آدمِر

Page 1

‫آدمِر‬

‫إلى (جان)‬ ‫أعلم مقدار األلم الذي تعانيه‪ ...‬إال أ ّني ال أستطيع الح ّد منه‪ ,‬صدمتنا بقرارك المفاجئ‪ ...‬زواجك ممن لم ترد‪...‬‬ ‫حياتك التعسة التي أنت فيها‪ .‬فقدّت نضارتك و حيويتك‪ ...‬لم أعتقد يوما ً أنك ضعيفٌ ح ّد قتل روحك قبل أوانها‪.‬‬ ‫لن أسألك تبريراً يا صديقي‪ ,‬لكن من ظلمتها معك كانت أع ّز إنسانة لديّ و أنتَ ألحقت بكما الض ّر‪.‬‬ ‫كان هللا في عونكما‪...‬‬

‫أعاد ظهر كرسيّه إلى الخلف و نظر في شاشة المحمول بإمعان و هو يعلم أنه يتغابى حينما طبع إشارة‬ ‫االستفهام و أرسلها للطرف اآلخر‪ ,‬ال يعلم ما الذي يقوم به أو لماذا؟ هل هو يرضي غرور الذكر فيه؟ أم أن‬ ‫اإلطراء يشبع فراغا ً في شخصيته؟ هو فعالً ال يعلم! حقيقة‪ ...‬ال يعلم‪.‬‬ ‫التقاها بمحض صدفة في إحدى القاعات الجتماع م ّدته يومين و انتهى‪ .‬لم ينتهي في داخله هو‪ ,‬قوّ تها مقابل‬ ‫ضعفه الذي يخفيه‪ ,‬ضحكتها و نقاشها مقابل آراءه‪ .‬كان يعرف عنها كل شيء تقريبا ً‪ ,‬لم يستطع منع نفسه عن‬ ‫يمض على وجودها أكثر من عامين و‬ ‫التقصّي خلفها‪ .‬كانت من عائل ٍة راقيّة ال غبار عليها‪ ,‬أنيقة المظهر‪ ,‬لم ِ‬ ‫تمت ترقيتها بعد السنة األولى فوراً‪ .‬تابع صورها و تع ّقب دخولها على البرامج داخل نظام الشركة‪ ,‬فهو رئيس‬ ‫قسم التقانة و إعداد البرامج و يستطيع الولوج إلى ملفّ أي كان‪ .‬التقيّا مجدداً بعد أشهر عدّة و لم تكن حتى تذكر‬ ‫اسمه! ح ّقا ً‪ ...‬كيف يعقل أن تنسى اسمه و هو من هو؟ ث ّم‪ ...‬بعد قرابة السنة مجدداً في ذات القاعة حيث كان‬ ‫يجلس داخالً كانت آتي ًّة ألجل إعطاء تدريبات لموظفين جدد انضمّوا حديثا ً‪.‬‬ ‫ك‪ :‬أهالً‪ ...‬آسفة! اعتقدّت أنكم انتهيتم؟‬ ‫نار ّ‬ ‫كان يتحدث على الهاتف فأشار إليها بطريقة فهمت منها أنه لم ينتهي‪ ,‬فانتظرت في الخارج لما يقارب النصف‬ ‫ساعة ث ّم مدّت رأسها مجدداً‪.‬‬ ‫ك‪ :‬أعتقد أن الغرفة محجوزة لقسم التطوير‪...‬‬ ‫نار ّ‬ ‫آدمِر‪ :‬أعتذر‪ ...‬لكن لم أكن أعلم بهذا‪ ,‬تستطيعين استخدامها‪.‬‬ ‫ك‪ :‬حسبتك أخبرتني أنه ال؟‬ ‫نار ّ‬ ‫آدمِر‪ :‬ال ال‪ ,‬أجلس هنا ألنهي بعض األمور فقط‪.‬‬ ‫ك‪ :‬أنت شري ٌر _قالتها بطريقة محببة و مازحة_‬ ‫نار ّ‬ ‫آدمِر‪ :‬أنا؟ _و قد رفع حاجبيه و ابتسم بنشوة أصابته_ سامحك هللا‪ ,‬أنا‪ ...‬لماذا؟ _ضحك_ المهم كيف أنتِ؟‬ ‫ٌ‬ ‫وقت طويل؟‬ ‫مضى‬ ‫ك‪ :‬أجل‪ ...‬أرجان _بعد تردد و قد أخفضت صوتها_‬ ‫نار ّ‬


‫آدمِر‪ :‬آدمِر‪.‬‬ ‫ك‪ :‬عذراً‪ ...‬آدمِر‪.‬‬ ‫نار ّ‬ ‫أكمال الحديث و كان يستمع إليها و قد شدّته طريقتها كيف تتواصل مع األشخاص الجدد و تحاول مساعدتهم‪.‬‬ ‫حين رأها في األسبوع التالي‪.‬‬ ‫سألته‪ :‬أخبرتني أن اسمك (آدمِر) لكن رأيت صورتك على موقع األعمال و هو (آدم)‪...‬‬ ‫ر ّد معق ّبا ً‪ :‬ال ال‪ ...‬إنه خطأ كتابي اسمي (آدمِر) أقسم لكم و لقد أرسلت التعديل بهذا‪ ...‬ألم تتأكدي من صورتي‬ ‫الموضوعة في الملف؟‬ ‫ابتسمت بخبث امرأة‪ :‬حسنا ً‪ ...‬بجميع األحوال قمت بإرسال طلب إضافة إن كنت هو و إال أقوم بالحذف‪.‬‬ ‫مشيتها الطفولية‪ ,‬كيف تج ّد و تهزل دون أن تخلط بينهما أبداً‪ ,‬تلقائيتها‪ ...‬ال تهتم بتتبع أخبار زمالءها كباقي‬ ‫الفتيات‪ ,‬مهتمّة بعملها فقط أكثر من أن تلفت النظر إليها‪ ...‬هي ليست بحاجة إلى ذلك ح ّتى‪ .‬أخرجه من تلك‬ ‫الدوّ امة على حين غرّة صوت شقيقه يستعجله لمالقاة الضيوف الذين أتوا لعيادة والده‪ ,‬هبّ واقفا ً و نظر إلى‬ ‫ذاته في المرآة ث ّم خرج إلى الصالة الكبيرة في المنزل و المؤثثة على طريقة قصور كسرى و ذلك لولع والدته‬ ‫بالفنّ الفارسيّ و الفسيفساء‪ .‬سل ّم على صديق والده و عائلته المكو ّنة من ثالث شباب و أربعة فتيات من بينهن‬ ‫عيون زرقاء مخمليّة‪ ,‬شع ٌر ب ّني اللون قصير‪ ,‬رشيقة القامة و ُ‬ ‫طول‬ ‫ذات‬ ‫حسناء ذات بشرة بيضاء كالحليب و‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معتدل‪.‬‬ ‫آدمِر‪ :‬كيف حالكن؟‬ ‫ردّت إحداهن‪ :‬بخير‪ ,‬و أنت؟‬ ‫زمن؟‬ ‫آدمِر‪ :‬الحمد هلل‪ ...‬لم نركنّ منذ‬ ‫ٍ‬ ‫أجابت ذات العيون المخملّية و وجنتاها مضرّجتان‪ :‬نحنُ أم أنت؟‬ ‫آدمِر‪ :‬العمل‪ ,‬ثم العمل‪ ,‬و أخيراً العمل يا‪...‬؟‬ ‫أجابته‪ :‬وردشان‪.‬‬ ‫آدمِر‪ :‬و ماذا تدرسين اآلن؟‬ ‫وردشان‪ :‬انتهيت من معهد التربية البدنية‪ ,‬ال أحب الدراسة كثيراً‪.‬‬ ‫آدمِر‪ :‬آها‪ ...‬و ما هي اهتماماتك؟‬ ‫تحر جواباً‪ ,‬لم يحرجها أكثر فبادرت شقيقتها الكبرى بأن تمتدح طبخها و الحلوى التي تصنعها‪...‬‬ ‫صمتت و لم ِ‬ ‫سرح خياله بعيداً‪ ...‬لتلك السمراء التي تمتلك طاقة و معرفة‪ ...‬تلك التي لديها هدف تعيش من أجله (العمل على‬ ‫اإلنسان) كما و أنها تكتب‪ ...‬تف ّكر و تحاور‪ ...‬لكن هذه جميلة جداً‪ ,‬إال أن جمالها‪ ...‬مج ّرد صورة على الحائط‬ ‫تعجبك ما أن تدخل قاعة المتحف ث ّم ما تلبس أن تتحطم آمالك عندما تقترب منها فتجد زيادة في ضربات الريشة‬ ‫على القماش في مكان و شبه انعدامها في باقي األماكن‪ .‬لكن…‬ ‫لثوان فقط‪...‬‬ ‫عاد إلى واقعه عندما قامت الدته بالزغردة فجأة فانتفض متفاجئً و أعاده إلى الواقع الذي غاب عنه‬ ‫ٍ‬ ‫فإذا به يعلم أن والده و صديقه وافقا على خطبة ولديهما‪.‬‬


‫آدمِر‪ :‬و منذ متى؟ أنا لم أعلم بهذا قبالً!‬ ‫والده‪ :‬أنت الغائب الحاضر يا ب ّني‪ ...‬لقد طلب (آزاد) يد شقيقتك من حوالي الشهر و قد وافقت أختك و ال‬ ‫اعتراض عند أيّ م ّنا‪ ,‬لكن إن كان لديك رأيّ فنرجوا أن نسمعه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت أنا؟‬ ‫آدمِر‪ :‬ليس اعتراضا ً… أبداً‪ ,‬على العكس أنا مسرور أن شقيقتي سترتبط بشاب محترم كآزاد‪ ,‬لكن أين‬ ‫شقيقه‪ :‬في العمل كما دائما ً و قد أخبرناك سابقا ً لكن الب ّد و أنك نسيت‪.‬‬ ‫يبق سواك يا بنيّ و يبدوا أن يومك قريب _و نظرت إلى ابنة أبي آزاد_‬ ‫األم‪ :‬لم ِ‬ ‫آدمِر‪ :‬تعلمين أ ّني لست جاهزاً بعد فما زلت صغيراً‪...‬‬ ‫ضحكوا و ضحك هو فبادرته وردشان بقولها‪ :‬ضحكتك راقية‪.‬‬ ‫نظر إليها كمن زلزلت كيانه عبارة محرّمة فجعلت األرض تتزلزل تحته و يقع في هوّ تها السحيقة‪ ...‬ابتسم لها و‬ ‫اعتذر من الجمع على أنه يجب أن ير ّد على مكالمة ضروريّة جداً‪ .‬دخل غرفته و أغلق الباب‪ ,‬أسند ظهره إليه‬ ‫و نظر إلى شاشة الجوال بين يديه و هي تومض و عندما رأى الر ّد بعث بالشكر ثم رأى الطرف اآلخر يطبع‬ ‫شيئا ً لكن لم يقم بإرساله فعلم أنه تراجع عمّا يريد ارساله‪.‬‬ ‫ت عن كتابته أيتها الشقيّة العابثة في مخيلتي؟ ما الذي تفعلينه بي؟‬ ‫ف ّكر‪ :‬ما اللذي تراجع ِ‬ ‫فما كان منه إال أن رمى المحمول على مكتبه و توجه إلى المرآة و وقف قبالتها ينظر إلى نفسه و قد حملته‬ ‫مخيّلته إلى حين فاجأته بجرأتها‪.‬‬ ‫ك‪ :‬ه ّل لي أن أكون صريحة معك؟‬ ‫نار ّ‬ ‫آدمِر‪ :‬طبعاً؟‬ ‫محمل شخصيّ ؟‬ ‫ك‪ :‬و لن تأخذها على‬ ‫نار ّ‬ ‫ٍ‬ ‫آدمِر‪ :‬ال‪ ,‬لن أفعل‪.‬‬ ‫كان يتحرّق شوقا ً لمعرفة ما تو ّد قوله‪...‬‬ ‫ك‪ :‬ل َم تتصنع ضحكك؟‬ ‫نار ّ‬ ‫ألجمته الصدمة‪ ,‬لم تتجرأ انثى قبلها على ذلك؟ نعم‪ ,‬هو يتصنع ضحكه كما لو أنه من علية القوم و من البيت‬ ‫الملكي لك ّنه تغاضى عن ذلك‪...‬‬ ‫متسائالً‪ :‬كيف أتص ّنعها؟‬ ‫ك‪ :‬لم أقصد أن أجرح أو أهين لكن بما أننا أصدقاء فأردت أن أستفسر فقط‪ ,‬إن لم ترد أن تجيب فلك كامل‬ ‫نار ّ‬ ‫الحريّة‪.‬‬ ‫آدمِر‪ :‬أريد معرفة تحليلك كي أخبرك بصحته أو ال‪.‬‬ ‫ك‪ :‬بما أنك لست من أهل هذه البالد _كما كنت أعتقد_ لك ّنك تربيّت بها لذلك تحاول مجاراتهم ببعض‬ ‫نار ّ‬ ‫تصرفاتك المبالغ بها‪ ...‬تحاول المجاملة بتصنعك تلك الضحكة‪ ,‬تخفي ترددك و ضعفك رغم قدرتك على اتخاذ‬ ‫بأمر قمت به لتشبع شيئا ً ما بداخلك لن يمتلئ‪ .‬ال تتقمص‬ ‫قرارات حاسمة‪ ,‬تحب سؤال من حولك عن آرائهم ٍ‬


‫قطع بالستيكية‬ ‫وجها ً ليس لك فطبيعتك أرقى و أحلى بكثير‪ ...‬ابقى بسيطا ً‪ ...‬اظهر ك (أنتَ ) فقط مجرّ داً من أي ٍ‬ ‫تعتبر زوائداً تخفي جمال روحك‪.‬‬ ‫امتعض فعالً و توسّعت حدقتا عينيه الشهالوتين‪ ,‬تغيرت تعابير وجهه‪ ,‬صعد الدم لرأسه‪ ...‬حقيقته المجرّ دة التي‬ ‫عرّته هي منها‪ ,‬المست رجولته حتى بات يريد العودة لكهفه و التربّص لها فيه حتى يحين الوقت المناسب‬ ‫لشيء ما‪...‬‬ ‫أردفت و قد وضعت يديها خلف ظهرها و عيناها تتابعان الالمكان على السجّاد األخضر‪ :‬لم أقصد إهانة أبداً‪,‬‬ ‫لكن بما أني أستلطف شخصك فقد كنت صريحة معك‪.‬‬ ‫أجابها بهدوء و النار تمشي في شرايينه كالهشيم‪ :‬ال‪ ...‬أبداً‪ ,‬لك ّني لست ملزما ً باإلجابة‪.‬‬ ‫نظرت إليه و قد عرفت أنه ُيكن لها الضغينة اآلن‪ :‬ال‪ ...‬طبعا ً لست ملزما ً بالرد‪.‬‬ ‫سبق ذاك الموقف بشهر تقريبا ً‪ ,‬يزيد أو ينقص و في إحدى أيام أيلول عندما كان يسبح مسا ًء فإذا بشاشة محموله‬ ‫تضيء فانتظر حتى خروجه من الحوض و جلس على إحدى الكراسي القريبة‪ ,‬تم ّدد عليه بنصف جذعه ث ّم‬ ‫أمر‬ ‫انحنى ليلتقطه فوجد منها رسالة تسأله فيها بشكل رسمّي جداً و تستخدم اسمه األوسط و تطلب المساعدة ب ٍ‬ ‫ما‪ .‬تسائل وقتها ل َم تستخدم اسمه األوسط؟ ر ّد باقتضاب و تركها ترسل‪ .‬في اليوم الثاني حاولت االتصال بجواله‬ ‫ً‬ ‫صراحة‪ ...‬كان يتلذذ برؤية رقمها و اسمها على الجوال و هو يومض و يعلم يقينا ً أنها تستشيط‬ ‫لكنه لم يجيب‪,‬‬ ‫غيظا ً و غضبا ً‪ ,‬ثم أرسلت له رسالة تسأله إن كان يعرف السيد (آدمِر) ألنها تريد رقمه للتواصل معه‪ .‬عندها‬ ‫فقط علم فعالً أنها ليست كباقي الفتيات اللواتي يتعقبّن الفتيان أو تدعّي عدم المعرفة‪ .‬برقت عيناه و قرر أن‬ ‫يدعها في تخبّطها حتى يراها شخصيا ً في نهاية األسبوع‪ .‬ما زال يذكر تص ّرفه األخرق كمراهق عندما وقف‬ ‫خارج غرفة التدريب و سلّم عليها و طلبها للخارج و قد جعل جميع من في القاعة ينظر إليهما و يتفاجئ‪ .‬سلمّت‬ ‫عليه بشوق كمن ير ّد على مشاعر اآلخر و قد فهم كالهما ما يُك ِّنه لآلخر‪.‬‬ ‫ك‪ :‬هل تعلم بأح ٍد يعمل معك يدعى (إيفان)؟‬ ‫نار ّ‬ ‫ب انتصر على فريسته‪ :‬لماذا؟ ما اللذي حدث؟‬ ‫آدمِر و هو ينظر إليها بمكر ثعل ٍ‬ ‫لبق نهائيا ً‪ ...‬إن كان يعتقد أن لديّ الوقت ألضيعه معه ما كنت تواصلت‪ ,‬إال أن أحد‬ ‫نار ّ‬ ‫ك‪ :‬ألنه شخصٌ غير ٍ‬ ‫أصدقائي أعطاني رقم هاتفه و أخبروني أنه يستطيع إيجاد الح ّل للمشكلة التي نواجهها‪.‬‬ ‫آدمِر‪ :‬حسنا ً‪...‬‬ ‫ك‪ :‬بالنص المرسل منه علمت أنه يعمل في قسمكم و عندما طلبت منه رقم هاتفك المحمول لم يجبني أبداً؟‬ ‫نار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حتى أنني حاولت إيجاد عنوان بريدك االلكتروني لكني لم أحصل عليه؟‬ ‫آدمِر‪ :‬آها‪ ...‬أمممم‪ ...‬حسنا ً‪ ,‬لن تحصلي على بريدي ألن اسمي لم يعدّل بعد‪ ,‬ث ّم‪ ...‬أنا إيفان‪.‬‬ ‫ك و قد علت الدهشة وجهها و فغرت فاهها‪ :‬ماذا؟‪ ...‬من؟‪...‬‬ ‫نار ّ‬ ‫ما زال يذكر تعابير وجهها المصدوم‪ ,‬لون بشرتها المتحّول من السمرة إلى اللون القرمزي‪ ,‬كيف فغرت فاهها‬ ‫و انش ّقت عن أسنان متناسقة‪ ,‬توسّع حدقتا عينيها العسليتين‪ ...‬كيف رفعت األوراق التي كانت بيدها و غطت بها‬ ‫وجهها المحتقن و حاولت السير مبتعدة عنه و يداها ترتجفان‪...‬‬ ‫كانت تردد بصوت مرتجف‪ :‬أكرهك‪ ,‬أنت‪ ...‬أنتَ شرير‪ ...‬يا إلـــــــــــــــــــهي‪ ...‬ال أستطيع‪ ...‬مواجهتك بعد‬ ‫اآلن‪...‬‬ ‫بلغة ملك يأمر ملكته‪ :‬ال تذهبي‪ ...‬ال تبتعدي‪ ...‬ابقي هنا‪ ...‬إياكِ و االبتعاد عن هنا‪...‬‬


‫ك‪ :‬ال‪ ...‬أستطيع‪ ...‬لقد‪ ...‬ل َم!‪ ...‬لم ت ِجب على مكالماتي إذاً لتخبرني‪.‬‬ ‫نار ّ‬ ‫كمن ظفر بغنائم كسرى‪ :‬كنت أنتظر حتى أراكِ نهاية هذا األسبوع حتى أخبرك‪ ...‬ث ّم‪ ,‬ألم أتصل بك أبداً‪ ,‬ح ّقا ً؟‬ ‫_ابتسامة واسعة تشق شفتاه المتناسقتان و تظهر بياض أسنانه‪ -‬يا إلهي لو أنك ترين وجهك اآلن‪ ,‬هذه ال تقدّر‬ ‫ّ‬ ‫مخزن في الئحة األسماء_ الحمد هلل أنه أنا من تريدين أن تشتكيني‬ ‫بثمن _ رفع شاشة جواله إليها و أراها اسمها‬ ‫إليه‪...‬‬ ‫كمن سيتوقف قلبه أجابته‪ :‬ال‪ ,‬لم تفعل‪ ...‬أنت ح ّقا ً شرير كبير جداً‪ ...‬لكن اسمك األوسط ال يشي أنك من أهل‬ ‫ك عائلة كبيرة و‪...‬‬ ‫هذه البالد و قد ظننت أنك منهم و أن لدي َ‬ ‫ٌ‬ ‫عائلة سوى أهلي‪.‬‬ ‫أجابها‪ :‬ال‪ ...‬تربيّت هنا لك ّني كنديّ األب و باكستانيّ األ ّم و ليس لديّ‬ ‫يكبرها بسنتين فقط ‪ ,‬في السابعة و الثالثين من العمر‪ ,‬عريض الكتفين‪ ,‬أنيق المظهر جداً‪ ,‬عيناه غير واسعتين‬ ‫لكن جميلتان بشكل ملفت لمن ينظر إلى األخضر المتشرّب فيهما‪ ,‬طويل القامة‪ ,‬بشرته حنطيّة و آثار جدريّ‬ ‫الماء محفورة على أعلى خديّه بشكل طفيف لكن ليس بما يعيبهما كرجل لذا يربّي لحيته قليالً‪ .‬مالمحه تحمل‬ ‫بعض القسوة المحببة ألي أنثى‪ ...‬شعره أسود و قد بدأ الشيب يعبث فيه قليالً معلنا ً أن استيطانه عليه بات قريبا ً‪.‬‬ ‫مث ّقفٌ و واسع االطالّع‪ ,‬في صوته و طريقة كالمه صفاء غريب‪ .‬هو يعلم أن كونها من خارج بيئته و مجتمعه‬ ‫سيجعل المعارضات تكون كثيرة خصوصا ً والدته التي ال تريد ألي من أبناءها أن ال يتزوّ ج إال من تشاور هي‬ ‫عليها و أن تكون من بلدها‪ ,‬العتقادها أنها ِحصنٌ لولدها و مطواعة‪ .‬كما يعلم أن معارضتها تعني قطعها لصلتها‬ ‫بمن يخالفها و حرمانه دخول البيت مؤبداً كما فعلت مع شقيقته (سيناميس) و التي أصرّت على زواجها من‬ ‫شركسّي ال باكستانيّ جعلها محرومة من أن ترى والدهم‪ ,‬أشقاءها‪ ,‬و شقيقاتها‪ .‬لم يجرأ أح ٌد على التواصل معها‬ ‫أبداً‪ ...‬حتى هو عندما علمت أنه يكلّمها بالخفاء أبواب جه ّنم السبعة فتحت على مصراعيها و ح ّل الغضب‬ ‫ك)‬ ‫كإعصار كاترينا لمدّة شهرين متتابعين‪ .‬هذا ما جعله هو بذاته متردداً فيما إذا كان يستطيع مجاراة تم ّرد (نار ّ‬ ‫و شخصها‪ .‬ليست رشيقة جداً‪ ,‬طول متوسط‪ ,‬قامة شبه ممتلئة‪ ,‬سمراء البشرة‪ ,‬تمتلك عينان لوزيتان واسعتين‬ ‫ذات أهداب سوداء طويلة‪ ,‬ال تستطيع إبعاد نظرك عنها و هي تتحرك برشاقة و خ ّفة‪ ,‬تبّث طاقة إيجابية غريبة‬ ‫متى دخلت أي مكان و تستطيع أن تعلم أنها موجودة متى ما ض ّج المكان بالحركة فجأ ًة بعد سكون طويل‪...‬‬ ‫عندما تتكل ّم يستحيل أن تخلو عباراتها من النكات و السخريات اللطيفة التي تجعل للحديث بقيّة و معنى‪َ ,‬ن َزقُها‬ ‫غريب‪ ,‬ال تتردد في أن تحارب ألجل ح ّل مشكلة عويصة و إن تطلبت الدخول لمكتب المدير العام أو مجلس‬ ‫اإلدارة‪ ,‬إن رفض طلبها تحاول بطرق أخرى‪ ...‬إصرارها على الحياة غريب‪ ...‬حيويتها نادرة في عصر‬ ‫الخمول الذي نعيشه‪ ,‬هي ح ّقا ً كشهد صنعاء مقابل كل أنواع العسل المغشوش و المعروض بكثرة‪ ...‬هي صورةٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫جبل إلى وا ٍد ذي زرع و النهر يجري خالله‪ ,‬أشجار الصنوبر‬ ‫غريبة‪,‬‬ ‫فنيّة‬ ‫متكاملة‪ ...‬كمن ينظر من أعلى سفح ٍ‬ ‫التي تعبق رائحتها في الجوّ ‪ .‬إال أ ّنه آثر أن ين ّحي تفكيره عنها تماما ً و حاول العودة لروتينه‪ ,‬بين مجامالت و‬ ‫صداقات و حياة اعتيادية‪ ,‬لكن‪ ...‬ما زالت تجتاح مخيلته من فتر ٍة ألخرى‪ .‬لم تعاود التواصل معه فهو يعرف‬ ‫عنفوانها و كبرياءها كأنثى‪ ,‬و يعلم أنها ما زالت تؤمن بمبدأ "آدم من طلب حواء لتؤنس وحدته ال العكس"‪.‬‬ ‫حاول تفادي ذاكرته‪ ,‬جاهد الحفر و الط ّمر عميقا ً خصوصا ً أن والدته لم تعد ترى وضعه مقبوالً و قد أقبلت سنيّ‬ ‫عمره على أبواب العقد الرابع فأصرّت على ابنة أبي آزاد (وردشان) و التي كانت تحاول جهدها أن تملئ‬ ‫بكلماتها عنها مخيلّة ابنها األخير على قائمة أوالدها و الباقي دون زواج‪ ...‬فت ّم مرادها و القبول من كال الوالدين‬ ‫كلّلته سورة الفاتحة‪ ,‬إال أنه اص ّر التمه ّل لمعرفة بعضهما أكثر قبل عقد القران‪ ,‬و كان له ذلك‪.‬‬ ‫وقت الحفل السنوي و الذي يقام ألجل الموظفين كل عام‪ ,‬حضره متأنقا ً كعادته ّ‬ ‫ببزته شبه رسميّة كحليّة و‬ ‫قميص مخطط باللون الزهري الداكن‪ ,‬األبيض‪ ,‬و األزرق الداكن‪ ,‬صدّارة كحليّة‪ ,‬تزيّن أزرا ٌر فضيّة معتقةّ‬ ‫ٍ‬ ‫كمّي القميص‪ ,‬رباط حريري حول الرقبة‪ ,‬حذاء كحلّي أنيق جداً‪ .‬كان يتحدّث مع بعض المدراء و إحدى يديه‬ ‫في جيب البنطال‪ ...‬ثم فجأ ًة انخفضت األضواء و صعد أحد الموظفيّن المسرح و قام بالشكر و التحيّة و بدءوا‬ ‫بتقديم البرنامج الذي ستسير عليه الحفلة‪ .‬ات ّخذ الجميع مقعده على الطاوالت الموجودة و المزيّنة بأطباق متعددة‬ ‫ف ألوانه‪ .‬بعد ساعة من الزمن أو تزيد‪...‬‬ ‫من مكسّرات و حلويات صغيرة الحجم و كؤوس عصير مختل ٍ‬ ‫المقدّم‪ :‬أما بالنسبة لموظف الس ّنة و الذي استطاع تحسين صورة الشركة و كذلك قدّم الدع ّم لزمالئه فقد حصل‬ ‫ك نيروز) أرجوا التفضّل إلى المسرح‪.‬‬ ‫على ترقية رئيس قسم فهو ‪ /‬هي _صمت و تشويق_ (نار ّ‬


‫عندما تسلّط الضوء على الطاوالت و رآها تقف و المفاجئة أربكتها ح ّقا ً‪ ,‬خرج ذاك الميّت من قبره و الذي ظنّ‬ ‫أنه قد دفنه منذ زمن و أنه قد تحل ّل و أصبح ال شيء‪ ...‬لكنه كما فرانكشتاين عاد ح ّيا ً يرزق‪ .‬كانت أجمل بكثير‬ ‫عال أسود مخملّي‪ ...‬فستانا ً طويل بلون الزم ّرد األحمر و قد عقصت سواد ليلها‬ ‫مما سبق‪ ...‬ترتدي حذا ًء بكع ٍ‬ ‫ب ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫بمسشبك ماسّي ياقوتيّ اللون‪ ,‬جميلة أكثر من عادتها‪.‬‬ ‫ك و صوتها يرتجف عبر اإلذاعة‪ :‬يا إلهي‪ ...‬وووه‪ ,‬آآآآمممم أنا متفاجئة جداً فعالً‪ ,‬آه‪ ...‬مممم‪ ...‬شكراً لكل‬ ‫نار ّ‬ ‫الدعم المقدّم لي من قبل مدرائي‪ ,‬أصدقائي واألهم شقيقي‪...‬‬ ‫كمنّ نوّ م مغناطيسيا ً على أوتار صوتها الصافي‪ ,‬لطالما أحبّ بحته المخفيّة‪...‬‬ ‫يحدّث نفسه‪ :‬لم ظهرت مجدداً أمامي؟ لماذا اآلن يا ملكة القصور البعيدة؟ كيف السبيل ألن أوقف رعشة قلبي‬ ‫عل‬ ‫عندما يلمح طرفي خيالك؟ بدأت أصل القمّة تقريبا ً و اآلن فقط عند اللحظة الحاسمة قطعت الحبل ألهوي من ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أتحطم على صخر كبرياءك يا مهر ٍة بريّة‪...‬‬ ‫و‬ ‫أفاق على التصفيق الحا ّر و رآها تهبط درجات السلّم و تعود إلى مقعدها‪ .‬تحرّك من مكانه مباشر ًة و توجّ ه إلى‬ ‫حيث كانت إال أن عدداً كبير من المهنئين أحاطها فآثر االنتظار حتى يستطيع التف ّرد بوقتها له‪ .‬ألكثر من ساعة‬ ‫و نصف بقيت مشغولة ثم انتهت الحفلة‪ ,‬في تلك األثناء كان محموله يضيء باسم (وردشان) والتي لم يجد‬ ‫مبرراً للر ّد عليها‪ .‬لم يحفظه باسم (حبيبتي‪ ,‬روحي‪ ,‬خطيبتي‪ ...‬بل أبقاها في القائمة كاي شخص آخر)‪ .‬رآها‬ ‫تتحرك من القاعة متج ً‬ ‫ّهة إلى مرآب السيّارات‪ ,‬عندما استقلّت المصعد م ّد يده و أوقفه فحانت منها صرخة‪.‬‬ ‫ك‪ :‬يا إلهي‪...‬أ أنت بخير؟ آدمِر‪ ...‬آدمِر أجبني‪.‬‬ ‫نار ّ‬ ‫ف المصعد‪ :‬نعم‪ ...‬ال تقلقي لم يحدث شيء‪.‬‬ ‫جاءها صوته و قد َدلَ َ‬ ‫ك‪ :‬لم يكن عليك وضع يدك بهذه الطريقة أبداً‪ ,‬تستطيع مناداتي فأجعله يتوقف ألجلك‪.‬‬ ‫نار ّ‬ ‫ت تستحقين ك ّل خير‪.‬‬ ‫آدمِر‪ :‬مبارك عليكِ الترقية‪ ...‬أن ِ‬ ‫ك‪ :‬شكراً‪ ,‬و أنت أيضا ً مبارك خطبتك‪.‬‬ ‫نار ّ‬ ‫متفاجئ‪ :‬كيف عرفتِ؟‬ ‫نظر إليها‬ ‫ٍ‬ ‫ردّت دون النظر إليه و هي تتابع أرقام المصعد‪ :‬ال شيء يختبئ في هذه الشركة و أنت تعرف الثرثرة‪.‬‬ ‫آدمِر‪ :‬تبدين خالّبة اليوم‪.‬‬ ‫ك‪ :‬ال ّ‬ ‫يحق لك وصفي بهذه الطريقة و أنت على وشك الزواج‪.‬‬ ‫نار ّ‬ ‫وصل المصعد إلى حيث تريد الخروج وعندما عدّت عتبته بأول قدم كادت أن تسقط فجأة و يرتطم رأسها على‬ ‫األرض و بردة فعل و غريزة اإلنسان أمسكت إحدى يديه مرفقها و األخرى ال ّتفت حول خصرها و أسندها إليه‪,‬‬ ‫نظرا لبعضهما مطوالً و قد الحظ أنها على وشك البكاء و تحاول حبس دموع تريد التحرر لكنها _و كما يعرف‬ ‫تكبّرها و عنادها_ تأبى على نفسها ذلك‪ .‬في تلك الثواني الخاطفة و التي كانت إهدا ًء إلهيا ً أرادها و بشدّة أن‬ ‫تدفن رأسها في صدره‪ ,‬أن تبقى متش ّبثة بقميصه ب ّقوة أكبر‪ ...‬أن تتمسّك يديها به و ال تتركه يفلتها‪ ,‬تم ّنى أن‬ ‫يضمّها بعنف‪ ,‬يتن ّ‬ ‫شق عطرها الذي يشبه جوز الهند االستوائي‪ ,‬أن تالمس سمرتها وجنته الخشنة فيكتشف معنى‬ ‫ملمس الحرير الحقيقيّ ‪ ...‬لكنها أزاحت بصرها عنه و همّت بالوقوف و قد ساعدها على ذلك‪.‬‬ ‫ت بخير؟ هل أصابك مكروه؟‬ ‫آدمِر‪ :‬أن ِ‬ ‫ك‪ :‬ال أبداً‪ ...‬شكراً لك _و صوتها قد طعنته العبرات فاختنق_ لقد علق الكعب في فراغ المصعد و انكسر‪ ,‬ال‬ ‫نار ّ‬ ‫بأس سأخلعه في السيارة‪.‬‬


‫كانت صدمتها قاتلة عندما رأته انحنى فجأة و الناس الخارجين من المصاعد األخرى وقفت تتفرج عليهما و قد‬ ‫ك رباط حذاءيها بنفسه‪ ,‬كانت أصابعه ترتجف و كانت دمعة هربت من مكانها على األرض‪.‬‬ ‫ف ّ‬ ‫آدمِر‪ :‬استنديّ على كتفي و اخلعي الحذاء ال يجب أن تبقي فيه‪.‬‬ ‫عندما وقف و نظر إلى وجهها علم من الدمع الذي فاض غصبا ً عنها كمن يسأل‪ :‬ل َم‪ ...‬ل ْم تكن أنا؟ ك ّل شيء فيك‬ ‫كغريق ابتلعته مياه المحيط في ليل ٍة هوجاء غادرة أبديّة بعد صفا ٍء قصير األجل لم أتنفس‬ ‫أرادني لك ّنك اختفيت‬ ‫ٍ‬ ‫نسماته الربيعية سوى بره ٍة فقط‪.‬‬ ‫ك‪ :‬شكراً لك سيد‪_ ...‬ابتلعت ريقها_ آدمِر‪ ,‬هنيئا ً لزوجك بك‪.‬‬ ‫نار ّ‬ ‫أصبح ظهرها له و وجهها ينعكس عبر زجاج باب المرآب و عندّما همّت أن تفتح الباب لتخرج‪...‬‬ ‫آدمِر‪ :‬سأوصلك إلى السيارة‪ ...‬ال يجب أن تسيري وحدك‪...‬‬ ‫عليك ذلك فأنت مرتبط بامرأة أخرى وال ب ّد‬ ‫قاطعته و قد ابتسمت له فأحسّ بالطعنة التي أودى لها بها‪ :‬ال يجب‬ ‫َ‬ ‫أنها تنتظرك _أردفت_ ما قمت به ألجلي اآلن أكثر مما يجب‪ ...‬تصبح على خير‪.‬‬ ‫حاول اللحاق بها‪ ...‬لكنه لم يستطع‪ ,‬شيء ما سمّره مكانه‪ ...‬عندما أ ُغلِق الباب خلفها علم معنى الجحيم الذي‬ ‫وضع نفسه فيه‪ ,‬ما يعنيه أن تكون كأحد أصحاب األخدود و ترمى في السعير‪ .‬نظر إلى ما كانت تتلمس أصابعه‬ ‫فكان فردة حذاءها المكسور‪ ...‬أحسّ برجفان في جيب بنطاله‪ ...‬عندما أخرجه كان يتمنى أن تكون هي من‬ ‫تناديه ليلحق بها‪ ,‬لكن‪ ...‬ال‪ .‬خرج متثاقالً من باب المصعد ال يعرف إلى أين تحمله قدماه‪ ...‬لم يتو ّجه إلى‬ ‫ركض‬ ‫سيارته بل توّ جه إلى النهر الكبير الذي كان يقطع البالد من شرقها إلى غربها ليصل المحيط بعد عنا ٍء و‬ ‫ٍ‬ ‫طويلين‪ ...‬استق ّر جسده على إحدى الكراسي‪ ,‬أعاد رأسه إلى الخلف و ال مست عيناه السماء الحالكة التي لم يكن‬ ‫يضيئها سوى قلّة من النجوم‪.‬‬ ‫يحدّث نفسه‪ :‬ما اللذي فعلته بنفسك أيها الشقيّ الساذج‪ ,‬إلى أين تسير في حياتك‪...‬‬

‫ٌ‬ ‫محترم مثلك‪ ...‬أتمنى لكما‬ ‫جميلة جداً و هي محظوظة لحصولها على رجل‬ ‫"مبار ٌك عقد قرانك‪ ,‬عروسك‬ ‫ٍ‬ ‫السعادة"‬

‫كان ردّها على البريد االلكتروني الذي أتاه بعد أق ّل من شهر من الحفل السنويّ و قد قرأه بعد منتصف الليل فما‬ ‫كان منه إال أن ترك سريره و اللوحة التي تنام جانبه و ّ‬ ‫تغط في أحالمها و توّ جه إلى المستودع الخارجيّ ‪ .‬أخرج‬ ‫علبة مخمليّة بلون زيتون القدس‪ ,‬فتحها و نظر فيها‪( ...‬ماسته السوداء)‪ ...‬و بدأ البكاء‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.