آدمِر
إلى (جان) أعلم مقدار األلم الذي تعانيه ...إال أ ّني ال أستطيع الح ّد منه ,صدمتنا بقرارك المفاجئ ...زواجك ممن لم ترد... حياتك التعسة التي أنت فيها .فقدّت نضارتك و حيويتك ...لم أعتقد يوما ً أنك ضعيفٌ ح ّد قتل روحك قبل أوانها. لن أسألك تبريراً يا صديقي ,لكن من ظلمتها معك كانت أع ّز إنسانة لديّ و أنتَ ألحقت بكما الض ّر. كان هللا في عونكما...
أعاد ظهر كرسيّه إلى الخلف و نظر في شاشة المحمول بإمعان و هو يعلم أنه يتغابى حينما طبع إشارة االستفهام و أرسلها للطرف اآلخر ,ال يعلم ما الذي يقوم به أو لماذا؟ هل هو يرضي غرور الذكر فيه؟ أم أن اإلطراء يشبع فراغا ً في شخصيته؟ هو فعالً ال يعلم! حقيقة ...ال يعلم. التقاها بمحض صدفة في إحدى القاعات الجتماع م ّدته يومين و انتهى .لم ينتهي في داخله هو ,قوّ تها مقابل ضعفه الذي يخفيه ,ضحكتها و نقاشها مقابل آراءه .كان يعرف عنها كل شيء تقريبا ً ,لم يستطع منع نفسه عن يمض على وجودها أكثر من عامين و التقصّي خلفها .كانت من عائل ٍة راقيّة ال غبار عليها ,أنيقة المظهر ,لم ِ تمت ترقيتها بعد السنة األولى فوراً .تابع صورها و تع ّقب دخولها على البرامج داخل نظام الشركة ,فهو رئيس قسم التقانة و إعداد البرامج و يستطيع الولوج إلى ملفّ أي كان .التقيّا مجدداً بعد أشهر عدّة و لم تكن حتى تذكر اسمه! ح ّقا ً ...كيف يعقل أن تنسى اسمه و هو من هو؟ ث ّم ...بعد قرابة السنة مجدداً في ذات القاعة حيث كان يجلس داخالً كانت آتي ًّة ألجل إعطاء تدريبات لموظفين جدد انضمّوا حديثا ً. ك :أهالً ...آسفة! اعتقدّت أنكم انتهيتم؟ نار ّ كان يتحدث على الهاتف فأشار إليها بطريقة فهمت منها أنه لم ينتهي ,فانتظرت في الخارج لما يقارب النصف ساعة ث ّم مدّت رأسها مجدداً. ك :أعتقد أن الغرفة محجوزة لقسم التطوير... نار ّ آدمِر :أعتذر ...لكن لم أكن أعلم بهذا ,تستطيعين استخدامها. ك :حسبتك أخبرتني أنه ال؟ نار ّ آدمِر :ال ال ,أجلس هنا ألنهي بعض األمور فقط. ك :أنت شري ٌر _قالتها بطريقة محببة و مازحة_ نار ّ آدمِر :أنا؟ _و قد رفع حاجبيه و ابتسم بنشوة أصابته_ سامحك هللا ,أنا ...لماذا؟ _ضحك_ المهم كيف أنتِ؟ ٌ وقت طويل؟ مضى ك :أجل ...أرجان _بعد تردد و قد أخفضت صوتها_ نار ّ
آدمِر :آدمِر. ك :عذراً ...آدمِر. نار ّ أكمال الحديث و كان يستمع إليها و قد شدّته طريقتها كيف تتواصل مع األشخاص الجدد و تحاول مساعدتهم. حين رأها في األسبوع التالي. سألته :أخبرتني أن اسمك (آدمِر) لكن رأيت صورتك على موقع األعمال و هو (آدم)... ر ّد معق ّبا ً :ال ال ...إنه خطأ كتابي اسمي (آدمِر) أقسم لكم و لقد أرسلت التعديل بهذا ...ألم تتأكدي من صورتي الموضوعة في الملف؟ ابتسمت بخبث امرأة :حسنا ً ...بجميع األحوال قمت بإرسال طلب إضافة إن كنت هو و إال أقوم بالحذف. مشيتها الطفولية ,كيف تج ّد و تهزل دون أن تخلط بينهما أبداً ,تلقائيتها ...ال تهتم بتتبع أخبار زمالءها كباقي الفتيات ,مهتمّة بعملها فقط أكثر من أن تلفت النظر إليها ...هي ليست بحاجة إلى ذلك ح ّتى .أخرجه من تلك الدوّ امة على حين غرّة صوت شقيقه يستعجله لمالقاة الضيوف الذين أتوا لعيادة والده ,هبّ واقفا ً و نظر إلى ذاته في المرآة ث ّم خرج إلى الصالة الكبيرة في المنزل و المؤثثة على طريقة قصور كسرى و ذلك لولع والدته بالفنّ الفارسيّ و الفسيفساء .سل ّم على صديق والده و عائلته المكو ّنة من ثالث شباب و أربعة فتيات من بينهن عيون زرقاء مخمليّة ,شع ٌر ب ّني اللون قصير ,رشيقة القامة و ُ طول ذات حسناء ذات بشرة بيضاء كالحليب و ٍ ٍ معتدل. آدمِر :كيف حالكن؟ ردّت إحداهن :بخير ,و أنت؟ زمن؟ آدمِر :الحمد هلل ...لم نركنّ منذ ٍ أجابت ذات العيون المخملّية و وجنتاها مضرّجتان :نحنُ أم أنت؟ آدمِر :العمل ,ثم العمل ,و أخيراً العمل يا...؟ أجابته :وردشان. آدمِر :و ماذا تدرسين اآلن؟ وردشان :انتهيت من معهد التربية البدنية ,ال أحب الدراسة كثيراً. آدمِر :آها ...و ما هي اهتماماتك؟ تحر جواباً ,لم يحرجها أكثر فبادرت شقيقتها الكبرى بأن تمتدح طبخها و الحلوى التي تصنعها... صمتت و لم ِ سرح خياله بعيداً ...لتلك السمراء التي تمتلك طاقة و معرفة ...تلك التي لديها هدف تعيش من أجله (العمل على اإلنسان) كما و أنها تكتب ...تف ّكر و تحاور ...لكن هذه جميلة جداً ,إال أن جمالها ...مج ّرد صورة على الحائط تعجبك ما أن تدخل قاعة المتحف ث ّم ما تلبس أن تتحطم آمالك عندما تقترب منها فتجد زيادة في ضربات الريشة على القماش في مكان و شبه انعدامها في باقي األماكن .لكن… لثوان فقط... عاد إلى واقعه عندما قامت الدته بالزغردة فجأة فانتفض متفاجئً و أعاده إلى الواقع الذي غاب عنه ٍ فإذا به يعلم أن والده و صديقه وافقا على خطبة ولديهما.
آدمِر :و منذ متى؟ أنا لم أعلم بهذا قبالً! والده :أنت الغائب الحاضر يا ب ّني ...لقد طلب (آزاد) يد شقيقتك من حوالي الشهر و قد وافقت أختك و ال اعتراض عند أيّ م ّنا ,لكن إن كان لديك رأيّ فنرجوا أن نسمعه. ُ كنت أنا؟ آدمِر :ليس اعتراضا ً… أبداً ,على العكس أنا مسرور أن شقيقتي سترتبط بشاب محترم كآزاد ,لكن أين شقيقه :في العمل كما دائما ً و قد أخبرناك سابقا ً لكن الب ّد و أنك نسيت. يبق سواك يا بنيّ و يبدوا أن يومك قريب _و نظرت إلى ابنة أبي آزاد_ األم :لم ِ آدمِر :تعلمين أ ّني لست جاهزاً بعد فما زلت صغيراً... ضحكوا و ضحك هو فبادرته وردشان بقولها :ضحكتك راقية. نظر إليها كمن زلزلت كيانه عبارة محرّمة فجعلت األرض تتزلزل تحته و يقع في هوّ تها السحيقة ...ابتسم لها و اعتذر من الجمع على أنه يجب أن ير ّد على مكالمة ضروريّة جداً .دخل غرفته و أغلق الباب ,أسند ظهره إليه و نظر إلى شاشة الجوال بين يديه و هي تومض و عندما رأى الر ّد بعث بالشكر ثم رأى الطرف اآلخر يطبع شيئا ً لكن لم يقم بإرساله فعلم أنه تراجع عمّا يريد ارساله. ت عن كتابته أيتها الشقيّة العابثة في مخيلتي؟ ما الذي تفعلينه بي؟ ف ّكر :ما اللذي تراجع ِ فما كان منه إال أن رمى المحمول على مكتبه و توجه إلى المرآة و وقف قبالتها ينظر إلى نفسه و قد حملته مخيّلته إلى حين فاجأته بجرأتها. ك :ه ّل لي أن أكون صريحة معك؟ نار ّ آدمِر :طبعاً؟ محمل شخصيّ ؟ ك :و لن تأخذها على نار ّ ٍ آدمِر :ال ,لن أفعل. كان يتحرّق شوقا ً لمعرفة ما تو ّد قوله... ك :ل َم تتصنع ضحكك؟ نار ّ ألجمته الصدمة ,لم تتجرأ انثى قبلها على ذلك؟ نعم ,هو يتصنع ضحكه كما لو أنه من علية القوم و من البيت الملكي لك ّنه تغاضى عن ذلك... متسائالً :كيف أتص ّنعها؟ ك :لم أقصد أن أجرح أو أهين لكن بما أننا أصدقاء فأردت أن أستفسر فقط ,إن لم ترد أن تجيب فلك كامل نار ّ الحريّة. آدمِر :أريد معرفة تحليلك كي أخبرك بصحته أو ال. ك :بما أنك لست من أهل هذه البالد _كما كنت أعتقد_ لك ّنك تربيّت بها لذلك تحاول مجاراتهم ببعض نار ّ تصرفاتك المبالغ بها ...تحاول المجاملة بتصنعك تلك الضحكة ,تخفي ترددك و ضعفك رغم قدرتك على اتخاذ بأمر قمت به لتشبع شيئا ً ما بداخلك لن يمتلئ .ال تتقمص قرارات حاسمة ,تحب سؤال من حولك عن آرائهم ٍ
قطع بالستيكية وجها ً ليس لك فطبيعتك أرقى و أحلى بكثير ...ابقى بسيطا ً ...اظهر ك (أنتَ ) فقط مجرّ داً من أي ٍ تعتبر زوائداً تخفي جمال روحك. امتعض فعالً و توسّعت حدقتا عينيه الشهالوتين ,تغيرت تعابير وجهه ,صعد الدم لرأسه ...حقيقته المجرّ دة التي عرّته هي منها ,المست رجولته حتى بات يريد العودة لكهفه و التربّص لها فيه حتى يحين الوقت المناسب لشيء ما... أردفت و قد وضعت يديها خلف ظهرها و عيناها تتابعان الالمكان على السجّاد األخضر :لم أقصد إهانة أبداً, لكن بما أني أستلطف شخصك فقد كنت صريحة معك. أجابها بهدوء و النار تمشي في شرايينه كالهشيم :ال ...أبداً ,لك ّني لست ملزما ً باإلجابة. نظرت إليه و قد عرفت أنه ُيكن لها الضغينة اآلن :ال ...طبعا ً لست ملزما ً بالرد. سبق ذاك الموقف بشهر تقريبا ً ,يزيد أو ينقص و في إحدى أيام أيلول عندما كان يسبح مسا ًء فإذا بشاشة محموله تضيء فانتظر حتى خروجه من الحوض و جلس على إحدى الكراسي القريبة ,تم ّدد عليه بنصف جذعه ث ّم أمر انحنى ليلتقطه فوجد منها رسالة تسأله فيها بشكل رسمّي جداً و تستخدم اسمه األوسط و تطلب المساعدة ب ٍ ما .تسائل وقتها ل َم تستخدم اسمه األوسط؟ ر ّد باقتضاب و تركها ترسل .في اليوم الثاني حاولت االتصال بجواله ً صراحة ...كان يتلذذ برؤية رقمها و اسمها على الجوال و هو يومض و يعلم يقينا ً أنها تستشيط لكنه لم يجيب, غيظا ً و غضبا ً ,ثم أرسلت له رسالة تسأله إن كان يعرف السيد (آدمِر) ألنها تريد رقمه للتواصل معه .عندها فقط علم فعالً أنها ليست كباقي الفتيات اللواتي يتعقبّن الفتيان أو تدعّي عدم المعرفة .برقت عيناه و قرر أن يدعها في تخبّطها حتى يراها شخصيا ً في نهاية األسبوع .ما زال يذكر تص ّرفه األخرق كمراهق عندما وقف خارج غرفة التدريب و سلّم عليها و طلبها للخارج و قد جعل جميع من في القاعة ينظر إليهما و يتفاجئ .سلمّت عليه بشوق كمن ير ّد على مشاعر اآلخر و قد فهم كالهما ما يُك ِّنه لآلخر. ك :هل تعلم بأح ٍد يعمل معك يدعى (إيفان)؟ نار ّ ب انتصر على فريسته :لماذا؟ ما اللذي حدث؟ آدمِر و هو ينظر إليها بمكر ثعل ٍ لبق نهائيا ً ...إن كان يعتقد أن لديّ الوقت ألضيعه معه ما كنت تواصلت ,إال أن أحد نار ّ ك :ألنه شخصٌ غير ٍ أصدقائي أعطاني رقم هاتفه و أخبروني أنه يستطيع إيجاد الح ّل للمشكلة التي نواجهها. آدمِر :حسنا ً... ك :بالنص المرسل منه علمت أنه يعمل في قسمكم و عندما طلبت منه رقم هاتفك المحمول لم يجبني أبداً؟ نار ّ ّ ّ حتى أنني حاولت إيجاد عنوان بريدك االلكتروني لكني لم أحصل عليه؟ آدمِر :آها ...أمممم ...حسنا ً ,لن تحصلي على بريدي ألن اسمي لم يعدّل بعد ,ث ّم ...أنا إيفان. ك و قد علت الدهشة وجهها و فغرت فاهها :ماذا؟ ...من؟... نار ّ ما زال يذكر تعابير وجهها المصدوم ,لون بشرتها المتحّول من السمرة إلى اللون القرمزي ,كيف فغرت فاهها و انش ّقت عن أسنان متناسقة ,توسّع حدقتا عينيها العسليتين ...كيف رفعت األوراق التي كانت بيدها و غطت بها وجهها المحتقن و حاولت السير مبتعدة عنه و يداها ترتجفان... كانت تردد بصوت مرتجف :أكرهك ,أنت ...أنتَ شرير ...يا إلـــــــــــــــــــهي ...ال أستطيع ...مواجهتك بعد اآلن... بلغة ملك يأمر ملكته :ال تذهبي ...ال تبتعدي ...ابقي هنا ...إياكِ و االبتعاد عن هنا...
ك :ال ...أستطيع ...لقد ...ل َم! ...لم ت ِجب على مكالماتي إذاً لتخبرني. نار ّ كمن ظفر بغنائم كسرى :كنت أنتظر حتى أراكِ نهاية هذا األسبوع حتى أخبرك ...ث ّم ,ألم أتصل بك أبداً ,ح ّقا ً؟ _ابتسامة واسعة تشق شفتاه المتناسقتان و تظهر بياض أسنانه -يا إلهي لو أنك ترين وجهك اآلن ,هذه ال تقدّر ّ مخزن في الئحة األسماء_ الحمد هلل أنه أنا من تريدين أن تشتكيني بثمن _ رفع شاشة جواله إليها و أراها اسمها إليه... كمن سيتوقف قلبه أجابته :ال ,لم تفعل ...أنت ح ّقا ً شرير كبير جداً ...لكن اسمك األوسط ال يشي أنك من أهل ك عائلة كبيرة و... هذه البالد و قد ظننت أنك منهم و أن لدي َ ٌ عائلة سوى أهلي. أجابها :ال ...تربيّت هنا لك ّني كنديّ األب و باكستانيّ األ ّم و ليس لديّ يكبرها بسنتين فقط ,في السابعة و الثالثين من العمر ,عريض الكتفين ,أنيق المظهر جداً ,عيناه غير واسعتين لكن جميلتان بشكل ملفت لمن ينظر إلى األخضر المتشرّب فيهما ,طويل القامة ,بشرته حنطيّة و آثار جدريّ الماء محفورة على أعلى خديّه بشكل طفيف لكن ليس بما يعيبهما كرجل لذا يربّي لحيته قليالً .مالمحه تحمل بعض القسوة المحببة ألي أنثى ...شعره أسود و قد بدأ الشيب يعبث فيه قليالً معلنا ً أن استيطانه عليه بات قريبا ً. مث ّقفٌ و واسع االطالّع ,في صوته و طريقة كالمه صفاء غريب .هو يعلم أن كونها من خارج بيئته و مجتمعه سيجعل المعارضات تكون كثيرة خصوصا ً والدته التي ال تريد ألي من أبناءها أن ال يتزوّ ج إال من تشاور هي عليها و أن تكون من بلدها ,العتقادها أنها ِحصنٌ لولدها و مطواعة .كما يعلم أن معارضتها تعني قطعها لصلتها بمن يخالفها و حرمانه دخول البيت مؤبداً كما فعلت مع شقيقته (سيناميس) و التي أصرّت على زواجها من شركسّي ال باكستانيّ جعلها محرومة من أن ترى والدهم ,أشقاءها ,و شقيقاتها .لم يجرأ أح ٌد على التواصل معها أبداً ...حتى هو عندما علمت أنه يكلّمها بالخفاء أبواب جه ّنم السبعة فتحت على مصراعيها و ح ّل الغضب ك) كإعصار كاترينا لمدّة شهرين متتابعين .هذا ما جعله هو بذاته متردداً فيما إذا كان يستطيع مجاراة تم ّرد (نار ّ و شخصها .ليست رشيقة جداً ,طول متوسط ,قامة شبه ممتلئة ,سمراء البشرة ,تمتلك عينان لوزيتان واسعتين ذات أهداب سوداء طويلة ,ال تستطيع إبعاد نظرك عنها و هي تتحرك برشاقة و خ ّفة ,تبّث طاقة إيجابية غريبة متى دخلت أي مكان و تستطيع أن تعلم أنها موجودة متى ما ض ّج المكان بالحركة فجأ ًة بعد سكون طويل... عندما تتكل ّم يستحيل أن تخلو عباراتها من النكات و السخريات اللطيفة التي تجعل للحديث بقيّة و معنىَ ,ن َزقُها غريب ,ال تتردد في أن تحارب ألجل ح ّل مشكلة عويصة و إن تطلبت الدخول لمكتب المدير العام أو مجلس اإلدارة ,إن رفض طلبها تحاول بطرق أخرى ...إصرارها على الحياة غريب ...حيويتها نادرة في عصر الخمول الذي نعيشه ,هي ح ّقا ً كشهد صنعاء مقابل كل أنواع العسل المغشوش و المعروض بكثرة ...هي صورةٌ ٌ ٌ جبل إلى وا ٍد ذي زرع و النهر يجري خالله ,أشجار الصنوبر غريبة, فنيّة متكاملة ...كمن ينظر من أعلى سفح ٍ التي تعبق رائحتها في الجوّ .إال أ ّنه آثر أن ين ّحي تفكيره عنها تماما ً و حاول العودة لروتينه ,بين مجامالت و صداقات و حياة اعتيادية ,لكن ...ما زالت تجتاح مخيلته من فتر ٍة ألخرى .لم تعاود التواصل معه فهو يعرف عنفوانها و كبرياءها كأنثى ,و يعلم أنها ما زالت تؤمن بمبدأ "آدم من طلب حواء لتؤنس وحدته ال العكس". حاول تفادي ذاكرته ,جاهد الحفر و الط ّمر عميقا ً خصوصا ً أن والدته لم تعد ترى وضعه مقبوالً و قد أقبلت سنيّ عمره على أبواب العقد الرابع فأصرّت على ابنة أبي آزاد (وردشان) و التي كانت تحاول جهدها أن تملئ بكلماتها عنها مخيلّة ابنها األخير على قائمة أوالدها و الباقي دون زواج ...فت ّم مرادها و القبول من كال الوالدين كلّلته سورة الفاتحة ,إال أنه اص ّر التمه ّل لمعرفة بعضهما أكثر قبل عقد القران ,و كان له ذلك. وقت الحفل السنوي و الذي يقام ألجل الموظفين كل عام ,حضره متأنقا ً كعادته ّ ببزته شبه رسميّة كحليّة و قميص مخطط باللون الزهري الداكن ,األبيض ,و األزرق الداكن ,صدّارة كحليّة ,تزيّن أزرا ٌر فضيّة معتقةّ ٍ كمّي القميص ,رباط حريري حول الرقبة ,حذاء كحلّي أنيق جداً .كان يتحدّث مع بعض المدراء و إحدى يديه في جيب البنطال ...ثم فجأ ًة انخفضت األضواء و صعد أحد الموظفيّن المسرح و قام بالشكر و التحيّة و بدءوا بتقديم البرنامج الذي ستسير عليه الحفلة .ات ّخذ الجميع مقعده على الطاوالت الموجودة و المزيّنة بأطباق متعددة ف ألوانه .بعد ساعة من الزمن أو تزيد... من مكسّرات و حلويات صغيرة الحجم و كؤوس عصير مختل ٍ المقدّم :أما بالنسبة لموظف الس ّنة و الذي استطاع تحسين صورة الشركة و كذلك قدّم الدع ّم لزمالئه فقد حصل ك نيروز) أرجوا التفضّل إلى المسرح. على ترقية رئيس قسم فهو /هي _صمت و تشويق_ (نار ّ
عندما تسلّط الضوء على الطاوالت و رآها تقف و المفاجئة أربكتها ح ّقا ً ,خرج ذاك الميّت من قبره و الذي ظنّ أنه قد دفنه منذ زمن و أنه قد تحل ّل و أصبح ال شيء ...لكنه كما فرانكشتاين عاد ح ّيا ً يرزق .كانت أجمل بكثير عال أسود مخملّي ...فستانا ً طويل بلون الزم ّرد األحمر و قد عقصت سواد ليلها مما سبق ...ترتدي حذا ًء بكع ٍ ب ٍ ٌ بمسشبك ماسّي ياقوتيّ اللون ,جميلة أكثر من عادتها. ك و صوتها يرتجف عبر اإلذاعة :يا إلهي ...وووه ,آآآآمممم أنا متفاجئة جداً فعالً ,آه ...مممم ...شكراً لكل نار ّ الدعم المقدّم لي من قبل مدرائي ,أصدقائي واألهم شقيقي... كمنّ نوّ م مغناطيسيا ً على أوتار صوتها الصافي ,لطالما أحبّ بحته المخفيّة... يحدّث نفسه :لم ظهرت مجدداً أمامي؟ لماذا اآلن يا ملكة القصور البعيدة؟ كيف السبيل ألن أوقف رعشة قلبي عل عندما يلمح طرفي خيالك؟ بدأت أصل القمّة تقريبا ً و اآلن فقط عند اللحظة الحاسمة قطعت الحبل ألهوي من ٍ ّ أتحطم على صخر كبرياءك يا مهر ٍة بريّة... و أفاق على التصفيق الحا ّر و رآها تهبط درجات السلّم و تعود إلى مقعدها .تحرّك من مكانه مباشر ًة و توجّ ه إلى حيث كانت إال أن عدداً كبير من المهنئين أحاطها فآثر االنتظار حتى يستطيع التف ّرد بوقتها له .ألكثر من ساعة و نصف بقيت مشغولة ثم انتهت الحفلة ,في تلك األثناء كان محموله يضيء باسم (وردشان) والتي لم يجد مبرراً للر ّد عليها .لم يحفظه باسم (حبيبتي ,روحي ,خطيبتي ...بل أبقاها في القائمة كاي شخص آخر) .رآها تتحرك من القاعة متج ً ّهة إلى مرآب السيّارات ,عندما استقلّت المصعد م ّد يده و أوقفه فحانت منها صرخة. ك :يا إلهي...أ أنت بخير؟ آدمِر ...آدمِر أجبني. نار ّ ف المصعد :نعم ...ال تقلقي لم يحدث شيء. جاءها صوته و قد َدلَ َ ك :لم يكن عليك وضع يدك بهذه الطريقة أبداً ,تستطيع مناداتي فأجعله يتوقف ألجلك. نار ّ ت تستحقين ك ّل خير. آدمِر :مبارك عليكِ الترقية ...أن ِ ك :شكراً ,و أنت أيضا ً مبارك خطبتك. نار ّ متفاجئ :كيف عرفتِ؟ نظر إليها ٍ ردّت دون النظر إليه و هي تتابع أرقام المصعد :ال شيء يختبئ في هذه الشركة و أنت تعرف الثرثرة. آدمِر :تبدين خالّبة اليوم. ك :ال ّ يحق لك وصفي بهذه الطريقة و أنت على وشك الزواج. نار ّ وصل المصعد إلى حيث تريد الخروج وعندما عدّت عتبته بأول قدم كادت أن تسقط فجأة و يرتطم رأسها على األرض و بردة فعل و غريزة اإلنسان أمسكت إحدى يديه مرفقها و األخرى ال ّتفت حول خصرها و أسندها إليه, نظرا لبعضهما مطوالً و قد الحظ أنها على وشك البكاء و تحاول حبس دموع تريد التحرر لكنها _و كما يعرف تكبّرها و عنادها_ تأبى على نفسها ذلك .في تلك الثواني الخاطفة و التي كانت إهدا ًء إلهيا ً أرادها و بشدّة أن تدفن رأسها في صدره ,أن تبقى متش ّبثة بقميصه ب ّقوة أكبر ...أن تتمسّك يديها به و ال تتركه يفلتها ,تم ّنى أن يضمّها بعنف ,يتن ّ شق عطرها الذي يشبه جوز الهند االستوائي ,أن تالمس سمرتها وجنته الخشنة فيكتشف معنى ملمس الحرير الحقيقيّ ...لكنها أزاحت بصرها عنه و همّت بالوقوف و قد ساعدها على ذلك. ت بخير؟ هل أصابك مكروه؟ آدمِر :أن ِ ك :ال أبداً ...شكراً لك _و صوتها قد طعنته العبرات فاختنق_ لقد علق الكعب في فراغ المصعد و انكسر ,ال نار ّ بأس سأخلعه في السيارة.
كانت صدمتها قاتلة عندما رأته انحنى فجأة و الناس الخارجين من المصاعد األخرى وقفت تتفرج عليهما و قد ك رباط حذاءيها بنفسه ,كانت أصابعه ترتجف و كانت دمعة هربت من مكانها على األرض. ف ّ آدمِر :استنديّ على كتفي و اخلعي الحذاء ال يجب أن تبقي فيه. عندما وقف و نظر إلى وجهها علم من الدمع الذي فاض غصبا ً عنها كمن يسأل :ل َم ...ل ْم تكن أنا؟ ك ّل شيء فيك كغريق ابتلعته مياه المحيط في ليل ٍة هوجاء غادرة أبديّة بعد صفا ٍء قصير األجل لم أتنفس أرادني لك ّنك اختفيت ٍ نسماته الربيعية سوى بره ٍة فقط. ك :شكراً لك سيد_ ...ابتلعت ريقها_ آدمِر ,هنيئا ً لزوجك بك. نار ّ أصبح ظهرها له و وجهها ينعكس عبر زجاج باب المرآب و عندّما همّت أن تفتح الباب لتخرج... آدمِر :سأوصلك إلى السيارة ...ال يجب أن تسيري وحدك... عليك ذلك فأنت مرتبط بامرأة أخرى وال ب ّد قاطعته و قد ابتسمت له فأحسّ بالطعنة التي أودى لها بها :ال يجب َ أنها تنتظرك _أردفت_ ما قمت به ألجلي اآلن أكثر مما يجب ...تصبح على خير. حاول اللحاق بها ...لكنه لم يستطع ,شيء ما سمّره مكانه ...عندما أ ُغلِق الباب خلفها علم معنى الجحيم الذي وضع نفسه فيه ,ما يعنيه أن تكون كأحد أصحاب األخدود و ترمى في السعير .نظر إلى ما كانت تتلمس أصابعه فكان فردة حذاءها المكسور ...أحسّ برجفان في جيب بنطاله ...عندما أخرجه كان يتمنى أن تكون هي من تناديه ليلحق بها ,لكن ...ال .خرج متثاقالً من باب المصعد ال يعرف إلى أين تحمله قدماه ...لم يتو ّجه إلى ركض سيارته بل توّ جه إلى النهر الكبير الذي كان يقطع البالد من شرقها إلى غربها ليصل المحيط بعد عنا ٍء و ٍ طويلين ...استق ّر جسده على إحدى الكراسي ,أعاد رأسه إلى الخلف و ال مست عيناه السماء الحالكة التي لم يكن يضيئها سوى قلّة من النجوم. يحدّث نفسه :ما اللذي فعلته بنفسك أيها الشقيّ الساذج ,إلى أين تسير في حياتك...
ٌ محترم مثلك ...أتمنى لكما جميلة جداً و هي محظوظة لحصولها على رجل "مبار ٌك عقد قرانك ,عروسك ٍ السعادة"
كان ردّها على البريد االلكتروني الذي أتاه بعد أق ّل من شهر من الحفل السنويّ و قد قرأه بعد منتصف الليل فما كان منه إال أن ترك سريره و اللوحة التي تنام جانبه و ّ تغط في أحالمها و توّ جه إلى المستودع الخارجيّ .أخرج علبة مخمليّة بلون زيتون القدس ,فتحها و نظر فيها( ...ماسته السوداء) ...و بدأ البكاء.