هيئة التحرير أمين غوجل أخيل تيتان نور Hunger Mind دين تامبي كاترينا بن باز عزيز رامي
1
افتتاحية العدد
3
ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان
7
اجتاهات جديدة يف العلم
24
ماذا قدمت النساء للعلم؟؟
26
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
40
مدخل موجز إىل فكر جودي كريشناموريت
46
هجن بشرية
62
بطالن االدلة العقلية
66
نبضات بن باز ...
72
امرأة غامضة
76
أمسائي يف املشفى
78
سراديب اآلهله -القسم األول
84
االحلاد بني اليوم واالمس
88
خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق
92
سـ ــورة م ــن مثل ـ ــه
94
أصنام ( املسلمني)
96
اسطورة Pegasusاليونانية و براق حممد الطائر
102فصل من كتاب «التارو ىف روح الزن»
كلمة رئيس التحرير واقع رمبا تكون مجلة « هؤالء ال ميثلون االسالم « و هذا ليس اسالماً وال ميت لألسالم بصلة « و اذا كان املسلمون سيئيني فال تتهمو األسالم بالسوء» من أكثر اجلمل استخداماً للدفاع عن انتشار العته االسالمي خصوصاً و باالتأكيد يستعمل يف بقية الديانات عموماً بنفس املعىن . فكرهتم أن ماحيصل هو تطبيق سئ لألسالم رغم أن اكثر املسلمني تطرفاً هو برأيي و حبس النصوص االسالمية هو أقرهبم لتطبيق االسالم بصورته الصحيحة . فالضرب فوق االعناق و قطع االيادي و اجللد و نشر الدين بالقوة هي آيات حمكمات يف القرآن ملن يعرف القرآن و مدعومة بعشار األحاديث الصحيحة ملن يعرف األحاديث . لكن سنفرتض جدالً أن هذه الكذبه هي الواقع و أن هؤالء املليار مل يفهم احد منهم االسالم و لن يستطيع أي مسلم يتكلم مبنطق اجلمل اليت أوردهتا اعاله أن يدلك على ثالثة مسلمني من ضمن املليار يطبقون االسالم الصحيح (جربوها) بكل األحوال لنتفرض ن هؤالء ال ميثلون األسالم و هؤالء ال ميثلون املسيحية و هؤالء ال ميثلون اليهودية و هلم جرا واقعياً ما الذي ميكن أن يشكل فارقاً . اآلن االديان هتدم كل منتجات احلضارة االنسانية بشكل ممنهج حالياً االسالم يضرب ارهاباً مينة و يسرة و حيصد االرواح واقعياً الكنائس حتارب كل ماهو علمي و انساين .واقعياً اليهودية تلغي كل خمتلف عنها أو تصهرة ببوتقة مسخ . الواقع و بغض النظر عن فهم ذلك الدين أو الدين اآلخر هي أمور قاتلة و بأمتياز مثلها مثل اسلحة الدمار الشامل و تلغي و تشوه كل االخالقيات االنسانية اليت وصل هلا االنسان احلر . اليهمين بصراحة اذا كان اتباع املاركسية أو البوذية مثالً اليفهمون ايديولوجيتهم و علينا أن نتحمل قتلهم و ختريبهم للكوكب و ال حناول منعهم حبجة أن املاركسية أو البوذية براء منهم و جيب احرتامها . ال يهم .
املتدينون و ادياهنم كينونة واحدة قاتلة و مدمرة و سافكة للدماء جيب القضاء عليها ك افكار أو حتييدها على األقل . أما مسألة عدم متثيلهم ملا يؤمنون فيه فعدا اهنا فكرة غري واقعية أن يكون 4مليارات مؤمن مل يفهم اياً منهم دينه فهي مسألة ال هتمين شخصياً و ال جيب أن هتم أحداً غريهم . العته و خاصة اذا كان يسبب القتل و ضياع مكتسبات احلضارة االنسانية و انعدام االخالقيات ال حيرتم و لو مسيتموه مقدساً . العته و الغباوات القاتله هي عته و غباوات قاتله و ال توجد تسميه ( اكثر احرتاماً ) هلذه الغباوات . الدين نظام جمتمعي قائم حيرض على الكراهية و العنف و القتل و جيب على كل مؤمن باالنسانية أن يقاومه . مثلما نقاوم اجلرمية و التلوث البيئي و جتارة املخدرات و العبودية . ال بل أن االديان تدعم منهجياً كل ما سبق و اكثر بكثري . اصدقائي مقاومة الدين ليست ترفاً فكرياً بل دفاع مشروع عن النفس و عن الغري و عن احلضارة . و عيشو سعداء أمين غوجل مؤسس و رئيس التحرير
facebook.com/I.Think.Magazine
1
2
ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان
ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان
يصادف هذه األيام ذكرى ميالد العامل الفيزيائي األمريكي ريتشارد فاينمان الذي ول يف 11أيار من عام ،1918والذي يعد واحداً من أعظم علماء القرن العشرين، واملعروف مبسامهاته الواسعة يف نظرية الكم وفيزياء اجلسيمات ،وبسبب إسهاماته يف نظرية الكهروديناميكا الكمية حصل على جائزة نوبل للفيزياء عام .1965
3
ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان
من أقوال ريتشارد فاينمان يف الشك وعدم اليقني: • ميكنين أن أتعايش مع الشك وعدم اليقني وعدم املعرفة ،أعتقد أن التعايش م ــع ع ــدم امل ــع ــرف ــة أك ــث ــر تشويق اً وأف ــض ــل م ــن االع ــت ــق ــاد يف إج ــاب ــات خ ــاط ــئ ــة .لدي إجابات تقريبية ومعتقدات تتسم باالحتمالية ودرجات خمتلفة من اليقني حول أشياء متعددة .ولكىن لست متأكداً بشكل تام من أي شيء ويف بعض احلاالت ال أعرف أي شيء على اإلطالق عن أشياء من قبيل :السؤال اخلاص بلماذا حنن هنا ،وهل حيمل أي معىن على اإلطالق ،ميكنين التفكري بصدده ملدة قصرية ولكن إذا مل أستطع إجياد إجابة ،أتوجه بفكري إىل أي شيء أخر ،فأنا لست مضط راً ألن أمتلك إجابة يقينية. ال أشعر باخلوف من عدم معرفة األشياء ،من الضياع يف كون غامض ال حيمل أي هدف أو غاية ،وهذه هي حقيقته فع الً كما ميكنين أن أمخن ..هذا ال خييفين البتة . ويف شرحه خلطوات الوصول إىل قانون يتفق مع الواقع التجرييب يقول: • أوالً نقوم بتخمني القانون • مث نقوم حبساب نتائج هذا التخمني لنرى ما سيعنيه إن كان هذا القانون الذي مخّناه صحيح .مث نقارن نتائج احلسابات بالطبيعة ،بالتجربة ،نقارهنا مباشرًة باملالحظة ،لنرى ما إن كانت تعمل لو كانت تتعارض مع التجربة فهي خاطئة. • ال يهم مدى مجال ختمينك ،ال يهم مدى ذكاؤك ،ال يهم من قام بالتخمني، أو ما هو امسه ،لو كانت تتعارض مع التجربة فهي خطأ. وعن غ رابة فيزياء اجلسيمات ونظرية الكوانتوم يقول: • إن نظرية االلكرتوديناميك الكمية تصف الطبيعة بصورة منافية للعقل، من وجهة نظر املنطق السليم .ولكنها تتفق مع التجربة ،لذلك آمل أن تتقبلوا
4
ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان
ذكرى ميالد ريتشارد فاينمان
الطبيعة كما هي ،منافية للعقل !! • من الصعب جداً تصديق كل األشياء اجلنونية ..اليت هي األمور عليها يف الواقع تتصرف اإللكرتونات كأمواج ..ال ليس متام اً !! تتصرف مثل جسيمات ..ال ليس متام اً !! افرتضوا أن تلك األشياء الصغرية ..تصرفت بشكل خمتلف ج ــداً عن أي شيء كبري ال شيء هو حق اً ما يبدو عليه ..إهنا خمتلفة بشكل مذهل ..عن أي شيء كبري العامل هو فوضى ديناميكية من األشياء املهتزة ..من الصعب تصديقها علي أن أتوقف يف مكان ما ..سأترك لكم شيئ اً لتخيله وعن فكرة اإلله يقول: • اهلل ما هو إال كلمة مت اخ رتاعها لتفسري األشياء الغامضة ،فهو يتم استخدامه دائم اً لتفسري األشياء اليت ال تفهمها .اآلن عندما تكتشف يف النهاية كيفية عمل ظاهرة ما ،فأنت متتلك بعض القوانني اليت أخذهتا من نطاق اإلله ،ومل تعد حباجة إليه لتفسري هذه الظاهرة ،ولكنك حتتاجه بالنسبة إىل األلغاز األخ ــرى .ومن مث فأنت ترتكه خيلق الكون ألننا مل نكتشف أصل الكون بعد ،أنت حباجة إليه لفهم األشياء اليت تعتقد بأن القوانني العلمية لن تفسرها مثل الوعى اإلنساين أو ملاذا حتيا لفرتة معينة من الزمن ..احلياة واملوت ..وأشياء من هذا القبيل .دائم اً ما يتم ربط اآلهلة باألشياء اليت ال تفهمها ،و لذلك فأنا ال أعتقد بأن قوانني الطبيعة ميكن اعتبارها شبيهة باإلله ألننا قد عرفنا آلية عملها ومل تعد غامضة على اإلطالق .
5
6
اجتاهات جديدة يف العلم
7
ما هي «النظرية العلمية» ،وم ــا هي صلتها بالواقع ال ــذي تصفه؟ ال ي ـزال هذا السؤال مطروح اً طرح اً ملح اً ،على الرغم من التقدم الذي حققته العلوم النظرية والتطبيقية .وهو يعكس إشارة أعمق إىل صلة الوعي اإلنساين مبوضوع معرفته. أي عمل معريف كل ما ِّ يعب عنه ُّ ص لب احلق أن هذا السؤال حياول أن يسرب َّ ويف ُ أو فين. ولعل العلم يف تنوع ط رائقه وجماالته ،ويف انفتاحه الدائم على ما هو أوسع وأغىن وأمجل ،ويف حدسه ،كما ويف اختباراته التجريبية ،إمنا ميثل ذائقة فنية بالدرجة املتذوق وبني األوىل! وإن هذه الذائقة ال تنمو إال عرب إقامة الصلة العميقة بني ِّ موضوعه اجلمايل .وهلذا السبب كان اإلبداع الفين مفتوح اً دائم اً بال حدود؛ وهلذا السبب نفسه أيض اً ،مل يكن للعلم أن يبين نظرياته بناء حمدوداً وهنائي اً :فهو ال يكتفي بإخضاعها للتجربة للربهان على صحتها ،بل هو يقيس تقدُّمه حبالة جس دها يف لوحته األخرية! الشعور بالرضا أمام التناغمات اليت َّ حتكي قصة العلم عن رحلة فريدة ،حاول فيها الوعي سرب هذه الصلة القائمة بني اإلنسان والطبيعة .وال ت زال هذه القصة مستمرة ،مبا هي عمل فين وتاريخ ،ال دون عرب إجنازاتنا التطبيقية والنظرية فحسب ،بل وعرب ما ِّ حيق قه فينا من تفتح يُ َّ نفسي وعقلي وروحي. *** ترجع قصة العلم إىل تاريخ حضارات عريقة ،كاملصرية والبابلية واهلندية والصينية واليونانية والعربية .لكن العلم مل يأخذ شكله املنهجي إال مع بداية عصر النهضة األوروبية – هذا املنهج الذي تبلور وتعدَّل كث رياً عرب القرون القليلة املاضية. وال شك أن بيكون Baconلعب دوراً أساسي اً يف متايز املنهج العلمي :فهو
اجتاهات جديدة يف العلم
مل ي ــك ــن ي ــع ــت ــق ــد ب ــض ــرورة ال ــع ــودة إىل أرسطو أو إىل الكنيسة من أجل حتديد م ـ ــوق ـ ــف م ـ ــع ـ ــريف ،ف ــك ــان ن ـ ـ ـ ــداؤه ص ــرحي ـ ـاً ب ــض ــرورة فصل املعتقد عن املنهج املعريف احلر للحقيقة .وقد أهل ــم ــت ــه أع ــم ــال ن ــي ــك ــوالس ك ـ ـ ــوب ـ ـ ــرن ـ ـ ــي ـ ـ ــك ـ ـ ــوس N. Copernicusوتيخو ب ـ ـ ـراه ـ ــي T. Brahe ويوهانس كبلر J. Keplerوغاليليو غاليليه G. Galiléeووليم هاريف W. Harveyوغريهم مقولته يف أنه جيب أال تُبىن الفلسفة الطبيعية على األفكار السلفية واألفكار الثابتة ،وأن املنطق جيب أن يرتكز على رصد األشياء احملسوسة واختبارها. طرحت هذه اللغة اجلديدة ،اليت ُسِّ يت بـ»العلم» Scienceفيما بعد ،إشكاليات كثرية يف البداية :ذلك أنه ال ميكن دائم اً تعميم حاالت حمدودة وقليلة الستنتاج نظرية عامة ثابتة .ومرة بعد مرة ،بدأ العلم يعرتف بأن تعديل نظرياته هو أساس تقدُّمه – ه ــذا التعديل ال ــذي يعين لغة قائمة ب ــذاهت ــا ،ه ــي لغة املعرفة املستمرة والقابلة دائم اً للتعديل واالنفتاح. ومن أجل تاليف عدم القدرة على التعميم انطالق اً من معطيات جزئية ،طرح بيكون منهجه العلمي االستق رائي ،حيث ميكن بناء فرضية على معطيات بسيطة ،حبيث تشكل منوذج اً ميكن حتصيل معطيات جديدة وفق اً له ،وهكذا ،وصوالً إىل نظرية متكاملة ،حبيث يستطيع الباحث اكتشاف قوانني الطبيعة اكتشاف اً منظم اً.
8
اجتاهات جديدة يف العلم
9
وبعد ذلك ،طور العلماء مفهوم التجربة املضبوطة اليت تساعد على عزل أهداف الرصد وحتديدها وجعلها أكثر دقة .وقد ميز رونيه ديكارت R. Descartes ال راصد عن موضوع الرصد ،وحدد هدف التجربة واملالحظة باكتشاف القوانني السببية ال ــي تربط ب ــن األش ــي ــاء وال ــظ ــاه ـرات .وبعد ف ــرة ،استفاد اسحق نيوتن I. Newtonمن فكرة ديكارت ،فأوجد عالقة بني مالحظات كوبرنيكوس وب راهني كبلر وغريمها ،وطرح نظريته اليت مل تكن تشتمل إال على ثالثة مبادئ بسيطة ،إضافة إىل فرضية تتعلق بالثقالة .gravityوأدى جناح قوانني كبلر إىل ترسيخ اعتقاد ،أسسه ديكارت ،بأن الطبيعة آلية يف عملها .وقاد ذلك البالس Laplaceيف القرن التاسع عشر إىل التنبؤ مبعادلة قريبة ،ستحمل اجلواب عن كل شيء موجود يف الطبيعة. ِّ لقد أثرت أعمال نيوتن يف مدرسة فلسفية كاملة ،كان أهم أساتذهتا لوك Lock وبركلي Berkleyوهيوم .Humeوعلى الرغم من تأكيد هؤالء – وخباصة هيوم – على الصفة املستقلة لل راصد عن موضوع التجربة ،لكنهم مل يتأكدوا من أن االستق راء ميكن أن يقود إىل اليقني .وبالتايل فإن ما يظهر لنا من انتظام يف أبدا أنه سيؤدي إىل معرفة مطلقة يف املستقبل. الطبيعة ال يعين ً عب فلسفي اً ،بعد ظهور نظرييت ورمب ــا كان ك ــارل بوبر K. Popperأول من َّ النسبية العامة وامليكانيكا الكوانتية ،عن الاليقني ،uncertaintyوعن صلة ال راصد مبوضوع التجربة .كذلك طرح بوبر فكرة الربهان بعكس االستق راء ،أي بنفي حالة واحدة من النظرية العامة :إن جبعة سوداء ميكن أن تنقض نظرية أن يكون البجع كله أبيض اللون .وينعكس ذلك على الفهم الفلسفي للمنحى الذي اختذه العلم :ف طَ ْر ُح نظرية جديدة جيب أن ي رتافق إذن بأسلوب برهان حاسم عليها أو بإمكانية دحضها .ومل تكن قد تبلورت حىت ذلك احلني بالتايل ،فكرة أن تكون النظرية العلمية إمكانية معرفية مفتوحة دائم اً. كانت امليكانيكا الكوانتية توحي يف تلك الفرتة بأن الظاه رات على املستوى ما
اجتاهات جديدة يف العلم
حتت الذري subatomicليست حمكومة بقوانني مطلقة أو حمددة ،خاضعة للسبب والالتعي والنتيجة ،ب ــل بقوانني الصدفة ُّ .indeterminacyويف ال ــري ــاض ــي ــات، كان كورت غودل K. Gödelقد برهن أنه توجد دائم اً إثباتات حقيقية ومتجانسة، إمنا ال ميكن أن تُشتق من جمموعة حمدودة دائ ــم ـاً ،حب ــي ــث ي ــل ــزم دائ ــم ـاً ال ــت ــوس ــع يف أي ــة منظومة جي ــب ال ــره ــان عليها .وإذا أخذنا بعني االعتبار ما كانت قد طرحته نظرية النسبية م ــن ت ــوس ــي ــع ك ــب ــر ملفاهيم ال ــزم ــن وامل ــادة والطاقة واجلاذبية ،ميكننا القول إن جممل هذه الرؤى اجلديدة طرح من جديد مسألة النظرية العلمية طرح اً خمتلف اً. ول م ــع بيكون وع ــر بوبر ع ــن ذل ــك بقوله« :إن مفهوم ال ــك ــون امليكانيكي ق ــد ّ ونيوتن وديكارت؛ فالعامل املوضوعي ليس مطلق اً يف شيء منه .والعلم ال يرتكز دح ض ».ويكمل توماس كوهن T. Kuhnهذا املنظور بقوله على أسس ال تُ َ إن النظريات تُعدَّل باستم رار مع ظهور تعارضات أو معضالت جديدة وهكذا، حىت يتطلب األمر تعدي الً جوهري اً يف النظرية وظهور نظرية جديدة. لقد مت حتسني النموذج األويل القائم على قوانني نيوتن األساسية ،حىت ب ــدا يف هناية القرن التاسع عشر وكأنه قد اكتمل .لكن ظهور النظرية النسبية عدَّل هذا الشعور بالنظرية الكاملة ،وطرح يف املقابل فكرة جديدة ،حيث ليس من الضروري أن تنقض النظري ةُ اجلديدةُ النظري ةَ السابقة ،بل حتفظ هلا سوية خاصة هبا تُط بَّ ق فيها .وك ــان ذل ــك إي ــذان ـاً بفتح الباب على مص راعيه على احل ــوار بني نظريات العامل اجلَ هاري (املاكروسكويب) والعامل اجملهري الدقيق (امليكروسكويب).
10
اجتاهات جديدة يف العلم
11
*** استطاعت نظريتا النسبية والكوانتية َس ــبـْـ َـر جم ــاه ــل ج ــدي ــدة يف اجمل ــال امل ــع ــريف. واستطاعت أن دجمت الزمان باملكان ،واملادة بالطاقة ،واجملرد باحملسوس، ْ فالنسبية ْ تبين عامل اً هندسي اً خيلق املادة وماد ًة تؤثِّر يف بنية املكان اهلندسية .وقد اعتمدت النسبية يف ذل ــك على قوانني نيوتنية يف أصوهلا ،ووصلت بالسببية إىل أقصى مداها .لكنها كانت تشري إىل قفزة يف ط رائق تفكرينا ،من حيث إن هذه السببية والدينامي مل تعد قابلة للتوصيف من منظور حم لّ ي اليت حتكم هذا العامل املتحرك َّ حد بعيد، فقط .أما النظرية الكوانتية فقد استطاعت اخ ـراق هذا احلاجز إىل ٍّ وأوجدت عامل اً غري سبيب ،بل احتمايل يف جوهره ،وال ينفصل عن وعينا. ويف كال العاملني ..الكبري السبيب والصغري الكوانيت ..كانت مثة مفاهيم ال َّ بد من تفسريها :فهذه امل ــادة الطاقة كانت تعاين من «التعب» ،وه ــذا اإللكرتون القافز من م ــدار إىل م ــدار كان ي ِ صد ر طاقة ضائعة .فأين تذهب هذه الطاقة؟ ُ وكيف نستطيع فهم ك ــون حيافظ على انتظامه رغ ــم خسارته للطاقة؟ كانت هذه النقطة بالذات مفتاح االجتاه اجلديد الذي سينطلق منه العلم ،لكنها مع ص لب احل ــوار ال ــذي ق ــام بني النظريتني النسبية والكوانتية، األس ــف مل تكن يف ُ مم ثَّالً باحلوارات اليت دارت بني ألربت أينشتاين A. Einsteinونيلز بوهر N. Bohrبشكل خاص. فعلى الرغم من أن ك الً من أينشتاين وبوهر كانا يقبالن بك لِّ ية الكون ،لكن نظريتيهما كانتا خمتلفتني :فالنسبية ترتكز على مفهوم احلقول املتصلة ،يف («كم ات») حني أن الطبيعة الكوانتية غري متصلة ،بل تتألف من كوانتونات َّ منفصلة .وقد متَّ التخ لِّ ي عن فكرة املسار يف هذه األخرية لصاحل «القفزة الكوانتية» تطور مفهوم «املسار» إىل ٍّ خط جيوديسي هام يف ،quantum leapيف حني َّ النسبية .والكون يف نظر أينشتاين موضوعي وحمدود ،فهو مستقل عن ال راصد الذي يكتشف فيه قوانني ثابتة وغري احتمالية .ويف املقابل فإن النظرية الكوانتية
اجتاهات جديدة يف العلم
تكشف عن كون غري حمدَّد واحتمايل ،وال ينفصل فيه فعل الرصد عن موضوع املعرفة .ويف مقابل العالقة السببية يف الكون حبسب نظرية النسبية ،كان تفسري النظرية الكوانتية الذي قدَّمه بوهر ومدرسة كوبنهاغن يقول بعدم إمكانية وجود ص ــورة هنائية يف العامل الصغري (امليكروكوزموس) للسبب والنتيجة ،بل أم ــواج احتمالية فقط. وعلى الرغم من اخلالف الذي نشأ بني بوهر وأينشتاين حول التفسري الفلسفي ترس ختا رس ــوخ ـاً ك ــب ـراً ،حىت ب ــدأ العمل على للنظريتني ،لكن هاتني األخ ــرت ــن َّ حماولة توحيدمها يف نظرية واح ــدة .وك ــان اهل ــدف هو إجي ــاد وسيلة تعبري رياضية، مدع مة بتفسري فيزيائي ،جتمع القوى األرب ــع املعروفة يف الطبيعة ،حبيث تظهر َّ وكأهنا منبثقة عن قوة وحيدة أولية. أي تقدُّم عند هذا املنعطف ،عاد التساؤل العلمي يطرح نفسه بقوة :هل يتطلب ُّ تفس ر الظاه رات ك لَّ ها ،وعلى كافة املستويات؟ وهل معريف إجياد منظومة واحدة ِّ ميكن حتقيق إبداع نظرية جديدة دون اخلروج مرة أخرى ،عن الشكل التقليدي الذي بات م تَّبع اً يف العلم؟ كان ديفيد بوهم D. Bohmمن أوائ ــل الذين تن بَّ هوا إىل هذه النقطة ،فقال بضرورة عدم جعل اليقني العلمي مطلق اًَّ ، وأك د خطأ فكرة البحث عن كوانتوم (أو ك ــم) القوة امل ـ ِّ ـوح ــدة ،أو عن قُ َس ْي م أويل هو اللبنة األساسية للمادة ،معت رباً ٍ عندئذ املوح دة أن ذلك يتناىف مع فكرة أن الكون يشكل ك الً ،إذ تكون القوة ِّ جتميع اً ألج ـزاء ليس هو الكل بالضرورة .كذلك ع ــارض روب ــرت ِش لدريك R. Sheldrakeفكرة توحيد القوى كمنهج علمي :إذ إن ذلك سيعين التساؤل عما كان قبل هذه القوة قبل أن يكون الكون بسببها ،وهو سؤال ميتافيزيائي حبت ،حيث سيـُ َع ُّد أن القانون الطبيعي قانون أزيل ،وإنه ُو ِج َد قبل وجود الطبيعة نفسها! ـت نظريتا النسبية والكوانتية م ــن امل ــس ــائ ــل ال ــي ال ت ـزال ويف امل ــق ــاب ــل فقد ط ــرح ـ ْ
12
اجتاهات جديدة يف العلم
13
غامضة ما يكفي للبدء جدي اً بالتحضري النطالقة جديدة يف الفهم ،حبيث يتم احلفاظ على أساس النظريتني ،إمنا مع إمكان حتقيق منظور أوسع وأمشل .ولعل هذا املنظور كان ليحمل معه إمكانية منهج جديد يف العلم كما سنرى. *** ك ــان ب ــوه ــم م ــن ال ــس ـبَّ ــاق ــن إىل حم ــاول ــة اخ ـ ـراق ه ــذا ال ــش ــك ــل ال ــت ــق ــل ــي ــدي للنظرية العلمية .فقد استطاع بنظريته الك لِّ ية يف االنبساط explicationواالنطواء بغض النظر عما إذا كان قد َ ،implicationر ْس َم أول اجتاه جديد يف العلمِّ ، توص ل إىل نتيجة مقنعة أم ال .لقد حاول دخول املرآة ،كما فعلت أليس ،Alice َّ فاج أ بأن ليجد نفسه يف «بالد العجائب»! حاول تقطيع قالب احللوى ،فإذا به يُ َ ِ الق طَع تعود لتتماسك من جديد! لقد أراد ب ــوه ــم اخل ــروج م ــن ال ــك ــون الفيزيائي امل ــع ــروف وط ــرح ك ــون ـاً جييب عن تساؤالت ليست علمية باملعىن املتعارف عليه ،كاحلقيقة والفهم واللغة ،وحاول أن يربهن على أن هذه املفاهيم توازي يف أمهيتها املفاهيم الكالسيكية ،كالشحنة وكمية احلركة .وترتكز فكرة بوهم على اتصالية العامل .فالكون هولوغ رام كبري، كل جزء فيه على الصورة الك لِّ ية له .إن الكون انبساط وإفصاح أي كلٌّ حيتوي ُّ لكمون منط ٍو ،وهو يف حالة انبساط وانطواء مستمرة ،هي اليت تعطي الكون مظهره احلركي والدينامي. ـدم شاسع ،ميوج إن امل ــادة ليست عطالية ومنفصلة يف منظور بوهم :فكوننا ع ـ ٌ جتع دات تظهر على سطحه .وبالتايل ال ميكن أن توجد كل شيء على شكل ُّ فيه ُّ خارطة هنائية هلذا الكون ،مبعىن نظرية كاملة ،ألن خ رائطنا ستتغري ببساطة مع تغري انبساطاته :إهنا ببساطة ،النظريات ..امل رايا اليت ننظر هبا إليه .أما لكي حد امل ــرآة ،ومبعىن آخر الغوص فيه! فـنظرتنا نفسها نعرفه ،فما علينا إال جتاوز ِّ حقل التجربة واالختبار معرفتَ نا ووعيَ نا. تغي حقل املعرفة املدروس؛ وبدورهِّ ، ِّ يغي ُ العديد من اإلشكاليات الفلسفية القدمية والعلمية حي ـ ُّـل ه ــذا النظام املنطوي َ
اجتاهات جديدة يف العلم
جتل لل راصد وأدواته اليت احلديثة .فثنائية املوجة ..اجلسيم عند بوهر ليست سوى ٍّ حترض اجملموعات املنطوية من الكمونات بأشكال خمتلفة .أما إشكالية االتصال ِّ واالنفصال ،اليت ترجع إىل أيام زينون ،فيح لُّ ها بوهم بإرجاعها إىل عملية منفصلة تتم يف ِ املنبس ط أو يف املنطوي. ومتصلة يف الوقت نفسه ،حبسب ما إذا كانت ُّ ويذهب بوهم بالسببية إىل حدِّها األقصى – وال ننسى أنه تلميذ أينشتاين – لكل شيء .وهذا يعين ليحل إشكالية الالسببية ،فيقول إن َّ َّ كل شيء هو سبب ِّ أي حدث حم لِّ ي يف النظام ِ ِّ متجذ راً جت ـ ُّـذ راً غري حم لِّ ي يف احلركة املنبس ط يكون أن َّ نظام–ص دفة الك لِّ ية املنطوية .Holomovementوبذلك ،ال يكون مثة ثنائية ُ كل ما فيه من ظَّم وفق نظام أعلى فأعلى .والكون ،حبسب بوهم ،حمدَّد يف كون ُّ وغري حمدَّد يف ٍ فكل شيء من ظَّم وحمدَّد يف احلركة الك لِّ ية .أما اجلوانب آن واحدُّ : متغيات خفية متغيات «خفية» ترتكز هي نفسها على ِّ غري احملدَّدة فتقوم على ِّ أخرى ،وهكذا ،حبيث تؤلِّف احلركة الك لِّ ية نفسها! ومن هذا املنظور فإن الكون غري حمدَّد. وي ــرى بوهم أن قوانني الطبيعة نفسها تتطور ،وه ــذا ما يعطي الفرصة للجديد جمرد احتاد أولِّ ياهتا يف ظروف معينة ،بل بالظهور حق اً .فاحلياة ليست نامجة عن َّ لكل إبداع جديد ،مبا يف ذلك القوانني هي كمون منط ٍو يف احلركة الك لِّ ية القابلة ِّ علم صريورة وليس علم عطالة. اجلديدة .وهكذا فإن العلم ،من منظور بوهمُ ، الكل حيوي اجلزء ،كما أن اجلزء حيوي الكل، والكل ليس جمموع أج زائه ،بل إن َّ ُّ يتحول إىل أحد عناصر التجربة ،ليصبح هو نفسه موضوع وعلى هذا فإن ال راصد َّ املعرفة. وعلى الرغم من أن نظرية بوهم مل حتقق النجاح املتوقَّع هلا ،ومع أهنا وقعت يف مطب العودة إىل اآللية يف كثري من جوانبها – حيث تعود بنا إىل تلك السلسلة ِّ م ــن ال ــس ــاح ــف ال ــي حت ــم ــل األرض بعضها ف ــوق ب ــع ــض دومن ــا هن ــاي ــة ،ع ــر سلسلة انطواءاهتا وأنظمتها ال رتاتبية إىل أعلى فأعلى! – لكن أثرها واضح على ما قدَّم ْت ه
14
اجتاهات جديدة يف العلم
15
من حماولة لتجاوز اإلط ــار العام لصريورة النظرية العلمية .وك ــان ذلك ِّ مشج ع اً حملاولة أكثر ج رأة ومتاس اً مع الشكل العلمي املتعارف عليه ،إمنا مع طرح منظور أوسع للمفاهيم األساسية ،حبيث تغدو النظرية اجلديدة نفسها طريقة خمتلفة يف الفهم .ف رمبا كان علينا حق اً ،يف بعض األحيان أن نفعل كما فعلت أليس بعد بعد نقطعه! دخوهلا يف املرآة :نأكل قالب احللوى ومن ُ كان غوته – هذا الشاعر والفيلسوف والعامل الكبري – قد انتقد رجال العلم يف عصرهَّ ، يفس رون الصريورة يف الطبيعة .وكان ال َّ بد من انتظار وات مهم بأهنم ال ِّ علم جديد للصريورة. إيليا بريغوجني I. Prigogineلينطلق ٌ يتعلق هذا العلم مبفهوم اإلنرتوبيا – entropyوهي ببساطة الطاقة املستن َف دة حتول هلا من شكل إىل آخر، فكل استخدام للطاقة ،أو ُّ اليت ال ميكن اإلفادة منهاُّ : كل ي ــؤدي إىل خسارة جزء منها على شكل طاقة ضائعة .ويف احلقيقة ،خيسر ُّ شيء طاقته تدرجيي اً يف كوننا ،ليتحول إىل إنرتوبيا .وازدي ــاد اإلنرتوبيا هو الذي فكل شيء يكرب ويتحول يف صريورة وجوده، يعطي للزمن اجتاه اً حنو املستقبلُّ . حىت يفقد طاقته يف النهاية. ي ــع ــاك ــس ه ــذا امل ــن ــظ ــور ال ــف ــك ــر ال ــن ــي ــوتُــي ال ــق ــدمي ،ح ــي ــث ك ــان ال ــزم ــن َع ــك ــوس ـاً .irreversibleوأم ــا إذا تساءلنا نيوتوني اً :مل ــاذا عندما نرمي حبجر يف امل ــاء، فيغوص إىل القعر بعد أن يُظ ِه ر دوائر على سطح املاء متباعدة عن مركز السقوط، ال ي ــع ــود احل ــج ــر إىل األع ــل ــى ،م ــع ــي ــداً ال ــدوائ ــر م ــن احمل ــي ــط إىل امل ــرك ــز ،ف ــإن اإلج ــاب ــة النيوتنية تأتينا بأن ذلك ليس مستحي الً ،لكنه احتمال ال معىن فيزيائي اً له .وهذا يعين أن مفهوم سهم الزمن ،املرتبط بازدياد اإلنرتوبيا يف الرتموديناميكا ،يرتبط يف امليكانيكا النيوتنية مبفهوم االحتمال .فهل أن سيالن الزمن مرتبط بغياب األحداث غري احملتملة وبظهور األحداث احملتملة فقط؟ لقد درس بولتسمان Boltzmannه ــذه ال ــف ــك ــرة ،واس ــت ــط ــاع تفسري طبيعة مسخ ن ،تكون احل رارة مسة حلركة اإلنرتوبيا مبثال بسيط :عندما يكون لدينا غاز َّ
اجتاهات جديدة يف العلم
اجلزيئات الغازية ،أي أن احل رارة هي تعبري عن الشواش اجلزيئي ،وهي طاقة ضائعة يف اجلزء األكرب منها ،مهما كان العمل املستفاد منها .أي أن هذا الشواش اجلزيئي هو اإلنرتوبيا .وعندما يربد الغاز ،أي تتوقف احلركة الشواشية للجزيئات ،تبلغ أي اإلنرتوبيا أقصاها ،إذ تصبح هذه اجلزيئات يف وضعية غري تفاعلية وال تؤدي َّ عمل .وكان كالوزيوس قد خلَّص الرتموديناميكا ك لَّ ها يف عبارة واحدة« :إن طاقة العامل ثابتة ،وإنرتوبيا العامل تنحو إىل حدِّها األقصى ».وهذا يعين أن طاقة العامل باض ط راد للشواش .chaos تتحول إىل طاقة غري فاعلة ،وأن النظام يفسح اجملال ِّ وم ــن املدهش أن ــه ،يف الوقت نفسه ال ــذي س ــادت فيه أفكار بولتسمان ،كانت نظرية التطور لدار ِون ِّ حتق ق إجنازات كبرية .ووفق هذه النظرية ،كانت اجلزيئات البسيطة تتفاعل لتشكيل الربوتينات والسالسل النووية الريبية واإلنزميات ،مث فاملتعض يات املعقدة ،وصوالً إىل الكائنات احلية العليا ،وذلك اخلاليا احلية األوىل، ِّ ع ــر منظومات بيئية متداخلة وم ــت ــوازن ــة ،وبواسطة ق ــوان ــن للتكاثر واالصطفاء والوراثة على غاية من االنتظام! فكيف نستطيع تفسري ظهور احلياة وارتقائها يف مواجهة الكون–اإلنرتوبيا؟ شك أن املنهج العلمي كان يقف ،هاهنا بالذات ،عند منعطف حاسم .فها ال َّ التعارض ،ويتن بَّ ه إىل أن وضع يتوص ل ،عرب منهجه الصارم إىل ما يشبه هو العلم َّ ُ النظريات وإثباهتا ال يكفي لفهم الظاهرة الطبيعية يف ك لِّ يتها ،وي ــدرك إدراك ـاً صرحي اً أن معرفته اليت ِّ للتغي وللتعديل. حيق قها يف إطار نظرياته معرف ةٌ قابلة ُّ لقد الحظ بريغوجني أن ما مي يِّ ز املنظومات احلية املفتوحة عن املنظومات املغلقة أبدا بسبب تدفق الطاقة فيه على شكل مواد كيميائية أو هو الوسط غري املتوازن ً غريها؛ وهلذا يـُ َع ُّد هذا الوسط وس طًا شواشي اً ،فيه تظهر املنظومات احلية وتتطور. بل إن هناك أمثلة كثرية على نشوء انتظامات آنية يف وس ــط شواشي ،كما يف جتارب بينار Bénardأو جابوتنسكي–بلوسوف وغريهم .ويوافق بريغوجني هنا على أن احلياة والالحياة يظه ران يف وضعيات عدم التوازن .وهكذا ،على عكس
16
اجتاهات جديدة يف العلم
17
توص ف نشوء ترموديناميكا القرن التاسع عشر ،اكتشف بريغوجني ترموديناميكا ِّ الب ىن املنتظمة واملعقدة يف الوسط الشواشي غري املتوازن؛ وقد د ِ ت برتموديناميكا ي ع ُ َ ْ ُ التدومية .ودعا بريغوجني األشكال اليت تظهر يف وسط غري متوازن املنظومات ُّ بـ»البُ ىن املبدِّدة» :structures dissipativesذلك أنه عليها ،لكي حتافظ على شكلها ،أن تبدِّد دائم اً الطاقة ،أي أن تزيد من اإلنرتوبيا ،حىت ال ت رتاكم ه ــذه األخ ــرة فيها .ويتطلب ذل ــك احلصول على الطاقة باستم رار .وبالتايل فإن ميران عرب املنظومة املبدِّدة املفتوحة ليحفظا هلا توازهنا وانتظامها، املادة والطاقة ّ يف حني تُس ِه م املنظومة يف طرح اإلنرتوبيا وزيادهتا. وي ــرى بريغوجني أن احلقيقة متعدِّدة األب ــع ــاد ،وال يصح النظر إليها من منظور واح ــد .وهكذا ف ــإن الشكل امليكانيكي يكون صحيح اً ضمن مستوى معني، ويبقى تطبيق قوانني نيوتن سليم اً فيه ،إمنا مع حدود معينة ال ميكن جتاوزها. ويق لِّ ل ذلك كث رياً من أمهية املفاهيم املطلقة اليت سادت منذ نيوتن .ويف املقابل تعطي املنظومات املبدِّدة باستم رار سويات أعلى فأعلى من التعقيد هلا قوانينها اخلاصة ،املستقلة واملتداخلة ،يف ٍ آن واحد مع املستويات األخرى .وعلى عكس أي من هذه املستويات أساسي اً، منظور النسبية أو الكوانتية ،ال ميكن اعتبار ٍّ وميكن ترتيب السويات األخرى وتصنيفها وفهمها اعتماداً عليه فقط. شك إىل التساؤل حول جوهر النظرية العلمية« :إذا وقاد ذلك بريغوجني دون ٍّ كان الكون ليس مبني اً من األدىن إىل األعلى ،أو من اليسار إىل اليمني ،بل هو نسيج ك لِّ ي من السويات والقوانني املتداخلة ،فأين نقف منه ك راصدين فاعلني؟» الع كوس اً. وجييب بريغوجني بأن الكائنات احلية – ومنها البشر – تعيش وجوداً َ هم نا الزمين ي تَّجه حنو امل ــوت دائم اً .لقد ساهم تطور البنية املبدِّدة – اليت فس ُ َ ندعوها «وعي اً» – بإضافة سوية جديدة من احلقيقة الواقعية ،وبالتايل قانون اً طبيعي اً جديداً إىل التاريخ الكوين .ويتعلق هذا القانون اجلديد مبوقف ال راصد يف تقدير االختالف بني املاضي واملستقبل .واحلق أن ما مي يِّ زنا هو إدراكنا هذا لسهم
اجتاهات جديدة يف العلم
الزمن. *** ي ــذه ــب ف ــري ــق م ــن ال ــع ــل ــم ــاء إىل أب ــع ــد م ــن ذل ــك يف ط ــرح ب ــري ــغ ــوج ــن للمنظومات امل ــب ــدِّدة .فهذه املنظومات كما ي ــرى ف ر ِ انش ْس كو فاريال ،F. Varelaتستمد استقالليتها من ارتباطها نفسه باحمليط الشواشي الذي تنشأ منه .وينطبق ذلك على أن ــواع اململكة احليوانية والنباتية ك ــاف ــة ،كما وعلى املنظومات األعقد، وصوالً إىل التجمعات البشرية .وهكذا تكون املنظومة مغلقة من جهة بانتظامها وباستقالليتها ،ومفتوحة يف الوقت نفسه بتفاعُ لها املستمر مع بيئتها .وأضاف إىل ذل ــك إري ــك ي ــان ــت ــش E. Jantschبُــع ــداً ج ــدي ــداً :ف ــه ــو ي ــرى أن ال ــبُ ــى ذات ــي ــة االنتظام حتافظ على شكل صريورهتا بإقامة ت ــوازن ثابت حلاجتها لالحنفاظ من التغ ريات ،مع حاجتها للبقاء مفتوحة عليها .فعند اإلنسان ،مث الً يكون دوران الدم أو العمليات الكيميائية يف اجلهاز اهلضمي مغلقني أمام التغ ريات أو الدفوق اخلارجية ،وحتاول هاتان املنظومتان التخ لُّ ص من أية مادة غريبة تدخل يف دورهتا. أم ــا املنظومات العليا يف اجلسم اإلن ــس ــاين ،كالدماغ فهي أكثر عرضة للدفوق الدينامي .لكن الدماغ مفتوح اخلارجية ،وهي حتاول أيض اً احلفاظ على توازهنا ِّ عرب احل ــواس انفتاح اً كب رياً على العامل اخلارجي :إن بضعة أفكار ميكن أن تولد دفوق اً خارجية كبرية (كاآلمال أو اإلحباطات أو امل ــخ ــاوف) ،قبل التخلص من هذه األفكار .وبالعكس ميكن لفكرة إبداعية جديدة ِ توم ض يف حلظة بسبب مؤثر خ ــارج ــي ،أال تُــط ـَـرح من املنظومة الدماغية حبيث تعمل على تغيري بنية الفكر نفسها ،وتعطي رؤيا حدسية جديدة متام اً. إن الدماغ يعطينا فرص اً مم يَّ زة لالستقالل واحلرية .فنحن غري حمدودين مث الً بالعيش وفق منط اجتماعي واح ــد كالنمل .والدماغ ال ــذي يسمح لنا هبذه االستقاللية الفردية واالجتماعية مفتوح مع ذل ــك على ال ــدف ــوق اخلارجية ،وه ــو بالتايل غري انفتاح مستقر .وهكذا يكتشف يانتش أنه كلما ازدادت االستقاللية ،قابل ذلك ٌ
18
اجتاهات جديدة يف العلم
19
أكرب على اخلارج ،األمر الذي يوسع ويه يِّ ئ طُ ُرق التواصل بني ما هو يف الداخل وما هو يف اخلارج من البنية نفسها. ويف املقابل فنحن كمنظومات حية ،ال نعيش منفصلني ومستقلني إال بتفاعلنا وتواح ده معنا :حنن نعرف مث الً أن الكثري مع اخلارج ،بل وبدخول هذا اخلارج إلينا ُ من أن ــواع البكترييا الصديقة يدخل أجسامنا ويعيش فيها ،أي أننا يف النهاية حد بعيد ،وحنن متطورون ومتغريون مع صريورة منظومات متداخلة مع بيئتنا إىل ٍّ التغري املستمرة. ترى أليست تلك النتائج الصرحية للعلم دعوًة واضحة للعلم نفسه إىل االنطالق يف مناهج واجتاهات جديدة ،موازية لألنساق الطبيعية يف تنوعها وانتظاماهتا، حبيث تكون النظريات العلمية أقدر على االنفتاح وعلى تشكيل بُناها املنطقية كتفاعل مباشر مع الكون؟ لعل نظريات االنتظام الذايت ،auto-organizationاليت سنع ِرض هلا الحق اً، تقدِّم لنا مثاالً هام اً على هذا التصور .لكن لِنر أوالً إىل جوانب أخرى من صريورة املنهج العلمي يف مواجهة نفسه وجت ــدُّده عرب ما يطرحه على نفسه من أسئلة. إن الوعي ميثل بذلك م ــرآة حقيقية ينعكس فيها املعىن اآلين والك لِّ ي للحركة الطبيعية عرب مناذج نظرية ليست هنائية إمنا ٍّ تشك ل بشكل موا ٍز ،مرحل ةً أساسية يف بناء الوعي نفسه. إن أحد األسئلة الكربى املطروحة على العلماء يتع لَّ ق مبعرفة الطريقة اليت تبلغ يوج ه مث الً بنية جنينية إىل هبا األشياء أشكاهلا احملددة وحتافظ عليها .فما الذي ِّ شكلها الناضج بعد فرتة؟ وكيف ينشأ التمايز؟ وكيف نع لِّ ل انتقال املعلومات يؤم ن االرتقاء املتوازي للحياة؟ اخلاصة بالتطور الشكالين عرب أمكنة متباعدة ،مما ِّ يطرح ِش لدريك فرضية وجود حالة وسطى بني الـ DNAوصريورة ُّ املتعض ية تشك ل ِّ :organismوه ــي ع ــب ــارة ع ــن جمموعة معقدة م ــن احل ــق ــول اخلفية ال ــي حتكم كافة م راحل التكون الشكالين واألشكال النهائية لألشياء ،مبا فيها سلوكها،
اجتاهات جديدة يف العلم
ورمب ــا نستطيع القول أيض اً وعيها .ويدعو ِش لدريك هذه احلقول باملورفوجينية ،morphogenetic fieldsوي ــس ــم ــي ف ــرض ــي ــت ــه ه ــذه ب ــ»ال ــع ـلَّ ــة امل ــش ـ ِّـك ــل ــة» .Causative Formation َّ تتشك ل حد مدهش مع احلقول اهلندسية اليت إن رؤيا ِش لدريك هذه تتقارب إىل ٍّ املادة وفق اً هلا يف النسبية العامة ،إهنا حقول تعطي الكون ك لَّ ه شكله وحركته، َّ تتشك ل بواسطة األشياء اليت ِّ تشك لها وليس أمناط احلياة فيه فقط .وهي يف املقابل حتول كينوناهتا. هي أوالً .وهكذا فإن احلقول املورفوجينية عرضة للتحول دائم اً مع ُّ ت ــرى ،هل نبالغ إذا ق ــارنَّــا أيض اً ه ــذه احلقول بالالوعي اجلمعي Collective نوس ع Unconsciousال ــذي حتدث عنه ك ــارل يونغ C.G. Jung؟ مل ــاذا ال ِّ ه ــذا ال ــاوع ــي إىل الوع ــي ك ــوين ،وإىل «ع ـلَّ ــة ِّ مشك لة» حبسب تعبري ِش ــل ــدري ــك، ونأنس فيه إىل «النماذج البدئية» Archetypesاليت َّ تشك ل الكون ك لُّ ه وف ًق ا واع لس ٍْب أعمق لصلتنا مع الطبيعة ولعمل ٍ هلا؟! ألن يكون ذلك مشروع اً أصي الً َ بالتايل على الذات ،من أجل املشاركة يف الصريورة الكونية؟ يتبادر إىل ذهننا ف ــوراً ،وحن ــن ن ــط ــرح ه ــذه ال ــف ــك ــرة ،م ــا اق ــرح ــه ك ــارل ب ــري ـرام C. Pribramحول هولوغ رافية الدماغ .لقد حاول هذا ِ العال تطبيق نظرية بوهم يف ك لِّ ية املنظومات على الدماغ ،حبيث تكون مثة بنية ك لِّ ية هلذا األخ ــر حتكم كل وظيفة وظائفه ومناطق ُّ ختص صه ،وتكون قادرة يف الوقت نفسه ،على مت ثُّل ِّ منها ،وإن تعرضت منطقتها الفسيولوجية للعطب .وبذلك إمنا ي ِ دخ لنا بري ربام إىل ْ ُ منظور جديد لعمليات الوعي ،حبيث ال يكون الدماغ جمموعة وظائف متمركزة يف منطقة حم ــددة ،بل ك ــلٌّ ينعكس وظيفي اً عرب إمكانات فسيولوجية عديدة. وعلى الرغم من أن هذه الفرضية ،كسابقاهتا املتعلقة باحلقول ،مل ختضع لربهان حاسم لكنها من منظور تأثريها يف الصريورة املنهجية للعلم، لعبت دوراً كب رياً ْ يف تعديل رؤيتنا إىل العلوم عموم اً ،وإىل البيولوجيا ،خصوص اً. ***
20
اجتاهات جديدة يف العلم
21
لقد خضعت النظريات البيولوجية فرتة طويلة لتأثري النظرة امليكانيكية ،وكانت نظرية دار ِون متثل ذروة ه ــذه النظرة .فوفق ه ــذه النظرية ،حنن نقف على قمة ٍ ـوري ،ب ــدءاً م ــن اخللية األول ــي ــة ،م ــروراً باملمالك احلية ك ــاف ــةِ . وع ـ ْـر هذه ه ــرم ت ــط ـ ٍّ ال رتاتبية ،تلعب مفاهيم االصطفاء وال ــص ـراع دوراً أس ــاس ــي ـاً .لكن ه ــذه النظرية طرحت إشكاليات كثرية ،رغم ثبات مبادئها األساسية .فعملية االصطفاء تقوم ْ على خصائص قدرة الكائن على التأق لُ م؛ وقدرة الكائن على التطور قد جتعله مرتب طًا ببيئته .وحنن ال نستطيع أن نفهم اليوم ما يعين «البقاء لألفضل» بعزل النوع عن بيئته .ويف املقابل فإن علم املستحاثات يطرح تساؤالت كثرية حول اختفاء «فجائي» لألنواع املتأقلمة مع بيئتها ،وظهور غريها دون سابق إنذار. احلي باحلدِّ ،قدر اإلمكان، برزت وهلذا فقد ْ ٌ استدالالت حتاول تفسري تطور العامل ِّ من اللجوء إىل مفهوم صعب كالقيمة االصطفائية .فهي ال تنكر وجود ضغوط انتقائية ،لكنها ال متثل امل ِ عام الت الرئيسية يف صريورة بناء املنظومات احلية يف شكلها الك لِّ ي .كذلك ُ طرح يانتش نظريته يف التطور املتوازي والك لِّ ي ،حيث ال يفقد االصطفاء أو الص راع من أجل البقاء دوريهما ،إمنا ال يكونان الدافعني الرئيسيني يف تطور أن ــواع احلياة اجلديدة .وهو يرتكز يف نظريته على أن تطور الص غَ ري يعكس تطوراً على املستوى ال ـ ِ ـك ـ َـري ،وبالعكس فإن البُ ىن يف التطور ِّ املنظومات ِ مع ا ككل .ويرى يانتش مع بريغوجني ،أن تتطور رية غ والص ية ب الك ِّ َ َ ً صريورة التطور هذه ال تتم بشكل حمدود وآيل ،بل هي أشبه باللوحة اإلبداعية تكش فات جديدة باستم رار .ويرى بريغوجني أنه يف اليت يستمر العمل فيها مع ُّ حلظة الاليقني ،حيث يؤدي التفرع اجلديد إىل والدة بُىن مبدِّدة جديدة ،يولد مبدأ اليقني على املستوى ِ الك َبي يكافئ مبدأ اليقني هايزنربغ .فالكائن يعيش إذن يف ك ـ ٍّـل غري حم ــدود ،والكون يفلت من ك ـ ِّـل تفسري هنائي ،متام اً كما هي احلال ـورث ــي ال ــذي بالنسبة لكانتاتا لباخ أو قصيدة لبليك .وه ــك ــذا ف ــإن الربنامج امل ـ ِّ يعكس قانون تطور املنظومات احلية ،يصبح أقل تقييداً ،حبيث ال ُي لي جوانب
اجتاهات جديدة يف العلم
للمتعض ية إمكانات خيار خاصة. السلوك املختلفة إمالءً آلي اً ،وإمنا يرتك ِّ ف ــاحل ـ ُّـل ال ــب ــدي ــل إذن ع ــن االص ــط ــف ــاء يكمن ببساطة يف ال ــت ــن ــوع .وه ــك ــذا ت ــب ــدو لنا كل ِّ املورثات وكأهنا ترفض الدخول يف مناذج آلية شديدة التبسيط – كأ ْن تكون ُّ مورثة مسؤولة عن مهمة حم ــددة ،حبيث يكون الكائن وتطوره مقيدين بإرثهما ِّ كتحد على مواجهة وقائع وظروف معينة، أيض ا ،ال يتبدَّى التطور ٍّ منها .وهكذا ً بل كقدرة على التجدد .ويكون ذلك جمديًا مبقدار ما تكون إمكانات التحول املورثات متنوعة. والتكيف مع الوسط املتغري كبرية ،أي مبقدار ما تكون ُّ جتم عية ِّ *** يقودنا احل ــدي ــث ع ــن التنوع مباشرة إىل نظريات االن ــت ــظ ــام ال ــذايت – ه ــذا االجت ــاه اجلديد الذي بدأ العلم يسرب إمكاناته يف غضون العقد األخري ،وهو يعي متام اً إىل ويغي مفاهيمه ومناهجه. أي ٍّ حد ميكن أن يؤثر عليه ِّ ِّ يرى ف ر ِ حد ذاته ،بل هو عملية انش ْس كو فاريال أن االنتظام الذايت ليس ظاهرة يف ِّ ـف املنظومات بعامة ،أال وهو انتقالية تنجم ع ــن ش ــيء أكثر جوهرية مي يِّ ز ص ـ َّ ٍ وتعرفها .وتكمن هذه اآللية اآللية اليت حت ــدِّد هذه املنظومات كصفوف وأن ـ ٍ ـواع ِّ فيما ميكن أن ندعوه بـ»ذاتية» املنظومة اليت ترتبط بالقدرة على تعريف منظومة بواسطة تناغمها الداخلي ال ــذي يعطيها هويتها وتاريخ العالقات فيها .وهذا التناغم الداخلي ميكن أن ندعوه بـ»السياج الوظيفي» .وهكذا يكمن الفارق بني تفاعل املنظومات فيما بينها وفق اً للمنظور القدمي وبني تفاعلها وفق منظور االنتظام الذايت يف أن التفاعل القدمي كان يتم فقط عرب نقل املعلومات نق الً آلي اً، مهما ب ــدا ذل ــك غني اً ،يف حني أن ــه يتم ،وفق اً للمنظور اجلديد ،عرب التفاعل أو سم ى بـ»الت زاوج باألسيجة». الت زاوج بالتناغم ما بني املنظومات – وهو ما يُ َّ فإذا أخذنا منظومة ذاتية االنتظام ،ميكننا التساؤل :هل إن سلوك هذه املنظومة لتشوش يف أحد م ِ عام الهتا مبقدار طفيف؟ إن اجلواب سيبقى هو نفسه إذا تعرضت ُّ ْ ُ شديد التعقيد ،ألن جمموعة التفرعات الناشئة ستكون غنية جدًّا ،وهي يف كثري
22
اجتاهات جديدة يف العلم
23
ص ر وفق اً لطريقتنا القدمية يف دراسة تطور أية منظومة. من األحيان ال ميكن أن ُت َ فنحن هنا إذن أم ــام شكل جديد ،خمتلف متام اً ،من فهم عاملنا ووج ــودن ــا فيه. بل ميكن لبعض هذه التفرعات أن تتخذ أدواراً الهنائية حبيث ال تتكرر ،وتصبح مماثلة متام اً للضجيج أو للشواش .وهذا يعين أن منظومة ذات واح ــدات ذاتية، دينامي بسيط جداً ،ميكن أن تصبح بسهولة معقدة حمدَّدة متام اً بسياج أو بتناغم ٍّ كل سلوك منتظم ذاتي اً يولد جداً – «التعقيد» مبعىن الغىن والتنوع .وهذا يعين أن َّ من تناغم داخلي ملنظومة مغلقة عملياتي اً .وهكذا تبدو املنظومة الذاتية عائمة على الشواش :فهي تتغذى عليه وهتضمه إلنتاج النظام. ميكننا أن نأخذ تطور الكائنات احلية كمثال :فالت زاوج باملعلومات فقط يكافئ املوج ه األول الذي املورثية النامجة عن االحتكاك بهِّ ، اعتبار احمليط ،والتغ ريات ِّ يسمح بفهم دينام يَّ ة التحوالت من جيل إىل جيل ،األمر الذي يُظ ِه رها كصفوف منتظمة ،حيث يكون االصطفاء الطبيعي منوذج اً خوارزمي اً أمثلي اً هلذه العملية. أما «امل زاوجة باألسيجة» – أي بالتناغم الداخلي – فتكافئ اعتبار أن خمتلف املوج ه الذي يسمح بفهم التحوالت أمناط التجانس الداخلي جملموعة حيوانية هي ِّ املورثية ل ــدى أنساهلا .وي ــؤدي ه ــذا إىل ظهور التنوع اهلائل يف الطبيعة – على ِّ تفس ر تنوع األحياء حبق. العكس متام اً من أمثلية االصطفاء الطبيعي ،اليت ال ِّ إن فكرة «االصطفاء الطبيعي» هتيمن على العلم منذ أكثر من نصف قرن .ومع ذلك فإن علوم االنتظام الذايت تطرح رؤيا جديدة عوض اً عنها :فالتأقلم الطبيعي، ـاك زعان َف ها مث الً جيب أال يُنسينا اجلانب األه ــم من ناحية ـب األمس ـ َ ـس ـ َ ال ــذي أك ـ َ املتعض ية ومن ـ َّـوه ــا .فالواحدة ال تعمل كمجموعة من الصفات بل فسيولوجيا ِّ فه م انطالق اً ٍّ ككل متجانس .إن موضع عضو يف جنني غري متمايز ال ميكن أن يُ َ م ــن تقدير م ــا س ــي ــؤول إل ــي ــه مستقب الً ،ب ــل جي ــب فهمه على ال ــع ــك ــس ،كنتيجة لالستقاللية املتبادلة والتعريف امل ــت ــب ــادل داخ ــل ــي ـاً ل ــك ـ ِّـل م ــا ي ــوج ــد يف ك ـ ِّـل نقطة املتعض ية .ويشبه ذلك كث رياً رؤية ِش لدريك لظهور األشكال واألمناط من نقاط ِّ
اجتاهات جديدة يف العلم
ِ شريالش ر Scheirlacherأن األشكال املعقدة وانتقاهلا .وعلى هذا األساس يرى النمو البنائي الذي واجلميلة للقواقع مث الًَّ ، تفس ر كنتائج متبدِّلة لنمط ثابت من ِّ يعتمد مبدأ «اجلهد األقل» ،وأن هذا التنوع يف األشكال املختلفة ال يتعلق ،ال من قريب وال من بعيد ،مبا يُدعى االصطفاء أو حىت التأقلم مع الطبيعة. عام لنا مع وميكن تلخيص آلية االنتظام الذايت ،اليت تطرح فهم اً جديداً ملنهجية تَ ُ الطبيعة ووعينا هلا ،كما يلي :االنتظام الذايت هو سلوك مم يِّ ز للواحدات الذاتية. وميكن وصف «واح ــدة ذاتية» باملرور من وجهة نظر الت زاوج بالتناغم الداخلي الذي يظهر ِ كج دَّة غري متوقعة وكتأكيد للذاتية – وباختصار كسلوك لواحدة ذاتية االنتظام. *** شك أن ذلك يتجاوز جمال البيولوجيا .وهذا يعين املورثي يأيت من التنوع .وال َّ إن الغىن ِّ أن «االع رتاف باآلخر» أمر على غاية من األمهية بالنسبة لنا ،ليس من باب أخالقي أو بسبب كرم فجائي ،بل ألن املعرفة العلمية اليوم تع لِّ منا هذا الدرس يف أهبى صوره .فأية تفردنا وأصالتنا؟! تلكم هدية أحلى ميكن للعلم أن يقدِّمها لنا أكثر من كونه ِّ يعزز ُّ ليست دعوة إللغاء التعارضات أو للرضوخ هلا ،بل لتحويلها إىل تناغمات داخلية احلل األصيل والوحيد الذي ميكن أن على مستويات حياتنا كافة .وقد يكون ذلك هو ُّ ن و ِاج ه به ما نلحظه اليوم من تقييم للثقافات وطرح ثقافة وحيدة كضرورة لالستم رار والبقاء. احلل املاثل أمامنا يف احلفاظ على التنوع يأتينا من العلم ومن املفيد أن ننتبه إىل أن هذا َّ معين هبذا حص راً ،ومن الثقافة الغ ربية حتديداً .ومن املهم أن نشري أيض اً إىل أن العلم ٌّ بدأت ِّ احلل قبل أية منظومة أخرى .وحنن نالحظ منذ اآلن أن صريورة املنهج العلمي ْ تتخذ هذا االجت ــاه اجلديد ،حيث التنوع العلمي تعبري عن ص ــرورة التنوع الطبيعي. وميكننا القول أخ رياً إن هذا العلم اجلديد القادم يعلن بثقة وجب ـرأة أن أية منظومة معرفية ليست هنائية ،بوصفها منظومة مؤثِّرة ومتأثِّرة بصريورة التطور الطبيعي.
24
ماذا قدمت النساء للعلم؟؟
قدمت ال ّنساء للعلم؟ ماذا ّ
احللقة الثالثة
عاملة الفلك :عاملة الرياضيات واحلوسبة آدا لوفاليس اجلنسية :بريطانية. التخصص :علم الرياضيات واحلاسوبعندما نتح ّدث يف العادة عن علم احلاسوب ،ندرس اخلوارزميّ ات ونظم التّ حليل والتطور التّ كنولوجي الذي ط رأ ياضي ،أو ُرّب ا ندرس تاريخ هندسة احلاسوب ّ ّ الر ّ على اآلل ــة ال ــي غ ـ ّـرت حياتنا ،غالبً ا م ــا نسمع ع ــن أمس ــاء عظماء كـجان فون نيومان ،أالن تورين ،كون راد زوس ،وغريهم. قليل منّ ا يع ِرف عن ُم سامهات من تُعتربُ فعل يًّ ا ّأول مربجمة يف تاريخ احلاسوب: ولكن ٌ الش هرة آدا لولفاليس الكونتيسة أوجستا آدا بايرون ،أو كما تُعرف حال يًّ ا بإسم ّ ( .)Ada Lovelaceآدا كانت عاملة رياضيّ ات إجنليزيّة عاشت يف القرن التّ اسع عشر ،وتعاونت م ــع مهندسني أم ــث ــال تشارلز بابيج على تصميم آل ــة حسابيّ ة نسخ من كتابات آدا ّأن ــا سامهت يف كتابة ّأول خوارزميّ ة ميكانيكيّ ة. تظهر ٌ ُ باحملرك التّ حليلي، عر ُ ف اآلن ّ (حاولت حساب أعداد برينويل) هبدف معاجلتها يف ما يُ َ وهو اآللة احلسابيّ ة امليكانيكيّ ة اليت طُ ّورت على يد بابيج.
25
24
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
Ziad قد يتأخر اكتشاف بعض األفكار يف فرع علمي ما لطبيعتها الدقيقة واملعقدة أو الصعبة .ولكن مفهوم االنتخاب الطبيعي ليس بإحدى تلك احلاالت .فمع أنه ظهر متأخ راً مقارنة بأفكار ثورية علمية أخرى -طرحت من قبل « دارون « و « واالس « يف عام ، 1858وتالها إصدار « داروين « كتابه أصل األنواع يف عام – 1859فإن فكرة االنتخاب الطبيعي هي البساطة بعينها .وتتمكن بعض الكائنات من االزده ــار يف ظ ــروف معينة أكثر من غريها وتنجب نسال أكثر ، فتصبح أكثر شيوعا مع مرور الزمن ؛ أي أن البيئة « تنتخب « من الكائنات تلك األكثر تالؤما مع الشروط احمليطة احلالية وعند تغري الشروط البيئية ستسيطر مكاهنا تلك الكائنات اليت تصادف أن امتلكت خواص أكثر مواءمة مع الشروط املستجدة .فاجلانب ال ــث ــوري يف الداروينية ال يتمثل يف ادع ــاءات ملغزة حول البيولوجيا ،وإمنا يف إحيائها بإمكانية كون املنطق املؤسس للطبيعة مدهشا يف بساطته . عانت نظرية االنتخاب الطبيعي ،على الرغم من بساطتها ،تارخيا طويال حافال بالصعوبات .فبعكس طرح « داروين « حول تطور األنواع الذي لقي قبوال سريعا من البيولوجيني ،فإن معظمهم مل يقبل ما طرحه حول أن االنتخاب الطبيعي هو احملرك ملعظم هذا التغري؛ وحىت أنه مل يتم عموما اعتماد مبدأ االنتخاب الطبيعي كقوة رئيسية للتطور فعليا إال بعد مضي عقود يف القرن العشرين .
26
ويتبوأ مبدأ االنتخاب الطبيعي حاليا موقعا آمنا نتيجة لعقود من البحث التجرييب التفصيلي ،علما أن فصول التمحيص يف االنتخاب الطبيعي مل تستكمل البتة حىت اآلن .وال ــواق ــع هو أن تطوير تقنيات جتريبية جديدة جزئيا والعمل على
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
التحليل التجرييب الدقيق لآلليات اجلينة املؤسسة لالنتخاب الطبيعي ،أكسبا مساعي دراسة االنتخاب الطبيعي يف البيولوجيا حيوية فاقت ما كانت عليه قبل عقدين من الزمن .وقد متحور الكثري من األحباث التجريبية احلديثة هذه حول أهداف ثالثة :حتديد مدى شيوع االنتخاب الطبيعي ،وحتديد التغ ريات اجلينية الدقيقة النامجة عن االنتخاب الطبيعي واملولدة للتكيّ ف ،مث تقدير مدى إسهام االنتخاب الطبيعي يف إشكالية أساسية يف البيولوجيا التطورية تتمثل يف منشأ األنواع اجلديدة .
االنتخاب الطبيعي :فك رته
تعد االستعانة بالكائنات ذات دورة احلياة القصرية اليت تسمح بتتبع عدة أجيال منها ،الطريقة املثلى لتقدير أمهية دور االنتخاب الطبيعي يف عملية التطور .فبعض أن ــواع البكت ريات تستطيع مضاعفة عددها كل نصف ساعة ،وهكذا لنتصور جمموعة من البكت ريات موزعة يف منطني جينيني بداية وبأعداد متساوية . ولنفرتض إضافة إىل ذلك أن كليهما يلتزمان بالتكاثر التايل : بكت ريات النمط األول ال تولد إال نسال من النمط األول ،و بكت ريات النمط الثاين ال تولد إال نسال من النمط الثاين .واآلن لنفرتض حدوث تغري فجائي يف البيئة : وضع مضاد حيوي يف هذه البيئة يستطيع النمط األول مقاومته ،يف حني يعجز عن ذلك النمط الثاين .يف هذه البيئة اجلديدة يكون النمط األول أكثر لياقة ؛ أي أنه أحسن تكيفا ،فهو يبقى – ومن مث يتكاثر – أكثر من النمط الثاين . والنتيجة أن النمط األول يولد نسال أكثر مما يولده النمط الثاين . وجيسد مصطلح « اللياقة « ،fitnessاملستخدم يف سياق البيولوجيا التطورية وال ــذي هو مصطلح تقين ،فكرة :أرجحية البقيا أو التكاثر يف بيئة معينة . وحصيلة عملية االنتخاب ،اليت تكررت م رات عديدة ال حصر هلا يف سياقات خمتلفة ه ــو م ــا ن ـراه يف الطبيعة :نباتات وح ــي ــوان ــات ( و بكت ريات ) الئقة fit
27
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
لبيئتها بطرق معقدة . ومبقدور علماء الوراثة التطوريني إث راء النقاش السابق من خالل إحتافنا بتفاصيل بيولوجية غنية .فنحن نعلم ،على سبيل املثال ،أن منشأ األمناط اجلينية هو طف رات يف جزيء الدنا – dnaتغ ريات عشوائية يف تسلسل النكليوتيدات ( وهو خيط متسلسل مكون من األحرف ) T,C,G,Aاملكونة « للغة « اجلينوم .وكذلك نعلم ق ــد را جيدا عن معدل تشكل طفرة مشرتكة – حت ــول يف حرف واحد يف الدنا إىل حرف آخر .فلكل نكليوتيد يف كل خلية تناسلية ،يف كل جيل ،فرصة واح ــدة يف البليون تقريبا كي يتحول إىل نكليوتيد آخر .ولكن األهم يف هذا السياق ،هو أننا على علم بعض الشيء بتأثري الطف رات يف اللياقة .فالغالبية الساحقة للطف رات العشوائية ضارة بالكائن احلي ،فهي حتط من لياقته ؛ ويقتصر املفيد منها الداعم للياقة على أقلية قليلة جدا .ومعظم هذه الطف رات سيئ للسبب نفسه الذي جيعل معظم أخطاء الطباعة يف كود احلاسوب سيئ .فاملرجح أن يؤدي أي تغري عشوائي يف منظومة حمكمة بدقة إىل خلل يف األداء وليس إىل حتسنه .
28
تنقسم فعالية التطور التكيفي adaptive evolutionإىل مرحلتني ،يتوزع فيهما العمل بشكل صارم بني حادثة الطفرة وعملية االنتخاب .وينجم عن ه ــذه الطف رات يف ك ــل جيل كائنات ج ــدي ــدة معدلة جينيا تثري اجلماعات . ويغربل االنتخاب الطبيعي الحقا هذه الطف رات :تعمل قسوة الشروط البيئية على خفض تواتر الكائنات املعدلة « السيئة « ( غري الالئقة نسبيا ) ترفع من تواتر « اجليدة « ( الالئقة نسبيا ) .وجتدر اإلشارة هنا إىل قدرة مجاعة الكائنات على مجع العديد من األف راد املعدلني جينيا يف آن واحد ،ويساعد هذا اجلمع على التصدي للمتغ ريات البيئية عندما تنشأ .فقد تكون اجلينة اليت أنقذت بكت ريات
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
النمط األول من تأثري املضاد احليوي بال فاعلية – أو حىت ذات أثر ضار قليال – يف ظروف البيئة اخلالية من املضاد احليوي ،ولكن توافرها يف النمط األول مكن البكت ريات من البقيا عندما تغريت الظروف . لقد أض ــاء علماء ال ــوراث ــة املختصون باجلماعات جوانب من عملية االنتخاب الطبيعي أيضا عرب اللجوء إىل وصف رياضيايت هلا .وبينوا ،على سبيل املثال ، وجود تناسب طردي بني درجة لياقة منط ما يف مجاعة من جهة ،وسرعة تنامي ت ــوات ــره م ــن جهة أخ ــرى .وق ــد أمكن بالفعل حساب م ــدى سرعة ح ــدوث هذه الزيادة .واكتشف علماء الوراثة املختصون باجلماعات احلقيقة املدهشة بأن لالنتخاب الطبيعي قوة « إبصار» من الصعب تصورها ،تستطيع متييز تباين مدهش يف الصغر يف مستوى لياقة األمناط اجلينية .ففي مجاعة مكونة من مليون فرد ،مبقدور االنتخاب الطبيعي أن يعمل من خالل تباين صفري يف مستوى لياقة األف راد يصل إىل واحد يف املليون . ومث ــة مس ــة مميزة ملنطق االنتخاب الطبيعي وه ــي أن ــه يبدو صحيحا م ــن أج ــل أي مستوى من مستويات الكينونة entityاحليوية ،من اجلينة إىل النوع .وقد أخذ البيولوجيون يف االعتبار ،منذ « داروين « بالطبع ،تباين اللياقة بني أف راد الكائنات ،ولكن ميكن لالنتخاب الطبيعي من حيث املبدأ ،التأثري يف بقيا survivalأو تكاثر كائنات أخرى . وعلى سبيل املثال ،ميكننا أن نفسر أن :أنواع الكائنات ذات االنتشار اجلغ رايف الواسع هلا – كنوع – فرصة أكرب للبقيا من األنواع األخرى ذات االنتشار اجلغ رايف احملدود .فاألنواع األوىل املنتشرة ستتحمل ،يف النهاية زوال بعض اجلماعات احمللية أكثر مما ستتحمله األنواع احملصورة جغ رافيا .وبذلك قد يتنبأ منطق االنتخاب الطبيعي بزيادة نسبية مع مرور الوقت يف األنواع ذات االنتشار اجلغ رايف الواسع .
29
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
وعلى ال ــرغ ــم م ــن صحة ه ــذه احلجة شكليا – و التطوريون يشتبهون فعال يف حدوث انتخاب مستويات أعلى بني احلني واآلخر فإننا جند معظم البيولوجيني متفقني على ك ــون االن ــت ــخ ــاب الطبيعي حيصل اعتياديا يف مستوى الكائنات الفردية أو األمناط اجلينية .ويعود ذلك إىل أن مدة حياة الكائنات أقصر كث ريا من مدة حياة األنواع .فاالنتخاب الطبيعي يف مستوى الكائنات هو الغالب يف مستوى األنواع .
ما مدى شيوع االنتخاب الطبيعي ؟
إن أح ــد أب ــس ــط األس ــئ ــل ــة ال ــي ميكن أن يطرحها البيولوجيون ح ــول االنتخاب الطبيعي هو أيضا – وهذا مفاجئ – أكثرها صعوبة من حيث اإلجابة عنها : ما مدى مسؤولية االنتخاب الطبيعي يف إحداث تغ ريات يف التكوين اجليين العام جلماعة ما ؟ إن أحدا ال يشك جديا يف أن االنتخاب الطبيعي هو احملرك لعميلة تطور معظم السمات الفيزيائية يف الكائنات احلية – اذ ال يوجد تفسري آخر معقول للسمات الواسعة االنتشار ،كاملنقار والعضلة ذات ال رأسني والدماغ .ولكن هناك شك جدي حول أمهية الدور الذي يؤديه االنتخاب الطبيعي يف توجيه التغري على املستوى اجلزيئي .ما هي إذن نسبة التغ ريات التطورية يف الدنا اليت منشؤها مفعول االنتخاب الطبيعي عرب ماليني السنني ،مقارنة بالتغ ريات اليت تعود إىل مفعول بعض العمليات األخرى ؟
اف رتاض مجهور علماء احلياة ،حىت أعوام الستينات من القرن املاضي أن اإلجابة عن هذا السؤال تتمثل يف « مجيع التغ ريات تقريبا « إال أن جمموعة من علماء الوراثة املختصني باجلماعات ي رأسها الباحث الياباين «كيمورا « حتدث بقوة هذه الفرضية .فقد جادل «كيمورا» بأن معظم التطور اجلزيئي ال حيركه عادة
30
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
انتخاب طبيعي « إجيايب « حيث ترفع البيئة من خالله تواتر األمناط املفيدة اليت كانت نادرة يف البدء .واألحرى – كما قال – أن معظم الطف رات اجلينية اليت تدوم وتبلغ توات را مرتفعا يف اجلماعات هي حمايدة انتخابيا وليس هلا أثر يذكر يف اللياقة بطريقة أو أخرى . وتستمر بالطبع الطف رات الضارة بالظهور مبعدل مرتفع ،إال أهن ــا ال تستطيع أبدا بلوغ تواتر مرتفع يف مجاعة ما ؛ أي إهنا مسلك تطوري مسدود ,وملا كانت الطف رات احملايدة عمليا « غري مرئية « يف البيئة األنية ،فإن مبقدورها أن تتسلل هبدوء إىل اجلماعة ،ومع مرور الزمن تعدل تركيب اجلماعة اجليين تعديال رئيسيا .وقد أطلق على هذه العملية تسمية « االجن راف اجليين العشوائي « وهو جوهر نظرية احلياد يف التطور اجلزيئي . ومع ولوج الثمانينات من القرن املاضي ،تبىن معظم علماء الوراثة التطوريني نظرية احلياد ،إال أن معظم البيانات الساندة هل ــذا التوجه ك ــان غري مباشر ، إذ غابت االختبارات احلرجة املباشرة .وساعد تطور مسعيني على إصالح هذه املشكلة : املسعى األول هو تصميم علماء الوراثة املختصني باجلماعات اختبارات إحصائية بسيطة لتمييز التغ ريات احليادية يف اجلينوم من تلك ذات الطبيعة التكيفية . واملسعى ال ــث ــاين ه ــو تصميم تقانات ج ــدي ــدة لتحليل تسلسل ال ــدن ــا أو اجلينوم الكلي للعيد من األنواع ،مما وافر مدا كب ريا من البيانات أتاح تطبيق االختبارات اإلحصائية نفسها عليها . وقد أوضحت تلك البيانات اجلديدة أن نظرية احلياد قد خبست االنتخاب الطبيعي أمهيته .يف إحدى هذه الد راسات عمل فريق ،ي رأسه كل من « بيكان « و «
31
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
النكلي « ( ومها يف جامعة كاليفورنيا – ديفيس ) ،على مقارنة تسلسل دنا نوعني من ذبابة الفاكهة ،تابعني جلنس الدوروسوفيال . Drosophilaفحلال حنو ستة أالف جينة يف كال النوعني ،وحددا تلك اجلينات اليت قد تشعبت بعد انفصال النوعني عن أصلهما املشرتك ,وعرب تطبيق اختبار إحصائي ،قد را أنه ميكن استبعاد التطور احليادي يف %19على األقل من هذه اجلينات ؛ أو بعبارة أخرى :إن االنتخاب الطبيعي يدفع التشعب التطوري يف ُخ س جمموعة اجلينات املدروسة ( وألن االختبار اإلحصائي املستخدم كان حمافظا ،فإن النسبة احلقيقية قد تكون أكرب بكثري ) . وال تعين هذه النتيجة هتميش التطور احليادي ؛ إذ إن بعضا من اجلينات الـ%81 قد يكون ،يف النهاية ،تشعب بفعل عامل االجن راف اجليين ؛ بل هو يدل على أن دور االنتخاب الطبيعي يف تشعب األنواع يفوق ما مخنه معظم مؤيدي نظرية احلياد .ودفعت دراسات شبيهة بتلك معظم علماء الوراثة التطوريني إىل استنتاج مفاده أن االنتخاب الطبيعي هو العامل الشائع الذي حيرك التغري التطوري ،حىت يف مستوى تسلسل نيكلوتيدات الدنا .
الوراثة اخلاصة باالنتخاب الطبيعي :
على الرغم من ثقة البيولوجيني يف دفع االنتخاب الطبيعي للتغري التطوري ، فإننا غالبا م ــا جندهم جيهلون كيفية حديث ذل ــك ،وه ــذا يشمل ح ــى مسات بدنية عادية ( املنقار ،العضلة ذات ال رأسني ،الدماغ ) .فعلى سبيل املثال ، مل يكن معروفا – حىت تاريخ حديث – إال القليل عن التغ ريات اجلينية املؤسسة للتطور التكيفي .لقد مسح التطور اجلديد يف علم الوراثة للبيولوجيني بتحدي
32
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
هذه اإلشكالية بصورة مباشرة .وحاليا هناك حماوالت لإلجابة عن جمموعة أسئلة جوهرية حول عملية االنتخاب ؛ كاألسئلة التالية :عندما يتكيف كائن مع بيئة جديدة من خالل االنتخاب الطبيعي ،فهل يتم ذلك بسبب تغ ريات حتدث يف جينات قليلة أم كثرية .وهل ميكن حتديد هوية هذه اجلينات ؟ وهل تشارك اجلينات ذاهتا يف حاالت مستقلة من التكيف مع احمليط نفسه ؟ ليس من السهل اإلجابة عن تلك األسئلة .وتكمن الصعوبة الرئيسية يف أن زيادة اللياقة النامجة عن طفرة مفيدة قد تكون زيادة صغرية جدا ،وهو األمر الذي جيعل التغري التطوري بطئيا جدا .وتتمثل إحدى الطرق اليت جلأ إليها البيولوجيون التطوريون ملعاجلة هذه املشكلة ،ويف وضع مجاعات من الكائنات احلية السريعة التكاثر وتنميتها يف بيئات صنعية ،حيث االختالف يف اللياقة أكرب ،ومن مث فإن عملية التطور أسرع .ويساعد العملية إن كان عدد مجاعات الكائنات احلية كب ريا مبا فيه الكفاية لتحقيق سيل مستمر من الطف رات .ويف دراس ــة التطور التجرييب للميكوربات ،توضع منطيا مجاعة من الكائنات امليكروية املتماثلة جينيا يف حميط جديد عليها أن تتكيف معه .وملا كانت مجيع هذه الكائنات حتوي تسلسل الدنا ذاته يف بداية التجربة ،فإن االنتخاب الطبيعي يعمل على استثمار الطف رات اجلديدة اليت حدثت إبان التجربة فقط ويستطيع الباحث مع مرور الزمن ،تبيان كيفية تغري اللياقة يف اجلماعة من خالل قياس سرعة النكاثر يف البيئة اجلديدة . أكثر أحباث التطور التجرييب إثارة للفضول أُجنزت باستخدام الفريوسات امللتهمة للبكت ريات ،وهي فريوسات من الصغر حبيث تستطيع مخج infectالبكت ريات . وهذه الفريوسات حتوي جينومات صغرية مكافئة حلجمها ،ما يساعد البيولوجيني على إج راء تسلسل كامل جلينوماهتا يف بداية التجربة وهنايتها ،وكذلك أثناء التجربة .وهذا يسمح بتعقب كل تغري جيين « ميسك « به االنتخاب الطبيعي لينشره مع الزمن .
33
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
طبق كل من « هولدر « و « بول « ( ومها من جامعة تكساس يف أوسنت ) جتربة كالواردة أنفا باستخدام نوعني قريبني جداً من الفريوسات امللتهمة للبكت ريات ФX174 :و ، G4وكالمها خيمج بكترية معوية شائعة هي اإلشريشيا كويل . E.Coliلقد وضع الباحثان الفريوسات يف درجات ح رارة عالية غري اعتيادية ،ومسحا هلا بالتكيف مع البيئة احلارة اجلديدة ،فازدادت يف كال النوعني درجة اللياقة أثناء التجربة بشكل درامي .والحظ الباحثون يف كلتا احلالتني النمط ذاته ؛ إذا حتسنت اللياقة سريع اً يف بداية التجربة ،وتباطأت مع مرور الزمن . والالفت هو أن « هولدر « و « بول « متكنا بشكل دقيق من حتديد طف رات الدنا اليت عملت على زيادة اللياقة .
االنتخاب الطبيعي ( يف البيئات الطبيعية ) :
على الرغم مما يقدمه البحث التطوري التجرييب من رؤية جديدة ملفعول االنتخاب الطبيعي ،يبقى األسلوب املعتمد حمصورا يف استخدام الكائنات احلية البسيطة اليت تسمح بتحديد كامل تسلسل دنا اجلينوم م رات عدة .كذلك حذر بعض العاملني يف هذا اجمل ــال من أن أحب ــاث التطور التجرييب قد تضمن ضغوطا انتخابية قاسية ال توجد يف الطبيعة ،وقد تكون أقسى كث ريا من تلك اليت ت واجهها الكائنات يف بيئاهتا الطبيعية .لذلك رغبنا يف دراسة عملية االنتخاب يف كائنات حية أرقى يف ظروف أقرب إىل ظروف البيئة الطبيعة ،فكان ال بد لنا من ابتداع أسلوب مغاير للبحث يف هذه التغ ريات التطورية البالغة البطء . و لعمل ذلك ،فإن علماء التطور يلجؤون منطيا إىل مجاعات أو أن واع انفصلت عن بعضها منذ زمن ٍ كاف للعثور بسهولة على اختالفات تكيفية بينها حنتها االنتخاب الطبيعي ؛ ومن مث عملوا على دراسة هذه االختالفات جينيا .وعلى سبيل املثال ،قام كل من « شيمسكيه «( من جامعة والية ميتشكان ) و « ب رادشو « ( من
34
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
جامعة واشنطن ) بتحليل دور االنتخاب الطبيعي يف نوعني من زهرة القرد . وقد وجدا أنه على الرغم من عالقة القرىب القوية فيما بني هذين النوعني ،فإن التلقيح يتم بشكل رئيسي يف زهرة Mimulus Lewisiiبوساطة النحل الطنان bumble beesفيما ينجز بشكل رئيسي يف M.Cardinalisبوساطة الطائر الطنان hummingbirdوتبني البيانات املت وافرة من األن ـواع األخرى أن أسلوب التلقيح عرب الطيور يف اجلنس Mimulusقد تطور من تلقيح حشرة النحل . إن اختالف ل ــون الزهرة وح ــده – M. Lewisiiأزه ــار وردي ــة اللون ،يف حني أن M.Cardinalisأزهار مح راء اللون .يفسر بكشل جلي التباين يف اختيار امللقح . pollinatorوعندما جلأ كل من « شيمسيكه « و « ب رادشو « إىل هتجني النوعني ، بيّ نا أن االختالف يف لون الزه رتني يعود يف معظمه ،فيما يبدو ،إىل مفعول جينة وحيدة تسمى األصفر العلوي . YUPوبناءً على ذلك ،عمال على توليد منطني خمتلفني من اهلجائن :النمط األول الذي حيوي اجلينة YUPمن النوع ، M.Cardinalisأما ما تبقى من جينوم هذا اهلجني فهو مشتق من النوع M. Lewisiiليعطي أزهارا ب رتقالية اللون .النمط الثاين كان صورة مرآتية للهجني األول ؛ إذ حوى اجلينة YUP من النوع ، M. Lewisiiوما تبقى من اجلينوم مشتق من النوع M.Cardinalis ليعطي أزهارا وردية اللون . وعندمات مت نقل اهلجائن إىل الربية ،الحظ الباحثات أن اجلينة YUPهلا مفعول هائل يف حذب املل ّق ح .فنباتات ، M. Lewisiiعلى سبيل املثال ،اليت حتمل اجلينة YUPمن النوع M.Cardinalisجذبت إليها الطائر الطنان مبقدار 68 مرة أكثر من نباتات M. Lewisiiالصافية ؛ أما فيما خيص التج ربة املع****ة ( نباتات M.Cardinalisمع اجلينة YUPمن النوع ) M. Lewisiiفكانت النتيجة زيادة يف زيارات النحل الطنان قدرها 74مرة .فليس إذن مثة شك يف الدور ال رئيسي للجينة YUيف تطور التلقيح ال ــذي يقوم به الطائر الطنان يف النوع . M.Cardinalisويتضح من حبث « شيمسكيه « و «ب رادوشو « أن عامل
35
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
االنتخاب الطبيعي قادر أحيانا على تأسيس تكيفات عرب ما يبدو أنه تغ ريات جينية بسيطة . أصل األنواع : إن ادعاء « داروين « األكثر ج رأة فيما خيص االنتخاب الطبيعي ،يتلخص يف يفس ر كيفية نشوء األنواع ) علما أن اعتبار االنتخاب الطبيعي هو العامل الذي ّ عنوان كتابه املشهور هو :أصل األنواع ) .ولكن هل مبقدور االنتخاب الطبيعي تفسري ذلك بالفعل ؟ وما هو الدور الذي يؤديه االنتخاب الطبيعي يف عملية تكون األن ــواع speciationوتشعب ساللة معينة إىل ساللتني ؟ س ــؤاالن ما ي زاالن إىل اليوم موضوعا مهما يف أحباث البيولوجيا التطورية . كي نتوصل إىل إجابات عن هذين السؤالني /ال بد من فهم ما يقصده علماء التطور مبصطلح « النوع « .يلتزم البيولوجيون املعاصرون عموما بعكس « داروين « مبا يسمى املفهوم احليوي لألنواع ،الذي يتمثل جوهره يف عزلة األنواع فيما بينها تكاثريا :أي امتالك األنواع مسات جينية حتول دون تبادل اجلينات مع األنواع األخرى ،وبعبارة أخرى :إن مجيع األنواع املختلفة متتلك أحواض جينية genetic poolsمنفصلة . ويعتقد العلماء أنه ال بد من فصل مجاعتني من الكائنات احلية جغ رافيا كشروط لتطور العزل التكاثري .فطيور ال ــدوري finchesاليت سكنت جزرا عدة يف أرخبيل كاالبا**** واشتهرت من خالل وصف « داروين « هلا يف كتابه « أصل األن ــواع « ميكن مشاهدهتا يف يومنا ه ــذا وق ــد تشعبت ب ــص ــورة جلية إىل أن ــواع خمتلفة بعد أن انفصلت جغ رافيا .
36
وعندما ينشأ العزل التكاثري ،فقد يتخذ أشكاال عدة .فعند قيام ذكور نوع
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
معني باملغازلة ،على سبيل املثال ،قد ال تستجيب إناث من أنواع قريبة أخرى إىل هذه املغازلة ( إذا صادف أن مت اتصال جغ رايف بني النوعني ) .فإناث الف راشات ، pieris occidentalisعلى سبيل املثال ،لن تت زاوج بذكور النوع القريب p. protodiceويعود ذلك اإلحجام على األرجح إىل اختالف يف الرسم على أجنحة ذكور النوعني .وحىت إن حصل الت زاوج بني النوعني ،فسيؤدي ذلك إىل موت اهلجني أو والدة هجني عقيم ،وسيكون ذلك شكال آخر من أشكال العزل التكاثري ؛ إذ ال ميكن أن تنتقل اجلينات من ن ــوع إىل آخ ــر يف ح ــال ك ــون مجيع اهلجائن الناجتة فيما بينها ميتة أو عقيمة .فسؤال البيولوجيني املعاصرين عما سي أصل األنواع ،يتحول إىل السؤال عما إذا كان االنتخاب الطبيعي هو الذي يُ ّ إذا كان االنتخاب الطبيعي هو الذي يؤدي إىل نشوء العزل التكاثري . طوال القرن العشرين تقريبا ،كان جواب أكثر علماء التطور عن هذا السؤال بالنفي ؛ واعتقدوا أن االجن ـراف اجليين ك ــان العامل احلاسم يف نشوء األن ــواع – وأح ــد أكثر املكتشفات احلديثة إث ــارة هو احتمال خطأ فرضية االجن ـراف اجليين كمنشأ لألنواع .واملرجح حاليا هو أن االنتخاب الطبيعي يؤدي دورا رئيسيا يف تشكل األنواع . نوع ي زهرة القرد الذين سبق ذكرمها ،مثاال جيدا على ما ذكر ويُع ّد تاريخ تطور َ .وألنه يندر أن خيطئ ِّ امللق حان بني نوعي زهرة القرد ،فهذا يعين أن كال النوعني معزوالن تكاثريا بصورة تامة تقريب اً .ومع أن كال النوعني يوجد يف األمكنة ذاهتا يف مشال أمريكا ،فإن النحل الطنان الذي يزور زهرة M. Lewisiiسيتجنب زي ــارة زه ــرة M.Cardinalisكما سيتفادى الطائر الطنان ال ــذي ي ــزور زهرة ، M.Cardinalisزيارة زهرة M. Lewisii؛ وبذلك لن يتم نقل حبوب الطلع فيما بني النوعني إال فيما ندر .
37
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
بي « شيمسكيه « وزمالؤه أن هذا االختالف يف امللقح مسؤول وحده وبالفعل ّ عن كبح الدفق اجليين بني النوعني مبا م ــق ــد راه . %98يف ه ــذه احلالة حتديدا ، ال ميكن الشك إذن يف أن االنتخاب الطبيعي قد عمل على تشكيل تكيفات النباتني مع مل ّق حني معينني وأدى إىل عزل تكاثري قوي .
38
اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي
وقد ظهرت أدلة أخرى حول دور االنتخاب الطبيعي يف تشكل األنواع ،وذلك من مصدر آخر غري متوقع .ففي العقد املاضي أو قبل ذلك بقليل استطاع عدة علماء وراث ــة تطوريني ( ومنهم املؤلف ) حتديد نصف دزينة من اجلينات اليت تسبب عقما أو موت اهلجني .وتؤدي هذه اجلينات – اليت جرت دراسة معظمها يف أن ــواع ذب ــاب ــة الفاكهة – وظ ــائ ــف متنوعة ع ــادي ــة ؛ فبعضها ي ــك ـ ّـود ألن ــزمي ــات يكود لربوتينات بنيوية أو بروتينات ترتبط بالدنا . DNA وبعضها اآلخر ِّ
إال أن مكانة االنتخاب الطبيعي لدى البيولوجيني التطوريني ،بدءا من العقود القليلة املاضية ،مل تشهد إال تناميا يف أمهيتها وترسيخا هلا . املؤلف H.Allen orr : أس ــت ــاذ جامعي ،وأس ــت ــاذ Shirley Cox Kearnsللبيولوجيا يف جامعة روشسرت ،ومؤلف مشارك ( مع « جريي كوين « ) لكتاب « تشكل األنواع « . speciation وتتمحور أحباثه حول األس ــس اجلينية لتشكل وتكيف األن ــواع .حصل « أورر « على ميدالية داروين واالس من مجعية لينيان يف لندن ،وزمالة جيوجينهامي ، وزمالة داوود ولوسيل باكارد ،وجائزة دوب زانسكي من مجعية دراس ــات التطور .نشرت له عدة دراسات ومقاالت نقدية يف اجمللتني New Yorker، New . York Review of books
وهلذه اجلينات مستان بارزتان :األوىل هي أن معظم اجلينات اليت تسبب اضط رابات تشع بت بسرعة كبرية .والثانية هي أهنا أكدت – وهو ما يف النسل اهلجني قد ّ تبني من اختبارات علم الوراثة املختص باجلماعات – أن التطور السريع هلذه اجلينات كان نامجا عن عامل االنتخاب الطبيعي .
املصدر : جملة العلوم األمريكية ( 2009( 6/5 منقول من موقع منتدى امللحدين العرب /http://www.il7ad.com
إن الد راسات اليت تناولت زهرة القرد وعُ قم هجائن ذباب الفاكهة ،مل تتعمق بعد مبا يكفي يف األحباث املستمرة يف الصدور للكشف عن الدور الفاعل لالنتخاب الطبيعي يف تشكل األنواع . وبالفعل ،يتفق حاليا معظم البيولوجيني على أن االنتخاب الطبيعي قوة تطورية مفتاحية ،ال يقتصر دورها على دفع عجلة التغري التطوري داخل النوع الواحد ،وإمنا ميتد ليشمل أنواعا جديدة من الكائنات احلية .ومع أن جمموعة من غري املختصني مازالت تشكك بقوة يف حجة االنتخاب الطبيعي وكفاية مفعوله ،
39
مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي
إعداد الربوفسور الفيزيائي ديفيد بوهم
تعريف إىل فكر كريشناموريت أول مرة إىل العام 1959حني ق رأت كتابه احلرية يعود ُّ األوىل واألخرية. وما أثار اهتمامي بصفة خاصة كان ف راسته العميقة يف مسألة ال راصد واملرصود. ٍ إذ مافتئت هذه املسألة قبلئذ قريبة من حمور حبثي الشخصي ،بوصفي فيزيائي اً نظري اً ،معني اً أساس اً مبعىن النظرية الكوانتية. ففي هذه النظرية ،للمرة األوىل يف تطور الفيزياء ،طُرح مفهوم تعذر الفصل بني ال راصد واملرصود بوصفه ضروري اً لفهم القوانني األساسية للمادة بعامة .لذا – وألن الكتاب حيوي العديد من االستبصارات العميقة األخرى أيض اً – شعرت بأن من األمهية العاجلة يل أن أحتدث مع كريشناموريت حديث اً مباش راً وشخصي اً يف أسرع وقت ممكن .وحني التقيت به للمرة األوىل لدى واحدة من زياراته إىل لندن، أذهلتين تلك السهولة العظيمة يف التواصل معه ،تتيحها تلك القدرة املتوقدة التحر من التحفظات واحلواجز الواقية الذي َت اوب به اليت كان يصغي هبا وذلك ُ مع ما كان لدي من كالم .وكشخص يعمل يف جمال العلم ،شعرت بارتياح تام إىل هذا النوع من التجاوب ،ألنه كان يف اجلوهر يتصف بتلك اخلاصية عينها اليت صادفتها يف اتصاالت يل مع غريي من العلماء كان فيها معهم ٍ تالق يف العقول وثيق للغاية .وهاهنا ،خيطر ببايل بصفة خاصة آينشتاين الذي أبدى توقداً وغياب اً ٌ للحواجز مشاهبني يف عدد من املناقشات اليت جرت بينه وبيين .وبعد هذا ،بدأت ألتقي بكريشناموريت بصفة منتظمة وأتناقش معه كلما جاء إىل لندن.
40
وهكذا بدأنا ش راك ةً ،ص ــارت مذ ذاك أوث ــق فيما أصبحت مهتم اً باملدارس اليت
مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي
أُنشئت مببادرة منه .ويف هذه املناقشات ،تعمقنا جداً يف العديد من املسائل اليت كانت تشغل ب ــايل يف حبثي العلمي .فقد توغلنا يف طبيعة املكان وال ــزم ــن ،ويف طبيعة الكليات ،سواء ما يتعلق منها بالطبيعة اخلارجية أو ما يتعلق بالذهن. إال أننا ،يف هذا اخلصوص ،مضينا للنظر يف الفوضى والتشويش العميمني اللذين وقعت على ما أشعر أنه أكرب اكتشافات يتخلالن وعي اجلنس البشري .وهاهنا ُ كريشناموريت :فما كان يطرحه يف ِج دِّية هو أن هذه الفوضى كلها ،اليت هي السبب اجل ــذري لكل ه ــذا ال ــرح وال ــب ــؤس العميمني ،وال ــي حت ــول دون الكائنات ِّ متجذ رةٌ يف كوننا جاهلني للطبيعة البشرية والعمل متعاونني على ما ينبغي، العامة لسريورات فكرنا .أو بعبارة أخ ــرى ،يصح أن يقال إننا ال نرى ما حيدث فعلي اً حني نكون منخرطني يف نشاط التفكري .وعرب االنتباه إىل نشاط التفكري ه ــذا ،وعرب رص ــده عن كثب ،يشعر كريشناموريت أنه ي ــدرك إدراك ـاً مباش راً بأن الفكر سريورة مادية ،تتواصل داخل الكائن البشري يف املخ ويف اجلهاز العصيب ككل. إننا ننحو بصفة اعتيادية ،إىل وعي حمتوى هذا الفكر على األغلب ،وليس كيفية حصوله فعلي اً .ويف وسع املرء توضيح هذه النقطة بالنظر فيما حيدث حني يق رأ كتاب اً :فاملرء عادة يكون منتبه اً انتباه اً يكاد أن يكون حمصوراً يف معىن ما يُق رأ .غري أن يف وسع املرء كذلك أن يكون واعي اً للكتاب نفسه ،ملكوناته بوصفه مصنوع اً من صفحات ميكن هلا أن تُق لَ ب ،للكلمات املطبوعة وللحرب ،ولقوام الورق ،إخل. على حنو مشابه ميكن لنا أن نعي بنية سريورة الفكر ووظيفتها الفعليتني ،وليس حمتواه وحده. كيف ميكن ملثل ه ــذا الوعي أن يولد؟ يقرتح كريشناموريت أن ه ــذا يتطلب ما يسميه التأمل .على أن كلمة «تأمل» meditationأُضفيت عليها طائف ةٌ واس ــع ــة م ــن امل ــع ــاين املختلفة ،وح ــى املتناقضة ،ينطوي العديد منها على أن ــواع سطحية إىل ٍّ حد ما من الغيبيات .أما كريشناموريت فهو يقصد مفهوم اً معين اً
41
مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي
42
وواضح اً حني يستعمل هذه الكلمة .ويف وسع املرء أن حيصل على مؤشر نفيس إىل هذا املعىن إذا نظر يف اشتقاق الكلمة( .إن ج ــذور الكلمات ،باالق رتان مع معانيها احلالية املعمول هبا عموم اً ،غالب اً ما تُسلِ لتبص رات مباغتة س قيادها ُّ ُ ملعانيها األعمق). إن كلمة meditationاإلنكليزية تعود بأصلها إىل اجلذر الالتيين medالذي َّ «ر َاز» to يعين «القياس» .واملعىن احل ــايل للكلمة هو «تفك ر» َ ،to ref lect قاس) ،و»ق لَّ ب النظر» .وباملثل فإن الكلمة السنسكريتية ( ponderأي َوَز َن أو َ َّ «تفك ر». اليت تقابل التأمل – وهي دهيانا – وثيقة الصلة بـدهيايت ،اليت تعين فإذا كان األمر كذلك ،فإن التأمل هو «تقليب املرء ال رأي أو ُّ التفك ر امل رافق إليالء االنتباه الشديد إىل ما حيصل فعلي اً فيما املرء يفعل ذلك». ولعل هذا ما يعنيه كريشناموريت ببداية التأمل .أي أن املرء يويل انتباهه اللصيق كل ما حيدث ،باالق رتان مع النشاط الفعلي للفكر ،الذي هو املصدر األصلي إىل ِّ للفوضى العامة .واملرء يفعل هذا من دون اختيار ،من دون نقد ،من دون ٍ قبول ملا جيري أو ٍ رفض له .وهذا كله حيصل بالتالزم مع التفكر يف املعىن الذي يتعلمه املرء الصفحات ت عن نشاط الفكر( .لعل األمر أشبه ما يكون بق راءة املرء كتاب اً ُل بِ طَ ْ ُ فيه ،وبوعيه هذه الفوضى وعي اً شديداً ،بدالً من جمرد «حماولة إضفاء املعىن» على املشوش الذي يربز حني يكتفي املرء بقبول الصفحات كما يتفق هلا أن احملتوى َّ تأيت). النظام على حد ذات ــهُِ ،ي ـ ُّـل ص ـ َـد كريشناموريت بأن فعل التأمل نفسه ،يف ِّ َ لقد َر َ نشاط الفكر من دون تدخل اإلرادة أو االختيار أو الق رار أو أي فعل آخر من ِّ والش واش اللذان أفعال حيل مثل هذا النظام ،خيمد الضجيج َّ «املفك ر» .وفيما ُّ يشكالن خلفية وعينا املعتادة ،ويصري الذهن صامت اً عموم اً( .ال ينشط الفكر إال عند احلاجة إليه من أجل غرض ما ضروري حق اً ،مث يتوقف إىل حني احلاجة إليه من جديد).
مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي
ويقول كريشناموريت إن شيئ اً جديداً وخالق اً حيدث يف هذا الصمت – شيئ اً ال ميكن إيصاله يف كلمات ،لكنه ذو مغزى خارق من أجل ك لِّ ية احلياة .من هنا فإنه ال حياول أن يب لِّ غ هذا الشيء بالكالم ،بل باألحرى يسأل أولئك املهتمني أن يستكشفوا مسألة التأمل بأنفسهم ،من خالل االنتباه الفعلي إىل طبيعة الفكر. غري أنه ميكن للمرء ،من دون أن حياول التوغل يف معىن التأمل األعمق هذا ،أن يقول إن التأمل باملعىن الذي يضفيه كريشناموريت على الكلمة ،ميكن له أن ُِي َّل النظام على نشاطنا الذهين اإلمج ــايل ،وإن هذا قد يكون عام الً أساسي اً يف وضع َ للتح والبؤس والفوضى والتشويش ال ــي ظلت من نصيب اجلنس البشري ح ـ ٍّـد َّ يبش ر بتغيري على ك ـِّـر العصور ،وم ــازال ــت عموم اً تتواصل من دون طالع مرئي ِّ أساسي يف املستقبل املنظور. ـرب العلمي، إن فكر كريشناموريت يتخلله م ــا ميكن ل ــه أن يُ َّ سم ى جوهر امل ــق ـ َ منظوراً إليه يف صورته األمسى واألنقى .إذ إنه ينطلق من حقيقة من حقائق طبيعة ِ سريورات فكرنا .وهذه احلقيقة يتم التأكد منها ع ْب انتباه لصيق ،يتضمن إصغاءً متأني اً إىل سريورة الوعي ومثابرًة على رصدها .ويف هذا يتع لَّ م املرءُ بصفة دائمة؛ ومن هذا التع لُّ م ينتج االستبصار يف الطبيعة اإلمجالية أو العامة لسريورة الفكر. متاس ك اً مث يتم الفحص عن ه ــذا االستبصار :يتأكد امل ــرء أوالً من أن ــه متماسك ُ عقالني اً ،مث يتأكد املرء من أنه يقود إىل النظام واالتساق ،وذلك مما ينضح عنه يف احلياة ككل. أي وجه .لقد يشدِّد كريشناموريت تشديداً دائم اً على أنه ليس مرجعي ةً وال من ِّ بكل ما يف وسعه جلعل قام بعدد من االكتشافات وحسب ،وهو يف بساطة يقوم ِّ مكتشفاته يف متناول مجيع أولئك القادرين على اإلصغاء .وفكره ال حيتوي على أي ــة مجلة من املعتقدات ،وال هو يقدِّم تقنيات أو مناهج للحصول على ذهن صامت .إنه ال يهدف إىل إنشاء أية منظومة جديدة من املعتقدات الدينية .إذ كل كائن إنساين ،باألحرى ،أن يرى إن كان يستطيع أن يكتشف إنه من شأن ِّ
43
مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي
مدخل موجز إىل فكر جودي كريشنامورتي
بنفسه ما يلفت كريشناموريت االنتباه إليه ،مث يواصل درب ــه من هناك للقيام ختص ه هو. مبكتشفات جديدة ُّ أي مدخل ،من حنو هذا املدخل ،ميكن له وحسب يف أحسن من الواضح إذن أن َّ معي – ِ يبي كيف فَ ِ فكر كريشناموريت. – أنا مثلي عال شخص م ه َّ األحوال ،أن ِّ ٌ َ َ ل ــذا ف ــإن رؤي ــة تامة ملا يقصده كريشناموريت تتطلب من امل ــرء بالطبع ،املتابع ةَ وق ـراء َة ما يقوله هو فع الً ،خباصية االنتباه تلك إىل ك لِّ ية استجاباته ،الداخلي لتونا. منها واخلارجي ،اليت ناقشناها هاهنا ِّ
44
45
هجن بشرية
تبني من خالل حتاليل الدنا DNAأن اإلنسان العاقل homo sapiensالباكر قد تزاوج بأنواع بشرية أخرى ،وأن مثل هذا التهجني بني األنواع قد أدى دورا مفتاحيا يف انتصار نوعنا البشري.
باختصار تنص النظرية ح ــول منشأ اإلنسان العاقل ال ــي هيمنت لفرتة ط ــوي ــل ــة ,على أن نوعنا ال ــب ــش ــري ق ــد نشأ ع ــن جمموعة بشرية معينة جم ــاورة للصح راء ال ــك ــرى وعملت على ال ــق ــض ــاء على أنواع اإلنسان القدمي. إال أن الد راسات احلديثة لدنا DNAاإلنسان احلديث وتلك لإلنسان القدمي بينت أن اإلنسان احلديث الذي جاء من إفريقيا قد ت زاوج باإلنسان القدمي .وتشري البيانات إىل أن هذا التهجني قد ساعد اإلنسان العاقل على االزدهار إبان استعماره أراضي جديدة.
46
قد يكون من الصعوبة مبكان تصور ذلك اليوم ،إال أن واقع األمر هو أن عدة أنواع شبيهة بالبشر ُو ِج دت معا يف خضم معظم تاريخ تطور اإلنسان .فمنذ ما ال يزيد على 40ألف سنة كانت هناك عدة كائنات شبيهة بالبشر ذات أصول مشرتكة، وتلك مشلت النياندرتال وهومو فلوريسينزيس .Homo f loresiensisولعدة عقود ،احتدم اجلدل بني العلماء حول كيفية نشوء اإلنسان العاقل وكيف صار الشكل النهائي لألنواع البشرية .ويعود الفضل يف هيمنة فرضية معينة يف هذا الشأن إىل الد راسات اجلينية اليت جرت يف مثانينات القرن املنصرم واليت توصلت إىل أن اإلنسان احلديث تشرحييا نشأ يف إفريقيا وانتشر يف سائر أحناء العامل القدمي،
هجن بشرية
ُم ِزحيا ومستبدال متاما األشكال البشرية القدمية األخرىّ .إل أن موضوع الكيفية الدقيقة النف راد اإلنسان العاقل أخ ريا يف العامل بقي ملتبسا .ومن احملتمل أن يكون الغ زاة قد عملوا على قتل السكان األصليني ،أو تفوقوا عليهم يف املنافسة على املوارد ،أو ببساطة عملوا على التكاثر بسرعة أكرب .ومهما تكن كيفية حدوث ذلك ،فإن الغ زاة عملوا وفق هذه الفرضية على إفناء املنافسني من دون الت زاوج هبم. لقد خدمت هذه الفرضية ،اليت باتت تعرف بنموذج االستبدال Replacement modelكقاعدة نظرية أساسية ملنشأ اإلنسان ملدة مخس وعشرين سنة ،وذلك على الرغم من ت راكم البيانات اليت تناقض هذا الطرح .فقد مكن التطور األخري يف تقانات حتديد َس ْل َس لة sequencingالدنا ،الباحثني من احلصول على كم كبري من البيانات .ومصدر هذه البيانات كان من بشر أحياء ،إضافة إىل أنواع بشرية بائدة .وقد جنم عن حتليل هذه البيانات باالعتماد على أدوات حاسوبية متطورة ،ترسيخ املعتقد ب ــأن قصة تطورنا كبشر مل تكن البتة بالبساطة اليت ختيلها معظم املختصني يف علم اإلن ــس ــان .إذ تبني أن اإلن ــس ــان احل ــايل حيمل دنا موروثا من إنسان النياندرتال ومن بشر قدماء آخرين ،مما يدل على أن اإلنسان العاقل الباكر قد ت ـزاوج بالفعل ب ــأن ــواع أخ ــرى ،وأن ه ــذا ال ــت ـزاوج أدى إىل نسل خصب قادر على نقل موروثه اجليين عرب آالف األجيال املتعاقبة .ومل يقتصر أثر هذا االكتشاف على تقويض املفهوم السائد حول طريقة نشوئنا ،بل دفع العلماء أيضا إىل البحث يف تقييم مدى هذا التهجني بني األن ــواع وحثهم كذلك على حتديد األماكن اجلغ رافية اليت حصل فيها ذلك ،وتبيان ما إذا كان اإلنسان احلايل قد استفاد بالفعل من أي من هذه اإلسهامات اجلينية اآلتية من أبناء عمومتنا ملا قبل التاريخ.
47
هجن بشرية
أصول يكتنفها الغموض
ولكي يتسىن لنا متاما تقدير أثر هذه االكتشافات اجلينية احلديثة يف فهم العلماء لتطور اإلنسان علينا أن نعود إىل مثانينات القرن املاضي ،عندما احتدم النقاش حول كيفية نشوء اإلنسان العاقل .وتفحص بيانات املستحاثات fossil data جعل علماء اإلن ــس ــان ال ــق ــدمي يتفقون على أن ف ــرع ــا ق ــدمي ــا م ــن نوعنا البشري، اإلنسان املنتصب ،homo erectusقد نشأ يف إفريقيا منذ حنو مليوين سنة ومن مث بدأ سريعا باالنتشار من هذه القارة إىل شىت مناطق العامل القدمي األخرى. وقد متركز اخلالف بني هؤالء العلماء حول كيفية نشوء اإلنسان العاقل من هذا اإلن ــس ــان املنتصب ،وه ــو اإلن ــس ــان ال ــذي ميتلك حجرة دماغية م ــك ــورة وهيكال عظميا دقيقا ،وهي السمات اليت مل تظهر يف السجل األحفوري ّإل قبل 195 ألف سنة.
هجن بشرية
ومناصرو ما يسمى منوذج التطور املتعدد املناطق( )1الذي طوره < H .M. وولپوف> وزمالؤه يف جامعة ميتشيگان قد تبنوا فكرة أن التحول حدث تدرجييا لدى اجلماعات القدمية مجيعها ،بغض النظر عن مناطق وجودها يف كل من قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا وأقيانوسيا .لقد مت هذا التحول وذلك بفعل اهلجرة والت زاوج الذي مسح للسمات احلديثة املفيدة باالنتشار بني جممل هذه اجلماعات .وللبشر احلاليني وف ــق ه ــذا املشهد ،مس ــات مم ــي ــزة مناطقية ت ــوارث ــوه ــا م ــن األص ــول القدمية بسبب ما وفّ رته هذه السمات فيما يبدو من فائدة ساعدهتم على التكيف يف بيئاهتم اخلاصة .وق ــد مت ذل ــك على الرغم من انتشار السمات األخ ــرى الشائعة لدى مجيع البشر احلاليني مع انتهاء هذه العملية االنتقالية .وهناك أيضا فرضية أخرى مشتقة من السابقة طرحها < F.مسيث> [وهو حاليا يعمل يف جامعة والية إلينوي] أمساها منوذج االندماج االجتماعي ،Assimilation model واليت يعرتف فيها بدور أكرب للجماعات اليت أتت من إفريقيا يف حتديد صفات اإلنسان احلايل. ويف مقابل هذه الفرضية ،فإن مناصري منوذج االستبدال(( )2واملعروف أيضا باسم منوذج املنشأ اإلفريقي ،من مجلة أمساء أخرى) ومن هؤالء < Ch.سرتينگر> [من متحف التاريخ الطبيعي يف لندن] ادعوا بأن البشر احلديثني تشرحييا نشؤوا كنوع خ ــاص متميز يف مكان واح ــد حم ــدد -على أط ـراف الصح راء ال ــك ــرى -وعمل هؤالء على القضاء على مجيع البشر القدماء يف كل مكان ومن دون أن يت زاوجوا هب ــم .ومث ــة صيغة أق ــل حت ــدي ــدا هل ــذه النظرية -فنموذج التهجني امل ــق ــرح م ــن قبل < G.بروير> [من جامعة هامبورگ يف أملانيا] يتضمن حدوث التهجني أحيانا بني البشر احلديثني واجملموعات البشرية القدمية يف خضم اندفاعهم إىل مناطق جديدة.
48
49
هجن بشرية
وهكذا ،بدا هذا النقاش الذي اعتمد على البيانات األحفورية فقط ،وكأنه مل حيسم بعد .ومع ظهور تقانة الدنا متكن العلماء من تطوير طرق تسمح بتقصي ما حصل يف املاضي ،وذلك من خالل حتليل التغري اجليين يف اجلماعات البشرية احلالية واستخدامه إلعادة بناء شج رات التطور جلينات معينة .ومن خالل دراسة شجرة جينية ،ميكن للباحثني حتديد مىت وأين وجد السلف املشرتك األخري جلميع األشكال األخرى جلني معني. ويف دراسة ُم ْع لَ مة( )3نشرت عام ،1987أعلن < C .A.ويلسن> [من جامعة بريكلي] وزمالؤه عن أن شجرة التطور اخلاصة بالدنا اليت وجدت يف امليتوكوندريا - mitochondriaوهي املكونات املنتجة لطاقة اخلاليا – تعود إىل أُنثى سلف إفريقية عاشت قبل حنو مئيت ألف سنة( .ينتقل دنا امليتوكوندريا )4(mtDNA من األم إىل األوالد ويُعامل يف ال ــد راس ــات املتعلقة باألجداء كجني منفرد) .وقد انسجمت هذه النتائج مع توقعات منوذج االستبدال املذكور آنفا ،كما اتفقت مع الد راسات الالحقة اليت مشلت أج زاء صغرية من دنا نواة اخللية وتلك للصبغي (الكروموسوم) chromosome Yاملوروث من األب. وقد ظهرت أدلة مساندة أخرى هلذا النموذج بعد مضي عقد من الزمن عندما جنح < S.پعابو> [وهو يعمل حاليا يف مركز ماكس پالنك لعلم تطور اإلنسان يف اليپزيگ بأملانيا] وزمالؤه يف استخالص وحتليل قطعة من دنا امليتوكوندريا من تبي أن دنا النياندرتال خيتلف عن عظام النياندرتال .ومن خالل هذه الد راسة َّ دنا اإلنسان املعاصر؛ إذ أظهرت بيانات تلك الد راسة غياب الت زاوج (التهجني) بينهما .وقد مت تأكيد ذلك من خالل دراسات الحقة للدنا mtDNAباستخدام عينات نياندرتال إضافية.
50
هجن بشرية
املسمار األخري الذي ُدك يف نعش وهذه النتائج مثلت لدى العديد من الباحثني َ منوذج التطور املتعدد املناطق ومنوذج االندماج ،لكن آخرين اعرتضوا على املنطق الذي استندت إليه بقية هؤالء الباحثني .فغياب مؤشر للتهجني يف أي منطقة مستقلة واحدة من اجلينوم ،كما يف الدنا ،mtDNAال يعين بالضرورة غياب دنا مهج ٍن يف املناطق األخرى من هذا اجلينوم .وإضافة إىل ذلك ،فإن أي منطقة معينة من اجلينوم مت اختبارها ،ميكن أال حتوي إشارات على التهجني حىت وإن مت حدوثه فعال ،وذلك ألن الدنا من األنواع األخرى (الدنا الدخيل) قد خيتفي عرضا مع الوقت من منظومة اجلينات يف حال عدم توفريه فائدة لنوع اإلنسان العاقل. إن أفضل طريقة حلسم ال ــت ــس ــاؤل ح ــول حقيقة ح ــدوث ه ــذا ال ــت ـزاوج م ــن عدمه يكمن يف مقارنة العديد من املناطق يف اجلينوم أو ،مثاليا ،بتحليل كامل اجلينوم إن أمكن .إال أنه قبل توفر هكذا حتاليل مستفيضة لإلنسان القدمي ،تبني يف بعض الد راسات املبكرة وجود أدلة جينية مناقضة لنموذج االســتبدال الذي َم ثَّل ال رأي املعتمد لــدى أكثريــة العـلمـاء .فقــد كانـت إحـدى هـذه الد راسات هي تلك اليت أجــ راهــا < D.كاريگان> عام 2005عندمــا كان باحثــا ملـا بعــد الدكتوراه فع الة nonfunctional يف خمتربي ،حيث درس تسلسل الدنا يف منطقة غري ّ من الصبغي Xاملسماة .RRM2P4وقد تبني من خالل حتليل شجرة النسب أن أصل هذه السلسلة يعود إىل نوع قدمي ليس بإفريقي بل شرق آسيوي عاش منذ حنو مليون ونصف سنة .وه ــذا يشري إىل أن ه ــذا الدنا أت ــى من ن ــوع آسيوي قدمي اختلط باإلنسان العاقل القادم من إفريقيا .كما مت اكتشاف تنوع آخر يف منطقة غري فعالة أخرى من الصبغي Xوهي املنطقة ،Xp21.1وقد كان ذلك يف السنة ذاهتا ويف خمتربنا أيضا .إذ أظهرت شجرة نَ َس ب اجلينات فرعني متشعبني تطورا فيما يبدو بشكل مستقل متاما وقد جرى ذلك خالل ما يقارب املليون سنة ،أحدمها مت إدخاله إىل اجلماعات احلديثة تشرحييا من خالل نوع إفريقي قدمي.
51
هجن بشرية
هجن بشرية
وهكذا ،فإن األدلة املستقاة من املنطقتني RRM2P4و Xp21.1قد أحملت إىل أن اإلنسان احلديث تشرحييا قد ت ـزاوج ببشر قدماء من آسيا وإفريقيا على التوايل ،بدال من جمرد استبداهلم من دون هتجني. فرضيات متنافسة تحديد مصدر اإلنسان العاقل لقد استمر طويال جدل العلماء حول التطور التشرحيي لإلنسان احلديث (اخلطوط البنية الغامقة) من السلف القدمي (اخلطوط البنية الفاحتة) .ويف الفرضيات املعروضة هنا يعود منشأ اإلنسان احلديث إىل إفريقيا .ووفقا لنموذج االستبدال replacement ،modelفقد استبدلت أنواع اإلنسان القدمي يف العامل القدمي م ــن دون أن حي ــدث هتجني بينها وب ــن اإلن ــس ــان احل ــدي ــث .ويف املقابل ،ينص منوذج االندماج assimilation modelعلى انتشار السمات املفيدة من إفريقيا بني هذه اجملموعات القدمية من خالل الدمج واهلجرة والت زاوج والذي يسمى بالدفق اجليين ( gene f lowاألسهم اخلض راء) .أما منوذج التهجني فيفرتض أن اإلنسان احلديث مل يت زاوج باإلنسان القدمي إال فيما ندر (األسهم احلمر) إبان عملية االستبدال .ويف منوذج التطور املتعدد املناطق جي ــري الرتكيز بشكل حصري على ف ــرة التحول من الشكل القدمي إىل احلديث يف إفريقيا وينص على الدفق اجليين والتهجني بني اجملموعات القدمية املختلفة .ومثل هذا املشهد قد يكون سابقا لعملية االستبدال واالندماج والتهجني.
52
الدنا القدمي اخلاص بنا إن التقدم الذي أحرزته تقانة َس ْل َس لة الدنا مسح للعلماء حديثا بإج راء َس ْل َس لة سريعة جلينومات نووية كاملة( - )5متضمنا ذل ــك جينومات إنسان منقرض كالنياندرتال .ويف عام ،2010أعلنت جمموعة <پعابو> عن َس ْل َس لة دنا اجلزء األكرب من جينوم النياندرتال الذي يعود إىل دنا مستخلص من عدة مستحاثات للنياندرتال من كرواتيا .وبعكس التوقعات ،فقد تبني من ه ــذه التحاليل أن إلنسان النياندرتال مسامهة صغرية يف جتميعية جينية gene poolاإلنسان احلايل وإن كانت ذات أثـر معتبـر :فللبشر خارج إفريقيا مكون وراثي ي رتاوح بني 1و 4%من اجلينوم يعود إىل جينوم النياندرتال .والتفسري املقرتح لذلك متثل يف أن الت زاوج بني النياندرتال ومجيع البشر غري اإلفريقيني اقتصر غالبا على الفرتة مجيع هؤالء املنطق ةَ ذاهتا يف الشرق األوسط واليت امتدت احملدودة اليت شغر فيها ُ من 80إىل 50ألف سنة املاضية.
53
هجن بشرية
ومن مث تال اإلع ــا ُن السابق إع ــا َن <پعابو> عن اكتشاف مدهش أكثر ،متثل يف حصوهلم على دن ــا ميتوكوندريا من قطعة عظم إصبع تعود إىل ما قبل 40 أل ــف سنةُ ،وج ــدت يف كهف Denisovanجببال ألتاي يف سيبرييا .وم ــع أن العلماء مل يتمكنوا م ــن حت ــدي ــد ه ــوي ــة ال ــن ــوع لقطعة العظم تلك اع ــت ــم ــادا على صفاهتا التشرحيية ،إال أن تسلسل الدنا بـَ ّي أهنا تعود إىل فرد ينتمي إىل مجاعة ق رابتها للنياندرتال أكثر قليال من ق رابتها هي والنياندرتال للبشر احلاليني .كما أن مقارنة تسلسل دنا الدينوسوڤان مبا يقابله يف اجلماعات احلديثة مكن من العثور على كمية معتربة من الدنا يف اجلماعة الشبيهة بالدينوسوڤان ومتثلت يف 1إىل 6%يف امليالنيزيني واألس رتاليني والپولينرييني وبعض اجملموعات املرتبطة ذات الصلة يف غرب احمليط اهل ــادي ،فيما مل يُعثر على شيء من هذا الدنا لدى اإلفريقيني والبشر احلاليني من منطقة آسيا وأوروبا. مكتشفات أدلة حول التهجين يشري السجل األحفوري إىل أن اإلنسان العاقل نشأ من إفريقيا منذ حنو مئيت ألف سنة .وتبني الد راسات احلديثة للدنا أن اإلنسان احلديث ت زاوج باإلنسان القدمي يف خضم هجرته داخل إفريقيا ونزوحه خارجها إىل سائر بقاع العامل القدمي (األسهم ال ــرم ــادي ــة) .وتظهر اخلريطة يف األس ــف ــل ع ــدة أن ــواع قدمية -مب ــا يف ذل ــك ن ــوع مت حت ــدي ــده م ــؤخ ـرا على أساس بيانات حتليل الدنا املأخوذة من عظم إصبع مستحاثة مصدره ك ــه ــف دي ــن ــس ــوڤ ــا يف س ــي ــري ــا -ك ــم ــا تظهر امل ــن ــاط ــق ال ــي ج ــرى فيها التهجني احملتمل بني اإلنسان احلديث (القطع الناقص) اعتمادا على بيانات الدنا املتاحة.
54
هجن بشرية
ولكي يتسىن للباحثني تفسري هذا النمط املعقد من التشاركية للدنا ،فقد اقرتحوا ح ــدوث هتجني م ــع ع ــدة أش ــك ــال ق ــدمي ــة يف زم ــن ــن خمتلفني :األول ،عندما هاجر اإلنسان احلديث بداية من إفريقيا وت ـزاوج بالنياندرتال ،والحقا ،عندما وصل خلفاء هذا الت زاوج إىل جنوب شرق آسيا والتقوا باإلنسان الشبيه بالدينوسوڤان. وقد وصل سلف اجملموعات امليالنيزية احلالية املختلط مرتني ،إىل احمليط اهلادي قبل حنو 45ألف سنة كما حدثت موجة هجرة ثانية لإلنسان احلديث إىل شرق آسيا من دون أن حيصل ت زاوج السلف الشبيه بالدينوسوڤان. ومع أن مناقشة عمليات التهجني يف تطور اإلنسان تتمحور عادة حول الت زاوج بني اإلنسان احلديث تشرحييا بالنياندرتال يف أوروبا أو عدة أشكال أخرى قدمية يف آسيا ،إال أن فرص الت زاوج الكربى املتاحة كانت يف إفريقيا ،وذلك ألن اإلنسان احلديث عايش األشكال القدمية للبشر ملدة أطول كث ريا .ولسوء احلظ ال يساعد مناخ إفريقيا اإلستوائي وغاباته املطرية ،على احلفاظ على الدنا يف املستحاثات. ويف غياب مرجعية تعتمد معلومات مأخوذة من دنا قدمي ،فإن الد راسة احلالية
55
هجن بشرية
لالحتماالت األخ ــرة تقتصر على حتليل دنا البشر احلاليني يف إفريقيا حبثا عن مؤش رات لتهجني قدمي. ومن أجل ذلك َع ِم َل فريقي (املؤلف) يف جامعة أريزونا ،بالتعاون مع <D .J. وول> [من جامعة كاليفورنيا يف سان ف رانسيسكو] ،على مجع بيانات تسلسل الدنا من 61منطقة للجينوم يف عينات من ثالث مجاعات إفريقية تعيش على أط ـراف الصح راء ال ــك ــرى .وباستخدام حم ــاك ــاة حاسوبية الختبار ع ــدة أح ــداث تطورية متنوعة ممكنة ،توصلنا إىل استنتاج ،مت نشره ع ــام ،2011إىل أن هذه حوت مسامهة جينية من جمموعة بشرية منقرضة وتقدر هذه اجلماعات احلديثة َ املسامهة بـ 2يف املئة .وق ــد انفصلت تلك اجملموعة القدمية عن سلف اإلنسان احلديث تشرحييا قبل حنو 700ألف سنة ،وجرى الت زاوج بينهما قبل حنو 35ألف سنة يف إفريقيا الوسطى. إن ج ــذور اإلن ــس ــان احل ــدي ــث ال تعود إىل مجاعة سلف واح ــد يف إفريقيا وإمنا إىل مجاعات موزعة يف بقاع خمتلفة من العامل القدمي كله.
56
وق ــد ظهر م ــؤش ــر جيين آخ ــر ل ــوج ــود اخ ــت ــاط ق ــدمي يف إفريقيا وذل ــك م ــن خالل دراس ــة سلسلة دن ــا الصبغي Yغ ــر ال ــع ــادي ،مت احل ــص ــول عليه م ــن أمريكي - إفريقي يعيش يف جنوب كارولينا أرسلت عينة الدنا اخلاصة به إىل شركة توفر للمستهلك حتليال جينيا مباش را .وقد تبني من التحليل أن هذا الدنا فريد من نوعه .فمن خ ــال مقارنة التسلسل Yاخل ــاص هب ــذا الشخص وغ ــره ل ــدى بشر
هجن بشرية
آخرين ولدى الشيمبانزي تبني أن هذا الدنا يعود إىل الصبغي Yغري املعروف من قبل ،تفرع سلفه عن شجرة الصبغي Yقبل أكثر من 300ألف سنة .عندئذ قمنا بتفحص قاعدة البيانات لنحو ستة آالف للصبغي Yإلفريقيني ،فوجدنا تطابقا يف إحدى عشرة عينة كان مجيع أصحاهبا ينتمون إىل منطقة صغرية جدا يف غرب الكامريون .وقد نُشر هذا االكتشاف يف عدد الشهر 3/2013من الدورية األمريكية ،Geneticsوهو يشري إىل أن األصل املشرتك جلميع تنوعات الصبغي Yاحلديثة يعود إىل فرتة أقدم بـ 70%مما مت تقديره من قبل .ووجود هذا الشكل ال ــق ــدمي للصبغي Yيف البشر احل ــال ــي ــن ي ــدل على ح ــدوث هتجني ب ــن اإلن ــس ــان احلديث وإنسان قدمي جمهول اهلوية كان يعيش يف غرب إفريقيا الوسطى. وقد توفرت حديثا أدل ــة أخ ــرى ج ــاءت من السجل األحفوري إلمكانية حدوث ت زاوج خمتلط يف إفريقيا .فمباشرة بعد نشر نتائجنا يف عام 2011عملت جمموعة من علماء املستحاثات على إعادة حتليل البقايا املوجودة يف املوقع Iwo Eleru بنيجرييا ،وق ــد تبني أن مس ــات اجلمجمة متثل حالة وسطى ب ــن تلك ال ــي لدى اإلنسان احلديث واإلنسان القدمي ،وأن عمرها ال يتجاوز 13ألف سنة ،أي بعد زمن طويل من ظهور اإلنسان احلديث تشرحييا .وهذه النتائج إىل جانب تلك اليت مت التوصل إليها يف موقع Ishangoجبمهورية الكونغو الدميوق راطية ،تشري إىل أن مسرية تطور اإلنسان احلديث تشرحييا كانت أعقد مما هي يف أي من النماذج الطليعية لنشوء اإلنسان احلديث .فإما كان اإلنسان القدمي موجودا إىل جانب اإلن ــس ــان احل ــدي ــث يف امل ــاض ــي ال ــق ــري ــب ،أو أن مج ــاع ــات بسمات م ــش ــرك ــة ،قدمية وحديثة ،كانت تت زاوج فيما بينها آلالف السنني.
57
هجن بشرية
إسهامات؟ مع أن حتاليل دنا النياندرتال ودنا الدينوسوڤان توفر أدلة إضافية حول إسهام اإلن ــس ــان ال ــق ــدمي يف إرث ــن ــا اجل ــي ــي ،إال أن هناك العديد م ــن القضايا والتقدي رات احلالية للنسبة املئوية يف جينومنا اليت تنتمي إىل النياندرتال والدينوسوڤان الشبيه بالبشر تقوم على أس ــل ــوب ال يوفر معلومات كافية ح ــول كيف وم ــى حدث االختالط .ودراسة ذلك تقتضي تطوير فهمنا الدقيق حلدود مناطق اجلينوم اليت جاءت بالفعل من اإلنسان القدمي وحتديد أي من هذه األن ــواع البشرية القدمية قد أسهمت يف ذل ــك .وأثناء إع ــداد أطروحة الدكتوراه يف خمتربي (املؤلف) اختذ < L .F.مينديز> خطوات هبذا االجتاه متاما .وقد عثر على أدلة قوية على وجود قطعة من الدنا يف الصبغي 12حتوي اجلني ( STAT2وهو جني يسهم يف خط الـم ْم رضات pathogensالڤريوسية) اليت مصدرها إنسان الدفاع األول ضد ُ نياندرتال.
58
ستساعد الد راسة التفصيلية ملناطق الدنا املوروثة من السلف القدمي على اإلجابة عم ا إذا كان اكتساب هذه املكونات اجلينية املختلفة قد وفّ ر فائدة عن التساؤل ّ تَ َك يفية ما لإلنسان العاقل يف امل راحل الباكرة .وبالفعل ،فإن اجلني STAT2 يوفر منوذجا جذابا ملا يبدو كبديل مفيد دخل جتميعية جينية اإلنسان احلديث. وهناك حنو 10%من البشر يف أوروبا وآسيا وأقيانوسيا حيملون هذا الشكل اخلاص للجني STAT2املوجود يف النياندرتال .ومن املثري لالهتمام أن هذا اجلني يوجد يف ميالنيزيا بتواتر يزيد عشر م ـرات على وج ــوده بشرق آسيا .ويشري التحليل إىل أن هذا التواتر املرتفع ناجم عن انتقاء طبيعي natural selectionإجيايب (وه ــذا ،ألنه ساعد على إجناح التكاثر أو البقيا) أكثر من كونه انتشر مبحض الصدفة ،فقد كان مفيدا جلماعات اإلنسان احلديث تشرحييا يف ميالنيزيا. وباملثل ،يبدو أن قسم اً شبه نياندرتايل مبنطقة من اجلينوم يدعى مستضد الكريات
هجن بشرية
البيضاء البشرية ( )6()HLAق ــد تنامى ت ــوات ــره عاليا نسبيا ل ــدى اجلماعات األوراس ــي ــة نتيجة النتقاء طبيعي إجي ــايب ارتبط ب ــدور تلك اجلماعات يف مقاومة املمرضات .ورمبا ال داعي لالستغ راب من وجود إسهامات قدمية تضمن جينات تعمل على تقوية املناعة .ومن السهولة مبكان تصور أن اكتساب شكل خمتلف جل ــن متكيف م ــع مقاومة امل ــم ــرض ــات يف بيئات غ ــر إفريقية ق ــد يعود بالفائدة امل ــب ــاش ــرة على أس ــاف البشر احلاليني ال ــذي ــن ان ــت ــش ــروا يف م ــواط ــن ج ــدي ــدة خ ــارج إفريقيا. ويف ضوء هذه األدلة امل رتاكمة حول التهجني بني اإلنسان العاقل احلديث تشرحييا واإلنسان القدمي يف كل من إفريقيا وخارجها ،مل يعد منوذج االستبدال مقبوال. فاألنواع البشرية القدمية واحلديثة كانت قادرة على إنتاج هجائن قابلة للحياة. وه ــك ــذا ،فاإلنسان القدمي ال ــذي تعرض لالنق راض ك ــان ق ــادرا على ت ــرك بصمته اجلينية يف جينوم اإلنسان احلديث .وبعد تبيان ذلك ،يبدو أن جينومات اإلنسان احل ــايل ه ــي يف معظمها م ــن أص ــل إفريقي وأن إس ــه ــام األن ــواع األوراس ــي ــة (األورو آس ــي ــوي ــة) أق ــل مم ــا يتنبأ ب ــه ك ــل م ــن ال ــن ــم ــوذج ال ــت ــط ــوري املتعدد املناطق أو من ــوذج االندماج. ومث ــة ع ــدد م ــن الباحثني مييل اآلن إىل من ــوذج <ب ــروي ــر> التهجيين Br?uer?s ،Hybridizationالذي يستصوب حدوث ت زاوج بني اإلنسان العاقل واإلنسان القدمي اقتصر على حاالت قليلة معزولة .وإنين أوافق على أن مثل هذا الت زاوج كان نادرا بعد خروج اإلنسان احلديث من إفريقيا ،إال أن القصة ال تنتهي عند هذا احلد .فالسجل األحفوري املعقد يشري إىل وجود جمموعات بشرية ذات مسات انتقالية يكتنفها موزاييك منوع وخمتلط م ــن صفات ك ــل م ــن اإلن ــس ــان القدمي واحلديث ،وقد عاشت هذه اجملموعات يف نطاق جغ رايف ميتد من املغرب العريب
59
هجن بشرية
حىت جنوب إفريقيا يف فرتة زمنية امتدت من 200ألف سنة إىل 35ألف سنة ماضية .وبناء على ذلك يتعني علينا ترجيح النموذج الذي يشمل الت زاوج بني األنواع البشرية أثناء التحول من احلقبة القدمية إىل احلقبة احلديثة .ويُطلق أحيانا على ه ــذا التحول اس ــم التطور اإلفريقي املتعدد املناطق .ويسمح ه ــذا املشهد بإمكانية وراثة بعض مسات اإلنسان احلديث من أشكال انتقالية قبل انق راضها. ويف رأيي ،إن منوذج التطور املتعدد املناطق إضافة إىل منوذج <بروير> التهجيين يفس ران أفضل ما ميكن ،حىت اليوم ،البيانات األحفورية واجلينية. وقبل أن يتمكن الباحثون م ــن تقييم ت ــام ملثل ه ــذا النموذج لتشكل اإلنسان احلديث سنحتاج إىل معرفة أفضل لكود codeالسمات التشرحيية احلديثة وإىل فك شيفرة decipherتارخيها التطوري .وإن إج راء حتاليل إضافية جلينومات اإلن ــس ــان القدمي واحل ــدي ــث سيساعد الباحثني على حتديد زم ــن ومكان حدوث االختالط بشكل دقيق ،وفيما إذا كانت هذه اجلينات القدمية اليت انضمت إىل جتميعية جينية اإلنسان املعاصر ،مفيدة للجماعات اليت محلتها .وهذه املعلومات ستساعدنا على تقييم فرضية أن التهجني مع مجاعات اإلنسان القدمي اليت كانت متكيفة بشكل جيد مع حميطها احمللي قد أكسبت اإلنسان العاقل مسات مسحت له باهليمنة على العامل .هذا ،وإن التشارك يف اجلينات من خالل التهجني فيما بني األن ــواع البشرية وال ــذي حي ــدث أحيانا هو إح ــدى الطرق املتاحة ال ــي ينجم عنها شيء جديد تطوريا يف كثري من احليوانات والنباتات ،فليس من املستغرب إذن أن يقع الشيء ذاته يف مسرية نوعنا البشري.
60
وما زال هناك الكثري من األمور اليت مل حتسم بعد ،إال أن هناك شيئا اتضح اآلن: إن جذور اإلنسان احلديث ال تقتصر على مجاعة بشرية إفريقية واحدة فقط ،بل عم رت العامل القدمي كله .ومع أن اإلنسان القدمي قد اُعتُِ َب يف تعود إىل مجاعات ّ
هجن بشرية
العديد من احلاالت منافسا لإلنسان احلديث ،إال أنه ال مناص اآلن للعلماء من األخذ بعني االعتبار إمكانية كون كليهما معا مصدر وسر جناح اإلنسان العاقل.
املؤلف Michael F. Hammer <هامر> عامل وراثة اجلماعات ،يف جامعة أريزونا .وهو يدرس أمناط التنوع اجليين يف اجلماعات البشرية احلديثة هبدف اكتشاف األصول التطورية لإلنسان العاقل. العنوان األصلي HUMAN HYBRIDS املقال نشر مبجلة ,Scientific Americanو ترجتمه للعربية جملة العلوم الصادرة عن دار التقدم العلمي يف الكويت
61
بطالن االدلة العقلية
الدليل :هو شيء ما يستدل به على ذات الشيء أو شيئا» آخر .
62
فنقول م ــث ــا» ال ــدل ــي ــل على وج ــود احل ــج ــر ه ــو أن ــن ــا ن ــرى و نلمس ه ــذه احل ــج ــر و نسمع صوت ارتطامها ب ــاالرض أو بأي شيئ آخر و بالتايل الدليل هو شيء و معرفة الدليل هو االحساس(الدليل احلسي) به عن طريق احلواس اخلمسة ،النظر ،و السمع ،و الشم ،و الذوق ،و اللمس .وهذه احلواس صحيح أهنا تأيت عن طريق االط راف و لكن م راكزها موجودة يف الدماغ فلوال وجود الدماغ فليس هلذه احلواس أي معىن ،و بالتايل فالدماغ هو الذي حيلل و يستنتج و يستقرئ النتائج وه ــذا ه ــو ال ــدل ــي ــل( العقلي ) ول ــك ــن العقل ليس ه ــو ال ــدم ــاغ فقط ف ــال ــدم ــاغ هو اآللة اليت حتلل االحاسيس و لكن هذا التحليل يستند اىل معلومات موجودة يف الدماغ منها موروث ،و منها مكتسب ،املوروث هو كافة االستعدادات للتعلم مثل تعلم اللغة تعلم احلركة تعلم املشي تعلم الكالم ،تعلم القفز و السباحة و الكمبيوتر ،تعلم الكذب ،و الصدق ،و االمانة ،واحلرية ،و العبودية ....اخل و املكتسب معرفة كنه االشياء ،ماهية االشياء ،االلوان ،الروائح االص ــوات...،اخل ،و أيضا» طرق التحليل طرق الفك و الرتكيب . الدليل احلسي التجرييب هو أن حتس االشياء حبواسك اخلمسة أو امتداداهتا الصنعية مثل اجملهر ،التلسكوب ،الكمبيوتر ،الكام ريا ...اخل و الدليل العقلي هو التحليل الذي يقوم به العقل للدليل احلسي فمثال» نقول يف الرياضيات أن 2=1+1حىت اآلن هذا حتليل و لكن مستقى من التجربة فقد أتينا حبجر مثال» ووضعناه قرب حجر آخر و قلنا أن جمموعهما حج ران أو اتينا بأرنب ووضعناه عند أرنب آخر و قلنا أن جمموعهما أرنبان و نستطيع أن نفعل ذلك حىت أعداد كبرية و لكن ذلك سيكون مكلفا» جدا» و ممال» فلكي نعرف عن طريق (الدليل احلسي التجرييب) ،أن مليار +مليار =2مليار يعين أن نأيت مبلياري أرنب و نضعهم عند بعضهم
بطالن االدلة العقلية:
و جنمعهم واحد +واحد حىت نصل اىل ملياران و هذا كما أسلفنا ممل و مكلف و غري مفيد لذلك احرتعو ا علم احلساب (الرياضيات) و هنا تبدأ االدلة العقلية و بالتايل فاالدلة العقلية ليس هلا معىن بدون االدلة احلسية التجريبية . يعين يسأل سائل بالعقل:أليس وجود الطاولة دليل على أن هلذه الطاولة صانع و أن البعر دليل على وجود البعري و يسمي هذا الدليل الدليل العقلي التحليلي الرتكييب و هذا صحيح و لكن كيف حللت و ركبت و فككت و بالتايل توصلت اىل ذلك .هنا يدخل الدليل احلسي التجرييب ليلعب لعبته فمثال» أي شخص مل يزر اس رتاليا و ال يعرف الكنغارو فهو ال يعرف كيف يتربز الكنغاروا و ال يعرف شكله وال يعرف رائحته و ال يعرف أي شيء عنه و بالتايل مل يكتسب(بالتجربة بالدليل احلسي أية معلومات لكي يقوم على أساسها الدليل العقلي ) وبالتايل فلو أنه رأى ب راز الكنغاروا فسوف لن يستطيع أن يقول هذا دليل على وجود الكنغارو و نفس الشيء لو أتينا بانسان من العصر احلجري و أريناه الطاولة مباشرة دون أن نريه كيفية صنعها لظنها خشبة مثل أي خشبة أخ ــرى مرمية يف االرض و ملا استطاع أن يقول أن هلذه الطاولة صانع النه ال ميلك معلومات مكتسبة من االدلة احلسية التجريبية .و بالتايل فاالدلة العقلية ال معىن هلا إن مل تكن مشفوعة باالدلة احلسية التجريبية . و من هنا االع رتاض على االدلة العقلية اليت يقول هبا أصحاب االعجاز العلمي يف القرآن و هي أن وجود الكون دليل على وجود صانع هلذا الكون .عمليا» حنن رأينا و تعلمنا و عرفنا -أي بالدليل احلسي التجرييب-كيف تصنع الطاولة لذلك قلنا أن وجود الطاولة دليل على وجود صانع ولكننا مل نرى كيف أن اهلل أو أية قوة أخرى صنعت الكون أو أكوان أخرى و مل يعلمنا أحد كيفية صناعة الكون و كيفية خلقه لكي نستنتج االستنتاج القائل أن وجود الكون دليل على وجود خالق هلذا الكون .
63
نبضات بن باز ...
قال ذلك االعرابي: (البعرة تدل على البعري ،واألثر يدل على املسري؛ فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ،وبحار ذات أمواج أفال يدل ذلك على احلكيم اخلبري؟)
قاهلا ذلك االع رايب القح ،واختذها املؤمنون من بعده دليال على الفطرة السليمة! قالوا بالعلة االوىل وان صقل السماء واالرض هبذا الشكل هو دليل على وجود اهلل.
نبضات بن باز ...
-1العلة االوىل: ويقولون فيها «اننا نعيش يف كون يعتمد على السبب والتأثري ».ولكن من املستحيل منطقيا ان حنصل على احندار الهنائي من االسباب .يف مرحله ما فان هذا االحندار جيب ان يتوقف ،ويف هذه املرحله انت حباجه اىل العله االوىل اليت ليس هلا سبب وهو ما يسمونه اهلل.
ان الكون ايل نعيش فيه بدا من حوايل 13.7بيليون سنه .اليهمنا ان كان قد بدا قبل ذلك بشكل خمتلف سواء كان طاقة ام مادة ام جاذبية اخل ..وهذا شيء غري معروف ان كان الكون بدأ هكذا او بشكل خمتلف .وان كان له بدايه فنحن ال نعلم ان كان اهلل هو السبب الوحيد وال نعلم ان كان اهلل عله اوىل ام ال!
66
67
نبضات بن باز ...
ان هناك جسيمات اف رتاضية تظهر وختتفي يف الوجود طوال الوقت ،ان فيزياء الكم توضح ان هناك بالفعل احداث ال اسباب هلا. -2من اتى بقوانني الكون؟: الناس تظن ان قوانني الفيزياء توجد خارج نطاق الفيزياء! او اهنا مستمدة من خارج الكون! يف احلقيقة فان الفيزياء احلديثة تنفي هذا ،ان القوانني االساسية للفيزياء هي مجل رياضية تصف الواقع بطريقة موضوعية.
68
-3صقل الكون: ان بعض املتدينني يقولون «ان الثوابت الفيزيائية السته للكون م ــن املمكن فقط ان تتواجد يف نطاق ضيق لتنتج كونا حيتوي على احلياة وبالتايل ف ــان ه ــذا ال ميكن ان يكون قد حدث مصادفة وبالتايل فان اهلل هو من احدثه». انه فكر يعتمد على لصق كل ما النستطيع تفسريه باهلل .ولكن ه ــذه امل ــق ــول ــه ت ــف ــرض ان ــن ــا نعرف ك ــل ش ــيء ع ــل ــى ف ــي ــزي ــاء ال ــك ــون، وه ــو العلم ال ــذي يكتشف كل يوم شيئا جديدا ،ق رمبا نكتشف ي ــوم ــا م ــا ان ه ـ ــذا ال ــك ــون ل ــي ــس مصقوال على االطالق!
نبضات بن باز ...
هناك احتماليه اخرى وهي تواجد عدة اكوان اخرى متفرقة او جمتمعة كلها يف ك ــون واح ــد .رمب ــا يكون لكل ك ــون منها ثوابته اخل ــاص ــه ،فلو افرتضنا ان هناك اكوان كثرية اذا فالصدفة قد تلعب دورها هنا يف ان يكون هناك كون واحد على االقل قادر على انتاج احلياه. واالن دعنا ننظر اىل تعريف كلمه اهلل « :ابدي ،العليم ،القوي ،الودود» .اذا هل بامكان اهلل ان ينحرف قليال عن هذه الصفات ؟ مع اننا نعلم ان هناك تباينا حديا بسيطا يف ثوابت الكون «املصقول» .ومع ذلك فانه ليس هناك تباين ح ــدي يف صفات ذل ــك االل ــه التقليدي ،منطقيا ه ــذا يقودنا اىل عدم تصديق وجود اله يف الكون. وايضا حيق لنا ان نسأل من الذي صقل اهلل ؟ لو ان هذا الكون قد خلق خصيصا من اجل البشر ،فان حجمه اهلائل هذا وكل تلك السنني اليت مرت قبل ظهور االنسان كانت بال معىن! وهذا ما الجيب ان يظهر من ذلك االله ! -4صقل االرض: بعض املتدينون يقولون «ان االرض موضوعة يف مكاهنا االم ــث ــل يف النظام الشمسي ( ليست ب ــاردة جدا وال ح ــاره ج ــدا) وبالتايل تقبل احلياة ،وايضا فان العناصر على االرض ( الكربون ،االوكسيجني) ايضا يف نسبها السليمة. ويقولون ان هذا ال ميكن ان حيدث بالصدفة وبالتايل ال بد من وجود اله وضع االرض يف مكاهنا الصحيح ووضع هذه العناصر الكيميائية». ان هذا تك رار لتفسري كل شيء غامض بكلمه اهلل .هذا الكالم كان ليكون صحيحا لو ان االرض هي الكوكب الوحيد يف الكون كله .وبالتايل ستكون عالمه واضحة.
69
نبضات بن باز ...
لكن املتدينون هم اول الناس معرفة ان هناك املاليني من الكواكب يف الكون
يقول فولتري « :ان كان اهلل غري موجود فال بد من اخ رتاعه» بن باز @benbazbuzz
وبالتايل فانه بالصدفة احد تلك الكواكب تيسر له الظروف املناسبه النتاج احلياة. بامكانكم ان تتخيلوا خملوقات فضائية وردية اللون وهلا اربع عيون وتتنفس ثاين اكسيد الكربون على كوكب اخر تؤمن ان كوكبها مصقول وان اهلل هو من صقله ! على املؤمنني واج ــب صعب وه ــو حماوله اثبات اهلل بطريقة علمية ب ــدال من مقوالت ذلك االع رايب القح.
70
71
امرأة غامضة
مصطفى تاج الدين موسى
وأتأم ل هذه الوجوه البشرية اليت ضاعت مالحمها كدت اختنق وأن ــا أمشي ّ يف ازدح ــام هذا اليوم ..هربت منها ألدخل هذا املقهى ,مث طلبت من النادل زجاجة عصري. لكأسني وأنا أرمق ذباب ةً كسولة كانت تتمشى على سطح طاوليت ,بدت يل مالحمها واضحة. شهقت وأن ــا أش ــاه ــد ام ـ ـرأ ًة مجيلة ت ــدخ ــل املقهى لتجلس إىل ط ــاول ـ ٍـة قريبة.. تأملتها مذهوالً ,مل يسبق يل أن شاهدت أمجل منها يف حيايت ,مجاهلا نادر.. مع ابتسامتها الساحرة والغامضة. حاولت أن ألفت انتباهها ,استغربت منها ..كانت مشغولة بالنظر وبإعجاب ٍ طاولة عن يساري. إىل جاري على كانت ترمقه بعينيها اللتني تنضحان شهوة وحب. ما ال ــذي أعجبها هب ــذا البدين البشع؟ .أمرها غامض ه ــذه اجلميلة ,لنصف ساعة وهي ترمقه دون أن يكرتث هلا. مهست يف س ــري( :أن ــا مستعد ألن أخ ــس ــر ح ــي ــايت مقابل أن أن ــام معها ليلة واحدة). ف ــج ــأ ًة ..هن ــض ــت ع ــن كرسيها وم ــش ــت حن ــو ج ــاري ال ــب ــدي ــن ,ي ــا إهل ــي ك ــم هي جريئة! .تلك الشهوة يف عينيها كانت تشتعل ن ــاراً ,عليه اللعنة ..سريره سريحبها هذه الليلة. احن ــن ــت إل ــي ــه لتقرتب بوجهها م ــن وج ــه ــه ,مث قبلته قبلة طويلة ,خ ــيّ ــل يل أنه سيتحول إىل أمري ,كما يف تلك احلكاية القدمية اليت تقبل فيها احلسناء ذلك
72
امرأة غامضة
الوحش. مال جسده عن كرسيه ليسقط على األرض ..معه حق ..قبلة عذبة مثل هذه ال يستطيع أي رجل يف العامل أن حيتملها. أسرع إليه صاحب املقهى وبعض الرواد ,بينما هي تنسل من بينهم لتمشي هبدوئها الغريب حىت الباب ,حيث استدارت لتنظر إىل جاري وكأهنا تودعه, مث خرجت ..مل أفهم سر ابتسامتها الغامضة. قال أحد الذين احننوا على جسد جاري ,وهيئته تدل على أنه طبيب: ـــ يبدو أنه قد أصيب بأزمة قلبيّ ة حادة ..لقد مات.. عال الكالم والص راخ حول اجلثمان ,أسرعت وأخربت صاحب املقهى بأنه من املمكن أن تكون تلك امل رأة قد قتلته .قال يل مندهش اً: املتوف أثار طعنة أو طلقة.. ـــ ال يوجد على جسد ّ زفرت ,مث خرجت من هذه احلانة ,وظللت لساعات أمشي على األرصفة بني البشر الذين ال مالمح هلم ..شعرت باجلوع ..فدخلت مطعم اً متواضع اً: شهقت وأن ــا أش ــاه ــد امل ـرأة اجلميلة ذاهت ــا ت ــدخ ــل املطعم لتجلس إىل ط ــاول ـ ٍـة أمامي. هذه املرة انتبهت يل ,ابتسمت هلا خببث فابتسمت يل خببث ,غمزهتا بلطف فغمزتين بلطف ,لعقت شفيت السفلى فلعقت شفتها السفلى. ما أمجلها ! .هذه الليلة سوف أربح سرها وأربح جسدها. قلت للنادل: ـــ اجلب زجاجة نبيذ من النوع الفاخر ..وقدمه هلذه السيدة على حسايب.. ـــ عن أي سيدة تتحدث ؟. ـــ هذه السيدة اليت جتلس أمامي.. ونظر إىل حيث أشرت له بسبابيت. ـــ على هذه الطاولة ال يوجد أحد ..إهنا فارغة يا سيدي..
73
وذهب وهو يهز ب رأسه ويبتسم. إيل, مل أفهم شيئ اً ..بينما هذه امل رأة اجلميلة تنهض عن كرسيها لتمشي هبدوء ّ ويف عينيها شهوة عارمة. ٍ عندئذ ..مثة ذبابة كانت تتمشى على طاوليت ,طارت بعيداً عن هنا.
أسمائي يف املشفى
مصطفى تاج الدين موسى
أتذكر أن السيارة اليت حطمت حياة صديقي ,هي ذاهتا اليت نقلت ما تبقى من حيايت إىل هنا. كأشباح نتمشى حنن املرضى يف هذه املم رات الضيقة ,مستندين على اجلد ران أحيان اً ,وأحيان اً على أعمدة السريوم. مير بيننا العجوز بعربته املعدنية ,ال أحد منا أخذ حصته من الطعام املطبوخ ٍ بشكل سيء فوق عربته. بينما مالك املوت يغفو قلي الً يف تلك ال زاوية ,لينال قسط اً من ال راحة ,قبل أن يرجع ليكنسنا كـ بقايا بشر. مريض يتأمل يف خياالته مشاهد من فيلم حياته ,تأيت على ك ـ ّـل سري ٍر مثّــة ٌ ٍ وكأن ا ألحد املخرجني اهلواة ,وحده مريض السرطان اللقطات بشكل عشوائي ّ وبعد اجلرعة الكيماوية الثالثة ,يعيد توضيب مشاهد من حياته يف خياالته كـ خمرج سينمائي حمرتف. ٍ املمرض املناوب الذي ال حيب السينما ,يوزع قبل منتصف الليل على املرضى األدوية بال مباالة ,مث ميضي إىل غرفته ليداعب خلف باهبا هندي املمرضة. يوم اً م ــا ..زوج ــة هذا املمرض و زوج هذه املمرضة ,سوف يأتيان إىل هنا كـ ـب مل بقايا بشر ,لينتجا يف خياالهتما ف ــوق ه ــذه األس ــرة املخلخلة ,أف ــام ح ـ ٍّ يعيشوها أبداً. أنفث جيلس جانيب مالك املوت فأشعل له سيجارة ,هو ُّ يعب منها هبدوء وأنا ُ دخاهنا من أنفي ببطء ,هذا ما مساه كارل ماركس بـ (تقسيم العمل). املريض عن مييين بيده سبحة طويلة ,يعد على حباهتا أمساء اهلل احلسىن ,تنتهي
76
أسمائي يف املشفى
أمساء اهلل وال تنتهي أوجاعه. يف دورات املياه شربت زجاجة ٍ نبيذ رخيص ,مث رجعت وأنا أترنح ..سرقت السبحة من اليد الباردة جلاري امليت منذ دقائق. على سريري وأسفل الغطاء الرث ,رحت أعد وأعد على حباهتا وأنا أهذي, انتهت أوجاع اهلل احلسىن ومل ِ تنته أمسائي. مروا من أمام يف املشفى تصري دورات املياه كابوس اً بشع اً للمرضى ,ك لّ ما ُّ امل رايا الصغرية فوق املغاسل ال يشاهدون أنفسهم. ٍ بشكل هستريي وج ــه ـاً يشبه وجهي على ك ــل هذه مساء ال ــب ــارح ــة رمس ــت امل رايا ,بقلم أمحر شفاه أخذته من حبيبة قدمية كذكرى. ـت ال ــع ــش ـرات وال ــع ــش ـرات م ــن العابرين يف هب ــو املشفى ـت وأرب ــك ـ ُ اآلن ..أرع ــب ـ ُ عندما صرخت به حبنق. ال أحد يبتسم هنا إطالق اً ,ال املرضى وال زواره ــم ..ال األطباء وال املمرضون وال املمرضات ..ال الطباخ العجوز وال أنا وال مالك املوت ..وال حىت عامود السريوم. وحده فقط ..داخل صورته الكبرية واملعلقة يف هبو املشفى ,يبتسم. ـــ بكم كيلو االبتسامات هذا اليوم يا سيادة الرئيس ؟..
77
سراديب اآللهه -القسم األول
رنده قسيس
أثر مفهوم الطوطم في نشأة األديان ...حلقة 1
78
تعد اخل ـراف ــة الينبوع األول للنظام الطوطمي ال ــذي ساهم يف شق الطريق لإلنسان يف تدجني احليوانات ومن مث الزراعة وال لّ ذي ِن سامها بدورمها يف عملية تطور اإلنسان وانتقاله من اإلنسان «الباليوثي» إىل اإلنسان «النيوليثي». وهنا ال بد من اإلشارة ،إىل أن اإلنسان «الباليوثي» يف مجيع م راحله كان صيّ اداً وقاطف اً للفاكهة .وكما يعتقد بعض اختصاصي اآلثار فإن مرحلة القطف واالستفادة من امل ــوارد الطبيعية لعبت دوراً هام اً يف تطور اإلنسان تدرجيي اً ،ويف تأسيس معتقداته البدائية اليت مهدت لتكوين نظام اجتماعي ديين .فكانت من تلك املعتقدات اخل رافية و ِ املؤس سة لنظام اجتماعي تلك اليت ختص عملية احلمل عند األنثى وعملية التكاثر عند احلي وانات والنباتات، ويعود ذلك لعدم ربط عالقة احلمل عند امل رأة باحلي وانات املنوية لدى الذكر عند بعض القبائل األس رتالية ،والناشئ بالطبع عن جهل اإلنسان البدائي يف تلك احلقبة بعالقة الذكر يف تلقيح البويضة ،وظن البعض منهم آنذاك بوجود عالقة تبادلية تربط تكاثر احليوانات والنباتات بعملية احلمل عند امل رأة، لينشأ عن هذا الربط معتقدات خمتلفة .فكان االعتقاد السائد آن ــذاك أن حلظة حصول احلمل م رتافقة مع شعور ينتاب امل رأة عند إحساسها بارتعاش يف ال ــث ــدي ،ليتوجب عليها أن تستذكر م ــا أكلته أو رأت ــه أو ف ــك ــرت به كنبات أو حيوان يف تلك اللحظة كي يتم نسب الطفل إىل طوطم معني.
سراديب اآللهه
فسر جيمس فريدزر(* )2هذا االعتقاد على أنه نتيجة جهل اإلنسان األول أس ــب ــاب التناسل واإلجن ــاب ال ــي أدت إىل ختصيب فكرة تناسخ احليوانات والكائنات من خالل اإلنسان .فالنظرية األوىل لتفسري الطوطم استندت على مبدأ تبادل األرواح بني اإلنسان وطوطمه ،ليكون احليوان الطوطمي فرداً من أف راد العشرية املنتمي اليها ،و»املقدس» يف آن واحد. يف هذا املكان املقدس يتم حتديد طوطم الطفل من دون أن يتبع طوطم األم أو األب ،بل يُنسب إىل طوطم السلف وال ــذي ُي ـ ّدد من خالل النبات أو احليوان املتعلق مبكان األم عند شعورها بأول عالمات احلمل ،ويعود ذلك، كما ذكر «فريدزر» بسبب جهل قبيلة «األرونتا» لعملية التناسل املرتبطة بالعملية اجلنسية. وجد ساالمون رينا (* )3أن النظام الطوطمي قام على أساسني :األول ،وهو اح رتام حياة الطوطم ،فقتله ال يتم إال يف ظروف معينة حيث جيتمع أف راد القبيلة ألكله مجاعي اً مع ممارسة طقوس خاصة تليق به؛ أما األساس الثاين، فهو قائم على حترمي العالقات اجلنسية بني األف راد املنتسبني إىل طوطم واحد وه ــذا م ــا يلقب بالنظام ال ــ»اي ــك ــزوغ ــام ــي» ال ــذي ينظم العالقات اجلنسية داخ ــل القبيلة ال ــواح ــدة ،كما اعتقد ري ــن ــا أي ــض ـاً أن التحرمي ال ــذي أص ــاب هذين األساسني ناتج عن مشاعر االح رتام جتاه حياة أف راد العشرية الواحدة وامت زاجها بشعور االمشئ زاز من رؤية الدم امل ـراق .فالطوطم هو أحد أف راد العشرية املتميز واملمتلك لقدرة غامضة (* . )4هلذا مت التعارف على أن الطوطمية والنظام االيكزوغامي مها نظامان نابعان من مبدأ واحد خيصان فرتة زمنية معينة ونتجا عن عملية تطور هليكلة اجلماعة. اعترب معظم األنرتبولوجيني الطوطم نظام اً عشائري اً أو قبلي اً قائم اً على
79
سراديب اآللهه
80
جمموعة م ــن التابوهات ال ــي تتلخص يف ع ــب ــادة معينة م ــن قبل مجاعة ما حليوان يف معظم األحيان ،أو نبات يف حاالت نادرة ،كما ميكن للطوطم أن يتجلى بعبادة مادة غري حية يف حاالت استثنائية .فما مييز الطوطم عن الصنم هي تلك العالقه غري احملددة وغري املرتبطة بغرض واحد ،بل مرتبطة مبجموعة من امل ــواد من خ ــال مفهوم واس ــع .ه ــذه العبادات ال ــي مارسها اإلنسان لصاحل حيوان أو نبات ما ،ولدت من احلقبات البدائية يف مرحلة الصيد للجماعات ،إال أهنا استمرت مع تطور اجملتمعات لتأخذ أشكاالً متطورة عديدة .فنجد ،على سبيل املثال ،أن التابو رافق النظام الطوطمي وتطور معه حسب تطور النظام االجتماعي ليصبح جزءاً منه ،هلذا جند تغ ريات يف مفهوم التابو عرب العصور. مر النظام الطوطمي مب راحل متعددة ،ففي مرحلته البدائية اعتمد على اعتبار املوح د ما بني أصل الطوطم املتجسد مبنشأ احلمل والطوطم الوراثي األم ال راب َ ط ِّ عند حصول حلظة اإلحساس باحلمل امل رتافق بارتعاش الثدي .من هنا تش ّك َل الطوطم الفردي الناشئ من فكرة تبادل األرواح بني اإلنسان وطوطمه .هذه النظرية القدمية ،من وجهة نظر جيمس فريدزر ،تالمحت وامتزجت مع املفهوم الوراثي األبوي اجلديد لتعطي مفهوم اً جديداً للطوطم. ميز فريدزر الطوطم إىل ثالثة أن واع: 1ـ طوطم العشرية (* )5الذي ينتقل من جيل آلخر، 2ـ الطوطم املتعلق بالنوع اجلنسي ،أي املنقسم إىل طوطم لإلناث وآخر للذكور. 3ـ الطوطم الفردي واخلاص بالفرد ال واحد واملت وارث عربه. بينما قسم امييل دوركهيم الطوطم إىل نوعني :الطوطم العشائري والطوطم الفردي........يتبع
سراديب اآللهه
-------------------------------------* -2أسس جيمس فريدزر فرضياته بناءً على دراسات «سبينسر وجيلني» ال ــي أعطت تفس رياً ملنشأ فكرة النظام الطوطمي ،فعند قبائل «ارون ــت ــا» االس رتالية اليت كانت األقدم واألكثر بدائية املعروفة لدى األنرتبولوجيني يف ذلك الوقت .وجد «فريدزر» أن مفهوم الطوطم لدى أف راد هذه القبيلة مرتبط مبكان حمدد لديها يسكنها أرواح أسالف القبيلة ،ففي هذا املكان املقدس ُت ارس الطقوس وحتتفظ بالـ»شورينجا» اليت حتتوي يف معظم األحيان عند قبائل الـ»ارونتا» و»لوريتجا» ...على بعض اخلشب أو األحجار املمتلكة من فرد معني أو من مجاعة لتمنح صفة القدسية عليها .وال بد من الذكر انه متت إضافة بعض الطقوس عليها عند بعض القبائل ،كغناء األناشيد واالحتفاالت ...علم اً أن الـ»شورينجا» يف علم النفس التحليلي هلا داللة رمزية فهي ترمز إىل العضوالذكري كما ذكرها األنرتبولوجي وحملل النفس جي زا روهيم .وبعيداً عن رمزية «الشورينجا» جندها تعرب يف طقوسها عن ارتباط املاضي باحلاضر واملستقبل ،كما أن ممارسة طقوس «الشورينجا» هتدف إىل اقامة عالقة ملموسة وحمسوسة بني احلاضر واملاضي وأمهية استم راره يف احلاضر. * -3ري ــن ــا س ــاالم ــون ،ك ــت ــاب ط ــق ــوس وأس ــاط ــر وأدي ـ ــان؛ ف ــص ــل الطوطمية وااليكزوغامي صفحة .81-77 * -4القوى الغامضة مت تعريفها على أهنا املانا اليت تعد املكون الرئيسي هلذه القوى اليت ميكن حلاملها لعب دور أساسي ضمن مجاعته ،هلذا مت وصفها
81
سراديب اآللهه
سراديب اآللهه
من قبل القبائل البدائية على أهنا امتداد ظل حلياة سابقة وأن األموات أو اآلهلة هم ينابيع املانا ،أي مبعىن آخر نستطيع القول إن املانا وما حتتوي من قوى تستمد طاقتها من األعداد الالمتنهاية للموتى. * -5يف اللغة االنكليزية أو الفرنسية تستخدم كلمة « »clanواليت ميكننا ترمجتها جبماعة أو زمرة أو عشرية. مقتطفات من كتاب س راديب اآلهله لرنده قسيس
38 82
51 37
االحلاد بني اليوم واالمس
راما فاروسي
84
مل تكن منطقة شبه اجلزيرة العربية ،بيئة مهجية تعج بالوثنيني اجلهلة ،كما صورها لنا اإلس ــام واملسلمون بالرغم من العصبيات القبلية ،واحل ــروب املستمرة إال انه كان للفرد فيها حرية اإلعتقاد مبا يشاء؛ طاملا انه ال ميس القبيلة وأهلتها بإسته زاء أو أذى .فكانت تعيش يف شبه اجل ــزي ــرة قبائل نص رانية ويهودية وقلة من الصابئة واجملوس ،باإلضافة إىل ملحدي العصر الوثين والزنادقة .ولطاملا كانت شبه اجلزيرة موطنً ا ألنبياء بشروا بدعواهتم، وم ــض ــوا ..وبعضهم ق ــد ذك ــر يف ال ــق ــرآن ،وق ــد ق ــال أب ــو ال ــع ــاء امل ــع ــري ،عن إدعاء البعض بالنبوة يف اجلاهلية( :مل تكن العرب تقدم على هذه العظائم واألمور غري النظائم ،بل كانت عقوهلم جتنح إىل رأي احلكماء ،وما سلف من كتب القدماء ،إذ كان أكثر الفالسفة ال يقولون بنيب ،وينظرون إىل من زع ــم ذل ــك بعني ال ــغ ــي) .ون ــظ ـًـرا إلعتياد العرب على مدعيي النبوة مل تلق دعوة حممد بعد جتاوزها مرحلة السرية معارضة من قبيلة بين قريش، خصوص ا أهنا كانت تقتصر يف أوهلا على آيات البعث ،والنشور ،والوعيد، ً والرفق ،باملساكني ،والدعوة للتفكر باخلالق والطبيعة ،ورغ ــم إنزعاجها خلروجه بأتباعه إىل الشعاب ،وال ــص ــاة هبم بطريقة خارجة على أع ـراف قريش ،إال أهنا تركته ،وصحبه ومل تبدأ بالرد عليهم إال بعد أن بدأ يستخف بآهلة قريش ،وأسيادها علنً ا .وكان أخطر خصوم النيب حممد الفكريني يف ذلك الزمان ،من امللحدين هم ماديو العصر الوثين ،وك ــان منهم منكرو اخللق والبعث واإلع ــادة .ذكرهم القرآن بقوله( :إن هي إال حياتنا الدنيا
االحلاد بني اليوم واالمس
من ــوت ،وحنيا وما حنن مببعوثني)، .ومنهم منكرو البعث ،و اإلع ــادة الذين أق ــروا بوجود خالق (وض ــرب لنا مثال ونسي خلقه ،قال «من حييي العظام وه ــي رم ــي ــم») .ومنهم من أق ـ َّـر بالبعث واإلع ــادة واخل ــال ــق ،ولكنهم رفضوا قاطع ا وتقربوا لألصنام لتقرهبم من اخلالق. مدعي النبوة بنظرهمً ، رفض ا ً كثريا ،ودخل معهم يف ص راعات كالمية ولقد عاىن الرسول من زنادقة مكة ً كان منطقهم فيها هو الغالب ،وكانوا يردون آيات الق ران للكتب املقدسة، واألساطري القدمية ،وكان أخطرهم النضر بن حارث الذي كان ميثل الطبقة املثقفة ،و املتمدنة بقريش يف ذلك الوقت اليت رفضت ما جاء به حممد مجلة و تفصيال .وق ــد ك ــان على سفر دائ ــم وإط ــاع على الثقافات ،والديانات يك حملمد أن جياريه وغالبً ا ما كان الناس يرتكون مساع تالوة األخ ــرى فلم ُ علم ا ،ومعرفة القرآن ،ويفضلون حديث بن ح ــارث ال ــذي أثبت انه أكثر ً جهدا لتصفيته بوحشية وأقوى حجة من نيب اهلل ،لذا مل يدخر النيب حممد ً يف إحدى الغزوات .وبعد تطاول النيب املستمر على سادة قريش وآهلتهم، إضطر للهجرة ليتمكن من مجع حلفاء جدد ،وذهب ليثرب اليت كانت تعج باليهود يف ذلك الوقت ،وعقد هدنة معهم سرعان ما نقضها وبدأ بتكفريهم يف السور املدنية( ،ومن يتبع غري اإلسالم دينً ا لن يقبل منه) ،وبدأت األوامر بتصفيتهم وك ــان ذل ــك أول تطهري عرقي على أس ــاس دي ــي يف ت ــاري ــخ شبه اجلزيرة .خالل الص راعات بني املعسكرين القريشي واحملمدي ،وحينها كان ممثل للدفاع الشعر هو األداة األبرز يف تلك احلرب ،وكان حسان بن ثابت ً عن حممد ،وقرآنه يف وجه أشعار الزنادقة ،واملستهزئني واملكذبني له ،وبعد فتح مكة بدأ عصر جديد قضى على مجيع أشكال التعددية الدينية ،واحلرية الفكرية يف تلك الصح راء ،وبدأ عصر حممدي حيارب العقل والفكر واملنطق
85
االحلاد بني اليوم واالمس
االحلاد بني اليوم واالمس
وحيكم حبد السيف وبشريعة القرآن ،فقد أمر بقطع رأس كل من استهزأ بالنيب فور فتحه مكة ،مما أمخد صوت الزنادقة يف تلك الفرتة .عاد الزنادقة للظهور يف م ـراح ــل الح ــق ــة يف العصور اإلس ــام ــي ــة ،وك ــان أغلبهم فالسفة وشع راء يتغنون بأيام اجلاهلية ويناقشون وجود اإلنسان ،وفنائه متحدِّين احلكم اإلسالمي .وقد تعزز تيار الزندقة بدخول جنسيات وثقافات خمتلفة نوع ا من التهديد الفكري يف حظرية احلكم اإلسالمي وأصبحوا يشكلون ً يف العصر العباسي ،مما إضطر اخلليفة املهدي إىل إنشاء ديوان امسه ديوان الزنادقة مجع فيه أثارهم ،وأمر مبالحقتهم وقتلهم إن مل يتوبوا! أمر اخللفاء ورج ــال الدين عرب العصور ب ــإب ــادة مجيع آث ــاره ــم النثرية ،ومل يبق منها إال وأم ــا آثارهم الشعرية فهي تتعرض مقتطفات بكتب الدين للرد عليهاَّ ، لإلتالف حىت يومنا هذا ،على يد قوى اإلسالم السياسي اليت ال تريد ألي ثقافة خمالفة هلا أن تنتشر بني الناس .إن زنادقة األمس هم ملحدو اليوم، وما زالوا يتعرضون لنفس املالحقة والتضيق ،ومعظم مفكريهم املعاصرين إنتهوا إىل القتل أو النفي
86
51
خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق
راما فاروسي
أكتشفت أقدم اقتباسات قرآنية على عمالت أثرية قدمية كانت متداولة يف عام 685م ،ويف املسجد األقصى الذي بناه عبد امللك بن مروان يف القدس يف 691م ( .)18 .p ,1977 ,Crone-Cookختتلف هذه االقتباسات القرآنية كث ريا عن النص القرآين املتداول يف العصر احلايل .إستنتج فان برشم وجرومان بعد دراسات تفصيلية ألقدم نقوش وكتابات يف املسجد األقصى أهنا ختتلف كث ريا عن القرآن احلايل يف تصريف األفعال ويف تركيب اجلمل ومعانيها كما أهنا حتذف بعض ما حيتويه قرآن اليوم: ,1977 Crone-Cook ;74 .p ,1983 ,Cook, Muhammad ,1927 ,see Van Berchem, part two, vol. ii ;168-167 .pp and Grohmann’s Arabic Papyri form 217-215 .pp 72 .Khirbet el-Mird, no
88
أق ــدم شاهد غري إسالمي لكتاب يدعى ال ــق ــرآن يرجع إىل منتصف القرن الثامن م .بني رجل عريب وراهب من بيت هيل (.)6f .pp ,1915 Nau لكن هذا الشاهد ال يصف حمتويات الكتاب .ليست لدينا أية خمطوطات قرآنية كاملة من القرن السابع م: (,A. Schimmel, Calligraphy and Islamic Culture )4 .p ,1984 يف الواقع ،معظم املخطوطات ألج زاء من القرآن قد ُك تبت بعد موت حممد
خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق
بأكثر من مئة سنة .ال يوجد أي دليل يف اآلثار القدمية على وجود النسخة القرآنية اليت نقحها وأصدرها اخلليفة عثمان ابن عفان: Martin ;154-140 .pp ,1989 ,Gilchrist, Jam’ al-Qur’an ,1976 ,Lings and Yasin Hamid Safadi, The Qur’an 17-11 .pp أقدم املخطوطات القرآنية هي اآليت: .1خمطوطة مسرقند (مبكتبة تشقند ،أزخبستان) .حتتوي هذه املخطوطة فقط على أج زاء غري كاملة من 42سورة—من سورة البقرة 2إىل سورة الزخرف .43حتتوي على آيات قرآنية ختتلف عن النصوص القرآنية احلالية ()67 .Brother Mark, A Perfect Qur’an, p .2خمطوطة توبكايب (مبتحف توبكايب باستانبول ،تركيا) .غري مسموح للخ رباء بتصوير ودراسة هذه املخطوطة. هذين املخطوطتني مكتوبتني باخلط الكويف الذي أستخدم يف أواخر القرن الثامن م ،.ومل يكن مستخدما يف مكة واملدينة يف القرن السابع م:. (,Martin Lings and Yasin Hamid Safadi, The Qur’an )17 ,13-12 .pp ,1976 كتبت هذان املخطوطتان يف أواخر القرن الثامن أو أوائل القرن التاسع م،. أي أكثر من 150سنة بعد إصدار النسخة العثمانية املزعومة للقرآن: (.)147-144 .pp ,1989 ,Gilchrist, Jam’ al-Qur’an .3خمطوطة قرآنية مكتوبة باخلط املائل ال ــذي كان مستخدما يف احلجاز (ب ــامل ــت ــح ــف ال ــري ــط ــاين ب ــل ــن ــدن ،ب ــري ــط ــان ــي ــا) .حب ــس ــب د .م ــارت ــن لنجز (مي ــارس
89
خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق
خمطوطات القرآن املكتشفة التتطابق
اإلسالم) ،كتبت هذه املخطوطة يف أواخر القرن الثامن م. .4خمطوطات صنعاء (اليمن) .هذه املخطوطات املتناثرة حتتوي على بعض أج ـزاء من القرآن وتعود إىل القرن الثامن م .أُكتشفت يف املسجد الكبري ال ــق ــدمي يف صنعاء يف ع ــام .1972ال ــق ــرآن ال ــذي حتتويه خيتلف ع ــن النص القرآين احلايل .يتضح عند فحص هذه املخطوطات أن النص القرآين هبا قد تغري .فالقرآن الذي هبا مكتوب فوق نص قرآين أقدم منه قد مت حموه غري أن آثارا منه مازالت باقية .يشري هذا إىل أن نص القرآن قد تطور وتغري على مدى عقود من الزمان .مل يكن نصا ثابتا راسخا منذ بدايته: (Toby Lester, What Is the Koran, The Atlantic )1999 .Monthly, Jan ال تشري األدل ــة األثرية إىل وج ــود نص ق ــرآين قانوين مشابه للقرآن احل ــايل يف القرن السابع م .كما أن علماء اآلثار مل يعثروا على أية خمطوطات ألج زاء من أي حديث مكتوبة يف املائة سنة اليت تلت موت حممد. andy من صفحة https://www.facebook.com/ProphetsAreFakes
90
91
ســــورة مـــن مثلـــــه التحدي الوحيد الذي يتبجح به املسلمني أتو سورة من مثله و لكن امسعوا بعدما حتدى كاتب القرآن بسورة ماذا حدث ب ِمَّا نـ َّزلْ نَ ا َع لَ ى َع ْب ِدنَا فَ أْتُوا بِ ِ ورٍة ِم ْن ِم ثْ لِ ِه َو ْادعُ وا ُش َه َداءَ ُك ْم س َوإ ْن ُك ْن تُ ْم ِف َريْ ٍ َ ُ َ ون ال لَّ ِه إِ ْن ُك ْن ت م ِ ِ ِم ن د ِ ني البقرة ()23 ْ ُ ص ادق َ ُْ َ و ملا أتوه بسورة من مثله ماذا قال كاتب القرآن ،رفع التحدي إىل عشرة سور أَم يـ ُق ولُو َن افـ تـ راه قُل فَ أْتُوا بِع ْش ِر س و ٍر ِم ثْ لِ ِه م ْف تـ ري ٍ ِ اس تَ طَ ْع تُ ْم ِم ْن ن م وا ع اد و ات ْ ُ َ ْ ْ َ ُ ََ َ َ َ َُ ْ ََ ُ ْ ِ ِ ِ ِ ني هود ()13 ص ادق َ ُدون ال لَّ ه إِ ْن ُك ْن تُ ْم َ و ملا ج ــاؤوه بعشرة سور بدأ التهديد و الوعيد ملن يكتب سور و آيات من مثله فـ وي ل لِلَّ ِذين ي ْك تُ ب و َن الْ ِ اب بِأَيْ ِدي ِه ْم ُثَّ يـَ ُق ولُو َن َه َذا ِم ْن ِع ْن ِد ال لَّ ِه لِ يَ ْش تـَُروا ت ك َ ََ ْ َ ََ ُ ٌ ِ ت أَيْ ِدي ِه ْم َو َويْ ٌل َلُ ْم ِمَّا يَ ْك ِس بُ و َن البقرة ()79 بِ ِه َثَنً ا قَ لِ ً يل فـََويْ ٌل َلُ ْم مَّا َك تَ بَ ْ
92
و ملا كانت بالغة الذين يكتبون الشعر و النثر الديين عالية و متمكنة امسع ماذا قال حممد اب لِتَ ْح س ب وه ِم ن الْ ِك تَ ِ وإِ َّن ِم نـْه م لَ َف ِري ًق ا يـ ْل وو َن أَلْ ِس نَ تـ ه م بِالْ ِك تَ ِ اب َوَم ا ُه َو َُ ْ ُْ َ َُ ُ َ َُ اب ويـ ُق ولُو َن ه و ِم ن ِع ْن ِد ال لَّ ِه وم ا ه و ِم ن ِع ْن ِد ال لَّ ِه ويـ ُق ولُو َن ع لَ ى ال لَّ هِ ِ ِ ِ ت ك ل ا ن م ْ َ َ ََ ََ ُ َ ْ َُ ْ ََ َ ِ ب َو ُه ْم يـَ ْع لَ ُم و َن آل عم ران ()78 الْ َك ذ َ إذا كانت بالغة القرآن فارقة ملاذا حيسب الناس أن الشعر املكتوب من عنذ كائن خ رايف و تواصلت مهازل كاتب القرآن يف حربه ضد الذين يكتبون ال رتاتيل و الشعر الديين يف قوله {و َك ـ َذلِ ِ ـس و ِْ ـك ج ع ْل نَ ا لِ ُك ِّل نَـِـي ع ـ ُـد ًّوا َش ي ِ ِ ِ ـ ن ض ُه ْم إِ َل ال ني اط ـ ْ ْ َ ال ـ ِّـن يُوح ي بـَ ْع ُ ٍّ َ َ َ ََ َ َ ِ بـَ ْع ٍ ك َم ا فـَ َع لُ وهُ فَ َذ ْر ُه ْم َوَم ا يـَ ْف تـَُرو َن} - ض ُز ْخ ُر َ ورا َولَ ْو َش اءَ َربُّ َ ف الْ َق ْول غُ ُر ً األنعام ()112
ســــورة مـــن مثلـــــه
ِ ِ {ولِت ص غ ى إِلَ ي ِه أَفْ ئِ َدةُ الَّ ِ ِ ض ْوهُ َولِ يـَ ْق َِتفُوا َم ا ُه ْم ذ ين َل يـُ ْؤم نُ و َن بِ ْالَخ َرِة َول يـَْر َ ََ َْ ْ َ ُم ْق َِتفُو َن} -األنعام ()113 مث اهتم الشع راء بأخذ الشعر من الشياطني اليت تسرتق السمع ه ل أُنـ بِّ ئُ ُك م ع لَ ى م ن تـ نـ َّز ُل َّ ِ ني الش يَ اط ُ َ ْ َ ْ َ َ ََ تـ نـ َّز ُل ع لَ ى ُك ِّل أَفَّ ٍ اك أَثِي ٍم ََ َ الس ْم َع َوأَ ْك ثـَُر ُه ْم َك ِاذبُو َن يـُْل ُق و َن َّ الش َع َراء يـَتَّ بِ عُ ُه ُم الْ غَ ُاوو َن َو ُّ أَ َلْ تـَر أَنـَّ ُه م ِف ُك ِّل و ٍاد يَ ِ يم و َن ه َ ْ ُ َ َوأَنـَّ ُه ْم يـَ ُق ولُو َن َم ا ال يـَ ْف َع لُ و َن مث ختمها مبهزلة يف سورة األع راف و قال أن أحدهم و احلديث يف الرواية و ال رتاث عن أمية بن أيب الصلت أن اهلل أتاه من آياته و لكنه انسلخ منها الش ْي طَا ُن فَ َك ا َن {واتْ ُل َع لَ ْي ِه ْم نـَبَ أَ الَّ ِذي آَتـَيـْنَ اهُ آَيَاتِنَ ا فَ انْ َس لَ َخ ِم نـْ َه ا فَ أَتـْبـَ َع هُ َّ َ ِ ِ ين} -األع راف ()175 و ا غ ل ا ن م ْ َ َ َ ِ ِ ِ َخ لَ َد إِ َل ْالَْر ِ ض َواتـَّــبَ ـ َـع َه ـ َـواهُ فَ َم ثـَلُ هُ َك َم ثَ ِل {ولَ ـ ْـو ش ئـْنَ ا لَ َرفـَ ْع نَ اهُ بَا َولَ ك نَّهُ أ ْ َ ِ ِ ِ ِ ِ الْ َك ْل ِ َّ ين َك َّذبُوا ث أ َْو تـَتـُْر ْك هُ يـَْل َه ْ ب إِ ْن َْت م ْل َع لَ ْي ه يـَْل َه ْ ث َذل َ ك َم ثَ ُل الْ َق ْوم ال ذ َ بِآَي اتِ ِ ص لَ َع لَّ ُه ْم يـَتـَ َف َّك ُرو َن} -األع راف ()176 ص ق ل ا ص ص ق ا ف ا ن ْ ْ َ َ َ ُ َ َ َ هذا هو قرآنكم يا مسلمني و هذا هو حتديكم Lydia Slimani
93
أصنام ( املسلمني)
ملى حممد احلزن» حيضنين كقوقعة سلحفاة ما زال (احلظ ) يسبقها..حيميين من مفاجآت أتت و أخرى مل ِ تأت.. ْ كربت فجأة؟! هل تعلم يا صديقي ملَ ُ ألنين فقدت القدرة على اق رت ِ اف (الدهشة).. ُ لست أبداً بذلك النقاء.. أجل ُ سريع كأرنب..و صفعات األصدقاء ما فر خوف اً من قوقعيت ٌ احلب الذي ّ عادت تعين زمن اً للبكاء.. ٍ ِ بسماء و كث ٍري أكتف من األحالم ..طريقي الطويل ال ي زال يعدين لكنين مل من الفصول يسكنها الربيع حىت يف الشتاء... من «حب آخر» « ..ملى حممد». اكتشفت منذ زمن أن احلياة أقصر من االستسالم للفشل ،و أطول من ُ النجاح مهما كرب.. و أننا كث رياً ما نتبع عادات األجداد من غري تفكري فنفشل ألننا مل خنرت طريقنا بأنفسنا بل ورثنا القدرة على اختيار ذات العادات.. إذا أردنا أن نكون على قدر ( العقل) جيب أن نستخدمه يف كثري من املوروثات: مثل « النقاب» ..و « شجرة امليالد»... ***************
94
أصنام ( املسلمني)
البشرية تسري بتاريخ زمن العوملة ..حىت ( الفيسبوك ) الذي يستخدمه جتار الدين حيمل التاريخ امليالدي ..أين ذهبت حضارتكم يا أحفاد النخيل ..من أحرقها و حيرقها؟! حول األذكياء شجرة امليالد إىل رمز ديين ( مسيحي) مع أهنا موجودة من ّ العصور الوثنية ،و يف سياق حكاية قدمية تشبه قصة « عيد األضحى» عند املسلمني ..أ ِ حمل الدم اجلميل الرمز حل و اإلنسان األضحية ت ذ ُنق َ ْ ّ ّ ليعطي فكرة مجيلة عن املعتقد... يف املقابل قام كثريٌ من املعاقني حبرق الشجرة باسم ( اإلسالم) و حترمي وضعها يف بيوت املسلمني ليصنعوا من ذلك قضية تافهة جديدة تشغلهم حولوا حكاية « عيد األضحى» عن قضايا مصريية جتاهلوها ..متام اً كما ّ إىل أصابع مغمسة بالدم... الشجرة اليت دلّت على ذكاء اإلنسان و قدرته على خلق عامل أمجل.. هتارمز شجرة السرو بعنفواهنا و مشوخها ،بتحديها للصقيع و دوام خض ر ٌ مجيل جيمع مجيع من يؤمن بأن « اهلل» وضعنا على هذه األرض لنعمرها باحلب و العلم بغض النظر عن األديان ..الطوائف ..القوميات ..و الكماليات األخرى. « املسلمون» احلقيقيون اليوم مسؤولون عن تطهري « اإلسالم» من عبدة األصنام ..ح ّد السيوف ..و إرهاب الثقافة و العمائم ..مسؤولون عن نشر احملبة ..السالم ..و كل الصفات اليت يقولون أهنا عماد الدين السليم...
95
اسطورة Pegasusاليونانية و براق حممد الطائر
اسطورة Pegasusاليونانية او احلصان اجملنح و ال ــي اقتبسها االشوريني والف راعنة والزرادشتيني وكذا فعل حممد ! اي ان حممد كان اخر من يستخدم هذه االسطورة مسعت ايها املسلم ؟؟ اسطورة اي اهنا خيال وليست حقيقة http://en.wikipedia.org/wiki/Pegasus http://en.wikipedia.org/wiki/Lamassu لقد غار حممد من هرقل إبن زيوس فسرق األسطورة وحبكها على حسب عقول البُ سطاء ! و العديد من األساطري امل شاهبة هلذه األسطورة ،يكفي كتابة الفرس الطائر أو اخليل الطائر يف أي ُ لغة من لغات العامل و ستظهر لكم أساطري كثرية تعود آلالف السنني قبل حممد ! ختيّ ل ع ــزي ــزي ال ــق ــارئ أن تُشاهد شخص يقول ل ــك :ال ــب ــارح ــة لي الً ذهبت للسماء على ظهر حصان له أجنحة ! ماذا سيكون موقفك ؟! ستضحك ح ــى تُــب ــان ن ــواج ــذك كما ضحك حممد رس ــول ال ــع ــرب ؟! نعم بكل تأكيد ستضحك ؛ فهل يوجد أحصنة تطري ؟! أطارت العقول حىت تُص ّدق هكذا ختريف ؟! حىت الرسول ضحك على هذه اخلُرافة قبل أن يتبىن فكرة ُم شاهبة هلا /لنق رأ : لنق رأ :
96
اسطورة Pegasusاليونانية و براق حممد الطائر
- 1أن رس ــول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رأى عندها بنات لعب ،ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع ،فقال :ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت :فرس ، قال :وما هذا الذي عليه ؟ قالت :جناحان ،قال :فرس له جناحان ؟ قالت : أما علمت أن لسليمان خيال هلا أجنحة ؟ قالت :فضحك حىت بدت نواجذه ال راوي :عائشة احملدث :أمحد شاكر -املصدر :مسند أمحد -الصفحة أو الرقم: 264/14 خالصة حكم احملدث :إسناده صحيح - 2ق ــدم رس ــول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،م ــن غ ــزوة تبوك – أو خيرب – ويف سهوهتا سرت ،فهبت ريح فكشفت ناحية السرت ،عن بنات لعائشة – لعب – فقال :ما هذا يا عائشة ؟ قالت :بنايت ! ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع ،فقال :ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت :فرس ،قال :وما هذا الذي عليه ؟ قالت :جناحان ،قال :فرس له جناحان ؟ قالت :أما مسعت :أن لسليمان خيال هلا أجنحة ؟ قالت :فضحك حىت رأيت نواجذه ال راوي :عائشة احملدث :األلباين -املصدر :صحيح أيب داود -الصفحة أو الرقم: 4932 خالصة حكم احملدث :صحيح - 3قدم رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -من غزوة تبوك – أو حنني -؛ ويف سهوهتا سرت ،فهبت الريح فكشفت ناحية السرت عن بنات لعائشة – لعب ، - فقال :ما هذا يا عائشة ؟ ! ،قالت :بنايت ،ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع ،فقال :ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ ! ،قالت :فرس ،قال :وما هذا الذي عليه ؟ ! ،قالت :جناحان ،قال :فرس له جناحان ؟ ! ،قلت :أما مسعت أن لسليمان خيال هلا أجنحة ؟ ! قالت :فضحك ،حىت رأيت نواجذه ال راوي :عائشة احملدث :األلباين -املصدر :ختريج مشكاة املصابيح -الصفحة أو الرقم3201 :
97
اسطورة Pegasusاليونانية و براق حممد الطائر
خالصة حكم احملدث :إسناده صحيح إذن القصة ُم ضحكة كما ضحك عليها حممد رسول العرب ! فهل سيعتب علينا املؤمنني إن ضحكنا على بُراقهم الطائر ال ــذي طار مبحمد للسماء السابعة ؟!
98
الرواية بلسان محمد حمم د ذات يوم ي ّدعي أنهُ طار للسماء السابعة على فرس ُم نّ ح ويصفه وقف ّ لنا مسلم يف صحيحه قائ الً :دابة أبيض يقال له ال رباق .فوق احلمار ودون البغل .يا سالم! كيف ضحك ساخ راً على خيول سليمان الطائرة كما تقول الطفلة عائشة أم املؤمنني وبعدها أخرتع نفس القصة ؟! لنق رأ القصة : يقول القرآن ﴿ :س ب ح ا َن الَّـ ِ الَ ـ َـر ِام إِ َل أ ي ـذ َس ـ َـرى بِ َع ْب ِد ِه لَ ْي ًل ِم ـ َـن الْ َم ْس ِج ِد ْ ْ ُْ َ ِ ِِ ِ ِ الس ِم يع الْ ب ِ ِ ِ ص ريُ) الْ َم ْس ج د ْالَقْ َ ص ى الَّذي بَ َار ْك نَ ا َح ْولَ هُ ل نُ ِريَهُ م ْن آَيَات نَ ا إنَّه ُه َو َّ ُ َ .يُسميها املسلمني اإلس ـراء هي رحلة قام هبا حممد على ال ـراق [ احلصان الطائر ] مع جربيل ليال من بلده مكة إىل بيت املقدس يف فلسطني ،وأنه انتقل بعد من القدس يف رحلة مساوية بصحبة جربيل أوحسب التعبري اإلسالمي عرج به إىل املآل اآلعلى عند سدرة املنتهى أي إىل أقصى مكان ميكن الوصول إليه يف السماء وعاد بعد ذلك يف نفس الليلة. طبع اً مىت حدثت القصة ؟ ال أحد يعلم كالعادة إختالف فقيل :قبل اهلجرة بسنة ،وقيل :بثالث سنني ،وقيل :خبمس سنني ! يقول حممد : « أتيت ب ــال ـراق ( وه ــو داب ــة أبيض طويل ف ــوق احلمار ودون البغل .يضع حافره عند منتهى طرفه ) ق ــال ،فركبته حىت أتيت بيت املقدس .ق ــال ،
اسطورة Pegasusاليونانية و براق حممد الطائر
فربطته باحللقة ال ــي يربط به األنبياء .ق ــال ،مث دخلت املسجد فصليت فيه ركعتني .مث خرجت .فجاءين جربيل عليه السالم بإناء من مخر وإناء من لنب . فاخرتت اللنب .فقال جربيل صلى اهلل عليه وسلم :اخرتت الفطرة .مث عرج بنا إىل السماء .فاستفتح جربيل فقيل :من أنت ؟ قال :جربيل .قيل :ومن معك ؟ قال :حممد .قيل :وقد بعث إليه ؟ قال :قد بعث إليه .ففتح لنا .فإذا أنا بآدم .فرحب يب ودعا يل خبري .مث عرج بنا إىل السماء الثانية .فاستفتح جربيل عليه السالم .فقيل :من أنت ؟ قال :جربيل .قيل :ومن معك ؟ قال .حممد .قيل :وقد بعث إليه ؟ قال :قد بعث إليه ؟ ففتح لنا .فإذا أنا بابين اخلالة عيسى بن مرمي وحيىي بن زكريا صلوات اهلل عليهما .فرحبا ودعوا يل خبري .مث عرج يب إىل السماء الثالثة .فاستفتح جربيل .فقيل :من أنت .قال :جربيل .قيل .ومن معك ؟ قال :حممد صلى اهلل عليه وسلم .قيل :وقد بعث إليه ؟ قال :قد بعث إليه .ففتح لنا .فإذا أنا بيوسف صلى اهلل عليه وسلم .إذا هو قد أعطي شطر احلسن .فرحب ودعا يل خبري .مث عرج بنا إىل السماء ال رابعة . فاستفتح جربيل عليه السالم .قيل :من هذا ؟ قال :جربيل .قيل :ومن معك ؟ قال :حممد .قال :وقد بعث إليه ؟ قال :قد بعث إليه .ففتح لنا فإذا أنا بإدريس .فرحب ودعا يل خبري .قال اهلل عز وجل { :ورفعناه مكانا عليا } [ / 19مرمي /آية ] 57مث عرج بنا إىل السماء اخلامسة .فاستفتح جربيل .قيل من هذا ؟ قال :جربيل .قيل :ومن معك ؟ قال :حممد .قيل :وقد بعث إليه ؟ قال :وقد بعث إليه .ففتح لنا .فإذا أنا هبارون صلى اهلل عليه وسلم .فرحب ودع ــا يل خبري .مث ع ــرج إىل السماء السادسة .فاستفتح جربيل عليه السالم . قيل :من ه ــذا ؟ ق ــال :جربيل .قيل :وم ــن معك ؟ ق ــال :حممد .قيل :وقد بعث إليه ؟ قال :قد بعث إليه .ففتح لنا فإذا أنا مبوسى صلى اهلل عليه وسلم .فرحب ودعا يل خبري .مث عرج إىل السماء السابعة .فاستفتح جربيل .فقيل : من هذا ؟ قال :جربيل .قيل :ومن معك ؟ قال :حممد .قيل .وقد بعث إليه
99
اسطورة Pegasusاليونانية و براق حممد الطائر
100
؟ قال :قد بعث إليه .ففتح لنا .فإذا أنا بإب راهيم صلى اهلل عليه وسلم ، مسندا ظهره إىل البيت املعمور .وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ال يعودون إليه .مث ذهب يب إىل السدرة املنتهى .وإن ورقها كآذان الفيلة . وإذا مثرها كالقالل .قال ،فلما غشيها من أمر اهلل ما غشي تغريت .فما أحد من خلق اهلل يستطيع أن ينعتها من حسنها .فأوحى اهلل إيل ما أوحى . ففرض علي مخسني صالة يف كل يوم وليلة .فنزلت إىل موسى صلى اهلل عليه وسلم .فقال :ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت مخسني صالة .قال :ارجع إىل ربك .فاسأله التخفيف .فإن أمتك ال يطيقون ذلك .فإين قد بلوت بين إس رائيل وخربهتم .قال ،فرجعت إىل ريب فقلت :يا رب ! خفف على أميت .فحط عين مخسا .فرجعت إىل موسى فقلت :حط عين مخسا .قال :إن أمتك ال يطيقون ذلك فارجع إىل ربك فاسأله التخفيف .قال ،فلم أزل أرجع بني ريب تبارك وتعاىل وبني موسى عليه السالم حىت قال :يا حممد ! إهنن مخس صلوات كل يوم وليلة .لكل صالة عشر .فذلك مخسون صالة .ومن هم حبسنة فلم يعملها كتبت له حسنة .فإن عملها كتبت له عش را ومن هم بسيئة فلم يعملها مل تكتب شيئا .فإن عملها كتبت سيئة واحدة .قال : فنزلت حىت انتهيت إىل موسى صلى اهلل عليه وسلم فأخربته .فقال :ارجع إىل ربك فاسأله التخفيف .فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقلت :قد رجعت إىل ريب حىت استحييت منه « . ال راوي :أنس بن مالك احملدث :مسلم -املصدر :صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم162 : خالصة حكم احملدث :صحيح andy من صفحة https://www.facebook.com/ProphetsAreFakes
اسطورة Pegasusاليونانية و براق حممد الطائر
101
فصل من كتاب "التارو فى روح الزن"
فصل من كتاب (vلعبة الحياة) للمتأمل أوشو التشريط (بمعنى العالمات لكل شخصية)
أى ش ــئ ت ــع ــل ــم ــت ــه م ــن اآلخ ــري ــن ال مي ــث ــل ــك ،ف ــه ــذه ت ــدع ــى «ش ــخ ــص ــي ــة» وع ــل ــي ــك ان ت ــس ــت ــع ــي ــد م ـ ــرة اخ ــرى الفطرة الىت جئت هبا حني اتيت اىل هذه الدنيا البد لك ان جتد جوهرك قبل ان يبدأ الناس ىف وضع طبقات من افكارهم . ه ــن ــاك م ــث ــل ق ـ ــدمي م ــن ال ــش ــرق ع ــن انثى االس ــد ىف طريقها قف زا من تل اىل اآلخ ــر سقط وليدها ب ــن حشد من اخلرفان .اخذ اخلرفان ىف تغذية الشبل ظنا منهم ان ــه اح ــد اخل ـراف وليس بأسد .ولذا كان ميشي وسط اخل راف وكأنه واحد منهم. اخلروف الميشي وحيدا ابدا ،لكنهم ميشون ىف حشد متالصقني ىف بعض االحيان،
102
خيافون من الوحدة ،فمن اخلطر ان تكون وحيدة ألنه ىف ذلك الوقت اى ح ــي ــوان م ــت ــوح ــش ي ــس ــت ــط ــي ــع ان ينقض عليه ولذا البد هلم ان يكونوا ىف مجع األس ـ ـ ــود مت ــش ــي وح ــي ــدة ىف اق ــال ــي ــم ش ــاس ــع ــة والي ــس ــم ــح ــون ب ــاق ـراب اى احد من اقليمهم وىف بعض االح ــي ــان ت ــك ــون املساحة ال ــى يتحرك هبا األس ــد بضعة اميال وال يستطيع اى اس ــد أخ ــر الدخول ىف م ــن ــط ــق ــت ــه واال س ـ ـ ــوف ت ــك ــون ال ــع ــواق ــب وخ ــي ــم ــة وت ــن ــت ــه ــى امل ــع ــرك ــة مب ــوت احدهم أو االثنني معا .ولذا يتجولون وحيدين. أم ــا ه ــذا ال ــش ــب ــل امل ــس ــك ــن مل يكن ي ــدرى ان ــه أس ــد مل يكن ل ــدي ــة فكرة عن هيئته وظل يكرب ،ولكن اخل راف
فصل من كتاب "التارو فى روح الزن"
اع ــت ــادت ع ــل ــي ــه ف ــق ــد ق ــام ــوا بتنشئته م ــن ــذ ان ك ــان ش ــب ــل .ب ــال ــرغ ــم م ــن ان ــه ك ــان خ ــروف غ ــري ــب الشكل ولكنه بالنسبه هلم كان خروف .ألنه اعتاد اك ــل احلشائش ال ــى ع ــادة ال يأكلها األس ـ ــود .ف ــاألس ــود تفضل امل ــوت عن اك ـ ــل احل ــش ــائ ــش ف ــك ــان ه ـ ــذا األس ــد يأكل احلشائش وظل نباتى. وقد اعتاد ان يكون ىف وسط احلشد حىت يشعر باألمان بالرغم من انه كان اطول واضخم من اخل راف .ولكنه مل يعلم ذلك .ومل يزجر ابدا كأسد ألنه ايضا اليعلم كيف. كان حيلم كاخلروف خياف كاخلروف. كان خياف من احليوانات املتوحشة الىت ال تستطيع ان تؤذيه. وىف يوم من االيام رأى أسد كبري هذا املشهد مل يكن قد رأى هذا اخللط بني األس ــد واخل ـراف من قبل .فلم يكن هناك اى صداقة بني األسد واخلروف قبال ،ال يوجد احتمال لذلك. ولكن اخلروف كان ميشي مع األسد ب ــدون اى خ ــوف واألس ــد اي ــض ــا كان ميشي مع اخلروف خوفا من ان ميشي
لوحده. االسد الكبري مل يصدق عينيه وجرى خلف احل ــش ــد ،طبيعى ك ــل اخل ـراف ب ــدأت ىف اجل ــرى م ــع إح ــداث صوت اخل ـراف وقت الفزع واألس ــد الصغري أخ ـ ــذ ىف اجل ـ ــرى اي ــض ــا م ــع إح ـ ــداث نفس صوت اخل راف. ب ــع ــد ص ــع ــوب ــة وج ــه ــد ك ــب ــر إستطاع األس ـ ـ ــد ال ــك ــب ــر اإلم ـ ــس ـ ــاك ب ــال ــش ــب ــل واخذ يبكى الشبل وينوح متاما مثل اخل ـراف .وج ــر األس ــد الكبري الشبل اىل بركة ماء قريبة. الشبل كان يشعر خبوف شديد ومل يكن يريد الذهاب مع األسد وكان ش ــدي ــد امل ــق ــاوم ــة وب ــال ــط ــب ــع كشبل ك ــان أق ــوى م ــن األس ــد ال ــك ــب ــر ول ــو ك ــان يعلم ه ــذا مل يكن يسمح أن يؤخذ بالقوة فكان من املمكن ان يقتل األسد الكبري ولكنه يعرف عن نفسه ان ــه خ ــروف ،ل ــذا مس ــح لألسد ال ــك ــب ــر أن ي ــف ــع ــل ب ــه ه ــك ــذا ب ــال ــق ــوة ودون رغبته حىت انه ظن انه سوف مي ــوت من بطش األس ــد الكبري متاما مثل اى خروف.
103
فصل من كتاب "التارو فى روح الزن"
104
وألول مرة رأى الشبل وجهه ووجه األسد الكبري ىف الربكة وفجأة كان هناك زئري ،من اعماق كينونته جاء زئري يهز اجلبال من حوله. وق ــال األس ــد ال ــك ــب ــر ل ــل ــش ــب ــل «ل ــق ــد أمتمت عملى» واآلن أنت حلالك، فأنت اآلن تعلم من أنت. ال ــش ــخ ــص ــي ــة ه ــى ال ــى ي ــع ــط ــي ــه ــا لك اجملتمع ،الثقافة ،التحضر ،التعليم من اآلخرين .يعطيك الناس آرائهم عنك وأنت جتمع هذه اآلراء وتتكون منها شخصيتك. ل ــق ــد ك ــن ــت م ـ ــوج ـ ــودا ه ــن ــا خ ــال ال ــث ــاث س ــن ــوات االوىل م ــن ع ــم ــرك ولكن التتذكر شيئا منها ك ــن ــت ىف رح ــم أم ــك 9أش ــه ــر دون ت ــذك ــر ش ــئ م ــن ه ــذا اي ــض ــا .وسبب عدم تذكرك ألى شيء ىف هذا السن ه ــو ع ـ ــدم وج ـ ــود ش ــخ ــص ــي ــة ل ــك ىف ذال ــك ال ــوق ــت ،فالشخصية ه ــى أن ت ــأخ ــذ ب ــآراء اآلخ ــري ــن وت ـراك ــم ه ــذه اآلراء وختلق هوية غري حقيقية فكرة معينة عن «من أنا» أن ــت التعلم حقيقة م ــن أن ــت ألنه
فصل من كتاب "التارو فى روح الزن"
ل ــت ــع ــرف ذل ــك الب ــد ل ــك م ــن احل ــف ــر بعمق داخل النفس بني كل القمامة امل رتاكمة داخلك بإسم الشخصية. البد لك أن تعود طفل من جديد ، ما تعرفه عن ذاتك هو شخصيتك ،انت تعرف ان لك اسم خاص بك ف ــه ــل ت ــع ــى ان ــه مل ي ــك ــن ل ــدي ــك اس ــم عندما أتيت اىل هذا العامل؟ ف ــل ــدي ــك ق ــدر م ــن التعليم ق ــدر من الكفاءة وتعلم انك مل تولد طبيب أو مهندس أو مدرس. ف ــه ــذه األش ـ ــي ـ ــاء أض ــي ــف ــت ع ــل ــي ــك. درجاتك العلمية ،امسك ،شهرتك، كل هذه األشياء أضيفت لك .وهذا فقط هو ماتعلمه انت عن نفسك أما اذا جتردت من كل هذه اآلشياء م ــن س ــت ــك ــون؟ م ــاذا ستصبح؟ فقط صفر ،قطعه صخر بدون أى نقوش. شخصيتك ه ــى ك ــل م ــا تعرفه عن نفسك ،عن ذاتك ،أحاول تبسيطها ع ــل ــى ق ــدر امل ــس ــت ــط ــاع ح ــى ت ــن ــت ــب ــه. ت ــف ــردك ه ــو ال ــش ــئ ال ــوح ــي ــد ال ــذى ال تعلمه أنت بالرغم من انه حقيقة. أل ــت ــأم ــل ه ــو العمل جبهد للتخلص
من الشخصية وال ــوص ــول اىل امل ــوارد األساسية بداخلك ملمارسة احل ــي ــاة .تفردك والشعلة ال ــى ات ــي ــت هب ــا م ــن رح ــم أم ــك .ف ــإن ــك متفرد منذ األزل .فهى الوعي االساسي بداخلك. فتذكر اي شئ تعلمته من اآلخرين ليس أنت والبد لك من البحث عن فطرتك مرة أخرى البد لك من العثور على كينونتك قبل ان يضع الناس طبقات عليها من آرائهم قبل ان يبدأوا بتعليمك وتثقيفك.
105
107
106
شكراً...عيشوا سعداء