لينا الشاالتي
بلدي و بعض املتفرقات
جمموعة قصصية اإلمارات 4102
1
2
اإلهداء
جلريح ,فقيد ,شهيد... ملكلوم ,و ثكلى ,و مشردين... َ
ّ
لكل من فقد و فقد ,تغرب ,حرم ,و من بات يف كل األصقاع ...بال وطن
لينا الشاالتي
3
إنني املشنوق أعاله على حبل القوايف وضعوا فوق فمي كلب حراسة و بنوا للكربياء يف دمي سوق خناسة و على صحوة عقلي
أمروا التخدير أن يسكب كاسه
أمحد مطر
4
بلدي مازلت أبحث بين كل تلك العبارات عن ثغر ٍة تجعلني أتراجع أو تجعلني أغلق عينيّ ألنام؟ عبثا ً محاوالتي كلّها ...فتاة لم تتجاوز الثالثين من عمرها مشوّ هة الوجه و أدران الطرقات تتلبسها بشكل واضح ,ثيابها مهترئة و كل قطعة من لون غير متناسقين مع بعضهم البعض ,تجلس القرفصاء و هي تقوم بغسيل بعض األطباق المهترئة من طست صغير بجانبها ...أمامها جلس رجل أسود الوجه ...ليس ألنه من ذوي البشرة الداكنة ...أبداً, بل ألنه حرم االستحمام حقا ً ...ال ألنه من المجذوبين بل ألن سكنه الشارع بعد أن كان له غرفة مهترئة تؤويه. في سيارة تسمى لدينا (طريزينا أو طرطيرة) على حائط إحدى المقابر أوى و ابنته الم ّ شوهة ...تجد بين يديه خبزاً عطنا ً و كأسا ً من الشاي فقط .علبة تنك حديدية متفحّمة من لهيب الحطب الذي يتدفئان به ...و المارّة بداع من الشفقة و يتمتون بالحمد و الدعاء! هل أصبحت الرأفة و الرحمة بين الناس فقط بالدعاء و ينظرون ٍ داع لها؟ اقتربت منهما أسألهما عن حالهما ,أصبت بصدمة إذ أن الفتاة خرساء .لم بعض العبارات و نظرات ال ٍ تخلق على هذه الحال بل ما رأته من أهوال هو ما عقد أوتارها الصوتية و شطر حنجرتها نصفين .كان ينظر والدها إ ليها و هو مكسور الخاطر بعد أن رآهم يتناوبون عليها دون أن يستطيع ردعهم و قد أغدقوا عليه من أهوال العذاب ما ألجمه و ترك آثره على جسده بشكل فاضح. األب يتكلّم ببعض األحرف ليصمت فجأة لدقائق طويلة ...حتى أمعنت النظر في وجهه فإذا ببعض الدموع تخذله لتنطق بآالم زاد حملها على ظهره أكثر مما يستطيع أن يحتمل ...قد كان يعاني من الفقر و يجد في بعض األحمال ما تغنيه في معظم األيام عن أن يشحذ قوت يومهما ,أ ّما اآلن ما عادت قدماه تقوى على حمله و هو يناهز السابعة و الستين من العمر ,هزيل الجسد ,مص ّفر األسنان ,ترتجف يداه ج ّراء الكبر .حبست أنفاسي كي ال يشعرا بلهيب ألم اح ّتلت جيوشه صدري ...حاولت تمالك نفسي كي ال تنهمر منيّ دمعة تعاطف تشعرهما بسوء حالهما. إال أ ّني و بعد أكثر من ساعة و نصف تركتهما معتذرة بأني تأخرت و أ ّني أشكرهما و قد حاولت مواساتهما قدر اإلمكان .و إذ بقدماي مثقلتان ,شاردة الذهن و أنا أفكر بما آلت إليه أرضٌ احتوت الكثير من الالجئين على مرّ العصور إال أنها عاجزة عن إيواء شعبها ...أوالدها ...من ترابها عاشوا و عليه مشوا ...كانوا ممن زرعوا أرضها و جنوا محاصيل نبتت من رحمها ...لكنها ال تستطيع أن تؤمن لهم أمانا ً حرمت هي منه. آه عليك يا بلد الرساالت ,اغتصبوك حيّة و شوّ هوا ترابك بقذائف ح ّقت أن تكون لمن يد ّنسك من مح ّتل ال من أبناءك .جعلوك حقالً للدبابات كان عليها أن تضرب عدّوا لك ال أن تدّك أرضك .زرعوا ألغاما ً في رحمك بعدما كنت تزرعين قمحا ً و قطنا ً ...كان العاصي يجري بما ٍء زالل فأصبح يحمل جثثا ً حوّ لته إلى األحمر القاني ...و يقولون عاشت سورية! ترى كيف عاشت؟ هذا ما سيسجله التاريخ ح ّقا ً.
5
بحبك و بعرف مش إلي أنت هي سنوات مضت ...بلمح البصر ...لكأنها البارحة .أيام مرّة مرّت مذ آخر مرة استطعت أن ألمس يدها فيها و أسمع صوت أنفاسها عبر الهاتف ...هل ستعرفني؟ أم أنها ستتجاهلني؟ ما زالت كما هي ...ذات الضحكة الجميلة ,عيناها الخضراوتين مازلتا ت ّ شعا بنفس األمل الذي عهدتهما به. تم إيالمي لعدم قدرتي على نسيانها حتى بت ال أستطيع االرتباط بغيرها ...تناست عيناي معنى النوم ...باتت المسك ّنات رفيقتي الدائمة القريبة وحدها من قلبي .أصبح المبضع اليد الحنونة الوحيدة التي وضعت على ظهري مذ فارقتني .إن ما يحترق معي و يؤنسني هو سيجارتي التي تعهدت إليك أن ال أعود لمصادقتها أبدا... عبثا ًبعدك حاولت أفي بوعودي. لم أتيت اآلن ...أتسخر األقدار مني إلى هذا اليوم؟ عندما عكس زجاج المحال صورتك ظننت أن خيالي عاد ماض ما برئت منه بعد ...إال أنني تحاملت على نفسي ألثبت لمخيلتي أنني في حلم يقظة يعبث معي و يسبح في ٍ ّ واقع ما ودته يوما بقدر ما أريده اآلن. آخر فوجدت نفسي في بركة ٍ هو أنت ...ببشرتك البيضاء الناعمة ...بأنوثتك التي مازلت أبحث عنها في نساء العالمين جميعا ً و ال أجدها. أرجوك أيها القلب توقف عن النبض ...فستتخلع اضلعي ,أخاف عليها من أن تسمع صوتك فتراني و تغضب أو تتأذى! أجل ...ال أريد أن يعاودها جرح ما فتأت تداريه و تقسو على نفسها ألجلي و كنت بكامل أنانيتي ألومها على قسوة هي صاحبة الحق فيه آنذاك. أهو ابنها! حقا ً! يا إلهي ...ليته كان من صلبي أنا ...توقفي يا محاجري فأنا ال أريد أن أضعف اآلن .كيف يضع يده حول خصرها و يقبل وجنتها؟ لم هو ...و لست أنا؟ لم؟ آه ...نسيت أنه زوجها ,هو توأم روحها ال أنا ,هو من فاز بها ال أنا .وا ر ّباه ...ال اعترض على ما قسّمت فيه األرزاق و األرواح إال أنني بحر مهجور من بحّ ارة تؤنس وحدته ...حتى الرياح عافت زيارتي ...هجرتني كل األسماك و ما بقي لي سوى هياكل قراصنة دفنت فيّ و أعشاب بحر تتراكم ال يوجد من يأكلها ...زبدي بات يضم ّحل أكثر فأكثر ...أال من مخرج؟ أال من شاطئ أريح عليه موجي المتكسر المتعب؟ حاولت عبور الشارع ...أردت أن ألتقيها وجها لوجه ...ال أريد ان أكلمها بل أن أرى ردّة فعل تجعل من السكين التي ّ تحز رقبتي منذ سنوات أن تنهي األلم بتراً ...أردت قطع الوداجيّ نهائيا ...أن أصل قعر الهاوية و أسمع صوت ارتطام عظامي على أرض ثابتة علّي أصحو أخيرا على واقع ليس فيه سوى ...الواقع .الحقيقة بكل أحداثها و تواتراتها التي أغيب عنها وال تهم ّني بالرغم من ضخامتها و تسارعها. ساعاتي هي روتين يومي أجلس بعده على األريكة دون حركة ,فكر ,أو بصيرة ...فأنا عبارة عن قرص مدمج ال شيء فيه سوى شاشة بيضاء ال تحمل أي نغمة أو قصة معبّرة .قرص مدمج فارغ داخل مس ّج ٍل يعيد نفسه بذات العرض و الكيف و الكم من الال مبالة و التهميش لألحداث من حوله ...الشعور الوحيد هو ألم جسدي اتفاداه بكثرة المسكنات الحادّة التي باتت لي كمن يشرب كوب ماء كل ساعة. أريد ان أصارحك حبيبتي ..و اغفرلي لي جرأتي و نكثي لوعدي لك ...إال أنني بعت مدادي ,قلمي ,و ورقي! صحيح ما عدّت نفسي بعدك لكن أرجوك ال تلومي نفسك فلست السبب ...لسنا نحن ...إنما هو قدر كتب منذ األزل و علينا السمع والطاعة لولي األمر .كلماتي عافت مخيلتي بعدك ...ما عاد لي ملهمة و ما كان لي قبلك سيدتي ...ما عدت أجد البردي المناسب لي و جف حبري حتى انقطع تماما عن خط سمفونيات كنت سبب وجودها دائما في حياتي .اعتزلت الشعر و توقفت عن بناء مدنكّ ... عطلت خيالي عن نسج أروع المماليك و البالد العجائبية بعد أن غادرتي حياتي موالتي ...ال عاد عندي مدن مقدسّة و ال طرقاتي بات فيها حياة ,و حتى عطر الياسمين يا أميرتي لم يعد كما كان.
6
كنت أقف على الرصيف المقابل و أفكاري تعبث بي يمنة و شماال ...أنظر بشغف و خوف طفل ضاع من أمه لسنوات و رآها فجأة أمامه ...اآلن فقط أعرف شعوره .أريد ان أقطع الشارع الذي يفصلني عن ماء الحياة بسرعة البرق و أن أنادي اسمك من جديد ...أن أمسك بيدك بين يديّ ألشعر بدفئهما ...أن أضع رأسي على كتفك و أترك تعبي يتناثر بعيدا عني كحبات المطر التي يلقيها غيم الشتاء المثقل من كثرة ما يحمل منه داخله. أرجوك ال ترحلي عني ...ال تذهبي بعيدا ...كفاني وحدة في صحرائي المتقعة من كثرة التجفاف و غياب الحياة منها .أال من عودة إليّ يا واحتي الوحيدة! أم سبق السيف العزل و ّ بت في عداد المفقودين داخل دقائق الزمن الم ّملة ,القاتلة ,و الموبوءة بطاعون غيابك عن قصري المهجور البالي ,و البارد. ما زلت أنتظر عودتك لي و إن كانت بعد سنوات عجاف ,ال فرق لدي ...ما زلت أتذكر حبك لرواية غارسيا... و الذي جعل من شخصية عاشق يحمل عشقا لمحبوبته مدّة تتجاوز الواحد و الخمسين سنة ليعيدها إليه و يتزوجها ...ألنه أحبها هي ...فقط هي فضالً عن نساء العالمين .هل أكون مثله بالنسبة لك ...أما أن الثرى ّ أرق عليّ من قربك مني! 26/03/2011
7
بومٌ حكيم انتشلت بأعجوبة من براثن شيء أثيم كاد يقطع الوداجي كامال حتى الوريد ,كم تعاقبوا عليها؟ لم تعد تذكر العدد تماما ...انهارت مثيالتها و جاءتهّن حمّى هستيرية ما أفقدهن عقلّهن حتى ارتداء األبيض تحت التراب .سائحة في أرض كانت ستحتضنها داخل أحشاءها كأمّها الرءوم ...عافها أهلها و لفظها جيرانها و س ّكان منطقتها... لكن ما ذنبها؟ لم تتجاوز الرابعة عشر من العمر ...و في أحشاءها روح ليست محددة األبّ ,ت ّنقلت كثيراً بين القرى و المدن و ار جدا من أيام شهر هي تشعر بحركة داخلها ترفس و تنبض ...حتى جاء وقت الوضع لديها في يوم صيّفي ّح ٍ مقفر ال ماء فيه و ال كوخ خرب حتى يؤويها .الزواحف في أقبيتها و آب ,لهبه يشوي الوجوه ,و المكان ٍ ّ جحورها .فاجأها أل ٌم ما عرفت كنهه إنما شعرت للمرّة األولى في حياتها كلها أن خناجر الدنيا تطعن خاصرتها و تنهش بطنها. صراخ ضجّت له غربان األرض قاطبة و نسو ٌر تحلّق فوق رأسها منتظرة ...حيّات األرض اجتمعت حولها ال تعلم هل تريد مؤانستها أم التهام اآلتي من رحمها؟ ّ تذكرت كيف كان شيخ قريتهم يروي لهم قصص األنبياء, فسارعت ذاكرتها تستعيد قرابة سنة مضت ما سرد عليهم من قصّة السيدة مريم و كيف وضعت حملها في واد غير ذي زرع .قطعت سلسلة أفكارها أالم ما عادت تطيق بها ذرعا ...جف فمها و بدأت تدعوا هللا أن يرحمها ...تريد شربة ماء ...تنادي األم و األب اللذان حاوال ذبحها ال لذنب أرادته راضية بل ألنها سبّيت و اقتيدت أسيرة من قبل جنود كان واجبهم حمايتها ...لكن ...وارباه ما حال دنيا تبدّلت و جعلت من طفلة كانت تلعب مع قريناتها في باحة دارهم بدمىً صنعوها من إسفنج و قماش متهرئ تسوح على وجهها في بالدها الشاسعة الواسعة دون رقيب أو عتيد يحمي ظهرها؟ آه منك يا وطن كم أصبحت غريبا ً ,قبيحا ً ,و ذميما ً في نظري. جاءها ألم المخاض الذي سمعت به ألول مرّة عندما واجه أمّها ,كانت في الحادية عشرة من عمرها ...كانت تسمع صراخها و ألمها و ساءلت نفسها لم تصرخ أمّي و تجمع علينا الجارات؟ اآلن فقط عرفت جواب سؤالها. للمرّة األولى في حياتها مذ بدأت تعرف معنى الحياة بنظرتها الطفولية تصرخ من ملئ حنجرتها و تتأوه بسبب تلك اآلالم ...تم ّنت أن تن ّ شق األرض من تحتها و تبتلعها عسى أن يخفف ذلك أوجاعها ...أرادت أن يم ّتد لها حبل من السماء يلّف حول عنقها و ينهي تقلصّات رحمها التي ما عاد قلبها الصغير قادراً على أن يتحّملها... أحسّت بشرايينها ستنفجر ...و أن أذنيها صمّتا تماما عن سماع أي شيء من شدّة الوجع. بعد مضيّ أكثر من ساعتين على حالتها تلك إذ بها تسمع صوت يؤنسها ...صوتا ً ينادي عليها من دون كلمات مفهومة ...صراخ شيء صغير له م ّكمالت اإلنسان ...ذاك الذي أنهك أحشاءها و فاضت آالمها منه حتى ظ ّنت أن موتها قاب قوسين أو أدنى ...يبكي بين قدميها بلونه األحمر و بقع بيضاء تغطي جلده ...قلي ٌل من شعر الرأس مب ّتل ,وهي ال تعرف ما تفعل .قادها حدسها ألن ترفعه بين يديها و تضمّه إلى صدرها ...أحسّت بفيض عارم في مشاعرها أنستها ساعات مضت من األوجاع التي ال حصر لها ...فاضت جوارحها ب ّك ٍم هائل من الحنان أبكاها ,إال أن مشاعرها لم تحدد معنى تلك الدموع :أهي من شدّة األلم أم لفرح باغتها فجأة و ه ّز كيانها الغضّ ؟ ّ الرث أن تلّفه خوفا عليه ...فبقايا الشجرة الهرمة التي أظلّتها ال تسمن و ال تغني من جوع و ال حاولت بوشاحها ً رفيعة جداً .لم تعرف ما تفعل تماما حتى تهدأ من روع ذاك الصغير ...حاولت تحجب من الشمس سوى خطوطا أن تستذكر ما كانت تفعل أمها إال أن خيالها الصغير في ذاك الوقت تحديداً قد خانها ...خذلتها مخيلّتها و بع ّ دت عنها الذاكرة .انتبهت أن الصغير يبحث بفمه عن شيء في صدرها و هو يصرخ كالمستغيث من الغرق ...لكنها لم تفقه شيئا ً فأصبحت تبكي معه ألنها عدمت الحيلة في إسكاته ...هناك شي ٌء ما خرج منها تماما ما نبّه عقلها
8
الصغير أن تلتفت إلى بطن صغيرها فتراه مربوطا ً بحبل جلديّ مدمّى يتدلى منه و ينتهي بين ساقيها السابحتين ٍ في بركة دماء قرمزية قانية ...لم تعلم ماذا تفعل بذاك الحبل إال أنها تذ ّكرت عبارة أمها مرّة أنه يسقط وحده فانتبهي على شقيقك و ال تلمسيه ...ال تلمسيه أبدا. بعد مضيّ حوالي الساعة سكت فحدّثت نفسها بأنه عييّ و نام ...بدأت تهمهم له و تمسح على رأسه كما كانت تفعل مع دماها و ألعابها ...بدأت تجول ببصرها يمنة و يسارا عسى أن تجد سراب أح ٍد يم ّد ي ّد العون لها ...عبثا ً حاولت ...حرّكت جذعها الصغير البضّ و تثاقلت رغم ألمها بعد أن حادت الشمس عن محورها العمودي الحارق و بدأت بخطىً وئيدة منهكة و متعبة تسير في ال اتجاه ...تحاول العثور على مأمن لها من وحوش الليل إذ بدأ يه ّل عليهما .سارت لمسافة طويلة كانت تسقط فيها بين الفنيّة و األخرى متهالكة تج ّر وراءها حبال قرمزيا ّ ينقطع أبداً. على شكل نقاط ال وجدت بئراً تلوح لها مع آخر خيوط الشمس التي تودّع أبناءها على األرض بلونها األحمر الباكي على مصابهم, فحاولت أن تعجل بخطاها و هي تتخيّل كميّة الماء التي ستب ّل رمقها بها و تغسل عن وليدها ما هو فيه .لم يشعرها قيظ النهار كم جسد الوليد بارد و أنه لم يتحرك حركة واحدة مذ بدأت مسيرها الشاق .كانت تهمهم و تهلّوس من شدّة العطش و التعب و هي تحاكي قطعة اللحم الصغيرة التي تضمّها إلى صدرها بشد ٍة خوفا ً عليها. حبل تسحب به ما ًء زالالً وصلت البئر أخيرا ...لمست حافته بقامتها الصغيرة و هي تحاول البحث عن دلّ ٍو و ٍ يرويهما ...ال شيء ...مستحيل! يا هللا أرجوك ساعدني ...أتوسّل إليك .أجهشت ببكاء حا ّر لو سمعه جالدوها و نابذوها لفطنوا ما فعلوا بها ...فهي كما الموءودة التي ستسأل يوما ً بأي ذنب تركت و هي ذات األربعة عشر ربيعا في وطنها و أرض بالدها تهيم بآالمها و أوجاعها ال سند لها من البشر و ال حمىً يلوذ عنها ضباع الليل, ذئابه و وحوشه المفترسة. عانقت اللحم البارد و بكت بحرقة و هي تأسف لطفلها و تمسح وجهه الغضّ فأحسّت منه عدم حراك كما إسفنج لعبها .حاولت أن تحركه ذات اليمين و ذات الشمال عبثا ً يتأتى بهمهمة أو حركة إصبع ...أصبح بارداً جدا كقطعة جليد و تحّول لونه من األحمر الورديّ إلى األزرق الغامق ...تبينت ذلك تحت ضوء قمر تلك الليلة. انهارت تماما ً ...الدنيا تدور بها كما لعبة العيد التي كانت تضحك من ملئ قلبها حينما تركبها مع صديقاتها لينزلن بعدها مترّنحات من شدة الدوار و الضحك. فاضت عليها ذاكرتها عن ذلك اليوم عندما كسروا باب البيت العتيق بأسلحتهم الكبيرة و لباسهم المموّ ه .بدءوا يقلبون المنزل رأسا على عقب ال يرحمون صراخ أ ّم و هلع ثمانية أطفال يصرخون و عويل األب الذي يدافع عن امرأته و أوالده السبعة و ابنته الوحيدة ...أخذوا ما خفّ حمله من طعام ,قتلوا الحمار وسيلة نقلهم الوحيدة و حّمال أثقالهم ...ذبحوا البقرة و عجلها مورد رزقهم الوحيد ...حرقوا األرض بما فيها من ثمر و مزروعات حتى أصبحت هبا ًء تذروه رياح جافة مقيتة ثم ...ما كان من أحدهم إال أن سحب الصغيرة من يدها عنوّ ة و األم تولول و األب جاثيا ً يخبط بيديه على رأسه و يجهش ببكاء حا ّر. قتلوا اثنين من أكبر أوالده ثم أدخلوا الصغيرة خنّ الدجاج الميّت و الطلقات الفارغة تملئ أرضه مختلطة بلون غامق رائحته كالصدأ ...ال تنسى مدى خوفها و ذعرها ...هلعها المهول من شدّة ما رأت منهم ...عرّوها ثم تناوبوا الواحد تلو اآلخر دون رحمة لدموعها و آالمها المبرحة التي كانت تكتمها خوفا ً من أن يفعلوا بها كما شقيقيّها .لم يفعلون بنا هذا؟ أليسوا هم حماة ديارنا و أرضنا ...كيف يعقل هذا؟ أليس أهلهم و ذويهم ممن كانوا يقطنون معنا ...يأكلون من ذات الزرع ...يتقاسمون األفراح و األتراح ...يتزوجون م ّنا و نتزوج منهم؟ ما الذي عار ما أذنبت فيه من قريب و ال من بعيد! حصل ...لم قلبت كل الموازين فجأة؟ ثم يحاول أهلي دفني على ٍ أيقظتها أصوات أبناء آوى تقترب منهما أجفلت حتى كاد قلبها ينخلّع و ي ّكسر أضلعها من شدّة الخوف التي انتابها في تلك البقعة الفسيحة التي ال يغطيّها فيها سوى كحل السماء الم ّرصعة بأثمن الجواهر .بدأت تصرخ طالبة المساعدة ...لكن ما من بشر يسمع أو حيوان يتأنى عنهما .آه يا ربّ مالي و هذا الخراب حوالي ...ربيّ أرجوك فقد تعبت من الهرب ...تبرئ مني األهل و جحد بوجهي القاصي و الداني.
9
أغمي عليها من الفزع الشديد و الهلع المقيت ...لكم من الوقت...؟ انتهى الحسّ لديها بالنسبة للمكان و الزمان. وجدت نفسها تحت سقف أبيض و غرفة بسيطة األثاث إنما أنيقة ...سمعت صوتا ً نسائيا يهنئها بسالمتها و أنها صحت أخيراً ...ثم غابت عنها ثرثرة السيدة ذات البشرة السمراء المجعد ّة و التي ّ خط الزمن يده عليها ليؤكد أنه م ّر من عمرها الكثير. أمضت أياما ً ...أشهراً ...ثم استطاعت أن تتأقلم مع محيطها الجديد ,بدأت تعاون السيدّة في بعض األعمال لكنها ّ يخطه على صفحات الزمن .لم لدهر كامل أن ما أن تتعب قليالً حتى يداهمها الوهن و آالم تعيد إليها ما ال يمكن ٍ تنظر مرّة واحدة في المرآة منذ مصابها ...حتى طلبت منها السيدة أن تملئ جرّة الماء من النهر حينها فقط انعكست صورتها فوق صفحة العاصي فهالها ما رأت ...تراجعت و كأنها اصطدمت بجدار زجاجيً ما كانت عالمة بوجوده ...يا هللا ...أتلك هي حقاً؟ غير معقول! ضفيرتها الذهبية اللّون أصبحت بيضاء كغيمة صيف... كثلج جبال الشيخ في رأس السنة ,قد فقدت القدرة على الكالم من أثر الرعب الذي عانته المسكينة ...لم يترك لك أهل البيت الطيّبين أية مرايا في المنزل خوفا ً عليها من أن تفقد ما بقي من عقلها إن هي رأت ذاتها و قد غزت جيوش الشيب جمال شعرها الطويل حتى نهاية ظهرها ...اح ّتلته كما احتلت الكوابيس ليلها. إلى متى هذه المعاناة ...لم تقتلون أصواتنا ...و تستبيحون أعراضنا؟ إلى متى إذالل الكهول و التمثيل ً باألطفال ...اتركوا لنا وطننا ...أرضنا ...أرجوكم ارحلوا ع ّنا يا من سكنتم بين ظهرانينا ...أرجوكم كفانا سنة و ً ذليلة و قد أصبح نيّف على استعباد شعبكم و أهليكم .أريد استرداد وطني ,ذاتي ...أريد حياة ح ّر ًة كريمة ,ال عمري خمس عشرة ربيعا ً و ال معنى لتف ّتح األزهار فيه ...أتمنى العودة إلى رحم أميّ ...
05-09-2012
11
توقف عن النبّض ...أرجوك كتلة جسده داخل السرير ,وسادته مبللّة كلّيا بماء حرقته ...وضع يده ناحية قلبه يريد إسكاته .تمنى أن يستطيع إدخال يده إلى قلبه يريد إمساكه عن النبض ...عن ض ّخ الدم الذي بات يكسّر أضلعه ,يريده أن يتوقف عن ارسال خناجره التي ت ّقطع شرايينه واحدا تلو اآلخر ,أن يوقف ذبح أوردته واحدا تلو اآلخر ...دون هوادة أو رحمة .ألم مبرح رجاه أن يكفّ عن إقالق ليله و سهاد عينيه اللتين مل ّتا قلّة النوم .ال طاقة لديه بعد اليوم عن التحّمل ...أصبح يلتمس الرحمّة ممن عليه أن يكون أ ّحن عليه من نفسه ...أال يسمعه يئن من شدة الوجد إليها أم هو مثلهم هوى التنكيل به؟ شهران مضيا و لم تتعوّ د قدماه بعد على الشوارع الجديدة دونها ...مش ّرد بين جسر غريب و ناصية موحشة .لم كتب هللا عليه عشق روحها التي لم يجدها في غيرها و كان يعلم يقينا أنهما لن يرتبطا أبدا ...أبدا .كيف سمح لمشاعره أن تقوده نحو هاوية سحيقة يستحيل الخروج منها دون كسور و ندوب لن تندمل ما حيي. ستون يوما و هو يتن ّ شق هواء يقتل رئتيه بسقيع مقتع .أصبح الجئا ...ال ,بل مش ّردا ال شيء يؤنس وحشة ليله و سكون الكون األصم حوله .توقف عند إحدى الجسور الغريبة عنه ...كان كوردة فيرساي البيضاء يعلو شوكه جمال شبابه الذي بدأ يخبو في عينيه الزرقاوتين ,بات كالزهور االصطناعية دون رائحة أو روح تنبض. سحقا لكل المسميّات ...تبّا لكل المسوغات التي تبيح بعد عاشقين لم يذنبا سوى أن قلبيهما أرسال تلك الكيمياء العجيبة و التي تسببت بتسميم جسديهما بعد أن غررّت بهما .فلتغرق في المحيط الكبير تلك القيم التي جعلت من أناس سواسية أسيادا و عبيدا ,أغنياء و خدما ً و فقراء. ما عادت تقو قدميه على حمله حتى أصبح وجهه مالصقا للقضبان الباردة ...هي اآلن الحضن الدافئ الوحيد المتب ّقي له بعد يديها الدافئتين ,الريّاح المرسلة من بينها هي بديل أنفاسها الحنونة التي كانت تشبع وجنتيه حينما كانت تحاول حمايته من ذات البرد .أال من عودة؟ مذ ح ّل الظالم على حياته و غادرته و هو يواظب على شراء الجرائد كل صباح يحاول تتبع أخبارها ...عسى أن يرى صورتها بين المشاهير و األعيان الذين ي ّتوجون حياتهم بزواج فاشل ...ذو مصالح متعددة و عبارات ال معنى لها سوى المال الوفير و السلطة األكبر .كله إلى زوال. آه ...هو يعلم يقينا كرهها لمن ارتضوه لها دون رغبتها ما جعله يفضّل الوحدة المخيفة عن أن يكون سبب إيذاء لها .أليس لها كما مثيالتها في أن تحصل على ما حصلن عليه من حريّة االختيار؟ ترى كم واحد مثله يقاسي كما يطعن هو؟ كم من الناس هجر نفسه و موطنه ألن قلبه أخطأ االختيار أو تحدى من هم أكبر منه؟ بلدي ...سورية ...حبيبتي ...أرجوك توقفي عن ذرف الدموع الحمراء ...أتوسل إليك ما عدّت أطيق رؤية رقصك كطائر مذبوح يتمايل ألما .عشقي األوحد آهاتك و أ ّناتك أحسّ بها كما أشعر بدفقان الدم في جسدي. أحبك ...أقولها بأعلى صوت لي ...مع كل دمعة و نار زفراتي تلسع صدري و تحرق ما فيه من سخط... أعشقك من بين نساء العالمين جميعا ...أبعدوني عنك كرها و هللا .عائد إليك يا حبيبتي ...ألكون إما بين ذراعيك أو في رحمك الدافئ .أهواك يا ك ّل العمر. 02-28-2012
11
جوريّةٌ و سيف ّ عدت أحتمل أكثر ...أكره نفسي ...أكرهها أكثر من أي يوم مضى في ذاك وصف تعدّى مراحله بكثير ...ما دقائق حياتي .كيف استطاع وصفي بذاك اللقب ( يا جوريّة بسيف) هل أنا واضحة أمامه لهذا الحدّ؟ سبع عشرة سنة مرّت ما تخيلت نفسي أسير خطوة دون أن يكون جانبي. كنت قد جرعّته األلم سابقا لشدّة خوفي! أخاف من ضعفي كأنثى أمامه ,أمام رجولته هو ...إال أنه حاول طمأنتي يوما أن الجوريّ مهما عال شوكه أو تغير لونه يحمل في طيّات بتاله قطرات ندى الفجر .أ أستطيع أن أعود جورّية؟ أريد أن أكون كما جوريّ فيرساي األبيض الذي يعشقه هو ...هو ال غيره. كم حاولت الهروب منه ...حاولت أن أحب غيره ألهرب من عينيه اللتين ما استطعت يوما أن أكذب عليهما... قررت أن أبعده عن طريقي الوحيد إال أنّ قلبه كان أقوى من أن يتركني في دربي الشائكة .وحيدة أبكي في سريري ألستيقظ صباحا و أنا أدّعي القوة و البأس ,إال أنه يعلم ما بي بمجرد أن ينظر إلى عينيّ . بت في العقد الرابع من العمر و ما زلت في نظره تلك الوردة البيضاء النضرة التي أحبها منذ سبع عشرة سنة. احترم خصوصيتي بكل جوانبها و لم أحترم قلبه يوما! أحب جانبي المظلم قبل المشرق ...إال أنني لم أت ّنبه يوما أنه يعاني بسببي أشد أنواع األرق و الخوف .لم أكتشف حاجتي إلى وجوده قبل اليوم ...لماذا؟ كان يخفف ع ّني بمقولته :ما م ّر م ّر و انتهى ,ال تلتفتي لم ذهب .كيف تركت سيف كبريائي يح ّ طم حلما جميال هو مبدعه .هو نجمتي القطبية و دليلي في صحرائي المظلمة القاحلة ...هو واحتي الوحيدة رغم وجود الحنظل و الصبّار في أرضي. إن كنت أريد ّ تذكر أيامي التي مرّت من دونه فهي درب وعرة مليئة بالثلوج و الصقيع الدائم ,ال طعم أليامي بها ,وحدة السير فيها مخيفة ح ّد الرعب ,و ال معنى للسير أبدا .كشفت له عمّا أحمله له ...بعد فوات اآلوان! عندما أخبرته بسّري عن نفسي و ما أك ّنه له ...قال أنه يعلم بذاك و قد انتظرني حتى أعترف له بما يعرفه مسبقا من صدق المشاعر نحوه ,من هروبي المتكرر و من المحتوم علينا .لم يقم بالضغط علّي مرّة ...بل ترك الباب مواربا حتى فتحته أنا على مصراعيه و يا ليتني فعلتها من سنين! خمسة أيام ...عشرون بعد المائة من الساعات مرّت لكأن سنين عمري مذ مولدي حتى صدحت بمكنونات قلبي له اختصرت فيها ...ليح ّل ظالم دامس بسماء سوداء ال قمر فيها و ال نجم يمكن أن يهديني لطريقي في جبال عالية ...السقطة من جرفها تفضي بالروح إلى بارئها .كيف استطعت فعل هذا بي ...أن تتركني دونك يا كل العمر. رفضتك بكل ما أوتيت من قوة عندما قلت لي :أحبك .و ضممتني إليك عندما أخبرتك أني :أحببتك و ما زلت أحبك .اآلن فقط عرفت كيف كنت تشعر خالل فترة جهلي بنفسي و كنت أنت معرفتي. لم أعد أسمع أي شيء حولي ,صمت قاتل ,أناس يتراكضون و أطفال يبكون ,نساء تصرخ ,صوت المدافع من كل جهات األرض تأتي ,ز ّخات الرصاص من كل حدب و صوب ,و وحدك هادئ هنا بجانبي ,كم أحسد تلك الرصاصة التي است ّقرت في قلبك بدل مني ,و كم أكرهها و أحنق عليها و أصرخ فيها :مستحيل ...ألنها سرقتك من بين يدي ,أنا التي تعلمت على يديك خالل أيام كيف يكون العشق و الهوى ,ما تعنيه المودّة والرحمة بين عاشقين. ما أجمل شعور أن أضع رأسك بين ذراعي و ا ّ شم عبيرك كما أزهار الكرز .إنك أجمل رجال العالمين قاطبة. أتذكر وعدك لي بأن نبني بيتا جميال في حقل أخضر صغير قريب من البحر الذي عشقانه كثيرا و سرنا فوق رماله الذهبية سويا ,كم رمينا بأسرار داخله ,أتذكر يا من دربي هو دربه؟ ...اعذرني فأنا ال أستطيع منع عيني
12
عن البكاء رغم علمي بمدى ألمك إن رأيت دمعي ...لم أقصد إيقاظك على صوت دقات قلبي التي تكاد من تسارعها أن تف ّجر شرايني و تفصل األبهر من موقعه. أتعرف أن قميصك ذا اللون األحمر القرمزي يليق بلون بشرتك البيضاء الجميلة و شعرك األشقر الذي عشقته مذ عرفتك في درب حياتي! صدقني .أتعلم س ّرا لم أخبرك يوما به ,و هو مدى عشقي لك و رؤويتك تتقلب على سرير الشوك خالل السنين الماضية سببه غباء أنثى تركت عنفوانها يحيل التراب إلى رماد ال فائدة منه. تشوه في وجهك ال غير ...كم... ال تقلق فما زلت بجانبك يا عزيزي ...كم أحب غمازتيك اللتين كنت تظن أنهما ّ و كم ...عشقت وجهك و بحر عينيك السماويّ اللتين كانت تأخذني إلى شطئان ما عهدتها قبال ما جعلني أتحاشى النظر إليهما مباشرة حتى ال ترى مدى ضعفي أمامك ...لكم ولهت بوضع رأسي على صدرك و يديك تطوقانني حتى أرتاح أو تهدأ عصبيتي .هل أخبرك بشيء يا ملك قلبي ...أحيانا كنت أفتعل غضبي فقط حتى تسحبني يديك إليك. سأبقيك مبتسما ً دائما و أقوم بواجبي كأنثى يا رجال ما كنت سأحصل عليه و إن طفت البالد و تعرّفت على كثير من العباد .يا لحمقي المقتع ,قد كانت سعادتي متاحة بين يدي طوال عقد و نصف و يزيد و كنت أوصد عليها األبواب و أصنع األقفال خوفا على نفسي من نفسي. ال ترحل عني ...وعدتني أن تبقى دائما معي و لطالما و ّفيت بعهودك لي ...ليس اآلن ...ال تخذلني اآلن ...أعلم أنك تسمعني ...أشعر بك حولي ,ما زالت أنفاسك تالمس وجهي ...إنما أتوسل إليك ليس اآلن .أبعد أن أذقتني حالوة ما عرفها النحل في زهر قط مهما طاف من بساتين و حقول ...مهما تن ّقل بين القرنفل و الرياحين و الورود بش ّتى أنواعها. ما الذي سأقوله لوالديك ...كيف أواسي جوارحي دونك ...ال أستطيع أن أجعل التراب يحثو فوقك أخاف أن تجرح وجهك ذ ّراته الناعمة ...لم أعد أملك قوّ ة تجعلني كما كنت يوما بجانبي في ذات الطريق... أرجـــــــــــــــــــوك ال ترحل عني ...أرجـــــــــــــــــوك .أنت في الجنان ترتع و أنا في نار الدنيا أبكي و اتألم. أملت فيك زوجا لعمري الباقي إال أن القدر ارتأى لي الوحدة دونك لما بقي من عمري ...خمسة أيام معك هي زادي لما تبقى لي من أيام ال أعرف كيف ستمضي دونك يا نفسا أسكنها هللا في نفسي. يا رب ...ع ّجل لي الشهادة حتى أكون حورية لمن جعلته توأم روحي في الدنيا...
03-29-2011
13
حظٌّجديد! مضى أكثر من اثنين و ثالثين يوما لم أره خاللها أبداً و قد عاهدت نفسي أن أنتهي من كل ما ّ يمت له بصلة تجعل مني ضعيفة مجدداً .عدت لحياة طبيعية قدر اإلمكان .يوم الميالد قد مضى و مضت معه ساعات جعلتها سلسة مرنة مع أصدقائي و عائلتي أحاول من خاللها التصرف بكل ما يحلو لي دون خوف .احتفلنا برأس السنة في أفخر المطاعم حتى الصباح و لم أعد أفكر بشيء يعكرّ عليّ صفو دقائق و ثوان كدّت أنساها بسببه ,اليوم األول من السنة الجديدة بدأتها بنشاط متجدد ...ارتديت أجمل ثيابي و تبرجّت ألجلي ...لنفسي ليس ألحد أو ألني أريد أن يلتفت إلي أحد ...بل ألني أريد أن أفعل ما أريده ألجل سعادتي. خرجت من المنزل و توجهّت لمكتبي أبدأ نهارا شعرت معه بهواء يدخل رئتي دون أن يسألني أحد لماذا تدخلين الهواء إلى رئتيك .كنت أضحك و أنا أسير في الطريق ألن الطير يغ ّرد لي و يمدح مظهري الجديد دون وجود من يقتل ذاك الغرّيد لمج ّرد أنه يمتدحني بذاك الر ّقي! فجأة أحسست أنّ أنوثتي تفرح قلبي المتعب عندما نظر أحدهم إلي نظرة إعجاب ...مازلت مقبولة كأنثى رغم اإلرهاق المضني لمدة سنتين. ال أريد أحدا أن يدخل حياتي اآلن ألني أريد العيش لذاتي ...أما المستقبل فليبقى مجهوال ال أريد قراءته من منجّ م أو من خالل األفالك ...يكفيني من مساء يومي الجلوس مع نجمي المفضل و إخباره ما أريد من أسراري. للمرة األولى مذ ذاك الوقت أخلد إلى سريري عند العاشرة مساء ...فيكون النوم حليفا لجفني دون أن يجعلني أتصارع مع نفسي للتفكير بأحد أو بموقف حدث جعل السهاد أقرب من أمّي إليّ ,القلق رفيق أعصابي باستمرار و الدمع طريق راحتي الدائم قبل أن أحصل على ساعات قليلة من النوم ألبدأ يوما مرهقا و ممال مشحونا بخوف أو قلق ال مبرر له. بدأت اليوم الثاني من السنة الجديدة بهمّة و نشاط ,السرور يملئ صباحي ...فتحت النافذة رغم برودة الجوّ إال أن الحرية تدخل منه و تتغلغل رئ ّتي لتصل حتى مجرى الدم كما يتنشق المدخن رائحة سيجارته كي تأخذه إلى عالم راحته. توجّهت إلى عملي كما البارحة ثم توجهت و صديقاتي كي نتسامر في أحد األماكن التي اعتدنا أن نذهب إليها. الساعة الثامنة مساء ع ّدت إلى المنزل و بعد أن بدلّت ثيابي و جلست مع والديّ حتى العاشرة و عشر دقائق... عندما أحسست أنني بحاجة كي أنام دخلت غرفتي و كما اعتدت أن أجعل عيني قبل أن تناما يتأمال لوحة السماء اإللهية المرصّعة بأجمل ماسات الكون ...تلك هي عشقي الحقيقي في هذه الحياة .غافل النوم عيني و سلب مني يقظتي كسارق محترف سلس اليد يعلم كيف يجعل محفظة الغير في جيبه دون أن يشعر به أحد أو يراه بشر. كان صوت الرنين عاليا إال أنني لم أمي ّز فيه الحقيقة من الحلم ...لم أعلم إن كنت قد فتحت عيني مستيقظة فعال أم أنني في خيال النوم أسبح دون أن أرى شيئا حولي ...شيء ما يومض بقربي ,بقيت أنظر حوالي الدقيقة الكاملة حتى اعتادت عيناي على الظلمة ...إنه هاتفي حقا ً ,مددت يدي بصعوبة أحاول أن ألتقط جوالي ألرى كم الساعة اآلن ...إنها الحادية عشر و عشرون دقيقة ليالً ,يا يسوع ما هذا الشقاء .طفقت أنظر للشاشة و هي تن ّبهني برسالة واردة و تل ّح علي أن أقرأها ,توقعت صديقتي فهي على األغلب ستتغيب غدا و تريد أن تذكرّني أن أقدّم لها إجازة ...ضغطت ز ّر المشاهدة و بقيت أحملق في الشاشة أمامي دون أن أعي ما حصل تماما. ّ أسندت ظهري إلى السرير أحاول أن أتدبّر من أمري شيئا" ...سنة جديدة و حظ تحولّت إلى وضع الجلوس و جديد إنشاء هللا سنة خير عليك ".ذاك كل ما كتب فيها ...سطر واحد فقط يحتوي على ثالث جمل ...كل جملة منها تجعل مني أشالء مبعثرة في كل اتجاهات الغرفة ...أحرفها تبدد حواسي و تفقدني القدرة على التفكير... نقاطها تقف كحاجز أمني يمنع النوم أن يعود لجفني ...لماذا اآلن؟
14
لم أشعر بطعم الحياة الحلو سوى ليومين ,ما استنشقت الحرية إال لساعات ألتوقف فجأة فوق لغم إن تحر ّكت عنه انفجر و نثر دمي في كل مكان و إن أنا بقيت واقفة فوقه لن ينفعني منه سوى التعب لقدمي و التهاوي مترن ّحة من ح ّر الشمس و برد الشتاء ألتناثر قطعا محترقة في كل زاوية من زوايا نفسي التي بين جنبي في آخر المطاف. قررّت أن أتجاهل الرسالة ...وجدّت صعوبة في حذفها بذات اللحظة ...لم أستطع تقدير األمر بعد ,فتلك السقطة مؤلمة جداً جداً .حاولت النوم ...عبثا كان .عندما بدأت العصافير بالزقزقة معلنة الفجر ليوم غريب يحمل معه ماض ال أريده أن يعود لشخص أتركه ألجل من تحبه أكثر منيّ ...لمن يخاف على ولده من وجودي رغم ما يحمله لي من مشاعر و حبّ دفين. جلست في سريري أضّم قدميّ إلى صدري و أتأمل خروج جوهرة السلطان من مخدعها بعد ليل مرهق طال, أف ّكر مليّا بما سببّته لي رسالة مؤلفة من بضعة كلمات تريد أن توقظ فيّ شعورا ال أريده ...ليس كرها لمن أتقن دوره و استطاع الكذب فقط ...بل أيضا لمن أذاقني الحب و جعل من نفسه الرجل الذي تتمناه األنثى حتى بات يرهبني غيابه ألحسب كل حركة أو سكنة أقوم بها .يا له من إحساس رهيب ...أن تكون قدم لك في ج ّنة عدن و األخرى تحترق بلهيب جهنم و سعيرها .كل ما جعلني أبنيه معه تهّدم بفعل رصاصة قامت بمساواته مع األرض كما فعل الزالزل. قررّت المضي قدما رغم الشوك الذي يجّرح قدماي ...مع كل الطعنات المتوالية على قلبي الجريح ...لن أعود للوراء أبدا ...خطأ فادح أن أكسر قلب امرأة ألجل أنانية لن أحصد معها سوى الخراب و القلق و االضرابات النفسيه الغير مستقرّة لما تبقى من دقائق حياتي .قمت بحذف الرسالة و كأن شيء لم يكن. مضت أيامي بشكل جيد ...ستون يوما أو يزيدون ...عائدة إلى منزلي قرابة السادسة مساء ...وضعت المفتاح في الباب أريد ولوج البيت ...و إذ بصوت يأتيني من الخلف. لويل :كيف أنت؟ هل أنت بخير؟ لم لم أعد أراك؟ واثقة من أنه استطاع سماع دقات قلبي و رأى مدى الرعشة التي انتابت قدماي و لم تعد تحمالني أبدا ...تجمّدت دمائي داخل عروقي ,ثبتت عيناي على قفل الباب ال أعلم إن كنت أريد فتحه و الهرب أم أبقيه مغلقا و من ورائي انتصبت مقصلتي تريد رأسي دون ذنب قمت به أو فعلته سوى أن ضحيت بسعادتي ألجل الحفاظ على استقراره. ال أعلم كيف فقدّت احساسي بالزمن الذي أوقف كل شيء من حولي حتى الشعور بالهواء الذي يجب أن يدخل رئتي ليساعدني على التنفس انقطع عن مسيرته نحوي ...يا أم ّنا العذراء أنقذيني أرجوك ...ال يسعفني تفكيري بشيء ...يا إلهي إنه يتقدّم نحوي ...أشعر بقربه .هل أصرخ؟ لماذا؟ ما الذي سيفعله لي ...ال شيء .لكن لم أتى؟ التفت إليه و حاولت التماسك أتمثل الشجاعة بكل أشكالها إال أنه يرى مدى ما بي من نظرة عيني و لون وجهي الذي اصف ّر من هول الموقف الذي جعلني فيه. سوير :أهال ...ما الذي تفعله هنا؟ لويل :لم أعد أراك فعّرجت ألطمئن عليك. بدت الدهشة على وجهه جرّاء سؤالي و كيف يبدو مظهري في تلك الدقائق .إال انني كنت ضعيفة جدا أمام عينيه اللتين تستطيعان قراءتي دون أن أبوح بحرف منقوط حتى. سوير :مشاغل الحياة كثيرة ...نعم ...كيف هي ...عائلتك؟ هل هم بخير؟
15
قمت ببلع ريقي و ب ّل شفتيّ اللتين توقفتا عن الحركة و عيناي اللتين تتجاهالن النظر إليه مباشرة كمن يخاف النظر إلى جالده و هو في قمّة التعذيب. صمت برهة و قد وصلت رسالتي إليه و بوضوح أكبر من وهج شمس الصيف على رمال الصحراء الحارقة في ساعة ذروتها. لويل :أجل هم بخير ...رأيتك على خير. قاطعته بعصبية و خوف باد في رجفة صوتي التي لم أستطع التحكم بها. سوير :و أنا أيضا ...لكنني تأخرت عن المنزل و لدي أعمال كثيرة غداً ...تصبح على خير ...سيدي. لويل :سيدي؟! لحظتها أدرت ظهري و بدأت دموعي تنهمر مني دون أن أستطيع إمساكها داخل محجريها ...أسرعت بقطع العتبة و إغالق الباب ورائي ...خانتني قدماي عن صعود الدرج ...فطفقت على األرض جالسة ال أدري كيف حصل ما حصل ...هل مازال واقفا خلف الباب؟ لم أقوى على الوقوف و النظر من عين الباب ...لم أستطع. خفت من ضعفي أن يغلبني فأفتح باب أوصد ّته تواً بيديّ ,أرهبتني فكرة أ ال أجده ما يزال ينتظرني إن قمت بمواربة الباب و لو قليال. أكثر من ساعة أمضيتها في مكاني ذاك دون أن أبرحه أبدا ...أليس األلم فظيعا ...هو حمل هاجر وجب إجهاضه بكافة الوسائل و الطرق و إال أودى بحياتي .بقي عقلي يحاور قلبي المذبوح و يواسيه أن ما فعلته هو الشيء الوحيد الصحيح و إال ...لكنت السبب وراء تعاسة أخرى و كره أوال ٍد ألبيهم. لم تخلو الحياة بعد من الرجال .إال أ ّني لم اتخيل يوما واحدا أبدا أن ما أسمعه من رفيقاتي أو ما نراه في األفالم و المسلسالت أن يحدث معي ...أنا .كرهت تلك النسوة و الفتيات القادرات على سلب امرأة أخرى حقهّا بسبب األنانية أو لعبة المكر التي جبلنا الربّ عليها .لكن لست أنا ...ال ...لن يحصل ذالك لي أبدا. الحقيقة واضحة كما فارس النور ...لن أطمسها بسبب ستار الحب ...و ألنني أحببته فعال فسأحافظ على بقاء حياته مع عائلته .سأرد له جميل صنعه أن جعلني أعلم كيف تشعر أنثى بحمى رجل أنار لها دربا ما سارت فيه قبال بأن أبتعد عن طريقه أبدا ما حييت.
آذار 1122
16
ذبح ما أنا سوى امرأة توقف ضخ الدم في شرايينها و باتت عن الناس في اعتزال فراق أوقف نبض الحياة و باتت من األلم طائرا مذبوحا يرقص ألما تصفق له الناس حين رؤيته ظنا منهم أ ّنه يمتعهم رقصا و فرحا أال من يشكو لغير الخالق بلواه بات من قبل من حوله همزا و لمزا لست ألومك على ما تراه ف ّي بل ألوم من جعل من حالي هرجا و مرجا يتداوله من حولي لكأني لإلعالن صورة و للصحافة أحرف ترقص مسخرة مات الدمع في محاجري و مات النبض في حياتي و ما بقي لي سوى أن أدعو الواحد القهّار ب ّرد الروح إليه مرتجية الرحمة و الغفران كم أتمنى أن تعود لي يوما أن تكون ذاك الحب السرمدي إال أ ّني أعلم يقينا أنك بين أيد المالئكة ترفرف معهم كم أحسدهم ألنهم يرونك و أنا وحدي على األرض أنتظر وقت إلتحاقي بك قد توقف نبضي مذ رحلت لكنه بدأ النبض فيك مذ ارتحلت فأي فرح بات لي بعدك حبيبي يا من تحملّت ألجلك أصعب األشهر و اللحظات يا من انتظرت أن يكون جانبي دائما اعذرني ألني لم أكن أنا المرتحلة عنك فلكان أسهل صدقني لكنك من سبقني الى السماء العليا فيا هناك و يا لتعاستي
17
و بؤسي و شقاءئي مازلت أذكرك بين يدي ترضع أراك في مشيتك األولى لكالمك األول و أنت تنادي أباك أرحلت و انتهى أتسمعني أتراني يا حبيبي مازال قميصك ملطخا بدمك أتمنى أن يشفي عليلي كما أعاد قميص يوسف نظر يعقوب يا ليت دعاء يونس بن متى يوصل الطريق بين السماء و األرض ألراك و لو للحظة ,برهة زغردت لك و حضنت ألجلك نبات الصبار فال الشوك عاد يهم و ال الدمع يشفي غليل الفراق
18
مرآة أربعة عشر شهراً ...و لم يخبو إحساسي تجاهها ...لم أستطع إبعادها عن فكري أو نسيان صورتها ...يا من جعلت مني شخصا ً آخر تماما ,يا من عّدلت كيانيّ ,أثرت في تأريخي لذاتي ,غيّرت منظومة األحرف و جعلتني أنطقها بشكلها الواضح و الدقيق مع معرفة أنواع التنوين التي و رغم أ ّني عربيّ إال أ ّني لم أعلم مواقعها قبالً. يداي تتع ّرقان بكثرة ,أعصابي مشدودة كالحبل حول رقبة المذنب ,ترتجف قدمّي لكأن جسدي سيتهاوى على اإلسفلت المترب ,أشعر بعدم توازن مشيتي و الواضح من ترّنحي و أنا م ّتجه نحو مدخل العبور ...يا هللا كم هو كئيب ,حديديّ ذو ثقوب تسمح لعين الناظر أن تسعها ,كبير حتى ليظن المارّ من خالله أنه قز ٌم أمام مارد مرعب سيبتلعه .ال يوجد عتبة تقطعها حقا ً لكن بمجرد أن تضع قدما ً واحدة داخل تلك البوابّة حتى تشعر أنك زمن آخر ال ّ يمت للواقع بصلة ...حياةٌ ليس بينها و بين الواقع من صل ٍة سوى وجود عالم آخر... ٍ أصبحت داخل ٍ زمنً صامت ال يتحرك حتى أني بدأت أفقد البشر فقط ...وجود أشخاص بأجساد ال غير ,لكأني دخلت في الشعور بالمكان. نظرت حولي بتمعّن و على م ّد بصري لم أجد سوى مساحات شاسعة من التراب و الغبار على شكل زوبعات صغيرة تتشكل بفعل الهواء الحار الذي يلفح الوجوه و تخدش حبات ال ّتراب الجباه كما و تعمي األبصار .نظرت أمامي فإذا بناء من طبقات عدّة تحوطه ثالث أبراج عالية يقف في ك ّل منها شخصين بكامل عدّتهما و قدماهما ال ت ّكل الرواح و المجيء .حجارة البناء الكبيرة المهولة لونها مقيت ,من ّفرّ ... طيور سوداء كبيرة تنعق و تطير فوق سطح تلك القلعّة المهولة ....ت ّنبهت لصوت أحد الحّراس يخبرني أن أدخل من ذاك الباب المتآكل لونه و الذي يصدر صريراً مزعجا ً عندما فتحه أمامي ألدخل منه إلى ممرّ معت ٍم ,جدرانه جرداء إال من لون دهان كان أبيضا ً فيما سبق و يميل اآلن إلى الصفرة ما يد ّل على أن زمنا ً طويالً مرّ من هنا. ت غير ذاتي تماما ً ...أحسست برئتيّ و قد توقفتا عن عملهما في ابتالع األكسجين و نفث بقاياه... شعرت بذا ٍ عي ّني كادتا تخرجان من محاجرها ج ّراء اجتياح موجة رعب كبيرة تعصف بعقلي .استطعت بصعوبة بالغة أن ً صرخة كادت تخرج غص ّبا ً ...بدأت أتقهقر و كادت رجالي تخونانني و ت ّفران بي من ذاك السرداب أحبس القذر ذو الرائحة العطنة الن ّفاذة جداً و الدرجات المتآكلة بفعل الزمن و التي كدت أهوي منها عدّة م ّرات. وصلت أخيرا ّ إلى باب غرف ٍة ما ت ّنبهت حواسي عندما نطق رجل ذو صوت أجشّ بأن يدخل الطارق إليه ,عندها ظهر ضوء أعمى بصري ,فاتجاه الضوء المباشر لم يظهر لي سوى ظ ّل لرجل جالس قبالة الباب في أصقاع الغرفة دون أن أتبيّن مالمحه بادئ ذي بدء إلى حين جلست على إحدى الكراسّي ذي الجلد البنيّ الداكن و التي ً فخمة جداً هي و شقيقاتها الثالث داخل تلك المساحة الكبيرة .المكتب الذي يجلس عليه صاحب الصوت بدت األجش كان مطعّما ً بالصدف الحقيقي ذو الذوق الرفيع جداً و مو ّ شى بزخارف ذهبيّة رائعة ...أيعقل أن يكون في بناء كهذا غرفة ملكية على هذا النحو؟ تراءت لي أخيراً صورةٌ أوضح للشخص الجالس خلف الطاولة بعد أن اقتربت منه أكثر على نحو جلوسي ,إال أنيّ لم أتوقع أنه بذاك القبح! ُّ كبت تقز ّزي و نفوري من شكله الدميم ...ال أعلم كيف أصفه ,حاولت أن أجد له اسما ً لك ّني عجزت تماما ً إذ قطع عليّ هذا (الوحش) أو (المسخ)_فلتسمّه ما شئت_ سلسلة أفكاري عندما أخبرني عن كتاب التوصية الخاص و أنه لم يسمح من قبل ألح ٍد أن يزور هذا المكان و من فيه...... هنا ...سبحت في أفكاري بعيداً و عيناي على الصحراء المقفرة المطلّة من شبّاك الغرفة الكبير .صحيح! كيف يأتي هنا أح ٌد لزيارة أحد؟ كيف يعيش أح ٌد هنا أصالٍ؟ غبيّ حقا ً من يقوم بهكذا مغامرة! كادت تفلت من مقلتي دمعة و أن تف ّتر شفتاي عن بسمة استهزاء لوال تمالكي لنفسي فنظرت ناحية الوحش المترّبع على الكرسيّ الدوّ ار الفخم و قد وقف األخير بطوله المتوسط و ظهر انتفاخ بطنه الكبير المقرف و هو يقول ألحد الحرّاس أن يرافقني إلى حيث غايتي .م ّد يده للمصافحة إال أنيّ ترددت عندما رأيت يداً كبيرة ذات أصابع قصيرة و سمينة و
19
مشعرة ح ّد القرف لكن وضعي الحرج يضّطرني إلى مصافحتة و رسم بسمة مقتضبة بينما بقي وجه المسخ دون أي تعبير يذكر ,ثم مضيت إلى وجهتي. مجدداً نزلنا ذات الدرجات المتهرّئة و عادت رائحة العفن المشبعة برطوبة المكان حتى وصلنا البهو الذي دخلنا طابق ثم الثاني منه ,ظننت لبرهة أننا سنخرج منه إلى باب آخر من جهة أخرى لكنهم استمروا بالهبوط إلى ٍ ّ ّ أغطي نصف وجهي بك ّم بزتي تحت سطح األرض ...عندها تغيّرت الرائحة و أصبحت كريهة أكثر ما جعلني الب ّنية و التي ارتديتها خصيصا ً من أجلها ...فهي تحبّ هذا اللون. كان المنظر في الطوابق السفلية أسوء من التي فوقها ...أحسست أن الجدران المتصدّعة ستنهار من قدمها, األبواب ستنخلع من كثرة صريرها و صدئها ,حتى السقف المتشقق و الذي يرشح بكثرة عند زواياه حسبته سيطبق علينا .وصلت إلى باب غرفة يشبه أش ّقاءه .فتح الحارس الباب و أدخلني إلى شبه غرفة ال تتجاوز الثالثة أمتار بين االرتفاع و الطول .فيها طاولة خشبية قديمة قد بهت لونها و أكل الزمن من خشبها ,على طرفيها كرسيّان حديديان تآكلهما الصدأ منذ أمد بعيد حتى ليخشى من يريد الجلوس على أحدهما أن يقع فيه. طلب منيّ المرافق ان أجلس على أحدهما ثم خرج و أغلق الباب خلفه. لم أستطع أن أجلس الهنيهة ...لم أعلم كيف سأقابلها بعد كل تلك األيام و الساعات التي فرّقت بيننا فبدأت أحدّث ذاتي كيف أجيبها عن عدم سؤالي عنها ك ّل تلك الفترة؟ هل أقول لها :أ ّني حاولت جاهداً اختيار غيرك إال أنك الوحيدة التي ما طفق خيالي يتذكر وقع كلماتها في أذني ,نظرة عتابك لي التي أعشقها ...ابتسامتك الهادئة الحنون .كيف سأراك اآلن؟ لم أستطع الجلوس على الكرسّي األول حتى انتقلت إلى شقيقه ,بقيت آخذاً الغرفة جيئة و ذهابا ً ...قد طال بقائي هنا وحيداً و أفكاري ترمي بي بين شطئان مجهولة و عواصف ما أنزل هللا بها من سلطان ...عقارب ساعتي تضيّق الخناق علّي حتى باتت كمقصلتي التي ال مف ّر منها ...حاولت تناسي الوقت و أنا أفك ّر كيف أواجه عينيها ,مشتاق ألن أرى وجهها المالئكي و خدّيها الورديين ...أريد أن أرى ابتسامتها و هي تكشف عن أسنانها البيضاء التي أبدعها الخالق ,شعرها الكستنائي الناعم ...كم مرّت يدي من خالل خصالته ,عنقها األبيض الذي يأسر أقوى سالطين العالم عند النظر إليه ,بحر عينيها الصافي و شواطئه الالزوردية التي ال أريد الخروج منها ما حييت... فتح الباب أخيراً .يجرّها امرأة و رجل ذو مالمح مخيفة ,وجههما عبوسٌ قمطرير .حاسرة الرأس ,لباسها مهلهل ,عريض ,بلون حبّات ال ّكمون و يحوي شقوقا ً كثيرة ...حافية القدمين ,قد قيّدت يداها الناعمتان بسالسل حديدية سوداء اللون .أجلساها على الكرسيّ األقربّ , حال وثاقها و طفقا عائدين جهة الباب بلئم شديد و قد سمعت أحد الحرّ اس ينبّهني أن لدي ما يقارب الساعتين فقط ثم خرج و صفق الباب ب ّقوة .ساعتين فقط! يا رحمن الدنيا و اآلخرة كيف بمائة و عشرين دقيقة أن تروي ظمأ أربعة عشر شهراً .بقيت حائراً بين أن أجلس أو أبقى واقفا على مقربة منها؟ كان الضوء ضعيفا ً في الغرفة ما يجعل من عينيك ضعيفتي الرؤيا لكن ...ليس لدرجة أن ألحظ...ها بهذا الشكل أبداً ...أبداً ...مستحيل! هممت أن أقفز ناحية الباب الصدء و أخبرهم أنها ليست هي ...ليست من أخذوها من حضني منذ سنة؟ حاولت أن أستجمع بعضا ً م ّما بقي لي من شجاعة ألسأل الكائن الذي أمامي عن اسمه ,من أي الكواكب هو؟ انسّي أم من الجان؟ رجل أم امرأة؟ ...حتى جاءني صوت منهك ,يرتجف ,و يخرج الحروف ّ بشق األنفس: ورد :كي ف أ تي ت ل هن ا؟ ك يف عر فت مك ا ن ي؟ ثم صمتت و هي تنظر لي بعين ...واحدة ...فقط عين واحدة ...و غاب لون البحر عن األخرى حتى بدت كتلة زجاجية .ب ّ ت كالمذهول و أنا أتأملها ...أدقق في تفاصيل وجهها ,أريد أن أعرف من تلك التي تجلس أمامي حقيقة؟ تبدو كإنسانة بدائية من العصور الحجرية ...عينها المتبّقية غائرة في محجرها...اختفى خدّاها الورديان و حلّت العظام بديالً ,شفتاها البضّتان أصبحتا بلون أسود مخيف و متشققتان ,رقبتها لكأنها جذع شجرة ميت, شعرها الطويل إلى ما بعد منتصف الظهر بات يحوي فراغات يظهر جلدة رأسها و قصي ٌر جداً ,ملّبد,
21
مت ّ شعث ...لكأن حشرات األرض جميعها تعيش داخله .أنفها الناعم الجميل مكسو ٌر و مائل .عندها ...ضاقت بي األرض بما رحبت ,انهمر دمعي دون أن أستطيع منعه ...حاولت الوقوف ألقترب منها ...إال أن قدمّي خانتاني فجثوت على ركب ّتي ...شعرت بعقلي يتطاير قطعا ً دون استيعاب ما أنا فيه ...مشيت جاثيا ً حتى وصلت إليها ّ يتدفق في العروق و ال قوّ ة تعين على تحمّل ما أرى أمامي .ب ّحا ٌر وجد شاطئ أمانه بعد أن ...أن منهاراً ال د ٌم كان تائها ً زمنا ً طويالً في بحر ل ّجي إال أن مركبه رسى في شاطئ للشياطين و أبالس ٍة ما أنزل هللا بهم من سلطان .اقتربت منها ...أمسكت يدها أريد أن ألثمها. هو :و ا ربّــــاه ...ما هذا يا حبيبتي؟ أين تلك اليد الحنون التي كانت تعطيني الدفء ...إنها باردة كلوح الجليد! ما ذا فعلوا بها؟ أمعن النظر فراعه المنظر. هو :قلّعوا أظفارك ,باتت التشققات تملؤها ,إحدى أصابعك أزرق جداً ,أين بنصرك؟ خاتم خطوبتنا ...يستحيل ذلك ...مبتور! كطفل يستنجد بأمه و ال يجدها ...طوقت قدميها النحيلتين بيديّ كما وضعت رأسي في حضنها و أجهشت بالبكاء ٍ يمسك الصغير بأبيه خوفه أن يتركه وحيداً في شارع مزدحم .ال أدري كم من الوقت بقيت أحرق أنفاسي بين يديها حتى شعرت بيدها المنهكة و التي حاولت بعد ألي أن ترفعها لتمسح على رأسي و تداعب خصالت شعري... ورد :لم ,لم تبكي يا حبيبي؟ كل شيء سيكون على ما يرام ...ال تقلق. رفعت رأسي و أنا أنظر إليها خجالً... هو :تركتك هنا وحدك دون أن أبحث عنك ...سامحيني أرجوك ,حاولت نسيانك ظ ّنا ً مني أنك انتقلت إلى الرفيق أرض األعلى إال أ ّني لم أستطع إال و أن أبحث عن أي بصيص نور ينفي أو يؤكد وجودك .تركت البالد إلى ٍ جديدة علّي أبني فيها ما يعّوض فراغك ,لك ّني فشلت و ما آتت الجديدة أكلها و ال أثمرت خيراً .هربت إلى كل شاطئ قابلته فلم أجد السكينة أبداً .أنظري يا عزيزتي لم أتخلى عن عهدنا ,ما زلت أضعه ...لكأنه ولد معي, سامحيني أرجوك ...و إال صرت نسيا ً منسيّا... ورد :لم أنسك يوما ً واحداً ,و أعلم أن ما من رجل يطيق الوحدة مهما حاول أن يفي بنذوره فتلك س ّنة إلهية ...و ال أظ ّنني نافعة لك بعد اليوم ...و ما أنا خارجة من عذابي هذا حتى تفارق الروح هذا الجسد ...عندها فقط سأحصل على حريّتي. رفعت نظرها إلى األعلى ...الالمكان ,تنهّدت و تابعت ببسمة ارتسمت على ثغرها فظهر ما بقي من أسنان ذات لون أصفر قاتم في فيّها. ورد :ال تقلق يا ك ّل العمر إني أعفيك من كل التزام لك ...أنت ح ّر و لك ّ حق اختيار غيري ...فما عدّت صالحة كأنثى بعد أن تعاقب عليّ القاصي و الداني ظلما ً و عدوانا ...ولجني الكثيرون و طعنوا شرفي بكل ما أوتيت بها يمنيهم كما فعلوا بأخريات غيري ...صغيرات و طاعنات في السنّ حتى ...تخيّل .هل تعلم أن قتل األطفال مباح أمام أمهاتهن؟ و أن السفاح شيء مقدسّ كما اللواط هنا. هو :أرجوك توقفي ...ال أتحمّل المزيد ...أتمنى عليك أن تلتزمي الصمت1 قاطعتني بصرخة حادّة جعلت من جسدي يق ّ شعر. ورد :اسمع ...ستسجل ما سأقوله لك ,هل تفهم ...إن ما تراه علّي من آثار ليست بالكثير الذي يذكر أمام ما شهدته غيري هنا ...إن كنت الرجل لم تحتمل هذا ...فما بالك بنساء ذقن من العذاب أكثر من أصحاب األخدود.
21
م ّنا من علّقت من ثدييها ,توضع الكهرباء بين أقدماء األخريات ,تع ّرى النساء و تعرض أمام كل رجال السجن أو يحشرن عاريات مع بعضهن البعض في غرفة ال تكاد تتسع ألربعة أشخاص ,تلبس أخريات ثوب المجانين و ت ّغرق بالماء حتى تفقد العقل أو الروح ,و...... بدأت تبكي و عال نشيجها و قد بدأت تتلمس وجهي و هي تقول بتوسل: ورد :ال تعد يا نفسا ً سكنت نفسي إلى هنا أبداً ,أبداً ...أرجوك .و إن كان من ب ٍد لعودتك ...فأرجو أن تكون على صهوة جواد تنتشل ما بقي م ّنا هنا .ما عاد شيء في هذه األرض يغريني على البقاء فيها ...صدقني ,إنما أوصيك أمراً واحداً ,واحداً ال غير... هو :أي طلب منك مطاع يا ك ّل العمر. ورد :ال تترك أرضك يعيث فيها يأجوج و مأجوج على هواهم ,ال تسمح لقارون العصر أن يتبختر مزهّواً بعربدته فوق رؤوس الخليقة ...إيّاك و أن تدير ظهرك لرحم سهر الليالي ,أفنى نهاره ,أطعمك من خيراته حتى تشبّ و تساعده في محنته .إال تفعل ...فقد خسرت ذاتك و تهت في غياهب الجهل و ضياع الهويّة. فتح الباب بقوة أفزعتني و دخل الرجل و المرأة المخيفان ,اقتربا من عشقي الوحيد و أعادا القيد إلى يديها النحيلتين ,سحباها من بين يدّي محاوالً التمسك بها بأقصى ما أستطيع ...فإذا بالحارس يجذبني من ياقتي و يذ ّكرني بانتهاء وقتي .كان آخر ما سمعتها تقوله: ورد :إلى لقاء قريب ...سالمي إلى أهلي. كنت خائر القوى ,سندني حارسان حتى وصلت إلى خارج البوابة التي دخلت منها ,رميا بي دون أي اكتراث خارج البوابة ثم أغلقوها بعنف و إحكام .بقيت جالسا ً ال أدري ما أفعل ...ال أنا قادر على السير نحو سيارتي ألقودها و ال أفكار لدي تسعفني .رأسي فارغ إال من صورتها ...وحدها .لم أشعر بقيظ الساعة الرابعة عصراً و ما زلت جالسا ً على اإلسفلت الساخن ,لم أهتم بالغبار الذي يجرح جبهتي و يدخل عينيّ ...فقد كانت دموعي أقوى ,لست أريد من أح ٍد أن يعيب مظهري المخيف ,شعري المتشعّث ,أو أن ّ بزتي الغالية متسّخة ,فهي هناك ال تجد من يضّمد لها جرحا ً أو يمسح عن خدها دمعا ً ,ال تجد ثوبا ً بسيطا ً خشنا ً يسترها حقا ً .ما الذي أتى بي إلى هكذا دنيا و هكذا زمن؟ استغفرك ربّي ما قصدّت اعتراضا ً على حكم أنزلته إنما ضاقت بي الدنيا بما رحبت إال من عدلك. تحاملت على نفسي بعد أليٍ و اتجهت منهكا ً نحو سيارتي ألعود أدراجي ...دخلت المنزل بعد منتصف الليل فوجدّت عائلتي بانتظاري قلقين علّي ,حتى إذا رأوني اتجهت والدتي نحوي و قد راعها مظهري ظ ّنا ً منها أني قد خطفت أو مكروها ً حصل لي .لم أنبس ببنت شفه إنما اتجهت نحو غرفتي و أغلقت مزالج الباب و بقيت ثمانية أيام أصارع نفسي التي بين جنبيّ ما بين أن أغادر و ال أعود ,أو أن أبقى و أفي بوصيتها التي هي أمانة قد أبت الجبال حملها. ّ متنطع ,جحود ...هذا ما توصّلت إليه أخيراً ,لم تتحمل وحدها بينما ك ّنا قد تعاهدنا على الوفاء يا لي من خائن, ً لبعضنا في الس ّراء و الضرّاء و حين البأس ...أولم تحبّني أيضا؟ من أجل كلمة ّ حق نالت ما هي فيه و ما زالت ّ أتستحق الشهادة و أحرم صابرة! فلم أحمّل كاهلها أكثر ...أولست زوجا ً لنفسها ,أين ذهبت الموّ دة و الرحمة؟ منها؟ فليشهد ربّ العرش و مالئكته أني خطبتك يا ورد من مالك روحك على أن تكوني حوريتي في جنانه ...و أشهد أن ال إله إال هللا و أن محمداً رسول هللا.
يا من قرأت كلماتي ...إني قد قصصت عليك جزءاً يسيراً من حكاية بلدي الجريح ...وطني السليب .عن بالد أرض تناجي أبناءها في أصقاعها قاطبة لكن ما من صدىً الشام كما كانت في عهد الخلفاء الراشدين .عن ٍ
22
يسمع .بالدي سجينة على أيدي أبناء أرضها ...فلسطين تباد و تهّجر ,سوريا تذبح و س ّفاح بها يمرح ,لبنان تدمّر و منافق فيها يت ّبطر ,األردن ّ تقطع أال من نخوة فيكم ...أم ران على قلوبكم ما كنتم به تعلمون؟
05-21-2012
23
عش اللحظة... ْ في كل مرة و بعد غياب أليام طال ليلها عل ّي وحدي نلتقي سويا ً ...ال أعلم هل أنا مج ّرد حال ٍة ما بالنسبة إليك أم مزاجك المتقلب الذي مازال يبحث بين الفتيات ...أم خوفك اإلقتراب أكثر؟ و ما ذنبي أنا؟ يظ ّل يخبرني أنه سريع الملل ,مدى استياءه من هذا الحال .إنما ما ال يستطيع أن يعبّر به عن نفسه أنه يخاف البقاء على الشيء ذاته مخافة أن يتمّلكه و يصبح لديه عادة يصعب الخروج منها ...فهو بعيد عن معنى االلتزام إلى ح ّد كبير .ال ألوم عليه فقد تكبّد مؤخراً خسار ًة هي من فعل يده ...لكن أن ال تسمّى األشياء بمسمياتها فهذا ما ال أستطيع الصفح عنه .فقد أثبت أنه المتقوقع على ذاته و لست أنا .دائما ً ما يتجرأ علّي بسلبيّاته على أنها أخطائي ...لست من الكمال بمكان إال أ ّني لست بهذا السوء أبداً و لو علم ما كابدته ألنصفني إلى ما وصلت إليه ...لم ألم عليه مرّة ما هو فيه فشدّة األلم تغيّر اإلنسان و إن أنا قسوت عليه كنت كالرحى على ما كان من تكسّره و أجهزت على ما بقي من كينونته .أ ّما أن أكون حطبا ً لمدفأته يستمتع باحتراقها مع غيري؟ لم؟ كنت أعلم أنني لن أراه بعدها و لفترة ما ...و ليس عندي أدنى علم إن كان مع أخريات ...أمّا أن يمسي على ما أصبح عليه فيّ ...هذا ما ال أدركه .حاولت إخباره بما في نفسي و حاولت إيجاد كافة المفردات إال أنها اختنقت و تربّصت في حنجرتي ...حاولت إخباره كيف استطاع مواربة باب كنت قد أغلقته منذ زمن ...ال أريد أن أشعر بأي ألم أو أي جرح فقد سئمت من كل هذا ...و رغم أن الرجل و األنثى مهما كابدا لن يستطيعا العيش دون أحدهما لآلخر ...إال أ ّني لست بصدد أي ألم جديد فكفاني و إن كان صديقا ً حقا ً فأنا أعلم أنه من غير الممكن أن يبقى دائما ً فهو متقلب المزاج و من غير الممكن أن أجده حتى في أحلك المواقف عندما أحتاجه... لكن علّي التواجد بجانبه متى أراد هو ذاك؟ فمتى سيتوقف عن اإلدعاء أنه يتصرف بشكل طبيعي و أنه هو... هو؟ باهلل عليك لست من كوكب آخر وال أنا من عالم األموات ...فأنا من البشر أشعر ,أحسّ ,و أتألم ...أفهم من لغة الجسد ما قدرّني هللا عليه ...إن كنت ستقنع ذاتك أن ما قمت به تجاهي لتعوضّني عن ما أردته و أ ّني إن "عشت اللحظة" بحسب مصطلحك أنت فسوف أكون سعيدة بغيابك أو خطبتك ألخرى ...فلست سوى جالّد مقصلة و ما ستجنيه يداك بعدها ستذ ّكرك بي كأسوأ كارثة مرّت في حياتك .لكن إياك ثم إياك أن تغيّر مفردات اللغة ٌ كلمة تنطقها لي تهمة تتلبسّك و ّ تزج بك في سجن الحياة ما حييت ...أما أن تجعلها لمصلحتك مخافة أن تجعلك ح ّجة عليّ ؟ ما أنا بضعيفة حتى أحسب لما تريده أنت حسابا ً و لست بمحايدة عن طريقي و إن كنت أغلى ما جعله هللا في قلبي. كن عاقالً و ال تدع ضعفك يسيطر عليك و يحولّك من مظلوم إلى ظالم ...فرفقا ً بالقوارير إن كيدنا لعظيم ...و ُّ صمت أو أعلمك أنّ قلبي ليس ميّتا ً إنما هو مؤشر صحيح عندما يشعر بما تفكر فيه أنت ...و أنت وحدك .و إن تم ّنعت عن إخبارك فلعلمي أنك كأي رجل سيتهرّب من اإلجابة و يدعي الفضل و األخالق و أن الصداقة هي األساس و أن مخيلّتي "الواسعة" توهمني بما هو غير حقيقي...... إن كنت أخطأت فيما قلت ...فقد أخطأت أنت التصرّف ...فال تلمني و لم نفسك فأنت من قمت بالعزف الخاطئ لنوتة واضحة ضاقت بها ذرعا ً أعظم دور األوبرا .أمّا أن تجعلني في موقف من ستنتحر ألجلك ...فلست منهن. و لست ممن تجعلها لمسة ي ّد أو حاجة لحنان رجل بضّمة أو نظرة و ال حتى قبلة تتهاوى إلى أسفل السافلين... فقد أخذت على نفسي أن بعدي عنك غنيمة لي و ...لك .فال أنا قادرة على أن أتجنب ضعفي تجاهك و ال أن عبور أجعل من اسم عائلتي مهبطا ً لكل عابر سبيل يريد أن يعبر من درب ضياعه من أنثى أن يجعلني جسر ٍ لب ّر أمانه ...هو .ما أنا بعود ثقاب تنير به شمعتك لترميه بعدها. عاملني كما تحب أن تعامل أختك أو أمك ...وضعتك بمكان كما أحبّ أن أعامل أنا ,و كما أتمنى من أخويّ أن يعامال غيري من الفتيات ...إال أن أنانيتك ,غشاوة قلبك ,كبر نفسك التي بين جنبيك ال يري ّنك أبعد من أنفك...
24
لست من أرادت صحبتك بل أنت من سعى إليها ...لست من بدأ حواراً و كالما ً و وضع حدوداً كي أفهم طبعك و فرض علّي الممنوع و أعلمني بالمرغوب ...أنت من بدأ هذا كلّه ,حاولت إيقافك في الكثير من األمور ...فإما أن تعاملني كرجل راشد حكيم و تخبرني بما تريده تماما فلن أهتم بمدى صراحتك أو وقاحتك سواء كان األمر جارحا ً أو مفرحا ً إال أّنّ كرهي للتمثيل الفاشل بشكل فاضح يدع لي القدرة في أن أخرج من قاعتك وقت أشاء إال أن الوقت سيكون قاصما ً لك ح ّد جلوسك على كرسّي مدولّب لن تخرج منه حتى يقضي ربك أمره منك .ال تجعلني أبلغ من الصبر عجز ٍا و من البكاء يأسا ً و من الشوق لك عت ّيا ً فقد وهن الحبّ مني. جعلتك بمكان ما سمحت لغيرك فيه ...بعد أن وجد ّتك متربعا ً على عرش شرايني و متملكا ً زمام األبهر في ض ّخه للدم داخل عروقي ...لك ّني أعلمك أن باسطاعتي أن أدمّر ما بنيته أنت بيدك في كينونتي و أخرجك من مستعمرتك و ما همّني الخراب الذي سيخلّف بعدك ...لست دميّة بين يديك تفرح بجديدها و تدعّي أن اهتمامك بها ليس لشيء ما سكن جوارحك و تتخلى عنها ألنك حصلت على أخرى ال تختلف معها سوى باأللوان. أتدري ...يا من تعلم ما أفكر فيه و تحزر ما أريده مسبقا ً ,أنك ما تفعل من حسنى معي فقط لكي تخرج مما يعتريك ...ال لتسعدني ...فأنت تكتب عليّ شقا ًء و أوزاراً لست بخارجة منها إال و أنا في قعر جه ّنم و ألني أخاف عليك من نفسك التي بين جنبيك و أحرص على ذاتي منك فإن بعدي عنك أهون الشرّين معا ً ...فمهما بلغت قسوتي معك عليك أن تعلم أنها لصالحك قبل كل شيء فليس من الهوان علّي بمكان أن أتخلى عنك إنما أريدك رجالً ألنثى ...إال أن هذه الحّواء لن تكون مرغوبة في مجتمعك و ال في قلبك فألم غيري يرهقك ح ّد التنكيل بي و مخافتك من ثرثرة من حولك يجعل رصاصك يرديني قبل أن يقبض روحي من نفخها فيّ ...فكفّ عن هراء غربيتك و عولمتك فما زلت الشرقيّ الذي يناقض ذاته أمام نفسه.
25
نَ ِك َرةَ كانت األغاني تصدح مباشرة داخل مجرى السمع من خالل سمّاعات األذن التي سمحت لصوت الريح أن تمّر من خاللهما لكأنه الهمس اإللهي يعبرني و يجعل كياني في الالمكان و يلغي حتى صوت الموسيقى الصادح... صرفت نظري عن ك ّل ما حولي إال عنها ...تلك التي ملكت عل ّي تفكيري كلّه حتى بات كل ما حولي مجرّ د صفحات من كرتون تنعكس عليه أضواء السيّارات فيجعل منه شيء من الخيال الال متناهي .ذهلت عن كل ما يحيط بي و تشبثت مقلّتي عليها وحدها فأحسست بخ ّفة وزني و أن النسمات تداعب وجهي و خصالت شعري بحنان و حبّ بالغ كنت أحتاجهما بشدّة. كان حديثها لي فقط فشغلتني عن غيرها ,ملكت علّي شغاف قلبي كامالً ...شعرت كم أنا مهمة و أن هناك من يهتم بي ,يصغي إلي دون ملل أو كلل و يفهم لغة الصمت التي أصبحت عليها ,تشعر بمدى األلم الذي يعتصر جوارحي و ما أنا محتاجة له .ال تعيب علّي طريقة تعبيري عن األشياء ,و تصحح لي مفهومي عن كل األشياء. ال أريد أن أصحو مما أنا فيه ...تلك الحالة التي ...ال أعرف كيف أسميها إنما هي غياب كامل عن الحاضر. تضيء أكثر من مثيالتها ...كانت تريني الح ّل من خالل تش ّكلها الغريب ,أردتها أن تأخذني معها و هي تسير نحو المجهول ...بالنسبة لي إال أنها تعرف الطريق ...وحدها فقط ترى أين الوجهة الواجب علّي أن أسلكها. جعلتني أشعر بذاتي ...أرى دفيئة نفسي بشكل واضح لم أعرفه قبالً ...لم أكن أعلم أن المناطق المجهولة داخلي أو التي كنت أخاف أن أراها هي مج ّرد ال شيء ...عبارة فقط عن الهبوط من على الرصيف أو الصعود إليه! جعلتني أبكي فمنذ زمن طويل قد ج ّفت عيوني. لم أع ّد أشعر بالزمن ...توقف إحساسي بالوقت ...أنستني ما كنت أخافه ,اعطتني الطريق التي علّي السير فيها, أرتني المجهول فيها حتى ألفتها و ألفتني ...إن غابت ع ّني في ليلة ارتعد و أقول لنفسي :هل أزعجتها في شيء؟ أغاضبة م ّني يا صديقتي الوفيّة؟ كم احتملت بكائي و شكواي .كنت أعرف من تراقصها كم هي فرحة لفرحي... أي ربّ ,سبحانك على ما خلقت و سويت من جمالها و أبدعت فيها. كانت موجودة في أحلك األوقات بجانبي و إن غاب الدرّي عن البساط المخملّي ...يكفي ان تط ّل وحدها حتى ترصّعه بألألتها فيمسى أغلى من الديباج و الحرير ,نجمة السماء ...صديقتي الوحيدة ...شكراً لك فأنت الوحيدة التي ال تحسبيني (نكرة) بل ترين فيّ أنثى.
26
الفهرس -5بلدي. -8بومٌ حكيم. -11توقف عن النبض ...أرجوك. -11جوريّةٌ و سيف. -11حظٌّجديد! -11ذبح. -11مرآة. عش اللحظةَ! -11 ْ -12نَ ِك َرة.
27