Caminos de Al Andalus_extracto

Page 1

‫مقدمة‬ ‫تقوم فكرة هذا الكتاب على انتقاء أربع وثالثني مدينة من بني‬ ‫املدن اإلسبانية‪ ،‬وقد كان بوسعنا انتقاء املزيد بال تردد إذ ثمة‬ ‫الكثير من املدن األخرى التي تستحق أن نخصص لها حيزًا‬ ‫في هذا املؤلف ملا تتمتع به من ماض إسالمي‪ ،‬بيد أن عملية‬ ‫االنتقاء تغدو أم ًرا ال مناص منه حني نتصدى ملهمة تأليف‬ ‫كتاب ما‪ ،‬وهي عملية ال تنطوي على تفضيل ملدينة على سواها‬ ‫إ ّال أنها تبقى عملية انتقاء في نهاية املطاف‪ .‬وسنسعى في‬ ‫هذا املؤلف إلى التطرق إلى احلقبات األولى من وصول العرب‬ ‫املسلمني إلى هذه األمكنة والوقوف عند تط ّورها اإلقتصادي‬ ‫والسياسي والعسكري‪ ،‬وإلى األحداث التي من خاللها تبلور‬ ‫املصير التاريخي لهذه املدن التي كانت من جهة تعيش على‬ ‫نحو مستمر صراعات مع مسلمي املناطق األخرى وفي الوقت‬ ‫ألي محاولة يقوم‬ ‫نفسه كانت تقف في حالة ّ‬ ‫تأهب دائم للتصدي ّ‬ ‫بها النصارى املرابطون على حدودها بغية احتالل أراضيهم‪.‬‬ ‫كما سنتطرق ً‬ ‫أيضا إلى املعالم املعمارية التي تعود إلى ذلك‬ ‫العصر والتي ال تزال قائمة مزه ّوة بالرغم من حمالت التخريب‬ ‫التي حلقت بها على يد الغزاة النصارى‪ .‬وكما سنرى الح ًقا‪،‬‬ ‫فإنّ املدن السابق ذكرها ستشكل محور إهتمام هذا املؤلف إذ‬ ‫سنتطرق للحديث عن حلول الغزاة العرب الذين تعاقبوا عليها‬ ‫وكيف أخذت هذه املدن في التش ّكل حول األسوار الدفاعية‬ ‫الشامخة وكيف امتد نفوذ هؤالء الغزاة إلى مناطق أخرى من‬ ‫• ‪• 12‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪Página de las dos primeras azoras de un Corán manuscrito (sin fecha).‬‬


‫شبه اجلزيرة اإليبيرية‪ ،‬وكيف قاموا بتشييد تلك املعالم املتميزة‬ ‫ّ‬ ‫املتحضر‪ ،‬وكيف‬ ‫التي ال تزال مت ّثل إلى اليوم مفخرة العالم‬ ‫ش ّكلوا إمبراطورية علم ّية وعسكر ّية عبرت حدود أوروبا‪ ،‬وأخي ًرا‬ ‫كيف كانت نهاية نظام العيش الذي أتى به العرب إلى شبه‬ ‫اجلزيرة اإليبيرية‪ ،‬وهو نظام اتسم بالتعاطف والتسامح إزاء‬ ‫الثقافات والديانات األخرى‪ ،‬هذه النهاية التي أتت على أيدي‬ ‫ملوك شمال شبه اجلزيرة النصارى‪ ،‬من شرقها وغربها‪.‬‬ ‫الرحالة‪ ،‬املسلمني منهم خاصة‪ ،‬دو ًرا‬ ‫وقد لعب عدد كبير من ّ‬ ‫ها ًّما في كتابة تاريخ إسبانيا األندلسية‪ ،‬وهم ممن حطوا‬ ‫رحالهم طوال العصور الوسطى بهذه البقاع وكتبوا ما رأوه‬ ‫وما أحسوا به‪ ،‬تاركني من خالل رواياتهم مراجع أساسية‬ ‫تطلعنا على تلك املــدن املزدهرة التي فقدت بشكل مفاجئ‬ ‫جز ًءا ها ًّما من تاريخها مباشرة بعد الغزو املسيحي‪ .‬فروايات‬ ‫الرحالة املسلمني عن تطوافهم عبر شبه اجلزيرة اإليبيرية ال‬ ‫تخبرنا فقط مبا جرى حينذاك من أحداث مهمة بل ومت ّدنا‬ ‫بوصف دقيق عن املشهد الذي تطرحه تلك املدن األندلسية‪،‬‬ ‫وتدهش القارئ باألحداث اخلارجة عن املألوف التي تتجلّى من‬ ‫خاللها القدرات الفكرية والثقافية الهائلة التي كان يتمتع بها‬ ‫أهالي تلك املدن اإلسالمية‪ .‬ومن ثم سوف نقف في هذا الكتاب‬ ‫عند آثار العديد من الرحالة املسلمني األدبية‪ ،‬إبتدا ًء من القرن‬ ‫العاشر إلى اخلامس عشر ورحالة أوائل العصر احلديث وحتى‬ ‫الرحالة املعاصرين ممن م ّروا بهذه املراكز احلضرية ود ّونوا ما‬ ‫شاهدوه في هذه املدن التي متثل روح الكتاب الذي هو بني‬ ‫أيديكم‪ ،‬هذه املراكز احلضرية التي عاشت تطورات وتقلبات‬ ‫مختلفة منذ أوائل القرن الثامن امليالدي‪ ،‬أي مع بداية فتح‬ ‫املسلمني ملا أطلقوا عليها إسم بالد األندلس‪ ،‬وكذلك مختلف‬ ‫املراحل التي سجلت إستسالم هذه املدن حتت وطأة السيوف‬ ‫ووقوعها أخي ًرا في أيدي املسيحيني‪.‬‬

‫الفتح اإلسالمي‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك‬ ‫القوط الغربيني على األراضي اإلسبانية‪ ،‬ساد الفساد حتى بلغ‬ ‫ذروته بحيث فقد املزارعون الصغار ّأي نوع من احلماية إزاء‬ ‫كبار اإلقطاعيني الذين أصبحوا ميتلكون في ذلك العهد ثلثي‬ ‫البالد‪ ،‬إضافة إلى أنهم كانوا معفيني من دفع الضرائب‪ ،‬وكانوا‬ ‫يعيشون في بذخ مفرط يتضارب متا ًما مع املعاناة التي كان‬ ‫يقاسيها رعاياهم‪ .‬أ ّما في املدن‪ ،‬فقد عاش اليهود الذين كان‬ ‫أغلبهم ينشطون في الصناعات احلرفية أو في قطاع التجارة‬ ‫في حالة خوف وقلق على إثر صدور املرسوم القاضي بطردهم‬ ‫من إسبانيا في حالة عدم اعتناقهم الديانة املسيحية‪ ،‬ديانة‬ ‫القوط الغربيني‪ .‬وفي عام ‪710‬م مات امللك غيطشة ]‪[Witiza‬‬

‫مقدمة‬

‫وكان البلد حينذاك منقس ًما على نفسه يعيش حالة من الفوضى‬ ‫العارمة‪ ،‬وأضرمت وفاته شرارة الصراعات على العرش بني ولي‬ ‫عهده أخيال ]‪ [Aquila‬ولذريق ]‪ [Don Rodrigo‬وهو أحد النبالء‬ ‫الذين على ما يبدو كان يحظى بدعم أعيان القوط الغربيني‬ ‫الذين كانوا وراء اعتالئه العرش وهو ما توصل إليه الباحث‬ ‫املتخصص في احلضارة اإلسبانية وات ]‪.[Watt‬‬ ‫وما زاد الطني بلّة هو قيام املسلمني عام ‪ 711‬م بشن هجوم صغير‬ ‫على سواحل شبه اجلزيرة اإليبيرية بينما كان القوط الغربيون‬ ‫منشغلني في حربهم األهلية على العرش‪ ،‬وقد دفعت الغنائم التي‬ ‫جنيت إثر هذا الهجوم إضافة إلى املقاومة الضعيفة من اجلانب‬ ‫اإلسباني التي القاها موسى بن نصير والي إفريقية آنذاك إلى‬ ‫أساسا من اجلند‬ ‫تنظيم حملة عسكرية أكبر من سابقتها مكونة‬ ‫ً‬ ‫البربر‪ ،‬سكان شمال إفريقيا‪ ،‬بقيادة طارق بن زياد‪.‬‬ ‫وقد عنى وصول ذلك القائد املسلم على رأس سبعة آالف رجل‪،‬‬ ‫قرب سفح اجلبل الذي س ُيس ّمى على اسمه الح ًقا ل ُيعرف من‬ ‫حينها بجبل طارق‪ ،‬تغيي ًرا ها ًّما وسري ًعا في محور السلطة‪.‬‬ ‫فقد تقرر مصير إسبانيا القوطية في ظرف يوم واحد وهو اليوم‬ ‫الذي هزم فيه طارق بن زياد اجليوش القوطية املنهكة بالقرب‬ ‫من وادي ل ّكة‪ .‬عالوة على ذلك فإن أسقف إشبيلية‪ ،‬وهو شقيق‬ ‫امللك غيطشة‪ ،‬قد إنحاز إلى جيوش الفتح اإلسالمي من جهة‪،‬‬ ‫وانشق جزء هام من اجليوش املسيحية من جهة أخرى‪ ،‬أ ّما‬ ‫ما تبقى من هذه اجليوش فقد ُسحق بسيوف البربر‪ ،‬وكذلك‬ ‫قائدها لذريق الذي اختفى مذاك وإلى األبد‪ ،‬وتؤكد األسطورة‬ ‫أنّه غرق في النهر وأنّ تياره جر جثته وألقى بها في البحر‬ ‫املتوسط فلم ُيعثر سوى على ثوبه وتاجه وخفه الذهبي الذي‬ ‫كان يلبسه يومذاك وكذلك على احلصان الذي كان يركبه خالل‬ ‫املعركة‪ .‬وبعد تلك الواقعة تقدمت اجليوش اإلسالمية وكأنها‬ ‫القتالي فإن املزارعني‬ ‫عسكري إذ فض ًال عن تف ّوقها‬ ‫تقوم بعرض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املسيحيني احملليني لم تكن لهم أية رغبة في املواجهة‪ ،‬أما اليهود‬ ‫رحبوا بقدوم الغزاة اجلدد الذين ع ّدوهم مبثابة محرريهم‪.‬‬ ‫فقد ّ‬ ‫وانهارت إسبانيا القوطية املدينة تلو األخرى وكأنها بيت من‬ ‫ورق‪ ،‬وتتالت إنتصارات الفاحتني املسلمني بسهولة نسبية ولم‬ ‫يكن عددهم ليتجاوز خمسة وعشرين ألف مقاتل حاصدين من‬ ‫الغنائم ما ال حصر له‪ .‬وإزاء سهولة تقدم اجليوش اإلسالمية‬ ‫في غزوهم للمدن اإلسبانية وبالرغم من أوامــر موسى بن‬ ‫نصير بعدم التمادي في الفتح‪ ،‬فقد عقد طارق بن زياد العزم‬ ‫على التوغل في املناطق الداخلية ومحاولة بلوغ مدينة طليطلة‪،‬‬ ‫عاصمة مملكة القوط الغربيني آنذاك وفتحها‪ .‬إنّ احلملة التي‬ ‫استهلها طارق بن زياد في أوائل ربيع عام ‪711‬م واختتمت‬ ‫بعد مرور أشهر قليلة‪ ،‬حتدي ًدا في أواخر صيف ذلك العام‬

‫• ‪• 14‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫نفسه‪ ،‬حولته بسرعة غير مسبوقة إلى سيد نصف إسبانيا‬ ‫فتحا يضاهي‬ ‫القوطية إذ لم يشهد تاريخ اإلنسانية من قبل ً‬ ‫فتح طارق بن زياد لبالد األندلس من حيث سرعة إجنازه‪.‬‬ ‫ثم استمر الفتح اإلسالمي الح ًقا على يد موسى بن نصير‬ ‫وبالسهولة نفسها التي القاها سلفه إلى أن مت القضاء على‬ ‫آخر بؤر املقاومة املسيحية املنظمة‪ ،‬وكان ذلك في نحو عام‬ ‫‪714‬م‪ .‬ونشير من جهة أخرى إلى أنّ اجليوش اإلسالمية ذات‬ ‫األصل املغاربي كانت في معظمها شبه وثنية‪ ،‬وهو ما يؤكده‬ ‫املؤرخ غابريل جاكسون ]‪ً [Gabriel Jackson‬‬ ‫أيضا‪ ،‬وكانت‬ ‫متسامحة بوجه خاص مع أهل الكتاب‪ ،‬أي اليهود والنصارى‪،‬‬ ‫فقد كانت هاتان الديانتان حتظيان باحترام املسلمني الذين‬ ‫كانوا يتقاسمون معهما جز ًءا ها ًّما من الشعائر واملعتقدات‬ ‫الواردة في هاتني العقيدتني السماويتني‪.‬‬ ‫ومعلوم ً‬ ‫أيضا أنّ هؤالء الغزاة اجلدد لم يكونوا يشكلون نواة‬ ‫عرقية متجانسة وذلك يعود الختالف أصولهم وتعددها فنجد من‬ ‫بينهم من ذوي األصول العربية والبربرية والشامية واملصرية‪،‬‬ ‫يفسر انعدام الثقة بني مختلف هذه األطراف األمر الذي‬ ‫وهو ما ّ‬ ‫ترجم عمل ًّيا منذ األيام األولى من الفتح اإلسالمي بتفرق هذه‬ ‫اجلماعات العرقية واستقرارها في مناطق مختلفة‪ :‬فالشاميون‬ ‫اختاروا غرناطة لإلستقرار بها في حني ّ‬ ‫حط املصريون رحالهم‬

‫في منطقة مرسية والبربر في املناطق اجلبلية األندلسية‪ ،‬أما‬ ‫العرب فقد إختاروا منطقة الوادي الكبير لإلقامة بها‪.‬‬ ‫أما ما تبقى من القوط الغربيني الذين استمروا في املقاومة‬ ‫لص ّد تقدم الفتح اإلسالمي فقد تراجعوا إلى املناطق اجلبلية في‬ ‫أستورياس بشمال شبه اجلزيرة اإليبيرية‪ ،‬وهي مناطق فقيرة‬ ‫ذات كثافة سكانية ضعيفة‪ ،‬وظلوا هناك حتت قيادة ُبالي ]‪[Don‬‬ ‫عربي صغير في‬ ‫]‪ [Pelayo‬الذي مت ّكن عام ‪ 718‬من هزم جيش ّ‬ ‫كوفادوجنا ]‪ .[Covadonga‬وقد ساهمت هذه الهزمية في رفع‬ ‫معنويات املسيحيني غير أنها في املقابل لم تلق إهتما ًما كبي ًرا من‬ ‫جانب العرب ولم تتسبب في أي إنتقاد ذاتي من قبل املنهزمني‬ ‫وكل ما ذكره مؤرخوهم في شأن هذه الواقعة هو أنّ »حما ًرا‬ ‫ً‬ ‫متوحشا قد لطم املسلمني لطمة«‪ ،‬وفي الواقع فإن العرب لم‬ ‫يتمكنوا أب ًدا من غزو هذه املنطقة الصغيرة من شبه اجلزيرة‬ ‫اإليبيرية‪ .‬من جهة أخــرى فقد لقي القائد العسكري صانع‬ ‫الفتوحات الباهرة موسى بن نصير التأنيب من خليفة دمشق‬ ‫الوليد بن عبد امللك لعدم إستشارته واستئذانه في شأن احلمالت‬ ‫التي قادها‪ ،‬وآخر ما ُعرف عن فاحت إسبانيا هو أنه أكمل أيامه‬ ‫يعيش من التسول في قرية نائية بشبه اجلزيرة العرب ّية كما يورد‬ ‫املؤرخ دونكان تاونسون ]‪ .[Duncan Townson‬وكانت العالقة‬ ‫القائمة بني بغداد واألندلس متوتّرة تقوم على انعدام الثقة‪ ،‬وقد‬

‫• ‪• 15‬‬


‫أكد ذلك املؤرخ غابرييل جاكسون ]‪ [Gabriel Jackson‬الذي بنى‬ ‫استنتاجه على العدد الكبير من الوالة الذين قام بتعيينهم خليفة‬ ‫بغداد على بالد األندلس في ظرف وجيز‪ ،‬فما بني عام ‪ 732‬وعام‬ ‫‪ 755‬تعاقب على حكمها بأمر منه ما ال يقل عن ثالثة وعشرين‬ ‫حاك ًما‪ ،‬وهو ما يعكس ً‬ ‫أيضا الصراعات الداخلية احملتدمة التي‬ ‫شهدتها شبه اجلزيرة اإليبيرية آنذاك‪.‬‬

‫معركة بالط الشهداء‬

‫بعد أن حتولت إسبانيا إلى قاعدة تنطلق منها احلمالت‬ ‫والهجومات ضد سائر البقاع األوروبــيــة املسيحية‪ ،‬بدأ‬ ‫املسلمون في عبور سلسلة جبال البرانس بحث ًا عن املزيد من‬ ‫الفتوحات واملزيد من الغنائم‪ .‬وقد ُسجلت آخر هذه الغارات‬ ‫العربية عام ‪ 732‬عندما تقدم جيش املسلمني عبر الطريق التي‬ ‫تعود إلى العهد الروماني إلى أن بلغ نهر لوار ]‪ [La Loire‬بح ًثا‬ ‫عن كنوز دير القديس مارتني التوروزي ‪[Saint Martin de‬‬ ‫]‪ .Tours‬غير أنه وعلى مقربة من مدينة بواتييه ]‪ [Poitiers‬كان‬ ‫بانتظاره ً‬ ‫جيشا بقيادة شارل مارتل ]‪ ،[Charles Martel‬وبعد‬ ‫يوم كامل من القتال واملواجهات الطاحنة‪ ،‬متكن هذا األخير‬ ‫من هزم الغزاة‪ .‬وقد تص ّور املؤرخ البريطاني الذي عاش‬ ‫في القرن الثامن عشر إدوارد جيبون ]‪[Edward Gibbon‬‬ ‫ما كانت ستؤول إليه أوروبــا لو لم يهزم الفرجنة اجليوش‬ ‫العربية قائ ًال‪» :‬لكانوا قد وصلوا إلى نهر الراين وبحر املانش‬ ‫الفاصل بني فرنسا وبريطانيا‪ ،‬ولكانوا قد عبروا نهر التاميز‪،‬‬ ‫وحيث تنتصب اليوم كاتدرائية لندن وكاتدرائية باريس حللّت‬ ‫مكانهما اجلوامع‪ ،‬ولكان طالب جامعة أوكسفورد يدرسون‬ ‫القرآن«‪ .‬وفي املقابل يرى شقّ آخر من املؤرخني أنّ فوز‬ ‫جيوش مارتل لم يكن حاس ًما ومصير ًّيا إلى هذا احلد‪ ،‬وذلك‬ ‫ألنّ جيوش املسلمني كانت موجودة على بعد ألف وخمسمائة‬ ‫كيلومتر عن قواعدها ببالد األندلس وكانت تفتقر لل ّدعم‬ ‫اللوجستي الضروري لضمان فتوحاتها‪.‬‬

‫مقدمة‬

‫العباس بن عبد املطلب وهم الذين متكنوا من إزاحة بني أمية‬ ‫من دربهم وطاردوهم حتى قضوا على أغلبهم ولم ينج منهم إال‬ ‫القليل‪ ،‬وكان من بني من جنا من بني أمية‪ ،‬عبد الرحمن بن‬ ‫معاوية بن هاشم بن عبد امللك بن مروان بن احلكم‪ ،‬وكان ابنًا‬ ‫وحفي ًدا خلليفة‪ ،‬وقد ُلقب بالداخل أو املهاجر‪ .‬وهكذا متكن من‬ ‫الفرار‪ ،‬وبعد جلوئه إلى فلسطني ومصر ثم إلى شمال إفريقيا‪،‬‬ ‫وصل إلى مدينة سبتة ثم إلى ثغر املنكب سنة ‪ 755‬حيث‬ ‫حظي بحماية أهاليه من البربر‪ .‬ومع جتمع الناس من حوله‪،‬‬ ‫وباألساس الشاميني املستقرين بديار األندلس من أنصار بني‬ ‫أم ّية‪ ،‬رأى عبد الرحمن فرصة التحول إلى زعيم هؤالء األنصار‬ ‫ال سيما حينما شاهد كيف كان أهالي مدن األندلس اإلسالمية‬ ‫يستقبله إستقبال امللوك‪ ،‬فقام باعالن اإلمارة وجعل من مدينة‬ ‫قرطبة عاصمة لها عام ‪ ،756‬وفي الوقت نفسه واجه اخلالفة‬ ‫العباسية ببغداد معلنًا إنفصاله عنها‪ ،‬واضطر ً‬ ‫أيضا ملواجهة‬ ‫عدد من الثورات املوالية للخالفة العباسية حيث روي أنّه في‬ ‫إحداها‪ ،‬وبالتحديد في ثورة عام ‪ 763‬وبعد إخمادها‪ ،‬قام بج ّز‬ ‫رؤوس الثوار وأرسلها إلى اخلليفة العباسي بعد أن حنّطها‬ ‫بامللح والكافور‪ ،‬و ُيقال إن اخلليفة العباسي املنصور عند تلقيه‬ ‫هذه الرؤوس ارتاع لذلك املشهد الرهيب وقال‪» :‬ما هذا إال‬ ‫شيطان‪ ،‬واحلمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر«‪.‬‬ ‫وأقــام عبد الرحمن إمــارة قوية مستقلة عن دمشق تتميز‬ ‫بقوتها العسكرية إذ كان تعدادها يزيد عن أربعني أل ًفا من‬ ‫اجلنود املقاتلني واتخذ ً‬ ‫أيضا سلسلة من التدابير اإلقتصادية‬ ‫املهمة منها اعتماد املوازين واملقاييس التقليدية الرومانية بني‬ ‫السكان وإنشاء دار لسك العملة ضرب فيها ديناره الذهبي‪.‬‬ ‫وقد خلص بنفسه جناحاته واجنازاته العظمى في أبيات‬ ‫شعرية من نظمه يقول فيها‪:‬‬ ‫شتّان من قام ذا امتعـاض مـنتضـى الشـفرتـني نص َال‬ ‫لـجــ ًة ومـحــال‬ ‫فـجـاب قـف ًرا وشـــقّ بـح ًرا ُمـســامــيـا ّ‬ ‫فــشاد مـج ًدا وبــ ّز ُمــلكـًـا ومـنبـ ًرا للــخطاب فــصــ ًال‬ ‫ومصر املصر حني أخلـى‬ ‫وجـنّد اجلـنــد حــني أودى ‬ ‫ّ‬ ‫ثــم دعــا أهـلــه جـمـيـعــًا حـيث انـتأوا أن هـل ّم أهـال‬ ‫فـجـاء هـذا طـريــد جــوع َ شـريـد سيــف ُأبـيد قــتـ َال‬ ‫فـنـال أمــنًا ونـال شـِبـ ًعــا َ ونــــال مـا ًال ونــال أهــــ َال‬ ‫ألم يكــن حــقُّ ذا علـى ذا أعــظـم من مــنعم ومـــولى‬

‫لكن مما ال شك فيه هو أنه بعد مرور سنوات قليلة من هذه‬ ‫الواقعة‪ ،‬حتدي ًدا عام ‪ ،759‬مت طرد املسلمني من التراب الفرنسي‬ ‫عندما خسروا قاعدتهم الرئيسية في مدينة ناربون ]‪[Narbone‬‬ ‫واقتصر حضورهم بعدها على التراب اإلسباني فقط رغم‬ ‫استمرار هجوماتهم على السواحل الفرنسية املتوسطية لعدة‬ ‫سنوات تلت‪.‬‬

‫عبد الرحمن الداخل‪ ،‬اإلمارة وقرطبة اخلالفة‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪Página 2 de un manuscrito de 1868 sobre astrología‬‬

‫• ‪• 16‬‬

‫خالل النصف الثاني من القرن الثامن تأسست الدولة العباسية‬ ‫وأخذت مشعل خالفة الدولة اإلسالمية في بغداد‪ ،‬وقد تأسست‬ ‫هذه اخلالفة على يد املتحدرين من ساللة عم النبي محمد (ص)‬

‫واستمر سلطان األسرة احلاكمة التي أسسها عبد الرحمن‬ ‫الداخل على مدى ثالثة قرون وظلت قرطبة خاللها عاصمتها‪،‬‬ ‫وشهدت إمارتها فترة من العظمة ال يعرف لها مثي ًال في‬ ‫جميع أنحاء أوروبا‪ ،‬وقام الرحالة القادمون من مصر ومن‬

‫• ‪• 17‬‬


‫اندلعت بني قرطبة ومدن أندلسية أخرى ذات وزن والتي‬ ‫نشأت بني النخب العرقية وبني املستعربني‪ .‬وفي هذا السياق‪،‬‬ ‫يؤكد املؤرخ غابرييل جاكسون أنه خالل كامل عهد اإلمارة‬ ‫)‪ ،(756-929‬لم تكد متر مدة عشرين سنة دون أن تشهد بالد‬ ‫األندلس مت ّر ًدا عسكر ًّيا له ثقله كالذي ُس ّجل في مدينة ماردة‪،‬‬ ‫وسرقسطة‪ ،‬ومالقة وأملرية‪...‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنينلع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك‬ ‫القوط الغربيني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪Inicio de un texto aljamiado de la Colección de textos aljamiados,‬‬ ‫‪publicada por Pablo Gil, Julián Ribera y Mariano Sánchez‬‬ ‫‪(Zaragoza, 1888).‬‬

‫بالد املغرب إلى األندلس بتدوين ما شاهدوه بهذه البالد من‬ ‫رخاء وازدهار وجلب انتباههم انتعاشة احلرفيني األندلسيني‪،‬‬ ‫كما أشــاروا إلى الغياب النسبي للفقر واخلصاصة وعن‬ ‫العدد الكبير من احلمير واخليول التي شاهدوها في هذه‬ ‫البالد وهو خير معيار كان يقاس به حينذاك مدى تطور‬ ‫الشعوب وازدهارها‪ .‬ولم تتميز اإلمارة فقط خالل القرنني‬ ‫التاسع والعاشر بتعزيز إزدهارها اإلقتصادي القائم على‬ ‫مزيج يشمل الزراعة والتجارة والصناعة‪ ،‬وكذلك بدعم احلياة‬ ‫الفكرية والثقافية بشكل غير مسبوق فحسب‪ ،‬بل متيزت‬ ‫ً‬ ‫أيضا بإقامة إدارة فعالة من جهة وبانتشار روح التسامح‬ ‫بني األديان التي كانت تتعايش في هذه البالد‪ ،‬هذا بالرغم‬ ‫من أنّ جز ًءا كبي ًرا من األهالي املسيحيني كانوا قد اعتنقوا‬ ‫الديانة اإلسالمية‪ .‬وفي الوقت نفسه مت ّيزت هذه احلقبة‬ ‫املزدهرة بصراعات متعددة ومختلفة‪ :‬مثل الصراعات التي‬

‫وفي سنة ‪ 929‬أعلن عبد الرحمن بن محمد الناصر لدين الله‬ ‫اخلالفة األموية ببالد األندلس مبد ًيا خالفاته الواضحة إزاء‬ ‫بغداد واتخذ مدينة قرطبة عاصمة له‪ .‬وسرعان ما أصبحت‬ ‫قرطبة اخلالفة أهم مدينة غربية حيث كان عدد سكانها يناهز‬ ‫نصف مليون نسمة‪ ،‬ويشير املؤرخون العرب إلى أنّ هذه املدينة‬ ‫التي أصبحت تضاهي مدن عظمى مثل دمشق والقسطنطينية‬ ‫كانت تض ّم أكثر من مائة ألف بيت وسبعمائة جامع‪ ،‬وثالثمائة‬ ‫عمومي وأكثر من سبعني مكتبة وكان ذلك‪ ،‬حسب رواية‬ ‫حمام‬ ‫ّ‬ ‫أحد املؤرخني البريطانيني‪ ،‬في عهد لم تكن فيه أية عاصمة من‬ ‫العواصم األوروبية يتجازو عدد سكانها العشرة آالف نسمة‪.‬‬ ‫وقد عبرت شهرة مدينة قرطبة احلدود وبلغت أبعد األمصار مثل‬ ‫أملانيا حيث كتبت عنها الراهبة املدعوة هروتسفيت فون جندرشامي‬ ‫]‪( [Hrotsvit von Gandersheim‬املتوفية سنة ‪ )1002‬التي نعتت‬ ‫مدينة قرطبة بـ»حلية العالم«‪ ،‬وتركت هذه الشهادة املكتوبة عن‬ ‫عاصمة اخلالفة‪» :‬توجد في غرب عاملنا زخرفة جميلة‪ ...‬مدينة‬ ‫مزدهرة وغنية‪ ،‬معروفة باسم قرطبة املرموق‪ ،‬متميزة بسحرها‬ ‫ومشهورة مبواردها‪ ،‬متضلعة أحسن تضلع في أبواب املعرفة‬ ‫السبعة‪ ،‬قد ذاع صيتها بفضل انتصاراتها املستمرة«‪.‬‬

‫الوليد هشام املؤيد بالله واملعروف بهشام الثاني على التنازل‬ ‫عن العرش عام ‪ 1009‬تعاقب على عرش قرطبة تسعة خلفاء خالل‬ ‫مدة وجيزة‪ ،‬وهو ما يدل على حالة الفوضى التي سادت في‬ ‫بالد كانت قد شهدت يو ًما أقصى درجات العظمة‪ ،‬وانقسمت‬ ‫دولة اخلالفة بحسب مختلف الطوائف املوجودة بها‪ ،‬نذكر من‬ ‫بينها طائفة أملرية ومرسية وبلطيوس ودانية وقرمونة وغرناطة‬ ‫وطليطلة وبلنسية وطرطوشة وسرقسطة‪ .‬وأتى سقوط اخلالفة‬ ‫األموية ببالد األندلس على إثر الثورة التي لم يعوزها الدعم‬ ‫الشعبي والتي اندلعت ضد آخر خلفاء بني أمية‪ ،‬أبو بكر‬ ‫هشام املعتمد بالله‪ ،‬الذي ُسجن على إثرها في دهليز مظلم‬ ‫ورطب‪ .‬وبعد مرور مائة سنة‪ ،‬أي في منتصف القرن الثاني‬ ‫عشر‪ ،‬بات في إسبانيا ثالث دول مسيحية ذات شأن قادرة‬ ‫على التصدي للهيمنة اإلسالمية على شبه اجلزيرة اإليببيرية‪،‬‬ ‫أال وهي البرتغال وقشتالة وأراغون‪.‬‬

‫الفترة األولى من حكم ممالك الطوائف واملرابطني‬

‫وإن كان عبد الرحمن بن محمد هو مؤسس اخلالفة األموية‬ ‫ببالد األندلس فإنّ استمرارها طوال القرن العاشر جاء‬ ‫بفضل زخم قائد قدير‪ ،‬أال وهو إبن أبي عامر‪ ،‬املعروف‬ ‫باملنصور الــذي اجتاح وفتك مبدن النصارى مثل مدينة‬ ‫برشلونة ومدينة ليون ومدينة القديس يعقوب التي غزاها ولم‬ ‫يعثر فيها على بقايا عظام القديس يعقوب بالضريح الذي‬ ‫كان من املفروض أن تكون به فأمر باإلستحواذ على أجراس‬ ‫كاتدرائية هذه املدينة املسيحية ونقلها إلى قرطبة حيث مت‬ ‫حتويلها إلى فوانيس تنير جامعها األكبر‪.‬‬

‫إثر إنهيار اخلالفة األموية في إسبانيا خالل النصف األول‬ ‫من القرن التاسع تناحر العديد من األمراء املسلمني فيما‬ ‫بينهم من أجل السيطرة على احلكم في بالد األندلس مما‬ ‫أدى إلى ظهور عدد من اإلمارات التي استم ّرت في التناحر‬ ‫فيما بينها‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فإنّ هذه الفترة الدامية قد‬ ‫منتوجا ثقاف ًيا رفي ًعا‪ ،‬فقرطبة ومكتبتها‬ ‫أفرزت من جهة أخرى‬ ‫ً‬ ‫الشهيرة‪ ،‬وطليطلة وغرناطة وإشبيلية ومالقة وسرقسطة‬ ‫وبلنسية وغيرها من املدن كانت أحسن مثال لذلك الرقي‬ ‫الفني الزاخر الذي شهدته تلك الفترة التي كانت في الوقت‬ ‫عينه فترة اضطرابات حادة إذ شهدت بالد األندلس إثر‬ ‫وفاة املنصور صراعات مستمرة ما بني املسلمني أنفسهم‪،‬‬ ‫وقد لقب التأريخ اإلسباني هذه الفترة بعهد ملوك الطوائف‪،‬‬ ‫وهي الفترة التي أعادت إلى السطح فكرة ما دعي بحملة‬ ‫اإلســتــرداد في إسبانيا املسيحية التي استغلت فرصة‬ ‫انقسام القوات اإلسالمية املتناحرة فيما بينها‪ .‬ويرى املؤرخ‬ ‫واملستشرق اإلسباني جوان فيرنيه ]‪ [Joan Vernet‬وج ًها من‬ ‫التشابه ما بني ممالك الطوائف في فترتها األولى واملناطق‬ ‫املسيحية املتحررة من الغزو اإلسالمي وبني املناطق الذاتية‬ ‫احلكم احلالية التي نشأت عن دستور ‪.1978‬‬

‫وبعد موت املنصور سنة ‪ ،1002‬شهدت إسبانيا املسلمة من‬ ‫جديد حالة من اإلنقسامات الناجمة عن احلروب األهلية التي‬ ‫اندلعت بها‪ :‬فقد هزت البالد سلسلة من املواجهات التي بلغت‬ ‫ذروتها عام ‪ 1013‬على إثر هجوم البربر على مدينتي قرطبة‬ ‫والزهراء ونهبهما لكن دون املساس بجامع قرطبة األكبر‪،‬‬ ‫مفخرة العالم اإلسالمي حينذاك‪ .‬ومنذ أن ُأجبر اخلليفة أبو‬

‫وعندما متكن امللك ألفونسو السادس من غزو طليطلة التي‬ ‫كانت متثل ركيزة من ركائز النفوذ اإلسالمي في شبه اجلزيرة‬ ‫اإليبيرية‪ ،‬وكان على بينة من األهمية التي يكتسيها هذا‬ ‫اإلنتصار لذا فقد أعلن نفسه إمبراطو ًرا على كامل تراب‬ ‫إسبانيا ]‪ [Imperator totius Hispaniae‬وسرعان ما فطن‬ ‫املسلمون إلى اخلطر املسيحي الذي أصبح يهدد وجودهم‬

‫• ‪• 18‬‬

‫مقدمة‬

‫مما دفــع بأمير إشبيلية‪ ،‬الشاعر املعتمد بن عباد‪ ،‬إلى‬ ‫اإلستنجاد باملرابطني‪ ،‬واملرابطون هم بدو من أصل بربري‬ ‫اعتنقوا اإلسالم في القرن التاسع امليالدي‪ ،‬وقد امتد نفوذ‬ ‫دولة املرابطني إلى أن أصبحوا يسيطرون على كامل منطقة‬ ‫املغرب العربي بعد أن أسس يوسف بن تاشفني مدينة مراكش‬ ‫سنة ‪ .1061‬وقد متيز أفراد القبائل املرابطني باعتناق إسالم‬ ‫»أورثودوكسي« صــارم متزمت‪ ،‬يــزدري الفنون األندلسية‬ ‫اإلسالمية الوافرة والفاخرة التي كانوا يع ّدونها أعماال‬ ‫منحطة‪ .‬فنزلت جيوش املرابطني على السواحل اإلسبانية‬ ‫من أجــل اجلهاد في األندلس وإليقاف الزحف املسيحي‬ ‫السترداد األندلس من املسلمني‪ ،‬وبالفعل متكنوا من حبس‬ ‫تقدم املسيحيني في معركة الزالقة بالشمال الشرقي ملدينة‬ ‫بطليوس‪ ،‬وكان ذلك في عام ‪ .1086‬وبعد مرور سنتني على‬ ‫هذه املعركة عبر قائد املرابطني املضيق مج ّد ًدا ملب ًيا دعوة‬ ‫املسلمني الذين استنجدوا به مرة أخرى‪ .‬وسرعان ما ض ّم‬ ‫املرابطون ممالك الطوائف السابقة ليتحولوا بعدها إلى سادة‬ ‫األندلس اجلدد‪ ،‬مؤسسني ساللة حاكمة امتد سلطانها على‬ ‫كامل تراب شبه اجلزيرة اإليبيرية‪ ،‬باستثناء مدينة سرقسطة‬ ‫التي كانت بيد بني هود‪ ،‬وعلى تراب املغرب‪ .‬وبني عامي‬ ‫‪ 1091‬و ‪ 1146‬اتسع نفوذ املرابطني ليمتد ما بني النهرين‪،‬‬ ‫نهر السنغال جنو ًبا ونهر إبــرة شما ًال‪ .‬لكنّ املرابطني لم‬ ‫يتمكنوا بعدها من مواصلة فتوحاتهم في بالد األندلس ومن‬ ‫توسيع رقعة نفوذهم بها وذلك بسبب مقاومة امللوك املسيحيني‬ ‫الشرسة فاقتصر املرابطون على تعزيز الثغور احلدودية‪.‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput‬‬

‫• ‪• 19‬‬


‫مقدمة‬

‫لبني ساللته‪ .‬في عام ‪ 1196‬متكن اخلليفة املوحدي الثالث‬ ‫أبو يوسف يعقوب بن يوسف املنصور بالله )‪ (1160-1199‬من‬ ‫إحلاق الهزمية باملسيحيني في الواقعة املعروفة مبعركة األرك‬ ‫بالقرب من مدينة ثيوداد ريال‪ ،‬كان ذلك في التاسع عشر من‬ ‫شهر متوز من عام ‪ .1195‬غير أن املواجهات التي سجلت‬ ‫بني املوحدين واملسلمني الراغبني في االستمرار في احلكم‬ ‫واملتشبثني باستقاللية ممالكهم‪ ،‬مثل أبي عبد الله بن مردنيش‬ ‫اجلذامي وإبراهيم بن أحمد بن َه ُم ْشك اللذين كانا يسيطران‬ ‫على منطقة شرق األندلس ومرسية‪ ،‬عطلت فتح املوحدين‬ ‫النهائي لشبه اجلزيرة اإليبيرية وأحبطت مساعيهم التوسعية‪.‬‬

‫املمالك املستقلة اجلديدة‪ ،‬بنو نصر وفوز املسيحيني‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput‬‬

‫املوحدون‬

‫سرعان ما دخلت دولة املرابطني في أزمة خانقة مع ظهور ساللة‬ ‫جديدة من املسلمني‪ ،‬من البربر ً‬ ‫أيضا لكنها قادمة من جبال‬ ‫األطلس‪ ،‬وهي في األصل حركة دينية إسالمية متشددة تدعو‬ ‫إلى تنقية العقيدة من الشوائب‪ ،‬وأطلق عليهم إسم املوحدين‬ ‫إذ دعا أتباع هذا التيار إلى توحيد الله توحي ًدا قطع ًيا‪ ،‬وقد‬ ‫توسع هذا التيار في بالد املغرب وبعده عبر إلى بالد األندلس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وكان قائد هذا التيار هو الزاهد محمد بن تومرت )‪(1080-1128‬‬ ‫واملعروف بني أتباعه باملهدي املنتظر‪ ،‬وينحدر إبن تومرت من‬ ‫احدى قبائل جبال األطلس‪ُ ،‬عرف بشجاعته كقائد عسكري‬ ‫وبحنكته في إدارة الفتوحات التي شكلت »اإلمبراطورية«‬ ‫اإلسالمية الكبرى الوحيدة التي تكونت في الغرب‪ .‬ثم تاله‬ ‫على رأس الدولة عبد املؤمن الذي أعلن اخلالفة غاز ًيا بعدها‬ ‫سا‬ ‫وهران وتلمسان وفاس ومراكش وإشبيلية وطنجة ومناف ً‬ ‫بذلك خالفة بغداد وخالفة القاهرة‪ ،‬وقد أوصــى باخلالفة‬

‫اضمحل سلطان املوحدين في شبه اجلزيرة اإليبيرية خالل‬ ‫النصف األول من القرن الثالث عشر بالسرعة نفسها التي‬ ‫ظهر بها‪ ،‬وأ ّول ضربة وجهت للموحدين في الصميم كان‬ ‫قد تلقاها السلطان محمد الناصر على إثر هزميته أمام‬ ‫املسيحيني في معركة ال ُعقاب‪ ،‬كما تُسمى في التأريخ العربي‪،‬‬ ‫أو معركة الس نافاس دي تولوسا ‪[Batalla de las Navas de‬‬ ‫]‪ Tolosa‬بالنسبة لألسبان‪ ،‬وقد دارت هذه املعركة في السادس‬ ‫عشر من متوز عام ‪ ،1212‬وأتــى بعدها بربع قرن سقوط‬ ‫قرطبة املجيدة‪ .‬وتدريج ًّيا بدأت دولة املوحدين الفتية تتص ّدع‬ ‫وسرعان ما انقسمت إلى أربع دول‪ ،‬وحل في األندلس محل‬ ‫املوحدين أسرة بني نصر‪ ،‬أو النصريون‪ ،‬أو بنو األحمر‪ ،‬وهي‬ ‫األسرة التي حكمت غرناطة إثرهم )‪ (1275-1492‬وكانت مملكة‬ ‫بني األحمر متت ّد على احملافظات احلالية لغرناطة ومالقة‬ ‫وأملرية وجزء من محافظة جيان‪ .‬وكانت غرناطة خالل القرن‬ ‫الرابع تُع ّد من أكثر املدن املأهولة بالسكان في أوروبا تب ًعا‬ ‫ملا أورده الرحالة األملاني خيرونيمو مونزو ‪[Hieronymus‬‬ ‫]‪ Münzer‬الذي زارها آنذاك إذ قال‪» :‬ال أعتقد أن هنالك‬ ‫مدينة أعظم منها في كامل أوروبا وال في إفريقيا«‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أنّ مملكة بني األحمر كانت صغيرة احلجم إال أنها‬ ‫سرعان ما متكنت بفضل سياسات التحالف التي اتبعتها من‬ ‫نسج عالقات سياس ّية وعسكرية وإجتماعية وطيدة وال سيما‬ ‫عالقات ذات طابع فنّي متميز‪.‬‬ ‫تدريج ًّيا ومع تصاعد الضغط املسيحي الرامي إلى استرداد‬ ‫األندلس حتــول ملوك الدولة النصر ّية إلــى أتباع مختلف‬ ‫امللوك املسيحيني بشبه اجلزيرة اإليبير ّية وأصبحوا يدفعون‬ ‫لهم اجلزية إلى أن اندلعت النزاعات الداخلية في صلب بني‬ ‫األحمر‪ ،‬بني أبي عبد الله محمد املعروف بالزغل وأبي عبد الله‬ ‫محمد الثاني املعروف بالغالب بالله‪ ،‬واغتنم املسيحيون هذه‬ ‫الفرصة لسحق آخر احلكام املسلمني بقيادة امللكة إيزابيال‬

‫• ‪• 20‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫األولى وامللك فرناندو الثاني واستسلمت مدينة غرناطة في‬ ‫اليوم الثاني من شهر كانون الثاني من عام ‪.1492‬‬ ‫قبل ربع قرن من سقوط مملكة غرناطة‪ ،‬آخر معاقل املسلمني في‬ ‫الرحالة‬ ‫شبه اجلزيرة اإليبيرية بني أيدي ملوك النصارى‪ ،‬زار ّ‬ ‫املصري عبد الباسط بن خليل بن شاهني امللطي أراضي هذه‬ ‫املدينة التي كانت على وشك االنتقال إلى أسيادها اجلدد‪.‬‬ ‫ومن خالل مؤلّفه الذي انتشله من النسيان الباحث اإليطالي‬ ‫ليفي ديال فيدا ]‪ [Levi della Vida‬بعد مرور خمسمائة سنة‬ ‫وأخرجه إلى النور سنة ‪ ،1933‬يتبني أنّ صاحبه كان كات ًبا ذا‬ ‫حنكة وبصيرة في األمور السياسية لكنه ً‬ ‫أيضا وقع ضحية‬ ‫اإلعجاب واإلنبهار‪ .‬وال شك في أنّ أخباره ورواياته التي‬ ‫وصلتنا عن مملكة غرناطة هي أخبار ذات قيمة تاريخية عالية‬ ‫إذ أن مؤلفها كان من آخر املخبرين املسلمني عن عظمة هذه‬ ‫املدينة الزائلة‪ ،‬وفي الوقت نفسه تعكس رواياته روح رجل‬ ‫من جهة تراه معج ًبا أشد اإلعجاب باألعمال الفنية الباهرة‬ ‫التي شاهدها في الديار األندلسية‪ ،‬ومن جهة أخرى تراه‬ ‫كئي ًبا ومذهو ًال حينما يشاهد وقد غمره احلزن غزو النصارى‬ ‫الزاحف لديار اإلسالم واث ًقا من أن نهايتها قد باتت وشيكة‪.‬‬ ‫وبالرغم من أننا سنعود إلى روايات هذا املؤلف عندما سنتحدث‬ ‫الح ًقا عن مملكة غرناطة فقد رأينا أن نذكر في هذه املقدمة‬ ‫خالصة قوله ع ّما شاهده بتلك الديار اإلسالمية‪» :‬غرناطة هذه‬ ‫وحمراءها من أج ّل مدن األقاليم وأظرفها لوال قرب الكفار‬

‫من تلك الديار ْ‬ ‫وأخذهم غالب تلك األقطار األندلسية والكثير‬ ‫من مدن اإلسالم التي كانت مشهورة ال سيما في أيام بني‬ ‫أم ّية بها مثل شرينة وبلنسية وقرطبة وطليطلة وشذونة وج ّيان‬ ‫واحلصون املنيعة كشاطبة وغير ذلك من بالد كثيرة كانت‬ ‫لإلسالم صارت للفرجن اآلن‪ ،‬فال حول وال قوة إال بالله«‪.‬‬

‫الثقافة والعلوم ببالد األندلس‬

‫كانت األندلس البوتقة التي انصهر فيها الشرق والغرب‬ ‫انصها ًرا فري ًدا ففي عهد عبد الرحمن بن احلكم‪ ،‬واملعروف‬ ‫ً‬ ‫أيضا بعبد الرحمن الثاني‪ ،‬وصلت إلى بالد األندلس العلوم‬ ‫واملعارف الواردة من الشرق ومن اليونان القدمي وسرعان ما‬ ‫انتشرت هذه املعارف إلى سائر الديار األوروبية بعد أن متت‬ ‫ترجمتها إلى العربية‪ ،‬وهنا يطرح السؤال عن سبب ترجمتها‬ ‫إلى العربية وليس إلى الالتينية وهي اللغة السائدة آنذاك‬ ‫والتي أتى بها الغزاة الرومان والقوط وفرضوها في شبه‬ ‫اجلزيرة اإليبيرية‪ .‬واإلجابة على هذا السؤال جندها واضحة‬ ‫في نص لكاتب عاش في القرن التاسع امليالدي واملعروف‬ ‫باسم ألبارو القرطبي ]‪ [Álvaro de Córdoba‬إذ يؤكد أنه‬ ‫بعد مرور مائة سنة فقط على الفتح اإلسالمي لشبه اجلزيرة‬ ‫اإليبيرية‪» :‬جميع الشباب املسيحيني املتميزين مبواهبهم ال‬ ‫يعرفون إال اللغة واآلداب العرب ّية‪ ،‬يقرؤون ويدرسون الكتب‬ ‫العربية بحماس فائق‪ ،‬ينفقون أمــوا ًال طائلة في تشكيل‬ ‫مكتباتهم الهائلة معلنني للجميع أن األدب العربي هو أدب‬

‫• ‪• 21‬‬


‫جدير باإلعجاب‪ ...‬واحسرتاه! لقد نسي النصارى حتى لغة‬ ‫دينهم‪ ،‬ومن الصعب أن جتد من بني ألف من بيننا من يحسن‬ ‫كتابة رسالة بالالتينية إلى صديق‪ «...‬وجتدر اإلشارة هنا‬ ‫إلى أنّ ألبارو القرطبي كان قد تز ّعم إلى جانب القديس‬ ‫يولوجيوس القرطبي ]‪ [San Eulogio‬فئة من املسيحيني األكثر‬ ‫تز ّمتًا ممن بقوا في ديار اإلسالم‪ ،‬وكانوا يطالبون باملزيد‬ ‫من التسامح الديني‪ ،‬وقد بلغ بهم األمر إلى التفوه علنًا مبا‬ ‫يسيء للرسول محمد عليه السالم وهم على بينة بأن ذلك قد‬ ‫يتسبب في قتلهم فقد كانوا يرغبون في أن يتحولوا باعدامهم‬ ‫إلى صفوف شهداء املسيحية‪.‬‬ ‫وهكذا أصبحت شبه اجلزيرة اإليبيرية مبثابة القاعدة التي‬ ‫قام عليها انتقال املعارف اليونانية والتقنيات العربية نحو‬ ‫أوروبا‪ ،‬مثل األسطرالب واأللواح الفلكية وترجمات أرسطو‬ ‫والرياضيات وتقنيات صناعة الورق‪ .‬وقد توافد الزائرون على‬ ‫بالد األندلس من املشاهير املتشوقني لطلب العلم واملعرفة في‬ ‫قرطبة »حلية العالم« كما تقول الراهبة األملانية هروتسفيت‬ ‫السابق ذكرها‪ ،‬وتــوافــدت األفــواج على إسبانيا املسلمة‬ ‫من املشاهير مثل‪ :‬املترجم اإليطالي جيراردو الكرميوني‬ ‫]‪ [Gerardus Cremonensis‬والفيلسوف البريطاني دانييل‬ ‫أوف مورلي ]‪ [Daniel of Morley‬والعالمة هيرنان الدملتي‬ ‫]‪ [Herman Dalmatin‬واملستشرق البريطاني روبرت أوف‬ ‫تشستر [‪ ]Robert of Chester‬وغيرهم‪ ،‬ولعل الكاتب السعدي‬ ‫كان يشير إلى هؤالء حينما قال‪» :‬كنت ترى القوافل تتوافد‬ ‫من جميع األمصار وحطوا الرحال العلماء العظام والرجال‬ ‫األتقياء واألغنياء من شتى األجناس واألقطار«‪ .‬ونذ ّكر بكالم‬ ‫احلميري وهو يستحضر عهد األندلس املجيد مقارنًا األندلس‬ ‫بالشام خلصوبة ترابها ونقاء هوائها‪ ،‬وباليمن لطقسها‬ ‫املعتدل‪ ،‬وبالصني لثرائها‪ ،‬وبعدن القتصادها املالحي‪ .‬أو‬ ‫نستحضر كالم العالمة واملؤرخ اإلسباني كالوديو سانتشيث‬ ‫ألبورنوث ]‪ [Claudio Sánchez-Albornoz‬في األندلس‪» :‬قرون‬ ‫قبل أن يأتي عصر النهضة ليعيد تدفق ينابيع الثقافة‬ ‫الكالسيكية التي كانت شبه مستنفدة حينذاك‪ ،‬كان ينبع في‬ ‫قرطبة نهر وافر ألكبر حضارة عرفها الغرب خالل العصور‬ ‫الوسطى ليسقي سائر أقطار أوروبا«‪.‬‬ ‫ومن بني أبناء تلك األرض اخلصبة في العلوم واملعرفة العالمة‬ ‫أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ بن باجة )‪ (-1138‬وابن رشد‬ ‫)‪ (1126-1198‬اللذان أسهما مساهمة كبرى في إنشاء فلسفة‬ ‫ذات مرجعية أرسطوية كان لها تأثير كبير على السكوالئية‬ ‫القروسطية في محاولتهما للبحث عن التوافق بني العقيدة‬ ‫والعقل‪ .‬وبفضل الترجمات إلى العبرية وإلى الالتينية التي‬

‫أجنزت في األندلس متكنت احلضارة الغربية من تلقي زاد‬ ‫هائل من املعارف التي كان بعضها منس ًّيا وبعضها اآلخر‬ ‫حديث العهد‪ ،‬معارف في مجال العلوم والطب والنبات والصيدلة‬

‫والزراعة‪ .‬ومن املؤلفات الهامة واملتعددة التي كتبت في األندلس‬ ‫نذكر من بينها كتاب إبن زهر )‪ (-1162‬الذي يهتم بعالج أورام‬ ‫العني‪ ،‬أو كتاب "داللة احلائرين" ألبي عمران موسى بن ميمون‬ ‫بن عبيد الله القرطبي )‪ (1139-1205‬الذي تتلمذ على يد ابن رشد‪،‬‬ ‫وكان ابن ميمون هذا يهود ًّيا يتبع في كتاباته التقاليد اليهودية في‬ ‫شبه اجلزيرة اإليبيرية بحيث كان يكتب مؤلفاته العلمانية باللغة‬ ‫العربية‪ .‬أما اإلنتاج الشعري بشبه اجلزيرة اإليبيرية وبالرغم‬

‫من أنه يوحى في جملته بالشعر العربي الكالسيكي فإنه ال‬ ‫يفتقر إلى طابعه اخلاص إذ جند في بعض األشعار ما يوحي‬ ‫بشعر التروبادور‪ .‬أما في النثر فيتميز ابن جبير ورحالته كما‬ ‫يتميز ابن خلدون )‪ (1332-1406‬في مجال التأريخ‪ ،‬وال جند في‬ ‫أوروبا خالل القرون الوسطى عامل ًا في طب العيون يضاهي عبد‬ ‫الرحمن بن عبد الله الغافقي‪ ،‬وال في علم الفلك من يفوق أبا‬ ‫بالزرقالي‬ ‫ّجيبي الن ّقاش واملعروف‬ ‫ّ‬ ‫أسحاق إبراهيم بن يحيى الت ّ‬ ‫)‪ (1029-1087‬صاحب كتاب "األزياج الطليطلية" الشهير والذي‬ ‫ترجمه جيراردو الكرميوني‪ ،‬أو جابر بن األفلح الذي أنشأ في‬ ‫إشبيلية في مبنى خيرالدة في القرن الثاني عشر أول مرصد‬ ‫فلكي‪ ،‬وال جند متصو ًفا في حجم محيي الدين ابن عربي‪.‬‬

‫أما في مجال العمارة والفنون الزخرفية اإلسالمية في شبه‬ ‫اجلزيرة اإليبيرية‪ ،‬فإن هناك من املؤرخني من يؤكد على‬ ‫منط إسباني‪-‬عربي خاص معل ًال ذلك بأن العرب فاحتي‬ ‫األندلس قد اتبعوا في بناياتهم أشكال الكنائس القوطية‬ ‫الغربية وأمناطها مستعملني مواد البناء احمللية التي كانت‬ ‫متداولة قبل فتحهم لهذه البالد‪ .‬وقد أفرزت القرون الثمانية‬ ‫من احلضور اإلسالمي في شبه اجلزيرة اإليبيرية باقة واسعة‬ ‫من التقنيات في فن العمارة اإلسالمية‪ :‬فقد تطور فن البناء‬ ‫باآلج ّر والتعامل مع الضوء‪ ،‬وتنوعت تقنيات أعمال القباب‪،‬‬ ‫ومت جلب املعارف العمرانية الشرقية وتطورت فنون الزخرفة‬ ‫والتزويق‪ .‬غير أنّ فن العمارة اإلسالمية‪ ،‬كما يشير إليه‬ ‫الباحث ميتشيل ]‪ ،[Mitchell‬هو أكثر من مجرد مشهد من‬ ‫القباب واملآذن‪ ،‬ومن القصور أو من قطع الزلّيج الرائع ذات‬ ‫األلــوان اللماعة‪ ،‬بل إمنا هي تعبير صادق عن ثقافة ثرية‬ ‫قادرة على اجلمع بني بلدان مختلفة إلى أقصى احلدود مثل‬ ‫إسبانيا وجاوة أو آسيا الوسطى وإفريقيا ما وراء الصحراء‪.‬‬ ‫ولرمبا يعود ذلك إلى أن العمارة اإلسالمية تع ّبر عن أفكارها‬ ‫العقائدية وعن الهيكلة اإلجتماعية واإلقتصادية وعن احلافز‬ ‫السياسي ممتزجة فيما بينها باحساس بصري متم ّيز‪.‬‬ ‫اإلسالمي هو فن ّ‬ ‫الشعوب اإلسالمية‪.‬‬ ‫وخالصة القول‪ ،‬إنّ الفن‬ ‫ّ‬

‫• ‪• 22‬‬

‫وهناك باب مثير لإلهتمام في مجال العمارة اإلسالمية جنده‬ ‫في الطراز املعروف بالنمط املستعرب‪ :‬فالكنائس التي قام‬ ‫ببنائها املسيحيون الذين هاجروا من جنوب شبه اجلزيرة‬ ‫اإليبيرية واستقروا باملمالك املسيحية املتحررة أدخلوا عند‬ ‫تشييدهم لهذه املباني أشكا ًال إسالمية واضحة‪ ،‬بطبيعة احلال‬ ‫فهي األشكال التي كانوا قد تعودوا على بنائها‪ .‬واستمرت هذه‬ ‫الفنون املستعربة نفسها في املناطق التي استردها املسيحيون‬ ‫من املسلمني حيث جند الكنائس النصرانية حتمل الكثير من‬ ‫اخلصائص املعمارية الفنية لعصر ذهبي سابق‪ .‬وفي الوقت‬ ‫نفسه‪ ،‬فإن املسلمني الذين عاشوا في شبه اجلزيرة اإليبيرية‬ ‫حتت احلكم املسيحي تركوا بصمة معارفهم الفنية ضمن منط‬ ‫عمارة عرف باسم الفنّ املدجن‪ .‬ومن ثم فإزاء هذا املشهد‬ ‫الثري والواسع لم يكن من باب الصدفة أن يلتقي العديد من‬ ‫املؤرخني في اإلقرار بأن »إسبانيا املسلمة« أو األندلس مثلت‬ ‫أهم مركز ثقافي في العالم خالل القرون الوسطى‪.‬‬

‫مقدمة‬

‫كما متيز املسلمون اإلسبان بشغفهم وتقديرهم للمجوهرات وإزاء‬ ‫العمل الدقيق الذي كان يقوم به الصاغة خالل قرون وكانوا في‬ ‫معظمهم من اليهود‪ ،‬وقد كتب إبن اخلطيب في القرن الرابع‬ ‫عشر في هذا الشأن ما يلي‪» :‬وحليهم في القالئد والدمالج‬ ‫والشنوف واخلالخل الذهب اخلالص إلى هذا العهد في أولى‬ ‫اجلدة واللجني في كثير من آالت الرجلني فيمن عداهم واألحجار‬ ‫النفيسة من الياقوت والزبرجد والزمرد ونفيس اجلوهر كثير ممن‬ ‫أصالة معروفة موفرة‏«‪.‬‬ ‫ترتفع طبقاتهم املستندة إلى ظل دولة أو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ومتحضرة‪،‬‬ ‫خالصة القول‪ ،‬فإنّ بالد األندلس كانت بال ًدا مزدهرة‬ ‫حتتضن مجتم ًعا متعدد اللغات ومتعدد الثقافات حيث السعادة في‬ ‫متناول سكانها كما أ ّكد على ذلك الرحالة الطنجي ابن بطوطة في‬ ‫القرن الرابع عشر حينما كان ميلي أخبار رحلته على محمد بن‬ ‫جزي الكلبي قائ ًال‪» :‬فوصلت إلى بالد األندلس‪ ،‬حرسها الله تعالى‪،‬‬ ‫حيث األجر موفور للساكن والثواب مذخور للمقيم والظاعن«‪.‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫• ‪• 23‬‬


‫‪ALCALÁ LA REAL‬‬

‫القلعة‬ ‫تقع مدينة القلعة كما عرفت في عهد األندلس أو القلعة امللكية‬ ‫]‪ [Alcalá la Real‬كما تعرف اليوم في موضع استراتيجي‬ ‫بني محافظتي قرطبة وغرناطة وسط محيط جبلي‪ ،‬وقد حظيت‬ ‫هذه املدينة بأهمية حيوية بالنسبة للمسلمني حينما حتولت‬ ‫إلى عاصمة إلحدى ممالك الطوائف في القرن الثاني عشر‬ ‫حتت حكم واليها عبد امللك بن سعيد الذي متكن من احلفاظ‬ ‫على إستقالليتها إزاء دولة املرابطني خالل الفترة الثانية من‬ ‫عهد ممالك الطوائف‪ .‬والغريب في األمر أنه على الرغم من‬ ‫العدد الزاخر من الرحالة الذين م ّروا ببالد األندلس وتركوا لنا‬ ‫أخبار رحالتهم فإننا ال جند من بينهم سوى القليل ممن تركوا‬ ‫لنا رواياتهم عن مرورهم بهذه املدينة التي ال تقل أهمية عن‬ ‫غيرها رغم صغر حجمها‪ ،‬ومن بني الرحالة الذين أشاروا إلى‬ ‫مدينة القلعة األمير الدمشقي أبو الفداء الذي أورد في القرن‬ ‫الرابع عشر في مؤلفه الشهير "تقومي البلدان" أنّها‪» :‬من أعمال‬ ‫غرناطة القلعة السعدية وفيها ألف احلجاري كتاب "املشهب"‬ ‫لصاحبها عبد امللك وهي رباط جهاد«‪.‬‬ ‫وكما هو واضح وجلي فإن اسم هذه املدينة عربي‪" ،‬القلعة"‬ ‫أو احلصن‪ ،‬وال تزال هذه احلاضرة إلى اليوم تعرف به ومن‬ ‫األرجح أن تكون قبيلة اليمنيني‪ ،‬وهي أول قبيلة عربية استقرت‬ ‫بهذه املدينة سنة ‪ 713‬ميالدي‪ ،‬هي من أطلقت عليها هذا اإلسم‪.‬‬ ‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪Página de las dos primeras azoras de un Corán manuscrito (sin fecha).‬‬


‫وجند اليوم على شعار مدينة القلعة العبارة التالية‪» :‬مفتاح‬ ‫وحــارس وحصن مملكة قشتالة« وتفسير ذلك بسيط إذ أن‬ ‫غزو هذه املدينة كان املفتاح الذي سمح باملرور من وادي‬ ‫نهر الوادي الكبير نحو سهول غرناطة بعد عبور نهر وادي‬ ‫السوس ]‪ ،[Guadajoz‬وهنا تكمن األهمية التي عرفتها هذه‬ ‫احلاضرة خالل السنوات األخيرة من القرن اخلامس عشر‪،‬‬ ‫وقبل ذلك‪ ،‬خالل عهدها اإلسالمي حتدي ًدا متتع هذا املوقع‬ ‫بأهمية بالغة حينما حتول إلى أحد الثغور احملورية في الدفاع‬ ‫عن بالد األندلس‪ ،‬فمنذ حلول املسلمني بها في القرن الثامن‬ ‫قاموا بتحصينها ثم عاشت فترة ازدهار خالل القرن احلادي‬ ‫عشر عندما انتقلت إلى حكم آل بني سعيد‪ ،‬وهي عائلة عربية‬ ‫كان لها نفوذ كبير في املنطقة حينذاك‪ ،‬ثم بلغت مدينة القلعة‬ ‫أقصى درجات ازدهارها في أعقاب ضمها إلى مملكة بني‬ ‫زيري الغرناطية‪ .‬ومن أ ّول األسماء التي ظهرت في الروايات‬ ‫التي تشير إلى هذه املدينة جند إسم قلعة أسطلير وذلك لوجود‬ ‫عني ماء وافرة بها حتمل هذا اإلسم‪ ،‬كما عرفت ً‬ ‫أيضا باسم‬ ‫قلعة يحصب نسبة لبني يحصب الذين حكموها في فترة ما‬ ‫من تاريخها اإلسالمي‪ ،‬ثم عرفت باسم قلعة بني سعيد نسبة‬ ‫لألسرة التي تولت حكمها في فترة الحقة‪.‬‬ ‫وكما جرت العادة‪ ،‬فإن املدن متوسطة احلجم غال ًبا ما ال‬ ‫تدخل التاريخ من بابه الواسع‪ ،‬وال يختلف احلال بالنسبة‬ ‫ملدينة القلعة التي لم ُيد َّون عنها من أخبار وروايات سوى‬ ‫تلك التي تخص األحداث التي عاشتها خالل األزمات‪ ،‬فقد‬ ‫ُذكرت املدينة في عهد واليها األمير عبد الله حينما وقعت‬ ‫في يد الثائر املولد (املولدون هم سكان األندلس األصليون‬ ‫الذين اعتنقوا اإلسالم) سعيد بن وليد بن مستنه إلى أن‬ ‫هزمه اخلليفة عبد الرحمن بن محمد الناصر لدين الله‪ ،‬وقد‬ ‫متيزت املنطقة حينذاك بحالة من الفوضى وانعدام األمن‬ ‫وهو ما يفسر لغز الكنوز الصغيرة واملتعددة املتكونة من‬ ‫املجوهرات ومن قطع النقود الذهبية التي ُعثر عليها في بلدة‬ ‫السكة ]‪ [Charilla‬وبلدة إيرميتا نويفا ]‪[Ermita Nueva‬‬ ‫املجاورتني‪ ،‬ويعلل الباحثون وجود هذه الكنوز بهذه املناطق‬ ‫جراء تردد أهالي مدينة القلعة األغنياء عليهما من أجل‬ ‫اخفاء ممتلكاتهم النفيسة‪.‬‬ ‫ويتميز من بني مشاهير مدينة القلعة املسلمني في مجال الفكر‬ ‫واملعرفة الشاعر واملؤرخ نور الدين أبو احلسن علي بن موسى‬ ‫العنسي واملعروف بابن سعيد املغربي األندلسي )‪(1213-1286‬‬ ‫الذي ينسب إليه الكثير من املؤلفات على الرغم من ضياع‬ ‫أغلبها ومن بني أعماله التي وصلتنا مؤلفه الشهير "كتاب‬ ‫رايات املبرزين وغايات املميزين"‪.‬‬

‫وتتجلى أهمية هــذا املعقل من خــال األحــداث التاريخية‬ ‫املتتالية التي شهدها‪ ،‬فقد متكنت اجليوش املسيحية في‬ ‫مناسبات عدة من غزوه ثم خسرته‪ ،‬فتحت قيادة امللك ألفونسو‬ ‫السابع الذي تبادله بعد غزوه بحصن إستبة ]‪ [Estepa‬في‬ ‫سنة ‪ ،1075‬ثم حتت قيادة امللك ألفوسو الثامن الذي حوله بعد‬ ‫العسكري‪ ،‬وبعد ذلك غزت‬ ‫غزوه إلى نظام كاالترافا الديني‬ ‫ّ‬ ‫اجليوش املسيحية مدينة القلعة بقيادة امللك فرديناند الثالث ثم‬ ‫خسرتها في مناسبتني‪ ،‬تاله امللك ألفونسو العاشر ثم انتقلت‬ ‫املدينة لتخضع لسلطة املرابطني سنة ‪ 1135‬فاملوحدين سنة‬ ‫‪ 1145‬وأخي ًرا متكن ألفونسو احلادي عشر من اإلستيالء عليها‬ ‫بشكل نهائي في اخلامس عشر من آب من سنة ‪ ،1341‬وهكذا‬ ‫متركزت جيوشه على مشارف مملكة غرناطة‪ .‬وفي وقت سابق‪،‬‬ ‫حتدي ًدا في عام ‪ ،1432‬كان امللك القشتالي خوان الثاني قد‬ ‫أسبغ على هذا املعقل املهم رتبة مدينة‪ .‬وفي عام ‪ 1491‬انطلقت‬ ‫جيوش النصارى من مدينة القلعة حتدي ًدا بقيادة فرديناند‬ ‫الثاني وامللكة إيزابيال األولى بهدف غزو عاصمة مملكة بني‬ ‫األحمر‪ ،‬وبعد غزو غرناطة وسقوطها بيد املسيحيني بدأت‬ ‫املدينة تفقد أهميتها على جميع املستويات وفي سنة ‪ 1967‬مت‬ ‫فني‪.‬‬ ‫تصنيف هذه املدينة كموقع‬ ‫تاريخي ّ‬ ‫ّ‬

‫• ‪• 26‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬


‫القلعة‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫احلصن أو قلعة أ ْلـ ُمـوت‬

‫وتنتصب هذه القصبة املعروفة بحصن أملوت على ارتفاع يتجاوز‬ ‫األلف متر‪ ،‬وكانت قاعدة جليوش حكام املدينة املسلمني آنذاك‪.‬‬ ‫ولم يتبق اليوم في هذا احلصن من آثار إسالمية إال القليل‪،‬‬ ‫وهو حصن يتموقع بشكل استراتيجي على قمة ت ّل أملُوت الذي‬ ‫يهيمن كل ًّيا على املشهد العام للمنطقة‪ .‬ويتكون هذا احلصن‬ ‫أو القلعة من ثالث وحدات معمارية محاطة بأسوار يتخللها‬ ‫عدد من األبــراج والبوابات التي حتتضن بداخلها القصبة‬ ‫اإلسالمية التي يتم العبور إليها عبر بوابة ذات طابع عربي‬ ‫برج‬ ‫خالص عرف باسم باب الصورة‪ ،‬ويشرف على هذا الباب ُ‬ ‫القصبة الباهر الذي يبلغ ارتفاعه عشرين مت ًرا أقيم على شكل‬ ‫مربع شبه منحرف وف ًقا لطراز عمارة املوحدين‪ ،‬ويحتضن هذا‬ ‫البرج اليوم املتحف األثري للمدينة‪ .‬ويتجلى عند مشاهدة هذا‬ ‫احلصن نوعان من أمناط العمارة وهما النمط اإلسالمي الذي‬ ‫شيد على أساسه البرج والنمط املسيحي الذي أدخل عليه على‬ ‫إثر عمليات الترميم التي حلقت به‪ .‬ونرى بكل وضوح انطال ًقا‬ ‫من بوابة الصورة واملمر الذي يليها نحو الداخل منط العمارة‬ ‫اإلسالمية في األقواس األندلسية التي أقيمت على شكل حدوة‬ ‫الفرس وعلى هيئة القباب اإلسالمية املبنية بالطوب‪ ،‬وبعد‬ ‫الولوج نحو الداخل يختلف أسلوب العمارة إذ نشاهد النمط‬ ‫املسيحي بوضوح من خالل تغ ّير شكل هذه القباب إذ تصبح‬ ‫مسننة ومبنية مبادة احلجارة‪ ،‬ويرى بعض الكتاب واملؤرخني‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫في باب الصورة من حيث وظائفه ورمزيته تشاب ًها مع باب‬ ‫الشريعة املوجود في حمراء غرناطة‪ .‬وقد حلقت بهذا البرج‬ ‫أضرار وخيمة على إثر الزلزال الذي ضرب املنطقة في أواسط‬ ‫القرن العشرين مما أدى إلى ترميمه سنة ‪ 1971‬حتت إشراف‬ ‫املعماري لويس بيرخيس ]‪ [Luis Berges‬الذي أدخل عليه‬ ‫الفتحات التي نشاهدها عليه اليوم‪ .‬وميكن املرور إلى داخل‬ ‫البرج عبر رواق منعطف يذكرنا بطابع العمارة اإلسالمية التي‬ ‫تتجلى من خالل أقواسه املزدوجة في شكل حدوة الفرس ومن‬ ‫خالل هيكلته التي تشبه باب الزيادة املوجود بأسوار غرناطة‬ ‫التي بنيت في القرن احلادي عشر‪.‬‬

‫وبعد اإلحتالل الفرنسي‪ ،‬في أثناء حرب التحرير على وجه‬ ‫الدقة‪ُ ،‬حرق احلصن بكامله ومن ذلك احلني وبعد أن ظل هذا‬ ‫املبنى الهائل على حاله خالل أكثر من ألف سنة شرع األهالي‬ ‫في تفكيكة لبنة لبنة الستعمالها في بناء بيوتهم‪ ،‬ثم بدأت‬ ‫منذ بضعة عقود العملية الصعبة الرامية إلعادة بناء القصر‬ ‫وف ًقا لطبعة فنية أجنزها الرسام الرومانسي البريطاني دايفيد‬ ‫روبيرتس ]‪ [David Roberts‬في عام ‪ ،1834‬طبعة حتمل كل تلك‬ ‫القوة التي يعجز األدب الرومانسي عن وصفها‪ .‬كما توجد في‬ ‫القلعة أبراج هامة أخرى نذكر من بينها برج فيال ]‪[Vela‬وبرج‬ ‫اجلرس وبرج موتشا ]‪.[Mocha‬‬

‫وعلى إثر احلفريات التي أجريت في ساحة السالح التابعة لهذا‬ ‫احلصن ُعثر على مواد أثرية تعود إلى احلضارتني الرومانية‬ ‫واإلسالمية من بينها على سبيل املثال معصرة زيت وأفران وحتف‬ ‫خزفية مت استخراها من ا ُ‬ ‫جل ّب املوجود في الساحة املذكورة‪.‬‬

‫اآلثار اإلسالمية في مدينة القلعة وضواحيها‬

‫كما جند في داخل األســوار الكنيسة املسيحية التي يعود‬ ‫عهدها إلى عصر النهضة وهي كنيسة العذراء مرمي الكبرى‬ ‫]‪ [Santa María la Mayor‬التي ع ّوضت املعبد القوطي الذي‬ ‫بناه امللك ألفونسو احلادي عشر عام ‪ ،1341‬ويرى اخلبراء في‬ ‫شأن هذه الكنيسة احتمال كبير أنها أقيمت في املكان نفسه‬ ‫الذي كان يوجد فيه مسجد مدينة القلعة اجلامع القدمي‪.‬‬

‫• ‪• 28‬‬

‫كنيسة القديس دومينيك ]‪ [Santo Domingo‬القدمية التي أمر‬ ‫بتشييدها امللك ألفونسو احلادي عشر إثر غزو املدينة تقع‬ ‫في ربض املدينة القدمي على أنقاض جامع كان قائ ًما هناك‬ ‫استُغلت صومعته لتأوي أجراس الكنيسة املذكورة‪.‬‬ ‫برج السكة أو برج شارييا ]‪ [Charilla‬كما يعرف اليوم هو‬ ‫خير مثال عن األبراج احلربية اإلسالمية‪ ،‬ويقع في بلدة السكة‬ ‫التابعة للدائرة البلدية ملدينة القلعة‪ ،‬وهذا البرج هو واحد من‬ ‫أبراج الطليعة التي بنيت حول املدن في إطار نظامها الدفاعي‬ ‫وقد أدخلت خالل حكم اخلليفة احلكم املستنصر بالله املعروف‬

‫باحلكم الثاني بني عامي ‪ 961‬و ‪ .976‬وال تزال اليوم قائمة‬ ‫من بني أبــراج الطليعة اخلمسة عشر التي شيدت حينذاك‬ ‫إثنا عشر منها ونذكر من بينها حسب تسميتها احلالية برج‬ ‫أبريل ]‪ [Abril‬وبرج كاسكانتي ]‪ [Cascante‬وبرج ديهيسييا‬ ‫]‪ [Dehesilla‬وبرج بينيا ديل ييسو ]‪ [Peña del Yeso‬وبرج‬ ‫سوالنا ]‪ [Solana‬وبرج الس ميمبريس ]‪[Las Mimbres‬وبرج‬ ‫بيدريغال ]‪ .[Pedregal‬وكانت هذه األبــراج مراكز مراقبة‬ ‫أقيمت في أمكنة استراتيجية لترصد العدو إذا اقترب من‬ ‫املنطقة وللتنبيه للخطر إذ كان اإلنــذار يصل بسرعة فائقة‬ ‫إلى حصن أملُوت مبدينة القلعة من أمكنة بعيدة‪ ،‬والطريقة‬ ‫املتبعة لإلنذار باخلطر كانت من خالل إثارة الدخان في النهار‬ ‫وإضرام النار لي ًال‪ ،‬وكانت عميلة اإلنذار تتم في ناظور البرج‬ ‫أو في شرفته‪ .‬وعندما وقعت مدينة القلعة في يد امللك ألفونسو‬ ‫احلادي عشر‪ ،‬قام الغزاة بتعديل نظام عمارة أبراج الطليعة‬ ‫ما يجعلنا اليوم نشاهد صنفني منها‪ ،‬اإلسالمية واملسيحية‪،‬‬ ‫سا ويكون أكبر‬ ‫فالصنف املسيحي يتبع منط بناء أكثر جتان ً‬ ‫حج ًما‪ ،‬أمــا األبــراج اإلسالمية فهي مبنية من الطوب أو‬ ‫احلجارة وهي أسطوانية الشكل من أسفلها إلى أعالها ما‬ ‫يجعلنا منيز بينهما دون عناء‪ ،‬وميكن دخول هذه األبراج‬ ‫ســوا ًء اإلسالمية أو املسيحية واخلــروج منها على مستوى‬ ‫حبلي وذلك لتجنب‬ ‫منتصف علوها بواسطة سلّم خشبي أو‬ ‫ّ‬ ‫احتمال مباغتة العدو ملن كان بداخلها‪.‬‬

‫• ‪• 29‬‬


‫‪ALMERÍA‬‬

‫أملرية‬ ‫يؤكد البعض أنّ تأسيس مدينة أملرية يعود إلى ما بني عامي‬ ‫‪ 954‬و ‪ ،955‬وهو التاريخ الذي قام فيه اخلليفة عبد الرحمن‬ ‫الناصر لدين الله واملعروف بعبد الرحمن الثالث برفع أحد‬ ‫الثغور احلربية الدفاعية القدمية إلى مرتبة مدينة مطل ًقا عليه‬ ‫اسم أملرية‪ ،‬وهو اسم يرى البعض أنه يرجع إلى وجودها على‬ ‫ضفاف البحر في حني يرى البعض اآلخر أنه يعني املرآة‪،‬‬ ‫وثمة من يرى أن االسم يعني برج الطليعة أو برج املراقبة‬ ‫واحلراسة‪ .‬وكان عبد الرحمن نفسه من أمر ببناء قصبتها التي‬ ‫ال تزال إلى اليوم تشرف بكل بهاء على مدينة أملرية‪.‬‬ ‫وقد انطلق تاريخ مدينة أملرية حينما قرر سلفه األمير عبد‬ ‫الرحمن بن احلكم املعروف بعد الرحمن األوسط أو الثاني‬ ‫حتصني جزء من اخلط الساحلي ملنع نزول مراكب الفايكينغ‬ ‫بها وقد شهد ميناء بجانة ]‪ [Pechina‬إنطالقته مذاك ليصبح‬ ‫مركزا ذا تقاليد جتارية مزدهرة ألمد طويل‪ ،‬وقامت قاعدته‬ ‫اإلقتصادية في مرحلته األولى على املنتوجات املنجمية ورخام‬ ‫ماكاييل ]‪ [Macael‬املستخرج من سلسلة جبال فيالمبريس‬ ‫]‪ [Filambres‬املجاورة‪ ،‬كذلك على صناعة النسيج والقرصنة‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وقد أخبرنا املؤرخ أحمد بن محمد بن موسى الرازي‬ ‫املعروف بالتأريخي في منتصف القرن العاشر في كتابه الذي‬ ‫ضاع أثره ووصلنا مترج ًما إلى اللغتني البرتغالية واإلسبانية‬ ‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪Página de las dos primeras azoras de un Corán manuscrito (sin fecha).‬‬


‫ولم يصلنا باللغة العربية األصلية أنّ أملرية كانت من مدن‬ ‫واحللي الرفيعة‬ ‫األندلس العامرة واملزدهرة يصنع بها احلرير‬ ‫ّ‬ ‫ويشرف حصنها على البحر وقد قال الشاعر ابن سفر املريني‬ ‫في مدحه لألندلس وال سيما ألملرية مسقط رأسه‪:‬‬ ‫قد ُميزت من جهات األرض حني بدت‬ ‫دارت عـليهـا نـطـاقـ ًا أبـحـر خـفـقـت‬

‫فــريــد ًة وتــولى مــيــزها املــا ُء‬ ‫وجد ًا بها اذ تـبدت وهي حسناء‬

‫وقد أخبرنا ً‬ ‫أيضا العالمة اجلغرافي أحمد بن أنس العذري‬ ‫املعروف بابن الدالئي (دالية ‪ -1003‬بلنسية ‪ )1085‬أنه في‬ ‫القرن التاسع كان هناك برج طليعة نصب حلماية ثغر بجانة‪،‬‬ ‫وأنه وعلى مقربة من ربض احلوض (حي التشانكا حال ّي ًا)‬ ‫كان ميتد ربض صغير بذلك اخلليج الساحلي يعيش أهله‬ ‫من التجارة البحرية‪ ،‬وتخبرنا نصوص املؤلف املذكور نفسها‬ ‫ً‬ ‫أيضا أنه في عام ‪ 933‬كانت هناك دار لصناعة السفن تابعة‬ ‫للخالفة لتزويد أسطول اخلليفة البحري باملراكب البحرية‬ ‫التي كانت ترسو هناك‪ .‬وجتدر اإلشارة بصفة خاصة إلى‬ ‫أخبار العذري في شأن حمالت األسطول األموي التي شنّت‬ ‫بقيادة البحار عبد الرحمن بن رماحس على منطقة قطالونيا‬ ‫سنة ‪ 940‬أو على شواطئ جنوب إفرجنة في سنة ‪ .943‬وكان‬ ‫ميناء بجانة في تلك الفترة يقع في آخر ربض احلوض إلى أن‬

‫رأى اخلليفة عبد الرحمن الثالث ضرورة حتويل هذا الربض‬ ‫القدمي إلى مدينة في أعقاب توسع النفوذ الفاطمي‪ ،‬فأمر‬ ‫ببناء السور حلماية أهاليها املتزايدين وهكذا نشأت مدينة‬ ‫جديدة من مدن اخلالفة‪ ،‬وقد أورد أنّ أملرية »ليست بأولية‬ ‫ً‬ ‫رباطا وابتنت فيها محارس‬ ‫العمارة وإمنا اتخذها العرب‬ ‫وكان الناس ينتجعونها ويرابطون فيها وال عمارة فيها يومئذ‬ ‫وال سكنى وعليها سور صخر منيع بناه الناصر أمير املؤمنني‬ ‫عبد الرحمن سنة ثالث وأربعني وثلثمائة«‪.‬‬ ‫وبعد حقبة من اإلزدهــار املتميزة ال سيما في عهد حاكم‬ ‫أملرية خيران العامري فتى املنصور بن عامر متكنت املدينة‬ ‫خالله من اخضاع قرطبة وأعمالها لتصبح تابعة لسلطانها‪،‬‬ ‫بعد ذلك انتقلت املدينة وواديها ألمــراء ملوك الطوائف وقد‬ ‫متيز خالل هذه الفترة عهد املعتصم بالله والواثق بفضل‬ ‫الله أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح التجيبي ‪(1052-‬‬ ‫)‪1091‬واملعروف بامللك الشاعر إذ شهدت املدينة في عهده‬ ‫أقصى درجــات تطورها وفي ذلك العهد الزاهر سرى املثل‬ ‫الشعبي الــذي ذكــره الرحالة البريطاني ريتشارد فــورد‬ ‫]‪ [Richard Ford‬خالل الثلث األول من القرن التاسع عشر‬ ‫والقائل‪» :‬يوم كانت أملرية في عزها غرناطة كانت قريتها«‬ ‫]”‪.[“Cuando Almería era Almería, Granada era su alquería‬‬

‫وال تزال إلى يومنا هذا قائمة بقصبة أملرية بقايا قصر املعتصم‬ ‫الذي شهد عهده املزدهر حملة بناء غير مسبوقة حولت املدينة‬ ‫إلى عاصمة ذات شأن‪ .‬وقد متيز من بني املنشآت التي ظهرت‬ ‫في ذلك العهد البستان الذي أقيم خارج املدينة والذي أخبرنا‬ ‫عنه العذري إذ يقول في مؤلفه "ترصيع األخبار وتنويع اآلثار"‬ ‫إنّ املعتصم بالله »بنى بخارج مدينة أملرية بستانًا وقصو ًرا‬ ‫متقنة البنيان غريبة الصناعة وجلب إليها من جميع الثمار‬ ‫الغريبة وغيرها ففيها من كل شيء غريب مثل املوز الكثير‬ ‫وقصب السكر وأنواع سائر الثمرات مما ال يقدر على صفته‬ ‫وفــي وسطه بحيرة عظيمة عليها مجالس مفتحة مفروشة‬ ‫بالرخام األبيض ويسمى ذلك البستان بالصمادحة وهو قريب‬ ‫من املدينة ج ًّدا وقد اتصل به بساتني كثيرة تقرب من ص ّفها‬ ‫فيها منتزهات ال يعلم مثلها في جميع املنتزهات«‪.‬‬ ‫وتظل نصوص العذري خير مرجع للتعرف على األهمية التي‬ ‫اكتسبتها املدينة خالل تلك الفترة التي بلغت فيها أملرية‬ ‫إزدها ًرا سياس ًّيا وإقتصاد ًّيا وثقاف ًّيا غير مسبوق ال سيما في‬ ‫عهد خيران الفتى حينذاك »توطدت املرية وأعمالها خليران‬ ‫الفتى وقام فيها مقا ًما محمو ًدا وزاد في قبلة جامع أملرية‬

‫أملرية‬

‫سنة عشر وأربعمائة زيادة جميلة اتسع بها جامع أملرية وبنى‬ ‫خيران الفتى السور الهابط من جبل لَ ْي َه ْم إلى البحر وجعل له‬ ‫أربعة أبواب باب في اجلبل املسمى وباب يخرج منه إلى بجانة‬ ‫وباب يسمى بباب املربى وباب قرب ضفة البحر يعرف بباب‬ ‫السودان وهو اآلن يعرف بباب األسد (‪ )...‬ومدينة املرية اليوم‬ ‫متقنة البناء مصرية الشكل واملدينة القدمية منها مسورة بسور‬ ‫عجيب وقد سور ربضها الشرقي واتصل سور الربض باملدينة‬ ‫وكان الذي سور الربض الفتى خيران وكذلك الربض الغربي‬ ‫مسور ً‬ ‫أيضا قد اتصل سوره باملدينة«‪.‬‬ ‫وسرعان ما بلغ عهد املرابطني املدينة‪ ،‬عهد حافظت خالله أملرية‬ ‫على شهرتها كمركز لتصدير احلرير والرخام مثيرة بذلك جشع‬ ‫ملوك النصارى‪ .‬وفي ذلك العهد كانت املدينة تبدو للزائر ككتلة‬ ‫ضخمة حتيط بها األســوار التي تتخللها األبــواب الشاهقة‪،‬‬ ‫حتتضن أحيانًا مقابر أهاليها كمقبرة باب بجانة التي اكتشفت‬ ‫ّ‬ ‫مؤخ ًرا‪ ،‬إلى جانب أسواقها العامرة وساحاتها الواسعة‪ ،‬وكان‬ ‫ثمة خندق بني جبل ليهم (املعروف بهضبة سان كريستوبال‬ ‫حال ًّيا ]‪ )[Cerro de San Cristóbal‬وجبل القصبة وعرف هذا‬ ‫اخلندق حينذاك بخندق باب موسى (الب ّرانكو دي ال أو ّيا حال ّي ًا‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫• ‪• 32‬‬

‫• ‪• 33‬‬


‫]‪ )[Barranco de la Hoya‬وقد أثبتت احلفريات األثرية التي‬ ‫انطلقت في عام ‪ 1993‬أن هذا اخلندق كان معمو ًرا باألهالي‪.‬‬ ‫وفي تشرين األول من عام ‪ 1147‬وبعد أن لقي امللك ألفونسو‬ ‫السابع الدعم من قطالونيا ومدينتي جنوة وبيزا اإليطاليتني‬ ‫ومن اإلفرجنة بعد أن سئموا هيمنة أملرية التجارية على بحر‬ ‫املتوسط جمعوا قواهم بهدف غزو املدينة ومتكنوا من نهبها‬ ‫بعد أن فرضوا عليها حصا ًرا طوي ًال‪ .‬وبعد مرور عقد على‬ ‫هذه الواقعة متكن املوحدون من استرجاعها غير أنها لم تعد‬ ‫بعد ذلك إلى سالف عهدها املشرق وظلت هي وواديها تعيش‬ ‫فترات خانقة جراء الفنت املستمرة التي كانت تندلع من حني‬ ‫آلخر بني املسلمني أنفسهم‪ ،‬ومع هذه الفنت بدأت املدينة تشهد‬ ‫انحاللها احلتمي‪ ،‬حينذاك أصبحت املدينة خاضعة لسلطان‬ ‫مملكة بني األحمر ثم استسلمت إلى امللكني الكاثوليكيني بعد‬ ‫استسالم غيرها من األقاليم واملدن املجاورة بشكل مهني مثل‬ ‫َب ْيرة ]‪ [Vera‬و َب ْسطة ]‪ [Baza‬و َب ْرشانة ]‪ [Purchena‬وعقبة شقر‬ ‫]‪ [Mojácar‬وسواها من املدن‪.‬‬ ‫وقد ذكر العالمة أبو عبد الله محمد بن محمد اإلدريسي‬ ‫اجلغرافي‬ ‫الهاشمي القرشي (سبتة‪-1099 ،‬جزيرة صقلية ‪)1166‬‬ ‫ّ‬

‫الذي تتلمذ في مدينة قرطبة وهاجر إلى جزيرة صقلية على ما‬ ‫يبدو ألسباب سياسية في مؤلفه الشهير الذي كتبه في أواسط‬ ‫القرن الثاني عشر "نزهة املشتاق في اختراق اآلفاق" والذي‬ ‫تُرجم إلى اإلسبانية حتت عنوان ‪،Descripción de España‬‬ ‫غزو امللك القشتالي ألفونسو السابع مدينة أملرية إذ أورد أنّ‬ ‫»مدينة أملرية كانت في أيام امللثم –املوحدين‪ -‬مدينة اإلسالم‬ ‫وكان بها من كل الصناعات كل غريبة وذلك أنه كان بها‬ ‫من طرز احلرير ثماني مائة طراز يعمل بها احللل والديباج‬ ‫والسقالطون واألصبهاني واجلرجاني والستور املكللة والثياب‬ ‫املعينة واخلمر والعنابي واملعاجر وصنوف أنــواع احلرير‬ ‫وكانت أملرية قبل اآلن يصنع بها من صنوف آالت النحاس‬ ‫واحلديد إلى سائر الصناعات ما ال يحد وال يكيف وكان‬ ‫بها من فواكه واديها الشيء الكثير الرخيص وهذا الوادي‬ ‫املنسوب إلى بجانة بينه وبني املرية أربعة أميال وحوله جنات‬ ‫وبساتني وأرحــاء وجميع نعمها وفواكهها جتلب إلى املرية‬ ‫وكانت املرية إليها تقصد مراكب الطريق من اإلسكندرية‬ ‫والشام كله ولم يكن باألندلس كلها أيسر من أهلها ما ًال وال‬ ‫أجتر منهم في جميع أنواع التجارات تصري ًفا وادخا ًرا واملرية‬ ‫في ذاتها جبالن وبينهما خندق معمور وعلى اجلبل الواحد‬

‫• ‪• 34‬‬

‫قصبتها املشهورة باحلصانة واجلبل الثاني منها فيه ربضها‬ ‫ويسمى جبل ليهم والسور يحيط باملدينة وبالربض ولها أبواب‬ ‫عدة ولها من اجلانب الغربي ربض كبير عامر يسمى ربض‬ ‫احلوض وهو ربض له سور عامر باألسواق والديار والفنادق‬ ‫واحلمامات واملدينة في ذاتها مدينة كبيرة كثيرة التجارات‬ ‫واملسافرون إليها كثيرون «وينهي اإلدريسي كالمة في لهجة‬ ‫كلها حزن وحتسر قائال‪ ...» :‬واملرية في هذا الوقت الذي ألفنا‬ ‫كتابنا هذا فيه صارت مل ًكا بأيدي الروم وقد غ ّيروا محاسنها‬ ‫وسبوا أهلها وخ ّربوا ديارها ولم يبقوا على شيء منها«‪.‬‬ ‫ويصف أبو الفداء من جانبه مدينة أملرية هو ً‬ ‫أيضا ولكن‬ ‫مبنظار أكثر أيجابية حينذاك أي خالل القرن الرابع عشر‬ ‫كان املسلمون قد استرجعوا املدينة إذ يقول »ومدينة املرية‬ ‫مس ّورة على حا ّفة بحر الزقاق وهي باب الشرق ومفتاح‬ ‫الرزق لها ب ّر ّ‬ ‫زبرجدي وأسوارها‬ ‫تبري وبحر‬ ‫ّ‬ ‫فض ّي وساحل ّ‬ ‫عالية وقلعتها منيعة شامخة وهواءها معتدل ويعمل بها من‬ ‫احلرير ما يفوق معمول غيرها ومن أعمالها حصن بجانة على‬ ‫ستة أميال منها وحصن برشانة وحصن شنش ومدينة برجة‬ ‫ومدينة أندرش وبجانه بياء موحدة وجيم وألف ونون وهاء‬

‫أملرية‬

‫وهي محدثة إسالمية وكانت مق ّر الوالية ثم ضعفت بجانة‬ ‫وقويت املرية فصارت تابعة لها«‪.‬‬ ‫غير أنّ الوصف الذي تركه لنا الرحالة األملاني خيرونيمو مونزر‬ ‫عن مدينة أملرية بعد غزوها من قبل النصارى واستردادها‬ ‫من أيدي املسلمني في مؤلفه "رحلة إلى أسبانيا والبرتغال"‬ ‫الذي جمع فيه أخبار رحلته التي قام بها في أواخر ‪1494‬‬ ‫هو وصف يختلف عما سبقه إذ يقول‪» :‬تقع املدينة على‬ ‫سفح جبل وتتجه جنوبا نحو البحر املفتوح وعلى اجلبل قلعة‬ ‫كبيرة ُجعلت لها نوافذ من حديد وقد أمر امللك ّ‬ ‫مؤخ ًرا بإقامة‬ ‫حصن فوق أسس القلعة القدمية‪ .‬إنها عمل عجيب ح ًّقا توجد‬ ‫بداخلها حديقة مربعة تتوسطها نافورة تضخ املياه بواسطة‬ ‫أنابيب ورأينا هناك من األسرى الكثير الذين أوثقت أقدامهم‬ ‫وقد خصنا بشرف كبير ذلك الرجل القشتالي النبيل واحلكيم‬ ‫الذي يعود أصله إلى مدينة نابولي استقبلنا بترحيب فائق‬ ‫وأتاح لنا الفرصة لنشاهد الكثير من األسلحة التي غنموها‬ ‫من املسلمني من أقواس ومنجنيقات وسيوف وسهام يصعب‬ ‫شارحا بطريقته اخلاصة انحالل مدينة‬ ‫عدها«‪ ،‬وينهي وصفه‬ ‫ً‬ ‫كانت في عهد مضى مركزًا من أهم مراكز الثقافة العربية‬

‫• ‪• 35‬‬


‫أملرية‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput‬‬

‫اإلسبانية بقوله »ومدينة أملرية على شكل مثلث ولها سهول‬ ‫وسور يحتشد باألبراج لكن جزءا كبيرا منها قد تهدم من‬ ‫الداخل وبات مهم ًال وغير مأهول نتيجة لهزّة أرض ّية وقعت‬ ‫عليه بعد الغزو وكانت منازلها فيما مضى تبلغ خمسة آالف‬ ‫من البيوت املعمورة واآلن لم يتبق بها سوى ثمامنائة ولذلك‬ ‫فإن أي غريب كان يأتي إليها بغرض اإلستقرار بديارها‬ ‫مينحونه البيت والبساتني ومزارع الزيتون حتى يستطيع أن‬ ‫تكون له بها حياة طيبة ولهذا فهي ستعمر سري ًعا«‪.‬‬

‫كبير زرعت به أشجار الليمون وقد ُجعلت بوسط الصحن املذكور‬ ‫فسقية ماء‪ .‬وال يزال إلى حد الساعة جدار القبلة واحملراب‬ ‫قائمني في كنيسة القديس يوحنا ]‪ [San Juan‬التي ُبنيت على‬ ‫أنقاض أهم مبنى إسالمي باملدينة وهي حتتوي اليوم على أدوات‬ ‫زخرفية من أصل موحدي تعود إلى القرن الثاني عشر‪.‬‬

‫اجلامع األكبر‬

‫تؤكد الباحثة بيالر سانتشيث سيدانو ]‪[Pilar Sánchez Sedano‬‬

‫على أنّ جامع أملرية األكبر كان أهم مبنى إسالمي بهذه احلاضرة‬ ‫وهو يقع في وسط املدينة وقد أمر ببنائه اخلليفة الناصر لدين‬ ‫الله عبد الرحمن بن محمد في عام ‪ 965‬وكان يعد في البداية على‬ ‫ثالث بالطات ومت توسيعه مع تزايد أهالي املدينة وكان في شكل‬ ‫مستطيل يبلغ طوله سبعني مت ًرا وعرضه خمسة وأربعني وأصبح‬ ‫بعد توسيعه يحتوي على سبع بالطات تقوم على أقواس طليت‬ ‫لبناتها باللون األحمر واألبيض وتفتح هذه البالطات على صحن‬ ‫• ‪• 36‬‬

‫ويصف الرحالة األملاني خيرونيمو مونزر مسجد أمليرية‬ ‫اجلامع الذي زاره بعد مضي سنوات قليلة من الغزو املسيحي‬ ‫للمدينة قائ ًال »وقد حت ّول املسجد إلى كاتدرائية أملرية ولم يكن‬ ‫فقط أكبر دار عبادة في أملرية بل كان ً‬ ‫أيضا واحد ًا من أكثر‬ ‫املساجد جما ًال وبها ًء في كامل مملكة غرناطة‪ ...‬إنه رائع ج ّد ًا‬ ‫يستند على أكثر من ثمامنائة عمود وكانت توقد به في عهد‬ ‫املسلمني أكثر من ألف مصباح طوال اليوم«‪.‬‬

‫قصبة أملرية‬

‫لنبدأ في وصف هذه احللية اإلسالمية بكالم العالمة اجلغرافي‬ ‫املريني العذري إذ يقول عنها‪» :‬وقــد أشرفت على املدينة‬ ‫قصبتها وهي في جبل منفرد عليه سور متقن ال يصعد إلى‬

‫• ‪• 37‬‬


‫قصبتها إال بكلفة وال يرقى إليها إ ّال مبشقة محكمة في رتبها‬ ‫غاية في إمتناعها« ويؤكد املؤرخ اإلسباني خوليان مارتينيث‬ ‫]‪ [Julián Martínez‬من جهته على أن القصبة املرينية‬ ‫كغيرها من احلصون اإلسالمية تتأقلم بشكل محكم ومتقن‬ ‫مع األرضية التي أنشئت عليها حيث يتماشى تصميمها‬ ‫ويتكيف مع الرعن اجلبلي الصخري الذي تقف عليه وكانت‬ ‫هذه القصبة توفر احلماية إلى ميناء املدينة مما جعله يتح ّول‬ ‫إلى أهم بوابة بحرية في بالد األندلس‪.‬‬ ‫وميت ّد هذا املجمع الدفاعي والبالطي على مساحة‬ ‫مت ًرا مرب ًعا وهي ثاني أكبر املنشآت اإلسالمية من حيث‬ ‫مساحتها في إسبانيا وال تزال بساتني القصبة قائمة إلى‬ ‫يومنا هذا بقنواتها ونافوراتها‪ ،‬وتنقسم القصبة إلى عدد‬ ‫من الفضاءات املقسمة على نحو واضح‪ ،‬فالفضاء األول كان‬ ‫مخصصا إليواء اجليوش وجند بهذا الفضاء برج املرايا وباب‬ ‫ً‬ ‫الشريعة ومعقل الصخرة‪ ،‬أما الفضاء الثاني فهو يحتوي‬ ‫على قصر املعتصم الــذي ال تــزال أجــزاء منه قائمة اليوم‬ ‫وكذلك الناظور ومنسك القديس يوحنا الذي كان جام ًعا في‬ ‫عهد املسلمني‪ ،‬أما الفضاء الثالث الذي أدخلت عليه حتويرات‬ ‫عميقة أتت على يد امللكني الكاثوليكيني عندما وقعت املدينة‬ ‫في أيديهم فال جند به اليوم من آثار عمارته اإلسالمية سوى‬ ‫برج القصبة الرئيسي وبرج الناعورة وبرج البارود‪.‬‬ ‫‪34.000‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫• ‪• 38‬‬

‫آثار إسالمية أخرى مبدينة أملرية‬

‫أملرية‬

‫جند في احلديقة التي حتمل اسم رئيس اجلمهورية اإلسبانية‬ ‫األولى نيكوالس سامليرون ]‪ [Nicolás Salmerón‬أصيل مدينة‬ ‫أملرية جز ًءا من سور املدينة اإلسالمي كما جند أسس البوابة‬ ‫التي كانت تؤدي إلى حوض صناعة السفن وكالهما يعود‬ ‫إلى عهد اخلالفة‪ ،‬ومن القصبة ومــرو ًرا بخندق باب موسى‬ ‫يتم الصعود نحو جبل ل ْي َه ْم (املعروف حال ّيا بهضبة القديس‬ ‫كريستوبال) وجند في طريقنا جز ًءا من السور الذي بناه امللك‬ ‫الفتى خيران‪ ،‬أما اجلباب التي بناها امللك املذكور والتي أقيمت‬ ‫لتزود األهالي باملياه فنجدها في املنطقة األكثر إرتفا ًعا في‬ ‫املدينة وقد أقيمت في هذا املكان من أجل تسهيل عملية توزيع‬ ‫املياه املتأتية من عني املاء القريبة منها واملعروفة بعني احلضرة‪،‬‬ ‫وقد مت تغليف داخل هذه اجلباب بغالف سميك متكون من‬ ‫خليط من اجلير واملغرة ملنع تسرب املياه‪.‬‬ ‫وننهي حديثنا مبا أشار إليه الرحالة األملاني خيرونيمو مونزر‬ ‫في "رحلته إلى إسبانيا والبرتغال" عن مدينة أملرية التي كانت‬ ‫تضم حسب قوله عد ًدا كبي ًرا من املساجد الصغيرة وأنّ في‬ ‫بعضها‪» :‬علقت األجــراس التي كان العرب قد غنموها في‬ ‫حروبهم ضد املسيحيني فكانوا يثقبونها في مواضع كثيرة‬ ‫ويعملون في جتويفها دوائر كثيرة بشمعدانات صغيرة يضعون‬ ‫فيها مصابيح صغيرة حتى أنه كان في بعض هذه األجراس‬ ‫أكثر من ثالثمائة مصباح صغير«‪.‬‬

‫• ‪• 39‬‬


‫‪BADAJOZ‬‬

‫بطليوس‬ ‫إن كانت مدينة ماردة تعد أهم مدينة مبحافظة إكسترميادورا‬ ‫خالل فترة احلضور الروماني بشبه اجلزيرة اإليبيرية فقد أخذت‬ ‫عنها بطليوس املشعل وأصبحت أهم مدينة في هذه املنطقة في‬ ‫عهد احلضور اإلسالمي‪ ،‬وهكذا حتولت منطقة إكسترميادورا‬ ‫(ومعناها ما وراء نهر دويرة) إلى منطقة حدودية فاصلة بني‬ ‫عاملني هما العالم املسيحي والعالم اإلسالمي حيث ُبنيت بها‬ ‫األسوار وشيدت عبرها احلصون مبختلف أصنافها‪.‬‬ ‫ففي سنة ‪ 874‬أعلن القائد املولد عبد الرحمن بن مروان‬ ‫اجلليقي القائد بجيش األمير محمد بن عبد الرحمن مت ّرده‬ ‫وهرب بجيوشه من قرطبة عاصمة األندلس في ذلك الوقت‬ ‫واجته نحو مناطق ما وراء نهر دويرة بغرب البالد مسته ًّال‬ ‫ومجتاحا كل ما‬ ‫بذلك حر ًبا مفتوحة ضد جيوش بني أمية‬ ‫ً‬ ‫يعترض طريقه عبر مناطق إشبيلية ولبلة وغرب األندلس »فلما‬ ‫طال غم األمير محمد –األمير محمد بن عبد الرحمن‪ -‬به‬ ‫وجه إليه أمينًا فقال له يا هذا قد طال غ ّمنا بك وعمك بنا‬ ‫ع ِّرفنا مبذهبك فقال لهم مذهبي أن يباح لي البش ْرنل أبتنيها‬ ‫وأم ّدنها وأعمرها وأقيم الدعوة وال تلزمني جباية وال طاعة‬ ‫في أمر وال في نهي« والبشرنل هذه تقابل َب َطل ُيوس وبينهما‬ ‫النهر‪ ،‬فكان رد األمير بالقبول وبهذه الطريقة نشأت مدينة‬ ‫بطليوس مدينة ح ّرة ومستقلة عن سلطان قرطبة‪ ،‬وظهرت مع‬ ‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪Página de las dos primeras azoras de un Corán manuscrito (sin fecha).‬‬


‫بطليوس‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫نشأة هذه احلاضرة ساللة جديدة من احلكام وهي أسرة بني‬ ‫مروان التي متكنت من ادماج أهالي املنطقة ضمن تركيبة‬ ‫سياسية وعسكرية معقدة مكنتهم من االستمرار في احلكم‬ ‫ملدة طويلة‪ ،‬وظلت بطليوس حتت سلطانهم أكثر من نصف‬ ‫قرن كمدينة مستقلة عن احلكم املركزي بقرطبة ونشأت على‬ ‫أيديهم بضفاف نهر يانة أو نهر بطليوس أسس مملكة بني‬ ‫األفطس التي ستظهر الح ًقا وستتحول بعد مائة سنة إلى‬ ‫مملكة من أهم ممالك الطوائف التي ظهرت بشبه اجلزيرة‬ ‫اإليبيرية‪ ،‬وستشهد مدينة ضفاف نهر يانة إزدها ًرا كبي ًرا في‬ ‫مجاالت الفكر واملعرفة والفنون واآلداب‪.‬‬ ‫وال يــزال أهالي بطليوس اليوم يحتفلون بذكرى تأسيس‬ ‫مدينتهم على يد العرب بإقامة مهرجان سنوي يعرف باسم‬ ‫مؤسسة أو تأسيس بطليوس ]‪[Almossasa Batalyaws‬‬ ‫وكان املوقع الذي مت اختياره آنذاك لتأسيس املدينة يفي‬ ‫متام ًا بسلسة من الشروط الضرورية لذلك الهدف‪ ،‬أهمها‬ ‫توفر املاء متمث ًال بنهر يانة فض ًال عن وجود املراعي وخصوبة‬ ‫أراضي املنطقة وتوفر الغابات التي سيقطع منها اخلشب‬ ‫الستعماله في البناء وكذلك احلماية التي يوفرها هذا املكان‬

‫في حد ذاته نظ ًرا لوقوعه على هضبة ْمويال‬ ‫]‪ Muela‬وهي مرتفعات كان قد استوطنها اإلنسان منذ‬ ‫العصر البرونزي إلى عهد القوط الغربيني‪.‬‬

‫‪[Cerro de la‬‬

‫وسرعان ما اكتسبت املدينة أهمية متزايدة بفضل موقعها‬ ‫اإلستراتيجي حيث تتمركز على نقطة العبور الطبيعية املوصلة‬ ‫ما بني هضاب قشتالة واألندلس ولشبونة وقد أشار إلى هذه‬ ‫اخلاصية التي تتميز بها بطليوس ليون دي روسمينتهال دي‬ ‫بالتنا ]‪ [León de Rosmithal de Blatna‬صهر امللك جورج‬ ‫ملك بوهيمية بعد رحلته عبر إسبانيا والبرتغال التي قام بها‬ ‫خالل النصف الثاني من القرن اخلامس عشر وأشار ً‬ ‫أيضا‬ ‫إلى أنّ القائد ابن مــروان سرعان ما عزز مدينته بقصبة‬ ‫منيعة وابتنى بها جام ًعا أكبر وزودها باحلمامات العمومية‬ ‫واألسواق بداخل أسوارها وخارجها وال تزال قائمة إلى اليوم‬ ‫بداخل أســوار القصبة آثار البنايات التي تعود إلى فترة‬ ‫حلقت عهد ابن مروان‪ ،‬أما ما اضمحل منها فقد عرفنا عنه‬ ‫بفضل أخبار املؤرخني واألدباء الذين أوردوا أنّ أول األشغال‬ ‫التي جرت باملدينة بهدف توسيعها أتت على يد حفيده عبد‬ ‫الرحمن في عام ‪ 913‬ميالدي‪.‬‬

‫• ‪• 42‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫وكانت سنة ‪ 930‬سنة نهاية عهد ساللة ابن مروان اجلليقي‬ ‫وباتت املدينة تخضع خلليفة قرطبة إلى أن سقطت اخلالفة‬ ‫فأصبحت بطليوس عاصمة من أكبر عواصم ملوك الطوائف‬ ‫في شبه اجلزيرة اإليبيرية محافظة على إستقالليتها حتى‬ ‫سنة ‪ ،1022‬وخالل هذه الفترة أصبح عدد أهالي املدينة يزيد‬ ‫عن خمسة وعشرين ألف ساكن وغدت قبلة يقصدها الشعراء‬ ‫والفنانون الذين توافدوا عليها وأقاموا بها و ُدونت فيها أكبر‬ ‫موسوعة عرفتها اإلنسانية إلى ذلك الوقت والتي لألسف‬ ‫فقدت وتالشت‪ ،‬وفي عام ‪ 1086‬دارت مبشارف مدينة بطليوس‬ ‫معركة الزالقة التي أوقفت الزحف املسيحي الهادف إلى غزو‬ ‫منطقة ما وراء النهر ومثلت نهاية عهد ملوك الطوائف ونفوذ‬ ‫املرابطني ببالد األندلس‪.‬‬ ‫وشهدت بطليوس من القرن احلادي عشر إلى الثالث عشر‬ ‫تغييرات اقتصادية وسياسية هامة رافقها ازدهار املدينة في‬ ‫مجال الفكر واملعرفة بشكل غير مسبوق بفضل الرعاية التي‬ ‫حظي بها العلماء واألدباء في عهدي املظفر واملتوكل فامتألت‬ ‫املدينة بهم وعمرت وكان من بينهم أبو بكر محمد بن عيسى‬ ‫بن محمد اللخمي الداني املعروف بابن اللبانة وهو واحد من‬

‫أشهر شعراء عصره وقد مدح بشعره ملك إشبيلية املعتمد بن‬ ‫ع ّباد‪ ،‬والفقية املالكي أبو الوليد الباجي )‪ ،(1013-1081‬وعبد‬ ‫الله بن محمد بن السيد البطليوسي الذي اشتهر مبؤلفه‬ ‫"كتاب احلدائق" وقد م ّثل هذا الكتاب أ ّول طرح ظهر في بالد‬ ‫األندلس يبحث في سبل التوافق بني الفقه اإلسالمي والفكر‬ ‫اإلغريقي‪.‬‬ ‫ويصف محمد اإلدريسي في كتابه "نزهة املشتاق في إختراق‬ ‫اآلفــاق" مدينة بطليوس في أواســط القرن احلــادي عشر‬ ‫قائ ًال‪» :‬وهي مدينة جليلة في بسيط من األرض ولها ربض‬ ‫كبير أكبر من املدينة في شرقها خال بالفنت وهي على ضفة‬ ‫نهرها الكبير املسمى الغؤور ألنه يكون في موضع يحمل‬ ‫السفن ثم يغور حتت األرض حتى ال توجد منه قطرة فس ّمي‬ ‫الغؤور لذلك وينتهي جريه إلى حصن مارتلة ويصب قري ًبا من‬ ‫جزيرة شلطيش ومن بطليوس إلى إشبيلية ستة أيام ومنها‬ ‫إلى قرطبة ست مراحل«‪ .‬وقد أشار أبو الفداء في "تقومي‬ ‫البلدان" هو ً‬ ‫أيضا إلى نهر بطليوس الغؤور بعد قرنني من‬ ‫كالم اإلدريسي إذ ذكر أنّ ‪» :‬بطليوس قاعدة مملكة ومملكتها‬ ‫في الشمال والغرب عن مملكة قرطبة وهي في الغرب مبيلة‬ ‫إلى اجلنوب عن مملكة طليطلة وبني بطليوس وقرطبة ستة‬

‫• ‪• 43‬‬


‫أيام وبطليوس مدينة عظيمة وهي على نهر في بسيط من‬ ‫األرض مخض ّر وبني فيها صاحبها املتوكل بن عمر األفطش‬ ‫املباني العظيمة وهي محدثة اسالمية وفيها البن القالس‪:‬‬ ‫بطليوس ال أنساك ما اتصل البعد‪ ،‬ولله غور من جنابك أو‬ ‫تفجر واديها كما ُش ّقق البر ُد‪.‬‬ ‫جن ُد‪ ،‬ولله دوحات حت ّفك بينها‪ّ ،‬‬ ‫ومن أعمال بطليوس املشهورة مدينة بابرة‪« ...‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫• ‪• 44‬‬

‫وفي التاسع عشر من آذار من سنة ‪ 1230‬سقطت املدينة‬ ‫في يد جيوش امللك ألفونسو التاسع آخر ملوك مملكة ليون‬ ‫دون أن تبدي مقاومة كبيرة حسب روايــات املؤرخني‪ ،‬وقبل‬ ‫أن تقع املدينة بيد النصارى كانت قد استسلمت مدن أخرى‬ ‫إزاء تق ّدم املسيحيني مثل مدينة قصرش ومدينة ماردة‪ ،‬وقد‬ ‫لعبت التنظيمات الدينية العسكرية املسيحية (فرسان الهيكل‬ ‫وتنظيم القنطرة وتنظيم القديس يعقوب) دو ًرا ها ًّما فيما سمي‬ ‫بحملة اإلسترداد وفي إعادة عمران منطقة إكسترميادورا منذ‬ ‫استردادها وخالل القرون التي تلت ذلك‪.‬‬

‫القصبة‬

‫بطليوس‬

‫مت في عام ‪ 1169‬بناء القصبة التي ال يزال جزء منها قائ ًما‬ ‫في يومنا هذا‪ ،‬وقد مت تشييدها في عهد اخلليفة املوحدي أبي‬ ‫يعقوب يوسف الذي بنى في نفس العام برج الطليعة املعروف‬ ‫اليوم ببرج إسبانتابي ّروس ]‪ [Espantaperros‬وهو برج ُمث ّمن‬ ‫الشكل اتبع في بنائه منط العمارة املوحدي‪ ،‬ويبدو أنه بني‬ ‫باتباع منوذج برج إشبيلية الشهير املعروف ببرج الذهب‪.‬‬ ‫احملصن الكثير من التغييرات‬ ‫وقد أدخلت على هذا املج ّمع‬ ‫ّ‬ ‫خالل األلف سنة من تاريخه‪ ،‬ومع أنه كان في أول عهده‬ ‫املكان الذي شهد نشأة مدينة ابن مروان اجلليقي بطليوس‪،‬‬ ‫فإنه بعد مرور بضعة عقود على ذلك أي في مستهل عهد‬ ‫اخلليفة عبد الرحمن بن محمد الناصر لدين الله‪ ،‬شهد‬ ‫عدة حتويرات وإصالحات دفاعية معمقة أدخلت عليه بهدف‬ ‫التصدي للهجومات الشرسة التي كان يقوم بها ملك مملكة‬ ‫ليون أوردونــيــو الثاني في املنطقة‪ ،‬وقد استمر استعمال‬

‫• ‪• 45‬‬


‫بطليوس‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫الطوب في أشغال بناء نظام املدينة الدفاعي نظرا لغياب‬ ‫احلجارة الصلبة في تلك املنطقة ومت تشييد أبراج الطليعة‬ ‫التي لم تكن عالية ولذلك ُوضعت على مسافات قصيرة تفصل‬ ‫فيما بينها‪ ،‬وقد وصلنا من ذلك العهد اجلزء اجلنوبي من سور‬ ‫املدينة واملوجود بالقرب من حدائق غاليرا ]‪ .[Galera‬وبعد‬ ‫أن أصبحت مدينة بطليوس عاصمة دولة بدأت تتسع نحو‬ ‫مدن أخرى مثل ماردة ولشبونة َ‬ ‫وش ْنتَرين ]‪ [Santarém‬و ُق ُل ْمرِ ّية‬ ‫]‪ ،[Coimbra‬ثم حصنت أسوارها بني عامي ‪ 1022‬و ‪ 1094‬على‬ ‫موسع ومع ّمق ليكون خير مثال يعكس قوة مدينة نهر يانة‬ ‫نحو ّ‬ ‫وعظمتها إزاء باقي ممالك الطوائف‪ .‬وفي سنة ‪ 1134‬شاهد‬ ‫أهالي املدينة من على أسوارها معركة الزالقة الشهيرة التي‬ ‫انتهت بفوز املسلمني الساحق على النصارى‪ ،‬وبعد بضعة‬ ‫سنني فتحت املدينة أبوابها لتستقبل قائد املرابطني سير بن‬ ‫أبي بكر‪ ،‬ثم في عام ‪ 1145‬انفصلت بطليوس عن دولة املرابطني‬ ‫وأعلنت استقاللها الذي دام فترة قصيرة حتت حكم واليها‬ ‫سدرائي بن وزير الذي ما برح أن أعلن والءه للحكام املوحدين‬ ‫اجلدد‪ .‬وبعد فشل النصارى البرتغاليني في محاولتهم غزو‬ ‫املدينة سنة ‪ 1169‬عقد املوحدون حتالفات مع امللك فرديناند‬ ‫الثاني ملك ليون وقاموا في الوقت نفسه بتنفيذ مخطط واسع‬ ‫• ‪• 46‬‬

‫لتحصني املعاقل املسورة في املنطقة‪ ،‬وفي تلك الفترة مت‬ ‫توسيع محيط قصبة بطليوس إلى أن أصبحت متتد على كامل‬ ‫سطح هضبة مويال‪ ،‬أي على ما يقارب ثمانية آالف متر مربع‪،‬‬ ‫وكان في القصبة ثالث بوابات رئيسية يلي هذه البوابات رواق‬ ‫منعطف وباب رابع صغير‪ ،‬وكانت البوابة املعروفة اليوم ببوابة‬ ‫البينديث ]‪ [Alpendiz‬تؤدي إلى ربض املدينة وهي بوابة بنيت‬ ‫باحلجارة في هيئة قوس أندلسي معقود كبير احلجم على‬ ‫شكل حدوة الفرس‪ ،‬ثم البوابة املعروفة اليوم باسم بوابة رأس‬ ‫العمود أو الكابيتيل ]‪ [Capitel‬التي تفتح نحو داخل املجمع‬ ‫السكني وقد أقيمت على هيئة قوس كبير له شكل حدوة الفرس‬ ‫يقف على رأس عمود روماني استعمله العرب في بنائها‪،‬‬ ‫ورأس العمود هذا هو سبب التسمية التي يعرف بها هذا‬ ‫القوس‪ ،‬أما البوابة الثالثة فهي البوابة املعروفة باسم بوابة‬ ‫العربات أو بوابة لوس كا ّروس ]‪ [los Carros‬باإلسبانية وقد‬ ‫أعيد بناؤها بالكامل بعد أن هدمت في بداية القرن العشرين‪.‬‬ ‫وقد قام املوحدون ببناء عدد كبير من األبــراج البرانية أو‬ ‫اخلارجية التي ُوضعت لها ممرات تربطها مبراقبها من بينها‬ ‫برج إسبانتابيروس ]‪ [Espantaperros‬الذي أصبح اليوم رمزًا‬ ‫من رموز مدينة بطليوس‪.‬‬

‫• ‪• 47‬‬


‫بطليوس‬

‫مساجد بطليوس التي اختفت‬

‫وصلتنا أخبار جامع املدينة األكبر عن البكري واحلميري اللذين‬ ‫يؤكدان أنه كان موجو ًدا في وسط املدينة أي في املكان نفسه‬ ‫الذي أقيمت فيه أول كنيسة بنيت بعد الغزو املسيحي النهائي‬ ‫لبطليوس سنة ‪ ،1230‬ويشير احلميري إلى أنّ اجلامع كان قد‬ ‫ُبني إ ّبان تأسيس املدينة بقوله‪ »:‬فأنفذ له جملة من البناة وقطعة‬ ‫من املال فشرع في بناء اجلامع باللنب والطابية (نرى مج ّدد ًا‬ ‫ندرة احلجارة الصلبة في املنطقة) وبنى صومعته خاصة باحلجر‬ ‫واتخذ مقصورة (‪ )...‬وأقام البناة عنده (عند ابن مروان) حتى‬ ‫ابتنوا له عدة مساجد«‪ .‬إضافة إلى اجلامع املوجود بالقصبة‬ ‫كانت املدينة تشتمل على عدد كبير من املساجد املتوزعة في‬ ‫مختلف أنحائها مثل اجلامع الذي قام ببنائه آل ساباريكو وهي‬ ‫أسرة مولدية كان لها شأن في مدينة بطليوس‪.‬‬

‫احلصون اإلسالمية مبنطقة بطليوس‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput‬‬

‫يتميز من بني احلصون والقالع املنتشرة باملنطقة والتي يبلغ‬ ‫عددها األربعني‪ ،‬حصن ميدييني ]‪ [Medellín‬كما ُيعرف اليوم‬ ‫أو حصن مارتلة كما سماه اإلدريسي‪ ،‬وقد أقيمت هذه القلعة‬ ‫على أنقاض مستوطنة رومانية واكتمل بناؤها في القرن‬ ‫العاشر على ظهر الهضبة املعروفة بهضبة نهر يانة‪ ،‬وقد‬ ‫وصلنا منها اليوم اجلب املوجود بها واملتكون من حوضني‬

‫جلمع املياه‪ ،‬وبعد الغزو املسيحي للمدينة وحتدي ًدا في القرن‬ ‫الرابع عشر متت إعادة بناء هذا احلصن‪.‬‬ ‫كما يوجد حصن آخر يعود في األصل إلى العهد اإلسالمي‬ ‫وقد شهد الح ًقا على يد النصارى تغييرات كثيرة وهو احلصن‬ ‫املعروف باسم ألبارو دي لونا ]‪ [Álvaro de Luna‬ويقع في‬ ‫بلدة البرقوق ]‪ ،[Alburquerque‬وقد لعب هذا احلصن دو ًرا‬ ‫ها ًّما نظر ًا ملوقعه على احلدود الفاصلة بني غرب األندلس‬ ‫وممالك النصارى‪ ،‬وهو يتميز ببرجه الرئيسي الذي ال يزال‬ ‫اليوم في حالة حسنة‪.‬‬ ‫وكذلك أسوار بلدة فيريا ]‪ ،[Feria‬وهي بلدة قدمية أقام بها‬ ‫وحصنوها بأسوار منيعة باجلهة العليا منها‪ ،‬ويتميز‬ ‫العرب‬ ‫ّ‬ ‫برج هذه األسوار الرئيسي الذي يتوسطها وهو برج مربع بني‬ ‫باحلجارة ويتكون من أربعة طوابق وقد أدخل عليه دوق املدينة‬ ‫في القرن اخلامس عشر تغييرات عميقة‪.‬‬ ‫كما توجد في املنطقة حصون أخرى ال تقل أهمية عن غيرها‬ ‫نذكر من بينها قصر الصفراء ]‪ [Zafra‬وهو قصر عربي بني‬ ‫في القرن احلادي عشر حلقته تغييرات كثيرة خاصة في‬ ‫القرن اخلامس عشر‪.‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫• ‪• 48‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫• ‪• 49‬‬


‫‪BAÑOS DE LA ENCINA‬‬

‫برج احلمة‬ ‫البرونزي‬ ‫يعود تاريخ أ ّول استيطان في هذه املنطقة إلى العصر‬ ‫ّ‬ ‫وهو ما يتبني من رسوم الكهوف املوجودة في ضواحي بلدة برج‬ ‫احلمة التابعة ملدينة ج ّيان‪ ،‬ال س ّيما تلك املوجودة في املوقعني‬ ‫األثريني المونيدا ]‪ [la Moneda‬وبينيالوسا ]‪ [Peñalosa‬ويبدو‬ ‫واضحا سبب اختيار العرب لهذا املكان كقاعدة لهم بعد نزولهم‬ ‫ً‬ ‫بسواحل اجلزيرة اخلضراء مباشرة إذ تقع هذه البلدة على‬ ‫نقطة إستراتيجية هامة ال يضاهيها مكان آخر في املنطقة‪،‬‬ ‫وفي هذا املكان على وجه الدقة أمر احلكم املستنصر بالله‬ ‫ابن اخلليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله في عام ‪ 968‬م بناء‬ ‫احلصن املعروف ببرج احلامة‪.‬‬ ‫ويقع برج احلمة املنيع على رأس تلّة صخرية تشرف على نهر وادي‬ ‫الرمان ]‪ [Guarromán‬بسفوح جبل الشارات ]‪[Sierra Morena‬‬ ‫ً‬ ‫شامخا وكأنه سفينة ضخمة توشك على اإلبحار ألول‬ ‫حيث يبدو‬ ‫مرة‪ ،‬ويحيط ببرج احلمة سوره الذي تدعمه أربعة عشر من األبراج‬ ‫التي شيدت باحلجارة واملالط يتجاوز ارتفاعها علو السور بقليل‬ ‫وتتخللها ثلمات مت ترميمها الحق ًا‪ ،‬ويشرف على السور برجه‬ ‫الرئيسي الباهر الذي ميكن الوصول إليه عبر مدخل به قوسني‬ ‫على شكل حدوة الفرس‪ ،‬ويتوسط حصن احلمة الذي صنّف كواحد‬ ‫قسم على‬ ‫من معالم التراث الوطني سنة ‪ 1931‬صحن واسع به ّ‬ ‫جب ّ‬ ‫وس ّقف بسقف نصف مقبب‪.‬‬ ‫قسمني تفصل بينهما أعمدة ُ‬ ‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪Página de las dos primeras azoras de un Corán manuscrito (sin fecha).‬‬


‫برج احلمة‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫• ‪• 52‬‬

‫• ‪• 53‬‬


‫اسالمية أخرى شيدت في فترات الحقة استعمل في بنائها‬ ‫الطوب ً‬ ‫أيضا واحلجارة املنحوتة في األساس‪ .‬أ ّما تاريخ بناء‬ ‫احلصن فنستدل عليه من خالل اللوح املوجود حال ّي ًا في املتحف‬ ‫األثري الوطني مبدريد املنحوت على احلجارة باخلط الكوفي‬ ‫املشرقي الذي إستنسخت عنه لوحات عدة وزعت في برج‬ ‫احلمة وجاء في نص اللوح ما يلي‪:‬‬ ‫بسم الله الرحمن الرحيم‬ ‫أمر ببنيان هذا البرج‬ ‫عبد الله احلكم املستنصر بالله‬ ‫أمير املؤمنني أطال الله بقاه‬ ‫على يدي موليه وقائده‬ ‫ميسور بن احلكم‬ ‫كمل بحول الله وتأييده‬ ‫وذلك في شهر رمضان‬ ‫سنه سبع وخمسني وثالثمئة (‪ 968‬م‪.).‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput‬‬

‫ويؤكد األستاذ سالباتيي ّرا كوينكا‬ ‫أستاذ التاريخ بجامعة ج ّيان أنّ هذه القلعة هي قلعة برج‬ ‫احلمة املشار إليها في روايات ووثائق فرديناند الثالث ملك‬ ‫قشتالة التي تنازل له عنها أمير بياسة عبد الله بن محمد‬ ‫البياسي حينما طلب منه املساعدة والدعم العسكري على إثر‬ ‫املوحدي أبي محمد عبد الله العادل‪.‬‬ ‫مترده على اخلليفة‬ ‫ّ‬

‫ملواجهة امللك النصراني فطلب لقاءه وتقابال في حصن برج‬ ‫احلمة حتدي ًدا‪ ،‬وأسفر هذا اللقاء عن عقد هدنة مع ملك‬ ‫النصارى سلم مبوجبها البياسي أحد أبنائه كرهينة وفتحت‬ ‫هــذه الهدنة األبــواب أمــام امللك فرديناند الجتياح حصن‬ ‫قيشاطة ]‪ [Quesada‬املنيع‪ ،‬ثم وجب اإلنتظار إلى صيف‬ ‫السنة التالية ليستهل ملك قشتالة حملته احلربية ومعها تلقى‬ ‫من البياسي اعالن والئه له شرط استمراره في احلكم على‬ ‫منطقة جيان وتنازل للملك فرديناند الثالث في املقابل عن‬ ‫حصن أندوجر ]‪ [Andujar‬وحصن مارتوس ]‪ [Martos‬وبلدة‬ ‫سالباتيي ّرا ]‪ [Salvatierra‬وبرج احلمة‪.‬‬

‫]‪[Salvatierra Cuenca‬‬

‫وبعد سقوط دولة قرطبة الذي نتج عنه تفكك النفوذ اإلسالمي‬ ‫املسيحي من جهة‬ ‫في شبه اجلزيرة اإليبيرية من جهة والتقدم‬ ‫ّ‬ ‫أخــرى‪ ،‬وقع برج احلمة بيد جيوش النصارى بقيادة امللك‬ ‫ألفونسو الثالث ثم عاد ليخسره ولكن سرعان ما متكنت‬ ‫جيوش النصارى من استرجاعه نهائ ّي ًا سنة ‪ 1225‬م بقيادة‬ ‫ملك قشتالة فرديناند الثالث‪.‬‬ ‫وفي ذلك العام نفسه قام ملك قشتالة بشنّ أو ّل أكبر هجوماته‬ ‫على بالد األندلس اإلسالمية وكان حينذاك عبد الله بن محمد‬ ‫وعي تام بضعف قدراته العسكرية‬ ‫البياسي حاكم ج ّيان على ّ‬

‫ُبنيت أســوار هذا احلصن بالطوب املدكوك وهي قوالب من‬ ‫اخلليط املتكون من الصلصال واجلير واحلجارة الصغيرة‬ ‫احلجم يتم ترصيفها على طبقات بشكل يشبه فن العمارة‬ ‫احلالية في القولبة باإلسمنت ويتم ّ‬ ‫دك هذه القوالب باستعمال‬ ‫صناديق خشبية تضفي على السور خصوصياته اخلارجية‪.‬‬ ‫وتتضارب طريقة البناء هذه مع الطرق املتبعة في حصون‬

‫• ‪• 54‬‬

‫برج احلمة‬

‫ووفق ًا ملا أفادنا به األستاذ سالباتيي ّرا في وصفه الدقيق لقلعة‬ ‫برج احلمة فقد مت حتويل جانبه الشرقي إلى قصر على إثر‬ ‫داخلي يدعمه‬ ‫غزو النصارى لهذا املعقل ومت إضافة سور‬ ‫ّ‬ ‫دائري الشكل لم يتبق لنا منه اليوم سوى قاعدته ومن‬ ‫برج‬ ‫ّ‬ ‫احملتمل أن يكون البرج الرئيسي املوجود باحلصن والذي ُبني‬ ‫باحلجارة املنتظمة جز ًءا تابع ًا لهذا القصر‪ ،‬وقد بنيت واجهته‬ ‫اخلارجية على شكل دائري وهو ما يؤكد أنّ بناءه مت بعد بداية‬ ‫استخدام املدفعية في الهجوم على القالع واحلصون‪ .‬وخالل‬ ‫العصر احلديث وإلى نحو سنة ‪ 1828‬استخدم أهالي املنطقة‬ ‫برج احلمة كمقبرة ووظفت أبراجه وجانب من أسواره لهذا‬ ‫الغرض‪ ،‬ثم مت ترميم احلصن خالل سبعينات القرن العشرين‬ ‫حتت إشراف املهندس املعماري بيرخيس‪.‬‬ ‫ونشير أخي ًرا إلى أنّ مجلس أوروبــا منح هذه القلعة التابعة‬ ‫جل ّيان شرف رفع علم اإلحتاد األوروبي بأعلى برجها الرئيسي‬ ‫احتفا ًال مبرور ألف عام على تأسيسها‪.‬‬

‫مع مطالع القرن الثامن‪ ،‬وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني على األراضي مع مطالع القر وبعد قرنني ونصف القرن من حكم ملوك القوط الغربيني علىاألراضي مع م‬ ‫‪ouroutput provider (such as Lightning such as Lightnouroutput provider (such as Lightning such as Light.‬‬

‫• ‪• 55‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.