I Think magazine Issue 30

Page 1


‫كلمة رئيس التحرير‬ ‫هيئة التحرير‬ ‫أمين غوجل‬ ‫أخيل‬ ‫تيتان‬ ‫نور‬ ‫‪Hunger Mind‬‬ ‫دين‬ ‫تامبي‬ ‫كاترينا‬ ‫بن باز عزيز‬ ‫رامي‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪88‬‬

‫حنن ال منلك كتاباً مقدساً‬ ‫سر من األشياء املتناسبة ‪ ..‬توما األكويين‬ ‫إن احلواس لتُ ُ‬ ‫كثريا يف آخر بضعة آالف عام‬ ‫تطور البشر ً‬ ‫يف عصور حديثة نسبياً ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬ ‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬ ‫كيف تعمل شاشة اللمس؟‬ ‫نبضات بن باز ‪...‬‬ ‫حممد بني الدين و السياسة‬ ‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬ ‫عذرية مرمي يف اإلجنيل‬ ‫الكازانوفية املحمدية‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫هل كان رسوالً أم قواداً‬ ‫عشر قصص قصرية جداً‪ ..‬من احلرب الطويلة جداً‬ ‫مقتطفات من كتاب فرعون يكتب سفر اخلروج‬ ‫زانا وناديا‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيداً من دون روحانية؟‬ ‫هل تكون عودة فرويد أشبه حبلم سيئ؟‬

‫نحن ال نملك كتاباً مقدساً‬

‫و ال منلك ماليني الشيوخ و الرهبان و رجال الدين و املبشرين‬ ‫ال منلك دوراً للعبادة‬ ‫و ال منلك مدارس و معاهد و جامعات لتدريس افكارنا‬ ‫مقابل مئات اآلالف لناشري األديان و معتنقيها‬ ‫حنن ال منلك قناة تلفزيونية أو اذاعية واحدة مقابل عشرات آالف القنوات الدعوية ملختلف االديان‬ ‫حنن ال منلك تدريس أفكارنا منذ الصغر يف املدارس مقابل عمليات غسيل االدمغة ألطفال معتنقي‬ ‫االديان‪ ،‬و لكن حنن باملقابل منلك ما ال ميلكونه جمتمعني‬ ‫حنن منلك املنطق و العلم‬ ‫و هلذا السبب جمموعة المتلك كل هذه الوسائل و ال تضخ هلا كل هذه املليارات و جييش هلا مئات‬ ‫آالف الشيوخ و الرهبان و يتوفر هلا كل مستلزمات الضخ االعالمي و الثقايف و اجملتمعي و القانوين‬ ‫و السياسي ‪.‬‬ ‫تنتصر و تؤرق و حيسب هلا كل هذا احلساب‬ ‫ال بل مؤخراً أصبح هناك دورات و دراسات و مواقع و صفحات للرد علينا‬ ‫كم أنتم ضعفاء ‪ ...‬أنتم و اديانكم و كل آهلتكم‬ ‫بعد كل هذا تعب الذين تتعبونه لتجهيل الشعوب ‪ ...‬و بعد كل هذه األموال‬ ‫هناك بلدان بأكملها أصبح فيها املتدينون أقلية‬ ‫هناك أجيال بأكملها رفضت ترهاتكم بعد أن مسعت أول مجلة منطقية‬ ‫أنتم تتخبطون و تقاتلون و تذحبون و ترهبون و تدفعون املليارات‬ ‫و حنن جنعل الناس حتتفل باملنطق جماناً‬ ‫أنتم تسرفون بعبادة من تعتقدون أنه يف السماء و تسرفون أكثر بعبادة من هم على األرض‬ ‫و حنن نسرف باالحتفال حبريتنا ‪ ...‬و شتان بني عبيد و أحرار‬ ‫عيشوا سعداء أصدقائي‬ ‫فاحلرية و السعادة شئ واحد‬

‫‪i-think-magazine.blogspot.com‬‬ ‫‪www.ithinkmag.net‬‬ ‫‪facebook.com/I.Think.Magazine‬‬

‫‪1‬‬

‫أمين غوجل‬ ‫رئيس حترير جملة أنا أفكر‬

‫‪2‬‬


‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫سر من األشياء املتناسبة ‪ ..‬توما األكويني‬ ‫إن احلواس ل ُت ُ‬

‫هبذه العبارة البسيطة ع برّ توما األكويين عن إحساس اإلنسان بالعالقة القائمة‬ ‫بني الرياضيات والطبيعة واجلمال‪ .‬وقبله قال الفيثاغوريون إن «كل شيء مرتب‬ ‫وفق العدد»‪ .‬ومفهوم التناسب يف الفيثاغورية مشتق من مفهوم النظام يف تعريفه‬ ‫الرقمي‪ .‬وهكذا فإن جوهر احلقيقة الفيزيائية مرتبط بالعدد‪ ،‬واجلمال قائم على‬ ‫ركائز حسابية‪.‬‬ ‫ويدرك العلماء اليوم‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬أن كل شيء يف الطبيعة خاضع‬ ‫لقوانني التناسق‪ .‬كذا فإن اإلنسان يشعر أن اجلمال يرتكز على قوانني التناسب‪،‬‬ ‫وحيدس أن الطبيعة املتناسبة إمنا تفصح بتشكيالهتا عن مجال أعمق من اجلمال‬ ‫الظاهري‪ ،‬أي عن مجال احلقيقة املكنونة يف تنوعاهتا كلها‪ .‬وال شك أن شعور‬ ‫اإلن ��س ��ان ب ��اجل ��م ��ال يعكس بنية اإلن ��س ��ان نفسها القائمة على ق ��وان�ين التناسق‬ ‫الطبيعية؛ وبالتايل فإن وعي اإلنسان هو يف جوهره فعل تناغم مع الطبيعة‪.‬‬

‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫تنحو الطبيعة باستم رار إىل خلق املزيد من النماذج املعقدة؛ لكنها حتافظ يف‬ ‫الوقت نفسه على نسق أساسي‪ .‬فبلورات الثلج السداسية املنمقة يتجمع مث الً‬ ‫بعضها إىل بعض لتشكل ندفة ثلجية هلا من التعقيد ما ال جيرؤ أي رياضي أن‬ ‫يطلق عليه امس اً! وهذا ما يدعى يف الرياضيات بتضاعف التشعبات‪ .‬فأعقد البىن‬ ‫تشع يب ‪ Fractals‬أساسية‪ .‬وهكذا‬ ‫الطبيعية ميكن إرجاعها إىل تضاعف وت راكب ّ‬ ‫فإننا جند يف خضم الفوضى اليت جتنح الطبيعة إليها إشعاع اً ناظم اً من قوانني‬ ‫التناسب‪ .‬ولعل هذه الثنائية بني ظاهر الفوضى وباطن النظام هي اليت أدت إىل‬ ‫تفتح الوعي‪ .‬والطبيعة وإن مل تكن لتقنع أب ��داً باألشكال البسيطة‪ ،‬إال أهن ��ا مل‬ ‫تعدِّل أبداً قوانينها األساسية البسيطة اليت تقوم على مفهومي الوحدة واالتساق‪.‬‬

‫قصيمية حلزونية الشكل‪.‬‬

‫أربعة مناذج لبلورات ثلجية سداسية‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫إن التنوعات اهلائلة للتصاميم الرياضية املعقدة ال�تي أبدعتها الطبيعة تفصح‬ ‫مجيع اً عن عالقات رياضية بسيطة‪ .‬ونضرب مثاالً عليها احللزونات املتنوعة‪.‬‬ ‫ففي قوقعة احللزون ذي احلج ريات ‪ – nautilus‬وهو حلزون ذو زوايا متساوية‪،‬‬ ‫أي أنه حلزون لوغاريتمي – جند أن منحين احللزون يقطع األشعة املتجهة حنو‬ ‫اخل ��ارج ب زاوية معينة ثابتة‪ .‬وتظهر هذه احللزونات اللوغاريتمية أيض اً يف احنناء‬ ‫أنياب الفيل ويف قرون الكبش الربي ويف خمالب عصفور الكناري‪ .‬كما تشكل‬

‫‪4‬‬


‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫الزه ريات الدقيقة اليت تؤلف لب زهرة األقحوان حلزونات على هيئة جمموعتني‬ ‫متعاكستني من ‪ 21‬و‪ 34‬حلزون اً‪ .‬وتوجد مماثِالت هلذه احللزونات يف أنواع كثرية‬ ‫من النباتات‪ ،‬مثل األناناس والصنوبريات وأوراق األشجار وغريها‪ .‬وترتبط هذه‬ ‫عرف مبتتالية عمر اخليام أو فيبوناتشي‬ ‫احللزونات ارتباط اً وثيق اً مبتتالية رياضية تُ َ‬ ‫‪.Fibonacci‬‬

‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫متعض يات من ت راكب دائري لألوجه الشكلية‪ .‬وهذا ما حيصل يف قلب زهر اللؤلؤ‬ ‫ِّ‬ ‫أو البليس أو دوار الشمس والصنوبريات واألناناس وغريها‪.‬‬ ‫ ‬ ‫زهرة زنبق‪ :‬مؤلَّفة من مجلتني من ‪ 3‬بتالت‪.‬‬

‫زه رات أقحوان أو زهر اللؤلؤ‪ :‬مؤلَّفة من ‪ 13‬بتلة‪ .‬‬

‫زهرة املخملية‪ :‬مؤلَّفة من ‪ 5‬بتالت‪.‬‬

‫خم طَّط لقلب زهرة ع بَّ اد الشمس‪.‬‬

‫قوقعة احللزون ذي احلج ريات‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫الحلزونات في الطبيعة‬ ‫إن تعدد احللزونات الرياضية ال يقل عن تعدد األشكال احللزونية الطبيعية‪ .‬وميكن‬ ‫حللقات احللزون أن تتباعد عن املركز بشكل حسايب (مثل حلزون أرمخيدس) أو‬ ‫لوغاريتمي‪ .‬وينتج احللزون األول عن متتالية عددية‪ ،‬بينما ينتج احللزون الثاين‬ ‫عن متتالية هندسية‪ .‬وميكن للخط احللزوين أن ميثل تضاعف اً أو منواً أو تغ رياً يف‬ ‫حركة أو بنية طبيعية م ��ا‪ .‬وعندما خنتار شك الً ال على التعيني‪ ،‬ونكرره م رات‬ ‫متتالية‪ ،‬فإن خمتلف نقاط الشكل الناتج ستمثل حلزونات لوغاريتمية‪ .‬وتكون‬ ‫املكرر نامج اً ببساطة عن تقسيم الشكل‬ ‫الظاهرة أوض ��ح عندما يكون الشكل َّ‬ ‫األصلي وفق صورته األصلية‪ .‬وهذا هو مثال املستطيل الذهيب أو املثلث الذهيب‪.‬‬ ‫ينطبق ذل ��ك على أن ��واع القواقع ال�تي تُبىن وف ��ق مسافات منتظمة‪ ،‬كما وعلى‬ ‫األوراق النباتية امللتفة‪ .‬كذلك تظهر األشكال احللزونية املستعرضة عندما تُبىن‬

‫وميكن لنا مث الً مالحظة أن اإلبر الصغرية يف فرع جديد من شجرة صنوبر ِّ‬ ‫تشك ل‬ ‫حلزونني يلتفان يساراً وميين اً وفق متتالية أعداد فيبوناتشي اليت تتجلى يف هذا‬ ‫النطاق بأجلى مظاهرها‪ .‬فكما يف األشكال اللوغاريتمية النامجة عن التماثالت‬ ‫امل ��ت ��ت ��ال ��ي ��ة (ك ��م ��ا يف املستطيل ال ��ذه �ب�ي)‪ ،‬ك ��ذل ��ك جن ��ده ��ا يف ك ��ل شبكة م ��زدوج ��ة‬ ‫متداخلة من احللزونات‪ .‬ولدينا يف األناناس ‪ 5‬حلزونات مباشرة و‪ 8‬معاكسة‪،‬‬ ‫ويف الصنوبريات ‪ ،3,18‬ويف زهرة اللؤلؤ والبابونج وأنواع الفصيلة األخرى ‪،34,21‬‬

‫‪6‬‬


‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫ويف عبّ اد الشمس ‪ ،55,34‬وميكن أن تصل فيها إىل ‪.89,55‬‬

‫البنية اللولبية للـ‪.DNA‬‬

‫متثل هذه الثنائيات أرقام اً متتالية يف متتالية فيبوناتشي‪ ،‬ونسبتها الثابتة تتكرر‬ ‫يف الطبيعة بشكل ال ي ��وص ��ف‪ .‬فمن معديات األرج ��ل إىل ق ��رون امل ��ام ��وث‪ ،‬ومن‬ ‫املوزعة لألوراق‬ ‫حوالق الكرمة (األوراق املتحولة إىل خيوط) إىل احللزونات الورقية ِّ‬ ‫الس ري عند اإلنسان إىل أذنه الداخلية‪ ،‬ومن الفريوسات‬ ‫على الكأس‪ ،‬ومن احلبل ُّ‬ ‫إىل الـ‪ ،DNA‬ومن اإلعصار إىل اجملرة احللزونية‪ ،‬يبدو أن العامل احلي مبين من هذه‬ ‫احللزونات اللوغاريتمية‪.‬‬

‫ ‬

‫‪7‬‬

‫دوامية ‪ 51 M‬‬ ‫جمرة َّ‬

‫جمرة حلزونية ‪63 M‬‬

‫ ‬

‫ترى ما سبب هذا النم ِو احللزوين؟ تنمو اخللية أو البنية احلية بإحدى طريقتني‪:‬‬ ‫إما مبضاعفة حجمها أو بتكاثرها‪ .‬والنمو احلجمي حمدود بسبب تناسب احلجم‬ ‫مع السطح املسؤول عن التبادالت بني املتعضية والبيئة‪ .‬وعندما يصل النمو إىل‬ ‫هذا احلد تبدأ طريقة االنقسام اخللوي‪ .‬لكن هذا االنقسام الذي يتم وفق متتالية‬ ‫هندسية ال ميكن له أن يستمر إال لعدد معني من األجيال يف املستعمرة العضوية‬ ‫الواحدة‪ .‬ويتوقف األمر على مسألة النمو احلجمي العشوائي الذي يتعدى حدوداً‬ ‫معينة إلمكانات سطح املستعمرة اخللوية على إحداث التبادالت مع البيئة‪ .‬إن‬ ‫هذه احملدودية هي اليت تفرض نوع اً خاص اً من النمو‪ ،‬نوع اً يتطلب أقل تكلفة‬ ‫وجهد بالنسبة إلمكانات النمو املثلى‪ .‬وميكن هلذا النمو أن يتم ضمن بُعدين‬ ‫أو بُعد واحد‪ .‬ويتطلب النمو ثنائي البعد حام الً يصبح هو نفسه ُم ْش ِرط اً لنمو‬ ‫املتعضية‪ .‬أما النمو الوحيد االجتاه فيُ فرتض فيه نظري اً أن يكون خطي اً مستقيم اً؛‬ ‫وهذا يفرتض ناظم اً كام الً لالحن رافات البسيطة عن النقطة االبتدائية‪ ،‬أي لبداية‬ ‫النمو‪ .‬غري أن امليل الطبيعي حنو العشوائية يف الطبيعة يعكس امليل إىل االلتفاف‬ ‫يف اجتاه ما‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل وجود دائري‪ .‬ويصري احتمال النمو وحيد االجتاه‬ ‫يف شكل مستقيم ضئي الً جداً يف الف راغ‪ ،‬ويتحول النمو الدائري الناجم عن احن راف‬ ‫الشروط البدئية إىل النمو احللزوين‪ ،‬بل وإىل النمو احللزوين امل رتاكب‪ .‬إنه قانون‬ ‫طبيعي‪ ،‬إذن‪ ،‬ينشأ أص الً عن قانون امليل إىل الفوضى يف الطبيعة‪ ،‬وعدم القدرة‬ ‫على احلفاظ على الشروط االبتدائية يف ناظم صارم‪ .‬لكن قانون الفوضى نفسه‪،‬‬ ‫كما وجدنا‪ ،‬يؤدي إىل أشكال ناظمة غاية يف اإلش راق‪ .‬ترى هل ميثل الص راع بني‬ ‫جوهر‬ ‫امليل إىل الفوضى والبحث عن حل أمثل للحركة باجتاه االنتظام والوعي‬ ‫َ‬ ‫اجلمال الذي نشعر به؟‬ ‫إن ال تناظر البنية احللزونية يقودنا إىل التساؤل ح ��ول إذا م ��ا كانت األشكال‬ ‫املتناظرة ميين اً ومشاالً موجودة أص الً يف الطبيعة‪ .‬واإلجابة ليست هبذه السهولة‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫فقد رأي ��ن ��ا أن انكسار التناظر ب�ين احل ��ل ��زون ��ات املباشرة واملعاكسة وف ��ق متتالية‬ ‫فيبوناتشي يكاد أن يكون قانون اً يف عامل النبات‪ .‬إن جمرد وجود بنية حلزونية يف‬ ‫متعضية ما يعين عموم اً أهنا غري متناظرة‪ .‬وتلكم هي احلال بالنسبة للفريوسات‬ ‫والبكرتيا‪ ،‬وص ��والً إىل العناصر العضوية يف الثدييات العليا‪ .‬ولعل أكثر األمثلة‬ ‫إده ��اش �اً على ذل ��ك جن ��ده ��ا يف ال ��رخ ��وي ��ات‪ .‬وم ��ع ذل ��ك ت ��وج ��د بعض االس ��ت ��ث ��ن ��اءات‪.‬‬ ‫فللقوقعة تناظر بالنسبة إىل مستوي متوسط يقطعها‪.‬‬

‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫للنسبة اإلهلية‪ .‬فما هي النسبة اإلهلية اليت تُدعى بالذهبية أيض اً‪ ،‬وما عالقتها‬ ‫مبتتالية فيبوناتشي؟‬ ‫مبس ط هي الطريقة األكثر‬ ‫النسبة الذهبية ‪ ،Golden Section‬يف شكل َّ‬ ‫منطقية للقسمة بشكل غري متناظر‪ ،‬أي للقسمة إىل غري النصفني‪ .‬فإذا كان‬ ‫لدينا طول قابل للقياس ‪ ،AC‬فالنسبة الذهبية متثل قسمته إىل طولني غري‬ ‫متساويني ‪ AB‬و‪ ،BC‬حبيث تكون نسبة اجل ��زء األك�بر إىل اجل ��زء األصغر‬ ‫تساوي النسبة بني القطعة كلها ‪ AC‬وبني اجلزء األك�بر‪ ،‬أي ‪a/b = a +‬‬ ‫‪.b/a‬‬

‫مقطع يف قوقعة‪ :‬لولب يف حلزون‪.‬‬

‫وميكن لنا القول يف شكل عام إن انكسار التوازن يف البُ ىن الطبيعية �يُ َع د قانون اً‬ ‫ناظم اً يف حد ذاته للصريورة الطبيعية‪ .‬فنمو الكائنات‪ ،‬كما وتطورها عرب األجيال‪،‬‬ ‫خيضع باستم رار إىل إنشاء تشكيالت جديدة هي‪ ،‬يف معظم األحيان بعيدة عن‬ ‫التناظر‪ ،‬إمنا خاضعة يف النهاية لقانون أساسي هو قانون الطبيعة البسيط‪ :‬قانون‬ ‫اجلهد األقل‪.‬‬

‫متتالية فيبوناتشي والنسبة الذهبية‬

‫‪9‬‬

‫يف العام ‪ 1509‬نشر األخ لوكا باتشيويل ‪ Fra Luca Pacioli‬اإليطايل‪ ،‬الذي‬ ‫لُقب بال راهب الثمل باجلمال‪ ،‬مؤلف اً بعنوان النسبة اإلهلية‪ .‬وقد رسم صور هذا‬ ‫الكتاب ليوناردو دافنشي الذي مل يكن أقل من املؤلف سك راً باجلمال وعشق اً‬

‫طريقة رسم املستطيل الذهيب انطالق اً من مربع‪ .‬‬

‫حلزون ذهيب تقرييب مرسوم يف متتالية مربعات‪ ،‬برسم ‬

‫ ‬

‫كل مربع‪.‬‬ ‫ربع دائرة يف ِّ‬

‫لكن ملاذا هذا التناسب بالذات دون غريه؟ يف احلقيقة ليس لدينا يف أبسط‬ ‫حاالت التناسب سواه‪ .‬وميكن احلصول عليه من أبسط تناسب ميكن تشكيله‪،‬‬ ‫وفق مبدأ االقتصاد الذي وضعه وليم األوكامي ‪William of Occam‬‬ ‫يف القرن ال رابع عشر بالشكل ‪( a/b = b/c‬حيث ‪ .)a + b = c‬وبشكل‬ ‫أوضح‪ ،‬إذا حاولنا تشكيل كافة التناسبات املمكنة بني األطوال ‪ a‬و‪ b‬و‪،c‬‬ ‫أي بني النِ َس ب ‪ ،a/b, a/c, b/a, b/c, c/a, c/b‬ألمكن اخت زاهلا كلها‬ ‫يف النهاية إما إىل ‪( a = b‬وهي قسمة متناظرة) أو إىل التناسب غري املتناظر‬

‫‪10‬‬


‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫‪ .a/b = c/a‬ويعطي هذا التناسب معادلة من الشكل (‪= 1 – a/b – 2 )a/b‬‬ ‫‪0‬؛ وحلها هو العدد الذهيب ‪ φ‬ويساوي ‪.1,618‬‬

‫النسبة الذهبية يف األشكال اهلندسية‬

‫املخم س املنتظم ويف املضلع ذي العشرة‬ ‫توجد النسبة الذهبية يف شكل خاص يف َّ‬ ‫خمم س املعرفة‪ ،‬وه ��و النجمة اخلماسية‬ ‫أض�لاع املنتظم‪.‬‬ ‫واملخم س املنتظم ه ��و َّ‬ ‫َّ‬ ‫العزيزة على الفيثاغوريني؛ وكانت يف نظرهم رمز العلم الصغري ‪Microcosm‬‬ ‫(اإلنسان – الكون الصغري)‪ .‬وقد حافظ على هذا الرمز فالسفة العصور الوسطى‬ ‫وعصر النهضة‪ .‬ورسم دافنتشي شك الً شه رياً لإلنسان – الكون الصغري – ضمن‬ ‫َّ‬ ‫خمم س‪ ،‬كما نادى به أغريبا نتشامي ‪ .A. Nettesheim‬وكان هذا الشكل رم زاً‬ ‫للصحة واحلب‪ .‬ويع لِّ منا لوقيانوس أنه كان رمز االرتباط بالفيثاغوريني‪.‬‬ ‫س ل ��ي ��ون ��اردو دافنتشي‪ ،‬مثله كمثل فيثاغوراس‪،‬‬ ‫َد َر َ‬ ‫اجلسم البشري دراسة متأنية‪،‬‬ ‫مب يِ ن اً أن أج زائه املختلفة مرتبطة بالنسبة الذهبية‪.‬‬

‫وقد بينت التجارب اإلحصائية أن عرض جمموعة خمتلفة من املستطيالت‪ ،‬من بينها‬ ‫املستطيل الذهيب‪ ،‬على أناس خمتلفني يؤدي‪ ،‬يف غالب األحيان‪ ،‬إىل اختيارهم له‬ ‫كأمجل املستطيالت وأكثرها تناسق اً‪ .‬ولو أمع نَّا النظر يف حياتنا اليومية لالحظنا‬

‫‪11‬‬

‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫أننا خنتار شك الً قريب اً من املستطيل الذهيب يف معظم املواد االستهالكية املستطيلة‬ ‫الشكل اليت نتعامل معها‪ .‬فكتبنا ودفاترنا‪ ،‬وحىت قطع السكر أو الطوابع الربيدية‬ ‫أو تقسيم حج رات أو نوافذ املنازل‪ ،‬كلها قريبة من النسبة الذهبية‪ .‬وقد أوىل‬ ‫دافنتشي هذا املستطيل أمهية خاصة واعتمد عليه يف رسم الكثري من لوحاته‪.‬‬

‫العدد الذهيب يف احلياة‬

‫حتمل التفاحة – مثرة شجرة معرفة اخلري والشر – رمزية فائقة‪ .‬وقد اعتاد دارسو‬ ‫األساطري الكشف عن أحد وجهي رمزيتها من خالل جتزئتها إىل قسمني طولي اً‪،‬‬ ‫حبيث تظهر رمزية امل رأة‪ ،‬القطب السالب‪ ،‬اجلاذبة لإلنسان إىل ثنائية اخلري والشر‪.‬‬ ‫لكن قلة من ال ��دارس�ين قطعوا التفاحة عرضي اً وش ��اه ��دوا املضلعات الذهبية –‬ ‫خمم س اً حيوي‬ ‫الوجه اآلخر اإلجيايب‪ .‬وإذا متعنّ ا يف املضلع املرتسم أمامنا سنلحظ َّ‬ ‫يسود مع جفاف التفاحة‪،‬‬ ‫البذور‪ ،‬مث خممس اً آخر غري واضح كاألول‪ ،‬سرعان ما‬ ‫ُّ‬ ‫ليشكل مع األول مضلع اً من عشرة وجوه‪ .‬ويف كل من هذه املضلعات الذهبية‬ ‫نستطيع أن نستشف معىن جديداً لألسطورة القدمية!‬

‫مقطع عرضي يف تفاحة يب ينِّ املض لَّ عات الذهبية‪.‬‬ ‫والتفاحة ليست استثناء‪ .‬فكافة األزهار اخلماسية األج زاء حتقق هذه النسبة‪ .‬قد‬ ‫يعرتض بعضهم قائ الً إن أزهاراً أخرى رباعية أو سداسية أو سباعية األج زاء إخل ال‬

‫‪12‬‬


‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫متثل النسبة الذهبية‪ .‬لكن اإلجابة على هذا السؤال جاءت يف العام ‪1875‬‬ ‫على يد فينر ‪ ،Wiener‬الذي وجد أن ال زاوية ‪ 137‬درجة و‪ 30‬دقيقة و‪28‬‬ ‫منو األوراق يف أثناء التباعد احللزوين الثابت لفروع‬ ‫ثانية اليت تظهر غالب اً يف ِّ‬ ‫التيجان – وه ��ي زاوي ��ة تنتج ع ��ن ح ��ل معادلة النسبة الذهبية‪ ،‬وت ��س ��اوي ‪،‬‬ ‫وتوافق احلل الرياضي ملسألة التوزع األمثل (يكون األقصى يف املناخ املعتدل)‬ ‫ل �ل�أوراق‪ ،‬حبيث يكون ال ��ض ��وء ال ��واص ��ل حم ��وري �اً أو ع ��م ��ودي �اً‪ .‬وق ��د ُدع ��ي ��ت هذه‬ ‫ال زاوية بال زاوية املثلى‪ ،‬وتساوي ‪.‬‬

‫منو النبات‪ :‬منظر جانيب‪ .‬‬ ‫ال زاوية املثلى يف ِّ‬

‫منو النبات‪ :‬منظر علوي‪.‬‬ ‫ال زاوية املثلى يف ِّ‬

‫ول ��ك ��ن م ��اذا ع ��ن اجل ��س ��م اإلن ��س ��اين وع ��ن ح ��رك ��ت ��ه؟ ي ��ق ��ول رودل � ��ف الب ��ان ‪M.‬‬ ‫‪ ،Rudolf Laban‬مدير إحدى أشهر مدارس الرقص اإليقاعي يف أملانيا‪:‬‬ ‫�ؤدى يف شكل أمثل‬ ‫«إن ك ��ل ح ��رك ��ات اجل ��س ��م اإلن ��س ��اين يف األب ��ع ��اد ال ��ث�لاث ��ة تُ � َّ‬ ‫بانتقاالت زاوية تقدر بـ‪ 72‬درجة‪ ،‬وإن خمتلف االجتاهات يف الفضاء املوافقة‬ ‫جمس م منتظم من عشرين وجه اً‪ ،‬حيث تشكل‬ ‫هلذه االنتقاالت تمُ ثَّل بأقطار َّ‬ ‫املخم سة‪ ».‬ويقول مع لِّ م الرقص‪:‬‬ ‫ال زاوية ‪ 72‬ال زاوية املركزية يف أحد وجوهه‬ ‫َّ‬ ‫«إن احلركات املتناغمة هي اليت تقود اخلطوات وحركات الذ راعني واليدين‬

‫‪13‬‬

‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫اجملس م‪».‬‬ ‫والنظ رات باجتاه قمة َّ‬ ‫ ‬ ‫وتلكم كانت طريقة دافنتشي التشكيلية‪ ،‬حيث كان يقسم اللوحة أوالً‬ ‫إىل تناسبات ذهبية‪ ،‬ويبين من بعد الظالل واألنوار وفقها‪ ،‬ويوجه احلركات‬ ‫والنظ رات مع تناسباهتا!‬

‫ ‬ ‫التناسب الطويل لإلنسان‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫خم طَّط لـ»فينوس» بوتيتشيلي يبي‬ ‫التناس بات الذهبية يف قامتها‪.‬‬ ‫وجود‬ ‫ُ‬

‫ولعل النسبة الذهبية تربز أكثر ما تربز يف التناسب الطويل لإلنسان‪ .‬فنسبة‬ ‫ط ��ول اإلن ��س ��ان إىل ارت ��ف ��اع سرته عن األرض تساوي أو تقارب كث رياً النسبة‬ ‫ال ��ذه ��ب ��ي ��ة‪ .‬وق ��د بينَ ت ال ��د راس ��ات اإلح ��ص ��ائ ��ي ��ة صحة ه ��ذه النسبة يف معظم‬ ‫التماثيل اليونانية القدمية‪ .‬وم ��ن خ�لال دراس ��ة إحصائية لألجناس البشرية‬ ‫تبني أن بعضها ميثل هذه النسبة متام اً‪ ،‬يف حني أن األجناس األخرى تقرتب‬ ‫منها‪ .‬ويف كل حاالت عدم حتقق النسبة‪ ،‬مل يقع خط النسبة الذهبية فوق‬ ‫السرة‪ ،‬بل حتتها‪ .‬فإذا أخذنا بعني االعتبار أن الطفل الوليد ال ينمو بتناسب‬

‫‪14‬‬


‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫ثابت يف كافة أعضائه بسبب قصر طرفيه السفليني‪ ،‬نستطيع االستنتاج أن‬ ‫النمو اإلنساين يقرتب يف سن النضج من حتقيق النسبة الذهبية‪.‬‬ ‫اجلمال واملعرفة‬ ‫لقد جتاوزت الرياضيات اليوم جمرد كوهنا حق الً للقياس أو للتطبيق الفيزيائي‪،‬‬ ‫وباتت طريق اً إىل املعرفة وموئ الً ملريديها‪ .‬واملعرفة‪ ،‬من هذا املنظور‪ ،‬تتجاوز‬ ‫املنهج الذي يقوم على النظرية والربهان‪ :‬فهي تتأسس ببساطة على التناسق‬ ‫الكامل يف البناء الشكلي البحت‪ .‬وإذا ك ��ان ه ��ذا التناسق كلي اً‪ ،‬فهو لن‬ ‫يؤدي إىل نظريات خمتلفة‪ ،‬بل إىل صريورة معرفية موازية للصريورة التطورية‬ ‫الطبيعية‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فإن الشكل املعريف ليس هنائ يًّ ا‪ ،‬بل هو شكل متفتح‬ ‫أخ اذ ال ينفك يتفلت من إسار الفرضيات ويغوص أكثر‬ ‫باستم رار عن مجال َّ‬ ‫فأكثر يف وحدة الشكل واجلوهر‪.‬‬ ‫إن ال ��ت ��أم ��ل يف ت ��ن ��وع مج ��ال الطبيعة‪ ،‬واجن ��ذاب ��ن ��ا لسحر أل ��واهن ��ا وت ��ن ��وع أشكاهلا‬ ‫الالهنائية‪ ،‬يدل على أن اجلمال موجود بداخلنا‪ ،‬وأننا كائنات منسجمة مع‬ ‫الطبيعة وننتمي هلا‪ ،‬ولعل املعرفة ليست يف جوهرها سوى جت لِّ ي اجلمال يف‬ ‫أهبى مظهر له‪ ،‬أال وهو التوحد مع الطبيعة‪ ،‬ووعي الذات يف مجال الوجود‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫‪16‬‬


‫ريا يف آخر بضعة آالف عام‬ ‫تطور البشر كث ً‬

‫الدراسات اجلينية احلديثة تقول‬ ‫ريا يف آخر بضعة آالف عام‬ ‫بأن البشر تطوروا كث ً‬ ‫ّ‬

‫يقول البعض بأن احلياة أصبحت يسرية اآلن‪ ،‬وبالتّ ايل مل نعد نتطور بسبب غياب‬ ‫الضغط البيئي‪ .‬فكما يُقال‪ ،‬معظم البشر يعيشون اآلن حياة طويلة وهلم فرصة‬ ‫كبرية لتمرير جيناهتم‪ ،‬فمنذ أصبحنا ال نُ��ف�ترس م ��ن األس ��ود أو من ��وت بواسطة‬ ‫األم �راض الىت متّ اكتشاف عالج هلا‪ ،‬أضعف هذا تأثري قوى االنتخاب الطبيعي‬ ‫على اجلنس البشري‪.‬‬ ‫متام ا‪ ،‬فخالل اخلمسة إىل عشرة آالف عام املاضية‪،‬‬ ‫ولكن يبدو أ ّن الواقع خمتلف ً‬ ‫كما نُشر يف اجمللة العلمية (نيتشر) (‪« ،)Nature‬انفجر» التنوع اجليين لدى‬ ‫التجمعات البشرية مبعدل كبري‪ ،‬العملية الىت تعترب مبثابة اخلطوة األوىل يف عملية‬ ‫التطور‪ .‬تقول (نيتشر)‪:‬‬ ‫«لقد كان اجلنيوم البشري متواصل النشاط خالل الـ ‪ 5000‬عام املاضية‪ .‬منت‬ ‫التجمعات البشرية بإط راد ملحوظ خالل هذه الفرتة‪ ،‬و ظهرت طف رات جينية‬ ‫جديدة مع كل جيل‪ .‬ميتلك البشر اآلن وفرة من النسخ اجلينية النادرة ىف املناطق‬ ‫املنتجة للربوتني داخل اجلينوم‪».‬‬

‫‪17‬‬

‫يكتب ب راندون كيم ‪ -‬الصحفي املتخصص ىف اجمل ��االت العلمية ‪ -‬على موقع‬ ‫(‪« :)Wired‬حنن كنوع حيدث لنا طف رات على الدوام هي املادة اخلام للتطور»‪،‬‬ ‫مضي ًف ا يف املقال قول أحد الباحثني‪:‬‬

‫قدمت ال ّنساء للعلم؟‬ ‫ماذا ّ‬

‫« ‹معظم الطف رات الىت اِكتُ ش َف ت ظهرت يف آخر ‪ 200‬جيل تقريبا‪ ،‬مل يكن هنالك‬ ‫وقت اً كافي اً للتغيري العشوائي أو التغيري احملدد من خالل االنتخاب الطبيعي› يقول‬ ‫(جوشوا أكاي) عامل اجلينات من جامعة واشنطن‪‹ ،‬فلدينا خمزون لكل هذا التنوع‬ ‫اجل ��دي ��د ليستخدمه البشر ك ��رك ��ي ��زة‪ .‬على حن ��و م ��ا‪ ،‬حن ��ن نُعترب اآلن أك ��ث ��ر قابلية‬ ‫للتطور عن أي زمن مضى ىف تارخينا‪« ›.‬‬ ‫معظم الزحيانات اجلينية اجلديدة يف غاية الندرة‪ ،‬ظاهرة فقط يف أج زاء صغرية من‬ ‫التجمعات البشرية‪ .‬ينظر الباحثون إىل ادراكهم اتساع نطاق التنوع اجليين ىف‬ ‫البشر من حيث ما قد تعنيه حملاولة فهم األساسيات اجلينية لعدد من األم راض‪،‬‬ ‫أيض ا هو أنّه يف‬ ‫أو فيما قد ختربنا عن تاريخ التطور البشري‪ .‬ولكن ما يعنيه هذا ً‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل سريع لنتأقلم معها‪.‬‬ ‫فسنتطور‬ ‫حالة ظهور مرض جديد أو غريه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ترمجة‪Abd Al-Rahmân :‬‬ ‫املصادر‪:‬‬ ‫‪http://www.smithsonianmag.com/smart-news/‬‬ ‫‪humans-have-been-evolving-like-crazy-over-the‬‬‫‪147494375-past-few-thousand-years‬‬ ‫‪years--000-5-http://www.nature.com/news/past‬‬ ‫‪1.11912-prolific-for-changes-to-human-genome‬‬ ‫‪recent-human-/11/2012/http://www.wired.com‬‬ ‫‪2-evolution‬‬

‫‪18‬‬


‫يف عصور حديثة نسبيًا ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬

‫منذ ‪ 75‬مليون عام‬ ‫انفصلت أسالف الرئيسيات ‪ Primates‬احلديثة عن أسالف القوارض احلديثة‬ ‫واألرن ��ب ��يّ ��ات (األران ��ب واألران ��ب الوحشية والبيكا ‪ .)pikas‬مضت ال ��ق ��وارض يف‬ ‫طريقها بنجاح منقطع النظري‪ ،‬منتج ةً يف هناية املطاف ق رابة ‪ 40‬باملئة من أنواع‬ ‫الثدييات احلديثة‪.‬‬ ‫منذ‪ 70‬مليون عام‬ ‫ت ��ط � ّ�ورت األع ��ش ��اب‪ ،‬على ال ��رغ ��م م ��ن ماليني األع ��وام الفاصلة ع ��ن ظهور امل راعي‬ ‫الشاسعة‪.‬‬ ‫منذ ‪ 65‬مليون عام‬ ‫القضاء على مساحات شاسعة من األنواع بسبب انق راض العصر الطباشريي الثالثي‪،‬‬ ‫مبا فيها الزواحف العمالقة‪ :‬الديناصورات‪ ،‬بتريوساوروس‪ ،‬إيكتيوساوروس‪ ،‬و‬ ‫متحج رة)‪.‬‬ ‫بليزيوساوروس‪ .‬كذلك انقرضت األمونيت ‪( ammonites‬أصداف‬ ‫ّ‬ ‫مه د هذا االنق راض الطريق للثدييات اليت ستسيطر على الكوكب قريب اً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫منذ ‪ 63‬مليون عام‬ ‫انقسمت الرئيسيات إىل جمموعتني‪ ،‬عُ رفت بالنسناسيّ ات ‪haplorrhines‬‬ ‫(رئيسيات جافّة األنف) واهلباريات ‪( strepsirrhines‬رئيسيّ ات رطبة األنف)‪.‬‬ ‫تطورت اهلباريات يف هناية املطاف إىل الليمور (نوع من القرود البدائية) واآلي آي‬ ‫ّ‬ ‫تطورت النسناسيات إىل السعادين والقردة‬ ‫(خملوق ليلي يشبه الليمور)‪ ،‬يف حني ّ‬ ‫والبشر‪.‬‬ ‫منذ ‪ 58‬مليون عام‬ ‫انفصل الرتسري ‪ ،tarsier‬وهو حيوان رئيسي بعيون كبرية ملساعدته على الرؤية‬

‫‪19‬‬

‫يف عصور حديثة نسبيًا ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬

‫لي الً‪ ،‬عن بقيّ ة النسناسيّ ات‪ ،‬وهو أول من قام بذلك‪.‬‬ ‫منذ ‪ 55‬مليون عام‬ ‫ان ��ق �راض العصرين الباليوسيين واإلي ��وس ��ي�ني‪ .‬ارت ��ف ��اع مفاجئ يف غ ��ازات الدفيئة‬ ‫(‪ )greenhouse gases‬جعلت درجات احل رارة يف الكوكب ُم ستَ عِ رة‪ ،‬قاضي ةً‬ ‫على العديد من األن ��واع يف أعماق البحار‪ ،‬مع اإلبقاء على األن ��واع املوجودة يف‬ ‫البحار الضحلة وعلى اليابسة‪.‬‬ ‫منذ ‪ 50‬مليون عام‬ ‫ب ��دء تطور م ��زدوج ��ات األص ��اب ��ع (ذات الظلف)‪ ،‬وال�تي تبدو كجسر ب�ين الذئب‬ ‫والتابري (‪ :tapir‬حيوان شبيه باخلنزير) إىل حيتان‪.‬‬ ‫منذ ‪ 48‬مليون عام‬ ‫اإلندوهيوس سلف حمتمل آخر للحيتان و الدالفني‪ ،‬عاش يف اهلند‪.‬‬ ‫منذ ‪ 47‬مليون عام‬ ‫األحفورة املشهورة من الرئيسيات‪ ،‬اليت عرفت باسم «إيدا ‪ »Ida‬عاشت يف مشال‬ ‫املدعوة بروتوسيتيدس ‪ protocetids‬تعيش يف البحار‬ ‫أوروبا‪ .‬احليتان البدائية‬ ‫ّ‬ ‫الضحلة‪ ،‬حيث تعود إىل اليابسة لتلد‪.‬‬ ‫منذ ‪ 40‬مليون عام‬ ‫قرود العامل اجلديد تصبح أول النسانيس ‪( simians‬رئيسيات عليا) اليت تبتعد‬ ‫عن بقية اجملموعة‪ ،‬وتستوطن أمريكا اجلنوبية‪.‬‬ ‫منذ ‪ 25‬مليون عام‬ ‫تنفصل السعادين عن قرود العامل القدمي‪.‬‬ ‫منذ ‪ 18‬مليون عام‬ ‫اجلبّ ون (قرد رشيق احلركة) يصبح أول سعدان ينفصل عن البقية‪.‬‬ ‫منذ ‪ 14‬مليون عام‬ ‫(الس عالة أو حيوان ال ��غ ��اب‪ -‬حيوان ثديي من ال ��ق ��رود) من‬ ‫تتفرع األوران ��غ ��وت ��ان ِّ‬ ‫ّ‬

‫‪20‬‬


‫يف عصور حديثة نسبيًا ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬

‫القردة العليا األخ ��رى‪ ،‬منتشرًة عرب جنوب آسيا‪ ،‬يف حني أ ّن أبناء عمومتهم‬ ‫بقوا يف إفريقيا‪.‬‬ ‫منذ ‪ 7‬مليون عام‬ ‫تتفرع الغوريال من القردة العليا األخرى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫منذ ‪ 6‬مليون عام‬ ‫يتفرع اإلنسان من أقرب أقربائه؛ الشمبانزي وقرد البونوبو‪ .‬بعد ذلك بوقت‬ ‫ّ‬ ‫قصري يبدأ اهلومينني أو أشباه البشر ‪ hominins‬باملشي على قدمني‪.‬‬ ‫منذ ‪ 2‬مليون عام‬ ‫ي ��ع ��ي ��ش ق � ��ارض ب � ��وزن ‪ 700‬ك ��ي ��ل ��وغ �رام ي ��دع ��ى ج ��وزي ��ف ��ورت ��ي ��غ ��اس ��ي ��ا م ��ون ��ي ��س ��ي‬ ‫‪ Josephoartigasia monesi‬يف أمريكا اجلنوبية‪ .‬يعترب أك�بر ق ��ارض‬ ‫حيتل مكان حامل ال ��رق ��م القياسي ال ��ذي‬ ‫م ��ع ��روف على قيد احل ��ي ��اة‪ ،‬وب ��ذل ��ك ّ‬ ‫سبقه‪ ،‬وهو خنزير غينيا الكبري‪.‬‬ ‫املصدر ‪:‬‬ ‫‪-http://www.newscientist.com/article/dn17453‬‬ ‫‪timeline-the-evolution-of-life.html?full=true#.‬‬ ‫‪U0qk3vmSxql‬‬ ‫من موقع الباحثون السوريون‬ ‫‪/http://syr-res.com‬‬

‫‪21‬‬

‫يف عصور حديثة نسبيًا ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬

‫‪22‬‬


‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬

‫احللقة الثانية‪:‬‬

‫عاملة الفلك‪ :‬هنريتا سوان ليفيت‬ ‫ اجلنسية‪ :‬أمريكية‪.‬‬‫ املؤسسة‪ :‬جامعة هارفارد‬‫ التخصص‪ :‬علم الفلك‬‫يوم ا كيف حي ّدد علماء الفلك البعد احلقيقي بني الكرة األرضيّ ة‬ ‫هل تسائلت ً‬ ‫ٍ‬ ‫جمرة معيّ نة؟ هنالك يف حقيقة األمر العديد من األساليب احلسابيّ ة اليت‬ ‫وجن م أو ّ‬ ‫استخدمت عرب التّ اريخ لتقدير البعد الذي يفصل األرض عن جن ٍم مع ينّ ‪ ،‬ولكن‬ ‫لكل من هذه األساليب حمدوديّتها وعيوهبا‪ .‬ح تىّ األعوام القليلة األوىل من القرن‬ ‫ّ‬ ‫العشرين‪ ،‬األسلوب األشهر الذي اعتمده العلماء كان أسلوب عمليّ ة التّ ثليث‪،‬‬ ‫مهارة رص ��د قدمية استخدمت ملسح األراض ��ي‪ ،‬امل�لاح ��ة‪ ،‬وغريها من التّ طبيقات‬ ‫العمليّ ة‪.‬‬ ‫ولكن املشكلة املركزيّة يف عمليّ ة التّ ثليث هو أ ّن طبيعة األسلوب اهلندسيّ ة متنع أو‬ ‫تعيق من قدرتنا على حساب األبعاد اهلائلة يف الكون بدقّة عالية‪ ،‬ولذلك احنصر‬ ‫استخدام هذا األسلوب يف حماولة تقدير البعد الذي يفصلنا عن النّ جوم القريبة‬ ‫صم اء‪ ،‬مض طّدة بسبب جنسها‪ ،‬وبالكاد‬ ‫نسب يًّ ا‪ .‬ولكن أعمال واكتشافات ام رأة ّ‬ ‫نسمع عنها أو عن إجنازاهتا أي شيء‪ ،‬وعدت أن تغ كل ذلك يف ٍ‬ ‫فرتة وجيزة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يرّ ّ‬

‫‪23‬‬

‫قدمت ال ّنساء للعلم؟‬ ‫ماذا ّ‬

‫هنريتا س ��وان ليفيت هي عاملة فلك أمريكي ة ول ��دت وعاشت يف زم � ٍ‬ ‫�ان ُح َرم ت‬ ‫ّ‬ ‫�اص ��ة‪ ،‬أو ح�ّت�ىّ من إستخدام امل ��ق ��ارب (أو‬ ‫فيه امل �رأة من إدارة أحباثها العلميّ ة اخل � ّ‬ ‫ٍ‬ ‫خترجها من كليّ ة رادكليف يف‬ ‫التّ يليسكوبات) املتوفّ رة‪ .‬ولذلك‪ ،‬بعد عام على ّ‬ ‫خترجها بفرتة وج ��ي ��زة‪ ،‬أن‬ ‫سنة ‪ ،1892‬ق � ّ�ررت ليفيت‪ ،‬وق ��د أص ��اهب ��ا ّ‬ ‫الص مم بعد ّ‬ ‫تنضم إىل ف ��ري � ٍ�ق م ��ن ال ��نّ ��س ��اء ال ��ل ��وايت ك � ّ�ن يعملن كحواسيب ب ��ش ��ريّ��ة يف املرصد‬ ‫ّ‬ ‫انضم ت فيها ليفيت إىل الفريق‪،‬‬ ‫الفضائي التّ ابع جلامعة هارفارد‪ .‬يف الفرتة اليت ّ‬ ‫كان إدوارد تشارلز بيكريينج‪ ،‬املسؤول عن املرصد‪ ،‬قد ك لّ ف النّ ساء العامالت يف‬ ‫مرصده بقياس وبناء جداول متيّ ز النّ جوم بناءً على ملعاهنا كما ظهرت يف األلواح‬ ‫الفوتوغ رافيّ ة‪.‬‬ ‫يف املرصد‪ُ ،‬ك لّ فت ليفيت بد راسة نوعيّ ة من النّ جوم اليت عُ رفَ ت بإسم النّ جوم‬ ‫الزمن‪ .‬يف البداية‪ ،‬الحظت ليفيت‬ ‫املتغ يرّ ة‪ ،‬نسب ةً للحقيقة بأ ّن ملعاهنا يتغ يرّ عرب ّ‬ ‫أ ّن هنالك اآلالف من هذه النّ جوم يف سحابة ماج الّن‪ ،‬ولذلك ق � ّ�ررت أن ترّك ز‬ ‫استمرت‬ ‫الس يفيديّة‪ .‬بعد دراس ��ة‬ ‫ّ‬ ‫اهتمامها على فئة معيّ نة تُ��ع � َ�رف باملتغ يرّ ات ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لسنوات عديدة‪ ،‬اكتشفت ليفيت منط وعالقة فيزيائيّ ة مذهلة‪ :‬أ ّن ملعان النّ جوم‬ ‫الزمنيّ ة (أو ال ّد ورة) اليت تفصل بني احلاالت‬ ‫احلقيقي متناسب طرديًّا مع طول الفرتة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الس طوع الباهر‪.‬‬ ‫املختلفة اليت ّ‬ ‫مير فيها النّ جم املتغ يرّ ‪ ،‬من اخلفوت وإىل ّ‬ ‫حل إشكاالً أع ��اق تق ّدم علم الفلك لسنوات‪.‬‬ ‫هذا اإلكتشاف كان ثوريًّا ألنّ��ه ّ‬ ‫لقد ع ��رف الفيزيائي ون منذ ٍ‬ ‫ف�ترة طويلة أ ّن هنالك عالقة حسابيّ ة عكسيّ ة بني‬ ‫ّ‬ ‫ألي جسم مضيء) وبني تربيع املسافة اليت تفصل‬ ‫ال لّ معان احلقيقي للنّ جم (أو ّ‬ ‫الس هل إستخدام‬ ‫أداة ّ‬ ‫الرصد عن اجلسم‪ .‬ولكن قبل إكتشاف ليفيت‪ ،‬مل يكن من ّ‬ ‫نفرق بني ال لّ معان‬ ‫هذه العالقة احلسابيّ ة البسيطة ألنّه كان من ّ‬ ‫الص عب علينا أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بكلمات أخ ��رى‪ :‬مل يكن لدينا األدوات‬ ‫احلقيقي وال لّ معان ال ظّاهر للنّ جم‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬

‫‪24‬‬


‫قدمت ال ّنساء للعلم؟‬ ‫ماذا ّ‬

‫الض وء أو ألنّه بعيد‬ ‫نقرر إذا كان النّ جم خافتً ا ألنّه ال يبعث الكثري من ّ‬ ‫لنعرف أو ّ‬ ‫جدًّا عن األرض‪.‬‬ ‫مه دت ألعظم اإلكتشافات‬ ‫هذه العالقة احلسابيّ ة البسيطة اليت اكتشفتها ليفيت ّ‬ ‫الش هري إدوي ��ن هابل أ ّن الكون‬ ‫يف ال ��ق ��رن العشرين‪ ،‬مثل إكتشاف ع ��امل الفلك ّ‬ ‫يتوس ع‪ .‬هابل نفسه أدرك أمهيّ ة‬ ‫جمرة‪ ،‬ويف النّ هاية أ ّن الكون ّ‬ ‫حيتوي على أكثر من ّ‬ ‫ولكن‬ ‫تستحق جائزة نوبل على أعماهلا‪.‬‬ ‫إسهامات ليفيت العلميّ ة واعتقد أنهّ ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جهود اإلع ت�راف بفضلها على العلم والتق ّدم العلمي مل تنجح لألسف‪ ،‬فلقد‬ ‫الس نوات األخرية من حياهتا‪ ..‬وتوفّ يت ليفيت يف العام‬ ‫الس رطان يف ّ‬ ‫باغتها مرض ّ‬ ‫تستحق أن نتذ ّك رها ألجله‪.‬‬ ‫‪ ،1921‬تارك ةً إرثًا‬ ‫ّ‬

‫‪25‬‬


‫كيف تعمل شاشة اللمس؟‬

‫مصم موا وصانعوا شاشات اللمس ع ّدة تقنيّ ات مخُ تلفة‬ ‫عرب العقدين األخريين‪ ،‬اعتمد ّ‬ ‫الض وئيّ ة‪،‬‬ ‫لتحديد مكان اإلصبع على ّ‬ ‫الش اشة‪ ،‬من عند التقنيّ ات امليكانيكيّ ة‪ّ ،‬‬ ‫والكهربائيّ ة‪ .‬شاشات اللمس التّ كاثفيّ ة (‪،)Capacitive Touchscreens‬‬ ‫وهي التّ كنولوجيا األكثر إنتشارا ِ‬ ‫هذه األيّام‪ ،‬أثبتت أنهّ ا األكثر مرونة وفاعليّ ة يف‬ ‫ً‬ ‫استشعار ملسة اإلنسان‪.‬‬ ‫مكونات الدائرة‬ ‫املكثّف (أو كما يُعرف باإلجنليزيّة‪ )Capacitor :‬هو أحد ّ‬ ‫مادة عازلة‪.‬‬ ‫كهربائيّ ة‬ ‫واملكون‪ ،‬بأبسط صو ِرِه ‪ ،‬من لوحني موصلني وتفصل بينهما ّ‬ ‫ّ‬ ‫التي ار املباشر (‪ )Direct Current – DC‬ال يستطيع عبور ِ‬ ‫هذه الفجوة‬ ‫ّ‬ ‫املرتدد (‪ ،)Alternating Current – AC‬على‬ ‫بني ال لّ وحني‪،‬‬ ‫ولكن التيّ ار ّ‬ ‫ّ‬ ‫الش حنات على التدفّق من جهة واحدة إىل‬ ‫اجلهة األخرى‪ ،‬يستطيع أن ّ‬ ‫حيث بعض ّ‬ ‫اجلهة األخرى‪ .‬سطح شاشة اللمس م غ طّ ى بشبكة من ِ‬ ‫هذه األلواح الكهربائيّ ة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تكاثفي‪ ،‬والتيّ ار‬ ‫كهربائي‬ ‫وصل‬ ‫ولذلك أينما يقع اصبعنا على ّ‬ ‫الش اشة يتش ّك ل ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املرتدد الذي يتولّد داخل اجلهاز حي ّف ز تي ارا مماث الً يف أجسامنا – ممّا ي ِ‬ ‫ساع ُد على‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ًّ‬ ‫س ّد الفجوة وإكمال ال ّدائرة الكهربائيّ ة‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫�ح نيل جريشينفيلد‪ ،‬مدير‬ ‫«جسم اإلن ��س ��ان هو‬ ‫موصل جيّ د للكهرباء»‪ ،‬ي � ّ‬ ‫�وض � ُ‬ ‫ٌ‬ ‫�ذرات (‪ )Center for Bits and Atoms‬ال ��تّ ��اب ��ع ملعهد‬ ‫مركز األرق ��ان وال � ّ‬ ‫كنولوجي (‪ .)MIT‬ولذلك إستخدام أصابعنا إلكمال ال ّدائرة‬ ‫ماساتشوستس التّ‬ ‫ّ‬ ‫كثريا رص ��د ملسة اإلنسان بدقّة عالية‪ .‬ح�ّت�ىّ يستشعر‬ ‫الكهربائيّ ة ّ‬ ‫يسه ل علينا ً‬ ‫املرتدد‪« ،‬ال بُ ّد‬ ‫مكا ٌن ما على شبكة األلواح اليت تغ طّي شاشة اجلهاز وجود التيّ ار ّ‬ ‫الكهربائي‪ »،‬خيربنا جريشينفيلد‪ .‬يف حالة شاشات‬ ‫من وجود سبيل لعودة التيّ ار‬ ‫ّ‬

‫كيف تعمل شاشة اللمس؟‬

‫اللمس على األجهزة احملمولة‪ ،‬اليد األخ ��رى ال�تي متسك اجلهاز كفيلة بإكمال‬ ‫�ؤرض كهربائ يًّ ا‬ ‫ال ّدائرة الكهربائيّ ة ح تىّ اجلانب‬ ‫اخللفي للجهاز‪ ،‬وهو اجلانب امل � ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأم ا يف حالة وجود شاشة ال لّ مس يف أجهزة‬ ‫(‪ّ .)Electrically grounded‬‬ ‫اآليل‪ ،‬فإ ّن جزءً من جسدنا سيكو ُن يف غالب األحوال‬ ‫أكرب‪ ،‬مثل ماكينة ّ‬ ‫الصراف ّ‬ ‫مبؤر ٍ‬ ‫يضمن أ ّن أصابعنا قادرة على إكمال ال ّدائرة الكهربائيّ ة‬ ‫ض ما‪ ،‬ممّا‬ ‫ُم تّ ص الً ّ‬ ‫ُ‬ ‫لعمل شاشة ال لّ مس التّ كاثفيّ ة‪.‬‬ ‫مير عرب جسدك‪،‬‬ ‫إذا‬ ‫َّ‬ ‫وجدت فيما عرضنا دواعي للتنبّ ه واحلذر أل ّن التيّ ار الكهربائي ّ‬ ‫يلتزم باملستويات ال طّبيعيّ ة‬ ‫فال تقلق‪ .‬التيّ ار الكهربائي ّ‬ ‫املرتدد يف شاشات ال لّ مس ُ‬ ‫تحص لة‬ ‫لوصل ّ‬ ‫الش حنات الكهربائيّ ة يف أجسامنا‪ .‬إ ّن الثّورة احلقيقيّ ة والفائدة املُ ّ‬ ‫تكمن يف سرعة استجابتها‪ .‬هذه القدرة الفريدة تُعزى‬ ‫لشاشات ال لّ مس احلديثة‬ ‫ُ‬ ‫سم ى باملتح ّك م ال ّدقيق (‪ .)Microcontroller‬وراء ُك ّل‬ ‫إىل قطعة إلكرتونيّ ة تُ ّ‬ ‫لوح يف شبكة األل ��واح الكهربائيّ ة املوجودة على شاشة ال لّ مس هنالك متح ّك م‬ ‫دقيق يتم�يُّز بسرعة نبض (‪ )Clockspeed‬نانوثانويّة (أي أ ّن بإستطاعتِ ِه تزويد‬ ‫الس رعة الفريدة هي ما‬ ‫ق رابة املليار صعقة كهربائيّ ة بسيطة يف الثّانية)‪ .‬ه ��ذه ّ‬ ‫ميه ُد لسهولة ومرونة التّ فاعل بني اهلواتف الذكيّ ة العصريّة وملسة اإلنسان‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫الس نوات‬ ‫التق ّدم التّ‬ ‫كنولوجي هو الذي دفع اإلزدياد يف جاذبيّ ة شاشات ال لّ مس يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫األخرية‪.‬‬ ‫املصادر‪:‬‬ ‫‪how-do--1439/http://engineering.mit.edu/live/news‬‬ ‫‪touchsensitive-screens-work‬‬ ‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Touchscreen‬‬ ‫من صفحة ‪I believe in Science‬‬

‫‪27‬‬


‫نبضات بن باز ‪...‬‬ ‫امل يثبت الفالسفة والعلماء وجود اهلل؟‬ ‫اليس هناك مؤمنون اذكى منك؟‬

‫‪ -1‬الم يثبت الفالسفة والعلماء وجود اهلل؟‬ ‫وه ��ذا اعتقاد شائع ب�ين املتدينني ان هناك حجج فلسفية دام ��غ ��ه ت ��دل على‬ ‫وجود اهلل‪ ،‬ولكن ال يوجد حجج فلسفية «تثبت» وجود أي اله او انه جيب‬ ‫ان يكون موجودا‪ .‬ولكن يف افضل حاالهتا «اعين هذه احلجج» جتعل وجود‬ ‫نوع معني من االهله حمتمل‪ ،‬هذا لو افرتضنا ان هذه احلجج قوية‪ .‬يف احلقيقة‪،‬‬ ‫ان افضل هذه احلجج اليت تدافع عن وج ��ود اهلل هي حجج مليئة باملشاكل‬ ‫والثغ رات واالخطاء املنطقية‪ .‬بل ان اكثرها هو جملرد جعل املؤمنون يعتقدون‬ ‫بعقالنية وعدل امياهنم‪ ،‬ي عين هذه احلجج ال تبين اساس لكيفية اعتناق اميان‬ ‫ما ولكن هي فقط « تعقلن» هذه االعتقادات‪.‬‬

‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫اعود الوضح واقول ان اقوى هذه احلجج « العلمية – الفلسفية» ال يؤيد‬ ‫دي ��ن معني او ال ��ه معني ولكنها من املمكن ان تشري إىل وج ��ود علة اوىل او‬ ‫مصمم‪ .‬وبالطبع هذا ال شيء يف حبر االديان الضخم‪ .‬يعين ببساطه ان صدقنا‬ ‫وجود عله اوىل فهذا اليعين اهنا علة ذكية او واعية‪ ،‬فما بالك بدين يقول اهنا‬ ‫علة دمها خفيف ارسلت ابنها الوحيد ليموت من اجل خطايانا!!!!‬

‫ه ��ذا بالطبع ال ياخذ يف احلسب ان ان هناك الكثري من احلجج االحلادية‬ ‫ال�تي تستخدم لنفي وج ��ود اهلل او على االق ��ل جعل االمي ��ان ب ��ه غ�ير عقالين‪.‬‬ ‫وللتوضيح فانه اليوجد حجج احلادية تنفي متاما احتمالية وجود أي نوع من‬ ‫االهله‪ ،‬ولكن هناك حجج جيده جدا ضد وجود تلك االهله اليت نعرفها ويؤمن‬ ‫هبا البعض مثل املذكورين يف اليهودية و املسيحية واالسالم‪.‬‬ ‫فاذا كانت هناك حجج علمية او فلسفية تدعم وجود اهلل فاهنا ليست قوية‬ ‫كفاية لتكون كافية لوحدها جلعل االمي ��ان عقالين وخاصتا اذا وضعنا يف‬ ‫احلسبان قوة احلجج ضد فكره وجود اهلل‪ .‬ونعين هناان هذه احلجج خاصة‬

‫‪28‬‬

‫‪29‬‬


‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫أكثر من اجدادنا‪،‬وقد ثبت ان هناك عالقة بني التعليم اجليد واالحلاد‪( .‬راجع‬ ‫خرب جملة نيتشر)‪ .‬الفالسفة والعلماء القدماء اعتقدوا يف اشياء االن حنن‬ ‫نعتربها خطأ ومل يعتقدوا باشياء ثبت صحتها االن‪ .‬واذا كنا سنعتمد على‬ ‫اراء الناس فمن االفضل ان ننظر للبشر يف القرن احل ��ايل الذين هم افضال‬ ‫تعلما من بشر القرون الوسطى مثال‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫ضد تلك االهله الشهرية وجتعل االميان هبا غري عقالين‪.‬‬ ‫الفالسفة ق ��ال ��وا ان ه ��ن ��اك خليط م ��ع�ين م ��ن ال ��ص ��ف ��ات ل ��و اجتمع ف ��ان وج ��ود‬ ‫هذا االله غري مرجح او مستحيل‪ .‬اما اذا ازلنا بعض تلك الصفات او اعدنا‬ ‫تعريفها فانه يؤيد وجود اله ما‪ .‬ولكن للتأكيد ليس ذلك اهلل الذي نعرفه‪.‬‬ ‫اذا لكي تؤمن باله عليك ان تتخلى عن املفهوم التقليدي له‪ .‬ولذلك يفضل‬ ‫ال ��ك ��ث�ير م ��ن ال ��ن ��اس ان ي ��ص ��ف ��وا نفسهم بامللحدين ب ��غ ��ض ال ��ن ��ظ ��ر ع ��ن اس ��ب ��اب‬ ‫تشككهم‪.‬‬

‫(الصورة أعالة توضح نسب املؤمنني باله يف اوروبا‪ ،‬وكما نرى جند النسبه تت زايد يف الدول االسالمية‬ ‫مثل تركيا او الدول الشرقية اليت هبا مسيحية ارثوذوكس وباملناسبه كلمة ارثوذوكس تعين السلفية‬ ‫اي اهنا تلك الكنيسة اليت اتبعت املسيح دون تغ ريات وهي نفس الفكره اليت يؤمن هبا السلفيون)‬

‫‪ -2‬اليس هناك مؤمنون اذكى منك؟‬ ‫صحيح ان هناك من هو اذكى مين ومن كثري من امللحدين آمن بدين ما ولكن‬ ‫ما املشكله؟ فهناك ايضا من هو اذكى منك ورفض دينك! سواء لدين اخر او‬ ‫لالحلاد جبميع االديان‪ .‬وهؤالء امللحدون االذكياء يعيشون حياة الدينية بشكل‬ ‫كامل باسلوهبم اخلاص‪ .‬هل تظن انك اذكى منهم؟ هل لو كانوا اذكى منك‬ ‫فان هذا سيكون سبب كايف لك لرتك دينك؟ بالطبع ال!!‬ ‫ان عكس هذا السؤال جيعله اقوى الننا نعلم ان جيلنا البشري احلايل متعلم‬

‫ان كون احد ما اذكى منك آمن بشيء ما فهذا ليس دافعا لك لكي تقلده‪.‬‬ ‫وهذا ما يسمى يف املنطق مبغالطات حجج السلطة‪ .‬وهذه املغالطة شديدة‬ ‫االنتشار وحمتواها هو لو ان الشخص الذكي هو سلطه فيما يعتقده فبالتايل‬ ‫علينا اخلضوع ل رايه وقناعاته‪.‬‬ ‫هناك ايضا شيء انوه علينا مره اخرى وهو سوء فهم مصطلح االحلاد‪ .‬االحلاد‬ ‫ليس رسالة دكتوراه عن صحة موقف ما او خطئه‪ .‬البعض يعتقد ان االحلاد‬ ‫يكرس مفهوم ان هناك شخص م ��ا خطا وشخص م ��ا ص ��واب‪ .‬ال‪ ،‬احلقيقة‬

‫‪31‬‬


‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫االحلاد هو فقط غياب االميان باي اله بدون تقدمي كلمة صواب وخطأ‪.‬‬

‫ان اللفظ الدقيق سيكون االحلاد موقف أكثر مالءمه او عقالنية‪ .‬والحظ هذه‬ ‫النقطه املهمه ال ��ق ��ادم ��ة‪ ،‬هناك بعض امللحدين مواقفهم غ�ير عقالنيه وغري‬ ‫مالئمه‪ .‬بل واسباب احلادهم غري عقالنية‪ .‬وهذا صرت اراه كث ريا هذه االيام‪.‬‬ ‫ع ��ن نفسي ف ��ان سبب ع ��دم امي ��اين ال ��ذي اراه عقالين ه ��و ان ��ه الي ��وج ��د اس ��اس‬ ‫عقالين يقف عليه االميان‪.‬‬ ‫بن باز‬

‫‪32‬‬

‫‪33‬‬


‫حممد بني الدين و السياسة‬

‫‪34‬‬

‫الرسول ‪ :‬صاحب رسالة‬ ‫النيب‪ :‬صاحب نبوءة ‪.‬‬ ‫السياسي ‪:‬قائد قبلي‘ أو وطين ‪ ،‬أو قومي ‪ ،‬أو أممي‪ ،‬حزيب ‪...‬اخل‬ ‫بالطبع أنا عندما أقول أن حممد املذكور يف القرآن أربع م رات فقط‪ ،‬هو نفسه‬ ‫حممد ابن عبداهلل ابن عبد املطلب الوارد امسه الول مرة يف التاريخ يف سرية‬ ‫ابن اسحاق اليت نقلها لنا بعد التنقيح و االصالح ابن هشام‪ ،‬إمنا أفرتض‬ ‫صدقية اب ��ن هشام ع ��داك عن صدقية اب ��ن اسحاق و صدقية الذين نقلوا‬ ‫اىل ابن اسحاق هذه األخبار‪ ،‬و أفرتض أيض اً سالمتهم العقلية و النفسية‬ ‫و اجلسدية عداك عن ذاك رهتم و مدى حيادية موقفهم و موضوعيتهم و‬ ‫قرهبم أو ابتعادهم عن االميان باخل رافات و النجوم‪ ،‬و خاصة إذا علمنا أن‬ ‫السرية النبوية كتبت بعد وفاة حممد ابن عبداهلل بن عبد املطلب مبا ال يقل‬ ‫عن ‪ 120‬عام اً‪.‬‬ ‫فلو فرضنا سالمة منطلقنا فإن التساؤل األول الذي يطرح نفسه مباشرة ‪.‬‬ ‫ما هي الرسالة اليت قام اهلل بتوصيلها للبشر من خالل حممد‪ ،‬و هذه الرسالة‬ ‫غري موجودة عناصرها يف كل من الديانتني اليهودية و املسيحية ‪..‬؟‬ ‫ما هي النبوءآت اليت تنبأ هبا حممد و حتققت بالفعل ‪..‬؟‬ ‫بل بالعكس نرى أن وجود حممد(كنيب) يعترب حتققا لنبوءآت الكثري من‬ ‫الناس الذين مل يدعوا النبوة كالكاهنان شق و سطيح و ال راهب حبرية و‬ ‫الرجل الصاحل فيميون و القائد السياسي سيف بن زيزن و غريهم ‪..‬الكثري‬ ‫‪.‬‬

‫حممد بني الدين و السياسة‬

‫و من خالل متابعيت و ق رائيت جململ سرية حممد الرسول و النيب و السياسي‬ ‫أعتقد أن حممد مل يكن رسوالً النه مل حيمل رسالة ‪.‬‬ ‫و مل يكن نبي اً النه مل حيمل نبوءة ‪.‬‬ ‫حممد اب ��ن عبد اهلل اب ��ن عبد املطلب ك ��ان ق ��ائ ��داً سياسي اً ح ��ارب و قاتل و‬ ‫سعى اىل اقامة وحدة بني القبائل العربية املتناحرة املتفرقة يف تلك الفرتة‬ ‫و كل تارخيه يؤكد ذلك من خالل حماولته االبقاء على التعاون بينه و بني‬ ‫اليهود وبينه و بني مشركي بين قريش و حروبه الالحقة و فرضه اجلزية على‬ ‫من رفض الدخول يف االس�لام إضافة اىل اهتمامه ال زائد الغري مربر لنيب أو‬ ‫لرسول حبياته الشخصية و عالقاته الزوجية ‪.‬و متابعة خلفائه بضم املناطق‬ ‫و الدول الباقية اىل االم رباطورية االسالمية بغض النظر عن دخوهلم االسالم‬ ‫من عدمه و حروب الردة اليت قام هبا خليفته املباشر أبو بكر الصديق ‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬

‫‪36‬‬

‫ال ي زال املسلمون يدعون بان التوراة و االجنيل حمرفان معتمدين يف ذلك على بضعة آيات‬ ‫وردت يف القرآن تتحدث عن حتريف الكلم عن مواضعه *من الذين هادوا حيرفون الكلم‬ ‫عن مواضعه ويقولون مسعنا وعصينا وامسع غري مسمع وراعنا ليا بالسنتهم وطعنا يف‬ ‫الدين ولو اهنم قالوا مسعنا واطعنا وامسع وانظرنا لكان خ ريا هلم واقوم ولكن لعنهم اهلل‬ ‫بكفرهم فال يؤمنون اال قليال* (النساء)‬ ‫*فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوهبم قاسية حيرفون الكلم عن مواضعه ونسوا‬ ‫حظا مما ذكروا به وال ت زال تطلع على خائنة منهم اال قليال منهم فاعف عنهم واصفح‬ ‫ان اهلل حيب احملسنني*(املائدة)‬ ‫*يا ايها الرسول ال حيزنك الذين يسارعون يف الكفر من الذين قالوا امنا بافواههم ومل‬ ‫تؤمن قلوهبم ومن الذين ه ��ادوا مساعون للكذب مساعون لقوم اخرين مل ياتوك حيرفون‬ ‫الكلم من بعد مواضعه يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان مل تؤتوه فاحذروا ومن يرد‬ ‫اهلل فتنته فلن متلك له من اهلل شيئا اولئك الذين مل يرد اهلل ان يطهر قلوهبم هلم يف الدنيا‬ ‫خزي وهلم يف االخرة عذاب عظيم*(املائدة)‬ ‫فبالرغم من أن هذه االيات ال تتكلم ص راحة عن حتريف التوراة و االجنيل اال أن املسلمون‬ ‫قد اعتمدوا عليها م رارا» و تك رارا» يف وجهات نظرهم حول هذا التحريف ‪ ،‬معتمدين‬ ‫بذلك على أنه ال ميكن لإلجتاه اآلخر (اليهودي و املسيحي ) أن يثبتوا أن هذان الكتابان‬ ‫غري حمرفان و هذا ناجم عن استخدام املسلمون الحدى املغالطات املنطقية اليت تكلم‬ ‫عنها السيد بسام البغدادي و هي البينة على من ادعى فاملسلمون هم من يدعون بأن‬ ‫التوراة حمرفة وعليهم هم إثبات ذلك بالدليل القطعي امل ��ادي و ذلك بأن حيضروا لنا‬ ‫التوراة الغري حمرفة ‪ .‬و اال فان أي كالم آخر ال يكون دليال» قطعيا» على حتريف التوراة‬

‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬

‫و االجنيل ‪.‬‬ ‫و مع ذلك لنذهب معهم أن هذه التوراة و االجنيل حمرفان و أن كل التواريخ املوجودة‬ ‫داخلها عبارة عن تواريخ م ��زورة و ال ميكن االعتماد عليها يف اثبات تارخيية القصص‬ ‫القرآين‪.‬‬ ‫فهل ميكن أن جند ق رائن أخرى تثبت تارخيية هذه القصص القرآنية ‪..‬؟‬ ‫أعتقد أنه من نافل القول أن اليهود و املسيحيون أصبحوا كذلك يف نفس الوقت اليت‬ ‫أنزل اهلل التوراة و االجنيل على االنبياء موسى و عيسى هبامش خطأ ‪ 25‬سنة زيادة و ليس‬ ‫نقصان النه ال ميكن أن تكون مسيحيا» قبل نزول االجنيل على عيسى كما أنه ال ميكن‬ ‫أن تكون يهوديا» قبل نزول التوراة على موسى وال حنيفيا» قبل نزول الصحف على‬ ‫اب راهيم و هكذا ‪...‬اخل‬ ‫و أيضا» ال ميكن أن تبىن الكعبة قبل نزول الصحف على اب راهيم و قبل والدة اب راهيم‬ ‫الن اآلية القرآنية*واذ يرفع اب راهيم القواعد من البيت وامساعيل ربنا تقبل منا انك انت‬ ‫السميع العليم* (البقرة ) تشري اىل أن اب راهيم و امساعيل مها من بنيا الكعبة (البيت‬ ‫احل رام) و اعتقد أن علم التاريخ و اآلثار قد ميكنهما حتديد مىت بنيت الكعبة (البيت )‬ ‫احل رام و ليس هذا فحسب فأيضا» ال ميكن أن توجد الكعبة قبل أن يوجد اب راهيم و آدم‬ ‫و البشرية و حسب جامعة ام القرى فان البشرية وجدت يف مكان الكعبة أي مبكه قبل‬ ‫‪ 200000‬عام و لنثبت هنا رأي علم االث ��ار حيث أنه قال أن أقرب نوع لالنسان احلايل‬ ‫وجد على هذه االرض قبل ‪ 36‬مليون عام ‪.‬و بالتايل الفرق بني االنسان االول و انسان‬ ‫مكة هو ‪35800000= 200000-36000000‬عام‪.‬‬ ‫أما االدلة األخرى فمتعلقة بالكنائس املسيحية و املعابد اليهودية فليس من املنطق أن‬ ‫تبىن املعابد اليهودية قبل نزول التوراة على موسى و قبل والدة موسى و بالتايل من خالل‬ ‫اكتشاف أول معبد يهودي يف العامل نستطيع حتديد عمر اليهودية و حىت عمر موسى‬ ‫هبامش خطأ بسيط ال يتجاوز اخلمسني عام وكذلك االمر بالنسبة للمسيح و املسيحية‬ ‫‪.‬‬ ‫و حسب التأريخ و املكتشفات االثرية فان أول معبد يهودي وهو هيكل سليمان بين يف‬ ‫القدس قبل ‪ 1000‬عام من امليالد ‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬

‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬

‫ق ��ال عبد ال ��ق ��ادر احل ��وس ��ان رئيس «مركز رح ��اب للد راسات األث ��ري ��ة « يف األردن « لقد‬ ‫كشفنا عما نعتقد أنه أول كنيسة يف العامل تعود لفرتة من ‪ 33‬إىل ‪ 70‬سنة للميالد‪.‬‬ ‫و هذا يعين من خالل حساب السنوات اليت مرت فيها اليهودية و املسيحية و معبد‬ ‫اب راهيم ال ��ذي هو الكعبة حسب كل االدي ��ان السماوية ف ��ان عمر اليهودية و التوراة‬ ‫ال تتجاوز اآللف عام قبل امليالد هبامش خطأ بسيط و هذا يعين فيما يعنيه أن عمر‬ ‫البشرية حسب القرآن و التوراة و علم اآلثار املصاحب هلما ال يتجاوز السبعة آالف‬ ‫عام و هذا يعين أنه من الثابت أن اهلل خلق آدم قبل سبعة آالف عام على أكمل وجه‬ ‫و أحسن صورة حسب القرآن و بالتايل فاننا جند تناقضا» صارخا» بني عمر البشرية‬ ‫حسب االدي ��ان و عمر البشرية احلقيقي حسب علم االث ��ار و بالطبع ال ميكن لنا إال‬ ‫أن نثق بعلم اآلثار الذي يثبت بالدليل القاطع أن البشرية ولدت قبل ‪ 36000000‬عام‬ ‫و لنذهب بعيدا» مع السيد عز الدين ك زابر الذي اعتمد على املعادالت الرياضية و‬ ‫احلسابات الدقيقة كما يقول لكي حيدد عمر البشرية من وقت خلق آدم اىل اآلن فقال ‪:‬‬ ‫هكذا إذاً يكون عمر البشرية – بناءاً على التحليل السابق ‪ -‬قد وصل إىل ما ال يقل‬ ‫عن ‪ 520,000‬سنة وأن الزمن قد يكون قد امتد ووصل إىل ‪ 2,700,000‬سنة (عمر البشرية‬ ‫و منحى نقصان عمر االنسان)‪.‬‬ ‫فاذا ما قارنا بني هذه االرق ��ام وحقيقة عمر البشرية حسب االكتشافات االخ�يرة لعلم‬ ‫اآلثار فاننا جند أنه ما ي زال الفرق شاسعا» بني عمر البشرية حسب علم اآلثار و عمر‬ ‫البشرية حسب حسابات االدي ��ان وه ��ذا ان دل على ش ��يء ف ��امن ��ا ي ��دل على أن ��ه توجد‬ ‫مشكلة تارخيية يف القرآن و القصص القرآين لصاحل املشككني يف حقيقة نزول القرآن من‬ ‫عند اهلل على نبيه حممد‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫‪51‬‬


‫عذرية مرمي يف اإلجنيل‬

‫‪40‬‬

‫[‪24‬مل ا قام يوسف ِم ن ال ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫َّوم‪َ ،‬ع ِم َل بمِ ا َأم َرهُ َم ُ‬ ‫الر ِّ‬ ‫الك َّ‬ ‫بام َرأت ه إىل بَيت ه‪ 25 ،‬ولك نَّهُ‬ ‫ب‪ .‬فَ جاءَ ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ما ع رفَ ها حىت ولَ َد ِ‬ ‫ت ا�بْنَ ها الْ بِ ْك َر‪َ .‬و َد َع ا اسمَْ هُ يَسوع‪( ].‬مىت‪)25-24: 1‬‬ ‫َ​َ‬ ‫هذا املقطع من العهد اجلديد جاء يف سياق احلديث عما فعله يوسف خطيب مرمي بعد‬ ‫علمه بأهنا حامل‪ ،‬وذلك تنفيذاً ألوامر الرب (حبسب اإلجنيل)‪ .‬وهنا إذ يسرتع انتباهي‬ ‫مجلة‪[ :‬ما ع رفَ ها حىت ولَ � َ�د ِ‬ ‫ت ا�بْنَ ها الْ بِ ْك َر ]‪ ،‬وفيها ذكر غري مباشر إىل أن يوسف قد‬ ‫َ​َ‬ ‫«ع رفَ ها»‪ ،‬بعد والدة االبن البكر يسوع‪.‬‬ ‫َ‬ ‫• إذاً‪ ،‬ما معىن كلمة َع َرف حبسب الكتاب املقدس؟ أقتبس‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ت َر ُج �لاً ِم � ْ�ن ِع ْن ِد‬ ‫[ َو َع � َ�ر َ‬ ‫ت َوَولَ � َ�د ْ‬ ‫آد ُم َح � َّ�واءَ ْام � َ�رأَتَ��هُ فَ َح بِ لَ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ت قَ ايِ َ‬ ‫ني‪َ .‬وقَ ��الَ ��ت‪« :‬ا�قْ�تَ�نَْي ُ‬ ‫ب»‪( ].‬التكوين‪)1 :4‬‬ ‫الر ِّ‬ ‫َّ‬ ‫وك‪ .‬و َك ��ا َن �ي ب نيِ م ِ‬ ‫اس � َ�م الْ َم ِدينَ ِة‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ين‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫[و َع � َ�ر َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت َوَولَ � َ�د ْ‬ ‫ني ْام � َ�رأَتَ��هُ فَ َح بِ لَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ف قَ ايِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ت َح نُ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وك‪( ].‬التكوين‪)27 :4‬‬ ‫اس ِم ابْ ن ه َح نُ َ‬ ‫َك ْ‬ ‫ب‪ ،‬ورج ع وا وج اء وا إِلىَ �ب ي تِ ِه م فيِ َّ ِ‬ ‫الص بَ ِ‬ ‫[وبَ َّك ُروا فيِ َّ‬ ‫اح َو َس َج ُد وا أ َ​َم َام َّ‬ ‫‪.‬و َع َر َ‬ ‫ف أَلْ َق انَةُ‬ ‫َْ ْ‬ ‫الر َام ة َ‬ ‫َ‬ ‫الر ِّ َ َ َ ُ َ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس نَ ة أ َّ‬ ‫الر ُّ‬ ‫ْام َرأَتَهُ َح نَّ ةَ‪َ ،‬و َّ‬ ‫ب ذَ َك َر َه ا‪َ .‬و َك ا َن فيِ َم َدا ِر َّ‬ ‫َن َح نَّ ةَ َح بِ لَ ْ‬ ‫ت َوَولَ َدت ا�بْنً ا َو َد َع ت اسمَْ هُ‬ ‫ص م وئِ‬ ‫ب َس أَلْ تُ هُ»‪( ].‬صموئيل األوىل‪)20-19 :1‬‬ ‫الر ِّ‬ ‫يل قَ ائِلَ ةً‪« :‬ألَنيِّ ِم َن َّ‬ ‫َُ َ‬ ‫مصادر أخ ��رى‪( :‬التكوين ‪( ،)25 :4‬تكوين ‪( ،)26 :38‬قضاة ‪( ،)39 :11‬قضاة ‪:19‬‬ ‫‪( ،)25‬ملوك األوىل ‪)4 :1‬‬ ‫ف» دليل على الفعل اجلنسي‪،‬‬ ‫«ع َر َ‬ ‫وكما رأينا بالعودة إىل العهد القدمي جند أن كلمة َ‬ ‫تقر به الكنيسة يف مجيع املواضع السابقة‪ .‬إال أهنا يف (م�تى‪ )25-24: 1‬تغض‬ ‫وهو ما ّ‬ ‫الطرف عن ذلك ملا فيه من إحياء‪ ،‬ونقض ملقولة «مرمي العذ راء البتول»‪.‬‬ ‫يف ذات املقطع هنالك ما يلفت النظر أيض اً؛ كلمة «البكر» يف [ولَ َد ِ‬ ‫ت ا�بْنَ ها الْ بِ ْك َر‪.‬‬ ‫َو َد َع ا اسمَْ هُ يَسوع‪ .].‬وهنا جيب التدقيق لغوي اً‪ ،‬فكلمة البكر تقتضي والدة أخوة ليسوع‬ ‫بعده‪ ،‬وإال ك ��ان من املفرتض أن يستخدم الكاتب كلمة «ابنها الوحيد» عوض اً عن‬ ‫«البكر»‪ .‬وبالعودة إىل العهد القدمي‪ :‬كان اسحق هو االبن الوحيد الب راهيم وساراي‪،‬‬ ‫ال‪ِ :‬‬ ‫يد َك‪،‬‬ ‫ك َو ِح َ‬ ‫«خ ذ ا�بْنَ َ‬ ‫يضح ي بإسحق‪ ،‬قال له‪�[ :‬فَ َق َ ُ‬ ‫وعندما طلب اهلل من اب راهيم أن ّ‬

‫عذرية مرمي يف اإلجنيل‬

‫ب إِلىَ أ َْر ِ‬ ‫َح ِد الجِْ بَ ِال الَّ ِذي‬ ‫َص عِ ْدهُ ُه نَ َ‬ ‫الَّ ِذي تحُِ بُّ هُ‪ ،‬إِ ْس َح َ‬ ‫ض الْ ُم ِريَّا‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫اك محُْ َرقَ ةً َع لَ ى أ َ‬ ‫اق‪َ ،‬وا ْذ َه ْ‬ ‫ك»‪( ].‬سفر التكوين ‪ .)2 :22‬وبناءً عليه يصبح األمر غريب اً بأن يستخدم كاتب‬ ‫أَقُ ُ‬ ‫ول لَ َ‬ ‫إجنيل مىت كلمة بكر إال إذا كان حياول إيصال فكرة معينة من خالهلا‪ .‬وهذا األمر لطاملا‬ ‫سبب إح راج اً للكنيسة فقامت يف بعض النسخ حبذف كلمة «بكر»! ‬ ‫• هل هنالك من أدلة على وجود أخوة ليسوع يف الكتاب املقدس؟‬ ‫يف احلقيقة‪ ،‬فإن إجنيل مىت خيربنا هبذه احلادثة اليت جيب التوقف عندها‪:‬‬ ‫ِج ال � ّدا ِر يَط لُ بو َن أن‬ ‫ت ُّأم ��هُ وإخ � َ�وتُ��هُ ووقَ ��ف ��وا يف خ ��ار ِ‬ ‫�وع‪ ،‬ج ��اءَ ْ‬ ‫[وبَينَ ما يَ��س ��وعُ يُك لِّ ُم اجلُ��م � َ‬ ‫فقال لَ ه أح ُد ِ‬ ‫خارج ال ّدا ِر يُريدو َن أ ْن‬ ‫احلاض‬ ‫ك واقفو َن يف ِ‬ ‫يُك لِّ موهُ‪َ 47 .‬‬ ‫ك وإخوتُ َ‬ ‫رين‪» :‬أ ُُّم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ي ك لِّ موك«‪ 48.‬فأجاب ه ي سوع‪» :‬م ن هي أُم ي‪ ،‬وم ن ه م إخ ويت؟« ‪49‬وأشار ِ‬ ‫تالميذ ِه‬ ‫بيد ِه إىل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ ُ َ ْ َ ّ َ ْ ُ ْ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫هو أخي‬ ‫وإخويت‪.‬‬ ‫‪:‬هؤالء ُه ْم أ ُّم ي‬ ‫َ‬ ‫يعم ُل مبشيئة أيب الَّذي يف َّ‬ ‫وقال» ُ‬ ‫‪50‬ألن َم ْن َ‬ ‫الس ماوات َ‬ ‫َ‬ ‫وأُخيت وأ ُّم ي‪( ]«.‬مىت‪)50-46 :12‬‬ ‫إن احلجج اليت قد تُساق لتربير كلمة «أخ ��وة»‪ ،‬هي بأهنا وردت مبعىن «أخوة يف اإلميان‬ ‫والدعوة املسيحية»‪ ،‬أي من أتباع يسوع أو املقربني من والدته‪ ،‬خاصة وأهنم أتوا بصحبتها‪.‬‬ ‫ولو فرضنا جدالً صحة ذلك‪ ،‬فإن طرده هلم مؤشر على نوع من االنشقاق داخل مجاعة‬ ‫ي ��س ��وع‪ ،‬بشكل ال يقبل اجل ��دل‪ .‬ول ��و ص ��ح ذل ��ك‪ ،‬فلماذا ه ��ذا التغاضي م ��ن قبل كاتب‬ ‫اإلجنيل؟ لكن‪ ،‬حلظة‪ ،‬لنعيد صياغة القصة‪ :‬لقد كان يسوع يكلم اجلموع يف دار أحدهم‪،‬‬ ‫وإذا أردنا تقريب املوقف ليتناسب مع مصطلحات ومفاهيم عصرنا‪ ،‬فعلينا أن نتخيّ ل‬ ‫داعية من إح ��دى اجلماعات الدينية حديثة التشكل‪ ،‬جيتمع بأتباعه ومريديه يف أحد‬ ‫األقبية‪ ،‬وخيطب فيهم‪ ،‬ويعظهم‪ ،‬ويرشدهم إىل «الطريق الصحيح»‪ .‬وفيما هو منشغل‬ ‫خبطبته‪ ،‬يدخل عليهم أحد أتباعه ليخربه أن «أمه وأخوته» يف اخل ��ارج يطلبونه‪ .‬وهنا‪،‬‬ ‫ميكن اعتبار أن اجلماعة املوجودة داخل الدار هي أخوة الشيخ‪ ،‬باملعىن اجملازي (أي أخوة‬ ‫يف اإلميان)‪ ،‬أما الذين يقفون يف اخلارج فمن غري املنطقي أن يكونوا من أتباعه‪ .‬ألهنم لو‬ ‫كانوا كذلك‪ ،‬لكان على الشيخ أن يطلب منهم الدخول ليعظهم‪ ،‬كما يفعل مع بقية‬ ‫«األخ ��وة»‪ .‬لكن أن يطردهم فهذا أمر مستغرب‪ ،‬إال يف حال كوهنم أخوة باملعىن احلريف‬ ‫للكلمة‪ ،‬خصوص اً أهنم أتوا برفقة مرمي (األم وأبناءها يأتون لرؤية ابنها‪/‬أخيهم يف مكان‬ ‫عمله)‪ .‬وإن مرور الكاتب على هذا احلدث هبذه الطريقة السريعة املواربة يثري الريبة‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫عذرية مرمي يف اإلجنيل‬

‫‪42‬‬

‫إن طرد يسوع ألخوته وأمه يفرض تساؤالً من نوع آخر هو‪ :‬ملاذا يطردهم؟ رمبا قد جند‬ ‫اإلج ��اب ��ة على ذل ��ك يف إح ��دى اجلمل ال�تي قاهلا يسوع فيما يعرف باسم املوعظة على‬ ‫ِ‬ ‫أهل بيتِ ِه‪( ].‬مىت‪ )36 :10‬لكن هذا ليس بدليل على‬ ‫اإلنسان‬ ‫اجلبل‪36[ :‬ويكو ُن أعداءَ‬ ‫ُ‬ ‫العداوة بينه وبني أهله‪ .‬وهنا يسرد لنا الكاتب حادثة أخ ��رى الفتة وهي ع ��ودة يسوع‬ ‫إىل مسقط رأسه الناصرة (حبسب املعتقد املسيحي‪ ،‬رغم أن قضيتا مسقط رأسه‪ ،‬واسم‬ ‫املدينة الزاال موضع جدل)‪ ،‬حيث رفضه أهل الناصرة ومل يقبلوا دعوته‪ ،‬كما أبدى يسوع‬ ‫سخطه على ذلك‪ .‬وميكننا تفسري هذه احلادثة باجتهاد تأويلي جلعل تسلسل األحداث‬ ‫أكثر منطقية وهو أن املعتقد السائد يف الناصرة كان يهودي اً متشدداً‪ ،‬ومل يقبل األفكار‬ ‫(ال بِ َدع) اجلديدة اليت حاول ابن املدينة نشرها‪ ،‬ورمبا ذلك ما سبب إح راج اً لعائلته (أبويه‬ ‫وأخوته) فاضطروا إىل املفاضلة بني دينهم الذي يؤمنون به‪ ،‬وجمتمعهم من جهة‪ ،‬وبني‬ ‫ابنهم وأفكاره من جهة أخرى‪ .‬مما دفعهم إىل التشبث بدينهم انسجام اً مع فرضية البيئة‬ ‫اليهودية املتشددة‪ .‬وبغض النظر عن التأويالت السابقة‪ ،‬نالحظ يف ذات املقطع أيض اً أن‬ ‫كاتب إجنيل مىت ذهب ألبعد من ذلك‪ ،‬فطالعنا بأمساء أخوة املسيح‪:‬‬ ‫�وا‪»:‬م ��ن أَي ��ن لهِ � َذا ِ‬ ‫[ولَ � َّ�م ��ا ج ��اء إِلىَ وطَ��نِ � ِ�ه َك ��ا َن �ي ع لِّ م ه م فيِ مجَْ م عِ ِه م ح �َّتَىَّ بهُِ تُ وا وقَ ��الُ� ِ‬ ‫هذ ِه‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َُ ُ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ِ‬ ‫وب‬ ‫ات؟ أَلَ ْي‬ ‫س ه � َذا ابْ � َ�ن ال ن َّ‬ ‫َّج ا ِر؟ أَلَ ْي َس ْ‬ ‫الحْ ْك َم ةُ َوالْ � ُق � َّ�و ُ‬ ‫ت أ ُُّم ��هُ تُ ْد َع ى َم � ْ�ريمَ​َ‪َ ،‬وإِ ْخ � َ�وتُ��هُ �يَ ْع ُق َ‬ ‫َ‬ ‫وس ي وسمِ‬ ‫وي ِ‬ ‫َخ َواتُهُ جمَِ يعُ ُه َّن ِع ْن َدنَا؟] (مىت ‪)55 -54 :13‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َو‬ ‫أ‬ ‫ا؟»‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫�ي‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ َُ‬ ‫َُ‬ ‫إن ما يفعله الدين‪ ،‬أي دين‪ ،‬هو تغييب العقل عن طريق تقديس النص والشخوص‪،‬‬ ‫ذل ��ك ليستطيع االس ��ت ��م �رار‪ .‬وأن ��ا واث ��ق من أن معظم املسيحيني قد ق ��رؤوا ه ��ذه اآلي ��ات‪،‬‬ ‫لكنهم مروا عليها مرور الك رام‪ ،‬رمبا كنوع من الرتديد‪ .‬ما فعله الدين هنا‪ ،‬هو تغييب‬ ‫احلس النقدي والقدرة على التفكري احلر والتحليل واالستنباط‪ .‬إن النص الديين جيب‬ ‫التعامل معه كأي نص ع ��ادي‪ ،‬بتحليله ونقده وتفكيك رم ��وزه والتعرف على منشأه‬ ‫وأص ��ول األفكار ال ��واردة فيه‪ .‬وقد يبدو من غري املعقول بالنسبة إىل شخص يعيش يف‬ ‫القرن احلادي والعشرين‪ ،‬أن يعيد تك رار النص نفسه مئات امل رات دون أن يفكر حلظة‬ ‫بنقد ما يق رأه أو التعمق فيه بطريقة موضوعية علمية‪.‬‬ ‫(مالحظة‪ :‬اعتمدت على الكتاب املقدس فقط ال غري‪ ،‬رغم وج ��ود مصادر أخ ��رى ‪-‬ال‬ ‫تعرتف هبا الكنيسة‪ -‬تدعم ما ُس قته يف عرضي املوجز السابق)‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫ملحمدية‬ ‫الكازانوفية ا ُ‬

‫ضمن سلسلة أمهات المؤمنين – قراءة مغايرة‬ ‫( أم المؤمنين صفية بنت حيي)‬ ‫من صــــــــ‪ 288‬إلي صــــ‪289‬‬

‫تم تقسيم النص إلي عدة مقاطع حتي يسهل علي القاريء متابعة النقد بدقة‬

‫املصدر الرئيسي ‪ :‬ت راجم سيدات بيت النبوه – (رضي اللع عنهن‪ -‬للــد كتوره‬ ‫عائش عبدالرمحن – بنت الشاطيء)‬ ‫تنويه ‪ :‬املصادر الداخليه املذكورة يف النص سيتم توضيحها ضمن التذييل ‪.‬‬ ‫حتت عنوان « رؤيا العروس وذكرياهتا» ولن راعي ما بني األقواس»‬ ‫وظهرت صفي عروسا جملوة‪ ،‬تأخذ العني بسحرها حيت لتقول أم سنان األسلمي‪:‬‬ ‫إهنا مل تر بني النساء أضوأ منها (‪ ، )3‬ووراء جلو الفرح املرتقب ‪( ،‬غابت آثار‬ ‫احلزن واألمل )‪ ( ،‬وكأن العروس نسيت املذحبة املروعة اليت ألقت بأهلها صرعي‬ ‫جمندلني ‪ ،‬وأخرجتها من حصن القموص ‪ ،‬ذليلة أسرية ‪ ،‬تساق بني السبايا !)‬

‫‪44‬‬

‫تذييل ‪-:‬‬ ‫بيان ٌم فصل جبمال صفية كا أنثي وإب �راز ما تشتمل عليه من مج ��ال فطري ‪،‬‬ ‫وحسن آخاذ‪ ,‬بعدما قرر محُ مد أن يصطففيها لنفسه ويضمها إيل حرمية وكأننا‬ ‫يف مشهد من مشاهد مسلسل اجلريئة واجلميالت أو من مسلسل حرمي السلطان‪.‬‬ ‫تسوق الكاتبه إستغ راهبا‪ ,‬عن كيف نسيت صفية ما حدث هلا وألهلها بل ولكل‬ ‫قومها علي أي ��دي حممد وأتباعه ‪ ،‬بعدم داه ��م حصنهم‪ ,‬ودم ��ر مدينتهم‪ ,‬وقتل‬ ‫زوجها‪،‬عمها‪،‬اخيها‪ ،‬وأخذها أسرية من بني السبايا بعدما كنت يف عز ومنع من‬

‫ملحمدية‬ ‫الكازانوفية ا ُ‬

‫قومها وال تردي باعظم رجل من أمثال حممد واتباعه أن يكون جمرد خادم عندها‪،‬‬ ‫تشاركنا الكاتبه يف التساؤال املنطقي‪ ,‬لكنها ال ترهق نفسها عادة املسلمني يف‬ ‫التحري والتوثيق وتكتفي فقط بعالمة التعجب‪.‬‬ ‫مما جيعلنا هنا نربهن وناكد علي كون صفية قد أصاهبا املس أو اللوثه‪ ,‬فصارت‬ ‫من هول الصدمة م رأة غري اليت كانت‪ .‬ومل ال‪ ,‬فلمحمد وإيرة أروع األثر وأعظم‬ ‫التأثري‪.‬‬ ‫(‪ )3‬اإلصابة ‪ 126\8 :‬مع طبقات بن سعد ‪121\8‬‬ ‫ونستكمل النص‬ ‫ومثة أقيمت وليمة العرس ‪ :‬أصبح النيب فقال من كان عنده شيء فليجيء به‬ ‫‪ ,‬وبسط نطعا ‪( ،‬فجعل الرجل جييء بالتمر ‪ ،‬وجعل الرجل جييء بالسمن) ‪....‬‬ ‫فكانت وليمة رسول اهلل (‪)4‬‬ ‫تذييل ‪-:‬‬ ‫نعود هنا إيل القول املأثور عن حممد نيب املسلمني بأن اهلل يطعمه ويسقيه‪ ,‬وان‬ ‫جربيل لطاملا نزل علي رغباته‪ ,‬وأنه مل يكن اهلل ليرتكه يتلمس احلاجه من الغري‪,‬‬ ‫ويطلب من الغريب ان يساعده يف اخص خصوصيات حياته‪ ...‬ونتسائل ‪ ,‬أين عز‬ ‫بنو عبدمناف املزعوم‪ ,‬وأين وجاهة وث راء بين هاشم اليت ملئت هبا كتب السري‪,‬‬ ‫مث أين ربه !!! فلماذا مل يرس له مائدة من السماء‪ ....‬أهو اعز عليه من عيسي‪ ,‬أم‬ ‫ت راه أحقر !!! ويبقي آخر سؤال يقف يف حلقي ‪ « ...‬هل كان رسوال أم شحاذا‬ ‫؟؟ «‬ ‫(‪ )4‬متفق عليه من حديث انس – اللؤلؤ واملرجان ك النكاح ‪ :‬ح ‪900‬‬ ‫نستكمل النص‬ ‫دخل صوسلم علي صفية ‪ ،‬ويف نفسه شيء من موقفها األول ( حيث رفضت طلبه‬

‫‪45‬‬


‫ملحمدية‬ ‫الكازانوفية ا ُ‬

‫سابقا يف ان جيامعها‪ ...‬راجع االج �زاء السابقه من السلسله املباركة) وأقبلت‬ ‫عليه فقالت ‪ :‬إهنا يف ليلة عرسها بكنانة بن الربيع ‪ (،‬رأت يف املنام أن قم رأ وقع‬ ‫يف حجرها ‪ ،‬فلما صحت من نومها عرضت رؤيتها علي كنانة ‪ ،‬فقال غاضبا‬ ‫« ما هذا إال أنك تقمنني مللك احلجاز حممدا ! « (‪ )5‬ولطم وجهها لكمة ما‬ ‫ي زال ألثر منها فيه ‪).‬‬ ‫ونظر صوسلم إيل أثر اإلخض رار يف عينها ‪ ،‬وقد سره ما مسع من حديثها ‪ (،‬وهم‬ ‫بأن يقبل عليها ‪ ،‬لكنه امسك وسأل « ما محلك علي اإلمتناع أوال» أو قال ‪:‬‬ ‫ما محلك علي إبائك يف املنزل األول )‪.‬‬ ‫خشيت عليك قرب اليهود» (‪ )6‬ف زال ما كان‬ ‫واجابت العروس من فورها ‪«( :‬‬ ‫ُ‬ ‫جيد يف نفسه من جفوة‪).‬‬

‫‪46‬‬

‫تذييل ‪-:‬‬ ‫ملاذا مل تٌفسر الرؤيا أو املنام علي إعتبار أهنا قد تلد نبيا أو رسوال ‪ ،‬مثلها مثل‬ ‫أم محٌ مد ؟‬ ‫م ��ن امل ��ع ��روف ع ��ن زوج ��ه ��ا كنانة ان ��ه ك ��ان م ��ن أش �راف ال ��ق ��وم ويعمل بالتجارة ‪،‬‬ ‫الصناعة الوحيدة املتداوله إب ��ان عصرهم ويف زماهنم ‪ ....‬فكيف له أن يعرف‬ ‫باألحالم وتفسريها؟؟‬ ‫أت راه كان ٌم نجما‪ ,‬أم كان ميتهن هو اآلخر مهنة مسائية لتحسني الدخل أو ل رمبا‬ ‫يود أن يشارك الرعيه العامة يف املشقة !!!!!!!‬ ‫حاول حممد ان يٌكرم صفية بان يضع إيره الكرمي صاحب قوة األربعني بغال يف‬ ‫فرجها‪ ,‬وأن ينهل من عسلها ومجاهلا‪ ،‬فهو معروف بإشتهائه وحبه للنساء‪..‬‬ ‫لكنها مل تمٌ كنه منها – أت راها كانت حلظة اإلفاقه من اللوثة ‪ , -‬فكيف تمٌ كن‬ ‫من قتل زوجها وأبوها وعمها من أن يضاجعها !!!! مما جيعلك تقف مشدوها‬ ‫من مواقفها عد ذلك‪ ،‬ولكن ماذا نقول إنه السحر النبوي والكازانوفية احملمدية‬

‫ملحمدية‬ ‫الكازانوفية ا ُ‬

‫حي ��اول أن يظهر حممد وكانه الشخص األيب العفيف‪ ،‬ال ��ذي يتحكم يف شهواته‬ ‫وغ رائزه ‪ ...‬فاول ما إقرتبت منه صفية ( وكأن جمرد اإلق رتاب منه هو إشارة منها‬ ‫له بان هلم ضاجعين ففرجي يف أمس احلاجه ملباركة إيرك الكرمي ) فإمتنع عنها‪,‬‬ ‫وكأنه يود أن يدلل ويسوق لنا أنه يريد أن يطمئن باهنا تريده طواعية ال خوفا وال‬ ‫إستسالما !!! فسأهلا ‪ ( ....‬إيه اللي خملكيش تنامي معايا املرة اللي فاتت ) ‪.....‬‬ ‫وكان الرد العجيب منها‬ ‫« خشيت عليك قرب اليهود « ‪ ....‬عن أي يهود تتحدث صفية‪ ,‬بعدما دك حممد‬ ‫حصوهنم‪ ,‬وسبا نسائهم‪ ,‬وساقهم مجيعا أسري ؟؟؟ ‪ ,‬مث أن حممد أخذها بعيدا‬ ‫عن حصن خيرب‪ ,‬وأعلن زواج ��ه منها يف مكانه ووسط أتباعه وحلفائه مبعين أن‬ ‫اخلوف منعدم وغري قائم ‪ ،‬واألغرب واالمر هو تعليق مقحمد نفسه‪ ,‬بانه صدقها‬ ‫وزال ما كان يف نفسه من ناحيتها‪ .... ,‬اهذا نيب مرسل‪ ,‬ام طفل ساذج‪ ،‬أم رجل‬ ‫أخرق‪ ,‬أهو نيب صاحب عقل ورجاحه أم مأفون تنطلي عليه أبسط وأسذج احلجج‬ ‫‪ .... ،‬هل كانت صفية حبق ختشي عليه اليهود ‪ ,‬أم جمرد مربر ط را علي ذهنها‪.‬؟؟‬ ‫أم ت راها حبق كانت ٌم صابه بنوع من أنواع اللوث وفقدان العقل‪.‬‬ ‫(‪ )5‬الرية ‪ ، 350\3‬تاريخ الطربي ‪ ، 94\3 :‬رواه الط رباين يف جممع الزوائد ‪125\9‬‬ ‫‪ ،‬السمط الثمني ‪120‬‬ ‫(‪ )6‬اإلصابة ‪26\1‬‬

‫‪47‬‬


‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬

‫( من سيرة أم المؤمنين‪ -‬صفيه بنت حيي)‬

‫يقول‬ ‫« مث أمر بصفية فحيزت خلفه‪ ،‬وألقي عليهل رداءه‪ ،‬فكان ذلك إعالما بأنه‬ ‫(صوسلم) قد اصطفاها لنفسه !!!‬ ‫يف حديث عن أنس أن رسول اهلل (صوسلم) ملا أخذ صفية بنت حيي ‪ ،‬قال‬ ‫يف ؟ قالت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ....‬قد كنت امتين ذلك يف الشرك ‪،‬‬ ‫هلا ( هل لك ً‬ ‫فكيف إذا أمكنين اهلل منه يف اإلسالم ؟ ) قاعتقها (صوسلم) وتزوجها ‪ ،‬وكان‬ ‫عتقها صداقها ودفعها (صوسلم) إيل أم سليم هتيئها ‪ ،‬وتعتد عندها‬ ‫املصادر جتنبا لتك رار املصدر ذكرته مره واحده ‪ ....‬وهو نصا من الكتاب‬ ‫• كتاب ت راجم سيدات بيت النبوة ( رضي اهلل عنهم) – طبعة مكتبة األسره‪-‬‬ ‫سلسلة سري وت راجم – عام ‪2013‬‬ ‫• ‪ :2‬تاريخ الطربي ‪ ،95\3‬السرية ‪ ، 351\3‬وانظر طبقات بن سعد ‪81\2‬‬ ‫‪ :3‬السري ‪ ،350\3‬اإلصابة ‪126\8‬‬ ‫• ‪ :4‬اإلستيعاب ‪ ،1782\2‬السمط الثمني ‪ ،120 :‬عيون األث ��ر ‪،307\2‬‬ ‫الصحيحني – كتاب النكاح – باب فضيلة إعتاقه أمته مث يتزوجها \ اللؤلؤ‬ ‫واملرجان ‪ ،‬ح ‪900‬‬ ‫• ‪ :5‬صحيح مسلم – كتاب النكاح ‪ :‬ح (‪)1365\86‬‬

‫‪48‬‬

‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬

‫تذييل ‪- :‬‬ ‫بعد موقعة خيرب‪ ,‬سيقت السبايا والغنائم كاألغنام وكانت منهم سيدة‬ ‫قومهم – صفيية بنت حيي ومعها ابنة عمها‪ ,‬يقودهم بالل بن رباح ذلك‬ ‫العبد األس ��ود‪ ,‬ال ��ذي مل تكن ل ��ه كينونة وال م ��ق ��ام قبل خ ��روج حممد بدينه‬ ‫اجل ��دي ��د‪ ,‬ال ��ذي مل يشمل س ��وي السفهه وال ��دمه ��اء ودون ال ��ق ��وم وعلقنا علي‬ ‫تللك النزعه السوداويه بداخله جتاه األسياد يف احللقة السابقة‪.‬‬ ‫كلمة إصطفاها لنفسه‪ ,‬تدل علي الفحص والتدقيق واإلختيار ‪ ،‬فاإلصطفاء‬ ‫يتم م ��ن ب�ين متعدد‪ ,‬وه ��ذا حييلك إيل قضية إهتمام رس ��ول املسلمني بإيره‬ ‫وشغفه الشغوف بالنساء ‪ ،‬السيما إن كانت علي حظ من مجال ونصيب‬ ‫من أنوثه‬ ‫( ألقي عليها ردواءة ‪ ....‬إصطفاها لنفسه )‬ ‫حني تٌعمل الفكر هبدوء يف تللك اجلمله‪ ،‬تستشعر مدي اإلحنطاط والوضاعه‬ ‫يف فكر هذا الرجل – حممد بن عبداهلل‪ -‬وتتسائل ب�براءة عن من يتشدقون‬ ‫حب ��ب ��ه‪ ،‬ت ��ك ��رمي ��ه‪ ،‬ت ��ع ��زي ��زه ل ��ل ��م �راه‪ ...‬وع ��ل ��ي رأس ��ه ��م مؤلفة ال ��ك ��ت ��اب‪ ،‬د‪ /‬عائشه‬ ‫عبدالرمحن – املعروفه‬ ‫كما يُعرج بنا‪ ,‬علي إنه مل تكن الغزوات وال الفتوحات من قبيل نشر الدعوه‪,‬‬ ‫ولكن كانت الدعوه ستارا ليخفي ورائ ��ه احلقد‪،‬الكره‪،‬الغضب‪ ،‬الرغبه يف‬ ‫اإلنتقام – بالل بن رباح‪ -‬وكيف تعامل مع صفية وابنة عمها ‪ ،‬مبا يتخالف‬ ‫الس نن والقواعد يف التعامل مع األس ��ري عموما ‪ ،‬والنساء خصوصا ‪/‬‬ ‫مع ُ‬ ‫وكما يقول املثل الدارج « شبعه بعد جوعه»‬ ‫املفرتض أن يكون الفرح األساسي فرح بسقوط خيرب‪ ,‬وان تكون سيدة املدينة‬ ‫املهزومه تللك‪ ,‬يف اسوأ حاالهتا‪ ،‬بعد ما مر هبا وبقومها من ذل وهوان علي‬

‫‪49‬‬


‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬

‫يد أقوام‪ ,‬كانت يف األمس القريب تأنف من أن ختتارهم خدم هلا‪ ,‬فما بالك‬ ‫مبقتل زوجها‪ ،‬أبيها‪ ،‬أخيها‪ ....‬وكيف يتصور العقل‪ ،‬الفطره – البشريه‪-‬‬ ‫السليمة شخص يف هذه احلالة‪.‬‬ ‫سياق تارخيي وسرد لألحداث جيعلك تقف يف ذهول من كونه يضرب الفطره‬ ‫البشريه يف الصميم‪ ,‬وجيعل املنطق يف حالة غياب ت ��ام‪ ,‬م ��ن ك ��ون إم �رأة –‬ ‫صفية بنت حيي‪ -‬تقبل أن تفكر يف الزواج أصال‪ ،‬ويف مثل هذه الظروف !!!‬ ‫واألدهي واألمر أن يتم الزواج مع الرجل الذي بيده قتل أقرب األقرباء هلا ؟؟؟‬ ‫مما جيعلنا نتسائل ب�براءة‪ ,‬هل كانت – صفيية بنت حيي‪ -‬عاقلة حب ��ق‪ ,‬يف‬ ‫كامل ذهنيتها وإدراكها‪ ،‬أم من هول الصدمة أصابتها اللوثه ؟‬ ‫أم حنن أمام تالعب وقح يف رواية األحداث ‪ ،‬ودعارة تارخيية قُحه‪ ,‬وتدليس يف‬ ‫النصوص‪.‬‬ ‫يف ‪) ....‬‬ ‫يقول النص ( سأهلا هل لكي ً‬ ‫يعين حتيب تتزوجيين‪ ,‬ال أريد أن أٌعلق بأكثر من أن هذه اجلملة هي القوادة حبق‪,‬‬ ‫فكيف لرجل شريف\ حمرتم‪ ,‬يطلب الزواج من إم رأه يف مثل هذه الظروف‪,‬‬ ‫أي عقلية تللك اليت تتصور وتقدر علي أن تكون يدها ملطخه بدماء أقرب‬ ‫األقرباء ويف منتهي التبجح ‪ ...‬يروادها عن نفسها) !!!!!! )‬ ‫مث األغرب واألعجب هو موقف صفية نفسها‪ ,‬مما جيعلين أرجح أهنا إما أصابت‬ ‫باللوثه \ الفصام‪ ,‬فأصبحت شخصا غري الذي كان‪ ...‬كوهنا ترد عليه طلبه‬ ‫بقوهلا ‪ « ....‬كنت أمت�ني ذل ��ك قبل اإلس �ل�ام‪ ،‬فكيف إذا أمكنين اهلل منه يف‬ ‫اإلسالم‬

‫‪50‬‬

‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬

‫هل كانت صفية تشتهي حممدا قبل أن ت �راه؟؟ إذن ما موقفها من الشرف‬ ‫والعفه !! علي إعتبار كوهنا كانت متزوجة من سيد قومها !!!!‪ ....‬أال تتفق‬ ‫معي يا قارئي العزيز ‪ ..‬أن تصريح صفية يف حد ذات ��ه ككالم‪ ,‬فيه ضمنيا‬ ‫طعنا يف ٌخ لقها ويف شرفها‪ ،‬يصل حلد إهتماها باخليانة‬ ‫أم هي بالفعل كانت علي عالقة مبحمد قبل غزو خيرب وتعرفه لدرجة أهنا‬ ‫تشتهييه وتريده ؟؟؟‬ ‫كيف لرجل – حممد بن عبداهلل‪ -‬أن يقبل أن يتزوج من إم رأه كانت تشتهي‬ ‫غري زوجها !!!!!!‬ ‫هذا منطق يرفضة الرجل احلر‪ ،‬فما بالك برجل يدعي الرساله والنبوة وأيت‬ ‫ليتمم مكارم االخالق!‬ ‫مث دع�ني أس ��ت ��درك معك‪ ,‬إن كانت هكذا معه يف ظ ��ل زواج ��ه ��ا ال ��ق ��دمي ‪...‬‬ ‫فكيف يضمن حممد والئها له بعد أن يتزوجها!!!‬ ‫كما قلت دوما وسأظل أقول حنن لسنا أما رسول من قبل السماء ‪ ...‬بل حنن‬ ‫أمام قواد الدهر وراعي الدعاره األول يف العامل‪.‬‬ ‫يقول ( أعتقها وتزوجها‪ ,‬وكان عتقها صداقها)‪.‬‬ ‫أي تشبيه للم رأه‪ -‬يف صورة صفية بنت حيي ‪ -‬أحقر وأدين من ذلك‪ ،‬أين‬ ‫هو اخليار الفعلي ‪ ....‬مث هل املوقف يف األساس جيعل من صفية قادره علي‬ ‫اإلختيار ‪ « ....‬ما بني األسر وأن تكون زوجة – مع حتفظي علي اللفظ ‪– -‬‬ ‫للرجل الذي قتل بيده زوجها‪،‬ابوها‪،‬عمها‪.،‬‬

‫‪51‬‬


‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬

‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬

‫مث كيف تري موقف حممد بن عبدااهلل من كونه يقبل باملن – امل حرم بنص‬ ‫صريح يف القرآن ‪ ،‬حيث أن سياق الرواية جيعلك تتأكد من انه ٌ‬ ‫تفضل‪ ،‬تكرم‬ ‫عليها بق راره أن يضع إيره املبارك يف فرجها ‪ ،‬بديال عن إرتضائه بصريورهتا كا‬ ‫امة ‪ ،‬أم ت راه استخسرها يف غري نفسه حلالوهتا !!!!!!!!‬ ‫أي فوقية يف ذلك الرجل ؟ ‪ ,‬أي نطفة قذرةٌأٌلقيت يف رحم أم رأة أقذر لتٌ نجب‬ ‫رجال علي هذه الشاكلة من التدين واإلحنطاط ‪!!! ....‬‬ ‫يقول ( ودفعها إيل أم سليم هتيئها ‪ ،‬وتعتد عندها )‬ ‫إستكماال لسيناريو إمتهان املرآه بالتشريع الرباين احلكيم‪ ,‬وضغارها بتصرفات‬ ‫الرسول الكرمي‪ ...‬وكونه يهتم بالشكل ال باملخرب‪ ،‬وال يري يف امل رأه سوي اجلسد‬ ‫البض‪ ،‬أو الفرج املمتع ‪ ،‬أو إمجاال ( أداة لإلستمتاع والرتفيه للرجل) أرسلها‬ ‫ملن تٌدعي أم سليم ل تٌ جهزها له ‪ ...‬إنتظارا للتكرمي احلافل بأن يضع إيره يف‬ ‫فرجها‪ ...‬ويخٌ تتم النص بكون حممد رجل فعال يتبع الش رائع فلن يغتصبها‪،‬‬ ‫يستحلها‪ ،‬أو أقصد – يتزوجها – إال بعد شهور العدة‬ ‫فعال ‪ :‬أكرم به من رسول ‪ ،‬واعظم به من دين‬

‫‪52‬‬

‫‪53‬‬


‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫مصطفى تاج الدين الموسى‬

‫سندريال‬

‫على ٍ‬ ‫وبوشاح يغطي كل وجهها باستثناء عينيها‪..‬‬ ‫عجل وحتت ستار الليل‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫كانت سندريال تلصق على جدار ٍ‬ ‫زقاق عتيق ملصقات معارضة‪ .‬من بعيد حملها‬ ‫جنود امللك‪ ,‬فطاردوها حبنق بني األزقة‪ ,‬لكنها اختفت فجأة‪ ,‬ومل يعثرواسوى‬ ‫على فردة حذائها‪ .‬اخلرب وصل للملك فاستشاط غضب اً‪ ,‬مث أمر جيشه بالتوجه‬ ‫دس أرجلهم يف احلذاء‪ ..‬وقتل كل‬ ‫إىل كل مدن اململكة‪ ,‬وإجبار الناس على ّ‬ ‫من يتطابق حجم رجله مع حجم احل ��ذاء‪ .‬خالل شهو ٍر قليلة اقتحم جنود‬ ‫امللك كل املدن والقرى‪ ,‬وارتكبوا هبا الكثري من اجملازر‪ ,‬ألن أرجل كل الناس‪..‬‬ ‫رجاالً ونساءً‪ ..‬أطفاالً وشيوخ اً‪ ,‬كان حجمها يتطابق مع حجم هذا احلذاء‪.‬‬ ‫عندما انتهى الشعب رجع اجلنود إىل ملكهم‪ ,‬فقلدهم بغبطة أومسة النصر‪.‬‬ ‫رغم ه ��ذا‪ ..‬ظلت سندريال تظهر لي الً يف زق � ٍ‬ ‫�اق ما‪ ,‬كل بضعة أي ��ام‪ ..‬لتلصق‬ ‫على جداره ملصق اً معارض اً‪ .‬مث هترب‪ ,‬تارك ةً خلفها يف كل مرة‪ ..‬فردة حذاء‪.‬‬

‫القديس‬

‫ذلك القديس العجوز احملشور بكل ب راءته‪ ,‬مع ٍ‬ ‫هالة من النور حول رأسه‪ ,‬بني‬ ‫قضبان صورته العتيقة‪ ,‬واملعلقة على هذا اجلدار‪.‬‬ ‫كفكف دموعه وهو يرمق متأمل اً بعينيه احلزينتني هذا املنظر القاسي‪ ,‬الذي‬ ‫أدمى له قلبه خالل دقائق‪.‬‬ ‫مث ــ وبلحظة جنون ــ وكأنه فقد عقله‪ ,‬التقط بيديه ثوبه الطويل‪ ..‬وراح يرفعه‬ ‫حىت خصره‪ ,‬مث شرع بالتبول غضب اً من قماش صورته إىل اخلارج‪ ,‬وكأن صورته‬

‫‪54‬‬

‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫على اجلدار جمرد نافورة‪.‬‬ ‫جندي داكن املالمح‪ ,‬منحين أسفل الصورة متام اً‪ ..‬بلل البول خوذته مث‬ ‫مثة‬ ‫ٌ‬ ‫وجهه مث بزته مث مؤخرته‪.‬‬ ‫لكنه مل ينتبه أبداً‪ ,‬فقد كان منهمك اً بفك تلك الساعات اجللدية املتواضعة‪,‬‬ ‫عن معاصم األطفال‪ ,‬الذين قتلهم منذ قليل‪.‬‬

‫مزهرية‪ ..‬من مجزرة‬

‫هطلت القذائف كمطر ٍغزير على ساحة القرية‪ ,‬حيث ك ��ان فيها حفل‬ ‫زفاف ٍمتواضع‪.‬‬ ‫هرول والده خبوف إىل الساحة ليبحث عن أمه‪ ,‬فلحقه طفلهما الصغري‪.‬‬ ‫مل يعثر والده بني اجلثث اليت ذابت مالمح وجوه بعضها على والدته‪.‬‬ ‫أحد اجلرحى طمأنه بأنه قد حملها عن كثب تغادر احلفلة قبل القذائف ببضع‬ ‫دقائق‪.‬‬ ‫الطفل ك ��ان ـ �ـ وب ��س ��ع ��ادة ـ �ـ يلهو بالتقاط األي ��دي املقطوعة م ��ن ب�ين األش�لاء‬ ‫البشرية وهو يظنها دمى‪ ,‬فجمع عدة أيدي‪.‬‬ ‫صرخ عليه والده وهو يأمره بالرجوع حاالً للبيت‪ ,‬مث وعده بأنه سريجع إىل‬ ‫البيت بعد قليل‪ ,‬وأمه معه‪.‬‬ ‫ركض الطفل وهو حيضن إىل صدره األيدي املقطوعة‪.‬‬ ‫يف البيت‪ ,‬داخ ��ل غ ��رف ��ة اجل ��ل ��وس‪ ,‬التقط امل ��زه ��ري ��ة ع ��ن ال ��ط ��اول ��ة‪ ,‬ورم ��ى عنها‬ ‫ليدس هبا تلك األي ��دي‪ ,‬مث وضعها جانبه على األريكة وهو يتأملها‬ ‫ال ��ورود‬ ‫ّ‬ ‫ويبتسم ببالهة‪.‬‬ ‫تأخر والده ووالدته‪ ..‬شعر بالنعاس‪ ,‬تثاءب‪ ..‬مث غفا جانب املزهرية‪.‬‬ ‫بعد أن نام‪ ..‬مثة ي ٌد من األيدي يف املزهرية‪ ,‬مالت إليه هبدوء‪ ,‬لتمسح حبنان‬

‫‪55‬‬


‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫على شعره الناعم‪.‬‬

‫الطفل والحرب‬

‫بضع قذائف سقطت على الشارع الرئيسي يف السوق‪ ,‬بعد برهة‪ ..‬هنض هذا‬ ‫الطفل من بني جثث القتلى وأجساد اجلرحى وهو يتأمل‪.‬‬ ‫مث انتبه إىل أن ي ��ده كانت مقطوعة‪ ,‬ف �راح يبحث عنها بني فوضى األش�لاء‬ ‫البشرية وهو يبكي مب رارة وأمل‪ ,‬ع لّ ه يعثر عليها‪.‬‬ ‫فجأ ًة‪ ..‬عثر على يد ٍأخرى مقطوعة‪ ,‬يبدو من شكلها أهنا جلثة رجل ٍمتقدم‬ ‫ٍبالسن‪.‬‬ ‫التقطها الطفل مث وضعها على معصمه‪ ,‬وتأملها لثوان ببالهة‪.‬‬ ‫سرعان ما راح يقفز بسعادة بني اجلثث أمام اجلرحى‪ ,‬وهو يصرخ كمجنون‪:‬‬ ‫ـــ لقد كربت‪ ..‬لقد كربت‪ ..‬لقد كربت‪.‬‬

‫تش ّك ل‬

‫قبل احلدود ببضع ٍ‬ ‫تالل ومنحد رات‪ ,‬اهنمرت عليهم القذائف‪ ,‬فركض أولئك‬ ‫النازحون بصخب ٍ وخوف‪.‬‬ ‫أمسك األب يد طفله‪ ,‬وهروال مع العش رات يف هذه الفوضى البشرية‪.‬‬ ‫القذائف قتلت بعضهم وجرحت بعضهم اآلخر‪ ,‬لكن ال أحد انتبه ألحد يف‬ ‫فوضى الرعب هذه‪.‬‬ ‫بعد أن اجتازوا احلدود تنفسوا الصعداء‪ ..‬مث مشوا حنو ذلك املخيم‪.‬‬ ‫باستثناء هذا الطفل الذي عندما ختطى احلدود نظر إىل ميينه‪ ,‬فلم يشاهد من‬ ‫كل والده إال يده املمسك هبا‪.‬‬ ‫تأمل الطفل ي ��د وال ��ده املقطوعة‪ ,‬ضمها إىل ص ��دره‪ ,‬مث جلس على صخرٍة‬

‫‪56‬‬

‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫جانب األسالك الشائكة‪.‬‬ ‫ابتسم ببالهة وهو ميعن نظره يف البعيد‪ ,‬منتظ راً قدوم أشالء والده‪ ,‬لتتحد مع‬ ‫يده هذه فتعيد تشكيله‪.‬‬ ‫متام اً‪ ..‬مثلما كان يتش ّك ل (غرندايزر ) يف ذلك املسلسل الكرتوين‪.‬‬

‫الزوجة‬

‫كانت منحية تكنس أرض الغرفة‪ ,‬غري ٍ‬ ‫آهبة لصدى الرصاص القادم من بعيد‪,‬‬ ‫أملٌ خاطف ملع يف ظهرها فوقفت وتآوهت بصمت‪.‬‬ ‫صدفة ًوقعت عينها على ص ��ورة زوجها املتوىف منذ بضع أسابيع‪ ,‬واملعلقة‬ ‫على اجلدار‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بغموض غريب‪ ,‬تأملت صورته بكثري ٍمن االستغ راب‪.‬‬ ‫خفق قلبها‬ ‫رغ ��م أهن ��ا كل ي ��وم تتأملها لساعات‪ ..‬لكن يف ه ��ذه اللحظة أحست وكأن‬ ‫زوجها يبتسم‪ ,‬وليس أي ابتسامة‪.‬‬ ‫إمنا هي ذاهتا تلك االبتسامة القدمية‪ ,‬اليت كانت ترتسم على وجهه قبل أن‬ ‫ينحين إليها‪ ,‬ليسرق على ٍ‬ ‫غفلة منها قبلة ًسريعة ورقيقة أيام خطوبتهما‪.‬‬ ‫أرادت الزوجة أن متعن النظر يف الصورة أكثر‪ ,‬وقد أعيتها الدهشة‪.‬‬ ‫فجأة ً‪ ..‬قنبلة تقتحم النافذة وتنفجر خلف الزوجة لتحوهلا إىل أشالء‪.‬‬ ‫بعد ب ��ره ��ة‪ ,‬وك ��ان دم ��ه ��ا ق ��د ختثر على ال ��ب�لاط‪ ,‬هنضت ومج ��ع ��ت أش�لاءه ��ا مث‬ ‫صعدت ٍ‬ ‫هبدوء إىل صورة زوجها‪ ,‬حيث دخلتها‪,‬‬ ‫حضنا بعضهما‪ ..‬وشرعا ٍ‬ ‫بقبلة طويلة‪.‬‬

‫غبار على الخيال‬

‫كانت احل ��رب كعادهتا اليومية‪ ,‬مت ��ارس قذائفها ه ��ذه الليلة على مقربة ٍمن‬

‫‪57‬‬


‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫ظل لساعات يتأمل بال مباالة‬ ‫غرفته‪ .‬مل يأبه أبداً لضجيج االنفجارات‪ ,‬وإمنا ّ‬ ‫هذا الغبار امل رتاكم منذ أشهر على أث ��اث غرفته‪ ,‬وهو يدخن بش راهة‪ .‬شعر‬ ‫بامللل فالتقط علبة سردين‪ ,‬فتحها والتهمها ببطء عن غري شهية‪ .‬عندما‬ ‫وعب منها بعمق‪ .‬أثناء النصف األول من سيجارته‪,‬‬ ‫انتهى‪ ,‬أشعل سيجارة ّ‬ ‫كان يرمق بصمت علبة السردين الفارغة‪ ,‬على سطح طاولته‪ .‬ختيلها التابوت‬ ‫امل ��ن ��اس ��ب جلثته‪ ,‬فابتسم ب ��ب�لاه ��ة‪ .‬أث ��ن ��اء النصف ال ��ث ��اين م ��ن س ��ي ��ج ��ارت ��ه‪ ,‬علبة‬ ‫السردين الفارغة تأملته بصمت‪ ,‬فتخيلته اجلثة املناسبة لف راغها الداخلي‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ‪ ..‬هي أيض اً‪ ,‬ابتسمت ببالهة‪.‬‬

‫حتطم كل زجاجها‪ ,‬وحتولت املرآة إىل فوهة فارغة‪.‬‬ ‫فجأ ًة‪ ..‬قفز من هذه الفوهة املتظاهرون‪.‬‬ ‫قتلوا امللكة‪ ,‬مث عثروا على امللك أسفل سريره فقتلوه أيض اً رغم توسالته‪ ,‬و‬ ‫أشعلوا النار يف كل الصاالت والغرف والستائر جبنوهنم اجلميل‪.‬‬ ‫يف هبو القصر‪ ..‬الطفل بائع الكعك راح يعزف هلم على البيانو كيفما اتفق‪.‬‬ ‫لريقصوا بفرح كثنائيات منسجمة مع بعضها بثياهبم الرثة كما النبالء‪ ,‬غري‬ ‫آهبني للن ريان اليت أشعلوها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لعقود مريرة‪.‬‬ ‫رقصوا رقصتهم املفضلة‪ ,‬تلك اليت حرموا منها‬

‫الرجوع إلى الرقص‬

‫الطفلة في هذا المساء الشتوي البارد‬

‫وقفت امللكة أمام مرآهتا وسألتها بغرور‪:‬‬ ‫ـــ هل هنالك من هي أمجل مين ؟‪..‬‬ ‫شهقت متعجبة م ��ن ج ��واب م ��رآهت ��ا ال ��ذي تغري اآلن بعد أن ظ ��ل نفسه زمن اً‬ ‫طوي الً‪.‬‬ ‫ـــ نعم‪ ..‬هنالك من هي أمجل منك يا سيديت‪..‬‬ ‫كادت أن تنفجر غيظ اً‪ ,‬فسألتها حبقد‪:‬‬ ‫ـــ من هي ؟‪ ..‬أرين صورهتا‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ‪ ..‬وكأن زجاجها شاشة تلفاز‪ ,‬راحت املرآة تبث هلا نق الً حي اً ملظاهرة‬ ‫ٍ‬ ‫حلشود من الفق راء وهم يف الشوارع‪ ,‬يشتمون كل شيء‪ ,‬يكسرون كل‬ ‫هائلة‬ ‫شيء‪ ,‬حيرقون كل شيء‪.‬‬ ‫مهست هلا مرآهتا بثقة‪:‬‬ ‫ـــ هذه املظاهرة أمجل منك يا سيديت‪..‬‬ ‫مل حتتمل امللكة وقاحة مرآهتا‪ ,‬فقذفتها بكأس ذهبية تشرب منها املاء‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫بعد أن سقطت حتت املطر عدة م رات على الرصيف‪.‬‬ ‫الطفلة ذات األع ��وام األربعة دخلت إىل الصيدلية بوجهها الشاحب‪ ,‬وهي‬ ‫ٍ‬ ‫بغطاء رث‪ ..‬لترتك على بالط الصيدلية خلفها أثار‬ ‫تغطي جسدها الصغري‬ ‫من طني‪.‬‬ ‫عندما شاهدها الصيديل عرفها‪ ,‬فهي تسكن مع أمها ووالدها يف قبو جماور‬ ‫لصيدليته بعد أن نزحوا من قريتهم البعيدة بسبب احلرب منذ أشهر‪.‬‬ ‫شهق وق ��د استغرب من والديها كيف يرسلوهنا إىل الصيدلية حافية ًحتت‬ ‫املطر‪ ,‬فسأهلا بغضب‪:‬‬ ‫ــ أين والدك؟‪..‬‬ ‫أجابته متلعثمة‪:‬‬ ‫ــ خ ��رج يف الصباح ليجلب طعام اً و زجاجة م ��ازوت‪ ..‬لكنه مل يرجع حىت‬ ‫اآلن‪..‬‬ ‫ــ وأين أمك؟‪.‬‬ ‫ــ أمي مستلقية يف الغرفة‪..‬‬

‫‪59‬‬


‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫ٍ‬ ‫عندئذ أخرجت الطفلة كفها من أسفل الغطاء‪ ,‬وفوق زجاج‬ ‫تنهد الصيديل‪..‬‬ ‫طاولته سقطت منها قطع معدنية‪.‬‬ ‫أجهشت فجأ ًة بالبكاء وهي تقول له‪:‬‬ ‫ــ أعطين دواءً يعيد أمي للحياة بأربع ل ريات ونصف‪.‬‬

‫ليلة اختفاء الزعيم من كل المرايا‬

‫‪60‬‬

‫يف هذه البالد مثة شيءٌ غريب حيدث منذ عقود‪ ,‬حىت صار بالنسبة لسكاهنا‬ ‫مع توايل األجيال شيئ اً اعتيادي اً‪.‬‬ ‫زعيم البالد موجود يف كل امل رايا املنزلية الكبرية واملتوسطة‪ ,‬وأيض اً يف امل رايا‬ ‫الصغرية داخل احلقائب‪.‬‬ ‫كلما مشط أحدهم شعره أمام مرآته‪ ,‬يشاهد فيها الزعيم ميشط شعره وبذات‬ ‫التسرحية‪.‬‬ ‫آخر حيلق ذقنه فريى يف املرآة الزعيم حيلق ذقنه‪.‬‬ ‫رجل ما يعقد ربطة عنقه‪ ,‬الزعيم كذلك و يف نفس املرآة يعقد ربطة عنقه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫زوج ��ة تلون وجهها ب ��أل ��وان مكياجها‪ ,‬الزعيم يف مرآهتا يلون وجهه بألوان‬ ‫مكياجها‪.‬‬ ‫م راهقة وبطيش أنثوي تشد فستاهنا على جسدها‪ ,‬وتستدير حىت تتأكد من‬ ‫أهنا مغرية‪ ,‬مث تتأمل أرداف الزعيم على زجاج مرآهتا‪.‬‬ ‫م ��رة‪ ..‬ذبابة كانت حتلق أم ��ام امل ��رآة بسعادة‪ ,‬فلمحت الزعيم حيلق داخلها‬ ‫بسعادة أيض اً‪.‬‬ ‫يف ٍ‬ ‫شتاء ق ��دمي‪ ,‬أراد أح ��د املخمورين أن يقتل الزعيم‪ ,‬وق ��ف أم ��ام مرآته وهو‬ ‫يرتنح مث أطلق النار على رأسه ليسقط ميت اً‪ ,‬الزعيم يف ذات املرآة أطلق النار‬ ‫ظل حيّ اً يف بقية م رايا البالد‪.‬‬ ‫على رأسه وسقط منها ميت اً‪ ..‬لكنّ ه ّ‬

‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫هذه الليلة وإثر وعكة صحية غامضة‪ ,‬حتشرج الزعيم قلي الً يف سريره مث مات‪.‬‬ ‫انتشر خرب موته مهسا ً يف كل البالد‪ ,‬مل يصدق الناس اخلرب‪ ,‬فتسللوا حبذر‬ ‫إىل امل رايا يف بيوهتم ليتأملوا وجوههم وهم يشهقون مندهشني‪.‬‬ ‫بعضهم مسح بكفه زجاج مرآته غري مصدق‪ ,‬وبعضهم اآلخر مسح بكفه‬ ‫على وجهه غري مصدق‪.‬‬ ‫سرعان ما ابتسموا‪ ..‬نظروا طوي الً يف امل رايا وهم يكتشفون بفرح للمرة األوىل‬ ‫مالمح وجوههم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لعقود مريرة‪.‬‬ ‫مالمح وجوههم اليت حرموا منها‬

‫‪61‬‬


‫مقتطفات من كتاب فرعون يكتب سفر اخلروج‬

‫من باب «هل تستطيع أن حتب اإلله؟‬ ‫«هل االله شئ ميكن ان حيب ؟ هل الذين يصلون له حيبونه؟ أم يتملقون‬ ‫اخالقه وحياولون ان خيدعوا قوته وكربيائه؟ اليست االلوهية شيئا يقتل‬ ‫احلب؟ هل ميكن ان حتب من ختاف من كل اخلوف وتتوقع منه كل املخاطر‪،‬‬ ‫ويصنع ويعد لك ويوقع بك كل اآلالم واألح زان واملخاوف والعاهات‬ ‫والتشوهات واألم راض والضعف واهلوان واملوت والشيخوخة وأهوال اجلحيم‬ ‫والعقاب؟‬ ‫هل ىف اعدائك من يوقع بك مثلما يوقع بك إهلك؟ هل ميكن ان حتب‬ ‫وحشا هو كل الوحوش وكل االف رتاس لكل الناس ولكل األشياء؟ وهل‬ ‫ميكن ان حتب وحشا قد أكل آبائك وأباء ج ريانك قبل ان يأكلك أو بعد أن‬ ‫يأكلك؟‬ ‫إن اإلنسان لو أحب اإلله الذى يفعل به وله كل هذا لكان هو أردأ حمبوب‪.‬‬ ‫إنه حينئذ الفضيلة وال تقوى لإلنسان ىف ان يكون حمبا كما الجمد و‬ ‫التكرمي لإلله ىف ان يكون حمبوبا‪.‬‬ ‫إن اجملد والتكرمي حينئذ ملن تصيبهم البغضاء‪ .‬إن احلب حينئذ هجاء ملن‬ ‫حيبون‪ .‬إننا حينئذ جيب ان نبحث عمن يبغضونا ال عمن حيبوننا‪ ..‬إن حب‬ ‫اإلله هو اقصى هجاء لذكاء االنسان ولك رامته وألخالق عواطفه ولقلبه وملن‬ ‫يهبه قلبه‪ .‬إنه هجاء لكل معاىن احلب وقيمه ىف األرض‪»...‬‬ ‫ويسأل القصيمي «هل الذين يصلون لإلله حيبونه أم يرضون ويتملقون قوته‬ ‫وكربياءه؟‬

‫‪62‬‬

‫مقتطفات من كتاب فرعون يكتب سفر اخلروج‬

‫ان هذه املقولة خطرية جدا فماهو الفرق بني احلب ورضا من حتب اذا كان‬ ‫قوى ويسهل عليه سحقك‪ .‬هل ميكن أن خيلط عقلنا بني احلب ومتلق‬ ‫احلبيب‪ ،‬متلق كربياءة وقوته‬ ‫ويسأل القصيمي ايضا « هل يستطيع قلبك أن يكون ذليال أو نبيال‪،‬‬ ‫متساحما أو غبيا لكى حيب كائنا الميكن ان يفهم أخالقه أو منطقه أو ما‬ ‫يصنع سروره و أح زانه «‬ ‫ويسأل القصيمى القارىء «هل حتب كائنا مل يوجه اليك أحد من التحقري‬ ‫ومن التهديد بالعقاب مثلما وجه اليك؟ هل ميكن ان حتب كائنا مل تره‬ ‫حىت وال صورته‪ ،‬ومل تسمعه‪ ،‬ومل تعرفه‪ ،‬ومل تفهمه‪ ،‬ومل تزره‪ ،‬كما مل يزرك‬ ‫ومل يفعل ولو مرة واحدة ماتريده منه وتدعوه له مماهو جدير به‪ ،‬وقادر‬ ‫عليه‪ ،‬ومنتظر منه؟ «‬ ‫«هل يستطيع اخلوف من اهلل أو الطموح اىل ج زائه أو اىل رؤيته أن يؤرق‬ ‫نبيا أو قديسا مثلما يستطيع أى برغوث يبيت ىف ف راشه أن يؤرقه؟»‬ ‫«إن البشر ىف تارخيهم الطويل احلزين مل حيبوا األقوياء أو املتفوقني أو‬ ‫املنتصرين أو املتكربين عليهم‪ ،‬وامنا رهبوا واستسلموا هلم وأطاعوهم‪».‬‬ ‫«إن اآلهله ستظل أبدا مهزومة ومهجورة ومنتظرة ىف مسواهتا احلزينة‬ ‫املوحشة دون زائر أو راغب ىف الزيارة مهما امتألت األرض باألنبياء‬ ‫وبالدعاة القادمني منها ليعلموا احلب هلا واألشواق إليها واخلوف منها‬ ‫واإلميان هبا‪ .‬ليعلموا الصعود إليها دون أن يوجد من يريد الصعود أو من‬ ‫يستطيعه أو من يعرف أساليبه مهما وجد من يتحدث هبا ويستمع إليها‪،‬‬ ‫بل مهما وجد من يعلمها ومن يتعلمها‪ .‬إن األرض هى كل اآلهلة واألنبياء‬ ‫واألديان واملذاهب وكل السموات ولكن اإلختالف ىف األمساء وىف التعمق ىف‬ ‫تفسري األشياء وىف معرفة جنسياهتا»‬

‫‪63‬‬


65

64


‫زانا وناديا‬

‫‪Rama Farousi So‬‬

‫‪66‬‬

‫مل تكن زانا وناديا حمسن على عل ٍم باإلجازة املشئومة اليت تنظرمها يف صيف‬ ‫عام ‪ 1980‬واليت َس تُ غري حياهتما بوجه ُك لي‪ .‬زانا وناديا فتاتان من اململكة‬ ‫املتحدة‪ ،‬حيملون اجلنسية الربيطانية من أب مسلم ميين وأم بريطانية األصل‪،‬‬ ‫قام والدمها باصطحاهبما معه عند بلوغهما ال رابعة عشر إىل اليمن حبجة‬ ‫قضاء اإلجازة الصيفية يف ِ‬ ‫بلده األصلي‪ .‬لِتُ صعق الفتاتان وجتدا نفسيهما‬ ‫حمتجزتني بقرية طرفية يف الريف اليمين‪ ،‬محُ اصرتني بسالسل جبلة حادة‬ ‫وممتدة حنو األفق‪ .‬مناطق جبلية تفتقر ألدىن مقومات احلياة اإلنسانية‬ ‫احلديثة‪ ،‬وزوجتا من شابني ال تعرفان عنهما شيئا‪ ،‬بعقد زواج إسالمي‬ ‫عقدهُ والداهن بالنيابة الصرفة عنهن مقابل ما يُقارب األلف يورو عن كل‬ ‫فتاة حتت ما يسمى املهر يف الطقسية اإلسالمية‪ .‬كان انتقاهلما املفاجئ‬ ‫من حياة احلرية يف بريطانيا إىل حياة حمكومة بتقاليد الصح راء والتعاليم‬ ‫احملمدية صدمة كبرية هلن‪ .‬فقد حاولتا التأقلم بشىت الوسائل مدفوعتني‬ ‫بأمل كبري يف أن تأيت أمهما لتأخذمها من طبيعة احلياة اليت ُوضعتا بهِ ا‪.‬‬ ‫فأج ربا على ارتداء اخلمار وأن تعمال هنارا يف نقل املاء‪ ،‬ومجيع أعمال البيت‪.‬‬ ‫ليال يتحولون ألدوات تفريخ لألطفال ألزواجهن القساة ‪ .‬كانت حياهتما‬ ‫عبارة عن جحيم كامل‪ ،‬مع استحالة اهلرب من ذلك السجن الصح راوي‪.‬‬ ‫تأخرت أمهما مخسة سنوات يف إجيادمها وبعد أن عرفت مكاهنما أتت‬ ‫بفريق صحفي إلثارة ال رأي العام حول قضيتهما‪ .‬بعد جهود مضنية من‬ ‫األم وحماميها جنحت يف نقلهما إىل تعز إىل بيت يتمتع بوض ٍع أفضل على‬

‫زانا وناديا‬

‫املستوى اإلنساين وعلى نفقة احلكومة‪ ،‬و نظ را لصحة عقد الزواج بالنسبة‬ ‫للقوانني العامة اليمينية والتعاليم اإلسالمية اليت ترعى القوانني واألحوال‬ ‫الشخصية‪ ،‬اليت تعطي لألب احلق بتزويج بناته بدون موافقتهن إذا كانتا‬ ‫حتت سن الرشد ‪ ،‬وعلل والدمها ذلك بأنه يعرف ما األصلح هلما فهو رغم‬ ‫قضائه سنني طويلة يف اململكة املتحدة عاشها مع ام رأة انكليزية اال انه ما‬ ‫زال حمتفظا بتلك العقلية الرجعية اليت تفرض تزويج البنت عند بلوغها‬ ‫قبل ان ترتكب ما قد جيلب العار للعائلة خصوصا وان بناته يعشن يف‬ ‫جمتمع غريب حر ال يعىن بعقله البايل فقد ال تسنح له الفرصة للسيطرة‬ ‫عليهما مستقبال فقرر القضاء على طفولتهما الغضة مبباركة اسالمية‪.‬‬ ‫بعد أن استطاعت األم تسليط الضوء على قضية ابتنيها اليت هي أشبه‬ ‫بقصص بيع الرقيق األبيض حتت مسمى عقد زواج إسالمي توصلت إىل‬ ‫اتفاق مع حكومة اليمن على ختيري زانا وناديا بني العيش يف تعز مع‬ ‫أزواجهما وأوالدمها أو العودة إىل بريطانيا مشروطة بعدم رؤية أوالدمها‬ ‫جمددا ‪ .‬أعلنت زانا موافقتها الفورية وتركت البالد مسرعة مع أمها بني ما‬ ‫بقيت ناديا يف تعز مع زوجها ألهنا مل تقوى على مفارقة أوالدها قط‪ .‬زانا‬ ‫كانت األقوى مل تستطيع تلك السنوات من االضطهاد أن تقتل روحها‬ ‫احلرة وحنينها الستعادة شخصيتها الكاملة مبنأى عن أي اضطهاد ذكوري‬ ‫أو ديين فتخلت عن طفلها مقابل حريتها بينما ناديا اختارت أطفاهلا‬ ‫على حريتها معللة بذلك أهنا مل تستطيع على ترك جزء منها يف اليمن‬ ‫ومع ذلك يبدو أن تلك السنوات من االضطهاد والتلقني اإلجباري لتعاليم‬ ‫اإلسالمية قد مسحت شخصيتها كليا فبعد مرور عدة سنوات أبدت‬ ‫تعاطفها مع جالديها و بررت ألبيها فعلته وصفتها أختها بأهنا حتولت‬ ‫إىل ام رأة فارغة بال روح ناديا اآلن حمتجزة مع زوجها بالسعودية ألسباب‬ ‫جمهولة وأما زانا فلم ترى طفلها إال مرة واحدة بعد أن تركته وأصدرت‬

‫‪67‬‬


‫زانا وناديا‬

‫زانا وناديا‬

‫كتابني عن معاناهتا مع أختها بذلك السجن الصح راوي ومل يرتجم الكتابان‬ ‫إىل العربية أبدا‪..........‬‬ ‫معاناة زانا و ناديا يف كل بيت عريب فامل رأة هي املتضرر االكرب من التعاليم‬ ‫الدينية الذكورية فاحلري هبا قبل ان تثور على الرجل لتخلص حقوقها ان‬ ‫تثور على اله حممد و تعاليمه اليت تعطي احلق يف اضطهادها وجتريدها من‬ ‫انسانيتها ‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫‪96‬‬


‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫بس راب نيكوليسكو‬

‫هل بوسع العلم أن يصبح دين اً؟‬ ‫إن غ �رائ ��زن ��ا وث ��ق ��اف ��ت ��ن ��ا وح �ت�ى ِح سنا‬ ‫السليم ستقول لنا أن اإلجابة بنعم‬ ‫ع ��ل ��ى ه ��ذا ال ��س ��ؤال‪ ،‬وب ��ك ��ل بساطة‬ ‫هذا اجلواب سخيف‪ .‬فهذا السؤال‬ ‫إذاً ب ��األص ��ل س ��ؤال خ ��اط ��ئ‪ .‬ول ��ك ��ن‬ ‫من بوسعه أن ينكر واق ��ع أن العلم‬ ‫احلديث قد قوض األساطري واكتسح‬ ‫واملعتقدات اليت أثّرت لقرون يف حياة‬ ‫البشر؟ وم ��ن بوسعه أن ينفي واق ��ع‬ ‫أن ال ��ع ��ل ��م‪ ،‬وب ��ال ��ت ��ايل ن ��ت ��اج ��ه األك ��ث ��ر‬ ‫وض ��وح �اً – التكنولوجيا – ه ��و يف‬ ‫طريقه ألن يغري حياتنا‪ ،‬تارك اً إيانا‬ ‫عزالً أمام معضلة رفاه ظاهر‪ ،‬ي رافقه‬ ‫ّ‬ ‫نضوب (قد يصل إىل حد الفناء) يف‬ ‫حياتنا الداخلية؟‬ ‫م ��ا ن ��ش ��ه ��ده ال ��ي ��وم ه ��و ب � ��روز إحل ��اد‬ ‫جديد‪ ،‬ال عالقة له باإلحلاد القدمي‪،‬‬ ‫سواء أكان وضعي اً أو مادي اً جدلي اً‪.‬‬ ‫وهذا اإلحلاد اجلديد يأيت من منظومة‬

‫‪70‬‬

‫ال ��ع ��ل ��وم احل ��دي ��ث ��ة ال �ت�ي ‪ -‬ع ��ل ��ى أرض‬ ‫الواقع ‪ -‬تقدم العلم كدين جديد‪.‬‬ ‫مت ��ت ��د ج � ��ذور ال ��ع ��ل ��وم األس ��اس ��ي ��ة يف‬ ‫أع ��م ��اق األرض اخلصبة للتساؤالت‬ ‫امل ��ش�ترك ��ة ب�ين مج ��ي ��ع جم ��االت املعرفة‬ ‫اإلنسانية‪:‬‬ ‫ما هو معىن احلياة؟ وما دور اإلنسان‬ ‫يف العملية الكونية؟ وما دور الطبيعة‬ ‫يف ع ��م ��ل ��ي ��ة امل ��ع ��رف ��ة؟ وه ��ذا ي ��ع�ني أن‬ ‫للعلوم األساسية نفس جذور الدين‬ ‫أو الفن أو األساطري‪ .‬ولكن تدرجيي اً‬ ‫بدأ يُنظر إىل هذه التساؤالت على‬ ‫أهنا غري علمية‪ ،‬مما أدى إىل إلقائها‬ ‫يف ج ��ح ��ي ��م ال �ل�اع ��ق �ل�ان ��ي ��ة ال �ت��ي ه ��ي‬ ‫جمال الشاعر والصويف والفيلسوف‪.‬‬ ‫وكان السبب األساسي‪ ،‬هلذا التحول‬ ‫النمطي‪ ،‬االنتصار الذي ال يرقى إليه‬ ‫الشك‪ ،‬من املنظور امل ��ادي املباشر‪،‬‬ ‫للتفكري التحليلي االخت زايل واآليل‪.‬‬ ‫فقد ك ��ان يكفي تطبيق ق ��وان�ين ال‬

‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫ندري من أين أتت‪ ،‬مث مبوجب هذه‬ ‫ال ��ق ��وان�ين وه ��ذه امل ��ع ��ادالت احل ��رك ��ي ��ة‪،‬‬ ‫ي ��ص ��ب ��ح ب ��وس ��ع ��ن ��ا ال ��ت ��ن ��ب ��ؤ ب ��ك ��ل ش ��يء‬ ‫ب ��دق ��ة‪ ،‬ط ��امل ��ا أن ��ن ��ا ن ��س ��ت ��ط ��ي ��ع حت ��دي ��د‬ ‫الشروط األولية األساسية هلذا الشيء‪.‬‬ ‫وهكذا أصبحت كل األشياء حمددة‬ ‫مسبق اً‪ .‬مما جعل فرضية األلوهة غري‬ ‫ضرورية‪ .‬كما أصبح من غري املمكن‬ ‫جت ��اوز املسافة القائمة ب�ين «السيد‬ ‫اإلله»‪ ،‬الذي ميكن يف أحسن األحوال‬ ‫قبوله كمنطلق‪ ،‬وبني شؤون عاملنا‪.‬‬ ‫مم ��ا ج ��ع ��ل م ��ن ال ��ص ��ع ��ب ح � ��دوث أي‬ ‫ج ��دي ��د يف ه ��ذا ال ��ع ��امل ح ��ي ��ث احل ��ري ��ة‬ ‫ك ��اذب ��ة (فكل ش ��يء مقدر مسبق اً)‪.‬‬ ‫وأصبح العامل ال ��ذي ك ��ان يف املاضي‬ ‫ش ��اه ��داً ع ��ل ��ى ن ��ظ ��ام م ��ط ��ل ��ق ث ��اب ��ت ال‬ ‫ي ��ت ��غ�ير‪ ،‬م ��ل ��زم �اً ألن ي ��ت ��ح ��ول إىل تقين‬ ‫يقيس الكم‪.‬‬ ‫لكن م ��ع ظ ��ه ��ور ال ��ف ��ي ��زي ��اء الكوانتية‬ ‫يف م ��ط ��ل ��ع ال ��ق ��رن ال ��ع ��ش ��ري ��ن‪ ،‬تبينت‬ ‫هشاشة هذا النموذج‪ .‬فقد أظهرت‬ ‫ف ��ي ��زي ��اء اجل ��زي ��ئ ��ات ض ��ع ��ف األس � ��س‬ ‫ال�تي يستند إليها اإلمي ��ان األعمى يف‬ ‫االستم رارية‪ ،‬ويف سببيتها املوضعية‪،‬‬

‫وح ��ت ��م ��ي ��ت ��ه ��ا امل ��ي ��ك ��ان ��ي ��ك ��ي ��ة‪ .‬ودخ ��ل‬ ‫االنقطاع من الباب امللكي للتجربة‬ ‫ال ��ع ��ل ��م ��ي ��ة‪ .‬ف ��ح ��ل م ��ك ��ان ال ��س ��ب ��ب ��ي ��ة‬ ‫امل ��وض ��ع ��ي ��ة م ��ف ��ه ��وم أك ��ث ��ر ن ��ع ��وم ��ة هو‬ ‫السببية الشاملة‪ .‬مما ولد هلع اً لدى‬ ‫التبسيطيني من إمكانية عودة إحياء‬ ‫امل ��ف ��ه ��وم ال ��ق ��دمي للغائية‪ .‬واس ��ت ��ب ��دال‬ ‫الشيء بالعالقة وبالتفاعل والتواصل‬ ‫املتبادل للظواهر الطبيعية‪ .‬وأخ�يراً‬ ‫استبدل الفهم الكالسيكي للمادة‬ ‫باملفهوم األك ��ث ��ر ره ��اف ��ة للجوهر –‬ ‫الطاقة – الزمكان – املعلومة‪ .‬مما‬ ‫أدى إىل تدمري مفهوم اجلوهر الكلي‬ ‫القدرة الذي كان يستند إليه دائم اً‬ ‫التبسيطيون‪ .‬فقد أض ��ح ��ى اجلوهر‬ ‫بكل بساطة‪ ،‬وجه اً من وجوه املادة‪.‬‬ ‫وم ��ع بالنك وآينشتاين ب ��دأت ثورة‬ ‫ال مثيل هل ��ا يف املفاهيم س ��رع ��ان ما‬ ‫أدت إىل ظ ��ه ��ور م ��ن ��ظ ��وم ��ة ج ��دي ��دة‬ ‫من القيم اليت أصبحت تتحكم يف‬ ‫حياتنا اليومية يف املدينة‪ .‬إالّ أن ما‬ ‫نالحظه اآلن‪ ،‬وق ��د مضى ق ��رن على‬ ‫ظهور التصور الكوانيت للعامل‪ ،‬هو‬ ‫أن ش ��ي ��ئ �اً مل ي ��ت ��غ�ير‪ .‬ف ��ن ��ح ��ن م ��ا زل ��ن ��ا‬

‫‪71‬‬


‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫‪72‬‬

‫نتصرف‪ ،‬سواء عن وعي أو عن غري‬ ‫وعي‪ ،‬وفق املفاهيم القدمية للقرون‬ ‫امل ��اض ��ي ��ة‪ .‬ون ��ت ��س ��اءل ع ��ن س ��ب ��ب ه ��ذا‬ ‫االن ��ف ��ص ��ام ب �ي�ن ك ��ون ك ��وان �ت�ي وب�ين‬ ‫إنسان ما زال يرزح حتت وطأة تصور‬ ‫ب� ٍ‬ ‫�ال ل ��ل ��ع ��امل؟ م ��ا ه ��و ي ��ا ت ��رى سبب‬ ‫جتاهل التساؤالت األساسية اليت ما‬ ‫زال ��ت ت ��ع ��ت�بر وك ��أهن ��ا ت ��رف ال ف ��ائ ��دة‬ ‫منه؟ ملاذا ما زلنا نشاهد عاجزين‪،‬‬ ‫ذل ��ك املشهد املقلق لتجزئ ي ��زداد‬ ‫ت ��س ��ارع � �اً‪ ،‬ل ��ت ��دم �ي�ر ذايت ال ي ��ت ��ج �رأ‬ ‫على اإلفصاح عن امس ��ه؟ مل ��اذا جيري‬ ‫جتاهل حكمة املنظومات الطبيعية‬ ‫مهرجني‬ ‫وتغييبها؟ أت �ران ��ا أصبحنا ّ‬ ‫للمستحيل تسرينا قوة غري منطقية‬ ‫أطلقناها بأنفسنا؟‬ ‫وأص ��ب ��ح ال ��ع ��ل ��م ي ��ري ��د ت ��ق ��ل ��ي ��د ال ��دي ��ن‬ ‫كما أصبح الدين يريد تقليد العلم‪.‬‬ ‫تسرع املواجهة بني اإلمربيالية‬ ‫حيث ِّ‬ ‫العلمية واإلم�بري ��ال ��ي ��ة ال ��روح ��ان ��ي ��ة يف‬ ‫تشظية ح ��ي ��ات ��ن ��ا‪ .‬ون ��ت ��س ��اءل ه ��ل أن‬ ‫التقارب احلايل بني العلم والدين هو‬ ‫داللة قوة أم داللة ضعف؟ طبع اً حنن‬ ‫ال ننكر هنا إطالق اً القيمة اجلوهرية‬

‫غري القابلة للنقاش للتقنية العلمية‬ ‫ال �ت�ي ب ��وس ��ع ��ه ��ا أن ت ��ف ��ع ��ل ف ��ع ��ل ��ه ��ا يف‬ ‫التطور املتناغم لإلنسان‪ .‬لكن الذي‬ ‫نتساءل عنه هو التوالد العشوائي‬ ‫(هل � ��ذه ال ��ت ��ق ��ن ��ي ��ة) ال � ��ذي ب ��ل ��غ ذروت ��ه‬ ‫يف ال ��وس ��ائ ��ل ال ��ت ��دم�يري ��ة امل ��وج ��ودة يف‬ ‫عاملنا‪ ،‬واليت أصبحت تكفي لتدمريه‬ ‫بالكامل ع ��دة م �رات‪ .‬وم ��ا نتساءل‬ ‫عنه أي ��ض �اً ه ��و اخل ��ل ��ط ال ��ش ��ائ ��ع ج ��داً‬ ‫بني التكنولوجيا والعلوم األساسية‪.‬‬ ‫ون ��ت ��ب �ي�ن يف ك � ��ل م ��ك ��ان م ��ؤش � �رات‬ ‫ه ��ذه الرببرية اجل ��دي ��دة كما وصفها‬ ‫ميشيل هنري‪ .‬ومنبعها كما يبدو‬ ‫لنا ه ��و ه ��ذا اخلليط املتفجر ال ��ذي‬ ‫جيمع بني التفكري الثنائي‪ ،‬بني تقنية‬ ‫الثالث املرفوع كنتاج عقلي صاف‪،‬‬ ‫وت ��ع ��ارض ��ه م ��ع امل ��ع ��ط ��ي ��ات األس ��اس ��ي ��ة‬ ‫للعلم امل ��ع ��اص ��ر وتقنية تفتقد ألي‬ ‫أفق أنساين‪.‬‬ ‫ون ��ت ��س ��اءل ه ��ل ب ��وس ��ع ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة أن‬ ‫خت �ب�رن � ��ا ش ��ي ��ئ � �اً ع � ��ن أن ��ف ��س ��ن ��ا؟ ه ��ل‬ ‫ص ��ح ��ي ��ح أين ح �ي�ن أع � � ��رف ال ��ك ��ون‬ ‫أع ��رف نفسي بشكل أفضل؟ أم أن‬ ‫هذين املستويني‪ ،‬من معرفة تتوافق‬

‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫مع طبيعتنا املزدوجة‪ ،‬منفصلني متام اً‬ ‫ألن االن ��ت ��ق ��ال م ��ن م ��س ��ت ��وى إىل آخ ��ر‬ ‫منقطع بشكل كامل؟ ونتساءل من‬ ‫أي ��ن أت ��ى ي ��ا ت ��رى ه ��ذا ال ��ي ��ق�ين‪ ،‬ال ��ذي‬ ‫ي ��ؤك ��ده ك ��ل ي ��وم تقدم دراس ��ة قوانني‬ ‫ال ��ف ��ي ��زي ��اء امل ��ت ��ع ��ل ��ق ب ��ت ��م ��اث ��ل خم ��ت ��ل ��ف‬ ‫م ��س ��ت ��وي ��ات امل ��ع ��رف ��ة؟ مث م ��اذا ت ��ع�ني يف‬ ‫احلقيقة معرفة الذات‪ ،‬كشكل ملح‬ ‫ومؤرق وغري منطقي للمنطق العادي؟‬ ‫وكيف بوسع منظومة تتمتع بشيء‬ ‫من التعقيد‪ ،‬أن حتل بالكامل شيفرة‬ ‫منظومة أخرى ذات تعقيد مماثل؟‬ ‫وأخ �ي �راً ه ��ل ل ��ك ��ل ه ��ذه ال ��ت ��س ��اؤالت‪،‬‬ ‫من منظور العلم السائد يف أيامنا‪،‬‬ ‫معىن م ��ن الناحية العلمية؟ أت �راه ال‬ ‫يتوجب علينا االكتفاء بالنظر إىل‬ ‫ال ��ع ��ل ��م ك ��م ��ج ��م ��وع ��ة وص ��ف ��ات فاعلة‬ ‫ع ��ل ��ى ص ��ع ��ي ��د م ��ادي ��ت ��ن ��ا امل ��ب ��اش ��رة‪ ،‬وال‬ ‫م ��ع�نى هل ��ا ع ��ل ��ى صعيد ال ��ك ��ائ ��ن؟ هل‬ ‫بوسعنا قبول التساؤل حول الكيف؟‬ ‫ونسيان التساؤل حول اللماذا؟ هل‬ ‫بوسعنا التعامل م ��ع ال ��ك ��ائ ��ن وكأنه‬ ‫خ ��ارج نطاق العلم‪ .‬مما يعين بالتايل‬ ‫الوقوع يف عامل فارغ ومنفصل تنعدم‬

‫ف ��ي ��ه مج ��ي ��ع اإلش � ��ارات‪ .‬وجن ��د أنفسنا‬ ‫أمام اهنيار جارف من التساؤالت‪.‬‬ ‫ما هي املوضوعية يف مقابل الذاتية‬ ‫امل ��ت ��ب ��ادل ��ة؟ وم � ��اذا ت ��ع�ني امل ��وض ��وع ��ي ��ة‬ ‫وف ��ق م ��ن ��ط ��ق ال ��ث ��ال ��ث امل ��ش ��م ��ول؟ أال‬ ‫ي ��ع �ن�ي ه � ��ذا أن ال ��ع ��امل اخل ��ارج ��ي ق ��د‬ ‫أص ��ب ��ح امل ��رج ��ع ��ي ��ة ال ��وح ��ي ��دة املمكنة‬ ‫للموضوعية؟ ويف هذه احلال كيف‬ ‫ال نضيع يف متاهة احلياة الداخلية؟‬ ‫كيف ميكن أن ال نغوص من جديد‬ ‫يف النفسانية ويف السوقية؟ مث ما هو‬ ‫مؤشر احلدث املوضوعي؟ وهل بوسع‬ ‫احل ��ي ��اة ال ��داخ ��ل ��ي ��ة أن ت ��ك ��ون مقياس اً‬ ‫لتفاعل م ��ت ��ب ��ادل ب�ين ع ��وامل خمتلفة‪،‬‬ ‫وب�ين منظومات خمتلفة؟ وك ��ي ��ف ال‬ ‫ن ��ق ��ع يف ال ��ن ��ف ��ي امل ��ط ��ل ��ق؟ ك ��ي ��ف منيز‬ ‫بني املوضوعية وبني اليقني‪ ،‬اللذين‬ ‫مل ي ��ع ��د أس ��اس ��ه ��م ��ا ال ��ن ��ف ��س ��ي حب ��اج ��ة‬ ‫إىل ب ��ره ��ان؟ وه ��ل ترتبط املوضوعية‬ ‫بالتحول الفاعل‪ ،‬يف نفس الوقت‪،‬‬ ‫يف العامل الداخلي والعامل اخلارجي؟‬ ‫وكيف نتجنب يف آن واحد رومانسية‬ ‫الصوفية وخيالء العلموية؟‬ ‫ون�لاح ��ظ يف مج ��ي ��ع األح � ��وال‪ ،‬ظهور‬

‫‪73‬‬


‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫موضوعية ج ��دي ��دة م ��ن قلب العلم‬ ‫احل ��دي ��ث‪ .‬م ��وض ��وع ��ي ��ة مل ت ��ع ��د فقط‬ ‫م ��رت ��ب ��ط ��ة ب ��ال ��ش ��يء حب ��د ذات � � ��ه‪ ،‬إمن ��ا‬ ‫أصبحت مرتبطة بتفاعل الفاعل‬ ‫مع الشيء‪ .‬ما يعين أنه بات يتوجب‬ ‫خلق مفاهيم جديدة‪ .‬حبيث يصبح‬ ‫ب ��وس ��ع ��ن ��ا ال ��ت ��ح ��دث ع ��ن م ��وض ��وع ��ي ��ة‬ ‫فاعلية للعلم مقابل ذاتية موضوعية‬ ‫للمنقول‪ .‬ونتفكر كم حمظوظ هو‬ ‫ه ��ذا اإلن ��س ��ان احل ��دي ��ث ال ��ذي أصبح‬ ‫ب ��وس ��ع ��ه اجل ��م ��ع يف داخ ��ل ��ه‪ ،‬ويف آن‬ ‫واح � ��د‪ ،‬ب �ي�ن ق ��ط�بي ذل ��ك ال ��ت ��ن ��اق ��ض‬ ‫اخلصب‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫الطبيعة اليوم‬ ‫ل � ��ل � ��ح � ��داث � ��ة حت � � ��دي � � ��داً وج � � ��ه مم � � � ِّ�وت‬ ‫‪ ،mortifère‬ف ��ل ��ق ��د اب ��ت ��ك ��رت‬ ‫أنواع اً شىت من «املوت» و»النهاية»‪:‬‬ ‫م � ��وت اهلل‪ ،‬م � ��وت اإلن � ��س � ��ان‪ ،‬هن ��اي ��ة‬ ‫اإليديولوجيات‪ ،‬هناية التاريخ‪ .‬بيد‬ ‫أن مثة موت اً ق لّ ما جيري الكالم عليه‬ ‫خ ��ج ل�اً أو ج ��ه �ل�اً‪ ،‬أال وه � ��و م ��وت‬ ‫الطبيعة‪ .‬وب �رأي ��ي أن م ��وت الطبيعة‬ ‫املموتة‬ ‫هذا يف أصل كل التصورات ِّ‬

‫لتونا‪ .‬وعلى‬ ‫األخ ��رى ال�تي ذكرناها ِّ‬ ‫ك ��ل ح � ��ال ف � ��إن ك ��ل ��م ��ة «ط ��ب ��ي ��ع ��ة»‬ ‫ن ��ف ��س ��ه ��ا آل � � ��ت إىل االخ � ��ت � ��ف � ��اء م ��ن‬ ‫املفردات العلمية‪.‬‬ ‫يكف اإلنسان منذ فجر الزمان‬ ‫مل‬ ‫ّ‬ ‫ع ��ن ت ��ع ��دي ��ل ن ��ظ ��رت ��ه إىل ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‪.‬‬ ‫�ؤرخ ��و ال ��ع ��ل ��وم على القول‬ ‫وجي ��م ��ع م � ِّ‬ ‫ب ��ع ��دم وج ��ود ط ��ب ��ي ��ع ��ة واح � ��دة ظلت‬ ‫كما ه ��ي ع�بر األزم ��ن ��ة‪ ،‬على الرغم‬ ‫من املظاهر‪ .‬فبماذا ميكن أن تشرتك‬ ‫طبيعة اإلنسان املسمى «بدائي اً»‪،‬‬ ‫م ��ع طبيعة اإلغ ��ري ��ق‪ ،‬وطبيعة عصر‬ ‫غاليليه‪ ،‬وطبيعة املركيز دو س ��اد‪،‬‬ ‫وطبيعة البالس أو طبيعة نوفاليس؟‬ ‫احلقيقة ب�لا ش ��يء‪ ،‬م ��اع ��دا اإلنسان‬ ‫ن ��ف ��س ��ه‪ .‬إن ال ��ن ��ظ ��رة إىل ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‬ ‫يف ع ��ص ��ر م ��ا ت ��ت ��وق ��ف ع ��ل ��ى اخل ��ي ��ال‬ ‫السائد يف هذا العصر الذي يتوقف‬ ‫ب � ��دوره ع ��ل ��ى ح ��ش ��د م ��ن ال ��ث ��واب ��ت‪:‬‬ ‫مثل درجة تطور العلوم والتقنيات‪،‬‬ ‫التنظيم االجتماعي‪ ،‬الفن‪ ،‬الدين‪،‬‬ ‫إخل‪ .‬وم�تى تشكلت ص ��ورة الطبيعة‬ ‫فإهنا تفعل يف ك ��ل جم ��االت املعرفة‪.‬‬ ‫وال ��ع ��ب ��ور م ��ن ن ��ظ ��رة إىل أخ ��رى ليس‬

‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫متدرج اً وم ��وص ��والً‪ ،‬بل يتم باألحرى‬ ‫ِّ‬ ‫ب ��ان ��ق ��ط ��اع ��ات م ��ب ��اغ ��ت ��ة وج ��ذري ��ة وغ�ير‬ ‫موصولة‪ ،‬ح�تى إن م ��ن املمكن لعدة‬ ‫ن ��ظ �رات م ��ت ��ن ��اق ��ض ��ة أن ت ��ت ��ع ��اي ��ش‪ .‬إن‬ ‫التنوع املذهل للنظ رات إىل الطبيعة‬ ‫ي ��ف ��س ��ر مل ��اذا ال مي ��ك ��ن ��ن ��ا ال ��ك �ل�ام على‬ ‫الطبيعة‪ ،‬إمنا فقط على طبيعة معينة‬ ‫متوافقة مع اخليال يف العصر املعت برَ ‪.‬‬ ‫الب ��د م ��ن ال ��ت ��ش ��دي ��د ع ��ل ��ى أن العالقة‬ ‫املتميزة‪ ،‬إن مل نقل املانعة‪ ،‬بني الطبيعة‬ ‫وال ��ع ��ل ��م ل ��ي ��س ��ت إال ح ��ك ��م �اً مسبق اً‬ ‫م ��ؤخ � �راً ت ��أس ��س ع ��ل ��ى اإلي ��دي ��ول ��وج ��ي ��ا‬ ‫العلموية ‪ scientiste‬للقرن التاسع‬ ‫عشر‪ .‬أما الواقع التارخيي فهو أعقد‬ ‫منها بكثري‪ .‬فلقد كان لصورة الطبيعة‬ ‫دوم اً فعل متعدد األشكال‪ ،‬إذ مل يؤثر‬ ‫على العلم وحسب‪ ،‬بل وعلى الفن‬ ‫وال ��دي ��ن واحل ��ي ��اة االج ��ت ��م ��اع ��ي ��ة أي ��ض �اً‪.‬‬ ‫�س ��ر ال ��ع ��دي ��د من‬ ‫وه � ��ذا األم � ��ر ق ��د ي ��ف � ّ‬ ‫ال ��ت �زام ��ن ��ات العجيبة‪ .‬حسيب هنا أن‬ ‫أورد مثالني‪ :‬ظهور الفن التجريدي‬ ‫وامليكانيكا الكوانتية يف آن واح ��د‬ ‫يف مطلع ه ��ذا القرن‪ ،‬وظهور نظرية‬ ‫هن ��اي ��ة ال ��ت ��اري ��خ ون ��ظ ��ري ��ات ال ��ت ��وح ��ي ��د‬

‫يف ف ��ي ��زي ��اء اجل ��زي ��ئ ��ات م ��ع �اً يف هنايته‪.‬‬ ‫امل ��ث ��ال األول م ��ع ��روف ن ��س ��ب ��ي �اً بينما‬ ‫�ش ��ر إىل امل ��ث ��ال ال ��ث ��اين ح�تى اآلن‪.‬‬ ‫مل يُ� َ‬ ‫ألن ن ��ظ ��ري ��ات ال ��ت ��وح ��ي ��د يف الفيزياء‬ ‫تطمح إىل ص ��وغ م ��ق�ترب ت ��ام‪ ،‬قائم‬ ‫على تفاعل أوحد من شأنه أن يتنبأ‬ ‫بكل ما ميكن أن نرغب يف معرفته‬ ‫(م ��ن ه ��ن ��ا اس ��م «ن ��ظ ��ري ��ة ك ��ل ش ��يء»‬ ‫‪.)a theory of everything‬‬ ‫ومن الب ينِّ للغاية أنه إذا رأت نظرية‬ ‫كهذه النور يف املستقبل لكان معىن‬ ‫ذل ��ك هناية الفيزياء‪ ،‬ألن ��ه ل ��ن يبقى‬ ‫شيء يُبحث عنه‪ .‬ومن الطريف أن‬ ‫نلحظ أن فكريت هناية التاريخ وهناية‬ ‫الفيزياء قد اتفق هلما أن تنبثقا يف‬ ‫الوقت نفسه من «النهاية ‪ -‬املتخ يَّ لة‬ ‫ لقرننا»‪ .‬فهل هذا حمض مصادفة؟‬‫ب ��ي ��د أن � ��ه‪ ،‬ع ��ل ��ى ال ��رغ ��م م ��ن ال ��ت ��ن ��وع‬ ‫الغزير الفاتن لصور الطبيعة‪ ،‬ما زال‬ ‫باإلمكان التمييز بني ثالث م راحل‬ ‫كربى‪ :‬الطبيعة السحرية والطبيعة‬ ‫امليكانيكية وموت الطبيعة‪.‬‬ ‫ألن ل ��ل ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة م ��ن م ��ن ��ظ ��ور ال ��ف ��ك ��ر‬ ‫السحري بنية حيّ ة تتح لّ ى بالفطنة‬

‫‪75‬‬


‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫‪76‬‬

‫وبالوعي‪ .‬واملس لَّ مة األساسية للفكر‬ ‫ال ��س ��ح ��ري ه ��ي م ��س �لَّ ��م ��ة ال ��ت ��واك ��ل‬ ‫ال ��ك �لّ ��ي‪ .‬ف ��م ��ن غ �ي�ر امل ��م ��ك ��ن ت ��ص ��ور‬ ‫ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة مب ��ع ��زل ع ��ن ع �ل�اق ��اهت ��ا مع‬ ‫اإلنسان‪ .‬كل شيء إشارة وأثر ومسة‬ ‫ورم ��ز‪ ،‬والعلم باملعىن احل ��دي ��ث هلذه‬ ‫الكلمة عدمي اجلدوى‪.‬‬ ‫ويف امل ��ق ��اب ��ل ي ��ت ��ص ��ور ال ��ف ��ك ��ر اآليل‬ ‫للقرن الثامن عشر‪ ،‬وباألخص للقرن‬ ‫ال ��ت ��اس ��ع عشر (ال ��ذي م ��ازال س ��ائ � ً�دا‬ ‫إىل ال ��ي ��وم)‪ ،‬ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ل ��ي ��س كبنية‬ ‫ب ��ل ك ��آل ��ة ي ��ك ��ف ��ي تفكيكها قطعة‬ ‫قطعة الم ��ت�لاك ناصيتها بالكلية‪.‬‬ ‫فاملس لّ مة األساسية للفكر اآليل هي‬ ‫أنه ميكن معرفة الطبيعة والظفر هبا‬ ‫املعرف‬ ‫عن طريق املنهجية العلمية َّ‬ ‫بأهنا مستقلة بالكامل ع ��ن ماهية‬ ‫اإلن ��س ��ان‪ .‬وه ��ذه ال ��رؤي ��ة االنتصارية‬ ‫لـ»فتح الطبيعة» تضرب جبذورها‬ ‫يف الفعالية التقنية والتكنولوجية‬ ‫املرعبة هلذه املس لَّ مة‪.‬‬ ‫والنهاية املنطقية للنظرة امليكانيكية‬ ‫ال �ت�ي اك ��ت ��س ��ح ��ت ف ��ل ��س ��ف ��ة ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‬ ‫بوصفها اس ��ت ��ط �راداً ض ��االً ه ��و موت‬

‫الطبيعة واختفاء مفهومها من احلقل‬ ‫العلمي‪ .‬لقد جتزأ مفهوم الطبيعة ‪-‬‬ ‫اآللة لبداية النظرة امليكانيكية‪ ،‬مع‬ ‫إله كالساعة أو بدونه‪ ،‬إىل مجلة من‬ ‫ٍ‬ ‫القطع َّ‬ ‫ومنذئذ انعدمت‬ ‫املفك كة‪.‬‬ ‫احل ��اج ��ة إىل ك � ٍّ�ل م ��ت�لاح ��م‪ ،‬إىل بنية‬ ‫حيّ ة أو حىت إىل آلة حتتفظ رغم من‬ ‫كل شيء‪ ،‬ببعض من الغائية‪ .‬لقد‬ ‫ماتت الطبيعة وبقي التعقيد‪ .‬وهو‬ ‫تعقيد مذهل جيتاح إىل كل جماالت‬ ‫امل ��ع ��رف ��ة‪ ،‬م ��ن الالمتناهية يف الصغر‬ ‫إىل الالمتناهية يف الكرب‪ .‬بيد أن هذا‬ ‫التعقيد يُنظر إليه كشيء ط ��ارئ‪،‬‬ ‫ألنه يُعترب اإلنسان نفسه طارئ اً من‬ ‫ط ��وارئ التعقيد‪ .‬وه ��ي نظرة خميفة‬ ‫تعيدنا إىل عاملنا كما نعيشه اليوم‪.‬‬ ‫إن م � ��وت ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ال ي ��ت ��ف ��ق م ��ع‬ ‫ال ��ت ��ف ��س�ير امل ��ت ��ج ��ان ��س ل ��ن ��ت ��ائ ��ج العلم‬ ‫املعاصر‪ .‬وذل ��ك رغم إص �رار املوقف‬ ‫االخت زايل اجلديد الذي يعطي أمهية‬ ‫الكربى للمركبات األساسية للمادة‬ ‫ول ��ت ��ف ��اع�لاهت ��ا ال ��ف ��ي ��زي ��ائ ��ي ��ة امل ��ت ��ب ��ادل ��ة‬ ‫واملعروفة‪.‬‬ ‫ك ��م ��ا مل ت ��ع ��د م ��ق ��ب ��ول ��ة يف ال ��ع ��امل‬

‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫الكوانيت املوضوعية الصارمة للفكر‬ ‫الكالسيكي‪ .‬فالفصل الكامل بني‬ ‫امل �راق ��ب وب �ي�ن ال ��واق ��ع ال ��ذي نفرتضه‬ ‫م ��س ��ت ��ق�لاً ع ��ن ��ه ب ��ال ��ك ��ام ��ل ي � ��ؤدي إىل‬ ‫ت ��ن ��اق ��ض ��ات ال مي ��ك ��ن جت � ��اوزه � ��ا‪ .‬إن ��ه‬ ‫مفهوم أكثر نعومة مبوضوعيته‪ ،‬مييز‬ ‫العامل الكوانيت‪ .‬فـ»املوضوعية» تتعلق‬ ‫مبستوى الواقع الذي ننظر إليه‪.‬‬ ‫وحي � � ��ل ال � � ��ف � � �راغ ال � � ��ف � � ��ارغ ل ��ل ��ف ��ي ��زي ��اء‬ ‫الكالسيكية م ��ك ��ان ال ��ف �راغ اململتئ‬ ‫ل ��ل ��ف ��ي ��زي ��اء ال ��ك ��وان ��ت ��ي ��ة‪ .‬ح ��ي ��ث أص ��غ ��ر‬ ‫جزيء من الف راغ مفعم بنشاط غري‬ ‫ع ��ادي‪ ،‬ك ��دل ��ي ��ل ع ��ل ��ى ح ��رك ��ة دائ ��م ��ة‪.‬‬ ‫وحت ��دد التموجات الكوانتية للف راغ‬ ‫الظهور املفاجىء ملزدوجات اف رتاضية‬ ‫من اجلزيئات – واجلزيئات املضادة اليت‬ ‫تبدد بعضها بعض اً خالل ف رتات زمنية‬ ‫متناهية يف الصغر‪ .‬وكأن جسيمات‬ ‫امل � � ��ادة خت ��ل ��ق م ��ن ال ش � ��يء‪ .‬وب ��وس ��ع‬ ‫امل ��اورائ ��ي هنا أن ي � ّدع ��ي ب ��أن ال ��ف �راغ‬ ‫الكوانيت هو وجه من وجوه األلوهة‪.‬‬ ‫اهلل وح � ��ده‪ .‬ويف ك ��ل األح � ��وال يبقى‬ ‫كل شيء يف الف راغ الكوانيت اهت زاز‪،‬‬ ‫إن مل نقل مت ��وج ب�ين ال ��ك ��ائ ��ن وال�لا‪-‬‬

‫كائن‪ .‬فالف راغ الكوانيت‪ ،‬من اجلزيئة‬ ‫إىل الكون‪ ،‬مليء بكل االحتماالت‪.‬‬ ‫ل ��ذل ��ك‪ ،‬فإنه ح�ين ن ��زود ه ��ذا الف راغ‬ ‫بالطاقة فإننا نساعده على جتسيد‬ ‫كمونياته‪ .‬وهذا بالضبط ما نفعل‬ ‫حني نبين مسرعات للجزيئات‪.‬‬ ‫وأيض اً مل يعد مفهوم الف راغ والزمن‬ ‫نفسه مفهوم اً ثابت اً‪ .‬فالف راغ والزمن‬ ‫الرباعي األبعاد الذي نعرف مل يعد‬ ‫الوحيد الذي بوسعنا تصوره‪ ،‬فهو‬ ‫يبدو كمجرد تقريب‪ ،‬كـ»مقطع»‬ ‫لف راغ زمين أغىن بكثري‪ ،‬ويولد ظواهر‬ ‫مم ��ك ��ن ��ة ل ��ي ��س ��ت أب ��ع ��اده ��ا اإلض ��اف ��ي ��ة‬ ‫نتيجة ختمني عقلي‪ .‬فهذه األبعاد‬ ‫ض ��روري ��ة ل ��ت ��أم�ين ال ��ت ��م ��اس ��ك ال ��ذايت‬ ‫للنظرية والستبعاد بعض اجل ��وان ��ب‬ ‫غ�ير امل ��رغ ��وب ��ة م ��ن ج ��ه ��ة؛ وم ��ن جهة‬ ‫أخ ��رى ه ��ي ليست شكلي ةً ص ��رف �ةً‪،‬‬ ‫إمنا هلا على صعيدنا نتائج فيزيائية‪.‬‬ ‫وخت ��ت ��ل ��ف درج � ��ة امل ��ادي ��ة ال ��ك ��وان ��ت ��ي ��ة‬ ‫ح ��ت ��م � �اً‪ ،‬ع � ��ن درج � � � ��ة امل � ��ادي � ��ة ال �ت�ي‬ ‫ت ��ع ��ت ��م ��ده ��ا ال ��ف ��ي ��زي ��اء ال ��ك�لاس ��ي ��ك ��ي ��ة‪.‬‬ ‫وال ��ف ��ك ��رة امل ��ف ��ت ��اح مل ��ادي ��ة ال ��ك ��ون هي‬ ‫مفهوم مستويات الواقع‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫‪78‬‬

‫ل ��ق ��د ت ��غ�ير م ��ف ��ه ��وم ق ��وان �ي�ن الطبيعة‬ ‫ب ��ال ��ك ��ام ��ل م ��ق ��ارن ��ة مب ��ا ك � ��ان ي ��ع ��رف ��ه‬ ‫املنظور الكالسيكي‪ .‬فقد تطورت‬ ‫ت �رات ��ب ��ي ��ة ال ��ق ��وان�ين م ��ع ت ��ط ��ور ال ��ك ��ون‬ ‫ن ��ف ��س ��ه‪ .‬أي مب ��ع�نى آخ ��ر‪ ،‬حن ��ن نشهد‬ ‫والدة قوانني م رتافقة مع تطور الكون‪.‬‬ ‫وهي قوانني كانت موجودة بالقوة‬ ‫منذ البداية‪ .‬لكن تطور الكون أدى‬ ‫إىل تطورها وت راتبيتها‪.‬‬ ‫إن النموذج ع رباملناهجي للطبيعة‪،‬‬ ‫ال ��ذي جي ��م ��ع ك ��ل اخل � ��واص اجل ��دي ��دة‬ ‫ل ��ل ��ع ��امل ال ��ف ��ي ��زي ��ائ ��ي‪ ،‬مي ��ي ��ز ب �ي�ن ث�لاث‬ ‫مظاهر أساسية للطبيعة هي‪:‬‬ ‫‪ )1‬الطبيعة املوضوعية‪ ،‬اخلاضعة‬ ‫ملوضوعية فاعلة‪ .‬وهي فاعلة مبقدار‬ ‫م ��ا ت ��رت ��ب ��ط م ��س ��ت ��وي ��ات ال ��واق ��ع فيها‬ ‫مب ��س ��ت ��وي ��ات اإلدراك‪ .‬م ��ع ال ��ت ��أك ��ي ��د‬ ‫ه ��ن ��ا ع ��ل ��ى امل ��وض ��وع ��ي ��ة‪ ،‬امل�تراف ��ق ��ة مع‬ ‫منهجيتها العلمية‪.‬‬ ‫‪ )2‬الطبيعة الفاعلية‪ ،‬اخلاضعة‬ ‫ل ��ذات ��ي ��ة م ��وض ��وع ��ي ��ة‪ .‬وه ��ذه الفاعلية‬ ‫م � ��وض � ��وع � ��ي � ��ة مب � � ��ق � � ��دار م � � ��ا ت ��رت ��ب ��ط‬ ‫مستويات اإلدراك فيها مبستويات‬ ‫ال ��واق ��ع‪ .‬م ��ع ال ��ت ��أك ��ي ��د ه ��ن ��ا ع ��ل ��ى أن‬

‫ذاتيتها مشروطة بكون منهجيتها‬ ‫هي املنهجية القدمية للكائن‪ ،‬تلك‬ ‫ال�تي خت ��رق مجيع املنقوالت واألدي ��ان‬ ‫يف عاملنا‪.‬‬ ‫‪ )3‬ال ��ع �ب�ر‪ -‬ط ��ب ��ي ��ع ��ة ال �ت��ي ت ��ؤم ��ن‬ ‫وحدة الطبيعة املوضوعية والطبيعة‬ ‫ال ��ف ��اع ��ل ��ي ��ة‪ .‬وه ��ي ت ��دخ ��ل يف ن ��ط ��اق‬ ‫املقدس‪.‬‬ ‫وه � ��ك � ��ذا‪ ،‬ب ��وس ��ع ��ن ��ا احل � ��دي � ��ث ع ��ن‬ ‫الطبيعة املزدوجة للطبيعة‪ :‬الطبيعة‬ ‫ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ي ��ة ال �ت��ي ت ��ش ��م ��ل ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‬ ‫امل ��وض ��وع ��ي ��ة وال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ال ��ذات ��ي ��ة‪،‬‬ ‫والطبيعة فوق الطبيعية‪ ،‬ونسميها‬ ‫ب � �ـ»ال � ��ع �ب��ر ط ��ب ��ي ��ع ��ة»‪ .‬ألن � � ��ه ي ��وج ��د‬ ‫ازدواج ��ي ��ة يف طبيعة الطبيعة‪ ،‬كما‬ ‫يوجد ازدواجية يف طبيعة اإلنسان‪.‬‬ ‫أما الطبيعة عرب املناهجية فهي ذات‬ ‫بنية ث�لاث ��ي ��ة (الطبيعة امل ��وض ��وع ��ي ��ة‪،‬‬ ‫وال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ال ��ذات ��ي ��ة‪ ،‬وال ��ع�بر طبيعة)‬ ‫تعرف الطبيعة احلية‪ .‬وهذه الطبيعة‬ ‫َّ‬ ‫حية ألن احلياة م ��وج ��ودة يف خمتلف‬ ‫درج � ��اهت � ��ا وألن دراس ��ت ��ه ��ا ت ��ف �ت�رض‬ ‫ت ��ك ��ام ��ل جت ��رب ��ة م ��ع ��اش ��ة‪ .‬ك ��م ��ا أن ��ه‬ ‫جي ��ب ال ��ن ��ظ ��ر ب ��آن واح ��د إىل األوج ��ه‬

‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫الثالث للطبيعة‪ ،‬من خالل عالقاهتا‬ ‫امل ��ت ��ب ��ادل ��ة وص ��ل ��ت ��ه ��ا جب ��م ��ي ��ع م ��ظ ��اه ��ر‬ ‫ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة احل ��ي ��ة‪ .‬وت ��ت ��ط ��ل ��ب دراس � ��ة‬ ‫الطبيعة احلية ميتودولوجيا جديدة‬ ‫– هي امليتودولوجيا عرب املناهجية‪،‬‬ ‫اليت ختتلف عن ميتودولوجيا العلم‬ ‫احلديث وميتودولوجيا العلم القدمي‬ ‫للكائن‪.‬‬ ‫إن أوىل مهام العرب مناهجية كوسيط‬ ‫مميز للحوار بني خمتلف ميادين املعرفة‬ ‫هو وضع فلسفة جديدة للطبيعة‪.‬‬ ‫اقرتح ه للطبيعة‬ ‫هلذا فإن التعريف الذي ُ‬ ‫ال يعين العودة إىل الطبيعة السحرية‪،‬‬ ‫وال إىل الطبيعة امليكانيكية‪ ،‬إمنا هو‬ ‫يستند إىل تعريف مزدوج يقول أنه‬ ‫‪ )1‬ب ��وس ��ع ال ��ك ��ائ ��ن اإلن ��س ��اين دراس ��ة‬ ‫الطبيعة عن طريق العلم‪.‬‬ ‫‪ )2‬ال ميكن ت ��ص ��ور الطبيعة مبعزل‬ ‫عن عالقتها بالكائن اإلنساين‪.‬‬ ‫واحل ��ق ��ي ��ق ��ة أن ت ��ع ��ب�ير ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة احل ��ي ��ة‬ ‫ه � � ��و ح � ��ش � ��و ك � �ل��ام � � ��ي‪ .‬ألن ك ��ل ��م ��ة‬ ‫«طبيعة» ترتبط بشكل ال ينفصم‬ ‫بكلمة «والدة»‪ .‬ف ��اجل ��ذر الالتيين لـ‬ ‫‪(natura‬الطبيعة) الذي هو ‪nasci‬‬

‫يعين ولد وهو يدل على فعل الوالدة‬ ‫ك ��م ��ا ع ��ل ��ى أع ��ض ��اؤه ��ا األن ��ث ��وي ��ة‪ .‬ما‬ ‫يعين ب ��أن الطبيعة احل ��ي ��ة ه ��ي منشأ‬ ‫الوالدة الذاتية لإلنسان‪.‬‬ ‫لقد ختيل غاليليو الطبيعة كنص‬ ‫رياضي يكفي أن نفك رموزه لكي‬ ‫ن ��ت ��م ��ك ��ن م ��ن ق � �راءت ��ه‪ .‬وه ��و م ��ن ��ظ ��ور‬ ‫استمر لقرون وكان مبنتهى الفعالية‪.‬‬ ‫لكننا نعرف اليوم أن الوضع أكثر‬ ‫تعقيداً بكثري‪ .‬حيث تبدو لنا كتاب‬ ‫ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ك ��ن ��ص أويل‪ ،‬أي ك ��ن ��ص‬ ‫يتوجب علينا كتابته ول ��ي ��س فقط‬ ‫ق راءته‪.‬‬ ‫وامل ��ف ��ارق ��ة ه ��ي أن اإلحل � ��اد امل ��ع ��اص ��ر‬ ‫ق ��د ول ��د م ��ن ه ��ذا املنظور ال ��ذي غري‬ ‫نظرتنا إىل العامل‪.‬‬ ‫اإلحلاد املعاصر‬ ‫ظ ��ه ��ر اإلحل ��اد امل ��ع ��اص ��ر إىل اجلمهور‬ ‫م � ��ن خ �ل��ال ق ��ض ��ي ��ة ش ��ه �ي�رة ع ��رف ��ت‬ ‫ح ��ي ��ن ��ئ ��ذ ب � �ـ» ق ��ض ��ي ��ة س ��وك ��ال»‪ .‬وق ��د‬ ‫ب ��دأت ه ��ذه ال ��ق ��ض ��ي ��ة خب ��دي ��ع ��ة‪ ،‬حني‬ ‫أرس � ��ل ف ��ي ��زي ��ائ ��ي وأس ��ت ��اذ ري ��اض ��ي ��ات‬ ‫م ��ن ج ��ام ��ع ��ة ن ��ي ��وي ��ورك ال ي ��ع ��رف ��ه إالّ‬ ‫القليل م ��ن الفيزيائني ع ��ام ‪،1994‬‬

‫‪79‬‬


‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫‪80‬‬

‫مقالة حتمل عنوان اً ملفت اً للنظر هو‬ ‫انتهاك احل ��دود‪ :‬حنو تفسري حتويلي‬ ‫للجاذبية الكوانتية (سوكال ‪)1996‬‬ ‫إىل جم ��ل ��ة «ال � ��ن � ��ص االج ��ت ��م ��اع ��ي»‬ ‫املعروفة بأهنا أح ��د املواقع املتقدمة‬ ‫ملا بعد احلداثة‪ .‬وكان املقال حمشواً‬ ‫باستشهادات صحيحة لفيزيائيني‬ ‫كبور وهايزنبغ و لفالسفة‪ ،‬ولعلماء‬ ‫اجتماع‪ ،‬ومؤرخي علوم‪ ،‬أو حمللني‬ ‫نفسيني‪ ،‬ككوهن وفريبيند والتور‬ ‫والك ��ان ودول � ��وز وغ ��ات ��اري ودي ��ري ��دا‬ ‫ول ��ي ��وت ��ار وس�يري ��س أو ف�يري ��ل ��و‪ .‬وه ��ي‬ ‫اس ��ت ��ش ��ه ��ادات ك ��ان ��ت ت ��ع ��ل ��ي ��ق ��ات‬ ‫سوكال عليها شبيهة بالتأكيدات‬ ‫اهلاذية‪ .‬مما أعطى االنطباع أنه يتبىن‬ ‫بالكامل مفاهيم م ��ا بعد احل ��داث ��ة‪،‬‬ ‫وخ ��اص ��ة منها مفاهيم ذل ��ك التيار‬ ‫الذي يؤمن بالنسبية والذي كانت‬ ‫تتبناه جملة «ال ��د راس ��ات الثقافية»‪.‬‬ ‫مم ��ا أدخ ��ل ال ��س ��رور إىل قلب حم ��رري‬ ‫اجمللة بسبب تبين فيزيائي لقضيتهم‬ ‫م ��ا جعلهم ي ��ن ��ش ��رون ن ��ص ��ه مباشرة‬ ‫ودون أي تدقيق‪.‬‬ ‫مث بعد فرتة وجيزة كشفت اخلديعة‬

‫م � ��ن ق ��ب ��ل س � ��وك � ��ال ن ��ف ��س ��ه‪ ،‬ال � ��ذي‬ ‫أضحى شه رياً عن طريق االنرتنت‪.‬‬ ‫وض ح سوكال حوافزه الفكرية‬ ‫حني ّ‬ ‫والسياسية‪ .‬وخاصة على الصعيد‬ ‫ال ��س ��ي ��اس ��ي ح �ي��ن أراد أن ي �ب�ره ��ن‬ ‫ألصدقائه من اليسار األمريكي أنه‬ ‫ال ميكن حتقيق أي حتول اجتماعي‬ ‫أو ثورة باالستناد إىل مفهوم احلقيقة‬ ‫ك ��م ��ا ت ��ت ��ب ��ن ��اه ال ��ف ��ل ��س ��ف ��ة ال ��ن ��س ��ب ��ي ��ة‪.‬‬ ‫ألهن ��ا فقط الفيزياء كما يتصورها‬ ‫س ��وك ��ال‪ ،‬بوسعها لعب ه ��ذا ال ��دور‬ ‫كأساس فلسفي‪.‬‬ ‫وك � ��ان � ��ت ك ��ت ��اب ��ات م ��ت ��دف ��ق ��ة ع ��ل ��ى‬ ‫االن �ت��رن � ��ت‪ ،‬وك � � ��ان ع � ��دد ك ��ب �ي�ر م ��ن‬ ‫الكتب وال ��ع ��دي ��د م ��ن امل ��ق ��االت اليت‬ ‫ب ��ي ��ن ��ت حقيقة امل ��ش ��ك ��ل ��ة‪ .‬فالبعض‬ ‫اع ��ت�بر س ��وك ��ال ك ��رس ��ول أن ��وار ال ��ذي‬ ‫ي ��واج ��ه ظ�لام ��ي ��ي م ��ا ق ��ب ��ل احل ��داث ��ة‪.‬‬ ‫ب ��ي ��ن ��م ��ا اع ��ت �ب�ره ال ��ب ��ع ��ض اآلخ � ��ر‪ ،‬جم ��رد‬ ‫ش ��رط ��ي يتعاطى الفكر‪ ،‬إن مل نقل‬ ‫جمرد دجال وجاهل‪.‬‬ ‫لكن قضية سوكال كان هلا الفضل‬ ‫يف تسليط األضواء على ظاهرة يزداد‬ ‫وج ��وده ��ا أك ��ث ��ر ف ��أك ��ث ��ر يف ال ��ث ��ق ��اف ��ة‬

‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫امل ��ع ��اص ��رة‪ ،‬أال وه ��ي ظ ��اه ��رة حت ��وي ��ل‬ ‫ال ��ن ��س �ب�ي إىل م ��ط ��ل ��ق‪ .‬ح ��ي ��ث خي ��ت ��ب ��ئ‬ ‫التطرف النسيب وراء مسعة لغة العلوم‬ ‫ال ��دق ��ي ��ق ��ة م ��ن خ �ل�ال ت ��س ��ري ��ب مبالغ‬ ‫ومشوه‪ .‬فتنفصل اللغة عن سياقها‪،‬‬ ‫وي ��ص ��ب ��ح ب ��اإلم ��ك ��ان ال ��ت ��ع ��ام ��ل معها‬ ‫ل ��ل ��ت ��ع ��ب�ير ع ��ن أي ش ��يء ول �ـ»ب ��ره ��ن ��ة»‬ ‫تساوي كل األشياء‪ .‬والضحية األوىل‬ ‫هل ��ذا ال ��ت ��ش ��وي ��ه ه ��و ال ��ع ��ل ��وم ال ��دق ��ي ��ق ��ة‬ ‫نفسها‪ ،‬وال �ت�ي تصبح ك ��غ�يره ��ا جم ��رد‬ ‫واض ��ع ��ة ل ��ب ��ن ��ي ��ان اج ��ت ��م ��اع ��ي‪ ،‬وت ��وض ��ع‬ ‫بني أه لّ تني إل زامية التدقيق عن طريق‬ ‫ال ��ت ��ج ��رب ��ة‪ .‬هل ��ذا ليس م ��ن ال ��غ ��ري ��ب أن‬ ‫يتحول س ��وك ��ال خ�لال بضعة أشهر‬ ‫إىل ب ��ط ��ل جل ��م ��اع ��ة ت ��ش ��ع ��ر ك ��ل ي ��وم‬ ‫ب ��ال ��ت ��ن ��اق ��ض ال ��ص ��ارخ ب �ي�ن مم ��ارس ��اهت ��ا‬ ‫ال ��ع ��م ��ل ��ي ��ة وت ��ص ��وراهت ��ا االج ��ت ��م ��اع ��ي ��ة‬ ‫والثقافية‪.‬‬ ‫لكن املفارقة‪ ،‬هي أن قضية سوكال‬ ‫ق ��د ب ��ي ��ن ��ت ب ��ش ��ك ��ل م ��ل ��ح ��وظ ت ��ط ��رف‬ ‫ج ��دي ��د ه ��و – ال ��ت ��ط ��رف ال ��ع ��ل ��م ��وي‪،‬‬ ‫كوجه آخر للتطرف الديين‪ .‬وقد لقي‬ ‫م ��وق ��ف س ��وك ��ال يف ال ��واق ��ع دع ��م �اً ذو‬ ‫وزن – من الفيزيائي ستيفن فاينربغ‬

‫احل ��ائ ��ز على ج ��ائ ��زة ن ��وب ��ل للفيزياء‪،‬‬ ‫الذي حتدث يف مقالة طويلة نش رهتا‬ ‫ل ��ه جم ��ل ��ة ن ��ي ��وي ��ورك مل �راج ��ع ��ة الكتب‬ ‫(ف ��اي ��ن�برغ ‪ ،)1996‬ع ��ن وج ��ود «ه ��وة‬ ‫من عدم التفهم» بني العلماء وبني‬ ‫املثقفني اآلخ ��ري ��ن‪ .‬فحسب فاينربغ‬ ‫كانت إحدى االش رتاطات األساسية‬ ‫ال �ت�ي أدت إىل والدة وت ��ط ��ور ال ��ع ��ل ��م‬ ‫احلديث هو الفصل بني عامل الفيزياء‬ ‫وع � ��امل ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‪ .‬وب ��ض ��رب ��ة واح � ��دة‪،‬‬ ‫ي ��ك ��ن ��س ف ��اي ��ن �ب�رغ ك ��ت ��داخ �ل�ات غ�ير‬ ‫صاحلة‪ ،‬االعتبارات الفلسفية لآلباء‬ ‫املؤسسني للميكانيكا الكوانتية‪،‬‬ ‫كفرنر هايزنربغ على سبيل املثال‪.‬‬ ‫ون ��ت ��ف ��اج ��أ م ��ن ح ��ج ��ج ف ��اي ��ن �ب�رغ ال�تي‬ ‫تبدو وكأهنا انعكاس لعلموية قرن‬ ‫آخ � ��ر‪ :‬ح ��ي ��ث ي ��ع ��ود احل ��س ال ��س ��ل ��ي ��م‬ ‫ليعلن واقعية ال ��ق ��وان�ين الفيزيائية‪،‬‬ ‫واك ��ت ��ش ��اف ال ��ف ��ي ��زي ��اء ل ��ل ��ع ��امل «ك ��م ��ا‬ ‫ه � ��و»‪ ،‬أي ك ��ت ��ن ��اظ ��ر ث ��ن ��ائ ��ي ال ��وج ��ه‬ ‫ب �ي�ن ال ��ق ��وان�ين ال ��ف ��ي ��زي ��ائ ��ي ��ة و»ال ��واق ��ع‬ ‫املوضوعي»‪ ،‬ما يؤكد على الصعيد‬ ‫ال ��ف ��ك ��ري هيمنة ال ��ع ��ل ��وم الطبيعية‪.‬‬ ‫ل ��ك ��ن ف ��اي ��ن �ب�رغ مل ي ��ك ��ن ال وض ��ع ��ي �اً‬

‫‪81‬‬


‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫‪82‬‬

‫وال ميكانيكي اً‪ .‬إمن ��ا ه ��و أح ��د أمل ��ع‬ ‫فيزيائي القرن العشرين‪ ،‬كما أنه يف‬ ‫نفس الوقت صاحب ثقافة قوية‪ .‬ما‬ ‫جيعل من املناسب دراسة ما يقدمه‬ ‫من حجج‪.‬‬ ‫تستند الفكرة األساسية لفاينربغ‪،‬‬ ‫واليت يرددها كالتعويذة يف كتاباته‪،‬‬ ‫إىل وج � ��ود ق ��وان �ي�ن غ �ي�ر شخصانية‬ ‫اك ��ت ��ش ��ف ��ت ��ه ��ا ال ��ف ��ي ��زي ��اء‪ .‬ق ��وان �ي�ن غري‬ ‫ش ��خ ��ص ��ان ��ي ��ة وأزل � ��ي � ��ة م ��ع � �اً ت ��ض ��م ��ن‬ ‫«التقدم املوضوعي» للعلم وتفسر‬ ‫اهل � ��وة ال �ت��ي ال مي ��ك ��ن جت ��اوزه ��ا ب ��ي ��ن ��ه‬ ‫وبني الثقافة‪ .‬ونغمة هذه احلجة ذو‬ ‫ط ��اب ��ع ن ��ب ��وي واض � ��ح‪ ،‬وك ��أهن ��ا ينطق‬ ‫بلسان دي ��ن من دون إل ��ه‪ .‬ما يغري‬ ‫باالعتقاد أننا أصبحنا أمام مفهوم‬ ‫ع ��ل ��م ��ي أض ��ح ��ى ك ��احل ��ب ��ل ب �ل�ا دن ��س‬ ‫(عند الكنيسة)‪ .‬مما جيعلنا من هذا‬ ‫املنطلق‪ ،‬نتفهم بأن قضية سوكال‬ ‫بالنسبة لفاينربغ ه ��ي قضية حال‬ ‫احلقيقة وحال الواقع‪ .‬فبالنسبة له‬ ‫م ��ن غ�ير املمكن أن ت ��ك ��ون احلقيقة‬ ‫ت ��اب ��ع ��ة ل ��ل ��ب ��ي ��ئ ��ة االج ��ت ��م ��اع ��ي ��ة ل ��ل ��ع ��امل‪.‬‬ ‫ف ��ال ��ع ��ل ��م مي ��ل ��ك احل ��ق ��ي ��ق ��ة‪ ،‬وق ��ط ��ي ��ع ��ت ��ه‬

‫من ه ��ذا املنطلق كاملة وهنائية مع‬ ‫الثقافة‪ .‬ألنه هناك واقع واحد – هو‬ ‫الواقع املوضوعي للفيزياء‪ .‬وهذا ما‬ ‫جيعله يؤكد بال مواربة‪ ،‬أنه بالنسبة‬ ‫للثقافة أو الفلسفة‪ ،‬فإن الفرق بني‬ ‫امليكانيكا اجلسيمية وامليكانيكا‬ ‫الكالسيكية أو بني ثقالة آينشتاين‬ ‫وثقالة نيوتن أمر بال معىن‪.‬‬ ‫�ادا‬ ‫وي � � � ��أيت اس ��ت ��ن ��ت ��اج ف � ��اي � ��ن �ب��رغ ح � � � ً‬ ‫كالسكني حني يقول‪:‬‬ ‫إنه ميكننا ربط اكتشافات الفيزياء‬ ‫ب ��ال ��ف ��ل ��س ��ف ��ة وب ��ال ��ث ��ق ��اف ��ة ح �ي�ن يصبح‬ ‫مب � ��ق � ��دورن � ��ا م ��ع ��رف ��ة م ��ن ��ش ��أ ال ��ك ��ون‬ ‫والقوانني النهائية للطبيعة‬ ‫م ��ا ي ��ع�ني ب ��أن ه ��ذا ل ��ن ي ��ك ��ون ممكن اً‬ ‫على اإلطالق!‬ ‫يف ع ��ام ‪ ،1997‬ق ��رر س ��وك ��ال إع ��ادة‬ ‫كتابة مقالته الشهرية ال�تي نشرها‬ ‫يف «ال ��ن ��ص االج ��ت ��م ��اع ��ي» ول ��ك ��ن‬ ‫ب ��امل ��ق ��ل ��وب‪ .‬أي مب ��ع �ن�ى آخ � � ��ر‪ ،‬ق ��رر‬ ‫التعبري ع ��م ��ا يعتقده حقيقة‪ .‬هل ��ذا‬ ‫ن �راه ككاتب يتخذ كمساعد له‪،‬‬ ‫الفيزيائي البلجيكي جان برميون‪.‬‬ ‫وهكذا كان نشر «اخلدع الفكرية»‪.‬‬

‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫اليت فاجأت اجلميع بضحالتها واليت‬ ‫ك ��ان صداها أق ��ل بكثري من النجاح‬ ‫ال ��ط ��ن ��ان ل �ـ»م ��ق ��ال ��ة» س ��وك ��ال األوىل‪.‬‬ ‫وك ��ان مجيع امل ��خ ��ادع ��ون ال ��ذي ��ن جرى‬ ‫التطرق إليهم فرنسيون أو يعيشون‬ ‫يف ف ��رن ��س ��ا‪ .‬وم ��ن امل ��م ��ل أن حن ��ل ��ل هنا‬ ‫م ��اه ��ي ��ة ه � ��ذه «اخل ��دي ��ع ��ة»‪ .‬ف ��ط ��ري ��ق ��ة‬ ‫الفيزيائيني األمريكان والبلجيكيني‬ ‫س ��ه ��ل ��ة‪ :‬ن ��أخ ��ذ مج ��ل ��ة‪ ،‬ون ��ف ��ص ��ل ��ه ��ا عن‬ ‫سياقها لنبني من مث ملاذا هي سخيفة‬ ‫وغري دقيقة على الصعيد الفيزيائي‬ ‫أو الرياضي‪ .‬إن الطريقة املستعملة‬ ‫من قبل الكتاب قد أقصته إىل حد‬ ‫جعلنا نعتقد أن قضية س ��وك ��ال قد‬ ‫طويت‪.‬‬ ‫وي � ��رت � ��د س � ��وك � ��ال‪ .‬ف ��ق ��د ن ��ش ��ر ق ��ب ��ل‬ ‫ثالث سنوات‪ ،‬كتاب اً جديداً (كتبه‬ ‫بالتعاون مع ج ��ان بريكمون) حيمل‬ ‫عنوان اً جذاب اً هو العلوم ال زائفة وما‬ ‫بعد احلداثة‪ :‬خصومة أم وفاق طريق‬ ‫(سوكال ‪.)2005‬‬ ‫وهنا جيب االع�تراف بأن املقاربة بني‬ ‫م ��ا بعد احل ��داث ��ة وال ��ع ��ل ��وم ال �زائ ��ف ��ة هو‬ ‫أمر ج ��ذاب‪ .‬أما اجلديد حق اً يف هذا‬

‫ال ��ك ��ت ��اب فنجده يف م ��ك ��ان آخ ��ر أال‬ ‫وه ��و التذييل (امللحق آ) للكتاب‪،‬‬ ‫حتت عنوان «الدين كعلم زائف»‪.‬‬ ‫م ��وض ��ح�ين أن ��ه يف ه ��ذا ال ��س ��ي ��اق‪ ،‬ال‬ ‫يتعرض الكتاب إىل الدين لإلشارة‬ ‫إىل ال ��ط ��وائ ��ف واحل ��رك ��ات ال ��دي ��ن ��ي ��ة‬ ‫اجلديدة‪ ،‬إمنا للداللة على الديانات‬ ‫ال ��ق ��ائ ��م ��ة – كاملسيحية وال ��ي ��ه ��ودي ��ة‬ ‫واإلسالم واهلندوسية‪ .‬وهذا ما جعل‬ ‫من غري املستغرب أن يشري بأصابع‬ ‫االهت ��ام إىل ال ��ب ��اب ��ا حنا ب ��ول ��س الثاين‬ ‫ع ��ل ��ى أن � ��ه «أك �ب ��ر رئ ��ي ��س ع ��ل ��م ��وي‬ ‫زائف»‪.‬‬ ‫وهذا البيان األخري هو بكل بساطة‬ ‫من باب التشهري‪ .‬ورغم كل شيء‪،‬‬ ‫يبقى من املهم أن نعرف ملاذا يعترب‬ ‫س ��وك ��ال وب ��ري ��ك ��م ��ون ال ��دي ��ن ع ��ل ��م �اً‬ ‫زائف اً‪ ،‬كالتنجيم؟‬ ‫وي ��ب �ي�ن ال ��ك ��ت ��اب ب � �ب� �راءة ح ��ج ��ج ��ه ��م‬ ‫ال ��رئ ��ي ��س ��ي ��ة‪ :‬ف ��ال ��دي ��ن ي ��ت ��ع ��اط ��ى م ��ع‬ ‫«ظ ��واه ��ر حقيقية أو م ��ف�ترض ��ة‪ ،‬أو‬ ‫م ��ع ع�لاق ��ات حقيقية أو مفرتضة‪،‬‬ ‫غ �ي��ر حم ��ت ��م ��ل ��ة م � ��ن م ��ن ��ظ ��ور ال ��ع ��ل ��م‬ ‫احلديث»‪ .‬فهو «حياول دعم بياناته‬

‫‪83‬‬


‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫‪84‬‬

‫حبجج أو ب رباهني ال تليب متطلبات‬ ‫ال ��ع ��ل ��م احل ��دي ��ث م ��ن ح ��ي ��ث امل ��ن ��ط ��ق‬ ‫وامل ��ص ��داق ��ي ��ة‪ .‬وه ��ن ��ا حت ��دي ��داً يكمن‬ ‫اخل ��ط ��أ اإلب ��ي ��س ��ت ��ي ��م ��ول ��وج ��ي (امل ��ع ��ريف)‬ ‫الواضح لسوكال ولربيكمون‪ ،‬فهما‬ ‫ي ��ع ��ت ��م ��دان واق ��ع ��ي ��ة ال ��ع ��ل ��م احل ��دي ��ث‬ ‫ك ��ح ��ك ��م وح � ��ي � ��د ل ��ل ��ح ��ق ��ي ��ق ��ة‪ .‬وال‬ ‫يعت ربان يف أية حلظة‪ ،‬أنه من املمكن‬ ‫وج ��ود م ��س ��ت ��وي ��ات م ��ت ��ع ��ددة ل ��ل ��واق ��ع‪،‬‬ ‫م ��س ��ت ��وي ��ات ي ��رت ��ب ��ط ال ��ع ��ل ��م احل ��دي ��ث‬ ‫ببعضها بينما يرتبط الدين ببعضها‬ ‫اآلخر؟ فبالنسبة هلم ال يوجد سوى‬ ‫م ��س ��ت ��وى واح ��د م ��ن ال ��واق ��ع‪ ،‬وه ��ذه‬ ‫فرضية معرفية ال ميكن الدفاع عنها‬ ‫اس ��ت ��ن ��اداً إىل م ��ا علمتنا إي ��اه العلوم‬ ‫احلديثة‪.‬‬ ‫ويذكرنا موقف سوكال وبريكمون‬ ‫بشكل غ ��ري ��ب مب ��وق ��ف لينني ال ��ذي‬ ‫عرب عنه عام ‪ ،1908‬يف كتابه املادية‬ ‫وال ��ن ��ق ��د ال ��ت ��ج ��ري �ب�ي‪ ،‬وال � ��ذي ه ��اج ��م‬ ‫ف ��ي ��ه ال ��ن ��ظ ��ري ��ات الفيزيائية املتعلقة‬ ‫باملسافة – ال ��زم ��ن املتعدد األب ��ع ��اد‪،‬‬ ‫وأع ��ل ��ن أن � ��ه ل ��ي ��س ب ��وس ��ع ��ن ��ا ال ��ق ��ي ��ام‬ ‫بالثورة إالّ يف نطاق األبعاد األربعة‪.‬‬

‫فلينني كسوكال كان يؤمن بوجود‬ ‫مستوى واح ��د للواقع‪ .‬أو لنقل أنه‬ ‫اعتمد هذا االعتقاد لكي يربر ثورته‪.‬‬ ‫ون � ��ت � ��اب � ��ع ق ��ض ��ي ��ة س � ��وك � ��ال ب ��ش ��ك ��ل‬ ‫ملفت يف كتاب ريتشارد داوكينز‬ ‫ب ��ع ��ن ��وان وه � ��م اإلمي � � ��ان ب � ��اهلل ‪God‬‬ ‫‪ .Delusion‬وه ��و ك ��ت ��اب أصبح‬ ‫م � ��ن أف ��ض ��ل ال ��ك ��ت ��ب م ��ب ��ي ��ع �اً ع ��ل ��ى‬ ‫الصعيد العاملي‪ .‬وتكفي بعض مجل‬ ‫م ��ن داوك ��ي ��ن ��ز لكي نفهم م ��ا يصبو‬ ‫إليه اإلحل ��اد اجلديد املعاصر‪ .‬حيث‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫لنتخيل عامل اً بال دين وبال عمليات‬ ‫انتحارية‪ ،‬عامل بال ‪ 11‬إيلول‪ ،‬وبال‬ ‫ح � ��روب ص ��ل ��ي ��ب ��ي ��ة‪ ،‬ب �ل�ا م�لاح ��ق ��ات‬ ‫للسحرة‪ ،‬بال ح ��روب وال انفصال‪،‬‬ ‫ب �ل�ا ح ��رب إس �رائ ��ي ��ل ��ي ��ة فلسطينية‪،‬‬ ‫وب �ل�ا جم ��ازر ب�ين ال ��ص ��رب وال ��ق ��رواط‬ ‫واإلس�لام‪ ،‬عامل بال طالبان يفجرون‬ ‫التماثيل القدمية وبال إعدامات يف‬ ‫الساحات العامة ملن ينطقون كف راً‪،‬‬ ‫ع ��امل متسامح بوسعه أن يستوعب‬ ‫ع ��دم وج ��ود اإلل ��ه ب ��أي ش ��ك ��ل ك ��ان‬ ‫وبالنسبة جلميع الديانات‪.‬‬

‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫ألن � � ��ه م ��ه ��م ��ا ك � � ��ان احل � � ��ذر اخل ��ط ��ايب‬ ‫ومهما كانت البهلوانيات اجلدلية‬ ‫للملحدين اجل ��دد امل ��ع ��اص ��ري ��ن‪ ،‬ف ��إن‬ ‫ح ��ج ��ج ��ه ��م ت ��ق ��ودن ��ا إىل االس ��ت ��ن ��ت ��اج‬ ‫ب � ��أن ال � ��ع � ��امل س ��خ ��ي ��ف‪ ،‬وه � ��و ح ��ك ��م‬ ‫إيديولوجي مسبق وغري علمي‪.‬‬ ‫استنتاجات‬ ‫تُعلمنا جتربة العلوم أمهية التساؤل‬ ‫املستمر‪ ،‬كما تعلمنا أمهية اإلع ��ادة‬ ‫ال ��دائ ��م ��ة ل ��ل ��ت ��س ��اؤل ح � ��ول أج ��وب ��ت ��ن ��ا‬ ‫نفسها‪ .‬تُعلمنا إمكانية اخليار بني‬ ‫كفاية العلم وفقر التساؤل املستمر‬ ‫م ��ن أج ��ل ال ��ت ��ف ��ه ��م‪ .‬أمه ��ي ��ة ال ��س �ي�ر يف‬ ‫ه ��ذا ال ��ع ��امل كالبهلوان السائر على‬ ‫حبل‪ ،‬رافض اً كل نظرية هنائية‪ ،‬وكل‬ ‫بنيان كامل‪ ،‬وكل منظومة حصرية‬ ‫ومنغلقة للفكر‪ .‬تُعلمنا أن نصبح‬ ‫تساؤالً حبد ذاتنا فنشعر بعالقتنا مع‬ ‫أنفسنا وبعالقتنا م ��ع اآلخ ��ري ��ن‪ .‬إنه‬ ‫مترين روح ��ي خطر رمب ��ا‪ ،‬لكنه يفتح‬ ‫أم ��ام ��ن ��ا ف ��ض ��اءً رح ��ب �اً م ��ن احل ��ري ��ة وم ��ن‬ ‫التسامح‪.‬‬ ‫إن ك ��ل ��م ��ات منطقي وغ �ي�ر منطقي‪،‬‬ ‫م � ��ادة ووع � � ��ي‪ ،‬م � ��ادة وروح‪ ،‬غ ��ائ ��ي ��ة‬

‫والغ ��ائ ��ي ��ة‪ ،‬ص ��دف ��ة وض � ��رورة‪ ،‬إخل ‪..‬‬ ‫إخل‪ ،‬ه ��ي كلمات مستعملة ذابلة‪،‬‬ ‫ف ��ق ��دت قيمتها وأص ��ب ��ح ��ت ع ��اه ��رة‪.‬‬ ‫فهي تستند إىل منظور كالسيكي‬ ‫ل ��ل ��واق ��ع‪ ،‬وه ��و م ��ن ��ظ ��ور ي ��ت ��ن ��اق ��ض مع‬ ‫الوقائع‪ .‬فهي كلمات ختلق ثنائياهتا‬ ‫املتناقضة ع�بر خ�لاف ��ات ال تنتهي‪،‬‬ ‫وتفجر العواطف احلشوية‪ .‬وبوسعنا‬ ‫حول هذا املوضوع كتابة أطنان من‬ ‫الكتب اليت ال تقدم إىل املعرفة شيئ اً‪.‬‬ ‫ّأم ا خلق مفاهيم جديدة‪ ،‬فإنه يقودنا‬ ‫دائ ��م �اً إىل دروب مليئة بالعث رات‪.‬‬ ‫يعرضها ألبشع التشوهات‬ ‫وهذا ما ّ‬ ‫وألسوأ اهلجمات الفارغة (السياسية‪،‬‬ ‫والعلموية‪ ،‬وحىت الباطنية)‪.‬‬ ‫وأتصور كم من املفكرين املتسرعني‬ ‫ج ��داً أو امل ��ه ��ت ��م�ين ج ��داً‪ ،‬سيعلنون‬ ‫بأن العقالنية اجلديدة ستقودنا إىل‬ ‫سيطرة الالعقالنية‪ ،‬إىل اخللط بني‬ ‫ال �رائ ��ع وال �ل�اع ��ق �ل�اين‪ ،‬وإىل ال ��ن ��ق ��اش‬ ‫غري احملدد حول ما إذا كانت الروح‬ ‫ميينية أم يسارية؟ وأت ��ص ��ور كم من‬ ‫املفكرين املتسرعني جداً أو املهتمني‬ ‫ج � � ��داً‪ ،‬س ��ي ��ع ��ل ��ن ��ون ب � ��أن ال ��ع ��ق�لان ��ي ��ة‬

‫‪85‬‬


‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫‪86‬‬

‫اجلديدة إمن ��ا تستبدل الديين بالعرب‬ ‫دي�ني‪ ،‬وختلط بني املتعايل وما ميكن‬ ‫ال ��وص ��ول إل ��ي ��ه ع ��ن ط ��ري ��ق تصوراتنا‬ ‫اإلن ��س ��ان ��ي ��ة اجل ��زئ ��ي ��ة ح ��ت ��م �اً‪ ،‬مث حبجة‬ ‫احلفاظ على هويتنا الدينية تستبعد‬ ‫م ��ا ه ��و ك ��وين يف اإلن ��س ��ان؟ أي اإلل ��ه‬ ‫نفسه‪ .‬اهلل الواحد الذي هو الطبيعة‬ ‫ال � ��واح � ��دة‪ .‬إن ال ��ع ��ق�لان ��ي ��ة اجل ��دي ��دة‬ ‫تسمح ب ��ت ��ع ��اي ��ش ال ��وح ��دة وال ��ت ��ن ��وع‪.‬‬ ‫ب ��ي ��ن ��م ��ا ال ��ع ��ق�لان ��ي ��ة ال ��ق ��دمي ��ة‪ ،‬ال �ت�ي ما‬ ‫زالت سائدة يف كوكبنا‪ ،‬تدمر كل‬ ‫واحدة األخرى‪.‬‬ ‫وي ��ب ��دو يل أن ال ��ط ��ري ��ق ��ة ال ��وح ��ي ��دة‬ ‫لتجنب ه ��ذه ال ��ت ��ش ��وه ��ات إمن ��ا هي‬ ‫يف البحث عرب املناهجي احلقيقي‪،‬‬ ‫البحث الصبور واملنفتح واملتسامح‬ ‫وط ��وي ��ل ال ��ن ��ف ��س‪ ،‬ال ��ب ��ح ��ث امل ��ن ��ف ��ت ��ح‬ ‫على أفضل االختصاصات واملستند‬ ‫إىل الص رامة العلمية والروحية‪.‬‬ ‫ألين‪ ،‬ك ��ه ��اي ��زن �ب�رغ‪ ،‬أمح � ��ل ال ��ق ��ن ��اع ��ة‬ ‫العميقة اليت تقول بأن‬ ‫االن ��ف ��ت ��اح ع ��ل ��ى ال ��ع ��امل ال ��ذي ه ��و يف‬ ‫نفس ال ��وق ��ت «ع ��امل اهلل» يكمن يف‬ ‫أن أقصى سعادة ميكن أن يقدمها‬

‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫لنا ه ��ذا العامل هو الشعور بأننا يف‬ ‫بيتنا (هايزنربغ ‪.)1998‬‬ ‫حتم اً ستكون صعبة والدة العقالنية‬ ‫والروحانية اجلديدة اللتان حت ��اوران‬ ‫سر كون الذي ال ميكن انتقاصه‪.‬‬

‫‪87‬‬


‫هل تكون عودة فرويد أشبه بحلم سيئ؟‬

‫موقع األوان‬

‫شكلت آراء ‪ S‬ف ��روي ��د ح ��ول معىن‬ ‫األح � �ل��ام ل ��ب ن ��ظ ��ري ��ت ��ه يف ال ��وظ ��ي ��ف ��ة‬ ‫ال ��ع ��ق ��ل ��ي ��ة‪ .‬وي ��ؤك ��د <‪ .M‬س ��ومل ��ز>‬ ‫وآخ � � � � � ��رون أن دراس � � � � � ��ات ال � ��ص ��ور‬ ‫وال ��ت ��ه ��ت ��ك ��ات ال ��دم ��اغ ��ي ��ة ت ��ث ��ب ��ت اآلن‬ ‫صحة تصور <فرويد> عن العقل‪.‬‬ ‫ول ��ك ��ن أحب ��اث ��ا ع ��ل ��م ��ي ��ة م ��ش ��اهب ��ة تبني‬ ‫إم ��ك ��ان ��ي ��ة خ ��ط ��أ ن � ��واح رئ ��ي ��س ��ي ��ة من‬ ‫تفكري <فرويد>‪.‬‬ ‫ف ��ع ��ن ��د <ف ��روي ��د> ت ��ن ��ج ��م الطبيعة‬ ‫الغريبة ل�لأح�لام ع ��ن جهد حثيث‬ ‫للعقل (عرب رقابة وإخفاء رمزيني) يف‬ ‫إخفاء الرغبات الغ رائزية غري املقبولة‬ ‫اليت تنبع من الالشعور حينما ختفف‬ ‫األنا من هنيها لل«هي» أثناء النوم‪.‬‬ ‫ول ��ك ��ن م ��ع ��ظ ��م األدل � � ��ة ال ��ب ��ي ��ول ��وج ��ي ��ة‬ ‫العصبية تؤيد ال �رأي البديل ال ��ذي‬ ‫ي ��رى ب ��أن ش ��ذوذ األح �ل�ام إمن ��ا ينجم‬ ‫عن تغ ريات عادية يف حالة الدماغ‪،‬‬

‫‪88‬‬

‫إذ تولد اآلليات الكيميائية يف جذع‬ ‫ال ��دم ��اغ ه ��ذه ال ��ت ��غ ي�رات‪ ،‬وتتسبب‬ ‫تلك اآلليات أيضا يف تبديل نشاط‬ ‫مناطق خمتلفة من القشرة الدماغية‪.‬‬ ‫وق ��د دل ��ت ع ��دة دراس � ��ات ع ��ل ��ى أن‬ ‫ال ��ت ��غ�يرات الكيميائية حت ��دد نوعية‬ ‫وك ��م ��ي ��ة رؤى األح �ل�ام واالن ��ف ��ع ��االت‬ ‫واألف � ��ك � ��ار‪ .‬ه � ��ذا وجي � ��ب ن ��ب ��ذ ف ��ك ��رة‬ ‫<ف ��روي ��د> ع ��ن اإلخ ��ف ��اء وال ��رق ��اب ��ة‬ ‫‪،disguise and censorship‬‬ ‫فليس من أحد يعتقد بأن املقارعة‬ ‫بني ال«أنا» وال«هي»‪ ،‬إن وجدت‪،‬‬ ‫تتحكم يف كيمياء الدماغ‪ .‬ومل يعد‬ ‫معظم احملللني النفسيني يتمسكون‬ ‫بصحة نظرية اإلخفاء والرقابة هذه‪.‬‬ ‫وإذا م ��ا اس ��ت ��ب ��ع ��دت ف ��ك ��رة اإلخ ��ف ��اء‬ ‫وال � ��رق � ��اب � ��ة‪ ،‬ف ��م ��ا ال � � ��ذي ي ��ب ��ق ��ى م ��ن‬ ‫ن ��ظ ��ري ��ة <ف ��روي ��د> يف األح �ل��ام؟ ال‬ ‫يتبقى الكثري فيما عدا أن الدوافع‬

‫هل تكون عودة فرويد أشبه بحلم سيئ؟‬

‫الغ رائزية ميكن أن تستحث تكوين‬ ‫احللم‪ .‬وبالفعل ف ��إن األدل ��ة تشري إىل‬ ‫أن تنشيط أج زاء من املنظومة احلوفية‬ ‫‪( limbic system‬اليت تولد القلق‬ ‫والغضب والفرح) يؤدي إىل تشكيل‬ ‫األحالم‪ .‬ولكن هذه التأث ريات ليست‬ ‫«رغ ��ب ��ات» ‪ .wishes‬فتحليالت‬ ‫األحالم تبني أن االنفعاالت يف األحالم‬ ‫غالبا ما تكون سلبية بقدر ما تكون‬ ‫إجي ��اب ��ي ��ة‪ ،‬وه ��ذا ي ��ع�ني أن ن ��ص ��ف ع ��دد‬ ‫رغباتنا ألنفسنا يكون سلبيا‪ .‬وكما‬ ‫يعرف مجيع احلاملني‪ ،‬فإن االنفعاالت‬ ‫يف األح �ل�ام قلما تخَ ��ف ��ى؛ فهي تدخل‬ ‫بوضوح يف حبكات األح�لام‪ ،‬وغالبا‬ ‫م ��ا ت ��س ��ب ��ب ت ��أث �ي�رات ب ��غ ��ي ��ض ��ة‪ ،‬م ��ث ��ل‬ ‫ال ��ك ��واب ��ي ��س‪ .‬ومل يستطع <ف ��روي ��د>‬ ‫قط أن يفسر ملاذا يكون العديد من‬ ‫االنفعاالت سلبيا‪.‬‬ ‫ومث ��ة رك ��ن آخ ��ر ل ��ن ��م ��وذج <ف ��روي ��د>‬ ‫ي ��ت ��م ��ث ��ل يف أن ��ه ب ��س ��ب ��ب ك ��ون امل ��ع�نى‬ ‫احل ��ق ��ي ��ق ��ي ل � �ل��أح � �ل��ام خ � ��ف � ��ي � ��ا‪ ،‬ف � ��إن‬ ‫االن � ��ف � ��ع � ��االت ال � �ت��ي ت ��ع ��ك ��س ��ه ��ا ه ��ذه‬ ‫األحالم ال ميكن إظهارها إال عرب اتباع‬

‫األس ��ل ��وب ال ��ع ��ق ��ي ��م ـ أس ��ل ��وب ال ��رب ��ط‬ ‫احلر‪ ،‬وهو األسلوب الذي يربط فيه‬ ‫املرء أي شيء وكل شيء خيطر بباله‬ ‫ع ��ل ��ى أم ��ل ال ��ع ��ث ��ور ب ��امل ��ص ��ادف ��ة على‬ ‫صلة عميقة‪ .‬ولكن هذا اجلهد ليس‬ ‫ض ��روري ��ا بسبب ع ��دم ح ��دوث مثل‬ ‫ه ��ذا اإلخ ��ف ��اء ‪.concealment‬‬ ‫ف ��م ��ا ت � �راه يف األح �ل�ام ه ��و م ��ا حتصل‬ ‫عليه‪ ،‬وحمتوى احللم يكون واضحا‬ ‫م ��ن ال ��ن ��اح ��ي ��ة االن ��ف ��ع ��ال ��ي ��ة‪ .‬وك ��ل ما‬ ‫حي ��ت ��اج إل ��ي ��ه األم ��ر ه ��و ال ��ت ��دق ��ي ��ق عن‬ ‫ق ��رب ب ��احل ��امل وم ��ع ��اجل ��ي ��ه الستشفاف‬ ‫املشاعر اليت يبدوهنا‪.‬‬ ‫يلمح <سوملز> وفرويديون آخرون‬ ‫إىل أن إرج ��اع األح �ل�ام إىل كيمياء‬ ‫ال ��دم ��اغ مي ��اث ��ل ال ��ق ��ول ب ��أن األح �ل�ام‬ ‫ال حت ��م ��ل رس ��ائ ��ل ان ��ف ��ع ��ال ��ي ��ة‪ .‬ول ��ك ��ن‬ ‫ه ��ذي ��ن ال ��ن ��ص�ين ليسا م ��ت ��ع ��ادل�ين‪ ،‬إذ‬ ‫إن ن ��ظ ��ري ��ة ال ��ت ��ن ��ش ��ي ��ط ال ��ك ��ي ��م ��ي ��ائ ��ي‬ ‫واص ��ط ��ن ��اع األح �ل ��ام ‪chemical‬‬ ‫‪activation-synthesis‬‬ ‫‪ ،theory‬ال �ت��ي وض ��ع ��ه ��ا <‪.R‬‬ ‫م ّك اريل> [من كلية طب هارڤارد]‬

‫‪89‬‬


‫هل تكون عودة فرويد أشبه بحلم سيئ؟‬

‫‪90‬‬

‫(ب � ��االش �ت �راك م ��ع ��ي) يف ع � ��ام ‪1977‬‬ ‫تعترب أنه من اخلطأ تفسري التحليل‬ ‫ال ��ن ��ف ��س ��ي ل ��ش ��ذوذ األح �ل�ام ع ��ل ��ى أن ��ه‬ ‫إخ ��ف ��اء ل ��ل ��م ��ع�نى‪ .‬ف ��ل ��ط ��امل ��ا ج ��ادل ��ن ��ا‬ ‫ب ��أن األح �ل��ام ص ��رحي ��ة وذات م ��غ ��زى‬ ‫من الناحية االنفعالية‪ .‬مث م ��اذا عن‬ ‫ال ��ن ��وم ال � ّ�رمي ��ي ‪REM sleep‬؟ إن‬ ‫الد راسات اجلديدة توضح أن األحالم‬ ‫ميكن أن حت ��دث خ ��ارج ف�ترات النوم‬ ‫ال ��رمي ��ي‪ ،‬ول ��ك ��ن ال ش ��يء يف من ��وذج‬ ‫التنشيط الكيميائي حيول دون هذه‬ ‫احل ��ال ��ة؛ فتواتر األح�لام يكون أعلى‬ ‫على حنو أسي ‪exponentially‬‬ ‫أثناء النوم الرميي‪ ،‬ليس إال‪.‬‬ ‫ي ��ك ��ت ��ن ��ف ال ��ت ��ح ��ل ��ي � َ�ل ال ��ن ��ف ��س ��ي م ��أزق‬ ‫ك ��ب �ي�ر‪ ،‬وال ي ��س ��ت ��ط ��ي ��ع أي َك � � ٍّ�م م ��ن‬ ‫ال ��ت �ب�ري � �رات ال ��ب ��ي ��ول ��وج ��ي ��ة ال ��ع ��ص ��ب ��ي ��ة‬ ‫إخ راجه منه‪ .‬إننا حباجة إىل إصالح‬ ‫ج � ��ذري‪ ،‬إىل درج ��ة أن ال ��ك ��ث�ير من‬ ‫علماء األعصاب يفضلون البدء من‬ ‫ج ��دي ��د وإجي ��اد من ��وذج م ��ع ��ريف عصيب‬ ‫للعقل‪ .‬صحيح إن نظرية التحليل‬ ‫النفسي نظرية شاملة‪ ،‬ولكنها إن‬ ‫كانت خاطئة بصورة فاحشة‪ ،‬فإن‬

‫مشوليتها لن جت ��دي نفعا‪ .‬ويتلمس‬ ‫العلماء امل ��ت ��ش ��ارك ��ون يف ه ��ذا ال �رأي‬ ‫التوصل إىل مناذج بيولوجية أساسية‬ ‫ل�لأح�لام واألم � �راض العقلية واخل�برة‬ ‫الواعية السوية تكون أكثر استنادا‬ ‫إىل النواحي البيولوجية من تلك اليت‬ ‫تقدمها نظرية التحليل النفسي‪.‬‬ ‫م � � ��ؤل � � ��ف امل � � � ��ق � � � ��ال‪J. Allan :‬‬ ‫‪Hobson‬‬ ‫أستاذ الطب النفسي يف كلية الطب‬ ‫جبامعة ه ��ارڤ ��ارد‪ .‬له مؤلفات كثرية‬ ‫يف جم ��ال األس � ��اس ال ��دم ��اغ ��ي للعقل‬ ‫وم ��ض ��ام ��ي ��ن ��ه يف ال ��ط ��ب ال ��ن ��ف ��س ��ي‪.‬‬ ‫ولالست زادة‪ ،‬ميكن الرجوع إىل كتابه‬ ‫«األح � �ل� ��ام‪ :‬م ��ق ��دم ��ة ل ��ع ��ل ��م ال ��ن ��وم»‬ ‫(م ��ط ��ب ��ع ��ة ج ��ام ��ع ��ة أك ��س ��ف ��ورد ـ ع ��ام‬ ‫‪2003‬‬ ‫من صفحة‬ ‫جملة العلوم األمريكية ‪Scientific‬‬ ‫‪American Magazine‬‬

‫‪91‬‬


‫عيشوا سعداء‬...ً‫شكرا‬ ‫لتحميل املجلة‬ issuu www.issuu.com/i-think-magazine Mediafire www.mediafire.com/?odd3nd897q2ne Box www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp facebook www.facebook.com/I.Think.Magazine Web www.ithinkmag.net www.i-think-magazine.blogspot.com


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.