لا شيء

Page 1

‫دائما ً ما كانت النهايات متعاكسة إنما متشابهة بشيء وحيد و هو عندما يح ّل عيد ميالده يكون وحيداً‪ ,‬لم يفهم ل َم؟ في عيد‬ ‫بنادم على ما قدّم ألي واحدة منهن‬ ‫الحبّ أيضا ً يكون وحيداً يتأمل خسارته‪ ...‬يع ّد مرات خيباته و يحصي حماقاته‪ ,‬ليس‬ ‫ٍ‬ ‫لكن لم يعتبرنه نهزاً للفرصة لتتخلى الواحدة منها عنه دون سابق إنذار؟ ما اللذي ال يقدّمه من اهتمام‪ ,‬حنان‪ ,‬مال‪ ,‬رعاية‪,‬‬ ‫و إلتزام حتى يتعثر بأشباههن ك ّل مرّة! ما الدرس الوحيد الذي لم يتعلمه من هذه الدنيا بعد!‬ ‫ّ‬ ‫المطعم بالنحاس و المكسّو بالجلد األسود في غرفة مكتبته األنيقة التي صممها بعناية و على‬ ‫جلس على الكرسي الخشبي‬ ‫طراز العصر البوربوني‪ ,‬كانت أمامه طاولة متوسطة الحجم مستطلية الشكل ال تنقص تفاصيل زخرفتها و لونها الجوّ زي‬ ‫راق للغاية‪ .‬كان يتأمل محرابه و‬ ‫و زجاجها المصقول الذي يظهر و كأنه مرفوع على أغصان شجرّة باسقة عن‬ ‫ذوق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الكتب المرصوفة على أرفف مكتبة التي اعتنى بتفاصيلها و غلّف واجهتها بالبلوّ ر خوفا ً على ميراث أحسّ أنه يندثر مع‬ ‫العصر الحالي و القادم‪ .‬أجال بصره مرّة أخرى حتى صادف علبة األرابيسك المط ّعمة بالصدف على حامل جانبي صمم‬ ‫خصيصا ً لها‪ .‬أصابه الجمود فجأة و ذهُل عن كل ما حوله‪.‬‬ ‫استذكر أن "عالية" كانت تلوم عليه عدم مراسلته لها عبر موقع التواصل االجتماعي و أنه ال يهتم بمشاعرها‪ ...‬فسألها‬ ‫مرّة‪ :‬و كيف تريدينني أن أقوم بذلك أنا ال أحبّذ التواصل عبر اإلنترنت بما أنني أراكي و أتكلم معك شخصيا ً‪ ,‬كما أن متعة‬ ‫اللقاء المفاجئ أو أن نضرب موعداً و ننتظره حتى نرى بعضنا فيه مت‪......‬‬ ‫فما كان منها إال أن قاطعته و انتفضت واقفة تقول له‪ :‬أنت دقّة قديمة‪ ,‬مالي صبر بين كل لقاء و لقاء وأم ّل من كثرة‬ ‫الخروج معك‪ .‬و من ثم من اللذي يكتب الرسائل على الورق و يرسل بالبريد حتى اآلن؟ ها هااااااااا اعذرني لكن وصلنا‬ ‫ب مسدود‪ ...‬لن نستطيع أن نكمل معا ً‪ .‬وقتها أصيب بصدمة فبعد مضّي سنة كاملة و كل االهتمام و المراعاة لها و‬ ‫لدر ٍ‬ ‫ً‬ ‫حتى أنه حاول أن يقدّم لها خاتم الخطوبة عربونا عن صدق مشاعره معها لكنها رفضته بكل وقاحة و أخبرته أنهما بحاجة‬ ‫لوقت أطول هذا قرا ٌر ال يبّت به وحده و ّ‬ ‫حذرته من أن يطلبها رسميا ً حتى ترى هي الفرصة مناسبة لهما‪.‬‬ ‫ترى‪ ...‬هل أنا غبيّ للغاية؟ أم أنني ما زلت ابن آدم‪ ,‬ذاك الرجل التقليدي في أصول الحب و المتفّهم ألمور الحياة و‬ ‫الشراكة فيها‪ ,‬أم أنني ولّدت متأخراً و صحوت في ز ٍمن غير زمني كما رقد أصحاب الكهف و استيقظوا في زمان ال‬ ‫يعلمون فيه من هم و أشكالهم مخيفة ح ّد وقع الرعب في النفوس! لم يعد يهتم بعدها بأن يجد أي فتاة فقد كانت حاله في‬ ‫وضع لم يستطع معه أن يقوم بأي خطوة حتى‪ّ ...‬‬ ‫تعثر ب"هالة" و كان لها من اسمها أكبر نصيب فهي فعالً هالة حسن و‬ ‫ٍ‬ ‫جمال‪ ,‬رآها في إحدى محال العطور حيث كانت تبتاع هديّة لعيد ميالد صديقتها بقي يراقبها وقتها و هو ال يعلم لماذا‪,‬‬ ‫حتى أن الشاب المسؤول عن البيع في الممر الذي كان يقف فيه نكزه و هو يكرر سؤالة للمرة الرابعة‪ :‬هل تريد الزجاجة‬ ‫أرض أتت لكن إن تركها تفلت منه لحظتها‬ ‫يا سيدي؟ فأجابه بأنه سيعود ليأخذها و تركه ليلحق بالفتاة التي لم يعلم من أيّ‬ ‫ٍ‬ ‫فلن يعرف طريقا ً لها‪.‬‬ ‫لمخاض جديد و ظنّ‬ ‫ما زال يتذ ّكر كيف اقترب منها ليسألها عن اسمها و كيف جفلت منه بادئ األمر و من ث ّم ابتدأ طريقه‬ ‫ٍ‬ ‫أن األمر سيكون افضل‪ .‬حاول تدارك هفواته القديمة و تقدّم فعالً لخطبة يدها و وافق األهل‪ ,‬و بعد سنة و نصف منذ أول‬ ‫ضر و متابع للعصر‪ ,‬يحترم الكتب و ال يتابع‬ ‫لقاء لهما بدأت "هالة" تتغير‪ ...‬تتذمّر من عدم اهتمامه‪ ,‬و أنه غير متح ّ‬ ‫التلفاز و ما تعرضه من حلقات لفنانين و فنانات ما سمع لهم قبالً‪ ...‬المت عليه أناقته حتى في هندامه الرياضي و كيف أنه‬ ‫ال يرتدي بنطاالً من الجينز فهي تحب (الكاجوال مان) و بعد كل هذا ال يحمل جواالً عصريا ً فيه برامج التواصل‬ ‫االجتماعي‪ ,‬و أخيراً‪ ...‬هي ال تقدر أن تتزوج من رج ٍل يقدّس الحياة الزوجية و ال يريدها أن تعمل أو تبني طموحها‪ .‬ما‬ ‫زالت تعصر كبده لوعة أن تطلب منه االنفصال قبل حف زفافهما بأسبوعين و أن ال سبيل ليكمال أبداً فهي ليست امرأة‬ ‫ّ‬ ‫خنوعا ً و لديها أولويات‪ .....‬إلخ‪ .‬ما اللذي يحصل بحق ربّ السماء و خالق األنبياء هل أنا مت ّخلف‪ ,‬محدود الفكر‪ ,‬و عقلي‬ ‫مدع و ال ناقص رجولة‪ ,‬ال أقول أنيّ ذكر‪ ...‬أنا رجل‪ ...‬أنا رجل‪ ...‬رجل‪.‬‬ ‫عبارة عن خزنة مقفلة؟ لست كذلك‪ ,‬لست ٍ‬ ‫تنبّه إلى نفسه يصرخ بأعلى صوته في المحراب المق ّدس عندما دخل خادمه فجأة يتحرّى أمره و ما أل ّم به‪ .‬شكره و طلب‬ ‫منه فنجان قهوة‪.‬‬ ‫فكرر عليه خادمه‪ :‬سيدي هل أنت على ما يرام حقا ً لقد ظننت أن مكروها ً ح ّل بك أو‪....‬‬ ‫ر ّد باقتضاب و بلطف و بزفير طويل‪ :‬فنجان القهوة يا "جان" لو سمحت‪.‬‬ ‫بعد أن خرج الخادم وقف بشرود و قدماه تسّيرانه كيفما اتفق عقله الباهت عن كل ما حوله حتى توقف أمام أرفف الكتب و‬ ‫عيناه تجوالن فيها دونما تدقيق على شي ٍء بح ّد ذاته‪ ,‬يسير يتأمل كنزه و يداه تتلمس أغلفّة متنوعة منها ناعم الملمس و‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.
لا شيء by Lina Al-Shalati - Issuu