذات‪ ،‬من أجل املشاركة يف الصريورة الكونية؟‬ ‫يتبادر إىل ذهننا ف ــوراً‪ ،‬وحن ــن ن ــط ــرح ه ــذه ال ــف ــك ــرة‪ ،‬م ــا اق ــرح ــه ك ــارل ب ــري ـرام ‪C.‬‬ ‫‪ Pribram‬حول هولوغ رافية الدماغ‪ .‬لقد حاول هذا ِ‬ ‫العال تطبيق نظرية بوهم‬ ‫يف ك لِّ ية املنظومات على الدماغ‪ ،‬حبيث تكون مثة بنية ك لِّ ية هلذا األخ ــر حتكم‬ ‫كل وظيفة‬ ‫وظائفه ومناطق ُّ‬ ‫ختص صه‪ ،‬وتكون قادرة يف الوقت نفسه‪ ،‬على مت ثُّل ِّ‬ ‫منها‪ ،‬وإن تعرضت منطقتها الفسيولوجية للعطب‪ .‬وبذلك إمنا ي ِ‬ ‫دخ لنا بري ربام إىل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫منظور جديد لعمليات الوعي‪ ،‬حبيث ال يكون الدماغ جمموعة وظائف متمركزة‬ ‫يف منطقة حم ــددة‪ ،‬بل ك ــلٌّ ينعكس وظيفي اً عرب إمكانات فسيولوجية عديدة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن هذه الفرضية‪ ،‬كسابقاهتا املتعلقة باحلقول‪ ،‬مل ختضع لربهان‬ ‫حاسم لكنها من منظور تأثريها يف الصريورة املنهجية للعلم‪،‬‬ ‫لعبت دوراً كب رياً‬ ‫ْ‬ ‫يف تعديل رؤيتنا إىل العلوم عموم اً‪ ،‬وإىل البيولوجيا‪ ،‬خصوص اً‪.‬‬ ‫***‬

‫‪20‬‬


‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪21‬‬

‫لقد خضعت النظريات البيولوجية فرتة طويلة لتأثري النظرة امليكانيكية‪ ،‬وكانت‬ ‫نظرية دار ِون متثل ذروة ه ــذه النظرة‪ .‬فوفق ه ــذه النظرية‪ ،‬حنن نقف على قمة‬ ‫ٍ‬ ‫ـوري‪ ،‬ب ــدءاً م ــن اخللية األول ــي ــة‪ ،‬م ــروراً باملمالك احلية ك ــاف ــة‪ِ .‬‬ ‫وع ـ ْـر هذه‬ ‫ه ــرم ت ــط ـ ٍّ‬ ‫ال رتاتبية‪ ،‬تلعب مفاهيم االصطفاء وال ــص ـراع دوراً أس ــاس ــي ـاً‪ .‬لكن ه ــذه النظرية‬ ‫طرحت إشكاليات كثرية‪ ،‬رغم ثبات مبادئها األساسية‪ .‬فعملية االصطفاء تقوم‬ ‫ْ‬ ‫على خصائص قدرة الكائن على التأق لُ م؛ وقدرة الكائن على التطور قد جتعله‬ ‫مرتب طًا ببيئته‪ .‬وحنن ال نستطيع أن نفهم اليوم ما يعين «البقاء لألفضل» بعزل‬ ‫النوع عن بيئته‪ .‬ويف املقابل فإن علم املستحاثات يطرح تساؤالت كثرية حول‬ ‫اختفاء «فجائي» لألنواع املتأقلمة مع بيئتها‪ ،‬وظهور غريها دون سابق إنذار‪.‬‬ ‫احلي باحلدِّ‪ ،‬قدر اإلمكان‪،‬‬ ‫برزت‬ ‫وهلذا فقد ْ‬ ‫ٌ‬ ‫استدالالت حتاول تفسري تطور العامل ِّ‬ ‫من اللجوء إىل مفهوم صعب كالقيمة االصطفائية‪ .‬فهي ال تنكر وجود ضغوط‬ ‫انتقائية‪ ،‬لكنها ال متثل امل ِ‬ ‫عام الت الرئيسية يف صريورة بناء املنظومات احلية يف‬ ‫شكلها الك لِّ ي‪ .‬كذلك ُ‬ ‫طرح يانتش نظريته يف التطور املتوازي والك لِّ ي‪ ،‬حيث‬ ‫ال يفقد االصطفاء أو الص راع من أجل البقاء دوريهما‪ ،‬إمنا ال يكونان الدافعني‬ ‫الرئيسيني يف تطور أن ــواع احلياة اجلديدة‪ .‬وهو يرتكز يف نظريته على أن تطور‬ ‫الص غَ ري يعكس تطوراً على املستوى ال ـ ِ‬ ‫ـك ـ َـري‪ ،‬وبالعكس فإن‬ ‫البُ ىن يف التطور ِّ‬ ‫املنظومات ِ‬ ‫مع ا ككل‪ .‬ويرى يانتش مع بريغوجني‪ ،‬أن‬ ‫تتطور‬ ‫رية‬ ‫غ‬ ‫والص‬ ‫ية‬ ‫ب‬ ‫الك‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫صريورة التطور هذه ال تتم بشكل حمدود وآيل‪ ،‬بل هي أشبه باللوحة اإلبداعية‬ ‫تكش فات جديدة باستم رار‪ .‬ويرى بريغوجني أنه يف‬ ‫اليت يستمر العمل فيها مع ُّ‬ ‫حلظة الاليقني‪ ،‬حيث يؤدي التفرع اجلديد إىل والدة بُىن مبدِّدة جديدة‪ ،‬يولد مبدأ‬ ‫اليقني على املستوى ِ‬ ‫الك َبي يكافئ مبدأ اليقني هايزنربغ‪ .‬فالكائن يعيش إذن‬ ‫يف ك ـ ٍّـل غري حم ــدود‪ ،‬والكون يفلت من ك ـ ِّـل تفسري هنائي‪ ،‬متام اً كما هي احلال‬ ‫ـورث ــي ال ــذي‬ ‫بالنسبة لكانتاتا لباخ أو قصيدة لبليك‪ .‬وه ــك ــذا ف ــإن الربنامج امل ـ ِّ‬ ‫يعكس قانون تطور املنظومات احلية‪ ،‬يصبح أقل تقييداً‪ ،‬حبيث ال ُي لي جوانب‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫للمتعض ية إمكانات خيار خاصة‪.‬‬ ‫السلوك املختلفة إمالءً آلي اً‪ ،‬وإمنا يرتك‬ ‫ِّ‬ ‫ف ــاحل ـ ُّـل ال ــب ــدي ــل إذن ع ــن االص ــط ــف ــاء يكمن ببساطة يف ال ــت ــن ــوع‪ .‬وه ــك ــذا ت ــب ــدو لنا‬ ‫كل‬ ‫ِّ‬ ‫املورثات وكأهنا ترفض الدخول يف مناذج آلية شديدة التبسيط – كأ ْن تكون ُّ‬ ‫مورثة مسؤولة عن مهمة حم ــددة‪ ،‬حبيث يكون الكائن وتطوره مقيدين بإرثهما‬ ‫ِّ‬ ‫كتحد على مواجهة وقائع وظروف معينة‪،‬‬ ‫أيض ا‪ ،‬ال يتبدَّى التطور‬ ‫ٍّ‬ ‫منها‪ .‬وهكذا ً‬ ‫بل كقدرة على التجدد‪ .‬ويكون ذلك جمديًا مبقدار ما تكون إمكانات التحول‬ ‫املورثات متنوعة‪.‬‬ ‫والتكيف مع الوسط املتغري كبرية‪ ،‬أي مبقدار ما تكون ُّ‬ ‫جتم عية ِّ‬ ‫***‬ ‫يقودنا احل ــدي ــث ع ــن التنوع مباشرة إىل نظريات االن ــت ــظ ــام ال ــذايت – ه ــذا االجت ــاه‬ ‫اجلديد الذي بدأ العلم يسرب إمكاناته يف غضون العقد األخري‪ ،‬وهو يعي متام اً إىل‬ ‫ويغي مفاهيمه ومناهجه‪.‬‬ ‫أي ٍّ‬ ‫حد ميكن أن يؤثر عليه ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫يرى ف ر ِ‬ ‫حد ذاته‪ ،‬بل هو عملية‬ ‫انش ْس كو فاريال أن االنتظام الذايت ليس ظاهرة يف ِّ‬ ‫ـف املنظومات بعامة‪ ،‬أال وهو‬ ‫انتقالية تنجم ع ــن ش ــيء أكثر جوهرية مي يِّ ز ص ـ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وتعرفها‪ .‬وتكمن هذه اآللية‬ ‫اآللية اليت حت ــدِّد هذه املنظومات‬ ‫كصفوف وأن ـ ٍ‬ ‫ـواع ِّ‬ ‫فيما ميكن أن ندعوه بـ»ذاتية» املنظومة اليت ترتبط بالقدرة على تعريف منظومة‬ ‫بواسطة تناغمها الداخلي ال ــذي يعطيها هويتها وتاريخ العالقات فيها‪ .‬وهذا‬ ‫التناغم الداخلي ميكن أن ندعوه بـ»السياج الوظيفي»‪ .‬وهكذا يكمن الفارق‬ ‫بني تفاعل املنظومات فيما بينها وفق اً للمنظور القدمي وبني تفاعلها وفق منظور‬ ‫االنتظام الذايت يف أن التفاعل القدمي كان يتم فقط عرب نقل املعلومات نق الً آلي اً‪،‬‬ ‫مهما ب ــدا ذل ــك غني اً‪ ،‬يف حني أن ــه يتم‪ ،‬وفق اً للمنظور اجلديد‪ ،‬عرب التفاعل أو‬ ‫سم ى بـ»الت زاوج باألسيجة»‪.‬‬ ‫الت زاوج بالتناغم ما بني املنظومات – وهو ما يُ َّ‬ ‫فإذا أخذنا منظومة ذاتية االنتظام‪ ،‬ميكننا التساؤل‪ :‬هل إن سلوك هذه املنظومة‬ ‫لتشوش يف أحد م ِ‬ ‫عام الهتا مبقدار طفيف؟ إن اجلواب‬ ‫سيبقى هو نفسه إذا‬ ‫تعرضت ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫شديد التعقيد‪ ،‬ألن جمموعة التفرعات الناشئة ستكون غنية جدًّا‪ ،‬وهي يف كثري‬

‫‪22‬‬


‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫‪23‬‬

‫ص ر وفق اً لطريقتنا القدمية يف دراسة تطور أية منظومة‪.‬‬ ‫من األحيان ال ميكن أن ُت َ‬ ‫فنحن هنا إذن أم ــام شكل جديد‪ ،‬خمتلف متام اً‪ ،‬من فهم عاملنا ووج ــودن ــا فيه‪.‬‬ ‫بل ميكن لبعض هذه التفرعات أن تتخذ أدواراً الهنائية حبيث ال تتكرر‪ ،‬وتصبح‬ ‫مماثلة متام اً للضجيج أو للشواش‪ .‬وهذا يعين أن منظومة ذات واح ــدات ذاتية‪،‬‬ ‫دينامي بسيط جداً‪ ،‬ميكن أن تصبح بسهولة معقدة‬ ‫حمدَّدة متام اً بسياج أو بتناغم‬ ‫ٍّ‬ ‫كل سلوك منتظم ذاتي اً يولد‬ ‫جداً – «التعقيد» مبعىن الغىن والتنوع‪ .‬وهذا يعين أن َّ‬ ‫من تناغم داخلي ملنظومة مغلقة عملياتي اً‪ .‬وهكذا تبدو املنظومة الذاتية عائمة‬ ‫على الشواش‪ :‬فهي تتغذى عليه وهتضمه إلنتاج النظام‪.‬‬ ‫ميكننا أن نأخذ تطور الكائنات احلية كمثال‪ :‬فالت زاوج باملعلومات فقط يكافئ‬ ‫املوج ه األول الذي‬ ‫املورثية النامجة عن االحتكاك به‪ِّ ،‬‬ ‫اعتبار احمليط‪ ،‬والتغ ريات ِّ‬ ‫يسمح بفهم دينام يَّ ة التحوالت من جيل إىل جيل‪ ،‬األمر الذي يُظ ِه رها كصفوف‬ ‫منتظمة‪ ،‬حيث يكون االصطفاء الطبيعي منوذج اً خوارزمي اً أمثلي اً هلذه العملية‪.‬‬ ‫أما «امل زاوجة باألسيجة» – أي بالتناغم الداخلي – فتكافئ اعتبار أن خمتلف‬ ‫املوج ه الذي يسمح بفهم التحوالت‬ ‫أمناط التجانس الداخلي جملموعة حيوانية هي ِّ‬ ‫املورثية ل ــدى أنساهلا‪ .‬وي ــؤدي ه ــذا إىل ظهور التنوع اهلائل يف الطبيعة – على‬ ‫ِّ‬ ‫تفس ر تنوع األحياء حبق‪.‬‬ ‫العكس متام اً من أمثلية االصطفاء الطبيعي‪ ،‬اليت ال ِّ‬ ‫إن فكرة «االصطفاء الطبيعي» هتيمن على العلم منذ أكثر من نصف قرن‪ .‬ومع‬ ‫ذلك فإن علوم االنتظام الذايت تطرح رؤيا جديدة عوض اً عنها‪ :‬فالتأقلم الطبيعي‪،‬‬ ‫ـاك زعان َف ها مث الً جيب أال يُنسينا اجلانب األه ــم من ناحية‬ ‫ـب األمس ـ َ‬ ‫ـس ـ َ‬ ‫ال ــذي أك ـ َ‬ ‫املتعض ية ومن ـ َّـوه ــا‪ .‬فالواحدة ال تعمل كمجموعة من الصفات بل‬ ‫فسيولوجيا‬ ‫ِّ‬ ‫فه م انطالق اً‬ ‫ٍّ‬ ‫ككل متجانس‪ .‬إن موضع عضو يف جنني غري متمايز ال ميكن أن يُ َ‬ ‫م ــن تقدير م ــا س ــي ــؤول إل ــي ــه مستقب الً‪ ،‬ب ــل جي ــب فهمه على ال ــع ــك ــس‪ ،‬كنتيجة‬ ‫لالستقاللية املتبادلة والتعريف امل ــت ــب ــادل داخ ــل ــي ـاً ل ــك ـ ِّـل م ــا ي ــوج ــد يف ك ـ ِّـل نقطة‬ ‫املتعض ية‪ .‬ويشبه ذلك كث رياً رؤية ِش لدريك لظهور األشكال واألمناط‬ ‫من نقاط‬ ‫ِّ‬

‫اجتاهات جديدة يف العلم‬

‫ِ‬ ‫شريالش ر ‪ Scheirlacher‬أن األشكال املعقدة‬ ‫وانتقاهلا‪ .‬وعلى هذا األساس يرى‬ ‫النمو البنائي الذي‬ ‫واجلميلة للقواقع مث الً‪َّ ،‬‬ ‫تفس ر كنتائج متبدِّلة لنمط ثابت من ِّ‬ ‫يعتمد مبدأ «اجلهد األقل»‪ ،‬وأن هذا التنوع يف األشكال املختلفة ال يتعلق‪ ،‬ال من‬ ‫قريب وال من بعيد‪ ،‬مبا يُدعى االصطفاء أو حىت التأقلم مع الطبيعة‪.‬‬ ‫عام لنا مع‬ ‫وميكن تلخيص آلية االنتظام الذايت‪ ،‬اليت تطرح فهم اً جديداً ملنهجية تَ ُ‬ ‫الطبيعة ووعينا هلا‪ ،‬كما يلي‪ :‬االنتظام الذايت هو سلوك مم يِّ ز للواحدات الذاتية‪.‬‬ ‫وميكن وصف «واح ــدة ذاتية» باملرور من وجهة نظر الت زاوج بالتناغم الداخلي‬ ‫الذي يظهر ِ‬ ‫كج دَّة غري متوقعة وكتأكيد للذاتية – وباختصار كسلوك لواحدة‬ ‫ذاتية االنتظام‪.‬‬ ‫***‬ ‫شك أن ذلك يتجاوز جمال البيولوجيا‪ .‬وهذا يعين‬ ‫املورثي يأيت من التنوع‪ .‬وال َّ‬ ‫إن الغىن ِّ‬ ‫أن «االع رتاف باآلخر» أمر على غاية من األمهية بالنسبة لنا‪ ،‬ليس من باب أخالقي أو‬ ‫بسبب كرم فجائي‪ ،‬بل ألن املعرفة العلمية اليوم تع لِّ منا هذا الدرس يف أهبى صوره‪ .‬فأية‬ ‫تفردنا وأصالتنا؟! تلكم‬ ‫هدية أحلى ميكن للعلم أن يقدِّمها لنا أكثر من كونه ِّ‬ ‫يعزز ُّ‬ ‫ليست دعوة إللغاء التعارضات أو للرضوخ هلا‪ ،‬بل لتحويلها إىل تناغمات داخلية‬ ‫احلل األصيل والوحيد الذي ميكن أن‬ ‫على مستويات حياتنا كافة‪ .‬وقد يكون ذلك هو ُّ‬ ‫ن و ِاج ه به ما نلحظه اليوم من تقييم للثقافات وطرح ثقافة وحيدة كضرورة لالستم رار‬ ‫والبقاء‪.‬‬ ‫احلل املاثل أمامنا يف احلفاظ على التنوع يأتينا من العلم‬ ‫ومن املفيد أن ننتبه إىل أن هذا َّ‬ ‫معين هبذا‬ ‫حص راً‪ ،‬ومن الثقافة الغ ربية حتديداً‪ .‬ومن املهم أن نشري أيض اً إىل أن العلم ٌّ‬ ‫بدأت‬ ‫ِّ‬ ‫احلل قبل أية منظومة أخرى‪ .‬وحنن نالحظ منذ اآلن أن صريورة املنهج العلمي ْ‬ ‫تتخذ هذا االجت ــاه اجلديد‪ ،‬حيث التنوع العلمي تعبري عن ص ــرورة التنوع الطبيعي‪.‬‬ ‫وميكننا القول أخ رياً إن هذا العلم اجلديد القادم يعلن بثقة وجب ـرأة أن أية منظومة‬ ‫معرفية ليست هنائية‪ ،‬بوصفها منظومة مؤثِّرة ومتأثِّرة بصريورة التطور الطبيعي‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬

‫قدمت ال ّنساء للعلم؟‬ ‫ماذا ّ‬

‫احللقة الثالثة‬

‫عاملة الفلك‪ :‬عاملة الرياضيات واحلوسبة آدا لوفاليس‬ ‫ اجلنسية‪ :‬بريطانية‪.‬‬‫ التخصص‪ :‬علم الرياضيات واحلاسوب‬‫عندما نتح ّدث يف العادة عن علم احلاسوب‪ ،‬ندرس اخلوارزميّ ات ونظم التّ حليل‬ ‫والتطور التّ كنولوجي الذي ط رأ‬ ‫ياضي‪ ،‬أو ُرّب ا ندرس تاريخ هندسة احلاسوب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الر ّ‬ ‫على اآلل ــة ال ــي غ ـ ّـرت حياتنا‪ ،‬غالبً ا م ــا نسمع ع ــن أمس ــاء عظماء كـجان فون‬ ‫نيومان‪ ،‬أالن تورين‪ ،‬كون راد زوس‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫قليل منّ ا يع ِرف عن ُم سامهات من تُعتربُ فعل يًّ ا ّأول مربجمة يف تاريخ احلاسوب‪:‬‬ ‫ولكن ٌ‬ ‫الش هرة آدا لولفاليس‬ ‫الكونتيسة أوجستا آدا بايرون‪ ،‬أو كما تُعرف حال يًّ ا بإسم ّ‬ ‫(‪ .)Ada Lovelace‬آدا كانت عاملة رياضيّ ات إجنليزيّة عاشت يف القرن التّ اسع‬ ‫عشر‪ ،‬وتعاونت م ــع مهندسني أم ــث ــال تشارلز بابيج على تصميم آل ــة حسابيّ ة‬ ‫نسخ من كتابات آدا ّأن ــا سامهت يف كتابة ّأول خوارزميّ ة‬ ‫ميكانيكيّ ة‪.‬‬ ‫تظهر ٌ‬ ‫ُ‬ ‫باحملرك التّ حليلي‪،‬‬ ‫عر ُ‬ ‫ف اآلن ّ‬ ‫(حاولت حساب أعداد برينويل) هبدف معاجلتها يف ما يُ َ‬ ‫وهو اآللة احلسابيّ ة امليكانيكيّ ة اليت طُ ّورت على يد بابيج‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫‪24‬‬


‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫‪Ziad‬‬ ‫قد يتأخر اكتشاف بعض األفكار يف فرع علمي ما لطبيعتها الدقيقة واملعقدة‬ ‫أو الصعبة ‪ .‬ولكن مفهوم االنتخاب الطبيعي ليس بإحدى تلك احلاالت ‪ .‬فمع‬ ‫أنه ظهر متأخ راً مقارنة بأفكار ثورية علمية أخرى ‪ -‬طرحت من قبل « دارون «‬ ‫و « واالس « يف عام ‪ ، 1858‬وتالها إصدار « داروين « كتابه أصل األنواع يف‬ ‫عام ‪ – 1859‬فإن فكرة االنتخاب الطبيعي هي البساطة بعينها ‪ .‬وتتمكن بعض‬ ‫الكائنات من االزده ــار يف ظ ــروف معينة أكثر من غريها وتنجب نسال أكثر ‪،‬‬ ‫فتصبح أكثر شيوعا مع مرور الزمن ؛ أي أن البيئة « تنتخب « من الكائنات‬ ‫تلك األكثر تالؤما مع الشروط احمليطة احلالية وعند تغري الشروط البيئية ستسيطر‬ ‫مكاهنا تلك الكائنات اليت تصادف أن امتلكت خواص أكثر مواءمة مع الشروط‬ ‫املستجدة ‪ .‬فاجلانب ال ــث ــوري يف الداروينية ال يتمثل يف ادع ــاءات ملغزة حول‬ ‫البيولوجيا ‪ ،‬وإمنا يف إحيائها بإمكانية كون املنطق املؤسس للطبيعة مدهشا يف‬ ‫بساطته ‪.‬‬ ‫عانت نظرية االنتخاب الطبيعي ‪ ،‬على الرغم من بساطتها ‪ ،‬تارخيا طويال حافال‬ ‫بالصعوبات ‪ .‬فبعكس طرح « داروين « حول تطور األنواع الذي لقي قبوال سريعا‬ ‫من البيولوجيني ‪ ،‬فإن معظمهم مل يقبل ما طرحه حول أن االنتخاب الطبيعي هو‬ ‫احملرك ملعظم هذا التغري؛ وحىت أنه مل يتم عموما اعتماد مبدأ االنتخاب الطبيعي‬ ‫كقوة رئيسية للتطور فعليا إال بعد مضي عقود يف القرن العشرين ‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫ويتبوأ مبدأ االنتخاب الطبيعي حاليا موقعا آمنا نتيجة لعقود من البحث التجرييب‬ ‫التفصيلي ‪ ،‬علما أن فصول التمحيص يف االنتخاب الطبيعي مل تستكمل البتة‬ ‫حىت اآلن ‪ .‬وال ــواق ــع هو أن تطوير تقنيات جتريبية جديدة جزئيا والعمل على‬

‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫التحليل التجرييب الدقيق لآلليات اجلينة املؤسسة لالنتخاب الطبيعي ‪ ،‬أكسبا‬ ‫مساعي دراسة االنتخاب الطبيعي يف البيولوجيا حيوية فاقت ما كانت عليه قبل‬ ‫عقدين من الزمن ‪ .‬وقد متحور الكثري من األحباث التجريبية احلديثة هذه حول‬ ‫أهداف ثالثة ‪ :‬حتديد مدى شيوع االنتخاب الطبيعي ‪ ،‬وحتديد التغ ريات اجلينية‬ ‫الدقيقة النامجة عن االنتخاب الطبيعي واملولدة للتكيّ ف ‪ ،‬مث تقدير مدى إسهام‬ ‫االنتخاب الطبيعي يف إشكالية أساسية يف البيولوجيا التطورية تتمثل يف منشأ‬ ‫األنواع اجلديدة ‪.‬‬

‫االنتخاب الطبيعي ‪ :‬فك رته‬

‫تعد االستعانة بالكائنات ذات دورة احلياة القصرية اليت تسمح بتتبع عدة أجيال‬ ‫منها ‪ ،‬الطريقة املثلى لتقدير أمهية دور االنتخاب الطبيعي يف عملية التطور‬ ‫‪.‬فبعض أن ــواع البكت ريات تستطيع مضاعفة عددها كل نصف ساعة ‪ ،‬وهكذا‬ ‫لنتصور جمموعة من البكت ريات موزعة يف منطني جينيني بداية وبأعداد متساوية ‪.‬‬ ‫ولنفرتض إضافة إىل ذلك أن كليهما يلتزمان بالتكاثر التايل ‪:‬‬ ‫بكت ريات النمط األول ال تولد إال نسال من النمط األول ‪ ،‬و بكت ريات النمط الثاين‬ ‫ال تولد إال نسال من النمط الثاين ‪ .‬واآلن لنفرتض حدوث تغري فجائي يف البيئة ‪:‬‬ ‫وضع مضاد حيوي يف هذه البيئة يستطيع النمط األول مقاومته ‪ ،‬يف حني يعجز‬ ‫عن ذلك النمط الثاين ‪ .‬يف هذه البيئة اجلديدة يكون النمط األول أكثر لياقة ؛‬ ‫أي أنه أحسن تكيفا ‪ ،‬فهو يبقى – ومن مث يتكاثر – أكثر من النمط الثاين ‪.‬‬ ‫والنتيجة أن النمط األول يولد نسال أكثر مما يولده النمط الثاين ‪.‬‬ ‫وجيسد مصطلح « اللياقة « ‪ ،fitness‬املستخدم يف سياق البيولوجيا التطورية‬ ‫وال ــذي هو مصطلح تقين ‪ ،‬فكرة ‪ :‬أرجحية البقيا أو التكاثر يف بيئة معينة ‪.‬‬ ‫وحصيلة عملية االنتخاب ‪ ،‬اليت تكررت م رات عديدة ال حصر هلا يف سياقات‬ ‫خمتلفة ه ــو م ــا ن ـراه يف الطبيعة ‪ :‬نباتات وح ــي ــوان ــات ( و بكت ريات ) الئقة ‪fit‬‬

‫‪27‬‬


‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫لبيئتها بطرق معقدة ‪.‬‬ ‫ومبقدور علماء الوراثة التطوريني إث راء النقاش السابق من خالل إحتافنا بتفاصيل‬ ‫بيولوجية غنية ‪ .‬فنحن نعلم ‪ ،‬على سبيل املثال ‪ ،‬أن منشأ األمناط اجلينية هو‬ ‫طف رات يف جزيء الدنا ‪ – dna‬تغ ريات عشوائية يف تسلسل النكليوتيدات (‬ ‫وهو خيط متسلسل مكون من األحرف ‪ ) T,C,G,A‬املكونة « للغة « اجلينوم‬ ‫‪ .‬وكذلك نعلم ق ــد را جيدا عن معدل تشكل طفرة مشرتكة – حت ــول يف حرف‬ ‫واحد يف الدنا إىل حرف آخر ‪ .‬فلكل نكليوتيد يف كل خلية تناسلية ‪ ،‬يف كل‬ ‫جيل ‪ ،‬فرصة واح ــدة يف البليون تقريبا كي يتحول إىل نكليوتيد آخر ‪ .‬ولكن‬ ‫األهم يف هذا السياق ‪ ،‬هو أننا على علم بعض الشيء بتأثري الطف رات يف اللياقة‬ ‫‪ .‬فالغالبية الساحقة للطف رات العشوائية ضارة بالكائن احلي ‪ ،‬فهي حتط من‬ ‫لياقته ؛ ويقتصر املفيد منها الداعم للياقة على أقلية قليلة جدا ‪ .‬ومعظم هذه‬ ‫الطف رات سيئ للسبب نفسه الذي جيعل معظم أخطاء الطباعة يف كود احلاسوب‬ ‫سيئ ‪ .‬فاملرجح أن يؤدي أي تغري عشوائي يف منظومة حمكمة بدقة إىل خلل يف‬ ‫األداء وليس إىل حتسنه ‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫تنقسم فعالية التطور التكيفي ‪ adaptive evolution‬إىل مرحلتني ‪ ،‬يتوزع‬ ‫فيهما العمل بشكل صارم بني حادثة الطفرة وعملية االنتخاب ‪ .‬وينجم عن‬ ‫ه ــذه الطف رات يف ك ــل جيل كائنات ج ــدي ــدة معدلة جينيا تثري اجلماعات ‪.‬‬ ‫ويغربل االنتخاب الطبيعي الحقا هذه الطف رات ‪ :‬تعمل قسوة الشروط البيئية‬ ‫على خفض تواتر الكائنات املعدلة « السيئة « ( غري الالئقة نسبيا ) ترفع من‬ ‫تواتر « اجليدة « ( الالئقة نسبيا ) ‪ .‬وجتدر اإلشارة هنا إىل قدرة مجاعة الكائنات‬ ‫على مجع العديد من األف راد املعدلني جينيا يف آن واحد ‪ ،‬ويساعد هذا اجلمع على‬ ‫التصدي للمتغ ريات البيئية عندما تنشأ ‪ .‬فقد تكون اجلينة اليت أنقذت بكت ريات‬

‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫النمط األول من تأثري املضاد احليوي بال فاعلية – أو حىت ذات أثر ضار قليال –‬ ‫يف ظروف البيئة اخلالية من املضاد احليوي ‪ ،‬ولكن توافرها يف النمط األول مكن‬ ‫البكت ريات من البقيا عندما تغريت الظروف ‪.‬‬ ‫لقد أض ــاء علماء ال ــوراث ــة املختصون باجلماعات جوانب من عملية االنتخاب‬ ‫الطبيعي أيضا عرب اللجوء إىل وصف رياضيايت هلا ‪ .‬وبينوا ‪ ،‬على سبيل املثال ‪،‬‬ ‫وجود تناسب طردي بني درجة لياقة منط ما يف مجاعة من جهة ‪ ،‬وسرعة تنامي‬ ‫ت ــوات ــره م ــن جهة أخ ــرى ‪ .‬وق ــد أمكن بالفعل حساب م ــدى سرعة ح ــدوث هذه‬ ‫الزيادة ‪ .‬واكتشف علماء الوراثة املختصون باجلماعات احلقيقة املدهشة بأن‬ ‫لالنتخاب الطبيعي قوة « إبصار» من الصعب تصورها ‪ ،‬تستطيع متييز تباين‬ ‫مدهش يف الصغر يف مستوى لياقة األمناط اجلينية ‪ .‬ففي مجاعة مكونة من مليون‬ ‫فرد ‪ ،‬مبقدور االنتخاب الطبيعي أن يعمل من خالل تباين صفري يف مستوى لياقة‬ ‫األف راد يصل إىل واحد يف املليون ‪.‬‬ ‫ومث ــة مس ــة مميزة ملنطق االنتخاب الطبيعي وه ــي أن ــه يبدو صحيحا م ــن أج ــل أي‬ ‫مستوى من مستويات الكينونة ‪ entity‬احليوية ‪ ،‬من اجلينة إىل النوع ‪ .‬وقد‬ ‫أخذ البيولوجيون يف االعتبار ‪ ،‬منذ « داروين « بالطبع ‪ ،‬تباين اللياقة بني أف راد‬ ‫الكائنات ‪ ،‬ولكن ميكن لالنتخاب الطبيعي من حيث املبدأ ‪ ،‬التأثري يف بقيا‬ ‫‪ survival‬أو تكاثر كائنات أخرى ‪.‬‬ ‫وعلى سبيل املثال ‪ ،‬ميكننا أن نفسر أن ‪ :‬أنواع الكائنات ذات االنتشار اجلغ رايف‬ ‫الواسع هلا – كنوع – فرصة أكرب للبقيا من األنواع األخرى ذات االنتشار اجلغ رايف‬ ‫احملدود ‪ .‬فاألنواع األوىل املنتشرة ستتحمل ‪ ،‬يف النهاية زوال بعض اجلماعات احمللية‬ ‫أكثر مما ستتحمله األنواع احملصورة جغ رافيا‪ .‬وبذلك قد يتنبأ منطق االنتخاب‬ ‫الطبيعي بزيادة نسبية مع مرور الوقت يف األنواع ذات االنتشار اجلغ رايف الواسع ‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫وعلى ال ــرغ ــم م ــن صحة ه ــذه احلجة شكليا – و التطوريون يشتبهون فعال يف‬ ‫حدوث انتخاب مستويات أعلى بني احلني واآلخر فإننا جند معظم البيولوجيني‬ ‫متفقني على ك ــون االن ــت ــخ ــاب الطبيعي حيصل اعتياديا يف مستوى الكائنات‬ ‫الفردية أو األمناط اجلينية ‪ .‬ويعود ذلك إىل أن مدة حياة الكائنات أقصر كث ريا‬ ‫من مدة حياة األنواع ‪ .‬فاالنتخاب الطبيعي يف مستوى الكائنات هو الغالب يف‬ ‫مستوى األنواع ‪.‬‬

‫ما مدى شيوع االنتخاب الطبيعي ؟‬

‫إن أح ــد أب ــس ــط األس ــئ ــل ــة ال ــي ميكن أن يطرحها البيولوجيون ح ــول االنتخاب‬ ‫الطبيعي هو أيضا – وهذا مفاجئ – أكثرها صعوبة من حيث اإلجابة عنها ‪:‬‬ ‫ما مدى مسؤولية االنتخاب الطبيعي يف إحداث تغ ريات يف التكوين اجليين العام‬ ‫جلماعة ما ؟ إن أحدا ال يشك جديا يف أن االنتخاب الطبيعي هو احملرك لعميلة‬ ‫تطور معظم السمات الفيزيائية يف الكائنات احلية – اذ ال يوجد تفسري آخر‬ ‫معقول للسمات الواسعة االنتشار ‪ ،‬كاملنقار والعضلة ذات ال رأسني والدماغ‬ ‫‪ .‬ولكن هناك شك جدي حول أمهية الدور الذي يؤديه االنتخاب الطبيعي يف‬ ‫توجيه التغري على املستوى اجلزيئي ‪ .‬ما هي إذن نسبة التغ ريات التطورية يف الدنا‬ ‫اليت منشؤها مفعول االنتخاب الطبيعي عرب ماليني السنني ‪ ،‬مقارنة بالتغ ريات‬ ‫اليت تعود إىل مفعول بعض العمليات األخرى ؟‬

‫اف رتاض مجهور علماء احلياة ‪ ،‬حىت أعوام الستينات من القرن املاضي أن اإلجابة‬ ‫عن هذا السؤال تتمثل يف « مجيع التغ ريات تقريبا « إال أن جمموعة من علماء‬ ‫الوراثة املختصني باجلماعات ي رأسها الباحث الياباين «كيمورا « حتدث بقوة‬ ‫هذه الفرضية ‪ .‬فقد جادل «كيمورا» بأن معظم التطور اجلزيئي ال حيركه عادة‬

‫‪30‬‬

‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫انتخاب طبيعي « إجيايب « حيث ترفع البيئة من خالله تواتر األمناط املفيدة اليت‬ ‫كانت نادرة يف البدء ‪ .‬واألحرى – كما قال – أن معظم الطف رات اجلينية اليت‬ ‫تدوم وتبلغ توات را مرتفعا يف اجلماعات هي حمايدة انتخابيا وليس هلا أثر يذكر يف‬ ‫اللياقة بطريقة أو أخرى ‪.‬‬ ‫وتستمر بالطبع الطف رات الضارة بالظهور مبعدل مرتفع ‪ ،‬إال أهن ــا ال تستطيع‬ ‫أبدا بلوغ تواتر مرتفع يف مجاعة ما ؛ أي إهنا مسلك تطوري مسدود‪ ,‬وملا كانت‬ ‫الطف رات احملايدة عمليا « غري مرئية « يف البيئة األنية ‪ ،‬فإن مبقدورها أن تتسلل‬ ‫هبدوء إىل اجلماعة ‪ ،‬ومع مرور الزمن تعدل تركيب اجلماعة اجليين تعديال رئيسيا‬ ‫‪ .‬وقد أطلق على هذه العملية تسمية « االجن راف اجليين العشوائي « وهو جوهر‬ ‫نظرية احلياد يف التطور اجلزيئي ‪.‬‬ ‫ومع ولوج الثمانينات من القرن املاضي ‪ ،‬تبىن معظم علماء الوراثة التطوريني‬ ‫نظرية احلياد ‪ ،‬إال أن معظم البيانات الساندة هل ــذا التوجه ك ــان غري مباشر ‪،‬‬ ‫إذ غابت االختبارات احلرجة املباشرة ‪.‬وساعد تطور مسعيني على إصالح هذه‬ ‫املشكلة ‪:‬‬ ‫املسعى األول هو تصميم علماء الوراثة املختصني باجلماعات اختبارات إحصائية‬ ‫بسيطة لتمييز التغ ريات احليادية يف اجلينوم من تلك ذات الطبيعة التكيفية ‪.‬‬ ‫واملسعى ال ــث ــاين ه ــو تصميم تقانات ج ــدي ــدة لتحليل تسلسل ال ــدن ــا أو اجلينوم‬ ‫الكلي للعيد من األنواع ‪ ،‬مما وافر مدا كب ريا من البيانات أتاح تطبيق االختبارات‬ ‫اإلحصائية نفسها عليها ‪.‬‬ ‫وقد أوضحت تلك البيانات اجلديدة أن نظرية احلياد قد خبست االنتخاب الطبيعي‬ ‫أمهيته ‪ .‬يف إحدى هذه الد راسات عمل فريق ‪ ،‬ي رأسه كل من « بيكان « و «‬

‫‪31‬‬


‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫النكلي « ( ومها يف جامعة كاليفورنيا – ديفيس ) ‪ ،‬على مقارنة تسلسل دنا‬ ‫نوعني من ذبابة الفاكهة ‪ ،‬تابعني جلنس الدوروسوفيال ‪ . Drosophila‬فحلال‬ ‫حنو ستة أالف جينة يف كال النوعني ‪ ،‬وحددا تلك اجلينات اليت قد تشعبت بعد‬ ‫انفصال النوعني عن أصلهما املشرتك ‪ ,‬وعرب تطبيق اختبار إحصائي ‪ ،‬قد را أنه‬ ‫ميكن استبعاد التطور احليادي يف ‪ %19‬على األقل من هذه اجلينات ؛ أو بعبارة‬ ‫أخرى ‪ :‬إن االنتخاب الطبيعي يدفع التشعب التطوري يف ُخ س جمموعة اجلينات‬ ‫املدروسة ( وألن االختبار اإلحصائي املستخدم كان حمافظا ‪ ،‬فإن النسبة احلقيقية‬ ‫قد تكون أكرب بكثري ) ‪.‬‬ ‫وال تعين هذه النتيجة هتميش التطور احليادي ؛ إذ إن بعضا من اجلينات الـ‪%81‬‬ ‫قد يكون ‪ ،‬يف النهاية ‪ ،‬تشعب بفعل عامل االجن راف اجليين ؛ بل هو يدل على‬ ‫أن دور االنتخاب الطبيعي يف تشعب األنواع يفوق ما مخنه معظم مؤيدي نظرية‬ ‫احلياد ‪ .‬ودفعت دراسات شبيهة بتلك معظم علماء الوراثة التطوريني إىل استنتاج‬ ‫مفاده أن االنتخاب الطبيعي هو العامل الشائع الذي حيرك التغري التطوري ‪ ،‬حىت‬ ‫يف مستوى تسلسل نيكلوتيدات الدنا ‪.‬‬

‫الوراثة اخلاصة باالنتخاب الطبيعي ‪:‬‬

‫على الرغم من ثقة البيولوجيني يف دفع االنتخاب الطبيعي للتغري التطوري ‪،‬‬ ‫فإننا غالبا م ــا جندهم جيهلون كيفية حديث ذل ــك ‪ ،‬وه ــذا يشمل ح ــى مسات‬ ‫بدنية عادية ( املنقار ‪ ،‬العضلة ذات ال رأسني ‪ ،‬الدماغ ) ‪ .‬فعلى سبيل املثال ‪،‬‬ ‫مل يكن معروفا – حىت تاريخ حديث – إال القليل عن التغ ريات اجلينية املؤسسة‬ ‫للتطور التكيفي ‪ .‬لقد مسح التطور اجلديد يف علم الوراثة للبيولوجيني بتحدي‬

‫‪32‬‬

‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫هذه اإلشكالية بصورة مباشرة ‪ .‬وحاليا هناك حماوالت لإلجابة عن جمموعة أسئلة‬ ‫جوهرية حول عملية االنتخاب ؛ كاألسئلة التالية ‪ :‬عندما يتكيف كائن مع‬ ‫بيئة جديدة من خالل االنتخاب الطبيعي ‪ ،‬فهل يتم ذلك بسبب تغ ريات حتدث‬ ‫يف جينات قليلة أم كثرية ‪ .‬وهل ميكن حتديد هوية هذه اجلينات ؟ وهل تشارك‬ ‫اجلينات ذاهتا يف حاالت مستقلة من التكيف مع احمليط نفسه ؟‬ ‫ليس من السهل اإلجابة عن تلك األسئلة ‪ .‬وتكمن الصعوبة الرئيسية يف أن زيادة‬ ‫اللياقة النامجة عن طفرة مفيدة قد تكون زيادة صغرية جدا ‪ ،‬وهو األمر الذي جيعل‬ ‫التغري التطوري بطئيا جدا ‪ .‬وتتمثل إحدى الطرق اليت جلأ إليها البيولوجيون‬ ‫التطوريون ملعاجلة هذه املشكلة ‪ ،‬ويف وضع مجاعات من الكائنات احلية السريعة‬ ‫التكاثر وتنميتها يف بيئات صنعية ‪ ،‬حيث االختالف يف اللياقة أكرب ‪ ،‬ومن مث‬ ‫فإن عملية التطور أسرع ‪ .‬ويساعد العملية إن كان عدد مجاعات الكائنات احلية‬ ‫كب ريا مبا فيه الكفاية لتحقيق سيل مستمر من الطف رات ‪ .‬ويف دراس ــة التطور‬ ‫التجرييب للميكوربات ‪ ،‬توضع منطيا مجاعة من الكائنات امليكروية املتماثلة‬ ‫جينيا يف حميط جديد عليها أن تتكيف معه ‪ .‬وملا كانت مجيع هذه الكائنات‬ ‫حتوي تسلسل الدنا ذاته يف بداية التجربة ‪ ،‬فإن االنتخاب الطبيعي يعمل على‬ ‫استثمار الطف رات اجلديدة اليت حدثت إبان التجربة فقط ويستطيع الباحث مع‬ ‫مرور الزمن ‪ ،‬تبيان كيفية تغري اللياقة يف اجلماعة من خالل قياس سرعة النكاثر‬ ‫يف البيئة اجلديدة ‪.‬‬ ‫أكثر أحباث التطور التجرييب إثارة للفضول أُجنزت باستخدام الفريوسات امللتهمة‬ ‫للبكت ريات ‪ ،‬وهي فريوسات من الصغر حبيث تستطيع مخج ‪ infect‬البكت ريات ‪.‬‬ ‫وهذه الفريوسات حتوي جينومات صغرية مكافئة حلجمها ‪ ،‬ما يساعد البيولوجيني‬ ‫على إج راء تسلسل كامل جلينوماهتا يف بداية التجربة وهنايتها ‪ ،‬وكذلك أثناء‬ ‫التجربة ‪ .‬وهذا يسمح بتعقب كل تغري جيين « ميسك « به االنتخاب الطبيعي‬ ‫لينشره مع الزمن ‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫طبق كل من « هولدر « و « بول « ( ومها من جامعة تكساس يف أوسنت ) جتربة‬ ‫كالواردة أنفا باستخدام نوعني قريبني جداً من الفريوسات امللتهمة للبكت ريات‬ ‫‪ФX174 :‬و ‪ ، G4‬وكالمها خيمج بكترية معوية شائعة هي اإلشريشيا كويل‬ ‫‪ . E.Coli‬لقد وضع الباحثان الفريوسات يف درجات ح رارة عالية غري اعتيادية‬ ‫‪ ،‬ومسحا هلا بالتكيف مع البيئة احلارة اجلديدة ‪ ،‬فازدادت يف كال النوعني درجة‬ ‫اللياقة أثناء التجربة بشكل درامي ‪ .‬والحظ الباحثون يف كلتا احلالتني النمط‬ ‫ذاته ؛ إذا حتسنت اللياقة سريع اً يف بداية التجربة ‪ ،‬وتباطأت مع مرور الزمن ‪.‬‬ ‫والالفت هو أن « هولدر « و « بول « متكنا بشكل دقيق من حتديد طف رات الدنا‬ ‫اليت عملت على زيادة اللياقة ‪.‬‬

‫االنتخاب الطبيعي ( يف البيئات الطبيعية ) ‪:‬‬

‫على الرغم مما يقدمه البحث التطوري التجرييب من رؤية جديدة ملفعول االنتخاب‬ ‫الطبيعي ‪ ،‬يبقى األسلوب املعتمد حمصورا يف استخدام الكائنات احلية البسيطة‬ ‫اليت تسمح بتحديد كامل تسلسل دنا اجلينوم م رات عدة ‪ .‬كذلك حذر بعض‬ ‫العاملني يف هذا اجمل ــال من أن أحب ــاث التطور التجرييب قد تضمن ضغوطا انتخابية‬ ‫قاسية ال توجد يف الطبيعة ‪ ،‬وقد تكون أقسى كث ريا من تلك اليت ت واجهها الكائنات‬ ‫يف بيئاهتا الطبيعية ‪ .‬لذلك رغبنا يف دراسة عملية االنتخاب يف كائنات حية أرقى‬ ‫يف ظروف أقرب إىل ظروف البيئة الطبيعة ‪ ،‬فكان ال بد لنا من ابتداع أسلوب مغاير‬ ‫للبحث يف هذه التغ ريات التطورية البالغة البطء ‪.‬‬ ‫و لعمل ذلك ‪ ،‬فإن علماء التطور يلجؤون منطيا إىل مجاعات أو أن واع انفصلت عن‬ ‫بعضها منذ زمن ٍ‬ ‫كاف للعثور بسهولة على اختالفات تكيفية بينها حنتها االنتخاب‬ ‫الطبيعي ؛ ومن مث عملوا على دراسة هذه االختالفات جينيا ‪ .‬وعلى سبيل املثال‬ ‫‪ ،‬قام كل من « شيمسكيه «( من جامعة والية ميتشكان ) و « ب رادشو « ( من‬

‫‪34‬‬

‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫جامعة واشنطن ) بتحليل دور االنتخاب الطبيعي يف نوعني من زهرة القرد ‪.‬‬ ‫وقد وجدا أنه على الرغم من عالقة القرىب القوية فيما بني هذين النوعني ‪ ،‬فإن‬ ‫التلقيح يتم بشكل رئيسي يف زهرة ‪ Mimulus Lewisii‬بوساطة النحل الطنان‬ ‫‪ bumble bees‬فيما ينجز بشكل رئيسي يف ‪ M.Cardinalis‬بوساطة الطائر‬ ‫الطنان ‪ hummingbird‬وتبني البيانات املت وافرة من األن ـواع األخرى أن أسلوب‬ ‫التلقيح عرب الطيور يف اجلنس ‪ Mimulus‬قد تطور من تلقيح حشرة النحل ‪.‬‬ ‫إن اختالف ل ــون الزهرة وح ــده – ‪ M. Lewisii‬أزه ــار وردي ــة اللون ‪ ،‬يف حني أن‬ ‫‪ M.Cardinalis‬أزهار مح راء اللون ‪ .‬يفسر بكشل جلي التباين يف اختيار امللقح‬ ‫‪. pollinator‬وعندما جلأ كل من « شيمسيكه « و « ب رادشو « إىل هتجني النوعني ‪،‬‬ ‫بيّ نا أن االختالف يف لون الزه رتني يعود يف معظمه ‪ ،‬فيما يبدو ‪ ،‬إىل مفعول جينة وحيدة‬ ‫تسمى األصفر العلوي ‪. YUP‬وبناءً على ذلك ‪ ،‬عمال على توليد منطني خمتلفني من‬ ‫اهلجائن ‪ :‬النمط األول الذي حيوي اجلينة ‪ YUP‬من النوع ‪ ، M.Cardinalis‬أما‬ ‫ما تبقى من جينوم هذا اهلجني فهو مشتق من النوع ‪ M. Lewisii‬ليعطي أزهارا‬ ‫ب رتقالية اللون ‪ .‬النمط الثاين كان صورة مرآتية للهجني األول ؛ إذ حوى اجلينة ‪YUP‬‬ ‫من النوع ‪ ، M. Lewisii‬وما تبقى من اجلينوم مشتق من النوع ‪M.Cardinalis‬‬ ‫ليعطي أزهارا وردية اللون ‪.‬‬ ‫وعندمات مت نقل اهلجائن إىل الربية ‪ ،‬الحظ الباحثات أن اجلينة ‪ YUP‬هلا مفعول‬ ‫هائل يف حذب املل ّق ح ‪ .‬فنباتات ‪ ، M. Lewisii‬على سبيل املثال ‪ ،‬اليت حتمل‬ ‫اجلينة ‪ YUP‬من النوع ‪ M.Cardinalis‬جذبت إليها الطائر الطنان مبقدار ‪68‬‬ ‫مرة أكثر من نباتات ‪ M. Lewisii‬الصافية ؛ أما فيما خيص التج ربة املع****ة (‬ ‫نباتات ‪ M.Cardinalis‬مع اجلينة ‪ YUP‬من النوع ‪ ) M. Lewisii‬فكانت‬ ‫النتيجة زيادة يف زيارات النحل الطنان قدرها ‪ 74‬مرة ‪ .‬فليس إذن مثة شك يف الدور‬ ‫ال رئيسي للجينة ‪ YU‬يف تطور التلقيح ال ــذي يقوم به الطائر الطنان يف النوع‬ ‫‪ . M.Cardinalis‬ويتضح من حبث « شيمسكيه « و «ب رادوشو « أن عامل‬

‫‪35‬‬


‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫االنتخاب الطبيعي قادر أحيانا على تأسيس تكيفات عرب ما يبدو أنه تغ ريات‬ ‫جينية بسيطة ‪.‬‬ ‫أصل األنواع ‪:‬‬ ‫إن ادعاء « داروين « األكثر ج رأة فيما خيص االنتخاب الطبيعي ‪ ،‬يتلخص يف‬ ‫يفس ر كيفية نشوء األنواع ) علما أن‬ ‫اعتبار االنتخاب الطبيعي هو العامل الذي ّ‬ ‫عنوان كتابه املشهور هو ‪ :‬أصل األنواع ) ‪ .‬ولكن هل مبقدور االنتخاب الطبيعي‬ ‫تفسري ذلك بالفعل ؟ وما هو الدور الذي يؤديه االنتخاب الطبيعي يف عملية‬ ‫تكون األن ــواع ‪ speciation‬وتشعب ساللة معينة إىل ساللتني ؟ س ــؤاالن ما‬ ‫ي زاالن إىل اليوم موضوعا مهما يف أحباث البيولوجيا التطورية ‪.‬‬ ‫كي نتوصل إىل إجابات عن هذين السؤالني ‪ /‬ال بد من فهم ما يقصده علماء‬ ‫التطور مبصطلح « النوع « ‪ .‬يلتزم البيولوجيون املعاصرون عموما بعكس «‬ ‫داروين « مبا يسمى املفهوم احليوي لألنواع ‪ ،‬الذي يتمثل جوهره يف عزلة األنواع‬ ‫فيما بينها تكاثريا ‪ :‬أي امتالك األنواع مسات جينية حتول دون تبادل اجلينات مع‬ ‫األنواع األخرى ‪ ،‬وبعبارة أخرى ‪ :‬إن مجيع األنواع املختلفة متتلك أحواض جينية‬ ‫‪ genetic pools‬منفصلة ‪.‬‬ ‫ويعتقد العلماء أنه ال بد من فصل مجاعتني من الكائنات احلية جغ رافيا كشروط‬ ‫لتطور العزل التكاثري ‪ .‬فطيور ال ــدوري ‪ finches‬اليت سكنت جزرا عدة يف‬ ‫أرخبيل كاالبا**** واشتهرت من خالل وصف « داروين « هلا يف كتابه « أصل‬ ‫األن ــواع « ميكن مشاهدهتا يف يومنا ه ــذا وق ــد تشعبت ب ــص ــورة جلية إىل أن ــواع‬ ‫خمتلفة بعد أن انفصلت جغ رافيا ‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫وعندما ينشأ العزل التكاثري ‪ ،‬فقد يتخذ أشكاال عدة ‪ .‬فعند قيام ذكور نوع‬

‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫معني باملغازلة ‪ ،‬على سبيل املثال ‪ ،‬قد ال تستجيب إناث من أنواع قريبة أخرى‬ ‫إىل هذه املغازلة ( إذا صادف أن مت اتصال جغ رايف بني النوعني ) ‪ .‬فإناث الف راشات‬ ‫‪ ، pieris occidentalis‬على سبيل املثال ‪ ،‬لن تت زاوج بذكور النوع القريب‬ ‫‪ p. protodice‬ويعود ذلك اإلحجام على األرجح إىل اختالف يف الرسم على‬ ‫أجنحة ذكور النوعني ‪ .‬وحىت إن حصل الت زاوج بني النوعني ‪ ،‬فسيؤدي ذلك إىل‬ ‫موت اهلجني أو والدة هجني عقيم ‪ ،‬وسيكون ذلك شكال آخر من أشكال العزل‬ ‫التكاثري ؛ إذ ال ميكن أن تنتقل اجلينات من ن ــوع إىل آخ ــر يف ح ــال ك ــون مجيع‬ ‫اهلجائن الناجتة فيما بينها ميتة أو عقيمة ‪ .‬فسؤال البيولوجيني املعاصرين عما‬ ‫سي أصل األنواع ‪ ،‬يتحول إىل السؤال عما‬ ‫إذا كان االنتخاب الطبيعي هو الذي يُ ّ‬ ‫إذا كان االنتخاب الطبيعي هو الذي يؤدي إىل نشوء العزل التكاثري ‪.‬‬ ‫طوال القرن العشرين تقريبا ‪ ،‬كان جواب أكثر علماء التطور عن هذا السؤال‬ ‫بالنفي ؛ واعتقدوا أن االجن ـراف اجليين ك ــان العامل احلاسم يف نشوء األن ــواع –‬ ‫وأح ــد أكثر املكتشفات احلديثة إث ــارة هو احتمال خطأ فرضية االجن ـراف اجليين‬ ‫كمنشأ لألنواع ‪ .‬واملرجح حاليا هو أن االنتخاب الطبيعي يؤدي دورا رئيسيا يف‬ ‫تشكل األنواع ‪.‬‬ ‫نوع ي زهرة القرد الذين سبق ذكرمها ‪ ،‬مثاال جيدا على ما ذكر‬ ‫ويُع ّد تاريخ تطور َ‬ ‫‪ .‬وألنه يندر أن خيطئ ِّ‬ ‫امللق حان بني نوعي زهرة القرد ‪ ،‬فهذا يعين أن كال النوعني‬ ‫معزوالن تكاثريا بصورة تامة تقريب اً ‪ .‬ومع أن كال النوعني يوجد يف األمكنة ذاهتا‬ ‫يف مشال أمريكا ‪ ،‬فإن النحل الطنان الذي يزور زهرة ‪ M. Lewisii‬سيتجنب‬ ‫زي ــارة زه ــرة ‪ M.Cardinalis‬كما سيتفادى الطائر الطنان ال ــذي ي ــزور زهرة‬ ‫‪ ، M.Cardinalis‬زيارة زهرة ‪ M. Lewisii‬؛ وبذلك لن يتم نقل حبوب‬ ‫الطلع فيما بني النوعني إال فيما ندر ‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫بي « شيمسكيه « وزمالؤه أن هذا االختالف يف امللقح مسؤول وحده‬ ‫وبالفعل ّ‬ ‫عن كبح الدفق اجليين بني النوعني مبا م ــق ــد راه ‪ . %98‬يف ه ــذه احلالة حتديدا ‪،‬‬ ‫ال ميكن الشك إذن يف أن االنتخاب الطبيعي قد عمل على تشكيل تكيفات‬ ‫النباتني مع مل ّق حني معينني وأدى إىل عزل تكاثري قوي ‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫وقد ظهرت أدلة أخرى حول دور االنتخاب الطبيعي يف تشكل األنواع ‪ ،‬وذلك‬ ‫من مصدر آخر غري متوقع ‪ .‬ففي العقد املاضي أو قبل ذلك بقليل استطاع عدة‬ ‫علماء وراث ــة تطوريني ( ومنهم املؤلف ) حتديد نصف دزينة من اجلينات اليت‬ ‫تسبب عقما أو موت اهلجني ‪ .‬وتؤدي هذه اجلينات – اليت جرت دراسة معظمها‬ ‫يف أن ــواع ذب ــاب ــة الفاكهة – وظ ــائ ــف متنوعة ع ــادي ــة ؛ فبعضها ي ــك ـ ّـود ألن ــزمي ــات‬ ‫يكود لربوتينات بنيوية أو بروتينات ترتبط بالدنا ‪. DNA‬‬ ‫وبعضها اآلخر ِّ‬

‫إال أن مكانة االنتخاب الطبيعي لدى البيولوجيني التطوريني ‪ ،‬بدءا من العقود‬ ‫القليلة املاضية ‪ ،‬مل تشهد إال تناميا يف أمهيتها وترسيخا هلا ‪.‬‬ ‫املؤلف ‪H.Allen orr :‬‬ ‫أس ــت ــاذ جامعي ‪ ،‬وأس ــت ــاذ ‪ Shirley Cox Kearns‬للبيولوجيا يف جامعة‬ ‫روشسرت ‪ ،‬ومؤلف مشارك ( مع « جريي كوين « ) لكتاب « تشكل األنواع «‬ ‫‪. speciation‬‬ ‫وتتمحور أحباثه حول األس ــس اجلينية لتشكل وتكيف األن ــواع ‪ .‬حصل « أورر‬ ‫« على ميدالية داروين واالس من مجعية لينيان يف لندن ‪ ،‬وزمالة جيوجينهامي ‪،‬‬ ‫وزمالة داوود ولوسيل باكارد ‪ ،‬وجائزة دوب زانسكي من مجعية دراس ــات التطور‬ ‫‪ .‬نشرت له عدة دراسات ومقاالت نقدية يف اجمللتني ‪New Yorker، New‬‬ ‫‪. York Review of books‬‬

‫وهلذه اجلينات مستان بارزتان ‪ :‬األوىل هي أن معظم اجلينات اليت تسبب اضط رابات‬ ‫تشع بت بسرعة كبرية ‪ .‬والثانية هي أهنا أكدت – وهو ما‬ ‫يف النسل اهلجني قد ّ‬ ‫تبني من اختبارات علم الوراثة املختص باجلماعات – أن التطور السريع هلذه‬ ‫اجلينات كان نامجا عن عامل االنتخاب الطبيعي ‪.‬‬

‫املصدر ‪:‬‬ ‫جملة العلوم األمريكية ‪( 2009( 6/5‬‬ ‫منقول من موقع منتدى امللحدين العرب‬ ‫‪/http://www.il7ad.com‬‬

‫إن الد راسات اليت تناولت زهرة القرد وعُ قم هجائن ذباب الفاكهة ‪ ،‬مل تتعمق بعد‬ ‫مبا يكفي يف األحباث املستمرة يف الصدور للكشف عن الدور الفاعل لالنتخاب‬ ‫الطبيعي يف تشكل األنواع ‪.‬‬ ‫وبالفعل ‪ ،‬يتفق حاليا معظم البيولوجيني على أن االنتخاب الطبيعي قوة تطورية‬ ‫مفتاحية ‪ ،‬ال يقتصر دورها على دفع عجلة التغري التطوري داخل النوع الواحد‬ ‫‪ ،‬وإمنا ميتد ليشمل أنواعا جديدة من الكائنات احلية ‪ .‬ومع أن جمموعة من غري‬ ‫املختصني مازالت تشكك بقوة يف حجة االنتخاب الطبيعي وكفاية مفعوله ‪،‬‬

‫‪39‬‬



‫مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي‬

‫إعداد الربوفسور الفيزيائي ديفيد بوهم‬

‫تعريف إىل فكر كريشناموريت أول مرة إىل العام ‪ 1959‬حني ق رأت كتابه احلرية‬ ‫يعود ُّ‬ ‫األوىل واألخرية‪.‬‬ ‫وما أثار اهتمامي بصفة خاصة كان ف راسته العميقة يف مسألة ال راصد واملرصود‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إذ مافتئت هذه املسألة‬ ‫قبلئذ قريبة من حمور حبثي الشخصي‪ ،‬بوصفي فيزيائي اً‬ ‫نظري اً‪ ،‬معني اً أساس اً مبعىن النظرية الكوانتية‪.‬‬ ‫ففي هذه النظرية‪ ،‬للمرة األوىل يف تطور الفيزياء‪ ،‬طُرح مفهوم تعذر الفصل بني‬ ‫ال راصد واملرصود بوصفه ضروري اً لفهم القوانني األساسية للمادة بعامة‪ .‬لذا –‬ ‫وألن الكتاب حيوي العديد من االستبصارات العميقة األخرى أيض اً – شعرت بأن‬ ‫من األمهية العاجلة يل أن أحتدث مع كريشناموريت حديث اً مباش راً وشخصي اً يف‬ ‫أسرع وقت ممكن‪ .‬وحني التقيت به للمرة األوىل لدى واحدة من زياراته إىل لندن‪،‬‬ ‫أذهلتين تلك السهولة العظيمة يف التواصل معه‪ ،‬تتيحها تلك القدرة املتوقدة‬ ‫التحر من التحفظات واحلواجز الواقية الذي َت اوب به‬ ‫اليت كان يصغي هبا وذلك‬ ‫ُ‬ ‫مع ما كان لدي من كالم‪ .‬وكشخص يعمل يف جمال العلم‪ ،‬شعرت بارتياح تام‬ ‫إىل هذا النوع من التجاوب‪ ،‬ألنه كان يف اجلوهر يتصف بتلك اخلاصية عينها اليت‬ ‫صادفتها يف اتصاالت يل مع غريي من العلماء كان فيها معهم ٍ‬ ‫تالق يف العقول‬ ‫وثيق للغاية‪ .‬وهاهنا‪ ،‬خيطر ببايل بصفة خاصة آينشتاين الذي أبدى توقداً وغياب اً‬ ‫ٌ‬ ‫للحواجز مشاهبني يف عدد من املناقشات اليت جرت بينه وبيين‪ .‬وبعد هذا‪ ،‬بدأت‬ ‫ألتقي بكريشناموريت بصفة منتظمة وأتناقش معه كلما جاء إىل لندن‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫ ‬ ‫وهكذا بدأنا ش راك ةً‪ ،‬ص ــارت مذ ذاك أوث ــق فيما أصبحت مهتم اً باملدارس اليت‬

‫مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي‬

‫أُنشئت مببادرة منه‪ .‬ويف هذه املناقشات‪ ،‬تعمقنا جداً يف العديد من املسائل اليت‬ ‫كانت تشغل ب ــايل يف حبثي العلمي‪ .‬فقد توغلنا يف طبيعة املكان وال ــزم ــن‪ ،‬ويف‬ ‫طبيعة الكليات‪ ،‬سواء ما يتعلق منها بالطبيعة اخلارجية أو ما يتعلق بالذهن‪.‬‬ ‫إال أننا‪ ،‬يف هذا اخلصوص‪ ،‬مضينا للنظر يف الفوضى والتشويش العميمني اللذين‬ ‫وقعت على ما أشعر أنه أكرب اكتشافات‬ ‫يتخلالن وعي اجلنس البشري‪ .‬وهاهنا‬ ‫ُ‬ ‫كريشناموريت‪ :‬فما كان يطرحه يف ِج دِّية هو أن هذه الفوضى كلها‪ ،‬اليت هي‬ ‫السبب اجل ــذري لكل ه ــذا ال ــرح وال ــب ــؤس العميمني‪ ،‬وال ــي حت ــول دون الكائنات‬ ‫ِّ‬ ‫متجذ رةٌ يف كوننا جاهلني للطبيعة‬ ‫البشرية والعمل متعاونني على ما ينبغي‪،‬‬ ‫العامة لسريورات فكرنا‪ .‬أو بعبارة أخ ــرى‪ ،‬يصح أن يقال إننا ال نرى ما حيدث‬ ‫فعلي اً حني نكون منخرطني يف نشاط التفكري‪ .‬وعرب االنتباه إىل نشاط التفكري‬ ‫ه ــذا‪ ،‬وعرب رص ــده عن كثب‪ ،‬يشعر كريشناموريت أنه ي ــدرك إدراك ـاً مباش راً بأن‬ ‫الفكر سريورة مادية‪ ،‬تتواصل داخل الكائن البشري يف املخ ويف اجلهاز العصيب‬ ‫ككل‪.‬‬ ‫إننا ننحو بصفة اعتيادية‪ ،‬إىل وعي حمتوى هذا الفكر على األغلب‪ ،‬وليس كيفية‬ ‫حصوله فعلي اً‪ .‬ويف وسع املرء توضيح هذه النقطة بالنظر فيما حيدث حني يق رأ‬ ‫كتاب اً‪ :‬فاملرء عادة يكون منتبه اً انتباه اً يكاد أن يكون حمصوراً يف معىن ما يُق رأ‪ .‬غري‬ ‫أن يف وسع املرء كذلك أن يكون واعي اً للكتاب نفسه‪ ،‬ملكوناته بوصفه مصنوع اً‬ ‫من صفحات ميكن هلا أن تُق لَ ب‪ ،‬للكلمات املطبوعة وللحرب‪ ،‬ولقوام الورق‪ ،‬إخل‪.‬‬ ‫على حنو مشابه ميكن لنا أن نعي بنية سريورة الفكر ووظيفتها الفعليتني‪ ،‬وليس‬ ‫حمتواه وحده‪.‬‬ ‫كيف ميكن ملثل ه ــذا الوعي أن يولد؟ يقرتح كريشناموريت أن ه ــذا يتطلب ما‬ ‫يسميه التأمل‪ .‬على أن كلمة «تأمل» ‪ meditation‬أُضفيت عليها طائف ةٌ‬ ‫واس ــع ــة م ــن امل ــع ــاين املختلفة‪ ،‬وح ــى املتناقضة‪ ،‬ينطوي العديد منها على أن ــواع‬ ‫سطحية إىل ٍّ‬ ‫حد ما من الغيبيات‪ .‬أما كريشناموريت فهو يقصد مفهوم اً معين اً‬

‫‪41‬‬


‫مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي‬

‫‪42‬‬

‫وواضح اً حني يستعمل هذه الكلمة‪ .‬ويف وسع املرء أن حيصل على مؤشر نفيس‬ ‫إىل هذا املعىن إذا نظر يف اشتقاق الكلمة‪( .‬إن ج ــذور الكلمات‪ ،‬باالق رتان مع‬ ‫معانيها احلالية املعمول هبا عموم اً‪ ،‬غالب اً ما تُسلِ‬ ‫لتبص رات مباغتة‬ ‫س قيادها ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ملعانيها األعمق‪).‬‬ ‫إن كلمة ‪ meditation‬اإلنكليزية تعود بأصلها إىل اجلذر الالتيين ‪ med‬الذي‬ ‫َّ‬ ‫«ر َاز» ‪to‬‬ ‫يعين «القياس»‪ .‬واملعىن احل ــايل للكلمة هو «تفك ر» ‪َ ،to ref lect‬‬ ‫قاس)‪ ،‬و»ق لَّ ب النظر»‪ .‬وباملثل فإن الكلمة السنسكريتية‬ ‫‪( ponder‬أي َوَز َن أو َ‬ ‫َّ‬ ‫«تفك ر»‪.‬‬ ‫اليت تقابل التأمل – وهي دهيانا – وثيقة الصلة بـدهيايت‪ ،‬اليت تعين‬ ‫فإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن التأمل هو «تقليب املرء ال رأي أو ُّ‬ ‫التفك ر امل رافق إليالء‬ ‫االنتباه الشديد إىل ما حيصل فعلي اً فيما املرء يفعل ذلك»‪.‬‬ ‫ولعل هذا ما يعنيه كريشناموريت ببداية التأمل‪ .‬أي أن املرء يويل انتباهه اللصيق‬ ‫كل ما حيدث‪ ،‬باالق رتان مع النشاط الفعلي للفكر‪ ،‬الذي هو املصدر األصلي‬ ‫إىل ِّ‬ ‫للفوضى العامة‪ .‬واملرء يفعل هذا من دون اختيار‪ ،‬من دون نقد‪ ،‬من دون ٍ‬ ‫قبول ملا‬ ‫جيري أو ٍ‬ ‫رفض له‪ .‬وهذا كله حيصل بالتالزم مع التفكر يف املعىن الذي يتعلمه املرء‬ ‫الصفحات‬ ‫ت‬ ‫عن نشاط الفكر‪( .‬لعل األمر أشبه ما يكون بق راءة املرء كتاب اً ُل بِ طَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫فيه‪ ،‬وبوعيه هذه الفوضى وعي اً شديداً‪ ،‬بدالً من جمرد «حماولة إضفاء املعىن» على‬ ‫املشوش الذي يربز حني يكتفي املرء بقبول الصفحات كما يتفق هلا أن‬ ‫احملتوى َّ‬ ‫تأيت‪).‬‬ ‫النظام على‬ ‫حد ذات ــه‪ُِ ،‬ي ـ ُّـل‬ ‫ص ـ َـد كريشناموريت بأن فعل التأمل نفسه‪ ،‬يف ِّ‬ ‫َ‬ ‫لقد َر َ‬ ‫نشاط الفكر من دون تدخل اإلرادة أو االختيار أو الق رار أو أي فعل آخر من‬ ‫ِّ‬ ‫والش واش اللذان‬ ‫أفعال‬ ‫حيل مثل هذا النظام‪ ،‬خيمد الضجيج َّ‬ ‫«املفك ر»‪ .‬وفيما ُّ‬ ‫يشكالن خلفية وعينا املعتادة‪ ،‬ويصري الذهن صامت اً عموم اً‪( .‬ال ينشط الفكر‬ ‫إال عند احلاجة إليه من أجل غرض ما ضروري حق اً‪ ،‬مث يتوقف إىل حني احلاجة‬ ‫إليه من جديد‪).‬‬

‫مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي‬

‫ويقول كريشناموريت إن شيئ اً جديداً وخالق اً حيدث يف هذا الصمت – شيئ اً ال‬ ‫ميكن إيصاله يف كلمات‪ ،‬لكنه ذو مغزى خارق من أجل ك لِّ ية احلياة‪ .‬من هنا‬ ‫فإنه ال حياول أن يب لِّ غ هذا الشيء بالكالم‪ ،‬بل باألحرى يسأل أولئك املهتمني أن‬ ‫يستكشفوا مسألة التأمل بأنفسهم‪ ،‬من خالل االنتباه الفعلي إىل طبيعة الفكر‪.‬‬ ‫غري أنه ميكن للمرء‪ ،‬من دون أن حياول التوغل يف معىن التأمل األعمق هذا‪ ،‬أن‬ ‫يقول إن التأمل باملعىن الذي يضفيه كريشناموريت على الكلمة‪ ،‬ميكن له أن ُِي َّل‬ ‫النظام على نشاطنا الذهين اإلمج ــايل‪ ،‬وإن هذا قد يكون عام الً أساسي اً يف وضع‬ ‫َ‬ ‫للتح والبؤس والفوضى والتشويش ال ــي ظلت من نصيب اجلنس البشري‬ ‫ح ـ ٍّـد َّ‬ ‫يبش ر بتغيري‬ ‫على ك ـِّـر العصور‪ ،‬وم ــازال ــت عموم اً تتواصل من دون طالع مرئي ِّ‬ ‫أساسي يف املستقبل املنظور‪.‬‬ ‫ـرب العلمي‪،‬‬ ‫إن فكر كريشناموريت يتخلله م ــا ميكن ل ــه أن يُ َّ‬ ‫سم ى جوهر امل ــق ـ َ‬ ‫منظوراً إليه يف صورته األمسى واألنقى‪ .‬إذ إنه ينطلق من حقيقة من حقائق طبيعة‬ ‫ِ‬ ‫سريورات فكرنا‪ .‬وهذه احلقيقة يتم التأكد منها ع ْب انتباه لصيق‪ ،‬يتضمن إصغاءً‬ ‫متأني اً إىل سريورة الوعي ومثابرًة على رصدها‪ .‬ويف هذا يتع لَّ م املرءُ بصفة دائمة؛‬ ‫ومن هذا التع لُّ م ينتج االستبصار يف الطبيعة اإلمجالية أو العامة لسريورة الفكر‪.‬‬ ‫متاس ك اً‬ ‫مث يتم الفحص عن ه ــذا االستبصار‪ :‬يتأكد امل ــرء أوالً من أن ــه متماسك ُ‬ ‫عقالني اً‪ ،‬مث يتأكد املرء من أنه يقود إىل النظام واالتساق‪ ،‬وذلك مما ينضح عنه‬ ‫يف احلياة ككل‪.‬‬ ‫أي وجه‪ .‬لقد‬ ‫يشدِّد كريشناموريت تشديداً دائم اً على أنه ليس مرجعي ةً وال من ِّ‬ ‫بكل ما يف وسعه جلعل‬ ‫قام بعدد من االكتشافات وحسب‪ ،‬وهو يف بساطة يقوم ِّ‬ ‫مكتشفاته يف متناول مجيع أولئك القادرين على اإلصغاء‪ .‬وفكره ال حيتوي على‬ ‫أي ــة مجلة من املعتقدات‪ ،‬وال هو يقدِّم تقنيات أو مناهج للحصول على ذهن‬ ‫صامت‪ .‬إنه ال يهدف إىل إنشاء أية منظومة جديدة من املعتقدات الدينية‪ .‬إذ‬ ‫كل كائن إنساين‪ ،‬باألحرى‪ ،‬أن يرى إن كان يستطيع أن يكتشف‬ ‫إنه من شأن ِّ‬

‫‪43‬‬


‫مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي‬

‫مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي‬

‫بنفسه ما يلفت كريشناموريت االنتباه إليه‪ ،‬مث يواصل درب ــه من هناك للقيام‬ ‫ختص ه هو‪.‬‬ ‫مبكتشفات جديدة ُّ‬ ‫أي مدخل‪ ،‬من حنو هذا املدخل‪ ،‬ميكن له وحسب يف أحسن‬ ‫من الواضح إذن أن َّ‬ ‫معي – ِ‬ ‫يبي كيف فَ ِ‬ ‫فكر كريشناموريت‪.‬‬ ‫–‬ ‫أنا‬ ‫مثلي‬ ‫عال‬ ‫شخص‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َّ‬ ‫األحوال‪ ،‬أن ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ــذا ف ــإن رؤي ــة تامة ملا يقصده كريشناموريت تتطلب من امل ــرء بالطبع‪ ،‬املتابع ةَ‬ ‫وق ـراء َة ما يقوله هو فع الً‪ ،‬خباصية االنتباه تلك إىل ك لِّ ية استجاباته‪ ،‬الداخلي‬ ‫لتونا‪.‬‬ ‫منها واخلارجي‪ ،‬اليت ناقشناها هاهنا ِّ‬

‫‪44‬‬

‫‪45‬‬


‫هجن بشرية‬

‫تبني من خالل حتاليل الدنا ‪ DNA‬أن اإلنسان العاقل‬ ‫‪ homo sapiens‬الباكر قد تزاوج بأنواع بشرية أخرى‪ ،‬وأن مثل‬ ‫هذا التهجني بني األنواع قد أدى دورا مفتاحيا يف انتصار نوعنا البشري‪.‬‬

‫باختصار‬ ‫تنص النظرية ح ــول منشأ اإلنسان العاقل ال ــي هيمنت لفرتة‬ ‫ط ــوي ــل ــة‪ ,‬على أن نوعنا ال ــب ــش ــري ق ــد نشأ ع ــن جمموعة بشرية‬ ‫معينة جم ــاورة للصح راء ال ــك ــرى وعملت على ال ــق ــض ــاء على‬ ‫أنواع اإلنسان القدمي‪.‬‬ ‫إال أن الد راسات احلديثة لدنا ‪ DNA‬اإلنسان احلديث وتلك‬ ‫لإلنسان القدمي بينت أن اإلنسان احلديث الذي جاء من إفريقيا‬ ‫قد ت زاوج باإلنسان القدمي‪ .‬وتشري البيانات إىل أن هذا التهجني‬ ‫قد ساعد اإلنسان العاقل على االزدهار إبان استعماره أراضي‬ ‫جديدة‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫قد يكون من الصعوبة مبكان تصور ذلك اليوم‪ ،‬إال أن واقع األمر هو أن عدة أنواع‬ ‫شبيهة بالبشر ُو ِج دت معا يف خضم معظم تاريخ تطور اإلنسان‪ .‬فمنذ ما ال يزيد‬ ‫على ‪ 40‬ألف سنة كانت هناك عدة كائنات شبيهة بالبشر ذات أصول مشرتكة‪،‬‬ ‫وتلك مشلت النياندرتال وهومو فلوريسينزيس ‪ .Homo f loresiensis‬ولعدة‬ ‫عقود‪ ،‬احتدم اجلدل بني العلماء حول كيفية نشوء اإلنسان العاقل وكيف صار‬ ‫الشكل النهائي لألنواع البشرية‪ .‬ويعود الفضل يف هيمنة فرضية معينة يف هذا‬ ‫الشأن إىل الد راسات اجلينية اليت جرت يف مثانينات القرن املنصرم واليت توصلت‬ ‫إىل أن اإلنسان احلديث تشرحييا نشأ يف إفريقيا وانتشر يف سائر أحناء العامل القدمي‪،‬‬

‫هجن بشرية‬

‫ُم ِزحيا ومستبدال متاما األشكال البشرية القدمية األخرى‪ّ .‬إل أن موضوع الكيفية‬ ‫الدقيقة النف راد اإلنسان العاقل أخ ريا يف العامل بقي ملتبسا‪ .‬ومن احملتمل أن يكون‬ ‫الغ زاة قد عملوا على قتل السكان األصليني‪ ،‬أو تفوقوا عليهم يف املنافسة على‬ ‫املوارد‪ ،‬أو ببساطة عملوا على التكاثر بسرعة أكرب‪ .‬ومهما تكن كيفية حدوث‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن الغ زاة عملوا وفق هذه الفرضية على إفناء املنافسني من دون الت زاوج‬ ‫هبم‪.‬‬ ‫لقد خدمت هذه الفرضية‪ ،‬اليت باتت تعرف بنموذج االستبدال ‪Replacement‬‬ ‫‪ model‬كقاعدة نظرية أساسية ملنشأ اإلنسان ملدة مخس وعشرين سنة‪ ،‬وذلك‬ ‫على الرغم من ت راكم البيانات اليت تناقض هذا الطرح‪ .‬فقد مكن التطور األخري‬ ‫يف تقانات حتديد َس ْل َس لة ‪ sequencing‬الدنا‪ ،‬الباحثني من احلصول على كم‬ ‫كبري من البيانات‪ .‬ومصدر هذه البيانات كان من بشر أحياء‪ ،‬إضافة إىل أنواع‬ ‫بشرية بائدة‪ .‬وقد جنم عن حتليل هذه البيانات باالعتماد على أدوات حاسوبية‬ ‫متطورة‪ ،‬ترسيخ املعتقد ب ــأن قصة تطورنا كبشر مل تكن البتة بالبساطة اليت‬ ‫ختيلها معظم املختصني يف علم اإلن ــس ــان‪ .‬إذ تبني أن اإلن ــس ــان احل ــايل حيمل دنا‬ ‫موروثا من إنسان النياندرتال ومن بشر قدماء آخرين‪ ،‬مما يدل على أن اإلنسان‬ ‫العاقل الباكر قد ت ـزاوج بالفعل ب ــأن ــواع أخ ــرى‪ ،‬وأن ه ــذا ال ــت ـزاوج أدى إىل نسل‬ ‫خصب قادر على نقل موروثه اجليين عرب آالف األجيال املتعاقبة‪ .‬ومل يقتصر أثر‬ ‫هذا االكتشاف على تقويض املفهوم السائد حول طريقة نشوئنا‪ ،‬بل دفع العلماء‬ ‫أيضا إىل البحث يف تقييم مدى هذا التهجني بني األن ــواع وحثهم كذلك على‬ ‫حتديد األماكن اجلغ رافية اليت حصل فيها ذلك‪ ،‬وتبيان ما إذا كان اإلنسان احلايل‬ ‫قد استفاد بالفعل من أي من هذه اإلسهامات اجلينية اآلتية من أبناء عمومتنا ملا‬ ‫قبل التاريخ‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫هجن بشرية‬

‫أصول يكتنفها الغموض‬

‫ولكي يتسىن لنا متاما تقدير أثر هذه االكتشافات اجلينية احلديثة يف فهم العلماء‬ ‫لتطور اإلنسان علينا أن نعود إىل مثانينات القرن املاضي‪ ،‬عندما احتدم النقاش‬ ‫حول كيفية نشوء اإلنسان العاقل‪ .‬وتفحص بيانات املستحاثات ‪fossil data‬‬ ‫جعل علماء اإلن ــس ــان ال ــق ــدمي يتفقون على أن ف ــرع ــا ق ــدمي ــا م ــن نوعنا البشري‪،‬‬ ‫اإلنسان املنتصب ‪ ،homo erectus‬قد نشأ يف إفريقيا منذ حنو مليوين سنة‬ ‫ومن مث بدأ سريعا باالنتشار من هذه القارة إىل شىت مناطق العامل القدمي األخرى‪.‬‬ ‫وقد متركز اخلالف بني هؤالء العلماء حول كيفية نشوء اإلنسان العاقل من هذا‬ ‫اإلن ــس ــان املنتصب‪ ،‬وه ــو اإلن ــس ــان ال ــذي ميتلك حجرة دماغية م ــك ــورة وهيكال‬ ‫عظميا دقيقا‪ ،‬وهي السمات اليت مل تظهر يف السجل األحفوري ّإل قبل ‪195‬‬ ‫ألف سنة‪.‬‬

‫هجن بشرية‬

‫ومناصرو ما يسمى منوذج التطور املتعدد املناطق(‪ )1‬الذي طوره < ‪H .M.‬‬ ‫وولپوف> وزمالؤه يف جامعة ميتشيگان قد تبنوا فكرة أن التحول حدث تدرجييا‬ ‫لدى اجلماعات القدمية مجيعها‪ ،‬بغض النظر عن مناطق وجودها يف كل من قارات‬ ‫إفريقيا وآسيا وأوروبا وأقيانوسيا‪ .‬لقد مت هذا التحول وذلك بفعل اهلجرة والت زاوج‬ ‫الذي مسح للسمات احلديثة املفيدة باالنتشار بني جممل هذه اجلماعات‪ .‬وللبشر‬ ‫احلاليني وف ــق ه ــذا املشهد‪ ،‬مس ــات مم ــي ــزة مناطقية ت ــوارث ــوه ــا م ــن األص ــول القدمية‬ ‫بسبب ما وفّ رته هذه السمات فيما يبدو من فائدة ساعدهتم على التكيف يف‬ ‫بيئاهتم اخلاصة‪ .‬وق ــد مت ذل ــك على الرغم من انتشار السمات األخ ــرى الشائعة‬ ‫لدى مجيع البشر احلاليني مع انتهاء هذه العملية االنتقالية‪ .‬وهناك أيضا فرضية‬ ‫أخرى مشتقة من السابقة طرحها <‪ F.‬مسيث> [وهو حاليا يعمل يف جامعة‬ ‫والية إلينوي] أمساها منوذج االندماج االجتماعي ‪،Assimilation model‬‬ ‫واليت يعرتف فيها بدور أكرب للجماعات اليت أتت من إفريقيا يف حتديد صفات‬ ‫اإلنسان احلايل‪.‬‬ ‫ويف مقابل هذه الفرضية‪ ،‬فإن مناصري منوذج االستبدال(‪( )2‬واملعروف أيضا باسم‬ ‫منوذج املنشأ اإلفريقي‪ ،‬من مجلة أمساء أخرى) ومن هؤالء <‪ Ch.‬سرتينگر> [من‬ ‫متحف التاريخ الطبيعي يف لندن] ادعوا بأن البشر احلديثني تشرحييا نشؤوا كنوع‬ ‫خ ــاص متميز يف مكان واح ــد حم ــدد ‪ -‬على أط ـراف الصح راء ال ــك ــرى ‪ -‬وعمل‬ ‫هؤالء على القضاء على مجيع البشر القدماء يف كل مكان ومن دون أن يت زاوجوا‬ ‫هب ــم‪ .‬ومث ــة صيغة أق ــل حت ــدي ــدا هل ــذه النظرية ‪ -‬فنموذج التهجني امل ــق ــرح م ــن قبل‬ ‫<‪ G.‬بروير> [من جامعة هامبورگ يف أملانيا] يتضمن حدوث التهجني أحيانا‬ ‫بني البشر احلديثني واجملموعات البشرية القدمية يف خضم اندفاعهم إىل مناطق‬ ‫جديدة‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫‪49‬‬


‫هجن بشرية‬

‫وهكذا‪ ،‬بدا هذا النقاش الذي اعتمد على البيانات األحفورية فقط‪ ،‬وكأنه مل‬ ‫حيسم بعد‪ .‬ومع ظهور تقانة الدنا متكن العلماء من تطوير طرق تسمح بتقصي‬ ‫ما حصل يف املاضي‪ ،‬وذلك من خالل حتليل التغري اجليين يف اجلماعات البشرية‬ ‫احلالية واستخدامه إلعادة بناء شج رات التطور جلينات معينة‪ .‬ومن خالل دراسة‬ ‫شجرة جينية‪ ،‬ميكن للباحثني حتديد مىت وأين وجد السلف املشرتك األخري جلميع‬ ‫األشكال األخرى جلني معني‪.‬‬ ‫ويف دراسة ُم ْع لَ مة(‪ )3‬نشرت عام ‪ ،1987‬أعلن <‪ C .A.‬ويلسن> [من جامعة‬ ‫بريكلي] وزمالؤه عن أن شجرة التطور اخلاصة بالدنا اليت وجدت يف امليتوكوندريا‬ ‫‪ - mitochondria‬وهي املكونات املنتجة لطاقة اخلاليا – تعود إىل أُنثى سلف‬ ‫إفريقية عاشت قبل حنو مئيت ألف سنة‪( .‬ينتقل دنا امليتوكوندريا ‪)4(mtDNA‬‬ ‫من األم إىل األوالد ويُعامل يف ال ــد راس ــات املتعلقة باألجداء كجني منفرد)‪ .‬وقد‬ ‫انسجمت هذه النتائج مع توقعات منوذج االستبدال املذكور آنفا‪ ،‬كما اتفقت‬ ‫مع الد راسات الالحقة اليت مشلت أج زاء صغرية من دنا نواة اخللية وتلك للصبغي‬ ‫(الكروموسوم) ‪ chromosome Y‬املوروث من األب‪.‬‬ ‫وقد ظهرت أدلة مساندة أخرى هلذا النموذج بعد مضي عقد من الزمن عندما‬ ‫جنح <‪ S.‬پعابو> [وهو يعمل حاليا يف مركز ماكس پالنك لعلم تطور اإلنسان‬ ‫يف اليپزيگ بأملانيا] وزمالؤه يف استخالص وحتليل قطعة من دنا امليتوكوندريا من‬ ‫تبي أن دنا النياندرتال خيتلف عن‬ ‫عظام النياندرتال‪ .‬ومن خالل هذه الد راسة َّ‬ ‫دنا اإلنسان املعاصر؛ إذ أظهرت بيانات تلك الد راسة غياب الت زاوج (التهجني)‬ ‫بينهما‪ .‬وقد مت تأكيد ذلك من خالل دراسات الحقة للدنا ‪ mtDNA‬باستخدام‬ ‫عينات نياندرتال إضافية‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫هجن بشرية‬

‫املسمار األخري الذي ُدك يف نعش‬ ‫وهذه النتائج مثلت لدى العديد من الباحثني‬ ‫َ‬ ‫منوذج التطور املتعدد املناطق ومنوذج االندماج‪ ،‬لكن آخرين اعرتضوا على املنطق‬ ‫الذي استندت إليه بقية هؤالء الباحثني‪ .‬فغياب مؤشر للتهجني يف أي منطقة‬ ‫مستقلة واحدة من اجلينوم‪ ،‬كما يف الدنا ‪ ،mtDNA‬ال يعين بالضرورة غياب‬ ‫دنا مهج ٍن يف املناطق األخرى من هذا اجلينوم‪ .‬وإضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن أي منطقة‬ ‫معينة من اجلينوم مت اختبارها‪ ،‬ميكن أال حتوي إشارات على التهجني حىت وإن مت‬ ‫حدوثه فعال‪ ،‬وذلك ألن الدنا من األنواع األخرى (الدنا الدخيل) قد خيتفي عرضا‬ ‫مع الوقت من منظومة اجلينات يف حال عدم توفريه فائدة لنوع اإلنسان العاقل‪.‬‬ ‫إن أفضل طريقة حلسم ال ــت ــس ــاؤل ح ــول حقيقة ح ــدوث ه ــذا ال ــت ـزاوج م ــن عدمه‬ ‫يكمن يف مقارنة العديد من املناطق يف اجلينوم أو‪ ،‬مثاليا‪ ،‬بتحليل كامل اجلينوم‬ ‫إن أمكن‪ .‬إال أنه قبل توفر هكذا حتاليل مستفيضة لإلنسان القدمي‪ ،‬تبني يف بعض‬ ‫الد راسات املبكرة وجود أدلة جينية مناقضة لنموذج االســتبدال الذي َم ثَّل ال رأي‬ ‫املعتمد لــدى أكثريــة العـلمـاء‪ .‬فقــد كانـت إحـدى هـذه الد راسات هي تلك‬ ‫اليت أجــ راهــا <‪ D.‬كاريگان> عام ‪ 2005‬عندمــا كان باحثــا ملـا بعــد الدكتوراه‬ ‫فع الة ‪nonfunctional‬‬ ‫يف خمتربي‪ ،‬حيث درس تسلسل الدنا يف منطقة غري ّ‬ ‫من الصبغي ‪ X‬املسماة ‪ .RRM2P4‬وقد تبني من خالل حتليل شجرة النسب‬ ‫أن أصل هذه السلسلة يعود إىل نوع قدمي ليس بإفريقي بل شرق آسيوي عاش‬ ‫منذ حنو مليون ونصف سنة‪ .‬وه ــذا يشري إىل أن ه ــذا الدنا أت ــى من ن ــوع آسيوي‬ ‫قدمي اختلط باإلنسان العاقل القادم من إفريقيا‪ .‬كما مت اكتشاف تنوع آخر يف‬ ‫منطقة غري فعالة أخرى من الصبغي ‪ X‬وهي املنطقة ‪ ،Xp21.1‬وقد كان ذلك‬ ‫يف السنة ذاهتا ويف خمتربنا أيضا‪ .‬إذ أظهرت شجرة نَ َس ب اجلينات فرعني متشعبني‬ ‫تطورا فيما يبدو بشكل مستقل متاما وقد جرى ذلك خالل ما يقارب املليون‬ ‫سنة‪ ،‬أحدمها مت إدخاله إىل اجلماعات احلديثة تشرحييا من خالل نوع إفريقي قدمي‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫هجن بشرية‬

‫هجن بشرية‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن األدلة املستقاة من املنطقتني ‪ RRM2P4‬و ‪ Xp21.1‬قد أحملت‬ ‫إىل أن اإلنسان احلديث تشرحييا قد ت ـزاوج ببشر قدماء من آسيا وإفريقيا على‬ ‫التوايل‪ ،‬بدال من جمرد استبداهلم من دون هتجني‪.‬‬ ‫فرضيات متنافسة‬ ‫تحديد مصدر اإلنسان العاقل‬ ‫لقد استمر طويال جدل العلماء حول التطور التشرحيي لإلنسان‬ ‫احلديث (اخلطوط البنية الغامقة) من السلف القدمي (اخلطوط‬ ‫البنية الفاحتة)‪ .‬ويف الفرضيات املعروضة هنا يعود منشأ اإلنسان‬ ‫احلديث إىل إفريقيا‪ .‬ووفقا لنموذج االستبدال ‪replacement‬‬ ‫‪ ،model‬فقد استبدلت أنواع اإلنسان القدمي يف العامل القدمي‬ ‫م ــن دون أن حي ــدث هتجني بينها وب ــن اإلن ــس ــان احل ــدي ــث‪ .‬ويف‬ ‫املقابل‪ ،‬ينص منوذج االندماج ‪ assimilation model‬على‬ ‫انتشار السمات املفيدة من إفريقيا بني هذه اجملموعات القدمية‬ ‫من خالل الدمج واهلجرة والت زاوج والذي يسمى بالدفق اجليين‬ ‫‪( gene f low‬األسهم اخلض راء)‪ .‬أما منوذج التهجني فيفرتض‬ ‫أن اإلنسان احلديث مل يت زاوج باإلنسان القدمي إال فيما ندر‬ ‫(األسهم احلمر) إبان عملية االستبدال‪ .‬ويف منوذج التطور املتعدد‬ ‫املناطق جي ــري الرتكيز بشكل حصري على ف ــرة التحول من‬ ‫الشكل القدمي إىل احلديث يف إفريقيا وينص على الدفق اجليين‬ ‫والتهجني بني اجملموعات القدمية املختلفة‪ .‬ومثل هذا املشهد‬ ‫قد يكون سابقا لعملية االستبدال واالندماج والتهجني‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫الدنا القدمي اخلاص بنا‬ ‫إن التقدم الذي أحرزته تقانة َس ْل َس لة الدنا مسح للعلماء حديثا بإج راء َس ْل َس لة‬ ‫سريعة جلينومات نووية كاملة(‪ - )5‬متضمنا ذل ــك جينومات إنسان منقرض‬ ‫كالنياندرتال‪ .‬ويف عام ‪ ،2010‬أعلنت جمموعة <پعابو> عن َس ْل َس لة دنا اجلزء‬ ‫األكرب من جينوم النياندرتال الذي يعود إىل دنا مستخلص من عدة مستحاثات‬ ‫للنياندرتال من كرواتيا‪ .‬وبعكس التوقعات‪ ،‬فقد تبني من ه ــذه التحاليل أن‬ ‫إلنسان النياندرتال مسامهة صغرية يف جتميعية جينية ‪ gene pool‬اإلنسان‬ ‫احلايل وإن كانت ذات أثـر معتبـر‪ :‬فللبشر خارج إفريقيا مكون وراثي ي رتاوح بني‬ ‫‪ 1‬و ‪ 4%‬من اجلينوم يعود إىل جينوم النياندرتال‪ .‬والتفسري املقرتح لذلك متثل يف‬ ‫أن الت زاوج بني النياندرتال ومجيع البشر غري اإلفريقيني اقتصر غالبا على الفرتة‬ ‫مجيع هؤالء املنطق ةَ ذاهتا يف الشرق األوسط واليت امتدت‬ ‫احملدودة اليت شغر فيها ُ‬ ‫من ‪ 80‬إىل ‪ 50‬ألف سنة املاضية‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫هجن بشرية‬

‫ومن مث تال اإلع ــا ُن السابق إع ــا َن <پعابو> عن اكتشاف مدهش أكثر‪ ،‬متثل‬ ‫يف حصوهلم على دن ــا ميتوكوندريا من قطعة عظم إصبع تعود إىل ما قبل ‪40‬‬ ‫أل ــف سنة‪ُ ،‬وج ــدت يف كهف ‪ Denisovan‬جببال ألتاي يف سيبرييا‪ .‬وم ــع أن‬ ‫العلماء مل يتمكنوا م ــن حت ــدي ــد ه ــوي ــة ال ــن ــوع لقطعة العظم تلك اع ــت ــم ــادا على‬ ‫صفاهتا التشرحيية‪ ،‬إال أن تسلسل الدنا بـَ ّي أهنا تعود إىل فرد ينتمي إىل مجاعة‬ ‫ق رابتها للنياندرتال أكثر قليال من ق رابتها هي والنياندرتال للبشر احلاليني‪ .‬كما‬ ‫أن مقارنة تسلسل دنا الدينوسوڤان مبا يقابله يف اجلماعات احلديثة مكن من‬ ‫العثور على كمية معتربة من الدنا يف اجلماعة الشبيهة بالدينوسوڤان ومتثلت‬ ‫يف ‪ 1‬إىل ‪ 6%‬يف امليالنيزيني واألس رتاليني والپولينرييني وبعض اجملموعات املرتبطة‬ ‫ذات الصلة يف غرب احمليط اهل ــادي‪ ،‬فيما مل يُعثر على شيء من هذا الدنا لدى‬ ‫اإلفريقيني والبشر احلاليني من منطقة آسيا وأوروبا‪.‬‬ ‫مكتشفات‬ ‫أدلة حول التهجين‬ ‫يشري السجل األحفوري إىل أن اإلنسان العاقل نشأ من إفريقيا منذ‬ ‫حنو مئيت ألف سنة‪ .‬وتبني الد راسات احلديثة للدنا أن اإلنسان احلديث‬ ‫ت زاوج باإلنسان القدمي يف خضم هجرته داخل إفريقيا ونزوحه خارجها‬ ‫إىل سائر بقاع العامل القدمي (األسهم ال ــرم ــادي ــة)‪ .‬وتظهر اخلريطة يف‬ ‫األس ــف ــل ع ــدة أن ــواع قدمية ‪ -‬مب ــا يف ذل ــك ن ــوع مت حت ــدي ــده م ــؤخ ـرا على‬ ‫أساس بيانات حتليل الدنا املأخوذة من عظم إصبع مستحاثة مصدره‬ ‫ك ــه ــف دي ــن ــس ــوڤ ــا يف س ــي ــري ــا ‪ -‬ك ــم ــا تظهر امل ــن ــاط ــق ال ــي ج ــرى فيها‬ ‫التهجني احملتمل بني اإلنسان احلديث (القطع الناقص) اعتمادا على‬ ‫بيانات الدنا املتاحة‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫هجن بشرية‬

‫ولكي يتسىن للباحثني تفسري هذا النمط املعقد من التشاركية للدنا‪ ،‬فقد اقرتحوا‬ ‫ح ــدوث هتجني م ــع ع ــدة أش ــك ــال ق ــدمي ــة يف زم ــن ــن خمتلفني‪ :‬األول‪ ،‬عندما هاجر‬ ‫اإلنسان احلديث بداية من إفريقيا وت ـزاوج بالنياندرتال‪ ،‬والحقا‪ ،‬عندما وصل‬ ‫خلفاء هذا الت زاوج إىل جنوب شرق آسيا والتقوا باإلنسان الشبيه بالدينوسوڤان‪.‬‬ ‫وقد وصل سلف اجملموعات امليالنيزية احلالية املختلط مرتني‪ ،‬إىل احمليط اهلادي‬ ‫قبل حنو ‪ 45‬ألف سنة كما حدثت موجة هجرة ثانية لإلنسان احلديث إىل شرق‬ ‫آسيا من دون أن حيصل ت زاوج السلف الشبيه بالدينوسوڤان‪.‬‬ ‫ومع أن مناقشة عمليات التهجني يف تطور اإلنسان تتمحور عادة حول الت زاوج‬ ‫بني اإلنسان احلديث تشرحييا بالنياندرتال يف أوروبا أو عدة أشكال أخرى قدمية‬ ‫يف آسيا‪ ،‬إال أن فرص الت زاوج الكربى املتاحة كانت يف إفريقيا‪ ،‬وذلك ألن اإلنسان‬ ‫احلديث عايش األشكال القدمية للبشر ملدة أطول كث ريا‪ .‬ولسوء احلظ ال يساعد‬ ‫مناخ إفريقيا اإلستوائي وغاباته املطرية‪ ،‬على احلفاظ على الدنا يف املستحاثات‪.‬‬ ‫ويف غياب مرجعية تعتمد معلومات مأخوذة من دنا قدمي‪ ،‬فإن الد راسة احلالية‬

‫‪55‬‬


‫هجن بشرية‬

‫لالحتماالت األخ ــرة تقتصر على حتليل دنا البشر احلاليني يف إفريقيا حبثا عن‬ ‫مؤش رات لتهجني قدمي‪.‬‬ ‫ومن أجل ذلك َع ِم َل فريقي (املؤلف) يف جامعة أريزونا‪ ،‬بالتعاون مع <‪D .J.‬‬ ‫وول> [من جامعة كاليفورنيا يف سان ف رانسيسكو]‪ ،‬على مجع بيانات تسلسل‬ ‫الدنا من ‪ 61‬منطقة للجينوم يف عينات من ثالث مجاعات إفريقية تعيش على‬ ‫أط ـراف الصح راء ال ــك ــرى‪ .‬وباستخدام حم ــاك ــاة حاسوبية الختبار ع ــدة أح ــداث‬ ‫تطورية متنوعة ممكنة‪ ،‬توصلنا إىل استنتاج‪ ،‬مت نشره ع ــام ‪ ،2011‬إىل أن هذه‬ ‫حوت مسامهة جينية من جمموعة بشرية منقرضة وتقدر هذه‬ ‫اجلماعات احلديثة َ‬ ‫املسامهة بـ ‪ 2‬يف املئة‪ .‬وق ــد انفصلت تلك اجملموعة القدمية عن سلف اإلنسان‬ ‫احلديث تشرحييا قبل حنو ‪ 700‬ألف سنة‪ ،‬وجرى الت زاوج بينهما قبل حنو ‪ 35‬ألف‬ ‫سنة يف إفريقيا الوسطى‪.‬‬ ‫إن ج ــذور اإلن ــس ــان احل ــدي ــث ال تعود إىل مجاعة سلف واح ــد‬ ‫يف إفريقيا وإمنا إىل مجاعات موزعة يف بقاع خمتلفة من العامل‬ ‫القدمي كله‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫وق ــد ظهر م ــؤش ــر جيين آخ ــر ل ــوج ــود اخ ــت ــاط ق ــدمي يف إفريقيا وذل ــك م ــن خالل‬ ‫دراس ــة سلسلة دن ــا الصبغي ‪ Y‬غ ــر ال ــع ــادي‪ ،‬مت احل ــص ــول عليه م ــن أمريكي ‪-‬‬ ‫إفريقي يعيش يف جنوب كارولينا أرسلت عينة الدنا اخلاصة به إىل شركة توفر‬ ‫للمستهلك حتليال جينيا مباش را‪ .‬وقد تبني من التحليل أن هذا الدنا فريد من‬ ‫نوعه‪ .‬فمن خ ــال مقارنة التسلسل ‪ Y‬اخل ــاص هب ــذا الشخص وغ ــره ل ــدى بشر‬

‫هجن بشرية‬

‫آخرين ولدى الشيمبانزي تبني أن هذا الدنا يعود إىل الصبغي ‪ Y‬غري املعروف‬ ‫من قبل‪ ،‬تفرع سلفه عن شجرة الصبغي ‪ Y‬قبل أكثر من ‪ 300‬ألف سنة‪ .‬عندئذ‬ ‫قمنا بتفحص قاعدة البيانات لنحو ستة آالف للصبغي ‪ Y‬إلفريقيني‪ ،‬فوجدنا‬ ‫تطابقا يف إحدى عشرة عينة كان مجيع أصحاهبا ينتمون إىل منطقة صغرية جدا‬ ‫يف غرب الكامريون‪ .‬وقد نُشر هذا االكتشاف يف عدد الشهر ‪ 3/2013‬من الدورية‬ ‫األمريكية ‪ ،Genetics‬وهو يشري إىل أن األصل املشرتك جلميع تنوعات الصبغي‬ ‫‪ Y‬احلديثة يعود إىل فرتة أقدم بـ ‪ 70%‬مما مت تقديره من قبل‪ .‬ووجود هذا الشكل‬ ‫ال ــق ــدمي للصبغي ‪ Y‬يف البشر احل ــال ــي ــن ي ــدل على ح ــدوث هتجني ب ــن اإلن ــس ــان‬ ‫احلديث وإنسان قدمي جمهول اهلوية كان يعيش يف غرب إفريقيا الوسطى‪.‬‬ ‫وقد توفرت حديثا أدل ــة أخ ــرى ج ــاءت من السجل األحفوري إلمكانية حدوث‬ ‫ت زاوج خمتلط يف إفريقيا‪ .‬فمباشرة بعد نشر نتائجنا يف عام ‪ 2011‬عملت جمموعة‬ ‫من علماء املستحاثات على إعادة حتليل البقايا املوجودة يف املوقع ‪Iwo Eleru‬‬ ‫بنيجرييا‪ ،‬وق ــد تبني أن مس ــات اجلمجمة متثل حالة وسطى ب ــن تلك ال ــي لدى‬ ‫اإلنسان احلديث واإلنسان القدمي‪ ،‬وأن عمرها ال يتجاوز ‪ 13‬ألف سنة‪ ،‬أي بعد‬ ‫زمن طويل من ظهور اإلنسان احلديث تشرحييا‪ .‬وهذه النتائج إىل جانب تلك اليت‬ ‫مت التوصل إليها يف موقع ‪ Ishango‬جبمهورية الكونغو الدميوق راطية‪ ،‬تشري إىل‬ ‫أن مسرية تطور اإلنسان احلديث تشرحييا كانت أعقد مما هي يف أي من النماذج‬ ‫الطليعية لنشوء اإلنسان احلديث‪ .‬فإما كان اإلنسان القدمي موجودا إىل جانب‬ ‫اإلن ــس ــان احل ــدي ــث يف امل ــاض ــي ال ــق ــري ــب‪ ،‬أو أن مج ــاع ــات بسمات م ــش ــرك ــة‪ ،‬قدمية‬ ‫وحديثة‪ ،‬كانت تت زاوج فيما بينها آلالف السنني‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫هجن بشرية‬

‫إسهامات؟‬ ‫مع أن حتاليل دنا النياندرتال ودنا الدينوسوڤان توفر أدلة إضافية حول إسهام‬ ‫اإلن ــس ــان ال ــق ــدمي يف إرث ــن ــا اجل ــي ــي‪ ،‬إال أن هناك العديد م ــن القضايا والتقدي رات‬ ‫احلالية للنسبة املئوية يف جينومنا اليت تنتمي إىل النياندرتال والدينوسوڤان الشبيه‬ ‫بالبشر تقوم على أس ــل ــوب ال يوفر معلومات كافية ح ــول كيف وم ــى حدث‬ ‫االختالط‪ .‬ودراسة ذلك تقتضي تطوير فهمنا الدقيق حلدود مناطق اجلينوم اليت‬ ‫جاءت بالفعل من اإلنسان القدمي وحتديد أي من هذه األن ــواع البشرية القدمية‬ ‫قد أسهمت يف ذل ــك‪ .‬وأثناء إع ــداد أطروحة الدكتوراه يف خمتربي (املؤلف) اختذ‬ ‫<‪ L .F.‬مينديز> خطوات هبذا االجتاه متاما‪ .‬وقد عثر على أدلة قوية على وجود‬ ‫قطعة من الدنا يف الصبغي ‪ 12‬حتوي اجلني ‪( STAT2‬وهو جني يسهم يف خط‬ ‫الـم ْم رضات ‪ pathogens‬الڤريوسية) اليت مصدرها إنسان‬ ‫الدفاع األول ضد ُ‬ ‫نياندرتال‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫ستساعد الد راسة التفصيلية ملناطق الدنا املوروثة من السلف القدمي على اإلجابة‬ ‫عم ا إذا كان اكتساب هذه املكونات اجلينية املختلفة قد وفّ ر فائدة‬ ‫عن التساؤل ّ‬ ‫تَ َك يفية ما لإلنسان العاقل يف امل راحل الباكرة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فإن اجلني ‪STAT2‬‬ ‫يوفر منوذجا جذابا ملا يبدو كبديل مفيد دخل جتميعية جينية اإلنسان احلديث‪.‬‬ ‫وهناك حنو ‪ 10%‬من البشر يف أوروبا وآسيا وأقيانوسيا حيملون هذا الشكل اخلاص‬ ‫للجني ‪ STAT2‬املوجود يف النياندرتال‪ .‬ومن املثري لالهتمام أن هذا اجلني يوجد‬ ‫يف ميالنيزيا بتواتر يزيد عشر م ـرات على وج ــوده بشرق آسيا‪ .‬ويشري التحليل‬ ‫إىل أن هذا التواتر املرتفع ناجم عن انتقاء طبيعي ‪ natural selection‬إجيايب‬ ‫(وه ــذا‪ ،‬ألنه ساعد على إجناح التكاثر أو البقيا) أكثر من كونه انتشر مبحض‬ ‫الصدفة‪ ،‬فقد كان مفيدا جلماعات اإلنسان احلديث تشرحييا يف ميالنيزيا‪.‬‬ ‫وباملثل‪ ،‬يبدو أن قسم اً شبه نياندرتايل مبنطقة من اجلينوم يدعى مستضد الكريات‬

‫هجن بشرية‬

‫البيضاء البشرية (‪ )6()HLA‬ق ــد تنامى ت ــوات ــره عاليا نسبيا ل ــدى اجلماعات‬ ‫األوراس ــي ــة نتيجة النتقاء طبيعي إجي ــايب ارتبط ب ــدور تلك اجلماعات يف مقاومة‬ ‫املمرضات‪ .‬ورمبا ال داعي لالستغ راب من وجود إسهامات قدمية تضمن جينات‬ ‫تعمل على تقوية املناعة‪ .‬ومن السهولة مبكان تصور أن اكتساب شكل خمتلف‬ ‫جل ــن متكيف م ــع مقاومة امل ــم ــرض ــات يف بيئات غ ــر إفريقية ق ــد يعود بالفائدة‬ ‫امل ــب ــاش ــرة على أس ــاف البشر احلاليني ال ــذي ــن ان ــت ــش ــروا يف م ــواط ــن ج ــدي ــدة خ ــارج‬ ‫إفريقيا‪.‬‬ ‫ويف ضوء هذه األدلة امل رتاكمة حول التهجني بني اإلنسان العاقل احلديث تشرحييا‬ ‫واإلنسان القدمي يف كل من إفريقيا وخارجها‪ ،‬مل يعد منوذج االستبدال مقبوال‪.‬‬ ‫فاألنواع البشرية القدمية واحلديثة كانت قادرة على إنتاج هجائن قابلة للحياة‪.‬‬ ‫وه ــك ــذا‪ ،‬فاإلنسان القدمي ال ــذي تعرض لالنق راض ك ــان ق ــادرا على ت ــرك بصمته‬ ‫اجلينية يف جينوم اإلنسان احلديث‪ .‬وبعد تبيان ذلك‪ ،‬يبدو أن جينومات اإلنسان‬ ‫احل ــايل ه ــي يف معظمها م ــن أص ــل إفريقي وأن إس ــه ــام األن ــواع األوراس ــي ــة (األورو‬ ‫آس ــي ــوي ــة) أق ــل مم ــا يتنبأ ب ــه ك ــل م ــن ال ــن ــم ــوذج ال ــت ــط ــوري املتعدد املناطق أو من ــوذج‬ ‫االندماج‪.‬‬ ‫ومث ــة ع ــدد م ــن الباحثني مييل اآلن إىل من ــوذج <ب ــروي ــر> التهجيين ‪Br?uer?s‬‬ ‫‪ ،Hybridization‬الذي يستصوب حدوث ت زاوج بني اإلنسان العاقل واإلنسان‬ ‫القدمي اقتصر على حاالت قليلة معزولة‪ .‬وإنين أوافق على أن مثل هذا الت زاوج‬ ‫كان نادرا بعد خروج اإلنسان احلديث من إفريقيا‪ ،‬إال أن القصة ال تنتهي عند‬ ‫هذا احلد‪ .‬فالسجل األحفوري املعقد يشري إىل وجود جمموعات بشرية ذات مسات‬ ‫انتقالية يكتنفها موزاييك منوع وخمتلط م ــن صفات ك ــل م ــن اإلن ــس ــان القدمي‬ ‫واحلديث‪ ،‬وقد عاشت هذه اجملموعات يف نطاق جغ رايف ميتد من املغرب العريب‬

‫‪59‬‬


‫هجن بشرية‬

‫حىت جنوب إفريقيا يف فرتة زمنية امتدت من ‪ 200‬ألف سنة إىل ‪ 35‬ألف سنة‬ ‫ماضية‪ .‬وبناء على ذلك يتعني علينا ترجيح النموذج الذي يشمل الت زاوج بني‬ ‫األنواع البشرية أثناء التحول من احلقبة القدمية إىل احلقبة احلديثة‪ .‬ويُطلق أحيانا‬ ‫على ه ــذا التحول اس ــم التطور اإلفريقي املتعدد املناطق‪ .‬ويسمح ه ــذا املشهد‬ ‫بإمكانية وراثة بعض مسات اإلنسان احلديث من أشكال انتقالية قبل انق راضها‪.‬‬ ‫ويف رأيي‪ ،‬إن منوذج التطور املتعدد املناطق إضافة إىل منوذج <بروير> التهجيين‬ ‫يفس ران أفضل ما ميكن‪ ،‬حىت اليوم‪ ،‬البيانات األحفورية واجلينية‪.‬‬ ‫وقبل أن يتمكن الباحثون م ــن تقييم ت ــام ملثل ه ــذا النموذج لتشكل اإلنسان‬ ‫احلديث سنحتاج إىل معرفة أفضل لكود ‪ code‬السمات التشرحيية احلديثة وإىل‬ ‫فك شيفرة ‪ decipher‬تارخيها التطوري‪ .‬وإن إج راء حتاليل إضافية جلينومات‬ ‫اإلن ــس ــان القدمي واحل ــدي ــث سيساعد الباحثني على حتديد زم ــن ومكان حدوث‬ ‫االختالط بشكل دقيق‪ ،‬وفيما إذا كانت هذه اجلينات القدمية اليت انضمت إىل‬ ‫جتميعية جينية اإلنسان املعاصر‪ ،‬مفيدة للجماعات اليت محلتها‪ .‬وهذه املعلومات‬ ‫ستساعدنا على تقييم فرضية أن التهجني مع مجاعات اإلنسان القدمي اليت كانت‬ ‫متكيفة بشكل جيد مع حميطها احمللي قد أكسبت اإلنسان العاقل مسات مسحت‬ ‫له باهليمنة على العامل‪ .‬هذا‪ ،‬وإن التشارك يف اجلينات من خالل التهجني فيما‬ ‫بني األن ــواع البشرية وال ــذي حي ــدث أحيانا هو إح ــدى الطرق املتاحة ال ــي ينجم‬ ‫عنها شيء جديد تطوريا يف كثري من احليوانات والنباتات‪ ،‬فليس من املستغرب‬ ‫إذن أن يقع الشيء ذاته يف مسرية نوعنا البشري‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫وما زال هناك الكثري من األمور اليت مل حتسم بعد‪ ،‬إال أن هناك شيئا اتضح اآلن‪:‬‬ ‫إن جذور اإلنسان احلديث ال تقتصر على مجاعة بشرية إفريقية واحدة فقط‪ ،‬بل‬ ‫عم رت العامل القدمي كله‪ .‬ومع أن اإلنسان القدمي قد اُعتُِ َب يف‬ ‫تعود إىل مجاعات ّ‬

‫هجن بشرية‬

‫العديد من احلاالت منافسا لإلنسان احلديث‪ ،‬إال أنه ال مناص اآلن للعلماء من‬ ‫األخذ بعني االعتبار إمكانية كون كليهما معا مصدر وسر جناح اإلنسان العاقل‪.‬‬

‫املؤلف‬ ‫‪Michael F. Hammer‬‬ ‫<هامر> عامل وراثة اجلماعات‪ ،‬يف جامعة أريزونا‪ .‬وهو يدرس أمناط التنوع اجليين‬ ‫يف اجلماعات البشرية احلديثة هبدف اكتشاف األصول التطورية لإلنسان العاقل‪.‬‬ ‫ ‬ ‫العنوان األصلي‬ ‫‪HUMAN HYBRIDS‬‬ ‫املقال نشر مبجلة ‪ ,Scientific American‬و ترجتمه للعربية جملة العلوم‬ ‫الصادرة عن دار التقدم العلمي يف الكويت‬

‫‪61‬‬


‫بطالن االدلة العقلية‬

‫الدليل ‪ :‬هو شيء ما يستدل به على ذات الشيء أو شيئا» آخر ‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫فنقول م ــث ــا» ال ــدل ــي ــل على وج ــود احل ــج ــر ه ــو أن ــن ــا ن ــرى و نلمس ه ــذه احل ــج ــر و‬ ‫نسمع صوت ارتطامها ب ــاالرض أو بأي شيئ آخر و بالتايل الدليل هو شيء و‬ ‫معرفة الدليل هو االحساس(الدليل احلسي) به عن طريق احلواس اخلمسة ‪ ،‬النظر‬ ‫‪،‬و السمع ‪،‬و الشم ‪ ،‬و الذوق ‪ ،‬و اللمس ‪ .‬وهذه احلواس صحيح أهنا تأيت عن‬ ‫طريق االط راف و لكن م راكزها موجودة يف الدماغ فلوال وجود الدماغ فليس هلذه‬ ‫احلواس أي معىن ‪،‬و بالتايل فالدماغ هو الذي حيلل و يستنتج و يستقرئ النتائج‬ ‫وه ــذا ه ــو ال ــدل ــي ــل( العقلي ) ول ــك ــن العقل ليس ه ــو ال ــدم ــاغ فقط ف ــال ــدم ــاغ هو‬ ‫اآللة اليت حتلل االحاسيس و لكن هذا التحليل يستند اىل معلومات موجودة يف‬ ‫الدماغ منها موروث ‪،‬و منها مكتسب‪ ،‬املوروث هو كافة االستعدادات للتعلم‬ ‫مثل تعلم اللغة تعلم احلركة تعلم املشي تعلم الكالم ‪،‬تعلم القفز و السباحة‬ ‫و الكمبيوتر‪ ،‬تعلم الكذب ‪،‬و الصدق‪ ،‬و االمانة‪ ،‬واحلرية‪ ،‬و العبودية ‪ ....‬اخل و‬ ‫املكتسب معرفة كنه االشياء ‪،‬ماهية االشياء ‪ ،‬االلوان ‪ ،‬الروائح االص ــوات‪...،‬اخل‬ ‫‪،‬و أيضا» طرق التحليل طرق الفك و الرتكيب ‪.‬‬ ‫الدليل احلسي التجرييب هو أن حتس االشياء حبواسك اخلمسة أو امتداداهتا الصنعية‬ ‫مثل اجملهر‪ ،‬التلسكوب‪ ،‬الكمبيوتر ‪ ،‬الكام ريا ‪...‬اخل و الدليل العقلي هو التحليل‬ ‫الذي يقوم به العقل للدليل احلسي فمثال» نقول يف الرياضيات أن ‪ 2=1+1‬حىت‬ ‫اآلن هذا حتليل و لكن مستقى من التجربة فقد أتينا حبجر مثال» ووضعناه قرب‬ ‫حجر آخر و قلنا أن جمموعهما حج ران أو اتينا بأرنب ووضعناه عند أرنب آخر و‬ ‫قلنا أن جمموعهما أرنبان و نستطيع أن نفعل ذلك حىت أعداد كبرية و لكن ذلك‬ ‫سيكون مكلفا» جدا» و ممال» فلكي نعرف عن طريق (الدليل احلسي التجرييب)‬ ‫‪ ،‬أن مليار ‪+‬مليار =‪2‬مليار يعين أن نأيت مبلياري أرنب و نضعهم عند بعضهم‬

‫بطالن االدلة العقلية‪:‬‬

‫و جنمعهم واحد ‪ +‬واحد حىت نصل اىل ملياران و هذا كما أسلفنا ممل و مكلف‬ ‫و غري مفيد لذلك احرتعو ا علم احلساب (الرياضيات) و هنا تبدأ االدلة العقلية‬ ‫و بالتايل فاالدلة العقلية ليس هلا معىن بدون االدلة احلسية التجريبية ‪.‬‬ ‫يعين يسأل سائل بالعقل‪:‬أليس وجود الطاولة دليل على أن هلذه الطاولة صانع‬ ‫و أن البعر دليل على وجود البعري و يسمي هذا الدليل الدليل العقلي التحليلي‬ ‫الرتكييب و هذا صحيح و لكن كيف حللت و ركبت و فككت و بالتايل توصلت‬ ‫اىل ذلك ‪.‬هنا يدخل الدليل احلسي التجرييب ليلعب لعبته فمثال» أي شخص مل‬ ‫يزر اس رتاليا و ال يعرف الكنغارو فهو ال يعرف كيف يتربز الكنغاروا و ال يعرف‬ ‫شكله وال يعرف رائحته و ال يعرف أي شيء عنه و بالتايل مل يكتسب(بالتجربة‬ ‫بالدليل احلسي أية معلومات لكي يقوم على أساسها الدليل العقلي ) وبالتايل‬ ‫فلو أنه رأى ب راز الكنغاروا فسوف لن يستطيع أن يقول هذا دليل على وجود‬ ‫الكنغارو‬ ‫و نفس الشيء لو أتينا بانسان من العصر احلجري و أريناه الطاولة مباشرة دون‬ ‫أن نريه كيفية صنعها لظنها خشبة مثل أي خشبة أخ ــرى مرمية يف االرض و‬ ‫ملا استطاع أن يقول أن هلذه الطاولة صانع النه ال ميلك معلومات مكتسبة من‬ ‫االدلة احلسية التجريبية ‪ .‬و بالتايل فاالدلة العقلية ال معىن هلا إن مل تكن مشفوعة‬ ‫باالدلة احلسية التجريبية ‪.‬‬ ‫و من هنا االع رتاض على االدلة العقلية اليت يقول هبا أصحاب االعجاز العلمي يف‬ ‫القرآن و هي أن وجود الكون دليل على وجود صانع هلذا الكون ‪ .‬عمليا» حنن‬ ‫رأينا و تعلمنا و عرفنا‪ -‬أي بالدليل احلسي التجرييب‪-‬كيف تصنع الطاولة لذلك‬ ‫قلنا أن وجود الطاولة دليل على وجود صانع ولكننا مل نرى كيف أن اهلل أو أية‬ ‫قوة أخرى صنعت الكون أو أكوان أخرى و مل يعلمنا أحد كيفية صناعة الكون‬ ‫و كيفية خلقه لكي نستنتج االستنتاج القائل أن وجود الكون دليل على وجود‬ ‫خالق هلذا الكون ‪.‬‬

‫‪63‬‬



‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫قال ذلك االعرابي‪:‬‬ ‫(البعرة تدل على البعري‪ ،‬واألثر يدل على املسري؛ فسماء ذات أبراج‪،‬‬ ‫وأرض ذات فجاج‪ ،‬وبحار ذات أمواج أفال يدل ذلك على احلكيم اخلبري؟)‬

‫قاهلا ذلك االع رايب القح‪ ،‬واختذها املؤمنون من بعده دليال على الفطرة السليمة!‬ ‫قالوا بالعلة االوىل وان صقل السماء واالرض هبذا الشكل هو دليل على وجود‬ ‫اهلل‪.‬‬

‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫‪ -1‬العلة االوىل‪:‬‬ ‫ويقولون فيها «اننا نعيش يف كون يعتمد على السبب والتأثري‪ ».‬ولكن من‬ ‫املستحيل منطقيا ان حنصل على احندار الهنائي من االسباب‪ .‬يف مرحله ما‬ ‫فان هذا االحندار جيب ان يتوقف‪ ،‬ويف هذه املرحله انت حباجه اىل العله االوىل‬ ‫اليت ليس هلا سبب وهو ما يسمونه اهلل‪.‬‬

‫ان الكون ايل نعيش فيه بدا من حوايل ‪ 13.7‬بيليون سنه‪ .‬اليهمنا ان كان قد‬ ‫بدا قبل ذلك بشكل خمتلف سواء كان طاقة ام مادة ام جاذبية اخل ‪ ..‬وهذا‬ ‫شيء غري معروف ان كان الكون بدأ هكذا او بشكل خمتلف‪ .‬وان كان له‬ ‫بدايه فنحن ال نعلم ان كان اهلل هو السبب الوحيد وال نعلم ان كان اهلل عله‬ ‫اوىل ام ال!‬

‫‪66‬‬

‫‪67‬‬


‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫ان هناك جسيمات اف رتاضية تظهر وختتفي يف الوجود طوال الوقت‪ ،‬ان فيزياء‬ ‫الكم توضح ان هناك بالفعل احداث ال اسباب هلا‪.‬‬ ‫‪ -2‬من اتى بقوانني الكون؟‪:‬‬ ‫الناس تظن ان قوانني الفيزياء توجد خارج نطاق الفيزياء! او اهنا مستمدة من‬ ‫خارج الكون! يف احلقيقة فان الفيزياء احلديثة تنفي هذا‪ ،‬ان القوانني االساسية‬ ‫للفيزياء هي مجل رياضية تصف الواقع بطريقة موضوعية‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫‪ -3‬صقل الكون‪:‬‬ ‫ان بعض املتدينني يقولون «ان‬ ‫الثوابت الفيزيائية السته للكون‬ ‫م ــن املمكن فقط ان تتواجد يف‬ ‫نطاق ضيق لتنتج كونا حيتوي‬ ‫على احلياة وبالتايل ف ــان ه ــذا ال‬ ‫ميكن ان يكون قد حدث مصادفة‬ ‫وبالتايل فان اهلل هو من احدثه‪».‬‬ ‫انه فكر يعتمد على لصق كل‬ ‫ما النستطيع تفسريه باهلل‪ .‬ولكن‬ ‫ه ــذه امل ــق ــول ــه ت ــف ــرض ان ــن ــا نعرف‬ ‫ك ــل ش ــيء ع ــل ــى ف ــي ــزي ــاء ال ــك ــون‪،‬‬ ‫وه ــو العلم ال ــذي يكتشف كل‬ ‫يوم شيئا جديدا‪ ،‬ق رمبا نكتشف‬ ‫ي ــوم ــا م ــا ان ه ـ ــذا ال ــك ــون ل ــي ــس‬ ‫مصقوال على االطالق!‬

‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫هناك احتماليه اخرى وهي تواجد عدة اكوان اخرى متفرقة او جمتمعة كلها‬ ‫يف ك ــون واح ــد‪ .‬رمب ــا يكون لكل ك ــون منها ثوابته اخل ــاص ــه‪ ،‬فلو افرتضنا ان‬ ‫هناك اكوان كثرية اذا فالصدفة قد تلعب دورها هنا يف ان يكون هناك كون‬ ‫واحد على االقل قادر على انتاج احلياه‪.‬‬ ‫واالن دعنا ننظر اىل تعريف كلمه اهلل ‪ « :‬ابدي‪ ،‬العليم‪ ،‬القوي‪ ،‬الودود»‪ .‬اذا‬ ‫هل بامكان اهلل ان ينحرف قليال عن هذه الصفات ؟ مع اننا نعلم ان هناك‬ ‫تباينا حديا بسيطا يف ثوابت الكون «املصقول»‪ .‬ومع ذلك فانه ليس هناك‬ ‫تباين ح ــدي يف صفات ذل ــك االل ــه التقليدي‪ ،‬منطقيا ه ــذا يقودنا اىل عدم‬ ‫تصديق وجود اله يف الكون‪.‬‬ ‫وايضا حيق لنا ان نسأل من الذي صقل اهلل ؟‬ ‫لو ان هذا الكون قد خلق خصيصا من اجل البشر‪ ،‬فان حجمه اهلائل هذا‬ ‫وكل تلك السنني اليت مرت قبل ظهور االنسان كانت بال معىن! وهذا ما‬ ‫الجيب ان يظهر من ذلك االله !‬ ‫‪ -4‬صقل االرض‪:‬‬ ‫بعض املتدينون يقولون «ان االرض موضوعة يف مكاهنا االم ــث ــل يف النظام‬ ‫الشمسي ( ليست ب ــاردة جدا وال ح ــاره ج ــدا) وبالتايل تقبل احلياة‪ ،‬وايضا‬ ‫فان العناصر على االرض ( الكربون‪ ،‬االوكسيجني) ايضا يف نسبها السليمة‪.‬‬ ‫ويقولون ان هذا ال ميكن ان حيدث بالصدفة وبالتايل ال بد من وجود اله وضع‬ ‫االرض يف مكاهنا الصحيح ووضع هذه العناصر الكيميائية‪».‬‬ ‫ان هذا تك رار لتفسري كل شيء غامض بكلمه اهلل‪ .‬هذا الكالم كان ليكون‬ ‫صحيحا لو ان االرض هي الكوكب الوحيد يف الكون كله‪ .‬وبالتايل ستكون‬ ‫عالمه واضحة‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫لكن املتدينون هم اول الناس معرفة ان هناك املاليني من الكواكب يف الكون‬

‫يقول فولتري‪ « :‬ان كان اهلل غري موجود فال بد من اخ رتاعه»‬ ‫بن باز‬ ‫@‪benbazbuzz‬‬

‫وبالتايل فانه بالصدفة احد تلك الكواكب تيسر له الظروف املناسبه النتاج‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫بامكانكم ان تتخيلوا خملوقات فضائية وردية اللون وهلا اربع عيون وتتنفس‬ ‫ثاين اكسيد الكربون على كوكب اخر تؤمن ان كوكبها مصقول وان اهلل هو‬ ‫من صقله !‬ ‫على املؤمنني واج ــب صعب وه ــو حماوله اثبات اهلل بطريقة علمية ب ــدال من‬ ‫مقوالت ذلك االع رايب القح‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫‪71‬‬


‫امرأة غامضة‬

‫مصطفى تاج الدين موسى‬

‫وأتأم ل هذه الوجوه البشرية اليت ضاعت مالحمها‬ ‫كدت اختنق وأن ــا أمشي ّ‬ ‫يف ازدح ــام هذا اليوم‪ ..‬هربت منها ألدخل هذا املقهى‪ ,‬مث طلبت من النادل‬ ‫زجاجة عصري‪.‬‬ ‫لكأسني وأنا أرمق ذباب ةً كسولة كانت تتمشى على سطح طاوليت‪ ,‬بدت يل‬ ‫مالحمها واضحة‪.‬‬ ‫شهقت وأن ــا أش ــاه ــد ام ـ ـرأ ًة مجيلة ت ــدخ ــل املقهى لتجلس إىل ط ــاول ـ ٍـة قريبة‪..‬‬ ‫تأملتها مذهوالً‪ ,‬مل يسبق يل أن شاهدت أمجل منها يف حيايت‪ ,‬مجاهلا نادر‪..‬‬ ‫مع ابتسامتها الساحرة والغامضة‪.‬‬ ‫حاولت أن ألفت انتباهها‪ ,‬استغربت منها‪ ..‬كانت مشغولة بالنظر وبإعجاب‬ ‫ٍ‬ ‫طاولة عن يساري‪.‬‬ ‫إىل جاري على‬ ‫كانت ترمقه بعينيها اللتني تنضحان شهوة وحب‪.‬‬ ‫ما ال ــذي أعجبها هب ــذا البدين البشع؟‪ .‬أمرها غامض ه ــذه اجلميلة‪ ,‬لنصف‬ ‫ساعة وهي ترمقه دون أن يكرتث هلا‪.‬‬ ‫مهست يف س ــري‪( :‬أن ــا مستعد ألن أخ ــس ــر ح ــي ــايت مقابل أن أن ــام معها ليلة‬ ‫واحدة)‪.‬‬ ‫ف ــج ــأ ًة‪ ..‬هن ــض ــت ع ــن كرسيها وم ــش ــت حن ــو ج ــاري ال ــب ــدي ــن‪ ,‬ي ــا إهل ــي ك ــم هي‬ ‫جريئة!‪ .‬تلك الشهوة يف عينيها كانت تشتعل ن ــاراً‪ ,‬عليه اللعنة‪ ..‬سريره‬ ‫سريحبها هذه الليلة‪.‬‬ ‫احن ــن ــت إل ــي ــه لتقرتب بوجهها م ــن وج ــه ــه‪ ,‬مث قبلته قبلة طويلة‪ ,‬خ ــيّ ــل يل أنه‬ ‫سيتحول إىل أمري‪ ,‬كما يف تلك احلكاية القدمية اليت تقبل فيها احلسناء ذلك‬

‫‪72‬‬

‫امرأة غامضة‬

‫الوحش‪.‬‬ ‫مال جسده عن كرسيه ليسقط على األرض‪ ..‬معه حق‪ ..‬قبلة عذبة مثل هذه‬ ‫ال يستطيع أي رجل يف العامل أن حيتملها‪.‬‬ ‫أسرع إليه صاحب املقهى وبعض الرواد‪ ,‬بينما هي تنسل من بينهم لتمشي‬ ‫هبدوئها الغريب حىت الباب‪ ,‬حيث استدارت لتنظر إىل جاري وكأهنا تودعه‪,‬‬ ‫مث خرجت‪ ..‬مل أفهم سر ابتسامتها الغامضة‪.‬‬ ‫قال أحد الذين احننوا على جسد جاري‪ ,‬وهيئته تدل على أنه طبيب‪:‬‬ ‫ـــ يبدو أنه قد أصيب بأزمة قلبيّ ة حادة‪ ..‬لقد مات‪..‬‬ ‫عال الكالم والص راخ حول اجلثمان‪ ,‬أسرعت وأخربت صاحب املقهى بأنه من‬ ‫املمكن أن تكون تلك امل رأة قد قتلته‪ .‬قال يل مندهش اً‪:‬‬ ‫املتوف أثار طعنة أو طلقة‪..‬‬ ‫ـــ ال يوجد على جسد ّ‬ ‫زفرت‪ ,‬مث خرجت من هذه احلانة‪ ,‬وظللت لساعات أمشي على األرصفة بني‬ ‫البشر الذين ال مالمح هلم‪ ..‬شعرت باجلوع‪ ..‬فدخلت مطعم اً متواضع اً‪:‬‬ ‫شهقت وأن ــا أش ــاه ــد امل ـرأة اجلميلة ذاهت ــا ت ــدخ ــل املطعم لتجلس إىل ط ــاول ـ ٍـة‬ ‫أمامي‪.‬‬ ‫هذه املرة انتبهت يل‪ ,‬ابتسمت هلا خببث فابتسمت يل خببث‪ ,‬غمزهتا بلطف‬ ‫فغمزتين بلطف‪ ,‬لعقت شفيت السفلى فلعقت شفتها السفلى‪.‬‬ ‫ما أمجلها !‪ .‬هذه الليلة سوف أربح سرها وأربح جسدها‪.‬‬ ‫قلت للنادل‪:‬‬ ‫ـــ اجلب زجاجة نبيذ من النوع الفاخر ‪ ..‬وقدمه هلذه السيدة على حسايب‪..‬‬ ‫ـــ عن أي سيدة تتحدث ؟‪.‬‬ ‫ـــ هذه السيدة اليت جتلس أمامي‪..‬‬ ‫ونظر إىل حيث أشرت له بسبابيت‪.‬‬ ‫ـــ على هذه الطاولة ال يوجد أحد‪ ..‬إهنا فارغة يا سيدي‪..‬‬

‫‪73‬‬


‫وذهب وهو يهز ب رأسه ويبتسم‪.‬‬ ‫إيل‪,‬‬ ‫مل أفهم شيئ اً‪ ..‬بينما هذه امل رأة اجلميلة تنهض عن كرسيها لتمشي هبدوء ّ‬ ‫ويف عينيها شهوة عارمة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ‪ ..‬مثة ذبابة كانت تتمشى على طاوليت‪ ,‬طارت بعيداً عن هنا‪.‬‬


‫أسمائي يف املشفى‬

‫مصطفى تاج الدين موسى‬

‫أتذكر أن السيارة اليت حطمت حياة صديقي‪ ,‬هي ذاهتا اليت نقلت ما تبقى‬ ‫من حيايت إىل هنا‪.‬‬ ‫كأشباح نتمشى حنن املرضى يف هذه املم رات الضيقة‪ ,‬مستندين على اجلد ران‬ ‫أحيان اً‪ ,‬وأحيان اً على أعمدة السريوم‪.‬‬ ‫مير بيننا العجوز بعربته املعدنية‪ ,‬ال أحد منا أخذ حصته من الطعام املطبوخ‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل سيء فوق عربته‪.‬‬ ‫بينما مالك املوت يغفو قلي الً يف تلك ال زاوية‪ ,‬لينال قسط اً من ال راحة‪ ,‬قبل أن‬ ‫يرجع ليكنسنا كـ بقايا بشر‪.‬‬ ‫مريض يتأمل يف خياالته مشاهد من فيلم حياته‪ ,‬تأيت‬ ‫على ك ـ ّـل سري ٍر مثّــة‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫وكأن ا ألحد املخرجني اهلواة‪ ,‬وحده مريض السرطان‬ ‫اللقطات‬ ‫بشكل عشوائي ّ‬ ‫وبعد اجلرعة الكيماوية الثالثة‪ ,‬يعيد توضيب مشاهد من حياته يف خياالته كـ‬ ‫خمرج سينمائي حمرتف‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫املمرض املناوب الذي ال حيب السينما‪ ,‬يوزع قبل منتصف الليل على املرضى‬ ‫األدوية بال مباالة‪ ,‬مث ميضي إىل غرفته ليداعب خلف باهبا هندي املمرضة‪.‬‬ ‫يوم اً م ــا‪ ..‬زوج ــة هذا املمرض و زوج هذه املمرضة‪ ,‬سوف يأتيان إىل هنا كـ‬ ‫ـب مل‬ ‫بقايا بشر‪ ,‬لينتجا يف خياالهتما ف ــوق ه ــذه األس ــرة املخلخلة‪ ,‬أف ــام ح ـ ٍّ‬ ‫يعيشوها أبداً‪.‬‬ ‫أنفث‬ ‫جيلس جانيب مالك املوت فأشعل له سيجارة‪ ,‬هو ُّ‬ ‫يعب منها هبدوء وأنا ُ‬ ‫دخاهنا من أنفي ببطء‪ ,‬هذا ما مساه كارل ماركس بـ (تقسيم العمل)‪.‬‬ ‫املريض عن مييين بيده سبحة طويلة‪ ,‬يعد على حباهتا أمساء اهلل احلسىن‪ ,‬تنتهي‬

‫‪76‬‬

‫أسمائي يف املشفى‬

‫أمساء اهلل وال تنتهي أوجاعه‪.‬‬ ‫يف دورات املياه شربت زجاجة ٍ‬ ‫نبيذ رخيص‪ ,‬مث رجعت وأنا أترنح‪ ..‬سرقت‬ ‫السبحة من اليد الباردة جلاري امليت منذ دقائق‪.‬‬ ‫على سريري وأسفل الغطاء الرث‪ ,‬رحت أعد وأعد على حباهتا وأنا أهذي‪,‬‬ ‫انتهت أوجاع اهلل احلسىن ومل ِ‬ ‫تنته أمسائي‪.‬‬ ‫مروا من أمام‬ ‫يف املشفى تصري دورات املياه كابوس اً بشع اً للمرضى‪ ,‬ك لّ ما ُّ‬ ‫امل رايا الصغرية فوق املغاسل ال يشاهدون أنفسهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل هستريي وج ــه ـاً يشبه وجهي على ك ــل هذه‬ ‫مساء ال ــب ــارح ــة رمس ــت‬ ‫امل رايا‪ ,‬بقلم أمحر شفاه أخذته من حبيبة قدمية كذكرى‪.‬‬ ‫ـت ال ــع ــش ـرات وال ــع ــش ـرات م ــن العابرين يف هب ــو املشفى‬ ‫ـت وأرب ــك ـ ُ‬ ‫اآلن‪ ..‬أرع ــب ـ ُ‬ ‫عندما صرخت به حبنق‪.‬‬ ‫ال أحد يبتسم هنا إطالق اً‪ ,‬ال املرضى وال زواره ــم‪ ..‬ال األطباء وال املمرضون‬ ‫وال املمرضات‪ ..‬ال الطباخ العجوز وال أنا وال مالك املوت‪ ..‬وال حىت عامود‬ ‫السريوم‪.‬‬ ‫وحده فقط‪ ..‬داخل صورته الكبرية واملعلقة يف هبو املشفى‪ ,‬يبتسم‪.‬‬ ‫ـــ بكم كيلو االبتسامات هذا اليوم يا سيادة الرئيس ؟‪..‬‬

‫‪77‬‬


‫سراديب اآللهه ‪ -‬القسم األول‬

‫رنده قسيس‬

‫أثر مفهوم الطوطم في نشأة األديان‪ ...‬حلقة ‪1‬‬

‫‪78‬‬

‫تعد اخل ـراف ــة الينبوع األول للنظام الطوطمي ال ــذي ساهم يف شق الطريق‬ ‫لإلنسان يف تدجني احليوانات ومن مث الزراعة وال لّ ذي ِن سامها بدورمها يف عملية‬ ‫تطور اإلنسان وانتقاله من اإلنسان «الباليوثي» إىل اإلنسان «النيوليثي»‪.‬‬ ‫وهنا ال بد من اإلشارة‪ ،‬إىل أن اإلنسان «الباليوثي» يف مجيع م راحله كان‬ ‫صيّ اداً وقاطف اً للفاكهة‪ .‬وكما يعتقد بعض اختصاصي اآلثار فإن مرحلة‬ ‫القطف واالستفادة من امل ــوارد الطبيعية لعبت دوراً هام اً يف تطور اإلنسان‬ ‫تدرجيي اً‪ ،‬ويف تأسيس معتقداته البدائية اليت مهدت لتكوين نظام اجتماعي‬ ‫ديين‪ .‬فكانت من تلك املعتقدات اخل رافية و ِ‬ ‫املؤس سة لنظام اجتماعي تلك اليت‬ ‫ختص عملية احلمل عند األنثى وعملية التكاثر عند احلي وانات والنباتات‪،‬‬ ‫ويعود ذلك لعدم ربط عالقة احلمل عند امل رأة باحلي وانات املنوية لدى الذكر عند‬ ‫بعض القبائل األس رتالية‪ ،‬والناشئ بالطبع عن جهل اإلنسان البدائي يف تلك‬ ‫احلقبة بعالقة الذكر يف تلقيح البويضة‪ ،‬وظن البعض منهم آنذاك بوجود‬ ‫عالقة تبادلية تربط تكاثر احليوانات والنباتات بعملية احلمل عند امل رأة‪،‬‬ ‫لينشأ عن هذا الربط معتقدات خمتلفة‪ .‬فكان االعتقاد السائد آن ــذاك أن‬ ‫حلظة حصول احلمل م رتافقة مع شعور ينتاب امل رأة عند إحساسها بارتعاش‬ ‫يف ال ــث ــدي‪ ،‬ليتوجب عليها أن تستذكر م ــا أكلته أو رأت ــه أو ف ــك ــرت به‬ ‫كنبات أو حيوان يف تلك اللحظة كي يتم نسب الطفل إىل طوطم معني‪.‬‬

‫سراديب اآللهه‬

‫فسر جيمس فريدزر(*‪ )2‬هذا االعتقاد على أنه نتيجة جهل اإلنسان األول‬ ‫أس ــب ــاب التناسل واإلجن ــاب ال ــي أدت إىل ختصيب فكرة تناسخ احليوانات‬ ‫والكائنات من خالل اإلنسان‪ .‬فالنظرية األوىل لتفسري الطوطم استندت‬ ‫على مبدأ تبادل األرواح بني اإلنسان وطوطمه‪ ،‬ليكون احليوان الطوطمي‬ ‫فرداً من أف راد العشرية املنتمي اليها‪ ،‬و»املقدس» يف آن واحد‪.‬‬ ‫يف هذا املكان املقدس يتم حتديد طوطم الطفل من دون أن يتبع طوطم األم‬ ‫أو األب‪ ،‬بل يُنسب إىل طوطم السلف وال ــذي ُي ـ ّدد من خالل النبات أو‬ ‫احليوان املتعلق مبكان األم عند شعورها بأول عالمات احلمل‪ ،‬ويعود ذلك‪،‬‬ ‫كما ذكر «فريدزر» بسبب جهل قبيلة «األرونتا» لعملية التناسل املرتبطة‬ ‫بالعملية اجلنسية‪.‬‬ ‫وجد ساالمون رينا (*‪ )3‬أن النظام الطوطمي قام على أساسني‪ :‬األول‪ ،‬وهو‬ ‫اح رتام حياة الطوطم‪ ،‬فقتله ال يتم إال يف ظروف معينة حيث جيتمع أف راد‬ ‫القبيلة ألكله مجاعي اً مع ممارسة طقوس خاصة تليق به؛ أما األساس الثاين‪،‬‬ ‫فهو قائم على حترمي العالقات اجلنسية بني األف راد املنتسبني إىل طوطم واحد‬ ‫وه ــذا م ــا يلقب بالنظام ال ــ»اي ــك ــزوغ ــام ــي» ال ــذي ينظم العالقات اجلنسية‬ ‫داخ ــل القبيلة ال ــواح ــدة‪ ،‬كما اعتقد ري ــن ــا أي ــض ـاً أن التحرمي ال ــذي أص ــاب‬ ‫هذين األساسني ناتج عن مشاعر االح رتام جتاه حياة أف راد العشرية الواحدة‬ ‫وامت زاجها بشعور االمشئ زاز من رؤية الدم امل ـراق‪ .‬فالطوطم هو أحد أف راد‬ ‫العشرية املتميز واملمتلك لقدرة غامضة (*‪ . )4‬هلذا مت التعارف على أن‬ ‫الطوطمية والنظام االيكزوغامي مها نظامان نابعان من مبدأ واحد خيصان‬ ‫فرتة زمنية معينة ونتجا عن عملية تطور هليكلة اجلماعة‪.‬‬ ‫اعترب معظم األنرتبولوجيني الطوطم نظام اً عشائري اً أو قبلي اً قائم اً على‬

‫‪79‬‬


‫سراديب اآللهه‬

‫‪80‬‬

‫جمموعة م ــن التابوهات ال ــي تتلخص يف ع ــب ــادة معينة م ــن قبل مجاعة ما‬ ‫حليوان يف معظم األحيان‪ ،‬أو نبات يف حاالت نادرة‪ ،‬كما ميكن للطوطم‬ ‫أن يتجلى بعبادة مادة غري حية يف حاالت استثنائية‪ .‬فما مييز الطوطم عن‬ ‫الصنم هي تلك العالقه غري احملددة وغري املرتبطة بغرض واحد‪ ،‬بل مرتبطة‬ ‫مبجموعة من امل ــواد من خ ــال مفهوم واس ــع‪ .‬ه ــذه العبادات ال ــي مارسها‬ ‫اإلنسان لصاحل حيوان أو نبات ما‪ ،‬ولدت من احلقبات البدائية يف مرحلة‬ ‫الصيد للجماعات‪ ،‬إال أهنا استمرت مع تطور اجملتمعات لتأخذ أشكاالً متطورة‬ ‫عديدة‪ .‬فنجد‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أن التابو رافق النظام الطوطمي وتطور معه‬ ‫حسب تطور النظام االجتماعي ليصبح جزءاً منه‪ ،‬هلذا جند تغ ريات يف مفهوم‬ ‫التابو عرب العصور‪.‬‬ ‫مر النظام الطوطمي مب راحل متعددة‪ ،‬ففي مرحلته البدائية اعتمد على اعتبار‬ ‫املوح د ما بني أصل الطوطم املتجسد مبنشأ احلمل والطوطم الوراثي‬ ‫األم ال راب َ‬ ‫ط ِّ‬ ‫عند حصول حلظة اإلحساس باحلمل امل رتافق بارتعاش الثدي‪ .‬من هنا تش ّك َل‬ ‫الطوطم الفردي الناشئ من فكرة تبادل األرواح بني اإلنسان وطوطمه‪ .‬هذه‬ ‫النظرية القدمية‪ ،‬من وجهة نظر جيمس فريدزر‪ ،‬تالمحت وامتزجت مع املفهوم‬ ‫الوراثي األبوي اجلديد لتعطي مفهوم اً جديداً للطوطم‪.‬‬ ‫ميز فريدزر الطوطم إىل ثالثة أن واع‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ طوطم العشرية (*‪ )5‬الذي ينتقل من جيل آلخر‪،‬‬ ‫‪2‬ـ الطوطم املتعلق بالنوع اجلنسي‪ ،‬أي املنقسم إىل طوطم لإلناث وآخر للذكور‪.‬‬ ‫‪3‬ـ الطوطم الفردي واخلاص بالفرد ال واحد واملت وارث عربه‪.‬‬ ‫بينما قسم امييل دوركهيم الطوطم إىل نوعني‪ :‬الطوطم العشائري والطوطم‬ ‫الفردي‪........‬يتبع‬

‫سراديب اآللهه‬

‫‪-------------------------------------‬‬‫*‪ -2‬أسس جيمس فريدزر فرضياته بناءً على دراسات «سبينسر وجيلني»‬ ‫ال ــي أعطت تفس رياً ملنشأ فكرة النظام الطوطمي‪ ،‬فعند قبائل «ارون ــت ــا»‬ ‫االس رتالية اليت كانت األقدم واألكثر بدائية املعروفة لدى األنرتبولوجيني يف‬ ‫ذلك الوقت‪ .‬وجد «فريدزر» أن مفهوم الطوطم لدى أف راد هذه القبيلة مرتبط‬ ‫مبكان حمدد لديها يسكنها أرواح أسالف القبيلة‪ ،‬ففي هذا املكان املقدس‬ ‫ُت ارس الطقوس وحتتفظ بالـ»شورينجا» اليت حتتوي يف معظم األحيان عند‬ ‫قبائل الـ»ارونتا» و»لوريتجا»‪ ...‬على بعض اخلشب أو األحجار املمتلكة‬ ‫من فرد معني أو من مجاعة لتمنح صفة القدسية عليها‪ .‬وال بد من الذكر‬ ‫انه متت إضافة بعض الطقوس عليها عند بعض القبائل‪ ،‬كغناء األناشيد‬ ‫واالحتفاالت‪ ...‬علم اً أن الـ»شورينجا» يف علم النفس التحليلي هلا داللة‬ ‫رمزية فهي ترمز إىل العضوالذكري كما ذكرها األنرتبولوجي وحملل النفس‬ ‫جي زا روهيم‪ .‬وبعيداً عن رمزية «الشورينجا» جندها تعرب يف طقوسها عن‬ ‫ارتباط املاضي باحلاضر واملستقبل‪ ،‬كما أن ممارسة طقوس «الشورينجا»‬ ‫هتدف إىل اقامة عالقة ملموسة وحمسوسة بني احلاضر واملاضي وأمهية استم راره‬ ‫يف احلاضر‪.‬‬ ‫*‪ -3‬ري ــن ــا س ــاالم ــون‪ ،‬ك ــت ــاب ط ــق ــوس وأس ــاط ــر وأدي ـ ــان؛ ف ــص ــل الطوطمية‬ ‫وااليكزوغامي صفحة ‪.81-77‬‬ ‫*‪ -4‬القوى الغامضة مت تعريفها على أهنا املانا اليت تعد املكون الرئيسي هلذه‬ ‫القوى اليت ميكن حلاملها لعب دور أساسي ضمن مجاعته‪ ،‬هلذا مت وصفها‬

‫‪81‬‬


‫سراديب اآللهه‬

‫سراديب اآللهه‬

‫من قبل القبائل البدائية على أهنا امتداد ظل حلياة سابقة وأن األموات أو‬ ‫اآلهلة هم ينابيع املانا‪ ،‬أي مبعىن آخر نستطيع القول إن املانا وما حتتوي من‬ ‫قوى تستمد طاقتها من األعداد الالمتنهاية للموتى‪.‬‬ ‫*‪ -5‬يف اللغة االنكليزية أو الفرنسية تستخدم كلمة «‪ »clan‬واليت ميكننا‬ ‫ترمجتها جبماعة أو زمرة أو عشرية‪.‬‬ ‫مقتطفات من كتاب س راديب اآلهله‬ ‫لرنده قسيس‬

‫‪38‬‬ ‫‪82‬‬

‫‪51‬‬ ‫‪37‬‬


‫االحلاد بني اليوم واالمس‬

‫راما فاروسي‬

‫‪84‬‬

‫مل تكن منطقة شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬بيئة مهجية تعج بالوثنيني اجلهلة‪ ،‬كما‬ ‫صورها لنا اإلس ــام واملسلمون بالرغم من العصبيات القبلية‪ ،‬واحل ــروب‬ ‫املستمرة إال انه كان للفرد فيها حرية اإلعتقاد مبا يشاء؛ طاملا انه ال ميس‬ ‫القبيلة وأهلتها بإسته زاء أو أذى‪ .‬فكانت تعيش يف شبه اجل ــزي ــرة قبائل‬ ‫نص رانية ويهودية وقلة من الصابئة واجملوس‪ ،‬باإلضافة إىل ملحدي العصر‬ ‫الوثين والزنادقة‪ .‬ولطاملا كانت شبه اجلزيرة موطنً ا ألنبياء بشروا بدعواهتم‪،‬‬ ‫وم ــض ــوا‪ ..‬وبعضهم ق ــد ذك ــر يف ال ــق ــرآن‪ ،‬وق ــد ق ــال أب ــو ال ــع ــاء امل ــع ــري‪ ،‬عن‬ ‫إدعاء البعض بالنبوة يف اجلاهلية‪( :‬مل تكن العرب تقدم على هذه العظائم‬ ‫واألمور غري النظائم‪ ،‬بل كانت عقوهلم جتنح إىل رأي احلكماء‪ ،‬وما سلف‬ ‫من كتب القدماء‪ ،‬إذ كان أكثر الفالسفة ال يقولون بنيب‪ ،‬وينظرون إىل‬ ‫من زع ــم ذل ــك بعني ال ــغ ــي)‪ .‬ون ــظ ـًـرا إلعتياد العرب على مدعيي النبوة مل‬ ‫تلق دعوة حممد بعد جتاوزها مرحلة السرية معارضة من قبيلة بين قريش‪،‬‬ ‫خصوص ا أهنا كانت تقتصر يف أوهلا على آيات البعث‪ ،‬والنشور‪ ،‬والوعيد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والرفق‪ ،‬باملساكني‪ ،‬والدعوة للتفكر باخلالق والطبيعة‪ ،‬ورغ ــم إنزعاجها‬ ‫خلروجه بأتباعه إىل الشعاب‪ ،‬وال ــص ــاة هبم بطريقة خارجة على أع ـراف‬ ‫قريش‪ ،‬إال أهنا تركته‪ ،‬وصحبه ومل تبدأ بالرد عليهم إال بعد أن بدأ يستخف‬ ‫بآهلة قريش‪ ،‬وأسيادها علنً ا‪ .‬وكان أخطر خصوم النيب حممد الفكريني يف‬ ‫ذلك الزمان‪ ،‬من امللحدين هم ماديو العصر الوثين‪ ،‬وك ــان منهم منكرو‬ ‫اخللق والبعث واإلع ــادة‪ .‬ذكرهم القرآن بقوله‪( :‬إن هي إال حياتنا الدنيا‬

‫االحلاد بني اليوم واالمس‬

‫من ــوت‪ ،‬وحنيا وما حنن مببعوثني)‪، .‬ومنهم منكرو البعث‪ ،‬و اإلع ــادة الذين‬ ‫أق ــروا بوجود خالق (وض ــرب لنا مثال ونسي خلقه‪ ،‬قال «من حييي العظام‬ ‫وه ــي رم ــي ــم»)‪ .‬ومنهم من أق ـ َّـر بالبعث واإلع ــادة واخل ــال ــق‪ ،‬ولكنهم رفضوا‬ ‫قاطع ا وتقربوا لألصنام لتقرهبم من اخلالق‪.‬‬ ‫مدعي النبوة بنظرهم‪ً ،‬‬ ‫رفض ا ً‬ ‫كثريا‪ ،‬ودخل معهم يف ص راعات كالمية‬ ‫ولقد عاىن الرسول من زنادقة مكة ً‬ ‫كان منطقهم فيها هو الغالب‪ ،‬وكانوا يردون آيات الق ران للكتب املقدسة‪،‬‬ ‫واألساطري القدمية‪ ،‬وكان أخطرهم النضر بن حارث الذي كان ميثل الطبقة‬ ‫املثقفة‪ ،‬و املتمدنة بقريش يف ذلك الوقت اليت رفضت ما جاء به حممد مجلة‬ ‫و تفصيال‪ .‬وق ــد ك ــان على سفر دائ ــم وإط ــاع على الثقافات‪ ،‬والديانات‬ ‫يك حملمد أن جياريه وغالبً ا ما كان الناس يرتكون مساع تالوة‬ ‫األخ ــرى فلم ُ‬ ‫علم ا‪ ،‬ومعرفة‬ ‫القرآن‪ ،‬ويفضلون حديث بن ح ــارث ال ــذي أثبت انه أكثر ً‬ ‫جهدا لتصفيته بوحشية‬ ‫وأقوى حجة من نيب اهلل‪ ،‬لذا مل يدخر النيب حممد ً‬ ‫يف إحدى الغزوات‪ .‬وبعد تطاول النيب املستمر على سادة قريش وآهلتهم‪،‬‬ ‫إضطر للهجرة ليتمكن من مجع حلفاء جدد‪ ،‬وذهب ليثرب اليت كانت تعج‬ ‫باليهود يف ذلك الوقت‪ ،‬وعقد هدنة معهم سرعان ما نقضها وبدأ بتكفريهم‬ ‫يف السور املدنية‪( ،‬ومن يتبع غري اإلسالم دينً ا لن يقبل منه)‪ ،‬وبدأت األوامر‬ ‫بتصفيتهم وك ــان ذل ــك أول تطهري عرقي على أس ــاس دي ــي يف ت ــاري ــخ شبه‬ ‫اجلزيرة‪ .‬خالل الص راعات بني املعسكرين القريشي واحملمدي‪ ،‬وحينها كان‬ ‫ممثل للدفاع‬ ‫الشعر هو األداة األبرز يف تلك احلرب‪ ،‬وكان حسان بن ثابت ً‬ ‫عن حممد‪ ،‬وقرآنه يف وجه أشعار الزنادقة‪ ،‬واملستهزئني واملكذبني له‪ ،‬وبعد‬ ‫فتح مكة بدأ عصر جديد قضى على مجيع أشكال التعددية الدينية‪ ،‬واحلرية‬ ‫الفكرية يف تلك الصح راء‪ ،‬وبدأ عصر حممدي حيارب العقل والفكر واملنطق‬

‫‪85‬‬


‫االحلاد بني اليوم واالمس‬

‫االحلاد بني اليوم واالمس‬

‫وحيكم حبد السيف وبشريعة القرآن‪ ،‬فقد أمر بقطع رأس كل من استهزأ‬ ‫بالنيب فور فتحه مكة‪ ،‬مما أمخد صوت الزنادقة يف تلك الفرتة‪ .‬عاد الزنادقة‬ ‫للظهور يف م ـراح ــل الح ــق ــة يف العصور اإلس ــام ــي ــة‪ ،‬وك ــان أغلبهم فالسفة‬ ‫وشع راء يتغنون بأيام اجلاهلية ويناقشون وجود اإلنسان‪ ،‬وفنائه متحدِّين‬ ‫احلكم اإلسالمي‪ .‬وقد تعزز تيار الزندقة بدخول جنسيات وثقافات خمتلفة‬ ‫نوع ا من التهديد الفكري‬ ‫يف حظرية احلكم اإلسالمي وأصبحوا يشكلون ً‬ ‫يف العصر العباسي‪ ،‬مما إضطر اخلليفة املهدي إىل إنشاء ديوان امسه ديوان‬ ‫الزنادقة مجع فيه أثارهم‪ ،‬وأمر مبالحقتهم وقتلهم إن مل يتوبوا! أمر اخللفاء‬ ‫ورج ــال الدين عرب العصور ب ــإب ــادة مجيع آث ــاره ــم النثرية‪ ،‬ومل يبق منها إال‬ ‫وأم ــا آثارهم الشعرية فهي تتعرض‬ ‫مقتطفات بكتب الدين للرد عليها‪َّ ،‬‬ ‫لإلتالف حىت يومنا هذا‪ ،‬على يد قوى اإلسالم السياسي اليت ال تريد ألي‬ ‫ثقافة خمالفة هلا أن تنتشر بني الناس‪ .‬إن زنادقة األمس هم ملحدو اليوم‪،‬‬ ‫وما زالوا يتعرضون لنفس املالحقة والتضيق‪ ،‬ومعظم مفكريهم املعاصرين‬ ‫إنتهوا إىل القتل أو النفي‬

‫‪86‬‬

‫‪51‬‬


‫خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق‬

‫راما فاروسي‬

‫أكتشفت أقدم اقتباسات قرآنية على عمالت أثرية قدمية كانت متداولة يف‬ ‫عام ‪ 685‬م‪ ،‬ويف املسجد األقصى الذي بناه عبد امللك بن مروان يف القدس‬ ‫يف ‪ 691‬م (‪ .)18 .p ,1977 ,Crone-Cook‬ختتلف هذه االقتباسات‬ ‫القرآنية كث ريا عن النص القرآين املتداول يف العصر احلايل‪ .‬إستنتج فان برشم‬ ‫وجرومان بعد دراسات تفصيلية ألقدم نقوش وكتابات يف املسجد األقصى‬ ‫أهنا ختتلف كث ريا عن القرآن احلايل يف تصريف األفعال ويف تركيب اجلمل‬ ‫ومعانيها كما أهنا حتذف بعض ما حيتويه قرآن اليوم‪:‬‬ ‫‪,1977 Crone-Cook ;74 .p ,1983 ,Cook, Muhammad‬‬ ‫‪,1927 ,see Van Berchem, part two, vol. ii ;168-167 .pp‬‬ ‫‪and Grohmann’s Arabic Papyri form 217-215 .pp‬‬ ‫‪72 .Khirbet el-Mird, no‬‬

‫‪88‬‬

‫أق ــدم شاهد غري إسالمي لكتاب يدعى ال ــق ــرآن يرجع إىل منتصف القرن‬ ‫الثامن م‪ .‬بني رجل عريب وراهب من بيت هيل (‪.)6f .pp ,1915 Nau‬‬ ‫لكن هذا الشاهد ال يصف حمتويات الكتاب‪ .‬ليست لدينا أية خمطوطات‬ ‫قرآنية كاملة من القرن السابع م‪:‬‬ ‫(‪,A. Schimmel, Calligraphy and Islamic Culture‬‬ ‫‪)4 .p ,1984‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬معظم املخطوطات ألج زاء من القرآن قد ُك تبت بعد موت حممد‬

‫خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق‬

‫بأكثر من مئة سنة‪ .‬ال يوجد أي دليل يف اآلثار القدمية على وجود النسخة‬ ‫القرآنية اليت نقحها وأصدرها اخلليفة عثمان ابن عفان‪:‬‬ ‫‪Martin ;154-140 .pp ,1989 ,Gilchrist, Jam’ al-Qur’an‬‬ ‫‪,1976 ,Lings and Yasin Hamid Safadi, The Qur’an‬‬ ‫‪17-11 .pp‬‬ ‫أقدم املخطوطات القرآنية هي اآليت‪:‬‬ ‫‪ .1‬خمطوطة مسرقند (مبكتبة تشقند‪ ،‬أزخبستان)‪ .‬حتتوي هذه املخطوطة فقط‬ ‫على أج زاء غري كاملة من ‪ 42‬سورة—من سورة البقرة ‪ 2‬إىل سورة الزخرف‬ ‫‪ .43‬حتتوي على آيات قرآنية ختتلف عن النصوص القرآنية احلالية‬ ‫(‪)67 .Brother Mark, A Perfect Qur’an, p‬‬ ‫‪ .2‬خمطوطة توبكايب (مبتحف توبكايب باستانبول‪ ،‬تركيا)‪ .‬غري مسموح‬ ‫للخ رباء بتصوير ودراسة هذه املخطوطة‪.‬‬ ‫هذين املخطوطتني مكتوبتني باخلط الكويف الذي أستخدم يف أواخر القرن‬ ‫الثامن م‪ ،.‬ومل يكن مستخدما يف مكة واملدينة يف القرن السابع م‪:.‬‬ ‫(‪,Martin Lings and Yasin Hamid Safadi, The Qur’an‬‬ ‫‪)17 ,13-12 .pp ,1976‬‬ ‫كتبت هذان املخطوطتان يف أواخر القرن الثامن أو أوائل القرن التاسع م‪،.‬‬ ‫أي أكثر من ‪ 150‬سنة بعد إصدار النسخة العثمانية املزعومة للقرآن‪:‬‬ ‫(‪.)147-144 .pp ,1989 ,Gilchrist, Jam’ al-Qur’an‬‬ ‫‪ .3‬خمطوطة قرآنية مكتوبة باخلط املائل ال ــذي كان مستخدما يف احلجاز‬ ‫(ب ــامل ــت ــح ــف ال ــري ــط ــاين ب ــل ــن ــدن‪ ،‬ب ــري ــط ــان ــي ــا)‪ .‬حب ــس ــب د‪ .‬م ــارت ــن لنجز (مي ــارس‬

‫‪89‬‬


‫خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق‬

‫خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق‬

‫اإلسالم)‪ ،‬كتبت هذه املخطوطة يف أواخر القرن الثامن م‪.‬‬ ‫‪ .4‬خمطوطات صنعاء (اليمن)‪ .‬هذه املخطوطات املتناثرة حتتوي على بعض‬ ‫أج ـزاء من القرآن وتعود إىل القرن الثامن م‪ .‬أُكتشفت يف املسجد الكبري‬ ‫ال ــق ــدمي يف صنعاء يف ع ــام ‪ .1972‬ال ــق ــرآن ال ــذي حتتويه خيتلف ع ــن النص‬ ‫القرآين احلايل‪ .‬يتضح عند فحص هذه املخطوطات أن النص القرآين هبا قد‬ ‫تغري‪ .‬فالقرآن الذي هبا مكتوب فوق نص قرآين أقدم منه قد مت حموه غري أن‬ ‫آثارا منه مازالت باقية‪ .‬يشري هذا إىل أن نص القرآن قد تطور وتغري على‬ ‫مدى عقود من الزمان‪ .‬مل يكن نصا ثابتا راسخا منذ بدايته‪:‬‬ ‫(‪Toby Lester, What Is the Koran, The Atlantic‬‬ ‫‪)1999 .Monthly, Jan‬‬ ‫ال تشري األدل ــة األثرية إىل وج ــود نص ق ــرآين قانوين مشابه للقرآن احل ــايل يف‬ ‫القرن السابع م‪ .‬كما أن علماء اآلثار مل يعثروا على أية خمطوطات ألج زاء‬ ‫من أي حديث مكتوبة يف املائة سنة اليت تلت موت حممد‪.‬‬ ‫‪andy‬‬ ‫من صفحة‬ ‫‪https://www.facebook.com/ProphetsAreFakes‬‬

‫‪90‬‬

‫‪91‬‬


‫ســــورة مـــن مثلـــــه‬ ‫التحدي الوحيد الذي يتبجح به املسلمني أتو سورة من مثله و لكن امسعوا‬ ‫بعدما حتدى كاتب القرآن بسورة ماذا حدث‬ ‫ب ِمَّا نـ َّزلْ نَ ا َع لَ ى َع ْب ِدنَا فَ أْتُوا بِ‬ ‫ِ‬ ‫ورٍة ِم ْن ِم ثْ لِ ِه َو ْادعُ وا ُش َه َداءَ ُك ْم‬ ‫س‬ ‫َوإ ْن ُك ْن تُ ْم ِف َريْ ٍ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ون ال لَّ ِه إِ ْن ُك ْن ت م ِ ِ‬ ‫ِم ن د ِ‬ ‫ني البقرة (‪)23‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫ص ادق َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫و ملا أتوه بسورة من مثله ماذا قال كاتب القرآن‪ ،‬رفع التحدي إىل عشرة سور‬ ‫أَم يـ ُق ولُو َن افـ تـ راه قُل فَ أْتُوا بِع ْش ِر س و ٍر ِم ثْ لِ ِه م ْف تـ ري ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اس تَ طَ ْع تُ ْم ِم ْن‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫ع‬ ‫اد‬ ‫و‬ ‫ات‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ​َ َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ْ َ​َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني هود (‪)13‬‬ ‫ص ادق َ‬ ‫ُدون ال لَّ ه إِ ْن ُك ْن تُ ْم َ‬ ‫و ملا ج ــاؤوه بعشرة سور بدأ التهديد و الوعيد ملن يكتب سور و آيات من‬ ‫مثله‬ ‫فـ وي ل لِلَّ ِذين ي ْك تُ ب و َن الْ ِ‬ ‫اب بِأَيْ ِدي ِه ْم ُثَّ يـَ ُق ولُو َن َه َذا ِم ْن ِع ْن ِد ال لَّ ِه لِ يَ ْش تـَُروا‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ​َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ت أَيْ ِدي ِه ْم َو َويْ ٌل َلُ ْم ِمَّا يَ ْك ِس بُ و َن البقرة (‪)79‬‬ ‫بِ ِه َثَنً ا قَ لِ ً‬ ‫يل فـَ​َويْ ٌل َلُ ْم مَّا َك تَ بَ ْ‬

‫‪92‬‬

‫و ملا كانت بالغة الذين يكتبون الشعر و النثر الديين عالية و متمكنة امسع‬ ‫ماذا قال حممد‬ ‫اب لِتَ ْح س ب وه ِم ن الْ ِك تَ ِ‬ ‫وإِ َّن ِم نـْه م لَ َف ِري ًق ا يـ ْل وو َن أَلْ ِس نَ تـ ه م بِالْ ِك تَ ِ‬ ‫اب َوَم ا ُه َو‬ ‫َُ ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫َُ‬ ‫اب ويـ ُق ولُو َن ه و ِم ن ِع ْن ِد ال لَّ ِه وم ا ه و ِم ن ِع ْن ِد ال لَّ ِه ويـ ُق ولُو َن ع لَ ى ال لَّ هِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ​َ ُ َ ْ‬ ‫َُ ْ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب َو ُه ْم يـَ ْع لَ ُم و َن آل عم ران (‪)78‬‬ ‫الْ َك ذ َ‬ ‫إذا كانت بالغة القرآن فارقة ملاذا حيسب الناس أن الشعر املكتوب من عنذ‬ ‫كائن خ رايف‬ ‫و تواصلت مهازل كاتب القرآن يف حربه ضد الذين يكتبون ال رتاتيل و الشعر‬ ‫الديين يف قوله‬ ‫{و َك ـ َذلِ‬ ‫ِ‬ ‫ـس و ِْ‬ ‫ـك ج ع ْل نَ ا لِ ُك ِّل نَـِـي ع ـ ُـد ًّوا َش ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ض ُه ْم إِ َل‬ ‫ال‬ ‫ني‬ ‫اط‬ ‫ـ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ـ ِّـن يُوح ي بـَ ْع ُ‬ ‫ٍّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫بـَ ْع ٍ‬ ‫ك َم ا فـَ َع لُ وهُ فَ َذ ْر ُه ْم َوَم ا يـَ ْف تـَُرو َن} ‪-‬‬ ‫ض ُز ْخ ُر َ‬ ‫ورا َولَ ْو َش اءَ َربُّ َ‬ ‫ف الْ َق ْول غُ ُر ً‬ ‫األنعام (‪)112‬‬

‫ســــورة مـــن مثلـــــه‬

‫ِ ِ‬ ‫{ولِت ص غ ى إِلَ ي ِه أَفْ ئِ َدةُ الَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ْوهُ َولِ يـَ ْق َِتفُوا َم ا ُه ْم‬ ‫ذ‬ ‫ين َل يـُ ْؤم نُ و َن بِ ْالَخ َرِة َول يـَْر َ‬ ‫َ​َ َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُم ْق َِتفُو َن} ‪ -‬األنعام (‪)113‬‬ ‫مث اهتم الشع راء بأخذ الشعر من الشياطني اليت تسرتق السمع‬ ‫ه ل أُنـ بِّ ئُ ُك م ع لَ ى م ن تـ نـ َّز ُل َّ ِ‬ ‫ني‬ ‫الش يَ اط ُ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ َ​َ‬ ‫تـ نـ َّز ُل ع لَ ى ُك ِّل أَفَّ ٍ‬ ‫اك أَثِي ٍم‬ ‫َ​َ َ‬ ‫الس ْم َع َوأَ ْك ثـَُر ُه ْم َك ِاذبُو َن‬ ‫يـُْل ُق و َن َّ‬ ‫الش َع َراء يـَتَّ بِ عُ ُه ُم الْ غَ ُاوو َن‬ ‫َو ُّ‬ ‫أَ َلْ تـَر أَنـَّ ُه م ِف ُك ِّل و ٍاد يَ ِ‬ ‫يم و َن‬ ‫ه‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َوأَنـَّ ُه ْم يـَ ُق ولُو َن َم ا ال يـَ ْف َع لُ و َن‬ ‫مث ختمها مبهزلة يف سورة األع راف و قال أن أحدهم و احلديث يف الرواية و‬ ‫ال رتاث عن أمية بن أيب الصلت أن اهلل أتاه من آياته و لكنه انسلخ منها‬ ‫الش ْي طَا ُن فَ َك ا َن‬ ‫{واتْ ُل َع لَ ْي ِه ْم نـَبَ أَ الَّ ِذي آَتـَيـْنَ اهُ آَيَاتِنَ ا فَ انْ َس لَ َخ ِم نـْ َه ا فَ أَتـْبـَ َع هُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين} ‪ -‬األع راف (‪)175‬‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخ لَ َد إِ َل ْالَْر ِ‬ ‫ض َواتـَّــبَ ـ َـع َه ـ َـواهُ فَ َم ثـَلُ هُ َك َم ثَ ِل‬ ‫{ولَ ـ ْـو ش ئـْنَ ا لَ َرفـَ ْع نَ اهُ بَا َولَ ك نَّهُ أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْ َك ْل ِ‬ ‫َّ‬ ‫ين َك َّذبُوا‬ ‫ث أ َْو تـَتـُْر ْك هُ يـَْل َه ْ‬ ‫ب إِ ْن َْت م ْل َع لَ ْي ه يـَْل َه ْ‬ ‫ث َذل َ‬ ‫ك َم ثَ ُل الْ َق ْوم ال ذ َ‬ ‫بِآَي اتِ‬ ‫ِ‬ ‫ص لَ َع لَّ ُه ْم يـَتـَ َف َّك ُرو َن} ‪ -‬األع راف (‪)176‬‬ ‫ص‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫ص‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫هذا هو قرآنكم يا مسلمني و هذا هو حتديكم‬ ‫‪Lydia Slimani‬‬

‫‪93‬‬


‫أصنام ( املسلمني)‬

‫ملى حممد‬ ‫احلزن» حيضنين كقوقعة سلحفاة ما زال (احلظ ) يسبقها‪..‬حيميين من‬ ‫مفاجآت أتت و أخرى مل ِ‬ ‫تأت‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫كربت فجأة؟!‬ ‫هل تعلم يا صديقي ملَ ُ‬ ‫ألنين فقدت القدرة على اق رت ِ‬ ‫اف (الدهشة)‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫لست أبداً بذلك النقاء‪..‬‬ ‫أجل ُ‬ ‫سريع كأرنب‪..‬و صفعات األصدقاء ما‬ ‫فر خوف اً من قوقعيت ٌ‬ ‫احلب الذي ّ‬ ‫عادت تعين زمن اً للبكاء‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بسماء و كث ٍري‬ ‫أكتف من األحالم‪ ..‬طريقي الطويل ال ي زال يعدين‬ ‫لكنين مل‬ ‫من الفصول يسكنها الربيع حىت يف الشتاء‪...‬‬ ‫من «حب آخر»‪ « ..‬ملى حممد»‪.‬‬ ‫اكتشفت منذ زمن أن احلياة أقصر من االستسالم للفشل‪ ،‬و أطول من‬ ‫ُ‬ ‫النجاح مهما كرب‪..‬‬ ‫و أننا كث رياً ما نتبع عادات األجداد من غري تفكري فنفشل ألننا مل خنرت‬ ‫طريقنا بأنفسنا بل ورثنا القدرة على اختيار ذات العادات‪..‬‬ ‫إذا أردنا أن نكون على قدر ( العقل) جيب أن نستخدمه يف كثري من‬ ‫املوروثات‪:‬‬ ‫مثل « النقاب»‪ ..‬و « شجرة امليالد»‪...‬‬ ‫***************‬

‫‪94‬‬

‫أصنام ( املسلمني)‬

‫البشرية تسري بتاريخ زمن العوملة‪ ..‬حىت ( الفيسبوك ) الذي يستخدمه‬ ‫جتار الدين حيمل التاريخ امليالدي‪ ..‬أين ذهبت حضارتكم يا أحفاد‬ ‫النخيل‪ ..‬من أحرقها و حيرقها؟!‬ ‫حول األذكياء شجرة امليالد إىل رمز ديين ( مسيحي) مع أهنا موجودة من‬ ‫ّ‬ ‫العصور الوثنية‪ ،‬و يف سياق حكاية قدمية تشبه قصة « عيد األضحى»‬ ‫عند املسلمني‪ ..‬أ ِ‬ ‫حمل الدم‬ ‫اجلميل‬ ‫الرمز‬ ‫حل‬ ‫و‬ ‫اإلنسان‬ ‫األضحية‬ ‫ت‬ ‫ذ‬ ‫ُنق‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ليعطي فكرة مجيلة عن املعتقد‪...‬‬ ‫يف املقابل قام كثريٌ من املعاقني حبرق الشجرة باسم ( اإلسالم) و حترمي‬ ‫وضعها يف بيوت املسلمني ليصنعوا من ذلك قضية تافهة جديدة تشغلهم‬ ‫حولوا حكاية « عيد األضحى»‬ ‫عن قضايا مصريية جتاهلوها‪ ..‬متام اً كما ّ‬ ‫إىل أصابع مغمسة بالدم‪...‬‬ ‫الشجرة اليت دلّت على ذكاء اإلنسان و قدرته على خلق عامل أمجل‪..‬‬ ‫هتارمز‬ ‫شجرة السرو بعنفواهنا و مشوخها‪ ،‬بتحديها للصقيع و دوام خض ر ٌ‬ ‫مجيل جيمع مجيع من يؤمن بأن « اهلل» وضعنا على هذه األرض لنعمرها‬ ‫باحلب و العلم بغض النظر عن األديان‪ ..‬الطوائف‪ ..‬القوميات‪ ..‬و‬ ‫الكماليات األخرى‪.‬‬ ‫« املسلمون» احلقيقيون اليوم مسؤولون عن تطهري « اإلسالم» من عبدة‬ ‫األصنام‪ ..‬ح ّد السيوف‪ ..‬و إرهاب الثقافة و العمائم‪ ..‬مسؤولون عن نشر‬ ‫احملبة‪ ..‬السالم‪ ..‬و كل الصفات اليت يقولون أهنا عماد الدين السليم‪...‬‬

‫‪95‬‬


‫اسطورة ‪ Pegasus‬اليونانية و براق حممد الطائر‬

‫اسطورة ‪ Pegasus‬اليونانية او احلصان اجملنح و ال ــي اقتبسها االشوريني‬ ‫والف راعنة والزرادشتيني وكذا فعل حممد !‬ ‫اي ان حممد كان اخر من يستخدم هذه االسطورة‬ ‫مسعت ايها املسلم ؟؟ اسطورة اي اهنا خيال وليست حقيقة‬ ‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Pegasus‬‬ ‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Lamassu‬‬ ‫لقد غار حممد من هرقل إبن زيوس فسرق األسطورة وحبكها على حسب‬ ‫عقول البُ سطاء !‬ ‫و العديد من األساطري امل شاهبة هلذه األسطورة ‪ ،‬يكفي كتابة الفرس الطائر‬ ‫أو اخليل الطائر يف أي ُ‬ ‫لغة من لغات العامل و ستظهر لكم أساطري كثرية تعود‬ ‫آلالف السنني قبل حممد !‬ ‫ختيّ ل ع ــزي ــزي ال ــق ــارئ أن تُشاهد شخص يقول ل ــك ‪ :‬ال ــب ــارح ــة لي الً ذهبت‬ ‫للسماء على ظهر حصان له أجنحة ! ماذا سيكون موقفك ؟! ستضحك‬ ‫ح ــى تُــب ــان ن ــواج ــذك كما ضحك حممد رس ــول ال ــع ــرب ؟! نعم بكل تأكيد‬ ‫ستضحك ؛ فهل يوجد أحصنة تطري ؟! أطارت العقول حىت تُص ّدق هكذا‬ ‫ختريف ؟! حىت الرسول ضحك على هذه اخلُرافة قبل أن يتبىن فكرة ُم شاهبة‬ ‫هلا ‪ /‬لنق رأ ‪:‬‬ ‫لنق رأ ‪:‬‬

‫‪96‬‬

‫اسطورة ‪ Pegasus‬اليونانية و براق حممد الطائر‬

‫‪ - 1‬أن رس ــول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رأى عندها بنات لعب ‪ ،‬ورأى بينهن‬ ‫فرسا له جناحان من رقاع ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت ‪ :‬فرس ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬وما هذا الذي عليه ؟ قالت ‪ :‬جناحان ‪ ،‬قال ‪ :‬فرس له جناحان ؟ قالت ‪:‬‬ ‫أما علمت أن لسليمان خيال هلا أجنحة ؟ قالت ‪ :‬فضحك حىت بدت نواجذه‬ ‫ال راوي‪ :‬عائشة احملدث‪ :‬أمحد شاكر ‪ -‬املصدر‪ :‬مسند أمحد ‪ -‬الصفحة أو الرقم‪:‬‬ ‫‪264/14‬‬ ‫خالصة حكم احملدث‪ :‬إسناده صحيح‬ ‫‪ - 2‬ق ــدم رس ــول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬م ــن غ ــزوة تبوك – أو خيرب – ويف‬ ‫سهوهتا سرت ‪ ،‬فهبت ريح فكشفت ناحية السرت ‪ ،‬عن بنات لعائشة – لعب –‬ ‫فقال ‪ :‬ما هذا يا عائشة ؟ قالت ‪ :‬بنايت ! ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع‬ ‫‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت ‪ :‬فرس ‪ ،‬قال ‪ :‬وما هذا الذي عليه‬ ‫؟ قالت ‪ :‬جناحان ‪ ،‬قال ‪ :‬فرس له جناحان ؟ قالت ‪ :‬أما مسعت ‪ :‬أن لسليمان‬ ‫خيال هلا أجنحة ؟ قالت ‪ :‬فضحك حىت رأيت نواجذه‬ ‫ال راوي‪ :‬عائشة احملدث‪ :‬األلباين ‪ -‬املصدر‪ :‬صحيح أيب داود ‪ -‬الصفحة أو الرقم‪:‬‬ ‫‪4932‬‬ ‫خالصة حكم احملدث‪ :‬صحيح‬ ‫‪ - 3‬قدم رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من غزوة تبوك – أو حنني ‪ -‬؛ ويف‬ ‫سهوهتا سرت ‪ ،‬فهبت الريح فكشفت ناحية السرت عن بنات لعائشة – لعب ‪، -‬‬ ‫فقال ‪ :‬ما هذا يا عائشة ؟ ! ‪ ،‬قالت ‪ :‬بنايت ‪ ،‬ورأى بينهن فرسا له جناحان من‬ ‫رقاع ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ ! ‪ ،‬قالت ‪ :‬فرس ‪ ،‬قال ‪ :‬وما هذا الذي‬ ‫عليه ؟ ! ‪ ،‬قالت ‪ :‬جناحان ‪ ،‬قال ‪ :‬فرس له جناحان ؟ ! ‪ ،‬قلت ‪ :‬أما مسعت أن‬ ‫لسليمان خيال هلا أجنحة ؟ ! قالت ‪ :‬فضحك ‪ ،‬حىت رأيت نواجذه‬ ‫ال راوي‪ :‬عائشة احملدث‪ :‬األلباين ‪ -‬املصدر‪ :‬ختريج مشكاة املصابيح ‪ -‬الصفحة‬ ‫أو الرقم‪3201 :‬‬

‫‪97‬‬


‫اسطورة ‪ Pegasus‬اليونانية و براق حممد الطائر‬

‫خالصة حكم احملدث‪ :‬إسناده صحيح‬ ‫إذن القصة ُم ضحكة كما ضحك عليها حممد رسول العرب ! فهل سيعتب‬ ‫علينا املؤمنني إن ضحكنا على بُراقهم الطائر ال ــذي طار مبحمد للسماء‬ ‫السابعة ؟!‬

‫‪98‬‬

‫الرواية بلسان محمد‬ ‫حمم د ذات يوم ي ّدعي أنهُ طار للسماء السابعة على فرس ُم نّ ح ويصفه‬ ‫وقف ّ‬ ‫لنا مسلم يف صحيحه قائ الً ‪ :‬دابة أبيض يقال له ال رباق ‪ .‬فوق احلمار ودون‬ ‫البغل ‪ .‬يا سالم!‬ ‫كيف ضحك ساخ راً على خيول سليمان الطائرة كما تقول الطفلة عائشة‬ ‫أم املؤمنني وبعدها أخرتع نفس القصة ؟!‬ ‫لنق رأ القصة ‪:‬‬ ‫يقول القرآن ‪﴿ :‬س ب ح ا َن الَّـ ِ‬ ‫الَ ـ َـر ِام إِ َل‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ـذ‬ ‫َس ـ َـرى بِ َع ْب ِد ِه لَ ْي ًل ِم ـ َـن الْ َم ْس ِج ِد ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الس ِم يع الْ ب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ص ريُ)‬ ‫الْ َم ْس ج د ْالَقْ َ‬ ‫ص ى الَّذي بَ َار ْك نَ ا َح ْولَ هُ ل نُ ِريَهُ م ْن آَيَات نَ ا إنَّه ُه َو َّ ُ َ‬ ‫‪ .‬يُسميها املسلمني اإلس ـراء هي رحلة قام هبا حممد على ال ـراق [ احلصان‬ ‫الطائر ] مع جربيل ليال من بلده مكة إىل بيت املقدس يف فلسطني‪ ،‬وأنه انتقل‬ ‫بعد من القدس يف رحلة مساوية بصحبة جربيل أوحسب التعبري اإلسالمي‬ ‫عرج به إىل املآل اآلعلى عند سدرة املنتهى أي إىل أقصى مكان ميكن الوصول‬ ‫إليه يف السماء وعاد بعد ذلك يف نفس الليلة‪.‬‬ ‫طبع اً مىت حدثت القصة ؟ ال أحد يعلم كالعادة إختالف فقيل‪ :‬قبل اهلجرة‬ ‫بسنة‪ ،‬وقيل‪ :‬بثالث سنني‪ ،‬وقيل‪ :‬خبمس سنني !‬ ‫يقول حممد ‪:‬‬ ‫« أتيت ب ــال ـراق ( وه ــو داب ــة أبيض طويل ف ــوق احلمار ودون البغل ‪ .‬يضع‬ ‫حافره عند منتهى طرفه ) ق ــال ‪ ،‬فركبته حىت أتيت بيت املقدس ‪ .‬ق ــال ‪،‬‬

‫اسطورة ‪ Pegasus‬اليونانية و براق حممد الطائر‬

‫فربطته باحللقة ال ــي يربط به األنبياء ‪ .‬ق ــال ‪ ،‬مث دخلت املسجد فصليت فيه‬ ‫ركعتني ‪ .‬مث خرجت ‪ .‬فجاءين جربيل عليه السالم بإناء من مخر وإناء من لنب ‪.‬‬ ‫فاخرتت اللنب ‪ .‬فقال جربيل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬اخرتت الفطرة ‪ .‬مث عرج بنا‬ ‫إىل السماء ‪ .‬فاستفتح جربيل فقيل ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬جربيل ‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك‬ ‫؟ قال ‪ :‬حممد ‪ .‬قيل ‪ :‬وقد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه ‪ .‬ففتح لنا ‪ .‬فإذا أنا‬ ‫بآدم ‪ .‬فرحب يب ودعا يل خبري ‪ .‬مث عرج بنا إىل السماء الثانية ‪ .‬فاستفتح جربيل‬ ‫عليه السالم ‪ .‬فقيل ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬جربيل ‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ .‬حممد‬ ‫‪ .‬قيل ‪ :‬وقد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه ؟ ففتح لنا ‪ .‬فإذا أنا بابين اخلالة‬ ‫عيسى بن مرمي وحيىي بن زكريا صلوات اهلل عليهما ‪ .‬فرحبا ودعوا يل خبري ‪ .‬مث‬ ‫عرج يب إىل السماء الثالثة ‪ .‬فاستفتح جربيل ‪ .‬فقيل ‪ :‬من أنت ‪ .‬قال ‪ :‬جربيل‬ ‫‪ .‬قيل ‪ .‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬قيل ‪ :‬وقد بعث إليه ؟‬ ‫قال ‪ :‬قد بعث إليه ‪ .‬ففتح لنا ‪ .‬فإذا أنا بيوسف صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬إذا هو‬ ‫قد أعطي شطر احلسن ‪ .‬فرحب ودعا يل خبري ‪ .‬مث عرج بنا إىل السماء ال رابعة ‪.‬‬ ‫فاستفتح جربيل عليه السالم ‪ .‬قيل ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جربيل ‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك‬ ‫؟ قال ‪ :‬حممد ‪ .‬قال ‪ :‬وقد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه ‪ .‬ففتح لنا فإذا أنا‬ ‫بإدريس ‪ .‬فرحب ودعا يل خبري ‪ .‬قال اهلل عز وجل ‪ { :‬ورفعناه مكانا عليا } [‬ ‫‪ / 19‬مرمي ‪ /‬آية ‪ ] 57‬مث عرج بنا إىل السماء اخلامسة ‪ .‬فاستفتح جربيل ‪ .‬قيل‬ ‫من هذا ؟ قال ‪ :‬جربيل ‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬حممد ‪ .‬قيل ‪ :‬وقد بعث إليه‬ ‫؟ قال ‪ :‬وقد بعث إليه ‪ .‬ففتح لنا ‪ .‬فإذا أنا هبارون صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬فرحب‬ ‫ودع ــا يل خبري ‪ .‬مث ع ــرج إىل السماء السادسة ‪ .‬فاستفتح جربيل عليه السالم ‪.‬‬ ‫قيل ‪ :‬من ه ــذا ؟ ق ــال ‪ :‬جربيل ‪ .‬قيل ‪ :‬وم ــن معك ؟ ق ــال ‪ :‬حممد ‪ .‬قيل ‪ :‬وقد‬ ‫بعث إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه ‪ .‬ففتح لنا فإذا أنا مبوسى صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪ .‬فرحب ودعا يل خبري ‪ .‬مث عرج إىل السماء السابعة ‪ .‬فاستفتح جربيل ‪ .‬فقيل ‪:‬‬ ‫من هذا ؟ قال ‪ :‬جربيل ‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬حممد ‪ .‬قيل ‪ .‬وقد بعث إليه‬

‫‪99‬‬


‫اسطورة ‪ Pegasus‬اليونانية و براق حممد الطائر‬

‫‪100‬‬

‫؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه ‪ .‬ففتح لنا ‪ .‬فإذا أنا بإب راهيم صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬ ‫مسندا ظهره إىل البيت املعمور ‪ .‬وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك‬ ‫ال يعودون إليه ‪ .‬مث ذهب يب إىل السدرة املنتهى ‪ .‬وإن ورقها كآذان الفيلة ‪.‬‬ ‫وإذا مثرها كالقالل ‪ .‬قال ‪ ،‬فلما غشيها من أمر اهلل ما غشي تغريت ‪ .‬فما‬ ‫أحد من خلق اهلل يستطيع أن ينعتها من حسنها ‪ .‬فأوحى اهلل إيل ما أوحى ‪.‬‬ ‫ففرض علي مخسني صالة يف كل يوم وليلة ‪ .‬فنزلت إىل موسى صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ .‬فقال ‪ :‬ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت مخسني صالة ‪ .‬قال ‪ :‬ارجع‬ ‫إىل ربك ‪ .‬فاسأله التخفيف ‪ .‬فإن أمتك ال يطيقون ذلك ‪ .‬فإين قد بلوت بين‬ ‫إس رائيل وخربهتم ‪ .‬قال ‪ ،‬فرجعت إىل ريب فقلت ‪ :‬يا رب ! خفف على أميت‬ ‫‪ .‬فحط عين مخسا ‪ .‬فرجعت إىل موسى فقلت ‪ :‬حط عين مخسا ‪ .‬قال ‪ :‬إن‬ ‫أمتك ال يطيقون ذلك فارجع إىل ربك فاسأله التخفيف ‪ .‬قال ‪ ،‬فلم أزل أرجع‬ ‫بني ريب تبارك وتعاىل وبني موسى عليه السالم حىت قال ‪ :‬يا حممد ! إهنن مخس‬ ‫صلوات كل يوم وليلة ‪ .‬لكل صالة عشر ‪ .‬فذلك مخسون صالة ‪ .‬ومن هم‬ ‫حبسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ‪ .‬فإن عملها كتبت له عش را ومن هم‬ ‫بسيئة فلم يعملها مل تكتب شيئا ‪ .‬فإن عملها كتبت سيئة واحدة ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫فنزلت حىت انتهيت إىل موسى صلى اهلل عليه وسلم فأخربته ‪ .‬فقال ‪ :‬ارجع‬ ‫إىل ربك فاسأله التخفيف ‪ .‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقلت ‪ :‬قد‬ ‫رجعت إىل ريب حىت استحييت منه « ‪.‬‬ ‫ال راوي‪ :‬أنس بن مالك احملدث‪ :‬مسلم ‪ -‬املصدر‪ :‬صحيح مسلم ‪ -‬الصفحة‬ ‫أو الرقم‪162 :‬‬ ‫خالصة حكم احملدث‪ :‬صحيح‬ ‫‪andy‬‬ ‫من صفحة‬ ‫‪https://www.facebook.com/ProphetsAreFakes‬‬

‫اسطورة ‪ Pegasus‬اليونانية و براق حممد الطائر‬

‫‪101‬‬


‫فصل من كتاب "التارو فى روح الزن"‬

‫فصل من كتاب ‪(v‬لعبة الحياة) للمتأمل أوشو‬ ‫التشريط (بمعنى العالمات لكل شخصية)‬

‫أى ش ــئ ت ــع ــل ــم ــت ــه م ــن اآلخ ــري ــن ال‬ ‫مي ــث ــل ــك‪ ،‬ف ــه ــذه ت ــدع ــى «ش ــخ ــص ــي ــة»‬ ‫وع ــل ــي ــك ان ت ــس ــت ــع ــي ــد م ـ ــرة اخ ــرى‬ ‫الفطرة الىت جئت هبا حني اتيت اىل‬ ‫هذه الدنيا‬ ‫البد لك ان جتد جوهرك قبل ان يبدأ‬ ‫الناس ىف وضع طبقات من افكارهم‬ ‫‪.‬‬ ‫ه ــن ــاك م ــث ــل ق ـ ــدمي م ــن ال ــش ــرق ع ــن‬ ‫انثى االس ــد ىف طريقها قف زا من تل‬ ‫اىل اآلخ ــر سقط وليدها ب ــن حشد‬ ‫من اخلرفان‪ .‬اخذ اخلرفان ىف تغذية‬ ‫الشبل ظنا منهم ان ــه اح ــد اخل ـراف‬ ‫وليس بأسد‪ .‬ولذا كان ميشي وسط‬ ‫اخل راف وكأنه واحد منهم‪.‬‬ ‫اخلروف الميشي وحيدا ابدا‪ ،‬لكنهم‬ ‫ميشون ىف حشد متالصقني ىف بعض‬ ‫االحيان‪،‬‬

‫‪102‬‬

‫خيافون من الوحدة‪ ،‬فمن اخلطر ان‬ ‫تكون وحيدة ألنه ىف ذلك الوقت‬ ‫اى ح ــي ــوان م ــت ــوح ــش ي ــس ــت ــط ــي ــع ان‬ ‫ينقض عليه ولذا البد هلم ان يكونوا‬ ‫ىف مجع‬ ‫األس ـ ـ ــود مت ــش ــي وح ــي ــدة ىف اق ــال ــي ــم‬ ‫ش ــاس ــع ــة والي ــس ــم ــح ــون ب ــاق ـراب اى‬ ‫احد من اقليمهم‬ ‫وىف بعض االح ــي ــان ت ــك ــون املساحة‬ ‫ال ــى يتحرك هبا األس ــد بضعة اميال‬ ‫وال يستطيع اى اس ــد أخ ــر الدخول‬ ‫ىف م ــن ــط ــق ــت ــه واال س ـ ـ ــوف ت ــك ــون‬ ‫ال ــع ــواق ــب وخ ــي ــم ــة وت ــن ــت ــه ــى امل ــع ــرك ــة‬ ‫مب ــوت احدهم أو االثنني معا‪ .‬ولذا‬ ‫يتجولون وحيدين‪.‬‬ ‫أم ــا ه ــذا ال ــش ــب ــل امل ــس ــك ــن مل يكن‬ ‫ي ــدرى ان ــه أس ــد مل يكن ل ــدي ــة فكرة‬ ‫عن هيئته وظل يكرب‪ ،‬ولكن اخل راف‬

‫فصل من كتاب "التارو فى روح الزن"‬

‫اع ــت ــادت ع ــل ــي ــه ف ــق ــد ق ــام ــوا بتنشئته‬ ‫م ــن ــذ ان ك ــان ش ــب ــل‪ .‬ب ــال ــرغ ــم م ــن ان ــه‬ ‫ك ــان خ ــروف غ ــري ــب الشكل ولكنه‬ ‫بالنسبه هلم كان خروف‪ .‬ألنه اعتاد‬ ‫اك ــل احلشائش ال ــى ع ــادة ال يأكلها‬ ‫األس ـ ــود‪ .‬ف ــاألس ــود تفضل امل ــوت عن‬ ‫اك ـ ــل احل ــش ــائ ــش ف ــك ــان ه ـ ــذا األس ــد‬ ‫يأكل احلشائش وظل نباتى‪.‬‬ ‫وقد اعتاد ان يكون ىف وسط احلشد‬ ‫حىت يشعر باألمان بالرغم من انه كان‬ ‫اطول واضخم من اخل راف‪ .‬ولكنه مل‬ ‫يعلم ذلك‪ .‬ومل يزجر ابدا كأسد ألنه‬ ‫ايضا اليعلم كيف‪.‬‬ ‫كان حيلم كاخلروف خياف كاخلروف‪.‬‬ ‫كان خياف من احليوانات املتوحشة‬ ‫الىت ال تستطيع ان تؤذيه‪.‬‬ ‫وىف يوم من االيام رأى أسد كبري هذا‬ ‫املشهد مل يكن قد رأى هذا اخللط بني‬ ‫األس ــد واخل ـراف من قبل ‪ .‬فلم يكن‬ ‫هناك اى صداقة بني األسد واخلروف‬ ‫قبال ‪ ،‬ال يوجد احتمال لذلك‪.‬‬ ‫ولكن اخلروف كان ميشي مع األسد‬ ‫ب ــدون اى خ ــوف واألس ــد اي ــض ــا كان‬ ‫ميشي مع اخلروف خوفا من ان ميشي‬

‫لوحده‪.‬‬ ‫االسد الكبري مل يصدق عينيه وجرى‬ ‫خلف احل ــش ــد‪ ،‬طبيعى ك ــل اخل ـراف‬ ‫ب ــدأت ىف اجل ــرى م ــع إح ــداث صوت‬ ‫اخل ـراف وقت الفزع واألس ــد الصغري‬ ‫أخ ـ ــذ ىف اجل ـ ــرى اي ــض ــا م ــع إح ـ ــداث‬ ‫نفس صوت اخل راف‪.‬‬ ‫ب ــع ــد ص ــع ــوب ــة وج ــه ــد ك ــب ــر إستطاع‬ ‫األس ـ ـ ــد ال ــك ــب ــر اإلم ـ ــس ـ ــاك ب ــال ــش ــب ــل‬ ‫واخذ يبكى الشبل وينوح متاما مثل‬ ‫اخل ـراف‪ .‬وج ــر األس ــد الكبري الشبل‬ ‫اىل بركة ماء قريبة‪.‬‬ ‫الشبل كان يشعر خبوف شديد ومل‬ ‫يكن يريد الذهاب مع األسد وكان‬ ‫ش ــدي ــد امل ــق ــاوم ــة وب ــال ــط ــب ــع كشبل‬ ‫ك ــان أق ــوى م ــن األس ــد ال ــك ــب ــر ول ــو‬ ‫ك ــان يعلم ه ــذا مل يكن يسمح أن‬ ‫يؤخذ بالقوة فكان من املمكن ان‬ ‫يقتل األسد الكبري ولكنه يعرف عن‬ ‫نفسه ان ــه خ ــروف‪ ،‬ل ــذا مس ــح لألسد‬ ‫ال ــك ــب ــر أن ي ــف ــع ــل ب ــه ه ــك ــذا ب ــال ــق ــوة‬ ‫ودون رغبته حىت انه ظن انه سوف‬ ‫مي ــوت من بطش األس ــد الكبري متاما‬ ‫مثل اى خروف‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫فصل من كتاب "التارو فى روح الزن"‬

‫‪104‬‬

‫وألول مرة رأى الشبل وجهه ووجه‬ ‫األسد الكبري ىف الربكة وفجأة كان‬ ‫هناك زئري‪ ،‬من اعماق كينونته جاء‬ ‫زئري يهز اجلبال من حوله‪.‬‬ ‫وق ــال األس ــد ال ــك ــب ــر ل ــل ــش ــب ــل «ل ــق ــد‬ ‫أمتمت عملى» واآلن أنت حلالك‪،‬‬ ‫فأنت اآلن تعلم من أنت‪.‬‬ ‫ال ــش ــخ ــص ــي ــة ه ــى ال ــى ي ــع ــط ــي ــه ــا لك‬ ‫اجملتمع‪ ،‬الثقافة‪ ،‬التحضر‪ ،‬التعليم‬ ‫من اآلخرين‪ .‬يعطيك الناس آرائهم‬ ‫عنك وأنت جتمع هذه اآلراء وتتكون‬ ‫منها شخصيتك‪.‬‬ ‫ل ــق ــد ك ــن ــت م ـ ــوج ـ ــودا ه ــن ــا خ ــال‬ ‫ال ــث ــاث س ــن ــوات االوىل م ــن ع ــم ــرك‬ ‫ولكن التتذكر شيئا منها‬ ‫ك ــن ــت ىف رح ــم أم ــك ‪ 9‬أش ــه ــر دون‬ ‫ت ــذك ــر ش ــئ م ــن ه ــذا اي ــض ــا‪ .‬وسبب‬ ‫عدم تذكرك ألى شيء ىف هذا السن‬ ‫ه ــو ع ـ ــدم وج ـ ــود ش ــخ ــص ــي ــة ل ــك ىف‬ ‫ذال ــك ال ــوق ــت‪ ،‬فالشخصية ه ــى أن‬ ‫ت ــأخ ــذ ب ــآراء اآلخ ــري ــن وت ـراك ــم ه ــذه‬ ‫اآلراء وختلق هوية غري حقيقية فكرة‬ ‫معينة عن «من أنا»‬ ‫أن ــت التعلم حقيقة م ــن أن ــت ألنه‬

‫فصل من كتاب "التارو فى روح الزن"‬

‫ل ــت ــع ــرف ذل ــك الب ــد ل ــك م ــن احل ــف ــر‬ ‫بعمق داخل النفس بني كل القمامة‬ ‫امل رتاكمة داخلك بإسم الشخصية‪.‬‬ ‫البد لك أن تعود طفل من جديد ‪،‬‬ ‫ما تعرفه عن ذاتك هو شخصيتك‬ ‫‪ ،‬انت تعرف ان لك اسم خاص بك‬ ‫ف ــه ــل ت ــع ــى ان ــه مل ي ــك ــن ل ــدي ــك اس ــم‬ ‫عندما أتيت اىل هذا العامل؟‬ ‫ف ــل ــدي ــك ق ــدر م ــن التعليم ق ــدر من‬ ‫الكفاءة وتعلم انك مل تولد طبيب‬ ‫أو مهندس أو مدرس‪.‬‬ ‫ف ــه ــذه األش ـ ــي ـ ــاء أض ــي ــف ــت ع ــل ــي ــك‪.‬‬ ‫درجاتك العلمية‪ ،‬امسك‪ ،‬شهرتك‪،‬‬ ‫كل هذه األشياء أضيفت لك‪ .‬وهذا‬ ‫فقط هو ماتعلمه انت عن نفسك‬ ‫أما اذا جتردت من كل هذه اآلشياء‬ ‫م ــن س ــت ــك ــون؟ م ــاذا ستصبح؟ فقط‬ ‫صفر‪ ،‬قطعه صخر بدون أى نقوش‪.‬‬ ‫شخصيتك ه ــى ك ــل م ــا تعرفه عن‬ ‫نفسك‪ ،‬عن ذاتك‪ ،‬أحاول تبسيطها‬ ‫ع ــل ــى ق ــدر امل ــس ــت ــط ــاع ح ــى ت ــن ــت ــب ــه‪.‬‬ ‫ت ــف ــردك ه ــو ال ــش ــئ ال ــوح ــي ــد ال ــذى ال‬ ‫تعلمه أنت بالرغم من انه حقيقة‪.‬‬ ‫أل ــت ــأم ــل ه ــو العمل جبهد للتخلص‬

‫من الشخصية وال ــوص ــول اىل امل ــوارد األساسية بداخلك ملمارسة احل ــي ــاة‪ .‬تفردك‬ ‫والشعلة ال ــى ات ــي ــت هب ــا م ــن رح ــم أم ــك‪ .‬ف ــإن ــك متفرد منذ األزل‪ .‬فهى الوعي‬ ‫االساسي بداخلك‪.‬‬ ‫فتذكر اي شئ تعلمته من اآلخرين ليس أنت والبد لك من البحث عن فطرتك‬ ‫مرة أخرى البد لك من العثور على كينونتك قبل ان يضع الناس طبقات عليها‬ ‫من آرائهم قبل ان يبدأوا بتعليمك وتثقيفك‪.‬‬

‫‪105‬‬


107

106


‫شكراً‪...‬عيشوا سعداء‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.