مجلة الوسطية العدد الثالث والثلاثون

Page 1



‫افتتاحية العدد ‪. .‬‬ ‫(اإلدانة الظالمة)‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫وي�ستمر فعلنا الفكري والثقايف يف ت�صاعد م�ستمر‬ ‫وال يتوقف‪ ،‬لأن��ه ي�أتي م� ّ�رة �إ�ست�شعار ًا حلالة فكرية‬ ‫و�سيا�سية واقت�صادية واجتماعية ما‪ ،‬ي�ستلزم معها‬ ‫الواقع العام طرح ًا معاجل ًا خللل هنا‪� ،‬أو دعم ملوقف‬ ‫�إيجابي هناك‪ ،‬مثلما ي�أتي كذلك كر ّدة فعل ملا تنتجه‬ ‫مطابخ ال�سيا�سات الإيديولوجية العاملية التي ت�أتينا كل‬ ‫يوم بتو�صيف ما‪ ،‬حول واقعنا ال�سيا�سي �أو الإقت�صادي‬ ‫�أو الإجتماعي �أو الثقايف �أوغريه‪.‬‬ ‫ولعل هذا ميهد ملا �أود طرحه من فكرة حول عنوان‬ ‫عري�ض �شكل منهجية عمل لكثري من الدول وامل�ؤ�س�سات‪،‬‬ ‫�إنه (جتفيف منابع الإره��اب) بغ�ض النظر عن كل ما‬ ‫يلت�صق بهذا العنوان‪ ،‬خري ًا كان �أم �شراً‪� ،‬إذ تبني لدى‬ ‫اجلميع �أن م�صطلح حم��ارب��ة الإره����اب وجتفيفه مل‬ ‫يتوقف عند الإره��اب احلقيقي ال��ذي يعرفه اجلميع‪،‬‬ ‫تعدى ذلك �إلى‬ ‫وعانت منه دول و�شعوب و�أف���راد‪ ،‬بل ّ‬ ‫تو�صيفات عدة للإرهاب‪� ،‬أو لنقل تو�سع ًا يف تو�صيف‬ ‫الإره��اب املُمار�س من قبل بع�ض امل�سلمني ليكون �صفة‬ ‫ً‬ ‫وثقافة و�سلوكاً‪ ،‬وبحيث ين�سحب‬ ‫مالزمة للإ�سالم فكر ًا‬ ‫ذلك التو�صيف لي�شمل املعتقدات والعبادات واملعامالت‬ ‫والأخالق العامة والفكر والثقافة‪ ،‬وكل ما ينبثق عنهما‪،‬‬ ‫و�صو ًال �إلى �إ�شهار الإ�سالم بر ّمته على �أنه دين �إرهابي‬ ‫و�أتباعه �إرهابيون بامتياز !!!‬ ‫املتحجر من قبل الكثري من‬ ‫�إن هذا املوقف الظامل‬ ‫ّ‬ ‫�أعداء الإ�سالم �أ�س�س حلالة من ال�شعور باملظلومية عند‬ ‫كثري من امل�سلمني‪ ،‬نتيجة �إتهام الإ�سالم بالإرهاب‪ ،‬و�أن‬ ‫ً‬ ‫وثقافة و�سلوك ًا و�أتباعاً‪،‬‬ ‫الإ�سالم بر ّمته عقيدة وفكر ًا‬ ‫م�صدر ل�ل�إره��اب العاملي‪ ،‬فنال ذل��ك املوقف من الفكر‬ ‫الإ�سالمي الو�سطي الذي يج�سد الإ�سالم روح ًا ومعنى‪،‬‬ ‫مثلما يج�سده �سلوك ًا يومي ًا وواق��ع� ًا معا�شاً‪ ،‬مل تلوث‬ ‫�صورته احلقيقية مبثل ما جرى له يف هذه ال�سنوات‬ ‫العجاف‪ ،‬التي �أرادت �إل�صاق الإ�سالم بالإرهاب وت�شكيل‬ ‫كل قوى الرف�ض التي تعمل على ت�ضييق نوافذه نحو‬ ‫العامل الآخر و�إغالقها‪ ،‬بعدما ر�أوا �أنه يتقدم بخطى‬ ‫واثقة غري �آبه مبا يحاك له من �أعدائه‪� ،‬أو مبا ُي�صاب‬ ‫وجنب‪ ،‬يدفعهم �إلى تبني‬ ‫به �أبنا�ؤه من خذالن وتراجع ُ‬ ‫بع�ض ًا من م�شاريع حماربته يقدمونها قربان ًا لنيل ر�ضا‬ ‫ال�سادة من دول ذات �سطوة‪ ،‬وال ينفع معها �إ ّال �إعالن‬ ‫الوقوف مع تلك الدول املعادية للإ�سالم عالنية للأ�سف‪.‬‬

‫ولذلك جند �أن قريحة من يدعون حماربة الإرهاب‬ ‫قد تفتحت �أك�ثر ف�أكرث ل�ترى �أن دور ال��ق��ر�آن الكرمي‬ ‫التي تبذل جهود ًا كبرية يف ا�ستح�ضار القر�آن الكرمي يف‬ ‫فكر اجليل وثقافته و�سلوكه وتهذيبه �إمنا هي منبع من‬ ‫منابع الإرهاب ويدعون �إلى جتفيف ذلك املنبع بقطع‬ ‫الدعم عنها وت�ضييق حرية العمل ومراقبتها بطريقة‬ ‫ا�ستفزازية‪ ،‬حتى جترب على الإغالق‪.‬‬ ‫وال يتوقف الأمر عند دور القر�آن الكرمي بل يتعداه‬ ‫�إل��ى الت�شكيك باحلديث النبوي ال�شريف ومذاهبه‬ ‫ومدار�سه ومعاهد تدري�سه والقائمني عليها‪ ،‬واعتبارها‬ ‫منبع ًا �آخ��ر من منابع الإره��اب‪ ،‬ويجب �إغالقها ب�شتى‬ ‫الو�سائل والطرق‪ ،‬ويف ذلك ت�ضييق على دائ��رة الفهم‬ ‫اخلا�صة بالقر�آن الكرمي‪� ،‬إذ بفهم احلديث وا�ستيعابه‬ ‫تف�سر الآيات وت�ستلخ�ص الأحكام وجت�سد املعاين‪.‬‬ ‫ومل يتوقف الأمر عند هذه املفا�صل بل تعداها �إلى‬ ‫�أم��ر امل�ساجد وكيفية انفتاحها على جمتمعها املحلي‬ ‫واملطالبة ب�إلغاء دوره��ا الدعوي والإكتفاء بفتحها‬ ‫خالل �أوقات ال�صالة فقط‪ ،‬الأمر الذي يبعدها تدريجي ًا‬ ‫عن تربية اجليل وتوجيهه وتن�شئته وف��ق �ضوابط‬ ‫�أخالقية ودينية‪.‬‬ ‫ويف خ�ضم احلرب على املذاهب الإ�سالمية الرا�شدة‬ ‫و�أتباعها من العلماء الذين ق��ادوا الأم��ة يف مراحل‬ ‫وف�ت�رات �أ���ش��د �صعوبة وظُ لمة ينهد املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية‪ ،‬ومب��ا ميتلك من ر�ؤي��ة وفل�سفة متقدمة يف‬ ‫الطرح والو�سائل والآليات ل�صياغة الرد الأمثل على تلك‬ ‫القوى مهما كانت مرجعياتها‪ ،‬وليكون لها باملر�صاد‪ ،‬من‬ ‫خالل ما يعقد من م�ؤمترات وندوات وحما�ضرات‪ُ ،‬يدعى‬ ‫لها �أ�صحاب ال��ر�أي و�ص ّناع القرار ال�سيا�سي والفكري‪،‬‬ ‫لإيجاد قناعة م�شرتكة لدى اجلميع‪ ،‬تقوم على تو�ضيح‬ ‫�صورة الإ�سالم كما جاء بها الأنبياء وخامتهم حممد‬ ‫�صلى اهلل وعليه و�سلم‪ ،‬و�سار عليها اخللفاء الرا�شدون من‬ ‫بعده‪ ،‬من �أجل الوقوف يف وجه كل من ي�شكك بالإ�سالم‬ ‫وفكره‪ ،‬والوقوف كذلك �ضد من ي�ش ّوه �صورته من �أبنائه‬ ‫و�أتباعه للو�صول �إلى حالة من الإ ّتزان املطلوب الذي‬ ‫يتحقق معه ويف ظله مظاهر العي�ش امل�شرتك الذي‬ ‫يحقق البقاء والتقدم للجميع يف ظل منهج رباين‬ ‫ي�ستقيم وقوله تعالى‪} :‬لكم دينكم ويل دين{‪.‬‬


‫محتويات العدد‬ ‫االفتتاحية‬

‫�أخبار الو�سطية‬

‫زيارة دولة الأ�ستاذ الدكتور �أحمد داود �أُوغلو رئي�س وزراء تركيا الأ�سبق‬

‫‪4‬‬

‫البيان اخلتامي لندوة من �أعالم الإ�صالح والتجديد‪ :‬ابن عا�شور وحممد حبيب العبيدي‬

‫‪7‬‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك يف م�ؤمتر الوحدة الإ�سالمية يف مكة املكرمة‬ ‫املنتدى ي�شارك يف م�ؤمتر دويل(الإعتدال الديني وال�سيا�سي و�أثره يف تعزيز التنمية املجتمعية)‬ ‫ال�سالم "‪.‬يف جامعة الأنبار يف العراق‬ ‫وحتت �شعار " الإعتدال يف اخلطاب طريقنا �إلى ّ‬ ‫ندوة الإنتماء الى املجتمع اجلامعة الأردنية‬

‫‪8‬‬

‫‪14‬‬

‫معر�ض املنظمات الأهلية الثالث ا�سطنبول‬

‫‪15‬‬

‫م�ؤمتر �صالح الدين الأيوبي الإن�سان والقائد وموجه التاريخ "ال�سليمانية‬

‫‪16‬‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية ينظم ندوة حوارية بعنوان‪ :‬من جتليات الو�سطية‪ :‬الرت�شيد‬

‫‪18‬‬

‫ِ‬ ‫مق�صد ال�سالم يف �شريعة الإ�سالم‬ ‫دور و�سائل الإعالم يف ن�شر ثقافة الرت�شيد‬ ‫دور منظمات املجتمع املدين يف حماربة التطرف‬

‫درا�سات‬

‫اجلودة ال�شاملة يف الفكر الإ�سالمي‬ ‫�آليات تربوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة‬ ‫مالمح االعتدال والو�سطية يف اخلطـــاب الفقهي املعا�صر للمر�أة‬ ‫عاملية الإ�سالم ‪ ..‬والعلمانية املذهبية‬

‫لقاءات‬

‫دور الأَئمة يف املجتمع املعا�صر‬ ‫احلرية يف اال�سالم‬ ‫ت�أمالت تربوية يف �سورة ال�ضحى‬ ‫توظيف الإبداع يف الفعاليات االقت�صادية مطلب �شرعي‬ ‫ا�س القَطْ رِ ِعبرْ َ ةٌ‬ ‫فيِ ان ِْح َب ِ‬ ‫قراءة يف ال�سلم‬ ‫االنتماء للأمة والوطن‬ ‫يف رحاب جامعة الأنبار‬ ‫�س�ؤال الدولة اال�سالمية و مفهومها يف فكر �سعدالدين العثماين‬

‫واحة الو�سطية‬

‫‪12‬‬

‫د‪� .‬أحمد الري�سوين‬ ‫الدكتور حممد طالب عبيدات‬ ‫�أ‪.‬د‪� .‬أمني م�شاقبة‬ ‫دكتور �سهم �سامي املجايل‬ ‫د‪� .‬إن�صاف �أيوب املومني‬ ‫د‪ .‬خولة حمد خلف الزيدي‬ ‫ال�شيخ عبد املجيد ابو �سل‬

‫ال�شيخ الإمام يو�سف القر�ضاوى يناجي ويبتهل‪..‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪73‬‬

‫لقاء املهند�س مروان الفاعوري مع �صحيفةالد�ستور الأردنية‬ ‫الو�سط ّيةُ‬ ‫لي�ست �أ�سو َد و� َ‬ ‫أبي�ض فقط‬ ‫ْ‬

‫مقاالت‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫‪1‬‬

‫د‪� .‬أبو جرة �سلطاين‬ ‫�أ‪ .‬جمال ال�سفرتي‬ ‫�أ ‪ .‬حممد الع�ضايلة‬ ‫�أ‪ .‬د‪ .‬داود عبدامللك احلدابي‬ ‫�أ‪ .‬د‪ .‬قي�صر عبد الكرمي الهيتي‬ ‫عدنان عبيدات‬ ‫د‪ .‬عبد احلميد القطيطات‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬ ‫د‪ .‬ح�سن علي املبي�ضني‬ ‫�شريوان ال�شمرياين‬

‫‪79‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪101‬‬


‫الهيئة االستش�ارية للمجلة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‪ /‬املغرب‬ ‫معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‪ /‬الأردن‬ ‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور عبد الفتاح مورو‪/‬تون�س‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور حممد طالبي‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور حممد زاهد جول‪/‬تركيا‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‪ /‬لبنان‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين‪ /‬اجلزائر‬

‫السنة العاشرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع اآلخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون األول ‪٢٠١8‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‪/‬م�صر‬ ‫الدكتور حممد حب�ش‪�/‬سوريا‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‪/‬الأردن‬

‫هيـئـة التـحريـر‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الدكتور حممد احلاج‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬ ‫الدكتور علي احلجاحجة‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‬

‫تصدر عن‬ ‫المنتدى العالمي للوسطية‬

‫المشرف العام‬ ‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‬

‫تصميم وإخراج‬

‫تحت رقم ايداع‬

‫د‪2018/708/‬‬

‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬ ‫‪0799160136‬‬

‫عمان‬ ‫المملكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬

‫المراسالت‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع‬

‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 1241 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net‬‬


‫أخبار الوسطية‬

‫زيارة دولة األستاذ الدكتور أحمد داود ُأوغلو‬ ‫رئيس وزراء تركيا األسبق‬

‫‪6‬‬

‫بدعوة كرمية من املهند�س م��روان الفاعوري‬ ‫الأم�ين العام للمنتدى العاملي للو�سطية قام دولة‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أحمد داود اوغلو بزيارة الى‬ ‫االردن ترافقه زوجته وابنته‪ ،‬وخالل هذه الزيارة‬ ‫مت �إع��داد برنامج تف�صيلي لها حيث كان الو�صول‬ ‫يوم ‪ 11/18‬ال�ساعة الثالثة فجر ًا فقد ا�ستقبل‬ ‫ال�ضيف ك��ل م��ن الأم�ي�ن ال��ع��ام للمنتدى املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري ومعايل الدكتور حممد احلاليقة‬ ‫والدكتور زيد �أحمد املحي�سن ‪ ،‬وقد ت�شرف مبقابلة‬ ‫جاللة امللك عبد اهلل الثاين ابن احل�سني ومبعية‬ ‫الأمني العام للمنتدى‪ ،‬ويف امل�ساء يف متام ال�ساعة‬ ‫ال�ساد�سة م�ساء القى الدكتور اوغلو حما�ضرة يف‬ ‫مدينة احل�سني لل�شباب بعنوان "م�ستقبل املنطقة‬ ‫يف �ضوء التحديات الراهنة " وقد ح�ضر املحا�ضرة‬ ‫ع��دد كبري م��ن ال�شخ�صيات ال��وازن��ة يف الأردن‬ ‫من ر�ؤ�ساء ال��وزارات وال��وزراء والأعيان والنواب‬ ‫و�أ�ساتذة اجلامعات وع��دد من ر�ؤ���س��اء الفعاليات‬ ‫الر�سمية وال�شعبية واحلزبية‪.‬‬

‫وق��د الق��ت املحا�ضرة �أه��م��ي� ً�ة يف ال�صحف‬ ‫وامل��ج�لات وامل��واق��ع الإلكرتونية وعلى �أث��ر ذلك‬ ‫قامت �صحيفة الر�أي ب�إجراء لقاء مطول مع دولة‬ ‫ال��دك��ت��ور �أوغ��ل��و ت�ضمنت جم��ري��ات الأح����داث يف‬ ‫املنطقة وانعكا�ساتها على ال�سالم والإ�ستقرار يف‬ ‫الإقليم‪ ،‬ويف اليوم الثاين من الزيارة قام مبقابلة‬ ‫دولة رئي�س ال��وزراء الدكتور عمر ال��رزاز وكذلك‬ ‫رئي�س جمل�س الأعيان دولة الأ�ستاذ في�صل الفايز‪.‬‬ ‫ويف امل�ساء �أق��ام ال�سفري الرتكي يف عمان حفل‬ ‫ع�شاء على �شرف ال�ضيف ح�ضر اللقاء دولة الدكتور‬ ‫عون اخل�صاونة ودولة طاهر امل�صري ودولة الدكتور‬ ‫عبد اهلل الن�سور‪ ،‬ومن املنتدى الأمني العام املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري ومعايل الدكتور حممد احلاليقة‬ ‫ومعايل ال�شيخ عبد الرحيم العكور والدكتور زيد‬ ‫املحي�سن والدكتور عبد الرحيم معايعة وال�سيد‬ ‫احمد اجلغبري‪.‬‬ ‫ويف اليوم الثالث للزيارة قام بزيارة �سياحية‬ ‫ال��ى ال��ب�تراء والبحر امليت ل�ل�إط�لاع على معامل‬


‫املدينة الأثرية الوردية وغادر الأردن يوم الأربعاء‬ ‫فجر ًا عائد ًا الى بالده‪.‬‬ ‫كرم من قبل رابطة كتاب‬ ‫وخالل زيارة ال�ضيف ّ‬ ‫التجديد �أحد �أذرع املنتدى العاملي للو�سطية بدرع‬ ‫و�شهادة فخرية لع�ضوية املنتدى وميدالية املنتدى‪.‬‬ ‫قدمها دولة الأ�ستاذ‬ ‫ت�أتي �أهمية املحا�ضرة التي ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�أحمد داود �أوغلو من كونها متثل نتاجا فكريا ذا‬ ‫ر�ؤي��ة م�ستقبلية ل�شخ�ص م� ّ�ر بتجارب عميقة يف‬ ‫العمل الأكادميي واحلزبي وال�سيا�سي و�شغل مواقع‬ ‫مهمة ع� ّ�دة يف دول��ة ذات ت�أثري كبري على م�ستوى‬ ‫الإقليم والعامل بحيث يلحظ كل متابع لها �أن ما‬ ‫ي�صدر عن ال��رج��ل ال ميثل وجهة نظر �شخ�صية‬ ‫فقط بقدر ما ميثل �سيا�سة تركيا و�إ�سرتاتيجيتها‬ ‫قدمي ًا وحديث ًا وم�ستقب ًال وبحيث يرى املتابع �أي�ض ًا‬ ‫�أن ما ينتظره املرء من �أحداث �سيا�سية ال تخرج عن‬ ‫�سياق التوقعات ال�سيا�سية الرتكية التي تن�سجم مع‬ ‫�سيا�ستها حين ًا وتختلف عنها �أحيان ًا �أخرى‪ ،‬الأمر‬ ‫ال��ذي جعل من املحا�ضرة در�س ًا �سيا�سي ًا مميز ًا يف‬ ‫درا�سة املا�ضي واحلا�ضر ور�ؤية ا�سرتاتيجية كذلك‬ ‫يف ا�ست�شراف امل�ستقبل وخا�صة فيما يتعلق بالداخل‬ ‫ال�ترك��ي ودول اجل����وار ذات امل�����ش��اك��ل الداخلية‬ ‫والإقليمية‪ ،‬الأم���ر ال��ذي يجعل م��ن �أي معادلة‬ ‫�سيا�سية حلل �أزمة ما يف هذه الدولة �أو تلك من دول‬ ‫اجلوار‪ ،‬معادلة تركية كذلك‪ ،‬الرتباط جميع دول‬ ‫اجل��وار الرتكي بعالقات وم�صالح متبادلة ال ميكن‬

‫جتاوزها عن طرح �أي م�شروع �سيا�سي ي�ستهدف حل‬ ‫النزاع يف هذه الدولة �أو تلك‪.‬‬ ‫كما �أن املتابع ملجريات الق�ضية الفل�سطينية‬ ‫والقد�س حتديد ًا يرى م�ستقبل هذه الق�ضية لي�س‬ ‫بعيد ًا عن الوجود الرتكي ب�شكل �أو ب�آخر ذلك �أن‬ ‫الق�ضية الفل�سطينية والقد�س يف مقدمتها حتتل‬ ‫مكان ًا ب���ارز ًا يف ال�سيا�سة الداخلية واخلارجية‬ ‫الرتكية و�أي حل لهذه الق�ضية ال ين�سجم مع الر�ؤية‬ ‫الرتكية حول قدا�سة القد�س وعدالة ق�ضيتها هو‬ ‫حل مرفو�ض لأن تركيا ت�ضع نف�سها يف خط الدفاع‬ ‫الأول عن القد�س واملقد�سات‪ ،‬الأم��ر ال��ذي يزعج‬ ‫�أي طرف �إقليمي يريد الت�ساهل يف ق�ضية القد�س‬ ‫من �أجل �إمت��ام �صفقة ما‪ ،‬وهذا من �ش�أنه �أن يعمق‬ ‫الإمتداد الإ�سالمي لق�ضية القد�س يف نفو�س امل�سلمني‬ ‫عرب ًا و�أتراك ًا وغريهم‪.‬‬ ‫�أما ما يتعلق بالتطورات ذات البعد االقت�صادي‬ ‫فريى كثري من املحللني �أن حما�ضرة كهذه ت�أتي لت�ؤكد‬ ‫للجميع �أن هناك عمق ًا �إ�سرتاتيجي ًا �إقت�صادي ًا على‬ ‫العرب جميع ًا �إ�ستثماره �إ�ستثمار ًا وا�ضح ًا لتحقيق‬ ‫الفائدة املرج ّوة للطرفني خا�صة �إذا علمنا �أن كثري ًا‬ ‫من امل�ستثمرين العرب ب���د�أوا ب�إقامة م�شاريعهم‬ ‫الإقت�صادية يف تركيا للإ�ستفادة من الإمتيازات‬ ‫املمنوحة للم�ستثمرين هناك‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫ولعل ما يبعث الأمل يف نفو�س املفكرين واملثقفني‬ ‫املتابعني للمحا�ضرة تلك‪ ،‬ي��درك حجم التفا�ؤل‬ ‫ال��ذي ينبغي على اجلميع ا�ستح�ضاره ونحن نرى‬ ‫�إقبا ًال متزايد ًا على درا�سة اللغة الرتكية مثلما‬ ‫ن��رى �إق��ب��ا ًال مم��اث� ً‬ ‫لا �أو يزيد على درا���س��ة اللغة‬ ‫العربية الأم���ر ال��ذي ين�شر بفهم �أو���س��ع للقر�آن‬ ‫وال�سنة من قبل ال�شعب الرتكي مثلما ين�شر بانفتاح‬ ‫�أكرب للإ�سالم وامل�سلمني نحو �أوروب��ا‪� ،‬إذ �أن تركيا‬ ‫هي بوابة الدخول نحو �أوروب��ا باتت �أكرث قناعة‬ ‫ب�ضرورة تدري�س اللغة العربية يف مدار�س اجلالية‬ ‫يف دولة مثل �أملانيا مث ًال‪.‬‬ ‫�إن حما�ضرة كهذه مهدت لت�أ�صيل قناعة م�شرتكة‬ ‫لدى املنتدى العاملي للو�سطية والدول ذات الت�أثري‬ ‫الإقليمي الكبري مثل تركيا ب�أن �سيا�سة الو�سطية‬ ‫والإع���ت���دال وال��ت��وازن ه��ي الكفيلة بحل جميع‬ ‫الق�ضايا املعلقة على طاولة املفاو�ضات مثلما ي�شكل‬ ‫الفكر الو�سطي بدي ًال عند اجلميع‪ ،‬لهذا الفكر‬ ‫املتطرف ال��ذي بات ينخر يف ج�سد الأم��ة ويقدم‬ ‫ً‬ ‫وثقافة و�سلوك ًا‬ ‫نف�سه وك�أنه الإ�سالم ال�شامل فكر ًا‬ ‫وهو من الإ�سالم براء‪.‬‬ ‫�إن �إمي��ان رجل بحجم �أوغلو �سيا�سي ًا باملنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وبطروحاته الفكرية ميهد ملزيد‬ ‫من الثقة املتبادلة بحيث يكون املنتدى معها يبث‬ ‫خربة فكرية و�سيا�سية وثقافية كذلك‪.‬‬ ‫من هنا ي�ؤمن القائمون على املنتدى ب�ضرورة‬ ‫ا�ستمرار العمل �ضمن الر�ؤية الإ�سالمية املعتدلة‬ ‫املتوازنة التي حتقق التوا�صل واحل��وار مع جميع‬ ‫�أط��راف املعادلة ال�سيا�سية الإقليمية ومبا يخدم‬ ‫امل�صالح العليا ل�ل�أم��ة وت��ع��زز وح��دت��ه��ا ويحقق‬ ‫للمنتدى ح�ضوره الإقليمي وال��دويل م�ؤمن ًا كذلك‬ ‫بدور الأطراف الأخرى يف دعم ذلك التوجه‪.‬‬ ‫حتليل لأهمية الزيارة‪:‬‬ ‫ت�أتي �أهمية زيارة الدكتور احمد داود اوغلو‬ ‫لعمان و�سط عدد من التحديات الكبرية واخلطرية‬ ‫التي تواجه منطقة ال�شرق الأو���س��ط من ناحية‬ ‫الأمن والإ�ستقرار‪.‬‬ ‫و�إن احل�ضور ال�سيا�سي املتميز من �أربعة ر�ؤ�ساء‬ ‫وزارات كذلك بع�ض الأعيان والنواب وعدد من ر�ؤ�ساء‬ ‫الأح��زاب وال�شخ�صيات ال�سيا�سية والإجتماعية‬

‫والثقافية له داللة كبرية على �أهمية هذا املفكر‬ ‫الإ�سرتاتيجي و�أهمية الإ�ستماع اليه‪ ،‬وقد ي�ساهم‬ ‫ب�شكل �أو ب�آخر يف طرح بع�ض املفاهيم واملواقف‬ ‫تكون فيها فائدة لهم لإع��ادة النظر يف مواقفهم‬ ‫جتاه تركيا‪،‬كما �أن �إ�شادة املفكر بالدور الأردين‬ ‫الذي تقوم به الأردن من خالل الو�صاية الها�شمية‬ ‫على املقد�سات الإ�سالمية وامل�سيحية ودور جاللة‬ ‫امللك يف الدفاع عن الق�ضية الفل�سطينية يف املحافل‬ ‫الدولية هو �إيجابية بحد ذاتها لهذه الزيارة‪.‬‬ ‫كما �أحدثت الزيارة �ضجة �إعالمية حملية‬ ‫واقليمية م��ن خ�لال التغطية الإع�لام��ي��ة لهذه‬ ‫الزيارة يف ال�صحف واملواقع الإلكرتونية وحماولة‬ ‫ا�ست�شراف املوقف الرتكي جتاه الق�ضايا العالقة يف‬ ‫املنطقة ونوايا �أ�صحاب القرار الرتكي يف حلها من‬ ‫خالل تهيئته فر�صة لتبادل وجهات النظر الر�سمية‬ ‫مع القيادة الرتكية من خالل هذه الزيارة‪ ،‬وكذلك‬ ‫من �أجل احتمال ن�شوء تفاهمات حول طرق معاجلة‬ ‫التطرف والإرهاب يف املنطقة‪ ،‬وهذا داللة وا�ضحة‬ ‫من �أن �شخ�صية رئي�س ال��وزراء الرتكي اوغلو لها‬ ‫مكانتها املحلية والإقليمية والدولية وجتذب يف‬ ‫العادة و�سائل الإعالم للإ�ستفادة من املعلومات التي‬ ‫لديه يف ال�ش�ؤون الدولية والإقليمية‪.‬‬ ‫كما �أب��رزت الزيارة يف هذه الظروف ل�ل�أردن‬ ‫مكانة الأردن ومزاياه وما يتمتع به من ا�ستقرار‬ ‫�سيا�سي ومن��وذج يف الإع��ت��دال والو�سطية ومثال‬ ‫يحتذى فيه يف العي�ش امل�شرتك وال�سلم الأهلي‪.‬‬ ‫�إن ق��ي��ام منظمة جمتمع م��دين يف الأردن‬ ‫بالدعوة والتنظيم والرتتيب لهذه الزيارة تعد‬ ‫�إجن���از ًا بحد ذات��ه من خ�لال التنظيم والتح�ضري‬ ‫وت�ضافر اجلهود الر�سمية جتاه املنتدى اثمرت عن‬ ‫حتقيق جناح كبري لهذه الزيارة للأردن وللمنتدى‬ ‫مع ًا وهذا له داللة على املكانة الكبرية وامل�صداقية‬ ‫ال��ت��ي يحظى بها امل��ن��ت��دى ل��دى ك��اف��ة امل�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمية ودوائر الدولة ومنظمات املجتمع املدين‬ ‫والأح���زاب والعالقات احلميمة معهم وا�ستطاع‬ ‫املنتدى من خالل هذه الزيارة ت�سويق نف�سه فكري ًا‬ ‫و�إعالمي ًا وثقافي ًا واجتماعي ًا والدولة الأردنية‬ ‫امل�ست�ضيفة له مع ًا‪.‬‬


‫أخبار الوسطية‬

‫البيان الختامي لندوة‬ ‫من أعالم اإلصالح والتجديد‪:‬‬ ‫ابن عاشور ومحمد حبيب العبيدي‬

‫ي�ؤمن املنتدى العاملي للو�سطية �إميان ًا مطلق ًا بر�سالة‬ ‫الأ�صالة واملعا�صرة التي ينبغي ا�ستح�ضارها يف فكر الأمة‬ ‫وثقافتها و�أخالقها وقيمها و�سلوكها وال يكون التوازن بني‬ ‫مفهومي املعادلة حا�ضر ًا �إال بانتهاج الإ�صالح والتجديد‬ ‫الذي ي�ضمن بقاء �شجرة الفكر الإ�سالمي خ�ضراء يانعة‬ ‫على مر الدهور والع�صور ت�ؤتي �أكلها كل حني‪ ،‬مبا تطرحه‬ ‫من جديد العلم واملعرفة ال��ذي ميتد يف تاريخ ح�ضارتنا‬ ‫عمق ًا و� ً‬ ‫أ�صالة‪ ،‬مثلما يعرج يف �أفق الإبداع والتميز جتديد ًا‬ ‫وت�ألق ًا ملا يحتاجه عاملنا العربي والإ�سالمي ال��ذي عانى‬ ‫من مراحل البيات الفكري ب�سبب �سوء الأو�ضاع ال�سيا�سية‬ ‫حين ًا‪ ،‬وتدهور املالمح الإقت�صادية والإجتماعية لأمتنا‬ ‫�أحيان ًا �أخرى‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬فقد ارت�أى املنتدى العاملي للو�سطية عقد هذه‬ ‫الندوة‪� :‬أع�لام الإ�صالح والتجديد‪ ،‬ابن عا�شور وحممد‬ ‫حبيب ال��ع��ب��ي��دي‪ ،‬لتتناول علمني م��ن �أع�ل�ام الإ���ص�لاح‬ ‫والتجديد وذل��ك ي��وم ال�سبت املوافق ‪ 2018/10/20‬يف‬ ‫مدينة تون�س احل�ضارة واحلداثة‪ ،‬لتكون رد ًا على امل�شككني‬ ‫بقدرة الأمة على ا�سرتداد نه�ضتها وفعلها احل�ضاري الذي‬ ‫ميزها على �سائر الأمم‬ ‫وحتى يكون لتون�س الدولة �سبق الريادة يف رعاية هذه‬ ‫الندوة الدولية دلي ًال على تقدم الوعي العام ال��ذي بات‬ ‫ملمح ًا وا�ضح ًا يف تون�س اخل�ضراء‪.‬‬ ‫وقد �ضمت الندوة يف حماورها التي مثلها نخبة من‬ ‫العلماء واملفكرين من خمتلف بالد العرب وامل�سلمني عناوين‬ ‫ذات ح�ضور وا�ضح يف فكر الإ�صالح والتجديد عموم ًا‪ ،‬ويف‬ ‫فكر العلمني املذكورين على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫فقد تناولت الن�ش�أة والتكوين والآثار الفكرية البن‬ ‫عا�شور‪ ،‬قدمها الدكتور احمد كايف‪ ،‬وحممد حبيب العبيدي‬

‫م�صلح ًا وجمدد ًا للأ�ستاذ ه�شام البدراين‪ ،‬ومنهج الإجتهاد‬ ‫عند املت�أخرين يف نظر ابن عا�شور للدكتور برهان النفاتي‪،‬‬ ‫كما تناولت مفردات الإ�صالح يف فكر امل�صلحني بني الأم�س‬ ‫واليوم للدكتور �أبو جرة ال�سلطاين‪ ،‬وموقف حممد حبيب‬ ‫العبيدي من ق�ضايا ع�صره للدكتور عمر النقيب‪.‬‬ ‫هذا وقد �أجمع احل�ضور على �ضرورة و�ضع منهاج وا�ضح‬ ‫وفل�سفة حمددة ور�ؤية معتمدة ملنهج التجديد يف ع�صرنا‬ ‫ليكون من�سجم ًا ومتناغم ًا مع م�سرية فكرنا الإ�سالمي املتطور‬ ‫والقابل للتجديد ح�سب مقت�ضيات الع�صر ومتغرياته‪ ،‬ومبا‬ ‫الي�شكل انقطاع ًا او غربة �أو عزلة عن فكرنا الإ�سالمي‬ ‫الأ�صيل الذي �شكل هوية الأمة وفل�سفتها ذات زمان‪.‬‬ ‫ويذكر ب�أن حفل الإفتتاح لهذه الندوة املميزة قد ت�ضمن‬ ‫كلمتني جامعتني مانعتني الأولى للمهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأم�ين العام للمنتدى العاملي للو�سطية والثانية للدكتور‬ ‫مثنى حارث ال�ضاري الأمني العام لهيئة علماء امل�سلمني يف‬ ‫العراق قدمها نيابة عنه الدكتور عمر النقيب‪.‬‬ ‫وقد اجمع احل�ضور على �شكرهم لدولة تون�س العظيمة‬ ‫رئي�س ًا وحكومة و�شعب ًا على جهودهم ال��ك��رمي��ة‪ ،‬وك��رم‬ ‫ال�ضيافة وح�سن املعاملة التي ا�سهمت يف اجناح فعالياتها‪.‬‬ ‫وقد خل�ص املنتدون الى التو�صيات الآتية‪:‬‬ ‫‪ .1‬اعتماد منهج الإ�صالح والتجديد يف حياة الأمة �ضمان ًا‬ ‫ال�ستمرار ح�ضورها الع�صري عاملي ًا‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال��رج��وع ال��ى �سرية املجددين يف كل ع�صر من حياة‬ ‫الأمة لإ�ستلهام الر�ؤى التي منحتهم �صفة التجديد يف‬ ‫ع�صرهم‪ ،‬ومالمح ذلك الع�صر الذي عا�شوه‪.‬‬ ‫‪� .3‬إيجاد التوازن عند طرح فكرة جتديدية ع�صرية مع‬ ‫ما مياثلها يف تاريخ الأمة للربط بني القدمي واحلديث‪.‬‬ ‫‪ .4‬و�ضع ر�ؤية فل�سفية وا�ضحة لكل فكرة ع�صرية بحيث‬ ‫تعد امتداد ًا مقبو ًال ملا ت�أ�س�ست عليه الأمة من ر�ؤية‬ ‫فل�سفية وفكرية وا�ضحة‪.‬‬ ‫‪ .5‬الإن��ف��ت��اح ع��ل��ى جت���ارب الإ����ص�ل�اح وال��ت��ج��دي��د ل��دى‬ ‫احل�ضارات وال�شعوب الأخرى ودرا�سة ُبعدها الفل�سفي‬ ‫للإ�ستفادة من تلك التجربة‪.‬‬ ‫‪ .6‬تطبيق الر�ؤى الفكرية الإ�صالحية التجديدية التي‬ ‫خل�ص �إليها املنتدون يف ميادين العمل التي ميثلون‪.‬‬ ‫واحلمد هلل رب العاملي من قبل ومن بعد‪،،‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪9‬‬


‫أخبار الوسطية‬

‫المنتدى العالمي للوسطية يشارك في‬ ‫مؤتمر الوحدة اإلسالمية في مكة المكرمة‬

‫‪10‬‬

‫�شارك املنتدى العاملي للو�سطية ممث ًال باملهند�س‬ ‫مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى يف فعاليات‬ ‫م�ؤمتر ال��وح��دة الإ�سالمية‪" :‬خماطر الت�صنيف‬ ‫والإق�صاء تعزيز مفاهيم الدولة الوطنية وقيمها‬ ‫امل�شرتكة"‪.‬‬ ‫والذي عقد يف مكة املكرمة خالل الفرتة الواقعة‬ ‫ما بني ‪ 2018/12/13-12‬و�أ�شرفت على تنظيمه‬ ‫رابطة العامل الإ�سالمي‪ ،‬وح�ضر امل�ؤمتر عدد كبري‬ ‫من العلماء واملفكرين والأكادمييني من �أرجاء العامل‬ ‫كافة‪.‬‬ ‫وخ�لال جل�سات امل ��ؤمت��ر ُق��دم��ت �أوراق علمية‬ ‫ثرية ح��ول نه�ضة الأم��ة الإ�سالمية والتحديات‬ ‫التي تواجهها و�أهمية العي�ش امل�شرتك بني مكونات‬ ‫املجتمعات الإ�سالمية وكذلك تعزيز احلوار �آفاقه‬ ‫مع اجلميع و�أح���وال امل�سلمني يف ال��دول الغربية‬ ‫وال�شراكة احل�ضارية‪� ،‬إ�ضافة �إل��ى جمموعة من‬ ‫الأوراق التي عاجلت مو�ضوع التطرف والتكفري‬ ‫واجل���م���ود ال��ف��ك��ري وال�ت�راك���م���ات ال��ت��اري��خ��ي��ة‬ ‫والإ�سالموفوبيا وخماطر الت�صنيف والإق�صاء على‬ ‫الفرد واملجتمع يف العامل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وق��د خ��رج امل ��ؤمت��رون �إل��ى جمموعة كبرية من‬ ‫التو�صيات الهامة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ .1‬دع���وة امل�سلمني �إل���ى الإ�ستم�ساك بالإ�سم‬ ‫اجل��ام��ع ال�شريف ال��ذي �سمانا اهلل ب��ه "هو‬ ‫�س ّماكم امل�سلمني من قبل" (احلج‪ )78:‬وجتاوز‬ ‫الأ���س��م��اء ال�ضيقة القائمة على الت�صنيف‬ ‫والإق�صاء مبا يحمله من خماطر على الفرد‬ ‫واجلماعة وال �سيما تعميق النعرات الطائفية‬ ‫والنظريات الإق�صائية والتزهيد يف �شرف‬ ‫املظلة الكربى اجلامعة للم�سلمني كافة وهو‬ ‫�إ�سم و�شعار ال�سالم ولي�س غريه‪.‬‬ ‫‪ .2‬تعزيز ال��ع�لاق��ات ب�ين امل��ذاه��ب وال��ط��وائ��ف‬ ‫امل�سلمة برت�سيخ ال��ث��واب��ت املحكمة وتفهم‬ ‫الإج��ت��ه��ادات املمكنة وب��ن��اء ج�سور الثقة‬

‫‪ .3‬‬

‫‪ .4‬‬

‫‪ .5‬‬

‫‪ .6‬‬

‫‪ .7‬‬

‫والتفاهم والتعاون على امل�شرتكات اجلامعة‬ ‫وجت����اوز الآراء وامل���واق���ف ال�����ش��اذة‪ ،‬وع��دم‬ ‫الإ�ست�سالم ل�ل�إرث التاريخي امل�صطبغ بروح‬ ‫ال�سلبية �أفرزتها �صراعات تاريخية ال مربر‬ ‫لها يف العموم‪.‬‬ ‫ن�شر ثقافة الأخ����وة الإ���س�لام��ي��ة والتحلي‬ ‫بال�صدقية واملو�ضوعية يف التعامل مع الق�ضايا‬ ‫البينية والتما�س العذر و�إح�سان الظن وعدم‬ ‫الإجنرار لدواعي النعرات املذهبية وال�صدام‬ ‫الطائفي الذي ي�شيع ثقافة احلقد والكراهية‬ ‫ويثري ال�شقاق والتوتر والتعبئة اخلاطئة‬ ‫مل�شاعر امل�سلمني وي�ستجر �إلى العنف والتطرف‬ ‫وم��ا ي�ستتبعهما من معارك تثور وال تخمد‬ ‫وت�ؤخر وال تقدم‪.‬‬ ‫رف�����ض ظ��اه��رة التهجم على رم���وز امل��ذاه��ب‬ ‫الإ���س�لام��ي��ة وم��ن��ع ال��ت��ط��اول على منت�سبيها‬ ‫بالتفكري والت�سفيه والإم��ت��ه��ان والإزدراء‬ ‫وال��ت��ن��دي��د ب��امل�����س�يرات وامل��ظ��اه��ر الطائفية‬ ‫واعتبارها �صورة من �صور ا�ستنبات الكراهية‬ ‫وا�ستدعاء العنف ملا فيها من �إث���ارة �سلبية‬ ‫للم�شاعر الدينية‪.‬‬ ‫رف�ض دعوات الإ�ستدعاء والإق�صاء والتحزّ ب‬ ‫وجمع الطاقات وترميم الفجوات ملواجهة‬ ‫قوى التطرف والإرهاب والغلو الطائفي الذي‬ ‫�أ�ساء للإ�سالم ب�شعاراته املزيفة و�أطروحاته‬ ‫الفا�سدة يف �سياق جدليات عقيمة حتمل‬ ‫عليها �أفكار م�شبعة باجلهل والتخلف ف� ً‬ ‫ضال‬ ‫عن �أجندة امل�صالح التي يعملها اجلميع يف حلن‬ ‫قولها وهمجية فعلها‪.‬‬ ‫رف�����ض ال�����س��ج��االت ال��ع��ق��ي��م��ة ب�ين امل��ذاه��ب‬ ‫وال��ط��وائ��ف م��ه��م��ا ت��ك��ن ذرائ��ع��ه��ا العلمية‬ ‫والفكرية واعتبارها م�سعرة الغلو الطائفي‬ ‫ومثرية للفتنة و�أن درء مفا�سدها مقدم على‬ ‫جلب م�صاحلها على فر�ض الت�ساوي فكيف بها‬ ‫وقد غلبت مفا�سدها م�صاحلا‪.‬‬ ‫دع���م اجل��م��ع��ي��ات وامل ��ؤ���س�����س��ات الإع�لام��ي��ة‬


‫والإجتماعية التي تعمل على تعزيز امل�شرتكات‬ ‫الإ�سالمية وتر�سيخ القيم الو�سطية وال�شروع‬ ‫يف �إن�����ش��اء �أو تفعيل امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية‬ ‫الوحدوية وتطوير عملها لتحقيق التكامل‬ ‫الإ�سالمي يف كافة املجاالت احليوية‪.‬‬ ‫‪ .8‬متكني ك��اف��ة امل��ك��ون��ات الدينية واملذهبية‬ ‫والثقافية م��ن مم��ار���س��ة �شعائرها بحرية‬ ‫و�إح�ترام خ�صو�صياتها والتخلية بينها وبني‬ ‫حقها يف املحافظة على هويتها الثقافية‬ ‫الإجتماعية والإ�ستفادة من التنوع يف بناء‬ ‫جمتمع ت��ن��م��وي متجان�س ع��ل��ى �أ���س��ا���س من‬ ‫امل��واط��ن��ة ال��ع��ادل��ة وال�شاملة ال��ت��ي ت�شرك‬ ‫اجلميع يف برامج التنمية وخمرجاتها‪.‬‬ ‫‪� .9‬إي��ج��اد ح��ل ع���ادل للم�شكالت ال�سيا�سية‬ ‫والتوترات البينية والعمل على التخفيف من‬ ‫تبعاتها وال�سعي يف �إ�شاعة القيم الإ�سالمية‬ ‫اجل��ام��ع��ة‪ ،‬وت��ف��وي��ت ال��ف��ر���ص ع��ل��ى ال��ق��وى‬ ‫املتطرفة الراغبة يف ت�أجيج ال�صراع بني‬ ‫املذاهب والطوائف الإ�سالمية‪.‬‬ ‫‪ .10‬التعاون يف �سبيل الت�صدي احلكيم للتحديات‬ ‫امل��ح��دق��ة والأع���م���ال الإج��رام��ي��ة الظاملة‬ ‫�سواء كانت يف الداخل الإ�سالمي �أو خارجه‪،‬‬ ‫وم��ك��اف��ح��ة التع�صب والإن���غ�ل�اق وال��ت��ط��رف‬ ‫واجلهل ورف�ض امل�شاريع الطائفية التي متار�س‬ ‫الإق�����ص��اء البغي�ض وو���ض��ع خطط م�شرتكة‬ ‫لأول��وي��ات العمل يف ذل��ك مب�ساراته كافة‪،‬‬ ‫ومب��ا يتجاوز املعوقات التي تعر�ض الن�سيج‬ ‫الوطني للتمزق ومتنع تكامله وتبعرث موارده‬ ‫مع الإ�ست�شهاد والإف���ادة يف ه��ذا من جتربة‬ ‫اجل��م��ه��وري��ة اجل��زائ��ري��ة يف م��ي��ث��اق ال�سلم‬ ‫وامل�صاحلة الوطنية التي انت�صرت بها (بحمد‬ ‫اهلل) على حماوالت متزيق وحدتها الوطنية‬ ‫والت�أثري على وجدانها الإ�سالمي الو�سطي‬ ‫املعتدل منهية بذلك م��ا ي�سمى بالع�شرية‬ ‫ال�سوداء حيث �أع��ادت تلك العزمية القوية‬ ‫وال�صادقة للجزائر وئامه و�سلمه ووحدته‪.‬‬

‫‪ .11‬التعاون الفاعل على مواجهة الفقر واملر�ض‬ ‫وال��ك��وارث ورف�ض �إ�ستغالل هذه الظروف يف‬ ‫مترير م�شاريع املذهبي والطائفي‪.‬‬ ‫‪ .12‬التنديد ب�سيا�سات القتل والتهجري املذهبي‬ ‫الق�سري ورف�ض مفاهيم املحا�ص�صة الطائفية‬ ‫و�ضمان حقوق املواطنة الكاملة وف��ق نظام‬ ‫وت��ق��ومي دوري معلن للجميع ب��ك��ل و���ض��وح‬ ‫و�شفافية‪.‬‬ ‫‪ .13‬مطالبة الدول واملنظمات بتحمل م�س�ؤولياتها‬ ‫يف الت�صدي ملمار�سات ال��ت��ط��رف والإره����اب‬ ‫وال�سعي يف �إيقاف احلروب والنزاعات وو�ضع‬ ‫ح��د ل�ل�أو���ض��اع غ�ير الإن�سانية التي يعي�شها‬ ‫�ضحايا ه��ذه احل���روب و�أن��ت��ج��ت امل�لاي�ين من‬ ‫القتلى واملعاقني واجلرحى وامل�شردين وقادت‬ ‫العامل �إل��ى مزيد من الكراهية وال��ع��داوة يف‬ ‫طليعتها ممار�سة التطهري العرقي وحماوالت‬ ‫طم�س الهوية الدينية بالكامل التي تتعر�ض‬ ‫لها بع�ض الأقليات ب�أ�ساليب �إرهابية ال تقل‬ ‫ب�شاعة وهمجية عن �إرهاب داع�ش والقاعدة‪،‬‬ ‫مع دعوة املجتمع الدويل ليكون �أكرث حياد ًا‬ ‫وجدية وحزم ًا حيال هذه اجلرائم الإرهابية‬ ‫لت�ستمر منظومته ببارقة �أملها قبل �أن تفقد‬ ‫م�صداقيتها‪.‬‬ ‫‪� .14‬إي��ق��اف ���ش��ذوذات فتاوى التكفري والتف�سيق‬ ‫والتبديع و�إح��ال��ة م�سائل اخل�لاف العامة‬ ‫�إل��ى احل��وار ال��رزي��ن ال��ذي يطلع به العلماء‬ ‫الرا�سخون واملجامع العلمية دون غريهم بعيد ًا‬ ‫عن الهوى والتع�صب املقيت‪ ،‬مع اعتبار الفتاوى‬ ‫الفردية يف الق�ضايا العامة جمازفة علمية‬ ‫ت�سيء لل�شريعة يف غالب �أحوالها ف� ً‬ ‫ضال عن‬ ‫تبعاتها ال�سلبية املتعددة على ح�سن تدابري‬ ‫ال�ش�أن العام عالوة على ت�أثريها على الوئام‬ ‫الوطني و�سكينته و�سلمه‪.‬‬ ‫‪ .15‬التحفظ على ت�صدير الفتاوى خارج نطاقها‬ ‫املكاين وذلك �أن لكل جهة �أحوالها و�أعرافها‬ ‫اخلا�صة بال�ش�ؤون الدينية الر�سمية لكل دولة‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫على جغرافيتها املكانية دون التدخل يف �ش�ؤون‬ ‫غريها‪ ،‬والت�أكيد على �أهمية �إيجاد مرجعية‬ ‫علمية موحدة لكل دولة يف كيان فتوى عامة �أو‬ ‫خمت�صة تُعنى بالت�صدي للق�ضايا‬ ‫هيئة علمية‬ ‫ّ‬ ‫ال�شرعية العامة و�أن مثل هذه التدابري من‬ ‫�ش�أنها �أن حتفظ ال�سكينة الدينية لكل دولة‬ ‫مبا يف ذلك ما ي�سمى بالأقليات الدينية حيث‬ ‫يجب �إحرتام مرجعيتها العلمية اخلا�صة بها‪،‬‬ ‫و�أن يكون التعاون البيني يف ه��ذا مقت�صر ًا‬ ‫على مواجهة �أفكار التطرف والإره��اب وعلى‬ ‫ال��درا���س��ات والأب���ح���اث وتنظيم امللتقيات‬ ‫العلمية وال��ف��ك��ري��ة ل��رف��ع م�ستوى ال��وع��ي‬ ‫والت�صدي للم�ستجدات ذات ال�ش�أن العام‪ ،‬وال‬ ‫ي�ستثى من ذل��ك �إال ما ك��ان بطلب ر�سمي من‬ ‫الدولة امل�ضيفة‪� ،‬أو دخ ًال يف اخت�صا�ص املجامع‬ ‫العلمية ذات الطابع الدويل‪.‬‬ ‫‪ .16‬دعوة املكون الإ�سالمي – الأقليات – يف الدول‬ ‫غري الإ�سالمية �إلى الإندماج الوطني الإيجابي‬ ‫من خالل مفهوم الدولة الوطنية ال�شاملة‪،‬‬ ‫و�أن تكون مطالباتهم بخ�صو�صياتهم الدينية‬ ‫وفق �أنظمة الدولة الوطنية دون ممار�سة �أي‬ ‫�أ�سلوب من �أ�ساليب العنف �أوالإ�ستعالء‪.‬‬ ‫‪ .17‬توعية ال�شباب امل�سلم بخطورة احلما�سة‬ ‫والعاطفة الدينية املجردة عن الوعي مبا يف‬ ‫ذلك الدراية باحلكم ال�شرعي يف كل واقعة‬ ‫عن طريق الرا�سخني يف العلم الذين يح�سنون‬ ‫النظر يف ال��وق��ائ��ع (جمع ًا وت��ف��ري��ق�اً) ومن‬ ‫ثم �إنزالها على ن�صو�ص ال�شريعة ودالالتها‬ ‫ومقا�صدها وق��واع��د الرتجيح ب�ين امل�صالح‬ ‫واملفا�سد‪ ،‬مع النظر ال�صحيح �إلى امل�آالت و�سد‬ ‫الذرائع وامل�صالح ب�أحكامها الثالثة (�إر�سا ًال‬ ‫�اء) مع �ضوابط تغري الفتوى‬ ‫واعتبار ًا وال��غ� ً‬ ‫واحلكم وكذا ح�سن النظر يف قواعد الإطالق‬ ‫والتقييد من قواعد الفقه والأ�صول متثل بعد ًا‬ ‫غائب ًا وحلقة مفقودة لدى كل متجا�سر على‬ ‫�أحكام ال�شريعة وهو خايل الوفا�ض منها علم ًا‬ ‫وفقه ًا يف غمرة الإن��خ��داع بحفظ الن�صو�ص‬ ‫دون فقه‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن جمتزئيها ومن هنا تت�ضح‬ ‫�أهمية ح�ضور العامل الرا�سخ وعدم غيبته عن‬ ‫تلك الوقائع ليب�صر النا�س بهدي ال�شريعة‪.‬‬ ‫‪ .18‬دع����وة ك��ل م��ن ت�����ص��در ل��ل��ف��ت��وى ال��ع��ام��ة من‬ ‫مرجعيات علمية ف��ردي��ة �أو جممعية �إل��ى‬ ‫الإ�ستطالع الالزم والكايف عن واقعة تت�صدى‬ ‫لها‪ ،‬واال ي�صدر عنها بيان �شرعي قبل احل�صول‬

‫على التفا�صيل كافة من م�صادرها املعتربة مع‬ ‫اال�ستعانة باملخت�صني من ذوي ال�صلة يف كل‬ ‫فن للإي�ضاح وطلب ال��ر�أي مع ا�سرتعاء علم‬ ‫اجلميع ب��أن الت�ساهل يف هذا �أو�صل لفتاوى‬ ‫وقرارات وبيانات حتمل �أخطاء ج�سيمة حتى‬ ‫ا�ضطر بع�ضها الى الإعتذار والرتاجع ومنها‬ ‫ما مت التعقب عليه من قبل مرجعيات �أخرى‬ ‫�أو�ضحت باحلقائق ودالئل ال�شرعية ما �صدر‬ ‫ع��ن اخ��وات��ه��ا م��ن وه��م كبري تطلبت ب��راءة‬ ‫الذمة �إي�ضاحه‪ ،‬فيما بقي غريها على خطئه‬ ‫الفادح ب�إ�سم فتوى وعلم ال�شريعة‪ ،‬وهو ما منح‬ ‫املغر�ض فر�صة للنيل منها والتقليل من �ش�أنها‬ ‫و�صو ًال لفقد الثقة بها‪ ،‬حام ًال يف هذا �شواهد‬ ‫خطئها اجل�سيم‪.‬‬ ‫‪� .19‬أن تكون امللتقيات الفكرية والثقافية جامعة‬ ‫لكلمة امل�سلمني‪ ،‬بعيدة عن الت�صنيف والإق�صاء‬ ‫حتت �أي �شعار غري �شعار وا�سم وو�صف الإ�سالم‬ ‫اجلامع‪ ،‬مع تر�سيخ الإميان بال�سنة الكونية يف‬ ‫الإختالف والتنوع والتعددية‪ ،‬و�أن يقت�صر دور‬ ‫امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية يف كل بلد على‬ ‫�ش�أنها الديني اخلا�ص دون التدخل يف �ش�ؤون‬ ‫غريها‪� ،‬إذ لكلٍ �أحواله و�أعرافه التي تتغري بها‬ ‫الفتوى واحلكم‪ ،‬و�أن تكون اللقاءات فيما بينها‬ ‫لتعزيز اللحمة الإ�سالمية يف �ش�أنها العلمي‬ ‫والفكري والوجداين وطلب الإثراء والتبادل‬ ‫املجرد فيما بينها‪.‬‬ ‫‪� .20‬إن�شاء جلنة جامعة متثل املكونات الإ�سالمية‬ ‫املختلفة ل�صياغة ميثاق �إ�سالمي �شامل يت�ضمن‬ ‫قواعد اخلالف التي حتكم عالقة امل�سلمني‪،‬‬ ‫ويبني الأ���ص��ول والثوابت املحكمة اجلامعة‬ ‫لهم‪ ،‬ويحرر موا�ضع النزاع املهمة‪ ،‬ويحيلها‬ ‫لأهل الإخت�صا�ص للدرا�سة والنظر وتقريب‬ ‫وجهات النظر فيها ما �أمكن‪ ،‬ويعهد امل�ؤمترون‬ ‫لرابطة العامل الإ�سالمي تبني ذلك من خالل‬ ‫وثيقة �إ�سالمية جامعة حتت عنوان “ وثيقة‬ ‫مكة املكرمة” يتم عقد ميثاقها بجوار البيت‬ ‫العتيق‪.‬‬ ‫‪ .21‬دعوة اجلامعات والهيئات العلمية والفكرية‬ ‫الى تعزيز دورها الرتبوي والتثقيفي يف ت�أ�صيل‬ ‫مفاهيم الوحدة والت�ضامن والتعاون واملحبة‬ ‫والوئام‪ ،‬واعتباره من مظاهر �سعة ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية وعامليتها ورحمتها بالعباد‪.‬‬ ‫‪ .22‬الت�أكيد على �أن الدولة الوطنية ( بقيمها‬ ‫امل�شرتكة مع �شقيقاتها من ال��دول يف نطاق‬


‫هويتها الإ�سالمية ) تعد امتداد ًا ملفهوم الأمة‬ ‫ب�إعتبارها �إح���دى مكوناتها ال��ت��ي تتالقى‬ ‫وتتكامل م��ع �أخ��وات��ه��ا يف �إط��اره��ا ال��دويل‬ ‫الديني ب�براجم��ه العلمية والفكرية حتت‬ ‫مظلة راب��ط��ة ال��ع��امل الإ���س�لام��ي‪ ،‬و�إط��اره��ا‬ ‫الدويل ال�سيا�سي حتت مظلة منظمة التعاون‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬و�إطارها الدويل الإقت�صادي حتت‬ ‫مظلة البنك الإ�سالمي للتنمية‪ ،‬وغريها من‬ ‫امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية اجل��ام��ع��ة‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫التحالف الإ�سالمي الع�سكري ملحاربة الإرهاب‬ ‫ال��ذي ي�ضم ال��دول الإ�سالمية املتحالفة مع‬ ‫عدد من الدول ال�صديقة الداعمة‪ ،‬مع الت�أكيد‬ ‫كذلك على العقد اجلامع للدول الإ�سالمية (‬ ‫يف كياناتها الوطنية ذات ال�سيادة امل�ستقلة)‬ ‫وه��و قبلة امل�سلمني وم��ه��وى �أفئدتهم مبكة‬ ‫املكرمة يف اململكة العربية ال�سعودية التي‬ ‫ت�ضطلع بخدمة احلرمني ال�شريفني ورعاية‬ ‫قا�صديهما وال�سهر على راحتهم‪.‬‬ ‫‪ .23‬تثمني توا�صل رابطة العامل الإ�سالمي من‬ ‫قد�سية مقرها يف مكة املكرمة باململكة العربية‬ ‫ال�سعودية ومن منطلق مهامها وتفعيل دورها‬ ‫يف �سبيل حتقيق ال��وئ��ام وال�سالم وبخا�صة‬ ‫تر�سيخ مفاهيم التعاي�ش والإندماج الإيجابي‬ ‫يف الدولة الوطنية ال�شاملة بطيفها الديني‬ ‫والعرقي‪.‬‬ ‫‪ .24‬الت�أكيد على رابطة العامل الإ�سالمي ب�إ�ستمرار‬ ‫رعاية ودع��م ال�شعوب الإ�سالمية مع تثمني‬ ‫جهود الرابطة يف ا�ست�ضافتهم لزيارة الأماكن‬ ‫املقد�سة يف مكة املكرمة واملدينة امل��ن��ورة‪،‬‬ ‫و�إقامة امل�ؤمتر ال�سنوي يف احلج والذي كان له‬ ‫�أثر روحي كبري يف نفو�س ال�شعوب امل�سلمة‪.‬‬ ‫‪ .25‬دعوة رابطة العامل الإ�سالمي لإن�شاء منتدى‬ ‫عاملي للوحدة الإ�سالمية يت�ضمن‪:‬‬ ‫• م���ب���ادرات وب��رام��ج علمية لتعزيز القيم‬ ‫امل�شرتكة يف الداخل الإ�سالمي‪ ،‬مع مد ج�سور‬ ‫التوا�صل والتعاون بني �أتباع الأديان والثقافات‬ ‫والعمل على م�شرتكاتها‪.‬‬ ‫• �إيجاد مبادرات وبرامج عملية �ضمن منا�شط‬ ‫املنتدى العاملي للوحدة الإ�سالمية وذلك لتعزيز‬ ‫قيم الت�سامح والتعاي�ش من �أجل ال�سالم والوئام‬ ‫يف �أف���ق تر�سيخ ال��وع��ي وال�سيما يف �صفوف‬ ‫ال�شباب‪.‬‬ ‫• تت�ضمن ت��ل��ك ال�برام��ج ر���ص��د وحت��ل��ي��ل كافة‬

‫• ‬

‫• ‬

‫• ‬

‫• ‬

‫الأط��روح��ات ال�سلبية وم��ن ث��م الت�صدي لها‬ ‫بكفاءة عالية تعتمد احلكمة واملنطق واملتابعة‬ ‫اجلادة والواعية يف التعامل معها‪.‬‬ ‫يعمل املنتدى العاملي للوحدة الإ�سالمية على‬ ‫اقرتاح الربامج الت�أهيلية التدريبية املر�سخة‬ ‫لقيم الإعتدال الإ�سالمي واملعززة لوعيه وذلك‬ ‫للأئمة واخلطباء وال��دع��اة واملر�شدين حول‬ ‫العامل‪ ،‬ويقوم بذلك نخبة من كبار املخت�صني‬ ‫يف العامل الإ�سالمي مبختلف مذاهبه ومدار�سه‬ ‫من خالل امل�شرتك اجلامع بينهم وهو الإعتدال‬ ‫العلمي والفكري الذي يحمل ر�سالة الت�سامح‬ ‫وال�سالم والوئام والتعاي�ش مع اجلميع‪ ،‬ويتفهم‬ ‫بوعي كامل �سنة اخلالق جل وعال يف الإختالف‬ ‫والتنوع والتعدد بني بني الب�شر‪.‬‬ ‫يعمل املنتدى على اق�تراح املناهج الدرا�سية‬ ‫الداعمة لأهدافه التوعوية من خالل برامج‬ ‫ي�����ش�ترك �إع���داده���ا نخبة م��ن ك��ب��ار العلماء‬ ‫وال�ت�روب���ي�ي�ن ع�ب�ر خم���رج���ات ه����ذا امل��ن��ت��دى‬ ‫وايل �سيعمل فيه ك��ف��اءات علمية وتربوية‬ ‫وفكرية متنوعة من كافة املذاهب واملدار�س‬ ‫والإجت��اه��ات املحبة للخري و�إ�سعاد الب�شرية‬ ‫عن طريق جهودها ال�صادق واجلادة يف تعميق‬ ‫ال��وع��ي ون�شره وم��واج��ه��ة الأف��ك��ار املتطرفة‬ ‫والكارهة واملثرية لل�صدام احل�ضاري والثقايف‬ ‫واملعيقة للتعاون والتبادل وال�شعور الإيجابي‬ ‫نحو الآخرين‪.‬‬ ‫يركز املنتدى يف ج��ه��وده التوعوية لل�شباب‬ ‫امل�سلم على اح�ترام العهود واملواثيق وال�سيما‬ ‫د�ساتري و�أنظمة الدول الوطنية التي يعي�شون‬ ‫فيها ( الإ�سالمية وغري الإ�سالمية) والتحذير‬ ‫من الإ�ساءة �إليها حتت �أي ذريعة‪.‬‬ ‫يركز املنتدى يف جهوده التوعوية على التعامل‬ ‫مع اجلميع مبحبة اخل�ير لهم وال�صدق معهم‬ ‫والرتفع عن �أي �أ�سلوب من �أ�ساليب مواجهة‬ ‫الإ�ساءة بالإ�ساءة‪ ،‬بل العفو وال�صفح والعمل‬ ‫على ت�أليف القلوب‪.‬‬ ‫و�صلى اهلل و�سلم وبارك على نبينا حممد ‪..‬‬ ‫وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪..‬‬ ‫واهلل ويل التوفيق‪..‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪13‬‬


‫أخبار الوسطية‬

‫المنتدى يشارك في مؤتمر دولي‬ ‫(اإلعتدال الديني والسياسي وأثره في تعزيز التنمية المجتمعية)‬ ‫السالم "‪.‬‬ ‫وتحت شعار " اإلعتدال في الخطاب طريقنا إلى ّ‬ ‫في جامعة األنبار في العراق‬

‫‪14‬‬

‫�شارك املنتدى العاملي للو�سطية جامعة الأنبار يف‬ ‫العراق يف �إقامة م�ؤمتر بعنوان (الإعتدال الديني‬ ‫وال�سيا�سي و�أث��ره يف تعزيز التنمية املجتمعية)‬ ‫يف الفرتة ‪ 2018/11/1 – 10/31‬وحتت �شعار "‬ ‫ال�سالم "‪.‬‬ ‫الإعتدال يف اخلطاب طريقنا �إلى ّ‬ ‫وق��د ُب��دء امل��ؤمت��ر ب ��آي من الذكر احلكيم بعد‬ ‫ال�سالم اجلمهوري ثم ق��راءة �سورة الفاحتة على‬ ‫�أرواح �شهداء العراق واملحافظة واجلامعة‪ ،‬بعد‬ ‫ذلك عر�ض فلم وثائقي تناول الظروف ال�صعبة‬ ‫التي م��رت بها اجلامعة �إ ّب���ان الأح���داث يف عهد‬ ‫داع�����ش‪ ،‬ت�لاه كلمة لرئي�س اجل��ام��ع��ة الأ���س��ت��اذ‬ ‫الدكتور املهند�س خالد بتال جنم‪� ،‬إذ �أكّد حر�ص‬ ‫اجلامعة على ن�شر خطاب الإع��ت��دال والو�سطية‬ ‫بني جميع �أطياف ال�شعب العراقي الذي نال منه‬ ‫اجلهل والتطرف والإره��اب ف�صار الدمار واخلراب‬ ‫ملمح ًا م��ن مالمح م��دن ال��ع��راق وق���راه‪ ،‬ث��م �ألقى‬ ‫ً‬ ‫كلمة نيابة عن معايل وزير التعليم‬ ‫راعي احلفل‬

‫العايل بعد ذلك عقدت اجلل�سة احلوارية الأولى‬ ‫التي �شارك فيها نخبة من العلماء واملفكرين وكان‬ ‫من بني امل�شاركني الأ�ستاذ الدكتور حممد احلاج‬ ‫من املنتدى العاملي للو�سطية وبعد اجلل�سة عقد‬ ‫م�ؤمتر �صحفي �شارك فيه عدد من ممثلي املحطات‬ ‫الف�ضائية‪ ،‬ومن بني امل�شاركني يف امل�ؤمتر ال�صحفي‬ ‫الدكتور ح�سن املبي�ضني‪� ،‬إذ بينّ الهدف من فكرة‬ ‫م�شاركة املنتدى يف ه��ذا املحفل الفكري الكبري‪،‬‬ ‫مب ّينا كذلك �أن املنتدى �أ�صبح مرجعية للو�سطية‬ ‫والإعتدال والتوازن‪ ،‬تت�سابق امل�ؤ�س�سات الفكرية‬ ‫والعلمية والثقافية لعقد اتفاقيات ثنائية معه‬ ‫ليكون مرجع ًا لهذه امل�ؤ�س�سة �أو تلك عند نيتها عقد‬ ‫م��ؤمت��رات �أو ن��دوات �أوملتقيات تعقد بال�شراكة‬ ‫ليكون عملها املنجز م�ستند ًا �إلى خربة يف امليدان‬ ‫الفكري املتعلق بالو�سطية والإعتدال‪ ،‬وقد كانت‬ ‫الإ�شارة �إلى هذا الأمر وا�ضحة يف جميع اللقاءات‬ ‫الإعالمية التي عملها الدكتور ح�سن مع عدد من‬ ‫املحطات الف�ضائية‪.‬‬


‫ويف م�ساء اليوم الأول عقدت اجلل�سات العلمية‬ ‫و�أهمها الأولى التي عقدت يف متام ال�ساعة (‪)2:30‬‬ ‫وكانت فعالياتها موزّعة �إلى �أكرث من كلية من الكليات‬ ‫التابعة للجامعة ويف كلية العلوم الإ�سالمية تر�أ�س‬ ‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني جل�سة علمية �شارك‬ ‫فيها عدد من املفكرين والعلماء والباحثني تناولت‬ ‫عدة من �شرعنا احلنيف‬ ‫منهج الإعتدال يف ميادين ّ‬ ‫ودور خطاب الإعتدال والو�سطية يف تعزيز التنمية‬ ‫املجتمعية التي �أ�صبحت �ضرورة وطنية وم�صلحة‬ ‫تعر�ض للتجهيل والتدمري والتكفري‬ ‫�إن�سانية يف وطن ّ‬ ‫والتهجري‪.‬‬ ‫ويف م�ساء ال��ي��وم الأول ك��ذل��ك ع��ق��دت جل�سة‬ ‫حوارية مفتوحة �شارك فيها نخبة من املفكرين‬ ‫امل�شاركني يف امل��ؤمت��ر من خمتلف ال��دول العربية‬ ‫وغريها مثل لبنان واليمن وم�صر وال�سودان و�إيران‬ ‫واليمن والأردن بالإ�ضافة �إلى العراق‪ ،‬وقد مثّل وفد‬ ‫املنتدى يف تلك اجلل�سة احلوارية الدكتور ح�سن‬ ‫حتدث حول الإعتدال والو�سطية‪،‬‬ ‫املبي�ضني الذي ّ‬ ‫مثلما �أج��اب على �أ�سئلة احل�ضور املتعلقة بكيفية‬ ‫مواجهة الإره��اب والتطرف والغلو يف الأردن‪� ،‬إذ‬ ‫بينّ �أن معاجلة تلك الآف��ات كانت معاجلة نوعية‬ ‫ح�سب الأ�سباب التي تقود �إلى هذه امل�س�ألة �أو تلك‬ ‫فهناك املعاجلة وغريها ومو�ضح ًا يف الوقت نف�سه‬ ‫امل�شاريع الفكرية التي نالت �إ�ستح�سان ًا عاملي ًا و�أهمها‬ ‫ر�سالة عمان وم�شروع كلمة �سواء و�أ�سبوع الوئام بني‬ ‫الأديان والإهتمام الر�سمي وال�شعبي كذلك مب�س�ألة‬ ‫احلوار بني الأديان وجميع مكونات املجتمع الأردين‬

‫ال��ذي �أ�صبح حالة مميزة يف الإن�سجام والتناغم‬ ‫الإجتماعي ب�ين جميع فئات املجتمع و�أطيافة‬ ‫وحت��دث �أي�ض ًا ح��ول مالمح ا�سرتاتيجيية وطنية‬ ‫�آخذ ًة بالظهور يف جميع امل�ؤ�س�سات الر�سمية بهدف‬ ‫مكافحة الإره���اب والتطرف وتتبناها م�ؤ�س�سات‬ ‫ر�سمية مثل وزارة الرتبية والتعليم والتعليم العايل‬ ‫والأوقاف والثقافة وال�شباب وغريها من م�ؤ�س�سات‬ ‫املجتمع املدين مثل املنتدى العاملي للو�سطية وهيئة‬ ‫�شباب كلّنا الأردن وغريها‪.‬‬ ‫ويف اليوم الثاين للم�ؤمتر عقدت جل�سات علمية‬ ‫تناولت املزيد من البحوث املقدمة للم�ؤمتر‪.‬‬ ‫ويف نهاية امل�ؤمتر �شكر رئي�س اجلامعة‪/‬رئي�س‬ ‫امل�ؤمتر جميع القادمني امل�شاركني يف امل�ؤمتر مثلما‬ ‫�شكر اجلهات التي �أ�سهمت يف �إجناح فعالياته ومنها‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫ُيذكر ب�أن املنتدى �شارك بوفد �ضم‪:‬‬ ‫‪� .1‬أ‪.‬د حممد �أحمد احلاج ‪ /‬نائب �سابق‬ ‫‪� .2‬أ‪.‬د‪ .‬حممد الروا�شدة‪ /‬عميد كلية ال�شريعة‬ ‫يف جامعة م�ؤتة‬ ‫‪ .3‬الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‪ /‬مدير الدرا�سات‬ ‫يف املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫‪� .4‬أ‪ .‬عبداهلل ال�شهبان ‪ /‬باحث‬ ‫وقد �أثنى اجلميع على �سعادة رئي�س اجلامعة‬ ‫د‪ .‬خالد بتال جنم بجزيل ال�شكر وبالغ الثناء على‬ ‫ما �أح��اط به جميع امل�شاركني من عظيم الإهتمام‬ ‫و�صادق املحبة‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪15‬‬


‫ندوة اإلنتماء الى المجتمع‬ ‫الجامعة األردنية ‪2018/12/2‬‬

‫‪16‬‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون م��ع كلية‬ ‫ال�شريعة يف اجلامعة الأردن��ي��ة واملعهد العاملي للفكر‬ ‫الإ�سالمي يوم الأحد املوافق ‪2018/12/2‬م ندوة بعنوان‬ ‫" الإنتماء الى املجتمع " والتي ت�أتي كدعوة الى تعميق‬ ‫مفهوم الإنتماء الى املجتمع والأمة ودوائرها‪ ،‬بحيث ن�صل‬ ‫الى ت�أ�صيل مفهوم الإنتماء يف �أذهان النا�س على اختالف‬ ‫م�ستوياتهم الثقافية واملعرفية‪ ،‬وتفعيل قيمة املواطنة يف‬ ‫نفو�سهم �أي�ض ًا‪ ،‬بالإ�ضافة الى ت�شخي�ص معيقات الإنتماء‪،‬‬ ‫وبيان �أهمية الأم��ن الفكري‪ ،‬مع تقدمي برامج وخطط‬ ‫عملية لتنمية قيمة الإنتماء وو�ضع حلول علمية وعملية‬ ‫جلملة املعيقات التي تقف يف طريق الإنتماء �سواء �أكانت‬ ‫نف�سية �أو ثقافية او اجتماعية او اقت�صادية‪.‬‬ ‫ولعل حم��اور ال��ن��دوة تقدم ت�صور ًا ح��ول ال�سيا�سات‬ ‫وامل��م��ار���س��ات ال��ت��ي حتقق التكامل وال�����ض��م��ان الأ���س��ري‬ ‫والإجتماعي‪ ،‬وكذلك �شيوع حرية التعبري وانفتاح ال�سبل‬ ‫�أمام الطموح من خالل دعم م�شاركة الأفراد واجلماعات‬ ‫لبناء ال�سيا�سات على امل�ستوى املحلي واملجتمعي‪ ،‬ومن خالل‬ ‫و�ضع برامج تعليمية وتثقيفية كل ذلك من �أجل تعميق‬ ‫مفهوم املواطنة لتكون بني �أبناء املجتمع فكر ًا وثقافة‬ ‫و�سلوك ًا‪.‬‬ ‫�إن الإهتمام بالأمن الفكري وكان حا�ضر ًا يف الندوة‬ ‫لأنه �أ�سا�س العمل يف مواجهة التيارات املتطرفة‪ ،‬والتي‬ ‫ينبغي على اجلميع مواجهتها بدء ًا من الأ�سرة واملدر�سة‬ ‫واجلامعة وامل�ؤ�س�سات الر�سمية والأهلية‪ ،‬وم�ؤ�س�سات‬ ‫امل��ج��ت��م��ع امل����دين ك��ال��ن��ق��اب��ات والأح������زاب واجل��م��ع��ي��ات‬ ‫واملنتديات ومراكز الدرا�سات بحيث ي�شرتك املجتمع كله‬ ‫يف حماربة �آف��ة التطرف وبحيث ن�صل �إل��ى ال�شخ�صية‬ ‫الفكرية املوحدة التي ت�ضمن �سالمة تطبيق ال�سيا�سات‬ ‫العامة للدولة وتن�سجم معها وذلك عن طريق تفعيل برامج‬ ‫تعليمية وتربوية وثقافية و�إعالمية‪ ،‬تعمم على املدار�س‬ ‫واجلامعات ومنابر اخلطاب الديني والثقايف والإعالمي‪.‬‬ ‫ولعل املنتدى العاملي للو�سطية وهو ي�ستنه�ض همم‬ ‫امل�ؤ�س�سات الفكرية والعلمية يدرك �أبعاد ثقافة العنف‬ ‫وخماطرها‪ ،‬ولذلك ف�إن �إ�شراك �أكرث امل�ؤ�س�سات يف �صياغة‬

‫الفكر و�صناعته يعد �أمر ًا مهم ًا للغاية للو�صول الى بيان‬ ‫دور كل م�ؤ�س�سة يف مقاومة التطرف‪ ،‬وتر�سيخ قيم التوازن‬ ‫والإتزان والو�سطية والإعتدال‪.‬‬ ‫وقد ت�ضمنت الندوة يف افتتاحها كلمة الأمني العام‬ ‫للمنتدى وكلمة لعميد كلية ال�شريعة الأ�ستاذ الدكتور‬ ‫عدنان الع�ساف‪ ،‬وكلمة للدكتور رائد عكا�شة ممث ًال للمعهد‬ ‫العاملي للفكر الإ�سالمي‪ ،‬ثم جرى بعد ذلك تق�سيم �أوراق‬ ‫العمل الى جل�ستني‪ ،‬ففي اجلل�سة الأولى حتدث الدكتور‬ ‫فتحي امللكاوي حول دوائ��ر الإنتماء املتحا�ضنة‪ ،‬بينما‬ ‫حت��دث ال��دك��ت��ور احمد العواي�شة ح��ول ت�أ�صيل فكرة‬ ‫الإنتماء ال��ى املجتمع‪� ،‬أم��ا الدكتور عبد اهلل الكيالين‬ ‫فتحدث حول املواطنة ودورها يف بناء املجتمع‪.‬‬ ‫وقد �أكد اجلميع على �ضرورة دعم فكرة الإنتماء‬ ‫حتى تكون �سلوك ًا متبع ًا وفكر ًا مت�أ� ً‬ ‫صال وثقافة ممار�سة‪،‬‬ ‫وب�شكل يحقق �أمن املجتمع وا�ستقراره‪.‬‬ ‫�أم��ا اجلل�سة الثانية فتناولت ���ض��رورة تر�سيخ قيم‬ ‫الإعتدال والو�سطية ومناه�ضة التطرف كدور تقوم به‬ ‫م�ؤ�س�سات املجتمع امل��دين‪ ،‬وحت��دث بهذا املحور الدكتور‬ ‫ح�سني خزاعي بينما بني الدكتور حممد الوح�ش دور‬ ‫م�ؤ�س�سات الرتبية والتعليم يف بناء ال�شخ�صية املجتمعية‪.‬‬ ‫�أما الدكتور �أمني م�شاقبة فتحدث حول دور امل�ؤ�س�سات‬ ‫البحثية واملراكز الفكرية يف مناه�ضة التطرف‪.‬‬ ‫وبعد تقدمي الأوراق العلمية �أجاب املحا�ضرون يف‬ ‫كال اجلل�ستني على ا�ستف�سارات جمهور الندوة ومداخالتهم‬ ‫التي �أكدت جميعها �ضرورة حماية املجتمع من �صور الف�ساد‬ ‫على تنوعه‪ ،‬و�ضرورة البدء مب�سرية الإ�صالح احلقيقي‬ ‫ال��ذي يحقق الأم��ن والإ�ستقرار ال�سيا�سي والإقت�صادي‬ ‫والإجتماعي‪.‬‬ ‫ه��ذا وق��د الق��ت ال��ن��دوة اهتمام ًا كبري ًا يف الو�سط‬ ‫الإعالمي نظر ًا لأهميتها يف هذا الوقت الذي ي�سعى اجلميع‬ ‫فيه �إلى ابعاد نار الفنت عن وطننا احلبيب‪.‬‬


‫معرض المنظمات األهلية الثالث‬ ‫اسطنبول ‪2018/11/18-17‬‬

‫�شارك املنتدى العاملي للو�سطية باملعر�ض الدويل‬ ‫الثالث للمنظمات الأهلية والذي عقد يف ا�سطنبول‬ ‫بتاريخ ‪2018/11/18-17‬م بوفد ر�سمي مكون من‬ ‫ال�سيد احمد ال�صمادي وال�سيدة مي�سون مبي�ضني‬ ‫وال�سيدة هاله �سلوم ‪ ،‬ومت عر�ض جمموعة كبرية‬ ‫من ا�صدارات املنتدى من كتب الو�سطية واملن�شورات‬ ‫التي تبني اجنازاته يف جمال ن�شر فكر الو�سطية‬ ‫والإعتدال وحماربة الإره��اب والتطرف حيث مت‬ ‫تخ�صي�ص جناح للمنتدى يف املعر�ض ال��ذي �شارك‬ ‫فيه ‪ 200‬م�ؤ�س�سة‪ ،‬حيث مت افتتاح املعر�ض من‬ ‫الدكتور علي كورت الأمني العام للمنظمات الأهلية‬ ‫وقد �أ َّم اجلناح عدد كبري من الزوار الذين �أ�شادوا‬

‫باملنتدى وم�سريته منذ ت�أ�سي�سه‪ ،‬ومبا اكت�سبه من‬ ‫�سمعة دولية كمنظمة �إ�سالمية لتو�ضيح مفاهيم‬ ‫الدين ال�صحيح‪.‬‬ ‫وقد �شاركت يف املعر�ض م�ؤ�س�سات وجمعيات دولية‬ ‫و�إ�سالمية علم ًا ب�أن املنتدى هو امل�ؤ�س�سه الوحيدة‬ ‫التي �شاركت يف املعر�ض من الأردن‪.‬‬ ‫وك��ان هناك اقبال كبري من امل�شاركني وال��زوار‬ ‫للمعر�ض على ا���ص��دارات املنتدى مل��ا حتتويه من‬ ‫موا�ضيع هامة يف م�ضمونها بن�شر الو�سطيه والعدل‬ ‫وحماربة التطرف واالرهاب وما فيه منفعة ال�شعوب‬ ‫واملجتمعات‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪17‬‬


‫مؤتمر صالح الدين األيوبي‬ ‫اإلنسان والقائد وموجه التاريخ‬ ‫"السليمانية ‪"2018/10/27‬‬

‫‪18‬‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية وبالتعاون مع فرع‬ ‫املنتدى يف كرد�ستان م�ؤمتر ًا دولي ًا حول �صالح الدين‬ ‫الأيوبي “الإن�سان والقائد وموجه التاريخ” يوم‬ ‫‪ 2018/10/27‬يف مدينة ال�سليمانية ‪ /‬كرد�ستان‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫وي�أتي �أهمية عقد هذا امل�ؤمتر حول �صالح الدين‬ ‫الأيوبي يف هذه الظروف ال�سيا�سية والإقت�صادية‬ ‫والإج��ت��م��اع��ي��ة والثقافية ال�صعبة ال��ت��ي �أخ� ّل��ت‬ ‫مبنظومة املفاهيم الإ�سالمية يف ال�سلم واحل��رب‬ ‫ولبيان اجلوانب ال�ساطعة للقادة امل�سلمني �أثناء‬ ‫احلرب وال�سلم‪� ،‬إذ �سبق الإ�سالم املنظمات الدولية‬ ‫يف �إقرار احلقوق الإن�سانية يف ال�سلم واحلرب مبئات‬ ‫ال�سنني‪ ،‬ومنها التم�سك بالعهود واملواثيق و�ضبط‬ ‫�سلوك املقاتلني واملحافظة على الأ�سرى ومعاملتهم‬ ‫املعاملة احل�سنة‪ ،‬واملحافظة على كرامة الإن�سان‬ ‫والنهي عن التمثيل يف القتلى والتمييز بني املقاتلني‬ ‫واملواطنني الأبرياء‪.‬‬ ‫وق���د ُع���رف ال��ق��ائ��د ���ص�لاح ال��دي��ن بالرحمة‬ ‫والتّ�سامح وعدم �إراقة الدماء �أو �إرتكاب اجلرائم‬ ‫�أثناء حترير بيت املقد�س والبالد الإ�سالمية من‬ ‫الفرجنة وال�صليبيني عك�س ما تقوم به هذه الأيام‬

‫التنظيمات الإرهابية واملتطرفة التي تتخذ الدين‬ ‫لبو�س ًا لتربير عملياتها ال�شنيعة وتفعل بالقتلى‬ ‫وهتك الأعرا�ض دون �أدنى �إلتزام �أخالقي �أو قيمي‬ ‫بالتعاليم الإ�سالمية احلنيفة التي �أر�ساها القادة‬ ‫العظام �أمثال ر�سولنا الكرمي واخللفاء الرا�شدين‬ ‫ومن �سار على نهجهم من القادة والأئمة املكرمني‪.‬‬ ‫كما ينبع عقد ه��ذا امللتقى الفكري الكبري يف‬ ‫�أر�ض كرد�ستان لبيان مدى الظلم الذي حلق بال�شعب‬ ‫الكردي ال�شقيق عندما ا�ستخدم الكيماوي �ضده من‬ ‫قبل ع�صابات داع�ش وخ��وارج الع�صر وغريها من‬ ‫التنظيمات الإرهابية املتطرفة التي عاثت يف �أر�ض‬ ‫العراق الدمار واخلراب والف�ساد‪ ،‬كما ت�أتي �أهمية‬ ‫انعقاد امل�ؤمتر يف كرد�ستان البراز دور �صالح الدين‬ ‫من �إن�شاء املدار�س واملعاهد العلمية وتكرمي العلماء‬ ‫ال��ذي��ن عملوا على توحيد الأم���ة يف ظ��ل ظ��روف‬ ‫مرت بها الأمة الإ�سالمية ت�شابه ظروفنا‬ ‫ا�ستثنائية ّ‬ ‫احلالية يف العامل الإ�سالمي – وا�ستطاع هذا القائد‬ ‫الهمام �أن يوحد �صفوف امل�سلمني وتوجيهها نحو‬ ‫عدوهم احلقيقي وقيامه بتحرير �أرا�ضي امل�سلمني‬ ‫من الإح��ت�لال الفرجني وعلى ر�أ�سها حترير بيت‬ ‫املقد�س وفل�سطني‪.‬‬


‫كما ي�أتي انعقاد هذا امل�ؤمتر لإب��راز �أخالقيات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ورفقة وجنوح ًا �إلى ال�سلم مع‬ ‫�سماحة‬ ‫�صالح الدين‬ ‫�أعدائه عندما يتطلب الأم��ر ذلك‪ ،‬حتى �صار هذا‬ ‫القائد م�ضرب املثل يف معاملته الإن�سانية لل�صليبيني‬ ‫املحتلني للأر�ض الإ�سالمية‪ ،‬حيث �أب��دى ت�ساحم ًا‬ ‫كبري ًا ودون �إراق��ة قطرة من الدماء حيث ا�ستلم‬ ‫مدينة القد�س �ضارب ًا بذلك املثل امل�شرق والنا�صع‬ ‫للأعداء‪ ،‬ومتناق�ض ًا مع ما قام به الإفرجنة عند‬ ‫ا�ستيالئهم على مدينة القد�س من الفتك ب�أهلها‬ ‫و�سكانها الأبرياء وقتل الآالف منهم حتت �سنابك‬ ‫خيولهم‪.‬‬ ‫وخ�لال امل��ؤمت��ر ناق�ش امل ��ؤمت��رون جمموعة من‬ ‫الأوراق العلمية التي ركزت على �شخ�صية القائد‬ ‫�صالح الدين الأيوبي – واجلانب ال�سيا�سي والقومي‬ ‫واجلانب الع�سكري‪ ،‬والديني والإجتماعي‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إل��ى اجلانب احل�ضاري والتاريخي والأث��ري للعهد‬ ‫الأيوبي‪� ،‬إ�ضافة �إلى واقع احلياة ال�سيا�سية حني‬ ‫ظهور �صالح ال��دي��ن و�أخ�لاق��ه يف احل��رب وال�سلم‬ ‫والدبلوما�سية التي ك��ان يتمتع بها �صالح الدين‬ ‫وكذلك دور امل���ر�أة يف العهد الأي��وب��ي يف النهو�ض‬ ‫باملجتمعات والأجيال‪ ،‬وكما عر�ضت الأوراق درا�سات‬ ‫و�أقوال امل�ست�شرقني عن �صالح الدين وحياته‪.‬‬ ‫وقد ح�ضر امل�ؤمتر �أكرث من (‪� )300‬شخ�صية من‬ ‫�أكادمييني وعلماء دين و�شباب ون�ساء ميثلون عدد ًا‬ ‫من الدول منها‪:‬‬ ‫الأردن‪ ،‬املغرب‪ ،‬تون�س‪ ،‬لبنان‪� ،‬سوريا‪ ،‬العراق‪،‬‬ ‫�إيران‪ ،‬واقليم كورد�ستان‪ ،‬ومن �أبرز هذه ال�شخ�صيات‬ ‫الوازنة التي ح�ضرت امل�ؤمتر‪:‬‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية‪� ،‬سماحة ال�شيخ عبدالفتاح مورو‪،‬‬ ‫والدكتور �أنور حممد فرج حممود‪ ،‬والأمري الدكتور‬ ‫وليد الأيوبي‪ ،‬واملهند�س جليل بارامي‪ ،‬واملهند�س‬

‫بيخال �أبو بكر ح�سني‪ ،‬والدكتور عماد عبدال�سالم‪،‬‬ ‫والدكتور فر�ست مرعي‪ ،‬والدكتور �ضنور جعفر‪،‬‬ ‫واملهند�س ك��ام��ران ب��اب��ان زاده‪ ،‬وال��دك��ت��ور يحيى‬ ‫عمر ري�شاوي‪ ،‬والدكتور حم�سن ح�سني‪ ،‬والدكتور‬ ‫عمر عبدالعزيز واملهند�س �ساز كار ر�ضا �إ�سماعيل‪،‬‬ ‫والدكتور كامران عومر‪ ،‬والدكتور كورد�ستان �سامل‬ ‫�سعيد‪ ،‬والدكتور عزالدين م�صطفى ر�سول والدكتور‬ ‫�آرا�س فريق زينل والدكتور نارميان عبداهلل‪.‬‬ ‫وي��ق��وم امل��ن��ت��دى ���س��ن��وي� ًا بعقد ع���دد ك��ب�ير من‬ ‫امل�ؤمترات والندوات وور�ش العمل وعمليات التدريب‬ ‫للأئمة والوعاظ يف فروعه كافة املنت�شرة يف معظم‬ ‫دول العامل العربي والإ�سالمي‪ ،‬وذلك من �أجل ن�شر‬ ‫ر�سالة الإعتدال وتعزيز منظومة القيم الأخالقية‬ ‫وحماربة التطرف والإره���اب والتح�صني الفكري‬ ‫والأخالقي لل�شباب من �آفات الع�صر وغر�س مفاهيم‬ ‫الو�سطية والإع��ت��دال م��ن �أج��ل ع��امل ي�سود فيه‬ ‫الإعتدال وخالٍ من التطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫ومم���ا ي��ج��در ذك���ره ب����أن جل��ن��ة م��ن الأ���س��ات��ذة‬ ‫واملفكرين من �أع�ضاء فرع املنتدى يف ال�سليمانية‬ ‫قد �أ�شرفت على الإعداد والتنظيم لهذه التظاهره‬ ‫الفكرية الثقافية م�ؤلفة من‪:‬‬ ‫‪� .1‬شريوان �شمرياين‬ ‫‪ .2‬د‪ .‬جنور جعفر �أحمد‬ ‫‪ .3‬د‪� .‬أنور حممد فرج‬ ‫‪ .4‬د‪ .‬فاحت �سنكاوي‬ ‫‪ .5‬د‪ .‬يحيى عمر ري�شاوي‬ ‫‪� .6‬سازكار ر�ضا ا�سماعيل‬ ‫‪ .7‬بيخال �أبو بكر‬ ‫‪ .8‬د‪ .‬هيوا عزيز �سعيد‬ ‫‪ .9‬فهمي حمه توفيق‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪19‬‬


‫أخبار الوسطية‬

‫المنتدى العالمي للوسطية ينظم ندوة حوارية بعنوان‪:‬‬

‫من تجليات الوسطية‪ :‬الترشيد‬

‫‪20‬‬

‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية ن��دوة حوارية‬ ‫�صباح ي��وم ال�سبت امل��واف��ق ‪ 2018/12/22‬حتت‬ ‫عنوان "من جتليات الو�سطية‪ :‬الرت�شيد" حتدث‬ ‫فيها عدد من العلماء واملفكرين �أ�صحاب الإخت�صا�ص‬ ‫يف الق�ضايا املجتمعية وال�ش�أن العام‪.‬‬ ‫وافتتح املهند�س مروان الفاعوري الندوة بكلمة‬ ‫ترحيبية جاء فيها‪:‬‬ ‫ت�أتي هذه الندوة – من جتليات الو�سطية ‪:‬‬ ‫الرت�شيد – ك�آخر ندوة من ندوات هذا العام ‪2018‬‬ ‫هدفنا من اختيار هذا املو�ضوع هو لت�سليط ال�ضوء‬ ‫على هذه القيمة الدينية الهامة ويف الوقت نف�سه‬ ‫هي �ضرورة حياتية نحتاج اليها يف ظل الظروف‬ ‫والتحديات االقت�صادية واملالية التي تواجه بلدنا‬ ‫العزيز – كذلك توعية املواطن ب�أهمية حتويل‬ ‫هذه القيمة الى ثقافة و�سلوك حياتي للمحافظة‬ ‫على مواردنا املادية والروحية وا�ستخدامها ب�شكل‬ ‫�أمثل بعيدا عن الهدر واال�ستنزاف‪.‬‬ ‫– يقول اهلل تعالى يف حمكم التنزيل ( كلوا‬ ‫وا�شربوا وال ت�سرفوا ) ويقول ر�سولنا حممد عليه‬ ‫اف�ضل ال�صالة والت�سليم (ال ت�سرف يف املاء ولو كنت‬ ‫على نهر جار)‬

‫هذه الندوة ومن خالل عنوانها حتمل يف طياتها‬ ‫مفاهيم عميقة مادية ومعنوية نذكر بها اجلميع‬ ‫وهذا ما�سوف ت�ستمعون اليه من العلماء واال�ساتذة‬ ‫االجالء‪.‬‬ ‫وق��د حت��دث ال��دك��ت��ور زغ��ل��ول ال��ن��ج��ار ح��ول "‬ ‫الرت�شيد يف القر�آن وال�سنة النبوية " وركز على‬ ‫ان منهج الإ�سالم الإعتدال والتو�سط يف كل مناحي‬ ‫احلياة‪ ،‬والتو�سط والإعتدال اليعني الإمتناع عن‬ ‫التمتع بنعم اهلل تعالى‪ ،‬ف�إن اهلل تعالى يحب �أن‬ ‫يرى �أثر نعمته على عبده‪ ،‬و�أهمية تفكر امل�سلمني‬ ‫يف الإع��ت��دال والتو�سط يف كل �شيء مع مراعاة‬ ‫التدرج املنطقي بني ال�ضروريات واحلاجيات‪ ،‬وان‬ ‫موارد احلياة حمدودة ورزق الأر���ض حمدود ولذا‬ ‫البد من مراعاة التو�سط يف ا�ستهالك هذه املوارد‪.‬‬ ‫وحت��دث معايل الدكتور حممد طالب عبيدات‬ ‫حول " دور و�سائل الإعالم يف ن�شر ثقافة الرت�شيد‬ ‫" وركز على ان العادات والأعراف بعيدة كل البعد‬ ‫عن منهج الرت�شيد‪ ،‬ورك��ز الدكتور على م�صطلح‬ ‫هام وهو التطرف يف ال�سلوكيات ‪ ،‬وبني ان احلديث‬ ‫عن الرت�شيد يكون من جانبني‪ :‬اجلانب النظري‬ ‫واجلانب العملي‪ ،‬وركز على �أهمية و�سائل الإعالم‬ ‫يف ن�شر ثقافة الرت�شيد‪ ،‬وبني دور منظمات املجتمع‬


‫امل��دين الفاعل يف تر�سيخ منهج الرت�شيد‪ ،‬وحتدث‬ ‫الدكتور حممد احلاج حول " دور املدار�س واجلامعات‬ ‫وامل�ؤ�س�سات التعليمية يف ن�شر ثقافة الرت�شيد "‬ ‫وركز على �ضرورة تر�شيد الإ�ستهالك‪ ،‬وينطلق من‬ ‫منهج الإ�سالم يف الو�سطية‪ ،‬و�أ���س��و�أ ما تعاين منه‬ ‫الأم��ة الإ�سالمية هو الت�ضارب يف م�س�ألة الإنتاج‬ ‫والإ�ستهالك ‪ ،‬و�صناعة الوعي الثقايف م�س�ؤولية تقع‬ ‫على عاتق املوجهني البد �أن تتحول ق�ضية الرت�شيد‬ ‫يف الإ�ستهالك الى ق�ضية تربوية تثقيفية‪ ،‬ثم بني‬ ‫دور املدار�س يف الرت�شيد من خالل تعزيز الطلبة‬ ‫بجوائز ملن يحافظوا على كتبه املدر�سية والتقليل‬ ‫من املتطلبات املرهقة ل�ل�أه��ايل وتثقيف الطالب‬ ‫بالإبتعاد عن ثقافة املباهاة‪.‬‬ ‫وقد خلُ�ص املنتدون بالإجماع �إلى �أن الرت�شيد‬ ‫يف الإنفاق له �آثار �إجتماعية على املجتمع من حيث‬ ‫ال�سلوكيات الإيجابية جتاه املجتمع والدولة من‬ ‫حيث تفهم الأو�ضاع الإقت�صادية التي مير بها الوطن‬ ‫واللجوء �إلى الأ�ساليب املقنعة يف احلكومات لتفهم‬ ‫�إحتياجات املواطن بالرتكيز على و�سائل الإعالم‬ ‫الرا�شدة لتوعيتهم بانتهاج نهج الو�سطية والإعتدال‬

‫والتنبيه م��ن خماطر الأف��ك��ار والأيديولوجيات‬ ‫الغريبة والإجن��رار خلف التيارات الهدامة التي‬ ‫تبث روح الفرقة والكراهية والتنبيه من خماطر‬ ‫التوا�صل باختالط احلابل بالنابل ودون و�سائل‬ ‫�ضبط �أو رقابة‪.‬‬ ‫و�أج��م��ع امل��ن��ت��دون �إل���ى �أن الأدي����ان والرتبية‬ ‫واملنابر التعليمية والدينية والرتبوية وال�شبابية‬ ‫والإعالمية والأ�سرية ُجلّها لها �أدوار م�ؤثّرة جد ًا يف‬ ‫ن�شر ثقافة الرت�شيد واحلد من الأمناط الإ�ستهالكية‬ ‫املتزايدة وذلك من خالل التوعية والتنوير والت�أثري‬ ‫على ال�شباب والأج��ي��ال كافة ليكون ذل��ك �سلوك ًا‬ ‫قومي ًا لديهم‪ ،‬ورمبا املر�أة هي �أ�سا�س عملية تر�شيد‬ ‫الإ�ستهالك ملا لها من دور �إيجابي يف كل العملية‪.‬‬ ‫وقد �أ�شرفت على �إدارة الندوة مبهنية عالية‬ ‫الأ�ستاذة الدكتورة �سناء احلنيطي‪ ،‬وقد تفاعل‬ ‫اجلمهور م��ع ه��ذه ال��ن��دوة و�أع��رب��وا ع��ن �إمتنانهم‬ ‫للمنتدى وم��ا يقوم ب��ه م��ن عقد ن���دوات توعوية‬ ‫وفكرية لتثقيف املواطنني وال��ت��ي كلها ت�صب يف‬ ‫ال�صالح العام‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪21‬‬


‫دراسات‬

‫مقصد‬ ‫ِ‬ ‫السالم‬ ‫في‬ ‫شريعة‬

‫د‪ .‬أحمد الريسوني‬ ‫الجزائر‬

‫‪22‬‬

‫�أطروحة هذا البحث هي بيان �أن من مقا�صد‬ ‫ون�شر ال�سالم‬ ‫الإ�سالم و�شريعته‪� :‬إخما َد احلروب‬ ‫َ‬ ‫والوئام بني النا�س‪� ،‬أفرادا وجماعات‪.‬‬ ‫وم��ع��ل��وم �أن بع�ضا م��ن علماء امل�سلمني‪ ،‬ومن‬ ‫ال��دار���س�ين الغربيني‪ ،‬ناهيك ع��ن بع�ض �شباننا‬ ‫املتحم�سني‪ ،‬ال يقبلون ه��ذا ال��ق��ول‪ ،‬بل منهم من‬ ‫يعتقد عك�سه متاما‪ ،‬ويرون �أن من مقا�صد الإ�سالم‬ ‫ومبادئه‪ :‬خو�ض ح��رب دائمة “�ضد الكفار”‪.‬‬ ‫وبع�ضهم – من الباحثني الغربيني‪ ،‬ومن �أ�صحابنا‬ ‫�أي�ضا – ي��رون �أن الإ���س�لام ج��اء بال�سيف‪ ،‬و�أن��ه‬ ‫انت�شر وانت�صر وات�سعت رقعته بف�ضل الغزوات‬ ‫والفتوحات احلربية‪ .‬ولذلك يرى بع�ض م�شايخنا‬ ‫ودعاتنا �أن��ه ال يجوز جتريد الإ���س�لام م��ن هذا‬ ‫ري‬ ‫“احلق”‪ ،‬ويعتربون �أن هذا املنزع لي�س �سوى تعب ٍ‬ ‫عن التخاذل واالنهزامية…‬ ‫ومعنى هذا �أن القول بكون ال�سالم بني الأمم‬ ‫وال�����ش��ع��وب م��ق�����ص��دا ���ش��رع��ي��ا‪ ،‬حت��ف��ه حتفظات‬ ‫واعرتا�ضات‪ ،‬وتقف دونه �شبهات و�إ�شكاالت‪.‬‬ ‫فلهذا ال بد �أو ًال – وقبل الو�صول �إلى تقرير‬ ‫هذا املق�صد ال�سلمي وبيان �أدلته – من الوقوف عند‬ ‫تلك االعرتا�ضات والإ�شكاالت وبيان حقيقتها‪.‬‬

‫اإلسالم‬ ‫وبناء عليه‪� ،‬سيت�شكل هذا البحث من ثالثة‬ ‫مباحث هي‪:‬‬ ‫ال�سياق التاريخي‪،‬‬ ‫ال�سياج الت�شريعي‪،‬‬ ‫مق�صد ال�سالم و�أدلته يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫املبحث الأول‪ :‬ال�سياق التاريخي‬ ‫ح�ين ُب��ع��ث ر���س��ولُ اهلل حممد ب��ن عبد اهلل‪،‬‬ ‫�صلوات اهلل و�سالمه عليه‪ ،‬مكث هو و�أ�صحابه �أزيد‬ ‫من �أحد ع�شر عاما يبا�شرون دعوتهم ال�سلمية‪،‬‬ ‫ب�صرب و�صفح واحت�ساب‪� ،‬سواء مبكة �أو باملدينة �أو‬ ‫بغريهما‪ .‬ومل يدخلوا طيلة هذه املدة يف �أي حرب‪،‬‬ ‫ال دفاعية وال هجومية‪ ،‬مع �أنهم كانوا با�ستمرار‬ ‫هدفا لكل �أل���وان البغي وال��ع��دوان واال�ضطهاد‬ ‫والفتنة‪ ،‬ال ل�شيء }�إ اَِّل �أَ ْن َيقُولُوا َر ُّبنَا اللهّ { احلج‪:‬‬ ‫‪.40‬‬ ‫على مدى هذه ال�سنني الطويلة ظل امل�سلمون‬ ‫ون‬ ‫مع نبيهم يواجهون العدوان بالإح�سان‪َ } ،‬و َي ْد َر ُء َ‬ ‫ال�س ِّيئَة{ الرعد‪.22 :‬‬ ‫ِبالحْ َ​َ�سن َِة َّ‬ ‫وحتى حينما �أك��ره��وا على خو�ض معاركهم‬


‫احلربية الأولى �ضد �أعدائهم املعتدين عليهم –‬ ‫كما يف بدر‪ ،‬و�أُ ُحد‪ ،‬واخلندق‪ ،‬وغريها – ف�إمنا كانوا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫مفرو�ضة‬ ‫دفاعية ا�ضطرارية‬ ‫معارك‬ ‫يخو�ضون‬ ‫عليهم ب�شكل ال مفر منه‪ .‬فقد كانت تلك املعارك‬ ‫بالن�سبة للم�سلمني تدور حول “البقاء �أو الفناء”‪.‬‬ ‫وجمرد وقوعها على م�شارف املدينة املنورة هو �أبلغ‬ ‫دليل يك�شف طبيعتها‪ ،‬ويك�شف اجلهة املبادرة �إليها‪.‬‬ ‫و�أما بقية معارك امل�سلمني‪ ،‬يف ال�سنني الأخرية من‬ ‫حتد‬ ‫حياة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فلم ْ‬ ‫عن هذا الأ�سا�س‪ ،‬بالرغم من التغريات التنفيذية‬ ‫“التكتيكية”‪ ،‬التي تقت�ضيها عاد ًة حالة احلرب‬ ‫ومتطلباتُـها امليدانية‪.‬‬ ‫وتفا�صيل ه��ذه اخل�لا���ص��ة م�سجلة وموثقة‬ ‫يف ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي‪ ،‬ويف كتب ال�����س�يرة وال�سنة‬ ‫والتاريخ… وف��ي��م��ا ي��ل��ي مل��ح��ات م��ن ال��وق��ائ��ع‬ ‫التف�صيلية لهذه اخلال�صة‪.‬‬ ‫ج��اء يف (ج��وام��ع ال�����س�يرة) الب��ن ح��زم‪“ :‬ثم‬ ‫�أَعلن (�أي ج َهر) ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫بالدعاء �إل��ى اهلل ع��ز وج��ل‪ ،‬وجاهرته قري�ش‬ ‫طالب ع َّمه كان حدبا‬ ‫بالعداوة والأذى‪� ،‬إال �أن �أبا‬ ‫ٍ‬ ‫عليه‪ ،‬مانعا له‪ ،‬وهو باق على دين قومه”‪.1‬‬

‫ولذلك ُوجه �أكرث ال�ضغط والأذى �إلى الذين‬ ‫�آم��ن��وا و�أ�سلموا‪ ،‬وخا�صة ال�ضعفاء منهم‪ ،‬فراح‬ ‫امل�شركون “يعذبون من ال منَعة عنده‪ ،‬وي�ؤذون من‬ ‫ال يقدرون على عذابه‪ ،‬والإ�سالم على هذا يف�شو‬ ‫فى الرجال والن�ساء‪ .‬ولقي �أ�صحاب ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم من العذاب �أمرا عظيما‪ .‬ورزقهم‬ ‫اهلل تعالى على ذلك من ال�صرب �أم��را عظيما‪ ،‬ملا‬ ‫ذخر اهلل عز وجل لهم فى الآخ��رة من الكرامة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫�سمية �أم عمار بن‬ ‫فطعن الفا�سق عد ُّو اهلل �أبو جهل‬ ‫يا�سر بحربة فى قبلها فقتلها‪ ،‬ر�ضوان اهلل عليها‪.‬‬ ‫وك��ان ���س��ادات ب�لال‪ ،‬م��ن بنى جمح‪ ،‬ي�أخذونه‬ ‫ويبطحونه على الرم�ضاء فى حر جوامع مكة‪،‬‬ ‫يلقون على بطنه ال�صخرة العظيمة‪ ،‬ثم ي�أخذونه‬ ‫ويلب�سونه فى ذلك احلر ال�شديد درع حديد‪ ،‬وي�ضعون‬ ‫فى عنقه حبال‪ ،‬وي�سلمونه �إلى ال�صبيان يطوفون‬ ‫به‪ ،‬وهو يف كل ذلك �صابر حمت�سب‪ ،‬ال يبايل مبا لقي‬ ‫يف ذات اهلل تعالى‪ ،‬ر�ضوان اهلل عليه”‪.2‬‬ ‫وقال ابن �إ�سحاق ي�صف هذه املرحلة‪“ :‬ثم �إن‬ ‫قري�شا ت�آمروا بينهم على من يف القبائل منهم من‬ ‫�أ�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الذين‬ ‫�أ�سلموا‪ ،‬فوثبت كل قبيلة على من فيها من امل�سلمني‬ ‫يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم‪ ،‬ومنع اهلل منهم‬ ‫ر�سوله بعمه �أبي طالب”‪. 3‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪23‬‬


‫‪24‬‬

‫هجرة وح�صار‪..‬‬ ‫ملا طال اال�ضطهاد والعدوان على امل�سلمني‪ ،‬هاجر‬ ‫ع��دد منهم �إل��ى �أر���ض احلب�شة‪ ،‬تاركني وراءه��م‬ ‫بلدهم و�أقاربهم وديارهم و�أموالهم‪ ،‬طلبا لل�سالمة‬ ‫والأمان يف دينهم و�أنف�سهم‪“ ..‬عن �أم �سلمة ر�ضي‬ ‫زوج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أنها‬ ‫اهلل عنها ِ‬ ‫أوذي �أ�صحاب ر�سول‬ ‫قالت‪ :‬ملا �ضاقت علينا مكة و� َ‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وفُتنوا‪ ،‬ور�أوا ما ي�صيبهم‬ ‫من البالء والفتنة يف دينهم‪ ،‬و�أن ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ال ي�ستطيع دفع ذلك عنهم‪ ،‬وكان‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف َمنَعة من قومه‬ ‫وع ِّمه ال ي�صل �إليه �شيء مما يكره ما ينال �أ�صحابه‪،‬‬ ‫فقال لهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪� :‬إن‬ ‫ب�أر�ض احلب�شة ملكا ال ُيظلم �أحد عنده‪ ،‬فاحلقوا‬ ‫ببالده حتى يجعل اهلل لكم فرجا وخمرجا مما‬ ‫�أنتم فيه‪ .‬فخرجنا �إليها �أر�ساال حتى اجتمعنا‬ ‫ونزلنا بخري دار �إلى خري جار؛ �أ ِم َّنا على ديننا ومل‬ ‫نخ�ش منه ظلما”‪.4‬‬ ‫و�أما من بقوا مبكة من امل�سلمني‪ ،‬فقد فر�ض عليهم‬ ‫م�شركو قري�ش ح�صارا معي�شيا قا�سيا ومقاطعة‬ ‫ِ‬ ‫وثالث �سنني‪.‬‬ ‫اجتماعية تامة‪ ،‬ملدة تراوحت بني �سنتني‬ ‫وملا تفكك هذا احل�صار وانهار من غري �أن ي�أتي‬ ‫بالنتيجة املرجوة منه‪ ،‬بد�أ زعماء قري�ش يفكرون‬ ‫يف تدابري �أخرى ي�ضعون بها حدا للدعوة املحمدية‬ ‫وتف�شيها بينهم وبني غريهم من القبائل العربية‪.‬‬ ‫فتداولوا الر�أي ما بني اعتقاله‪� ،‬أو قتله‪� ،‬أو طرده‬ ‫بعيدا عنهم… وذل��ك ما حكاه ال��ق��ر�آن الكرمي‬ ‫يف قوله تعالى‪ ،‬ت��ذك�يرا للنبي �صلى اهلل عليه‬ ‫ين َكف َُروا‬ ‫و�سلم وامتنانا عليه‪َ } ،‬و ِ�إ ْذ يمَ ْ ك ُ​ُر ب َِك ال َِّذ َ‬ ‫ُوك �أَ ْو ُيخْ رِ ُج َ‬ ‫ُوك �أَ ْو َي ْق ُتل َ‬ ‫ِل ُي ْث ِبت َ‬ ‫ون َويمَ ْ ك ُ​ُر‬ ‫وك َويمَ ْ ك ُ​ُر َ‬ ‫ين{ الأنفال‪.30 :‬‬ ‫اللهَّ ُ َواللهَّ ُ خَ يرْ ُ المْ َا ِكرِ َ‬ ‫روى الإم��ام الطربي ب�سنده عن عطاء قال‪:‬‬ ‫“�سمعت عبيد بن عمري يقول‪ :‬ملا ائتمروا بالنبي‬ ‫ُ‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ليقتلوه �أو ُيـثْبتوه �أو يخرجوه‪،‬‬ ‫قال له �أبو طالب‪ :‬هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال‪:‬‬ ‫نعم! قال‪ :‬ف�أخربه‪ ،‬قال‪ :‬من �أخربك؟ قال‪ :‬ربي!‬ ‫ريا! قال‪�“ :‬أنا‬ ‫قال‪ِ :‬نـ ْع َم الرب ربك‪ ،‬ا�ستو�ص به خ ً‬ ‫�أ�ستو�صي به‪� ،‬أو هو ي�ستو�صي بي؟!”‪. 5‬‬ ‫الهجرة �إلى املدينة وما بعدها‬ ‫بلغت الرتاكمات العدوانية املت�صاعدة للم�شركني‬ ‫�ضد امل�سلمني �أوجها مبحاولة قتل الر�سول الكرمي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ .‬بعد ذلك جاءت الهجرة الكربى؛‬ ‫هجرة ر�سول اهلل و�أ�صحا ِبه �إلى املدينة املنورة‪.‬‬

‫وك��ان الغر�ض املبا�شر منها �إي��واء ر�سول اهلل‬ ‫وحمايته لكي ُيـبلغ ر�سالته‪ ،‬وحماية �أتباعه يف‬ ‫دينهم‪ .‬وكان ر�سول اهلل يف هذه املرحلة قد بد�أ‬ ‫يطلب – �إ�ضافة �إلى الإميان به وبر�سالته – �إيواءه‬ ‫ونُـ�صرتَه وحمايته‪ ،‬وكان يقول‪( :‬من ي�ؤويني؟ من‬ ‫ين�صرين حتى �أبلّغ ر�سالة ربي وله اجلنة؟)‪.6‬‬ ‫فمن هنا �سمي الأن�����ص��ار �أن�����ص��ارا‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫الأ�سا�س كانوا قد ت��واف��دوا على النبي وبايعوه‬ ‫يف العقبة‪ ،‬ولهذا الغر�ض كانت الهجرة �إليهم يف‬ ‫املدينة‪.‬‬ ‫فعن جابر ر�ضي اهلل ق��ال‪ …“ :‬فقلنا‪ :‬حتى‬ ‫متى نرتك ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يطرد‬ ‫يف جبال مكة وي��خ��اف؟ فرحل �إليه منا �سبعون‬ ‫رج�لا حتى ق��دم��وا عليه يف امل��و���س��م‪ ،‬ف��واع��دن��اه‬ ‫�شعب العقبة‪ .‬فاجتمعنا عليه من رج��ل ورجلني‬ ‫حتى توافينا‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا ر�سول اهلل نبايعك‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫تبايعوين على ال�سمع والطاعة يف الن�شاط والك�سل‪،‬‬ ‫والنفقة يف الع�سر والي�سر‪ ،‬وعلى الأمر باملعروف‬ ‫والنهي عن املنكر‪ ،‬و�أن تقولوا يف اهلل ال تخافون يف‬ ‫اهلل لومه الئم‪ ،‬وعلى �أن تن�صروين فتمنعوين �إذا‬ ‫قدمت عليكم مما متنعون منه �أنف�سكم و�أزواجكم‬ ‫و�أبناءكم ولكم اجلنة‪ .‬قال‪ :‬فقمنا �إليه فبايعناه‪.‬‬ ‫و�أخذ بيده �أ�سعد بن زرارة وهو من �أ�صغرهم فقال‪:‬‬ ‫رويدا يا �أهل يرثب ف�إنا مل ن�ضرب �أكباد الإبل �إال‬ ‫ونحن نعلم �أنه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم و�أن‬ ‫�إخراجه اليوم مفارقةُ العرب كافة‪ ،‬وقتلُ خياركم‬ ‫و�أن تع�ضكم ال�سيوف‪ .‬ف�إما �أنتم قوم ت�صربون على‬ ‫ذلك و�أجركم على اهلل‪ ،‬و�إما �أنتم قوم تخافون من‬ ‫�أنف�سكم جبينة‪ ،‬فبينوا ذلك‪ ،‬فهو عذر لكم عند‬ ‫اهلل‪ .‬قالوا‪� :‬أمط عنا يا �أ�سعد‪ ،‬فواهلل ال ندع هذه‬ ‫البيعة �أب��دا وال نُ�سلبها �أب��دا‪ .‬ق��ال‪ :‬فقمنا �إليه‬ ‫فبايعناه‪ ،‬ف�أخذ علينا و�شرط‪ ،‬ويعطينا على ذلك‬ ‫اجلنة”‪.7‬‬ ‫وق��د ع�بر الأن�����ص��ار حينئذ ع��ن ا�ستعدادهم‬ ‫وجاهزيتهم ملهاجمة قري�ش‪ ،‬ردا على اعتداءاتها‪.‬‬ ‫فمبا�شرة بعد البيعة قالوا لر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪“ :‬والذي بعثك باحلق لئن �شئتَ لنميلن‬ ‫على �أهل منى غدا ب�أ�سيافنا‪ ،‬فقال ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ :‬مل �أو َمر بذلك”‪ ،8‬مما يعني مزيدا‬ ‫من ال�صرب والتحمل وطلب ال�سلم‪.‬‬ ‫متت بيعة الأن�صار �إذاً‪ ،‬ومت��ت بعدها هجرة‬ ‫املهاجرين �إليهم باملدينة‪ ،‬وان��دم��ج اجلميع يف‬ ‫جمتمع واحد متكافل مت�آخ‪.‬‬ ‫ومبجرد اال�ستقرار باملدينة‪ ،‬بادر النبي �صلى‬


‫اهلل عليه و�سلم بعقد مواثيق لل�سلم والتعاي�ش‬ ‫والتكافل فيما بني امل�سلمني‪ ،‬املهاجرين والأن�صار‪،‬‬ ‫وفيما بينهم وب�ين غريهم من �أه��ل املدينة‪ ،‬من‬ ‫امل�شركني ومن اليهود‪9‬‬ ‫فهل و�ضع ذلك حدا ملحنة امل�سلمني ومعاناتهم‬ ‫مع امل�شركني واعتداءاتهم؟‬ ‫احلقيقة �أن موقف امل�شركني – قري�ش وغريها‬ ‫– �أ�صبح �أكرث خطورة و�أ�شد �شرا�سة‪ ،‬بعد جناح‬ ‫الهجرة وما جلبته من مكا�سب للم�سلمني ونبيهم‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫روى الإم���ام البيهقي… ع��ن �أُ َب��ـ� ّ�ي ب��نِ كعب‪،‬‬ ‫ق��ال‪“ :‬ملا قدم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫َ‬ ‫املدينة و�آوتهم الأن�صار‪ ،‬رمتهم العرب‬ ‫و�أ�صحا ُبه‬ ‫عن قو�س واحدة‪ ،‬وكانوا ال يبيتون �إال بال�سالح‪،‬‬ ‫وال ي�صبحون �إال فيه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ترون �أنا نعي�ش حتى‬ ‫نبيت مطمئنني ال نخاف �إال اهلل عز وجل؟ فنزلت‪:‬‬ ‫ال�صالحِ ِ‬ ‫َات‬ ‫} َو َع َد اللهَّ ُ ال َِّذ َ‬ ‫ين �آ َمنُوا ِم ْنك ُْم َو َع ِملُوا َّ‬ ‫�ض…{”‪10‬‬ ‫َل َي ْ�س َتخْ ِل َف َّن ُه ْم فيِ ْ أَ‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫وقد انتقل م�شركو العرب يف هذه املرحلة �إلى‬ ‫طور جديد من احلرب �ضد “حممد و�أ�صحابه”‪،‬‬ ‫وه���و ط���ور ال��ت��و���س��ع يف التح�شيد والتحري�ض‬ ‫والتحالفات الع�سكرية‪� ،‬سواء على �صعيد القبائل‬ ‫العربية‪� ،‬أو على �صعيد القبائل اليهودية يف‬ ‫املدينة امل��ن��ورة و�ضواحيها‪ ،‬وذل��ك لأج��ل هدف‬ ‫وا�ضح وحا�سم؛ وهو ا�ستئ�صال الإ�سالم وامل�سلمني‪،‬‬ ‫فظهر بذلك ما ميكن ت�سميته “�أول �إ�سالموفوبيا يف‬ ‫التاريخ“‪ ،‬ولكنها �إ�سالموفوبيا م�سلحة وع�سكرية‪.‬‬ ‫لقد كانت االعتداءات على امل�سلمني خالل الع�شر‬ ‫�سنني املن�صرمة ذاتَ طابع ف��ردي �أو اجتماعي‪.‬‬ ‫لكنها حتولت يف املرحلة اجل��دي��دة �إل��ى �أعمال‬ ‫حربية �شاملة‪.‬‬ ‫ففي هذا الوقت‪ ،‬ولي�س قبله‪� ،‬أَ ِذ َن اهلل تعالى‬ ‫للم�سلمني يف ا�ستعمال حقهم يف الدفاع عن �أنف�سهم‪،‬‬ ‫ُون‬ ‫ين ُيقَا َتل َ‬ ‫وذل��ك يف قوله عز وج��ل‪�} :‬أُ ِذ َن ِلل َِّذ َ‬ ‫ين‬ ‫ير ال َِّذ َ‬ ‫ِب�أَ َّن ُه ْم ظُ ِل ُموا َو�إ َِّن اللهَّ َ َعلَى ن َْ�صرِ ِه ْم َلق َِد ٌ‬ ‫�أُ ْخرِ ُجوا ِم ْن ِد َيار ِ​ِه ْم ِب َغيرْ ِ َحقٍّ �إ اَِّل �أَ ْن َيقُولُوا َر ُّبنَا‬ ‫اللهَّ ُ { احلج‪.40 ،39 :‬‬ ‫وم��ع ه��ذا الإذن ويف ثناياه ب��د�أ و�ضع ال�سياج‬ ‫الت�شريعي الإ�سالمي للحرب واجلهاد احلربي‪ .‬وهو‬ ‫مو�ضوع املبحث الثاين‪..‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬ال�سياج الت�شريعي‬ ‫ما قبل الإذن بالقتال‪..‬‬ ‫من املعلوم تواترا �أن الإ�سالم مل ي�أذن للم�سلمني‬ ‫يف ا�ستعمال ال�سيف للدفاع عن �أنف�سهم �إال بعد �أن‬ ‫حـ َّملهم �أق�صى ما ميكن‪ ،‬و�أق�صى ما ي�ستطيعونه‪ ،‬من‬ ‫احلِـلم والرفق وال�صرب والعفو‪ ،‬جتاه ما كان م�سلطا‬ ‫عليهم من عدوان امل�شركني‪.‬‬ ‫القتال امل�شروع معل ٌَّل ومق َّيد‬ ‫القتال امل�شروع يف الإ�سالم ورد مقرونا – يف كافة‬ ‫مراحله – بعدد من التعليالت واحلدود والقيود‪،‬‬ ‫يجب الوقوف عندها �أو ًال لتدبرها‪ ،‬ويجب الوقوف‬ ‫عندها ثانياً‪ ،‬مبعنى �إعما ِلـها وعد ِم جتاوزها‪.‬‬ ‫وفيما يلي التعليالت واحلدود القر�آنية املتعلقة‬ ‫بالقتال امل�أذون به وامل�أمور به‪.‬‬ ‫الإذن الأول للم�سلمني ب��ال��ق��ت��ال‪ ،‬يف قوله‬ ‫ُون ِب�أَ َّن ُهم ظُ ِلموا َو�إ َِّن اللهَّ َ‬ ‫ين ُيقَا َتل َ‬ ‫تعالى‪�}:‬أُ ِذ َن ِلل َِّذ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ين �أُ ْخرِ ُجوا ِم ْن ِد َيار ِ​ِه ْم‬ ‫ير ال َِّذ َ‬ ‫َعلَى ن َْ�صرِ ِه ْم َلق َِد ٌ‬ ‫ِب َغيرْ ِ َحقٍّ �إ اَِّل �أَ ْن َيقُولُوا َر ُّبنَا اللهَّ ُ {‪،‬‬ ‫ج��اءم��ع�لَّ�لا بعلتني �أُواله���م���ا ع��ام��ة جامعة‪،‬‬ ‫والأخرى فرعية تابعة‪:‬‬ ‫فالأُولى هي‪� :‬أنهم ظُ ـلموا‪،‬‬ ‫والثانية هي‪� :‬أنهم �أُخرجوا من ديارهم بغري‬ ‫حق‪ .‬وهذا نوع من الظلم‪ ،‬بل هو مت�ضمن مل�ضامل‬ ‫ع��دي��دة‪ .‬ف� ِ�ذ ْك��ـ� ُ�ره بعد ذك��ر الظلم ي�شبه عطف‬ ‫اخلا�ص على العام‪.‬‬ ‫ومعنى هذا �أن م�شروعية القتال جاءت ملواجهة‬ ‫الظلم ب�أ�شكاله املختلفة التي مار�سها امل�شركون‬ ‫على امل�سلمني‪ ،‬و�صرب عليها امل�سلمون �سنني طويلة‪.‬‬ ‫ثم و�صلت �إل��ى حد �إخراجهم من دي��اره��م؛ �أوال‬ ‫بالهجرة �إلى احلب�شة‪ ،‬وثانيا بالهجرة �إلى املدينة‪.‬‬ ‫ق���ال ال��ع�لام��ة حم��م��د ال��ط��اه��ر اب���ن ع��ا���ش��ور‪:‬‬ ‫“وذلك �أن امل�شركني كانوا ي�ؤذون امل�ؤمنني مبكة‬ ‫�أذى �شديدا‪ ،‬فكان امل�سلمون ي�أتون ر�سولَ اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ما بني م�ضروب وم�شجوج يتظلمون‬ ‫�إليه‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬ا�صربوا ف�إين مل �أومر بالقتال‪،‬‬ ‫فلما هاجر نزلت هذه الآية بعد بيعة العقبة‪� ،‬إذن ًا‬ ‫لهم بالتهي�ؤ للدفاع عن �أنف�سهم”‪.11‬‬ ‫ين‬ ‫قوله �سبحانه‪َ } :‬و َقا ِتلُوا فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ال َِّذ َ‬ ‫ين{‬ ‫ُيقَا ِتلُو َنك ُْم َو اَل َت ْعت َُدوا �إ َِّن اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِد َ‬ ‫البقرة‪،190 :‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪25‬‬


‫‪26‬‬

‫فيه �أمر للم�سلمني ب�أن يقاتلوا الذين يقاتلونهم‪،‬‬ ‫و�أال يعتدوا مبقاتلة من مل يقاتلوهم‪ .‬مبعنى �أن‬ ‫امل�سلمني يواجهون العدوان‪ ،‬وال ميار�سون العدوان‪.‬‬ ‫فالقر�آن الكرمي يقرر �أن مقاتلة من مل يبادرنا‬ ‫بالقتال اعتداء‪،‬‬ ‫ويقرر �أن اهلل ال يحب املعتدين‪.‬‬ ‫وهذان �أمران غري قابلني للن�سخ وال للتغيري‪ ،‬فال‬ ‫ي�صح وال ميكن �أن ي�صبح العدوان مباحا �أو م�أمورا‬ ‫به‪ .‬وما ال يحبه اهلل (وهو االعتداء واملعتدون)‬ ‫ال ميكن �أن ي�صبح حمبوبا �أو مطلوبا عنده تعالى‪.‬‬ ‫قوله ت��ب��ارك وتعالى‪َ } :‬ف� ْل� ُي� َق��ا ِت��لْ فيِ َ�س ِبيلِ‬ ‫ِال ِآخ َر ِة َو َم ْن‬ ‫الد ْن َيا ب ْ‬ ‫ين َي�شْ ُر َ‬ ‫اللهَّ ِ ال َِّذ َ‬ ‫ون الحْ َ َيا َة ُّ‬ ‫ُيقَا ِتلْ فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ َف ُي ْقتَلْ �أَ ْو َي ْغ ِل ْب ف َ​َ�س ْو َف ُن�ؤْ ِت ِ‬ ‫يه‬ ‫ُون فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ‬ ‫�أَ ْج� ً�را َع ِظي ًما َو َم��ا َلك ُْم اَل ُتقَا ِتل َ‬ ‫ين‬ ‫َوالمْ ُْ�ست َْ�ض َع ِف َ‬ ‫الر َجالِ َوال ِّن َ�ساءِ َوا ْل ِول َْدانِ ال َِّذ َ‬ ‫ني ِم َن ِّ‬ ‫ُون َر َّبنَا �أَ ْخرِ ْجنَا ِم ْن َه ِذ ِه ا ْلق َْر َي ِة الظَّ المِ ِ �أَ ْه ُل َها‬ ‫َيقُول َ‬ ‫اج َعلْ َلنَا ِم ْن ل َُد ْن َك‬ ‫اج َعلْ َلنَا ِم ْن ل َُد ْن َك َو ِل ًّيا َو ْ‬ ‫َو ْ‬ ‫ريا{ الن�ساء‪.75/74 :‬‬ ‫ن َِ�ص ً‬ ‫فيه �أي�ضا تعليل �صريح للأمر بالقتال‪ ،‬بكونه‬ ‫لن�صرة امل�ست�ضعفني‪ ،‬ورد ِع الظاملني‪.‬‬ ‫قوله �سبحانه‪َ } :‬و�إ ِْن َن َكثُوا �أَيمْ َ ا َن ُه ْم ِم ْن َب ْع ِد‬ ‫َع ْه ِد ِه ْم َوطَ َعنُوا فيِ ِدي ِنك ُْم َفقَا ِتلُوا �أَ ِئ َّم َة ا ْل ُك ْفرِ �إِ َّن ُه ْم‬ ‫ُون َق ْو ًما َن َكثُوا‬ ‫ون �أَ اَل ُتقَا ِتل َ‬ ‫ان َل ُه ْم َل َعلَّ ُه ْم َي ْن َت ُه َ‬ ‫اَل �أَيمْ َ َ‬ ‫اج ال َّر ُ�سولِ َو ُه ْم َب َد ُءوكُ ْم �أَ َّولَ‬ ‫�أَيمْ َ ا َن ُه ْم َو َه ُّموا ِب�إ ِْخ َر ِ‬ ‫َم َّر ٍة{ التوبة‪،]13 ،12 :‬‬ ‫فيه حتري�ض وا�ستنها�ض ملقاتلة قوم معينني‬ ‫مو�صوفني‪ ،‬لكونهم‪:‬‬ ‫نق�ضوا عهودهم مع امل�سلمني‪،‬‬ ‫وطعنوا يف دينهم‪،‬‬ ‫وح��اول��وا �إخ���راج الر�سول‪ ،‬ثم ا�ضطروه �إلى‬ ‫اخلروج فعال (ومعه �أ�صحابه)‪،‬‬ ‫وكانوا هم البادئني باحلرب‪ ،‬ظلما وعدوانا…‬ ‫“قال �أبو جعفر (�أي الطربي)‪ :‬يقول تعالى‬ ‫حا�ضا لهم على‬ ‫ذك��ره للم�ؤمنني ب��اهلل ور�سوله‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫جهاد �أعدائهم من امل�شركني‪�( :‬أال تقاتلون)‪� ،‬أيها‬ ‫امل�ؤمنون‪ ،‬ه ��ؤالء امل�شركني الذين نق�ضوا العهد‬ ‫الذي بينكم وبينهم‪ ،‬وطعنوا يف دينكم‪ ،‬وظاهروا‬ ‫عليكم �أع��داءك��م‪( ،‬وه��م��وا ب ��إخ��راج الر�سول)‪،‬‬ ‫من بني �أظهرهم فاخرجوه (وه��م بدءوكم �أول‬ ‫مرة) بالقتال‪ ،‬يعني ف ْعلَهم ذلك يوم بدر‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫حلفاء ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم من‬ ‫قتالهم‬ ‫َ‬ ‫خزاعة”‪]12‬‬ ‫معظم ما تقدم ذكره من علل و�ضوابط للقتال‬ ‫يره – من�صو�صا عليه‪� ،‬أو‬ ‫ال�شرعي‪ ،‬جن��ده – وغ� َ‬ ‫م�شارا �إليه‪ ،‬يف هذه الآيات اجلامعة‪:‬‬ ‫�وه� ْ�م‬ ‫وه ْم َو�أَ ْخ��رِ ُج� ُ‬ ‫�وه� ْ�م َح ْيثُ َث ِق ْفت ُ​ُم ُ‬ ‫}واقْ � ُت� ُل� ُ‬ ‫ِم ْن َح ْيثُ �أَ ْخ َر ُجوكُ ْم َوا ْل ِف ْتنَةُ �أَ َ�ش ُّد ِم َن ا ْل َق ْتلِ َو اَل‬ ‫ُوه ْم ِع ْن َد المْ َْ�سجِ ِد الحْ َ​َرا ِم َحتَّى ُيقَا ِتلُوكُ ْم ِف ِ‬ ‫يه‬ ‫ُتقَا ِتل ُ‬ ‫اء ا ْلكَا ِفرِ ين َف�إِنِ‬ ‫َف�إ ِْن َقا َتلُوكُ ْم فَاقْ ُتل ُ‬ ‫ُوه ْم كَذَ ِل َك َجزَ ُ‬ ‫ا ْن َت َهوا َف��إ َِّن َ‬ ‫ُوه ْم َحتَّى اَل‬ ‫يم َو َقا ِتل ُ‬ ‫اهلل غَ فُو ٌر َر ِح ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ان‬ ‫ين لهلِ ِ َف�إِنِ ا ْن َت َه ْوا ف اَ​َل ُع ْد َو َ‬ ‫ُون ِف ْتن ٌَة َو َيك َ‬ ‫َتك َ‬ ‫الد ُ‬ ‫ُون ِّ‬ ‫ني ال�شَّ ْه ُر الحْ َ � َ�را ُم ِبال�شَّ ْهرِ الحْ َ � َ�را ِم‬ ‫�إ اَِّل َعلَى الظالمِ ِ َ‬ ‫َاعت َُدوا‬ ‫َوالحْ ُ ُر َماتُ ِق َ�ص ٌ‬ ‫اعت َ​َدى َع َل ْيك ُْم ف ْ‬ ‫ا�ص َف َمنِ ْ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫اعل َُموا �أَ َّن‬ ‫اعت َ​َدى َع َل ْيك ُْم َوا َّتقُوا ا َو ْ‬ ‫َع َل ْي ِه بمِ ِ ثْلِ َما ْ‬ ‫ني{ البقرة‪.194 – 190:‬‬ ‫اللهَّ َ َم َع المْ ُ َّت ِق َ‬ ‫أكيد ل�سبقِ امل�شركني يف‬ ‫ففي ه��ذه الآي���ات ت� ٌ‬ ‫عدوانهم على امل�سلمني؛ و�أن��ه��م �أخ��رج��وه��م من‬ ‫ديارهم‪ ،‬وفتنوهم عن دينهم‪ .‬وكل واحد من هذه‬ ‫الأفعال ٍ‬ ‫كاف مل�شروعية الرد عليه وردعه‪ ،‬فكيف‬ ‫لو اجتمعت؟!‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فالآيات تقرر وتكرر �أن القتالَ ور َّد‬ ‫االعتداءات‪� ،‬إمنا يكون ِمـثْال مبثل‪.‬‬ ‫مبد�أ الرد ومواجهة القتال مبثله ومبا يكافئه‪،‬‬ ‫ني‬ ‫م�ؤكد كذلك يف قوله عز وجل‪َ } :‬و َقا ِتلُوا المْ ُ�شْ رِ ِك َ‬ ‫اعل َُموا �أَ َّن اللهَّ َ َم َع‬ ‫كَاف ًَّة َك َما ُيقَا ِتلُو َنك ُْم كَاف ًَّة َو ْ‬ ‫ني{ التوبة‪.36 :‬‬ ‫المْ ُ َّت ِق َ‬ ‫فالقتال امل��أم��ور به هنا موجه �ضد امل�شركني‬ ‫ً‬ ‫كافة يف حرب امل�سلمني‪.‬‬ ‫كافة‪ ،‬ردا على دخولهم‬ ‫فمتى وجد م�شركون مل يقاتلوا امل�سلمني‪ ،‬فلي�سوا‬ ‫م�شمولني بالقتال امل�أمور به يف الآية‪.‬‬ ‫�إعمال الن�صو�ص كلها‪ ،‬بدل افرتا�ض التعار�ض‬ ‫والن�سخ بينها‬ ‫من الآفات املنهجية التي يقع فيها بع�ض املف�سرين‬ ‫وبع�ض الفقهاء‪ :‬م�سارعتهم �إلى القول بالتعار�ض‬ ‫والتنا�سخ بني الن�صو�ص‪ .‬وهي م�س�ألة فيها بحث‬ ‫طويل‪ ،‬مف�صل يف مظانه املخت�صة‪ ،‬فال �أريد التطرق‬ ‫�إليه‪ ،‬ولكني �أ�شري �إلى �أن امل�سلك الذي �أَتَّـبعه هو‬ ‫رف�ض القول بالن�سخ‪� ،‬إال �إذا جاء ذلك ب�شكل �صريح‬ ‫ال حميد عنه‪ ،‬وال وجه فيه �إال الن�سخ‪ .‬وهو ما‬ ‫ق��رره وك��رره �إم��ام املف�سرين ابن جرير الطربي‪،‬‬ ‫كما يف قوله‪“ :‬الن�سخ ال يكون يف حكم �إال بنفيه‬


‫آخر‪ ،‬هو له ٍ‬ ‫ناف من كل وجوهه”‪ .13‬وقوله‪“ :‬ال‬ ‫ب� َ‬ ‫حلكم غَ يرْ ِه بكلِّ معانيه‪،‬‬ ‫يكون ن�سخً ا �إال ما كان نف ًيا‬ ‫ٍ‬ ‫حتى ال يجوز اجتماع احلكم بالأمرين جمي ًعا على‬ ‫ِ�ص ّحته بوجه من الوجوه”‪.14‬‬ ‫املدعي ن َْ�سخَ �آية يحتمل �أن‬ ‫قال‪“ :‬لأن دعوى َّ‬ ‫ري من�سوخة‪ ،‬بغري داللة على �صحة دعواه‪،‬‬ ‫تكون غ َ‬ ‫‪15‬‬ ‫حتكُّم‪ .‬والتحكم ال يعجِ ز عنه �أحد” ‪.‬‬ ‫لذلك �أقول‪ :‬كل ما مل يثبت ن�سخه ب�شكل قطعي‬ ‫ثبوتا وداللة‪ ،‬فهو ُم ْـحكَم غري من�سوخ‪ ،‬والعمل به‬ ‫واجب وم�ستمر‪ ،‬وال �سيما ما تكرر وت�أكد من املعاين‬ ‫والأحكام يف �آيات و�سور عديدة‪.‬‬ ‫وعلى هذا الأ�سا�س‪ ،‬ف�إن ما تقدم بيانه من مبادئ‬ ‫وتعليالت قر�آنية يف �ش�أن القتال‪ ،‬يجب �أن يظل‬ ‫�ساري املفعول‪ ،‬لي�س لأح��د �أن يوقف‬ ‫م�ست�صحبا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫العمل به‪ ،‬بدعوى الن�سخ �أو املرحلية �أو غريهما‪.‬‬ ‫ويف �ضوئه‪ ،‬وبتوافق معه‪ ،‬تفهم �آي��ات الباب –‬ ‫وكذلك الأحاديث – التي وردت بغري تعليل وال‬ ‫تقييد‪.‬‬ ‫وبعبارة �أ�صولية �أخرى‪ :‬ف�إن املطلق منها ُيـحمل‬ ‫على املقيد‪16‬؛ ف ِعلَلُ القتال ال�شرعي وقيو ُده‪ ،‬قد‬ ‫ذُكرت وتكررت وت�أكدت يف موا�ضع متعددة‪ ،‬فلي�س‬ ‫يلزم ذكرها كلما ذُكر القتال‪ .‬بل لو مل تذكر �إال‬ ‫م��رة واح��دة لكان ذل��ك كافيا و ُم��طَّ ��ردا يف �سائر‬ ‫الآيات غري املعللة‪.‬‬ ‫وبناء عليه‪ ،‬فحيثما جاء ذكر القتال �أو الأمر‬ ‫به مطلقا بدون تعليل وال تقييد‪ ،‬فهو حممول على‬ ‫علله املعلومة املقررة يف عدة موا�ضع من الكتاب‬ ‫العزيز‪..‬‬ ‫فقوله تعالى‪} :‬كُ ِت َب َع َل ْيك ُ​ُم ا ْل ِقتَالُ َو ُه� َو كُ ْر ٌه‬ ‫َلك ُْم َو َع َ�سى �أَ ْن َت ْك َر ُهوا َ�ش ْيئًا َو ُه َو خَ يرْ ٌ َلك ُْم َو َع َ�سى‬ ‫�أَ ْن تحُ ِ ُّبوا َ�ش ْيئًا َو ُه َو َ�ش ٌّر َلك ُْم َواللهَّ ُ َي ْعل َُم َو�أَ ْنت ُْم اَل‬ ‫ون{ البقرة‪.216 :‬‬ ‫َت ْعل َُم َ‬ ‫معناه �أن القتال كتب علينا من حيث املبد�أ‪ ،‬لكن‬ ‫ممار�سته وا�ستعماله الفعلي �إمنا يكون ب�أ�سبابه‬ ‫و�شروطه املعلومة‪ ،‬املذكورة يف غري ما �آي��ة‪ .‬ولو‬ ‫جاز لأحد �أن ي�أخذ هذه الآية مبفردها‪ ،‬ومبعزل‬ ‫عن الأ�سباب وال�شروط املعلومة‪ ،‬جلاز له متى �شاء‬ ‫�أن يحمل �سيفه ويقاتل‪ ،‬على �أ�سا�س �أن اهلل “كَـتَب‬ ‫عليه القتال”‪ .‬وه��ذا عبث ال يخفى‪ .‬فبقي �أن‬ ‫القتال مل يكتب علينا لذاته‪ ،‬ومل يكتب علينا بال‬ ‫�سبب وال قيد وال �شرط‪.‬‬ ‫وكذلك قوله تبارك وتعالى‪َ :‬‬ ‫ين‬ ‫}قا ِتلُوا ال َِّذ َ‬

‫ون َما‬ ‫ُون بِاللهَّ ِ َو اَل بِا ْل َي ْو ِم ْال ِآخرِ َو اَل ُي َح ِّر ُم َ‬ ‫اَل ُي�ؤْ ِمن َ‬ ‫ين‬ ‫َح َّر َم اللهَّ ُ َو َر ُ�سول ُ​ُه َو اَل َي ِدين َ‬ ‫ين الحْ َ قِّ ِم َن ال َِّذ َ‬ ‫ُون ِد َ‬ ‫َاب َحتَّى ُي ْعطُ وا الجْ ِ ْز َي َة َع ْن َي ٍد َو ُه ْم‬ ‫�أُو ُت��وا ا ْل ِكت َ‬ ‫َ�ص ِ‬ ‫ون{ التوبة‪ ،29 :‬فهو حممول على ما تقرر‬ ‫اغ ُر َ‬ ‫وا�ستقر من �أ�سباب القتال و�ضوابطه‪ ،‬ومنها �أنه‬ ‫موجه للمعتدين‪ ،‬وممنوع لغري املعتدين‪.‬‬ ‫وبناء عليه‪ ،‬فال قتال لأهل الكتاب وال لغريهم‪،‬‬ ‫�إال بالأ�سباب املعلومة‪ .‬وت�أتي اجلزية تعبريا عن‬ ‫هزمية املعتدي وكفه لأذاه‪ ،‬ودخوله يف ال�سلم‪.‬‬ ‫وعلى هذا النحو �أي�ضا يحمل ويفهم قوله �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪�( :‬أم��رت �أن �أقاتل النا�س حتى‬ ‫ي�شهدوا �أن ال �إله �إال اهلل و�أن حممدا ر�سول اهلل‪،‬‬ ‫ويقيموا ال�صالة‪ ،‬وي�ؤتوا الزكاة‪ ،‬ف�إذا فعلوا ذلك‬ ‫ع�صموا مني دماءهم و�أموالهم �إال بحق الإ�سالم‪،‬‬ ‫وح�سابهم على اهلل)‪.17‬‬ ‫ف����إن “النا�س” يف ه��ذا احل��دي��ث ه��م النا�س‬ ‫امل َعـ َّيـنون املعلومون‪ ،‬الذين كانوا يف حالة حرب‬ ‫مع امل�سلمني‪ ،‬من قري�ش وحلفائهم‪ ،‬بح�سب ال�سياق‬ ‫ال��ذي تقدم بيانه‪ .‬ففي ه��ذه احل��رب القائمة‬ ‫بالفعل مع �أولئك املحارِبني املعتدين‪� ،‬أَخرب ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�صحابه ب�أنه م�أمور‬ ‫بامل�ضي يف قتالهم والق�ضاء على قوتهم‪ ،‬ولن يوقفه‬ ‫عن ذلك �سوى احتمال �إعالنهم الدخول يف الإ�سالم‬ ‫والعملَ ب�أركانه‪ .‬فحينئذ ي�صبحون م�سلمني‪ ،‬لهم ما‬ ‫للم�سلمني وعليهم ما عليهم‪.‬‬ ‫ويتعزز هذا التف�سري للحديث‪ ،‬بل يتعني‪ ،‬مبا جاء‬ ‫ال�شْ ُه ُر الحْ ُ ُر ُم فَاقْ ُتلُوا‬ ‫يف قوله تعالى } َف�إِذَا ا ْن َ�سلَخَ َْ أ‬ ‫وه ْم‬ ‫المْ ُ�شْ رِ ِك َ‬ ‫اح ُ�ص ُر ُ‬ ‫ُوه ْم َو ُخذُ ُ‬ ‫ني َح ْيثُ َو َج ْدتمُ ُ‬ ‫وه ْم َو ْ‬ ‫ال�ص اَل َة‬ ‫َواقْ ُع ُدوا َل ُه ْم كُ لَّ َم ْر َ�ص ٍد َف�إ ِْن تَا ُبوا َو َ�أ َقا ُموا َّ‬ ‫يم{‬ ‫َو�آ َت ُوا ال َّزكَا َة فَخَ لُّوا َ�س ِبي َل ُه ْم �إ َِّن اللهَّ َ غَ فُ و ٌر َر ِح ٌ‬ ‫التوبة‪.5 :‬‬ ‫فاملو�ضوع واح��د‪ ،‬وال�سياق التاريخي واح��د‪،‬‬ ‫هي هي‪.‬‬ ‫والأحكام املقررة َ‬ ‫اجلهاد بني التقرير املبدئي والتقدير الفعلي‬ ‫التقرير امل��ب��دئ��ي مل�شروعية ال��ق��ت��ال وعلله‬ ‫و�شروطه‪ ،‬هو �أمر ت�شريعي تواله القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫كما تقدم‪ .‬ولكن يبقى بعد ذلك �أن يقع التقدير‬ ‫العملي التنفيذي للحرب وعدمها‪ ،‬يف كل حالة على‬ ‫حدة‪ .‬وهذا التقدير يرجع �إلى اخت�صا�ص والة‬ ‫وخرباء وقاد ًة ع�سكريني‪،‬‬ ‫وعلماء‬ ‫الأمور‪ ،‬حكاما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ولي�س موكوال �إل��ى �أف��راد امل�سلمني وعامتهم‪ ،‬بل‬ ‫اء ُه ْم �أَ ْم ٌر ِم َن ْ أ‬ ‫الَ ْمنِ‬ ‫هو كما قال تعالى‪َ } :‬و�إِذَا َج َ‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪27‬‬


‫‪28‬‬

‫َاع��وا ب ِ​ِه َو َل ْو َر ُّدو ُه ِ�إلَى ال َّر ُ�سولِ َو�إِلَى‬ ‫َ�أ ِو الخْ َ ْو ِف �أَذ ُ‬ ‫ين َي ْ�س َت ْن ِبطُ ون َُه ِم ْن ُهم{‬ ‫�أُوليِ ْ أ‬ ‫الَ ْمرِ ِم ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه ال َِّذ َ‬ ‫الن�ساء‪ .83 :‬فهم الذين ينقحون املناط يف احلاالت‬ ‫املعينة‪ ،‬وهم الذين ينظرون يف حتقق ال�شروط‬ ‫والقيود‪ ،‬ويف وجود موانع �أو عدم وجودها‪ .‬وهم‬ ‫الذين يقدرون هل بقيت ف�سحة ملزيد من ال�صرب‬ ‫وال�صفح تالفيا للحرب و�أوزاره���ا‪� ،‬أم �أن احلرب‬ ‫�أ�صبحت حتمية ال بديل عنها…‬ ‫ر�أي ابن تيمية يف القتال امل�شروع ومتى يجوز‪:18‬‬ ‫ف�صله وحرره يف كتابه (قاعدة‬ ‫ر�أي ابن تيمية َّ‬ ‫خمت�صرة يف قتال الكفار ومهادنتهم وحترمي قتلهم‬ ‫ملجرد كفرهم)‪ ،]19‬ومنه �أنقل هذه الفقرات‪..‬‬ ‫اَ‬ ‫ا�ستدل رحمه اهلل‬ ‫الدينِ‬ ‫بقاعدة}ل �إِك َْرا َه فيِ ِّ‬ ‫الر�شْ ُد ِم َن ا ْلغ َّي{ البقرة‪ ،]256 :‬وقال‪:‬‬ ‫َق ْد َت َبينَّ َ ُّ‬ ‫“هذا ن�ص عام‪� :‬أنَّا ال نكره �أحدا على الدين‪ ،‬ولو‬ ‫أعظم‬ ‫ك��ان الكافر ُيقتل حتى ي�سلم‪ ،‬لكان ه��ذا � َ‬ ‫الإكراه على الدين” ‪. ]20‬‬ ‫وقال‪“ :‬جمهور ال�سلف واخللف على �أنها لي�ست‬ ‫خم�صو�صة وال من�سوخة‪ .‬بل يقولون‪� :‬إنا ال نُكره‬ ‫�أحدا على الإ�سالم‪ ،‬و�إمنا نقاتل من حاربنا‪ ،‬ف�إن‬ ‫�أ�سلم ع�صم دمه وماله‪ ،‬ولو مل يكن من فعل القتال‬ ‫مل نقتله ومل نكرهه على الإ�سالم” ‪. ]21‬‬ ‫ين ُيقَا ِتلُو َنك ُْم‬ ‫“فقوله } َو َقا ِتلُوا فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ال َِّذ َ‬ ‫ين{ البقرة‪:‬‬ ‫َو اَل َت ْعت َُدوا �إ َِّن اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِد َ‬ ‫‪ ]190‬تعليق للحكم بكونهم يقاتلوننا‪ ،‬فدل على‬ ‫�أن هذا علةُ الأمر بالقتال‪ .‬ثم قال‪} :‬وال ت ْعت َُدوا{‪،‬‬ ‫والعدوان جماوزة احلد‪ ،‬فدل على �أنقتال من مل‬ ‫يقاتل عدوان“‪. ]22 .‬‬ ‫“وكانت �سريته – �صلى اهلل عليه و�سلم ‪:-‬‬ ‫�أن كل من هادنه من الكفار ال يقاتله‪ .‬وهذه كتب‬ ‫ال�سري واحلديث والتف�سري والفقه واملغازي تنطق‬ ‫بهذا‪ .‬وهذا متواتر من �سريته‪ .‬فهو مل يبد�أ �أحدا‬ ‫من الكفار بقتال‪ ،‬ولو كان اهلل �أمره �أن يقتل كل‬ ‫كافر لكان يبتدئهم بالقتل والقتال”‪.23‬‬ ‫“و�أما الن�صارى فلم يقاتل �أحدا منهم �إلى هذه‬ ‫الغاية حتى �أر�سل ر�سله – بعد �صلح احلديبية –‬ ‫�إل��ى جميع امللوك يدعوهم �إل��ى الإ�سالم‪ ،‬ف�أر�سل‬ ‫�إل��ى قي�صر و�إل���ى ك�سرى واملقوق�س والنجا�شي‬ ‫وملوك العرب بال�شرق وال�شام فدخل يف الإ�سالم‬ ‫من الن�صارى وغريهم من دخ��ل‪ ،‬فعمد الن�صارى‬ ‫بال�شام فقتلوا بع�ض من قد �أ�سلم من كربائهم‬ ‫مبعان‪ .‬فالن�صارى حاربوا امل�سلمني �أوال وقتلوا من‬

‫فر�سلُه �أر�سلهم يدعون‬ ‫�أ�سلم منهم ظلما وبغيا‪ ،‬و�إال ُ‬ ‫النا�س �إلى الإ�سالم طوعا ال كرها‪ ،‬فلم يكره �أحدا‬ ‫على الإ�سالم‪ .‬فلما بد�أه الن�صارى بقتل امل�سلمني‬ ‫زيد بن حارثة‪ ،‬ثم جعفرا‪،‬‬ ‫�أر�سل �سرية �أ َّمـر عليها َ‬ ‫ثم اب��ن رواح��ة‪ .‬وه��و �أول قتال قاتله امل�سلمون‬ ‫للن�صارى مب�ؤتة من �أر�ض ال�شام” ‪. ]24‬‬ ‫“وملا نزلت �آية اجلزية كان فيها �أن املحارِبني ال‬ ‫يعقد لهم عهد �إال بال�صغار واجلزية” ‪. ]25‬‬ ‫وخال�صة كالمه يف قوله‪“ :‬الأ�صل الذي عليه‬ ‫اجلمهور‪� :‬أنه �إذا كان القتال لأجل احلراب‪ ،‬فكل‬ ‫من �سامل ومل يحارِب ال يقاتَل‪� ،‬سواء كان كتابيا �أو‬ ‫م�شركا‪ .‬اجلمهور يقولون بهذا‪ .‬وهذا مذهب مالك‬ ‫و�أبي حنيفة وغريهما” ‪.26‬‬ ‫وقوله‪“ :‬وقول اجلمهور هو ال��ذي يدل عليه‬ ‫الكتاب وال�سنة واالعتبار” ‪.27‬‬ ‫ر�أي ابن القيم‬ ‫وه��و كالعادة م�ؤيد وم��ؤك��د ل��ر�أي �شيخه ابن‬ ‫تيمية‪.‬‬ ‫قال رحمه اهلل‪“ :‬فلما بعث اهلل ر�سوله �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ا�ستجاب له وخللفائه بعده �أكرث‬ ‫�أهل الأديان طوعا واختيارا‪ ،‬ومل ُيكره �أحدا قط‬ ‫على الدين‪ ،‬و�إمنا كان يقاتل من يحاربه ويقاتله‪،‬‬ ‫و�أما من �سامله وهادنه فلم يقاتله ومل يكرهه على‬ ‫الدخول يف دينه‪ ،‬امتثاال لأمر ربه �سبحانه وتعالى‬ ‫حيث يقول‪( :‬ال �إكراه يف الدين قد تبني الر�شد‬ ‫من الغي)‪ ،‬وهذا نفي يف معنى النهي‪� ،‬أي ال تكرهوا‬ ‫�أح��دا على الدين‪ .‬نزلت هذه الآي��ة يف رجال من‬ ‫ال�صحابة كان لهم �أوالد قد تهودوا وتن�صروا قبل‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬فلما جاء الإ�سالم �أ�سلم الآب��اء و�أرادوا‬ ‫�إك��راه الأوالد على الدين‪ ،‬فنهاهم اهلل �سبحانه‬ ‫وتعالى عن ذلك حتى يكونوا هم الذين يختارون‬ ‫الدخول يف الإ�سالم…‬ ‫وم��ن ت�أمل �سرية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫تبني له �أنه مل يكره �أحدا على دينه قط‪ ،‬و�أنه �إمنا‬ ‫قاتل من قاتله‪ ،‬و�أما من هادنه فلم يقاتله ما دام‬ ‫مقيما على هدنته‪ ،‬مل ينق�ض عهده‪ ،‬بل �أمره اهلل‬ ‫يفي لهم بعهدهم ما ا�ستقاموا له‪ ،‬كما قال‬ ‫تعالى �أن َ‬ ‫تعالى‪} :‬فما ا�ستقاموا لكم فا�ستقيموا لهم{‪.‬‬ ‫فلما قدم املدينة �صالح اليهو َد و�أقرهم على‬ ‫دينهم‪ ،‬فلما حاربوه ونق�ضوا عهده وبدءوه بالقتال‬ ‫فمن على بع�ضهم‪ ،‬و�أجلى بع�ضهم‪ ،‬وقتل‬ ‫قاتلهم‪َّ ،‬‬ ‫بع�ضهم‪ .‬وكذلك ملا ه��ادن قري�شا ع�شر �سنني مل‬


‫ونق�ض عهده‪،‬‬ ‫يبد�أهم بقتال حتى بدءوا هم بقتاله‬ ‫ِ‬ ‫فحينئذ غزاهم يف ديارهم‪ ،‬وكانوا هم َيغزونه قبل‬ ‫ذلك‪ ،‬كما ق�صدوه يوم اخلندق‪ ،‬ويوم بدر �أي�ضا هم‬ ‫جاءوا لقتاله‪ ،‬ولو ان�صرفوا عنه مل يقاتلهم‪.‬‬ ‫واملق�صود �أن��ه �صلى اهلل عليه و�سلم مل يكره‬ ‫�أح��دا على الدخول يف دينه البتة‪ ،‬و�إمن��ا دخل‬ ‫النا�س يف دينه اختيارا وطوعا” ‪.28‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬مق�صد ال�سالم و�أدلته يف‬ ‫الإ�سالم‬ ‫يف املبحث الأول ر�أي��ن��ا م��دى حر�ص الر�سول‬ ‫الكرمي على ال�سالم وال��وئ��ام ون�شر قيم الرفق‬ ‫والعفو‪ ،‬والت�سامح والت�صالح‪ ،‬و�أن��ه ا�ستمات يف‬ ‫نهجه ال�سلمي هذا زمنا طويال‪ ،‬وجترع لأجله هو‬ ‫و�أ�صحابه كل �أ�شكال الظلم وال��ع��دوان والأذى‪،‬‬ ‫وب��ذل��وا يف ذل��ك ك��ل م��ا ميكن م��ن ال�صرب واحللم‬ ‫وال��ت ��أين‪ .‬ومل يرفعوا �سيف ال��دف��اع �إال بعد �أن‬ ‫�أ�صبحوا يف مفرق طريقني ال ثالث لهما‪ :‬طريق‬ ‫البقاء‪ ،‬وطريق الفناء‪ .‬ونتذكر هنا معركة بدر‬ ‫ال��ك�برى‪ ،‬حني ج��اءت قري�ش ب�ألف مقاتل لغزو‬ ‫امل�سلمني وا�ستئ�صال �ش�أفتهم‪ ،‬فكان النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم �أثناء املعركة يدعو ربه قائال‪« :‬اللهم‬ ‫�أجنز يل ما وعدتني‪ ،‬اللهم �آت ما وعدتني‪ ،‬اللهم‬ ‫�إن تهلك هذه الع�صابة من �أهل الإ�سالم ال تعبد يف‬ ‫الأر�ض» ‪.29‬‬ ‫ور�أينا يف املبحث الثاين �أن الإ�سالم حني �شرع‬ ‫للم�سلمني القتال ل�صد العدوان والدفاع عن �أنف�سهم‬ ‫ودينهم‪ ،‬و�ضع لذلك حدودا وقيودا‪ ،‬حتى ال يتحول‬ ‫دفع العدوان �إلى عدوان‪.‬‬ ‫فهذا وذاك ي��دالن على كون الإ�سالم مت�شوفا‬ ‫لل�سلم حري�صا على الأم��ن �إلى �أق�صى حد ممكن‪،‬‬ ‫و�أن��ه يعترب “ال�سلم قاعدة‪ ،‬واحل��رب �ضرورة“‪،‬‬ ‫ح�سب عبارة �سيد قطب رحمه اهلل ‪.30‬‬ ‫ولكن ق�صد الإ�سالم و�سعيه �إلى حتقيق ال�سلم‬ ‫والأمن بني النا�س ال ينح�صر فيما تقدم‪ ،‬بل جاءت‬ ‫به �آي��ات �أخ��رى �صريحة‪ ،‬و�أح��ادي��ث وتطبيقات‬ ‫نبوية �صحيحة‪� ،‬أَع��ر�� ُ�ض ما تي�سر منها يف هذا‬ ‫املبحث‪.‬‬ ‫قواعد قر�آنية يف ت�أ�سي�س ال�سلم وت�أ�صيله‬ ‫ين �آ َمنُوا‬ ‫قال اهلل عز جل وعال‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ‬ ‫ال�سل ِْم كَاف ًَّة َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُخطُ َو ِ‬ ‫ات ال�شَّ ْيطَ انِ‬ ‫ا ْد ُخلُوا فيِ ّ‬ ‫�إِن َُّه َلك ُْم َع ُد ٌّو ُم ِبني{ البقرة‪.208 :‬‬ ‫يف الآية نداء و�أمر للم�ؤمنني ب�أن يدخلوا جميعا‬

‫يف ال�سلم‪ .‬فال�سلم يف الآية مطلب كلي �شامل‪ ،‬يوجه‬ ‫ُ‬ ‫اهلل تعالى َ‬ ‫كافة امل�ؤمنني للإقبال عليه والدخول‬ ‫حتت ظله‪ .‬فما هو هذا ال�سلم امل�أمور به يف الآية؟‬ ‫ق��ال الفخر ال���رازي‪�“ :‬أ�صل ه��ذه الكلمة من‬ ‫االنقياد‪ ،‬قال اهلل تعالى‪�( :‬إذ قال له ربه �أ�سلم‬ ‫قال �أ�سلمت) البقرة‪ ،]131 :‬والإ�سالم �إمنا �سمي‬ ‫�إ�سالما لهذا املعنى‪ ،‬وغلب ا�سم ال�سلم على ال�صلح‬ ‫وترك احلرب‪ ،‬وهذا �أي�ضا راجع �إلى هذا املعنى‪،‬‬ ‫لأن عند ال�صلح ينقاد ك��ل واح��د ل�صاحبه وال‬ ‫ينازعه فيه‪ ،‬قال �أبو عبيدة‪ :‬وفيه لغات ثالث‪:‬‬ ‫وال�سلَم”‪.‬‬ ‫وال�سلم‪َّ ،‬‬ ‫ال�سلم‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وقد ذهب كثري من املف�سرين �إلى �أن الدخول يف‬ ‫ال�سلم هنا معناه الدخول يف الإ�سالم و�شرائعه‪ .‬ويف‬ ‫هذا تكلف و ُبعد؛‬ ‫فهو �أوال‪ :‬ع��دول عن ظاهر اللغة‪ ،‬فرغم �أن‬ ‫ال�سلم والإ���س�لام يرجعان �إل��ى معنى م�شرتك هو‬ ‫�أ�صل الكلمة‪ ،‬ف�إن لكل منهما معناه اخلا�ص وداللته‬ ‫اخلا�صة‪ .‬ولو ذهبنا نخلط بني معاين الألفاظ‬ ‫ونهدر ما بينها من فروق‪ ،‬لفقدنا عمدتنا الأولى يف‬ ‫فهم خطاب ال�شرع‪ ،‬وهي الدالالت اللغوية‪.‬‬ ‫وث���ان���ي���ا‪ :‬ال����ق����ر�آن ال���ك���رمي ا���س��ت��ع��م��ل لفظ‬ ‫“الإ�سالم”‪ ،‬وعرب به عن الر�سالة املحمدية‪ ،‬فهو‬ ‫ا�سمها اال�صطالحي ال�شرعي‪ .‬وكل لفظ �آخر‪ ،‬ال‬ ‫بد �أن يكون له داللة خا�صة خمتلفة‪� ،‬أو �أ�ضيق‪،‬‬ ‫�أو �أو�سع‪ .‬فال ي�ستقيم – ال لغة وال �شرعا – جعل‬ ‫“ال�سلم” مرادفا لـ”الإ�سالم”‪ .‬ولذلك قال الرازي‪:‬‬ ‫“يف الآية �إ�شكال ‪ ،]31‬وهو �أن كثريا من املف�سرين‬ ‫حملوا ال�سلم على الإ�سالم‪ ،‬في�صري تقدير الآية‪:‬‬ ‫يا �أيها الذين �آمنوا ادخلوا يف الإ�سالم‪ ،‬والإميان‬ ‫هو الإ���س�لام‪ ،‬ومعلوم �أن ذلك غري جائز‪ ،‬ولأجل‬ ‫هذا ال�س�ؤال ذكر املف�سرون وجوها يف ت�أويل هذه‬ ‫الآية…” ‪. ]32‬‬ ‫وثالثا‪ :‬من بني الت�أويالت والتكلفات التي تُذكر‬ ‫– بعد تف�سريهم الدخول يف ال�سلم ب�أنه الدخول‬ ‫يف الإ�سالم – قولهم ب��أن النداء يف مطلع الآية‬ ‫}يا �أيها الذين �آمنوا{‪ ،‬مراد به �أهل الكتاب‪� ،‬أو‬ ‫�إلى املنافقون‪ ..‬مع �أن عبارة }يا �أيها الذين �آمنوا{‬ ‫معهودة معلومة املعنى يف ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي‪ ،‬وقد‬ ‫وردت فيه نحو مائة مرة‪ ،‬ال تعني �سوى امل�سلمني‪.‬‬ ‫فبقي �أن املعنى الوا�ضح امل�ستقيم‪ ،‬املغني عن‬ ‫الت�أويالت املتعبة‪ ،‬هو �أن الآية حتثُّ امل�سلمني على‬ ‫الدخول يف امل�ساملة واملهادنة والوفاق‪ ،‬ما �أمكن‪،‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪29‬‬


‫‪30‬‬

‫و�إيثارِه على نهج ال�صراعات واحلروب‪.‬‬ ‫قال الإمام ابن عا�شور‪“ :‬فكون ال�سلم من �أ�سماء‬ ‫ال�صلح ال خالف فيه بني �أئمة اللغة‪ ،‬فهو مراد من‬ ‫الآية ال حمالة‪ .‬وكونه يطلق على الإ�سالم – �إذا‬ ‫�صح ذلك – جاز �أي يكون مرادا �أي�ضا‪ ،‬ويكون من‬ ‫ا�ستعمال امل�شرتك يف معنييه‪ ،‬فعلى �أن يكون املراد‬ ‫بال�سلم امل�ساملة كما يقت�ضيه خطابهم بـ(يا �أيها‬ ‫الذين �آم��ن��وا) ال��ذي هو كاللقب للم�سلمني ‪،‬كان‬ ‫املعنى‪� :‬أمرهم بالدخول يف امل�ساملة دون القتال‪،‬‬ ‫وكما تقت�ضيه �صيغة الأم��ر يف (ادخ��ل��وا) من �أن‬ ‫حقيقتها طلب حت�صيل فعل مل يكن حا�صال‪� ،‬أو كان‬ ‫مفَـ َّرطا يف بع�ضه” ‪.33‬‬ ‫وه���ذا الأ���ص��ل ال��ع��ام يبقى مطلوبا وم��ط��ردا‬ ‫حتى يف حال قيام احلرب والعداوة‪ ،‬وهو ما جاء‬ ‫احلث عليه يف عدة �آيات‪ ،‬كما يف قوله عز وجل‪:‬‬ ‫َاجن َْح َل َها َو َت َوكَّلْ َعلَى اللهَّ ِ {‬ ‫ل�سل ِْم ف ْ‬ ‫} َو�إ ِْن َجن َُحوا ِل َّ‬ ‫الأنفال‪ .61 :‬فال�سلم هنا – بدون خالف – هي ما‬ ‫يقابل احلرب‪� ،‬أي الت�صالح والعي�ش ب�أمان متبادل‪.‬‬ ‫فهو غر�ض مق�صود م�أمور به �شرعا‪ ،‬وفاقا للآية‬ ‫ال�سابقة‪.‬‬ ‫وعلى هذا النهج �أي�ضا ي�أتي قوله تعالى‪َ } :‬ف�إِنِ‬ ‫ال�سل َ​َم َف َما‬ ‫ْ‬ ‫اعتَزَ لُوكُ ْم َفل َْم ُيقَا ِتلُوكُ ْم َو�أَ ْل َق ْوا �إِ َل ْيك ُ​ُم َّ‬ ‫َج َعلَ اللهَّ ُ َلك ُْم َع َل ْيه ِْم َ�س ِب اً‬ ‫يل{ الن�ساء‪.90 :‬‬ ‫ين �آ َمنُوا �إِذَا َ�ض َر ْبت ُْم‬ ‫وقوله �أي�ضا‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ‬ ‫فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ َف َت َب َّينُوا َو اَل َتقُولُوا لمِ َْن �أَ ْلقَى �إِ َل ْيك ُ​ُم‬ ‫الد ْن َيا{‬ ‫ُون َع َر َ‬ ‫ال�س اَل َم ل َْ�ستَ ُم�ؤْ ِمنًا َت ْب َتغ َ‬ ‫�ض الحْ َ َيا ِة ُّ‬ ‫َّ‬ ‫الن�ساء‪.94 :‬‬ ‫ويف جميع الأح���وال‪ ،‬ف��إن قاعدة ال�شرع هي‪:‬‬ ‫يموا َل ُه ْم إِ� َّن اللهَّ َ ُي ِح ُّب‬ ‫َا�س َت ِق ُ‬ ‫ا�س َتقَا ُموا َلك ُْم ف ْ‬ ‫} َف َما ْ‬ ‫ني{ التوبة‪.7 :‬‬ ‫المْ ُ َّت ِق َ‬ ‫مق�صد ال�سلم يف ال�سرية النبوية‬ ‫رب الطويل‬ ‫لقد ر�أينا يف املبحث الأول ذلك ال�ص َ‬ ‫ال��ذي ا�ستمر عليه ر���س��ول اهلل و�صحابته وهم‬ ‫يتعر�ضون لكل ما ميكن من �ألوان الظلم والعدوان‬ ‫والفتنة يف دينهم‪ .‬وكان ال�صحابة مرارا يهمون‬ ‫بالر ّد والدفاع عن �أنف�سهم‪ ،‬ولكنهم ي�ست�أذنون يف‬ ‫ذلك فال ي�ؤذن لهم…‬ ‫�إ�ضافة �إلى ذلك‪� ،‬أعر�ض الآن ملوقفني �آخرين‬ ‫من ال�سعي النبوي �إل��ى حتقيق ال�سالم وتثبيته‬ ‫بالعهود واملواثيق‪ .‬الأول فيما بني �أه��ل املدينة‬

‫املنورة‪ ،‬والثاين هو ما يعرف ب�صلح احلديبية‪. 34‬‬ ‫وثيقة املدينة‬ ‫مبا�شرة بعد هجرة ر�سول اهلل و�صحابته �إلى‬ ‫املدينة املنورة بادر عليه ال�سالم �إلى و�ضع نظام‬ ‫توافقي للتعاي�ش والتكافل‪ ،‬وحت��دي��د احلقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬وامل�س�ؤوليات املدنية واجلنائية بني‬ ‫�سكانها‪ .‬و�سكان املدينة يومئذ ه��م‪ :‬امل�سلمون‬ ‫(�أن�صار ًا ومهاجرين)‪ ،‬وامل�شركون‪ ،‬واليهود‪ .‬ويعرف‬ ‫هذا النظام با�سم (الوثيقة) �أو (وثيقة املدينة)‬ ‫�أو (�صحيفة املدينة)‪ ،‬وي�صفها بع�ض املعا�صرين‬ ‫بالد�ستور الإ�سالمي الأول‪.‬‬ ‫“قال ابن �إ�سحاق‪ :‬وكتب ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم كتابا بني املهاجرين والأن�صار‪ ،‬وادع‬ ‫فيه يهو َد وعاهدهم‪ ،‬و�أقرهم على دينهم و�أموالهم‪،‬‬ ‫و�شرط لهم‪ ،‬وا�شرتط عليه…”‪. ]35‬‬ ‫وهذا التدبري النبوي – يف جملته و�أهم بنوده‬ ‫َّاب ال�سرية‬ ‫– تتفق عليه رواي��ات‬ ‫املحدثني وكُ ـت ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ال��ن��ب��وي��ة‪ .‬وه��و ال��ق��در ال���ذي يهمنا ويتعلق به‬ ‫مو�ضوعنا ويثبت به مق�صودنا يف هذا البحث‪.36‬‬ ‫وقد كان عمال رائ��دا يف تاريخ التعاي�ش ال�سلمي‬ ‫املنظم‪ ،‬لوال �أن يهود املدينة مل يلزموا به‪ ،‬واختاروا‬ ‫التحالف مع قري�ش والقتال �إلى جانبها…‬ ‫�صلح احلديبية‬ ‫�صلح احلديبية �شهري جدا‪ ،‬متواتر يف العديد‬ ‫من وقائعه ومالب�ساته‪ ،‬مبا فيها بنود ال�صلح الذي‬ ‫عقده ر�سول اهلل مع قري�ش… وقد خلد القر�آن‬ ‫الكرمي جوانب �أ�سا�سية من مقدماته ونتائجه‪ ،‬يف‬ ‫�سورة الفتح‪ .‬ولذلك ال �أرى �أن �أ�سرد تفا�صيل ما‬ ‫جرى‪ ،‬و�أكتفي هنا بعبارة جوهرية معربة تعبريا‬ ‫�صريحا وبليغا عن املق�صد ال�سلمي للنبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬وهي قوله �أثناء التفاو�ض والتجاذب‬ ‫مع قري�ش‪( :‬والذي نف�سي بيده ال ي�س�ألوين خطة‬ ‫يعظمون فيها حرمات اهلل �إال �أعطيتهم �إياها)‪.37‬‬ ‫والن لهم �إلى‬ ‫وكذلك كان؛ فقد �ساير‬ ‫النبي قري�شا َ‬ ‫ُّ‬ ‫�أق�صى احلدود املمكنة‪ ،‬حتى حتقق بذلك ال�صلح‬ ‫وا�ستتب ال�سالم‪.‬‬ ‫وكان من بركات ذلك ال�سالم �أن دعوة الإ�سالم‬ ‫وحركة انت�شاره يف القبائل العربية عرفت من‬ ‫التو�سع يف غ�ضون �سنتني �أكرث مما عرفته طيلة‬ ‫عمرها ال�سابق‪� ،‬أي طيلة ع�شرين عاما خلت‬ ‫قبل ال�صلح‪“ ..‬قال الزهري‪ :‬فلما كانت الهدنة‬ ‫بع�ضهم‬ ‫وو�ضعت احلرب �أوزارها و�أ ِم َن النا�س‪ ،‬كَـل َّم ُ‬ ‫بع�ضا‪ ،‬والتقوا فتفاو�ضوا يف احلديث واملنازعة‪،‬‬


‫فلم يكلَّم �أحد يف الإ�سالم يعقل �شيئا �إال دخل فيه‪،‬‬ ‫ولقد دخل يف تينك ال�سنتني مثلُ من كان دخل يف‬ ‫الإ�سالم قبل ذلك �أو �أكرث” ‪.38‬‬ ‫وقال الإمام النووي يف �شرحه ل�صحيح م�سلم‪:‬‬ ‫“قال العلماء‪ :‬وامل�صلحة املرتتبة على �إمت��ام‬ ‫هذا ال�صلح ما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده‬ ‫املتظاهرة‪ ،‬التي كانت عاقبتها فتح مكة و�إ�سالم‬ ‫�أهلها كلها ودخول النا�س يف دين اهلل �أفواجا‪ .‬وذلك‬ ‫�أنهم قبل ال�صلح مل يكونوا يختلطون بامل�سلمني وال‬ ‫تتظاهر عندهم �أمور النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫كما هي‪ ،‬وال َي ُـحلُّون مبن ُي ْعلمهم بها مف�صلة‪ .‬فلما‬ ‫ح�صل �صلح احلديبية اختلطوا بامل�سلمني‪ ،‬وجاءوا‬ ‫�إل��ى املدينة‪ ،‬وذه��ب امل�سلمون �إل��ى مكة‪ ،‬وحلُّوا‬ ‫ب�أهلهم و�أ�صدقائهم وغريهم ممن ي�ستن�صحونهم‪،‬‬ ‫و�سمعوا منهم �أحوال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫مف�صلة بجزئياتها‪ ،‬ومعجزاته الظاهرة و�أعالم‬ ‫وح�سن �سريته وجميل طريقته‪،‬‬ ‫نبوته املتظاهرة‪ُ ،‬‬ ‫وعاينوا ب�أنف�سهم كثريا من ذلك‪ .‬فمالت نفو�سهم‬ ‫�إلى الإميان‪ ،‬حتى بادر خلق منهم �إلى الإ�سالم قبل‬ ‫فتح مكة‪ ،‬ف�أ�سلموا بني �صلح احلديبية وفتح مكة‪،‬‬ ‫وازداد الآخرون ميال �إلى الإ�سالم‪ .‬فلما كان يوم‬ ‫الفتح �أ�سلموا كلهم‪ ،‬ملا كان قد متهد لهم من امليل‬ ‫وكانت العرب من غري قري�ش يف البوادي ينتظرون‬ ‫ب�إ�سالمهم �إ�سالم قري�ش‪ .‬فلما �أ�سلمت قري�ش �أ�سلمت‬ ‫العرب يف البوادي…”‪. ]39‬‬ ‫عالل الفا�سي ومق�صد ال�سالم العاملي‬ ‫َ‬ ‫العالمة عالل الفا�سي بهذه الفقرة‪،‬‬ ‫�صت‬ ‫خ�ص ُ‬ ‫َ‬ ‫نظرا لكونه �أكرث علماء الإ�سالم ت�صريحا وجزما‬ ‫واجب التحقيق‬ ‫بكون ال�سالم العاملي مق�صدا �شرعيا‬ ‫َ‬ ‫على امل�سلمني‪ ،‬متى �أمكن ذلك‪ ،‬و�أن “مق�صد الإ�سالم‬ ‫هو الو�صول �إلى اتفاق دويل على حترمي احلرب‬ ‫و�إقرار ال�سالم“‪.40‬‬ ‫فمن خالل تناوله حلقوق الإن�سان يف الإ�سالم‪،‬‬ ‫و�ضمن حديثه ع��ن (ح��ق احل��ي��اة)‪ ،‬ب�سط ر�أي��ه‬ ‫ه��ذا‪ ،‬باعتبار �أن احل��روب هي �أعظم خطر على‬ ‫حق احلياة‪ ،‬و�أن حتقيق ال�سالم العاملي ال�شامل هو‬ ‫�أعظم حفظ لهذا احلق‪.‬‬ ‫ومن �أدلته على هذا التوجه وهذا الق�صد‪:‬‬ ‫�أوال‪� :‬أن الإ���س�لام �أب��ط��ل م�شروعية جميع‬ ‫احلروب الهجومية املعروفة �آنذاك و�إلى الآن‪:‬‬ ‫ف��احل��رب التي تكون لتفوق �شعب على �آخ��ر‬ ‫ممنوعة‪.‬‬ ‫والتي تكون لل�سيطرة وتو�سيع مناطق احلكم‬ ‫والنفوذ ممنوعة‪.‬‬ ‫واحل���رب ال��ت��ي ت��ك��ون يف �سبيل �إظ��ه��ار القوة‬

‫والتفوق ممنوعة‪.‬‬ ‫وحروب الثارات واالنتقام ممنوعة‪.‬‬ ‫وال��ت��ي ت��ك��ون ال�ستعمار ال�شعوب وا�ستغالل‬ ‫خرياتها ممنوعة‪.‬‬ ‫وك��ل ح��رب هجومية كيفما ك��ان نوعها على‬ ‫جماعة م�ساملة ممنوعة‪.‬‬ ‫واحلرب التي تريد �إكراه جماعة �أو ملة على‬ ‫اخلروج من دينها �أو نظامها ممنوعة‪.‬‬ ‫و�إمنا يبقى مباحا وب�صفة م�ؤقتة‪� ،‬أي مدة الأمد‬ ‫ال�ضروري لإقرار ال�سلم‪ ،‬القتالُ ال�ستبعاد الفتنة‬ ‫يف العقيدة‪ ،‬ومن ِع ا�ضطهاد امل�ؤمنني و�إكراههم على‬ ‫اخلروج من دينهم‪ ،‬فه�ؤالء وحدهم الذين �أذن اهلل‬ ‫لهم �أن يقاتلوا ب�أنهم ظلموا‪ ،‬ووعدهم بالن�صر‪،‬‬ ‫وفر�ض عليهم اال�ستعداد �إره��اب��ا وردع��ا للذين‬ ‫يريدون ا�ضطهادهم‪ ،‬وحر�صا على �أن يكون ذلك‬ ‫أعداءهم من االعتداء عليهم‪.‬‬ ‫الإرهاب مانعا � َ‬ ‫وثانيا‪� :‬أن هذه احلرب امل�شروعة نف�سها ت�صبح‬ ‫ممنوعة مبقت�ضى نظرة الإ�سالم ومقا�صده يف ثالث‬ ‫حاالت‪:‬‬ ‫– احلالة الأولى‪ ،‬فيما �إذا ا�ستنفدت �أغرا�ضها‬ ‫ومل يبق لها موجب‪ ،‬مبعنى �أن اخلطر وقع دفعه‪،‬‬ ‫واالطمئنان على العقيدة �أ�صبح �أمرا ال �شك فيه‪،‬‬ ‫ف�إنه ال يبقى للم�سلمني حق �أن يوا�صلوا القتال‬ ‫للتو�سع �أو االنتقام �أو ملجرد اال�ستعالء واالنت�شاء‬ ‫بتوايل الن�صر‪ ،‬وذلك ما يدل عليه قوله تعالى‪:‬‬ ‫ين ُيقَا ِتلُو َنك ُْم َو اَل َت ْعت َُدوا‬ ‫} َو َقا ِتلُوا فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ال َِّذ َ‬ ‫ين{ البقرة‪ ،]190 :‬وهذا‬ ‫�إ َِّن اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِد َ‬ ‫ما يعرب عنه الفقهاء ب ��أن اجلهاد �ضرورة تقدر‬ ‫بقدرها‪ ،‬فهي مبثابة �أك��ل امليتة ال��ذي يباح ملن‬ ‫ا�ضطر �إليه‪ ،‬ال يجوز له �أن يتجاوز به قدر ال�شبع‬ ‫واالطمئنان على النف�س من املوت‪.‬‬ ‫– احلالة الثانية‪ ،‬فيما �إذا �أظهر املحاربون‬ ‫لنا رغبة يف ال�سلم وعلمنا �أنهم خمل�صون يف طلبهم‬ ‫ذلك‪ ،‬ولي�س هو منهم جمرد خدعة حربية‪ ،‬ف�إنه‬ ‫يجب علينا �أن ن�ستجيب لهم ومن�سك عن القتال‪،‬‬ ‫لأنه ال يكون له مربر �شرعي‪ ،‬وذلك قوله تعالى‪:‬‬ ‫َاجن َْح َل َها َو َت َوكَّلْ َعلَى اللهَّ ِ {‬ ‫ل�سل ِْم ف ْ‬ ‫} َو�إ ِْن َجن َُحوا ِل َّ‬ ‫الأنفال‪.61 :‬‬ ‫– �أما احلالة الثالثة‪ ،‬فهي �إذا ما قامت يف العامل‬ ‫دعوة لتحرمي احلرب جملة‪ ،‬واتفقت الدول كلها‬ ‫مبقت�ضى �أوفاق عامة م�ضمونة النفاذ‪ ،‬ف�إنه يجب‬ ‫علينا �أن نكون يف مقدمة امل�ستجيبني لهذه الدعوة‪،‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪31‬‬


‫‪32‬‬

‫ويحرم علينا �شرعا الدخول يف حرب كيفما كان‬ ‫نوعها‪ ،‬ب�شرط �أن تكون ه��ذه ال�سلطة الدولية‬ ‫قادرة على حماية الطوائف والأديان واجلماعات‬ ‫بنفوذها من كل ا�ضطهاد و�إكراه‪.‬‬ ‫وي�ستدل على م�شروعية هذه احلالة من عدة‬ ‫وجوه‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬عموم ال��دع��وة الإ�سالمية لل�سالم‪،‬‬ ‫ين‬ ‫وهو ما تدل عليه الآية الكرمية‪َ } :‬يا�أَ ُّي َهاال َِّذ َ‬ ‫ال�سل ِْم كَاف ًَّة{ البقرة‪ ،208 :‬وهي‬ ‫�آ َمنُوا ا ْد ُخلُوا فيِ ِّ‬ ‫�صريحة يف �أن مق�صد الإ�سالم هو الو�صول �إلى هذا‬ ‫االتفاق الدويل العام على حترمي احلروب و�إقرار‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫ال��ث��اين‪ :‬توجيه الآي��ة التي �سبق ذكرها من‬ ‫قبل‬ ‫َاجن َْح َل َها َو َت َوكَّلْ‬ ‫ل�سل ِْم ف ْ‬ ‫وهي‪َ } :‬و�إ ِْن َجن َُحوا ِل َّ‬ ‫للهَّ‬ ‫َعلَى ا ِ { الأنفال‪ .61 :‬فهي تر�شد �إلى �ضرورة‬ ‫اال�ستجابة لل�سالم مبجرد ظهور اجل��ن��وح‪� ،‬أي‬ ‫الرغبة وامليل عند الأع���داء‪ ،‬ف��أح��رى �إذا وقع‬ ‫االتفاق على ذلك بني خمتلف الدول‪.‬‬ ‫ال��ث��ال��ث‪� :‬أن ه��ذا مم��ا ي��دخ��ل يف ع��م��وم قوله‬ ‫تعالى‪ :‬اَ‬ ‫اه ْم �إ اَِّل َم ْن �أَ َم َر‬ ‫}ل خَ يرْ َ فيِ َك ِث ٍ‬ ‫ري ِم ْن نجَ ْ َو ُ‬ ‫ب َِ�ص َد َق ٍة �أَ ْو َم ْع ُر ٍ‬ ‫ا�س{ الن�ساء‪:‬‬ ‫وف َ�أ ْو �إ ِْ�ص اَل ٍح َبينْ َ ال َّن ِ‬ ‫‪ ،114‬واالحتاد يف الإ�صالح العام بني النا�س �أوجب‬ ‫من الأمر به‪ ،‬ال �سيما �إذا كان اال�ستعداد عاما يف‬ ‫املجتمعات الإن�سانية كلها‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬ما روي من �أن النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم �شهد مع عمومته يف اجلاهلية حلفا قال‬ ‫عنه‪« :‬ما �أحب �أن يل به حمر النعم‪ ،‬ولو دعيت له‬ ‫يف الإ�سالم لأجبت»‪ ،‬وكانت غاية هذا احللف هي‬ ‫�إنهاء احلروب بني القبائل‪ ،‬واالتفاق على طريقة‬ ‫لل�صلح عند ال�ضرورة‪ ،‬وذلك ما يدل على �إعجابه‬ ‫عليه ال�سالم بهذا العمل وا�ستعداده لال�ستجابة‬ ‫لكل دعوة تنادى بتعاي�ش �سلمى بني النا�س‪ ،‬لأن يف‬ ‫ذلك �ضمانا للأمن والهناء‪.‬‬ ‫و�إذا كان الإ�سالم قد �أباح القتال يف حالة واحدة‬ ‫هي التي ترمي �إلى دفع الفتنة عن العقيدة‪ ،‬فتلك‬ ‫�ضرورة ال غنى عنها‪ ،‬لأن الدعوة نف�سها ال ميكن‬ ‫�أن تعي�ش �إذا مل تتخذ و�سيلة حلماية امل�ؤمنني بها‪،‬‬ ‫الذين ينتظر منهم �أن يكونوا �أن�صارها وحوارييها‬ ‫والعاملني عليها‪ .‬فلو تُ��رك امل�سلمون وغريهم‬ ‫ُيفتنون ع��ن دينهم ب��دع��وى الرغبة يف ال�سالم‬ ‫النقر�ضت فكرة ال�سالم نف�سها‪ ،‬ولأ�صبح من احلق‬ ‫لكل فئة �أن تفنت الأخرى عن دينها‪ ،‬كما كان العمل‬ ‫يف الدنيا قبل نداء الإ�سالم العام‪ .‬وذلك ما نبه‬ ‫ُون‬ ‫ُوه ْم َحتَّى اَل َتك َ‬ ‫عليه القر�آن حني قال‪َ } :‬و َقا ِتل ُ‬

‫ين كُ ل ُ​ُّه للِهَّ ِ { الأنفال‪،]39 :‬‬ ‫ِف ْتن ٌَة َو َي� ُك� َ‬ ‫الد ُ‬ ‫�ون ِّ‬ ‫�أي قاتلوا املعتدين على امل�ؤمنني حتى ال يبقى‬ ‫هناك من يتجر�أ �أن يفنت �أحدا عن دينه بالإكراه‬ ‫وال�ضغط‪.‬‬ ‫و�إذن فقد دعا الإ�سالم لل�سالم‪ ،‬وحرم احلروب‬ ‫مطلقا �إال ل�ضرورة حماية العقيدة الدينية‪ ،‬ومتى‬ ‫�أ�صبحت الفتنة غري موجودة‪ ،‬وذلك ب�ضمان عام‬ ‫لها‪ ،‬ف�إنه ال يبقى للحرب حق يف الوجود‪ ،‬لأن احلياة‬ ‫الإن�سانية هي الأولى بالبقاء‪ ،‬والأمن الإن�ساين هو‬ ‫�أ�سا�س مقا�صد الإ�سالم لتمكني املكلفني من �أداء‬ ‫واجبهم على هذه الأر�ض‪41.‬‬ ‫موقع ال�سالم يف منظومة املقا�صد ال�شرعية‬ ‫الدخول يف ال�سلم من كليات ال�شريعة‬ ‫ق�ضية احلرب وال�سالم هي �إحدى الق�ضايا الكلية‬ ‫العامة‪� ،‬سواء بوجهها ال�سلمي �أو بوجهها احلربي‬ ‫؛ فاحلروب‪ ،‬ب�أجوائها ومتطلباتها وا�ستعداداتها‬ ‫القبلية ومعاركها الفعلية‪ ،‬لها �آثار وانعكا�سات كلية‬ ‫على جميع الأ�صعدة‪ ،‬وكذلك هي حاالت ال�صلح‬ ‫وال�سلم والأمن واال�ستقرار‪ .‬ف�أي احلالتني اعتُمدت‬ ‫و���س��ادت‪ ،‬ك��ان لها نتائج كلية �شاملة‪ ،‬ت�صيب كل‬ ‫جوانب احلياة الب�شرية وما يت�صل بها‪.‬‬ ‫وه��ذا ال ُبعد الكلي لق�ضية ال�سلم واحل��رب قد‬ ‫ت�ضمنه ونبه عليه قوله تبارك وتعالى‪َ }:‬يا �أَ ُّي َها‬ ‫ال�سل ِْم كَاف ًَّة{ البقرة‪.208 :‬‬ ‫ال َِّذ َ‬ ‫ين �آ َمنُوا ا ْد ُخلُوا فيِ ِّ‬ ‫فالدخول يف ال�سلم مطلوب من كافة النا�س ولكافة‬ ‫النا�س ويف كافة املجاالت والأح���وال‪ .‬مبعنى �أن‬ ‫الدخول يف ال�سالم ينبغي �أن يكون هو امل�سلك العام‬ ‫يف حياة النا�س كافة‪ :‬ال�سلم مع الفطرة‪ ،‬وال�سلم‬ ‫بني الأقارب‪ ،‬وال�سلم يف احلياة الزوجية‪ ،‬وال�سلم‬ ‫بني اجلريان… وهكذا‪� ،‬إلى �أن ن�صل �إلى ال�سالم‬ ‫يف عالقات الأمم والدول‪ ،‬فنجد فيها مق�صدا كليا‬ ‫يقوم على ال�سالم‪ ،‬وهو‪َ }:‬و َج َع ْلنَاكُ ْم �شُ ُعو ًبا َو َق َبا ِئلَ‬ ‫ِل َت َعا َرفُوا{ احلجرات‪.13 :‬‬ ‫احلرب يف ميزان امل�صالح واملفا�سد‬ ‫ال ميكن �أن يختلف �أي اثنني من بني �آدم‪ ،‬يف‬ ‫�أن احلرب يف �أ�صلها ويف جمملها وبال و�شر‪ ،‬بل هي‬ ‫َمـجمع ال�شرور ومنبع الأوزار‪ .‬ومبا �أن احلرب –‬ ‫كال�سلم – م�س�ألة كلية‪ ،‬ف�إن الأمر القر�آين للم�ؤمنني‬ ‫بالدخول يف ال�سلم كافة هو نهي لهم عن الدخول‬ ‫يف احل��رب كافة �أي�ضا؛ لأن الأم��ر بال�شيء نهي‬ ‫عن �ضده‪ ،‬كما تقرر يف علم �أ�صول الفقه‪ .‬وعليه‪،‬‬ ‫فالواجب هو‪� :‬أن ندخل كلنا يف ال�سلم ما وجدنا‬ ‫�إلى ذلك �سبيال‪ ،‬و�أن نهرب كلنا من القتال ما وجدنا‬ ‫�إلى ذلك �سبيال‪.‬‬


‫و�إذا كانت �أعظم الكليات املقا�صدية التي اتفقت‬ ‫عليها كلمة العلماء‪ ،‬هي �أن ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫جاءت جللب امل�صالح ودرء املفا�سد‪ ،‬بل �إن الر�سل‬ ‫كلَّهم �إمن��ا بعثوا بجلب امل�صالح وتكثريها‪ ،‬ودرء‬ ‫املفا�سد وتقليلها‪ ،‬ف�إن احلرب هي �ضد ذلك متاما‪.‬‬ ‫فهي ال�سبب الأعظم جللب املفا�سد وتكثريها وهدم‬ ‫امل�صالح وتعطيلها‪ .‬وهذا ما يجعل ال�سالم من �أعظم‬ ‫املقا�صد‪ ،‬ويجعل احلرب من �أعظم املفا�سد‪ .‬وقد‬ ‫تقدم قريبا عن عالل الفا�سي‪� ،‬أنه اعترب احلروب‬ ‫هي اخلطر الأكرب على حفظ النفو�س‪ ،‬وباملقابل‬ ‫يكون ال�سالم هو احل�صن الأح�صن حلفظها‪.‬‬ ‫وخ��ط��ر احل����روب ع��ل��ى احل��ي��اة وع��ل��ى حفظ‬ ‫النفو�س‪ ،‬ال ينح�صر يف القتل و�إزه��اق الأرواح يف‬ ‫القتال‪ ،‬بل �أي�ضا فيما جتلبه من هالك الأم��وال‬ ‫والأرزاق‪ ،‬وتعطيل للك�سب واال�سرتزاق‪ ،‬ومن ت�سبب‬ ‫يف الأمرا�ض واملجاعات‪.‬‬ ‫ومم��ا يجب االنتباه �إليه وت��دب��ره‪� ،‬أن الآي��ة‬ ‫الكرمية التي ت�ضمنت الأم��ر بالدخول يف ال�سلم‬ ‫ك��اف� ً�ة‪ ،‬قد ج��اءت م�سبوقة ومت�صلة بالتحذير‬ ‫والوعيد ال�شديد ملن يهلك احلرث والن�سل وين�شر‬ ‫ا�س َم ْن‬ ‫الف�ساد يف الأر���ض‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و ِم� َ�ن ال َّن ِ‬ ‫الد ْن َيا َو ُي�شْ ه ُِد اللهَّ َ َعلَى َما‬ ‫ُي ْعجِ ُب َك َق ْول ُ​ُه فيِ الحْ َ َيا ِة ُّ‬ ‫فيِ َق ْل ِب ِه َو ُه َو �أَل َُّد الخْ َِ�صا ِم َو�إِذَا َت َولَّى َ�س َعى فيِ ْ أَ‬ ‫�ض‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫ِل ُي ْف ِ�س َد ِفي َها َو ُي ْه ِل َك الحْ َْرثَ َوال َّن ْ�سلَ َواللهَّ ُ اَل ُي ِح ُّب‬ ‫ا ْلف َ​َ�سا َد َو ِ�إذَا ِقيلَ ل َُه اتَّقِ اللهَّ َ �أَخَ ذَ ت ُْه ا ْل ِع َّز ُة ب ْ إِ‬ ‫ِالث ِْم‬ ‫ا�س َم ْن َي�شْ رِ ي‬ ‫ْ�س المْ ِ َها ُد َو ِم َن ال َّن ِ‬ ‫ف َ​َح ْ�س ُب ُه َج َه َّن ُم َو َل ِبئ َ‬ ‫َاء َم ْر َ�ض ِ‬ ‫ات اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َر ُء ٌ‬ ‫وف بِا ْل ِع َبا ِد‬ ‫َن ْف َ�س ُه ا ْب ِتغ َ‬ ‫ال�سل ِْم كَاف ًَّة…{‬ ‫َيا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ‬ ‫ين �آ َمنُوا ا ْد ُخلُوا فيِ ِّ‬ ‫البقرة‪.208 – 204 :‬‬ ‫ف����إذا وق���ع ك��ل ه��ذا النكري وال��وع��ي��د يف حق‬ ‫ال�شخ�ص الواحد �إذا ات�سم بهذا ال�سلوك املف�سد‬ ‫امل����ؤذي‪ ،‬فكيف ب��احل��رب‪ ،‬وه��ي املحرقة الكربى‬ ‫للحرث والن�سل والأرواح والأم��وال؟! وكيف وقد‬ ‫�أ�صبح العامل اليوم يتحدث عن “�أ�سلحة الدمار‬ ‫ال�شامل و�أ�سلحة الفناء ال�شامل“‪ ،‬التي متلكها �صغار‬ ‫الدول ف�ضال عن كبارها؟!‬ ‫فمن هنا‪ ،‬ال يبقى جمال لأدنى تردد يف اعتبار‬ ‫ال�سلم �ضرورة ب�شرية ق�صوى‪ ،‬وم�صلحة حيوية‬ ‫كربى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يموا َل ُه ْم{ التوبة‪.7 :‬‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫َا�س‬ ‫ف‬ ‫ُم‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫َا‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ا�س‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ ْ ُ‬ ‫وهنا �أي�ضا ن�ستح�ضر قول اهلل تبارك وتعالى‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ِنِ‬ ‫اع � َت��زَ ُل��وكُ � ْ�م َف � َل� ْ�م ُي � َق��ا ِت � ُل��وكُ � ْ�م َو�أَ ْل��� َق��� ْوا‬ ‫�‬ ‫إ‬ ‫���‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫}لِي�َلااَ ِف ُق َر ْي ٍ�ش ِ �إ اَ‬ ‫ْ‬ ‫ال�ص ْي ِف‬ ‫ِإ‬ ‫يل ِفه ِْم ر ِْحل َ​َة ال�شِّ تَاءِ َو َّ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫ال�سل َ​َم َف َما َج َعلَ ا َلك ُْم َع َل ْيه ِْم َ�س ِب اً‬ ‫يل{‬ ‫َف ْل َي ْع ُب ُدوا َر َّب َهذَ ا ا ْل َب ْي ِت ال َِّذي �أَطْ َع َم ُه ْم ِم ْن ُجو ٍع �إِ َل ْيك ُ​ُم َّ‬ ‫َو�آ َم َن ُه ْم ِم ْن خَ ْو ٍف{ قري�ش‪.4 – 1 :‬‬ ‫الن�ساء‪.90 :‬‬ ‫فقد جعل �سبحانه الأمن �صنوا للطعام‪ ،‬م�ساويا‬ ‫له يف الأهمية وال�ضرورة‪ .‬فال�سالم والأم��ان من‬ ‫�ضرورات احلياة‪ ،‬كالطعام وال�شراب‪.‬‬ ‫خامتة‬ ‫وف��ي��ه��ا التنبيه ع��ل��ى ث�لاث��ة �أم����ور ال ب��د من‬ ‫مراعاتها‪:‬‬ ‫�أولها‪� :‬أننا حني نتحدث عن كون الإ�سالم قا�صدا‬ ‫�إلى �إطفاء احلروب و�إقامة ال�سالم بني النا�س‪ ،‬ف�إن‬ ‫ال�سالم العاملي التام قد يتحقق وي�سود يف فرتة ما‬ ‫من فرتات التاريخ‪ ،‬وقد ال يتحقق �أبدا‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫وقد يتحقق ذلك ب�شكل تقريبي‪ ،‬بحيث يغلب ال�سلم‬ ‫وتتقل�ص دائرة احلروب‪ ،‬حتى ال تقع �إال يف فلتات‬ ‫عابرة‪� ،‬سرعان ما يتم �إطفا�ؤها ومعاجلة �أ�سبابها‪،‬‬ ‫كما قال تعالى‪} :‬كُ لَّ َما �أَ ْو َق ُدوا نَا ًرا ِلل َْح ْر ِب �أَطْ َف َ�أ َها‬ ‫اللهَّ ُ { املائدة‪.64 :‬‬ ‫و�سواء كان هذا �أو ذاك‪� ،‬أو مل يت�أتَّ من وراء هذا‬ ‫املق�صد وهذا امل�سعى �إال خف�ض احلروب و�آفاتها‪،‬‬ ‫وتكثري ال�سلم و�ضماناتها‪ ،‬وه��و الأق����رب‪ ،‬ف��إن‬ ‫جمرد اجلنوح املتزايد �إلى ال�سلم‪ ،‬وتغليب منطق‬ ‫التفاهم والوفاق‪� ،‬سيكون ربحا كبريا وخريا عميما‬ ‫للب�شرية‪ .‬وهذه هي احلالة الأكرث واقعية وتوقعا‪،‬‬ ‫والأك�ثر مطابقة لقول علمائنا‪" :‬الر�سل بعثت‬ ‫بجلب امل�صالح وتكثريها‪ ،‬ودرء املفا�سد وتقليلها"‪.‬‬ ‫مبعنى �أن مق�صد ال�سالم التام حتى �إن مل ي�صل بنا‬ ‫عمليا �إال �إلى “تكثري ال�سلم وتقليل احلرب“‪ ،‬فبها‬ ‫ونعمت‪.‬‬ ‫وثانيها‪� :‬أن ال�سالم العاملي – وحتى ال�سالم‬ ‫الثنائي – ال ميكن �أن يحققه طرف واح��د مهما‬ ‫ت�سامى وت�سامح‪ ،‬و�إمن���ا يتحقق بامليل املتبادل‬ ‫وال��ع��زم امل�����ش�ترك واالل���ت���زام امل��ت�����س��اوي‪ .‬فكون‬ ‫امل�سلمني م�ساملني ملتزمني بالعدل والإح�سان‪ ،‬والرب‬ ‫والإق�ساط‪ ،‬لي�س كافيا لتحقيق ال�سالم وا�ستدامته‪،‬‬ ‫بل ال بد من حتقق ذلك لدى الطرف الآخ��ر‪� ،‬أو‬ ‫الأط���راف الأخ���رى‪ .‬ولذلك جند �آي��ات الت�صالح‬ ‫وامل�ساملة ت�ستح�ضر ال��ط��رف املقابل‪ ،‬وت�شرتط‬ ‫رغبته وا�ستعداده‪:‬‬ ‫َاجن َْح َل َه ِا{ الأنفال‪.61 :‬‬ ‫ل�سل ِْم ف ْ‬ ‫} َو�إ ِْن َجن َُحوا ِل َّ‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪33‬‬


‫وثالثها‪� :‬أن ال�سالم احلقيقي هو ال��ذي يقوم‬ ‫على العدل و�إعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬كما ي�شري‬ ‫�إليه قوله �سبحانه } َف�أَ ْ�ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما بِا ْل َع ْدلِ‬ ‫َو�أَقْ ِ�سطُ وا{ احلجرات‪.9 :‬‬ ‫�أما ال�سالم القائم على جمرد الغلبة والإكراه‬ ‫واال�ضطرار‪ ،‬ف�إمنا هو حرب م�ؤجلة‪.‬‬ ‫وقانا اهلل �شر احلرب والعدوان‪ ،‬ورزقنا نعمة‬ ‫ال�سلم والأمان‪.‬‬ ‫و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني‬ ‫�أحمد الري�سوين‪ ،‬الرباط يف ‪�2‬شوال ‪1439‬هـ‪/‬‬ ‫‪16‬يونيه ‪2018‬م‬ ‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪34‬‬

‫‪ ]1‬جوامع ال�سرية النبوية‪ ،‬ال بن حزم الأندل�سي القرطبي‬ ‫الظاهري‪� ،‬ص ‪. 41‬‬ ‫‪ 2‬جوامع ال�سرية‪� ،‬ص ‪.437 -436‬‬ ‫‪ 3‬املغازي وال�سري (�سرية ابن �إ�سحاق) �ص‪. 148‬‬ ‫‪� – 4‬سنن البيهقي الكربى ‪.9/9‬‬ ‫‪ – 5‬تف�سري الطربي (= جامع البيان يف ت�أويل القر�آن)‪.‬‬ ‫‪ – 6‬م�سند �أحمد بن حنبل‪ .322 /3‬تعليق �شعيب الأرن�ؤوط ‪:‬‬ ‫�إ�سناده �صحيح على �شرط م�سلم‪.‬‬ ‫‪ – 7‬املرجع ال�سابق نف�سه‪.‬‬ ‫‪ – 8‬م�سند �أحمد بن حنبل ‪. 460 /3‬‬ ‫‪ – 9‬انظر‪� :‬صحيح ال�سرية النبوية‪ ،‬لإبراهيم العلي ‪.‬‬ ‫‪ – 10‬دالئل النبوة ومعرفة �أحوال �صاحب ال�شريعة‪ ،‬لأبي‬ ‫بكر البيهقي ‪.6/3‬‬ ‫‪ –11‬التحرير والتنوير ‪. 273 /17‬‬ ‫‪ – 12‬تف�سري الطربي (= جامع البيان يف ت�أويل القر�آن) ‪/14‬‬ ‫‪.158‬‬ ‫‪ – 13‬تف�سري الطربي (= جامع البيان يف ت�أويل القر�آن) ‪/6‬‬ ‫‪. 118‬‬ ‫‪ – 14‬جامع البيان يف ت�أويل القر�آن‪. 333 /10‬‬ ‫‪ – 15‬جامع البيان ‪. 563 /3‬‬ ‫‪ – 16‬حمل املطلق على املقيد له ح��االت متفق عليها عند‬ ‫الأ�صوليني‪ ،‬وحاالت خمتلف فيها‪ .‬واحلالة املتفق فيها‬ ‫على احلمل هي حالة احتاد ال�سبب (املو�ضوع) واحتاد‬ ‫احلكم بني كل من املطلق واملقيد‪ .‬وما نحن فيه منها‪.‬‬ ‫فال�سبب (مو�ضوع الآيات) واحد‪ ،‬وهو القتال‪ .‬واحلكم‬ ‫ني حمل الوجوب املطلق على‬ ‫واحد‪ ،‬وهو الوجوب‪ .‬فتع َ‬ ‫الوجوب املقيد…‬ ‫‪ –17‬احلديث متفق عليه‪.‬‬ ‫‪ – 18‬من كتابه‪( :‬قاعدة خمت�صرة يف قتال الكفار ومهادنتهم‬ ‫وحترمي قتلهم ملجرد كفرهم)‪.‬‬

‫‪ – 19‬بع�ض من مل يعجبهم ر�أي ابن تيمية املعرب عنه يف هذا‬ ‫الكتاب‪ ،‬حاولوا الت�شكيك يف �صحة ن�سبته �إليه‪ .‬ولكن‬ ‫عددا من املحققني ومن املخت�صني يف تراث ابن تيمية‬ ‫وم�ؤلفاته يجزمون ب�صحة الكتاب وم��ا فيه من كالم‬ ‫ابن تيمية‪ .‬ومنهم حمقق الطبعة املذكورة �آنفا‪ .‬ومنهم‬ ‫العالمة عبد اهلل بن زيد �آل حممود‪ ،‬يف اجلزء الثالث من‬ ‫(جمموعة ر�سائل ال�شيخ عبد اهلل بن زيد �آل حممود)‪.‬‬ ‫ ومما ي�ؤكد قول ابن تيمية و�صحةَ ن�سبته �إليه‪ ،‬ر� ُأي‬ ‫تلميذه اب��ن القيم‪ ،‬ال��ذي �سي�أتي ذك��ره بعد ر�أي ابن‬ ‫تيمية‪..‬‬ ‫‪ – 20‬قاعدة خمت�صرة يف قتال الكفار ومهادنتهم وحترمي‬ ‫قتلهم ملجرد كفرهم‪� ،‬ص‪.121‬‬ ‫‪ –21‬نف�سه‪� ،‬ص ‪.124/123‬‬ ‫‪ – 22‬نف�سه‪� ،‬ص‪92/91‬‬ ‫‪ – 23‬نف�سه‪� ،‬ص ‪.134‬‬ ‫‪� 24‬ص‪.137 – 135‬‬ ‫‪� – 25‬ص ‪.159/158‬‬ ‫‪ – 26‬املرجع نف�سه ‪.179/178‬‬ ‫‪ – 27‬املرجع نف�سه �ص‪. 90‬‬ ‫‪ – 28‬هداية احليارى يف �أجوبة اليهود والن�صارى‪.‬‬ ‫‪� 29‬صحيح م�سلم‪ ،‬باب ا�ستحباب الدعاء بالن�صر عند لقاء‬ ‫العدو‪.‬‬ ‫‪ – 30‬ال�سالم العاملي والإ�سالم‪� ،‬ص‪. 29‬‬ ‫‪ – 31‬يق�صد يف تف�سريها على النحو املذكور‪.‬‬ ‫‪ – 32‬مفاتيح الغيب �أو التف�سري الكبري ‪. 352 /5‬‬ ‫‪ – 33‬التحرير والتنوير ‪. 276 /2‬‬ ‫‪ – 34‬وانظر مزيدا من الأدلة على التوجه الإ�سالمي ال�سلمي‪،‬‬ ‫عند �شيخنا العالمة يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬يف الف�صل الأول‬ ‫من الباب الرابع‪ ،‬من كتابه اجلليل (فقه اجلهاد)‪ ،‬املجلد‬ ‫الأول‪� ،‬ص ‪ 413‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ – 35‬ال�سرية النبوية لعبد امللك ابن ه�شام ‪.501 /1‬‬ ‫‪� – 36‬أما تفا�صيله ودرا�ستها رواية ودراية ومتييزُ درجاتها‬ ‫من حيث ال�صحة وال�ضعف‪ ،‬فيمكن الرجوع فيها �إلى‪:‬‬ ‫(ال�سرية النبو َّية‬ ‫– كتاب الدكتور �أك��رم �ضياء العمري‬ ‫ِّ‬ ‫املحدثني يف نقد‬ ‫ال�صحيحة حماولة لتطبيق قواعد‬ ‫ّ‬ ‫ال�سرية النبو َّية) ‪.‬‬ ‫روايات ِّ‬ ‫– وكتاب ال�شيخ �إبراهيم العلي (�صحيح ال�سرية النبوية)‪.‬‬ ‫‪� – 37‬صحيح البخاري‪ ،‬باب ال�شروط يف اجلهاد وامل�صاحلة مع‬ ‫�أهل احلرب وكتابة ال�شروط‪.‬‬ ‫‪ – 38‬ال�سرية النبوية‪ ،‬من (البداية والنهاية) البن كثري (‪/3‬‬ ‫‪.)324‬‬ ‫‪� – 39‬صحيح م�سلم ب�شرح النووي ‪. 140 /12‬‬ ‫‪ – 40‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ومكارمها‪� ،‬ص‪.227‬‬ ‫‪ – 41‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ومكارمها‪� ،‬ص‪.231 – 227‬‬


‫دور وسائل‬

‫دراسات‬

‫اإلعالم في‬ ‫نشر ثقافة‬ ‫الترشيد‬

‫الدكتور محمد طالب عبيدات‬ ‫وزير األشغال العامة واإلسكان األسبق‪ -‬األردن‬

‫ • �أهمية و�سائل الإع�ل�ام‪ :‬تكمن �أهميتها يف‬ ‫‪ .1‬تعريفات �إعالمية وتر�شيدية‪:‬‬ ‫�سرعة الإنت�شار العاملي للمعلومات والأخبار‬ ‫• تعريف و�سائل الإع�ل�ام‪ :‬هي �أي تقنية �أو‬ ‫وحرية التعبري عن الر�أي‪ ،‬و�أنها �أحد �أدوات‬ ‫و�سيلة �أو طريقة �أو �أداة �أو جهة تكنولوجية‬ ‫الت�سويق لت�شكيل حالة الوعي الإقت�صادي‬ ‫تتولى مهمة الإع�لام �أو منظمة �أو م�ؤ�س�سة‬ ‫وال�سيا�سي والإج��ت��م��اع��ي‪ ،‬وو�سيلة هامة‬ ‫غ�ير ربحية �أو جت��اري��ة خا�صة �أو عامة‪،‬‬ ‫لن�شر الثقافة املجتمعية وامل��ع��رف��ة على‬ ‫ر�سمية �أو غري ر�سمية‪ ،‬تكون مهمتها الرئي�سة‬ ‫الإط��ل�اق وف��ه��م ال��ن��ا���س لبع�ضهم‪ ،‬وو�سيلة‬ ‫نقل الأخبار واملعلومات واحلقائق والآراء‬ ‫للرتفيه وامل��واه��ب وال�تروي��ج والإع�لان��ات‬ ‫والأفكار ون�شرها �أو حتى املوا�ضيع التجارية‬ ‫التجارية و�إك�ساب املهارات والفوائد الفكرية‬ ‫�أو الرتفيهة �أو الت�سلية �أو الأدب �أو الثقافة �أو‬ ‫والإب��داع��ي��ة والتعليمية ليتابعها الكبار‬ ‫الفنون �أو غريها‪.‬‬ ‫وال�صغار‪.‬‬ ‫• و�سائل الإعالم التي نتحدث عنها �إبان ثورة‬ ‫ت��ط � ّور و���س��ائ��ل الإع��ل�ام واال ّت�����ص� ّ�ال ت�شمل • �أ ّم���ا تر�شيد اال�ستهالك فيكون م��ن خالل‬ ‫ا�ستخدام امل���وارد املتاحة بال�شكل الأمثل‬ ‫املطبوعة وامل��ق��روءة (كاجلرائد وال�صحف‬ ‫وبكفاءة عالية‪ ،‬وم��ن خ�لال االعتماد على‬ ‫وامل��ج�لات وم��ا ت�ساهم به منظمات املجتمع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حمد ٍ‬ ‫دة والتفكري العقالين‬ ‫إجراءات‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫تقنيات‬ ‫ّ‬ ‫املحلي كجمعيات حماية امل�ستهلك وغريها)‬ ‫دون �إحلاق الأذى ب�إنتاجية الأفراد وراحتهم‪،‬‬ ‫وامل�سموعة (كاملذياع والت�سجيالت ال�صوتية‬ ‫حيث � ّإن الرت�شيد يف ا�ستهالك هذه املوارد ال‬ ‫والإن�ترن��ت) واملرئية (كالتلفاز واليوتيوب‬ ‫ٍ‬ ‫بكفاءة‬ ‫يعني منع ا�ستخدامها‪ ،‬بل ا�ستخدامها‬ ‫والإن�ترن��ت وغ�يره��ا) وامل��واق��ع الإلكرتونية‬ ‫ٍ‬ ‫للحد من �إ�سرافها �أو هدرها‪ ،‬فال يتجاوز‬ ‫عالية ّ‬ ‫(الإنرتنت واليوتيوب وغريها وميزتها �أنها‬ ‫احلد �إ�سراف ًا �أو تقتري ًا باملعنى الو�سطي �أو‬ ‫جت��م� ُ�ع ب�ين ال��� ّ��ص��ف��ات املكتوبة وامل�سموعة‬ ‫الإع��ت��دايل‪ ،‬والرت�شيد نقي�ض الإ���س��راف �أي‬ ‫واملرئ ّية والإلكرتون ّية وربطت العامل �أجمع‬ ‫عدم جتاوز احلد املباح �إلى ما مل ُيبح‪� ،‬سواء‬ ‫حتت ف�ضاء واحد حيث بات ال�شخ�ص الواحد‬ ‫�أك��ان بالإ�سراف �أو التقتري لأن كال احلالني‬ ‫ميتلك العامل بني يديه من خالل اخلليوي �أو‬ ‫مذموم‪ ،‬لأن املحمود �شرع ًا وعرف ًا هو التو�سط‬ ‫على ُركبتيه من خالل (الآيباد) �أو (الالبتوب‬ ‫بينهما‪ .‬وتلخّ �صه الآي��ة القر�آنية ( َوكُ � ُل��وا‬ ‫�أو املُت�ص ّفح‪ ،‬و�أدوات التوا�صل الإجتماعي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني)‪،‬‬ ‫َوا�شْ َر ُبوا َوال ت ُْ�سرِ فُوا �إِ َن ُّه ال ُيح ُّب المْ ُْ�سرِ ف َ‬ ‫(ال��ف��ي�����س ب���وك وال��ت��وي�تر والإن�����س��ت��غ��رام‬ ‫ولذلك �إنت�شرت مفاهيم الرت�شيد من خالل‬ ‫والوت�س�آب وغريها)‪ ،‬وكذلك ت�شمل املواطن‬ ‫�إ�ستخدام املياه والكهرباء بكفاءة‪ ،‬وهذا‬ ‫ال�صحفي حامل الهواتف الذكية التي حتوي‬ ‫ال يعني بالطبع لأن ينت�شر املفهوم لي�شمل‬ ‫كل التقنيات احلديثة‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪35‬‬


‫‪36‬‬

‫الرت�شيد يف ق�ضايا �أخرى كمداخالتنا �أو �إبداء‬ ‫الر�أي �أو البحث العلمي �أو الكتابة العلمية �أو‬ ‫الفنية �أو �إدارة الوقت �أو الإنفاق ب�شكل عام �أو‬ ‫غريها‪.‬‬ ‫• والنتيجة �أن ع��دم الرت�شيد تقتري ًا ي ��ؤول‬ ‫للنعت بالبخل و�إ���س��راف � ًا للنعت بالتبذير‬ ‫ولن�شر جمتمع الكراهية واحل�سد وال�ضغينة‪،‬‬ ‫والت�صرفان مذمومان لأنهما يفتقران لروحية‬ ‫ّ‬ ‫العطاء للآخر!‬ ‫• اجلزء الأول‪ :‬ر�ؤى نظرية يف دور و�سائل‬ ‫الإع��ل�ام يف ن�شر ثقافة الرت�شيد ل�ل�إع�لام‬ ‫دور كبري ج��د ًا يف كثري من مفا�صل الرت�شيد‬ ‫���س��واء يف ن�شر ال��ث��ق��اف��ات و�آل��ي��ات الرت�شيد‬ ‫وكفاءة الإ�ستهالك وتعزيز دولة الإنتاجية‬ ‫والإ�سرتاتيجيات الناظمة لذلك وغريها‪،‬‬ ‫وتالي ًا ملخّ �ص ور�ؤى ملا ميكن عر�ضه لهذا الدور‬ ‫ال��ذي نرجو اهلل خمل�صني �أن يكون توعوي ًا‬ ‫وتنويري ًا ال منطي ًا �أو كال�سيكياً‪:‬‬ ‫‪ .1‬الإعالم الرت�شيدي‪ :‬الإعالم هو الأداة الأقوى‬ ‫القادرة على تغيري العادات والتقاليد والثقافة‬ ‫املجتمعية ال�سائدة‪ ،‬فالإعالم ي�سيطر على‬ ‫حوايل ثلث نهار حياة النا�س‪ ،‬مما يعني �ضرورة‬ ‫�إ�ستهداف امل�ستهلكني ب�إيجابية وتطوير ر�سائل‬ ‫�إت�صالية منا�سبة لذلك دون تلوث ب�صري‬ ‫و�سمعي‪ ،‬و�ضرورة الت�أكّد من احلد من الأثر‬ ‫البيئي للإ�ستهالك واحلد من الإعالم امل�ضلل‬ ‫والرتويجي املخادع‪ ،‬والإنتباه �إلى امل�س�ؤوليات‬ ‫الإجتماعية والو�سائل الإعالمية ال�شفافة‬ ‫وال�����ص��ادق��ة‪ ،‬و�إر����س���اء ثقافة الرت�شيد من‬ ‫خالل تب�صري املواطنني مبواطنتهم ال�صاحلة‬ ‫وجناحيها يف احلقوق والواجبات وعمودها‬ ‫الفقري يف الإنتماء للوطن‪ ،‬وكذلك توعية‬ ‫املواطن بخطورة �إ�ستخدام بطاقات االئتمان‬ ‫والبيع بالتق�سيط كطرق ت�سمح للم�ستهلك‬ ‫ب�شراء �سلع تتجاوز قيمتها قدراته ال�شرائية‪.‬‬ ‫‪ .2‬امل�صداقية والدقّ ة الإعالمية‪ :‬احلفاظ على‬ ‫احلياد و�إب��راز ال��ر�أي وال��ر�أي الآخر ب�إتّزان‪،‬‬ ‫و�إختيار الأنباء والق�ضايا والتحليالت التي‬ ‫تهم وتخدم م�صالح اجلمهور و�ش�ؤونه العامة‪،‬‬ ‫و�إبراز القيم االجتماعية الوطنية والقومية‬ ‫وال��دي��ن��ي��ة وال�تراث��ي��ة والتنموية‪ ،‬و�إب���راز‬ ‫الإعالم على �أنه م�ؤ�س�سة تعليمية و�إ�ستقدام‬ ‫املتخ�ص�صني للحديث يف اجلوانب املختلفة‪.‬‬ ‫‪ .3‬الت�أ�سي�س ل�سلوك عقالين ور�شيد‪ :‬وذل��ك من‬ ‫خالل تفعيل خمتلف الو�سائل وتن ّوع الربامج‬ ‫لتوعية امل�ستهلك وو�ضعه يف �صورة الواقع‪،‬‬

‫وت��وع��ي��ة امل���واط���ن ومت��ك��ي��ن��ه م��ن الت�صرف‬ ‫كم�ستهلك قادر على اختيار ال�سلع واخلدمات‬ ‫اختيارا واعي ًا ومدرك ًا حلقوقه وم�س�ؤولياته‬ ‫حتى ال يقع �ضحية ل��ظ��اه��رة اال�ستهالك‬ ‫ال�سلبية‪ ،‬وامل�ساهمة يف توجيه املواطنني‬ ‫�صوب امل�شاركة يف �سيا�سات النمو االقت�صادي‬ ‫ال�سليم ال��ق��ائ��م على الإن��ت��اج واال�ستثمار‬ ‫واالدخ����ار وتر�شيد اال���س��ت��ه�لاك‪ ،‬و�إدخ���ال‬ ‫مفهوم “الإ�ستهالك العقالين” كالإ�ستثمارات‬ ‫يف املنافع العامة و�شق الطرق لدعم خطوط‬ ‫الإن��ت��اج وكذلك امل��دار���س وم��واق��ف املركبات‬ ‫وخطوط النقل العام وغريها لأجل �أنها ت�ؤثّر‬ ‫يف م��واق��ع الإن��ت��اج �أو تخلق بيئة �إنتاجية‬ ‫لتعزيز مفهوم بناء دولة الإنتاج‪.‬‬ ‫‪ .4‬م�شاركة املواطن للر�سائل الإعالمية‪ :‬فم�شاركة‬ ‫املواطن لر�سائل الرت�شيد الإعالمية تعطيها‬ ‫�إطار �أخالقي وميثاق �شرف بالإلتزام بذلك‬ ‫وهي جزء من �إنتماءه للوطن‪.‬‬ ‫‪� .5‬إب���راز �إ�سرتاتيجيات ال��دول��ة للرت�شيد‪ :‬من‬ ‫خ�لال �إب���راز ال�برام��ج احلكومية واحل��واف��ز‬ ‫الت�شجيعية خل��ف�����ض زي�����ادة اال���س��ت��ه�لاك‬ ‫والإ�سراف ودور الن�شطاء واملبادرات املحلية‬ ‫يف �إظهار الآثار البيئية لذلك‪ ،‬والرتكيز على‬ ‫م�صلحة االقت�صاد الوطني من خالل ُح�سن‬ ‫�إدارة ال��ق��رارات اال�ستهالكية على م�ستوى‬ ‫الفرد والدولة معاً‪ ،‬وت�شخي�ص الو�ضع الراهن‬ ‫�إقت�صادي ًا و�سيا�سي ًا و�إجتماعي ًا و�إت�صالي ًا من‬ ‫خالل خرباء يف املجاالت كافة‪ ،‬وطرح �أليات‬ ‫الرت�شيد والثقافة الو�سطية وربطها بامل�صالح‬ ‫امل�شرتكة ب�ين امل�ستهلك وال��دول��ة والإع�ل�ام‬ ‫وغريها‪ ،‬وتوجيه ال��ر�أي العام والإ�ستباقية‬ ‫يف ن�شر املعلومات غري امل�ضللة والتب�صريية‬ ‫املالئمة يف الوقت والظرف املحدد‪ ،‬و�ضرورة‬ ‫ال�تر���ش��ي��د يف ه���ذه ال���ظ���روف وال��ت��ح��دي��ات‬ ‫الإقت�صادية ال�صعبة‪.‬‬ ‫‪ .6‬منظمات املجتمع امل����دين‪ :‬دع���م اجلمعيات‬ ‫ومنظمات املجتمع امل��دين واجلهات الفاعلة‬ ‫وال���داع���م���ة مل�����ش��اري��ع ال�تر���ش��ي��د ك��امل��دار���س‬ ‫واجلامعات والأ�سر واملنابر الدينية والإعالمية‬ ‫وال�شبابية واجلندرية وغريها لتب ّني عالقة‬ ‫ت�شاركية وتكاملية ال فزعوية بينها وبني‬ ‫و�سائل الإع�لام املختلفة وف��ق �إ�سرتاتيجية‬ ‫مبنية على ت�أ�سي�س منطية ل�سلوك �إ�ستهالكي‬ ‫ر�شيد لتجاوز التحديات الإقت�صادية بعيدة‬ ‫ومتو�سطة املدى ال الآنية فح�سب‪.‬‬


‫‪� .7‬أفكار التطوير والتغيري‪ :‬طرح �أفكار التغيري‬ ‫يف النمط الإ�ستهالكي والوفاء بامل�س�ؤوليات‬ ‫وتطبيق ا�سرتاتيجيات تر�شيد اال�ستهالك‬ ‫بداية من تهيئة املناخ املالئم للإنتاج بتوفر‬ ‫للتوجه �صوب اال�ستهالك‬ ‫�شروط اال�ستدامة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫امل�س�ؤول والواعي وتفعيل دور الإعالم بطرح‬ ‫امل�شكلة و�أبعادها وت�أثرياتها على اجلمهور‪.‬‬ ‫‪� .8‬إع�لام اخلدمة العامة‪ :‬الرتكيز على �إع�لام‬ ‫اخل��دم��ة ال��ع��ام��ة ل��دع��م اال���س�ترات��ي��ج��ي��ات‬ ‫التنموية وزي��ادة النمو الإقت�صادي ومفهوم‬ ‫الإ�صالح الإقت�صادي وتعزيز ثقافة الت�شاركية‬ ‫يف خلق ر�ؤى �إبداعية خارج ال�صندوق لتقلي�ص‬ ‫عجز املوازنة وجدولة الدين العام يف الوطن‪.‬‬ ‫‪ .9‬دولة الإنتاج وامل�س�ؤولية املجتمعية‪ :‬الرتكيز‬ ‫على امل�شاريع التنموية ال�صغرية واملتو�سطة‬ ‫وال��ت��ي تفتح �آف���اق فر�ص العمل والت�شغيل‬ ‫والإ�ستثمار وت�ساهم يف الق�ضاء على ب��ؤر‬ ‫الفقر والبطالة ب�أ�شكالها املختلفة‪ ،‬وخلق‬ ‫ثقافة الإ�ستهالك بطابع �أخالقي و�إجتماعي‬ ‫لدعم ال�شركات التي تتب ّنى جانب امل�س�ؤوليات‬ ‫املجتمعية والتي ال ت�ضر بالإن�سان �أو احليوان‬ ‫�أو البيئة‪.‬‬ ‫‪� .10‬سيا�سة اجلودة‪ :‬دعم �سيا�سات و�أ�سرتاتيجيات‬ ‫م�ؤ�س�سات ومنظمات املجتمع املدين املطالبة‬ ‫بتح�سني اجل���ودة �أو تخفي�ض الأ���س��ع��ار �أو‬ ‫مواءمة الأ�سعار مع اجلودة من خالل ثقافة‬ ‫مقاطعة بع�ض ال�سلع ذات الربح الفاح�ش وغري‬ ‫املعقول‪ ،‬وت�شجيع �شراء املنتجات �أو اخلدمات‬ ‫ال��ت��ي لها �أق���ل ت ��أث�ير يف ال�صحة الب�شرية‬ ‫والبيئية كاملكونات الغذائية الأ�سا�سية غري‬ ‫امل�ص ّنعة �أو املعاجلة كيميائياً‪.‬‬ ‫‪ .11‬كبح جماح جمتمع الكراهية‪ :‬هنالك بع�ض‬ ‫الت�صرفات الإعالمية ال�سلبية يجب جت ّنبها‪،‬‬ ‫فعلى �سبيل امل��ث��ال ع��ر���ض ال�����ص��ور للطعام‬ ‫وال�شراب من خالل التوا�صل الإجتماعي يف‬ ‫هذه الظروف يخلق جمتمع الكراهية واحل�سد‬ ‫البغي�ض‪ ،‬وعر�ض ال�صور ال�سلبية من خالل‬ ‫الإع�لام ي�ؤجج ال�شارع ويبث �سموم الفتنة‬ ‫والإنق�سام‪ ،‬فالإعالم �سالح ذو حدين‪ ،‬وعليه‬ ‫الت�صدق وبث‬ ‫يجب بث روح الإيجابية يف‬ ‫ُّ‬ ‫روحية العطاء عند القادرين واملليئني مالي ًا‬ ‫ودور الإع�ل�ام يف ط��رح ال�صورة الإيجابية‬ ‫للرت�شيد ال ال�سلبية‪.‬‬ ‫• اجلزء الثاين‪ :‬ر�ؤى واقعية وبحثية وعلمية‬ ‫و�إ�ستق�صائية يف دور و�سائل الإع�لام يف ن�شر‬ ‫ثقافة الرت�شيد‪:‬‬ ‫‪ .1‬دور الإع�لام يف تفعيل �إ�سرتاتيجيات تر�شيد‬ ‫�إ�ستهالك وتعزيز ثقافة الإنتاج والإدخ��ار‪:‬‬

‫‪ -‬‬

‫‪ -‬‬

‫‪ -‬‬

‫• ‬

‫• ‬

‫• ‬

‫• ‬

‫درا���س��ة ماج�ستري لفرونيك �أب���و غ��زال��ة –‬ ‫اجلامعة اللبنانية ‪.2012-‬‬ ‫ث��ق��اف��ة الإ���س��ت��ه�لاك ظ���اه���رة �إق��ت�����ص��ادي��ة‬ ‫واجتماعية عاملية كنتيجة لثقافة العوملة‪،‬‬ ‫واحل���رب الإع�لام��ي��ة ال��ب��اردة م�ستمرة بني‬ ‫ثقافتي الإ�ستهالك والرت�شيد‪.‬‬ ‫ع��ام�لان �أ�سا�سيان يدفعان امل�ستهلكني الى‬ ‫���ش��راء �سلعة معينة‪ :‬الإع��ل�ان (‪)%36.7‬‬ ‫واحلاجة �إليها (‪ )%26‬وللإعالن دور رئي�س يف‬ ‫حتديد اخليارات الإ�ستهالكية‪ ،‬فيما احلاجة‬ ‫تتقدم على الإع�لان ل��دى الأف���راد خ�صو�ص ًا‬ ‫لدى الأف��راد الذين بلغوا امل�ستويني الثانوي‬ ‫واجلامعي‪.‬‬ ‫احللول املقرتحة لتقوم املحطّ ات التلفزيونية‬ ‫املحلية بدعم ثقافة تر�شيد الإ�ستهالك بدل‬ ‫النزعة الإ�ستهالكية‪ :‬ر�أى ‪ % 32‬من املُ�ستطلعني‬ ‫�أن امل�ؤ�س�سات الإع�لام��ي��ة املرئية بحاجة‬ ‫ملُح ّفزات لتبث املواد الإعالمية الرت�شيدية‪،‬‬ ‫بينما ‪ %28‬منهم ر�أى �أن مفتاح �إي�صال ر�سائل‬ ‫الرت�شيد عرب الإعالم يتم من خالل الرتكيز‬ ‫على تدريب القائمني على الإت�صال‪ ،‬و‪ %22‬ر�أوا‬ ‫�ضرورة تعديالت ت�شريعية لإي�صال ر�سائل‬ ‫الرت�شيد‪ ،‬و‪ %18‬ر�أوا �أن يتم تزويد حمطات‬ ‫التلفزة بربامج توعوية من خالل فريق ثاين‬ ‫كمنظمات املجتمع املدين‪.‬‬ ‫ل�ل��إع�ل�ام �أه��م��ي��ة يف ن�����ش��ر ق��ي��م الو�سطية‬ ‫وحم��ا���ص��رة ال��ت��ط��رف‪ ،‬وخ��ط��ورت��ه يف ن�شر‬ ‫فكر ال�سلبية والغلو‪ ،‬وهنالك دور لإ�ستثمار‬ ‫الإعالم اجلديد يف �إ�ستقطاب و�إغراء ال�شباب‬ ‫�أو حمايتهم من ال�سقوط ك�ضحايا كنتيجة‬ ‫للأفكار والقيم ال�سلبية‪.‬‬ ‫ن�سبة االعالميني املكلفني بكتابة ومتابعة‬ ‫ال��ت��ق��اري��ر واالح������داث اخل��ا���ص��ة بق�ضايا‬ ‫اال�ستهالك يف الأردن حوايل ‪ ،%8.33‬بيد �أن‬ ‫معدل ن�سبتهم يف بقية دول العامل تتجاوز‬ ‫ّ‬ ‫‪.%12‬‬ ‫للإعالم دور كبري يف �ضبط �سلوكيات ال�شباب‬ ‫الإ�سرافية من حيث التفاخر والإ�ستعرا�ض‬ ‫والالمباالة وعدم الإ�ستجابة ملبادرات حمالت‬ ‫التوعية والهدر ب�سبب جمانية املوارد واخللط‬ ‫بني الكرم والإ�سراف‪.‬‬ ‫ممكن �ضبط ال�سلبيات لرت�شيد �إ�ستخدام‬ ‫�شبكة الإن�ترن��ت م��ن خ�ل�ال‪ :‬و���ض��ع �أه���داف‬ ‫للإبحار يف ال�شبكة العنكبوتية‪ ،‬و �ضبط وقت‬ ‫اال�ستعمال‪ ،‬و عدم االعتماد على الإنرتنت‬ ‫كم�صدر وحيد للمعارف واملعلومات‪ ،‬و االبتعاد‬ ‫عن املواقع امل�شبوهة وغري الآمنة‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪37‬‬


‫دراسات‬

‫دور منظمات‬ ‫المجتمع المدني‬ ‫في محاربة‬

‫أ‪.‬د‪ .‬أمين مشاقبة‬

‫التطرف‬

‫وزير التنمية االجتماعية األسبق ‪ -‬األردن‬

‫‪38‬‬

‫التطرف لغة‪ :‬حد ال�شيء وطرفه‪ ،‬ويدل على‬ ‫عدم الثبات على الأم��ر‪ ،‬واالبتعاد عن الو�سطية‬ ‫واخل��روج عن امل��أل��وف‪ ،‬وجت��اوز احل��د والبعد عما‬ ‫عليه اجلماعة‪ ،‬والتطرف يعني‪ :‬جتاوز االعتدال‬ ‫يف العقيدة والفكر وال�سلوك‪.‬‬ ‫�أما التطرف كفعل فيعني جتاوز حد االعتدال‬ ‫واحل����دود املعقولة يف الأف��ك��ار وامل��ب��ال��غ��ة فيها‪،‬‬ ‫والتطرف كم�صطلح يعني املغاالت ال�سيا�سية �أو‬ ‫الدينية �أو املذهبية �أو الفكرية‪ ،‬وه��و �أ�سلوب‬ ‫خطري مدمر للفرد واجلماعة‪ ،‬والغلو هو �أعلى‬ ‫مراتب الإفراط يف ال�شيء‪� ،‬أما التطرف الذي يعني‬ ‫االنحياز �إلى طريف الأمر‪ ،‬في�شمل الغلو‪ ،‬لكن الغلو‬ ‫�أخ�ص منه يف الزيادة واملجاوزة‪.‬‬ ‫وب�شكل ع��ام فيمكن ال��ق��ول‪� ،‬إن ال��ت��ط��رف هو‬ ‫اخل��روج عن القيم واملعايري والعادات ال�شائعة يف‬ ‫املجتمع‪ ،‬وتبني قيم ومعايري خمالفة لها‪� ،‬أو اتخاذ‬ ‫الفرد (�أو اجلماعة) موقف ًا مت�شدد ًا جتاه فكر �أو‬ ‫وبناء عليه‬ ‫�أيديولوجيا �سيا�سية �أو عقيدة دينية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ف�إن هناك جملة من الأ�سباب تقود للتطرف‪ ،‬من‬ ‫�أهمها‪:‬‬ ‫�أ‌‪ .‬الظلم والتهمي�ش والإق�صاء واال�ستبداد‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬الأزم��ات وامل�شاكل ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬

‫ت‌‪ .‬التخلف واجلهل والأمية والفقر والف�ساد‪.‬‬ ‫ومن املمكن القول‪� ،‬إن اال�ستبداد ب�شقيه الداخلي‬ ‫واخلارجي هو �أح��د الأ�سباب امل�س�ؤولة عن بروز‬ ‫ظاهرة التطرف يف املجتمعات والتي تقود �إلى‬ ‫ا�ستخدامات العنف والإرهاب‪� ،‬أما مظاهر التطرف‬ ‫فهي‪:‬‬ ‫‪ .1‬التع�صب ل��ل��ر�أي ال يعرتف ب��ر�أي الآخ��ري��ن‪،‬‬ ‫ورف�ض ر�أي الآخرين‪ ،‬وي�ؤ�شر ذلك �إلى جمود‬ ‫املتع�صب مما ال ي�سمح له بر�ؤية مقا�صد ال�شرع‬ ‫وال ظروف الع�صر وال يعطي لنف�سه الدور يف‬ ‫حماورة الآخرين‪ ،‬فاملتطرف يرى نف�سه دائم ًا‬ ‫على حق‪ ،‬و�أنه حمتكر للحقيقة‪.‬‬ ‫‪ .2‬الت�شدد والغلو يف الر�أي‪ ،‬وحما�سبة الآخرين‬ ‫على اجلزئيات والفروع واحلكم على الآخرين‬ ‫�أحيان ًا بالكفر �أو الإحلاد‪.‬‬ ‫‪� .3‬سوء الظن بالآخرين والنظر �إليهم بنظرة‬ ‫ت�شا�ؤمية ال ترى �أفعالهم احل�سنة‪ ،‬فالأ�صل‬ ‫هو االتهام والإدانة والإزدراء بالآخرين‪.‬‬ ‫‪ .4‬الو�صول �إلى نقطة املدى الأخ�ير يف التطرف‬ ‫من خالل ا�ستباحة دماء و�أم��وال و�أعرا�ض‬ ‫الآخرين بحكم اخلروج عن الدين �أو املذهب‬ ‫�أو اتهامهم بالكفر والإحلاد‪.‬‬ ‫وعليه ف�إن التطرف حالة من اجلمود والتحجر‬


‫واالنغالق العقلي وتعطيل القدرات الذهنية عن‬ ‫الإب���داع واالبتكار وع��ن �إيجاد احللول للم�شاكل‪،‬‬ ‫ورف�ض الآخ��ر‪ ،‬وعدم قبول التعددية الفكرية �أو‬ ‫ال�سيا�سية واحتكار احلقيقة‪ ،‬و�إن انت�شار التطرف‬ ‫�سيكون م��ه��دد ًا للمجتمع (ال���دول���ة) بالتفكك‬ ‫واالنهيار‪.‬‬ ‫دور م�ؤ�س�سات املجتمع املدين يف حماربة التطرف‬ ‫تعرف م�ؤ�س�سات املجتمع املدين ب�أنها عبارة عن‬ ‫تنظيمات غري حكومية (�أهلية) متلأ املجال العام‬ ‫بني الأ���س��رة‪ ،‬وال��دول��ة‪ ،‬وال�سوق‪ ،‬وتن�ش�أ ب��الإرادة‬ ‫احلرة الطوعية لأ�صحابها من �أجل ق�ضية �أو م�صلحة‬ ‫�أو للتعبري عن م�شاعر معينة ملتزمة بقيم الرتا�ضي‬ ‫والت�سامح والإرادة ال�سلمية وم�ستقلة عن ال�سلطة‬ ‫ال�سيا�سية (احلكومة)‪ ،‬وتقا�س ه��ذه التنظيمات‬ ‫مب��دى ا�ستقالليتها ع��ن ال�سلطة ال�سيا�سية‪� ،‬أم��ا‬ ‫تعريف البنك الدويل مل�ؤ�س�سات املجتمع املدين في�شري‬ ‫�إلى جمموعة وا�سعة من النطاق من املنظمات غري‬ ‫احلكومية (‪ )NGO‬واملنظمات غري الربحية التي‬ ‫لها وجود يف احلياة العامة‪ ،‬وتنه�ض بعبء التعبري‬ ‫عن اهتمامات وقيم �أع�ضائها �أو الآخرين ا�ستناد ًا‬ ‫�إلى اعتبارات �أخالقية �أو ثقافية �أو �سيا�سية �أو‬ ‫علمية �أو دينية �أو خريية‪.‬‬ ‫ومن �أهم ال�سمات التي متتاز بها هذه املنظمات‬ ‫القدرة على التكيف‪� ،‬إذ �إنها متتلك القدرة القانونية‬

‫والتنظيمية ب�شكل ميكّنها من التكيف مع املتغريات‬ ‫يف البيئة التي تعمل بها‪ ،‬كذلك اال�ستقالل بالر�أي‬ ‫والقرار عن ال�سلطة ال�سيا�سية‪ ،‬وهي لي�ست تابعة‬ ‫جلهة حكومية وال تكون خا�ضعة لغريها من املنظمات‬ ‫وامل�ؤ�س�سات‪ ،‬ناهيك عن التجان�س‪ ،‬حيث تعمل وفق‬ ‫منظومة متكاملة وبرامج مدرو�سة وب�شكل توافقي‪،‬‬ ‫مم��ا ال ي����ؤدي �إل���ى ���ص��راع��ات واخ��ت�لاف��ات داخ��ل‬ ‫امل�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫وعليه ف ��إن م�ؤ�س�سات املجتمع امل��دين متنوعة‬ ‫ومتعددة يف �أنواعها و�أهدافها‪ ،‬ومنها على �سبيل‬ ‫املثال ما ي�أتي‪:‬‬ ‫ النقابات املهنية على خمتلف �أنواعها وقطاعاتها‪.‬‬‫ النقابات العمالية‪.‬‬‫ احلركات االجتماعية‪.‬‬‫ اجلمعيات الأهلية واخلريية‪.‬‬‫ اجلمعيات التعاونية‪.‬‬‫ النوادي الريا�ضية‪.‬‬‫ النوادي الثقافية واالجتماعية‪.‬‬‫ نوادي هيئات التدري�س يف اجلامعات‪.‬‬‫ نقابات املعلمني‪.‬‬‫ املراكز ال�شبابية واالحتادات الطالبية‪.‬‬‫‪ -‬الغرف ال�صناعية والتجارية‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪39‬‬


‫‪40‬‬

‫ جماعات رجال الأعمال‪.‬‬‫ مراكز البحوث والدرا�سات‪.‬‬‫ مراكز حقوق الإن�سان‪ ،‬واملر�أة‪ ،‬والطفولة والبيئة‬‫واملراكز التنموية‪ ،‬و�إلى غري ذلك من م�ؤ�س�سات‬ ‫ومنظمات‪.‬‬ ‫وميكن النظر �إل��ى ه��ذه املنظمات وامل�ؤ�س�سات‬ ‫ب�أنها تعبري عن ر�سالة اجتماعية �سيا�سية من القيم‬ ‫والأف��ك��ار واملمار�سات التطوعية واخلريية وحب‬ ‫الب�شرية والتعا�ضد املتبادل الهادف لبناء الأ�س�س‬ ‫والبنى التحتية ملجتمع مدين متح�ضر يقوم على‬ ‫مبادئ التطوعية واال�ستقالل الذاتي واملواطنة‬ ‫الفعالة وامل�شاركة القائمة على التوفيق بني امل�صالح‬ ‫اخلا�صة املتباينة من �أج��ل ال�صالح العام وقبول‬ ‫االختالف والتنوع؛ ما يقود �إل��ى جتويد وحت�سني‬ ‫ر�أ�س املال االجتماعي باجتاه �إع��ادة هيكلة البنى‬ ‫والبيئة االجتماعية ل�صالح التعددية والعلنية‬ ‫واالعتدال والت�سامح والتعامل ال�سلمي‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إن منظمات املجتمع املدين تلعب دور ًا‬ ‫فاع ًال يف عمليات التن�شئة االجتماعية وال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وهي �إحدى الو�سائل الرئي�سة يف هذا املجال‪ ،‬وميكن‬ ‫لنا �إيجاز الأدوار التي تقوم بها منظمات املجتمع‬ ‫املدين يف مكافحة التطرف والغلو ومن خالل ما يلي‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬حتقيق النظام واالن�ضباط يف املجتمع‪� ،‬إذ‬ ‫�إن هذه املنظمات لي�ست تطرفية �أو موجهة‪ ،‬والأ�صل‬ ‫فيها احل��ي��اد واحل��ي��ادي��ة يف العمل والإج����راءات‬ ‫املتعلقة بتلك املنظمات‪ ،‬وت�شكل �أداة رقابية على‬ ‫�سلطات احلكومة و�ضبط �سلوك الأفراد واجلماعات‬ ‫جتاه بع�ضهم البع�ض‪ ،‬ومن املعروف �أن كل منظمة‬ ‫لها جملة من القواعد (النظام الداخلي) بخ�صو�ص‬ ‫احلقوق والواجبات امللقاة على عاتق الفرد املن�ضوي‬ ‫حتت مظلتها كع�ضو فيها‪ ،‬وبع�ض املنظمات تلزم‬ ‫الأع�ضاء بالقواعد والأ�س�س و�أحيان ًا تكون �شرط ًا‬ ‫لقبولهم يف الع�ضوية‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬عمليات التن�شئة االجتماعية وال�سيا�سية‪،‬‬ ‫حيث �أن ه��ذا ال���دور م��ن �أه��م الأدوار التي تقوم‬ ‫بها منظمات املجتمع امل���دين م��ن القيم وامل��ب��ادئ‬ ‫ب�ين الأف���راد الأع�����ض��اء وغ�ير الأع�����ض��اء م��ن خالل‬

‫الن�شاطات املختلفة التي تقوم بها‪ ،‬ناهيك عن خلق‬ ‫القيم املثالية واالنتماء والوالء والتعاون والت�ضامن‬ ‫والقدرة على حتمل امل�س�ؤولية وتنقل هذه القيم‬ ‫لبقية �أفراد املجتمع بو�سائل متعددة‪ ،‬وت�سعى هذه‬ ‫املنظمات �إلى تعزيز روح املبادرة بني الأف��راد؛ ما‬ ‫يقود �إلى طرح وابتكار مقرتحات خالقة تعزز بناء‬ ‫قدرات املجتمع ب�صورة كلية‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إل��ى ق��درة هذه امل�ؤ�س�سات على احرتام‬ ‫حرية الفرد واملجموعات‪� ،‬إذ ال يتغول عليها �أحد‬ ‫ب�سبب معتقده‪� ،‬أو مذهبه‪ ،‬وه��ذا معيار �أ�سا�سي يف‬ ‫تكوين منظمات املجتمع امل��دين‪ ،‬حيث تعمل على‬ ‫حماية الفرد ومعتقده ومتثل مظلة قانونية للجميع‪،‬‬ ‫وهي �أي�ض ًا حامية للآخر ال مكان فيها للعن�صرية‪،‬‬ ‫والتطرف‪ ،‬والغلو‪ ،‬وال مكان فيها للإق�صاء والتهمي�ش‬ ‫للآخرين‪ ،‬وي�ضاف �إلى ذلك احرتام حقوق الإن�سان‬ ‫ال�سيا�سية واملدنية قو ًال وفع ًال من حيث دعم وتعزيز‬ ‫حقوق الفرد الأ�سا�سية وال�سيا�سية والثقافية‬ ‫واالقت�صادية بغ�ض النظر عن جن�سه‪� ،‬أو عرقه‪،‬‬ ‫�أو دينه‪� ،‬أو معتقده ال�سيا�سي‪� ،‬أو مذهبه‪ ،‬فهي تلعب‬ ‫دور ًا �أ�سا�سي ًا يف حماية احلريات العامة وحقوق‬ ‫املواطنني‪ ،‬وبالتايل ال جمال فيها للتطرف والغلو‬ ‫لأن من �أهم �أ�سا�سياتها هو معيار االعتدال والتوازن‪،‬‬ ‫وت�ساهم �أي�ض ًا يف عملية ن�شر الوعي والثقافة‬ ‫املتوازنة املعتدلة من �أجل �ضمان حريات وحقوق‬ ‫املواطنني و�إعالء مبادئ امل�ساواة و�إر�ساء العدل يف‬ ‫الواجبات‪ ،‬وهذا بحد ذاته يكفل للدولة والوطن‬ ‫م�ستويات عالية من الأمن واال�ستقرار‪.‬‬ ‫�إن وجود م�ؤ�س�سات ومنظمات جمتمع مدين فاعلة‬ ‫ت�سهم يف تو�سيع قاعدة امل�شاركة ال�سيا�سية‪ ،‬وتعميق‬ ‫م�ستويات الدميقراطية وتعميق امل�شاركة املجتمعية‬ ‫على �أ�س�س قانونية وم�شروعة‪ ،‬وهذا بحد ذاته دور‬ ‫مهم يف عملية التن�شئة التي تقوم بها هذه امل�ؤ�س�سات‬ ‫يف بناء جمتمع واعٍ �سيا�سي ًا ودميقراطي ًا‪� ،‬إذ ميار�س‬ ‫فيه كل فرد حقوقه وحرياته دون االعتداء على‬ ‫الآخرين والكيان ال�سيا�سي للدولة‪.‬‬


‫دراسات‬

‫الجودة‬ ‫الشاملة‬ ‫في الفكر‬ ‫اإلسالمي‬

‫دكتور سهم سامي المجالي‬

‫(‪)1‬‬

‫األردن‬ ‫‪ -1‬ماهية مفهوم اجل���ودة‪ :‬تتعدد وتتباين‬ ‫العمل ‪ ،‬ومتوافقه مع متطلبات الزبون والذي‬ ‫يكون قد قام يف و�ضع هذه املتطلبات جلودة‬ ‫تعاريف اجل��ودة ‪،‬اال انه ال يوجد تعريف �شامل‬ ‫ال�سلعه واخلدمات التي يح�صل عليها ‪،‬وبهذا‬ ‫لها ‪،‬امنا ت�شرتك جميع التعاريف بانها تركزعلى‬ ‫ال�صدد يكون ال�سعر‪،‬وموعد الت�سليم يف املوعد‬ ‫اظهار �سمة او اك�ثر من �سمات اجل��ودة‪ ،‬وهنا ال‬ ‫املحدد ‪ ،‬و�سهولة ال�صيانة وح�صول امل�صنع على‬ ‫بد من بيان معنى اجلودة يف ا�صل اللغة‪ :‬فاجليد‬ ‫اجلزاء التي تدخل يف �صناعة ال�سلع �أو تقدمي‬ ‫نقي�ض ال��رديء‪ ،‬و�أج��اد ات��ى باجليد من قول �أو‬ ‫اخلدمة ‪ ،‬عنا�صر مهمة ت�ؤثر على الزبون يف‬ ‫ال�شي �صيرّ ه جيدا” و�أجود �أتى‬ ‫عمل ‪ ،‬ويقال �أجاد ْ‬ ‫اختياره منتجا �أو خدمة حمددة ‪�،‬أي القدرة‬ ‫باجليد من القول والعمل ‪.‬‬ ‫على تقدمي اف�ضل �أداء وا�صدق �صفات ‪.‬‬ ‫�أما اجلودة يف علم االادارة ف�أن اهم التعاريف‬ ‫التي اوردها الباحثون واملهتمون مبو�ضوع اجلودة ﺠ ‪ -‬املطابقة مع متطلبات العميل(كرو�سبي) ‪:‬‬ ‫بناءا على هذا التعريف فان جودة اخلدمه‬ ‫كما يلي‪:‬‬ ‫او املنتج يتم �إذا كان املنتج �أو اخلدمة ي�شبع‬ ‫‪ -1‬درجة التف�ضيل ‪ :‬فاجلودة تعني ملعظم النا�س‬ ‫كل املتطلبات املحددة من قبل الزبائن �سواء‬ ‫التف�ضيل ‪ ، Superlative‬اي ان اجلوده و�ضمن‬ ‫ح��ددت يف عقد ال�شراء �أو ح��ددت مبوجب‬ ‫هذا التعريف تعترب مرادفه للرفاهيه والتميز‬ ‫املوا�صفات املعلنة واملحددة �أوحددت مبوجب‬ ‫وتعد جودة املنتوجات متاحة للقادرين على‬ ‫قانون �أوغ�ير ذلك‪.‬و�ضمن نظام اجل��ودة يف‬ ‫الدفع ‪.‬‬ ‫املنظمات ف����أن املتطلبات حت��دد م��ن خالل‬ ‫ب‪ -‬امل�لاءم��ة لال�ستخدام(جوران)‪� :‬ضمن هذا‬ ‫الوثائق‪ .‬ف�إذا ت�ضمن العقد بني املجهز والزبون‬ ‫التعريففاناجلودةتعنياملطابقة لال�ستعمال‪،‬‬ ‫مطابقة وثائق نظام اجلودة ‪ ،‬ف�أن متطلبات‬ ‫بحيث تكون حمققة لالمان للعاملني عند اداء‬ ‫النظام ت�صبح هي متطلبات ال��زب��ون‪،‬و�أك��د‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪41‬‬


‫كرو�سبي ب�أنها تن�ش�أ من الوقاية ‪Preventative‬‬ ‫ولي�س من الت�صيحيح ‪ Corrective‬وب�أنة ميكن‬

‫‪42‬‬

‫قيا�س مدى حتقيق اجلودة من خالل كلف عدم‬ ‫املطابقة‪.‬‬ ‫د ‪ -‬عرفت اجلمعية االمريكية ل�ضبط اجل��ودة‬ ‫(‪ )ASQC‬واملنظمة االوربية ل�ضبط اجلودة‬ ‫(‪ )EOQC‬اجل��ودة ‪ :‬ب�أنها “املجموع الكلي‬ ‫للمزايا واخل�صائ�ص التي ت�ؤثر يف قدرة املنتج‬ ‫�أو اخلدمة على تلبية حاجات معينة " ‪.‬‬ ‫عرف اجلودة‬ ‫هـ ‪ -‬املهند�س الياباين (تاكو�شي) ّ‬ ‫ب�أنها “تعبري عن مقدار اخل�سارة التي ميكن‬ ‫تفاديها والتي قد ي�سببها املنتج للمجتمع‬ ‫بعد ت�سليمه"‪ ،‬ويت�ضمن ذلك الف�شل يف تلبية‬ ‫توقعات الزبون ‪ ،‬والف�شل يف تلبية خ�صائ�ص‬ ‫االداء‪ ،‬وال��ت��أث�يرات اجلانبية الناجمة عن‬ ‫املجتمع كالتلوث وال�ضجيج وغريها ‪.‬‬ ‫وهنا ف�أنني اتفق مع الآراء التي ت�ؤكد بان‬ ‫هناك معنيني للجودة ‪:‬‬ ‫ املعنى االول مادي‪ ،‬وهنا يكون م�ؤ�شرات قيا�س‬‫معتمدة عاملية‪ ،‬مثل ن�سبة وف��ي��ات ح��وادث‬ ‫املرور لكل ‪ 100,000‬ن�سمه من ال�سكان ‪.‬‬ ‫ املعنى الثاين ح�سي‪ ،‬وهو يركز على م�شاعر‬‫متلقي اخلدمة او ال�سلعة واحا�سي�سه‪،‬اي ما‬ ‫هو م�ستوى ر�ضى وقناعة متلقي اخلدمة او‬ ‫ال�سلعة عن م�ستوى جودة اخلدمة او ال�سلعة‬ ‫املقدمة له‪.‬‬ ‫‪ -2‬تاريخ اجلودة ‪:‬‬ ‫ك��ان امل�����ص��ري��ون ال��ق��دم��اء م��ن اول م��ن عرف‬ ‫قيم اجل��ودة وح�ساب االبعاد الن�سبية ومتثيلها‬ ‫ب��دق��ة‪،‬ح��ي��ث ان ال��ت��ف��اوت يف ط��ول اي �ضلع من‬ ‫ا�ضالع الهرم االك�بر يف اجليزة مل يتعد ‪0.005‬‬ ‫من متو�سط اط��وال اال���ض�لاع‪،‬ال��ذي يبلغ حوايل‬ ‫‪ 36.230‬م�ت�را‪،‬وه���ذه دق���ة ك��ب�يرة مب��ا يتعلق‬ ‫باحلجم الكلي للهرم‪ ،‬كذلك يرجع تاريخ اجلودة‬ ‫ال��ى ق��ان��ون ح��م��وراب��ي ملك ب��اب��ل‪،‬ال��ذي يحتوي‬ ‫ع��ل��ى �أق����دم ال��ق��واع��د ال��ق��ان��ون��ي��ة ال��ت��ى عرفها‬ ‫االن�سان‪،‬حيث ت�ضمنت تكاليف اخلدمات املقدمة‬ ‫ور�سومها‪،‬واالن�سان ال��ذي ي��زور متحف اللوفر يف‬ ‫باري�س يقر�أ هناك الئحة �ضخمة حتتوي على‬ ‫اقدم الئحة جزاءات حلاالت االهمال والق�صور يف‬ ‫الأداء‪.‬‬ ‫ويف ظل الدولة العربية اال�سالمية عرف الب�شر‬ ‫قواعد قانونية و�أ�س�سا �صحيحة ار�سى دعائمها‬

‫ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي‪ ،‬وال�سنة النبوية‪ ،‬واملمار�سات‬ ‫العملية للفقهاء‪ ،‬م��ن اج��ل بناء جمتمع ق��وي‪،‬‬ ‫مر�صو�ص البنيان ‪ ،‬وعند النظر الى اكرث مبادئ‬ ‫اجل��ودة يجد انها م�ستعارة من تعاليم اال�سالم‬ ‫‪،‬وال��ت��ي اخ��ذت بها ال�سنةالنبوية‪ ،‬وال�صحابة‪،‬‬ ‫والتابعون من اويل العلم والف�ضيلة‪ ،‬وت�شتمل‬ ‫هذه املبادي على حرية االن�سان واحرتام العلم‪،‬‬ ‫وال�شورى يف ات��خ��اذ ال��ق��رارات ومعاجلة االم��ور‬ ‫ب�شكل عام ‪،‬وحتقيق العدالة وامل�ساواة باال�ضافة‬ ‫الى التعاون والت�ضامن بني االفراد‪.‬‬ ‫بعد ذلك جاءت م�ساهمات احل�ضارة الغربية‬ ‫وال��ت��ي رك���زت ع��ل��ى روح املناف�سة ب�ين امل�صانع‬ ‫وال�شركات ‪,‬وا�ستخدام اال�ساليب والطرق اجلديدة‬ ‫لتح�سني م�ستوى االداء‪.‬‬ ‫وا�ستمرت م�سرية تطوير مفاهيم و�آل��ي��ات‬ ‫اجلودة يف القرن الع�شرين ومن ثم القرن الواحد‬ ‫والع�شرين‪ ،‬حيث ظهر علم توكيد اجلودة وظهور‬ ‫عدد من علماء اجلودة مثل “�شيوارت ‪،“Shewart‬‬ ‫وادوارد دمينج “‪ ”Edward DEMING‬وغريهم‪.‬‬ ‫وب���رزت حلقات اجل���ودة وا���س��ت��خ��دام اال�ساليب‬ ‫النظرية االح�صائية ‪،‬وظهرت بعد ذل��ك ادارة‬ ‫اجلودة ال�شاملة وادواتها ثم معايري االيزو‪ISO‬‬ ‫بجميع ا�شكالها و���ص��وال ال��ى ‪� 6‬سيجما ومعايري‬ ‫وجوائز التميز ‪.‬‬ ‫‪ -3‬ماهية مفهوم ادارة اجلوده ال�شاملة‪.‬‬ ‫تعد �إدارة اجل���ودة ال�شاملة منهجا علميا‬ ‫متكامال‪ ،‬وهي احد االنظمة االدارية احلديثة يف‬ ‫االداره التي تهدف الى تطوير االداء يف املنظمات‬ ‫بهدف حت�سني ج��ودة املنتج او اخلدمة ‪ ،‬ومتثل‬ ‫�إدارة اجلودة ال�شاملة �أ�سلوبا يتميز بال�شمولية‬ ‫حيث انها ت�شمل كافة اج��زاء املنظمه‪ ،‬وتعتمد‬ ‫على م�ساهمة جميع �أفراد املنظمة لتحقيق النجاح‬ ‫طويل املدى من خالل حتقيق ر�ضا الزبون وحتقيق‬ ‫املنافع جلميع �أفرادها وللمجتمع‪.‬‬ ‫اذن ميكن تعريف ادارة اجلودة ال�شاملة على‬ ‫انها ممار�سة العمليات االدارية يف املنظمات با�سلوب‬ ‫علمي متطور من خالل اجراء املراجعة امل�ستمرة‬ ‫والتح�سينات لهذه العمليات وب�شكل ي�ضمن عدم‬ ‫وجود اخطاء او عيوب‪ ،‬وذلك لالرتقاء يف م�ستوى‬ ‫ج��ودة املنتج اواخل��دم��ة‪ ،‬بغية ار���ض��اء وحتقيق‬ ‫متطلبات ورغبات متلقي اخلدمة على ان ي�شارك‬ ‫جميع العاملني باملنظمة يف حتقيق ذلك وان ت�شمل‬ ‫جميع ن�شاطات العمل‪.‬‬


‫‪� -4‬أهمية �إدارة اجلودة ال�شاملة ‪.‬‬ ‫‪� -1‬أ�صبحت اجل���ودة ال�شاملة م��ن امل��رت��ك��زات‬ ‫اال���س��ا���س��ي��ة ل��ن��ج��اح امل��ن��ظ��م��ات وه���ي و�سيلة‬ ‫قوية لتحقيق ر�ضا املتعاملني وحت�سني املنتج‬ ‫وتخفي�ض التكاليف وحتقيق الربح‪ ،‬وهذا ما‬ ‫اثبتته جتارب العديد من ال�شركات وخ�صو�صا‬ ‫يف اليابان بوجود عالقة قوية بني تعميق‬ ‫فل�سفة اجل���ودة ال�شاملة وزي����ادة ارباحها‬ ‫وو�ضعها التناف�سي يف ال�سوق ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ادى ظهور العديد من الظواهر ال�سلبية يف‬ ‫املنظمات ال��ى تبني �إدارة اجل��ودة ال�شاملة‬ ‫واعتبارها �ضرورة ملحة ل�ل��إدارة‪ ،‬ومن �أهم‬ ‫هذه الظواهر ‪:‬‬ ‫‪ -1‬زيادة الوقت املقرر للعمليات ‪.‬‬ ‫‪ -2‬زيادة حدة املناف�سة بني ال�شركات‪.‬‬ ‫‪3‬ـ‪ -‬زيادة عدد �شكاوى العمالء ‪.‬‬ ‫‪ -4‬اجتاه العاملني ذوي اخلربة لرتك املنظمات ‪.‬‬ ‫‪ -5‬انتقال التناف�س من ال�صعيد املحلي الى ال�صعيد‬ ‫العاملي ‪.‬‬ ‫ج‪ -‬ان تبني منهجية ادارة اجل��وده ال�شامله يف‬ ‫املنظمات يربز �أهمية “�إدارة اجلودة ال�شاملة”‬ ‫بانها ت�ؤدي �إلى حتقيق الفوائد التالية‬ ‫‪ -1‬تلبية متطلبات الزبائن من خالل الرتكيز على‬ ‫حاجات متلقي اخلدمة واال�سواق‪.‬‬ ‫‪ -2‬حت��ق��ي��ق ج����ودة ع��ال��ي��ة يف ج��م��ي��ع امل��واق��ع‬ ‫الوظيفية ون�شاطات املنظمة وعدم اخت�صارها‬ ‫على ال�سلع واخلدمات ‪.‬‬ ‫‪ -3‬جتويد وتعديل عدد من االجراءات ال�ضرورية‬ ‫واملهمه الجناز االداء بجودة عالية‪.‬‬ ‫‪ -4‬التقييم امل�ستمر للعمليات وا�ستبعاد الفعاليات‬ ‫الثانوية يف �إنتاج ال�سلع وتقدمي اخلدمات ‪.‬‬ ‫‪ -5‬متابعة امل�شاريع للجميع وتقييمها للتحقق من‬ ‫حاجة امل�شاريع للتح�سني وتطوير مقايي�س‬ ‫االداء ‪.‬‬ ‫‪ -6‬خلق فر�ص العمل �سعيا لتطوير نهج الفريق‬ ‫حلل امل�شاكل وحت�سني العمليات‪.‬‬ ‫‪ -7‬تطوير اال�سرتاتيجية التناف�سية والفهم‬ ‫الكامل والتف�صيلي للمناف�سني لتطوير عمل‬ ‫املنظمة ‪.‬‬ ‫‪ -8‬خلق وتطوير منظومة ات�صال ت�ساعد يف اجناز‬

‫العمل ب�صورة جيدة ومتميزة‪.‬‬ ‫‪ -9‬تطوير ا�سرتاتيجية التح�سني امل�ستمر من‬ ‫خالل املراجعة امل�ستمرة ل�سري العمليات ‪.‬‬ ‫‪ -5‬اجلودة يف اال�سالم‪.‬‬ ‫ُي َع ُّد الإ�سالم منهاج ًا متكام ًال يف الإ�صالح‬ ‫وال�ترب��ي��ة وال��ت��غ��ي�ير‪ ،‬وه���و ���ش��ام��ل ل��ك��ل ج��وان��ب‬ ‫احلياة‪ ،‬ولكل اهتمامات الإن�سان يف ذات الوقت‪،‬‬ ‫ومفهوم اجل��ودة موجود يف كل تعاليم الإ�سالم‬ ‫بكل م�ضامينه ‪ ،‬وهو مطلب لإر�ضاء اهلل عز وجل‪،‬‬ ‫و�إر���ض��اء الآخ��ري��ن ‪ ،‬ومفهوم اجل��ودة يف الإ�سالم‬ ‫فرع من منظومة القيم الإ�سالمية املتميزة ويعرب‬ ‫عنها بالدقة والإتقان واالح�سان يف كافّة جوانب‬ ‫احلياة‪ ،‬وقد وردت العديد من الن�صو�ص القر�آنية‬ ‫والأح��ادي��ث النبوية ال�شريفة املعربة عن هذه‬ ‫املفاهيم يف مواطن كثرية و�أل��ف��اظ عديدة ومن‬ ‫هذه الن�صو�ص قوله تعالى } َو�أَ ْن� ِف� ُق��وا فيِ َ�س ِبيلِ‬ ‫اللهَّ ِ َو اَل ُت ْلقُوا ِب�أَ ْي ِديك ُْم �إِ َل��ى ال َّت ْه ُلك َِة َو�أَ ْح ِ�سنُوا‬ ‫ني {(البقرة ‪ ،)195‬وقولة‬ ‫�إ َِّن اللهَّ َ ُي ِح ُّب المْ ُْح ِ�س ِن َ‬ ‫اع َملُوا ف َ​َ�سيرَ َ ى اللهَّ ُ َع َم َلك ُْم َو َر ُ�سول ُ​ُه‬ ‫تعالى } َو ُقلِ ْ‬ ‫ُون{(التوبة ‪،)105‬ك��م��ا ورد يف احلديث‬ ‫َوالمْ ُ�ؤْ ِمن َ‬ ‫ال�شريف ‪�( :‬إن اهلل كتب الإح�سان يف كل �شيء) ‪،‬‬ ‫وقوله (�إن اهلل تعالى ‪:‬يحب من العامل �إذا عمل‬ ‫�أن يح�سن) ‪،‬ومفهوم الإح�سان مفهوم وا�سع ويعني‪:‬‬ ‫“فعل الإن�سان ما ينفع غريه بحيث ي�صري الغري‬ ‫ح�سن ًا به ‪�،‬أو ي�صري الفاعل به ح�سن ًا بنف�سه “ ‪� ،‬إن‬ ‫الإح�سان يقت�ضي من امل�سلم �إتقان العمل املنوط‬ ‫به �إتقان من يعلم علم اليقني �أن اهلل عز وجل‬ ‫ناظر �إليه مطلع على عمله ‪ ،‬وبهذا الإتقان تنه�ض‬ ‫الأمم وترقى املجتمعات‪ ،‬ومن هذه الن�صو�ص قول‬ ‫الر�سول ‪�( :‬إن اهلل تعالى يحب �إذا عمل �أحدكم‬ ‫عم ًال �أن يتقنه) ‪.‬‬ ‫�أ‪ -‬مفهوم اجلودة يف الإ�سالم ‪:‬‬ ‫هي املوا�صفات واخل�صائ�ص املتوقعة يف املنتج‬ ‫ويف العمليات والأن�شطة واخلدمة التي من خاللها‬ ‫يتحقق ر�ضا رب العاملني �أو ًال ‪،‬وبالتايل يتحقق ر�ضا‬ ‫االن�سان ‪،‬وحتقيق تلك املوا�صفات واخل�صائ�ص‬ ‫ت�ساهم يف ر���ض��ا و�إ���ش��ب��اع رغ��ب��ات امل�ستفيدين‪،‬‬ ‫وتت�ضمن ال�سعر‪،‬والأمان‪،‬والتوفر‪ ،‬واملوثوقية‪،‬‬ ‫واالعتمادية ‪،‬وقابلية اال�ستعمال ‪.‬‬ ‫ويتحقيق كذلك ر�ضا رب العاملني بتحقيق العمل‬ ‫ال�صالح بجميع �أب��ع��اده الدينية واالجتماعية‬ ‫والكونية‪ ،‬وبتحقيق النية ال�صاحلة يف العمل‬ ‫‪،‬ومطابقة العمل لل�سنة‪ ،‬ومت��ام العمل ووفائه‪،‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪43‬‬


‫‪44‬‬

‫وال�صدق يف �أداء العمل والإخال�ص فيه ‪،‬واملجاهدة‪،‬‬ ‫واال�ستمرارية فيه ومراقبة اهلل يف العمل‪ ،‬والتي‬ ‫ت�ستوجب الرقابة الذاتية يف العمل وتقييم‬ ‫جودته‪ .‬فتحقيق ر�ضا رب العاملني �سبيل لتحقيق‬ ‫ر�ضا امل�ستفيدين ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬جماالت اهتمام الإ�سالم باجلودة‪:‬‬ ‫‪ .1‬يف جمال العمل‪ :‬دعا الإ�سالم �إلى �إتقان العمل‪،‬‬ ‫فمن ذلك قوله �صلى اهلل عليه و�سلّم‪َّ �( :‬إن َ‬ ‫اهلل‬ ‫كم اً‬ ‫عمل � ْأن ُيت ِقن َُه)‬ ‫تعالى ُي ِح ُّب �إذا عمِلَ � ُ‬ ‫أحد ْ‬ ‫[ح�سن] ‪،‬وهنا �أطلق الر�سول كلمة العمل‬ ‫بحيث تعني �أي عمل �سواء كان عم ًال ديني ًا �أو‬ ‫عم ًال اجتماعي ًا ‪�،‬أو عم ًال اقت�صاداًي ‪� ،‬أو عم ًال‬ ‫تربوي ًا ‪� ،‬أو عم ًال ع�سكرياً‪.‬‬ ‫‪ .2‬يف جم��ال التعليم‪ :‬اه��ت� ّ�م الإ���س�لام ب�إتقان‬ ‫التعليم‪ ،‬وح�سن الإفادة من العمل ّية التعليم ّية‪.‬‬ ‫‪ .3‬يف جم��ال الرتبية‪ :‬اهتم الإ���س�لام اهتمام ًا‬ ‫عظيم ًا بالرتبية وال��ت��زك��ي��ة‪ ،‬ق��ال تعالى‪:‬‬ ‫َ‬ ‫اها{‬ ‫اب َم ْن َد َّ�س َ‬ ‫}ق ْد �أَ ْفل َ​َح َم ْن َز َك َ‬ ‫ّاها‪َ ،‬و َق ْد خَ َ‬ ‫[ال�شم�س‪9 :‬ـ‪.]10‬‬ ‫‪ .4‬يف العالقات الزوج َّية‪ :‬اهتم الإ�سالم بوجود‬ ‫العدل واخلريية يف املعاملة‪ ،‬قال �صلى عليه‬ ‫ريكم‬ ‫ريكم لأه ِله و�أن��ا خ ُ‬ ‫ريكم خ ُ‬ ‫و�سلم‪( :‬خ ُ‬ ‫لأهلي) ح�سن �صحيح‪.‬‬ ‫اهتم الإ�سالم بح�سن تربية‬ ‫‪ .5‬يف تن�شئة الأبناء‪ّ :‬‬ ‫الأبناء‪ ،‬وب�ضرورة العدل بينهم يف املعاملة‪.‬‬ ‫‪ .6‬يف احلكم وال�سيا�سة‪ :‬حر�ص الإ�سالم على‬ ‫اجلودة لقوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬ك ُلّكم را ٍع‬ ‫ؤول عن رعي ِته‪ ،‬فالإما ُم را ٍع وهو م�س� ٌ‬ ‫وم�س� ٌ‬ ‫ؤول‬ ‫عن رعي ِته‪ ،‬والرجلُ يف �أه ِله را ٍع وهو م�س� ٌ‬ ‫ؤول‬ ‫عن رعي ِته‪ ،‬واملر�أ ُة يف ِ‬ ‫ٌ‬ ‫راعية‪ ،‬وهي‬ ‫بيت زوجِ ها‬ ‫ؤولة عن رعي ِتها‪ ،‬واخلاد ُم يف مالِ ِ‬ ‫م�س� ٌ‬ ‫�سيده را ٍع‬ ‫وهو م�س� ٌ‬ ‫ؤول عن رعي ِته) [�صحيح البخاري]‬ ‫‪ .7‬يف الأخ�لاق‪� :‬صرح �صلى اهلل عليه و�سلم � ّأن‬ ‫من �ضمن �أهداف بعثته‪ ،‬اجلوانب الأخالق ّية‪،‬‬ ‫عثت‬ ‫لقوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪ �( : ‬مَّإن���ا ُب ُ‬ ‫لأ ِ‬ ‫مت َّم مكار َم الأخالقِ ) [�صحيح]‬ ‫‪ .8‬يف العالقات الدولية‪ :‬بانتظامها على �أ�س�س من‬ ‫الأخالق والعدل وال�صدق‬ ‫اخلا�صة‬ ‫‪ .9‬يف البيع وال�شراء‪ :‬بو�ضع الأحكام‬ ‫َّ‬ ‫بذلك‪ ،‬ومبنع الغ�ش‪ ،‬والغنب والتغرير‬ ‫‪.10‬يف الق ّوة والإعداد‪ :‬جودة متناهية نلم�سها‬

‫����دوا َل ُهم َّما‬ ‫يف الإ���س�لام‪ ،‬ق��ال تعالى‪َ } :‬و�أَ ِع� ُّ‬ ‫ا�ستَطَ ْعتُم ِّمن ُق َّو ٍة َو ِمن ِّر َب ِ‬ ‫اط خْ َ‬ ‫ون‬ ‫ال ْيلِ ت ُْر ِه ُب َ‬ ‫ْ‬ ‫ب ِ​ِه َع ُد َّو هَّ ِ‬ ‫الل َو َع ُد َّوكُ ْم{ الأنفال‪]60:‬‬ ‫‪.11‬ميادين متنوعة‪ :‬حيث جند اهتمام الإ�سالم‬ ‫باجلودة والإح�سان والإتقان‪ ،‬فنجده تبنى‬ ‫ال�شورى ك��أح��د دع��ائ��م احل��ك��م‪ ،‬وك��ذل��ك يف‬ ‫عالقات امل�سلمني ببع�ضهم ب�شكل ع��ام‪ ،‬ورفع‬ ‫الإ�سالم �شعار التدقيق واملحا�سبة وال �س ّيما‬ ‫يف الأمور املال ّية‪ ،‬ودعا �إلى الإخال�ص يف �شتى‬ ‫الأمور‪ ،‬يف العمل‪ ،‬والقول‪ ،‬وحر�ص على حتقيق‬ ‫التكافل الإجتماعي م��ن خ�لال ع��دة �أم��ور‪،‬‬ ‫ومنها‪� : ‬إيجابية للعمل‪ ،‬وحثّه على التعاون‪،‬‬ ‫تعد ركيزة �أ�سا�س ّية يف‬ ‫ونظام ال�صدقات التي ّ‬ ‫حتقيق التكافل يف املجتمع‪.‬‬ ‫ج ‪� -‬آثار اجلودة على الفرد واملجتمع‬ ‫ طم�أنينة الفرد و�سعادته‬‫ نيل حم ّبة اهلل عز وجل‬‫ نيل حمبة النا�س‬‫ متا�سك املجتمع وازدهاره ورقيه يف �شتى‬‫جماالت احلياة‪.‬‬ ‫ ري��ادة الأ ّم��ة وعلو �ش�أنها‪ ،‬ورهبتها بني‬‫الأمم‪.‬‬ ‫ ت�شجيع القيم الإيجاب َّية وف�ضح القيم‬‫واملواقف ال�سلب َّية‪.‬‬ ‫ ثقة الفرد بنف�سه وب�شعبه و�أمته‪.‬‬‫ ثقة الأ ّمة ب�أبنائها‪ ،‬وحتقيق كفايتها بهم‬‫ اال�ستقرار الداخلي‪ ،‬وطيب العالقة بني‬‫احلاكم واملحكوم‬ ‫‪ -6‬مبادئ اجلودة ال�شاملة من منظور �إ�سالمي ‪:‬‬ ‫لقد تباينت �آراء الباحثني والكتاب يف مو�ضوع‬ ‫اجل���ودة يف حت��دي��د امل��ب��ادئ ال��ت��ي ت�ستند �إليها‬ ‫اجلودة‪،‬بحيث ت��ورد بع�ض امل��ب��ادئ كمتطلب ‪�،‬أو‬ ‫يذكر املتطلب كمبد�أ لإدارة اجلودة ال�شاملة �إال �أن‬ ‫هناك بع�ض املبادئ التي �أتفق عليها ‪ ،‬وعند النظر‬ ‫يف هذه املبادئ جند �أن لها �أ�صو ًال �إ�سالمية وا�ضحة‬ ‫تربز من خالل بع�ض الآيات القر�آنية ‪ ،‬والأحاديث‬ ‫النبوية ال�شريفة ‪ ،‬والتطبيقات الفعلية التي وردت‬ ‫يف �سرية امل�صطفى �صلى اهلل علية و�سلم‪ ،‬وتتلخ�ص‬ ‫هذه املبادئ فيما يلي‪:‬‬


‫‪ -1‬التخطيط اال�سرتاتيجي (و�ضوح �أهداف‬ ‫امل�ؤ�س�سة ور�سالتها) ‪:‬‬ ‫�إن ر�سم خطة �شاملة تعتمد على و�ضع ر�ؤية‬ ‫م�ستقبلية وا�ضحة وحمددة ور�سالة حتدد معامل‬ ‫الطريق و�أه��داف وا�سعة وبعيدة امل��دى �سيمكن‬ ‫من �صياغة اال�سرتاتيجية ‪ ،‬ومن ثم ت�سهل و�ضع‬ ‫ال�سيا�سات والربامج يف �ضوء حتليل معمق للبيئة‬ ‫الداخلية واخلارجية للمنظمة ‪ .‬وتعرف �أهداف‬ ‫امل�ؤ�س�سة ور�سالتها ب�أنها‪ :‬الغر�ض الذي من �أجله‬ ‫وجدت امل�ؤ�س�سة ‪ ،‬وهي ‪ :‬هوية امل�ؤ�س�سة ‪ ،‬ومربرات‬ ‫وج��وده��ا ‪ ،‬والتوجهات واخل��دم��ات التي تقدمها‬ ‫وتنبثق �أه��داف امل�ؤ�س�سة ور�سالتها من الغايات‬ ‫العظمى للحياة الإن�سانية‪ ،‬وت�ساعد على حتديد‬ ‫العمليات ‪ ،‬والأدوار ‪،‬واملعايري التي يتم تقييم العمل‬ ‫وفق ًا لها‪.‬و�إجرائي ًا هي حتديد الغايات والأن�شطة‬ ‫واخل��دم��ات التي تقدمها امل�ؤ�س�سة ب�شكل وا�ضح‬ ‫وقابل للتغيري يتوائم مع �أهداف اجلودة ال�شاملة‬ ‫‪.‬فو�ضوح الأه��داف ي�ساعد على الر�ؤية ال�سليمة‬ ‫لكافة الإجراءات واجلهود املبذولة لقوله تعالى‪:‬‬ ‫}�أَ َف َم ْن يمَ ْ ِ�شي ُم ِك ًّبا َعلَى َو ْجه ِ​ِه �أَ ْه َدى�أَ َّم ْن يمَ ْ ِ�شي َ�س ِو ًّيا‬ ‫َعلَى ِ�ص َر ٍ‬ ‫يم{ (امللك ‪. )22‬‬ ‫اط ُم ْ�س َت ِق ٍ‬ ‫‪-2‬الرتكيز على امل�ستفيد(العميل) ‪:‬‬ ‫فاجلودة هي ترجمة الحتياجات وتوقعات‬ ‫امل�ستفيدين (العمالء) �سواء كانوا م�ستفيدين‬ ‫داخليني ‪�،‬أو م�ستفيدين خارجيني �إلى خ�صائ�ص‬ ‫حمددة تكون �أ�سا�س ًا يف ت�صميم اخلدمات وطريقة‬ ‫�أداء العمل يف امل�ؤ�س�سة من �أج��ل تلبية توقعات‬ ‫امل�ستفيدين وال�سعي لتحقيقها وحتقيق ر�ضاهم‬ ‫‪،‬حيث دعا الإ�سالم �إلى ح�سن التعامل مع امل�ستفيدين‬ ‫�أثناء تقدمي اخلدمة‪ ،‬فاجلودة بدايتها بامل�ستفيد‬ ‫ونهايتها بامل�ستفيد‪ ،‬بحيث يطور كل فرد يف النظام‬ ‫عالقة طيبة مع العميل امل�ستفيد من اخلدمة ففي‬ ‫احلديث َع ْن َجابِرِ ْبنِ َع ْب ِد اللهَّ ِ َر ِ�ض َي اللهَّ ُ َع ْن ُه َما‬ ‫�أَ َّن َر ُ�سولَ اللهَّ ِ َقالَ ‪َ ( :‬ر ِح َم اللهَّ ُ َر ُج اًل َ�س ْم ًحا �إِذَا َبا َع‬ ‫َو�إِذَا ا�شْ ترَ َى اقْ ت َ​َ�ضى) ‪.‬‬ ‫وقد كان الر�سول �صلى اهلل علية و�سلم يتلم�س‬ ‫حاجات �أ�صحابه و�أف��راد �أمته ثم ير�شدهم �إلى‬ ‫ما فيه �صالحهم ‪ ،‬وينفذ ما فيه م�صلحة الأفراد‬ ‫واملجتمع ‪ .‬ففي غزوة بدر عندما وجد ر�سول اهلل‬ ‫بني الأ�سرى من يجيد الكتابة ‪ ،‬جعل فدية من‬ ‫ال ي�ستطيع فداء نف�سه �أن يعلم ع�شرة �صبيان من‬ ‫امل�سلمني ‪ ،‬وكان فداء الرجل �أربعة الآالف ‪ ،‬ولكن‬ ‫حر�ص الر�سول يف ذلك الوقت على الكتابة �أكرث‬ ‫من املال وذلك حلاجة �أبناء امل�سلمني لها‪.‬‬

‫‪-3‬االلتزام بالتح�سني امل�ستمر‪:‬‬ ‫ ع��م��ل��ي��ة ال��ت��ح�����س�ين امل�����س��ت��م��ر �أو ك��اي��زن‬ ‫(باليابانية) كلمة مركبة م��ن جزئني وتعني‬ ‫«التغيري للأف�ضل»‪ ،‬هي و�سيلة لتحقيق التح�سني‬ ‫امل�ستمر وفل�سفة �إبتكرها تايي�شي �أوهونو (‪Taiichi‬‬ ‫‪ )Ohno‬لقيادة امل�ؤ�س�سات ال�صناعية وامل�ؤ�س�سات‬ ‫املالية‪ ،‬و�أي�ض ًا �إمكانية تطبيقها يف كل نواحي‬ ‫احلياة‪ ،‬معتمدة على التحليل والعملية‪.‬‬ ‫ي�شمل التح�سني امل�ستمر ك��ل م��ن التح�سني‬ ‫اال���ض��ايف (‪ )Incremental‬والتح�سني املعريف‬ ‫االبداعي اجلديد ( ‪ )Break – Through‬بو�صفها‬ ‫ج���زء ًا م��ن العمليات اليومية وجلميع وح��دات‬ ‫العمل يف املنظمة‪ ،‬وهو تعهد ا�سرتاتيجي ثابت‬ ‫م��ن قبل جميع العاملني يف امل�ؤ�س�سة بت�أمني‬ ‫اجل���ودة ‪،‬فالإح�سان يف العمل م��ب��د�أ �أ�سا�سي يف‬ ‫الإ�سالم حيث يقوم كل عامل بت�أدية عمله على‬ ‫�أكمل وجه وب�أف�ضل ال�سبل املتاحة لقوله تعالى‪:‬‬ ‫�ض زِين ًَة َل َها ِل َن ْب ُل َو ُه ْم �أَ ُّي ُه ْم‬ ‫}�إِنَّا َج َع ْلنَا َما َعلَى ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ‬ ‫�أَ ْح َ�س ُن َع َم اًل { (الكهف ‪ )7‬ويف احلديث عن كليب‬ ‫(�إن اهلل تعالى ‪:‬يحب م��ن العامل �إذا عمل �أن‬ ‫يح�سن) ‪،‬وعن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أن النبي‬ ‫قال ‪� ( :‬إن اهلل يحب �إذا عمل �أحدكم عم ًال �أن‬ ‫يتقنه)‪.‬‬ ‫فاملعرفة متجددة واملدير واملوظفني يف امل�ؤ�س�سة‬ ‫يحتاجون �إل��ى حت�سني �أدائ��ه��م ‪ ،‬والتعرف على‬ ‫كل جديد يف جم��ال عملهم عن طريق ال��دورات‬ ‫والربامج الت�أهيلية ‪ ،‬واجلهاز الإداري يف امل�ؤ�س�سة‬ ‫‪.‬كما �أن التح�سني امل�ستمر يجب �أن يكون جلميع‬ ‫�أعمال امل�ؤ�س�سة ومرافقها ‪.‬من منطلق قوله تعالى ‪:‬‬ ‫}وقل اعملوا ف�سريى اهلل عملكم ور�سوله وامل�ؤمنون‬ ‫و�سرتدون �إلى عامل الغيب وال�شهادة فينبئكم مبا‬ ‫كنتم تعملون{ التوبة (‪ ، )115‬ولتحقيق التح�سني‬ ‫امل�ستمر للعمل عني الإ�سالم بتنمية كفاءة العاملني‬ ‫عن طريق تزويدهم باملعلومات واملهارات الالزمة‬ ‫‪،‬لإجناز �أعمالهم بجودة عالية ‪ ،‬فقد حث الإ�سالم‬ ‫على التزود من العلم ب�صفة م�ستمرة لقوله تعالى‪:‬‬ ‫} َف َت َعالَى اللهَّ ُ المْ َ� ِل� ُ‬ ‫�ك الحْ َ � ُّ�ق َو اَل َت ْع َجلْ بِا ْلق ُْر�آنِ‬ ‫ِمن َق ْبلِ �أَن ُي ْق َ�ضى �إِ َل� ْي� َ‬ ‫�ك َو ْح� ُي� ُ�ه َو ُق��ل َّر ِّب ِزدْنيِ‬ ‫ِع ْل ًما{(طه ‪ ،)114‬كما �أكد الإ�سالم على �ضرورة‬ ‫تدريب العاملني مع احتياجاتهم الوظيفية‪ ،‬فقد‬ ‫كان امل�سجد النبوي �أول معهد للتدريب ‪ ،‬فعن علي‬ ‫ر�ضي اهلل عنه قال ‪“ :‬بعثني ر�سول اهلل �إلى اليمن‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فقلت يا ر�سول اهلل تبعثني �إلى قوم �أ�سن مني‬ ‫و�أنا حديث ال �أب�صر الق�ضاء قال فو�ضع يده على‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪45‬‬


‫‪46‬‬

‫�صدري ‪،‬وق��ال‪ (:‬اللهم ثبت ل�سانه‪ ،‬و�أهد قلبه‪،‬يا‬ ‫علي �إذا جل�س �إليك اخل�صمان فال تق�ضي بينهما‬ ‫حتى ت�سمع من الآخر كما �سمعت من الأول ف�إنك‬ ‫�إذا فعلت ذلك تبني لك الق�ضاء )‪.‬قال ‪ :‬فما اختلف‬ ‫علي ق�ضاء بعد �أو ما �أ�شكل علي ق�ضاء بعد“‪� ،‬إن‬ ‫التح�سني امل�ستمر يف ظل اجلودة ال�شاملة يتجلى يف‬ ‫قدرة التنظيم على ت�صميم وتطبيق نظام �إبداعي‬ ‫يحقق با�ستمرار ر�ضا امل�ستفيدين من العملية‬ ‫التعليمية وذلك من خالل ال�سعي املتوا�صل للو�صول‬ ‫�إلى الأداء الأمثل من خالل حتقيق الآتي‪:‬‬ ‫ حت�سني الإن��ت��اج��ي��ة والفاعلية يف ا�ستخدام‬‫املوارد‪.‬‬ ‫ تقليل الأخطاء ‪ ،‬والوحدات املعيبة وال�ضياع ‪.‬‬‫ تقدمي منتجات ج��دي��دة وحت�سني ا�ستجابة‬‫امل�ؤ�س�سة يف وقت قيا�سي‪.‬‬ ‫وقد تواترت املواقف النبوية التي ت�شري �إلى‬ ‫متابعته لأ�صحابه ‪ ،‬وت�أكيده على حت�سني الأداء‬ ‫والت�أكيد على �أنه عملية م�ستمرة ففي احلديث‬ ‫َع ْن َعا ِئ َ�ش َة ر�ضي اهلل عنها �أَ َّن َر ُ�سولَ اللهَّ ِ َقالَ ‪:‬‬ ‫اعل َُموا �أَ ْن ل َْن ُي ْد ِخلَ �أَ َح َدكُ ْم‬ ‫(�س ِّد ُدوا َو َقا ِر ُبوا َو ْ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َع َمل ُ​ُه الجْ َ َّن َة َو�أَ َّن �أَ َح َّب ْ أَ‬ ‫ال ْع َمالِ �إِلَى ا ِ �أَ ْد َو ُم َها َو�إ ِْن‬ ‫َقلَّ )‪.‬‬ ‫‪-4‬التنظيم (النظام الوقائي ‪ /‬الوقاية من االخطاء) ‪:‬‬ ‫تعتمد ادارة اجلودة على مبد�أ الوقاية من‬ ‫اخلط�أ قبل الوقوع فيه‪،‬حيث ان العالج يحتاج الى‬ ‫تكلفه اكرث من الوقاية‪ ،‬وعليه يتم عند تطبيق‬ ‫ادارة اجلودة ال�شامله جمع املعلومات ال�صحيحه‬ ‫وفح�صها وحتليلها لعدة م��رات وم��ن ث��م اتخاذ‬ ‫ال��ق��رارات ال�صحيحة البعيدة عن اخلط�أ ‪ ،‬اي‬ ‫يكون اال�سا�س هو منع حدوث االخطاء بدال من‬ ‫ت�صحيحها ‪ ،‬اي مبد�أ )منع حدوث الأخطاء بد ًال‬ ‫من ت�صحيحها)‪.‬‬ ‫اذن الرتكيز على الوقاية بد ًال من التفتي�ش‬ ‫؛ب��أن تبادر �إدارة امل�ؤ�س�سة �إلى معرفة امل�شكالت‬ ‫وتتوقعها قبل وقوعها وت�ضع الأنظمة الوقائية‬ ‫التي متنع ح�صولها ‪،‬ولقد اهتم الإ�سالم بالنظام‬ ‫ال��وق��ائ��ي بو�ضع �أ�ساليب متنع وق���وع الأخ��ط��اء‬ ‫وامل�شكالت �أث��ن��اء ت��أدي��ة العمل حيث دع��ا �إلى‬ ‫تنظيم ن�شاطات العاملني وفق �ضوابط ومعايري‬ ‫حم��ددة يلتزم بها العاملون �أثناء ت�أدية العمل‬ ‫والعمل على تنمية الرقابة الذاتية لدى الأفراد‬ ‫ا�س ا َّتقُوا‬ ‫‪،‬من منطلق قوله تعالى ‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ال َّن ُ‬ ‫َر َّبك ُ​ُم ال َِّذي خَ َل َقك ُْم ِم ْن َن ْف ٍ�س َو ِ‬ ‫اح� َ�د ٍة َوخَ لَقَ ِم ْن َها‬

‫ريا َو ِن َ�ساء َوا َّتقُوا اللهَّ َ‬ ‫َز ْو َج َها َو َبثَّ ِم ْن ُه َما ر َِج اًال َك ِث ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َان َع َل ْيك ُْم‬ ‫ُون ب ِ​ِه َو ْ أ‬ ‫الَ ْر َح��ا َم �إ َِّن ا ك َ‬ ‫اءل َ‬ ‫ال َِّذي ت َ​َ�س َ‬ ‫َر ِقي ًبا{ ‪( .‬الن�ساء‪ )1‬وقوله تعالى } َوكُ ��لَّ إِ� ْن َ�سانٍ‬ ‫�أَلْزَ ْمنَا ُه طَ ا ِئ َر ُه فيِ ُع ُن ِق ِه ۖ َونُخْ رِ ُج ل َُه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة‬ ‫ِكتَا ًبا َي ْلقَا ُه َم ْن�شُ و ًرا{ (الإ�سراء ‪)13‬‬ ‫مما يدل على رقابة اهلل على عباده ‪ ،‬وغر�س‬ ‫الرقابة الذاتية ك�أ�سلوب ل�ضبط ال�سلوك لكي‬ ‫ي�ؤدي العامل عمله ب�إخال�ص و�إتقان على �أ�سا�س‬ ‫من تقوى اهلل �سبحانه وتعالى وخ�شيته ‪.‬‬ ‫وق���د �أق����ر الإ����س�ل�ام ال��رق��اب��ة اخل��ارج��ي��ة‬ ‫(الرئا�سية) نظر ًا الختالف العاملني يف �إعدادهم‬ ‫وخرباتهم وقدراتهم اخلا�صة ‪ ،‬فحر�ص على و�ضع‬ ‫معايري ‪ ،‬ونظم رقابية‪ ،‬وحما�سبية ‪ ،‬بحيث يقلل‬ ‫من حدوث الأخطاء‪ ،‬ويحد من حدوثها ؛وذلك من‬ ‫منطلق احلديث عن َع ْب َد اللهَّ ِ ْب َن ُع َم َر َيقُولُ َ�س ِم ْع ُت‬ ‫َر ُ�سولَ اللهَّ ِ َيقُولُ ‪ ( :‬كُ ُّلك ُْم َرا ٍع َوكُ ُّلك ُْم َم ْ�سئ ٌ‬ ‫ُول َع ْن‬ ‫ال َما ُم َرا ٍع َو َم ْ�سئ ٌ‬ ‫َر ِع َّي ِت ِه ْ إِ‬ ‫ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه َوال َّر ُجلُ َرا ٍع‬ ‫َ‬ ‫ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه َوالمْ َ� ْ�ر�أ ُة َر ِ‬ ‫فيِ �أَ ْه ِل ِه َو ُه َو َم ْ�سئ ٌ‬ ‫اع َي ٌة فيِ‬ ‫َب ْي ِت َز ْوجِ َها َو َم ْ�سئُول ٌَة َع ْن َر ِع َّي ِت َها َوالخْ َ ��ا ِد ُم َرا ٍع فيِ‬ ‫َمالِ َ�س ِّي ِد ِه َو َم ْ�سئ ٌ‬ ‫ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه َقالَ َو َح ِ�س ْب ُت �أَ ْن َق ْد‬ ‫َقالَ َوال َّر ُجلُ َرا ٍع فيِ َمالِ �أَب ِ‬ ‫ِيه َو َم ْ�سئ ٌ‬ ‫ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه‬ ‫َوكُ ُّلك ُْم َرا ٍع َو َم ْ�سئ ٌ‬ ‫ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه )‪.‬‬ ‫وقد ورد يف احلديث عن �أبي حميد ال�ساعدي‬ ‫قال ‪ :‬ا�ستعمل ر�سول اهلل رج ًال من الأ�سد يقال له‬ ‫ابن اللتبية ‪ ،‬فلما قدم قال ‪ :‬هذا لكم وهذا �أهدي‬ ‫�إيل‪ .‬قال ‪ :‬فقام ر�سول اهلل على املنرب ‪ ،‬فحمد اهلل‬ ‫و�أثنى عليه ‪ .‬وقال ‪ ( :‬ما بال عامل ابعثه فيقول‪:‬‬ ‫هذا لكم وهذا �أهدي يل ! �أفال قعد يف بيت �أبيه‬ ‫�أو بيت �أمه حتى ينظر �أيهدى �إليه �أم ال ؟ والذي‬ ‫نف�س حممد بيده ‪ ،‬ال ينال �أحد منكم منها �شيئ ًا �إال‬ ‫جاء يوم القيامة يحمله على عنقه ‪ ،‬بعري له رغاء‬ ‫�أو بقرة لها خ��وار‪� ،‬أو �شاة) ‪ .‬ثم رفع يديه حتى‬ ‫ر�أينا عفرتي �إبطيه‪ .‬ثم قال ‪ :‬اللهم هل بلغت ؟”‬ ‫مرتني‪.‬‬ ‫فالأخطاء التي ت�برز يف عمل امل�ؤ�س�سة قد‬ ‫تكون ناجتة عن طبيعة النظام املعمول به هناك ‪،‬‬ ‫ولي�س بال�ضرورة لأ�سباب تت�صل بالأفراد العاملني‬ ‫�أنف�سهم‪..‬فقد كان ر�سول اهلل وخلفا�ؤه الرا�شدون‬ ‫يراعون يف تقدير الأجر والأعباء العائلية للفرد‬ ‫العامل و�صعوبة العمل وم�ستوى غ�لاء املعي�شة‬ ‫يف املناطق املختلفة من الدولة الإ�سالمية ‪،‬وكان‬ ‫الر�سول يعطي املتزوج من اجلند حظني والأعزب‬ ‫حظ ًا واحد ًا من الفيء ‪ ،‬ويف احلديث عن امل�ستورد‬ ‫بن �شداد كان يقول ‪ ( :‬من ويل لنا عم ًال ولي�س له‬


‫منز ًال فليتخذ منز ًال ‪� ،‬أو لي�س له زوجة فليتزوج �أو‬ ‫لي�س له دابة فليتخذ دابة فمن �أ�صاب �شيئ ًا �سوى‬ ‫ذلك فهو غال �أو �سارق )‪ ،‬وذلك من باب الوقاية‬ ‫لكي ال ي�ستغل املوظف وظيفته ا�ستغ ً‬ ‫الال �سيئ ًا‬ ‫نظر ًا حلاجته ‪.‬‬ ‫‪-5‬امل�شاركة وتفوي�ض ال�صالحية ‪:‬‬ ‫�إن م�شاركة وا�سهام االدارة العليا تعترب �ضرورية‬ ‫الجناح فل�سفة ادارة اجلودة ال�شاملة ولكنها غري‬ ‫كافية لوحدها‪ ،‬نظر ًا لأن هذه الفل�سفة تعتمد يف‬ ‫جناحها على النظرة ال�شمولية لكل العاملني يف‬ ‫الوحدة (املنظمة) لذلك ف�أن مهمة االدارة العليا‬ ‫هي حفز العاملني وت�شجيع م�شاركتهم ليكونوا اكرث‬ ‫قربا والت�صاقا ب�أهداف املنظمة ‪،‬ويق�صد بامل�شاركة‬ ‫وتفوي�ض ال�صالحية للعاملني تفعيل دوره��م‬ ‫بطريقة ت�شعرهم بالأهمية وحتقيق اال�ستفادة‬ ‫الفعلية من �إمكاناتهم وامل�شاركة املق�صودة هنا هي‬ ‫امل�شاركة اجلوهرية ولي�ست ال�شكلية‪�،‬إذ يفرت�ض‬ ‫�أن حتقق امل�شاركة �أمرين ‪ :‬الأول تزيد من �إمكانية‬ ‫ت�صميم خطة �أف�ضل ‪ ،‬والثاين ‪ :‬حت�سني من كفاءة‬ ‫�صنع القرارات من خالل م�شاركة العقول املفكرة‬ ‫والقريبة من م�شاكل العمل ‪.‬‬ ‫�إن جناح اجلودة ال�شاملة يعتمد على م�شاركة‬ ‫العاملني يف امل�ؤ�س�سة مع الإدارة العليا يف اتخاذ‬ ‫ال��ق��رارات‪ ،‬وتنفيذ الأع��م��ال مما يجعل الأف��راد‬ ‫يح�سون ب�أهميتهم وم�ساهمتهم يف تنفيذ الأعمال‬ ‫و�إجناحها ‪،‬لأنهم �سيعتربونه جناح لهم‪.‬وذلك من‬ ‫ا�ست َ​َجا ُبوا ِل َر ِّبه ِْم‬ ‫منطلق قوله تعالى‪َ }:‬وال َِّذ َ‬ ‫ين ْ‬ ‫��م � ُ��ش��و َرى َب ْي َن ُه ْم َوممِ َّ ��ا‬ ‫��ر ُه ْ‬ ‫َو�أَ َق��ا ُم��وا َّ‬ ‫ال�ص اَل َة َو َ�أ ْم ُ‬ ‫ُون{(ال�شورى ‪)38‬‬ ‫َاه ْم ُي ْن ِفق َ‬ ‫َرزَقْ ن ُ‬ ‫�أم��ا تفوي�ض ال�صالحية فهي ال تعني فقط‬ ‫امل�شاركة ب��ل يجب �أن ت��ك��ون م�شاركة الأف���راد‬ ‫بطريقة متنحهم �صوت ًا حقيقي ًا عن طريق هياكل‬ ‫العمل وال�سماح للعاملني ب�صنع القرارات التي تهتم‬ ‫بتح�سني العمل داخل �أق�سامهم اخلا�صة ‪ .‬فبدون‬ ‫امل�شاركة ومتكني العاملني ‪.‬وتوزيع ال�صالحيات‬ ‫‪،‬واملهام ‪ ،‬و�إعطاء الفر�ص لرفع ال��روح املعنوية‬ ‫لفريق العمل والإخال�ص الثابت ‪ ،‬وامللمو�س من‬ ‫اجلميع جلعل مبادئ اجلودة ال�شاملة وممار�ساتها‬ ‫ج��زء ًا ال ينف�صم من ثقافة امل�ؤ�س�سة ‪،‬ف ��إن كافة‬ ‫اجلهود املبذولة حمكوم عليها بالف�شل ‪.‬‬ ‫فقد ورد يف ال�سرية �أن الر�سول �أوجد لكل طاقة‬ ‫ما ينا�سبها من عمل ‪ ،‬ووزع امل�س�ؤوليات ففي عهده‬ ‫تولى علي بن �أبي طالب وعثمان بن عفان كتابة‬ ‫الوحي ‪ ،‬كما كان يقوم بذلك �أثناء غيابهما �أبي‬ ‫بن كعب ‪ ،‬وزيد بن ثابت ‪،‬وكان الزبري بن العوام‬ ‫وجهيم بن ال�صلت يقومان بكتابة �أموال ال�صدقات‬ ‫‪ ،‬وكان حذيفة بن اليمان يعد تقديرات الدخل من‬ ‫النخيل ‪ ،‬وكان املغرية بن �شعبة واحل�سن بن منر‬ ‫يكتبان امليزانيات واملعامالت بني النا�س ‪ .‬وزيد بن‬

‫ثابت كان يكتب مرا�سالت احلكام وال��والة بلغات‬ ‫خمتلفة‪ ،‬وقد حر�ص الر�سول بتو�ضيح تلك املزايا‬ ‫َ�س ْبنِ َما ِل ٍك َقالَ َ‬ ‫‪:‬قالَ َر ُ�سولُ‬ ‫وال�صالحيات فعن �أَن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اللهَّ ِ ‪�( :‬أَ ْر َح ُم �أُ َّم ِتي ِب�أُ َّم ِتي �أ ُبو َبكْرٍ َو�أ َ�ش ُّد ُه ْم فيِ �أ ْمرِ‬ ‫ان َو�أَ ْعل َُم ُه ْم ِبالحْ اَ​َللِ‬ ‫اء ُع ْث َم ُ‬ ‫اللهَّ ِ ُع َم ُر َو�أَ ْ�ص َد ُق ُه ْم َح َي ً‬ ‫َوالحْ َ � َ�را ِم ُم َعا ُذ ْب ُن َج َبلٍ َو َ�أف َْر ُ�ض ُه ْم َز ْي� ُ�د ْب ُن ثَاب ٍِت‬ ‫ال َّم ِة َ�أ ُبو‬ ‫ني َه ِذ ِه ُْ أ‬ ‫َو َ�أقْ َر ُ�ؤ ُه ْم ُ�أ َب ٌّي َو ِلكُلِّ ُ�أ َّم ٍة َ�أ ِم ٌ‬ ‫ني َو َ�أ ِم ُ‬ ‫اح )‪.‬‬ ‫ُع َب ْي َد َة ْب ُن الجْ َ َّر ِ‬ ‫كما دعا الإ�سالم �إلى �إ�شراك العاملني يف اتخاذ‬ ‫القرارات من �أجل الإفادة من قدراتهم الإبداعية‬ ‫من خالل ت�أكيده على مبد�أ ال�شورى لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫} َف ِب َما َر ْح َم ٍة ِم َن اللهَّ ِ ِلنْتَ َل ُه ْم ۖ َو َل ْو كُ نْتَ فَظًّ ا غَ ِل َ‬ ‫يظ‬ ‫ا�س َت ْغ ِف ْر‬ ‫ا ْل َقل ِْب اَل ْنف َُّ�ضوا ِم ْن َح ْو ِل َك ف ْ‬ ‫َاع ُف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫للهَّ‬ ‫الَ ْمرِ ۖ َف�إِذَا َعزَ ْمتَ َف َت َوكَّلْ َعلَى ا ِ‬ ‫َل ُه ْم َو َ�شا ِو ْر ُه ْم فيِ ْ أ‬ ‫ني { (�آل عمران ‪ . )159‬وهنا‬ ‫�إ َِّن اللهَّ َ ُي ِح ُّب المْ ُ َت َو ِّك ِل َ‬ ‫ت�أكيد على قيمة التوكل على اهلل ال على امل�شورة‬ ‫؛ففيها توفيق اهلل و�إر�شاده �إلى حقيقة امل�شورة‬ ‫و�صدقها فامل�شورة �سبب وال�سبب ال بد �أن يقرتن‬ ‫بالتوكل واالعتماد على اهلل والتوكل على اهلل ال‬ ‫بد �أن يعقل بالأ�سباب لي�سري الإن�سان على هدى‬ ‫اهلل يف حياته و�أعماله‪.‬عم ًال مبا جاء يف احلديث‬ ‫ال�شريف عن �أن�س بن مالك يقول ‪" :‬قال رجل ‪:‬‬ ‫يار�سول اهلل �أعقلها و�أتوكل �أو �أطلقها و�أتوكل‬ ‫قال‪( :‬اعقلها وتوكل)"‪.‬‬ ‫‪ -6‬حتفيز العاملني (امل�شاركه بالتحفيز)‪:‬‬ ‫م�ساهمة العاملني يف املنظمة ا�سا�س يف جناح‬ ‫ادارة اجلودة ال�شاملة يف هذه املنظمة‪ ،‬ولذا وحتى‬ ‫تكون امل�ساهمة فعالة وم�ؤثرة ال بد من اطالق‬ ‫طاقات العاملني وزي��ادة �شعورهم بالوالء للعمل‬ ‫وللمنظمه‪ ،‬وهذا ياتي من خالل حتفيز العاملني‬ ‫ومنحهم االمتيازات وتوفري بيئة عمل مالئمة‬ ‫وجاذبة باال�ضافة الى توفري مناخ العمل اجلماعي‬ ‫وبروح الفريق واحرتام �آراء ومقرتحات العاملني‬ ‫وت�صوراتهم للم�شاكل وحلولها‪.‬‬ ‫ول�����ش��ح��ذ ه��م��م ال��ع��ام��ل�ين ل��ت ��أدي��ة العمل‬ ‫ب��ج��ودة عالية ‪ ،‬و�ضع الإ���س�لام نظام ًا للتحفيز‬ ‫يقوم على مكاف�أة العاملني املتميزين يف ت�أدية‬ ‫�أعمالهم‪،‬فالت�شجيع والتحفيز للعمل ال�صالح مبد�أ‬ ‫ل ْن َ�سانِ إِ� اَّل‬ ‫رباين يت�ضح يف قوله تعالى‪َ } :‬و�أَ ْن َل ْي َ�س ِل ِْ إ‬ ‫َما َ�س َعى (‪َ )39‬و َ�أ َّن َ�س ْع َي ُه َ�س ْو َف ُي َرى (‪ )40‬ث َُّم ُي ْجزَ ا ُه‬ ‫اء ْ أَ‬ ‫ال ْوفَى (‪( {)41‬النجم ‪ )41-39‬فوجود‬ ‫الجْ َزَ َ‬ ‫حافز للعمل �شيء �أ�سا�سي يف حت�سني العمل بحيث‬ ‫يزيد املح�سن �إح�سان ًا وي�شجع املق�صر على التح�سني‬ ‫ين �آ َمنُوا‬ ‫والتطوير من منطلق قوله تعالى ‪�}:‬إ َِّن ال َِّذ َ‬ ‫ال�صالحِ ِ‬ ‫يع �أَ ْج� َ�ر َم ْن َ�أ ْح َ�س َن‬ ‫َات �إِ َّن��ا اَل ن ُِ�ض ُ‬ ‫َو َع ِملُوا َّ‬ ‫َع َم اًل{ (الكهف ‪ ، )30‬فتقدمي الت�شجيع والتحفيز‬ ‫املادي واملعنوي للأفراد �ضروري ‪،‬و�أن تكون هذه‬ ‫احلوافز م�ستمرة ‪ ،‬ووا�ضحة الأهداف‪،‬و�أن يح�سن‬ ‫اختيار الزمان والوقت لإعطاء احلافز‪،‬و�أن يكون‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪47‬‬


‫‪48‬‬

‫احلافز منا�سب ًا ل�شخ�صية العامل وحاجته ‪ ،‬لكي‬ ‫يقع احلافز موقع ًا جيد ًا للمقدم له‪ .‬لذلك ربط‬ ‫الإ�سالم احلوافز مبعدالت �أداء العمل قال تعالى‪:‬‬ ‫} َو ِلكُلٍّ َد َر َج ٌ‬ ‫ات ممِ َّ ا َع ِملُوا َو ِل ُي َو ِّف َي ُه ْم �أَ ْع َما َل ُه ْم َو ُه ْم‬ ‫�ون{ (الأح��ق��اف ‪ ،)19‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫اَل ُي��ظْ � َل� ُ�م� َ‬ ‫} َف َم ْن َي ْع َملْ ِم ْثقَالَ َذ َّر ٍة خَ يرْ ً ا َي َر ُه (‪َ )7‬و َم ْن َي ْع َملْ‬ ‫ِم ْثقَالَ َذ َّر ٍة َ�ش ًّرا َي َر ُه (‪( {)8‬الزلزلة ‪ . )8-7‬ودعا‬ ‫الإ���س�لام �أن تكون احلوافز مالئمة الحتياجات‬ ‫ورغبات العاملني فعن امل�ستور بن �شداد ر�ضي اهلل‬ ‫عنه قال �سمعت ر�سول اهلل ‪ :‬يقول ‪ ( :‬من ويل لنا‬ ‫عم ًال فلم يكن له زوجة فليتزوج ‪�،‬أو خادم ًا فليتخذ‬ ‫خادم ًا ‪�،‬أو م�سكن ًا فليتخذ م�سكن ًا ‪�،‬أو دابة فليتخذ‬ ‫داب��ة ‪ ،‬فمن �أ���ص��اب �شيئ ًا �سوى ذل��ك فهو غ��ال �أو‬ ‫�سارق)‪.‬‬ ‫وحر�ص الإ���س�لام ب ��أن تكون احلوافز حمددة‬ ‫ومعلومة مقدم ًا للعاملني مع وجوب الوفاء الفوري‬ ‫بها حتى يكون لها ت�أثريها على موا�صلة العاملني‬ ‫لأعمالهم بجودة عالية ‪.‬فعن حماد بن �سلمة عن‬ ‫يون�س عن احل�سن "�أنه كره �أن ي�ست�أجر الرجل‬ ‫حتى يعلمه �أجره"‪،‬وعن عبد اهلل بن عمر قال قال‬ ‫ر�سول اهلل ‪�( :‬أعطوا الأجري �أجره قبل �أن يجف‬ ‫عرقه) ‪،‬ولأهمية مو�ضوع احلوافز وت�أثريه على‬ ‫عجلة الإنتاج والتنمية فقد اهتم الباحثون بر�صد‬ ‫جمموعة من العوامل التي ت�ؤثر على حتفيز النا�س‬ ‫للعمل منها عوامل ذاتية مثل‪ :‬احل�صول على عالوة‬ ‫يف املرتب ‪� ،‬أو وجود عالقات طيبة مع امل�شرفني ‪�،‬أو‬ ‫وجود �أمان وظيفي ‪ ، ...‬وعوامل حتفيزية مثل‪�:‬أن‬ ‫يرى ال�شخ�ص نتيجة عمله ‪ ،‬تلقي الثناء واملديح‬ ‫‪ ،‬التكليف مب�س�ؤوليات �أكرث‪،‬وقد ح�صر الطويرقي‬ ‫�أ�ساليب التحفيز الإداري الفعال التي ا�ستخدمها‬ ‫الر�سول و�صحابته الكرام يف احلوافز املادية‪:‬مثل‬ ‫توزيعه الغنائم بعد الغزوات مبا�شرة بعد �أخذ‬ ‫اخل��م�����س‪،‬واحل��واف��ز املعنوية ‪:‬م��ث��ل ‪:‬ت�شجيعه‬ ‫�أ�صحابه بالكلمات الت�شجيعيه مثل‪" :‬ربح البيع‬ ‫�صهيب‪ ،‬ربح البيع �صهيب" ‪،‬وقوله ‪":‬اللهم ال عي�ش‬ ‫�إال عي�ش الآخرة فاغفر للأن�صار واملهاجرة" وكان‬ ‫�أكرث ما ي�ستخدم امل�صطفى احلوافز املعنوية حني‬ ‫يرى �أن الأم��ر يحتاج �إلى ت�شجيع و�أن هناك من‬ ‫ي�ستحق ذلك حقيقة ال جماملة فيها‪.‬‬ ‫‪ -7‬مداومة االت�صال بامل�ستفيدين (التغذية الراجعة )‪:‬‬ ‫وهي الطريقة التي ي�ستخدمها �شخ�ص للت�أثري‬ ‫على �شخ�ص �آخ���ر لتغيري �أو لتعديل ف��ك��ره �أو‬ ‫�سلوكه‪ .‬وهي ات�صال بني �شخ�صني �أو جمموعتني‬ ‫يبني لكل منهما كيف ي�ؤثر على الآخر ‪.‬والتغذية‬ ‫املرتدة متكن قائد الفريق �أو الإدارة من �أن ي�صبح‬ ‫على دراية بامل�شاكل الداخلية قبل �أن ت�ستفحل‬ ‫خطورتها ‪ ،‬و�شكاوى فريق العمل ‪� ،‬أو �صوت العمليات‪،‬‬ ‫و�شكاوى امل�ستفيدين من اخلارج ‪� ،‬أو �صوت البيئة‬ ‫اخلارجية امل�ستفيدة‪ .‬فمن ال�ضروري تقييم �سري‬

‫العمل داخل امل�ؤ�س�سات التعليمية ‪ ،‬واحل�صول على‬ ‫التغذية الراجعة من جانب امل�ساهمني من �أولياء‬ ‫الأم��ور والطلبة و�أف��راد املجتمع لتحديد م�ستوى‬ ‫ج��ودة املنتجات واخلدمات الواجب ا�ستيفا�ؤها‪،‬‬ ‫وا�ستخدام املوظفني املدربني لتطوير هذه املنتجات‬ ‫واخلدمات مبا ير�ضي امل�ستهلك �إلى �أق�صى درجة‬ ‫ممكنة ‪ ،‬ويحقق �أهداف العملية التعليمية‪ .‬وقد‬ ‫عرف عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�أ�صحابه‬ ‫متابعتهم امل�ستمرة للعمل وحر�صهم على �إتقانه‬ ‫َاع َة‬ ‫بدليل ما ورد يف حديث امل�سيء �صالته عن ِرف َ‬ ‫ْبنِ َرا ِف ٍع َقالَ ‪َ :‬ب ْي َن َما َر ُ�سولُ اللهَّ ِ َجا ِل ٌ�س َون َْح ُن َح ْول َُه‪،‬‬ ‫�إِ ْذ َدخَ لَ َر ُج ٌل َف َ�أتَى ا ْل ِق ْبل َ​َة ف َ​َ�صلَّى َف َل َّما َق َ�ضى َ�ص اَلت َُه‬ ‫اء ف َ​َ�سل َ​َّم َعلَى َر ُ�سولِ اللهَّ ِ َو َعلَى ا ْل َق ْو ِم َفقَالَ ل َُه‬ ‫َج َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َر ُ�سولُ ا ِ ‪َ ( :‬و َع َل ْي َك اذ َْه ْب ف َ​َ�صلِّ َف�إِن َ​َّك لمَ ْ ت َُ�صلِّ‬ ‫) فَذَ َه َب ف َ​َ�صلَّى ف َ​َج َعلَ َر ُ�سولُ اللهَّ ِ َي ْر ُمقُ َ�ص اَلت َُه َو اَل‬ ‫اء ف َ​َ�سل َ​َّم‬ ‫َي ْدرِي َما َي ِع ُ‬ ‫يب ِم ْن َها َف َل َّما َق َ�ضى َ�ص اَلت َُه َج َ‬ ‫للهَّ‬ ‫للهَّ‬ ‫َعلَى َر ُ�سولِ ا ِ َو َعلَى ا ْل َق ْو ِم َفقَالَ ل َُه َر ُ�سولُ ا ِ‬ ‫َو َع َل ْي َك اذ َْه ْب ف َ​َ�صلِّ َف�إِن َ​َّك لمَ ْ ت َُ�صلِّ َف�أَ َعا َد َها َم َّر َتينْ ِ‬ ‫�أَ ْو ث اَ​َل ًثا َفقَالَ ال َّر ُجلُ َيا َر ُ�سولَ اللهَّ ِ َما ِع ْبتَ ِم ْن‬ ‫َ�ص اَل ِتي َفقَالَ َر ُ�سولُ اللهَّ ِ �إِ َّن َها لمَ ْ َت ِت َّم َ�ص اَل ُة �أَ َح ِدكُ ْم‬ ‫وء َك َما �أَ َم َر ُه اللهَّ ُ َع َّز َو َجلَّ ‪.)...‬‬ ‫َحتَّى ُي ْ�س ِب َغ ا ْل ُو ُ�ض َ‬ ‫وقد حر�ص الإ�سالم على مداومة االت�صال‬ ‫بامل�ستفيدين ملعرفة ردود �أفعالهم عن م�ستوى‬ ‫ج����ودة اخل���دم���ات ال��ت��ي ت��ق��دم ل��ه��م ‪ ،‬وم��ع��رف��ة‬ ‫احتياجاتهم ورغباتهم والعمل على حتقيقها فقد‬ ‫ا�س �أنه َقالَ ‪َ :‬قالَ َر ُ�سولُ‬ ‫ورد يف احلديث َعنِ ا ْبنِ َع َّب ٍ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫اللهَّ ِ ‪َ ( :‬ل ْي َ�س الخْ َ برَ ُ َكالمْ ُ َعا َين َِة �إ َِّن ا َع َّز َو َجلَّ �أ ْخبرَ َ‬ ‫و�سى بمِ َ ا َ�ص َن َع َق ْو ُم ُه فيِ ا ْل ِع ْجلِ َفل َْم ُيلْقِ ْ أَ‬ ‫اح َف َل َّما‬ ‫ال ْل َو َ‬ ‫ُم َ‬ ‫َعا َي َن َما َ�ص َن ُعوا �أَ ْلقَى ْ أَ‬ ‫اح فَا ْنك َ​َ�س َرتْ ‪.‬وقد حذر‬ ‫ال ْل َو َ‬ ‫الر�سول من عدم املتابعة ومعرفة حاجات ورغبات‬ ‫اخ ْ أ‬ ‫الَ ْز ِد ِّي َعنِ‬ ‫امل�ستفيدين يف احلديث َع ْن �أَبِي ال�شَّ َّم ِ‬ ‫اب ال َّن ِب ِّي �أَتَى ُم َعا ِو َي َة ف َ​َدخَ لَ‬ ‫ا ْبنِ َع ٍّم ل َُه ِم ْن �أَ ْ�ص َح ِ‬ ‫للهَّ‬ ‫‪�:‬س ِم ْع ُت َر ُ�سولَ ا ِ َيقُولُ ‪َ ( :‬م ْن َوليِ َ‬ ‫َع َل ْي ِه َفقَالَ َ‬ ‫ني‬ ‫�أَ ْم� ً�را ِم ْن �أَ ْم��رِ ال َّن ِ‬ ‫ون المْ ِ ْ�س ِك ِ‬ ‫ا�س ث َُّم �أَغْ لَقَ َبا َب ُه ُد َ‬ ‫َاج ِة �أَغْ لَقَ اللهَّ ُ َت َبا َر َك َو َت َعالَى‬ ‫َوالمْ َظْ لُو ِم �أَ ْو ِذي الحْ َ‬ ‫اج ِت ِه َو َف ْقرِ ِه �أَ ْفق َُر َما‬ ‫ُدون َُه �أَ ْب� َو َ‬ ‫اب َر ْح َم ِت ِه ِع ْن َد َح َ‬ ‫ُون �إِ َل ْي َها)‪.‬و�سار على نهجه ال�صحابة ر�ضوان‬ ‫َيك ُ‬ ‫اهلل عليهم ‪،‬فعرف عن عمر بن اخلطاب متابعته‬ ‫امل�ستمرة لوالته ‪ ،‬فقد �أخرج البيهقي وابن طاوو�س‬ ‫�أن عمر قال ‪� :‬أر�أيتم �إن ا�ستعملت عليكم خري من‬ ‫�أعلم ثم �أمر بالعدل �أق�ضيت ما علي ؟ قالوا ‪ :‬نعم‬ ‫قال ‪ :‬ال حتى �أنظر يف عمله �أعمل مبا �أمرته �أم ال‪.‬‬ ‫وذلك حر�ص ًا منه على اجلودة ومتابعة العمل ‪.‬‬


‫آليات تربوية‬

‫دراسات‬

‫للنهوض‬ ‫بواقع األسرة‬ ‫المسلمة‬

‫د‪ .‬إنصاف أيوب المومني‬ ‫األردن‬

‫ملخ�ص الدرا�سة‬ ‫هدفت الدرا�سة �إلى تقدمي �آليات تربوية للنهو�ض‬ ‫بواقع اال�سرة امل�سلمة‪ ,‬ويف �سبيل ذلك مت تناول �آلية‬ ‫الرتبية بالقدوة الوالدية‪ .‬و�آلية الرتبية باحلوار‬ ‫الأ�سري‪ .‬و�أبرز املقرتحات وال��ر�ؤى املعينة على تنفيذ‬ ‫تلك الآل��ي��ات للنهو�ض بواقع اال���س��رة‪ .‬وق��د خل�صت‬ ‫الدرا�سة �إلى �أهم النتائج التالية ‪�:‬إن من �أهم الآليات‬ ‫الرتبوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة (القدوة الوالدية)‬ ‫وال��ن��م��وذج العملي احل��ي الأك�ث�ر الت�صاقا ومعاي�شة‬ ‫للأبناء‪� .‬إن من ابرز الآليات الرتبوية للنهو�ض بواقع‬ ‫الأ�سرة امل�سلمة (احلوار الأ�سري) والذي يرفد الطاقة‬ ‫الأخالقية والإب��داع ااحل�ضاري‪� .‬إن القدوة الوالدية‬ ‫ال�صاحلة ت�ؤدي �إلى التوا�صل النف�سي والعقلي وتعمل‬ ‫على �شيوع �أج���واء املحبة وامل���ودة وترفد االيجابية‬ ‫وال�سلوك الر�شيد‪ .‬كما �أن احلوار الأ�سري الفاعل الذي‬ ‫ي�سوده مناخ احلرية املن�ضبطة مينح الأب��ن��اء الثقة‬ ‫بالنف�س ويعمل على تقارب الأفكار ويك�شف عن الطاقات‬ ‫الإبداعية وبحنب الأبناء الوقوع حتت �سطوة التطرف‬ ‫والإرهاب‪.‬‬ ‫املقدمة‬ ‫احلمد هلل وحده وال�صالة وال�سالم على من ال نبي‬ ‫بعده وعلى �آله و�صحبه‬ ‫ُتعد الأ�سرة الوعاء الرتبوي الرئي�س الذي ي�ضطلع‬ ‫ب��إع��داد و�صناعة عنا�صر ب�شرية فاعلة للمنظومة‬ ‫االجتماعية (فمن خالل الأ�سرة يتم اكت�ساب الطفل‬ ‫للغة وال���ع���ادات واالجت���اه���ات وط��ري��ق��ة احل��ك��م على‬ ‫ال�صحيح واخلاطئ‪ ،‬ومن خاللها تت�شكل �أمناط �سلوكه‪،‬‬

‫وتتطور �شخ�صيته املتمركزة حول ذاته �إلى �شخ�صية‬ ‫اجتماعية‪ .‬ذات ف�ضاء اجتماعي وث��م��ة م��ا تعاين‬ ‫الإن�سانية يف اللحظات الراهنة م��ن ه�شا�شة القيم‬ ‫والأخ�ل�اق ال�سامية وم��ا تفرزه ه��ذه الأزم��ة من عنف‬ ‫و�شقاق و�إرهاب �أمام كثافة طغيان اجلوانب املادية من‬ ‫جهة والتكاثر املعريف وال�سباق التقني من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫ولعلنا ال جن��اوز ال�صواب �إذا قلنا �إن هناك �أزم��ة‬ ‫اخالقية و�سلوكية تقع حتت �سطوتها الإن�سانية تفوق‬ ‫الأزم����ات االقت�صادية و�آه���ات اجل���وع واحل��اج��ة �إل��ى‬ ‫ال�سبل واملرئيات املقرتحة من بني‬ ‫الطعام‪ ،‬بل �إن طرح ُ‬ ‫البدائل الر�شيدة‪ ،‬للخروج من هذه الأزمة هي الطاقة‬ ‫االيجابية املرتقبة املن�شودة لإ�شعال فتيلة الإب��داع‬ ‫احل�ضاري للأمة اخلريية و لالنعتاق مما �أفرزته من‬ ‫ويالت وانك�سارات يف الأر�ض والآفاق‬ ‫وم���ن ه���ذا املنطلق ي ��أت��ي ال����دور امل��ح��وري امل��ن��وط‬ ‫بالأ�سرة امل�سلمة وقدرتها الفاعلة على �إع��داد وبناء‬ ‫الأجيال احلا�ضرة وال�صاعدة لنقدم منوذجها الريادي‬ ‫يف رح��اب �أر�ضها و�أمتها والإن�سانية جمعاء تتناغم‬ ‫ويتكامل فيه فقه الباطن بال�سلوك الظاهر‪ ،‬والتنظري‬ ‫بالتطبيق‪ ،‬واملظهر التعبدي ال�شعائري باملظهر ال�سلوكي‬ ‫االجتماعي والقيم االجتماعية املجردة بال�سلوكيات‬ ‫العملية الر�شيدة‪ ،‬بر�ؤية نا�ضجة �شاملة م�ستقاة من‬ ‫النبع الإ�سالمي الأ�صيل يف بناء ال�شخ�صية الإن�سانية‬ ‫ا�ستجابة لنداء ال�سماء‪.‬‬ ‫}و َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ ا َء َع َلى‬ ‫َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِيدً ا{ (البقرة‪)١٤٣ :‬‬ ‫الن ِ‬ ‫ويف �سبيل ذلك ج��اءت هذه الدرا�سة لتقدم �آليات‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪49‬‬


‫‪50‬‬

‫تربوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة‪.‬‬ ‫وقد جاء خمطط الدرا�سة على النحو التايل‪:‬‬ ‫تناول املطلب الأول (التمهيدي)‪ :‬املقدمة وم�شكلة‬‫الدرا�سة و�أ�سئلتها و�أهميتها و�أهدافها وم�صطلحاتها‪.‬‬ ‫تناول املطلب الثاين‪� :‬آلية الرتبية بالقدوة الوالدية‬‫احل�سنة للأ�سرة والتي ت�سهم يف ترجمة القيم‬ ‫املجردة ل�سلوكيات عملية‬ ‫تناول املطلب الثالث �آلية الرتبية (باحلوار الأ�سري)‬‫والتي تعني الأ�سرة‪ ،‬لرتجمة القيم املجردة على‬ ‫�سلوكيات عملية‪.‬‬ ‫تناول ملطلب الرابع‪� :‬أبرز املقرتحات واملرئيات املقدمة‬‫للأ�سرة لتحقيق �أكرب قدر من �إمكانية جناح الآليات‬ ‫املقرتحة‪� .‬إ�ضافة �إلى �أبرز النتائج و التو�صيات‬ ‫م�شكلة الدرا�سة و�أ�سئلتها‬ ‫�إن �إ�شعال فتيلة الإب��داع وال�شهود احل�ضاري لأمة‬ ‫الو�سطية يرفد وق��وده الأخ�ل�اق وال�سلوك الإمي��اين‬ ‫امل��ت��ف��رد‪ ،‬لأن ث��م��رة ذل��ك ال��ط��اق��ة الإي��ج��اب��ي��ة �ضمن‬ ‫منظومتنا الأ�سرية ومنظومتنا االجتماعية والعاملية‬ ‫�إ�ضافة �إل��ى تقدمي منوذجنا ال��ري��ادي وال��ذي �سعدت‬ ‫به الإن�سانية ‪ -‬منذ ق��رون خلت ‪ -‬حقبة من الزمان‬ ‫‪.‬وثمة ما تعاين الأ�سرة ال�صغرية والأ�سرة الإن�سانية‬ ‫من الوقوع حتت �سطوة كثافة ال�ضغط امل��ادي للحياة‬ ‫املعا�صرة وه�شا�شة القيم والأخالق االميانية الإيجابية‬ ‫ولعل الأ�سرة متثل ال�صدارة يف الدور املنوط بها لأعداد‬ ‫وتربية جيل فاعل‪ ,‬وت�أ�سي�س ًا على ما �سبق جاءت هذه‬ ‫الدرا�سة للإجابة على الأ�سئلة التالية‪:‬‬ ‫م��ا �أب��رز الآل��ي��ات الرتبوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة‬‫امل�سلمة؟‪.‬‬ ‫ما �أبرز نقاط القوة ونقاط ال�ضعف للرتبية الوالدية‬‫بالقدوة؟‪.‬‬ ‫ما �أبزر نقاط القوة وفر�ص ونقاط ال�ضعف املحيطة‬‫ب�آلية (احلوار الأ�سري) ؟‪.‬‬ ‫ما �أبرز الو�سائل والأ�ساليب املقرتحة لتنفيذ تفعيل‬‫تلك الآليات؟‪.‬‬ ‫�أهداف الدرا�سة‬ ‫تتمثل �أهمية الدرا�سة يف ط��رح مرئيات تربوية‬ ‫للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة‪ .‬ويتفرع عن هذا‬ ‫الهدف الرئي�س الأهداف الفرعية التالية‪:‬‬ ‫ الوقوف على الدور الرئي�س لآلية الرتبية بالقدوة الوالدية‬‫يف الت�أهيل الر�شيد للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة ‪.‬‬

‫�إظهار �أهمية �آلية الرتبية باحلوار يف الت�أهيل الر�شيد‬‫للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة‪.‬‬ ‫تقدمي مقرتحات ور�ؤى للآليات الرتبوية املقرتحة‬‫لهذا الغر�ض‪.‬‬ ‫منهجية الدرا�سة‬ ‫تتبع الدرا�سة املنهج الو�صفي التحليلي؛ حيث �سيتم‬ ‫جمع املعلومات من م�صادرها وفق ر�ؤية حتليلية للخروج‬ ‫بت�صور مقرتح لآليات تربوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة‬ ‫امل�سلمة‪.‬‬ ‫حدود الدرا�سة‬ ‫‪-1‬تتحدد الدرا�سة بامل�ؤ�س�سة الأ�سرية وقدرتها الفاعلة‬ ‫على توظيف �آلية الرتبية بالقدوة و�آلية الرتبية‬ ‫باحلوار‪.‬‬ ‫‪-2‬يتحدد �سن الأبناء يف هذه الدرا�سة من الطفولة‬ ‫املبكرة مرور ًا مبراحلها املختلفة �إلى �سن الر�شد‪.‬‬ ‫�أهمية الدرا�سة‬ ‫تطمح ه��ذه ال��درا���س��ة �أن ت��ق��دم (�آل��ي��ات تربوية‬ ‫مقرتحة) مبنية على �أن ال�سلوك الر�شيد الإيجابي‬ ‫والرتبية الأخالقية الأ���س��ري��ة ���ض��رورة ملحة حتى‬ ‫"توائم بني غرائز الفرد وطبيعته‪ ،‬وتوجهه �إلى‬ ‫ال�سلوك الالئق به يف احلياة ك�أف�ضل خملوق اخت�صه‬ ‫اهلل تعالى باخلالفة يف الأر�ض‪ ،‬وجعل ر�سالته عبادة –‬ ‫اهلل �سبحانه – وطاعته عز وجل"‪.‬‬ ‫وتكمن �أهمية الأخالق يف كونها �أداة لبناء الإن�سان‬ ‫ال�صالح ولأ�سرة امل�ستقرة للعمران وال�شهود احل�ضاري‪.‬‬ ‫وي�ؤكد اب��ن خلدون على �أهمية الأخ�لاق يف العمران‬ ‫وال��ق��ي��ام احل�����ض��اري و�إن ف�سادها �سبب يف ال�سقوط‬ ‫والتداعي العمراين واحل�ضاري فيقول يف مقدمته "ومن‬ ‫�أ�شد الظلمات و�أعظمها يف ف�ساد العمران تكليف الأعمال‬ ‫وت�سخري الرعايا بغري حق و�أعظم من ذلك يف الظلم‬ ‫و�إف�ساد العمران الت�سلط على �أموال النا�س"‪.‬‬ ‫كما تطمح ه��ذه ال��درا���س��ة �أي�ض ًا �إل��ى �إب���راز قيمة‬ ‫القدوة واحل��وار يف الت�أهيل الأ�سري الر�شيد ل�صناعة‬ ‫الأجيال احلا�ضرة وال�صاعدة معرجة على �أبرز نقاط‬ ‫ال��ق��وة وال�ضعف وف��ر���ص النجاح وامل��خ��اط��ر املحيطة‬ ‫واملحتملة‪ ،‬وجملة من الر�ؤى واملقرتحات من املمكن �أن‬ ‫ترفد امل�ؤ�س�سات االجتماعية والرتبوية والإعالمية‬ ‫والقائمني على �إع��داد مناهج وا�سرتاتيجيات التعليم‬ ‫والرتبية والإعالم‪.‬‬ ‫�إ���ض��اف��ة �إل��ى احل��اج��ة املا�سة وامللحة �إل��ى تفعيل‬ ‫املنظومة الأخالقية والقيم االجتماعية املجردة �إلى‬ ‫�سلوك �أو واقع عملي يف ظل طغيان املادة على امل�ستوى‬ ‫الأ�سري واملحلي والعاملي‪.‬‬


‫م�صطلحات الدرا�سة‬ ‫ �آليات تربوية‪ :‬ويق�صد بها الأ�ساليب واملرئيات‬‫والو�سائل والإج����راءات النظرية والتطبيقية التي‬ ‫جتمع بني البعد الرتبوي والبعد ال�شرعي وفق ر�ؤية‬ ‫ح�ضارية للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة‪.‬ت�ستقى من‬ ‫نبع الوحي الأ���ص��ي��ل بحيث تتحول �إل��ى منهج حياة‬ ‫يومية متار�س ثمرتها ال�شخ�صية الإ�سالمية الريادية‬ ‫للأجبال احلا�ضرة و "يرفدها �صيغة خلقية م�ستقرة‬ ‫يف النف�س فطرية �أو مكت�سبة" ترتجم عملي ًا بو�سائل‬ ‫خمتلفة ومتنوعة ا�ستناد ًا لقوله تعالى يف �صدد الثناء‬ ‫على ال�شخ�صية الإن�سانية الرائدة والنموذج الأمثل‬ ‫يم" (القلم‪)٤ :‬و لقوله �صلى اهلل‬ ‫" َو�إِ َّن َك َل َعلى ُخ ُل ٍق َع ِظ ٍ‬ ‫عليه و�سلم‪" :‬واهدين لأح�سن الأخ�لاق ف�إنه ال يهدي‬ ‫لأح�سنها �إال �أنت"‪ ،‬وقوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ما‬ ‫من �شيء �أثقل يف ميزان امل�ؤمن يوم القيامة من خلق‬ ‫ح�سن"‪،‬يلتقي فيها اجلانب الأخالقي النظري امل�ستقى‬ ‫من م�صادر الإ�سالم ومنابعه الأ�صلية باجلانب العملي‬ ‫(ال�سلوك الر�شيد )ويلتقي فيها الإخال�ص بالإتقان‬ ‫والتنمية العلمية امل�ستدمية لإعالن مبد�أ الوحدة بني‬ ‫الدنيا والآخ��رة لتقدمي النموذج الريادي لل�شخ�صية‬ ‫الإ�سالمية �ضمن دائرتنا خا�صة ودائ��رة الإن�سانية‬ ‫عامة‪.‬‬ ‫�أجرى بركات‪2004(،‬م) درا�سة هدفت �إلى حماولة‬ ‫و�ضع ت�صور مقرتح ال�سرتاتيجية مواجهة الت�أثريات‬ ‫ال�سلبية للإعالم املعا�صر على الأ�سرة وال�شباب وقد‬ ‫ا�ستخدم الباحثان منهج امل�سح االج��ت��م��اع��ي‪ ،‬حيث‬ ‫اعتمدت على (‪ )120‬مفردة من طلبة جامعة البحرين‬ ‫لكلية الآداب ثم اختيارهم بطريقة العينة الع�شوائية‬ ‫من‬ ‫وقد خل�صت الدرا�سة �إلى �أهم النتائج التالية‪:‬‬ ‫�أبرز الت�أثريات ال�سلبية للإعالم املعا�صر على الأ�سرة‬ ‫وال�شباب‪:‬‬ ‫�ضعف العالقات اال�سرية‪ ،‬والعزلة البيئية للأ�سرة‪،‬‬ ‫و�شيوع ثقافة اال�ستهالك‪� .‬أما �أبرز احللول الإيجابية‬ ‫فقد متثلت يف الإ�صالح ال�سيا�سي والإ�صالح االقت�صادي ‪،‬‬ ‫وقيام املجتمعات بدورها الفاعل يف الإ�صالح االجتماعي‪.‬‬ ‫النهو�ض بواقع الأ�سرة‪ :‬ويق�صد به �إيجاد و�إب��داع‬ ‫وا�ستثمار ال��ق��درات وال��ك��ف��اءات والإم��ك��ان��ات املتاحة‬ ‫وا�ست�شراف الآت��ي منها للخروج بالأ�سرة امل�سلمة من‬ ‫�سطوة الواقع �إل��ى �آف��اق العمران االن�ساين وال�شهود‬ ‫احل�ضاري والذي تعد لبنته الأولى منوذج الأ�سرة امل�سلمة‬ ‫الدرا�سات ال�سابقة‬ ‫وقد �أجريت درا�سات عديدة ذات �صلة من �أبرزها‪-:‬‬ ‫�أج���رى ال�شريفني‪ )2014( ،‬درا���س��ة ه��دف��ت �إل��ى‬

‫�إيجاد �آليات لت�أهيل الأ�سرة وحت�سني قدرتها للتعامل‬ ‫مع اجلوانب النف�سية والعقلية للأبناء؛ وذلك لإيجاد‬ ‫�شخ�صيات متوازنة نف�سي ًا وعقلي ًا واجتماعي ًا‪ .‬وقد‬ ‫ا�ستخدم الباحث املنهج الو�صفي‪ ،‬يف حني تناولت الآلية‬ ‫الأول���ى تعريف الأ���س��رة بحاجات الطفل اال�سا�سية‬ ‫و�ضبط انفعاالته لتحقيق الأمن النف�سي والفكري‪� ،‬أما‬ ‫الآلية الثانية فقد تناولت حتقيق الأمن الفكري والتي‬ ‫متثلت باحلوار والتفكري امل�ستقل املو�ضوعي للق�ضاء على‬ ‫�أ�شكال التع�صب والت�ضليل الفكري‪ .‬وقد خل�صت الدرا�سة‬ ‫�إل��ى �أن حتقيق الأم��ن النف�سي والفكري ل��دى الأبناء‬ ‫يحميهم من التطرف والإره���اب‪ ،‬كما �أو�صت الدرا�سة‬ ‫بعقد دورات تدريبية للمقبلني على ال��زواج‪ ،‬و�إيجاد‬ ‫دليل تثقيفي للزوجني والعاملني يف الأ�سرة وتفعيل دور‬ ‫م�ؤ�س�سات وجمعيات رعاية الأ�سرة‪.‬‬ ‫و�أجرت بني يون�س‪ )2007( ،‬درا�سة هدفت الك�شف‬ ‫عن العالقة بني اجتاه الأ�ساليب الرتبوية التي ّتتبعها‬ ‫الأ�سرة يف تعاملها مع �أبنائها‪ ،‬وما يتك ّون لدى ه�ؤالء‬ ‫الأب��ن��اء من مفهوم لذواتهم ينعك�س على �سلوكهم يف‬ ‫خمتلف م�ستوياته‪ ،‬واخ��ت��ارت ه��ذه الدرا�سة جمتمع‬ ‫حمافظة �إرب��د ل ُتط ّبق عليه �أدوات��ه��ا التي مت ّثلت يف‬ ‫ا�ستبانة لقيا�س �أ�ساليب الأ�سرة الإيجابية وال�سلبية‬ ‫يف التعامل مع الأب��ن��اء‪ ،‬ومنها �أ�سلوب اللوم واالتهام؛‬ ‫وا�سلوب احلرية مقابل التبعية ونحوها‪ ،‬وقد �أظهرت‬ ‫نتائج الدرا�سة ت�أثري مفهوم ال��ذات ب�شقيه بنوعية‬ ‫الأ�سلوب الرتبوي الذي يغلب على الأ�سرة (�إيجابي –‬ ‫�سلبي)‪ ،‬كما خل�صت الدرا�سة �إلى ت�أثري هذه الأ�ساليب‬ ‫ب�شكل وا�ضح يف توكيد الذات‪ ،‬وقد كانت فاعلية ت�أثري‬ ‫هذه الأ�ساليب الرتبوية كل منها مبفردة وا�ضحة على‬ ‫توكيد الذات‪ ,‬وقد ات�ضح من نتائج هذه الدرا�سة �أي�ض ًا‬ ‫وج��ود عالقة دال��ة �إح�صائي ًا بني مفهوم ال��ذات وبني‬ ‫توكيد الذات‪ ،‬وكذلك بني مفهوم الذات ومفهوم الذات‬ ‫امل�سلمة‪.‬‬ ‫كما �أج��رت العنزي‪ ،)2004( ،‬درا�سة هدفت �إلى‬ ‫التحقق من مدى فاعلية برنامج �إر�شادي جمعي يتم فيه‬ ‫تدريب الزوجات على مهارات حل اخلالفات الزوجية‪،‬‬ ‫كما ت�ساعد على التقليل من م�ستوى االكتئاب‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إلى رفع م�ستوى الأداء واملعدل الرتاكمي لديهم‪ ،‬وتكونت‬ ‫عينة الدرا�سة من (‪� )30‬أم ًا مت توزيعهن ع�شوائي ًا �إلى‬ ‫جمموعتني متكافئتني �ضابطة وجتريبية‪ ،‬وخل�صت‬ ‫نتائج الدرا�سة �إلى فاعلية الربنامج يف خف�ض م�ستوى‬ ‫اخل�لاف��ات الأ�سرية واالكتئاب ل��دى الأب��ن��اء وزي��ادة‬ ‫معدالتهم الدرا�سية‪.‬‬ ‫كما �أج��رت بركات‪2000( ،‬م)‪ .‬درا�سة هدفت �إلى‬ ‫التعرف على العالقة بني �أ�ساليب املعاملة الوالدية‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪51‬‬


‫‪52‬‬

‫واالكتئاب لدى بع�ض املراهقني واملراهقات املراجعني‬ ‫مل�ست�شفى ال�صحة النف�سية بالطائف‪ ،‬وقد تكونت عينة‬ ‫الدرا�سة من (‪ )135‬حالة من املراجعني للعيادة النف�سية‬ ‫يف م�ست�شفى ال�صحة بالطائف تراوحت �أعمارهم من‬ ‫‪� 24 – 12‬سنة‪ ،‬وقد ا�ستخدمت مقيا�س �أ�ساليب املعاملة‬ ‫الوالدية‪ ،‬ومقيا�س االكتئاب �أدوات للدرا�سة‪ .‬و�أ�سفرت‬ ‫نتائج الدرا�سة عن وجود عالقة ارتباطية موجبة دالة‬ ‫�إح�صائي ًا بني (الأ�سلوب العقابي) للأب والأم واالكتئاب‬ ‫لدى عينة الدرا�سة‪ ،‬كما �أنه يوجد �أ�سلوبان �أكرث �إ�سهام ًا‬ ‫يف تباين درج��ة االكتئاب لدى عينة الدرا�سة وهما‪:‬‬ ‫(ا�سلوب �سحب احل��ب‪ ،‬وا�سلوب التوجيه واالر���ش��اد)‪،‬‬ ‫و�أو�صت الدرا�سة ب�إعداد برامج توعوية للآباء والأمهات‬ ‫على مدار العام‪.‬‬ ‫كما �أجرى البو�سعيدي‪1996( ،‬م) درا�سة هدفت �إلى‬ ‫بيان مقا�صد و�أهداف الزوجية يف الإ�سالم ور�صد �أ�سباب‬ ‫وق��وع امل�شكالت الأ�سرية �إ�ضافة �إل��ى ر�صد املمار�سات‬ ‫اخلاطئة بالتعامل مع امل�شكالت الزوجية‪ ،‬وقد خل�صت‬ ‫الدرا�سة �إلى �أبرز النتائج التالية‪:‬‬ ‫�إن املمار�سات اخلاطئة يف التعامل مع امل�شكالت لها‬ ‫�آثارها ال�سلبية على �أفراد الأ�سرة‪ ،‬و�إن وهن و�ضعف دور‬ ‫امل�ؤ�س�سات الر�سمية والأهلية �أ�سهم يف �إيجاد امل�شكالت‬ ‫الأ���س��ري��ة‪ ،‬و�إن املنهج ال�ترب��وي الإ�سالمي يتعامل مع‬ ‫امل�شكالت الزوجية وقاية وعالج ًا‪.‬‬ ‫وق��د ا�ستفادت ال��درا���س��ة احلالية م��ن ال��درا���س��ات‬ ‫ال�سابقة‪� .‬إال �أن الدرا�سة احلالية ا�ضافت �آلية الرتبية‬ ‫بالقدوة الوالدية‪ .‬كما �أنها بنّيت وف�صلت �آلية الرتبية‬ ‫ب��احل��وار الأ���س��ري حم��اول��ة �إث����راء اجل��ان��ب ال�ترب��وي‬ ‫الإ�سالمي‪.‬‬ ‫التمهيد‪� :‬أهمية النهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة‬ ‫تقوم املنظومة الأ�سرية على ع��دة ركائز يعا�ضد‬ ‫بع�ضها بع�ضا‪ ،‬وتعد الركيزة الرتبوية امل�ستقاة من النبع‬ ‫الإ�سالمي الأ�صيل �أهم هذه الركائز حيث �إن الأ�سرة تعد‬ ‫امل�ؤ�س�سة الرتبوية الأولى القادرة على �صناعة (الإن�سان‬ ‫ال�صالح) والعنا�صر الب�شرية امل�ؤهلة للعمران احل�ضاري‬ ‫والتي تعلن مبد�أ الوحدة بني الدنيا والآخرة والتالحم‬ ‫والتناغم بني الآجل والعاجل بيد �أن �أي ق�صور يعرتي‬ ‫الأ�سرة بالقيام ب�أدوارها الرتبوية خا�صة والوظيفية‬ ‫عامة �سيلقي بظالل ال�سلبية على املنظومة االن�سانية ال‬ ‫�سيما �أمام هذا الطوفان الإعالمي الذي بات يخرتق �أدق‬ ‫تفا�صيل اخل�صو�صية الأ�سرية يف ع�صر يطلق عليه ع�صر‬ ‫الف�ضاء املفتوح (ع�صر ال�شا�شة) مما يحتم علينا �أن‬ ‫نقدم منوذجنا الرتبوي الإ�سالمي وللإن�سانية جمعاء‪.‬‬ ‫وت��ؤك��د الدرا�سات العديدة على �أهمية �إع��داد‬

‫وت�أهيل الأ�سرة ب�آليات قادرة على معاجلة احلا�ضر‬ ‫وا���س��ت�����ش��راف الآت����ي‪ .‬فقد �أ���ش��ارت درا���س��ة حول‬ ‫ال�سمات واخل�صائ�ص ال�شخ�صية للآباء غري امل�ؤهلني‬ ‫بالأ�ساليب وال��ك��ف��اءات الرتبوية وم��ن �أه��م هذه‬ ‫اخل�صائ�ص للوالدين‪:‬‬ ‫ ال��ن��ق�����ص يف ف��ه��م طبيعة الأط���ف���ال وق��درات��ه��م‬‫وح��اج��ات��ه��م النمائية؛ ل��ذا توقعاتهم ل�سلوك‬ ‫ابنائهما مرتفعة وغري متوقعة‪.‬‬ ‫ نق�ص مهارات التوا�صل االجتماعي والإنفعايل مع‬‫الأبناء؛ مما ي�ؤدي �إلى معاناة االبناء من م�شكالت‬ ‫�سلوكية وانفعالية واجتماعية‪ ،‬كما ي ��ؤدي �إلى‬ ‫تدهور ثقة الطفل بنف�سه مما يجعله عر�ضة لأي‬ ‫فكر �أو معتقد‪.‬‬ ‫ نق�ص مهارة الأب��وة‪ ،‬وعدم الوعي التام بالأ�سلوب‬‫الأ�صوب للتعامل مع الأبناء‪.‬‬ ‫ انخفا�ض ال��ق��درة على حتمل الإح��ب��اط‪ ،‬وع��دم‬‫القدرة لل�سيطرة على امل�شاعر‪ ،‬وفقدان التوازن‬ ‫بحالة الغ�ضب والإنفعال‪.‬‬ ‫ النق�ص يف الن�صح االنفعايل نتيجة عدم الإ�شباع يف‬‫ال�صغر؛ لذا فهما غري قادرين على منح هذه امل�شاعر‬ ‫لأطفالهما‪.‬‬ ‫وقد �أظهرت نتائج درا�سة‪ ،‬عن وجود عالقة دالة‬ ‫�إح�صائي ًا بني مفهوم الذات وتوكيد الذات امل�سلمة‪ ،‬كما‬ ‫�أظهرت ت�أثري جمموعة من الأ�ساليب الرتبوية ال�سالبة‬ ‫التي حت��ذر منها الرتبية عامة والرتبية الإ�سالمية‬ ‫خا�صة‪.‬‬ ‫كما بينت ت�أثر مفهوم ال��ذات بالأ�ساليب الرتبوية‬ ‫بد من‬ ‫الإيجابية ويف �سبيل ذلك‪ ،‬ولتحقيق الأهداف ال ّ‬ ‫طرح �آليات تربوية مقرتحة للنهو�ض بواقع الأ�سرة‬ ‫امل�سلمة تقرتحها الدرا�سة من خالل املطالب الآتية‪:‬‬ ‫املطلب الثاين‬ ‫الآلية الأولى‪ :‬القدوة الوالدية (نقاط القوة ‪،‬‬ ‫ونقاط ال�ضعف )‪.‬‬ ‫تتناول الآل��ي��ة الأول����ى‪� :‬آل��ي��ة الرتبية بالقدوة‬ ‫ال��وال��دي��ة حيث يعد ا�ستدعاء ه��ذا البعد الرتبوي‬ ‫�ضرورة ملحة يف اللحظات الراهنة لت�ضييق الفجوة بني‬ ‫االقتداء بالنموذج الأمثل (القدرة النبوية اخلالدة)‬ ‫وبني قدرة الأجيال احلا�ضرة وال�صاعدة على تفعيل‬ ‫وجت�سيد املعاين والقيم ال�سامية للرتبية الإ�سالمية‬ ‫ب�إطارها الو�سطى املتوازن �إلى �سلوك ر�شيد‪.‬‬


‫ويق�صد بالقدوة‪" :‬متثل املربي باالمناط ال�سلوكية‬ ‫الر�شيدة والأخالق وال�سلوكيات الفا�ضلة بحيث تكون‬ ‫�شخ�صيته م�ؤثرة وم�ؤهلة لالقتداء بها‪.‬‬ ‫�أما القدوة الوالدية فهي �إي�صال الأدب وال�سلوك‬ ‫الر�شيد امل�ستقى م��ن اال���ص��ول الإ�سالمية ع��ن طريق‬ ‫التطبيق الإيجابي امل�شاهد للأبناء‪ .‬حيث يتم التزاوج‬ ‫والتقارب بني النظر والتطبيق وبني القول والفعل‪.‬‬ ‫�أنواع القدوة‬ ‫هناك �أنواع عديدة من القدوات �أبرزها‪:‬‬ ‫ القدوة الوالدية‪.‬‬‫ القدوة من العلماء‪.‬‬‫ القدوة الأ�سرية من غري الأب والأم من الأخ الأكرب‬‫الأخ��ت الكربى �أو �أي �أحد �أف��راد الأ�سرة له وقع‬ ‫وت�أثري على نف�س املرتبي‪.‬‬ ‫ القدوة الإعالمية ولعلها من �أخطر و�أدق �أن��واع‬‫القدوات يف هذا الع�صر‪.‬‬ ‫ القدوة من الرفاق وال�صحبة‪.‬‬‫�أهمية القدوة‪:‬‬ ‫ت�أتي �أهمية القدوة الوالدية من جوانب �شتى‪� :‬أنها‬ ‫حمط �أنظار االبن بل لعله يكون النموذج الأمثل الذي‬ ‫ي�سعى �إلى تقليده واالقتداء به‪ ،‬وقد يت�سرب هذا امليل‬ ‫العارم �إلى الأبناء يف الال�شعور فكما يقولون (الطبع‬ ‫را�ض‬ ‫وال�سلوك ل�ص) قد يقلده الإن�سان و�إن كان غري ٍ‬ ‫عنه يف بع�ض الأحيان وقد عهدنا �أن الن�شء وبخا�صة‬ ‫يف املراحل املبكرة قد يت�أثر بالنماذج التي تتعر�ض لها‬ ‫على نحو كبري‪“ ،‬ف�أفعال املربي �أكرث ت�أثريا يف ال�سلوك‬ ‫من �أقواله‪ ،‬لذا يجب �أن ميار�س �سلوك ًا يتفق مع م�ضمون‬ ‫الأهداف التي يرغب يف حتقيقها عند من يربيهم”‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق عليه �أن ي�ضع �سلوكه على م�شرحة‬ ‫املراقبة واملتابعة ف�إذا حظي بحب من يريهم زاد التقليد‬ ‫واالقتداء بل �إنهم يقلدونه بكل ما ي�صدر منه من �إيجاب‬ ‫�أو �سلب‪.‬‬ ‫وقد �أك��دت الدرا�سات النف�سية “�أن املربني لديهم‬ ‫رغبة نف�سية �إلى الت�شبه واالقتداء بالأ�شخا�ص الذين‬ ‫يحبونهم ويحرتمونهم ل�سريتهم احل�سنة‪.‬‬ ‫وت�أتي �أي�ض ًا �أهمية القدوة احل�سنة من �أنها “ت�ساعد‬ ‫على تكوين احلافز يف املرتبي دومنا توجيه خارجي لأن‬ ‫املثال �إلى املرتقي يف درجات الكمال يثري يف نف�س الب�صري‬ ‫قدر ًا من اال�ستح�سان والإعجاب والتقدير واملحبة ومع‬ ‫ه��ذه الأم��ور تظهر دواف��ع الغرية املحمودة واملناف�سة‬ ‫ال�شريفة”‪.‬‬

‫“�إن �أخطر ما ي�صاب به املربي انف�صال عمله عن‬ ‫علمه وتناق�ض الظاهر والباطن وازدواجية التوجيه‬ ‫والتعليم لأن املربي ال��ذي يتحدث �إل��ى طالبه عن �أي‬ ‫جانب معريف �أو �سلوكي‪ ،‬ثم يلمحون �أنه ال يعمل بذلك �أو‬ ‫ي�أتي ما يخالفه ف�إنه ال�سلوك ميحو من العقول ما قدمه‬ ‫من معارف”‪.‬‬ ‫فلن ت�أتي الفاعلية املن�شودة �إال من قلب ال�صادق‬ ‫امللتزم الناب�ض بالإخال�ص “فالقبول واال�ستجابة‬ ‫يحرم منها خمالف فعله” لقوله تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ‬ ‫�آَ َم ُنوا لمِ َ َت ُقو ُلونَ َما اَل َت ْف َع ُلونَ (‪َ )2‬كبرُ َ َم ْق ًتا ِعنْدَ اللهَّ ِ �أَ ْن‬ ‫َت ُقو ُلوا َما اَل َت ْف َع ُلونَ ‪({ ‬ال�صف‪.)٣ – ٢ :‬‬ ‫َّا�س ِبا ْلبرِ ِّ َو َتن َْ�س ْونَ �أَ ْن ُف َ�س ُك ْم‬ ‫وقال تعالى‪�} :‬أَ َت ْ�أ ُم ُرونَ الن َ‬ ‫اب �أَ َف اَل َت ْع ِق ُلونَ {(البقرة‪)٤٤ :‬‬ ‫َو�أَ ْن ُت ْم َت ْت ُلونَ ا ْل ِك َت َ‬ ‫والقدوة احل�سنة من ِ�ش�أنها �أن تطور حياة الفرد‬ ‫واجل��م��اع��ة "فالطفل يلج�أ �إل���ى االق��ت��داء ب�أ�ساليب‬ ‫�أفراد �أ�سرته ومن هنا ينبغي �أن يكون ال�سلوك ال�شائع‬ ‫يف الأ���س��رة هو ال�سلوك املرغوب اجتماعي ًا‪ ،‬لن�ؤ�س�س‬ ‫ال�شخ�صية االجتماعية البنّاءة‪ .‬علم ًا �أن ت�شرب ه�ؤالء‬ ‫وغريهم لتلك القيم ال يكون عن طريق الوعظ والإر�شاد‬ ‫بقدر ما يتوافر عن طريق املثال ال�صالح"‪.‬‬ ‫كما �أن على الأ�سرة �أن تقدم للأبناء املثل الأعلى‬ ‫والنموذج امل�شرق من خالل �سلوك الوالدين �أمام �أبنائهما‬ ‫من خالل تربيتهم على النقد الذاتي البناء "وعدم‬ ‫الركود �إلى حال ال�سوء ب�ش�أنها قدر ًا مقدر ًا‪ ،‬فكل تغيري‬ ‫�سلبي يقع على الفرد �أو اجلماعة مرده على النف�س"‪.‬‬ ‫و�أن �سنة التغيري من ال�سنن االجتماعية الناب�ضة يف‬ ‫احلياة الإن�سانية �إل��ى �أن ي��رث اهلل �سبحانه وتعالى‬ ‫الأر�ض ومن عليها ا�ستجابة لنداء ال�سماء‪.‬‬ ‫ق��ال تعالى‪َ } :‬ذ ِل� َ‬ ‫��ك ِب����أَنَّ اللهَّ َ لمَ ْ َي� ُ�ك ُم� َغ�ِّي�رِّ ً ا ِن ْع َم ًة‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫ِيع‬ ‫�أَ ْن َع َم َها َع َلى َق ْو ٍم َح َّتى ُي َغيرِّ ُ وا َما ِب�أَ ْن ُف ِ�سه ِْم َو�أَنَّ ا َ�سم ٌ‬ ‫يم{(الأنفال‪)٥٣ :‬‬ ‫َع ِل ٌ‬ ‫وهناك بعد ًا غائب ًا ال بد من ا�ستدعائه �إلى ميادين‬ ‫ال�ترب��ي��ة الأ���س��ري��ة وذل���ك م��ن خ�لال �إع��ان��ة الأب��ن��اء‬ ‫ومنا�صرتهم يف اختيار وانتقاء ال�صحية ال�صاحلة التي‬ ‫قد ت�شكل ق��دوة و�أ���س��وة حمورية "حيث تنبع �أهمية‬ ‫ال�صحبة ال�صاحلة من �أنها تزيد من �إميان الفرد وتعينه‬ ‫على ال�سلوك والأخالق الفا�ضلة وحتقق م�شاعر الإن�سان‬ ‫والطم�أنينة وهذه امل�شاعر تثمر ال�سعادة"‪.‬‬ ‫وقد يلج�أ الفرد يف مرحلة عمرية �إلى تقدمي و�إثبات‬ ‫قدوة الرفاق على القدوة الوالدية وقد �أجريت درا�سة‬ ‫على فئة املراهقني فيما يتعلق مبفهوم القدوة وت�أثريها‬ ‫"حيث �أظهرت نتائجها �أن القدوة من جمتمع الرفاق‬ ‫�أكرث ت�أثري ًا من القدوة الوالدية"‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪53‬‬


‫‪54‬‬

‫ويو�صي �إلى ذلك النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بقوله‬ ‫"�إمنا مثل اجللي�س ال�صالح واجللي�س ال�سوء كحامل‬ ‫امل�سك‪ ،‬ونافخ الكري‪ ،‬فحامل امل�سك �إما �أن يحذيك و�إما �أن‬ ‫تبتاع منه‪ ،‬و�إما جتد منه ريح ًا طيبة ونافخ الكري �إما �أن‬ ‫يحرق ثيابك و�إما �أن جتد ريح ًا خبيثة"‪.‬‬ ‫م�ستويات القدوة‬ ‫ القدوة الرائدة والنموذج الأمثل ال��ذي يتج�سد‬‫من خاللها العقيدة ال�صحيحة وال�سلوك امل�ستقيم‬ ‫وامل��ث��ال ل��ذل��ك ال��ر���س��ول عليه ال�سالم فم�سريته‬ ‫امل�شرفة منوذج ناطق للم�ؤمنني قال تعالى‪َ } :‬ل َق ْد‬ ‫َكانَ َل ُك ْم فيِ َر ُ�سولِ اللهَّ ِ �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة لمِ َ ْن َكانَ َي ْر ُجو‬ ‫اللهَّ َ َوا ْل َي ْو َم ْ آَ‬ ‫ال ِخ َر َو َذ َك َر اللهَّ َ َك ِث ًريا{ (الأحزاب‪:‬‬ ‫‪.)٢١‬‬ ‫ القدوة التاريخية الغائبة من ال�صحابة والتابعني‬‫وال�صاحلني الذين فارقوا احلياة الدنيا �إلى احلياة‬ ‫اخلالدة‪.‬‬ ‫ ال��ق��دوة العلمية احلية احلا�ضرة والتي ترتجم‬‫�سرية القدوة املثلى ل�شخ�صية النبي عليه ال�سالم‬ ‫�إلى واقع و�سلوك عملي معا�ش‪ ،‬ويعد هذا النمط من‬ ‫القدوة من "�أجنح الو�سائل يف �إعداد اجليل خلقي ًا‬ ‫وتكوينه نف�سي ًا واجتماعي ًا‪ ،‬ذلك �أنها تقدم النموذج‬ ‫احلي املاثل وتثري امليول لالقتداء والتقليد"‪ .‬مما‬ ‫يحتم على الوالدين الدقة والتناغم بني الظاهر‬ ‫والباطن والقول والعمل‪.‬‬ ‫ومما يجدر الإ�شارة �إليه �أن من �أبرز �شروط فاعلية‬ ‫الرتبية بالقدوة "�أن يكون ال�شخ�ص املربي حمب ًا ملن‬ ‫يريد تعليمه عام ًال مبا يعلمه �إياه و�أن يكون ال�شخ�ص‬ ‫املتعلم حمب ًا له"‪ .‬وبال �شك �سي�ؤثر هذا على الرتبية‬ ‫ال��وال��دي��ة القائمة على املحبة وامل���ودة يف املنظومة‬ ‫الأ�سرية املرتابطة‪.‬‬ ‫وي�ضاف �إلى ذلك كله ال�شعور بامل�س�ؤولية الرتبوية من‬ ‫قبل الوالدين‪ ،‬و�أن تلك امل�س�ألة لي�ست من قبيل النافلة‪،‬‬ ‫بل هي �أمانة وم�س�ؤولية يف الآجل والعاجل كل ح�سب‬ ‫الإمكانات والقدرات املتاحة له‪.‬‬ ‫نقاط القوة وفر�ص النجاح يف تلك الآلية‪:‬‬ ‫ حتقيق التوا�صل النف�سي‪ ،‬و�إ�شباع احلاجة �إلى‬‫احلب واالنتماء؛ ف��إذا كان احلب يعد انفعا ًال وطاقة‬ ‫خمتزنة يف النف�س الإن�سانية ف�لا ب��د م��ن ت�صريفها‬ ‫بالقنوات امل�شروعة فاحلاجة �إلى احلب �أخذ ًا وعطاء‬ ‫تباد ًال وتفاع ًال ترفد التوا�صل النف�سي يف املنظومة‬ ‫الأ�سرية االجتماعية‪.‬‬ ‫"فالدافع �إل��ى احلب هو تلك احلاجة التي يحبها‬

‫الإن�سان ويرغب معها يف �أن يحبه الآخرين"‪ .‬وقد علم‬ ‫الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪� -‬أ�صحابه �أن ي�شبعوا‬ ‫حاجة احلب يف �أنف�سهم ونفو�س �أطفالهم بقوله عليه‬ ‫�أف�ضل ال�صالة وال�سالم‪" :‬امل�ؤمن �ألف م�ألوف‪ ،‬وال خري‬ ‫فيمن ال ي�ألف وال ي�ؤلف‪ ،‬وخري النا�س �أنفعهم للنا�س"‪.‬‬ ‫وق��د دخ��ل الأق���رع ب��ن حاب�س على النبي ‪ -‬عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم ‪ -‬ويف ح�ضنه �أحد �أبنائه يقبله فقال‬ ‫�أتقبلون �أبناءكم؟ �إن يل ع�شرة من ال�صبيان ما قبلت‬ ‫�أحدهم �أبد ًا فقال له ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫�أو �أملك لك �إن نزع اهلل من قلبك الرحمة‪ ،‬من ال يرحم‬ ‫ال ُيرحم"‪.‬‬ ‫ومما يجدر الإ�شارة �إليه �أن م�س�ألة تعديل الدوافع‬‫تقوم يف كثري من الأحيان على العاطفة ال�سائدة؛ وهي‬ ‫وف��ق الت�صور الإ���س�لام��ي ح��ب اهلل وال���ذي يعد نقطة‬ ‫التحول احلقيقية من االنكما�ش وال�سلبية �إلى التوا�صل‬ ‫والإيجابية مم��ا يحتم على امل��رب�ين ال�سعي ال���د�ؤوب‬ ‫واجلاد لتحقيق �أكرب قدر من تنمية احلب هلل مبختلف‬ ‫الأ�ساليب والأدوات والإمكانات املتاحة للت�سامي فوق‬ ‫م�ستويات احلزن والتمزق النف�سي‪ ،‬ويف الوقت ذاته نرى‬ ‫�أن عاطفة ال�سخط ا�سا�س للكثري من م�شاكل كل فرد منا‬ ‫لأنه يدمر الذهن ويهدد ال�صحة اجل�سمانية ب�أخطار‬ ‫كثرية‪.‬‬ ‫ "�إن تبني ال�سلبية وا�سرتجاع اخل�برات املا�ضية‬‫يكون له �سلبيته وم�شكالت نف�سية"‪.‬‬ ‫ الو�صول �إل��ى الإب���داع الأخ�لاق��ي وال��ذي ينبع من‬‫اال�ستقاللية الأخالقية بحيث ال يخ�ضع للأعراف‬ ‫والتقاليد من غري ر�ؤية نقدية �أو وقفة مت�أنية‪ ،‬بل‬ ‫يتعامل مع كل موقف جديد بانفتاح ممزوج باحلب‬ ‫والعقل؛ فهو يتعامل مع النا�س باحلب‪ ،‬ويتعامل مع‬ ‫امل�شكالت بالعقل‪ ،‬ويطلق قدرات علمية وثقافية‬ ‫فائقة الت�صور‪ ،‬ويكون لديه الفاعلية الأخالقية‬ ‫التي ترف�ض ال�شخ�صية ال�سلبية التي ترتد �إلى‬ ‫�أح�ضان املا�ضي‪ .‬وهذا الإب��داع الأخالقي يرف�ض‬ ‫اخرتاق خ�صو�صيات الآخر وتهديد �أمنه النف�سي‬ ‫والفكري‪.‬‬ ‫ وجود مناذج يف املنظومة االجتماعية من ال�شخ�صية‬‫الإيثارية وهذه ال�شخ�صية غالب ًا ما يكون لديها‬ ‫ح��ري��ة �إ���ض��اف��ي��ة؛ فهو يختار بنف�سه الأح��ك��ام‬ ‫الأخ�لاق��ي��ة ال��ت��ي يهتدي بها يف حياته وي�شعر‬ ‫باحلرية لتعديلها وتطويرها بتطور خرباتهم‪.‬‬ ‫ وقد تتباين وتختلف �أمناط معاملة الأ�سر لأبنائهم‬‫ما بني الدالل املفرط‪ ،‬والإهمال املفرط والتو�سط‬ ‫يف بناء ال�شخ�صية املتوازية؛ فهذا النمط الرتبوي‬


‫الأخري يزاوج بني العقل والعاطفة وما بني الرتبية‬ ‫بالنموذج العملي (الرتبية بالقدوة) والرتبية‬ ‫بالن�صح والإر�شاد والأ�ساليب الرتبوية الأخ��رى‪،‬‬ ‫وتعمل على تخفيف كثافة ال�ضغوط النف�سية عن‬ ‫الأبناء حيث "ت�ؤدي ردود فعل الوالدين دور ًا يف‬ ‫تخفيف معاناة املراهق خالل الفرتة احلرجة خالل‬ ‫العمر‪ ،‬ورفع معدالت التوتر واملعاناة لتخفيف ظهور‬ ‫امل�شكالت ال�سلوكية يف حياة املراهقني"‪ .‬وحيث بان‬ ‫"نق�ص مهارات التوا�صل االجتماعي والإنفعايل‬ ‫ت����ؤدي �إل���ى وق���وع الأب��ن��اء يف م�شكالت �سلوكية‬ ‫وانفعالية واجتماعية كما ي�ؤدي �إلى تدهور ثقة‬ ‫الفرد بنف�سه مما ي�سهل تعر�ضه لأي فكر �أو معتقد‪.‬‬ ‫ويف املقابل �إذا كانت امل�ؤ�س�سة الأ�سرية من خالل‬ ‫ما تقدمه الرتبية الوالدية بالقدوة ق��ادرة على‬ ‫حتقيق الأمن النف�سي للأبناء فال بد �أن تخلق جو ًا‬ ‫من االطمئنان واال�ستقرار الأ�سري واالنفعايل‪.‬‬ ‫و�إذا ت��واف��ر ه��ذا اجل��و امل��ث��ايل "تكونت �شخ�صيات‬ ‫�إيجابية متكيفة مع نف�سها ومع الآخرين‪ ،‬قادرة على‬ ‫جتنب كل ما ي�ضعف حياتها وي�سبب لها اال�ضطراب‬ ‫والقلق‪ ،‬وت�ساعد الأفراد على ت�أدية �أدوارهم يف حياتهم‬ ‫وجمتمعهم على �أكمل وج��ه مما يجعلهم يف حالة من‬ ‫الر�ضا وال�سعادة والثقة بالنف�س"‪.‬‬ ‫ غر�س الأ�صول الإميانية من خالل القدوة الوالدية‬‫حيث �إن الإميان هو الأ�سا�س لل�سلوك االجتماعي‬ ‫وفق الت�صور الإ�سالمي‪" .‬وعقيدة فرد ما هي �أ�سا�س‬ ‫�سلوكه و�سعيه ومنهاجه يف احلياة من حيث �إنها‬ ‫حتدد له الهدف من وجوده‪ .‬وح�سب الهدف والغاية‬ ‫تنتظم اخلطوات وتتنوع الأ�ساليب‪ ،‬وكذلك احلال‬ ‫بالن�سبة للمجتمع الب�شري حيث ي��ؤم��ن معظم‬ ‫�أفراده ب�أ�صل �إمياين م�شرتك هو الأ�سا�س الفكري‬ ‫�أو الفل�سفي لل�سلوك االجتماعي"‪.‬‬ ‫وه��ذه العالقة احلميمة ب�ين الأ���ص��ول الإميانية‬ ‫وال�سلوك االجتماعي تفر�ض على الرتبية الوالدية‬ ‫�أن ت�ؤ�س�س اجتاه ًا تربوي ًا �أ�صي ًال يظهر فيه التالزم‬ ‫بني الإميان والعمل والعقيدة وال�سلوك وعلى احلالتني‬ ‫الربط بني ال�سلوك الفردي واالجتماعي‪.‬‬ ‫حيث �إن مو�ضوع الإمي��ان والعقيدة لي�ست معرفة‬ ‫ذهنية جمردة بل هي الركيزة الأول��ى لإ�شعال فتيلة‬ ‫الإب��داع احل�ضاري وااللتحام بالكتلة العمرانية وفق‬ ‫�سلوك فاعل ر�شيد يلم�سه الأبناء‪.‬‬ ‫ح�سن انتقاء القدوة‪ :‬وميثل ذلك توجيه الآباء‬‫للأبناء حل�سن اختيار القدوة ال�صاحلة من الأ�صدقاء‬ ‫والعلماء والأق��رب��اء و�إذا م��ا توفر ذل��ك الأم���ر‪ ،‬ف��إن‬ ‫ذلك فيه �إيجابية وفاعلية كبرية و�أي�ض ًا قدرة الآباء‬

‫والأبناء مع ًا على اختيار وانتقاء قدوات متعددة ولي�س‬ ‫االقت�صار على ق��دوة واح��دة يف جميع �أم��ور احلياة؛‬ ‫بحيث ت�صبح �أقرب �إلى الوثنية يف بع�ض الأحيان‪� ،‬أو‬ ‫يكون لها �صد ًا ورجع ًا �سلبي ًا يف حال ا�ضطراب القدوة �أو‬ ‫حدوث �شرخ بني القدوة واملقتدى به يف حالة االقت�صار‬ ‫على القدوة الواحدة �إ�ضافة �إلى �أن تعدد القدوات تقدم‬ ‫ثراء �إمياني ًا معرفي ًا وح�ضاري ًا؛ لأن فيه �سعة الر�ؤية‬ ‫ً‬ ‫و�شموليتها واكت�ساب الكثري من مهارات احلياة وتربية‬ ‫الذوق االجتماعي يف اجلانب ال�سلوكي‪ .‬وكذلك ت�ؤدي‬ ‫�إلى تقليد ال�سلوك الإيجابي‪ ،‬و حتقيق الإجناز والنجاح‬ ‫وخروج الأبناء من (ثقافة الي�أ�س) التي قد تقود �إلى‬ ‫الهاوية والإرهاب والعنف‪.‬‬ ‫�أما عن نقاط ال�ضعف لتلك الآلية‪:‬‬ ‫ الف�صام والتناق�ض بني �أقوال و�أفعال الوالدين‪ :‬حيث‬‫�إن الف�صام وال�شقاق بني الأقوال والأفعال للقدوة‬ ‫املربي ي�شكل حتدي ًا للرتبية ب�إطارها الو�سطي‬ ‫الإ�سالمي املتوازن‪ .‬وقد يفرز ذلك �أن يفقد الآباء‬ ‫ثقة الأبناء �إ�ضافة �إلى التن�شئة على ازدواجية‬ ‫املعايري‪ .‬فقد ين�ش�أ الأبناء على التناق�ض والتنافر‬ ‫بني التنظري والتطبيق‪ ،‬وثمة معلم تربوي يجدر‬ ‫بنا الإ�شارة �إليه يف تقدمي القدوة الوالدية يف هذا‬ ‫ال�سياق حيث نلحظ جلي ًا بع�ض من هذه القدوات‬ ‫يح�سر مفهوم الدين يف املظهر ال�شعائري بعيد ًا عن‬ ‫التوظيف العملي لهذا املظهر يف ن�سيج املنظومة‬ ‫االجتماعية "وقد اعترب الإ���س�لام الف�صل بني‬ ‫املظهر الديني وال�شعائري يف العبادة وبني املظهر‬ ‫االجتماعي وال�سلوكي تكذيب ًا بالدين نف�سه"‪.‬‬ ‫ين{ (املاعون‪)١ :‬‬ ‫قال تعالى‪�} :‬أَ َر َ�أ ْي َت ا َّل ِذي ُي َك ِّذ ُب ِبالدِّ ِ‬ ‫"وهذا ي�ؤكد �أن املظهر االجتماعي للعبادة هو حمك‬ ‫ال�صدق للمظهر ال�شعائري ف��الأول هو الإمي��ان العملي‬ ‫والثاين الإدعاء النظري �أو نقول الثاين هو العقد بني‬ ‫اخلالق والعبد والأول هو التنفيذ" ولعل ق�صور الفهم‬ ‫حلقيقة الدين وانح�سار مفهومه جعلنا تقع حتت �سطوة‬ ‫�أزمة ال�سلوك‪.‬‬ ‫�إن اال�ستغراق يف التنعم وتدليل الذات واملبالغة فيه‬‫ي��ؤدي �إل��ى �إنتاج ال�شخ�صيات اله�شة غري القادرة‬ ‫على م��واج��ه��ة ال��ت��ح��دي��ات وق��د ورد يف احلديث‬ ‫"�إياكم والتنعم وزي �أهل ال�شرك"‪ .‬فاال�ستغراق‬ ‫يف التنعم حت��ول دون تزكية النف�س وترتيبها‬ ‫واال�ستجابة �إلى ال�سلوك الر�شيد وال �سيما يف ع�صر‬ ‫البث الإعالمي‪ ،‬والذي يت�سرب �إلينا يف كل حلظة‬ ‫من خمتلف الأبواب والنوافذ الإعالمية �سلوكيات‬ ‫دخيلة‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪55‬‬


‫ ‬

‫‪ -‬‬

‫ ‬‫‪ -‬‬

‫ ‬‫‪ -‬‬

‫‪56‬‬

‫‪ -‬‬

‫وق���د �أع���د بع�ض ال��ب��اح��ث�ين م��ن �أ���س��ب��اب التنعم‬ ‫وال�سلوكيات الدخيلة والوافدة �إلينا والتي مت�س‬ ‫ال�شخ�صية امل�سلمة و�صلتها باهلل تعالى‪" .‬ركونها �إلى‬ ‫املو�سيقى واملعازف وان�شغالها بالغناء عن الأعمال‬ ‫النافعة امل�ؤثرة يف �سلوك وحياة الفرد"‪.‬‬ ‫�ضياع الإخال�ص وغياب التوظيف العملي للإميان‬ ‫ي�ؤدي �إلى الوقوع حتت �سطوة الكبت والقهر النف�سي‬ ‫وقد يفرز خلل يف البناء الإمي��اين مما ي��ؤدي �إلى‬ ‫ت�سرب حبائل النفاق والرياء �إ�ضافة �إلى �أن تقلي�ص‬ ‫دور الإخ�لا���ص يفرز �أي�ض ًا �شيئ ًا من ال�سلوكيات‬ ‫اال�ستعرا�ضية (عالقة الأر�ض بالأر�ض) ال ال�سماء‬ ‫بالأر�ض تفر�ضها كثافة �ضغط املادة وحب التزلف‬ ‫ال �سيما يف ع�صر ت�ضاءلت فيه القيم املعنوية‬ ‫وارتفعت القيم املادية فيتف�شى (�سرطان الأنا) يف‬ ‫امل�ؤ�س�سة الأ�سرية‪.‬‬ ‫ال��ق�����ص��ور ع���ن ت��ق��دمي من����وذج ري�����ادي لل�سلوك‬ ‫االجتماعي �أم��ام كثافة متطلبات الع�صر نظر ًا‬ ‫وتطبيق ًا‪.‬‬ ‫ه�شا�شة و�ضعف روح امل���ودة والإخ���اء والتكافل‬ ‫االجتماعي داخ��ل ال��دائ��رة الأ�سرية وال��دائ��رة‬ ‫الإ�سالمية والدائرة الإن�سانية �أمام �سيادة القيم‬ ‫املادية على ح�ساب القيم املعنوية‪.‬‬ ‫انت�شار و�شيوع ال�سلوكيات الدخيلة الوافدة �إلينا‬ ‫من خمتلف النوافذ والأبواب الإعالمية �أمام هذا‬ ‫التكاثر املعريف وال�سباق التقني‪.‬‬ ‫القدوات الإعالمية (القدوات البائ�سة) وهي من‬ ‫�أكرث و�أ�شد �أن��واع القدوات ت�أثري ًا نظر ًا ملا يقدمه‬ ‫الإعالم من حم�سنات ومبالغات غري عادية يجعل‬ ‫منها �شخ�صيات باهرة تتقزم �أمامها القدوة الأبوية‬ ‫وق��دوة الرفاق والعلماء‪� .‬إ�ضافة �إلى �إن الإعالم‬ ‫يقلل من �ش�أن القدوة الوالدية من خالل الدراما‬ ‫التي ال متثل الواقع بل يحاول الن�شء �إ�سقاطها على‬ ‫الواقع‪ .‬وال يفوتنا �أن القدوات الفاعلة من العلماء‬ ‫و�أه���ل الإ���ص�لاح �إذا ارتبطت باجلانب الإمي��اين‬ ‫يقدمها الإعالم ب�صورة مزيفة وم�ضطربة ب�أ�سلوب‬ ‫ذكي وماكر يحمل بني طياته لوثة املغر�ضني‪.‬‬ ‫انح�سار مفهوم الرتبية بالن�سبة لبع�ض الآب��اء‬ ‫ب�إ�شباع احل��اج��ات اجل�سمية و�إغ��ف��ال اجل��وان��ب‬ ‫الأخرى التي قد توازيها �أو تفوقها �أهمية فنجد‬ ‫م��ن ينهمك بجمع امل��ال لت�أمني حياة كرمية من‬ ‫م�أكل وم�سكن وملب�س ويهمل اجلوانب الرتبوية‬ ‫واحل�ضارية والإميانية وهذا الق�صور يلغي االلتقاء‬ ‫بني الآجل والعاجل والوحدة بني الدنيا والآخرة‪.‬‬

‫ت�ضخم زالت وهفوات القدوة الوالدية فقد يعد الأبناء‬‫الآب��اء �أنهم ب�شر يعملون بطريقة م�سحورة فهم‬ ‫الأقرب �إلى املالئكية مما تنعك�س �سلب ًا على الأبناء‬ ‫بالعزلة االجتماعية والأ�ضرار ال�صحية والنف�سية‬ ‫‪ .‬ويف ال��وق��ت ذات���ه ق��د ي��ن��ال ال��ق��دوة ال��وال��دي��ة‬ ‫الإعجاب والر�ضا املبالغ فيه من الأبناء في�ؤدي �إلى‬ ‫االنغما�س التام ورف�ض كل جديد و�أحادية التلقي‬ ‫املعريف والوجداين للأبناء والوالء املطلق من غري‬ ‫ر�ؤية نقدية وب�صرية نافذة‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‬ ‫�آلية الرتبية باحلوار الأ�سري ‪:‬نقاط القوة ونقاط‬ ‫ال�ضعف لتلك الآلية‬ ‫�إن احل�صون احلوارية هي �أبرز احللول الر�شيدة من‬ ‫بني البدائل املطروحة لقيام منظومة �أ�سرية م�ستقرة‬ ‫�آمنة مع الت�أكيد على الأب��ع��اد والقيم وال�سلوكيات‬ ‫الر�شيدة يف الن�شاط االجتماعي‪ ،‬كما ي�ؤكد ذلك احلديث‬ ‫النبوي ال�شريف‪“ :‬مثل امل�ؤمنني يف توادهم وتعاطفهم‬ ‫كمثل اجل�سد الواحد �إذا ا�شتكى منه ع�ضو تداعى له‬ ‫�سائر اجل�سد بال�سهر واحلمى”‪.‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬لغة‪ :‬مفهوم احلوار‬ ‫احلوار لغة‪ :‬حاوره حماورة وحوار ًا جاوبه وجادله‬ ‫وحتاوروا‪ :‬تراجعوا يف الكالم بينهم وجتادلوا‪ .‬واملحاورة‬ ‫مراجعة املنطق والكالم يف املخاطبة‪ ،‬والأح ْور‪ :‬العقل‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬احلوار ا�صطالح ًا‬ ‫ه��ن��اك العديد م��ن التعريفات ملفهوم احل���وار من‬ ‫�أبرزها‪:‬‬ ‫ “حديث �شفهي يجري تناوله بني �أك�ثر من فرد‬‫�سواء يف �شارع �أو بيت �أو مدر�سة‪ ،‬وي�أخذ احلوار‬ ‫�أهميته من خطورة و�أهمية الق�ضايا املثارة �أو ب�سبب‬ ‫الثقافة العميقة �أو املتميزة للمتحاورين”‪.‬‬ ‫وي��ع��رف احل���وار الأ���س��ري ب ��أن��ه‪“ :‬تناول للأفكار‬ ‫والآراء بني طرفني من عنا�صر الأ�سرة ب�صورة منظمة‬ ‫ومو�ضوعية على �أ�سا�س االحرتام املتبادل بينهما”‪.‬‬ ‫مقومات و�أ�س�س احلوار‬ ‫مقومات املحاور‬ ‫�أم��ا عن مقومات امل��ح��اور فمن �أهمها‪�“ -:‬أن يكون‬ ‫حكيم ًا‪ ،‬فطن ًا‪ ،‬عاملا بالع�صر وفقهي ًا يف ق�ضاياه وم�شكالته‪،‬‬ ‫قوي ًا م�ستقيم ًا عارف ًا بالدنيا مدرك ًا لر�سالته منفتح العقل‬ ‫ذكي الف�ؤاد‪ ،‬وا�سع الأفق‪ ،‬حميط ًا مبعارف �شتى‪ ،‬على قدر‬ ‫كبري من الثقافة واخلربة والتخ�ص�ص”‪.‬‬


‫وي�ضاف لل�سابق جملة م��ن املقومات للمحاور من‬ ‫�أبرزها‪:‬‬ ‫�أنه يجب على املناظر �أن يحر�ص على االخت�صار‬‫وعدم اال�ستطراد يف احلديث‪.‬‬ ‫�أن ال ي�ستعمل الألفاظ التي حتتمل اكرث من معنى‪.‬‬‫�أن ي�ستخدم الكلمة الدافئة اللينة حيث �إنها ت�ؤلف‬‫القلوب وتف�سح املجال الو�صول �إلى القوا�سم امل�شرتكة‬ ‫بني املتحاورين بينما الكلمة اجلافة حت ّول احلوار �إلى‬ ‫�شكل من �أ�شكال ا�ستعرا�ض امل��ه��ارات وي�سود الغ�ضب‪،‬‬ ‫والإنفعال الذي يعطل احلوار‪.‬‬ ‫ن�شر الرحمة‪� :‬إن احل��وار ب�صورة عامة واحل��وار‬ ‫الأ���س��ري ب�صورة خا�صة له مق�صد رئي�س ه��و‪“ :‬ن�شر‬ ‫الرحمة التي بعث من �أجلها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم”‪ .‬وه��ذه الرحمة موجهة �إل��ى جميع الأطياف‬ ‫االجتماعية بل والإن�سانية على تباينها واختالفها‪.‬‬ ‫قال تعالى‪َ “ :‬و َما �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك ِ�إ اَّل َر ْح� َم� ً�ة ِل ْل َعالمَ ِنيَ"‬ ‫(الأنبياء‪)١٠٧ :‬‬ ‫ف�إن كانت الدعوة �إلى احلوار مع (الآخ��ر) لتحقيق‬ ‫ال��ع��دال��ة االجتماعية فمن ب��اب �أول���ى رف��د الطاقة‬ ‫احلوارية يف م�ؤ�س�ستنا الأ�سرية يف �سبيل �إذكاء احل�س‬ ‫الأخ�لاق��ي الإمي���اين ال��ذي يرفد امل�����ش��روع احل�ضاري‬ ‫الإ�سالمي يف حتقيق املنظومة الأخالقية يف جمتمع �آمن‬ ‫م�ستقر‪.‬‬ ‫ توفر �أجواء احلرية املن�ضبطة‪.‬‬‫ التزام املو�ضوعية‪ :‬فاملو�ضوعية من ركائز احلوار‬‫و�أ�س�سه الهامة‪ ،‬وقد �أ�شار الغزايل �إل��ى هذا الأ�سا�س‬ ‫بقوله "وينبغي �أن يكون �أي املتحاوران‪ ،‬يف طلب احلق‬ ‫كنا�شد �ضالة‪ ،‬ال يفرق بني �أن تظهر ال�ضالة على عدة �أو‬ ‫على بدة من يعاونه‪ .‬وهناك ركائز و�أ�س�س للمو�ضوعية‬ ‫�أخرى ميكن �أن يندرج حتتها "حتديد معاين امل�صطلحات‬ ‫وم�صافيها من �أعلى مراتب �إذ يعد �شروط املو�ضوعية‬ ‫لأي حوار مثمر والعبارة ال�سائدة بني املفكرين �أنه "ال‬ ‫م�شاحة يف الألفاظ وامل�صطلحات"‪ .‬ويحتاج �إلى �إعادة‬ ‫نظر و�ضبط ملفهومها" وال �سيما يف لغة التوا�صل الأ�سري‬ ‫�إذ تهمي�شها يو�سع دائرة اخلالف واخل�صام يف الأجواء‬ ‫الأ�سرية‪ .‬التي باتت فيها ن�شر ثقافة احل��وار �ضرورة‬ ‫حياتية‪.‬‬ ‫رعاية الأولويات‬ ‫�إن اال�سرة مطالبة برتتيب �سلم الأولويات فيقدم‬ ‫الأه���م على امل��ه��م وامل��ت��ف��ق عليه قبل املختلف عليه‬ ‫"والكليات على اجلزئيات وما كان قليل ال�ضرر على‬ ‫كثريه"‪ .‬حيث �إن احلياة قد ات�سعت مبادئها وت�شعبت‬

‫جماالتها وم�ستجداتها وق�ضاياها مما يطرح على �ساحة‬ ‫احلوار الأ�سري م�ستجدات ال ح�صر لها فعلينا �أن ن�ضعها‬ ‫على م�شرحة �سلم الأولويات حتى ال تنتقل بالق�ضايا‬ ‫الهام�شية على ح�ساب الق�ضايا امل�صريية والهامة‪.‬‬ ‫ومن ترتيب الأولويات حماورة الأبناء الأكرث ن�ضج ًا‬ ‫و�أعمق فهم ًا على غريهم �إ�ضافة �إلى حماورة االبن الأكرب‬ ‫والبنت الكربى ليكونا قدوة ح�سنة ومثا ًال يحتذى به ملن‬ ‫هم �أ�صغر منهم يف �أ�سرهم‪.‬‬ ‫ومي��ك��ن ل�ل�أ���س��رة �أن ت��ر���س��خ احل����وار وجت����ذره ل��دى‬ ‫عنا�صرها من خالل ما يلي‪:‬‬ ‫تر�سيخ ثقافة احل���وار ل��دى الأب��ن��اء ع��ن طريق‬‫الرتبية بالقدوة‪ ،‬فعلى الوالدين متثل �أ�سلوب احلوار‬ ‫و�آداب���ه و�شروطه‪ ،‬ف ��إذا ر�أى الأب��ن��اء اتباع الوالدين‬ ‫لأ�سلوب فيما بينهم يف جو ت�سوده املحبة والألفة واملودة‬ ‫كان ال بد �أن ينعك�س ذلك على �سلوك الأبناء �أنف�سهم‪.‬‬ ‫التخل�ص م��ن ال�شعور بالفوقية عند احل���وار مع‬‫الأبناء‪ ،‬فقد يقف هذا ال�شعور حاجز ًا التخاذ �أ�سلوب‬ ‫احل��وار داخ��ل الأ�سرة‪ ،‬لذا يحب على الوالدين �إزال��ة‬ ‫هذا ال�شعور وتقدير �شخ�صياتهم والثقة بقدرتهم على‬ ‫متييزها و�إبدائها‪.‬‬ ‫منح الأبناء الفر�صة الكافية للتعبري عن �آرائهم‬‫خالل احلوار مما ي�سمح ببناء الثقة املتبادلة بني الآباء‬ ‫والأبناء فيزول حاجز اخلوف والقلق من نفو�س الأبناء‪،‬‬ ‫ويدفع �إلى الإقبال على الآباء وم�صارحتهم مبا يجول يف‬ ‫نفو�سهم‪.‬‬ ‫نقاط القوة لتلك الآلية‪ :‬ح�صانة الهوية حيث‪�“ :‬إن‬ ‫التفاعالت واحل��وارات العائلية خ�صو�ص ًا الأولية منها‬ ‫تقدم للمراهق املواقف التي ت�شكل من خاللها الهوية‬ ‫لديه‪ ،‬فامل�شكلة املركزية يف مرحلة املراهقة هي الو�صول‬ ‫�إلى ال�شعور بالهوية النف�سية‪.‬‬ ‫كما �إن ه��ذه املرحلة حتمل خطر امتداد (الأن��ا)‬ ‫وتو�سع جماالته‪ ،‬ولكن هذا االمتداد ال يتم ب�سهولة‬ ‫و�أحيان ًا كثرية ي�ؤدي �إلى �سوء التكيف وظهور امل�شكالت‬ ‫ال�سلوكية‪ ،‬ويتوقف ذلك �إل��ى حد كبري على ما حدث‬ ‫يف مراحل ما قبل املراهقة من من��و‪ ،‬وم��ا اكت�سبه من‬ ‫خربات”‪ .‬وميكننا �أن نتغافل الدور احليوي الذي ت�ضطلع‬ ‫به الأ�سرة يف البناء النف�سي والرتبوي ل�شخ�صية املراهق‬ ‫فيما قبل املراهقة ب�شكل خا�ص‪ .‬وقد �أثبتت النتائج‬ ‫لعدد من الدرا�سات النف�سية “وجود عالقة ارتباطيه‬ ‫– بني ح�صانة الهوية النف�سية وانخفا�ض امل�شكالت‬ ‫ال�سلوكية من جهة �أخرى”‪ .‬كما دلت على وجود عالقة‬ ‫“ارتباطية �سلبية بني انغالق وه�شا�شة الهوية النف�سية‬ ‫وكل من جمال ال�سلوك العدواين والذي يتمثل العنف‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪57‬‬


‫‪58‬‬

‫والإرهاب وغريها وجمال �سلوك التدخني وجمال �سلوك‬ ‫الكذب‪.‬‬ ‫كما �أظهرت النتائج وجود اختالف دال اح�صائي ًا يف‬ ‫درجة �شيوع امل�شكالت ال�سلوكية يعزى الختالف اجلن�س‬ ‫للمجاالت ال�سلوكية ال�سالف ذكرها‪ ،‬ومرد ذلك العامل‬ ‫الأ�سري املتمثل يف التن�شئة االجتماعية التي ت�شجع‬ ‫الذكور على العدوانية والذكورة والإح�سا�س بالرجولة‪.‬‬ ‫حتقيق العدل واحلرية‪ :‬حيث �إن الأجواء الأ�سرية‬‫التي ي�سودها حرية التعبري الفاعل من خالل قنوات‬ ‫التوا�صل واحلوار الأ�سري حتظى بق�سط وافر من العدل‬ ‫والذي يعد القاعدة الأ�صلية واملنطلق الرئي�س لقيمة‬ ‫احلرية‪.‬‬ ‫“�إن اهلل �سبحانه وتعالى الذي جعل العدل من �أ�سمائه‬ ‫ما �أر�سل ر�سله وال �أنزل كتابه وال كلف النا�س بال�شرائع‬ ‫�إال لإقامة العدل واحلق”‪ .‬قال تعالى‪َ “ :‬و�أَ ِقي ُموا ا ْل َوزْنَ‬ ‫ِبا ْل ِق ْ�س ِط َو اَل ُتخْ ِ�س ُروا المْ ِي َزانَ "(الرحمن‪.)٩ :‬‬ ‫بيد �أن الإ���س�لام وازن يف عدله ب�ين جميع القوى‬ ‫الفاعلة يف احلياة فال يطغى فيه الفرد على املجتمع‪ ،‬وال‬ ‫املجتمع على الفرد وال يطغى فيه �أي فرد يف املنظومة‬ ‫الأ�سرية على �آخر حيث �إن احلرية ثمرة للعدل يقول‬ ‫ابن خلدون يف قيمة العدل‪�" :‬إن التعدي والظلم عائدة‬ ‫اخلراب يف العمران"‪.‬‬ ‫ الرتكيز على اجلوانب الإيجابية‪ :‬يف �شخ�صيات‬‫الأب��ن��اء "و�إظهار م��ا ميتلكون م��ن خ�صائ�ص وما‬ ‫لديهم من �إجنازات واالعرتاف بف�ضلهم واالبتعاد‬ ‫عن الت�شهري بهم خا�صة عندما يكون ذلك بذكر‬ ‫�سلبياتهم ون��ق��اط �ضعفهم على م�سمع ال�ضيوف‬ ‫والأ�صدقاء وال�سخرية من �سلوكياتهم وت�صرفاتهم‪.‬‬ ‫ ال��ب��دء ب��احل��وار بالقوا�سم امل�شرتكة وا�ستخدام‬‫الألفاظ الإيجابية والأ�سماء والألقاب املحببة‬ ‫لدى الأبناء يف حمادثتهم وحماوراتهم ومن ذلك‬ ‫ا�ستعمال العبارات التي تنم عن اح�ترام الأبناء‬ ‫وتقديرهم عند مبا�شرتهم لأي عمل �أو حوار مثل‬ ‫�أرج��وك‪� ،‬شكر ًا لك‪� ،‬آ�سف‪� ،‬إ�ضافة �إلى الإمي��اءات‬ ‫والتوا�صل غري اللفظي وال��ذي يكون �أك�ثر وقع ًا‬ ‫�إيجابي ًا يف النف�س من التوا�صل اللفظي يف بع�ض‬ ‫الأحيان‪.‬‬ ‫ االبتعاد عن االنفعال والغ�ضب‪ :‬وال يفوتنا الت�أكيد‬‫هنا على �أهمية االبتعاد عن املناخات االنفعالية‬ ‫يف احل��وار الأ�سري؛ ليتم يف �أج��واء هادئة متزنة‬ ‫ول��ت��ج��اوز ه��ذا امل��ن��زل��ق ي��ب��د�أ احل���وار بالقوا�سم‬ ‫امل�شرتكة ونقاط االتفاق والكلمات الدافئة التي‬ ‫ترطب الأجواء وتلني القلوب �إ�ضافة �إلى �أن تن�صف‬

‫الأطراف املتحاورة بفقه اال�ستماع مع احلر�ص �أن‬ ‫ال ت�سرب التع�صب واالنغالق �إلى املناخات الأ�سرية‬ ‫احلوارية التي ي�سودها احلب وال��دفء “حيث �إن‬ ‫اال�ستماع اجليد للأبناء هو عالمة اهتمام وبداية‬ ‫للتوا�صل وقبول الأبناء لها يلقى عليهم من �أوامر‬ ‫�سيما �إذا اق�ت�رن بح�سن الإ���ص��غ��اء وع���دم ال��رد‬ ‫على ال�س�ؤال قبل نهايته وعدم مقاطعتهم �أثناء‬ ‫احلديث”‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �أن ال يعطي انطباع ًا قبل نهاية احلديث و�أن‬ ‫ينتبه لتعابري وجوههم وحركاتهم مع االحتفاظ ب�أكرب‬ ‫قدر من م�شاعر التقدير واالحرتام‪ .‬ولتحقيق �أكرب قدر‬ ‫من التوا�صل الأ�سري‪ :‬فال بد من الت�أكيد على التما�سك‬ ‫الأ���س��ري‪� ،‬إذ ي�سهم احل���وار يف دع��م �أوا���ص��ر التعاون‬ ‫والتوا�صل وال �شك �أن التفاهم واالت�صال اجليدان‬ ‫يتطلبان الكثري من احلديث واال�ستماع من قبل جميع‬ ‫�أفراد العائلة”‪ .‬ويرفد ذلك ك�شف اللثام عن الأفكار‬ ‫والر�ؤى اخلاطئة لت�صويب م�سارها وحتديد مكمن اخللل‬ ‫�إ�ضافة �إل��ى اقتنا�ص الأف��ك��ار والطاقات الإبداعية‬ ‫لتطويرها وتنميتها‪ ،‬حيث �إن احلوار الأ�سري يربي على‬ ‫النقد البناء ويحمي من �أحادية التفكري كما يجلي‬ ‫اللب�س والغمو�ض عن كثري من املواقف الأ�سرية‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إلى �أن �شيوع �أجواء احلرية تعني يف الك�شف عن القدرات‬ ‫الإبداعية لتطويرها والأفكار اخلاطئة لت�صويبها‪.‬‬ ‫�أماعن نقاط ال�ضعف لتلك الآلية‪:‬‬ ‫ ال�سلوك العدواين‪ ،‬ويعرف ال�سلوك العدواين ب�أنه‪:‬‬‫“ما ي�صدره الفرد بهدف �إحلاق الأذى وال�ضرر بفرد‬ ‫�آخر �أو �أفراد �آخرين �سواء كان بدني ًا �أو لفظي ًا �أو‬ ‫نف�سي ًا ب�صورة مبا�شرة �أو غري مبا�شرة �أو مت الإف�صاح‬ ‫عنه ب�صورة غ�ضب �أو ع��داوة ولل�سلوك العدواين‬ ‫�أ�شكال و�صور متعددة من �أبرزها‪“ .‬العدوان اللفظي‬ ‫والعدوان الرمزي والعدوان املادي”‪.‬‬ ‫ ويعد غياب مفهوم احلوار الداخلي والتدرج يف بناء‬‫ال�شخ�صية احلوارية وذلك باالنتقال التدريجي‬ ‫من احل��وار الداخلي �إلى اخلارجي حتدي ًا �إ�ضافة‬ ‫�إلى التع�صب والإنغالق واملبالغة يف تقدير الذات‪،‬‬ ‫�سيما �إذا اق�ترن ذل��ك بغياب العدالة الأ�سرية‬ ‫واالجتماعية وال��ذي ي ��ؤدي �إل��ى تغليب ال�سلوك‬ ‫ال�سلبي من عنف و�إرهاب‪ .‬وي�ضاف على ذلك حتول‬ ‫احلوار الأ�سري �إلى جدل مذموم‪.‬‬ ‫ تخ�ضع املجتمعات الإن�سانية يف الوقت احلا�ضر‬‫لكثري من التغري والتطور �سرعة ومدى مبا مل ي�سبق‬ ‫لها �أن مار�سته يف �أي��ة ف�ترة من ف�ترات التاريخ‬ ‫الإن�����س��اين �شملت ك��ل ن��واح��ي احل��ي��اة ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية وغريها والتي فر�ضت‬


‫نف�سها على قيم الأفراد و�سلوكهم وعلى امل�ؤ�س�سات‬ ‫االجتماعية املختلفة‪.‬‬ ‫وي��ؤدي فقدان الثقة بالنف�س �إلى “�شعور بال�ضجر‬ ‫فال يجر�ؤ الفرد يف احلا�ضر والآتي على اتخاذ القرار‬ ‫في�ؤدي به �إلى االنطواء واالن�سحاب تكوين �شخ�صية‬ ‫م�ستقلة” مما يفرز ال�شخ�صيات النمطية الأمعية والتي‬ ‫تقلد من غري فكر م�ستقل ور�ؤية نا�ضجة‪.‬‬ ‫ولعل اخلجل مع�ضلة وعقبة حتول دون �أن حتقق‬ ‫�أهداف احلوار وتفعيله ويعرف اخلجل ب�أنه عدم ثقة‬ ‫الفرد بنف�سه ومبهاراته االجتماعية‪ .‬ويعرف وليم‬ ‫مكدوجل ب�أنه “ظرف انفعايل يت�سم بعدم االرتياح‬ ‫والتحرج والكف يف وجود الآخرين”‪ .‬فاخلجل ال يعيق‬ ‫احل��وار الفاعل فح�سب بل قد يحول دون التوظيف‬ ‫العملي لل�سلوكيات الر�شيدة يف املحيط االجتماعي‬ ‫�إ�ضافة �أنه قد يفر�ض الفرد �إلى العدوان الإن�ساين �أو �أي‬ ‫�شكل من �أ�شكال العنف اللفظي �أو اجل�سدي �أو غري ذلك‪.‬‬ ‫وي�ضاف �إلى ذلك يل عنق الن�صو�ص ال�شرعية للأهواء‬ ‫والأغرا�ض ال�شخ�صية وا�ستباحة احلمى‪.‬‬ ‫ثمة تناق�ض كبري بني الن�صو�ص النظرية التي تدعو‬ ‫�إل��ى احل��وار والتوا�صل الأ�سري والعفو واللني والرفق‬ ‫والرحمة وكافة معاين الت�سامح التي نادت بها الرتبية‬ ‫الإ�سالمية وبني التطبيق العملي لها على �أر�ض الواقع‬ ‫ال��ذي ي�سوده العنف والتطرف واالعتداء على القيم‬ ‫العظيمة ولعل ذلك مرده �إلى ت�أويل الن�صو�ص ال�شرعية‬ ‫ت ��أوي� ً‬ ‫لا ج��ائ��ز ًا بق�صد حتريفها عن م��راده��ا لتحقيق‬ ‫�أهداف �شخ�صية �ضيقة‪ .‬وي�ضاف �إلى ذلك �أن ي�سود مبد�أ‬ ‫النازل �أو التطفل الأ�سري يف امل�ؤ�س�سة الأ�سرية بحيث‬ ‫يعتاد فرد من �أفراد الأ�سرة التنازل عن احلق مما ي�سبب‬ ‫اخللط بني احلق والواجب وبني املداراة واملراهنة‪.‬‬ ‫املطلب الرابع‬ ‫ابرز املرئيات واملقرتحات التي ت�ؤهل الأ�سرة على‬ ‫تفعيل الآليات الرتبوية املقرتحة وذلك من خالل‬ ‫الآتي‪:‬‬ ‫ تنظيم دورات دوريه يف الرتبية الأخالقية لل�شباب‬‫وال�شابات عامةالذين ينوون ال���زواج خا�صة‪-‬‬ ‫�إ�سالميا واجتماعيا وعلميا ‪ -‬وتعريفهم كافة‬ ‫م�س�ؤوليات الأ���س��رة احلديثة والتحديات التي‬ ‫تواجهها يف الع�صر احلديث‪ ،‬والبد من جعل ح�ضور‬ ‫هذه ال��دورات بع�ض متطلبات ال��زواج و�شروطه‪.‬‬ ‫علما ب����أن ه��ذه ال����دورات تعد �أزواج���� ًا وزوج���ات‬ ‫م�ؤهلني الن يكونوا قدوة ح�سنه فاعله قادرة على‬ ‫توظيف الأخالق وخمتلف املفردات االجتماعية‬ ‫املجردة �إلى �سلوك عملي ي�سهل على الأبناء تقليده‬

‫‪ -‬‬

‫‪ -‬‬

‫ ‬‫‪ -‬‬

‫‪ -‬‬

‫ ‬‫‪ -‬‬

‫‪ -‬‬

‫واالقتداء به يف املواقف احلياتية املختلفة ‪ ,‬ي�سهم‬ ‫يف تطويره �إل��ى مرتبة الإب��داع الأخالقي الذي‬ ‫يرفده املرونة واال�ستقاللية الأخالقية‪.‬‬ ‫الرتكيز اخلا�ص على دور االعالم ب�شقيه التقليدي‬ ‫واجلديد ودور امل�ؤ�س�سات الرتبوية واالجتماعية‬ ‫املختلفة لفتح قنوات التوا�صل مع الأ�سر لر�صد‬ ‫واقعها وا�ست�شراف الآتي واالنفتاح على �شريحة‬ ‫الأب��ن��اء ب�أ�سلوب ع�صري يتناغم وي��ت��زاوج فيه‬ ‫الأ�صالة باملعا�صرة وفق مفاهيم م�ؤ�صلة املحتوى‬ ‫وم��ع��ا���ص��رة االجت����اه جت��م��ع ب�ي�ن ث��واب��ت ال��دي��ن‬ ‫وم�ستجدات الع�صر ومعطياته تتبع الرتبية‬ ‫التجديدية ال الرتبية التقليدية‬ ‫اال�ستفادة من معينات الرتبية الإميانية النامية‬ ‫وح�����س��ن ت��وظ��ي��ف ( ف��ق��ه ال��ت��دي��ن) م��ن ق�ص�ص‬ ‫ال��ق��ر�آن اخل��ال��دة والرتبية النبوية و الرتبية‬ ‫بالنماذج الإميانية ومعاي�شتهم‪ ،‬وجماهدة النف�س‪،‬‬ ‫ومعرفة �آث��ار الدعاء واال�ستعانة باهلل‪ ،‬وقراءة‬ ‫�سري ال�صاحلني الذين �سبقونا ب��الإمي��ان‪ ،‬ومعرفة‬ ‫الإن�����س��ان حلقيقته وع��ج��زه‪ ،‬وذك��ر امل��وت والقرب‬ ‫وال�صالة وغريها من معينات الرتبية الإميانية التي‬ ‫تعني برتبية القلوب وتزكيتها وفقه الباطن؛ الن‬ ‫الرتبية الإميانية هي املحور احليوي الذي يرفد‬ ‫الطاقة الأخالقية وميدها بالثبات والتجديد‬ ‫حيث �إن العون الرباين هي الطاقة الكامنة التي‬ ‫ترفد الطاقة الرتبوية الأ�سرية‬ ‫ا�ستثمار الو�سائل والأ�ساليب والأن�شطة املعينة‬ ‫لتنفيذ الآليات الرتبوية املقرتحة للأ �سرة ومن‬ ‫�أبرزها ‪:‬‬ ‫برامج تدريبية تقدم للأ�سرة؛ للوقوف على الأدوار‬ ‫الوظيفية التي ت�ضطلع بها يف الت�أهيل الر�شيد؛‬ ‫لتحويل القيم االجتماعية املجردة �إلى واقع عملي‬ ‫معي�ش على �أر�ض الواقع‪.‬‬ ‫املوعظة والإر���ش��اد‪� ،‬أو ما ميكن ت�سميته التعليم‬ ‫املبا�شر‪ :‬وهو تقدمي الأفكار‪ ،‬واملعلومات‪ ،‬واخلربات‬ ‫بطريقة مبا�شرة‪ ،‬خمت�صرة‪ ،‬ويكون ذل��ك ب�شكل‬ ‫تذكري �أو ن�صيحة �أو ترغيب‪.‬‬ ‫الرتبية بتفريغ الطاقة ال�سيما يف مرحلة الطفولة‬ ‫وال�شباب‪.‬‬ ‫الإع�لام ب�شقيه القدمي واجلديد وذلك من خالل‬ ‫مواقع التوا�صل االجتماعي ودراما هادفة وبرامج‬ ‫حوارية ووعظية م�ؤمترات ذات ف�ضاء اجتماعي‬ ‫تربوي �شرعي ت�ستهدف الآباء والأبناء‪.‬‬ ‫الق�صة وعر�ضها ب�أ�ساليبها وطرائقها املختلفة‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪59‬‬


‫‪60‬‬

‫وتعد من �أكرث الأ�ساليب ت�أثريا ‪.‬‬ ‫ الإذاعة املدر�سية والنوادي املدر�سية من اجتماعية‬‫و�أدبية وعلمية‪.‬‬ ‫ ال�سرية النبوية للم�صطفى عليه �أف�ضل ال�صالة‬‫وال�سالم م��ن خ�لال التطبيق العملي وم��ن خالل‬ ‫الإعالم ومن خالل الق�صة ب�أ�سلوب �شيق يتناغم مع‬ ‫املعا�صرة ‪.‬وغريها‪.‬‬ ‫ كتب ودوريات ومطويات‪.‬‬‫ اال�ستفادة من ال�شبكة العنكبوتية وال�سيما مواقع‬‫التوا�صل الإجتماعي وقوة �سطوتها وت�أثريها على‬ ‫الأجيال‬ ‫ الرحالت والأن�شطة الرتفيهية‪.‬‬‫ �أ�سلوب القراءة العامة واملطالعة احلرة مبا يتالءم‬‫مع املراحل التكوينية‪.‬‬ ‫ الكتاب الأكادميي �أي الكتاب اجلامعي �أو الكتاب‬‫املدر�سي وذل��ك ب�لا ري��ب يحتاج �إل��ى جهد ف��ردي‬ ‫وم�ؤ�س�سي وتعا�ضد جهود خمتلفة يف �سبيل ذلك‪.‬‬ ‫ التوا�صل مع امل�ؤ�س�سات الر�سمية وغري الر�سمية‬‫لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫ التعود واكت�ساب ال��ع��ادات‪� :‬إن كثري ًا من �أمن��اط‬‫ال�سلوك و�أ�ساليب الكالم وم�ستوى االنفعاالت هي‬ ‫نتيجة عادات مكت�سبة دخلت يف �صميم ال�شخ�صية‬ ‫من الطفولة؛ لذا كانت رعاية اكت�ساب العادات من‬ ‫الطرائق الأ�صلية‪ ،‬خا�صة و�أنها �أمر �سهل تربوي ًا ملا‬ ‫يف�سر به ال�صغار من ميل �إلى التقليد‪ ،‬واالندماج‬ ‫وامل�شاركة الوجدانية يف حني �أن ت�صحيحها يعد‬ ‫ر�سوخها وا�ستحكامها يحتاج �إلى الكثري من اجلهد‬ ‫والإدارة واالقتناع”‪.‬‬ ‫ الدرو�س الدورية‪ :‬الأ�سرية ال�شهرية �أو الف�صيلة‬‫وغريها‪.‬‬ ‫ ا�ست�ضافة العلماء والدعاة واملد�سني وغريهم‪.‬‬‫ توظيف امل�سجد يف ذلك وخطبة اجلمعة‪.‬‬‫ عقد م�سابقات يف م��ا ميكن ت�سميته (الإب����داع‬‫الأ�سري) لأف�ضل الأ�ساليب الأ�سرية‪.‬‬ ‫النتائج والتو�صيات‬ ‫ويف نهاية املطاف خل�صت الدرا�سة �إلى �أهم النتائج‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫ �إن من �أهم الآليات الرتبوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة‬‫لرتجمة القيم االجتماعية املجردة �إل��ى �سلوك‬ ‫عملي ر�شيدة هو (القدوة الوالدية) والنموذج‬

‫العملي احلي الأكرث الت�صاقا ومعاي�شته للأبناء‪.‬‬ ‫ �إن من �أبرز الآليات الرتبوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة‬‫لرتجمة القيم املجردة �إلى �سلوك عملي حميد لدى‬ ‫الأبناء (احل��وار الأ���س��ري) وال��ذي يرفد الطاقة‬ ‫الأخالقية والإبداع الأخالقي‪.‬‬ ‫ �إن القدوة الوالدية ال�صاحلة ت�ؤدي �إلى التوا�صل‬‫النف�سي والعقلي وتعمل على �شيوع �أج��واء املحبة‬ ‫وامل���ودة وت��رف��د االيجابية والأخ�ل�اق وال�سلوك‬ ‫الر�شيد‪.‬‬ ‫ �إن احل���وار الأ���س��ري الفاعل ال��ذي ي�سوده مناخ‬‫احلرية املن�ضبطة مينح الأب��ن��اء الثقة بالنف�س‬ ‫ويعمل على تقارب الأفكار ويك�شف عن الطاقات‬ ‫الإبداعية وبحنب الأبناء من الوقوع حتت �سطوة‬ ‫التطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫ ال بدَ من تعا�ضد الو�سائط الأ�سرية والإعالمية‬‫واملجتمعية ليثمر جيال ذا �أبعاد ح�ضارية و�أ�سريه‬ ‫و�سلوك عملي ر�شيد قادر على تقدمي منوذج ريادي‬ ‫للم�سلم املعا�صر‬ ‫التو�صيات‪:‬ويف نهاية املطاف تو�صي الدرا�سة ‪:‬‬ ‫ تو�سيع الف�ضاء ب��اجت��اه فقه الإع�ل�ام (الإع�ل�ام‬‫الأ���س��ري) يعمل على �إع���داد من��اذج من القدوات‬ ‫ال��وال��دي��ة احل�سنه ال��ت��ي يتج�سد فيها ال�سلوك‬ ‫الر�شيد وامل�ؤهلة لإي�صال هذه الطاقة �إلى الأجيال‬ ‫ال�صاعدة واحلا�ضرة‪.‬‬ ‫ العمل على عقد دورات تدريبية لكافة عنا�صر‬‫امل�ؤ�س�سة الأ�سرية لتفعيل اجلوانب الأخالقية‬ ‫النظرية �إلى منظومة �سلوكية ر�شيدة‪.‬‬ ‫ التن�سيق بني خمتلف الو�سائط وامل�ؤ�س�سات الرتبوية‬‫والتعليمية لإي��ج��اد (م���ادة) (منهج) يف خمتلف‬ ‫املراحل التعليمية تعنى برتجمة القيم املجردة‬ ‫�إل��ى �سلوك ر�شيد بعيدا ع��ن الرتبية الأ�سرية‬ ‫التقليدية‪.‬‬ ‫ �إعادة الفهم وبر�ؤية جديدة للتطبيقات ال�سلوكية‬‫النبوية ال�شريفة يف امل�ؤ�س�سة الأ�سرية خا�صة‬ ‫واملنظومة االجتماعية عامة‪.‬‬ ‫قائمة امل�صادر واملراجع‪:‬‬ ‫(‪� )1‬سرحان‪ ،‬منري مر�سي‪ ،)1981( ،‬يف اجتماعيات الرتبية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬ ‫النه�ضة للطباعة والن�شر‪.‬‬ ‫(‪ )2‬عفيفي‪ ،‬جمال الدين ح�سني‪� .)1994( .‬أ�س�س فل�سفة الأخ�لاق‪،‬‬ ‫القاهرة‪ :‬دار الطباعة املحمدية‪� ،‬ص‪.11‬‬


‫الأردن‪ :‬دار الفرقان‪� ،‬ص‪.20‬‬

‫(‪ )3‬ابن خلدون‪ ,‬عبد الرحمن‪ .)1992( .‬املقدمة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار القلم‪،‬‬ ‫�ص‪.289‬‬ ‫(‪� )16‬سالمة‪� ،‬أحمد عبد العزيز‪ ،‬عبد ال�سالم عبد الغفار‪.)1997( .‬‬ ‫(‪ )4‬البغا م�صطفى‪ .)1981( .‬نظام الأ�سرة يف الإ�سالم‪ ،‬دم�شق‪ :‬املطبعة‬ ‫علم النف�س االجتماعي‪ :‬النا�شر دار النه�ضة العربية‪.200 ،‬‬ ‫التعاونية‪� ،‬ص‪.117‬‬ ‫(‪ )17‬بادحدح‪ ،‬علي عمر‪ .)1996( .‬مقومات الداعية الناجح‪ ،‬جدة‪ :‬دار‬ ‫(‪ )5‬م�سلم‪ ،1995 ،‬ج‪� 6‬ص‪.58‬‬ ‫الأندل�س اخل�ضراء‪� ،‬ص‪.20‬‬ ‫(‪ )6‬الرتمذي‪( ،‬د ‪ .‬ت) ج‪� ،8‬ص‪.3‬‬

‫(‪ )18‬الزهراين‪ ،‬علي �إبراهيم‪ .)1999( .‬مهارات التدري�س يف احللقات‬ ‫القر�آنية‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬مكتبة الدار‪� ،‬ص‪.263‬‬

‫(‪ )7‬ال�شريفني‪ ،‬عماد‪ ،‬مطالقة‪� ،‬أحالم‪� .)2014( .‬آليات ت�أهيل الأ�سرة‬ ‫لتحقيق الأم��ن النف�سي والفكري لدى الأب��ن��اء‪ ،‬املجلة العربية (‪ )19‬النعيمي‪ ،‬عبد اهلل‪ .)1998( .‬التن�شئة االجتماعية مفهومها‬ ‫للدرا�سات الأمنية‪ ،‬املجلد ‪.131 - 87 ،)60( 30‬‬ ‫وو�سائلها‪ ،‬جملة ال��دع��وة الإ�سالمية‪, ،‬ليبيا‪ :‬طرابل�س العدد‬ ‫(‪ )8‬بني يون�س‪� ،‬أ�سماء عبد املطلب‪ .)2007( .‬تنمية مفهوم الذات‬ ‫اخلام�س‪� ،‬ص‪.335‬‬ ‫وتوكيدها وت�أثري الأ�سرة امل�سلمة فيهما‪� ،‬أطروحة دكتوراه غري‬ ‫(‪ )20‬الدغثي‪� ،‬أحمد حممد ح�سني‪ .)200( .‬نظرية املعرفة يف القر�آن‬ ‫من�شورة‪ ،‬الأردن‪ ،‬جامعة الريموك‪ ،‬كلية ال�شريعة‪.‬‬ ‫وت�ضميناتها الرتبوية‪ ،‬دم�شق‪ ،‬دار الفكر‪� ،‬ص‪.180‬‬ ‫(‪ )9‬بركات‪� ،‬آ�سيا‪ .)2000( .‬العالقة بني �أ�ساليب املعاملة الوالدية‬ ‫(‪ )21‬العزام‪ ،‬و�سيلة �أحمد فالح‪ .)2008( .‬منهج الإ�سالم يف حتقيق‬ ‫واالكتئاب لدى بع�ض املراهقني واملراهقات املراجعني مل�ست�شفى‬ ‫ال�سعادة (درا�سة تربوية مقارنة) ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة‪،‬‬ ‫ال�صحة النف�سية بالطائف‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة‪ ،‬مكة‬ ‫الأردن‪ :‬جامعة الريموك‪� ،‬ص‪.75‬‬ ‫املكرمة‪ ،‬جامعة �أم القرى‪ ،‬كلية الرتبية‪.‬‬ ‫(‪ )10‬العنزي‪ ،‬تركية‪ .)2004( .‬فاعلية برنامج ار�شاد جمعي يف خف�ض (‪ )22‬يكن‪ ،‬منى‪� .)1988( .‬أبناءنا بني و�سائل الإعالم و�أخالق القر�آن‪،‬‬ ‫بريوت‪ :‬دار ال�شروق‪� ،‬ص‪.66‬‬ ‫م�ستوى اخلالفات الأ�سرية املدركة من قبل الأمهات وت�أثريه على‬

‫االكتئاب والتح�صيل الدرا�سي لدى �أبنائهن‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري غري (‪ )23‬رواه م�سلم‪� ،‬صحيح م�سلم‪ ،‬ب��اب ا�ستحباب جمال�سة ال�صاحلني‬ ‫من�شورة‪ ،‬الأردن‪ ،‬الزرقاء‪ ،‬اجلامعة الها�شمية‪.‬‬ ‫وجمانبة قرناء ال�سوء‪ ،‬ج‪ ،6692‬حتقيق ف��ؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار‬ ‫ال�سالم‪� ،‬ص‪.1146‬‬ ‫(‪ )11‬بركات‪ ،‬وجدي‪ ،‬ح�سن‪ ،‬من�صور‪ .)2004( .‬نحو ا�سرتاتيجية عربية‬ ‫ملواجهة ت�أثري الإعالم املعا�صر على الأ�سرة وال�شباب‪ ،‬م�ؤمتر الأ�سرة (‪ )24‬اخلدا�ش‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.20‬‬ ‫وال�شباب يف دول اخلليج‪ ،‬ال�شارقة‪ ،‬املجل�س االعلى للأ�سرة‪.‬‬ ‫(‪ )25‬الها�شمي‪ ،‬عبد احلميد‪ .)1981(.‬الر�سول العربي املربي‪� ،‬سوريا‪:‬‬ ‫(‪ )12‬البو�سعيدي‪ ،‬عبداهلل حمود‪ .)1996( .‬املنهج الرتبوي الإ�سالمي‬ ‫دار الثقافة‪� ،‬ص‪. 443‬‬ ‫يف التعامل مع امل�شكالت الزوجية‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة‪،‬‬ ‫الأردن‪� ،‬إربد‪ ،‬جامعة الريموك‪ ،‬كلية ال�شريعة‪.‬‬ ‫(‪ )13‬ح�سني‪ ،‬طه‪� .)2008( .‬إ�ساءة معاملة االطفال‪ :‬النظرية والعالج‪ )26( ،‬توفيق‪ ،‬حممد عز الدين‪ .)1998( .‬الت�أ�صل الإ�سالمي للدرا�سات‬ ‫النف�سية‪ ،‬القاهرة‪:،‬دار ال�سالم‪� ،‬ص‪.18‬‬ ‫عمان‪:،‬دار الفكر نا�شرون‪� ،‬ص‪.72‬‬ ‫(‪ )27‬رواه م�سلم‪ ،1988 ،‬ج‪� ،4‬ص‪.18‬‬

‫بني يون�س‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.5‬‬

‫(‪ )14‬اخلدا�ش جاد اهلل بن ح�سن‪ .)2000( .‬املهذب امل�ستفاد لرتبية (‪ )28‬رواه م�سلم‪ ،1988 ،‬ج‪� ،1‬ص‪.66‬‬ ‫الأوالد يف �ضوء الكتاب وال�سنة‪ .‬عمان‪ :‬املكتبة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫(‪ )29‬جوملان‪ ،‬دانييل‪ .)2001( .‬الذكاء العاطفي‪ ،‬ترجمة ليلى اجلبايل‪،‬‬ ‫(‪� )15‬شواين‪ ،‬عبد املجيد عبد امليجد‪ .)1996( .‬علم النف�س الرتبوي‪،‬‬

‫الكويت‪ :‬املجل�س الوطني للثقافة والفنون‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪61‬‬


‫دراسات‬

‫مالمح االعتدال‬ ‫والوسطية‬ ‫في الخطـــاب‬ ‫الفقهي‬

‫د‪ .‬خولة حمد خلف الزيدي‬ ‫كلية العلوم اإلسالمية‬ ‫جامعة ديالى‪ /‬العراق‬

‫‪62‬‬

‫املقدمة‪:‬‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على‬ ‫املبعوث رحمة للعاملني‪� ،‬سيدنا حممد وعلى �آله‬ ‫الطيبني الطاهرين‪ ،‬و�صحابته الغر امليامني‪،‬‬ ‫والتابعني لهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين‪ ...‬وبعد‪:‬‬ ‫فان الإ�سالم العظيم دين عدل واعتدال‪ ،‬ودين‬ ‫مثل وامتثال‪ ، ،‬ودين ي�سر وتي�سري و�شريعة اهلل‬ ‫�سبحانه وتعالى و�إحكامها للنا�س جميعا‪ ،‬رجاال‬ ‫ون�ساء‪ ، ،‬فهم يف اخلطاب الديني ���س��واء‪� ،‬إال ما‬ ‫اخت�صت به املر�أة عن �أخيها الرجل فقد كانت لها‬ ‫�أحكامها اخلا�صة بها‪ ،‬والتي ال تنق�ص من �إن�سانيتها‬ ‫بل تزيدها �شرفا و�ألقا‪ ،‬وتبني �أهميتها يف الإ�سالم‪،‬‬ ‫فاملت�أمل يف واقع املر�أة امل�سلمة قدميا وحديثا يجد‬ ‫�أنها ت�شكل قاعدة ه��رم البيت امل�سلم‪ ،‬واملجتمع‬ ‫الإ�سالمي و لها دور فعال قي احلفاظ على رقي‬ ‫بناء املجتمعات الإ�سالمية‪ ،‬ومل��دى �أهمية هذا‬ ‫الدور وخطورته يف مثل هذا الزمن الذي يواجه‬ ‫فيه امل�سلمون حتديات ج�سيمة وتتنازعهم ثقافات‬ ‫جمتمعات خمتلفة‪ ،‬وجعله يتيه بني الإف��راط‬ ‫والتفريط وتربز �أهمية اخلطاب الفقهي والفتوى‬ ‫ال�شرعية يف الوقت احلا�ضر الت�ساع الإ�سالم وكرثة‬ ‫املفتني‪ ،‬وظهور و�سائل التوا�صل االجتماعي‪ ،‬وبروز‬

‫المعاصر للمرأة‬ ‫م�ستجدات ع�صرية ت�ستدعي حكما �شرعيا لها‪،‬‬ ‫وقد كان للمر�أة امل�سلمة الن�صيب الأكرب واحلظ‬ ‫الأوفر من هذه الفتاوى‪ ،‬وقد تعددت وكرثت بني‬ ‫فتاوى مت�شددة و�أخ��رى مفرطة �ضاع بينها وجه‬ ‫االعتدال والو�سطية الذي هو مبد�أ الإ�سالم و�أ�سا�س‬ ‫بنيانه الر�صني‪ ،‬ولهذا كله‪ ،‬حاولت �أن اكتب بحثي‬ ‫ه��ذا ولأب�ين فيه مالمح ع��دل وو�سطية الإ�سالم‬ ‫متمثال باخلطاب الفقهي للمر�أة امل�سلمة يف كل ما‬ ‫حتتاجه من فتوى �شرعية‪ ،‬وقد اخرتت احلديث‬ ‫عن �أمنوذجني مهمني كرث احلديث وال�س�ؤال عنهما‬ ‫بعد بياين ملعنى االع��ت��دال والو�سطية والفقه‪،‬‬ ‫�أولهما‪ :‬حكم راتب الزوجة وهل للزوج حق فيه‪،‬‬ ‫وثانيهما حكم قيادة املر�أة لل�سيارة وذكرت �آراء‬ ‫الفقهاء رحمهم اهلل على عجالة ولعدم الإطالة‪،‬‬ ‫ثم �أوردت ن�صو�ص الفتوى ال�صادرة من املجمع‬ ‫الفقهي الإ�سالمي ودار الإفتاء امل�صرية والتي متثل‬ ‫واجهة اخلطاب ال�شرعي للم�سلمني ثم خامتة‬ ‫ب�أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬ ‫�سائلة اهلل �سبحانه ال�سداد والر�شاد‪ ،‬والثبات‪،‬‬ ‫وان يلهمني ال�صدق والإخال�ص يف ال�سر والعلن‪،‬‬ ‫وان يوفقني و�إياكم ملا يحب وير�ضى‪ ،‬انه القادر‬ ‫على ذلك الباحثة‬


‫املبحث الأول ا‪ :‬مفهوم االعتدال والو�سطية وفيه‪.‬‬ ‫املطلب الأول‪ :‬التعريف باالعتدال‪.‬‬ ‫التعريف‪:‬‬ ‫‪ - 1‬االعتدال يف اللغة كون ال�شيء متنا�سبا‪� ،‬أو‬ ‫�صريورته كذلك‪ ،‬ف�إذا مال �شيء ف�أقمته تقول‪:‬‬ ‫عدلته فاعتدل‪.‬‬ ‫واالع ُ‬ ‫تدال‪َ :‬ت َو ُّ�س ُط حالٍ ب َ‬ ‫ني حا َلينْ ِ يف َك ٍّم �أو َك ْي ٍف‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اع َتدَ َل‪ ،‬و ُك ُّل ما �أ َق ْم َتهُ فقد َعدَ ْلتهَُ‬ ‫نا�س َب فقد ْ‬ ‫و ُك ُّل ما ت َ‬ ‫وع َّد ْل َتهُ ‪)1(.‬‬ ‫َ‬ ‫وال يفرق �أه��ل اللغة بني االع��ت��دال واال�ستقامة‪،‬‬ ‫واال�ستواء‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬ا�ستقام ال�شيء �إذا ا�ستوى‬ ‫واع��ت��دل‪ ،‬ويقولون �أي�ضا ا�ستوى ال�شيء �إذا ا�ستقام‬ ‫واعتدل (‪)2‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬مفهوم الو�سطية‪:،‬‬ ‫معنى الو�سطية لغة‪:‬‬ ‫الو�سطية م�أخوذة من مادة و�سط‪ ،‬وهى كلمة تدل‬ ‫على العدل والف�ضل واخلريية والن�صف والتو�سط بني‬ ‫الطرفني‪.‬‬ ‫يقول‪ ‬ابن منظور‪ :‬و َو َ�س ُط ال�شيءِ و�أَ ْو َ�سطُ ه‪:‬‬ ‫�أَ ْع َدلُه‪َ ،‬و َر ُج ٌل َو َ�س ٌط و َو ِ�س ٌ‬ ‫ح�س ٌن ِم ْن َذ ِل َك‪َ .‬و َ�صا َر‬ ‫يط‪َ :‬‬ ‫املاء َو ِ�س ً‬ ‫ني َعلَى المْ َاءِ ؛ َو ُيقَالُ‬ ‫يطة �إِذا غلَب الط ُ‬ ‫ُ‬ ‫جل ِّي ِد وال َّر ِدي" (‪)3‬‬ ‫َ‬ ‫�شيء َو َ�س ٌط �أي َبينْ َ ا َ‬ ‫�أَي�ضاً‪ٌ :‬‬ ‫‪ 1‬ال��ق��ام��و���س امل��ح��ي��ط‪ :‬جم��د ال��دي��ن �أب���و ط��اه��ر حم��م��د بن‬ ‫يعقوب الفريوز�آبادى (ت‪817 :‬ه��ـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد نعيم‬ ‫العرق�سو�سي‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة للطباعة والن�شر والتوزيع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ب�ي�روت‪ ،‬ط‪ 2005 ،8‬م‪� ،‬صـ‪ ،1030 :‬والكليات معجم يف‬ ‫امل�صطلحات والفروق اللغوية‪� :‬أي��وب بن مو�سى احل�سيني‬ ‫القرميي الكفوي‪� ،‬أبو البقاء احلنفي (ت‪1094 :‬هـ) حتقيق‪:‬‬ ‫عدنان دروي�ش‪ ،‬وحممد امل�صري‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت‪،‬‬ ‫‪�( :‬ص‪ ،)150 :‬وتاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ :‬حم ّمد‬ ‫بن حم ّمد بن عبد ال���رزّاق احل�سيني‪� ،‬أب��و الفي�ض‪ ،‬امللقّب‬ ‫مبرت�ضى‪ ،‬الزَّبيدي (ت‪1205 :‬ه���ـ) دار الهداية‪/29( :‬‬ ‫‪.)448‬‬ ‫‪ 2‬جممل اللغة الب��ن ف��ار���س‪� :‬أح��م��د ب��ن ف��ار���س ب��ن زك��ري��اء‬ ‫القزويني الرازي‪� ،‬أبو احل�سني (ت‪395 :‬هـ) درا�سة وحتقيق‪:‬‬ ‫زهري عبد املح�سن �سلطاندار‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت‪،‬‬ ‫‪ 1986‬م‪�( ،‬ص‪ ،)477 :‬واملو�سوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬وزارة‬ ‫االوقاف وال�ش�ؤون اال�سالمية‪ ،‬الكويت (‪.)203 /5‬‬ ‫‪ )(3‬ينظر‪ :‬املحكم واملحيط الأع��ظ��م‪� :‬أب��و احل�سن علي بن‬ ‫�إ�سماعيل ب��ن �سيده املر�سي (ت‪458 :‬ه���ـ) حتقيق‪ :‬عبد‬ ‫احلميد هنداوي‪ :‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬ط‪/8( ،1‬‬ ‫‪ ،)596‬ول�سان العرب‪� ،‬أب��و الف�ضل جمال الدين حممد بن‬ ‫مكرم بن منظور االفريقي امل�صري (ت‪711 :‬هـ)‪ ،‬دار �صادر‬

‫وقال ابن فار�س‪ :‬و�سط‪ :‬الو�سط من كل �شيء‪:‬‬ ‫�أعدله‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬جل ثنا�ؤه ‪َ } :-‬وكَذَ ِل َك َج َع ْلنَاكُ ْم‬ ‫�أُ َّم ًة َو َ�س ًطا{(‪.)4‬‬ ‫قال اهلل �سبحانه‪َ } :‬و َك��ذَ ِل� َ‬ ‫�ك َج َع ْلنَاكُ ْم �أُ َّم� ً�ة‬ ‫ُون ال َّر ُ�سولُ‬ ‫اء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫ا�س َو َيك َ‬ ‫َو َ�س ًطا ِل َتكُونُوا �شُ َه َد َ‬ ‫ِيدا‪ { ‬البقرة‪.143 :‬‬ ‫َع َل ْيك ُْم َ�شه ً‬ ‫يقول‪ ‬ابن جرير الطربي‪ " :‬الو�سط هو اجلزء‬ ‫الذي بني الطرفني‪ ،‬مثل و�سط ال��دار‪ ،‬وقد و�صف‬ ‫اهلل هذه الأمة بالو�سط ؛ لتو�سطها يف الدين "‪.‬فال‬ ‫ُهم �أهل غُ ل ٍّو فيه‪ - ،‬وال ُهم �أهلُ تق�صري فيه‪.)5( ،‬‬ ‫ق���ال الإم����ام اب���ن ك��ث�ير رح��م��ه اهلل‪ :‬ق��ول��ه‪:‬‬ ‫}‪َ ‬وكَذَ ِل َك َج َع ْلنَاكُ ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا‪{ ‬البقرة‪143 :‬؛ �أي‪:‬‬ ‫�شهداء‬ ‫لنجعلكم خيار الأمم؛ لتكونوا يوم القيامة‬ ‫َ‬ ‫على الأم��م؛ لأن اجلميع معرتفون لكم بالف�ضل‪،‬‬ ‫والو�سط‪ ‬ها هنا‪ :‬اخليار والأجود؛(‪.)6‬‬ ‫ق��ال �سبحانه يف و�صف عباد الرحمن من ِّب ًها‬ ‫على �أهمية‪ ‬التو�سط‪ ‬وعدم الإفراط والتفريط‪:‬‬ ‫َان‬ ‫ين �إِذَا �أَ ْن َفقُوا لمَ ْ ُي ْ�سرِ فُوا َولمَ ْ َي ْقترُ ُوا َوك َ‬ ‫}‪َ ‬وال َِّذ َ‬ ‫َبينْ َ َذ ِل َك َق َوا ًما‪ { ‬الفرقان‪.67 :‬‬ ‫ق��ال الإم���ام اب��ن كثري رحمه اهلل �أي‪ :‬لي�سوا‬ ‫مببذِّ رين يف �إنفاقهم في�صرفون ف��وق احلاجة‪،‬‬ ‫فيق�صرون يف حقهم فال‬ ‫بخالء على �أهليهم‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ري الأمور �أو�سطها‪ ،‬ال‬ ‫يكفونهم‪ ،‬بل َع ْد اًل خيا ًرا‪ ،‬وخ ُ‬ ‫بريوت‪1374 ،‬هـ ‪1955-‬م‪.)430 /7( .‬‬ ‫‪ )(4‬ينظر‪ :‬جممل اللغة البن فار�س �أحمد بن فار�س بن زكرياء‬ ‫القزويني الرازي‪� ،‬أبو احل�سني (ت‪395 :‬هـ) حتقيق‪ :‬زهري‬ ‫عبد املح�سن �سلطان‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت ط‪1986 ،2‬‬ ‫م‪ ،‬باب الواو وال�سني وما يثلثهما‪�( .‬ص‪)924 :‬‬ ‫‪ )(5‬ينظر‪ :‬جامع البيان يف ت�أويل القر�آن حممد بن جرير بن‬ ‫يزيد بن كثري بن غالب الآم��ل��ي‪� ،‬أب��و جعفر الطربي (ت‪:‬‬ ‫‪310‬ه��ـ) حتقيق‪� :‬أحمد حممد �شاكر‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪،‬‬ ‫ط‪ 2000 ،1‬م (‪ ،)142 /3‬وتف�سري امل����اوردي = النكت‬ ‫والعيون‪� :‬أب��و احل�سن علي بن حممد بن حممد بن حبيب‬ ‫الب�صري البغدادي‪ ،‬ال�شهري باملاوردي (ت‪450 :‬هـ) حتقيق‪:‬‬ ‫ال�سيد ابن عبد املق�صود بن عبد الرحيم‪ :‬دار الكتب العلمية‬ ‫ بريوت (‪.)199 /1‬‬‫‪ )(6‬تف�سري ابن كثري‪� ،‬أب��و الفداء �إ�سماعيل بن عمر بن كثري‬ ‫القر�شي الب�صري ثم الدم�شقي (ت ‪774 :‬هـ) حتقيق‪� :‬سامي‬ ‫بن حممد �سالمة دار طيبة للن�شر والتوزيع ط‪1420 2 :‬هـ ‪-‬‬ ‫‪ 1999‬م (‪ ،)124 /6‬ومو�سوعة ال�صحيح امل�سبور من التف�سري‬ ‫بامل�أثور‪� :‬أ‪ .‬د‪ .‬حكمت بن ب�شري بن يا�سني‪ :‬دار امل�آثر للن�شر‬ ‫والتوزيع والطباعة‪ -‬املدينة النبوية‪ ،‬ط‪ 1420 ،1:‬هـ ‪-‬‬ ‫‪ 1999‬م‪.)503 /3( ،‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪63‬‬


‫هذا وال هذا؛ (‪.)7‬‬ ‫الو�سطية ا�صطالحاً‪�" :‬سلوك حممود ‪ -‬مادي �أو‬ ‫معنوي ‪ -‬يع�صم �صاحبه من االنزالق �إلى ‏طرفني‬ ‫ُمتقابلني ‪ -‬غال ًبا ‪� -‬أو ُمتفاوتني‪ ،‬تتجاذبهما رذيلتا‬ ‫الإف���راط والتفريط‪� ،‬سواء يف ميدان ديني �أم‬ ‫‏دنيوي(‪.)8‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬التعريف باخلطاب الفقهي‬ ‫وفيه‪:‬‬ ‫املطلب الأول‪ :‬التعريف باخلطاب لغة وا�صطالحا‪:‬‬ ‫اب‪ :‬لغة‪:‬‬ ‫�أوال تعريف اخلِطَ ُ‬ ‫اء‪َ ،‬وجمع‬ ‫وجمع‬ ‫ُمراجعةُ ا ْلك اَ​َلم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫اخلطيب ُخطَ َب ُ‬ ‫الخْ ِ‬ ‫اب‪.‬‬ ‫َاط ِب ُخطَّ ُ‬ ‫َو َق��الَ بع�ض المْ ُف َّ�سرين فيِ َقول اهلل جلّ وعزّ ‪:‬‬ ‫} َوف�صل الخْ ��ط��اب{ (���ص‪ُ :)20 :‬ه � َو �أَن َي ْحك َُم‬ ‫با ْل َب ِّينة‪� ،‬أَو ا ْل َيمني‪َ .‬وقيل‪َ :‬م ْعنَا ُه �أَن ِ‬ ‫يف�صلَ َبني‬ ‫اطل‪ ،‬ومي ِّيزَ َبني احلُ ْك ِم ِ‬ ‫احلقِّ َوا ْل َب ِ‬ ‫و�ض ِّده‪.)9(.‬‬ ‫ويف ل�سان العرب‪:‬‬ ‫وا ِ‬ ‫�راج � َع��ة ال �كَ�لا ِم‪،‬‬ ‫خل���ط� ُ‬ ‫��اب واملُ��خ��اطَ � َب��ة‪ُ :‬م� َ‬ ‫َو َق� ْ�د خاطَ َبه بالكَال ِم مخُ اطَ َب ًة ِ‬ ‫وهما‬ ‫وخطاباً‪ُ ،‬‬ ‫يب‪ ،‬وخَ طَ ب‬ ‫َيتخاطَ بانِ ‪ :.‬واخلُ طْ َبة َم ْ�ص َد ُر اخل َِط ِ‬ ‫ِ‬ ‫واختَطَ ب َيخْ طُ ُب خَ طا َب ًة‪،‬‬ ‫اخلاط ُب َعلَى املِ ْنبرَ ‪ْ ،‬‬ ‫(‪)10‬‬ ‫وا�سم الكال ِم‪ :‬اخلُ طْ َبة ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ثانيا‪ :‬اخلطاب ا�صطالحا‪:‬‬ ‫اخلاطب واخلطبة يف اال�صطالح هي الكالم‬ ‫امل��ؤل��ف ال��ذي يت�ضمن وعظا و�إب�لاغ��ا على �صفة‬ ‫خم�صو�صة(‪.)11‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪ -7‬تف�سري ابن كثري‪.)454 /1( :‬‬ ‫‪-8‬الو�سطية مفهو ًما وداللة‪ ،‬د‪ .‬حممد وياليل‪ ،‬بحث من�شور على‬ ‫موقع الألوكة‪.‬‬ ‫‪ -9‬ينظر تهذيب اللغة حممد بن �أحمد بن الأزه��ري الهروي‪،‬‬ ‫�أبو من�صور (ت ‪370 :‬هـ)حتقيق‪ :‬حممد عو�ض مرعب‪ :‬دار‬ ‫�إحياء الرتاث العربي – بريوت ط‪2001 ،1 :‬م (‪.)112 /7‬‬ ‫‪ -10‬ينظر ل�سان العرب (‪)361 /1‬‬ ‫‪ -11‬تهذيب الأ�سماء واللغات‪� ،‬أبو زكريا حميي الدين يحيى‬ ‫بن �شرف النووي (ت‪676 :‬ه��ـ)‪ ،‬عنيت بن�شره وت�صحيحه‬ ‫والتعليق عليه ومقابلة �أ�صوله‪� :‬شركة العلماء مب�ساعدة‬ ‫�إدارة الطباعة املنريية يطلب م��ن‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫بريوت‪.)93 /3( ،‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التعريف بالفقه‪ ،‬وفيه‪:‬‬ ‫يف ا ْل ِف ْق ِه ُلغ ًَة‪:‬‬ ‫اوال‪َ :‬ت ْعرِ ُ‬ ‫اء َما ظَ َه َر �أَ ْو‬ ‫ا ْل ِف ْق ُه ُلغ ًَة‪ :‬ا ْل َف ْه ُم ُمطْ َلقًا‪�َ ،‬س َو ٌ‬ ‫خَ ِف َي‪.‬وهو ا ْل ِعل ُْم ِبال�شَّ ْيءِ‬ ‫وغلب َعلَى‬ ‫والفهم ل َُه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الدينِ ِ‬ ‫ل�سيا َد ِته َو َ�ش َر ِف ِه وف َْ�ض ِله َعلَى َ�سا ِئرِ‬ ‫ِعلْم ِّ‬ ‫النجم َعلَى الثرُّ َ َّيا وال ُعو ُد‬ ‫�أَن��واع ا ْل ِعل ِْم َك َما غَ ل َ​َب‬ ‫ُ‬ ‫قاقه ِم َن ال�شَّ قِّ‬ ‫َعلَى املَ ْن َدل؛ َقالَ ا ْب ُن الأَثري‪ :‬وا�شْ ِت ُ‬ ‫ا�صا ِب ِعل ِْم ال�شَّ رِ ي َع ِة‪،‬‬ ‫وال َف ْتح‪َ ،‬وللهَّ َ ُق ْد َج َعله ال ُع ْر ُف خَ ًّ‬ ‫َ�ش َّرفَها ا َت َعالَى‪ ،‬و َتخْ �صي�ص ًا ِب ِعل ِْم الْفُ ُرو ِع ِم ْن َها‪.‬‬ ‫َقالَ غَ يرْ ُ ُه‪ :‬وال ِف ْق ُه فيِ الأَ�صل ال َف ْهم‪ُ .‬يقَالُ ‪� :‬أُو ِت َي‬ ‫الدينِ �أَي َف ْهم ًا ِف ِ‬ ‫يه‪،.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فالن ِف ْقه ًا فيِ ِّ‬ ‫��ن ِن��� ْ��س� ٍ‬ ‫�وة ف��ق��ا ِئ��هَ ‪َ .‬و َح� َك��ى‬ ‫والأُن��ث��ى َف ِقيهة ِم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الل ِّْح َيانيِ ُّ ‪ِ :‬ن ْ�س َوةٌ ُفقَهاء‪َ ،‬وه َي نَاد َرةٌ ‪ ،‬قالَ ‪َ :‬وع ْندي‬ ‫َ�أن َقا ِئلَ ُفقَهاء ِم َن ا ْل َع َر ِب لمَ ْ َي ْعت ََّد ِب َهاءِ الت ْ�أنيث‪،‬‬ ‫ري َها ِن ْ�س َوةٌ ُفقَراء‪. )12( .‬‬ ‫َون َِظ ُ‬ ‫ويف تهذيب اللغة‪:‬‬ ‫الدين‪ُ ،‬يقَال‪َ :‬ف ِقهَ الرجل‬ ‫( ال ِف ْق ُه‪ :‬ال ِعل ُْم فيِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َي ْفق َُه َف ُه َو َف ِقيهٌ ‪ ،‬و�أ ْف َق ْهتُه �أنَا؛ �أي‪ :‬ب َّي ْن ُت ل َُه تعل َُّم‬ ‫ُالن َعني َما ب َّي ْن ُت ل َُه‪َ ،‬ي ْفق َُه‬ ‫ا ْل ِف ْقه‪ُ .‬يقَال‪َ :‬ف ِقه ف ٌ‬ ‫ِف ْقهاً‪� :‬إِذا َف ِه َمه‪.)13() .‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ا ْل ِف ْق ِه ا�صطالحاَ‪:‬‬ ‫الفقه يف اال�صطالح ال�شرعي‪ :‬عرفه �أبو حنيفة‬ ‫رحمه اهلل تعالى ب�أنه «معرفة النف�س مالها وما‬ ‫عليها» (‪)14‬‬ ‫ وعرف ال�شافعي رحمه اهلل الفقه بالتعريف‬‫امل�شهور بعده عند العلماء ب�أنه‪:‬‬ ‫(ال ِعل ُْم بالأحكا ِم ال�شرع َّي ِة ال َع َم ِل َّي ِة‪ ،‬املُ ْكت َ​َ�س ُب‬ ‫ِمن �أَ ِد َّل ِتها التف�صيل َّي ِة) (‪.)15‬‬ ‫‪ -12‬ينظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،)522 /13( :‬مادة ففه‪.‬‬ ‫‪ -13‬تهذيب اللغة‪.)263 /5( :‬‬ ‫‪ -14‬الكايف �شرح البزودي‪ :‬احل�سني بن علي بن حجاج بن علي‪،‬‬ ‫ال�س ْغنَاقي (ت ‪ 711 :‬هـ) حتقيق‪ :‬فخر الدين‬ ‫ح�سام الدين ِّ‬ ‫�سيد حممد قانت (ر�سالة دكتوراه)النا�شر‪ :‬مكتبة الر�شد‬ ‫للن�شر والتوزيع ط‪ 1422 ،1 :‬هـ ‪ 2001 -‬م (‪،)144 /1‬‬ ‫قواعد الفقه‪ :‬حممد عميم الإح�سان املجددي الربكتري‪:‬‬ ‫ال�صدف ببل�شرز – كرات�شي ط‪�( ،1986 – 1407 ،1‬ص‪:‬‬ ‫‪.)414‬‬ ‫‪ -15‬املوافقات �إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي‬ ‫ال�شهري بال�شاطبي (ت‪790 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبو عبيدة م�شهور‬


‫املطلب الثالث‪ :‬مفهوم "اخلطاب الفقهي"‪:‬‬ ‫يعرف اخلطاب الإ�سالمي عموما تعريفًا �أول ًّيا‬ ‫ب ��أن��ه‪ :‬ال��ك�لام ال��ذي ي�ستند ملرجعية �إ�سالمية‬ ‫من �أ�صول القر�آن وال�سنة‪ ،‬و�أي من �سائر الفروع‬ ‫الإ�سالمية الأخ���رى‪� ،‬سواء �أك��ان منتج اخلطاب‬ ‫جماعة �إ�سالمية �أم م�ؤ�س�سة دعوية ر�سمية �أو‬ ‫�أهلية �أم �أفرا ًدا متفرقني جمعهم اال�ستناد للدين‬ ‫ً‬ ‫مرجعية لر�ؤاهم و�أطروحاتهم‪.)16( .‬‬ ‫و�أ�صوله‬ ‫�أم��ا اخلطاب الفقهي‪ :‬فيمكن يل ان اعرفه‪:‬‬ ‫ب�أنه الكالم الذي ي�ستند يف �إ�صدار الفتوى وبيان‬ ‫حكم ال�شرع يف امل�سائل العملية واالجتهادية �إلى‬ ‫امل�صادر الت�شريعية من الكتاب وال�سنة املطهرة‬ ‫وباقي امل�صادر املعتمدة‪ ،‬وال��ذي ي�صدر عن جهة‬ ‫ر�سمية �أفرادا �أو جماميع فقهية‪.‬‬ ‫وقد كان للمر�أة ن�صيبا وافرا من هذا اخلطاب‬ ‫وقد زخرت كتب الفقه القدمية واحلديثة بكتب‬ ‫بن ح�سن �آل �سلمان‪ :‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪1417 :1‬هـ‪1997 /‬م‬ ‫(‪ ،)24 /1‬البحر املحيط يف �أ�صول الفقه‪� :‬أبو عبد اهلل بدر‬ ‫الدين حممد بن عبد اهلل بن بهادر الزرك�شي (ت ‪794 :‬هـ)‪،‬‬ ‫دار الكتبي‪ ،‬ط‪1414 ،1 :‬ه��ـ ‪1994 -‬م‪ ،)34 /1( ،‬و�إر�شاد‬ ‫الفحول �إلى حتقيق احلق من علم الأ�صول‪ :‬حممد بن علي‬ ‫بن حممد بن عبد اهلل ال�شوكاين اليمني (ت ‪1250 :‬ه��ـ)‬ ‫حتقيق‪ :‬ال�شيخ �أحمد عزو عناية‪ ،‬قدم له‪ :‬ال�شيخ خليل‬ ‫املي�س والدكتور ويل الدين �صالح فرفور‪ :‬دار الكتاب العربي‪،‬‬ ‫دم�شق‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ ‪1999 -‬م‪.)17 /1( ،‬‬ ‫‪ -16‬يراجع بحث " توظيف الو�سائل التكنولوجية املعا�صرة يف‬ ‫تطوير اخلطاب الإ�سالمي" ‪ -‬د‪.‬ال�سيد حممد مرعي م�ؤمتر‬ ‫احتاد علماء امل�سلمني ‪2012‬‬

‫خا�صة تناولت احلديث عن احكام امل��ر�أة فقط‬ ‫واملف�صل يف �أحكا ِم‬ ‫ك�أحكا ِم ال ِّن�ساءِ البن اجلوزي‪، ،‬‬ ‫َّ‬ ‫املر�أة للدكتور عبد الكرمي زيدان‪.‬‬ ‫املطلب الرابع‪� :‬أ�صول اخلطاب الفقهي للمر�أة‬ ‫ِ‬ ‫�إن الأ�صولِ‬ ‫الفقهاء يف‬ ‫اعتمدها‬ ‫والقواعد التي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت�أ�سي�س الق�ضايا املتعلِّقة باملر�أة‪ ،‬حا�ضر ًة يف البناء‬ ‫وتظهر بالتت ُّبع واال�ستقراء‪ ،‬وهي الأتي‪:‬‬ ‫الفقهي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬الأ�صل الأ َّول‪ :‬امل�صدر الإلهي يف بناءِ احلقوق‬ ‫إيجاب احلقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬و � َّأن املرجع وامل�صدر يف � ِ‬ ‫والواجبات هو ال��وح� ُ�ي من اهلل تعالى (الكتاب‬ ‫الت�سليم له‪،‬‬ ‫وال�س َّنة)‪ ،‬ويجب‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ال�شرعي هو‬ ‫�ص‬ ‫هدد‬ ‫أخطر ما ُي ِّ‬ ‫َ‬ ‫و � َّأن � َ‬ ‫الت�سليم لل َّن ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الت�أويل امل ْن َحرِ ف لتلك الن�صو�ص‪.‬‬ ‫الأ�صل الثاين‪� :‬شمولُ ِخطاب ال�شَّ ارع للجِ ن�سني‪،‬‬ ‫داخلة بال ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ال�شرعي‪،‬‬ ‫أ�صالة يف اخلِطاب‬ ‫ف��امل��ر�أة‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫بتكاليف ال�شريعة‪ ،‬مع ِخالف الفقهاءِ يف‬ ‫و ُم َكلَّف ٌَة‬ ‫جمع املذكَّر‪،‬‬ ‫م�س�ألة دخولِ ال ِّن�ساء يف ِ‬ ‫بع�ض ِ�ص َيغ ْ‬ ‫طاب ال�شريعة ي�شملُ الذَّ كَر‬ ‫مع اتِّفاقهم على � َّأن ِخ َ‬ ‫والأنثى‪ ،‬و� َّأن هذا ما جرى عليه العملُ منذ عهد‬ ‫ال�صحابة �إلى وق ِتنا احلايل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫جلن�سني يف‬ ‫الأ���ص��ل ال��ث��ال��ث‪ :‬امل�����س��اوا ُة ب�ين ا ِ‬ ‫الإن�سان َّية وامل�س�ؤول َّية ال�شرع َّية‪ ،‬والتن ُّوع والتما ُيز‬ ‫َ‬ ‫االختالف والتن ُّو َع‬ ‫يف احلقوق والواجبات؛ و هذا‬ ‫ِ‬ ‫�اب؛ منها‪ :‬االخ��ت�لاف��اتُ الفطْ رِ ية‬ ‫��دة �أ���س��ب� ٍ‬ ‫له ِع َّ‬ ‫والطبيع َّية بني الذَّ كَر والأنثى‪ ،‬ومنها‪ :‬ما يرتت َُّب‬ ‫املخت�ص‬ ‫على امل�ساوا ِة الكا ِملَة من �أ�ضرار‪ ،‬و َك� ْون‬ ‫ِّ‬ ‫بالواجب �أق� َ�د َر عليه من غريه؛ كتقدمي ح�ضانة‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪65‬‬


‫باتفاق الفقهاء (‪.)18‬‬ ‫وق���ال اب��ن ق��دام��ة املقد�سي‪( :‬وظ��اه��ر كالم‬ ‫اخلرقي‪� :‬أن للمر�أة الر�شيدة الت�صرف يف مالها‬ ‫كله بالتربع واملعاو�ضة‪ ،‬وه��ذا �إح��دى الروايتني‬ ‫عن �أحمد‪ ،‬وهو مذهب �أبي حنيفة وال�شافعي وابن‬ ‫املنذر) (‪.)19‬‬ ‫�أما تربع املر�أة من مالها وهبته ففيه �أقوال‪:‬‬ ‫القول الأول‪ :‬املر�أة لها �أن تتربع من مالها متى‬ ‫�شاءت ما دامت ر�شيدة وال حتتاج �إلى �إذن زوجها يف‬ ‫الت�صدق من مالها ولو كان ب�أكرث من الثلث‪.‬‬ ‫وال��ي��ه ذه���ب ج��م��ه��ور ال��ف��ق��ه��اء‪ :‬احلنفية‪،‬‬ ‫وال�شافعية‪ ،‬ورواية عن الإمام �أحمد وهو الراجح‬ ‫عند احلنابلة‪ ،‬وابن حزم (‪.)20‬‬ ‫وا�ستدلوا بـ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بقوله تعالى‪َ :‬وا ْب َتلُوا ا ْل َيتَا َمى َحتَّى �إِذَا َب َلغُوا‬ ‫َاح َف�إ ِْن �آن َْ�ست ُْم ِم ْن ُه ْم ُر�شْ ًدا فَا ْد َف ُعوا �إِ َل ْيه ِْم‬ ‫ال ِّنك َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُوها �إ ِْ�س َرا ًفا َوب َِدا ًرا �أ ْن َي ْكبرَ ُ وا‬ ‫�أَ ْم َوا َل ُه ْم َو اَل َت�أكُ ل َ‬ ‫ريا‬ ‫�ان غَ ِن ًّيا َف ْل َي ْ�س َت ْع ِف ْف َو َم� ْ�ن َك� َ‬ ‫َو َم� ْ�ن َك� َ‬ ‫�ان َف ِق ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َف ْل َي�أْكُ لْ ِبالمْ َ ْع ُروف َف��إِذَا َد َف ْعت ُْم �إِ َل ْيه ِْم �أ ْم َوا َل ُه ْم‬ ‫َف�أَ�شْ ه ُِدوا َع َل ْيه ِْم َو َكفَى بِاللهَّ ِ َح ِ�سي ًبا (‪.)21‬‬

‫‪66‬‬

‫الأ ِّم على ال ِأب يف والية احل�ضانة‪ ،‬وتقدمي ال ِأب‬ ‫على الأ ِّم يف الوالية على املال‪.‬‬ ‫والأ���ص��ل ال��راب��ع‪ :‬ا�ستعمالُ احل��ق��وقِ يف �أم��و ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫بناء على‬ ‫م�شروعة‬ ‫وانتفاء َّ‬ ‫ال�ضرر يف ا�ستخدامها‪ً ،‬‬ ‫ُ‬ ‫القاعدة الك ِّل َّية (ال َ�ض َر َر َو اَل ِ�ض َرا َر)‪ ،‬كحقِّ الوالية‬ ‫على ال ِب ْكر‪.‬‬ ‫الديني يف‬ ‫الأ�صل اخلام�س‪ :‬الت� ُ‬ ‫أكيد على الوا ِز ِع ِّ‬ ‫مما َيكْفُ ل‬ ‫ِ�صيانة احلقوق‪ ،‬و�أنَّه يف داخلِ كلِّ فرد؛ َّ‬ ‫أداءها لأ�صحابها‪ ،‬و‬ ‫�صيانة احلقوق والواجبات و� َ‬ ‫� َّأن �أحكام املعامالت ذات اعتبا َر ْين؛ اعتبار َق�ضائي‪،‬‬ ‫واعتبار ِديني؛ والأ َّول ُيحا ِكم بح�سب الظَّ اهر فقط‪،‬‬ ‫والثاين ب َِح َ�سب احلقيقة والواقع‪ ،‬و ِمن ث َّم َة خَ ل َِت‬ ‫الفقهاء‬ ‫امل�ؤلَّفات ال ِفقه َّية من ِ�سياق التَّذكري‪ ،‬وف َِط َن‬ ‫ُ‬ ‫ال�سلوك‪،‬‬ ‫�إلى ذلك؛ ف�أن�ش�ؤوا ِع ْل ًما ُم ْ�ست ِق اًّل هو ِعلْم ُّ‬ ‫ق�ضاء ال‬ ‫و� ْإن كانت الإ�شار ُة �إلى � َّأن هذا احلُ كم ُيق َبل‬ ‫ً‬ ‫ِد ً‬ ‫يانة �إ�شارة لهذا التذكري(‪.)17‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬مناذج من اخلطاب الفقهي‬ ‫املعا�صر للمر�أة‬ ‫لقد برزت و�سطية اال�سالم‪ ،‬يف جانب من �أهم‬ ‫جوانبه �أال وهو اجلانب املتعلق باملر�أة‪ :‬فجاءت‬ ‫ال�شريعة الغراء وامل��ر�أة بني جاهليتني‪ ،‬ف َك َّرمتها‬ ‫وحفظت حقوقها‪ ،‬واعطتها ما منعها منه االقوام وجه الداللة‪:‬‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬و�شرعت االحكام املن�صفة لها‪ ،‬والتي‬ ‫دلت الآية على �أن احلجر ثابت على اليتامى‬ ‫ت�ضمن حقوقها املالية واملعنوية‪ ،‬وق��د اخرتت حتى يجمعوا خ�صلتني‪ :‬البلوغ والر�شد وهو ظاهر‬ ‫البراز هذه الو�سطية منوذجني اولهما حكم راتب‬ ‫الزوجة‪ ،‬وثانيهما حكم قيادة املر�أة لل�سيارة‬ ‫‪ )(18‬ينظر‪ :‬امل��دون��ة ال��ك�برى‪ ..82 284/ 13 :‬ال��ك��ايف يف‬ ‫املطلب الأول‪ :‬حكم راتب الزوجة‪.‬‬ ‫فقه �أه��ل املدينة �أب��و عمر يو�سف بن عبد اهلل بن حممد‬ ‫بن عبد ال�بر بن عا�صم النمري القرطبي (ت‪463 :‬ه��ـ)‬ ‫�س�أبحث ه��ذا امل��و���ض��وع يف م�س�ألتني مهمتني‬ ‫حتقيق‪ :‬حممد حممد �أحيد ولد ماديك املوريتاين‪ :‬مكتبة‬ ‫متعلقتني بحكم راتب الزوجة‬ ‫الريا�ض احلديثة‪ ،‬الريا�ض‪،‬ط‪1400 ،2 :‬ه��ـ‪1980/‬م (‪/2‬‬ ‫اوال‪ :‬امل�س�ألة الأولى‪ :‬ذمة املر�أة املالية‪.‬‬ ‫‪ ،)731‬والفقه الإ�سالمي و�أدلته للزحيلي‪( ،‬ال�شَّ امل للأدلّة‬ ‫أهم النَّظر َّيات الفقه َّية وحتقيق‬ ‫ال�شَّ رع َّية والآراء املذهب َّية و� ّ‬ ‫يف هذه امل�س�ألة �أبني‪ ،‬هل يجوز للمر�أة الت�صرف‬ ‫الأحاديث النَّبو َّية وتخريجها) �أ‪ .‬د‪َ .‬و ْه َبة بن م�صطفى‬ ‫مبالها عن طريق املعاو�ضة او الهبة ب��دون �إذن‬ ‫الزُّ َح ْي ِل ّي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق ط‪.)4506 /6( ،4‬‬ ‫ال��زوج باعتبار انف�صال ذمتها املالية عن زوجها‬ ‫وكمال هذه الذمة‪ ،‬ام �إن ت�صرفها موقوف على �إذنه ‪ 19‬ينظر‪ :‬املغني البن قدامة (‪ )348 /4‬التجريد للقدوري‪:‬‬ ‫�أحمد بن حممد بن �أحمد بن جعفر بن حمدان �أبو احل�سني‬ ‫لها ف�أقول‪:‬‬ ‫القدوري (ت ‪ 428 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد �أحمد �سراج‪،‬‬ ‫ود‪.‬علي جمعة حممد‪ :‬دار ال�سالم – القاهرة‪ ،‬ط ‪1427 ،2‬‬ ‫اتفق الفقهاء على �أن املر�أة تت�صرف يف مالها‬ ‫هـ ‪ 2006 -‬م‪)4248 /9( ،‬‬ ‫كله عن طريق املعاو�ضة بدون �إذن من �أحد ‪ ,‬وهذا‬

‫قهي املتعلِّقُ باملر�أة‪� ..‬أ�صو ُلهُ و�أبعا ُده‬ ‫‪ )(17‬يراجع اخل ُ‬ ‫ِطاب ال ِف ُّ‬ ‫ا�سم امل�ؤلف‪� :‬إميان بنت �سالمة الطوير�ش‪ ،‬ومها بنت علي‬ ‫املانع‪ ،‬تكوين للدرا�سات والأبحاث – لندن ط‪.1 :‬‬

‫‪ 20‬ينظر‪� :‬أحكام القر�آن‪� ،‬أحمد بن علي الرازي اجل�صا�ص �أبو‬ ‫بكر (ت هـ ‪ ،)370‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ‪،‬‬ ‫حتقيق‪ :‬حممد ال�صادق قمحاوي‪ ،88/2 :‬االم‪،224/3 :‬‬ ‫ك�شاف القناع عن منت االقناع‪ ،‬من�صور بن يون�س البهوتي‪ ،‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،457 /3 :‬املحلى‪.124/2 :‬‬ ‫‪� 21‬سورة الن�ساء‪� :‬آية‪.٦ :‬‬


‫يف فك احلجر عنهم ‪ ,‬و�إطالقهم يف الت�صرف (‪.)22‬‬ ‫‪ -2‬ما �صح عن جابر قال‪� { :‬شهدت العيد مع‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ ,‬فبد�أ بال�صالة‬ ‫قبل اخلطبة بال �أذان وال �إقامة ‪ ,‬ثم قام متوكئا‬ ‫على بالل ‪ ,‬ف�أمر بتقوى اهلل ‪ ,‬وحث على طاعته‪,‬‬ ‫ووعظ النا�س وذكرهم ‪ ,‬ثم م�ضى حتى �أتى الن�ساء‬ ‫‪ ,‬فوعظهن وذكرهن وق��ال‪ :‬ت�صدقن ف�إن �أكرثكن‬ ‫حطب جهنم ‪ ,‬فقامت ام��ر�أة من و�سطة الن�ساء‪،‬‬ ‫�سفعاء اخلدين فقالت‪ :‬مل يا ر�سول اهلل ؟ قال‪:‬‬ ‫لأنكن تكرثن ال�شكاة ‪ ,‬وتكفرن الع�شري ; قالت‪:‬‬ ‫فجعلن يت�صدقن من حليهن يلقني يف ثوب بالل من‬ ‫�أقراطهن وخواتيمهن } متفق عليه (‪.)23‬‬ ‫‪ -4‬ولأن املر�أة من �أهل الت�صرف‪ ،‬وال حق لزوجها‬ ‫يف مالها ‪ ,‬فلم ميلك احلجر عليها يف الت�صرف‬ ‫بجميعه‪ ،‬كما علله ابن قدامة (‪.)24‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬انه يجوز لها �أن تعطي مالها بغري‬ ‫�إذنه يف الثلث ال فيما فوقه فال يجوز �إال ب�إذنه‪.‬‬ ‫هذا و�إن تربعها بزائد على ثلثها جائز حتى يرد‬ ‫الزوج جميعه �أو ما �شاء منه على امل�شهور من مذهب‬ ‫مالك ‪ ,‬وقيل‪ :‬مردود حتى يجيزه الزوج‪ ،‬وللزوج‬ ‫رد اجلميع �إن تربعت بزائد عن الثلث ‪ ,‬ولو كان‬ ‫الزائد ي�سريا‪.‬واليه ذهب املالكية وطاوو�س يف‬ ‫رواية عنه وهو رواية �أخرى عند احلنابلة (‪.)25‬‬ ‫وا�ستدلوا‬ ‫‪ -1‬ما روي عن عبد اهلل بن عمرو �أن النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ق��ال‪( :‬ال يجوز الم���ر�أة عطية‬ ‫�إال ب�إذن زوجها ) رواه �أبو داود والن�سائي ب�إ�سناد‬ ‫�صحيح (‪.)26‬‬ ‫‪ 2‬ما �صح عن ابي هريرة ( ر�ضي اهلل عنه )�أن النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم قال‪:‬‬ ‫‪ 22‬املغني‪.300 / 4 :‬‬ ‫‪� 23‬صحيح البخاري‪� ،531 / 2 :‬صحيح م�سلم‪.603 / 2 :‬‬ ‫‪ 24‬املغني‪.300 / 4 :‬‬ ‫‪ 25‬ينظر‪ :‬املدونة الكربى‪ ،226 / 4 :‬وحا�شية العدوي على‬ ‫كفاية الطالب الرباين‪� :‬أبو احل�سن‪ ،‬علي بن �أحمد بن مكرم‬ ‫ال�صعيدي العدوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬يو�سف ال�شيخ حممد البقاعي‪:‬‬ ‫دار الفكر – بريوت‪ :‬بدون طبعة‪1414 :‬هـ ‪1994 -‬م‪/2( ،‬‬ ‫‪ ،)227‬املغني‪.300 / 4 :‬‬ ‫‪ 26‬ال�سنن الكربى‪ ،‬للإمام �أحمد بن �شعيب �أب��و عبد الرحمن‬ ‫الن�سائي‪ ،‬ت ‪303‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1991 ،1‬‬ ‫حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الغفار �سليمان البنداري‪ ،‬و�سيد ك�سروي‬ ‫ح�سن‪ ،135/4:‬و�سنن �أبي داود‪.293/3 :‬‬

‫ (تنكح املر�أة لأربع ملالها وحل�سبها وجلمالها‬ ‫ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)متفق‬ ‫عليه (‪.)27‬‬ ‫‪ -4‬لأن الرجل �إمنا يتزوج املر�أة ملالها ويرفع يف‬ ‫�صداقها ملالها ‪ ,‬فهو خالف غريه يف هذا �إمنا �أعطاها‬ ‫�إياه على ب�ضعها ومالها‪ ،‬و�إن جاوزت الثلث مل يبطل‬ ‫الثلث‪ .‬كاملري�ض يو�صي ب�أكرث من ثلثه ‪ ,‬فيجوز من‬ ‫ذلك الثلث (‪.)28‬‬ ‫وحمل مالك �أدلة اجلمهور على ال�شيء الي�سري‬ ‫وجعل حده الثلث فما دونه(‪.)29‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬ال يجوز للمر�أة �أن تتربع ب�شيء‬ ‫من مالها بغري �إذن زوجها ولو كانت ر�شيدة ال يف‬ ‫الثلث وال فيما دونه �إال يف ال�شيء التافه ‪� ,‬أما غري‬ ‫التربع من الت�صرفات ‪ ,‬فهي والرجل فيه �سواء‬ ‫(‪.)30‬وبه قال الليث بن �سعد (‪.)31‬‬ ‫الرتجيح‪:‬‬ ‫والراجح عندي واهلل اعلم – رجحان ما ذهب‬ ‫�إليه جمهور الفقهاء من احلنفية وال�شافعية‪.‬‬ ‫القائل بان املر�أة لها �أن تتربع من مالها متى �شاءت‬ ‫م��ا دام��ت ر�شيدة وال حتتاج �إل��ى �إذن زوج��ه��ا يف‬ ‫الت�صدق من مالها ولو كان ب�أكرث من الثلث‪.‬‬ ‫ومم��ا ت��ق��دم نلمح مظاهر و�سطية الإ���س�لام‬ ‫واعتداله وتوازنه يف �أحكامه وت�شريعاته‪.‬فهاهو‬ ‫قد �ضمن للمر�أة الذمة املالية امل�ستقلة والتي‬ ‫كانت المتلكها قبل اال�سالم بل هي نف�سها كانت من‬ ‫�سقط متاع الرجل‪ ،‬واثبت لها حق الت�صرف والهبة‬ ‫والت�صدق بدون احلاجة الى اذن ال��زوج‪ ،‬والذي‬ ‫عجزت عن اثباته لها ال�شرائع التي �سبقت اال�سالم‬ ‫وحتى الو�ضعية التي فر�ضت قيودا على ت�صرفات‬ ‫الزوجة‪،‬‬ ‫ثانيا‪ :‬امل�س�ألة الثانية‪ :‬اذن الزوج للزوجة بالعمل خارج البيت‬ ‫من امل�س�ؤوليات الأ�سا�سية للزوجة رعاية الأ�سرة‬ ‫وتربية الأوالد والعناية بهم وعلى ال��زوج النفقة‬ ‫عليها وعلى �أوالده��ا �شرعا‪ ،‬فهل يحق للزوجة �أن‬ ‫متار�س العمل خارج البيت بدون اذن زوجها‪ ،‬ام ان‬ ‫ذلك متوقف على اذنه‪ ،‬وهل يجوز له ان ياخذ مقابل‬ ‫خروجها عو�ضا ماليا او جزء ًا من راتبها لهذا اخلروج؟‬ ‫‪ )27‬‬

‫�صحيح البخاري‪� ،1958 / 5 :‬صحيح م�سلم‪.1086 / 2 :‬‬

‫‪ )28‬ينظر‪ :‬املدونة‪.125/4 :‬‬ ‫‪ )29‬نيل الأوطار‪.125 / 6 :‬‬ ‫‪ 30‬ينظر‪ :‬فتح الباري‪ ،218 / 5 :‬نيل الأوطار‪.125 / 6 :‬‬ ‫‪ 31‬ينظر‪ :‬نيل الأوطار‪.125 / 6 :‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪67‬‬


‫‪68‬‬

‫الأ�صل �أن الإذن يكون جمانًا‪ ,‬ولكن لو ا�شرتط‬ ‫ت�صح‬ ‫و�ضا‪� ,‬أو اتفقا على بدلٍ مايلٍّ‪ ،‬فهل‬ ‫آذن ِع ً‬ ‫ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫هذه املعاو�ضة؟‬ ‫ميكن تق�سيم املعاو�ضة على الإذن بالعمل �إلى �صورتني‪:‬‬ ‫ال��� ُّ��ص��ورة الأول����ى‪� :‬أن يكون الإذن يف مقابل‬ ‫�إ�سقاط النفقة الزوج ّية �أو بع�ضها‪.‬‬ ‫وذل��ك ب��أن يتفق الزوجان على عمل امل��ر�أة يف‬ ‫بع�ضها;‬ ‫مقابل �أن ت�سقط نفقتها عنه‪� ,‬أو �أن ي�سقط ُ‬ ‫ال�سكنى فيكون كراء املنزل عليها‬ ‫ك�سقوط نفقة ُّ‬ ‫مثلاً‪� ,‬أو نفقة اللبا�س‪ ,‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫فالظاهر �أن هذا االتفاق بني الزوجني �صحيح;‬ ‫لأن انتفاء الإذن يرتتب عليه �سقوط النفقة �أو‬ ‫جزئها‪ ,‬ف�إذا اتفقا على �سقوطها يف مقابل الإذن‬ ‫�صحيحا‪ ,‬وت�ستفيد املر�أة ِمن الإذن رف َع‬ ‫ف�إنه يكون‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫إ�ضافة لبقاء الألفة بني الزوجني‬ ‫الإث��م عنها‪� ,‬‬ ‫و�إزالة م�سببات الت�شاحن‪.‬‬ ‫عو�ض‬ ‫ال�صورة الثانية‪� :‬أن يكون الإذن يف مقابل ٍ‬ ‫م��ايل غري �إ�سقاط النفقة؛ ك ��أن ي�شرتط ال��زوج‬ ‫مقطوعا‬ ‫جزء ًا من راتب زوجته‪� ,‬أو �أن ي�أخذ مبلغًا‬ ‫ً‬ ‫منه‪� ,‬أو �أن تتولى الزوجة ُم��ؤون� َ�ة النفقة على‬ ‫�أبنائهما‪� ,‬أو تبذل له عينًا; ك�سيارة‪ ,‬ونحو ذلك ِمن‬ ‫ال�صور(‪..)32‬‬ ‫ف�إن له حالتني‪:‬‬ ‫‪ :1‬ف����إن ك��ان ه��ذا ال � ِع��و�� ُ�ض يف مقابل ع��م��لٍ ِمن‬ ‫الزوج; ك�أن يقوم بتو�صيل الزوجة لعملها‪� ,‬أو‬ ‫مبرافقتها فيه‪ ,‬ونحو ذلك ف�إنه ي�ستحق عليها‬ ‫الأُجرة باملعروف‪.‬‬ ‫العو�ض يف ُمقابل الإذن‬ ‫‪ :2‬و�أ ّما �إذا كان هذا‬ ‫ُ‬ ‫بالعمل ف��ق��ط‪ .‬ف����إن حكم ه��ذه امل�س�ألة متفر ٌع‬ ‫ي�صح املعاو�ضةُ عليه‪� ,‬أم‬ ‫عن كون هذا الإذن هل‬ ‫ّ‬ ‫ال(‪ ? )33‬ومبنى ذلك �أن احلقوق تختلف يف قبولها‬ ‫ِ‬ ‫للمعاو�ضة يف ُمقابل الإ���س��ق��اط‪ ,‬فبع�ضها يقبل‬ ‫املعاو�ضة‪ ,‬وبع�ضها ال يقبله (‪.)34‬‬ ‫ويف م�س�ألتنا هذه ف�إن احلقَّ الثابتَ للزوج هو‬ ‫ي�صح‬ ‫احتبا�س الزوجة والتمكني التام منها‪ ،‬فهل ّ‬ ‫‪ 32‬تقرير القواعد وحترير الفوائد زين الدين عبد الرحمن‬ ‫بن احمدابن رجب دار ابن عفان للن�شر والتوزيع ال�سعودية‪،‬‬ ‫ط‪ 1419 ،1‬هـ‪.290 /2 ،‬‬ ‫‪ 33‬من يرى عدم املعاو�ضة فلأنها حقوق مل تثبت ومل جتب بعد‪،‬‬ ‫ي�صح املعاو�ضة عليها [العناية للبابرتي (‪.)126/5‬‬ ‫فال ّ‬ ‫‪ 34‬تقرير القواعد وحترير الفوائد‪.290 /2 :‬‬

‫له املعاو�ضة على �إ�سقاط هذا احلق مبالٍ ؟‬ ‫هذه امل�س�ألة ‪-‬وكذا �سائر احلقوق الزوج ّية غري‬ ‫ي�صح‬ ‫املالية‪ ,‬كاملبيت والق َْ�سم وهما حقٌّ للزوجة هل ّ‬ ‫املعاو�ضة عليها‪ -‬فيها ر�أيان لأهل العلم (‪:)35‬‬ ‫ي�صح املعاو�ضة‬ ‫القول الأول‪� :‬أن هذا‬ ‫ّ‬ ‫احلق ال ّ‬ ‫عليه‪ .‬وهو قول احلنف ّية‪ ,.‬و�أح��د القولني عند‬ ‫ِ‬ ‫احلنابلة(‪ .)36‬ويعللون‬ ‫املالكية‪ ،‬وم�شهور مذهب‬ ‫ِ‬ ‫املعاو�ضة; لأنها‬ ‫ذلك‪ :‬ب�أن هذه احلقوق ال تقبل‬ ‫لي�س مبالٍ فال يجوز مقابلتها مبال‪.‬‬ ‫ي�صح املعاو�ضة على الإذن‬ ‫القول الثاين‪� :‬أنه‬ ‫ّ‬ ‫و�سائر احلقوق الزوج ّية‪ .‬وهو قول عند املالكية‬ ‫(‪.)37‬‬ ‫وعلى القول بجوازه فال ُب ّد ِمن تقييده بعدم‬ ‫الزوجة; لكي ال يكون‬ ‫املُ�ضا ّرة‪ ,‬بل بطيب النف�س من‬ ‫َ‬ ‫ذريعة للتع�سف يف ا�ستعمال الزوج حل ّقه بالإذن ِمن‬ ‫�أجل م�ساومة املر�أة على بذل املال‪.‬‬ ‫الزوج مل تُل َغ بل ُرعيت‬ ‫ويف املقابل ف�إن م�صلحة‬ ‫ِ‬ ‫وخفف‬ ‫وال�سكن يف بع�ض اليوم‪ُ ,‬‬ ‫بوجود التمكني َّ‬ ‫�شرعا يف ُمقابل هذا‬ ‫عنه يف قدر النفقة الواجبة ً‬ ‫النق�ص يف التمكني‪.‬‬ ‫أي�ضا ف�إن هذا القول فيه مراعاةٌ ل ِ‬ ‫ و� ً‬‫أعراف‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫موغلة يف‬ ‫ري من الأ�سر‬ ‫هذا الزمان‪� ,‬إذ معي�شةُ كث ٍ‬ ‫�زوج �أن‬ ‫ال َك َمال ّيات والتّح�سينيات التي ال َيلزَ م ال� َ‬ ‫يوف َّرها لزوج ِته يف النفقة الواجبة‪ ,‬و�إمن��ا هي‬ ‫من الإح�سان منه �إليها‪ .‬فرمبا كان يف عمل املر�أ ِة‬ ‫�سداد حلاجتها من هذا الباب الذي �أُغرق‬ ‫وك�س ِبها‬ ‫ٌ‬ ‫(‪)38‬‬ ‫النا�س فيه‪. .‬‬ ‫ثالثا‪ :‬ن�صو�ص الفتوى املعا�صرة حلكم راتب الزوجة‪:‬‬ ‫اذكر هنا فتوى املجمع الفقهي الإ�سالمي‪ ،‬ودار‬ ‫الإفتاء امل�صرية فيما يخ�ص حكم راتب الزوجة‬ ‫وهل للزوج حق فيه‪:‬‬ ‫�أوال‪ :‬ن�ص فتوى جممع الفقه الإ�سالمي الدويل‬ ‫املنبثق عن منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪:‬‬ ‫‪ 35‬تقرير ال��ق��واع��د الب��ن رج��ب ‪ .290 /2‬وذك��ر اخل�لاف يف‬ ‫امل�س�ألة‪.‬‬ ‫‪ 36‬بدائع ال�صنائع ‪� ،333 /2‬شرح خليل للخر�شي ‪،205 /5‬‬ ‫وال�شرح الكبري البن �أبي ُعمر ‪.458 /21‬‬ ‫‪� 37‬شرح خليل للخر�شي ‪.205 /5‬‬ ‫‪� 38‬أثر عمل املر�أة يف النفقة الزوجية (�ص‪.)29 :‬‬


‫�أ�صدر جمل�س جممع الفقه الإ�سالمي الدويل‬ ‫املنبثق عن منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي املنعقد يف‬ ‫دورت��ه ال�ساد�سة ع�شرة بدبي (دول��ة الإم��ارات‬ ‫العربية املتحدة) ــ من ‪� 9‬إلى ‪� 14‬أبريل احلايل‬ ‫ــ ق��رارا وفتوى عن اختالفات ال��زوج والزوجة‬ ‫املوظفة‪ ،‬وعن انف�صال الذمة املالية بني الزوجني‪،‬‬ ‫جاء فيه‪:‬‬ ‫‪� ‬أو ًال‪ :‬انف�صال الذمة املالية بني الزوجني‪:‬‬ ‫ل��ل��زوج��ة الأه��ل��ي��ة ال��ك��ام��ل��ة وال��ذم��ة املالية‬ ‫امل�ستقلة التامة‪ ،‬ولها احلق املطلق يف �إطار �أحكام‬ ‫ال�شرع مما تك�سبه من عملها‪ ،‬ولها ثروتها اخلا�صة‪،‬‬ ‫ولها حق التملك وحق الت�صرف مبا متلك وال �سلطان‬ ‫للزوج على مالها‪ ،‬وال حتتاج لإذن الزوج يف التملك‬ ‫والت�صرف مبالها‪ .‬‬ ‫ثانيا‪ :‬النفقة الزوجية‪:‬‬ ‫ت�ستحق ال��زوج��ة النفقة الكاملة امل��ق��ررة‬ ‫ب��امل��ع��روف‪ ،‬وبح�سب �سعة ال���زوج‪ ،‬ومب��ا يتنا�سب‬ ‫مع الأع��راف ال�صحيحة والتقاليد االجتماعية‬ ‫املقبولة ���ش��رع��ا‪ ،‬وال ت�سقط ه��ذه النفقة �إال‬ ‫بالن�شوز‪ .‬‬ ‫ثالثا‪ :‬عمل الزوجة خارج البيت‪:‬‬ ‫(‪ )1‬من امل�س�ؤوليات الأ�سا�سية للزوجة رعاية‬ ‫الأ���س��رة وت��رب��ي��ة ال��ن�����شء وال��ع��ن��اي��ة بجيل‬ ‫امل�ستقبل‪ ،‬ويحق لها عند احلاجة �أن متار�س‬ ‫خارج البيت الأعمال التي تتنا�سب مع طبيعتها‬ ‫واخت�صا�صها مبقت�ضى الأعراف املقبولة �شرعا‪،‬‬ ‫ب�شرط االلتزام بالأحكام الدينية والآداب‬ ‫ال�شرعية ومراعاة م�س�ؤوليتها الأ�سا�سية‪ .‬‬ ‫(‪� )2‬إن خ��روج الزوجة للعمل ال ي�سقط نفقتها‬ ‫ال��واج��ب��ة على ال���زوج امل��ق��ررة ���ش��رع��ا‪ ،‬وفق‬ ‫ال�ضوابط ال�شرعية‪ ،‬ما مل يتحقق يف ذلك‬ ‫اخلروج معنى الن�شوز امل�سقط للنفقة‪.‬‬ ‫‪ ‬رابعا‪ :‬م�شاركة الزوجة يف نفقات الأ�سرة‪:‬‬ ‫(‪ )1‬ال يجب على ال��زوج��ة �شرعا امل�شاركة يف‬ ‫النفقات الواجبة على الزوج ابتداء‪ ،‬وال يجوز‬ ‫�إلزامها بذلك‪.‬‬ ‫(‪ )2‬تطوع الزوجة بامل�شاركة يف نفقات الأ�سرة �أمر‬ ‫مندوب �إليه �شرعا ملا يرتتب عليه من حتقيق‬ ‫معنى التعاون والت�آزر والت�آلف بني الزوجني‪.‬‬ ‫(‪ )3‬يجوز �أن يتم تفاهم ال��زوج�ين واتفاقهما‬ ‫الر�ضائي على م�صري الراتب �أو الأجر الذي‬ ‫تك�سبه الزوجة‪.‬‬

‫(‪� )4‬إذا ترتب على خروج الزوجة للعمل نفقات‬ ‫�إ�ضافية تخ�صها ف�إنها تتحمل تلك النفقات‪.‬‬ ‫‪ ‬خام�سا‪ :‬ا�شرتاط العمل‪:‬‬ ‫(‪ )1‬يجوز للزوجة �أن ت�شرتط يف عقد الزواج �أن‬ ‫تعمل خارج البيت ف�إن ر�ضى الزوج بذلك �ألزم‬ ‫به‪ ،‬ويكون الإ�شرتاط عند العقد �صراحة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬يجوز للزوج �أن يطلب من الزوجة ترك العمل‬ ‫بعد �إذنه به �إذا كان الرتك يف م�صلحة الأ�سرة‬ ‫والأوالد‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ال يجوز �شرعا ربط الإذن (�أو اال�شرتاط)‬ ‫للزوجة بالعمل خارج البيت مقابل اال�شرتاك‬ ‫يف النفقات الواجبة على ال��زوج ابتداء �أو‬ ‫�إعطائه جزءا من راتبها وك�سبها‪.‬‬ ‫(‪ )4‬لي�س للزوج �أن يجرب الزوجة على العمل خارج البيت‪ .‬‬ ‫�ساد�سا‪ :‬ا�شرتاك الزوجة يف التملك‪:‬‬ ‫�إذا �أ�سهمت الزوجة فعليا من مالها �أو ك�سب‬ ‫عملها يف متلك م�سكن �أو عقار �أو م�شروع جتاري‬ ‫ف�إن لها احلق يف اال�شرتاك يف ملكية ذلك امل�سكن �أو‬ ‫امل�شروع بن�سبة املال الذي �أ�سهمت به‪ .‬‬ ‫�سابعا‪� :‬إ�ساءة ا�ستعمال احلق يف جمال العمل‪:‬‬ ‫(‪ )1‬للزواج حقوق وواجبات متبادلة بني الزوجني‪،‬‬ ‫وهي حمددة �شرعا وينبغي �أن تقوم العالقة‬ ‫بني الزوجني على العدل والتكافل والتنا�صر‬ ‫والرتاحم‪ ،‬واخلروج عليها يعد حمرم �شرعا‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ال يجوز للزوج �أن ي�سيء ا�ستعمال احلق مبنع‬ ‫الزوجة من العمل �أو مطالبتها برتكه �إذا كان‬ ‫بق�صد الإ���ض��رار �أو ترتب على ذلك مف�سدة‬ ‫و�ضرر يربو على امل�صلحة املرجتاة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ينطبق ه��ذا على ال��زوج��ة �إذا ق�صدت من‬ ‫البقاء يف عملها الإ�ضرار بالزوج �أو الأ�سرة‬ ‫�أو ترتب على عملها �ضرر يربو على امل�صلحة‬ ‫املرجتاة منه‪.‬‬ ‫ثامنا‪ :‬ن�ص فتوى دار الإفتاء امل�صرية‪ :‬املبادئ‪:‬‬ ‫‪-1‬الزوج ملزم �شرعا بنفقة زوجته بجميع انواعها‬ ‫ح�سب ي�ساره‬ ‫‪ -2‬ذم��ة ال��زوج��ة املالية م�ستقلة عن �شخ�صية‬ ‫زوجها و ذمته‬ ‫‪ -3‬للزوجة اهليتها يف التعاقد و حقها يف التمليك‬ ‫ولها مطلق احل��ق و كامل االهلية يف حتمل‬ ‫االلتزمات و اجراء خمتلف العقود‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪69‬‬


‫‪70‬‬

‫‪ -4‬لي�س من حق ال��زوج �شرعا منع زوجته من‬ ‫م�ساعدة والدها من مالها اخلا�ص‪.)39( .‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬حكم قيادة املر�أة ال�سيارة‪.‬‬ ‫�شغلت هذه امل�س�ألة حكم (قيادة املر�أة ال�سيارة)‬ ‫بال الكثري من النا�س رج��اال ون�ساء وكانت مادة‬ ‫حديثهم لزمن طويل بني م�ستنكر لها‪ ،‬وبني موافق‬ ‫لل�سماح للمر�أة بقيادة ال�سيارة‪ ،‬مما ا�ستوجب‬ ‫�إ�صدار فتوى �شرعية حت�سم الأمر وتكون احلكم‬ ‫الف�صل للحديث‪ ،‬بهذا اخل�صو�ص ال�سيما ونحن نرى‬ ‫الكثري من ن�ساء امل�سلمني يقدن ال�سيارات يف عموم‬ ‫بالد امل�سلمني‪ ،‬اال يف بع�ض ال��دول العربية التي‬ ‫كانت قد �أفتت م�سبقا بحرمة قيادة املر�أة لل�سيارة‬ ‫وقد تولت و�سائل الإعالم االهتمام بهذا املو�ضوع‬ ‫ون�شرت الكثري حول هذا املو�ضوع مما ا�ستدعى الرد‬ ‫ببيان احلكم ال�شرعي يف هذه امل�سالة‪.‬‬ ‫ن�ص دار الإفتاء حول "قيادة املر�أة ال�سيارة"‬ ‫جواب دار الإفتاء على ما ن�شرته بع�ض و�سائل‬ ‫الإعالم حول "قيادة املر�أة ال�سيارة"‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول‬ ‫اهلل‪ ،‬وبعد‬ ‫ف ��إن دائ���رة الإف��ت��اء ال��ع��ام كانت ق��د �أ���ص��درت‬ ‫فتاوى عدة قدمية برقم (‪ ،)862‬ورقم (‪)1296‬‬ ‫يف تقرير ج��واز قيادة امل��ر�أة لل�سيارة‪ ،‬وممار�سة‬ ‫حق التنقل بها‪ ،‬من غري �إثم وال حرج‪ ،‬ون�شرت هذه‬ ‫الفتاوى على �صفحات املوقع الإلكرتوين لدائرة‬ ‫الإفتاء بتاريخ (‪2010 /7 /25‬م)‪ ،‬وعرب و�سائل‬ ‫الإعالم �أي�ضا‪.‬‬ ‫و�أ�صل هذا التقرير هو �أن التنقل عرب و�سائل‬ ‫املوا�صالت القدمية �أو احلديثة حق �إن�ساين عام‪،‬‬ ‫ال ترد ال�شريعة مبنعه �سواء للرجال �أو للن�ساء‪ ،‬بل‬ ‫ت�أتي بت�أكيده والدفاع عنه باعتبار �صيانة حقوق‬ ‫الإن�����س��ان مق�صدا رئي�سيا م��ن مقا�صد ال�شريعة‬ ‫الغراء‪ ،‬ي�ؤكد هذا العديد من الآث��ار الثابتة يف‬ ‫ال�سنة النبوية يف ممار�سة ال�صحابيات الكرميات‬ ‫ه��ذا احل��ق م��ن غ�ير نكري م��ن �أح���د‪ .‬وه��و الفتوى‬ ‫التي ت�صدع بها دائ��رة الإفتاء العام يف ع�شرات‬ ‫اال�ستفتاءات التي ترد �إليها ب�شكل دوري‪.‬‬ ‫‪ 39‬دار الإفتاء امل�صرية امل�صدر‪ :‬موقع وزارة الأوقاف امل�صرية‬ ‫‪ http: //www.islamic-council.com‬املفتي‬ ‫عبد اللطيف حمزة ‪14‬رجب �سنة ‪ 1405‬هـ – ‪ 4‬ابريل �سنة‬ ‫‪.1985‬‬

‫و�أما ما �صدر يف الفتوى رقم‪ )914( :‬من رف�ض‬ ‫القيود التع�سفية التي يفر�ضها بع�ض الأزواج على‬ ‫زوجاتهم فهو ي�ؤكد ما �سبق‪� ،‬إذ لي�س من حق الزوج‬ ‫منع زوجته من ا�ستعمال و�سائل التوا�صل احلديثة‬ ‫كالهاتف‪ ،‬كما لي�س من حقه الت�سلط على الزوجة‬ ‫بحرمانها من زيارة �أهلها و�أداء وظيفتها وواجباتها‪.‬‬ ‫ويف املقابل �أي�ضا يجب على ال��زوج��ة م��راع��اة‬ ‫�أ�سباب الع�شرة احل�سنة بني الزوجني‪ ،‬و�صيانة‬ ‫بيت الزوجية عن ال�شقاق واال�ضطراب‪ ،‬فت�ست�أذن‬ ‫زوجها قبل خروجها يف غري حاجاتها ال�ضرورية‪،‬‬ ‫فالزوج راع وم�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬وم�س�ؤوليته يف‬ ‫املنزل تقت�ضي مراعاة هذه الأحكام‪ ،‬ليكون كل من‬ ‫الزوجني على بينة من حقوقه وواجباته‪.‬‬ ‫وما قامت به بع�ض و�سائل الإعالم من اجتزاء‬ ‫كلمة "قيادة ال�سيارة" يف غري �سياقها‪ ،‬والإعرا�ض‬ ‫عن ذكر احلقوق الإن�سانية التي تقررها الفتوى‪،‬‬ ‫والتقول على دائرة الإفتاء بتحرمي ما مل يحرمه‬ ‫اهلل وال ر�سوله ‪ -‬ه��و عمل بعيد ع��ن النزاهة‬ ‫واملو�ضوعية‪ ،‬ويخالف مواثيق ال�صدق والأمانة‬ ‫التي يتحملها امل�سلم يف عمله ووظيفته‪ .‬الأمر الذي‬ ‫ي�ستدعي من املتلقي الواعي التحري والتثبت قبل‬ ‫اخلو�ض فيما مل يثبت له �أ�صل �أو �أ�سا�س‪� ،‬سائلني‬ ‫املولى عز وجل �أن يلهم اجلميع ر�شده ويهدينا ا‬ ‫�سواء ال�سبيل‪.)40( .‬‬ ‫ونالحظ و�سطية اال�سالم يف ا�ستنباط الأحكام‪،‬‬ ‫وهي و�سطية بني طريف الت�شديد والإف��راط‪ ،‬فلم‬ ‫متانع ال�شريعة من قيادتها لل�سيارة اذا التزمت‬ ‫ب�ضوابط ال�شرع ومل ترتك لها احلبل على الغارب‬ ‫ان �صح التعبري‪ ،‬يف قيادنها فال افراط والتفريط‪،‬‬ ‫وه��ذه الو�سطية تن�ضبط بالن�صو�ص‪ ،‬وترعى‬ ‫املقا�صد‪ ،‬وحتقق امل�صالح‪ ،‬وتدر�أ املفا�سد‪ ،‬وتعطي‬ ‫كل ذي حق حقه‪.‬‬ ‫اخلامتة ونتائج البحث‪:‬‬ ‫‪ -1‬الإ�سالم دين عدل وو�سطية ت�شهد بذلك كل‬ ‫الإحكام ال�شرعية الني جاءت بها ال�شريعة‬ ‫الغراء‬ ‫‪ -2‬للمر�أة ذمة مالية م�ستقلة كالرجل ‪ ,‬وحقها‬ ‫يف الت�صرف يف مالها �أمر مقرر يف ال�شريعة ما‬ ‫دامت ر�شيدة وهذا ر�أي جمهور الفقهاء‪.‬‬ ‫‪ 40‬دار االفتاء العام‪ ،‬املوقع االلكرتوين لدائرة الإفتاء العام‬ ‫بتاريخ (‪)2010/7/25‬‬


‫‪ -3‬املر�أة لها �أن تتربع من مالها متى �شاءت ما دامت‬ ‫ر�شيدة وال حتتاج �إلى �إذن زوجها يف الت�صدق‬ ‫من مالها ولو كان ب�أكرث من الثلث‪.‬‬ ‫‪ -4‬ي��ج��وز �أن يتم تفاهم ال��زوج�ين واتفاقهما‬ ‫الر�ضائي على م�صري الراتب �أو الأجر الذي‬ ‫تك�سبه الزوجة‪.‬‬ ‫‪ -5‬لي�س من حق الزوج منع زوجته من ا�ستعمال‬ ‫و�سائل التوا�صل احلديثة كالهاتف‪ ،‬كما لي�س‬ ‫من حقه الت�سلط على الزوجة بحرمانها من‬ ‫زيارة �أهلها و�أداء وظيفتها وواجباتها‪.‬‬ ‫‪ -6‬ج��واز قيادة امل���ر�أة لل�سيارة‪ ،‬وممار�سة حق‬ ‫التنقل ب��ه��ا‪ ،‬م��ن غ�ير �إث���م وال ح���رج‪ ،‬ووف��ق‬ ‫�ضوابط ال�شرع بال افراط او تفريط‪..‬‬ ‫و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني و�صلى اهلل‬ ‫تعالى على �سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه‬ ‫املراجع‬

‫‪� -1‬أحكام القر�آن‪� ،‬أحمد بن علي الرازي اجل�صا�ص �أبو بكر (ت ‪ 370‬هـ)‪ ،‬ـ‪ ،‬حتقيق‪:‬‬ ‫حممد ال�صادق قمحاوي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬ه‪.‬‬ ‫‪� -2‬أثر عمل املر�أة يف النفقة الزوجية بحث حمكم قدم حللقة البحث التي �أقامها‬ ‫مركز التميز البحثي يف فقه الق�ضايا املعا�صرة بعنوان (نفقة الزوجة يف �ضوء‬ ‫متغريات الع�صر)‪� :‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد ال�سالم بن حممد ال�شويعر‪ ،‬جامعة الإمام حممد‬ ‫بن �سعود الإ�سالمية ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‬ ‫‪� -3‬إر�شاد الفحول �إيل حتقيق احلق من علم الأ�صول‪ :‬حممد بن علي بن حممد بن‬ ‫عبد اهلل ال�شوكاين اليمني (ت‪1250 :‬هـ)املحقق‪ :‬ال�شيخ �أحمد عزو عناية‪،‬‬ ‫دم�شق ‪ -‬كفر بطنا‪ ،‬قدم له‪ :‬ال�شيخ خليل املي�س والدكتور ويل الدين �صالح‬ ‫فرفور‪ :‬دار الكتاب العربي‪.‬‬ ‫‪ -4‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬ابو بكر م�سعود بن احمد الكا�ساين‪ ،‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪.‬‬ ‫‪ -5‬البحر املحيط يف �أ�صول الفقه‪� :‬أبو عبد اهلل بدر الدين حممد بن عبد اهلل بن‬ ‫بهادر الزرك�شي (ت‪794 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتبي‪ ،‬ط‪ :‬الأولى‪1414 ،‬هـ ‪1994 -‬م‬ ‫‪ -6‬تاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ :‬حم ّمد بن حم ّمد بن عبد الرزّاق احل�سيني‪،‬‬ ‫�أبو الفي�ض‪ ،‬امللقّب مبرت�ضى‪ ،‬الزَّبيدي (ت‪1205 :‬هـ)املحقق‪ :‬جمموعة من‬ ‫املحققني‪ :‬دار الهداية‪.‬‬ ‫‪ -7‬تف�سري ابن كثري �سالمة ف�سري القر�آن العظيم‪� :‬أبو الفداء �إ�سماعيل بن عمر‬ ‫بن كثري القر�شي الب�صري ثم الدم�شقي ( ت ‪774 :‬هـ)املحقق‪� :‬سامي بن حممد‬ ‫�سالمة دار طيبة للن�شر والتوزيع ط‪ 1999 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬تف�سري امل��اوردي = النكت والعيون‪� :‬أب��و احل�سن علي بن حممد بن حممد بن‬ ‫حبيب الب�صري البغدادي‪ ،‬ال�شهري باملاوردي (ت‪450 :‬هـ) حتقيق‪ :‬ال�سيد ابن‬ ‫عبد املق�صود بن عبد الرحيم‪ :‬دار الكتب العلمية – بريوت‪.‬‬ ‫‪ -9‬تقرير القواعد وحترير الفوائد زين الدين عبد الرحمن بن احمد ابن رجب‬ ‫دار ابن عفان للن�شر والتوزيع ال�سعودية‪ ،‬ط االولى ‪1419.3‬‬ ‫‪ -10‬تهذيب اللغة‪ :‬حممد بن �أحمد بن الأزهري الهروي‪� ،‬أبو من�صور ( ت ‪370 :‬هـ)‬ ‫املحقق‪ :‬حممد عو�ض مرعب‪ :‬دار �إحياء الرتاث العربي – بريوت ط‪2001 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ -11‬جامع البيان يف ت�أويل القر�آن حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب‬ ‫الآملي‪� ،‬أبو جعفر الطربي ( ت ‪310 :‬هـ)املحقق‪� :‬أحمد حممد �شاكر‪ :‬م�ؤ�س�سة‬ ‫الر�سالة‪ ،‬ط‪ 2000 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ -12‬جامع ال�صحيح املخت�صر‪ ،‬حممد بن �إ�سماعيل �أبو عبداهلل البخاري اجلعفي‪،‬‬ ‫حتقيق‪ :‬م�صطفى ديب البغا‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬اليمامة‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت‪.1987 ،‬‬ ‫‪ -13‬اجلامع ال�صحيح للإمام م�سلم بن احلجاج �أبو احل�سني الق�شريي الني�سابوري ت‬ ‫‪261‬هـ‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪ -14‬حا�شية العدوي على كفاية الطالب الرباين‪� :‬أبو احل�سن‪ ,‬علي بن �أحمد بن‬ ‫مكرم ال�صعيدي العدوي (ن�سبة �إل��ى بني ع��دي‪ ،‬بالقرب من منفلوط) (ت‪:‬‬ ‫‪1189‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬يو�سف ال�شيخ حممد البقاعي‪ :‬دار الفكر – بريوت‪ :‬بدون‬

‫‪ -15‬‬ ‫‪ -16‬‬ ‫‪ -17‬‬ ‫‪- 18‬‬ ‫‪ -19‬‬ ‫‪ -20‬‬

‫‪ -21‬‬

‫‪ -22‬‬ ‫‪ -23‬‬

‫‪ -24‬‬ ‫‪- 25‬‬ ‫‪ -26‬‬ ‫‪ -27‬‬ ‫‪ -28‬‬ ‫‪ -29‬‬ ‫‪ -30‬‬ ‫‪- 31‬‬ ‫‪ -32‬‬ ‫‪ -33‬‬ ‫‪ -34‬‬ ‫‪- 35‬‬ ‫‪ -36‬‬ ‫‪ -37‬‬

‫طبعة‪1414 :‬هـ ‪1994 -‬م‪ ،‬ت هـ( ‪ )392‬ط‪.2‬‬ ‫دار االف���ت���اء ال���ع���ام‪ ،‬امل��وق��ع االل���ك�ت�روين ل���دائ���رة االف���ت���اء ال��ع��ام بتاريخ‬ ‫(‪)2010/7/25‬‬ ‫‪12‬دار الإفتاء امل�صرية امل�صدر‪ :‬موقع وزارة الأوق��اف امل�صرية ‪http: //‬‬ ‫‪ www.islamic-council.com‬املفتي عبد اللطيف حمزة ‪14‬رجب �سنة‬ ‫‪ 1405‬ه – ‪ 4‬ابريل �سنة ‪.1985‬‬ ‫ال�سنن الكربى‪ ،‬المام �أحمد بن �شعيب �أبو عبد الرحمن الن�سائي‪ ،‬ت ‪303‬هـ‪ .‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،1991 – 1411 ،‬ط‪ ،1‬حتقيق‪ :‬د‪.‬عبد الغفار �سليمان‬ ‫البنداري‪� ،‬سيد ك�سروي ح�سن‪.‬‬ ‫�شرح خمت�صر خليل للخر�شي‪ ،‬حممد بن عبداهلل اخلر�شي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬ ‫فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪� ،‬أحمد بن علي بن حجر �أبو الف�ضل الع�سقالين‬ ‫ال�شافعي‪ ،‬وفاته ‪852‬ه��ـ‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬يروت‪ 1379 ،‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ف�ؤاد‬ ‫عبدالباقي ‪ ,‬حمب الدين اخلطيب‪.‬‬ ‫(ال�شامل للأدلّة َّ‬ ‫الفقه الإ�سالمي و�أدلته للزحيلي‪َّ .‬‬ ‫ال�شرع َّية والآراء املذهب َّية‬ ‫أهم النَّظر َّيات الفقه َّية وحتقيق الأحاديث النَّبو َّية وتخريجها) �أ‪ .‬د‪َ .‬و ْه َبة‬ ‫و� ّ‬ ‫إ�سالمي و�أ�صوله بجامعة‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫الفقه‬ ‫ق�سم‬ ‫ورئي�س‬ ‫أ�ستاذ‬ ‫�‬ ‫‪،‬‬ ‫ِي‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ُّح‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫م�صطفى‬ ‫بن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ّ‬ ‫دم�شق ‪ -‬ك ّل َّية َّ‬ ‫ال�شريعة‪ :‬دار الفكر ‪� -‬سور َّية ‪ -‬دم�شق ط‪ :‬ال َّرابعة املنقَّحة‬ ‫املعدَّلة بالنِّ�سبة ملا �سبقها‪.‬‬ ‫القامو�س املحيط‪ :‬جمد الدين �أبو طاهر حممد بن يعقوب الفريوز�آبادى (ت‪:‬‬ ‫‪817‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب حتقيق الرتاث يف م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ب�إ�شراف‪ :‬حممد‬ ‫العرق�سو�سي‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة للطباعة والن�شر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،8‬‬ ‫نعيم‬ ‫ُ‬ ‫‪ 1426‬هـ ‪ 2005 -‬م‬ ‫قواعد الفقه‪ :‬حممد عميم الإح�سان املجددي الرب كتري‪ :‬ال�صدف ببل�شرز –‬ ‫كرات�شي ط‪1986 ،1‬م‪.‬‬ ‫الكايف يف فقه �أهل املدينة �أبو عمر يو�سف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الرب بن‬ ‫عا�صم النمري القرطبي (ت‪463 :‬هـ) حتقيق‪ :‬حممد حممد �أحيد ولد ماديك‬ ‫املوريتاين‪ :‬مكتبة الريا�ض احلديثة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ط‪:‬‬ ‫الثانية‪1400 ،‬هـ‪1980/‬م‬ ‫الكايف �شرح ال��ب��زودي‪ :‬احل�سني بن علي بن حجاج بن علي‪ ،‬ح�سام الدين‬ ‫ال�س ْغنَاقي ( ت ‪ 711 :‬ه��ـ) حتقيق‪ :‬فخر الدين �سيد حممد قانت (ر�سالة‬ ‫ِّ‬ ‫دكتوراه)النا�شر‪ :‬مكتبة الر�شد للن�شر والتوزيع ط‪ 2001 ،1‬م ‪.‬‬ ‫ك�شاف القناع عن منت االقناع‪ ،‬من�صور بن يون�س البهوتي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫الكليات معجم يف امل�صطلحات والفروق اللغوية‪� :‬أي��وب بن مو�سى احل�سيني‬ ‫القرميي الكفوي‪� ،‬أبو البقاء احلنفي (ت‪1094 :‬هـ) حتقيق‪ :‬عدنان دروي�ش ‪-‬‬ ‫حممد امل�صري‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت‪.‬‬ ‫ل�سان العرب‪ ،‬ابي الف�ضل جمال الدين حممد بن مكرم بن منظور االفريقي‬ ‫امل�صري‪ ،‬دار �صادر بريوت‪1374 ،‬هـ ‪1955-‬م‪,)522 /13( .‬مادة ففه‪.‬‬ ‫جممل اللغة البن فار�س �أحمد بن فار�س بن زكرياء القزويني ال��رازي‪� ،‬أبو‬ ‫احل�سني ( ت ‪395 :‬هـ) درا�سة وحتقيق‪ :‬زهري عبد املح�سن �سلطان دار الن�شر‪:‬‬ ‫م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت‪ ،‬ط‪1986 ،2‬م‪.‬‬ ‫املحكم واملحيط الأعظم‪� :‬أبو احل�سن علي بن �إ�سماعيل بن �سيده املر�سي )ت‪:‬‬ ‫‪458‬هـ ) املحقق‪ :‬عبد احلميد هنداوي‪ :‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫املحلى باالثار‪ ،‬علي بن حممد ـ املعروف بابن حزم الظاهري _ ت (‪456‬هـ )‪،‬‬ ‫دار الفكر‪.‬‬ ‫املدونة الكربى‪ ،‬مالك بن ان�س بن مالك اال�صبحي دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫املغني‪ ،‬لالمام �أحمد بن حنبل ال�شيباين‪ ،‬عبد اهلل بن �أحمد بن قدامة املقد�سي‬ ‫�أبو حممد ت ‪ 620‬هـ‪ ،‬دار احياء الرتاث العربي‪.‬‬ ‫املوافقات �إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي ال�شهري بال�شاطبي‬ ‫(ت‪790 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪� :‬أبو عبيدة م�شهور بن ح�سن �آل �سلمان‪ :‬دار ابن عفان‪،‬‬ ‫ط‪1997 :2‬م‪.‬‬ ‫مو�سوعة ال�صحيح امل�سبور من التف�سري بامل�أثور‪ ،‬د‪ .‬حكمت بن ب�شري بن يا�سني‪:‬‬ ‫دار امل�آثر للن�شر والتوزيع والطباعة‪ -‬املدينة النبوية‪ ،‬ط‪ 1999 ،1‬م‪.‬‬ ‫املو�سوعة الفقهية‪ ،‬وزارة االوقاف وال�ش�ؤون اال�سالمية‪ ،‬الكويت‪.‬‬‫نيل الأوطار من �أحاديث �سيد الأخيار �شرح منتقى الأخبار حممد بن علي بن‬ ‫حممد ال�شوكاين ت ‪ 1255‬هـ‪ ،‬دار احلديث‪.‬‬ ‫الو�سطية مفهو ًما وداللة‪ ،‬د‪ .‬حممد وياليل‪ ،‬بحث من�شور على موقع الألوكة‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪71‬‬


‫دراسات‬

‫فضيلة الشيخ عبد المجيد ابو سل‬

‫عالمية اإلسالم‬ ‫‪ ..‬والعلمانية‬ ‫المذهبية‬

‫األردن‬

‫‪72‬‬

‫لقد اختلطت معاين املعرفة والنظم والأخالق‬ ‫واملذهبية يف زحمة تكنولوجيا املعرفة والتقنية‬ ‫من خالل �إعطائها ال�صفة والأهداف التي ت�سيطر‬ ‫على و���س��ائ��ل الإع��ل�ام امل��وج��ه��ة وامل��ق�����ص��ودة �إل��ى‬ ‫امل�سلم وعقيدته وذل���ك بعد �أن ا�شتغل �أع���داء‬ ‫الإ�سالم احلقيقيون بالو�سائل والطرق املختلفة‬ ‫و�أوج��دوا البيئة املنا�سبة وتهيئة الأمور وتزينها‬ ‫ليكون القبول بكل ما يقدمونه لتحقيق �أهدافهم‬ ‫ال�شيطانية والإحل��ادي��ة �أم���ر ًا واق��ع� ًا وب��ذل��وا من‬ ‫�أج��ل ذل��ك جهود ًا م�ضنية وت�ضحيات ج�سام ًا من‬ ‫�إزهاق للأرواح واملذابح وارتكاب اجلرائم واحلروب‬ ‫املدمرة واملهلكة وبذل الأموال باملليارات التي تعجز‬ ‫العقول عن ا�ستيعابها‪.‬‬ ‫ومن �أجل هذا وذاك انتهجوا طريق ًا �شيطانية‬ ‫مارك�سية (ف�صل الدين عن ال��دول��ة) مبا ي�سمى‬ ‫بالعلمانية ليحكموا من خاللها العامل �إذ �أن��ه ال‬ ‫بد من معرفة العلمانية وتاريخها و�أهدافها وكيف‬ ‫ّ‬ ‫دخلت �إلى العامل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫العلمانية ُيرمز لها بالالتينية ((‪secularism‬‬ ‫�أي (الالدينية) وبذلك تعني ف�صل الدين عن جميع‬ ‫مقومات الدولة ال�سيا�سية كانت �أم �إقت�صادية وجاء‬ ‫ذلك من خالل (ت�صارع العلم مع الكني�سة الن�صرانية‬ ‫التي كانت �سائدة وخا�صة يف ال��ق��رون الو�سطى‬ ‫م��ن ت�سلط الكني�سة و�إع��ط��اء �صكوك الغفران‬

‫وانت�شار الف�ساد الأخالقي والإجتماعي وال�سيا�سي‬ ‫والإقت�صادي و�أ�صبح رجال الدين الكن�سي هم �أ�صل‬ ‫الف�ساد يف ظل تلك الظروف القائمة ظهرت الثورة‬ ‫العلمية ال�صناعية وانت�صرت على الكني�سة بعد‬ ‫احلرب ا�ستمرت لفرتة طويلة وخال�صة احلديث‬ ‫كانت النتيجة ف�صل الدين عن الدولة‪.‬‬ ‫والعلم �سالح ذو حدين فهو ي�ستعمل للبناء‬ ‫والتعمري وملعرفة اخل��ال��ق �سبحانه وت��ع��ايل عن‬ ‫طريق التفكري يف خلق ال�سماوات والأر����ض‪ ،‬وقد‬ ‫ي�ستعمل العلم للهدم والتدمري ثم الغرور والإحلاد‬ ‫ق���ال ت��ع��ال��ى‪�“ :‬إن يف خ��ل��ق ال�����س��م��وات والأر�����ض‬ ‫واختالف الليل والنهار لآيات لأويل الألباب” (�آل‬ ‫عمران‪.)190:‬‬ ‫وه��ذا بالن�سبة لنا نحن امل�سلمني يتعار�ض مع‬ ‫عقيدتنا كلي ًا‪ ،‬لأن عقيدة الإ�سالم تدخل يف جميع‬ ‫�ش�ؤون احلياة �أكانت �سيا�سية �أم اجتماعية �أو غري‬ ‫ذلك على م�ستوى الفرد �أو الدولة �أو املجتمع كام ًال‬ ‫يف كل �صغرية وكبرية ولي�س عقيدة كهنوتية فا�سدة‬ ‫فا�شلة‪.‬‬ ‫وعقيدة الإ���س�لام عقيدة �سماوية تعاليمها من‬ ‫خالق هذا الكون ومبدعه من �أجل �سعادة النا�س يف‬ ‫الدنيا والآخ���رة ويعطي احلياة كرامتها ومعانيها‬ ‫ال�سامية ودولة اخلالفة الإ�سالمية �شاهدة على ذلك‪.‬‬


‫فالإ�سالم هو الدين الذي جاء به الر�سل جميع ًا‬ ‫مبا فيهم حممد عليه �أف�ضل ال�صالة وال�سالم خامت‬ ‫املر�سلني لإن (الدين عند اهلل الإ�سالم) والإ�سالم‬ ‫ميثل مبجموعة م��ن ع��ب��ادات ومعامالت و�أح���وال‬ ‫�شخ�صية والتي هي ال�شريعة‪.‬‬ ‫وخال�صة القول ‪� ..‬إن العلمانية تعتد بالعلم دون‬ ‫الدين وتعتربهما خ�صمان يف حرب دائرة م�ستمرة‬ ‫لأن الكني�سة كانت حت� ّ�رم العلم وتعترب ال�صناعة‬ ‫والتقدم انحراف ًا ويعار�ض عقيدتها‪ ،‬وذلك من �أجل‬ ‫�أن تبقى امل�سيطرة وامل�ستعبدة للنا�س حتى �أن رجال‬ ‫الدين املتطرفني �أخذوا يكفرون ويرتكبون اجلرائم‬ ‫يف ح��ق ك��ل خمالف لهم وب��ذل��ك �أق��ام��وا (حماكم‬ ‫التفتي�ش) وانتهى ال�صراع بانت�صار اخل�صم على‬ ‫الكني�سة وكانت �ساحة ال�سجال يف �أوروبا وخا�صة‬ ‫فرن�سا على �أ�شدها‪.‬‬ ‫وال�س�ؤال‪ :‬ما النتيجة ؟ هل انتهى الف�ساد ؟‬ ‫ال ‪ ..‬ثم ال ‪ ..‬ف�أ�صبحت اجلاهلية من نوع �آخر‬ ‫وذل��ك برفع �شعارات ال�شيوعية والإحل��ادي��ة �إلى‬ ‫كوابي�س‪� ،‬إذ ا�ستطاع العلمانيون الأوروبيون �أن ينقلوا‬ ‫�أفكارهم العلمانية وال�شعارات املزيفة وب�أ�سماء‬ ‫مزرك�شة �إلى البالد الإ�سالمية والعربية خا�صة‪،‬‬ ‫وذلك بطرق خمتلفة �سواء طريق امل�ست�شرقني �أو عن‬ ‫طريق الإحتالل �أو عن طريق ال�ضالني من امل�سلمني‬ ‫ال��ذي��ن عا�شوا معهم يف ب�لاده��م ونقلوا �أفكارهم‬ ‫بطريق �أو ب�أخرى‪ ،‬وذلك يف ظل الإحتالل الأوروبي‬ ‫و�ضعف العقيدة يف ح��ي��اة امل�سلمني ومب�ساعدة‬ ‫الأقليات غري الإ�سالمية من ن�صارى العقيدة يف حياة‬ ‫امل�سلمني ومب�ساعدة الأقليات غري الإ�سالمية من‬ ‫ن�صارى ويهود و�أ�صحاب املذاهب الإحلادية ب�إقامة‬ ‫الأح��زاب ال�شيوعية واملارك�سية احلمراء‪� ،‬أو عن‬ ‫طريق الر�أ�سمالية الإمربيالية‪.‬‬ ‫ومن ابرز احلركات العلمانية يف البالد العربية‬ ‫والإ�سالمية حزب جمعية الإحتاد والرتقي بزعامة‬ ‫م�صطفى �أت��ات��ورك م��ن ي��ه��ود ال��دومن��ة و�أو���ص��ل��ت‬

‫مدحت با�شا وه��و اب��ن حاخام يهودي جم��ري �إلى‬ ‫من�صب ال�صدارة العظمى‪ ،‬وقامت العلمانية وال‬ ‫زال��ت يف تركيا حيث �أل��غ��ت اخل�لاف��ة الإ�سالمية‬ ‫و�ألغت كل املظاهر الإ�سالمية وقد حاربت اللغة‬ ‫العربية ح��رب� ًا �ضرو�س ًا و�أل��غ��ت معظم ال�شعائر‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬ودخلت العلمانية عن طريق م�صر �أثناء‬ ‫الإحتالل الربيطاين وتزعم ذلك (قا�سم �أمني)‬ ‫و (طه ح�سني) وال�شيخ عبدالرزاق وغريهم كرث‬ ‫مثل �سعد زغلول ولطفي ال�سيد‪ ،‬فظهرت القومية‬ ‫والإ���ش�تراك��ي��ة والبعث واملارك�سية وال�شيوعية‬ ‫��دث وال ح���رج‪ ،‬و�أخ���ذت ال�����ش��ع��ارات املزرك�شة‬ ‫وح� ّ‬ ‫والتي جذبت عقول الكثري للإنطواء حتتها‪ ،‬وبهذا‬ ‫�أ�صبحت الأمة العربية الإ�سالمية �شيع ًا �أو �أحزاب ًا‬ ‫كل حزب مبا لديه فرحون‪ ،‬وبذلك �أ�صبح احلكم يف‬ ‫البالد الإ�سالمية علماني ًا وا�ستبعد ال�شرع الإ�سالمي‬ ‫�إال على م�ستوى �ضيق انح�صر يف املحاكم ال�شرعية‬ ‫(الطالق والزواج) و�أ�صبح احلكم يغري ما �أنزل اهلل‪.‬‬ ‫ر�أي ال�شرع الإ�سالمي يف العلمانية‬ ‫تعترب العقيدة الإ���س�لام��ي��ة العلمانية ع��دو ًا‬ ‫لدوداً‪ ،‬لها وتندرج حتت قائمة الكفر وال�شرك لأنها‬ ‫ا�ستبدلت القوانني والت�شريعات واحلكم بغري اهلل‬ ‫�شريعة رب ال�سموات والأر�ض‪ ،‬لأن العلمانية تدعو‬ ‫�إلى نبذ الدين جانب ًا وتفريغ احلياة من امل�ضمون‬ ‫الأخ�لاق��ي وال��روح��ي و�إع��ط��اء الأهمية لإ�شاعة‬ ‫الرذيلة والفاح�شة و�إ�شاعة الف�ساديف الأر�ض‪ ،‬وهذا‬ ‫يتنافى مع عقيدة الإ���س�لام ال�سمحة التي تدعو‬ ‫�إلى التوحيد اخلال�ص واحرتام النف�س‪ ،‬وال�شريعة‬ ‫تهذبنا وحتلينا ب�أ�سمى املعاين اخللقية وكان التدين‬ ‫ب�ين النا�س بالفطرة وذل��ك ب�سبب �شعور النا�س‬ ‫بوجود قوة �أعظم من قوتهم واعتقادهم ب�صلتهم‬ ‫بها وال�سعي لتوثيق هذه ال�صلة معها‪.‬‬ ‫عاملية الدعوة الإ�سالمية‬ ‫عندما نريد �أن نو�ضح احلقيقة وجنلي الأم��ور‬ ‫التي اختلطت على ال�شخ�صية الإ�سالمية يف القرن‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪73‬‬


‫‪74‬‬

‫الع�شرين واحلادي والع�شرين يجب �أن ن�ضع املجهر‬ ‫بعد�ساته املكربة لتو�ضيح ال�صورة لعقيدة الإ�سالم‬ ‫ال�سماوية ال�سمحة‪ ،‬وذل��ك لبيان عاملية الدعوة‬ ‫والر�سالة النبوية املحمدية‪ ،‬لتقول للعامل هذا‬ ‫هو دين الإ�سالم ‪ ..‬دين املحبة ‪ ..‬والإخ��اء ‪ ..‬دين‬ ‫ال�سعادة يف الدارين الدنيا والآخرة لكافة النا�س‪.‬‬ ‫لقد �أر�سل اهلل الر�سل والأنبياء مب�شرين ومنذرين‬ ‫ليخل�صوا النا�س مما علق يف عقولهم و�أذهانهم من �شر‬ ‫وف�ساد و�إحلاد‪ ،‬ليخرجوهم من ظلمة الدنيا و�ضيق‬ ‫العي�ش �إلى نور اخلالق‪ ،‬نور ال�سموات والأر�ض و�إلى‬ ‫�سعة الدنيا ورحابة العي�ش فيها‪ ،‬فقال رب العاملني‬ ‫"وما نر�سل املر�سلني �إ ّال مب�شرين ومنذرين فمن �آمن‬ ‫و�أ�صلح فال خوف عليهم وال هم يحزنون"‪.‬‬ ‫وقد كان كل ر�سول يبعث يف قومه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫}�إنّا �أر�سلناك باحلق ب�شري ًا ونذير ًا و�إن من �أمة �إ ّال‬ ‫خال فيها نذير{‪ ،‬وقال تعالى‪�} :‬إنا �أر�سلنا نوح ًا �إلى‬ ‫قومه �أن �أنذر قومك من قبل �أن ي�أتيهم عذاب �أليم{‪.‬‬ ‫فكان يف كل �أمة نذير ي�ؤمن معه قليل ويعاديه‬ ‫الكثري وهذا ما �أخرب عنه ربنا �سبحانه وتعالى يف‬ ‫كتابه العزيز وذاكر ًا كل نبي جهاده املرير مع قومه‬ ‫حتى يقول الر�سول والذين معه متى ن�صر اهلل وقال‬ ‫تعالى‪} :‬وك�أ ّين من نبي قاتل معه ربيون كثري فما‬ ‫وهنوا ملا �أ�صابهم يف �سبيل اهلل وما�ضعفوا وما ا�ستكانوا‬ ‫واهلل يحب ال�صابرين{‪�( .‬آل عمران‪.)146:‬‬ ‫لكن ر�سالة الإ�سالم ر�سالة حممد �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم كانت ر�سالة عاملية لكافة النا�س قال تعالى‪}:‬‬ ‫وما �أر�سلناك �إال كافة للنا�س ب�شري ًا ونذير ًا ولكن‬ ‫�أكرث النا�س ال يعلمون{ (�سب�أ‪ ،)28:‬فالآية وا�ضحة‬ ‫املعنى واملق�صد مهمة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫مهمة عظيمة و�سامية للنا�س كافة ب�شري ًا ملن �آمن‬ ‫معه واتبع الهدى ب�أن له الأمن وال�سعادة يف احلياة‬ ‫الدنيا والأمن واحلياة الرغيدة يف جنان النعيم يوم‬ ‫القيامة ومنذر ًا كل من �أعر�ض �أن له جهنم وبئ�س‬ ‫امل�صري وق��د مت ّيزت ر�سالته �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ب�أنها ر�سالة توحيد خال�صة العبودية خلالق الكون‬ ‫ومبدعه ال �شخ�صية لذانها وال من �أجل نفع مادي �أو‬ ‫معنوي �أو �سيادي‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬قل �إمنا �أنا منذر وما‬ ‫من �إله �إال الواحد الق ّهار{ (�ص‪ )65:‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫}و�إنا �أر�سلناك �شاهد ًا ومب�شر ًا ونذير ًا وداعي ًا �إلى‬ ‫اهلل ب�إذنه و�سراج ًا منرياً{ (الأحزاب‪.)46:‬‬ ‫والدعوة �إلى �أمة واحدة وعقيدة و�شاملة يقول‬ ‫تعالى‪} :‬و�إن ه��ذه �أمتكم �أم��ة واح��دة و�أن��ا ربكم‬

‫فاتقون{(امل�ؤمنون‪� ،)52:‬أي �أن ملتكم هي �شريعة‬ ‫الإ�سالم ال�سمحة واملتمثله يف الإله الواحد املنفرد‬ ‫يف عبوديته والألوهية واملنزهة عن خلقه والذي‬ ‫لي�س كمثله �شيء وهو ال�سميع الب�صري‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫}ق��ل �إين �أُم���رت �أن �أعبد اهلل خمل�ص ًا له الدين‪،‬‬ ‫و�أُمرت لأن �أكون �أول امل�سلمني{ (الزمر‪.)12:‬‬ ‫وقد �أكرم اهلل نبيه حممد ب�أن تكون ر�سالته رحمة‬ ‫للعاملني للخلق كافة قال تعالى‪} :‬وما �أر�سلنا من قبلك‬ ‫من ر�سول �إال نوحي �إليه �أنه ال �إله �إال �أنا فاعبدون{‪.‬‬ ‫(الأنبياء‪ )65:‬حيث كانت ال�سائدة يف املجتمع املكي‬ ‫اجلاهلية القاتلة وقد عاب عليهم ال�شارع يف الإ�سالم‬ ‫وبينّ �أن اجلاهلية عبارة عن ع�صبية قبلية حمقاء‬ ‫ال ت�أتي بخري فقال تعالى‪�} :‬إذ جعل الذين كفروا‬ ‫يف قلوبهم احلم ّية حم ّية اجلاهلية ف��أن��زل اهلل‬ ‫�سكينته على ر�سول وعلى امل�ؤمنني و�ألزمهم كلمة‬ ‫التقوى وكانوا �أحق بها وب�أهلها وكان اهلل بكل �شيء‬ ‫عليم{(الفتح‪ )26:‬حيث �أن العقيدة الإ�سالمية‬ ‫متيزت بعامليتها و�صالحها دون غريها ملا اخت�صت‬ ‫به من خ�صائ�ص ثابته لتقود العامل �إلى ال�سعادة‬ ‫وتنقذه من براثن الطغاة وظلم العقيدة الإحلادية‬ ‫الوثنية وال�شركية الفا�سدة ومن هذه اخل�صائ�ص‪:‬‬ ‫ �إلهية امل�صدر‪ :‬قال تعالى‪�} :‬إ ّن��ا �أنزلنا �إليك‬‫ال��ك��ت��اب ب��احل��ق لتحكم ب�ين ال��ن��ا���س{ وق��ال‬ ‫تعالى‪�} :‬إن الدين عند اهلل الإ�سالم{‪.‬‬ ‫ فالدين عند اهلل الإ�سالم �أر�سله �إلى النا�س‬ ‫بوا�سطة الر�سل لتبليغهم �إ ّياه �شامل متكامل‪،‬‬ ‫�أي �أن الت�شريع ال�سماوي كامل بكل ما يخ�ص‬ ‫النا�س يف جميع ���ش��ؤون حياتهم حتى قيام‬ ‫ال�ساعة‪ ،‬قال تعالى‪ “ :‬اليوم �أكملت لكم دينكم‬ ‫و�أمتمت عليكم نعمتي ور�ضيت لكم الإ�سالم‬ ‫دينا”‪.‬‬ ‫ متوازن وو�سطي‪ :‬والو�سطية بعيد ًا عن التطرف‬‫وعن الإ�سراف ومتوازن ًا بعيد ًا عن املغاالة يكون بني‬ ‫�أمور عديدة بعيدة عن املُغاالة‪.‬‬ ‫ ومن �صفات ال�شريعة الإ�سالمية وخ�صائ�صها املثالية‬‫واملرونة والعقالنية والإن�سانية والإيجابية وبكل‬ ‫اخل�صائ�ص التي ت�سمو وترقى بها النف�س الب�شرية‪،‬‬ ‫فالإ�سالم عقيدة �إلهية عاملية �سامية ال تتبدل‬ ‫وال تتجدد �أرادها اهلل لبني الب�شر لتكون ت�شريع ًا‬ ‫ود�ستوراً لبني الب�شر‪.‬‬


‫لقاءات‬

‫لقاء المهندس‬ ‫مروان‬ ‫الفاعوري‬ ‫مع صحيفة‬

‫لقاء مطو ًال‬ ‫�أجرت �صحيفة الد�ستور الأردنية ً‬ ‫مع عطوفة املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام‬ ‫للمنتدى‪ ،‬تناول عدد ًا من الق�ضايا التي تهم الأمة‬ ‫والأوطان وفيما يلي ن�صه‪:‬‬ ‫ال�س�ؤال الأول‪ :‬الأردن يعي�ش حالة خا�صة‬ ‫الآن �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا فما ر�أيكم؟‬ ‫ت�أ�س�س الأردن كنواة لكيان �سيا�سي عربي كبري‬ ‫ي�سد الفراغ ال��ذي خلفته الدولة العثمانية‪ ،‬يف‬ ‫املنطقة كافة‪ ،‬وليكون ق��ادر ًا على مللمة ال�شتات‬ ‫العربي الإ�سالمي ب�صورة حتفظ معها الأوط��ان‬ ‫واملقد�سات وعلى ر�أ�سها مدينة القد�س وم�سجدها‬ ‫املبارك‪ ،‬لكن هذا احللم الكبري �سرعان ما تبدد‬ ‫�أم��ام الهجمة ال�صهيونية العاملية التي وجدت‬ ‫غطاء عاملي ًا ق��وي� ًا لأطماعها لي�س يف فل�سطني‬ ‫فح�سب‪ ،‬بل ويف املنطقة ب�أ�سرها‪ ،‬ولذلك فمنذ‬ ‫ت�أ�سي�س الأردن يف عام ‪ 1921‬ولغاية تاريخه وهو‬ ‫يعي�ش النتائج ال�سلبية لتلك الأطماع التي متثلت‬ ‫باحتالل فل�سطني كاملة على مرحلتني‪� ،‬إذ كانت‬ ‫أعباء �إ�ضافية على‬ ‫�إف���رازات كل مرحلة ت�شكل � ً‬ ‫الأردن الدولة وال�شعب وامل��ق��درات‪ ،‬الأم��ر الذي‬ ‫ارتبط معه النهو�ض الأردين مبدى قدرته على‬

‫ا�ستيعاب خمرجات النكبة ثم النك�سة وغريها‪،‬‬ ‫�إذ يرى املتابع �أن هناك م�صيبة ت�أتي على ر�أ�س‬ ‫كل عقد من ال�سنني بدء ًا من وعد بلفور امل�ش�ؤوم‬ ‫ولغاية الآن‪ ،‬ولذلك ي�سهل على من يتابع تطور‬ ‫الف�ضية الفل�سطينية وتداعياتها على الأردن �أن‬ ‫ي�سجل مزيد ًا من امل�صائب والأت��ع��اب ال�سيا�سية‬ ‫والع�سكرية والإقت�صادية والإجتماعية‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي �أربك �صانع القرار العام وما ينبثق عنه من‬ ‫قرارات فرعية يف املجاالت كافة‪ ،‬لأن �أي قرار ما‬ ‫بد و�أن يتما�شى مع �آث��ار حرب هناك �أو ثورة‬ ‫ال ّ‬ ‫�أو انتفا�ضة �أو جلوء‪ ،‬وهذا ما �سبب خل ًال متجدد ًا‬ ‫يف ر�سم ال�سيا�سات الأردنية‪ ،‬هل �ستكون �سيا�سات‬ ‫مفتاحية نحو �أفق جديد؟ �أو مرحلة جديدة؟ �أم‬ ‫رد ًا لل�سيا�سات‪ ،‬مبعنى �أن تكون كالهزّ ات الإرتدادية‬ ‫ملا جرى يف هذه الدولة �أو تلك‪ ،‬لي�س يف فل�سطني‬ ‫فح�سب‪ ،‬بل ويف بع�ض دول اجلوار التي كانت �أنظمة‬ ‫احلكم فيها تتبدل بانقالب هنا �أو هناك‪.‬‬ ‫ويف ظل هذا الظرف الإقليمي املتغري دوماً‪ ،‬كان‬ ‫من ال�صعب احلفاظ على وترية واحدة من الر�ؤية‬ ‫ال�سيا�سية العامة التي تتعامل مع جميع الأطراف‬ ‫يف الإقليم ب�صورة م�ستقلة‪ ،‬بل العك�س متاماً‪� ،‬إذ‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪75‬‬


‫‪76‬‬

‫بتغري الظروف تت�أثر ال�سيا�سات الإقليمية ومنها‬ ‫الداخلية على م�ستوى الأردن‪ ،‬فكان الرهان دوم ًا‬ ‫هو املحافظة على الكيان ال�سيا�سي الأردين بالرغم‬ ‫من وج��ود املتغريات الإقليمية التي تفرز بع�ض‬ ‫الآثار اجلانبية‪ ،‬وهذا ما �شكّل خل ًال يف التخطيط‬ ‫الإ�سرتاتيجي الذي يراعي خمرجات هذا الظرف‬ ‫الإقليمي �أو ذاك‪ ،‬فجعل اخلطط الإقت�صادية‬ ‫وكلفها املادية تت�أرجح �صعود ًا وهبوط ًا تبع ًا لتلك‬ ‫املتغريات التي مل ت�ستقر على ح��ال واح��دة ولو‬ ‫لفرتة زمنية ق�صرية‪.‬‬ ‫فاخللل �سيا�سي ًا �أنتج خل ًال �إقت�صادي ًا ومثله‬ ‫�إجتماعي ًا وهكذا‪ ،‬حتى �أ�صبحنا نتعاي�ش مع ظروف‪،‬‬ ‫الإ�ستقرار فيها ه��و الإ�ستثناء‪ ،‬وه��ذا ظاهري ًا‬ ‫وجوهري ًا بع�ض ال�شيء‪� ،‬أم��ا الأم��ر ال��ذي زاد من‬ ‫�أثر تلك الرتاكمات ال�سلبية‪ ،‬فهو الف�ساد ب�أنوعه‬ ‫وم�سمياته و�آث���اره‪ ،‬ويف جميع مفا�صل املجتمع‬ ‫والدولة‪� ،‬إذ جعل جهد الإ�صالح يتوا�ضع �أمام هذا‬ ‫الأخطبوط الذي يتنامى ب�شكل كبري‪ ،‬ف�أ�صبحت‬ ‫املع�ضالت مرتاكمة �أمام جهود الإ�صالح ومطالباته‬ ‫اليومية على امل�ستوى ال�سيا�سي والإقت�صادي‬ ‫والإجتماعي‪ ،‬فظهرت القُوى اخلفية التي ر�أت يف‬ ‫الف�ساد العام فر�صتها يف حتقيق ح�ضورها يف امل�شهد‬ ‫العام بكل تفا�صيله‪ ،‬و�إذا كان من مع�ضالت جديرة‬ ‫بالدر�س والبحث‪ ،‬فق�ضية اللجوء على امتدادها‬ ‫الزمني منذ النكبة الأولى وما تالها من خمرجات‬ ‫�سلبية للق�ضية الفل�سطينية والربيع العربي الذي‬ ‫مل يزهر �إال حطام ًا ودم� ًا وت�شرداً‪� ،‬إذ ي�ست�ضيف‬ ‫الأردن بحكم جواره واملبادئ ال�سامية التي ي�ؤمن‬ ‫بها ديني ًا و�إن�ساني ًا املاليني من الالجئني واملهجرين‪،‬‬ ‫ف�أ�صبح بهم الأردن �أكرب دولة م�ست�ضيفة‪ ،‬الأمر‬ ‫ال��ذي زاد م��ن �أعبائها‪ ،‬وجعل احلكومة تتجه‬ ‫لبع�ض خططها ال�شاملة لتلبية مطالب الالجئني‬ ‫�أحيان ًا قبل مطالب �أبنائها‪ ،‬الأمر الذي �شكل عبئ ًا‬ ‫ُم�ضاف ًا على منظومته الإقت�صادية والإجتماعية‬ ‫والإن�سانية‪.‬‬ ‫�إن هذا الو�ضع ال�سيا�سي العام �أوج��د ُمع�ضلة‬ ‫ظاهرة وهي كيفية دمج الالجئني ب�صورة تامة‬ ‫يف الواقع ال�سيا�سي العام‪ ،‬وما يتطلبه من حتديد‬ ‫لهوية الالجئني التي تق�ضي الأع��راف الدولية‬ ‫الدينية والإن�سانية والدولية حمايتهم ورعايتهم‬ ‫ومنحهم احلقوق كاملة غري منقو�صة‪ ،‬وهذا يقت�ضي‬ ‫�إدراج ق�ضاياهم يف الهم ال�سيا�سي العام للدولة‪،‬‬ ‫بحيث تطرح تلك الق�ضايا يف كل م�ؤمتر حملي عام‬ ‫�أو �إقليمي �أو عربي �أو �إ�سالمي �أو دويل �أو عاملي‪،‬‬ ‫لإبقاء ح�ضورهم يف امل�شهد الإن�ساين الذي كاد �أن‬ ‫ين�سى معاناتهم وق�ضيتهم‪.‬‬

‫ولعل من املع�ضالت �أي�ض ًا هي احلالة الإقت�صادية‬ ‫ال�صعبة ال��ت��ي �أل��ق��ت بظاللها على الإقت�صاد‬ ‫الإنتاجي مبدخالته وخمرجاته‪ ،‬ف�أ�صبحت عجلة‬ ‫الإقت�صاد تتباط�أ تدريجي ًا يف ظل �إنعدام الر�ؤية‬ ‫الوا�ضحة جتاه كثري من الأمور املتعلقة بتح�سني‬ ‫الو�ضع الإقت�صادي‪ ،‬فارتفاع الأ�سعار وال�ضرائب‬ ‫وتعددها وارتفاع كلف الإنتاج‪ ،‬كل ذلك زاد من‬ ‫العبء املعي�شي على املواطن‪ ،‬الذي ترك م�س�ألة‬ ‫الإ�صالح ال�سيا�سي واملناداة بها‪� ،‬إلى م�س�ألة الإ�صالح‬ ‫الإقت�صادي التي ترتبط بالهم اليومي للمواطن‬ ‫وقوته فهي الأكرث �إحلاح ًا بالن�سبة له‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ي�ستدعي حقيقة وج��ود برامج �إ�صالحية ذات‬ ‫بعد �إقت�صادي يف املدى املنظور والبعيد لتحقيق‬ ‫الإ�ستقرار ال�سيا�سي الدائم الذي بات مهدد ًا يف‬ ‫ظ��ل تنامي ظاهرتي الفقر والبطالة وانت�شار‬ ‫الف�ساد املايل والإداري الذي انت�شر حتت ذريعة‬ ‫الفقر والعوز الأم��ر ال��ذي يهدد كذلك منظومة‬ ‫القيم الأخالقية والإجتماعية التي تربى عليها‬ ‫الأردنيون وميزت ح�ضورهم الأخالقي كذلك‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الثاين‪ :‬كيف تقيم دور املنتدى منذ‬ ‫ن�ش�أته ولغاية الآن؟‬ ‫جاءت فكرة ت�أ�سي�س املنتدى بعد �أن تنادى جمع‬ ‫ط ّيب من علماء الأمة ومفكريها ومثقفيها الكبار من‬ ‫�أجل �إنقاذ احلالة الفكرية العا ّمة للم�سلمني وما‬ ‫ميكن �أن يعلق بها من جهل �أو خرافة قد تن�سحب‬ ‫�إلى مواطن �صنع القرار الديني وال�سيا�سي فالفكرة‬ ‫هي حلماية الفكر الإ�سالمي النا�صع من الإ�ستالب‬ ‫والت�شويه والت�شوي�ش عليه‪ ،‬والعودة فيه �إلى ما‬ ‫كان يتمتع به من نقاء و�صفاء وبهاء زمن الر�سول‬ ‫الكرمي عليه ال�صالة وال�سالم و�صحابته الأخيار‬ ‫الذين تتلمذوا على يدي نبينا حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬ولذلك ت�أ�س�س املنتدى و�أ�صبح هيئة‬ ‫�إ�سالمية عاملية فكرية ذات امتداد جغرايف وا�سع‬ ‫�شمل خم�سة ع�شر فرعاً‪ ،‬هذا ف� ً‬ ‫ضال عن �أذرع��ه‬ ‫املعنوية التي متتد مع كل عامل �أو فقيه �أو مفكر‬ ‫ً‬ ‫وممار�سة‬ ‫ي�ؤمن بالو�سطية فكر ًا وخلق ًا و�سلوك ًا‬ ‫حيثما ُوجد يف هذا العامل الوا�سع‪.‬‬ ‫وا�ستطيع القول‪� ،‬إن املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫انتزع الإعرتاف العاملي به حتى من اجلماعات ذات‬ ‫الفكر املتطرف‪ ،‬التي تر�صد ما نقوم من ن�شاطات‬ ‫فكرية وثقافية تبني زيفهم وتك�شف ُبطالن نهجهم‬ ‫ومنهجهم‪ ،‬فهم يروا يف املنتدى جر�س �إنذار ينبه‬ ‫ال�شباب والعلماء ويحذرهم من الإقرتاب �إلى كل‬ ‫فكر متطرف‪.‬‬


‫لذلك ف ��إن املنتدى مبثل م��ا ميثل م��ن ح�ضور‬ ‫فكري كمدافع ع��ن العقيدة والفكر الإ�سالمي‬ ‫ال�سليم‪ ،‬يتحقق ح�����ض��وره ك��ذل��ك كمنرب فكري‬ ‫يجمع علماء الأمة مهما تباعدت بينهم امل�سافات‬ ‫الفكرية‪ ،‬وبذلك ا�ستطاع املنتدى �أن ي�ؤ�س�س حلالة‬ ‫فكرية �إ�سالمية عاملية ال ميكن جتاوزها �أو التفكري‬ ‫خارج �إطارها العام باعتبارها بدي ًال فكري ًا جلميع‬ ‫النماذج الفكرية الإ�سالمية التي قدمت ر�ؤي��ة‬ ‫�سيا�سية عامة كذلك لتكون ب��دي� ً‬ ‫لا ع��ن النظم‬ ‫ال�سيا�سية القائمة وال �أريد هنا تف�صيل القول يف‬ ‫تلك الأح��زاب �أو اجلماعات التي نالت حتى من‬ ‫مرجعيتها الفكرية كذلك‪ ،‬فعجزت عن تقدمي‬ ‫ذاتها ب�شكل �سليم �أو التقدم ب�شكل يراها النا�س‬ ‫�أنها �سليمة‪.‬‬ ‫ولهذا ف�إننا نرى ح�ضورنا الدائم واملتنامي من‬ ‫خ�لال اعرتافنا باملكون الآخ��ر فكري ًا و�سيا�سي ًا‬ ‫وثقافي ًا ومعه نعمل م��ن �أج��ل �إع��ط��اء امل�ساحة‬ ‫امل�شرتكة بيننا مزيد ًا من املرونة‪ ،‬لي�س يف داخل‬ ‫الأردن فقط‪ ،‬بل مع م�ؤ�س�سات فكرية �إقليمية‬ ‫وعربية وعاملية كذلك‪ ،‬وظهر ذلك جلي ًا من خالل‬ ‫امل�ؤمترات الدولية التي نقيمها �أو تتعاون يف �أمر‬ ‫�إقامتها �أو ن�شارك بها ح�ضوراً‪ ،‬وهكذا حتى �أ�صبح‬ ‫املنتدى مق�صد ًا للمفكرين والعلماء لدى الكثري من‬ ‫�أبناء الأمة والعامل‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الثالث‪ :‬ماهي نظرتكم للعمل احلزبي‬ ‫الأردين ك�سيا�سي وحزبي؟‬ ‫�شهد الأردن منذ ت�أ�سي�سه تيارات �سيا�سية عدة‪،‬‬ ‫�صدرت عن مراجع فكرية كثرية دينية وفل�سفية‬ ‫و�أيديولوجية �شرقية وغربية جت��اه ق�ضيتهم‬ ‫املركزية فل�سطني‪ ،‬وظن ًا منهم ب ��أن الإن��خ��راط‬ ‫يف العمل احلزبي العام يحقق برامج �سيا�سية‬ ‫و�إقت�صادية و�إجتماعية قادرة على تغيري العقلية‬ ‫ال�سيا�سية التي حتكم بها الأنظمة العربية على‬ ‫تعددها جمهورية وملكية وم�شيخات و�إم���ارات‬ ‫بحيث يف�ضي هذا التغيري املن�شود �إلى تطوير نظم‬ ‫�سيا�سية ذات ق��درة على حتقيق احلكم العربي‬ ‫الإ�سالمي العام على م�ستوى ال�شعوب والأف��راد‪،‬‬ ‫ولذلك جتد بروز تيارات للمد القومي وال�شيوعي‬ ‫التي ثبت ف�شلها يف امليدان ال�سيا�سي العام ثم جاء‬ ‫املد الإ�سالمي ليكون بدي ًال عن كل التيارات ال�سالفة‬ ‫الذكر الأم��ر ال��ذي جعل من هذا املد �أم� ً‬ ‫لا وا�سع ًا‬ ‫ي�شمل غالبية الأم��ة نظر ًا ملا ميثله من مرجعية‬ ‫دينية ق��ادرة على خماطبة العقل والقلب معاً‪،‬‬ ‫ولذلك ن�شطت الأحزاب الدينية يف الأردن مبكر ًا‬

‫وا�ستمالت الكثري من ال�شباب �سعي ًا نحو تنظيمهم‬ ‫وتوعيتهم بالعمل احلزبي امل�ستند �إل��ى الربامج‬ ‫العملية‪ ،‬ولعل �أن�شط الأحزاب �ضمن هذا التو�صيف‬ ‫قدموا برامج عملية‬ ‫(الإخ��وان امل�سلمني) الذين ّ‬ ‫يف اجلوانب الإقت�صادية والإجتماعية ف� ً‬ ‫ضال عن‬ ‫دورها �سيا�سي ًا الأمر الذي جعلني �أن�ضم �إلى �أ�سرهم‬ ‫يف مرحلة عمرية مبكرة‪ ،‬وال �أكاد �أنكر دورهم يف‬ ‫التوعية املبكرة وحفظ الأخالق وتهذيب ال�سلوك‬ ‫واخلطط املنظمة لديهم‪ ،‬هذا ف� ً‬ ‫ضال عن زرع الثقة‬ ‫يف نفو�سهم وتقوية �شخ�صيتهم �إال �أن ربط تقدم‬ ‫الفكرة احلزبية يف هذا احلزب �أو ذاك لفئة دون‬ ‫غريها وجعلني �أراقب باهتمام م�سرية هذا احلزب‬ ‫الذي �أ�صابه من اخللل التنظيمي والعملي ما �أ�صابه‬ ‫نتيجة تغري موازين القوى العامله فيه من حني‬ ‫لآخر الأمر الذي جعلني �أغادر �صفوفه بحث ًا عن‬ ‫ر�ؤية حزبية �أخرى متنح مزيد ًا من املرونة للرجل‬ ‫احلزبي مع هذا التيار �أو ذاك‪� ،‬أو مع �سلطات الدولة‬ ‫على تعددها‪ ،‬فكان ت�شكيل حزب الو�سط الإ�سالمي‬ ‫خمرج ًا مقبو ًال يف حينه للنهو�ض بالعمل احلزبي‬ ‫الأردين حتى نعمل من خالله على ر�سم خريطة‬ ‫حزبية قابلة للحياة‪ ،‬ا�ستمر ذلك ل�سنوات �أدركت‬ ‫معها �أنني قادر على خدمة الإ�سالم بفكره الو�سطي‬ ‫التفرغ التام لأعمال املنتدى‬ ‫املعتدل من خ�لال‬ ‫ّ‬ ‫العاملي للو�سطية ومغادرة احلياة احلزبية التي‬ ‫بد�أت حياتي ال�سيا�سية بها وتقدمت يف �صفوفها‬ ‫الأولى لأغادرها تنظيمي ًا حيث املكان الذي �أراه‬ ‫�أكرث خدمة للفكر الإ�سالمي على م�ستوى العامل‬ ‫خا�صة �إذا علمنا �أن الأح���زاب غري ق��ادرة على‬ ‫تقدمي ر�ؤية �سيا�سية عامة تفعلها يف الإنتخابات‬ ‫البلدية والنيابية وت�ستطيع �إ�ستثمارها يف ت�شكيل‬ ‫حكومة برملانية ذات مرجعية حزبية بحيث نرى‬ ‫عم جميع مفا�صل‬ ‫ح�ضورها يف نهاية املطاف وقد َّ‬ ‫الدولة اذ �أ�صبحت حقيقة �أ�شبه بالواجهات (‬ ‫الديكورية ) التي تغطي عيوب احلكومات يف جمال‬ ‫التنمية ال�سيا�سية �أو غري ذلك‪ ،‬ف�إن املع�ضلة يف‬ ‫العمل احلزبي تكمن بانعدام الرغبة احلقيقية يف‬ ‫جعل الأحزاب بيوت خربة �سيا�سية تقدم حكومات‬ ‫تنفيذية وحكومات ظل ور�سم لل�سيا�سات العامة‪.‬‬ ‫�أم��ا فيما يتعلق بالعمل احل��زب��ي‪ ،‬ف ��أق��ول �أن‬ ‫ب�صي�ص الأم���ل ال يغيب ط��امل��ا �أن ج�لال��ة امللك‬ ‫ب�أوراقه النقا�شية قد �أ�شار بو�ضوح �إلى �ضرورة‬ ‫تفعيل دور الأح��زاب ومنحها الفر�صة الأكيدة‬ ‫التي جتعلها �أكرث ح�ضور ًا يف الإنتخابات وت�شكيل‬ ‫احلكومات الأمر الذي يتطلب فقط �صدق التوجه‬ ‫لدى احلكومات لتنفيذ ر�ؤى جاللته بهذا الأمر‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪77‬‬


‫‪78‬‬

‫وهذا �إنه يدعو �إلى منح الأحزاب واحلزبيني مزيد ًا‬ ‫من حرية العمل ال�سيا�سي احلزبي املن�ضبط مع د�ستور‬ ‫الدولة وقوانينها ليكون العمل احلزبي رافعة للعمل‬ ‫ال�سيا�سي العام ولي�س حم ًال ثقي ًال على موازنة الدولة‬ ‫التي ت�سعى �إلى �إن�شاء املزيد من الأحزاب بغري لون �أو‬ ‫طعم �أو هدف‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الرابع‪ :‬كيف تقيم املحطات احلزبية‬ ‫وال�سيا�سية التي ع�شتها يف �ضوء فهمك ال�سيا�سي‬ ‫للإ�سالم ؟‬ ‫ما ذكرته ك�إجابة لل�س�ؤال ال�سابق يعطي �صورة‬ ‫وا�ضحة حول جتربتي الطويلة مع احلركة الإ�سالمية‬ ‫التي �أ�سهمت ب�شكل �أو ب�آخر يف �صقل �شخ�صيتي الفكرية‬ ‫والثقافية ب�شكل جعلني �أذكر ف�ضلها يف حفظ ال�سلوك‬ ‫العام لكثري من ال�شباب غري �أن غلبة ال�صراع ال�سيا�سي‬ ‫على الرتبوي‪ ،‬جعلها تفقد بع�ض بريقها خا�صة �إذا علمنا‬ ‫�أن التمايز بني هذا وذاك قد ال يكون العتبارات فكرية‬ ‫فقط‪ ،‬بل تتعداها �إلى ما هو �أدنى من ذلك التقييم‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي جعل الكثري يزهد بالبقاء يف هذا احلزب �أو ذاك‬ ‫ليرتك املجال للباحثني عن ال�سلطة ب�أي ثمن‪ ،‬ولي�س‬ ‫هذا منح�صر ًا بحزب دون غريه �إمنا تت�سع الدائرة وفق‬ ‫هذا الفهم لت�شمل معظم الأحزاب دون ا�ستثناء‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بتجربة الإ�سالم ال�سيا�سي حزبي ًا فما‬ ‫مت طرحه من ر�أي �سابق حول الأحزاب يو�ضح امل�س�ألة‬ ‫ب�شيء من التف�صيل ذلك �أن هو�س ال�سلطة يداعب خميلة‬ ‫كل العاملني يف العمل احلزبي على تعدده وه��ذا �أمر‬ ‫م�أخوذ به يف �أقل الدول ممار�سة للدميوقراطية باعتبار‬ ‫�أن خمرجات العمل احلزبي هي امل�شاركة يف الإنتخابات‬ ‫النيابية ومن ثم ت�شكيل احلكومات وفق نتائجها ومبا‬ ‫ين�سجم مع ح�ضور كل حزب يف هذه العملية‪.‬‬ ‫ومل��ا ك��ان الإ���س�لام ب�صورته الكلية ي�شمل العمل‬ ‫ال�سيا�سي والإق��ت�����ص��ادي والإج��ت��م��اع��ي‪ ،‬ف ��إن م�صطلح‬ ‫الإ�سالم ال�سيا�سي الآن ما زال غائب ًا عن امل�شهد العام‬ ‫لإعتبارات كثرية لعل �أولها تلك الريبة التي ينطلق منها‬ ‫املجتمع الدويل من و�صول التيارات الإ�سالمية للحكومات‬ ‫والإدارات العليا �أو عدم قدرة الإ�سالميني �أحيان ًا على‬ ‫توظيف قدراتهم ومهاراتهم ليكونوا �أكرث ح�ضور ًا يف‬ ‫�أي م�شهد دميقراطي عام‪ ،‬الأمر الذي يوفر لهم قناعة‬ ‫ذاتية ب�أن الفر�صة مل تتح لهم بعد ملمار�سة ال�سلطة �أو‬ ‫ان التجربة لديهم حتى على امل�ستوى احلزبي مل تن�ضج‬ ‫بعد لإنتاج رجال دولة وقيادات ميكن �أن متار�س احلكم‪.‬‬ ‫ولذلك �أقول مازال العمل احلزبي العام والإ�سالمي‬ ‫خ�صو�ص ًا غري قادر على م�أ�س�سة نظام �سيا�سي عام‪ ،‬لأنه‬ ‫مل مينح الفر�صة الكافية لو�ضع براجمه ال�سيا�سية‬ ‫ذات الأبعاد الإقت�صادية والإجتماعية والثقافية التي‬

‫ت�ؤهله للم�شاركة يف احلياة العامة و�صو ًال للم�شاركة‬ ‫ال�سيا�سية على م�ستوى احلكم‪.‬‬ ‫�أما نحن هنا يف الأردن فظهرت الأحزاب الإ�سالمية‬ ‫مع بداية ت�أ�سي�س الدولة الأردنية احلديثة تقريب ًا �إذ‬ ‫�أ�س�ست جماعةالأخوان عام ‪ 1947‬وتطورت عالقتها‬ ‫ب�شكل �إيجابي مع النظام ال�سيا�سي مع ال�صراع الذي وقع‬ ‫بني امللك ح�سني والرئي�س عبد النا�صر الذي متثل يف‬ ‫حظر العمل احلزبي يف الأردن عام ‪ 1956‬والإبقاء على‬ ‫جماعة الأخ��وان لتعمل ب�شكل م�شروع ووا�سع نتيجة‬ ‫ن�ضج قيادتها �آنذاك ممثلة بف�ضيلة املراقب العام حممد‬ ‫عبد الرحمن خليفه رحمه اهلل الذي انحاز الى النظام‬ ‫والد�ستور وعار�ض دعاة الإنقالب او ما �سمي ال�ضباط‬ ‫الأحرار‪.‬‬ ‫تطورت ومن��ت وامتدت اجلماعة منذ ذل��ك الوقت‬ ‫يف املدار�س واجلامعات وامل�ساجد واجلمعيات وانخرط‬ ‫يف �صفوفها �آالف ال�شباب الأردين يف ال�ضفتني ‪ ،‬وكان‬ ‫لها ا�سهامات كبرية على ال�صعيد اخلارجي يف الإمتداد‬ ‫والإنت�شار وعلى �صعيد الق�ضية الفل�سطينية يف اجلهاد‬ ‫يف فل�سطني بعد عام ‪ 1967‬ويف دعم ت�أ�سي�س و�إن�شاء‬ ‫حركة حما�س يف ال�ضفة الغربية وقطاع غزه واحلياة‬ ‫ال�سيا�سية الأردنية منذ ذلك احلني والى الآن‪.‬‬ ‫وبد�أت عالقتي يف اجلماعة عام ‪ 1973‬يف العا�صمة‬ ‫عمان ثم انخرطت يف �صفوفها ب�شكل مبا�شر يف مدينة‬ ‫ال�سلط ثم تعمق انتمائي وتعريف على احلركة ابان‬ ‫�سفري للدرا�سة يف م�صر يف جامعة املن�صورة حيث‬ ‫تعرفت الى عدد من قياداتها كان منهم الأ�ستاذ حممد‬ ‫العدوي رحمه اهلل وعمر التلم�ساين وم�صطفى م�شهور‬ ‫وعبد املتعال اجل�بري وخ�يرت ال�شاطر و�صربي عرفه‬ ‫وحممد عبد الرحمن مر�سي و�آخرين‪ ،،‬وتعلمت منهم‬ ‫معنى العمل والت�ضحية والإيجابية والتنظيم والأخوة‬ ‫و�أهمية العمل اجلماعي وا�شعلوا يف نف�سي ُجذوة ال تهد�أ‬ ‫وال تنطفئ يف ال�شوق لإ�ستعادة اجماد الأم��ة وا�سلمة‬ ‫املجتمع وح�سم التوجهات الفكرية والأن�شطة باجتاه‬ ‫اح�ت�رام قيم الإ���س�لام وال��ن��م��وذج ال��ذي متثله حركة‬ ‫الأخوان‪.‬‬ ‫وعدت من م�صر الى الأردن �أحمل هذه الروح وبد�أنا‬ ‫مع نخبة كرمية من ال�شباب يف ال�سلط يف العمل حيث‬ ‫جوبهنا باحلر�س القدمي ال��ذي يخ�شى من التطور او‬ ‫التطوير وجنحنا يف الو�صول الى املواقع القيادية يف‬ ‫اجلماعة وبد�أت م�سرية الإنفتاح على العمل ال�سيا�سي‬ ‫يف الأردن التي �أطلقها املرحوم امللك ح�سني عام ‪1989‬‬ ‫من خالل امليثاق الوطني‪ ،‬حيث �سمح بالعمل احلزبي‬ ‫وبد�أت الأحزاب بالتناف�س والتقينا مع ا�ستاذنا وملهمنا‬ ‫يف ذلك الوقت املهند�س احمد قطي�ش الأزاي��دة الذي‬


‫كانت تربطنا به (جمموعة ال�سلط) عالقة خا�صة‬ ‫وبد�أ اللقاء الأول يف منزيل لو�ضع الت�صورات والأفكار‬ ‫لت�أ�سي�س ح��زب جبهة العمل الإ���س�لام��ي حيث كانت‬ ‫هناك معار�ضة كبرية ملجرد احلديث عن ت�أ�سي�س حزب‬ ‫�إ�سالمي من تيار مت�شدد داخل اجلماعة وا�سفر التنا�صل‬ ‫داخل اجلماعة عن املوافقة على ت�أ�سي�س حزب جبهة‬ ‫العمل الإ�سالمي على �أن يكون حتت �سلطة اجلماعة‬ ‫وو�ضع عليه �أربعة ع�شر قيد ًا �أبرزها �أن جمل�س �شورى‬ ‫اجلماعة هو من يحدد الأمني العام واملكتب التنفيذي‬ ‫ل��ل��ح��زب‪ ،‬وه��ن��ا ب���د�أت امل�شكلة‪� ،‬إذ ظهر احل���زب �أن��ه‬ ‫�صورة ولي�س حقيقة يعرب عن �إرادة منت�سبيه وب��د�أ‬ ‫ال�صراع بني الدعوي وال�سيا�سي متثل يف ف�شل اللقاء‬ ‫الأول ملجل�س ال�شورى ال��ذي مل ي�ستطع معه الإخ��وان‬ ‫ا�ستقطاب العنا�صر الإ�سالمية امل�ستقلة التي حر�صوا‬ ‫على ا�ستقطابها ودعوتها ال��ى احل��زب وا�سقطوها يف‬ ‫الإنتخابات نتيجة تعليمات ب�ضرورة انتخاب ال�شخ�صية‬ ‫الإ�سالمية املنتخبة من اجلماعة فقط يف جمل�س ال�شورى‬ ‫مما دفع هذه ال�شخ�صيات بتقدمي ا�ستقالة جماعية‬ ‫�شكلت ال�ضربة الأول��ى التي اجه�ضت انطالق احلزب‬ ‫بقوة كما متثل هذا الإنك�سار يف املوقف من الإنتخابات‬ ‫ومقاطعتها عام ‪ 1993‬وكذلك عام ‪ ،1997‬حيث �شعرت‬ ‫و�شعر من معي عدد من الإخ��وان �أن املقاطعة النيابية‬ ‫بداية اخلروج من املجتمع والإن�سحاب من احلياة العامة‬ ‫والهروب �إلى الكهوف وهي تعرب عن �صراع وت�صفيات‬ ‫داخلية بني تيارات و�أجنحة اجلماعه للأ�سف‪ ،‬وعلت‬ ‫اال�صوات معار�ضة قيادة اجلماعة يف ذلك الوقت مما‬ ‫ا�ضطرها لإتخاذ �إج��راءات ف�صل وجتميد بحق عدد‬ ‫من خرية �أبنائها ‪ ..‬عندها وعندها فقط �شعرنا ب�أن‬ ‫ال�ضغوط ت��زداد علينا من املراقب العام عبد املجيد‬ ‫ذنيبات يف حينها و�أع�ضاء املكتب مل��غ��ادرة اجلماعة‪،‬‬ ‫فقررنا الإن�سحاب وكتبنا يف ذلك بيانات عربنا فيها عن‬ ‫�أ�سباب ا�ستقالتنا و�إنها جاءت خروج ًا للإخوان ولي�ست‬ ‫خروج ًا على الإخوان‪.‬‬ ‫وكنا نقول لهم ما قاله م�ؤمن �آل فرعون م�ستذكرون‬ ‫ما �أقول لكم ‪ ..‬و�أفو�ض �أمري �إلى اهلل)‪ ،‬وكان ي�شجعنا‬ ‫على اخلروج حينها لت�أ�سي�س حزب �سيا�سي جديد عدد‬ ‫من قيادات الإخوان الذين كنا و�إياهم يف مدر�سة فكرية‬ ‫واح��دة وتيار واح��د داخ��ل اجلماعة ومنهم املرحوم‬ ‫الأ���س��ت��اذ �إ�سحق الفرحان وال��دك��ت��ور حممد عوي�ضة‬ ‫والأ�ستاذ حمزة من�صور ويو�سف العظم وغريهم‪..‬‬ ‫وا�ستفزنا قول للمرحوم الأ�ستاذ داود قوجك رحمه‬ ‫اهلل عندما قال �إن الذي يخرج من حتت هذه الالفته (لن‬ ‫تقوم له قائمة) فقررنا وقتها �أن نعمل عم ًال منظم ًا على‬ ‫�صورة حزب �أو تيار �أو جماعة ف�أ�س�ستُ مع جمموعة من‬ ‫الإخوان حزب الو�سط الإ�سالمي عام ‪ 2001‬ثم املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية عام‪.2004‬‬

‫وت�شكل احلزب من �أع�ضاء خرجوا �أو �أُخرجوا من‬ ‫جماعة الإخوان ا�ضافة الى بع�ض ال�شخ�صيات امل�ستقلة‬ ‫املحرتمة واعترب النموذج الأحدث للأحزاب ال�سيا�سية‬ ‫التي تت�صف باملرونة ال�سيا�سية ومار�س احلزب الإنفتاح‬ ‫وق��دم خطاب ًا معتد ًال ح��داث��ي� ًا وت��وا���ص��ل م��ع النخب‬ ‫ال�سيا�سية وجنح يف تقدمي نف�سه كمكافئ فكري جلماعة‬ ‫الأخوان وحر�صتُ على م�شاركة احلزب يف الإنتخابات‬ ‫النيابية عام ‪2003‬و عام ‪ 2007‬الى ان جنحت يف �إي�صال‬ ‫‪ 17‬نائب ًا من احلزب يف انتخابات عام ‪ 2011‬الى الربملان‬ ‫وتعيني وزير يف حكومة عبد اهلل الن�سور‪.‬‬ ‫وعندها ب��د�أ ال�صراع على �إدارة احل��زب لي�س مع‬ ‫اع�ضاء احل��زب وقياداته و�إمن��ا مع منط متخلف من‬ ‫القيادات الأمنية وال�سيا�سية يف حينها التي ُت�صر على‬ ‫ان تدير الأمور يف احلزب (بالرميوت كنرتول) ا�ضافة‬ ‫الى انقالب رئي�س احلكومة �آنذاك على احلزب يف حينها‬ ‫بعد ان كان لنا الف�ضل يف ت�سميته رئي�س ًا للوزارة من خالل‬ ‫كتلة احلزب وحتالفنا مع كتلة وطن يف ذلك احلني‪.‬‬ ‫وج��رت معركة خفية عميقة حتالف فيها الأمني‬ ‫وال�سيا�سي لتغيري قيادة احلزب من الداخل مبمار�سة‬ ‫كل �أ�شكال ال�ضغط على الأع�ضاء وعلى القيادة ومت فتح‬ ‫غرفة عمليات ودع��وة �أع�ضاء للتح�ضري لإنقالب على‬ ‫قيادتي للحزب ومت ذلك عام ‪ ، 2014‬اذ تزامن ذلك‬ ‫مع بع�ض املواقف مني ومن ال�شيخ عبد الرحيم العكور‬ ‫وبع�ض الأخوة يف املكتب ال�سيا�سي التي ادانت الإنقالب‬ ‫الع�سكري الدموي يف م�صر ورف�ضنا كدائرة �سيا�سية‬ ‫لذلك وا�صدار عدة بيانات كانت ترف�ض املوافقة على‬ ‫ما توافقت عليه بع�ض الدول العربية من اتهام واعتبار‬ ‫حلركة الأخوان بالإرهاب والت�صريح بقوة يف معار�ضة‬ ‫م�شروع بناء مفاعل نووي يف الأردن �آثرت عندها مغادرة‬ ‫احل��زب حفاظ ًا على م��ا تبقى م��ن ع�لاق��ات �شخ�صية‬ ‫وخمافة �أن تتطور اخلالفات امل�صطنعة ال��ى �أم��ور ال‬ ‫يحمد عقباها فرتكت احلزب وقدمت ا�ستقالتي‪.‬‬ ‫وخا�ض احل��زب بعدها الإنتخابات ويف يقيني انه‬ ‫مل ينجح منه ب�إ�سمه اي نائب �أو رئي�س بلدية و�إمنا مت‬ ‫الإعالن عن �أ�شخا�ص جنحوا ب�إ�سمهم او ب�إ�سم ع�شائرهم‬ ‫ومت �ضمهم للحزب مقابل مبالغ مالية مت تقدميها لهم‪.‬‬ ‫ان احلديث عن الأحزاب �أ�شبه ما يكون باحلديث‬ ‫عن نباتات الزينة‪ ،‬فالأحزاب يراد لها �أن تبقى ا�شكا ًال‬ ‫تزين احلكومات وامل�سرية الدميقراطية ومواكب الإ�صالح‬ ‫وال زالت الى اليوم مل حتظ ب�أي اعرتاف حقيقي وحتى‬ ‫قانون الإنتخاب الذي اعطى جما ًال للأحزاب من خالل‬ ‫القوائم الوطنية مت الرجوع عنه‪.‬‬ ‫ان قناعتي الرا�سخة �أن العمل احلزبي هو ال�سبيل‬ ‫للنهو�ض باملجتمع الأردين و�أن اتاحة املجال للعمل‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪79‬‬


‫‪80‬‬

‫و�إطالق احلرية للأحزاب ميكن �أن ي�شكل بوابة لبناء‬ ‫الدولة الأردن��ي��ة احلديثة بعيد ًا عن هيمنة الأم��ن‪،‬‬ ‫ذلك �أن الدميقراطية والتعددية والأوراق النقا�شية‬ ‫التي طرحها جاللة امللك عبد اهلل حتمل �صورة الأمل‬ ‫للأردنيني يف بناء ه��ذه ال��دول��ة بعيد ًا عن الو�صاية‬ ‫والرعاية وهيمنة الإقطاع بكافة �صوره و�أ�شكاله‪.‬‬ ‫�إن انخراطي يف العمل احلزبي ك��ان مبكر ًا ولكن‬ ‫العمل احلزبي يف بالدنا له �ضريبة عالية الكلفة قد‬ ‫ت�ؤثر على �أ�سرتك وم�ستقبلك العملي ومع ذلك حاولنا‬ ‫�صادقني �أن نعمل من �أج��ل بناء ح��زب و�سطي ي�ؤمن‬ ‫بالتعددية وبالدولة الوطنية واحلريات العامة ولديه‬ ‫م�شروع تنموي نه�ضوي على ال�صعيد الوطني ولكن يبدو‬ ‫ان الطموحات الكبرية دائم ًا تواجه مبع�ضالت �أكرب‪،‬‬ ‫فعدم وجود �إرادة �سيا�سية �صادقة للعمل احلزبي وعدم‬ ‫اعتبار احلزبية رافعة للعمل ال�سيا�سي للدولة هو ال�شيء‬ ‫املفقود يف حياتنا ال�سيا�سية واحلزبية‪ ،‬لهذا ف�إن معظم‬ ‫الأحزاب ذات والء �شخ�صي ولي�س عم ًال جماعي ًا منظم ًا‬ ‫لديه فكرة وتنظيم يعمل من �أجل حتقيقها‪.‬‬ ‫لهذا ف ��إن �أردن��ا عم ًال حزبي ًا واقعي ًا علينا �أو ًال‬ ‫تخفيف القب�ضة الأمنية على ن�شاطات الأحزاب‪ ،‬ثاني ًا‬ ‫�إمي��ان �أ�صحاب ال��ق��رار يف ال��دول��ة �أن احلزبية رافعة‬ ‫�أ�سا�سية للعمل ال�سيا�سي ولي�س عم ًال ثانوي ًا �أو ترف ًا‬ ‫�سيا�سي ًا‪ ،‬كذلك �إعادة النظر يف مكانة العامل يف املجال‬ ‫ال�سيا�سي واحلزبي وعدم و�ضع املعيقات احلياتية �أمامه‬ ‫و�أمام م�ستقبله الأ�سري والعملي‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال اخلام�س‪ :‬هناك مبادرة عربية من �أجل‬ ‫اليمن‪ ،‬ماهي‪ ،‬ومادوركم فيها؟‬ ‫تقت�ضي مهمتنا الدينية وال�سيا�سية والإن�سانية �أن‬ ‫ن�سعى دوم ًا خلدمة �أوطاننا وحتقيق �أمنها وا�ستقرارها‬ ‫ورفاهيتها حتى تكون حالة متقدمة من التنمية والنماء‬ ‫والبناء والعطاء ومل��ا كانت نظرتنا �شمولية وعاملية‬ ‫ان�سجام ًا مع ر�سالتنا الإ�سالمية ال�سمحة‪ ،‬فقد تنادت‬ ‫جمموعة طيبة من �أ�صحاب الفكر وال���ر�أي وامل�شورة‬ ‫واخل�برة ال�سيا�سية والت�أثري الكبرييف املحيط العربي‬ ‫والإ�سالمي من �أ�صحاب الدولة واملعايل وال�سادة العلماء‬ ‫الذين يحظون ب��الإح�ترام والتقدير حملي ًا وعربي ًا‬ ‫وعاملي ًا تنادوا جميعهم لت�شكيل وفد عربي �إ�سالمي من‬ ‫�أجل حتقيق امل�صاحلة ال�سيا�سية بني جميع الأطراف‬ ‫املتنازعة يف اليمن حقن ًا للدماء الربيئة ورفق ًا بالأطفال‬ ‫والن�ساء وال�شيوخ الذين �أتت احلرب على قوتهم اليومي‬ ‫وعالجهم و�سعادتهم ف�أ�صبحوا بتلك احلروب الطاحنة‬

‫موزعني على ال�شتات �أو يف امل�ست�شفيات او يف القبور‪.‬‬ ‫ومع كل الإخال�ص يف النوايا لدى الوفد‪ ،‬والرغبة‬ ‫الأكيدة لذلك يف �إيجاد مظلة �صادقة لي�ست ذات عالقة‬ ‫م�شرتكة مع هذا الطرف دون الآخر‪� ،‬إال ان النجاح كان‬ ‫بعيد ًا ب�سبب حالة العناد التي ت�سيطر على امل�شهد العام‬ ‫يف اليمن‪ ،‬وب�سبب التدخل اخلارجي يف ر�سم ال�سيا�سة‬ ‫العامة واحلالة العامة يف الأو�ضاع كافة يف اليمن كذلك‪.‬‬ ‫وكان من �أبرز امل�شرتكني يف هذه املبادرة دولة الدكتور‬ ‫عبد ال�سالم امل��ج��ايل ودول���ة الإم���ام ال�صادق املهدي‪،‬‬ ‫رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية و�سماحة ال�سيد عمار‬ ‫احلكيم رئي�س تيار احلكمة الوطني – العراق‪ ،‬ال�شيخ‬ ‫عبد الفتاح مورو‪ /‬نائب رئي�س جمل�س النواب التون�سي‪،‬‬ ‫ال�سيد عبا�س زكي ع�ضو اللجنة املركزية حلركة فتح ‪/‬‬ ‫فل�سطني‪ ،‬عبد احل�سني �شعبان‪ /‬كاتب ومفكر من العراق‪،‬‬ ‫الدكتور عبد اللطيف ع�ضو املجل�س الوطني‪ /‬فل�سطني‪،‬‬ ‫املهند�س �سمري حبا�شنة رئي�س اجلمعية الأردنية للعلوم‬ ‫والثقافة‪ ،‬وزير الداخلية الأ�سبق ‪ /‬الأردن‪ ،‬معايل ابو‬ ‫جره ال�سلطاين رئي�س حركة جمتمع ال�سلم �سابق ًا‪ ،‬وزير‬ ‫�سابق يف اجلزائر‪ ،‬الدكتور ح�سن نافعه‪ ،‬كاتب ومفكر ‪.‬‬ ‫وحقيقة نقول �إن ما يبعث الأ�سى هو �أن ق�ضايا الأمة‬ ‫العربية والإ�سالمية �إمنا هي امتداد لإرادة خارجية‬ ‫وه��ي التي تفر�ض �إرادت��ه��ا يف �صنع الأزم���ات و�إدارت��ه��ا‬ ‫وتف�صيل �أحداثها وخمرجاتها حتى تطمئن ال��دول‬ ‫الراغبة ببيع �سالحها ونهب ثرواتنا وحتطيم قوانا من‬ ‫�أن هذه الأمة بعيد �أملها يف الوحدة والتقدم والنماء‬ ‫وحترير القد�س واملقد�سات‪ ،‬فهذا �ش�أن ا�سرتاتيجي عاملي‬ ‫كل القوى يف العامل ت�سعى لإبقائه حتت دائرة ال�ضوء‬ ‫الذي يجعلنا نقبل بالذل واحلرمان واجلوع والتقهقر‬ ‫ولو �إلى حني‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال ال�ساد�س‪ :‬مار�أيكم مبن يهاجم الإ�سالم وهو‬ ‫من �أبنائه؟ يو�سف قنديل مث ًال‪:‬‬ ‫�أقول ب�إخت�صار مل ولن تنتهي احلرب �ضد الإ�سالم‬ ‫فكر ًا وعقيدة ونظام ًا‪ ،‬لذلك ف ��إن اع��داء ه��ذا الدين‬ ‫يف بحث م�ستمر عن كل �أم��ر قد ي�ضعف تقدمه ونوره‬ ‫املت�صاعد يوم ًا بعد يوم‪ ،‬واحلمد هلل ف�إن ما يثار حول‬ ‫الإ�سالم اليزيده اال ت�ألق ًا وتنبيه ًا لأبنائه ب�أن العدو يف‬ ‫املر�صاد‪ ،‬فيزداد الوعي وت�ستمر امل�سرية ‪.‬‬


‫دراسات‬

‫الوسطي ُة‬ ‫ّ‬

‫أسود‬ ‫ليست‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وأبيض فقط‬ ‫َ‬

‫د‪ .‬أبو جرة سلطاني‬ ‫وزير أسبق ‪ -‬الجزائر‬

‫كث ٌري من النا�س يعتقدون �أنهم يفكرون‪ ،‬واحلقيقة‬ ‫�أنهم يلوكون عادات فكر ّية خال ّية من لوازم التفكري‬ ‫ال�سبع‪ ،‬وهي‪ :‬القدرة على التّفكري‪ .‬تروي�ض العقل‬ ‫على ر ّيا�ضة الت�أ ّمل يف �شيء واحد بطريقة مركّزة‪.‬‬ ‫ري فيها‪ .‬جمع ال�شّ واهد‬ ‫يتم التّفك ُ‬ ‫حتديد ق�ض ّية ّ‬ ‫اخلادمة للمو�ضوع املراد بحثه‪� .‬إمهال العقل الوقت‬ ‫الكايف ليتخ ّمر املو�ضوع‪ .‬تدقيق جوهر الفكرة‬ ‫وحتديد املق�صد منها‪ ،‬فكرثة التفكري التّجريدي يف‬ ‫�شيء واحد يقتله‪ ،‬ف�إذا ن�ضجت الفكرة وجب انتقاء‬ ‫الألفاظ امل ِ‬ ‫ُنا�سبة للتعبري عنها‪ .‬ف�إذا جت ّمعت هذه‬ ‫ال�سبعة‬ ‫اللوازم وجب احلذر من ُمف�سدات التّفكري ّ‬ ‫القاتلة للإبداع‪ ،‬وهي‪ :‬التقليد‪ .‬والغفلة‪ .‬والعادة‪.‬‬ ‫والتع�صب‪ .‬معاداة التاريخ‪ .‬والتنكّر‬ ‫والتّبع ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫للفل�سفة‪.‬‬ ‫املقدمة ا�ستدعتها بع�ض التّعاليق التي‬ ‫ه��ذه‬ ‫ّ‬ ‫ال�سابقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫القراء املتابعني للمقاالت ّ‬ ‫�سجلها بع�ض ّ‬ ‫ال�سيما املقال املعنون بـ”�إما �أن ُتغيرّ و�إما �أن تتغيرَّ‬ ‫�أو تواجه قانون اال�ستبدال”‪ ،‬فقد عاتبني �أحد‬ ‫القراء م�شكورا‪� ،‬س ّمى نف�سه “فران�شيز” على � ّأن‬ ‫ّ‬ ‫أحتدث عنها هي و�سط ّية انتقائ ّية!‬ ‫الو�سط ّية التي � ّ‬ ‫املتطرفون الإ�سالميون‪� ،‬أكرث من‬ ‫هاج�سها الوحيد‬ ‫ّ‬ ‫التطرف‬ ‫ريا من‬ ‫املتطرفني العلمانيني! رغم � ّأن كث ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تطرف‬ ‫�ن‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫��وده‬ ‫�‬ ‫ووق‬ ‫�ه‬ ‫�‬ ‫ذخ�يرت‬ ‫ي�ستمد‬ ‫�ي‬ ‫�‬ ‫�س�لام‬ ‫الإ��‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رحبت‬ ‫العلمانيني‪ .‬ثم ي�ضيف‪� :‬أن مبادرة‬ ‫َ‬ ‫املنتدى ّ‬ ‫بكل �أطياف العلمان ّية‪ ،‬ولك ّنها رف�ضت بع�ض �أطياف‬ ‫للتطرف يف‬ ‫الإ�سالميني‪ ..‬ويختم بالقول‪ :‬ال مكان‬ ‫ّ‬ ‫الو�سط ّية �سواء كان �إ�سالماو ّيا �أو علمان ّيا‪ ،‬و�إال فهي‬ ‫لي�ست و�سط ّية‪.‬‬

‫���ش��ك� ً�را ع��ل��ى ر���ص��دك ال� ّ�دق��ي��ق‪ ،‬ومالحظاتك‬ ‫الق ّيمة‪ .‬فقد منحتنا فر�صة لتو�ضيح ثالث م�سائل‬ ‫نحر�ص كل احلر�ص على �أن يدركها كل من يريد‬ ‫متحررة من‬ ‫�أن يفهم معنى الو�سط ّية‪ ،‬من منطلقات‬ ‫ّ‬ ‫�سوالب التفكري‪ :‬فال يركن �إلى التقليد‪ .‬وال يقبل‬ ‫�أن يعي�ش يف حالة غفلة عن التح ّوالت املت�سارعة‬ ‫من حوله‪ .‬وال ي�ست�سلم للعرف والعادة والإلْف الذي‬ ‫احلر‪ .‬وال‬ ‫يعطّ ل وظيفة العقل الأولى؛ وهي التفكري ّ‬ ‫يتع�صب لر�أيه‬ ‫يكون عبدا لهواه وال لهوى غريه‪ .‬وال ّ‬ ‫متى ما �أب�صر احلقّ ‪ .‬وال يدير ظهره للتاريخ‪ ،‬كونه‬ ‫امل��ر�آة التي تقر�أ الأمم على �صفحتها وجه املا�ضي‬ ‫وت�ست�شرف يف �آفاقها �صورة امل�ستقبل‪ .‬ف�أ ّمة بال‬ ‫ما�ض ال حا�ضر لها‪� ،‬أما م�ستقبلها فبيد من ي�صنعون‬ ‫ٍ‬ ‫املنت�صرين ويد ّر�سه‬ ‫لها تاريخها ويكتبونه ب�أقالم‬ ‫ِّ‬ ‫املنهزمون للأجيال بلغة امل�ستع ِمر‪ .‬وال يعادي الفكر‬ ‫التحرر من‬ ‫الفل�سفي الذي ـ �شئنا �أم �أب ْيناـ هو بوابة‬ ‫ّ‬ ‫العادة الفكر ّية �إلى التفكري املبدع‪.‬‬ ‫بطرح هذه العوامل املُح ِبطة جانبا‪ ،‬ميكن �أن نفهم‬ ‫تطرف بع�ض غالة الإ�سالميني‪ ،‬يف مقابل‬ ‫الفرق بني ّ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫مرفو�ض‬ ‫تطرف بع�ض غالة العلمانيني‪ .‬وكالهما‬ ‫ّ‬ ‫التطرف وق� ٌ‬ ‫�وف على حافّة الفكر‪،‬‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫منطلق‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعلى طرف املجتمع‪ ،‬وعلى هام�ش احل�ضارة‪ ..‬وال‬ ‫املتطرف �أخ�ض َر �أو �أحم َر �أو برتقال ّيا‪.‬‬ ‫يهم �أن يكون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتطرفني با�سم‬ ‫ى‬ ‫م‬ ‫ف�س‬ ‫معا‪،‬‬ ‫ق‬ ‫الفري‬ ‫اهلل‬ ‫م‬ ‫ذ‬ ‫فقد‬ ‫ينْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدين‬ ‫حرف (� ْأي على حافّة ّ‬ ‫الإ�سالم عابدين على ْ‬ ‫و�أط��راف��ه ال� ّ�رخ��وة)‪ .‬احل��ج‪ .11 :‬و�س ّمى املارقني‬ ‫عنه ناك�صني على �أعقابهم كبرْ ً ا بال ّنف�س وهجرانًا‬ ‫للحقّ ‪ .‬امل�ؤمنون‪ .67/66 :‬ودعا اجلميع ـ مبن فيهم‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪81‬‬


‫‪82‬‬

‫تطرفت‬ ‫ترك الغل ّو يف ّ‬ ‫الدين‪ ،‬فقد ّ‬ ‫�أهل الكتاب ـ �إلى ْ‬ ‫التطرف َ‬ ‫بع�ض فرقهم �إلى‬ ‫ال ّن�صارى يف دينها ف�أ ْو�صل‬ ‫ّ‬ ‫ت�أليه عي�سى (ع)‪ ،‬وهو الذي قال لهم‪� :‬أنا عبد اهلل‬ ‫ور�سوله‪ .‬الن�ساء‪.172/171 :‬‬ ‫هذا عن بديهيات منهج التّفكري الو�سطي‪� .‬أما‬ ‫مالحظاتنا ع ّما ي��راه البع�ض حتامال على جهة‬ ‫للدين وت ْي�سريا‬ ‫حل�ساب �أخرى‪ ،‬ويراه �آخرون متيي ًعا ّ‬ ‫�ضدهم‪ ،‬وي��راه فريقٌ ثالث‬ ‫على من يجب‬ ‫الت�شدد ّ‬ ‫ّ‬ ‫تز ّلفًا للعلمانيني ال جدوى من ورائه‪ ،‬وفريقٌ رابع‬ ‫ي��راه مداهنة نهى ال�شّ رع عنها‪ ،‬ومهادنة لي�ست‬ ‫املقررة يف فقهنا املعت َمد‪..‬‬ ‫من�ضبطة ب�شروط الهدنة ّ‬ ‫وكل هذه الآراء نحرتمها‪ ،‬من حيث املبد�أ‪ ،‬من منطلق‬ ‫بالر�أي الآخر‪ ،‬حتّى يخ�ضع للحوار الذي‬ ‫التّ�سليم ّ‬ ‫ال�صواب ون ْبذ اخلط�أ‪ ،‬مهما‬ ‫هو الباب الأو�سع لإدراك ّ‬ ‫كانت اجلهة التي تر ّوج له‪ ،‬فاحلقّ �أحقّ �أن ُيتّبع‪،‬‬ ‫الدليل على �صحته و�سداده‪.‬‬ ‫متى ما قام ّ‬ ‫�أوال‪��� ،‬ش��ه��ادة ل��ل � ّت��اري��خ‪� ،‬أق����ول � ّإن ا�ستجابة‬ ‫بع�ض الي�سار ّيني لنداء الو�سط ّية ك��ان �أ�سرع من‬ ‫جتاوب بع�ض اليمين ّيني له‪ ،‬من منطلق � ّأن م�صطلح‬ ‫م�صطلح‬ ‫“الو�سط ّية” يف ذه��ن كثري من املتابعني‬ ‫ٌ‬ ‫�إ�سالمي‪ .‬وهذا خط�أ يف الفهم‪ ،‬و�ضيق يف الت�ص ّور‪،‬‬ ‫و�أنان ّية يف احتكار امل�صطلحات‪ ..‬فما نحن ب�صدده‬ ‫دعوة عامة �إلى و�سط ّية اجتماع ّية تتيح للجميع‬ ‫جديدا‬ ‫ريا‬ ‫ً‬ ‫التعاي�ش معا يف �سالم‪ .‬ولي�ست � ً‬ ‫أبدا تنظ ً‬ ‫للعقيدة وال لل�شّ ريعة‪ ،‬وال حتّى مالم�سة للفقه‬ ‫الدولة يف مفهوم احلكم مبا‬ ‫الد�ستوري‪ ،‬وطبيعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أنزل اهلل‪ .‬فذلك جمال �أو�سع من �إمكانيات �أفراد‪،‬‬ ‫و�أدقّ م��ن �أن تنه�ض ب��ه ال��ع��ا ّم��ة‪ ،‬و�أ���ش��رف م��ن �أن‬ ‫تتداوله الغوغاء يف الف�ضاء الأزرق‪.‬‬ ‫احلكم على فكرة‬ ‫ثان ّيا‪ ،‬لي�س من احلكمة يف �شيء‬ ‫ُ‬ ‫كبرية من خالل مقال واحد‪� ،‬أو جمموعة مقاالت‪،‬‬ ‫مازالت ت�ضع الأ�س�س العا ّمة كمدخل لفهم كثري من‬ ‫الأ�شياء التي توارثناها من عادات فكر ّية نلوكها‬ ‫وال نعرف معناها على وج��ه ال� ّ‬ ‫كالدعوة‪،‬‬ ‫�دق��ة‪ّ :‬‬ ‫���ر�أي‪ ،‬وال��ع��د ّو‪،‬‬ ‫واخلُ � ْل��ط��ة‪ ،‬واحل���وار‪ ،‬واحل��ك��م‪ ،‬وال� ّ‬ ‫وال�صديق‪ ،‬و”نحن والآخر‪ ..‬ولعلّ مر ّد ذلك �إلى � ّأن‬ ‫ّ‬ ‫املتطرف ال يب�صر عادة �إ ّال لونينْ ‪� :‬أ�سود و�أبي�ض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وه��و ن��و ٌع من الإ�صابة بعمى الأل���وان‪ .‬فال يب�صر‬ ‫امل�صاب �إ ّال بيا�ضه مقابل �سواد كل العامل‪ :‬هذا‬ ‫حالل وهذا حرام‪ .‬هذا �صديق وهذا عد ّو‪ .‬هذه دار‬ ‫حرب وهذه دار �سالم‪ ..‬والو�سط ّية لي�ست ف ْي�صلة يف‬ ‫الثّوابت واملبادئ والعقائد والتكاليف ال�شّ رع ّية‪..‬‬ ‫نتقدم عنها �أو‬ ‫فتلك مق َّررات ثابتة لي�س لنا �أن ّ‬ ‫نت�أخّ ر‪� .‬إمن��ا الو�سط ّية تدب ٌري م�شرتك يف منطقة‬

‫بن�ص‪ ،‬ولي�س خافي ًا‬ ‫الع ْفو التي مل يقطع فيها الوحي ّ‬ ‫عن �أبناء الإ�سالم � ّأن دينهم مو�صوف بالر ّبان ّية‬ ‫واملرونة وال�شّ مول والواقع ّية‪ ..‬و� ّأن من واقعيته‬ ‫قدرته الفائقة على اال�ستيعاب‪.‬‬ ‫يظن كل واقف على �شاطئه‬ ‫الإ�سالم كالبحر‪ّ :‬‬ ‫�أن��ه يناجيه‪ ،‬وه��و يناجي اجلميع‪ ،‬ويحمل على‬ ‫�صفحته الأثقال كلها‪ ،‬وينظّ ف نف�سه من ال�سراخ�س‬ ‫والأ���ش��ن � ّي��ات‪ .‬وال يعب�أ مب��ن يرميه بحجر كلما‬ ‫ا�ستفزّ ه هدو�ؤُه‪ .‬ويلفظ الأج�سام املتعفّنة بعد �أن‬ ‫تفقد حيويتها وحياتها‪ .‬وتطفو الأوزان اخلفيفة‬ ‫على �صفحته‪� ،‬إذا فقدت وزنها‪ .‬وينفي خب َثه بق ّوة‬ ‫ظن �أنه بلغ قاعه‬ ‫�أمواجه‪ ،‬ومن عانده �أ ّدبه‪ .‬ومن ّ‬ ‫هلك بغروره‪ .‬ومهما قيل فيه يكفيه �شرفا �أن ا�سمه‬ ‫البحر‪ .‬فهل من اغرتف منه غرفة يقول‪ :‬هذا هو‬ ‫البحر!؟‬ ‫وثالثا و�أخريا‪ ،‬واقعنا اليوم يدعونا �إلى تو�سيع‬ ‫الدولة‪ ،‬ومن اجلماعة �إلى‬ ‫مظلّتنا من الأ�سرة �إلى ّ‬ ‫املجتمع‪ ،‬وم��ن اخل��ط��اب الإ���س�لام��ي �إل���ى اخلطاب‬ ‫الإن�����س��اين‪ ،‬وال��ب��داي��ة ب��ال��ت��د ّرب على فقه احل��وار‬ ‫وح�سن اال�ستماع للمخا ِلف‪ ،‬والبحث عن نقاط‬ ‫ت�شدنا‬ ‫االلتقاء‪ ..‬دون االبتعاد عن الآخ ّية التي ّ‬ ‫�إلى ثوابتنا وهويتنا و�أ�صالتنا‪ .‬وال يكون ذلك �إ ّال‬ ‫بتحويل م�سائل اختالف الت�ضا ّد والتّ�صادم �إلى‬ ‫اختالف تن ّوع وتكامل‪ ،‬يرثي احلياة االجتماع ّية‬ ‫للمجتمع الإن�ساين كله‪ ،‬ويبتعد ـ قدر امل�ستطاع ـ عن‬ ‫ال�صدامي الذي ي�شلّ حركة احلياة ويتيح‬ ‫الفكر ّ‬ ‫الفر�صة لأ�صحاب املخالب والأظ��اف��ر والأن��ي��اب‬ ‫وامليا�سم‪ ..‬لي�صفّوا ح�سابات قدمية بطرق غري‬ ‫الئقة‪.‬‬ ‫ودعه ي�صرخ‬ ‫�إذا هاجمك‬ ‫متطرف فال تر ّد عليه‪ْ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وحجته �ضعيفة‬ ‫حتّى تتقطّ ع � ُ‬ ‫أوداجه‪ .‬ف َنف َُ�سه ق�صري ّ‬ ‫ال�صراخ‪،‬‬ ‫و�أن�صارة قلّة‪ ..‬لذلك يداري �ضعفه بكرثة ّ‬ ‫ال�صوت الأعلى يكتم احلقيقة‪ ،‬وتطاوله‬ ‫ظ ّنا � ّأن ّ‬ ‫عليك �سريهب االعتدال فيك‪ ..‬دعه ي�صرخ حتّى‬ ‫تتقطّ ع �أوداج���ه‪ ،‬ف�إنه �إذا ط��ال �صراخه اكت�شف‬ ‫الدنيا �أجمل‬ ‫النا�س حقيقته‪ ،‬فحا�صروه وعلموا � ّأن ّ‬ ‫من �أن تُرتك مل�صاب بعمى الألوان ي�صبغها بالأ�سود‬ ‫والأبي�ض‪.‬‬ ‫�شهادة للتّاريخ‪� ،‬أقول � ّإن ا�ستجابة بع�ض الي�سار ّيني‬ ‫ل��ن��داء الو�سط ّية ك��ان �أ���س��رع م��ن جت���اوب بع�ض‬ ‫اليمين ّيني له‪ ،‬من منطلق � ّأن م�صطلح “الو�سط ّية”‬ ‫م�صطلح �إ�سالمي‪ .‬وهذا‬ ‫يف ذهن كثري من املتابعني‬ ‫ٌ‬ ‫خط�أ يف الفهم‪ ،‬و�ضيق يف الت�ص ّور‪ ،‬و�أنان ّية يف احتكار‬ ‫امل�صطلحات‪..‬‬


‫دراسات‬

‫دور َ‬ ‫األئمة‬ ‫في‬ ‫المجتمع‬ ‫المعاصر‬

‫أ‪ .‬جمال السفرتي‬ ‫األردن‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على‬ ‫�سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومكانة‬ ‫عظيمة‬ ‫منزلة‬ ‫� ّإن للإمام والداعية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جليلة يف رفع �ش�أنِ الأمة ون�شر اخلري‬ ‫عالية ومه َّم ًة‬ ‫ِ‬ ‫والرحمة بني النا�س ً‬ ‫كافة‪.‬‬ ‫واملعروف‬ ‫الناجح والداعيةُ املوفقُ هو الذي ا َّتخذَ‬ ‫والإما ُم‬ ‫ُ‬ ‫يجب‬ ‫نب َّي ُه حممد ًا ﷺ �إمام ًا وق��دوةً‪ ..‬وه��ذا ما ُ‬ ‫خمل�ص و�صادقٍ يف حمل الر�سالة‪ ،‬لأنه‬ ‫على كل‬ ‫ٍ‬ ‫ﷺ هو الإم���ا ُم الأول والداعيةُ الأ���ش��رف الذي‬ ‫الر�سالة و�أدى ال َ‬ ‫َ‬ ‫َح َملَ‬ ‫ون�شر �أن��وا َر الدعو ِة‬ ‫أمانة‬ ‫َ‬ ‫واخلري واملحبة حتت راية } َو َما �أَ ْر َ�س ْلن َ‬ ‫َاك �إ اَِّل َر ْح َم ًة‬ ‫ني{‪.‬‬ ‫ِل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫ف ��إذا انطلقَ الإم���ا ُم والداعية من خ�لال هذا‬ ‫املنهج النبوي العظيم‪ ،‬وحتت ظالل هذه الراية‬ ‫و�ستُفت َُح له‬ ‫ال�شريفة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ف�سينجح ب�إذن اهلل تعالى ُ‬ ‫القلوب والعقول والبيوت وال�شوارع وكل الأماكن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لأن��ه داع��ي��ةُ رحمة وخ�ير جعلَ ُق��دوت� ُ�ه و�إمامه‬ ‫الإما َم الأول والداعية الأعظم �سيدنا حممد ﷺ‪.‬‬ ‫الإمام النبي القدوة هو الذي حملَ على كاهله‬

‫َه� َّ�م الدعوة وانطلق مع �أ�صحابه الكرام يبلغون‬ ‫ر�سالة اخلري واملحبة على طريقٍ من الهدى والنور‬ ‫والرحمة‪ ،‬وهذا النبي الكرمي انطلقَ يف دعوته‬ ‫معتمد ًا على ركيزتني ا�سا�سيتني‪:‬‬ ‫َمد عليها يف التعامل مع القوم‬ ‫• ركيزةٌ يعت ُ‬ ‫الذين َ�س ِع ُدوا ب�إتّباعه والإمي��ان بر�سالته‪ .‬وهي‬ ‫ُون �إ ِْخ َوةٌ {‬ ‫قائمة على قوله تعالى‪�} :‬إِنمَّ َا المْ ُ�ؤْ ِمن َ‬ ‫و } َو َل � ْو كُ نْتَ فَظًّ ا غَ ِل َ‬ ‫يظ ا ْل َقل ِْب اَل ْنف َُّ�ضوا ِم ْن‬ ‫َح ْو ِل َك{‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يعتمد‬ ‫ثانية له‬ ‫• وجعل النبي ﷺ ركيز ًة‬ ‫ُ‬ ‫عليها يف التعامل مع الذين ت�أخروا يف �إ�سالمهم �أو‬ ‫�أنهم مل ي�سلموا �أبد ًا وبقوا على دينهم حيث �أرادوا‬ ‫واختاروا‪ ،‬فكانت تلك الركيزة هي‪َ } :‬و َما �أَ ْر َ�س ْلن َ‬ ‫َاك‬ ‫ني) و اَ‬ ‫الدينِ {‪.‬‬ ‫�إ اَِّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫(ل �إِك َْرا َه فيِ ِّ‬ ‫وبهاتني الركيزتني العظيمتني فتح اهلل على‬ ‫يديه قلوب اخللق وعقولهم‪.‬‬ ‫وف��ت��ح ك��ذل��ك ب�ين �أي����دي الأئ���م���ة وال��دع��اة‬ ‫��ب عليهم ال��دخ��ول منها يف‬ ‫اب��واب � ًا ُم�شَّ َّرعة َوج� َ‬ ‫�سبيلهم خلدمة الب�شرية ون�شر الرحمة واملحبة‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪83‬‬


‫‪84‬‬

‫انتماءهم‬ ‫الإن�سانية‪ ..‬ف ��إن فعلوا ذل��ك �أثبتوا‬ ‫َ‬ ‫ملدر�سة نبيهم و�إمامهم ومنهجه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫داعية‬ ‫ومن هنا نرى �أنه ال ينبغي �أبد ًا لإمام �أو‬ ‫�أو عامل �أو مفكر �أو باحث �أو حاكم �أو حمكوم ان‬ ‫يجتهد على اجتهاد الإمام الأول ﷺ و ُيف�سر �سنته‬ ‫القائمة على �أ�سا�س العدل والرحمة واملحبة بني‬ ‫النا�س كما يحلو له وكما هو يعتقد �أنه ال�صواب‪.‬‬ ‫وا�ضح و�ضعه النبي ﷺ بني‬ ‫جلي‬ ‫ٌ‬ ‫منهاج دعوي ٌّ‬ ‫�أيدينا م�ستند ًا على هاتني الركيزتني الكرميتني‪..‬‬ ‫ف��وج��ب علينا م��ن خاللها �أن ننطلق ونتحرك‬ ‫ون��راع��ي ال��ظ��روف املختلفة ل�ل�أح��وال والأم��اك��ن‬ ‫والأزم���ان والبلدان ب�شرط ان ال نبدل الرحمة‬ ‫ق�سوة والأخوة عداوة‪.‬‬ ‫لذلك يا �أئمة امل�ساجد‪ ..‬يا �أيها الدعاة ‪ ،‬يا‬ ‫يبد ُد ظلمة‬ ‫�أيها القناديل يف دجى الأيام‪ ..‬يا نور ًا ّ‬ ‫القلوب والأرواح‪ ،‬تذكروا دائم ًا نبيكم و�إمامكم‬ ‫الأول �سيدنا حممد ﷺ‪.‬‬ ‫تذكروا ركيزته الأول��ى يف التعامل مع امل�سلم‬ ‫ُون �إ ِْخ�� َوةٌ ) ولهذه الآي��ة كما تعلمون‬ ‫(�إِنمَّ َ ��ا المْ ُ�ؤْ ِمن َ‬ ‫��ف عندها َم��ن َ�س َبقنا ومن‬ ‫�ام و�أح��ك��ام‪َ ،‬و َق� َ‬ ‫�أح��ك� ٌ‬ ‫وح ْ�صرِ ها‪.‬‬ ‫عا�ص َرنا وي�ضيق الزمان على َع ِّدها َ‬ ‫َ‬ ‫وتذكروا قوله تعالى } َو َل � ْو كُ نْتَ فَظًّ ا غَ ِل َ‬ ‫يظ‬ ‫ا ْل َقل ِْب اَل ْنف َُّ�ضوا ِم ْن َح ْو ِل َك{ تذكروا هذا اخلطاب‬ ‫ٍ‬ ‫غاية ُعظمى من‬ ‫خطاب على‬ ‫العظيم اجلليل‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫الد ِ‬ ‫خطاب ملن؟؟ للنبي؟؟ نعم‬ ‫قة واحل�سا�سية‪..‬‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫للنبي ﷺ ويوجه له �سبحانه هذا اخلطاب ليتعلَّم‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫�صعبة وخطرية‪:..‬‬ ‫النتيجة‬ ‫كل �إمام او داعية لأن‬ ‫اَ‬ ‫(ل ْنف َُّ�ضوا ِم ْن َح ْو ِل َك) من ه�ؤالء؟؟ �إنهم �أبو بكر‬ ‫وعمر وعثمان وعلي وال�صحابة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ر�سالة من احلكيم الوهاب �إلى كل الدعاة‬ ‫وك�أنها‬ ‫والأئ��م��ة يف كل زم��ان ومكان‪� ،‬إذا ك��ان ال�صحابةُ‬ ‫أ�صحاب ع�صر ال�سعادة قد ت َْ�ضيقُ �صدورهم من‬ ‫�‬ ‫َ‬ ‫حت ّمل فظاظة القول وغلظة الأ���س��ل��وب‪ ،‬فكيف‬ ‫احلال بكم‪..‬؟‬ ‫ف�أنت �أيها الإم��ام ل�ست نبياً‪ ،‬وذلك املُبلَّغُ لي�س‬ ‫امل�سلم �أخو امل�سلم‪،‬‬ ‫�صحابياً‪ ،‬وتذكروا قوله ﷺ "‬ ‫ُ‬ ‫ال يظلمه وال يخذله وال يحقره" وقوله " كلُّ‬ ‫ر�ضه ومال ُ​ُه ود ُمه"‬ ‫امل�سلم على‬ ‫امل�سلم حرام ِع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫أ�سامة بنِ ِ‬ ‫وحديث � َ‬ ‫زيد ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬الذي‬ ‫أنا�س‬ ‫تَعلمونه جميعاً‪َ " :‬ب َعثَنا ر�سولُ اهلل ﷺ �إلى � ٍ‬ ‫فذهبت �أط ُعمه‬ ‫أتيت الى رجلٍ منهم‬ ‫ُ‬ ‫من جهينة‪ ،‬ف� ُ‬ ‫فقال‪ :‬ال اله اال اهلل‪ ،‬فطعنته فقتلته‪ ،‬فجئت الى‬ ‫النبي ﷺ ف�أخربته‪ ،‬فقال‪َ � :‬أق َت ْلت َُه وقد �شهد �أن‬ ‫ال �إله �إال اهلل؟ قلت‪ :‬يا ر�سول اهلل �إمنا فعل ذلك‬ ‫تعوذاً‪ ،‬فقال " فهال �شققت عن قلبه؟" ويف رواية‬ ‫�أنه قال‪" :‬اقتلته بعد ما قال‪ :‬ال �إله �إال اهلل ؟ "‬ ‫أ�سلم ُت‬ ‫فما زال يكررها حتى متنيت �أين مل �أكن � ْ‬ ‫قبل ذلك اليوم‪ .‬ويف رواية "فكيف ت�صنع بال �إله‬ ‫�إال اهلل �إذا جاءت يوم القيامه"‪.‬‬ ‫من هنا �إخوتي و�أحبتي الدعاة ال��ك��رام‪ ..‬ال‬ ‫خفي يف قلوبهم وال يعلمه‬ ‫حتا�سبوا النا�س على ما َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كلمة االميان‬ ‫هيبة‬ ‫اال اهلل‪ ،‬عاملوهم باحرتا ِم‬ ‫ِّموهم‪،‬‬ ‫التي ُت ْنطَ قُ على �أل�سنتهم‪ِّ ..‬‬ ‫وهم‪َ ،‬عل ْ‬ ‫وج ُه ْ‬ ‫ان�صحوهم‪ ..‬وال حتا�سبوهم‪ ،‬ا���ص�بروا عليهم‪،‬‬ ‫وابت�سموا لهم‪ ،‬وثابروا على الن�صح والإر�شاد وال‬ ‫تقنطوا من ذلك‪.‬‬ ‫و�ض ِ‬ ‫عف‬ ‫وال تي�أ�سوا م��ن ب��طء ا�ستجابتهم‪َ ،‬‬ ‫امتثالهم‪ ،‬فاهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬خاطب نبيه الكرمي‬ ‫ﷺ وخاطبنا جميعاً‪} :‬فَذَ ك ِّْر �إِنمَّ َا �أَنْتَ ُمذَ ك ٌِّر ل َْ�ستَ‬ ‫َع َل ْيه ِْم بمِ ُ َ�س ْي ِطرٍ {‪.‬‬ ‫ف�أَ ْج ُر الدعوة والتبليغ لن يفوتك ‪-‬ب�إذن اهلل‬ ‫ي�ستجب‪.‬‬ ‫�واء ا�ستجاب امل��دع� ّو �أم مل‬ ‫تعالى‪��� -‬س� ً‬ ‫ْ‬ ‫فالواجب عليك التذكري والتبليغ بالن�صيحة‬ ‫واملوعظة احل�سنه والهداية على اهلل‪.‬‬ ‫�أيها الدعاة‪..‬‬ ‫ري من امل�س�ؤولية يتحمله من يقوم‬ ‫هناك قد ٌر كب ٌ‬ ‫بالإمامة واخلطابة والوعظ والدعوة‪ ،‬وهناك ما‬ ‫هو واجب عليكم ولي�س واجبا على غريكم من عامة‬ ‫النا�س‪ ،‬فالواجب عليكم �أن تن�شروا يف جمتمعاتكم‬ ‫وح ْ�س ُن‬ ‫مبادئَ العز ِة وال�شهامة والرحمة النبوية ُ‬ ‫�سواء كانوا م�سلمني �أو غري‬ ‫التعامل مع النا�س‪،‬‬ ‫ً‬ ‫م�سلمني وفق املبد�أ القر�آين واملنهج النبوي‪.‬‬ ‫علينا جميع ًا �أن جندد العهد مع مرتكزات النبوة‬ ‫نحيد عن طريق �سلكه‬ ‫يف طريق الدعوة‪ ،‬و�أن ال‬ ‫َ‬ ‫وع َّب َد ُه بني �أيدينا‪ ،‬ثم عمد ﷺ �إلى‬ ‫النبي ﷺ‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫امتثال �أمرين عظيمني وعا َّمني من خالقه ومواله‬ ‫�سبحانه وتعالى‪ ،‬وعلينا �أن نتمثل هذين الأمرين‬


‫ا�ستجابة و�سلوك ًا والتزاماً‪:‬‬ ‫ا�س ُح ْ�سنًا{ وهنا قال (للنا�س)‬ ‫‪َ } .1‬و ُقولُوا ِلل َّن ِ‬ ‫ومل يقل للم�سلمني‪.‬‬ ‫‪َ } .2‬و َجا ِد ْل ُه ْم ِبا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�سنُ { وهنا اذا كان املق�صود‬ ‫غري امل�سلمني فكيف �سيكون احلال مع امل�سلمني؟!‬ ‫لذلك �أيها ال�ساده‪:‬‬ ‫�إن الأمانة التي حملها الإمام والداعية تحُ َ ت ُِّم‬ ‫عليه ان يكون مب�شر ًا ال منفراً‪ ،‬محُ ِ َّب ًا ال مبغ�ضاً‪،‬‬ ‫�سمح ًا ال غليظاً‪ ،‬لين ًا ال قا�سياً‪ ،‬لطيف ًا ال فظاً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫داعية ال قا�ضياً‪ ،‬امام ًا ال حاكماً‪.‬‬ ‫�أيها الأئمة والدعاة والوعاظ واخلطباء الكرام‪..‬‬ ‫�ص و� ِ��س�َيورَ ٌ و�أح��وال‬ ‫يف تاريخكم امل�شرف َق َ�ص ٌ‬ ‫وحكايات ِ‬ ‫بر م�ضيئة مفيدة مل�ؤها احلكمة‬ ‫وع� ٌ‬ ‫وال�سماحة وال��ع��زة وال��رح��م��ة‪ ،‬انقلوها للنا�س‬ ‫وعلموها للخلق‪ ..‬وتخلقوا بها‪.‬‬ ‫�أيها الإخوة‪..‬‬ ‫الإمام معلم وواعظ وم�صلح يربى عقو ًال‪ ،‬ويبني‬ ‫نفو�سا ً‪ ،‬ويغر�س قيم ًا و�أخالق ًا حميدة‪ ،‬ولذا ف�إن‬ ‫عمله لي�س حم�صور ًا ب�إمامة النا�س يف ال�صالة‬ ‫فقط‪� ..‬إمنا هو عاملُ َوحد ِة وتوفيق بني امل�سلمني‪،‬‬ ‫وال ي�سمح للإمام املن�صف املخل�ص التقي النقي �أبد ًا‬ ‫�أب��د ًا �أن يقف �أم��ام النا�س ُيكف ُِّر اجلهة الفُالنية‬ ‫م��ن امل�سلمني و ُي� َف��� ِّ��س��قُ و ُي � ّب��د ُع الأخ���رى و ُي��خَ � ِّو ُن‬ ‫غريها وك�أنه هو �أحد ال�صحابة الكرام وغريه من‬ ‫املرتدين‪ ..‬ال ُي�سمح للإمام يف م�سجده‪ ،‬وللواعظ‬ ‫يف موعظته‪ ،‬وللمفتي يف وظيفته �أن يكون جلماعته‬ ‫على ح�ساب حتطيم الآخرين وتدمريهم‪ ،‬ف�إالمام‬ ‫هو ممثل النبي ﷺ‪ ،‬فلو كان النبي ﷺ موجود ًا‬ ‫ملا جتر�أ �أح� ٌ�د �أن يقف على هذا املنرب �أو يف ذلك‬ ‫يحت�ضن‬ ‫املحراب �أب��داً‪ ..‬لذلك فالإمام للجميع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اجلميع بقلبه ويوجه الن�صيحة بحكمة وهدوء‬ ‫دون �إ�ساءة �أو جتريح‪.‬‬ ‫�أيها الأئمة‪�..‬أيها الدعاة‪:‬‬ ‫النبي ﷺ يقول‪�" :‬أمتي هذه � ٌ‬ ‫أمة مرحومة"‪،‬‬ ‫نحن �أم��ة التب�شري والأم���ل ول�سنا �أم��ة التقنيط‬ ‫والي�أ�س‪..‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حملة‬ ‫حملة راية الدعوة ‪ ..‬يا‬ ‫يا �أحبتي‪ ..‬يا‬ ‫النور وال�ضياء ‪ ..‬يا �أئمة امل�ساجد‪..‬يا وعاظ الأمة‬

‫ودعاتها‪ ..‬النا�س يف �أعناقكم �أمانة ب�شروا وال‬ ‫تنفروا‪� ..‬أقبلوا على النا�س وال تُدبروا‪� ..‬أفتحوا‬ ‫لهم قلوبكم و�صدوركم‪ ..‬كونوا يف مو�ضع عباد‬ ‫اهلل تخ�ضع قلوبكم هلل الواحد الأحد‪ ،‬وترجون‬ ‫منه الف�ضل والرحمة‪ ..‬وال ت�ضعوا �أنف�سكم ‪-‬من‬ ‫حيث ال ت�شعرون‪ -‬يف منزلة الإل��ه حتكمون على‬ ‫النا�س بالردة والكفر والف�سق واخليانة‪ ،‬وتذكروا‬ ‫وال تن�سوا ه��ذا احل��دي��ث‪ ..‬احفظوه واكتبوه يف‬ ‫دفاتركم وعلى جدارن بيوتكم وم�ساجدكم‪..‬‬ ‫�أذكروا حديث البطاقة وهو حديث �صحيح من‬ ‫حديث عبداهلل بن عمرو –ر�ضي اهلل عنهما‪� -‬أن‬ ‫النبي ﷺ ق��ال‪�" :‬إن اهلل تعالى �سيخل�ص رج ًال‬ ‫فين�شر‬ ‫من �أمتي يوم القيامة على ر�ؤو�س اخلالئق‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عليه ت�سعة وت�سعني �سج ًال‪ ،‬كل �سجل مد الب�صر‪،‬‬ ‫أتنكر من هذا‬ ‫فيقول اهلل ‪-‬ج��ل وع�لا‪ -‬للعبد‪ُ � :‬‬ ‫العبد‪ :‬ال‬ ‫�شيئاً؟ �أظلمك كتبتي احلافظون؟ فيقول‬ ‫ُ‬ ‫يارب! فيقول‪� :‬أفَلك عذ ٌر؟ فيقول العبد‪ :‬ال يارب‪،‬‬ ‫فيقول اهلل ‪-‬جل وعال‪ :-‬بلى‪� ،‬إن لك عندنا ح�سنة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مكتوب فيها‪� :‬أ�شهد �أن ال �إله �إال‬ ‫بطاقة‬ ‫فتُخرج‬ ‫ٌ‬ ‫اهلل‪ ،‬و�أ�شهد �أن حممد ًا عبده ور�سوله‪ ،‬فيقول‬ ‫العبد‪ :‬يارب ما هذه البطاقة �إلى جوار ال�سجالت؟!‬ ‫فيقول اهلل ‪-‬جل وعال‪ :-‬اح�ضر وزنك‪ ،‬ف�إنه ال ظلم‬ ‫عليك اليوم‪ ،‬فتو�ضع ال�سجالت –�أي‪ :‬ال�صحف‪ -‬يف‬ ‫كفة‪ ،‬وتو�ضع البطاقة يف كفة‪ ،‬فطا�شت ال�سجالت‪،‬‬ ‫وثقلت البطاقة‪ ،‬ف�إنه ال يثقل مع ا�سم اهلل �شيء"‪.‬‬ ‫ه��ي بطاقة �صغرية لي�س فيها كثري عمل من‬ ‫�صيام و�صالة وزكاة وحج وجهاد‪ .‬فيها‪ :‬ال �إله �إال‬ ‫اهلل �أنقذته من لظى جهنم ولهيبها‪� ..‬إنها بطاقة‬ ‫الإميان والتوحيد والإنتماء لهذا اخلالق العظيم‪.‬‬ ‫بطاقة (ال �إل��ه �إال اهلل) تنقذ عبد ًا �ضاقت‬ ‫�سجالته بالآثام والتق�صري‪ ،‬بطاقة (ال �إل��ه �إال‬ ‫�صم د ُمه ومالُه وعر�ضه‪..‬‬ ‫اهلل) من قالها يف الدنيا ُع َ‬ ‫وال ن َْ�س�أَلُ كيف قالها‪ ،‬ومل قالها‪ ،‬ومتى قالها؟ و�إمنا‬ ‫نتذكر معلمنا و�إمامنا ﷺ‪" :‬هال �شققت عن قلبه"‪،‬‬ ‫بطاقة (ال �إل��ه �إال اهلل) تُنقذُ ع��ب��د ًا م��ن لظى‬ ‫النريان‪.‬‬ ‫فارحموا النا�س جميعاً‪ ،‬وعاملوهم باحل�سنى‬ ‫ني)‬ ‫من مبد�أ قر�آنكم و�سرية نبيكم ( َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫و�أحبوا واخ�ضعوا وتوا�ضعوا ملن قال‪( :‬ال �إله �إال‬ ‫اهلل) وارحموهم واكرموهم‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪85‬‬


‫دراسات‬ ‫مقاالت‬

‫الحرية‬ ‫في‬ ‫االسالم‬ ‫أ ‪ .‬محمد العضايلة‬ ‫األردن‬

‫‪86‬‬

‫قال اخلليفة الرا�شدي عمر بن اخلطاب ر�ضي‬ ‫اهلل عنه “متى ا�ستعبدمت النا�س وق��د ولدتهم‬ ‫امهاتهم احرارا “‬ ‫فاحلرية حق لالن�سان ولي�ست منحة من احد‬ ‫‪,‬حيث ي�سعى االن�سان للحرية وي�ضحي من اجلها‬ ‫ولكنه يواجه ال�سا�سة وقدرتهم على التالعب‬ ‫بعواطف النا�س و�سلبهم حرياتهم ‪,‬ولكنها يف‬ ‫اال�سالم لي�ست �شعارا بل اح�سا�سا ينبع من داخل‬ ‫الفرد حتى وان كان �سجني اال�ضطهاد والتعذيب‬ ‫ف�تراه ي�سخر من جالديه‪ ،‬وه��ذه �سرية االنبياء‬ ‫والر�سل وامل�ؤمنني على اختالف ازمانهم واماكنهم‬ ‫فهذا ب�لال بن رب��اح ر�ضي اهلل عنه ي�صمد امام‬ ‫ال��ت��ع��ذي��ب وي��ق��ول يف وج���ه ج�لادي��ه اح���د اح��د‬ ‫ي����ه����ز ب����ه����ا ارك�����������ان ال����ظ����ل����م م������ن ام����ث����ال‬ ‫ام������ي������ة ب�������ن خ�����ل�����ف واب�����������ي ج�����ه�����ل ‪...‬‬ ‫كما النن�سى يا�سر وزوجته �سمية حيث كانا مثالني‬ ‫وا�ضحني واول �شهيدين يف اال�سالم ‪� ..‬شهيدين‬ ‫للحرية و املبد�آ واملعتقد “ قل لن ي�صيبنا اال ما‬ ‫كتب اهلل لنا وعلى اهلل فليتوكل امل�ؤمنون “ ‪.‬‬ ‫ل��ق��د ار���س��ى منهج ال���ق���ر�آن ال��ك��رمي اال���س��ا���س‬

‫امل��ت�ين للن�شء اجل��دي��د وللمجتمع بكل اب��ع��اده‬ ‫وم�ضامينه وفق تعاليمه الربانية ‪ ,‬فبد�آ باالن�سان‬ ‫من داخله‪ ،‬فحرره من العبودية وال��ذل وحرره‬ ‫م��ن احل��ر���ص ع��ل��ى احل��ي��اة واخل����وف م��ن امل��وت‬ ‫“اينما تكونوا يدرككم املوت ولو كنتم يف بروج‬ ‫م�شيدة “ ‪.‬‬ ‫ح�����رر اال�����س��ل�ام االن�������س���ان م����ن امل����ذل����ة يف‬ ‫ط��ل��ب ال������رزق وال����ق����وت لآن ���س��ع��ة ال������رزق او‬ ‫���ض��ي��ق��ه ف��م��رده��ا ال���ى اهلل ���س��ب��ح��ان��ه وت��ع��ال��ى‬ ‫"اهلل يب�سط الرزق ملن ي�شاء من عباده ويقدره له"‬ ‫كما فتح له باب الهجرة حفاظا على نف�سه ودينه‬ ‫ومعتقده‪ ،‬وما الهجرة النبوية اال منوذجا يحتذى‬ ‫يف احلياة ‪,‬كما حرره من النفاق والتملق لالخرين‬ ‫بهدف احلفاظ على كرامة االن�سان ومنزلة كل‬ ‫فرد فيهم }وان مي�س�سك اهلل ب�ضر فال كا�شف له‬ ‫اال هو‪ ،‬وان مي�س�سك بخري فهو على كل �شئ قدير{‬ ‫ولي�س معنى ذلك اال�ست�سالم واالنقياد بل اليقني‬ ‫ب�أن ما يالقيه االن�سان يف هذه احلياة هو مقدر له‬ ‫وعليه الوقوف والن�ضال بوجه كل الظاملني حتى‬ ‫يتحقق العدل وتعود احلرية للنا�س ‪.‬‬


‫ا���س��ت��ط��اع اال����س�ل�ام ان ي��ح��رر االن�����س��ان من‬ ‫االو���ض��اع االجتماعية الفا�سدة ودع���اه للنظر‬ ‫وال��ت��آم��ل والتجديد والبحث ع��ن املفيد للفرد‬ ‫ول��ل��ن��ا���س وع���اب عليه التقليد‪ ،‬لأن عليهم ان‬ ‫مييزوا بني احل��ق والباطل وب�ين اخل�ير وال�شر‪،‬‬ ‫فاحلياة الت�ستقيم على ح��ال‪ ,‬كما دع��اه للزهد‬ ‫فيها‪ ،‬زه��د ال��ق��ادري��ن ال ال��ع��اج��زي��ن‪ ،‬ف ��آب��اح له‬ ‫اال�ستمتاع باحلياة الدنيا بدون تفريط بل بتوازن‬ ‫“وما �أوتيتم من �شئ فمتاع احلياة الدنيا وزينتها‬ ‫وما عند اهلل خري وابقى افال تعقلون “ ودعاه‬ ‫لتحرير النف�س م��ن ال�شهوات واطماعها اعمل‬ ‫لدنياك ك�أنك تعي�ش ابدا واعمل لآخرتك ك�أنك‬ ‫متوت غدا ‪.‬‬ ‫وانطالقا من هذه املبادئ وغريها فقد فر�ض‬ ‫اال�سالم ال�صالة على امل�سلم تدريبا وتطويعا له على‬ ‫اخل�شوع والتوا�ضع‪ ،‬كما فر�ض الزكاة عليه ليحرره‬ ‫من عبودية املادة وطغيان املال على النف�س “قد‬ ‫افلح من زكاها وقد خاب من د�ساها” وفر�ض ال�صوم‬ ‫ليك�سر �شهوة الطعام واجل�سد ‪.‬‬ ‫بنى اال�سالم االن�سان من الداخل قبل الظاهر‬ ‫فاحلرية يف اال�سالم فتحت الطريق امام االن�سان‬ ‫لي�شدو باحلياة وي��ك��ون كرميا يف خلقه ونف�سه‬ ‫فلم يعد ا�سريا لأي �شئ بل حرا طليقا يختار ما‬

‫يريد‪ ،‬فاالميان احلقيقي ا�سا�سه االقتناع العقلي‬ ‫"الاكراه يف الدين قد تبني الر�شد من الغي " كما‬ ‫رافقت حرية الدين واملعتقد حرية العلم وانواع‬ ‫املعارف لأن اال�سالم هو دين احلرية واحلق والعدل‬ ‫وال�سالم ‪.‬‬ ‫ان احلرية قيمة مطلقة ولي�س من حق احد ان‬ ‫مينع االخرين من التعبري عن نف�سه بكل ابعادها‬ ‫فاحلرية هبة اهلل لعباده واالن�سان احلر اقدر‬ ‫على العطاء واالب���داع ولهذا فاحلرية مقد�سة‬ ‫وتعلو ف��وق كل القيم ف��اذا فقدت احلرية تكون‬ ‫احلياة غري مكتملة ويحل مكانها العبودية وحينها‬ ‫تف�سد املنظومة االخ�لاق��ي��ة وينت�شر الف�ساد‬ ‫االخ�لاق��ي واللغوي الن العبودية اذا �سيطرت‬ ‫ت�صبح اللغة و�سيلة للنفاق‪ ،‬والتعرب عن احلقيقة‬ ‫وينت�شر الف�ساد بكل ا�شكاله وم�سمياته‪ ،‬فيفقد‬ ‫املجتمع املبادرات اخلالقة‪ ،‬كما ت�ؤدي العبودية‬ ‫الى ن�شوء التنظيمات ال�سرية وي�صعد االره��اب‬ ‫وي�سود اال�ستبداد‪ ،‬وتنت�شر الطائفية البغي�ضة‬ ‫وينق�سم املجتمع ال��ى فئات وطوائف وجتمعات‬ ‫مغلقة تدمر نف�سها وال��دول��ة التي تن�ش�أ فيها‪,‬‬ ‫�أم��ا املجتمعات الآم��ن��ة فهي التي نظمت نف�سها‬ ‫وكانت احلرية مدخلها للحياة وللعطاء واالبداع‬ ‫والتميز‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪87‬‬


‫دراسات‬ ‫مقاالت‬

‫خواطر إدارية وتربوية‬

‫تأمالت تربوية‬ ‫في‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬داود عبدالملك الحدابي‬

‫سورة الضحى‬

‫اليمن‬

‫‪88‬‬

‫ت�شد ال�سورة االنتباه �إلى �آيات وظواهر كونية‬ ‫مرتبطة باحلياة مبا�شرة وت�ؤثر على ا�ستقرار‬ ‫و�سعادة الإن�سان‪ .‬ف�إ�شراقة ال�ضحى و�سكون الليل‬ ‫�آيتان عظيمتان ينبغي �أن يلفت الطلبة �إليهما منذ‬ ‫نعومة �أظفارهم؛ ملعرفة خملوقات اهلل امل�سخرة‬ ‫لإ�سعاد وراح��ة الإن�سان‪ .‬يوجد ‪ %٢٥‬من ْالآي��ات‬ ‫يف القر�آن تقري ًبا ترتبط ب�آيات طبيعية وكونية؛‬ ‫لربط الفرد بخالقه وتعظيمه له‪ .‬ومن �أعظم‬ ‫الآيات النهار والليل‪ ،‬الثنائية البديعة التي �أق�سم‬ ‫اهلل بهما؛ ملا لهما من �ش�أن عظيم يف حياة النا�س‪.‬‬ ‫ف�ألفاظهما ت�شع باحلركة وال�سكون؛ لتعك�س طبيعة‬ ‫احلياة و�أنهما نعمة ال تقدر بثمن وال ي�ستطيع‬ ‫الإن�سان �أن ي�شكر اهلل عليهما‪.‬‬ ‫والأك�ث�ر �أهمية ه��و ذل��ك ال��رب��ط املحكم بني‬ ‫املخلوق واخلالق‪ ،‬فلفت �أنظار الب�شر �إلى الظواهر‬ ‫الكونية وعالقتها باحلياة مرتبطة بطبيعة‬ ‫ال��ع�لاق��ة ب�ين اخل��ال��ق وامل��خ��ل��وق‪ .‬تلك العالقة‬ ‫القائمة على التوا�صل امل�ستمر واملحبة من اهلل‬ ‫لعباده امل�ؤمنني } َما َو َّد َع َك َر ُّب َك َو َما َقلَى{‪ ،‬فاهلل مع‬ ‫عبده مادام العبد معه‪ .‬واهلل لن يرتك عبده وهو‬ ‫بدا‪.‬‬ ‫قريب منه ولن يقليه �أَ ً‬ ‫وبعد �شرح طبيعة تلك العالقة الودية بني‬ ‫اخلالق واملخلوق ي�أتي الت�أكيد لأه��م مبد�أ بعد‬ ‫الإمي���ان وتلك العالقة وه��ي ال�صلة ب�ين حياة‬ ‫الإن�سان يف الدنيا والآخ��رة‪ .‬فتعلق الفرد باهلل‬

‫والآخ��رة يجعله متطلع ًا �إلى امل�ستقبل وحري�ص ًا‬ ‫على الأجر يف الآخرة �أكرث من �أجر الدنيا بالرغم‬ ‫من عدم ن�سيانه ملتطلبات احلياة و�إعمارها‪ ،‬ولكن‬ ‫مع تلك ال�صلة التي ال تنقطع والتعلق ال��ذي ال‬ ‫ينتهي‪.‬‬ ‫تلك اخل�يري��ة ل�ل�أُ ْخ��رى �أك�ث�ر م��ن الدنيا هي‬ ‫املبد�أ الذي ينبغي تعزيزه لدى الطلبة‪ .‬ف�أنظمتنا‬ ‫يرا على وظيفة العلوم‬ ‫التعليمية الت��رك��ز ك��ث� ً‬ ‫الطبيعية وم�آالتها يف تعزيز التعلق باهلل وتقدير‬ ‫نعمه املرتبطة بحياة النا�س‪ .‬كما �أن �أنظمتنا‬ ‫التعليمية التعزز تلك املعية والتعلق باهلل ومبا‬ ‫عنده يف الآخرة‪� .‬إن الفرد يف حاجة م�ستمرة �إلى‬ ‫و�سعيدا مبحبته والقرب منه‬ ‫�أن يكون متعلقًا باهلل‬ ‫ً‬ ‫} َما َو َّد َع َك َر ُّب َك َو َما َقلَى{‪.‬‬ ‫�إن ال��ف��رد يف ح��اج��ة �إل���ى �سلم لأول��وي��ات��ه‬ ‫الُو َل��ى{‪ ،‬كما �أن ال�سورة‬ ‫} َول َْ�ْل� ِآخ� َ�ر ُة خَ يرْ ٌ لَك ِم ْن ْ أ‬ ‫ت�ؤكد لي�س فقط احلا�ضر يف عالقة الفرد باهلل‬ ‫بل امل�ستقبل يف تلك العالقة‪ ،‬امل�ستقبل اململوء‬ ‫بالإيجابية واحلب والتفا�ؤل‪ .‬فعطاء اهلل لعبده ال‬ ‫حدود له‪ ،‬وربه املعتني برتبيته م�ستمر ما كان ح ًيا‬ ‫وبعد مماته حتى تكون النهاية هي الر�ضا الكامل‬ ‫عن عطاء اهلل } َول َ​َ�س ْو َف ُي ْع ِط ْي َك َر ُّب َك فَترَ ْ َ�ضى{‪.‬‬ ‫م�ستقبل جميل و�سعادة الحدود لها‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال �إلى �أي مدى �أنظمتنا التعليمية ت�سهم يف‬


‫تعزيز هذا الإميان وهذه العالقة باهلل نظر ًيا وعمل ًيا؟‬ ‫ثم يلي هذه الآية ن�سق جديد ومقطع جديد‪،‬‬ ‫يحدد امل��ج��االت الرئي�سية لالهتمام والرعاية‬ ‫والرتبية والإع���داد للحياتني الدنيا والأُخ���رى‬ ‫القريبة وامل�ستقبلية‪.‬‬ ‫فعناية اهلل وتوجيهه لر�سوله ه��و تو�ضيح‬ ‫عملي ملنهجية الرتبية والتعليم والإعداد للحياة‪،‬‬ ‫واملتمثلة باملقطع القادم يف ال�سورة ‪.‬‬ ‫اً‬ ‫متكامل للتعليم والإع���داد‬ ‫منهجا‬ ‫�إنها تمُ ثِّل‬ ‫ً‬ ‫للحياة؛ لأن النظام التعليمي هو نظام للإعداد‬ ‫للحياة‪ .‬وهذه املكونات املنهجية هي‪:‬‬ ‫فبعد احل��دي��ث ع��ن بع�ض امل��ظ��اه��ر الكونية‬ ‫واحلياتية وحتديد طبيعة العالقة بني اخلالق‬ ‫واملخلوق وتعزيز �أهمية الإع���داد واالرت��ب��اط‬ ‫والتعلق بالآخرة‪ ،‬ثم ت�أكيد مبد�أ �إمياين وهو �أن‬ ‫اً‬ ‫اهلل اً‬ ‫وم�ستقبل �سيكون مع عبده يف الرعاية‬ ‫حال‬ ‫واحلياة الدنيا والآخ��رى حتى يكون را�ض ًيا مبا‬ ‫�أعطاه اهلل‪ .‬بعد هذا كله مت حتديد بع�ض جوانب‬ ‫العطاء‪ ،‬وال��ذي ينبغي �أن ي�شمله املنهج الرتبوي‬ ‫ليعد الفرد للحياتني‪.‬‬ ‫• برنامج الإيواء‪:‬‬ ‫ويف هذا البعد ف�إن على النظام التعليمي توفري‬ ‫بيئة �آم��ن��ة وم�ستقرة نف�سي ًا وج�سمي ًا وعقلي ًا‬ ‫واجتماعي ًا وعاطفي ًا ت�شعر االطفال باال�ستقرار‬ ‫واحلماية الكاملة؛ ليكون تعليمهم اً‬ ‫فعال‪ .‬فالإيواء‬ ‫متطلب �أ�سا�سي لعملية التعلم‪ .‬فاالهتمام بالبعد‬ ‫النف�سي والعاطفي واجل�سمي واالجتماعي وتوفري‬ ‫�أن�شطة و�سيا�سات و�أنظمة تلبي تلك احلاجات‬ ‫وتوفري البيئة الآم��ن��ة وامل�ستقرة �أم��ر يف غاية‬ ‫الأهمية( �أَلمَ ْ َيجِ ْد َك َي ِت ْي ًما َف�آ َوى)‪.‬‬ ‫• برنامج الهداية‪:‬‬ ‫� َّإن تغذية ال��روح وتعزيز الإمي���ان والعبادة‬ ‫وتوفري برنامج الهداية لتخرج الإن�سان من الهوى‬ ‫��د َك َ�ض� اًّآل‬ ‫وال�شهوة �إلى احلياة الإن�سانية ( َو َو َج� َ‬

‫��دى)‪ .‬ففي ه��ذا امل��ك��ون يتم تربية و�إع���داد‬ ‫َف��� َه� َ‬ ‫االن�سان العابد هلل بكل معنى العبودية ال�شاملة‬ ‫وال��ت��ي جتعله ناف ًعا لنف�سه و�أ���س��رت��ه وجمتمعه‬ ‫عابدا ومواطنًا‬ ‫و�أمته والإن�سانية‪ ،‬في�صبح �إن�سانًا‬ ‫ً‬ ‫�صاحلًا و�إيجاب ًيا‪.‬‬ ‫• برنامج الإغناء‪:‬‬ ‫ويف هذا اجلانب يتم تعليم الطلبة‪ ،‬واكت�شاف‬ ‫ميولهم ومواهبهم‪ ،‬والعمل على تنميتها من خالل‬ ‫تفعيل قلب وع��ق��ل وج���وارح الطلبه منطلقني؛‬ ‫لتحقيق منافع تغنيهم ع��ن امل�����س��أل��ة وجتعلهم‬ ‫ي�سهمون يف ت�سخري ماخلق لهم لعمارة االر���ض‬ ‫ورفاهية االن�سان‪َ } .‬و َو َج َد َك َعا ِئ اًل َف�أَغْ نَى{‪.‬‬ ‫• برنامج تفعيل دور الإن�سان يف احلياة‪:‬‬ ‫ويف ه��ذا الربنامج ينطلق الطلبة �إل��ى البعد‬ ‫الإيجابي املجتمعي ونفع النا�س وخدمة املجتمع‬ ‫وتلبية حاجاته يف �ضوء ال�سياق املجتمعي املحدد‪.‬‬ ‫فبعد �أن حتقق االع��ت��م��اد على ال����ذات‪ ،‬وو�صل‬ ‫�إلى مرحلة االكتفاء عليه �أن ي�ضفي خَ �ْيهرْ ُه على‬ ‫الآخرين‪ .‬لي�س فقط ماد ًيا بل �أخالق ًيا بالدرجة‬ ‫الأول����ى‪ ،‬مم��ا ي��ؤك��د �أهمية الإع����داد الأخ�لاق��ي‬ ‫للطلبة؛ فالعطاء �أخالقي وم��ادي} َف��أ َّم��ا ا ْل َي ِت ْي َم‬ ‫ال�س ْا ِئلَ فَ�َلْاَ ْ َت ْن َه ْر َو�أَ َّم��� ْا ِب ِن ْع َم ِة‬ ‫فَ�َل�اَ َت ْق َه ْر َو َ�أ َّم���ا َّ‬ ‫َر ِّب َك ف َ​َح ِّدثْ {‪ .‬وهذه كلها �ألفاظ عامة‪ ،‬فالأبعاد‬ ‫الأخالقية يف التعامل و�أي�ضا تقدمي اخلدمات‬ ‫واملنتجات لكل �سائل لي�س املق�صود ًا فقط الأبعاد‬ ‫املجانية‪ ،‬بل تلبية احتياجات املجتمعات املادية‬ ‫والعنوية الدنيوية واالخروية‪.‬‬ ‫هذا ال��دور املجتمعي هو بيت الق�صيد‪ ،‬والذي‬ ‫يتنا�ساه النظام التعليمي متا ًما‪.‬‬ ‫� َّإن حياة النا�س ينبغي �أن تتحدث مبا �أنعم اهلل‬ ‫عليها‪ ،‬وبهذا يتم عمارة الأر�ض ورفاهية الإن�سان ‪.‬‬ ‫وهذا الغر�ض الرئي�سي من التعليم‪.‬‬ ‫علينا �أن نعيد النظر يف غاياتنا وبراجمنا‬ ‫التعليمية؛ حتى ن�سعد يف الدارين‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪89‬‬


‫دراسات‬ ‫مقاالت‬

‫توظيف اإلبداع‬ ‫في الفعاليات‬ ‫االقتصادية‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬قيصر عبد الكريم الهيتي‬

‫مطلب شرعي‬

‫أستاذ الدراسات االقتصادية االسالمية‬ ‫العراق ‪ -‬جامعة األنبار‬

‫‪90‬‬

‫�إن واق��ع الإب���داع يف جمتمع الأم��ة الإ�سالمية‬ ‫يعاين من حالة ال�ضعف يف الوقت احلا�ضر �سيما يف‬ ‫اجلانب االقت�صادي لذلك ارت�أيت �أن �أكتب يف �أهمية‬ ‫توظيف الإب��داع يف الأن�شطة االقت�صادية والتي‬ ‫دعا �إليها الإ�سالم كجزء من منظومته العمرانية‬ ‫فكانت مطلب ًا �شرعي ًا حتتاج �إليه الأجيال احلا�ضرة‬ ‫والقادمة يف م�سار التنمية امل�ستدامة وفق املنظومة‬ ‫اال�سالمية ‪.‬‬ ‫ول��ذا ف�إننا حني نقر�أ عن �أب��ي الأ���س��ود ال��د�ؤيل‬ ‫الذي بد�أ بو�ضع قواعد النحو‪ ,‬واخلليل بن �أحمد‬ ‫الفراهيدي ال��ذي ا�ستنبط بحور ال�شعر العربي‪,‬‬ ‫والإم��ام ال�شافعي ال��ذي و�ضع �أ ّول كتاب يف �أ�صول‬ ‫ال��ف��ق��ه‪ ,‬واب���ن خ��ل��دون ال���ذي �أر���س��ى ق��واع��د علم‬ ‫االجتماع ‪ ,‬وابن الهيثم ونظرياته يف علم ال�ضوء‪,‬‬ ‫وابن النفي�س يف اكت�شافه للدورة الدموية ال�صغرى‬ ‫‪ ...‬ف�إننا نتحدث ع��ن �أمن���اط ف��ري��دة �أب��دع��ت يف‬ ‫جماالت العلوم املختلفة عرب التاريخ الذي �شهدته‬ ‫الأ ّمة‪.‬‬ ‫ولعلّ اجتهادنا يف �صياغة مفهوم توظيف الإبداع‬ ‫يف املنظور االقت�صادي الإ�سالمي (متكني القدرات‬ ‫واملهارات الذهنية التي تعمل مبجموعها للو�صول‬ ‫�إلى كل ما هو جديد ونافع يف �شتّى جماالت احلياة‬ ‫�سيما فيما يتعلق بعجلة احل��ي��اة االقت�صادية‬ ‫واخلدمية والإدارية وذلك مبا ين�سجم مع معطيات‬ ‫ً‬ ‫إيجابية‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية وتعاليمها) ُيعد خطو ًة �‬

‫نحو فهم و�إدراك بع�ض املفاهيم ذات ال�صلة يف بناء‬ ‫املجتمع وتط ّوره ‪ ,‬و�أحد �أهم �أ�سباب جناح خطواته‬ ‫قدمها باالجتاه ال�صحيح الذي يحتاج دائم ًا‬ ‫التي ُي ّ‬ ‫�إلى التغيري والإبداع امل�ستمر‪.‬‬ ‫فقد �شهد الإن�سان عرب التاريخ تطور ًا ثـقافي ًا‬ ‫واقت�صادي ًا واجتماعي ًا‪ ,‬ولن ينتهي حتى نهايته؛‬ ‫وذل��ك بفعل البحث امل�ستمر عن الفكرة اجلديدة‬ ‫وال�سلعة املبتكرة التي ُت��ق� ّ�دم املنفعة احلقيقية‬ ‫والإ�شباع املنا�سب كونها تتم ّيز بخ�صائ�ص معا�صرة‬ ‫يبحث عنها كل فرد منّا �سواء كان منتج ًا �أم م�ستهلك ًا‬ ‫�أم م�ستثمر ًا ‪.‬‬ ‫واننا حني نقر�أ عن نيوتن وغاو�س و�آين�شتاين‬ ‫ال��ذي��ن �أب��دع��وا يف الريا�ضيات والفيزياء ف�إنّنا‬ ‫جمرد‬ ‫ّ‬ ‫نتحدث عن �أمناط فريدة ‪ ،‬مل يكن �إنتاجها ّ‬ ‫تكرار �أو جتميع بل هو �إبداع للعلماء كل يف جمال‬ ‫عمله واهتمامه‪.‬‬ ‫وهكذا يكون الإب��داع يف �أي جمال من جماالت‬ ‫اللغة والأدب والإدارة وال�سيا�سة والفيزياء والطب‬ ‫واالقت�صاد واالجتماع ‪� ..‬إلخ‪.‬‬ ‫ولهذا جند الأ���س��واق يف جميع الأم��م ويف كل‬ ‫الع�صور تت�سابق نحو �إنتاج �أج��ود ال�سلع و�أف�ضل‬ ‫اخلدمات من جهة والرتويج لها من جهة �أخرى‪ ,‬حتى‬ ‫دخل العامل يف ميدان التط ّور ال�سريع‪ ,‬ف�أ�صبحت‬ ‫املنتجات الرائدة واملتميزة مناط اهتمام ال�شركات‬


‫وامل�ؤ�س�سات الإنتاجية‪ ,‬وباتت تت�سابق للح�صول على‬ ‫اجلديد من الأفكار لتدخل ميدان الت�صنيع والتوزيع‬ ‫يف الأ�سواق‪.‬‬ ‫ولذلك جند �أن الإ�سالم دعا يف �أول كلمة نزل‬ ‫بها القر�آن الكرمي وهي قوله عزّ وجل }اقر�أ{ �إلى‬ ‫البحث عن الفكرة اجلديدة عن طريق القراءة‪ ،‬بل‬ ‫و�أكّد على �أهمية ال�سعي والعمل وفق �أف�ضل الطرق‬ ‫والأ�ساليب لقوله عز وجل يف هذا اجلانب‪َ } :‬و ُقلِ‬ ‫ُون{‪،‬‬ ‫اع َملُو ْا َف َ�سيرَ َ ى اللهّ ُ َع َم َلك ُْم َو َر ُ�سو ُلهُ َوالمْ ُ�ؤْ ِمن َ‬ ‫ْ‬ ‫وقال تعالى �أي�ض ًا يف هذا ال�سياق‪ِ } :‬ل َي ْب ُل َو ُك ْم َ�أ ُّيك ُْم‬ ‫�أَ ْح َ�س ُن َع َم اًل{‪ .‬ولهذا جاء الإ�سالم داعي ًا �إلى الإبداع‬ ‫(‪ )Innovation‬واالبتكار واالكت�شاف والبحث عن‬ ‫كل ما هو جديد ومعا�صر ل ُي�سخّ ره يف كافة اجلوانب‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية وال�سيا�سية والإدارية‪,‬‬ ‫كيف ال وقد جاء يف حمكم التنزيل قوله تعالى‪}:‬‬ ‫ال�س َما َو ِ‬ ‫ُون َلهُ َو َلدٌ َولمَ ْ َتكُن‬ ‫ات َوالأَ ْر ِ‬ ‫�ض �أَنَّى َيك ُ‬ ‫َب ِد ُ‬ ‫يع َّ‬ ‫َّلهُ َ�ص ِ‬ ‫يم{‪.‬‬ ‫اح َب ٌة َوخَ لَقَ ُكلَّ َ�ش ْيءٍ ُ‬ ‫وه َو ِبكُلِّ َ�ش ْيءٍ َع ِل ٌ‬ ‫ول � ُي��وظّ ��ف ه��ذا الإب����داع ال���ذي �شمل اخللق‬ ‫ومنظومته الكونية يف خدمة الإن�سان حتى يتمكّن‬ ‫من حتقيق معا�شه وحت�سني بيئته والو�صول �إلى‬ ‫مرحلة الغاية من خلقه؛ وه��ي العبادة هلل }وما‬ ‫خلقت اجل��ن واالن�س ‪ {....‬يف جميع �سلوكياته‪.‬‬ ‫ومبا �إن ثـقافة الإبداع واالخرتاع واالبتكار ت�سري‬ ‫يف خط واحد ت�ستنه�ض اجلانب العلمي واحل�ضاري‬ ‫ُعد ميدان ًا وا�سع ًا‬ ‫يف خمتلف ميادين احلياة‪ ,‬ف�إنها ت ّ‬ ‫وم�ؤثّر ًا ال �سيما �إذا كان قد اقرتن باملناف�سة امل�ستمرة‬ ‫الهادفة بني خمتلف الدول‪.‬‬ ‫وهنا جند �أن من ال�ضروري �أن ن�شري �إلى �أن توظيف‬ ‫الإب��داع يف م�ؤ�س�سات املجتمع الإ�سالمي ال ميكن �أن‬ ‫ُيحقّق ثماره وينه�ض بالواقع ال�سلمي واخلدمي �إال‬ ‫�إذا �سلك طريقه وفق ال�ضوابط ال�شرعية امل�ستمدة‬ ‫من القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‪ ،‬وذلك لكونهما‬ ‫�أعطيا ملفهوم الإب��داع اهتمام ًا وا�ضح ًا ينطلق من‬ ‫�شريعة بديع ال�سموات والأر�ض الذي خط للإن�سان‬ ‫طريق ًا وا�ضح ًا ومنهج ًا م�ستقيم ًا يقوده �إلى التنمية‬ ‫بكل �أ�شكالها ويرتقي ب�إمكانياته �إل��ى كل فر�ص‬ ‫النجاح والرفاهية يف احلياة‪.‬‬ ‫والذي يبدو يل �أن الإبداع يف املنظور ال�شرعي‬ ‫ي��راد به الإتيان بفكرة جديدة تتفق مع مقا�صد‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية وال تتعار�ض معها‪ .‬ولعلّ من‬ ‫الوا�ضح �أن علماء ال�شريعة واالقت�صاد يتفقون ب�أن‬ ‫الإب��داع‪ :‬هو الإتيان بفكرة �أو ر�أي مل ي�سبق ب�أن‬ ‫�أوجده �أحد من قبل‪ ،‬لكن االختالف الأ�سا�سي بني‬

‫املفهوم (ال�شرعي واالقت�صادي) كون هذه الفكرة‬ ‫أقرته ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ف�إن كان من‬ ‫من �ضمن ما � ّ‬ ‫�ضمن ما �أقرته ال�شريعة فهو مباح كونه ي�ؤدي �إلى‬ ‫تطوير املجتمع يف �شتى فعاليته احلياتية واملعي�شية‪,‬‬ ‫بينما عند علماء االقت�صاد ال ي�شرتطون ال�ضابط‬ ‫ال�شرعي الذي يتطلب وجود حالة عقلية (ذهنية)‬ ‫ب�شرية تتجه نحو �إيجاد �أفكار �أو طرق �أو و�سائل‬ ‫غاية يف املنفعة واجلدية‪ ,‬تعمل على حتقيق امل�صالح‬ ‫الكلية واخت�صار الأ�ساليب والأع���داد والتكاليف‬ ‫وذلك يف حتقيق مقا�صد ال�شريعة و�أهدافها يف جمال‬ ‫العمل االقت�صادي باختالف �أ�شكاله‪.‬‬ ‫نخل�ص مم��ا تقدم ال��ى ���ض��رورة اال���ش��ارة الى‬ ‫النقاط الآتية ‪:‬‬ ‫‪� .1‬إن ت��وظ��ي��ف الإب�����داع يف خ��دم��ة الأن�����ش��ط��ة‬ ‫االقت�صادية كافّة ُيعد من �أهم الق�ضايا التي‬ ‫دعا �إليها الإ�سالم كونه يدعو للتط ّور والنهو�ض‬ ‫مير‬ ‫وم��واك��ب��ة �أه���م الق�ضايا املعا�صرة ال��ت��ي ُّ‬ ‫بها النا�س با�ستمرار ويحتاجونها يف ق�ضاء‬ ‫حوائجهم‪.‬‬ ‫‪ .2‬الإب��داع يف املنظور االقت�صادي الإ�سالمي هو‪:‬‬ ‫“ جمموعة من القواعد والأ�س�س والقوانني‬ ‫الفكرية تتميز باال�ستحداث �أي مل ي�سبقه‬ ‫�أحد يف �إيجادها ت�ساهم يف و�ضع حلول وقواعد‬ ‫مل�شاكل اقت�صادية تواجه امل�ؤ�س�سات واملنظّ مات‬ ‫متّـفقة مع تعاليم ال�شريعة الإ�سالمية “ ‪.‬‬ ‫‪� .3‬إن �أهمية الإبداع يف املجال االقت�صادي تكمن‬ ‫يف �أن��ه �ساهم يف �إي��ج��اد حلول وابتكار طرق‬ ‫وو�سائل جديدة �ساهمت يف �إيجاد �إنتاج �سلعي‬ ‫وتنوع مبتكر يف ال�سوق‪.‬‬ ‫‪� .4‬إن الدين الإ�سالمي دي��ن يدعو �إل��ى الإب��داع‬ ‫واالبتكار بكافة �أ�شكاله‪ ,‬بل جند �أنه �ساهم يف‬ ‫تنميته من خالل �إيجاد عدة قواعد �أهمها ‪:‬‬ ‫التمكني‪ ,‬وتنمية القدرات‪ ,‬واال�ستثمار املعريف‪،‬‬ ‫و�أنه جعل الإبداع يف املجال االقت�صادي عبادة‬ ‫ُيثاب املبدع عليها‪.‬‬ ‫التوجه‬ ‫‪� .5‬إن من واجب الدول العربية والإ�سالمية‬ ‫ّ‬ ‫نحو االقت�صاد امل��ع��ريف كونه �أج���ود �إن��ت��اج� ًا‪,‬‬ ‫و�أ�سرع عم ًال‪ ,‬و�أقل ً‬ ‫كلفة‪ ،‬فالكثري من امل� ّؤ�س�سات‬ ‫االقت�صادية اليوم تُعاين من م�شكلة البطالة‬ ‫املقنّعة حيث يوجد العديد من املوظفي‬ ‫ي�شكلون عائق ًا حقيقي ًا لتقدم امل� ّؤ�س�سة‪ ,‬كونهم‬ ‫غري فاعلني وغ�ير مبتكرين يف �أعمالهم التي‬ ‫ميار�سونها‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪91‬‬


‫دراسات‬ ‫مقاالت‬

‫ِفي‬ ‫اس‬ ‫ْان ِح َب ِ‬ ‫الق ْط ِر‬ ‫َ‬

‫عدنان عبيدات‬

‫ِع ْب َر ٌة‬

‫األردن‬

‫‪92‬‬

‫املقدمة‬ ‫هلل العزي ِز يف َع��� َ��ش� َر ِ‬ ‫�اب ا ِ‬ ‫ات‬ ‫��اء يف ك��ت� ِ‬ ‫ُذ ِك��� َر امل� ُ‬ ‫ِ‬ ‫املَ َو ِ‬ ‫لفظة �أَ ْنز َ​َل و َنز َ​َّل‪ ،‬والأُولى هي‬ ‫ا�ض ِع َمق ُْرون ٌا َم َع‬ ‫الغالبة‪ .‬فقد َو َر َد يف القر�آن الكرمي َم ْو ُ�صوف ًا �أو‬ ‫واملاء‬ ‫واملاء الطَّ ُهور‪ُ ،‬‬ ‫املاء املبارك‪ُ ،‬‬ ‫ُم َ�ش َّب َه ًا ومن ذلك‪ُ :‬‬ ‫واملاء املَهِني‪،‬‬ ‫واملاء ال�صديد‪ٌ ،‬‬ ‫وماء كاملُ ْهلِ ‪ُ ،‬‬ ‫غ ُري الآ�سن‪ُ ،‬‬ ‫واملاء‬ ‫واملاء امل�سكوب‪،‬‬ ‫واملاء املنهمر‪،‬‬ ‫واملاء احلميم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫واملاء الفرات‪،‬‬ ‫واملاء ال َغ َدق‪،‬‬ ‫املَعني‪،‬‬ ‫واملاء الث َّ​َّجاج‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ري التي‬ ‫الدا ِفقُ ‪ .‬وعلى ما يبدو ف�إ َِّن‬ ‫داللة التعب ِ‬ ‫واملاء َّ‬ ‫ُ‬ ‫َت ْن َط ِب ُع يف الذِّ ْهنِ َت ْن َ�صر ُِف ُع ُمو َم ًا �إِلى املَ ْعنَى املُ َرا ِد‬ ‫وف َلف ِْظ ِه ِب َط ِبي َع ِته و َن ْو ِع ِه و َم َذ ِ‬ ‫ُ‬ ‫حيث َت ِ�شي ُح ُر ُ‬ ‫اق ِه‬ ‫وه ْي َئ ِته َ‬ ‫و�صفَا ِئ ِه ُ‬ ‫وق َّو ِته و َت ْكوِي ِنه ِ‬ ‫وق َوا ِمه‪.‬‬ ‫و�ص َف ِته َ‬ ‫َ‬ ‫الغاية الأ�سا�سية‬ ‫اية ال َأ�س ِ‬ ‫وال�س�ؤال هنا ُيط َر ُح حول ال َغ ُ‬ ‫ا�س َّي ُة ِم َن‬ ‫ال�س ُّر؟ �أَ َّم��ا ا َ‬ ‫واب‬ ‫جل ُ‬ ‫املَ��اءِ ؟ بمِ َ ْعنَى لمِ َ��اذا املَ� ُ‬ ‫�اء و َما ُهو ِّ‬ ‫َف َنجِ ُد ُه �صريح ًا مبا�شر ًا يف َق ْولِ ا َ‬ ‫وع اَل يف‬ ‫حلقِّ َجلَّ َ‬ ‫الآية ‪ 30‬من �سورة الأنبياء‪َ ... } :‬و َج َع ْلنَا ِم َن املَاءِ‬ ‫اء فيه ا َ‬ ‫حل َيا ُة َك َما‬ ‫ُكلَّ َ�ش ْيءٍ َح ٍّي ‪ ،{...‬وهكذا َف�إ َِّن املَ َ‬ ‫للم�ؤْ ِمنِ َح َياة‪ٌ :‬‬ ‫حياة يف‬ ‫�أَ َّن يف الطَّ َ‬ ‫اع ِة وا ِّت َبا ِع املَ ْن َه ِج ُ‬ ‫ا�س ا َ‬ ‫ٌ‬ ‫الدنيا‬ ‫خللْقِ‬ ‫فاملاء �إِذ ًا هو �أَ َ�س ُ‬ ‫وحياة يف ال ِآخرة‪ُ .‬‬ ‫وع َما ُدها و�أَ َه ُّم ُم َق ِّو َم ِ‬ ‫حل َيا ِة ِ‬ ‫َ‬ ‫و�ش ْر ُط ا َ‬ ‫ات ا�س ِت ْم َرارِها‪،‬‬ ‫خلا ِلقِ املُ ْب ِد ِع ا َ‬ ‫ن َْ�ست َِدلُّ على ذلك ِم ْن َق ْولِ ا َ‬ ‫يم يف‬ ‫حل ِك ِ‬ ‫ُ‬ ‫}واهلل خَ لَقَ ُكلَّ دا َّب ٍة من‬ ‫الآية ‪ 45‬من �سورة النور‪:‬‬

‫ماء ‪ ،{...‬وكذلك ممِ َّ ا جاء يف الآية الكرمية ‪ 54‬من‬ ‫�سورة الفرقان ُ‬ ‫حيث ُي َبينِّ ُ َلنَا َر ُّب ال ِع َّز ِة َجلَّ َج اَل ُلهُ‬ ‫ا�س خَ لْقِ ال َب َ�ش ِر و َتق ِْ�سي َمهم �إِ َلى ِق ْ�س َمينْ ‪ :‬ن َ​َ�سب ًا �أي‬ ‫�أَ َ�س َ‬ ‫ابن فُالنٍ �أو ُفالن َُة‬ ‫ن�س ُب �إِليهم ف ُيقالُ ُف ُ‬ ‫الن ُ‬ ‫ذ ُ​ُكو َر ًا ُي َ‬ ‫ِبنْتُ ُف اَلنٍ ‪ِ ،‬‬ ‫اه ُر ِبه َِّن‪َ } :‬و ُه َو ال َِّذي‬ ‫و�ص ْهر ًا �أي �إ ِن َا َث ًا ُي َ�ص َ‬ ‫ان َر ُّب َك‬ ‫خَ لَقَ ِم َن المْ َاءِ َب َ�ش ًرا َف َج َع َلهُ ن َ​َ�س ًبا َو ِ�ص ْه ًرا َو َك َ‬ ‫يرا{‪ .‬وهناك املاء‪ /‬ال ِّرزْقُ ‪( :‬املاء ال ِغ َذاء‪ :‬ماء‬ ‫َق ِد ً‬ ‫اء‪.‬‬ ‫َاء)‪ .‬املاء‪ /‬الإ ِْح َي ُ‬ ‫املاء ال�شِّ ف ُ‬ ‫زمزم‪ُ :‬‬ ‫ِ‬ ‫درجة‬ ‫اء فيِ احلقيق َِة ُم َتفَاو ٌِت يف‬ ‫ومن املعلوم �أَ َّن املَ َ‬ ‫َنقَا ِئ ِه ِت َب َع ًا مل�صدرِه‪َ ،‬ك َما �أَنَّهُ ُم َت َبا ِي ٌن يف ِن َ�س ِب ُمك ِّونا ِت ِه‬ ‫وبالتايل فهو مخُ ْ َت ِل ٌف يف درج� ِ�ة ُعذُ و َب ِت ِه‪َ .‬يترَ َّب ُع‬ ‫ٌ‬ ‫وقاية ِ‬ ‫على ِق َّم ِة �أَ ْن َو ِ‬ ‫وع اَل ٌج‬ ‫اء َز ْمزَم الذي هو‬ ‫اع ِه َم ُ‬ ‫طان‪ُ ،‬‬ ‫وق ْر َح ُة العني‪،‬‬ ‫ال�س َر ُ‬ ‫ِلكث ٍري من الأمرا�ض منها‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫وق ُ�صو ُر نمُ ُ ِّو الأَجِ ن َِّة‪.‬‬ ‫�ض‬ ‫ان َب ْع ِ‬ ‫اء يف بع�ض الآيات الكرمية َب َي ُ‬ ‫وقد َج َ‬ ‫ِ‬ ‫َغا َي ِ‬ ‫وتثبيت الأقدام‬ ‫ات ا�ستخدا ِم املاءِ فهو للتطهري‬ ‫كما يف قوله تعالى يف الآية ‪ 11‬من �سورة الأنفال‪:‬‬ ‫اء ِّل ُي َط ِّه َر ُكم ِب ِه‬ ‫ال�س َماءِ َم ً‬ ‫}‪َ ...‬و ُي َن ِّزلُ َع َل ْيكُم ِّم َن َّ‬ ‫َو ُيذْ ِه َب َعنك ُْم ر ِْج َز ال�شَّ ْي َطانِ َو ِليرَ ْ ِب َط َع َلى ُقلُو ِبك ُْم‬ ‫َو ُي َث ِّبتَ ِب ِه ْ أَ‬ ‫ال�س ْق َيا‪:‬‬ ‫ال ْق� َ�دا َم{‪ .‬وهناك �أي�ض ًا ُ‬ ‫املاء‪ُّ /‬‬ ‫يت�ضح لنا َ‬ ‫ذلك ممِ َّ ا‬ ‫و�س ْق َيا العذاب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ�سقْيا الرحمة ُ‬ ‫ني ُ‬ ‫حيث‬ ‫ني و�إ َم��ا ِم امل ُْر َ�س ِل َ‬ ‫َو َر َد يف ُد َع��اءِ خامت ال َّن ِب ِّي َ‬ ‫َر َوى الإم��ا ُم ال ُبخَ اري َع ْن َعا ِئ َ�ش َة ر�ضي اهلل عنها‬ ‫هلل �صلى ُ‬ ‫ر�سول ا ِ‬ ‫َ‬ ‫كان‬ ‫�أنها قالت � َّإن‬ ‫اهلل عليه و�سلم َ‬


‫�إِ َذا َر َ�أى املَ َط َر َ‬ ‫قال (اللَّ ُه َّم َ�ص ِّي َب ًا نَا ِف َع ًا)‪( ،‬ال ّل ُه َّم ُ�س ْق َيا‬ ‫ول َه ْد ٍم اَ‬ ‫ول َب اَلءٍ اَ‬ ‫اب اَ‬ ‫َر ْح َم ٍة اَ‬ ‫ول َغ َرقٍ )‬ ‫ول ُ�س ْق َيا َع َذ ٍ‬ ‫للح ِد ِ‬ ‫وك��لُّ َو ِ‬ ‫اح� ٍ�د ممِ َّ ا َتق ََّد َم َي ْ�س َت ْغرِقُ َ�ص ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يث‬ ‫فحات َ‬ ‫َعنْهُ ‪.‬‬ ‫املقدار الكلي ملاء املطر‬ ‫وم�ض ٍ‬ ‫ولأَ َّن املَقا َم ال يت َِّ�س ُع‪َ ،‬د ُع��و َن��ا نت�أ َّملُ يف َ‬ ‫ات‬ ‫َ�سر ٍ‬ ‫ال�س َماءِ َع َلى‬ ‫ِيعة ِمق َْدا َر املَ��اءِ الذي َي ْهطُ لُ ِم َن َّ‬ ‫���ض فهو َي ْ�ست َِحقُّ �أَ ْن َنت َ‬ ‫ني ِمن‬ ‫الأَ ْر ِ‬ ‫َوقف ِع ْن َد ُه ذاهل َ‬ ‫هلل فيِ َت ْ�صر ِ‬ ‫قدر ِة ا ِ‬ ‫ني له‬ ‫ِيف الأم ِر يف َك ْو َك ِبنَا ُم َ�س ِّب ِح َ‬ ‫ِ‬ ‫�ض امل َُ�سطَّ َح ِ‬ ‫ُ‬ ‫املائية‬ ‫ات‬ ‫ل ْن ُع ِم ِه؛‬ ‫ِين َِ أ‬ ‫فنتيجة َت َع ُّر ِ‬ ‫َ�شا ِكر َ‬ ‫وجه الكر ِة ال ِ‬ ‫املوجود ِة على ِ‬ ‫ال�شم�س‬ ‫أر�ضية لأ�ش َّع ِة‬ ‫ِ‬ ‫التي َت ْ�س َط ُع ِب ُ�ص ٍ‬ ‫أر�ض َح ْو َل‬ ‫ورة َدا ِئ َم ٍة َم َع َد َو َرانِ ال ِ‬ ‫اء يف الثانية الواحدة من ال�ستني‬ ‫َنف ِْ�س َها‪َ :‬ي َت َبخَّ ُر املَ ُ‬ ‫ثانية من الدقيقة الواحدة من ال�ستني دقيقة من‬ ‫ال�ساعة الواحدة من الأربع والع�شرين �ساعة بفعل‬ ‫�أ�شعة ال�شم�س التي َ�سخَّ َرها خالقُ الكون يتبخَّ ُر يف‬ ‫كل ثانية ما ي�صلُ �إِلى"‪ "150‬مليون طن ُي ْ�ض َر ُب هذا‬ ‫فيكون َح ِ‬ ‫ا�صلُ ال َّت َبخُّ ِر يف‬ ‫الرقم بـ ِ "‪"24×60×60‬‬ ‫ُ‬ ‫اليوم "‪ "12,960,000,000,000‬طن �أي ‪12000‬‬ ‫تريليون و‪ 960‬بليون طن ما ه��ذا امل��ق��دا ُر ال َهائِلُ‬ ‫القلوب!! – يا ِل َع َظ َم ِة ا َ‬ ‫َ‬ ‫فكيف‬ ‫الذي َت ْنخَ ِل ُع له‬ ‫خللْقِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب َع َظ َم ِة ا َ‬ ‫خلا ِلقِ – ُي َن ِّزلُ اهلل هذا الك ََّم املُذْ ِه َل ُ‬ ‫حيث‬ ‫ِ‬ ‫اء يف‬ ‫اء ويف‬ ‫ي�شاء‬ ‫َ‬ ‫الوقت الذي َي َ�ش ُ‬ ‫وبالقد ِر الذي َي َ�ش ُ‬ ‫ُ‬

‫ٍ‬ ‫واحد‪�ُ ،‬س ْب َحا َنهُ يف َع ْل َيا ِئ ِه َجل َّْت ُق ْد َر ُتهُ ‪.‬‬ ‫يوم‬ ‫ٍ‬ ‫ول يف ال ُغ ُيوم َت ُ�س ُ‬ ‫هذا الق َْد ُر املُ ْعجِ زُ املَ ُهولُ محَ ْ ُم ٌ‬ ‫وقهُ‬ ‫اح ب�أم ِر ا ِ‬ ‫هلل يف �سما ِئ ِه وينزله حيث اقت�ضت‬ ‫ال ِّر َي ُ‬ ‫حكمتُه‪ ،‬ف ُي ْحيِي به الأر�� َ�ض بعد َم ْو ِتها و ُيخْ ر ُِج به‬ ‫َث � َم � َر ٍ‬ ‫ات خمتلف ًا �ألوانُها‪ ،‬و ُي� ْ�ج�رِي به الأن��ه��ا َر على‬ ‫َ�سطْ ِح َها و َي ْر ِف ُد به ِب َحا َر َها و ُب َحيرْ ا ِتها وحميطا ِتها‪،‬‬ ‫احلكيم ينابي َع و�أن��ه��ار ًا يف‬ ‫و َي ْ�س ُل ُكهُ اخلالقُ املبد ُع‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫�صفحات َما ِئها‪،‬‬ ‫َج ْو ِفها‪ ،‬فتجري ال ُفل ُْك ب�أمره على‬ ‫ُ‬ ‫�صحب‬ ‫ويعي�ش فيها من الكائنات ما اهلل به عليم‪َ .‬ي ُ‬ ‫َ‬ ‫نزول املاءِ من ال�سماءِ يف اليوم الواحد (‪)44000‬‬ ‫� ٌ‬ ‫أربعة و�أربعون �ألف عا�صفة رعدية و(‪)8000000‬‬ ‫ثمانية ماليني ومي�ض َب ْر ِقي‪ .‬ف�سبحان ا ِ‬ ‫هلل ال َّرزَّاقِ‬ ‫الكرمي‪.‬‬ ‫�أعلى معدالت الهطول‬ ‫ٍ‬ ‫وبكميات هائلة‬ ‫ماء املطر بال توقف‬ ‫قد ينهمر ُ‬ ‫ِ‬ ‫كميات الأمطا ِر ال�سنوية‬ ‫فوق التوقعات؛ ف ِمن �أعلى‬ ‫يف العامل تلك التي ت�سقط على �شوكو �شمال �شرق‬ ‫كولومبيا مبعدل ثالثة ع�شر �ألف ‪ 13000‬ملليمرتاً؛‬ ‫وهي منطقة تطل على املحيط الهادئ حيث َ�س َّج َل ْت‬ ‫ُم َع َّد َل ُهطُ ولٍ بلغ ‪ 13000‬ملليمرت من الأمطار �سنوي ًا‪.‬‬ ‫وهناك والية يف الهند تُدعى ميغااليا ت�شهد �سقوط‬ ‫�أمطار غزيرة ب�شكل يومي‪ ،‬وقد �صنفت على �أنها من‬ ‫�أكرث الأماكن َم َط َر ًا على وجه الأر�ض‪� ،‬إذ تبلغ ن�سبة‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪93‬‬


‫‪94‬‬

‫الأمطار املت�ساقطة فيها �سنويا ‪ 467‬بو�صة‪ .‬وتتفاوت‬ ‫الكميات انخفا�ض ًا ب��الآالف يف مناطق متعددة من‬ ‫العامل لتهبط �إلى املئات يف كثري من �أ�صقاع الأر�ض‪،‬‬ ‫انعدام ُكل ِّّي‬ ‫ثم تبلغ الع�شرات ثم ب�ضع ملليمرتات �إلى‬ ‫ٍ‬ ‫يف ال�صحارى اجلافة‪.‬‬ ‫النفع وال�ضرر‬ ‫�سبب يف احلياة ويف‬ ‫املاء يف ِ�س ِّر ِه و ِم َ‬ ‫قدار ِه ٌ‬ ‫كما �أَ َّن َ‬ ‫اخلري العميم والنعيم املقيم كما �أ�سلفنا‪ ،‬فهو �أي‬ ‫املاء قد ينزل َم َطر ًا �ساحق ًا و ُي�ش ِّكلُ خطر ًا َم ِ‬ ‫اح َق ًا‬ ‫املطر ِعل َ​َّة‬ ‫من‬ ‫جانب �آخر؛ فعند نزول البالء ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يكون ُ‬ ‫الهالك والإنهيار واخلراب واملوت والدمار‪ .‬وقد �أ�شار‬ ‫�إلى ذلك القرطبي رحمه اهلل فمن لطائف تف�سريه‬ ‫ما قاله وهو يتناول ت�شبيه الدنيا باملاء‪" :‬وقالت‬ ‫احلكماء‪� :‬إمنا َ�ش َّبهَ تعالى الدنيا باملاء لأن املاء ال‬ ‫ي�ستقر يف مو�ضع‪ ،‬كذلك الدنيا ال تبقى على حال‬ ‫واح��د‪ ،‬ولأن امل��اء ال ي�ستقيم على حالة واح��دة‪،‬‬ ‫كذلك الدنيا‪ ،‬ولأن امل��اء ال يبقى ويذهب‪ ،‬كذلك‬ ‫املاء ال َيق ِْد ُر �أَ َحدٌ � ْأن َي ْدخُ َله وال‬ ‫الدنيا تفنى‪ ،‬ولأن َ‬ ‫َي ْبتَلَّ ‪ ،‬كذلك الدنيا ال َي ْ�س َل ُم �أَ َحدٌ َدخَ َل َها من ِف ْت َن ِت َها‬ ‫كان نافع ًا ُم ْن ِب َت ًا‪ ،‬و�إِ َذا‬ ‫كان بقد ٍر َ‬ ‫املاء �إذا َ‬ ‫و�آ َف ِت َها‪ ،‬ولأن َ‬ ‫ان َ�ضا َّر ًا ُم ْه ِل َك ًا‪ ،‬وكذلك الدنيا‪ ،‬ال َكف ُ‬ ‫َاف‬ ‫َجا َو َز املِق َْدا َر َك َ‬ ‫منها َي ْنف َُع و ُف ُ�ضو ُل َها َي ُ�ض ُّر"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫�وي�لات وال��ك� َ‬ ‫�وارث‬ ‫��اء َج��� َّر ال�‬ ‫ف����إذا م��ا َط��غ��ى امل� ُ‬ ‫وت�شكلت منه الأعا�صري والطوفان وت�سبب طُ ْغ َيا ُنهُ‬ ‫ُ‬ ‫امل�شيئة الربانية‬ ‫يف الإنهيارات والإجنرافات‪ .‬لكنها‬ ‫ُي َن ِّزلُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وكمية املاءِ‬ ‫املاء بق َ​َد ٍر على �أمرٍ َق ْد ُق ِدر‪.‬‬ ‫اهلل َ‬ ‫ٌ‬ ‫والتوازن‬ ‫ثابتة منذ الأزل‬ ‫ال َعذْ ِب على وجه الأر�ض‬ ‫ُ‬ ‫قائم‪ ،‬عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما عن ر�سول‬ ‫ٌ‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أ َّن���ه ق��ال‪ :‬م��ا م��ن عام‬ ‫�أمطر من عام ولكن ي�صرفه حيث ي�شاء‪ ،‬ثم قر�أ‪:‬‬ ‫َّا�س �إ اَِّل‬ ‫} َو َلق َْد َ�ص َّر ْفنَا ُه َب ْي َن ُه ْم ِل َيذَّ ك َُّروا َف�أَ َبى �أَ ْكثرَ ُ الن ِ‬ ‫ُكفُو ًرا{(الفرقان‪.)50 :‬‬ ‫املطر! ما الذي َي ْح ِب ُ�سه؟ ومن الذي‬ ‫هل َي ْن َح ِب ُ�س ُ‬ ‫َي ْح ِب ُ�سه؟‬ ‫�رمي عليه �أف�ضل ال�صالة‬ ‫كيف َف� َع� َ�ل‬ ‫النبي ال��ك� ُ‬ ‫ُّ‬ ‫املطر؟‬ ‫و�أزكى الت�سليم حينما ان َْح َب َ�س ُ‬ ‫ِ�ضوان اهلل عليهم‪،‬‬ ‫اخللفاء‬ ‫وكيف فعل‬ ‫َ‬ ‫الرا�شدون ر ُ‬ ‫ُ‬ ‫�صالح الأَ ِئ َّم ِة يف الأُ َّمة ِم ْن َب ْع ِد ِهم؟‬ ‫وكيف اقتدى بهم ُ‬ ‫ثم ماذا علينا نحن �أن نفعل؟‬ ‫ا�س املطر َم ْد َع ٌاة لل َّت�أَ ُّملِ‬ ‫ونذير لنا‬ ‫�أَ َل ْي َ�س يف ان ِْح َب ِ‬ ‫ٌ‬

‫وب �إلى ُر�شْ ِدنَا ونَخ�ض َع ونَخ�ش َع‬ ‫حتى َنت َ​َذ َّك َر ر َّبنا و َن ُث َ‬ ‫لخِ َ ا ِل ِقنا بعد �أن �أَ ْل َهتْنا الدنيا ِبزُ خْ ُر ِفها و�أَن َْ�س ْتنَا‬ ‫� ِآخ َر َتنا َب َب ْه َرجِ َها! ول َ‬ ‫ْنتذ َّك َر �أَ َّننَا يف دار ال َع َملِ َق ْد‬ ‫ُ�ش ِغ ْلنَا بالأَ َملِ َفق ََّ�ص ْرنَا يف ال َع َملِ ‪ ،‬و�أَن ال ن َْح ِق َر َع َم اَ ًل‬ ‫مهما َ�ص ُغ َر يف �أَعينُ ِ النَّا�س ما دام خال�ص ًا ِل َر ِّب النَّا�س‪،‬‬ ‫ب�سبب َكل ٍْب‬ ‫الق�ص َة التي َح ِفظْ نَاها �أنه‬ ‫ِ‬ ‫و ْلن َْ�ست َْح ِ�ضر ّ‬ ‫ماء �أدخلها‬ ‫ي�أكلُ ال�َّثرَرَّ َ ى من العط�ش �أَ ْ�س َقتْهُ ام��ر� ٌأة ً‬ ‫ُ‬ ‫اهلل اجلنة‪ ،‬وب�سبب ِه ّر ٍة َح َب َ�ستْها امر�أَ ٌة ف َل ْم َت َد ْع َها‬ ‫فماتت‪ ،‬دخَ َل ِت املر�أ ُة ب�سببها‬ ‫ا�ش الأَر�ض‬ ‫َت�أْ ُكلُ ِمن خَ َ�ش ِ‬ ‫ْ‬ ‫النا َر؟‬ ‫باب لل َّت َف ُّك ِر يف خلق‬ ‫ثم �أل ْي َ�س يف‬ ‫ِ‬ ‫انحبا�س املط ِر ٌ‬ ‫ُون املَ ْن ُع‬ ‫اهلل ويف ِن َع ِم ِه و َف ْ�ض ِل ِه؟ �أَ َي ْع َج ُب املَ ْر ُء ِح َ‬ ‫ني َيك ُ‬ ‫اء! �أل ْي َ�س يف َم ْن ِع القَطْ ر دافع ًا وباعث ًا للتوجه‬ ‫َع َط ً‬ ‫َّو�سلِ وال َّرجاءِ ؟‬ ‫�إليه �سبحانه بالت َ​َّذلُّلِ والدعاء والت ُّ‬ ‫بلى‪� ،‬إنه ُ‬ ‫احلليم‬ ‫الكرمي‬ ‫املجيب‬ ‫ال�سميع‬ ‫القريب‬ ‫اهلل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال َودو ُد ا َ‬ ‫الرحيم‪.‬‬ ‫جل َوا ُد‬ ‫ُ‬ ‫ون اَّ‬ ‫ون‬ ‫الل ُه َ‬ ‫َل ِك َّننَا ن َْح ُن اجلُ فَا ُة ال ُع َ�صا ُة ال َعا ِب ُث َ‬ ‫ون‪.‬‬ ‫املُ ْعر ُِ�ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ن�ستمط ُر؟ و�إذا‬ ‫كيف ندعو؟ كيف ن�ستغ ِف ُر؟ كيف‬ ‫�أُ ْم ِط ْرنا فكيف ن�شك ُ​ُر؟‬ ‫هل نن�سى من جديد ونعود �إلى ما كنا نفعله منذ‬ ‫ٍ‬ ‫عهد قريب؟‬ ‫نَ�س�ألُ َ‬ ‫َ‬ ‫الهداية‪ ،‬وال ُب ْع َد عن الغفلة وال ِغواية‪،‬‬ ‫اهلل‬ ‫ْ‬ ‫وال َع ْو َن على ال َّت َف ُّك ِر والت َ​َّد ُّب ِر والإ ِْع ِتبارِ‪.‬‬ ‫املراجع‬ ‫القر�آن الكرمي‬ ‫احلديث النبوي ال�شريف‬ ‫تف�سري القرطبي‬ ‫موقع ‪ArabiaWeather.com‬‬


‫قراءة‬

‫مقاالت‬

‫في السلم‬ ‫د‪ .‬عبد الحميد القطيطات‬ ‫األردن‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫قال �أحد خطباء الثورة الفرن�سية ‪ “ :‬حترك الرذيلة‬ ‫احلرب ‪�,‬أما الف�ضيلة فتقاتل “‪.‬‬ ‫ب��ال��رغ��م م��ن ان��ه ال ي��وج��د اال طريقة واح ��دة ل��والدة‬ ‫الب�شر‪�،‬إال �أن طرق قتلهم ال حت�صى‪،‬واحلرب �أكرث هذه الطرق‬ ‫دموية وتدمري ًا ‪،‬ومع ذلك فلكل م�أ�ساة نهاية‪.‬‬ ‫ينبغي علينا ونحن نبحث يف ال�سلم �أن ن��ويل �إهتمام ًا‬ ‫بالقدر ذاته لظاهرة احلرب‪،‬ملاذا؟؛لأنهما ظاهرتان متكاملتان‬ ‫مرتابطتان ومتعاقبتان يولد كل منهما الآخر‪،‬هكذا هو قوام‬ ‫حياة املجتمعات ‪،‬التعاقب امل�ستمر حلالتي احلرب وال�سلم‪�،‬إنهما‬ ‫متاما مثل ايرين ربة احلرب‪،‬ومار�س �إل��ه ال�سلم ‪ ،‬زوج��ان ال‬ ‫يفرتقان كما تقول الأ�ساطري‪.‬‬ ‫يعرف ال�سيا�سي الفرن�سي برايان اري�ستيد (‪)1932-1862‬‬ ‫ال�سلم ب�أنه بب�ساطة غياب احلرب ‪ ،‬ويعرف القانون الدويل‬ ‫احلرب على �أنها �صدام م�سلح بني �إرادتني‪.‬‬ ‫يت�سا َءل املرء عما �إذا كان ال�سلم هو ال�سائد تاريخي ًا �أم‬ ‫احلرب‪،‬ومع �أن الب�شر بديهي ًا يف�ضلون ال�سلم‪،‬لكنهم خمتلفون‬ ‫حول �أيهما الو�ضع الطبيعي ٌ‬ ‫وكل له حججه ‪.‬‬ ‫ال�شعوب عادة ال ت�شعل احلروب‪،‬بل احلكام والأنظمة هم‬ ‫من يروج لها ويقودها ( جنكيز خان‪،‬هوالكو‪،‬لوي�س الرابع‬ ‫ع�شرالذي اعرتف على فرا�ش املوت قائ ًال ‪ :‬لقد �أحببت احلرب‬ ‫�أكرث مما ينبغي وهناك �أي�ض ًا نابليون ‪،‬هتلر‪،‬ال�صهيونية العاملية‬ ‫والإ�ستعمار)‪.‬‬ ‫لقد ُر�سمت غالبية احل��دود ال�سيا�سية الدولية بفعل‬ ‫احلروب ‪،‬وكذلك احلدود العقائدية بني الإ�سالم وامل�سيحية‬ ‫‪،‬وحتى بني الطوائف امل�سيحية والإ�سالمية ذاتها ؛كاثوليك‬ ‫‪،‬ارثوذك�س‪،‬بروت�ستانت ‪ ،‬و بني ال�سنة وال�شيعة‪.‬‬ ‫�إن املفارقة العجيبة عند الب�شر عموم ًا‪� ،‬أن�ه��م وبعد‬ ‫معاي�شتهم مل�آ�سي احلروب و ويالتها‪،‬جندهم يف فرتات ال�سلم‬

‫يحتفلون بذكراها ويتغنون ب�أجمادها وبطوالتها ‪،‬حتى‬ ‫�أولئك املغالون يف حبهم للحرب وتعط�شهم لها‪ ،‬نراهم ي�سوقون‬ ‫مربرات �إ�شعالها ‪،‬بحجة �إزالة العوائق من طريق ال�سلم‪� ،‬أي‬ ‫�أن �أهداف احلرب – وياللمفارقة‪ -‬ما هي �إال � ٌ‬ ‫أهداف لل�سلم‪،‬‬ ‫فحديث ًا ُ�شنت حروب اخلليج حتت �ستار�إزالة �أ�سلحة الدمار‬ ‫ال�شامل من العراق‪،‬كما هي حال �إعتداءات �إ�سرائيل املتكررة‬ ‫بحجة الأمن وال�سالم‪ ،‬وطاملا بقي ه�ؤالء املعتدون ف�إن ال�سلم‬ ‫الذي نن�شده �سيبقى بعيد املنال ‪.‬‬ ‫وب��ال��رغ��م م��ن �أن �أ��س�ب��اب احل ��روب وم�سبباتها عديدة‬ ‫نفق نهاية‪ ،‬وال بد من بزوغ �ضوء جديد‬ ‫وخمتلفة‪،‬لكن لكل ٍ‬ ‫�إذا ما توافرت العوامل الأ�سا�سية التي ت�شكل دعائم لل�سلم‬ ‫امل�ستدام ‪،‬ومنها ‪:‬‬ ‫ �إحرتام القانون الدويل واملعاهدات والأعراف‬‫التي ترف�ض �سقوط احلقوق بالتقادم‪ ،‬بل‬ ‫تن�ص ب�شكل وا�ضح على حقوق ال�شعوب يف‬ ‫العي�ش بكرامة ‪،‬وتقرير م�صريها على �أر�ضها‪.‬‬ ‫ التوقف عن نهب ثروات ال�شعوب ومواردها ‪،‬داخلي ًا‬‫بفعل ف�ساد الأنظمة واحلكام‪،‬وخارجي ًا عن‬ ‫طريق �أذرع الإ�ستعمار ‪،‬وال�شركات متعددة‬ ‫اجلن�سيات ‪،‬والبنك الدويل وغريها‪.‬‬ ‫ �إح�ت�رام ح��ق��وق الإن�����س��ان‪،‬ك��م��ا ن�صت عليها‬‫ال�شرائع ال�سماوية والو�ضعية‪ ،‬يف العي�ش‬ ‫بكرامة وحرية وعدالة‪،‬بعيد ًا عن الظلم‬ ‫والإ�ستعباد والفقر واجل��وع ‪،‬و�أن ال يبقى‬ ‫الإن�سان فري�سة للف�ساد واملف�سدين الفا�سدين‪.‬‬ ‫ مكافحة التطرف والإرهاب ب�أ�شكاله و�أمناطه‬‫املختلفة‪ ،‬عن طريق ن�شر الوعي وتعزيز القيم‬ ‫الروحية والإجتماعية ال�سامية‪.‬‬ ‫ درا����س���ة ح����االت الأم�����م وال�����ش��ع��وب ال��ت��ي‬‫جت��ن��ب��ت احل�����رب ‪،‬و�أم�������ض���ت ف��ت��رات �سلم‬ ‫طويلة‪،‬والإفادة من جتاربها مبا ت�ضمنته من‬ ‫بنى اجتماعية‪،‬ومفاهيم ومعتقدات دينية‬ ‫ً‬ ‫وقانونية وفل�سفية و�أخالقية‪.‬‬ ‫ي��و� �ص��ف ال �� �س �ل��م ق��ان��ون�� ًا ب� ��أن ��ه �إت� �ف ��اق ب�ي�ن �أط� ��راف‬ ‫مت�ساوية‪،‬وب�ضمانات و�شروط حمددة قوامها �إحرتام القانون‬ ‫والعدالة وحرية الإن�سان وكرامته‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪95‬‬


‫مقاالت‬

‫االنتماء‬ ‫لألمة‬ ‫والوطن‬ ‫الدكتور سليمان الرطروط‬ ‫األردن‬

‫‪96‬‬

‫ُخ��ل��ق الإن�����س��ان بطبعه وفطرته اجتماعياً‪،‬‬ ‫وتقت�ضي م�صلحته ال�شخ�صية التعاون مع حميطه‬ ‫االجتماعي‪ ،‬فال ي�ستطيع �أي �شخ�ص مهما امتلك‬ ‫من امل�ؤهالت واملواهب �أن يقوم ب�ش�ؤون نف�سه دون‬ ‫م�ساعدة من الآخ��ري��ن؛ ول��ذا عا�ش النا�س منذ‬ ‫اخلليقة الأول���ى يف جتمعات ب�شرية – �صغرية‬ ‫�أو كبرية _ ‪ ،‬ومن هذا املنطلق وجب على جميع‬ ‫�أفراد تلك التجمعات املحافظة على ا�ستقرارها ‪،‬‬ ‫ومراعاة القوانني والنظم والأع��راف التي تنظم‬ ‫�ش�ؤون تلك التجمعات‪ ،‬مما ينعك�س �إيجابي ًا على‬ ‫الفرد وعلى املجتمع‪.‬‬ ‫وق��د �أر���س��ل اهلل الر�سل والأن��ب��ي��اء _ عليهم‬ ‫ال�سالم _ لإر���ش��اد النا�س �إل��ى ات��ب��اع الطريق‬ ‫امل�ستقيم‪ ،‬وو�ضع لهم املبادئ والقوانني والقيموالتي‬ ‫تنظم �ش�ؤونهم‪ ،‬وحتقق العدالة بينهم ‪ ،‬كما وتركت‬ ‫ال�شرائع ال�سماوية جما ًال كبري ًا الجتهاد النا�س‬ ‫فيما ي�ستجد ‪ ،‬مع مراعاة مبادئ العدل وامل�ساوة‬ ‫‪ .‬وقد اتفقت الر�ساالت ال�سماوية مع العديد من‬ ‫املبادئ واالجتهادات الب�شرية على قواعد �أ�سا�سية‬ ‫ال�ستمرار احلياة‪ ،‬وتتمثل يف املحافظة على حرية‬ ‫االعتقاد ‪ ،‬والن�سل والن�سب وما يت�صل به كالعر�ض‬ ‫‪ ،‬واحلياة وحقن الدم ‪ ،‬واملال‪ ،‬والعقل‪ ،‬كما ونهت‬

‫ال�شرائع ال�سماوية ع��ن ك��ل ال��رذائ��ل‪ ،‬وم�ساوئ‬ ‫الأخالق‪.‬‬ ‫و�إزاء ذل��ك فعلى الإن�سان املنتمي واملنت�سب‬ ‫ملجتمع ما ‪� ،‬أو املنتمي لعقيدة ودي��ن ‪� ،‬أو لفكرة‬ ‫معينة ‪� ،‬أن ينتمي لها ‪ ،‬و�أن يتمثل تعاليمها‪ ،‬و�إال‬ ‫ف�لا ميكن �أن يو�سم ب��أن��ه منتمي لها‪ .‬والإ���س�لام‬ ‫�أك��د هذا املعنى‪ ،‬فامل�ؤمنون‪ :‬من �آمنوا بالإ�سالم‬ ‫ق����و ًال ل��ف��ظ��ي � ًا ‪ ،‬وط��ب��ق��وه ع��م��ل��ي � ًا يف حياتهم‬ ‫}ا َّل� ِ�ذي� َ�ن �آ َم � ُن��وا َو َع� ِم� ُل��وا ال��� َّ��ص�الحِ َ � ِ‬ ‫�ات{‪ ،‬وقوله ‪:‬‬ ‫ُون‬ ‫اع َملُوا ف َ​َ�سيرَ َ ى اللهَّ ُ َع َم َلك ُْم َو َر ُ�سول ُ​ُه َوالمْ ُ�ؤْ ِمن َ‬ ‫} َو ُقلِ ْ‬ ‫ون �إِلَى َعالمِ ِ ا ْل َغ ْي ِب َوال�شَّ َها َد ِة َف ُي َن ِّب ُئكُم بمِ َ ا‬ ‫َو َ�سترُ َ ُّد َ‬ ‫ُون{(‪ )105‬والعمل حتى يكون مر�ضي ًا‬ ‫كُ نت ُْم َت ْع َمل َ‬ ‫يجب ق�صره على ال�صاحلات ‪ ،‬وهنالك طائفة‬ ‫�أخرى يف املجتمع الإ�سالمي هم ‪ :‬املنافقون الذين‬ ‫�آمنوا قو ًال‪ ،‬ولكنهم ي�سعون لتحطيم قيم املجتمع‪،‬‬ ‫و�إبطال قوانينه و�أنظمته‪ ،‬وانظر لقوله تعالى‬ ‫الد ْن َيا‬ ‫‪َ } :‬و ِم َن ال َّن ِ‬ ‫ا�س َمن ُي ْعجِ ُب َك َق ْول ُ​ُه فيِ الحْ َ َيا ِة ُّ‬ ‫َ��د الخْ َِ�صا ِم‬ ‫َو ُي�شْ ه ُِد اللهَّ َ َعلَى َما فيِ َق ْل ِب ِه َو ُه � َو �أَل ُّ‬ ‫���ض ِل ُي ْف ِ�س َد ِفي َها‬ ‫(‪َ )204‬و�إِذَا َت َولَّى َ�س َعى فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ‬ ‫��رثَ َوال َّن ْ�سلَ َواللهَّ ُ اَل ُي ِح ُّب ا ْلف َ​َ�سا َد‬ ‫َو ُي ْه ِل َك الحْ َ � ْ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫(‪َ )205‬و�إِذَا ِقيلَ ل َُه اتَّقِ ا �أَخَ ذَ ت ُْه ا ْل ِع َّز ُة ب ْ إِ‬ ‫ِالث ِْم‬


‫ْ�س المْ ِ َها ُد{البقرة‬ ‫ف َ​َح ْ�س ُب ُه َج َه َّن ُم َو َل ِبئ َ‬ ‫وقد ُج�سد االنتماء بالإخوة الإ�سالمية بقوله‬ ‫�ون �إ ِْخ��� َوةٌ { احلجرات ‪، 11‬‬ ‫تعالى ‪�} :‬إِنمَّ َ��ا المْ ُ��ؤْ ِم� ُن� َ‬ ‫فجعل العقيدة والإمي���ان بالإ�سالم هي الرابط‬ ‫بني امل�سلمني‪ ،‬على اختالف �ألوانهم و�أجنا�سهم‬ ‫و�أعراقهم ولغاتهم؛ ولعل فري�ضة احلج خري �شاهد‬ ‫على ذلك‪ .‬و�إن االنتماء للإ�سالم يحتم بال�ضرورة‬ ‫الإمي��ان ب�أركانه ‪ ،‬والعمل بفرائ�ضة‪ ،‬و�أن يدافع‬ ‫املرء امل�سلم عن م�صلحة دينه و�إخوانه ؛ ( المْ ُْ�س ِل ُم‬ ‫�ان فيِ‬ ‫�أَ ُخ��و المْ ُْ�س ِل ِم‪ ,‬اَل َيظْ ِل ُم ُه‪َ ,‬و اَل ُي ْ�س ِل ُم ُه‪َ ,‬و َم� ْ�ن َك� َ‬ ‫اج ِة �أَ ِخ ِ‬ ‫اج ِت ِه‪َ ,‬و َم ْن َف َّر َج َع ْن‬ ‫يه‪ ,‬ك َ‬ ‫َان اللهَّ ُ فيِ َح َ‬ ‫َح َ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫ُم ْ�س ِل ٍم كُ ْر َب ًة‪َ ,‬ف َّر َج ا َع ْن ُه كُ ْر َب ًة ِم ْن كُ ُر َب ِ‬ ‫ات َي ْو ِم‬ ‫ا ْل ِق َيا َم ِة‪َ ,‬و َم ْن َ�سترَ َ ُم ْ�س ِل ًما‪�َ ,‬سترَ َ ُه اللهَّ ُ َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة)‬ ‫ متفق عليه ‪ ، -‬و�إن مل يكن كذلك فنخ�شى عليه �أن‬‫يكون من املنافقني‪ ،‬بل �إن الإ�سالم جعل الكثري من‬ ‫ال�صدقات ناجتة عن االهتمام باملجتمع ‪ ،‬ولعل من‬ ‫�أدنى م�ستوى �إماطة الأذى عن الطريق ‪�..‬ألخ ‪ .‬قال‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪(( :‬كل ُ�س اَل َمى من‬ ‫ٌ‬ ‫يوم تطلع فيه ال�شم�س‪:‬‬ ‫النا�س عليه‬ ‫�صدقة‪ ،‬كل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫�صدقة‪ ،‬وتعني الرجل يف دابته‬ ‫تعدل بني اثنني‬ ‫ٌ‬ ‫�صدقة‪ ،‬والكلمة‬ ‫فتحمله عليها �أو ترفع له متاعه‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫خطوة مت�شيها �إلى ال�صالة‬ ‫�صدقة‪ ،‬وبكل‬ ‫الطيبة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫�صدقة))؛ رواه‬ ‫�صدقة‪ ،‬ومتيط الأذى عن الطريق‬ ‫البخاري وم�سلم‪.‬‬ ‫وعلى م�ستوى الأمة الإ�سالمية فالواجب يقت�ضى‬ ‫على حكامها املحافظة على �أمنها ورعاية م�صاحلها‪،‬‬ ‫وعلى املحافظة على حرمة مقد�ساتها و�أرا�ضيها‪،‬‬ ‫وعلى حقن دم��اء �أبنائها �أينما ك��ان��وا‪ ،‬وعليهم‬ ‫كذلك واجب ت�سهيل احلياة واملعي�شة لرعاياهم‪،‬‬ ‫واملقيمني يف دولهم‪ ،‬و�إبراز ال�صور امل�شرقة للإ�سالم‬ ‫وتعاليمه ال�سمحة‪ ،‬ومبادئه العظيمة‪ ،‬وبث روح‬

‫الإخ��وة ‪ ،‬و�إع�لاء القيم الإ�سالمية الإن�سانية؛‬ ‫وكان اعتناق الإ�سالم من �أكرب و�أكرث بالد امل�سلمني‬ ‫نتيجة للقدوة ال�صاحلة من التجار والدعاة‪ ،‬ومل‬ ‫يكن ب�إر�سال اجليو�ش‪.‬‬ ‫ولعل الزائرين للبلدان الأجنبية ي�ست�شعرون‬ ‫الفرق الكبري بني املجتمعات الغربية وبلدانهم‬ ‫من ع��دة نواحي؛ كالعدالة وامل�ساوة‪ ،‬واحلرية‪،‬‬ ‫والنظافة‪ ،‬والنظام ‪ ،‬وال�صدق والأم��ان��ة ‪�...‬أل��خ‬ ‫حتى �إن ل�سان حالهم لريدد املقولة ال�سابقة لل�شيخ‬ ‫حممد عبده عندما ذه��ب �سنة م‪ 1881‬لإح��دى‬ ‫امل ��ؤمت��رات يف باري�س‪ ( :‬ذهبت للغرب فوجدت‬ ‫�إ�سالم ًا ومل �أجد م�سلمني ‪ ،‬وملا عدت لل�شرق وجدت‬ ‫م�سلمني ؛ ولكن مل �أجد �إ�سالم ًا ) ولكن على �شعوب‬ ‫ال��دول العربية والإ�سالمية ال�ساعية للنه�ضة‬ ‫والرفعة التخلق ب�أخالق الإ�سالم العظيمة ‪ ،‬مما‬ ‫�سينعك�س على جمتمعاتها؛ وم��ن تلك املظاهر‬ ‫التي تدل على االنتماء للمجتمع ‪ ،‬كاحلفاظ على‬ ‫نظافة ال�شوارع والأماكن واملرافق العامة‪ ،‬وكذلك‬ ‫امل�شاركة يف الأعمال التطوع ّية واخلري ّية التي‬ ‫تخدم املجتمع ففي الأردن مث ًال ما يزيد عن ‪3500‬‬ ‫جمعية خريية‪ ،‬ولكن العديد منها بحاجة لإعادة‬ ‫التنظيم والإنتاجية ‪ ،‬وحتقيق الأه���داف التي‬ ‫�أن�ش�أت لأجلها ‪ ،‬و�أي�ض ًا االلتزام بالقوانني والقواعد‬ ‫ال�سلوكية‪ ،‬والآداب العامة ‪ ،‬ومنها االن�ضباط‬ ‫والإنتاجية يف العمل‪ ،‬والقيام ب��الأع��م��ال على‬ ‫�أح�سن وجه‪ ،‬كما �أن اختيار �أ�سلوب احلوار الواعي‬ ‫يف حلّ امل�شاكل والنزاعات التي تقع بني الأفراد‬ ‫واجل��م��اع��ات ه��و الأ���س��ا���س ‪ ،‬ويتبع ذل��ك اح�ترام‬ ‫عادات وتقاليد و�أعراف املجتمع‪ ،‬وم�شاركة �أبناء‬ ‫املجتمع املحلي وعلى م�ستوى الوطن �أفراحهم‪،‬‬ ‫و�أحزانهم‪ ،‬ومنا�سباتهم‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪97‬‬


‫دراسات‬ ‫مقاالت‬

‫في رحاب‬ ‫جامعة‬ ‫األنبار‬

‫‪98‬‬

‫د‪ .‬حسن علي المبيضين‬ ‫مدير الدراسات‬ ‫حظي ع��دد كبري م��ن الأك��ادمي��ي�ين والعلماء‬ ‫امل�سلمني بزيارة دولة العراق ال�شقيق للم�شاركة يف‬ ‫امل�ؤمتر الدويل الأول الذي عقدته جامعة الأنبار‬ ‫يف ال��ف�ترة م��ن ‪ 2018/11/1-10/31‬برعاية‬ ‫وزير التعليم العايل والبحث العلمي وحتت �إ�شراف‬ ‫رئي�س جامعة الأنبار الأ�ستاذ الدكتور املهند�س‬ ‫خالد بتال النجم‪ ،‬ذلك ال�شاب الذي يفي�ض حما�س ًا‬ ‫نحو العمل العام املخل�ص الذي الحظه اجلميع‪،‬‬ ‫لي�س من �أبناء حمافظة الأنبار وجامعتها والعراق‬ ‫فقط‪ ،‬ب��ل م��ن ال��زائ��ري��ن ال��ذي��ن وف���دوا �إل��ى تلك‬ ‫املدينة وهذه اجلامعة يف �أعقاب معركة حتريرها‬ ‫من الدواع�ش‪ ،‬الأمر الذي ترك �إنطباع ًا طيب ًا يف‬ ‫نفو�سنا ب�أن اجلهود املخل�صة يف تتبع م�سار الفكر‬ ‫الظالمي �سرتى النور ولو بعد حني‪ ،‬مثلما ينبيك‬ ‫عن جهده الد�ؤوب هذا الكم الهائل من الإجنازات‬ ‫التي ت�شهدها كليات اجلامعة ومراكزها وقاعاتها‬ ‫وخمترباتها ومالعبها وم��راف��ق اخل��دم��ة فيها‪،‬‬ ‫و ُبناها التحتية وحتى �أ�شجارها وبقايا �أزهارها‬ ‫ال�صامدة التي مل تنحنِ لعوا�صف اجلهل والظالم‬ ‫واخلراب فكانت من�سجمة مع تلك الروح الوثابة‬ ‫التي ميلكها الأ�ستاذ الدكتور النجم رئي�س اجلامعة‬ ‫وزم�لا�ؤه الكرام الذين �شهدوا له باملزيد من �صور‬ ‫الت�ضحية وال��ب��ذل م��ن جهده وع��رق��ه يف �سبيل‬ ‫ا�ستمرار عملية التدري�س حتى يف ظل العمليات‬ ‫الع�سكرية والأمنية �ضد الإرهابيني‪� ،‬إذ عملت‬ ‫اجلامعة على توزيع طلبتها �إل��ى بع�ض جامعات‬ ‫القُطر العراقي ال�شقيق‪.‬‬ ‫�إن عم ًال مثل ذلك العمل ي�أتي رد ًا على قوى‬ ‫الظالم ومن قبله املحتل الأجنبي الذي ا�ستعان‬ ‫ب�أجهزة الإ�ستخبارات الإقليمية املعادية للأمة‬ ‫العربية والإ�سالمية وقام بقتل العلماء وتعذيبهم‬

‫وت�شريدهم يف بقاع الأر�ض كافة ليحرم العراق من‬ ‫�إبداعات علمهم وفكرهم و�إخرتاعاتهم‪.‬‬ ‫نعم �إن م�ؤمتر (الإعتدال يف اخلطاب الديني‬ ‫وال�سيا�سي و�أث��ره يف تعزيز التنمية املجتمعية)‬ ‫وال��ذي ج��اء حتت �شعار (الإع��ت��دال يف اخلطاب‬ ‫طريقنا �إلى ال�سالم) ليحمل حماور �إجتماعية يف‬ ‫ذلك اخلطاب وكذلك نف�سية وفل�سفية وتربوية‬ ‫و�إع�لام��ي��ة و�سيا�سية و�إق��ت�����ص��ادي��ة وقانونية‪،‬‬ ‫وقبل ذلك دينية و�شرعية‪ ،‬لأن املرجعية الأولى‬ ‫لكل حتركاتنا الفكرية وحركاتنا ال�سيا�سية‬ ‫والع�سكرية والإقت�صادية �إمنا تنبثق عن مرجعية‬ ‫فكرية دينية واح��ده تر�سم لنا الطريق الذي‬ ‫نريد‪.‬‬ ‫ولعل من �شاهد جهود الإعمار الكبري يف حميط‬ ‫جامعة الأنبار ي��درك عمق الإمي��ان لدى رئي�سها‬ ‫الذي �أفا�ض عليها من غزير ثقافته ووعيه وعلمه‪،‬‬ ‫وب��ث ذل��ك كله يف رح���اب جامعته لتعود �أق��وى‬ ‫مما كانت قبل العمليات الإرهابية‪ ،‬لأن جتربة‬ ‫الإعمار وما �سبقها وما تالها �أعطت درو�س ًا �شكّلت‬ ‫قيمة م�ضافة يف العمل الأكادميي والعلمي املمزوج‬ ‫باملتابعة امليدانية احلثيثة حول �أدق التفا�صيل‬ ‫بدء ًا من تنظيف �شوارع اجلامعة �إلى �إزالة خملفات‬ ‫الدمار �إلى تقدمي كل ما من �ش�أنه ت�سريع عملية‬ ‫الإعمار‪ ،‬بالتزامن مع تقدمي املحا�ضرات والدرو�س‬ ‫يف كل مكان ُي�ستفاد منه ولو �إلى حني‪.‬‬ ‫لقد �أعطى امل�ؤمتر �صورة وا�ضحة وجلية حول‬ ‫اجل��ه��د ال��ع��ام للجامعة‪ ،‬وظ��ه��ر ذل��ك وا���ض��ح� ًا يف‬ ‫فعاليات امل�ؤمتر كافة‪ ،‬بدء ًا من جل�سته الإفتتاحية‬ ‫التي �شهدت ح�ضور ًا عاملي ًا ووطني ًا كبري ًا بد�أت‬ ‫ب�آي من الذكر احلكيم بعد ال�سالم اجلمهوري ثم‬


‫قراءة �سورة الفاحتة على �أرواح �شهداء العراق‬ ‫واملحافظة واجلامعة‪ ،‬تال ذلك عر�ض فلم وثائقي‬ ‫للجامعة تناول بع�ض م�شاهد الإعمار والإنت�صار‬ ‫على الإرهاب والإرهابيني‪ ،‬ثم �ألقى رئي�س اجلامعة‬ ‫كلمة رئي�سة تناولت التعريف ب�إميان اجلامعة‬ ‫وقدرتها على تخطي معيقات التقدم والبناء‬ ‫والإعمار يف فرتة العمليات وما تالها‪.‬‬ ‫ب��ع��د ذل���ك‪ ،‬حت���دث راع���ي احل��ف��ل ح���ول دور‬ ‫اجلامعات يف تعزيز التنمية املجتمعية‪ ،‬الفت ًا‬ ‫النظر �إل��ى اجلهد الكبري ال��ذي بذلته جامعة‬ ‫الأن��ب��ار يف �سبيل �إع��ادة احلياة �إل��ى طبيعتها يف‬ ‫اجلامعة وحميطها‪ ،‬كما �أ�شار �إلى اجلهد املبذول‬ ‫يف �سبيل هذا امل�ؤمتر �إعداد ًا وتنظيماً‪ ،‬ومنوه ًا يف‬ ‫الوقت ذاته �إلى �ضرورة �إنتهاج منهج الإعتدال يف‬ ‫اخلطاب الديني وال�سيا�سي حتى ي�ست�شعر اجلميع‬ ‫معنى الأمن والإ�ستقرار الذي يف�سح املجال للجهود‬ ‫التنموية التي �ستنعك�س �إيجاب ًا على اجلميع‪.‬‬ ‫�إن امل�ؤمتر كان عالمة فارقة يف اجلهد الفكري‬ ‫بد من مالم�سة هذا اجلهد‬ ‫النوعي للجامعات‪� ،‬إذ ال ّ‬ ‫للواقع ال�سيا�سي والإقت�صادي والإجتماعي الذي‬ ‫يعي�شه النا�س‪ ،‬يف واقع حياتهم اليومية‪� ،‬إذ ينبغي‬ ‫واحلالة هذه �أن يف�سح املجال للجامعات لتقدمي‬ ‫تو�صيف واقعي للمجتمع املحلي والوطني والدويل‬ ‫والإن�ساين الذي تعي�ش به‪ ،‬وحتى ت�سهم يف �صنع‬ ‫القرار ال�سيا�سي وال�صناعي والتجاري والزراعي‬ ‫وال�صحي ‪� ....‬إلى غري ذلك من ق��رارات ذات �أثر‬ ‫تنموي مبا�شر �أو غري مبا�شر‪ ،‬وحتى تكون تلك‬ ‫ال��ق��رارات �صادرة عن بيت خ�برة علمية �سليمة‬ ‫م�ستندة �إلى معايري البحث العلمي الدقيق‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي تزداد معه الثقة ب�أي قرار �صدر وفق تلك‬ ‫املعايري مثلما ت��زداد الطم�أنينة �إل��ى خمرجاته‬ ‫كذلك‪.‬‬

‫ون�ستطيع ال��ق��ول‪� :‬إن امل ��ؤمت��ر جن��ح جناح ًا‬ ‫مبهر ًا نظر ًا للم�ستوى العلمي الرفيع الذي حفلت‬ ‫به �أوراق��ه وحم��اوره العلمية‪ ،‬ثم حجم امل�شاركة‬ ‫الفكرية ذات املرجعيات الفكرية املتعددة‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي زاد من قناعة اجلميع ب�أن فر�صة الإلتقاء‬ ‫بني املذاهب والتيارات الإ�سالمية املتعددة �أمر‬ ‫ممكن للغاية �إذا جترد ال�سيا�سيون من م�صاحلهم‬ ‫الذاتية ال�ضيقة التي يعملون من �أجلها‪ ،‬ومن �أجل‬ ‫بقائها لتبقى هي حديثهم ال��ذي ال ينتهي لأنه‬ ‫املحقق لوجودهم يف ال�سلطة على �أ�سا�س مذهبي‬ ‫وطائفي‪.‬‬ ‫�إن م�ؤمتر ًا كهذا ي�ؤكد �أن ال وج��ود للطائفية‬ ‫واملذهبية �إذا �أردن��ا ملجتمع ما النهو�ض والتقدم‬ ‫والتعاي�ش بني �أفراد �شعبه‪ ،‬الأمر الذي يحتم على‬ ‫اجلميع القيام بدور كامل من �أجل �إظهار الإعتدال‬ ‫لي�س يف اخلطاب الديني فح�سب‪ ،‬بل ويف اخلطاب‬ ‫ال�سيا�سي والإجتماعي والثقايف‪ ،‬حتى ن�صل �إلى‬ ‫قناعة م�شرتكة �أن الإع��ت��دال ال��ذي نريد هو ما‬ ‫يحقق لنا ال��ت��وازن والتعاي�ش ب�ين جميع فئات‬ ‫املجتمع العربي والإ�سالمي‪.‬‬ ‫وحقيقة نقولها‪� ،‬إن امل�ؤمتر ا�ستحق �أن يكون‬ ‫م�ؤ�س�سة فكرية دولية تنرث �أفكارها ملن �أراده��ا‪،‬‬ ‫ول��ذل��ك ف���إن اجلميع ينتظرون امل ��ؤمت��ر ال��دويل‬ ‫الثاين يف جامعة الأنبار ال�صامدة جامعة الإ�صرار‬ ‫والإعمار حتى يت�أكد لنا ما �أك��ده جنم اجلامعة‬ ‫ورئي�سها الأ�ستاذ الدكتور خالد بتال النجم‪.‬‬ ‫وال نقول �إال ما ي�شحذ الهمم‪ ،‬ويدعم التوجهات‬ ‫ويعزز الثقة‪ ،‬فبوركت العقول وال�سواعد يا �أبناء‬ ‫جامعة الأنبار رئي�س ًا و�أ�ساتذة وطلبة وهنيئ ًا لكم‬ ‫ما �أجنزمت‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪99‬‬


‫دراسات‬ ‫مقاالت‬

‫سؤال الدولة االسالمية‬ ‫و مفهومها‬

‫في فكر‬ ‫سعدالدين‬ ‫العثماني‬ ‫شيروان الشميراني‬ ‫كردستان العراق‬

‫‪100‬‬

‫متهيد‬ ‫يتحدث املفكر املغربي �سعدالدين العثماين‬ ‫ب�صورة متقطعة عن الدولة ال�سالمية يف كتبه و‬ ‫مقاالته‪ ،‬حماوال ان ي�أتي باجلديد يف مرجع للرتاث‬ ‫الفكري اال�سالمي املتعلق بق�ضية ال�سيا�سة و ال�سلطة‬ ‫و االح��ك��ام ال�سلطانية‪ ،‬لكنه خ�ص بذلك كتاب ًا‬ ‫متو�سط احلجم حتت عنوان ( الدولة اال�سالمية‪،‬‬ ‫املفهوم و االمكان) من من�شورات دارالكلمة ‪2016‬‬ ‫الطبعة االولى‪..‬نحن هنا نعتمد هذا الكتاب‪ ،‬ما‬ ‫نبغي اليه هو كيف يفكر �سعد الدين العثماين‪ ،‬و�أي‬ ‫مرحلة و�صل اليه الفكر اال�سالمي يف هذا املجال‪،‬‬ ‫وما هو املدى الذي ميكن ان يذهب اليه العقل امل�سلم‬ ‫يف حماوالت التجديد يف هذا املجال‬ ‫موقع ال�سيا�سة يف اال�سالم‬ ‫و كعادته ال��ذي ه��و حم��ور و مركز تفكريه‪،‬‬ ‫ي��ت��ح��دث ال��ع��ث��م��اين و ينطلق ب��ن��اء ع��ل��ى ق��اع��دة‬ ‫التفريق بني الديني والدنيوي‪ ،‬او العبادي التبليغي‬ ‫و العادي‪ ،‬وان الق�ضية الفكرية اال�سالمية كلها‬ ‫مبنية على ه��ذا اال���س��ا���س‪ ،‬و ي�صنف م��ا يخت�ص‬ ‫ب�ش�ؤون الدولة و ال�سيا�سة يف اجلانب الثاين‪ ،‬اي‬ ‫الدنيوي – العاديات‪ -‬ح�سب تعبري بع�ض العلماء‪،‬‬ ‫و هي مبنية على امل�صالح العامة لالمة‪ ،‬حتقيقها يف‬ ‫املحددة‪� ،‬أي‬ ‫�ضوء ال�ضوابط و املباديء ال�شرعية َُ‬ ‫انها من املجاالت املفو�ضة الى االجتهاد الب�شري‬

‫و مل ي�أت فيها ن�صو�ص من الوحي االلهي تنهي كل‬ ‫حديث ب�شري عقالين فيها ‪.‬‬ ‫ثم يذهب الى ان الت�صرفات النبوية ال�سيا�سية‬ ‫التي ادارت فيها �ش�ؤون االمة يف املدينة هي ت�صرفات‬ ‫دنيوية اجتهادية‪ ،‬و انه – �صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬ ‫تعامل مع االحداث يف زمنه تعام ًال م�صلحي ًا (بو�صفه‬ ‫ولي ًا للأمر و م�س�ؤوال �سيا�سيا‪ ،‬يتخذ القرارت بالنظر‬ ‫الى امل�صلحة املراد حتقيقها)‪ ،‬ما ي�سميه �إبن القيم‬ ‫اجلوزية ب ( �سيا�سة جزئية بح�سب امل�صلحة) يف‬ ‫ذلك الوقت املكان و احلال ‪..‬‬ ‫فال�سيا�سة يف اال�سالم و فق العثماين هي ‪-:‬‬ ‫‪ -1‬من العاديات‬ ‫‪ -2‬مفو�ضة لالجتهاد الب�شري‬ ‫‪ -3‬اال�صل فيها احلكم و املقا�صد‬ ‫‪ -4‬ت�صرفات الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ ال�سيا�سية دنيوية و اجتهادية ‪ ،‬م��ا يعني ان‬‫اجتهادات الر�سول يف االدارة و تدبري ال�ش�أن العام‪،‬‬ ‫هي قابلة للمراجعة ح�سب تغري املكان و احلال‪،‬‬ ‫و ال�شخ�ص اي�ض ًا‪ ،‬كما ك��ان ال�صحابة يراجعونه‬ ‫يف حياته ويغريون من اجتهاداته ال�سيا�سية بعد‬ ‫مماته‪.. 1‬‬ ‫‪� 1‬ص – ‪27- 9‬‬


‫الأمة الدينية و الأُمة ال�سيا�سية‬ ‫بناء على ما �سبق مييز �سعد الدين العثماين‪،‬‬ ‫بني �أمتني‪ ،‬الدينية و ال�سيا�سية‪ ،‬و هي من النقاط‬ ‫اال�سا�سية التي يجب على الفكر اال�سالمي القول‬ ‫الكثري فيها م��ن اج��ل جتليتها و ازال���ة الكثري من‬ ‫النق�ص و امليالن يف التنظري لها ‪..‬‬ ‫الأ�سا�س ال�شرعي الذي ي�ستند اليه العثماين يف‬ ‫هذا التق�سيم هو د�ستور املدينة‪ ،‬حيث ق�سم الر�سول‬ ‫– �صلى اهلل عليه و�سلم – اهل املدينة الى امة‬ ‫�سيا�سية ( م�سلمني و يهود و م�شركني ) تربطها بنود‬ ‫حمددة يف د�ستور املدينة‪ ،‬و ( �أمة امل�سلمني ) برابط‬ ‫ديني و عقائدي‪ ،‬فهناك �أمة دينية و امم �سيا�سية‬ ‫ح�سب تعبري امل�ؤلف خمتلفة االع��راق و االدي��ان‪،‬‬ ‫اي لي�س �شرطا ان يتوحد امل�سلمون كلهم يف دولة‬ ‫واحدة‪ ،‬بل الوحدة ال�شعورية برباط العقيدة هي‬ ‫اال�سا�س‪ ،‬ولي�س �شرطا ان يكون كل مواطني الدولة‬ ‫م�سلمون‪..2‬‬ ‫بني ال�شرع و القانون‬ ‫مييز العثماين و هو العامل اال�صويل و ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫بني القانون يف العرف احلديث و بني الت�شريع الديني‪،‬‬ ‫فالت�شريع الديني حق خال�ص هلل تعالى‪،‬ال ي�شاركه‬ ‫احد‪ ،‬وامل�شاركة فيه اما بدعة �أو كفر و �شرك‪ ،‬لكن‬ ‫الت�شريع القانوين فهو خمتلف‪ ،‬النه اداة قانونية‬ ‫ل�ضبط ع�لاق��ات املجتمع و ه��و م�ستحدث وم��ل�زِم‬ ‫للجميع‪ ،‬لكنه اجتهادي ب�شري‪ ،‬مبعنى التفرقة بني‬ ‫الت�شريعني‪ ،‬و ان كانا ي�شاركان يف التعبري عنهما‪،‬‬ ‫(( ويجب التمييز بني امل�ستويني من الت�شريع‪ ،‬فهما‬ ‫‪� - 2‬ص ‪ 51‬من الكتاب‬

‫عمليتان خمتلفتان ‪ ،‬و قد �أدى الت�شابه يف الإ�سم الى‬ ‫اخللط بينهما لدى الكثري من املتدينني و الكتاب‪ ،‬و‬ ‫بالغ البع�ض فرتب على قول الفقهاء ب�أن (ال�شارع‬ ‫هو اهلل تعالى ) يف ا�شارة الى الت�شريع الديني‪ ،‬ونفى‬ ‫حق املجتمع يف تقنني حياته‪ ،‬و بالتايل حق الدولة‬ ‫يف ا�صدار ت�شريعات ذات طابع دنيوي �أو قواعد‬ ‫قانونية))‪.. 3‬‬ ‫كما انه لي�س من حق احد ان يفر�ض الت�شريع‬ ‫الديني بالقوة املادية بل هو يعتمد على القناعات‬ ‫و دور العلماء ق��ي تكوين القاعدة اجلماهريية‬ ‫ال�شعبية لقبولها‪� ،‬أي التمييز بني ال�سيا�سة ومرجعية‬ ‫القانون‪..‬‬ ‫مفهوم الدولة اال�سالمية‬ ‫و هو الغاية اال�سا�س من الكتاب‪ ،‬و هو ما دعانا‬ ‫الى تقدمي هذه القراءة لأفكاره‪ ،‬نظر ًا لأهميته و‬ ‫مركزيته يف الفكر االن�ساين و اال�سالمي املعا�صر‪..‬‬ ‫وتقوم الدولة يف الفهم اال�سالمي عنده على‬ ‫اال�س�س التالية ‪-:‬‬ ‫‪ -1‬دنيوية ال�سيا�سة‬ ‫‪ -2‬جمال لالجتهاد الب�شري‬ ‫‪ -3‬اليوجد �شكل حمدد للدولة و ال�سلطة يف الإ�سالم‬ ‫‪ -4‬جتاوز اال�شكال التاريخية‬ ‫‪ -5‬جتاوز امل�صطلحات الرتاثية املعربة‬ ‫النقتطان الأوليتان جرى احلديث فيهما ب�إ�شارات‬ ‫وا�ضحة‪ ،‬يبقى ان ممار�سة ال�سلطة ال�سيا�سية يف‬ ‫‪� - 3‬ص ‪34‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪101‬‬


‫‪102‬‬

‫اال�سالم غري من�صو�ص يف �شكلها و القالب املادي الذي‬ ‫ت�أخذه‪ ،‬و كل ما كان موجود ًا يف الع�صور ال�سالفة‬ ‫لي�س اال اج��ت��ه��ادات ب�شرية م��ن العلماء لرتتيب‬ ‫البيت االداري و ال�سيا�سي اال�سالمي يف �شكل ممار�سة‬ ‫ال�سلطة‪ ،‬ولي�ست ملزمة على االطالق‪ ،‬و من هنا يقول‬ ‫بانه ال يوجد نظام �سيا�سي حمدد ال�شكل يف اال�سالم‪،‬‬ ‫و التعاطي مع �شكل الدولة يكون يف �ضوء تطور الفكر‬ ‫االن�ساين احلديث �شرط االلتزام باملبادئ والقواعد‬ ‫واملقا�صد العامة ( جممل اجتهادات الفقه ال�سيا�سي‬ ‫التقليدي – يف ر�أينا‪ -‬متجاوزة و غري منا�سبة مع‬ ‫ذلك التطور‪ ،‬و يف �أحايني كثرية ت�ؤدي يف الواقع الى‬ ‫عك�س امل��راد ال�شرعي )‪ ،4‬و ينتهي الى �أن م�صطلح‬ ‫الدولة اال�سالمية غري �ضرورية بل ‪ -‬دولة امل�سلمني‬ ‫‪ ،‬و الدولة املقبولة ا�سالمي ًا‪...‬مع جتاوز التعبريات‬‫التقليدية التاريخية يف عامل ال�سيا�سة ‪..‬‬ ‫بني اخلالفة و الدولة‬ ‫�إذا كانت الدولة يف املنظور الإ�سالمي لي�س لها‬ ‫�شكل حمدد‪ ،‬فعليه ان اخلالفة لي�ست نظاما �سيا�سيا‬ ‫و ال هيكال لل�سلطة و لي�ست منوذجا �شرعيا للحكم‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬بل هي منهج بالدرجة االولى‪ ( ،‬من الزهد‬ ‫يف املال و الرئا�سة و عدم تولى بالقهر‪ ،‬و االلتزام‬ ‫مب��ب��ادئ ال��ع��دل و االن�����ص��اف و ال�����ش��ورى وبتحقيق‬ ‫املقا�صد ال�شرعية يف املجال ال�سيا�سي‪ ،‬واي نظام‬ ‫�سيا�سي – على اختالف تركيبته – يقرتب من املراد‬ ‫ال�شرعي بقدر متثله لتلك املبادئ‪ ،‬فيمكن ان نقول “‬ ‫حكم �سيا�سي على منهج النبوة” وال فرق لأن املهم‬ ‫هو امل�ضمون و املق�صد ال اللفظ)‪.. 5‬و اخلالفة و امللك‬ ‫و ال�سيا�سة ت�أتي مبعانٍ مرادفة يف ن�صو�ص الكتاب و‬ ‫ال�سنة ‪..‬‬ ‫الدولة الإ�سالمية و الدولة املدنية‬ ‫�سعد الدين العثماين‪ ،‬خريج بيت العلم‪ ،‬ال�سيا�سي‬ ‫الوا�صل ال��ى قيادة احلكومة‪ ،‬القريب من العقل‬ ‫الغربي املعا�صر‪ ،‬من اال���ش��داء على ان ال��دول��ة يف‬ ‫اال�سالم دولة مدنية‪ ،‬ر�أي وجيه‪ ،‬يعتمده االجتهاد‬ ‫اال�سالمي املعا�صر يف تياره الو�سطي العام‪ ،‬ومع وجود‬

‫حماذير م�ستقبلية‪ ،‬لكن يف ال�سياق الفكري العاملي‬ ‫احلديث ف�إن العثماين و الغنو�شي و�آخرين ي�ؤكدون‬ ‫على هذا املعنى ‪..‬‬ ‫العثماين ي�أتي ب�أ�س�س الدولة املدنية‪ ،‬ثم يقول‬ ‫ان��ه��ا كلها ب�شكل او ب ��آخ��ر‪ ،‬م��وج��ودة يف املفاهيم‬ ‫ال�سيا�سية الفكرية اال�سالمية‪ ،‬وهي خم�سة ‪-:‬‬ ‫‪ -1‬متثيلها لإرادة املجتمع‬ ‫‪ -2‬دولة القانون‬ ‫‪ -3‬انطالقها من نظام مدين يقوم على ا�سا�س‬ ‫ال�سالم و الت�سامح وق��ب��ول الآخ���ر و امل��ا���س��اواة يف‬ ‫احلقوق و الواجبات‬ ‫‪ -4‬قيامها على املواطنة‬ ‫‪ -5‬االلتزام بالدمقراطية‬ ‫بعد ذلك ي�أتي املفكر املغربي‪ ،‬للمقارنة و ذكر‬ ‫اال�صول الفكرية اال�سالمية‪ ،‬ثم يجزم بذلك‪� ،‬أي‬ ‫( ان مفهوم الدولة يف املفهوم اال�سالمي ال تتنافى يف‬ ‫�شيء مع الدولة املدنية بل ت�ؤ�س�س لها على خمتلف‬ ‫امل�ستويات‪..) 6‬‬ ‫خامتة‬ ‫ما ذكرناه يف ال�صفحات ال�سابقة هي قراءة لفكر‬ ‫�سعدالدين العثماين املفكر و ال�سيا�سي املغربي للدولة‬ ‫يف اال�سالم‪ ،‬مل نعلق عليها‪ ،‬بل اتينا بها كما هي‪ ،‬يل‬ ‫ر�أينا املالحظ يف بع�ض الفقرات‪ ،‬خا�صة يف احل�سم‬ ‫يف ق�ضية او اق�تران الدولة يف اال�سالم بالدولة‬ ‫املدنية لي�س نكران ًا للمبادئ‪ ،‬و �إمنا لأن مفهوم الدولة‬ ‫املدنية حديث قابل للتطور مبرور الزمن‪ ،‬لكن و مع‬ ‫هذا فان املقارنة التي قام بها العثماين‪ ،‬وهل هي كل‬ ‫ا�س�س الدولة املدنية ام بع�ض منها؟‪ ،‬رغم هذا فان‬ ‫امل�ضامني التي اوردها بني الفكرين �صحيحة ‪..‬‬ ‫و العثماين يعمل مع مفكرين �آخرين يف العامل‬ ‫اال���س�لام��ي على جت��دي��د م�ستمر متوا�صل للفكر‬ ‫اال�سالمي ليبقى ع�صريا يف كل وقت و حال و مكان‪..‬‬

‫‪� - 4‬ص‪ 43‬من الكتاب ‪..‬‬ ‫‪� - 5‬ص ‪.. 58‬‬

‫‪� - 6‬ص ‪ 69‬من الكتاب‬


‫واحة الوسطية‬

‫الشيخ اإلمام‬ ‫يوسف القرضاوى‬

‫يناجي ويبتهل‪..‬‬ ‫ي��������ارب ه�����ا ج�������س���م���ي ي�������ش���ي���خ ومي����ر�����ض‬ ‫و َّل���������ت ِ‬ ‫�����س����نُ����وع����م����ري ك�������ر�ؤي�������ا ن���ائ���م‬ ‫ودن����������ا ال�����رح�����ي�����ل ومل �أه������ي������ئ زاده‬

‫وال������وه������ن واف�����������اين ����س���ري���ع���ا ي���وف�������ض‬ ‫وم���������ض����ى ����ش���ب���اب���ي م����ث����ل ب�������رق ي���وم�������ض‬ ‫وخ������ي������ام �أي�������ام�������ي ت�����ك�����اد ُت����� َق����� َّو������ض‬

‫ك����ل ال���ن���ف���ائ�������س ق����د ت���ع���و����ض �إن ت�����ض��ع‬

‫وال���ع���م���ر ‪� -‬إن � َ��ض��ي��ع��تَ ‪ -‬ل��ي�����س ُي��ع � ّو���ض‬ ‫ه��������ي �����س����ن����ة هلل ل����ي���������س����ت ت���ن���ق�������ض‬

‫و�إذا �أت���������ى الأج�����������ل امل������ق������در وق���ت���ه‬

‫مل ي�����غ�����ن ع�����ن�����ك م����ط����ب����ب ومم�����ر������ض‬

‫م�������ايل وق�������د ف����رط����ت يف �أم����������ري ����س���وى‬

‫رب �إل�������������ى ن�����ف�����ح�����ات�����ه �أت�����ع�����ر������ض‬

‫م�����اك�����ان م�����ن ع�������ذر ل���ت���ق�������ص�ي�ري ����س���وى‬

‫ن���ف�������س ت����ق����اد �إل�������ى اجل�����ن�����ان ف��� ُت���ع���ر����ض‬

‫ك���������س����لَ����ى ع�������ن اخل����ي����ر ج�������د ث���ق���ي���ل���ة‬

‫وه�����ي اجل��������واد �إل������ى ال���ب���ط���ال���ة َي��رك�����ض‬

‫ن������ام������ت و�أه��������������ل اجل���������د ق������������وام ومل‬

‫ت���ن���ف�������ض غ����ب����ار ال�����ن�����وم ف���ي���م���ا ُي��� ْن���ف�������ض‬

‫ي��������ارب يف الأول�����������ى �����س��ت�رت ن��ق��ائ�����ص��ي‬

‫مت �����س��ت�رك ي������وم ع����ن����دك �أع����ر�����ض‬ ‫ف����������أ َّ‬

‫م�����ايل �����س����واك �إذا اخل����ط����وب ت��ف��اق��م��ت‬

‫�أم���������ري �إل�����ي�����ك ع���ل���ى ال����������داوم م��ف��و���ض‬

‫ل�������وك�������ان يل رب ��������س�������واك رج�����وت�����ه‬

‫ف���ل���م���ن �أم��������د ي�������دي وم�������ن �أ����س���ت���ق���ر����ض‬

‫رب����������اه �إن ر�������ض������اك غ�����اي�����ة م��ط��ل��ب��ي‬

‫م����ا �����ض����رين ����س���خ���ط ال��ب�ري����ة �أم ر����ض���وا‬

‫وارف����������ع م����ك����اين رب ع����ن����دك ب��ال��ت��ق��ى‬

‫م������ن ت�����رف�����ع ال����ل����ه����م م������ن ذا ي��خ��ف�����ض‬

‫����ي ع�����ط�����اء رب ب���ا����س���ط‬ ‫واب���������س����ط ع�����ل� ّ‬

‫َب��������� ٍّر‪ ،‬ف���������إن ت���ب�������س���ط ف���م���ن ذا ي��ق��ب�����ض‬

‫م����اب����ع����د ن�������ض���ج ال����������زرع غ��ي��ر ح�������ص���اده‬

‫�آت����ي����ت����ن����ي ال��������ق��������ر�آن ف���ان���ف���ع���ن���ي ب��ه‬

‫و�أق������������م ب������ه يل ح����ج����ة ال ت���دح�������ض‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪103‬‬


‫ب����ي���������ض ب�������ه وج������ه������ي ب������ي������وم ق�������ادم‬

‫ف�����ي�����ه ال��������وج��������وه م�����������س�����ود وم���ب���ي�������ض‬

‫ي����اخ��ي�ر م�����ن �أع�����ط�����ى و�أك����������رم م�����ن ع��ف��ا‬

‫و�إذا دع�����������اه م������ذن������ب ال ي���ع���ر����ض‬

‫رب ا�����س����م����ك ال����غ����ف����ار ف����اع����ف ت���ك���رم���ا‬ ‫�أن��������تَ ال�������ذي �أك���رم���ت���ن���ي م����ن����ذُ‬ ‫ال�����ص��ب��ا‬ ‫ّ‬

‫ي������دع������وك م���ك�������س���ور اجل������ن������اح م��ه��ي�����ض‬ ‫ورع����ي����ت����ن����ي‪ ،‬واخل����ي���ر م����ن� َ‬ ‫���ك م���ق��� َّي����� ُ��ض‬ ‫ووه���ب���ت���ن���ي ف�������ض� ً‬ ‫���ر�� ُ���ض‬ ‫ل�ا ي����ط����ولُ وي����ع� ُ‬ ‫� َّإن امل����ح���� ّب� َ‬ ‫���ة ب���ال���ع�������ص���ا ال ُت���ف���ر�� ُ��ض‬

‫����دي�����ن م���ن���ذ ح��داث��ت��ي‬ ‫وغ���ر����س���ت���ن���ي يف ال� ّ‬ ‫��������ب الأن��������������ا ِم ت���ف���� ُ���ض� ً‬ ‫ل�ا‬ ‫ورزق�����ت�����ن�����ي ح� َّ‬

‫وغ���م���رت���ن���ي ب���ال���ف�������ض���ل م����ن ق������رين �إل����ى‬ ‫مت ب����ال����غ����ف����ران ف�������ض���ل� َ‬ ‫���ر�����ض����ا‬ ‫ف����������أ َّ‬ ‫��ك وال� ِّ‬

‫واح�������ش���رين يف رك����ب احل��ب��ي��ب امل�����ص��ط��ف��ى‬

‫إخ���ل��ا�������ص ح���� ّت����ى ال �أرى‬ ‫وارزق������ن������ي ال‬ ‫َ‬ ‫���ة ُع�����ل�����و ّي� ٍ‬ ‫�����ي ب����ن����ف����ح� ٍ‬ ‫����ة‬ ‫وام�����ن�����ن ع������ل� ّ‬

‫لأظ���������لَّ ال�����س����م� َ‬ ‫���ك ذاك�����������ر ًا وم�������س��� ّب���ح��� ًا‬ ‫و�أع�����ي������� َ����ش ي�����ا ر ّب��������ي ل����دي���� ِن� َ‬ ‫���ك داع����ي���� ًا‬

‫ي�����ا م�����ن ل�����ه ت����ع����ن����وال����وج����وه وت��خ�����ش��ع‬ ‫�أع������ن������و�إل������ي������ك ب���ج���ب���ه���ة مل �أح����ن����ه����ا‬

‫�إال وك������ ّل������ي يف ر��������ض� َ‬ ‫�������ض‬ ‫������اك‬ ‫مم���ح ُ‬ ‫َّ‬ ‫�أ�����ش����ف����ى ب���ه���ا م�����ن ك������لِّ داءٍ يمُ ����ر�� ُ���ض‬ ‫ك���ي �أُرت�������ض���ى ف��ي��م��ن ل���دي� َ‬ ‫��ك ق���د ارتُ�����ض��وا‬ ‫م����ا دام ب����ي ن����ف������ ٌ���س‪ ،‬وع��������رقٌ ي��ن��ب���� ُ�ض‬ ‫ولأم����������������ره ك���������لّ اخل���ل���ائ�������ق ت���خ�������ض���ع‬ ‫����رع‬ ‫�إ ّال ل����وج����ه����ك ������س�����اج�����دا �أت�����������ض� ّ‬ ‫ي�����وم�����ا ل����غ��ي�ر �������س�������ؤال ف�������ض���ل���ك ت���رف���ع‬

‫������ف ذلّ مل ت��ك��ن‬ ‫و�إل������ي������ك �أب���������س����ط ك� ّ‬ ‫�أن������ا م����ن ع��ل��م��ت امل����ذن����ب ال���ع���ا����ص���ي ال����ذي‬

‫ع����ظ����م����ت خ�����ط�����اي�����اه ف������ج������اءك ي���ه���رع‬

‫ف�����رط�����ت ف���ي���ه���ا م�������س���رف���ا‬ ‫ك�����م �����س����اع����ة ّ‬

‫و�أ������ض�����ع�����ت�����ه�����ا يف زائ������������ل ال ي���ن���ف���ع‬

‫���������ت ل����ي����ل����ي ك������لّ������ه م���ت���ث���اق�ل�ا‬ ‫ك��������م ب� ّ‬ ‫‪104‬‬

‫���������دقٌ �أوم����غ����م������ ُ���ض‬ ‫ق�����دم�����ي‪ ،‬ي��������راه حم� ّ‬ ‫م���ن ذاق ح����ل���� َو َك مل ي���طُ ���ق م���ا ي��ح� ُ�م���� ُ�ض‬ ‫َ‬ ‫دي����ن����ك ب�� ّي�����ض��وا‬ ‫وم������ع ال����ذي����ن ل����وج����ه‬

‫وذووال�������� ّت��������ق��������ى ح��������ويل ق�����ي�����ام ركّ������ع‬

‫ين ����ش���ي���ط���ان ال���ك���رى‬ ‫ك�����م ب������ال يف �أذ ّ‬ ‫ك����م ز ّي����ن����ت يل ال��� ّن���ف�������س �����س����وء ف��ع��ال��ه��ا‬

‫ف�����������إذا ال������ ّ���ص����ب����اح ع����ل����ى ن�����������ؤوم ي��ط��ل��ع‬

‫ك����م و����س���و����س اخل��� ّن���ا����س يف �����ص����دري ف��ل��م‬

‫ف����أط���ع���ت���ه���ا ����ض���ع���ف���ا ‪ ,‬وب���ئ�������س ال���ط��� ّي���ع‬ ‫ي�����ج�����د ال�����������ذي ي����ع����ل����وق����ف����ا وي�������ص���ف���ع‬

‫ك�����م �أق������������ر�أ الآي������������ات ل����ون����زل����ت ع��ل��ى‬

‫ت���ت�������ص���دع‬ ‫������ش�����م اجل������ب������ال ر�أي������ت������ه������ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫م��������ايل �أر ّدد وع������ده������ا ووع����ي����ده����ا‬

‫رق ق���ل���ب���ي �أوج�������������رى يل م���دم���ع‬ ‫م������ا ّ‬ ‫ف��م�����ض��ت ك���م���ا مي�������ض���ي اجل��������واد امل�������س���رع‬

‫���ح����ق ح���ي��ن ت���رك���ت���ن���ي‬ ‫�أي����ق����ظ����ت����ه����ا ل����ل�‬ ‫ّ‬

‫����دن�����ي�����ا �أت������ي������ه و�أرت���������ع‬ ‫يف غ���ف���ل���ة ال� ّ‬

‫ي����ا ح�������س���رت���ا ! �أع������ظ الأن���������ام ‪,‬ف��ل��ي��ت��ن��ي‬

‫ن��ف�����س��ي وع���ظ���ت ‪ ,‬ف���وع���ظ ن��ف�����س��ي �أن���ف���ع‬

‫رب ح���ك���م���ت���ك اق���ت�������ض���ت���ن���ي م��ذن��ب��ا‬ ‫ي�����ا ّ‬

‫لأج����������يء ب�����اب�����ك �أ�����س����ت����ج��ي�ر و�أ������ض�����رع‬

‫ك������م م������ن ن����ف����و�����س ب����ال����ه����دى ذ ّك����رت����ه����ا‬


‫ف����ت���رى ع����ب����ي����دك ت����ائ����ب����ا م�������س���ت���غ���ف���را‬

‫و�أراك غ�������� ّف��������ارا ل������ذن������ب ي���ف���ظ���ع‬

‫�أن����ا �إن ع�صيتك ف����ذاك م��ن نق�صي ‪ ,‬وم��ن‬

‫غ��ي��ر الإل����������ه ل�����ه ال����ك����م����ال الأرف������������ع ؟‬

‫رب �أن���������ت خ���ل���ق���ت���ن���ي م������ن ط��ي��ن��ة‬ ‫ي������ا ّ‬ ‫ل����������وال ه�������������داك ون�����ف�����خ�����ة ع�����ل�����و ّي�����ة‬ ‫ّت����راب ت���ر ّف���ع���ا‬ ‫ف���ب���ه���ا �أ������ص�����ول ع���ل���ى ال����� رّ‬

‫وم�������ن ال���������ذي لأ������ص�����ول�����ه ال ي�����ن�����زع ؟!‬

‫���دة‬ ‫ال������ط���ي��ن ي����ج����ذب����ن����ي �إل�������ي�������ه ب���������ش� ّ‬

‫�أودع������ت������ه������ا روح����������ي ل�����ك�����ان امل���������ص����رع‬ ‫وب����ه����ا �أح������ ّل������ق ح��ي��ن ت�������ص���ف���والأ����ض���ل���ع‬ ‫وال������������روح ت�������ص���ع���دين �إل�����ي�����ك وت����رف����ع‬

‫ف���������إذا ارت���ق���ي���ت �إل�������ى ر�����ض����اك ف��غ��اي��ت��ي‬

‫و�إذا ه����ب����ط����ت ف�����دائ�����م�����ا �أت�����ط����� ّل�����ع‬

‫ه�����واالب�����ت��ل��اء ‪ ,‬ع���ل���ي���ه ق������ام وج����ودن����ا‬ ‫ب����ال���������ش����ه����وات ح����� ّف�����ت ف��ت��ن��ة‬ ‫ال������� ّن�������ار‬ ‫ّ‬

‫وب����������ه ن������ه������ ّي�������أ ل�����ل�����خ�����ل�����ود ون�������ص���ن���ع‬

‫�����ج������ار ول����ي����ت����م���� ّت����ع����وا‬ ‫ف����ل����ي����م����رح ال������ف� ّ‬

‫�أ ّم�������������ا اجل�������ن�������ان ف�������إ ّن������ه������ا حم���ف���وف���ة‬

‫مب������ك������اره ت�����دم�����ي ال��������ف���������ؤاد وت����وج����ع‬

‫وال����������دي����������ار ب���ع���ي���دة‬ ‫ال����������������زّ اد ق���������لّ‬ ‫ّ‬ ‫وه�����ن�����اك ق�����طّ �����اع ال�����طّ �����ري�����ق ط���وائ���ف���ا‬

‫�����رف������ي������ق م�������ض��� ّي���ع‬ ‫ال����ظ����ه����ر ي���������ض����و‪ ,‬وال� ّ‬

‫�����ش���� ّت����ى ‪,‬ت���������ض����لّ ع�����ن امل����������راد وت���ق���ط���ع‬

‫�إب����ل����ي���������س ي����غ����وي وال������ه������وى �����ش����رك ل��ه‬

‫وال���ع���ي�������ش ي����غ����ري ‪ ,‬والأم�����������اين ت���خ���دع‬

‫وه�������ن�������اك ق�������طّ �������اع ع������ت������اة �أع�����ل�����ن�����وا‬

‫ح����رب����ا ت���خ���ي���ف ال������ ّ���س����ائ����ري����ن وت����ف����زع‬

‫ج���������ر�ؤوا ع���ل���ي���ك و�أن��������ت حت���ل���م ع��ن��ه��م��و!‬

‫ول������ك������لّ ������ش�����يء ع����ن����د ر ّب����������ي م���رج���ع‬

‫ه�������ذي ال�����ط�����ري�����ق ‪ ,‬و�إنّ�������ه�������ا مل���خ���وف���ة‬

‫رب اه������دين و�أع��������ن ع�����س��ى ال �أق����ط����ع !‬ ‫ّ‬

‫رب ع����ب����دك ع����ن����د ب����اب����ك واق�����ف‬ ‫ي�����ا ّ‬ ‫ف�����إذاخ���������ش����ي����ت ف���ق���د ع�����ص��ي��ت��ك ج���اه�ل�ا‬

‫ي�����دع�����وك دع��������وة م�����ن ي����خ����اف وي��ط��م��ع‬

‫��رط���ا‬ ‫ي����ا ّ‬ ‫رب �إن �أك يف احل����ق����وق م���ف� ّ‬ ‫ب��ي��ن اجل������وان������ح خ����اف����ق ي����ه����وى ال���ت���ق���ى‬

‫و�إذا رج��������وت ف����������� ّإن ع����ف����وك �أو�����س����ع‬ ‫ف��ل���أن�����ت �أب���������ص����ر ب����ال����ق����ل����وب و�أ�����س����م����ع‬ ‫وي�������ض���ي���ق ك�����ره�����ا ب�����ال�����ذن�����وب وي����ج����زع‬ ‫م�������ن ذك���������ر ر ّب�����������ي ف�����ه�����ي ب���������ور ب���ل���ق���ع‬

‫���ب ذك������رك ‪ ,‬وال����ق����ل����وب �إذا خ��ل��ت‬ ‫وي����ح� ّ‬ ‫ول�����ك�����م ذك�����رت�����ك خ����ال����ي����ا ف���وج���دت���ن���ي‬

‫وال����ق����ل����ب يف وج�������ل ‪ ,‬وع����ي����ن����ي ت���دم���ع‬

‫مم��������ن دع������وا‬ ‫ه������ل يل رج���������اء �إ ّن�������ن�������ي ّ‬

‫ي��وم��ا �إل���ي���ك وق����ال ‪ :‬ت���وب���وا وارج����ع����وا ؟!‬

‫وح���م���ل���ت م�������ص���ب���اح ال����ه����داي����ة م���ر����ش���دا‬

‫�أه�������ن�������اك ك������ال������ق������ر�آن ن��������ور ي�����س��ط��ع‬

‫وم�����ش��ي��ت يف رك�����ب ال����ه����داة ‪ ,‬و�إن �أك����ن‬

‫�أب����ط�����أت يف ط��ل��ب ال���ك���م���ال و�أ�����س����رع����وا !‬

‫ح�������س���ب���ي �أح����� ّب�����ه�����م و�أق����ف����وخ����ط����وه����م‬

‫������ب الأك�������اب�������ر ي�����ش��ف��ع‬ ‫ول�����ك�����م �أرى ح� ّ‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالث والثالثون ‪ -‬ربيع الآخر ‪1440‬هـ ‪/‬كانون الأول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪105‬‬





Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.