اال
فتتاحية
املهند�س مروان الفاعوري
ثمة منهجين اتسمت بهما المحاوالت الشعبية التي صنعت التحوالت الجارية في عالمنا العربي اليوم في ربيعه الجديد، األول يدعو إلى تغير األنظمة جذريًا و بالكامل وآخر يدعو إلى اصالحها من الداخل فما السبب وما الفارق بين هذا وذاك. إن الثورة والعنف وتغير النظام كانت نصيب األنظمة الجمهورية التي خانت طريقة كفاحها واستمرأت البغي والغدر والتنكيل بشعوبها ،حتى قادها جالدها الى الجوع والذل وضياع الكرامة بل احتالت على شعوبها فلم تف بما وعدت به من تداول للسلطة وانتخابات رئاسية دورية كل اربع سنوات ،وانما بقي الزعيم اربعين سنة وشرع في التوريث فمنهم من قضى وو ّرث ،ومنهم من وقف بجوار ولده ينتظر حتى قضوا معًا قت ً ال أو سجنًا .
الـتـغـيـيـر الهــادئ
�أما امللكيات فكان معلوما �أنها ممتدة وراثياً مبوجب عقد ر�ضائي قبلت به �شعوبها وا�ستمدت �شرعيتها من هذا العقد مع �شعبها. لذا كان �سقف املطالب املناداة بالإ�صالح من داخل هذه الأنظمة بالإ�صالح ولي�س تغيري �أو رحيل النظام حتى الآن. و�إذا كان الإ�صالح هو الهدف ف�إن ا�ستنفاذ الو�سع وبذل اجلهد يف جعل هذا الإ�صالح ب�أقل الكلف واحليلولة دون �سفك الدماء وخراب العمران �أمراً واجباً يف حني �أن التفريط به وال�سعي �إىل ال�صدام والإحرتاب جرمية ال تقل عن جرائم ال�سلطة وقمعها .....ما دام هناك مت�سع للإ�صالح والتعاون والتغيري . �إن دعاة الإ�صالح حكماء مدبرون مت�أملون ا�سرتاتيجيون ميعنون النظر يعملون قواعد ال�سيا�سة ال�شرعية ويعتقدون �أن اللقاء على ال�صواب خري من االفرتاق على الأ�صوب لذا فدعاة الإ�صالح دعاة عمل متوا�صل مرتاكم دعاة �أخذ وعطاء ومرونة ُيعملون �سنه التدافع يف التغيري وال يغفلون عامل الزمن. وقدمياً قالوا �أن الفتنة اذا اقبلت مل يلحظها او يدركها اال العقالء اما اذا ادبرت ف�إنه يدركها العاقل واجلاهل على حد �سواء . ان ثمار العمل العقالين والبناء الرتاكمي كبرية ونتائج هذه املنهجية مزيد من الرحابه واحلرية واال�صالحات يف اجواء الر�ضى
والتوافق دون خ�سائر فادحة �أو قطيعة . اما دعاة التغيري والثورة لأجل التغيري ف�إنهم ال يبلغون هدفاً وال يحققون غاية بل هم منبتون ي�صدق فيهم « ال ظهراً ابقوا وال �أر�ضاً قطعوا «. ولئن التقى يف الطرقات وال�ساحات دعاة املنهجني اال �أنهم �سرعان ما يفرتقون لأن الغايات والأهداف لي�ست متطابقة ،فلنكن ممن يعظم الإيجابيات ويبني عليها ا ْد َف ْع بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن َ ,ف ِ�إ َذا ا َّلذِ ي َب ْي َن َك َو َب ْي َن ُه َعدَا َو ٌة َك�أَ َّن ُه َو يِ ٌّ ل َحمِ ي ٌم َومَا ُيلَ َّقاهَا �إِ اَّل ا َّلذِ َ ين يم . َ�ص رَ ُ بوا َومَا ُيلَ َّقاهَا �إِ اَّل ُذو َح ٍّظ عَظِ ٍ �إن احلركة الإ�سالمية بتجلياتها و�أطيافها من �أحزاب وتيارات وجماعات مدعوة �إىل وقفة ت�أمل حتافظ على املنجز وتنميته وت�سعى �إىل جتنيب البالد والعباد �شر ويالت ودمار حل هنا وهناك فهي جزء �أ�صيل من ن�سيج هذه البلدان الطيبة وهي الأحر�ص على مراكمة اخلري والدفع بالتي هي �أح�سن. �إن جناح البلدان التي �أزهر فيها الربيع العربي وبزغ فيها الفجر اجلديد بتحديات كبرية تعرت�ض جتربة الإ�سالمني يف ال�سلطة. �أبرزها اطالق احلريات العامة يف البالد فال تريد ال�شعوب �أن ت�ستبدل ا�ستبداد العلمانية با�ستبداد امل�ؤ�س�سة الدينية بل �شراكة حقيقية بني كل القوى الناه�ضة يف احلكم انطالقاً
من تقا�سم وحتمل امل�س�ؤوليات والإ�سهام يف �صياغة الد�ستور وفق م�شروع اخالقي يعزز الكرامة ويبني دولة احلرية واملواطنة دون �إق�صاء او تهمي�ش. �آفة ال�شرق حاكم معبود و�شعوب تروعهن قيود التحدي الأ�سوء �أولئك الذين ادمنو نهب ثروات الأمة فاحتكروا ال�سلطة وهاهم ي�صلون الليل بالنهار لالنقالب على الدميقراطية وال�شرعية بدعوى العلمانية واحلرية واخلوف من ا�سلمة املجتمع هذا هو التحدي الأكرب �أمام ا�ستقرار البلدان واملجتمعات .مبا ي�شكله من فعل �سلبي نتيجة اال�ستقواء باخلارج وملا يحدثه من انق�سام حاد يف اجل�سم ال�سيا�سي واالجتماعي يرف�ض االحتكام اىل ال�شعب عرب ال�صناديق واال�ستفتاءات . �إن حتقيق الدميقراطية وبناء وتنمية املجتمعات يكون عرب عمل دقيق ن�سري فيه جميعاً وفق توافق وطني عام يتجاوز مفهوم الأنا واملغالبة بروح االخوة ووحدة امل�صري واخلوف من الفتنة. ذلك �إن م�صرينا واحد وحماية ال�سفينة من الهالك م�صلحة اجلميع يف الو�صول اىل �شواطئ الأمان والنجاة و�صدق اهلل العظيم يب ا َّلذِ َ " َوا َّت ُقوا ِف ْت َن ًة اَل ُت ِ�ص نَ َّ ين َظلَ ُموا مِ ْن ُك ْم ا�ص ًة". َخ َّ
ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية
( هيئة عاملية �إ�سالمية )
العدد الأول :ال�سنة ال�ساد�سة رجب 1434هـ -حزيران 2013م
الأ�ستاذ منت�صر الزيات الإمام ال�صادق املهدي م�صر ال�سودان الدكتور �سعد الدين العثماين الدكتور وهبة الزحيلي املغرب �سوريا الدكتور حممود ال�سرطاوي الدكتور حممد طالبي الأردن املغرب الدكتور حممد احلاليقة الدكتور م�صطفى عثمان ا�سماعيل الأردن ال�سودان الدكتور عبد الإله ميقاتي لبنان
اإلفتتاحية : دراسات إسالمية :
ف�ضائل الإ�صالح و�آثاره:تطبيقا على الإ�صالح العقدي � -أ.د.عبد املجيد النجار
4
نحو فقه جديد ملفهوم الو�سطية ينقذ الأمة من تطرف الدعاة والع�صاة -د .احممد جربون
8
الإعجاز االجتماعي يف الإ�سالم � -إ�سالم عبد التواب
15
الو�سطية الفكرية و�أ�س�سها املنهجية -د�.أحمد الري�سوين
18
اجلهاد القتايل�:ضوابطه ومقوماته -د.ر�شيد ُك ُهو�س
22
مقاالت الوسطية :
االنت�صار لر�سول اهلل باحلجة والربهان -الزبري حممد علي
28
التقريب بني املذاهب الإ�سالمية -حمطات يف الذاكرة -هاين فح�ص
32
الر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم يف كتابات مفكرى الغرب املن�صفني � -صفاء الدين حممد �أحمد
35
االختالف يف الر�أي �سنة كونية -د.قي�س املعايطة
38
احلوار احل�ضاري يف الإ�سالم -د .عبد القادر الكتاين
40
القر�آن وا�ستنها�ض العقل -ق�ضايا فكرية -د .عبد الإله بن م�صباح
44
�سلطنة العلماء . .فوق �سلطنة الأمراء -د .حممد عمارة
47
جدلية املرحلة ..الثورة ووعي ال�شباب -حممد االمني عبد النبي
49
دور علماء الأمة يف الدفاع عن القد�س -د.ع�صام الب�شري
52
عن الو�سطية :مراميها وحقيقتها ..توظيفها ..والدخالء عليها � -أ.منت�صر الزيات
58
فن الوعظ �أهميته و�ضوابطه � -أ.د .حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة
61
مقاومة الظلم :امل�شروعية والو�سائل -عبد املحمود �أبو �إبراهيم
63
حوارات الوسطية :
املفكر الدكتور زكي امليالد «للو�سطية» -حاوره :ح�سني الروا�شدة
68
الـمــهــنــد�س مــــــروان الـفــــاعــــــوري
الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة
اململكة الأردنية الها�شمية -عمان تلفون +962 - 6 - 5356329 : فاك�س +962 - 6 - 5356349 : �ص.ب 2149 :عمان 11941الأردن
املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع
Email : mod.inter@yahoo.com Website : www.wasatyea.net
الأ�ســتـاذ الـدكتــور مـحـمـد اخلـطـيـب الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة
مـحـمـــد عــــزام ال�ســـلـمــــان
الــدكـتـور هـايـل عبـد احلفيـظ داوود الـــدكـتـور يـــــا�ســـيــن الـمــقــــو�ســـــــي الأ�سـتـــــاذ حــ�ســيــن الــــــروا�شــــــــــدة رابطة ّ كتاب التجديد :
رابطة كتاب التجديد� :سرية وم�سرية العاملي للو�سطية ينظم حما�ضرة اال�سالميون وال�سلطة
نشاطات الوسطية :
74 75
الإ�سالميون وحتديات ال�سلطة م�ؤمتر دويل للمنتدى العاملي للو�سطية يف القاهرة حتت عنوان «الغل ّو و �أثره يف ال�سلم الأهلي» العاملي للو�سطية ّ ينظم فعاليته الأوىل بالعا�صمة التون�سية املنتدى العاملي للو�سطية يكرم الفائزين بجائزة رابطة كتاب التجديد العالقات الأ�سرية يف القر�آن الكرمي ..دورة يف «العاملي للو�سطية» «�شباب الو�سطية» يكرم الفائزين ب�أف�ضل عمل تطوعي العاملي للو�سطية ينظم حما�ضرة اال�سالميون وجتربة احلكم العاملي للو�سطية يقيم احلفل ال�سنوي لتكرمي رواد كتاب التجديد «الو�سطية» ي�ست�ضيف املهدي و مورو الو�سطية ينظم ور�شة عمل( ر�سالة املعلم يف املجتمع ودوره يف ن�شر و تعزيز الفكر الو�سطي ) و�سطية الإ�سالم حما�ضرة للمنتدى العاملي للو�سطية احتفا ًء يف �إ�شهار فرعهم «و�سطية تون�س» ينظم م�ؤمتر «الإ�سالميون وحتدي ال�سلطة» حتت عنوان دور اخلطباء و موجهي الر�أي يف حتقيق التغيري وتعزيز الت�صالح االجتماعي «و�سطية اليمن» ينظم ور�شة عمل لـ 50م�شاركا جلنة املر�أة تقيم حفل توزيع جوائز م�سابقة حفظ القر�آن الكرمي العاملي للو�سطية ينظم دورة العنف الأ�سري للدعاة العراقيني يف عمان بحث �سبل التعاون بني «الو�سطية» وجامعة البحرين العاملي للو�سطية يعقد دورة حتت �شعار (الو�سطية يف اخلطاب الدعوي على هدي امل�صطفى) «الو�سطية» تن�شر ن�ص الر�سالة املهدي لـ اال�سد :ما قيمة حكم يقوم على �أ�شالء املواطنني ودمائهم ؟ م�سابقة �شعرية للو�سطية بعنوان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يف �سماحته و�إعتداله فكر ًا و �سلوك ًا «و�سطية ال�سودان» ينظم دورة ت�أهيلية لـ � 130إماما و خطيبا و داعية املنتدى العاملي للو�سطية يعقد م�ؤمتر ( خطبة اجلمعة ودورها يف بناء املجتمع ) ميثاق �شرف الأئمة واخلطباء
77 78 79 79 79 79 80 81 81 82 82 83 84 84 85 85 86 86 87 91
الو�سطية ي�صدر كتاب ق�ضايا املر�أة يف املجتمعات الإ�سالمية وحتديات الع�صر �إ�صدار جديد ل�سل�سلة الفكر الو�سطي العاملي للو�سطية ي�صدر كتاب بعنوان « تقرير احلالة الدينية يف الأردن »
92 93 94
اصدارات الوسطية :
قصيدة المنتدى العالمي للوسطية :
عبداهلل ذيبان العكيدي -العراق
76
95
دراسا
ت إسالمية
4 جاء اإلسالم بتعاليمه اإليمانية والسلوكية ليصلح حياة الناس أفرادا وجماعات ،فرسم لهم أوال الغاية من تلك الحياة ،وهي غاية تحقيق الخالفة في األرض ،وما يقتضيه ثم رسم ذلك من التعمير فيها ،ومن الشهادة على الناسّ ، المؤدي إلى تلك الغاية ،إيمانا بحقيقة الوجود لهم المنهج ّ القائمة على التوحيد ،وارتباطا باإلله الواحد بحبل العبادة، وبسطا لعالقة العدل مع العباد ،وسيرا في األرض لالرتفاق: الرفق الذي علما بقوانينها ،واستثمارا لمقدراتها على أساس ّ ّ يضمن لها الديمومة في إعالة الحياة.
فضائل اإلصالح وآثاره: تطبيقا على اإلصالح العقدي عمان2012/8/3 : بحث ّ مقدم للمجلس العلمي الهاشمي ّ -
�أ.د.عبد املجيد النجار
غري � ّأن الإن�سان الذي ُتر�سل �إليه الر�سل تب�صره بتلك الغاية ،وذلك املنهج امل�ؤدّي ّ �إليها قد يعتنق ما ُب ّ�صر به زمنا ،فت�صلح حياته يف �إميانه و�سلوكه ،ويع ّمر يف الأر�ض مقيما احل�ضارات الرا�شدة ،ث ّم يرتخي به الزمن �شيئا ف�شيئا حتى يتنا�سى ما ُب ّ�صر به من هدي ،ف�إذا هو منحرف عن ال�صالح �إىل الف�ساد ،ومن التعمري �إىل التدمري ،فيتداركه الهدي الإلهي من جديد ،يذ ّكره مبا تنا�سى، وي�صلح من حياته ما انحرف لي�ست�أنف دورة جديدة من التعمري ،وتلك هي حلقات ال�سل�سلة من النب ّوات التي جاءت ترتى من �آدم عليه ال�سالم �إىل حم ّمد �صلى اهلل عليه و�سلم خامت الأنبياء. ولكنّ �سل�سلة النب ّوات التي جاءت ك ّل حلقة منها ت�صلح ما انحرف قبلها تو ّقفت عند َ منتظرا �أن ت�أتي النبي اخلامت ،فلم يبق ّ يف�سد من حياة النا�س، حلقة بعدها ت�صلح ما ُ واحلال � ّأن هذا الف�ساد وارد عليهم ،فالإن�سان هو الإن�سان يف �إمكان تردّده بني ال�صالح
والف�ساد لطبيعته املزدوجة :نف�سا ل ّوامة، ونف�سا � ّأمارة بال�سوء ،وما كان اهلل تعاىل ليرتك الإن�سان �سدى دون هدي يردّه �إىل ال�صواب �إذا غوى ،فجعل هذا الدين اخلامت �صاحلا للهداية يف ك ّل مكان وزمان ،و�أوكل مه ّمة الهداية به �إىل �أفراد من الإن�سان نف�سه هم العلماء امل�صلحون الذين مل يخل منهم ع�صر منذ نزل الإ�سالم �إىل يومنا هذا، فك ّلما ا�شت ّد الف�ساد يف حياة النا�س بعث اهلل تعاىل لهم من ي�صلحها بتجديد �أمر دينهم كما جاء يف احلديث النبوي ال�شريف. و�إذا كان االنحراف عن هدي الدين ي�ؤدّي كله �إىل الق�صور عن �أداء مه ّمة التعمري، و�إذا كان ذلك الق�صور يتحدّد على قدر نوع االنحراف وعمقه ف� ّإن االنحراف يف املعتقد هو الأبلغ �أثرا يف ق�صور امل�سلمني عن �أداء ر�سالتهم احل�ضارية ،ويف �شهادتهم على النا�س بالعلم والعدل والعمران؛ ذلك ل ّأن العقيدة هي �أ�سا�س الدين ،وهي الدافع الأكرب لل�سلوك ،ترقية للذات الإن�سانية الفردية
واجلماعية ،وا�ستثمارا للبيئة الطبيعية بالعلم والتعمري. ولذلك ف�إنه ال غرو �أن جند امل�صلحني يف تاريخنا الفكري الديني ج َّلهم �إن مل يكونوا جميعا يجعلون على ر�أ�س خططهم الإ�صالحية �إ�صال َح العقيدة ،وتنقي َتها مما علق بها من ال�شوائب ،حتى تعود نقية يف ذاتها، فاعلة يف النفو�س ،دافعة �إىل العمل ،وعالمة ذلك � ّأن احلركات الإ�صالحية مل تخل واحدة منها فيما نعلم مل جتعل عقيدة التوحيد �أوىل �أولوياتها يف برناجمها الإ�صالحي� ،إذ هي ر�أ�س الإميان جميعا .وميكن �أن نذكر مية امل�صلحني :ابن تيمية، يف هذا ال�سياق الأ ّ وابن تومرت ،وحممد بن عبد الوهاب، وال�سنو�سي الكبري ،وابن بادي�س ،فك ّل ه�ؤالء وغريهم من امل�صلحني كان العنوان الأكرب يف حركاتهم الإ�صالحية هو عنوان التوحيد. نخ�ص�ص ومن هذا املعنى �سن ّتخذ مربرا لأن ّ حديثنا يف هذا املقام للإ�صالح العقدي يف ظرفنا الراهن و�أ ّمتنا تتح ّفز لالنطالق يف م�سرية النه�ضة ،ولكن تعوقها العوائق التي من �أبرزها فيما نقدّر عائق الت�ص ّورات العقدية التي طالها قدر من الغب�ش ّ فعطل فعاليتها يف الدفع �إىل الفعل احل�ضاري مبجمل �شعبه ،ولن يكون لها عود �إىل ذلك الدفع �إال بعودة عقيدتها �إىل حقيقتها التي بها انطلقت الأجيال الأوىل من امل�سلمني لبناء تلك احل�ضارة امل�شهودة. و�إذا كانت العقيدة الإ�سالمية خالف �أديان كثرية �أخرى بقيت حمفوظة مل ينلها حتريف عند عموم الأمة� ،إال � ّأن مالب�سات عديدة �أحاطت بها يف بع�ض الأزمان ،وعند بع�ض امل�سلمني ،يتعلق بع�ضها مبفهوم العقيدة نف�سه ،ويتعلق بع�ضها الآخر مبفرداتها ومبنهجية عر�ضها ،وهذه املالب�سات تراكمت عرب التاريخ ،وتفاعلت مع الأحداث ،ف�آل الأمر بها �إىل �أن �أ�صبحت املرجعية العقدية عند الكثري من امل�سلمني ال تقوم بدورها الكامل يف توجيه الفكر وال�سلوك ،وهو الأمر الذي ي�ستدعي مراجعة لهذا الو�ضع العقدي
من تلك اجلهات التي غ�شيتها املالب�سات ،و�إذ للتو�سع يف ال�شرح ف�إننا ال ي ّت�سع هذا املقام ّ �سنقت�صر على بيان ما طر�أ من مالب�سات على مفهوم العقيدة نف�سه ،عودا به �إىل حقيقته، وبيانا لآثاره العملية يف حياة ال ّأمة ،عطالة يف حال ا�ضطرابه ،وجناعة يف حال �صالحه. ومبا � ّأن العقيدة هي �أ�سا�س الدين ،وهي املوجه الأكرب للحياة يف جملتها فردية ّ وجماعية ،ف� ّإن املدلول الذي ينطبع يف �أذهان النا�س عنها فيما ت�شمله من املفردات ،والذي املوجه حلركة التدين ال�سلوكية يكون هو ّ ب�أكملها �ستكون له �أهمية بالغة يف طبع تلك احلركة بطابعه� ،إذ هذا املدلول مبا ي�شمله من مفردات �سعة و�ضيقا ،ومبا يح ّل به يف النفو�س من موقع �سطحية وعمقا هو الذي �سيكون املحدّد الأ�صلي للهوية الإ�سالمية، واملحرك الأ�سا�سي حلركة احلياة ،والطابع لها بطابعه املميز ،فبح�سب ما يكون ت�صوره يف الأذهان �سعة و�ضيقا ،وو�ضوحا وغمو�ضا، يكون عمل العقيدة يف النفو�س حتقيقا للهوية الإ�سالمية فيها ،ودفعا لها �إىل الفعل من �أجل التعمري ،وذلك مبقت�ضى كون العقيدة الإ�سالمية هي املن�شئ لك ّل ذلك والدافع �إليه. وعلى �سبيل التو�ضيح ف�إن عقيدة ميت ّد مدلولها لي�شمل حتديد مه ّمة للإن�سان يف حياته هي مه ّمة التعمري يف الأر�ض ،فيكون �أ�صال من �أ�صولها �سيكون �أثرها يف النفو�س طبعا لهويتها ،وحتديدا لعالقتها العملية بالكون �أثرا خمتلفا ال حمالة عن الأثر الذي حتدثه تلك العقيدة لو انح�سر مدلولها عن حتديد هذه املهمة للإن�سان ،ف�أهملت فيها، �أو اندرجت �ضمن تعاليم ثانوية يف نطاق الت�شريعات العا ّمة ،و�إذن ف�إن مدلول العقيدة كما تت�صوره الأذهان �سعة و�ضيقا له بالغ الأثر يف حتديد امل�سلك العملي النا�شئ عنها. و�إذا كان مدلول العقيدة الإ�سالمية ظ ّل يف �أذهان امل�سلمني م�شرتكا بني �أجيال ال ّأمة يف ثبوت امتداده على م�ساحة مت ّثل الأ�س�س الكربى من املعاين العقدية مثل الوحدانية
والنبوة والبعث وما تنطوي عليه من املعاين التف�صيلية ،ف�إنه يف م�ساحة �أخرى من املعاين ظل عر�ضة للتمدّد والتقل�ص عرب تاريخ امل�سلمني� ،سواء كان ذلك عن �شعور �أو عن غري �شعور ،ف�إذا ببع�ض املعاين تع ّد من مدلوالت العقيدة عند بع�ض النا�س ويف بع�ض الأزمان وتع ّد خارجة عنها و�إن تكن مندرجة �ضمن الت�شريع العام عند بع�ض �آخر ويف �أزمنة �أخرى. وخذ يف ذلك مثاال معنى ال�شمول الذي يقت�ضي تطبيق �أحكام ال�شريعة يف كافة مظاهر احلياة االجتماعية ،ركن من �أركان الإميان ،وقد ظل عند امل�سلمني �أحد املدلوالت الثابتة يف العقيدة ،ولكن �ش ًّقا غري ي�سري من امل�سلمني يف الع�صر احلا�ضر ان�سحب من �أذهانهم هذا املدلول منذ بع�ض الزمن ،ف�إذا تطبيق تلك الأحكام عندهم غري مندرج �ضمن مدلول العقيدة ،وهو بالتايل غري ملزم من الوجهة العقدية ،فانح�سر �إذن مدلول العقيدة يف ت�ص ّورهم عن هذه امل�ساحة من املعاين .وال �شك �أن لهذا اال�ضطراب يف مدلول العقيدة �أثره ال�سلبي يف حياة الأمة، مما ي�ستلزم مراجعة ينعدل بها هذا املدلول ليعود �إىل ما كان عليه من اال�ستقامة. وحينما نبحث يف الأ�صول الن�صية للدين، �أو حتى يف كتب الرتاث عن تعريف للعقيدة ي�ضبط مدلولها ب�صفة حمددة ف�إننا ال نظفر يف ذلك مبا يفي بالغر�ض ،ولكن ظل متعارفا بني امل�سلمني مدلول جملي للعقيدة يتمثل يف تلك احلقائق التي جاء بها الدين وطلب من امل�سلم �أن يتحملها بالت�صديق القلبي حتى �إذا ما خرج بع�ض منها من نطاق الت�صديق انتفت ب�سبب ذلك �صفة الإميان ،فانتق�ض االعتقاد جملة� ،أو �ضعف �ضعفا �شديدا �إذا كانت املفردات املتخلفة من الت�صديق ذات طابع جزئي. وقد كان هذا املدلول اجلملي املتعارف بني امل�سلمني مت�أ�س�سا على حديث نبوي جاء يحدّد حقيقة الإميان ،فجعلت هذه احلقيقة مدلوال للعقيدة .وهذا احلديث هو قوله
5
دراسا
ت إسالمية
�صلى اهلل عليه و�س ّلم " :الإميان �أن ت�ؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ور�سله واليوم الآخر، وت�ؤمن بالقدر خريه و�شره " .واحلقيقة �أن مدلول العقيدة يف هذا احلديث مدلول جممل ،وهو يحيل على م�ساحة �أخرى وا�سعة من معاين العقيدة يف الإميان بالر�سول الكرمي؛ لأن الإميان بر�سول اهلل املراد به " الإميان ب�صدقه نبيا مر�سال ،والإميان مبا جاء به عن ربه " فالت�صديق بكل ما جاء به النبي من �أحكام ثبتت ن�سبتها �إليه هو جزء من مدلول العقيدة ح�سب هذا التعريف. واملت�أمل يف القر�آن الكرمي يجد يف بيانه م�صداقا لهذا املدلول العام للعقيدة بحيث ي�شمل هذا املدلول الإميان بكل ما جاء من عند اهلل يف القر�آن واحلديث من �أوامر ونواه، ف�إنكار �أي منها ،وتعطيل العمل به جحودا مع ثبوت ن�سبته �إىل الوحي يعترب ناق�ضا للعقيدة� ،أو ناق�صا بها عن احل ّد املطلوب، وهو مدلول قوله تعاىل (:ومن مل يح ُكم مبا �أنزل اهلل ف�أولئك هم الكافرون) (املائدة،)44/ وقوله تعاىل( :فال ور ّبك ال ي�ؤمنون حتى ُيح ّك َ موك فيما �شجر بينهم ثم ال يجدوا يف �أن ُف�سهم حرجا مما ق�ضيتَ و ُي�س ّلموا ت�سليما) (الن�ساء )65/ففي هاتني الآيتني نفي ل�صفة الإميان ع ّمن �أنكر ح ّقية التعاليم الإلهية بعد ثبوتها� ،أو ّ عطل العمل بها تعطيل جحود ، ومبفهوم املخالفة ف�إن مدلول العقيدة ميت ّد لي�شمل الإميان بكل هذه التعاليم ت�صديقا بحقيتها ،وبوجوب العمل بها. وقد ظل هذا املدلول العام للعقيدة هو املدلو َل ال�سائد يف �أذهان امل�سلمني طيلة العهد الأول، حيث مل يظهر تخ�صي�ص لهذا املدلول مبعان دون غريها مما هو مطلوب من الدين على وجه القطع� ،سواء كان طلبه ت�صديقا بالقلب، �أو ت�صديقا بالقلب وعمال بال�سلوك ،وقد بدا ذلك ب ّينا يف �أقوال ال�صحابة والتابعني ،كما بدا يف بواكري امل�ؤلفات العلمية على يد �أوائل املعبون عن �ضمري العلماء من الأئمة وهم رّ لتوجهها العام يف التد ّين، الأ ّمة ،واملمثلون ّ فالكتب املروية عن ه�ؤالء الأئمة كانت متتزج
6 فيها من حيث الت�صديق �أحكام الدين املتعلقة بوجود اهلل وتوحيده ،وبالنبوة واليوم الآخر مع �أحكام الدين املتعلقة بال�صالة والزكاة واحلج يف �سياق �أنها جميعا مت ّثل مدلوال يتوجب لالعتقاد باعتبارها مطلوبات دينية ّ الإميان بحقيتها والعمل بها. وبتقدّم احلركة العلمية ن�ش�أ يف القرن الثاين علم خا�ص بالعقيدة هو علم الكالم �أو علم التوحيد �أو الفقه الأكرب ،وبرزت يف هذا العلم ق�ضايا من الدين دون �أخرى ،وذلك ب�سبب ما كانت تتعر�ض له تلك الق�ضايا من حتدّيات من قبل �أهل الأديان والثقافات القدمية ،مثل التوحيد والبعث ونبوة حممد �صلى اهلل عليه و�س ّلم� ،أو ما كانت تتعر�ض له من حتدّيات من قبل تفاعالت احلياة االجتماعية مثل ق�ضية الإميان والقدر .ثم ظلت تلك الق�ضايا يزداد عددها يف هذا العلم بتزايد الطوارئ املتحدّية عرب الزمن حتى ا�ستقر علم العقيدة على املوا�ضيع التي ا�ستق ّر عليها عندما كمل ن�ضجه وتو ّقف منوه يف القرن اخلام�س للهجرة. واملت�أمل يف املوا�ضيع التي تناولها علم العقيدة بالبحث كما انتهت �إليه يف كربى املدونات اجلامعة لهذا العلم مثل كتاب املواقف لع�ضد الدين الإيجي (ت 756هـ) ب�شرح ال�سيد ال�شريف اجلرجاين (ت 816 هـ) يجد �أنها مل ّ تغط كل م�ساحة مدلول العقيدة ،بل هي تناولت ق�ضايا �أ�سا�سية كربى ترتكز على وجود اهلل تعاىل و�صفاته ،والنبوة والبعث ،والق�ضاء والقدر وحقيقة الإميان، وما يتعلق بها من م�سائل فرعية ،وما ميهّد لإثباتها من مقدّمات هي من خارج العقيدة �أ�صال مثل م�سائل طبيعية و�أخرى نظرية عقلية. وال�سبب يف اقت�صار علم العقيدة على هذه الق�ضايا دون غريها �أن هذا العلم ن�ش�أ علما ذا غاية دفاعية� ،إذ هو كما ا�ستقر عليه الأمر يف تعريفه « :علم يقتدر معه على �إثبات العقائد الدينية ب�إيراد احلجج ودفع ال�شبه » ،فهو �إذن معني بامل�سائل العقدية التي يقت�ضي احلال ّ
املوجهة الدفاع عنها �إثباتا لها وردّا لل�شبه ّ �إليها ،واندراج امل�سائل فيه �إمنا كان بناء على احلاجة �إىل الدفاع عنها� ،إما ب�أ�سباب خارجية �أو داخلية ،وقد كان الأمر كذلك تاريخيا، فن�شوء �أبحاث يف هذه امل�سائل كان متطاوال يف الزمن بح�سب حدوث الأ�سباب الداعية للدفاع ،وامل�سائل التي مل تدع حاجة �إىل الدفاع عنها مل تدرج ب�صفة �أ�سا�سية يف علم العقيدة ،فلم ت�صبح �ضمن م�سائله �إال �أن تكون ب�صفة عار�ضة .وهو ما نفي �شبهة �أن يكون علماء العقيدة الأج ّ الء قد غفلوا عن �أن يدرجوا يف م�ؤلفاتهم العقدية مفردات �إميانية هي من �صلب العقيدة ،فال�سبب لي�س الغفلة ،و�إمنا هو عدم احلاجة لدفاع عنها لعدم ورود التحديات عليها. وملا تو ّقف الفكر الإ�سالمي عموما عن النمو والإبداع بعد القرن اخلام�س ،ومن �ضمنه الفكر العقديَ ،ك ّل هذا الفكر عن مه ّمة الدفاع عن العقيدة بالت�صدّي للتحدّيات املوجهة مل�سائل دينية بع�ض منها قد امل�ستجدة ّ ال يكون تع ّر�ض �إىل مثل تلك التحديات ،فلم يقع �إذن �إدراجه �ضمن دائرة علم العقيدة كما كانت تدرج من قبل تلك امل�سائل التي تدعو احلاجة �إىل الدفاع عنها تباعا مبقت�ضى تعر�ضها للتحدّيات ،وبذلك توقف هذا العلم يف م�سائله ،وانغلق على موا�ضيعه ال�سابقة، و�أ�صبح العمل فيه ال يعدو �أن يكون ترتيبا وتبويبا� ،أو �شرحا وتو�سيعا� ،أو اخت�صارا وتهذيبا. ومبرور الزمن �أ�صبح كثري من خالفي امل�سلمني يقع يف نفو�سهم الظنّ ب�أن مدلول العقيدة الإ�سالمية �إمنا هو حمدود بحدود امل�سائل التي �شملها علم العقيدة وانغلق عليها بحكم توقفه عن النمو قرونا طويلة، و�أما ما عدا ذلك من م�سائل الدين فهي م�سائل �شرعية ولي�ست عقدية ،فلم تدرج �ضمن هذا املدلول ،ومل يكن لها �إذن منزلة من الر�سوخ يف النف�س والعمق فيها كما كان لتلك امل�سائل الأخرى ،ومل يكن لها بالتايل موقع التوجيه والدفع الذي يكون للم�سائل
املندرجة �ضمن مدلول العقيدة� ،إذ تلك امل�سائل مبقت�ضى �صفتها العقدية هي التي ت�شكل املوقف الديني العام للفرد امل�سلم كما للأمة عامة ،وهي التي توجه احلياة كلها� ،إذ املوجهة للحياة. العقيدة هي ّ ولو ت�أملنا �أو�ضاع امل�سلمني من حيث مدلول العقيدة يف �أفهامهم ،كما انتهى �إليه الأمر منذ بع�ض الزمن ،وكما هو الأمر اليوم عند خا�صتهم عامة امل�سلمني ،بل عند كثري من ّ املخت�صني يف علوم املتعلمني وعند بع�ض من ّ الدين ،لو ت�أملنا ذلك لوجدنا �أن هذا املدلول يرت ّكز على الق�ضايا الأ�سا�سية يف العقيدة وهي الإميان باهلل والنبوة والوحي واملالئكة والقدر ،وما هو مندرج �ضمنها ،و�أنه ال ي ّت�سع مل�سائل �أخرى ذات �أبعاد عقدية �أ�صيلة �أي�ضا، يدخل الت�صديق بها �إىل دائرة الإميان، ويخرج التكذيب بها �إىل دائرة الكفر ،ومن �أمثلتها م�س�ألة �شمولية الدين ،والروح كجزء من الرتكيب الإن�ساين ،ومه ّمة اخلالفة يف الأر�ض والتعمري فيها غاي ًة حلياة الإن�سان، والعدالة االجتماعية كقاعدة يف بناء املجتمع. والتكافل االجتماعي كحافظ للوحدة و�ضامنا للأمن ،وح ّرية الإن�سان وحقوقه حفظا لكرامته التي ك ّرمه اهلل تعاىل بها، مما لها من فهذه امل�سائل و�أمثالها بالرغم ّ مدخل يف حتقق الإميان وعدمه ،ف�إنها ال تدخل اليوم �ضمن دائرة املدلول العقدي عند الكثري من امل�سلمني ،و�إمنا هي عندهم م�سائل �شرعية ال ترقى �إىل درجة االعتقاد، وال نراها تدرج يف اهتماماتهم التعليمية والدعوية �ضمن امل�ؤلفات والبيانات العقدية. لقد جاءت البيانات القر�آنية واحلديثية يف هذه امل�سائل مدرجة �ضمن دائرة الإميان، �إثباتا لإميان من �آمن بها ،ونفيا لإميان من مل ي�ؤمن بها ت�صديقا ومل يعمل بها جحودا، ومن �أمثلة ذلك ما جاء يف احلديث النبوي عن التكافل االجتماعي من قوله �صلى اهلل عليه و�سلم ":لي�س امل�ؤمن الذي ي�شبع وجاره جائع " (�أخرجه البخاري) ،ومن قوله �أي�ضا� ":أميا �أهل عر�صة �أ�صبح فيهم
امر�ؤ جائعا فقد برئت منهم ذ ّمة اهلل تعاىل "(�أخرجه �أحمد). وقد �أدّى هذا االنح�سار يف مدلول العقيدة يف الذهنية الإ�سالمية �إىل نزوع هذا املدلول منزعا جتريديا ابتعد به عن وجوه احلياة العملية ،حيث �أ�صبحت الأذهان تن�صرف يف حت ّملها للعقيدة �إىل عامل الغيب دون و�صل له بعامل ال�شهادة من واقع احلياة اجلارية� ،إذ االعتقاد �أ�صبح يقت�صر على االعتقاد بالغيب، وكان لذلك انعكا�س �سيئ على احلياة العملية للم�سلمني� ،إذ تقاع�ست هذه احلياة عن االندفاع نحو التعمري يف الأر�ض با�ستثمار الكون ،وبرتقية الإن�سان باحلرية والعدالة والتكافل وال�سعي الد�ؤوب لتحقيق اخلالفة، فهذه م�سائل خارجة يف دائرة الوعي عن �أن تكون م�سائل عقدية ،وماذا يدفع �إىل توجيه احلياة �إليها �إذا مل يكن الإميان ب�أنها من �صلب العقيدة الإ�سالمية؟ و�إذا مل يكن اعتبار � ّأن حت ّملها ت�صديقا وعمال يدخل �ضمن معقد النجاة ،و� ّأن جحودها يكون �سببا يف اخل�سران. وي�شيع اليوم يف دوائر الكثري من الدعاة، وامل�ؤ�س�سات الدعوية والتعليمية الدينية ف�ضال عن دوائر العامة من امل�سلمني � ّأن م�سائل مثل الإميان باجلن وبعذاب القرب هي على �سبيل املثال من مفردات االعتقاد الأ�سا�سية �إذ هي من الغيبيات ،ويخت�صم النا�س ج ّراها �شديد اخل�صومة من هذا املنطلق، بينما ال تدرج م�س�ألة العدالة االجتماعية �أو مه ّمة اخلالفة يف الأر�ض غاي ًة للحياة� ،أو التعمري فيها مادّيا ومعنويا مه ّم ًة للإن�سان، �أو تكرمي الذات الإن�سانية وحفظ حقوقها� ،أو التكافل االجتماعي والعدل بني النا�س �ضمن االهتمام العقدي ،فكيف �إذن ميكن �أن ت ّتجه حياة امل�سلمني يف اتجّ اه الرتقية االجتماعية والتعمري يف الأر�ض؟ وكيف ال تبقى العقول �إ ّال م�شدودة نحو املج ّرد دون قدرة على الفعل يف الواقع العملي من جماالت احلياة؟ ومن ذلك يتبني �أن ال�ضرورة تدعو يف م�ضمار الإ�صالح العقدي ،وكعامل من عوامل
الرقي املعنوي واملادّي الذي الدفع بال ّأمة نحو ّ تكون به م�سهمة يف البناء احل�ضاري� ،شاهدة على النا�س �أن يت ّم تر�شيد حت ّملها ملدلول العقيدة بتو�سيع هذا املدلول يف الأذهان حتى ي�شمل دائرة من امل�سائل �أف�سح من هذه امل�سائل التي ي�شملها الآن ،ولتكون �صورته يف النفو�س كحقيقته يف واقع الأمر كما جاء يف القر�آن واحلديث ،وك�صورته التي كان عليها يف �أذهان �أوائل امل�سلمني حينما كانوا يفهمون انطالقهم يف الآفاق لن�شر الدعوة، وحترير العباد من اال�ستبداد ،والتعمري يف الأر�ض على �أن كل ذلك يندرج �ضمن مدلول العقيدة ،فكان انطالقهم فاعال، و�إجنازهم احل�ضاري م�شهودا ،وما كانوا يف ذلك الفهم ملدلول العقيدة �إ ّال �صادرين عن روح القر�آن واحلديث يف تعدية هذا املدلول �إىل دائرة وا�سعة من تعاليم الدين ذات البعد العملي هي �أو�سع بكثري من تلك التعاليم ذات البعد النظري و�إن تكن هي الأ�سا�س الأول لالعتقاد. لقد جاء يف القر�آن املكي وهو امل�ؤ�س�س للعقيدة يف النفو�س و�صل دائم بني حقائق الوحدانية والبعث والنبوة ،وبني مفاهيم اجتماعية مثل كفالة اليتامى وامل�ساكني ،والقيام بالعمل ال�صالح ،ويف ذلك �أبلغ الداللة على تعدّي داللة العقيدة من ذلك البعد الغيبي النظري امل� ّؤ�س�س �إىل مثل تلك املفردات ذات البعد العملي املتعلق ب�أوجه احلياة العملية الفردية واالجتماعية يف خمتلف مناحيها. و�إذا كان الأمر كذلك فكيف ميكن �إعادة بناء الفهم العقدي برتتيب جديد ملفردات العقيدة يف نطاق هذا املدلول؟ هذا ما ميكن بحثه يف منا�سبة �أخرى. واهلل �أعلم ع�ضو املكتب التنفيذي لالحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني ع�ضو املجل�س الوطني الت�أ�سي�سي بتون�س
7
ددررااس ت ساات إ إ س س ال ال م م ي ي ةة
8
إن مفهوم الوسطية من مفاهيم الفكر اإلسالمي التي عال شأنها في العقدين األخيرين ،وأصبحت إلى جانب مفهوم االعتدال حديث الخاص والعام .ويرجع هذا االنشغال المتجدد إلى حوافز تاريخية وشروط مادية يمكن إجمالها في بروز نزعات التطرف في المجال اإلسالمي، وانتصار مرجعياته على سائر منظومات االعتدال التقليدية والمعاصرة.
نحو فقه جديد لمفهوم الوسطية ينقذ األمة من تطرف الدعاة والعصاة
د .احممد جربون
و�إذا كان مفهوم الو�سطية من املفاهيم املمتدة يف تراثنا الثقايف والفكري ،ومعناها يرادف الن�صو�ص املرجعية امل�ؤ�س�سة لكافة "االعتقادات" الإ�سالمية ،فهل املدلول املتداول اليوم بني الباحثني والإعالميني هو نف�سه الذي كان �شائعا ومنت�شرا بني القدامى؟ ،و�إذا كان هناك اختالف بني "اجليلني" (القدامى واملحدثني) فما داللته ،وفائدته بالن�سبة �إلينا اليوم؟ ثم هل هناك �إمكانية لتحديد الأو�صاف العقدية والت�شريعية والأخالقية للو�سطية يف ع�صرنا هذا؟ 1ـ و�سطية املف�سرين: �سبق لعدد من علماء الإ�سالم و�أقالمه يف املا�ضي تناول داللة الو�سطية ،واحلديث عن الأمة الو�سط يف �سياقات خمتلفة ،ومن امل�صادر الأ�سا�سية التي تلخ�ص قولهم وتعرب عن ر�أيهم يف هذا املو�ضوع كتب التف�سري؛ وقد �شكلت الآية الكرمية « :وكذلك جعلناكم �أمة
و�سطا لتكونوا �شهداء على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا» (البقرة)143 ، منا�سبة لب�سط القول يف و�سطية الأمة املحمدية وتوابعها .ومما يالحظ على كالم املف�سرين يف هذه الآية االختالف والتباين، تباين الأو�ضاع التاريخية للمف�سرين، والتحديات العقدية والفقهية والأخالقية التي كانت جتتازها الأمة يف زمانهم ،و�أي�ضا تبعا الختالف الأن�ساب املذهبية الكالمية وال�سيا�سية. فالو�سطية لدى الطربي (ت )310 .يف "جامع البيان"هي و�سطية عقدية بني طريف التق�صري والغلو؛ اليهود "الذين بدلوا كتاب اهلل وقتلوا �أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به" ،والن�صارى الذين رفعوا درجات عي�سى عليه ال�سالم و�أمه ووقعوا يف ت�أليههما ،ف�سبب و�صف امل�سلمني بالأمة الو�سط "لتو�سطهم يف الدين" .فتف�سري الطربي و�إن كان ي�ستند �إىل عدد من املعطيات الن�صية �سواء يف الكتاب
�أو ال�سنة ف�إنه ،من ناحية �أخرى كان مت�أثرا مبحيطه التاريخي والتحديات العقدية التي كانت تواجه الفكر الإ�سالمي يف القرون الثالثة الأوىل ويف مقدمتها حتدي الديانتني اليهودية والن�صرانية. بينما الرازي يف تف�سريه "مفاتيح الغيب" (ت )606 .ا�ستوعب �آراء �سابقيه يف هذه الآية وزاد عليهم معنى كالميا خال�صته �أن "الأ�صحاب" ـ كما جاء يف التف�سري ـ �أي الأ�شاعرة ر�أوا يف هذه الآية ،وحتديدا يف قوله تعاىل «وكذلك جعلناكم» ،ت�أييدا �صريحا ملذهبهم ،ف�أفعال العباد ح�سب ه�ؤالء خملوقة هلل تعاىل ،مقابل قول املعتزلة الذين انت�صروا للإرادة وامل�س�ؤولية الإن�سانيتني )1( . ويف ال�سياق نف�سه ذكر الرازي �أن الأ�شاعرة واملعتزلة جعلوا من �آية الو�سطية دليال �آخر على حجية الإجماع ،وذلك لو�صفها الأمة بالعدالة واخلريية ،حيث قال" :احتج جمهور الأ�صحاب وجمهور املعتزلة بهذه الآية على �أن �إجماع الأمة حجة" .ف�شرح الإمام الرازي لهذه الآية ،وبغ�ض النظر عن �صوابه ،يلفت انتباهنا لال�ستثمار املذهبي الوا�سع ملفهوم الو�سطية ،ووظيفتها التاريخية ،بحيث كانت يف معمعة املعارك الكالمية وال�سيا�سية للتاريخ الإ�سالمي ،ف�أحيانا كانت يف حمل الفاعل و�أحيانا �أخرى كانت يف حمل املفعول به. ومقابل هذا املعنى �سيتخذ تف�سري الو�سطية وجهة �أخرى مع املعا�صرين ،فال�شيخ متويل ال�شعراوي رحمه اهلل يف "خواطره" ،وعلى هام�ش �آية الو�سطية يرى �أن "الإ�سالم دين و�سط بني الإحلاد وتعدد الآلهة" ،وي�ضيف كذلك �أنه موقف و�سط بني الإ�سراف يف املادية و�إهمال القيم الروحية �أو الإ�سراف يف القيم الروحية و�إهمال املادية .بينما �أفا�ض مواطنه ال�سيد قطب يف ذكر �أو�صاف الأمة الو�سط و�أماراتها يف م�ؤلفه ال�شهري "يف ظالل القر�آن" ،فو�سطية الإ�سالم ح�سب �سيد هي و�سطية يف الت�صور واالعتقاد ،بني
الروح واملادة ،يف العالقات واالرتباطات بني الفرد واجلماعة ،و�سطية يف املوقع اجلغرايف للأمة امل�سلمة. ووا�ضح من خالل لطائف وطرائف "تف�سري" كل من ال�شعراوي و�سيد قطب لآية الو�سطية الت�أثر القوي بالهموم الإ�سالمية املعا�صرة، واملتمثلة يف الإحلاد وطغيان احلياة املادية وحتدي اال�شرتاكية والر�أ�سمالية ،...فقد و�سعوا من داللة الو�سط يف الآية الكرمية لي�شمل معاين حديثة ،وو�ضعوا له عالمات وخرائط جديدة مل تكن معروفة من قبل. ومل يقت�صر االختالف حول الو�سطية يف الفكر الإ�سالمي على هذه املظاهر التي حتيل على الظروف التاريخية والتحديات "الدينية" والالدينية ،بل اتخذ �صبغة مذهبية وطائفية ،بحيث ا�ستقل علماء ال�شيعة ومف�سريهم مبعنى خا�ص لآية الو�سطية ،فالكا�شاين (ت1090 .هـ) يف كتابه "ال�صايف يف تف�سري كالم اهلل الوايف" يعترب �أن اخلطاب يف الآية الكرمية موجه للأئمة املع�صومني و�أنهم هم امل�شار �إليهم يف قوله تعاىل بالأمة الو�سط. ومل ين�أى التف�سري ال�صويف لهذه الآية عن مدلول ال�شيعة من حيث منطقه الداخلي؛ فالو�سطية وتوابعها درجات ومراتب و�أعلى هذه املراتب مرتبة الأولياء العارفني باهلل، التي تخول لهم ال�شهادة على "علماء الظاهر" والنا�س �أجمعني ،يقول ابن عجيبة (ت. 1224هـ) ـ وهو �أحد رجاالت الت�صوف املغاربة الذين �أغنوا الرتاث ال�صويف الإ�سالمي بن�صو�ص عديدة ـ يف كتابه "البحر املديد يف تف�سري القر�آن املجيد"" :فكما �أن الأمة املحمدية ت�شهد على النا�س ،والر�سول ي�شهد عليهم ويزكيهم ،فكذلك العلماء ي�شهدون على النا�س ،والأولياء ي�شهدون على العلماء، فيزكون من ي�ستحق التزكية ،ويردون من ال ي�ستحقها ،لأن العارفني باهلل عاملون مبقامات العلماء �أهل الظاهر".
�إن هذه الإطاللة ال�سريعة على تاريخ مفهوم الو�سطية ا�ستنادا �إىل قوله تعاىل« :وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا» ت�ؤكد املرونة الكبرية التي يتمتع بها هذا املفهوم ،وحتمله معاين متعددة ،ويف بع�ض الأحيان مت�ضاربة ،بل الأخطر من هذا �أنه من املفاهيم التي ي�سهل تعبئتها مبحتوى مذهبي �ضيق كما الحظنا �آنفا .فهل هذه اخلا�صية التي يخت�ص بها مفهوم الو�سطية عالمة �ضعف �أم عالمة قوة؟ 2ـ الو�سطية و�إ�شكالية املذهبية؟ �إن املحاوالت الفكرية اجلديدة التي يبذلها عدد من �أئمة الفكر الإ�سالمي املعا�صر لت�شييد "نظرية الو�سطية" ،ناق�صة �إذا مل تع االختالف والتعدد الداليل الذي ي�سكن مفهوم الو�سطية ،وحتى يف حالة الوعي بهذا االختالف ،ال ميكن اتخاذه ذريعة لتوليد دالالت �أخرى مهما كانت درجة قربها من الداللة الظاهرة للآية الكرمية ،ذلك �أن مثل هذا العمل �أثره حمدود يف ت�صويب وتعديل واقع امل�سلمني والعمل الإ�سالمي .فمفهوم الأمة الو�سط والو�سطية يحتاج بنا�ؤه من الناحية املنهجية �إىل ا�سرتاتيجية جديدة تدرك مقومات مقام و�سطية الأمة امل�سلمة، وكيف حتققت تاريخيا ،وما ينق�ضها عمليا، ويحررها من النزعات الطائفية واملذهبية. �إن معنى الو�سط الوارد يف قوله تعاىل: «وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا �شهداء على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا» لدى �أغلب املف�سرين هو العدل واخليار (اخلريية) من الناحية العقدية والت�شريعية .وقد ا�ستحقت �أمة حممد �صلى اهلل عليه و�سلم هذه املكانة بني �سائر الأمم، و�شرفها اهلل تعاىل بال�شهادة على النا�س باعتناقها ر�سالة الإ�سالم واتباع الهدي النبوي يف خمتلف املجاالت ،ومن ثم �أي انحراف عن منهج الإ�سالم ونهجه هو يف النهاية ابتعاد عن الو�سط وتطرف مذموم.
9
دراسات إسالمية لكن مع�ضلة الو�سطية ح�سب هذا الفهم يختزلها ال�س�ؤال التايل :لقد ت�شكل الإ�سالم بعد مدة ق�صرية من ظهوره يف �شبه اجلزيرة العربية يف �صورة منظومات مذهبية عقدية وفقهية ،...يدعي كل منها التعبري ال�صحيح وال�سليم عن الإ�سالم ،فهل الو�سطية هي اختيار مذهبي من بني املذاهب التي ظهرت يف املجال الإ�سالمي �أم هي معنى مت�ضمن يف �سائر املذاهب ،وبالتايل ال يطعن فيها هذا التعدد واالختالف؟ ،وما هو م�صري الو�سطية الإ�سالمية يف �ضوء هذا االختالف؟ �إن اجلواب عن هذا ال�س�ؤال يقت�ضي منا جتديد فهمنا لظاهرة املذهبية وحتليلها حتليال ع�صريا ،يجعل منها و�صفا �إيجابيا لرتاثنا الثقايف الفقهي والكالمي خالفا للمواقف ال�سائدة يف الأو�ساط الإ�سالمية املعا�صرة ،بل وحتى القدمية ،التي حملت علـى عــات ـقـ ـه ــا ع ـ ـن ـ ــاء الإ�صـالح من من ـظــور �إ�س ـ ـ ــالم ـ ــي ،وال ـ ـ ـ ـ ـتـ ــي وفي هذا السياق جعلت من املذهبية يــمـــكـــن الـــقــــول و�صفا �سلبيا� ،ش�أنها أن الــمــذهــــبــــيـــة يف ذلك �ش�أن عدد بصـورهـا الـمـختلفة من علماء الإ�سالم؛ ا أل سا سية ا لفقهية فال�شهر�ستاين على والكالمية ،هي في �سب ـي ــل الـمـث ــال عـ ــدد األصــل "مـذهــبــيــة الفرق الإ�سالمية يف تاريخية" تعبر عن كتابه "امللل والنحل" اخـــتـــالف الــبــيــئــة على �أ�سا�س حتديد التاريخـيـة اإلسالمية "الف ــرقـ ــة ال ـن ــاج ــية" وتـــنـــوعـــهـــــــــــــا التي ذكرها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف حديثه «�ستفرتق �أمتي على ثالث و�سبعني فرقة كلها يف النار �إال واحدة» ويف روايات �أخرى اثنتني و�سبعني( ، )2وبالتايل تظهر كل الفرق واملذاهب التي ذكرها يف م�ؤلفه فرق �ضالة عدا واحدة ،غالبا ما تكون هي فرقة امل�ؤلف. ويف هذا ال�سياق ميكن القول �أن املذهبية
10 ب�صورها املختلفة الأ�سا�سية؛ الفقهية والكالمية ،هي يف الأ�صل "مذهبية تاريخية" ،تعرب عن اختالف البيئة التاريخية الإ�سالمية وتنوعها ،فمن حيث املنهج هي طريقة ات�صال ن�سق الإ�سالم املجرد ب�أحوال النا�س وتاريخهم ،ومن حيث امل�ضمون هي �صورة للإ�سالم ،ن�ش�أت وتطورت يف تفاعل مع تواريخ امل�سلمني املتعددة، تعدد املراجع الثقافية والفكرية املحلية والظروف ال�سيا�سية ،بل وحتى الطبيعية واجلغرافية� ،أو بعبارة �أخرى هي ال�صيغة الثقافية والنظرية للإ�سالم املرادفة لتواريخ امل�سلمني� ،أي �أن املذاهب الإ�سالمية �إجماال هي ممكنات الإ�سالم التاريخية التي حتققت، وهي ك�إمكانية قبل التحقق ت�سمح بها طبيعة الإ�سالم وم�صادره الأ�سا�سية املت�شابهة واملجملة يف الكثري من الأحيان ،ويفر�ضها �أي�ضا الواقع العملي. فاملذاهب الكالمية يف املجال الإ�سالمي اقت�ضتها الظروف التاريخية ال�صعبة التي عا�شها الإ�سالم وامل�سلمون بعد وفاة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،و�أهمها على �سبيل املثال ال احل�صر اخلالف حول الإمامة بني قائل بالن�ص والو�صية ،وقائل باالختيار واالتفاق ،وحتدي عقائد البالد املفتوحة مثل املانوية وغريها ،بالإ�ضافة �إىل م�سائل عقدية كالتوحيد والق�ضاء والقدر وغريهما، وبالتايل كانت التوليفات الكالمية التي ظهرت يف بالد الإ�سالم لها معنى تاريخي وا�ضح يف �أذهان م�ؤلفيها ومعا�صريهم. وبالن�سبة للمذاهب الفقهية فالأمر �أو�ضح، فارتباطها بالتاريخ وتفا�صيله قوي وظاهر. ف�إذا �أخذنا اختالف املتكلمني يف م�س�ألة "�إثبات ال�صانع" منوذجا ،وا�ستقر�أنا �أقوال املذاهب على تعددها وجدنا �أنها تتفق جميعها يف وجود ال�صانع وت�ؤكد وحدانيته، و�أما اختالفها فمح�صور يف "مناهج الأدلة". وهذا النوع من االختالف باعتباره اختالفا
يف الأدلة ال يف ذات العقيدة ،ال يخرج بالأمة امل�سلمة عن و�سطيتها ،و�سببه الت�أويل، وبالتايل املنظومات املذهبية الكالمية والفقهية التي انت�شرت يف املجال الإ�سالمي هي يف العمق تعبريات ممكنة عن الإ�سالم حتققت تاريخيا ،مل تتجاوز الو�سط �إال يف حاالت قليلة. فانطالقا مما �سبق يجوز القول �أن املعتزلة والأ�شاعرة ،...و�أغلب املذاهب الكالمية الإ�سالمية هي وجوه تو�سط الأمة امل�سلمة التي تن�أى بالإ�سالم وامل�سلمني عن عقائد الن�صارى واليهود ،وحتى الأخطاء يف الت�أويل التي وقع فيها بع�ض �أئمة املذاهب ،والتي اخط�أوا فيها الو�سط عاقبتها م�أمونة من الناحية الأخالقية ومعذورون فيها ،يت�أرجح �أ�صحابها بني الأجر والأجرين. وهذا لي�س معناه �أن الأمة امل�سلمة �سلمت من تيارات التطرف عرب تاريخها الطويل، بل على العك�س من ذلك تعرفت على هذه التيارات منذ وقت مبكر ،فقد ظهر بع�ض االنحراف يف عقيدة الو�سطية يف دار الإ�سالم، الذي ما زال حا�ضرا �إىل يومنا هذا ،مثل اقرتاب بع�ض فرق ال�شيعة وال�صوفية من عقائد امل�سيحيني بغلوهم يف حمبة علي ر�ضي اهلل عنه وو�صفه ب�أو�صاف فيها قدر من التنزيه و"الت�أليه" ،وكذلك ال�ش�أن مع الأئمة ،و�أي�ضا تطرف "�أهل الظاهر"()3 الذين يقرتبون من عقائد اليهود ،ويعترب اخلوارج �أبرز مثال على ه�ؤالء ،وقد عرب عن هذا املعنى الأ�ستاذ عبد اهلل العروي بعبارات م�ستفزة وثورية حني قال« :فيكون الإ�سالم يهودي امل�ضمون ،وهو ما يهدد �أ�صحاب الظاهر� ،أو ن�صرانيا وهو ما يحدق ببع�ض ال�صوفية وغالة ال�شيعة» (. )4 �إن موقف الو�سط والو�سطية موقف دقيق و�شديد احل�سا�سية يف الإ�سالم ،والوجود فيزيائيا ومعنويا يف حمل الو�سط واال�ستمرار فيه �أمر بالغ ال�صعوبة والع�سر ،وبالتايل
احلكم على تيار من التيارات الكالمية والفقهية بالتو�سط واالعتدال ب�شكل عام ومطلق فيه قدر كبري من املبالغة واملجازفة؛ فو�صف الو�سطية بالن�سبة ملنظومة مذهبية وفكرية �إ�سالمية هو موقف ن�سبي ،فقد ت�صيب الو�سط يف م�سائل معينة وتفقدها يف م�سائل �أخرى ،ومن ثم التحقق من و�صف الو�سطية ب�شكل تام وكامل ،لي�س �أمرا �سهال، ويف متناول اجلميع ،بل هو �أمر بالغ ال�صعوبة، ال ي�صله املرء �إال بعد جماهدة كبرية ،فكرية وروحية ،و�سعة علمية. وقد لفت انتباهنا العالمة الفيل�سوف ابن ر�شد يف كتابه "الك�شف عن مناهج الأدلة يف عقائد امللة" �إىل هذه احلقيقة ،حيث �أ�شار �إىل �أن جل التيارات الكالمية الإ�سالمية اتفقت يف �أ�صل العقيدة الإ�سالمية ون�صها ،ولكنها اختلفت يف اال�ستدالل عليها ،وقد نحا بع�ض هذه التيارات منحى متطرفا وغري و�سطي يف �شرح مفردات هذه العقيدة ،ومثاال على ذلك ذكر قول احل�شوية يف ال�صفات ،التي ترى �أن اهلل تعاىل يت�صف باجل�سمية �أو "�أنه ج�سم ال ي�شبه �سائر الأج�سام" ،وهذا االعتقاد فيه انحراف كبري �سببه الظاهرية املفرطة التي ميزت �أهله يف التعامل مع الآيات التي حتدثت عن �صفات اهلل الباري تعاىل. وما دام الن�ص ال�شرعي من جهة ،وعدة العامل من جهة ثانية تتيح �إمكانية االختالف يف الفهم والت�أويل وعلى �أكرث من �صعيد، على م�ستوى العقيدة و�أدلتها ،والأحكام و�أ�صولها ،وحتى حتافظ اجلماعة امل�سلمة على وحدتها املرجعية ،وت�سلم من الفرقة والطائفية البد من "قانون للت�أويل" يحدد موا�ضع الت�أويل و�آفاقه ،وما يجوز تعميمه ون�شره بني اجلمهور وما ال يجوز ،بحيث «ال يحل للعلماء �أن يف�صحوا بت�أويله (امل�ؤول من �شريعة) (للجمهور )( ، )5وقد حاول ابن ر�شد يف خامتة "الك�شف عن مناهج الأدلة" �أن يحدد بنود هذا القانون الرئي�سية.
�إن الو�سطية كو�صف الزم للأمة امل�سلمة ـ منظورا �إليها من الناحية التاريخية ـ و�صف عام� ،أكرب من الإطارات املذهبية املعروفة، �سواء كانت كالمية �أو فقهية �أو �أخالقية، وتتج�سد يف "الظاهر من العقائد" على حد تعبري ابن ر�شد� ،أو يف "الظاهر من ال�شريعة" ب�أبعادها املختلفة العقدية والفقهية والأخالقية دومنا حاجة �إىل ت�أويل� .أما ما كان �أ�صال للفرق والطوائف يف الإ�سالم من مقوالت ومبادئ ونظريات ،والتي �أ�سا�سها الت�أويل �أو م�سبقات معرفية وفكرية خا�صة، والتي قد تن�أى عن الو�سط يف ق�ضية من الق�ضايا �أو �أكرث ،ورغم م�شروعيتها العلمية والتاريخية فالواجب �أن تظل بعيدة عن اجلمهور حتى ال تتحول �إىل انق�سام تاريخي ومتزق اجتماعي و�سيا�سي .ومن ثم كانت �آفة الو�سطية الإ�سالمية وحمنتها يف نزول الر�أي والت�أويل الذي قد يجانب الو�سط �إىل عامة امل�سلمني و�سائر املتدينني ،وهو ما �أدى �إىل متزيق الوحدة العقدية يف املجال الإ�سالمي. 3ـ الو�سطية ومع�ضلة جمود "الأجوبة" املذهبية: �إن الو�سطية الإ�سالمية كما تتجلى من خالل املراجعة التاريخية هي مقام عقدي وت�شريعي و�أخالقي ين�أى بامل�سلمني عن عقائد الن�صارى واليهود .وقد ان�صب جهد علماء وحكماء امل�سلمني على اختالف مذاهبهم على بيان خط الو�سط و�صونه من االنحراف ،ومل مينع هذا بروز نزعات التطرف والطائفية الفكرية والعقدية يف الأمة امل�سلمة ،لكن الغلبة كانت دائما لنهج االعتدال والتو�سط وعلى جميع امل�ستويات. فالو�سطية الإ�سالمية كمنظومة فكرية �إ�سالمية تتجاوز الت�شكيالت املذهبية ،كانت تتطور وتنمو يف �سياق مواجهتها للتحديات الفكرية والتاريخية التي تعرت�ض طريقها، وبالتايل اختلفت داللة ومعنى الو�سطية من ظرف لآخر ،ومن جمال لآخر �أي�ضا،
فالو�سطية يف بداية القرن الع�شرين كانت تعني مواجهة تيارات الإحلاد والنفوذ الكبري للطرقية واخلرافة بني امل�سلمني ،بينما الو�سطية يف �أواخر نف�س القرن وبداية القرن الواحد والع�شرين اجتهت �إىل مواجهة الأ�صولية العلمانية والتيارات التكفريية،... وهذا التطور يف داللة الو�سطية على �أهميته ال زال بحاجة �إىل مزيد من التدقيق. فانطالقا من هذا الفهم ميكن القول �أن م�شكلة الو�سطية كانت دائما مطروحة على �أنظار الأمة امل�سلمة ،وكانت تتخذ �أ�شكاال خمتلفة ومتنوعة ،ف�أحيانا كانت تهديدات الو�سطية عقدية بالدرجة الأوىل و�أحيانا �أخرى كانت تهديدات الو�سطية ت�شريعية و�أخالقية .ويعترب العلماء والأئمة ال�صلحاء الأمناء على خيار الو�سطية وخطه ،واحلري�صون عليه .والعلماء الذين ا�شتهروا يف تاريخ الـم�س ـل ـم ـي ــن وكـ ـ ـ ــان ل ـهــم حــ�ضــور م ـم ـيــز ه ـ ــم أن مــــشــــكــــلـــــة ال ــذي ــن ت�صـدوا الـوسـطـيـة كـانـــت للأخ ـط ـ ــار املحدقة دائــمـــا مــطــروحـة بنهج الو�سطية من على أنــظــار األمـــة نواحيه املختلفة. وحت�ضرين يف هذا المـسـلـمـة ،وكـانـت ال�سياق ق�صة طريفة تـــتـــخـــذ أشـــكـــاال لأحد علماء املغرب مـخـتـلـفة ومتنوعة، الذين عا�شوا يف فــأحــيـــانــا كــانــت القرن 5هـ ،وهو �أبو تهـديدات الوسطية حممد عبد العزيز عــقـــديـــة بالـدرجة (ت .األولــــــى. التون�سي 486هـ) ،وهي ق�صة معربة جدا عن طبيعة م�شكلة الو�سطية لدى امل�سلمني ،لقد كان �أبو حممد يدر�س الفقه وتلقى عنه عدد من الطلبة امل�صامدة املنت�سبون لأحدى قبائل املغرب ،ويف �إحدى زياراته لهم وجدهم قد نالوا الدنيا و�شغلوا املنا�صب ...مبا ك�سبوا من علوم فقهية، ور�أى يف هذا امل�آل خطرا على الدين ،فعدل
11
دراسات إ س ال م ي ة عن تدري�س الفقه خمافة �أن تنال به الدنيا واجته �إىل تدري�س كتاب "الرعاية حلقوق اهلل والقيام بها" املعروف برعاية املحا�سبي وهو �أحد م�صادر الت�صوف الفكرية ،ويف جولة تفقدية �أخرى وجد ه�ؤالء التالميذ قد وقعوا من جهل الفقه يف الربا ،فعاد مرة ثانية لتدري�س الفقه(.)6 فهذه الق�صة على ب�ساطتها تعك�س لنا طبيعة م�شكلة الو�سطية الإ�سالمية، فالأو�ضاع التاريخية وامل�ؤثرات الداخلية واخلارجية ...قد تزيغ بالأمة عن املوقف الو�سط ،فتبالغ وتتطرف مثال يف االهتمام بال�شريعة والفقه ،وتهمل احلقيقة و�أركان الإميان وموارده� ،أو العك�س ،فيجب �أن ينت�صب من بني ورثة الأنبياء من يردها �إىل نهج االعتدال والو�سط ،وموقف �أبو حممد التون�سي مع طلبته يف هذه الق�صة مثال ملوقف العامل احلري�ص على معنى الو�سطية يف حياة امل�سلمني. و�إذا رمنا تقومي تاريخ امل�سلمني وجهادهم من �أجل الو�سطية بدا لنا �أن كل الرتاث الفكري الإ�سالمي العقدي والفقهي والأخالقي كان هاج�سه الأكرب �إ�صابة معنى الو�سط ،و�أحيانا كان ي�صيبه و�أحيانا �أخرى كان يخطئه ،واملنظومات املذهبية على اختالفها هي حماوالت تاريخية تروم الو�سط والعدل ،ما فتئت تنمو وتتطور تبعا لتطور ،وجتدد ،وتنوع ،حتديات الو�سطية. لكن م�شكلة هذه الو�سطية كانت تربز كلما جمدت وا�ستقرت "الأجوبة" الكالمية �أو الفقهية ...على التحديات الزمنية للو�سطية ،والتي كانت تتخذ �صورة مذهب/ طريقة/فرقة ،وغفلت عن التغريات اجلارية يف حميطها ،الطارئة على �أحوال امل�سلمني، فمثال ظهر الت�صوف كحركة �إ�صالحية �إحيائية تتوخى دفع حتدي خطري كان يهدد الو�سطية الإ�سالمية هو املبالغة يف االهتمام والعناية بالظاهر �إىل درجة ا�صطبغت فيها حياة امل�سلمني ب�صبغة �شكلية ومادية غريبة
12 عن الإ�سالم ،وقد �شخ�ص �أبو حامد الغزايل (ت505 .هـ) هذه الو�ضعية يف مقدمة كتاب الإحياء بقوله« :حتى ظل علم الدين مندر�سا ،ومنار الهدى يف �أقطار الأر�ض منطم�سا ،ولقد خيلوا �إىل اخللق �أن ال علم �إال فتوى حكومة ت�ستعني به الق�ضاة على ف�صل اخل�صام عند تهاو�ش الطغام� ،أو جدل يتدرع به طالب املباهاة �إىل الغلبة والإفحام، �أو �سجع مزخرف يتو�سل به الواعظ �إىل ا�ستدراج العوام� ،إذ مل يروا �سوى هذه الثالثة م�صيدة للحرام و�شبكة للحطام» (. )7 غري �أن املدى الذي بلغته هذه احلركة يف اهتمامها باحلياة الروحية والباطنية للم�سلمني مع بع�ض التيارات� ،أفقدها الو�سط والتوازن الذي جاءت من �أجله ،ولهذا ظهرت عليها �أ�شكاال من التنطع والتطرف �أوقعت بع�ض رموزها و�أئمتها يف منكرات عقدية وت�شريعية و�أخالقية فظيعة �أ�شهرها ما ورد على ل�سان ابن عربي واحلالج.. ولرد الأمة �إىل اجلادة والو�سط بعدما حادت عنه ولعقود كثرية ،وملواجهة االنحرافات الظاهرة والباطنة للمت�صوفة وغريهم ظهر ابن تيمية (ت728 .هـ) مكافحا ومنافحا من �أجل �سالمة العقيدة و�صفائها، وعدل ال�شريعة و�سلطانها ،ويظهر ذلك يف معظم كتبه ،غري �أن �أبلغها داللة يف هذا ال�سياق كتاب "اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم خمالفة �أ�صحاب اجلحيم" ،الذي نبه فيه �إىل الآفات التي تنال من ا�ستقامة امل�سلم العقدية والأخالقية .وفيما يتعلق باملت�صوفة ـ وكالمه فيهم كثري ـ فقد قال عنهم يف هذه املنا�سبة: «ثم �إن الغلو يف الأنبياء وال�صاحلني قد وقع يف طوائف من �ضالل املتعبدة واملت�صوفة حتى خالط كثريا منهم من مذاهب احللول واالحتاد ما هو �أقبح من قول الن�صارى �أو مثله �أو دونه»( ، )8ويف منا�سبة �أخرى قال عنهم« :وترى كثريا من املت�صوفة واملتفقرة ال يرى ال�شريعة والعلم �شيئا بل يرى �أن
التم�سك بهما منقطع عن اهلل و�أنه لي�س عند �أهلها �شيء مما ينفع عند اهلل»(. )9 والالفت لالنتباه يف هذا املقام �أن ابن تيمية رحمه اهلل كان يدرك جيدا ر�سالته، وهي �صون خيار و�سطية الأمة امل�سلمة ،ولو مل يعرب عنها بهذه العبارة ،ونظن �أن عبارة "ال�صراط امل�ستقيم" التي جعلها يف عنوان م�ؤلفه ال�سالف الذكر ،دالة على معناها، ومما جاء يف مقدمته« :و�أنا �أ�شري �إىل بع�ض �أمور �أهل الكتاب والأعاجم التي ابتليت بها هذه الأمة ليجتنب امل�سلم احلنيف االنحراف عن ال�صراط امل�ستقيم �إىل �صراط املغ�ضوب عليهم وال ال�ضالني»( ، )10فاالنحراف عن ال�صراط امل�ستقيم وو�سطية الإ�سالم ح�سب ال�شيخ ابن تيمية يعني االقرتاب من عقائد اليهود والن�صارى. وكذلك ال�ش�أن بالن�سبة للحركة ال�سلفية املعا�صرة ب�صورها املختلفة فالوهابية على �سبيل املثال ظهرت يف �شبه اجلزيرة العربية، وا�ستفحل �أمرها هناك ،بعدما اختلت عقيدة امل�سلمني يف بالد احلجاز ،وظهر ف�سادها، فكانت الر�سالة الأ�سا�سية ملحمد بن عبد الوهاب هي ت�صحيح العقيدة ومعاجلة انحرافاتها ،وقد ا�صطحب ذلك بهجوم عنيف على الطرق ال�صوفية وعاداتهم وعقائدهم ،وقد حقق يف هذا ال�سياق جناحا كبريا ومهما ،ومال النا�س نحوه واعتنقوا عقيدته ،لكن م�شكلة الدعوة الوهابية �ستبد�أ يف الظهور بعد انت�صارها ،وتغري الظروف من حولها ويف حميطها ،فالت�شدد العقدي الذي كانت تتميز به يف بدايتها والذي كان ينا�سب حجم التطرف الطرقي وال�صويف �سي�ستمر فيما بعد ،وهو ما �سي�ؤدي يف النهاية �إىل اختالل التوازن ،وفقدان مكان الو�سط الذي جاءت لأجله الدعوة الوهابية ،وجت�سد ذلك يف تيارات التكفري التي خرجت من رحمها. فجمود "الأجوبة املذهبية" ذات املغزى الإ�صالحي يف �أ�صلها ،وانف�صالها عن �أ�سا�سها
املو�ضوعي والتاريخي ،يعود بال�سلب على معنى الو�سطية الذي كان علة ظهورها، و�سبب تبلورها ،بحيث يختل ب�سبب هذا اجلمود املذهبي التوازن ،وين�ش�أ التطرف، فعندما تتحول "الأجوبة" �إىل "طريقة" على �شاكلة الطرق ال�صوفية والكالمية،... ال تت�صل بظروف املكان والزمان �إال ب�صالت �شكلية ،ت�ضمر الو�سطية وتربز احلاجة �إىل الإ�صالح� ،إىل درجة ميكن معها �أن نعترب اجلمود املذهبي �أو الطرقي �أو الطائفي النقي�ض املو�ضوعي والواقعي ملفهوم الو�سطية الإ�سالمية. 4ـ �إ�شكالية الو�سطية من منظور الع�صر: �إن �إ�شكالية الو�سطية يف الع�صر احلديث يف البالد الإ�سالمية هي �إ�شكالية بالغة التعقيد ،نظرا لتعقد ظروف الع�صر من جهة ،واختالفها عن �إ�شكالية الو�سطية التي �ألفها امل�سلمون يف املا�ضي اختالفا �شبه كلي من جهة ثانية .ويف مثل هذه احلالة ال تنفع الأجوبة التقليدية والرتاثية يف معاجلة تهديدات الو�سطية وانحرافاتها ،بل الأمر يحتاج �إىل روح �إبداعية وخروج عن التقليد يف الكثري من املجاالت. فمعاناة الو�سطية يف التاريخ الإ�سالمي كان م�صدرها يف الكثري من الأحيان اخللل يف منهجية التعامل مع الت�أويالت الناجتة عن ان�شغال عدد من علماء امل�سلمني ببع�ض الأ�سئلة النظرية ،حيث كانوا يبادرون �إىل تعميمها وب�سطها على �أنظار العموم ،ال�شيء الذي كان ي�ؤدي �إىل متزق طائفي وافرتاق عقدي على م�ستوى القاعدة الإ�سالمية ،ف�إذا كان اال�شتغال واالن�شغال باملعرفة والنظرية �أمرا معقوال من الناحية املعرفية يف املجال الإ�سالمي ،وغري م�أمون العواقب �إذ قد يخرج ب�صاحبه عن الو�سط ،ف�إن غري املعقول و"غري البيداغوجي" يف امل�س�ألة �إدخال العامة يف تيه الأ�سئلة النظرية والت�شوي�ش
على عقيدتهم وتدينهم. ومن ناحية �أخرى كانت ت�صدر بع�ض تهديدات الو�سطية الأخرى عن جمود "الأجوبة" النظرية والعملية وعجزها عن مواجهة التحديات الواقعية ،وعدم مواكبتها للتاريخ الإ�سالمي ،وكانت هذه "الأجوبة" تتخذ يف الغالب �صورة مذهب �أو طريقة �أو فرقة كالمية .فالغفلة عن تطور وتبدل حتديات الو�سطية على �صعيد الواقع التاريخي قد يجعل من "اجلواب" املذهبي �أو الطرقي ...مظهرا من مظاهر التطرف بعدما كان عنوان التو�سط وو�سيلته� ،أو عائقا �أمام االجتهاد لرد الأمة �أو طائفة منها خليار الو�سطية واالعتدال. انطالقا مما �سبق ف�إن �إ�شكالية الو�سطية يف ع�صرنا يج�سدها االنف�صال بني الهويات املذهبية والعقدية ال�سائدة يف خمتلف البالد الإ�سالمية والتي ت�شكل "عقائد" ر�سمية، وواقع امل�سلمني الذي يغرق يف �أ�شكال و�ألوان التطرف واالنحراف عن الطريق امل�ستقيم، فاملتون التي ورثها عموم امل�سلمني يف ميادين العقيدة وال�شريعة والأخالق ال جتيب وال تتجاوب مع احلياة الإ�سالمية املعا�صرة �سوى بدرجات �ضعيفة. فالو�سطية الإ�سالمية التي يتطلع �إليها كل الغيورين واملهتمني مب�ستقبل الإ�سالم وم�صريه يف البالد الإ�سالمية وخارجها، يحول دونها اجلمود املذهبي والطرقي، و�ضعف �إدراك التحديات احلديثة التي تواجه الإ�سالم وعقيدته ،وبالتايل �أي م�شروع فكري و"مذهبي" من �أجل و�سطية الأمة امل�سلمة يف الزمان املعا�صر لن يكتب له النجاح �إذا مل تكن له اجلر�أة ملراجعة االنتماءات املذهبية ال�ضيقة وتطويرها ،وت�صحيح متثالتنا عن احلياة املعا�صرة. ففي الواقع ما جنده يف الن�صو�ص املذهبية من جمل و�أمثلة ال تت�صل بال�ضالالت املعا�صرة وحتديات الو�سطية الطارئة؛
فمثال �إذا عدنا �إىل ن�صو�ص الكالم الأ�شعري يف ن�سخه املختلفة لن جند ف�صوال ومباحث تعالج �آفات ع�صرنا العقدية ،بل جتدها غارقة يف �إ�شكاالت و�أ�سئلة ال يكاد يدرك مغزاها غري املتخ�ص�ص من �سائر املكلفني، ف"الإبانة عن �أ�صول الديانة" للإمام �أبي احل�سن الأ�شعري (ت324 .هـ) و"الربهانية" لأبي عمرو عثمان ال�سالجلي (ت574 .هـ) و"العقيدة الكربى" لل�سنو�سي (ت895 .هـ) وغريها من الن�صو�ص اعتنت ب�شكل �صريح ووا�ضح بالأ�سئلة النظرية والعملية التي كان يطرحها زمانها ،فمثال بالن�سبة للأ�شعري تناول م�س�ألة خلق القر�آن ،وتكلم يف الإمامة، وا�شتبك مع الفرق الكالمية التي كانت حا�ضرة يف زمانه كاجلهمية واملرجئة واملعتزلة ،...وكذلك الأمر مع ال�سالجلي وال�سنو�سي ،لكن التحديات العقدية التي ن�ش�أت مت�أخرة يف البالد الإ�سالمية وخا�صة بعد االحتكاك مع الغرب واالت�صال به، �سواء تعلقت بباب التوحيد �أو ببقية الأبواب الأخرى ال جتيب عنها الن�صو�ص الأ�شعرية املتقدمة ،نظرا لتقدمها ،ويف املقابل مل تربز ن�صو�ص جديدة ت�ستدرك على عمل الأ�سالف وتطعمه ،حتى ال ي�صبح متجاوزا ،وقليل النفع. فالت�شبث بهذه املقاالت الكالمية التاريخية رغم تخلفها عن الع�صر و�أ�سئلته من الأ�شياء التي تكر�س �أزمة الو�سطية يف الع�صر احلايل وت�ساعد على انت�شار التطرف .ولي�س الق�صد من وراء هذا الكالم الدعوة �إىل التخلي عن الهويات املذهبية جملة ،ولكن الق�صد الأ�سا�س هو الدعوة لتطويرها وجتديدها ،ب�صورة منا�سبة للع�صر .ف�إذا كانت الأ�شعرية قد �أدت خدمة تاريخية جليلة للأمة الإ�سالمية يف املا�ضي ،وا�ستطاعت �أن ت�صوغ جوابا عقديا متينا يف بع�ض اجلوانب ،وه�شا يف جوانب �أخرى ،حفظ للأمة و�سطيتها ،ف�إنها اليوم مل تعد كذلك نظرا لغفلة املجددين عنها،
13
دراسا
ت إسالمية
واجلمود الذي حلق عباراتها. �إن ا�ستعادة الأمة ملوقفها الو�سطي على �سائر الأ�صعدة يقت�ضي� :أوال ،فقه التحديات اجلديدة للو�سطية .وثانيا� ،صياغة �أجوبة عقدية �أو ت�شريعية �أو �أخالقية ت�ستبطن معنى الو�سطية الإ�سالمية ،ومرادفة للتحديات الواقعية. وميكن �أن نلخ�ص التحديات الواقعية التي تنال من الو�سطية الإ�سالمية وتدل على اختاللها يف �أربعة حتديات كربى؛ حتدي العقيدة ،وحتدي الإرجاء ،والتحدي ال�سيا�سي ،والتحدي املعريف: حتدي العقيدة :فنت الكثري من امل�سلمنييف الزمان املعا�صر يف عقيدتهم ،وتركوا دينهم واعتنقوا عقيدة الإحلاد �أو تن�صروا، �أو عبدوا ال�شيطان ،...وال يخفى �أن مثل هذه االعتقادات هي خروج عن عقيدة الو�سطية التي ميثلها الإ�سالم. حتدي الإرجاء :وتعرب عنه املمار�سات التيجتمع بني الإميان واملع�صية ،التي انت�شرت بني امل�سلمني يف العقود الأخرية ،و�شعار هذه الطائفة من امل�سلمني� ،سواء �أدركوا ذلك �أم مل يدركوه" ،ال ت�ضر مع الإميان مع�صية" ،وهو ما �أدى بالكثريين �إىل الت�أرجح بني امل�سجد واخلمارة دون حرج ،واالحتجاب لل�صالة والتعري بعدها... التحدي ال�سيا�سي :من الإ�شكاالت التيق�سمت امل�سلمني �إىل طائفتني كبريتني متعار�ضتني ،ونالت من معنى الو�سطية �إ�شكالية الدين وال�سيا�سة وما يتعلق بها من ق�ضايا كالعلمانية واحلاكمية والإمامة،... حيث �أعلنت �إحدى الطائفتني �أن الإ�سالم يخلو من �أي حمتوى �سيا�سي ،و�أنه يف �أ�صله علماين ،وهو ما �أدى �إىل اندالع �صراع �سيا�سي حاد يف البالد الإ�سالمية بني �أن�صار العلمانية و�أن�صار �شمولية الإ�سالم ،ما زال م�ستمرا �إىل الآن. التحدي املعريف :من التداعيات الفكريةلإ�شكالية املعا�صرة وحتدي النه�ضة الذي
14 واجهه امل�سلمون منذ القرن 19م ،بروز ق�ضايا معرفية جديدة مل ي�ألفها العقل الإ�سالمي، ومن هذه الق�ضايا تلك التي مت�س م�صادر الإ�سالم الرئي�سية :القر�آن وال�سنة ،فقد ظهرت عدة مقاربات تراجع حجية ال�سنة النبوية ومتح�صها ،ويف جانب القر�آن انت�شر ا�ستعمال املناهج احلديثة يف الدرا�سات القر�آنية وخلخلة بع�ض ثوابت علوم القر�آن الرا�سخة منذ قرون. فجوابا على هذه التحديات ظهرت عدة �أعمال وجهود نظرية وعملية ،فردية وجماعية ،ع�شوائية وم�ؤ�س�ساتية ،حتاول �أن تعيد عقائد العامة واخلا�صة من امل�سلمني �إىل مقت�ضى الو�سطية ،لكن يف كثري من احلاالت فقدت بع�ض تلك اجلهود معنى التو�سط وانحرفت ،فعلى �سبيل املثال وردا على "�إرجاء العامة" العملي ظهرت تيارات التكفري واخلوارج اجلدد ،وردا على القراءات احلديثة للقر�آن انتع�ش التقليد وهيمنت املحافظة على قطاع عري�ض من دعاة الو�سطية ،وتعطل االجتهاد ،وردا على العلمانية وا�ستقالل الدنيا عن الدين ظهرت فكرة احلاكمية وكرث �أتباعها ،...وبالتايل معظم ردود الفعل على التحديات التي واجهت الإ�سالم والتي كانت تروم الو�سط والو�سطية وجدت نف�سها يف الطرف ،وبحاجة �إىل تعديل حتى تتو�سط. فتجديد مفهوم الو�سطية يف ع�صرنا اليوم يقت�ضي جتديد فقه ر�سالة الإ�سالم يف �ضوء التحديات ال�سالفة ،ودون الت�أثر بحجم الغلو والتطرف الذي متثله طوائف من امل�سلمني كتلك التي تعلمنت �أو �أرج�أت �أو كفرت،... ويقت�ضي كذلك فهم الواقع فهما �صحيحا ومو�ضوعيا ،وعن هذاين املقت�ضيني ين�ش�أ امل�شروع الو�سطي التاريخي الذي �سينقذ الأمة من تطرف الدعاة والع�صاة .ونعتقد �أن التج�سيد ال�صحيح وال�سليم لهذا امل�شروع �سيكون على �شاكلة "الإبانة" (الإبانة عن �أ�صول الديانة) �-إبانة �صريحة ووا�ضحة
للمواقف العقدية والأحكام ال�شرعية -من حتديات الو�سطية ال�سالف ذكرها ،وتيارات االنحراف احلديثة .ولن �أبالغ �إذا قلت يف خامتة هذه املقالة �أن عمال من هذا القبيل مر�شح للقيام بدور تاريخي ال يقل �أهمية وت�أثريا عن الدور الذي قامت به الأ�شعرية �أو بع�ض املذاهب الكربى يف تعديل وجهة الأمة يف القرن الرابع الهجري وبعده ،بعد �أن تركت الو�سط يف ق�ضايا كثرية. ويف هذا ال�سياق تبدو احلركة الإ�سالمية ذات الأفق الو�سطي قاطرة ورافعة �ضرورية لتحقيق املهام التاريخية للو�سطية ،وم�شارك �أ�سا�سي يف �صياغة متنها النظري .فامل�شروع الو�سطي الذي يتوخى تكري�س معاين الو�سطية يف الأمة عقيدة و�شريعة بحاجة �إىل �أدوات اجتماعية و�سيا�سية وثقافية حتى يحقق النفوذ املطلوب على �صعيد الواقع. الهوام�ش : � -1إن الأ�شاعرة واجلربية ي�شرتكون يف القول بنفي "الفعل حقيقة عن العبد و�إ�ضافته �إىل الرب تعاىل" ويختلفون يف مدى هذا النفي والعبارات الدالة عليه ،فالأ�شاعرة ي�سمون ذلك ك�سبا( .ال�شهر�ستاين، امللل والنحل ،دار الفكر ،بريوت� ،ص ،85 .ابن ر�شد، الك�شف عن مناهج الأدلة يف عقائد امللة ،من�شورات مركز درا�سات الوحدة العربية ،ط.)187 ،2001/2 . -2حديث رواه الإمام �أحمد والرتمذي واحلاكم وغريهم و�صححوه. -3حديث رواه الإمام �أحمد والرتمذي واحلاكم وغريهم و�صححوه. -4عبد اهلل العروي ،ال�سنة والإ�صالح ،املركز الثقايف العربي ،البي�ضاء ،ط� ،2008/1 .ص.72 . -5ابن ر�شد ،الك�شف عن مناهج الأدلة يف عقائد امللة، م� .س.99 ، -6ابن الزيات التاديل ،الت�شوف �إىل رجال الت�صوف، حتقيق �أحمد التوفيق ،من�شورات كلية الآداب والعلوم الإن�سانية بالرباط ،ط� ،1984/1 .ص.93 . � -7أبو حامد الغزايل� ،إحياء علوم الدين. -8ابن تيمية ،اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم ،حتقيق حممد حامد الفقي ،مطبعة ال�سنة املحمدية ،ط. � ،1369/2ص.9 . -9نف�سه� ،ص.10 . -10نف�سه� ،ص.6 . �أ�ستاذ التعليم العايل – املغرب
من الحقائق المس َّلم بها أن القرآن اشتمل على أصول كل (و َن َّز ْل َنا َع َل ْي َ اب ِت ْب َيا ًنا ل ُ ً ِك ِّل شيء، مصداقا لقوله تعالىَ : ك ا ْل ِك َت َ َ يءٍ )(النحل.)89 : ش ْ ولهذا فقد اشتمل القرآن على إشارات لطيفة لمختلف نواحي الحياة من العلوم بأنواعها واالجتماع واألسرة وغيرها.
اإلعجاز االجتماعي في اإلسالم
�إ�سالم عبد التواب
ريا،وفيه القر�آن كتاب هداية للب�شر �أو ًال و�أخ ً املنهج الإ�سالمي القومي الذي �أنزله اهلل تعاىل للب�شرية جمعاء؛ فهو �-أي القر�آن- متخ�ص�ص يف علوم احلياة مل ينزل ككتابٍ ٍ كالطب والهند�سة وغريها� ،إال �أنه جاء ب�إ�شارات ُتظهر الإعجاز الرباين يف زمن ع َّم فيه اجلهل بني النا�س فال ميكن خماطبتهم بتفا�صيل العلم. لذا وجدنا من علمائنا من ُيظهر لنا ما ا�شتملت عليه �آيات القر�آن و�أحاديث الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم (من �إ�شارات علمية حتت ا�سم الإعجاز العلمي يف القر�آن وال�س َّنة؛ فيو�ضحون لنا معجزات باهرات ت�سترت يف ظالل كلمات قليلة من �آيات اهلل و�سنة ر�سوله) . وينبغي �أن ن�ستنكر يف هذا املقام م�سلك البع�ض الذين ح َّولوا القر�آن –بق�صد �أو غري ق�صد� -إىل كتاب علمي ي�ستخرجون منه كل نظرية علمية ت�شيع يف زمنهم؛ فتجدهم يبحثون وينقبون يف �آيات اهلل عما يتنا�سب -ظاهر ًّيا -مع نظرية علمية ظهرت
يف الغرب ،ويف هذا امل�سلك ما فيه من اخلط�أ واخلطر يف �آن؛ فاخلط�أ لأن القر�آن –كما ذكرت -لي�س كتاب علم دنيوي ،و�إمنا هو كتاب هداية ور�شاد ومنهج للب�شر .واخلطر ي�أتي من �أن النظريات العلمية هي جمرد نظريات قد يثبت خط�ؤها يف زمن الحق؛ فيتعر�ض كتاب اهلل تعاىل للت�شكيك ممن نق�ضوا النظرية العلمية �أو قر�أوها. �أما ما نتحدث عنه فهو �أن القر�آن وال�سنة قد ا�شتمال على �إ�شارات تدخل يف �إطار الإعجاز العلمي ،دون �أن تتناول الأمور العلمية ب�شكل كامل ال يتفق ومنهج القر�آن ووظيفته ،وال تتحمله عقول املعا�صرين لنزول القر�آن من العرب وغريهم. �أما يف الإعجاز االجتماعي فالأمر خمتلف؛ فنحن هنا ال نتحدث عن نظريات ،و�إمنا عن قواعد اعتنى بها القر�آن وال�سنة فيما يخ�ص حياة الإن�سان والأ�سرة واملجتمع؛ فقد عمل القر�آن على �إ�صالح حياة كل هذه امل�ستويات، ودفع ما قد يهدد حياتها من �أخطار مادية ومعنوية.
15
دراسا
ت إسالمية
وقد �سلك القر�آن وال�سنة يف تر�سيخ هذه القواعد م�سالك �شتى؛ منها :الإخبار بحقائق تغيب عن عقل الإن�سان وال يدركها، ومنها الأمر بفعل بع�ض الأمور ،ومنها النهي عن فعل �أمر يف�سد حياة الفرد �أو الأ�سرة �أو املجتمع. ومن مظاهر الإعجاز العظيم الذي نزل يف القر�آن الكرمي ما ورد فيه من �أحكام و�إ�شارات تخ�ص الإعجاز االجتماعي يف حياة الفرد والأ�سرة واملجتمع. وكما القر�آن جاءت ال�سنة النبوية املطهرة على �صاحبها �أف�ضل ال�صالة وال�سالم؛ ت�شع ريا وتطبي ًقا، بنور الإعجاز االجتماعي تنظ ً بحيث ت�صلح احلياة وجتعلها �أف�ضل و�أجمل و�أ�سمى. لقد حفل القر�آن وال�سنة بكثري من الأحكام والإ�شارات التي جاءت لإ�صالح املجتمع ،وال غرو ف�إن من غايات الإ�سالم �إ�صالح حياة الب�شر؛ فالإ�سالم يريد الإن�سان �سو ًّيا �سعيدًا، يعرف حقيقة نف�سه ورغباتها وما ينفعها وما ي�ضرها. يريد له �أن يعي�ش يف غنى وبركة ( َو َل ْو �أَ َّن �أَهْ لَ ا ْل ُق َرى �آ َم ُنوا َوا َّت َق ْوا َل َف َت ْح َنا َعلَ ْي ِه ْم َب َر َكاتٍ مِ َن الَ ْر ِ�ض )(الأعراف.)96 : ال�س َما ِء َو ْ أ َّ ويريد منه �أن ي�ستثمر طاقاته ومواهب التي منحه اهلل �إياها ( َو ُقلِ ْاع َم ُلوا َف َ�سيرَ َى اللهَّ ُ َع َملَ ُك ْم َو َر ُ�سو ُل ُه َوالمْ ُ�ؤْمِ ُنو َن) (التوبة.)105 : ويريد له كذلك �أن ي�شعر بالعدل يف حياته، و�أن يطبقه على غريه (�إِ َّن اللهَّ َ َي�أْ ُم ُر ُك ْم �أَنْ ُت�ؤَدُّوا ا�س �أَنْ ْأ الَمَا َناتِ �إِلىَ �أَهْ ِلهَا َو ِ�إ َذا َح َك ْم ُت ْم َبينْ َ ال َّن ِ تحَ ْ ُك ُموا بِا ْل َعدْلِ ) (الن�ساء.)58: ويريد للأ�سرة امل�سلمة �أن تن�ش�أ منذ بدايتها ِّين َوالخْ ُ ُلقِ َت ِر َبتْ يف مر�ضاة اهلل " َف ُخ ْذ َذ َات الد ِ يمَ ِي ُن َك"( ، )1و""�إذا �أتاكم من تر�ضون خلقه ودينه فزوجوه� ،إال تفعلوا تكن فتنة يف الأر�ض وف�ساد عري�ض" (.)2 وكذلك يريد لها �أن تعي�ش يف �سعادة وهناء ومودة وحب ( َومِ نْ �آ َيا ِت ِه �أَنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ َ�أ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَ ْز َو ًاجا ِل َت ْ�س ُك ُنوا �إِ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة) (الروم. )21 : كما �أن الإ�سالم ي�سعى لأن يكون املجتمع كله يعي�ش يف رحمة اهلل وبركته ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّل َ ذِين
16 �آ َم ُنوا ا َّت ُقوا اللهَّ َ َو�آمِ ُنوا ِب َر ُ�سو ِل ِه ُي�ؤْ ِت ُك ْم ِك ْفلَينْ ِ مِ نْ َر ْح َم ِت ِه َو َي ْج َع ْل َل ُك ْم ُنو ًرا تمَ ْ ُ�شو َن ِب ِه َو َي ْغ ِف ْر َل ُك ْم َواللهَّ ُ َغ ُفو ٌر َرحِ ي ٌم ) (احلديد.)28 : وبالإجمال ف�إن الإ�سالم يريد للمجتمع كله �أن يحيا حياة �سعيدة يف الدنيا و�أن ي�ستحق نعيم اهلل يف الآخرة؛ ولأجل ذلك ف�إنه �أنزل يف القر�آن وال�سنة املطهرة �أحكا ًما و�أ�شار �إ�شارات ت�ؤدي لهذا الهدف ،وتر�شد مَن َيعِي ويتدبر �إىل عوامل النجاح وال�سعادة للفرد والأ�سرة واملجتمع. من مظاهر الإعجاز االجتماعي على م�ستوى الفرد: � -1إ�شباع رغبة الإن�سان يف معرفة نف�سه: �أ -فالإن�سان جمبول على ال�سعي وراء معرفة حقيقة نف�سه؛ يريد �أن يعرف من �أين بد�أ و�إىل �أين امل�صري ،ومكانته بني املخلوقات عند ربه ،ويعلم اهلل تعاىل �أن الإن�سان �سينفق الكثري من الأوقات واجلهود وامل�ؤلفات من �أجل معرفة تلك احلقائق ،و�أنه �سيظهر الفال�سفة ب�آرائهم ونظرياتهم حماولني الو�صول ملعرفة �أ�صل النف�س الب�شرية ومنتهاها و�أنهم �سي�ضلون يف �أغلبهم –�إال من رحم اهلل تعاىل-؛ لذا ي�أتي القر�آن لي�شبع نهمة الإن�سان ملعرفة مبتد�أه فيقول له: ني ال ْن َ�سا َن مِ نْ ُ�سلاَ َل ٍة مِ نْ طِ ٍ ( َو َل َق ْد َخلَ ْق َنا ْ إِ ني ()13 (ُ )12ث َّم َج َع ْل َنا ُه ُن ْط َف ًة فيِ َق َرا ٍر َم ِك ٍ ُث َّم َخلَ ْق َنا ال ُّن ْط َف َة َعلَ َق ًة َف َخلَ ْق َنا ا ْل َعلَ َق َة م ْ ُ�ض َغ ًة َف َخلَ ْق َنا المْ ُ ْ�ض َغ َة عِ َظا ًما َف َك َ�س ْو َنا ا ْلع َِظا َم لحَ ْ ًما ُث َّم �أَ ْن َ�ش ْ�أ َنا ُه َخ ْل ًقا � َآخ َر َف َت َبا َر َك اللهَّ ُ �أَ ْح َ�س ُن الخْ َ ا ِل ِق َ ني )(امل�ؤمنون.)14 - 12 : ويبني له م�صريه ومنتهاه ( ُث َّم �إِ َّن ُك ْم َب ْع َد َذل َِك لمَ َ ِّي ُتو َن (ُ )15ث َّم �إِ َّن ُك ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ُت ْب َع ُثو َن ) (امل�ؤمنون.)16 ،15 : كما يبني له مكانته عند ربه �سبحانه من بني خملوقات اهلل جمي ًعا ( َو�إِ ْذ َقا َل َر ُّب َك الَ ْر ِ�ض َخلِي َف ًة َقا ُلوا ِل ْل َملاَ ِئ َك ِة �إِنيِّ َجاعِ ٌل فيِ ْ أ �أَتجَ ْ َع ُل فِيهَا َمنْ ُي ْف�سِ ُد فِيهَا َو َي ْ�سف ُِك ال ِّدمَا َء ِّ�س َل َك َقا َل �إِنيِّ َو َن ْح ُن ُن َ�س ِّب ُح ب َِح ْمدِ َك َو ُن َقد ُ الَ ْ�س َما َء �أَ ْعلَ ُم مَا اَل َت ْعلَ ُمو َن (َ )30و َع َّل َم �آ َد َم ْ أ ُك َّلهَا ُث َّم َع َر َ�ض ُه ْم َعلَى المْ َلاَ ِئ َك ِة َف َقا َل �أَ ْن ِب ُئونيِ ِب�أَ ْ�س َما ِء َه�ؤُ اَل ِء ِ�إنْ ُك ْن ُت ْم َ�صا ِد ِق َ ني (َ )31قا ُلوا ُ�س ْب َحا َن َك اَل عِ ْل َم َل َنا �إِ اَّل مَا َع َّل ْم َت َنا �إِ َّن َك �أَنْتَ
ا ْل َعلِي ُم الحْ َ كِي ُم (َ )32قا َل َيا �آ َد ُم �أَ ْن ِب ْئ ُه ْم ِب�أَ ْ�س َما ِئ ِه ْم َفلَ َّما �أَ ْن َب�أَهُ ْم ِب�أَ ْ�س َما ِئ ِه ْم َقا َل َ�ألمَ ْ َ�أ ُق ْل الَ ْر ِ�ض َو َ�أ ْعلَ ُم ال�س َما َواتِ َو ْ أ َل ُك ْم �إِنيِّ �أَ ْعلَ ُم َغ ْي َب َّ مَا ُت ْبدُو َن َومَا ُك ْن ُت ْم َت ْك ُت ُمو َن (َ )33و�إِ ْذ ُق ْل َنا ِي�س ِل ْل َملاَ ِئ َك ِة ْا�س ُجدُوا ِ آل َد َم َف َ�س َجدُوا �إِ اَّل �إِ ْبل َ ب َو َكا َن مِ َن ا ْل َكا ِفر َ ِين) �أَ َبى َو ْا�س َت ْك رَ َ (البقرة.)34 - 30 : ب -تو�ضيح خبايا النفو�س و�أن النفو�س منها اخليرِّ ومنها ال�شريرَ (:و َن ْف ٍ�س َومَا َ�س َّواهَا ()7 َف�أَ ْل َه َمهَا ُف ُجو َرهَا َو َت ْق َواهَا (َ )8ق ْد �أَ ْفلَ َح َمنْ اب َمنْ د ََّ�ساهَا ) َز َّكاهَا (َ )9و َق ْد َخ َ (ال�شم�س.)10 - 7 : -2مراعاة قدرات الب�شر املختلفة: �أ -ومن هنا �شرع الإ�سالم العزمية والرخ�صة، وجعل الرخ�صة �أم ًرا حمبو ًبا؛ َف َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر َقا َلَ :قا َل َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم: "�إِ َّن اللهَّ َ يُحِ ُّب �أَنْ ُت�ؤْ َتى ُر َخ ُ�ص ُه َك َما َي ْك َر ُه �أَنْ ُت�ؤْ َتى َم ْع ِ�ص َي ُتهُ" (. )3 ب -كما �شرع الإ�سالم العبادة وجعل على من ال يقدر عليها بدي ً ال ق�ضا ًء �أو كفارة �أو كليهما مراعاة للقدرات املتفاوتة( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا ال�ص َيا ُم َك َما ُكت َِب َعلَى ا َّلذِ َ ين مِ نْ ُكت َِب َعلَ ْي ُك ُم ِّ َق ْب ِل ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقو َن (� )183أَ َّيا ًما َم ْعدُودَاتٍ َف َمنْ َكا َن مِ ْن ُك ْم َمر ً ِي�ضا �أَ ْو َعلَى َ�س َفرٍ َف ِع َّد ٌة مِ نْ �أَ َّيا ٍم �أُ َخ َر َو َعلَى ا َّلذِ َ ين يُطِ ي ُقو َن ُه ِف ْد َي ٌة َط َعا ُم ني َف َمنْ َت َط َّو َع َخيرْ ً ا َف ُه َو َخيرْ ٌ َل ُه َو�أَنْ مِ ْ�س ِك ٍ َت ُ�صومُوا َخيرْ ٌ َل ُك ْم �إِنْ ُك ْن ُت ْم َت ْعلَ ُمون)َ (البقرة.)184 ،183 : ت -مراعاة الأحوال املختلفة للب�شر التي قد متنعهم عن �أداء العبادة على الوجه الأكمل؛ ف�شرع الإ�سالم �صالة اخلوف يف احلرب؛ قال تعاىلَ (:و�إِ َذا ُكنْتَ فِي ِه ْم َف�أَ َق ْمتَ َل ُه ُم ال�صلاَ َة َف ْل َت ُق ْم َطا ِئ َف ٌة مِ ْن ُه ْم َم َع َك َو ْل َي�أْ ُخ ُذوا َّ �أَ ْ�سل َِح َت ُه ْم َف�إِ َذا َ�س َجدُوا َف ْل َي ُكو ُنوا مِ نْ َو َرا ِئك ْمُ َو ْل َت�أْتِ َطا ِئ َف ٌة �أُ ْخ َرى لمَ ْ ُي َ�ص ُّلوا َف ْل ُي َ�ص ُّلوا َم َع َك َو ْل َي�أْ ُخ ُذوا حِ ْذ َرهُ ْم َو َ�أ ْ�سل َِح َت ُه ْم َو َّد ا َّلذِ َ ين َك َف ُروا َل ْو َت ْغ ُف ُلو َن َعنْ �أَ ْ�سل َِح ِت ُك ْم َو�أَ ْم ِت َع ِت ُك ْم َف َيمِ ي ُلو َن َعلَ ْي ُك ْم َم ْيلَ ًة َواحِ َد ًة َو اَل ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم �إِنْ َكا َن ِب ُك ْم �أَ ًذى مِ نْ م ََطرٍ �أَ ْو ُك ْن ُت ْم َم ْر َ�ضى َ�أنْ َت َ�ض ُعوا �أَ ْ�سل َِح َت ُك ْم َو ُخ ُذوا حِ ْذ َر ُك ْم ِ�إ َّن اللهَّ َ �أَ َع َّد ِل ْل َكا ِفر َ ِين َع َذا ًبا ُمهِي ًنا ) (الن�ساء.)102 : -3مراعاة الفطرة الإن�سانية ،واحلث على
�إعطائها حقها من رغباتها احلالل ،وعدم الق�سوة عليها مبا فوق طاقتها؛ َف َعنْ �أَ َن�س ْب َن مَال ٍِك َر ِ�ض َي اللهَّ ُ َع ْن ُه َي ُق ُ ولَ :جا َء ثَلاَ َث ُة رَهْ ٍط �إِلىَ ُب ُيوتِ �أَ ْز َوا ِج ال َّنب ِِّي َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َي ْ�س َ�أ ُلو َن َعنْ عِ َبا َد ِة ال َّنب ِِّي َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم بوا َك�أَ َّن ُه ْم َت َقا ُّلوهَا َف َقا ُلوا َو�أَ ْي َن َن ْح ُن َفلَ َّما �أُ ْخ رِ ُ ُ للهَّ مِ نْ ال َّنب ِِّي َ�ص َّلى ا َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َق ْد ُغ ِف َر َل ُه مَا َت َق َّد َم مِ نْ َذ ْن ِب ِه َومَا َت�أَ َّخ َر َقا َل �أَ َحدُهُ ْم �أَ َّما �أَ َنا َف ِ�إنيِّ �أُ َ�ص ِّلي ال َّل ْي َل �أَ َبدًا َو َقا َل � َآخ ُر َ�أ َنا َ�أ ُ�صو ُم الدَّهْ َر َو اَل �أُ ْفطِ ُر َو َقا َل � َآخ ُر �أَ َنا �أَ ْع َتز ُِل ال ِّن َ�سا َء ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ فَلاَ �أَ َت َز َّو ُج �أَ َبدًا َف َجا َء َر ُ�س ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم ِ�إ َل ْي ِه ْم؛ َف َقا َل�" :أَ ْن ُت ْم ا َّلذِ َ ين ُق ْل ُت ْم َك َذا َو َك َذا؛ �أَمَا َواللهَّ ِ �إِنيِّ َ ألَ ْخ َ�شا ُك ْم للِهَّ ِ َو�أَ ْت َقا ُك ْم َل ُه َل ِك ِّني �أَ ُ�صو ُم َو ُ�أ ْفطِ ُر َو�أُ َ�ص ِّلي َو�أَ ْر ُق ُد َو َ�أ َت َز َّو ُج ال ِّن َ�سا َء َف َمنْ َرغِ َب َعنْ ُ�س َّنتِي َفلَ ْي َ�س مِ ِّني"(. )4 ومن مظاهر الإعجاز على م�ستوى الأ�سرة: -1الإخبار عن احتياجات ٍّ كل من الذكر والأنثى لل�سكن واحلب والرتاحم ،وت�شريع الزواج لتوفري تلك االحتياجات ( َومِ نْ �آ َيا ِت ِه اجا ِل َت ْ�س ُك ُنوا �إِ َل ْيهَا �أَنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَ ْز َو ً َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة ِ�إ َّن فيِ َذل َِك َ آليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن) (الروم.)21 : -2الإخبار عن معايري الب�شر يف اختيار الزوج والزوجة والأمر بذات الدين و�صاحب الدين يف اختيار الزوج و�إال حدث الف�ساد؛ "تنكح املر�أة لأربع ملالها وحل�سبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"( ،)5وهذا مما هو م�شاهد ومعلوم باليقني من واقع احلياة. -3احلر�ص على حفظ �صالت الرحم وتقويتها ،ومنع ما يقطعها �أو ي�ضعفها ويوهنها ،ومن هنا ح َّرم الإ�سالم الزواج ببع�ض الن�ساء ،وجعلهن حمارم ،يقول تعاىل: (ح ِّرمَتْ َعلَ ْي ُك ْم �أُ َّمهَا ُت ُك ْم َو َب َنا ُت ُك ْم َو�أَ َخ َوا ُت ُك ْم ُ ات أْ ات أْ الَ ِخ َو َب َن ُ َو َع َّما ُت ُك ْم َو َخ اَال ُت ُك ْم َو َب َن ُ الُختِْ َو�أُ َّمهَا ُت ُك ُم اللاَّ تِي �أَ ْر َ�ض ْع َن ُك ْم َو�أَ َخ َوا ُت ُك ْم مِ َن ال َّر َ�ضا َع ِة َو�أُ َّمه ُ َات ن َِ�سا ِئ ُك ْم َو َر َبا ِئ ُب ُك ُم اللاَّ تِي فيِ ُح ُجو ِر ُك ْم مِ نْ ن َِ�سا ِئ ُك ُم اللاَّ تِي د ََخ ْل ُت ْم ِبهِنَّ َف�إِنْ لمَ ْ َت ُكو ُنوا د ََخ ْل ُت ْم ِبهِنَّ فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم َو َحلاَ ِئ ُل �أَ ْب َنا ِئ ُك ُم ا َّلذِ َ ين مِ نْ �أَ ْ�صلاَ ِب ُك ْم َو�أَنْ الُ ْخ َتينْ ِ ِ�إ اَّل مَا َق ْد َ�سلَ َف ِ�إ َّن اللهَّ َ تجَ ْ َم ُعوا َبينْ َ ْ أ َكا َن َغ ُفو ًرا َرحِ ي ًما) (الن�ساء.)23 : وكما ح َّرم القر�آن اجلمع بني الأختني ً حفظا
ل�صالت الأرحام نهى الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �أن يتم اجلمع بني املر�أة وعمتها �أو خالتها؛ َف َعنْ �أَبِى هُ َر ْي َر َة َقا َل َقا َل َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ �صلى اهلل عليه و�سلمَ « -ال ُت ْن َك ُح المْ َ ْر�أَ ُة َعلَىَع َّم ِتهَا َو َال َعلَى َخا َل ِتهَا»(. )6 ومن �أجل حفظ الأرحام نهى الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم عن تف�ضيل بع�ض الأبناء ري َقا َل: على بع�ض :ف َعنْ ال ُّن ْع َمانِ ْب ِن بَ�شِ ٍ ا ْن َطلَ َق بِي �أَبِي َي ْحمِ ُلنِي �إِلىَ َر ُ�سولِ اللهَّ ِ �صلى اهلل عليه و�سلم؛ َف َقا َلَ :يا َر ُ�سو َل اللهَّ ِْ ،ا�ش َه ْد َال؛ �أَنيِّ َق ْد َن َح ْلتُ ال ُّن ْع َما َن َك َذا َو َك َذا مِ نْ م يِ َف َقا َل�" :أَ ُك َّل َبن َ ِيك َق ْد َن َح ْلتَ مِ ْث َل مَا َن َح ْلتَ ال ُّن ْع َما َن؟" َقا َل :اَل. َقا َلَ " :ف�أَ ْ�ش ِه ْد َعلَى َه َذا َغيرْ ِي". ب ُث َّم َقا َل�" :أَ َي ُ�س ُّر َك �أَنْ َي ُكو ُنوا �إِ َل ْي َك فيِ ا ْل رِ ِّ َ�س َواءً؟" َقا َلَ :بلَى. َقا َل" :فَلاَ �إ ًذا"()7 ِ . ومن مظاهر الإعجاز على م�ستوى املجتمع: � -1إباحة البيع الذي فيه م�صلحة املجتمع من حركة املال بي ًعا و�شراءً ،وا�ستهال ًكا خلريات اهلل يف الأر�ض ،وحترمي الربا( َو�أَ َح َّل اللهَّ ُ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ال ِّر َبا)(البقرة ،)275 :والأمر برتك الربا ،والإنذار بالعقاب الأليم يف الدنيا والآخرة ،وو�ضع احلل ملا كان قائ ًما من الربا ب�إعطاء �صاحب املال ر�أ�س ماله فقط ( َيا َ�أ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا ا َّت ُقوا اللهَّ َ َو َذ ُروا مَا َبق َِي مِ َن ال ِّر َبا ْ َ َ ُ لمَ َ َ ْ �إِنْ ُك ْن ُت ْم ُم ْ�ؤمِ ِن َ ني ( )278ف ِ�إنْ ت ْف َعلوا ف�أذ ُنوا ُو�س ب َِح ْربٍ مِ َن اللهَّ ِ َو َر ُ�سو ِل ِه َو�إِنْ ُت ْب ُت ْم َفلَ ُك ْم ُرء ُ �أَ ْم َوا ِل ُك ْم اَل َت ْظ ِل ُمو َن َو اَل ُت ْظلَ ُمو َن) (البقرة.)279 ،278 : -2حترمي االعتداء على الأنف�س ملا يجر ذلك من جر�أة املعتدي املجرم على �أنف�س �أخرى ،وملا يثريه يف نفو�س �أهل القتيل من الرغبة يف الث�أر؛ فتتكاثر الدماء كما يحدث يف املجتمعات التي ال تطبق �شرع اهلل تعاىل (مِ نْ �أَ ْجلِ َذل َِك َك َت ْب َنا َعلَى َبنِي �إِ ْ�س َرائِي َل �أَ َّن ُه َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْالأَ ْر ِ�ض ا�س َجمِ ي ًعا َو َمنْ �أَ ْح َياهَا َف َك�أَنمَّ َ ا َف َك�أَنمَّ َ ا َق َت َل ال َّن َ ا�س َجمِ ي ًعا) (املائدة ،)32 :ثم و�ضع �أَ ْح َيا ال َّن َ احلل بالق�صا�ص العادل الذي ي�شفي نفو�س �أهل القتيل من ناحية ،ويرهب كل من لديه
نزعة �إجرامية من ناحية �أخرى ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ا�ص فيِ ا ْل َق ْتلَى ين �آ َم ُنوا ُكت َِب َعلَ ْي ُك ُم ا ْلق َ ِ�ص ُ ُ ُ ِال ْن َثى) ال ْن َثى ب ْ أ الحْ ُ ُّر ِبالحْ ُ ِّر َوا ْل َع ْب ُد بِا ْل َع ْبدِ َو ْ أ (البقرة.)178 : -3ت�شريع احلجاب وغ�ض الب�صر وحترمي اخللوة ليحفظ الأعرا�ض ،وي�صون عيون الرجال والن�ساء مما يثري �شهواتهم ويفتح الباب وا�س ًعا للحرام ( ُق ْل ِل ْل ُم ْ�ؤمِ ِن َ ني َي ُغ ُّ�ضوا َ وج ُه ْم َذل َِك �أ ْز َكى مِ نْ �أَ ْب َ�صارِهِ ْم َو َي ْح َف ُظوا ُف ُر َ ري بمِ َا َي ْ�ص َن ُعو َن (َ )30و ُق ْل َل ُه ْم �إِ َّن اللهَّ َ َخ ِب ٌ ِل ْل ُم�ؤْمِ َناتِ َي ْغ ُ�ض ْ�ض َن مِ نْ �أَ ْب َ�صارِهِ نَّ َو َي ْح َف ْظ َن وج ُهنَّ َو اَل ُي ْبدِ َ ين زِي َن َت ُهنَّ ِ�إ اَّل مَا َظ َه َر مِ ْنهَا ُف ُر َ َو ْل َي ْ�ض ِر ْب َن ب ُِخ ُمرِهِ نَّ َعلَى ُج ُيو ِبهِنَّ ) ا�س َعنْ ال َّنب ِِّي (النور ،)31 ،30 :و َعنْ ا ْب ِن َع َّب ٍ �صلى اهلل عليه و�سلم َقا َل :اَ "ل َيخْ ُل َو َّن َر ُجلٌ ِام َر�أَ ٍة �إِ اَّل َم َع ذِي محَ ْ َر ٍم"(. )8 ب ْ وبع ُد فهذا غي�ض من في�ض من مظاهر الإعجاز االجتماعي يف القر�آن وال�سنة ،و�إن �شاء اهلل تعاىل �س�أخ�ص�ص لهذا املو�ضوع درا�سة كاملة ت�سعى لتق�صيه ،فهو مو�ضوع بالغ الأهمية ،و�أحد مفاتيح فهم القر�آن وال�سنة ،وفهم نف�س الإن�سان يف ذات الوقت، �أ�س�أل اهلل �سبحانه وتعاىل �أن يتقبل تلك الأ�سطر ،و�أن يجعلها يف ميزان ح�سناتي من باب الدعوة �إليه ،وخدمة القر�آن وال�سنة� ،إنه ويل ذلك والقادر عليه. الهوام�ش : � -1أحمد ( ،)11782واحلاكم ( )2680وقال� :صحيح الإ�سناد ووافقه الذهبي ،و�أبو يعلى ( ،)1012وابن �أبي �شيبة يف م�صنفه ( ،)17149والهيثمي يف جممع الزوائد ( ،)7326وقال :رواه �أحمد و�أبو يعلى والبزار ورجاله ثقات ،وقال الألباين :رواه �أحمد ب�إ�سناد �صحيح والبزار و�أبو يعلى وابن حبان يف �صحيحه (� ،)1919صحيح الرتغيب والرتهيب. -2ابن ماجه :كتاب النكاح ،باب الأكفاء ( )1967واللفظ له، والرتمذي ( ،)1085وقال حديث ح�سن غريب ،واحلاكم ( ،)2695وقال :حديث �صحيح الإ�سناد ،والطرباين يف الأو�سط ( ،)446وقال الألباين :ح�سن (� )270صحيح اجلامع. -3م�سند �أحمد ( ،)137 /12وقال �شعيب الأرناءوط� :صحيح وهذا �إ�سناد ح�سن رجاله ثقات رجال ال�صحيح غري حرب بن قي�س. � -4صحيح البخاري (.)534 /12 � -5صحيح البخاري (.)1958 /5 � -6صحيح م�سلم .)135 /4( 7748 -7م�سلم :كتاب الهبات ،باب كراهة تف�ضيل بع�ض الأوالد يف الهبة (.)1623 � -8صحيح البخاري -ترقيم فتح الباري -م�شكل (.)209 /13
مدير الباحثني مبركز احل�ضارة للدرا�سات التاريخية بالقاهرة كاتب �إ�سالمي ialafty@gmail.com /
17
دراسا
ت إسالمية
18
موضوع الوسطية يكتب فيه الشيء الكثير في غضون السنوات األخيرة ،وذلك راجع إلى الحاجة إلى معالجة هذا الموضوع الكبير والخطير في ديننا وحياتنا. لقد كتبت فيه وعالجه عدد من العلماء والمفكرين ،فكتبوا عن مفهوم الوسطية وعن معاني األمة الوسط المذكورة في القرآن ،وكتبوا عن مظاهر الوسطية ومجاالتها في العقيدة اإلسالمية ،والشريعة اإلسالمية ،واألخالق اإلسالمية ،وكتبوا عن الوسطية في العالقات والمعامالت االجتماعية والدولية.
الوسطية الفكرية وأسسها المنهجية
الدكتور �أحمد الري�سوين
ولذلك ال نرى لزوماً للإعادة �أو الإطالة فيما قد كفيناه بكتابات �سابقة ،ولكن لهذا املو�ضوع جانب �أ�سا�سي تراه ما زال بحاجة �إىل معاجلة وبيان وهو اجلانب الفكري واملنهجي للق�ضية. وهذا اجلانب �إن مل يكن �أهم جوانب املو�ضوع فهو من �أهمها و�أكرثها ت�أثرياً يف �سائر اجلوانب الأخرى. فمعلوم �أن الو�سطية تبد�أ بالفكر وبطريقة التفكري ومنهجية ،فهي ثمرة فكر �سديد وفق منهج �صحيح .وكذلك �ش�أن الإنحراف والغلو يف هذا الإجتاه �أو ذاك .فالغلو االعتقادي والغلو الفقهي والغلو العملي يف العبادات واملعامالت، كل ذلك ينتج عن فكر خمتل وطرائق للتفكري خمتلة وقا�صرة ،وهذا من �أهم الأ�سباب الداعية �إىل و�ضع مو�سوعة فكرية للو�سطية. على �أن ف�ضلية الو�سطية والإعتدال يف الفكر والعلم �أو يف العمل واملمار�سة �ستظل دعوى يف متناول القريب منها والبعيد عنها ،و�ستظل للأخذ والرد والتجاذب والتقاذف ،ما مل ت�ضبط مبعايري وموا�صفات منهجية وا�ضحة م�ستقرة، وهو ما نرمي �إىل ال�شروع يف �إر�سائه وبلورته، بعون اهلل تعاىل ثم بت�ضافر املبادرات والإ�ضافات وتوايلاملالحظات والإ�ستدراكات. وفيمايليماتي�سرلنامنذلكويتمثليفبع�ض
الأ�س�س العلمية املنهجية للو�سطية الفكرية �أو للفكر الو�سطي ،وهي الأ�س�س واملبادئ التي نرى �أن التم�سك بها ينتج وي�ضمن الو�سطية يف الفكر والفهم ،يتبعه خلل يف العمل وال�سلوك. الأ�سا�س الأول ا�ستح�ضاراملعنىالعامللو�سطيةووالتم�سك به. وتعني باملعنى العام للو�سطية ،املعنى الذي ت�ضمنته �أية الباب وعمدته ،وهي قوله تعاىل: ( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِّل َت ُكو ُنواْ ُ�ش َهدَاء ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ ول َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيدًا). َعلَى ال َّن ِ فبما �أن الو�سطية الفكرية التي ن�سعى �إليها ت�ستمد قيمتها ومكانتها من املعنى العام للو�سطية التي جعلها اهلل �سبحانه وتعاىل �سمة عامة للإ�سالم و�أمة الإ�سالم ،فال بد من ا�ستح�ضارذلكاملعنىواال�ستمدادمنهوالإحتكام �إليه يف الكفر والنظر والإجتهاد كما يف الت�صرف والتعامل. وقد بحث املف�سرون معاين قوله تعاىل�( :أُ َّم ًة َو َ�س ًطا) فلم يخرجوا بها عن ثالثة معاين هي: اخلريية والف�ض. التو�سط بني الإفراط والتفريط. العمل.قال ابن عبد ال�سالم يف اخت�صاره لتف�سري
املاوردي (النكت والعيون)َ ( :و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا): خياراً ،رج ّل وا�سط احل�سب ..رفيعه. �أو لتو�سطهم بني اليهود والن�صارى يف الدين،غلت الن�صارى يف امل�سيح وترهبوا وق�صرت اليهودبتبديلالكتابوقبلالأنبياءوالكذبعلى اهلل تعاىل. �أو عد ًال بني الزيادة والنق�صان.وهذه املعاين الثالثة جندها ـ عند التمحي�ص والتحقيق ـ راجعة �إىل �أ�صل واحد تندمج فيه وهو معنه العدل والعدالة كما جاء يف التف�سري النبوي. ففي ال�صحيح ،عن �أبي �سعيد اخلدري ،قال: قال ر�سول اهلل (( :يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم يا رب ،فت�س�أل �أمته هل بلغكم؟ فيقولون ما جاءنا من نذير، فيقول من �شهودك؟ فيقول حممد و�أمته، فيجاء بكم فت�شهدون)) ثم قر�أ ر�سول اهلل : ( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِّل َت ُكو ُنواْ ُ�ش َهدَاء ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ ول َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيدًا)، َعلَى ال َّن ِ ومعلوم �أنه ال يقبل ال�شهادة عند اهلل ويف �شرعه �إال �أ�صحاب العدل والعدالة ،فمن هنا يدعى امل�سلمون لل�شهادة ب�صفتهم عدو ًال ،قال الفخر الرازي :وال يجوز �أن ميدح اهلل ال�شهود حال
حكمه عليهم بكونهم �شهوداً �إال بكونهم عدو ًال، فوجب �أن يكون املراد بالو�سط العدالة. على �أن ال�شهادة املذكورة يف احلديث لي�ست تف�سرياً �شام ً ال لكل معاين الو�سطية ،و�إمنا هو مثال لها ومنوذج منها ،قال ابن عا�شور :فقوله: (ثم قرا )..يدل على �أن هذه ال�شهادة من جملة معاين الآية ،ال �أنها عني معنى الآية فمن كان و�سطاً عد ًال ـ فرداً �أو جماعة ـ فهو ي�صلح لكل �شهادة ولكل حكم �سواء كان ذلك يف ال�شهادات والأحكام الق�ضائية �أو يف ال�شهادات والأحكام العلمية والفكرية ،كما �أنه ي�صلح قدوة بعدله العملييف�سلوكهوت�صرفاتهومنهجحياته.وهذا هو العدل املعرب عنه بالإعتدال ،والإعتدال عك�س الإعوجاج والإنحراف وامليل ،وعك�س الإفراط والتفريط فمن ال مييل وال يجنح يف تفكريه و�أحكامه ،ال مييناً وال �شما ًال ،فهو الو�سط املعدل املعتدل .قال ابن القيم :خري الأمور الو�سط، و�ضابط هذا كله العدل ،وهو الأخذ بالو�سط املو�ضوع بني طريف الإفراط والتفريط ،وعليه بناء م�صالح الدنيا والآخرة وعن �أمري امل�ؤمنني علي ر�ضي اهلل عنه قال( :خري النا�س هذا النمط الأو�سط ،يلحق بهم التايل ويرجع �إليهم الغايل) ،وقال الأوزاعي( :ما من �أمر �أمر اهلل به �إال عار�ض ال�شيطان فيه بخ�صلتني وال يبايل �أيهما�أ�صاب:الغلووالتق�صري). الأ�سا�سالثاين التوا�ضع والإن�صاف يف مواطن الإختالف. خلق التوا�ضع ال يحتاج �إىل بيان وال ا�ستدالل، فكلالنا�سيعرفونالتوا�ضعويحبونه�أ�صحابه. مانريدتو�ضيحههوعالقةالتوا�ضعبالإن�صاف وعالقة الإثنني مب�س�ألة الإختالف والو�سطية الفكرية واملراد بالتوا�ضع يف �سياقنا هو التوا�ضع العلميوالفكريويت�ضمنذلك: �أن يكون الإن�سان متوا�ضعاً يف تقديره لنف�سهوملا حازه من علم و�أن يكون حذراً متورعاً عن االغرتاربعلمهومنزلتهالعلمية. و�أن يكون متوا�ضعاًفيمل يرجحه وفيما يتبناهويتبعه ،من ر�أي �أو توجه �أو مذهب. و�أن يكون متوا�ضعاً كذلك يف ُح�سن الظنوح�سن التقدير ملن خالفوه فيما هو حمتمل ُ للخالف. ً -ومن التوا�ضع �أن يكون م�ستعدا للمراجعة
العلمية والفكرية ،وم�ستعداً حتى للرتاجع والإعرتاف بخطئه ،وب�صواب خمالفه �إذا لزم الأمر. وبع�ض النا�س يعتربون هذه الوجوه من التوا�ضع العلمي جمرد دعوة للتمييع والتنازل عن احلق ،وجمرد جماملة لأهل الباطل� ،أو عالمة �ضعف �أو تخاذل .والذي ينبغي التذكري به هو �أن �أعالم ال�صحابة و�أئمة العلم والهدى يف الأمة كانوا على هذا التوا�ضع العلمي، بخ�صاله التي نتحث عنها ،فقد قر�أنا وعرفنا من توا�ضعهم ومن نفائ�سهم الكثري الكثري ،مما تنبئ عنه �أمثال هذه العبارات الذهبية ال�صادرة عنهم: وال مينعك ق�ضاء ق�ضيت فيه اليوم ،فراجعتفيه ر�أيك فهديت فيه لر�شدك �أن تراجع فيه احلق ف�إن احلق قدمي ال يبطله �شيء ومراجعة احلق خري من التمادي يف الباطل. كل واحد ي�ؤخذ من كالمه ويرد� ،إال ر�سولاهلل . قويل �صواب يحتمل اخلط�أ وقويل غرييخط�أيحتملال�صواب. �أن ن�ضن �إال ظنا وما نحن مب�ستقينيني. ما حاورت �إن�ساناً قط� ،إال متنيت �أن ي�أتي احلقعلىل�سانه. من التوا�ضع �إىل الإن�صاف. توا�ضع الإن�سان يف نظرته �إىل نف�سه وعلمه و�آرائه ،هو الذي ميكنه �أن يكون متوا�ضعاً يف نظرته �إىل غريه ،ومن هنا ي�أتي �إن�صافه لهم ،فالتوا�ضع يكون �أ�سا�ساً مع النف�س ومع الذات ،والإن�صاف يكون مع الغري ،وخا�صة مع املخالفني ،وال يكون �إن�صاف للمخالف بدون توا�ضع ذاتي ،فاملتكرب واملكابر يف نف�سه ال ينتظر منه �إن�صاف لغريه. ما هو الإن�صاف العلمي؟ وما عالقته بالو�سطية؟ الإن�صاف لغة :م�أخوذ من الن�صف ،و�أ�صل ا�ستعماله من ال�شيء يكون م�شرتكاً على الت�ساوي بني �أثنني ،فمن �أخذ ن�صفه بال زيادة فقد ان�صف ،ومن �أعطى �شريكه ن�صفه بال نق�صان فقد �أن�صف ،من حكم �أو ق�سم بني �شريكني ف�أعطى كل واحد ن�صفه بال زيادة وال نق�صانفقد�أن�صف.
ثم ات�سع ا�ستعمال اللفظ وم�شتقاته ،للداللة علىال�سويةبنيالنا�سفيمالهموماعليهم�سواء كان الن�صف �أو غريه مما هو م�ستحق و�سواء كان ذلك يف الأ�شياء �أو يف الأفعال �أو يف الأقوال. قال الع�سكري :الفرق بني الإن�صاف والعدل: �أن الإن�صاف �إعطاء الن�صف والعدل يكون يف ذلك ويف غريه �أال ترى �أن ال�سارق �إذا قطع قيل �أنه عدل عليه وال يقال �إنه �أن�صف .و�أ�صل الإن�صاف �أن تعطيه ن�صف ال�شيء وت�أخذ ن�صفه من غري زيادة وال نق�صان ورمبا قيل اطلب الن�صف كما يقال �أطلب منك الإن�صاف ثم ا�ستعمل يف غري ذلك مما ذكرناه ويقال �أن�صف ال�شيء �إذا بلغ ن�صفنف�سهون�صفغريه�إذابلغن�صفهوالعالقة اللغوية بني الإن�صاف والو�سطية تظهر يف مثل قولهم �أنت�صف النهار �أو منت�صف �أي و�سطه وذلك حني يت�ساوى ن�صفه الذي م�ضى مع ن�صفه الذي بقي ،فمنت�صف النهار و�سطه. وكذلك يقال انت�صف الليل �أو منت�صف العمر �أو منت�صف الطريق ..فكل ذلك يعني نقطة التو�سطبنين�صفنيمت�ساويني. و�أما الإن�صاف مبعناه العلمي والفكري فاملراد به �إعطاء املخالفني حقهم كام ً ال بال بخ�س وال حتيز وال جتاهل. فمن ذلك الإطالع على �آرائهم و�أدلتهم قبل انتقادهم �أو جمافاتهم واما الإقت�صار على ما يحكى ويظن وما يلتقط من هنا وهناك فهو �سبيل الإجحاف ال �سبيل الإن�صاف. ومن الإن�صاف للمخالفني تقدمي ُح�سن الظن بهم وحمل �أقوالهم وعباراتهم و�إ�ستدالالتهم على �أح�سن املحامل املمكنة متاماً مثلما نحب �أن يفعل معنا ومع �أقوالنا و�آرائنا لدى من يخالفنا فيها. ً ومن �إن�صافهم �أي�ضا الإفرتا�ض اجلدي الحتمال �أن يكونوا على �صواب فيما قالوه وتلم�س وجه احلق وال�صواب املمكن فيما نبهوا �إليه ،و�إذا ت�أكد لنا خط�أ املخالف يف جممل ما ذهب �إليه فهذا ال مينع �أن يكون عنده جانب من ال�صواب ومن احلق يجب الإعرتاف له به وت�أييده فيه ،ثم �إذا خالفناه وخط�أناه يف م�س�ألة �أو جملة من امل�سائل فهذا ال ي�سمح لنا بتجريده من كل ف�ضيلة �أو من كل �صواب له يف م�سائل �أخرى.
19
دراسا
ت إسالمية
و�إذا خط�أنا �أحداً يف وقت ..ثم ظهر لنا �صوابه بعد ذلك فتجب املبادرة �إىل �إعالن ذلك بكل توا�ضعو�إن�صاف. ُ و�إذا كان الإن�صاف خلقا يجب الإن�صاف به يف جميع املجاالت والأحوال فهو يف املجال العملي �أوجب منه يف �أي جمال �آخر والإخالل به يف هذا املجال هو �أ�ضر و�أ�شنع منه يف �أي جمال �آخر ذلك �أن العلم من طبيعته �أن يكون ثمرة للنزاهة واملو�ضوعية يف النظر واحلكم .وهو يفقد �صفته العلمية بقدر ما يفقد من النزاهة والإن�صاف حتى �إذا خيم عليه التحيز والتع�صب والهوى �صار جمرد جهل و�إنتاج للجهل وكما قال الإمام ال�شاطبيو�إذا�صارالهوىبع�ضمقدماتالدليل مل ينتج �إال ما فيه اتباع الهوى. والأ�سباب التي متنع الإن�صاف وتدفع �إىل النحيز والإجحاف يف املجال العلمي قد تكون �إعجاباًبالنف�سوتتنزيهالهاوقدتكونخوفاًمن االنتقا�ص العلمي يف نظر النا�س وقد تكون �شدة الكراهية للمخالف ،وقد تكون تع�صباً �أو حتزباً مذهبياً �أو طائفياً لن�صرة �أ�صحابنا والنكابة بخ�صومنا. فهذه الأ�سباب بع�ضها �أو كلها هي التي تف�سد القدرة على التو�سط والإعتدال وجتر �إىل التع�صب والغلو فيغدو �أ�صحاب هذه ال�صفات ال يرون يف ذاتهم وال يذكرون لأنف�سهم وجلهتهم �إال كل خري و�صواب وتنزيه مع تظيمه وتفخيمه وال يرون وال يذكرون للجة املخالفة �إال كل عيب وخلل وزلل ،مع تهويله وت�شنيعه. قال ابن القيم رحمه اهلل :وهذا �آفة ما جنا منها �إال من �أنعم اهلل عليه و�أهله ملتابعة احلق �أين كان ومع من كان و�أما من يرى �أن احلق وقف على طائفته �أهل مذهبه وحجز حمجوز على من �سواهم ،ممن لعله �أقرب �إىل احلق وال�صواب منه فقد حرم خرياً كثرياً وفاته هدى عظيم ففي مثل هذه احلاالت ي�سود الغلو والت�شدد والت�شنج وت�ضطرب املوازين وتلتب�س احلقائق وي�ضيع االعتدال والو�سطية والإن�صاف وت�ضيع الفائدة والإعتبار مبثل قوله تعاىلَ ( :و�أَقِي ُموا ا ْل َو ْز َن بِا ْلق ِْ�س ِط َوال ُتخْ �سِ ُروا المْ ِي َزا َن). ومن الأمثلة ال�شهرية يف هذا الباب ما ذكره ابنالقيمعنمواقفبع�ضالفئاتمنال�صوفية وما يقع لهم من تعبريات و�أحوال مما يعرف
20 ب�شطحات ال�صوفية حيث قال :وهذه ال�شطحات �أوجبت فتنة على طائفتني من النا�س� :إحداهما حجبت بها عن حما�سن هذه الطائفة ولطف نفو�سهم و�صدق معاملتهم ف�أهدروها لأجل هذه ال�شطحات و�أنكروها غاية الإنكار و�أ�ساءوا الظن بهم مطلقاً وهذا عدوان و�إ�سراف فلو كان كل من �أخط�أ �أو غلط ترك جملة و�أهدرت حما�سنة لف�سدت العلوم وال�صناعات واحلكم وتعطلت معاملها .والطائفة الثانية حجبت مبا ر�أته من حما�سن القوم و�صفاء قلوبهم و�سحة عزائمهم وح�سن معامالتهم عن ر�ؤية عيوب �شطحاتهم ُ ونق�صائها ف�سحبت عليها ذيل املحا�سن و�أجرت عليها حكم القبول والإنت�صار لها وا�ستظهرت بها يف �سلوكها. والطائفة الثالثة :وهم �أهل العدل والإن�صاف الذين �أعطوا كل ذي حق حقه و�أنزلوا كل ذي منزلة منزلته ،فلم يحكموا لل�صحيح ببحكم ال�سقيم واملعلول وال للمعلول ال�سقيم بحكم ال�صحيح ،بل قبلوا ما يقبل وردوا ما يرد ويح�ضرين هنا املوقف اجلليل لأبن تيمية وهو من �أ�ساطني املذهب احلنبلي حني �سئل عن �أ�صول املذهب املالكي ومنزل الإمام مالك، ف�أملى ررحمة اهلل يف ذلك كتاباً م�ضمنه تف�ضيل مذهب الإمام مالك و�أهل املدينة و�سحة �أ�صوله ومثل هذا موقف الإمام ال�شاطبي ،حني تطرق �إىل بع�ض االجتهادات الفقهية التي تنتقد على احلنفية ويعابون بها عند غريهم فبعد �أن �شرحها �شرحاً رفيعاً ودافع عنها دفاعاً باهراً، ختم ذلك بقوله وهذه جملة مما ميكن �أن يقال يف اال�ستدالل على جواز التحليل يف امل�س�ألة و�أدلة اجلهة الأخرى يق�صد �أ�صحابه املالكية مقررة وا�ضحة �شهرية فطالعها يف موا�ضعها و�إمنا ق�صدهناهذاالتقريرالغريبلقلةالإطالععليه منكتب�أهله�،إذكتباحلنفيةكاملعدومةالوجود يف بالد املغرب وكذلك كتب ال�شافعية وغريهم من �أهل املذاهب ومع �أن اعتياد اال�ستدالل ملذهب واحد رمبا يك�سب الطالب نفوراً و�إنكاراً ملذهب غري مذهبه من غري �إطالع على م�أخذه فيورث ذلك حزازة يف الإعتقاد يف الأئمة الذين �أجمع النا�س على ف�ضائلهم وتقدمهم يف الدين وا�ضطالعهم مبقا�صد ال�شارع وفهم �أغرا�ضه وقد وجد هذا كثريا.
الأ�سا�سالثالث اتباعالنقلواال�ستعانةبالعقل. هذا الأ�سا�س من الأ�س�س ال�ضامنة للتوازن والو�سطية وال�سداد وخا�صة يف فهم الدين عقيدة و�شريعة ،وهذا الأ�سا�س مفاده ومقت�ضاه �أن فهم الدين والتعامل مع م�ضامينه ومعانيه، يتوقفان على املنقول واملعقول معاً وال ميكن اال�ستغناء ب�أحدهما وعن الآخر �أو �إلغاء �أحدهما بالآخر. وقد �صور الراغب اال�صفهاين عالقة العقل بال�شرع ت�صويراً بارعاً بقوله� :أعلم �أن العقل لن يهتدي �إال بال�شرع وال�شرع ال يتبني �إال بالعقل، فالعقل كالآ�س وال�شرع وكالبناء ولن يغني �أ�س ما مل يكن بناء ما مل يكن �أ�س ،و�أي�ضاً فالعقل كالب�صر وال�شرع كال�شعاع و�أن يغني الب�صر ما مل يكن �شعاع من خارج و�أن يغني ال�شعاع ما مل يكن ب�صر ،ولهذا قال تعاىلَ ( :يا �أَهْ َل ا ْل ِك َتابِ َق ْد ريا ممِّ َّ ا ُكن ُت ْم ُتخْ ُفو َن َجا َء ُك ْم َر ُ�سو ُل َنا ُي َبينِّ ُ َل ُك ْم َك ِث ً للهَّ ري َق ْد َجا َء ُكم م َِّن ا ِ مِ َن ا ْل ِك َتابِ َو َي ْع ُفو عَن َك ِث ٍ ُ للهَّ ُنو ٌر َ ِك َت ٌاب ُّم ِب ٌ ني ـ َيهْدِي ِب ِه ا م َِن ا َّت َب َع ر ِْ�ض َوا َن ُه ال�سال ِم َو ُيخْ ر ُِجهُم م ِِّن ُّ الظ ُل َماتِ �إِلىَ ال ُّنو ِر ُ�س ُب َل َّ ِب�إِ ْذ ِنهِ) .و�أي�ضاً فالعقل كال�سراج وال�شرع كالزيت الذي ميده ف�إن مل يكن زيت مل يح�صل ال�سراج و�إن مل يكن �سراج لن ي�ضيء زيت وعلى هذا نبه ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض َم َث ُل اهلل تعاىل( :اللهَّ ُ ُنو ُر َّ اج ٍة ُنو ِر ِه َكمِ ْ�ش َكا ٍة فِيهَا مِ ْ�ص َبا ٌح المْ ِْ�ص َبا ُح فيِ ُز َج َ اج ُة َك�أَ َّنهَا َك ْو َك ٌب ُدرِّيٌّ ُيو َق ُد مِ ن َ�ش َج َر ٍة ال ُّز َج َ ُّم َبا َر َك ٍة َز ْي ُتو َن ٍة اّل َ�ش ْر ِق َّي ٍة َوال َغ ْر ِب َّي ٍة َي َكا ُد َز ْي ُتهَا ُي ِ�ضي ُء َو َل ْو لمَ ْ تمَ ْ َ�س ْ�س ُه َنا ٌر ُّنو ٌر َعلَى ُنو ٍر َيهْدِي اللهَّ ُ ا�س َواللهَّ ُ ِل ُنو ِر ِه مَن َي َ�شاء َو َي ْ�ضر ُِب اللهَّ ُ الأَ ْم َثا َل لِل َّن ِ ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ٌم) .فال�شرع عقل من خارج وعقل من داخل وهما متعا�ضدان بل متحدان وهذا ال يعني �أبدا الت�سوية يف القيمة واملرتبة بني النقل والعقل �أو بني الوحي والر�أي فالعقل والنقل و�إن كانا معاً هبه من اهلل تعاىل وال ي�ستغنى ب�أحداهما عن الآخر ف�إن الوحي هو كلمة اهلل اخلال�صة وهدايته املبا�شرة� ،أما العقل فهو هبه من اهلل ولكن ي�ستعملها الإن�سان ويت�صرف بها وي�شكل من خاللها �إدراكاته زا�ستنتاجاته و�آراءه بح�سب درجته من التعقل والتعلم واال�ستقامة والنزاهة. فوظيفة العقل من النقل يحب فهم النقل
ويح�سن العمل به :فهو الذي يدرك دالالت ال�شرع و�إ�شارته ويربط جزئياته بكلياته وي�ستق�صي مقا�صده ومراميه وهو الذي ي�ضع �أحكام ال�شرع يف موا�ضعها ومناطاتها ويرفع عن النا�س خفاياها وم�شكالتها وهو الذي ينظر يف م�آالت الأفعال وتغري الأحوال وما يتبع ذلك من تغري يف الأحكام .. ا�ص ِ�ص ِ ويف تف�سري قوله تعاىلَ ( :و َل ُك ْم فيِ ا ْلق َ َح َيا ٌة َي ْا �أُ يِ ْ ول الأَ ْلبَابِ َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقو َن) قال الإمام الطربي :و�أما ت�أويل قوله ( َي ْا �أُ يِ ْ ول الأَ ْلبَابِ )، ف�إنه يا �أويل العقول والألباب جمع اللب ،واللب، العقل وخ�ص اهلل تعاىل ذكره باخلطاب �أهل العقول ،لأنهم هم الذين يعقلون عن اهلل �أمره ونهيه ويتدبرون �آياته وحججه دون غريهم. ولوال �أهمية العقل والتعقل يف ُح�سن الفهم لل�شرع و�سالمة العمل به ملا حث اهلل على تدبر كتابه وعلى التفقه يف دينه فمجرد حفظ الن�صو�ص ومعرفة �ألفاظها وطواهرها لي�س فقهاً( ،فرب حامل فقه �إىل من هو �أفقه منه ورب حامل فقه لي�س بفقيه )..والفرق بينهما يكمن يف وجود التدبر والتعقل عند �أحدهما، وعدمه �أو �ضعفه عند الآخر. فتمام العلم و�سداد الفقه �إمنا يكون بالتالحم والتوفق بني �صحيح املنقول و�صريح املعقول� ،أو كما قال الإمام الغزايل و�أ�شرف العلوم ما ازدوج فيهالعقلوال�سمع،و�أ�صطحبفيهالر�أيوال�شرع وعلم الفقه و�أ�صوله من هذا القبيل ف�إنه ي�أخذ من �صفو ال�شرع والعقل �سواء ال�سبيل فعلى هذا الأ�صل نتحا�شى غلو العقالنيني املنافقني لأدلة ال�شرع وغلو الظاهرين املجافني لأنوار العقل. الأ�سا�سالرابع اجلمع بني الكليات واجلزئيات. فمما ال خالف فيه وال غبار �أن الدين وال�شرع كليات وجزئيات �أو �أ�صول وفروع فكليات الدين دين وجزئيات الدين دين ،وبدون الكليات واجلزئيات معاً ال يبقى للدين حقيقة وال يكون له حتقق وبدون الفروع واجلزئيات يفقد الدين حتققه. فالكلياتال�شرعيةبدونجزئياتهاالتطبيقية الواردة معها تبقى جمرد نظريات و�شعارات قابلة للت�أويل والتعطيل ،واجلزئيات �إذا �أخذت
بدون كلياتها� ،أنفطر عقدها و�ضاع نظامها. ولذلك كما يقول ال�شاطبي فمن الواجب اعتبار تلك اجلزيئات بهذه الكليات عن �إجراء الأدلة اخلا�صةمنالكتابوال�سنةوالإجماعوالقيا�س�إذ حمال �أن تكون اجلزئيات م�ستغنية عن كلياتها، فمن �أخذ بن�ص مث ً ال يف جزئي معر�ضاً عن كليه فقد �أخط�أ وكما �أن من �أخذ باجلزئي معر�ضاً عن كليه فهو خمطئ كذلك من �أخذ بالكلي معر�ضاً عن جزئية ولتو�ضيح امل�س�ألة نقول على �سبيل املثال ملا كان القيام بالق�سط مق�صداً كلياً من مقا�صد ال�شريعة بل هو املق�صد اجلامع لكل ال�شرائع املنزلة لزم عند النظر يف جزئيات الأحكام املن�صو�صة �أو االجتهادية وخا�صة يف �أبواب املعامالت واملنازعات لزم �إ�ستح�ضار هذا املق�صد الكلي واحلر�ص على مراعاتها وحتقيقه فيها ،ومنع �إجراء الأحكام �أو تف�سريها على نحو يخل به ويناق�ضه كذلك ال ينبغي حمل �شعار الق�سط بدون تفا�صيله ال�شرعية الثابتة ب�إعتبارهامبينةمل�ضامينهوجمليةملعايريه. وهكذا يقال يف �سائر الكليات مع جزئياتها: كحفظال�ضرورياتاخلم�سورفعالعنتواحلرج وكمنع ال�ضرر وال�ضرار وجلب امل�صالح ودرء املفا�سد وك�إخراج املكلف عن داعيه هواه وحتقيق عبودتيه ملواله وكدرء اخل�صومات واملنازعات والفنت ما �أمكن وكبث مكارم الأخالق و�صيانتها من بر و�إح�سان وعفو وفاء وتوا�صل وتراحم.. فمثل هذه الكليات ال�شرعية القطعية ال بد من مراعاتها والتمكني لها يف كل فهم واجتهاد ويف كل تفريع وتطبيق كما ال بد من مراعاة ما ثبت من فروعها املن�صو�صة يف ال�شرع ال بديف كل م�س�ألة من �إعطاء الكلي حقه ومكانته الكلية، ومن �إعطاء اجلزئي حقه ومكانته اجلزئية من غري �إهدار �أو جتاهل لأي منهما. الأ�سا�ساخلام�س االرتباطبالأ�صلوالإت�صالبالع�صر. وهذا الأ�سا�س �شعاراً لدى بع�ض العلماء واملفكرين حتى �أتخذه املركز العاملي للو�سطية بالكويت ،وهو بدون �شك �أحد الأ�س�س ال�ضامنة للر�ؤيةالو�سطيةاملتوازنةاملتب�صرة. ف�أما االرتباط بالأ�صل يعني �أو ًال الإ�ستم�ساك بعقيدتناو�شريعتناومب�صدريهااخلالدينكتاب
اهلل عز وجل و�سنة نبيه �صلى اهلل عليه و�سلم. وهو �أي�ضاً التم�سك مبا �أجمعت عليه الأمة و�أئمتها وعلما�ؤها املعتربون وخا�صة من ال�صحابةوال�سلفاملتقدمني. وهو يعني االعتزاز برتاثنا العلمي واحل�ضاري وموا�صلة البناء عليه ،من خالل ا�ستدامةالتعاملمعهواال�ستمدادمن�إيجابياته ومزاياه. و�أما االت�صال بالع�صر فمعناه �أو ًال الوعي واملعرفة العلمية ب�أحوالنا وبذاتنا يف هذا الع�صر والوعي باملتغريات التي طر�أت على �أمتنا وجمتمعاتنا �سواء يف او�صاعنا االقت�صادية �أو االجتماعية �أو يف او�ضاعنا ال�سيا�سية والع�سكرية �أو يف او�ضاعنا الفكرية والثقافية �أو يف او�ضاعنا العلمية والإعالمية �أو يف حياتنا الفردية والأ�سرية. فات�صالنا بالع�صر يتمثل �أو ًال يف وعينا بع�صرنا نحن امل�سلمني �أي بتغرياتنا وم�ستحجداتنا الذاتية وهذا يقت�ضي �أن كل ما ي�صدر عنا من ت�شخي�ص وحتليل �أو تقومي وتقدير �أو اجتهاد و�إفتاء ،يجب �أن يكون مبنياً على حقيقة ما نحن عليه من �أحوال يف �أمتنا وواقعنا ولي�س بناء على ما تكون يف �أذهاننا عن �أ�سالفنا وما�ضينا وتاريخنا ففي واقعنا وبداخلنا اليوم متغريات كثرية وعميقة مل تكن من قبل منها ما هو �إيجابي منها ما هو �سلبي فيجب الوعي بكل ذلك وح�سن تقديره ومراعاته. وات�صالنا بالع�صر يعني ثانياً الوعي املماثل بالعامل املحيط بنا واملتداخل معنا مبا ميكن من ر�ؤيته ر�ؤية مو�ضوعية �صحيحة لي�س فيها �إفراطوالتفريط،ر�ؤيةت�ستوعبال�صورةكاملة، ب�أطرافهاو�سائرمكوناتهاوبجميع�ألوانها. والإت�صال بالع�صر يعني التفاعل معه ومع �أهله من غري امل�سلمني تفاع ً ال �إيجابياً م�ؤثراً وم�ستفيداً فعندنا الكثري مما نعطيه لع�صرنا ول�شعوب زماننا ،وعند غرينا �أي�ضاً الكثري مما نفتقده ونحتاج �إليه وال ف�ضا�ضة يف �أن نتعلم ون�ستفيدون�أخذمنغرينابلالف�ضا�ضةوالغلظ هما ترك ذلك وتفويته.
21
دراسا
ت إسالمية
22
أقصد بالجهاد القتالي :بذل الجهد عن طريق المدافعة أو القتال في حماية دار اإلسالم ودعوة اإلسالم ،ودين اهلل عز وجل -وإزالة الحواجز والعقبات من طريق الدعوةاإلسالمية؛ حتى تب ِّلغ كلمتها إلى العالم ،وردع المعتدين ومنعهم من األذى والفساد ،والدفاع عن المستضعفين ،و درء الفتنة(الحرابة ،الردة )...وم ْنع ْ الداخل والخا ِرج. البغي في َّ والجهاد القتالي نوع من أنواع الجهاد العام وباب من أبوابه الكثيرة ،ال يلجأ إليه إال في حاالت استنثائية ،وفق ضوابط شرعية.
الجهاد القتالي: ضوابطه ومقوماته
د.ر�شيد ُك ُهو�س
وعليه ،ف�إن جناح اجلهاد القتايل يتوقف على ان�ضباطه بال�ضوابط القر�آنية املذكورة يف كتاب اهلل تعاىل،وهي كالآتي: -1الإميان بكل �أركانه: �إن الإميان بكل �شروطه و�أركانه هو عقيدة امل�ؤمن ال�سليمة امل�ستمدة من وحي ال�سماء، هي رابطته ،وهي قومه ،وهي �أهله ،وهي كل �شيء ،عليها يجتمع الب�شر ،ال على ما جتتمع البهائم من كلأ ومرعى وقطيع و�سياج كما نرى يف احل�ضارة الغربية الغارقة يف �أوحال ال�شركيات. �إن الإميان بكل �أركانه �أو العقيدة ال�صحيحة هي �أهم �ضابط للجهاد ودعامته الرئي�سة؛ على �ضوئها ويف م�ضمارها يخطط املجاهد لعمله وفق ما حتدده العقيدة يف دائرتها ال خارجها .فالعقيدة �أو الإميان له ارتباط وثيق باجلهاد؛ ففي القر�آن الكرمي ما ذكر التحري�ض على اجلهاد �إال �سبقه ذكر الإميان والهجرة �إىل اهلل ،قال احلق تعاىل: ين �آ َم ُنوا َوا َّلذِ َ (�إِ َّن ا َّلذِ َ َاج ُروا َو َجا َهدُوا ين ه َ فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ �أُو َلئ َِك َي ْر ُجو َن َر ْح َمتَ اللهَّ ِ َواللهَّ ُ
َغ ُفو ٌر َرحِ ي ٌم) (.)1 وقال جل ثنا�ؤه�(:إِ َّن ا َّلذِ َ َاج ُروا ين �آ َم ُنوا َوه َ للهَّ َو َجا َهدُوا ِب�أَ ْم َوا ِل ِه ْم َو َ�أ ْن ُف�سِ ِه ْم فيِ َ�سبِيلِ ا ِ َوا َّلذِ َ ين �آ َو ْوا َو َن َ�ص ُروا �أُو َلئ َِك َب ْع ُ�ض ُه ْم �أَ ْو ِل َيا ُء َب ْع ٍ�ض َوا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا َولمَ ْ ُيهَاجِ ُروا مَا َل ُك ْم مِ نْ َو اَل َي ِت ِه ْم مِ نْ َ�ش ْي ٍء َح َّتى ُيهَاجِ ُروا َو�إِنِ ِّين َف َعلَ ْي ُك ُم ال َّن ْ�ص ُر �إِ اَّل َعلَى ْا�س َت ْن َ�ص ُرو ُك ْم فيِ الد ِ ُ للهَّ َق ْو ٍم َب ْي َن ُك ْم َو َب ْي َن ُه ْم مِ ي َث ٌاق َوا بمِ َا َت ْع َم ُلو َن ري) (. )2 َب ِ�ص ٌ وقال جل جاللهَ (:وا َّلذِ َ َاج ُروا ين �آ َم ُنوا َوه َ َ َو َجا َهدُوا فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ َوا َّلذِ َ ين �آ َو ْوا َون َ�ص ُروا �أُو َلئ َِك هُ ُم المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن َح ّقاً َل ُه ْم َم ْغ ِف َر ٌة َو ِر ْز ٌق َك ِرميٌَ ،وا َّلذِ َ َاج ُروا ين �آ َم ُنوا مِ نْ َب ْع ُد َوه َ َ ُ ُ ال ْر َحا ِم َو َجا َهدُوا َم َع ُك ْم َف�أو َلئ َِك مِ ْن ُك ْم َو�أو ُلوا ْ أ َب ْع ُ�ض ُه ْم �أَ ْولىَ ِب َب ْع ٍ�ض فيِ ِك َتابِ اللهَّ ِ �إِ َّن اللهَّ َ ِب ُكلِّ َ�ش ْي ٍء َعلِي ٌم) (.)3 وقال احلق �سبحانه( :ا َّلذِ َ َاج ُروا ين �آ َم ُنوا َوه َ َ َ َو َجا َهدُوا فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ ِب�أَ ْم َوا ِل ِه ْم َو�أ ْن ُف�سِ ِه ْم �أ ْع َظ ُم ِك م ا ْل َفائ ُزو َن)(.)4 َد َر َج ًة عِ ْن َد اللهَّ ِ َو�أُو َلئ َ هُ ُ ِ وقالاحلقجلتعظمتهوتقد�ستكلماته�(:إِنمَّ َ ا ذِين �آ َم ُنوا بِاللهَّ ِ َو َر ُ�سو ِل ِه ُث َّم لمَ ْ المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن ا َّل َ
َي ْر َتا ُبوا َو َجــا هـ ـ َ ُد وا ِبـ ـ َ ـ�أَ ْمـ ـ ـ َوا ِلـ ـ ـ ِه ـ ْم َو�أ ْن ُف�سِ ِه ْم فيِ ()5 ال�صا ِد ُقو َن) . َ�سبِيلِ اللهَّ ِ �أُو َلئ َِك هُ ُم َّ فنالحظ يف كل الآيات ال�سابقة تالزم الإميان والهجرة( )6واجلهاد يف �سبيل اهلل(،)7 وهي دعائم ثالث بها يكمل �إميان املرء. نعود -والعود �أحمد -حلديثنا عن العقيدة ال�صحيحة ،ولهذا فمنذ حلظات الفجر الأوىل ،كانت العقيدة بالن�سبة للإن�سان امل�سلم واجلماعة امل�سلمة مبثابة الدافع والهدف ..فهي حتركهم من الداخل بعطائها الدائم ومطالبها امل�ستمرة ،وهي تناديهم من اخلارج ليتحركوا �إىل الأهداف الكبرية التي جاء بها هذا الدين لكي يجعل العامل يتحقق بها ،فيكون عاملا جديرا بالإن�سان الذي كرمه اهلل (.)8 فالأ�سا�س الأول لهذا اجلهاد بكل �أبوابه هو التوحيد الذي جاء به الإ�سالم ليعيد �إليه �صفاءه الأول ،ولي�أخذ بيد النا�س �إىل ربهم، وليخرجهم من ظلمات ال�شركيات وكهوف العقائد املنحرفة ال�ضالة �إىل نور التوحيد والعقيدة ال�سليمة ليعبد النا�س ربهم الذي خلقهم والذين من قبلهم وال يجعلوا معه �أندادا ،يقول اهلل جل وعالُ ( :ق ْل هُ َو اللهَّ ُ ال�ص َمدُ ،لمَ ْ َي ِل ْد َولمَ ْ ُيو َلدَْ ،ولمَ ْ َي ُكنْ �أَ َحدٌ ،اللهَّ ُ َّ َل ُه ُك ُفواً �أَحدٌ)()9 َ � .إنها �أروع �صورة للعقيدة الإ�سالمية ال�صحيحة التي بها اهتدى النا�س �إىل �سبيل الر�شاد ،وبها تبو�أوا املكانة الرفيعة يف العامل قبل �أن يزيغوا عن جادة ال�صواب. �إنها الطاقة اخلالدة للمجاهدين يف �سبيل اهلل. ولهذا ،ف�إنه ما من خطوة يف تاريخ الب�شرية حررت العقل ،وكرمته ،وو�ضعته يف موقعه ال�صحيح كهذه اخلطوة :حتويل التوجه الإن�ساين من التعدد �إىل التوحيد ،ومن عبادة العباد �إىل عبادة اهلل وحده ،ومن ع�شق الأحجار والأ�صنام والتماثيل والأوثان �إىل حمبة ال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــق الــذي ال تل ـمــ�س ــه الأيدي وال
تراه ا لعيو ن (.)10 �إن العقيدة روح اجلهاد ،وما �أ�صاب الأمة الإ�سالمية اليوم من تخلف و�ص َغار ،ومن نكبة قا�صمة لظهرها، َ و َت َتايع()11 ُ اخلطوب عليها ،يرجع كل ذلك �إىل غيبة تلك الروح من ج�سد الأمة ،فت�ضع�ضع ذلك الكيان ،و�أ�صبحت الأمة خائرة جامدة متوعكة مري�ضة. �إن الإرادة القوية التي تهدف �إىل البناء هي التي خارت و�ضعفت ،ب�سبب الداء الع�ضال الذي �أ�صابها ؛ الداء الذي �أكل �أح�شاء الأمة ونخر كيانها ،ف�أ�صبحت ق�صعة توكل وتداعت عليها الأمم من �صهيونية حاقدة و�صليبية كافرة وعدو ال يرعى فيها �إ ًّال وال ذمة ،فنكل بها و�أفنى قوتها ،و�أزال ا�ستقاللها ،وفرق �شملها ،وزرع ال�شقاق يف �أر�ضها ،ومزقها �شر ممزق. �إن كل هذه الأدواء والأمرا�ض التي نراها يف جمتمعاتنا راجعة �إىل اختالل العقيدة روح اجلهاد يف �سبيل اهلل. -2وحدة الغاية: �إن الإميان الكامل والعقيدة ال�صحيحة ت�ستلزم �أن تكون غاية املجاهدين واحدة؛ هي القتال يف �سبيل اهلل ن�صرة لدينه وحمايته لدعوة الإ�سالم ،ال القتال للغنيمة وال ل�سمعة وال للدنيا ،خروج هلل ويف اهلل ،يجاهدون كالبنيان املر�صو�ص قلبا وقالبا .قال احلق جل ذكره(:ا ْن ِف ُروا خِ َفافاً َو ِث َقا ًال َو َجاهِ دُوا ِب�أَ ْم َوا ِل ُك ْم َو َ�أ ْن ُف�سِ ُك ْم فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ َذ ِل ُك ْم َخيرْ ٌ َل ُك ْم �إِنْ ُك ْن ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن)(� ،)12أي :ابذلوا جهدكم يف ذلك ،وا�ستفرغوا و�سعكم يف املال والنف�س، ويف هـذا دلـ ـ ـيـل عـ ـل ــى �أنـ ـ ـ ــه -ك ـ ـم ـ ــا يـ ـ ـج ـ ــب
اجلهاد يف النف�س -يجب اجلهاد يف املال، حيث اقت�ضت احلاجة ودعت لذلك. ثم قالَ ( :ذ ِل ُك ْم َخيرْ ٌ َلك ْمُ ِ�إنْ ُك ْن ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن)�أي :اجلهاد يف النف�س واملال ،خري لكم من التقاعد عن ذلك ،لأن فيه ر�ضا اللهّ تعاىل ،والفوز بالدرجات العاليات عنده ،والن�صر لدين اللهّ ،والدخول يف جملة جنده وحزبه (.)13 -3ال�صف املر�صو�ص: لأهمية وحدة ال�صف يف االنت�صار جعل اهلل �سبحانه وتعاىل �سورة قر�آنية با�سمه، وهي �سورة (ال�صف) .فال�صف املعوج ال يحقق ن�صرا وال عزا وال عدال ،وال�صف املعوج موهن للعزائم ،ممكن للعدو من الظفر ببغيته، ومبدد للقوى. فالتحام ال�صفوف ماديا ومعنويا ،والتحام الأج�ساد والقلوب� ،شرط �ضروري يف اجلهاد القتايل.يقول اهلل تبارك وتعاىل�(:إِ َّن اللهَّ َ يُحِ ُّب ا َّلذِ َ ين ُي َقا ِت ُلو َن فيِ َ�سبِي ِل ِه َ�ص ّفاً َك�أَ َّن ُه ْم ان مر�صو�ص) ()14 . ُب ْن َي ٌ َ ْ ُ ٌ والأمة لن حتقق هدفها �إال حني يكون �أبنا�ؤها كالبنيان املر�صو�ص وال ًء هلل،
23
دراسا
ت إسالمية
واعت�صاما به ،وكراهية للكفر و�أهله ،والظلم و�أعوانه ،يتح�صنون من �أ�سباب االخرتاق والبيع الرخي�ص ل�شرف الدعوة ،وكرامة املوقف واالن�ضمام لفريق �أعداء الإ�سالم الذين يكيدون له وميكرون بدعاته(.)15 -4التوكل على اهلل واالعتماد عليه: فال يغرت املجاهدون بكرثتهم ،وال ب�إعدادهم، وال يغرتوا ب�أنف�سهم� ،إذ االغرتار بالنف�س واالعتقاد يف الأ�سباب من �أبرز عوامل اخلذالن وم�سبباته ،فالن�صر من عند اهلل، ين�صر عباده املتوكلني عليه املعتمدين على ت�أييده ومدده ،قال اهلل عز ا�سمهَ (:ومَا ال َّن ْ�ص ُر ِيم)( ،)16واهلل اهلل �إِ اَّل مِ نْ عِ ْندِ اللهَّ ِ ا ْل َعزِي ِز الحْ َ ك ِ جل ذكره�( :إِنْ َي ْن ُ�ص ْر ُك ُم اللهَّ ُ َفال َغال َِب َل ُك ْم َو ِ�إنْ َيخْ ُذ ْل ُك ْم َف َمنْ َذا ا َّلذِ ي َي ْن ُ�ص ُر ُك ْم مِ نْ َب ْعدِ ِه َو َعلَى اللهَّ ِ َف ْل َي َت َو َّكلِ المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن) (.)17 ولنا يف غزوة حنني( )18خري دليل على من اغرت بعدده وعدته ،فقد �أعطى اهلل للم�سلمني در�سا قا�سيا حينما اعتمدوا على قوتهم وكرثتهم وعلى �أنف�سهم وعدتهم وعتادهم وقالوا :لن نغلب اليوم من قلة (.)19 ففر جل ذلك احل�شد الكبري ومل يبق مع النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إال فئة قليلة ثابتة ،متواكلة على اهلل تعاىل ،وتطهر ال�صف مما علق به من �ضعاف النفو�س الذين كانوا �سببا لت�أخر الن�صر ،فلما فر من فر منهم ،ومل تبق �إال فئة جماهدة �صادقة، خال�صة� ،أنزل اهلل ن�صره عليها ،ليبني لهم �أن الن�صر من عنده ،و�أن عليهم �أن يعدوا العدة ،وي�أخذوا بالأ�سباب لكن �أن ال يعتقدوا يف الأ�سباب ،بل يتوكلوا على م�سبب الأ�سباب �سبحانه وتعاىل ،قال احلق جل وعالُ (:ث َّم �أَ ْن َز َل اللهَّ ُ َ�سكِي َن َت ُه َعلَى َر ُ�سو ِل ِه َو َعلَى المْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني َو�أَ ْن َز َل ُج ُنوداً لمَ ْ َت َر ْوهَا َو َع َّذ َب ا َّلذِ َ ين َك َف ُروا َو َذل َِك َج َزا ُء ا ْل َكا ِفر َ ِين) (.)20 � -5إعداد القوة: وهي �سنة �إلهية يف الأخذ بالأ�سباب ،فالبد من �إعداد القوة ،والأخذ مما عند الأمم من علوم وتكنولوجيا وتطوير ال�سالح وغري ذلك من العوامل املادية التي تدخل يف �سنة �إعداد القوة. وعليه ،فواجب على �أمة اجلهاد �أن تعد ما ت�ستطيعه من قوة مادية لقتال �أعدائها ،قال اهلل تعاىلَ ( :و�أَعِ دُّ وا َل ُه ْم مَا ْا�س َت َط ْع ُت ْم مِ نْ اط الخْ َ ْيلِ ُت ْرهِ ُبو َن ِب ِه َع ُد َّو اللهَّ ِ ُق َّو ٍة َومِ نْ ِر َب ِ
24 ِين مِ نْ دُو ِن ِه ْم ال َت ْعلَ ُمو َن ُه ُم اللهَّ ُ َو َع ُد َّو ُك ْم َو� َآخر َ للهَّ َي ْعلَ ُم ُه ْم َومَا ُت ْن ِف ُقوا مِ نْ َ�ش ْي ٍء فيِ َ�سبِيلِ ا ِ ُي َو َّف �إِ َل ْي ُك ْم َو�أَ ْن ُت ْم ال ُت ْظلَ ُمو َن) (.)21 و�إىل جانب الإعداد املادي ،هناك �أنواعا �أخرى تندرج �ضمن �سنة الإعداد؛ �أ)-الإعداد الرتبوي� :إن �سنة الإعداد ال تقت�صر على القوة املادية فقط ،و�إمنا تت�ضمنها وتت�سع دائرتها فت�شمل التعبئة الروحية. ومما ال �شك فيه �أن التعبئة الروحية هي قوة واقعة نحو الثبات يف لقاء العدو والإقدام يف �شجاعة نحو حتقيق الن�صر. والتعبئة الروحية �إمنا ُت َث َّبتُ دعائمها ،وت�ؤتى ثمارها حينما يكون الهدف من اجلهاد وا�ضحا �سافرا (.)22 هذا ،ويت�ضمن الإعداد-الرتبوي وال�سلوكي- تقوية ال�صلة باهلل عز وجل ،و�إخال�ص النية له ،والتقرب له بالطاعات ،كما كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يربي �أ�صحابه يف مكة من �صالة الليل وذكر اهلل وتالوة القر�آن، والرتبية على الزهد يف الدنيا والتخفف منها ،والتطلع �إىل ما عند اهلل عز وجل من اجلنة والر�ضوان (.)23 ب) -الإعداد العلمي� :إن اجلهاد يف �سبيل اهلل ال يقوم على اجلهل ب�شرع اهلل ودينه، وما �أعده اهلل ملن يجاهد يف �سبيله ،ويذود عن حمى �سنة نبيه امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم ،بل البد ليكون اجلهاد تاما وكامال، �أن يكون على ب�صرية وعلى العلم والفقه ب�أحكامه وف�ضائله وغايته. ت) -الإعداد املايل :القوة املادية ع�صب احلياة الدنيا وقوامها ،وال�ضعيف فيها على مر الع�صور مقهور ال يح�سب له ح�ساب �إال يف ظل �شرع اهلل حني ُي َحكم �إليه. ولي�س معنى هذا جعل الدعوة �شركة جتارية؛ لكنه ينبغي االعتماد على الذات مبوارد ثابتة؛ وهذا من النفرة التي �أمرنا اهلل عز وجل ب�إعدادها ملواجهة الأعداء ون�شر الدين، واال�ستغناء عن مد يد اال�ستجداء (.)24 ث) -الإعداد الع�سكري :من �سالح وتدريب جنود ،...ورباط اخليل �إذ هو �أمن �أهم القوى احلربية ،واملرابطة يف الثغور... عن ُع ْق َب َة ْب َن عَامِ رٍ ر�ضي اهلل عنه َي ُق ُ ول: َ�سمِ ْعتُ َر ُ�سو َل اللهَّ ِ �صلى اهلل عليه و�سلم َوهُ َو ب َي ُق ُ ولَ ( :و�أَعِ دُّ وا َل ُه ْم مَا ْا�س َت َط ْع ُت ْم َعلَى المْ ِ ْن رَ ِ
مِ نْ ُق َّوةٍ)(�( )25أَ َال �إِ َّن ا ْل ُق َّو َة ال َّر ْم ُي� ،أَ َال �إِ َّن ا ْل ُق َّو َة ال َّر ْم ُي� ،أَ َال �إِ َّن ا ْل ُق َّو َة ال َّر ْم ُي)(.)26 ويف هذا احلديث ال�شريف �إ�شارة �إىل الرمي بهذه القنابل وال�صواريخ احلالية، و�أنها القوة احلقيقية ال غريها من كرثة اجلنود والأ�سلحة اخلفيفة ،ف�إن الرمي بهذه القنابل وال�صواريخ يكون بوا�سطة الطائرات، والدبابات الربية ،والبواخر احلربية البحرية وغريها مما ال تبقي وال تذر ،ويتوىل �شخ�ص واحد �أو اثنان ...قتل الألوف من الب�شر وتدمري مدن ب�أمتها ،فيجب على الدول الإ�سالمية –�إن وجدت� -أن يناف�سوا الكفار يف اتخاذ هذه الأ�سلحة املتطورة واملدمرة وي�صنعوها ب�أيديهم وال يكونوا عالة على غريهم وذلك لريهبوا بها �أعداء الإ�سالم والدين من �سائر الأمم وال�شعوب والأجنا�س، و�أن يتدربوا على جميع الأ�سلحة اخلفيفة والثقيلة وكل و�سائل احلرب واجلهاد (.)27 وعليه ،فعلى امل�سلم �أن ُيعد ال ُعدة وي�أخذ الأُهْ بة ،وي�شهر �سيف احلق وليقاوم الباطل، ويحمل معول التطهري ،ليهدم �صروح الت�أله يف الأر�ض ،ويثل عرو�ش الطغيان واال�ستكبار وير�سي دعائم احلرية للعقائد كلها (.)28 -6طاعة القائد: �إن عاقبة الع�صيان وخيمة وجزا�ؤه فظيع، ذلك �أن التنازع يف الأمر وع�صيان القائد ،من �أ�سباب الهزمية الكربى ،وما وقع للم�سلمني يوم �أحد نتيجة خمالفة �أمر قائدهم در�س بليغ للأمة املحمدية لتع�ض بنواجذها على الطاعة. فغزوة �أحد عربة ومتحي�ص للم�ؤمنني ليعلموا قدر الطاعة واتباع �أوامر النبوة، و�أن ال يركنوا �إىل الدنيا الفانية بل يطلبوا ما عند اهلل من النعيم املقيم والفوز اخلالد، كما بينت لهم هذه الغزوة �أن ال�سنة الإلهية التي غفلوا عنها ال حتابي �أحدا ولي�ست طوع يد �أحد ،فما كانت لرتحمهم لكونهم �صحابة م�ؤمنني ،فكيف ترحمنا ونحن م�شتتني وممزقني قطعا و�أ�شالء!! و�صدق اهلل الذي يخاطبنا مع�شر امل�سلمني بقولَ (:ق ْد َخلَتْ مِ نْ َق ْب ِل ُك ْم ُ�س نَ ٌ الَ ْر ِ�ض َفا ْن ُظ ُروا ريوا فيِ ْ أ ن َف�سِ ُ ني) ()29 َك ْي َف َكا َن عَا ِق َب ُة المْ ُ َك ِّذ ِب َ . و�إذا قارنا خمالفة �أولئك اجلنود القلة لأمر �أمريهم وقائدهم ب�أخطاء وخمالفات امل�سلمني اليوم -الذين يزيد عددهم عن 1,5
مليار ن�سمة ،-يف جميع النواحي ال�سيا�سية واالجتماعية وال�سيا�سية والأخالقية... ُ خل�سفت بنا الأر�ض من جراء ما اكت�سبت �أيدينا .ومع ذلك لطف اهلل بهذه الأمة ومل يعجل لها العذاب لعلها ت�ستيقظ من �سباتها، وتنه�ض من كبوتها ،وترجع �إليه ،فريفعها مقاما عليا وي�ستخلفها كما ا�ستخلف من �سبقها ب�إميان ومكن لهم يف الأر�ض. ويكفي ما نعي�شه يف واقعنا املعا�صر وما و�صل �إليه حال الأمة من الرتدي واالرتكا�س، وتكالب الأعداء عليها ،وخيانة �أبنائها ...لنتيجة لتلك املخالفات. �إنه واقع تتقطع منه الكبد ح�سرة و� ًأ�سى، نقف من خالله على مدى عدالة �سنة اهلل يف عباده ،و�أنه تبارك وتعاىل ال يظلم �أحدا ولكن النا�س �أنف�سهم يظلمون ،و�صدق اهلل: ( َف ْل َي ْح َذ ِر ا َّلذِ َ ين ُي َخا ِل ُفو َن َعنْ �أَ ْم ِر ِه �أَنْ ُت�صيبهم ف ْت َن ٌة �أَو ي�صيبهم ع َذاب �أَلِيم) ()30 ِ َُْ ِ ْ ُ ِ َُْ َ ٌ ٌ . وعلى هذا ،ف�إن الع�صيان والتنازع لي�س من �شيم حملة ر�سالة اجلهاد ومن �أخالقهم، خا�صة و�أنهم ميثلون خري �أمة �أخرجت للنا�س .قال جل وعالَ (:و�أَطِ ي ُعوا اللهَّ َ َوال َّر ُ�سو َل َل َع َّل ُك ْم ُت ْر َح ُمو َن) (.)31 -7ال�شورى: لأهمية ال�شورى يف الإ�سالم جند القر�آن الكرمي يح�ض امل�سلمني عليها ملا فيها من توحيد الكلمة وال�سالمة من اخلالف والتنازع ،يقول احلق جل ذكرهَ ( :و َ�شا ِو ْرهُ ْم الَ ْم ِر َف�إِ َذا َع َز ْمتَ َف َت َو َّك ْل َعلَى اللهَّ ِ �إِ َّن اللهَّ َ فيِ ْ أ ني)()32 يُحِ ُّب المْ ُ َت َو ِّك ِل َ . َ ً �شاورهم كان �أمرا ال جدال ل ُه وال ـ ـ ـ ــر�أْيُ بال ُّنـ ـ ــ�صـ ــح د َّوا ُر حمتك ٌم والعزم من ح�ضرة املختار ْ �إليه؛ �إن قال� :سريوا لل َو َغى �ساروا. ويقول احلق جل وعالَ ( :وا َّلذِ َ ين ْا�س َت َجا ُبوا َ ال�صال َة َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْين ُه ْم ِل َر ِّب ِه ْم َو�أَ َقامُوا َّ ()33 َوممِ َّ ا َر َز ْق َناهُ ْم ُي ْن ِف ُقو َن) َ ( ،و�أَ ْم ُرهُ ْم ) الديني والدنيوي ( ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم ) �أي :ال ي�ستبد �أحد منهم بر�أيه يف �أمر من الأمور امل�شرتكة بينهم ،وهذا ال يكون �إال فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وحتاببهم وكمال عقولهم� ،أنهم �إذا �أرادوا �أمرا من الأمور التي حتتاج �إىل �إعمال الفكر والر�أي فيها ،اجتمعوا لها وت�شاوروا وبحثوا فيها، حتى �إذا تبينت لهم امل�صلحة ،انتهزوها
وبادروها ،وذلك كالر�أي يف الغزو واجلهاد، وتولية املوظفني لإمارة �أو ق�ضاء� ،أو غريه، وكالبحث يف امل�سائل الدينية عموما ،ف�إنها من الأمور امل�شرتكة ،والبحث فيها لبيان ال�صواب مما يحبه اهلل ،وهو داخل يف هذه الآية (.)34 ولذلك ف�إن ال�شورى مبد�أ عظيم من مبادئ احلكم الإ�سالمي ،ولأهميته ومكانته �سمى القر�آن الكرمي �سورة با�سمه وهي (�سورة ال�شورى) ،وقد طبق النبي �صلى اهلل عليه و�سلم هذا املبد�أ يف غزوة بدر الكربى قبل خو�ض املعركة ،و�أثناءها وبعدها ،كتجديد مكان املعركة ،وحيال الأ�سرى. وطبق كذلك هذا املبد�أ يف غزوة �أحد()35 ، واخلندق( )36وباقي الغزوات ،كما �أخذ بر�أي �أم امل�ؤمنني �أم �سلمة( )37ر�ضي اهلل عنها يوم احلديبية( )38بعد ا�ست�شارتها(.)39 هذا ،ومن املعلوم �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كان هو القائد العام يف املعركة ،وكان مثال القائد الناجح ،ي�ست�شري �أ�صحابه، وي�أخذ بالآراء ال�سليمة ،ويتقدم قواته عند ال�ضرورة يف القتال ..وتولد عن ذلك ان�ضباط رائع يف �صفوف امل�سلمني ،وتقيد كامل بالتعليمات ،قابله انق�سام يف الر�أي يف �صفوف جي�ش امل�شركني (.)40 �إن ال�شورى هي الأ�صل لكل �أمر جامع للم�سلمني ،و�إن ال�شورى تربي ال�شعور بالوحدة ،وحتمل التبعة ،و�إنه بال�شورى يح�س كل واحد بحق اجلماعة عليه ،وحق الإ�سالم الذي �أوجبه يف غري �شطط ،وال جماوزة للحد ،فال�شورى كتب اهلل فيها التوفيق .واال�ستبداد �أيا كانت �صورته كتب اهلل فيه �إ�ضعاف النفو�س ،وف�ساد امل�آل ،وال ميكن �أن ينه�ض اال�ستبداد ب�أمر ال تنه�ض به ال�شورى (.)41 وعن احل�سن قال( :واهلل ما ا�ست�شار قوم قط �إال هدوا لأف�ضل ما بح�ضرتهم ثم تال: ( َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم)(.)43(»)42 -8الذلة: الذلة من �صفات امل�ؤمنني اخلا�شعني ،ومن �صفات الفئة امل�ؤمنة املن�صورة باهلل املجاهدة يف �سبيل اهلل ،قال احلق �سبحانهَ (:و َل َق ْد َن َ�ص َر ُك ُم اللهَّ ُ ِب َب ْد ٍر َو�أَ ْن ُت ْم �أَ ِذ َّل ٌة َفا َّت ُقوا اللهَّ َ َل َع َّل ُك ْم َت ْ�ش ُك ُرو َن)( ، )44فاهلل جعل الأ�شياء كامنة يف �أ�ضدادها ،فمن �أراد العز والن�صر فليتحقق
بالذل وامل�سكنة ،ومن �أراد الغنى فليتحقق بالفقر ،ومن �أراد الرفعة فليتحقق بال�ضعة و�إ�سقاط املنزلة ،ومن �أراد القوة فليتحقق فال�ضعف (.)45 وقال احلق جل يف عالهَ (:يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا َمنْ َي ْر َت َّد مِ ْن ُك ْم َعنْ دِي ِن ِه َف َ�س ْو َف َي ْ�أتِي اللهَّ ُ ِب َق ْو ٍم يُحِ ُّب ُه ْم َويُحِ ُّبو َن ُه �أَ ِذ َّل ٍة َعلَى المْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني �أَعِ َّز ٍة َعلَى ا ْل َكا ِفر َ ِين ُي َجاهِ دُو َن فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ َوال َي َخا ُفو َن َل ْو َم َة الئ ٍِم َذل َِك َف ْ�ض ُل اللهَّ ِ ُي�ؤْتِي ِه َمنْ َي َ�شا ُء َواللهَّ ُ َوا�سِ ٌع َعلِي ٌم) (� ،)46أي فهم للم�ؤمنني �أذلة من حمبتهم لهم ،ون�صحهم لهم ،ولينهم ورفقهم ور�أفتهم ،ورحمتهم بهم و�سهولة جانبهم ،وقرب ال�شيء الذي يطلب منهم وعلى الكافرين باهلل ،املعاندين لآياته، املكذبني لر�سله � -أعزة ،قد اجتمعت هممهم وعزائمهم على معاداتهم ،وبذلوا جهدهم يف كل �سبب يح�صل به االنت�صار عليهم (.)47 � -9شدة الب�أ�س يف القتال: وذلك لأن �إظهار القوة ،و�شدة الب�أ�س ترعب العدو ،ومتلأ كيانه رعبا وهلعا ،وذلك �أنه متى وجد اخلوف �سبيل �إىل قلوب املجاهدين انهارت قواهم ،وثبطت عزائمهم ،وفتحت منافذ الفرار واال�ست�سالم للعدو.قال اهلل تبارك وتعاىلَ (:ف ِ�إ َّما َت ْث َق َف َّن ُه ْم فيِ الحْ َ ْربِ َف َ�ش ِّر ْد ِب ِه ْم َمنْ َخ ْل َف ُه ْم َل َع َّل ُه ْم َي َّذ َّك ُرو َن) (،)48 �أي :ف�إما ت�صادفنهم وتظفرن بهم ففرق عن حماربتك ومنا�صبتك بقتلهم �شر قتلة والنكاية فيهم ،من وراءهم من الكفرة ، حتى ال يج�سر عليك بعدهم �أحد ،اعتباراً بهم واتعاظاً بحالهم (.)49 -10ال�صرب والتقوى: وعد اهلل تعاىل الفئة امل�ؤمنة ،ال�صابرة الثابتة ،بالن�صر والظهور ،قال اهلل �سبحانه بوا َو َت َّت ُقوا َو َي�أْ ُتو ُك ْم مِ نْ وتعاىلَ (:بلَى �إِنْ َت ْ�ص رِ ُ آالف مِ َن َف ْورِهِ ْم َه َذا يمُ ْدِ ْد ُك ْم َر ُّب ُك ْم ب َِخ ْم َ�س ِة � ٍ المْ َال ِئ َك ُة م َُ�سوِّمِ َ ني)(،)50وقال احلق جل وعال: ( َل ُت ْبلَ ُو َّن فيِ �أَ ْم َوا ِل ُك ْم َو�أَ ْن ُف�سِ ُك ْم َو َل َت ْ�س َم ُعنَّ مِ َن اب مِ نْ َق ْب ِل ُك ْم َومِ َن ا َّلذِ َ ا َّلذِ َ ين ين �أُو ُتوا ا ْل ِك َت َ َ بوا َو َت َّت ُقوا َف�إِ َّن �أَ ْ�ش َر ُكوا �أذىً َكثِرياً َو�إِنْ َت ْ�ص رِ ُ َذل َِك مِ نْ َع ْز ِم ْ أ الُمُورِ)(� ،)51أي� :إن ت�صربوا على ما نالكم يف �أموالكم و�أنف�سكم ،من االبتالء واالمتحان وعلى �أذية الظاملني، وتتقوا اهلل يف ذلك ال�صرب ب�أن تنووا به وجه اهلل والتقرب �إليه ،ومل تتعدوا يف �صربكم احلد ال�شرعي من ال�صرب يف مو�ضع ال يحل
25
دراسا
ت إسالمية
لكم فيه االحتمال ،بل وظيفتكم فيه االنتقام من �أعداء اهلل(.ف�إن ذلك من عزم الأمور) �أي :من الأمور التي يعزم عليها ،ويناف�س فيها ،وال يوفق لها �إال �أهل العزائم والهمم العالية (.)52 بوا ِ�إ َّن اللهَّ َ َم َع وقال جل جاللهَ ( :و ْ ا�ص رِ ُ ال�صا ِبر َ ِين) ( )53و�أي ف�ضل لل�صرب �أبلغ من َّ �إثبات معية اهلل مع ال�صابرين. ب ُي ْب َنى ُّ َ كل جمدٍ و ُي ْرت َقى "وبال�ص رْ ِ َّ كل �صعب من الأمر"()54 ُّ ُ و ن ع ي وبال�صرب . َ ْ َْ ويف هذا ال�صدد �أ�سوق و�صية غالية من �أمري امل�ؤمنني الفاروق عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه �إىل قائد جي�شه �سعد بن �أبي وقا�ص()55 ر�ضي اهلل عنه ،الذي �أر�سله لفتح القاد�سية ( )56ي�أمره ومن معه بتقوى اهلل وطاعته، يقول يف الو�صية�« :أما بعد ،ف�إين �آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى اهلل على كل حال ،ف�إن تقوى اهلل �أف�ضل العدة على العدو، و�أقوى املكيدة يف احلرب .و�آمرك ومن معك �أن تكونوا �أ�شد احرتا�ساً من املعا�صي منكم من عدوكم ،ف�إن ذنوب اجلي�ش �أخوف عليهم من عدوهم .و�إمنا ين�صر امل�سلمون مبع�صية عدوهم هلل ،ولوال ذلك مل تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا لي�س كعددهم ،وال عدتنا كعدتهم، ف�إن ا�ستوينا يف املع�صية كان لهم الف�ضل علينا يف القوة ،و�إال نن�صر عليهم بف�ضلنا مل نغلبهم بقوتنا .واعلموا �أن عليكم يف م�سريكم حفظة من اهلل يعلمون ما تفعلون ،فا�ستحيوا منهم ،وال تعملوا مبعا�صي اهلل و�أنتم يف �سبيل اهلل ،وال تقولوا �إن عدونا �شر منا فلن ي�سلط علينا و�إن �أ�س�أنا ،فرب قوم قد �سلط عليهم �شر منهم كما �سلط على بني �إ�سرائيل، ملا عملوا مب�ساخط اهلل ،كفار املجو�س فجا�سوا خالل الديار وكان وعداً مفعو ًال .وا�س�ألوا اهلل العون على �أنف�سكم ،كما ت�س�ألونه الن�صر على عدوكم» (.)57 فال�صرب �إذن�،ضروري لكل تواق للمعايل يريد الو�صل �إىل هدفه وغايته ،كما �أن التقوى هي ال�سالح الأقوى ،وهي الزاد ،وبها املعاد ،زاد مبلغ ،ومعاد مُنجِ ٌح ،دعا �إليها �أ�سمع داع ،ووعاها خري واع ف�أ�سمع داعيها ،وفاز واعيها". فتقوى اهلل عز وجل "مفتاح �سداد ،وذخرية معاد ،وعتق من كل َملَ َكةٍ ،وجناة من كل هلكة ،بها ينجح الطالب ،وينجو الهارب،
26 وتنال الرغائب". وهلل در القائل" :ال�صرب �أجد ُر يف ُ اخلطوبِ و�أليق واحلزم �أوفق بالنفو�س و�أرفق واحل ّر؛ ي�أبى �أن مييل مع الهوى وبغري تقوى اهلل؛ ال يتعلـق"(.)58 -11ذكر اهلل تعاىل والثبات يف امليدان وعدم تولية الأدبار: �إن اهلل تعاىل �أمرنا بالإكثار من ذكره عند لقاء العدو و�أثناء القتال ،فقال عز من قائل: ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا ِ�إ َذا َلقِي ُت ْم ِف َئ ًة َفا ْث ُب ُتوا وا ْذ ُكروا اللهَّ َ َكثِرياً َلع َّل ُكم ُت ْفلِحو َن)()59 ؛ ُ َ ْ َ ُ "�أراد �إذا لقيتم فئ ًة من امل�شركني فاثبتوا. ُ والثبات �إمنا يكون بقوة القلب و�شدة اليقني، وال يكون ذلك �إال لنفاذ الب�صرية ،والتحقق باهلل ،و�شهود احلادثات كلها مِ ْنهُ ،فعند ذلك ي�ست�سلم اهلل ،وير�ضى بحكمه ،ويتوقع منه ُح ْ�س َن الإعانة ،ولهذا �أحا َلهم على الذكر فقالَ ( :وا ْذ ُك ُروا َ ريا) . اهلل َك ِث ً ويقال �إ َّن جمي َع اخلرياتِ يف ثبات القلب، وبه َت ِب ُ ني �أقدا ُر الرجالِ "(.)60 ذلك �أن الثبات يف امليدان وذكر اهلل تعاىل من طبيعته �أنه ي�شل عزائم الأعداء ويفل من عدوانهم ،و ُييئ�س العدو من الن�صر والظفر ،وبذلك تنهار قواهم ،ويف�ضلوا الفرار والنكو�ص على املقاومة والقتال. ف�أ�صحاب العقيدة ال ينك�صون �أمام ال�صعاب، وال يولون الأدبار ،قال اهلل جلت عظمتهَ (:يا ين َك َف ُروا َز ْحفاً ين �آ َم ُنوا ِ�إ َذا َلقِي ُت ُم ا َّلذِ َ �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ َ ال ْد َبا َر َو َمنْ ُي َو ِّل ِه ْم َي ْو َمئِذٍ ُد ُب َر ُه َفال ُت َو ُّلوهُ ُم ْ أ َ �إِ اَّل ُم َت َح ِّرفاً ِل ِق َتالٍ �أ ْو ُم َت َح ِّيزاً �إِلىَ ِف َئ ٍة َف َق ْد َبا َء ري) ِب َغ َ�ضبٍ مِ َن اللهَّ ِ َو َم�أْ َوا ُه َج َه َّن ُم َو ِب ْئ َ�س المْ َ ِ�ص ُ (.)61 ونلمح من هذه الآية الكرمية� ،أن اهلل تعاىل ي�أمر بالثبات عند قتال الأعداء وال�صرب على مبارزتهم ،فال يفروا وال ينكلوا وال يجبنوا، و�أن يذكروا اهلل يف تلك احلال وال ين�سوه ،بل ي�ستعينوا به ويتوكلوا عليه وي�س�ألوه الن�صر على �أعدائهم (.)62 عن َع ْب ُد اللهَّ ِ ْب ُن �أَبِي �أَ ْو َفى ر�ضي اهلل عنه، قال النبي �صلى اللع عليه و�سلمَ ( :يا �أَ ُّيهَا ا�س! َال َت َت َم َّن ْوا ِل َقا َء ا ْل َع ُد ِّو َو ْا�س�أَ ُلوا اللهَّ َ ال َّن ُ بوا َو ْاعلَ ُموا �أ َّنَ ا ْل َعا ِف َي َةَ ،ف�إِ َذا َلقِي ُت ُموهُ ْم َف ْ ا�ص رِ ُ ال ال�سيوف)()63 الجْ َ َّن َة تحَ ْتَ ظِ َ لِ ُّ ُ ِ . وعليه؛ فذكر اهلل تعاىل والثبات يف امليدان هما من الأكرب الأ�سباب املعنوية �أو الروحية
للفالح والفوز واالنت�صار يف املعركة يف الدنيا، ثم نيل الثواب اجلزيل يف الآخرة. -12اتقاء الأ�شر والبطر ومراءاة النا�س: فالأ�شر( )64والبطر ()65 من العراقيل التي تعرقل م�سرية املجاهدين ،ومن العقبات الكبرية يف طريق الن�صر ،ويف هذا يقول احلق �سبحانه وتعاىلَ ( :وال َت ُكو ُنوا َكا َّلذِ َ ين َخ َر ُجوا ا�س َو َي ُ�صدُّ و َن َعنْ مِ نْ ِد َيارِهِ ْم َب َطراً َو ِر َئا َء ال َّن ِ يط) ()66 َ�سبِيلِ اللهَّ ِ َواللهَّ ُ بمِ َا َي ْع َم ُلو َن محُ ِ ٌ . والآية الكرمية نزلت يف امل�شركني حني �أقبلوا �إىل بدر ولهم بغي وفخر"()67؛ �أي :ال تكونوا ككفار قري�ش الذين خرجوا �إىل غزوة بدر الذين خرجوا من ديارهم "لق�صد الأ�شر والبطر يف الأر�ض ،ولرياهم النا�س ويفخروا لديهم .واملق�صود الأعظم �أنهم خرجوا لي�صدوا عن �سبيل اللهّ من �أراد �سلوكه، ( َواللهَّ ُ بمِ َا َي ْع َم ُلو َن محُ ِ ٌ يط) فلذلك �أخربكم مبقا�صدهم ،وحذركم �أن ت�شبهوا بهم ،ف�إنه �سيعاقبهم على ذلك �أ�شد العقوبة. للهّ فليكن ق�صدكم يف خروجكم وجه ا تعاىل و�إعالء دين اللهّ ،وال�صد عن الطرق املو�صلة �إىل �سخط اللهّ وعقابه ،وجذب النا�س �إىل �سبيل اللهّ القومي املو�صل جلنات النعيم (.)68 ولذلك كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يتعوذ من الأ�شر والبطر ،ويعلم �أمته كيف تتعوذ منهما ،ف َعنْ �أَبِي َ�سعِيدٍ الخْ ُ ْدرِي ر�ضي اهلل عنه َقا َلَ :قا َل َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ �صلى اهلل عليه ال�ص َ ال ِة َف َقا َل و�سلمَ ( :منْ َخ َر َج مِ نْ َب ْي ِت ِه �إِلىَ َّ ال�سا ِئ ِل َ ني َعلَ ْي َك، :ال َّل ُه َّم �إِنيِّ �أَ ْ�س�أَ ُل َك ب َِح ِّق َّ َو�أَ ْ�س�أَ ُل َك ب َِح ِّق ممَ ْ َ�شاي َه َذا ،ف�إين لمَ ْ �أَ ْخ ُر ْج �أَ َ�ش ًرا َو َال َب َط ًراَ ،و َال ِر َيا ًء َو َال ُ�س ْم َع ًةَ ،و َخ َر ْجتُ ا ِّت َقا َء ُ�سخْ طِ َكَ ،وا ْب ِت َغا َء َم ْر َ�ضات َِكَ ،ف َ�أ ْ�س�أَ ُل َك َ�أنْ ُتعِي َذنيِ مِ َن ال َّنا ِر َو�أَنْ َت ْغ ِف َر يِل ُذ ُنوبِي� ،إِ َّن ُه َال َي ْغ ِف ُر ُّ وب �إِ َّال �أَنْتَ � -أَ ْق َب َل اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه ِب َو ْج ِههِ، الذ ُن َ ف ملَك)()69 َ َ ْ َ َ َو ْا�س َت ْغ َف َر ل ُه َ�س ْب ُعون �أل َ ٍ . فيتح�صل من كل ما �سبق ذكره من َّ ال�ضوابط؛ �أن امل�ستجمع لها من امل�ستبعد جدا �أن ي�صاب يف وقت من �أوقاته بالتخاذل �أو ال�ضعف �أو الوهن ،وذلك لأنه على يقني ب�أن اهلل معه وممده بعونه وحفظه ،ووعده لل�صادقني املخل�صني املجاهدين يف �سبيله حق ،فهو منجز وعده ونا�صر ملن ن�صر دينه كما قال �سبحانه وتعاىلَ ( :يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا �إِنْ َت ْن ُ�ص ُروا اللهَّ َ َي ْن ُ�ص ْر ُك ْم َو ُي َث ِّبتْ
�أَ ْقدَا َم ُك ْم) (.)70 من �أجل ذلك ترتفع روحانية املقاتلني يف �سبيل اهلل وقوتهم بن�سبة ما وقر يف قلوبهم من الإميان وال�صرب والتقوى ،وال�صدق مع اهلل ،والثبات يف �ساحة الوغى ،حتى يكون الواحد منهم كف�ؤاً للع�شرة من العدو يف احلد الأعلى ،وكف�ؤاً الثنني من العدو يف احلد الأدنى ،كما �أخرب �سبحانه وتعاىل يف �سنته يف الغلبة واالنت�صارَ (:يا �أَ ُّيهَا ال َّنب ُِّي َح ِّر ِ�ض المْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني َعلَى ا ْل ِق َتالِ ِ�إنْ َي ُكنْ مِ ْن ُك ْم عِ ْ�ش ُرو َن َ�صا ِب ُرو َن َي ْغ ِل ُبوا مِ ا َئ َتينْ ِ َو�إِنْ َي ُكنْ مِ ْن ُك ْم مِ ا َئ ٌة َي ْغ ِل ُبوا �أَ ْلفاً مِ َن ا َّلذِ َ ين َك َف ُروا ِب�أَ َّن ُه ْم َق ْو ٌم ال ال َن َخ َّف َف اللهَّ ُ َع ْن ُك ْم َو َع ِل َم �أَ َّن فِي ُك ْم َي ْف َقهُو َن ْ ،آ َ�ض ْعفاً َف ِ�إنْ َي ُكنْ مِ ْن ُك ْم مِ ا َئ ٌة َ�صا ِب َر ٌة َي ْغ ِل ُبوا مِ ا َئ َتينْ ِ َو ِ�إنْ َي ُكنْ مِ ْن ُك ْم �أَ ْل ٌف َي ْغ ِل ُبوا �أَ ْل َفينْ ِ ِب ِ�إ ْذنِ ال�صا ِبر َ ِين) (. )71 اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َم َع َّ وخال�صة القول :ال جناة �إال يف اتباع امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم يف احلر�ص على ت�صحيح النية واالجتاه ،ويف االعتماد على اهلل تعاىل قبل االعتماد على ال َعدد وال ُعدد .ثم يف تطبيق �أحكام القتال وال�سلم لكيال يكون قتاال جاهليا ،ثم ا�ستيحاء الرجولة وال�شهادة وال�شجاعة التي برزت يف �صفوف املهاجرين والأن�صار ويف �شخ�ص الر�سول امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم. الهوام�ش : (� )1سورة البقرة.218: (� )2سورة الأنفال.72: (� )3سورة الأنفال.75-74: (� )4سورة التوبة.20: (� )5سورة احلجرات.15: ( )6الهجرة املطلوبة منا اليوم؛ هي �أن نهاجر ما حرم اهلل تعاىل علينا� ،أن نهاجر من ال�صحبة ال�سيئة �إىل ال�صحبة ال�صاحلة� ،أن نفر من عذاب اهلل �إىل رحمة اهلل� ،أن نهاجر �أهواءنا وطموحاتنا �إىل اتباع كتاب ربنا و�سنة نبينا عليه ال�صالة وال�سالم و�إىل �شريعته الغراء. ( )7اجلهاد املق�صود لي�س اجلهاد القتايل فقط ،بل اجلهاد مبفهومه ال�شامل ،الذي يعني :كل و�سائل احلركة املتاحة و�سط الأمة ابتداء من جهاد النف�س وجهاد املال ثم جهاد الأعداء واخل�صوم باحلجة الدامغة ...انتهاء بجهاد لبناء ما تهدم من كيان الأمة. ( )8حول �إعادة كتابة التاريخ الإ�سالمي ،د.عماد الدين خليل، �ص.72 (� )9سورة الإخال�ص. ( )10مدخل �إىل احل�ضارة الإ�سالمية ،د.عماد الدين خليل، �ص.18 ( )11تتابعت امل�صائب على فالن" :نقول تتايعت (بالياء) لأن التتابع خمت�ص باخلري وال�صالح� ،أما التتايع فهو خمت�ص بال�شر واملنكر" .انظر :تقومي الل�سانني (خمطوط) ،لل�شيخ الأديب �أحمد حدادي. (� )12سورة التوبة.41:
( )13تف�سري ال�سعدي� ،ص.338 (� )14سورة ال�صف.4: (" )15بني املداراة واملراءاة" ،افتتاحية جملة الفرقان الأردنية� ،إبراهيم زيد الكيالين ،ال�سنة ال�سابعة ،العدد،57 رم�ضان1427هـ-ت�شرين �أول2006م� ،)7-6( ،ص.7 (� )16سورة �آل عمران :من الآية.126 (� )17سورة �آل عمران.160: ( )18حنني :هو واد قريب من الطائف ،بينه وبني مكة ب�ضعة ع�شر ميال .معجم ما ا�ستعجم .471/2 ،مرا�صد االطالع، كتاب احلاء .432/1معجم البلدان ،باب احلاء والنون حرف احلاء .313/2 ( )19اجلهاد والن�صر ،ال�شيخ عبد احلليم حممود� ،ص.65 (� )20سورة التوبة.26: (� )21سورة الأنفال.60: ( )22اجلهاد والن�صر ،ال�شيخ عبد احلليم حممود� ،ص.63-62 ( )23منهج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف الدعوة ،د.حممد �أحمزون� ،ص.46 ()24منهج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف الدعوة� ،ص.47 (� )25سورة الأنفال :من الآية.60 (� )26صحيح م�سلم ،كتاب الإمارة ،باب ف�ضل الرمي واحلث عليه ،وذم من علمه ثم ن�سيه ،ح� .4946سنن الرتمذي ،كتاب تف�سري القر�آن ،باب ومن �سورة الأنفال ،ح � .3083سنن ابن ماجه ،كتاب اجلهاد ،باب الرمي يف �سبيل اهلل ،ح.2813 ( )27اجلواهر واللآلئ امل�صنوعة يف تف�سري القر�آن العظيم بالأحاديث ال�صحيحة املرفوعة ،ال�شيخ عبد اهلل التليدي، .382/1 (� )28شمول الإ�سالم ،ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي� ،ص.99 (� )29سورة �آل عمران.137: (� )30سورة النور :من الآية.63 (� )31سورة �آل عمران.132: (� )32سورة �آل عمران :من الآية.159 (� )33سورة ال�شورى.38: ( )34تف�سري ال�سعدي� ،ص.759 ( )35انظر :املغازي النبوية ،حممد بن م�سلم بن عبيد اهلل ابن �شهاب الزهري� ،ص .76حممد ر�سول احلرية ،عبد الرحمن ال�شرقاوي� ،ص.216-215 ( )36انظر :ال�شورى يف معركة البناء� ،ص.94-93 ( )37هي� :أم �سلمة بنت �أبي �أمية بن املغرية بن عبد اهلل بن عمرو بن خمزوم القر�شية املخزومية �أم امل�ؤمنني؛ ا�سمها هند وقال �أبو عمر يقال ا�سمها رملة ولي�س ب�شيء وا�سم �أبيها حذيفة وقيل �سهيل ويلقب زاد الركب ،و�أمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك الكنانية من بني فرا�س وكانت زوج بن عمها �أبي �سلمة بن عبد الأ�سد بن املغرية فمات عنها ،فتزوجها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف جمادى الآخرة �سنة �أربع وقيل �سنة ثالث ،وكانت ممن �أ�سلم قدميا هي وزوجها وهاجرا �إىل احلب�شة فولدت له �سلمة ثم قدما مكة وهاجرا �إىل املدينة فولدت له عمر ودرة وزينب. قال الواقدي ماتت يف �شوال �سنة ت�سع وخم�سني و�صلى عليها �أبو هريرة وقال بن حبان ماتت يف �آخر �سنة �إحدى و�ستني بعد ما جاءها نعي احل�سني بن علي وقال بن �أبي خيثمة توفيت يف �إمارة يزيد بن معاوية قلت وكانت �إمارته يف �أواخر �سنة �ستني، وقال �أبو نعيم ماتت �سنة اثنتني و�ستني وهي من �آخر �أمهات امل�ؤمنني موتا قلت بل هي �آخرهن موتا" .الإ�صابة يف متييز ال�صحابة ،ترجمة رقم.221/8 ،12061: ( )38احلديبية :هي قرية متو�سطة لي�ست بالكبرية �سميت ببئر هناك عند م�سجد ال�شجرة التي بايع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم حتتها .معجم البلدان ،باب احلاء والدال حرف احلاء.229/2 ، و�سميت الغزوة باحلديبية لأن قري�شا منعت امل�سلمني من دخول مكة وهم يف احلديبية .املجتمع املدين يف ع�صر النبوة، �أكرم �ضياء العمري.127/2 ، ( )39انظر :ال�سمط الثمني يف مناقب �أمهات امل�ؤمنني ،حمب الدين الطربي� ،ص .139تراجم �سيدات بني النبوة ر�ضي اهلل عنهن ،عائ�شة عبد الرحمن (بنت ال�شاطئ)� ،ص.275 ( )40قيادة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ال�سيا�سية والع�سكرية� ،أحمد راتب عمرو�ش� ،ص.50 ( )41الوحدة الإ�سالمية ،الإمام �أبو زهرة� ،ص.249
(� )42سورة ال�شورى :من الآية.38 ( )43الأدب املفرد ،الإمام البخاري ،باب امل�شورة ،ح،258 �ص.78 (� )44سورة �آل عمران.123: ( )45البحر املديد يف تف�سري القر�آن املجيد ،ال�شيخ ابن عجيبة.367/1 ، (� )46سورة املائدة.54: ( )47تف�سري ال�سعدي� ،ص.235 (� )48سورة الأنفال.57: ( )49تف�سري الك�شاف ،للزخم�شري� ،ص .417 (� )50سورة �آل عمران.125: (� )51سورة �آل عمران.186: ( )52تف�سري ال�سعدي� ،ص.160 (� )53سورة الأنفال :من الآية.46 ( )54البيت لأحمد �سحنون ذكره عبد الفتاح �أبو غدة، يف كتابه� :صفحات من �صرب العلماء على �شدائد العلم والتح�صيل ،لل�شيخ عبد الفتاح �أبو غدة� ،ص.15 ( )55هو� :سعد بن مالك بن �أهيب ويقال له بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كالب القر�شي الزهري �أبو �إ�سحاق بن �أبي وقا�ص� ،أحد الع�شرة و�آخرهم موتا ،و�أمه حمنة بنت �سفيان بن �أمية بنت عم �أبي �سفيان بن حرب بن �أمية روى عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كثريا روى عنه بنوه �إبراهيم وعامر وم�صعب وعمر وحممد وعائ�شة ومن ال�صحابة عائ�شة وابن عبا�س وابن عمر وجابر بن �سمرة ومن كبار التابعني �سعيد بن امل�سيب و�أبو عثمان النهدي وقي�س �أي �أبي حازم وعلقمة والأحنف و�آخرون .وكان �أحد الفر�سان وهو �أول من رمى ب�سهم يف �سبيل اهلل ،وهو �أحد ال�ستة �أهل ال�شورى .وقال عمر �إن �أ�صابته الإمرة فذاك و�إال فلي�ستعن به الوايل وكان ر�أ�س من فتح العراق وويل الكوفة لعمر وهو الذي بناها ثم عزل ووليها لعثمان وكان جماب الدعوة م�شهورا بذلك مات �سنة �إحدى وخم�سني وقيل �ست وقيل �سبع وقيل ثمان والثاين �أ�شهر وقد قيل �إنه مات �سنة خم�س وقيل �سنة �أربع" .الإ�صابة، ترجمة رقم.73/3 ،3196 : ( )56القاد�سية :مو�ضع �شرقي نهر الفرات جنوبي الكوفة، على �سيف ال�صحراء ،جرت فيه معركة القاد�سية 14هـ. ( )57العقد الفريد ،ال�شيخ �أحمد بن حممد بن عبد ربه الأندل�سي.117/1 ، ( )58من ق�صيدة ":نفثة الوجد والغرام" ملحمد بن حممد املبارك اجلزائري يف رثائه للأمري عبد القادر اجلزائري ،من كتاب :حتفة الزائر يف تاريخ اجلزائر والأمري عبد القادر، حممد بن عبد القادر اجلزائري� ،شرح تعليق :ممدوح حقي، .889/2 (� )59سورة الأنفال.45: ( )60تف�سري الق�شريي.317/2 ، (� )61سورة الأنفال.16-15: ( )62تف�سري القر�آن العظيم ،للحافظ بن كثري.319/2 ، (� )63صحيح م�سلم ،كتاب اجلهاد وال�سري ،باب كراهة متني لقاء العدو ،واملر بال�صرب عند اللقاء ،ح.1742 ( )64الأ�شر�( :أَ َ�ش ًرا) فهو (�أَ�شِ ٌر) من باب تعب بَطِ َر وكفر النعمة فلم ي�شكرها .والأ�شر املتكرب.امل�صباح املنري ،كتاب الألف مادة �أ�شر� ،ص .14التحفة ال ُقليبية يف حل احلمولية يف غريب القر�آن الكرمي ،مو�سى ال ُقليبي ال ُع َمري املالكي� ،ص.32 ( )65البطرُّ : الطغْيان عند ال ّن ْعمة ُ وطولِ ا ْل ِغ َنى .النهاية يف غريب احلديث والأثر� ،أبو ال�سعادات املبارك بن حممد اجلزري ،باب الباء مع الطا ،مادة :بطر. ( )66تف�سري البغوي.366-365/3 ، (� )67سورة الأنفال.47 : ( )68تف�سري ال�سعدي� ،ص.322 (� )69سنن ابن ماجه ،كتاب امل�ساجد واجلماعة ،باب امل�شي �إىل ال�صالة ،ح .778قال املنذري" :رواه ابن ماجه ب�إ�سناد فيه مقال وح�سنه �شيخنا احلافظ �أبو احل�سن رحمه اهلل" الرتغيب والرتهيب ،ح .305-304/2 ،2486 (� )70سورة حممد.7: (� )71سورة الأنفال.66-65 :
�أ�ستاذ بكلية �أ�صول الدين جامعة القرويني املغرب
27
مقاالت
ال وسطية
28
الحمد هلل الذي خلق السموات واألرض ،وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ،وأشهد أال إله إال اهلل ،وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ،صلوات بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد. اهلل وسالمه عليه ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،ومن تبعهم ٍ
االنتصار لرسول اهلل بالحجة والبرهان
الزبري حممد علي
يقول اهلل تعاىل يف حمكم تنزيله: ( َل َق ْد َجا َء ُك ْم َر ُ�س ٌ ول مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم َعزِي ٌز ِي�ص َعلَ ْي ُك ْم ِبالمْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني َعلَ ْي ِه مَا َع ِن ُّت ْم َحر ٌ َر�ؤُ ٌ وف َرحِ ي ٌم) التوبة ،)128(:وعن ر�سالته قالَ (:ومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ ريا اك ِ�إ اَّل َكا َّف ًة لِل َّن ِ ا�س بَ�شِ ً ا�س اَل َي ْعلَ ُمو َن) �سورة َو َنذِ ي ًرا َو َلك َِّن �أَكْثرَ َ ال َّن ِ �سبا الآية ( .)28وعن �أخالقه قالَ ( :و ِ�إ َّن َك يم) القلم الآية ( ،)4وعن َل َعلى ُخ ُلقٍ عَظِ ٍ اللني الذي غر�سه فيه( :ف ِب َما َر ْح َم ٍة ِّم َن اللهّ ِ لِنتَ َل ُه ْم َو َل ْو ُكنتَ َف ًّظا َغل َ ِيظ ا ْل َق ْلبِ َالن َف ُّ�ضواْ مِ نْ َح ْول َِك) �سورة �آل عمران الآية (.)159 والر�سالة التي جاء بها نبي الإ�سالم �ساوت بني جميع الب�شر بال متييز طبقي �أو عرقي �أو جغرايف ،لذلك ظهر من قادة
الإ�سالم الأوائل �سلمان من بالد فار�س، و�صهيب من بالد الروم ،وبالل من بالد احلب�شة. والدين الذي جاء به النبي �صلى اهلل عليه و�سلم هو الذي �أقر كرامة الإن�سان من حيث هو �إن�سان قبل �أن يعرفها الغرب بقرون ( َو َل َق ْد َك َّر ْم َنا َبنِي �آ َد َم َو َح َم ْل َناهُ ْم الب َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْق َناهُ م ِّم َن َّ الط ِّي َباتِ ) فيِ رَ ِّ الإ�سراء الآية ( ،)70وجعل قتل النف�س بغري احلق كقتل النا�س جميعاً (من َق َت َل َن ْف�ساً ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فِى الأ ْر ِ�ض َف َك�أَ مَّ َ نا ا�س َجمِ يعاً َو َمنْ �أَ ْح َيـهَا َف َك�أَ مَّ َ نا �أَ ْح َيا َق َت َل ال َّن َ ا�س َجمِ يعاً) �سورة املائدة الآية (.)32 ال َّن َ والإ�سالم كان له ق�صب ال�سبق يف حترير املر�أة من ظلمات اجلاهلية� ،إذ �ساواها
بالرجل يف الإن�سانية ،ويف الإميان ،ويف اجلزاء الآخروي. وهو الذي و�ضع �أخالقيات للتعامل مع احليوان :دخلت �إمر�أة النار ب�سبب ا�ساءتها التعامل مع هرة ،ودخل رجل اجلنة ب�سبب �أنه �سقى كلباً. وهو الذي حث على املحافظة على البيئة الطبيعية و�سالمتها من التلوث حتى و�إن ال�سا َع ُة َو ِب َيدِ قامت القيامة (�إِ ْن َقامَتْ َّ �أَ َحدِ ُك ْم َف�سِ يلَ ٌةَ ،ف ِ�إ ْن ْا�س َت َطا َع �أَ ْن اَل َي ُقو َم َح َّتى َي ْغر َِ�سهَاَ ،ف ْل َي ْف َع ْل) (م�سند الإمام �أحمد) ،ودخل رجل اجلنة ب�سبب �إزاحته غ�ص �شوك عن طريق امل�سلمني. والإ�سالم هو الذي و�ضع �أ�س�س �أخالقية للأمن االجتماعي فال يدخل اجلنة من لأي�أمن جاره بوائقه ،ودخلت �إمر�أة النار لأنها �آذت جارها مع �أنها كانت ت�صوم النهار وتقوم الليل. وهو الذي و�ضع �آداب يف حالة احلرب مع الأعداء قبل �أن توقع معاهدة جنيف ب�ش�أن حماية الأ�شخا�ص املدنيني بقرون قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم (:ال ريا، َت ْق ُت ُلوا َ�ص ِب ًّياَ ،وال ْام َر�أَ ًةَ ،وال َ�ش ْي ًخا َك ِب ً َوال َمر ً ِي�ضاَ ،وال َراهِ ًباَ ،وال َت ْق َط ُعوا ُم ْثمِ ًرا، ريا َوال ُت ْخ ِر ُبوا عَامِ ًراَ ،وال َت ْذ َب ُحوا َب ِع ً َوال َب َق َر ًة ِ�إال لمِ َ�أْ َكلٍ َ ،وال ُت ْغ ِر ُقوا َن ْخال، َوال تحُ ْ ِر ُقوا) ال�سنن الكربى للبيهقي. وعندما فتح مكة قال :ماذا تروين فاعل بكم؟ قالوا� :أ ٌخ كرمي بن �أ ٍخ كرمي ،قال (اذهبوا ف�أنتم الطلقاء)! ٌ حق على الإن�سانية �أن تفتخر بهذا النبي وبر�سالته؛ لأنها رحمة العاملني قبل �أن تكون رحم ًة للم�سلمني ولكن ( َو َج َحدُوا ِبهَا َو ْا�س َت ْي َق َن ْتهَا �أَ ْن ُف ُ�س ُه ْم ُظ ْل ًما َو ُع ُل ًّوا َفا ْن ُظ ْر َك ْي َف َكا َن عَا ِق َب ُة المْ ُ ْف�سِ دِ َ ين) �سورة
النمل الآية (.)14 العداء لهذه الدعوة مل يبد�أ بن�شر الر�سوم امل�سيئة للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف ال�صحيفة الدمناركية املغمورة؛ و�إمنا بد�أ منذ ال�صدر الأول للإ�سالم: النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ُي�صلي عندالبيت ف ُيو�ضع يف ظهره ُ�سلي من اجلذور. ُي�صلي عند الكعبة في�أتي ل�ؤي بن �أبيمعيط فليوي ثوبه يف عنق ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فيخنقه به خنقاً �شديداً ،حتى ي�أتي �أبابكر في�أخذ مبنكبه ويدفع عن ر�سول اهلل الأذى ويقول: (�أ َت ْق ُت ُلو َن َر ُجلاً �أَ ْن َي ُقو َل َر ِّب َي هَّ ُ الل َو َق ْد َجا َء ُك ْم بِا ْل َب ِّي َناتِ مِ نْ َر ِّب ُك ْم ). ُي َتهم ب�أفظع العبارات املعنوية� :شاعر،كاهن ،جمنون ،ك َذاب. ُيو�ضع يف طريقه ال�شوك واحلجارة. ُيخطط له بالقتل ،ف ُي�ؤتى من كل قبيل ٍةب�أحد �أ�شر�س ُفراَ�سها ليقتلوه حتى يتفرق د ُم ُه بني القبائل فال ي�ستطيع بنو ها�شم الق�صا�ص. ُيقابل يف الطائف باحلجارة من ال�سفهاءوال�صبية حتى ت�سيل دماء رجليه ،و ُيغمى عليه فما ُ يفيق �إال يف قرن الثعالب ،في�أتيه ملك اجلبال ل ُيخطابه " :لو�شئت لأطبقت عليهم الأخ�شبني .فيقول :ع�سى �أن يخرج من �أ�صالبهم من يعبد اهلل وال ُي�شرك به �شيئا). ُيقذف يف عر�ضهُ ،ي�شكك يف �أحب النا�سزوج ُه عائ�شة ر�ضي اهلل عنها. �إليه ُ هل هناك ٌ لون من الأذى مل يذقه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم؟ ولذلك قال له اهلل تعاىل مُثبتاً قلبه: ب َعلَى مَا َي ُقو ُلو َن وَاهْ ُج ْرهُ ْم ْ (وا�ص رِ ْ ه َْجراً َجمِ ي ً ال) �سورة املزمل الآية (.)10
ب لحِ ُ ْك ِم َر ِّب َك َو اَل ُتطِ ْع مِ ْن ُه ْم �آثِماً ( َف ْا�ص رِ ْ �أَ ْو َك ُفوراً) �سورة الإن�سان الآية (.)24 ِالل َو اَل تحَ ْ َز ْن ب َك �إِ اَّل ب هَّ ِ ْب َومَا َ�ص رْ ُ (وا�ص رِ ْ َعلَ ْي ِه ْم َو اَل َت ُك فيِ َ�ض ْيقٍ ممِ َّ ا يمَ ْ ُك ُرو َن) �سورة النحل الآية (.)127 ( ما ُي َق ُال َل َك ِ�إ اَّل مَا َق ْد قِي َل لِل ُّر ُ�سلِ مِ نِْيم) َق ْبل َِك �إِ َّن َر َّب َك َل ُذو َم ْغ ِف َر ٍة َو ُذو عِ َقابٍ �أَل ٍ �سورة ُف�صلت الآية (.)43 (و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ِل ُك ِّل َن ِب ٍّي َع ُد ًّوامِ َنالمْ ُ ْجرِمِ َ ريا) ني َو َك َفى ِب َر ِّب َك هَا ِد ًيا َو َن ِ�ص ً الفرقان الآية (.)43 (و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ِل ُك ِّل َن ِب ٍّي َع ُد ًّوا َ�ش َياطِ َني ال ْن ِ�س َوالجْ ِ ِّن يُوحِ ي َب ْع ُ�ض ُه ْم �إِلىَ َب ْع ٍ�ض ْ إِ ُز ْخ ُر َف ا ْل َق ْولِ ُغ ُرو ًرا َو َل ْو َ�شا َء َر ُّب َك مَا َف َع ُلو ُه َف َذ ْرهُ ْم َومَا َيفْترَ ُ و َن) �سورة الأنعام الآية (.)112 تتجد ُد الإ�ساءات املُتالحقة لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف ع�صرنا هذا، ففي العام 2005ن�شرت �صحيفة دمناركية ر�سوماً ُم�سيئة لنبي الرحمة �صلى اهلل عليه و�سلم ،ويف العام 2007و�صف بابا الفاتيكان الإ�سالم ب�أنه �ضد العقالنية و�ضد الت�سامح ،ويف العام � 2008أنتج نائب برملاين هولندي فيلماً �أ�ساء فيه للإ�سالم ولنبيه الكرمي ،ويف العام 2011حاول ق�س �أمريكي �أن يحرق امل�صحف ال�شريف ،ويف الإ�سبوع الفائت �أقدم مهجريون �أقباط على �إنتاج فيلم ُي�سيء �إىل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�إىل �أخالقه ،و�أول �أم�س الأربعاء ن�شرت جملة فرن�سية مغمورة ر�سوماً مُ�سيئة �إىل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،وللأ�سف ال�سلطات الفرن�سية اعتربت ذلك من باب حرية التعبري. �إذاً الأ�سئلة املركزية امل�شروعة هي: ماذا وراء هذه الهجمة؟ وماهي الق�ضايا
29
مقاالت
ال وسطية
التي ُيتهم بها الإ�سالم ونبيه الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم ،ذلك هو مو�ضوع خطبتنا الثانية� .أقول قويل هذا وا�ستغفر اهلل يل ولكم ،فا�ستغفروه. اخلطبة الثانية اللهم �إين �أحمدك و�أُثني لك احلمد يا جليل الذات وياعظيم الكرم ،و�أ�شكرك معرتف يف تق�صريه بطاعتك ٍ �شكر عبدٍ يا ذا الإح�سان والنعم ،و�أ�س�ألك اللهم بحمدك القدمي� ،أن ت�صلى وت�سلم على نبيك الكرمي ،وعلى �آله و�صحبه وذوي القلب ال�سليم ،و�أن تعلى لنا يف ر�ضائك الهمم ،و�أن تغفر لنا جميع ما اغرتفناه من الذنب واللمم. هنالك �س�ؤاالن م�شروعان ختمنا بهما خطبتنا الأوىل :ماذا وراء هذه الهجمة؟ وما الق�ضايا التي ُيتهم بها الإ�سالم ونبيه حممد �صلى اهلل عليه و�سلم؟ ف�سر هذه هنالك عدة �أ�شياء ُت َ الهجمة: اال�ساءات املتالحقة لنبي الإ�سالم دليل على ذعر بع�ض الدوائر الغربية من االنت�شار الوا�سع للإ�سالم يف الغرب رغم �ضعف امل�سلمني ،و�إليكم الأدلة: يف هذا العام ن�شرت جملة الوعيالإ�سالمي التي ت�صدر من الكويت تقريراً عن حالة الإ�سالم يف الغرب جاء فيه: �أن عدد امل�سلمني يف رو�سيا بلغ 23مليونم�سلم �أي %20من ن�سبة ال�سكان ،ون�شرت �صحيفة برافدا الرو�سية عام 2008م مقا ًال بعنوان " :الإ�سالم �سيكون دين رو�سيا الأول يف العام 2050م". -يف جزر البليار جنوب �شرقي �إ�سبانيا
30 ت�ضاعف عدد امل�ساجد خم�س مرات منذ العام 2005م. يف ال�سويد وهي دولة �صغرية بلغ عددامل�سلمني � 120ألف ن�سمة ،ويف ماملو ثالث �أكرب مدينة يف ال�سويد جاء �إ�سم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف الرتتيب الرابع �ضمن �أكرث الأ�سماء تداو ًال يف املدينة. يف �أملانيا الإح�صائيات الر�سمية للأعوام 2008 -2007 -2006كل �ساعتني يدخل �شخ�ص جديد الإ�سالم ،وهناك قراءات تقول �أنه وبعد ع�شرين عاماً �سيكون عدد امل�سلمني يف �أملانيا 104ماليني. يف فرن�سا %30من ال�شباب دون الع�شرين م�سلمون ،ويف املدن الكربى يرتفع �إىل خم�س و�أربعني يف املائة. عدد امل�ساجد يف فرن�سا 2300م�سجد ،منها �ألف م�سجد كانت كنائ�س يف ال�سابق ،والآن عدد امل�سلمني يف فرن�سا 7ماليني .ويف درا�سة �أعدتها وزارة الداخلية الفرن�سية �أن 3600فرن�سي يعتنقون الإ�سالم �سنوياً. يف �أمريكا عدد الذين ُي�سلمون �سنوياً� 20ألفاً ،ويف � 12سنة مت بناء 1200م�سجد مبعدل مائة م�سجد �سنوياً. يف تقرير ل�شبكة �سي �إن �إن بعنواناالنت�شار ال�سريع للإ�سالم يف الغرب� ( :أن �أعداد امل�ساجد ُتناف�س �أعداد الكنائ�س يف باري�س ولندن وروما ،و�أن ن�سخ القر�آن من �أكرث الن�سخ مبيعاً يف الأ�سواق الأوروبية واالمريكية). الذين ي�أتون �إىل امل�ساجد �أ�ضعاف الذين يذهبون �إىل الكنائ�س. هذا الواقع �أزعج بع�ض الدوائر الغربية، و�أ�صبحوا يخ�شون على الهوية الغربية من متدد الإ�سالم رغم �ضعف امل�سلمني، ف�سر ملاذا �شن بابا الفاتيكان هجوماً وهذا ُي َ
على الإ�سالم داعياً لإقامة حاجز ثقايف �ضده! �أما ال�س�ؤال الثاين :مام�ضمون الق�ضايا التي ُيتهم بها الإ�سالم ونبيه حممد �صلى اهلل عليه و�سلم؟ هنالك عدة ق�ضايا �أهمها ثالث: اتهام الإ�سالم بالالعقالنية. اتهامه با�ضهاد املر�أة. حماولة ل�صق الإ�سالم بالعنف.نقول: �أو ًال :اتهام الإ�سالم بالالعقالنية: الإ�سالم احرتم العقل ،بل �إن االلتزام بالتكاليف ال�شرعية نف�سها مبني على العقل ،فالقلم مرفوع عن املجنون لذهاب عقله ،وال�صبي حتى يحلم ،والنائم حتى ي�ستيقظ .وكلمة عقل ومرادفاتها وردت يف القر�آن 48مرة؛ بل �إن القر�آن ذكر �أن �إعرا�ض النا�س عن قبول احلق هو تعطيل ريوا فيِ الأَ ْر ِ�ض َف َت ُكو َن عقولهم�( :أ َفلَ ْم يَ�سِ ُ وب َي ْع ِق ُلو َن ِبهَا �أَ ْو �آ َذ ٌان َي ْ�س َم ُعو َن ِبهَا َل ُه ْم ُق ُل ٌ وب َف�إِ َّنهَا ال َت ْع َمى الأَ ْب َ�صا ُر َو َلكِنْ َت ْع َمى ا ْل ُق ُل ُ ال�صدُورِ) �سورة احلج الآية (.)46 ا َّلتِي فيِ ُّ ولكن الإ�سالم ال ُيقدَ�س العقل كما هو احلال يف بع�ض الفل�سفات الو�ضعية؛ لأن هنالك �أ�شياء ال ي�ستطيع العقل �إدراكها: متى بد�أ العامل؟ ماهو �أ�صل الإن�سان ،مما ُخلق؟ ما الغاية من وجوده يف الكون؟ متى �سيموت الإن�سان؟ متى �سينتهي العامل؟ هذه الق�ضايا ال ُتدركها العقول؛ لأنها خارج النطاق احل�سي للإن�سان ،وخارج قدراته الطبيعية .ولذلك عندما حاول البع�ض �أن ي�صل �إىل حقيقة �أ�صل الإن�سان بعقله �أتى بكالم خرايف كما حدث لدارون �صاحب نظرية الن�شوء والتطور. ثاني ًا :اتهام الإ�سالم با�ضطهاد
املر�أة: الإ�سالم حرر املر�أة من اال�ضطهاد ،كانت ال متلك حق احلياة ( َو�إِ َذا ُب ِّ�ش َر �أَ َحدُهُ ْم بِالأُن َثى َظ َّل َو ْج ُه ُه م ُْ�س َو ّداً َوهُ َو َكظِ ي ٌم()58 َي َت َوا َرى مِ َن ا ْل َق ْو ِم مِ ن ُ�سو ِء مَا ُب ِّ�ش َر ِب ِه �أَيمُ ْ�سِ ُك ُه َعلَى هُ ونٍ �أَ ْم َيد ُُّ�س ُه فيِ رُّ َ التابِ �أَ َال َ�ساء مَا َي ْح ُك ُمو َن) النحل الآية (.)58 ف�أ�صحبت متلك حق احلياة ،وكانت ال ترث و�أ�صبحت يف ظل الإ�سالم وريثة �أم ًة و�أختاً وبنتاً وزوجاً وجد ًة .والإ�سالم �ساواها بالرجل يف الإن�سانية ( َو َل َق ْد َك َّر ْم َنا َبنِي �آ َد َم الب َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْق َناهُ م ِّم َن َو َح َم ْل َناهُ ْم فيِ رَ ِّ َّ الط ِّي َباتِ ) الإ�سراء الآية ( )70ذكراً �أكان �أم �أنثى ،و�ساواها �إميانيا (المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن َوالمْ ُ�ؤْمِ َن ُ ات وف َب ْع ُ�ض ُه ْم �أَ ْو ِل َيا ُء َب ْع ٍ�ض َي�أْ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ َو َي ْن َه ْو َن ع َِن المْ ُن َكرِ) �سورة التوبة الآية ( ،)71و�ساواها يف اجلزاء الآخروي (منْ عَمِ َل َ�صالحِ ً ا مِ نْ َذ َكرٍ �أَ ْو �أُ ْن َثى َوهُ َو ُم�ؤْمِ ٌن َفلَ ُن ْح ِي َي َّن ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة َو َل َن ْج ِز َي َّن ُه ْم �أَ ْج َرهُ ْم ِب�أَ ْح َ�س ِن مَا َكا ُنوا َي ْع َم ُلو َن) �سورة النحل الآية (.)97 ثالث ًا :ربط الإ�سالم بالعنف: هنالك خلط بني مفهوم اجلهاد والإرهاب. اجلهاد يف الإ�سالم معناه وا�سع ي�شمل: جهاد النف�س ،جهاد الظلم وال ي�صري قتا ًال �إال يف حالتني: الأوىل :يف حالة العدوان على امل�سلمني. والثانية :عندما ُت�صادر حرية الدعوة. واخلطاب القر�آين وا�ضح�( :أُ ِذ َن ِل ّلَذِ َ ين ُي َقا َت ُلو َن ِب�أَ َّن ُه ْم ُظ ِل ُموا َو ِ�إ َّن هَّ َ الل َعلَى َن ْ�صرِهِ ْم َل َقدِ ي ٌر ( ) 39ا َّلذِ َ ين �أُ ْخر ُِجوا مِ نْ ِد َيارِهِ ْم ِب َغيرْ ِ َح ٍّق �إِال �أَ ْن َي ُقو ُلوا َر ُّب َنا هَّ الل) �سورة احلج الآية (�( .)39أال ُت َقا ِت ُلو َن َق ْو ًما َن َك ُثوا �أَيمْ َا َن ُه ْم َو َه ُّموا ِب�إِ ْخ َرا ِج ال َّر ُ�سولِ َوهُ ْم
َب َدءُو ُك ْم �أَ َّو َل َم َّر ٍة �أَ َت ْخ َ�ش ْو َن ُه ْم َف هَّ ُ الل �أَ َح ُّق �أَ ْن َت ْخ َ�ش ْو ُه ِ�إ ْن ُك ْن ُت ْم ُم�ؤْمِ نِني) �سورة التوبة الآية (.)13 والإ�سالم تفوق على كل الدرا�سات الإن�سانية يف �أنها ق�صرت مفهوم العنف على االعتداءات املادية فقط ،بينما تو�سع الإ�سالم لي�ضيف لتعريف العنف بجانب االعتداءات املادية االعتداءات املعنوية قال �صلى اهلل عليه و�سلم�( :إِ َذا َز َنتْ �أَ َم ُة �أَ َحدِ ُك ْم َ ،ف ْل َي ْج ِل ْدهَاَ ،وال ُي َع ِّن ْفهَا) �أورد بن منظور �أن التعنيف هو (التوبيخ والتقريع واللوم) وقال مُ�صححاً مفاهيم الأمة عن لقاء العدو( :يا �أيها النا�س ال تتمنوا لقاء العدو و�سئلوا اهلل العافية ف�إذا لقيتموهم فا�صربوا و�أعلموا �أن اجلنة حتت ظالل ال�سيوف) �أخرجه احلاكم .مل يرو عن نبي الرحمة �صلى اهلل عليه و�سلم قط �أنه �ضرب �أحداً .وقد ذكر �أن�س بن مالك: (خدمت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ع�شر �سنني ,واهلل ما قال يل �أفاً قط وال قال يل ل�شيء مل فعلت كذا وهال فعلت كذا). �أيها الأحباب: قال تعاىل�( :إن ا َّلذِ َ ِال ْفكِ ين َجاءُوا ب ْ إِ ع ُْ�ص َب ٌة مِ ْن ُك ْم اَل تحَ ْ َ�س ُبو ُه َ�ش ًّرا َل ُك ْم َب ْل هُ َو َخيرْ ٌ َل ُك ْم) �سورة النور الآية ( .)11وقال احلكيم: �إذا �أراد ُ اهلل ن�شر ف�ضيل ٍة طوية �أتاح لها ل�سان ح�سود! عندما ُن�شرت الر�سوم يف ال�صحيفة الدمناركية يف العام 2006م �أ�سلم 2500 من ال�شباب الدمناركي ،وبهذا الفيلم �أ�شارت تقارير من�سوبة للمركز الإ�سالمي يف �أمريكا �أن � 3600أمريكي �أ�سلموا على خلفية �أ�سئلة طرحوها عن الإ�سالم وعن
النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم .ولكن هذا ال يعني �أن نقبل باال�ساءات املوجهة لنبينا �صلى اهلل عليه و�سلم؛ بل نقول: �أو ًال :يف الغرب قوانني حلفظ حقوق الإن�سان وحرياته الأ�سا�سية ،وقوانني ملكافحة التمييز العن�صري ،وقوانني �ضد معاداة ال�سامية؛ ولذلك يجب �أن يعمل امل�سلمون دو ًال ،واحتادات ،ومنظمات على ا�ست�صدار قانون دويل ُيح َرم الإ�ساءة للمقد�سات الدينية. ثاني ًا :اندفاع امل�سلمني يف اجتاه التعر�ض لل�سفارات الأجنبية والقائمني ب�أعمالها كما حدث يف اخلرطوم ،وكابل ،والقاهرة، وبنغازي ،وتون�س خط�أ؛ ذلك �أن الواجب علينا حمايتهم ولي�س االعتداء عليهم. قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم عن �آداب احلرب( :وال تقطعوا مُثمراً ،وال ُتخ َربوا عامراً) ال�سنن الكربى للبيهقي. فما بالنا بظروف ال�سلم ويف داخل بلداننا، وتعاليمنا احلنيفة تحُ ذر من �إيذاء املُعاهد. ثالث ًا :ما قام به م�سيحيون �أقباط من التربء من هذا الفعل �شيء ي�ستحق الإ�شادة ،وقد قال نبي الرحمة �صلى اهلل عليه و�سلم( :ا�ستو�صوا بالقبط خرياً ف�إن لهم ذم ًة ورحماً) الطبقات الكربى لإبن �سعد. رابع ًا :البد �أن ُيدرك الغربيون �أن م�صلحة ال�سلم والأمن الدوليني توجب عدم امل�سا�س باملقد�سات الدينية لل�شعوب؛ وال ُيرجى �أن تقوم بيننا وبينهم عالقات �صحية مامل يقفوا موقفاً وا�ضحاً من هذه اجلرائم التي مت�س ديننا ونبينا الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم.
31
مقاالت
ال وسطية
32
التقريب بين المذاهب اإلسالمية
محطات في الذاكرة
هاين فح�ص
لفت نظري اثناء انعقاد ندوة التقريب بني املذاهب اال�سالمية ،يف دم�شق ( )1999/4/1210بدعوة من م�ؤ�س�سة الإمام اخلوئي اخلريية ،ال�سلوك والكالم الودود ،من املرجع الأعلى الحد املذاهب اال�سالمية �سماحة ال�شيخ اخلليلي مفتي عمان الإبا�ضي ،جتاه املذاهب االخرى وعلمائها وخ�صو�صاً ال�شيعة االمامية... وعندما �س�ألت عن تاريخ هذه املودة ،التي فاج�أتني! و�سوف نبقى نفاجئ بع�ضنا بع�ضا كلما ازداد تعارفنا وامتد حوارنا .وروى يل الراوي ال�شاهد انه يف اللقاء االول مع هذا املرجع �س�أل �ضيفه وحماوره ال�شيعي �إن كان بامكانه ان يزوده بن�سخة من قر�آن ال�شيعة او م�صحف فاطمة! ، ثم ابدى غ�ضبه ال�شديد على ال�صورة امل�أخوذة عن مذهبه ،من قبل املذاهب
اال�سالمية عموما ومن قبل �أهل الت�شيع خ�صو�صاً .واكد ان املذهب االبا�ضي ال عالقة له باملالب�سات العقائدية وال�سيا�سية والفقهية التي رافقت ن�ش�أة املذهب اخلارجي ،وان االبا�ضية وان تكن قد ن�ش�أت حتت ظل ال�شجرة اخلارجية� ،إال انها منت وتبلورت على نهج توكيد وتو�سيع ال�شراكة املنهجية الفقهية مع املذاهب االخرى. وهكذا احتل فقيه كبري كال�شوكاين مثال مركزا متقدما يف مرجعية املذهب ،وهو الزيدي تعريفا احلنفي فقها ،ا�ستطاع او ا�ستطاعت مذاهب ثالثة ان تلتقي يف مرجعيته الفقهية... اما يف ما يخ�ص العالقة واملوقف امل�ؤ�صل من الت�شيع ،واالمامي منه على وجه اخل�صو�ص ،وب�صرف النظر عن نق�ص املعلومات او تداخل ال�صحيح مع اخلط�أ
واخلطل ،ف�إن الرتكة اخلارجية خمففة اىل �أبعد احلدود ...فعالقة املحبة والوالء الهل البيت را�سخة ،وان كان هناك من خالف فهو ال يتعدى عدم االتفاق مع الإمامية يف القول بع�صمة الأئمة من �أهل البيت (ع) ،هذا يف حني ان الزخم ال�سلبي من العهد االموي م�ستمر. ومن جو الندوة وجو املودة وامل�صارحة واملكا�شفة الذي �سادها ،وجعل فقهاء وعلماء من �سائر االقطار واملذاهب يقدمون الدليل تلو الدليل على قناعتهم ب�ضرورة التقارب ورفعها اىل م�ستوى الواجب ال�شرعي ،واعتبارها االحتياط االخري �ضد املخاطر التي تهدد امل�سلمني والعرب جميعا ..ومن جو اجلدل احلار والباحث عن االتفاق ،من دون جماملة او �إ�ساءة ظن او كالم ،بني علماء من ال�شيعة وعلماء من اململكة العربية ال�سعودية ..من هذا اجلو عادت بي الذاكرة اىل اجنازات جميلة وكبرية على طريق التقريب، ُقطعت عن �سياقها ال�سباب �سيا�سية اوال، ولو انها ا�ستمرت النتجت وجنبتنا كثريا مما تبادلناه من جهل ا�ضايف ،لدى كل منا بالآخر ،مما ا�ضفناه اىل تراث من اجلهل والتجاهل ال يت�صل تاريخه بتاريخ القرون االوىل التي تداخل فيها علما�ؤنا وعلومنا بحيث ا�صبح كل مذهب �أ�سا�سا من �أ�س�س تكوين املذهب الآخر ،معرفيا واخالقيا ...و�إن كانت هذه القرون مل تكن تخلو من فنت بني العامة ،ف�إنها ظلت حم�صورة فيها ،ولكن الفتنة يف القرون املت�أخرة وبفعل ال�سيا�سة وتوجهات التجزئة ومقت�ضياتها و�ضرورات ت�سويغها وقبولها ،امتدت الفتنة لت�صبح قطيعة بني العلماء واحلا�ضرات العلمية(*) من الأزهر اىل قم اىل النجف اىل الزيتونة اىل القريوان وغريها� ..إذاً ،لو ا�ستمرت
املبادرات التقريبية اجلادة� ،أقلها ما تبلور يف الثلث الثاين من القرن الع�شرين ، على مف�صل التجزئة بعد احلرب االوىل واعادة االرتهان لالقطار امل�ستقلة حتت وط�أة احلرب الثانية ونتائجها املعروفة، لو ا�ستمرت لتالفينا كثريا من خ�سائرنا وحققنا الكثري من االرباح املتبادلة، وملا كنا و�صلنا اىل هذه احلال املزرية يف افغان�ستان واملتوقعة يف باك�ستان واقطار اخرى والعياذ باهلل ...وملا بتنا يف انتظار ان يتحول ال�صراع بني مذهب ومذهب اىل �صراع داخل املذهب الواحد ،املر�شح الن ي�صبح مذاهب ،ذلك ان ا�ستقطاب التجزئة وجاذبيتها اىل تفاقم �إذا مل يرتجح ويق َو ا�ستقطاب الوحدة. وعدت اىل جتربة التقريب االيرانية العثمانية التي �سعى �إليها وبها ال�سيد جمال الدين االفغاين بت�شجيع من نادر�شاه ،وح�صلت خاللها ات�صاالت ولقاءات بني علماء من طهران واال�ستانة، وامتدت �آفاق الطموح فيها اىل �آ�سيا الو�سطى كما جاء يف ت�صريحات نقلت عن ال�سلطان عبد احلميد ،الذي اكد �ضرورة الوحدة التي ر�أى فيها جمال الدين االفغاين ،بعد رحلته اىل الغرب، واكت�شافه عن كثب للتواط�ؤ الغربي على املتحقق من وحدة بني امل�سلمني من اجل زعزعتها او منعها من التعاظم ،ف�ش ّد رحاله اىل اال�ستانة مقرتبا من ال�سلطان عبد احلميد ،معطال لتحفظاته عليه وعلى نهجه� ،أمام التوجهات الغربية وا�ستهدافاتها .وكاد ي�صل اىل مبتغاه بتح�سني االداء احلميدي ،لوال ان تنبه اليهود واملا�سونيون وعملوا على القطيعة بني الرجلني ،وت�شجيع عبد احلميد ب�شكل غري مبا�شر على التمادي يف اخلط�أ حتى يكتمل �ضعفه وحتني �ساعة عزله ال�سهل
عقابا على ما ارتكبه يف حق تيودور هرتزل وم�شروعه يف جعل ال�سلطنة غطاء للهجرة اليهودية اىل فل�سطني بعد م�ؤمتر بال، وف�شله يف ذلك برغم االغراءات املالية ال�ضخمة لعبد احلميد الذي وجد يف ذلك خيانة عظمى رغم الديون ال�ضخمة على ال�سلطنة ...ولكن هرتزل وقتها مل ي�سكت، وعقد احد م�ؤمتراته �سرا يف زمن �سلطة عبد احلميد ،واطلق �شعاره املعروف ،ب�أن الهجرة لن تتم ما ظل عبد احلميد على ر�أ�س ال�سلطة ،وا�ستطاع الو�سيط بينه وبني عبد احلميد ،والذي ف�شلت مرامية وم�ساعيه ،ان يدخل على عبد احلميد لي�أخذ منه توقيعه على قرار االحتاديني بعزله عن العر�ش »اميانويل قرا�صو« الذي كان نائبا عن �سالونيك ثم اقت�ضت امل�صلحة ال�صهيونية ان يكون نائبا عن ا�سالمبول ،قريبا من موقع القرار وفاعال فيه ،اىل جتربة التقريب امل�صرية االيرانية التي ا�صبحت لبنانية و�سورية وباك�ستانية وافغانية ومينية خالل �سنوات من عمرها ،وانتجت م�ؤمترات وقراءات م�شرتكة وتبادال علميا ومكا�شفات واكت�شافات م�شرتكة ،احت�ضنتها القاهرة يف عهديها امللكي واجلمهوري ثم عطلتها تطورات اوائل ال�سبعينيات ال�سيا�سية، وترافقت مع مظهر تقريبي عرب م�ؤمتر القد�س وبروز �شخ�صية الإمام حممد ح�سني كا�شف الغطاء عالمة من عالمات الوحدة والتوحيد ،مل يعتم زعماء العرب وامل�سلمني وعلما�ؤهم ان و�ضعوها يف مقام الإمامة يف ال�صالة والقدوة يف املوقف من خماطر اال�ستعمار وال�صهيونية. ويف الثالثينيات عينها ح�صلت الرحلة التقريبية للإمام ال�شيخ عبد الكرمي الزجناين من العراق اىل ال�شام ولبنان والقد�س وم�صر املحرو�سة ،والتي
33
مقاالت
ال وسطية
تعاطى معها ومع االفكار التي حملتها، علماء امل�سلمني وزعما�ؤهم من �سعد اهلل اجلابري اىل ريا�ض ال�صلح اىل احلاج امني احل�سيني اىل طه ح�سني .الخ بحنان وحب واحرتام ووعي توحيدي وحدوي. وتذكرت رحلة ال�سيد عبد احل�سني �شرف الدين اىل م�صر عرب فل�سطني الجئا من مطاردة �سلطات االنتداب الفرن�سي ،عائدا اىل لبنان حممال باحرتام الكبار من علماء م�صر وادبائها ،حمت�ضنا لالجئني الفل�سطينيني يف �صور مفتيا للم�سلمني على املذاهب اخلم�سة م�ستعيدا يف ذلك جتربة ال�شهيد الثاين وال�شهيد االول... واىل جتربة ال�سيد حم�سن االمني يف دم�شق التي و�ضعته يف موقع املرجعية فكان عند ح�سن ظنها ،يف الفقه والتاريخ والرتبية واالدب وال�سيا�سة الوطنية، وتذكرت ما �شاركت فيه من م�ؤمترات وحدة وتقريب يف ايران بعد الثورة ،التي تعرفت من خالل االعداد لها ،و�شجاعة كثري من العلماء الكبار يف االف�صاح عن دواخلهم وت�صوراتهم الوحدوية ،اىل �صدقية علمائها الوحدوية من الداخل، وعاينت موقع الوحدة يف وعي االكرثية من قيادة الثورة ،يف العلم وال�سيا�سة، معادال ا�سالميا للتوحيد وخيارا نهائيا يف مقابل احللف املعادي وامللتف حول ال�صهيونية. وا�ستعدت امل�شهد الوحدوي الكا�شف عن عمق التوحيد ،يف �سفري اىل القاهرة �صحبة الإمام ال�شيخ حممد مهدي �شم�س الدين ،التي ثبتت انطباعي عن موقع �أهل البيت (ع) يف ن�سيج الذات امل�صرية والعربية واال�سالمية عموما ،وان كانت م�صر بحجمها ور�سوخها وموقعها وم�س�ؤوليتها متتاز ب�أنها ال ت�سمح للغيوم ال�صغرية وللهنات اخلالفية ،ان تغطي �سماء االميان وتلبدها وحتجب الر�ؤية.
34 وك�شفت هذه الرحلة مبفعول الكالم ال�شفاف الباحث عن احلق واحلقيقة، واملنهج العلمي الذي يو�سع للر�أي الآخر مكانا كبريا يف ن�صابه ليكمله ويكتمل به، وبفعل القلوب والعقول امل�صرية املفتوحة على املعرفة والتعارف والربيئة من احل�سا�سيات والتوترات النابذة ،ك�شفت ان �ش�أن اهل البيت (ع) و�ش�أننا معهم و�ش�أن اهلل فيهم ،لي�س من �ش�أن ع�صبياتنا التي حترم اجلميع من ثروات اجلميع. ور�أيت جمهور م�صر وعلماءها ورجالها من مدنيني ودينيني و�سيا�سيني ودعاة واكادمييني ،ومن االجتاهات وامل�شارب كافة ،وموقفهم املرن واملتفهم واملحب، وا�صغاءهم اىل طروحات ال�شيخ �شم�س الدين الوحدوية واخلالية من االوهام، حتى لقد كان �صفاء االفكار ينعك�س يف وجوه احل�ضور وا�سئلتهم وحواراتهم وا�شكاالتهم وحتفظاتهم ،مما يعود لينعك�س يف عقل ال�شيخ وكالمه ووجدانه. و�س�ألت نف�سي و�أنا خارج من حالة م�صرية مكثفة وحارة حول �ضريح احل�سني ،الذي �أم�سى نقطة ارتكاز يف االجتماع القاهري، منه و�إليه ،تفي�ض القاهرة بكل م�ستوياتها يوميا وا�سبوعيا ومو�سميا ،من ال�صالة اليومية وعقود الزواج وتوزيع االدوية وامل�ساعدات العينية وحل امل�شاكل العائلية واحللقات ال�صوفية ،اىل ليايل رم�ضان و�صالة العيد وليلة القدر وتوزيع اجلوائز على الفتيان الفائزين يف حفظ القر�آن، اىل جمهور الزائرين ،الذي خ�شيت منه ان ابوح بدمعي حتى ر�أيت دموعه تنهمر حول ال�ضريح حزنا على احل�سني� ...س�ألت نف�سي� :أنا �شيعي ،انعم واكرم ،ولي�س هناك ا�سالم او عروبة او وطنية ت�ستدعي التن�صل من اي مكون من مكوناتي ال�شيعية ،جل ما يف االمر هو ان املطلوب اعداد �شيعيتي الن تعود كما كانت وكما هو مرجو ،عامال
كبريا من عوامل احليوية اال�سالمية والعربية ...وت�ساءلت :كيف ا�ستمر الت�شيع وعا�ش؟ ودعوانا ب�أنه حرم من ال�سلطة اىل حد كبري ،دعوى �صحيحة ،يف حني ان الكثري من ال�سلطات ،التي تذرعت بالإ�سالم وبا�سمه ظلمت وقمعت ،و�أحيانا قليلة او كثرية ،مل ت�ستطع ان متنع تكامل البناء احل�ضاري اال�سالمي ،الذي جاء ح�صيلة مل�شاركة بني ثقافات متعددة ومذاهب ا�سالمية متعددة ،التقت على البناء ،واختلفت على هند�سة الأ�س�س ال عليها وعلى املنفعة يف الدار الوا�سعة ،ومل تختلف على ملكية الأمة لرقبة االر�ض والعمران ..وقد نال الت�شيع وال�شيعة من هذا الظلم حظا اوفى� ...إذاً ،فاال�ستمرارية ال�شيعية كانت من مفاعيل �سلطة من نوع �آخر� ،سلطة طوعية ،هي �سلطة الداخل، �سلطة القلب والعقل والدين والعلم ،التي كانت حمكومة ب�أولويات الإميان والدعوة، وتغليب املعايري العامة على الغايات وامل�صالح اخلا�صة حتى لو كانت م�شروعة، لأن هناك نهجا علميا و�سلوكيا ي�ضع امل�صلحة اخلا�صة امل�شروعة يف نطاق غري م�شروع ،ي�ضعها يف مو�ضع التهمة ،ما دامت تتعار�ض ولو �شكال مع امل�صلحة العامة، التي هي جمموع م�صالح اجلماعات ،وهي الإطار الذي تتم فيه الت�سوية والتنازل على �أ�سا�س �إحدى القواعد الذهبية يف فقهنا و�أ�صولنا اي تقدمي الأهم على املهم ..وعلى �أ�سا�س االعتدال بني �سائر اجلماعات ،من �أجل ان ي�سلم اجلميع ،او تنزل اخل�سائر اىل حدها الأدنى ،الذي ال يهدد الوجود وان كان مي�س ببع�ض كماالت هذا الوجود� .أهل البيت ،والأئمة منهم خا�صة ،كانوا الأهلة ال�ساطعة التي اهتدى بها ال�شيعة خ�صو�صا وامل�سلمون عموما ،وت�أ�سى واقتدى بهم علماء ال�شيعة يف �سائر الأزمان والأحوال والأقطار.
الرسول محمد صلى اهلل عليه وسلم في كتابات مفكرى الغرب المنصفين
�صفاء الدين حممد �أحمد
رغم و�ضوح الر�ؤى وثبوت الأدلة على �أن �أكرث الغربيني ي�سعون لت�شويه �صورة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم فى عقول �أبناء العامل الغربى ،باعتبار نبى الإ�سالم العدو الأول للح�ضارة الغربية -على َح ّد زعمهم� -إال �أن العدالة والإن�صاف ي�ستوجبان �إبراز الوجه املُ�شرق للغرب احل�ضارى الذى متثل فى العلماء الغربيني املن�صفني الذين حتدثوا عن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ف�أن�صفوه ،و�شهدوا له �شهادات �صدق،وهى �شهادات ينبغى �أن ن�ستفيد منها ،و�أن نقدمها للإن�سان الغربى الذى �ضلله الإعالم الغربى ،كما �أن ه�ؤالء املفكرين وامل�ست�شرقني والفال�سفة الغربيني املن�صفني ميثلون كبار مفكرى الغرب و�أعمدة الفكر والفل�سفة فيه ،وقد حاولوا الوقوف على عظمة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ،منبهرين ب�شخ�صيته العظيمة ،و ُنبل �أخالقه وطهارة حياته..
عبقرى قاد املاليني يقول (لومارتان) فى كتابه (تاريخ تركيا)�" :إذا كانت ال�ضوابط التى نقي�س بها عبقرية الإن�سان هى �سمو الغاية والنتائج املذهلة لذلك رغم ق ّلة الو�سيلة، فمن ذا الذى يجر�ؤ �أن يقارن �أيا من عظماء التاريخ احلديث بالنبى حممد �صلى اهلل عليه و�سلم فى عبقريته؟ فه�ؤالء امل�شاهري قد �صنعوا الأ�سلحة و�سنوا القوانني و�أقاموا الإمرباطوريات ،فلم يجنوا �إال �أجماداً بالية مل تلبث �أن حتطمت بني ظهرانيهم ،لكن هذا الرجل حممدًا �صلى اهلل عليه و�سلم مل يقد اجليو�ش وي�سن الت�شريعات ،ومل يقم الإمرباطوريات ويحكم ال�شعوب ويرو�ض احلكام فقط، �إمنا قاد املاليني من النا�س فيما كان يعد ثلث العامل حينئذ ،لي�س هذا فقط ،بل �إنه ق�ضى على الأن�صاب والأزالم والأديان والأفكار واملعتقدات الباطلة". وي�ضيف (لومارتان) :هذا هو حممد �صلى
اهلل عليه و�سلم الفيل�سوف ،واخلطيب، والنبى ،واملُ�شرع ،وقاهر الأهواء وم�ؤ�س�س املذاهب الفكرية التى تدعو �إىل عبادة حقة ،بال �أن�صاب وال �أزالم ،وهو امل�ؤ�س�س لع�شرين �إمرباطورية فى الأر�ض، و�إمرباطورية روحانية واحدة ،وهذا هو حممد �صلى اهلل عليه و�سلم بالنظر لكل مقايي�س العظمة الب�شرية ،و�أود �أن �أت�ساءل :هل هناك من هو �أعظم من النبى حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ؟! العامل �أحوج �إىل حممد �صلى اهلل عليه و�سلم. �أما (برنارد �شو) الفيل�سوف الإجنليزى فيقول� :إن العامل �أحوج ما يكون لرجل فى تفكري حممد ،هذا النبى الذى و�ضع دينه دائما مو�ضع االحرتام والإجالل ف�إنه �أقوى دين على ه�ضم جميع املدنيات، خالداً خلود الأبد ،و�إنى �أرى كثرياً من بنى قومى قد دخلوا هذا الدين على ب ّينة، و�سيجد هذا الدين جماله الف�سيح فى
35
مقاالت
ال وسطية
هذه القارة (يعنى �أوروبا). وي�ضيف� :إن رجال الدين فى القرون الو�سطى ،ونتيجة للجهل �أو التع�صب ،قد ر�سموا لدين حممد �صورة قامتة ،ولقد كانوا يعتربونه عدوا للم�سيحية ،ولكننى اطلعت على �أمر هذا الرجل ،فوجدته �أعجوبة خارقة ،وتو�صلت �أنه مل يكن عدوا للم�سيحية ،بل يجب �أن ي�سمى منقذ الب�شرية. وي�ضيف قائال� :إن بوادر الع�صر الإ�سالمى الأوروبى قريبة ال حمالة ،و�إنى �أعتقد �أن رجال كمحمد لو ت�سلم زمام احلكم املطلق فى العامل ب�أجمعه اليوم ،لتم له النجاح فى حكمه ،ولقاد العامل �إىل اخلري ،وحل م�شاكله على وجه يحقق للعامل كله ال�سالم وال�سعادة املن�شودة. ال�شخ�صية اخلارقة �أما امل�ؤرخ الأوروبى (جيم�س ميت�شرن) فيقول فى مقال حتت عنوان "ال�شخ�صية اخلارقة" عن النبى �صلى اهلل عليه و�سلم: "وقد �أحدث حممد عليه ال�سالم ب�شخ�صيته اخلارقة للعادة ثورة فى اجلزيرة العربية، وفى ال�شرق كله ،فقد حطم الأ�صنام بيده، و�أقام دينا خالداً يدعو �إىل الإميان باهلل وحده. املكانة العالية ويقول الفيل�سوف الفرن�سى (كارديفو): "�إن حممدًا كان هو النبى امللهم وامل�ؤمن، ومل ي�ستطع �أحد �أن ينازعه املكانة العالية التى كان عليها� ،إن �شعور امل�ساواة والإخاء الذى �أ�س�سه حممد بني �أع�ضاء الكتلة الإ�سالمية كان يطبق عمليا حتى على النبى نف�سه". �أهدى الأمة
36 �أما الروائى الرو�سى والفيل�سوف الكبري (تول�ستوى) الذى �أعجب بالإ�سالم وتعاليمه فى الزهد والأخالق والت�صوف، فقد انبهر ب�شخ�صية النبى �صلى اهلل عليه و�سلم وظهر ذلك وا�ضحا يف �أعماله ،فيقول فى مقال له بعنوان" :من حممد؟": "�إن حممدًا هو م�ؤ�س�س ور�سول ،كان من عظماء الرجال الذين خدموا املجتمع الإن�سانى خدمة جليلة ،ويكفيه فخراً �أنه �أهدى �أمة برمتها �إىل نور احلق ،وجعلها جتنح �إىل ال�سكينة وال�سالم ،وت�ؤثر عي�شة الزهد ومنعها من �سفك الدماء ،وفتح لها طريق الرقى واملدنية ،وهو عمل عظيم ال يقدم عليه �إال �شخ�ص �أوتى قوة ،ورجل مثله جدير باالحرتام والإجالل. ويقول � ً أي�ضا :يكفى حممداً فخراً �أنه خل�ص �أمة ذليلة دموية من خمالب �شياطني العادات الذميمة ،وفتح على وجوههم طريق الرقى والتقدم ،و�إن �شريعة حممد �ست�سود العامل الن�سجامها مع العقل واحلكمة. �أما الفيل�سوف الفرن�سى (�إدوار مونته) فيقول :فى �آخر كتابه "العرب"" :عرف حممد بخلو�ص الن ّية واملالطفة و�إن�صافه فى احلكم ،ونزاهة التعبري عن الفكر والتحقيق ،وباجلملة كان حممد �أذكى و�أدين و�أرحم عرب ع�صره ،و�أ�شدهم حفاظا على الزمام ،فقد وجههم �إىل حياة مل يحلموا بها من قبل ،و�أ�س�س لهم دولة زمنية ودينية ال تزال �إىل اليوم". فجر جديد �أما امل�ست�شرق الأمريكى (�إدوارد رم�سى) فقال" :جاء حممد للعامل بر�سالة الواحد القهار ،ليخرج النا�س من الظلمات �إىل
النور ،فبزغ فجر جديد كان يرى فى الأفق ،وفى اليوم الذى �أعادت فيه يد امل�صلح العظيم حممد ما ُفقد من العدل واحلرية �أتى الوحى من عند اهلل �إىل ر�سول كرمي ،ففتحت حججه العقلية ال�سديدة �أعني �أمة جاهلة ،فانتبه العرب، وحتققوا �أنهم كانوا نائمني فى �أح�ضان العبودية. ويقول الفيل�سوف وال�شاعر الفرن�سى (المارتني)�" :إن ثبات حممد وبقاءه ثالثة ع�شر عاما يدعو دعوته فى و�سط �أعدائه فى قلب مكة ونواحيها ،وجمامع �أهلها ،و�إن �شهامته وجر�أته و�صربه فيما لقيه من عبدة الأوثان ،و�إن حميته فى ن�شر ر�سالته ،وحروبه التى كان جي�شه فيها �أقل من جي�ش عدوه ،وتطلعه فى �إعالء الكلمة ،وت�أ�سي�س العقيدة ال�صحيحة ال �إىل فتح الدول و�إن�شاء الإمرباطورية ..وكل ذلك �أدلة على �أن حممداً كان وراءه يقني فى قلبه وعقيدة �صادقة حترر الإن�سان من الظلم والهوان ،و�إن هذا اليقني الذى ملأ روحه هو الذى وهبه القدرة على �أن يرد �إىل احلياة فكرة عظيمة وحجة قائمة حطمت �آلهة كاذبة ،ونك�ست معبودات باطلة ،وفتحت طريقاً جديداً للفكر فى �أحوال النا�س ،ومهدت �سبيال للنظر فى �ش�ؤونهم ،فهو فاحت �أقطار الفكر ،ورائد الإن�سان �إىل العقل ،ونا�شر العقائد املحررة للإن�سان وم�ؤ�س�س دين ال وثنية فيه". تاريخ حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ويقول ال�سري (موير) امل�ؤرخ الإجنليزى فى كتابه (تاريخ حممد)�" :إن حممدًا نبى امل�سلمني لـقــب بالأمني مـنـذ ال�صغـر ب�إجماع �أهل بلده ل�شرف �أخالقه وح�سن
�سلوكه ومهما يكن هناك من �أمر ف�إن حممدا �أ�سمى من �أن ينتهى �إليه الوا�صف، وال يعرفه من جهله ،وخبري به من �أمعن النظر فى تاريخه املجيد ،ذلك التاريخ الذى ترك حممداً فى طليعة الر�سل ومفكرى العامل". وي�ضيف" :لقد امتاز حممد عليه ال�سالم بو�ضوح كالمه ،وي�سر دينه ،وقد �أمت من الأعمال ما يده�ش العقول ،ومل يعهد التاريخ م�صلحا �أيقظ النفو�س و�أحيا الأخالق ورفع �ش�أن الف�ضيلة فى زمن ق�صري كما فعل نبى الإ�سالم حممد. �أما املفكر (لورد هدىل) فيقف منده�شا عند معاملة النبى �صلى اهلل عليه و�سلم للأ�سرى من امل�شركني فى معركة بدر الكربى ،ومالحظا فيها ذروة الأخالق ال�سمحة واملعاملة الطيبة الكرمية ثم يت�ساءل�" :أفال يدل هذا على �أن حممداً مل يكن مت�صفا بالق�سوة وال متعط�شا للدماء، كما يقول خ�صومه؟! بل كان دائما يعمل على حقن الدماء جهد امل�ستطاع ،فقد خ�ضعت له جزيرة العرب من �أق�صاها، وجاءه وفد من جنران من اليمن بقيادة البطريق ،ومل يحاول قط �أن يكرههم على اعتناق الإ�سالم ،فال �إكراه فى الدين، بل �أمنهم على �أموالهم و�أرواحهم ،و�أمر ب�أال يتعر�ض لهم �أحد فى معتقداتهم وطقو�سهم الدينية. �أعظمهم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم �أما العامل الأمريكى (مايكل هارت) فريد جناح النبى �صلى اهلل عليه و�سلم فى ن�شر دعوته ،و�سرعة انت�شار الإ�سالم فى الأر�ض� ،إىل �سماحة هذا الدين وعظمة �أخالق النبى عليه ال�صالة وال�سالم
الذى اختاره على ر�أ�س مائة �شخ�صية من ال�شخ�صيات التى تركت ب�صماتها بارزة فى تاريخ الب�شرية ،ويقول�« :إن حممدًا هو الإن�سان الوحيد فى التاريخ الذى جنح مطلقا فى املجالني الدينى والدنيوى، و�أ�صبح قائداً �سيا�سياً وع�سكر ًيا». وي�ضيف فى كتابه (مائة رجل من التاريخ)�" :إن اختيارى حممداً ،ليكون الأول فى �أهم و�أعظم رجال التاريخ ،قد يده�ش القراء ،ولكنه الرجل الوحيد فى التاريخ كله الذى جنح �أعلى جناح على امل�ستويني :الدينى والدنيوى ،فهناك ر�سل و�أنبياء وحكماء بد�أوا ر�ساالت عظيمة، ولكنهم ماتوا دون �إمتامها ،كامل�سيح فى امل�سيحية� ،أو �شاركهم فيها غريهم، �أو �سبقهم �إليها �سواهم ،كمو�سى فى اليهودية ،ولكن حممداً هو الوحيد الذى �أمت ر�سالته الدينية ،وحتددت �أحكامها، و�آمنت بها �شعوب ب�أ�سرها فى حياته ،ولأنه الدين دول ًة جديد ًة ،ف�إنه فى جانب �أقام ِ َ هذا املجال الدنيوى �أي�ضا ،وحد القبائل فى �شعب ،وال�شعوب فى �أمة ،وو�ضع لها كل �أ�س�س حياتها ،ور�سم �أمور دنياها ،وو�ضعها فى مو�ضع االنطالق �إىل العامل� ،أي�ضاً فى حياته ،فهو الذى بد�أ الر�سالة الدينية والدنيوية ،و�أمتها". ويقول الفيل�سوف الفرن�سى (وولرت): "�إن ال�سنن التى �أتى بها النبى حممد �صلى اهلل عليه و�سلم كانت كلها قاهرة للنف�س ومهذبة لها ،وجمالها جلب للدين املحمدى غاية الإعجاب ومنتهى الإجالل ،ولهذا �أ�سلمت �شعوب عديدة من �أمم الأر�ض ،حتى زنوج �أوا�سط �أفريقيا، و�سكان جزر املحيط الهندى".
37
مقاالت
ال وسطية
38
الدكتور قي�س املعايطة
االختالف في الرأي سنة كونية • مفهوم االختالف: االختالف واملخالفة يف اللغة يعنيان �أن ينهج كل �شخ�ص طريقا مغايرا للآخر يف حالة او يف قوله .واخلالف �أعم من ال�ضد، لأن كل �ضدين خمتلفان ولكن لي�س كل خمتلفني �ضدين .وتت�سع مقولة اخلالف واالختالف لت�شمل �أحيانا املنازعة واجلدل
واجلدال وما اىل ذلك .لكن االختالف يبقى �سنة كونية ال منا�ص منها. • الت�أ�صيل ال�شرعي ملبد�أ االختالف وقد جاء ذكرها يف القر�آن الكرمي ( وهو مرجع امل�سلمني من حيث البالغة والبديع والبان �أيا كانت معتقداتهم وانتماءاتهم واختالف �آرائهم) .جاء يف منا�سبات كثرية نذكر منها على �سبيل املثال ال :احل�صر
عددا من الآيات الكرمية لت�أ�سي�س ملقولة ان االختالف �سنة كونية ال مفر منها، وهي ( �إنكم لفي قول خمتلف) وعلى هذا ميكن القول � :إن اخلالف واالختالف يراد بهما مطلق املغايرة يف القول �أو الر�أي �أو الفعل �أو احلالة �أو الهيئة �أو املوقف.
وعليه ف�إن هذا االختالف �سيفرز اختالفا يف العقول واملدارك والأل�سنة والألوان مبا هو � :آية من اخللق املق�صودة لغايات يعلمها اهلل وحلكمه هو �أدرى مبكنوناتها. قال تعاىل ( ولو �شاء ربك جلعل النا�س �أمة واحدة واليزالون خمتلفني �إال من رحم ربك ولذلك خلقهم). ولنت�أمل روعة الو�صف وجمال البيان واحلكمة املتعالية فيما بني �سطور هذه االية الكرمية لو �شاء اهلل لرفع االختالف نهائيا من على وجه الب�سيطة لكنه �أراده �سنة دائمة. ولذلك خلقهم� ،أي ليبني لهم �أن االختالف جزء من هدف الن�ش�أة والتكوين واخللق لأن فيه اختبارا -ورحمة. وقد وفرت ال�سنة النبوية بيئة خ�صبة لهذا التباين �إغرتف منه �أ�صحاب من املذاهب وقعدوا على �ضوئها تلك القواعد. ومن النماذج الرائعة التي من خاللها ميكن الت�أ�صيل ملبد�أ االختالف يف ال�سنة النبوية ،فبعد االنتهاء من غزوة االحزاب توجه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لغزو بني قريظة ،يف ذلك املوقف قال كلمته امل�شهورة " ال ي�صلني احدكم الع�صر اال يف بني قريظة" فهم الفريق االول من ال�صحابة هذا احلديث ان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم اراد ال�صالة يف بني قريظة لذلك �أخذ بظاهرهوقال لن ن�صل اال اذا حط الرحل يف تلك القبيلة ،بينما الفريق الثاين �سار يف فهم احلديث منحى �آخر وقال امنا �أراد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم اال�ستعجال يف امل�سري وبناء عليه �صلوا يف الطريق ،وملا و�صلوا الحظ �أن الفريق
االول قد �سلك يف قراءته للحديث النبوي م�سلك الظاهر ومن هنا تبلورت مدر�سة " ظاهرة الن�ص " يف حني ان الفريق الثاين قد �سلك �سبيل "الباطن" ومن هذا املنطلق كان قوام مدر�سة " روح الن�ص "، فال جرم ملن ا�ستوعب هذه احلادثة و�أحاط بها �أن يوقر يف قلبه االختالف املعترب – مع الرتكيز على كلمة معترب – قدر ال منا�ص منه وهو ميزة لأمة الإ�سالم ورحم " اهلل ابن قدامة �إذ قال " الإجماع قاطعة والإختالف رحمة وا�سعة. • مق�صود الإختالف �سنة كونية االختالف �سنة كونية واعية وهادفة مل ت�أت هكذا من عبث �أو فراغ �أو فعل ب�شر جاهل �أو �أمر باطل والعياذ باهلل ،بل هو جزء ال يتجز�أ من اخللق الهادف �إذا التزم به العبد – و�أقر قوانينه و�آليات حركته – كان ظاهره �إيجابية يف املجتمع .نعم قد يتحول اىل م�شكلة فقط عندما يتحول اىل نزاع وجدل عقيم و�شقاق فتذهب ريح الأفراد واجلماعات والأقوام .وتف�شل جهودهم وم�ساعيهم يف �إعمار الأر�ض ومن عليها وت�شيع احلروب واخلرائب يف الديار والنفو�س وذلك �سيكون من فعل الب�شر الذين مل يرعوا او يتعلموا قانون اخللق والن�شور. �أن نقبل باالختالف �سنة كونية يجعلنا �أن نحول االختالف �إىل امر حممود وجمال يدفع بنا اىل بذل �أف�ضل ما لدينا من امكانات لتنويع حياتنا التي من حولنا وتزيينها بكل الوان الفعل واالنفعاالت • خــــطـــــورة عـــــدم �إدراك �ســـــنــــة الإختالف ومعنى هذا ان االختالف والتعدد والتنوع
ال يزال يفهم �أنه مورد لالحرتاب والقتال والتنابذ ومل يرتفع الوعي اىل م�ستوى اعتبار االختالف او التنوع قيمة ح�ضارية وان�سانية ودليل �سمو ورقي. من هنا ال بد من القول �أن التمذهب الأعمى يف الدين ،والتع�صب البغي�ض يف الدين ،لي�س اال �شذوذا وانحرافا يف املوقف جتاه الدين نف�سه ،ونظره �سلبية للمذاهب التي هي يف اال�سا�س طرق لفهم الدين ،ولي�س انت�سابا مغلقا على نظام ال يجد ملقارعة خ�صومه اال القتل والنبذ .واذا كانت قد ازدادت يف االعوام االخرية م�شاعر الطائفية بفعل التوترات ال�سيا�سية اخلطرية ،ف�إن على اتباع الأديان الذين ميلكون الوعي واالميان املجرد عن الأهواء والع�صبيات وامل�صالح� ،أن ي�صونوا االختالف والتنوع وحرية الفكر واالجتهاد واالختيار .وان يرف�ضوا كل متييز على ا�سا�س ديني �أو عرقي �أو اجتماعي .وان االختالف يف االل�سن وااللوان كاالختالف يف الليل والنهار وال�سماوات واالر�ض، فهذه وتلك قاعدة تكوينية واالن�سان مل ي�شذ عن هذه القاعدة ،لذلك قال تعاىل: ( ولو �شاء ربك جلعل النا�س �أمة واحدة واليزالون خمتلفني ). ماذا يعني ان يكون االن�سان خمتلفاً عن �أخيه الإن�سان ؟ يعني ان يكون حرا يف اختياره ويف موقفه و�سلوكه ،وحرا يف فكره و�سعيه ،وحرا يف انت�سابه ووالئه وانتمائه� ،سواء ملجموعة �سيا�سية او دينية، وحرا يف ابراز ثقافة ومزاولة عاداته. ف�أهلية االن�سان للحياة وت�شكله وتفتحه م�ستمدة من االختالف احلر واحلرية يف االختالف.
39
مقاالت
ال وسطية
40
الحوار الحضاري في اإلسالم
د .عبد القادر الكتاين
قد يظن بع�ض القراء �أن هديف من هذا املقال �أن �أحدثكم عن �شروط و�أركان احلوار الإ�سالمي �أو �أهدافه ومنطلقاته و�أن �أمور احلوار وتفا�صيله كلها �إجناز �إ�سالمي بامتياز ,وبالطبع لي�س هذا هو الهدف� ,إذ ال يخفى على الباحث �أن احلوار احل�ضاري الراقي الذي نعهده اليوم ,مت حتديثه وتطويره عرب قرون من التوا�صل والتكامل والعالقات
احل�ضارية التكاملية بني بني الب�شر� ,إال �أنني �س�أبرهن للجميع �أن الإ�سالم كان من �أوائل ال�شرائع ال�سماوية والقوانني الأر�ضية التي دعت للحوار ودعمته ال بل قبلت نتائجه ,فللحوار يف ديننا وتراثنا معان رفيعة القدر �سامية املكانة تك�سوها م�سحة ح�ضارية راقية مار�سها الر�سول الأكرم (�صلى اهلل عيه و�سلم) ونزل بها الوحي عليه وي�ؤكد ذلك ماورد يف القر�آن
الكرمي يف �سورة الكهف من قوله تعاىل (قال له �صاحبه وهو يحاوره �أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم �سواك رجال) وال�سرية النبوية مليئة بق�ص�ص احلوار وامل�شاورة مع امل�ؤمنني وغريهم �أي �أن فكرة احلوار بد�أت �إ�سالمية وتطورت عرب التاريخ �إىل �أن و�صلت �إلينا على ما هي عليه الآن من ال�سمو والتكامل ,ويف ذلك تدعيم للفكر احلواري احل�ضاري الإن�ساين ,ودعوة للتيارات الإ�سالمية على اختالف انتما�آتها املذهبية والفقهية لتلتزم احلوار العلمي البناء فيما بينها �أو ًال وفيما بينها وبني الآخر عموما �أيا كان انتما�ؤه احل�ضاري �أو الديني �أو الثقايف� ,إن كانت حقا م�سلمة . فمما ال�شك فيه �أن اهلل قد خلق الب�شر جميعا من �أرومة وطينة واحدة , وجعلهم مت�ساوين يف احلقوق والواجبات ،حيث (ال ف�ضل لعربي على �أعجمي وال لأبي�ض على �أ�سود �إال بالتقوى),كما قال الر�سول الكرمي �صلى اهلل عيه و�سلم و�أ�شركهم جميعا ب�أ�شياء كثرية بالفطرة .ثم جعلهم يختلفون ب�أ�شياء �أخرى ليدفعهم �إىل التناف�س والتعاون وتبادل املنافع ،وذلك لكي يتمكن الإن�سان من حتقيق �أق�صى حد من التقدم وال�سعادة, وو�ضع �ضوابط للمناف�سة ال�شريفة � ,إذ جعل التقوى والأخالق املعيار الأ�سا�س الذي يفرق بني املتناف�سني لكي يدركوا �أن التناف�س احلق ينبغي �أن يكون �شريفا ونزيها غايته احلقيقية ال�سعادة الأبدية للب�شرية .وذلك م�صداقا لقوله تعاىل: (يا �أيها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و�أنثى وجعلناكم �شعوبا وقبائل لتعارفوا� .إن �أكرمكم عند اهلل �أتقاكم)وقوله (وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على الإثم
الـحــضـارة اإلسـالمــيـة واحدة من الحضارات التي تقيدها مجموعة من الضوابط الدينية، فـــاإلســـالم يـــشــمـل مجموعة من القواعد الـعـامــة والتفـصـيـليـة تغـطي كـافــة جـوانب الحياة الدنيا
والعدوان) ونحن نعلم �أن عملية التعاون والتعارف ال تتم �إال بالتوا�صل واحلوار ب�أ�شكاله املختلفة فكيف نتعارف ونتعاون �إن مل نتحاور ونتوا�صل واحلوار الذي هو من �أكرث �أ�شكال االت�صال جدوى وفاعلية, الأمر املت�أ�صل يف الفطرة الب�شرية منذ الأزل .فقد خلق اهلل النا�س جميعا وجعلهم �شعوبا وقبائل� ،أي �أجنا�سا متعددة ،لهم ح�ضارات خمتلفة ليتعارفوا ويتعاونوا ملا فيه م�صاحلهم. واحلوار مبعناه الوا�سع يعني التفاعل وتبادل الأفكار بني طرفني �أو �أكرث تتبادل فيه الأطراف املتحاورة امل�شاعر واالحتياجات والآراء والأفكار واملعتقدات, مما يزيد املودة وال�صداقة بني الأطراف املتحاورة .و�أكرب دليل على م�شروعية احلوار واجلدال حتى مع الر�سول الأكرم �صلى اهلل عيه و�سلم ق�صة املر�أة التي جادلت النبي والوارد ذكرها بالقر�آن الكرمي بقوله تعاىل وقوله تعاىل ( قد �سمع اهلل قول التي جتادلك يف زوجها وت�شتكي �إىل اهلل واهلل ي�سمع حتاوركما �إن
اهلل �سميع ب�صري ) وبالطبع فقد انت�صر البارئ عوجل للمر�أة �ضد زوجها وهنالك العديد من �أحداث ال�سرية النبوية تتحدث عن احلوار واجلدال بني الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم و�أهل الكتاب وغريهم وقد �أقره �صلى اهلل عيه و�سلم ال بل عمل بوجهة نظر بع�ض ال�صحابة �أحيانا. وللحوار اجلاد ثالثة �أهداف رئي�سية هي: -1التفاهم يف م�س�ألة فيها خالف وحماولة الو�صول �إىل حل و�سط، -2التعرف على ما عند الطرف الآخر من �أفكار �أو �آراء ،لتحديد نقاط االختالف ونقاط االتفاق, � -3إجناز عمل ل�صالح �أحد الطرفني �أو ل�صالح الطرفني معا ،ويندرج فيها جميع �أنواع ال�سلوك �أثناء التعامل الروتيني اليومي. ورمبا كان هذا النوع من احلوار �أبلغ من كثري من الأبحاث التي تقدم يف ندوات احلوار بني احل�ضارات. واحل�ضارة الإ�سالمية واحدة من احل�ضارات التي تقيدها جمموعة من ال�ضوابط الدينية ،فالإ�سالم ي�شمل جمموعة من القواعد العامة والتف�صيلية تغطي كافة جوانب احلياة الدنيا :العقائد والعبادات ( العالقة بني اخلالق واملخلوق)، واملعامالت والآداب العامة والأخالق (العالقة بني املخلوقات) ،ومينح فر�صة لالجتهاد والتعدد املقبول يف الآراء الفقهية.والتعليمات الدينية مق�سمة �إىل دائرتني رئي�سيتني �أوالهما دائرة الثوابت القطعية الثبوت كالقر�آن الكرمي وال�سنة النبوية املتفق على �صحتها .وثانيهما دائرة املتغريات القابلة لالجتهاد والقيا�س ور�أي الأغلبية واال�ستح�سان وغريها من دوائر االجتهاد.
41
فالإ�سالم يحث امل�سلمني على احلوار والتعارف والتعاون مع الغري لتحقيق ال�سالم املبدئي يف الدنيا ,والإ�سالم يجعل القاعدة العامة للعالقة بني امل�سلمني وغريهم من امل�ساملني الرب والإح�سان بقوله تعاىل( :ال ينهاكم اهلل عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين ومل يخرجوكم من دياركم �أن تربوهم وتق�سطوا �إليهم ) و احلوار بالتي هي �أح�سن بقوله عز وجل ( وال جتادلوا �أهل الكتاب �إال بالتي هي �أح�سن) ولو �أخذنا بع�ض النماذج من ال�سرية النبوية لوجدنا �أن االختالف يف العقيدة مل مينع الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم من التوجيه بالو�صاية خريا ب�أهل م�صر عموما يف قوله�" :إنكم �ستفتحون م�صر.. ف�أح�سنوا �إىل �أهلها .... والقر�آن الكرمي ي�أمر بح�سن معاملة الوالدين امل�شركني يف قوله تعاىل: (وو�صينا الإن�سان بوالديه ح�سنا ،و�إن جاهداك لت�شرك بي ما لي�س لك به علم فال تطعهما� ،إيل مرجعكم ف�أنبئكم مبا كنتم تعملون). وانطالقا من هذا املبد�أ الذي يوفر البيئة املنا�سبة للحوار من �أجل الأف�ضل للجميع كان الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم يكرم �أ�ضيافه و�إن كانوا غري م�سلمني فقد �سمح مثال لوفد ن�صارى جنران �أن ي�ؤدي �صالته يف م�سجده .وكذلك قال �صلى اهلل عيه و�سلممثال" :ما من م�سلم يغر�س غر�سا في�أكل منه �إن�سان �أو دابة �أو طري �إال كان له �صدقة" .فهو يحث على عمل اخلري للإن�سان ب�صرف النظر عن دين امل�ستفيد منه. و�أو�صى الإ�سالم برابطة اجلوار خريا، حيث يقول الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم:
ما زال جربيل يو�صيني باجلار حتى ظننت �أنه �سيورثه" دون حتديد �أن يكون اجلار م�سلما �أو غري م�سلم .وقد �أمر الر�سول ملا ُذبِحت له �شاة �أن ُيهدى منها جلاره اليهودي". ومن الأدلة والأمثلة التي ت�ؤكد على ال�صلة مع غري امل�سلمني �أن الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم بعثاجتماعية،كة قبل �أن يفتحها ماال ملا قحطوا ليوزع على فقرائهم ،و�أنه عليه ال�صالة وال�سالم ت�صدق ب�صدقة على �أنا�س من يهود ،فهي جترى عليهم ،و�أنه عليه ال�صالة وال�سالم قام جلنازة يهودي .كما �أن اخلليفة الرا�شد عمر بن اخلطاب ر�أى ن�صارى جمزومني ف�أمر لهم مب�ساعدة اجتماعية ،واغتاله ذمي فلم مينعه ذلك من �أن يو�صي بهم خريا. ومما ال�شك به �أن هذا الت�سامح �إمنا ينتج عن التعاليم الإ�سالمية ال�سمحة التي تن�ص على كرامة الإن�سان عموما وعلى حرية االختيار يف الدنيا (ال �إكراه يف الدين قد تبني الر�شد من الغي ) وعلى �أن امل�سلم لي�س مكلفا مبحا�سبة الآخرين على توجهاتهم, إن أغلب الحروب والصراعات التي تقنعت بالدين كانت صراعات مصالح مادية وهيمنة استعمارية خذ الحروب الصليبية مثال إذ تقنع الغربيون بالصليب وأعلنوها حربا صليبية
بل عليه فقط دعوتهم باحل�سنى, ومن مبادئ الإ�سالم احرتام العقود ال�صريحة وال�ضمنية رغم اختالف العقيدة �أو احل�ضارة .ومن مبادئه �أي�ضا �أن يرجو امل�سلمون للآخرين ما يرجونه لأنف�سهم من اخلري فيدعون لهم بالهداية والر�شاد .وهو مبد�أ �أنبياء اهلل جميعا، ومن اجلهود املتبادلة يف توفري البيئة املنا�سبة للحوار �إ�سالميا الثناء على العمل ال�صالح و�إن �صدر ممن نختلف معه يف بع�ض الأمور ومنها العقيدة .فقد �أ�شار الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم ب�صيغة الثناء �إىل حلف الف�ضول ومن دعا �إليه حيث قال " لو دعيت يف الإ�سالم �إىل مثله لأجبت "، و�أثنى على ملك احلب�شة الذي مل يكن م�سلما وقال عنه �إنه ملك ال يظلم عنده �أحد. ويطالبنا البارئ عز وجل بالدعوة واجلدال باحل�سنى بقوله ( :ادع �إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم بالتي هي �أح�سن),والأ�صل يف املحاورة احل�ضارية خلوها من اخلداع والأ�ساليب امللتوية �أو اجلارحة ،وعندها ي�صل احلوار يف الغالب لزيادة االحرتام واملودة بني الأطراف املتحاورة� ،سواء �أقبل �أحد املتحاورين ر�أي املحاور الآخر �أم رف�ضه، وهناك مناذج كثرية للحوار اللفظي بني الإ�سالم واحل�ضارات النماذج�.سوف �أقت�صر على �إيراد بع�ضها مما ورد يف ال�سرية النبوية من مناذج. �إذ �إن جميع اجلهود الدعوية للر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم ميكن اعتبارها مبادرات للدعوة �إىل اخلري ال�شامل �أو مبادرات ال�ستثارة احلوار بني الثقافات والأديان واحل�ضارات. ولعل من �أبرز اجلهود التي بذلها الر�سول
�صلى اهلل عيه و�سلم لدعوة �أ�صحاب الديانات واحل�ضارات الأخرى �إىل الإ�سالم �أو ال�ستثارة احلوار معها ر�سائله: �إىل ملوك الدول الأخرى. كذلك تلك التي جرت بني الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم ووفد ن�صارى جنران ،حيث �أكد لهم النبي مكانة عي�سى عليه ال�سالم يف الإ�سالم ،وحول ما يريده الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم منهم ،و�أكد لهم �أن الأنبياء �إخوة يف الدعوة �إىل اهلل �إذ قال لهم �أنه قد بعث ليتمم مكارم الأخالق التي بد�أها الأنبياء ال�سابقون و�أو�ضح لهم �أنه يدعوهم �إىل عبادة اهلل �سبحانه وتعاىل. من امل�ؤكد �أن هذا املبد�أ هو مبد�أ الر�ساالت ال�سماوية كلها ،فهو مبد�أ الفطرة الب�شرية ال�سليمة ،فهل الأديان هي ال�سبب الرئي�سي لل�صراعات واحلروب الدموية التي وقعت وتقع يف كل زمان ومكان ؟. �إن �أتباع الر�ساالت ال�سماوية امل�ؤمنني احلقيقيني منهم يدركون جيدا �أن ال�صراع املادي جزء طبيعي من احلياة يف هذه الدنيا .ف�أعوان ال�شر ال يزالون ن�شطني يف حماربة اخلري ،وال بد لأعوان اخلري �أن ينتبهوا �إىل هذه احلقيقة وال يقعوا فرائ�س �سهلة لل�شباك التي ين�صبها لهم �أعوان ال�شر,الذين يزينون امل�صالح ال�شخ�صية ،ويحثون الأباطرة على اجلري وراء احلروب والكوارث. ولكن لو ا�ستعر�ضنا �أ�سباب احلروب يف العامل بدقة لوجدناها تتمثل فيما يلي: امل�صالح والأطماع اال�ستعمارية لبع�ضالقادة ال�سيا�سيني والع�سكريني، املناف�سة غري ال�شريفة واحلقد الأعمىعند بع�ض الأ�شخا�ص من �أتباع احل�ضارات املختلفة
يطالبنا البارئ عز وجل بالدعوة والجدال بالحسنى بقوله : يل َر ِّب َ ك (اد ُع ِإلِى َ ْ س ِب ِ ِبا ْل ِح ْك َم ِة َوا ْل َم ْوعِ َ ظ ِة س َن ِة َو َجادِ ْل ُهم ا ْل َح َ س ُن ) ي أَ ْح َ ِبا َّلتِي ِه َ (النحل )125 :
ا�ستغالل ذوي امل�صالح الأنانيةلالختالفات الطبيعية (العن�صر واللون) واملكت�سبة (االختالف يف الدين والثقافة) وهنالك �أمثلة كثرية مل�ساهمة العرب وامل�سلمني �أفرادا وحكومات يف توفري البيئة ال�صاحلة للحوار احل�ضاري، وهي نف�سها مناذج م�شرفة للحوار بني احل�ضارات، وانطالقا من هذا املبد�أ فقد عملت احلكومات العربية والإ�سالمية على توفري البيئة املنا�سبة للحوار بني احل�ضارة الإ�سالمية واحل�ضارات الأخرى بطرق خمتلفة ،منها تقدمي الدعم املايل ملراكز احلوار احل�ضاري يف بع�ض اجلامعات ومراكز الدرا�سات العربية والغربية. كما �شاركت التيارات الإ�سالمية املعتدلة واملتنورة يف توفري البيئة ال�شعبية املنا�سبة للحوار احل�ضاري, وهنا يربز �س�ؤال هام وهو ما دام الأمر كذلك فلماذا كانت احلروب بني �أتباع الر�ساالت املختلفة عموما؟. �إن �أ�صحاب الر�ساالت ايتوقفوا عنكون
جيدا �أن الدين بريء من تهمة �إ�شعال احلروب ,براءة الذئب من دم يعقوب ف�صراع امل�صالح املادية والأطماع الب�شرية جزء طبيعي من طبائع وغرائز الب�شر. و�أعوان ال�شر ال ولن يتوقفوا عن حماربة اخلري ،ويبثون الأحقاد بني ال�شعوب. �إذ �إن �أغلب احلروب وال�صراعات التي تقنعت بالدين كانت �صراعات م�صالح مادية وهيمنة ا�ستعمارية " ,خذ احلروب ال�صليبية مثال " �إذ تقنع الغربيون بال�صليب و�أعلنوها حربا �صليبية ال�ستثارة امل�شاعر الدينية للم�سيحيني الغربيني وال�شرقيني ولكن خاب ف�ألهم و�أ�سماها العرب حروب الفرجنة ,وات�ضح الأمر لكل ذي ب�صرية �أنها حرب ا�ستعمارية مادية هدفها ال�سيطرة على مقدرات وثروات ال�شرق العربي ,وما احلرب التي ت�شنها �أمريكا والغرب على املنطقة العربية �إال حرب قذرة �أخرى هدفها املحافظة على م�صالح الغرب با�ستمرار تدفق النفط والرثوات العربية ولهيمنة ال�صهيونية والغرب على املنطقة العربية بحجج خمتلفة فتارة حرب �صليبية و�أخرى لنزع �أ�سلحة الدمار ال�شامل وثالثة ملحاربة التطرف والإرهاب الذي يغذيانه بحروبهم هذه وب�شكل غري م�سبوق ملا ي�سببانه من ظلم وقتل وا�ضطهاد و�إذالل ل�شعوب ومقد�سات وثقافات وتراث العرب وامل�سلمني والعامل الثالث �أجمع � ,إذ �إن الدعاة احلقيقيني للدين هم دعاة م�ساملون وخ�صو�صا امل�ؤمنون منهم يتمثلون قول البارئ عز وجل(ا ْد ُع �إِلىِ َ�س ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْوعِ َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْلهُم بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن ).و( ال �إكراه يف الدين قد تبني الر�شد من الغي).
مقاالت
44
ال وسطية
القرآن واستنهاض العقل
قضايا فكرية د .عبد الإله بن م�صباح �إذا كان املنهاج العلمي املعت َمد حدي ًثا يف العلوم التجريبية ،يقوم على �أ�س�س املالحظة والفر�ضية والتجربة لبناء احلقيقة العلمية، ف�إن املنهاج القر�آين ا�ستوعب ب�إعجازه كل هذه اخلطوات ،بل وجتاو َزها �إىل حد التوثيق الزماين واملكاين ملو�ضوع البحث حتى يرقى بنتائجه من ن�سبية احلقيقة �إىل �إطالق احلق. لقد جاء القر�آن الكرمي مبظاهر �شتى من الإعجاز ،لتكون �أدلة يف الدعوة �إىل �سبيل اهلل ،وحتى يتبني للعالمَ �أن هذا الكتاب الذي �أُنزل على �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ال ميكن �أن ي�صدر عن غري كالم اهلل ،فكان من جملة ما حمل القوة على ا�ستنها�ض
العقل ،للدفع بالإن�سان �إىل بناء فكر علمي قومي على �أ�س�س منهاج عقالين حكيم. ميا قد تبنى الطرح فلئن كان الفكر قد ً اخلرايف املبني على ال�سرد الأ�سطوري يف ا�ستقرائه للوقائع والأحداث ،ف�إن القر�آن بنورانيته املعجزة جاء ليخرج النا�س من ظالم الفكر الوهمي �إىل نور اليقني العلمي .ثم �إذا كان املنهاج العلمي املعت َمد حدي ًثا يف العلوم التجريبية ،يقوم على �أ�س�س املالحظة والفر�ضية والتجربة لبناء احلقيقة العلمية ،ف�إن املنهاج القر�آين قد �سبق �إىل ذلك بقرون ،حيث ا�ستوعب ب�إعجازه كل هذه اخلطوات ،بل وجتاو َزها �إىل حد التوثيق الزماين واملكاين ملو�ضوع
البحث حتى يرقى بنتائجه من ن�سبية احلقيقة �إىل �إطالق احلق. ف�إذا وقفنا على قول اهلل تعاىلُ ( :قلِ ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض) ا ْن ُظ ُروا مَا َذا فيِ َّ (يون�س ،)101:ف�إننا �سنجد فيه من الدقة يف التعبري ما �إن قوته لت�ستنه�ض العقل ل�سرب �أغوار الكون مبنهاج علمي حكيم. فثمة فرق كبري بني قول" :انظروا ال�سماوات والأر�ض" وقول(:ا ْن ُظ ُروا مَا َذا ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض)؛ فالأول يدعو �إىل فيِ َّ املالحظة فقط وهي نظرة الظاهر ،و�أما الثاين ف�إنه ت�ضمن عبارة(:مَا َذا فيِ ) التي تفيد بالإ�ضافة �إىل املالحظة االفرتا�ض ثم االختبار� ،أي التجربة ،وهي نظرة الباطن،
لأن �أداة الإ�شارة "ذا" التي جاءت بني "ما" و"يف" تدل على �سر ت�ستبطنه ال�سماوات والأر�ض هو املق�صود بالإ�شارة واملطلوب من النظر الذي جاءت به العبارة. وهذا ال�سر �إمنا هو نور املك ِّون الذي تعك�سه كل املك َّونات يف ال�سماوات والأر�ض، والذي �إن وجهتنا �إليه الآية بهذه العبارة فلأجل حتريك عقولنا؛ حتى تتف َّتح الأفهام وت�شرق على القلوب ب�أنوار التفكر والإمعان. ف�إذا مت ذلك انقلبت تلك الدالالت الكونية يف حق املك ِّون مدلوالت ،و�أ�شرقت �أنوارها على القلب معارف وجتليات دالة لك عليه ال على �أثره ،لأنه ما غاب �سبحانه حتى ُي�ستدل ب�أثره عليه ،ولكنه الدليل احلق على كل �شيء نظ ْر َت �إليه. العلم مَ�شاع بني النا�س والتزود منه حق� ،إال �أن امل�سلمني منذ فجر الإ�سالم اعتربوه واج ًبا ،لأنه �ضرورة يف فهم حقيقة الدينَ ( :ف ْاعلَ ْم �أَ َّن ُه َال �إِ َل َه �إِ َّال ُ اهلل) (حممد ،)19:وو�سيلة للدعوة �إىل اهلل( :ا ْد ُع �إِلىَ َ�سبِيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْوعِ َظ ِة الحْ َ َ�س َنةِ) (النحل .)125:وال غرابة يف هذه احلقيقة، لأن العلم كان د�أب كل الر�ساالت ال�سماوية منذ �آدم عليه ال�سالم الذي قال يف حقه ر ُّبه عز وجلَ ( :و َع َّل َم �آ َد َم الأَ ْ�س َما َء ُك َّلهَا ُث َّم َع َر َ�ض ُه ْم َعلَى المْ َ َ ال ِئ َكةِ)(البقرة� ،)31:إىل �إبراهيم عليه ال�سالم الذي كانت دعوته �إىل التوحيد من منطلق علميَ ( :و َك َذل َِك ُنرِي �إِ ْب َراهِ ي َم َملَ ُك َ ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض َو ِل َي ُكو َن وت َّ مِ َن المْ ُو ِق ِن َ ني)(الأنعام� ،)75:إىل خامت الأنبياء واملر�سلني �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم الذي جمعت ر�سالته كل علوم الأنبياء ال�سابقني. ولعل يف الآية التي جعلناها مدخل الباب ال�سابق والتي ختمت بقوله تعاىل�( :إِنمَّ َ ا َي َت َذ َّك ُر �أُو ُلو الأَ ْلبَابِ ) (الزمر ،)10:ما ي�سلط ال�ضوء على تفا�صيل هذه احلقيقة .ف�أولوا
لقد جاء القرآن الكريم بمظاهر شتى من اإلعجاز ،لتكون أدلة في الدعوة إلى سبيل اهلل، وحتى يتبين للعا َلم أن هذا الكتاب الذي ُأنزل على سيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم ال يمكن أن يصدر عن غير كالم اهلل
الألباب هم الذين و�صفهم احلق تبارك ال�س َما َواتِ وتعاىل يف قوله�( :إِ َّن فيِ َخ ْلقِ َّ َوالأَ ْر ِ�ض َو ْاخ ِت َ ال ِف ال َّل ْيلِ َوال َّنهَا ِر َ آل َياتٍ ول الأَ ْلبَابِ )(�آل عمران� .)190:إذن ،هم لأُ يِ الذين ينطلقون من هذه املراجع الكونية التي �أحكمت �آياتها يف ال�سماوات والأر�ض، يبتغون بب�صريتهم ا�ستجالء تلك الأ�سرار الكامنة خلف املكونات الدالة على عظمة املكون ودقة �إحكامه لعامل الأكوان .فه�ؤالء �إذن ،هم املتفكرون الذين فتح اهلل ب�صائرهم على �أ�سرار الكون لي�سرت�شدوا بها على وحدانية املكون ،فكانوا ال يف�صلون الفكر عن الذكر كما و�صفهم اهلل تعاىل يف بقية ين َي ْذ ُك ُرو َن َ الآية بقوله(:ا َّلذِ َ اهلل ِق َيا ًما َو ُق ُعودًا َو َعلَى ُج ُنو ِب ِه ْم َو َي َت َف َّك ُرو َن فيِ َخ ْلقِ ال�س َما َواتِ َواْلأَ ْر ِ�ض َر َّب َنا مَا َخلَقْتَ َه َذا بَاطِ ً ال َّ اب ال َّنارِ) ُ�س ْب َحا َن َك َف ِق َنا َع َذ َ (�آل عمران.)191: فه�ؤالء كان تفكرهم ذك ًرا وذكرهم تفك ًرا، لأنهم ما ا�ستعملوا عقولهم يف ا�ستظهار احلقائق ،وال ا�ستدلوا بوهج الأنوار امل�شرقة يف قلوبهم على بواطن اخلالئق� ،إال من خالل ا�ستح�ضارهم مل�صدر النور ال�ساري
فيها وهو اهلل عز وجل الذي لوال نوره ما ظهر حق يف ظلمة الوجود كما قال ابن عطاء اهلل ال�سكندري رحمه اهلل يف �إحدى حكمه" )1(:الكون كله ظلمة ،و�إمنا �أناره ظهور احلق فيه .فمن ر�أى الكون ومل ي�شهده فيه �أو عنده �أو قبله �أو بعده ،فقد وحجبت عنه �شمو�س �أعوزه وجود الأنوار ُ املعارف ب�سحب الآثار". فكانت الدعوة �إىل النظر يف الكون ال من �أجل الكون ،ولكن من �أجل املك ِّون حيث قال -رحمه اهلل -يف حكمة �أخرى: "�أباح لك �أن تنظر ما يف املك َّونات ،وما �أذن لك �أن تقف مع ذوات املك َّونات ( ُقلِ ا ْن ُظ ُروا ال�س َما َواتِ ) ،وفتح لك باب الأفهام، مَا َذا فيِ َّ ومل يقل انظروا ال�سماوات لئال يدلك على وجود الأجرام" .ويف تف�سري هذه احلكمة يقول العارف باهلل ال�شيخ �أحمد بن عجيبة احل�سني رحمه اهلل" )2(:فتح لك باب الأفهام؛ جمع "فهم"� ،أي فتح لك باب العلم لتدخل بها من ظاهر الق�شر �إىل باطن اللب ،حتى تعرفه يف كل �شيء وتفهم عنه كل �شيء ،ولو قال احلق تعاىل :قل انظروا ال�سماوات ،لد ّلك على الأجرام و�س ّد لك باب الأفهام". وهذا منطقي ،لأنه �إذا قلت لك :انظر هذه العلبة ،ف�إن نظرك �سينح�صر يف مالحظتها بنظرة �سطحية تقع على �شكلها ولونها وما �إىل ذلك مما هو متعلق بنظرة الظاهر.. �أما �إذا قلت :انظر ما يف هذه العلبة ،ف�إن ً مفرت�ضا �أن يكون نظرك �سينفذ �إىل داخلها فيها �شيء وقد ال يكون .وهذا القول يدفع بالعقل تلقائ ًّيا لو�ضع الفر�ضيات� ..أما �إذا قلت لك :انظر ماذا يف هذه العلبة ،فهنا �سترُ كز نظ َرك على �شيء موجود بداخلها، لأن حرف الإ�شارة "ذا" يدل على �أن �شي ًئا ما بداخل العلبة �أطلبك ملعرفته ،فهذا القول �سي�ستدعيك لأن تالحظ العلبة �أو ًال ،ثم
45
مقاالت
ال وسطية
ت�ضع الفر�ضيات حول ما ميكن �أن يكون هذا ال�شيء الذي بداخلها ثان ًيا ،ف�إذا و�صلتَ �إليه انكببتَ عليه تختربه من كل الزوايا حماو ًال معرفة حقيقته ،وتلك هي املرحلة الأخرية يف البحث بعد املالحظة والفر�ضية وهي التجربة املف�ضية �إىل احلقيقة .وبذلك فالقول الثالث يجمع يف عبارته عنا�صر املالحظة والفر�ضية والتجربة وعليه يقوم منهاج البحث يف العلوم التجريبية. ف�إذا كانت الدعوة املوجهة �إلينا يف مو�ضوع ال�سماوات والأر�ض جاءت مبثل هذا القول الأخري فل�سر ن�ستنبطنه نحن مطالبون بالك�شف عنه ،وهو ما يعطي للقر�آن الكرمي قوته اخلارقة على ا�ستنها�ض العقل ،ويجعله مفتاح باب الفهم ملن �أراد الدخول من ظاهر الق�شر �إىل باطن اللب ،و�إال ما جاء ا�ستفهامه عن م�ستويات �أهل العلم خمتو ًما بقول اهلل تعاىل: (�إِنمَّ َ ا َي َت َذ َّك ُر �أُو ُلو الأَ ْلبَابِ )(الزمر،)10: من اللب الذي هو �أ�صل ال�شيء وخال�صه وقلب ال�شيء ال قالبه. ودعوة �سيدنا �إبراهيم عليه ال�سالم خري �شاهد لنا على �صحة هذا النهج؛ فلما جاء عليه ال�سالم لدعوة قومه وكان �أول امل�سلمني ،ما �أر�سله اهلل تعاىل وكلفه بالر�سالة �إال من بعد �أن ك�شف له �سبحانه عن �أ�سرار الكون ،فكانت دعوته عليه ال�سالم �أول �إعالن جاء مبوجب تلك الوقائع ،مق ًّرا ب�أن العلم هو �أ�سا�س اليقني، وعلى نهجها جاءت ر�سالة خامت الأنبياء واملر�سلني �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم متممة لكل التفا�صيل ،حيث كانت �أول �سورة نزلت يف القر�آن الكرمي( :ا ْق َر ْ�أ) (العلق ،)1:للت�أكيد على مكانة العلم ودوره يف تر�سيخ اليقني .فكان التوجيه الرباين
46 دعوة �صريحة �إىل النا�س للتف ّكر يف ملكوت اهلل والتد ّبر يف �آياته ق�صد اال�ستدالل على قدرته وبلوغ اليقني ،وهي دعوة ُتلزم كل م�سلم بالنظر يف ملكوت اهلل وحت ّثه على البحث يف جماالت اخللق وحت ّمله عبء العمل به ،يقول تعاىل: ال�س َما َواتِ (�أَ َولمَ ْ َي ْن ُظ ُروا فيِ َملَ ُكوتِ َّ َوالأَ ْر ِ�ض َومَا َخلَ َق ُ اهلل مِ نْ َ�ش ْي ٍء َو�أَ ْن ع ََ�سى فلئن كان الفكر قديما قد تبنى الطرح ً الخرافي المبني على السرد األسطوري في استقرائه للوقائع واألحداث ،فإن القرآن بنورانيته المعجزة جاء ليخرج الناس من ظالم الفكر الوهمي إلى نور اليقين العلمي.
هذا تقريع وتوبيخ من اهلل� ،أي :ماذا كنتم تعملون حيث مل تبحثوا عن الآيات ومل تتفكروا ما فيها". وهنا يجب التنبيه �إىل �شيء مهم تربزه �صيغة الآية التي جعلت عدم العلم بالآيات معطو ًفا على التكذيب بها ،وذلك بوا�سطة واو احلال�( :أَ َك َّذ ْب ُت ْم ِب�آ َياتِي َولمَ ْ تحُ ُ ِيطوا ِبهَا عِ ْل ًما) ،فهذا يفيد �أن التكذيب بالآيات، �إمنا نتج عن عدم الإحاطة بها عل ًما "كذبتم واحلال �أنكم مل حتيطوا بها عل ًما" .ولهذا جاء التقريع منه �سبحانه يف قوله�( :أَ ْم مَا َذا ُك ْن ُت ْم َت ْع َم ُلو َن) للت�أكيد على �أن هذا الكون بكل مكوناته الظاهرة والباطنة التي كان الإن�سان يعي�شها بحوا�سه ومداركه� ،إمنا هو �آيات ناطقة بعظمة مبدعها ،وب�صائر تع�صم النا�س من اجلهل حتى ال يقعوا يف التكذيب .يقول ربنا جل وعالَ ( :ق ْد َجا َء ُك ْم َب َ�صا ِئ ُر مِ نْ َر ِّب ُك ْم َف َمنْ �أَ ْب َ�ص َر َف ِل َن ْف�سِ ِه ِيظ) َو َمنْ عَمِ َي َف َعلَ ْيهَا َومَا �أَ َنا َعلَ ْي ُك ْم ب َِحف ٍ (الأنعام .)104:وقد ف�سر القرطبي رحمه اهلل الب�صائر بجمع ب�صرية؛ وهي احلجة والبينة الظاهرة ،وذكر �أن "احلق �سبحانه و�صف الداللة باملجيء لتفخيم �ش�أنها� ،إذ كانت مبنزلة الغائب املتوقع ح�ضوره" .ثم �أ�ضاف رحمه اهلل �أن "من مل ي�ستدل �صار مبنزلة الأعمى وعلى نف�سه يعود عماه".
�أَ ْن َي ُكو َن َقدِ اقْترَ َ َب �أَ َج ُل ُه ْم َف ِب َ�أ ِّي َحدِ يثٍ َب ْع َد ُه ُي�ؤْمِ ُنو َن)(الأعراف)185:؛ وامللكوت هو �سلطان اهلل وقدرته التي ال يدركها من وقف مع ظاهر امللك ،و�إمنا من نفذت ب�صريته �إىل �شهود النور الباطني لعامل ال�سماوات والأر�ض .فمن مل يح ّمل نف�سه الهوام�ش : عناء الإحاطة بحقائق هذه الأ�شياء والعمل مب�ضامينها� ،أورد موارد اجلهل ف�أدخل ( )1احلكم العطائية ،البن عطاء اهلل ال�سكندري املالكي (ت709هـ)� ،شرح وحتليل الدكتور حممد مداخل الباطل .قال اهلل تبارك وتعاىل� :سعيد رم�ضان البوطي ،دار الفكر املعا�صر ،بريوت، (ح َّتى �إِ َذا َجاءُوا َقا َل �أَ َك َّذ ْب ُت ْم ِب�آ َياتِي َولمَ ْ .2001 َ (� )2إبعاد الغمم عن �إيقاظ الهمم يف �شرح احلكم، َ تحُ ُ ْ َ ُُْ َ ُ َ ِيطوا ِبهَا عِ ل ًما �أ ْم مَاذا كنت ْم ت ْع َملون لأحمد بن عجيبة احل�سني (ت1266هـ) ،دار الكتب * َو َو َق َع ا ْل َق ْو ُل َعلَ ْي ِه ْم بمِ َا َظلَ ُموا َف ُه ْم َ ال العلمية ،بريوت.2009 ، َي ْنطِ ُقو َن)(النمل .)85-84:ويف تف�سري هذه الآية قال القرطبي رحمه اهلل�" :أي كلية العلوم ،جامعة ابن طفيل /املغرب كذبتم جاهلني غري م�ستدلني .و�أ�ضاف �أن
ال أظن أن أمة من األمم أو حضارة من الحضارات ـ غير األمة والحضارة اإلسالمية ـ قد رفعت سلطان العلماء فوق سلطان األمرا ء. والسر في هذا األمر ـ الذي يبدو فريدا وغريبا ـ كامن في طبيعة النظام اإلسالمي للدولة, وللسلطات التي تتكون منها الدولة ..فالدولة اإلسالمية هي دولة القانون..
سلطنة العلماء .. فوق سلطنة األمراء
د .حممد عمارة
كما �أن الدولة يف الدميقراطيات الغربية هي دولة القانون ,لكن القانون يف الدميقراطيات الغربية ت�ضعه الدولة ,ومن ثم ف�إن �سلطانها ـ عمليا ـ هو فوق القانون ,وهي ت�ستطيع ـ بوا�سطة ال�سلطة الت�شريعية ,التي هي جزء من احلزب احلاكم ـ حزب ال�سلطة التنفيذية ـ �أن تعدل هذا القانون ,بل و�أن تعبث به عندما ت�شاء .فالربملان الفرن�سي �سنة 2005قرر �أن �صنيع اال�ستعمار الفرن�سي واجلي�ش الفرن�سي يف اجلزائر هو �أمر يبعث علي الفخار! ..والكوجنر�س الأمريكي جعل غزو �أفغان�ستان والعراق وتدمريهما قانونا واجب االحرتام والتنفيذ ..ومن ثم جعل القتل والتعذيب قانونا حم�صنا! ..لكن الأمر لي�س كذلك يف النظام الإ�سالمي ,الذي يجعل مبادئ ال�شريعة الإلهية فوق ال�سلطة التنفيذية و�إطارا حاكما لل�سلطة الت�شريعية, ميار�س العلماء املجتهدون ـ الذين اعرتفت
الأمة ب�سلطتهم االجتهادية ـ دور اخلرباء يف الت�شريع والتقنني ..ومن ثم ال�سلطة الهادية واملر�شدة لبقية ال�سلطات .لهذا ال�سبب, ولهذه احلقيقة عرفت �أمتنا وح�ضارتنا له�ؤالء العلماء �سلطانا �أدبيا ـ ولي�س كهنوتيا ـ تفوق على �سلطان الأمراء. ويف تاريخنا الإ�سالمي ـ الذي يجب �أن نعيه لنقتدي به ـ مناذج م�ضيئة من ه�ؤالء العلماء ,الذين �أجل�ستهم الأمة على عر�ش ال�سلطنة العلمية ..ومن هذه النماذج العز بن عبدال�سالم 577,ـ 660هـ 1181/ـ 1262م الذي ا�شتهر يف التاريخ الإ�سالمي بـ �سلطان العلماء ....كيف كانت �سلطنة �سلطان العلماء فوق �سلطنة �سلطان الأمراء؟. لقد ا�شتغل العز بن عبدال�سالم بالتدري�س واخلطابة والق�ضاء والإفتاء ..مار�س ذلك بال�شام ,وعندما ا�صطدم ب�أمري دم�شق ـ الذي كان مواليا لل�صليبيني ,ومعاديا ل�سلطان
47
مقاالت
ال وسطية
م�صر ,والذي ا�ستقوى بال�صليبيني على �سلطان م�صر ,و�سمح لهم ب�شراء ال�سالح من �أ�سواق دم�شق ـ �صعد العز بن عبدال�سالم منرب اجلامع الأموي ,وهاجم �أمري دم�شق, ودعا عليه ـ بدال من �أن يدعو له ـ وجماهري امل�صلني بامل�سجد اجلامع يهدرون من خلفه: �آمني� ..أمني! ..وبعد هذا هاجر املعز �إىل م�صر ـ يف القاهرة ,كان العز بن عبدال�سالم ال يخ�شى يف احلق لومة الئم ..فلقد �أنكر علي ال�سلطان ال�صالح جنم الدين �أيوب602, ـ 647هـ 1206/ـ 1249م �أ�ساليب اجلور يف احلكم ,وفر�ض ال�ضرائب الباهظة على الرعية ,و�إباحة اخلمور وامل�سكرات ..ولقد واجه ال�سلطان بالنقد ـ يف يوم العيد ,ويف ح�ضرة الأمراء الذين كانوا يقبلون الأر�ض بني يدي ال�سلطان ـ ف�أراد العز ك�سر �شوكة هذا التكرب والتجرب ,فنادى ال�سلطان با�سمه املجرد ,وقال له :يا �أيوب ما حجتك عند اهلل �إذا قال اهلل� :أبوئ لك ملك م�صر, ثم تبيع اخلمور؟! ..فقال ال�سلطان :وهل حدث ذلك؟ ..فقال له العز :نعم ,يف احلانة الفالنية تباع اخلمور وغريها من املنكرات, و�أنت تتقلب يف نعمة هذه اململكة! ..فلما احتج ال�سلطان ب�أن ذلك �إمنا هو حادث من �أيام �أبيه ,ومل يحدث يف عهده هو ,قال له العز :وهل �أنت من الذين يقولون� :إنا وجدنا �آباءنا علي �أمة؟!. وعندما توىل املماليك حكم البالد ـ بعد الأيوبيني ـ ور�أى العز بن عبدال�سالم ا�ستعالءهم وجتربهم وظلمهم ,عزم على ك�سر �شوكتهم بفتوى مل ي�سبق لها مثيل يف تاريخ الفقه والفقهاء ..فه�ؤالء املماليك قد �سبق وا�شرتتهم الدولة وهم �صغار, كعبيد ,ثم علمتهم ودربتهم على ال�سالح.. �إذن ,فهم ال يزالون ـ �شرعا وقانونا ـ �أرقاء, رغم املنا�صب العليا التي يتولونها ..ف�أفتى العز ببيع ه�ؤالء احلكام والأمراء املتجربين يف �سوق الرقيق ,وب�أن تو�ضع �أثمانهم يف بيت مال امل�سلمني! ..وهنا كانت الطامة الكربى التي نزلت به�ؤالء املماليك ,الذين
48 في تاريخنا اإلسالمي الذي يجب أن َنعيه لنقتدي به . نماذج مضيئة من العلماء ،الذين أجلستهم األمة على عرش السلطنة العلمية.
بيدهم اجلي�ش وال�سالح والأموال واملنا�صب الرفيعة ..وقال نائب ال�سلطان :كيف ينادي علينا هذا ال�شيخ ,ويبيعنا ,ونحن ملوك الأر�ض؟! واهلل لأ�ضربنه ب�سيفي هذا.. وزحف املماليك ,مدججني بال�سالح, يقودهم نائب ال�سلطان ,وحا�صروا بيت هذا ال�شيخ الأعزل ـ �إال من �سلطان احلق ـ فخرج �إليهم يف جالل احلق وقوته وجربوته.. وحني وقع ب�صره على نائب ال�سلطان ,يب�ست يد النائب ,و�سقط ال�سيف منها ,وارتعدت مفا�صله ,فبكى ,و�س�أل ال�شيخ �أن يعفو عنه, و�أن يدعو له! ..لكن ال�شيخ �أ�صر على تنفيذ فتواه ,فنادى ـ يف ال�سوق ـ على ه�ؤالء الأمراء واحدا واحدا ,وغاىل يف ثمنهم ,وقب�ض هذا الثمن ,و�صرفه يف وجوه اخلري وم�صالح امل�سلمني .ولقد تعجب النا�س من هذه ال�شجاعة النادرة ـ �شجاعة احلق الأعزل من ال�سالح ـ حتى لقد �س�أل ابن ال�شيخ �أباه: يا �أبت ,كيف واجهت هذا املوقف الع�صيب, و�أنت �أعزل �أمام جي�ش مدجج بال�سالح؟!.. فقال له :واهلل يا بني لقد ا�ستح�ضرت عظمة اهلل فر�أيت الأمري مثل الف�أر!! ..وعندما زحف التتار ـ املتحالفون مع ال�صليبيني ـ فدمروا بغداد وبالد امل�شرق الإ�سالمي, وهددوا الوجود احل�ضاري لأمة الإ�سالم,
وبعث هوالكو 614,ـ 663هـ 1217/ـ 1265م ب�إنذاره الفظ �إىل �سلطان م�صر قطز657, ـ 658هـ 1259/ـ1260م جمع ال�سلطان العلماء والأمراء والأعيان ,وطلب فتوي العلماء بفر�ض الأعباء املالية للحرب على الرعية ,فكان انحياز العز بن عبدال�سالم �إيل تطبيق العدل يف اقت�سام �أعباء القتال, وحتدث ـ با�سم العلماء ـ فقال� :إنه �إذا طرق العدو بالد الإ�سالم وجب على اجلميع قتالهم ,وجاز للحكام �أن ي�أخذوا من الرعية ما ي�ستعينون به على اجلهاد ,لكن ب�شرط �أال يبقي يف بيت املال �شيء ,وب�شرط �أن يبيع الأمراء ما لديهم من الذهب والآالت والتحف النفي�سة ,و�أال يبقي مع اجلنود �سوى خيول احلرب و�أ�سلحتها ,وعندما يت�ساوى الأمراء والعامة يجوز جمع ما حتتاج �إليه املعركة من النفقات من عامة النا�س ..ووجه العز بن عبدال�سالم كالمه �إىل ال�سلطان قطز ..وقال له� :إذا �أح�ضرت ما عندك وعند حرميك ,و�أح�ضر الأمراء ما عندهم من احللي احلرام ,و�ضربته نقدا ,وفرقته على اجلي�ش ,ومل يقم بكفايتهم ,يف ذلك الوقت اطلب القر�ض, و�أما قبل ذلك فال� ..إن كل جندي ال يخاطر بنف�سه ـ ف�ضال عن ماله ـ فلي�س بجندي!.. وبالفعل ,مت توزيع ميزانية القتال بالعدل على الرعية ,وذلك بعد م�صادرة ما لدى الأمراء من �أموال وحتف ونفائ�س ..وكما يقول امل�ؤرخ ابن �إيا�س 930,هـ 1524/م: فدفع املواطن العادي دينارا ,ومالك العقار واحلقل وال�ساقية �أجرة �شهر ,ودفع الأغنياء زكاة �أموالهم وممتلكاتهم مقدما� ,أما كبار الأثرياء ,فقد اقتطعت الدولة منهم ثلث ما لديهم من �أموال .هكذا كان �سلطان العلماء العز بن عبدال�سالم� ,سلطانا يف احلق والعدل ,مع فقه الورع والإياب �إىل احلق يف هذا النموذج الأ�سوة والقدوة ..منوذج �سلطان العلماء الذي تفوقت �سلطنته على �سلطان الأمراء!.
جدلية المرحلة ..الثورة ووعي الشباب
حممد االمني عبد النبي
حتي �أواخر عام 2010م مل يكن بو�سع �أكرث املتفائلني بقدرات ال�شباب العربي �أن يتنب�أ بالتطورات الكبرية التي �شهدتها املنطقة العربية علي الرغم من االرها�صات املتزايدة للظلم واال�ستبداد والقهر يف كثري من البلدان وهو ما مثل �إمتهانا للكرامة يف املقام االول و�سط �شعوب ال تعي�ش �إال على كرامتها ولأجلها .. هبت ال�شعوب العربية هبة �شاملة فكانت �شرارة االنطالق من تون�س الفتية الأبية يف 17دي�سمرب 2010عندما �أ�شعل حممد ابوعزيزي النار يف نف�سه ف�أ�شتعلت جذوة النخوة العربية يف �سائر االقطار ،ويف م�صر ن�شاءت حركة ت�ضامنية " كلنا خالد �سعيد " الذي �إ�ست�شهد جراء التعذيب دعت للإعت�صام والتظاهر يف ميدان التحرير يف 25يناير 2011م ،و�إندلت الثورة يف ليبيا يف 17فرباير للمطالبة مبعاقبة
مقرتيف مذبحة �سجن �أبو�سليم ،ثم �شملت ربوع اليمن الذي كان يعاين من احلروب الأهلية بني النظام واحلوثيني والقاعدة كما مل�ست �إحتقان املقموعني املحتجني �ضد التهمي�ش والف�ساد ولكنها �إنتظمت ب�صورة �شاملة يف يناير 2011م ،ويف �سوريا �إنطلقت التظاهرات يف 15مار�س والتي قوبلت بعنف مفرط من نظام الأ�سد و�إ�ستخدام للقوة �ضد ال�شعب ال مثيل له �إال يف رو�سيا وال�صني مما �أ�ضطر ال�شعب لتكوين اجلي�ش احلر والدخول يف حرب طويلة وممتدة ومكلفة وباهظة الثمن �ضده ، مل تكن بقية البلدان العربية معزولة عن هذه املوجة ولكنها عربت عنها ب�صور خمتلفة تفاوتت ما بني املواجهة الع�سكرية �ضد االنظمة ايل املطالبة ب�إ�صالحات �سيا�سية ود�ستورية و�إقت�صادية و�إجتماعية، لكن بات من امل�ؤكد �إن الو�ضع قبل نهاية
49
مقاالت
ال وسطية
2010م قد ويل ايل غري رجعة و�أنه مهما كانت التحديات وال�صعوبات التي تعيق هذا املد الثوري والوعي اجلمعي �إال انها لن ت�ستطيع احليلولة دون �إ�ستمراره و�شموله لكل املنطقة .علي الرغم من ذلك ف�إن كثرياً من القوي احلية يف البلدان العربية كثرياً ال تنظر جمرد نظرة عابرة ملا �آلت اليه حال البلدان التي جنحت ثورتها � ،إال وتقع عينها علي �شبح اجلماعات املتطرفة و�سدنة الأنظمة ال�سابقة والعنف املفرط �ضد املدنيني والتدخل ال�سافر للأجندة الأجنبية التي تطل برا�سها فرتجع الب�صر كرتني ،هذا مع �سعيها لتحقيق �أهداف الثورة وفق �أليات �أخري �أكرث نعومة ،خا�صة و� ّأن الطغاة يرهبون ال�شعب بالفو�ضي وغياب الأمن وي�ستعطفون حلفائهم الأجانب ب�أن البديل هو الإرهاب والتطرف ( القاعدة وحلفائها). تف�سري ما حدث ويحدث يف العامل العربي هو تطور الوعي ال�صاعد وبلورته جمعياً و�سط االمة مع االرادة احلرة التي تنادي ب�ضرورة التحرك العاجل لن�صرة القوي ال�شعبية امل�ست�ضعفة مفرزة اج�سام وا�شكال جديدة هي نتاج هذا التطور والوعي باملكنون احل�ضاري الهادي لهذا احلراك والتفاعل ملراحل ثورة الوعي بالذات التي �أدركت باكراً � ّأن الطغاة هم الأكرث �ضرراً وخطراً علي الأمة من الغزاة و� ّأن التحالف ال�ضمني بينهما �أبرز وبو�ضوح رد فعل متطرفة علمانية و�إ�سالمية هذا الثالثي املميت للدولة " الغالة ،الطغاة ، الغزاة " عمل علي �إطفاء �شمعة ثورة الوعي وجمابهتها يف مهدها وهي جذوة �أكرث من مرة ،ولكن تراكم الوعي بحركة التاريخ وتقا�صر امل�سافات بفعل ثورة الإت�صاالت وتدفق املعلومات التي ك�شفت الأ�سباب التي حتدق وتعيق التقدم نحو التغيري والبناء الذي تتوق �إليه �شعوبنا منذ �سنوات عدة هي العوامل الذهبية للإنطالقة الفعلية للتعبري احلركي لهذا الوعي .ولكي تبقى لل�شعوب العربية يقظة وفطنة لتحقيق �أهداف ثوراتها التي قامت من �أجلها ،ويف
50 طليعتها كن�س الطغمة امل�ستغلة امل�ستبدة ، وا�سرتداد ال�شعوب حلريتها التي هي وايل االبد هدفا �ساميا لها .ولكي ال تنحط هذه الثورات وتنحرف عن م�سارها وين�شغل قادتها ب�أي خالفات مفتعلة او ان�صرافية من �ش�أنها �أن تفتت التما�سك ،وتبدد اجلهود ،وت�شتت وحدتها ،وت�ؤ�س�س لفتنة جترفها عن هذا امل�سار ،ولكي تقف ال�شعوب وقفة قوية �أمام تلك املخاطر التي رمبا تعمل علي تراجع الثورة ،ولإنارة الطريق لبقية ال�شعوب لنيل حريتها و�إم�ساكها بزمام املبادرة يف التغيي ،وحترير قرار بالدها من الهيمنة اال�ستبدادية و�سيطرة �أي م�ؤثرات تتطفل وترتمم عليها ال بد من �إ�ستيعاب �أهمية املرحلة وعظم هذه اخلطوة املهمة يف طريق االنعتاق والنه�ضة وو�ضع اال�سرتاتيجيات الكفيلة لبناء �أمة ال�شهادة علي النا�س ( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�سطاً ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ ول ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيداً). الواقع اجلديد الذي �أفرزته ثورات الربيع العربي �أبان الكثري من احلقائق التي ت�ستدعي التمحي�ص والدرا�سة مبا ي�ؤكد �سيادة الو�سطية والإعتدال كفكر قائد للثورة وهادئ مل�ستقبل االمة : � .1شاءت �إرادة اهلل �أن تندلع هذه الثورات وقادتها هم ذات �شريحة ال�شباب الذين و�صموا بالعجز والف�شل والك�سل والهجرة وهروب بع�ضهم ايل م�ستنقع التطرف والغلو والبع�ض االخر �أ�صبح منزوياً ومدمناً للمخدرات واخلمور وحمبطاً وعاط ً ال وقليل احليلة ،بني يوم وليلة �شريحة بهذه ال�صفات �أ�صبحت �شرارة الثورة وخال�ص الأمة وذلك عندما توفرت لديها الدوافع والتنوير والإرادة والروح الوثابة فل�سان حالهم : يا �صادحا ملأ احلياة بجوده زدنا هدى حطم لنا الأ�سوارا ت�شدو احلياة فينق�شع الظالم وتزدهي وتعانق الأحالم والأوطارا
.2لقد غاب النهج الو�سطي واملعتدل يف تاريخنا احلديث وو�صل بع�ض الغالة واملت�شددون لل�سلطة يف املنطقة و�إ�ستحكم البع�ض الأخر يف املعار�ضة فغيبوا احلرية وذبحوا الدميقراطية و�شوهوا الإ�سالم وو�صموا بالعنف والرجعية و�إ�ستخدموا ال�شباب وقوداً ملعاركهم �ضد بلدانهم واال�سالم .هذه الو�ضعية يف طريقها للتغيري الكامل نتيجة حركة الوعي ال�شبابي يف عاملنا املعا�صر بق�ضاياهم وق�ضايا الإ�سالم وامل�سلمني ،وذلك بف�ضل حركة التنوير املعريف عرب الإعالم احلديث والبديل يف مواقع التوا�صل االجتماعي والتدوين واملنتديات ،وردة الفعل للإ�ستبداد والتقيد للحريات من قبل الأنظمة امل�ستبدة وتراكم التجارب والدرو�س امل�ستفادة منها .هذا الوعي احلقيقي امل�ستمد من حركة التاريخ ي�صب مل�صلحة التنوير والفكر الو�سطي والدميقراطي .بعد �أن ف�شلت التجارب امل�سماة زوراً �إ�سالمية والتي نادت بال�شريعة وحققت عك�س مقا�صدها ،وجتاوز دعاة العلمانية يف طرحهم وممار�ساتهم لطبيعة بلدانهم املتدنية فف�شلت يف حتقيق الإ�ستقرار والعي�ش الكرمي . .3ان نتائج ثورات الربيع العربي ت�ؤكد �سيادة تيار الو�سطية واالعتدال والدميقراطية يف املدي القريب �أو املتو�سط وذلك بقراءة ب�سيطة ملا كان عليه الو�ضع وما هو عليه اليوم .خالل الفرتة ال�سابقة كان العامل العربي يعي�ش يف كب�سولة الزمن املا�ضي وفق بروز اجلماعات الال�سالموية والتكفريية يف احلكم واملعار�ضة وقد رفعوا �شعار ال�شريعة واجلهاد وفق نهج �أحادي �إق�صائي وطبقوا النقي�ض .كذلك عا�ش العامل العربي زيف ت�صدير التجربة الدميقراطية ال�سائدة يف الغرب دون مراعاة لطبيعة جمتمعات بلداننا ،قادت الواليات املتحدة حربني يف العراق وافغان�ستان لرت�سيخ الدميقراطية والنتيجة مزيداً من الفو�ضي وعدم اال�ستقرار ،ودعمت ب�شكل �أ�سا�سي الإنظمة ال�شمولية يف املنطقة وعطلت الربيع العربي يف بع�ض البلدان
كالبحرين مثال .هذه االزدواجية يف التعامل مع االخر هي التي ادت لف�شل كل �سيا�سات الواليات املتحدة يف املنطقة . � .4إن ثورات الربيع العربي ك�شفت احلقائق املزعومة والتي ال تعدو �صوراً منطية و�أوهام عوملت معاملة امل�سلمات ،قد �إنتهي عهد اال�سالموفوبيا �سوط الغرب امل�سلط علي امل�سلمني و�إنتهي عهد �إ�ستخدام الطغاة للدين كمخدر ( �أفيون ) لل�شعوب و�إ�ستغالل احلما�س والتطلع لل�شعار اال�سالمي ، هذه املعادلة املك�شوفة للتحكم يف ال�شعوب وتداعياتها ومتظهراتها زادت من حركة الوعي .لقد تخلق �إح�سا�س بالإنتماء للذات وعودة الوعي والروح لل�شعوب ف�أنتجت واقع جديد بعيد عن �إدعاءات اال�سالمويني والعلمانيني علي ال�سواء وقريب من �إجتهادات املعتدلني ،واقع قائم علي ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنواْ ُكو ُنواْ َق َّوامِ َ ني للِهّ ِ ُ�ش َهدَاء بِا ْلق ِْ�س ِط َو َال َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن� ُآن َق ْو ٍم َعلَى �أَ َّال َت ْعدِ ُلواْ ْاعدِ ُلواْ هُ َو �أَ ْق َر ُب لِل َّت ْق َوى َوا َّت ُقواْ ري بمِ َا َت ْع َم ُلو َن) ويقوم علي اللهّ َ �إِ َّن اللهّ َ َخ ِب ٌ ين لمَ ْ قوله تعايل ( ال َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن ا َّلذِ َ ِّين َولمَ ْ ُي ْخر ُِجو ُك ْم مِ نْ ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ بوهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن اللهَّ َ ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َت رَ ُّ يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ ني) و�أقع يخاطب الأقليات واملر�أة والطفل واحلريات والعي�ش الكرمي والعدالة واحلرية وامل�ساواة والتوفيق بني الأ�صل والع�صر والتعامل مع الآخر . ّ � .5إن نه�ضة الأمة تقوم باال�سا�س علي �شبابها و� ّأن ال�شباب ال يتحرك الإ يف ظل احلرية التي متكنهم من امل�شاركة واالبداع والتعبري واالختيار فهي قيمة �إ�سالمية �أ�صيلة وفري�ضة غائبة يف ظل االنظمة القمعية ،والدميقراطية التي تقوم علي مبادئ احلكم الر�شيد واحلقوق والواجبات والتي تن�سجم مع تعاليم الإ�سالم الذي يجعل الإجماع امل�صدر الثالث للت�شريع بعد القر�آن الكرمي وال�سنة املطهرة ،ويدعو لل�شورى امللزمة يف ال�ش�أن العام ،وي�ؤ�س�س �شرعية احلكم على البيعة التعاقدية بني احلاكم واملحكومني ،ويع ّر�ض احلاكم للمحا�سبة والن�صيحة والأمر باملعروف
والنهي عن املنكر ،وي�ساوي بني النا�س �أمام القانون ،وي�أمر ب�إن�صاف و�إح�سان معاملة امل�ست�ضعفني من النا�س مثل املوايل (�سابقا) واخلدم واملر�أة والأقليات ويعطي الفقهاء اعتباراً للر�أي الغالب بني النا�س فيقولون: هذا ما يراه جمهور الفقهاء ،وهذا حديث متفق عليه وغريها . � .6إختفت عقب هذه الثورات ظاهرة الرجوع للإ�سالم لبع�ض التيارات اال�سالموية وال�سلفية لإلبا�س املجتمع قمي�صاً ما�ضوي حتي يت�سني له التحكم يف النا�س .وظهرت بو�ضوح روح التقدم نحو الإ�سالم و�إبراز مبادئه ومقا�صده والدعوة مل�شروع نه�ضوي �إ�سالمي يقوم علي قطيعة معرفية وعملية بني الإ�سالم واجلمود الفكري والتع�صب ونفي الآخر واالرهاب والعنف والإ�ستبداد والقهر ،وي�ؤ�س�س لعالقة معرفية وعملية بني الإ�سالم وقبول الإخر و�إحرتام االقليات والت�سامح والتعاي�ش والتعاون وامل�ساواة يف الكرامة الإن�سانية واحلريات العامة واحلكم الرا�شد .هذه هي املحددات العامة التي �إنتجها الوعي ال�صاعد ور�سختها �إرادة التغيري التي ر�سمت حا�ضر وم�ستقبل عاملنا العربي ف�أي حزب او جماعة ت�صعد للحكم يف �إي دولة ال ت�ستطيع جتاوزها والفكاك منها ،فقد خطت خطوات ال رجعة عنها للوراء .ال خوف �إذن من �صعود التيارات الإخوانية واملت�شددة �سوا ًء كانت حركة النه�ضة يف تون�س وحزب العدالة والتنمية يف املغرب وحزب احلرية والعدالة امل�صري وحزب العدالة والبناء الليبي لأنها �أحزاب قامت على مرجعيات فكرية وتنظيمية عميقة وفق حركة ت�صحيح �شاملة ،كما �أنها ال ت�ستطيع احلركة عك�س التيار املعتدل اجلارف القائم علي القيم واملبادئ املذكورة انفاً ،هذا بالإ�ضافة ايل �أنها وجلت للحكم عرب الية االنتخابات اي بالدميقراطية ور�ضاء ال�شعب ووفق الد�ستور الذي �أقره ال�شعب والربنامج االنتخابي الذي يخاطب ق�ضايا ال�شعب احلياتية ،كما � ّأن �شبح التجارب ال�سابقة واحلالية للإ�سالميني تطاردهم خا�صة جتربة نظام الإنقاذ يف
ال�سودان املاثلة حتي االن فالتحدي كبري يف ر�سم �صورة مغايرة تراعي منجزات الثورة وت�صحح ال�صورة امل�شوهة للإ�سالم لدي الداخل واخلارج والإلتزام بالدميقراطية فكراً وممار�س ًة وب�سط احلريات وحقوق االن�سان . .7حقيقة �أخري ل�ست �أقل �أهمية تتعلق بظهور الوحدة الوجدانية وامل�صريية بني الدول العربية من حيث املظامل والتطلعات املت�شابهة (الدافعية والأهداف) يف رف�ض الظلم والقهر والف�ساد والتطلع نحو احلرية والكرامة والإ�ستقرار والعدل ،والبناء الرتاكمي للثقة يف مقدرات هذه الأمة يف جمابهة كل �آليات القمع والقهر هذه الوحدة القائمة علي �أنقا�ض م�سرية الت�شرذم والتحارب الذي نخر عظم الأمة والت�صارع لإر�ضاء الغرب بنيت يف ظل ظروف الثورة ذات الدالالت املتينة. خال�صة امل�س�ألة ف�إننا وب�صورة حتمية و�إ�ستنادا على كافة جدليات التاريخ وتطوراته وتطورات ال�شعوب ف�إننا على يقني من ر�سوخ هذه املو�ضوعة املرتبطة بالثورة ووعي ال�شباب ونحن نقف فيما م�ضى فهناك قلق يعرتينا مفاده امل�ضي بنتاج هذا احلراك ملرحلة من مراحل التطرف ما مل يطغى �إعتدال الو�سطيني وو�سط املعتدلني على ال�ساحة بفكرهم وجتاربهم �إذ �أن التطورات الأخرية يف القاهرة ما بني بع�ض التيارات جتعل لقلقنا مربراته وخلوفنا م�سوغاته �إذ �أن الناجت حتما وب�صورة تراكمية قد يقود لتطرف من نوع ما و�آخر م�ضاد له وهو ما �شهدناه يف ليبيا ويف تون�س ويف اليمن وغريها من �شعوب الثورة الأمر الذي يجعلنا ننادي وب�إحلاح ل�سيادة الفكر الو�سطي و�سط ال�شباب بالتحديد ملا لهم من �إ�سهام بارز يف �صناعة الثورة. �أمني االعالم باملنتدي العاملي للو�سطية بال�سودان
51
مقاالت
ال وسطية
52
دور علماء األمة في الدفاع عن القدس
د.ع�صام الب�شري
� ّإن ق�ضية فل�سطني ق�ضية عربية �إ�سالمية تقع يف وجدان كل عربي وم�سلم ي�شعر بانتمائه لهذه الأمة ،وينب�ض قلبه بالإميان ال�صادق ويجي�ش �صدره بعزة الإ�سالم ،ذلك �أن فل�سطني حتوي القد�س التي لها مكانتها الدينية املرموقة التي اتفق عليها امل�سلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم. فالقد�س هي القبلة الأوىل التي توجه �إليها الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم و�أ�صحابه منذ �أن فر�ضت ال�صالة يف ليلة الإ�سراء واملعراج يف ال�سنة العا�شرة للبعثة قبل الهجرة بثالث �سنوات ،وظلت القد�س قبلة امل�سلمني بعد هجرتهم �إىل املدينة املنورة �ستة ع�شر �شهراً ،حتى نزل القر�آن ي�أمرهم بالتوجه �إىل الكعبة ،قال تعاىل (ومن حيث خرجت َف َو ِّل وجهك َ�ش ْط َر امل�سجد احلرام
وحيثما كنتم َف َو ُّلوا وجوهكم �شطره) (البقرة .)150 كما � ّأن القد�س هي منتهى الإ�سراء ومنطلق املعراج �إىل ال�سماء ،وفيها �أ ّم الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم الأنبياء يف امل�سجد الأق�صى على �أرجح الأقوال -ويف ذلك دليل علىختم الإ�سالم للنبوات و�شموله للر�ساالت ال�سماوية ال�سابقة ،وبدء الإ�سراء من امل�سجد احلرام وانتها�ؤه بامل�سجد الأق�صى فيه ربط للم�سجدين لن يزول مهما فعل اليهود ،يقول �سبحانه وتعاىل �( :سبحان الذي �أ�سرى بعبده لي ً ال من امل�سجد احلرام �إىل امل�سجد الأق�صى الذي باركنا حوله ِلنرُ ِ َيه من �آياتنا �إنه هو ال�سميع الب�صري) (الإ�سراء ، )1ثم �إن امل�سجد الأق�صى هو ثالث احلرمني ال�شريفني :الأول هو امل�سجد
احلرام يف مكة ،والثاين هو امل�سجد النبوي يف املدينة ،وثالثهما هو امل�سجد الأق�صى يف القد�س ،قال �صلى اهلل عليه و�سلم ( :ال ُت�شد الرحال �إال �إىل ثالثة م�ساجد :امل�سجد احلرام وامل�سجد الأق�صى وم�سجدي هذا). والقد�س قبل كل هذا �أر�ض النبيني ودار املر�سلني وم�أوى ال�صاحلني� ،أر�ض املح�شر َاجر اخلليل �إبراهيم ،وديار واملن�شرُ ،مه َ �أيوب وحمراب داود ،وعجائب �سليمان ومهد عي�سى عليهم جميعاً ال�سالم � ..أر�ض الربكة التي و�صفها اهلل ب�أنها مباركة يف خم�سة موا�ضع يف القر�آن (انظر :القد�س ق�ضية كل م�سلم د .القر�ضاوي �ص )11هي: .1قوله تعاىل �( :سبحان الذي �أ�سرى بعبده لي ً ال من امل�سجد احلرام �إىل امل�سجد الأق�صى الذي باركنا حوله ()..اال�سراء .)1 .2قوله تعاىل ( :وجنيناه ولوطاً �إىل الأر�ض التي باركنا فيها للعاملني) ( االنبياء .)71 .3قوله تعاىل ( :و�أورثنا القوم الذين كانوا ي�ست�ضعفون م�شارق الأر�ض ومغاربها التي باركنا فيها ومتت كلمة ربك احل�سنى على بني �إ�سرائيل مبا �صربوا ) .. (االعراف .) 137 .4قوله تعاىل ( :ول�سليمان الريح عا�صفة جتري ب�أمره �إىل الأر�ض التي باركنا فيها) ( االنبياء ) 81 .5قوله تعاىل ( :وجعلنا بينهم وبني القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها ال�سري �()..سب�أ .)18 �إن القد�س يف االعتقاد الإ�سالمي �سامية املكانة ،عالية املـنـزلة ،عزيزة احلمى .. الأمر الذي ي�ستوجب على امل�سلمني ـ جميعاً ـ الغرية عليها من �أن يدن�سها اليهود، والذود عنها من اعتداء الآثمني وبذل الغايل والرخي�ص يف �سبيل حتريرها ورد
املعتدين عنها. �إن علماء امل�سلمني مطالبون بدور كبري يف دعم ق�ضية فل�سطني والقد�س ويتجلى هذا الدور يف �أ�صعدة ثالثة : �أو ًال :دور علماء امل�سلمني على ال�صعيد ال�شعبي: يف ظل واقع العجز العربي والوهن الإ�سالمي واال�ستكبار الأمريكي والتجاهل العاملي ميكن لعلماء امل�سلمني �أن يقوموا بدورين رئي�سني� :أولهما دور توعية و�إر�شاد، والثاين دور تعبئة وجهاد: �أ .دور علماء امل�سلمني يف التوعية والإر�شاد: وهذا يت�ضمن التوعية بالأمور الآتية: )1املوقف من ق�ضية ال�سالم: � ّإن ال�سالم املزعوم الذي يقت�ضي ت�سلم الفل�سطينيني جزءاً من �أر�ض فل�سطني مقابل اعرتافهم بالكيان ال�صهيوين �سراب خادع لن يدوم طوي ً ال للأ�سباب الآتية: -1ال�شعوب امل�سلمة ممثلة يف جتمعاتها القومية والوطنية والإ�سالمية �أجمعت على رف�ض هذا ال�سالم املزعوم وعده ا�ست�سالماً ال �سالماً ،وتناز ًال عن حقوق �ضخمة ال ميلك �أحد حق منحها لليهود. -2فل�سطني لي�ست ملكاً للفل�سطينيني ، بل ملك للأجيال امل�سلمة �إىل قيام ال�ساعة والتنازل عن �شرب منها ال يجوز. ربا من �أر�ض -3اليهود لن ي�سلموا �ش ً فل�سطني للفل�سطينيني �إال وهم مكرهون ، ومتى زال الإكراه عادوا للتو�سع واغت�صاب الأرا�ضي. -4ال�سالم يخدم �أهداف الكيان ال�صهيوين يف املرحلة الراهنة وي�ساعده على و�أد االنتفا�ضة الفل�سطينية و�إثارة النـزاعات بني �أهلها ،كما يحملهم على الإقرار بحق املغت�صب وتبعيتهم له ،كما ال يخفى � ّأن هذا ال�سالم املوهوم يعمل على اخرتاق العاملني
العربي والإ�سالمي. يجب الت�أكيد على خطورة االعرتاف بالكيان ال�صهيوين ،وبيان خط�أ مقولة : "ال�سالم هو اخليار اال�سرتاتيجي الأوحد حلل الق�ضية " ،و تثبيت خيار املقاومة واجلهاد ب�شتى �صوره و�أ�شكاله. )2املوقف من فرية احلق التاريخي و الديني لليهود يف فل�سطني: كثري من النا�س التب�س عليهم �أمر ال�صراع بني امل�سلمني واليهود ،وذلك من ت�أثري الآلة الإعالمية الغربية الفعالة ،حتى �أ�صبح بع�ضهم ي�صدق � ّأن لليهود حقاً تاريخياً ودينياً يف فل�سطني ،هذا االعتقاد اخلاطئ يوجب توعية ال�شعوب العربية وامل�سلمة باحلقائق التالية : �أو ًال :فرية احلق التاريخي: ال حق لليهود يف القد�س وال يف فل�سطني ؛ �إذ �إ َّن القد�س عربية �إ�سالمية ،فاملعروف تاريخياً � ّأن الذي بنى القد�س هم اليبو�سيون وهم العرب القدامى الذين نزحوا من �شبه اجلزيرة العربية مع الكنعانيني .و�سكنوها �إىل �أن جاء �إبراهيم عليه ال�سالم مهاج ًرا من وطنه الأ�صلي بالعراق غري ًبا وولد له �إ�سحاق عليه ال�سالم الذي ولد له يعقوب عليه ال�سالم الذي ارحتل بذريته �إىل م�صر (معنى هذا �أن �إبراهيم و�إ�سحاق ويعقوب عليهم ال�سالم دخلوا غرباء �إىل فل�سطني وخرجوا غرباء مل ميتلكوا فيها �شي ًئا). كذلك مات مو�سى عليه ال�سالم ومل يدخل �أر�ض فل�سطني ،و�إمنا دخل �شرق الأردن (القد�س ق�ضية كل م�سلم د .القر�ضاوي �ص ) 60والذي دخلها بعده ي�شوع (يو�شع) وبقي فيها حتى الغزو البابلي الذي �سحقها �سح ًقا ودمر �أور�شليم و�أحرق التوراة ".فلو جمعت كل ال�سنوات التي عا�شوها � -أي اليهود -يف فل�سطني غزا ًة خمربني ما بلغت املدة التي
53
مقاالت
ال وسطية
ق�ضاها الإجنليز يف الهند �أو الهولنديون يف �إندوني�سيا " (املرجع ال�سابق �ص ) 64فمن �أين لهم احلق الت�أريخي فيها؟ والأدلة التاريخية ت�ؤكد � ّأن �أكرب رقعة ا�ستطاع الكيان ال�صهيوين ال�سيطرة عليها يف �أي وقت من الأوقات مل تكن يف الع�صور القدمية ،و�إمنا يف الع�صر احلديث عند احتاللها جممل �أر�ض فل�سطني ومرتفعات اجلوالن وجنوبي لبنان و�أر�ض �سيناء وكان ذلك للمرة الأوىل عام 1967م (انظر :تاريخ اليهود لأحمد عثمان 136/1 والقد�س ق�ضية كل م�سلم �ص � .. ) 64إن احلق التاريخي لليهود يف �أر�ض فل�سطني فرية �شوهاء وكذبة بلهاء ،ال تقوم على �ساق و ال تنه�ض بها حجة وهي �أوهى من بيت العنكبوت. ثاني ًا فرية احلق الديني: القول ب� ّأن لليهود حقاً دينياً يف فل�سطني ال يقوى �أمام التحقيق العلمي ،و�إعالن � ّأن ت�أ�سي�س الكيان ال�صهيوين حتقيق للنبوءة التوراتية التي تقول � " :إ َّن اهلل وعد �إبراهيم عليه ال�سالم ب�أن يعطي لن�سله �أر�ض فل�سطني ،وكذلك وعد ابنه �إ�سحاق وحفيده يعقوب -الذي �سموه �إ�سرائيل - و�سموا فل�سطني �أر�ض امليعاد … كل ذلك وهم كبري ..ف� ّإن �أوىل النا�س ب�إبراهيم هو الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم والذين اتبعوه كما ورد يف القر�آن ّ �( :إن �أَوىل النبي النا�س ب�إبراهيم َللذين ا ّتبعوه وهذا ّ والذين �آمنوا)(ال عمران . ) 68فالإمامة ال تنتقل بالوراثة (قال ومن ذريتي قال ال ينال عهدي الظاملني)( البقرة . ) 124 ثم �ألي�س �إ�سماعيل جد نبينا عليه ال�سالم من ن�سل �إبراهيم ؟ فلماذا فهم اليهود � ّأن النبوءة ال يدخل فيها �إ�سماعيل عليه ال�سالم وهو االبن البكر لإبراهيم عليه ال�سالم ..
54 ّ إن قضية فلسطين قضية عربية إسالمية تقع في وجدان كل عربي ومسلم يشعر بانتمائه لهذه األمة، وينبض قلبه باإليمان الصادق ويجيش صدره بعزة اإلسالم
� ّإن منطق ا�ستيالء اليهود على فل�سطني ال ي�سنده �شرع وال يقره دين وكل تربير لهم ما هو �إال اختالق وكذب. )3املوقف من امل�شروع ال�صهيوين: �إن واقع العجز العربي والوهن الإ�سالمي واال�ستكبار الأمريكي والتجاهل العاملي فتح الباب على م�صراعيه للم�شروع ال�صهيوين ليتمكن و مي�ضي يف طريق ال�سيطرة على املنطقة كلها اقت�صادياً وثقافياً و�أمنياً و�سيا�سياً ..حتقيقاً لفكرة �إ�سرائيل الكربى.. قاعدة احل�ضارة وقائدة الدميقراطية .. م�ستخدماً يف ذلك �سالح ال�سالم والت�سوية والتطبيع ونحوه من الو�سائل . � ّإن التهوين من خطر امل�شروع ال�صهيوين ٌ دفن للر�ؤو�س يف الرمال ..فقد ه ّون البع�ض من خطره قبل خم�سني عاماً ،وقال: كيف ميكن لدويلة �صغرية �أن تهيمن على منطقتنا و�أمتنا ،وها هي الدويلة ال�صغرية تفر�ض وجودها على احلكومات العربية والإ�سالمية ومتلي �شروطها وتهدد وتتوعد وها هي �أمتنا تدين وت�شجب وت�ستنكر وال تكاد تتجاوز ذلك. يجب على علماء الأمة ف�ضح امل�شروع
ال�صهيوين وتعريته ..وذلك ب ـ : �أ .ف�ضح اليهود وطبيعتهم ب .مواجهة التطبيع و�أخطاره �أو ًال :ف�ضح اليهود وطبيعتهم : على علماء الأمة �أن يع ِّرفوا ال�شعوب بعدوها ..م�ستندين �إىل القر�آن الكرمي وما فيه من و�صف مف�صل لليهود ،و�إىل ال�سنة املطهرة ثم كتب اليهود املقد�سة عندهم كالتوراة و�أ�سفار الأنبياء والتلمود واملا�شناه وكتب التاريخ وكتابات املعا�صرين عنهم -امل�سلمني وغري امل�سلمني -املكتوبة باللغة العربية �أو غريها من اللغات مثل كتاب �أحالم ال�صهيونية و�أ�ضاليلها للمفكر الفرن�سي امل�سلم "رجاء جارودي" ،ومن الواقع املعي�ش ،فبني �أيدينا جتارب كثرية يف احلرب وال�سلم و�سل�سلة من الهدنات واالتفاقات واملعار�ضات كلها تبني � ّأن اليهود ال يعرفون غري منطق القوة ،و�أنهّم ال �أميان لهم وال عهد وال ذمة ،و� ّأن �أبرز �صفاتهم هي العن�صرية ،فهم يرون �أنف�سهم �شعب اهلل املختار وما �سواهم �أميني لي�س عليهم منهم �شيء ،والعنف والطبيعة العدوانية مت�أ�صل فيهم ؛ فقلوبهم قا�سية كما و�صفهم القر�آن الكرمي وتطلعاتهم التو�سعية لإ�سرائيل الكربى من النيل �إىل الفرات ومن الأرز �إىل النخيل ال تخفى ،بل هم يريدون ال�سيطرة على العامل كله ،ثم كذلك من �صفاتهم التحرر من الأخالق وعدم ثباتها وا�ستخدام املعايري املزدوجة :معيار مع النف�س ومعيار مع الأغيار (الأميني) (ذلك ب�أنهم قالوا :لي�س علينا يف الأميني �سبيل ويقولون على اهلل الكذب وهم يعلمون)( ال عمران ، ) 75وهم يرون � ّأن الغاية تربر الو�سيلة، ويحرتمون العهود واملواثيق متى كانت يف �صاحلهم ،ويتجاهلونها حني ال تروق لهم، وهم �أحر�ص النا�س على حياة و�أكرث النا�س
�شحاً وحباً للمال ..كل هذه املعاين وما �شاكلها حتتاجها ال�شعوب امل�سلمة لتعرف عدوها وتقدره قدره وتعد العدة املنا�سبة لدفعه ..وهذا هو واجب العلماء والدعاة �إىل اهلل. ثاني ًا :ف�ضح التطبيع وخطورته : �أخذ التطبيع مع العدو ال�صهيوين �صوراً عديدة منها: التطبيع الدبلوما�سي: ومن ذلك االعرتاف بدولة لليهود يف فل�سطني ،وتبادل البعثات الدبلوما�سية معها واعتبارها دولة جوار ،و�إ�شراكها يف البيئة واملياه . التطبيع االجتماعي: ومن ذلك دمج اليهود يف املجتمعات العربية وامل�سلمة عن طريق ال�سياحة والرحالت ونحوه . التطبيع الثقايف و الإعالمي: ومن ذلك دخول اليهود يف املجتمعات العربية وامل�سلمة عن طريق امل�ؤمترات والندوات واملعار�ض واملهرجانات وال�سينما وامل�سرح وال�صحافة والإعالم واجلامعات ومراكز البحث العلمي . التطبيع الرتبوي: ومن ذلك توجيه املناهج الدرا�سية والربامج التعليمية ـ يف بع�ض الدول العربية ـ عن طريق حذف كل ما يتعلق باليهود ويك�شف حقدهم وت�آمرهم على الأمة. التطبيع االقت�صادي: ومن ذلك فتح الأ�سواق العربية والإ�سالمية لب�ضائع الكيان ال�صهيوين. �إن ال�شعوب العربية وامل�سلمة ترف�ض التطبيع الظاهر واخلفي كما ترف�ض االعرتاف العلني وال�ضمني بالكيان ال�صهيوين ؛ فعلى علماء امل�سلمني �أن يحافظوا على هذه اجلذوة متقدة ويقاوموا
كل �سعي نحو التطبيع مع العدو وذلك بـ : �أ -دعوة ال�شعوب ملقاطعة الكيان ال�صهيوين اقت�صادياً ،وذلك مبقاطعة ال�سلع والب�ضائع القادمة منه ،وذلك حلرمتها ؛ ل ّأن �أرباحها تقوي اليهود على �إخواننا يف فل�سطني، وواجبنا �أال نعينهم على ذلك ،كذلك جتب مقاطعة الب�ضائع الأمريكية �شجباً ملوقف الإدارة الأمريكية املتذيل �أبداً لل�صهاينة والداعم للعدوان على مقدّ�ساتنا ،وكذلك ال�شركات التي يقف من خلفها اليهود يف كل بالد العامل . ب -وقف التعامل مع الكيان ال�صهيوين دبلوما�سياً وجتارياً وثقافياً ونحوه. د � -إعالن �أن ال�سفر �إىل الكيان ال�صهيوين ال يحل مل�سلم ولو بدعوى ال�صالة يف امل�سجد الأق�صى ،ف�إمنا ي�شد امل�سلم رحاله �إىل هذا امل�سجد حينما يتحرر من �سلطان اليهود (القد�س ق�ضية كل م�سلم � ،ص . ) 182 هـ -مقاومة الغزو الثقايف للكيان ال�صهيوين ومقاومة التب�شري ب�سيا�سات التطبيع، وخا�صة التطبيع الرتبوي وما يت�ضمنه من تغيري يف املناهج التعليمية �إر�ضاء لليهود، ومقاومة كل حماولة الخرتاق العقل
ال حق لليهود في القدس وال في فلسطين ؛ إذ َّ إن القدس عربية إسالمية، فالمعروف تاريخيًا ّ أن الذي بنى القدس هم اليبوسيون وهم العرب القدامى
العربي والإ�سالمي. )4ق�ضية فل�سطني هي ق�ضية الأمة العربية و الإ�سالمية: من اخلط�أ اجل�سيم �أن يظن بع�ضهم �أن ق�ضية فل�سطني �ش�أن فل�سطيني يخ�ص الفل�سطينيني وحدهم ،و الأ�صل �أنهَّا ق�ضية الأمة عربيها وم�سلمها ،ويتعني على اجلميع العمل على حلها ،وذلك جلملة �أ�سباب ،منها: �أ -فل�سطني �أر�ض عربية �إ�سالمية لها مكانتها املقد�سة ال�سامية التي ت�ستوجب على اجلميع ـ �إ�سالميني وقوميني ووطنيني ـ العمل على حلها. ب -ق�ضية فل�سطني تعترب قا�سماً م�شرتكاً بني كل التيارات العربية والإ�سالمية ،فهي هم �إ�سالمي وهاج�س وطني و�أرق قومي. ٌّ ت -امل�شروع ال�صهيوين ال يرمي �إىل احتالل فل�سطني وحدها ،بل يهدف �إىل �إ�سرائيل الكربى التي متتد من الفرات �إىل النيل ويهدد الأمة ب�أ�سرها فاخلطر يطال اجلميع . مواجهة امل�شروع ال�صهيوين املتعدد الأذرع تتطلب العمل على الأ�صعدة كافة :اقت�صادياً وثقافياً و�سيا�سياً و�إعالم ًيا � -صحافة و�إذاعة وتلفزيون وم�سرح -واجتماعياً وهذا ال يتم �إ َّال بت�ضافر اجلهود ،وتوحيد ال�صفوف، وم�شاركة علماء الأمة ومفكريها وقواها احلية من ف�صائل جهادية وتنظيمات �سيا�سية وجتمعات قومية يف هذه املعركة . )5رفع الروح املعنوية لل�شعوب امل�سلمة: وذلك بتذكري ال�شعوب امل�سلمة � ّأن الن�صر حليف امل�سلمني ،و� ّأن القد�س �ستعود ب�إذن اهلل للإ�سالم وامل�سلمني ،وبن�شر املب�شرات من القر�آن واحلديث و�سنة التاريخ -بانت�صار الإ�سالم وامل�سلمني على اليهود وتوعية ال�شعوب امل�سلمة ب� ّأن الأق�صى قد
55
مقاالت
ال وسطية
مرت عليه �أعوام حالكة من قبل ُم ِن َعت فيها اجلمعة واجلماعة ،ومل يرفع فيه �أذان ،ومل تقم فيه �صالة ملدة واحد وت�سعني عاماً غري � ّأن اهلل هي�أ قادة م�صلحني " ظهروا ونبغوا يف �أحوال غري م�ساعدة ويف �أجواء غري موافقة ،بل ويف �أزمنة مظلمة حالكة ويف بيئات قاتلة فاتكة ،ويف �شعب �أ�صيب ب�شلل الفكر وخواء الروح وخمود العاطفة و�ضعف الإرادة وخور العزمية و�سقوط الهمة ورخاوة اجل�سم ورقة العي�ش وف�ساد الأخالق والإخالد �إىل الراحة واخل�ضوع للقوة والي�أ�س من الإ�صالح " (�أبو احل�سن الندوي -مقدمة مذكرات الدعوة والداعية �ص ، )4متاماً يف ظروف كالتي نعي�شها الآن ،فعملوا على البناء يف جماالت عدة : البناء لل�شخ�صية امل�سلمة والبناء للنظام الإداري والبناء للأمة املتوحدة ونحوه حتى ا�ستطاعوا ا�سرتداد امل�سجد الأق�صى من قب�ضة ال�صليبيني� .إن ال�شعوب امل�سلمة تب�صر ب�سرية �أبطال الإ�سالم حتتاج �إىل �أن ّ الذين ا�سرتدوا البيت املقدّ�س من قب�ضة ال�صليبيني مثل "عماد الدين زنكي" و "نور الدين حممود زنكي" و"�صالح الدين الأيوبي" و�سائر الأبطال الذين بذلوا الغايل واملرتخ�ص وحققوا الن�صر امل�ؤزر . � ّإن مدار�سة �سري العلماء ال�صاحلني والأبطال الفاحتني تنفخ العزم يف الروح وجتدد الثقة يف النف�س وحتفز اجلوارح للعمل. ب .دور علماء امل�سلمني يف التعبئة و اجلهاد: لتعبئة ال�شعوب امل�سلمة يجدر بالعلماء اال�ضطالع باملهام التالية: -1تعبئة ال�شعوب العربية والإ�سالمية حول الق�ضية الفل�سطينية وربطها بها والرتكيز ب�شكل خا�ص على القد�س واملقد�سات
56 الإ�سالمية (امل�سجد الأق�صى ،قبة ال�صخرة واحلرم الإبراهيمي )..وا�ستغالل املنا�سبات الدينية كالإ�سراء واملعراج وذكرى �إحراق امل�سجد الأق�صى وقيام االنتفا�ضة الإ�سالمية والأحداث الطارئة املهمة على ال�ساحة الفل�سطينية ملنا�صرة الق�ضية الفل�سطينية. -2العمل على املحافظة على جذوة االنتفا�ضة م�شتعلة وعلى تطويرها ، وذلك با�ستثارة احلما�س يف ال�شعوب وقطع الطريق على حلول الت�سوية واال�ست�سالم ودرا�سة االنتفا�ضة ال�سابقة والأ�سباب التي �أدت �إىل �إجها�ضها. -3ال�سعي لإيجاد م�ؤ�س�سات الدعم لق�ضيتنا املحورية كجمعيات املنا�صرة لل�شعب الفل�سطيني وهيئات الدفاع عن القد�س واملقد�سات الإ�سالمية ونحوه . -4حث ال�شعوب على تقدمي الدعم املادي واملعنوي لق�ضية �أمتنا وجمع الأموال لتعزيز �صمود ال�شعب الفل�سطيني . -5ال�سعي حل�شد الكفاءات والطاقات ال�سيا�سية والإعالمية لدعم ق�ضية الأمة املركزية يف اجلانب ال�سيا�سي والإعالمي،
ّ أن القدس هي منتهى اإلسراء ومنطلق المعراج إلى السماء، أم الرسول صلى وفيها ّ اهلل عليه وسلم األنبياء في المسجد األقصى
وذلك بالتعبري مبختلف الو�سائل املمكنة عن معار�ضة اخلطوات التي ت�ستهدف ت�صفية الق�ضية الفل�سطينية والتفريط مبقد�ساتها. ويف اجلانب اجلهادي بدعم حركات املقاومة الإ�سالمية والت�شجيع على كفالة عائالت ال�شهداء واملعتقلني ودعم م�شاريع البنية التحتية للحركات والتنظيمات داخل الأر�ض املحتلة وت�أكيد م�شروعية جهادها ومقاومتها لالحتالل ومواجهة حماوالت �إل�صاق تهمة الإرهاب بها. ثاني ًا :دور علماء امل�سلمني على ال�صعيد الر�سمي: �إن اخلطاب الإ�سالمي لعلماء الأمة ينبغي �أن ينه�ض باملوجهات التالية �إزاء امل�ؤ�س�سات الر�سمية واحلكومية : .1الرتاجع عن خيار الت�سوية ال�سيا�سية ومبد�أ الأر�ض مقابل ال�سالم ،وتو�ضيح عدم جدوى هذه الت�سوية ،ال�سيما وقد تك�شفت احلقيقة العدوانية والتو�سعية املتعنتة للكيان ال�صهيوين. .2العمل على �إنهاء القطيعة بني التجمعات ال�سيا�سية املتعددة (لتحقيق الت�صالح الوطني) ،وبني الأنظمة احلاكمة و�شعوبها لتحقيق وحدة اجلبهة الداخلية و�إحياء التناف�س ال�سلمي امل�شروع عرب �إطالق �سراح املعتقلني ال�سيا�سيني وكفالة احلريات وح�شد طاقات الأمة وجتميعها حول هذه الق�ضية ،وبني الأنظمة العربية لتحقيق الت�ضامن العربي وبني الدائرة احل�ضارية لتج�سيد وحدة املوقف والهدف . .3توحيد اخلطاب الإعالمي وت�صحيحه ومن ذلك: �أ .توحيد امل�صطلحات والأ�سماء ب .البعد عن ا�ستخدام امل�صطلحات التي تت�ضمن اعرتافاً بالكيان ال�صهيوين
وا�ستبدال م�صطلحات �أخرى بها ، كا�ستبدال م�صطلحات :العدو ال�صهيوين، الكيان ال�صهيوين مب�صطلح دولة �إ�سرائيل (م�صطلح دولة ا�سرائيل فيه خط�آن كبريان �أولهما االعرتاف ب�أن لهم دولة ،و الثاين ن�سبتها �إىل نبي من �أنبياء اهلل � :إ�سرائيل ) ودولة اجلوار ونحوه ،والقد�س بتل �أبيب ، وحترير كل �شرب من �أر�ض فل�سطني املحتلة ودحر االحتالل. ت .البعد عن امل�صطلحات الغربية التي ت�سيء �إىل املقاومة الفل�سطينية وت�صفها بالعنف والإرهاب والدموية وتتجاهل �أن هذا حق م�شروع يف الدفاع عن النف�س ورفع الظلم وا�سرتداد احلقوق. .4دعوة القيادات العربية والر�سمية �إىل وقف التطبيع مع الكيان ال�صهيوين. .5دعوة القيادات العربية والر�سمية �إىل تبني اخليار ال�صحيح والناجع يف التعامل مع العدو ال�صهيوين والذي تبناه حزب اهلل يف لبنان وهو خيار املقاومة وال�صمود وتعبئة الأمة. .6دعوة القيادات العربية و الر�سمية �إىل �إعطاء الق�ضية الفل�سطينية حقها يف مناهج التعليم وو�سائل الإعالم وخ�صو�صاً: �أ�سا�س ال�صراع مع اليهود وخلفياتهالفكرية والتاريخية وال�سيا�سية. مراحل تطور الق�ضية الفل�سطينية . �أهمية الق�ضية ومكانتها يف �أولويات العملالإ�سالمي. قد�سية الق�ضية . جرائم اليهود �ضد ال�شعب الفل�سطيني.ثالث ًا :دور علماء امل�سلمني على ال�صعيد الدويل: العمل على ال�صعيد العاملي يحوي بعدين: بعداً �إن�سانياً عاملياً وبعداً عربياً �إ�سالمياً
إن القدس في االعتقاد اإلسالمي سامية المكانة ،عالية المـنـزلة ،عزيزة الحمى األمر الذي يستوجب على المسلمين ـ جميعًا ـ الغيرة عليها
�أ .البعد الإن�ساين العاملي: و�أهم حماوره: -1حماولة ت�أثيم ال�ضمري الإن�ساين العاملي ل�سكوته عن الظلم الواقع على ال�شعب الفل�سطيني وغ�ضه الطرف عن ال�صلف اليهودي ،وخماطبة كل املنظمات الإن�سانية العاملية مثل منظمة حقوق الإن�سان ومنظمات رعاية الأمومة والطفولة و منظمة العدل ونحوه . -2تو�ضيح � ّأن الإرهاب هو ما يقوم به الكيان ال�صهيوين ولي�س ما تقوم به احلركات اجلهادية من مقاومة م�شروعة لالحتالل . -3حتميل �أمريكا م�س�ؤولية ما يحدث لل�شعب الفل�سطيني وف�ضح حتالفها مع العدو خ�صماً على حقوق �أمتنا ،وا�ستخدامها املعايري املزدوجة التي تتبناها دوماً ل�صالح بني �صهيون. -4مطالبة املنظمات الدولية �أن ت�سلك مبدئية املواقف بعيداً عن اختالل املوازين التي ت�ؤدي �إىل فقدان م�صداقيتها. -5ف�ضح �أكاذيب وادعاءات اليهود حول
(الهولوكو�ست) واملذابح التي تعر�ضوا لها على �أيدي النازية ،والعمل على �إظهارهم على حقيقتهم العدوانية الإرهابية ونزع قناع الرباءة وامل�سكنة واال�ست�ضعاف عنهم. ب .البعد العربي الإ�سالمي: على علماء الأمة واجب النهو�ض بالدعوة �إىل تفعيل امل�ؤ�س�سات العربية والإ�سالمية العاملية كجامعة الدول العربية ومنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي والعمل على ا�ستخدامها كو�سائل �ضاغطة لتغيري الر�أي العاملي ون�صرة الق�ضية الفل�سطينية . خامتة : يقول اهلل ع ّز و جل (ولن تر�ضى عنك اليهود وال الن�صارى حتى تتبع م ّلتهم) (البقرة )120ويقول (:ك َّلما �أوقدوا ناراً للحرب �أطف�أها اهلل وي�سعون يف الأر�ض ف�سادًا)( املائدة )64فكيد اليهود للم�سلمني لن ينقطع ،ود�أبهم يف ال�صد عن �سبيل اهلل لن يتوقف ،وحماوالتهم للنيل من عقيدتنا لن تنتهي ،و�أعدا�ؤنا يدر�سون ويخططون، يعدون وينفذون ،الأمر الذي ي�ستدعي من �أهل الإميان �أن يقابلوا الدرا�سة مبثلها والتخطيط بنده ،والتنفيذ ب�صنوه ،بل والتفوق عليهم يف كل هذه املجاالت. �إ َّن علماء الأمة �أمام م�س�ؤولية عظيمة تتطلب منهم النظر يف ثوابت الت�أريخ و�سنن الكون ومعطيات الواقع وحقائق الغيب وا�ستنطاق الوحيني للرجوع بال�شعوب �إىل احلركة وفق منهج اهلل يف طريق اجلهاد واملقاومة لرتتفع راية الدين وتمُ كن قيم ال�صدق والعدالة و ُي�ستعاد احلق وحترر الأر�ض وي�ؤذن امل�ؤذن ( َف ُقطع دابر القوم الذين ظلموا واحلمد هلل رب العاملني) (الأنعام . )45
57
مقاالت
ال وسطية
58 كانت أخر المحطات التى ذهبنا إليها لنشر فكرة الوسطية حسبما أشرت فى مقالي الماضى هى «الجزائر» ,صفحة من تاريخ الجزائر كتبت بالدماء واألشالء والضحايا والشهداء دفعت تلك البلدة ثمنا باهظا الستقاللها مليون شهيد ويزيد ,ودفعت أكثر من عشرة آالف قتيل فى فتنة ألمت بها بحثا عن هويتها وتمسكا بقيمها فى أواسط التسعينيات بعد إقصاء الجبهة االسالمية لإلنقاذ وما تبع ذلك من فتنة عمياء تلبست فيها الحقائق وقتل خاللها من قتل وفقد أيضا من فقد ,وتالمست االتهامات بين األجنحة العسكرية فى الجماعات وفى الجيش ,أطل فيها دعاتها ..
عن الوسطية :مراميها وحقيقتها .. توظيفها ..والدخالء عليها
�أ.منت�صر الزيات
دعاة الفتنة وفقها�ؤها ,نعم ..فللفتنة دعاة هم على �أبواب جهنم ,فتاوى م�شهورة معروفة ال�سند واملنبت �أباحت القتل والذبح ُ ,قتل علماء �أطهار ودعاة ما عرفوا غري الدعوة لدين اهلل ُ ,قتل قادة فى �أحزاب ذات مرجعية �إ�سالمية ُ ,قتل �أبرياء ُكرث!! ماعرفت �أهاليهم مل قتلوا وب�أى ذنب؟ التقيت على هام�ش الندوات والزيارت ب�إخوة عادوا من اجلبال قريبا بعدما ق�ضوا بها عقداً ون�صفاً التحفوها فى خ�صومة غريبة مع جمتمعهم فى اجلزائر؟! �سمعت منهم الكثري من تلك التجربة املريرة كالعلقم ,رغم مالمح النور التى بد�أت تعرف طريقها بعد �سواد ر�سم ق�سماته على جتاعيد الوجه ومالحمه ,فقد كان قانون الوئام الوطنى طوق جناة للمجتمع
اجلزائري وحافز مهم جدا لطي �صفحة ملطخة بالدماء ون�سيانها مبا فيها ..بكل ما فيها .بينما كنا على طاولة ع�شاء فى بيت �أحد الإخوة فى اجلزائر العا�صمة هم�س �صاحب البت فى �أذين " �سمعتك �أم�س فى الندوة تتحدث عن قانون الوئام الوطنى ,هل تعرف �أن دوائر فى ال�سلطة ا�ستفادت من القانون �أكرث من غريها "الحظ امل�ضيف اندها�شي فا�ستطرد" نعم ..هناك مالحقات لبع�ض ال�ضباط عن م�سئوليتهم عن حوادث قتل جماعي �أو فقد بع�ض ال�شباب �أو العوائل جاء قانون الوئام لينقذهم من امل�ساءلة" لكن حتى لو �صدق هذا ال�صديق اجلزائري يبقى ف�ضل قانون الوئام لأنه �ضمد جراحات كثرية وحقن دماء والأهم �أنه دعم جهود اال�ستقرار للمجتمع.
حا�صرتنا فى اجلزائر �أي�ضا على هام�ش الندوة الدولية التى انعقدت هناك حول الو�سطية ودورها فى حتقيق ال�سلم االجتماعى ,اتهامات كثرية ترددت غري مرة منذ ُولد املنتدى العاملى للو�سطية كفكرة عام 2004فى العا�صمة االردنية عمان وكواقع فى , 2006عن عالقة املنتدى �أو تيار الو�سطية عموما باحلكومات ودورانه فى فلكها كبديل للجماعات الإ�سالمية ,وو�صلت االتهامات حلد الت�آمر وا�ستخدمت معه نظرية امل�ؤامرة وانطالق منتدى الو�سطية لأهداف ومرامي �أمريكية؟! واحلق �أن تلك االتهامات و�صلت حلد ال�سخف فى مطاعنها فى النوايا والقلوب ُ والإخال�ص ,رمبا �ساهم فى ترديدها ُخلف تنظيمي ,فوجود عدد ممن كانوا ينت�سبون جلماعة الإخوان �سابقا فى �صدر قيادات املنتدى العاملي للو�سطية بالأردن رمبا �ساهم فى ترديد �إخوان الأردن اتهامات من هذا النوع ,و�سط و�ساو�س اعتبار حركة الو�سطية بديال لهم دعما من الأنظمة هكذا ان�سابت االتهامات من م�شكاة الإخوان . لكن هذا ال يبعدنا عن بع�ض املالحظات التى ميكن �أن ُتعد من النقد الذاتي التي يجب �أن ي�ستفيد منها القائمون على �ش�أن املنتدى العاملي للو�سطية بل وكل العاملني فى منظومة تيار الو�سطية وان تعددت ت�شكيالتهم ,و�أُ�شهد اهلل �أنى ما وجدت فيهم غري الإخال�ص والتجرد للفكرة. �أهم هذه املالحظات هي ما يتعلق مبمار�سة بع�ض القيادات الكبرية التى التحقت بجماعة الت�أ�سي�س ما يعد "برجماتية" �أو "انتهازية �شخ�صية" �أو
حتى يتحرر دعاة الوسطية فهم فى حاجة أيضًا إلى وسائل بديلة لإلنفاق غير الدعم الحكومي, وهنا واجب على األثرياء المسلمين ورجال األعمال
ا�ستغالل مثل هذه املنابر لأغرا�ض خا�صة وهو �أمر يتكرر فى مثل هذه الأحوال وفى والدة كل الأعمال الكبرية .فقد التحق بجماعة الت�أ�سي�س معنا فى العا�صمة الأردنية عمان �أحد �أبرز ال�شخ�صيات الدينية من عا�صمة عربية كربى �شغل من�صبا حكوميا كبريا �سابقا ا�شرتك فى املناق�شات واملداوالت وال�صياغات, ثم طلب فى �أحد االجتماعات ت�أخري الإعالن عن هذا املنتدى الن ال�شيخ يو�سف القر�ضاوى يعكف على ت�أ�سي�س االحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني ,حاولنا �إفهامه �أن م�شروع املنتدى ال يتعار�ض مطلقا مع ما �أ�شار �إليه ،لأنه ي�ضم فى �صفوفه علماء ودعاة ومفكرين ورجال �إعالم و�صحافة وباحثني بينما االحتاد يعنى ب�أمر الفتوى وي�ضم علماء الدين فقط ,وبعد وقت ق�صري ر�أينا �صاحبنا وقد ذهب �إىل عا�صمة عربية خليجية تر�أ�س فيها مركزا عامليا للو�سطية بذات الأفكار والأهداف واملرامي غري �أنه يتبع
حكومة تلك الدولة ووزارة الأوقاف بها ؟! وم�شى بالنميمة بني �أع�ضاء املنتدى يف�سد ذات البني بينهم حتى �أذهب اهلل من�صبه و�أحبط عمله و�أٌقيل من من�صبه و�سط احتجاجات برملانية فى بلد املركز �إياه !! و�شخ�صية �أخرى م�صرية ذائعة ال�صيت لديه عالقات وثيقة بالنظام وم�ؤ�س�ساته الأمنية فى بلده بل وفى كل البلدان العربية خا�صة اخلليجية ح�ضر االجتماع الت�أ�سي�سي الأول و�شارك فى �أعمال امل�ؤمتر العام الأول حتى انتهى �إىل ت�سمية هيئة مكتبه فلم ُتعجبه تلك الأ�سماء ولي�س بها مريدوه حتى �أر�سل لل�صحف نفياً لعالقته بذاك املنتدى ,بل وراح ُي�شكك فيه وفى نوايا القائمني عليه. يحتاج الإخوة فى املنتدى العاملي للو�سطية لزيادة جرعة ال�شجاعة فى �أدبياتهم ,ف�إذا كنا نكافح الت�شدد والتطرف والعنف واخلروج على املجتمعات الإ�سالمية وندعم الو�سطية واالعتدال، فالأمر ال يحتاج لأبواق جديدة ت�ضاف �إىل امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية التى ما فتئت تقوم بهذا الدور وت�شجب وت�ستنكر �أى عملية عنف هنا �أو هناك وت�صمت متاما عن نقد احلكام �أو احلكومات ,عمل امل�ؤ�س�سات ال�شعبية يختلف ويلزم �سعيه ل�ضمان ر�ضي اهلل �سبحانه ثم ثقة النا�س املكلومني املطحونني الذين يفتقدون �أجواء احلرية. وحتى يتحرر دعاة الو�سطية فهم فى حاجة �أي�ضاً �إىل و�سائل بديلة للإنفاق غري الدعم احلكومي ,وهنا واجب على الأثرياء امل�سلمني ورجال الأعمال �أ�صحاب الدين �أن يدعموا تيار االعتدال . لقد �أ�س�سنا فى القاهرة فرعا ملنتدى
59
مقاالت
ال وسطية
الو�سطية منذ عام طرقنا كل الأبواب لفر�شه وبع�ض م�صروفات �إدارية الزمة لإدارته ,لكن �أ�صحاب الأموال �ضنوا ب�أموالهم فى الوقت الذي قد يدفعون �أرقاما كبرية جدا لكن على �شا�شات التلفاز فقط ليقول النا�س عنهم. �إن الو�سطية خيار حقيقي لأي جمتمع يرغب فى حتقيق التنمية واال�ستقرار والأمن وا�سرتداد الهوية الثقافية والدينية بخلفية الن�سق احل�ضاري للإ�سالم� ,إن الو�سطية هي الدين ..هي الإ�سالم ..هي التدين وال�سالم ..هي العروبة والإخاء والتقوى ..هي رف�ض االحتالل ودعم حركات املقاومة والتحرر الوطنى فى بالدنا العربية وامل�سلمة. مر�سى علم تتظلم: و�صلتني هذه الر�سالة عرب بريدي الإيليكرتوين مل �أ�ش�أ �أن �أ�ؤخر عر�ضها لأهميتها: جئناك �ساعني �أملنا �أال تردنا خائبني حيث �أننا جمموعة من �أع�ضاء جمل�س حملى مدينة مر�سى علم الطاحمني للتغري فى بلدنا ال�صغري مر�سى علم و�إن�صاف الغالبة من �أبناء بلدنا من �أ�شخا�ص مهيمنة على البلد �سواء مر�سى علم �أو حمافظة البحر الأحمر ي�ستخدمون كل و�سائل الغ�ش واخلداع والتدلي�س وال�سطوة والنفوذ ويعتربون املواطن قليل احليلة عبدا عندهم. يوم 2010-12-22مت دعوتنا حل�ضور جل�سة �إجراءات دور االنعقاد الثالث الختيار رئي�س جديد ووكيل جديد للمجل�س وفوجئنا عند بدء جل�سة الإجراءات
60 بو�صول فاك�س من رئي�س جمل�س حملى حمافظة البحر الأحمر بحرمان الزميل ح�ساين حممد احمد من ح�ضور اجلل�سة لأنه موقوف وال يحق له احل�ضور وال الت�صويت باجلل�سة مع العلم ب�أنه هو الذي كان �سري�شح نف�سه فى االنتخاب لرئا�سة املجل�س بدال من الرئي�س احلايل وقام م�س�ؤول اجلل�سة بتنفيذ ما جاء بالفاك�س ومت منعه من احل�ضور الأمر الذي �أدى �إىل �إرباكنا حيث �أننا كنا �سندخل االنتخاب لرئا�سة املجل�س ور�شحنا �شخ�ص �أخر �أمام الرئي�س احلايل ولكنه اخفق فى االنتخاب جراء تفريق املجموعة بقرار رئي�س جمل�س حملى املحافظة بحرمان زميلنا، مع العلم بان زميلنا ح�ساين حممد احمد الذي مت منعه بحجة انه موقوف نعم هو كان موقوفاً ملدة � 4أ�شهر اعتبارا من �شهر مار�س بقرار �أع�ضاء جمل�س حملى املحافظة مت الت�صديق عليه بجل�سة -24 2010-2طبقا لقرار جلنة القيم وقد إن الوسطية خيار حقيقي ألي مجتمع يرغب فى تحقيق التنمية واالستقرار واألمن واسترداد الهوية الثقافية والدينية بخلفية النسق الحضاري لإلسالم
�صدر قرار جمل�س حملى املحافظة بجل�سة 2010-9-26باملوافقة على رجوع الع�ضو /ح�ساين حممد احمد ملمار�سة ن�شاط ع�ضويته اعتبارا من جل�سة �شهر �أكتوبر 2010بالقرار رقم 200ولدينا امل�ستندات وقام بالرجوع للمجل�س وقام بالتوقيع ب�سجل احل�ضور وح�ضر جل�سة �شهر �أكتوبر .2010 �أ�ستاذ /منت�صر جئناك �ساعني �أملنا �أال تردنا خائبني وان تتبنى ق�ضيتنا التي تتلخ�ص بان جميع امل�س�ؤولني يقفون مع رئي�س املجل�س اجلديد وعائلته التي ا�ست�شرت بالف�ساد فى املدينة واملحافظة حيث �أن والد رئي�س جمل�س حملى املدينة م�سجل خطر خمدرات حتت رقم 157ولكن جميع امل�س�ؤولني ي�ساندونه هو وعائلته والدليل هو و�صول فاك�س رئي�س جمل�س حملى املحافظة يوم اجلل�سة ال�ساعة 9.39 �صباحاً حيث انه مل يتم عر�ض املو�ضوع على جمل�س حملى املحافظة بل هو قرار فردي منه وكذلك االنتخابات التي جرت النتخاب الرئي�س والوكيل باطلة حيث �أن رئي�س املجل�س ووكيله فئات حيث انهم من �أ�صحاب الأعمال والقانون رقم 134ل�سنة 79اخلا�ص باملجال�س املحلية مادة رقم 40ن�صت �أن يكون الرئي�س �أو الوكيل من العمال والفالحني. �إن مطلبنا هو �أن تعاد االنتخابات حلرمان زميلنا من حقه الد�ستوري يف الرت�شح بقرار باطل.
فن الوعظ أهميته وضوابطه
�أ.د .حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة
الوعظ هو ذلك الأ�سلوب الذي ي�ستخدمه الداعية �إىل اهلل �إذا �أراد ن�صح النا�س وتذكريهم بالعواقب ،فريغبهم يف احل�سنة وثوابها ،ويرهبهم من ال�سيئة وعقابها ،على الوجه الذي يرق له القلب ويبعث على العمل ،وال غنى للداعية عن �إ�ستخدام �أ�سلوب الوعظ يف دعوته للنا�س وتربيته لهم ،فقد �أمر اهلل به ر�سوله الكرمي يف دعوته ،فقال عز وجل(:ا ْد ُع �إِلىِ َ�س ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْوعِ َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْلهُم بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن)(النحل ،)125 :كما �أمر اهلل تعاىل ر�سله من قبل ،فكان نهجهم يف دعوتهم ،قال اهلل تعاىلَ ( :ف ُق اَ ول َل ُه َق ْو اًل َّل ِّي ًنا َّل َع َّل ُه َي َت َذ َّك ُر �أَ ْو َي ْخ َ�شى)(طه،)44: والقر�آن الكرمي كله موعظة ،قال تعاىل: ا�س َق ْد َجاء ْت ُكم َّم ْوعِ َظ ٌة مِّن ( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ ال�صدُو ِر َوهُ دًى َو َر ْح َم ٌة َّر ِّب ُك ْم َو�شِ َفاء لمِّ َا فيِ ُّ ِّل ْل ُم�ؤْمِ ِن َ ني) (يون�س .)57: فالوعظ �أ�سلوب دعوي له �أهمية بالغة يف �إ�صالح القلوب ،وتهذيب النفو�س، ذلك �أنه متعلق بطب الأرواح وعالجها
من �أمرا�ضها الفتاكة القاتلة ،و�إذا �صلح القلب �صلح اجل�سد كله ،وكم يكون للكلمة الطيبة من الأثر البالغ يف نفو�س �سامعيها، خا�صة �إذا نظرنا ملا تي�سر يف هذا الع�صر من و�سائل و�أدوات حديثة متكن الواعظ املربي من �إي�صال كلمته �إىل العامل ممن ال تتهي�أ لهم ر�ؤيته وال لقا�ؤه. يحتاج النا�س كلهم �إىل �سماع كلمة اخلري والتذكري بها� ،صغريهم وكبريهم، جاهلهم وعاملهم ،فاجرهم وتفيهم ،ولو كان �أحد يف غنية عنها لكان �أ�صحاب ر�سول اهلل الكرمي ،فقد كان قائد الأمة النبي العظيم يتعهدهم باملوعظة مبا يرقق قلوبهم ،خوفاً من �أن يعلوها الران فت�صد�أ كما ي�صد�أ احلديد ،ولكن ينبغي �أن يكون خطاب النا�س على قدر عقولهم، فال يكون اخلطاب واحداً لكل �أحد وذلك ل�سببني ،الأول :تفاوت النا�س يف الدرجات وبالتايل يف الواجبات ،فقد يجب على العامل ما ال يجب على اجلاهل ،ويجب على الغني ما ال يجب على الفقري ،ويجب
61
مقاالت
ال وسطية
62
الوعظ أسلوب دعوي له أهمية بالغة في إصالح القلوب، وتهذيب النفوس ،ذلك أنه متعلق بطب األرواح وعالجها من أمراضها الفتاكة القاتلة ،وإذا صلح القلب صلح الجسد كله
على القوي القادر ما ال يجب على العاجز ال�ضعيف ،والثاينّ � :أن بع�ض احلديث يكون فتنة �إذا كان مما ُي�ساء فهمه ،ولذا قال الإمام علي كرم اهلل وجهه" :حدثوا كذب ُ اهلل النا�س مبا يعرفون� ،أحتبون �أن ُي َ ور�سو ُله" ،وموعظة النا�س قد تكون ق�صة ُت�سرد� ،أو مث ً ال ي�ضرب �أو جملة ُتقال� ،أو فع ُ ال ُيحتذى به ،كل ذلك بدون تكلف �أو تقعر. ويف هذا الزمن الذي َكَثرُ فيه الوعاظ ربز احلاج ُة امللحة للتنبيه على ًت ُ بع�ض ال�ضوابط ال�شرعية والأخالقية والإن�سانية حتى يبقى الواعظ املربي يف �صورته البهية امل�ؤثرة النافعة ،ومن هذه ال�ضوابط: �أو ًال :االعتماد على القر�آن الكرمي وال�سنة ال�صحيحة املطهرة ،فهما �أ�صل كل موعظة ،خا�صة �إذا ُفهمت الن�صو�ص ال�شرعية الفهم العلمي ال�شرعي ال�صحيح، والواعظ املربي حني يحث النا�س على �أمر ويحذرهم من �آخر ،ينبغي �أن ُيبني لهم الدليل ،وال يجعل حديثه جمرد �أوامر ونوا ٍه جمردة من الدليل ،وكل ذلك مت�ضمن يف الكتاب الكرمي وال�سنة،
بالت�أمل والتدبر لن�صو�صهما. ثانياً :على الواعظ املربي �أخذ احليطة واحلذر مبراجعة كالم �أهل العلم فيها، حتى يقف على �صحيح الرواية ،والتف�سري ال�سليم للآيات الكرمية ،بعيداً عن الروايات اخلرافية التي توقع امل�ستمعني يف حرية وبلبلة ،وعليه �أن يركز على ال�صحيح املنقول نق ً ال منطقياً لأ َّن فيه غنية عن ال�ضعيف. ثالثاً :تعهد الواعظ املربي النا�س باملوعظة التي ال تكون تباعاً بحيث ت�سبب لل�سامعني امللل وال�س�آمة ،وهذا منهج نبوي متميز ،فقد يتخول �أ�صحابه باملوعظة بني احلني والآخر ،حتى تفتح مغاليق القلب، وجتد الكلمة الطيبة �أذناً �صاغية ،بعبارات �سهلة ،و�ألفاظ �سليمة تدخل القلب وتعانق الروح مبا�شرة ،لأن العربة لي�ست باملوعظة و�إمنا ب�أثارها الإيجابية على نف�سية امللتقى. رابعاً :احلذر من املبالغة والتهويل وتقنيط امل�ستمعني ،من احلكمة �أن يجتهد الواعظ املربي يف حمبة اخلري للنا�س، و�أن يبتعد عن املبالغة يف التخويف من العقوبة ،حتى يخيل لل�سامع �أن عذاب اهلل
نازل به ال حمالة ،و�أنه ال توبة له ،علماً ب� ّأن املنهج ال�شرعي الو�سط :املوازنة بني الرتغيب والرتهيب ،واخلوف والرجاء، قال اهلل تعاىل " نبئ عبادي �أ ّ ين �أنا الغفور الرحيم ،و� ّأن عذابي هو العذاب الأليم"، ولهذا قالت ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها لعبيد بن عمري� " :إياك و�إمالل النا�س وتقنيطهم" ،وقد كانت مواعظ الر�سول الكرمي بليغة غري متكلفة ،جاء يف حديث العربا�ض ر�ضي اهلل عنه قال :وعظنا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ،ووجلت منها القلوب" والبالغة يف املوعظة م�ستحبة، لأنها �أقرب �إىل القلوب ،و�أوقع يف النفو�س، دون توتر �أو ت�شدق �أو اطناب لغري حاجة، وعلى الواعظ الذكي ا�ستغالل املنا�سبات والأحداث ،ينطلق من خاللها مربياً حري�صاً على امل�صالح العامة وعلينا �أن نعلم � ّأن الوعظ ال ُيعد نهاية املطاف ،بل � ّإن الهدف منه هو �إعداد النف�س وتزكيتها، لتحمل تكاليف هذا الدين ،وتعلم �أحكامه ،وحتمل ر�سالته العاملية الإن�سانية الأخالقية بكفاءة و�إقتدار.
مقاومة الظلم المشروعية والوسائل املجتمع االن�ساين ت�سوده منظومة من العالقات فهنالك عالقات �أ�سرية وعالقات خارج الأ�سرة وعالقات مع بقية املجموعات التي يتكون منها املجتمع كما �أن له عالقة بال�سلطة التي حتكمه داخل الدولة ومتتد عالقاته خارج الدولة .والعالقات االن�سانية تتداخل فتتفق حينا وتتعار�ض �أحيانا� .إن املجتمع االن�ساين يتطور نحو الأف�ضل كلما كفلت فيه احلرية وب�سطت العدالة وروعيت كرامة االن�سان ،وينهار �إذا افتقد املعاين املذكورة ،واالن�سان قبل �أن يهذبه الدين كان يحتكم �إيل قوته ورغباته كما قال عمرو بن كلثوم: ُبـ َغا ٌة َظـ ِالمَ َ ني َومَـا ُظ ِل ْم َنا َولـكِـ َّنا َ�سـ َنـ ْب َد�أُ َظـ ِالمِينِ َ
�إنه منطق املجتمع اجلاهلي حيث كان االعتداد بالقوة فكل قبيلة �إما مغرية و�إما مغار عليها قال زهري بن �أبي �سلمي: ومن مل يذد عن حو�ضه ب�سالحه يهدم ومن اليظلم النا�س يظلم قال العكربي :ثالثة �إذا مل تظلمهم ظلموك :ولدك وزوجتك وعبدك ،ف�سبب �صالحهم التعدي عليهم. بل �إن املتنبئ يعترب �أن الظلم من �شيم النفو�س ومن ال يظلم ف�إن فيه علة يقول: الظلم من �شيم النفو�س ف�إن جتد ذاعفة فلعلة اليظلم هذه املفاهيم �أبطلها اال�سالم حيث حرم
عبد املحمود �أبو �إبراهيم
الظلم و�أحل حمله العدل فرب العزة يقول: (ياعبادي �إين حرمت الظلم علي نف�سي وجعلته بينكم حمرما فال تظاملوا) ،ويف القر�آن الكرمي وردت �آيات كثرية ت�ستفظع الظلم وتتوعد الظاملني قال تعاىل: (والحت�سنب اهلل غافال عما يعمل الظاملون �إمنا ي�ؤخرهم ليوم ت�شخ�ص فيه الأب�صار مهطعني مقنعي ر�ؤو�سهم اليرتد �إليهم طرفهم و�أفئدتهم هواء) (�سورة ابراهيم )42-42:لقد و�ضع اال�سالم ت�شريعا حكيما لب�سط العدل وحما�صرة الظلم والظاملني حيث قيد �سلطة احلكام وجعل طاعتهم م�شروطة بطاعة اهلل و�ألزمهم بال�شورى وطالب الأمة �أن الترتدد يف الت�صدي للطغاة بل �أمر بتكوين
63
مقاالت
ال وسطية
جماعات للأمر باملعروف والنهي عن املنكر. وورد يف ال�سنة �أن �سيد ال�شهداء حمزة بن عبداملطلب ورجل تعر�ض حلاكم ظامل فن�صحه فقتله! لقد حتدث الفقهاء كثريا عن العدل وبينوا �أن الظلم م�ؤذن بف�ساد العمران على حد قول ابن خلدون وقال ابن تيمية “�إن اهلل لين�صرالدولة العادلة ولوكانت كافرة والين�صر الظاملة و�إن كانت م�سلمة �إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر والتدوم مع الظلم واال�سالم”. لقد تطوراملجتمع االن�ساين كثريا وابتكر و�سائل حديثة للت�صدي لبط�ش الدولة حيث انت�شرت منظمات املجتمع املدين املعنية بالدفاع عن حقوق االن�سان وتنوعت �أ�ساليب املقاومة التي جعلت الآليات الع�سكرية م�شلولة وعاجزة عن الت�صدي فاملقاومة اللبنانية ا�ستعملت �سالح املعلومات ل�شل القدرات الع�سكرية الهائلة للدولة ال�صهيونية وبوعزيزي �أحرق نف�سه ليفجر الثورة يف تون�س التي �أطاحت بنظام زين العابدين والثورة امل�صرية كان وراءها �شباب الفي�س بوك ،فاالن�سان لديه القدرة للتعامل مع كل الظروف وكل الأو�ضاع فقط عليه �أن يعرف ذاته والقوة الكامنة فيه ليوظفها توظيفا �صحيحا و�صدق من قال� :أتزعم �أنك جرم �صغ()ير وفيك انطوى العامل الأكرب. املفاهيم: الظلم: هو و�ضع ال�شيئ يف غري مو�ضعه ويف القر�آن الكرمي هناك �أنواع متعددة للظلم فال�شرك ظلم قال تعاىل�( :إن ال�شرك لظلم عظيم) (لقمان )13:واجلحود ظلم قال تعاىل( :وجحدوا بها وا�ستيقنتها �أنف�سهم ظلما وعلوا) (النمل )14:والكذب ظلم قال تعاىل :ه�ؤالء الذين كذبوا على ربهم �أال لعنة اهلل على الظاملني” (هود)18: وتعدي حدود اهلل ظلم قال تعاىل( :ومن
64 يتعد حدود اهلل ف�أولئك هم الظاملون)، �إن كلمة ظلم وم�شتقاتها وردت يف القر�آن الكرمي �أكرث من ثالثمائة وع�شرين مرة. وورد يف ال�سنة “مطل الغني ظلم و”ان�صر �أخاك ظاملا �أومظلوما” قيل فكيف نن�صره مظلوما؟ قال” تكفه عن ظلمه” �أوكما قال: ويف الع�صر احلديث ظهرت م�صطلحات مثل الظلم االجتماعي واملظامل االقت�صادية واملظامل ال�سيا�سية ورد املظامل …الخ املقاومة: يق�صد بها الت�صدي للمواقف وال�سيا�سات والأعمال التي ت�صدرمن اخل�صم �سواء كان فردا �أو تنظيما �أودولة ،ويهدف الت�صدي الف�شال تلك الأعمال و�إبطال مفعولها ، �إن مقاومة الظلم والعدوان ق�ضية فطرية يف االن�سان وغريزة يف احليوان فاحليوان يدافع عن نف�سه �إذا �شعر باخلطر ،واالن�سان يقاوم العدوان بتفاديه والهروب منه ومقاومته �إذا ا�ستطاع قال تعاىل( :ولوال دفع اهلل النا�س بع�ضهم ببع�ض لف�سدت الأر�ض) (البقرة)251: امل�شروعية: لقد اتفقت الأديان ال�سماوية والقوانني الو�ضعية والنظريات الفل�سفية علي م�شروعية مقاومة العدوان والت�صدي له دفاعا عن النف�س و�إحقاقا للحق ففي اليهودية جاء ت�شريع املعاملة باملثل قال تعاىل( :وكتبنا عليهم فيها �أن النف�س بالنف�س والعني بالعني والأنف بالأنف والأذن بالأذن وال�سن بال�سن واجلروح ق�صا�ص)(املائدة )45 :ويف تراث العرب وردت عبارة “القتل �أنفى للقتل” واال�سالم �أقر م�شروعية املعاملة باملثل قال تعاىل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مبثل ما اعتدى عليكم) (البقرة� )194:إن م�شروعية مقاومة الظلم مربرة دينا وعقال وقانونا لعدة اعتبارات: -1حفظ الكرامة االن�سانية :فاالن�سان
خلق مكرما قال تعاىل( :ولقد كرمنا بني �آدم) ،فالعدوان عليه وظلمه �إنتهاك لكرامته التي خ�صه اهلل بها ومقاومة الظلم فيها �صون للكرامة االن�سانية. -2من �أهم مقا�صد اال�سالم ال�ستمرار جمتمع اال�ستخالف ب�سط العدل والظلم نقي�ض العدل وكل ما يحقق العدل ويدفع الظلم فهو م�شروع قال تعاىل�( :أذن للذين يقاتلون ب�أنهم ظلموا و�إن اهلل على ن�صرهم لقديرالذين �أخرجوا من ديارهم بغري حق �إال �أن يقولوا ربنا اهلل ولوال دفع اهلل النا�س بع�ضهم ببع�ض لهدمت �صوامع وبيع و�صلوات وم�ساجد يذكر فيها ا�سم اهلل كثريا) (احلج)40-39: -3جعل اهلل اال�سالم دين ال�سالم وال�سالم ا�سم من �أ�سماء اهلل احل�سني ومن �أهم عوامل ا�ستقرار املجتمع ومتا�سكه ب�سط ال�سالم ولن يكون هنالك �سالم �إذا انت�شر الظلم فمقاومة الظلم لب�سط ال�سالم مق�صد من مقا�صد اال�سالم ال�شرعية. -4امل�ساواة يف احلقوق والواجبات حق من حقوق االن�سان والظلم ينتهك هذا احلق فمقاومته واجبة. -5اال�سالم يرف�ض اال�ستكانة واخلنوع قال تعاىل�( :إن الذين توفاهم املالئكة ظاملي �أنف�سهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا م�ست�ضعفني يف الأر�ض قالوا �أمل تكن �أر�ض اهلل وا�سعة فتهاجروا فيها ف�أولئك م�أواهم جهنم و�ساءت م�صريا) (الن�ساء")97 -6ال�سنة النبوية حثت على مقاومة الظلم: عن عبداهلل بن م�سعود �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال(( :مامن نبي بعثه اهلل يف �أمة قبلي �إال كان له من �أمته حواريون و�أ�صحاب ي�أخذون ب�سنته ويقتدون ب�أمره ثم �إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مااليفعلون ويفعلون ماالي�ؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو م�ؤمن ومن جاهدهم بل�سانه فهو م�ؤمن ومن جاهدهم بقلبه
فهوم�ؤمن ولي�س وراء ذلك من االميان حبة خردل)) .وخمالفة القول للفعل ظلم من �أب�شع �أنواع الظلم لأنه ي�ؤدي �إيل النفاق ويزعزع الثقة التي بها �صالح املجتمع. -7مقاومة الظلم م�شروعة يف اال�سالم بل من مات وهو يدافع عن حقه فهو �شهيد عن �أبي هريرة قال(( :جاء رجل �إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فقال يار�سول اهلل �أر�أيت �إن جاء رجل يريد �أخذ مايل ؟ قال: “فالتعطه مالك” قال� :أر�أيت �إن قاتلني؟ قال“ :قاتله” قال� :أر�أيت �إن قتلني؟ قال: “ف�أنت �شهيد” قال� :أر�أيت �إن قتلته؟ قال: “هويف النار”)). الو�سائل: كل نف�س �أبية ترف�ض الظلم وتبغ�ض ال�ضيم واالن�سان يغ�ضب عندما يظلم وتنتابه م�شاعر كثرية تدفعة دفعا لالنتقام ورد العدوان وبع�ض النا�س الينظرون للعواقب �إذا ظلموا فيندفعون للمواجهة فيحققون نقي�ض مق�صودهم� .أما امل�سلم املب�صرف�إنه يتعامل مع املوقف باحلكمة التي متكنه من حتقيق �أق�صى ما يريد ب�أقل اخل�سائر .والتعمق يف اال�سالم ي�ؤدي �إيل خيارات متعددة للمقاومة خال�صتها كالآتي: �أوال :الوعي باملظامل :من �أهم و�سائل املقاومة �أن يدرك االن�سان �أنه مظلوم ويحدد من الذي ظلمه وماهو نوع الظلم الذي وقع عليه وهل لديه يد فيما وقع عليه من ظلم؟ ليقرر بعدها خيارات املقاومة هذه الت�سا�ؤالت مهمة خا�صة فيما يتعلق باملظامل العامة االجتماعية وال�سيا�سية لأن الظلم يف هذه احلالة واقع على جمتمع ولي�س علي �شخ�ص بعينه ،والظاملون ي�ستفيدون من جهل النا�س مبظاملهم في�ستمرون يف غيهم دون خوف يقول الكواكبي”:من �أغرب الأ�شياء �أن امل�ستبد ي�أخذ �أموال النا�س ظلما ثم يعيدها �إليهم بالتجزئة فيهللون
ويفرحون وي�شيدون بكرمه احلامتي”!!! ويف جمتمعاتنا املتخلفة ف�إن النا�س الينظرون �إيل جوهر الأ�شياء و�إمنا ينظرون �إيل ال�شكليات فيقولون �إن هذا احلاكم عادال لأنه بني ج�سرا �أو احتفل مبهرجان للقر�آن الكرمي �أو قال كالما عنيفا �ضد �أمريكا … الخ هذه العقلية هي التي مكنت لال�ستبداد والظلم يف بلداننا. ثانيا :مـ ـ ــن �أهـ ـ ــم و�س ــائ ــل الـمـ ـق ــاوم ـ ـ ــة حتريرال�شعوب من اخلوف وتب�صريهم بحقوقهم :فاالن�سان ابن بيئته ف�إذا عا�ش يف بيئة م�ستبدة خارت قواه و�ضعفت همته وا�ستكان للواقع يقول الكواكبي �أي�ضا ” �إن اال�ستبداد يحول ميل الأمة الطبيعي من طلب الرتقي �إيل طلب الت�سفل بحث لودفعت �إيل الرفعة لأبت وت�أملت كما يت�أمل الأجهرمن النور” ف�أمة هذا حالها اليرجى منها .وعنرتة بن �شداد تفجرت طاقاته بعد وعيه ب�أن القيمة للنف�س ولي�س للون والعن�صر حينما قال له �أبوه“ :كر و�أنت حر” كان لكلمات �أبيه التي حررته من قيد الرق �أثر كبري يف نف�سه فقد غريت فيه ال�شعور بالدونية وحركت فيه كل الطاقات الكامنة فتفجرت �شجاعة ،وحكمة ،وحباً، وعفة ،و�إباء ،ونب ً ال ،ف�أحتف التاريخ بالقيم النبيلة التي ارتبطت به و�صارت حمل احتفاء حتى يومنا هذا! لذلك �إهتم الأنبياء وامل�صلحون بتوعية �شعوبهم وحتريرهم من رق الوثنية واال�ستعباد قبل االقدام. ثالثا� :إعالن رف�ض الظلم واعتزال الظاملني� :إن الظامل يحيط به اخلوف من كل جانب ،فعندما يعلن املظلومون رف�ضهم لظلمه ف�إن ذلك يزيده خوفا ويدفعه للرتاجع! لقد حث اال�سالم على اعتزال الظاملني ومقاطعتهم قال تعاىل: (والتركنوا �إيل الذين ظلموا متم�سكم النار) ولكن الظاملني يف كل زمان ي�سعون ال�ستقطاب بع�ض النا�س بالرتغيب
والرتهيب ولكنها حماوالت القيمة لها �إذا كانت ال�شعوب واعية مبظاملها وحقوقها واتفقت علي �أهدافها فعندما ا�شتعلت الثورة املهدية يف كل ال�سودان �أر�سل غردون �إيل االمام املهدي خطابا يعينه فيه حاكما على كردفان فرد عليه االمام املهدي قائال” ل�سنا يف ك�سروية ك�سرى والقي�صرية قي�صر والبا�شوية با�شا والمديرية مدير والحاجة يل بال�سلطنة وامللك واجلاه �إمنا نحن يف وظيفة مهدية. رابعا :الو�سائل ال�سلمية من �أف�ضل و�سائل املقاومة فامل�ستبد يح�ضرنف�سه وي�سخرموارد البالد للمواجهات العنيفية فلي�س من احلكمة �أن يواجه مبا يتفوق فيه ولكن املقاومة ال�سلمية ت�شل قدرته وت�ضعف همته حدث ذلك للكيان ال�صهيوين عندما واجهته ثورة احلجارة فقد عجزت الآليات الع�سكرية عن الت�صدي وخ�سرالكيان ال�صهيوين يف كل املحافل الدولية بل حتى داخل �إ�سرائيل ظهرت �أ�صوات تنادي باحرتام حقوق الفل�سطينيني فلما حتولت املقاومة لعمل م�سلح خ�سرالفل�سطينيون و�صاروا يوجهون ال�سالح �إيل بع�ضهم بع�ضا .قال ال�شريف الر�ضي: ملكت بحلمي فر�صة ماا�سرتقها من الدهرمفتول الذراعني �أغلب خام�سا :املقاومة يجب �أن تكون مرتبطة بهدف :فالظامل نحن نبغ�ض �أفعاله ف�إذا كانت الكراهية للأ�شخا�ص ف�إنها تتحول من هدف نبيل �إيل انتقام �شخ�صي و�سيتحول املنتقم نف�سه �إيل ظامل فالهدي النبوي كان وا�ضحا :اللهم �أعزاال�سالم ب�أحب الرجلني �إليك بعمربن اخلطاب �أوبعمروبن ه�شام” �أبوجهل وعندما دعا ر�سول اهلل بهذا الدعاء كان عمرمن �أ�شدالنا�س عداوة لر�سول اهلل! �إن مقاومة الأفعال الغر�ض منها اال�صالح فرمبا يتحول الظامل نف�سه �إيل عادل فقد مار�س الظلم و�أدرك م�ساوئه ف�إذا
65
مقاالت
ال وسطية
علم واقتنع ب�إن العدل فيه م�صلحته قبل م�صلحة الآخرين ف�إنه �سيتحول وماذلك على اهلل بعزيز .ولكن كراهية الأ�شخا�ص ت�ستبطن �إق�صاء ي�ؤدي �إىل دماريف النهاية. �ساد�سا :التنظيم :هذا الع�صر الذي نعي�ش فيه هو ع�صرالنظم والإدارة .واملقاومة كن�شاط �إن�ساين تعترب�إدارة بكل ماتعني الكلمة من معنى ومن �أ�سا�سيات املقاومة معرفة قدرات اخل�صم ونقاط قوته ونقاط �ضعفه ،ومعرفة قدرات املقاوم ليوظفها توظيفا �صحيحا متكنه من �شل قدرات الظامل و�إ�ضعافه فالتنظيم يق�سم املقاومة �إيل مراحل كل مرحلة ت�ؤدي �إيل التي بعدها حتي يتحقق الهدف ،ويتم تق�سيم الأدوار وتقييم املواقف واتخاذ القراراملنا�سب يف الوقت املنا�سب وتوفراملعلومة …الخ �أما االنفعال وا�سقاط جتارب الآخرين دون �إدراك للواقع ف�إنه يعتربت�صرف �أحمق اليقتل عدوا واليرتك �صديقا و�سيمكن الظامل من اال�ستمرا. �سابعا :ا�ستعمال العنف يعترب�آخرالتدابري وم�شروعيته جاءت من قوله تعاىل: (�أذن للذين يقاتلون ب�أنهم ظلموا) ،وهي م�شروعية التكون �إالب�شروط �أولها :ا�ستنفاد كل الو�سائل ال�سلمية وثانيها :الظن الغالب ب�أن الي�ؤدي العنف �إىل �ضرر �أكربوثالثها: �أن يتم االعداد اجليد بحيث يحقق العنف الن�صر ب�أقل اخل�سائر .ورابعها� :أن تعلنه قيادة م�ؤهلة ب�شروطها يقول املتنبئ: من احللم �أن ت�ستعمل اجلهل دونه �إذا ات�سعت يف احللم طرق املظامل وقال النابغة: فال خري يف حلم �إذامل يكن له بوادر حتمي �صفوه �أن يكدرا �أخريا مناذج للمقاومة ال�سلمية: -1االمام عبدالرحمن :يعترباالمام عبدالرحمن رائد املقاومة ال�سلمية يف
66 الع�صراحلديث لقد �شاهد مافعلت الآلة الع�سكرية بالأن�صارالبوا�سل املخل�صني، و�شهد مظاهرالكراهية التي ت�ستبطنها �شرائح كبرية من املجتمع و�أدرك بط�ش العهد اجلديد .ا�ستوعب هذا الواقع بكل م�ستجداته وحدد هدفه وقاد �أحبابه بوعي وهمة حتي حتققت �أهدافه: حول الطاقة الأن�صارية اجلهادية �إيل�أعمال مدنية واقت�صادية. مل يقطع �صلته بال�سلطة احلاكمة وا�ستفادمن �أي فر�صة توفرت له ومل يلتفت النتقاد الآخرين. ا�ستقطب النخب الوطنية الواعية لدعمموقفه الوطني. مد ج�سورالتوا�صل مع كل �شرائح املجتمعالتقليدية واحلديثة و�أغدق عليهم من معروفه. �صنع �صداقات �إقليمية وعاملية ووظفهالق�ضيته. ابتعد عن العنف بالرغم من حما�س�أن�صاره وت�شوقهم لال�ست�شهاد. حقق �أهدافه و�صنع لل�سودان ا�سماوللأن�صارعمرا جديدا. قال :كرف يوم وفاته:هبوا بنع�شك م�سرعني ك�أمنا ف�صموا عرى التاريخ ثم تفرقوا -2فتح اهلل كولن :بعد انهيار ال�سطنة العثمانية قام علي �أ�شالئها نظام علماين �أوروبي الوجه واليد والل�سان ،حاول هذا النظام �سلخ تركيا من جلدتها اال�سالمية و�إحلاقها بالغرب ،و�أن�شئت نظم احلكم واالدارة والثقافة معربة عن هذا املعني، و�أ�س�س جي�ش قوي حلماية هذه املفاهيم والت�صدي لأي حماولة للإنحراف عنها، لقد ا�ستمرهذا النظام قرابة ال�سبعني عاما وفج�أة اكت�شف النظام العلماين عودة ال�شعب الرتكي �إيل جذوره اال�سالمية
وبروز ن�شاط �سيا�سي مدين عم كل �أنحاء الدولة وحاول اجلي�ش �إيقاف هذا املد ب�شتى الأ�ساليب فتغلب عليها ال�شعب وحقق انت�صارا عظيما دون �سفك دماء ،واليوم ف�إن مفا�صل الدولة كلها بيد دعاة العودة �إيل اجلذور الإ�سالمية .فماهو �سرهذا النجاح؟ وماهي االرادة التي تقف وراء هذا العمل؟ يوجد �شخ�ص غريمعروف لدي كثريمن ال�شعوب العربية واال�سالمية ي�سمي ”:فتح اهلل كولن” هذا الرجل جتاوز ال�سبعني من عمره وهو يلزم فرا�ش املر�ض الآن �شفاه اهلل ،يعتربهذا الرجل هو امللهم لل�شعب الرتكي يف ثورته احلديثة الناعمة، لقد انتهج ا�سلوب الوعظ ال�صادق وتغلغل يف وجدان الأمة فخاطب همتها وحرك �أ�شجانها فتفجرت طاقاتها و�أثمرن�شاطها م�ؤ�س�سات تعليمية رائدة ،وم�ؤ�س�سات �صحية متقدمة،ون�شاط اقت�صادي معايف من �أمرا�ض التناف�س والربحية غريالأخالقية. لقد عا�ش الرجل اال�سالم روحا و�سلوكا وح�ضارة وهوالفقريالأعزب الذي الميلك �إال قلبا مليئا بالإميان بالق�ضية ول�سانا ف�صيحا يرتجم ما يجي�ش يف الوجدان، ومن كلماته “الدنيا تدور وتدور وكلما دارت ف�إنها ت�ؤوب �إيل فلكها الأ�صلي ،فيا تري هل ورثة الأر�ض احلقيقيون جاهزون ال�سرتداد مرياثهم الذي �أ�ضاعوه ،و�سلبه الآخرون؟ �إن احلق املوهوب ابتداء �شيء ،واحلق املوهوب ب�سبب التمثل العملي �شيء �آخر. فاحلق �إن مل ميثل ح�سب مقايي�س قيمه الذاتية ،ف�إنه ميكن �أن ي�سلب من �أ�صحابه يف �أي حلظة وي�سلم �إيل قوم �آخرين يكونون �أجدر ولو ن�سبيا بتمثيل اخلري وهكذا �إيل �أن ين�ش�أ املمثلون احلقيقيون للحق” لقد اتبع الرجل نهجا جدير بنا �أن نقف عنده، فتجارب الأمم تدر�س وي�ست�صحب منها ما يتالءم مع الظروف والبيئات� ،إن نهجه يقوم علي الآتي:
�أوال :الت�شبع بالفكرة :وهي �أن اال�سالم دين يحمل يف طياته كل معاين اخلري والعدل واجلمال لكل االن�سانية ،و�أنه لي�س فل�سفة جتريدية ولكنه واقع عملي يتمثله النا�س يف حياتهم و�سلوكهم ومفاهيمهم. �إنه بهذا املعني الوا�سع قادر علي ا�ستنها�ض ال�شعوب وتفجري طاقاتها خريا وع�سال ولبنا .غري �أن ذلك اليتحقق بالأماين و�إمنا بالبذل والت�ضحية. ثانيا :ابتعد هذا النهج عن امل�صادمة مع ال�سلطة بل توا�صل معها وا�ستفاد من احلرية املتاحة للتوا�صل مع اجلماهريوغر�س معاين اخلريواملحبة والتجرد يف قلوبهم .وهي جتربة تذكرنا بنهج االمام عبدالرحمن املهدي طيب اهلل ثراه الذي ا�ستطاع �أن يحقق ا�ستقالل بالده ويعيد تنظيم الأن�صار ويجمع �شتاتهم وي�ضع اللبنات الأ�سا�سية لتنمية اقت�صادية غريم�سبوقة والملحوقة يف ال�سودان. ثالثا :مل يجعل الن�شاط ال�سيا�سي هدفا و�إمنا ركز علي الن�شاط التعليمي والإقت�صادي واالجتماعي والعمل الطوعي يف كافة جماالت الن�شاط االن�ساين .هذا االبتعاد عن العمل ال�سيا�سى املبا�شر حقق جناحا �سيا�سيا يف مرحلة الحقه واليوم ف�إن الذين مي�سكون بال�سلطة يف تركيا هم من تالميذه �أمثال �أردوغان رئي�س الوزراء وعبداهلل غول رئي�س اجلمهورية. رابعا :مل ين�شئ تنظيما والجماعة و�إمنا طرح فكرة وترك للنا�س حرية االختيار يف تطبيقها فتعلق النا�س بالفكرة ومتثلوها يف حياتهم وترجموها لأعمال ،فمثال يتبني عدد من التجار�إن�شاء مدر�سة منوذجية مبنية علي �أجمل طراز وجمهزة ب�أحدث املعدات ،وتتوفرفيها البيئة التعليمية بكل متطلباتها ،وتتوىل الإ�شراف عليها �إدارة عالية الكفاءة ويتقدم فيها للتدري�س
معلمون اليحركهم دافع املرتب العايل و�إمنا ينذرون �أنف�سهم ك�أ�صحاب ر�سالة تعليمية ،وهكذا يف كافة امل�ؤ�س�سات ال�صحية ومنظمات املجتمع املدين ،والذين يت�صدون لهذا العمل ي�سمون �أ�صحاب اخلدمة �إ�شارة �إيل جتردهم وتوا�ضعهم. -3حممد بوعزيزي ال�شاب التون�سي الذي �أقدم على حرق نف�سه و�أ�شعل الثورة التي �أطاحت بالنظام التون�سي �أظهرموقفه هذا جدال فقهيا .فاالنتحارمرفو�ض ا�سالميا وبع�ض النا�س يكفرون املنتحر، ولكن موقف بوعزيزي جاءت ثمرته خريا لتون�س كلها بل رمبا لكل العامل العربي ف�إذا طبقنا مقولة امل�سيح عليه ال�سالم ” بثمارها تعرفونها ”ومقولة الفقهاء الأمور مب�آالتها فرمبا جند له خمرجا وهنالك حديث نبوي ي�سعفنا باملوقف ال�صحيح مع هذه الظاهرة .روى م�سلم يف �صحيحه �أنه ملا هاجرالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم للمدينة هاجرمعه الطفيل بن عمرو وهاجرمعه رجل من قومه فاجتووا املدينة .فمر�ض فجزع ف�أخذ م�شاق�ص له فقطع بها براجمه ف�شخبت يداه حتى مات .فر�آه الطفيل بن عمرويف منامه .فر�آه وهيئته ح�سنة ور�آه مغطيا يديه فقال له :ما�صنع بك ربك؟ فقال :غفر يل بهجرتي �إيل نبيه �صلى اهلل عليه و�سلم فقال مايل �أراك مغطيا يديك ؟ قال قيل يل :لن ن�صلح منك ما �أف�سدت. فق�صها الطفيل على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ((اللهم وليديه فاغفر)) رواه م�سلم يف �صحيحه يف باب :الدليل على �أن قاتل نف�سه اليكفر. هذه النماذج الثالثة تعطينا �صورة عملية لنجاح اجلهاد املدين وفاعليته مع �أن منوذج بوعزيزي كان منوذجا عنيفا ولكنه عنف موجه لنف�سه ولي�س �ضد الآخرين ومنوذج وائل غنيم �أي�ضا جدير بالدرا�سة.
إن كلمة ظلم ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم أكثر من ثالثمائة وعشرين مرة. وورد في السنة “مطل الغني ظلم و”انصر أخاك ظالما أومظلوما” قيل فكيف ننصره مظلوما؟ قال” تكفه عن ظلمه” أوكما قال
67
حوارات
68
ال وسطية
المفكر الدكتور زكي الميالد «للوسطية»: حاوره :ح�سني الروا�شدة يتحدث الدكتور زكي امليالد عن م�شروعه الثقايف وي�شرح مرتكزاته ،ويرى �أن الأ�سئلة الكربى التي تتعلق بالأمة، ك�س�ؤال الدميقراطية واحلرية والدين واملر�أة �ستظل حا�ضرة يف �ساحتنا الفكرية كاختبار للمعرفة وكمقيا�س للتطور ،لكن الإجابة عليها يفرت�ض �أن يكون على الأر�ض ويف امليدان والتجربة ال جمرد نظريات على الورق فقط. وي�ؤكد الدكتور امليالد �أن الفكر الإ�سالمي يف طريقه �إىل الت�صالح مع الدميقراطية ،و�أن املهم لي�س و�صول الإ�سالميني �إىل ال�سلطة و�إمنا و�صولهم لها عرب �صناديق االنتخاب ،معتقداً �أن التحوالت التي حدثت يف عاملنا العربي خرجت من رحم ال�شعوب املقهورة.
• قدمتم م�شروع ًا اتخذ �أبعاد ًا ح�ضارية وثقافية تتعلق بـ�أمتنا العربية ،ما�ضي ًا وحا�ضر ًا وم�ستقب ًال، ما هي مرتكزات هذا امل�شروع ..و�إىل �أي مدى ميكن له �أن يتوا�صل �أو �أن يتقاطع مع امل�شروعات الإحيائية والنه�ضوية التي طرحت على مدى �أكرث من مئة عام؟ بعد ما يزيد على عقدين من العملالفكري والثقايف امل�ستمر والرتاكم ,والذي مل ينقطع �أو يتوقف ,بعد هذه التجربة احلية تبلورت عندي وحتددت مالمح م�شروع ثقايف ,اجتهدت قدر الإمكان �أن يكون جادا ,ويت�سم باحل�ضور واحلركة والفعالية ,ويتخذ من امل�س�ألة احل�ضارية وجهة له.
ويرتكز هذا امل�شروع الثقايف على �أربعة �أبعاد �أ�سا�سية هي: �أوال :الت�أكيد على قيمة الثقافة والإعالء من �ش�أنها ,و�إعطائها درجة عالية من الأولوية ,واال�ستلهام منها والتخلق بها ,واعتمادها كمنظور يف التحليل والنقد واال�ست�شراف ,فالثقافة هي تلك الطاقة والقوة والروح التي تبعث على التجدد والتقدم والنهو�ض ,مع الرتكيز على اجلوهر الإ�سالمي للثقافة, واالهتمام ب�أبعاده الإن�سانية والأخالقية واحل�ضارية. ثانيا :درا�سة الفكر الإ�سالمي ,ق�ضاياه وم�سائله ومقوالته ,وهكذا تطوراته وحتوالته ,م�ساراته وم�سلكياته ,والت�أكيد على �ضرورة التوا�صل مع الع�صر,
ومواكبة العلوم واملعارف ,واالنخراط يف حركة العامل ,والعناية بق�ضايا التجديد والتحديث والتنوير املن�ضبط بالقواعد والأ�صول العامة يف نطاق املرجعية الإ�سالمية. ثالثا :العناية بامل�س�ألة احل�ضارية ,التي تعني النظر �إىل الق�ضايا والظواهر وامل�شكالت على �أ�سا�س منهج التحليل احل�ضاري ,الذي ي�أخذ بعني االعتبار م�شكالت التخلف من جهة ,و�ضرورات التقدم من جهة �أخرى .فالتخلف بكافة �صوره و�أمناطه هو امل�شكلة الأوىل والكربى يف الأمة ,والتقدم هو ال�سبيل يف التغلب على م�شكلة التخلف من جهة, والنهو�ض باجتاه التح�ضر من جهة �أخرى ,وهذا يتطلب الت�أكيد على طلب العلم وحب املعرفة ,وتطوير م�ؤ�س�سات التعليم ,والنهو�ض بالبحث العلمي, وتقدير العلماء ,كما تعني امل�س�ألة احل�ضارية ا�ست�شراف م�ستقبلنا احل�ضاري يف هذا العامل. رابعا :االهتمام بق�ضايا الوحدة الإ�سالمية واحلوار الإ�سالمي والتقريب بني املذاهب الإ�سالمية ,واعتبار وحدة الأمة من ال�ضرورات املقد�سة ,والواجبات العليا .و�أن م�صري الأمة وم�ستقبلها احل�ضاري يرتبط بوحدتها وتكاملها, فالوحدة هي م�صري وم�ستقبل ,واحلوار هو ف�ضيلة وتوا�صل ,والتقريب هو انفتاح وتكامل ,والعمل على �إحياء كل ما هو جامع يف الأمة ,ورف�ض خطوط االنق�سام بكافة �صورها و�أمناطها. هذا امل�شروع بهذه الأبعاد احل�ضارية والنه�ضوية ال �شك �أنه يحمل يف بنيته ومكوناته ممكنات التوا�صل والتقاطع مع م�شروعات النه�ضة يف الأمة ,امل�شروعات التي اتخذت من النه�ضة �سبيال ,ومن الأمة الواحدة واجلامعة انتماء. • ثمة �أ�سئلة كربى ال تزال معلقة على �صعيد فكرنا العربي والإ�سالمي
المهم ليس وصول اإلسالميين للسلطة وإنما وصولهم عبر الديمقراطية.
املعا�صر ،من �أبرزها �س�ؤال الدين و�س�ؤال الدميقراطية و�س�ؤال املر�أة و�س�ؤال الدولة ..كيف ميكن ح�سم هذه الأ�سئلة ب�إجابات مقنعة ..وهل حان وقت ذلك فع ًال؟ هذه الأ�سئلة الكربى �ستظل حا�ضرةعلى طول اخلط يف �ساحة الفكر العربي والإ�سالمي املعا�صر ,وهي من جهة متثل اختبارا ملعرفة قيا�سات م�ستويات التطور يف بنية وم�سارات الفكر العربي والإ�سالمي املعا�صر ,ويف �أمناط ر�ؤيته �إىل العامل ,ومن جهة �أخرى متثل حتديا ملعرفة قيا�سات م�ستويات اال�ستجابة االجتهادية يف حركة الفكر العربي والإ�سالمي ملعا�صر. ويف �ساحة الفكر الإ�سالمي املعا�صر هناك من يرى �أن التقدم نحو هذه الأ�سئلة الكربى ي�أتي عن طريق تطوير العمل الفكري ,ورفع م�ستويات البحث النظري والتنظريي ,وهذا �صحيح من جهة ,ولكنه لي�س كامال من جهة �أخرى. والذي �أراه �أن التقدم نحو هذه الأ�سئلة لن يكون عن طريق عملية فكرية ت�ستند على البحث والتحليل النظري املجرد, و�إمنا هو بحاجة �إىل حتقيق تقدم على
الأر�ض يجري يف حركة احلياة. وميكن اختبار هذه النظرية عند النظر �إىل طبيعة منظورات الر�ؤية لتلك الأ�سئلة يف البيئات واملجتمعات العربية والإ�سالمية ,التي تتفاوت يف درجات وم�ستويات التقدم الفعلي على الأر�ض, ففي البيئات واملجتمعات التي تعي�ش حركة التقدم مثل ماليزيا و�إيران وتركيا �سنجد �أن لها منظورات خمتلفة ومتقدمة عن تلك البيئات واملجتمعات الإ�سالمية الأخرى الأقل تقدما. الأمر الذي يعني �أن طريقة النظر �إىل تلك الأ�سئلة �ست�شهد تقدما كلما تقدمت احلياة ,وما مل يح�صل هذا التقدم يف البيئات واملجتمعات العربية �ستظل طريقة النظر �إىل تلك الأ�سئلة تت�سم غالبا باجلمود وال�سكون ,وتفتقر �إىل عن�صر احلركة والفعالية. • يف ع�صر التحوالت التي ي�شهدها عاملنا العربي ،هل تعتقد �أن الثورات خرجت من رحم ال�شعوب� ,أم �أنها �صناعة تداخلت فيها عوامل خمتلفة ,واخرتقها العبون معروفون �أو جمهولون؟ يك�شف هذا ال�س�ؤال من جهة ,كيف �أنموجة التحوالت التي ع�صفت باملنطقة العربية يكتنفها جانب التعقيد والغمو�ض, وذلك نتيجة تعدد وتداخل العنا�صر امل�ؤثرة فيها ,العنا�صر الداخلية واخلارجية, املحلية والدولية ,الظاهرة والغام�ضة, املعروفة وغري املعروفة ,ونتيجة ت�سارع وترية موجة هذه التحوالت بطريقة قيا�سية نادرة احلدوث يف املجال العربي ب�شكل خا�ص ,فمن هذه اجلهة هناك جانب التعقيد والغمو�ض يف هذه املوجة من التحوالت. ومن جهة �أخرى ك�شفت هذه املوجة من التحوالت ,كيف �أننا يف املجال العربي ال منلك قدرة التحكم وال�سيطرة على جمالنا و�أو�ضاعنا ,وال منلك �أي�ضا املعرفة
69
حوارات
ال وسطية
والدراية الكاملة مبجالنا و�أو�ضاعنا� ,إىل درجة ت�أخذنا احلرية ,ونظل حائرين يف طريقة تكوين املعرفة بهذه املوجة من التحوالت التي حتدث �أمام �أعيننا ,ويف حا�ضرنا ولي�س يف ما�ضينا ,ويف جمالنا ولي�س يف جمال غرينا. و�أمام هذه املوجة من التحوالت املفاجئة واملت�سارعة وامل�ؤثرة هناك من يرى �أنها خرجت من رحم ال�شعوب التي لوالها ملا ح�صلت هذه التحوالت� ,إىل جانب من يرى �أن هذه التحوالت مل تكن بعيدة عن الت�أثري الغربي الذي لواله ملا و�صلت هذه التحوالت �إىل ما و�صلت �إليه ,ولعل يف قناعة الغربيني �أنهم هم الذين �صنعوا هذه املوجة من التحوالت� ,أو �أنهم الذين جعلوا هذه املوجة من التحوالت ت�صل �إىل ما و�صلت �إليه. والذي �أراه �أن هذه املوجة من التحوالت خرجت من رحم ال�شعوب املقهورة ,لكن الغربيني دخلوا على اخلط حتى ال تنقلب هذه املوجة عليهم ,حفاظا على م�صاحلهم, ولي�س دفاعا عن حق ال�شعوب. • و�صل الإ�سالميون على اختالف اجتاهاتهم �إىل بع�ض مواقع ال�سلطة تقيم هذه يف عاملنا العربي ،كيف ّ التجربة ,وما هي �أبرز التحديات التي تواجهها؟ هذه املوجة من التحوالت دخلالإ�سالميون مرحلة جديدة �سوف ي�ؤرخ لها يف تاريخ تطور م�سارات احلركة الإ�سالمية يف الع�صر احلديث ,واجلانب املهم يف هذا التطور لي�س و�صول الإ�سالميني �إىل مواقع ال�سلطة يف العامل العربي ,و�إمنا املهم �أن و�صول ه�ؤالء �إىل ال�سلطة كان عن طريق الدميقراطية ,واختيار النا�س لهم عرب �صناديق االقرتاع ,من خالل انتخابات حرة ونزيهة. لكن هذا التطور و�ضع الإ�سالميني �أمام اختبار �صعب ,و�إذا كان من املبكر احلكم على جتربتهم بالف�شل �أو النجاح� ,أو ما
70 بني البني ,مع ذلك ميكن القول �أن فر�ص النجاح �ستكون �صعبة ,والأ�صعب من ذلك االعرتاف لهم بالنجاح� ,أو ال�سماح لهم بالنجاح وهم يف ال�سلطة ,وذلك لأنهم ورثوا من ال�سلطات ال�سابقة واقعا طويال ومرتاكما من الف�شل والعجز والإخفاق يف كافة امليادين تقريبا. ومن �أبرز التحديات التي �ستواجههم وهم يف ال�سلطة ,حتدي �إدارة اقت�صاديات الدولة ,و�إمكانية حتقيق جناحات اقت�صادية فعلية وملمو�سة خالل فرتة وجيزة� ,إىل جانب حتدي بقاء قناعة وثقة النا�س بقدرتهم على �إدارة م�ؤ�س�سات الدولة. • هل ت�صالح الفكر الإ�سالمي مع الدميقراطية ..وهل لدينا يف خمزوننا التاريخي جتربة حكم �إ�سالمي ميكن اال�ستناد �إليها �أو اال�ستفادة منها؟ هناك مفارقات الفتة يف ديناميات تطورالعالقة بني الإ�سالم والدميقراطية يف املجالني العربي من جهة ,والإ�سالمي غري العربي من جهة �أخرى� ,إذ ميكن القول �إننا كلما ابتعدنا عن املجال العربي, وجدنا منطا وم�سارا خمتلفا ومغايرا يف
الفكر اإلسالمي في طريقه إلى التصالح مع الديمقراطية.
ديناميات تطور هذه العالقة ,هو �أكرث ن�ضجا وتقدما من النمط وامل�سار ال�سائد يف املجال العربي. وتتك�شف هذه املالحظة بالإ�شارة �إىل ثالث مفارقات �أ�سا�سية ,هي: �أو ًال :يف املجال العربي كان اجلدل والنقا�ش وما زال حول الإ�سالم والدميقراطية ,يتحدد ب�صورة رئي�سية ويرتكز حول العالقة بني ال�شورى والدميقراطية ,وبطريقة يغلب عليها اجلدل النظري املتحيز �أيديولوجيا من جهة ,واملفتقر للعمق املعريف من جهة �أخرى. والأقوال املتداولة يف هذا ال�ش�أن ,باتت متكررة ومعروفة لكرثة احلديث عنها, وتعيد �إنتاج نف�سها كما هي �أو ب�صور خمتلفة ,فهناك من ينحاز �إىل ال�شورى ويرف�ض الدميقراطية �أو يتحفظ عليها, �إىل جانب من ينحاز �إىل الدميقراطية ويرف�ض ال�شورى �أو يتحفظ عليها. وهناك من يرى �إمكانية اجلمع بني ال�شورى والدميقراطية� ,إىل جانب من ال يرى �إمكانية اجلمع بينهما .وهناك من يرى دميقراطية يف ال�شورى� ,إىل جانب من ال يرى دميقراطية يف ال�شورى, وهناك من يرى �أن ال�شورى ملزمة� ,إىل جانب من يرى �أنها معلمة. �إىل غري ذلك من �أقوال ال تقدم وال ت�ؤخر ,وكان يفرت�ض �أن تكون من خملفات املا�ضي وعفا عليها الزمن, وتال�شت وا�ضمحلت ,لأنها ال حترك �ساكنا ,وال تغري واقعا ,وال تقدم حال ,وال تعالج م�شكلة. ومتى ما ابتعدنا عن املجال العربي تغري هذا النمط من اجلدل النظري العقيم, �إىل منط وم�سار �آخر بعيدا عن املطارحة �أو املفا�ضلة بني ال�شورى والدميقراطية, �إىل البحث عن �إمكانية التوافق والتنا�سب والتكيف بني الدين والدميقراطية ,على قاعدة التم�سك بالدميقراطية ولي�س
رف�ضها �أو الت�شكيك فيها. ً ثاني ًا� :إن الأ�صوات التي ارتفعت عاليا يف رف�ض الدميقراطية ومقتها وت�صويرها ب�أ�شد الأو�صاف تنكريا ,واعتبارها كفرا ومنكرا وا�ستالبا وع�صيانا لأمر اهلل �سبحانه ,وخروجا على هدي الدين و�شريعته �إىل غري ذلك من نعوت و�أو�صاف بالغة الذم والتنكري. هذه الأ�صوات ال�صاخبة �إمنا ظهرت وعرفت وارتفعت نربتها ب�شكل �أ�سا�سي يف املجال العربي ,ومتى ما ابتعدنا عن هذا املجال �إىل املجال الإ�سالمي غري العربي خفت هذه الأ�صوات ,وهد�أت نربتها, وكادت تختفي وتتال�شى ,و�إذا وجدت ف�إنها ال حت�ضى بالوزن الذي هي عليه يف املجال العربي. ثالث ًا :ال ميكن القيا�س �أو املقارنة بني ديناميات تطور الدميقراطية واحلياة ال�سيا�سية يف املجال العربي ما قبل ع�صر التحوالت الأخرية ,ويف املجال الإ�سالمي غري العربي .وهذا ما ت�ؤكده وتربهن عليه احلقائق والوقائع الفعلية ,وما يدركه ويعرفه من قريب �أو بعيد املراقبون واملتابعون لل�ش�ؤون ال�سيا�سية والدميقراطية ,وما ت�شري �إليه وتتحدث عنه التقارير والدرا�سات امل�سحية واال�ستطالعية املتخ�ص�صة واملعنية مبراقبة الدميقراطية والتطور الدميقراطي يف العامل. وح�سب هذه التقارير والدرا�سات الدورية وغري الدورية ف�إن العامل العربي دائما ما ي�صنف على الدول الأقل تطورا يف جمال الدميقراطية ,والأ�شد جمودا يف االنفتاح ال�سيا�سي. وب�صورة عامة ميكن القول �إن الفكر الإ�سالمي يف طريقه للت�صالح مع الدميقراطية ,وكل جتارب احلكم التي مرت على العامل الإ�سالمي ميكن اال�ستفادة منها� ,إذا مل يكن من جهة الدميقراطية ,فمن جهة نقد اال�ستبداد.
اإلجابة على أسئلة ُ مكانه األمة الكبرى األرض ال الورق.
•بع�ض كتاباتك م�سكونة بهواج�س االختالف مع الآخر �أو التعاي�ش واحلوار معه ..ترى متى يكون احلوار مع الآخر ذا جدوى ..وما هي �شروطه وكيف ميكن �أن ننتقل من دائرة اال�ستقبال فقط �إىل دائرة الإر�سال والفاعلية احل�ضارية يف عالقتنا مع الذات والآخر؟ عند النظر يف مفهوم الآخر ميكن الف�صلوالتمييز بني جانبني �أ�سا�سيني ال بد من الإ�شارة �إليهما ,والت�أكيد عليها يف تكوين املعرفة بهذا املفهوم ,ويف طريقة التعامل معه ,وهما اجلانب الأخالقي والإن�ساين من جهة ,واجلانب الفكري والثقايف من جهة �أخرى. يف اجلانب الأخالقي والإن�ساين لي�س هناك ما ي�سمى بالآخر ,وال ينبغي �إطالق مفهوم الآخر يف هذا اجلانب ,وذلك لأن الطبيعة الإن�سانية هي واحدة وثابتة من حيث اجلوهر واخللق والتكوين ,وال تختلف �أو تتمايز بني جميع الب�شر ,وهذا ما يعرفه الب�شر �أنف�سهم ,منذ �أن وجد الإن�سان على هذه الأر�ض ,ومهما اختلفت �أل�سنة النا�س ولغاتهم� ,ألوانهم و�أعراقهم,
مدنياتهم وثقافاتهم. ولي�س هناك �إن�سان غري بني بني الإن�سان ,فاخللق كلهم عيال اهلل ,فطرهم على فطرته وال تبديل خللق اهلل ,وخلقهم يف �أح�سن تقومي ,وجعلهم على �أح�سن �صورة. ومن هذه اجلهة ,ف�إن النظرة الأخالقية تنفي �إطالق مفهوم الآخر بني الب�شر على �أ�سا�س اللون �أو العرق �أو الل�سان ,وترف�ض وتواجه من يقبل �أو يتبنى مثل هذه الت�صورات وهذه الأفكار ,ومن يتحدث عنها �أو مييل وي�شري �إليها. وربط مفهوم الآخر باجلانب الفكري والثقايف ي�ستند على خلفية �أن هذا املفهوم هو الذي ي�شري �إىل تلك االختالفات الفكرية والثقافية الفارقة والفا�صلة التي تظهر بني املجموعات واجلماعات الب�شرية ,وال يتعلق باالختالفات الب�سيطة �أو ال�سطحية �أو العابرة .ويك�شف عن ذلك طريقة التعاطي بهذا املفهوم بني املجموعات املختلفة ,فهو ال يجري التعامل معه عند ه�ؤالء �إال على �أ�سا�س االختالف الفكري والثقايف الفارق والفا�صل بني هذه املجموعات. ويف هذا النطاق طرحت فكرة �أطلقت عليها (تعارف احل�ضارات) ,هذه الفكرة حتولت اليوم �إىل نظرية متداولة وحا�ضرة يف املجال التداويل العربي والإ�سالمي ,وهذه النظرية ت�ستند على �أ�صل ثابت من القر�آن الكرمي ,وحتديدا يف �آية التعارف يف �سورة احلجرات يف قوله تعاىل ( :يا �أيها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و�أنثى وجعلناكم �شعوبا وقبائل لتعارفوا) ,وتنطلق هذه النظرية من مبد�أ نفي اجلهل بالآخر ,وتكوين املعرفة واالعرتاف به وبوجوده الإن�ساين. • كثريون يف عاملنا العربي �أ�صبحوا م�ؤمنني بفكرة الإ�صالح ,هل يكفي الإميان بالفكرة �أم �أننا بحاجة �إىل م�شروع للإ�صالح حتى ندخل ع�صر
71
حوارات
ال وسطية
الإ�صالح ,ونتجنب ارتدادات زالزل التغيري التي تتوا�صل يف منطقتنا؟ الإ�صالح هو املهمة التي ال حتتملالت�أجيل �أو الت�أخري يف العامل العربي, وهو املهمة التي تبد�أ وال تنتهي ,وذلك لأن العامل العربي بقي زمنا طويال بعيدا عن ركب الإ�صالح ,وكاد �أن يكون ع�صيا على الإ�صالح ,وحينما انبعثت فكرة الإ�صالح واكت�سبت زخما كبريا يف املجال العربي, توقفت عند هذه الفكرة ووجدت �أنها متثل حلظة تاريخية ال ينبغي �أن تفوت على الإطالق� ,أو متر علينا دون �أن ت�شرق وتتخلق فينا ,وتفعل فعلها يف تغيري �أحوالنا و�أو�ضاعنا البائ�سة واملرتدية, وتعيد لنا الروح الذي كاد يخرج منا بال عودة. فطاملا ترقبنا وانتظرنا مثل هذه اللحظة التاريخية التي ال متر على الأمم ب�سهولة ,ويف �أي وقت ,وكيفما ن�شاء ,وال خيار �أمامنا �إال بالتم�سك بهذه الفكرة, وحتويلها �إىل فل�سفة نعت�صم بحبلها, ونعطيها قوة املعنى .وذلك ل�شدة حاجتنا لهذه الفكرة بعد �أن و�صلنا �إىل ما و�صلنا �إليه� ,إذ باتت جميع الأمم جتد عزاءها فينا ,لهذا فان فكرة الإ�صالح هي فل�سفتنا, وبهذا املنطق ينبغي �أن نتعامل معها. والق�صد من حتويل فكرة الإ�صالح �إىل فل�سفة� ,ضرورة �أن جنتهد يف تطوير وتعميق الأبعاد املعرفية لهذه الفكرة, وحتويلها �إىل فكرة غنية وثرية باملعاين والدالالت اخلالقة وامل�شعة ,وحتى يكون لهذه الفكرة من الفاعلية والت�أثري ما يعادل الت�أثري العظيم لفكرة التنوير يف �أوروبا القرن التا�سع ع�شر ,وهذا ما نت�أمله وننتظره فعال حا�ضرا وم�ستقبال. • هل ميتلك امل�سلمون اليوم ر�ؤية م ّوحدة لأنف�سهم وللعامل ,وهل افتقاد مثل هذه الر�ؤية هو عنوان للتخلف الذي نعانيه ,وللأزمات التي
72 تتنا�سل يف بالدنا؟ من املمكن القول �أن امل�سلمني يف ظلو�ضعيات اجلمود والرتاجع تتفتت عندهم وتغيب الر�ؤية املوحدة لأنف�سهم وللعامل, ويف ظل و�ضعيات التقدم والنهو�ض ت�ستعيد عندهم وتقرتب الر�ؤية املوحدة لأنف�سهم وللعامل ،وذلك لأن الرتاجع له منظوراته ,والتقدم له منظوراته املغايرة متاما ,منظورات الرتاجع تدفع نحو العزلة واالنكفاء ,وتبعث على ال�شعور بال�ضعف ,والإح�سا�س بالعجز والف�شل, وعندها تتفتت وتغيب الر�ؤية املوحدة
التحوالت في منطقتنا العربية خرجت من رحم الشعوب المقهورة.
للذات وللعامل ,يف حني �أن منظورات التقدم تدفع نحو االنفتاح واالنطالق, وتبعث على ال�شعور بالقوة ,والإح�سا�س بالإرادة والتغلب على الف�شل ,وعندها تدرك الأمة حاجتها �إىل االقرتاب من الر�ؤية املوحدة لذاتها وللعامل ونحن اليوم ندرك ب�أننا بحاجة �إىل ر�ؤية موحدة ن�ستعيد من خاللها مفهوم الأمة اجلامعة جلميع امل�سلمني ,املفهوم الذي ينبغي �أن نعطيه �أق�صى درجات الفعالية, ملواجهة وحما�صرة نزعات االنق�سام واالنغالق وال�صدام ,النزعات التي كادت
تتف�شى وب�صورة خطرية يف البيئات واملجتمعات العربية والإ�سالمية. •ثمة عالقة ملتب�سة بني ال�سيا�سي واملثقف ،كيف ميكن جت�سري هذه العالقة �أو جتاوز حمنة ال�صراع التاريخي بينهما؟ من جهة املبد�أ ,ميكن القول �إن ال�سيا�سي�أقرب �إىل منطق امل�صلحة واملثقف �أقرب �إىل منطق القيم ,ال�سيا�سي �أميل �إىل النزعة الواقعية واملثقف �أميل �إىل النزعة املثالية ,ال�سيا�سي يف�ضل عادة التفكري يف احلا�ضر واملثقف يف�ضل عادة التفكري يف امل�ستقبل ,ال�سيا�سي يقدم غالبا البحث يف جزئيات الأمور واملثقف يقدم غالبا البحث يف كليات الأمور ,ال�سيا�سي ينزع نحو املهادنة واملثقف ينزع نحو النقد. هذه املفارقات من جهة املبد�أ ,تلفت النظر حلاجة ال�سيا�سي �إىل املثقف, وحاجة املثقف �إىل ال�سيا�سي ,وذلك لتحقيق التوازن بني منطق امل�صلحة ومنطق القيم ,والتوازن بني النزعة الواقعية والنزعة املثالية ,والتوازن يف بحث اجلزيئات وبحث الكليات ,والتوازن بني النزوع نحو املهادنة والنزوع نحو النقد. ومن جهة الفعل ,ميكن القول �أن هناك �أزمة �أ�صابت ال�سيا�سي من اجلهة ,و�أ�صابت املثقف من جهة �أخرى ,الأزمة التي فرقت وباعدت بني ال�سيا�سي واملثقف ,وبدلت وغريت من �صورة ال�سيا�سي من جهة ,ومن �صورة املثقف من جهة �أخرى ,و�أظهرت ال�سيا�سي يف �صورة الرجل امل�ستبد, واملتم�سك بال�سلطة ,والباحث عنها, والذي ال هم له �إال البحث عن م�صاحله ومنافعه الذاتية واخلا�صة ,و�أظهرت املثقف يف �صورة الرجل ال�ضعيف ,الذي من ال�سهل الإيقاع به ,و�إغوائه و�إغرائه باملال �أو اجلاه. ومن جهة الفعل �أي�ضا ,وب�سبب الأزمة التي �أ�صابت ال�سيا�سي جعلت منه ال ينظر
�إىل املثقف وال يتعامل معه �إال بو�صفه تابعا له ,وخا�ضعا ل�سيطرته ,ومهادنا ومبجال ملواقفه و�سيا�ساته ,و�صامتا عن نقده. �إىل جانب ذلك هناك ال�سيا�سي املن�سحب من ال�سيا�سة �إىل الثقافة ,وهناك املثقف املن�سحب من الثقافة �إىل ال�سيا�سة� ,أو العائد من ال�سيا�سة �إىل الثقافة. ومن جهة العالقة هناك من يدعو �إىل �ضرورة وجود م�سافة تف�صل بني املثقف وال�سيا�سي ,حتى يحتفظ املثقف ب�شخ�صيته امل�ستقلة ,ويحافظ على نزعته النقدية. ويف املح�صلة النهائية ف�إن ال�سيا�سي له �أكرث من �صورة ,وال ميكن اختزاله يف �صورة واحدة ,وهكذا احلال مع املثقف الذي له �أي�ضا �أكرث من �صورة ,وال ميكن اختزاله يف �صورة واحدة. •ما زال �س�ؤال احلداثة يطرق �أبوابنا،
البع�ض رف�ض احلداثة من حيث املبد أ� و�آخرون حاولوا ابتالعها ..هل يوجد حداثة �إ�سالمية ،وهل ميكن �إعادة النظر يف ثنائيات العقل والنقل, والن�ص وامل�صلحة ..لوالدة مثل هذه احلداثة؟ �س�ؤال احلداثة �سيظل يطرق �أبوابنا دائما,وال خ�شية من ذلك على الإطالق ,ونحن بحاجة �إىل تذكر هذا ال�س�ؤال الذي ي�شعرنا من جهة باحلاجة �إىل النهو�ض والتقدم, ويلفت نظرنا من جهة ثانية �إىل تلك امل�سافات الطويلة التي تف�صلنا عن العامل, وعن التقدم يف العامل ,ونحن بحاجة �إىل تذكر هذا ال�س�ؤال �أي�ضا ,للتخفيف من حالة االحتبا�س يف املا�ضي ,واال�ستغراق يف الرتاث ,وللتخل�ص من �إ�شكاليات اجلمود والتقليد ,وللحد من نزعات التع�صب والقطيعة واالنغالق.
واملالحظ �أن الفكر الإ�سالمي املعا�صر �أخذ يتجاوز ما �سمي ب�صدمة احلداثة, واخل�شية من احلداثة ,وانتقل �إىل طور البحث عن حداثة �إ�سالمية ,والدعوة �إىل ت�أ�سي�س حداثة �إ�سالمية ,كما دعا �إىل ذلك الدكتور طه عبد الرحمن يف كتابه (روح احلداثة ..املدخل �إىل ت�أ�سي�س احلداثة الإ�سالمية) ,الذي �أقام دعوته على �أ�سا�س التفريق بني واقع احلداثة وروح احلداثة. ومن جهتي فقد �أ�س�ست �إىل مقاربة �أراها �أنها مقاربة جديدة وفعالة هي املقاربة بني مفهوم االجتهاد ومفهوم احلداثة, و�أن مفهوم االجتهاد يف املجال الإ�سالمي يعادل مفهوم احلداثة يف املجال الغربي, لأن مفهوم االجتهاد من الناحية الرتكيبية يعرب ويتمثل العنا�صر الأ�سا�سية املكونة لبنية مفهوم احلداثة ،وهي عنا�صر العلم والعقل والزمن.
تعريف: �سعادة الأ�ستاذ زكي عبد اهلل امليالد -اململكة العربية ال�سعودية كاتب وباحث يف الفكر الإ�سالمي ,والإ�سالميات املعا�صرة. رئي�س حترير جملة الكلمة ,ف�صلية فكرية ت�صدر من بريوت. �شارك يف العديد من الندوات وامل�ؤمترات واحللقات الدرا�سية والفكرية والأكادميية ,العربية والدولية ،تزيد على �أربعني ندوة. امل�ؤلفات املن�شورة عددها ( )23كتاباً ,منها:• الفكر الإ�سالمي قراءات ومراجعات. • جتديد التفكري الديني يف م�س�ألة املر�أة. • من الرتاث �إىل االجتهاد ..الفكر الإ�سالمي وق�ضايا الإ�صالح والتجديد. • نحن والعامل ..من �أجل جتديد ر�ؤيتنا �إىل العامل. • تعارف احل�ضارات. • الإ�سالم والإ�صالح الثقايف. • الإ�سالم واملدنية الإ�سالم والتجديد ...كيف يتجدد الفكر الإ�سالمي. امل�شاركة يف العديد من الكتابات ـ درا�سات ومقاالت ـ من�شورة يف �أكرث من 50بني دورية وجملة و�صحيفة ,ف�صلية و�شهرية و�أ�سبوعيةويومية.
73
رابطة
74
ك ّتاب التجديد
رابطة ّ كتاب التجديد :سيرة ومسيرة ا�شتدت احلاجة جلمع الكتاب امل�ستنريين الذين يتبنون خطاً �إ�صالحياً يف التعبري عن الإ�سالم يف رابطة واعية تعمل على تن�سيق اجلهود وتكرمي الإبداع ،والإ�سهام يف رعاية التيار التجديدي يف العامل الإ�سالمي ،رغبة يف ال�ستفادة والتن�سيق بني الأعمال واجلهود املبذولة ،واالطالع على امل�شاريع التي تتم اليوم حتت عناوين التجديد والتنوير ،ومواجهة الفكر
املنحرف الذي ميزق وحدة االمة �أو ي�سيئ اىل الإ�سالم ،ومواجهة �سائر ا�ساليب التكفري والتف�سيق ،و�سائر ا�شكال الغاء الآخر . ال ن�شك ان هناك ادواراً كثرية ملواجهة التطرف يف ال�شرق والإ�سالموفوبيا يف الغرب،ولكن نعتقد �أن الفكر له دور رئي�س يف مواجهة هذين اللونني من الإنحراف اخلطري ،ولأجل ذلك فقد بادر
أعلنت رابطة ّ كتاب التجديد عن اسماء الفائزين لعام 2013 �أعلنت رابطة ك ّتاب التجديد يف املنتدى العاملي للو�سطية عن الفائزين بجائزتها لعام ،2013حيث قررت منحها للعلماء واملفكرين التالية �أ�سمائهم : -1ف�ضيلة ال�شيخ را�شد الغنو�شي -زعيم حركة النه�ضة التون�سية -2معايل الدكتور عبد العزيز التويجري -الأمــني العـام لــلمن ـظ ـمــة اال�ســالمـية للرتبية والعلوم والثقافة � -3سعادة الدكتورة رقية العلواين -ا�ستاذة الدرا�سات الإ�سالمية جامعة البحرين . و�أكد املهند�س مروان الفاعوري �أن اللجنة العلمية يف رابطة ك ّتاب التجديد تدرا�ست عدداً من �أ�سماء املر�شحني وم�ساهمتهم يف جمال التجديد يف الفكر الإ�سالمي ،وختارت الفائزين الثالثة نظراً مل�ساهمتهم الكبرية يف �إثراء م�سرية الفكر العربي الإ�سالمي ودورهم املهم يف �إبراز النموذج العملي مل�شروع الإ�سالم ال�صحيح . ً و�سيقيم املنتدى العاملي للو�سطية ورابطة ك ّتاب التجديد �إحتفاال لتكرمي الفائزين من رواد ك ّتاب التجديد يف العامل اال�سالمي يف مدينة احل�سني لل�شباب يون الثالثاء املوافق /25حزيران ، 2013/ويت�ضمن االحتفال توزيع اجلوائز التقديرية والدروع على املكرمني ،وي�أتي هذا االحتفال ال�سنوي من املنتدى العاملي للو�سطية -رابطة كتاب التجديد لتعزيز م�سرية العمل اال�سالمي والتعريف باملفكرين املجددين وتكرميهم ،و�صو ًال �إىل بناء امل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي الذي ي�شكل قا�سماً م�شرتكاً للعاملني يف جمال لفكر اال�سالمي .
ف�ضيلة ال�شيخ را�شد الغنو�شي معايل الدكتور عبد العزيز التويجري
�سعادة الدكتورة رقية العلواين
املنتدى العاملي للو�سطية ب�إطالق مبادرته اجلريئة بدعوة الكتاب واملفكرين اىل حتمل م�س�ؤولياتهم واطلق يف هذا ال�سبيل رابطة ك ّتاب التجديد الإ�سالمي ،مب�شاركة نحو اربعني من املفكرين والك ّتاب الذين اجتمعوا يف القاهرة يوم 26حزيران ،2010 وعقب ثالثة ايام من املداوالت واحلوارات انتهى اللقاء اىل �إعالن ت�أ�سي�س الرابطة واختري الدكتور �أحمد عمر ها�شم رئي�س جامعة الأزهر الأ�سبق رئي�ساً للرابطة كما اختري جمل�س امناء ميثل الدول العربية الت�سعة التي �شاركت يف اللقاء الت�أ�سي�سي . تق�صد الرابطة اىل جمع الك ّتاب امل�ستنريين الذين يتبنون خطاً �إ�صالحياً يف التعبري عن الإ�سالم وتعمل يف التيار الفكري التجديدي ،وحتمل الرابطة و�أع�ضا�ؤها اطيب امل�شاعر اجتاه امل�ؤ�س�سة الدينية املحافظة وي�شرتكون معها يف مواجهة امل�شاريع التي تهدف اىل حماربة اال�سالم والكيد للم�سلمني . واتفق امل�شاركون على �أن تتوفر يف �أع�ضاء الرابطة املبادئ التالية : • االلتزام باالنتماء اىل احل�ضارة اال�سالمية . • �أن يكون قد �صدر له كتابان على الأقل يتبنى فيهما اجتاهاً جتديدياً يف الفكر الإ�سالمي . • �أن يحرتم حق النا�س يف التعبري عن ارائهم وافكارهم . • �أن يوافق على امل�شاركة يف االجتماع الت�أ�سي�سي ويوافق على النظام الأ�سا�سي للرابطة . ون�ؤكد هنا انه لي�س من هدف الرابطة الت�أ�سي�س لتيار فكري وحزبي جديد ، �أو ملنظمة جديدة كما انه لي�س موجهاً �ضد التيار املحافظ الذي نحرتم جهده وعمله وعطاءه ،و�إمنا هو لون من احرتام االخت�صا�ص والتعاون على الرب التقوى . خطة الرابطة : .1رفع عدد الأع�ضاء العاملني بالرابطة اىل 200كاتب ومفكر علماً ب�أن عددهم بلغ
حتى مطلع عام 2013نحو ( )150مفكراً وعاملاً من كافة انحاء العامل العربي واال�سالمي . .2عقد لقاء �سنوي للك ّتاب واملفكرين حتت عنوان امل�ؤمتر ال�سنوي لرابطة ك ّتاب التجديد . .3تكرمي املفكرين واملبدعني الذين يقدمون م�شاريع فكرية حقيقية لنه�ضة الأمة وقد خ�ص�صت لذلك جائزة الرابطة التي مت منحها يف الأعوام ،2011،2012،2013لعدد من املجددين من �أع�ضاء الرابطة . ّ � .4إطالق موقع رابطة كتاب التجديد على االنرتنت بهدف التعريف باملفكرين و�أعمالهم العلمية ونتاجهم الفكري وترويجه ،ويت�ضمن املوقع تعريفاً عاماً بالرابطة ومدخ ً ال اىل مائتي كاتب ومفكر ميكن من خالله التعرف على : • ال�سرية الذاتية للكاتب او املفكر . • م�شروعه الفكري يكتبه بقلمه يف 400 كلمة . • الأعمال الكاملة لهذا املفكر من كتب ودرا�سات . .5تنظيم �أعمال فكرية م�شرتكة على هيئة مو�سوعات علمية تعالج الق�ضايا الكربى التي يعاين منها العامل الإ�سالمي . .6دعم الأعمال املتميزة الع�ضاء الرابطة. .7طباعة 100كتاب يف التنوير ودعمها وطرحها للنا�س ب�أ�سعار ت�شجيعية. تهدف الرابطة �إىل حتقيق املقا�صد الآتية: • رعاية كتاب التجديد والتنوير يف الأمة ،وحتقيق التعارف والتكامل فيما بينهم ،وامل�ساعدة على ن�شر �أعمالهم اجلادة وتو�سيع انت�شارها.
• �إحياء م�صادر ال�شريعة املعتربة وتوفري احللول ملا تواجهه الأمة من م�ستجدات. • النبذ املطلق لكل خطاب تكفريي لأهل ال �إله �إال اهلل مهما كانت مربراته. • الت�أكيد على وجود �أكرث من اجتهاد فقهي يف امل�س�ألة الواحدة واحرتام �سائر املجتهدين. • رف�ض بيانات التكفري والتف�سيق التي ت�صدرها جهات دينية �أو �أفراد مهما كانت مربراتها. • الدعوة �إىل التجديد والتنوير �ضمن ثوابت الأمة • فتح احلوارات مع الغرب بهدف بناء اجل�سور ورفع العوائق التي حتول دون تقدمي �صورة �صحيحة عن الإ�سالم. وتقوم الرابطة بتحقيق �أهدافها عرب الو�سائل الآتية: • عقد اللقاءات والندوات وامل�ؤمترات التي تهدف �إىل تعزيز ثقافة التنوير والتجديد • توفري منابر جديدة لرجال الفكر املتنور لن�شر م�شاريعهم النه�ضوية يف �إطار الفكر. • ر�صد ومتابعة ما ين�شر يف التجديد والتنوير وت�شجيع الأفكار اخلالقة يف بناء املجتمع الإ�سالمي. • التوا�صل مع اجلهات العاملة يف حقل الفكر من وزارات وهيئات و�أفراد لتعزيز اجلهود الهادفة �إىل بناء ثقافة تنويرية يف املجتمع الإ�سالمي. • ن�شر الكتب والأعمال العلمية التي ت�شكل م�شروعاً نه�ضوياً رافعاً للأمة • العمل على تكرمي الكتاب واملبدعني واملفكرين يف حقل التجديد الإ�سالمي بالو�سائل املمكنة.
جائزة رابطة ّ كتاب التجديد السنوية : خ�ص�صت الرابطة جائزة �سنوية متنح كل عام لواحد من اع�ضائها �أو اكرث ، وقد فاز بهذه اجلائزة يف عام 2011كل من :الدكتور �سعد الدين العثماين من املغرب واال�ستاذ حممد مورو من م�صر ،كما فاز بها عام 2012كل من : الدكتور عبد املجيد النجار من تون�س والدكتور احمد نوفل واال�ستاذ ابراهيم العجلوين من االردن . �أما جائزة عام 2013فقد منحت لكل من ال�شيخ را�شد الغنو�شي زعيم حركة النه�ضة التون�سية والدكتور عبد العزيز التويجري امني عام منظمة الثقافة والعلوم الإ�سالمية والدكتورة رقية العلواين ا�ستاذة ال�شريعة يف جامعة البحرين . وتعتمد الرابطة يف تخ�صي�ص جوائزها على منهج وا�ضح يقوم على طرح عدد من املر�شحني من االع�ضاء على اللجنة العلمية لقراءة بحوثهم وم�ؤلفاتهم واجنازاتهم ،ثم اختيار واحد منهم �أو اكرث . وقد ا�ستعر�ضت اللجنة يف عام 2013 نحو خم�سة وع�شرين من الأ�سماء املر�شحة ،ور�أت اختيار الفائزين الثالثةالذين �سيكرمون هذا العام انطالقاً من م�ساهمتهم الفكرية والعملية يف �إثراء حركة التجديد داخل العامل العربي والإ�سالمي ،وتقديراً لدورهم يف رفد الفكر العربي اال�سالمي وتعريف العامل به .
العالمي للوسطية ينظم محاضرة االسالميون والسلطة
الو�سطية – عمان يقيم املنتدى العاملي للو�سطية حما�ضرة لف�ضيلة ال�شيخ را�شد الغنو�شي زعيم حركة النه�ضة التون�سية حما�ضرة بعنوان اال�سالميون وجتربة احلكم وذلك يوم الثالثاء املوافق /25حزيران ،2013/يف ق�صر الثقافة مبدينة احل�سني لل�شباب والدعوة عامة ،يتناول فيها املحا�ضر جتربة اال�سالميون يف احلكم يف تون�س وم�صر بعد الربيع العربي وزوال انظمة احلكم ال�سابقة ،ويقيم فيها املحا�ضر مدى جناح التجربة ايجابياتها و�سلبياتها .
75
نشاط ا ت ا ل و سطية
76
اإلسالميون وتحديات السلطة مؤتمر دولي للمنتدى العالمي للوسطية في القاهرة
َّ نظم املنتدى العاملي للو�سطية يف القاهرة امل�ؤمتر الدويل "اال�سالميون وحتديات ال�سلطة" مب�شاركة �شخ�صيات �سيا�سية اردنية وعربية وا�سالمية على مدار يومني .2012/11/11-10 وحذر متحدثون خالل حفل افتتاح امل�ؤمتر من الوقوع يف جتربة طالبان التي قادت دولة بعقلية اجلماعة ف�ضاعت طالبان احلركة وافغان�ستان الدولة خالل �سنوات. وقال الوزير اال�سبق �سمري احلبا�شنة ان عودة االلق للعرب ميكن بالت�ضامن
واحلوار حول ق�ضية "الإ�سالميني وال�سلطة" لإنعا�ش التفكري والعقل و�إخراجه من دائرة اخلوف واال�ستغراق باملا�ضي وردود الأفعال �إىل دائرة التعقل واحلكمة ،ولإعادة النظر من جديد يف كثري من امل�سلمات التي ا�ستقرت يف الذهن لدى الذات والآخر حول عالقة الدين بالدولة وعالقة الدعوة بال�سيا�سة، وعالقة احلكم باملجتمع والنا�س. و�أكد املحامي منت�صر الزيات على م�شروع الأمة النه�ضوي ،م�شيدا بتجرية االردن يف الت�سهيالت التي منحت للمنتدى بينما
النا�س على الفكرة. وبا�سم امل�شاركني القى الدكتور ناجح ابراهيم كلمة �شدد فيها على �أهمية التفريق يف احلديث عن مفهومي الدولة وعن اجلماعة ،وتطبيق االمر على ار�ض الواقع. وقال �إبراهيم �إن اخطر مواجهة تكمن يف االنتقال من مفهوم اجلماعة اىل مفهوم الدولة مطالبا باهتمام بفقه الثاين كما االول. و�أ�شار �إىل �أن الكثري من احلركات
وامل�شروع االمني العربي ،منتقدا ما ا�سماه "تقدمي امللعب العربي لفرق �إقليمية" ما ادى اىل مزيد من التبعية. وحث احلبا�شنة التيارات اال�سالمية على عدم اال�ستثئار يف احلكم �أو االنتقام من اجل التقدم والنهو�ض باالمة ،ولفت اىل اهمية احلديث عن م�صاحلة املفاهيم. ويف ال�ش�أن ال�سوري دعا اىل وقف حمام الدم ،معربا عن خ�شيته من التدخل االجنبي يف �سوريا. واكد امني عام املنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري �ضرورة النقا�ش
كان امل�صريون حمرومني من ن�شاطات املنتدى ب�سبب منع ترخي�ص العمل. وطالب من يحكم بان ال ت�أخذهم ن�شوة ال�سلطة وتن�سيهم واجباتهم التي �ضحت الثورة من �أجلها ،مطالبا اجلميع بالتوافق من اجل الوطن. وتطرق وزير االوقاف امل�صري عميد كلية الدعوة بجامعة االزهر �سابقا طلعت عفيفي �إىل و�سطية اال�سالم م�ست�شهدا ب�آيات من القر�آن الكرمي ،داعيا اىل اتباع ا�سلوب االقناع عند طرح االفكار ال �أن تكون باالكراه او الق�سر حتى ال يحمل
اال�سالمية تعتمد على اخلطاب العاطفي وهو ما ال ميكن تطبيقه على ار�ض الواقع، مطالبا بان يت�ساوى اخلطاب مع امكانية العمل الن املرء قد ي�أتي عليه زمن فيحكم، ومتنى االبتعاد عن مواطن االختالف. وحتدث القيادي البارز يف حزب النه�ضة التون�سي واحد م�ؤ�س�سيه عبدالفتاح مورو عن �أهمية قيام دولة العدل وامل�ساواة، وقال �أن النه�ضة تقام على ايدي الرجال وال�سيدات وال�شباب وال�شيوخ.
تحت عنوان «الغلوّ و أثره في السلم األهلي» «العالمي للوسطية» ّ ينظم فعاليته األولى بالعاصمة التونسية
الو�سطية -تون�س يف نقلة نوعية وتطور ملحوظ يف عاملية املنتدى العاملي للو�سطية ,نظمت بالعا�صمة التون�سية ندوة هي االوىل للمنتدى ,حتت عنوان "الغل ّو و �أثره يف ال�سلم الأهلي" بح�ضور وزيرة املر�أة التون�سية � ,سهام بادي ،و ال�شاعر املف ّكر البحري العرفاوي. و �أكدت وزيرة املر�أة ,على �أن التط ّرف خ�صي�صة دينية الفتة اىل ان بن لي�س ّ علي مل يكن متد ّينا ولكنه كان من �أكرب املتط ّرفني وا�ستعمل التط ّرف والغل ّو ل�ضرب الإ�سالم واعترب نف�سه مالكا للحقيقة. وب ّينت � ّأن مفهوم الغل ّو لي�س نف�سه بني �سياق ا�ستبدادي و �سياق دميقراطي، فالت�سامح يف عهد الدكتاتورية هو �صنو ّ الذل والعبود ّية ،بينما الت�سامح يف
نظام دميقراطي هو الت�سامح احلقيقي، ففي الأوىل كان تنظريا لال�ستبداد ويف الثانية ميكن �أن يرتقي بال�شعوب. معرجة �إىل التط ّرف العلماين يف �أوروبا ويف ّ منظمات م�سيحية ويهودية ،وب ّينت �أن التط ّرف ميكن �أن ي�ستقطع الكثري �إذا ما تو ّفرت املناخات �إىل ذلك ،الفتة اىل ان الكثريين يعزفون على �أوتار الغ�ضب لفئة من ال�شباب فيتقدم العنف على احلوار وب ّينت �أن بناء الأوطان يبنى بال�سواعد والأفكار ،كما �شدّدت على �أن التط ّرف واالعتدال والو�سطية ك ّلها �سلوكيات ير ّبى عليها النا�س منذ ال�صغر .وذكرت �أن اهلل �سبحانه وتعاىل قال " :وجعلناكم �شعوبا وقبائل لتعارفوا" ،فالغاية هي التعارف بني ال�شعوب ولي�س ال�صدام وال بني �أبناء الوطن الواحد. فيما تطرق املف ّكر البحري العرفاوي
املتخ�ص�ص يف البحوث الإ�سالمية ،م�س�ألة ّ الغل ّو وم�شتقاتها ومفردات مثل ال�شطط والتع�صب والغل ّو والت�شدّد، والتط ّرف ّ الفتا اىل انها تعود �إىل م�س�ألة نف�س ّية ولي�ست �إىل مرجع فكري لتيار معني � ,ضاربا مثال من التاريخ الإ�سالمي وحتديدا من املواقف من �أ�سرى حيث �س�أل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�صحابه عنهم ،فكان موقف �أبو بكر املقاي�ضة مع قري�ش ب�ش�أنهم بينهما ر�أيى عمر قتلهم. هذان املوقفان ح�سب املف ّكر ناجتان عن مرجعية عقدية واحدة، وبينّ العرفاوي � ّأن التط ّرف ين�ش�أ ب�سبب حالة اخلوف والبحث عن االحتماء مب ّينا �أن من�سوب التحري�ض والتح�شيد والكراهية يرتفع هذه الأيام من نخبة حتالف �أغلبها لت�صفية خ�صم �إيديولوجي.
77
نشاط ا ت ا ل و سطية
78
المنتدى العالمي للوسطية يكرم الفائزين بجائزة رابطة كتاب التجديد الو�سطية – عمان كرم املنتدى العاملي للو�سطية الفائزين بجائزة رابطة ك ّتاب التجديد ,بح�ضور عدد من ر�ؤ�ساء الوزراء ال�سابقني ووزراء و نواب وفعاليات �سيا�سية و�إعالمية وحزبية واجتماعية ون�سائية و�شعبية وثقافية . وقال رئي�س املنتدى رئي�س وزراء ال�سودان الأ�سبق دولة الإمام ال�صادق املهدي يف كلمة �ألقاها يف حفل التكرمي �إن االمة العربية حققت بالكلمة القائمة على العقيدة يقظة كبرية وغريت جمرى التاريخ.
االفراط والتفريط يف يقظتنا. وقال �أمني عام املنتدى مروان الفاعوري �إ َّن ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية تتلخ�ص يف �إحياء م�شروع نه�ضة �أمتنا وجتديد طرائق التفكري وجت�سري العالقة بني ال�سلطة والعلماء واملفكرين بحث تتوجه جهودهم جميعاً لبناء �أوطاننا .و�أ�شار �إىل �أن التحوالت التي جرت يف عاملنا العربي ك�شفت �أن خيار الو�سطية هو خيار ال�شعوب العربية التي تتطلع اليوم ال�ستعادة حريتها وكرامتها الفتا �إىل �أن الو�سطية ت�أخذ
وو�صف املفكر الإ�سالمي النجار «الو�سطية» يف الدين والإعتدال باملبد�أ الإ�سالمي «العظيم» وقال « ان اهلل تعاىل حتدث عن الأمة الو�سط حيث ن ّزل يف حمكم �آياته ( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�سطاً ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ ول ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيداً) ،وهي لها معانٍ خمتلفة. و�أعرب الدكتور �أحمد نوفل عن �أمله ب�أن تنه�ض الأمة بالفكرة والكلمة والكتاب، مثمنا دور املنتدى يف ا�شاعة ثقافة التجديد يف جمتمعاتنا العربية واال�سالمية.
و�أ�ضاف �أ َّن « �أمتنا ا�ستيقظت على �أفكار جديدة وا�ستطاعت �أن حتقق ثالث ثورات اولها قائمة على البحث العلمي وثانيها اقت�صادية وثالثها انتزعت من ال�شعوب هيمنة الطغاة. وا�شار �إىل �أننا �أمام فجر جديد حتوم حوله افكار فيها االفراط لأنها تريد ان جتعل احلا�ضر ا�سريا للما�ضي �أو �أن يجعلوا احلا�ضر ا�سرياً للوافد الفتاً �إىل �أن تكرمي ه�ؤالء العلماء جاء للت�أكيد على الثوابت يف ديننا ونحو النافع يف ع�صرنا لتجنب
مكانتها باعتبارها روح االمة. و�شدد الفاعوري على �ضرورة تعزيز فكرة العدل كمنطلق للو�سطية يف جمتمعاتنا ،م�ؤكداً ان هدف املنتدى هو خدمة امتنا وتوجيه طاقات �شبابها نحو العمل املثمر. واملكرمون لهذا العام هم الدكتور عبد املجيد النجار من (تون�س) ا�ستاذ العقيدة والفل�سفة والدكتور �أحمد نوفل ا�ستاذ التف�سري املنهجي يف اجلامعة الأردنية واال�ستاذ �إبراهيم العجلوين الكاتب يف �صحيفة الر�أي.
وقال الكاتب ابراهيم العجلوين ان االمة الو�سط ت�ستكمل �شروط ال�شهادة بالعلوم املعرفية "و�أ�شار �إىل ما كتبه الرافعي وطه ح�سني والعقاد وحممود �شاكر حول مفهوم التجديد ك�ضرورة لنهو�ض االمة". وجرى على هام�ش احلفل عر�ض فيلم وثائقي يحكي ق�صة انطالقة املنتدى العاملي للو�سطية ور�ؤيته ور�سالته التي ينطلق منها يف خدمة امل�شروع احل�ضاري والإن�ساين لهذه الأمة.
«شباب الوسطية» يكرم الفائزين بأفضل عمل تطوعي
الو�سطية -عمان كرمت هيئة �شباب الو�سطية الفائزين بامل�سابقة الأردنية الأوىل لأف�ضل عمل تطوعي لعام ،2012وذلك خالل احلفل اخلتامي الذي نظمته الهيئة لهذه الغاية، يف املركز الثقايف امللكي بعمان. و�أكد رئي�س الهيئة الدكتور بالل �أيوب يف كلمة له على �أهمية العمل التطوعي لل�شباب ودوره يف �صقل �شخ�صية وبناء املجتمع الفتاً �إىل �أن العمل التطوعي منتم لوطنه ي�سهم يف خلق جيل وا ٍع ٍ و�أمته.
فيما �أو�ضح ع�ضو الهيئة الإدارية م. معاذ الفاعوري �أن امل�سابقة انطلقت منذ ثالثة �شهور بهدف حتفيز ثقافة العمل التطوعي لدى ال�شباب وذلك �إن�سجاماً مع �أهداف الهيئة م�شريا �إىل �أن امل�سابقة التي ا�شرتك فيها �أكرث من 25فريقاً ميثلون اجلمعيات و الفرق التطوعية املميزة يف الأردن نفذوا خالل فرتة امل�سابقة �أعمال تطوعية متنوعة تخدم جميع �شرائح املجتمع يف خمتلف مناطق اململكة.
وفاز يف امل�سابقة التي رعاها املنتدى العاملي للو�سطية (فريق ب�سمة احلياة عن مبادرة "ياله تعال بن�ستناك") واملتمثلة يف م�ساعدة الأمهات يف حاالت الوالدة وت�أمني احتياجات املولود بهدف خلق جيل �صحي. ويف نهاية احلفل قدم عدد من العلماء واملفكرين من الأردن وبع�ض الدول العربية دروعاً تكرميية للجنتي احلكم واملتابعة وجميع الفرق امل�شاركة.
العالقات األسرية في القرآن الكريم ..دورة في «العالمي للوسطية»
الو�سطية – عمان ا�ست�أنف املنتدى العاملي للو�سطية الدورة التكميلية لفعاليات دورة "العالقات الأ�سرية يف القر�آن الكرمي" التي عقدتها جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ،وذلك يف مقره بعمان ,و ت�ضمنت الدورة التي قدمتها ا�ستاذة التف�سري املفارن الدكتورة روىل حم�سن عدة حمازر ابرزها اجلانب
العملي للحياة الزوجية والأ�سرية �إ�ضافة �إىل احلقوق والواجبات لكال الزوجني وبع�ض املحاور التي تهم املر�أة والأ�سرة واملجتمع. ومت خالل ايام الدورة التي تقام يوم اربعاء من كل ا�سبوع �إ�ست�ضافة متخ�ص�صني يف تف�سري القر�آن الكرمي وخرباء يف الرتبية والقانون ملناق�شة امل�شاكل التي تعاين منها الأ�سر وطرح احللول املنا�سبة لها.
79
نشاط ا ت ا ل و سطية
80
«الوسطية» يستضيف المهدي و مورو
الو�سطية – عمان �أكد رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية , الإمام ال�صادق املهدي �إن القوى ال�شعبية التي �أ�شعلت الثورات العربية ،مل حتمل ر�ؤية بديلة فقد فوجئت ب�سرعة �سقوطا الأنظمة ،من دون توفر بديل حقيقي لها. وبني املهدي خالل الندوة التي نظمها املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان ان الد�ساتري القائمة هي التي حلت حمل االنظمة ،اىل جانب اال�سراع يف االنتخابات التي افرزت قوى اكرث ح�ضورا ،م�شريا اىل ان القوى الدميوقراطية اجلديدة واجهت حتديات حقيقية م�شريا اىل التحدي اللذي يواجهه الإ�سالميون يف احلكم يتمثل باحلفاظ على املرجعية الإ�سالمية مبنطق قادر على ا�ستيعاب الواقع والطرح اال�سالمي يف �آن معا، م�شريا اىل خيار احلكم اال�سالمي يتمثل بالنموذج الطالباين والنموذج االوردغاين يف تركيا الذي ميثل درجة من اال�سالمية، رغم توجه الع�سكر العلماين مو�ضحا ان املحافظة على الوحدة الوطنية يعد
حتديا �آخر يواجهه الإ�سالميون يف احلكم، اىل جانب التعامل مع املحيط الدويل والقوى العلمانية ،ال�سيما و�أن الدولة حتت�ض مكونات عدة ،الفتا اىل خطورة ف�شل التجربة الإ�سالمية وما �سيجره من فو�ضى كبرية م�شددا على �أن هناك واقعا جديدا تتعامل معه القوى اال�سالمية احلاكمة، وان مقت�ضيات هذا الواقع هو الإقرار يف املعاهدة اال�سرائيلية كما هو احلال يف الدولة امل�صرية ،فالواقع اجلديد ،ي�ضع احلكومات الإ�سالمية يف مرمى الإتهام، ونعتهم باخليانة. ولفت االمام املهدي اىل ان التغيري هو �ضرورة حياتية وهو جزء من حتميات التاريخ ،خ�صو�صا �إذا ما انتج دميوقراطية متكاملة ثقافيا واجتماعيا ،فانها �ستلقي بظاللها التي �ستعمم يف هذه املنطقة. ولفت اىل ان احلركات اال�سالمية �ستواجه اثناء حكمها ثالث حهات خمافة لها يف التوجهات وهي الر�ؤية العلمانية واجلماعات ال�سلفية واملنظمات والهيئات الدولية ويف حال ف�شلها يف احلكم لفت
اىل انه �سعم حالة الفو�ضى وا�ضطربات خمتلفة. ويف ذات ال�سياق بني ال�شيخ امل�ؤ�س�س حلزب النه�ضة التون�سي عبد الفتاح مورو خالل الندوة امل�شار اليها و التي التي ادارها �أمني عام املنتدى املهند�س مروان الفاعوري �أن الغرب وبعد اال�ستقالل �أراد �صنع م�ؤ�س�سات دميقراطية �شكلية يف تون�س ،م�شريا اىل ان ال�شعب ادرك ان الدميقراطية التي ين�شهدها موكولة اىل نواب مل ي�ؤمتنوا عليها مبينا �أن الثورة ت�ستدعي جتدد الفقه الإ�سالمي من اجل الواقع واحلا�ضر ،واالن�سجام بني اال�سالم واملعا�صرة ،م�شريا اىل ان ذلك مل يتحقق اال اذا اعتربنا ان احلرية مناط التكليف والوكالة لالن�سان بخالفة اهلل يف الأر�ض، وحتقيق االمن االجتماعي واحرتام العقائد وااللتزام الفردي واجلماع فاال�سالم مل يعرف القهر والديكتاتورية ومل يعاقب او يلزم ،لكننا نحن من نقهر انف�سنا ونعطل احكامنا ،م�ؤكدا ان البقاء لال�صلح ولكن باالختيار دون ان نفر�ض على االخر ما ي�صلح.
ومن التحديات التي تواجه احلرجة التي متر بها االمة حركة النه�ضة التون�سية قال واحلاجة اىل ا�ستب�صار االفق مورو هو كيفية معاي�شة الغري التخاذ القرارات املنا�سبة الذين يعي�شون يف نف�س املنطقة واخلروج من دائرة االزمات اىل واالر�ض الفتا اىل ان االقليات احللول. يف تون�س ال تتجاوز . %1 وا�شاد ببع�ض التجارب وا�شار اىل ان نظام حكم حركة العربية التي ا�ستطاعت ان النه�ضة قائم على التم�سك تقدم منوذجا دميقراطيا من بقوام احلياة العامة واحقية بوابة التوافق على اال�صالح احلرية يف العمل ال�سيا�سي داعيا اىل �ضرورة قيام النخب التيارات ال�سيا�سية وااليدولوجية ,.من وعدم جانبه ا�شار امني عام املنتدى العاملي والقيادات الفكرية وال�سيا�سية بدورها يف اقحام الدين بال�سيا�سة اي االتفاق على قاعدة احلرية حلل اال�شكاالت بني للو�سطية مروان الفاعوري اىل الظروف قيادة ال�شعوب.
الوسطية ينظم ورشة عمل ( رسالة المعلم في المجتمع ودوره في نشر و تعزيز الفكر الوسطي ) �أقام املنتدى العاملي للو�سطية الو�سطي ,وو�ضح ال�سفرتي املنهجية يوم اخلمي�س املوافق 2013/3/21م التي على املعلم �أن يتحلى بها يف ور�شة عمل يف مدر�سة �أ�سماء بنت هذا اخل�صو�ص ,وذلك من خالل �أبي بكر الثانوية للبنات عمان/ اللجوء �إىل �أ�سلوب احلوار و�إحرتام حي الزهور بعنوان "ر�سالة املعلم الر�أي االخر ,وقبول الأفكار املقابلة يف املجتمع ودوره يف ن�شر وتعزيز ثم نقدها بالطرق العلمية املعروفة, الفكر الو�سطي" ،وح�ضر اللقاء وذكر العديد من الأمثلة والتجارب عدد كبري من املعلمات و�أمهات الطالبات وكذلك بع�ض املعلمني ومدراء املدار�س املجاورة. ً حيث �ألقى ال�شيخ جمال ال�سفرتي حما�ضرة حتت هذا العنوان تبعها جولة حوارية متميزة يف تاريخنا امل�ضيء وخ�صو�صا املدر�سة النبوية �آثرت اللقاء ,ودار احلوار حول الآليات التي ينبغي �أن يتبعها املعلم يف �سبيل ن�شر وتعزيز الفكر يف احلوار و�إحرتام الر�أي االخر.
وسطية اإلسالم محاضرة للمنتدى العالمي للوسطية �ضمن برنامج املنتدى العاملي للو�سطية بهدف ن�شر وتعزيز الفكر الو�سطي �ألقى ال�شيخ جمال ال�سفرتي يوم الأحد املوافق 2013/3/24م حما�ضرة بعنوان " و�سطية الإ�سالم " ،يف مدر�سة رابعة العدوية الثانوية للبنات يف خميم البقعة ،ح�ضرها عدد غفري من طالبات ومعلمات املدر�سة واملدار�س املجاورة .حتدث فيها ال�شيخ جمال عن القيم العظمى التي يحملها الإ�سالم بو�سطيته ال�سمحة واملعتدلة ..
و�أ َّن ال�صالة فر�ضها اهلل تعاىل على العباد من غري �شدة عليهم وال عنت ليكون من خاللها كل البعد عن فقه ال�شدة العنف و�إ�ستبداله باللني وفقه الو�سطية والإعتدال ،و�أ َّن الإلتزام بال�صالة واخل�شوع فيها وكرثة ال�سجود والركوع تزرعان يف نف�س امل�ؤمن الإميان العظيم وتقوده �إىل العمل الإ�سالمي ال�سمح احلقيقي الذي ينري الدنيا بنور الو�سطية والإعتدال .
81
نشاط ا ت ا ل و سطية
82
احتفاء في إشهار فرعهم ً «وسطية تونس» ينظم مؤتمر «اإلسالميون وتحدي السلطة»
الو�سطية – تون�س نظم املنتدى العاملي للو�سطية يف العا�صمة التون�سية (ا�سم العا�صمة) م�ؤمترا حتت عنوان "الإ�سالميون وحتدي ال�سلطة بني التطرف االعتدال" وذلك مبنا�سبة �إ�شهار فرع املنتدى بتون�س. و يهدف امل�ؤمتر �إىل تعريف مفهوم الو�سطية ال�سيا�سية ،ودور احلركات الإ�سالمية يف ت�أ�صيل الفكرة وممار�ستها. و�شارك يف امل�ؤمتر نخبة من العلماء من الوطن العربي ،حيث ت�ضمن
الوفد الأردين امل�شارك من كل من , الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري ،الدكتور حممد اخلطيب، معايل الدكتور عبد الرحيم العكور، والدكتور حممد احلاج ،والدكتور �أحمد نوفل ،كما �شارك الإمام ال�صادق املهدي من ال�سودان ،و�شارك الدكتور علي القرة داغي من قطر ،والدكتور ف�ؤاد البن�أ من اليمن ،والدكتور حممد احلمداوي من املغرب ،ومن تون�س �شارك كل من ف�ضيلة ال�شيخ را�شد الغنو�شي ،والدكتور �أبو يعرب املرزوقي ،والأ�ستاذ عبد الفتاح
مورو ،الدكتور عبد املجيد النجار، الدكتور �سامل الأبي�ض ،والأ�ستاذ نور الدين العرباوي. وناق�ش امل�شاركون نحو ع�شر ورقات عمل و بحث مقدم للم�ؤمتر ،توزعت على 3 حماور و 3جل�سات. ومن املتوقع �أن ي�صدر امل�ؤمتر يف ختام فعالياته بياناً حول الأو�ضاع والتحوالت ال�سيا�سية التي ي�شهدها العامل العربي، كما يت�ضمن عدداً من التو�صيات التي �أنتهى �إليها امل�شاركون بعد مداوالتهم ونقا�شاتهم على مدار �إنعقاد امل�ؤمتر.
تحت عنوان دور الخطباء و موجهي الرأي في تحقيق التغيير وتعزيز التصالح االجتماعي
«وسطية اليمن» ينظم ورشة عمل لـ 50مشاركا
الو�سطية – اليمن نظم املنتدى العاملي بالعا�صمة للو�سطية اليمينة �صنعاء ور�شة عمل �شارك فيها 47 خطيباً وواعظاً ميينا , حتت عنوان "دور اخلطباء وموجهي الر�أي يف حتقيق التغيري و تعزيز الت�صالح االجتماعي". و �أكد امل�شاركون على �ضرورة عدم االعتداد بالر�أي وعدم �سرعة احلكم و الفتوى وعدم ال�ضيق من النقد واالبتعاد عن التجريح واخلطاب الأحادي
والتع�صب ،واكدت الور�شة �ضرورة التطوير امل�ستمر للخطباء والوعاظ من خالل االطالع واملتابعة وتعزيز ثقافة حب الوطن ومعرفة كافة �أ�سباب التمزق و�ضعف اخلطاب
الديني. كما دعت �إىل غر�س مبادئ وقيم عالجية وتو�ضيح الق�ضايا واحللول املالئمة وحتديد امل�سائل اخلالفية وامل�سائل املتفق عليها ،وعدم التعمق يف امل�سائل اخلالفية، �إ�ضافة �إىل ت�سهيل وتب�سيط املعلومة للآخرين ،وجتاوز جميع اخلالفات والتكاتف للنهو�ض مب�ستوى الفرد واملجتمع من خالل املنرب ،و�أن يلم اخلطيب بكافة جوانب املو�ضوع الذي �سيطرحه مع بث روح الأمل والتفا�ؤل يف نفو�س امل�ستمعني.
لجنة المرأة تقيم حفل توزيع جوائز مسابقة حفظ القرآن الكريم
انطلقت �صباح يوم ال�سبت املوافق 2012/08/04م فعاليات حتكيم م�سابقة حفظ القر�آن الكرمي للم�ستويات الثالثة حيث كانت على النحو التايل: فح�ص امل�ستوى الأول :ال�سبت2012/08/04م. فح�ص امل�ستوى الثاين :الأحد2012/08/05م. فح�ص امل�ستوى الثالث :الأثنني.2012/08/06 حيث ا�ستمرت ملدة ثالثة �أيام و�أ�شرف عليها متخ�ص�صون يف درا�سات القر�آن الكرمي والتالوة التالية �أ�سما�ؤهم: جلنة حتكيم الذكور ( :الأ�ستاذ �أحمد عوين ،الأ�ستاذ عدنانى �أبو حممد ،الأ�ستاذ ريا�ض الزبيدي ،الأ�ستاذ �إبراهيم عودة).
جلنة احلكم الأناث( :الأ�ستاذة �إميان غزاوي ،الأ�ستاذة �إميان ال�صفدي ،الأ�ستاذة ي�سرى اليربودي ،الأ�ستاذة كرميان ال�صفدي). وب�إ�شراف الدكتورة فايزة ال�سكر. ويف نهاية الدورة �أقامت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يوم 2012/8/13م حفل تكرمي للفائزين مب�سابقة حفظ القر�آن الكرمي يف مقر املنتدى. و�أكد �أمني عام املنتدى مروان الفاعوري على �أهمية تعليم ال�شباب وتثقيفهم وعلى الدور الذي يقوم به املنتدى يف هذا الأطار م�شرياً �إىل �أ َّن املنتدى يهدف لبناء جيل من ال�شباب القر�آين امل�ؤمن وامللتزم بق�ضايا وطنه و�أمته.
و�س َّلم عبد احلميد العدوان اجلوائز للفائزين بها قائ ً ال :ان االحتفاء به�ؤالء ال�شباب الذين حفظوا القر�آن من اف�ضل املنا�سبات التي جتمع امل�سلمني يف هذا ال�شهر الف�ضيل مثمنا الدور الذي قامت به جلنة املر�أة يف املنتدى لإعداد دورة حفظ القر�آن الكرمي داعياً �إىل الإ�ستمرار بعقد مثل هذه الدورات. يذكر �أن الدورة التي ا�ستمرت ثالثة ايام �شارك فيها نحو 70م�شاركاً توزعوا على ثالثة م�ستويات فاز يف كل م�ستوى ثالثة من حفظة القر�آن الكرمي حيث جرى ت�سليم الفائزين جوائز نقدية وللم�شاركني جوائز عينية.
83
نشاط ا ت ا ل و سطية
84
العالمي للوسطية ينظم دورة العنف األسري للدعاة العراقيين في عمان
الو�سطية – عمان �شارك 45مواطنا عراقيا من اجلمهورية العراقية ال�شقيقة يف الدورة التدريبية ,التي نظمها املنتدى العاملي للو�سطية حتت عنوان " تدريب يف جمال الرتبية و معاجلة العنف الأ�سري والتطرف الإجتماعي"بح�ضور وزير االوقاف واملقد�سات اال�سالمية الدكتور عبد ال�سالم العبادي.
وتلقى اال�شقاء العراقيون متارين عملية و نظرية يف العديد من املجاالت التي تخ�ص مو�ضوع الدورة. وناق�ش امل�شاركون يف الدورة التي ا�ستمرت خلم�سة ايام ,العديد من املوا�ضيع ذات العالقة � ,أبرزها الإر�شاد الزواجي ،و �أهم التحديات �أمام الأ�سر ،وكيفية التعامل مع الفئات العمرية املختلفة ،و طرق الرتبية احلديثة مع فئة الطفولة ،العنف
و�أثره على الإ�ستقرار الأ�سري ،رعاية ذوي االحتياجات اخلا�صة ،واخلطاب الديني ودوره يف الإ�ستقرار الأ�سري ومعاجلة التطرف الفكري وال�سلوكي ،والتي يقدمها نخبة من الأ�ساتذة واملخت�صني يف هذا املجال. و�سلم وزير االوقاف االردين عبد ال�سالم العبادي ال�شهادات واجلوائز على امل�شاركني يف الدورة .
بحث سبل التعاون بين «الوسطية» وجامعة البحرين
جملة من الن�شاطات التي يقوم بها الو�سطية – عمان بحث �أمني عام املنتدى العاملي املنتدى يف الأردن و العامل لتعميق الفكر للو�سطية ,املهند�س مروان الفاعوري مع رئي�س جامعة اململكة البحرينية , الدكتور يو�سف عبد الغفور � ,سبل تعزيز التعاون بني املنتدى و اجلامعة من خالل التوا�صل الدائم مع اجلامعة و املراكز البحثية التابعة مما يعزز ا�ستمرارية املنتدى يف نهجه لتقدمي ماهو اف�ضل خلدمة الدين من خالل نهجه الو�سطي الو�سطي معرجا على �أبرز الإجنازات التي حققها املنتدى خالل ال�سنوات املا�ضية املعتدل وحماربة الغلو والتطرف. و ا�ستعر�ض الفاعوري خالل اللقاء ،وما نظم من ندوات و م�ؤمترات دولية الذي ح�ضره عدد من �أع�ضاء املنتدى يف عدد من الدول العربية والإ�سالمية
والعاملية و التي تناولت معظم الق�ضايا التي تهم الأمة مب�شاركة مفكرين وعلماء من جميع دول العامل. ويف ذات ال�سياق �أ�شاد الدكتور عبد الغفور بامل�ستوى املتقدم الذي و�صل �إليه املنتدى من خالل ما يقدمه من ن�شاطات ثقافية وفكرية ت�سهم يف خدمة الدين وتنوير االمة يف جيع الأمور والق�ضايا التي تهمها ،الفتاً �إىل �أن املنتدى �أ�صبح معلماً فكرياً وثفافياً عاملياً مهماً ،وحاجة ملحة للأمة خا�صة يف هذه الظروف الذي تتعاىل بها �أ�صوات الغلو والتطرف.
العالمي للوسطية يعقد دورة تحت شعار (الوسطية في الخطاب الدعوي على هدي المصطفى)
الو�سطية – عمان
ّ نظم املنتدى العاملي للو�سطية دورة للأئمة والوعاظ من اجلمهورية العراقية حتت �شعار "الو�سطية يف اخلطاب الدعوي على هدي امل�صطفى" ،من 2012/10/16-11م. وهدفت الدورة �إىل توعية اخلطباء ب�أهمية دورهم يف حماربة العنف والتطرف والإرهاب من خالل خطبهم ودرو�سهم بطرق علمية ومنهجية. وت�ضمنت الدورة والتي ا�ستمرت خم�سة
�أيام عدة املحاور� ،أبرزها اخلطاب الوعظي ونقاط القوة وال�ضعف� ،إ�ضافة �إىل تر�سيخ قيم الو�سطية وت�أ�صيلها ال�شرعي ودور اخلطيب يف تعزيزها ،كما تلقى امل�شاركون حما�ضرات حول خطبة اجلمعة حت�ضرياً وادا ًء ومهارات فنون االت�صال الفعال، والدور اال�سرتاتيجي للخطيب والداعية �إ�ضافة �إىل ن�شر قيم التعاي�ش والتعاون بني املجتمعات والأمم ،وو�سائل حماربة الغلو والتطرف والتكفري ودور اخلطيب
يف احلد منها. واطلع امل�شاركون على كيفية �إعداد اخلطيب وفقاً الحتياجات املجتمع وا�ستفادته من تكنولوجيا الع�صر ،والقدوة وال�صفات ال�شخ�صية للخطيب و�أثرها. وت�ضمنت الدورة ور�شات تدريبية ومداخالت لتعزيز الأفكار ،قدمها جمموعة من العلماء و�أ�صحاب اخلربة واالخت�صا�ص منهم الدكتور احمد نوفل، حممد احلاج� ،سليمان الدقور وغريهم.
«الوسطية» تنشر نص الرسالة المهدي لـ االسد :ما قيمة حكم يقوم على أشالء المواطنين ودمائهم ؟ الو�سطية -ال�سودان هاجم رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية الإمام ال�صادق املهدي �سيا�سات الرئي�س ال�سوري ب�شار الأ�سد جاء ذلك خالل نداء وجهه املهدي لال�سد .جاء يف ن�صه حرفيا "�إننا حزانى للغاية ملا يحدث لأهلنا يف �سوريا والآن يبدو �أن الأمور كلها متجهة لتدمر �سوريا نف�سها بنف�سها، وهذا �سيف�سد �سوريا ،وهي بلد عظيم، ومكانتها يف املعادلة العربية واملعادلة الإ�سالمية وهذا فيه ما فيه من الويل والثبور وعظائم الأموربا�سم جميع �أع�ضاء املنتدى العاملي للو�سطية ،وبا�سم كافة عقالء الأمة� ،أنا�شد الرئي�س ب�شار
الأ�سد :يا �أخي ما قيمة حكم يقوم على �أ�شالء املواطنني ودمائهم؟ ال قيمة حلكم مثل هذا ،بل �صارت �سوريا مغنطي�سا يجذب �إليها �صراعات مذهبية و�صراعات طائفية و�صراعات دولية �ستجعل ال�شعب ال�سوري يدفع الثمن .لذلك �إخال�صاً لوطنك ولدينك ولقوميتك تنازل عن مرت�ضى احلكم و�سلم ال�سلطة ل�شخ�ص ً مقبول من اجلميع لكي يجري حوارا يحقق الوحدة الوطنية يف �سوريا ومينع عن �سوريا التدخالت الأجنبية ومينع عنها احلرب الأهلية ويكف عنها ال�صراعات الطائفية. ونرجو �أن يتنبه و�أن ي�ستجيب لهذا النداء فال قيمة حلكم يقوم على �أ�شالء
املواطنني وعلى دمائهم ،وكنا قد وجهنا مثل هذا النداء يف مرحلة ما للرئي�س ال�سابق ح�سني مبارك ولكنه مل ي�ستجب ووجهناه �أي�ضا للرئي�س ال�سابق العقيد معمر القذايف ولكن مل ي�ستجب ،ويف كل حالة قبل �أن يتفاقم الأمر وي�صل للمرحلة الأخرية كتبنا لهم وقلنا لهم نف�س االقرتاح ،يا اخوتنا �سلموا ال�سلطة ل�شخ�ص مرت�ضى من اجلميع ليجد خمرجا ،وللأ�سف يف كل حالة مل يعملوا به وللأ�سف يف كل حالة ح�صل ما ح�صل والآن نقول ذلك مبلء الفم للرئي�س ب�شار الأ�سد راجني �أن يهديه اهلل لإيجاد خمرج للبالد يف �سوريا لأن �سوريا بلد مهم وال بد من �إيجاد خمرج له.
85
نشاط ا ت ا ل و سطية
86
مسابقة شعرية للوسطية بعنوان الرسول صلى اهلل عليه وسلم في سماحته وإعتداله فكراً و سلوكاً
�أقام قطاع املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة م�سابقة �شعرية لطلبة املدار�س يف ذكرى املولد النبوي ال�شريف بعنوان " الر�سول يف �سماحته و�إعتداله فكراً و�سلوكاً " ،وذلك يف �إطار اهتمام املنتدى برت�سيخ مفاهيم الو�سطية الإ�سالمية كطرائق للتفكري ال�سديد و�إنتاج الفكر ويف املمار�سة العملية وال�سلوك عند النا�شئة. برعاية الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري قام الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة وال�سيدة �سو�سن املومني رئي�سة قطاع املر�أة بتكرمي الطلبة الفائزين بامل�سابقة يوم الأربعاء ،2013/3/27وقدَّم للحفل ال�سيدة
رويداء رياالت ،و�ألقت الدكتورة �شاعرة املنتدى فايزة ال�سكر �أبيات يف حب الر�سول . وقامت جلنة التحكيم امل�شكلة من ال�سادة ال�شعراء ) نبيلة اخلطيب ،عيد الن�سور ،عماد الغزو ( يوم ال�سبت 2013 /3/16ب�إعالن النتائج وكانت النحو التايل : املركز الأول :منا�صفة كل من الطالبة�أماين عطا اهلل من املدار�س العمرية والطالبة �شهرزاد ال�سيوري من مدر�سة الكلية العلمية الإ�سالمية . املركز الثاين :منا�صفة الطالبة �أ�سيل حمادمدر�سة �سكينة بنت احل�سني والطالبة دانيا االعمر من مدر�سة الغفران النموذجية – البلقاء .
املركز الثالث :منا�صفة الطالبة اياتالو�شاح من مدر�سة البلقاء الثانوية ال�شاملة والطالب املعتز باهلل عوادين من مدر�سة التطوير احل�ضري الثانوية /اربد . املركز الرابع :الطالبة نور الهدى الكركيمن مدر�سة البطرياركية الالتينية الثانوية- الكرك . املركز اخلام�س :الطالبة اماين العوداتمن مدر�سة املغري الثانوية ال�شاملة – �أربد . وقد قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية وبح�ضور املحامي منت�صر الزيات الناطق الر�سمي با�سم املنتدى العاملي بتقدمي درع املنتدى العاملي لل�سادة ال�شعراء تقديراً جلهودهم وتعاونهم مع املنتدى .
«وسطية السودان» ينظم دورة تأهيلية لـ 130إماما و خطيبا و داعية الو�سطية – ال�سودان نظمت هيئة �ش�ؤون الأن�صار للدعوة واالر�شاد بال�سودان بالتعاون مع منتدى الو�سطية العاملي يف ال�سودان و جمعية تقابة الكون لتعليم القر�آن الكرمي والعلوم اال�سالمية دورة ت�أهيلية للأئمة والدعاة والداعيات و�شارك تادورة � 130إماماً وخطيب م�سجد ودعية ُقدّم فيها عدد من املحا�ضرات و �شارك يف تقدميها كوكبة من الدعاة ا�شتملت الآتي :حما�ضرة بعنوان : مقتطفات من �آيات الأحكام ،قدمها الأ�ستاذ يو�سف النور حامد� ،إمام م�سجد
ال�صحوة ب�أم درمان ،وحما�ضرة بعنوان: فل�سفة ال�صيام قدمها ال�شيخ� :سليمان �آدم عو�ض �إمام م�سجد �أب�شلعة بالثورة احلارة 15وجاءت املحا�ضرة الثالثة بعنوان: مرتكزات املهدية وم�ستقبل الدعوة ،قدمها الأ�ستاذ يو�سف ح�سن مديرمركز الرتاث بجامعة االمام الهادي ،كما قدم الأ�ستاذ: �آدم �أحمد يو�سف نائب الأمني العام لهيئة �ش�ؤون الأن�صار ،حما�ضرة بعنوان ،تزكية النف�س و�أثرها اال جتماعي ،وقدم الأ�ستاذ بدرالدين خ�ضر�أبوالرباء ع�ضواللجنة االدارية لفرع منتدى الو�سطية حما�ضرة بعنوان :مفهوم الو�سطية ،وختمت
الدورة مبحا�ضرة من رئي�س فرع منتدى الو�سطية بال�سودان الأ�ستاذ عبداملحمود �أ ّبوابراهيم بعنوان :اخلطاب الدعوي و�أثره على الواقع ،وقد جاءت م�شاركة احلا�ضرة حيو ّية وهادفة ،وم�شجعة؛ ت�ؤكد مدى ا�ستيعابهم وتفاعلهم مع املادة التي قدمت ،و�أكدوا ا�ستفادتهم من هذه الدورة ودعوا ال�ستمرار مثل هذه الدورات الت�أهيلية؛ لرت�سيخ ثقافة الو�سطية يف املجتمع ،وحما�صرة الغالة واملتطرفني الذين �شوهوا �سماحة الدين ،ولوثوا ديباجته الو�ضاءة.
المنتدى العالمي للوسطية يعقد مؤتمر ( خطبة الجمعة ودورها في بناء المجتمع ) ال�سيا�سية واالقت�صادية ،وتعميق الوالء للدين والوطن وتعزيز الوحدة الوطنية، ومعاجلة ظواهر العنف املجتمعي ،وخطبة اجلمعة يف نظر الآخر ،ودور خطبة اجلمعة يف احلفاظ على الأمن الإجتماعي. الـمحور اخلـــامـــ�س :دور الـم�ؤ�س ــ�سات الر�سمية وم�ؤ�س�سات املجتمع الأردين. (وزارة الأوقاف ،دائرة الإفتاء العام، دائرة قا�ضي الق�ضاة وم�ؤ�س�سات الإفتاء والإر�شاد ،م�ؤ�س�سات املجتمع املدين ،كليات ال�شريعة). وخالل امل�ؤمتر قدم �إحدى وع�شرين بحثاً علمياً ملتخ�ص�صني وعلماء يف جمال اخلطابة وعلوم ال�شريعة ،موزعة على
عقد املنتدى العاملي للو�سطية وبالتعاون مع وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية واجلامعة الأردنية ودائرة الإفتاء العام م�ؤمتر (خطبة اجلمعة ودورها يف بناء املجتمع) يومي 2012 /9/23-22م. وهدف امل�ؤمتر �إىل بيان املقا�صد ال�شرعية من خطبة اجلمعة ،والقواعد والأحكام ال�شرعية خلطبة اجلمعة ،ودور خطبة اجلمعة يف احلفاظ على الأمن الإجتماعي ،ودور خطبة اجلمعة يف تعميق الوالء واالنتماء ،وكذلك بيان واقع خطبة اجلمعة والو�صول لو�سائل و�أ�ساليب عملية لتطوير خطبة اجلمعة ،وتوعية
خطبة اجلمعة ،وحتليل م�ضامني خطب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،ومعايري خطبة اجلمعة الناجحة ،والأحكام الفقهية خلطبة اجلمعة(اخلطبة، اخلطيب ،امل�صلون) ،وامل�ستجدات الفقهية خلطبة اجلمعة. املحور الثاين :خطيب اجلمعة �إعداداً وت�أهي ً ال .وت�ضمن �صفات اخلطيب الناجح ومعايري اختياره ،و�إفادة اخلطيب من و�سائل االت�صال احلديثة ،وتفاعل اخلطيب مع الواقع والتعامل معه وتطبيقه لفقه الأولويات ،وخطبة اجلمعة يف نظر جمهور امل�صلني. املحور الثالث :دور خطبة اجلمعة
وت�أهيل اخلطباء علمياً و�شخ�صياً ،وبيان دور خطبة اجلمعة يف معاجلة االختالالت الفكرية ومظاهر العنف والتطرف، و�صياغة ميثاق �شرف يلتزم به اخلطباء. و ُق�سمت حماور امل�ؤمتر �إىل خم�سة حماور: املحور الأول :مقا�صد خطبة اجلمعة و�أحكامها ال�شرعية .وت�ضمن مقا�صد
االجتماعي .و�شمل التوعية بالأحكام خم�س جل�سات: ال�شرعية املجتمعية ،ودور خطبة اجلمعة اجلل�سة الأوىل :مقا�صد خطبة اجلمعة يف بناء مفاهيم التكافل االجتماعي ،وبناء و�أحكامها ال�شرعية. الأ�سرة ومعاجلة م�شكالتها ،ومعاجلات رئي�س اجلل�سة� :سماحة الدكتور �أحمد الإختالالت الإجتماعية. عبدالغفور ال�سامرائي -رئي�س ديوان املحور الرابع :دور خطبة اجلمعة الوقف ال�سني -العراق. وق�ضايا املجتمع والأمة .حيث تناول .1مقا�صد خطبة اجلمعة :د .عبدالرحمن دور خطبة اجلمعة يف معاجلة الق�ضايا الكيالين /الأردن
87
نشاط ا ت ا ل و سطية
88
.2حتليل م�ضامني خطب النبي �صلى اهلل اجلل�سة الثالثة :دور خطبة اجلمعة عليه و�سلم :د .عدنان خطاطبة /الأردن االجتماعي. .3معايري خطبة اجلمعة الناجحة :د .رئي�س اجلل�سة :د .نور الدين العرباوي- �أحمد �شكري /الأردن تون�س .4الأحـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــام الف ـ ـقـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـي ـ ــة لـ ـخ ـط ـب ــة .9اخلطيب وال�شباب مهارات وتطبيقات اجلمعة(اخلطبة ،اخلطيب ،امل�صلون): عملية :د .عبدالرحمن ذاكر د .حممد الق�ضاة /الأردن .10دور خطبة اجلمعة يف بناء مفاهيم
للدين والوطن وتعزيز الوحدة الوطنية: د .وائل عربيات /الأردن .15دور خطبة اجلمعة يف تعميق الوالء للدين والوطن وتعزيز الوحدة الوطنية: د .حممد اخلاليلة /الأردن .16دور خطبة اجلمعة يف معاجلة ظواهر العنف املجتمعي :د� .أحمد نوفل /الأردن
التكافل االجتماعي :د .نائل ابو زيد/ الأردن .11دور خطبة اجلمعة يف بناء الأ�سرة ومعاجلة م�شكالتها� :أ .عبدالفتاح مورو/ تون�س .12مقا�صد خطبة اجلمعة :د .ا�سماعيل ال�سعيدات -الأردن اجلل�سة الرابعة :دور خطبة اجلمعة وق�ضايا املجتمع والأمة. رئي�س اجلل�سة� :سعادة الأ�ستاذ عادل الفالح -وكيل وزارة الأوقاف الكويتية .13دور خطبة اجلمعة يف معاجلة الق�ضايا ال�سيا�سية واالقت�صادية :الإمام ال�صادق املهدي /ال�سودان. .14دور خطبة اجلمعة يف تعميق الوالء
.17خطبة اجلمعة يف نظر الآخر :الدكتور نا�صر اخلوالدة /الأردن اجلل�سة اخلام�سة :دور امل�ؤ�س�سات الر�سمية وم�ؤ�س�سات املجتمع الأردين رئي�س اجلل�سة :الأ�ستاذ منت�صر الزيات- م�صر. .18دور وزارة الأوقاف يف �إعداد وت�أهيل خطيب اجلمعة :معايل الدكتور عبدال�سالم العبادي -الأردن. .19دور دائرة الإفتاء ودائرة قا�ضي الق�ضاة يف �إعداد وت�أهيل خطيب اجلمعة: د� .أحمد احل�سنات – دائرة الإفتاء. .20دور كليات ال�شريعة يف �إعداد وت�أهيل خطيب اجلمعة :د .حممد خالد من�صور- الأردن
اجلل�سة الثانية :خطيب اجلمعة �إعداداً وت�أهي ً ال. رئي�س اجلل�سة :معايل الأ�ستاذ عبدالرحيم العكور -الأردن � .5صفات اخلطيب الناجح ومعايري اختياره ،موا�صفات اخلطبة الفعالة الو�سائل والأ�ساليب :د .عبدالرحمن ابداح /الأردن � .6إفادة اخلطيب من و�سائل االت�صال احلديثة� :أ� .شوقي القا�ضي /اليمن .7تفاعل اخلطيب مع الواقع والتعامل معه وتطبيقه لفقه الأولويات: د .عبداملجيد ال�صالحني /الأردن .8الإعداد الرتبوي خلطيب اجلمعة :د. يا�سني املقو�سي /الأردن
.21دور خطبة اجلمعة يف احلفاظ على الأمن الإجتماعي :د .نوح الفقري- الأردن. ويف جل�سة افتتاح امل�ؤمتر �أ�شار املهند�س مروان الفاعوري -الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية �إىل �أ َّن �أهمية هذا امل�ؤمتر تنطلق من اعتبارات عدة منها :املناخات والظروف التي ينعقد فيها هذا امل�ؤمتر، �إذ �أ َّن �أمتنا اليوم متر يف مرحلة جديدة من التحوالت ،حتتاج فيها �إىل امل�سجد واخلطيب ،كما حتتاج فيها �إىل املفكر وال�سيا�سي ،حيث بدى احل�ضور الديني بارزاً يف امليادين ومن ثم يف الرئا�سات، وكان وراءه "منرب" وخطيب ..ومن هذه االعتبارات �أهمية املو�ضوع ذاته ،والآثار التي يرتكها يف حياة امل�سلمني واحلاجة �إىل و�سطي اخلطاب اجلامع على املنرب، بحيث يبتعد عن التماهي يف الدفاع عن القرارات وال�سيا�سات احلكومية اخلاطئة ،ويبتعد عن التوظيف لأهداف الأحزاب واجلماعات واملذاهب والتيارات، وما ي�ستوجب �أن يتوفر من موا�صفات يف اخلطيب ويف ا ُ خل ْط َبة ..هو مو�ضوع ي�ستحق النظر والبحث والتعاي�ش. مبيناً �أ َّن هاج�س املنتدى العاملي للو�سطية منذ ت�أ�سي�سه قبل عقد من الزمن �أن ُيقدَّم الإ�سالم على حقيقته ويربز ما فيه من قيم ومبادئ لن�ضع �أيدينا على امل�شكالت فنعاجلها �أو ن�ستبق وقوعها ..ون�ست�شرف غد الأمة الذي تتطلع اليه الأجيال ..ويف �إطار هذا اال�سرت�شاد كان ا�ستئناف م�شروع النه�ضة هدفاً من �أهدافنا ،فعقدنا ع�شرات الندوات وامل�ؤمترات واللقاءات يف الأردن وم�صر وال�سودان وتون�س واليمن واجلزائر واملغرب وموريتانيا وباك�ستان، و�أقمنا اجل�سور لكي يتالقى علما�ؤنا على �صعيد "البحث" يف كل ما يرفد هذا امل�شروع ،ويف كل اجلوانب التي ترفد م�شروع النه�ضة ال�شاملة. وت�ضمن حفل االفتتاح كلمة لعطوفة
هدف المؤتمر إلى بيان واقع ُخطبة الجمعة ودورها في الحفاظ على األمن اإلجتماعي، وتعميق معاني وقيم الوالء واإلنتماء ومعالجة اإلختالالت الفكرية ومظاهر العنف والتطرف
الأ�ستاذ الدكتور رئي�س اجلامعة الأردنية، وكلمة لدولة الإمام ال�صادق املهدي – رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية ،وكلمة لف�ضيلة الأ�ستاذ عبدالفتاح مورو -تون�س. ويف ختام امل�ؤمتر �أ�صدر امل�ؤمترون تو�صيات مهمة ،وكذلك ميثاق �شرف للأئمة واخلطياء. تو�صيات م�ؤمتر خطبة اجلمعة
احلمد هلل وحده ،و�صلى اهلل و�سلم وبارك على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني� ،أما بعد.. فقد عقد املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية واجلامعة الأردنية ودائرة الإفتاء العام يف اململكة الأردنية الها�شمية م�ؤمتره الدويل بعنوان (خطبة اجلمعة ودورها يف بناء املجتمع) يف مدينة عمان يف الفرتة من -07 08ذو القعدة1433/هـ ،املوافق 23-22 �أيلول2012/م ،بح�ضور نخبة من العلماء واملفكرين وقيادات العمل الإ�سالمي، ورجاالت الفكر و�أ�ساتذة اجلامعات العربية والإ�سالمية والعاملية ،من الأردن وم�صر والكويت والعراق واليمن وال�سودان وتون�س وغريها.
وهدف امل�ؤمتر �إىل بيان واقع ُخطبة اجلمعة ودورها يف احلفاظ على الأمن الإجتماعي ،وتعميق معاين وقيم الوالء والإنتماء ومعاجلة الإختالالت الفكرية ومظاهر العنف والتطرف ،للو�صول �إىل �صياغة و�سائل تطوير ُخطبة اجلمعة و�أ�ساليبه وتوعية ا ُ خلطباء وت�أهيلهم علمياً وعملياً. وبنا ًء على �أهداف املنتدى العاملي للو�سطية ومنطلقاته يف تبني ق�ضايا الأمة ،وتقدمي الإ�سالم ب�صورته احلقيقية احل�ضارية و�إبراز قيمه ومبادئه الإن�سانية اخلالدة ،وباعتبار ُخطبة اجلمعة �أداة من �أدوات الإ�صالح عرب مراحل الدعوة الإ�سالمية ،والآثار التي ترتكها يف حياة امل�سلمني وحاجة الأمة اليوم �إىل خطاب و�سطي جامع م�ستمد من قطعيات الوحي وم�صالح االمة غري متمذهب وال متحزب ،ويف �ضوء امل�ستجدات ال�سيا�سية واالجتماعية واالقت�صادية امل�ستمرة والتي تتطلب توحيد الر�ؤية واخلطاب الو�سطي والإلتقاء على امل�شرتك ونبذ الإختالفات جاء انعقاد هذا امل�ؤمتر العلمي الدويل ليتناول دور ُخطبة اجلمعة يف بناء املجتمع . وبعد � ْأن تداول امل�شاركون عرب جل�سات امل�ؤمتر وحماوره ودرا�سة مقا�صد ُخطبة اجلمعة و�أحكامها ال�شرعية، وطرق �إعداد خطيب اجلمعة وو�سائله تدريباً وت�أهي ً ال ،ودور ُخطبة اجلمعة يف خدمة ق�ضايا املجتمع والأمة ومعاجلة الظواهر الإجتماعية والق�ضايا ال�سيا�سية والإقت�صادية. فقد ناق�ش امل�شاركون يف امل�ؤمتر عرب جل�سات امتدت على مدى يومني تناولت عددًا من املحاور املهمة املتعلقة بدور ُخطبة اجلمعة يف بناء املجتمعات الإ�سالمية املعا�صرة �إىل ما يلي: التن�سيق بني كليات ال�شريعة يف توحيداخلطط الدرا�سية لتت�ضمن مواد درا�سية
89
نشاط ا ت ا ل و سطية تراعي الإعداد الأكادميي التخ�ص�صي والإعداد الرتبوي والثقايف ،والتدريب العملي للخطباء. �إعداد دليل للخطيب يت�ضمن طرقاعداد ا ُ خلطبة واليات ومناذج مقرتحة على �أن �أن يتوىل املنتدى ووزارة الأوقاف التجارب ال�سابقة بالبحث والتطوير لإعداد وهذا الدليل. �إن�شاء معاهد متخ�ص�صة يف تخريجا ُ خلطباء والأئمة والدعاة وفق مناهج ي�ضعها اخلرباء من الأ�ساتذة وكبار الدعاة. تن�سيق اجلهود بني وزارات الأوقافوال�ش�ؤون الإ�سالمية وبني الو�سائل الإعالمية وامل�ؤ�س�سات الرتبوية خلدمة الإ�سالم عقيدة و�شريعة ،وت�صحيح ال�سلوكيات ح�سب تعاليم ال�شريعة الإ�سالمية الغراء. �ضرورة تفعيل دور امل�سجد للقيام مبهمتهال�شاملة يف بناء املجتمعات الإ�سالمية الفا�ضلة. �إيجاد ال�سبل الكفيلة والتي ت�ضمن حريةاخلطيب الفكريه يف تناول ق�ضايا املجتمع وحاجياته مبا يتوافق مع ال�ضوابط ال�شرعية مع املحافظة على النظام العام. �إعداد البحوث املتخ�ص�صة والدار�ساتالتوجيهية املتنوعة يف بيان واجبات الأئمة واخلطباء ،و�إن�شاء جملة متخ�ص�صة مل�ساعدتهم يف مهمتهم ومدهم بالبحوث التي تت�صل ب�أعمالهم. ّحث العلماء والدعاة اخلرباء على و�ضع مناذج رفيعة ملو�ضوعات �إ�سالمية متنوعة، ت�شتمل على املواد الأ�سا�سية لبناء اخلطبة، يف �صورة �أدلة و�شواهد من الكتاب وال�سنة وال�سرية والتاريخ الإ�سالمي ،والأقوال امل�أثورة ،وال�شعر البليغ لتكون بني يدي اخلطباء ،لي�ستعني بها من يحتاج �إليها يف �إعداد اخلطبة. عقد دورات ت�أهيلية للخطباء ت�ساعدهمعلى تطوير مهاراتهم املعرفية واخلطابية
90 دور خطبة الجمعة االجتماعي .يشمل التوعية باألحكام الشرعية المجتمعية، ودور خطبة الجمعة في بناء مفاهيم التكافل االجتماعي، وبناء األسرة ومعالجة مشكالتها ،ومعالجات اإلختالالت اإلجتماعية.
واالت�صالية واال�ستفادة من و�سائل التقنية احلديثة لتطوير كفاءتهم ،واالرتقاء بثقافة الأئمة وا ُ خلطباء فيما يخ�ص ق�ضايا الأمة من خالل تزويدهم مب�صادر املعرفة املختلفة. دعوة وزارات الأوقاف واجلهات املخت�صه�إىل ابتعاث املتميزين من الأئمة وا ُ خلطباء لال�ستفادة من التجارب الناجحة، والإطالع على الثقافات املتنوعة يف املجتمعات الإ�سالمية وغريها. وجوب رعاية حقوق غري امل�سلمنيواحرتامها يف املجتمعات الإ�سالمية، واحرتام حقوق امل�ست�أمنني يف الديار الإ�سالمية. تنقية �أجواء امل�ساجد وتهذيبها منالعوائق واملكدرات واملمار�سات اخلاطئة التي ت�ؤثر �سلباً على اجلو الإمياين وتخرم وحدة املجتمع وحتول دون ا�ستفادة النا�س املثلى من ر�سالة امل�سجد. �إ�صدار ميثاق �شرف للأئمة وا ُخلطباء ل�ضمان �أداء دورهم القيادي واحلفاظ على مكانتهم ،وااللتزام بر�سالة امل�سجد و�أهميتها يف الت�أ�سي�س لبناء خطاب �إ�سالمي ح�ضاري ،و�إ�صدار دليل ُخطبة اجلمعة لتبيان مو�ضوعات ا ُ خلطبة
ومقا�صدها. �صياغة توجيهات �إ�سالمية معا�صرهملواجهة اال�ساءات املتكرره على مقد�ساتنا لكي ال ي�ستفزنا �أعدا�ؤنا خلدمة �أغرا�ضهم و�أهدافهم اخلطرية. العمل على حت�سني الأو�ضاع االقت�صاديةواالجتماعية للأئمة وا ُ خلطباء ومراجعة ا�ستحقاقاتهم الوظيفية مبا يواكب ج�سامة واجباتهم احرتاماً وتقديراً لدورهم ومكانتهم يف املجتمع. ر�سم خريطة طريق لإ�صالح (امل�سجد)ت�ضمن تفعيل دور امل�سجد يف �إبراز ال�صورة احلقيقية للإ�سالم مبا يخدم ق�ضايا املجتمع والأمة. ت�شكيل جلان يف كل م�سجد ملعاجلةالعنف االجتماعي والظواهر االجتماعية ال�سلبية ،و�إن�شاء جمال�س يف امل�ساجد لإ�صالح ذات البني لف�ض النزاعات واخلالفات االجتماعية واال�شراف على خدمة امل�سجد. عقد اجتماعات دورية لأئمة امل�ساجدوخطبائها يف كل منطقة لتبادل اخلربات والتجارب ودرا�سة امل�شاكل التي تعرت�ض مهماتهم الدعوية ،وو�ضع احللول املنا�سبة لعالجها مبا يتفق مع �صالح امل�سلمني �ضمن الإطار الإ�سالمي ال�صحيح. دعوة وزارات الأوقاف وال�ش�ؤونالإ�سالمية �إىل �أهمية و�ضع معايري الختيار الأئمة واخلطباء ،ومتابعة تقييم �أدائهم وتقدمي احلوافز للمتميزين منهم. ت�شكيل جمموعة عمل لتقدمي م�شروعخريطة طريق للإ�صالح امل�سجدي لتحتل امل�ساجد دورها املركزي يف بناء املجتمع. ت�شكيل جلنة �إ�ست�شارية بني كلياتال�شريعة الإ�سالمية ووزارة الأوقاف لتطوير ُخطبة اجلمعة.
ميثاق شرف األئمة والخطباء من منطلق التزامنا نحن األمئة والخُطباء برسالة اإلسالم ومقاصده الخالده ،واحرتاماً ملنزلة املسجد ودوره الحضاري ،برضورة املشاركة يف الشأن العام فيام فيه خري وصالح الوطن واألمة ،فإننا نلتزم باملبادئ املذكورة أدناه ونتعهد باحرتامها: بيان الحكم الرشعي يف قضايا الفرد واملجتمع والدولة وما يكون لصالح الحكم الرشيد ،وبيان محاسن الدين الكفيلة بإصالحمجتمعاتنا واستقرارها من أجل بناء معامل املدنية الفاضلة وترسيخها والحياة الكرمية الهانئة املستقرة. تصحيح املفاهيم املغلوطة عن اإلسالم ،ورد الشبهات واألباطيل بأسلوب مقنع حكيم ،بعيد عن املهاترة والسباب ،ومواجهةاألفكار الهدامة واملضللة بتقديم اإلسالم الصحيح باعتباره منهج األمة األصيل الذي ارتضاه الله لها ،وارتضته األمة لنفسها ديناً، مع إبراز خصائصه من الشمول والتوازن والعمق واإليجابية. عباً عن سامحة اإلسالم ووسطيته واعتداله وشموليته لجميع أبناء املجتمعات عىل اختالف انتامءاتهم جعل الخطاب الديني ُم رّاملذهبية. ال ُبعد عن انتهاج الخطاب املتطرف ،وأن يكون والؤنا للدين وقيمه ومثله السامية العليا متمسكني بقول املوىل سبحانهَ « :و َم ْنأَ ْح َس ُن َق ْوال ِم َّم ْن َد َعا إِلىَ اللَّ ِه َو َع ِم َل َصالِحا َو َق َال إِنَّ ِني ِم َن الْ ُم ْسلِ ِم َني». أنْ يكون الهدف العام لخطابنا الدعوي هو تربية أبناء األمة عىل التمسك مببادئ اإلسالم وقيمه وأخالقه وثوابته وتجنب الخالفاتالفرعية واملذهبية. ترسيخ معنى أخوة اإلسالم ووحدة أمته الكربى ،ومقاومة النزعات والعصبيات العنرصية واملذهبية واإلقليمية وغريها املفرقةلألمة الواحدة ،واالهتامم بقضايا املسلمني داخل العامل اإلسالمي وخارجه ،حتى ال ينفصل املسلم فكرياً وشعورياً عن إخوانه املسلمني يف كل مكان. العمل عىل تنقية األجواء وتصفية النفوس يف املجتمعات العربية واإلسالمية والدعوة إىل اإلصالح ،بالحكمة واملوعظة الحسنة،وصوالً إىل مل الشمل وتوحيد الكلمة وتقوية نسيج املجتمع واألمة ،والحفاظ عىل املكتسبات ،وترسيخ قيم املحبة واملودة والصفاء والتسامح بني أفراده وفئاته عىل اختالف أطيافهم ومذاهبهم. ربط الخُطبة بالواقع والحياة ،التي يعيشها الناس ،وذلك بالرتكيز عىل عالج أمراض املجتمع ،وتقديم الحلول ملشكالته من الرشيعةاإلسالمية الغراء يف إطار فهم واعٍ ألحكام الدين ،واستصحاب النافع من الفكر اإلنساين وتجاربه. العمل عىل ضامن أمن الوطن واستقراره وسالمة أبنائه ،وأنْ نكون دامئاً قادة خري ودعاة إصالح ورسل سالم ،وأنْ نؤ ّدي ما ائتمنناالله تعاىل عليه من دعوة للخري والتسامح و َج ْمعٍ للكلمة ،ونبذ الفرقة ما استطعنا إىل ذلك سبيالً. تحمل كامل املسؤولية الرشعية والوطنية تجاه قضايا مجتمعاتنا وأمتنا ،وتنزيه املنرب وخطبة الجمعة من أن تتخذ أداة للدعايةألي جهة أو طرف ،وأن تكون خالصة لله تعاىل ولدينه ،وتبليغ دعوته وإعالء كلمته « َوأَنَّ الْ َم َساجِ دَ لِلَّ ِه فَال تَدْ ُعوا َم َع اللَّ ِه أَ َحدً ا». بث روح األمل والثقة املتبادلة بني أبناء الدين الواحد ،واحرتام حقوق أصحاب الديانات األخرى يف املجتمع ،وأن نكون رسل سالميب». ودعا وتعايش ومحبة وتآخ «إِنْ أُرِيدُ إِال اإل ِْص َ الح َما ْاس َتطَ ْع ُت َو َما تَ ْو ِفي ِقي إِال بِاللَّ ِه َعلَ ْي ِه تَ َوكَّل ُْت َوإِلَ ْي ِه أُنِ ُ االطالع عىل شتى الوسائل التقنية اإلعالمية الحديثة املتاحة واستثامرها بالشكل األمثل لنرش تعاليم الدين الحنيف ومقاصدهوقيمه ومبادئه ومثله العليا. إعامل فقه األولويات وإشاعة روح الحوار بني الناس وتأصيل فقه الخالف بجميع فروعه وفق الضوابط الرشعية ،واالرتقاء بأدبالخالف من خالل الخُطبة والدروس اليومية. اململكة األردنية الهاشمية -عامن 08ذو القعدة1433/هـ ،املوافق 23أيلول2012/م
91
إصدارات ا ل و س طية
92
الوسطية يصدر كتاب قضايا المرأة في المجتمعات اإلسالمية وتحديات العصر
الو�سطية – عمان �صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية كتاب "ق�ضايا املر�أة يف املجتمعات الإ�سالمية وحتديات الع�صر" ،والذي ي�ضم �أوراق العمل املقدمة للم�ؤمتر الدويل اخلام�س والذي عقده املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان 2009/7/26-25م. والكتاب من احلجم املتو�سط وجاء يف 544 �صفحة ،مق�سماً �إىل �أربعة حماور :املحور الأول :الأ�س�س الفل�سفية حلقوق املر�أة يف ال�شريعة الإ�سالمية ،حيث ت�ضمن �ستة �أبحاث .واملحور الثاين :املر�أة يف املواثيق
الدولية والت�شريعات املحلية وال�شريعة الإ�سالمية ،وفيه ثالثة �أبحاث .وتناول املحور الثالث م�شكالت وق�ضايا تواجه املر�أة من خالل �أبحاث �ست ،و�أخرياً جاء املحور الرابع حتت عنوان :املر�أة امل�سلمة والدور املن�شود مت�ضمناً �أربعة �أبحاث. ويهدف الكتاب �إىل �إعادة قراءة اخلطاب الإ�سالمي الن�سوي املعا�صر ومراجعته، وحماولة لتعزيز مكانة املر�أة يف املجتمعات الإ�سالمية ،فهو ر�سالة جتديدية وحماولة لتقدمي منظومتنا الإ�سالمية املتعلقة بالأ�سرة ،فهو عمل جتديدي ملواجهة غالة
اجلمود والتطرف الذين برروا ال�ستمرار الأو�ضاع املزرية التي حلقت باملر�أة ووظفوا الن�صو�ص وحملوها �أكرث مما حتتمل وكر�سوا الإق�صاء لها واحلجر عليها حتت قاعدة �سد الذرائع وحنطوا قواعد الأ�صول وعطلوها �أن تبدع يف اجرتاح احللول والت�صدي للق�ضايا ،وهو بنف�س الوقت موجه �ضد ُغالة العلمانيني الذين ميار�سون كل �أ�شكال الإرهاب الفكري، ويحاربون قيم الأمة ويتبنون قوالب جاهزة دون نظر ويظنون �أن حترير املر�أة مير عرب حتريرها من القيم والدين.
إصدار جديد لسلسلة الفكر الوسطي الو�سطية -عمان �صدر عن مركز درا�سات املنتدى العاملي للو�سطية كتاب "قراء�آت يف فكر الو�سطية"� ،ضمن �إ�صدارات �سل�سلة الفكر الو�سط رقم ( ،)37ويحتوي الكتاب على جمموعة خمتارة من مقاالت وحما�ضرات لعلماء ومفكرين تناولت الو�سطية فكراً و�سلوكاً .وهم :د .يو�سف القر�ضاوي ،د. �سلمان بن فهد العودة ،د .ع�صام الب�شري، د .حممد عمارة ،د� .أبو �أمامة نوار بن ال�شلي ،د .عدنان زرزور ،د� .سعد الدين العثماين ،د .وليد ها�شم ال�صميدعي ،د. حممد اخلطيب ،و د .حممد املطني. والكتاب من احلجم املتو�سط وجاء يف � 88صفحة ،مق�سماً �إىل �سبعة حماور: املحور الأول وتناول التعريف مبفهوم الو�سطية كم�صطلح وداللة ،وت�ضمن املحور الثاين منهج الو�سطية يف القر�آن الكرمي وال�سنة املطهرة وال�صحابة ،املحور الثالث :الو�سطية والنهو�ض احل�ضاري، املحور الرابع :الو�سطية ..ومقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،املحور اخلام�س: الو�سطية ..وخطر ال ُغالة ،وت�ضمن املحور ال�ساد�س العالقة مع الآخر يف �ضوء و�سطية الإ�سالم ،من خالل تعريف مفهوم الآخر ،وم�ستويات الت�أ�صيل القر�آين لأ�س�س و�ضوابط العالقة مع الآخر �سواء على امل�ستوى التنظريي �أو امل�ستوى التطبيقي ،وكذلك الأ�س�س الإ�سالمية للعالقة مع الآخر يف �ضوء و�سطية الإ�سالم وهي الكرامـة الإن�سانية، وحدة العن�صر الب�شري ،احلرية والعدالة،
ت�أمني احلماية من العدوان اخلارجي ،ت�أمني احلماية الداخلية .وختم الكتاب باملحور ال�سابع :الو�سطية م�شروع وحدة الأمة. ويهدف الكتاب �إىل تعريف القارئ ب�أن الو�سطية �سمة ثابتة وبارزة يف كل باب من �أبواب الإ�سالم ،يف االعتقاد ،والت�شريع ،والتكليف ،والعبادة ،وال�شهادة واحلكم ،والأمر باملعروف والنهي عن املنكر ،واجلهاد يف �سبيل اهلل ،والأخالق واملعاملة ،وك�سب املال و�إنفاقه ،ومطالب النف�س و�شهواتها ،و�أ َّن �سماحة الإ�سالم تتنافى مع الغلو والت�شدد يف الدين .باعتبار �أن الو�سطية ُتع ّد من �أهم مزايا املنهج الإ�سالمي ،ف�أ َّمة الإ�سالم �أ َّمة الو�سط وال�صراط امل�ستقيم ،فالو�سطية هي حالة من التوازن بني الت�شدد وال�شذوذ من جهة ،والتهاون والتق�صري من جهة ثانية ،وهي منهج يف احلياة ،يرتبط مبختلف جوانب الن�شاط الب�شري ،فهي منهج يف فهم ال�شرع ،ومنهج يف التدين ،ومنهج يف العمل الدعوي واالجتماعي وال�سيا�سي ،ومنهج يف التعامل مع الآخرين.
93
إصدار ا ت ا ل و سطية
94
العالمي للوسطية يصدر كتاب بعنوان « تقرير الحالة الدينية في األردن »
الو�سطية – عمان �صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية كتاب بعنوان "تقرير احلالة الدينية يف الأردن" ،يت�ضمن �أبرز و�أهم الق�ضايا املتعلقة باحلالة الدينية يف الأردن. ويهدف الكتاب الذي يعترب اول تقرير يبحث احلالة الدينية يف االردن �إىل بيان الدور الأ�سا�سي للدين يف ت�أ�سي�س اململكة الأردنية و�سيا�سات امللوك املتعاقبني عليها واملواقف الدينية التي ميكن مالحظتها يف ال�سلوك واملواقف ال�شخ�صية لهم، و�أهميته يف الد�ستور الأردين والقوانني والت�شريعات.باعتبار ان الإ�سالم هو دين الدولة واهم ركائز وحدة الدولة وا�ستقرارها. والكتاب من احلجم املتو�سط وجاء يف � 431صفحة ،مق�سماً �إىل �أثني ع�شر ف�ص ً ال :ت�ضمن الأول مبحثان حول احلريات الدينية يف الت�شريعات الأردنية، واخلطاب املوجه من �صاحب ال�سمو امللكي الأمري غازي بن حممد �أمام قدا�سة البابا بنديكتو�س ال�ساد�س ع�شر يف م�سجد امللك احل�سني بن طالل عمان الأردن يف � 9أيار 2009يف حني ا�ستعر�ض الثاين امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية يف الأردن واملتمثلة يف وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية ،دائرة قا�ضي الق�ضاة، دائرة الإفتاء العام ،مديريات الإفتاء يف امل�ؤ�س�سات الع�سكرية ،م�ؤ�س�سة تنمية �أموال
الأيتام ،الهيئة الأردنية الها�شمية للإغاثة والتنمية والتعاون العربي والإ�سالمي، وتكية �أم علي .وت�ضمن الثالث �شرح تف�صيلي عن اجلمعيات واملنظمات الإ�سالمية يف الأردن املنتدى العاملي للو�سطية ،منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ،املعهد امللكي للدرا�سات الدينية ،م�ؤ�س�سة �آل البيت للفكر الإ�سالمي ،املعهد العاملي للفكر الإ�سالمي، اللجنة امللكية ل�ش�ؤون القد�س ،جمعية احلديث ال�شريف و�إحياء الرتاث ،جمعية الثقافة العربية الإ�سالمية ،جمعية الكتاب وال�سنة ،جمل�س اجلمعيات واملنظمات الإ�سالمية، جمعية املركز الإ�سالمي ،جمعية املحافظة على القر�آن الكرمي ،جمعية العفاف اخلريية، وجاء يف الف�صل الرابع �شرح عن اجلماعات والتيارات الإ�سالمية يف الأردن منها جماعة الأخوان امل�سلمني واجلماعات ال�سلفية ،وت�ضمن الف�صل اخلام�س الأحزاب الإ�سالمية يف الأردن منها حزب الو�سط الإ�سالمي ،حزب جبهة العمل الإ�سالمي ،وحزب التحرير. كما ت�ضمن الكتاب �شرح الثقافة والتعليم الديني ،والكنائ�س واجلمعيات امل�سيحية، وال�سياحة الدينية ،كما ت�ضمن �شرح عن �شهر رم�ضان املبارك واملنا�سبات الإ�سالمية، م�ستعر�ضا الإعالم الإ�سالمي ،و�شرح عن امل�صارف الإ�سالمية ،ومع�ضلة الإرهاب.
قصيدة المنتدى العالمي للوسطية عبداهلل ذيبان العكيدي -العراق
إلى المنتدى العالمي للوسطية
2ذي احلجة 1433هـ مبنا�سبة ور�شة اخلطباء يف املنتدى العاملي للو�سطية بعمان
95