6العدد الاول الس

Page 1


‫اال‬

‫فتتاحية‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫ثمة منهجين اتسمت بهما المحاوالت الشعبية التي صنعت‬ ‫التحوالت الجارية في عالمنا العربي اليوم في ربيعه الجديد‪،‬‬ ‫األول يدعو إلى تغير األنظمة جذريًا و بالكامل وآخر يدعو إلى‬ ‫اصالحها من الداخل فما السبب وما الفارق بين هذا وذاك‪.‬‬ ‫إن الثورة والعنف وتغير النظام كانت نصيب األنظمة‬ ‫الجمهورية التي خانت طريقة كفاحها واستمرأت البغي‬ ‫والغدر والتنكيل بشعوبها‪ ،‬حتى قادها جالدها الى الجوع‬ ‫والذل وضياع الكرامة بل احتالت على شعوبها فلم تف بما‬ ‫وعدت به من تداول للسلطة وانتخابات رئاسية دورية كل‬ ‫اربع سنوات‪ ،‬وانما بقي الزعيم اربعين سنة وشرع في التوريث‬ ‫فمنهم من قضى وو ّرث‪ ،‬ومنهم من وقف بجوار ولده ينتظر‬ ‫حتى قضوا معًا قت ً‬ ‫ال أو سجنًا ‪.‬‬

‫الـتـغـيـيـر الهــادئ‬

‫�أما امللكيات فكان معلوما �أنها ممتدة وراثياً‬ ‫مبوجب عقد ر�ضائي قبلت به �شعوبها‬ ‫وا�ستمدت �شرعيتها من هذا العقد مع‬ ‫�شعبها‪.‬‬ ‫لذا كان �سقف املطالب املناداة بالإ�صالح من‬ ‫داخل هذه الأنظمة بالإ�صالح ولي�س تغيري �أو‬ ‫رحيل النظام حتى الآن‪.‬‬ ‫و�إذا كان الإ�صالح هو الهدف ف�إن ا�ستنفاذ‬ ‫الو�سع وبذل اجلهد يف جعل هذا الإ�صالح ب�أقل‬ ‫الكلف واحليلولة دون �سفك الدماء وخراب‬ ‫العمران �أمراً واجباً يف حني �أن التفريط به‬ ‫وال�سعي �إىل ال�صدام والإحرتاب جرمية ال‬ ‫تقل عن جرائم ال�سلطة وقمعها‪ .....‬ما دام‬ ‫هناك مت�سع للإ�صالح والتعاون والتغيري ‪.‬‬ ‫�إن دعاة الإ�صالح حكماء مدبرون مت�أملون‬ ‫ا�سرتاتيجيون ميعنون النظر يعملون قواعد‬ ‫ال�سيا�سة ال�شرعية ويعتقدون �أن اللقاء على‬ ‫ال�صواب خري من االفرتاق على الأ�صوب لذا‬ ‫فدعاة الإ�صالح دعاة عمل متوا�صل مرتاكم‬ ‫دعاة �أخذ وعطاء ومرونة ُيعملون �سنه‬ ‫التدافع يف التغيري وال يغفلون عامل الزمن‪.‬‬ ‫وقدمياً قالوا �أن الفتنة اذا اقبلت مل يلحظها‬ ‫او يدركها اال العقالء اما اذا ادبرت ف�إنه‬ ‫يدركها العاقل واجلاهل على حد �سواء ‪.‬‬ ‫ان ثمار العمل العقالين والبناء الرتاكمي‬ ‫كبرية ونتائج هذه املنهجية مزيد من الرحابه‬ ‫واحلرية واال�صالحات يف اجواء الر�ضى‬

‫والتوافق دون خ�سائر فادحة �أو قطيعة ‪.‬‬ ‫اما دعاة التغيري والثورة لأجل التغيري‬ ‫ف�إنهم ال يبلغون هدفاً وال يحققون غاية بل‬ ‫هم منبتون ي�صدق فيهم « ال ظهراً ابقوا وال‬ ‫�أر�ضاً قطعوا «‪.‬‬ ‫ولئن التقى يف الطرقات وال�ساحات دعاة‬ ‫املنهجني اال �أنهم �سرعان ما يفرتقون لأن‬ ‫الغايات والأهداف لي�ست متطابقة ‪ ،‬فلنكن‬ ‫ممن يعظم الإيجابيات ويبني عليها ا ْد َف ْع‬ ‫بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن ‪َ ,‬ف ِ�إ َذا ا َّلذِ ي َب ْي َن َك َو َب ْي َن ُه‬ ‫َعدَا َو ٌة َك�أَ َّن ُه َو يِ ٌّ‬ ‫ل َحمِ ي ٌم َومَا ُيلَ َّقاهَا �إِ اَّل ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫يم ‪.‬‬ ‫َ�ص رَ ُ‬ ‫بوا َومَا ُيلَ َّقاهَا �إِ اَّل ُذو َح ٍّظ عَظِ ٍ‬ ‫�إن احلركة الإ�سالمية بتجلياتها و�أطيافها‬ ‫من �أحزاب وتيارات وجماعات مدعوة �إىل وقفة‬ ‫ت�أمل حتافظ على املنجز وتنميته وت�سعى �إىل‬ ‫جتنيب البالد والعباد �شر ويالت ودمار حل‬ ‫هنا وهناك فهي جزء �أ�صيل من ن�سيج هذه‬ ‫البلدان الطيبة وهي الأحر�ص على مراكمة‬ ‫اخلري والدفع بالتي هي �أح�سن‪.‬‬ ‫�إن جناح البلدان التي �أزهر فيها الربيع‬ ‫العربي وبزغ فيها الفجر اجلديد بتحديات‬ ‫كبرية تعرت�ض جتربة الإ�سالمني يف‬ ‫ال�سلطة‪.‬‬ ‫�أبرزها اطالق احلريات العامة يف البالد فال‬ ‫تريد ال�شعوب �أن ت�ستبدل ا�ستبداد العلمانية‬ ‫با�ستبداد امل�ؤ�س�سة الدينية بل �شراكة حقيقية‬ ‫بني كل القوى الناه�ضة يف احلكم انطالقاً‬

‫من تقا�سم وحتمل امل�س�ؤوليات والإ�سهام يف‬ ‫�صياغة الد�ستور وفق م�شروع اخالقي يعزز‬ ‫الكرامة ويبني دولة احلرية واملواطنة دون‬ ‫�إق�صاء او تهمي�ش‪.‬‬ ‫�آفة ال�شرق حاكم معبود و�شعوب تروعهن‬ ‫قيود التحدي الأ�سوء �أولئك الذين ادمنو‬ ‫نهب ثروات الأمة فاحتكروا ال�سلطة‬ ‫وهاهم ي�صلون الليل بالنهار لالنقالب على‬ ‫الدميقراطية وال�شرعية بدعوى العلمانية‬ ‫واحلرية واخلوف من ا�سلمة املجتمع هذا‬ ‫هو التحدي الأكرب �أمام ا�ستقرار البلدان‬ ‫واملجتمعات‪ .‬مبا ي�شكله من فعل �سلبي‬ ‫نتيجة اال�ستقواء باخلارج وملا يحدثه من‬ ‫انق�سام حاد يف اجل�سم ال�سيا�سي واالجتماعي‬ ‫يرف�ض االحتكام اىل ال�شعب عرب ال�صناديق‬ ‫واال�ستفتاءات ‪.‬‬ ‫�إن حتقيق الدميقراطية وبناء وتنمية‬ ‫املجتمعات يكون عرب عمل دقيق ن�سري فيه‬ ‫جميعاً وفق توافق وطني عام يتجاوز مفهوم‬ ‫الأنا واملغالبة بروح االخوة ووحدة امل�صري‬ ‫واخلوف من الفتنة‪.‬‬ ‫ذلك �إن م�صرينا واحد وحماية ال�سفينة‬ ‫من الهالك م�صلحة اجلميع يف الو�صول اىل‬ ‫�شواطئ الأمان والنجاة و�صدق اهلل العظيم‬ ‫يب ا َّلذِ َ‬ ‫" َوا َّت ُقوا ِف ْت َن ًة اَل ُت ِ�ص نَ َّ‬ ‫ين َظلَ ُموا مِ ْن ُك ْم‬ ‫ا�ص ًة"‪.‬‬ ‫َخ َّ‬


‫ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫( هيئة عاملية �إ�سالمية )‬

‫العدد الأول‪ :‬ال�سنة ال�ساد�سة‬ ‫رجب ‪ 1434‬هـ ‪ -‬حزيران ‪ 2013‬م‬

‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫م�صر‬ ‫ال�سودان‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‬ ‫الدكتور وهبة الزحيلي‬ ‫املغرب‬ ‫�سوريا‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‬ ‫الدكتور حممد طالبي‬ ‫الأردن‬ ‫املغرب‬ ‫الدكتور حممد احلاليقة‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان ا�سماعيل‬ ‫الأردن‬ ‫ال�سودان‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‬ ‫لبنان‬

‫اإلفتتاحية ‪:‬‬ ‫دراسات إسالمية ‪:‬‬

‫ف�ضائل الإ�صالح و�آثاره‪:‬تطبيقا على الإ�صالح العقدي ‪� -‬أ‪.‬د‪.‬عبد املجيد النجار‬

‫‪4‬‬

‫نحو فقه جديد ملفهوم الو�سطية ينقذ الأمة من تطرف الدعاة والع�صاة ‪ -‬د‪ .‬احممد جربون‬

‫‪8‬‬

‫الإعجاز االجتماعي يف الإ�سالم ‪� -‬إ�سالم عبد التواب‬

‫‪15‬‬

‫الو�سطية الفكرية و�أ�س�سها املنهجية ‪ -‬د‪�.‬أحمد الري�سوين‬

‫‪18‬‬

‫اجلهاد القتايل‪�:‬ضوابطه ومقوماته ‪ -‬د‪.‬ر�شيد ُك ُهو�س‬

‫‪22‬‬

‫مقاالت الوسطية ‪:‬‬

‫االنت�صار لر�سول اهلل باحلجة والربهان ‪ -‬الزبري حممد علي‬

‫‪28‬‬

‫التقريب بني املذاهب الإ�سالمية ‪ -‬حمطات يف الذاكرة ‪ -‬هاين فح�ص‬

‫‪32‬‬

‫الر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم يف كتابات مفكرى الغرب املن�صفني ‪� -‬صفاء الدين حممد �أحمد‬

‫‪35‬‬

‫االختالف يف الر�أي �سنة كونية ‪ -‬د‪.‬قي�س املعايطة‬

‫‪38‬‬

‫احلوار احل�ضاري يف الإ�سالم ‪ -‬د‪ .‬عبد القادر الكتاين‬

‫‪40‬‬

‫القر�آن وا�ستنها�ض العقل ‪ -‬ق�ضايا فكرية ‪ -‬د‪ .‬عبد الإله بن م�صباح‬

‫‪44‬‬

‫�سلطنة العلماء‏‪ .‬‏‪ .‬فوق �سلطنة الأمراء ‪ -‬د‪ .‬حممد عمارة‬

‫‪47‬‬

‫جدلية املرحلة ‪ ..‬الثورة ووعي ال�شباب ‪ -‬حممد االمني عبد النبي‬

‫‪49‬‬

‫دور علماء الأمة يف الدفاع عن القد�س ‪ -‬د‪.‬ع�صام الب�شري‬

‫‪52‬‬

‫عن الو�سطية ‪ :‬مراميها وحقيقتها ‪ ..‬توظيفها ‪ ..‬والدخالء عليها ‪� -‬أ‪.‬منت�صر الزيات‬

‫‪58‬‬

‫فن الوعظ �أهميته و�ضوابطه ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬

‫‪61‬‬

‫مقاومة الظلم ‪ :‬امل�شروعية والو�سائل ‪ -‬عبد املحمود �أبو �إبراهيم‬

‫‪63‬‬

‫حوارات الوسطية ‪:‬‬

‫املفكر الدكتور زكي امليالد «للو�سطية» ‪ -‬حاوره‪ :‬ح�سني الروا�شدة‬

‫‪68‬‬


‫الـمــهــنــد�س مــــــروان الـفــــاعــــــوري‬

‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬

‫اململكة الأردنية الها�شمية ‪ -‬عمان‬ ‫تلفون ‪+962 - 6 - 5356329 :‬‬ ‫فاك�س ‪+962 - 6 - 5356349 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب ‪ 2149 :‬عمان ‪ 11941‬الأردن‬

‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة‬ ‫عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫وحق الرد مكفول للجميع‬

‫‪Email : mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪Website : www.wasatyea.net‬‬

‫الأ�ســتـاذ الـدكتــور مـحـمـد اخلـطـيـب‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬

‫مـحـمـــد عــــزام ال�ســـلـمــــان‬

‫الــدكـتـور هـايـل عبـد احلفيـظ داوود‬ ‫الـــدكـتـور يـــــا�ســـيــن الـمــقــــو�ســـــــي‬ ‫الأ�سـتـــــاذ حــ�ســيــن الــــــروا�شــــــــــدة‬ ‫رابطة ّ‬ ‫كتاب التجديد ‪:‬‬

‫رابطة كتاب التجديد‪� :‬سرية وم�سرية‬ ‫العاملي للو�سطية ينظم حما�ضرة اال�سالميون وال�سلطة‬

‫نشاطات الوسطية ‪:‬‬

‫‪74‬‬ ‫‪75‬‬

‫الإ�سالميون وحتديات ال�سلطة م�ؤمتر دويل للمنتدى العاملي للو�سطية يف القاهرة‬ ‫حتت عنوان «الغل ّو و �أثره يف ال�سلم الأهلي» العاملي للو�سطية ّ‬ ‫ينظم فعاليته الأوىل بالعا�صمة التون�سية‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يكرم الفائزين بجائزة رابطة كتاب التجديد‬ ‫العالقات الأ�سرية يف القر�آن الكرمي‪ ..‬دورة يف «العاملي للو�سطية»‬ ‫«�شباب الو�سطية» يكرم الفائزين ب�أف�ضل عمل تطوعي‬ ‫العاملي للو�سطية ينظم حما�ضرة اال�سالميون وجتربة احلكم‬ ‫العاملي للو�سطية يقيم احلفل ال�سنوي لتكرمي رواد كتاب التجديد‬ ‫«الو�سطية» ي�ست�ضيف املهدي و مورو‬ ‫الو�سطية ينظم ور�شة عمل( ر�سالة املعلم يف املجتمع ودوره يف ن�شر و تعزيز الفكر الو�سطي )‬ ‫و�سطية الإ�سالم حما�ضرة للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫احتفا ًء يف �إ�شهار فرعهم «و�سطية تون�س» ينظم م�ؤمتر «الإ�سالميون وحتدي ال�سلطة»‬ ‫حتت عنوان دور اخلطباء و موجهي الر�أي يف حتقيق التغيري وتعزيز الت�صالح االجتماعي «و�سطية اليمن» ينظم ور�شة عمل لـ‪ 50‬م�شاركا‬ ‫جلنة املر�أة تقيم حفل توزيع جوائز م�سابقة حفظ القر�آن الكرمي‬ ‫العاملي للو�سطية ينظم دورة العنف الأ�سري للدعاة العراقيني يف عمان‬ ‫بحث �سبل التعاون بني «الو�سطية» وجامعة البحرين‬ ‫العاملي للو�سطية يعقد دورة حتت �شعار (الو�سطية يف اخلطاب الدعوي على هدي امل�صطفى)‬ ‫«الو�سطية» تن�شر ن�ص الر�سالة املهدي لـ اال�سد‪ :‬ما قيمة حكم يقوم على �أ�شالء املواطنني ودمائهم ؟‬ ‫م�سابقة �شعرية للو�سطية بعنوان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يف �سماحته و�إعتداله فكر ًا و �سلوك ًا‬ ‫«و�سطية ال�سودان» ينظم دورة ت�أهيلية لـ ‪� 130‬إماما و خطيبا و داعية‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يعقد م�ؤمتر ( خطبة اجلمعة ودورها يف بناء املجتمع )‬ ‫ميثاق �شرف الأئمة واخلطباء‬

‫‪77‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪91‬‬

‫الو�سطية ي�صدر كتاب ق�ضايا املر�أة يف املجتمعات الإ�سالمية وحتديات الع�صر‬ ‫�إ�صدار جديد ل�سل�سلة الفكر الو�سطي‬ ‫العاملي للو�سطية ي�صدر كتاب بعنوان « تقرير احلالة الدينية يف الأردن »‬

‫‪92‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪94‬‬

‫اصدارات الوسطية ‪:‬‬

‫قصيدة المنتدى العالمي للوسطية ‪:‬‬

‫عبداهلل ذيبان العكيدي ‪ -‬العراق‬

‫‪76‬‬

‫‪95‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪4‬‬ ‫جاء اإلسالم بتعاليمه اإليمانية والسلوكية ليصلح حياة‬ ‫الناس أفرادا وجماعات‪ ،‬فرسم لهم أوال الغاية من تلك‬ ‫الحياة‪ ،‬وهي غاية تحقيق الخالفة في األرض‪ ،‬وما يقتضيه‬ ‫ثم رسم‬ ‫ذلك من التعمير فيها‪ ،‬ومن الشهادة على الناس‪ّ ،‬‬ ‫المؤدي إلى تلك الغاية‪ ،‬إيمانا بحقيقة الوجود‬ ‫لهم المنهج‬ ‫ّ‬ ‫القائمة على التوحيد‪ ،‬وارتباطا باإلله الواحد بحبل العبادة‪،‬‬ ‫وبسطا لعالقة العدل مع العباد‪ ،‬وسيرا في األرض لالرتفاق‪:‬‬ ‫الرفق الذي‬ ‫علما بقوانينها‪ ،‬واستثمارا‬ ‫لمقدراتها على أساس ّ‬ ‫ّ‬ ‫يضمن لها الديمومة في إعالة الحياة‪.‬‬

‫فضائل اإلصالح وآثاره‪:‬‬ ‫تطبيقا على اإلصالح العقدي‬ ‫عمان‪2012/8/3 :‬‬ ‫بحث‬ ‫ّ‬ ‫مقدم للمجلس العلمي الهاشمي ‪ّ -‬‬

‫�أ‪.‬د‪.‬عبد املجيد النجار‬

‫غري � ّأن الإن�سان الذي ُتر�سل �إليه الر�سل‬ ‫تب�صره بتلك الغاية‪ ،‬وذلك املنهج امل�ؤدّي‬ ‫ّ‬ ‫�إليها قد يعتنق ما ُب ّ�صر به زمنا‪ ،‬فت�صلح‬ ‫حياته يف �إميانه و�سلوكه‪ ،‬ويع ّمر يف الأر�ض‬ ‫مقيما احل�ضارات الرا�شدة‪ ،‬ث ّم يرتخي به‬ ‫الزمن �شيئا ف�شيئا حتى يتنا�سى ما ُب ّ�صر به‬ ‫من هدي‪ ،‬ف�إذا هو منحرف عن ال�صالح �إىل‬ ‫الف�ساد‪ ،‬ومن التعمري �إىل التدمري‪ ،‬فيتداركه‬ ‫الهدي الإلهي من جديد‪ ،‬يذ ّكره مبا تنا�سى‪،‬‬ ‫وي�صلح من حياته ما انحرف لي�ست�أنف‬ ‫دورة جديدة من التعمري‪ ،‬وتلك هي حلقات‬ ‫ال�سل�سلة من النب ّوات التي جاءت ترتى من‬ ‫�آدم عليه ال�سالم �إىل حم ّمد �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم خامت الأنبياء‪.‬‬ ‫ولكنّ �سل�سلة النب ّوات التي جاءت ك ّل حلقة‬ ‫منها ت�صلح ما انحرف قبلها تو ّقفت عند‬ ‫َ‬ ‫منتظرا �أن ت�أتي‬ ‫النبي اخلامت‪ ،‬فلم يبق‬ ‫ّ‬ ‫يف�سد من حياة النا�س‪،‬‬ ‫حلقة بعدها ت�صلح ما ُ‬ ‫واحلال � ّأن هذا الف�ساد وارد عليهم‪ ،‬فالإن�سان‬ ‫هو الإن�سان يف �إمكان تردّده بني ال�صالح‬

‫والف�ساد لطبيعته املزدوجة‪ :‬نف�سا ل ّوامة‪،‬‬ ‫ونف�سا � ّأمارة بال�سوء‪ ،‬وما كان اهلل تعاىل‬ ‫ليرتك الإن�سان �سدى دون هدي يردّه �إىل‬ ‫ال�صواب �إذا غوى‪ ،‬فجعل هذا الدين اخلامت‬ ‫�صاحلا للهداية يف ك ّل مكان وزمان‪ ،‬و�أوكل‬ ‫مه ّمة الهداية به �إىل �أفراد من الإن�سان‬ ‫نف�سه هم العلماء امل�صلحون الذين مل يخل‬ ‫منهم ع�صر منذ نزل الإ�سالم �إىل يومنا هذا‪،‬‬ ‫فك ّلما ا�شت ّد الف�ساد يف حياة النا�س بعث اهلل‬ ‫تعاىل لهم من ي�صلحها بتجديد �أمر دينهم‬ ‫كما جاء يف احلديث النبوي ال�شريف‪.‬‬ ‫و�إذا كان االنحراف عن هدي الدين ي�ؤدّي‬ ‫كله �إىل الق�صور عن �أداء مه ّمة التعمري‪،‬‬ ‫و�إذا كان ذلك الق�صور يتحدّد على قدر نوع‬ ‫االنحراف وعمقه ف� ّإن االنحراف يف املعتقد‬ ‫هو الأبلغ �أثرا يف ق�صور امل�سلمني عن �أداء‬ ‫ر�سالتهم احل�ضارية‪ ،‬ويف �شهادتهم على‬ ‫النا�س بالعلم والعدل والعمران؛ ذلك ل ّأن‬ ‫العقيدة هي �أ�سا�س الدين‪ ،‬وهي الدافع الأكرب‬ ‫لل�سلوك‪ ،‬ترقية للذات الإن�سانية الفردية‬


‫واجلماعية‪ ،‬وا�ستثمارا للبيئة الطبيعية‬ ‫بالعلم والتعمري‪.‬‬ ‫ولذلك ف�إنه ال غرو �أن جند امل�صلحني‬ ‫يف تاريخنا الفكري الديني ج َّلهم �إن مل‬ ‫يكونوا جميعا يجعلون على ر�أ�س خططهم‬ ‫الإ�صالحية �إ�صال َح العقيدة‪ ،‬وتنقي َتها مما‬ ‫علق بها من ال�شوائب‪ ،‬حتى تعود نقية يف ذاتها‪،‬‬ ‫فاعلة يف النفو�س‪ ،‬دافعة �إىل العمل‪ ،‬وعالمة‬ ‫ذلك � ّأن احلركات الإ�صالحية مل تخل واحدة‬ ‫منها فيما نعلم مل جتعل عقيدة التوحيد‬ ‫�أوىل �أولوياتها يف برناجمها الإ�صالحي‪� ،‬إذ‬ ‫هي ر�أ�س الإميان جميعا‪ .‬وميكن �أن نذكر‬ ‫مية امل�صلحني‪ :‬ابن تيمية‪،‬‬ ‫يف هذا ال�سياق الأ ّ‬ ‫وابن تومرت‪ ،‬وحممد بن عبد الوهاب‪،‬‬ ‫وال�سنو�سي الكبري‪ ،‬وابن بادي�س‪ ،‬فك ّل ه�ؤالء‬ ‫وغريهم من امل�صلحني كان العنوان الأكرب يف‬ ‫حركاتهم الإ�صالحية هو عنوان التوحيد‪.‬‬ ‫نخ�ص�ص‬ ‫ومن هذا املعنى �سن ّتخذ مربرا لأن ّ‬ ‫حديثنا يف هذا املقام للإ�صالح العقدي يف‬ ‫ظرفنا الراهن و�أ ّمتنا تتح ّفز لالنطالق‬ ‫يف م�سرية النه�ضة‪ ،‬ولكن تعوقها العوائق‬ ‫التي من �أبرزها فيما نقدّر عائق الت�ص ّورات‬ ‫العقدية التي طالها قدر من الغب�ش ّ‬ ‫فعطل‬ ‫فعاليتها يف الدفع �إىل الفعل احل�ضاري‬ ‫مبجمل �شعبه‪ ،‬ولن يكون لها عود �إىل ذلك‬ ‫الدفع �إال بعودة عقيدتها �إىل حقيقتها التي‬ ‫بها انطلقت الأجيال الأوىل من امل�سلمني‬ ‫لبناء تلك احل�ضارة امل�شهودة‪.‬‬ ‫و�إذا كانت العقيدة الإ�سالمية خالف �أديان‬ ‫كثرية �أخرى بقيت حمفوظة مل ينلها حتريف‬ ‫عند عموم الأمة‪� ،‬إال � ّأن مالب�سات عديدة‬ ‫�أحاطت بها يف بع�ض الأزمان‪ ،‬وعند بع�ض‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬يتعلق بع�ضها مبفهوم العقيدة‬ ‫نف�سه‪ ،‬ويتعلق بع�ضها الآخر مبفرداتها‬ ‫ومبنهجية عر�ضها‪ ،‬وهذه املالب�سات تراكمت‬ ‫عرب التاريخ‪ ،‬وتفاعلت مع الأحداث‪ ،‬ف�آل‬ ‫الأمر بها �إىل �أن �أ�صبحت املرجعية العقدية‬ ‫عند الكثري من امل�سلمني ال تقوم بدورها‬ ‫الكامل يف توجيه الفكر وال�سلوك‪ ،‬وهو الأمر‬ ‫الذي ي�ستدعي مراجعة لهذا الو�ضع العقدي‬

‫من تلك اجلهات التي غ�شيتها املالب�سات‪ ،‬و�إذ‬ ‫للتو�سع يف ال�شرح ف�إننا‬ ‫ال ي ّت�سع هذا املقام‬ ‫ّ‬ ‫�سنقت�صر على بيان ما طر�أ من مالب�سات على‬ ‫مفهوم العقيدة نف�سه‪ ،‬عودا به �إىل حقيقته‪،‬‬ ‫وبيانا لآثاره العملية يف حياة ال ّأمة‪ ،‬عطالة‬ ‫يف حال ا�ضطرابه‪ ،‬وجناعة يف حال �صالحه‪.‬‬ ‫ومبا � ّأن العقيدة هي �أ�سا�س الدين‪ ،‬وهي‬ ‫املوجه الأكرب للحياة يف جملتها فردية‬ ‫ّ‬ ‫وجماعية‪ ،‬ف� ّإن املدلول الذي ينطبع يف �أذهان‬ ‫النا�س عنها فيما ت�شمله من املفردات‪ ،‬والذي‬ ‫املوجه حلركة التدين ال�سلوكية‬ ‫يكون هو ّ‬ ‫ب�أكملها �ستكون له �أهمية بالغة يف طبع تلك‬ ‫احلركة بطابعه‪� ،‬إذ هذا املدلول مبا ي�شمله‬ ‫من مفردات �سعة و�ضيقا‪ ،‬ومبا يح ّل به يف‬ ‫النفو�س من موقع �سطحية وعمقا هو الذي‬ ‫�سيكون املحدّد الأ�صلي للهوية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫واملحرك الأ�سا�سي حلركة احلياة‪ ،‬والطابع‬ ‫لها بطابعه املميز‪ ،‬فبح�سب ما يكون ت�صوره‬ ‫يف الأذهان �سعة و�ضيقا‪ ،‬وو�ضوحا وغمو�ضا‪،‬‬ ‫يكون عمل العقيدة يف النفو�س حتقيقا‬ ‫للهوية الإ�سالمية فيها‪ ،‬ودفعا لها �إىل‬ ‫الفعل من �أجل التعمري‪ ،‬وذلك مبقت�ضى‬ ‫كون العقيدة الإ�سالمية هي املن�شئ لك ّل ذلك‬ ‫والدافع �إليه‪.‬‬ ‫وعلى �سبيل التو�ضيح ف�إن عقيدة ميت ّد‬ ‫مدلولها لي�شمل حتديد مه ّمة للإن�سان يف‬ ‫حياته هي مه ّمة التعمري يف الأر�ض‪ ،‬فيكون‬ ‫�أ�صال من �أ�صولها �سيكون �أثرها يف النفو�س‬ ‫طبعا لهويتها‪ ،‬وحتديدا لعالقتها العملية‬ ‫بالكون �أثرا خمتلفا ال حمالة عن الأثر الذي‬ ‫حتدثه تلك العقيدة لو انح�سر مدلولها عن‬ ‫حتديد هذه املهمة للإن�سان‪ ،‬ف�أهملت فيها‪،‬‬ ‫�أو اندرجت �ضمن تعاليم ثانوية يف نطاق‬ ‫الت�شريعات العا ّمة‪ ،‬و�إذن ف�إن مدلول العقيدة‬ ‫كما تت�صوره الأذهان �سعة و�ضيقا له بالغ‬ ‫الأثر يف حتديد امل�سلك العملي النا�شئ عنها‪.‬‬ ‫و�إذا كان مدلول العقيدة الإ�سالمية ظ ّل يف‬ ‫�أذهان امل�سلمني م�شرتكا بني �أجيال ال ّأمة‬ ‫يف ثبوت امتداده على م�ساحة مت ّثل الأ�س�س‬ ‫الكربى من املعاين العقدية مثل الوحدانية‬

‫والنبوة والبعث وما تنطوي عليه من املعاين‬ ‫التف�صيلية‪ ،‬ف�إنه يف م�ساحة �أخرى من‬ ‫املعاين ظل عر�ضة للتمدّد والتقل�ص عرب‬ ‫تاريخ امل�سلمني‪� ،‬سواء كان ذلك عن �شعور‬ ‫�أو عن غري �شعور‪ ،‬ف�إذا ببع�ض املعاين تع ّد‬ ‫من مدلوالت العقيدة عند بع�ض النا�س ويف‬ ‫بع�ض الأزمان وتع ّد خارجة عنها و�إن تكن‬ ‫مندرجة �ضمن الت�شريع العام عند بع�ض‬ ‫�آخر ويف �أزمنة �أخرى‪.‬‬ ‫وخذ يف ذلك مثاال معنى ال�شمول الذي‬ ‫يقت�ضي تطبيق �أحكام ال�شريعة يف كافة‬ ‫مظاهر احلياة االجتماعية‪ ،‬ركن من‬ ‫�أركان الإميان‪ ،‬وقد ظل عند امل�سلمني �أحد‬ ‫املدلوالت الثابتة يف العقيدة‪ ،‬ولكن �ش ًّقا‬ ‫غري ي�سري من امل�سلمني يف الع�صر احلا�ضر‬ ‫ان�سحب من �أذهانهم هذا املدلول منذ بع�ض‬ ‫الزمن‪ ،‬ف�إذا تطبيق تلك الأحكام عندهم غري‬ ‫مندرج �ضمن مدلول العقيدة‪ ،‬وهو بالتايل‬ ‫غري ملزم من الوجهة العقدية‪ ،‬فانح�سر �إذن‬ ‫مدلول العقيدة يف ت�ص ّورهم عن هذه امل�ساحة‬ ‫من املعاين‪ .‬وال �شك �أن لهذا اال�ضطراب يف‬ ‫مدلول العقيدة �أثره ال�سلبي يف حياة الأمة‪،‬‬ ‫مما ي�ستلزم مراجعة ينعدل بها هذا املدلول‬ ‫ليعود �إىل ما كان عليه من اال�ستقامة‪.‬‬ ‫وحينما نبحث يف الأ�صول الن�صية للدين‪،‬‬ ‫�أو حتى يف كتب الرتاث عن تعريف للعقيدة‬ ‫ي�ضبط مدلولها ب�صفة حمددة ف�إننا ال نظفر‬ ‫يف ذلك مبا يفي بالغر�ض‪ ،‬ولكن ظل متعارفا‬ ‫بني امل�سلمني مدلول جملي للعقيدة يتمثل يف‬ ‫تلك احلقائق التي جاء بها الدين وطلب من‬ ‫امل�سلم �أن يتحملها بالت�صديق القلبي حتى‬ ‫�إذا ما خرج بع�ض منها من نطاق الت�صديق‬ ‫انتفت ب�سبب ذلك �صفة الإميان‪ ،‬فانتق�ض‬ ‫االعتقاد جملة‪� ،‬أو �ضعف �ضعفا �شديدا �إذا‬ ‫كانت املفردات املتخلفة من الت�صديق ذات‬ ‫طابع جزئي‪.‬‬ ‫وقد كان هذا املدلول اجلملي املتعارف‬ ‫بني امل�سلمني مت�أ�س�سا على حديث نبوي جاء‬ ‫يحدّد حقيقة الإميان‪ ،‬فجعلت هذه احلقيقة‬ ‫مدلوال للعقيدة‪ .‬وهذا احلديث هو قوله‬

‫‪5‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫�صلى اهلل عليه و�س ّلم‪ " :‬الإميان �أن ت�ؤمن‬ ‫باهلل ومالئكته وكتبه ور�سله واليوم الآخر‪،‬‬ ‫وت�ؤمن بالقدر خريه و�شره " ‪ .‬واحلقيقة‬ ‫�أن مدلول العقيدة يف هذا احلديث مدلول‬ ‫جممل‪ ،‬وهو يحيل على م�ساحة �أخرى وا�سعة‬ ‫من معاين العقيدة يف الإميان بالر�سول‬ ‫الكرمي؛ لأن الإميان بر�سول اهلل املراد به "‬ ‫الإميان ب�صدقه نبيا مر�سال‪ ،‬والإميان مبا‬ ‫جاء به عن ربه " فالت�صديق بكل ما جاء به‬ ‫النبي من �أحكام ثبتت ن�سبتها �إليه هو جزء‬ ‫من مدلول العقيدة ح�سب هذا التعريف‪.‬‬ ‫واملت�أمل يف القر�آن الكرمي يجد يف بيانه‬ ‫م�صداقا لهذا املدلول العام للعقيدة بحيث‬ ‫ي�شمل هذا املدلول الإميان بكل ما جاء من‬ ‫عند اهلل يف القر�آن واحلديث من �أوامر ونواه‪،‬‬ ‫ف�إنكار �أي منها‪ ،‬وتعطيل العمل به جحودا‬ ‫مع ثبوت ن�سبته �إىل الوحي يعترب ناق�ضا‬ ‫للعقيدة‪� ،‬أو ناق�صا بها عن احل ّد املطلوب‪،‬‬ ‫وهو مدلول قوله تعاىل‪ (:‬ومن مل يح ُكم مبا‬ ‫�أنزل اهلل ف�أولئك هم الكافرون) (املائدة‪،)44/‬‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬فال ور ّبك ال ي�ؤمنون حتى‬ ‫ُيح ّك َ‬ ‫موك فيما �شجر بينهم ثم ال يجدوا يف‬ ‫�أن ُف�سهم حرجا مما ق�ضيتَ و ُي�س ّلموا ت�سليما)‬ ‫(الن�ساء‪ )65/‬ففي هاتني الآيتني نفي ل�صفة‬ ‫الإميان ع ّمن �أنكر ح ّقية التعاليم الإلهية بعد‬ ‫ثبوتها‪� ،‬أو ّ‬ ‫عطل العمل بها تعطيل جحود ‪،‬‬ ‫ومبفهوم املخالفة ف�إن مدلول العقيدة ميت ّد‬ ‫لي�شمل الإميان بكل هذه التعاليم ت�صديقا‬ ‫بحقيتها‪ ،‬وبوجوب العمل بها‪.‬‬ ‫وقد ظل هذا املدلول العام للعقيدة هو املدلو َل‬ ‫ال�سائد يف �أذهان امل�سلمني طيلة العهد الأول‪،‬‬ ‫حيث مل يظهر تخ�صي�ص لهذا املدلول مبعان‬ ‫دون غريها مما هو مطلوب من الدين على‬ ‫وجه القطع‪� ،‬سواء كان طلبه ت�صديقا بالقلب‪،‬‬ ‫�أو ت�صديقا بالقلب وعمال بال�سلوك‪ ،‬وقد بدا‬ ‫ذلك ب ّينا يف �أقوال ال�صحابة والتابعني‪ ،‬كما‬ ‫بدا يف بواكري امل�ؤلفات العلمية على يد �أوائل‬ ‫املعبون عن �ضمري‬ ‫العلماء من الأئمة وهم رّ‬ ‫لتوجهها العام يف التد ّين‪،‬‬ ‫الأ ّمة‪ ،‬واملمثلون ّ‬ ‫فالكتب املروية عن ه�ؤالء الأئمة كانت متتزج‬

‫‪6‬‬ ‫فيها من حيث الت�صديق �أحكام الدين املتعلقة‬ ‫بوجود اهلل وتوحيده‪ ،‬وبالنبوة واليوم الآخر‬ ‫مع �أحكام الدين املتعلقة بال�صالة والزكاة‬ ‫واحلج يف �سياق �أنها جميعا مت ّثل مدلوال‬ ‫يتوجب‬ ‫لالعتقاد باعتبارها مطلوبات دينية ّ‬ ‫الإميان بحقيتها والعمل بها‪.‬‬ ‫وبتقدّم احلركة العلمية ن�ش�أ يف القرن‬ ‫الثاين علم خا�ص بالعقيدة هو علم الكالم �أو‬ ‫علم التوحيد �أو الفقه الأكرب‪ ،‬وبرزت يف هذا‬ ‫العلم ق�ضايا من الدين دون �أخرى‪ ،‬وذلك‬ ‫ب�سبب ما كانت تتعر�ض له تلك الق�ضايا‬ ‫من حتدّيات من قبل �أهل الأديان والثقافات‬ ‫القدمية‪ ،‬مثل التوحيد والبعث ونبوة حممد‬ ‫�صلى اهلل عليه و�س ّلم‪� ،‬أو ما كانت تتعر�ض‬ ‫له من حتدّيات من قبل تفاعالت احلياة‬ ‫االجتماعية مثل ق�ضية الإميان والقدر‬ ‫‪.‬ثم ظلت تلك الق�ضايا يزداد عددها يف هذا‬ ‫العلم بتزايد الطوارئ املتحدّية عرب الزمن‬ ‫حتى ا�ستقر علم العقيدة على املوا�ضيع التي‬ ‫ا�ستق ّر عليها عندما كمل ن�ضجه وتو ّقف منوه‬ ‫يف القرن اخلام�س للهجرة‪.‬‬ ‫واملت�أمل يف املوا�ضيع التي تناولها علم‬ ‫العقيدة بالبحث كما انتهت �إليه يف كربى‬ ‫املدونات اجلامعة لهذا العلم مثل كتاب‬ ‫املواقف لع�ضد الدين الإيجي (ت ‪ 756‬هـ)‬ ‫ب�شرح ال�سيد ال�شريف اجلرجاين (ت ‪816‬‬ ‫هـ) يجد �أنها مل ّ‬ ‫تغط كل م�ساحة مدلول‬ ‫العقيدة‪ ،‬بل هي تناولت ق�ضايا �أ�سا�سية كربى‬ ‫ترتكز على وجود اهلل تعاىل و�صفاته‪ ،‬والنبوة‬ ‫والبعث‪ ،‬والق�ضاء والقدر وحقيقة الإميان‪،‬‬ ‫وما يتعلق بها من م�سائل فرعية‪ ،‬وما ميهّد‬ ‫لإثباتها من مقدّمات هي من خارج العقيدة‬ ‫�أ�صال مثل م�سائل طبيعية و�أخرى نظرية‬ ‫عقلية‪.‬‬ ‫وال�سبب يف اقت�صار علم العقيدة على هذه‬ ‫الق�ضايا دون غريها �أن هذا العلم ن�ش�أ علما ذا‬ ‫غاية دفاعية‪� ،‬إذ هو كما ا�ستقر عليه الأمر يف‬ ‫تعريفه‪ « :‬علم يقتدر معه على �إثبات العقائد‬ ‫الدينية ب�إيراد احلجج ودفع ال�شبه » ‪ ،‬فهو �إذن‬ ‫معني بامل�سائل العقدية التي يقت�ضي احلال‬ ‫ّ‬

‫املوجهة‬ ‫الدفاع عنها �إثباتا لها وردّا لل�شبه ّ‬ ‫�إليها‪ ،‬واندراج امل�سائل فيه �إمنا كان بناء على‬ ‫احلاجة �إىل الدفاع عنها‪� ،‬إما ب�أ�سباب خارجية‬ ‫�أو داخلية‪ ،‬وقد كان الأمر كذلك تاريخيا‪،‬‬ ‫فن�شوء �أبحاث يف هذه امل�سائل كان متطاوال‬ ‫يف الزمن بح�سب حدوث الأ�سباب الداعية‬ ‫للدفاع‪ ،‬وامل�سائل التي مل تدع حاجة �إىل‬ ‫الدفاع عنها مل تدرج ب�صفة �أ�سا�سية يف علم‬ ‫العقيدة‪ ،‬فلم ت�صبح �ضمن م�سائله �إال �أن‬ ‫تكون ب�صفة عار�ضة‪ .‬وهو ما نفي �شبهة �أن‬ ‫يكون علماء العقيدة الأج ّ‬ ‫الء قد غفلوا عن‬ ‫�أن يدرجوا يف م�ؤلفاتهم العقدية مفردات‬ ‫�إميانية هي من �صلب العقيدة‪ ،‬فال�سبب لي�س‬ ‫الغفلة‪ ،‬و�إمنا هو عدم احلاجة لدفاع عنها‬ ‫لعدم ورود التحديات عليها‪.‬‬ ‫وملا تو ّقف الفكر الإ�سالمي عموما عن النمو‬ ‫والإبداع بعد القرن اخلام�س‪ ،‬ومن �ضمنه‬ ‫الفكر العقدي‪َ ،‬ك ّل هذا الفكر عن مه ّمة‬ ‫الدفاع عن العقيدة بالت�صدّي للتحدّيات‬ ‫املوجهة مل�سائل دينية بع�ض منها قد‬ ‫امل�ستجدة ّ‬ ‫ال يكون تع ّر�ض �إىل مثل تلك التحديات‪ ،‬فلم‬ ‫يقع �إذن �إدراجه �ضمن دائرة علم العقيدة كما‬ ‫كانت تدرج من قبل تلك امل�سائل التي تدعو‬ ‫احلاجة �إىل الدفاع عنها تباعا مبقت�ضى‬ ‫تعر�ضها للتحدّيات‪ ،‬وبذلك توقف هذا العلم‬ ‫يف م�سائله‪ ،‬وانغلق على موا�ضيعه ال�سابقة‪،‬‬ ‫و�أ�صبح العمل فيه ال يعدو �أن يكون ترتيبا‬ ‫وتبويبا‪� ،‬أو �شرحا وتو�سيعا‪� ،‬أو اخت�صارا‬ ‫وتهذيبا‪.‬‬ ‫ومبرور الزمن �أ�صبح كثري من خالفي‬ ‫امل�سلمني يقع يف نفو�سهم الظنّ ب�أن مدلول‬ ‫العقيدة الإ�سالمية �إمنا هو حمدود بحدود‬ ‫امل�سائل التي �شملها علم العقيدة وانغلق‬ ‫عليها بحكم توقفه عن النمو قرونا طويلة‪،‬‬ ‫و�أما ما عدا ذلك من م�سائل الدين فهي‬ ‫م�سائل �شرعية ولي�ست عقدية‪ ،‬فلم تدرج‬ ‫�ضمن هذا املدلول‪ ،‬ومل يكن لها �إذن منزلة‬ ‫من الر�سوخ يف النف�س والعمق فيها كما كان‬ ‫لتلك امل�سائل الأخرى‪ ،‬ومل يكن لها بالتايل‬ ‫موقع التوجيه والدفع الذي يكون للم�سائل‬


‫املندرجة �ضمن مدلول العقيدة‪� ،‬إذ تلك‬ ‫امل�سائل مبقت�ضى �صفتها العقدية هي التي‬ ‫ت�شكل املوقف الديني العام للفرد امل�سلم كما‬ ‫للأمة عامة‪ ،‬وهي التي توجه احلياة كلها‪� ،‬إذ‬ ‫املوجهة للحياة‪.‬‬ ‫العقيدة هي ّ‬ ‫ولو ت�أملنا �أو�ضاع امل�سلمني من حيث مدلول‬ ‫العقيدة يف �أفهامهم‪ ،‬كما انتهى �إليه الأمر‬ ‫منذ بع�ض الزمن‪ ،‬وكما هو الأمر اليوم عند‬ ‫خا�صتهم‬ ‫عامة امل�سلمني‪ ،‬بل عند كثري من ّ‬ ‫املخت�صني يف علوم‬ ‫املتعلمني وعند بع�ض من‬ ‫ّ‬ ‫الدين‪ ،‬لو ت�أملنا ذلك لوجدنا �أن هذا املدلول‬ ‫يرت ّكز على الق�ضايا الأ�سا�سية يف العقيدة‬ ‫وهي الإميان باهلل والنبوة والوحي واملالئكة‬ ‫والقدر‪ ،‬وما هو مندرج �ضمنها‪ ،‬و�أنه ال ي ّت�سع‬ ‫مل�سائل �أخرى ذات �أبعاد عقدية �أ�صيلة �أي�ضا‪،‬‬ ‫يدخل الت�صديق بها �إىل دائرة الإميان‪،‬‬ ‫ويخرج التكذيب بها �إىل دائرة الكفر‪ ،‬ومن‬ ‫�أمثلتها م�س�ألة �شمولية الدين‪ ،‬والروح كجزء‬ ‫من الرتكيب الإن�ساين‪ ،‬ومه ّمة اخلالفة يف‬ ‫الأر�ض والتعمري فيها غاي ًة حلياة الإن�سان‪،‬‬ ‫والعدالة االجتماعية كقاعدة يف بناء املجتمع‪.‬‬ ‫والتكافل االجتماعي كحافظ للوحدة‬ ‫و�ضامنا للأمن‪ ،‬وح ّرية الإن�سان وحقوقه‬ ‫حفظا لكرامته التي ك ّرمه اهلل تعاىل بها‪،‬‬ ‫مما لها من‬ ‫فهذه امل�سائل و�أمثالها بالرغم ّ‬ ‫مدخل يف حتقق الإميان وعدمه‪ ،‬ف�إنها ال‬ ‫تدخل اليوم �ضمن دائرة املدلول العقدي‬ ‫عند الكثري من امل�سلمني‪ ،‬و�إمنا هي عندهم‬ ‫م�سائل �شرعية ال ترقى �إىل درجة االعتقاد‪،‬‬ ‫وال نراها تدرج يف اهتماماتهم التعليمية‬ ‫والدعوية �ضمن امل�ؤلفات والبيانات العقدية‪.‬‬ ‫لقد جاءت البيانات القر�آنية واحلديثية يف‬ ‫هذه امل�سائل مدرجة �ضمن دائرة الإميان‪،‬‬ ‫�إثباتا لإميان من �آمن بها‪ ،‬ونفيا لإميان من‬ ‫مل ي�ؤمن بها ت�صديقا ومل يعمل بها جحودا‪،‬‬ ‫ومن �أمثلة ذلك ما جاء يف احلديث النبوي‬ ‫عن التكافل االجتماعي من قوله �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ":‬لي�س امل�ؤمن الذي ي�شبع‬ ‫وجاره جائع " (�أخرجه البخاري)‪ ،‬ومن‬ ‫قوله �أي�ضا‪� ":‬أميا �أهل عر�صة �أ�صبح فيهم‬

‫امر�ؤ جائعا فقد برئت منهم ذ ّمة اهلل تعاىل‬ ‫"(�أخرجه �أحمد)‪.‬‬ ‫وقد �أدّى هذا االنح�سار يف مدلول العقيدة‬ ‫يف الذهنية الإ�سالمية �إىل نزوع هذا املدلول‬ ‫منزعا جتريديا ابتعد به عن وجوه احلياة‬ ‫العملية‪ ،‬حيث �أ�صبحت الأذهان تن�صرف يف‬ ‫حت ّملها للعقيدة �إىل عامل الغيب دون و�صل‬ ‫له بعامل ال�شهادة من واقع احلياة اجلارية‪� ،‬إذ‬ ‫االعتقاد �أ�صبح يقت�صر على االعتقاد بالغيب‪،‬‬ ‫وكان لذلك انعكا�س �سيئ على احلياة العملية‬ ‫للم�سلمني‪� ،‬إذ تقاع�ست هذه احلياة عن‬ ‫االندفاع نحو التعمري يف الأر�ض با�ستثمار‬ ‫الكون‪ ،‬وبرتقية الإن�سان باحلرية والعدالة‬ ‫والتكافل وال�سعي الد�ؤوب لتحقيق اخلالفة‪،‬‬ ‫فهذه م�سائل خارجة يف دائرة الوعي عن �أن‬ ‫تكون م�سائل عقدية‪ ،‬وماذا يدفع �إىل توجيه‬ ‫احلياة �إليها �إذا مل يكن الإميان ب�أنها من‬ ‫�صلب العقيدة الإ�سالمية؟ و�إذا مل يكن‬ ‫اعتبار � ّأن حت ّملها ت�صديقا وعمال يدخل‬ ‫�ضمن معقد النجاة‪ ،‬و� ّأن جحودها يكون �سببا‬ ‫يف اخل�سران‪.‬‬ ‫وي�شيع اليوم يف دوائر الكثري من الدعاة‪،‬‬ ‫وامل�ؤ�س�سات الدعوية والتعليمية الدينية‬ ‫ف�ضال عن دوائر العامة من امل�سلمني � ّأن‬ ‫م�سائل مثل الإميان باجلن وبعذاب القرب‬ ‫هي على �سبيل املثال من مفردات االعتقاد‬ ‫الأ�سا�سية �إذ هي من الغيبيات‪ ،‬ويخت�صم النا�س‬ ‫ج ّراها �شديد اخل�صومة من هذا املنطلق‪،‬‬ ‫بينما ال تدرج م�س�ألة العدالة االجتماعية‬ ‫�أو مه ّمة اخلالفة يف الأر�ض غاي ًة للحياة‪� ،‬أو‬ ‫التعمري فيها مادّيا ومعنويا مه ّم ًة للإن�سان‪،‬‬ ‫�أو تكرمي الذات الإن�سانية وحفظ حقوقها‪� ،‬أو‬ ‫التكافل االجتماعي والعدل بني النا�س �ضمن‬ ‫االهتمام العقدي‪ ،‬فكيف �إذن ميكن �أن ت ّتجه‬ ‫حياة امل�سلمني يف اتجّ اه الرتقية االجتماعية‬ ‫والتعمري يف الأر�ض؟ وكيف ال تبقى العقول‬ ‫�إ ّال م�شدودة نحو املج ّرد دون قدرة على الفعل‬ ‫يف الواقع العملي من جماالت احلياة؟‬ ‫ومن ذلك يتبني �أن ال�ضرورة تدعو يف‬ ‫م�ضمار الإ�صالح العقدي‪ ،‬وكعامل من عوامل‬

‫الرقي املعنوي واملادّي الذي‬ ‫الدفع بال ّأمة نحو‬ ‫ّ‬ ‫تكون به م�سهمة يف البناء احل�ضاري‪� ،‬شاهدة‬ ‫على النا�س �أن يت ّم تر�شيد حت ّملها ملدلول‬ ‫العقيدة بتو�سيع هذا املدلول يف الأذهان‬ ‫حتى ي�شمل دائرة من امل�سائل �أف�سح من هذه‬ ‫امل�سائل التي ي�شملها الآن‪ ،‬ولتكون �صورته‬ ‫يف النفو�س كحقيقته يف واقع الأمر كما جاء‬ ‫يف القر�آن واحلديث‪ ،‬وك�صورته التي كان‬ ‫عليها يف �أذهان �أوائل امل�سلمني حينما كانوا‬ ‫يفهمون انطالقهم يف الآفاق لن�شر الدعوة‪،‬‬ ‫وحترير العباد من اال�ستبداد‪ ،‬والتعمري‬ ‫يف الأر�ض على �أن كل ذلك يندرج �ضمن‬ ‫مدلول العقيدة‪ ،‬فكان انطالقهم فاعال‪،‬‬ ‫و�إجنازهم احل�ضاري م�شهودا‪ ،‬وما كانوا يف‬ ‫ذلك الفهم ملدلول العقيدة �إ ّال �صادرين عن‬ ‫روح القر�آن واحلديث يف تعدية هذا املدلول‬ ‫�إىل دائرة وا�سعة من تعاليم الدين ذات البعد‬ ‫العملي هي �أو�سع بكثري من تلك التعاليم ذات‬ ‫البعد النظري و�إن تكن هي الأ�سا�س الأول‬ ‫لالعتقاد‪.‬‬ ‫لقد جاء يف القر�آن املكي وهو امل�ؤ�س�س للعقيدة‬ ‫يف النفو�س و�صل دائم بني حقائق الوحدانية‬ ‫والبعث والنبوة‪ ،‬وبني مفاهيم اجتماعية‬ ‫مثل كفالة اليتامى وامل�ساكني‪ ،‬والقيام‬ ‫بالعمل ال�صالح‪ ،‬ويف ذلك �أبلغ الداللة على‬ ‫تعدّي داللة العقيدة من ذلك البعد الغيبي‬ ‫النظري امل� ّؤ�س�س �إىل مثل تلك املفردات ذات‬ ‫البعد العملي املتعلق ب�أوجه احلياة العملية‬ ‫الفردية واالجتماعية يف خمتلف مناحيها‪.‬‬ ‫و�إذا كان الأمر كذلك فكيف ميكن �إعادة‬ ‫بناء الفهم العقدي برتتيب جديد ملفردات‬ ‫العقيدة يف نطاق هذا املدلول؟ هذا ما ميكن‬ ‫بحثه يف منا�سبة �أخرى‪.‬‬ ‫واهلل �أعلم‬ ‫ع�ضو املكتب التنفيذي لالحتاد العاملي لعلماء‬ ‫امل�سلمني ع�ضو املجل�س الوطني الت�أ�سي�سي‬ ‫بتون�س‬

‫‪7‬‬


‫ددررااس‬ ‫ت‬ ‫ساات‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ةة‬

‫‪8‬‬

‫إن مفهوم الوسطية من مفاهيم الفكر اإلسالمي التي‬ ‫عال شأنها في العقدين األخيرين‪ ،‬وأصبحت إلى جانب‬ ‫مفهوم االعتدال حديث الخاص والعام‪ .‬ويرجع هذا‬ ‫االنشغال المتجدد إلى حوافز تاريخية وشروط مادية يمكن‬ ‫إجمالها في بروز نزعات التطرف في المجال اإلسالمي‪،‬‬ ‫وانتصار مرجعياته على سائر منظومات االعتدال التقليدية‬ ‫والمعاصرة‪.‬‬

‫نحو فقه جديد لمفهوم الوسطية‬ ‫ينقذ األمة من تطرف الدعاة والعصاة‬

‫د‪ .‬احممد جربون‬

‫و�إذا كان مفهوم الو�سطية من املفاهيم‬ ‫املمتدة يف تراثنا الثقايف والفكري‪ ،‬ومعناها‬ ‫يرادف الن�صو�ص املرجعية امل�ؤ�س�سة لكافة‬ ‫"االعتقادات" الإ�سالمية‪ ،‬فهل املدلول‬ ‫املتداول اليوم بني الباحثني والإعالميني‬ ‫هو نف�سه الذي كان �شائعا ومنت�شرا بني‬ ‫القدامى؟‪ ،‬و�إذا كان هناك اختالف بني‬ ‫"اجليلني" (القدامى واملحدثني) فما‬ ‫داللته‪ ،‬وفائدته بالن�سبة �إلينا اليوم؟ ثم هل‬ ‫هناك �إمكانية لتحديد الأو�صاف العقدية‬ ‫والت�شريعية والأخالقية للو�سطية يف ع�صرنا‬ ‫هذا؟‬ ‫‪1‬ـ و�سطية املف�سرين‪:‬‬ ‫�سبق لعدد من علماء الإ�سالم و�أقالمه‬ ‫يف املا�ضي تناول داللة الو�سطية‪ ،‬واحلديث‬ ‫عن الأمة الو�سط يف �سياقات خمتلفة‪ ،‬ومن‬ ‫امل�صادر الأ�سا�سية التي تلخ�ص قولهم وتعرب‬ ‫عن ر�أيهم يف هذا املو�ضوع كتب التف�سري؛ وقد‬ ‫�شكلت الآية الكرمية ‪ « :‬وكذلك جعلناكم �أمة‬

‫و�سطا لتكونوا �شهداء على النا�س ويكون‬ ‫الر�سول عليكم �شهيدا» (البقرة‪)143 ،‬‬ ‫منا�سبة لب�سط القول يف و�سطية الأمة‬ ‫املحمدية وتوابعها‪ .‬ومما يالحظ على كالم‬ ‫املف�سرين يف هذه الآية االختالف والتباين‪،‬‬ ‫تباين الأو�ضاع التاريخية للمف�سرين‪،‬‬ ‫والتحديات العقدية والفقهية والأخالقية‬ ‫التي كانت جتتازها الأمة يف زمانهم‪ ،‬و�أي�ضا‬ ‫تبعا الختالف الأن�ساب املذهبية الكالمية‬ ‫وال�سيا�سية‪.‬‬ ‫فالو�سطية لدى الطربي (ت‪ )310 .‬يف‬ ‫"جامع البيان"هي و�سطية عقدية بني طريف‬ ‫التق�صري والغلو؛ اليهود "الذين بدلوا كتاب‬ ‫اهلل وقتلوا �أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا‬ ‫به"‪ ،‬والن�صارى الذين رفعوا درجات عي�سى‬ ‫عليه ال�سالم و�أمه ووقعوا يف ت�أليههما‪ ،‬ف�سبب‬ ‫و�صف امل�سلمني بالأمة الو�سط "لتو�سطهم‬ ‫يف الدين"‪ .‬فتف�سري الطربي و�إن كان ي�ستند‬ ‫�إىل عدد من املعطيات الن�صية �سواء يف الكتاب‬


‫�أو ال�سنة ف�إنه‪ ،‬من ناحية �أخرى كان مت�أثرا‬ ‫مبحيطه التاريخي والتحديات العقدية‬ ‫التي كانت تواجه الفكر الإ�سالمي يف القرون‬ ‫الثالثة الأوىل ويف مقدمتها حتدي الديانتني‬ ‫اليهودية والن�صرانية‪.‬‬ ‫بينما الرازي يف تف�سريه "مفاتيح الغيب"‬ ‫(ت‪ )606 .‬ا�ستوعب �آراء �سابقيه يف هذه‬ ‫الآية وزاد عليهم معنى كالميا خال�صته‬ ‫�أن "الأ�صحاب" ـ كما جاء يف التف�سري ـ �أي‬ ‫الأ�شاعرة ر�أوا يف هذه الآية‪ ،‬وحتديدا يف قوله‬ ‫تعاىل «وكذلك جعلناكم»‪ ،‬ت�أييدا �صريحا‬ ‫ملذهبهم‪ ،‬ف�أفعال العباد ح�سب ه�ؤالء خملوقة‬ ‫هلل تعاىل‪ ،‬مقابل قول املعتزلة الذين انت�صروا‬ ‫للإرادة وامل�س�ؤولية الإن�سانيتني ‪)1( .‬‬ ‫ويف ال�سياق نف�سه ذكر الرازي �أن الأ�شاعرة‬ ‫واملعتزلة جعلوا من �آية الو�سطية دليال �آخر‬ ‫على حجية الإجماع‪ ،‬وذلك لو�صفها الأمة‬ ‫بالعدالة واخلريية‪ ،‬حيث قال‪" :‬احتج جمهور‬ ‫الأ�صحاب وجمهور املعتزلة بهذه الآية على‬ ‫�أن �إجماع الأمة حجة"‪ .‬ف�شرح الإمام الرازي‬ ‫لهذه الآية‪ ،‬وبغ�ض النظر عن �صوابه‪ ،‬يلفت‬ ‫انتباهنا لال�ستثمار املذهبي الوا�سع ملفهوم‬ ‫الو�سطية‪ ،‬ووظيفتها التاريخية‪ ،‬بحيث‬ ‫كانت يف معمعة املعارك الكالمية وال�سيا�سية‬ ‫للتاريخ الإ�سالمي‪ ،‬ف�أحيانا كانت يف حمل‬ ‫الفاعل و�أحيانا �أخرى كانت يف حمل املفعول‬ ‫به‪.‬‬ ‫ومقابل هذا املعنى �سيتخذ تف�سري الو�سطية‬ ‫وجهة �أخرى مع املعا�صرين‪ ،‬فال�شيخ متويل‬ ‫ال�شعراوي رحمه اهلل يف "خواطره"‪ ،‬وعلى‬ ‫هام�ش �آية الو�سطية يرى �أن "الإ�سالم دين‬ ‫و�سط بني الإحلاد وتعدد الآلهة"‪ ،‬وي�ضيف‬ ‫كذلك �أنه موقف و�سط بني الإ�سراف يف‬ ‫املادية و�إهمال القيم الروحية �أو الإ�سراف يف‬ ‫القيم الروحية و�إهمال املادية‪ .‬بينما �أفا�ض‬ ‫مواطنه ال�سيد قطب يف ذكر �أو�صاف الأمة‬ ‫الو�سط و�أماراتها يف م�ؤلفه ال�شهري "يف‬ ‫ظالل القر�آن"‪ ،‬فو�سطية الإ�سالم ح�سب‬ ‫�سيد هي و�سطية يف الت�صور واالعتقاد‪ ،‬بني‬

‫الروح واملادة‪ ،‬يف العالقات واالرتباطات بني‬ ‫الفرد واجلماعة‪ ،‬و�سطية يف املوقع اجلغرايف‬ ‫للأمة امل�سلمة‪.‬‬ ‫ووا�ضح من خالل لطائف وطرائف "تف�سري"‬ ‫كل من ال�شعراوي و�سيد قطب لآية الو�سطية‬ ‫الت�أثر القوي بالهموم الإ�سالمية املعا�صرة‪،‬‬ ‫واملتمثلة يف الإحلاد وطغيان احلياة املادية‬ ‫وحتدي اال�شرتاكية والر�أ�سمالية‪ ،...‬فقد‬ ‫و�سعوا من داللة الو�سط يف الآية الكرمية‬ ‫لي�شمل معاين حديثة‪ ،‬وو�ضعوا له عالمات‬ ‫وخرائط جديدة مل تكن معروفة من قبل‪.‬‬ ‫ومل يقت�صر االختالف حول الو�سطية‬ ‫يف الفكر الإ�سالمي على هذه املظاهر التي‬ ‫حتيل على الظروف التاريخية والتحديات‬ ‫"الدينية" والالدينية‪ ،‬بل اتخذ �صبغة‬ ‫مذهبية وطائفية‪ ،‬بحيث ا�ستقل علماء‬ ‫ال�شيعة ومف�سريهم مبعنى خا�ص لآية‬ ‫الو�سطية‪ ،‬فالكا�شاين (ت‪1090 .‬هـ) يف كتابه‬ ‫"ال�صايف يف تف�سري كالم اهلل الوايف" يعترب‬ ‫�أن اخلطاب يف الآية الكرمية موجه للأئمة‬ ‫املع�صومني و�أنهم هم امل�شار �إليهم يف قوله‬ ‫تعاىل بالأمة الو�سط‪.‬‬ ‫ومل ين�أى التف�سري ال�صويف لهذه الآية عن‬ ‫مدلول ال�شيعة من حيث منطقه الداخلي؛‬ ‫فالو�سطية وتوابعها درجات ومراتب و�أعلى‬ ‫هذه املراتب مرتبة الأولياء العارفني باهلل‪،‬‬ ‫التي تخول لهم ال�شهادة على "علماء الظاهر"‬ ‫والنا�س �أجمعني‪ ،‬يقول ابن عجيبة (ت‪.‬‬ ‫‪1224‬هـ) ـ وهو �أحد رجاالت الت�صوف املغاربة‬ ‫الذين �أغنوا الرتاث ال�صويف الإ�سالمي‬ ‫بن�صو�ص عديدة ـ يف كتابه "البحر املديد‬ ‫يف تف�سري القر�آن املجيد"‪" :‬فكما �أن الأمة‬ ‫املحمدية ت�شهد على النا�س‪ ،‬والر�سول ي�شهد‬ ‫عليهم ويزكيهم‪ ،‬فكذلك العلماء ي�شهدون‬ ‫على النا�س‪ ،‬والأولياء ي�شهدون على العلماء‪،‬‬ ‫فيزكون من ي�ستحق التزكية‪ ،‬ويردون من ال‬ ‫ي�ستحقها‪ ،‬لأن العارفني باهلل عاملون مبقامات‬ ‫العلماء �أهل الظاهر"‪.‬‬

‫�إن هذه الإطاللة ال�سريعة على تاريخ مفهوم‬ ‫الو�سطية ا�ستنادا �إىل قوله تعاىل‪« :‬وكذلك‬ ‫جعلناكم �أمة و�سطا» ت�ؤكد املرونة الكبرية‬ ‫التي يتمتع بها هذا املفهوم‪ ،‬وحتمله معاين‬ ‫متعددة‪ ،‬ويف بع�ض الأحيان مت�ضاربة‪ ،‬بل‬ ‫الأخطر من هذا �أنه من املفاهيم التي ي�سهل‬ ‫تعبئتها مبحتوى مذهبي �ضيق كما الحظنا‬ ‫�آنفا‪ .‬فهل هذه اخلا�صية التي يخت�ص بها‬ ‫مفهوم الو�سطية عالمة �ضعف �أم عالمة‬ ‫قوة؟‬ ‫‪2‬ـ الو�سطية و�إ�شكالية املذهبية؟‬ ‫�إن املحاوالت الفكرية اجلديدة التي يبذلها‬ ‫عدد من �أئمة الفكر الإ�سالمي املعا�صر‬ ‫لت�شييد "نظرية الو�سطية"‪ ،‬ناق�صة �إذا مل‬ ‫تع االختالف والتعدد الداليل الذي ي�سكن‬ ‫مفهوم الو�سطية‪ ،‬وحتى يف حالة الوعي بهذا‬ ‫االختالف‪ ،‬ال ميكن اتخاذه ذريعة لتوليد‬ ‫دالالت �أخرى مهما كانت درجة قربها من‬ ‫الداللة الظاهرة للآية الكرمية‪ ،‬ذلك �أن مثل‬ ‫هذا العمل �أثره حمدود يف ت�صويب وتعديل‬ ‫واقع امل�سلمني والعمل الإ�سالمي‪ .‬فمفهوم‬ ‫الأمة الو�سط والو�سطية يحتاج بنا�ؤه من‬ ‫الناحية املنهجية �إىل ا�سرتاتيجية جديدة‬ ‫تدرك مقومات مقام و�سطية الأمة امل�سلمة‪،‬‬ ‫وكيف حتققت تاريخيا‪ ،‬وما ينق�ضها عمليا‪،‬‬ ‫ويحررها من النزعات الطائفية واملذهبية‪.‬‬ ‫�إن معنى الو�سط الوارد يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫«وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا‬ ‫�شهداء على النا�س ويكون الر�سول عليكم‬ ‫�شهيدا» لدى �أغلب املف�سرين هو العدل‬ ‫واخليار (اخلريية) من الناحية العقدية‬ ‫والت�شريعية‪ .‬وقد ا�ستحقت �أمة حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم هذه املكانة بني �سائر الأمم‪،‬‬ ‫و�شرفها اهلل تعاىل بال�شهادة على النا�س‬ ‫باعتناقها ر�سالة الإ�سالم واتباع الهدي‬ ‫النبوي يف خمتلف املجاالت‪ ،‬ومن ثم �أي‬ ‫انحراف عن منهج الإ�سالم ونهجه هو يف‬ ‫النهاية ابتعاد عن الو�سط وتطرف مذموم‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫دراسات‬ ‫إسالمية‬ ‫لكن مع�ضلة الو�سطية ح�سب هذا الفهم‬ ‫يختزلها ال�س�ؤال التايل‪ :‬لقد ت�شكل الإ�سالم‬ ‫بعد مدة ق�صرية من ظهوره يف �شبه اجلزيرة‬ ‫العربية يف �صورة منظومات مذهبية عقدية‬ ‫وفقهية‪ ،...‬يدعي كل منها التعبري ال�صحيح‬ ‫وال�سليم عن الإ�سالم‪ ،‬فهل الو�سطية هي‬ ‫اختيار مذهبي من بني املذاهب التي ظهرت‬ ‫يف املجال الإ�سالمي �أم هي معنى مت�ضمن يف‬ ‫�سائر املذاهب‪ ،‬وبالتايل ال يطعن فيها هذا‬ ‫التعدد واالختالف؟‪ ،‬وما هو م�صري الو�سطية‬ ‫الإ�سالمية يف �ضوء هذا االختالف؟‬ ‫�إن اجلواب عن هذا ال�س�ؤال يقت�ضي منا‬ ‫جتديد فهمنا لظاهرة املذهبية وحتليلها‬ ‫حتليال ع�صريا‪ ،‬يجعل منها و�صفا �إيجابيا‬ ‫لرتاثنا الثقايف الفقهي والكالمي خالفا‬ ‫للمواقف ال�سائدة يف الأو�ساط الإ�سالمية‬ ‫املعا�صرة‪ ،‬بل وحتى القدمية‪ ،‬التي حملت‬ ‫علـى عــات ـقـ ـه ــا ع ـ ـن ـ ــاء الإ�صـالح من من ـظــور‬ ‫�إ�س ـ ـ ــالم ـ ــي‪ ،‬وال ـ ـ ـ ـ ـتـ ــي‬ ‫وفي هذا السياق‬ ‫جعلت من املذهبية‬ ‫يــمـــكـــن الـــقــــول و�صفا �سلبيا‪� ،‬ش�أنها‬ ‫أن الــمــذهــــبــــيـــة يف ذلك �ش�أن عدد‬ ‫بصـورهـا الـمـختلفة من علماء الإ�سالم؛‬ ‫ا أل سا سية ا لفقهية فال�شهر�ستاين على‬ ‫والكالمية‪ ،‬هي في �سب ـي ــل الـمـث ــال عـ ــدد‬ ‫األصــل "مـذهــبــيــة الفرق الإ�سالمية يف‬ ‫تاريخية" تعبر عن كتابه "امللل والنحل"‬ ‫اخـــتـــالف الــبــيــئــة على �أ�سا�س حتديد‬ ‫التاريخـيـة اإلسالمية "الف ــرقـ ــة ال ـن ــاج ــية"‬ ‫وتـــنـــوعـــهـــــــــــــا التي ذكرها النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫يف حديثه «�ستفرتق �أمتي على ثالث و�سبعني‬ ‫فرقة كلها يف النار �إال واحدة» ويف روايات‬ ‫�أخرى اثنتني و�سبعني(‪ ، )2‬وبالتايل تظهر كل‬ ‫الفرق واملذاهب التي ذكرها يف م�ؤلفه فرق‬ ‫�ضالة عدا واحدة‪ ،‬غالبا ما تكون هي فرقة‬ ‫امل�ؤلف‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق ميكن القول �أن املذهبية‬

‫‪10‬‬ ‫ب�صورها املختلفة الأ�سا�سية؛ الفقهية‬ ‫والكالمية‪ ،‬هي يف الأ�صل "مذهبية‬ ‫تاريخية"‪ ،‬تعرب عن اختالف البيئة‬ ‫التاريخية الإ�سالمية وتنوعها‪ ،‬فمن حيث‬ ‫املنهج هي طريقة ات�صال ن�سق الإ�سالم‬ ‫املجرد ب�أحوال النا�س وتاريخهم‪ ،‬ومن حيث‬ ‫امل�ضمون هي �صورة للإ�سالم‪ ،‬ن�ش�أت وتطورت‬ ‫يف تفاعل مع تواريخ امل�سلمني املتعددة‪،‬‬ ‫تعدد املراجع الثقافية والفكرية املحلية‬ ‫والظروف ال�سيا�سية‪ ،‬بل وحتى الطبيعية‬ ‫واجلغرافية‪� ،‬أو بعبارة �أخرى هي ال�صيغة‬ ‫الثقافية والنظرية للإ�سالم املرادفة لتواريخ‬ ‫امل�سلمني‪� ،‬أي �أن املذاهب الإ�سالمية �إجماال‬ ‫هي ممكنات الإ�سالم التاريخية التي حتققت‪،‬‬ ‫وهي ك�إمكانية قبل التحقق ت�سمح بها طبيعة‬ ‫الإ�سالم وم�صادره الأ�سا�سية املت�شابهة‬ ‫واملجملة يف الكثري من الأحيان‪ ،‬ويفر�ضها‬ ‫�أي�ضا الواقع العملي‪.‬‬ ‫فاملذاهب الكالمية يف املجال الإ�سالمي‬ ‫اقت�ضتها الظروف التاريخية ال�صعبة التي‬ ‫عا�شها الإ�سالم وامل�سلمون بعد وفاة النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و�أهمها على �سبيل‬ ‫املثال ال احل�صر اخلالف حول الإمامة بني‬ ‫قائل بالن�ص والو�صية‪ ،‬وقائل باالختيار‬ ‫واالتفاق‪ ،‬وحتدي عقائد البالد املفتوحة‬ ‫مثل املانوية وغريها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل م�سائل‬ ‫عقدية كالتوحيد والق�ضاء والقدر وغريهما‪،‬‬ ‫وبالتايل كانت التوليفات الكالمية التي‬ ‫ظهرت يف بالد الإ�سالم لها معنى تاريخي‬ ‫وا�ضح يف �أذهان م�ؤلفيها ومعا�صريهم‪.‬‬ ‫وبالن�سبة للمذاهب الفقهية فالأمر �أو�ضح‪،‬‬ ‫فارتباطها بالتاريخ وتفا�صيله قوي وظاهر‪.‬‬ ‫ف�إذا �أخذنا اختالف املتكلمني يف م�س�ألة‬ ‫"�إثبات ال�صانع" منوذجا‪ ،‬وا�ستقر�أنا �أقوال‬ ‫املذاهب على تعددها وجدنا �أنها تتفق‬ ‫جميعها يف وجود ال�صانع وت�ؤكد وحدانيته‪،‬‬ ‫و�أما اختالفها فمح�صور يف "مناهج الأدلة"‪.‬‬ ‫وهذا النوع من االختالف باعتباره اختالفا‬

‫يف الأدلة ال يف ذات العقيدة‪ ،‬ال يخرج بالأمة‬ ‫امل�سلمة عن و�سطيتها‪ ،‬و�سببه الت�أويل‪،‬‬ ‫وبالتايل املنظومات املذهبية الكالمية‬ ‫والفقهية التي انت�شرت يف املجال الإ�سالمي‬ ‫هي يف العمق تعبريات ممكنة عن الإ�سالم‬ ‫حتققت تاريخيا‪ ،‬مل تتجاوز الو�سط �إال يف‬ ‫حاالت قليلة‪.‬‬ ‫فانطالقا مما �سبق يجوز القول �أن املعتزلة‬ ‫والأ�شاعرة‪ ،...‬و�أغلب املذاهب الكالمية‬ ‫الإ�سالمية هي وجوه تو�سط الأمة امل�سلمة‬ ‫التي تن�أى بالإ�سالم وامل�سلمني عن عقائد‬ ‫الن�صارى واليهود‪ ،‬وحتى الأخطاء يف الت�أويل‬ ‫التي وقع فيها بع�ض �أئمة املذاهب‪ ،‬والتي‬ ‫اخط�أوا فيها الو�سط عاقبتها م�أمونة من‬ ‫الناحية الأخالقية ومعذورون فيها‪ ،‬يت�أرجح‬ ‫�أ�صحابها بني الأجر والأجرين‪.‬‬ ‫وهذا لي�س معناه �أن الأمة امل�سلمة �سلمت‬ ‫من تيارات التطرف عرب تاريخها الطويل‪،‬‬ ‫بل على العك�س من ذلك تعرفت على هذه‬ ‫التيارات منذ وقت مبكر‪ ،‬فقد ظهر بع�ض‬ ‫االنحراف يف عقيدة الو�سطية يف دار الإ�سالم‪،‬‬ ‫الذي ما زال حا�ضرا �إىل يومنا هذا‪ ،‬مثل‬ ‫اقرتاب بع�ض فرق ال�شيعة وال�صوفية من‬ ‫عقائد امل�سيحيني بغلوهم يف حمبة علي‬ ‫ر�ضي اهلل عنه وو�صفه ب�أو�صاف فيها قدر‬ ‫من التنزيه و"الت�أليه"‪ ،‬وكذلك ال�ش�أن مع‬ ‫الأئمة‪ ،‬و�أي�ضا تطرف "�أهل الظاهر"(‪)3‬‬ ‫الذين يقرتبون من عقائد اليهود‪ ،‬ويعترب‬ ‫اخلوارج �أبرز مثال على ه�ؤالء‪ ،‬وقد عرب عن‬ ‫هذا املعنى الأ�ستاذ عبد اهلل العروي بعبارات‬ ‫م�ستفزة وثورية حني قال‪« :‬فيكون الإ�سالم‬ ‫يهودي امل�ضمون‪ ،‬وهو ما يهدد �أ�صحاب‬ ‫الظاهر‪� ،‬أو ن�صرانيا وهو ما يحدق ببع�ض‬ ‫ال�صوفية وغالة ال�شيعة» (‪. )4‬‬ ‫�إن موقف الو�سط والو�سطية موقف دقيق‬ ‫و�شديد احل�سا�سية يف الإ�سالم‪ ،‬والوجود‬ ‫فيزيائيا ومعنويا يف حمل الو�سط واال�ستمرار‬ ‫فيه �أمر بالغ ال�صعوبة والع�سر‪ ،‬وبالتايل‬


‫احلكم على تيار من التيارات الكالمية‬ ‫والفقهية بالتو�سط واالعتدال ب�شكل عام‬ ‫ومطلق فيه قدر كبري من املبالغة واملجازفة؛‬ ‫فو�صف الو�سطية بالن�سبة ملنظومة مذهبية‬ ‫وفكرية �إ�سالمية هو موقف ن�سبي‪ ،‬فقد‬ ‫ت�صيب الو�سط يف م�سائل معينة وتفقدها يف‬ ‫م�سائل �أخرى‪ ،‬ومن ثم التحقق من و�صف‬ ‫الو�سطية ب�شكل تام وكامل‪ ،‬لي�س �أمرا �سهال‪،‬‬ ‫ويف متناول اجلميع‪ ،‬بل هو �أمر بالغ ال�صعوبة‪،‬‬ ‫ال ي�صله املرء �إال بعد جماهدة كبرية‪ ،‬فكرية‬ ‫وروحية‪ ،‬و�سعة علمية‪.‬‬ ‫وقد لفت انتباهنا العالمة الفيل�سوف ابن‬ ‫ر�شد يف كتابه "الك�شف عن مناهج الأدلة يف‬ ‫عقائد امللة" �إىل هذه احلقيقة‪ ،‬حيث �أ�شار �إىل‬ ‫�أن جل التيارات الكالمية الإ�سالمية اتفقت‬ ‫يف �أ�صل العقيدة الإ�سالمية ون�صها‪ ،‬ولكنها‬ ‫اختلفت يف اال�ستدالل عليها‪ ،‬وقد نحا بع�ض‬ ‫هذه التيارات منحى متطرفا وغري و�سطي‬ ‫يف �شرح مفردات هذه العقيدة‪ ،‬ومثاال على‬ ‫ذلك ذكر قول احل�شوية يف ال�صفات‪ ،‬التي‬ ‫ترى �أن اهلل تعاىل يت�صف باجل�سمية �أو "�أنه‬ ‫ج�سم ال ي�شبه �سائر الأج�سام"‪ ،‬وهذا االعتقاد‬ ‫فيه انحراف كبري �سببه الظاهرية املفرطة‬ ‫التي ميزت �أهله يف التعامل مع الآيات التي‬ ‫حتدثت عن �صفات اهلل الباري تعاىل‪.‬‬ ‫وما دام الن�ص ال�شرعي من جهة‪ ،‬وعدة‬ ‫العامل من جهة ثانية تتيح �إمكانية االختالف‬ ‫يف الفهم والت�أويل وعلى �أكرث من �صعيد‪،‬‬ ‫على م�ستوى العقيدة و�أدلتها‪ ،‬والأحكام‬ ‫و�أ�صولها‪ ،‬وحتى حتافظ اجلماعة امل�سلمة‬ ‫على وحدتها املرجعية‪ ،‬وت�سلم من الفرقة‬ ‫والطائفية البد من "قانون للت�أويل" يحدد‬ ‫موا�ضع الت�أويل و�آفاقه‪ ،‬وما يجوز تعميمه‬ ‫ون�شره بني اجلمهور وما ال يجوز‪ ،‬بحيث‬ ‫«ال يحل للعلماء �أن يف�صحوا بت�أويله (امل�ؤول‬ ‫من �شريعة) (للجمهور )(‪ ، )5‬وقد حاول ابن‬ ‫ر�شد يف خامتة "الك�شف عن مناهج الأدلة" �أن‬ ‫يحدد بنود هذا القانون الرئي�سية‪.‬‬

‫�إن الو�سطية كو�صف الزم للأمة امل�سلمة ـ‬ ‫منظورا �إليها من الناحية التاريخية ـ و�صف‬ ‫عام‪� ،‬أكرب من الإطارات املذهبية املعروفة‪،‬‬ ‫�سواء كانت كالمية �أو فقهية �أو �أخالقية‪،‬‬ ‫وتتج�سد يف "الظاهر من العقائد" على حد‬ ‫تعبري ابن ر�شد‪� ،‬أو يف "الظاهر من ال�شريعة"‬ ‫ب�أبعادها املختلفة العقدية والفقهية‬ ‫والأخالقية دومنا حاجة �إىل ت�أويل‪� .‬أما ما‬ ‫كان �أ�صال للفرق والطوائف يف الإ�سالم من‬ ‫مقوالت ومبادئ ونظريات‪ ،‬والتي �أ�سا�سها‬ ‫الت�أويل �أو م�سبقات معرفية وفكرية خا�صة‪،‬‬ ‫والتي قد تن�أى عن الو�سط يف ق�ضية من‬ ‫الق�ضايا �أو �أكرث‪ ،‬ورغم م�شروعيتها العلمية‬ ‫والتاريخية فالواجب �أن تظل بعيدة عن‬ ‫اجلمهور حتى ال تتحول �إىل انق�سام تاريخي‬ ‫ومتزق اجتماعي و�سيا�سي‪ .‬ومن ثم كانت �آفة‬ ‫الو�سطية الإ�سالمية وحمنتها يف نزول الر�أي‬ ‫والت�أويل الذي قد يجانب الو�سط �إىل عامة‬ ‫امل�سلمني و�سائر املتدينني‪ ،‬وهو ما �أدى �إىل‬ ‫متزيق الوحدة العقدية يف املجال الإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪3‬ـ الو�سطية ومع�ضلة جمود "الأجوبة"‬ ‫املذهبية‪:‬‬ ‫�إن الو�سطية الإ�سالمية كما تتجلى من‬ ‫خالل املراجعة التاريخية هي مقام عقدي‬ ‫وت�شريعي و�أخالقي ين�أى بامل�سلمني عن‬ ‫عقائد الن�صارى واليهود‪ .‬وقد ان�صب جهد‬ ‫علماء وحكماء امل�سلمني على اختالف‬ ‫مذاهبهم على بيان خط الو�سط و�صونه‬ ‫من االنحراف‪ ،‬ومل مينع هذا بروز نزعات‬ ‫التطرف والطائفية الفكرية والعقدية يف‬ ‫الأمة امل�سلمة‪ ،‬لكن الغلبة كانت دائما لنهج‬ ‫االعتدال والتو�سط وعلى جميع امل�ستويات‪.‬‬ ‫فالو�سطية الإ�سالمية كمنظومة فكرية‬ ‫�إ�سالمية تتجاوز الت�شكيالت املذهبية‪ ،‬كانت‬ ‫تتطور وتنمو يف �سياق مواجهتها للتحديات‬ ‫الفكرية والتاريخية التي تعرت�ض طريقها‪،‬‬ ‫وبالتايل اختلفت داللة ومعنى الو�سطية‬ ‫من ظرف لآخر‪ ،‬ومن جمال لآخر �أي�ضا‪،‬‬

‫فالو�سطية يف بداية القرن الع�شرين كانت‬ ‫تعني مواجهة تيارات الإحلاد والنفوذ الكبري‬ ‫للطرقية واخلرافة بني امل�سلمني‪ ،‬بينما‬ ‫الو�سطية يف �أواخر نف�س القرن وبداية القرن‬ ‫الواحد والع�شرين اجتهت �إىل مواجهة‬ ‫الأ�صولية العلمانية والتيارات التكفريية‪،...‬‬ ‫وهذا التطور يف داللة الو�سطية على �أهميته‬ ‫ال زال بحاجة �إىل مزيد من التدقيق‪.‬‬ ‫فانطالقا من هذا الفهم ميكن القول‬ ‫�أن م�شكلة الو�سطية كانت دائما مطروحة‬ ‫على �أنظار الأمة امل�سلمة‪ ،‬وكانت تتخذ‬ ‫�أ�شكاال خمتلفة ومتنوعة‪ ،‬ف�أحيانا كانت‬ ‫تهديدات الو�سطية عقدية بالدرجة الأوىل‬ ‫و�أحيانا �أخرى كانت تهديدات الو�سطية‬ ‫ت�شريعية و�أخالقية‪ .‬ويعترب العلماء والأئمة‬ ‫ال�صلحاء الأمناء على خيار الو�سطية‬ ‫وخطه‪ ،‬واحلري�صون عليه‪ .‬والعلماء الذين‬ ‫ا�شتهروا يف تاريخ الـم�س ـل ـم ـي ــن وكـ ـ ـ ــان ل ـهــم‬ ‫حــ�ضــور م ـم ـيــز ه ـ ــم‬ ‫أن مــــشــــكــــلـــــة‬ ‫ال ــذي ــن ت�صـدوا‬ ‫الـوسـطـيـة كـانـــت‬ ‫للأخ ـط ـ ــار املحدقة‬ ‫دائــمـــا مــطــروحـة‬ ‫بنهج الو�سطية من‬ ‫على أنــظــار األمـــة‬ ‫نواحيه املختلفة‪.‬‬ ‫وحت�ضرين يف هذا المـسـلـمـة‪ ،‬وكـانـت‬ ‫ال�سياق ق�صة طريفة تـــتـــخـــذ أشـــكـــاال‬ ‫لأحد علماء املغرب مـخـتـلـفة ومتنوعة‪،‬‬ ‫الذين عا�شوا يف فــأحــيـــانــا كــانــت‬ ‫القرن ‪5‬هـ‪ ،‬وهو �أبو تهـديدات الوسطية‬ ‫حممد عبد العزيز عــقـــديـــة بالـدرجة‬ ‫(ت‪ .‬األولــــــى‪.‬‬ ‫التون�سي‬ ‫‪486‬هـ)‪ ،‬وهي ق�صة‬ ‫معربة جدا عن طبيعة م�شكلة الو�سطية‬ ‫لدى امل�سلمني‪ ،‬لقد كان �أبو حممد يدر�س‬ ‫الفقه وتلقى عنه عدد من الطلبة امل�صامدة‬ ‫املنت�سبون لأحدى قبائل املغرب‪ ،‬ويف �إحدى‬ ‫زياراته لهم وجدهم قد نالوا الدنيا و�شغلوا‬ ‫املنا�صب‪ ...‬مبا ك�سبوا من علوم فقهية‪،‬‬ ‫ور�أى يف هذا امل�آل خطرا على الدين‪ ،‬فعدل‬

‫‪11‬‬


‫دراسات‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫عن تدري�س الفقه خمافة �أن تنال به الدنيا‬ ‫واجته �إىل تدري�س كتاب "الرعاية حلقوق‬ ‫اهلل والقيام بها" املعروف برعاية املحا�سبي‬ ‫وهو �أحد م�صادر الت�صوف الفكرية‪ ،‬ويف‬ ‫جولة تفقدية �أخرى وجد ه�ؤالء التالميذ‬ ‫قد وقعوا من جهل الفقه يف الربا‪ ،‬فعاد مرة‬ ‫ثانية لتدري�س الفقه(‪.)6‬‬ ‫فهذه الق�صة على ب�ساطتها تعك�س لنا‬ ‫طبيعة م�شكلة الو�سطية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫فالأو�ضاع التاريخية وامل�ؤثرات الداخلية‬ ‫واخلارجية‪ ...‬قد تزيغ بالأمة عن املوقف‬ ‫الو�سط‪ ،‬فتبالغ وتتطرف مثال يف االهتمام‬ ‫بال�شريعة والفقه‪ ،‬وتهمل احلقيقة و�أركان‬ ‫الإميان وموارده‪� ،‬أو العك�س‪ ،‬فيجب �أن‬ ‫ينت�صب من بني ورثة الأنبياء من يردها �إىل‬ ‫نهج االعتدال والو�سط‪ ،‬وموقف �أبو حممد‬ ‫التون�سي مع طلبته يف هذه الق�صة مثال‬ ‫ملوقف العامل احلري�ص على معنى الو�سطية‬ ‫يف حياة امل�سلمني‪.‬‬ ‫و�إذا رمنا تقومي تاريخ امل�سلمني وجهادهم‬ ‫من �أجل الو�سطية بدا لنا �أن كل الرتاث‬ ‫الفكري الإ�سالمي العقدي والفقهي‬ ‫والأخالقي كان هاج�سه الأكرب �إ�صابة‬ ‫معنى الو�سط‪ ،‬و�أحيانا كان ي�صيبه و�أحيانا‬ ‫�أخرى كان يخطئه‪ ،‬واملنظومات املذهبية‬ ‫على اختالفها هي حماوالت تاريخية تروم‬ ‫الو�سط والعدل‪ ،‬ما فتئت تنمو وتتطور تبعا‬ ‫لتطور‪ ،‬وجتدد‪ ،‬وتنوع‪ ،‬حتديات الو�سطية‪.‬‬ ‫لكن م�شكلة هذه الو�سطية كانت تربز كلما‬ ‫جمدت وا�ستقرت "الأجوبة" الكالمية‬ ‫�أو الفقهية‪ ...‬على التحديات الزمنية‬ ‫للو�سطية‪ ،‬والتي كانت تتخذ �صورة مذهب‪/‬‬ ‫طريقة‪/‬فرقة‪ ،‬وغفلت عن التغريات اجلارية‬ ‫يف حميطها‪ ،‬الطارئة على �أحوال امل�سلمني‪،‬‬ ‫فمثال ظهر الت�صوف كحركة �إ�صالحية‬ ‫�إحيائية تتوخى دفع حتدي خطري كان يهدد‬ ‫الو�سطية الإ�سالمية هو املبالغة يف االهتمام‬ ‫والعناية بالظاهر �إىل درجة ا�صطبغت فيها‬ ‫حياة امل�سلمني ب�صبغة �شكلية ومادية غريبة‬

‫‪12‬‬ ‫عن الإ�سالم‪ ،‬وقد �شخ�ص �أبو حامد الغزايل‬ ‫(ت‪505 .‬هـ) هذه الو�ضعية يف مقدمة كتاب‬ ‫الإحياء بقوله‪« :‬حتى ظل علم الدين‬ ‫مندر�سا‪ ،‬ومنار الهدى يف �أقطار الأر�ض‬ ‫منطم�سا‪ ،‬ولقد خيلوا �إىل اخللق �أن ال علم‬ ‫�إال فتوى حكومة ت�ستعني به الق�ضاة على‬ ‫ف�صل اخل�صام عند تهاو�ش الطغام‪� ،‬أو جدل‬ ‫يتدرع به طالب املباهاة �إىل الغلبة والإفحام‪،‬‬ ‫�أو �سجع مزخرف يتو�سل به الواعظ �إىل‬ ‫ا�ستدراج العوام‪� ،‬إذ مل يروا �سوى هذه الثالثة‬ ‫م�صيدة للحرام و�شبكة للحطام» (‪. )7‬‬ ‫غري �أن املدى الذي بلغته هذه احلركة‬ ‫يف اهتمامها باحلياة الروحية والباطنية‬ ‫للم�سلمني مع بع�ض التيارات‪� ،‬أفقدها الو�سط‬ ‫والتوازن الذي جاءت من �أجله‪ ،‬ولهذا ظهرت‬ ‫عليها �أ�شكاال من التنطع والتطرف �أوقعت‬ ‫بع�ض رموزها و�أئمتها يف منكرات عقدية‬ ‫وت�شريعية و�أخالقية فظيعة �أ�شهرها ما ورد‬ ‫على ل�سان ابن عربي واحلالج‪..‬‬ ‫ولرد الأمة �إىل اجلادة والو�سط بعدما‬ ‫حادت عنه ولعقود كثرية‪ ،‬وملواجهة‬ ‫االنحرافات الظاهرة والباطنة للمت�صوفة‬ ‫وغريهم ظهر ابن تيمية (ت‪728 .‬هـ) مكافحا‬ ‫ومنافحا من �أجل �سالمة العقيدة و�صفائها‪،‬‬ ‫وعدل ال�شريعة و�سلطانها‪ ،‬ويظهر ذلك‬ ‫يف معظم كتبه‪ ،‬غري �أن �أبلغها داللة يف هذا‬ ‫ال�سياق كتاب "اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم‬ ‫خمالفة �أ�صحاب اجلحيم"‪ ،‬الذي نبه فيه �إىل‬ ‫الآفات التي تنال من ا�ستقامة امل�سلم العقدية‬ ‫والأخالقية‪ .‬وفيما يتعلق باملت�صوفة ـ وكالمه‬ ‫فيهم كثري ـ فقد قال عنهم يف هذه املنا�سبة‪:‬‬ ‫«ثم �إن الغلو يف الأنبياء وال�صاحلني قد وقع‬ ‫يف طوائف من �ضالل املتعبدة واملت�صوفة‬ ‫حتى خالط كثريا منهم من مذاهب احللول‬ ‫واالحتاد ما هو �أقبح من قول الن�صارى �أو‬ ‫مثله �أو دونه»(‪ ، )8‬ويف منا�سبة �أخرى قال‬ ‫عنهم‪« :‬وترى كثريا من املت�صوفة واملتفقرة‬ ‫ال يرى ال�شريعة والعلم �شيئا بل يرى �أن‬

‫التم�سك بهما منقطع عن اهلل و�أنه لي�س عند‬ ‫�أهلها �شيء مما ينفع عند اهلل»(‪. )9‬‬ ‫والالفت لالنتباه يف هذا املقام �أن ابن‬ ‫تيمية رحمه اهلل كان يدرك جيدا ر�سالته‪،‬‬ ‫وهي �صون خيار و�سطية الأمة امل�سلمة‪ ،‬ولو‬ ‫مل يعرب عنها بهذه العبارة‪ ،‬ونظن �أن عبارة‬ ‫"ال�صراط امل�ستقيم" التي جعلها يف عنوان‬ ‫م�ؤلفه ال�سالف الذكر‪ ،‬دالة على معناها‪،‬‬ ‫ومما جاء يف مقدمته‪« :‬و�أنا �أ�شري �إىل بع�ض‬ ‫�أمور �أهل الكتاب والأعاجم التي ابتليت بها‬ ‫هذه الأمة ليجتنب امل�سلم احلنيف االنحراف‬ ‫عن ال�صراط امل�ستقيم �إىل �صراط املغ�ضوب‬ ‫عليهم وال ال�ضالني»(‪ ، )10‬فاالنحراف عن‬ ‫ال�صراط امل�ستقيم وو�سطية الإ�سالم ح�سب‬ ‫ال�شيخ ابن تيمية يعني االقرتاب من عقائد‬ ‫اليهود والن�صارى‪.‬‬ ‫وكذلك ال�ش�أن بالن�سبة للحركة ال�سلفية‬ ‫املعا�صرة ب�صورها املختلفة فالوهابية على‬ ‫�سبيل املثال ظهرت يف �شبه اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫وا�ستفحل �أمرها هناك‪ ،‬بعدما اختلت عقيدة‬ ‫امل�سلمني يف بالد احلجاز‪ ،‬وظهر ف�سادها‪،‬‬ ‫فكانت الر�سالة الأ�سا�سية ملحمد بن عبد‬ ‫الوهاب هي ت�صحيح العقيدة ومعاجلة‬ ‫انحرافاتها‪ ،‬وقد ا�صطحب ذلك بهجوم‬ ‫عنيف على الطرق ال�صوفية وعاداتهم‬ ‫وعقائدهم‪ ،‬وقد حقق يف هذا ال�سياق جناحا‬ ‫كبريا ومهما‪ ،‬ومال النا�س نحوه واعتنقوا‬ ‫عقيدته‪ ،‬لكن م�شكلة الدعوة الوهابية �ستبد�أ‬ ‫يف الظهور بعد انت�صارها‪ ،‬وتغري الظروف من‬ ‫حولها ويف حميطها‪ ،‬فالت�شدد العقدي الذي‬ ‫كانت تتميز به يف بدايتها والذي كان ينا�سب‬ ‫حجم التطرف الطرقي وال�صويف �سي�ستمر‬ ‫فيما بعد‪ ،‬وهو ما �سي�ؤدي يف النهاية �إىل‬ ‫اختالل التوازن‪ ،‬وفقدان مكان الو�سط الذي‬ ‫جاءت لأجله الدعوة الوهابية‪ ،‬وجت�سد ذلك‬ ‫يف تيارات التكفري التي خرجت من رحمها‪.‬‬ ‫فجمود "الأجوبة املذهبية" ذات املغزى‬ ‫الإ�صالحي يف �أ�صلها‪ ،‬وانف�صالها عن �أ�سا�سها‬


‫املو�ضوعي والتاريخي‪ ،‬يعود بال�سلب على‬ ‫معنى الو�سطية الذي كان علة ظهورها‪،‬‬ ‫و�سبب تبلورها‪ ،‬بحيث يختل ب�سبب هذا‬ ‫اجلمود املذهبي التوازن‪ ،‬وين�ش�أ التطرف‪،‬‬ ‫فعندما تتحول "الأجوبة" �إىل "طريقة"‬ ‫على �شاكلة الطرق ال�صوفية والكالمية‪،...‬‬ ‫ال تت�صل بظروف املكان والزمان �إال ب�صالت‬ ‫�شكلية‪ ،‬ت�ضمر الو�سطية وتربز احلاجة �إىل‬ ‫الإ�صالح‪� ،‬إىل درجة ميكن معها �أن نعترب‬ ‫اجلمود املذهبي �أو الطرقي �أو الطائفي‬ ‫النقي�ض املو�ضوعي والواقعي ملفهوم‬ ‫الو�سطية الإ�سالمية‪.‬‬ ‫‪4‬ـ �إ�شكالية الو�سطية من منظور‬ ‫الع�صر‪:‬‬ ‫�إن �إ�شكالية الو�سطية يف الع�صر احلديث‬ ‫يف البالد الإ�سالمية هي �إ�شكالية بالغة‬ ‫التعقيد‪ ،‬نظرا لتعقد ظروف الع�صر من‬ ‫جهة‪ ،‬واختالفها عن �إ�شكالية الو�سطية التي‬ ‫�ألفها امل�سلمون يف املا�ضي اختالفا �شبه كلي‬ ‫من جهة ثانية‪ .‬ويف مثل هذه احلالة ال تنفع‬ ‫الأجوبة التقليدية والرتاثية يف معاجلة‬ ‫تهديدات الو�سطية وانحرافاتها‪ ،‬بل الأمر‬ ‫يحتاج �إىل روح �إبداعية وخروج عن التقليد‬ ‫يف الكثري من املجاالت‪.‬‬ ‫فمعاناة الو�سطية يف التاريخ الإ�سالمي‬ ‫كان م�صدرها يف الكثري من الأحيان اخللل‬ ‫يف منهجية التعامل مع الت�أويالت الناجتة‬ ‫عن ان�شغال عدد من علماء امل�سلمني ببع�ض‬ ‫الأ�سئلة النظرية‪ ،‬حيث كانوا يبادرون �إىل‬ ‫تعميمها وب�سطها على �أنظار العموم‪ ،‬ال�شيء‬ ‫الذي كان ي�ؤدي �إىل متزق طائفي وافرتاق‬ ‫عقدي على م�ستوى القاعدة الإ�سالمية‪ ،‬ف�إذا‬ ‫كان اال�شتغال واالن�شغال باملعرفة والنظرية‬ ‫�أمرا معقوال من الناحية املعرفية يف املجال‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬وغري م�أمون العواقب �إذ قد‬ ‫يخرج ب�صاحبه عن الو�سط‪ ،‬ف�إن غري املعقول‬ ‫و"غري البيداغوجي" يف امل�س�ألة �إدخال‬ ‫العامة يف تيه الأ�سئلة النظرية والت�شوي�ش‬

‫على عقيدتهم وتدينهم‪.‬‬ ‫ومن ناحية �أخرى كانت ت�صدر بع�ض‬ ‫تهديدات الو�سطية الأخرى عن جمود‬ ‫"الأجوبة" النظرية والعملية وعجزها‬ ‫عن مواجهة التحديات الواقعية‪ ،‬وعدم‬ ‫مواكبتها للتاريخ الإ�سالمي‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫"الأجوبة" تتخذ يف الغالب �صورة مذهب �أو‬ ‫طريقة �أو فرقة كالمية‪ .‬فالغفلة عن تطور‬ ‫وتبدل حتديات الو�سطية على �صعيد الواقع‬ ‫التاريخي قد يجعل من "اجلواب" املذهبي‬ ‫�أو الطرقي‪ ...‬مظهرا من مظاهر التطرف‬ ‫بعدما كان عنوان التو�سط وو�سيلته‪� ،‬أو عائقا‬ ‫�أمام االجتهاد لرد الأمة �أو طائفة منها خليار‬ ‫الو�سطية واالعتدال‪.‬‬ ‫انطالقا مما �سبق ف�إن �إ�شكالية الو�سطية‬ ‫يف ع�صرنا يج�سدها االنف�صال بني الهويات‬ ‫املذهبية والعقدية ال�سائدة يف خمتلف البالد‬ ‫الإ�سالمية والتي ت�شكل "عقائد" ر�سمية‪،‬‬ ‫وواقع امل�سلمني الذي يغرق يف �أ�شكال و�ألوان‬ ‫التطرف واالنحراف عن الطريق امل�ستقيم‪،‬‬ ‫فاملتون التي ورثها عموم امل�سلمني يف ميادين‬ ‫العقيدة وال�شريعة والأخالق ال جتيب وال‬ ‫تتجاوب مع احلياة الإ�سالمية املعا�صرة �سوى‬ ‫بدرجات �ضعيفة‪.‬‬ ‫فالو�سطية الإ�سالمية التي يتطلع �إليها‬ ‫كل الغيورين واملهتمني مب�ستقبل الإ�سالم‬ ‫وم�صريه يف البالد الإ�سالمية وخارجها‪،‬‬ ‫يحول دونها اجلمود املذهبي والطرقي‪،‬‬ ‫و�ضعف �إدراك التحديات احلديثة التي تواجه‬ ‫الإ�سالم وعقيدته‪ ،‬وبالتايل �أي م�شروع فكري‬ ‫و"مذهبي" من �أجل و�سطية الأمة امل�سلمة يف‬ ‫الزمان املعا�صر لن يكتب له النجاح �إذا مل‬ ‫تكن له اجلر�أة ملراجعة االنتماءات املذهبية‬ ‫ال�ضيقة وتطويرها‪ ،‬وت�صحيح متثالتنا عن‬ ‫احلياة املعا�صرة‪.‬‬ ‫ففي الواقع ما جنده يف الن�صو�ص املذهبية‬ ‫من جمل و�أمثلة ال تت�صل بال�ضالالت‬ ‫املعا�صرة وحتديات الو�سطية الطارئة؛‬

‫فمثال �إذا عدنا �إىل ن�صو�ص الكالم الأ�شعري‬ ‫يف ن�سخه املختلفة لن جند ف�صوال ومباحث‬ ‫تعالج �آفات ع�صرنا العقدية‪ ،‬بل جتدها‬ ‫غارقة يف �إ�شكاالت و�أ�سئلة ال يكاد يدرك‬ ‫مغزاها غري املتخ�ص�ص من �سائر املكلفني‪،‬‬ ‫ف"الإبانة عن �أ�صول الديانة" للإمام �أبي‬ ‫احل�سن الأ�شعري (ت‪324 .‬هـ) و"الربهانية"‬ ‫لأبي عمرو عثمان ال�سالجلي (ت‪574 .‬هـ)‬ ‫و"العقيدة الكربى" لل�سنو�سي (ت‪895 .‬هـ)‬ ‫وغريها من الن�صو�ص اعتنت ب�شكل �صريح‬ ‫ووا�ضح بالأ�سئلة النظرية والعملية التي كان‬ ‫يطرحها زمانها‪ ،‬فمثال بالن�سبة للأ�شعري‬ ‫تناول م�س�ألة خلق القر�آن‪ ،‬وتكلم يف الإمامة‪،‬‬ ‫وا�شتبك مع الفرق الكالمية التي كانت‬ ‫حا�ضرة يف زمانه كاجلهمية واملرجئة‬ ‫واملعتزلة‪ ،...‬وكذلك الأمر مع ال�سالجلي‬ ‫وال�سنو�سي‪ ،‬لكن التحديات العقدية التي‬ ‫ن�ش�أت مت�أخرة يف البالد الإ�سالمية وخا�صة‬ ‫بعد االحتكاك مع الغرب واالت�صال به‪،‬‬ ‫�سواء تعلقت بباب التوحيد �أو ببقية الأبواب‬ ‫الأخرى ال جتيب عنها الن�صو�ص الأ�شعرية‬ ‫املتقدمة‪ ،‬نظرا لتقدمها‪ ،‬ويف املقابل مل تربز‬ ‫ن�صو�ص جديدة ت�ستدرك على عمل الأ�سالف‬ ‫وتطعمه‪ ،‬حتى ال ي�صبح متجاوزا‪ ،‬وقليل‬ ‫النفع‪.‬‬ ‫فالت�شبث بهذه املقاالت الكالمية التاريخية‬ ‫رغم تخلفها عن الع�صر و�أ�سئلته من الأ�شياء‬ ‫التي تكر�س �أزمة الو�سطية يف الع�صر احلايل‬ ‫وت�ساعد على انت�شار التطرف‪ .‬ولي�س الق�صد‬ ‫من وراء هذا الكالم الدعوة �إىل التخلي عن‬ ‫الهويات املذهبية جملة‪ ،‬ولكن الق�صد الأ�سا�س‬ ‫هو الدعوة لتطويرها وجتديدها‪ ،‬ب�صورة‬ ‫منا�سبة للع�صر‪ .‬ف�إذا كانت الأ�شعرية قد �أدت‬ ‫خدمة تاريخية جليلة للأمة الإ�سالمية يف‬ ‫املا�ضي‪ ،‬وا�ستطاعت �أن ت�صوغ جوابا عقديا‬ ‫متينا يف بع�ض اجلوانب‪ ،‬وه�شا يف جوانب‬ ‫�أخرى‪ ،‬حفظ للأمة و�سطيتها‪ ،‬ف�إنها اليوم‬ ‫مل تعد كذلك نظرا لغفلة املجددين عنها‪،‬‬

‫‪13‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫واجلمود الذي حلق عباراتها‪.‬‬ ‫�إن ا�ستعادة الأمة ملوقفها الو�سطي على‬ ‫�سائر الأ�صعدة يقت�ضي‪� :‬أوال‪ ،‬فقه التحديات‬ ‫اجلديدة للو�سطية‪ .‬وثانيا‪� ،‬صياغة �أجوبة‬ ‫عقدية �أو ت�شريعية �أو �أخالقية ت�ستبطن‬ ‫معنى الو�سطية الإ�سالمية‪ ،‬ومرادفة‬ ‫للتحديات الواقعية‪.‬‬ ‫وميكن �أن نلخ�ص التحديات الواقعية‬ ‫التي تنال من الو�سطية الإ�سالمية وتدل‬ ‫على اختاللها يف �أربعة حتديات كربى؛‬ ‫حتدي العقيدة‪ ،‬وحتدي الإرجاء‪ ،‬والتحدي‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬والتحدي املعريف‪:‬‬ ‫ حتدي العقيدة‪ :‬فنت الكثري من امل�سلمني‬‫يف الزمان املعا�صر يف عقيدتهم‪ ،‬وتركوا‬ ‫دينهم واعتنقوا عقيدة الإحلاد �أو تن�صروا‪،‬‬ ‫�أو عبدوا ال�شيطان‪ ،...‬وال يخفى �أن مثل هذه‬ ‫االعتقادات هي خروج عن عقيدة الو�سطية‬ ‫التي ميثلها الإ�سالم‪.‬‬ ‫ حتدي الإرجاء‪ :‬وتعرب عنه املمار�سات التي‬‫جتمع بني الإميان واملع�صية‪ ،‬التي انت�شرت‬ ‫بني امل�سلمني يف العقود الأخرية‪ ،‬و�شعار هذه‬ ‫الطائفة من امل�سلمني‪� ،‬سواء �أدركوا ذلك �أم مل‬ ‫يدركوه‪" ،‬ال ت�ضر مع الإميان مع�صية"‪ ،‬وهو‬ ‫ما �أدى بالكثريين �إىل الت�أرجح بني امل�سجد‬ ‫واخلمارة دون حرج‪ ،‬واالحتجاب لل�صالة‬ ‫والتعري بعدها‪...‬‬ ‫ التحدي ال�سيا�سي‪ :‬من الإ�شكاالت التي‬‫ق�سمت امل�سلمني �إىل طائفتني كبريتني‬ ‫متعار�ضتني‪ ،‬ونالت من معنى الو�سطية‬ ‫�إ�شكالية الدين وال�سيا�سة وما يتعلق بها من‬ ‫ق�ضايا كالعلمانية واحلاكمية والإمامة‪،...‬‬ ‫حيث �أعلنت �إحدى الطائفتني �أن الإ�سالم‬ ‫يخلو من �أي حمتوى �سيا�سي‪ ،‬و�أنه يف �أ�صله‬ ‫علماين‪ ،‬وهو ما �أدى �إىل اندالع �صراع‬ ‫�سيا�سي حاد يف البالد الإ�سالمية بني �أن�صار‬ ‫العلمانية و�أن�صار �شمولية الإ�سالم‪ ،‬ما زال‬ ‫م�ستمرا �إىل الآن‪.‬‬ ‫ التحدي املعريف‪ :‬من التداعيات الفكرية‬‫لإ�شكالية املعا�صرة وحتدي النه�ضة الذي‬

‫‪14‬‬ ‫واجهه امل�سلمون منذ القرن ‪19‬م‪ ،‬بروز ق�ضايا‬ ‫معرفية جديدة مل ي�ألفها العقل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ومن هذه الق�ضايا تلك التي مت�س م�صادر‬ ‫الإ�سالم الرئي�سية‪ :‬القر�آن وال�سنة‪ ،‬فقد‬ ‫ظهرت عدة مقاربات تراجع حجية ال�سنة‬ ‫النبوية ومتح�صها‪ ،‬ويف جانب القر�آن انت�شر‬ ‫ا�ستعمال املناهج احلديثة يف الدرا�سات‬ ‫القر�آنية وخلخلة بع�ض ثوابت علوم القر�آن‬ ‫الرا�سخة منذ قرون‪.‬‬ ‫فجوابا على هذه التحديات ظهرت عدة‬ ‫�أعمال وجهود نظرية وعملية‪ ،‬فردية‬ ‫وجماعية‪ ،‬ع�شوائية وم�ؤ�س�ساتية‪ ،‬حتاول �أن‬ ‫تعيد عقائد العامة واخلا�صة من امل�سلمني‬ ‫�إىل مقت�ضى الو�سطية‪ ،‬لكن يف كثري من‬ ‫احلاالت فقدت بع�ض تلك اجلهود معنى‬ ‫التو�سط وانحرفت‪ ،‬فعلى �سبيل املثال‬ ‫وردا على "�إرجاء العامة" العملي ظهرت‬ ‫تيارات التكفري واخلوارج اجلدد‪ ،‬وردا على‬ ‫القراءات احلديثة للقر�آن انتع�ش التقليد‬ ‫وهيمنت املحافظة على قطاع عري�ض من‬ ‫دعاة الو�سطية‪ ،‬وتعطل االجتهاد‪ ،‬وردا على‬ ‫العلمانية وا�ستقالل الدنيا عن الدين ظهرت‬ ‫فكرة احلاكمية وكرث �أتباعها‪ ،...‬وبالتايل‬ ‫معظم ردود الفعل على التحديات التي‬ ‫واجهت الإ�سالم والتي كانت تروم الو�سط‬ ‫والو�سطية وجدت نف�سها يف الطرف‪ ،‬وبحاجة‬ ‫�إىل تعديل حتى تتو�سط‪.‬‬ ‫فتجديد مفهوم الو�سطية يف ع�صرنا اليوم‬ ‫يقت�ضي جتديد فقه ر�سالة الإ�سالم يف �ضوء‬ ‫التحديات ال�سالفة‪ ،‬ودون الت�أثر بحجم الغلو‬ ‫والتطرف الذي متثله طوائف من امل�سلمني‬ ‫كتلك التي تعلمنت �أو �أرج�أت �أو كفرت‪،...‬‬ ‫ويقت�ضي كذلك فهم الواقع فهما �صحيحا‬ ‫ومو�ضوعيا‪ ،‬وعن هذاين املقت�ضيني ين�ش�أ‬ ‫امل�شروع الو�سطي التاريخي الذي �سينقذ‬ ‫الأمة من تطرف الدعاة والع�صاة‪ .‬ونعتقد‬ ‫�أن التج�سيد ال�صحيح وال�سليم لهذا امل�شروع‬ ‫�سيكون على �شاكلة "الإبانة" (الإبانة عن‬ ‫�أ�صول الديانة) ‪�-‬إبانة �صريحة ووا�ضحة‬

‫للمواقف العقدية والأحكام ال�شرعية‪ -‬من‬ ‫حتديات الو�سطية ال�سالف ذكرها‪ ،‬وتيارات‬ ‫االنحراف احلديثة‪ .‬ولن �أبالغ �إذا قلت يف‬ ‫خامتة هذه املقالة �أن عمال من هذا القبيل‬ ‫مر�شح للقيام بدور تاريخي ال يقل �أهمية‬ ‫وت�أثريا عن الدور الذي قامت به الأ�شعرية‬ ‫�أو بع�ض املذاهب الكربى يف تعديل وجهة‬ ‫الأمة يف القرن الرابع الهجري وبعده‪ ،‬بعد‬ ‫�أن تركت الو�سط يف ق�ضايا كثرية‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق تبدو احلركة الإ�سالمية‬ ‫ذات الأفق الو�سطي قاطرة ورافعة �ضرورية‬ ‫لتحقيق املهام التاريخية للو�سطية‪ ،‬وم�شارك‬ ‫�أ�سا�سي يف �صياغة متنها النظري‪ .‬فامل�شروع‬ ‫الو�سطي الذي يتوخى تكري�س معاين‬ ‫الو�سطية يف الأمة عقيدة و�شريعة بحاجة‬ ‫�إىل �أدوات اجتماعية و�سيا�سية وثقافية حتى‬ ‫يحقق النفوذ املطلوب على �صعيد الواقع‪.‬‬ ‫الهوام�ش ‪:‬‬ ‫‪� -1‬إن الأ�شاعرة واجلربية ي�شرتكون يف القول بنفي‬ ‫"الفعل حقيقة عن العبد و�إ�ضافته �إىل الرب تعاىل"‬ ‫ويختلفون يف مدى هذا النفي والعبارات الدالة‬ ‫عليه‪ ،‬فالأ�شاعرة ي�سمون ذلك ك�سبا‪( .‬ال�شهر�ستاين‪،‬‬ ‫امللل والنحل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪� ،‬ص‪ ،85 .‬ابن ر�شد‪،‬‬ ‫الك�شف عن مناهج الأدلة يف عقائد امللة‪ ،‬من�شورات‬ ‫مركز درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪.)187 ،2001/2 .‬‬ ‫‪ -2‬حديث رواه الإمام �أحمد والرتمذي واحلاكم‬ ‫وغريهم و�صححوه‪.‬‬ ‫‪ -3‬حديث رواه الإمام �أحمد والرتمذي واحلاكم‬ ‫وغريهم و�صححوه‪.‬‬ ‫‪ -4‬عبد اهلل العروي‪ ،‬ال�سنة والإ�صالح‪ ،‬املركز الثقايف‬ ‫العربي‪ ،‬البي�ضاء‪ ،‬ط‪� ،2008/1 .‬ص‪.72 .‬‬ ‫‪ -5‬ابن ر�شد‪ ،‬الك�شف عن مناهج الأدلة يف عقائد امللة‪،‬‬ ‫م‪� .‬س‪.99 ،‬‬ ‫‪ -6‬ابن الزيات التاديل‪ ،‬الت�شوف �إىل رجال الت�صوف‪،‬‬ ‫حتقيق �أحمد التوفيق‪ ،‬من�شورات كلية الآداب والعلوم‬ ‫الإن�سانية بالرباط‪ ،‬ط‪� ،1984/1 .‬ص‪.93 .‬‬ ‫‪� -7‬أبو حامد الغزايل‪� ،‬إحياء علوم الدين‪.‬‬ ‫‪ -8‬ابن تيمية‪ ،‬اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬حتقيق‬ ‫حممد حامد الفقي‪ ،‬مطبعة ال�سنة املحمدية‪ ،‬ط‪.‬‬ ‫‪� ،1369/2‬ص‪.9 .‬‬ ‫‪ -9‬نف�سه‪� ،‬ص‪.10 .‬‬ ‫‪ -10‬نف�سه‪� ،‬ص‪.6 .‬‬ ‫�أ�ستاذ التعليم العايل – املغرب‬


‫من الحقائق المس َّلم بها أن القرآن اشتمل على أصول كل‬ ‫(و َن َّز ْل َنا َع َل ْي َ‬ ‫اب ِت ْب َيا ًنا ل ُ‬ ‫ً‬ ‫ِك ِّل‬ ‫شيء‪،‬‬ ‫مصداقا لقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫ك ا ْل ِك َت َ‬ ‫َ‬ ‫يءٍ )(النحل‪.)89 :‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ولهذا فقد اشتمل القرآن على إشارات لطيفة لمختلف‬ ‫نواحي الحياة من العلوم بأنواعها واالجتماع واألسرة وغيرها‪.‬‬

‫اإلعجاز االجتماعي في اإلسالم‬

‫�إ�سالم عبد التواب‬

‫ريا‪،‬وفيه‬ ‫القر�آن كتاب هداية للب�شر �أو ًال و�أخ ً‬ ‫املنهج الإ�سالمي القومي الذي �أنزله اهلل‬ ‫تعاىل للب�شرية جمعاء؛ فهو ‪�-‬أي القر�آن‪-‬‬ ‫متخ�ص�ص يف علوم احلياة‬ ‫مل ينزل ككتابٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كالطب والهند�سة وغريها‪� ،‬إال �أنه جاء‬ ‫ب�إ�شارات ُتظهر الإعجاز الرباين يف زمن ع َّم‬ ‫فيه اجلهل بني النا�س فال ميكن خماطبتهم‬ ‫بتفا�صيل العلم‪.‬‬ ‫لذا وجدنا من علمائنا من ُيظهر لنا ما‬ ‫ا�شتملت عليه �آيات القر�آن و�أحاديث الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم (من �إ�شارات علمية‬ ‫حتت ا�سم الإعجاز العلمي يف القر�آن وال�س َّنة؛‬ ‫فيو�ضحون لنا معجزات باهرات ت�سترت‬ ‫يف ظالل كلمات قليلة من �آيات اهلل و�سنة‬ ‫ر�سوله) ‪.‬‬ ‫وينبغي �أن ن�ستنكر يف هذا املقام م�سلك‬ ‫البع�ض الذين ح َّولوا القر�آن –بق�صد �أو‬ ‫غري ق�صد‪� -‬إىل كتاب علمي ي�ستخرجون‬ ‫منه كل نظرية علمية ت�شيع يف زمنهم؛‬ ‫فتجدهم يبحثون وينقبون يف �آيات اهلل عما‬ ‫يتنا�سب ‪-‬ظاهر ًّيا‪ -‬مع نظرية علمية ظهرت‬

‫يف الغرب‪ ،‬ويف هذا امل�سلك ما فيه من اخلط�أ‬ ‫واخلطر يف �آن؛ فاخلط�أ لأن القر�آن –كما‬ ‫ذكرت‪ -‬لي�س كتاب علم دنيوي‪ ،‬و�إمنا هو كتاب‬ ‫هداية ور�شاد ومنهج للب�شر‪ .‬واخلطر ي�أتي‬ ‫من �أن النظريات العلمية هي جمرد نظريات‬ ‫قد يثبت خط�ؤها يف زمن الحق؛ فيتعر�ض‬ ‫كتاب اهلل تعاىل للت�شكيك ممن نق�ضوا‬ ‫النظرية العلمية �أو قر�أوها‪.‬‬ ‫�أما ما نتحدث عنه فهو �أن القر�آن وال�سنة قد‬ ‫ا�شتمال على �إ�شارات تدخل يف �إطار الإعجاز‬ ‫العلمي‪ ،‬دون �أن تتناول الأمور العلمية ب�شكل‬ ‫كامل ال يتفق ومنهج القر�آن ووظيفته‪ ،‬وال‬ ‫تتحمله عقول املعا�صرين لنزول القر�آن من‬ ‫العرب وغريهم‪.‬‬ ‫�أما يف الإعجاز االجتماعي فالأمر خمتلف؛‬ ‫فنحن هنا ال نتحدث عن نظريات‪ ،‬و�إمنا عن‬ ‫قواعد اعتنى بها القر�آن وال�سنة فيما يخ�ص‬ ‫حياة الإن�سان والأ�سرة واملجتمع؛ فقد عمل‬ ‫القر�آن على �إ�صالح حياة كل هذه امل�ستويات‪،‬‬ ‫ودفع ما قد يهدد حياتها من �أخطار مادية‬ ‫ومعنوية‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫وقد �سلك القر�آن وال�سنة يف تر�سيخ هذه‬ ‫القواعد م�سالك �شتى؛ منها‪ :‬الإخبار‬ ‫بحقائق تغيب عن عقل الإن�سان وال يدركها‪،‬‬ ‫ومنها الأمر بفعل بع�ض الأمور‪ ،‬ومنها النهي‬ ‫عن فعل �أمر يف�سد حياة الفرد �أو الأ�سرة �أو‬ ‫املجتمع‪.‬‬ ‫ومن مظاهر الإعجاز العظيم الذي نزل يف‬ ‫القر�آن الكرمي ما ورد فيه من �أحكام و�إ�شارات‬ ‫تخ�ص الإعجاز االجتماعي يف حياة الفرد‬ ‫والأ�سرة واملجتمع‪.‬‬ ‫وكما القر�آن جاءت ال�سنة النبوية املطهرة‬ ‫على �صاحبها �أف�ضل ال�صالة وال�سالم؛ ت�شع‬ ‫ريا وتطبي ًقا‪،‬‬ ‫بنور الإعجاز االجتماعي تنظ ً‬ ‫بحيث ت�صلح احلياة وجتعلها �أف�ضل و�أجمل‬ ‫و�أ�سمى‪.‬‬ ‫لقد حفل القر�آن وال�سنة بكثري من الأحكام‬ ‫والإ�شارات التي جاءت لإ�صالح املجتمع‪ ،‬وال‬ ‫غرو ف�إن من غايات الإ�سالم �إ�صالح حياة‬ ‫الب�شر؛ فالإ�سالم يريد الإن�سان �سو ًّيا �سعيدًا‪،‬‬ ‫يعرف حقيقة نف�سه ورغباتها وما ينفعها وما‬ ‫ي�ضرها‪.‬‬ ‫يريد له �أن يعي�ش يف غنى وبركة ( َو َل ْو �أَ َّن �أَهْ لَ‬ ‫ا ْل ُق َرى �آ َم ُنوا َوا َّت َق ْوا َل َف َت ْح َنا َعلَ ْي ِه ْم َب َر َكاتٍ مِ َن‬ ‫الَ ْر ِ�ض )(الأعراف‪.)96 :‬‬ ‫ال�س َما ِء َو ْ أ‬ ‫َّ‬ ‫ويريد منه �أن ي�ستثمر طاقاته ومواهب التي‬ ‫منحه اهلل �إياها ( َو ُقلِ ْاع َم ُلوا َف َ�سيرَ َى اللهَّ ُ َع َملَ ُك ْم‬ ‫َو َر ُ�سو ُل ُه َوالمْ ُ�ؤْمِ ُنو َن) (التوبة‪.)105 :‬‬ ‫ويريد له كذلك �أن ي�شعر بالعدل يف حياته‪،‬‬ ‫و�أن يطبقه على غريه (�إِ َّن اللهَّ َ َي�أْ ُم ُر ُك ْم �أَنْ ُت�ؤَدُّوا‬ ‫ا�س �أَنْ‬ ‫ْأ‬ ‫الَمَا َناتِ �إِلىَ �أَهْ ِلهَا َو ِ�إ َذا َح َك ْم ُت ْم َبينْ َ ال َّن ِ‬ ‫تحَ ْ ُك ُموا بِا ْل َعدْلِ ) (الن�ساء‪.)58:‬‬ ‫ويريد للأ�سرة امل�سلمة �أن تن�ش�أ منذ بدايتها‬ ‫ِّين َوالخْ ُ ُلقِ َت ِر َبتْ‬ ‫يف مر�ضاة اهلل " َف ُخ ْذ َذ َات الد ِ‬ ‫يمَ ِي ُن َك"(‪ ، )1‬و""�إذا �أتاكم من تر�ضون خلقه‬ ‫ودينه فزوجوه‪� ،‬إال تفعلوا تكن فتنة يف الأر�ض‬ ‫وف�ساد عري�ض" (‪.)2‬‬ ‫وكذلك يريد لها �أن تعي�ش يف �سعادة وهناء‬ ‫ومودة وحب ( َومِ نْ �آ َيا ِت ِه �أَنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ َ�أ ْن ُف�سِ ُك ْم‬ ‫�أَ ْز َو ًاجا ِل َت ْ�س ُك ُنوا �إِ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة)‬ ‫(الروم‪. )21 :‬‬ ‫كما �أن الإ�سالم ي�سعى لأن يكون املجتمع‬ ‫كله يعي�ش يف رحمة اهلل وبركته ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّل َ‬ ‫ذِين‬

‫‪16‬‬ ‫�آ َم ُنوا ا َّت ُقوا اللهَّ َ َو�آمِ ُنوا ِب َر ُ�سو ِل ِه ُي�ؤْ ِت ُك ْم ِك ْفلَينْ ِ مِ نْ‬ ‫َر ْح َم ِت ِه َو َي ْج َع ْل َل ُك ْم ُنو ًرا تمَ ْ ُ�شو َن ِب ِه َو َي ْغ ِف ْر َل ُك ْم‬ ‫َواللهَّ ُ َغ ُفو ٌر َرحِ ي ٌم )‬ ‫(احلديد‪.)28 :‬‬ ‫وبالإجمال ف�إن الإ�سالم يريد للمجتمع كله‬ ‫�أن يحيا حياة �سعيدة يف الدنيا و�أن ي�ستحق نعيم‬ ‫اهلل يف الآخرة؛ ولأجل ذلك ف�إنه �أنزل يف القر�آن‬ ‫وال�سنة املطهرة �أحكا ًما و�أ�شار �إ�شارات ت�ؤدي لهذا‬ ‫الهدف‪ ،‬وتر�شد مَن َيعِي ويتدبر �إىل عوامل‬ ‫النجاح وال�سعادة للفرد والأ�سرة واملجتمع‪.‬‬ ‫من مظاهر الإعجاز االجتماعي‬ ‫على م�ستوى الفرد‪:‬‬ ‫‪� -1‬إ�شباع رغبة الإن�سان يف معرفة نف�سه‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬فالإن�سان جمبول على ال�سعي وراء معرفة‬ ‫حقيقة نف�سه؛ يريد �أن يعرف من �أين بد�أ‬ ‫و�إىل �أين امل�صري‪ ،‬ومكانته بني املخلوقات‬ ‫عند ربه‪ ،‬ويعلم اهلل تعاىل �أن الإن�سان �سينفق‬ ‫الكثري من الأوقات واجلهود وامل�ؤلفات من‬ ‫�أجل معرفة تلك احلقائق‪ ،‬و�أنه �سيظهر‬ ‫الفال�سفة ب�آرائهم ونظرياتهم حماولني‬ ‫الو�صول ملعرفة �أ�صل النف�س الب�شرية‬ ‫ومنتهاها و�أنهم �سي�ضلون يف �أغلبهم –�إال‬ ‫من رحم اهلل تعاىل‪-‬؛ لذا ي�أتي القر�آن لي�شبع‬ ‫نهمة الإن�سان ملعرفة مبتد�أه فيقول له‪:‬‬ ‫ني‬ ‫ال ْن َ�سا َن مِ نْ ُ�سلاَ َل ٍة مِ نْ طِ ٍ‬ ‫( َو َل َق ْد َخلَ ْق َنا ْ إِ‬ ‫ني (‪)13‬‬ ‫(‪ُ )12‬ث َّم َج َع ْل َنا ُه ُن ْط َف ًة فيِ َق َرا ٍر َم ِك ٍ‬ ‫ُث َّم َخلَ ْق َنا ال ُّن ْط َف َة َعلَ َق ًة َف َخلَ ْق َنا ا ْل َعلَ َق َة م ْ‬ ‫ُ�ض َغ ًة‬ ‫َف َخلَ ْق َنا المْ ُ ْ�ض َغ َة عِ َظا ًما َف َك َ�س ْو َنا ا ْلع َِظا َم لحَ ْ ًما‬ ‫ُث َّم �أَ ْن َ�ش ْ�أ َنا ُه َخ ْل ًقا � َآخ َر َف َت َبا َر َك اللهَّ ُ �أَ ْح َ�س ُن‬ ‫الخْ َ ا ِل ِق َ‬ ‫ني )(امل�ؤمنون‪.)14 - 12 :‬‬ ‫ويبني له م�صريه ومنتهاه ( ُث َّم �إِ َّن ُك ْم َب ْع َد َذل َِك‬ ‫لمَ َ ِّي ُتو َن (‪ُ )15‬ث َّم �إِ َّن ُك ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ُت ْب َع ُثو َن )‬ ‫(امل�ؤمنون‪.)16 ،15 :‬‬ ‫كما يبني له مكانته عند ربه �سبحانه من‬ ‫بني خملوقات اهلل جمي ًعا ( َو�إِ ْذ َقا َل َر ُّب َك‬ ‫الَ ْر ِ�ض َخلِي َف ًة َقا ُلوا‬ ‫ِل ْل َملاَ ِئ َك ِة �إِنيِّ َجاعِ ٌل فيِ ْ أ‬ ‫�أَتجَ ْ َع ُل فِيهَا َمنْ ُي ْف�سِ ُد فِيهَا َو َي ْ�سف ُِك ال ِّدمَا َء‬ ‫ِّ�س َل َك َقا َل �إِنيِّ‬ ‫َو َن ْح ُن ُن َ�س ِّب ُح ب َِح ْمدِ َك َو ُن َقد ُ‬ ‫الَ ْ�س َما َء‬ ‫�أَ ْعلَ ُم مَا اَل َت ْعلَ ُمو َن (‪َ )30‬و َع َّل َم �آ َد َم ْ أ‬ ‫ُك َّلهَا ُث َّم َع َر َ�ض ُه ْم َعلَى المْ َلاَ ِئ َك ِة َف َقا َل �أَ ْن ِب ُئونيِ‬ ‫ِب�أَ ْ�س َما ِء َه�ؤُ اَل ِء ِ�إنْ ُك ْن ُت ْم َ�صا ِد ِق َ‬ ‫ني (‪َ )31‬قا ُلوا‬ ‫ُ�س ْب َحا َن َك اَل عِ ْل َم َل َنا �إِ اَّل مَا َع َّل ْم َت َنا �إِ َّن َك �أَنْتَ‬

‫ا ْل َعلِي ُم الحْ َ كِي ُم (‪َ )32‬قا َل َيا �آ َد ُم �أَ ْن ِب ْئ ُه ْم‬ ‫ِب�أَ ْ�س َما ِئ ِه ْم َفلَ َّما �أَ ْن َب�أَهُ ْم ِب�أَ ْ�س َما ِئ ِه ْم َقا َل َ�ألمَ ْ َ�أ ُق ْل‬ ‫الَ ْر ِ�ض َو َ�أ ْعلَ ُم‬ ‫ال�س َما َواتِ َو ْ أ‬ ‫َل ُك ْم �إِنيِّ �أَ ْعلَ ُم َغ ْي َب َّ‬ ‫مَا ُت ْبدُو َن َومَا ُك ْن ُت ْم َت ْك ُت ُمو َن (‪َ )33‬و�إِ ْذ ُق ْل َنا‬ ‫ِي�س‬ ‫ِل ْل َملاَ ِئ َك ِة ْا�س ُجدُوا ِ آل َد َم َف َ�س َجدُوا �إِ اَّل �إِ ْبل َ‬ ‫ب َو َكا َن مِ َن ا ْل َكا ِفر َ‬ ‫ِين)‬ ‫�أَ َبى َو ْا�س َت ْك رَ َ‬ ‫(البقرة‪.)34 - 30 :‬‬ ‫ب‌‪ -‬تو�ضيح خبايا النفو�س و�أن النفو�س منها‬ ‫اخليرِّ ومنها ال�شرير‪َ (:‬و َن ْف ٍ�س َومَا َ�س َّواهَا (‪)7‬‬ ‫َف�أَ ْل َه َمهَا ُف ُجو َرهَا َو َت ْق َواهَا (‪َ )8‬ق ْد �أَ ْفلَ َح َمنْ‬ ‫اب َمنْ د ََّ�ساهَا )‬ ‫َز َّكاهَا (‪َ )9‬و َق ْد َخ َ‬ ‫(ال�شم�س‪.)10 - 7 :‬‬ ‫‪ -2‬مراعاة قدرات الب�شر املختلفة‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬ومن هنا �شرع الإ�سالم العزمية والرخ�صة‪،‬‬ ‫وجعل الرخ�صة �أم ًرا حمبو ًبا؛ َف َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر‬ ‫َقا َل‪َ :‬قا َل َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم‪:‬‬ ‫"�إِ َّن اللهَّ َ يُحِ ُّب �أَنْ ُت�ؤْ َتى ُر َخ ُ�ص ُه َك َما َي ْك َر ُه �أَنْ‬ ‫ُت�ؤْ َتى َم ْع ِ�ص َي ُتهُ" (‪. )3‬‬ ‫ب‪ -‬كما �شرع الإ�سالم العبادة وجعل على من‬ ‫ال يقدر عليها بدي ً‬ ‫ال ق�ضا ًء �أو كفارة �أو كليهما‬ ‫مراعاة للقدرات املتفاوتة( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا‬ ‫ال�ص َيا ُم َك َما ُكت َِب َعلَى ا َّلذِ َ‬ ‫ين مِ نْ‬ ‫ُكت َِب َعلَ ْي ُك ُم ِّ‬ ‫َق ْب ِل ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقو َن (‪� )183‬أَ َّيا ًما َم ْعدُودَاتٍ‬ ‫َف َمنْ َكا َن مِ ْن ُك ْم َمر ً‬ ‫ِي�ضا �أَ ْو َعلَى َ�س َفرٍ َف ِع َّد ٌة مِ نْ‬ ‫�أَ َّيا ٍم �أُ َخ َر َو َعلَى ا َّلذِ َ‬ ‫ين يُطِ ي ُقو َن ُه ِف ْد َي ٌة َط َعا ُم‬ ‫ني َف َمنْ َت َط َّو َع َخيرْ ً ا َف ُه َو َخيرْ ٌ َل ُه َو�أَنْ‬ ‫مِ ْ�س ِك ٍ‬ ‫َت ُ�صومُوا َخيرْ ٌ َل ُك ْم �إِنْ ُك ْن ُت ْم َت ْعلَ ُمون)َ‬ ‫(البقرة‪.)184 ،183 :‬‬ ‫ت‌‪ -‬مراعاة الأحوال املختلفة للب�شر التي قد‬ ‫متنعهم عن �أداء العبادة على الوجه الأكمل؛‬ ‫ف�شرع الإ�سالم �صالة اخلوف يف احلرب؛‬ ‫قال تعاىل‪َ (:‬و�إِ َذا ُكنْتَ فِي ِه ْم َف�أَ َق ْمتَ َل ُه ُم‬ ‫ال�صلاَ َة َف ْل َت ُق ْم َطا ِئ َف ٌة مِ ْن ُه ْم َم َع َك َو ْل َي�أْ ُخ ُذوا‬ ‫َّ‬ ‫�أَ ْ�سل َِح َت ُه ْم َف�إِ َذا َ�س َجدُوا َف ْل َي ُكو ُنوا مِ نْ َو َرا ِئك ْمُ‬ ‫َو ْل َت�أْتِ َطا ِئ َف ٌة �أُ ْخ َرى لمَ ْ ُي َ�ص ُّلوا َف ْل ُي َ�ص ُّلوا َم َع َك‬ ‫َو ْل َي�أْ ُخ ُذوا حِ ْذ َرهُ ْم َو َ�أ ْ�سل َِح َت ُه ْم َو َّد ا َّلذِ َ‬ ‫ين َك َف ُروا‬ ‫َل ْو َت ْغ ُف ُلو َن َعنْ �أَ ْ�سل َِح ِت ُك ْم َو�أَ ْم ِت َع ِت ُك ْم َف َيمِ ي ُلو َن‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم َم ْيلَ ًة َواحِ َد ًة َو اَل ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم �إِنْ َكا َن‬ ‫ِب ُك ْم �أَ ًذى مِ نْ م َ​َطرٍ �أَ ْو ُك ْن ُت ْم َم ْر َ�ضى َ�أنْ َت َ�ض ُعوا‬ ‫�أَ ْ�سل َِح َت ُك ْم َو ُخ ُذوا حِ ْذ َر ُك ْم ِ�إ َّن اللهَّ َ �أَ َع َّد ِل ْل َكا ِفر َ‬ ‫ِين‬ ‫َع َذا ًبا ُمهِي ًنا ) (الن�ساء‪.)102 :‬‬ ‫‪ -3‬مراعاة الفطرة الإن�سانية‪ ،‬واحلث على‬


‫�إعطائها حقها من رغباتها احلالل‪ ،‬وعدم‬ ‫الق�سوة عليها مبا فوق طاقتها؛ َف َعنْ �أَ َن�س ْب َن‬ ‫مَال ٍِك َر ِ�ض َي اللهَّ ُ َع ْن ُه َي ُق ُ‬ ‫ول‪َ :‬جا َء ثَلاَ َث ُة رَهْ ٍط‬ ‫�إِلىَ ُب ُيوتِ �أَ ْز َوا ِج ال َّنب ِِّي َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم‬ ‫َي ْ�س َ�أ ُلو َن َعنْ عِ َبا َد ِة ال َّنب ِِّي َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم‬ ‫بوا َك�أَ َّن ُه ْم َت َقا ُّلوهَا َف َقا ُلوا َو�أَ ْي َن َن ْح ُن‬ ‫َفلَ َّما �أُ ْخ رِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫مِ نْ ال َّنب ِِّي َ�ص َّلى ا َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َق ْد ُغ ِف َر َل ُه‬ ‫مَا َت َق َّد َم مِ نْ َذ ْن ِب ِه َومَا َت�أَ َّخ َر َقا َل �أَ َحدُهُ ْم �أَ َّما‬ ‫�أَ َنا َف ِ�إنيِّ �أُ َ�ص ِّلي ال َّل ْي َل �أَ َبدًا َو َقا َل � َآخ ُر َ�أ َنا َ�أ ُ�صو ُم‬ ‫الدَّهْ َر َو اَل �أُ ْفطِ ُر َو َقا َل � َآخ ُر �أَ َنا �أَ ْع َتز ُِل ال ِّن َ�سا َء‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ‬ ‫فَلاَ �أَ َت َز َّو ُج �أَ َبدًا َف َجا َء َر ُ�س ُ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم ِ�إ َل ْي ِه ْم؛ َف َقا َل‪�" :‬أَ ْن ُت ْم ا َّلذِ َ‬ ‫ين ُق ْل ُت ْم‬ ‫َك َذا َو َك َذا؛ �أَمَا َواللهَّ ِ �إِنيِّ َ ألَ ْخ َ�شا ُك ْم للِهَّ ِ َو�أَ ْت َقا ُك ْم‬ ‫َل ُه َل ِك ِّني �أَ ُ�صو ُم َو ُ�أ ْفطِ ُر َو�أُ َ�ص ِّلي َو�أَ ْر ُق ُد َو َ�أ َت َز َّو ُج‬ ‫ال ِّن َ�سا َء َف َمنْ َرغِ َب َعنْ ُ�س َّنتِي َفلَ ْي َ�س مِ ِّني"(‪. )4‬‬ ‫ومن مظاهر الإعجاز على م�ستوى‬ ‫الأ�سرة‪:‬‬ ‫‪ -1‬الإخبار عن احتياجات ٍّ‬ ‫كل من الذكر‬ ‫والأنثى لل�سكن واحلب والرتاحم‪ ،‬وت�شريع‬ ‫الزواج لتوفري تلك االحتياجات ( َومِ نْ �آ َيا ِت ِه‬ ‫اجا ِل َت ْ�س ُك ُنوا �إِ َل ْيهَا‬ ‫�أَنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَ ْز َو ً‬ ‫َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة ِ�إ َّن فيِ َذل َِك َ آليَاتٍ‬ ‫ِل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن) (الروم‪.)21 :‬‬ ‫‪ -2‬الإخبار عن معايري الب�شر يف اختيار الزوج‬ ‫والزوجة والأمر بذات الدين و�صاحب الدين‬ ‫يف اختيار الزوج و�إال حدث الف�ساد؛ "تنكح‬ ‫املر�أة لأربع ملالها وحل�سبها وجمالها ولدينها‬ ‫فاظفر بذات الدين تربت يداك"(‪ ،)5‬وهذا‬ ‫مما هو م�شاهد ومعلوم باليقني من واقع‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫‪ -3‬احلر�ص على حفظ �صالت الرحم‬ ‫وتقويتها‪ ،‬ومنع ما يقطعها �أو ي�ضعفها‬ ‫ويوهنها‪ ،‬ومن هنا ح َّرم الإ�سالم الزواج‬ ‫ببع�ض الن�ساء‪ ،‬وجعلهن حمارم‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬ ‫(ح ِّرمَتْ َعلَ ْي ُك ْم �أُ َّمهَا ُت ُك ْم َو َب َنا ُت ُك ْم َو�أَ َخ َوا ُت ُك ْم‬ ‫ُ‬ ‫ات أْ‬ ‫ات أْ‬ ‫الَ ِخ َو َب َن ُ‬ ‫َو َع َّما ُت ُك ْم َو َخ اَال ُت ُك ْم َو َب َن ُ‬ ‫الُختِْ‬ ‫َو�أُ َّمهَا ُت ُك ُم اللاَّ تِي �أَ ْر َ�ض ْع َن ُك ْم َو�أَ َخ َوا ُت ُك ْم مِ َن‬ ‫ال َّر َ�ضا َع ِة َو�أُ َّمه ُ‬ ‫َات ن َِ�سا ِئ ُك ْم َو َر َبا ِئ ُب ُك ُم اللاَّ تِي‬ ‫فيِ ُح ُجو ِر ُك ْم مِ نْ ن َِ�سا ِئ ُك ُم اللاَّ تِي د َ​َخ ْل ُت ْم ِبهِنَّ‬ ‫َف�إِنْ لمَ ْ َت ُكو ُنوا د َ​َخ ْل ُت ْم ِبهِنَّ فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫َو َحلاَ ِئ ُل �أَ ْب َنا ِئ ُك ُم ا َّلذِ َ‬ ‫ين مِ نْ �أَ ْ�صلاَ ِب ُك ْم َو�أَنْ‬ ‫الُ ْخ َتينْ ِ ِ�إ اَّل مَا َق ْد َ�سلَ َف ِ�إ َّن اللهَّ َ‬ ‫تجَ ْ َم ُعوا َبينْ َ ْ أ‬ ‫َكا َن َغ ُفو ًرا َرحِ ي ًما) (الن�ساء‪.)23 :‬‬ ‫وكما ح َّرم القر�آن اجلمع بني الأختني ً‬ ‫حفظا‬

‫ل�صالت الأرحام نهى الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم �أن يتم اجلمع بني املر�أة وعمتها �أو‬ ‫خالتها؛ َف َعنْ �أَبِى هُ َر ْي َر َة َقا َل َقا َل َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪َ « -‬ال ُت ْن َك ُح المْ َ ْر�أَ ُة َعلَى‬‫َع َّم ِتهَا َو َال َعلَى َخا َل ِتهَا»(‪. )6‬‬ ‫ومن �أجل حفظ الأرحام نهى الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم عن تف�ضيل بع�ض الأبناء‬ ‫ري َقا َل‪:‬‬ ‫على بع�ض‪ :‬ف َعنْ ال ُّن ْع َمانِ ْب ِن بَ�شِ ٍ‬ ‫ا ْن َطلَ َق بِي �أَبِي َي ْحمِ ُلنِي �إِلىَ َر ُ�سولِ اللهَّ ِ �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم؛ َف َقا َل‪َ :‬يا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ‪ْ ،‬ا�ش َه ْد‬ ‫َال؛‬ ‫�أَنيِّ َق ْد َن َح ْلتُ ال ُّن ْع َما َن َك َذا َو َك َذا مِ نْ م يِ‬ ‫َف َقا َل‪�" :‬أَ ُك َّل َبن َ‬ ‫ِيك َق ْد َن َح ْلتَ مِ ْث َل مَا َن َح ْلتَ‬ ‫ال ُّن ْع َما َن؟"‬ ‫َقا َل‪ :‬اَل‪.‬‬ ‫َقا َل‪َ " :‬ف�أَ ْ�ش ِه ْد َعلَى َه َذا َغيرْ ِي"‪.‬‬ ‫ب‬ ‫ُث َّم َقا َل‪�" :‬أَ َي ُ�س ُّر َك �أَنْ َي ُكو ُنوا �إِ َل ْي َك فيِ ا ْل رِ ِّ‬ ‫َ�س َواءً؟"‬ ‫َقا َل‪َ :‬بلَى‪.‬‬ ‫َقا َل‪" :‬فَلاَ �إ ًذا"(‪)7‬‬ ‫ِ ‪.‬‬ ‫ومن مظاهر الإعجاز على م�ستوى‬ ‫املجتمع‪:‬‬ ‫‪� -1‬إباحة البيع الذي فيه م�صلحة املجتمع‬ ‫من حركة املال بي ًعا و�شراءً‪ ،‬وا�ستهال ًكا‬ ‫خلريات اهلل يف الأر�ض‪ ،‬وحترمي الربا( َو�أَ َح َّل‬ ‫اللهَّ ُ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ال ِّر َبا)(البقرة‪ ،)275 :‬والأمر‬ ‫برتك الربا‪ ،‬والإنذار بالعقاب الأليم يف الدنيا‬ ‫والآخرة‪ ،‬وو�ضع احلل ملا كان قائ ًما من الربا‬ ‫ب�إعطاء �صاحب املال ر�أ�س ماله فقط ( َيا َ�أ ُّيهَا‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا ا َّت ُقوا اللهَّ َ َو َذ ُروا مَا َبق َِي مِ َن ال ِّر َبا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لمَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫�إِنْ ُك ْن ُت ْم ُم ْ�ؤمِ ِن َ‬ ‫ني (‪ )278‬ف ِ�إنْ ت ْف َعلوا ف�أذ ُنوا‬ ‫ُو�س‬ ‫ب َِح ْربٍ مِ َن اللهَّ ِ َو َر ُ�سو ِل ِه َو�إِنْ ُت ْب ُت ْم َفلَ ُك ْم ُرء ُ‬ ‫�أَ ْم َوا ِل ُك ْم اَل َت ْظ ِل ُمو َن َو اَل ُت ْظلَ ُمو َن)‬ ‫(البقرة‪.)279 ،278 :‬‬ ‫‪ -2‬حترمي االعتداء على الأنف�س ملا يجر‬ ‫ذلك من جر�أة املعتدي املجرم على �أنف�س‬ ‫�أخرى‪ ،‬وملا يثريه يف نفو�س �أهل القتيل من‬ ‫الرغبة يف الث�أر؛ فتتكاثر الدماء كما يحدث‬ ‫يف املجتمعات التي ال تطبق �شرع اهلل تعاىل‬ ‫(مِ نْ �أَ ْجلِ َذل َِك َك َت ْب َنا َعلَى َبنِي �إِ ْ�س َرائِي َل �أَ َّن ُه‬ ‫َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْالأَ ْر ِ�ض‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا َو َمنْ �أَ ْح َياهَا َف َك�أَنمَّ َ ا‬ ‫َف َك�أَنمَّ َ ا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا) (املائدة‪ ،)32 :‬ثم و�ضع‬ ‫�أَ ْح َيا ال َّن َ‬ ‫احلل بالق�صا�ص العادل الذي ي�شفي نفو�س‬ ‫�أهل القتيل من ناحية‪ ،‬ويرهب كل من لديه‬

‫نزعة �إجرامية من ناحية �أخرى ( َيا �أَ ُّيهَا‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ا�ص فيِ ا ْل َق ْتلَى‬ ‫ين �آ َم ُنوا ُكت َِب َعلَ ْي ُك ُم ا ْلق َ‬ ‫ِ�ص ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِال ْن َثى)‬ ‫ال ْن َثى ب ْ أ‬ ‫الحْ ُ ُّر ِبالحْ ُ ِّر َوا ْل َع ْب ُد بِا ْل َع ْبدِ َو ْ أ‬ ‫(البقرة‪.)178 :‬‬ ‫‪ -3‬ت�شريع احلجاب وغ�ض الب�صر وحترمي‬ ‫اخللوة ليحفظ الأعرا�ض‪ ،‬وي�صون عيون‬ ‫الرجال والن�ساء مما يثري �شهواتهم ويفتح‬ ‫الباب وا�س ًعا للحرام ( ُق ْل ِل ْل ُم ْ�ؤمِ ِن َ‬ ‫ني َي ُغ ُّ�ضوا‬ ‫َ‬ ‫وج ُه ْم َذل َِك �أ ْز َكى‬ ‫مِ نْ �أَ ْب َ�صارِهِ ْم َو َي ْح َف ُظوا ُف ُر َ‬ ‫ري بمِ َا َي ْ�ص َن ُعو َن (‪َ )30‬و ُق ْل‬ ‫َل ُه ْم �إِ َّن اللهَّ َ َخ ِب ٌ‬ ‫ِل ْل ُم�ؤْمِ َناتِ َي ْغ ُ�ض ْ�ض َن مِ نْ �أَ ْب َ�صارِهِ نَّ َو َي ْح َف ْظ َن‬ ‫وج ُهنَّ َو اَل ُي ْبدِ َ‬ ‫ين زِي َن َت ُهنَّ ِ�إ اَّل مَا َظ َه َر مِ ْنهَا‬ ‫ُف ُر َ‬ ‫َو ْل َي ْ�ض ِر ْب َن ب ُِخ ُمرِهِ نَّ َعلَى ُج ُيو ِبهِنَّ )‬ ‫ا�س َعنْ ال َّنب ِِّي‬ ‫(النور‪ ،)31 ،30 :‬و َعنْ ا ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم َقا َل‪ :‬اَ‬ ‫"ل َيخْ ُل َو َّن َر ُجلٌ‬ ‫ِام َر�أَ ٍة �إِ اَّل َم َع ذِي محَ ْ َر ٍم"(‪. )8‬‬ ‫ب ْ‬ ‫وبع ُد فهذا غي�ض من في�ض من مظاهر‬ ‫الإعجاز االجتماعي يف القر�آن وال�سنة‪ ،‬و�إن‬ ‫�شاء اهلل تعاىل �س�أخ�ص�ص لهذا املو�ضوع‬ ‫درا�سة كاملة ت�سعى لتق�صيه‪ ،‬فهو مو�ضوع‬ ‫بالغ الأهمية‪ ،‬و�أحد مفاتيح فهم القر�آن‬ ‫وال�سنة‪ ،‬وفهم نف�س الإن�سان يف ذات الوقت‪،‬‬ ‫�أ�س�أل اهلل �سبحانه وتعاىل �أن يتقبل تلك‬ ‫الأ�سطر‪ ،‬و�أن يجعلها يف ميزان ح�سناتي من‬ ‫باب الدعوة �إليه‪ ،‬وخدمة القر�آن وال�سنة‪� ،‬إنه‬ ‫ويل ذلك والقادر عليه‪.‬‬ ‫الهوام�ش ‪:‬‬ ‫‪� -1‬أحمد (‪ ،)11782‬واحلاكم (‪ )2680‬وقال‪� :‬صحيح الإ�سناد‬ ‫ووافقه الذهبي‪ ،‬و�أبو يعلى (‪ ،)1012‬وابن �أبي �شيبة يف م�صنفه‬ ‫(‪ ،)17149‬والهيثمي يف جممع الزوائد (‪ ،)7326‬وقال‪ :‬رواه‬ ‫�أحمد و�أبو يعلى والبزار ورجاله ثقات‪ ،‬وقال الألباين‪ :‬رواه‬ ‫�أحمد ب�إ�سناد �صحيح والبزار و�أبو يعلى وابن حبان يف �صحيحه‬ ‫(‪� ،)1919‬صحيح الرتغيب والرتهيب‪.‬‬ ‫‪ -2‬ابن ماجه‪ :‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الأكفاء (‪ )1967‬واللفظ له‪،‬‬ ‫والرتمذي (‪ ،)1085‬وقال حديث ح�سن غريب‪ ،‬واحلاكم‬ ‫(‪ ،)2695‬وقال‪ :‬حديث �صحيح الإ�سناد‪ ،‬والطرباين يف الأو�سط‬ ‫(‪ ،)446‬وقال الألباين‪ :‬ح�سن (‪� )270‬صحيح اجلامع‪.‬‬ ‫‪ -3‬م�سند �أحمد (‪ ،)137 /12‬وقال �شعيب الأرناءوط‪� :‬صحيح‬ ‫وهذا �إ�سناد ح�سن رجاله ثقات رجال ال�صحيح غري حرب بن‬ ‫قي�س‪.‬‬ ‫‪� -4‬صحيح البخاري (‪.)534 /12‬‬ ‫‪� -5‬صحيح البخاري (‪.)1958 /5‬‬ ‫‪� -6‬صحيح م�سلم ‪.)135 /4( 7748‬‬ ‫‪ -7‬م�سلم‪ :‬كتاب الهبات‪ ،‬باب كراهة تف�ضيل بع�ض الأوالد يف‬ ‫الهبة (‪.)1623‬‬ ‫‪� -8‬صحيح البخاري ‪ -‬ترقيم فتح الباري ‪ -‬م�شكل (‪.)209 /13‬‬

‫مدير الباحثني مبركز احل�ضارة للدرا�سات‬ ‫التاريخية بالقاهرة‬ ‫كاتب �إ�سالمي ‪ialafty@gmail.com /‬‬

‫‪17‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪18‬‬

‫موضوع الوسطية يكتب فيه الشيء الكثير في غضون السنوات األخيرة‪ ،‬وذلك راجع إلى‬ ‫الحاجة إلى معالجة هذا الموضوع الكبير والخطير في ديننا وحياتنا‪.‬‬ ‫لقد كتبت فيه وعالجه عدد من العلماء والمفكرين‪ ،‬فكتبوا عن مفهوم الوسطية وعن‬ ‫معاني األمة الوسط المذكورة في القرآن‪ ،‬وكتبوا عن مظاهر الوسطية ومجاالتها في‬ ‫العقيدة اإلسالمية‪ ،‬والشريعة اإلسالمية‪ ،‬واألخالق اإلسالمية‪ ،‬وكتبوا عن الوسطية في‬ ‫العالقات والمعامالت االجتماعية والدولية‪.‬‬

‫الوسطية الفكرية وأسسها المنهجية‬

‫الدكتور �أحمد الري�سوين‬

‫ولذلك ال نرى لزوماً للإعادة �أو الإطالة فيما‬ ‫قد كفيناه بكتابات �سابقة‪ ،‬ولكن لهذا املو�ضوع‬ ‫جانب �أ�سا�سي تراه ما زال بحاجة �إىل معاجلة‬ ‫وبيان وهو اجلانب الفكري واملنهجي للق�ضية‪.‬‬ ‫وهذا اجلانب �إن مل يكن �أهم جوانب املو�ضوع‬ ‫فهو من �أهمها و�أكرثها ت�أثرياً يف �سائر اجلوانب‬ ‫الأخرى‪.‬‬ ‫فمعلوم �أن الو�سطية تبد�أ بالفكر وبطريقة‬ ‫التفكري ومنهجية‪ ،‬فهي ثمرة فكر �سديد وفق‬ ‫منهج �صحيح‪ .‬وكذلك �ش�أن الإنحراف والغلو‬ ‫يف هذا الإجتاه �أو ذاك‪ .‬فالغلو االعتقادي والغلو‬ ‫الفقهي والغلو العملي يف العبادات واملعامالت‪،‬‬ ‫كل ذلك ينتج عن فكر خمتل وطرائق للتفكري‬ ‫خمتلة وقا�صرة‪ ،‬وهذا من �أهم الأ�سباب الداعية‬ ‫�إىل و�ضع مو�سوعة فكرية للو�سطية‪.‬‬ ‫على �أن ف�ضلية الو�سطية والإعتدال يف الفكر‬ ‫والعلم �أو يف العمل واملمار�سة �ستظل دعوى يف‬ ‫متناول القريب منها والبعيد عنها‪ ،‬و�ستظل‬ ‫للأخذ والرد والتجاذب والتقاذف‪ ،‬ما مل ت�ضبط‬ ‫مبعايري وموا�صفات منهجية وا�ضحة م�ستقرة‪،‬‬ ‫وهو ما نرمي �إىل ال�شروع يف �إر�سائه وبلورته‪،‬‬ ‫بعون اهلل تعاىل ثم بت�ضافر املبادرات والإ�ضافات‬ ‫وتوايلاملالحظات والإ�ستدراكات‪.‬‬ ‫وفيمايليماتي�سرلنامنذلكويتمثليفبع�ض‬

‫الأ�س�س العلمية املنهجية للو�سطية الفكرية �أو‬ ‫للفكر الو�سطي‪ ،‬وهي الأ�س�س واملبادئ التي نرى‬ ‫�أن التم�سك بها ينتج وي�ضمن الو�سطية يف الفكر‬ ‫والفهم‪ ،‬يتبعه خلل يف العمل وال�سلوك‪.‬‬ ‫الأ�سا�س الأول‬ ‫ا�ستح�ضاراملعنىالعامللو�سطيةووالتم�سك‬ ‫به‪.‬‬ ‫وتعني باملعنى العام للو�سطية‪ ،‬املعنى الذي‬ ‫ت�ضمنته �أية الباب وعمدته‪ ،‬وهي قوله تعاىل‪:‬‬ ‫( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِّل َت ُكو ُنواْ ُ�ش َهدَاء‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيدًا)‪.‬‬ ‫َعلَى ال َّن ِ‬ ‫فبما �أن الو�سطية الفكرية التي ن�سعى �إليها‬ ‫ت�ستمد قيمتها ومكانتها من املعنى العام‬ ‫للو�سطية التي جعلها اهلل �سبحانه وتعاىل‬ ‫�سمة عامة للإ�سالم و�أمة الإ�سالم‪ ،‬فال بد من‬ ‫ا�ستح�ضارذلكاملعنىواال�ستمدادمنهوالإحتكام‬ ‫�إليه يف الكفر والنظر والإجتهاد كما يف الت�صرف‬ ‫والتعامل‪.‬‬ ‫وقد بحث املف�سرون معاين قوله تعاىل‪�( :‬أُ َّم ًة‬ ‫َو َ�س ًطا) فلم يخرجوا بها عن ثالثة معاين هي‪:‬‬ ‫ اخلريية والف�ض‪.‬‬‫ التو�سط بني الإفراط والتفريط‪.‬‬‫ العمل‪.‬‬‫قال ابن عبد ال�سالم يف اخت�صاره لتف�سري‬

‫املاوردي (النكت والعيون)‪َ ( :‬و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم‬ ‫�أُ َّم ًة َو َ�س ًطا)‪:‬‬ ‫ خياراً‪ ،‬رج ّل وا�سط احل�سب ‪ ..‬رفيعه‪.‬‬‫ �أو لتو�سطهم بني اليهود والن�صارى يف الدين‪،‬‬‫غلت الن�صارى يف امل�سيح وترهبوا وق�صرت‬ ‫اليهودبتبديلالكتابوقبلالأنبياءوالكذبعلى‬ ‫اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ �أو عد ًال بني الزيادة والنق�صان‪.‬‬‫وهذه املعاين الثالثة جندها ـ عند التمحي�ص‬ ‫والتحقيق ـ راجعة �إىل �أ�صل واحد تندمج فيه‬ ‫وهو معنه العدل والعدالة كما جاء يف التف�سري‬ ‫النبوي‪.‬‬ ‫ففي ال�صحيح‪ ،‬عن �أبي �سعيد اخلدري‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫قال ر�سول اهلل ‪(( :‬يجاء بنوح يوم القيامة‬ ‫فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم يا رب‪ ،‬فت�س�أل‬ ‫�أمته هل بلغكم؟ فيقولون ما جاءنا من نذير‪،‬‬ ‫فيقول من �شهودك؟ فيقول حممد و�أمته‪،‬‬ ‫فيجاء بكم فت�شهدون)) ثم قر�أ ر�سول اهلل ‪:‬‬ ‫( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِّل َت ُكو ُنواْ ُ�ش َهدَاء‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيدًا)‪،‬‬ ‫َعلَى ال َّن ِ‬ ‫ومعلوم �أنه ال يقبل ال�شهادة عند اهلل ويف �شرعه‬ ‫�إال �أ�صحاب العدل والعدالة‪ ،‬فمن هنا يدعى‬ ‫امل�سلمون لل�شهادة ب�صفتهم عدو ًال‪ ،‬قال الفخر‬ ‫الرازي‪ :‬وال يجوز �أن ميدح اهلل ال�شهود حال‬


‫حكمه عليهم بكونهم �شهوداً �إال بكونهم عدو ًال‪،‬‬ ‫فوجب �أن يكون املراد بالو�سط العدالة‪.‬‬ ‫على �أن ال�شهادة املذكورة يف احلديث لي�ست‬ ‫تف�سرياً �شام ً‬ ‫ال لكل معاين الو�سطية‪ ،‬و�إمنا هو‬ ‫مثال لها ومنوذج منها‪ ،‬قال ابن عا�شور‪ :‬فقوله‪:‬‬ ‫(ثم قرا ‪ )..‬يدل على �أن هذه ال�شهادة من جملة‬ ‫معاين الآية‪ ،‬ال �أنها عني معنى الآية فمن كان‬ ‫و�سطاً عد ًال ـ فرداً �أو جماعة ـ فهو ي�صلح لكل‬ ‫�شهادة ولكل حكم �سواء كان ذلك يف ال�شهادات‬ ‫والأحكام الق�ضائية �أو يف ال�شهادات والأحكام‬ ‫العلمية والفكرية‪ ،‬كما �أنه ي�صلح قدوة بعدله‬ ‫العملييف�سلوكهوت�صرفاتهومنهجحياته‪.‬وهذا‬ ‫هو العدل املعرب عنه بالإعتدال‪ ،‬والإعتدال عك�س‬ ‫الإعوجاج والإنحراف وامليل‪ ،‬وعك�س الإفراط‬ ‫والتفريط فمن ال مييل وال يجنح يف تفكريه‬ ‫و�أحكامه‪ ،‬ال مييناً وال �شما ًال‪ ،‬فهو الو�سط املعدل‬ ‫املعتدل‪ .‬قال ابن القيم‪ :‬خري الأمور الو�سط‪،‬‬ ‫و�ضابط هذا كله العدل‪ ،‬وهو الأخذ بالو�سط‬ ‫املو�ضوع بني طريف الإفراط والتفريط‪ ،‬وعليه‬ ‫بناء م�صالح الدنيا والآخرة وعن �أمري امل�ؤمنني‬ ‫علي ر�ضي اهلل عنه قال‪( :‬خري النا�س هذا‬ ‫النمط الأو�سط‪ ،‬يلحق بهم التايل ويرجع �إليهم‬ ‫الغايل)‪ ،‬وقال الأوزاعي‪( :‬ما من �أمر �أمر اهلل‬ ‫به �إال عار�ض ال�شيطان فيه بخ�صلتني وال يبايل‬ ‫�أيهما�أ�صاب‪:‬الغلووالتق�صري)‪.‬‬ ‫الأ�سا�سالثاين‬ ‫التوا�ضع والإن�صاف يف مواطن الإختالف‪.‬‬ ‫خلق التوا�ضع ال يحتاج �إىل بيان وال ا�ستدالل‪،‬‬ ‫فكلالنا�سيعرفونالتوا�ضعويحبونه�أ�صحابه‪.‬‬ ‫مانريدتو�ضيحههوعالقةالتوا�ضعبالإن�صاف‬ ‫وعالقة الإثنني مب�س�ألة الإختالف والو�سطية‬ ‫الفكرية واملراد بالتوا�ضع يف �سياقنا هو التوا�ضع‬ ‫العلميوالفكريويت�ضمنذلك‪:‬‬ ‫ �أن يكون الإن�سان متوا�ضعاً يف تقديره لنف�سه‬‫وملا حازه من علم و�أن يكون حذراً متورعاً عن‬ ‫االغرتاربعلمهومنزلتهالعلمية‪.‬‬ ‫ و�أن يكون متوا�ضعاًفيمل يرجحه وفيما يتبناه‬‫ويتبعه‪ ،‬من ر�أي �أو توجه �أو مذهب‪.‬‬ ‫ و�أن يكون متوا�ضعاً كذلك يف ُح�سن الظن‬‫وح�سن التقدير ملن خالفوه فيما هو حمتمل‬ ‫ُ‬ ‫للخالف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬ومن التوا�ضع �أن يكون م�ستعدا للمراجعة‬

‫العلمية والفكرية‪ ،‬وم�ستعداً حتى للرتاجع‬ ‫والإعرتاف بخطئه‪ ،‬وب�صواب خمالفه �إذا لزم‬ ‫الأمر‪.‬‬ ‫وبع�ض النا�س يعتربون هذه الوجوه من‬ ‫التوا�ضع العلمي جمرد دعوة للتمييع والتنازل‬ ‫عن احلق‪ ،‬وجمرد جماملة لأهل الباطل‪� ،‬أو‬ ‫عالمة �ضعف �أو تخاذل‪ .‬والذي ينبغي التذكري‬ ‫به هو �أن �أعالم ال�صحابة و�أئمة العلم والهدى‬ ‫يف الأمة كانوا على هذا التوا�ضع العلمي‪،‬‬ ‫بخ�صاله التي نتحث عنها‪ ،‬فقد قر�أنا وعرفنا‬ ‫من توا�ضعهم ومن نفائ�سهم الكثري الكثري‪ ،‬مما‬ ‫تنبئ عنه �أمثال هذه العبارات الذهبية ال�صادرة‬ ‫عنهم‪:‬‬ ‫ وال مينعك ق�ضاء ق�ضيت فيه اليوم‪ ،‬فراجعت‬‫فيه ر�أيك فهديت فيه لر�شدك �أن تراجع فيه‬ ‫احلق ف�إن احلق قدمي ال يبطله �شيء ومراجعة‬ ‫احلق خري من التمادي يف الباطل‪.‬‬ ‫ كل واحد ي�ؤخذ من كالمه ويرد‪� ،‬إال ر�سول‬‫اهلل ‪.‬‬ ‫ قويل �صواب يحتمل اخلط�أ وقويل غريي‬‫خط�أيحتملال�صواب‪.‬‬ ‫ �أن ن�ضن �إال ظنا وما نحن مب�ستقينيني‪.‬‬‫ ما حاورت �إن�ساناً قط‪� ،‬إال متنيت �أن ي�أتي احلق‬‫علىل�سانه‪.‬‬ ‫من التوا�ضع �إىل الإن�صاف‪.‬‬ ‫توا�ضع الإن�سان يف نظرته �إىل نف�سه وعلمه‬ ‫و�آرائه‪ ،‬هو الذي ميكنه �أن يكون متوا�ضعاً‬ ‫يف نظرته �إىل غريه‪ ،‬ومن هنا ي�أتي �إن�صافه‬ ‫لهم‪ ،‬فالتوا�ضع يكون �أ�سا�ساً مع النف�س ومع‬ ‫الذات‪ ،‬والإن�صاف يكون مع الغري‪ ،‬وخا�صة مع‬ ‫املخالفني‪ ،‬وال يكون �إن�صاف للمخالف بدون‬ ‫توا�ضع ذاتي‪ ،‬فاملتكرب واملكابر يف نف�سه ال ينتظر‬ ‫منه �إن�صاف لغريه‪.‬‬ ‫ما هو الإن�صاف العلمي؟ وما عالقته‬ ‫بالو�سطية؟‬ ‫الإن�صاف لغة‪ :‬م�أخوذ من الن�صف‪ ،‬و�أ�صل‬ ‫ا�ستعماله من ال�شيء يكون م�شرتكاً على‬ ‫الت�ساوي بني �أثنني‪ ،‬فمن �أخذ ن�صفه بال‬ ‫زيادة فقد ان�صف‪ ،‬ومن �أعطى �شريكه ن�صفه‬ ‫بال نق�صان فقد �أن�صف‪ ،‬من حكم �أو ق�سم بني‬ ‫�شريكني ف�أعطى كل واحد ن�صفه بال زيادة وال‬ ‫نق�صانفقد�أن�صف‪.‬‬

‫ثم ات�سع ا�ستعمال اللفظ وم�شتقاته‪ ،‬للداللة‬ ‫علىال�سويةبنيالنا�سفيمالهموماعليهم�سواء‬ ‫كان الن�صف �أو غريه مما هو م�ستحق و�سواء كان‬ ‫ذلك يف الأ�شياء �أو يف الأفعال �أو يف الأقوال‪.‬‬ ‫قال الع�سكري‪ :‬الفرق بني الإن�صاف والعدل‪:‬‬ ‫�أن الإن�صاف �إعطاء الن�صف والعدل يكون يف ذلك‬ ‫ويف غريه �أال ترى �أن ال�سارق �إذا قطع قيل �أنه‬ ‫عدل عليه وال يقال �إنه �أن�صف‪ .‬و�أ�صل الإن�صاف‬ ‫�أن تعطيه ن�صف ال�شيء وت�أخذ ن�صفه من غري‬ ‫زيادة وال نق�صان ورمبا قيل اطلب الن�صف كما‬ ‫يقال �أطلب منك الإن�صاف ثم ا�ستعمل يف غري‬ ‫ذلك مما ذكرناه ويقال �أن�صف ال�شيء �إذا بلغ‬ ‫ن�صفنف�سهون�صفغريه�إذابلغن�صفهوالعالقة‬ ‫اللغوية بني الإن�صاف والو�سطية تظهر يف مثل‬ ‫قولهم �أنت�صف النهار �أو منت�صف �أي و�سطه‬ ‫وذلك حني يت�ساوى ن�صفه الذي م�ضى مع‬ ‫ن�صفه الذي بقي‪ ،‬فمنت�صف النهار و�سطه‪.‬‬ ‫وكذلك يقال انت�صف الليل �أو منت�صف العمر‬ ‫�أو منت�صف الطريق ‪ ..‬فكل ذلك يعني نقطة‬ ‫التو�سطبنين�صفنيمت�ساويني‪.‬‬ ‫و�أما الإن�صاف مبعناه العلمي والفكري فاملراد‬ ‫به �إعطاء املخالفني حقهم كام ً‬ ‫ال بال بخ�س وال‬ ‫حتيز وال جتاهل‪.‬‬ ‫فمن ذلك الإطالع على �آرائهم و�أدلتهم قبل‬ ‫انتقادهم �أو جمافاتهم واما الإقت�صار على ما‬ ‫يحكى ويظن وما يلتقط من هنا وهناك فهو‬ ‫�سبيل الإجحاف ال �سبيل الإن�صاف‪.‬‬ ‫ومن الإن�صاف للمخالفني تقدمي ُح�سن الظن‬ ‫بهم وحمل �أقوالهم وعباراتهم و�إ�ستدالالتهم‬ ‫على �أح�سن املحامل املمكنة متاماً مثلما نحب �أن‬ ‫يفعل معنا ومع �أقوالنا و�آرائنا لدى من يخالفنا‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومن �إن�صافهم �أي�ضا الإفرتا�ض اجلدي‬ ‫الحتمال �أن يكونوا على �صواب فيما قالوه‬ ‫وتلم�س وجه احلق وال�صواب املمكن فيما نبهوا‬ ‫�إليه‪ ،‬و�إذا ت�أكد لنا خط�أ املخالف يف جممل ما‬ ‫ذهب �إليه فهذا ال مينع �أن يكون عنده جانب‬ ‫من ال�صواب ومن احلق يجب الإعرتاف له به‬ ‫وت�أييده فيه‪ ،‬ثم �إذا خالفناه وخط�أناه يف م�س�ألة‬ ‫�أو جملة من امل�سائل فهذا ال ي�سمح لنا بتجريده‬ ‫من كل ف�ضيلة �أو من كل �صواب له يف م�سائل‬ ‫�أخرى‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫و�إذا خط�أنا �أحداً يف وقت ‪ ..‬ثم ظهر لنا �صوابه‬ ‫بعد ذلك فتجب املبادرة �إىل �إعالن ذلك بكل‬ ‫توا�ضعو�إن�صاف‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫و�إذا كان الإن�صاف خلقا يجب الإن�صاف به يف‬ ‫جميع املجاالت والأحوال فهو يف املجال العملي‬ ‫�أوجب منه يف �أي جمال �آخر والإخالل به يف‬ ‫هذا املجال هو �أ�ضر و�أ�شنع منه يف �أي جمال �آخر‬ ‫ذلك �أن العلم من طبيعته �أن يكون ثمرة للنزاهة‬ ‫واملو�ضوعية يف النظر واحلكم‪ .‬وهو يفقد �صفته‬ ‫العلمية بقدر ما يفقد من النزاهة والإن�صاف‬ ‫حتى �إذا خيم عليه التحيز والتع�صب والهوى‬ ‫�صار جمرد جهل و�إنتاج للجهل وكما قال الإمام‬ ‫ال�شاطبيو�إذا�صارالهوىبع�ضمقدماتالدليل‬ ‫مل ينتج �إال ما فيه اتباع الهوى‪.‬‬ ‫والأ�سباب التي متنع الإن�صاف وتدفع �إىل‬ ‫النحيز والإجحاف يف املجال العلمي قد تكون‬ ‫�إعجاباًبالنف�سوتتنزيهالهاوقدتكونخوفاًمن‬ ‫االنتقا�ص العلمي يف نظر النا�س وقد تكون �شدة‬ ‫الكراهية للمخالف‪ ،‬وقد تكون تع�صباً �أو حتزباً‬ ‫مذهبياً �أو طائفياً لن�صرة �أ�صحابنا والنكابة‬ ‫بخ�صومنا‪.‬‬ ‫فهذه الأ�سباب بع�ضها �أو كلها هي التي تف�سد‬ ‫القدرة على التو�سط والإعتدال وجتر �إىل‬ ‫التع�صب والغلو فيغدو �أ�صحاب هذه ال�صفات ال‬ ‫يرون يف ذاتهم وال يذكرون لأنف�سهم وجلهتهم‬ ‫�إال كل خري و�صواب وتنزيه مع تظيمه وتفخيمه‬ ‫وال يرون وال يذكرون للجة املخالفة �إال كل عيب‬ ‫وخلل وزلل‪ ،‬مع تهويله وت�شنيعه‪.‬‬ ‫قال ابن القيم رحمه اهلل‪ :‬وهذا �آفة ما جنا منها‬ ‫�إال من �أنعم اهلل عليه و�أهله ملتابعة احلق �أين كان‬ ‫ومع من كان و�أما من يرى �أن احلق وقف على‬ ‫طائفته �أهل مذهبه وحجز حمجوز على من‬ ‫�سواهم‪ ،‬ممن لعله �أقرب �إىل احلق وال�صواب‬ ‫منه فقد حرم خرياً كثرياً وفاته هدى عظيم‬ ‫ففي مثل هذه احلاالت ي�سود الغلو والت�شدد‬ ‫والت�شنج وت�ضطرب املوازين وتلتب�س احلقائق‬ ‫وي�ضيع االعتدال والو�سطية والإن�صاف وت�ضيع‬ ‫الفائدة والإعتبار مبثل قوله تعاىل‪َ ( :‬و�أَقِي ُموا‬ ‫ا ْل َو ْز َن بِا ْلق ِْ�س ِط َوال ُتخْ �سِ ُروا المْ ِي َزا َن)‪.‬‬ ‫ومن الأمثلة ال�شهرية يف هذا الباب ما ذكره‬ ‫ابنالقيمعنمواقفبع�ضالفئاتمنال�صوفية‬ ‫وما يقع لهم من تعبريات و�أحوال مما يعرف‬

‫‪20‬‬ ‫ب�شطحات ال�صوفية حيث قال‪ :‬وهذه ال�شطحات‬ ‫�أوجبت فتنة على طائفتني من النا�س‪� :‬إحداهما‬ ‫حجبت بها عن حما�سن هذه الطائفة ولطف‬ ‫نفو�سهم و�صدق معاملتهم ف�أهدروها لأجل هذه‬ ‫ال�شطحات و�أنكروها غاية الإنكار و�أ�ساءوا الظن‬ ‫بهم مطلقاً وهذا عدوان و�إ�سراف فلو كان كل‬ ‫من �أخط�أ �أو غلط ترك جملة و�أهدرت حما�سنة‬ ‫لف�سدت العلوم وال�صناعات واحلكم وتعطلت‬ ‫معاملها‪ .‬والطائفة الثانية حجبت مبا ر�أته من‬ ‫حما�سن القوم و�صفاء قلوبهم و�سحة عزائمهم‬ ‫وح�سن معامالتهم عن ر�ؤية عيوب �شطحاتهم‬ ‫ُ‬ ‫ونق�صائها ف�سحبت عليها ذيل املحا�سن و�أجرت‬ ‫عليها حكم القبول والإنت�صار لها وا�ستظهرت‬ ‫بها يف �سلوكها‪.‬‬ ‫والطائفة الثالثة‪ :‬وهم �أهل العدل والإن�صاف‬ ‫الذين �أعطوا كل ذي حق حقه و�أنزلوا كل ذي‬ ‫منزلة منزلته‪ ،‬فلم يحكموا لل�صحيح ببحكم‬ ‫ال�سقيم واملعلول وال للمعلول ال�سقيم بحكم‬ ‫ال�صحيح‪ ،‬بل قبلوا ما يقبل وردوا ما يرد‬ ‫ويح�ضرين هنا املوقف اجلليل لأبن تيمية‬ ‫وهو من �أ�ساطني املذهب احلنبلي حني �سئل‬ ‫عن �أ�صول املذهب املالكي ومنزل الإمام مالك‪،‬‬ ‫ف�أملى ررحمة اهلل يف ذلك كتاباً م�ضمنه تف�ضيل‬ ‫مذهب الإمام مالك و�أهل املدينة و�سحة �أ�صوله‬ ‫ومثل هذا موقف الإمام ال�شاطبي‪ ،‬حني تطرق‬ ‫�إىل بع�ض االجتهادات الفقهية التي تنتقد على‬ ‫احلنفية ويعابون بها عند غريهم فبعد �أن‬ ‫�شرحها �شرحاً رفيعاً ودافع عنها دفاعاً باهراً‪،‬‬ ‫ختم ذلك بقوله وهذه جملة مما ميكن �أن يقال‬ ‫يف اال�ستدالل على جواز التحليل يف امل�س�ألة و�أدلة‬ ‫اجلهة الأخرى يق�صد �أ�صحابه املالكية مقررة‬ ‫وا�ضحة �شهرية فطالعها يف موا�ضعها و�إمنا‬ ‫ق�صدهناهذاالتقريرالغريبلقلةالإطالععليه‬ ‫منكتب�أهله‪�،‬إذكتباحلنفيةكاملعدومةالوجود‬ ‫يف بالد املغرب وكذلك كتب ال�شافعية وغريهم‬ ‫من �أهل املذاهب ومع �أن اعتياد اال�ستدالل‬ ‫ملذهب واحد رمبا يك�سب الطالب نفوراً و�إنكاراً‬ ‫ملذهب غري مذهبه من غري �إطالع على م�أخذه‬ ‫فيورث ذلك حزازة يف الإعتقاد يف الأئمة الذين‬ ‫�أجمع النا�س على ف�ضائلهم وتقدمهم يف الدين‬ ‫وا�ضطالعهم مبقا�صد ال�شارع وفهم �أغرا�ضه‬ ‫وقد وجد هذا كثريا‪.‬‬

‫الأ�سا�سالثالث‬ ‫اتباعالنقلواال�ستعانةبالعقل‪.‬‬ ‫هذا الأ�سا�س من الأ�س�س ال�ضامنة للتوازن‬ ‫والو�سطية وال�سداد وخا�صة يف فهم الدين‬ ‫عقيدة و�شريعة‪ ،‬وهذا الأ�سا�س مفاده ومقت�ضاه‬ ‫�أن فهم الدين والتعامل مع م�ضامينه ومعانيه‪،‬‬ ‫يتوقفان على املنقول واملعقول معاً وال ميكن‬ ‫اال�ستغناء ب�أحدهما وعن الآخر �أو �إلغاء �أحدهما‬ ‫بالآخر‪.‬‬ ‫وقد �صور الراغب اال�صفهاين عالقة العقل‬ ‫بال�شرع ت�صويراً بارعاً بقوله‪� :‬أعلم �أن العقل لن‬ ‫يهتدي �إال بال�شرع وال�شرع ال يتبني �إال بالعقل‪،‬‬ ‫فالعقل كالآ�س وال�شرع وكالبناء ولن يغني �أ�س‬ ‫ما مل يكن بناء ما مل يكن �أ�س‪ ،‬و�أي�ضاً فالعقل‬ ‫كالب�صر وال�شرع كال�شعاع و�أن يغني الب�صر ما‬ ‫مل يكن �شعاع من خارج و�أن يغني ال�شعاع ما مل‬ ‫يكن ب�صر‪ ،‬ولهذا قال تعاىل‪َ ( :‬يا �أَهْ َل ا ْل ِك َتابِ َق ْد‬ ‫ريا ممِّ َّ ا ُكن ُت ْم ُتخْ ُفو َن‬ ‫َجا َء ُك ْم َر ُ�سو ُل َنا ُي َبينِّ ُ َل ُك ْم َك ِث ً‬ ‫للهَّ‬ ‫ري َق ْد َجا َء ُكم م َِّن ا ِ‬ ‫مِ َن ا ْل ِك َتابِ َو َي ْع ُفو عَن َك ِث ٍ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫ُنو ٌر َ ِك َت ٌاب ُّم ِب ٌ‬ ‫ني ـ َيهْدِي ِب ِه ا م َِن ا َّت َب َع ر ِْ�ض َوا َن ُه‬ ‫ال�سال ِم َو ُيخْ ر ُِجهُم م ِ​ِّن ُّ‬ ‫الظ ُل َماتِ �إِلىَ ال ُّنو ِر‬ ‫ُ�س ُب َل َّ‬ ‫ِب�إِ ْذ ِنهِ)‪ .‬و�أي�ضاً فالعقل كال�سراج وال�شرع كالزيت‬ ‫الذي ميده ف�إن مل يكن زيت مل يح�صل ال�سراج‬ ‫و�إن مل يكن �سراج لن ي�ضيء زيت وعلى هذا نبه‬ ‫ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض َم َث ُل‬ ‫اهلل تعاىل‪( :‬اللهَّ ُ ُنو ُر َّ‬ ‫اج ٍة‬ ‫ُنو ِر ِه َكمِ ْ�ش َكا ٍة فِيهَا مِ ْ�ص َبا ٌح المْ ِْ�ص َبا ُح فيِ ُز َج َ‬ ‫اج ُة َك�أَ َّنهَا َك ْو َك ٌب ُدرِّيٌّ ُيو َق ُد مِ ن َ�ش َج َر ٍة‬ ‫ال ُّز َج َ‬ ‫ُّم َبا َر َك ٍة َز ْي ُتو َن ٍة اّل َ�ش ْر ِق َّي ٍة َوال َغ ْر ِب َّي ٍة َي َكا ُد َز ْي ُتهَا‬ ‫ُي ِ�ضي ُء َو َل ْو لمَ ْ تمَ ْ َ�س ْ�س ُه َنا ٌر ُّنو ٌر َعلَى ُنو ٍر َيهْدِي اللهَّ ُ‬ ‫ا�س َواللهَّ ُ‬ ‫ِل ُنو ِر ِه مَن َي َ�شاء َو َي ْ�ضر ُِب اللهَّ ُ الأَ ْم َثا َل لِل َّن ِ‬ ‫ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ٌم)‪ .‬فال�شرع عقل من خارج وعقل‬ ‫من داخل وهما متعا�ضدان بل متحدان وهذا ال‬ ‫يعني �أبدا الت�سوية يف القيمة واملرتبة بني النقل‬ ‫والعقل �أو بني الوحي والر�أي فالعقل والنقل‬ ‫و�إن كانا معاً هبه من اهلل تعاىل وال ي�ستغنى‬ ‫ب�أحداهما عن الآخر ف�إن الوحي هو كلمة اهلل‬ ‫اخلال�صة وهدايته املبا�شرة‪� ،‬أما العقل فهو هبه‬ ‫من اهلل ولكن ي�ستعملها الإن�سان ويت�صرف بها‬ ‫وي�شكل من خاللها �إدراكاته زا�ستنتاجاته و�آراءه‬ ‫بح�سب درجته من التعقل والتعلم واال�ستقامة‬ ‫والنزاهة‪.‬‬ ‫فوظيفة العقل من النقل يحب فهم النقل‬


‫ويح�سن العمل به‪ :‬فهو الذي يدرك دالالت‬ ‫ال�شرع و�إ�شارته ويربط جزئياته بكلياته‬ ‫وي�ستق�صي مقا�صده ومراميه وهو الذي ي�ضع‬ ‫�أحكام ال�شرع يف موا�ضعها ومناطاتها ويرفع عن‬ ‫النا�س خفاياها وم�شكالتها وهو الذي ينظر يف‬ ‫م�آالت الأفعال وتغري الأحوال وما يتبع ذلك من‬ ‫تغري يف الأحكام ‪..‬‬ ‫ا�ص‬ ‫ِ�ص ِ‬ ‫ويف تف�سري قوله تعاىل‪َ ( :‬و َل ُك ْم فيِ ا ْلق َ‬ ‫َح َيا ٌة َي ْا �أُ يِ ْ‬ ‫ول الأَ ْلبَابِ َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقو َن) قال الإمام‬ ‫الطربي‪ :‬و�أما ت�أويل قوله ( َي ْا �أُ يِ ْ‬ ‫ول الأَ ْلبَابِ )‪،‬‬ ‫ف�إنه يا �أويل العقول والألباب جمع اللب‪ ،‬واللب‪،‬‬ ‫العقل وخ�ص اهلل تعاىل ذكره باخلطاب �أهل‬ ‫العقول‪ ،‬لأنهم هم الذين يعقلون عن اهلل �أمره‬ ‫ونهيه ويتدبرون �آياته وحججه دون غريهم‪.‬‬ ‫ولوال �أهمية العقل والتعقل يف ُح�سن الفهم‬ ‫لل�شرع و�سالمة العمل به ملا حث اهلل على تدبر‬ ‫كتابه وعلى التفقه يف دينه فمجرد حفظ‬ ‫الن�صو�ص ومعرفة �ألفاظها وطواهرها لي�س‬ ‫فقهاً‪( ،‬فرب حامل فقه �إىل من هو �أفقه منه‬ ‫ورب حامل فقه لي�س بفقيه ‪ )..‬والفرق بينهما‬ ‫يكمن يف وجود التدبر والتعقل عند �أحدهما‪،‬‬ ‫وعدمه �أو �ضعفه عند الآخر‪.‬‬ ‫فتمام العلم و�سداد الفقه �إمنا يكون بالتالحم‬ ‫والتوفق بني �صحيح املنقول و�صريح املعقول‪� ،‬أو‬ ‫كما قال الإمام الغزايل و�أ�شرف العلوم ما ازدوج‬ ‫فيهالعقلوال�سمع‪،‬و�أ�صطحبفيهالر�أيوال�شرع‬ ‫وعلم الفقه و�أ�صوله من هذا القبيل ف�إنه ي�أخذ‬ ‫من �صفو ال�شرع والعقل �سواء ال�سبيل فعلى هذا‬ ‫الأ�صل نتحا�شى غلو العقالنيني املنافقني لأدلة‬ ‫ال�شرع وغلو الظاهرين املجافني لأنوار العقل‪.‬‬ ‫الأ�سا�سالرابع‬ ‫اجلمع بني الكليات واجلزئيات‪.‬‬ ‫فمما ال خالف فيه وال غبار �أن الدين وال�شرع‬ ‫كليات وجزئيات �أو �أ�صول وفروع فكليات الدين‬ ‫دين وجزئيات الدين دين‪ ،‬وبدون الكليات‬ ‫واجلزئيات معاً ال يبقى للدين حقيقة وال يكون‬ ‫له حتقق وبدون الفروع واجلزئيات يفقد الدين‬ ‫حتققه‪.‬‬ ‫فالكلياتال�شرعيةبدونجزئياتهاالتطبيقية‬ ‫الواردة معها تبقى جمرد نظريات و�شعارات‬ ‫قابلة للت�أويل والتعطيل‪ ،‬واجلزئيات �إذا �أخذت‬

‫بدون كلياتها‪� ،‬أنفطر عقدها و�ضاع نظامها‪.‬‬ ‫ولذلك كما يقول ال�شاطبي فمن الواجب اعتبار‬ ‫تلك اجلزيئات بهذه الكليات عن �إجراء الأدلة‬ ‫اخلا�صةمنالكتابوال�سنةوالإجماعوالقيا�س�إذ‬ ‫حمال �أن تكون اجلزئيات م�ستغنية عن كلياتها‪،‬‬ ‫فمن �أخذ بن�ص مث ً‬ ‫ال يف جزئي معر�ضاً عن كليه‬ ‫فقد �أخط�أ وكما �أن من �أخذ باجلزئي معر�ضاً‬ ‫عن كليه فهو خمطئ كذلك من �أخذ بالكلي‬ ‫معر�ضاً عن جزئية ولتو�ضيح امل�س�ألة نقول على‬ ‫�سبيل املثال ملا كان القيام بالق�سط مق�صداً كلياً‬ ‫من مقا�صد ال�شريعة بل هو املق�صد اجلامع‬ ‫لكل ال�شرائع املنزلة لزم عند النظر يف جزئيات‬ ‫الأحكام املن�صو�صة �أو االجتهادية وخا�صة يف‬ ‫�أبواب املعامالت واملنازعات لزم �إ�ستح�ضار هذا‬ ‫املق�صد الكلي واحلر�ص على مراعاتها وحتقيقه‬ ‫فيها‪ ،‬ومنع �إجراء الأحكام �أو تف�سريها على‬ ‫نحو يخل به ويناق�ضه كذلك ال ينبغي حمل‬ ‫�شعار الق�سط بدون تفا�صيله ال�شرعية الثابتة‬ ‫ب�إعتبارهامبينةمل�ضامينهوجمليةملعايريه‪.‬‬ ‫وهكذا يقال يف �سائر الكليات مع جزئياتها‪:‬‬ ‫كحفظال�ضرورياتاخلم�سورفعالعنتواحلرج‬ ‫وكمنع ال�ضرر وال�ضرار وجلب امل�صالح ودرء‬ ‫املفا�سد وك�إخراج املكلف عن داعيه هواه وحتقيق‬ ‫عبودتيه ملواله وكدرء اخل�صومات واملنازعات‬ ‫والفنت ما �أمكن وكبث مكارم الأخالق و�صيانتها‬ ‫من بر و�إح�سان وعفو وفاء وتوا�صل وتراحم‪..‬‬ ‫فمثل هذه الكليات ال�شرعية القطعية ال بد‬ ‫من مراعاتها والتمكني لها يف كل فهم واجتهاد‬ ‫ويف كل تفريع وتطبيق كما ال بد من مراعاة ما‬ ‫ثبت من فروعها املن�صو�صة يف ال�شرع ال بديف كل‬ ‫م�س�ألة من �إعطاء الكلي حقه ومكانته الكلية‪،‬‬ ‫ومن �إعطاء اجلزئي حقه ومكانته اجلزئية من‬ ‫غري �إهدار �أو جتاهل لأي منهما‪.‬‬ ‫الأ�سا�ساخلام�س‬ ‫االرتباطبالأ�صلوالإت�صالبالع�صر‪.‬‬ ‫وهذا الأ�سا�س �شعاراً لدى بع�ض العلماء‬ ‫واملفكرين حتى �أتخذه املركز العاملي للو�سطية‬ ‫بالكويت‪ ،‬وهو بدون �شك �أحد الأ�س�س ال�ضامنة‬ ‫للر�ؤيةالو�سطيةاملتوازنةاملتب�صرة‪.‬‬ ‫ف�أما االرتباط بالأ�صل يعني �أو ًال الإ�ستم�ساك‬ ‫بعقيدتناو�شريعتناومب�صدريهااخلالدينكتاب‬

‫اهلل عز وجل و�سنة نبيه �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫وهو �أي�ضاً التم�سك مبا �أجمعت عليه الأمة‬ ‫و�أئمتها وعلما�ؤها املعتربون وخا�صة من‬ ‫ال�صحابةوال�سلفاملتقدمني‪.‬‬ ‫وهو يعني االعتزاز برتاثنا العلمي‬ ‫واحل�ضاري وموا�صلة البناء عليه‪ ،‬من خالل‬ ‫ا�ستدامةالتعاملمعهواال�ستمدادمن�إيجابياته‬ ‫ومزاياه‪.‬‬ ‫و�أما االت�صال بالع�صر فمعناه �أو ًال الوعي‬ ‫واملعرفة العلمية ب�أحوالنا وبذاتنا يف هذا الع�صر‬ ‫والوعي باملتغريات التي طر�أت على �أمتنا‬ ‫وجمتمعاتنا �سواء يف او�صاعنا االقت�صادية �أو‬ ‫االجتماعية �أو يف او�ضاعنا ال�سيا�سية والع�سكرية‬ ‫�أو يف او�ضاعنا الفكرية والثقافية �أو يف او�ضاعنا‬ ‫العلمية والإعالمية �أو يف حياتنا الفردية‬ ‫والأ�سرية‪.‬‬ ‫فات�صالنا بالع�صر يتمثل �أو ًال يف وعينا بع�صرنا‬ ‫نحن امل�سلمني �أي بتغرياتنا وم�ستحجداتنا‬ ‫الذاتية وهذا يقت�ضي �أن كل ما ي�صدر عنا من‬ ‫ت�شخي�ص وحتليل �أو تقومي وتقدير �أو اجتهاد‬ ‫و�إفتاء‪ ،‬يجب �أن يكون مبنياً على حقيقة ما‬ ‫نحن عليه من �أحوال يف �أمتنا وواقعنا ولي�س بناء‬ ‫على ما تكون يف �أذهاننا عن �أ�سالفنا وما�ضينا‬ ‫وتاريخنا ففي واقعنا وبداخلنا اليوم متغريات‬ ‫كثرية وعميقة مل تكن من قبل منها ما هو‬ ‫�إيجابي منها ما هو �سلبي فيجب الوعي بكل‬ ‫ذلك وح�سن تقديره ومراعاته‪.‬‬ ‫وات�صالنا بالع�صر يعني ثانياً الوعي املماثل‬ ‫بالعامل املحيط بنا واملتداخل معنا مبا ميكن‬ ‫من ر�ؤيته ر�ؤية مو�ضوعية �صحيحة لي�س فيها‬ ‫�إفراطوالتفريط‪،‬ر�ؤيةت�ستوعبال�صورةكاملة‪،‬‬ ‫ب�أطرافهاو�سائرمكوناتهاوبجميع�ألوانها‪.‬‬ ‫والإت�صال بالع�صر يعني التفاعل معه ومع‬ ‫�أهله من غري امل�سلمني تفاع ً‬ ‫ال �إيجابياً م�ؤثراً‬ ‫وم�ستفيداً فعندنا الكثري مما نعطيه لع�صرنا‬ ‫ول�شعوب زماننا‪ ،‬وعند غرينا �أي�ضاً الكثري مما‬ ‫نفتقده ونحتاج �إليه وال ف�ضا�ضة يف �أن نتعلم‬ ‫ون�ستفيدون�أخذمنغرينابلالف�ضا�ضةوالغلظ‬ ‫هما ترك ذلك وتفويته‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪22‬‬

‫أقصد بالجهاد القتالي‪ :‬بذل الجهد عن طريق المدافعة‬ ‫أو القتال في حماية دار اإلسالم ودعوة اإلسالم‪ ،‬ودين اهلل‬ ‫ عز وجل ‪ -‬وإزالة الحواجز والعقبات من طريق الدعوة‬‫اإلسالمية؛ حتى تب ِّلغ كلمتها إلى العالم‪ ،‬وردع المعتدين‬ ‫ومنعهم من األذى والفساد‪ ،‬والدفاع عن المستضعفين‪ ،‬و‬ ‫درء الفتنة(الحرابة‪ ،‬الردة‪ )...‬وم ْنع ْ‬ ‫الداخل والخا ِرج‪.‬‬ ‫البغي في َّ‬ ‫والجهاد القتالي نوع من أنواع الجهاد العام وباب من أبوابه‬ ‫الكثيرة‪ ،‬ال يلجأ إليه إال في حاالت استنثائية‪ ،‬وفق ضوابط‬ ‫شرعية‪.‬‬

‫الجهاد القتالي‪:‬‬ ‫ضوابطه ومقوماته‬

‫د‪.‬ر�شيد ُك ُهو�س‬

‫وعليه‪ ،‬ف�إن جناح اجلهاد القتايل يتوقف على‬ ‫ان�ضباطه بال�ضوابط القر�آنية املذكورة يف‬ ‫كتاب اهلل تعاىل‪،‬وهي كالآتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬الإميان بكل �أركانه‪:‬‬ ‫�إن الإميان بكل �شروطه و�أركانه هو عقيدة‬ ‫امل�ؤمن ال�سليمة امل�ستمدة من وحي ال�سماء‪،‬‬ ‫هي رابطته‪ ،‬وهي قومه‪ ،‬وهي �أهله‪ ،‬وهي كل‬ ‫�شيء‪ ،‬عليها يجتمع الب�شر‪ ،‬ال على ما جتتمع‬ ‫البهائم من كلأ ومرعى وقطيع و�سياج كما‬ ‫نرى يف احل�ضارة الغربية الغارقة يف �أوحال‬ ‫ال�شركيات‪.‬‬ ‫�إن الإميان بكل �أركانه �أو العقيدة ال�صحيحة‬ ‫هي �أهم �ضابط للجهاد ودعامته الرئي�سة؛‬ ‫على �ضوئها ويف م�ضمارها يخطط املجاهد‬ ‫لعمله وفق ما حتدده العقيدة يف دائرتها ال‬ ‫خارجها‪ .‬فالعقيدة �أو الإميان له ارتباط‬ ‫وثيق باجلهاد؛ ففي القر�آن الكرمي ما ذكر‬ ‫التحري�ض على اجلهاد �إال �سبقه ذكر الإميان‬ ‫والهجرة �إىل اهلل‪ ،‬قال احلق تعاىل‪:‬‬ ‫ين �آ َم ُنوا َوا َّلذِ َ‬ ‫(�إِ َّن ا َّلذِ َ‬ ‫َاج ُروا َو َجا َهدُوا‬ ‫ين ه َ‬ ‫فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ �أُو َلئ َِك َي ْر ُجو َن َر ْح َمتَ اللهَّ ِ َواللهَّ ُ‬

‫َغ ُفو ٌر َرحِ ي ٌم) (‪.)1‬‬ ‫وقال جل ثنا�ؤه‪�(:‬إِ َّن ا َّلذِ َ‬ ‫َاج ُروا‬ ‫ين �آ َم ُنوا َوه َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َو َجا َهدُوا ِب�أَ ْم َوا ِل ِه ْم َو َ�أ ْن ُف�سِ ِه ْم فيِ َ�سبِيلِ ا ِ‬ ‫َوا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َو ْوا َو َن َ�ص ُروا �أُو َلئ َِك َب ْع ُ�ض ُه ْم �أَ ْو ِل َيا ُء‬ ‫َب ْع ٍ�ض َوا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا َولمَ ْ ُيهَاجِ ُروا مَا َل ُك ْم‬ ‫مِ نْ َو اَل َي ِت ِه ْم مِ نْ َ�ش ْي ٍء َح َّتى ُيهَاجِ ُروا َو�إِنِ‬ ‫ِّين َف َعلَ ْي ُك ُم ال َّن ْ�ص ُر �إِ اَّل َعلَى‬ ‫ْا�س َت ْن َ�ص ُرو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫َق ْو ٍم َب ْي َن ُك ْم َو َب ْي َن ُه ْم مِ ي َث ٌاق َوا بمِ َا َت ْع َم ُلو َن‬ ‫ري) (‪. )2‬‬ ‫َب ِ�ص ٌ‬ ‫وقال جل جالله‪َ (:‬وا َّلذِ َ‬ ‫َاج ُروا‬ ‫ين �آ َم ُنوا َوه َ‬ ‫َ‬ ‫َو َجا َهدُوا فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ َوا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َو ْوا َون َ�ص ُروا‬ ‫�أُو َلئ َِك هُ ُم المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن َح ّقاً َل ُه ْم َم ْغ ِف َر ٌة َو ِر ْز ٌق‬ ‫َك ِرميٌ‪َ ،‬وا َّلذِ َ‬ ‫َاج ُروا‬ ‫ين �آ َم ُنوا مِ نْ َب ْع ُد َوه َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْر َحا ِم‬ ‫َو َجا َهدُوا َم َع ُك ْم َف�أو َلئ َِك مِ ْن ُك ْم َو�أو ُلوا ْ أ‬ ‫َب ْع ُ�ض ُه ْم �أَ ْولىَ ِب َب ْع ٍ�ض فيِ ِك َتابِ اللهَّ ِ �إِ َّن اللهَّ َ ِب ُكلِّ‬ ‫َ�ش ْي ٍء َعلِي ٌم) (‪.)3‬‬ ‫وقال احلق �سبحانه‪( :‬ا َّلذِ َ‬ ‫َاج ُروا‬ ‫ين �آ َم ُنوا َوه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو َجا َهدُوا فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ ِب�أَ ْم َوا ِل ِه ْم َو�أ ْن ُف�سِ ِه ْم �أ ْع َظ ُم‬ ‫ِك م ا ْل َفائ ُزو َن)(‪.)4‬‬ ‫َد َر َج ًة عِ ْن َد اللهَّ ِ َو�أُو َلئ َ هُ ُ ِ‬ ‫وقالاحلقجلتعظمتهوتقد�ستكلماته‪�(:‬إِنمَّ َ ا‬ ‫ذِين �آ َم ُنوا بِاللهَّ ِ َو َر ُ�سو ِل ِه ُث َّم لمَ ْ‬ ‫المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن ا َّل َ‬


‫َي ْر َتا ُبوا‬ ‫َو َجــا هـ ـ َ ُد وا ِبـ ـ‬ ‫َ‬ ‫ـ�أَ ْمـ ـ ـ َوا ِلـ ـ ـ ِه ـ ْم َو�أ ْن ُف�سِ ِه ْم فيِ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ال�صا ِد ُقو َن) ‪.‬‬ ‫َ�سبِيلِ اللهَّ ِ �أُو َلئ َِك هُ ُم َّ‬ ‫فنالحظ يف كل الآيات ال�سابقة تالزم‬ ‫الإميان والهجرة(‪ )6‬واجلهاد يف �سبيل اهلل(‪،)7‬‬ ‫وهي دعائم ثالث بها يكمل �إميان املرء‪.‬‬ ‫نعود ‪-‬والعود �أحمد‪ -‬حلديثنا عن العقيدة‬ ‫ال�صحيحة‪ ،‬ولهذا فمنذ حلظات الفجر‬ ‫الأوىل‪ ،‬كانت العقيدة بالن�سبة للإن�سان‬ ‫امل�سلم واجلماعة امل�سلمة مبثابة الدافع‬ ‫والهدف‪ ..‬فهي حتركهم من الداخل بعطائها‬ ‫الدائم ومطالبها امل�ستمرة‪ ،‬وهي تناديهم من‬ ‫اخلارج ليتحركوا �إىل الأهداف الكبرية التي‬ ‫جاء بها هذا الدين لكي يجعل العامل يتحقق‬ ‫بها‪ ،‬فيكون عاملا جديرا بالإن�سان الذي كرمه‬ ‫اهلل (‪.)8‬‬ ‫فالأ�سا�س الأول لهذا اجلهاد بكل �أبوابه‬ ‫هو التوحيد الذي جاء به الإ�سالم ليعيد �إليه‬ ‫�صفاءه الأول‪ ،‬ولي�أخذ بيد النا�س �إىل ربهم‪،‬‬ ‫وليخرجهم من ظلمات ال�شركيات وكهوف‬ ‫العقائد املنحرفة ال�ضالة �إىل نور التوحيد‬ ‫والعقيدة ال�سليمة ليعبد النا�س ربهم الذي‬ ‫خلقهم والذين من قبلهم وال يجعلوا معه‬ ‫�أندادا‪ ،‬يقول اهلل جل وعال‪ُ ( :‬ق ْل هُ َو اللهَّ ُ‬ ‫ال�ص َمدُ‪ ،‬لمَ ْ َي ِل ْد َولمَ ْ ُيو َلدْ‪َ ،‬ولمَ ْ َي ُكنْ‬ ‫�أَ َحدٌ‪ ،‬اللهَّ ُ َّ‬ ‫َل ُه ُك ُفواً �أَحدٌ)(‪)9‬‬ ‫َ ‪� .‬إنها �أروع �صورة للعقيدة‬ ‫الإ�سالمية ال�صحيحة التي بها اهتدى النا�س‬ ‫�إىل �سبيل الر�شاد‪ ،‬وبها تبو�أوا املكانة الرفيعة‬ ‫يف العامل قبل �أن يزيغوا عن جادة ال�صواب‪.‬‬ ‫�إنها الطاقة اخلالدة للمجاهدين يف �سبيل‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬ف�إنه ما من خطوة يف تاريخ الب�شرية‬ ‫حررت العقل‪ ،‬وكرمته‪ ،‬وو�ضعته يف موقعه‬ ‫ال�صحيح كهذه اخلطوة ‪ :‬حتويل التوجه‬ ‫الإن�ساين من التعدد �إىل التوحيد‪ ،‬ومن‬ ‫عبادة العباد �إىل عبادة اهلل وحده‪ ،‬ومن ع�شق‬ ‫الأحجار والأ�صنام والتماثيل والأوثان �إىل‬ ‫حمبة ال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــق الــذي ال تل ـمــ�س ــه الأيدي وال‬

‫تراه‬ ‫ا لعيو ن‬ ‫(‪.)10‬‬ ‫�إن العقيدة روح‬ ‫اجلهاد‪ ،‬وما �أ�صاب الأمة‬ ‫الإ�سالمية اليوم من تخلف‬ ‫و�ص َغار‪ ،‬ومن نكبة قا�صمة لظهرها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫و َت َتايع(‪)11‬‬ ‫ُ اخلطوب عليها‪ ،‬يرجع كل ذلك �إىل‬ ‫غيبة تلك الروح من ج�سد الأمة‪ ،‬فت�ضع�ضع‬ ‫ذلك الكيان‪ ،‬و�أ�صبحت الأمة خائرة جامدة‬ ‫متوعكة مري�ضة‪.‬‬ ‫�إن الإرادة القوية التي تهدف �إىل البناء‬ ‫هي التي خارت و�ضعفت‪ ،‬ب�سبب الداء الع�ضال‬ ‫الذي �أ�صابها ؛ الداء الذي �أكل �أح�شاء الأمة‬ ‫ونخر كيانها‪ ،‬ف�أ�صبحت ق�صعة توكل وتداعت‬ ‫عليها الأمم من �صهيونية حاقدة و�صليبية‬ ‫كافرة وعدو ال يرعى فيها �إ ًّال وال ذمة‪ ،‬فنكل‬ ‫بها و�أفنى قوتها‪ ،‬و�أزال ا�ستقاللها‪ ،‬وفرق‬ ‫�شملها‪ ،‬وزرع ال�شقاق يف �أر�ضها‪ ،‬ومزقها �شر‬ ‫ممزق‪.‬‬ ‫�إن كل هذه الأدواء والأمرا�ض التي نراها‬ ‫يف جمتمعاتنا راجعة �إىل اختالل العقيدة‬ ‫روح اجلهاد يف �سبيل اهلل‪.‬‬ ‫‪ -2‬وحدة الغاية‪:‬‬ ‫�إن الإميان الكامل والعقيدة ال�صحيحة‬ ‫ت�ستلزم �أن تكون غاية املجاهدين واحدة؛ هي‬ ‫القتال يف �سبيل اهلل ن�صرة لدينه وحمايته‬ ‫لدعوة الإ�سالم‪ ،‬ال القتال للغنيمة وال ل�سمعة‬ ‫وال للدنيا‪ ،‬خروج هلل ويف اهلل‪ ،‬يجاهدون‬ ‫كالبنيان املر�صو�ص قلبا وقالبا‪ .‬قال احلق‬ ‫جل ذكره‪(:‬ا ْن ِف ُروا خِ َفافاً َو ِث َقا ًال َو َجاهِ دُوا‬ ‫ِب�أَ ْم َوا ِل ُك ْم َو َ�أ ْن ُف�سِ ُك ْم فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ َذ ِل ُك ْم َخيرْ ٌ‬ ‫َل ُك ْم �إِنْ ُك ْن ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن)(‪� ،)12‬أي‪ :‬ابذلوا جهدكم‬ ‫يف ذلك‪ ،‬وا�ستفرغوا و�سعكم يف املال والنف�س‪،‬‬ ‫ويف هـذا دلـ ـ ـيـل عـ ـل ــى �أنـ ـ ـ ــه ‪-‬ك ـ ـم ـ ــا يـ ـ ـج ـ ــب‬

‫اجلهاد‬ ‫يف‬ ‫النف�س‪ -‬يجب‬ ‫اجلهاد يف املال‪،‬‬ ‫حيث اقت�ضت احلاجة‬ ‫ودعت لذلك‪.‬‬ ‫ثم قال‪َ ( :‬ذ ِل ُك ْم َخيرْ ٌ َلك ْمُ‬ ‫ِ�إنْ ُك ْن ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن)�أي‪ :‬اجلهاد يف‬ ‫النف�س واملال‪ ،‬خري لكم من التقاعد‬ ‫عن ذلك‪ ،‬لأن فيه ر�ضا اللهّ تعاىل‪ ،‬والفوز‬ ‫بالدرجات العاليات عنده‪ ،‬والن�صر لدين‬ ‫اللهّ ‪ ،‬والدخول يف جملة جنده وحزبه (‪.)13‬‬ ‫‪ -3‬ال�صف املر�صو�ص‪:‬‬ ‫لأهمية وحدة ال�صف يف االنت�صار جعل‬ ‫اهلل �سبحانه وتعاىل �سورة قر�آنية با�سمه‪،‬‬ ‫وهي �سورة (ال�صف)‪ .‬فال�صف املعوج ال يحقق‬ ‫ن�صرا وال عزا وال عدال‪ ،‬وال�صف املعوج موهن‬ ‫للعزائم‪ ،‬ممكن للعدو من الظفر ببغيته‪،‬‬ ‫ومبدد للقوى‪.‬‬ ‫فالتحام ال�صفوف ماديا ومعنويا‪ ،‬والتحام‬ ‫الأج�ساد والقلوب‪� ،‬شرط �ضروري يف اجلهاد‬ ‫القتايل‪.‬يقول اهلل تبارك وتعاىل‪�(:‬إِ َّن اللهَّ َ‬ ‫يُحِ ُّب ا َّلذِ َ‬ ‫ين ُي َقا ِت ُلو َن فيِ َ�سبِي ِل ِه َ�ص ّفاً َك�أَ َّن ُه ْم‬ ‫ان مر�صو�ص) (‪)14‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ُب ْن َي ٌ َ ْ ُ ٌ‬ ‫والأمة لن حتقق هدفها �إال حني يكون‬ ‫�أبنا�ؤها كالبنيان املر�صو�ص وال ًء هلل‪،‬‬

‫‪23‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫واعت�صاما به‪ ،‬وكراهية للكفر و�أهله‪ ،‬والظلم‬ ‫و�أعوانه‪ ،‬يتح�صنون من �أ�سباب االخرتاق‬ ‫والبيع الرخي�ص ل�شرف الدعوة‪ ،‬وكرامة‬ ‫املوقف واالن�ضمام لفريق �أعداء الإ�سالم‬ ‫الذين يكيدون له وميكرون بدعاته(‪.)15‬‬ ‫‪ -4‬التوكل على اهلل واالعتماد عليه‪:‬‬ ‫فال يغرت املجاهدون بكرثتهم‪ ،‬وال ب�إعدادهم‪،‬‬ ‫وال يغرتوا ب�أنف�سهم‪� ،‬إذ االغرتار بالنف�س‬ ‫واالعتقاد يف الأ�سباب من �أبرز عوامل‬ ‫اخلذالن وم�سبباته‪ ،‬فالن�صر من عند اهلل‪،‬‬ ‫ين�صر عباده املتوكلني عليه املعتمدين على‬ ‫ت�أييده ومدده‪ ،‬قال اهلل عز ا�سمه‪َ (:‬ومَا ال َّن ْ�ص ُر‬ ‫ِيم)(‪ ،)16‬واهلل اهلل‬ ‫�إِ اَّل مِ نْ عِ ْندِ اللهَّ ِ ا ْل َعزِي ِز الحْ َ ك ِ‬ ‫جل ذكره‪�( :‬إِنْ َي ْن ُ�ص ْر ُك ُم اللهَّ ُ َفال َغال َِب َل ُك ْم‬ ‫َو ِ�إنْ َيخْ ُذ ْل ُك ْم َف َمنْ َذا ا َّلذِ ي َي ْن ُ�ص ُر ُك ْم مِ نْ َب ْعدِ ِه‬ ‫َو َعلَى اللهَّ ِ َف ْل َي َت َو َّكلِ المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن) (‪.)17‬‬ ‫ولنا يف غزوة حنني(‪ )18‬خري دليل على من‬ ‫اغرت بعدده وعدته‪ ،‬فقد �أعطى اهلل للم�سلمني‬ ‫در�سا قا�سيا حينما اعتمدوا على قوتهم‬ ‫وكرثتهم وعلى �أنف�سهم وعدتهم وعتادهم‬ ‫وقالوا‪ :‬لن نغلب اليوم من قلة (‪.)19‬‬ ‫ففر جل ذلك احل�شد الكبري ومل يبق مع‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إال فئة قليلة‬ ‫ثابتة‪ ،‬متواكلة على اهلل تعاىل‪ ،‬وتطهر‬ ‫ال�صف مما علق به من �ضعاف النفو�س‬ ‫الذين كانوا �سببا لت�أخر الن�صر‪ ،‬فلما فر من‬ ‫فر منهم‪ ،‬ومل تبق �إال فئة جماهدة �صادقة‪،‬‬ ‫خال�صة‪� ،‬أنزل اهلل ن�صره عليها‪ ،‬ليبني لهم‬ ‫�أن الن�صر من عنده‪ ،‬و�أن عليهم �أن يعدوا‬ ‫العدة‪ ،‬وي�أخذوا بالأ�سباب لكن �أن ال يعتقدوا‬ ‫يف الأ�سباب‪ ،‬بل يتوكلوا على م�سبب الأ�سباب‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪ ،‬قال احلق جل وعال‪ُ (:‬ث َّم‬ ‫�أَ ْن َز َل اللهَّ ُ َ�سكِي َن َت ُه َعلَى َر ُ�سو ِل ِه َو َعلَى المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني‬ ‫َو�أَ ْن َز َل ُج ُنوداً لمَ ْ َت َر ْوهَا َو َع َّذ َب ا َّلذِ َ‬ ‫ين َك َف ُروا‬ ‫َو َذل َِك َج َزا ُء ا ْل َكا ِفر َ‬ ‫ِين) (‪.)20‬‬ ‫‪� -5‬إعداد القوة‪:‬‬ ‫وهي �سنة �إلهية يف الأخذ بالأ�سباب‪ ،‬فالبد‬ ‫من �إعداد القوة‪ ،‬والأخذ مما عند الأمم من‬ ‫علوم وتكنولوجيا وتطوير ال�سالح وغري‬ ‫ذلك من العوامل املادية التي تدخل يف �سنة‬ ‫�إعداد القوة‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فواجب على �أمة اجلهاد �أن تعد ما‬ ‫ت�ستطيعه من قوة مادية لقتال �أعدائها‪ ،‬قال‬ ‫اهلل تعاىل‪َ ( :‬و�أَعِ دُّ وا َل ُه ْم مَا ْا�س َت َط ْع ُت ْم مِ نْ‬ ‫اط الخْ َ ْيلِ ُت ْرهِ ُبو َن ِب ِه َع ُد َّو اللهَّ ِ‬ ‫ُق َّو ٍة َومِ نْ ِر َب ِ‬

‫‪24‬‬ ‫ِين مِ نْ دُو ِن ِه ْم ال َت ْعلَ ُمو َن ُه ُم اللهَّ ُ‬ ‫َو َع ُد َّو ُك ْم َو� َآخر َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َي ْعلَ ُم ُه ْم َومَا ُت ْن ِف ُقوا مِ نْ َ�ش ْي ٍء فيِ َ�سبِيلِ ا ِ‬ ‫ُي َو َّف �إِ َل ْي ُك ْم َو�أَ ْن ُت ْم ال ُت ْظلَ ُمو َن) (‪.)21‬‬ ‫و�إىل جانب الإعداد املادي‪ ،‬هناك �أنواعا �أخرى‬ ‫تندرج �ضمن �سنة الإعداد؛‬ ‫�أ)‪-‬الإعداد الرتبوي‪� :‬إن �سنة الإعداد ال‬ ‫تقت�صر على القوة املادية فقط‪ ،‬و�إمنا‬ ‫تت�ضمنها وتت�سع دائرتها فت�شمل التعبئة‬ ‫الروحية‪.‬‬ ‫ومما ال �شك فيه �أن التعبئة الروحية هي‬ ‫قوة واقعة نحو الثبات يف لقاء العدو والإقدام‬ ‫يف �شجاعة نحو حتقيق الن�صر‪.‬‬ ‫والتعبئة الروحية �إمنا ُت َث َّبتُ دعائمها‪ ،‬وت�ؤتى‬ ‫ثمارها حينما يكون الهدف من اجلهاد‬ ‫وا�ضحا �سافرا (‪.)22‬‬ ‫هذا‪ ،‬ويت�ضمن الإعداد‪-‬الرتبوي وال�سلوكي‪-‬‬ ‫تقوية ال�صلة باهلل عز وجل‪ ،‬و�إخال�ص النية‬ ‫له‪ ،‬والتقرب له بالطاعات‪ ،‬كما كان النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يربي �أ�صحابه يف مكة‬ ‫من �صالة الليل وذكر اهلل وتالوة القر�آن‪،‬‬ ‫والرتبية على الزهد يف الدنيا والتخفف‬ ‫منها‪ ،‬والتطلع �إىل ما عند اهلل عز وجل من‬ ‫اجلنة والر�ضوان (‪.)23‬‬ ‫ب)‪ -‬الإعداد العلمي‪� :‬إن اجلهاد يف �سبيل‬ ‫اهلل ال يقوم على اجلهل ب�شرع اهلل ودينه‪،‬‬ ‫وما �أعده اهلل ملن يجاهد يف �سبيله‪ ،‬ويذود‬ ‫عن حمى �سنة نبيه امل�صطفى �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،‬بل البد ليكون اجلهاد تاما وكامال‪،‬‬ ‫�أن يكون على ب�صرية وعلى العلم والفقه‬ ‫ب�أحكامه وف�ضائله وغايته‪.‬‬ ‫ت)‪ -‬الإعداد املايل‪ :‬القوة املادية ع�صب‬ ‫احلياة الدنيا وقوامها‪ ،‬وال�ضعيف فيها على‬ ‫مر الع�صور مقهور ال يح�سب له ح�ساب �إال يف‬ ‫ظل �شرع اهلل حني ُي َحكم �إليه‪.‬‬ ‫ولي�س معنى هذا جعل الدعوة �شركة جتارية؛‬ ‫لكنه ينبغي االعتماد على الذات مبوارد‬ ‫ثابتة؛ وهذا من النفرة التي �أمرنا اهلل عز‬ ‫وجل ب�إعدادها ملواجهة الأعداء ون�شر الدين‪،‬‬ ‫واال�ستغناء عن مد يد اال�ستجداء (‪.)24‬‬ ‫ث)‪ -‬الإعداد الع�سكري‪ :‬من �سالح وتدريب‬ ‫جنود‪ ،...‬ورباط اخليل �إذ هو �أمن �أهم القوى‬ ‫احلربية‪ ،‬واملرابطة يف الثغور‪...‬‬ ‫عن ُع ْق َب َة ْب َن عَامِ رٍ ر�ضي اهلل عنه َي ُق ُ‬ ‫ول‪:‬‬ ‫َ�سمِ ْعتُ َر ُ�سو َل اللهَّ ِ �صلى اهلل عليه و�سلم َوهُ َو‬ ‫ب َي ُق ُ‬ ‫ول‪َ ( :‬و�أَعِ دُّ وا َل ُه ْم مَا ْا�س َت َط ْع ُت ْم‬ ‫َعلَى المْ ِ ْن رَ ِ‬

‫مِ نْ ُق َّوةٍ)(‪�( )25‬أَ َال �إِ َّن ا ْل ُق َّو َة ال َّر ْم ُي‪� ،‬أَ َال �إِ َّن ا ْل ُق َّو َة‬ ‫ال َّر ْم ُي‪� ،‬أَ َال �إِ َّن ا ْل ُق َّو َة ال َّر ْم ُي)(‪.)26‬‬ ‫ويف هذا احلديث ال�شريف �إ�شارة �إىل‬ ‫الرمي بهذه القنابل وال�صواريخ احلالية‪،‬‬ ‫و�أنها القوة احلقيقية ال غريها من كرثة‬ ‫اجلنود والأ�سلحة اخلفيفة‪ ،‬ف�إن الرمي بهذه‬ ‫القنابل وال�صواريخ يكون بوا�سطة الطائرات‪،‬‬ ‫والدبابات الربية‪ ،‬والبواخر احلربية البحرية‬ ‫وغريها مما ال تبقي وال تذر‪ ،‬ويتوىل �شخ�ص‬ ‫واحد �أو اثنان‪ ...‬قتل الألوف من الب�شر‬ ‫وتدمري مدن ب�أمتها‪ ،‬فيجب على الدول‬ ‫الإ�سالمية –�إن وجدت‪� -‬أن يناف�سوا الكفار‬ ‫يف اتخاذ هذه الأ�سلحة املتطورة واملدمرة‬ ‫وي�صنعوها ب�أيديهم وال يكونوا عالة على‬ ‫غريهم وذلك لريهبوا بها �أعداء الإ�سالم‬ ‫والدين من �سائر الأمم وال�شعوب والأجنا�س‪،‬‬ ‫و�أن يتدربوا على جميع الأ�سلحة اخلفيفة‬ ‫والثقيلة وكل و�سائل احلرب واجلهاد (‪.)27‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فعلى امل�سلم �أن ُيعد ال ُعدة وي�أخذ‬ ‫الأُهْ بة‪ ،‬وي�شهر �سيف احلق وليقاوم الباطل‪،‬‬ ‫ويحمل معول التطهري‪ ،‬ليهدم �صروح الت�أله‬ ‫يف الأر�ض‪ ،‬ويثل عرو�ش الطغيان واال�ستكبار‬ ‫وير�سي دعائم احلرية للعقائد كلها (‪.)28‬‬ ‫‪ -6‬طاعة القائد‪:‬‬ ‫�إن عاقبة الع�صيان وخيمة وجزا�ؤه فظيع‪،‬‬ ‫ذلك �أن التنازع يف الأمر وع�صيان القائد ‪ ،‬من‬ ‫�أ�سباب الهزمية الكربى‪ ،‬وما وقع للم�سلمني‬ ‫يوم �أحد نتيجة خمالفة �أمر قائدهم در�س‬ ‫بليغ للأمة املحمدية لتع�ض بنواجذها على‬ ‫الطاعة‪.‬‬ ‫فغزوة �أحد عربة ومتحي�ص للم�ؤمنني‬ ‫ليعلموا قدر الطاعة واتباع �أوامر النبوة‪،‬‬ ‫و�أن ال يركنوا �إىل الدنيا الفانية بل يطلبوا‬ ‫ما عند اهلل من النعيم املقيم والفوز اخلالد‪،‬‬ ‫كما بينت لهم هذه الغزوة �أن ال�سنة الإلهية‬ ‫التي غفلوا عنها ال حتابي �أحدا ولي�ست طوع‬ ‫يد �أحد‪ ،‬فما كانت لرتحمهم لكونهم �صحابة‬ ‫م�ؤمنني‪ ،‬فكيف ترحمنا ونحن م�شتتني‬ ‫وممزقني قطعا و�أ�شالء!! و�صدق اهلل الذي‬ ‫يخاطبنا مع�شر امل�سلمني بقول‪َ (:‬ق ْد َخلَتْ‬ ‫مِ نْ َق ْب ِل ُك ْم ُ�س نَ ٌ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َفا ْن ُظ ُروا‬ ‫ريوا فيِ ْ أ‬ ‫ن َف�سِ ُ‬ ‫ني) (‪)29‬‬ ‫َك ْي َف َكا َن عَا ِق َب ُة المْ ُ َك ِّذ ِب َ ‪.‬‬ ‫و�إذا قارنا خمالفة �أولئك اجلنود القلة‬ ‫لأمر �أمريهم وقائدهم ب�أخطاء وخمالفات‬ ‫امل�سلمني اليوم ‪-‬الذين يزيد عددهم عن ‪1,5‬‬


‫مليار ن�سمة‪ ،-‬يف جميع النواحي ال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعية وال�سيا�سية والأخالقية‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫خل�سفت بنا الأر�ض من جراء ما اكت�سبت‬ ‫�أيدينا‪ .‬ومع ذلك لطف اهلل بهذه الأمة ومل‬ ‫يعجل لها العذاب لعلها ت�ستيقظ من �سباتها‪،‬‬ ‫وتنه�ض من كبوتها‪ ،‬وترجع �إليه‪ ،‬فريفعها‬ ‫مقاما عليا وي�ستخلفها كما ا�ستخلف من‬ ‫�سبقها ب�إميان ومكن لهم يف الأر�ض‪.‬‬ ‫ويكفي ما نعي�شه يف واقعنا املعا�صر وما و�صل‬ ‫�إليه حال الأمة من الرتدي واالرتكا�س‪،‬‬ ‫وتكالب الأعداء عليها‪ ،‬وخيانة �أبنائها‬ ‫‪...‬لنتيجة لتلك املخالفات‪.‬‬ ‫�إنه واقع تتقطع منه الكبد ح�سرة و� ًأ�سى‪،‬‬ ‫نقف من خالله على مدى عدالة �سنة اهلل‬ ‫يف عباده‪ ،‬و�أنه تبارك وتعاىل ال يظلم �أحدا‬ ‫ولكن النا�س �أنف�سهم يظلمون‪ ،‬و�صدق اهلل‪:‬‬ ‫( َف ْل َي ْح َذ ِر ا َّلذِ َ‬ ‫ين ُي َخا ِل ُفو َن َعنْ �أَ ْم ِر ِه �أَنْ‬ ‫ُت�صيبهم ف ْت َن ٌة �أَو ي�صيبهم ع َذاب �أَلِيم) (‪)30‬‬ ‫ِ َُْ ِ ْ ُ ِ َُْ َ ٌ ٌ ‪.‬‬ ‫وعلى هذا‪ ،‬ف�إن الع�صيان والتنازع لي�س من‬ ‫�شيم حملة ر�سالة اجلهاد ومن �أخالقهم‪،‬‬ ‫خا�صة و�أنهم ميثلون خري �أمة �أخرجت‬ ‫للنا�س‪ .‬قال جل وعال‪َ (:‬و�أَطِ ي ُعوا اللهَّ َ‬ ‫َوال َّر ُ�سو َل َل َع َّل ُك ْم ُت ْر َح ُمو َن) (‪.)31‬‬ ‫‪ -7‬ال�شورى‪:‬‬ ‫لأهمية ال�شورى يف الإ�سالم جند القر�آن‬ ‫الكرمي يح�ض امل�سلمني عليها ملا فيها من‬ ‫توحيد الكلمة وال�سالمة من اخلالف‬ ‫والتنازع‪ ،‬يقول احلق جل ذكره‪َ ( :‬و َ�شا ِو ْرهُ ْم‬ ‫الَ ْم ِر َف�إِ َذا َع َز ْمتَ َف َت َو َّك ْل َعلَى اللهَّ ِ �إِ َّن اللهَّ َ‬ ‫فيِ ْ أ‬ ‫ني)(‪)32‬‬ ‫يُحِ ُّب المْ ُ َت َو ِّك ِل َ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫�شاورهم كان �أمرا ال جدال ل ُه‬ ‫وال ـ ـ ـ ــر�أْيُ بال ُّنـ ـ ــ�صـ ــح د َّوا ُر‬ ‫حمتك ٌم‬ ‫والعزم من ح�ضرة املختار ْ‬ ‫�إليه؛ �إن قال‪� :‬سريوا لل َو َغى �ساروا‪.‬‬ ‫ويقول احلق جل وعال‪َ ( :‬وا َّلذِ َ‬ ‫ين ْا�س َت َجا ُبوا‬ ‫َ‬ ‫ال�صال َة َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْين ُه ْم‬ ‫ِل َر ِّب ِه ْم َو�أَ َقامُوا َّ‬ ‫(‪)33‬‬ ‫َوممِ َّ ا َر َز ْق َناهُ ْم ُي ْن ِف ُقو َن) ‪َ ( ،‬و�أَ ْم ُرهُ ْم )‬ ‫الديني والدنيوي ( ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم ) �أي‪ :‬ال‬ ‫ي�ستبد �أحد منهم بر�أيه يف �أمر من الأمور‬ ‫امل�شرتكة بينهم‪ ،‬وهذا ال يكون �إال فرعا عن‬ ‫اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وحتاببهم‬ ‫وكمال عقولهم‪� ،‬أنهم �إذا �أرادوا �أمرا من‬ ‫الأمور التي حتتاج �إىل �إعمال الفكر والر�أي‬ ‫فيها‪ ،‬اجتمعوا لها وت�شاوروا وبحثوا فيها‪،‬‬ ‫حتى �إذا تبينت لهم امل�صلحة‪ ،‬انتهزوها‬

‫وبادروها‪ ،‬وذلك كالر�أي يف الغزو واجلهاد‪،‬‬ ‫وتولية املوظفني لإمارة �أو ق�ضاء‪� ،‬أو غريه‪،‬‬ ‫وكالبحث يف امل�سائل الدينية عموما‪ ،‬ف�إنها‬ ‫من الأمور امل�شرتكة‪ ،‬والبحث فيها لبيان‬ ‫ال�صواب مما يحبه اهلل‪ ،‬وهو داخل يف هذه‬ ‫الآية (‪.)34‬‬ ‫ولذلك ف�إن ال�شورى مبد�أ عظيم من‬ ‫مبادئ احلكم الإ�سالمي‪ ،‬ولأهميته ومكانته‬ ‫�سمى القر�آن الكرمي �سورة با�سمه وهي (�سورة‬ ‫ال�شورى)‪ ،‬وقد طبق النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم هذا املبد�أ يف غزوة بدر الكربى قبل‬ ‫خو�ض املعركة‪ ،‬و�أثناءها وبعدها‪ ،‬كتجديد‬ ‫مكان املعركة‪ ،‬وحيال الأ�سرى‪.‬‬ ‫وطبق كذلك هذا املبد�أ يف غزوة �أحد(‪)35‬‬ ‫‪،‬‬ ‫واخلندق(‪ )36‬وباقي الغزوات‪ ،‬كما �أخذ بر�أي‬ ‫�أم امل�ؤمنني �أم �سلمة(‪ )37‬ر�ضي اهلل عنها يوم‬ ‫احلديبية(‪ )38‬بعد ا�ست�شارتها(‪.)39‬‬ ‫هذا‪ ،‬ومن املعلوم �أن النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم كان هو القائد العام يف املعركة‪ ،‬وكان‬ ‫مثال القائد الناجح‪ ،‬ي�ست�شري �أ�صحابه‪،‬‬ ‫وي�أخذ بالآراء ال�سليمة‪ ،‬ويتقدم قواته‬ ‫عند ال�ضرورة يف القتال‪ ..‬وتولد عن ذلك‬ ‫ان�ضباط رائع يف �صفوف امل�سلمني‪ ،‬وتقيد‬ ‫كامل بالتعليمات‪ ،‬قابله انق�سام يف الر�أي يف‬ ‫�صفوف جي�ش امل�شركني (‪.)40‬‬ ‫�إن ال�شورى هي الأ�صل لكل �أمر جامع‬ ‫للم�سلمني‪ ،‬و�إن ال�شورى تربي ال�شعور‬ ‫بالوحدة‪ ،‬وحتمل التبعة‪ ،‬و�إنه بال�شورى‬ ‫يح�س كل واحد بحق اجلماعة عليه‪ ،‬وحق‬ ‫الإ�سالم الذي �أوجبه يف غري �شطط‪ ،‬وال‬ ‫جماوزة للحد‪ ،‬فال�شورى كتب اهلل فيها‬ ‫التوفيق‪ .‬واال�ستبداد �أيا كانت �صورته كتب‬ ‫اهلل فيه �إ�ضعاف النفو�س‪ ،‬وف�ساد امل�آل‪ ،‬وال‬ ‫ميكن �أن ينه�ض اال�ستبداد ب�أمر ال تنه�ض به‬ ‫ال�شورى (‪.)41‬‬ ‫وعن احل�سن قال‪( :‬واهلل ما ا�ست�شار قوم‬ ‫قط �إال هدوا لأف�ضل ما بح�ضرتهم ثم تال‪:‬‬ ‫( َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم)(‪.)43(»)42‬‬ ‫‪ -8‬الذلة‪:‬‬ ‫الذلة من �صفات امل�ؤمنني اخلا�شعني‪ ،‬ومن‬ ‫�صفات الفئة امل�ؤمنة املن�صورة باهلل املجاهدة‬ ‫يف �سبيل اهلل‪ ،‬قال احلق �سبحانه‪َ (:‬و َل َق ْد‬ ‫َن َ�ص َر ُك ُم اللهَّ ُ ِب َب ْد ٍر َو�أَ ْن ُت ْم �أَ ِذ َّل ٌة َفا َّت ُقوا اللهَّ َ َل َع َّل ُك ْم‬ ‫َت ْ�ش ُك ُرو َن)(‪ ، )44‬فاهلل جعل الأ�شياء كامنة يف‬ ‫�أ�ضدادها‪ ،‬فمن �أراد العز والن�صر فليتحقق‬

‫بالذل وامل�سكنة ‪ ،‬ومن �أراد الغنى فليتحقق‬ ‫بالفقر‪ ،‬ومن �أراد الرفعة فليتحقق بال�ضعة‬ ‫و�إ�سقاط املنزلة‪ ،‬ومن �أراد القوة فليتحقق‬ ‫فال�ضعف (‪.)45‬‬ ‫وقال احلق جل يف عاله‪َ (:‬يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫�آ َم ُنوا َمنْ َي ْر َت َّد مِ ْن ُك ْم َعنْ دِي ِن ِه َف َ�س ْو َف َي ْ�أتِي‬ ‫اللهَّ ُ ِب َق ْو ٍم يُحِ ُّب ُه ْم َويُحِ ُّبو َن ُه �أَ ِذ َّل ٍة َعلَى المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني‬ ‫�أَعِ َّز ٍة َعلَى ا ْل َكا ِفر َ‬ ‫ِين ُي َجاهِ دُو َن فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ‬ ‫َوال َي َخا ُفو َن َل ْو َم َة الئ ٍِم َذل َِك َف ْ�ض ُل اللهَّ ِ ُي�ؤْتِي ِه‬ ‫َمنْ َي َ�شا ُء َواللهَّ ُ َوا�سِ ٌع َعلِي ٌم) (‪� ،)46‬أي فهم‬ ‫للم�ؤمنني �أذلة من حمبتهم لهم‪ ،‬ون�صحهم‬ ‫لهم‪ ،‬ولينهم ورفقهم ور�أفتهم‪ ،‬ورحمتهم بهم‬ ‫و�سهولة جانبهم‪ ،‬وقرب ال�شيء الذي يطلب‬ ‫منهم وعلى الكافرين باهلل‪ ،‬املعاندين لآياته‪،‬‬ ‫املكذبني لر�سله ‪� -‬أعزة‪ ،‬قد اجتمعت هممهم‬ ‫وعزائمهم على معاداتهم‪ ،‬وبذلوا جهدهم يف‬ ‫كل �سبب يح�صل به االنت�صار عليهم (‪.)47‬‬ ‫‪� -9‬شدة الب�أ�س يف القتال‪:‬‬ ‫وذلك لأن �إظهار القوة‪ ،‬و�شدة الب�أ�س ترعب‬ ‫العدو‪ ،‬ومتلأ كيانه رعبا وهلعا‪ ،‬وذلك �أنه‬ ‫متى وجد اخلوف �سبيل �إىل قلوب املجاهدين‬ ‫انهارت قواهم‪ ،‬وثبطت عزائمهم‪ ،‬وفتحت‬ ‫منافذ الفرار واال�ست�سالم للعدو‪.‬قال اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل‪َ (:‬ف ِ�إ َّما َت ْث َق َف َّن ُه ْم فيِ الحْ َ ْربِ‬ ‫َف َ�ش ِّر ْد ِب ِه ْم َمنْ َخ ْل َف ُه ْم َل َع َّل ُه ْم َي َّذ َّك ُرو َن) (‪،)48‬‬ ‫�أي‪ :‬ف�إما ت�صادفنهم وتظفرن بهم ففرق‬ ‫عن حماربتك ومنا�صبتك بقتلهم �شر قتلة‬ ‫والنكاية فيهم ‪ ،‬من وراءهم من الكفرة ‪،‬‬ ‫حتى ال يج�سر عليك بعدهم �أحد ‪ ،‬اعتباراً‬ ‫بهم واتعاظاً بحالهم (‪.)49‬‬ ‫‪ -10‬ال�صرب والتقوى‪:‬‬ ‫وعد اهلل تعاىل الفئة امل�ؤمنة‪ ،‬ال�صابرة‬ ‫الثابتة‪ ،‬بالن�صر والظهور‪ ،‬قال اهلل �سبحانه‬ ‫بوا َو َت َّت ُقوا َو َي�أْ ُتو ُك ْم مِ نْ‬ ‫وتعاىل‪َ (:‬بلَى �إِنْ َت ْ�ص رِ ُ‬ ‫آالف مِ َن‬ ‫َف ْورِهِ ْم َه َذا يمُ ْدِ ْد ُك ْم َر ُّب ُك ْم ب َِخ ْم َ�س ِة � ٍ‬ ‫المْ َال ِئ َك ُة م َُ�سوِّمِ َ‬ ‫ني)(‪،)50‬وقال احلق جل وعال‪:‬‬ ‫( َل ُت ْبلَ ُو َّن فيِ �أَ ْم َوا ِل ُك ْم َو�أَ ْن ُف�سِ ُك ْم َو َل َت ْ�س َم ُعنَّ مِ َن‬ ‫اب مِ نْ َق ْب ِل ُك ْم َومِ َن ا َّلذِ َ‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫ين �أُو ُتوا ا ْل ِك َت َ‬ ‫َ‬ ‫بوا َو َت َّت ُقوا َف�إِ َّن‬ ‫�أَ ْ�ش َر ُكوا �أذىً َكثِرياً َو�إِنْ َت ْ�ص رِ ُ‬ ‫َذل َِك مِ نْ َع ْز ِم ْ أ‬ ‫الُمُورِ)(‪� ،)51‬أي‪� :‬إن ت�صربوا‬ ‫على ما نالكم يف �أموالكم و�أنف�سكم‪ ،‬من‬ ‫االبتالء واالمتحان وعلى �أذية الظاملني‪،‬‬ ‫وتتقوا اهلل يف ذلك ال�صرب ب�أن تنووا به وجه‬ ‫اهلل والتقرب �إليه‪ ،‬ومل تتعدوا يف �صربكم‬ ‫احلد ال�شرعي من ال�صرب يف مو�ضع ال يحل‬

‫‪25‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫لكم فيه االحتمال‪ ،‬بل وظيفتكم فيه االنتقام‬ ‫من �أعداء اهلل‪(.‬ف�إن ذلك من عزم الأمور)‬ ‫�أي‪ :‬من الأمور التي يعزم عليها‪ ،‬ويناف�س‬ ‫فيها‪ ،‬وال يوفق لها �إال �أهل العزائم والهمم‬ ‫العالية (‪.)52‬‬ ‫بوا ِ�إ َّن اللهَّ َ َم َع‬ ‫وقال جل جالله‪َ ( :‬و ْ‬ ‫ا�ص رِ ُ‬ ‫ال�صا ِبر َ‬ ‫ِين) (‪ )53‬و�أي ف�ضل لل�صرب �أبلغ من‬ ‫َّ‬ ‫�إثبات معية اهلل مع ال�صابرين‪.‬‬ ‫ب ُي ْب َنى ُّ‬ ‫َ‬ ‫كل جمدٍ و ُي ْرت َقى ‬ ‫"وبال�ص رْ ِ‬ ‫َّ‬ ‫كل �صعب من الأمر"(‪)54‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫وبال�صرب‬ ‫‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ويف هذا ال�صدد �أ�سوق و�صية غالية من �أمري‬ ‫امل�ؤمنني الفاروق عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل‬ ‫عنه �إىل قائد جي�شه �سعد بن �أبي وقا�ص(‪)55‬‬ ‫ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬الذي �أر�سله لفتح القاد�سية‬ ‫(‪ )56‬ي�أمره ومن معه بتقوى اهلل وطاعته‪،‬‬ ‫يقول يف الو�صية‪�« :‬أما بعد‪ ،‬ف�إين �آمرك‬ ‫ومن معك من الأجناد بتقوى اهلل على كل‬ ‫حال‪ ،‬ف�إن تقوى اهلل �أف�ضل العدة على العدو‪،‬‬ ‫و�أقوى املكيدة يف احلرب‪ .‬و�آمرك ومن معك‬ ‫�أن تكونوا �أ�شد احرتا�ساً من املعا�صي منكم‬ ‫من عدوكم‪ ،‬ف�إن ذنوب اجلي�ش �أخوف عليهم‬ ‫من عدوهم‪ .‬و�إمنا ين�صر امل�سلمون مبع�صية‬ ‫عدوهم هلل‪ ،‬ولوال ذلك مل تكن لنا بهم قوة؛‬ ‫لأن عددنا لي�س كعددهم‪ ،‬وال عدتنا كعدتهم‪،‬‬ ‫ف�إن ا�ستوينا يف املع�صية كان لهم الف�ضل‬ ‫علينا يف القوة‪ ،‬و�إال نن�صر عليهم بف�ضلنا مل‬ ‫نغلبهم بقوتنا‪ .‬واعلموا �أن عليكم يف م�سريكم‬ ‫حفظة من اهلل يعلمون ما تفعلون‪ ،‬فا�ستحيوا‬ ‫منهم‪ ،‬وال تعملوا مبعا�صي اهلل و�أنتم يف‬ ‫�سبيل اهلل‪ ،‬وال تقولوا �إن عدونا �شر منا فلن‬ ‫ي�سلط علينا و�إن �أ�س�أنا‪ ،‬فرب قوم قد �سلط‬ ‫عليهم �شر منهم كما �سلط على بني �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫ملا عملوا مب�ساخط اهلل‪ ،‬كفار املجو�س فجا�سوا‬ ‫خالل الديار وكان وعداً مفعو ًال‪ .‬وا�س�ألوا اهلل‬ ‫العون على �أنف�سكم‪ ،‬كما ت�س�ألونه الن�صر على‬ ‫عدوكم» (‪.)57‬‬ ‫فال�صرب �إذن‪�،‬ضروري لكل تواق للمعايل‬ ‫يريد الو�صل �إىل هدفه وغايته‪ ،‬كما �أن‬ ‫التقوى هي ال�سالح الأقوى‪ ،‬وهي الزاد‪ ،‬وبها‬ ‫املعاد‪ ،‬زاد مبلغ‪ ،‬ومعاد مُنجِ ٌح‪ ،‬دعا �إليها �أ�سمع‬ ‫داع‪ ،‬ووعاها خري واع ف�أ�سمع داعيها‪ ،‬وفاز‬ ‫واعيها"‪.‬‬ ‫فتقوى اهلل عز وجل "مفتاح �سداد‪ ،‬وذخرية‬ ‫معاد‪ ،‬وعتق من كل َملَ َكةٍ‪ ،‬وجناة من كل‬ ‫هلكة‪ ،‬بها ينجح الطالب‪ ،‬وينجو الهارب‪،‬‬

‫‪26‬‬ ‫وتنال الرغائب"‪.‬‬ ‫وهلل در القائل‪" :‬ال�صرب �أجد ُر يف ُ‬ ‫اخلطوبِ‬ ‫و�أليق واحلزم �أوفق بالنفو�س و�أرفق‬ ‫واحل ّر؛ ي�أبى �أن مييل مع الهوى ‬ ‫وبغري تقوى اهلل؛ ال يتعلـق"(‪.)58‬‬ ‫‪ -11‬ذكر اهلل تعاىل والثبات يف امليدان‬ ‫وعدم تولية الأدبار‪:‬‬ ‫�إن اهلل تعاىل �أمرنا بالإكثار من ذكره عند‬ ‫لقاء العدو و�أثناء القتال‪ ،‬فقال عز من قائل‪:‬‬ ‫( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا ِ�إ َذا َلقِي ُت ْم ِف َئ ًة َفا ْث ُب ُتوا‬ ‫وا ْذ ُكروا اللهَّ َ َكثِرياً َلع َّل ُكم ُت ْفلِحو َن)(‪)59‬‬ ‫؛‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫"�أراد �إذا لقيتم فئ ًة من امل�شركني فاثبتوا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والثبات �إمنا يكون بقوة القلب و�شدة اليقني‪،‬‬ ‫وال يكون ذلك �إال لنفاذ الب�صرية‪ ،‬والتحقق‬ ‫باهلل‪ ،‬و�شهود احلادثات كلها مِ ْنهُ‪ ،‬فعند ذلك‬ ‫ي�ست�سلم اهلل‪ ،‬وير�ضى بحكمه‪ ،‬ويتوقع منه‬ ‫ُح ْ�س َن الإعانة‪ ،‬ولهذا �أحا َلهم على الذكر‬ ‫فقال‪َ ( :‬وا ْذ ُك ُروا َ‬ ‫ريا) ‪.‬‬ ‫اهلل َك ِث ً‬ ‫ويقال �إ َّن جمي َع اخلرياتِ يف ثبات القلب‪،‬‬ ‫وبه َت ِب ُ‬ ‫ني �أقدا ُر الرجالِ "(‪.)60‬‬ ‫ذلك �أن الثبات يف امليدان وذكر اهلل تعاىل‬ ‫من طبيعته �أنه ي�شل عزائم الأعداء ويفل‬ ‫من عدوانهم‪ ،‬و ُييئ�س العدو من الن�صر‬ ‫والظفر‪ ،‬وبذلك تنهار قواهم‪ ،‬ويف�ضلوا‬ ‫الفرار والنكو�ص على املقاومة والقتال‪.‬‬ ‫ف�أ�صحاب العقيدة ال ينك�صون �أمام ال�صعاب‪،‬‬ ‫وال يولون الأدبار‪ ،‬قال اهلل جلت عظمته‪َ (:‬يا‬ ‫ين َك َف ُروا َز ْحفاً‬ ‫ين �آ َم ُنوا ِ�إ َذا َلقِي ُت ُم ا َّلذِ َ‬ ‫�أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْد َبا َر َو َمنْ ُي َو ِّل ِه ْم َي ْو َمئِذٍ ُد ُب َر ُه‬ ‫َفال ُت َو ُّلوهُ ُم ْ أ‬ ‫َ‬ ‫�إِ اَّل ُم َت َح ِّرفاً ِل ِق َتالٍ �أ ْو ُم َت َح ِّيزاً �إِلىَ ِف َئ ٍة َف َق ْد َبا َء‬ ‫ري)‬ ‫ِب َغ َ�ضبٍ مِ َن اللهَّ ِ َو َم�أْ َوا ُه َج َه َّن ُم َو ِب ْئ َ�س المْ َ ِ�ص ُ‬ ‫(‪.)61‬‬ ‫ونلمح من هذه الآية الكرمية‪� ،‬أن اهلل تعاىل‬ ‫ي�أمر بالثبات عند قتال الأعداء وال�صرب على‬ ‫مبارزتهم‪ ،‬فال يفروا وال ينكلوا وال يجبنوا‪،‬‬ ‫و�أن يذكروا اهلل يف تلك احلال وال ين�سوه‪ ،‬بل‬ ‫ي�ستعينوا به ويتوكلوا عليه وي�س�ألوه الن�صر‬ ‫على �أعدائهم (‪.)62‬‬ ‫عن َع ْب ُد اللهَّ ِ ْب ُن �أَبِي �أَ ْو َفى ر�ضي اهلل عنه‪،‬‬ ‫قال النبي �صلى اللع عليه و�سلم‪َ ( :‬يا �أَ ُّيهَا‬ ‫ا�س! َال َت َت َم َّن ْوا ِل َقا َء ا ْل َع ُد ِّو َو ْا�س�أَ ُلوا اللهَّ َ‬ ‫ال َّن ُ‬ ‫بوا َو ْاعلَ ُموا �أ َّنَ‬ ‫ا ْل َعا ِف َي َة‪َ ،‬ف�إِ َذا َلقِي ُت ُموهُ ْم َف ْ‬ ‫ا�ص رِ ُ‬ ‫ال ال�سيوف)(‪)63‬‬ ‫الجْ َ َّن َة تحَ ْتَ ظِ َ لِ ُّ ُ ِ ‪.‬‬ ‫وعليه؛ فذكر اهلل تعاىل والثبات يف امليدان‬ ‫هما من الأكرب الأ�سباب املعنوية �أو الروحية‬

‫للفالح والفوز واالنت�صار يف املعركة يف الدنيا‪،‬‬ ‫ثم نيل الثواب اجلزيل يف الآخرة‪.‬‬ ‫‪ -12‬اتقاء الأ�شر والبطر ومراءاة‬ ‫النا�س‪:‬‬ ‫فالأ�شر(‪ )64‬والبطر (‪)65‬‬ ‫من العراقيل التي‬ ‫تعرقل م�سرية املجاهدين‪ ،‬ومن العقبات‬ ‫الكبرية يف طريق الن�صر‪ ،‬ويف هذا يقول احلق‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪َ ( :‬وال َت ُكو ُنوا َكا َّلذِ َ‬ ‫ين َخ َر ُجوا‬ ‫ا�س َو َي ُ�صدُّ و َن َعنْ‬ ‫مِ نْ ِد َيارِهِ ْم َب َطراً َو ِر َئا َء ال َّن ِ‬ ‫يط) (‪)66‬‬ ‫َ�سبِيلِ اللهَّ ِ َواللهَّ ُ بمِ َا َي ْع َم ُلو َن محُ ِ ٌ‬ ‫‪.‬‬ ‫والآية الكرمية نزلت يف امل�شركني حني‬ ‫�أقبلوا �إىل بدر ولهم بغي وفخر"(‪)67‬؛ �أي‪ :‬ال‬ ‫تكونوا ككفار قري�ش الذين خرجوا �إىل غزوة‬ ‫بدر الذين خرجوا من ديارهم "لق�صد الأ�شر‬ ‫والبطر يف الأر�ض‪ ،‬ولرياهم النا�س ويفخروا‬ ‫لديهم‪ .‬واملق�صود الأعظم �أنهم خرجوا‬ ‫لي�صدوا عن �سبيل اللهّ من �أراد �سلوكه‪،‬‬ ‫( َواللهَّ ُ بمِ َا َي ْع َم ُلو َن محُ ِ ٌ‬ ‫يط) فلذلك �أخربكم‬ ‫مبقا�صدهم‪ ،‬وحذركم �أن ت�شبهوا بهم‪ ،‬ف�إنه‬ ‫�سيعاقبهم على ذلك �أ�شد العقوبة‪.‬‬ ‫للهّ‬ ‫فليكن ق�صدكم يف خروجكم وجه ا تعاىل‬ ‫و�إعالء دين اللهّ ‪ ،‬وال�صد عن الطرق املو�صلة‬ ‫�إىل �سخط اللهّ وعقابه‪ ،‬وجذب النا�س �إىل‬ ‫�سبيل اللهّ القومي املو�صل جلنات النعيم (‪.)68‬‬ ‫ولذلك كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫يتعوذ من الأ�شر والبطر‪ ،‬ويعلم �أمته كيف‬ ‫تتعوذ منهما‪ ،‬ف َعنْ �أَبِي َ�سعِيدٍ الخْ ُ ْدرِي ر�ضي‬ ‫اهلل عنه َقا َل‪َ :‬قا َل َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ �صلى اهلل عليه‬ ‫ال�ص َ‬ ‫ال ِة َف َقا َل‬ ‫و�سلم‪َ ( :‬منْ َخ َر َج مِ نْ َب ْي ِت ِه �إِلىَ َّ‬ ‫ال�سا ِئ ِل َ‬ ‫ني َعلَ ْي َك‪،‬‬ ‫‪:‬ال َّل ُه َّم �إِنيِّ �أَ ْ�س�أَ ُل َك ب َِح ِّق َّ‬ ‫َو�أَ ْ�س�أَ ُل َك ب َِح ِّق ممَ ْ َ�شاي َه َذا‪ ،‬ف�إين لمَ ْ �أَ ْخ ُر ْج‬ ‫�أَ َ�ش ًرا َو َال َب َط ًرا‪َ ،‬و َال ِر َيا ًء َو َال ُ�س ْم َع ًة‪َ ،‬و َخ َر ْجتُ‬ ‫ا ِّت َقا َء ُ�سخْ طِ َك‪َ ،‬وا ْب ِت َغا َء َم ْر َ�ضات َِك‪َ ،‬ف َ�أ ْ�س�أَ ُل َك َ�أنْ‬ ‫ُتعِي َذنيِ مِ َن ال َّنا ِر َو�أَنْ َت ْغ ِف َر يِل ُذ ُنوبِي‪� ،‬إِ َّن ُه َال‬ ‫َي ْغ ِف ُر ُّ‬ ‫وب �إِ َّال �أَنْتَ ‪� -‬أَ ْق َب َل اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه ِب َو ْج ِههِ‪،‬‬ ‫الذ ُن َ‬ ‫ف ملَك)(‪)69‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو ْا�س َت ْغ َف َر ل ُه َ�س ْب ُعون �أل َ ٍ ‪.‬‬ ‫فيتح�صل من كل ما �سبق ذكره من‬ ‫َّ‬ ‫ال�ضوابط؛ �أن امل�ستجمع لها من امل�ستبعد‬ ‫جدا �أن ي�صاب يف وقت من �أوقاته بالتخاذل‬ ‫�أو ال�ضعف �أو الوهن‪ ،‬وذلك لأنه على يقني‬ ‫ب�أن اهلل معه وممده بعونه وحفظه‪ ،‬ووعده‬ ‫لل�صادقني املخل�صني املجاهدين يف �سبيله‬ ‫حق‪ ،‬فهو منجز وعده ونا�صر ملن ن�صر دينه‬ ‫كما قال �سبحانه وتعاىل‪َ ( :‬يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫�آ َم ُنوا �إِنْ َت ْن ُ�ص ُروا اللهَّ َ َي ْن ُ�ص ْر ُك ْم َو ُي َث ِّبتْ‬


‫�أَ ْقدَا َم ُك ْم) (‪.)70‬‬ ‫من �أجل ذلك ترتفع روحانية املقاتلني يف‬ ‫�سبيل اهلل وقوتهم بن�سبة ما وقر يف قلوبهم‬ ‫من الإميان وال�صرب والتقوى‪ ،‬وال�صدق مع‬ ‫اهلل‪ ،‬والثبات يف �ساحة الوغى‪ ،‬حتى يكون‬ ‫الواحد منهم كف�ؤاً للع�شرة من العدو يف احلد‬ ‫الأعلى‪ ،‬وكف�ؤاً الثنني من العدو يف احلد‬ ‫الأدنى‪ ،‬كما �أخرب �سبحانه وتعاىل يف �سنته‬ ‫يف الغلبة واالنت�صار‪َ (:‬يا �أَ ُّيهَا ال َّنب ُِّي َح ِّر ِ�ض‬ ‫المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني َعلَى ا ْل ِق َتالِ ِ�إنْ َي ُكنْ مِ ْن ُك ْم عِ ْ�ش ُرو َن‬ ‫َ�صا ِب ُرو َن َي ْغ ِل ُبوا مِ ا َئ َتينْ ِ َو�إِنْ َي ُكنْ مِ ْن ُك ْم مِ ا َئ ٌة‬ ‫َي ْغ ِل ُبوا �أَ ْلفاً مِ َن ا َّلذِ َ‬ ‫ين َك َف ُروا ِب�أَ َّن ُه ْم َق ْو ٌم ال‬ ‫ال َن َخ َّف َف اللهَّ ُ َع ْن ُك ْم َو َع ِل َم �أَ َّن فِي ُك ْم‬ ‫َي ْف َقهُو َن‪ ْ ،‬آ‬ ‫َ�ض ْعفاً َف ِ�إنْ َي ُكنْ مِ ْن ُك ْم مِ ا َئ ٌة َ�صا ِب َر ٌة َي ْغ ِل ُبوا‬ ‫مِ ا َئ َتينْ ِ َو ِ�إنْ َي ُكنْ مِ ْن ُك ْم �أَ ْل ٌف َي ْغ ِل ُبوا �أَ ْل َفينْ ِ ِب ِ�إ ْذنِ‬ ‫ال�صا ِبر َ‬ ‫ِين) (‪. )71‬‬ ‫اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َم َع َّ‬ ‫وخال�صة القول‪ :‬ال جناة �إال يف اتباع‬ ‫امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم يف احلر�ص‬ ‫على ت�صحيح النية واالجتاه‪ ،‬ويف االعتماد‬ ‫على اهلل تعاىل قبل االعتماد على ال َعدد‬ ‫وال ُعدد‪ .‬ثم يف تطبيق �أحكام القتال وال�سلم‬ ‫لكيال يكون قتاال جاهليا‪ ،‬ثم ا�ستيحاء‬ ‫الرجولة وال�شهادة وال�شجاعة التي برزت‬ ‫يف �صفوف املهاجرين والأن�صار ويف �شخ�ص‬ ‫الر�سول امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫الهوام�ش ‪:‬‬ ‫(‪� )1‬سورة البقرة‪.218:‬‬ ‫(‪� )2‬سورة الأنفال‪.72:‬‬ ‫(‪� )3‬سورة الأنفال‪.75-74:‬‬ ‫(‪� )4‬سورة التوبة‪.20:‬‬ ‫(‪� )5‬سورة احلجرات‪.15:‬‬ ‫(‪ )6‬الهجرة املطلوبة منا اليوم؛ هي �أن نهاجر ما حرم اهلل‬ ‫تعاىل علينا‪� ،‬أن نهاجر من ال�صحبة ال�سيئة �إىل ال�صحبة‬ ‫ال�صاحلة‪� ،‬أن نفر من عذاب اهلل �إىل رحمة اهلل‪� ،‬أن نهاجر‬ ‫�أهواءنا وطموحاتنا �إىل اتباع كتاب ربنا و�سنة نبينا عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم و�إىل �شريعته الغراء‪.‬‬ ‫(‪ )7‬اجلهاد املق�صود لي�س اجلهاد القتايل فقط‪ ،‬بل اجلهاد‬ ‫مبفهومه ال�شامل‪ ،‬الذي يعني‪ :‬كل و�سائل احلركة املتاحة‬ ‫و�سط الأمة ابتداء من جهاد النف�س وجهاد املال ثم جهاد‬ ‫الأعداء واخل�صوم باحلجة الدامغة ‪ ...‬انتهاء بجهاد لبناء ما‬ ‫تهدم من كيان الأمة‪.‬‬ ‫(‪ )8‬حول �إعادة كتابة التاريخ الإ�سالمي‪ ،‬د‪.‬عماد الدين خليل‪،‬‬ ‫�ص‪.72‬‬ ‫(‪� )9‬سورة الإخال�ص‪.‬‬ ‫(‪ )10‬مدخل �إىل احل�ضارة الإ�سالمية‪ ،‬د‪.‬عماد الدين خليل‪،‬‬ ‫�ص‪.18‬‬ ‫(‪ )11‬تتابعت امل�صائب على فالن‪" :‬نقول تتايعت (بالياء) لأن‬ ‫التتابع خمت�ص باخلري وال�صالح‪� ،‬أما التتايع فهو خمت�ص‬ ‫بال�شر واملنكر"‪ .‬انظر‪ :‬تقومي الل�سانني (خمطوط)‪ ،‬لل�شيخ‬ ‫الأديب �أحمد حدادي‪.‬‬ ‫(‪� )12‬سورة التوبة‪.41:‬‬

‫(‪ )13‬تف�سري ال�سعدي‪� ،‬ص‪.338‬‬ ‫(‪� )14‬سورة ال�صف‪.4:‬‬ ‫(‪" )15‬بني املداراة واملراءاة"‪ ،‬افتتاحية جملة الفرقان‬ ‫الأردنية‪� ،‬إبراهيم زيد الكيالين‪ ،‬ال�سنة ال�سابعة‪ ،‬العدد‪،57‬‬ ‫رم�ضان‪1427‬هـ‪-‬ت�شرين �أول‪2006‬م‪� ،)7-6( ،‬ص‪.7‬‬ ‫(‪� )16‬سورة �آل عمران‪ :‬من الآية‪.126‬‬ ‫(‪� )17‬سورة �آل عمران‪.160:‬‬ ‫(‪ )18‬حنني‪ :‬هو واد قريب من الطائف‪ ،‬بينه وبني مكة ب�ضعة‬ ‫ع�شر ميال‪ .‬معجم ما ا�ستعجم‪ .471/2 ،‬مرا�صد االطالع‪،‬‬ ‫كتاب احلاء ‪ .432/1‬معجم البلدان‪ ،‬باب احلاء والنون حرف‬ ‫احلاء ‪.313/2‬‬ ‫(‪ )19‬اجلهاد والن�صر‪ ،‬ال�شيخ عبد احلليم حممود‪� ،‬ص‪.65‬‬ ‫(‪� )20‬سورة التوبة‪.26:‬‬ ‫(‪� )21‬سورة الأنفال‪.60:‬‬ ‫(‪ )22‬اجلهاد والن�صر‪ ،‬ال�شيخ عبد احلليم حممود‪� ،‬ص‪.63-62‬‬ ‫(‪ )23‬منهج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف الدعوة‪ ،‬د‪.‬حممد‬ ‫�أحمزون‪� ،‬ص‪.46‬‬ ‫(‪)24‬منهج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف الدعوة‪� ،‬ص‪.47‬‬ ‫(‪� )25‬سورة الأنفال‪ :‬من الآية‪.60‬‬ ‫(‪� )26‬صحيح م�سلم‪ ،‬كتاب الإمارة‪ ،‬باب ف�ضل الرمي واحلث‬ ‫عليه‪ ،‬وذم من علمه ثم ن�سيه‪ ،‬ح‪� .4946‬سنن الرتمذي‪ ،‬كتاب‬ ‫تف�سري القر�آن‪ ،‬باب ومن �سورة الأنفال‪ ،‬ح ‪� .3083‬سنن ابن‬ ‫ماجه‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب الرمي يف �سبيل اهلل‪ ،‬ح‪.2813‬‬ ‫(‪ )27‬اجلواهر واللآلئ امل�صنوعة يف تف�سري القر�آن العظيم‬ ‫بالأحاديث ال�صحيحة املرفوعة‪ ،‬ال�شيخ عبد اهلل التليدي‪،‬‬ ‫‪.382/1‬‬ ‫(‪� )28‬شمول الإ�سالم‪ ،‬ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي‪� ،‬ص‪.99‬‬ ‫(‪� )29‬سورة �آل عمران‪.137:‬‬ ‫(‪� )30‬سورة النور‪ :‬من الآية‪.63‬‬ ‫(‪� )31‬سورة �آل عمران‪.132:‬‬ ‫(‪� )32‬سورة �آل عمران‪ :‬من الآية‪.159‬‬ ‫(‪� )33‬سورة ال�شورى‪.38:‬‬ ‫(‪ )34‬تف�سري ال�سعدي‪� ،‬ص‪.759‬‬ ‫(‪ )35‬انظر‪ :‬املغازي النبوية‪ ،‬حممد بن م�سلم بن عبيد اهلل‬ ‫ابن �شهاب الزهري‪� ،‬ص‪ .76‬حممد ر�سول احلرية‪ ،‬عبد‬ ‫الرحمن ال�شرقاوي‪� ،‬ص‪.216-215‬‬ ‫(‪ )36‬انظر‪ :‬ال�شورى يف معركة البناء‪� ،‬ص‪.94-93‬‬ ‫(‪ )37‬هي‪� :‬أم �سلمة بنت �أبي �أمية بن املغرية بن عبد اهلل بن‬ ‫عمرو بن خمزوم القر�شية املخزومية �أم امل�ؤمنني؛ ا�سمها‬ ‫هند وقال �أبو عمر يقال ا�سمها رملة ولي�س ب�شيء وا�سم �أبيها‬ ‫حذيفة وقيل �سهيل ويلقب زاد الركب‪ ،‬و�أمها عاتكة بنت عامر‬ ‫بن ربيعة بن مالك الكنانية من بني فرا�س وكانت زوج بن‬ ‫عمها �أبي �سلمة بن عبد الأ�سد بن املغرية فمات عنها‪ ،‬فتزوجها‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف جمادى الآخرة �سنة �أربع وقيل‬ ‫�سنة ثالث‪ ،‬وكانت ممن �أ�سلم قدميا هي وزوجها وهاجرا �إىل‬ ‫احلب�شة فولدت له �سلمة ثم قدما مكة وهاجرا �إىل املدينة‬ ‫فولدت له عمر ودرة وزينب‪.‬‬ ‫قال الواقدي ماتت يف �شوال �سنة ت�سع وخم�سني و�صلى عليها‬ ‫�أبو هريرة وقال بن حبان ماتت يف �آخر �سنة �إحدى و�ستني بعد‬ ‫ما جاءها نعي احل�سني بن علي وقال بن �أبي خيثمة توفيت يف‬ ‫�إمارة يزيد بن معاوية قلت وكانت �إمارته يف �أواخر �سنة �ستني‪،‬‬ ‫وقال �أبو نعيم ماتت �سنة اثنتني و�ستني وهي من �آخر �أمهات‬ ‫امل�ؤمنني موتا قلت بل هي �آخرهن موتا"‪ .‬الإ�صابة يف متييز‬ ‫ال�صحابة‪ ،‬ترجمة رقم‪.221/8 ،12061:‬‬ ‫(‪ )38‬احلديبية‪ :‬هي قرية متو�سطة لي�ست بالكبرية �سميت‬ ‫ببئر هناك عند م�سجد ال�شجرة التي بايع ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم حتتها‪ .‬معجم البلدان‪ ،‬باب احلاء والدال حرف‬ ‫احلاء‪.229/2 ،‬‬ ‫و�سميت الغزوة باحلديبية لأن قري�شا منعت امل�سلمني من‬ ‫دخول مكة وهم يف احلديبية‪ .‬املجتمع املدين يف ع�صر النبوة‪،‬‬ ‫�أكرم �ضياء العمري‪.127/2 ،‬‬ ‫(‪ )39‬انظر‪ :‬ال�سمط الثمني يف مناقب �أمهات امل�ؤمنني‪ ،‬حمب‬ ‫الدين الطربي‪� ،‬ص‪ .139‬تراجم �سيدات بني النبوة ر�ضي اهلل‬ ‫عنهن‪ ،‬عائ�شة عبد الرحمن (بنت ال�شاطئ)‪� ،‬ص‪.275‬‬ ‫(‪ )40‬قيادة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ال�سيا�سية‬ ‫والع�سكرية‪� ،‬أحمد راتب عمرو�ش‪� ،‬ص‪.50‬‬ ‫(‪ )41‬الوحدة الإ�سالمية‪ ،‬الإمام �أبو زهرة‪� ،‬ص‪.249‬‬

‫(‪� )42‬سورة ال�شورى‪ :‬من الآية‪.38‬‬ ‫(‪ )43‬الأدب املفرد‪ ،‬الإمام البخاري‪ ،‬باب امل�شورة‪ ،‬ح‪،258‬‬ ‫�ص‪.78‬‬ ‫(‪� )44‬سورة �آل عمران‪.123:‬‬ ‫(‪ )45‬البحر املديد يف تف�سري القر�آن املجيد‪ ،‬ال�شيخ ابن‬ ‫عجيبة‪.367/1 ،‬‬ ‫(‪� )46‬سورة املائدة‪.54:‬‬ ‫(‪ )47‬تف�سري ال�سعدي‪� ،‬ص‪.235‬‬ ‫(‪� )48‬سورة الأنفال‪.57:‬‬ ‫(‪ )49‬تف�سري الك�شاف‪ ،‬للزخم�شري‪� ،‬ص ‪.417‬‬ ‫(‪� )50‬سورة �آل عمران‪.125:‬‬ ‫(‪� )51‬سورة �آل عمران‪.186:‬‬ ‫(‪ )52‬تف�سري ال�سعدي‪� ،‬ص‪.160‬‬ ‫(‪� )53‬سورة الأنفال‪ :‬من الآية‪.46‬‬ ‫(‪ )54‬البيت لأحمد �سحنون ذكره عبد الفتاح �أبو غدة‪،‬‬ ‫يف كتابه‪� :‬صفحات من �صرب العلماء على �شدائد العلم‬ ‫والتح�صيل‪ ،‬لل�شيخ عبد الفتاح �أبو غدة‪� ،‬ص‪.15‬‬ ‫(‪ )55‬هو‪� :‬سعد بن مالك بن �أهيب ويقال له بن وهيب بن‬ ‫عبد مناف بن زهرة بن كالب القر�شي الزهري �أبو �إ�سحاق‬ ‫بن �أبي وقا�ص‪� ،‬أحد الع�شرة و�آخرهم موتا‪ ،‬و�أمه حمنة بنت‬ ‫�سفيان بن �أمية بنت عم �أبي �سفيان بن حرب بن �أمية روى‬ ‫عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كثريا روى عنه بنوه �إبراهيم‬ ‫وعامر وم�صعب وعمر وحممد وعائ�شة ومن ال�صحابة عائ�شة‬ ‫وابن عبا�س وابن عمر وجابر بن �سمرة ومن كبار التابعني‬ ‫�سعيد بن امل�سيب و�أبو عثمان النهدي وقي�س �أي �أبي حازم‬ ‫وعلقمة والأحنف و�آخرون‪ .‬وكان �أحد الفر�سان وهو �أول من‬ ‫رمى ب�سهم يف �سبيل اهلل‪ ،‬وهو �أحد ال�ستة �أهل ال�شورى‪ .‬وقال‬ ‫عمر �إن �أ�صابته الإمرة فذاك و�إال فلي�ستعن به الوايل وكان‬ ‫ر�أ�س من فتح العراق وويل الكوفة لعمر وهو الذي بناها ثم‬ ‫عزل ووليها لعثمان وكان جماب الدعوة م�شهورا بذلك مات‬ ‫�سنة �إحدى وخم�سني وقيل �ست وقيل �سبع وقيل ثمان والثاين‬ ‫�أ�شهر وقد قيل �إنه مات �سنة خم�س وقيل �سنة �أربع"‪ .‬الإ�صابة‪،‬‬ ‫ترجمة رقم‪.73/3 ،3196 :‬‬ ‫(‪ )56‬القاد�سية‪ :‬مو�ضع �شرقي نهر الفرات جنوبي الكوفة‪،‬‬ ‫على �سيف ال�صحراء ‪ ،‬جرت فيه معركة القاد�سية ‪ 14‬هـ‪.‬‬ ‫(‪ )57‬العقد الفريد‪ ،‬ال�شيخ �أحمد بن حممد بن عبد ربه‬ ‫الأندل�سي‪.117/1 ،‬‬ ‫(‪ )58‬من ق�صيدة ‪":‬نفثة الوجد والغرام" ملحمد بن حممد‬ ‫املبارك اجلزائري يف رثائه للأمري عبد القادر اجلزائري‪ ،‬من‬ ‫كتاب‪ :‬حتفة الزائر يف تاريخ اجلزائر والأمري عبد القادر‪،‬‬ ‫حممد بن عبد القادر اجلزائري‪� ،‬شرح تعليق‪ :‬ممدوح حقي‪،‬‬ ‫‪.889/2‬‬ ‫(‪� )59‬سورة الأنفال‪.45:‬‬ ‫(‪ )60‬تف�سري الق�شريي‪.317/2 ،‬‬ ‫(‪� )61‬سورة الأنفال‪.16-15:‬‬ ‫(‪ )62‬تف�سري القر�آن العظيم‪ ،‬للحافظ بن كثري‪.319/2 ،‬‬ ‫(‪� )63‬صحيح م�سلم‪ ،‬كتاب اجلهاد وال�سري‪ ،‬باب كراهة متني‬ ‫لقاء العدو‪ ،‬واملر بال�صرب عند اللقاء‪ ،‬ح‪.1742‬‬ ‫(‪ )64‬الأ�شر‪�( :‬أَ َ�ش ًرا) فهو (�أَ�شِ ٌر) من باب تعب بَطِ َر وكفر‬ ‫النعمة فلم ي�شكرها‪ .‬والأ�شر املتكرب‪.‬امل�صباح املنري‪ ،‬كتاب الألف‬ ‫مادة �أ�شر‪� ،‬ص‪ .14‬التحفة ال ُقليبية يف حل احلمولية يف غريب‬ ‫القر�آن الكرمي‪ ،‬مو�سى ال ُقليبي ال ُع َمري املالكي‪� ،‬ص‪.32‬‬ ‫(‪ )65‬البطر‪ُّ :‬‬ ‫الطغْيان عند ال ّن ْعمة ُ‬ ‫وطولِ ا ْل ِغ َنى‪ .‬النهاية‬ ‫يف غريب احلديث والأثر‪� ،‬أبو ال�سعادات املبارك بن حممد‬ ‫اجلزري‪ ،‬باب الباء مع الطا‪ ،‬مادة‪ :‬بطر‪.‬‬ ‫(‪ )66‬تف�سري البغوي‪.366-365/3 ،‬‬ ‫(‪� )67‬سورة الأنفال‪.47 :‬‬ ‫(‪ )68‬تف�سري ال�سعدي‪� ،‬ص‪.322‬‬ ‫(‪� )69‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب امل�ساجد واجلماعة‪ ،‬باب امل�شي �إىل‬ ‫ال�صالة‪ ،‬ح‪ .778‬قال املنذري‪" :‬رواه ابن ماجه ب�إ�سناد فيه مقال‬ ‫وح�سنه �شيخنا احلافظ �أبو احل�سن رحمه اهلل" الرتغيب‬ ‫والرتهيب‪ ،‬ح ‪.305-304/2 ،2486‬‬ ‫(‪� )70‬سورة حممد‪.7:‬‬ ‫(‪� )71‬سورة الأنفال‪.66-65 :‬‬

‫�أ�ستاذ بكلية �أ�صول الدين جامعة القرويني املغرب‬

‫‪27‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪28‬‬

‫الحمد هلل الذي خلق السموات واألرض‪ ،‬وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم‬ ‫يعدلون‪ ،‬وأشهد أال إله إال اهلل‪ ،‬وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‪ ،‬صلوات‬ ‫بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪.‬‬ ‫اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم‬ ‫ٍ‬

‫االنتصار لرسول اهلل بالحجة‬ ‫والبرهان‬

‫الزبري حممد علي‬

‫يقول اهلل تعاىل يف حمكم تنزيله‪:‬‬ ‫( َل َق ْد َجا َء ُك ْم َر ُ�س ٌ‬ ‫ول مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم َعزِي ٌز‬ ‫ِي�ص َعلَ ْي ُك ْم ِبالمْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني‬ ‫َعلَ ْي ِه مَا َع ِن ُّت ْم َحر ٌ‬ ‫َر�ؤُ ٌ‬ ‫وف َرحِ ي ٌم) التوبة‪ ،)128(:‬وعن ر�سالته‬ ‫قال‪َ (:‬ومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫ريا‬ ‫اك ِ�إ اَّل َكا َّف ًة لِل َّن ِ‬ ‫ا�س بَ�شِ ً‬ ‫ا�س اَل َي ْعلَ ُمو َن) �سورة‬ ‫َو َنذِ ي ًرا َو َلك َِّن �أَكْثرَ َ ال َّن ِ‬ ‫�سبا الآية (‪ .)28‬وعن �أخالقه قال‪َ ( :‬و ِ�إ َّن َك‬ ‫يم) القلم الآية (‪ ،)4‬وعن‬ ‫َل َعلى ُخ ُلقٍ عَظِ ٍ‬ ‫اللني الذي غر�سه فيه‪( :‬ف ِب َما َر ْح َم ٍة ِّم َن‬ ‫اللهّ ِ لِنتَ َل ُه ْم َو َل ْو ُكنتَ َف ًّظا َغل َ‬ ‫ِيظ ا ْل َق ْلبِ‬ ‫َالن َف ُّ�ضواْ مِ نْ َح ْول َِك) �سورة �آل عمران‬ ‫الآية (‪.)159‬‬ ‫والر�سالة التي جاء بها نبي الإ�سالم‬ ‫�ساوت بني جميع الب�شر بال متييز طبقي‬ ‫�أو عرقي �أو جغرايف‪ ،‬لذلك ظهر من قادة‬

‫الإ�سالم الأوائل �سلمان من بالد فار�س‪،‬‬ ‫و�صهيب من بالد الروم‪ ،‬وبالل من بالد‬ ‫احلب�شة‪.‬‬ ‫والدين الذي جاء به النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم هو الذي �أقر كرامة الإن�سان‬ ‫من حيث هو �إن�سان قبل �أن يعرفها الغرب‬ ‫بقرون ( َو َل َق ْد َك َّر ْم َنا َبنِي �آ َد َم َو َح َم ْل َناهُ ْم‬ ‫الب َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْق َناهُ م ِّم َن َّ‬ ‫الط ِّي َباتِ )‬ ‫فيِ رَ ِّ‬ ‫الإ�سراء الآية (‪ ،)70‬وجعل قتل النف�س‬ ‫بغري احلق كقتل النا�س جميعاً (من َق َت َل‬ ‫َن ْف�ساً ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فِى الأ ْر ِ�ض َف َك�أَ مَّ َ‬ ‫نا‬ ‫ا�س َجمِ يعاً َو َمنْ �أَ ْح َيـهَا َف َك�أَ مَّ َ‬ ‫نا �أَ ْح َيا‬ ‫َق َت َل ال َّن َ‬ ‫ا�س َجمِ يعاً) �سورة املائدة الآية (‪.)32‬‬ ‫ال َّن َ‬ ‫والإ�سالم كان له ق�صب ال�سبق يف حترير‬ ‫املر�أة من ظلمات اجلاهلية‪� ،‬إذ �ساواها‬


‫بالرجل يف الإن�سانية‪ ،‬ويف الإميان‪ ،‬ويف‬ ‫اجلزاء الآخروي‪.‬‬ ‫وهو الذي و�ضع �أخالقيات للتعامل مع‬ ‫احليوان‪ :‬دخلت �إمر�أة النار ب�سبب ا�ساءتها‬ ‫التعامل مع هرة‪ ،‬ودخل رجل اجلنة ب�سبب‬ ‫�أنه �سقى كلباً‪.‬‬ ‫وهو الذي حث على املحافظة على البيئة‬ ‫الطبيعية و�سالمتها من التلوث حتى و�إن‬ ‫ال�سا َع ُة َو ِب َيدِ‬ ‫قامت القيامة (�إِ ْن َقامَتْ َّ‬ ‫�أَ َحدِ ُك ْم َف�سِ يلَ ٌة‪َ ،‬ف ِ�إ ْن ْا�س َت َطا َع �أَ ْن اَل َي ُقو َم‬ ‫َح َّتى َي ْغر َِ�سهَا‪َ ،‬ف ْل َي ْف َع ْل) (م�سند الإمام‬ ‫�أحمد)‪ ،‬ودخل رجل اجلنة ب�سبب �إزاحته‬ ‫غ�ص �شوك عن طريق امل�سلمني‪.‬‬ ‫والإ�سالم هو الذي و�ضع �أ�س�س �أخالقية‬ ‫للأمن االجتماعي فال يدخل اجلنة من‬ ‫لأي�أمن جاره بوائقه‪ ،‬ودخلت �إمر�أة النار‬ ‫لأنها �آذت جارها مع �أنها كانت ت�صوم‬ ‫النهار وتقوم الليل‪.‬‬ ‫وهو الذي و�ضع �آداب يف حالة احلرب‬ ‫مع الأعداء قبل �أن توقع معاهدة جنيف‬ ‫ب�ش�أن حماية الأ�شخا�ص املدنيني بقرون‬ ‫قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ (:‬ال‬ ‫ريا‪،‬‬ ‫َت ْق ُت ُلوا َ�ص ِب ًّيا‪َ ،‬وال ْام َر�أَ ًة‪َ ،‬وال َ�ش ْي ًخا َك ِب ً‬ ‫َوال َمر ً‬ ‫ِي�ضا‪َ ،‬وال َراهِ ًبا‪َ ،‬وال َت ْق َط ُعوا ُم ْثمِ ًرا‪،‬‬ ‫ريا‬ ‫َوال ُت ْخ ِر ُبوا عَامِ ًرا‪َ ،‬وال َت ْذ َب ُحوا َب ِع ً‬ ‫َوال َب َق َر ًة ِ�إال لمِ َ�أْ َكلٍ ‪َ ،‬وال ُت ْغ ِر ُقوا َن ْخال‪،‬‬ ‫َوال تحُ ْ ِر ُقوا) ال�سنن الكربى للبيهقي‪.‬‬ ‫وعندما فتح مكة قال‪ :‬ماذا تروين فاعل‬ ‫بكم؟ قالوا‪� :‬أ ٌخ كرمي بن �أ ٍخ كرمي‪ ،‬قال‬ ‫(اذهبوا ف�أنتم الطلقاء)!‬ ‫ٌ‬ ‫حق على الإن�سانية �أن تفتخر بهذا النبي‬ ‫وبر�سالته؛ لأنها رحمة العاملني قبل �أن‬ ‫تكون رحم ًة للم�سلمني ولكن ( َو َج َحدُوا‬ ‫ِبهَا َو ْا�س َت ْي َق َن ْتهَا �أَ ْن ُف ُ�س ُه ْم ُظ ْل ًما َو ُع ُل ًّوا‬ ‫َفا ْن ُظ ْر َك ْي َف َكا َن عَا ِق َب ُة المْ ُ ْف�سِ دِ َ‬ ‫ين) �سورة‬

‫النمل الآية (‪.)14‬‬ ‫العداء لهذه الدعوة مل يبد�أ بن�شر‬ ‫الر�سوم امل�سيئة للنبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم يف ال�صحيفة الدمناركية املغمورة؛‬ ‫و�إمنا بد�أ منذ ال�صدر الأول للإ�سالم‪:‬‬ ‫ النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ُي�صلي عند‬‫البيت ف ُيو�ضع يف ظهره ُ�سلي من اجلذور‪.‬‬ ‫ ُي�صلي عند الكعبة في�أتي ل�ؤي بن �أبي‬‫معيط فليوي ثوبه يف عنق ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم فيخنقه به خنقاً‬ ‫�شديداً‪ ،‬حتى ي�أتي �أبابكر في�أخذ مبنكبه‬ ‫ويدفع عن ر�سول اهلل الأذى ويقول‪:‬‬ ‫(�أ َت ْق ُت ُلو َن َر ُجلاً �أَ ْن َي ُقو َل َر ِّب َي هَّ ُ‬ ‫الل َو َق ْد‬ ‫َجا َء ُك ْم بِا ْل َب ِّي َناتِ مِ نْ َر ِّب ُك ْم )‪.‬‬ ‫ ُي َتهم ب�أفظع العبارات املعنوية‪� :‬شاعر‪،‬‬‫كاهن‪ ،‬جمنون‪ ،‬ك َذاب‪.‬‬ ‫ ُيو�ضع يف طريقه ال�شوك واحلجارة‪.‬‬‫ ُيخطط له بالقتل‪ ،‬ف ُي�ؤتى من كل قبيل ٍة‬‫ب�أحد �أ�شر�س ُفراَ�سها ليقتلوه حتى يتفرق‬ ‫د ُم ُه بني القبائل فال ي�ستطيع بنو ها�شم‬ ‫الق�صا�ص‪.‬‬ ‫ ُيقابل يف الطائف باحلجارة من ال�سفهاء‬‫وال�صبية حتى ت�سيل دماء رجليه‪ ،‬و ُيغمى‬ ‫عليه فما ُ‬ ‫يفيق �إال يف قرن الثعالب‪ ،‬في�أتيه‬ ‫ملك اجلبال ل ُيخطابه‪ " :‬لو�شئت لأطبقت‬ ‫عليهم الأخ�شبني‪ .‬فيقول‪ :‬ع�سى �أن يخرج‬ ‫من �أ�صالبهم من يعبد اهلل وال ُي�شرك به‬ ‫�شيئا)‪.‬‬ ‫ ُيقذف يف عر�ضه‪ُ ،‬ي�شكك يف �أحب النا�س‬‫زوج ُه عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫�إليه ُ‬ ‫هل هناك ٌ‬ ‫لون من الأذى مل يذقه ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم؟ ولذلك قال له‬ ‫اهلل تعاىل مُثبتاً قلبه‪:‬‬ ‫ب َعلَى مَا َي ُقو ُلو َن وَاهْ ُج ْرهُ ْم‬ ‫‬‫ْ‬ ‫(وا�ص رِ ْ‬ ‫ه َْجراً َجمِ ي ً‬ ‫ال) �سورة املزمل الآية (‪.)10‬‬

‫ب لحِ ُ ْك ِم َر ِّب َك َو اَل ُتطِ ْع مِ ْن ُه ْم �آثِماً‬ ‫ ( َف ْ‬‫ا�ص رِ ْ‬ ‫�أَ ْو َك ُفوراً) �سورة الإن�سان الآية (‪.)24‬‬ ‫ِالل َو اَل تحَ ْ َز ْن‬ ‫ب َك �إِ اَّل ب هَّ ِ‬ ‫ ْ‬‫ب َومَا َ�ص رْ ُ‬ ‫(وا�ص رِ ْ‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم َو اَل َت ُك فيِ َ�ض ْيقٍ ممِ َّ ا يمَ ْ ُك ُرو َن) �سورة‬ ‫النحل الآية (‪.)127‬‬ ‫ ( ما ُي َق ُال َل َك ِ�إ اَّل مَا َق ْد قِي َل لِل ُّر ُ�سلِ مِ نْ‬‫ِيم)‬ ‫َق ْبل َِك �إِ َّن َر َّب َك َل ُذو َم ْغ ِف َر ٍة َو ُذو عِ َقابٍ �أَل ٍ‬ ‫�سورة ُف�صلت الآية (‪.)43‬‬ ‫ (و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ِل ُك ِّل َن ِب ٍّي َع ُد ًّوامِ َن‬‫المْ ُ ْجرِمِ َ‬ ‫ريا)‬ ‫ني َو َك َفى ِب َر ِّب َك هَا ِد ًيا َو َن ِ�ص ً‬ ‫الفرقان الآية (‪.)43‬‬ ‫ (و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ِل ُك ِّل َن ِب ٍّي َع ُد ًّوا َ�ش َياطِ َ‬‫ني‬ ‫ال ْن ِ�س َوالجْ ِ ِّن يُوحِ ي َب ْع ُ�ض ُه ْم �إِلىَ َب ْع ٍ�ض‬ ‫ْ إِ‬ ‫ُز ْخ ُر َف ا ْل َق ْولِ ُغ ُرو ًرا َو َل ْو َ�شا َء َر ُّب َك مَا‬ ‫َف َع ُلو ُه َف َذ ْرهُ ْم َومَا َيفْترَ ُ و َن) �سورة الأنعام‬ ‫الآية (‪.)112‬‬ ‫تتجد ُد الإ�ساءات املُتالحقة لر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يف ع�صرنا هذا‪،‬‬ ‫ففي العام ‪ 2005‬ن�شرت �صحيفة دمناركية‬ ‫ر�سوماً ُم�سيئة لنبي الرحمة �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬ويف العام ‪ 2007‬و�صف بابا‬ ‫الفاتيكان الإ�سالم ب�أنه �ضد العقالنية‬ ‫و�ضد الت�سامح‪ ،‬ويف العام ‪� 2008‬أنتج نائب‬ ‫برملاين هولندي فيلماً �أ�ساء فيه للإ�سالم‬ ‫ولنبيه الكرمي‪ ،‬ويف العام ‪ 2011‬حاول ق�س‬ ‫�أمريكي �أن يحرق امل�صحف ال�شريف‪ ،‬ويف‬ ‫الإ�سبوع الفائت �أقدم مهجريون �أقباط‬ ‫على �إنتاج فيلم ُي�سيء �إىل النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم و�إىل �أخالقه‪ ،‬و�أول �أم�س‬ ‫الأربعاء ن�شرت جملة فرن�سية مغمورة‬ ‫ر�سوماً مُ�سيئة �إىل النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،‬وللأ�سف ال�سلطات الفرن�سية‬ ‫اعتربت ذلك من باب حرية التعبري‪.‬‬ ‫�إذاً الأ�سئلة املركزية امل�شروعة هي‪:‬‬ ‫ماذا وراء هذه الهجمة؟ وماهي الق�ضايا‬

‫‪29‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫التي ُيتهم بها الإ�سالم ونبيه الكرمي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ذلك هو مو�ضوع خطبتنا‬ ‫الثانية‪� .‬أقول قويل هذا وا�ستغفر اهلل يل‬ ‫ولكم‪ ،‬فا�ستغفروه‪.‬‬ ‫اخلطبة الثانية‬ ‫اللهم �إين �أحمدك و�أُثني لك احلمد‬ ‫يا جليل الذات وياعظيم الكرم‪ ،‬و�أ�شكرك‬ ‫معرتف يف تق�صريه بطاعتك‬ ‫ٍ‬ ‫�شكر عبدٍ‬ ‫يا ذا الإح�سان والنعم‪ ،‬و�أ�س�ألك اللهم‬ ‫بحمدك القدمي‪� ،‬أن ت�صلى وت�سلم على‬ ‫نبيك الكرمي‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه وذوي‬ ‫القلب ال�سليم‪ ،‬و�أن تعلى لنا يف ر�ضائك‬ ‫الهمم‪ ،‬و�أن تغفر لنا جميع ما اغرتفناه‬ ‫من الذنب واللمم‪.‬‬ ‫هنالك �س�ؤاالن م�شروعان ختمنا بهما‬ ‫خطبتنا الأوىل‪ :‬ماذا وراء هذه الهجمة؟‬ ‫وما الق�ضايا التي ُيتهم بها الإ�سالم ونبيه‬ ‫حممد �صلى اهلل عليه و�سلم؟‬ ‫ف�سر هذه‬ ‫هنالك عدة �أ�شياء ُت َ‬ ‫الهجمة‪:‬‬ ‫اال�ساءات املتالحقة لنبي الإ�سالم دليل‬ ‫على ذعر بع�ض الدوائر الغربية من‬ ‫االنت�شار الوا�سع للإ�سالم يف الغرب رغم‬ ‫�ضعف امل�سلمني‪ ،‬و�إليكم الأدلة‪:‬‬ ‫ يف هذا العام ن�شرت جملة الوعي‬‫الإ�سالمي التي ت�صدر من الكويت تقريراً‬ ‫عن حالة الإ�سالم يف الغرب جاء فيه‪:‬‬ ‫ �أن عدد امل�سلمني يف رو�سيا بلغ ‪ 23‬مليون‬‫م�سلم �أي ‪ %20‬من ن�سبة ال�سكان‪ ،‬ون�شرت‬ ‫�صحيفة برافدا الرو�سية عام ‪2008‬م مقا ًال‬ ‫بعنوان‪ " :‬الإ�سالم �سيكون دين رو�سيا‬ ‫الأول يف العام ‪2050‬م"‪.‬‬ ‫‪ -‬يف جزر البليار جنوب �شرقي �إ�سبانيا‬

‫‪30‬‬ ‫ت�ضاعف عدد امل�ساجد خم�س مرات منذ‬ ‫العام ‪2005‬م‪.‬‬ ‫ يف ال�سويد وهي دولة �صغرية بلغ عدد‬‫امل�سلمني ‪� 120‬ألف ن�سمة‪ ،‬ويف ماملو ثالث‬ ‫�أكرب مدينة يف ال�سويد جاء �إ�سم النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يف الرتتيب الرابع‬ ‫�ضمن �أكرث الأ�سماء تداو ًال يف املدينة‪.‬‬ ‫ يف �أملانيا الإح�صائيات الر�سمية للأعوام‬‫‪ 2008 -2007 -2006‬كل �ساعتني يدخل‬ ‫�شخ�ص جديد الإ�سالم‪ ،‬وهناك قراءات‬ ‫تقول �أنه وبعد ع�شرين عاماً �سيكون عدد‬ ‫امل�سلمني يف �أملانيا ‪ 104‬ماليني‪.‬‬ ‫يف فرن�سا ‪ %30‬من ال�شباب دون الع�شرين‬ ‫م�سلمون‪ ،‬ويف املدن الكربى يرتفع �إىل‬ ‫خم�س و�أربعني يف املائة‪.‬‬ ‫عدد امل�ساجد يف فرن�سا ‪ 2300‬م�سجد‪ ،‬منها‬ ‫�ألف م�سجد كانت كنائ�س يف ال�سابق‪ ،‬والآن‬ ‫عدد امل�سلمني يف فرن�سا ‪ 7‬ماليني‪ .‬ويف‬ ‫درا�سة �أعدتها وزارة الداخلية الفرن�سية‬ ‫�أن ‪ 3600‬فرن�سي يعتنقون الإ�سالم �سنوياً‪.‬‬ ‫ يف �أمريكا عدد الذين ُي�سلمون �سنوياً‬‫‪� 20‬ألفاً‪ ،‬ويف ‪� 12‬سنة مت بناء ‪ 1200‬م�سجد‬ ‫مبعدل مائة م�سجد �سنوياً‪.‬‬ ‫ يف تقرير ل�شبكة �سي �إن �إن بعنوان‬‫االنت�شار ال�سريع للإ�سالم يف الغرب‪� ( :‬أن‬ ‫�أعداد امل�ساجد ُتناف�س �أعداد الكنائ�س يف‬ ‫باري�س ولندن وروما‪ ،‬و�أن ن�سخ القر�آن من‬ ‫�أكرث الن�سخ مبيعاً يف الأ�سواق الأوروبية‬ ‫واالمريكية)‪.‬‬ ‫الذين ي�أتون �إىل امل�ساجد �أ�ضعاف الذين‬ ‫يذهبون �إىل الكنائ�س‪.‬‬ ‫هذا الواقع �أزعج بع�ض الدوائر الغربية‪،‬‬ ‫و�أ�صبحوا يخ�شون على الهوية الغربية‬ ‫من متدد الإ�سالم رغم �ضعف امل�سلمني‪،‬‬ ‫ف�سر ملاذا �شن بابا الفاتيكان هجوماً‬ ‫وهذا ُي َ‬

‫على الإ�سالم داعياً لإقامة حاجز ثقايف‬ ‫�ضده!‬ ‫�أما ال�س�ؤال الثاين‪ :‬مام�ضمون الق�ضايا‬ ‫التي ُيتهم بها الإ�سالم ونبيه حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم؟‬ ‫هنالك عدة ق�ضايا �أهمها ثالث‪:‬‬ ‫ اتهام الإ�سالم بالالعقالنية‪.‬‬‫ اتهامه با�ضهاد املر�أة‪.‬‬‫ حماولة ل�صق الإ�سالم بالعنف‪.‬‬‫نقول‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬اتهام الإ�سالم بالالعقالنية‪:‬‬ ‫الإ�سالم احرتم العقل‪ ،‬بل �إن االلتزام‬ ‫بالتكاليف ال�شرعية نف�سها مبني على‬ ‫العقل‪ ،‬فالقلم مرفوع عن املجنون لذهاب‬ ‫عقله‪ ،‬وال�صبي حتى يحلم‪ ،‬والنائم حتى‬ ‫ي�ستيقظ‪ .‬وكلمة عقل ومرادفاتها وردت‬ ‫يف القر�آن ‪ 48‬مرة؛ بل �إن القر�آن ذكر �أن‬ ‫�إعرا�ض النا�س عن قبول احلق هو تعطيل‬ ‫ريوا فيِ الأَ ْر ِ�ض َف َت ُكو َن‬ ‫عقولهم‪�( :‬أ َفلَ ْم يَ�سِ ُ‬ ‫وب َي ْع ِق ُلو َن ِبهَا �أَ ْو �آ َذ ٌان َي ْ�س َم ُعو َن ِبهَا‬ ‫َل ُه ْم ُق ُل ٌ‬ ‫وب‬ ‫َف�إِ َّنهَا ال َت ْع َمى الأَ ْب َ�صا ُر َو َلكِنْ َت ْع َمى ا ْل ُق ُل ُ‬ ‫ال�صدُورِ) �سورة احلج الآية (‪.)46‬‬ ‫ا َّلتِي فيِ ُّ‬ ‫ولكن الإ�سالم ال ُيقدَ�س العقل كما هو‬ ‫احلال يف بع�ض الفل�سفات الو�ضعية؛ لأن‬ ‫هنالك �أ�شياء ال ي�ستطيع العقل �إدراكها‪:‬‬ ‫متى بد�أ العامل؟ ماهو �أ�صل الإن�سان‪ ،‬مما‬ ‫ُخلق؟ ما الغاية من وجوده يف الكون؟ متى‬ ‫�سيموت الإن�سان؟ متى �سينتهي العامل؟‬ ‫هذه الق�ضايا ال ُتدركها العقول؛ لأنها‬ ‫خارج النطاق احل�سي للإن�سان‪ ،‬وخارج‬ ‫قدراته الطبيعية‪ .‬ولذلك عندما حاول‬ ‫البع�ض �أن ي�صل �إىل حقيقة �أ�صل الإن�سان‬ ‫بعقله �أتى بكالم خرايف كما حدث لدارون‬ ‫�صاحب نظرية الن�شوء والتطور‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬اتهام الإ�سالم با�ضطهاد‬


‫املر�أة‪:‬‬ ‫الإ�سالم حرر املر�أة من اال�ضطهاد‪ ،‬كانت‬ ‫ال متلك حق احلياة ( َو�إِ َذا ُب ِّ�ش َر �أَ َحدُهُ ْم‬ ‫بِالأُن َثى َظ َّل َو ْج ُه ُه م ُْ�س َو ّداً َوهُ َو َكظِ ي ٌم(‪)58‬‬ ‫َي َت َوا َرى مِ َن ا ْل َق ْو ِم مِ ن ُ�سو ِء مَا ُب ِّ�ش َر ِب ِه‬ ‫�أَيمُ ْ�سِ ُك ُه َعلَى هُ ونٍ �أَ ْم َيد ُّ​ُ�س ُه فيِ رُّ َ‬ ‫التابِ‬ ‫�أَ َال َ�ساء مَا َي ْح ُك ُمو َن) النحل الآية (‪.)58‬‬ ‫ف�أ�صحبت متلك حق احلياة‪ ،‬وكانت ال‬ ‫ترث و�أ�صبحت يف ظل الإ�سالم وريثة �أم ًة‬ ‫و�أختاً وبنتاً وزوجاً وجد ًة‪ .‬والإ�سالم �ساواها‬ ‫بالرجل يف الإن�سانية ( َو َل َق ْد َك َّر ْم َنا َبنِي �آ َد َم‬ ‫الب َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْق َناهُ م ِّم َن‬ ‫َو َح َم ْل َناهُ ْم فيِ رَ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الط ِّي َباتِ ) الإ�سراء الآية (‪ )70‬ذكراً �أكان �أم‬ ‫�أنثى‪ ،‬و�ساواها �إميانيا (المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن َوالمْ ُ�ؤْمِ َن ُ‬ ‫ات‬ ‫وف‬ ‫َب ْع ُ�ض ُه ْم �أَ ْو ِل َيا ُء َب ْع ٍ�ض َي�أْ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫َو َي ْن َه ْو َن ع َِن المْ ُن َكرِ) �سورة التوبة الآية‬ ‫(‪ ،)71‬و�ساواها يف اجلزاء الآخروي (منْ‬ ‫عَمِ َل َ�صالحِ ً ا مِ نْ َذ َكرٍ �أَ ْو �أُ ْن َثى َوهُ َو ُم�ؤْمِ ٌن‬ ‫َفلَ ُن ْح ِي َي َّن ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة َو َل َن ْج ِز َي َّن ُه ْم �أَ ْج َرهُ ْم‬ ‫ِب�أَ ْح َ�س ِن مَا َكا ُنوا َي ْع َم ُلو َن) �سورة النحل‬ ‫الآية (‪.)97‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ربط الإ�سالم بالعنف‪:‬‬ ‫هنالك خلط بني مفهوم اجلهاد والإرهاب‪.‬‬ ‫اجلهاد يف الإ�سالم معناه وا�سع ي�شمل‪:‬‬ ‫جهاد النف�س‪ ،‬جهاد الظلم وال ي�صري قتا ًال‬ ‫�إال يف حالتني‪:‬‬ ‫الأوىل‪ :‬يف حالة العدوان على امل�سلمني‪.‬‬ ‫والثانية‪ :‬عندما ُت�صادر حرية الدعوة‪.‬‬ ‫واخلطاب القر�آين وا�ضح‪�( :‬أُ ِذ َن ِل ّلَذِ َ‬ ‫ين‬ ‫ُي َقا َت ُلو َن ِب�أَ َّن ُه ْم ُظ ِل ُموا َو ِ�إ َّن هَّ َ‬ ‫الل َعلَى‬ ‫َن ْ�صرِهِ ْم َل َقدِ ي ٌر ( ‪ ) 39‬ا َّلذِ َ‬ ‫ين �أُ ْخر ُِجوا مِ نْ‬ ‫ِد َيارِهِ ْم ِب َغيرْ ِ َح ٍّق �إِال �أَ ْن َي ُقو ُلوا َر ُّب َنا هَّ‬ ‫الل)‬ ‫�سورة احلج الآية (‪�( .)39‬أال ُت َقا ِت ُلو َن َق ْو ًما‬ ‫َن َك ُثوا �أَيمْ َا َن ُه ْم َو َه ُّموا ِب�إِ ْخ َرا ِج ال َّر ُ�سولِ َوهُ ْم‬

‫َب َدءُو ُك ْم �أَ َّو َل َم َّر ٍة �أَ َت ْخ َ�ش ْو َن ُه ْم َف هَّ ُ‬ ‫الل �أَ َح ُّق‬ ‫�أَ ْن َت ْخ َ�ش ْو ُه ِ�إ ْن ُك ْن ُت ْم ُم�ؤْمِ نِني) �سورة التوبة‬ ‫الآية (‪.)13‬‬ ‫والإ�سالم تفوق على كل الدرا�سات‬ ‫الإن�سانية يف �أنها ق�صرت مفهوم العنف‬ ‫على االعتداءات املادية فقط‪ ،‬بينما تو�سع‬ ‫الإ�سالم لي�ضيف لتعريف العنف بجانب‬ ‫االعتداءات املادية االعتداءات املعنوية‬ ‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪�( :‬إِ َذا َز َنتْ �أَ َم ُة‬ ‫�أَ َحدِ ُك ْم ‪َ ،‬ف ْل َي ْج ِل ْدهَا‪َ ،‬وال ُي َع ِّن ْفهَا) �أورد بن‬ ‫منظور �أن التعنيف هو (التوبيخ والتقريع‬ ‫واللوم) وقال مُ�صححاً مفاهيم الأمة عن‬ ‫لقاء العدو‪( :‬يا �أيها النا�س ال تتمنوا لقاء‬ ‫العدو و�سئلوا اهلل العافية ف�إذا لقيتموهم‬ ‫فا�صربوا و�أعلموا �أن اجلنة حتت ظالل‬ ‫ال�سيوف) �أخرجه احلاكم‪ .‬مل يرو عن‬ ‫نبي الرحمة �صلى اهلل عليه و�سلم قط‬ ‫�أنه �ضرب �أحداً‪ .‬وقد ذكر �أن�س بن مالك‪:‬‬ ‫(خدمت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ع�شر �سنني‪ ,‬واهلل ما قال يل �أفاً قط وال‬ ‫قال يل ل�شيء مل فعلت كذا وهال فعلت‬ ‫كذا)‪.‬‬ ‫�أيها الأحباب‪:‬‬ ‫قال تعاىل‪�( :‬إن ا َّلذِ َ‬ ‫ِال ْفكِ‬ ‫ين َجاءُوا ب ْ إِ‬ ‫ع ُْ�ص َب ٌة مِ ْن ُك ْم اَل تحَ ْ َ�س ُبو ُه َ�ش ًّرا َل ُك ْم َب ْل هُ َو‬ ‫َخيرْ ٌ َل ُك ْم) �سورة النور الآية (‪ .)11‬وقال‬ ‫احلكيم‪:‬‬ ‫�إذا �أراد ُ‬ ‫اهلل ن�شر ف�ضيل ٍة طوية �أتاح لها‬ ‫ل�سان ح�سود!‬ ‫عندما ُن�شرت الر�سوم يف ال�صحيفة‬ ‫الدمناركية يف العام ‪2006‬م �أ�سلم ‪2500‬‬ ‫من ال�شباب الدمناركي‪ ،‬وبهذا الفيلم‬ ‫�أ�شارت تقارير من�سوبة للمركز الإ�سالمي‬ ‫يف �أمريكا �أن ‪� 3600‬أمريكي �أ�سلموا على‬ ‫خلفية �أ�سئلة طرحوها عن الإ�سالم وعن‬

‫النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ .‬ولكن‬ ‫هذا ال يعني �أن نقبل باال�ساءات املوجهة‬ ‫لنبينا �صلى اهلل عليه و�سلم؛ بل نقول‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬يف الغرب قوانني حلفظ حقوق‬ ‫الإن�سان وحرياته الأ�سا�سية‪ ،‬وقوانني‬ ‫ملكافحة التمييز العن�صري‪ ،‬وقوانني �ضد‬ ‫معاداة ال�سامية؛ ولذلك يجب �أن يعمل‬ ‫امل�سلمون دو ًال‪ ،‬واحتادات‪ ،‬ومنظمات على‬ ‫ا�ست�صدار قانون دويل ُيح َرم الإ�ساءة‬ ‫للمقد�سات الدينية‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬اندفاع امل�سلمني يف اجتاه التعر�ض‬ ‫لل�سفارات الأجنبية والقائمني ب�أعمالها‬ ‫كما حدث يف اخلرطوم‪ ،‬وكابل‪ ،‬والقاهرة‪،‬‬ ‫وبنغازي‪ ،‬وتون�س خط�أ؛ ذلك �أن الواجب‬ ‫علينا حمايتهم ولي�س االعتداء عليهم‪.‬‬ ‫قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم عن‬ ‫�آداب احلرب‪( :‬وال تقطعوا مُثمراً‪ ،‬وال‬ ‫ُتخ َربوا عامراً) ال�سنن الكربى للبيهقي‪.‬‬ ‫فما بالنا بظروف ال�سلم ويف داخل بلداننا‪،‬‬ ‫وتعاليمنا احلنيفة تحُ ذر من �إيذاء‬ ‫املُعاهد‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ما قام به م�سيحيون �أقباط من‬ ‫التربء من هذا الفعل �شيء ي�ستحق‬ ‫الإ�شادة‪ ،‬وقد قال نبي الرحمة �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪( :‬ا�ستو�صوا بالقبط خرياً ف�إن‬ ‫لهم ذم ًة ورحماً) الطبقات الكربى لإبن‬ ‫�سعد‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬البد �أن ُيدرك الغربيون �أن‬ ‫م�صلحة ال�سلم والأمن الدوليني توجب‬ ‫عدم امل�سا�س باملقد�سات الدينية لل�شعوب؛‬ ‫وال ُيرجى �أن تقوم بيننا وبينهم عالقات‬ ‫�صحية مامل يقفوا موقفاً وا�ضحاً من‬ ‫هذه اجلرائم التي مت�س ديننا ونبينا‬ ‫الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪32‬‬

‫التقريب بين المذاهب اإلسالمية‬

‫محطات في الذاكرة‬

‫هاين فح�ص‬

‫لفت نظري اثناء انعقاد ندوة التقريب‬ ‫بني املذاهب اال�سالمية‪ ،‬يف دم�شق‬ ‫(‪ )1999/4/1210‬بدعوة من م�ؤ�س�سة‬ ‫الإمام اخلوئي اخلريية‪ ،‬ال�سلوك والكالم‬ ‫الودود‪ ،‬من املرجع الأعلى الحد املذاهب‬ ‫اال�سالمية �سماحة ال�شيخ اخلليلي مفتي‬ ‫عمان الإبا�ضي ‪ ،‬جتاه املذاهب االخرى‬ ‫وعلمائها وخ�صو�صاً ال�شيعة االمامية‪...‬‬ ‫وعندما �س�ألت عن تاريخ هذه املودة‪ ،‬التي‬ ‫فاج�أتني! و�سوف نبقى نفاجئ بع�ضنا‬ ‫بع�ضا كلما ازداد تعارفنا وامتد حوارنا‬ ‫‪ .‬وروى يل الراوي ال�شاهد انه يف اللقاء‬ ‫االول مع هذا املرجع �س�أل �ضيفه وحماوره‬ ‫ال�شيعي �إن كان بامكانه ان يزوده بن�سخة‬ ‫من قر�آن ال�شيعة او م�صحف فاطمة! ‪،‬‬ ‫ثم ابدى غ�ضبه ال�شديد على ال�صورة‬ ‫امل�أخوذة عن مذهبه‪ ،‬من قبل املذاهب‬

‫اال�سالمية عموما ومن قبل �أهل الت�شيع‬ ‫خ�صو�صاً‪ .‬واكد ان املذهب االبا�ضي ال‬ ‫عالقة له باملالب�سات العقائدية وال�سيا�سية‬ ‫والفقهية التي رافقت ن�ش�أة املذهب‬ ‫اخلارجي‪ ،‬وان االبا�ضية وان تكن قد ن�ش�أت‬ ‫حتت ظل ال�شجرة اخلارجية‪� ،‬إال انها منت‬ ‫وتبلورت على نهج توكيد وتو�سيع ال�شراكة‬ ‫املنهجية الفقهية مع املذاهب االخرى‪.‬‬ ‫وهكذا احتل فقيه كبري كال�شوكاين مثال‬ ‫مركزا متقدما يف مرجعية املذهب‪ ،‬وهو‬ ‫الزيدي تعريفا احلنفي فقها‪ ،‬ا�ستطاع‬ ‫او ا�ستطاعت مذاهب ثالثة ان تلتقي يف‬ ‫مرجعيته الفقهية‪...‬‬ ‫اما يف ما يخ�ص العالقة واملوقف امل�ؤ�صل‬ ‫من الت�شيع‪ ،‬واالمامي منه على وجه‬ ‫اخل�صو�ص‪ ،‬وب�صرف النظر عن نق�ص‬ ‫املعلومات او تداخل ال�صحيح مع اخلط�أ‬


‫واخلطل‪ ،‬ف�إن الرتكة اخلارجية خمففة‬ ‫اىل �أبعد احلدود‪ ...‬فعالقة املحبة والوالء‬ ‫الهل البيت را�سخة‪ ،‬وان كان هناك من‬ ‫خالف فهو ال يتعدى عدم االتفاق مع‬ ‫الإمامية يف القول بع�صمة الأئمة من �أهل‬ ‫البيت (ع)‪ ،‬هذا يف حني ان الزخم ال�سلبي‬ ‫من العهد االموي م�ستمر‪.‬‬ ‫ومن جو الندوة وجو املودة وامل�صارحة‬ ‫واملكا�شفة الذي �سادها‪ ،‬وجعل فقهاء‬ ‫وعلماء من �سائر االقطار واملذاهب‬ ‫يقدمون الدليل تلو الدليل على قناعتهم‬ ‫ب�ضرورة التقارب ورفعها اىل م�ستوى‬ ‫الواجب ال�شرعي‪ ،‬واعتبارها االحتياط‬ ‫االخري �ضد املخاطر التي تهدد امل�سلمني‬ ‫والعرب جميعا‪ ..‬ومن جو اجلدل احلار‬ ‫والباحث عن االتفاق‪ ،‬من دون جماملة او‬ ‫�إ�ساءة ظن او كالم‪ ،‬بني علماء من ال�شيعة‬ ‫وعلماء من اململكة العربية ال�سعودية‪ ..‬من‬ ‫هذا اجلو عادت بي الذاكرة اىل اجنازات‬ ‫جميلة وكبرية على طريق التقريب‪،‬‬ ‫ُقطعت عن �سياقها ال�سباب �سيا�سية اوال‪،‬‬ ‫ولو انها ا�ستمرت النتجت وجنبتنا كثريا‬ ‫مما تبادلناه من جهل ا�ضايف‪ ،‬لدى كل‬ ‫منا بالآخر‪ ،‬مما ا�ضفناه اىل تراث من‬ ‫اجلهل والتجاهل ال يت�صل تاريخه بتاريخ‬ ‫القرون االوىل التي تداخل فيها علما�ؤنا‬ ‫وعلومنا بحيث ا�صبح كل مذهب �أ�سا�سا‬ ‫من �أ�س�س تكوين املذهب الآخر‪ ،‬معرفيا‬ ‫واخالقيا‪ ...‬و�إن كانت هذه القرون مل‬ ‫تكن تخلو من فنت بني العامة‪ ،‬ف�إنها‬ ‫ظلت حم�صورة فيها‪ ،‬ولكن الفتنة يف‬ ‫القرون املت�أخرة وبفعل ال�سيا�سة وتوجهات‬ ‫التجزئة ومقت�ضياتها و�ضرورات ت�سويغها‬ ‫وقبولها‪ ،‬امتدت الفتنة لت�صبح قطيعة‬ ‫بني العلماء واحلا�ضرات العلمية(*) من‬ ‫الأزهر اىل قم اىل النجف اىل الزيتونة‬ ‫اىل القريوان وغريها‪� ..‬إذاً‪ ،‬لو ا�ستمرت‬

‫املبادرات التقريبية اجلادة‪� ،‬أقلها ما تبلور‬ ‫يف الثلث الثاين من القرن الع�شرين ‪،‬‬ ‫على مف�صل التجزئة بعد احلرب االوىل‬ ‫واعادة االرتهان لالقطار امل�ستقلة حتت‬ ‫وط�أة احلرب الثانية ونتائجها املعروفة‪،‬‬ ‫لو ا�ستمرت لتالفينا كثريا من خ�سائرنا‬ ‫وحققنا الكثري من االرباح املتبادلة‪،‬‬ ‫وملا كنا و�صلنا اىل هذه احلال املزرية يف‬ ‫افغان�ستان واملتوقعة يف باك�ستان واقطار‬ ‫اخرى والعياذ باهلل‪ ...‬وملا بتنا يف انتظار‬ ‫ان يتحول ال�صراع بني مذهب ومذهب‬ ‫اىل �صراع داخل املذهب الواحد‪ ،‬املر�شح‬ ‫الن ي�صبح مذاهب‪ ،‬ذلك ان ا�ستقطاب‬ ‫التجزئة وجاذبيتها اىل تفاقم �إذا مل‬ ‫يرتجح ويق َو ا�ستقطاب الوحدة‪.‬‬ ‫وعدت اىل جتربة التقريب االيرانية‬ ‫العثمانية التي �سعى �إليها وبها ال�سيد‬ ‫جمال الدين االفغاين بت�شجيع من‬ ‫نادر�شاه‪ ،‬وح�صلت خاللها ات�صاالت‬ ‫ولقاءات بني علماء من طهران واال�ستانة‪،‬‬ ‫وامتدت �آفاق الطموح فيها اىل �آ�سيا‬ ‫الو�سطى كما جاء يف ت�صريحات نقلت‬ ‫عن ال�سلطان عبد احلميد‪ ،‬الذي اكد‬ ‫�ضرورة الوحدة التي ر�أى فيها جمال‬ ‫الدين االفغاين‪ ،‬بعد رحلته اىل الغرب‪،‬‬ ‫واكت�شافه عن كثب للتواط�ؤ الغربي على‬ ‫املتحقق من وحدة بني امل�سلمني من اجل‬ ‫زعزعتها او منعها من التعاظم‪ ،‬ف�ش ّد‬ ‫رحاله اىل اال�ستانة مقرتبا من ال�سلطان‬ ‫عبد احلميد‪ ،‬معطال لتحفظاته عليه‬ ‫وعلى نهجه‪� ،‬أمام التوجهات الغربية‬ ‫وا�ستهدافاتها‪ .‬وكاد ي�صل اىل مبتغاه‬ ‫بتح�سني االداء احلميدي‪ ،‬لوال ان تنبه‬ ‫اليهود واملا�سونيون وعملوا على القطيعة‬ ‫بني الرجلني‪ ،‬وت�شجيع عبد احلميد ب�شكل‬ ‫غري مبا�شر على التمادي يف اخلط�أ حتى‬ ‫يكتمل �ضعفه وحتني �ساعة عزله ال�سهل‬

‫عقابا على ما ارتكبه يف حق تيودور هرتزل‬ ‫وم�شروعه يف جعل ال�سلطنة غطاء للهجرة‬ ‫اليهودية اىل فل�سطني بعد م�ؤمتر بال‪،‬‬ ‫وف�شله يف ذلك برغم االغراءات املالية‬ ‫ال�ضخمة لعبد احلميد الذي وجد يف ذلك‬ ‫خيانة عظمى رغم الديون ال�ضخمة على‬ ‫ال�سلطنة‪ ...‬ولكن هرتزل وقتها مل ي�سكت‪،‬‬ ‫وعقد احد م�ؤمتراته �سرا يف زمن �سلطة‬ ‫عبد احلميد‪ ،‬واطلق �شعاره املعروف‪ ،‬ب�أن‬ ‫الهجرة لن تتم ما ظل عبد احلميد على‬ ‫ر�أ�س ال�سلطة‪ ،‬وا�ستطاع الو�سيط بينه‬ ‫وبني عبد احلميد‪ ،‬والذي ف�شلت مرامية‬ ‫وم�ساعيه‪ ،‬ان يدخل على عبد احلميد‬ ‫لي�أخذ منه توقيعه على قرار االحتاديني‬ ‫بعزله عن العر�ش »اميانويل قرا�صو«‬ ‫الذي كان نائبا عن �سالونيك ثم اقت�ضت‬ ‫امل�صلحة ال�صهيونية ان يكون نائبا عن‬ ‫ا�سالمبول‪ ،‬قريبا من موقع القرار‬ ‫وفاعال فيه ‪ ،‬اىل جتربة التقريب امل�صرية‬ ‫االيرانية التي ا�صبحت لبنانية و�سورية‬ ‫وباك�ستانية وافغانية ومينية خالل �سنوات‬ ‫من عمرها‪ ،‬وانتجت م�ؤمترات وقراءات‬ ‫م�شرتكة وتبادال علميا ومكا�شفات‬ ‫واكت�شافات م�شرتكة‪ ،‬احت�ضنتها القاهرة‬ ‫يف عهديها امللكي واجلمهوري ثم عطلتها‬ ‫تطورات اوائل ال�سبعينيات ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وترافقت مع مظهر تقريبي عرب م�ؤمتر‬ ‫القد�س وبروز �شخ�صية الإمام حممد‬ ‫ح�سني كا�شف الغطاء عالمة من عالمات‬ ‫الوحدة والتوحيد‪ ،‬مل يعتم زعماء العرب‬ ‫وامل�سلمني وعلما�ؤهم ان و�ضعوها يف مقام‬ ‫الإمامة يف ال�صالة والقدوة يف املوقف‬ ‫من خماطر اال�ستعمار وال�صهيونية‪.‬‬ ‫ويف الثالثينيات عينها ح�صلت الرحلة‬ ‫التقريبية للإمام ال�شيخ عبد الكرمي‬ ‫الزجناين من العراق اىل ال�شام ولبنان‬ ‫والقد�س وم�صر املحرو�سة‪ ،‬والتي‬

‫‪33‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫تعاطى معها ومع االفكار التي حملتها‪،‬‬ ‫علماء امل�سلمني وزعما�ؤهم من �سعد اهلل‬ ‫اجلابري اىل ريا�ض ال�صلح اىل احلاج‬ ‫امني احل�سيني اىل طه ح�سني‪ .‬الخ بحنان‬ ‫وحب واحرتام ووعي توحيدي وحدوي‪.‬‬ ‫وتذكرت رحلة ال�سيد عبد احل�سني �شرف‬ ‫الدين اىل م�صر عرب فل�سطني الجئا من‬ ‫مطاردة �سلطات االنتداب الفرن�سي‪ ،‬عائدا‬ ‫اىل لبنان حممال باحرتام الكبار من‬ ‫علماء م�صر وادبائها‪ ،‬حمت�ضنا لالجئني‬ ‫الفل�سطينيني يف �صور مفتيا للم�سلمني‬ ‫على املذاهب اخلم�سة م�ستعيدا يف ذلك‬ ‫جتربة ال�شهيد الثاين وال�شهيد االول‪...‬‬ ‫واىل جتربة ال�سيد حم�سن االمني يف‬ ‫دم�شق التي و�ضعته يف موقع املرجعية‬ ‫فكان عند ح�سن ظنها‪ ،‬يف الفقه والتاريخ‬ ‫والرتبية واالدب وال�سيا�سة الوطنية‪،‬‬ ‫وتذكرت ما �شاركت فيه من م�ؤمترات‬ ‫وحدة وتقريب يف ايران بعد الثورة‪ ،‬التي‬ ‫تعرفت من خالل االعداد لها‪ ،‬و�شجاعة‬ ‫كثري من العلماء الكبار يف االف�صاح عن‬ ‫دواخلهم وت�صوراتهم الوحدوية‪ ،‬اىل‬ ‫�صدقية علمائها الوحدوية من الداخل‪،‬‬ ‫وعاينت موقع الوحدة يف وعي االكرثية‬ ‫من قيادة الثورة‪ ،‬يف العلم وال�سيا�سة‪،‬‬ ‫معادال ا�سالميا للتوحيد وخيارا نهائيا‬ ‫يف مقابل احللف املعادي وامللتف حول‬ ‫ال�صهيونية‪.‬‬ ‫وا�ستعدت امل�شهد الوحدوي الكا�شف‬ ‫عن عمق التوحيد‪ ،‬يف �سفري اىل القاهرة‬ ‫�صحبة الإمام ال�شيخ حممد مهدي �شم�س‬ ‫الدين‪ ،‬التي ثبتت انطباعي عن موقع‬ ‫�أهل البيت (ع) يف ن�سيج الذات امل�صرية‬ ‫والعربية واال�سالمية عموما‪ ،‬وان كانت‬ ‫م�صر بحجمها ور�سوخها وموقعها‬ ‫وم�س�ؤوليتها متتاز ب�أنها ال ت�سمح للغيوم‬ ‫ال�صغرية وللهنات اخلالفية‪ ،‬ان تغطي‬ ‫�سماء االميان وتلبدها وحتجب الر�ؤية‪.‬‬

‫‪34‬‬ ‫وك�شفت هذه الرحلة مبفعول الكالم‬ ‫ال�شفاف الباحث عن احلق واحلقيقة‪،‬‬ ‫واملنهج العلمي الذي يو�سع للر�أي الآخر‬ ‫مكانا كبريا يف ن�صابه ليكمله ويكتمل به‪،‬‬ ‫وبفعل القلوب والعقول امل�صرية املفتوحة‬ ‫على املعرفة والتعارف والربيئة من‬ ‫احل�سا�سيات والتوترات النابذة‪ ،‬ك�شفت‬ ‫ان �ش�أن اهل البيت (ع) و�ش�أننا معهم‬ ‫و�ش�أن اهلل فيهم‪ ،‬لي�س من �ش�أن ع�صبياتنا‬ ‫التي حترم اجلميع من ثروات اجلميع‪.‬‬ ‫ور�أيت جمهور م�صر وعلماءها ورجالها‬ ‫من مدنيني ودينيني و�سيا�سيني ودعاة‬ ‫واكادمييني‪ ،‬ومن االجتاهات وامل�شارب‬ ‫كافة‪ ،‬وموقفهم املرن واملتفهم واملحب‪،‬‬ ‫وا�صغاءهم اىل طروحات ال�شيخ �شم�س‬ ‫الدين الوحدوية واخلالية من االوهام‪،‬‬ ‫حتى لقد كان �صفاء االفكار ينعك�س يف‬ ‫وجوه احل�ضور وا�سئلتهم وحواراتهم‬ ‫وا�شكاالتهم وحتفظاتهم‪ ،‬مما يعود‬ ‫لينعك�س يف عقل ال�شيخ وكالمه ووجدانه‪.‬‬ ‫و�س�ألت نف�سي و�أنا خارج من حالة م�صرية‬ ‫مكثفة وحارة حول �ضريح احل�سني‪ ،‬الذي‬ ‫�أم�سى نقطة ارتكاز يف االجتماع القاهري‪،‬‬ ‫منه و�إليه‪ ،‬تفي�ض القاهرة بكل م�ستوياتها‬ ‫يوميا وا�سبوعيا ومو�سميا‪ ،‬من ال�صالة‬ ‫اليومية وعقود الزواج وتوزيع االدوية‬ ‫وامل�ساعدات العينية وحل امل�شاكل العائلية‬ ‫واحللقات ال�صوفية‪ ،‬اىل ليايل رم�ضان‬ ‫و�صالة العيد وليلة القدر وتوزيع اجلوائز‬ ‫على الفتيان الفائزين يف حفظ القر�آن‪،‬‬ ‫اىل جمهور الزائرين‪ ،‬الذي خ�شيت منه‬ ‫ان ابوح بدمعي حتى ر�أيت دموعه تنهمر‬ ‫حول ال�ضريح حزنا على احل�سني‪� ...‬س�ألت‬ ‫نف�سي‪� :‬أنا �شيعي‪ ،‬انعم واكرم‪ ،‬ولي�س هناك‬ ‫ا�سالم او عروبة او وطنية ت�ستدعي التن�صل‬ ‫من اي مكون من مكوناتي ال�شيعية‪ ،‬جل‬ ‫ما يف االمر هو ان املطلوب اعداد �شيعيتي‬ ‫الن تعود كما كانت وكما هو مرجو‪ ،‬عامال‬

‫كبريا من عوامل احليوية اال�سالمية‬ ‫والعربية‪ ...‬وت�ساءلت‪ :‬كيف ا�ستمر‬ ‫الت�شيع وعا�ش؟ ودعوانا ب�أنه حرم من‬ ‫ال�سلطة اىل حد كبري‪ ،‬دعوى �صحيحة‪ ،‬يف‬ ‫حني ان الكثري من ال�سلطات‪ ،‬التي تذرعت‬ ‫بالإ�سالم وبا�سمه ظلمت وقمعت‪ ،‬و�أحيانا‬ ‫قليلة او كثرية‪ ،‬مل ت�ستطع ان متنع‬ ‫تكامل البناء احل�ضاري اال�سالمي‪ ،‬الذي‬ ‫جاء ح�صيلة مل�شاركة بني ثقافات متعددة‬ ‫ومذاهب ا�سالمية متعددة‪ ،‬التقت على‬ ‫البناء‪ ،‬واختلفت على هند�سة الأ�س�س ال‬ ‫عليها وعلى املنفعة يف الدار الوا�سعة‪ ،‬ومل‬ ‫تختلف على ملكية الأمة لرقبة االر�ض‬ ‫والعمران‪ ..‬وقد نال الت�شيع وال�شيعة من‬ ‫هذا الظلم حظا اوفى‪� ...‬إذاً‪ ،‬فاال�ستمرارية‬ ‫ال�شيعية كانت من مفاعيل �سلطة من نوع‬ ‫�آخر‪� ،‬سلطة طوعية‪ ،‬هي �سلطة الداخل‪،‬‬ ‫�سلطة القلب والعقل والدين والعلم‪ ،‬التي‬ ‫كانت حمكومة ب�أولويات الإميان والدعوة‪،‬‬ ‫وتغليب املعايري العامة على الغايات‬ ‫وامل�صالح اخلا�صة حتى لو كانت م�شروعة‪،‬‬ ‫لأن هناك نهجا علميا و�سلوكيا ي�ضع‬ ‫امل�صلحة اخلا�صة امل�شروعة يف نطاق غري‬ ‫م�شروع‪ ،‬ي�ضعها يف مو�ضع التهمة‪ ،‬ما دامت‬ ‫تتعار�ض ولو �شكال مع امل�صلحة العامة‪،‬‬ ‫التي هي جمموع م�صالح اجلماعات‪ ،‬وهي‬ ‫الإطار الذي تتم فيه الت�سوية والتنازل‬ ‫على �أ�سا�س �إحدى القواعد الذهبية يف‬ ‫فقهنا و�أ�صولنا اي تقدمي الأهم على‬ ‫املهم‪ ..‬وعلى �أ�سا�س االعتدال بني �سائر‬ ‫اجلماعات‪ ،‬من �أجل ان ي�سلم اجلميع‪ ،‬او‬ ‫تنزل اخل�سائر اىل حدها الأدنى‪ ،‬الذي‬ ‫ال يهدد الوجود وان كان مي�س ببع�ض‬ ‫كماالت هذا الوجود‪� .‬أهل البيت‪ ،‬والأئمة‬ ‫منهم خا�صة‪ ،‬كانوا الأهلة ال�ساطعة التي‬ ‫اهتدى بها ال�شيعة خ�صو�صا وامل�سلمون‬ ‫عموما‪ ،‬وت�أ�سى واقتدى بهم علماء ال�شيعة‬ ‫يف �سائر الأزمان والأحوال والأقطار‪.‬‬


‫الرسول محمد صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫في كتابات مفكرى الغرب المنصفين‬

‫�صفاء الدين حممد �أحمد‬

‫رغم و�ضوح الر�ؤى وثبوت الأدلة على‬ ‫�أن �أكرث الغربيني ي�سعون لت�شويه �صورة‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم فى عقول‬ ‫�أبناء العامل الغربى‪ ،‬باعتبار نبى الإ�سالم‬ ‫العدو الأول للح�ضارة الغربية‪ -‬على‬ ‫َح ّد زعمهم‪� -‬إال �أن العدالة والإن�صاف‬ ‫ي�ستوجبان �إبراز الوجه املُ�شرق للغرب‬ ‫احل�ضارى الذى متثل فى العلماء الغربيني‬ ‫املن�صفني الذين حتدثوا عن الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ف�أن�صفوه‪ ،‬و�شهدوا‬ ‫له �شهادات �صدق‪،‬وهى �شهادات ينبغى‬ ‫�أن ن�ستفيد منها‪ ،‬و�أن نقدمها للإن�سان‬ ‫الغربى الذى �ضلله الإعالم الغربى‪ ،‬كما �أن‬ ‫ه�ؤالء املفكرين وامل�ست�شرقني والفال�سفة‬ ‫الغربيني املن�صفني ميثلون كبار مفكرى‬ ‫الغرب و�أعمدة الفكر والفل�سفة فيه‪ ،‬وقد‬ ‫حاولوا الوقوف على عظمة الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬منبهرين ب�شخ�صيته‬ ‫العظيمة‪ ،‬و ُنبل �أخالقه وطهارة حياته‪..‬‬

‫عبقرى قاد املاليني‬ ‫يقول (لومارتان) فى كتابه (تاريخ‬ ‫تركيا)‪�" :‬إذا كانت ال�ضوابط التى نقي�س‬ ‫بها عبقرية الإن�سان هى �سمو الغاية‬ ‫والنتائج املذهلة لذلك رغم ق ّلة الو�سيلة‪،‬‬ ‫فمن ذا الذى يجر�ؤ �أن يقارن �أيا من عظماء‬ ‫التاريخ احلديث بالنبى حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم فى عبقريته؟ فه�ؤالء امل�شاهري‬ ‫قد �صنعوا الأ�سلحة و�سنوا القوانني‬ ‫و�أقاموا الإمرباطوريات‪ ،‬فلم يجنوا �إال‬ ‫�أجماداً بالية مل تلبث �أن حتطمت بني‬ ‫ظهرانيهم‪ ،‬لكن هذا الرجل حممدًا �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم مل يقد اجليو�ش وي�سن‬ ‫الت�شريعات‪ ،‬ومل يقم الإمرباطوريات‬ ‫ويحكم ال�شعوب ويرو�ض احلكام فقط‪،‬‬ ‫�إمنا قاد املاليني من النا�س فيما كان يعد‬ ‫ثلث العامل حينئذ‪ ،‬لي�س هذا فقط‪ ،‬بل‬ ‫�إنه ق�ضى على الأن�صاب والأزالم والأديان‬ ‫والأفكار واملعتقدات الباطلة"‪.‬‬ ‫وي�ضيف (لومارتان)‪ :‬هذا هو حممد �صلى‬

‫اهلل عليه و�سلم الفيل�سوف‪ ،‬واخلطيب‪،‬‬ ‫والنبى‪ ،‬واملُ�شرع‪ ،‬وقاهر الأهواء وم�ؤ�س�س‬ ‫املذاهب الفكرية التى تدعو �إىل عبادة‬ ‫حقة‪ ،‬بال �أن�صاب وال �أزالم‪ ،‬وهو امل�ؤ�س�س‬ ‫لع�شرين �إمرباطورية فى الأر�ض‪،‬‬ ‫و�إمرباطورية روحانية واحدة‪ ،‬وهذا‬ ‫هو حممد �صلى اهلل عليه و�سلم بالنظر‬ ‫لكل مقايي�س العظمة الب�شرية‪ ،‬و�أود �أن‬ ‫�أت�ساءل‪ :‬هل هناك من هو �أعظم من النبى‬ ‫حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ؟!‬ ‫العامل �أحوج �إىل حممد �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪.‬‬ ‫�أما (برنارد �شو) الفيل�سوف الإجنليزى‬ ‫فيقول‪� :‬إن العامل �أحوج ما يكون لرجل‬ ‫فى تفكري حممد‪ ،‬هذا النبى الذى و�ضع‬ ‫دينه دائما مو�ضع االحرتام والإجالل‬ ‫ف�إنه �أقوى دين على ه�ضم جميع املدنيات‪،‬‬ ‫خالداً خلود الأبد‪ ،‬و�إنى �أرى كثرياً من‬ ‫بنى قومى قد دخلوا هذا الدين على ب ّينة‪،‬‬ ‫و�سيجد هذا الدين جماله الف�سيح فى‬

‫‪35‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫هذه القارة (يعنى �أوروبا)‪.‬‬ ‫وي�ضيف‪� :‬إن رجال الدين فى القرون‬ ‫الو�سطى‪ ،‬ونتيجة للجهل �أو التع�صب‪ ،‬قد‬ ‫ر�سموا لدين حممد �صورة قامتة‪ ،‬ولقد‬ ‫كانوا يعتربونه عدوا للم�سيحية‪ ،‬ولكننى‬ ‫اطلعت على �أمر هذا الرجل‪ ،‬فوجدته‬ ‫�أعجوبة خارقة‪ ،‬وتو�صلت �أنه مل يكن‬ ‫عدوا للم�سيحية‪ ،‬بل يجب �أن ي�سمى منقذ‬ ‫الب�شرية‪.‬‬ ‫وي�ضيف قائال‪� :‬إن بوادر الع�صر الإ�سالمى‬ ‫الأوروبى قريبة ال حمالة‪ ،‬و�إنى �أعتقد �أن‬ ‫رجال كمحمد لو ت�سلم زمام احلكم املطلق‬ ‫فى العامل ب�أجمعه اليوم‪ ،‬لتم له النجاح‬ ‫فى حكمه‪ ،‬ولقاد العامل �إىل اخلري‪ ،‬وحل‬ ‫م�شاكله على وجه يحقق للعامل كله‬ ‫ال�سالم وال�سعادة املن�شودة‪.‬‬ ‫ال�شخ�صية اخلارقة‬ ‫�أما امل�ؤرخ الأوروبى (جيم�س ميت�شرن)‬ ‫فيقول فى مقال حتت عنوان "ال�شخ�صية‬ ‫اخلارقة" عن النبى �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫"وقد �أحدث حممد عليه ال�سالم ب�شخ�صيته‬ ‫اخلارقة للعادة ثورة فى اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫وفى ال�شرق كله‪ ،‬فقد حطم الأ�صنام بيده‪،‬‬ ‫و�أقام دينا خالداً يدعو �إىل الإميان باهلل‬ ‫وحده‪.‬‬ ‫املكانة العالية‬ ‫ويقول الفيل�سوف الفرن�سى (كارديفو)‪:‬‬ ‫"�إن حممدًا كان هو النبى امللهم وامل�ؤمن‪،‬‬ ‫ومل ي�ستطع �أحد �أن ينازعه املكانة العالية‬ ‫التى كان عليها‪� ،‬إن �شعور امل�ساواة والإخاء‬ ‫الذى �أ�س�سه حممد بني �أع�ضاء الكتلة‬ ‫الإ�سالمية كان يطبق عمليا حتى على‬ ‫النبى نف�سه"‪.‬‬ ‫�أهدى الأمة‬

‫‪36‬‬ ‫�أما الروائى الرو�سى والفيل�سوف الكبري‬ ‫(تول�ستوى) الذى �أعجب بالإ�سالم‬ ‫وتعاليمه فى الزهد والأخالق والت�صوف‪،‬‬ ‫فقد انبهر ب�شخ�صية النبى �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم وظهر ذلك وا�ضحا يف �أعماله‪ ،‬فيقول‬ ‫فى مقال له بعنوان‪" :‬من حممد؟"‪:‬‬ ‫"�إن حممدًا هو م�ؤ�س�س ور�سول‪ ،‬كان من‬ ‫عظماء الرجال الذين خدموا املجتمع‬ ‫الإن�سانى خدمة جليلة‪ ،‬ويكفيه فخراً �أنه‬ ‫�أهدى �أمة برمتها �إىل نور احلق‪ ،‬وجعلها‬ ‫جتنح �إىل ال�سكينة وال�سالم‪ ،‬وت�ؤثر عي�شة‬ ‫الزهد ومنعها من �سفك الدماء‪ ،‬وفتح لها‬ ‫طريق الرقى واملدنية‪ ،‬وهو عمل عظيم ال‬ ‫يقدم عليه �إال �شخ�ص �أوتى قوة‪ ،‬ورجل‬ ‫مثله جدير باالحرتام والإجالل‪.‬‬ ‫ويقول � ً‬ ‫أي�ضا‪ :‬يكفى حممداً فخراً �أنه‬ ‫خل�ص �أمة ذليلة دموية من خمالب‬ ‫�شياطني العادات الذميمة‪ ،‬وفتح على‬ ‫وجوههم طريق الرقى والتقدم‪ ،‬و�إن‬ ‫�شريعة حممد �ست�سود العامل الن�سجامها‬ ‫مع العقل واحلكمة‪.‬‬ ‫�أما الفيل�سوف الفرن�سى (�إدوار مونته)‬ ‫فيقول‪ :‬فى �آخر كتابه "العرب"‪" :‬عرف‬ ‫حممد بخلو�ص الن ّية واملالطفة و�إن�صافه‬ ‫فى احلكم‪ ،‬ونزاهة التعبري عن الفكر‬ ‫والتحقيق‪ ،‬وباجلملة كان حممد �أذكى‬ ‫و�أدين و�أرحم عرب ع�صره‪ ،‬و�أ�شدهم‬ ‫حفاظا على الزمام‪ ،‬فقد وجههم �إىل حياة‬ ‫مل يحلموا بها من قبل‪ ،‬و�أ�س�س لهم دولة‬ ‫زمنية ودينية ال تزال �إىل اليوم"‪.‬‬ ‫فجر جديد‬ ‫�أما امل�ست�شرق الأمريكى (�إدوارد رم�سى)‬ ‫فقال‪" :‬جاء حممد للعامل بر�سالة الواحد‬ ‫القهار‪ ،‬ليخرج النا�س من الظلمات �إىل‬

‫النور‪ ،‬فبزغ فجر جديد كان يرى فى‬ ‫الأفق‪ ،‬وفى اليوم الذى �أعادت فيه يد‬ ‫امل�صلح العظيم حممد ما ُفقد من العدل‬ ‫واحلرية �أتى الوحى من عند اهلل �إىل‬ ‫ر�سول كرمي‪ ،‬ففتحت حججه العقلية‬ ‫ال�سديدة �أعني �أمة جاهلة‪ ،‬فانتبه العرب‪،‬‬ ‫وحتققوا �أنهم كانوا نائمني فى �أح�ضان‬ ‫العبودية‪.‬‬ ‫ويقول الفيل�سوف وال�شاعر الفرن�سى‬ ‫(المارتني)‪�" :‬إن ثبات حممد وبقاءه‬ ‫ثالثة ع�شر عاما يدعو دعوته فى و�سط‬ ‫�أعدائه فى قلب مكة ونواحيها‪ ،‬وجمامع‬ ‫�أهلها‪ ،‬و�إن �شهامته وجر�أته و�صربه فيما‬ ‫لقيه من عبدة الأوثان‪ ،‬و�إن حميته فى‬ ‫ن�شر ر�سالته‪ ،‬وحروبه التى كان جي�شه فيها‬ ‫�أقل من جي�ش عدوه‪ ،‬وتطلعه فى �إعالء‬ ‫الكلمة‪ ،‬وت�أ�سي�س العقيدة ال�صحيحة ال �إىل‬ ‫فتح الدول و�إن�شاء الإمرباطورية‪ ..‬وكل‬ ‫ذلك �أدلة على �أن حممداً كان وراءه يقني‬ ‫فى قلبه وعقيدة �صادقة حترر الإن�سان‬ ‫من الظلم والهوان‪ ،‬و�إن هذا اليقني الذى‬ ‫ملأ روحه هو الذى وهبه القدرة على �أن‬ ‫يرد �إىل احلياة فكرة عظيمة وحجة قائمة‬ ‫حطمت �آلهة كاذبة‪ ،‬ونك�ست معبودات‬ ‫باطلة‪ ،‬وفتحت طريقاً جديداً للفكر فى‬ ‫�أحوال النا�س‪ ،‬ومهدت �سبيال للنظر فى‬ ‫�ش�ؤونهم‪ ،‬فهو فاحت �أقطار الفكر‪ ،‬ورائد‬ ‫الإن�سان �إىل العقل‪ ،‬ونا�شر العقائد املحررة‬ ‫للإن�سان وم�ؤ�س�س دين ال وثنية فيه"‪.‬‬ ‫تاريخ حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ويقول ال�سري (موير) امل�ؤرخ الإجنليزى‬ ‫فى كتابه (تاريخ حممد)‪�" :‬إن حممدًا‬ ‫نبى امل�سلمني لـقــب بالأمني مـنـذ ال�صغـر‬ ‫ب�إجماع �أهل بلده ل�شرف �أخالقه وح�سن‬


‫�سلوكه ومهما يكن هناك من �أمر ف�إن‬ ‫حممدا �أ�سمى من �أن ينتهى �إليه الوا�صف‪،‬‬ ‫وال يعرفه من جهله‪ ،‬وخبري به من �أمعن‬ ‫النظر فى تاريخه املجيد‪ ،‬ذلك التاريخ‬ ‫الذى ترك حممداً فى طليعة الر�سل‬ ‫ومفكرى العامل"‪.‬‬ ‫وي�ضيف‪" :‬لقد امتاز حممد عليه ال�سالم‬ ‫بو�ضوح كالمه‪ ،‬وي�سر دينه‪ ،‬وقد �أمت من‬ ‫الأعمال ما يده�ش العقول‪ ،‬ومل يعهد‬ ‫التاريخ م�صلحا �أيقظ النفو�س و�أحيا‬ ‫الأخالق ورفع �ش�أن الف�ضيلة فى زمن‬ ‫ق�صري كما فعل نبى الإ�سالم حممد‪.‬‬ ‫�أما املفكر (لورد هدىل) فيقف منده�شا‬ ‫عند معاملة النبى �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫للأ�سرى من امل�شركني فى معركة بدر‬ ‫الكربى‪ ،‬ومالحظا فيها ذروة الأخالق‬ ‫ال�سمحة واملعاملة الطيبة الكرمية ثم‬ ‫يت�ساءل‪�" :‬أفال يدل هذا على �أن حممداً مل‬ ‫يكن مت�صفا بالق�سوة وال متعط�شا للدماء‪،‬‬ ‫كما يقول خ�صومه؟! بل كان دائما يعمل‬ ‫على حقن الدماء جهد امل�ستطاع‪ ،‬فقد‬ ‫خ�ضعت له جزيرة العرب من �أق�صاها‪،‬‬ ‫وجاءه وفد من جنران من اليمن بقيادة‬ ‫البطريق‪ ،‬ومل يحاول قط �أن يكرههم‬ ‫على اعتناق الإ�سالم‪ ،‬فال �إكراه فى الدين‪،‬‬ ‫بل �أمنهم على �أموالهم و�أرواحهم‪ ،‬و�أمر‬ ‫ب�أال يتعر�ض لهم �أحد فى معتقداتهم‬ ‫وطقو�سهم الدينية‪.‬‬ ‫�أعظمهم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�أما العامل الأمريكى (مايكل هارت)‬ ‫فريد جناح النبى �صلى اهلل عليه و�سلم فى‬ ‫ن�شر دعوته‪ ،‬و�سرعة انت�شار الإ�سالم فى‬ ‫الأر�ض‪� ،‬إىل �سماحة هذا الدين وعظمة‬ ‫�أخالق النبى عليه ال�صالة وال�سالم‬

‫الذى اختاره على ر�أ�س مائة �شخ�صية من‬ ‫ال�شخ�صيات التى تركت ب�صماتها بارزة فى‬ ‫تاريخ الب�شرية‪ ،‬ويقول‪�« :‬إن حممدًا هو‬ ‫الإن�سان الوحيد فى التاريخ الذى جنح‬ ‫مطلقا فى املجالني الدينى والدنيوى‪،‬‬ ‫و�أ�صبح قائداً �سيا�سياً وع�سكر ًيا»‪.‬‬ ‫وي�ضيف فى كتابه (مائة رجل من‬ ‫التاريخ)‪�" :‬إن اختيارى حممداً‪ ،‬ليكون‬ ‫الأول فى �أهم و�أعظم رجال التاريخ‪ ،‬قد‬ ‫يده�ش القراء‪ ،‬ولكنه الرجل الوحيد فى‬ ‫التاريخ كله الذى جنح �أعلى جناح على‬ ‫امل�ستويني‪ :‬الدينى والدنيوى‪ ،‬فهناك ر�سل‬ ‫و�أنبياء وحكماء بد�أوا ر�ساالت عظيمة‪،‬‬ ‫ولكنهم ماتوا دون �إمتامها‪ ،‬كامل�سيح‬ ‫فى امل�سيحية‪� ،‬أو �شاركهم فيها غريهم‪،‬‬ ‫�أو �سبقهم �إليها �سواهم‪ ،‬كمو�سى فى‬ ‫اليهودية‪ ،‬ولكن حممداً هو الوحيد الذى‬ ‫�أمت ر�سالته الدينية‪ ،‬وحتددت �أحكامها‪،‬‬ ‫و�آمنت بها �شعوب ب�أ�سرها فى حياته‪ ،‬ولأنه‬ ‫الدين دول ًة جديد ًة‪ ،‬ف�إنه فى‬ ‫جانب‬ ‫�أقام‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫هذا املجال الدنيوى �أي�ضا‪ ،‬وحد القبائل‬ ‫فى �شعب‪ ،‬وال�شعوب فى �أمة‪ ،‬وو�ضع لها كل‬ ‫�أ�س�س حياتها‪ ،‬ور�سم �أمور دنياها‪ ،‬وو�ضعها‬ ‫فى مو�ضع االنطالق �إىل العامل‪� ،‬أي�ضاً فى‬ ‫حياته‪ ،‬فهو الذى بد�أ الر�سالة الدينية‬ ‫والدنيوية‪ ،‬و�أمتها"‪.‬‬ ‫ويقول الفيل�سوف الفرن�سى (وولرت)‪:‬‬ ‫"�إن ال�سنن التى �أتى بها النبى حممد‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم كانت كلها قاهرة‬ ‫للنف�س ومهذبة لها‪ ،‬وجمالها جلب‬ ‫للدين املحمدى غاية الإعجاب ومنتهى‬ ‫الإجالل‪ ،‬ولهذا �أ�سلمت �شعوب عديدة من‬ ‫�أمم الأر�ض‪ ،‬حتى زنوج �أوا�سط �أفريقيا‪،‬‬ ‫و�سكان جزر املحيط الهندى"‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪38‬‬

‫الدكتور قي�س املعايطة‬

‫االختالف في الرأي سنة كونية‬ ‫• مفهوم االختالف‪:‬‬ ‫االختالف واملخالفة يف اللغة يعنيان �أن‬ ‫ينهج كل �شخ�ص طريقا مغايرا للآخر يف‬ ‫حالة او يف قوله‪ .‬واخلالف �أعم من ال�ضد‪،‬‬ ‫لأن كل �ضدين خمتلفان ولكن لي�س كل‬ ‫خمتلفني �ضدين‪ .‬وتت�سع مقولة اخلالف‬ ‫واالختالف لت�شمل �أحيانا املنازعة واجلدل‬

‫واجلدال وما اىل ذلك‪ .‬لكن االختالف‬ ‫يبقى �سنة كونية ال منا�ص منها‪.‬‬ ‫• الت�أ�صيل ال�شرعي ملبد�أ االختالف‬ ‫وقد جاء ذكرها يف القر�آن الكرمي ( وهو‬ ‫مرجع امل�سلمني من حيث البالغة والبديع‬ ‫والبان �أيا كانت معتقداتهم وانتماءاتهم‬ ‫واختالف �آرائهم)‪ .‬جاء يف منا�سبات كثرية‬ ‫نذكر منها على �سبيل املثال ال ‪ :‬احل�صر‬

‫عددا من الآيات الكرمية لت�أ�سي�س ملقولة‬ ‫ان االختالف �سنة كونية ال مفر منها‪،‬‬ ‫وهي ( �إنكم لفي قول خمتلف)‬ ‫وعلى هذا ميكن القول ‪� :‬إن اخلالف‬ ‫واالختالف يراد بهما مطلق املغايرة‬ ‫يف القول �أو الر�أي �أو الفعل �أو احلالة �أو‬ ‫الهيئة �أو املوقف‪.‬‬


‫وعليه ف�إن هذا االختالف �سيفرز اختالفا‬ ‫يف العقول واملدارك والأل�سنة والألوان‬ ‫مبا هو ‪� :‬آية من اخللق املق�صودة لغايات‬ ‫يعلمها اهلل وحلكمه هو �أدرى مبكنوناتها‪.‬‬ ‫قال تعاىل ( ولو �شاء ربك جلعل النا�س‬ ‫�أمة واحدة واليزالون خمتلفني �إال من‬ ‫رحم ربك ولذلك خلقهم)‪.‬‬ ‫ولنت�أمل روعة الو�صف وجمال البيان‬ ‫واحلكمة املتعالية فيما بني �سطور هذه‬ ‫االية الكرمية لو �شاء اهلل لرفع االختالف‬ ‫نهائيا من على وجه الب�سيطة لكنه �أراده‬ ‫�سنة دائمة‪.‬‬ ‫ولذلك خلقهم‪� ،‬أي ليبني لهم �أن‬ ‫االختالف جزء من هدف الن�ش�أة والتكوين‬ ‫واخللق لأن فيه اختبارا‪ -‬ورحمة‪.‬‬ ‫وقد وفرت ال�سنة النبوية بيئة خ�صبة‬ ‫لهذا التباين �إغرتف منه �أ�صحاب‬ ‫من املذاهب وقعدوا على �ضوئها تلك‬ ‫القواعد‪.‬‬ ‫ومن النماذج الرائعة التي من خاللها‬ ‫ميكن الت�أ�صيل ملبد�أ االختالف يف ال�سنة‬ ‫النبوية‪ ،‬فبعد االنتهاء من غزوة االحزاب‬ ‫توجه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لغزو‬ ‫بني قريظة‪ ،‬يف ذلك املوقف قال كلمته‬ ‫امل�شهورة " ال ي�صلني احدكم الع�صر اال‬ ‫يف بني قريظة" فهم الفريق االول من‬ ‫ال�صحابة هذا احلديث ان النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم اراد ال�صالة يف بني قريظة‬ ‫لذلك �أخذ بظاهرهوقال لن ن�صل اال اذا‬ ‫حط الرحل يف تلك القبيلة‪ ،‬بينما الفريق‬ ‫الثاين �سار يف فهم احلديث منحى �آخر‬ ‫وقال امنا �أراد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫اال�ستعجال يف امل�سري وبناء عليه �صلوا‬ ‫يف الطريق‪ ،‬وملا و�صلوا الحظ �أن الفريق‬

‫االول قد �سلك يف قراءته للحديث النبوي‬ ‫م�سلك الظاهر ومن هنا تبلورت مدر�سة‬ ‫" ظاهرة الن�ص " يف حني ان الفريق‬ ‫الثاين قد �سلك �سبيل "الباطن" ومن هذا‬ ‫املنطلق كان قوام مدر�سة " روح الن�ص "‪،‬‬ ‫فال جرم ملن ا�ستوعب هذه احلادثة و�أحاط‬ ‫بها �أن يوقر يف قلبه االختالف املعترب –‬ ‫مع الرتكيز على كلمة معترب – قدر ال‬ ‫منا�ص منه وهو ميزة لأمة الإ�سالم ورحم‬ ‫" اهلل ابن قدامة �إذ قال " الإجماع قاطعة‬ ‫والإختالف رحمة وا�سعة‪.‬‬ ‫• مق�صود الإختالف �سنة كونية‬ ‫االختالف �سنة كونية واعية وهادفة مل‬ ‫ت�أت هكذا من عبث �أو فراغ �أو فعل ب�شر‬ ‫جاهل �أو �أمر باطل والعياذ باهلل‪ ،‬بل هو‬ ‫جزء ال يتجز�أ من اخللق الهادف �إذا التزم‬ ‫به العبد – و�أقر قوانينه و�آليات حركته‬ ‫– كان ظاهره �إيجابية يف املجتمع ‪ .‬نعم‬ ‫قد يتحول اىل م�شكلة فقط عندما يتحول‬ ‫اىل نزاع وجدل عقيم و�شقاق فتذهب ريح‬ ‫الأفراد واجلماعات والأقوام‪ .‬وتف�شل‬ ‫جهودهم وم�ساعيهم يف �إعمار الأر�ض‬ ‫ومن عليها وت�شيع احلروب واخلرائب يف‬ ‫الديار والنفو�س وذلك �سيكون من فعل‬ ‫الب�شر الذين مل يرعوا او يتعلموا قانون‬ ‫اخللق والن�شور‪.‬‬ ‫�أن نقبل باالختالف �سنة كونية يجعلنا‬ ‫�أن نحول االختالف �إىل امر حممود‬ ‫وجمال يدفع بنا اىل بذل �أف�ضل ما لدينا‬ ‫من امكانات لتنويع حياتنا التي من حولنا‬ ‫وتزيينها بكل الوان الفعل واالنفعاالت‬ ‫• خــــطـــــورة عـــــدم �إدراك �ســـــنــــة‬ ‫الإختالف‬ ‫ومعنى هذا ان االختالف والتعدد والتنوع‬

‫ال يزال يفهم �أنه مورد لالحرتاب والقتال‬ ‫والتنابذ ومل يرتفع الوعي اىل م�ستوى‬ ‫اعتبار االختالف او التنوع قيمة ح�ضارية‬ ‫وان�سانية ودليل �سمو ورقي‪.‬‬ ‫من هنا ال بد من القول �أن التمذهب‬ ‫الأعمى يف الدين‪ ،‬والتع�صب البغي�ض‬ ‫يف الدين‪ ،‬لي�س اال �شذوذا وانحرافا يف‬ ‫املوقف جتاه الدين نف�سه‪ ،‬ونظره �سلبية‬ ‫للمذاهب التي هي يف اال�سا�س طرق‬ ‫لفهم الدين‪ ،‬ولي�س انت�سابا مغلقا على‬ ‫نظام ال يجد ملقارعة خ�صومه اال القتل‬ ‫والنبذ‪ .‬واذا كانت قد ازدادت يف االعوام‬ ‫االخرية م�شاعر الطائفية بفعل التوترات‬ ‫ال�سيا�سية اخلطرية‪ ،‬ف�إن على اتباع الأديان‬ ‫الذين ميلكون الوعي واالميان املجرد عن‬ ‫الأهواء والع�صبيات وامل�صالح‪� ،‬أن ي�صونوا‬ ‫االختالف والتنوع وحرية الفكر واالجتهاد‬ ‫واالختيار‪ .‬وان يرف�ضوا كل متييز على‬ ‫ا�سا�س ديني �أو عرقي �أو اجتماعي‪ .‬وان‬ ‫االختالف يف االل�سن وااللوان كاالختالف‬ ‫يف الليل والنهار وال�سماوات واالر�ض‪،‬‬ ‫فهذه وتلك قاعدة تكوينية واالن�سان مل‬ ‫ي�شذ عن هذه القاعدة‪ ،‬لذلك قال تعاىل‪:‬‬ ‫( ولو �شاء ربك جلعل النا�س �أمة واحدة‬ ‫واليزالون خمتلفني )‪.‬‬ ‫ماذا يعني ان يكون االن�سان خمتلفاً‬ ‫عن �أخيه الإن�سان ؟ يعني ان يكون حرا‬ ‫يف اختياره ويف موقفه و�سلوكه‪ ،‬وحرا يف‬ ‫فكره و�سعيه‪ ،‬وحرا يف انت�سابه ووالئه‬ ‫وانتمائه‪� ،‬سواء ملجموعة �سيا�سية او دينية‪،‬‬ ‫وحرا يف ابراز ثقافة ومزاولة عاداته‪.‬‬ ‫ف�أهلية االن�سان للحياة وت�شكله وتفتحه‬ ‫م�ستمدة من االختالف احلر واحلرية يف‬ ‫االختالف‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪40‬‬

‫الحوار الحضاري في اإلسالم‬

‫د‪ .‬عبد القادر الكتاين‬

‫قد يظن بع�ض القراء �أن هديف من‬ ‫هذا املقال �أن �أحدثكم عن �شروط و�أركان‬ ‫احلوار الإ�سالمي �أو �أهدافه ومنطلقاته‬ ‫و�أن �أمور احلوار وتفا�صيله كلها �إجناز‬ ‫�إ�سالمي بامتياز‪ ,‬وبالطبع لي�س هذا‬ ‫هو الهدف‪� ,‬إذ ال يخفى على الباحث �أن‬ ‫احلوار احل�ضاري الراقي الذي نعهده‬ ‫اليوم‪ ,‬مت حتديثه وتطويره عرب قرون‬ ‫من التوا�صل والتكامل والعالقات‬

‫احل�ضارية التكاملية بني بني الب�شر‪� ,‬إال‬ ‫�أنني �س�أبرهن للجميع �أن الإ�سالم كان‬ ‫من �أوائل ال�شرائع ال�سماوية والقوانني‬ ‫الأر�ضية التي دعت للحوار ودعمته ال بل‬ ‫قبلت نتائجه‪ ,‬فللحوار يف ديننا وتراثنا‬ ‫معان رفيعة القدر �سامية املكانة تك�سوها‬ ‫م�سحة ح�ضارية راقية مار�سها الر�سول‬ ‫الأكرم (�صلى اهلل عيه و�سلم) ونزل بها‬ ‫الوحي عليه وي�ؤكد ذلك ماورد يف القر�آن‬


‫الكرمي يف �سورة الكهف من قوله تعاىل‬ ‫(قال له �صاحبه وهو يحاوره �أكفرت بالذي‬ ‫خلقك من تراب ثم من نطفة ثم �سواك‬ ‫رجال) وال�سرية النبوية مليئة بق�ص�ص‬ ‫احلوار وامل�شاورة مع امل�ؤمنني وغريهم �أي‬ ‫�أن فكرة احلوار بد�أت �إ�سالمية وتطورت‬ ‫عرب التاريخ �إىل �أن و�صلت �إلينا على ما‬ ‫هي عليه الآن من ال�سمو والتكامل‪ ,‬ويف‬ ‫ذلك تدعيم للفكر احلواري احل�ضاري‬ ‫الإن�ساين ‪ ,‬ودعوة للتيارات الإ�سالمية‬ ‫على اختالف انتما�آتها املذهبية والفقهية‬ ‫لتلتزم احلوار العلمي البناء فيما بينها‬ ‫�أو ًال وفيما بينها وبني الآخر عموما �أيا كان‬ ‫انتما�ؤه احل�ضاري �أو الديني �أو الثقايف‪� ,‬إن‬ ‫كانت حقا م�سلمة ‪.‬‬ ‫فمما ال�شك فيه �أن اهلل قد خلق‬ ‫الب�شر جميعا من �أرومة وطينة واحدة ‪,‬‬ ‫وجعلهم مت�ساوين يف احلقوق والواجبات‬ ‫‪ ،‬حيث (ال ف�ضل لعربي على �أعجمي وال‬ ‫لأبي�ض على �أ�سود �إال بالتقوى)‪,‬كما قال‬ ‫الر�سول الكرمي �صلى اهلل عيه و�سلم‬ ‫و�أ�شركهم جميعا ب�أ�شياء كثرية بالفطرة‬ ‫‪ .‬ثم جعلهم يختلفون ب�أ�شياء �أخرى‬ ‫ليدفعهم �إىل التناف�س والتعاون وتبادل‬ ‫املنافع ‪ ،‬وذلك لكي يتمكن الإن�سان من‬ ‫حتقيق �أق�صى حد من التقدم وال�سعادة‪,‬‬ ‫وو�ضع �ضوابط للمناف�سة ال�شريفة ‪� ,‬إذ‬ ‫جعل التقوى والأخالق املعيار الأ�سا�س‬ ‫الذي يفرق بني املتناف�سني لكي يدركوا‬ ‫�أن التناف�س احلق ينبغي �أن يكون �شريفا‬ ‫ونزيها غايته احلقيقية ال�سعادة الأبدية‬ ‫للب�شرية ‪.‬وذلك م�صداقا لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫(يا �أيها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و�أنثى‬ ‫وجعلناكم �شعوبا وقبائل لتعارفوا‪� .‬إن‬ ‫�أكرمكم عند اهلل �أتقاكم)وقوله (وتعاونوا‬ ‫على الرب والتقوى وال تعاونوا على الإثم‬

‫الـحــضـارة اإلسـالمــيـة‬ ‫واحدة من الحضارات‬ ‫التي تقيدها مجموعة‬ ‫من الضوابط الدينية‪،‬‬ ‫فـــاإلســـالم يـــشــمـل‬ ‫مجموعة من القواعد‬ ‫الـعـامــة والتفـصـيـليـة‬ ‫تغـطي كـافــة‬ ‫جـوانب الحياة الدنيا‬

‫والعدوان)‬ ‫ونحن نعلم �أن عملية التعاون والتعارف‬ ‫ال تتم �إال بالتوا�صل واحلوار ب�أ�شكاله‬ ‫املختلفة فكيف نتعارف ونتعاون �إن مل‬ ‫نتحاور ونتوا�صل واحلوار الذي هو من‬ ‫�أكرث �أ�شكال االت�صال جدوى وفاعلية‪,‬‬ ‫الأمر املت�أ�صل يف الفطرة الب�شرية منذ‬ ‫الأزل‪ .‬فقد خلق اهلل النا�س جميعا وجعلهم‬ ‫�شعوبا وقبائل‪� ،‬أي �أجنا�سا متعددة‪ ،‬لهم‬ ‫ح�ضارات خمتلفة ليتعارفوا ويتعاونوا ملا‬ ‫فيه م�صاحلهم‪.‬‬ ‫واحلوار مبعناه الوا�سع يعني التفاعل‬ ‫وتبادل الأفكار بني طرفني �أو �أكرث‬ ‫تتبادل فيه الأطراف املتحاورة امل�شاعر‬ ‫واالحتياجات والآراء والأفكار واملعتقدات‪,‬‬ ‫مما يزيد املودة وال�صداقة بني الأطراف‬ ‫املتحاورة‪ .‬و�أكرب دليل على م�شروعية‬ ‫احلوار واجلدال حتى مع الر�سول الأكرم‬ ‫�صلى اهلل عيه و�سلم ق�صة املر�أة التي‬ ‫جادلت النبي والوارد ذكرها بالقر�آن‬ ‫الكرمي بقوله تعاىل وقوله تعاىل ( قد‬ ‫�سمع اهلل قول التي جتادلك يف زوجها‬ ‫وت�شتكي �إىل اهلل واهلل ي�سمع حتاوركما �إن‬

‫اهلل �سميع ب�صري ) وبالطبع فقد انت�صر‬ ‫البارئ عوجل للمر�أة �ضد زوجها وهنالك‬ ‫العديد من �أحداث ال�سرية النبوية‬ ‫تتحدث عن احلوار واجلدال بني الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عيه و�سلم و�أهل الكتاب وغريهم‬ ‫وقد �أقره �صلى اهلل عيه و�سلم ال بل عمل‬ ‫بوجهة نظر بع�ض ال�صحابة �أحيانا‪.‬‬ ‫وللحوار اجلاد ثالثة �أهداف رئي�سية هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬التفاهم يف م�س�ألة فيها خالف وحماولة‬ ‫الو�صول �إىل حل و�سط‪،‬‬ ‫‪ -2‬التعرف على ما عند الطرف الآخر من‬ ‫�أفكار �أو �آراء‪ ،‬لتحديد نقاط االختالف‬ ‫ونقاط االتفاق‪,‬‬ ‫‪� -3‬إجناز عمل ل�صالح �أحد الطرفني �أو‬ ‫ل�صالح الطرفني معا ‪ ،‬ويندرج فيها جميع‬ ‫�أنواع ال�سلوك �أثناء التعامل الروتيني‬ ‫اليومي‪.‬‬ ‫ورمبا كان هذا النوع من احلوار �أبلغ‬ ‫من كثري من الأبحاث التي تقدم يف ندوات‬ ‫احلوار بني احل�ضارات‪.‬‬ ‫واحل�ضارة الإ�سالمية واحدة من‬ ‫احل�ضارات التي تقيدها جمموعة من‬ ‫ال�ضوابط الدينية‪ ،‬فالإ�سالم ي�شمل‬ ‫جمموعة من القواعد العامة والتف�صيلية‬ ‫تغطي كافة جوانب احلياة الدنيا‪ :‬العقائد‬ ‫والعبادات ( العالقة بني اخلالق واملخلوق)‪،‬‬ ‫واملعامالت والآداب العامة والأخالق‬ ‫(العالقة بني املخلوقات)‪ ،‬ومينح فر�صة‬ ‫لالجتهاد والتعدد املقبول يف الآراء‬ ‫الفقهية‪.‬والتعليمات الدينية مق�سمة �إىل‬ ‫دائرتني رئي�سيتني �أوالهما دائرة الثوابت‬ ‫القطعية الثبوت كالقر�آن الكرمي وال�سنة‬ ‫النبوية املتفق على �صحتها‪ .‬وثانيهما‬ ‫دائرة املتغريات القابلة لالجتهاد والقيا�س‬ ‫ور�أي الأغلبية واال�ستح�سان وغريها من‬ ‫دوائر االجتهاد‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫فالإ�سالم يحث امل�سلمني على احلوار‬ ‫والتعارف والتعاون مع الغري لتحقيق‬ ‫ال�سالم املبدئي يف الدنيا‪ ,‬والإ�سالم يجعل‬ ‫القاعدة العامة للعالقة بني امل�سلمني‬ ‫وغريهم من امل�ساملني الرب والإح�سان‬ ‫بقوله تعاىل‪( :‬ال ينهاكم اهلل عن الذين‬ ‫مل يقاتلوكم يف الدين ومل يخرجوكم‬ ‫من دياركم �أن تربوهم وتق�سطوا �إليهم )‬ ‫و احلوار بالتي هي �أح�سن بقوله عز وجل‬ ‫( وال جتادلوا �أهل الكتاب �إال بالتي هي‬ ‫�أح�سن)‬ ‫ولو �أخذنا بع�ض النماذج من ال�سرية‬ ‫النبوية لوجدنا �أن االختالف يف العقيدة‬ ‫مل مينع الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم‬ ‫من التوجيه بالو�صاية خريا ب�أهل م�صر‬ ‫عموما يف قوله‪�" :‬إنكم �ستفتحون م�صر‪..‬‬ ‫ف�أح�سنوا �إىل �أهلها ‪....‬‬ ‫والقر�آن الكرمي ي�أمر بح�سن معاملة‬ ‫الوالدين امل�شركني يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫(وو�صينا الإن�سان بوالديه ح�سنا‪ ،‬و�إن‬ ‫جاهداك لت�شرك بي ما لي�س لك به علم‬ ‫فال تطعهما‪� ،‬إيل مرجعكم ف�أنبئكم مبا‬ ‫كنتم تعملون)‪.‬‬ ‫وانطالقا من هذا املبد�أ الذي يوفر‬ ‫البيئة املنا�سبة للحوار من �أجل الأف�ضل‬ ‫للجميع كان الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم‬ ‫يكرم �أ�ضيافه و�إن كانوا غري م�سلمني فقد‬ ‫�سمح مثال لوفد ن�صارى جنران �أن ي�ؤدي‬ ‫�صالته يف م�سجده‪ .‬وكذلك قال �صلى اهلل‬ ‫عيه و�سلممثال‪" :‬ما من م�سلم يغر�س‬ ‫غر�سا في�أكل منه �إن�سان �أو دابة �أو طري‬ ‫�إال كان له �صدقة"‪ .‬فهو يحث على عمل‬ ‫اخلري للإن�سان ب�صرف النظر عن دين‬ ‫امل�ستفيد منه‪.‬‬ ‫و�أو�صى الإ�سالم برابطة اجلوار خريا‪،‬‬ ‫حيث يقول الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم‪:‬‬

‫ما زال جربيل يو�صيني باجلار حتى‬ ‫ظننت �أنه �سيورثه" دون حتديد �أن يكون‬ ‫اجلار م�سلما �أو غري م�سلم‪ .‬وقد �أمر‬ ‫الر�سول ملا ُذبِحت له �شاة �أن ُيهدى منها‬ ‫جلاره اليهودي"‪.‬‬ ‫ومن الأدلة والأمثلة التي ت�ؤكد على‬ ‫ال�صلة مع غري امل�سلمني �أن الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عيه و�سلم بعثاجتماعية‪،‬كة‬ ‫قبل �أن يفتحها ماال ملا قحطوا ليوزع‬ ‫على فقرائهم‪ ،‬و�أنه عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫ت�صدق ب�صدقة على �أنا�س من يهود‪ ،‬فهي‬ ‫جترى عليهم‪ ،‬و�أنه عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫قام جلنازة يهودي‪ .‬كما �أن اخلليفة الرا�شد‬ ‫عمر بن اخلطاب ر�أى ن�صارى جمزومني‬ ‫ف�أمر لهم مب�ساعدة اجتماعية ‪ ،‬واغتاله‬ ‫ذمي فلم مينعه ذلك من �أن يو�صي بهم‬ ‫خريا‪.‬‬ ‫ومما ال�شك به �أن هذا الت�سامح �إمنا ينتج‬ ‫عن التعاليم الإ�سالمية ال�سمحة التي تن�ص‬ ‫على كرامة الإن�سان عموما وعلى حرية‬ ‫االختيار يف الدنيا (ال �إكراه يف الدين قد‬ ‫تبني الر�شد من الغي ) وعلى �أن امل�سلم لي�س‬ ‫مكلفا مبحا�سبة الآخرين على توجهاتهم‪,‬‬ ‫إن أغلب الحروب‬ ‫والصراعات التي‬ ‫تقنعت بالدين كانت‬ ‫صراعات مصالح مادية‬ ‫وهيمنة استعمارية‬ ‫خذ الحروب الصليبية‬ ‫مثال إذ تقنع الغربيون‬ ‫بالصليب وأعلنوها حربا‬ ‫صليبية‬

‫بل عليه فقط دعوتهم باحل�سنى‪,‬‬ ‫ومن مبادئ الإ�سالم احرتام العقود‬ ‫ال�صريحة وال�ضمنية رغم اختالف‬ ‫العقيدة �أو احل�ضارة‪ .‬ومن مبادئه �أي�ضا‬ ‫�أن يرجو امل�سلمون للآخرين ما يرجونه‬ ‫لأنف�سهم من اخلري فيدعون لهم بالهداية‬ ‫والر�شاد‪ .‬وهو مبد�أ �أنبياء اهلل جميعا‪،‬‬ ‫ومن اجلهود املتبادلة يف توفري البيئة‬ ‫املنا�سبة للحوار �إ�سالميا الثناء على العمل‬ ‫ال�صالح و�إن �صدر ممن نختلف معه يف‬ ‫بع�ض الأمور ومنها العقيدة‪ .‬فقد �أ�شار‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عيه و�سلم ب�صيغة الثناء‬ ‫�إىل حلف الف�ضول ومن دعا �إليه حيث قال‬ ‫" لو دعيت يف الإ�سالم �إىل مثله لأجبت "‪،‬‬ ‫و�أثنى على ملك احلب�شة الذي مل يكن‬ ‫م�سلما وقال عنه �إنه ملك ال يظلم عنده‬ ‫�أحد‪.‬‬ ‫ويطالبنا البارئ عز وجل بالدعوة‬ ‫واجلدال باحل�سنى بقوله ‪( :‬ادع �إىل �سبيل‬ ‫ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم‬ ‫بالتي هي �أح�سن)‪,‬والأ�صل يف املحاورة‬ ‫احل�ضارية خلوها من اخلداع والأ�ساليب‬ ‫امللتوية �أو اجلارحة‪ ،‬وعندها ي�صل احلوار‬ ‫يف الغالب لزيادة االحرتام واملودة بني‬ ‫الأطراف املتحاورة‪� ،‬سواء �أقبل �أحد‬ ‫املتحاورين ر�أي املحاور الآخر �أم رف�ضه‪،‬‬ ‫وهناك مناذج كثرية للحوار اللفظي‬ ‫بني الإ�سالم واحل�ضارات النماذج‪�.‬سوف‬ ‫�أقت�صر على �إيراد بع�ضها مما ورد يف‬ ‫ال�سرية النبوية من مناذج‪.‬‬ ‫�إذ �إن جميع اجلهود الدعوية للر�سول‬ ‫�صلى اهلل عيه و�سلم ميكن اعتبارها‬ ‫مبادرات للدعوة �إىل اخلري ال�شامل �أو‬ ‫مبادرات ال�ستثارة احلوار بني الثقافات‬ ‫والأديان واحل�ضارات‪.‬‬ ‫ولعل من �أبرز اجلهود التي بذلها الر�سول‬


‫�صلى اهلل عيه و�سلم لدعوة �أ�صحاب‬ ‫الديانات واحل�ضارات الأخرى �إىل‬ ‫الإ�سالم �أو ال�ستثارة احلوار معها ر�سائله‪:‬‬ ‫�إىل ملوك الدول الأخرى‪.‬‬ ‫كذلك تلك التي جرت بني الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عيه و�سلم ووفد ن�صارى جنران‪ ،‬حيث‬ ‫�أكد لهم النبي مكانة عي�سى عليه ال�سالم‬ ‫يف الإ�سالم‪ ،‬وحول ما يريده الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عيه و�سلم منهم ‪ ،‬و�أكد لهم �أن الأنبياء‬ ‫�إخوة يف الدعوة �إىل اهلل �إذ قال لهم �أنه‬ ‫قد بعث ليتمم مكارم الأخالق التي‬ ‫بد�أها الأنبياء ال�سابقون و�أو�ضح لهم �أنه‬ ‫يدعوهم �إىل عبادة اهلل �سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫من امل�ؤكد �أن هذا املبد�أ هو مبد�أ الر�ساالت‬ ‫ال�سماوية كلها‪ ،‬فهو مبد�أ الفطرة الب�شرية‬ ‫ال�سليمة ‪ ،‬فهل الأديان هي ال�سبب الرئي�سي‬ ‫لل�صراعات واحلروب الدموية التي وقعت‬ ‫وتقع يف كل زمان ومكان ؟‪.‬‬ ‫�إن �أتباع الر�ساالت ال�سماوية امل�ؤمنني‬ ‫احلقيقيني منهم يدركون جيدا �أن‬ ‫ال�صراع املادي جزء طبيعي من احلياة‬ ‫يف هذه الدنيا‪ .‬ف�أعوان ال�شر ال يزالون‬ ‫ن�شطني يف حماربة اخلري‪ ،‬وال بد لأعوان‬ ‫اخلري �أن ينتبهوا �إىل هذه احلقيقة وال‬ ‫يقعوا فرائ�س �سهلة لل�شباك التي ين�صبها‬ ‫لهم �أعوان ال�شر‪,‬الذين يزينون امل�صالح‬ ‫ال�شخ�صية‪ ،‬ويحثون الأباطرة على اجلري‬ ‫وراء احلروب والكوارث‪.‬‬ ‫ولكن لو ا�ستعر�ضنا �أ�سباب احلروب يف‬ ‫العامل بدقة لوجدناها تتمثل فيما يلي‪:‬‬ ‫ امل�صالح والأطماع اال�ستعمارية لبع�ض‬‫القادة ال�سيا�سيني والع�سكريني‪،‬‬ ‫ املناف�سة غري ال�شريفة واحلقد الأعمى‬‫عند بع�ض الأ�شخا�ص من �أتباع احل�ضارات‬ ‫املختلفة‬

‫يطالبنا البارئ عز وجل‬ ‫بالدعوة والجدال‬ ‫بالحسنى بقوله ‪:‬‬ ‫يل َر ِّب َ‬ ‫ك‬ ‫(اد ُع ِإلِى َ‬ ‫ْ‬ ‫س ِب ِ‬ ‫ِبا ْل ِح ْك َم ِة َوا ْل َم ْوعِ َ‬ ‫ظ ِة‬ ‫س َن ِة َو َجادِ ْل ُهم‬ ‫ا ْل َح َ‬ ‫س ُن )‬ ‫ي أَ ْح َ‬ ‫ِبا َّلتِي ِه َ‬ ‫(النحل ‪)125 :‬‬

‫ ا�ستغالل ذوي امل�صالح الأنانية‬‫لالختالفات الطبيعية (العن�صر واللون)‬ ‫واملكت�سبة (االختالف يف الدين والثقافة)‬ ‫وهنالك �أمثلة كثرية مل�ساهمة العرب‬ ‫وامل�سلمني �أفرادا وحكومات يف توفري‬ ‫البيئة ال�صاحلة للحوار احل�ضاري‪،‬‬ ‫وهي نف�سها مناذج م�شرفة للحوار بني‬ ‫احل�ضارات‪،‬‬ ‫وانطالقا من هذا املبد�أ فقد عملت‬ ‫احلكومات العربية والإ�سالمية على‬ ‫توفري البيئة املنا�سبة للحوار بني احل�ضارة‬ ‫الإ�سالمية واحل�ضارات الأخرى بطرق‬ ‫خمتلفة‪ ،‬منها تقدمي الدعم املايل ملراكز‬ ‫احلوار احل�ضاري يف بع�ض اجلامعات‬ ‫ومراكز الدرا�سات العربية والغربية‪.‬‬ ‫كما �شاركت التيارات الإ�سالمية املعتدلة‬ ‫واملتنورة يف توفري البيئة ال�شعبية املنا�سبة‬ ‫للحوار احل�ضاري‪,‬‬ ‫وهنا يربز �س�ؤال هام وهو ما دام الأمر‬ ‫كذلك فلماذا كانت احلروب بني �أتباع‬ ‫الر�ساالت املختلفة عموما؟‪.‬‬ ‫�إن �أ�صحاب الر�ساالت ايتوقفوا عنكون‬

‫جيدا �أن الدين بريء من تهمة �إ�شعال‬ ‫احلروب‪ ,‬براءة الذئب من دم يعقوب‬ ‫ف�صراع امل�صالح املادية والأطماع الب�شرية‬ ‫جزء طبيعي من طبائع وغرائز الب�شر‪.‬‬ ‫و�أعوان ال�شر ال ولن يتوقفوا عن حماربة‬ ‫اخلري‪ ،‬ويبثون الأحقاد بني ال�شعوب‪.‬‬ ‫�إذ �إن �أغلب احلروب وال�صراعات التي‬ ‫تقنعت بالدين كانت �صراعات م�صالح‬ ‫مادية وهيمنة ا�ستعمارية‪ " ,‬خذ احلروب‬ ‫ال�صليبية مثال " �إذ تقنع الغربيون‬ ‫بال�صليب و�أعلنوها حربا �صليبية ال�ستثارة‬ ‫امل�شاعر الدينية للم�سيحيني الغربيني‬ ‫وال�شرقيني ولكن خاب ف�ألهم و�أ�سماها‬ ‫العرب حروب الفرجنة ‪ ,‬وات�ضح الأمر لكل‬ ‫ذي ب�صرية �أنها حرب ا�ستعمارية مادية‬ ‫هدفها ال�سيطرة على مقدرات وثروات‬ ‫ال�شرق العربي‪ ,‬وما احلرب التي ت�شنها‬ ‫�أمريكا والغرب على املنطقة العربية �إال‬ ‫حرب قذرة �أخرى هدفها املحافظة على‬ ‫م�صالح الغرب با�ستمرار تدفق النفط‬ ‫والرثوات العربية ولهيمنة ال�صهيونية‬ ‫والغرب على املنطقة العربية بحجج‬ ‫خمتلفة فتارة حرب �صليبية و�أخرى‬ ‫لنزع �أ�سلحة الدمار ال�شامل وثالثة‬ ‫ملحاربة التطرف والإرهاب الذي يغذيانه‬ ‫بحروبهم هذه وب�شكل غري م�سبوق ملا‬ ‫ي�سببانه من ظلم وقتل وا�ضطهاد و�إذالل‬ ‫ل�شعوب ومقد�سات وثقافات وتراث‬ ‫العرب وامل�سلمني والعامل الثالث �أجمع‬ ‫‪� ,‬إذ �إن الدعاة احلقيقيني للدين هم‬ ‫دعاة م�ساملون وخ�صو�صا امل�ؤمنون منهم‬ ‫يتمثلون قول البارئ عز وجل(ا ْد ُع �إِلىِ‬ ‫َ�س ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْوعِ َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة‬ ‫َو َجا ِد ْلهُم بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن )‪.‬و( ال �إكراه يف‬ ‫الدين قد تبني الر�شد من الغي)‪.‬‬


‫مقاالت‬

‫‪44‬‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫القرآن واستنهاض العقل‬

‫قضايا فكرية‬ ‫د‪ .‬عبد الإله بن م�صباح‬ ‫�إذا كان املنهاج العلمي املعت َمد حدي ًثا يف‬ ‫العلوم التجريبية‪ ،‬يقوم على �أ�س�س املالحظة‬ ‫والفر�ضية والتجربة لبناء احلقيقة العلمية‪،‬‬ ‫ف�إن املنهاج القر�آين ا�ستوعب ب�إعجازه‬ ‫كل هذه اخلطوات‪ ،‬بل وجتاو َزها �إىل حد‬ ‫التوثيق الزماين واملكاين ملو�ضوع البحث‬ ‫حتى يرقى بنتائجه من ن�سبية احلقيقة �إىل‬ ‫�إطالق احلق‪.‬‬ ‫لقد جاء القر�آن الكرمي مبظاهر �شتى من‬ ‫الإعجاز‪ ،‬لتكون �أدلة يف الدعوة �إىل �سبيل‬ ‫اهلل‪ ،‬وحتى يتبني للعالمَ �أن هذا الكتاب الذي‬ ‫�أُنزل على �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ال ميكن �أن ي�صدر عن غري كالم اهلل‪ ،‬فكان‬ ‫من جملة ما حمل القوة على ا�ستنها�ض‬

‫العقل‪ ،‬للدفع بالإن�سان �إىل بناء فكر علمي‬ ‫قومي على �أ�س�س منهاج عقالين حكيم‪.‬‬ ‫ميا قد تبنى الطرح‬ ‫فلئن كان الفكر قد ً‬ ‫اخلرايف املبني على ال�سرد الأ�سطوري يف‬ ‫ا�ستقرائه للوقائع والأحداث‪ ،‬ف�إن القر�آن‬ ‫بنورانيته املعجزة جاء ليخرج النا�س‬ ‫من ظالم الفكر الوهمي �إىل نور اليقني‬ ‫العلمي‪ .‬ثم �إذا كان املنهاج العلمي املعت َمد‬ ‫حدي ًثا يف العلوم التجريبية‪ ،‬يقوم على‬ ‫�أ�س�س املالحظة والفر�ضية والتجربة لبناء‬ ‫احلقيقة العلمية‪ ،‬ف�إن املنهاج القر�آين‬ ‫قد �سبق �إىل ذلك بقرون‪ ،‬حيث ا�ستوعب‬ ‫ب�إعجازه كل هذه اخلطوات‪ ،‬بل وجتاو َزها‬ ‫�إىل حد التوثيق الزماين واملكاين ملو�ضوع‬

‫البحث حتى يرقى بنتائجه من ن�سبية‬ ‫احلقيقة �إىل �إطالق احلق‪.‬‬ ‫ف�إذا وقفنا على قول اهلل تعاىل‪ُ ( :‬قلِ‬ ‫ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض)‬ ‫ا ْن ُظ ُروا مَا َذا فيِ‬ ‫َّ‬ ‫(يون�س‪ ،)101:‬ف�إننا �سنجد فيه من الدقة‬ ‫يف التعبري ما �إن قوته لت�ستنه�ض العقل‬ ‫ل�سرب �أغوار الكون مبنهاج علمي حكيم‪.‬‬ ‫فثمة فرق كبري بني قول‪" :‬انظروا‬ ‫ال�سماوات والأر�ض" وقول‪(:‬ا ْن ُظ ُروا مَا َذا‬ ‫ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض)؛ فالأول يدعو �إىل‬ ‫فيِ َّ‬ ‫املالحظة فقط وهي نظرة الظاهر‪ ،‬و�أما‬ ‫الثاين ف�إنه ت�ضمن عبارة‪(:‬مَا َذا فيِ ) التي‬ ‫تفيد بالإ�ضافة �إىل املالحظة االفرتا�ض ثم‬ ‫االختبار‪� ،‬أي التجربة‪ ،‬وهي نظرة الباطن‪،‬‬


‫لأن �أداة الإ�شارة "ذا" التي جاءت بني "ما"‬ ‫و"يف" تدل على �سر ت�ستبطنه ال�سماوات‬ ‫والأر�ض هو املق�صود بالإ�شارة واملطلوب من‬ ‫النظر الذي جاءت به العبارة‪.‬‬ ‫وهذا ال�سر �إمنا هو نور املك ِّون الذي‬ ‫تعك�سه كل املك َّونات يف ال�سماوات والأر�ض‪،‬‬ ‫والذي �إن وجهتنا �إليه الآية بهذه العبارة‬ ‫فلأجل حتريك عقولنا؛ حتى تتف َّتح الأفهام‬ ‫وت�شرق على القلوب ب�أنوار التفكر والإمعان‪.‬‬ ‫ف�إذا مت ذلك انقلبت تلك الدالالت الكونية‬ ‫يف حق املك ِّون مدلوالت‪ ،‬و�أ�شرقت �أنوارها‬ ‫على القلب معارف وجتليات دالة لك عليه‬ ‫ال على �أثره‪ ،‬لأنه ما غاب �سبحانه حتى‬ ‫ُي�ستدل ب�أثره عليه‪ ،‬ولكنه الدليل احلق‬ ‫على كل �شيء نظ ْر َت �إليه‪.‬‬ ‫العلم مَ�شاع بني النا�س والتزود منه‬ ‫حق‪� ،‬إال �أن امل�سلمني منذ فجر الإ�سالم‬ ‫اعتربوه واج ًبا‪ ،‬لأنه �ضرورة يف فهم‬ ‫حقيقة الدين‪َ ( :‬ف ْاعلَ ْم �أَ َّن ُه َال �إِ َل َه �إِ َّال ُ‬ ‫اهلل)‬ ‫(حممد‪ ،)19:‬وو�سيلة للدعوة �إىل اهلل‪( :‬ا ْد ُع‬ ‫�إِلىَ َ�سبِيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْوعِ َظ ِة الحْ َ َ�س َنةِ)‬ ‫(النحل‪ .)125:‬وال غرابة يف هذه احلقيقة‪،‬‬ ‫لأن العلم كان د�أب كل الر�ساالت ال�سماوية‬ ‫منذ �آدم عليه ال�سالم الذي قال يف حقه‬ ‫ر ُّبه عز وجل‪َ ( :‬و َع َّل َم �آ َد َم الأَ ْ�س َما َء ُك َّلهَا ُث َّم‬ ‫َع َر َ�ض ُه ْم َعلَى المْ َ َ‬ ‫ال ِئ َكةِ)(البقرة‪� ،)31:‬إىل‬ ‫�إبراهيم عليه ال�سالم الذي كانت دعوته �إىل‬ ‫التوحيد من منطلق علمي‪َ ( :‬و َك َذل َِك ُنرِي‬ ‫�إِ ْب َراهِ ي َم َملَ ُك َ‬ ‫ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض َو ِل َي ُكو َن‬ ‫وت َّ‬ ‫مِ َن المْ ُو ِق ِن َ‬ ‫ني)(الأنعام‪� ،)75:‬إىل خامت‬ ‫الأنبياء واملر�سلني �سيدنا حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم الذي جمعت ر�سالته كل علوم‬ ‫الأنبياء ال�سابقني‪.‬‬ ‫ولعل يف الآية التي جعلناها مدخل الباب‬ ‫ال�سابق والتي ختمت بقوله تعاىل‪�( :‬إِنمَّ َ ا‬ ‫َي َت َذ َّك ُر �أُو ُلو الأَ ْلبَابِ ) (الزمر‪ ،)10:‬ما ي�سلط‬ ‫ال�ضوء على تفا�صيل هذه احلقيقة‪ .‬ف�أولوا‬

‫لقد جاء القرآن الكريم‬ ‫بمظاهر شتى من‬ ‫اإلعجاز‪ ،‬لتكون أدلة في‬ ‫الدعوة إلى سبيل اهلل‪،‬‬ ‫وحتى يتبين للعا َلم‬ ‫أن هذا الكتاب الذي‬ ‫ُأنزل على سيدنا محمد‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ال‬ ‫يمكن أن يصدر عن غير‬ ‫كالم اهلل‬

‫الألباب هم الذين و�صفهم احلق تبارك‬ ‫ال�س َما َواتِ‬ ‫وتعاىل يف قوله‪�( :‬إِ َّن فيِ َخ ْلقِ َّ‬ ‫َوالأَ ْر ِ�ض َو ْاخ ِت َ‬ ‫ال ِف ال َّل ْيلِ َوال َّنهَا ِر َ آل َياتٍ‬ ‫ول الأَ ْلبَابِ )(�آل عمران‪� .)190:‬إذن‪ ،‬هم‬ ‫لأُ يِ‬ ‫الذين ينطلقون من هذه املراجع الكونية‬ ‫التي �أحكمت �آياتها يف ال�سماوات والأر�ض‪،‬‬ ‫يبتغون بب�صريتهم ا�ستجالء تلك الأ�سرار‬ ‫الكامنة خلف املكونات الدالة على عظمة‬ ‫املكون ودقة �إحكامه لعامل الأكوان‪ .‬فه�ؤالء‬ ‫�إذن‪ ،‬هم املتفكرون الذين فتح اهلل ب�صائرهم‬ ‫على �أ�سرار الكون لي�سرت�شدوا بها على‬ ‫وحدانية املكون‪ ،‬فكانوا ال يف�صلون الفكر‬ ‫عن الذكر كما و�صفهم اهلل تعاىل يف بقية‬ ‫ين َي ْذ ُك ُرو َن َ‬ ‫الآية بقوله‪(:‬ا َّلذِ َ‬ ‫اهلل ِق َيا ًما‬ ‫َو ُق ُعودًا َو َعلَى ُج ُنو ِب ِه ْم َو َي َت َف َّك ُرو َن فيِ َخ ْلقِ‬ ‫ال�س َما َواتِ َواْلأَ ْر ِ�ض َر َّب َنا مَا َخلَقْتَ َه َذا بَاطِ ً‬ ‫ال‬ ‫َّ‬ ‫اب ال َّنارِ)‬ ‫ُ�س ْب َحا َن َك َف ِق َنا َع َذ َ‬ ‫(�آل عمران‪.)191:‬‬ ‫فه�ؤالء كان تفكرهم ذك ًرا وذكرهم تفك ًرا‪،‬‬ ‫لأنهم ما ا�ستعملوا عقولهم يف ا�ستظهار‬ ‫احلقائق‪ ،‬وال ا�ستدلوا بوهج الأنوار امل�شرقة‬ ‫يف قلوبهم على بواطن اخلالئق‪� ،‬إال من‬ ‫خالل ا�ستح�ضارهم مل�صدر النور ال�ساري‬

‫فيها وهو اهلل عز وجل الذي لوال نوره ما‬ ‫ظهر حق يف ظلمة الوجود كما قال ابن‬ ‫عطاء اهلل ال�سكندري رحمه اهلل يف �إحدى‬ ‫حكمه‪" )1(:‬الكون كله ظلمة‪ ،‬و�إمنا �أناره‬ ‫ظهور احلق فيه‪ .‬فمن ر�أى الكون ومل‬ ‫ي�شهده فيه �أو عنده �أو قبله �أو بعده‪ ،‬فقد‬ ‫وحجبت عنه �شمو�س‬ ‫�أعوزه وجود الأنوار ُ‬ ‫املعارف ب�سحب الآثار"‪.‬‬ ‫فكانت الدعوة �إىل النظر يف الكون ال‬ ‫من �أجل الكون‪ ،‬ولكن من �أجل املك ِّون‬ ‫حيث قال ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يف حكمة �أخرى‪:‬‬ ‫"�أباح لك �أن تنظر ما يف املك َّونات‪ ،‬وما �أذن‬ ‫لك �أن تقف مع ذوات املك َّونات ( ُقلِ ا ْن ُظ ُروا‬ ‫ال�س َما َواتِ )‪ ،‬وفتح لك باب الأفهام‪،‬‬ ‫مَا َذا فيِ َّ‬ ‫ومل يقل انظروا ال�سماوات لئال يدلك‬ ‫على وجود الأجرام"‪ .‬ويف تف�سري هذه‬ ‫احلكمة يقول العارف باهلل ال�شيخ �أحمد‬ ‫بن عجيبة احل�سني رحمه اهلل‪" )2(:‬فتح‬ ‫لك باب الأفهام؛ جمع "فهم"‪� ،‬أي فتح لك‬ ‫باب العلم لتدخل بها من ظاهر الق�شر �إىل‬ ‫باطن اللب‪ ،‬حتى تعرفه يف كل �شيء وتفهم‬ ‫عنه كل �شيء‪ ،‬ولو قال احلق تعاىل‪ :‬قل‬ ‫انظروا ال�سماوات‪ ،‬لد ّلك على الأجرام و�س ّد‬ ‫لك باب الأفهام"‪.‬‬ ‫وهذا منطقي‪ ،‬لأنه �إذا قلت لك‪ :‬انظر هذه‬ ‫العلبة‪ ،‬ف�إن نظرك �سينح�صر يف مالحظتها‬ ‫بنظرة �سطحية تقع على �شكلها ولونها وما‬ ‫�إىل ذلك مما هو متعلق بنظرة الظاهر‪..‬‬ ‫�أما �إذا قلت‪ :‬انظر ما يف هذه العلبة‪ ،‬ف�إن‬ ‫ً‬ ‫مفرت�ضا �أن يكون‬ ‫نظرك �سينفذ �إىل داخلها‬ ‫فيها �شيء وقد ال يكون‪ .‬وهذا القول يدفع‬ ‫بالعقل تلقائ ًّيا لو�ضع الفر�ضيات‪� ..‬أما �إذا‬ ‫قلت لك‪ :‬انظر ماذا يف هذه العلبة‪ ،‬فهنا‬ ‫�سترُ كز نظ َرك على �شيء موجود بداخلها‪،‬‬ ‫لأن حرف الإ�شارة "ذا" يدل على �أن �شي ًئا ما‬ ‫بداخل العلبة �أطلبك ملعرفته‪ ،‬فهذا القول‬ ‫�سي�ستدعيك لأن تالحظ العلبة �أو ًال‪ ،‬ثم‬

‫‪45‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫ت�ضع الفر�ضيات حول ما ميكن �أن يكون‬ ‫هذا ال�شيء الذي بداخلها ثان ًيا‪ ،‬ف�إذا‬ ‫و�صلتَ �إليه انكببتَ عليه تختربه من كل‬ ‫الزوايا حماو ًال معرفة حقيقته‪ ،‬وتلك هي‬ ‫املرحلة الأخرية يف البحث بعد املالحظة‬ ‫والفر�ضية وهي التجربة املف�ضية �إىل‬ ‫احلقيقة‪ .‬وبذلك فالقول الثالث يجمع‬ ‫يف عبارته عنا�صر املالحظة والفر�ضية‬ ‫والتجربة وعليه يقوم منهاج البحث يف‬ ‫العلوم التجريبية‪.‬‬ ‫ف�إذا كانت الدعوة املوجهة �إلينا يف‬ ‫مو�ضوع ال�سماوات والأر�ض جاءت مبثل‬ ‫هذا القول الأخري فل�سر ن�ستنبطنه‬ ‫نحن مطالبون بالك�شف عنه‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعطي للقر�آن الكرمي قوته اخلارقة على‬ ‫ا�ستنها�ض العقل‪ ،‬ويجعله مفتاح باب‬ ‫الفهم ملن �أراد الدخول من ظاهر الق�شر‬ ‫�إىل باطن اللب‪ ،‬و�إال ما جاء ا�ستفهامه عن‬ ‫م�ستويات �أهل العلم خمتو ًما بقول اهلل‬ ‫تعاىل‪:‬‬ ‫(�إِنمَّ َ ا َي َت َذ َّك ُر �أُو ُلو الأَ ْلبَابِ )(الزمر‪،)10:‬‬ ‫من اللب الذي هو �أ�صل ال�شيء وخال�صه‬ ‫وقلب ال�شيء ال قالبه‪.‬‬ ‫ودعوة �سيدنا �إبراهيم عليه ال�سالم‬ ‫خري �شاهد لنا على �صحة هذا النهج؛‬ ‫فلما جاء عليه ال�سالم لدعوة قومه‬ ‫وكان �أول امل�سلمني‪ ،‬ما �أر�سله اهلل تعاىل‬ ‫وكلفه بالر�سالة �إال من بعد �أن ك�شف له‬ ‫�سبحانه عن �أ�سرار الكون‪ ،‬فكانت دعوته‬ ‫عليه ال�سالم �أول �إعالن جاء مبوجب تلك‬ ‫الوقائع‪ ،‬مق ًّرا ب�أن العلم هو �أ�سا�س اليقني‪،‬‬ ‫وعلى نهجها جاءت ر�سالة خامت الأنبياء‬ ‫واملر�سلني �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم متممة لكل التفا�صيل‪ ،‬حيث كانت‬ ‫�أول �سورة نزلت يف القر�آن الكرمي‪( :‬ا ْق َر ْ�أ)‬ ‫(العلق‪ ،)1:‬للت�أكيد على مكانة العلم ودوره‬ ‫يف تر�سيخ اليقني‪ .‬فكان التوجيه الرباين‬

‫‪46‬‬ ‫دعوة �صريحة �إىل النا�س للتف ّكر يف ملكوت‬ ‫اهلل والتد ّبر يف �آياته ق�صد اال�ستدالل على‬ ‫قدرته وبلوغ اليقني‪ ،‬وهي دعوة ُتلزم كل‬ ‫م�سلم بالنظر يف ملكوت اهلل وحت ّثه على‬ ‫البحث يف جماالت اخللق وحت ّمله عبء‬ ‫العمل به‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬ ‫ال�س َما َواتِ‬ ‫(�أَ َولمَ ْ َي ْن ُظ ُروا فيِ َملَ ُكوتِ‬ ‫َّ‬ ‫َوالأَ ْر ِ�ض َومَا َخلَ َق ُ‬ ‫اهلل مِ نْ َ�ش ْي ٍء َو�أَ ْن ع َ​َ�سى‬ ‫فلئن كان الفكر‬ ‫قديما قد تبنى الطرح‬ ‫ً‬ ‫الخرافي المبني على‬ ‫السرد األسطوري في‬ ‫استقرائه للوقائع‬ ‫واألحداث‪ ،‬فإن القرآن‬ ‫بنورانيته المعجزة جاء‬ ‫ليخرج الناس من ظالم‬ ‫الفكر الوهمي إلى نور‬ ‫اليقين العلمي‪.‬‬

‫هذا تقريع وتوبيخ من اهلل‪� ،‬أي‪ :‬ماذا كنتم‬ ‫تعملون حيث مل تبحثوا عن الآيات ومل‬ ‫تتفكروا ما فيها"‪.‬‬ ‫وهنا يجب التنبيه �إىل �شيء مهم تربزه‬ ‫�صيغة الآية التي جعلت عدم العلم بالآيات‬ ‫معطو ًفا على التكذيب بها‪ ،‬وذلك بوا�سطة‬ ‫واو احلال‪�( :‬أَ َك َّذ ْب ُت ْم ِب�آ َياتِي َولمَ ْ تحُ ُ‬ ‫ِيطوا‬ ‫ِبهَا عِ ْل ًما)‪ ،‬فهذا يفيد �أن التكذيب بالآيات‪،‬‬ ‫�إمنا نتج عن عدم الإحاطة بها عل ًما "كذبتم‬ ‫واحلال �أنكم مل حتيطوا بها عل ًما"‪ .‬ولهذا‬ ‫جاء التقريع منه �سبحانه يف قوله‪�( :‬أَ ْم مَا َذا‬ ‫ُك ْن ُت ْم َت ْع َم ُلو َن) للت�أكيد على �أن هذا الكون‬ ‫بكل مكوناته الظاهرة والباطنة التي كان‬ ‫الإن�سان يعي�شها بحوا�سه ومداركه‪� ،‬إمنا‬ ‫هو �آيات ناطقة بعظمة مبدعها‪ ،‬وب�صائر‬ ‫تع�صم النا�س من اجلهل حتى ال يقعوا‬ ‫يف التكذيب‪ .‬يقول ربنا جل وعال‪َ ( :‬ق ْد‬ ‫َجا َء ُك ْم َب َ�صا ِئ ُر مِ نْ َر ِّب ُك ْم َف َمنْ �أَ ْب َ�ص َر َف ِل َن ْف�سِ ِه‬ ‫ِيظ)‬ ‫َو َمنْ عَمِ َي َف َعلَ ْيهَا َومَا �أَ َنا َعلَ ْي ُك ْم ب َِحف ٍ‬ ‫(الأنعام‪ .)104:‬وقد ف�سر القرطبي رحمه‬ ‫اهلل الب�صائر بجمع ب�صرية؛ وهي احلجة‬ ‫والبينة الظاهرة‪ ،‬وذكر �أن "احلق �سبحانه‬ ‫و�صف الداللة باملجيء لتفخيم �ش�أنها‪� ،‬إذ‬ ‫كانت مبنزلة الغائب املتوقع ح�ضوره"‪ .‬ثم‬ ‫�أ�ضاف رحمه اهلل �أن "من مل ي�ستدل �صار‬ ‫مبنزلة الأعمى وعلى نف�سه يعود عماه"‪.‬‬

‫�أَ ْن َي ُكو َن َقدِ اقْترَ َ َب �أَ َج ُل ُه ْم َف ِب َ�أ ِّي َحدِ يثٍ‬ ‫َب ْع َد ُه ُي�ؤْمِ ُنو َن)(الأعراف‪)185:‬؛ وامللكوت‬ ‫هو �سلطان اهلل وقدرته التي ال يدركها‬ ‫من وقف مع ظاهر امللك‪ ،‬و�إمنا من نفذت‬ ‫ب�صريته �إىل �شهود النور الباطني لعامل‬ ‫ال�سماوات والأر�ض‪ .‬فمن مل يح ّمل نف�سه‬ ‫الهوام�ش ‪:‬‬ ‫عناء الإحاطة بحقائق هذه الأ�شياء والعمل‬ ‫مب�ضامينها‪� ،‬أورد موارد اجلهل ف�أدخل (‪ )1‬احلكم العطائية‪ ،‬البن عطاء اهلل ال�سكندري‬ ‫املالكي (ت‪709‬هـ)‪� ،‬شرح وحتليل الدكتور حممد‬ ‫مداخل الباطل‪ .‬قال اهلل تبارك وتعاىل‪� :‬سعيد رم�ضان البوطي‪ ،‬دار الفكر املعا�صر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫(ح َّتى �إِ َذا َجاءُوا َقا َل �أَ َك َّذ ْب ُت ْم ِب�آ َياتِي َولمَ ْ ‪.2001‬‬ ‫َ‬ ‫(‪� )2‬إبعاد الغمم عن �إيقاظ الهمم يف �شرح احلكم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تحُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُُْ َ ُ َ‬ ‫ِيطوا ِبهَا عِ ل ًما �أ ْم مَاذا كنت ْم ت ْع َملون لأحمد بن عجيبة احل�سني (ت‪1266‬هـ)‪ ،‬دار الكتب‬ ‫* َو َو َق َع ا ْل َق ْو ُل َعلَ ْي ِه ْم بمِ َا َظلَ ُموا َف ُه ْم َ‬ ‫ال العلمية‪ ،‬بريوت‪.2009 ،‬‬ ‫َي ْنطِ ُقو َن)(النمل‪ .)85-84:‬ويف تف�سري‬ ‫هذه الآية قال القرطبي رحمه اهلل‪�" :‬أي‬ ‫كلية العلوم‪ ،‬جامعة ابن طفيل ‪ /‬املغرب‬ ‫كذبتم جاهلني غري م�ستدلني‪ .‬و�أ�ضاف �أن‬


‫ال أظن أن أمة من األمم أو حضارة من الحضارات ـ غير األمة والحضارة اإلسالمية ـ قد رفعت سلطان‬ ‫العلماء فوق سلطان األمرا ‏ء‪.‬‏‬ ‫والسر في هذا األمر ـ الذي يبدو فريدا وغريبا ـ كامن في طبيعة النظام اإلسالمي للدولة‪,‬‬ ‫وللسلطات التي تتكون منها الدولة‪ ..‬فالدولة اإلسالمية هي دولة القانون‪..‬‬

‫سلطنة العلماء‏‪ .‬‏‪.‬‬ ‫فوق سلطنة األمراء‬

‫د‪ .‬حممد عمارة‬

‫كما �أن الدولة يف الدميقراطيات الغربية هي‬ ‫دولة القانون‪ ,‬لكن القانون يف الدميقراطيات‬ ‫الغربية ت�ضعه الدولة‪ ,‬ومن ثم ف�إن �سلطانها‬ ‫ـ عمليا ـ هو فوق القانون‪ ,‬وهي ت�ستطيع‬ ‫ـ بوا�سطة ال�سلطة الت�شريعية‪ ,‬التي هي‬ ‫جزء من احلزب احلاكم ـ حزب ال�سلطة‬ ‫التنفيذية ـ �أن تعدل هذا القانون‪ ,‬بل و�أن‬ ‫تعبث به عندما ت�شاء‪ .‬فالربملان الفرن�سي‬ ‫�سنة‪ 2005‬قرر �أن �صنيع اال�ستعمار الفرن�سي‬ ‫واجلي�ش الفرن�سي يف اجلزائر هو �أمر يبعث‬ ‫علي الفخار!‪ ..‬والكوجنر�س الأمريكي جعل‬ ‫غزو �أفغان�ستان والعراق وتدمريهما قانونا‬ ‫واجب االحرتام والتنفيذ‪ ..‬ومن ثم جعل‬ ‫القتل والتعذيب قانونا حم�صنا!‪ ..‬لكن‬ ‫الأمر لي�س كذلك يف النظام الإ�سالمي‪ ,‬الذي‬ ‫يجعل مبادئ ال�شريعة الإلهية فوق ال�سلطة‬ ‫التنفيذية و�إطارا حاكما لل�سلطة الت�شريعية‪,‬‬ ‫ميار�س العلماء املجتهدون ـ الذين اعرتفت‬

‫الأمة ب�سلطتهم االجتهادية ـ دور اخلرباء يف‬ ‫الت�شريع والتقنني‪ ..‬ومن ثم ال�سلطة الهادية‬ ‫واملر�شدة لبقية ال�سلطات‪ .‬لهذا ال�سبب‪,‬‬ ‫ولهذه احلقيقة عرفت �أمتنا وح�ضارتنا‬ ‫له�ؤالء العلماء �سلطانا �أدبيا ـ ولي�س كهنوتيا ـ‬ ‫تفوق على �سلطان الأمراء‪.‬‬ ‫ويف تاريخنا الإ�سالمي ـ الذي يجب �أن‬ ‫نعيه لنقتدي به ـ مناذج م�ضيئة من ه�ؤالء‬ ‫العلماء‪ ,‬الذين �أجل�ستهم الأمة على عر�ش‬ ‫ال�سلطنة العلمية‪ ..‬ومن هذه النماذج العز‬ ‫بن عبدال�سالم‪ 577,‬ـ‪ 660‬هـ‪ 1181/‬ـ‪ 1262‬م‬ ‫الذي ا�شتهر يف التاريخ الإ�سالمي بـ �سلطان‬ ‫العلماء‪ ....‬كيف كانت �سلطنة �سلطان العلماء‬ ‫فوق �سلطنة �سلطان الأمراء؟‪.‬‬ ‫لقد ا�شتغل العز بن عبدال�سالم بالتدري�س‬ ‫واخلطابة والق�ضاء والإفتاء‪ ..‬مار�س ذلك‬ ‫بال�شام‪ ,‬وعندما ا�صطدم ب�أمري دم�شق ـ الذي‬ ‫كان مواليا لل�صليبيني‪ ,‬ومعاديا ل�سلطان‬

‫‪47‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫م�صر‪ ,‬والذي ا�ستقوى بال�صليبيني على‬ ‫�سلطان م�صر‪ ,‬و�سمح لهم ب�شراء ال�سالح‬ ‫من �أ�سواق دم�شق ـ �صعد العز بن عبدال�سالم‬ ‫منرب اجلامع الأموي‪ ,‬وهاجم �أمري دم�شق‪,‬‬ ‫ودعا عليه ـ بدال من �أن يدعو له ـ وجماهري‬ ‫امل�صلني بامل�سجد اجلامع يهدرون من خلفه‪:‬‬ ‫�آمني‪� ..‬أمني!‪ ..‬وبعد هذا هاجر املعز �إىل‬ ‫م�صر ـ يف القاهرة‪ ,‬كان العز بن عبدال�سالم‬ ‫ال يخ�شى يف احلق لومة الئم‪ ..‬فلقد �أنكر‬ ‫علي ال�سلطان ال�صالح جنم الدين �أيوب‪602,‬‬ ‫ـ‪ 647‬هـ‪ 1206/‬ـ‪ 1249‬م �أ�ساليب اجلور يف‬ ‫احلكم‪ ,‬وفر�ض ال�ضرائب الباهظة على‬ ‫الرعية‪ ,‬و�إباحة اخلمور وامل�سكرات‪ ..‬ولقد‬ ‫واجه ال�سلطان بالنقد ـ يف يوم العيد‪ ,‬ويف‬ ‫ح�ضرة الأمراء الذين كانوا يقبلون الأر�ض‬ ‫بني يدي ال�سلطان ـ ف�أراد العز ك�سر �شوكة‬ ‫هذا التكرب والتجرب‪ ,‬فنادى ال�سلطان‬ ‫با�سمه املجرد‪ ,‬وقال له‪ :‬يا �أيوب ما حجتك‬ ‫عند اهلل �إذا قال اهلل‪� :‬أبوئ لك ملك م�صر‪,‬‬ ‫ثم تبيع اخلمور؟!‪ ..‬فقال ال�سلطان‪ :‬وهل‬ ‫حدث ذلك؟‪ ..‬فقال له العز‪ :‬نعم‪ ,‬يف احلانة‬ ‫الفالنية تباع اخلمور وغريها من املنكرات‪,‬‬ ‫و�أنت تتقلب يف نعمة هذه اململكة!‪ ..‬فلما‬ ‫احتج ال�سلطان ب�أن ذلك �إمنا هو حادث‬ ‫من �أيام �أبيه‪ ,‬ومل يحدث يف عهده هو‪ ,‬قال‬ ‫له العز‪ :‬وهل �أنت من الذين يقولون‪� :‬إنا‬ ‫وجدنا �آباءنا علي �أمة؟!‪.‬‬ ‫وعندما توىل املماليك حكم البالد ـ‬ ‫بعد الأيوبيني ـ ور�أى العز بن عبدال�سالم‬ ‫ا�ستعالءهم وجتربهم وظلمهم‪ ,‬عزم على‬ ‫ك�سر �شوكتهم بفتوى مل ي�سبق لها مثيل‬ ‫يف تاريخ الفقه والفقهاء‪ ..‬فه�ؤالء املماليك‬ ‫قد �سبق وا�شرتتهم الدولة وهم �صغار‪,‬‬ ‫كعبيد‪ ,‬ثم علمتهم ودربتهم على ال�سالح‪..‬‬ ‫�إذن‪ ,‬فهم ال يزالون ـ �شرعا وقانونا ـ �أرقاء‪,‬‬ ‫رغم املنا�صب العليا التي يتولونها‪ ..‬ف�أفتى‬ ‫العز ببيع ه�ؤالء احلكام والأمراء املتجربين‬ ‫يف �سوق الرقيق‪ ,‬وب�أن تو�ضع �أثمانهم يف‬ ‫بيت مال امل�سلمني!‪ ..‬وهنا كانت الطامة‬ ‫الكربى التي نزلت به�ؤالء املماليك‪ ,‬الذين‬

‫‪48‬‬ ‫في تاريخنا اإلسالمي‬ ‫الذي يجب أن َنعيه‬ ‫لنقتدي به ‪.‬‬ ‫نماذج مضيئة من‬ ‫العلماء ‪ ،‬الذين‬ ‫أجلستهم األمة‬ ‫على عرش السلطنة‬ ‫العلمية‪.‬‬

‫بيدهم اجلي�ش وال�سالح والأموال واملنا�صب‬ ‫الرفيعة‪ ..‬وقال نائب ال�سلطان‪ :‬كيف ينادي‬ ‫علينا هذا ال�شيخ‪ ,‬ويبيعنا‪ ,‬ونحن ملوك‬ ‫الأر�ض؟! واهلل لأ�ضربنه ب�سيفي هذا‪..‬‬ ‫وزحف املماليك‪ ,‬مدججني بال�سالح‪,‬‬ ‫يقودهم نائب ال�سلطان‪ ,‬وحا�صروا بيت هذا‬ ‫ال�شيخ الأعزل ـ �إال من �سلطان احلق ـ فخرج‬ ‫�إليهم يف جالل احلق وقوته وجربوته‪..‬‬ ‫وحني وقع ب�صره على نائب ال�سلطان‪ ,‬يب�ست‬ ‫يد النائب‪ ,‬و�سقط ال�سيف منها‪ ,‬وارتعدت‬ ‫مفا�صله‪ ,‬فبكى‪ ,‬و�س�أل ال�شيخ �أن يعفو عنه‪,‬‬ ‫و�أن يدعو له!‪ ..‬لكن ال�شيخ �أ�صر على تنفيذ‬ ‫فتواه‪ ,‬فنادى ـ يف ال�سوق ـ على ه�ؤالء الأمراء‬ ‫واحدا واحدا‪ ,‬وغاىل يف ثمنهم‪ ,‬وقب�ض هذا‬ ‫الثمن‪ ,‬و�صرفه يف وجوه اخلري وم�صالح‬ ‫امل�سلمني‪ .‬ولقد تعجب النا�س من هذه‬ ‫ال�شجاعة النادرة ـ �شجاعة احلق الأعزل‬ ‫من ال�سالح ـ حتى لقد �س�أل ابن ال�شيخ �أباه‪:‬‬ ‫يا �أبت‪ ,‬كيف واجهت هذا املوقف الع�صيب‪,‬‬ ‫و�أنت �أعزل �أمام جي�ش مدجج بال�سالح؟!‪..‬‬ ‫فقال له‪ :‬واهلل يا بني لقد ا�ستح�ضرت عظمة‬ ‫اهلل فر�أيت الأمري مثل الف�أر!!‪ ..‬وعندما‬ ‫زحف التتار ـ املتحالفون مع ال�صليبيني‬ ‫ـ فدمروا بغداد وبالد امل�شرق الإ�سالمي‪,‬‬ ‫وهددوا الوجود احل�ضاري لأمة الإ�سالم‪,‬‬

‫وبعث هوالكو‪ 614,‬ـ‪ 663‬هـ‪ 1217/‬ـ‪ 1265‬م‬ ‫ب�إنذاره الفظ �إىل �سلطان م�صر قطز‪657,‬‬ ‫ـ‪ 658‬هـ‪ 1259/‬ـ‪1260‬م جمع ال�سلطان‬ ‫العلماء والأمراء والأعيان‪ ,‬وطلب فتوي‬ ‫العلماء بفر�ض الأعباء املالية للحرب على‬ ‫الرعية‪ ,‬فكان انحياز العز بن عبدال�سالم‬ ‫�إيل تطبيق العدل يف اقت�سام �أعباء القتال‪,‬‬ ‫وحتدث ـ با�سم العلماء ـ فقال‪� :‬إنه �إذا طرق‬ ‫العدو بالد الإ�سالم وجب على اجلميع‬ ‫قتالهم‪ ,‬وجاز للحكام �أن ي�أخذوا من الرعية‬ ‫ما ي�ستعينون به على اجلهاد‪ ,‬لكن ب�شرط‬ ‫�أال يبقي يف بيت املال �شيء‪ ,‬وب�شرط �أن‬ ‫يبيع الأمراء ما لديهم من الذهب والآالت‬ ‫والتحف النفي�سة‪ ,‬و�أال يبقي مع اجلنود‬ ‫�سوى خيول احلرب و�أ�سلحتها‪ ,‬وعندما‬ ‫يت�ساوى الأمراء والعامة يجوز جمع ما‬ ‫حتتاج �إليه املعركة من النفقات من عامة‬ ‫النا�س‪ ..‬ووجه العز بن عبدال�سالم كالمه‬ ‫�إىل ال�سلطان قطز‪ ..‬وقال له‪� :‬إذا �أح�ضرت‬ ‫ما عندك وعند حرميك‪ ,‬و�أح�ضر الأمراء‬ ‫ما عندهم من احللي احلرام‪ ,‬و�ضربته‬ ‫نقدا‪ ,‬وفرقته على اجلي�ش‪ ,‬ومل يقم‬ ‫بكفايتهم‪ ,‬يف ذلك الوقت اطلب القر�ض‪,‬‬ ‫و�أما قبل ذلك فال‪� ..‬إن كل جندي ال يخاطر‬ ‫بنف�سه ـ ف�ضال عن ماله ـ فلي�س بجندي!‪..‬‬ ‫وبالفعل‪ ,‬مت توزيع ميزانية القتال بالعدل‬ ‫على الرعية‪ ,‬وذلك بعد م�صادرة ما لدى‬ ‫الأمراء من �أموال وحتف ونفائ�س‪ ..‬وكما‬ ‫يقول امل�ؤرخ ابن �إيا�س‪ 930,‬هـ‪ 1524/‬م‪:‬‬ ‫فدفع املواطن العادي دينارا‪ ,‬ومالك العقار‬ ‫واحلقل وال�ساقية �أجرة �شهر‪ ,‬ودفع الأغنياء‬ ‫زكاة �أموالهم وممتلكاتهم مقدما‪� ,‬أما كبار‬ ‫الأثرياء‪ ,‬فقد اقتطعت الدولة منهم ثلث ما‬ ‫لديهم من �أموال‪ .‬هكذا كان �سلطان العلماء‬ ‫العز بن عبدال�سالم‪� ,‬سلطانا يف احلق‬ ‫والعدل‪ ,‬مع فقه الورع والإياب �إىل احلق‬ ‫يف هذا النموذج الأ�سوة والقدوة‪ ..‬منوذج‬ ‫�سلطان العلماء الذي تفوقت �سلطنته على‬ ‫�سلطان الأمراء!‪.‬‬


‫جدلية المرحلة ‪ ..‬الثورة ووعي الشباب‬

‫حممد االمني عبد النبي‬

‫حتي �أواخر عام ‪2010‬م مل يكن بو�سع‬ ‫�أكرث املتفائلني بقدرات ال�شباب العربي‬ ‫�أن يتنب�أ بالتطورات الكبرية التي �شهدتها‬ ‫املنطقة العربية علي الرغم من االرها�صات‬ ‫املتزايدة للظلم واال�ستبداد والقهر يف كثري‬ ‫من البلدان وهو ما مثل �إمتهانا للكرامة يف‬ ‫املقام االول و�سط �شعوب ال تعي�ش �إال على‬ ‫كرامتها ولأجلها ‪..‬‬ ‫هبت ال�شعوب العربية هبة �شاملة فكانت‬ ‫�شرارة االنطالق من تون�س الفتية الأبية‬ ‫يف ‪ 17‬دي�سمرب ‪ 2010‬عندما �أ�شعل حممد‬ ‫ابوعزيزي النار يف نف�سه ف�أ�شتعلت جذوة‬ ‫النخوة العربية يف �سائر االقطار‪ ،‬ويف‬ ‫م�صر ن�شاءت حركة ت�ضامنية " كلنا خالد‬ ‫�سعيد " الذي �إ�ست�شهد جراء التعذيب دعت‬ ‫للإعت�صام والتظاهر يف ميدان التحرير‬ ‫يف ‪ 25‬يناير ‪2011‬م ‪ ،‬و�إندلت الثورة يف‬ ‫ليبيا يف ‪ 17‬فرباير للمطالبة مبعاقبة‬

‫مقرتيف مذبحة �سجن �أبو�سليم ‪ ،‬ثم �شملت‬ ‫ربوع اليمن الذي كان يعاين من احلروب‬ ‫الأهلية بني النظام واحلوثيني والقاعدة‬ ‫كما مل�ست �إحتقان املقموعني املحتجني �ضد‬ ‫التهمي�ش والف�ساد ولكنها �إنتظمت ب�صورة‬ ‫�شاملة يف يناير ‪2011‬م ‪ ،‬ويف �سوريا �إنطلقت‬ ‫التظاهرات يف ‪ 15‬مار�س والتي قوبلت بعنف‬ ‫مفرط من نظام الأ�سد و�إ�ستخدام للقوة‬ ‫�ضد ال�شعب ال مثيل له �إال يف رو�سيا وال�صني‬ ‫مما �أ�ضطر ال�شعب لتكوين اجلي�ش احلر‬ ‫والدخول يف حرب طويلة وممتدة ومكلفة‬ ‫وباهظة الثمن �ضده ‪،‬‬ ‫مل تكن بقية البلدان العربية معزولة‬ ‫عن هذه املوجة ولكنها عربت عنها ب�صور‬ ‫خمتلفة تفاوتت ما بني املواجهة الع�سكرية‬ ‫�ضد االنظمة ايل املطالبة ب�إ�صالحات‬ ‫�سيا�سية ود�ستورية و�إقت�صادية و�إجتماعية‪،‬‬ ‫لكن بات من امل�ؤكد �إن الو�ضع قبل نهاية‬

‫‪49‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪2010‬م قد ويل ايل غري رجعة و�أنه مهما‬ ‫كانت التحديات وال�صعوبات التي تعيق هذا‬ ‫املد الثوري والوعي اجلمعي �إال انها لن‬ ‫ت�ستطيع احليلولة دون �إ�ستمراره و�شموله‬ ‫لكل املنطقة ‪ .‬علي الرغم من ذلك ف�إن‬ ‫كثرياً من القوي احلية يف البلدان العربية‬ ‫كثرياً ال تنظر جمرد نظرة عابرة ملا �آلت‬ ‫اليه حال البلدان التي جنحت ثورتها ‪� ،‬إال‬ ‫وتقع عينها علي �شبح اجلماعات املتطرفة‬ ‫و�سدنة الأنظمة ال�سابقة والعنف املفرط‬ ‫�ضد املدنيني والتدخل ال�سافر للأجندة‬ ‫الأجنبية التي تطل برا�سها فرتجع‬ ‫الب�صر كرتني ‪ ،‬هذا مع �سعيها لتحقيق‬ ‫�أهداف الثورة وفق �أليات �أخري �أكرث‬ ‫نعومة ‪ ،‬خا�صة و� ّأن الطغاة يرهبون ال�شعب‬ ‫بالفو�ضي وغياب الأمن وي�ستعطفون‬ ‫حلفائهم الأجانب ب�أن البديل هو الإرهاب‬ ‫والتطرف ( القاعدة وحلفائها)‪.‬‬ ‫تف�سري ما حدث ويحدث يف العامل‬ ‫العربي هو تطور الوعي ال�صاعد وبلورته‬ ‫جمعياً و�سط االمة مع االرادة احلرة التي‬ ‫تنادي ب�ضرورة التحرك العاجل لن�صرة‬ ‫القوي ال�شعبية امل�ست�ضعفة مفرزة اج�سام‬ ‫وا�شكال جديدة هي نتاج هذا التطور‬ ‫والوعي باملكنون احل�ضاري الهادي لهذا‬ ‫احلراك والتفاعل ملراحل ثورة الوعي‬ ‫بالذات التي �أدركت باكراً � ّأن الطغاة هم‬ ‫الأكرث �ضرراً وخطراً علي الأمة من الغزاة‬ ‫و� ّأن التحالف ال�ضمني بينهما �أبرز وبو�ضوح‬ ‫رد فعل متطرفة علمانية و�إ�سالمية هذا‬ ‫الثالثي املميت للدولة " الغالة ‪ ،‬الطغاة ‪،‬‬ ‫الغزاة " عمل علي �إطفاء �شمعة ثورة الوعي‬ ‫وجمابهتها يف مهدها وهي جذوة �أكرث من‬ ‫مرة ‪ ،‬ولكن تراكم الوعي بحركة التاريخ‬ ‫وتقا�صر امل�سافات بفعل ثورة الإت�صاالت‬ ‫وتدفق املعلومات التي ك�شفت الأ�سباب التي‬ ‫حتدق وتعيق التقدم نحو التغيري والبناء‬ ‫الذي تتوق �إليه �شعوبنا منذ �سنوات عدة‬ ‫هي العوامل الذهبية للإنطالقة الفعلية‬ ‫للتعبري احلركي لهذا الوعي ‪ .‬ولكي تبقى‬ ‫لل�شعوب العربية يقظة وفطنة لتحقيق‬ ‫�أهداف ثوراتها التي قامت من �أجلها‪ ،‬ويف‬

‫‪50‬‬ ‫طليعتها كن�س الطغمة امل�ستغلة امل�ستبدة ‪،‬‬ ‫وا�سرتداد ال�شعوب حلريتها التي هي وايل‬ ‫االبد هدفا �ساميا لها ‪ .‬ولكي ال تنحط هذه‬ ‫الثورات وتنحرف عن م�سارها وين�شغل‬ ‫قادتها ب�أي خالفات مفتعلة او ان�صرافية‬ ‫من �ش�أنها �أن تفتت التما�سك ‪ ،‬وتبدد‬ ‫اجلهود‪ ،‬وت�شتت وحدتها‪ ،‬وت�ؤ�س�س لفتنة‬ ‫جترفها عن هذا امل�سار‪ ،‬ولكي تقف ال�شعوب‬ ‫وقفة قوية �أمام تلك املخاطر التي رمبا‬ ‫تعمل علي تراجع الثورة ‪ ،‬ولإنارة الطريق‬ ‫لبقية ال�شعوب لنيل حريتها و�إم�ساكها‬ ‫بزمام املبادرة يف التغيي ‪ ،‬وحترير قرار‬ ‫بالدها من الهيمنة اال�ستبدادية و�سيطرة‬ ‫�أي م�ؤثرات تتطفل وترتمم عليها ال بد من‬ ‫�إ�ستيعاب �أهمية املرحلة وعظم هذه اخلطوة‬ ‫املهمة يف طريق االنعتاق والنه�ضة وو�ضع‬ ‫اال�سرتاتيجيات الكفيلة لبناء �أمة ال�شهادة‬ ‫علي النا�س ( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�سطاً‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول‬ ‫ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيداً)‪.‬‬ ‫الواقع اجلديد الذي �أفرزته ثورات الربيع‬ ‫العربي �أبان الكثري من احلقائق التي‬ ‫ت�ستدعي التمحي�ص والدرا�سة مبا ي�ؤكد‬ ‫�سيادة الو�سطية والإعتدال كفكر قائد‬ ‫للثورة وهادئ مل�ستقبل االمة ‪:‬‬ ‫‪� .1‬شاءت �إرادة اهلل �أن تندلع هذه الثورات‬ ‫وقادتها هم ذات �شريحة ال�شباب الذين‬ ‫و�صموا بالعجز والف�شل والك�سل والهجرة‬ ‫وهروب بع�ضهم ايل م�ستنقع التطرف‬ ‫والغلو والبع�ض االخر �أ�صبح منزوياً‬ ‫ومدمناً للمخدرات واخلمور وحمبطاً‬ ‫وعاط ً‬ ‫ال وقليل احليلة ‪ ،‬بني يوم وليلة‬ ‫�شريحة بهذه ال�صفات �أ�صبحت �شرارة‬ ‫الثورة وخال�ص الأمة وذلك عندما توفرت‬ ‫لديها الدوافع والتنوير والإرادة والروح‬ ‫الوثابة فل�سان حالهم ‪:‬‬ ‫يا �صادحا ملأ احلياة بجوده‬ ‫زدنا هدى حطم لنا‬ ‫الأ�سوارا‬ ‫ت�شدو احلياة فينق�شع الظالم‬ ‫وتزدهي وتعانق الأحالم‬ ‫والأوطارا‬

‫‪ .2‬لقد غاب النهج الو�سطي واملعتدل يف‬ ‫تاريخنا احلديث وو�صل بع�ض الغالة‬ ‫واملت�شددون لل�سلطة يف املنطقة و�إ�ستحكم‬ ‫البع�ض الأخر يف املعار�ضة فغيبوا احلرية‬ ‫وذبحوا الدميقراطية و�شوهوا الإ�سالم‬ ‫وو�صموا بالعنف والرجعية و�إ�ستخدموا‬ ‫ال�شباب وقوداً ملعاركهم �ضد بلدانهم‬ ‫واال�سالم ‪ .‬هذه الو�ضعية يف طريقها‬ ‫للتغيري الكامل نتيجة حركة الوعي ال�شبابي‬ ‫يف عاملنا املعا�صر بق�ضاياهم وق�ضايا الإ�سالم‬ ‫وامل�سلمني‪ ،‬وذلك بف�ضل حركة التنوير‬ ‫املعريف عرب الإعالم احلديث والبديل يف‬ ‫مواقع التوا�صل االجتماعي والتدوين‬ ‫واملنتديات ‪ ،‬وردة الفعل للإ�ستبداد والتقيد‬ ‫للحريات من قبل الأنظمة امل�ستبدة وتراكم‬ ‫التجارب والدرو�س امل�ستفادة منها ‪ .‬هذا‬ ‫الوعي احلقيقي امل�ستمد من حركة التاريخ‬ ‫ي�صب مل�صلحة التنوير والفكر الو�سطي‬ ‫والدميقراطي ‪ .‬بعد �أن ف�شلت التجارب‬ ‫امل�سماة زوراً �إ�سالمية والتي نادت بال�شريعة‬ ‫وحققت عك�س مقا�صدها ‪ ،‬وجتاوز‬ ‫دعاة العلمانية يف طرحهم وممار�ساتهم‬ ‫لطبيعة بلدانهم املتدنية فف�شلت يف حتقيق‬ ‫الإ�ستقرار والعي�ش الكرمي ‪.‬‬ ‫‪ .3‬ان نتائج ثورات الربيع العربي‬ ‫ت�ؤكد �سيادة تيار الو�سطية واالعتدال‬ ‫والدميقراطية يف املدي القريب �أو املتو�سط‬ ‫وذلك بقراءة ب�سيطة ملا كان عليه الو�ضع‬ ‫وما هو عليه اليوم ‪ .‬خالل الفرتة ال�سابقة‬ ‫كان العامل العربي يعي�ش يف كب�سولة الزمن‬ ‫املا�ضي وفق بروز اجلماعات الال�سالموية‬ ‫والتكفريية يف احلكم واملعار�ضة وقد رفعوا‬ ‫�شعار ال�شريعة واجلهاد وفق نهج �أحادي‬ ‫�إق�صائي وطبقوا النقي�ض ‪ .‬كذلك عا�ش‬ ‫العامل العربي زيف ت�صدير التجربة‬ ‫الدميقراطية ال�سائدة يف الغرب دون مراعاة‬ ‫لطبيعة جمتمعات بلداننا‪ ،‬قادت الواليات‬ ‫املتحدة حربني يف العراق وافغان�ستان‬ ‫لرت�سيخ الدميقراطية والنتيجة مزيداً من‬ ‫الفو�ضي وعدم اال�ستقرار ‪ ،‬ودعمت ب�شكل‬ ‫�أ�سا�سي الإنظمة ال�شمولية يف املنطقة‬ ‫وعطلت الربيع العربي يف بع�ض البلدان‬


‫كالبحرين مثال‪ .‬هذه االزدواجية يف‬ ‫التعامل مع االخر هي التي ادت لف�شل كل‬ ‫�سيا�سات الواليات املتحدة يف املنطقة ‪.‬‬ ‫‪� .4‬إن ثورات الربيع العربي ك�شفت احلقائق‬ ‫املزعومة والتي ال تعدو �صوراً منطية و�أوهام‬ ‫عوملت معاملة امل�سلمات ‪ ،‬قد �إنتهي عهد‬ ‫اال�سالموفوبيا �سوط الغرب امل�سلط علي‬ ‫امل�سلمني و�إنتهي عهد �إ�ستخدام الطغاة‬ ‫للدين كمخدر ( �أفيون ) لل�شعوب و�إ�ستغالل‬ ‫احلما�س والتطلع لل�شعار اال�سالمي ‪،‬‬ ‫هذه املعادلة املك�شوفة للتحكم يف ال�شعوب‬ ‫وتداعياتها ومتظهراتها زادت من حركة‬ ‫الوعي ‪ .‬لقد تخلق �إح�سا�س بالإنتماء للذات‬ ‫وعودة الوعي والروح لل�شعوب ف�أنتجت‬ ‫واقع جديد بعيد عن �إدعاءات اال�سالمويني‬ ‫والعلمانيني علي ال�سواء وقريب من‬ ‫�إجتهادات املعتدلني ‪ ،‬واقع قائم علي ( َيا‬ ‫�أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنواْ ُكو ُنواْ َق َّوامِ َ‬ ‫ني للِهّ ِ ُ�ش َهدَاء‬ ‫بِا ْلق ِْ�س ِط َو َال َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن� ُآن َق ْو ٍم َعلَى �أَ َّال‬ ‫َت ْعدِ ُلواْ ْاعدِ ُلواْ هُ َو �أَ ْق َر ُب لِل َّت ْق َوى َوا َّت ُقواْ‬ ‫ري بمِ َا َت ْع َم ُلو َن) ويقوم علي‬ ‫اللهّ َ �إِ َّن اللهّ َ َخ ِب ٌ‬ ‫ين لمَ ْ‬ ‫قوله تعايل ( ال َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن ا َّلذِ َ‬ ‫ِّين َولمَ ْ ُي ْخر ُِجو ُك ْم مِ نْ‬ ‫ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫بوهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن اللهَّ َ‬ ‫ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َت رَ ُّ‬ ‫يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ‬ ‫ني) و�أقع يخاطب الأقليات‬ ‫واملر�أة والطفل واحلريات والعي�ش الكرمي‬ ‫والعدالة واحلرية وامل�ساواة والتوفيق بني‬ ‫الأ�صل والع�صر والتعامل مع الآخر ‪.‬‬ ‫‪ّ � .5‬إن نه�ضة الأمة تقوم باال�سا�س علي‬ ‫�شبابها و� ّأن ال�شباب ال يتحرك الإ يف ظل‬ ‫احلرية التي متكنهم من امل�شاركة واالبداع‬ ‫والتعبري واالختيار فهي قيمة �إ�سالمية‬ ‫�أ�صيلة وفري�ضة غائبة يف ظل االنظمة‬ ‫القمعية ‪ ،‬والدميقراطية التي تقوم علي‬ ‫مبادئ احلكم الر�شيد واحلقوق والواجبات‬ ‫والتي تن�سجم مع تعاليم الإ�سالم الذي‬ ‫يجعل الإجماع امل�صدر الثالث للت�شريع‬ ‫بعد القر�آن الكرمي وال�سنة املطهرة‪ ،‬ويدعو‬ ‫لل�شورى امللزمة يف ال�ش�أن العام‪ ،‬وي�ؤ�س�س‬ ‫�شرعية احلكم على البيعة التعاقدية بني‬ ‫احلاكم واملحكومني‪ ،‬ويع ّر�ض احلاكم‬ ‫للمحا�سبة والن�صيحة والأمر باملعروف‬

‫والنهي عن املنكر‪ ،‬وي�ساوي بني النا�س �أمام‬ ‫القانون ‪ ،‬وي�أمر ب�إن�صاف و�إح�سان معاملة‬ ‫امل�ست�ضعفني من النا�س مثل املوايل (�سابقا)‬ ‫واخلدم واملر�أة والأقليات ويعطي الفقهاء‬ ‫اعتباراً للر�أي الغالب بني النا�س فيقولون‪:‬‬ ‫هذا ما يراه جمهور الفقهاء‪ ،‬وهذا حديث‬ ‫متفق عليه وغريها ‪.‬‬ ‫‪� .6‬إختفت عقب هذه الثورات ظاهرة الرجوع‬ ‫للإ�سالم لبع�ض التيارات اال�سالموية‬ ‫وال�سلفية لإلبا�س املجتمع قمي�صاً ما�ضوي‬ ‫حتي يت�سني له التحكم يف النا�س ‪ .‬وظهرت‬ ‫بو�ضوح روح التقدم نحو الإ�سالم و�إبراز‬ ‫مبادئه ومقا�صده والدعوة مل�شروع نه�ضوي‬ ‫�إ�سالمي يقوم علي قطيعة معرفية وعملية‬ ‫بني الإ�سالم واجلمود الفكري والتع�صب‬ ‫ونفي الآخر واالرهاب والعنف والإ�ستبداد‬ ‫والقهر‪ ،‬وي�ؤ�س�س لعالقة معرفية وعملية‬ ‫بني الإ�سالم وقبول الإخر و�إحرتام االقليات‬ ‫والت�سامح والتعاي�ش والتعاون وامل�ساواة‬ ‫يف الكرامة الإن�سانية واحلريات العامة‬ ‫واحلكم الرا�شد ‪ .‬هذه هي املحددات العامة‬ ‫التي �إنتجها الوعي ال�صاعد ور�سختها �إرادة‬ ‫التغيري التي ر�سمت حا�ضر وم�ستقبل عاملنا‬ ‫العربي ف�أي حزب او جماعة ت�صعد للحكم‬ ‫يف �إي دولة ال ت�ستطيع جتاوزها والفكاك‬ ‫منها ‪ ،‬فقد خطت خطوات ال رجعة عنها‬ ‫للوراء ‪ .‬ال خوف �إذن من �صعود التيارات‬ ‫الإخوانية واملت�شددة �سوا ًء كانت حركة‬ ‫النه�ضة يف تون�س وحزب العدالة والتنمية‬ ‫يف املغرب وحزب احلرية والعدالة امل�صري‬ ‫وحزب العدالة والبناء الليبي لأنها �أحزاب‬ ‫قامت على مرجعيات فكرية وتنظيمية‬ ‫عميقة وفق حركة ت�صحيح �شاملة ‪ ،‬كما‬ ‫�أنها ال ت�ستطيع احلركة عك�س التيار املعتدل‬ ‫اجلارف القائم علي القيم واملبادئ املذكورة‬ ‫انفاً ‪ ،‬هذا بالإ�ضافة ايل �أنها وجلت للحكم‬ ‫عرب الية االنتخابات اي بالدميقراطية‬ ‫ور�ضاء ال�شعب ووفق الد�ستور الذي �أقره‬ ‫ال�شعب والربنامج االنتخابي الذي يخاطب‬ ‫ق�ضايا ال�شعب احلياتية‪ ،‬كما � ّأن �شبح‬ ‫التجارب ال�سابقة واحلالية للإ�سالميني‬ ‫تطاردهم خا�صة جتربة نظام الإنقاذ يف‬

‫ال�سودان املاثلة حتي االن فالتحدي كبري يف‬ ‫ر�سم �صورة مغايرة تراعي منجزات الثورة‬ ‫وت�صحح ال�صورة امل�شوهة للإ�سالم لدي‬ ‫الداخل واخلارج والإلتزام بالدميقراطية‬ ‫فكراً وممار�س ًة وب�سط احلريات وحقوق‬ ‫االن�سان ‪.‬‬ ‫‪ .7‬حقيقة �أخري ل�ست �أقل �أهمية تتعلق‬ ‫بظهور الوحدة الوجدانية وامل�صريية‬ ‫بني الدول العربية من حيث املظامل‬ ‫والتطلعات املت�شابهة (الدافعية والأهداف)‬ ‫يف رف�ض الظلم والقهر والف�ساد والتطلع‬ ‫نحو احلرية والكرامة والإ�ستقرار والعدل‬ ‫‪ ،‬والبناء الرتاكمي للثقة يف مقدرات هذه‬ ‫الأمة يف جمابهة كل �آليات القمع والقهر‬ ‫هذه الوحدة القائمة علي �أنقا�ض م�سرية‬ ‫الت�شرذم والتحارب الذي نخر عظم الأمة‬ ‫والت�صارع لإر�ضاء الغرب بنيت يف ظل‬ ‫ظروف الثورة ذات الدالالت املتينة‪.‬‬ ‫خال�صة امل�س�ألة ف�إننا وب�صورة حتمية‬ ‫و�إ�ستنادا على كافة جدليات التاريخ‬ ‫وتطوراته وتطورات ال�شعوب ف�إننا على‬ ‫يقني من ر�سوخ هذه املو�ضوعة املرتبطة‬ ‫بالثورة ووعي ال�شباب ونحن نقف فيما‬ ‫م�ضى فهناك قلق يعرتينا مفاده امل�ضي‬ ‫بنتاج هذا احلراك ملرحلة من مراحل‬ ‫التطرف ما مل يطغى �إعتدال الو�سطيني‬ ‫وو�سط املعتدلني على ال�ساحة بفكرهم‬ ‫وجتاربهم �إذ �أن التطورات الأخرية يف‬ ‫القاهرة ما بني بع�ض التيارات جتعل لقلقنا‬ ‫مربراته وخلوفنا م�سوغاته �إذ �أن الناجت‬ ‫حتما وب�صورة تراكمية قد يقود لتطرف‬ ‫من نوع ما و�آخر م�ضاد له وهو ما �شهدناه‬ ‫يف ليبيا ويف تون�س ويف اليمن وغريها من‬ ‫�شعوب الثورة الأمر الذي يجعلنا ننادي‬ ‫وب�إحلاح ل�سيادة الفكر الو�سطي و�سط‬ ‫ال�شباب بالتحديد ملا لهم من �إ�سهام بارز يف‬ ‫�صناعة الثورة‪.‬‬ ‫�أمني االعالم باملنتدي العاملي للو�سطية‬ ‫بال�سودان‬

‫‪51‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪52‬‬

‫دور علماء األمة في الدفاع‬ ‫عن القدس‬

‫د‪.‬ع�صام الب�شري‬

‫� ّإن ق�ضية فل�سطني ق�ضية عربية �إ�سالمية‬ ‫تقع يف وجدان كل عربي وم�سلم ي�شعر‬ ‫بانتمائه لهذه الأمة‪ ،‬وينب�ض قلبه بالإميان‬ ‫ال�صادق ويجي�ش �صدره بعزة الإ�سالم ‪ ،‬ذلك‬ ‫�أن فل�سطني حتوي القد�س التي لها مكانتها‬ ‫الدينية املرموقة التي اتفق عليها امل�سلمون‬ ‫بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم‪.‬‬ ‫فالقد�س هي القبلة الأوىل التي توجه �إليها‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم و�أ�صحابه‬ ‫منذ �أن فر�ضت ال�صالة يف ليلة الإ�سراء‬ ‫واملعراج يف ال�سنة العا�شرة للبعثة قبل‬ ‫الهجرة بثالث �سنوات‪ ،‬وظلت القد�س قبلة‬ ‫امل�سلمني بعد هجرتهم �إىل املدينة املنورة‬ ‫�ستة ع�شر �شهراً‪ ،‬حتى نزل القر�آن ي�أمرهم‬ ‫بالتوجه �إىل الكعبة ‪ ،‬قال تعاىل (ومن حيث‬ ‫خرجت َف َو ِّل وجهك َ�ش ْط َر امل�سجد احلرام‬

‫وحيثما كنتم َف َو ُّلوا وجوهكم �شطره)‬ ‫(البقرة ‪.)150‬‬ ‫كما � ّأن القد�س هي منتهى الإ�سراء ومنطلق‬ ‫املعراج �إىل ال�سماء‪ ،‬وفيها �أ ّم الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم الأنبياء يف امل�سجد الأق�صى‬ ‫ على �أرجح الأقوال ‪ -‬ويف ذلك دليل على‬‫ختم الإ�سالم للنبوات و�شموله للر�ساالت‬ ‫ال�سماوية ال�سابقة‪ ،‬وبدء الإ�سراء من‬ ‫امل�سجد احلرام وانتها�ؤه بامل�سجد الأق�صى‬ ‫فيه ربط للم�سجدين لن يزول مهما فعل‬ ‫اليهود‪ ،‬يقول �سبحانه وتعاىل ‪�( :‬سبحان‬ ‫الذي �أ�سرى بعبده لي ً‬ ‫ال من امل�سجد احلرام‬ ‫�إىل امل�سجد الأق�صى الذي باركنا حوله‬ ‫ِلنرُ ِ َيه من �آياتنا �إنه هو ال�سميع الب�صري)‬ ‫(الإ�سراء ‪ ، )1‬ثم �إن امل�سجد الأق�صى هو‬ ‫ثالث احلرمني ال�شريفني‪ :‬الأول هو امل�سجد‬


‫احلرام يف مكة ‪ ،‬والثاين هو امل�سجد النبوي‬ ‫يف املدينة‪ ،‬وثالثهما هو امل�سجد الأق�صى يف‬ ‫القد�س‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ ( :‬ال‬ ‫ُت�شد الرحال �إال �إىل ثالثة م�ساجد‪ :‬امل�سجد‬ ‫احلرام وامل�سجد الأق�صى وم�سجدي هذا)‪.‬‬ ‫والقد�س قبل كل هذا �أر�ض النبيني ودار‬ ‫املر�سلني وم�أوى ال�صاحلني‪� ،‬أر�ض املح�شر‬ ‫َاجر اخلليل �إبراهيم ‪ ،‬وديار‬ ‫واملن�شر‪ُ ،‬مه َ‬ ‫�أيوب وحمراب داود‪ ،‬وعجائب �سليمان ومهد‬ ‫عي�سى عليهم جميعاً ال�سالم ‪� ..‬أر�ض الربكة‬ ‫التي و�صفها اهلل ب�أنها مباركة يف خم�سة‬ ‫موا�ضع يف القر�آن (انظر ‪ :‬القد�س ق�ضية‬ ‫كل م�سلم د‪ .‬القر�ضاوي �ص ‪ )11‬هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬قوله تعاىل ‪�( :‬سبحان الذي �أ�سرى‬ ‫بعبده لي ً‬ ‫ال من امل�سجد احلرام �إىل امل�سجد‬ ‫الأق�صى الذي باركنا حوله ‪()..‬اال�سراء ‪.)1‬‬ ‫‪ .2‬قوله تعاىل ‪( :‬وجنيناه ولوطاً �إىل‬ ‫الأر�ض التي باركنا فيها للعاملني)‬ ‫( االنبياء ‪.)71‬‬ ‫‪ .3‬قوله تعاىل ‪( :‬و�أورثنا القوم الذين كانوا‬ ‫ي�ست�ضعفون م�شارق الأر�ض ومغاربها التي‬ ‫باركنا فيها ومتت كلمة ربك احل�سنى على‬ ‫بني �إ�سرائيل مبا �صربوا ‪) ..‬‬ ‫(االعراف ‪.) 137‬‬ ‫‪ .4‬قوله تعاىل ‪( :‬ول�سليمان الريح عا�صفة‬ ‫جتري ب�أمره �إىل الأر�ض التي باركنا فيها)‬ ‫( االنبياء ‪) 81‬‬ ‫‪ .5‬قوله تعاىل ‪( :‬وجعلنا بينهم وبني القرى‬ ‫التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها‬ ‫ال�سري ‪�()..‬سب�أ ‪.)18‬‬ ‫�إن القد�س يف االعتقاد الإ�سالمي �سامية‬ ‫املكانة‪ ،‬عالية املـنـزلة‪ ،‬عزيزة احلمى ‪..‬‬ ‫الأمر الذي ي�ستوجب على امل�سلمني ـ جميعاً‬ ‫ـ الغرية عليها من �أن يدن�سها اليهود‪،‬‬ ‫والذود عنها من اعتداء الآثمني وبذل‬ ‫الغايل والرخي�ص يف �سبيل حتريرها ورد‬

‫املعتدين عنها‪.‬‬ ‫�إن علماء امل�سلمني مطالبون بدور كبري‬ ‫يف دعم ق�ضية فل�سطني والقد�س ويتجلى‬ ‫هذا الدور يف �أ�صعدة ثالثة ‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬دور علماء امل�سلمني على ال�صعيد‬ ‫ال�شعبي‪:‬‬ ‫يف ظل واقع العجز العربي والوهن‬ ‫الإ�سالمي واال�ستكبار الأمريكي والتجاهل‬ ‫العاملي ميكن لعلماء امل�سلمني �أن يقوموا‬ ‫بدورين رئي�سني‪� :‬أولهما دور توعية و�إر�شاد‪،‬‬ ‫والثاين دور تعبئة وجهاد‪:‬‬ ‫�أ‌‪ .‬دور علماء امل�سلمني يف التوعية والإر�شاد‪:‬‬ ‫وهذا يت�ضمن التوعية بالأمور الآتية‪:‬‬ ‫‪ )1‬املوقف من ق�ضية ال�سالم‪:‬‬ ‫� ّإن ال�سالم املزعوم الذي يقت�ضي ت�سلم‬ ‫الفل�سطينيني جزءاً من �أر�ض فل�سطني‬ ‫مقابل اعرتافهم بالكيان ال�صهيوين �سراب‬ ‫خادع لن يدوم طوي ً‬ ‫ال للأ�سباب الآتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬ال�شعوب امل�سلمة ممثلة يف جتمعاتها‬ ‫القومية والوطنية والإ�سالمية �أجمعت على‬ ‫رف�ض هذا ال�سالم املزعوم وعده ا�ست�سالماً‬ ‫ال �سالماً‪ ،‬وتناز ًال عن حقوق �ضخمة ال‬ ‫ميلك �أحد حق منحها لليهود‪.‬‬ ‫‪ -2‬فل�سطني لي�ست ملكاً للفل�سطينيني ‪،‬‬ ‫بل ملك للأجيال امل�سلمة �إىل قيام ال�ساعة‬ ‫والتنازل عن �شرب منها ال يجوز‪.‬‬ ‫ربا من �أر�ض‬ ‫‪ -3‬اليهود لن ي�سلموا �ش ً‬ ‫فل�سطني للفل�سطينيني �إال وهم مكرهون ‪،‬‬ ‫ومتى زال الإكراه عادوا للتو�سع واغت�صاب‬ ‫الأرا�ضي‪.‬‬ ‫‪ -4‬ال�سالم يخدم �أهداف الكيان ال�صهيوين‬ ‫يف املرحلة الراهنة وي�ساعده على و�أد‬ ‫االنتفا�ضة الفل�سطينية و�إثارة النـزاعات‬ ‫بني �أهلها‪ ،‬كما يحملهم على الإقرار بحق‬ ‫املغت�صب وتبعيتهم له‪ ،‬كما ال يخفى � ّأن هذا‬ ‫ال�سالم املوهوم يعمل على اخرتاق العاملني‬

‫العربي والإ�سالمي‪.‬‬ ‫يجب الت�أكيد على خطورة االعرتاف‬ ‫بالكيان ال�صهيوين‪ ،‬وبيان خط�أ مقولة ‪:‬‬ ‫"ال�سالم هو اخليار اال�سرتاتيجي الأوحد‬ ‫حلل الق�ضية " ‪ ،‬و تثبيت خيار املقاومة‬ ‫واجلهاد ب�شتى �صوره و�أ�شكاله‪.‬‬ ‫‪ )2‬املوقف من فرية احلق التاريخي و‬ ‫الديني لليهود يف فل�سطني‪:‬‬ ‫كثري من النا�س التب�س عليهم �أمر ال�صراع‬ ‫بني امل�سلمني واليهود ‪ ،‬وذلك من ت�أثري‬ ‫الآلة الإعالمية الغربية الفعالة ‪ ،‬حتى‬ ‫�أ�صبح بع�ضهم ي�صدق � ّأن لليهود حقاً‬ ‫تاريخياً ودينياً يف فل�سطني‪ ،‬هذا االعتقاد‬ ‫اخلاطئ يوجب توعية ال�شعوب العربية‬ ‫وامل�سلمة باحلقائق التالية ‪:‬‬ ‫�أو ًال ‪ :‬فرية احلق التاريخي‪:‬‬ ‫ال حق لليهود يف القد�س وال يف فل�سطني‬ ‫؛ �إذ �إ َّن القد�س عربية �إ�سالمية‪ ،‬فاملعروف‬ ‫تاريخياً � ّأن الذي بنى القد�س هم اليبو�سيون‬ ‫وهم العرب القدامى الذين نزحوا من �شبه‬ ‫اجلزيرة العربية مع الكنعانيني‪ .‬و�سكنوها‬ ‫�إىل �أن جاء �إبراهيم عليه ال�سالم مهاج ًرا‬ ‫من وطنه الأ�صلي بالعراق غري ًبا وولد له‬ ‫�إ�سحاق عليه ال�سالم الذي ولد له يعقوب‬ ‫عليه ال�سالم الذي ارحتل بذريته �إىل م�صر‬ ‫(معنى هذا �أن �إبراهيم و�إ�سحاق ويعقوب‬ ‫عليهم ال�سالم دخلوا غرباء �إىل فل�سطني‬ ‫وخرجوا غرباء مل ميتلكوا فيها �شي ًئا)‪.‬‬ ‫كذلك مات مو�سى عليه ال�سالم ومل يدخل‬ ‫�أر�ض فل�سطني‪ ،‬و�إمنا دخل �شرق الأردن‬ ‫(القد�س ق�ضية كل م�سلم د‪ .‬القر�ضاوي �ص‬ ‫‪ ) 60‬والذي دخلها بعده ي�شوع (يو�شع) وبقي‬ ‫فيها حتى الغزو البابلي الذي �سحقها �سح ًقا‬ ‫ودمر �أور�شليم و�أحرق التوراة ‪ ".‬فلو جمعت‬ ‫كل ال�سنوات التي عا�شوها ‪� -‬أي اليهود ‪ -‬يف‬ ‫فل�سطني غزا ًة خمربني ما بلغت املدة التي‬

‫‪53‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫ق�ضاها الإجنليز يف الهند �أو الهولنديون يف‬ ‫�إندوني�سيا " (املرجع ال�سابق �ص ‪ ) 64‬فمن‬ ‫�أين لهم احلق الت�أريخي فيها؟‬ ‫والأدلة التاريخية ت�ؤكد � ّأن �أكرب رقعة‬ ‫ا�ستطاع الكيان ال�صهيوين ال�سيطرة عليها‬ ‫يف �أي وقت من الأوقات مل تكن يف الع�صور‬ ‫القدمية ‪ ،‬و�إمنا يف الع�صر احلديث عند‬ ‫احتاللها جممل �أر�ض فل�سطني ومرتفعات‬ ‫اجلوالن وجنوبي لبنان و�أر�ض �سيناء‬ ‫وكان ذلك للمرة الأوىل عام ‪1967‬م (انظر‬ ‫‪ :‬تاريخ اليهود لأحمد عثمان ‪136/1‬‬ ‫والقد�س ق�ضية كل م�سلم �ص ‪� .. ) 64‬إن‬ ‫احلق التاريخي لليهود يف �أر�ض فل�سطني‬ ‫فرية �شوهاء وكذبة بلهاء ‪ ،‬ال تقوم على‬ ‫�ساق و ال تنه�ض بها حجة وهي �أوهى من‬ ‫بيت العنكبوت‪.‬‬ ‫ثاني ًا فرية احلق الديني‪:‬‬ ‫القول ب� ّأن لليهود حقاً دينياً يف فل�سطني‬ ‫ال يقوى �أمام التحقيق العلمي‪ ،‬و�إعالن � ّأن‬ ‫ت�أ�سي�س الكيان ال�صهيوين حتقيق للنبوءة‬ ‫التوراتية التي تقول ‪� " :‬إ َّن اهلل وعد‬ ‫�إبراهيم عليه ال�سالم ب�أن يعطي لن�سله‬ ‫�أر�ض فل�سطني‪ ،‬وكذلك وعد ابنه �إ�سحاق‬ ‫وحفيده يعقوب ‪ -‬الذي �سموه �إ�سرائيل ‪-‬‬ ‫و�سموا فل�سطني �أر�ض امليعاد … كل ذلك‬ ‫وهم كبري ‪ ..‬ف� ّإن �أوىل النا�س ب�إبراهيم‬ ‫هو الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم والذين‬ ‫اتبعوه كما ورد يف القر�آن ‪ّ �( :‬إن �أَوىل‬ ‫النبي‬ ‫النا�س ب�إبراهيم َللذين ا ّتبعوه وهذا ّ‬ ‫والذين �آمنوا)(ال عمران ‪ . ) 68‬فالإمامة‬ ‫ال تنتقل بالوراثة (قال ومن ذريتي قال ال‬ ‫ينال عهدي الظاملني)( البقرة ‪. ) 124‬‬ ‫ثم �ألي�س �إ�سماعيل جد نبينا عليه ال�سالم‬ ‫من ن�سل �إبراهيم ؟ فلماذا فهم اليهود � ّأن‬ ‫النبوءة ال يدخل فيها �إ�سماعيل عليه ال�سالم‬ ‫وهو االبن البكر لإبراهيم عليه ال�سالم ‪..‬‬

‫‪54‬‬ ‫ّ‬ ‫إن قضية فلسطين‬ ‫قضية عربية إسالمية‬ ‫تقع في وجدان كل‬ ‫عربي ومسلم يشعر‬ ‫بانتمائه لهذه األمة‪،‬‬ ‫وينبض قلبه باإليمان‬ ‫الصادق ويجيش صدره‬ ‫بعزة اإلسالم‬

‫� ّإن منطق ا�ستيالء اليهود على فل�سطني ال‬ ‫ي�سنده �شرع وال يقره دين وكل تربير لهم‬ ‫ما هو �إال اختالق وكذب‪.‬‬ ‫‪ )3‬املوقف من امل�شروع ال�صهيوين‪:‬‬ ‫�إن واقع العجز العربي والوهن الإ�سالمي‬ ‫واال�ستكبار الأمريكي والتجاهل العاملي فتح‬ ‫الباب على م�صراعيه للم�شروع ال�صهيوين‬ ‫ليتمكن و مي�ضي يف طريق ال�سيطرة على‬ ‫املنطقة كلها اقت�صادياً وثقافياً و�أمنياً‬ ‫و�سيا�سياً ‪ ..‬حتقيقاً لفكرة �إ�سرائيل الكربى‪..‬‬ ‫قاعدة احل�ضارة وقائدة الدميقراطية ‪..‬‬ ‫م�ستخدماً يف ذلك �سالح ال�سالم والت�سوية‬ ‫والتطبيع ونحوه من الو�سائل ‪.‬‬ ‫� ّإن التهوين من خطر امل�شروع ال�صهيوين‬ ‫ٌ‬ ‫دفن للر�ؤو�س يف الرمال ‪ ..‬فقد ه ّون البع�ض‬ ‫من خطره قبل خم�سني عاماً‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫كيف ميكن لدويلة �صغرية �أن تهيمن على‬ ‫منطقتنا و�أمتنا‪ ،‬وها هي الدويلة ال�صغرية‬ ‫تفر�ض وجودها على احلكومات العربية‬ ‫والإ�سالمية ومتلي �شروطها وتهدد وتتوعد‬ ‫وها هي �أمتنا تدين وت�شجب وت�ستنكر وال‬ ‫تكاد تتجاوز ذلك‪.‬‬ ‫يجب على علماء الأمة ف�ضح امل�شروع‬

‫ال�صهيوين وتعريته ‪ ..‬وذلك ب ـ ‪:‬‬ ‫�أ‌‪ .‬ف�ضح اليهود وطبيعتهم‬ ‫ب‌‪ .‬مواجهة التطبيع و�أخطاره‬ ‫�أو ًال ‪ :‬ف�ضح اليهود وطبيعتهم ‪:‬‬ ‫على علماء الأمة �أن يع ِّرفوا ال�شعوب‬ ‫بعدوها ‪ ..‬م�ستندين �إىل القر�آن الكرمي‬ ‫وما فيه من و�صف مف�صل لليهود‪ ،‬و�إىل‬ ‫ال�سنة املطهرة ثم كتب اليهود املقد�سة‬ ‫عندهم كالتوراة و�أ�سفار الأنبياء والتلمود‬ ‫واملا�شناه وكتب التاريخ وكتابات املعا�صرين‬ ‫عنهم ‪ -‬امل�سلمني وغري امل�سلمني ‪ -‬املكتوبة‬ ‫باللغة العربية �أو غريها من اللغات مثل‬ ‫كتاب �أحالم ال�صهيونية و�أ�ضاليلها للمفكر‬ ‫الفرن�سي امل�سلم "رجاء جارودي"‪ ،‬ومن‬ ‫الواقع املعي�ش‪ ،‬فبني �أيدينا جتارب كثرية‬ ‫يف احلرب وال�سلم و�سل�سلة من الهدنات‬ ‫واالتفاقات واملعار�ضات كلها تبني � ّأن اليهود‬ ‫ال يعرفون غري منطق القوة‪ ،‬و�أنهّم ال �أميان‬ ‫لهم وال عهد وال ذمة‪ ،‬و� ّأن �أبرز �صفاتهم هي‬ ‫العن�صرية‪ ،‬فهم يرون �أنف�سهم �شعب اهلل‬ ‫املختار وما �سواهم �أميني لي�س عليهم منهم‬ ‫�شيء‪ ،‬والعنف والطبيعة العدوانية مت�أ�صل‬ ‫فيهم ؛ فقلوبهم قا�سية كما و�صفهم القر�آن‬ ‫الكرمي وتطلعاتهم التو�سعية لإ�سرائيل‬ ‫الكربى من النيل �إىل الفرات ومن الأرز �إىل‬ ‫النخيل ال تخفى‪ ،‬بل هم يريدون ال�سيطرة‬ ‫على العامل كله‪ ،‬ثم كذلك من �صفاتهم‬ ‫التحرر من الأخالق وعدم ثباتها وا�ستخدام‬ ‫املعايري املزدوجة ‪ :‬معيار مع النف�س ومعيار‬ ‫مع الأغيار (الأميني) (ذلك ب�أنهم قالوا‬ ‫‪ :‬لي�س علينا يف الأميني �سبيل ويقولون‬ ‫على اهلل الكذب وهم يعلمون)( ال عمران‬ ‫‪ ، ) 75‬وهم يرون � ّأن الغاية تربر الو�سيلة‪،‬‬ ‫ويحرتمون العهود واملواثيق متى كانت يف‬ ‫�صاحلهم‪ ،‬ويتجاهلونها حني ال تروق لهم‪،‬‬ ‫وهم �أحر�ص النا�س على حياة و�أكرث النا�س‬


‫�شحاً وحباً للمال ‪ ..‬كل هذه املعاين وما‬ ‫�شاكلها حتتاجها ال�شعوب امل�سلمة لتعرف‬ ‫عدوها وتقدره قدره وتعد العدة املنا�سبة‬ ‫لدفعه ‪ ..‬وهذا هو واجب العلماء والدعاة‬ ‫�إىل اهلل‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ف�ضح التطبيع وخطورته ‪:‬‬ ‫�أخذ التطبيع مع العدو ال�صهيوين �صوراً‬ ‫عديدة منها‪:‬‬ ‫التطبيع الدبلوما�سي‪:‬‬ ‫ومن ذلك االعرتاف بدولة لليهود يف‬ ‫فل�سطني‪ ،‬وتبادل البعثات الدبلوما�سية‬ ‫معها واعتبارها دولة جوار ‪ ،‬و�إ�شراكها يف‬ ‫البيئة واملياه ‪.‬‬ ‫التطبيع االجتماعي‪:‬‬ ‫ومن ذلك دمج اليهود يف املجتمعات العربية‬ ‫وامل�سلمة عن طريق ال�سياحة والرحالت‬ ‫ونحوه ‪.‬‬ ‫التطبيع الثقايف و الإعالمي‪:‬‬ ‫ومن ذلك دخول اليهود يف املجتمعات‬ ‫العربية وامل�سلمة عن طريق امل�ؤمترات‬ ‫والندوات واملعار�ض واملهرجانات وال�سينما‬ ‫وامل�سرح وال�صحافة والإعالم واجلامعات‬ ‫ومراكز البحث العلمي ‪.‬‬ ‫التطبيع الرتبوي‪:‬‬ ‫ومن ذلك توجيه املناهج الدرا�سية والربامج‬ ‫التعليمية ـ يف بع�ض الدول العربية ـ عن‬ ‫طريق حذف كل ما يتعلق باليهود ويك�شف‬ ‫حقدهم وت�آمرهم على الأمة‪.‬‬ ‫التطبيع االقت�صادي‪:‬‬ ‫ومن ذلك فتح الأ�سواق العربية والإ�سالمية‬ ‫لب�ضائع الكيان ال�صهيوين‪.‬‬ ‫�إن ال�شعوب العربية وامل�سلمة ترف�ض‬ ‫التطبيع الظاهر واخلفي كما ترف�ض‬ ‫االعرتاف العلني وال�ضمني بالكيان‬ ‫ال�صهيوين ؛ فعلى علماء امل�سلمني �أن‬ ‫يحافظوا على هذه اجلذوة متقدة ويقاوموا‬

‫كل �سعي نحو التطبيع مع العدو وذلك بـ ‪:‬‬ ‫�أ ‪ -‬دعوة ال�شعوب ملقاطعة الكيان ال�صهيوين‬ ‫اقت�صادياً ‪ ،‬وذلك مبقاطعة ال�سلع والب�ضائع‬ ‫القادمة منه‪ ،‬وذلك حلرمتها ؛ ل ّأن �أرباحها‬ ‫تقوي اليهود على �إخواننا يف فل�سطني‪،‬‬ ‫وواجبنا �أال نعينهم على ذلك‪ ،‬كذلك جتب‬ ‫مقاطعة الب�ضائع الأمريكية �شجباً ملوقف‬ ‫الإدارة الأمريكية املتذيل �أبداً لل�صهاينة‬ ‫والداعم للعدوان على مقدّ�ساتنا‪ ،‬وكذلك‬ ‫ال�شركات التي يقف من خلفها اليهود يف كل‬ ‫بالد العامل ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬وقف التعامل مع الكيان ال�صهيوين‬ ‫دبلوما�سياً وجتارياً وثقافياً ونحوه‪.‬‬ ‫د ‪� -‬إعالن �أن ال�سفر �إىل الكيان ال�صهيوين‬ ‫ال يحل مل�سلم ولو بدعوى ال�صالة يف امل�سجد‬ ‫الأق�صى ‪ ،‬ف�إمنا ي�شد امل�سلم رحاله �إىل هذا‬ ‫امل�سجد حينما يتحرر من �سلطان اليهود‬ ‫(القد�س ق�ضية كل م�سلم ‪� ،‬ص ‪. ) 182‬‬ ‫هـ ‪ -‬مقاومة الغزو الثقايف للكيان ال�صهيوين‬ ‫ومقاومة التب�شري ب�سيا�سات التطبيع‪،‬‬ ‫وخا�صة التطبيع الرتبوي وما يت�ضمنه من‬ ‫تغيري يف املناهج التعليمية �إر�ضاء لليهود‪،‬‬ ‫ومقاومة كل حماولة الخرتاق العقل‬

‫ال حق لليهود في‬ ‫القدس وال في‬ ‫فلسطين ؛ إذ َّ‬ ‫إن‬ ‫القدس عربية إسالمية‪،‬‬ ‫فالمعروف تاريخيًا‬ ‫ّ‬ ‫أن الذي بنى القدس‬ ‫هم اليبوسيون وهم‬ ‫العرب القدامى‬

‫العربي والإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪ )4‬ق�ضية فل�سطني هي ق�ضية الأمة العربية‬ ‫و الإ�سالمية‪:‬‬ ‫من اخلط�أ اجل�سيم �أن يظن بع�ضهم �أن‬ ‫ق�ضية فل�سطني �ش�أن فل�سطيني يخ�ص‬ ‫الفل�سطينيني وحدهم‪ ،‬و الأ�صل �أنهَّا‬ ‫ق�ضية الأمة عربيها وم�سلمها‪ ،‬ويتعني على‬ ‫اجلميع العمل على حلها‪ ،‬وذلك جلملة‬ ‫�أ�سباب ‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬فل�سطني �أر�ض عربية �إ�سالمية لها‬ ‫مكانتها املقد�سة ال�سامية التي ت�ستوجب‬ ‫على اجلميع ـ �إ�سالميني وقوميني ووطنيني‬ ‫ـ العمل على حلها‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ق�ضية فل�سطني تعترب قا�سماً م�شرتكاً‬ ‫بني كل التيارات العربية والإ�سالمية ‪ ،‬فهي‬ ‫هم �إ�سالمي وهاج�س وطني و�أرق قومي‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ت‪ -‬امل�شروع ال�صهيوين ال يرمي �إىل‬ ‫احتالل فل�سطني وحدها ‪ ،‬بل يهدف �إىل‬ ‫�إ�سرائيل الكربى التي متتد من الفرات �إىل‬ ‫النيل ويهدد الأمة ب�أ�سرها فاخلطر يطال‬ ‫اجلميع ‪.‬‬ ‫مواجهة امل�شروع ال�صهيوين املتعدد الأذرع‬ ‫تتطلب العمل على الأ�صعدة كافة‪ :‬اقت�صادياً‬ ‫وثقافياً و�سيا�سياً و�إعالم ًيا ‪� -‬صحافة و�إذاعة‬ ‫وتلفزيون وم�سرح ‪ -‬واجتماعياً وهذا ال يتم‬ ‫�إ َّال بت�ضافر اجلهود‪ ،‬وتوحيد ال�صفوف‪،‬‬ ‫وم�شاركة علماء الأمة ومفكريها وقواها‬ ‫احلية من ف�صائل جهادية وتنظيمات‬ ‫�سيا�سية وجتمعات قومية يف هذه املعركة ‪.‬‬ ‫‪ )5‬رفع الروح املعنوية لل�شعوب امل�سلمة‪:‬‬ ‫وذلك بتذكري ال�شعوب امل�سلمة � ّأن الن�صر‬ ‫حليف امل�سلمني‪ ،‬و� ّأن القد�س �ستعود ب�إذن‬ ‫اهلل للإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬وبن�شر املب�شرات‬ ‫ من القر�آن واحلديث و�سنة التاريخ ‪-‬‬‫بانت�صار الإ�سالم وامل�سلمني على اليهود‬ ‫وتوعية ال�شعوب امل�سلمة ب� ّأن الأق�صى قد‬

‫‪55‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫مرت عليه �أعوام حالكة من قبل ُم ِن َعت فيها‬ ‫اجلمعة واجلماعة‪ ،‬ومل يرفع فيه �أذان‪ ،‬ومل‬ ‫تقم فيه �صالة ملدة واحد وت�سعني عاماً‬ ‫غري � ّأن اهلل هي�أ قادة م�صلحني " ظهروا‬ ‫ونبغوا يف �أحوال غري م�ساعدة ويف �أجواء‬ ‫غري موافقة ‪ ،‬بل ويف �أزمنة مظلمة حالكة‬ ‫ويف بيئات قاتلة فاتكة ‪ ،‬ويف �شعب �أ�صيب‬ ‫ب�شلل الفكر وخواء الروح وخمود العاطفة‬ ‫و�ضعف الإرادة وخور العزمية و�سقوط‬ ‫الهمة ورخاوة اجل�سم ورقة العي�ش وف�ساد‬ ‫الأخالق والإخالد �إىل الراحة واخل�ضوع‬ ‫للقوة والي�أ�س من الإ�صالح " (�أبو احل�سن‬ ‫الندوي ‪ -‬مقدمة مذكرات الدعوة والداعية‬ ‫�ص‪ ، )4‬متاماً يف ظروف كالتي نعي�شها‬ ‫الآن‪ ،‬فعملوا على البناء يف جماالت عدة ‪:‬‬ ‫البناء لل�شخ�صية امل�سلمة والبناء للنظام‬ ‫الإداري والبناء للأمة املتوحدة ونحوه‬ ‫حتى ا�ستطاعوا ا�سرتداد امل�سجد الأق�صى‬ ‫من قب�ضة ال�صليبيني‪� .‬إن ال�شعوب امل�سلمة‬ ‫تب�صر ب�سرية �أبطال الإ�سالم‬ ‫حتتاج �إىل �أن ّ‬ ‫الذين ا�سرتدوا البيت املقدّ�س من قب�ضة‬ ‫ال�صليبيني مثل "عماد الدين زنكي" و‬ ‫"نور الدين حممود زنكي" و"�صالح الدين‬ ‫الأيوبي" و�سائر الأبطال الذين بذلوا‬ ‫الغايل واملرتخ�ص وحققوا الن�صر امل�ؤزر ‪.‬‬ ‫� ّإن مدار�سة �سري العلماء ال�صاحلني‬ ‫والأبطال الفاحتني تنفخ العزم يف الروح‬ ‫وجتدد الثقة يف النف�س وحتفز اجلوارح‬ ‫للعمل‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬دور علماء امل�سلمني يف التعبئة و‬ ‫اجلهاد‪:‬‬ ‫لتعبئة ال�شعوب امل�سلمة يجدر بالعلماء‬ ‫اال�ضطالع باملهام التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعبئة ال�شعوب العربية والإ�سالمية حول‬ ‫الق�ضية الفل�سطينية وربطها بها والرتكيز‬ ‫ب�شكل خا�ص على القد�س واملقد�سات‬

‫‪56‬‬ ‫الإ�سالمية (امل�سجد الأق�صى ‪ ،‬قبة‬ ‫ال�صخرة واحلرم الإبراهيمي ‪ )..‬وا�ستغالل‬ ‫املنا�سبات الدينية كالإ�سراء واملعراج وذكرى‬ ‫�إحراق امل�سجد الأق�صى وقيام االنتفا�ضة‬ ‫الإ�سالمية والأحداث الطارئة املهمة على‬ ‫ال�ساحة الفل�سطينية ملنا�صرة الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية‪.‬‬ ‫‪ -2‬العمل على املحافظة على جذوة‬ ‫االنتفا�ضة م�شتعلة وعلى تطويرها ‪،‬‬ ‫وذلك با�ستثارة احلما�س يف ال�شعوب وقطع‬ ‫الطريق على حلول الت�سوية واال�ست�سالم‬ ‫ودرا�سة االنتفا�ضة ال�سابقة والأ�سباب التي‬ ‫�أدت �إىل �إجها�ضها‪.‬‬ ‫‪ -3‬ال�سعي لإيجاد م�ؤ�س�سات الدعم لق�ضيتنا‬ ‫املحورية كجمعيات املنا�صرة لل�شعب‬ ‫الفل�سطيني وهيئات الدفاع عن القد�س‬ ‫واملقد�سات الإ�سالمية ونحوه ‪.‬‬ ‫‪ -4‬حث ال�شعوب على تقدمي الدعم املادي‬ ‫واملعنوي لق�ضية �أمتنا وجمع الأموال‬ ‫لتعزيز �صمود ال�شعب الفل�سطيني ‪.‬‬ ‫‪ -5‬ال�سعي حل�شد الكفاءات والطاقات‬ ‫ال�سيا�سية والإعالمية لدعم ق�ضية الأمة‬ ‫املركزية يف اجلانب ال�سيا�سي والإعالمي‪،‬‬

‫ّ‬ ‫أن القدس هي منتهى‬ ‫اإلسراء ومنطلق‬ ‫المعراج إلى السماء‪،‬‬ ‫أم الرسول صلى‬ ‫وفيها ّ‬ ‫اهلل عليه وسلم‬ ‫األنبياء في المسجد‬ ‫األقصى‬

‫وذلك بالتعبري مبختلف الو�سائل املمكنة‬ ‫عن معار�ضة اخلطوات التي ت�ستهدف‬ ‫ت�صفية الق�ضية الفل�سطينية والتفريط‬ ‫مبقد�ساتها‪.‬‬ ‫ويف اجلانب اجلهادي بدعم حركات‬ ‫املقاومة الإ�سالمية والت�شجيع على كفالة‬ ‫عائالت ال�شهداء واملعتقلني ودعم م�شاريع‬ ‫البنية التحتية للحركات والتنظيمات داخل‬ ‫الأر�ض املحتلة وت�أكيد م�شروعية جهادها‬ ‫ومقاومتها لالحتالل ومواجهة حماوالت‬ ‫�إل�صاق تهمة الإرهاب بها‪.‬‬ ‫ثاني ًا ‪ :‬دور علماء امل�سلمني على ال�صعيد‬ ‫الر�سمي‪:‬‬ ‫�إن اخلطاب الإ�سالمي لعلماء الأمة ينبغي‬ ‫�أن ينه�ض باملوجهات التالية �إزاء امل�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمية واحلكومية ‪:‬‬ ‫‪ .1‬الرتاجع عن خيار الت�سوية ال�سيا�سية‬ ‫ومبد�أ الأر�ض مقابل ال�سالم‪ ،‬وتو�ضيح عدم‬ ‫جدوى هذه الت�سوية‪ ،‬ال�سيما وقد تك�شفت‬ ‫احلقيقة العدوانية والتو�سعية املتعنتة‬ ‫للكيان ال�صهيوين‪.‬‬ ‫‪ .2‬العمل على �إنهاء القطيعة بني التجمعات‬ ‫ال�سيا�سية املتعددة (لتحقيق الت�صالح‬ ‫الوطني) ‪ ،‬وبني الأنظمة احلاكمة و�شعوبها‬ ‫لتحقيق وحدة اجلبهة الداخلية و�إحياء‬ ‫التناف�س ال�سلمي امل�شروع عرب �إطالق‬ ‫�سراح املعتقلني ال�سيا�سيني وكفالة احلريات‬ ‫وح�شد طاقات الأمة وجتميعها حول هذه‬ ‫الق�ضية‪ ،‬وبني الأنظمة العربية لتحقيق‬ ‫الت�ضامن العربي وبني الدائرة احل�ضارية‬ ‫لتج�سيد وحدة املوقف والهدف ‪.‬‬ ‫‪ .3‬توحيد اخلطاب الإعالمي وت�صحيحه‬ ‫ومن ذلك‪:‬‬ ‫�أ‌‪ .‬توحيد امل�صطلحات والأ�سماء‬ ‫ب‌‪ .‬البعد عن ا�ستخدام امل�صطلحات التي‬ ‫تت�ضمن اعرتافاً بالكيان ال�صهيوين‬


‫وا�ستبدال م�صطلحات �أخرى بها ‪،‬‬ ‫كا�ستبدال م�صطلحات ‪ :‬العدو ال�صهيوين‪،‬‬ ‫الكيان ال�صهيوين مب�صطلح دولة �إ�سرائيل‬ ‫(م�صطلح دولة ا�سرائيل فيه خط�آن كبريان‬ ‫�أولهما االعرتاف ب�أن لهم دولة ‪ ،‬و الثاين‬ ‫ن�سبتها �إىل نبي من �أنبياء اهلل ‪� :‬إ�سرائيل )‬ ‫ودولة اجلوار ونحوه ‪ ،‬والقد�س بتل �أبيب ‪،‬‬ ‫وحترير كل �شرب من �أر�ض فل�سطني املحتلة‬ ‫ودحر االحتالل‪.‬‬ ‫ت‌‪ .‬البعد عن امل�صطلحات الغربية التي‬ ‫ت�سيء �إىل املقاومة الفل�سطينية وت�صفها‬ ‫بالعنف والإرهاب والدموية وتتجاهل �أن‬ ‫هذا حق م�شروع يف الدفاع عن النف�س ورفع‬ ‫الظلم وا�سرتداد احلقوق‪.‬‬ ‫‪ .4‬دعوة القيادات العربية والر�سمية �إىل‬ ‫وقف التطبيع مع الكيان ال�صهيوين‪.‬‬ ‫‪ .5‬دعوة القيادات العربية والر�سمية �إىل‬ ‫تبني اخليار ال�صحيح والناجع يف التعامل‬ ‫مع العدو ال�صهيوين والذي تبناه حزب‬ ‫اهلل يف لبنان وهو خيار املقاومة وال�صمود‬ ‫وتعبئة الأمة‪.‬‬ ‫‪ .6‬دعوة القيادات العربية و الر�سمية �إىل‬ ‫�إعطاء الق�ضية الفل�سطينية حقها يف مناهج‬ ‫التعليم وو�سائل الإعالم وخ�صو�صاً‪:‬‬ ‫ �أ�سا�س ال�صراع مع اليهود وخلفياته‬‫الفكرية والتاريخية وال�سيا�سية‪.‬‬ ‫ مراحل تطور الق�ضية الفل�سطينية ‪.‬‬‫ �أهمية الق�ضية ومكانتها يف �أولويات العمل‬‫الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ قد�سية الق�ضية ‪.‬‬‫ جرائم اليهود �ضد ال�شعب الفل�سطيني‪.‬‬‫ثالث ًا ‪ :‬دور علماء امل�سلمني على ال�صعيد‬ ‫الدويل‪:‬‬ ‫العمل على ال�صعيد العاملي يحوي بعدين‪:‬‬ ‫بعداً �إن�سانياً عاملياً وبعداً عربياً �إ�سالمياً‬

‫إن القدس في‬ ‫االعتقاد اإلسالمي‬ ‫سامية المكانة‪ ،‬عالية‬ ‫المـنـزلة‪ ،‬عزيزة الحمى‬ ‫األمر الذي يستوجب‬ ‫على المسلمين‬ ‫ـ جميعًا ـ‬ ‫الغيرة عليها‬

‫�أ‌‪ .‬البعد الإن�ساين العاملي‪:‬‬ ‫و�أهم حماوره‪:‬‬ ‫‪ -1‬حماولة ت�أثيم ال�ضمري الإن�ساين العاملي‬ ‫ل�سكوته عن الظلم الواقع على ال�شعب‬ ‫الفل�سطيني وغ�ضه الطرف عن ال�صلف‬ ‫اليهودي‪ ،‬وخماطبة كل املنظمات الإن�سانية‬ ‫العاملية مثل منظمة حقوق الإن�سان‬ ‫ومنظمات رعاية الأمومة والطفولة و‬ ‫منظمة العدل ونحوه ‪.‬‬ ‫‪ -2‬تو�ضيح � ّأن الإرهاب هو ما يقوم به الكيان‬ ‫ال�صهيوين ولي�س ما تقوم به احلركات‬ ‫اجلهادية من مقاومة م�شروعة لالحتالل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ -3‬حتميل �أمريكا م�س�ؤولية ما يحدث‬ ‫لل�شعب الفل�سطيني وف�ضح حتالفها مع‬ ‫العدو خ�صماً على حقوق �أمتنا‪ ،‬وا�ستخدامها‬ ‫املعايري املزدوجة التي تتبناها دوماً ل�صالح‬ ‫بني �صهيون‪.‬‬ ‫‪ -4‬مطالبة املنظمات الدولية �أن ت�سلك‬ ‫مبدئية املواقف بعيداً عن اختالل املوازين‬ ‫التي ت�ؤدي �إىل فقدان م�صداقيتها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ف�ضح �أكاذيب وادعاءات اليهود حول‬

‫(الهولوكو�ست) واملذابح التي تعر�ضوا لها‬ ‫على �أيدي النازية ‪ ،‬والعمل على �إظهارهم‬ ‫على حقيقتهم العدوانية الإرهابية ونزع‬ ‫قناع الرباءة وامل�سكنة واال�ست�ضعاف عنهم‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬البعد العربي الإ�سالمي‪:‬‬ ‫على علماء الأمة واجب النهو�ض بالدعوة‬ ‫�إىل تفعيل امل�ؤ�س�سات العربية والإ�سالمية‬ ‫العاملية كجامعة الدول العربية ومنظمة‬ ‫امل�ؤمتر الإ�سالمي والعمل على ا�ستخدامها‬ ‫كو�سائل �ضاغطة لتغيري الر�أي العاملي‬ ‫ون�صرة الق�ضية الفل�سطينية ‪.‬‬ ‫خامتة ‪:‬‬ ‫يقول اهلل ع ّز و جل (ولن تر�ضى عنك‬ ‫اليهود وال الن�صارى حتى تتبع م ّلتهم)‬ ‫(البقرة ‪ )120‬ويقول ‪(:‬ك َّلما �أوقدوا ناراً‬ ‫للحرب �أطف�أها اهلل وي�سعون يف الأر�ض‬ ‫ف�سادًا)( املائدة ‪ )64‬فكيد اليهود للم�سلمني‬ ‫لن ينقطع‪ ،‬ود�أبهم يف ال�صد عن �سبيل اهلل‬ ‫لن يتوقف‪ ،‬وحماوالتهم للنيل من عقيدتنا‬ ‫لن تنتهي‪ ،‬و�أعدا�ؤنا يدر�سون ويخططون‪،‬‬ ‫يعدون وينفذون‪ ،‬الأمر الذي ي�ستدعي من‬ ‫�أهل الإميان �أن يقابلوا الدرا�سة مبثلها‬ ‫والتخطيط بنده ‪ ،‬والتنفيذ ب�صنوه ‪ ،‬بل‬ ‫والتفوق عليهم يف كل هذه املجاالت‪.‬‬ ‫�إ َّن علماء الأمة �أمام م�س�ؤولية عظيمة‬ ‫تتطلب منهم النظر يف ثوابت الت�أريخ و�سنن‬ ‫الكون ومعطيات الواقع وحقائق الغيب‬ ‫وا�ستنطاق الوحيني للرجوع بال�شعوب �إىل‬ ‫احلركة وفق منهج اهلل يف طريق اجلهاد‬ ‫واملقاومة لرتتفع راية الدين وتمُ كن قيم‬ ‫ال�صدق والعدالة و ُي�ستعاد احلق وحترر‬ ‫الأر�ض وي�ؤذن امل�ؤذن ( َف ُقطع دابر القوم‬ ‫الذين ظلموا واحلمد هلل رب العاملني)‬ ‫(الأنعام ‪. )45‬‬

‫‪57‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪58‬‬ ‫كانت أخر المحطات التى ذهبنا إليها لنشر فكرة الوسطية‬ ‫حسبما أشرت فى مقالي الماضى هى «الجزائر» ‪ ,‬صفحة‬ ‫من تاريخ الجزائر كتبت بالدماء واألشالء والضحايا والشهداء‬ ‫دفعت تلك البلدة ثمنا باهظا الستقاللها مليون شهيد‬ ‫ويزيد ‪ ,‬ودفعت أكثر من عشرة آالف قتيل فى فتنة ألمت بها‬ ‫بحثا عن هويتها وتمسكا بقيمها فى أواسط التسعينيات‬ ‫بعد إقصاء الجبهة االسالمية لإلنقاذ وما تبع ذلك من فتنة‬ ‫عمياء تلبست فيها الحقائق وقتل خاللها من قتل وفقد‬ ‫أيضا من فقد ‪ ,‬وتالمست االتهامات بين األجنحة العسكرية‬ ‫فى الجماعات وفى الجيش ‪ ,‬أطل فيها دعاتها ‪..‬‬

‫عن الوسطية ‪ :‬مراميها وحقيقتها ‪..‬‬ ‫توظيفها ‪ ..‬والدخالء عليها‬

‫�أ‪.‬منت�صر الزيات‬

‫دعاة الفتنة وفقها�ؤها ‪ ,‬نعم ‪ ..‬فللفتنة‬ ‫دعاة هم على �أبواب جهنم ‪ ,‬فتاوى‬ ‫م�شهورة معروفة ال�سند واملنبت �أباحت‬ ‫القتل والذبح ‪ُ ,‬قتل علماء �أطهار ودعاة ما‬ ‫عرفوا غري الدعوة لدين اهلل ‪ُ ,‬قتل قادة‬ ‫فى �أحزاب ذات مرجعية �إ�سالمية ‪ُ ,‬قتل‬ ‫�أبرياء ُكرث!! ماعرفت �أهاليهم مل قتلوا‬ ‫وب�أى ذنب؟‬ ‫التقيت على هام�ش الندوات والزيارت‬ ‫ب�إخوة عادوا من اجلبال قريبا بعدما ق�ضوا‬ ‫بها عقداً ون�صفاً التحفوها فى خ�صومة‬ ‫غريبة مع جمتمعهم فى اجلزائر؟! �سمعت‬ ‫منهم الكثري من تلك التجربة املريرة‬ ‫كالعلقم‪ ,‬رغم مالمح النور التى بد�أت‬ ‫تعرف طريقها بعد �سواد ر�سم ق�سماته‬ ‫على جتاعيد الوجه ومالحمه‪ ,‬فقد كان‬ ‫قانون الوئام الوطنى طوق جناة للمجتمع‬

‫اجلزائري وحافز مهم جدا لطي �صفحة‬ ‫ملطخة بالدماء ون�سيانها مبا فيها ‪ ..‬بكل‬ ‫ما فيها‪ .‬بينما كنا على طاولة ع�شاء فى‬ ‫بيت �أحد الإخوة فى اجلزائر العا�صمة‬ ‫هم�س �صاحب البت فى �أذين " �سمعتك‬ ‫�أم�س فى الندوة تتحدث عن قانون الوئام‬ ‫الوطنى‪ ,‬هل تعرف �أن دوائر فى ال�سلطة‬ ‫ا�ستفادت من القانون �أكرث من غريها‬ ‫"الحظ امل�ضيف اندها�شي فا�ستطرد" نعم‬ ‫‪ ..‬هناك مالحقات لبع�ض ال�ضباط عن‬ ‫م�سئوليتهم عن حوادث قتل جماعي �أو‬ ‫فقد بع�ض ال�شباب �أو العوائل جاء قانون‬ ‫الوئام لينقذهم من امل�ساءلة" لكن حتى‬ ‫لو �صدق هذا ال�صديق اجلزائري يبقى‬ ‫ف�ضل قانون الوئام لأنه �ضمد جراحات‬ ‫كثرية وحقن دماء والأهم �أنه دعم جهود‬ ‫اال�ستقرار للمجتمع‪.‬‬


‫حا�صرتنا فى اجلزائر �أي�ضا على‬ ‫هام�ش الندوة الدولية التى انعقدت‬ ‫هناك حول الو�سطية ودورها فى حتقيق‬ ‫ال�سلم االجتماعى ‪ ,‬اتهامات كثرية‬ ‫ترددت غري مرة منذ ُولد املنتدى العاملى‬ ‫للو�سطية كفكرة عام ‪ 2004‬فى العا�صمة‬ ‫االردنية عمان وكواقع فى ‪ , 2006‬عن‬ ‫عالقة املنتدى �أو تيار الو�سطية عموما‬ ‫باحلكومات ودورانه فى فلكها كبديل‬ ‫للجماعات الإ�سالمية ‪ ,‬وو�صلت االتهامات‬ ‫حلد الت�آمر وا�ستخدمت معه نظرية‬ ‫امل�ؤامرة وانطالق منتدى الو�سطية‬ ‫لأهداف ومرامي �أمريكية؟!‬ ‫واحلق �أن تلك االتهامات و�صلت حلد‬ ‫ال�سخف فى مطاعنها فى النوايا والقلوب‬ ‫ُ‬ ‫والإخال�ص ‪ ,‬رمبا �ساهم فى ترديدها‬ ‫ُخلف تنظيمي ‪ ,‬فوجود عدد ممن كانوا‬ ‫ينت�سبون جلماعة الإخوان �سابقا فى �صدر‬ ‫قيادات املنتدى العاملي للو�سطية بالأردن‬ ‫رمبا �ساهم فى ترديد �إخوان الأردن‬ ‫اتهامات من هذا النوع ‪ ,‬و�سط و�ساو�س‬ ‫اعتبار حركة الو�سطية بديال لهم دعما‬ ‫من الأنظمة هكذا ان�سابت االتهامات من‬ ‫م�شكاة الإخوان ‪.‬‬ ‫لكن هذا ال يبعدنا عن بع�ض املالحظات‬ ‫التى ميكن �أن ُتعد من النقد الذاتي التي‬ ‫يجب �أن ي�ستفيد منها القائمون على �ش�أن‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية بل وكل العاملني‬ ‫فى منظومة تيار الو�سطية وان تعددت‬ ‫ت�شكيالتهم ‪ ,‬و�أُ�شهد اهلل �أنى ما وجدت‬ ‫فيهم غري الإخال�ص والتجرد للفكرة‪.‬‬ ‫�أهم هذه املالحظات هي ما يتعلق‬ ‫مبمار�سة بع�ض القيادات الكبرية التى‬ ‫التحقت بجماعة الت�أ�سي�س ما يعد‬ ‫"برجماتية" �أو "انتهازية �شخ�صية" �أو‬

‫حتى يتحرر دعاة‬ ‫الوسطية فهم فى‬ ‫حاجة أيضًا إلى وسائل‬ ‫بديلة لإلنفاق غير‬ ‫الدعم الحكومي‪,‬‬ ‫وهنا واجب على األثرياء‬ ‫المسلمين ورجال‬ ‫األعمال‬

‫ا�ستغالل مثل هذه املنابر لأغرا�ض خا�صة‬ ‫وهو �أمر يتكرر فى مثل هذه الأحوال وفى‬ ‫والدة كل الأعمال الكبرية‪ .‬فقد التحق‬ ‫بجماعة الت�أ�سي�س معنا فى العا�صمة‬ ‫الأردنية عمان �أحد �أبرز ال�شخ�صيات‬ ‫الدينية من عا�صمة عربية كربى �شغل‬ ‫من�صبا حكوميا كبريا �سابقا ا�شرتك‬ ‫فى املناق�شات واملداوالت وال�صياغات‪,‬‬ ‫ثم طلب فى �أحد االجتماعات ت�أخري‬ ‫الإعالن عن هذا املنتدى الن ال�شيخ‬ ‫يو�سف القر�ضاوى يعكف على ت�أ�سي�س‬ ‫االحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني‪ ,‬حاولنا‬ ‫�إفهامه �أن م�شروع املنتدى ال يتعار�ض‬ ‫مطلقا مع ما �أ�شار �إليه‪ ،‬لأنه ي�ضم فى‬ ‫�صفوفه علماء ودعاة ومفكرين ورجال‬ ‫�إعالم و�صحافة وباحثني بينما االحتاد‬ ‫يعنى ب�أمر الفتوى وي�ضم علماء الدين‬ ‫فقط‪ ,‬وبعد وقت ق�صري ر�أينا �صاحبنا‬ ‫وقد ذهب �إىل عا�صمة عربية خليجية‬ ‫تر�أ�س فيها مركزا عامليا للو�سطية بذات‬ ‫الأفكار والأهداف واملرامي غري �أنه يتبع‬

‫حكومة تلك الدولة ووزارة الأوقاف بها ؟!‬ ‫وم�شى بالنميمة بني �أع�ضاء املنتدى يف�سد‬ ‫ذات البني بينهم حتى �أذهب اهلل من�صبه‬ ‫و�أحبط عمله و�أٌقيل من من�صبه و�سط‬ ‫احتجاجات برملانية فى بلد املركز �إياه !!‬ ‫و�شخ�صية �أخرى م�صرية ذائعة ال�صيت‬ ‫لديه عالقات وثيقة بالنظام وم�ؤ�س�ساته‬ ‫الأمنية فى بلده بل وفى كل البلدان‬ ‫العربية خا�صة اخلليجية ح�ضر االجتماع‬ ‫الت�أ�سي�سي الأول و�شارك فى �أعمال امل�ؤمتر‬ ‫العام الأول حتى انتهى �إىل ت�سمية هيئة‬ ‫مكتبه فلم ُتعجبه تلك الأ�سماء ولي�س بها‬ ‫مريدوه حتى �أر�سل لل�صحف نفياً لعالقته‬ ‫بذاك املنتدى‪ ,‬بل وراح ُي�شكك فيه وفى‬ ‫نوايا القائمني عليه‪.‬‬ ‫يحتاج الإخوة فى املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية لزيادة جرعة ال�شجاعة فى‬ ‫�أدبياتهم‪ ,‬ف�إذا كنا نكافح الت�شدد والتطرف‬ ‫والعنف واخلروج على املجتمعات‬ ‫الإ�سالمية وندعم الو�سطية واالعتدال‪،‬‬ ‫فالأمر ال يحتاج لأبواق جديدة ت�ضاف‬ ‫�إىل امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية التى ما‬ ‫فتئت تقوم بهذا الدور وت�شجب وت�ستنكر‬ ‫�أى عملية عنف هنا �أو هناك وت�صمت‬ ‫متاما عن نقد احلكام �أو احلكومات‪ ,‬عمل‬ ‫امل�ؤ�س�سات ال�شعبية يختلف ويلزم �سعيه‬ ‫ل�ضمان ر�ضي اهلل �سبحانه ثم ثقة النا�س‬ ‫املكلومني املطحونني الذين يفتقدون‬ ‫�أجواء احلرية‪.‬‬ ‫وحتى يتحرر دعاة الو�سطية فهم فى‬ ‫حاجة �أي�ضاً �إىل و�سائل بديلة للإنفاق‬ ‫غري الدعم احلكومي‪ ,‬وهنا واجب على‬ ‫الأثرياء امل�سلمني ورجال الأعمال �أ�صحاب‬ ‫الدين �أن يدعموا تيار االعتدال ‪.‬‬ ‫لقد �أ�س�سنا فى القاهرة فرعا ملنتدى‬

‫‪59‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫الو�سطية منذ عام طرقنا كل الأبواب‬ ‫لفر�شه وبع�ض م�صروفات �إدارية الزمة‬ ‫لإدارته‪ ,‬لكن �أ�صحاب الأموال �ضنوا‬ ‫ب�أموالهم فى الوقت الذي قد يدفعون‬ ‫�أرقاما كبرية جدا لكن على �شا�شات التلفاز‬ ‫فقط ليقول النا�س عنهم‪.‬‬ ‫�إن الو�سطية خيار حقيقي لأي جمتمع‬ ‫يرغب فى حتقيق التنمية واال�ستقرار‬ ‫والأمن وا�سرتداد الهوية الثقافية‬ ‫والدينية بخلفية الن�سق احل�ضاري‬ ‫للإ�سالم‪� ,‬إن الو�سطية هي الدين ‪ ..‬هي‬ ‫الإ�سالم ‪ ..‬هي التدين وال�سالم ‪ ..‬هي‬ ‫العروبة والإخاء والتقوى ‪ ..‬هي رف�ض‬ ‫االحتالل ودعم حركات املقاومة والتحرر‬ ‫الوطنى فى بالدنا العربية وامل�سلمة‪.‬‬ ‫مر�سى علم تتظلم‪:‬‬ ‫و�صلتني هذه الر�سالة عرب بريدي‬ ‫الإيليكرتوين مل �أ�ش�أ �أن �أ�ؤخر عر�ضها‬ ‫لأهميتها‪:‬‬ ‫جئناك �ساعني �أملنا �أال تردنا خائبني‬ ‫حيث �أننا جمموعة من �أع�ضاء جمل�س‬ ‫حملى مدينة مر�سى علم الطاحمني‬ ‫للتغري فى بلدنا ال�صغري مر�سى علم‬ ‫و�إن�صاف الغالبة من �أبناء بلدنا من‬ ‫�أ�شخا�ص مهيمنة على البلد �سواء‬ ‫مر�سى علم �أو حمافظة البحر الأحمر‬ ‫ي�ستخدمون كل و�سائل الغ�ش واخلداع‬ ‫والتدلي�س وال�سطوة والنفوذ ويعتربون‬ ‫املواطن قليل احليلة عبدا عندهم‪.‬‬ ‫يوم ‪ 2010-12-22‬مت دعوتنا حل�ضور‬ ‫جل�سة �إجراءات دور االنعقاد الثالث الختيار‬ ‫رئي�س جديد ووكيل جديد للمجل�س‬ ‫وفوجئنا عند بدء جل�سة الإجراءات‬

‫‪60‬‬ ‫بو�صول فاك�س من رئي�س جمل�س حملى‬ ‫حمافظة البحر الأحمر بحرمان الزميل‬ ‫ح�ساين حممد احمد من ح�ضور اجلل�سة‬ ‫لأنه موقوف وال يحق له احل�ضور وال‬ ‫الت�صويت باجلل�سة مع العلم ب�أنه هو الذي‬ ‫كان �سري�شح نف�سه فى االنتخاب لرئا�سة‬ ‫املجل�س بدال من الرئي�س احلايل وقام‬ ‫م�س�ؤول اجلل�سة بتنفيذ ما جاء بالفاك�س‬ ‫ومت منعه من احل�ضور الأمر الذي �أدى‬ ‫�إىل �إرباكنا حيث �أننا كنا �سندخل االنتخاب‬ ‫لرئا�سة املجل�س ور�شحنا �شخ�ص �أخر �أمام‬ ‫الرئي�س احلايل ولكنه اخفق فى االنتخاب‬ ‫جراء تفريق املجموعة بقرار رئي�س‬ ‫جمل�س حملى املحافظة بحرمان زميلنا‪،‬‬ ‫مع العلم بان زميلنا ح�ساين حممد احمد‬ ‫الذي مت منعه بحجة انه موقوف نعم‬ ‫هو كان موقوفاً ملدة ‪� 4‬أ�شهر اعتبارا من‬ ‫�شهر مار�س بقرار �أع�ضاء جمل�س حملى‬ ‫املحافظة مت الت�صديق عليه بجل�سة ‪-24‬‬ ‫‪ 2010-2‬طبقا لقرار جلنة القيم وقد‬ ‫إن الوسطية خيار‬ ‫حقيقي ألي مجتمع‬ ‫يرغب فى تحقيق‬ ‫التنمية واالستقرار‬ ‫واألمن واسترداد‬ ‫الهوية الثقافية‬ ‫والدينية بخلفية النسق‬ ‫الحضاري لإلسالم‬

‫�صدر قرار جمل�س حملى املحافظة‬ ‫بجل�سة ‪ 2010-9-26‬باملوافقة على رجوع‬ ‫الع�ضو‪ /‬ح�ساين حممد احمد ملمار�سة‬ ‫ن�شاط ع�ضويته اعتبارا من جل�سة �شهر‬ ‫�أكتوبر ‪ 2010‬بالقرار رقم ‪ 200‬ولدينا‬ ‫امل�ستندات وقام بالرجوع للمجل�س وقام‬ ‫بالتوقيع ب�سجل احل�ضور وح�ضر جل�سة‬ ‫�شهر �أكتوبر ‪.2010‬‬ ‫�أ�ستاذ‪ /‬منت�صر جئناك �ساعني �أملنا �أال‬ ‫تردنا خائبني وان تتبنى ق�ضيتنا التي‬ ‫تتلخ�ص بان جميع امل�س�ؤولني يقفون‬ ‫مع رئي�س املجل�س اجلديد وعائلته التي‬ ‫ا�ست�شرت بالف�ساد فى املدينة واملحافظة‬ ‫حيث �أن والد رئي�س جمل�س حملى املدينة‬ ‫م�سجل خطر خمدرات حتت رقم ‪ 157‬ولكن‬ ‫جميع امل�س�ؤولني ي�ساندونه هو وعائلته‬ ‫والدليل هو و�صول فاك�س رئي�س جمل�س‬ ‫حملى املحافظة يوم اجلل�سة ال�ساعة ‪9.39‬‬ ‫�صباحاً حيث انه مل يتم عر�ض املو�ضوع‬ ‫على جمل�س حملى املحافظة بل هو قرار‬ ‫فردي منه وكذلك االنتخابات التي جرت‬ ‫النتخاب الرئي�س والوكيل باطلة حيث �أن‬ ‫رئي�س املجل�س ووكيله فئات حيث انهم من‬ ‫�أ�صحاب الأعمال والقانون رقم ‪ 134‬ل�سنة‬ ‫‪ 79‬اخلا�ص باملجال�س املحلية مادة رقم‬ ‫‪ 40‬ن�صت �أن يكون الرئي�س �أو الوكيل من‬ ‫العمال والفالحني‪.‬‬ ‫�إن مطلبنا هو �أن تعاد االنتخابات‬ ‫حلرمان زميلنا من حقه الد�ستوري يف‬ ‫الرت�شح بقرار باطل‪.‬‬


‫فن الوعظ أهميته وضوابطه‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬

‫الوعظ هو ذلك الأ�سلوب الذي‬ ‫ي�ستخدمه الداعية �إىل اهلل �إذا �أراد ن�صح‬ ‫النا�س وتذكريهم بالعواقب‪ ،‬فريغبهم‬ ‫يف احل�سنة وثوابها‪ ،‬ويرهبهم من ال�سيئة‬ ‫وعقابها‪ ،‬على الوجه الذي يرق له القلب‬ ‫ويبعث على العمل‪ ،‬وال غنى للداعية عن‬ ‫�إ�ستخدام �أ�سلوب الوعظ يف دعوته للنا�س‬ ‫وتربيته لهم‪ ،‬فقد �أمر اهلل به ر�سوله الكرمي‬ ‫يف دعوته‪ ،‬فقال عز وجل‪(:‬ا ْد ُع �إِلىِ َ�س ِبيلِ‬ ‫َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْوعِ َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْلهُم‬ ‫بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن)(النحل‪ ،)125 :‬كما �أمر‬ ‫اهلل تعاىل ر�سله من قبل‪ ،‬فكان نهجهم يف‬ ‫دعوتهم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬ف ُق اَ‬ ‫ول َل ُه َق ْو اًل‬ ‫َّل ِّي ًنا َّل َع َّل ُه َي َت َذ َّك ُر �أَ ْو َي ْخ َ�شى)(طه‪،)44:‬‬ ‫والقر�آن الكرمي كله موعظة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ا�س َق ْد َجاء ْت ُكم َّم ْوعِ َظ ٌة مِّن‬ ‫( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫ال�صدُو ِر َوهُ دًى َو َر ْح َم ٌة‬ ‫َّر ِّب ُك ْم َو�شِ َفاء لمِّ َا فيِ ُّ‬ ‫ِّل ْل ُم�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني) (يون�س ‪.)57:‬‬ ‫فالوعظ �أ�سلوب دعوي له �أهمية بالغة‬ ‫يف �إ�صالح القلوب‪ ،‬وتهذيب النفو�س‪،‬‬ ‫ذلك �أنه متعلق بطب الأرواح وعالجها‬

‫من �أمرا�ضها الفتاكة القاتلة‪ ،‬و�إذا �صلح‬ ‫القلب �صلح اجل�سد كله‪ ،‬وكم يكون للكلمة‬ ‫الطيبة من الأثر البالغ يف نفو�س �سامعيها‪،‬‬ ‫خا�صة �إذا نظرنا ملا تي�سر يف هذا الع�صر‬ ‫من و�سائل و�أدوات حديثة متكن الواعظ‬ ‫املربي من �إي�صال كلمته �إىل العامل ممن‬ ‫ال تتهي�أ لهم ر�ؤيته وال لقا�ؤه‪.‬‬ ‫يحتاج النا�س كلهم �إىل �سماع كلمة‬ ‫اخلري والتذكري بها‪� ،‬صغريهم وكبريهم‪،‬‬ ‫جاهلهم وعاملهم‪ ،‬فاجرهم وتفيهم‪ ،‬ولو‬ ‫كان �أحد يف غنية عنها لكان �أ�صحاب‬ ‫ر�سول اهلل الكرمي‪ ،‬فقد كان قائد الأمة‬ ‫النبي العظيم يتعهدهم باملوعظة مبا‬ ‫يرقق قلوبهم‪ ،‬خوفاً من �أن يعلوها الران‬ ‫فت�صد�أ كما ي�صد�أ احلديد‪ ،‬ولكن ينبغي‬ ‫�أن يكون خطاب النا�س على قدر عقولهم‪،‬‬ ‫فال يكون اخلطاب واحداً لكل �أحد وذلك‬ ‫ل�سببني‪ ،‬الأول‪ :‬تفاوت النا�س يف الدرجات‬ ‫وبالتايل يف الواجبات‪ ،‬فقد يجب على‬ ‫العامل ما ال يجب على اجلاهل‪ ،‬ويجب‬ ‫على الغني ما ال يجب على الفقري‪ ،‬ويجب‬

‫‪61‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪62‬‬

‫الوعظ أسلوب دعوي له أهمية بالغة في إصالح القلوب‪،‬‬ ‫وتهذيب النفوس‪ ،‬ذلك أنه متعلق بطب األرواح وعالجها‬ ‫من أمراضها الفتاكة القاتلة ‪ ،‬وإذا صلح القلب صلح‬ ‫الجسد كله‬

‫على القوي القادر ما ال يجب على العاجز‬ ‫ال�ضعيف‪ ،‬والثاين‪ّ � :‬أن بع�ض احلديث‬ ‫يكون فتنة �إذا كان مما ُي�ساء فهمه‪ ،‬ولذا‬ ‫قال الإمام علي كرم اهلل وجهه‪" :‬حدثوا‬ ‫كذب ُ‬ ‫اهلل‬ ‫النا�س مبا يعرفون‪� ،‬أحتبون �أن ُي َ‬ ‫ور�سو ُله"‪ ،‬وموعظة النا�س قد تكون ق�صة‬ ‫ُت�سرد‪� ،‬أو مث ً‬ ‫ال ي�ضرب �أو جملة ُتقال‪� ،‬أو‬ ‫فع ُ‬ ‫ال ُيحتذى به‪ ،‬كل ذلك بدون تكلف �أو‬ ‫تقعر‪.‬‬ ‫ويف هذا الزمن الذي َكَثرُ فيه الوعاظ‬ ‫ربز احلاج ُة امللحة للتنبيه على‬ ‫ًت ُ‬ ‫بع�ض ال�ضوابط ال�شرعية والأخالقية‬ ‫والإن�سانية حتى يبقى الواعظ املربي يف‬ ‫�صورته البهية امل�ؤثرة النافعة‪ ،‬ومن هذه‬ ‫ال�ضوابط‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬االعتماد على القر�آن الكرمي‬ ‫وال�سنة ال�صحيحة املطهرة‪ ،‬فهما �أ�صل‬ ‫كل موعظة‪ ،‬خا�صة �إذا ُفهمت الن�صو�ص‬ ‫ال�شرعية الفهم العلمي ال�شرعي ال�صحيح‪،‬‬ ‫والواعظ املربي حني يحث النا�س على‬ ‫�أمر ويحذرهم من �آخر‪ ،‬ينبغي �أن ُيبني‬ ‫لهم الدليل‪ ،‬وال يجعل حديثه جمرد‬ ‫�أوامر ونوا ٍه جمردة من الدليل‪ ،‬وكل‬ ‫ذلك مت�ضمن يف الكتاب الكرمي وال�سنة‪،‬‬

‫بالت�أمل والتدبر لن�صو�صهما‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬على الواعظ املربي �أخذ احليطة‬ ‫واحلذر مبراجعة كالم �أهل العلم فيها‪،‬‬ ‫حتى يقف على �صحيح الرواية‪ ،‬والتف�سري‬ ‫ال�سليم للآيات الكرمية‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫الروايات اخلرافية التي توقع امل�ستمعني‬ ‫يف حرية وبلبلة‪ ،‬وعليه �أن يركز على‬ ‫ال�صحيح املنقول نق ً‬ ‫ال منطقياً لأ َّن فيه‬ ‫غنية عن ال�ضعيف‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬تعهد الواعظ املربي النا�س‬ ‫باملوعظة التي ال تكون تباعاً بحيث ت�سبب‬ ‫لل�سامعني امللل وال�س�آمة‪ ،‬وهذا منهج نبوي‬ ‫متميز‪ ،‬فقد يتخول �أ�صحابه باملوعظة بني‬ ‫احلني والآخر‪ ،‬حتى تفتح مغاليق القلب‪،‬‬ ‫وجتد الكلمة الطيبة �أذناً �صاغية‪ ،‬بعبارات‬ ‫�سهلة‪ ،‬و�ألفاظ �سليمة تدخل القلب وتعانق‬ ‫الروح مبا�شرة‪ ،‬لأن العربة لي�ست باملوعظة‬ ‫و�إمنا ب�أثارها الإيجابية على نف�سية‬ ‫امللتقى‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬احلذر من املبالغة والتهويل‬ ‫وتقنيط امل�ستمعني‪ ،‬من احلكمة �أن يجتهد‬ ‫الواعظ املربي يف حمبة اخلري للنا�س‪،‬‬ ‫و�أن يبتعد عن املبالغة يف التخويف من‬ ‫العقوبة‪ ،‬حتى يخيل لل�سامع �أن عذاب اهلل‬

‫نازل به ال حمالة‪ ،‬و�أنه ال توبة له‪ ،‬علماً‬ ‫ب� ّأن املنهج ال�شرعي الو�سط‪ :‬املوازنة بني‬ ‫الرتغيب والرتهيب‪ ،‬واخلوف والرجاء‪،‬‬ ‫قال اهلل تعاىل " نبئ عبادي �أ ّ‬ ‫ين �أنا الغفور‬ ‫الرحيم‪ ،‬و� ّأن عذابي هو العذاب الأليم"‪،‬‬ ‫ولهذا قالت ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‬ ‫لعبيد بن عمري‪� " :‬إياك و�إمالل النا�س‬ ‫وتقنيطهم"‪ ،‬وقد كانت مواعظ الر�سول‬ ‫الكرمي بليغة غري متكلفة‪ ،‬جاء يف حديث‬ ‫العربا�ض ر�ضي اهلل عنه قال‪ :‬وعظنا‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم موعظة‬ ‫بليغة ذرفت منها العيون‪ ،‬ووجلت منها‬ ‫القلوب" والبالغة يف املوعظة م�ستحبة‪،‬‬ ‫لأنها �أقرب �إىل القلوب‪ ،‬و�أوقع يف النفو�س‪،‬‬ ‫دون توتر �أو ت�شدق �أو اطناب لغري حاجة‪،‬‬ ‫وعلى الواعظ الذكي ا�ستغالل املنا�سبات‬ ‫والأحداث‪ ،‬ينطلق من خاللها مربياً‬ ‫حري�صاً على امل�صالح العامة وعلينا �أن‬ ‫نعلم � ّأن الوعظ ال ُيعد نهاية املطاف‪ ،‬بل‬ ‫� ّإن الهدف منه هو �إعداد النف�س وتزكيتها‪،‬‬ ‫لتحمل تكاليف هذا الدين‪ ،‬وتعلم‬ ‫�أحكامه‪ ،‬وحتمل ر�سالته العاملية الإن�سانية‬ ‫الأخالقية بكفاءة و�إقتدار‪.‬‬


‫مقاومة الظلم‬ ‫المشروعية والوسائل‬ ‫املجتمع االن�ساين ت�سوده منظومة من‬ ‫العالقات فهنالك عالقات �أ�سرية وعالقات‬ ‫خارج الأ�سرة وعالقات مع بقية املجموعات‬ ‫التي يتكون منها املجتمع كما �أن له عالقة‬ ‫بال�سلطة التي حتكمه داخل الدولة ومتتد‬ ‫عالقاته خارج الدولة‪ .‬والعالقات االن�سانية‬ ‫تتداخل فتتفق حينا وتتعار�ض �أحيانا‪� .‬إن‬ ‫املجتمع االن�ساين يتطور نحو الأف�ضل كلما‬ ‫كفلت فيه احلرية وب�سطت العدالة وروعيت‬ ‫كرامة االن�سان‪ ،‬وينهار �إذا افتقد املعاين‬ ‫املذكورة‪ ،‬واالن�سان قبل �أن يهذبه الدين كان‬ ‫يحتكم �إيل قوته ورغباته كما قال عمرو بن‬ ‫كلثوم‪:‬‬ ‫ُبـ َغا ٌة َظـ ِالمَ َ‬ ‫ني َومَـا ُظ ِل ْم َنا‬ ‫َولـكِـ َّنا َ�سـ َنـ ْب َد�أُ َظـ ِالمِينِ َ‬

‫�إنه منطق املجتمع اجلاهلي حيث كان‬ ‫االعتداد بالقوة فكل قبيلة �إما مغرية و�إما‬ ‫مغار عليها‬ ‫قال زهري بن �أبي �سلمي‪:‬‬ ‫ومن مل يذد عن حو�ضه ب�سالحه‬ ‫يهدم ومن اليظلم النا�س‬ ‫يظلم‬ ‫قال العكربي‪ :‬ثالثة �إذا مل تظلمهم‬ ‫ظلموك‪ :‬ولدك وزوجتك وعبدك‪ ،‬ف�سبب‬ ‫�صالحهم التعدي عليهم‪.‬‬ ‫بل �إن املتنبئ يعترب �أن الظلم من �شيم‬ ‫النفو�س ومن ال يظلم ف�إن فيه علة يقول‪:‬‬ ‫الظلم من �شيم النفو�س‬ ‫ف�إن جتد ذاعفة فلعلة اليظلم‬ ‫هذه املفاهيم �أبطلها اال�سالم حيث حرم‬

‫عبد املحمود �أبو �إبراهيم‬

‫الظلم و�أحل حمله العدل فرب العزة يقول‪:‬‬ ‫(ياعبادي �إين حرمت الظلم علي نف�سي‬ ‫وجعلته بينكم حمرما فال تظاملوا)‪ ،‬ويف‬ ‫القر�آن الكرمي وردت �آيات كثرية ت�ستفظع‬ ‫الظلم وتتوعد الظاملني قال تعاىل‪:‬‬ ‫(والحت�سنب اهلل غافال عما يعمل الظاملون‬ ‫�إمنا ي�ؤخرهم ليوم ت�شخ�ص فيه الأب�صار‬ ‫مهطعني مقنعي ر�ؤو�سهم اليرتد �إليهم‬ ‫طرفهم و�أفئدتهم هواء)‬ ‫(�سورة ابراهيم‪ )42-42:‬لقد و�ضع اال�سالم‬ ‫ت�شريعا حكيما لب�سط العدل وحما�صرة‬ ‫الظلم والظاملني حيث قيد �سلطة احلكام‬ ‫وجعل طاعتهم م�شروطة بطاعة اهلل‬ ‫و�ألزمهم بال�شورى وطالب الأمة �أن‬ ‫الترتدد يف الت�صدي للطغاة بل �أمر بتكوين‬

‫‪63‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫جماعات للأمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫وورد يف ال�سنة �أن �سيد ال�شهداء حمزة بن‬ ‫عبداملطلب ورجل تعر�ض حلاكم ظامل‬ ‫فن�صحه فقتله! لقد حتدث الفقهاء كثريا‬ ‫عن العدل وبينوا �أن الظلم م�ؤذن بف�ساد‬ ‫العمران على حد قول ابن خلدون وقال‬ ‫ابن تيمية “�إن اهلل لين�صرالدولة العادلة‬ ‫ولوكانت كافرة والين�صر الظاملة و�إن كانت‬ ‫م�سلمة �إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر‬ ‫والتدوم مع الظلم واال�سالم”‪.‬‬ ‫لقد تطوراملجتمع االن�ساين كثريا وابتكر‬ ‫و�سائل حديثة للت�صدي لبط�ش الدولة‬ ‫حيث انت�شرت منظمات املجتمع املدين‬ ‫املعنية بالدفاع عن حقوق االن�سان وتنوعت‬ ‫�أ�ساليب املقاومة التي جعلت الآليات‬ ‫الع�سكرية م�شلولة وعاجزة عن الت�صدي‬ ‫فاملقاومة اللبنانية ا�ستعملت �سالح‬ ‫املعلومات ل�شل القدرات الع�سكرية الهائلة‬ ‫للدولة ال�صهيونية وبوعزيزي �أحرق نف�سه‬ ‫ليفجر الثورة يف تون�س التي �أطاحت بنظام‬ ‫زين العابدين والثورة امل�صرية كان وراءها‬ ‫�شباب الفي�س بوك‪ ،‬فاالن�سان لديه القدرة‬ ‫للتعامل مع كل الظروف وكل الأو�ضاع‬ ‫فقط عليه �أن يعرف ذاته والقوة الكامنة‬ ‫فيه ليوظفها توظيفا �صحيحا و�صدق‬ ‫من قال‪� :‬أتزعم �أنك جرم �صغ()ير وفيك‬ ‫انطوى العامل الأكرب‪.‬‬ ‫املفاهيم‪:‬‬ ‫الظلم‪:‬‬ ‫هو و�ضع ال�شيئ يف غري مو�ضعه ويف‬ ‫القر�آن الكرمي هناك �أنواع متعددة للظلم‬ ‫فال�شرك ظلم قال تعاىل‪�( :‬إن ال�شرك لظلم‬ ‫عظيم) (لقمان‪ )13:‬واجلحود ظلم قال‬ ‫تعاىل‪( :‬وجحدوا بها وا�ستيقنتها �أنف�سهم‬ ‫ظلما وعلوا) (النمل‪ )14:‬والكذب ظلم‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ه�ؤالء الذين كذبوا على ربهم‬ ‫�أال لعنة اهلل على الظاملني” (هود‪)18:‬‬ ‫وتعدي حدود اهلل ظلم قال تعاىل‪( :‬ومن‬

‫‪64‬‬ ‫يتعد حدود اهلل ف�أولئك هم الظاملون)‪،‬‬ ‫�إن كلمة ظلم وم�شتقاتها وردت يف القر�آن‬ ‫الكرمي �أكرث من ثالثمائة وع�شرين مرة‪.‬‬ ‫وورد يف ال�سنة “مطل الغني ظلم و”ان�صر‬ ‫�أخاك ظاملا �أومظلوما” قيل فكيف نن�صره‬ ‫مظلوما؟ قال” تكفه عن ظلمه” �أوكما قال‪:‬‬ ‫ويف الع�صر احلديث ظهرت م�صطلحات‬ ‫مثل الظلم االجتماعي واملظامل االقت�صادية‬ ‫واملظامل ال�سيا�سية ورد املظامل …الخ‬ ‫املقاومة‪:‬‬ ‫يق�صد بها الت�صدي للمواقف وال�سيا�سات‬ ‫والأعمال التي ت�صدرمن اخل�صم �سواء كان‬ ‫فردا �أو تنظيما �أودولة ‪ ،‬ويهدف الت�صدي‬ ‫الف�شال تلك الأعمال و�إبطال مفعولها ‪،‬‬ ‫�إن مقاومة الظلم والعدوان ق�ضية فطرية‬ ‫يف االن�سان وغريزة يف احليوان فاحليوان‬ ‫يدافع عن نف�سه �إذا �شعر باخلطر‪ ،‬واالن�سان‬ ‫يقاوم العدوان بتفاديه والهروب منه‬ ‫ومقاومته �إذا ا�ستطاع قال تعاىل‪( :‬ولوال‬ ‫دفع اهلل النا�س بع�ضهم ببع�ض لف�سدت‬ ‫الأر�ض) (البقرة‪)251:‬‬ ‫امل�شروعية‪:‬‬ ‫لقد اتفقت الأديان ال�سماوية والقوانني‬ ‫الو�ضعية والنظريات الفل�سفية علي‬ ‫م�شروعية مقاومة العدوان والت�صدي‬ ‫له دفاعا عن النف�س و�إحقاقا للحق ففي‬ ‫اليهودية جاء ت�شريع املعاملة باملثل قال‬ ‫تعاىل‪( :‬وكتبنا عليهم فيها �أن النف�س‬ ‫بالنف�س والعني بالعني والأنف بالأنف‬ ‫والأذن بالأذن وال�سن بال�سن واجلروح‬ ‫ق�صا�ص)(املائدة‪ )45 :‬ويف تراث العرب‬ ‫وردت عبارة “القتل �أنفى للقتل” واال�سالم‬ ‫�أقر م�شروعية املعاملة باملثل قال تعاىل‪:‬‬ ‫(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مبثل ما‬ ‫اعتدى عليكم) (البقرة‪� )194:‬إن م�شروعية‬ ‫مقاومة الظلم مربرة دينا وعقال وقانونا‬ ‫لعدة اعتبارات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حفظ الكرامة االن�سانية‪ :‬فاالن�سان‬

‫خلق مكرما قال تعاىل‪( :‬ولقد كرمنا‬ ‫بني �آدم)‪ ،‬فالعدوان عليه وظلمه �إنتهاك‬ ‫لكرامته التي خ�صه اهلل بها ومقاومة الظلم‬ ‫فيها �صون للكرامة االن�سانية‪.‬‬ ‫‪ -2‬من �أهم مقا�صد اال�سالم ال�ستمرار‬ ‫جمتمع اال�ستخالف ب�سط العدل والظلم‬ ‫نقي�ض العدل وكل ما يحقق العدل ويدفع‬ ‫الظلم فهو م�شروع قال تعاىل‪�( :‬أذن للذين‬ ‫يقاتلون ب�أنهم ظلموا و�إن اهلل على ن�صرهم‬ ‫لقديرالذين �أخرجوا من ديارهم بغري‬ ‫حق �إال �أن يقولوا ربنا اهلل ولوال دفع اهلل‬ ‫النا�س بع�ضهم ببع�ض لهدمت �صوامع‬ ‫وبيع و�صلوات وم�ساجد يذكر فيها ا�سم اهلل‬ ‫كثريا) (احلج‪)40-39:‬‬ ‫‪ -3‬جعل اهلل اال�سالم دين ال�سالم وال�سالم‬ ‫ا�سم من �أ�سماء اهلل احل�سني ومن �أهم‬ ‫عوامل ا�ستقرار املجتمع ومتا�سكه ب�سط‬ ‫ال�سالم ولن يكون هنالك �سالم �إذا انت�شر‬ ‫الظلم فمقاومة الظلم لب�سط ال�سالم‬ ‫مق�صد من مقا�صد اال�سالم ال�شرعية‪.‬‬ ‫‪ -4‬امل�ساواة يف احلقوق والواجبات حق من‬ ‫حقوق االن�سان والظلم ينتهك هذا احلق‬ ‫فمقاومته واجبة‪.‬‬ ‫‪ -5‬اال�سالم يرف�ض اال�ستكانة واخلنوع‬ ‫قال تعاىل‪�( :‬إن الذين توفاهم املالئكة‬ ‫ظاملي �أنف�سهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا‬ ‫م�ست�ضعفني يف الأر�ض قالوا �أمل تكن �أر�ض‬ ‫اهلل وا�سعة فتهاجروا فيها ف�أولئك م�أواهم‬ ‫جهنم و�ساءت م�صريا) (الن�ساء"‪)97‬‬ ‫‪ -6‬ال�سنة النبوية حثت على مقاومة الظلم‪:‬‬ ‫عن عبداهلل بن م�سعود �أن ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم قال‪(( :‬مامن نبي بعثه اهلل‬ ‫يف �أمة قبلي �إال كان له من �أمته حواريون‬ ‫و�أ�صحاب ي�أخذون ب�سنته ويقتدون ب�أمره‬ ‫ثم �إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون‬ ‫مااليفعلون ويفعلون ماالي�ؤمرون فمن‬ ‫جاهدهم بيده فهو م�ؤمن ومن جاهدهم‬ ‫بل�سانه فهو م�ؤمن ومن جاهدهم بقلبه‬


‫فهوم�ؤمن ولي�س وراء ذلك من االميان‬ ‫حبة خردل))‪ .‬وخمالفة القول للفعل ظلم‬ ‫من �أب�شع �أنواع الظلم لأنه ي�ؤدي �إيل النفاق‬ ‫ويزعزع الثقة التي بها �صالح املجتمع‪.‬‬ ‫‪ -7‬مقاومة الظلم م�شروعة يف اال�سالم بل‬ ‫من مات وهو يدافع عن حقه فهو �شهيد‬ ‫عن �أبي هريرة قال‪(( :‬جاء رجل �إىل ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فقال يار�سول اهلل‬ ‫�أر�أيت �إن جاء رجل يريد �أخذ مايل ؟ قال‪:‬‬ ‫“فالتعطه مالك” قال‪� :‬أر�أيت �إن قاتلني؟‬ ‫قال‪“ :‬قاتله” قال‪� :‬أر�أيت �إن قتلني؟ قال‪:‬‬ ‫“ف�أنت �شهيد” قال‪� :‬أر�أيت �إن قتلته؟ قال‪:‬‬ ‫“هويف النار”))‪.‬‬ ‫الو�سائل‪:‬‬ ‫كل نف�س �أبية ترف�ض الظلم وتبغ�ض‬ ‫ال�ضيم واالن�سان يغ�ضب عندما يظلم‬ ‫وتنتابه م�شاعر كثرية تدفعة دفعا لالنتقام‬ ‫ورد العدوان وبع�ض النا�س الينظرون‬ ‫للعواقب �إذا ظلموا فيندفعون للمواجهة‬ ‫فيحققون نقي�ض مق�صودهم‪� .‬أما امل�سلم‬ ‫املب�صرف�إنه يتعامل مع املوقف باحلكمة‬ ‫التي متكنه من حتقيق �أق�صى ما يريد‬ ‫ب�أقل اخل�سائر‪ .‬والتعمق يف اال�سالم ي�ؤدي‬ ‫�إيل خيارات متعددة للمقاومة خال�صتها‬ ‫كالآتي‪:‬‬ ‫�أوال‪ :‬الوعي باملظامل‪ :‬من �أهم و�سائل‬ ‫املقاومة �أن يدرك االن�سان �أنه مظلوم ويحدد‬ ‫من الذي ظلمه وماهو نوع الظلم الذي‬ ‫وقع عليه وهل لديه يد فيما وقع عليه من‬ ‫ظلم؟ ليقرر بعدها خيارات املقاومة هذه‬ ‫الت�سا�ؤالت مهمة خا�صة فيما يتعلق باملظامل‬ ‫العامة االجتماعية وال�سيا�سية لأن الظلم‬ ‫يف هذه احلالة واقع على جمتمع ولي�س‬ ‫علي �شخ�ص بعينه‪ ،‬والظاملون ي�ستفيدون‬ ‫من جهل النا�س مبظاملهم في�ستمرون يف‬ ‫غيهم دون خوف يقول الكواكبي‪”:‬من‬ ‫�أغرب الأ�شياء �أن امل�ستبد ي�أخذ �أموال النا�س‬ ‫ظلما ثم يعيدها �إليهم بالتجزئة فيهللون‬

‫ويفرحون وي�شيدون بكرمه احلامتي”!!!‬ ‫ويف جمتمعاتنا املتخلفة ف�إن النا�س‬ ‫الينظرون �إيل جوهر الأ�شياء و�إمنا ينظرون‬ ‫�إيل ال�شكليات فيقولون �إن هذا احلاكم عادال‬ ‫لأنه بني ج�سرا �أو احتفل مبهرجان للقر�آن‬ ‫الكرمي �أو قال كالما عنيفا �ضد �أمريكا …‬ ‫الخ هذه العقلية هي التي مكنت لال�ستبداد‬ ‫والظلم يف بلداننا‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬مـ ـ ــن �أهـ ـ ــم و�س ــائ ــل الـمـ ـق ــاوم ـ ـ ــة‬ ‫حتريرال�شعوب من اخلوف وتب�صريهم‬ ‫بحقوقهم‪ :‬فاالن�سان ابن بيئته ف�إذا عا�ش‬ ‫يف بيئة م�ستبدة خارت قواه و�ضعفت همته‬ ‫وا�ستكان للواقع يقول الكواكبي �أي�ضا ”‬ ‫�إن اال�ستبداد يحول ميل الأمة الطبيعي‬ ‫من طلب الرتقي �إيل طلب الت�سفل بحث‬ ‫لودفعت �إيل الرفعة لأبت وت�أملت كما يت�أمل‬ ‫الأجهرمن النور” ف�أمة هذا حالها اليرجى‬ ‫منها‪ .‬وعنرتة بن �شداد تفجرت طاقاته‬ ‫بعد وعيه ب�أن القيمة للنف�س ولي�س للون‬ ‫والعن�صر حينما قال له �أبوه‪“ :‬كر و�أنت‬ ‫حر” كان لكلمات �أبيه التي حررته من قيد‬ ‫الرق �أثر كبري يف نف�سه فقد غريت فيه‬ ‫ال�شعور بالدونية وحركت فيه كل الطاقات‬ ‫الكامنة فتفجرت �شجاعة‪ ،‬وحكمة‪ ،‬وحباً‪،‬‬ ‫وعفة‪ ،‬و�إباء‪ ،‬ونب ً‬ ‫ال‪ ،‬ف�أحتف التاريخ بالقيم‬ ‫النبيلة التي ارتبطت به و�صارت حمل‬ ‫احتفاء حتى يومنا هذا! لذلك �إهتم الأنبياء‬ ‫وامل�صلحون بتوعية �شعوبهم وحتريرهم من‬ ‫رق الوثنية واال�ستعباد قبل االقدام‪.‬‬ ‫ثالثا‪� :‬إعالن رف�ض الظلم واعتزال‬ ‫الظاملني‪� :‬إن الظامل يحيط به اخلوف‬ ‫من كل جانب‪ ،‬فعندما يعلن املظلومون‬ ‫رف�ضهم لظلمه ف�إن ذلك يزيده خوفا‬ ‫ويدفعه للرتاجع! لقد حث اال�سالم على‬ ‫اعتزال الظاملني ومقاطعتهم قال تعاىل‪:‬‬ ‫(والتركنوا �إيل الذين ظلموا متم�سكم‬ ‫النار) ولكن الظاملني يف كل زمان ي�سعون‬ ‫ال�ستقطاب بع�ض النا�س بالرتغيب‬

‫والرتهيب ولكنها حماوالت القيمة لها‬ ‫�إذا كانت ال�شعوب واعية مبظاملها وحقوقها‬ ‫واتفقت علي �أهدافها فعندما ا�شتعلت‬ ‫الثورة املهدية يف كل ال�سودان �أر�سل غردون‬ ‫�إيل االمام املهدي خطابا يعينه فيه حاكما‬ ‫على كردفان فرد عليه االمام املهدي قائال”‬ ‫ل�سنا يف ك�سروية ك�سرى والقي�صرية قي�صر‬ ‫والبا�شوية با�شا والمديرية مدير والحاجة‬ ‫يل بال�سلطنة وامللك واجلاه �إمنا نحن يف‬ ‫وظيفة مهدية‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬الو�سائل ال�سلمية من �أف�ضل‬ ‫و�سائل املقاومة فامل�ستبد يح�ضرنف�سه‬ ‫وي�سخرموارد البالد للمواجهات العنيفية‬ ‫فلي�س من احلكمة �أن يواجه مبا يتفوق فيه‬ ‫ولكن املقاومة ال�سلمية ت�شل قدرته وت�ضعف‬ ‫همته حدث ذلك للكيان ال�صهيوين عندما‬ ‫واجهته ثورة احلجارة فقد عجزت الآليات‬ ‫الع�سكرية عن الت�صدي وخ�سرالكيان‬ ‫ال�صهيوين يف كل املحافل الدولية بل‬ ‫حتى داخل �إ�سرائيل ظهرت �أ�صوات تنادي‬ ‫باحرتام حقوق الفل�سطينيني فلما حتولت‬ ‫املقاومة لعمل م�سلح خ�سرالفل�سطينيون‬ ‫و�صاروا يوجهون ال�سالح �إيل بع�ضهم‬ ‫بع�ضا‪ .‬قال ال�شريف الر�ضي‪:‬‬ ‫ملكت بحلمي فر�صة ماا�سرتقها‬ ‫من الدهرمفتول الذراعني �أغلب‬ ‫خام�سا‪ :‬املقاومة يجب �أن تكون مرتبطة‬ ‫بهدف‪ :‬فالظامل نحن نبغ�ض �أفعاله ف�إذا‬ ‫كانت الكراهية للأ�شخا�ص ف�إنها تتحول من‬ ‫هدف نبيل �إيل انتقام �شخ�صي و�سيتحول‬ ‫املنتقم نف�سه �إيل ظامل فالهدي النبوي كان‬ ‫وا�ضحا‪ :‬اللهم �أعزاال�سالم ب�أحب الرجلني‬ ‫�إليك بعمربن اخلطاب �أوبعمروبن ه�شام”‬ ‫�أبوجهل وعندما دعا ر�سول اهلل بهذا الدعاء‬ ‫كان عمرمن �أ�شدالنا�س عداوة لر�سول اهلل!‬ ‫�إن مقاومة الأفعال الغر�ض منها اال�صالح‬ ‫فرمبا يتحول الظامل نف�سه �إيل عادل‬ ‫فقد مار�س الظلم و�أدرك م�ساوئه ف�إذا‬

‫‪65‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫علم واقتنع ب�إن العدل فيه م�صلحته قبل‬ ‫م�صلحة الآخرين ف�إنه �سيتحول وماذلك‬ ‫على اهلل بعزيز‪ .‬ولكن كراهية الأ�شخا�ص‬ ‫ت�ستبطن �إق�صاء ي�ؤدي �إىل دماريف النهاية‪.‬‬ ‫�ساد�سا‪ :‬التنظيم‪ :‬هذا الع�صر الذي نعي�ش‬ ‫فيه هو ع�صرالنظم والإدارة‪ .‬واملقاومة‬ ‫كن�شاط �إن�ساين تعترب�إدارة بكل ماتعني‬ ‫الكلمة من معنى ومن �أ�سا�سيات املقاومة‬ ‫معرفة قدرات اخل�صم ونقاط قوته ونقاط‬ ‫�ضعفه‪ ،‬ومعرفة قدرات املقاوم ليوظفها‬ ‫توظيفا �صحيحا متكنه من �شل قدرات‬ ‫الظامل و�إ�ضعافه فالتنظيم يق�سم املقاومة‬ ‫�إيل مراحل كل مرحلة ت�ؤدي �إيل التي بعدها‬ ‫حتي يتحقق الهدف ‪ ،‬ويتم تق�سيم الأدوار‬ ‫وتقييم املواقف واتخاذ القراراملنا�سب يف‬ ‫الوقت املنا�سب وتوفراملعلومة …الخ �أما‬ ‫االنفعال وا�سقاط جتارب الآخرين دون‬ ‫�إدراك للواقع ف�إنه يعتربت�صرف �أحمق‬ ‫اليقتل عدوا واليرتك �صديقا و�سيمكن‬ ‫الظامل من اال�ستمرا‪.‬‬ ‫�سابعا‪ :‬ا�ستعمال العنف يعترب�آخرالتدابري‬ ‫وم�شروعيته جاءت من قوله تعاىل‪:‬‬ ‫(�أذن للذين يقاتلون ب�أنهم ظلموا)‪ ،‬وهي‬ ‫م�شروعية التكون �إالب�شروط �أولها‪ :‬ا�ستنفاد‬ ‫كل الو�سائل ال�سلمية وثانيها‪ :‬الظن الغالب‬ ‫ب�أن الي�ؤدي العنف �إىل �ضرر �أكربوثالثها‪:‬‬ ‫�أن يتم االعداد اجليد بحيث يحقق العنف‬ ‫الن�صر ب�أقل اخل�سائر‪ .‬ورابعها‪� :‬أن تعلنه‬ ‫قيادة م�ؤهلة ب�شروطها يقول املتنبئ‪:‬‬ ‫من احللم �أن ت�ستعمل اجلهل دونه‬ ‫�إذا ات�سعت يف احللم طرق املظامل‬ ‫وقال النابغة‪:‬‬ ‫فال خري يف حلم �إذامل يكن له‬ ‫بوادر حتمي �صفوه �أن‬ ‫يكدرا‬ ‫�أخريا مناذج للمقاومة ال�سلمية‪:‬‬ ‫‪ -1‬االمام عبدالرحمن‪ :‬يعترباالمام‬ ‫عبدالرحمن رائد املقاومة ال�سلمية يف‬

‫‪66‬‬ ‫الع�صراحلديث لقد �شاهد مافعلت الآلة‬ ‫الع�سكرية بالأن�صارالبوا�سل املخل�صني‪،‬‬ ‫و�شهد مظاهرالكراهية التي ت�ستبطنها‬ ‫�شرائح كبرية من املجتمع و�أدرك بط�ش‬ ‫العهد اجلديد‪ .‬ا�ستوعب هذا الواقع بكل‬ ‫م�ستجداته وحدد هدفه وقاد �أحبابه بوعي‬ ‫وهمة حتي حتققت �أهدافه‪:‬‬ ‫ حول الطاقة الأن�صارية اجلهادية �إيل‬‫�أعمال مدنية واقت�صادية‪.‬‬ ‫ مل يقطع �صلته بال�سلطة احلاكمة وا�ستفاد‬‫من �أي فر�صة توفرت له ومل يلتفت النتقاد‬ ‫الآخرين‪.‬‬ ‫ ا�ستقطب النخب الوطنية الواعية لدعم‬‫موقفه الوطني‪.‬‬ ‫ مد ج�سورالتوا�صل مع كل �شرائح املجتمع‬‫التقليدية واحلديثة و�أغدق عليهم من‬ ‫معروفه‪.‬‬ ‫ �صنع �صداقات �إقليمية وعاملية ووظفها‬‫لق�ضيته‪.‬‬ ‫ ابتعد عن العنف بالرغم من حما�س‬‫�أن�صاره وت�شوقهم لال�ست�شهاد‪.‬‬ ‫ حقق �أهدافه و�صنع لل�سودان ا�سما‬‫وللأن�صارعمرا جديدا‪.‬‬ ‫ قال‪ :‬كرف يوم وفاته‪:‬‬‫هبوا بنع�شك م�سرعني ك�أمنا‬ ‫ف�صموا عرى التاريخ ثم‬ ‫تفرقوا‬ ‫‪ -2‬فتح اهلل كولن ‪:‬بعد انهيار ال�سطنة‬ ‫العثمانية قام علي �أ�شالئها نظام علماين‬ ‫�أوروبي الوجه واليد والل�سان‪ ،‬حاول هذا‬ ‫النظام �سلخ تركيا من جلدتها اال�سالمية‬ ‫و�إحلاقها بالغرب‪ ،‬و�أن�شئت نظم احلكم‬ ‫واالدارة والثقافة معربة عن هذا املعني‪،‬‬ ‫و�أ�س�س جي�ش قوي حلماية هذه املفاهيم‬ ‫والت�صدي لأي حماولة للإنحراف عنها‪،‬‬ ‫لقد ا�ستمرهذا النظام قرابة ال�سبعني‬ ‫عاما وفج�أة اكت�شف النظام العلماين عودة‬ ‫ال�شعب الرتكي �إيل جذوره اال�سالمية‬

‫وبروز ن�شاط �سيا�سي مدين عم كل �أنحاء‬ ‫الدولة وحاول اجلي�ش �إيقاف هذا املد‬ ‫ب�شتى الأ�ساليب فتغلب عليها ال�شعب وحقق‬ ‫انت�صارا عظيما دون �سفك دماء‪ ،‬واليوم‬ ‫ف�إن مفا�صل الدولة كلها بيد دعاة العودة‬ ‫�إيل اجلذور الإ�سالمية‪ .‬فماهو �سرهذا‬ ‫النجاح؟ وماهي االرادة التي تقف وراء هذا‬ ‫العمل؟ يوجد �شخ�ص غريمعروف لدي‬ ‫كثريمن ال�شعوب العربية واال�سالمية‬ ‫ي�سمي‪ ”:‬فتح اهلل كولن” هذا الرجل جتاوز‬ ‫ال�سبعني من عمره وهو يلزم فرا�ش املر�ض‬ ‫الآن �شفاه اهلل‪ ،‬يعتربهذا الرجل هو امللهم‬ ‫لل�شعب الرتكي يف ثورته احلديثة الناعمة‪،‬‬ ‫لقد انتهج ا�سلوب الوعظ ال�صادق وتغلغل‬ ‫يف وجدان الأمة فخاطب همتها وحرك‬ ‫�أ�شجانها فتفجرت طاقاتها و�أثمرن�شاطها‬ ‫م�ؤ�س�سات تعليمية رائدة‪ ،‬وم�ؤ�س�سات �صحية‬ ‫متقدمة‪،‬ون�شاط اقت�صادي معايف من‬ ‫�أمرا�ض التناف�س والربحية غريالأخالقية‪.‬‬ ‫لقد عا�ش الرجل اال�سالم روحا و�سلوكا‬ ‫وح�ضارة وهوالفقريالأعزب الذي الميلك‬ ‫�إال قلبا مليئا بالإميان بالق�ضية ول�سانا‬ ‫ف�صيحا يرتجم ما يجي�ش يف الوجدان‪،‬‬ ‫ومن كلماته “الدنيا تدور وتدور وكلما دارت‬ ‫ف�إنها ت�ؤوب �إيل فلكها الأ�صلي‪ ،‬فيا تري هل‬ ‫ورثة الأر�ض احلقيقيون جاهزون ال�سرتداد‬ ‫مرياثهم الذي �أ�ضاعوه‪ ،‬و�سلبه الآخرون؟‬ ‫�إن احلق املوهوب ابتداء �شيء‪ ،‬واحلق‬ ‫املوهوب ب�سبب التمثل العملي �شيء �آخر‪.‬‬ ‫فاحلق �إن مل ميثل ح�سب مقايي�س قيمه‬ ‫الذاتية‪ ،‬ف�إنه ميكن �أن ي�سلب من �أ�صحابه‬ ‫يف �أي حلظة وي�سلم �إيل قوم �آخرين يكونون‬ ‫�أجدر ولو ن�سبيا بتمثيل اخلري وهكذا �إيل‬ ‫�أن ين�ش�أ املمثلون احلقيقيون للحق” لقد‬ ‫اتبع الرجل نهجا جدير بنا �أن نقف عنده‪،‬‬ ‫فتجارب الأمم تدر�س وي�ست�صحب منها ما‬ ‫يتالءم مع الظروف والبيئات‪� ،‬إن نهجه‬ ‫يقوم علي الآتي‪:‬‬


‫�أوال‪ :‬الت�شبع بالفكرة‪ :‬وهي �أن اال�سالم‬ ‫دين يحمل يف طياته كل معاين اخلري‬ ‫والعدل واجلمال لكل االن�سانية‪ ،‬و�أنه لي�س‬ ‫فل�سفة جتريدية ولكنه واقع عملي يتمثله‬ ‫النا�س يف حياتهم و�سلوكهم ومفاهيمهم‪.‬‬ ‫�إنه بهذا املعني الوا�سع قادر علي ا�ستنها�ض‬ ‫ال�شعوب وتفجري طاقاتها خريا وع�سال‬ ‫ولبنا‪ .‬غري �أن ذلك اليتحقق بالأماين و�إمنا‬ ‫بالبذل والت�ضحية‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ابتعد هذا النهج عن امل�صادمة‬ ‫مع ال�سلطة بل توا�صل معها وا�ستفاد‬ ‫من احلرية املتاحة للتوا�صل مع‬ ‫اجلماهريوغر�س معاين اخلريواملحبة‬ ‫والتجرد يف قلوبهم‪ .‬وهي جتربة تذكرنا‬ ‫بنهج االمام عبدالرحمن املهدي طيب اهلل‬ ‫ثراه الذي ا�ستطاع �أن يحقق ا�ستقالل بالده‬ ‫ويعيد تنظيم الأن�صار ويجمع �شتاتهم‬ ‫وي�ضع اللبنات الأ�سا�سية لتنمية اقت�صادية‬ ‫غريم�سبوقة والملحوقة يف ال�سودان‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬مل يجعل الن�شاط ال�سيا�سي‬ ‫هدفا و�إمنا ركز علي الن�شاط التعليمي‬ ‫والإقت�صادي واالجتماعي والعمل الطوعي‬ ‫يف كافة جماالت الن�شاط االن�ساين‪ .‬هذا‬ ‫االبتعاد عن العمل ال�سيا�سى املبا�شر حقق‬ ‫جناحا �سيا�سيا يف مرحلة الحقه واليوم‬ ‫ف�إن الذين مي�سكون بال�سلطة يف تركيا هم‬ ‫من تالميذه �أمثال �أردوغان رئي�س الوزراء‬ ‫وعبداهلل غول رئي�س اجلمهورية‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬مل ين�شئ تنظيما والجماعة و�إمنا‬ ‫طرح فكرة وترك للنا�س حرية االختيار يف‬ ‫تطبيقها فتعلق النا�س بالفكرة ومتثلوها يف‬ ‫حياتهم وترجموها لأعمال‪ ،‬فمثال يتبني‬ ‫عدد من التجار�إن�شاء مدر�سة منوذجية‬ ‫مبنية علي �أجمل طراز وجمهزة ب�أحدث‬ ‫املعدات‪ ،‬وتتوفرفيها البيئة التعليمية‬ ‫بكل متطلباتها‪ ،‬وتتوىل الإ�شراف عليها‬ ‫�إدارة عالية الكفاءة ويتقدم فيها للتدري�س‬

‫معلمون اليحركهم دافع املرتب العايل‬ ‫و�إمنا ينذرون �أنف�سهم ك�أ�صحاب ر�سالة‬ ‫تعليمية‪ ،‬وهكذا يف كافة امل�ؤ�س�سات ال�صحية‬ ‫ومنظمات املجتمع املدين‪ ،‬والذين يت�صدون‬ ‫لهذا العمل ي�سمون �أ�صحاب اخلدمة �إ�شارة‬ ‫�إيل جتردهم وتوا�ضعهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬حممد بوعزيزي ال�شاب التون�سي الذي‬ ‫�أقدم على حرق نف�سه و�أ�شعل الثورة التي‬ ‫�أطاحت بالنظام التون�سي �أظهرموقفه‬ ‫هذا جدال فقهيا‪ .‬فاالنتحارمرفو�ض‬ ‫ا�سالميا وبع�ض النا�س يكفرون املنتحر‪،‬‬ ‫ولكن موقف بوعزيزي جاءت ثمرته خريا‬ ‫لتون�س كلها بل رمبا لكل العامل العربي‬ ‫ف�إذا طبقنا مقولة امل�سيح عليه ال�سالم ”‬ ‫بثمارها تعرفونها ”ومقولة الفقهاء الأمور‬ ‫مب�آالتها فرمبا جند له خمرجا وهنالك‬ ‫حديث نبوي ي�سعفنا باملوقف ال�صحيح مع‬ ‫هذه الظاهرة‪ .‬روى م�سلم يف �صحيحه �أنه‬ ‫ملا هاجرالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم للمدينة‬ ‫هاجرمعه الطفيل بن عمرو وهاجرمعه‬ ‫رجل من قومه فاجتووا املدينة‪ .‬فمر�ض‬ ‫فجزع ف�أخذ م�شاق�ص له فقطع بها براجمه‬ ‫ف�شخبت يداه حتى مات‪ .‬فر�آه الطفيل بن‬ ‫عمرويف منامه‪ .‬فر�آه وهيئته ح�سنة ور�آه‬ ‫مغطيا يديه فقال له‪ :‬ما�صنع بك ربك؟‬ ‫فقال‪ :‬غفر يل بهجرتي �إيل نبيه �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم فقال مايل �أراك مغطيا يديك‬ ‫؟ قال قيل يل‪ :‬لن ن�صلح منك ما �أف�سدت‪.‬‬ ‫فق�صها الطفيل على ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ((اللهم وليديه فاغفر)) رواه م�سلم‬ ‫يف �صحيحه يف باب‪ :‬الدليل على �أن قاتل‬ ‫نف�سه اليكفر‪.‬‬ ‫هذه النماذج الثالثة تعطينا �صورة عملية‬ ‫لنجاح اجلهاد املدين وفاعليته مع �أن منوذج‬ ‫بوعزيزي كان منوذجا عنيفا ولكنه عنف‬ ‫موجه لنف�سه ولي�س �ضد الآخرين ومنوذج‬ ‫وائل غنيم �أي�ضا جدير بالدرا�سة‪.‬‬

‫إن كلمة ظلم ومشتقاتها‬ ‫وردت في القرآن الكريم‬ ‫أكثر من ثالثمائة وعشرين‬ ‫مرة‪.‬‬ ‫وورد في السنة “مطل‬ ‫الغني ظلم و”انصر أخاك‬ ‫ظالما أومظلوما” قيل‬ ‫فكيف ننصره مظلوما؟‬ ‫قال” تكفه عن ظلمه”‬ ‫أوكما قال‬

‫‪67‬‬


‫حوارات‬

‫‪68‬‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫المفكر الدكتور زكي الميالد‬ ‫«للوسطية»‪:‬‬ ‫حاوره‪ :‬ح�سني الروا�شدة‬ ‫يتحدث الدكتور زكي امليالد عن‬ ‫م�شروعه الثقايف وي�شرح مرتكزاته‪ ،‬ويرى‬ ‫�أن الأ�سئلة الكربى التي تتعلق بالأمة‪،‬‬ ‫ك�س�ؤال الدميقراطية واحلرية والدين‬ ‫واملر�أة �ستظل حا�ضرة يف �ساحتنا الفكرية‬ ‫كاختبار للمعرفة وكمقيا�س للتطور‪ ،‬لكن‬ ‫الإجابة عليها يفرت�ض �أن يكون على‬ ‫الأر�ض ويف امليدان والتجربة ال جمرد‬ ‫نظريات على الورق فقط‪.‬‬ ‫وي�ؤكد الدكتور امليالد �أن الفكر‬ ‫الإ�سالمي يف طريقه �إىل الت�صالح مع‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬و�أن املهم لي�س و�صول‬ ‫الإ�سالميني �إىل ال�سلطة و�إمنا و�صولهم‬ ‫لها عرب �صناديق االنتخاب‪ ،‬معتقداً �أن‬ ‫التحوالت التي حدثت يف عاملنا العربي‬ ‫خرجت من رحم ال�شعوب املقهورة‪.‬‬

‫• قدمتم م�شروع ًا اتخذ �أبعاد ًا‬ ‫ح�ضارية وثقافية تتعلق بـ�أمتنا‬ ‫العربية‪ ،‬ما�ضي ًا وحا�ضر ًا وم�ستقب ًال‪،‬‬ ‫ما هي مرتكزات هذا امل�شروع‪ ..‬و�إىل‬ ‫�أي مدى ميكن له �أن يتوا�صل �أو �أن‬ ‫يتقاطع مع امل�شروعات الإحيائية‬ ‫والنه�ضوية التي طرحت على مدى‬ ‫�أكرث من مئة عام؟‬ ‫ بعد ما يزيد على عقدين من العمل‬‫الفكري والثقايف امل�ستمر والرتاكم‪ ,‬والذي‬ ‫مل ينقطع �أو يتوقف‪ ,‬بعد هذه التجربة‬ ‫احلية تبلورت عندي وحتددت مالمح‬ ‫م�شروع ثقايف‪ ,‬اجتهدت قدر الإمكان �أن‬ ‫يكون جادا‪ ,‬ويت�سم باحل�ضور واحلركة‬ ‫والفعالية‪ ,‬ويتخذ من امل�س�ألة احل�ضارية‬ ‫وجهة له‪.‬‬

‫ويرتكز هذا امل�شروع الثقايف على �أربعة‬ ‫�أبعاد �أ�سا�سية هي‪:‬‬ ‫�أوال‪ :‬الت�أكيد على قيمة الثقافة‬ ‫والإعالء من �ش�أنها‪ ,‬و�إعطائها درجة‬ ‫عالية من الأولوية‪ ,‬واال�ستلهام منها‬ ‫والتخلق بها‪ ,‬واعتمادها كمنظور يف‬ ‫التحليل والنقد واال�ست�شراف‪ ,‬فالثقافة‬ ‫هي تلك الطاقة والقوة والروح التي‬ ‫تبعث على التجدد والتقدم والنهو�ض‪ ,‬مع‬ ‫الرتكيز على اجلوهر الإ�سالمي للثقافة‪,‬‬ ‫واالهتمام ب�أبعاده الإن�سانية والأخالقية‬ ‫واحل�ضارية‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬درا�سة الفكر الإ�سالمي‪ ,‬ق�ضاياه‬ ‫وم�سائله ومقوالته‪ ,‬وهكذا تطوراته‬ ‫وحتوالته‪ ,‬م�ساراته وم�سلكياته‪ ,‬والت�أكيد‬ ‫على �ضرورة التوا�صل مع الع�صر‪,‬‬


‫ومواكبة العلوم واملعارف‪ ,‬واالنخراط يف‬ ‫حركة العامل‪ ,‬والعناية بق�ضايا التجديد‬ ‫والتحديث والتنوير املن�ضبط بالقواعد‬ ‫والأ�صول العامة يف نطاق املرجعية‬ ‫الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬العناية بامل�س�ألة احل�ضارية‪ ,‬التي‬ ‫تعني النظر �إىل الق�ضايا والظواهر‬ ‫وامل�شكالت على �أ�سا�س منهج التحليل‬ ‫احل�ضاري‪ ,‬الذي ي�أخذ بعني االعتبار‬ ‫م�شكالت التخلف من جهة‪ ,‬و�ضرورات‬ ‫التقدم من جهة �أخرى‪ .‬فالتخلف‬ ‫بكافة �صوره و�أمناطه هو امل�شكلة الأوىل‬ ‫والكربى يف الأمة‪ ,‬والتقدم هو ال�سبيل‬ ‫يف التغلب على م�شكلة التخلف من جهة‪,‬‬ ‫والنهو�ض باجتاه التح�ضر من جهة‬ ‫�أخرى‪ ,‬وهذا يتطلب الت�أكيد على طلب‬ ‫العلم وحب املعرفة‪ ,‬وتطوير م�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم‪ ,‬والنهو�ض بالبحث العلمي‪,‬‬ ‫وتقدير العلماء‪ ,‬كما تعني امل�س�ألة‬ ‫احل�ضارية ا�ست�شراف م�ستقبلنا احل�ضاري‬ ‫يف هذا العامل‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬االهتمام بق�ضايا الوحدة‬ ‫الإ�سالمية واحلوار الإ�سالمي والتقريب‬ ‫بني املذاهب الإ�سالمية‪ ,‬واعتبار وحدة‬ ‫الأمة من ال�ضرورات املقد�سة‪ ,‬والواجبات‬ ‫العليا‪ .‬و�أن م�صري الأمة وم�ستقبلها‬ ‫احل�ضاري يرتبط بوحدتها وتكاملها‪,‬‬ ‫فالوحدة هي م�صري وم�ستقبل‪ ,‬واحلوار‬ ‫هو ف�ضيلة وتوا�صل‪ ,‬والتقريب هو انفتاح‬ ‫وتكامل‪ ,‬والعمل على �إحياء كل ما هو‬ ‫جامع يف الأمة‪ ,‬ورف�ض خطوط االنق�سام‬ ‫بكافة �صورها و�أمناطها‪.‬‬ ‫هذا امل�شروع بهذه الأبعاد احل�ضارية‬ ‫والنه�ضوية ال �شك �أنه يحمل يف بنيته‬ ‫ومكوناته ممكنات التوا�صل والتقاطع مع‬ ‫م�شروعات النه�ضة يف الأمة‪ ,‬امل�شروعات‬ ‫التي اتخذت من النه�ضة �سبيال‪ ,‬ومن‬ ‫الأمة الواحدة واجلامعة انتماء‪.‬‬ ‫• ثمة �أ�سئلة كربى ال تزال معلقة‬ ‫على �صعيد فكرنا العربي والإ�سالمي‬

‫المهم ليس وصول‬ ‫اإلسالميين للسلطة‬ ‫وإنما وصولهم عبر‬ ‫الديمقراطية‪.‬‬

‫املعا�صر‪ ،‬من �أبرزها �س�ؤال الدين‬ ‫و�س�ؤال الدميقراطية و�س�ؤال املر�أة‬ ‫و�س�ؤال الدولة‪ ..‬كيف ميكن ح�سم‬ ‫هذه الأ�سئلة ب�إجابات مقنعة‪ ..‬وهل‬ ‫حان وقت ذلك فع ًال؟‬ ‫ هذه الأ�سئلة الكربى �ستظل حا�ضرة‬‫على طول اخلط يف �ساحة الفكر العربي‬ ‫والإ�سالمي املعا�صر‪ ,‬وهي من جهة متثل‬ ‫اختبارا ملعرفة قيا�سات م�ستويات التطور‬ ‫يف بنية وم�سارات الفكر العربي والإ�سالمي‬ ‫املعا�صر‪ ,‬ويف �أمناط ر�ؤيته �إىل العامل‪ ,‬ومن‬ ‫جهة �أخرى متثل حتديا ملعرفة قيا�سات‬ ‫م�ستويات اال�ستجابة االجتهادية يف حركة‬ ‫الفكر العربي والإ�سالمي ملعا�صر‪.‬‬ ‫ويف �ساحة الفكر الإ�سالمي املعا�صر هناك‬ ‫من يرى �أن التقدم نحو هذه الأ�سئلة‬ ‫الكربى ي�أتي عن طريق تطوير العمل‬ ‫الفكري‪ ,‬ورفع م�ستويات البحث النظري‬ ‫والتنظريي‪ ,‬وهذا �صحيح من جهة‪ ,‬ولكنه‬ ‫لي�س كامال من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫والذي �أراه �أن التقدم نحو هذه الأ�سئلة‬ ‫لن يكون عن طريق عملية فكرية ت�ستند‬ ‫على البحث والتحليل النظري املجرد‪,‬‬ ‫و�إمنا هو بحاجة �إىل حتقيق تقدم على‬

‫الأر�ض يجري يف حركة احلياة‪.‬‬ ‫وميكن اختبار هذه النظرية عند النظر‬ ‫�إىل طبيعة منظورات الر�ؤية لتلك‬ ‫الأ�سئلة يف البيئات واملجتمعات العربية‬ ‫والإ�سالمية‪ ,‬التي تتفاوت يف درجات‬ ‫وم�ستويات التقدم الفعلي على الأر�ض‪,‬‬ ‫ففي البيئات واملجتمعات التي تعي�ش‬ ‫حركة التقدم مثل ماليزيا و�إيران وتركيا‬ ‫�سنجد �أن لها منظورات خمتلفة ومتقدمة‬ ‫عن تلك البيئات واملجتمعات الإ�سالمية‬ ‫الأخرى الأقل تقدما‪.‬‬ ‫الأمر الذي يعني �أن طريقة النظر �إىل‬ ‫تلك الأ�سئلة �ست�شهد تقدما كلما تقدمت‬ ‫احلياة‪ ,‬وما مل يح�صل هذا التقدم يف‬ ‫البيئات واملجتمعات العربية �ستظل‬ ‫طريقة النظر �إىل تلك الأ�سئلة تت�سم‬ ‫غالبا باجلمود وال�سكون‪ ,‬وتفتقر �إىل‬ ‫عن�صر احلركة والفعالية‪.‬‬ ‫• يف ع�صر التحوالت التي ي�شهدها‬ ‫عاملنا العربي‪ ،‬هل تعتقد �أن الثورات‬ ‫خرجت من رحم ال�شعوب‪� ,‬أم‬ ‫�أنها �صناعة تداخلت فيها عوامل‬ ‫خمتلفة‪ ,‬واخرتقها العبون معروفون‬ ‫�أو جمهولون؟‬ ‫ يك�شف هذا ال�س�ؤال من جهة‪ ,‬كيف �أن‬‫موجة التحوالت التي ع�صفت باملنطقة‬ ‫العربية يكتنفها جانب التعقيد والغمو�ض‪,‬‬ ‫وذلك نتيجة تعدد وتداخل العنا�صر امل�ؤثرة‬ ‫فيها‪ ,‬العنا�صر الداخلية واخلارجية‪,‬‬ ‫املحلية والدولية‪ ,‬الظاهرة والغام�ضة‪,‬‬ ‫املعروفة وغري املعروفة‪ ,‬ونتيجة ت�سارع‬ ‫وترية موجة هذه التحوالت بطريقة‬ ‫قيا�سية نادرة احلدوث يف املجال العربي‬ ‫ب�شكل خا�ص‪ ,‬فمن هذه اجلهة هناك‬ ‫جانب التعقيد والغمو�ض يف هذه املوجة‬ ‫من التحوالت‪.‬‬ ‫ومن جهة �أخرى ك�شفت هذه املوجة‬ ‫من التحوالت‪ ,‬كيف �أننا يف املجال العربي‬ ‫ال منلك قدرة التحكم وال�سيطرة على‬ ‫جمالنا و�أو�ضاعنا‪ ,‬وال منلك �أي�ضا املعرفة‬

‫‪69‬‬


‫حوارات‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫والدراية الكاملة مبجالنا و�أو�ضاعنا‪� ,‬إىل‬ ‫درجة ت�أخذنا احلرية‪ ,‬ونظل حائرين يف‬ ‫طريقة تكوين املعرفة بهذه املوجة من‬ ‫التحوالت التي حتدث �أمام �أعيننا‪ ,‬ويف‬ ‫حا�ضرنا ولي�س يف ما�ضينا‪ ,‬ويف جمالنا‬ ‫ولي�س يف جمال غرينا‪.‬‬ ‫و�أمام هذه املوجة من التحوالت املفاجئة‬ ‫واملت�سارعة وامل�ؤثرة هناك من يرى �أنها‬ ‫خرجت من رحم ال�شعوب التي لوالها ملا‬ ‫ح�صلت هذه التحوالت‪� ,‬إىل جانب من‬ ‫يرى �أن هذه التحوالت مل تكن بعيدة‬ ‫عن الت�أثري الغربي الذي لواله ملا و�صلت‬ ‫هذه التحوالت �إىل ما و�صلت �إليه‪ ,‬ولعل‬ ‫يف قناعة الغربيني �أنهم هم الذين �صنعوا‬ ‫هذه املوجة من التحوالت‪� ,‬أو �أنهم الذين‬ ‫جعلوا هذه املوجة من التحوالت ت�صل �إىل‬ ‫ما و�صلت �إليه‪.‬‬ ‫والذي �أراه �أن هذه املوجة من التحوالت‬ ‫خرجت من رحم ال�شعوب املقهورة‪ ,‬لكن‬ ‫الغربيني دخلوا على اخلط حتى ال تنقلب‬ ‫هذه املوجة عليهم‪ ,‬حفاظا على م�صاحلهم‪,‬‬ ‫ولي�س دفاعا عن حق ال�شعوب‪.‬‬ ‫• و�صل الإ�سالميون على اختالف‬ ‫اجتاهاتهم �إىل بع�ض مواقع ال�سلطة‬ ‫تقيم هذه‬ ‫يف عاملنا العربي‪ ،‬كيف‬ ‫ّ‬ ‫التجربة‪ ,‬وما هي �أبرز التحديات‬ ‫التي تواجهها؟‬ ‫ هذه املوجة من التحوالت دخل‬‫الإ�سالميون مرحلة جديدة �سوف ي�ؤرخ لها‬ ‫يف تاريخ تطور م�سارات احلركة الإ�سالمية‬ ‫يف الع�صر احلديث‪ ,‬واجلانب املهم يف هذا‬ ‫التطور لي�س و�صول الإ�سالميني �إىل‬ ‫مواقع ال�سلطة يف العامل العربي‪ ,‬و�إمنا‬ ‫املهم �أن و�صول ه�ؤالء �إىل ال�سلطة كان‬ ‫عن طريق الدميقراطية‪ ,‬واختيار النا�س‬ ‫لهم عرب �صناديق االقرتاع‪ ,‬من خالل‬ ‫انتخابات حرة ونزيهة‪.‬‬ ‫لكن هذا التطور و�ضع الإ�سالميني �أمام‬ ‫اختبار �صعب‪ ,‬و�إذا كان من املبكر احلكم‬ ‫على جتربتهم بالف�شل �أو النجاح‪� ,‬أو ما‬

‫‪70‬‬ ‫بني البني‪ ,‬مع ذلك ميكن القول �أن فر�ص‬ ‫النجاح �ستكون �صعبة‪ ,‬والأ�صعب من ذلك‬ ‫االعرتاف لهم بالنجاح‪� ,‬أو ال�سماح لهم‬ ‫بالنجاح وهم يف ال�سلطة‪ ,‬وذلك لأنهم‬ ‫ورثوا من ال�سلطات ال�سابقة واقعا طويال‬ ‫ومرتاكما من الف�شل والعجز والإخفاق يف‬ ‫كافة امليادين تقريبا‪.‬‬ ‫ومن �أبرز التحديات التي �ستواجههم‬ ‫وهم يف ال�سلطة‪ ,‬حتدي �إدارة اقت�صاديات‬ ‫الدولة‪ ,‬و�إمكانية حتقيق جناحات‬ ‫اقت�صادية فعلية وملمو�سة خالل فرتة‬ ‫وجيزة‪� ,‬إىل جانب حتدي بقاء قناعة‬ ‫وثقة النا�س بقدرتهم على �إدارة م�ؤ�س�سات‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫• هل ت�صالح الفكر الإ�سالمي مع‬ ‫الدميقراطية‪ ..‬وهل لدينا يف‬ ‫خمزوننا التاريخي جتربة حكم‬ ‫�إ�سالمي ميكن اال�ستناد �إليها �أو‬ ‫اال�ستفادة منها؟‬ ‫ هناك مفارقات الفتة يف ديناميات تطور‬‫العالقة بني الإ�سالم والدميقراطية يف‬ ‫املجالني العربي من جهة‪ ,‬والإ�سالمي‬ ‫غري العربي من جهة �أخرى‪� ,‬إذ ميكن‬ ‫القول �إننا كلما ابتعدنا عن املجال العربي‪,‬‬ ‫وجدنا منطا وم�سارا خمتلفا ومغايرا يف‬

‫الفكر اإلسالمي في‬ ‫طريقه إلى التصالح‬ ‫مع الديمقراطية‪.‬‬

‫ديناميات تطور هذه العالقة‪ ,‬هو �أكرث‬ ‫ن�ضجا وتقدما من النمط وامل�سار ال�سائد‬ ‫يف املجال العربي‪.‬‬ ‫وتتك�شف هذه املالحظة بالإ�شارة �إىل‬ ‫ثالث مفارقات �أ�سا�سية‪ ,‬هي‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬يف املجال العربي كان اجلدل‬ ‫والنقا�ش وما زال حول الإ�سالم‬ ‫والدميقراطية‪ ,‬يتحدد ب�صورة رئي�سية‬ ‫ويرتكز حول العالقة بني ال�شورى‬ ‫والدميقراطية‪ ,‬وبطريقة يغلب عليها‬ ‫اجلدل النظري املتحيز �أيديولوجيا من‬ ‫جهة‪ ,‬واملفتقر للعمق املعريف من جهة‬ ‫�أخرى‪.‬‬ ‫والأقوال املتداولة يف هذا ال�ش�أن‪ ,‬باتت‬ ‫متكررة ومعروفة لكرثة احلديث عنها‪,‬‬ ‫وتعيد �إنتاج نف�سها كما هي �أو ب�صور‬ ‫خمتلفة‪ ,‬فهناك من ينحاز �إىل ال�شورى‬ ‫ويرف�ض الدميقراطية �أو يتحفظ عليها‪,‬‬ ‫�إىل جانب من ينحاز �إىل الدميقراطية‬ ‫ويرف�ض ال�شورى �أو يتحفظ عليها‪.‬‬ ‫وهناك من يرى �إمكانية اجلمع بني‬ ‫ال�شورى والدميقراطية‪� ,‬إىل جانب من‬ ‫ال يرى �إمكانية اجلمع بينهما‪ .‬وهناك‬ ‫من يرى دميقراطية يف ال�شورى‪� ,‬إىل‬ ‫جانب من ال يرى دميقراطية يف ال�شورى‪,‬‬ ‫وهناك من يرى �أن ال�شورى ملزمة‪� ,‬إىل‬ ‫جانب من يرى �أنها معلمة‪.‬‬ ‫�إىل غري ذلك من �أقوال ال تقدم وال‬ ‫ت�ؤخر‪ ,‬وكان يفرت�ض �أن تكون من‬ ‫خملفات املا�ضي وعفا عليها الزمن‪,‬‬ ‫وتال�شت وا�ضمحلت‪ ,‬لأنها ال حترك‬ ‫�ساكنا‪ ,‬وال تغري واقعا‪ ,‬وال تقدم حال‪ ,‬وال‬ ‫تعالج م�شكلة‪.‬‬ ‫ومتى ما ابتعدنا عن املجال العربي تغري‬ ‫هذا النمط من اجلدل النظري العقيم‪,‬‬ ‫�إىل منط وم�سار �آخر بعيدا عن املطارحة‬ ‫�أو املفا�ضلة بني ال�شورى والدميقراطية‪,‬‬ ‫�إىل البحث عن �إمكانية التوافق والتنا�سب‬ ‫والتكيف بني الدين والدميقراطية‪ ,‬على‬ ‫قاعدة التم�سك بالدميقراطية ولي�س‬


‫رف�ضها �أو الت�شكيك فيها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثاني ًا‪� :‬إن الأ�صوات التي ارتفعت عاليا يف‬ ‫رف�ض الدميقراطية ومقتها وت�صويرها‬ ‫ب�أ�شد الأو�صاف تنكريا‪ ,‬واعتبارها كفرا‬ ‫ومنكرا وا�ستالبا وع�صيانا لأمر اهلل‬ ‫�سبحانه‪ ,‬وخروجا على هدي الدين‬ ‫و�شريعته �إىل غري ذلك من نعوت و�أو�صاف‬ ‫بالغة الذم والتنكري‪.‬‬ ‫هذه الأ�صوات ال�صاخبة �إمنا ظهرت‬ ‫وعرفت وارتفعت نربتها ب�شكل �أ�سا�سي يف‬ ‫املجال العربي‪ ,‬ومتى ما ابتعدنا عن هذا‬ ‫املجال �إىل املجال الإ�سالمي غري العربي‬ ‫خفت هذه الأ�صوات‪ ,‬وهد�أت نربتها‪,‬‬ ‫وكادت تختفي وتتال�شى‪ ,‬و�إذا وجدت ف�إنها‬ ‫ال حت�ضى بالوزن الذي هي عليه يف املجال‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ال ميكن القيا�س �أو املقارنة‬ ‫بني ديناميات تطور الدميقراطية‬ ‫واحلياة ال�سيا�سية يف املجال العربي‬ ‫ما قبل ع�صر التحوالت الأخرية‪ ,‬ويف‬ ‫املجال الإ�سالمي غري العربي‪ .‬وهذا ما‬ ‫ت�ؤكده وتربهن عليه احلقائق والوقائع‬ ‫الفعلية‪ ,‬وما يدركه ويعرفه من قريب‬ ‫�أو بعيد املراقبون واملتابعون لل�ش�ؤون‬ ‫ال�سيا�سية والدميقراطية‪ ,‬وما ت�شري‬ ‫�إليه وتتحدث عنه التقارير والدرا�سات‬ ‫امل�سحية واال�ستطالعية املتخ�ص�صة‬ ‫واملعنية مبراقبة الدميقراطية والتطور‬ ‫الدميقراطي يف العامل‪.‬‬ ‫وح�سب هذه التقارير والدرا�سات‬ ‫الدورية وغري الدورية ف�إن العامل العربي‬ ‫دائما ما ي�صنف على الدول الأقل تطورا‬ ‫يف جمال الدميقراطية‪ ,‬والأ�شد جمودا يف‬ ‫االنفتاح ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫وب�صورة عامة ميكن القول �إن الفكر‬ ‫الإ�سالمي يف طريقه للت�صالح مع‬ ‫الدميقراطية‪ ,‬وكل جتارب احلكم التي‬ ‫مرت على العامل الإ�سالمي ميكن‬ ‫اال�ستفادة منها‪� ,‬إذا مل يكن من جهة‬ ‫الدميقراطية‪ ,‬فمن جهة نقد اال�ستبداد‪.‬‬

‫اإلجابة على أسئلة‬ ‫ُ‬ ‫مكانه‬ ‫األمة الكبرى‬ ‫األرض ال الورق‪.‬‬

‫•بع�ض كتاباتك م�سكونة بهواج�س‬ ‫االختالف مع الآخر �أو التعاي�ش‬ ‫واحلوار معه‪ ..‬ترى متى يكون‬ ‫احلوار مع الآخر ذا جدوى‪ ..‬وما‬ ‫هي �شروطه وكيف ميكن �أن ننتقل‬ ‫من دائرة اال�ستقبال فقط �إىل دائرة‬ ‫الإر�سال والفاعلية احل�ضارية يف‬ ‫عالقتنا مع الذات والآخر؟‬ ‫ عند النظر يف مفهوم الآخر ميكن الف�صل‬‫والتمييز بني جانبني �أ�سا�سيني ال بد من‬ ‫الإ�شارة �إليهما‪ ,‬والت�أكيد عليها يف تكوين‬ ‫املعرفة بهذا املفهوم‪ ,‬ويف طريقة التعامل‬ ‫معه‪ ,‬وهما اجلانب الأخالقي والإن�ساين‬ ‫من جهة‪ ,‬واجلانب الفكري والثقايف من‬ ‫جهة �أخرى‪.‬‬ ‫يف اجلانب الأخالقي والإن�ساين لي�س‬ ‫هناك ما ي�سمى بالآخر‪ ,‬وال ينبغي �إطالق‬ ‫مفهوم الآخر يف هذا اجلانب‪ ,‬وذلك لأن‬ ‫الطبيعة الإن�سانية هي واحدة وثابتة‬ ‫من حيث اجلوهر واخللق والتكوين‪ ,‬وال‬ ‫تختلف �أو تتمايز بني جميع الب�شر‪ ,‬وهذا‬ ‫ما يعرفه الب�شر �أنف�سهم‪ ,‬منذ �أن وجد‬ ‫الإن�سان على هذه الأر�ض‪ ,‬ومهما اختلفت‬ ‫�أل�سنة النا�س ولغاتهم‪� ,‬ألوانهم و�أعراقهم‪,‬‬

‫مدنياتهم وثقافاتهم‪.‬‬ ‫ولي�س هناك �إن�سان غري بني بني‬ ‫الإن�سان‪ ,‬فاخللق كلهم عيال اهلل‪ ,‬فطرهم‬ ‫على فطرته وال تبديل خللق اهلل‪ ,‬وخلقهم‬ ‫يف �أح�سن تقومي‪ ,‬وجعلهم على �أح�سن‬ ‫�صورة‪.‬‬ ‫ومن هذه اجلهة‪ ,‬ف�إن النظرة الأخالقية‬ ‫تنفي �إطالق مفهوم الآخر بني الب�شر على‬ ‫�أ�سا�س اللون �أو العرق �أو الل�سان‪ ,‬وترف�ض‬ ‫وتواجه من يقبل �أو يتبنى مثل هذه‬ ‫الت�صورات وهذه الأفكار‪ ,‬ومن يتحدث‬ ‫عنها �أو مييل وي�شري �إليها‪.‬‬ ‫وربط مفهوم الآخر باجلانب الفكري‬ ‫والثقايف ي�ستند على خلفية �أن هذا املفهوم‬ ‫هو الذي ي�شري �إىل تلك االختالفات‬ ‫الفكرية والثقافية الفارقة والفا�صلة‬ ‫التي تظهر بني املجموعات واجلماعات‬ ‫الب�شرية‪ ,‬وال يتعلق باالختالفات‬ ‫الب�سيطة �أو ال�سطحية �أو العابرة‪ .‬ويك�شف‬ ‫عن ذلك طريقة التعاطي بهذا املفهوم بني‬ ‫املجموعات املختلفة‪ ,‬فهو ال يجري التعامل‬ ‫معه عند ه�ؤالء �إال على �أ�سا�س االختالف‬ ‫الفكري والثقايف الفارق والفا�صل بني‬ ‫هذه املجموعات‪.‬‬ ‫ويف هذا النطاق طرحت فكرة �أطلقت‬ ‫عليها (تعارف احل�ضارات)‪ ,‬هذه الفكرة‬ ‫حتولت اليوم �إىل نظرية متداولة‬ ‫وحا�ضرة يف املجال التداويل العربي‬ ‫والإ�سالمي‪ ,‬وهذه النظرية ت�ستند على‬ ‫�أ�صل ثابت من القر�آن الكرمي‪ ,‬وحتديدا‬ ‫يف �آية التعارف يف �سورة احلجرات يف‬ ‫قوله تعاىل‪ ( :‬يا �أيها النا�س �إنا خلقناكم‬ ‫من ذكر و�أنثى وجعلناكم �شعوبا وقبائل‬ ‫لتعارفوا)‪ ,‬وتنطلق هذه النظرية من‬ ‫مبد�أ نفي اجلهل بالآخر‪ ,‬وتكوين املعرفة‬ ‫واالعرتاف به وبوجوده الإن�ساين‪.‬‬ ‫• كثريون يف عاملنا العربي �أ�صبحوا‬ ‫م�ؤمنني بفكرة الإ�صالح‪ ,‬هل يكفي‬ ‫الإميان بالفكرة �أم �أننا بحاجة �إىل‬ ‫م�شروع للإ�صالح حتى ندخل ع�صر‬

‫‪71‬‬


‫حوارات‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫الإ�صالح‪ ,‬ونتجنب ارتدادات زالزل‬ ‫التغيري التي تتوا�صل يف منطقتنا؟‬ ‫ الإ�صالح هو املهمة التي ال حتتمل‬‫الت�أجيل �أو الت�أخري يف العامل العربي‪,‬‬ ‫وهو املهمة التي تبد�أ وال تنتهي‪ ,‬وذلك لأن‬ ‫العامل العربي بقي زمنا طويال بعيدا عن‬ ‫ركب الإ�صالح‪ ,‬وكاد �أن يكون ع�صيا على‬ ‫الإ�صالح‪ ,‬وحينما انبعثت فكرة الإ�صالح‬ ‫واكت�سبت زخما كبريا يف املجال العربي‪,‬‬ ‫توقفت عند هذه الفكرة ووجدت �أنها‬ ‫متثل حلظة تاريخية ال ينبغي �أن تفوت‬ ‫على الإطالق‪� ,‬أو متر علينا دون �أن ت�شرق‬ ‫وتتخلق فينا‪ ,‬وتفعل فعلها يف تغيري‬ ‫�أحوالنا و�أو�ضاعنا البائ�سة واملرتدية‪,‬‬ ‫وتعيد لنا الروح الذي كاد يخرج منا بال‬ ‫عودة‪.‬‬ ‫فطاملا ترقبنا وانتظرنا مثل هذه‬ ‫اللحظة التاريخية التي ال متر على الأمم‬ ‫ب�سهولة‪ ,‬ويف �أي وقت‪ ,‬وكيفما ن�شاء‪ ,‬وال‬ ‫خيار �أمامنا �إال بالتم�سك بهذه الفكرة‪,‬‬ ‫وحتويلها �إىل فل�سفة نعت�صم بحبلها‪,‬‬ ‫ونعطيها قوة املعنى‪ .‬وذلك ل�شدة حاجتنا‬ ‫لهذه الفكرة بعد �أن و�صلنا �إىل ما و�صلنا‬ ‫�إليه‪� ,‬إذ باتت جميع الأمم جتد عزاءها‬ ‫فينا‪ ,‬لهذا فان فكرة الإ�صالح هي فل�سفتنا‪,‬‬ ‫وبهذا املنطق ينبغي �أن نتعامل معها‪.‬‬ ‫والق�صد من حتويل فكرة الإ�صالح‬ ‫�إىل فل�سفة‪� ,‬ضرورة �أن جنتهد يف تطوير‬ ‫وتعميق الأبعاد املعرفية لهذه الفكرة‪,‬‬ ‫وحتويلها �إىل فكرة غنية وثرية باملعاين‬ ‫والدالالت اخلالقة وامل�شعة‪ ,‬وحتى يكون‬ ‫لهذه الفكرة من الفاعلية والت�أثري ما‬ ‫يعادل الت�أثري العظيم لفكرة التنوير يف‬ ‫�أوروبا القرن التا�سع ع�شر‪ ,‬وهذا ما نت�أمله‬ ‫وننتظره فعال حا�ضرا وم�ستقبال‪.‬‬ ‫• هل ميتلك امل�سلمون اليوم ر�ؤية‬ ‫م ّوحدة لأنف�سهم وللعامل‪ ,‬وهل‬ ‫افتقاد مثل هذه الر�ؤية هو عنوان‬ ‫للتخلف الذي نعانيه‪ ,‬وللأزمات التي‬

‫‪72‬‬ ‫تتنا�سل يف بالدنا؟‬ ‫ من املمكن القول �أن امل�سلمني يف ظل‬‫و�ضعيات اجلمود والرتاجع تتفتت عندهم‬ ‫وتغيب الر�ؤية املوحدة لأنف�سهم وللعامل‪,‬‬ ‫ويف ظل و�ضعيات التقدم والنهو�ض‬ ‫ت�ستعيد عندهم وتقرتب الر�ؤية املوحدة‬ ‫لأنف�سهم وللعامل‪ ،‬وذلك لأن الرتاجع له‬ ‫منظوراته‪ ,‬والتقدم له منظوراته املغايرة‬ ‫متاما‪ ,‬منظورات الرتاجع تدفع نحو‬ ‫العزلة واالنكفاء‪ ,‬وتبعث على ال�شعور‬ ‫بال�ضعف‪ ,‬والإح�سا�س بالعجز والف�شل‪,‬‬ ‫وعندها تتفتت وتغيب الر�ؤية املوحدة‬

‫التحوالت في‬ ‫منطقتنا العربية‬ ‫خرجت من رحم‬ ‫الشعوب المقهورة‪.‬‬

‫للذات وللعامل‪ ,‬يف حني �أن منظورات‬ ‫التقدم تدفع نحو االنفتاح واالنطالق‪,‬‬ ‫وتبعث على ال�شعور بالقوة‪ ,‬والإح�سا�س‬ ‫بالإرادة والتغلب على الف�شل‪ ,‬وعندها‬ ‫تدرك الأمة حاجتها �إىل االقرتاب من‬ ‫الر�ؤية املوحدة لذاتها وللعامل‬ ‫ونحن اليوم ندرك ب�أننا بحاجة �إىل ر�ؤية‬ ‫موحدة ن�ستعيد من خاللها مفهوم الأمة‬ ‫اجلامعة جلميع امل�سلمني‪ ,‬املفهوم الذي‬ ‫ينبغي �أن نعطيه �أق�صى درجات الفعالية‪,‬‬ ‫ملواجهة وحما�صرة نزعات االنق�سام‬ ‫واالنغالق وال�صدام‪ ,‬النزعات التي كادت‬

‫تتف�شى وب�صورة خطرية يف البيئات‬ ‫واملجتمعات العربية والإ�سالمية‪.‬‬ ‫•ثمة عالقة ملتب�سة بني ال�سيا�سي‬ ‫واملثقف‪ ،‬كيف ميكن جت�سري هذه‬ ‫العالقة �أو جتاوز حمنة ال�صراع‬ ‫التاريخي بينهما؟‬ ‫ من جهة املبد�أ‪ ,‬ميكن القول �إن ال�سيا�سي‬‫�أقرب �إىل منطق امل�صلحة واملثقف �أقرب‬ ‫�إىل منطق القيم‪ ,‬ال�سيا�سي �أميل �إىل‬ ‫النزعة الواقعية واملثقف �أميل �إىل النزعة‬ ‫املثالية‪ ,‬ال�سيا�سي يف�ضل عادة التفكري يف‬ ‫احلا�ضر واملثقف يف�ضل عادة التفكري يف‬ ‫امل�ستقبل‪ ,‬ال�سيا�سي يقدم غالبا البحث‬ ‫يف جزئيات الأمور واملثقف يقدم غالبا‬ ‫البحث يف كليات الأمور‪ ,‬ال�سيا�سي ينزع‬ ‫نحو املهادنة واملثقف ينزع نحو النقد‪.‬‬ ‫هذه املفارقات من جهة املبد�أ‪ ,‬تلفت‬ ‫النظر حلاجة ال�سيا�سي �إىل املثقف‪,‬‬ ‫وحاجة املثقف �إىل ال�سيا�سي‪ ,‬وذلك‬ ‫لتحقيق التوازن بني منطق امل�صلحة‬ ‫ومنطق القيم‪ ,‬والتوازن بني النزعة‬ ‫الواقعية والنزعة املثالية‪ ,‬والتوازن يف‬ ‫بحث اجلزيئات وبحث الكليات‪ ,‬والتوازن‬ ‫بني النزوع نحو املهادنة والنزوع نحو‬ ‫النقد‪.‬‬ ‫ومن جهة الفعل‪ ,‬ميكن القول �أن هناك‬ ‫�أزمة �أ�صابت ال�سيا�سي من اجلهة‪ ,‬و�أ�صابت‬ ‫املثقف من جهة �أخرى‪ ,‬الأزمة التي فرقت‬ ‫وباعدت بني ال�سيا�سي واملثقف‪ ,‬وبدلت‬ ‫وغريت من �صورة ال�سيا�سي من جهة‪ ,‬ومن‬ ‫�صورة املثقف من جهة �أخرى‪ ,‬و�أظهرت‬ ‫ال�سيا�سي يف �صورة الرجل امل�ستبد‪,‬‬ ‫واملتم�سك بال�سلطة‪ ,‬والباحث عنها‪,‬‬ ‫والذي ال هم له �إال البحث عن م�صاحله‬ ‫ومنافعه الذاتية واخلا�صة‪ ,‬و�أظهرت‬ ‫املثقف يف �صورة الرجل ال�ضعيف‪ ,‬الذي‬ ‫من ال�سهل الإيقاع به‪ ,‬و�إغوائه و�إغرائه‬ ‫باملال �أو اجلاه‪.‬‬ ‫ومن جهة الفعل �أي�ضا‪ ,‬وب�سبب الأزمة‬ ‫التي �أ�صابت ال�سيا�سي جعلت منه ال ينظر‬


‫�إىل املثقف وال يتعامل معه �إال بو�صفه‬ ‫تابعا له‪ ,‬وخا�ضعا ل�سيطرته‪ ,‬ومهادنا‬ ‫ومبجال ملواقفه و�سيا�ساته‪ ,‬و�صامتا عن‬ ‫نقده‪.‬‬ ‫�إىل جانب ذلك هناك ال�سيا�سي املن�سحب‬ ‫من ال�سيا�سة �إىل الثقافة‪ ,‬وهناك املثقف‬ ‫املن�سحب من الثقافة �إىل ال�سيا�سة‪� ,‬أو‬ ‫العائد من ال�سيا�سة �إىل الثقافة‪.‬‬ ‫ومن جهة العالقة هناك من يدعو‬ ‫�إىل �ضرورة وجود م�سافة تف�صل بني‬ ‫املثقف وال�سيا�سي‪ ,‬حتى يحتفظ املثقف‬ ‫ب�شخ�صيته امل�ستقلة‪ ,‬ويحافظ على نزعته‬ ‫النقدية‪.‬‬ ‫ويف املح�صلة النهائية ف�إن ال�سيا�سي له‬ ‫�أكرث من �صورة‪ ,‬وال ميكن اختزاله يف‬ ‫�صورة واحدة‪ ,‬وهكذا احلال مع املثقف‬ ‫الذي له �أي�ضا �أكرث من �صورة‪ ,‬وال ميكن‬ ‫اختزاله يف �صورة واحدة‪.‬‬ ‫•ما زال �س�ؤال احلداثة يطرق �أبوابنا‪،‬‬

‫البع�ض رف�ض احلداثة من حيث املبد أ�‬ ‫و�آخرون حاولوا ابتالعها‪ ..‬هل يوجد‬ ‫حداثة �إ�سالمية‪ ،‬وهل ميكن �إعادة‬ ‫النظر يف ثنائيات العقل والنقل‪,‬‬ ‫والن�ص وامل�صلحة‪ ..‬لوالدة مثل هذه‬ ‫احلداثة؟‬ ‫ �س�ؤال احلداثة �سيظل يطرق �أبوابنا دائما‪,‬‬‫وال خ�شية من ذلك على الإطالق‪ ,‬ونحن‬ ‫بحاجة �إىل تذكر هذا ال�س�ؤال الذي ي�شعرنا‬ ‫من جهة باحلاجة �إىل النهو�ض والتقدم‪,‬‬ ‫ويلفت نظرنا من جهة ثانية �إىل تلك‬ ‫امل�سافات الطويلة التي تف�صلنا عن العامل‪,‬‬ ‫وعن التقدم يف العامل‪ ,‬ونحن بحاجة �إىل‬ ‫تذكر هذا ال�س�ؤال �أي�ضا‪ ,‬للتخفيف من‬ ‫حالة االحتبا�س يف املا�ضي‪ ,‬واال�ستغراق يف‬ ‫الرتاث‪ ,‬وللتخل�ص من �إ�شكاليات اجلمود‬ ‫والتقليد‪ ,‬وللحد من نزعات التع�صب‬ ‫والقطيعة واالنغالق‪.‬‬

‫واملالحظ �أن الفكر الإ�سالمي املعا�صر‬ ‫�أخذ يتجاوز ما �سمي ب�صدمة احلداثة‪,‬‬ ‫واخل�شية من احلداثة‪ ,‬وانتقل �إىل طور‬ ‫البحث عن حداثة �إ�سالمية‪ ,‬والدعوة �إىل‬ ‫ت�أ�سي�س حداثة �إ�سالمية‪ ,‬كما دعا �إىل ذلك‬ ‫الدكتور طه عبد الرحمن يف كتابه (روح‬ ‫احلداثة‪ ..‬املدخل �إىل ت�أ�سي�س احلداثة‬ ‫الإ�سالمية)‪ ,‬الذي �أقام دعوته على‬ ‫�أ�سا�س التفريق بني واقع احلداثة وروح‬ ‫احلداثة‪.‬‬ ‫ومن جهتي فقد �أ�س�ست �إىل مقاربة �أراها‬ ‫�أنها مقاربة جديدة وفعالة هي املقاربة‬ ‫بني مفهوم االجتهاد ومفهوم احلداثة‪,‬‬ ‫و�أن مفهوم االجتهاد يف املجال الإ�سالمي‬ ‫يعادل مفهوم احلداثة يف املجال الغربي‪,‬‬ ‫لأن مفهوم االجتهاد من الناحية الرتكيبية‬ ‫يعرب ويتمثل العنا�صر الأ�سا�سية املكونة‬ ‫لبنية مفهوم احلداثة‪ ،‬وهي عنا�صر العلم‬ ‫والعقل والزمن‪.‬‬

‫تعريف‪:‬‬ ‫�سعادة الأ�ستاذ زكي عبد اهلل امليالد ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫ كاتب وباحث يف الفكر الإ�سالمي‪ ,‬والإ�سالميات املعا�صرة‪.‬‬‫ رئي�س حترير جملة الكلمة‪ ,‬ف�صلية فكرية ت�صدر من بريوت‪.‬‬‫ �شارك يف العديد من الندوات وامل�ؤمترات واحللقات الدرا�سية والفكرية والأكادميية‪ ,‬العربية والدولية‪ ،‬تزيد على �أربعني ندوة‪.‬‬‫ امل�ؤلفات املن�شورة عددها (‪ )23‬كتاباً‪ ,‬منها‪:‬‬‫• الفكر الإ�سالمي قراءات ومراجعات‪.‬‬ ‫• جتديد التفكري الديني يف م�س�ألة املر�أة‪.‬‬ ‫• من الرتاث �إىل االجتهاد‪ ..‬الفكر الإ�سالمي وق�ضايا الإ�صالح والتجديد‪.‬‬ ‫• نحن والعامل‪ ..‬من �أجل جتديد ر�ؤيتنا �إىل العامل‪.‬‬ ‫• تعارف احل�ضارات‪.‬‬ ‫• الإ�سالم والإ�صالح الثقايف‪.‬‬ ‫• الإ�سالم واملدنية الإ�سالم والتجديد ‪ ...‬كيف يتجدد الفكر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ امل�شاركة يف العديد من الكتابات ـ درا�سات ومقاالت ـ من�شورة يف �أكرث من ‪ 50‬بني دورية وجملة و�صحيفة‪ ,‬ف�صلية و�شهرية و�أ�سبوعية‬‫ويومية‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫رابطة‬

‫‪74‬‬

‫ك ّتاب‬ ‫التجديد‬

‫رابطة ّ‬ ‫كتاب التجديد‪ :‬سيرة ومسيرة‬ ‫ا�شتدت احلاجة جلمع الكتاب امل�ستنريين‬ ‫الذين يتبنون خطاً �إ�صالحياً يف التعبري‬ ‫عن الإ�سالم يف رابطة واعية تعمل على‬ ‫تن�سيق اجلهود وتكرمي الإبداع ‪ ،‬والإ�سهام‬ ‫يف رعاية التيار التجديدي يف العامل‬ ‫الإ�سالمي ‪ ،‬رغبة يف ال�ستفادة والتن�سيق‬ ‫بني الأعمال واجلهود املبذولة ‪ ،‬واالطالع‬ ‫على امل�شاريع التي تتم اليوم حتت عناوين‬ ‫التجديد والتنوير ‪ ،‬ومواجهة الفكر‬

‫املنحرف الذي ميزق وحدة االمة �أو ي�سيئ‬ ‫اىل الإ�سالم ‪ ،‬ومواجهة �سائر ا�ساليب‬ ‫التكفري والتف�سيق ‪ ،‬و�سائر ا�شكال الغاء‬ ‫الآخر ‪.‬‬ ‫ال ن�شك ان هناك ادواراً كثرية ملواجهة‬ ‫التطرف يف ال�شرق والإ�سالموفوبيا‬ ‫يف الغرب‪،‬ولكن نعتقد �أن الفكر له دور‬ ‫رئي�س يف مواجهة هذين اللونني من‬ ‫الإنحراف اخلطري‪ ،‬ولأجل ذلك فقد بادر‬

‫أعلنت رابطة ّ‬ ‫كتاب التجديد عن اسماء الفائزين لعام ‪2013‬‬ ‫�أعلنت رابطة ك ّتاب التجديد يف املنتدى العاملي للو�سطية عن الفائزين بجائزتها‬ ‫لعام ‪ ،2013‬حيث قررت منحها للعلماء واملفكرين التالية �أ�سمائهم ‪:‬‬ ‫‪ -1‬ف�ضيلة ال�شيخ را�شد الغنو�شي ‪ -‬زعيم حركة النه�ضة التون�سية‬ ‫‪ -2‬معايل الدكتور عبد العزيز التويجري ‪ -‬الأمــني العـام لــلمن ـظ ـمــة اال�ســالمـية‬ ‫للرتبية والعلوم والثقافة‬ ‫‪� -3‬سعادة الدكتورة رقية العلواين ‪ -‬ا�ستاذة الدرا�سات الإ�سالمية جامعة البحرين ‪.‬‬ ‫و�أكد املهند�س مروان الفاعوري �أن اللجنة العلمية يف رابطة ك ّتاب التجديد‬ ‫تدرا�ست عدداً من �أ�سماء املر�شحني وم�ساهمتهم يف جمال التجديد يف الفكر‬ ‫الإ�سالمي ‪ ،‬وختارت الفائزين الثالثة نظراً مل�ساهمتهم الكبرية يف �إثراء م�سرية‬ ‫الفكر العربي الإ�سالمي ودورهم املهم يف �إبراز النموذج العملي مل�شروع الإ�سالم‬ ‫ال�صحيح ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و�سيقيم املنتدى العاملي للو�سطية ورابطة ك ّتاب التجديد �إحتفاال لتكرمي‬ ‫الفائزين من رواد ك ّتاب التجديد يف العامل اال�سالمي يف مدينة احل�سني لل�شباب‬ ‫يون الثالثاء املوافق ‪/25‬حزيران‪ ، 2013/‬ويت�ضمن االحتفال توزيع اجلوائز‬ ‫التقديرية والدروع على املكرمني‪ ،‬وي�أتي هذا االحتفال ال�سنوي من املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية ‪ -‬رابطة كتاب التجديد لتعزيز م�سرية العمل اال�سالمي والتعريف‬ ‫باملفكرين املجددين وتكرميهم ‪ ،‬و�صو ًال �إىل بناء امل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي‬ ‫الذي ي�شكل قا�سماً م�شرتكاً للعاملني يف جمال لفكر اال�سالمي ‪.‬‬

‫ف�ضيلة ال�شيخ را�شد الغنو�شي‬ ‫معايل الدكتور عبد العزيز التويجري‬

‫�سعادة الدكتورة رقية العلواين‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية ب�إطالق مبادرته‬ ‫اجلريئة بدعوة الكتاب واملفكرين اىل‬ ‫حتمل م�س�ؤولياتهم واطلق يف هذا ال�سبيل‬ ‫رابطة ك ّتاب التجديد الإ�سالمي ‪ ،‬مب�شاركة‬ ‫نحو اربعني من املفكرين والك ّتاب الذين‬ ‫اجتمعوا يف القاهرة يوم ‪ 26‬حزيران ‪،2010‬‬ ‫وعقب ثالثة ايام من املداوالت واحلوارات‬ ‫انتهى اللقاء اىل �إعالن ت�أ�سي�س الرابطة‬ ‫واختري الدكتور �أحمد عمر ها�شم رئي�س‬ ‫جامعة الأزهر الأ�سبق رئي�ساً للرابطة كما‬ ‫اختري جمل�س امناء ميثل الدول العربية‬ ‫الت�سعة التي �شاركت يف اللقاء الت�أ�سي�سي ‪.‬‬ ‫تق�صد الرابطة اىل جمع الك ّتاب‬ ‫امل�ستنريين الذين يتبنون خطاً �إ�صالحياً‬ ‫يف التعبري عن الإ�سالم وتعمل يف التيار‬ ‫الفكري التجديدي ‪ ،‬وحتمل الرابطة‬ ‫و�أع�ضا�ؤها اطيب امل�شاعر اجتاه امل�ؤ�س�سة‬ ‫الدينية املحافظة وي�شرتكون معها يف‬ ‫مواجهة امل�شاريع التي تهدف اىل حماربة‬ ‫اال�سالم والكيد للم�سلمني ‪.‬‬ ‫واتفق امل�شاركون على �أن تتوفر يف‬ ‫�أع�ضاء الرابطة املبادئ التالية ‪:‬‬ ‫• االلتزام باالنتماء اىل احل�ضارة‬ ‫اال�سالمية ‪.‬‬ ‫• �أن يكون قد �صدر له كتابان على الأقل‬ ‫يتبنى فيهما اجتاهاً جتديدياً يف الفكر‬ ‫الإ�سالمي ‪.‬‬ ‫• �أن يحرتم حق النا�س يف التعبري عن‬ ‫ارائهم وافكارهم ‪.‬‬ ‫• �أن يوافق على امل�شاركة يف االجتماع‬ ‫الت�أ�سي�سي ويوافق على النظام الأ�سا�سي‬ ‫للرابطة ‪.‬‬ ‫ون�ؤكد هنا انه لي�س من هدف الرابطة‬ ‫الت�أ�سي�س لتيار فكري وحزبي جديد ‪،‬‬ ‫�أو ملنظمة جديدة كما انه لي�س موجهاً‬ ‫�ضد التيار املحافظ الذي نحرتم جهده‬ ‫وعمله وعطاءه ‪ ،‬و�إمنا هو لون من احرتام‬ ‫االخت�صا�ص والتعاون على الرب التقوى ‪.‬‬ ‫خطة الرابطة ‪:‬‬ ‫‪ .1‬رفع عدد الأع�ضاء العاملني بالرابطة‬ ‫اىل ‪ 200‬كاتب ومفكر علماً ب�أن عددهم بلغ‬


‫حتى مطلع عام ‪ 2013‬نحو (‪ )150‬مفكراً‬ ‫وعاملاً من كافة انحاء العامل العربي‬ ‫واال�سالمي ‪.‬‬ ‫‪ .2‬عقد لقاء �سنوي للك ّتاب واملفكرين‬ ‫حتت عنوان امل�ؤمتر ال�سنوي لرابطة ك ّتاب‬ ‫التجديد ‪.‬‬ ‫‪ .3‬تكرمي املفكرين واملبدعني الذين‬ ‫يقدمون م�شاريع فكرية حقيقية لنه�ضة‬ ‫الأمة وقد خ�ص�صت لذلك جائزة‬ ‫الرابطة التي مت منحها يف الأعوام‬ ‫‪ ،2011،2012،2013‬لعدد من املجددين من‬ ‫�أع�ضاء الرابطة ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪� .4‬إطالق موقع رابطة كتاب التجديد‬ ‫على االنرتنت بهدف التعريف باملفكرين‬ ‫و�أعمالهم العلمية ونتاجهم الفكري‬ ‫وترويجه ‪ ،‬ويت�ضمن املوقع تعريفاً عاماً‬ ‫بالرابطة ومدخ ً‬ ‫ال اىل مائتي كاتب ومفكر‬ ‫ميكن من خالله التعرف على ‪:‬‬ ‫• ال�سرية الذاتية للكاتب او املفكر ‪.‬‬ ‫• م�شروعه الفكري يكتبه بقلمه يف ‪400‬‬ ‫كلمة ‪.‬‬ ‫• الأعمال الكاملة لهذا املفكر من كتب‬ ‫ودرا�سات ‪.‬‬ ‫‪ .5‬تنظيم �أعمال فكرية م�شرتكة على هيئة‬ ‫مو�سوعات علمية تعالج الق�ضايا الكربى‬ ‫التي يعاين منها العامل الإ�سالمي ‪.‬‬ ‫‪ .6‬دعم الأعمال املتميزة الع�ضاء‬ ‫الرابطة‪.‬‬ ‫‪ .7‬طباعة ‪ 100‬كتاب يف التنوير ودعمها‬ ‫وطرحها للنا�س ب�أ�سعار ت�شجيعية‪.‬‬ ‫تهدف الرابطة �إىل حتقيق املقا�صد‬ ‫الآتية‪:‬‬ ‫• رعاية كتاب التجديد والتنوير يف‬ ‫الأمة‪ ،‬وحتقيق التعارف والتكامل فيما‬ ‫بينهم‪ ،‬وامل�ساعدة على ن�شر �أعمالهم‬ ‫اجلادة وتو�سيع انت�شارها‪.‬‬

‫• �إحياء م�صادر ال�شريعة املعتربة‬ ‫وتوفري احللول ملا تواجهه الأمة من‬ ‫م�ستجدات‪.‬‬ ‫• النبذ املطلق لكل خطاب تكفريي لأهل‬ ‫ال �إله �إال اهلل مهما كانت مربراته‪.‬‬ ‫• الت�أكيد على وجود �أكرث من اجتهاد‬ ‫فقهي يف امل�س�ألة الواحدة واحرتام �سائر‬ ‫املجتهدين‪.‬‬ ‫• رف�ض بيانات التكفري والتف�سيق التي‬ ‫ت�صدرها جهات دينية �أو �أفراد مهما‬ ‫كانت مربراتها‪.‬‬ ‫• الدعوة �إىل التجديد والتنوير �ضمن‬ ‫ثوابت الأمة‬ ‫• فتح احلوارات مع الغرب بهدف بناء‬ ‫اجل�سور ورفع العوائق التي حتول دون‬ ‫تقدمي �صورة �صحيحة عن الإ�سالم‪.‬‬ ‫وتقوم الرابطة بتحقيق �أهدافها عرب‬ ‫الو�سائل الآتية‪:‬‬ ‫• عقد اللقاءات والندوات وامل�ؤمترات‬ ‫التي تهدف �إىل تعزيز ثقافة التنوير‬ ‫والتجديد‬ ‫• توفري منابر جديدة لرجال الفكر‬ ‫املتنور لن�شر م�شاريعهم النه�ضوية يف‬ ‫�إطار الفكر‪.‬‬ ‫• ر�صد ومتابعة ما ين�شر يف التجديد‬ ‫والتنوير وت�شجيع الأفكار اخلالقة يف‬ ‫بناء املجتمع الإ�سالمي‪.‬‬ ‫• التوا�صل مع اجلهات العاملة يف حقل‬ ‫الفكر من وزارات وهيئات و�أفراد لتعزيز‬ ‫اجلهود الهادفة �إىل بناء ثقافة تنويرية‬ ‫يف املجتمع الإ�سالمي‪.‬‬ ‫• ن�شر الكتب والأعمال العلمية التي‬ ‫ت�شكل م�شروعاً نه�ضوياً رافعاً للأمة‬ ‫• العمل على تكرمي الكتاب واملبدعني‬ ‫واملفكرين يف حقل التجديد الإ�سالمي‬ ‫بالو�سائل املمكنة‪.‬‬

‫جائزة رابطة ّ‬ ‫كتاب التجديد‬ ‫السنوية ‪:‬‬ ‫خ�ص�صت الرابطة جائزة �سنوية متنح‬ ‫كل عام لواحد من اع�ضائها �أو اكرث ‪،‬‬ ‫وقد فاز بهذه اجلائزة يف عام ‪ 2011‬كل‬ ‫من ‪ :‬الدكتور �سعد الدين العثماين‬ ‫من املغرب واال�ستاذ حممد مورو من‬ ‫م�صر ‪ ،‬كما فاز بها عام ‪ 2012‬كل من ‪:‬‬ ‫الدكتور عبد املجيد النجار من تون�س‬ ‫والدكتور احمد نوفل واال�ستاذ ابراهيم‬ ‫العجلوين من االردن ‪.‬‬ ‫�أما جائزة عام ‪ 2013‬فقد منحت لكل‬ ‫من ال�شيخ را�شد الغنو�شي زعيم حركة‬ ‫النه�ضة التون�سية والدكتور عبد العزيز‬ ‫التويجري امني عام منظمة الثقافة‬ ‫والعلوم الإ�سالمية والدكتورة رقية‬ ‫العلواين ا�ستاذة ال�شريعة يف جامعة‬ ‫البحرين ‪.‬‬ ‫وتعتمد الرابطة يف تخ�صي�ص جوائزها‬ ‫على منهج وا�ضح يقوم على طرح عدد‬ ‫من املر�شحني من االع�ضاء على اللجنة‬ ‫العلمية لقراءة بحوثهم وم�ؤلفاتهم‬ ‫واجنازاتهم ‪ ،‬ثم اختيار واحد منهم �أو‬ ‫اكرث ‪.‬‬ ‫وقد ا�ستعر�ضت اللجنة يف عام ‪2013‬‬ ‫نحو خم�سة وع�شرين من الأ�سماء‬ ‫املر�شحة ‪ ،‬ور�أت اختيار الفائزين‬ ‫الثالثةالذين �سيكرمون هذا العام‬ ‫انطالقاً من م�ساهمتهم الفكرية‬ ‫والعملية يف �إثراء حركة التجديد داخل‬ ‫العامل العربي والإ�سالمي‪ ،‬وتقديراً‬ ‫لدورهم يف رفد الفكر العربي اال�سالمي‬ ‫وتعريف العامل به ‪.‬‬

‫العالمي للوسطية ينظم محاضرة االسالميون والسلطة‬

‫الو�سطية – عمان‬ ‫يقيم املنتدى العاملي للو�سطية حما�ضرة لف�ضيلة ال�شيخ را�شد الغنو�شي زعيم حركة النه�ضة التون�سية حما�ضرة بعنوان اال�سالميون‬ ‫وجتربة احلكم وذلك يوم الثالثاء املوافق ‪/25‬حزيران‪ ،2013/‬يف ق�صر الثقافة مبدينة احل�سني لل�شباب والدعوة عامة ‪ ،‬يتناول فيها‬ ‫املحا�ضر جتربة اال�سالميون يف احلكم يف تون�س وم�صر بعد الربيع العربي وزوال انظمة احلكم ال�سابقة ‪ ،‬ويقيم فيها املحا�ضر مدى‬ ‫جناح التجربة ايجابياتها و�سلبياتها ‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪76‬‬

‫اإلسالميون وتحديات السلطة‬ ‫مؤتمر دولي للمنتدى العالمي للوسطية في القاهرة‬

‫َّ‬ ‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية يف‬ ‫القاهرة امل�ؤمتر الدويل "اال�سالميون‬ ‫وحتديات ال�سلطة" مب�شاركة �شخ�صيات‬ ‫�سيا�سية اردنية وعربية وا�سالمية على‬ ‫مدار يومني ‪.2012/11/11-10‬‬ ‫وحذر متحدثون خالل حفل افتتاح‬ ‫امل�ؤمتر من الوقوع يف جتربة طالبان‬ ‫التي قادت دولة بعقلية اجلماعة ف�ضاعت‬ ‫طالبان احلركة وافغان�ستان الدولة خالل‬ ‫�سنوات‪.‬‬ ‫وقال الوزير اال�سبق �سمري احلبا�شنة‬ ‫ان عودة االلق للعرب ميكن بالت�ضامن‬

‫واحلوار حول ق�ضية "الإ�سالميني‬ ‫وال�سلطة" لإنعا�ش التفكري والعقل‬ ‫و�إخراجه من دائرة اخلوف واال�ستغراق‬ ‫باملا�ضي وردود الأفعال �إىل دائرة التعقل‬ ‫واحلكمة‪ ،‬ولإعادة النظر من جديد‬ ‫يف كثري من امل�سلمات التي ا�ستقرت يف‬ ‫الذهن لدى الذات والآخر حول عالقة‬ ‫الدين بالدولة وعالقة الدعوة بال�سيا�سة‪،‬‬ ‫وعالقة احلكم باملجتمع والنا�س‪.‬‬ ‫و�أكد املحامي منت�صر الزيات على م�شروع‬ ‫الأمة النه�ضوي‪ ،‬م�شيدا بتجرية االردن يف‬ ‫الت�سهيالت التي منحت للمنتدى بينما‬

‫النا�س على الفكرة‪.‬‬ ‫وبا�سم امل�شاركني القى الدكتور ناجح‬ ‫ابراهيم كلمة �شدد فيها على �أهمية‬ ‫التفريق يف احلديث عن مفهومي الدولة‬ ‫وعن اجلماعة‪ ،‬وتطبيق االمر على ار�ض‬ ‫الواقع‪.‬‬ ‫وقال �إبراهيم �إن اخطر مواجهة تكمن يف‬ ‫االنتقال من مفهوم اجلماعة اىل مفهوم‬ ‫الدولة مطالبا باهتمام بفقه الثاين كما‬ ‫االول‪.‬‬ ‫و�أ�شار �إىل �أن الكثري من احلركات‬

‫وامل�شروع االمني العربي‪ ،‬منتقدا ما ا�سماه‬ ‫"تقدمي امللعب العربي لفرق �إقليمية" ما‬ ‫ادى اىل مزيد من التبعية‪.‬‬ ‫وحث احلبا�شنة التيارات اال�سالمية على‬ ‫عدم اال�ستثئار يف احلكم �أو االنتقام من‬ ‫اجل التقدم والنهو�ض باالمة‪ ،‬ولفت اىل‬ ‫اهمية احلديث عن م�صاحلة املفاهيم‪.‬‬ ‫ويف ال�ش�أن ال�سوري دعا اىل وقف حمام‬ ‫الدم‪ ،‬معربا عن خ�شيته من التدخل‬ ‫االجنبي يف �سوريا‪.‬‬ ‫واكد امني عام املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري �ضرورة النقا�ش‬

‫كان امل�صريون حمرومني من ن�شاطات‬ ‫املنتدى ب�سبب منع ترخي�ص العمل‪.‬‬ ‫وطالب من يحكم بان ال ت�أخذهم ن�شوة‬ ‫ال�سلطة وتن�سيهم واجباتهم التي �ضحت‬ ‫الثورة من �أجلها‪ ،‬مطالبا اجلميع بالتوافق‬ ‫من اجل الوطن‪.‬‬ ‫وتطرق وزير االوقاف امل�صري عميد‬ ‫كلية الدعوة بجامعة االزهر �سابقا طلعت‬ ‫عفيفي �إىل و�سطية اال�سالم م�ست�شهدا‬ ‫ب�آيات من القر�آن الكرمي‪ ،‬داعيا اىل اتباع‬ ‫ا�سلوب االقناع عند طرح االفكار ال �أن‬ ‫تكون باالكراه او الق�سر حتى ال يحمل‬

‫اال�سالمية تعتمد على اخلطاب العاطفي‬ ‫وهو ما ال ميكن تطبيقه على ار�ض الواقع‪،‬‬ ‫مطالبا بان يت�ساوى اخلطاب مع امكانية‬ ‫العمل الن املرء قد ي�أتي عليه زمن فيحكم‪،‬‬ ‫ومتنى االبتعاد عن مواطن االختالف‪.‬‬ ‫وحتدث القيادي البارز يف حزب النه�ضة‬ ‫التون�سي واحد م�ؤ�س�سيه عبدالفتاح مورو‬ ‫عن �أهمية قيام دولة العدل وامل�ساواة‪،‬‬ ‫وقال �أن النه�ضة تقام على ايدي الرجال‬ ‫وال�سيدات وال�شباب وال�شيوخ‪.‬‬


‫تحت عنوان «الغلوّ و أثره في السلم األهلي»‬ ‫«العالمي للوسطية» ّ‬ ‫ينظم فعاليته األولى بالعاصمة التونسية‬

‫الو�سطية ‪ -‬تون�س‬ ‫يف نقلة نوعية وتطور ملحوظ يف‬ ‫عاملية املنتدى العاملي للو�سطية ‪ ,‬نظمت‬ ‫بالعا�صمة التون�سية ندوة هي االوىل‬ ‫للمنتدى ‪ ,‬حتت عنوان "الغل ّو و �أثره‬ ‫يف ال�سلم الأهلي" بح�ضور وزيرة املر�أة‬ ‫التون�سية ‪� ,‬سهام بادي ‪ ،‬و ال�شاعر املف ّكر‬ ‫البحري العرفاوي‪.‬‬ ‫و �أكدت وزيرة املر�أة ‪ ,‬على �أن التط ّرف‬ ‫خ�صي�صة دينية الفتة اىل ان بن‬ ‫لي�س ّ‬ ‫علي مل يكن متد ّينا ولكنه كان من �أكرب‬ ‫املتط ّرفني وا�ستعمل التط ّرف والغل ّو‬ ‫ل�ضرب الإ�سالم واعترب نف�سه مالكا‬ ‫للحقيقة‪.‬‬ ‫وب ّينت � ّأن مفهوم الغل ّو لي�س نف�سه بني‬ ‫�سياق ا�ستبدادي و �سياق دميقراطي‪،‬‬ ‫فالت�سامح يف عهد الدكتاتورية هو �صنو‬ ‫ّ‬ ‫الذل والعبود ّية ‪ ،‬بينما الت�سامح يف‬

‫نظام دميقراطي هو الت�سامح احلقيقي‪،‬‬ ‫ففي الأوىل كان تنظريا لال�ستبداد‬ ‫ويف الثانية ميكن �أن يرتقي بال�شعوب‪.‬‬ ‫معرجة �إىل التط ّرف العلماين يف �أوروبا‬ ‫ويف ّ‬ ‫منظمات م�سيحية ويهودية‪ ،‬وب ّينت‬ ‫�أن التط ّرف ميكن �أن ي�ستقطع الكثري �إذا‬ ‫ما تو ّفرت املناخات �إىل ذلك‪ ،‬الفتة اىل ان‬ ‫الكثريين يعزفون على �أوتار الغ�ضب لفئة‬ ‫من ال�شباب فيتقدم العنف على احلوار‬ ‫وب ّينت �أن بناء الأوطان يبنى بال�سواعد‬ ‫والأفكار‪ ،‬كما �شدّدت على �أن التط ّرف‬ ‫واالعتدال والو�سطية ك ّلها �سلوكيات ير ّبى‬ ‫عليها النا�س منذ ال�صغر‪ .‬وذكرت �أن اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل قال ‪" :‬وجعلناكم �شعوبا‬ ‫وقبائل لتعارفوا"‪ ،‬فالغاية هي التعارف‬ ‫بني ال�شعوب ولي�س ال�صدام وال بني �أبناء‬ ‫الوطن الواحد‪.‬‬ ‫فيما تطرق املف ّكر البحري العرفاوي‬

‫املتخ�ص�ص يف البحوث الإ�سالمية‪ ،‬م�س�ألة‬ ‫ّ‬ ‫الغل ّو وم�شتقاتها ومفردات مثل ال�شطط‬ ‫والتع�صب والغل ّو والت�شدّد‪،‬‬ ‫والتط ّرف‬ ‫ّ‬ ‫الفتا اىل انها تعود �إىل م�س�ألة نف�س ّية‬ ‫ولي�ست �إىل مرجع فكري لتيار معني‬ ‫‪� ,‬ضاربا مثال من التاريخ الإ�سالمي‬ ‫وحتديدا من املواقف من �أ�سرى حيث‬ ‫�س�أل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�صحابه‬ ‫عنهم‪ ،‬فكان موقف �أبو بكر املقاي�ضة مع‬ ‫قري�ش ب�ش�أنهم بينهما ر�أيى عمر قتلهم‪.‬‬ ‫هذان املوقفان ح�سب املف ّكر ناجتان عن‬ ‫مرجعية عقدية واحدة‪،‬‬ ‫وبينّ العرفاوي � ّأن التط ّرف ين�ش�أ ب�سبب‬ ‫حالة اخلوف والبحث عن االحتماء مب ّينا �أن‬ ‫من�سوب التحري�ض والتح�شيد والكراهية‬ ‫يرتفع هذه الأيام من نخبة حتالف �أغلبها‬ ‫لت�صفية خ�صم �إيديولوجي‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪78‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية يكرم الفائزين بجائزة رابطة كتاب التجديد‬ ‫الو�سطية – عمان‬ ‫كرم املنتدى العاملي للو�سطية الفائزين‬ ‫بجائزة رابطة ك ّتاب التجديد ‪ ,‬بح�ضور‬ ‫عدد من ر�ؤ�ساء الوزراء ال�سابقني ووزراء و‬ ‫نواب وفعاليات �سيا�سية و�إعالمية وحزبية‬ ‫واجتماعية ون�سائية و�شعبية وثقافية ‪.‬‬ ‫وقال رئي�س املنتدى رئي�س وزراء ال�سودان‬ ‫الأ�سبق دولة الإمام ال�صادق املهدي يف كلمة‬ ‫�ألقاها يف حفل التكرمي �إن االمة العربية‬ ‫حققت بالكلمة القائمة على العقيدة يقظة‬ ‫كبرية وغريت جمرى التاريخ‪.‬‬

‫االفراط والتفريط يف يقظتنا‪.‬‬ ‫وقال �أمني عام املنتدى مروان الفاعوري‬ ‫�إ َّن ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية تتلخ�ص‬ ‫يف �إحياء م�شروع نه�ضة �أمتنا وجتديد‬ ‫طرائق التفكري وجت�سري العالقة بني‬ ‫ال�سلطة والعلماء واملفكرين بحث تتوجه‬ ‫جهودهم جميعاً لبناء �أوطاننا‪ .‬و�أ�شار �إىل‬ ‫�أن التحوالت التي جرت يف عاملنا العربي‬ ‫ك�شفت �أن خيار الو�سطية هو خيار ال�شعوب‬ ‫العربية التي تتطلع اليوم ال�ستعادة حريتها‬ ‫وكرامتها الفتا �إىل �أن الو�سطية ت�أخذ‬

‫وو�صف املفكر الإ�سالمي النجار‬ ‫«الو�سطية» يف الدين والإعتدال باملبد�أ‬ ‫الإ�سالمي «العظيم» وقال « ان اهلل تعاىل‬ ‫حتدث عن الأمة الو�سط حيث ن ّزل يف‬ ‫حمكم �آياته ( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�سطاً‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول‬ ‫ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيداً)‪ ،‬وهي لها معانٍ خمتلفة‪.‬‬ ‫و�أعرب الدكتور �أحمد نوفل عن �أمله ب�أن‬ ‫تنه�ض الأمة بالفكرة والكلمة والكتاب‪،‬‬ ‫مثمنا دور املنتدى يف ا�شاعة ثقافة التجديد‬ ‫يف جمتمعاتنا العربية واال�سالمية‪.‬‬

‫و�أ�ضاف �أ َّن « �أمتنا ا�ستيقظت على �أفكار‬ ‫جديدة وا�ستطاعت �أن حتقق ثالث ثورات‬ ‫اولها قائمة على البحث العلمي وثانيها‬ ‫اقت�صادية وثالثها انتزعت من ال�شعوب‬ ‫هيمنة الطغاة‪.‬‬ ‫وا�شار �إىل �أننا �أمام فجر جديد حتوم‬ ‫حوله افكار فيها االفراط لأنها تريد ان‬ ‫جتعل احلا�ضر ا�سريا للما�ضي �أو �أن يجعلوا‬ ‫احلا�ضر ا�سرياً للوافد الفتاً �إىل �أن تكرمي‬ ‫ه�ؤالء العلماء جاء للت�أكيد على الثوابت‬ ‫يف ديننا ونحو النافع يف ع�صرنا لتجنب‬

‫مكانتها باعتبارها روح االمة‪.‬‬ ‫و�شدد الفاعوري على �ضرورة تعزيز فكرة‬ ‫العدل كمنطلق للو�سطية يف جمتمعاتنا‬ ‫‪،‬م�ؤكداً ان هدف املنتدى هو خدمة امتنا‬ ‫وتوجيه طاقات �شبابها نحو العمل املثمر‪.‬‬ ‫واملكرمون لهذا العام هم الدكتور عبد‬ ‫املجيد النجار من (تون�س) ا�ستاذ العقيدة‬ ‫والفل�سفة والدكتور �أحمد نوفل ا�ستاذ‬ ‫التف�سري املنهجي يف اجلامعة الأردنية‬ ‫واال�ستاذ �إبراهيم العجلوين الكاتب يف‬ ‫�صحيفة الر�أي‪.‬‬

‫وقال الكاتب ابراهيم العجلوين ان االمة‬ ‫الو�سط ت�ستكمل �شروط ال�شهادة بالعلوم‬ ‫املعرفية "و�أ�شار �إىل ما كتبه الرافعي وطه‬ ‫ح�سني والعقاد وحممود �شاكر حول مفهوم‬ ‫التجديد ك�ضرورة لنهو�ض االمة"‪.‬‬ ‫وجرى على هام�ش احلفل عر�ض فيلم‬ ‫وثائقي يحكي ق�صة انطالقة املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية ور�ؤيته ور�سالته التي‬ ‫ينطلق منها يف خدمة امل�شروع احل�ضاري‬ ‫والإن�ساين لهذه الأمة‪.‬‬


‫«شباب الوسطية» يكرم الفائزين بأفضل عمل تطوعي‬

‫الو�سطية ‪ -‬عمان‬ ‫كرمت هيئة �شباب الو�سطية الفائزين‬ ‫بامل�سابقة الأردنية الأوىل لأف�ضل عمل‬ ‫تطوعي لعام ‪ ،2012‬وذلك خالل احلفل‬ ‫اخلتامي الذي نظمته الهيئة لهذه الغاية‪،‬‬ ‫يف املركز الثقايف امللكي بعمان‪.‬‬ ‫و�أكد رئي�س الهيئة الدكتور بالل �أيوب‬ ‫يف كلمة له على �أهمية العمل التطوعي‬ ‫لل�شباب ودوره يف �صقل �شخ�صية وبناء‬ ‫املجتمع الفتاً �إىل �أن العمل التطوعي‬ ‫منتم لوطنه‬ ‫ي�سهم يف خلق جيل وا ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫و�أمته‪.‬‬

‫فيما �أو�ضح ع�ضو الهيئة الإدارية م‪.‬‬ ‫معاذ الفاعوري �أن امل�سابقة انطلقت منذ‬ ‫ثالثة �شهور بهدف حتفيز ثقافة العمل‬ ‫التطوعي لدى ال�شباب وذلك �إن�سجاماً مع‬ ‫�أهداف الهيئة م�شريا �إىل �أن امل�سابقة التي‬ ‫ا�شرتك فيها �أكرث من ‪ 25‬فريقاً ميثلون‬ ‫اجلمعيات و الفرق التطوعية املميزة يف‬ ‫الأردن نفذوا خالل فرتة امل�سابقة �أعمال‬ ‫تطوعية متنوعة تخدم جميع �شرائح‬ ‫املجتمع يف خمتلف مناطق اململكة‪.‬‬

‫وفاز يف امل�سابقة التي رعاها املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية (فريق ب�سمة احلياة عن‬ ‫مبادرة "ياله تعال بن�ستناك") واملتمثلة‬ ‫يف م�ساعدة الأمهات يف حاالت الوالدة‬ ‫وت�أمني احتياجات املولود بهدف خلق جيل‬ ‫�صحي‪.‬‬ ‫ويف نهاية احلفل قدم عدد من العلماء‬ ‫واملفكرين من الأردن وبع�ض الدول‬ ‫العربية دروعاً تكرميية للجنتي احلكم‬ ‫واملتابعة وجميع الفرق امل�شاركة‪.‬‬

‫العالقات األسرية في القرآن الكريم‪ ..‬دورة في «العالمي للوسطية»‬

‫الو�سطية – عمان‬ ‫ا�ست�أنف املنتدى العاملي للو�سطية الدورة‬ ‫التكميلية لفعاليات دورة "العالقات الأ�سرية‬ ‫يف القر�آن الكرمي" التي عقدتها جلنة املر�أة‬ ‫يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‪ ،‬وذلك‬ ‫يف مقره بعمان ‪ ,‬و ت�ضمنت الدورة التي‬ ‫قدمتها ا�ستاذة التف�سري املفارن الدكتورة‬ ‫روىل حم�سن عدة حمازر ابرزها اجلانب‬

‫العملي للحياة الزوجية والأ�سرية �إ�ضافة �إىل‬ ‫احلقوق والواجبات لكال الزوجني وبع�ض‬ ‫املحاور التي تهم املر�أة والأ�سرة واملجتمع‪.‬‬ ‫ومت خالل ايام الدورة التي تقام يوم اربعاء‬ ‫من كل ا�سبوع �إ�ست�ضافة متخ�ص�صني يف‬ ‫تف�سري القر�آن الكرمي وخرباء يف الرتبية‬ ‫والقانون ملناق�شة امل�شاكل التي تعاين منها‬ ‫الأ�سر وطرح احللول املنا�سبة لها‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪80‬‬

‫«الوسطية» يستضيف المهدي و مورو‬

‫الو�سطية – عمان‬ ‫�أكد رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية ‪,‬‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي �إن القوى ال�شعبية‬ ‫التي �أ�شعلت الثورات العربية‪ ،‬مل حتمل‬ ‫ر�ؤية بديلة فقد فوجئت ب�سرعة �سقوطا‬ ‫الأنظمة ‪ ،‬من دون توفر بديل حقيقي‬ ‫لها‪.‬‬ ‫وبني املهدي خالل الندوة التي نظمها‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان ان‬ ‫الد�ساتري القائمة هي التي حلت حمل‬ ‫االنظمة ‪ ،‬اىل جانب اال�سراع يف االنتخابات‬ ‫التي افرزت قوى اكرث ح�ضورا‪ ،‬م�شريا‬ ‫اىل ان القوى الدميوقراطية اجلديدة‬ ‫واجهت حتديات حقيقية م�شريا اىل‬ ‫التحدي اللذي يواجهه الإ�سالميون يف‬ ‫احلكم يتمثل باحلفاظ على املرجعية‬ ‫الإ�سالمية مبنطق قادر على ا�ستيعاب‬ ‫الواقع والطرح اال�سالمي يف �آن معا‪،‬‬ ‫م�شريا اىل خيار احلكم اال�سالمي يتمثل‬ ‫بالنموذج الطالباين والنموذج االوردغاين‬ ‫يف تركيا الذي ميثل درجة من اال�سالمية‪،‬‬ ‫رغم توجه الع�سكر العلماين مو�ضحا‬ ‫ان املحافظة على الوحدة الوطنية يعد‬

‫حتديا �آخر يواجهه الإ�سالميون يف احلكم‪،‬‬ ‫اىل جانب التعامل مع املحيط الدويل‬ ‫والقوى العلمانية‪ ،‬ال�سيما و�أن الدولة‬ ‫حتت�ض مكونات عدة‪ ،‬الفتا اىل خطورة‬ ‫ف�شل التجربة الإ�سالمية وما �سيجره من‬ ‫فو�ضى كبرية‬ ‫م�شددا على �أن هناك واقعا جديدا‬ ‫تتعامل معه القوى اال�سالمية احلاكمة‪،‬‬ ‫وان مقت�ضيات هذا الواقع هو الإقرار‬ ‫يف املعاهدة اال�سرائيلية كما هو احلال يف‬ ‫الدولة امل�صرية‪ ،‬فالواقع اجلديد‪ ،‬ي�ضع‬ ‫احلكومات الإ�سالمية يف مرمى الإتهام‪،‬‬ ‫ونعتهم باخليانة‪.‬‬ ‫ولفت االمام املهدي اىل ان التغيري هو‬ ‫�ضرورة حياتية وهو جزء من حتميات‬ ‫التاريخ‪ ،‬خ�صو�صا �إذا ما انتج دميوقراطية‬ ‫متكاملة ثقافيا واجتماعيا‪ ،‬فانها �ستلقي‬ ‫بظاللها التي �ستعمم يف هذه املنطقة‪.‬‬ ‫ولفت اىل ان احلركات اال�سالمية �ستواجه‬ ‫اثناء حكمها ثالث حهات خمافة لها‬ ‫يف التوجهات وهي الر�ؤية العلمانية‬ ‫واجلماعات ال�سلفية واملنظمات والهيئات‬ ‫الدولية ويف حال ف�شلها يف احلكم لفت‬

‫اىل انه �سعم حالة الفو�ضى وا�ضطربات‬ ‫خمتلفة‪.‬‬ ‫ويف ذات ال�سياق بني ال�شيخ امل�ؤ�س�س‬ ‫حلزب النه�ضة التون�سي عبد الفتاح مورو‬ ‫خالل الندوة امل�شار اليها و التي التي‬ ‫ادارها �أمني عام املنتدى املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري �أن الغرب وبعد اال�ستقالل‬ ‫�أراد �صنع م�ؤ�س�سات دميقراطية �شكلية‬ ‫يف تون�س‪ ،‬م�شريا اىل ان ال�شعب ادرك ان‬ ‫الدميقراطية التي ين�شهدها موكولة اىل‬ ‫نواب مل ي�ؤمتنوا عليها مبينا �أن الثورة‬ ‫ت�ستدعي جتدد الفقه الإ�سالمي من اجل‬ ‫الواقع واحلا�ضر‪ ،‬واالن�سجام بني اال�سالم‬ ‫واملعا�صرة‪ ،‬م�شريا اىل ان ذلك مل يتحقق‬ ‫اال اذا اعتربنا ان احلرية مناط التكليف‬ ‫والوكالة لالن�سان بخالفة اهلل يف الأر�ض‪،‬‬ ‫وحتقيق االمن االجتماعي واحرتام‬ ‫العقائد وااللتزام الفردي واجلماع‬ ‫فاال�سالم مل يعرف القهر والديكتاتورية‬ ‫ومل يعاقب او يلزم‪ ،‬لكننا نحن من نقهر‬ ‫انف�سنا ونعطل احكامنا‪ ،‬م�ؤكدا ان البقاء‬ ‫لال�صلح ولكن باالختيار دون ان نفر�ض‬ ‫على االخر ما ي�صلح‪.‬‬


‫ومن التحديات التي تواجه‬ ‫احلرجة التي متر بها االمة‬ ‫حركة النه�ضة التون�سية قال‬ ‫واحلاجة اىل ا�ستب�صار االفق‬ ‫مورو هو كيفية معاي�شة الغري‬ ‫التخاذ القرارات املنا�سبة‬ ‫الذين يعي�شون يف نف�س املنطقة‬ ‫واخلروج من دائرة االزمات اىل‬ ‫واالر�ض الفتا اىل ان االقليات‬ ‫احللول‪.‬‬ ‫يف تون�س ال تتجاوز ‪. %1‬‬ ‫وا�شاد ببع�ض التجارب‬ ‫وا�شار اىل ان نظام حكم حركة‬ ‫العربية التي ا�ستطاعت ان‬ ‫النه�ضة قائم على التم�سك‬ ‫تقدم منوذجا دميقراطيا من‬ ‫بقوام احلياة العامة واحقية‬ ‫بوابة التوافق على اال�صالح‬ ‫احلرية يف العمل ال�سيا�سي‬ ‫داعيا اىل �ضرورة قيام النخب‬ ‫التيارات ال�سيا�سية وااليدولوجية‪ ,.‬من‬ ‫وعدم‬ ‫جانبه ا�شار امني عام املنتدى العاملي والقيادات الفكرية وال�سيا�سية بدورها يف‬ ‫اقحام الدين بال�سيا�سة اي االتفاق على‬ ‫قاعدة احلرية حلل اال�شكاالت بني للو�سطية مروان الفاعوري اىل الظروف قيادة ال�شعوب‪.‬‬

‫الوسطية ينظم ورشة عمل‬ ‫( رسالة المعلم في المجتمع ودوره في نشر و تعزيز الفكر الوسطي )‬ ‫�أقام املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫الو�سطي‪ ,‬وو�ضح ال�سفرتي املنهجية‬ ‫يوم اخلمي�س املوافق ‪2013/3/21‬م‬ ‫التي على املعلم �أن يتحلى بها يف‬ ‫ور�شة عمل يف مدر�سة �أ�سماء بنت‬ ‫هذا اخل�صو�ص‪ ,‬وذلك من خالل‬ ‫�أبي بكر الثانوية للبنات عمان‪/‬‬ ‫اللجوء �إىل �أ�سلوب احلوار و�إحرتام‬ ‫حي الزهور بعنوان "ر�سالة املعلم‬ ‫الر�أي االخر‪ ,‬وقبول الأفكار املقابلة‬ ‫يف املجتمع ودوره يف ن�شر وتعزيز‬ ‫ثم نقدها بالطرق العلمية املعروفة‪,‬‬ ‫الفكر الو�سطي"‪ ،‬وح�ضر اللقاء‬ ‫وذكر العديد من الأمثلة والتجارب‬ ‫عدد كبري من املعلمات و�أمهات الطالبات وكذلك بع�ض املعلمني ومدراء املدار�س املجاورة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حيث �ألقى ال�شيخ جمال ال�سفرتي حما�ضرة حتت هذا العنوان تبعها جولة حوارية متميزة يف تاريخنا امل�ضيء وخ�صو�صا املدر�سة النبوية‬ ‫�آثرت اللقاء‪ ,‬ودار احلوار حول الآليات التي ينبغي �أن يتبعها املعلم يف �سبيل ن�شر وتعزيز الفكر يف احلوار و�إحرتام الر�أي االخر‪.‬‬

‫وسطية اإلسالم محاضرة للمنتدى العالمي للوسطية‬ ‫�ضمن برنامج املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫بهدف ن�شر وتعزيز الفكر الو�سطي �ألقى‬ ‫ال�شيخ جمال ال�سفرتي يوم الأحد املوافق‬ ‫‪2013/3/24‬م حما�ضرة بعنوان " و�سطية‬ ‫الإ�سالم "‪ ،‬يف مدر�سة رابعة العدوية‬ ‫الثانوية للبنات يف خميم البقعة‪ ،‬ح�ضرها‬ ‫عدد غفري من طالبات ومعلمات املدر�سة‬ ‫واملدار�س املجاورة‪ .‬حتدث فيها ال�شيخ‬ ‫جمال عن القيم العظمى التي يحملها‬ ‫الإ�سالم بو�سطيته ال�سمحة واملعتدلة ‪..‬‬

‫و�أ َّن ال�صالة فر�ضها اهلل تعاىل على العباد‬ ‫من غري �شدة عليهم وال عنت ليكون‬ ‫من خاللها كل البعد عن فقه ال�شدة‬ ‫العنف و�إ�ستبداله باللني وفقه الو�سطية‬ ‫والإعتدال‪ ،‬و�أ َّن الإلتزام بال�صالة واخل�شوع‬ ‫فيها وكرثة ال�سجود والركوع تزرعان يف‬ ‫نف�س امل�ؤمن الإميان العظيم وتقوده �إىل‬ ‫العمل الإ�سالمي ال�سمح احلقيقي الذي‬ ‫ينري الدنيا بنور الو�سطية والإعتدال ‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪82‬‬

‫احتفاء في إشهار فرعهم‬ ‫ً‬ ‫«وسطية تونس» ينظم مؤتمر «اإلسالميون وتحدي السلطة»‬

‫الو�سطية – تون�س‬ ‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية يف العا�صمة‬ ‫التون�سية (ا�سم العا�صمة) م�ؤمترا حتت‬ ‫عنوان "الإ�سالميون وحتدي ال�سلطة‬ ‫بني التطرف االعتدال" وذلك مبنا�سبة‬ ‫�إ�شهار فرع املنتدى بتون�س‪.‬‬ ‫و يهدف امل�ؤمتر �إىل تعريف مفهوم‬ ‫الو�سطية ال�سيا�سية‪ ،‬ودور احلركات‬ ‫الإ�سالمية يف ت�أ�صيل الفكرة‬ ‫وممار�ستها‪.‬‬ ‫و�شارك يف امل�ؤمتر نخبة من العلماء‬ ‫من الوطن العربي‪ ،‬حيث ت�ضمن‬

‫الوفد الأردين امل�شارك من كل من ‪,‬‬ ‫الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري‪ ،‬الدكتور حممد اخلطيب‪،‬‬ ‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‪،‬‬ ‫والدكتور حممد احلاج‪ ،‬والدكتور �أحمد‬ ‫نوفل‪ ،‬كما �شارك الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫من ال�سودان‪ ،‬و�شارك الدكتور علي القرة‬ ‫داغي من قطر‪ ،‬والدكتور ف�ؤاد البن�أ‬ ‫من اليمن‪ ،‬والدكتور حممد احلمداوي‬ ‫من املغرب‪ ،‬ومن تون�س �شارك كل من‬ ‫ف�ضيلة ال�شيخ را�شد الغنو�شي‪ ،‬والدكتور‬ ‫�أبو يعرب املرزوقي‪ ،‬والأ�ستاذ عبد الفتاح‬

‫مورو‪ ،‬الدكتور عبد املجيد النجار‪،‬‬ ‫الدكتور �سامل الأبي�ض‪ ،‬والأ�ستاذ نور‬ ‫الدين العرباوي‪.‬‬ ‫وناق�ش امل�شاركون نحو ع�شر ورقات عمل‬ ‫و بحث مقدم للم�ؤمتر ‪ ،‬توزعت على ‪3‬‬ ‫حماور و‪ 3‬جل�سات‪.‬‬ ‫ومن املتوقع �أن ي�صدر امل�ؤمتر يف ختام‬ ‫فعالياته بياناً حول الأو�ضاع والتحوالت‬ ‫ال�سيا�سية التي ي�شهدها العامل العربي‪،‬‬ ‫كما يت�ضمن عدداً من التو�صيات التي‬ ‫�أنتهى �إليها امل�شاركون بعد مداوالتهم‬ ‫ونقا�شاتهم على مدار �إنعقاد امل�ؤمتر‪.‬‬

‫تحت عنوان دور الخطباء و موجهي الرأي في تحقيق التغيير وتعزيز التصالح االجتماعي‬

‫«وسطية اليمن» ينظم ورشة عمل لـ‪ 50‬مشاركا‬

‫الو�سطية – اليمن‬ ‫نظم املنتدى العاملي‬ ‫بالعا�صمة‬ ‫للو�سطية‬ ‫اليمينة �صنعاء ور�شة‬ ‫عمل �شارك فيها ‪47‬‬ ‫خطيباً وواعظاً ميينا ‪,‬‬ ‫حتت عنوان "دور اخلطباء‬ ‫وموجهي الر�أي يف حتقيق‬ ‫التغيري و تعزيز الت�صالح‬ ‫االجتماعي"‪.‬‬ ‫و �أكد امل�شاركون على‬ ‫�ضرورة عدم االعتداد بالر�أي وعدم �سرعة‬ ‫احلكم و الفتوى وعدم ال�ضيق من النقد‬ ‫واالبتعاد عن التجريح واخلطاب الأحادي‬

‫والتع�صب‪ ،‬واكدت الور�شة �ضرورة التطوير‬ ‫امل�ستمر للخطباء والوعاظ من خالل‬ ‫االطالع واملتابعة وتعزيز ثقافة حب الوطن‬ ‫ومعرفة كافة �أ�سباب التمزق و�ضعف اخلطاب‬

‫الديني‪.‬‬ ‫كما دعت �إىل غر�س مبادئ‬ ‫وقيم عالجية وتو�ضيح‬ ‫الق�ضايا واحللول املالئمة‬ ‫وحتديد امل�سائل اخلالفية‬ ‫وامل�سائل املتفق عليها‪ ،‬وعدم‬ ‫التعمق يف امل�سائل اخلالفية‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ت�سهيل وتب�سيط‬ ‫املعلومة للآخرين‪ ،‬وجتاوز‬ ‫جميع اخلالفات والتكاتف‬ ‫للنهو�ض مب�ستوى الفرد‬ ‫واملجتمع من خالل املنرب‪ ،‬و�أن يلم اخلطيب‬ ‫بكافة جوانب املو�ضوع الذي �سيطرحه مع بث‬ ‫روح الأمل والتفا�ؤل يف نفو�س امل�ستمعني‪.‬‬


‫لجنة المرأة تقيم حفل توزيع جوائز‬ ‫مسابقة حفظ القرآن الكريم‬

‫انطلقت �صباح يوم ال�سبت املوافق‬ ‫‪2012/08/04‬م فعاليات حتكيم م�سابقة‬ ‫حفظ القر�آن الكرمي للم�ستويات الثالثة‬ ‫حيث كانت على النحو التايل‪:‬‬ ‫ فح�ص امل�ستوى الأول‪ :‬ال�سبت‬‫‪2012/08/04‬م‪.‬‬ ‫ فح�ص امل�ستوى الثاين‪ :‬الأحد‬‫‪2012/08/05‬م‪.‬‬ ‫ فح�ص امل�ستوى الثالث‪ :‬الأثنني‬‫‪.2012/08/06‬‬ ‫حيث ا�ستمرت ملدة ثالثة �أيام و�أ�شرف‬ ‫عليها متخ�ص�صون يف درا�سات القر�آن‬ ‫الكرمي والتالوة التالية �أ�سما�ؤهم‪:‬‬ ‫جلنة حتكيم الذكور‪ ( :‬الأ�ستاذ �أحمد‬ ‫عوين‪ ،‬الأ�ستاذ عدنانى �أبو حممد‪ ،‬الأ�ستاذ‬ ‫ريا�ض الزبيدي‪ ،‬الأ�ستاذ �إبراهيم عودة‪).‬‬

‫جلنة احلكم الأناث‪( :‬الأ�ستاذة �إميان‬ ‫غزاوي‪ ،‬الأ�ستاذة �إميان ال�صفدي‪ ،‬الأ�ستاذة‬ ‫ي�سرى اليربودي‪ ،‬الأ�ستاذة كرميان‬ ‫ال�صفدي)‪.‬‬ ‫وب�إ�شراف الدكتورة فايزة ال�سكر‪.‬‬ ‫ويف نهاية الدورة �أقامت جلنة املر�أة يف‬ ‫منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يوم‬ ‫‪2012/8/13‬م حفل تكرمي للفائزين‬ ‫مب�سابقة حفظ القر�آن الكرمي يف مقر‬ ‫املنتدى‪.‬‬ ‫و�أكد �أمني عام املنتدى مروان الفاعوري‬ ‫على �أهمية تعليم ال�شباب وتثقيفهم‬ ‫وعلى الدور الذي يقوم به املنتدى يف هذا‬ ‫الأطار م�شرياً �إىل �أ َّن املنتدى يهدف لبناء‬ ‫جيل من ال�شباب القر�آين امل�ؤمن وامللتزم‬ ‫بق�ضايا وطنه و�أمته‪.‬‬

‫و�س َّلم عبد احلميد العدوان اجلوائز‬ ‫للفائزين بها قائ ً‬ ‫ال‪ :‬ان االحتفاء به�ؤالء‬ ‫ال�شباب الذين حفظوا القر�آن من اف�ضل‬ ‫املنا�سبات التي جتمع امل�سلمني يف هذا‬ ‫ال�شهر الف�ضيل مثمنا الدور الذي قامت‬ ‫به جلنة املر�أة يف املنتدى لإعداد دورة‬ ‫حفظ القر�آن الكرمي داعياً �إىل الإ�ستمرار‬ ‫بعقد مثل هذه الدورات‪.‬‬ ‫يذكر �أن الدورة التي ا�ستمرت ثالثة ايام‬ ‫�شارك فيها نحو ‪ 70‬م�شاركاً توزعوا على‬ ‫ثالثة م�ستويات فاز يف كل م�ستوى ثالثة‬ ‫من حفظة القر�آن الكرمي حيث جرى‬ ‫ت�سليم الفائزين جوائز نقدية وللم�شاركني‬ ‫جوائز عينية‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪84‬‬

‫العالمي للوسطية ينظم دورة العنف األسري للدعاة العراقيين في عمان‬

‫الو�سطية – عمان‬ ‫�شارك ‪ 45‬مواطنا عراقيا من اجلمهورية‬ ‫العراقية ال�شقيقة يف الدورة التدريبية‬ ‫‪ ,‬التي نظمها املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫حتت عنوان " تدريب يف جمال الرتبية‬ ‫و معاجلة العنف الأ�سري والتطرف‬ ‫الإجتماعي"بح�ضور وزير االوقاف‬ ‫واملقد�سات اال�سالمية الدكتور عبد‬ ‫ال�سالم العبادي‪.‬‬

‫وتلقى اال�شقاء العراقيون متارين عملية‬ ‫و نظرية يف العديد من املجاالت التي‬ ‫تخ�ص مو�ضوع الدورة‪.‬‬ ‫وناق�ش امل�شاركون يف الدورة التي ا�ستمرت‬ ‫خلم�سة ايام ‪ ,‬العديد من املوا�ضيع ذات‬ ‫العالقة ‪� ,‬أبرزها الإر�شاد الزواجي ‪ ،‬و �أهم‬ ‫التحديات �أمام الأ�سر‪ ،‬وكيفية التعامل‬ ‫مع الفئات العمرية املختلفة‪ ،‬و طرق‬ ‫الرتبية احلديثة مع فئة الطفولة‪ ،‬العنف‬

‫و�أثره على الإ�ستقرار الأ�سري‪ ،‬رعاية ذوي‬ ‫االحتياجات اخلا�صة‪ ،‬واخلطاب الديني‬ ‫ودوره يف الإ�ستقرار الأ�سري ومعاجلة‬ ‫التطرف الفكري وال�سلوكي‪ ،‬والتي‬ ‫يقدمها نخبة من الأ�ساتذة واملخت�صني يف‬ ‫هذا املجال‪.‬‬ ‫و�سلم وزير االوقاف االردين عبد‬ ‫ال�سالم العبادي ال�شهادات واجلوائز على‬ ‫امل�شاركني يف الدورة ‪.‬‬

‫بحث سبل التعاون بين «الوسطية» وجامعة البحرين‬

‫جملة من الن�شاطات التي يقوم بها‬ ‫الو�سطية – عمان‬ ‫بحث �أمني عام املنتدى العاملي املنتدى يف الأردن و العامل لتعميق الفكر‬ ‫للو�سطية ‪ ,‬املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫مع رئي�س جامعة اململكة البحرينية ‪,‬‬ ‫الدكتور يو�سف عبد الغفور ‪� ,‬سبل تعزيز‬ ‫التعاون بني املنتدى و اجلامعة من خالل‬ ‫التوا�صل الدائم مع اجلامعة و املراكز‬ ‫البحثية التابعة مما يعزز ا�ستمرارية‬ ‫املنتدى يف نهجه لتقدمي ماهو اف�ضل‬ ‫خلدمة الدين من خالل نهجه الو�سطي الو�سطي معرجا على �أبرز الإجنازات التي‬ ‫حققها املنتدى خالل ال�سنوات املا�ضية‬ ‫املعتدل وحماربة الغلو والتطرف‪.‬‬ ‫و ا�ستعر�ض الفاعوري خالل اللقاء ‪ ،‬وما نظم من ندوات و م�ؤمترات دولية‬ ‫الذي ح�ضره عدد من �أع�ضاء املنتدى يف عدد من الدول العربية والإ�سالمية‬

‫والعاملية و التي تناولت معظم الق�ضايا‬ ‫التي تهم الأمة مب�شاركة مفكرين وعلماء‬ ‫من جميع دول العامل‪.‬‬ ‫ويف ذات ال�سياق �أ�شاد الدكتور عبد الغفور‬ ‫بامل�ستوى املتقدم الذي و�صل �إليه املنتدى‬ ‫من خالل ما يقدمه من ن�شاطات ثقافية‬ ‫وفكرية ت�سهم يف خدمة الدين وتنوير‬ ‫االمة يف جيع الأمور والق�ضايا التي‬ ‫تهمها‪ ،‬الفتاً �إىل �أن املنتدى �أ�صبح معلماً‬ ‫فكرياً وثفافياً عاملياً مهماً‪ ،‬وحاجة ملحة‬ ‫للأمة خا�صة يف هذه الظروف الذي‬ ‫تتعاىل بها �أ�صوات الغلو والتطرف‪.‬‬


‫العالمي للوسطية يعقد دورة تحت شعار‬ ‫(الوسطية في الخطاب الدعوي على هدي المصطفى)‬

‫الو�سطية – عمان‬

‫ّ‬ ‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية دورة للأئمة‬ ‫والوعاظ من اجلمهورية العراقية حتت‬ ‫�شعار "الو�سطية يف اخلطاب الدعوي على‬ ‫هدي امل�صطفى"‪ ،‬من ‪2012/10/16-11‬م‪.‬‬ ‫وهدفت الدورة �إىل توعية اخلطباء‬ ‫ب�أهمية دورهم يف حماربة العنف والتطرف‬ ‫والإرهاب من خالل خطبهم ودرو�سهم‬ ‫بطرق علمية ومنهجية‪.‬‬ ‫وت�ضمنت الدورة والتي ا�ستمرت خم�سة‬

‫�أيام عدة املحاور‪� ،‬أبرزها اخلطاب الوعظي‬ ‫ونقاط القوة وال�ضعف‪� ،‬إ�ضافة �إىل تر�سيخ‬ ‫قيم الو�سطية وت�أ�صيلها ال�شرعي ودور‬ ‫اخلطيب يف تعزيزها‪ ،‬كما تلقى امل�شاركون‬ ‫حما�ضرات حول خطبة اجلمعة حت�ضرياً‬ ‫وادا ًء ومهارات فنون االت�صال الفعال‪،‬‬ ‫والدور اال�سرتاتيجي للخطيب والداعية‬ ‫�إ�ضافة �إىل ن�شر قيم التعاي�ش والتعاون‬ ‫بني املجتمعات والأمم‪ ،‬وو�سائل حماربة‬ ‫الغلو والتطرف والتكفري ودور اخلطيب‬

‫يف احلد منها‪.‬‬ ‫واطلع امل�شاركون على كيفية �إعداد‬ ‫اخلطيب وفقاً الحتياجات املجتمع‬ ‫وا�ستفادته من تكنولوجيا الع�صر‪ ،‬والقدوة‬ ‫وال�صفات ال�شخ�صية للخطيب و�أثرها‪.‬‬ ‫وت�ضمنت الدورة ور�شات تدريبية‬ ‫ومداخالت لتعزيز الأفكار‪ ،‬قدمها‬ ‫جمموعة من العلماء و�أ�صحاب اخلربة‬ ‫واالخت�صا�ص منهم الدكتور احمد نوفل‪،‬‬ ‫حممد احلاج‪� ،‬سليمان الدقور وغريهم‪.‬‬

‫«الوسطية» تنشر نص الرسالة‬ ‫المهدي لـ االسد‪ :‬ما قيمة حكم يقوم على أشالء المواطنين ودمائهم ؟‬ ‫الو�سطية ‪ -‬ال�سودان‬ ‫هاجم رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي �سيا�سات الرئي�س‬ ‫ال�سوري ب�شار الأ�سد جاء ذلك خالل‬ ‫نداء وجهه املهدي لال�سد‪ .‬جاء يف ن�صه‬ ‫حرفيا‬ ‫"�إننا حزانى للغاية ملا يحدث لأهلنا‬ ‫يف �سوريا والآن يبدو �أن الأمور كلها‬ ‫متجهة لتدمر �سوريا نف�سها بنف�سها‪،‬‬ ‫وهذا �سيف�سد �سوريا‪ ،‬وهي بلد عظيم‪،‬‬ ‫ومكانتها يف املعادلة العربية واملعادلة‬ ‫الإ�سالمية وهذا فيه ما فيه من الويل‬ ‫والثبور وعظائم الأموربا�سم جميع‬ ‫�أع�ضاء املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬وبا�سم‬ ‫كافة عقالء الأمة‪� ،‬أنا�شد الرئي�س ب�شار‬

‫الأ�سد‪ :‬يا �أخي ما قيمة حكم يقوم على‬ ‫�أ�شالء املواطنني ودمائهم؟ ال قيمة حلكم‬ ‫مثل هذا‪ ،‬بل �صارت �سوريا مغنطي�سا‬ ‫يجذب �إليها �صراعات مذهبية و�صراعات‬ ‫طائفية و�صراعات دولية �ستجعل ال�شعب‬ ‫ال�سوري يدفع الثمن‪ .‬لذلك �إخال�صاً‬ ‫لوطنك ولدينك ولقوميتك تنازل عن‬ ‫مرت�ضى‬ ‫احلكم و�سلم ال�سلطة ل�شخ�ص‬ ‫ً‬ ‫مقبول من اجلميع لكي يجري حوارا‬ ‫يحقق الوحدة الوطنية يف �سوريا‬ ‫ومينع عن �سوريا التدخالت الأجنبية‬ ‫ومينع عنها احلرب الأهلية ويكف عنها‬ ‫ال�صراعات الطائفية‪.‬‬ ‫ونرجو �أن يتنبه و�أن ي�ستجيب لهذا‬ ‫النداء فال قيمة حلكم يقوم على �أ�شالء‬

‫املواطنني وعلى دمائهم‪ ،‬وكنا قد وجهنا‬ ‫مثل هذا النداء يف مرحلة ما للرئي�س‬ ‫ال�سابق ح�سني مبارك ولكنه مل ي�ستجب‬ ‫ووجهناه �أي�ضا للرئي�س ال�سابق العقيد‬ ‫معمر القذايف ولكن مل ي�ستجب‪ ،‬ويف‬ ‫كل حالة قبل �أن يتفاقم الأمر وي�صل‬ ‫للمرحلة الأخرية كتبنا لهم وقلنا لهم‬ ‫نف�س االقرتاح‪ ،‬يا اخوتنا �سلموا ال�سلطة‬ ‫ل�شخ�ص مرت�ضى من اجلميع ليجد‬ ‫خمرجا‪ ،‬وللأ�سف يف كل حالة مل يعملوا‬ ‫به وللأ�سف يف كل حالة ح�صل ما ح�صل‬ ‫والآن نقول ذلك مبلء الفم للرئي�س‬ ‫ب�شار الأ�سد راجني �أن يهديه اهلل لإيجاد‬ ‫خمرج للبالد يف �سوريا لأن �سوريا بلد‬ ‫مهم وال بد من �إيجاد خمرج له‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪86‬‬

‫مسابقة شعرية للوسطية بعنوان‬ ‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم في سماحته وإعتداله فكراً و سلوكاً‬

‫�أقام قطاع املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر‬ ‫والثقافة م�سابقة �شعرية لطلبة املدار�س‬ ‫يف ذكرى املولد النبوي ال�شريف بعنوان "‬ ‫الر�سول يف �سماحته و�إعتداله فكراً و�سلوكاً‬ ‫" ‪ ،‬وذلك يف �إطار اهتمام املنتدى برت�سيخ‬ ‫مفاهيم الو�سطية الإ�سالمية كطرائق‬ ‫للتفكري ال�سديد و�إنتاج الفكر ويف املمار�سة‬ ‫العملية وال�سلوك عند النا�شئة‪.‬‬ ‫برعاية الأمني العام للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري قام‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫وال�سيدة �سو�سن املومني رئي�سة قطاع املر�أة‬ ‫بتكرمي الطلبة الفائزين بامل�سابقة يوم‬ ‫الأربعاء ‪ ،2013/3/27‬وقدَّم للحفل ال�سيدة‬

‫رويداء رياالت‪ ،‬و�ألقت الدكتورة �شاعرة‬ ‫املنتدى فايزة ال�سكر �أبيات يف حب الر�سول ‪.‬‬ ‫وقامت جلنة التحكيم امل�شكلة من ال�سادة‬ ‫ال�شعراء ) نبيلة اخلطيب‪ ،‬عيد الن�سور‪ ،‬عماد‬ ‫الغزو ( يوم ال�سبت ‪ 2013 /3/16‬ب�إعالن‬ ‫النتائج وكانت النحو التايل ‪:‬‬ ‫ املركز الأول‪ :‬منا�صفة كل من الطالبة‬‫�أماين عطا اهلل من املدار�س العمرية والطالبة‬ ‫�شهرزاد ال�سيوري من مدر�سة الكلية العلمية‬ ‫الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫ املركز الثاين‪ :‬منا�صفة الطالبة �أ�سيل حماد‬‫مدر�سة �سكينة بنت احل�سني والطالبة دانيا‬ ‫االعمر من مدر�سة الغفران النموذجية –‬ ‫البلقاء ‪.‬‬

‫ املركز الثالث‪ :‬منا�صفة الطالبة ايات‬‫الو�شاح من مدر�سة البلقاء الثانوية ال�شاملة‬ ‫والطالب املعتز باهلل عوادين من مدر�سة‬ ‫التطوير احل�ضري الثانوية ‪/‬اربد ‪.‬‬ ‫ املركز الرابع‪ :‬الطالبة نور الهدى الكركي‬‫من مدر�سة البطرياركية الالتينية الثانوية‪-‬‬ ‫الكرك ‪.‬‬ ‫ املركز اخلام�س‪ :‬الطالبة اماين العودات‬‫من مدر�سة املغري الثانوية ال�شاملة – �أربد ‪.‬‬ ‫وقد قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني‬ ‫العام للمنتدى العاملي للو�سطية وبح�ضور‬ ‫املحامي منت�صر الزيات الناطق الر�سمي‬ ‫با�سم املنتدى العاملي بتقدمي درع املنتدى‬ ‫العاملي لل�سادة ال�شعراء تقديراً جلهودهم‬ ‫وتعاونهم مع املنتدى‪ .‬‬

‫«وسطية السودان» ينظم دورة تأهيلية لـ ‪ 130‬إماما و خطيبا و داعية‬ ‫الو�سطية – ال�سودان‬ ‫نظمت هيئة �ش�ؤون الأن�صار للدعوة‬ ‫واالر�شاد بال�سودان بالتعاون مع منتدى‬ ‫الو�سطية العاملي يف ال�سودان و جمعية‬ ‫تقابة الكون لتعليم القر�آن الكرمي‬ ‫والعلوم اال�سالمية دورة ت�أهيلية للأئمة‬ ‫والدعاة والداعيات‬ ‫و�شارك تادورة ‪� 130‬إماماً وخطيب م�سجد‬ ‫ودعية ُقدّم فيها عدد من املحا�ضرات‬ ‫و �شارك يف تقدميها كوكبة من الدعاة‬ ‫ا�شتملت الآتي‪ :‬حما�ضرة بعنوان ‪:‬‬ ‫مقتطفات من �آيات الأحكام‪ ،‬قدمها‬ ‫الأ�ستاذ يو�سف النور حامد‪� ،‬إمام م�سجد‬

‫ال�صحوة ب�أم درمان‪ ،‬وحما�ضرة بعنوان‪:‬‬ ‫فل�سفة ال�صيام قدمها ال�شيخ‪� :‬سليمان �آدم‬ ‫عو�ض �إمام م�سجد �أب�شلعة بالثورة احلارة‬ ‫‪ 15‬وجاءت املحا�ضرة الثالثة بعنوان‪:‬‬ ‫مرتكزات املهدية وم�ستقبل الدعوة‪ ،‬قدمها‬ ‫الأ�ستاذ يو�سف ح�سن مديرمركز الرتاث‬ ‫بجامعة االمام الهادي ‪ ،‬كما قدم الأ�ستاذ‪:‬‬ ‫�آدم �أحمد يو�سف نائب الأمني العام لهيئة‬ ‫�ش�ؤون الأن�صار‪ ،‬حما�ضرة بعنوان‪ ،‬تزكية‬ ‫النف�س و�أثرها اال جتماعي‪ ،‬وقدم الأ�ستاذ‬ ‫بدرالدين خ�ضر�أبوالرباء ع�ضواللجنة‬ ‫االدارية لفرع منتدى الو�سطية حما�ضرة‬ ‫بعنوان ‪ :‬مفهوم الو�سطية‪ ،‬وختمت‬

‫الدورة مبحا�ضرة من رئي�س فرع منتدى‬ ‫الو�سطية بال�سودان الأ�ستاذ عبداملحمود‬ ‫�أ ّبوابراهيم بعنوان‪ :‬اخلطاب الدعوي‬ ‫و�أثره على الواقع‪ ،‬وقد جاءت م�شاركة‬ ‫احلا�ضرة حيو ّية وهادفة‪ ،‬وم�شجعة؛‬ ‫ت�ؤكد مدى ا�ستيعابهم وتفاعلهم مع املادة‬ ‫التي قدمت‪ ،‬و�أكدوا ا�ستفادتهم من هذه‬ ‫الدورة ودعوا ال�ستمرار مثل هذه الدورات‬ ‫الت�أهيلية؛ لرت�سيخ ثقافة الو�سطية يف‬ ‫املجتمع‪ ،‬وحما�صرة الغالة واملتطرفني‬ ‫الذين �شوهوا �سماحة الدين‪ ،‬ولوثوا‬ ‫ديباجته الو�ضاءة‪.‬‬


‫المنتدى العالمي للوسطية يعقد مؤتمر‬ ‫( خطبة الجمعة ودورها في بناء المجتمع )‬ ‫ال�سيا�سية واالقت�صادية‪ ،‬وتعميق الوالء‬ ‫للدين والوطن وتعزيز الوحدة الوطنية‪،‬‬ ‫ومعاجلة ظواهر العنف املجتمعي‪ ،‬وخطبة‬ ‫اجلمعة يف نظر الآخر‪ ،‬ودور خطبة اجلمعة‬ ‫يف احلفاظ على الأمن الإجتماعي‪.‬‬ ‫الـمحور اخلـــامـــ�س‪ :‬دور الـم�ؤ�س ــ�سات‬ ‫الر�سمية وم�ؤ�س�سات املجتمع الأردين‪.‬‬ ‫(وزارة الأوقاف‪ ،‬دائرة الإفتاء العام‪،‬‬ ‫دائرة قا�ضي الق�ضاة وم�ؤ�س�سات الإفتاء‬ ‫والإر�شاد‪ ،‬م�ؤ�س�سات املجتمع املدين‪ ،‬كليات‬ ‫ال�شريعة)‪.‬‬ ‫وخالل امل�ؤمتر قدم �إحدى وع�شرين‬ ‫بحثاً علمياً ملتخ�ص�صني وعلماء يف جمال‬ ‫اخلطابة وعلوم ال�شريعة‪ ،‬موزعة على‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية وبالتعاون‬ ‫مع وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات‬ ‫الإ�سالمية واجلامعة الأردنية ودائرة‬ ‫الإفتاء العام م�ؤمتر (خطبة اجلمعة‬ ‫ودورها يف بناء املجتمع) يومي‬ ‫‪2012 /9/23-22‬م‪.‬‬ ‫وهدف امل�ؤمتر �إىل بيان املقا�صد‬ ‫ال�شرعية من خطبة اجلمعة‪ ،‬والقواعد‬ ‫والأحكام ال�شرعية خلطبة اجلمعة‪ ،‬ودور‬ ‫خطبة اجلمعة يف احلفاظ على الأمن‬ ‫الإجتماعي‪ ،‬ودور خطبة اجلمعة يف تعميق‬ ‫الوالء واالنتماء‪ ،‬وكذلك بيان واقع خطبة‬ ‫اجلمعة والو�صول لو�سائل و�أ�ساليب‬ ‫عملية لتطوير خطبة اجلمعة‪ ،‬وتوعية‬

‫خطبة اجلمعة‪ ،‬وحتليل م�ضامني خطب‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ومعايري‬ ‫خطبة اجلمعة الناجحة‪ ،‬والأحكام‬ ‫الفقهية خلطبة اجلمعة(اخلطبة‪،‬‬ ‫اخلطيب‪ ،‬امل�صلون)‪ ،‬وامل�ستجدات الفقهية‬ ‫خلطبة اجلمعة‪.‬‬ ‫املحور الثاين‪ :‬خطيب اجلمعة �إعداداً‬ ‫وت�أهي ً‬ ‫ال‪ .‬وت�ضمن �صفات اخلطيب‬ ‫الناجح ومعايري اختياره‪ ،‬و�إفادة اخلطيب‬ ‫من و�سائل االت�صال احلديثة‪ ،‬وتفاعل‬ ‫اخلطيب مع الواقع والتعامل معه‬ ‫وتطبيقه لفقه الأولويات‪ ،‬وخطبة اجلمعة‬ ‫يف نظر جمهور امل�صلني‪.‬‬ ‫املحور الثالث‪ :‬دور خطبة اجلمعة‬

‫وت�أهيل اخلطباء علمياً و�شخ�صياً‪ ،‬وبيان‬ ‫دور خطبة اجلمعة يف معاجلة االختالالت‬ ‫الفكرية ومظاهر العنف والتطرف‪،‬‬ ‫و�صياغة ميثاق �شرف يلتزم به اخلطباء‪.‬‬ ‫و ُق�سمت حماور امل�ؤمتر �إىل خم�سة‬ ‫حماور‪:‬‬ ‫املحور الأول‪ :‬مقا�صد خطبة اجلمعة‬ ‫و�أحكامها ال�شرعية‪ .‬وت�ضمن مقا�صد‬

‫االجتماعي‪ .‬و�شمل التوعية بالأحكام خم�س جل�سات‪:‬‬ ‫ال�شرعية املجتمعية‪ ،‬ودور خطبة اجلمعة اجلل�سة الأوىل ‪ :‬مقا�صد خطبة اجلمعة‬ ‫يف بناء مفاهيم التكافل االجتماعي‪ ،‬وبناء و�أحكامها ال�شرعية‪.‬‬ ‫الأ�سرة ومعاجلة م�شكالتها‪ ،‬ومعاجلات رئي�س اجلل�سة‪� :‬سماحة الدكتور �أحمد‬ ‫الإختالالت الإجتماعية‪.‬‬ ‫عبدالغفور ال�سامرائي‪ -‬رئي�س ديوان‬ ‫املحور الرابع‪ :‬دور خطبة اجلمعة الوقف ال�سني‪ -‬العراق‪.‬‬ ‫وق�ضايا املجتمع والأمة‪ .‬حيث تناول ‪ .1‬مقا�صد خطبة اجلمعة‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمن‬ ‫دور خطبة اجلمعة يف معاجلة الق�ضايا الكيالين‪ /‬الأردن‬

‫‪87‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪88‬‬

‫‪ .2‬حتليل م�ضامني خطب النبي �صلى اهلل اجلل�سة الثالثة ‪ :‬دور خطبة اجلمعة‬ ‫عليه و�سلم‪ :‬د‪ .‬عدنان خطاطبة‪ /‬الأردن االجتماعي‪.‬‬ ‫‪ .3‬معايري خطبة اجلمعة الناجحة‪ :‬د‪ .‬رئي�س اجلل�سة‪ :‬د‪ .‬نور الدين العرباوي‪-‬‬ ‫�أحمد �شكري‪ /‬الأردن‬ ‫تون�س‬ ‫‪ .4‬الأحـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــام الف ـ ـقـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـي ـ ــة لـ ـخ ـط ـب ــة ‪ .9‬اخلطيب وال�شباب مهارات وتطبيقات‬ ‫اجلمعة(اخلطبة‪ ،‬اخلطيب‪ ،‬امل�صلون)‪:‬‬ ‫عملية‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر‬ ‫د‪ .‬حممد الق�ضاة‪ /‬الأردن‬ ‫‪ .10‬دور خطبة اجلمعة يف بناء مفاهيم‬

‫للدين والوطن وتعزيز الوحدة الوطنية‪:‬‬ ‫د‪ .‬وائل عربيات‪ /‬الأردن‬ ‫‪ .15‬دور خطبة اجلمعة يف تعميق الوالء‬ ‫للدين والوطن وتعزيز الوحدة الوطنية‪:‬‬ ‫د‪ .‬حممد اخلاليلة‪ /‬الأردن‬ ‫‪ .16‬دور خطبة اجلمعة يف معاجلة ظواهر‬ ‫العنف املجتمعي‪ :‬د‪� .‬أحمد نوفل‪ /‬الأردن‬

‫التكافل االجتماعي‪ :‬د‪ .‬نائل ابو زيد‪/‬‬ ‫الأردن‬ ‫‪ .11‬دور خطبة اجلمعة يف بناء الأ�سرة‬ ‫ومعاجلة م�شكالتها‪� :‬أ‪ .‬عبدالفتاح مورو‪/‬‬ ‫تون�س‬ ‫‪ .12‬مقا�صد خطبة اجلمعة‪ :‬د‪ .‬ا�سماعيل‬ ‫ال�سعيدات‪ -‬الأردن‬ ‫اجلل�سة الرابعة ‪ :‬دور خطبة اجلمعة‬ ‫وق�ضايا املجتمع والأمة‪.‬‬ ‫رئي�س اجلل�سة‪� :‬سعادة الأ�ستاذ عادل‬ ‫الفالح‪ -‬وكيل وزارة الأوقاف الكويتية‬ ‫‪ .13‬دور خطبة اجلمعة يف معاجلة الق�ضايا‬ ‫ال�سيا�سية واالقت�صادية‪ :‬الإمام ال�صادق‬ ‫املهدي‪ /‬ال�سودان‪.‬‬ ‫‪ .14‬دور خطبة اجلمعة يف تعميق الوالء‬

‫‪ .17‬خطبة اجلمعة يف نظر الآخر‪ :‬الدكتور‬ ‫نا�صر اخلوالدة ‪ /‬الأردن‬ ‫اجلل�سة اخلام�سة ‪ :‬دور امل�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمية وم�ؤ�س�سات املجتمع الأردين‬ ‫رئي�س اجلل�سة‪ :‬الأ�ستاذ منت�صر الزيات‪-‬‬ ‫م�صر‪.‬‬ ‫‪ .18‬دور وزارة الأوقاف يف �إعداد وت�أهيل‬ ‫خطيب اجلمعة‪ :‬معايل الدكتور‬ ‫عبدال�سالم العبادي‪ -‬الأردن‪.‬‬ ‫‪ .19‬دور دائرة الإفتاء ودائرة قا�ضي‬ ‫الق�ضاة يف �إعداد وت�أهيل خطيب اجلمعة‪:‬‬ ‫د‪� .‬أحمد احل�سنات – دائرة الإفتاء‪.‬‬ ‫‪ .20‬دور كليات ال�شريعة يف �إعداد وت�أهيل‬ ‫خطيب اجلمعة‪ :‬د‪ .‬حممد خالد من�صور‪-‬‬ ‫الأردن‬

‫اجلل�سة الثانية‪ :‬خطيب اجلمعة �إعداداً‬ ‫وت�أهي ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫رئي�س اجلل�سة‪ :‬معايل الأ�ستاذ عبدالرحيم‬ ‫العكور‪ -‬الأردن‬ ‫‪� .5‬صفات اخلطيب الناجح ومعايري‬ ‫اختياره‪ ،‬موا�صفات اخلطبة الفعالة‬ ‫الو�سائل والأ�ساليب‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمن‬ ‫ابداح‪ /‬الأردن‬ ‫‪� .6‬إفادة اخلطيب من و�سائل االت�صال‬ ‫احلديثة‪� :‬أ‪� .‬شوقي القا�ضي‪ /‬اليمن‬ ‫‪ .7‬تفاعل اخلطيب مع الواقع والتعامل‬ ‫معه وتطبيقه لفقه الأولويات‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبداملجيد ال�صالحني ‪/‬الأردن‬ ‫‪ .8‬الإعداد الرتبوي خلطيب اجلمعة‪ :‬د‪.‬‬ ‫يا�سني املقو�سي‪ /‬الأردن‬


‫‪ .21‬دور خطبة اجلمعة يف احلفاظ على‬ ‫الأمن الإجتماعي‪ :‬د‪ .‬نوح الفقري‪-‬‬ ‫الأردن‪.‬‬ ‫ويف جل�سة افتتاح امل�ؤمتر �أ�شار املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري‪ -‬الأمني العام للمنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية �إىل �أ َّن �أهمية هذا امل�ؤمتر‬ ‫تنطلق من اعتبارات عدة منها‪ :‬املناخات‬ ‫والظروف التي ينعقد فيها هذا امل�ؤمتر‪،‬‬ ‫�إذ �أ َّن �أمتنا اليوم متر يف مرحلة جديدة‬ ‫من التحوالت‪ ،‬حتتاج فيها �إىل امل�سجد‬ ‫واخلطيب‪ ،‬كما حتتاج فيها �إىل املفكر‬ ‫وال�سيا�سي‪ ،‬حيث بدى احل�ضور الديني‬ ‫بارزاً يف امليادين ومن ثم يف الرئا�سات‪،‬‬ ‫وكان وراءه "منرب" وخطيب‪ ..‬ومن هذه‬ ‫االعتبارات �أهمية املو�ضوع ذاته‪ ،‬والآثار‬ ‫التي يرتكها يف حياة امل�سلمني واحلاجة‬ ‫�إىل و�سطي اخلطاب اجلامع على املنرب‪،‬‬ ‫بحيث يبتعد عن التماهي يف الدفاع‬ ‫عن القرارات وال�سيا�سات احلكومية‬ ‫اخلاطئة‪ ،‬ويبتعد عن التوظيف لأهداف‬ ‫الأحزاب واجلماعات واملذاهب والتيارات‪،‬‬ ‫وما ي�ستوجب �أن يتوفر من موا�صفات‬ ‫يف اخلطيب ويف ا ُ‬ ‫خل ْط َبة‪ ..‬هو مو�ضوع‬ ‫ي�ستحق النظر والبحث والتعاي�ش‪.‬‬ ‫مبيناً �أ َّن هاج�س املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫منذ ت�أ�سي�سه قبل عقد من الزمن �أن ُيقدَّم‬ ‫الإ�سالم على حقيقته ويربز ما فيه من‬ ‫قيم ومبادئ لن�ضع �أيدينا على امل�شكالت‬ ‫فنعاجلها �أو ن�ستبق وقوعها‪ ..‬ون�ست�شرف‬ ‫غد الأمة الذي تتطلع اليه الأجيال‪ ..‬ويف‬ ‫�إطار هذا اال�سرت�شاد كان ا�ستئناف م�شروع‬ ‫النه�ضة هدفاً من �أهدافنا‪ ،‬فعقدنا‬ ‫ع�شرات الندوات وامل�ؤمترات واللقاءات يف‬ ‫الأردن وم�صر وال�سودان وتون�س واليمن‬ ‫واجلزائر واملغرب وموريتانيا وباك�ستان‪،‬‬ ‫و�أقمنا اجل�سور لكي يتالقى علما�ؤنا‬ ‫على �صعيد "البحث" يف كل ما يرفد‬ ‫هذا امل�شروع ‪،‬ويف كل اجلوانب التي ترفد‬ ‫م�شروع النه�ضة ال�شاملة‪.‬‬ ‫وت�ضمن حفل االفتتاح كلمة لعطوفة‬

‫هدف المؤتمر إلى بيان‬ ‫واقع ُخطبة الجمعة‬ ‫ودورها في الحفاظ‬ ‫على األمن اإلجتماعي‪،‬‬ ‫وتعميق معاني‬ ‫وقيم الوالء واإلنتماء‬ ‫ومعالجة اإلختالالت‬ ‫الفكرية ومظاهر‬ ‫العنف والتطرف‬

‫الأ�ستاذ الدكتور رئي�س اجلامعة الأردنية‪،‬‬ ‫وكلمة لدولة الإمام ال�صادق املهدي –‬ ‫رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬وكلمة‬ ‫لف�ضيلة الأ�ستاذ عبدالفتاح مورو‪ -‬تون�س‪.‬‬ ‫ويف ختام امل�ؤمتر �أ�صدر امل�ؤمترون تو�صيات‬ ‫مهمة‪ ،‬وكذلك ميثاق �شرف للأئمة‬ ‫واخلطياء‪.‬‬ ‫تو�صيات م�ؤمتر خطبة اجلمعة‬

‫احلمد هلل وحده‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم‬ ‫وبارك على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه‬ ‫�أجمعني‪� ،‬أما بعد‪..‬‬ ‫فقد عقد املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫بالتعاون مع وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون‬ ‫واملقد�سات الإ�سالمية واجلامعة الأردنية‬ ‫ودائرة الإفتاء العام يف اململكة الأردنية‬ ‫الها�شمية م�ؤمتره الدويل بعنوان‬ ‫(خطبة اجلمعة ودورها يف بناء املجتمع)‬ ‫يف مدينة عمان يف الفرتة من ‪-07‬‬ ‫‪ 08‬ذو القعدة‪1433/‬هـ‪ ،‬املوافق ‪23-22‬‬ ‫�أيلول‪2012/‬م‪ ،‬بح�ضور نخبة من العلماء‬ ‫واملفكرين وقيادات العمل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ورجاالت الفكر و�أ�ساتذة اجلامعات العربية‬ ‫والإ�سالمية والعاملية‪ ،‬من الأردن وم�صر‬ ‫والكويت والعراق واليمن وال�سودان‬ ‫وتون�س وغريها‪.‬‬

‫وهدف امل�ؤمتر �إىل بيان واقع ُخطبة‬ ‫اجلمعة ودورها يف احلفاظ على الأمن‬ ‫الإجتماعي‪ ،‬وتعميق معاين وقيم الوالء‬ ‫والإنتماء ومعاجلة الإختالالت الفكرية‬ ‫ومظاهر العنف والتطرف‪ ،‬للو�صول �إىل‬ ‫�صياغة و�سائل تطوير ُخطبة اجلمعة‬ ‫و�أ�ساليبه وتوعية ا ُ‬ ‫خلطباء وت�أهيلهم‬ ‫علمياً وعملياً‪.‬‬ ‫وبنا ًء على �أهداف املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية ومنطلقاته يف تبني ق�ضايا‬ ‫الأمة‪ ،‬وتقدمي الإ�سالم ب�صورته احلقيقية‬ ‫احل�ضارية و�إبراز قيمه ومبادئه الإن�سانية‬ ‫اخلالدة‪ ،‬وباعتبار ُخطبة اجلمعة �أداة‬ ‫من �أدوات الإ�صالح عرب مراحل الدعوة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬والآثار التي ترتكها يف حياة‬ ‫امل�سلمني وحاجة الأمة اليوم �إىل خطاب‬ ‫و�سطي جامع م�ستمد من قطعيات‬ ‫الوحي وم�صالح االمة غري متمذهب وال‬ ‫متحزب‪ ،‬ويف �ضوء امل�ستجدات ال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعية واالقت�صادية امل�ستمرة والتي‬ ‫تتطلب توحيد الر�ؤية واخلطاب الو�سطي‬ ‫والإلتقاء على امل�شرتك ونبذ الإختالفات‬ ‫جاء انعقاد هذا امل�ؤمتر العلمي الدويل‬ ‫ليتناول دور ُخطبة اجلمعة يف بناء املجتمع‬ ‫‪.‬‬ ‫وبعد � ْأن تداول امل�شاركون عرب جل�سات‬ ‫امل�ؤمتر وحماوره ودرا�سة مقا�صد‬ ‫ُخطبة اجلمعة و�أحكامها ال�شرعية‪،‬‬ ‫وطرق �إعداد خطيب اجلمعة وو�سائله‬ ‫تدريباً وت�أهي ً‬ ‫ال‪ ،‬ودور ُخطبة اجلمعة يف‬ ‫خدمة ق�ضايا املجتمع والأمة ومعاجلة‬ ‫الظواهر الإجتماعية والق�ضايا ال�سيا�سية‬ ‫والإقت�صادية‪.‬‬ ‫فقد ناق�ش امل�شاركون يف امل�ؤمتر عرب‬ ‫جل�سات امتدت على مدى يومني‬ ‫تناولت عددًا من املحاور املهمة املتعلقة‬ ‫بدور ُخطبة اجلمعة يف بناء املجتمعات‬ ‫الإ�سالمية املعا�صرة �إىل ما يلي‪:‬‬ ‫ التن�سيق بني كليات ال�شريعة يف توحيد‬‫اخلطط الدرا�سية لتت�ضمن مواد درا�سية‬

‫‪89‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫تراعي الإعداد الأكادميي التخ�ص�صي‬ ‫والإعداد الرتبوي والثقايف‪ ،‬والتدريب‬ ‫العملي للخطباء‪.‬‬ ‫ �إعداد دليل للخطيب يت�ضمن طرق‬‫اعداد ا ُ‬ ‫خلطبة واليات ومناذج مقرتحة‬ ‫على �أن �أن يتوىل املنتدى ووزارة الأوقاف‬ ‫التجارب ال�سابقة بالبحث والتطوير‬ ‫لإعداد وهذا الدليل‪.‬‬ ‫ �إن�شاء معاهد متخ�ص�صة يف تخريج‬‫ا ُ‬ ‫خلطباء والأئمة والدعاة وفق مناهج‬ ‫ي�ضعها اخلرباء من الأ�ساتذة وكبار‬ ‫الدعاة‪.‬‬ ‫ تن�سيق اجلهود بني وزارات الأوقاف‬‫وال�ش�ؤون الإ�سالمية وبني الو�سائل‬ ‫الإعالمية وامل�ؤ�س�سات الرتبوية خلدمة‬ ‫الإ�سالم عقيدة و�شريعة‪ ،‬وت�صحيح‬ ‫ال�سلوكيات ح�سب تعاليم ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية الغراء‪.‬‬ ‫ �ضرورة تفعيل دور امل�سجد للقيام مبهمته‬‫ال�شاملة يف بناء املجتمعات الإ�سالمية‬ ‫الفا�ضلة‪.‬‬ ‫ �إيجاد ال�سبل الكفيلة والتي ت�ضمن حرية‬‫اخلطيب الفكريه يف تناول ق�ضايا املجتمع‬ ‫وحاجياته مبا يتوافق مع ال�ضوابط‬ ‫ال�شرعية مع املحافظة على النظام العام‪.‬‬ ‫ �إعداد البحوث املتخ�ص�صة والدار�سات‬‫التوجيهية املتنوعة يف بيان واجبات الأئمة‬ ‫واخلطباء‪ ،‬و�إن�شاء جملة متخ�ص�صة‬ ‫مل�ساعدتهم يف مهمتهم ومدهم بالبحوث‬ ‫التي تت�صل ب�أعمالهم‪.‬‬ ‫ ّ‬‫حث العلماء والدعاة اخلرباء على و�ضع‬ ‫مناذج رفيعة ملو�ضوعات �إ�سالمية متنوعة‪،‬‬ ‫ت�شتمل على املواد الأ�سا�سية لبناء اخلطبة‪،‬‬ ‫يف �صورة �أدلة و�شواهد من الكتاب وال�سنة‬ ‫وال�سرية والتاريخ الإ�سالمي‪ ،‬والأقوال‬ ‫امل�أثورة‪ ،‬وال�شعر البليغ لتكون بني يدي‬ ‫اخلطباء‪ ،‬لي�ستعني بها من يحتاج �إليها يف‬ ‫�إعداد اخلطبة‪.‬‬ ‫ عقد دورات ت�أهيلية للخطباء ت�ساعدهم‬‫على تطوير مهاراتهم املعرفية واخلطابية‬

‫‪90‬‬ ‫دور خطبة الجمعة‬ ‫االجتماعي‪ .‬يشمل‬ ‫التوعية باألحكام‬ ‫الشرعية المجتمعية‪،‬‬ ‫ودور خطبة الجمعة‬ ‫في بناء مفاهيم‬ ‫التكافل االجتماعي‪،‬‬ ‫وبناء األسرة ومعالجة‬ ‫مشكالتها‪ ،‬ومعالجات‬ ‫اإلختالالت اإلجتماعية‪.‬‬

‫واالت�صالية واال�ستفادة من و�سائل التقنية‬ ‫احلديثة لتطوير كفاءتهم‪ ،‬واالرتقاء‬ ‫بثقافة الأئمة وا ُ‬ ‫خلطباء فيما يخ�ص‬ ‫ق�ضايا الأمة من خالل تزويدهم مب�صادر‬ ‫املعرفة املختلفة‪.‬‬ ‫ دعوة وزارات الأوقاف واجلهات املخت�صه‬‫�إىل ابتعاث املتميزين من الأئمة وا ُ‬ ‫خلطباء‬ ‫لال�ستفادة من التجارب الناجحة‪،‬‬ ‫والإطالع على الثقافات املتنوعة يف‬ ‫املجتمعات الإ�سالمية وغريها‪.‬‬ ‫ وجوب رعاية حقوق غري امل�سلمني‬‫واحرتامها يف املجتمعات الإ�سالمية‪،‬‬ ‫واحرتام حقوق امل�ست�أمنني يف الديار‬ ‫الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ تنقية �أجواء امل�ساجد وتهذيبها من‬‫العوائق واملكدرات واملمار�سات اخلاطئة‬ ‫التي ت�ؤثر �سلباً على اجلو الإمياين وتخرم‬ ‫وحدة املجتمع وحتول دون ا�ستفادة النا�س‬ ‫املثلى من ر�سالة امل�سجد‪.‬‬ ‫ �إ�صدار ميثاق �شرف للأئمة وا ُ‬‫خلطباء‬ ‫ل�ضمان �أداء دورهم القيادي واحلفاظ‬ ‫على مكانتهم‪ ،‬وااللتزام بر�سالة امل�سجد‬ ‫و�أهميتها يف الت�أ�سي�س لبناء خطاب‬ ‫�إ�سالمي ح�ضاري‪ ،‬و�إ�صدار دليل ُخطبة‬ ‫اجلمعة لتبيان مو�ضوعات ا ُ‬ ‫خلطبة‬

‫ومقا�صدها‪.‬‬ ‫ �صياغة توجيهات �إ�سالمية معا�صره‬‫ملواجهة اال�ساءات املتكرره على مقد�ساتنا‬ ‫لكي ال ي�ستفزنا �أعدا�ؤنا خلدمة �أغرا�ضهم‬ ‫و�أهدافهم اخلطرية‪.‬‬ ‫ العمل على حت�سني الأو�ضاع االقت�صادية‬‫واالجتماعية للأئمة وا ُ‬ ‫خلطباء ومراجعة‬ ‫ا�ستحقاقاتهم الوظيفية مبا يواكب‬ ‫ج�سامة واجباتهم احرتاماً وتقديراً‬ ‫لدورهم ومكانتهم يف املجتمع‪.‬‬ ‫ ر�سم خريطة طريق لإ�صالح (امل�سجد)‬‫ت�ضمن تفعيل دور امل�سجد يف �إبراز ال�صورة‬ ‫احلقيقية للإ�سالم مبا يخدم ق�ضايا‬ ‫املجتمع والأمة‪.‬‬ ‫ ت�شكيل جلان يف كل م�سجد ملعاجلة‬‫العنف االجتماعي والظواهر االجتماعية‬ ‫ال�سلبية‪ ،‬و�إن�شاء جمال�س يف امل�ساجد‬ ‫لإ�صالح ذات البني لف�ض النزاعات‬ ‫واخلالفات االجتماعية واال�شراف على‬ ‫خدمة امل�سجد‪.‬‬ ‫ عقد اجتماعات دورية لأئمة امل�ساجد‬‫وخطبائها يف كل منطقة لتبادل اخلربات‬ ‫والتجارب ودرا�سة امل�شاكل التي تعرت�ض‬ ‫مهماتهم الدعوية‪ ،‬وو�ضع احللول املنا�سبة‬ ‫لعالجها مبا يتفق مع �صالح امل�سلمني‬ ‫�ضمن الإطار الإ�سالمي ال�صحيح‪.‬‬ ‫ دعوة وزارات الأوقاف وال�ش�ؤون‬‫الإ�سالمية �إىل �أهمية و�ضع معايري‬ ‫الختيار الأئمة واخلطباء‪ ،‬ومتابعة تقييم‬ ‫�أدائهم وتقدمي احلوافز للمتميزين‬ ‫منهم‪.‬‬ ‫ ت�شكيل جمموعة عمل لتقدمي م�شروع‬‫خريطة طريق للإ�صالح امل�سجدي لتحتل‬ ‫امل�ساجد دورها املركزي يف بناء املجتمع‪.‬‬ ‫ ت�شكيل جلنة �إ�ست�شارية بني كليات‬‫ال�شريعة الإ�سالمية ووزارة الأوقاف‬ ‫لتطوير ُخطبة اجلمعة‪.‬‬


‫ميثاق شرف األئمة والخطباء‬ ‫من منطلق التزامنا نحن األمئة والخُطباء برسالة اإلسالم ومقاصده الخالده‪ ،‬واحرتاماً ملنزلة املسجد ودوره الحضاري‪ ،‬برضورة‬ ‫املشاركة يف الشأن العام فيام فيه خري وصالح الوطن واألمة‪ ،‬فإننا نلتزم باملبادئ املذكورة أدناه ونتعهد باحرتامها‪:‬‬ ‫ بيان الحكم الرشعي يف قضايا الفرد واملجتمع والدولة وما يكون لصالح الحكم الرشيد‪ ،‬وبيان محاسن الدين الكفيلة بإصالح‬‫مجتمعاتنا واستقرارها من أجل بناء معامل املدنية الفاضلة وترسيخها والحياة الكرمية الهانئة املستقرة‪.‬‬ ‫ تصحيح املفاهيم املغلوطة عن اإلسالم‪ ،‬ورد الشبهات واألباطيل بأسلوب مقنع حكيم‪ ،‬بعيد عن املهاترة والسباب‪ ،‬ومواجهة‬‫األفكار الهدامة واملضللة بتقديم اإلسالم الصحيح باعتباره منهج األمة األصيل الذي ارتضاه الله لها‪ ،‬وارتضته األمة لنفسها ديناً‪،‬‬ ‫مع إبراز خصائصه من الشمول والتوازن والعمق واإليجابية‪.‬‬ ‫عباً عن سامحة اإلسالم ووسطيته واعتداله وشموليته لجميع أبناء املجتمعات عىل اختالف انتامءاتهم‬ ‫ جعل الخطاب الديني ُم رّ‬‫املذهبية‪.‬‬ ‫ ال ُبعد عن انتهاج الخطاب املتطرف‪ ،‬وأن يكون والؤنا للدين وقيمه ومثله السامية العليا متمسكني بقول املوىل سبحانه‪َ « :‬و َم ْن‬‫أَ ْح َس ُن َق ْوال ِم َّم ْن َد َعا إِلىَ اللَّ ِه َو َع ِم َل َصالِحا َو َق َال إِنَّ ِني ِم َن الْ ُم ْسلِ ِم َني»‪.‬‬ ‫ أنْ يكون الهدف العام لخطابنا الدعوي هو تربية أبناء األمة عىل التمسك مببادئ اإلسالم وقيمه وأخالقه وثوابته وتجنب الخالفات‬‫الفرعية واملذهبية‪.‬‬ ‫ ترسيخ معنى أخوة اإلسالم ووحدة أمته الكربى‪ ،‬ومقاومة النزعات والعصبيات العنرصية واملذهبية واإلقليمية وغريها املفرقة‬‫لألمة الواحدة‪ ،‬واالهتامم بقضايا املسلمني داخل العامل اإلسالمي وخارجه‪ ،‬حتى ال ينفصل املسلم فكرياً وشعورياً عن إخوانه‬ ‫املسلمني يف كل مكان‪.‬‬ ‫ العمل عىل تنقية األجواء وتصفية النفوس يف املجتمعات العربية واإلسالمية والدعوة إىل اإلصالح‪ ،‬بالحكمة واملوعظة الحسنة‪،‬‬‫وصوالً إىل مل الشمل وتوحيد الكلمة وتقوية نسيج املجتمع واألمة‪ ،‬والحفاظ عىل املكتسبات‪ ،‬وترسيخ قيم املحبة واملودة والصفاء‬ ‫والتسامح بني أفراده وفئاته عىل اختالف أطيافهم ومذاهبهم‪.‬‬ ‫ ربط الخُطبة بالواقع والحياة‪ ،‬التي يعيشها الناس‪ ،‬وذلك بالرتكيز عىل عالج أمراض املجتمع‪ ،‬وتقديم الحلول ملشكالته من الرشيعة‬‫اإلسالمية الغراء يف إطار فهم واعٍ ألحكام الدين‪ ،‬واستصحاب النافع من الفكر اإلنساين وتجاربه‪.‬‬ ‫ العمل عىل ضامن أمن الوطن واستقراره وسالمة أبنائه‪ ،‬وأنْ نكون دامئاً قادة خري ودعاة إصالح ورسل سالم‪ ،‬وأنْ نؤ ّدي ما ائتمننا‬‫الله تعاىل عليه من دعوة للخري والتسامح و َج ْمعٍ للكلمة‪ ،‬ونبذ الفرقة ما استطعنا إىل ذلك سبيالً‪.‬‬ ‫ تحمل كامل املسؤولية الرشعية والوطنية تجاه قضايا مجتمعاتنا وأمتنا‪ ،‬وتنزيه املنرب وخطبة الجمعة من أن تتخذ أداة للدعاية‬‫ألي جهة أو طرف‪ ،‬وأن تكون خالصة لله تعاىل ولدينه‪ ،‬وتبليغ دعوته وإعالء كلمته « َوأَنَّ الْ َم َساجِ دَ لِلَّ ِه فَال تَدْ ُعوا َم َع اللَّ ِه أَ َحدً ا»‪.‬‬ ‫ بث روح األمل والثقة املتبادلة بني أبناء الدين الواحد‪ ،‬واحرتام حقوق أصحاب الديانات األخرى يف املجتمع‪ ،‬وأن نكون رسل سالم‬‫يب»‪.‬‬ ‫ودعا وتعايش ومحبة وتآخ «إِنْ أُرِيدُ إِال اإل ِْص َ‬ ‫الح َما ْاس َتطَ ْع ُت َو َما تَ ْو ِفي ِقي إِال بِاللَّ ِه َعلَ ْي ِه تَ َوكَّل ُْت َوإِلَ ْي ِه أُنِ ُ‬ ‫ االطالع عىل شتى الوسائل التقنية اإلعالمية الحديثة املتاحة واستثامرها بالشكل األمثل لنرش تعاليم الدين الحنيف ومقاصده‬‫وقيمه ومبادئه ومثله العليا‪.‬‬ ‫ إعامل فقه األولويات وإشاعة روح الحوار بني الناس وتأصيل فقه الخالف بجميع فروعه وفق الضوابط الرشعية‪ ،‬واالرتقاء بأدب‬‫الخالف من خالل الخُطبة والدروس اليومية‪.‬‬ ‫اململكة األردنية الهاشمية ‪ -‬عامن‬ ‫‪ 08‬ذو القعدة‪1433/‬هـ‪ ،‬املوافق ‪ 23‬أيلول‪2012/‬م‬

‫‪91‬‬


‫إصدارات‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫طية‬

‫‪92‬‬

‫الوسطية يصدر كتاب قضايا المرأة في‬ ‫المجتمعات اإلسالمية وتحديات العصر‬

‫الو�سطية – عمان‬ ‫�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية كتاب‬ ‫"ق�ضايا املر�أة يف املجتمعات الإ�سالمية‬ ‫وحتديات الع�صر"‪ ،‬والذي ي�ضم �أوراق‬ ‫العمل املقدمة للم�ؤمتر الدويل اخلام�س‬ ‫والذي عقده املنتدى العاملي للو�سطية يف‬ ‫عمان ‪2009/7/26-25‬م‪.‬‬ ‫والكتاب من احلجم املتو�سط وجاء يف ‪544‬‬ ‫�صفحة‪ ،‬مق�سماً �إىل �أربعة حماور‪ :‬املحور‬ ‫الأول‪ :‬الأ�س�س الفل�سفية حلقوق املر�أة يف‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬حيث ت�ضمن �ستة‬ ‫�أبحاث‪ .‬واملحور الثاين‪ :‬املر�أة يف املواثيق‬

‫الدولية والت�شريعات املحلية وال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وفيه ثالثة �أبحاث‪ .‬وتناول‬ ‫املحور الثالث م�شكالت وق�ضايا تواجه‬ ‫املر�أة من خالل �أبحاث �ست‪ ،‬و�أخرياً جاء‬ ‫املحور الرابع حتت عنوان‪ :‬املر�أة امل�سلمة‬ ‫والدور املن�شود مت�ضمناً �أربعة �أبحاث‪.‬‬ ‫ويهدف الكتاب �إىل �إعادة قراءة اخلطاب‬ ‫الإ�سالمي الن�سوي املعا�صر ومراجعته‪،‬‬ ‫وحماولة لتعزيز مكانة املر�أة يف املجتمعات‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬فهو ر�سالة جتديدية وحماولة‬ ‫لتقدمي منظومتنا الإ�سالمية املتعلقة‬ ‫بالأ�سرة‪ ،‬فهو عمل جتديدي ملواجهة غالة‬

‫اجلمود والتطرف الذين برروا ال�ستمرار‬ ‫الأو�ضاع املزرية التي حلقت باملر�أة ووظفوا‬ ‫الن�صو�ص وحملوها �أكرث مما حتتمل‬ ‫وكر�سوا الإق�صاء لها واحلجر عليها‬ ‫حتت قاعدة �سد الذرائع وحنطوا قواعد‬ ‫الأ�صول وعطلوها �أن تبدع يف اجرتاح‬ ‫احللول والت�صدي للق�ضايا‪ ،‬وهو بنف�س‬ ‫الوقت موجه �ضد ُغالة العلمانيني الذين‬ ‫ميار�سون كل �أ�شكال الإرهاب الفكري‪،‬‬ ‫ويحاربون قيم الأمة ويتبنون قوالب‬ ‫جاهزة دون نظر ويظنون �أن حترير املر�أة‬ ‫مير عرب حتريرها من القيم والدين‪.‬‬


‫إصدار جديد لسلسلة الفكر الوسطي‬ ‫الو�سطية ‪-‬عمان‬ ‫�صدر عن مركز درا�سات املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية كتاب "قراء�آت يف فكر‬ ‫الو�سطية"‪� ،‬ضمن �إ�صدارات �سل�سلة الفكر‬ ‫الو�سط رقم (‪ ،)37‬ويحتوي الكتاب على‬ ‫جمموعة خمتارة من مقاالت وحما�ضرات‬ ‫لعلماء ومفكرين تناولت الو�سطية فكراً‬ ‫و�سلوكاً‪ .‬وهم‪ :‬د‪ .‬يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬د‪.‬‬ ‫�سلمان بن فهد العودة‪ ،‬د‪ .‬ع�صام الب�شري‪،‬‬ ‫د‪ .‬حممد عمارة‪ ،‬د‪� .‬أبو �أمامة نوار بن‬ ‫ال�شلي‪ ،‬د‪ .‬عدنان زرزور‪ ،‬د‪� .‬سعد الدين‬ ‫العثماين‪ ،‬د‪ .‬وليد ها�شم ال�صميدعي‪ ،‬د‪.‬‬ ‫حممد اخلطيب‪ ،‬و د‪ .‬حممد املطني‪.‬‬ ‫والكتاب من احلجم املتو�سط وجاء يف‬ ‫‪� 88‬صفحة‪ ،‬مق�سماً �إىل �سبعة حماور‪:‬‬ ‫املحور الأول وتناول التعريف مبفهوم‬ ‫الو�سطية كم�صطلح وداللة‪ ،‬وت�ضمن‬ ‫املحور الثاين منهج الو�سطية يف القر�آن‬ ‫الكرمي وال�سنة املطهرة وال�صحابة‪ ،‬املحور‬ ‫الثالث‪ :‬الو�سطية والنهو�ض احل�ضاري‪،‬‬ ‫املحور الرابع‪ :‬الو�سطية ‪ ..‬ومقا�صد‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬املحور اخلام�س‪:‬‬ ‫الو�سطية ‪ ..‬وخطر ال ُغالة‪ ،‬وت�ضمن‬ ‫املحور ال�ساد�س العالقة مع الآخر يف‬ ‫�ضوء و�سطية الإ�سالم‪ ،‬من خالل تعريف‬ ‫مفهوم الآخر‪ ،‬وم�ستويات الت�أ�صيل‬ ‫القر�آين لأ�س�س و�ضوابط العالقة مع‬ ‫الآخر �سواء على امل�ستوى التنظريي‬ ‫�أو امل�ستوى التطبيقي‪ ،‬وكذلك الأ�س�س‬ ‫الإ�سالمية للعالقة مع الآخر يف �ضوء‬ ‫و�سطية الإ�سالم وهي الكرامـة الإن�سانية‪،‬‬ ‫وحدة العن�صر الب�شري‪ ،‬احلرية والعدالة‪،‬‬

‫ت�أمني احلماية من العدوان اخلارجي‪ ،‬ت�أمني احلماية الداخلية‪ .‬وختم الكتاب باملحور‬ ‫ال�سابع‪ :‬الو�سطية م�شروع وحدة الأمة‪.‬‬ ‫ويهدف الكتاب �إىل تعريف القارئ ب�أن الو�سطية �سمة ثابتة وبارزة يف كل باب من‬ ‫�أبواب الإ�سالم‪ ،‬يف االعتقاد‪ ،‬والت�شريع‪ ،‬والتكليف‪ ،‬والعبادة‪ ،‬وال�شهادة واحلكم‪ ،‬والأمر‬ ‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬واجلهاد يف �سبيل اهلل‪ ،‬والأخالق واملعاملة‪ ،‬وك�سب املال‬ ‫و�إنفاقه‪ ،‬ومطالب النف�س و�شهواتها‪ ،‬و�أ َّن �سماحة الإ�سالم تتنافى مع الغلو والت�شدد‬ ‫يف الدين‪ .‬باعتبار �أن الو�سطية ُتع ّد من �أهم مزايا املنهج الإ�سالمي‪ ،‬ف�أ َّمة الإ�سالم �أ َّمة‬ ‫الو�سط وال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬فالو�سطية هي حالة من التوازن بني الت�شدد وال�شذوذ‬ ‫من جهة‪ ،‬والتهاون والتق�صري من جهة ثانية‪ ،‬وهي منهج يف احلياة‪ ،‬يرتبط مبختلف‬ ‫جوانب الن�شاط الب�شري‪ ،‬فهي منهج يف فهم ال�شرع‪ ،‬ومنهج يف التدين‪ ،‬ومنهج يف العمل‬ ‫الدعوي واالجتماعي وال�سيا�سي‪ ،‬ومنهج يف التعامل مع الآخرين‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫إصدار‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪94‬‬

‫العالمي للوسطية يصدر كتاب بعنوان‬ ‫« تقرير الحالة الدينية في األردن »‬

‫الو�سطية – عمان‬ ‫�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫كتاب بعنوان "تقرير احلالة الدينية‬ ‫يف الأردن"‪ ،‬يت�ضمن �أبرز و�أهم الق�ضايا‬ ‫املتعلقة باحلالة الدينية يف الأردن‪.‬‬ ‫ويهدف الكتاب الذي يعترب اول تقرير‬ ‫يبحث احلالة الدينية يف االردن �إىل بيان‬ ‫الدور الأ�سا�سي للدين يف ت�أ�سي�س اململكة‬ ‫الأردنية و�سيا�سات امللوك املتعاقبني عليها‬ ‫واملواقف الدينية التي ميكن مالحظتها‬ ‫يف ال�سلوك واملواقف ال�شخ�صية لهم‪،‬‬ ‫و�أهميته يف الد�ستور الأردين والقوانني‬ ‫والت�شريعات‪.‬باعتبار ان الإ�سالم هو‬ ‫دين الدولة واهم ركائز وحدة الدولة‬ ‫وا�ستقرارها‪.‬‬ ‫والكتاب من احلجم املتو�سط وجاء‬ ‫يف ‪� 431‬صفحة‪ ،‬مق�سماً �إىل �أثني ع�شر‬ ‫ف�ص ً‬ ‫ال‪ :‬ت�ضمن الأول مبحثان حول‬ ‫احلريات الدينية يف الت�شريعات الأردنية‪،‬‬ ‫واخلطاب املوجه من �صاحب ال�سمو امللكي‬ ‫الأمري غازي بن حممد �أمام قدا�سة البابا‬ ‫بنديكتو�س ال�ساد�س ع�شر يف م�سجد امللك‬ ‫احل�سني بن طالل عمان الأردن يف ‪� 9‬أيار‬ ‫‪ 2009‬يف حني ا�ستعر�ض الثاين امل�ؤ�س�سات‬ ‫الدينية الر�سمية يف الأردن واملتمثلة‬ ‫يف وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬دائرة قا�ضي الق�ضاة‪،‬‬ ‫دائرة الإفتاء العام‪ ،‬مديريات الإفتاء يف‬ ‫امل�ؤ�س�سات الع�سكرية‪ ،‬م�ؤ�س�سة تنمية �أموال‬

‫الأيتام‪ ،‬الهيئة الأردنية الها�شمية للإغاثة والتنمية والتعاون العربي والإ�سالمي‪،‬‬ ‫وتكية �أم علي‪ .‬وت�ضمن الثالث �شرح تف�صيلي عن اجلمعيات واملنظمات الإ�سالمية‬ ‫يف الأردن املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‪ ،‬املعهد امللكي‬ ‫للدرا�سات الدينية‪ ،‬م�ؤ�س�سة �آل البيت للفكر الإ�سالمي‪ ،‬املعهد العاملي للفكر الإ�سالمي‪،‬‬ ‫اللجنة امللكية ل�ش�ؤون القد�س‪ ،‬جمعية احلديث ال�شريف و�إحياء الرتاث‪ ،‬جمعية الثقافة‬ ‫العربية الإ�سالمية‪ ،‬جمعية الكتاب وال�سنة‪ ،‬جمل�س اجلمعيات واملنظمات الإ�سالمية‪،‬‬ ‫جمعية املركز الإ�سالمي‪ ،‬جمعية املحافظة على القر�آن الكرمي‪ ،‬جمعية العفاف اخلريية‪،‬‬ ‫وجاء يف الف�صل الرابع �شرح عن اجلماعات والتيارات الإ�سالمية يف الأردن منها جماعة‬ ‫الأخوان امل�سلمني واجلماعات ال�سلفية‪ ،‬وت�ضمن الف�صل اخلام�س الأحزاب الإ�سالمية يف‬ ‫الأردن منها حزب الو�سط الإ�سالمي‪ ،‬حزب جبهة العمل الإ�سالمي‪ ،‬وحزب التحرير‪.‬‬ ‫كما ت�ضمن الكتاب �شرح الثقافة والتعليم الديني‪ ،‬والكنائ�س واجلمعيات امل�سيحية‪،‬‬ ‫وال�سياحة الدينية‪ ،‬كما ت�ضمن �شرح عن �شهر رم�ضان املبارك واملنا�سبات الإ�سالمية‪،‬‬ ‫م�ستعر�ضا الإعالم الإ�سالمي‪ ،‬و�شرح عن امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬ومع�ضلة الإرهاب‪.‬‬


‫قصيدة المنتدى العالمي للوسطية‬ ‫عبداهلل ذيبان العكيدي ‪ -‬العراق‬

‫إلى المنتدى العالمي للوسطية‬

‫‪ 2‬ذي احلجة ‪1433‬هـ‬ ‫مبنا�سبة ور�شة اخلطباء يف املنتدى العاملي للو�سطية بعمان‬

‫‪95‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.