افتتاحية العدد . . (اإلدانة الظالمة) املهند�س مروان الفاعوري وي�ستمر فعلنا الفكري والثقايف يف ت�صاعد م�ستمر وال يتوقف ،لأن��ه ي�أتي م� ّ�رة �إ�ست�شعار ًا حلالة فكرية و�سيا�سية واقت�صادية واجتماعية ما ،ي�ستلزم معها الواقع العام طرح ًا معاجل ًا خللل هنا� ،أو دعم ملوقف �إيجابي هناك ،مثلما ي�أتي كذلك كر ّدة فعل ملا تنتجه مطابخ ال�سيا�سات الإيديولوجية العاملية التي ت�أتينا كل يوم بتو�صيف ما ،حول واقعنا ال�سيا�سي �أو الإقت�صادي �أو الإجتماعي �أو الثقايف �أوغريه. ولعل هذا ميهد ملا �أود طرحه من فكرة حول عنوان عري�ض �شكل منهجية عمل لكثري من الدول وامل�ؤ�س�سات، �إنه (جتفيف منابع الإره��اب) بغ�ض النظر عن كل ما يلت�صق بهذا العنوان ،خري ًا كان �أم �شراً� ،إذ تبني لدى اجلميع �أن م�صطلح حم��ارب��ة الإره����اب وجتفيفه مل يتوقف عند الإره��اب احلقيقي ال��ذي يعرفه اجلميع، تعدى ذلك �إلى وعانت منه دول و�شعوب و�أف���راد ،بل ّ تو�صيفات عدة للإرهاب� ،أو لنقل تو�سع ًا يف تو�صيف الإره��اب املُمار�س من قبل بع�ض امل�سلمني ليكون �صفة ً وثقافة و�سلوكاً ،وبحيث ين�سحب مالزمة للإ�سالم فكر ًا ذلك التو�صيف لي�شمل املعتقدات والعبادات واملعامالت والأخالق العامة والفكر والثقافة ،وكل ما ينبثق عنهما، و�صو ًال �إلى �إ�شهار الإ�سالم بر ّمته على �أنه دين �إرهابي و�أتباعه �إرهابيون بامتياز !!! املتحجر من قبل الكثري من �إن هذا املوقف الظامل ّ �أعداء الإ�سالم �أ�س�س حلالة من ال�شعور باملظلومية عند كثري من امل�سلمني ،نتيجة �إتهام الإ�سالم بالإرهاب ،و�أن ً وثقافة و�سلوك ًا و�أتباعاً، الإ�سالم بر ّمته عقيدة وفكر ًا م�صدر ل�ل�إره��اب العاملي ،فنال ذل��ك املوقف من الفكر الإ�سالمي الو�سطي الذي يج�سد الإ�سالم روح ًا ومعنى، مثلما يج�سده �سلوك ًا يومي ًا وواق��ع� ًا معا�شاً ،مل تلوث �صورته احلقيقية مبثل ما جرى له يف هذه ال�سنوات العجاف ،التي �أرادت �إل�صاق الإ�سالم بالإرهاب وت�شكيل كل قوى الرف�ض التي تعمل على ت�ضييق نوافذه نحو العامل الآخر و�إغالقها ،بعدما ر�أوا �أنه يتقدم بخطى واثقة غري �آبه مبا يحاك له من �أعدائه� ،أو مبا ُي�صاب وجنب ،يدفعهم �إلى تبني به �أبنا�ؤه من خذالن وتراجع ُ بع�ض ًا من م�شاريع حماربته يقدمونها قربان ًا لنيل ر�ضا ال�سادة من دول ذات �سطوة ،وال ينفع معها �إ ّال �إعالن الوقوف مع تلك الدول املعادية للإ�سالم عالنية للأ�سف.
ولذلك جند �أن قريحة من يدعون حماربة الإرهاب قد تفتحت �أك�ثر ف�أكرث ل�ترى �أن دور ال��ق��ر�آن الكرمي التي تبذل جهود ًا كبرية يف ا�ستح�ضار القر�آن الكرمي يف فكر اجليل وثقافته و�سلوكه وتهذيبه �إمنا هي منبع من منابع الإرهاب ويدعون �إلى جتفيف ذلك املنبع بقطع الدعم عنها وت�ضييق حرية العمل ومراقبتها بطريقة ا�ستفزازية ،حتى جترب على الإغالق. وال يتوقف الأمر عند دور القر�آن الكرمي بل يتعداه �إل��ى الت�شكيك باحلديث النبوي ال�شريف ومذاهبه ومدار�سه ومعاهد تدري�سه والقائمني عليها ،واعتبارها منبع ًا �آخ��ر من منابع الإره��اب ،ويجب �إغالقها ب�شتى الو�سائل والطرق ،ويف ذلك ت�ضييق على دائ��رة الفهم اخلا�صة بالقر�آن الكرمي� ،إذ بفهم احلديث وا�ستيعابه تف�سر الآيات وت�ستلخ�ص الأحكام وجت�سد املعاين. ومل يتوقف الأمر عند هذه املفا�صل بل تعداها �إلى �أم��ر امل�ساجد وكيفية انفتاحها على جمتمعها املحلي واملطالبة ب�إلغاء دوره��ا الدعوي والإكتفاء بفتحها خالل �أوقات ال�صالة فقط ،الأمر الذي يبعدها تدريجي ًا عن تربية اجليل وتوجيهه وتن�شئته وف��ق �ضوابط �أخالقية ودينية. ويف خ�ضم احلرب على املذاهب الإ�سالمية الرا�شدة و�أتباعها من العلماء الذين ق��ادوا الأم��ة يف مراحل وف�ت�رات �أ���ش��د �صعوبة وظُ لمة ينهد املنتدى العاملي للو�سطية ،ومب��ا ميتلك من ر�ؤي��ة وفل�سفة متقدمة يف الطرح والو�سائل والآليات ل�صياغة الرد الأمثل على تلك القوى مهما كانت مرجعياتها ،وليكون لها باملر�صاد ،من خالل ما يعقد من م�ؤمترات وندوات وحما�ضراتُ ،يدعى لها �أ�صحاب ال��ر�أي و�ص ّناع القرار ال�سيا�سي والفكري، لإيجاد قناعة م�شرتكة لدى اجلميع ،تقوم على تو�ضيح �صورة الإ�سالم كما جاء بها الأنبياء وخامتهم حممد �صلى اهلل وعليه و�سلم ،و�سار عليها اخللفاء الرا�شدون من بعده ،من �أجل الوقوف يف وجه كل من ي�شكك بالإ�سالم وفكره ،والوقوف كذلك �ضد من ي�ش ّوه �صورته من �أبنائه و�أتباعه للو�صول �إلى حالة من الإ ّتزان املطلوب الذي يتحقق معه ويف ظله مظاهر العي�ش امل�شرتك الذي يحقق البقاء والتقدم للجميع يف ظل منهج رباين ي�ستقيم وقوله تعالى} :لكم دينكم ويل دين{.
محتويات العدد االفتتاحية
�أخبار الو�سطية
زيارة دولة الأ�ستاذ الدكتور �أحمد داود �أُوغلو رئي�س وزراء تركيا الأ�سبق
4
البيان اخلتامي لندوة من �أعالم الإ�صالح والتجديد :ابن عا�شور وحممد حبيب العبيدي
7
املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك يف م�ؤمتر الوحدة الإ�سالمية يف مكة املكرمة املنتدى ي�شارك يف م�ؤمتر دويل(الإعتدال الديني وال�سيا�سي و�أثره يف تعزيز التنمية املجتمعية) ال�سالم ".يف جامعة الأنبار يف العراق وحتت �شعار " الإعتدال يف اخلطاب طريقنا �إلى ّ ندوة الإنتماء الى املجتمع اجلامعة الأردنية
8
14
معر�ض املنظمات الأهلية الثالث ا�سطنبول
15
م�ؤمتر �صالح الدين الأيوبي الإن�سان والقائد وموجه التاريخ "ال�سليمانية
16
املنتدى العاملي للو�سطية ينظم ندوة حوارية بعنوان :من جتليات الو�سطية :الرت�شيد
18
ِ مق�صد ال�سالم يف �شريعة الإ�سالم دور و�سائل الإعالم يف ن�شر ثقافة الرت�شيد دور منظمات املجتمع املدين يف حماربة التطرف
درا�سات
اجلودة ال�شاملة يف الفكر الإ�سالمي �آليات تربوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة مالمح االعتدال والو�سطية يف اخلطـــاب الفقهي املعا�صر للمر�أة عاملية الإ�سالم ..والعلمانية املذهبية
لقاءات
دور الأَئمة يف املجتمع املعا�صر احلرية يف اال�سالم ت�أمالت تربوية يف �سورة ال�ضحى توظيف الإبداع يف الفعاليات االقت�صادية مطلب �شرعي ا�س القَطْ رِ ِعبرْ َ ةٌ فيِ ان ِْح َب ِ قراءة يف ال�سلم االنتماء للأمة والوطن يف رحاب جامعة الأنبار �س�ؤال الدولة اال�سالمية و مفهومها يف فكر �سعدالدين العثماين
واحة الو�سطية
12
د� .أحمد الري�سوين الدكتور حممد طالب عبيدات �أ.د� .أمني م�شاقبة دكتور �سهم �سامي املجايل د� .إن�صاف �أيوب املومني د .خولة حمد خلف الزيدي ال�شيخ عبد املجيد ابو �سل
ال�شيخ الإمام يو�سف القر�ضاوى يناجي ويبتهل..
20 33 36 39 47 60 70 73
لقاء املهند�س مروان الفاعوري مع �صحيفةالد�ستور الأردنية الو�سط ّيةُ لي�ست �أ�سو َد و� َ أبي�ض فقط ْ
مقاالت
م .مروان الفاعوري
1
د� .أبو جرة �سلطاين �أ .جمال ال�سفرتي �أ .حممد الع�ضايلة �أ .د .داود عبدامللك احلدابي �أ .د .قي�صر عبد الكرمي الهيتي عدنان عبيدات د .عبد احلميد القطيطات الدكتور �سليمان الرطروط د .ح�سن علي املبي�ضني �شريوان ال�شمرياين
79 81 84 86 88 90 93 94 96 98 101
الهيئة االستش�ارية للمجلة الإمام ال�صادق املهدي/ال�سودان الدكتور �سعد الدين العثماين /املغرب معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي /الأردن معايل الدكتور عبد الرحيم العكور /الأردن الدكتور عبد الفتاح مورو/تون�س الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل/ال�سودان الدكتور حممد طالبي/املغرب الدكتور حممد زاهد جول/تركيا الدكتور عبد الإله ميقاتي /لبنان الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين /اجلزائر
السنة العاشرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع اآلخر 1440هـ /كانون األول ٢٠١8م
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الأ�ستاذ منت�صر الزيات/م�صر الدكتور حممد حب�ش�/سوريا الدكتور زيد املحي�سن/الأردن
هيـئـة التـحريـر املهند�س مروان الفاعوري الدكتور حممد احلاج الدكتور زهاء الدين عبيدات الدكتور �سليمان الرطروط الدكتور علي احلجاحجة الدكتور زيد املحي�سن
تصدر عن المنتدى العالمي للوسطية
المشرف العام الدكتور ح�سن علي املبي�ضني
تصميم وإخراج
تحت رقم ايداع
د2018/708/
ب�����ل�����ال امل����ل���اح 0799160136
عمان المملكة األردنية الهاشمية ّ -
المراسالت املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع
عمان 11941األردن هاتف - 5356329 :فاكس - 5356349:ص.بّ 1241 : E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net
أخبار الوسطية
زيارة دولة األستاذ الدكتور أحمد داود ُأوغلو رئيس وزراء تركيا األسبق
6
بدعوة كرمية من املهند�س م��روان الفاعوري الأم�ين العام للمنتدى العاملي للو�سطية قام دولة الأ�ستاذ الدكتور �أحمد داود اوغلو بزيارة الى االردن ترافقه زوجته وابنته ،وخالل هذه الزيارة مت �إع��داد برنامج تف�صيلي لها حيث كان الو�صول يوم 11/18ال�ساعة الثالثة فجر ًا فقد ا�ستقبل ال�ضيف ك��ل م��ن الأم�ي�ن ال��ع��ام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري ومعايل الدكتور حممد احلاليقة والدكتور زيد �أحمد املحي�سن ،وقد ت�شرف مبقابلة جاللة امللك عبد اهلل الثاين ابن احل�سني ومبعية الأمني العام للمنتدى ،ويف امل�ساء يف متام ال�ساعة ال�ساد�سة م�ساء القى الدكتور اوغلو حما�ضرة يف مدينة احل�سني لل�شباب بعنوان "م�ستقبل املنطقة يف �ضوء التحديات الراهنة " وقد ح�ضر املحا�ضرة ع��دد كبري م��ن ال�شخ�صيات ال��وازن��ة يف الأردن من ر�ؤ�ساء ال��وزارات وال��وزراء والأعيان والنواب و�أ�ساتذة اجلامعات وع��دد من ر�ؤ���س��اء الفعاليات الر�سمية وال�شعبية واحلزبية.
وق��د الق��ت املحا�ضرة �أه��م��ي� ً�ة يف ال�صحف وامل��ج�لات وامل��واق��ع الإلكرتونية وعلى �أث��ر ذلك قامت �صحيفة الر�أي ب�إجراء لقاء مطول مع دولة ال��دك��ت��ور �أوغ��ل��و ت�ضمنت جم��ري��ات الأح����داث يف املنطقة وانعكا�ساتها على ال�سالم والإ�ستقرار يف الإقليم ،ويف اليوم الثاين من الزيارة قام مبقابلة دولة رئي�س ال��وزراء الدكتور عمر ال��رزاز وكذلك رئي�س جمل�س الأعيان دولة الأ�ستاذ في�صل الفايز. ويف امل�ساء �أق��ام ال�سفري الرتكي يف عمان حفل ع�شاء على �شرف ال�ضيف ح�ضر اللقاء دولة الدكتور عون اخل�صاونة ودولة طاهر امل�صري ودولة الدكتور عبد اهلل الن�سور ،ومن املنتدى الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري ومعايل الدكتور حممد احلاليقة ومعايل ال�شيخ عبد الرحيم العكور والدكتور زيد املحي�سن والدكتور عبد الرحيم معايعة وال�سيد احمد اجلغبري. ويف اليوم الثالث للزيارة قام بزيارة �سياحية ال��ى ال��ب�تراء والبحر امليت ل�ل�إط�لاع على معامل
املدينة الأثرية الوردية وغادر الأردن يوم الأربعاء فجر ًا عائد ًا الى بالده. كرم من قبل رابطة كتاب وخالل زيارة ال�ضيف ّ التجديد �أحد �أذرع املنتدى العاملي للو�سطية بدرع و�شهادة فخرية لع�ضوية املنتدى وميدالية املنتدى. قدمها دولة الأ�ستاذ ت�أتي �أهمية املحا�ضرة التي ّ ً ً �أحمد داود �أوغلو من كونها متثل نتاجا فكريا ذا ر�ؤي��ة م�ستقبلية ل�شخ�ص م� ّ�ر بتجارب عميقة يف العمل الأكادميي واحلزبي وال�سيا�سي و�شغل مواقع مهمة ع� ّ�دة يف دول��ة ذات ت�أثري كبري على م�ستوى الإقليم والعامل بحيث يلحظ كل متابع لها �أن ما ي�صدر عن ال��رج��ل ال ميثل وجهة نظر �شخ�صية فقط بقدر ما ميثل �سيا�سة تركيا و�إ�سرتاتيجيتها قدمي ًا وحديث ًا وم�ستقب ًال وبحيث يرى املتابع �أي�ض ًا �أن ما ينتظره املرء من �أحداث �سيا�سية ال تخرج عن �سياق التوقعات ال�سيا�سية الرتكية التي تن�سجم مع �سيا�ستها حين ًا وتختلف عنها �أحيان ًا �أخرى ،الأمر ال��ذي جعل من املحا�ضرة در�س ًا �سيا�سي ًا مميز ًا يف درا�سة املا�ضي واحلا�ضر ور�ؤية ا�سرتاتيجية كذلك يف ا�ست�شراف امل�ستقبل وخا�صة فيما يتعلق بالداخل ال�ترك��ي ودول اجل����وار ذات امل�����ش��اك��ل الداخلية والإقليمية ،الأم���ر ال��ذي يجعل م��ن �أي معادلة �سيا�سية حلل �أزمة ما يف هذه الدولة �أو تلك من دول اجلوار ،معادلة تركية كذلك ،الرتباط جميع دول اجل��وار الرتكي بعالقات وم�صالح متبادلة ال ميكن
جتاوزها عن طرح �أي م�شروع �سيا�سي ي�ستهدف حل النزاع يف هذه الدولة �أو تلك. كما �أن املتابع ملجريات الق�ضية الفل�سطينية والقد�س حتديد ًا يرى م�ستقبل هذه الق�ضية لي�س بعيد ًا عن الوجود الرتكي ب�شكل �أو ب�آخر ذلك �أن الق�ضية الفل�سطينية والقد�س يف مقدمتها حتتل مكان ًا ب���ارز ًا يف ال�سيا�سة الداخلية واخلارجية الرتكية و�أي حل لهذه الق�ضية ال ين�سجم مع الر�ؤية الرتكية حول قدا�سة القد�س وعدالة ق�ضيتها هو حل مرفو�ض لأن تركيا ت�ضع نف�سها يف خط الدفاع الأول عن القد�س واملقد�سات ،الأم��ر ال��ذي يزعج �أي طرف �إقليمي يريد الت�ساهل يف ق�ضية القد�س من �أجل �إمت��ام �صفقة ما ،وهذا من �ش�أنه �أن يعمق الإمتداد الإ�سالمي لق�ضية القد�س يف نفو�س امل�سلمني عرب ًا و�أتراك ًا وغريهم. �أما ما يتعلق بالتطورات ذات البعد االقت�صادي فريى كثري من املحللني �أن حما�ضرة كهذه ت�أتي لت�ؤكد للجميع �أن هناك عمق ًا �إ�سرتاتيجي ًا �إقت�صادي ًا على العرب جميع ًا �إ�ستثماره �إ�ستثمار ًا وا�ضح ًا لتحقيق الفائدة املرج ّوة للطرفني خا�صة �إذا علمنا �أن كثري ًا من امل�ستثمرين العرب ب���د�أوا ب�إقامة م�شاريعهم الإقت�صادية يف تركيا للإ�ستفادة من الإمتيازات املمنوحة للم�ستثمرين هناك.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
7
8
ولعل ما يبعث الأمل يف نفو�س املفكرين واملثقفني املتابعني للمحا�ضرة تلك ،ي��درك حجم التفا�ؤل ال��ذي ينبغي على اجلميع ا�ستح�ضاره ونحن نرى �إقبا ًال متزايد ًا على درا�سة اللغة الرتكية مثلما ن��رى �إق��ب��ا ًال مم��اث� ً لا �أو يزيد على درا���س��ة اللغة العربية الأم���ر ال��ذي ين�شر بفهم �أو���س��ع للقر�آن وال�سنة من قبل ال�شعب الرتكي مثلما ين�شر بانفتاح �أكرب للإ�سالم وامل�سلمني نحو �أوروب��ا� ،إذ �أن تركيا هي بوابة الدخول نحو �أوروب��ا باتت �أكرث قناعة ب�ضرورة تدري�س اللغة العربية يف مدار�س اجلالية يف دولة مثل �أملانيا مث ًال. �إن حما�ضرة كهذه مهدت لت�أ�صيل قناعة م�شرتكة لدى املنتدى العاملي للو�سطية والدول ذات الت�أثري الإقليمي الكبري مثل تركيا ب�أن �سيا�سة الو�سطية والإع���ت���دال وال��ت��وازن ه��ي الكفيلة بحل جميع الق�ضايا املعلقة على طاولة املفاو�ضات مثلما ي�شكل الفكر الو�سطي بدي ًال عند اجلميع ،لهذا الفكر املتطرف ال��ذي بات ينخر يف ج�سد الأم��ة ويقدم ً وثقافة و�سلوك ًا نف�سه وك�أنه الإ�سالم ال�شامل فكر ًا وهو من الإ�سالم براء. �إن �إمي��ان رجل بحجم �أوغلو �سيا�سي ًا باملنتدى العاملي للو�سطية وبطروحاته الفكرية ميهد ملزيد من الثقة املتبادلة بحيث يكون املنتدى معها يبث خربة فكرية و�سيا�سية وثقافية كذلك. من هنا ي�ؤمن القائمون على املنتدى ب�ضرورة ا�ستمرار العمل �ضمن الر�ؤية الإ�سالمية املعتدلة املتوازنة التي حتقق التوا�صل واحل��وار مع جميع �أط��راف املعادلة ال�سيا�سية الإقليمية ومبا يخدم امل�صالح العليا ل�ل�أم��ة وت��ع��زز وح��دت��ه��ا ويحقق للمنتدى ح�ضوره الإقليمي وال��دويل م�ؤمن ًا كذلك بدور الأطراف الأخرى يف دعم ذلك التوجه. حتليل لأهمية الزيارة: ت�أتي �أهمية زيارة الدكتور احمد داود اوغلو لعمان و�سط عدد من التحديات الكبرية واخلطرية التي تواجه منطقة ال�شرق الأو���س��ط من ناحية الأمن والإ�ستقرار. و�إن احل�ضور ال�سيا�سي املتميز من �أربعة ر�ؤ�ساء وزارات كذلك بع�ض الأعيان والنواب وعدد من ر�ؤ�ساء الأح��زاب وال�شخ�صيات ال�سيا�سية والإجتماعية
والثقافية له داللة كبرية على �أهمية هذا املفكر الإ�سرتاتيجي و�أهمية الإ�ستماع اليه ،وقد ي�ساهم ب�شكل �أو ب�آخر يف طرح بع�ض املفاهيم واملواقف تكون فيها فائدة لهم لإع��ادة النظر يف مواقفهم جتاه تركيا،كما �أن �إ�شادة املفكر بالدور الأردين الذي تقوم به الأردن من خالل الو�صاية الها�شمية على املقد�سات الإ�سالمية وامل�سيحية ودور جاللة امللك يف الدفاع عن الق�ضية الفل�سطينية يف املحافل الدولية هو �إيجابية بحد ذاتها لهذه الزيارة. كما �أحدثت الزيارة �ضجة �إعالمية حملية واقليمية م��ن خ�لال التغطية الإع�لام��ي��ة لهذه الزيارة يف ال�صحف واملواقع الإلكرتونية وحماولة ا�ست�شراف املوقف الرتكي جتاه الق�ضايا العالقة يف املنطقة ونوايا �أ�صحاب القرار الرتكي يف حلها من خالل تهيئته فر�صة لتبادل وجهات النظر الر�سمية مع القيادة الرتكية من خالل هذه الزيارة ،وكذلك من �أجل احتمال ن�شوء تفاهمات حول طرق معاجلة التطرف والإرهاب يف املنطقة ،وهذا داللة وا�ضحة من �أن �شخ�صية رئي�س ال��وزراء الرتكي اوغلو لها مكانتها املحلية والإقليمية والدولية وجتذب يف العادة و�سائل الإعالم للإ�ستفادة من املعلومات التي لديه يف ال�ش�ؤون الدولية والإقليمية. كما �أب��رزت الزيارة يف هذه الظروف ل�ل�أردن مكانة الأردن ومزاياه وما يتمتع به من ا�ستقرار �سيا�سي ومن��وذج يف الإع��ت��دال والو�سطية ومثال يحتذى فيه يف العي�ش امل�شرتك وال�سلم الأهلي. �إن ق��ي��ام منظمة جمتمع م��دين يف الأردن بالدعوة والتنظيم والرتتيب لهذه الزيارة تعد �إجن���از ًا بحد ذات��ه من خ�لال التنظيم والتح�ضري وت�ضافر اجلهود الر�سمية جتاه املنتدى اثمرت عن حتقيق جناح كبري لهذه الزيارة للأردن وللمنتدى مع ًا وهذا له داللة على املكانة الكبرية وامل�صداقية ال��ت��ي يحظى بها امل��ن��ت��دى ل��دى ك��اف��ة امل�ؤ�س�سات الر�سمية ودوائر الدولة ومنظمات املجتمع املدين والأح���زاب والعالقات احلميمة معهم وا�ستطاع املنتدى من خالل هذه الزيارة ت�سويق نف�سه فكري ًا و�إعالمي ًا وثقافي ًا واجتماعي ًا والدولة الأردنية امل�ست�ضيفة له مع ًا.
أخبار الوسطية
البيان الختامي لندوة من أعالم اإلصالح والتجديد: ابن عاشور ومحمد حبيب العبيدي
ي�ؤمن املنتدى العاملي للو�سطية �إميان ًا مطلق ًا بر�سالة الأ�صالة واملعا�صرة التي ينبغي ا�ستح�ضارها يف فكر الأمة وثقافتها و�أخالقها وقيمها و�سلوكها وال يكون التوازن بني مفهومي املعادلة حا�ضر ًا �إال بانتهاج الإ�صالح والتجديد الذي ي�ضمن بقاء �شجرة الفكر الإ�سالمي خ�ضراء يانعة على مر الدهور والع�صور ت�ؤتي �أكلها كل حني ،مبا تطرحه من جديد العلم واملعرفة ال��ذي ميتد يف تاريخ ح�ضارتنا عمق ًا و� ً أ�صالة ،مثلما يعرج يف �أفق الإبداع والتميز جتديد ًا وت�ألق ًا ملا يحتاجه عاملنا العربي والإ�سالمي ال��ذي عانى من مراحل البيات الفكري ب�سبب �سوء الأو�ضاع ال�سيا�سية حين ًا ،وتدهور املالمح الإقت�صادية والإجتماعية لأمتنا �أحيان ًا �أخرى. ولذا ،فقد ارت�أى املنتدى العاملي للو�سطية عقد هذه الندوة� :أع�لام الإ�صالح والتجديد ،ابن عا�شور وحممد حبيب ال��ع��ب��ي��دي ،لتتناول علمني م��ن �أع�ل�ام الإ���ص�لاح والتجديد وذل��ك ي��وم ال�سبت املوافق 2018/10/20يف مدينة تون�س احل�ضارة واحلداثة ،لتكون رد ًا على امل�شككني بقدرة الأمة على ا�سرتداد نه�ضتها وفعلها احل�ضاري الذي ميزها على �سائر الأمم وحتى يكون لتون�س الدولة �سبق الريادة يف رعاية هذه الندوة الدولية دلي ًال على تقدم الوعي العام ال��ذي بات ملمح ًا وا�ضح ًا يف تون�س اخل�ضراء. وقد �ضمت الندوة يف حماورها التي مثلها نخبة من العلماء واملفكرين من خمتلف بالد العرب وامل�سلمني عناوين ذات ح�ضور وا�ضح يف فكر الإ�صالح والتجديد عموم ًا ،ويف فكر العلمني املذكورين على وجه اخل�صو�ص. فقد تناولت الن�ش�أة والتكوين والآثار الفكرية البن عا�شور ،قدمها الدكتور احمد كايف ،وحممد حبيب العبيدي
م�صلح ًا وجمدد ًا للأ�ستاذ ه�شام البدراين ،ومنهج الإجتهاد عند املت�أخرين يف نظر ابن عا�شور للدكتور برهان النفاتي، كما تناولت مفردات الإ�صالح يف فكر امل�صلحني بني الأم�س واليوم للدكتور �أبو جرة ال�سلطاين ،وموقف حممد حبيب العبيدي من ق�ضايا ع�صره للدكتور عمر النقيب. هذا وقد �أجمع احل�ضور على �ضرورة و�ضع منهاج وا�ضح وفل�سفة حمددة ور�ؤية معتمدة ملنهج التجديد يف ع�صرنا ليكون من�سجم ًا ومتناغم ًا مع م�سرية فكرنا الإ�سالمي املتطور والقابل للتجديد ح�سب مقت�ضيات الع�صر ومتغرياته ،ومبا الي�شكل انقطاع ًا او غربة �أو عزلة عن فكرنا الإ�سالمي الأ�صيل الذي �شكل هوية الأمة وفل�سفتها ذات زمان. ويذكر ب�أن حفل الإفتتاح لهذه الندوة املميزة قد ت�ضمن كلمتني جامعتني مانعتني الأولى للمهند�س مروان الفاعوري الأم�ين العام للمنتدى العاملي للو�سطية والثانية للدكتور مثنى حارث ال�ضاري الأمني العام لهيئة علماء امل�سلمني يف العراق قدمها نيابة عنه الدكتور عمر النقيب. وقد اجمع احل�ضور على �شكرهم لدولة تون�س العظيمة رئي�س ًا وحكومة و�شعب ًا على جهودهم ال��ك��رمي��ة ،وك��رم ال�ضيافة وح�سن املعاملة التي ا�سهمت يف اجناح فعالياتها. وقد خل�ص املنتدون الى التو�صيات الآتية: .1اعتماد منهج الإ�صالح والتجديد يف حياة الأمة �ضمان ًا ال�ستمرار ح�ضورها الع�صري عاملي ًا. .2ال��رج��وع ال��ى �سرية املجددين يف كل ع�صر من حياة الأمة لإ�ستلهام الر�ؤى التي منحتهم �صفة التجديد يف ع�صرهم ،ومالمح ذلك الع�صر الذي عا�شوه. � .3إيجاد التوازن عند طرح فكرة جتديدية ع�صرية مع ما مياثلها يف تاريخ الأمة للربط بني القدمي واحلديث. .4و�ضع ر�ؤية فل�سفية وا�ضحة لكل فكرة ع�صرية بحيث تعد امتداد ًا مقبو ًال ملا ت�أ�س�ست عليه الأمة من ر�ؤية فل�سفية وفكرية وا�ضحة. .5الإن��ف��ت��اح ع��ل��ى جت���ارب الإ����ص�ل�اح وال��ت��ج��دي��د ل��دى احل�ضارات وال�شعوب الأخرى ودرا�سة ُبعدها الفل�سفي للإ�ستفادة من تلك التجربة. .6تطبيق الر�ؤى الفكرية الإ�صالحية التجديدية التي خل�ص �إليها املنتدون يف ميادين العمل التي ميثلون. واحلمد هلل رب العاملي من قبل ومن بعد،،
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
9
أخبار الوسطية
المنتدى العالمي للوسطية يشارك في مؤتمر الوحدة اإلسالمية في مكة المكرمة
10
�شارك املنتدى العاملي للو�سطية ممث ًال باملهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى يف فعاليات م�ؤمتر ال��وح��دة الإ�سالمية" :خماطر الت�صنيف والإق�صاء تعزيز مفاهيم الدولة الوطنية وقيمها امل�شرتكة". والذي عقد يف مكة املكرمة خالل الفرتة الواقعة ما بني 2018/12/13-12و�أ�شرفت على تنظيمه رابطة العامل الإ�سالمي ،وح�ضر امل�ؤمتر عدد كبري من العلماء واملفكرين والأكادمييني من �أرجاء العامل كافة. وخ�لال جل�سات امل ��ؤمت��ر ُق��دم��ت �أوراق علمية ثرية ح��ول نه�ضة الأم��ة الإ�سالمية والتحديات التي تواجهها و�أهمية العي�ش امل�شرتك بني مكونات املجتمعات الإ�سالمية وكذلك تعزيز احلوار �آفاقه مع اجلميع و�أح���وال امل�سلمني يف ال��دول الغربية وال�شراكة احل�ضارية� ،إ�ضافة �إل��ى جمموعة من الأوراق التي عاجلت مو�ضوع التطرف والتكفري واجل���م���ود ال��ف��ك��ري وال�ت�راك���م���ات ال��ت��اري��خ��ي��ة والإ�سالموفوبيا وخماطر الت�صنيف والإق�صاء على الفرد واملجتمع يف العامل الإ�سالمي. وق��د خ��رج امل ��ؤمت��رون �إل��ى جمموعة كبرية من التو�صيات الهامة ،منها: .1دع���وة امل�سلمني �إل���ى الإ�ستم�ساك بالإ�سم اجل��ام��ع ال�شريف ال��ذي �سمانا اهلل ب��ه "هو �س ّماكم امل�سلمني من قبل" (احلج )78:وجتاوز الأ���س��م��اء ال�ضيقة القائمة على الت�صنيف والإق�صاء مبا يحمله من خماطر على الفرد واجلماعة وال �سيما تعميق النعرات الطائفية والنظريات الإق�صائية والتزهيد يف �شرف املظلة الكربى اجلامعة للم�سلمني كافة وهو �إ�سم و�شعار ال�سالم ولي�س غريه. .2تعزيز ال��ع�لاق��ات ب�ين امل��ذاه��ب وال��ط��وائ��ف امل�سلمة برت�سيخ ال��ث��واب��ت املحكمة وتفهم الإج��ت��ه��ادات املمكنة وب��ن��اء ج�سور الثقة
.3
.4
.5
.6
.7
والتفاهم والتعاون على امل�شرتكات اجلامعة وجت����اوز الآراء وامل���واق���ف ال�����ش��اذة ،وع��دم الإ�ست�سالم ل�ل�إرث التاريخي امل�صطبغ بروح ال�سلبية �أفرزتها �صراعات تاريخية ال مربر لها يف العموم. ن�شر ثقافة الأخ����وة الإ���س�لام��ي��ة والتحلي بال�صدقية واملو�ضوعية يف التعامل مع الق�ضايا البينية والتما�س العذر و�إح�سان الظن وعدم الإجنرار لدواعي النعرات املذهبية وال�صدام الطائفي الذي ي�شيع ثقافة احلقد والكراهية ويثري ال�شقاق والتوتر والتعبئة اخلاطئة مل�شاعر امل�سلمني وي�ستجر �إلى العنف والتطرف وم��ا ي�ستتبعهما من معارك تثور وال تخمد وت�ؤخر وال تقدم. رف�����ض ظ��اه��رة التهجم على رم���وز امل��ذاه��ب الإ���س�لام��ي��ة وم��ن��ع ال��ت��ط��اول على منت�سبيها بالتفكري والت�سفيه والإم��ت��ه��ان والإزدراء وال��ت��ن��دي��د ب��امل�����س�يرات وامل��ظ��اه��ر الطائفية واعتبارها �صورة من �صور ا�ستنبات الكراهية وا�ستدعاء العنف ملا فيها من �إث���ارة �سلبية للم�شاعر الدينية. رف�ض دعوات الإ�ستدعاء والإق�صاء والتحزّ ب وجمع الطاقات وترميم الفجوات ملواجهة قوى التطرف والإرهاب والغلو الطائفي الذي �أ�ساء للإ�سالم ب�شعاراته املزيفة و�أطروحاته الفا�سدة يف �سياق جدليات عقيمة حتمل عليها �أفكار م�شبعة باجلهل والتخلف ف� ً ضال عن �أجندة امل�صالح التي يعملها اجلميع يف حلن قولها وهمجية فعلها. رف�����ض ال�����س��ج��االت ال��ع��ق��ي��م��ة ب�ين امل��ذاه��ب وال��ط��وائ��ف م��ه��م��ا ت��ك��ن ذرائ��ع��ه��ا العلمية والفكرية واعتبارها م�سعرة الغلو الطائفي ومثرية للفتنة و�أن درء مفا�سدها مقدم على جلب م�صاحلها على فر�ض الت�ساوي فكيف بها وقد غلبت مفا�سدها م�صاحلا. دع���م اجل��م��ع��ي��ات وامل ��ؤ���س�����س��ات الإع�لام��ي��ة
والإجتماعية التي تعمل على تعزيز امل�شرتكات الإ�سالمية وتر�سيخ القيم الو�سطية وال�شروع يف �إن�����ش��اء �أو تفعيل امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية الوحدوية وتطوير عملها لتحقيق التكامل الإ�سالمي يف كافة املجاالت احليوية. .8متكني ك��اف��ة امل��ك��ون��ات الدينية واملذهبية والثقافية م��ن مم��ار���س��ة �شعائرها بحرية و�إح�ترام خ�صو�صياتها والتخلية بينها وبني حقها يف املحافظة على هويتها الثقافية الإجتماعية والإ�ستفادة من التنوع يف بناء جمتمع ت��ن��م��وي متجان�س ع��ل��ى �أ���س��ا���س من امل��واط��ن��ة ال��ع��ادل��ة وال�شاملة ال��ت��ي ت�شرك اجلميع يف برامج التنمية وخمرجاتها. � .9إي��ج��اد ح��ل ع���ادل للم�شكالت ال�سيا�سية والتوترات البينية والعمل على التخفيف من تبعاتها وال�سعي يف �إ�شاعة القيم الإ�سالمية اجل��ام��ع��ة ،وت��ف��وي��ت ال��ف��ر���ص ع��ل��ى ال��ق��وى املتطرفة الراغبة يف ت�أجيج ال�صراع بني املذاهب والطوائف الإ�سالمية. .10التعاون يف �سبيل الت�صدي احلكيم للتحديات امل��ح��دق��ة والأع���م���ال الإج��رام��ي��ة الظاملة �سواء كانت يف الداخل الإ�سالمي �أو خارجه، وم��ك��اف��ح��ة التع�صب والإن���غ�ل�اق وال��ت��ط��رف واجلهل ورف�ض امل�شاريع الطائفية التي متار�س الإق�����ص��اء البغي�ض وو���ض��ع خطط م�شرتكة لأول��وي��ات العمل يف ذل��ك مب�ساراته كافة، ومب��ا يتجاوز املعوقات التي تعر�ض الن�سيج الوطني للتمزق ومتنع تكامله وتبعرث موارده مع الإ�ست�شهاد والإف���ادة يف ه��ذا من جتربة اجل��م��ه��وري��ة اجل��زائ��ري��ة يف م��ي��ث��اق ال�سلم وامل�صاحلة الوطنية التي انت�صرت بها (بحمد اهلل) على حماوالت متزيق وحدتها الوطنية والت�أثري على وجدانها الإ�سالمي الو�سطي املعتدل منهية بذلك م��ا ي�سمى بالع�شرية ال�سوداء حيث �أع��ادت تلك العزمية القوية وال�صادقة للجزائر وئامه و�سلمه ووحدته.
.11التعاون الفاعل على مواجهة الفقر واملر�ض وال��ك��وارث ورف�ض �إ�ستغالل هذه الظروف يف مترير م�شاريع املذهبي والطائفي. .12التنديد ب�سيا�سات القتل والتهجري املذهبي الق�سري ورف�ض مفاهيم املحا�ص�صة الطائفية و�ضمان حقوق املواطنة الكاملة وف��ق نظام وت��ق��ومي دوري معلن للجميع ب��ك��ل و���ض��وح و�شفافية. .13مطالبة الدول واملنظمات بتحمل م�س�ؤولياتها يف الت�صدي ملمار�سات ال��ت��ط��رف والإره����اب وال�سعي يف �إيقاف احلروب والنزاعات وو�ضع ح��د ل�ل�أو���ض��اع غ�ير الإن�سانية التي يعي�شها �ضحايا ه��ذه احل���روب و�أن��ت��ج��ت امل�لاي�ين من القتلى واملعاقني واجلرحى وامل�شردين وقادت العامل �إل��ى مزيد من الكراهية وال��ع��داوة يف طليعتها ممار�سة التطهري العرقي وحماوالت طم�س الهوية الدينية بالكامل التي تتعر�ض لها بع�ض الأقليات ب�أ�ساليب �إرهابية ال تقل ب�شاعة وهمجية عن �إرهاب داع�ش والقاعدة، مع دعوة املجتمع الدويل ليكون �أكرث حياد ًا وجدية وحزم ًا حيال هذه اجلرائم الإرهابية لت�ستمر منظومته ببارقة �أملها قبل �أن تفقد م�صداقيتها. � .14إي��ق��اف ���ش��ذوذات فتاوى التكفري والتف�سيق والتبديع و�إح��ال��ة م�سائل اخل�لاف العامة �إل��ى احل��وار ال��رزي��ن ال��ذي يطلع به العلماء الرا�سخون واملجامع العلمية دون غريهم بعيد ًا عن الهوى والتع�صب املقيت ،مع اعتبار الفتاوى الفردية يف الق�ضايا العامة جمازفة علمية ت�سيء لل�شريعة يف غالب �أحوالها ف� ً ضال عن تبعاتها ال�سلبية املتعددة على ح�سن تدابري ال�ش�أن العام عالوة على ت�أثريها على الوئام الوطني و�سكينته و�سلمه. .15التحفظ على ت�صدير الفتاوى خارج نطاقها املكاين وذلك �أن لكل جهة �أحوالها و�أعرافها اخلا�صة بال�ش�ؤون الدينية الر�سمية لكل دولة
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
11
12
على جغرافيتها املكانية دون التدخل يف �ش�ؤون غريها ،والت�أكيد على �أهمية �إيجاد مرجعية علمية موحدة لكل دولة يف كيان فتوى عامة �أو خمت�صة تُعنى بالت�صدي للق�ضايا هيئة علمية ّ ال�شرعية العامة و�أن مثل هذه التدابري من �ش�أنها �أن حتفظ ال�سكينة الدينية لكل دولة مبا يف ذلك ما ي�سمى بالأقليات الدينية حيث يجب �إحرتام مرجعيتها العلمية اخلا�صة بها، و�أن يكون التعاون البيني يف ه��ذا مقت�صر ًا على مواجهة �أفكار التطرف والإره��اب وعلى ال��درا���س��ات والأب���ح���اث وتنظيم امللتقيات العلمية وال��ف��ك��ري��ة ل��رف��ع م�ستوى ال��وع��ي والت�صدي للم�ستجدات ذات ال�ش�أن العام ،وال ي�ستثى من ذل��ك �إال ما ك��ان بطلب ر�سمي من الدولة امل�ضيفة� ،أو دخ ًال يف اخت�صا�ص املجامع العلمية ذات الطابع الدويل. .16دعوة املكون الإ�سالمي – الأقليات – يف الدول غري الإ�سالمية �إلى الإندماج الوطني الإيجابي من خالل مفهوم الدولة الوطنية ال�شاملة، و�أن تكون مطالباتهم بخ�صو�صياتهم الدينية وفق �أنظمة الدولة الوطنية دون ممار�سة �أي �أ�سلوب من �أ�ساليب العنف �أوالإ�ستعالء. .17توعية ال�شباب امل�سلم بخطورة احلما�سة والعاطفة الدينية املجردة عن الوعي مبا يف ذلك الدراية باحلكم ال�شرعي يف كل واقعة عن طريق الرا�سخني يف العلم الذين يح�سنون النظر يف ال��وق��ائ��ع (جمع ًا وت��ف��ري��ق�اً) ومن ثم �إنزالها على ن�صو�ص ال�شريعة ودالالتها ومقا�صدها وق��واع��د الرتجيح ب�ين امل�صالح واملفا�سد ،مع النظر ال�صحيح �إلى امل�آالت و�سد الذرائع وامل�صالح ب�أحكامها الثالثة (�إر�سا ًال �اء) مع �ضوابط تغري الفتوى واعتبار ًا وال��غ� ً واحلكم وكذا ح�سن النظر يف قواعد الإطالق والتقييد من قواعد الفقه والأ�صول متثل بعد ًا غائب ًا وحلقة مفقودة لدى كل متجا�سر على �أحكام ال�شريعة وهو خايل الوفا�ض منها علم ًا وفقه ًا يف غمرة الإن��خ��داع بحفظ الن�صو�ص دون فقه ،ف� ً ضال عن جمتزئيها ومن هنا تت�ضح �أهمية ح�ضور العامل الرا�سخ وعدم غيبته عن تلك الوقائع ليب�صر النا�س بهدي ال�شريعة. .18دع����وة ك��ل م��ن ت�����ص��در ل��ل��ف��ت��وى ال��ع��ام��ة من مرجعيات علمية ف��ردي��ة �أو جممعية �إل��ى الإ�ستطالع الالزم والكايف عن واقعة تت�صدى لها ،واال ي�صدر عنها بيان �شرعي قبل احل�صول
على التفا�صيل كافة من م�صادرها املعتربة مع اال�ستعانة باملخت�صني من ذوي ال�صلة يف كل فن للإي�ضاح وطلب ال��ر�أي مع ا�سرتعاء علم اجلميع ب��أن الت�ساهل يف هذا �أو�صل لفتاوى وقرارات وبيانات حتمل �أخطاء ج�سيمة حتى ا�ضطر بع�ضها الى الإعتذار والرتاجع ومنها ما مت التعقب عليه من قبل مرجعيات �أخرى �أو�ضحت باحلقائق ودالئل ال�شرعية ما �صدر ع��ن اخ��وات��ه��ا م��ن وه��م كبري تطلبت ب��راءة الذمة �إي�ضاحه ،فيما بقي غريها على خطئه الفادح ب�إ�سم فتوى وعلم ال�شريعة ،وهو ما منح املغر�ض فر�صة للنيل منها والتقليل من �ش�أنها و�صو ًال لفقد الثقة بها ،حام ًال يف هذا �شواهد خطئها اجل�سيم. � .19أن تكون امللتقيات الفكرية والثقافية جامعة لكلمة امل�سلمني ،بعيدة عن الت�صنيف والإق�صاء حتت �أي �شعار غري �شعار وا�سم وو�صف الإ�سالم اجلامع ،مع تر�سيخ الإميان بال�سنة الكونية يف الإختالف والتنوع والتعددية ،و�أن يقت�صر دور امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية يف كل بلد على �ش�أنها الديني اخلا�ص دون التدخل يف �ش�ؤون غريها� ،إذ لكلٍ �أحواله و�أعرافه التي تتغري بها الفتوى واحلكم ،و�أن تكون اللقاءات فيما بينها لتعزيز اللحمة الإ�سالمية يف �ش�أنها العلمي والفكري والوجداين وطلب الإثراء والتبادل املجرد فيما بينها. � .20إن�شاء جلنة جامعة متثل املكونات الإ�سالمية املختلفة ل�صياغة ميثاق �إ�سالمي �شامل يت�ضمن قواعد اخلالف التي حتكم عالقة امل�سلمني، ويبني الأ���ص��ول والثوابت املحكمة اجلامعة لهم ،ويحرر موا�ضع النزاع املهمة ،ويحيلها لأهل الإخت�صا�ص للدرا�سة والنظر وتقريب وجهات النظر فيها ما �أمكن ،ويعهد امل�ؤمترون لرابطة العامل الإ�سالمي تبني ذلك من خالل وثيقة �إ�سالمية جامعة حتت عنوان “ وثيقة مكة املكرمة” يتم عقد ميثاقها بجوار البيت العتيق. .21دعوة اجلامعات والهيئات العلمية والفكرية الى تعزيز دورها الرتبوي والتثقيفي يف ت�أ�صيل مفاهيم الوحدة والت�ضامن والتعاون واملحبة والوئام ،واعتباره من مظاهر �سعة ال�شريعة الإ�سالمية وعامليتها ورحمتها بالعباد. .22الت�أكيد على �أن الدولة الوطنية ( بقيمها امل�شرتكة مع �شقيقاتها من ال��دول يف نطاق
هويتها الإ�سالمية ) تعد امتداد ًا ملفهوم الأمة ب�إعتبارها �إح���دى مكوناتها ال��ت��ي تتالقى وتتكامل م��ع �أخ��وات��ه��ا يف �إط��اره��ا ال��دويل الديني ب�براجم��ه العلمية والفكرية حتت مظلة راب��ط��ة ال��ع��امل الإ���س�لام��ي ،و�إط��اره��ا الدويل ال�سيا�سي حتت مظلة منظمة التعاون الإ�سالمي ،و�إطارها الدويل الإقت�صادي حتت مظلة البنك الإ�سالمي للتنمية ،وغريها من امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية اجل��ام��ع��ة ،وبخا�صة التحالف الإ�سالمي الع�سكري ملحاربة الإرهاب ال��ذي ي�ضم ال��دول الإ�سالمية املتحالفة مع عدد من الدول ال�صديقة الداعمة ،مع الت�أكيد كذلك على العقد اجلامع للدول الإ�سالمية ( يف كياناتها الوطنية ذات ال�سيادة امل�ستقلة) وه��و قبلة امل�سلمني وم��ه��وى �أفئدتهم مبكة املكرمة يف اململكة العربية ال�سعودية التي ت�ضطلع بخدمة احلرمني ال�شريفني ورعاية قا�صديهما وال�سهر على راحتهم. .23تثمني توا�صل رابطة العامل الإ�سالمي من قد�سية مقرها يف مكة املكرمة باململكة العربية ال�سعودية ومن منطلق مهامها وتفعيل دورها يف �سبيل حتقيق ال��وئ��ام وال�سالم وبخا�صة تر�سيخ مفاهيم التعاي�ش والإندماج الإيجابي يف الدولة الوطنية ال�شاملة بطيفها الديني والعرقي. .24الت�أكيد على رابطة العامل الإ�سالمي ب�إ�ستمرار رعاية ودع��م ال�شعوب الإ�سالمية مع تثمني جهود الرابطة يف ا�ست�ضافتهم لزيارة الأماكن املقد�سة يف مكة املكرمة واملدينة امل��ن��ورة، و�إقامة امل�ؤمتر ال�سنوي يف احلج والذي كان له �أثر روحي كبري يف نفو�س ال�شعوب امل�سلمة. .25دعوة رابطة العامل الإ�سالمي لإن�شاء منتدى عاملي للوحدة الإ�سالمية يت�ضمن: • م���ب���ادرات وب��رام��ج علمية لتعزيز القيم امل�شرتكة يف الداخل الإ�سالمي ،مع مد ج�سور التوا�صل والتعاون بني �أتباع الأديان والثقافات والعمل على م�شرتكاتها. • �إيجاد مبادرات وبرامج عملية �ضمن منا�شط املنتدى العاملي للوحدة الإ�سالمية وذلك لتعزيز قيم الت�سامح والتعاي�ش من �أجل ال�سالم والوئام يف �أف���ق تر�سيخ ال��وع��ي وال�سيما يف �صفوف ال�شباب. • تت�ضمن ت��ل��ك ال�برام��ج ر���ص��د وحت��ل��ي��ل كافة
•
•
•
•
الأط��روح��ات ال�سلبية وم��ن ث��م الت�صدي لها بكفاءة عالية تعتمد احلكمة واملنطق واملتابعة اجلادة والواعية يف التعامل معها. يعمل املنتدى العاملي للوحدة الإ�سالمية على اقرتاح الربامج الت�أهيلية التدريبية املر�سخة لقيم الإعتدال الإ�سالمي واملعززة لوعيه وذلك للأئمة واخلطباء وال��دع��اة واملر�شدين حول العامل ،ويقوم بذلك نخبة من كبار املخت�صني يف العامل الإ�سالمي مبختلف مذاهبه ومدار�سه من خالل امل�شرتك اجلامع بينهم وهو الإعتدال العلمي والفكري الذي يحمل ر�سالة الت�سامح وال�سالم والوئام والتعاي�ش مع اجلميع ،ويتفهم بوعي كامل �سنة اخلالق جل وعال يف الإختالف والتنوع والتعدد بني بني الب�شر. يعمل املنتدى على اق�تراح املناهج الدرا�سية الداعمة لأهدافه التوعوية من خالل برامج ي�����ش�ترك �إع���داده���ا نخبة م��ن ك��ب��ار العلماء وال�ت�روب���ي�ي�ن ع�ب�ر خم���رج���ات ه����ذا امل��ن��ت��دى وايل �سيعمل فيه ك��ف��اءات علمية وتربوية وفكرية متنوعة من كافة املذاهب واملدار�س والإجت��اه��ات املحبة للخري و�إ�سعاد الب�شرية عن طريق جهودها ال�صادق واجلادة يف تعميق ال��وع��ي ون�شره وم��واج��ه��ة الأف��ك��ار املتطرفة والكارهة واملثرية لل�صدام احل�ضاري والثقايف واملعيقة للتعاون والتبادل وال�شعور الإيجابي نحو الآخرين. يركز املنتدى يف ج��ه��وده التوعوية لل�شباب امل�سلم على اح�ترام العهود واملواثيق وال�سيما د�ساتري و�أنظمة الدول الوطنية التي يعي�شون فيها ( الإ�سالمية وغري الإ�سالمية) والتحذير من الإ�ساءة �إليها حتت �أي ذريعة. يركز املنتدى يف جهوده التوعوية على التعامل مع اجلميع مبحبة اخل�ير لهم وال�صدق معهم والرتفع عن �أي �أ�سلوب من �أ�ساليب مواجهة الإ�ساءة بالإ�ساءة ،بل العفو وال�صفح والعمل على ت�أليف القلوب. و�صلى اهلل و�سلم وبارك على نبينا حممد .. وعلى �آله و�صحبه �أجمعني.. واهلل ويل التوفيق..
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
13
أخبار الوسطية
المنتدى يشارك في مؤتمر دولي (اإلعتدال الديني والسياسي وأثره في تعزيز التنمية المجتمعية) السالم ". وتحت شعار " اإلعتدال في الخطاب طريقنا إلى ّ في جامعة األنبار في العراق
14
�شارك املنتدى العاملي للو�سطية جامعة الأنبار يف العراق يف �إقامة م�ؤمتر بعنوان (الإعتدال الديني وال�سيا�سي و�أث��ره يف تعزيز التنمية املجتمعية) يف الفرتة 2018/11/1 – 10/31وحتت �شعار " ال�سالم ". الإعتدال يف اخلطاب طريقنا �إلى ّ وق��د ُب��دء امل��ؤمت��ر ب ��آي من الذكر احلكيم بعد ال�سالم اجلمهوري ثم ق��راءة �سورة الفاحتة على �أرواح �شهداء العراق واملحافظة واجلامعة ،بعد ذلك عر�ض فلم وثائقي تناول الظروف ال�صعبة التي م��رت بها اجلامعة �إ ّب���ان الأح���داث يف عهد داع�����ش ،ت�لاه كلمة لرئي�س اجل��ام��ع��ة الأ���س��ت��اذ الدكتور املهند�س خالد بتال جنم� ،إذ �أكّد حر�ص اجلامعة على ن�شر خطاب الإع��ت��دال والو�سطية بني جميع �أطياف ال�شعب العراقي الذي نال منه اجلهل والتطرف والإره��اب ف�صار الدمار واخلراب ملمح ًا م��ن مالمح م��دن ال��ع��راق وق���راه ،ث��م �ألقى ً كلمة نيابة عن معايل وزير التعليم راعي احلفل
العايل بعد ذلك عقدت اجلل�سة احلوارية الأولى التي �شارك فيها نخبة من العلماء واملفكرين وكان من بني امل�شاركني الأ�ستاذ الدكتور حممد احلاج من املنتدى العاملي للو�سطية وبعد اجلل�سة عقد م�ؤمتر �صحفي �شارك فيه عدد من ممثلي املحطات الف�ضائية ،ومن بني امل�شاركني يف امل�ؤمتر ال�صحفي الدكتور ح�سن املبي�ضني� ،إذ بينّ الهدف من فكرة م�شاركة املنتدى يف ه��ذا املحفل الفكري الكبري، مب ّينا كذلك �أن املنتدى �أ�صبح مرجعية للو�سطية والإعتدال والتوازن ،تت�سابق امل�ؤ�س�سات الفكرية والعلمية والثقافية لعقد اتفاقيات ثنائية معه ليكون مرجع ًا لهذه امل�ؤ�س�سة �أو تلك عند نيتها عقد م��ؤمت��رات �أو ن��دوات �أوملتقيات تعقد بال�شراكة ليكون عملها املنجز م�ستند ًا �إلى خربة يف امليدان الفكري املتعلق بالو�سطية والإعتدال ،وقد كانت الإ�شارة �إلى هذا الأمر وا�ضحة يف جميع اللقاءات الإعالمية التي عملها الدكتور ح�سن مع عدد من املحطات الف�ضائية.
ويف م�ساء اليوم الأول عقدت اجلل�سات العلمية و�أهمها الأولى التي عقدت يف متام ال�ساعة ()2:30 وكانت فعالياتها موزّعة �إلى �أكرث من كلية من الكليات التابعة للجامعة ويف كلية العلوم الإ�سالمية تر�أ�س الدكتور ح�سن علي املبي�ضني جل�سة علمية �شارك فيها عدد من املفكرين والعلماء والباحثني تناولت عدة من �شرعنا احلنيف منهج الإعتدال يف ميادين ّ ودور خطاب الإعتدال والو�سطية يف تعزيز التنمية املجتمعية التي �أ�صبحت �ضرورة وطنية وم�صلحة تعر�ض للتجهيل والتدمري والتكفري �إن�سانية يف وطن ّ والتهجري. ويف م�ساء ال��ي��وم الأول ك��ذل��ك ع��ق��دت جل�سة حوارية مفتوحة �شارك فيها نخبة من املفكرين امل�شاركني يف امل��ؤمت��ر من خمتلف ال��دول العربية وغريها مثل لبنان واليمن وم�صر وال�سودان و�إيران واليمن والأردن بالإ�ضافة �إلى العراق ،وقد مثّل وفد املنتدى يف تلك اجلل�سة احلوارية الدكتور ح�سن حتدث حول الإعتدال والو�سطية، املبي�ضني الذي ّ مثلما �أج��اب على �أ�سئلة احل�ضور املتعلقة بكيفية مواجهة الإره��اب والتطرف والغلو يف الأردن� ،إذ بينّ �أن معاجلة تلك الآف��ات كانت معاجلة نوعية ح�سب الأ�سباب التي تقود �إلى هذه امل�س�ألة �أو تلك فهناك املعاجلة وغريها ومو�ضح ًا يف الوقت نف�سه امل�شاريع الفكرية التي نالت �إ�ستح�سان ًا عاملي ًا و�أهمها ر�سالة عمان وم�شروع كلمة �سواء و�أ�سبوع الوئام بني الأديان والإهتمام الر�سمي وال�شعبي كذلك مب�س�ألة احلوار بني الأديان وجميع مكونات املجتمع الأردين
ال��ذي �أ�صبح حالة مميزة يف الإن�سجام والتناغم الإجتماعي ب�ين جميع فئات املجتمع و�أطيافة وحت��دث �أي�ض ًا ح��ول مالمح ا�سرتاتيجيية وطنية �آخذ ًة بالظهور يف جميع امل�ؤ�س�سات الر�سمية بهدف مكافحة الإره���اب والتطرف وتتبناها م�ؤ�س�سات ر�سمية مثل وزارة الرتبية والتعليم والتعليم العايل والأوقاف والثقافة وال�شباب وغريها من م�ؤ�س�سات املجتمع املدين مثل املنتدى العاملي للو�سطية وهيئة �شباب كلّنا الأردن وغريها. ويف اليوم الثاين للم�ؤمتر عقدت جل�سات علمية تناولت املزيد من البحوث املقدمة للم�ؤمتر. ويف نهاية امل�ؤمتر �شكر رئي�س اجلامعة/رئي�س امل�ؤمتر جميع القادمني امل�شاركني يف امل�ؤمتر مثلما �شكر اجلهات التي �أ�سهمت يف �إجناح فعالياته ومنها املنتدى العاملي للو�سطية. ُيذكر ب�أن املنتدى �شارك بوفد �ضم: � .1أ.د حممد �أحمد احلاج /نائب �سابق � .2أ.د .حممد الروا�شدة /عميد كلية ال�شريعة يف جامعة م�ؤتة .3الدكتور ح�سن علي املبي�ضني /مدير الدرا�سات يف املنتدى العاملي للو�سطية � .4أ .عبداهلل ال�شهبان /باحث وقد �أثنى اجلميع على �سعادة رئي�س اجلامعة د .خالد بتال جنم بجزيل ال�شكر وبالغ الثناء على ما �أح��اط به جميع امل�شاركني من عظيم الإهتمام و�صادق املحبة.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
15
ندوة اإلنتماء الى المجتمع الجامعة األردنية 2018/12/2
16
عقد املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون م��ع كلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردن��ي��ة واملعهد العاملي للفكر الإ�سالمي يوم الأحد املوافق 2018/12/2م ندوة بعنوان " الإنتماء الى املجتمع " والتي ت�أتي كدعوة الى تعميق مفهوم الإنتماء الى املجتمع والأمة ودوائرها ،بحيث ن�صل الى ت�أ�صيل مفهوم الإنتماء يف �أذهان النا�س على اختالف م�ستوياتهم الثقافية واملعرفية ،وتفعيل قيمة املواطنة يف نفو�سهم �أي�ض ًا ،بالإ�ضافة الى ت�شخي�ص معيقات الإنتماء، وبيان �أهمية الأم��ن الفكري ،مع تقدمي برامج وخطط عملية لتنمية قيمة الإنتماء وو�ضع حلول علمية وعملية جلملة املعيقات التي تقف يف طريق الإنتماء �سواء �أكانت نف�سية �أو ثقافية او اجتماعية او اقت�صادية. ولعل حم��اور ال��ن��دوة تقدم ت�صور ًا ح��ول ال�سيا�سات وامل��م��ار���س��ات ال��ت��ي حتقق التكامل وال�����ض��م��ان الأ���س��ري والإجتماعي ،وكذلك �شيوع حرية التعبري وانفتاح ال�سبل �أمام الطموح من خالل دعم م�شاركة الأفراد واجلماعات لبناء ال�سيا�سات على امل�ستوى املحلي واملجتمعي ،ومن خالل و�ضع برامج تعليمية وتثقيفية كل ذلك من �أجل تعميق مفهوم املواطنة لتكون بني �أبناء املجتمع فكر ًا وثقافة و�سلوك ًا. �إن الإهتمام بالأمن الفكري وكان حا�ضر ًا يف الندوة لأنه �أ�سا�س العمل يف مواجهة التيارات املتطرفة ،والتي ينبغي على اجلميع مواجهتها بدء ًا من الأ�سرة واملدر�سة واجلامعة وامل�ؤ�س�سات الر�سمية والأهلية ،وم�ؤ�س�سات امل��ج��ت��م��ع امل����دين ك��ال��ن��ق��اب��ات والأح������زاب واجل��م��ع��ي��ات واملنتديات ومراكز الدرا�سات بحيث ي�شرتك املجتمع كله يف حماربة �آف��ة التطرف وبحيث ن�صل �إل��ى ال�شخ�صية الفكرية املوحدة التي ت�ضمن �سالمة تطبيق ال�سيا�سات العامة للدولة وتن�سجم معها وذلك عن طريق تفعيل برامج تعليمية وتربوية وثقافية و�إعالمية ،تعمم على املدار�س واجلامعات ومنابر اخلطاب الديني والثقايف والإعالمي. ولعل املنتدى العاملي للو�سطية وهو ي�ستنه�ض همم امل�ؤ�س�سات الفكرية والعلمية يدرك �أبعاد ثقافة العنف وخماطرها ،ولذلك ف�إن �إ�شراك �أكرث امل�ؤ�س�سات يف �صياغة
الفكر و�صناعته يعد �أمر ًا مهم ًا للغاية للو�صول الى بيان دور كل م�ؤ�س�سة يف مقاومة التطرف ،وتر�سيخ قيم التوازن والإتزان والو�سطية والإعتدال. وقد ت�ضمنت الندوة يف افتتاحها كلمة الأمني العام للمنتدى وكلمة لعميد كلية ال�شريعة الأ�ستاذ الدكتور عدنان الع�ساف ،وكلمة للدكتور رائد عكا�شة ممث ًال للمعهد العاملي للفكر الإ�سالمي ،ثم جرى بعد ذلك تق�سيم �أوراق العمل الى جل�ستني ،ففي اجلل�سة الأولى حتدث الدكتور فتحي امللكاوي حول دوائ��ر الإنتماء املتحا�ضنة ،بينما حت��دث ال��دك��ت��ور احمد العواي�شة ح��ول ت�أ�صيل فكرة الإنتماء ال��ى املجتمع� ،أم��ا الدكتور عبد اهلل الكيالين فتحدث حول املواطنة ودورها يف بناء املجتمع. وقد �أكد اجلميع على �ضرورة دعم فكرة الإنتماء حتى تكون �سلوك ًا متبع ًا وفكر ًا مت�أ� ً صال وثقافة ممار�سة، وب�شكل يحقق �أمن املجتمع وا�ستقراره. �أم��ا اجلل�سة الثانية فتناولت ���ض��رورة تر�سيخ قيم الإعتدال والو�سطية ومناه�ضة التطرف كدور تقوم به م�ؤ�س�سات املجتمع امل��دين ،وحت��دث بهذا املحور الدكتور ح�سني خزاعي بينما بني الدكتور حممد الوح�ش دور م�ؤ�س�سات الرتبية والتعليم يف بناء ال�شخ�صية املجتمعية. �أما الدكتور �أمني م�شاقبة فتحدث حول دور امل�ؤ�س�سات البحثية واملراكز الفكرية يف مناه�ضة التطرف. وبعد تقدمي الأوراق العلمية �أجاب املحا�ضرون يف كال اجلل�ستني على ا�ستف�سارات جمهور الندوة ومداخالتهم التي �أكدت جميعها �ضرورة حماية املجتمع من �صور الف�ساد على تنوعه ،و�ضرورة البدء مب�سرية الإ�صالح احلقيقي ال��ذي يحقق الأم��ن والإ�ستقرار ال�سيا�سي والإقت�صادي والإجتماعي. ه��ذا وق��د الق��ت ال��ن��دوة اهتمام ًا كبري ًا يف الو�سط الإعالمي نظر ًا لأهميتها يف هذا الوقت الذي ي�سعى اجلميع فيه �إلى ابعاد نار الفنت عن وطننا احلبيب.
معرض المنظمات األهلية الثالث اسطنبول 2018/11/18-17
�شارك املنتدى العاملي للو�سطية باملعر�ض الدويل الثالث للمنظمات الأهلية والذي عقد يف ا�سطنبول بتاريخ 2018/11/18-17م بوفد ر�سمي مكون من ال�سيد احمد ال�صمادي وال�سيدة مي�سون مبي�ضني وال�سيدة هاله �سلوم ،ومت عر�ض جمموعة كبرية من ا�صدارات املنتدى من كتب الو�سطية واملن�شورات التي تبني اجنازاته يف جمال ن�شر فكر الو�سطية والإعتدال وحماربة الإره��اب والتطرف حيث مت تخ�صي�ص جناح للمنتدى يف املعر�ض ال��ذي �شارك فيه 200م�ؤ�س�سة ،حيث مت افتتاح املعر�ض من الدكتور علي كورت الأمني العام للمنظمات الأهلية وقد �أ َّم اجلناح عدد كبري من الزوار الذين �أ�شادوا
باملنتدى وم�سريته منذ ت�أ�سي�سه ،ومبا اكت�سبه من �سمعة دولية كمنظمة �إ�سالمية لتو�ضيح مفاهيم الدين ال�صحيح. وقد �شاركت يف املعر�ض م�ؤ�س�سات وجمعيات دولية و�إ�سالمية علم ًا ب�أن املنتدى هو امل�ؤ�س�سه الوحيدة التي �شاركت يف املعر�ض من الأردن. وك��ان هناك اقبال كبري من امل�شاركني وال��زوار للمعر�ض على ا���ص��دارات املنتدى مل��ا حتتويه من موا�ضيع هامة يف م�ضمونها بن�شر الو�سطيه والعدل وحماربة التطرف واالرهاب وما فيه منفعة ال�شعوب واملجتمعات.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
17
مؤتمر صالح الدين األيوبي اإلنسان والقائد وموجه التاريخ "السليمانية "2018/10/27
18
عقد املنتدى العاملي للو�سطية وبالتعاون مع فرع املنتدى يف كرد�ستان م�ؤمتر ًا دولي ًا حول �صالح الدين الأيوبي “الإن�سان والقائد وموجه التاريخ” يوم 2018/10/27يف مدينة ال�سليمانية /كرد�ستان العراق. وي�أتي �أهمية عقد هذا امل�ؤمتر حول �صالح الدين الأيوبي يف هذه الظروف ال�سيا�سية والإقت�صادية والإج��ت��م��اع��ي��ة والثقافية ال�صعبة ال��ت��ي �أخ� ّل��ت مبنظومة املفاهيم الإ�سالمية يف ال�سلم واحل��رب ولبيان اجلوانب ال�ساطعة للقادة امل�سلمني �أثناء احلرب وال�سلم� ،إذ �سبق الإ�سالم املنظمات الدولية يف �إقرار احلقوق الإن�سانية يف ال�سلم واحلرب مبئات ال�سنني ،ومنها التم�سك بالعهود واملواثيق و�ضبط �سلوك املقاتلني واملحافظة على الأ�سرى ومعاملتهم املعاملة احل�سنة ،واملحافظة على كرامة الإن�سان والنهي عن التمثيل يف القتلى والتمييز بني املقاتلني واملواطنني الأبرياء. وق���د ُع���رف ال��ق��ائ��د ���ص�لاح ال��دي��ن بالرحمة والتّ�سامح وعدم �إراقة الدماء �أو �إرتكاب اجلرائم �أثناء حترير بيت املقد�س والبالد الإ�سالمية من الفرجنة وال�صليبيني عك�س ما تقوم به هذه الأيام
التنظيمات الإرهابية واملتطرفة التي تتخذ الدين لبو�س ًا لتربير عملياتها ال�شنيعة وتفعل بالقتلى وهتك الأعرا�ض دون �أدنى �إلتزام �أخالقي �أو قيمي بالتعاليم الإ�سالمية احلنيفة التي �أر�ساها القادة العظام �أمثال ر�سولنا الكرمي واخللفاء الرا�شدين ومن �سار على نهجهم من القادة والأئمة املكرمني. كما ينبع عقد ه��ذا امللتقى الفكري الكبري يف �أر�ض كرد�ستان لبيان مدى الظلم الذي حلق بال�شعب الكردي ال�شقيق عندما ا�ستخدم الكيماوي �ضده من قبل ع�صابات داع�ش وخ��وارج الع�صر وغريها من التنظيمات الإرهابية املتطرفة التي عاثت يف �أر�ض العراق الدمار واخلراب والف�ساد ،كما ت�أتي �أهمية انعقاد امل�ؤمتر يف كرد�ستان البراز دور �صالح الدين من �إن�شاء املدار�س واملعاهد العلمية وتكرمي العلماء ال��ذي��ن عملوا على توحيد الأم���ة يف ظ��ل ظ��روف مرت بها الأمة الإ�سالمية ت�شابه ظروفنا ا�ستثنائية ّ احلالية يف العامل الإ�سالمي – وا�ستطاع هذا القائد الهمام �أن يوحد �صفوف امل�سلمني وتوجيهها نحو عدوهم احلقيقي وقيامه بتحرير �أرا�ضي امل�سلمني من الإح��ت�لال الفرجني وعلى ر�أ�سها حترير بيت املقد�س وفل�سطني.
كما ي�أتي انعقاد هذا امل�ؤمتر لإب��راز �أخالقيات ً ً ورفقة وجنوح ًا �إلى ال�سلم مع �سماحة �صالح الدين �أعدائه عندما يتطلب الأم��ر ذلك ،حتى �صار هذا القائد م�ضرب املثل يف معاملته الإن�سانية لل�صليبيني املحتلني للأر�ض الإ�سالمية ،حيث �أب��دى ت�ساحم ًا كبري ًا ودون �إراق��ة قطرة من الدماء حيث ا�ستلم مدينة القد�س �ضارب ًا بذلك املثل امل�شرق والنا�صع للأعداء ،ومتناق�ض ًا مع ما قام به الإفرجنة عند ا�ستيالئهم على مدينة القد�س من الفتك ب�أهلها و�سكانها الأبرياء وقتل الآالف منهم حتت �سنابك خيولهم. وخ�لال امل��ؤمت��ر ناق�ش امل ��ؤمت��رون جمموعة من الأوراق العلمية التي ركزت على �شخ�صية القائد �صالح الدين الأيوبي – واجلانب ال�سيا�سي والقومي واجلانب الع�سكري ،والديني والإجتماعي� ،إ�ضافة �إل��ى اجلانب احل�ضاري والتاريخي والأث��ري للعهد الأيوبي� ،إ�ضافة �إلى واقع احلياة ال�سيا�سية حني ظهور �صالح ال��دي��ن و�أخ�لاق��ه يف احل��رب وال�سلم والدبلوما�سية التي ك��ان يتمتع بها �صالح الدين وكذلك دور امل���ر�أة يف العهد الأي��وب��ي يف النهو�ض باملجتمعات والأجيال ،وكما عر�ضت الأوراق درا�سات و�أقوال امل�ست�شرقني عن �صالح الدين وحياته. وقد ح�ضر امل�ؤمتر �أكرث من (� )300شخ�صية من �أكادمييني وعلماء دين و�شباب ون�ساء ميثلون عدد ًا من الدول منها: الأردن ،املغرب ،تون�س ،لبنان� ،سوريا ،العراق، �إيران ،واقليم كورد�ستان ،ومن �أبرز هذه ال�شخ�صيات الوازنة التي ح�ضرت امل�ؤمتر: املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية� ،سماحة ال�شيخ عبدالفتاح مورو، والدكتور �أنور حممد فرج حممود ،والأمري الدكتور وليد الأيوبي ،واملهند�س جليل بارامي ،واملهند�س
بيخال �أبو بكر ح�سني ،والدكتور عماد عبدال�سالم، والدكتور فر�ست مرعي ،والدكتور �ضنور جعفر، واملهند�س ك��ام��ران ب��اب��ان زاده ،وال��دك��ت��ور يحيى عمر ري�شاوي ،والدكتور حم�سن ح�سني ،والدكتور عمر عبدالعزيز واملهند�س �ساز كار ر�ضا �إ�سماعيل، والدكتور كامران عومر ،والدكتور كورد�ستان �سامل �سعيد ،والدكتور عزالدين م�صطفى ر�سول والدكتور �آرا�س فريق زينل والدكتور نارميان عبداهلل. وي��ق��وم امل��ن��ت��دى ���س��ن��وي� ًا بعقد ع���دد ك��ب�ير من امل�ؤمترات والندوات وور�ش العمل وعمليات التدريب للأئمة والوعاظ يف فروعه كافة املنت�شرة يف معظم دول العامل العربي والإ�سالمي ،وذلك من �أجل ن�شر ر�سالة الإعتدال وتعزيز منظومة القيم الأخالقية وحماربة التطرف والإره���اب والتح�صني الفكري والأخالقي لل�شباب من �آفات الع�صر وغر�س مفاهيم الو�سطية والإع��ت��دال م��ن �أج��ل ع��امل ي�سود فيه الإعتدال وخالٍ من التطرف والإرهاب. ومم���ا ي��ج��در ذك���ره ب����أن جل��ن��ة م��ن الأ���س��ات��ذة واملفكرين من �أع�ضاء فرع املنتدى يف ال�سليمانية قد �أ�شرفت على الإعداد والتنظيم لهذه التظاهره الفكرية الثقافية م�ؤلفة من: � .1شريوان �شمرياين .2د .جنور جعفر �أحمد .3د� .أنور حممد فرج .4د .فاحت �سنكاوي .5د .يحيى عمر ري�شاوي � .6سازكار ر�ضا ا�سماعيل .7بيخال �أبو بكر .8د .هيوا عزيز �سعيد .9فهمي حمه توفيق
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
19
أخبار الوسطية
المنتدى العالمي للوسطية ينظم ندوة حوارية بعنوان:
من تجليات الوسطية :الترشيد
20
نظم املنتدى العاملي للو�سطية ن��دوة حوارية �صباح ي��وم ال�سبت امل��واف��ق 2018/12/22حتت عنوان "من جتليات الو�سطية :الرت�شيد" حتدث فيها عدد من العلماء واملفكرين �أ�صحاب الإخت�صا�ص يف الق�ضايا املجتمعية وال�ش�أن العام. وافتتح املهند�س مروان الفاعوري الندوة بكلمة ترحيبية جاء فيها: ت�أتي هذه الندوة – من جتليات الو�سطية : الرت�شيد – ك�آخر ندوة من ندوات هذا العام 2018 هدفنا من اختيار هذا املو�ضوع هو لت�سليط ال�ضوء على هذه القيمة الدينية الهامة ويف الوقت نف�سه هي �ضرورة حياتية نحتاج اليها يف ظل الظروف والتحديات االقت�صادية واملالية التي تواجه بلدنا العزيز – كذلك توعية املواطن ب�أهمية حتويل هذه القيمة الى ثقافة و�سلوك حياتي للمحافظة على مواردنا املادية والروحية وا�ستخدامها ب�شكل �أمثل بعيدا عن الهدر واال�ستنزاف. – يقول اهلل تعالى يف حمكم التنزيل ( كلوا وا�شربوا وال ت�سرفوا ) ويقول ر�سولنا حممد عليه اف�ضل ال�صالة والت�سليم (ال ت�سرف يف املاء ولو كنت على نهر جار)
هذه الندوة ومن خالل عنوانها حتمل يف طياتها مفاهيم عميقة مادية ومعنوية نذكر بها اجلميع وهذا ما�سوف ت�ستمعون اليه من العلماء واال�ساتذة االجالء. وق��د حت��دث ال��دك��ت��ور زغ��ل��ول ال��ن��ج��ار ح��ول " الرت�شيد يف القر�آن وال�سنة النبوية " وركز على ان منهج الإ�سالم الإعتدال والتو�سط يف كل مناحي احلياة ،والتو�سط والإعتدال اليعني الإمتناع عن التمتع بنعم اهلل تعالى ،ف�إن اهلل تعالى يحب �أن يرى �أثر نعمته على عبده ،و�أهمية تفكر امل�سلمني يف الإع��ت��دال والتو�سط يف كل �شيء مع مراعاة التدرج املنطقي بني ال�ضروريات واحلاجيات ،وان موارد احلياة حمدودة ورزق الأر���ض حمدود ولذا البد من مراعاة التو�سط يف ا�ستهالك هذه املوارد. وحت��دث معايل الدكتور حممد طالب عبيدات حول " دور و�سائل الإعالم يف ن�شر ثقافة الرت�شيد " وركز على ان العادات والأعراف بعيدة كل البعد عن منهج الرت�شيد ،ورك��ز الدكتور على م�صطلح هام وهو التطرف يف ال�سلوكيات ،وبني ان احلديث عن الرت�شيد يكون من جانبني :اجلانب النظري واجلانب العملي ،وركز على �أهمية و�سائل الإعالم يف ن�شر ثقافة الرت�شيد ،وبني دور منظمات املجتمع
امل��دين الفاعل يف تر�سيخ منهج الرت�شيد ،وحتدث الدكتور حممد احلاج حول " دور املدار�س واجلامعات وامل�ؤ�س�سات التعليمية يف ن�شر ثقافة الرت�شيد " وركز على �ضرورة تر�شيد الإ�ستهالك ،وينطلق من منهج الإ�سالم يف الو�سطية ،و�أ���س��و�أ ما تعاين منه الأم��ة الإ�سالمية هو الت�ضارب يف م�س�ألة الإنتاج والإ�ستهالك ،و�صناعة الوعي الثقايف م�س�ؤولية تقع على عاتق املوجهني البد �أن تتحول ق�ضية الرت�شيد يف الإ�ستهالك الى ق�ضية تربوية تثقيفية ،ثم بني دور املدار�س يف الرت�شيد من خالل تعزيز الطلبة بجوائز ملن يحافظوا على كتبه املدر�سية والتقليل من املتطلبات املرهقة ل�ل�أه��ايل وتثقيف الطالب بالإبتعاد عن ثقافة املباهاة. وقد خلُ�ص املنتدون بالإجماع �إلى �أن الرت�شيد يف الإنفاق له �آثار �إجتماعية على املجتمع من حيث ال�سلوكيات الإيجابية جتاه املجتمع والدولة من حيث تفهم الأو�ضاع الإقت�صادية التي مير بها الوطن واللجوء �إلى الأ�ساليب املقنعة يف احلكومات لتفهم �إحتياجات املواطن بالرتكيز على و�سائل الإعالم الرا�شدة لتوعيتهم بانتهاج نهج الو�سطية والإعتدال
والتنبيه م��ن خماطر الأف��ك��ار والأيديولوجيات الغريبة والإجن��رار خلف التيارات الهدامة التي تبث روح الفرقة والكراهية والتنبيه من خماطر التوا�صل باختالط احلابل بالنابل ودون و�سائل �ضبط �أو رقابة. و�أج��م��ع امل��ن��ت��دون �إل���ى �أن الأدي����ان والرتبية واملنابر التعليمية والدينية والرتبوية وال�شبابية والإعالمية والأ�سرية ُجلّها لها �أدوار م�ؤثّرة جد ًا يف ن�شر ثقافة الرت�شيد واحلد من الأمناط الإ�ستهالكية املتزايدة وذلك من خالل التوعية والتنوير والت�أثري على ال�شباب والأج��ي��ال كافة ليكون ذل��ك �سلوك ًا قومي ًا لديهم ،ورمبا املر�أة هي �أ�سا�س عملية تر�شيد الإ�ستهالك ملا لها من دور �إيجابي يف كل العملية. وقد �أ�شرفت على �إدارة الندوة مبهنية عالية الأ�ستاذة الدكتورة �سناء احلنيطي ،وقد تفاعل اجلمهور م��ع ه��ذه ال��ن��دوة و�أع��رب��وا ع��ن �إمتنانهم للمنتدى وم��ا يقوم ب��ه م��ن عقد ن���دوات توعوية وفكرية لتثقيف املواطنني وال��ت��ي كلها ت�صب يف ال�صالح العام.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
21
دراسات
مقصد ِ السالم في شريعة
د .أحمد الريسوني الجزائر
22
�أطروحة هذا البحث هي بيان �أن من مقا�صد ون�شر ال�سالم الإ�سالم و�شريعته� :إخما َد احلروب َ والوئام بني النا�س� ،أفرادا وجماعات. وم��ع��ل��وم �أن بع�ضا م��ن علماء امل�سلمني ،ومن ال��دار���س�ين الغربيني ،ناهيك ع��ن بع�ض �شباننا املتحم�سني ،ال يقبلون ه��ذا ال��ق��ول ،بل منهم من يعتقد عك�سه متاما ،ويرون �أن من مقا�صد الإ�سالم ومبادئه :خو�ض ح��رب دائمة “�ضد الكفار”. وبع�ضهم – من الباحثني الغربيني ،ومن �أ�صحابنا �أي�ضا – ي��رون �أن الإ���س�لام ج��اء بال�سيف ،و�أن��ه انت�شر وانت�صر وات�سعت رقعته بف�ضل الغزوات والفتوحات احلربية .ولذلك يرى بع�ض م�شايخنا ودعاتنا �أن��ه ال يجوز جتريد الإ���س�لام م��ن هذا ري “احلق” ،ويعتربون �أن هذا املنزع لي�س �سوى تعب ٍ عن التخاذل واالنهزامية… ومعنى هذا �أن القول بكون ال�سالم بني الأمم وال�����ش��ع��وب م��ق�����ص��دا ���ش��رع��ي��ا ،حت��ف��ه حتفظات واعرتا�ضات ،وتقف دونه �شبهات و�إ�شكاالت. فلهذا ال بد �أو ًال – وقبل الو�صول �إلى تقرير هذا املق�صد ال�سلمي وبيان �أدلته – من الوقوف عند تلك االعرتا�ضات والإ�شكاالت وبيان حقيقتها.
اإلسالم وبناء عليه� ،سيت�شكل هذا البحث من ثالثة مباحث هي: ال�سياق التاريخي، ال�سياج الت�شريعي، مق�صد ال�سالم و�أدلته يف الإ�سالم. املبحث الأول :ال�سياق التاريخي ح�ين ُب��ع��ث ر���س��ولُ اهلل حممد ب��ن عبد اهلل، �صلوات اهلل و�سالمه عليه ،مكث هو و�أ�صحابه �أزيد من �أحد ع�شر عاما يبا�شرون دعوتهم ال�سلمية، ب�صرب و�صفح واحت�ساب� ،سواء مبكة �أو باملدينة �أو بغريهما .ومل يدخلوا طيلة هذه املدة يف �أي حرب، ال دفاعية وال هجومية ،مع �أنهم كانوا با�ستمرار هدفا لكل �أل���وان البغي وال��ع��دوان واال�ضطهاد والفتنة ،ال ل�شيء }�إ اَِّل �أَ ْن َيقُولُوا َر ُّبنَا اللهّ { احلج: .40 على مدى هذه ال�سنني الطويلة ظل امل�سلمون ون مع نبيهم يواجهون العدوان بالإح�سانَ } ،و َي ْد َر ُء َ ال�س ِّيئَة{ الرعد.22 : ِبالحْ ََ�سن َِة َّ وحتى حينما �أك��ره��وا على خو�ض معاركهم
احلربية الأولى �ضد �أعدائهم املعتدين عليهم – كما يف بدر ،و�أُ ُحد ،واخلندق ،وغريها – ف�إمنا كانوا ً ً َ مفرو�ضة دفاعية ا�ضطرارية معارك يخو�ضون عليهم ب�شكل ال مفر منه .فقد كانت تلك املعارك بالن�سبة للم�سلمني تدور حول “البقاء �أو الفناء”. وجمرد وقوعها على م�شارف املدينة املنورة هو �أبلغ دليل يك�شف طبيعتها ،ويك�شف اجلهة املبادرة �إليها. و�أما بقية معارك امل�سلمني ،يف ال�سنني الأخرية من حتد حياة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،فلم ْ عن هذا الأ�سا�س ،بالرغم من التغريات التنفيذية “التكتيكية” ،التي تقت�ضيها عاد ًة حالة احلرب ومتطلباتُـها امليدانية. وتفا�صيل ه��ذه اخل�لا���ص��ة م�سجلة وموثقة يف ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي ،ويف كتب ال�����س�يرة وال�سنة والتاريخ… وف��ي��م��ا ي��ل��ي مل��ح��ات م��ن ال��وق��ائ��ع التف�صيلية لهذه اخلال�صة. ج��اء يف (ج��وام��ع ال�����س�يرة) الب��ن ح��زم“ :ثم �أَعلن (�أي ج َهر) ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بالدعاء �إل��ى اهلل ع��ز وج��ل ،وجاهرته قري�ش طالب ع َّمه كان حدبا بالعداوة والأذى� ،إال �أن �أبا ٍ عليه ،مانعا له ،وهو باق على دين قومه”.1
ولذلك ُوجه �أكرث ال�ضغط والأذى �إلى الذين �آم��ن��وا و�أ�سلموا ،وخا�صة ال�ضعفاء منهم ،فراح امل�شركون “يعذبون من ال منَعة عنده ،وي�ؤذون من ال يقدرون على عذابه ،والإ�سالم على هذا يف�شو فى الرجال والن�ساء .ولقي �أ�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم من العذاب �أمرا عظيما .ورزقهم اهلل تعالى على ذلك من ال�صرب �أم��را عظيما ،ملا ذخر اهلل عز وجل لهم فى الآخ��رة من الكرامة، َ �سمية �أم عمار بن فطعن الفا�سق عد ُّو اهلل �أبو جهل يا�سر بحربة فى قبلها فقتلها ،ر�ضوان اهلل عليها. وك��ان ���س��ادات ب�لال ،م��ن بنى جمح ،ي�أخذونه ويبطحونه على الرم�ضاء فى حر جوامع مكة، يلقون على بطنه ال�صخرة العظيمة ،ثم ي�أخذونه ويلب�سونه فى ذلك احلر ال�شديد درع حديد ،وي�ضعون فى عنقه حبال ،وي�سلمونه �إلى ال�صبيان يطوفون به ،وهو يف كل ذلك �صابر حمت�سب ،ال يبايل مبا لقي يف ذات اهلل تعالى ،ر�ضوان اهلل عليه”.2 وقال ابن �إ�سحاق ي�صف هذه املرحلة“ :ثم �إن قري�شا ت�آمروا بينهم على من يف القبائل منهم من �أ�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الذين �أ�سلموا ،فوثبت كل قبيلة على من فيها من امل�سلمني يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ،ومنع اهلل منهم ر�سوله بعمه �أبي طالب”. 3
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
23
24
هجرة وح�صار.. ملا طال اال�ضطهاد والعدوان على امل�سلمني ،هاجر ع��دد منهم �إل��ى �أر���ض احلب�شة ،تاركني وراءه��م بلدهم و�أقاربهم وديارهم و�أموالهم ،طلبا لل�سالمة والأمان يف دينهم و�أنف�سهم“ ..عن �أم �سلمة ر�ضي زوج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أنها اهلل عنها ِ أوذي �أ�صحاب ر�سول قالت :ملا �ضاقت علينا مكة و� َ اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وفُتنوا ،ور�أوا ما ي�صيبهم من البالء والفتنة يف دينهم ،و�أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ال ي�ستطيع دفع ذلك عنهم ،وكان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف َمنَعة من قومه وع ِّمه ال ي�صل �إليه �شيء مما يكره ما ينال �أ�صحابه، فقال لهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� :إن ب�أر�ض احلب�شة ملكا ال ُيظلم �أحد عنده ،فاحلقوا ببالده حتى يجعل اهلل لكم فرجا وخمرجا مما �أنتم فيه .فخرجنا �إليها �أر�ساال حتى اجتمعنا ونزلنا بخري دار �إلى خري جار؛ �أ ِم َّنا على ديننا ومل نخ�ش منه ظلما”.4 و�أما من بقوا مبكة من امل�سلمني ،فقد فر�ض عليهم م�شركو قري�ش ح�صارا معي�شيا قا�سيا ومقاطعة ِ وثالث �سنني. اجتماعية تامة ،ملدة تراوحت بني �سنتني وملا تفكك هذا احل�صار وانهار من غري �أن ي�أتي بالنتيجة املرجوة منه ،بد�أ زعماء قري�ش يفكرون يف تدابري �أخرى ي�ضعون بها حدا للدعوة املحمدية وتف�شيها بينهم وبني غريهم من القبائل العربية. فتداولوا الر�أي ما بني اعتقاله� ،أو قتله� ،أو طرده بعيدا عنهم… وذل��ك ما حكاه ال��ق��ر�آن الكرمي يف قوله تعالى ،ت��ذك�يرا للنبي �صلى اهلل عليه ين َكف َُروا و�سلم وامتنانا عليهَ } ،و ِ�إ ْذ يمَ ْ ك ُُر ب َِك ال َِّذ َ ُوك �أَ ْو ُيخْ رِ ُج َ ُوك �أَ ْو َي ْق ُتل َ ِل ُي ْث ِبت َ ون َويمَ ْ ك ُُر وك َويمَ ْ ك ُُر َ ين{ الأنفال.30 : اللهَّ ُ َواللهَّ ُ خَ يرْ ُ المْ َا ِكرِ َ روى الإم��ام الطربي ب�سنده عن عطاء قال: “�سمعت عبيد بن عمري يقول :ملا ائتمروا بالنبي ُ �صلى اهلل عليه و�سلم ليقتلوه �أو ُيـثْبتوه �أو يخرجوه، قال له �أبو طالب :هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: نعم! قال :ف�أخربه ،قال :من �أخربك؟ قال :ربي! ريا! قال�“ :أنا قالِ :نـ ْع َم الرب ربك ،ا�ستو�ص به خ ً �أ�ستو�صي به� ،أو هو ي�ستو�صي بي؟!”. 5 الهجرة �إلى املدينة وما بعدها بلغت الرتاكمات العدوانية املت�صاعدة للم�شركني �ضد امل�سلمني �أوجها مبحاولة قتل الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم .بعد ذلك جاءت الهجرة الكربى؛ هجرة ر�سول اهلل و�أ�صحا ِبه �إلى املدينة املنورة.
وك��ان الغر�ض املبا�شر منها �إي��واء ر�سول اهلل وحمايته لكي ُيـبلغ ر�سالته ،وحماية �أتباعه يف دينهم .وكان ر�سول اهلل يف هذه املرحلة قد بد�أ يطلب – �إ�ضافة �إلى الإميان به وبر�سالته – �إيواءه ونُـ�صرتَه وحمايته ،وكان يقول( :من ي�ؤويني؟ من ين�صرين حتى �أبلّغ ر�سالة ربي وله اجلنة؟).6 فمن هنا �سمي الأن�����ص��ار �أن�����ص��ارا ،وعلى هذا الأ�سا�س كانوا قد ت��واف��دوا على النبي وبايعوه يف العقبة ،ولهذا الغر�ض كانت الهجرة �إليهم يف املدينة. فعن جابر ر�ضي اهلل ق��ال …“ :فقلنا :حتى متى نرتك ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يطرد يف جبال مكة وي��خ��اف؟ فرحل �إليه منا �سبعون رج�لا حتى ق��دم��وا عليه يف امل��و���س��م ،ف��واع��دن��اه �شعب العقبة .فاجتمعنا عليه من رج��ل ورجلني حتى توافينا ،فقلنا :يا ر�سول اهلل نبايعك ،قال: تبايعوين على ال�سمع والطاعة يف الن�شاط والك�سل، والنفقة يف الع�سر والي�سر ،وعلى الأمر باملعروف والنهي عن املنكر ،و�أن تقولوا يف اهلل ال تخافون يف اهلل لومه الئم ،وعلى �أن تن�صروين فتمنعوين �إذا قدمت عليكم مما متنعون منه �أنف�سكم و�أزواجكم و�أبناءكم ولكم اجلنة .قال :فقمنا �إليه فبايعناه. و�أخذ بيده �أ�سعد بن زرارة وهو من �أ�صغرهم فقال: رويدا يا �أهل يرثب ف�إنا مل ن�ضرب �أكباد الإبل �إال ونحن نعلم �أنه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم و�أن �إخراجه اليوم مفارقةُ العرب كافة ،وقتلُ خياركم و�أن تع�ضكم ال�سيوف .ف�إما �أنتم قوم ت�صربون على ذلك و�أجركم على اهلل ،و�إما �أنتم قوم تخافون من �أنف�سكم جبينة ،فبينوا ذلك ،فهو عذر لكم عند اهلل .قالوا� :أمط عنا يا �أ�سعد ،فواهلل ال ندع هذه البيعة �أب��دا وال نُ�سلبها �أب��دا .ق��ال :فقمنا �إليه فبايعناه ،ف�أخذ علينا و�شرط ،ويعطينا على ذلك اجلنة”.7 وق��د ع�بر الأن�����ص��ار حينئذ ع��ن ا�ستعدادهم وجاهزيتهم ملهاجمة قري�ش ،ردا على اعتداءاتها. فمبا�شرة بعد البيعة قالوا لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم“ :والذي بعثك باحلق لئن �شئتَ لنميلن على �أهل منى غدا ب�أ�سيافنا ،فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم :مل �أو َمر بذلك” ،8مما يعني مزيدا من ال�صرب والتحمل وطلب ال�سلم. متت بيعة الأن�صار �إذاً ،ومت��ت بعدها هجرة املهاجرين �إليهم باملدينة ،وان��دم��ج اجلميع يف جمتمع واحد متكافل مت�آخ. ومبجرد اال�ستقرار باملدينة ،بادر النبي �صلى
اهلل عليه و�سلم بعقد مواثيق لل�سلم والتعاي�ش والتكافل فيما بني امل�سلمني ،املهاجرين والأن�صار، وفيما بينهم وب�ين غريهم من �أه��ل املدينة ،من امل�شركني ومن اليهود9 فهل و�ضع ذلك حدا ملحنة امل�سلمني ومعاناتهم مع امل�شركني واعتداءاتهم؟ احلقيقة �أن موقف امل�شركني – قري�ش وغريها – �أ�صبح �أكرث خطورة و�أ�شد �شرا�سة ،بعد جناح الهجرة وما جلبته من مكا�سب للم�سلمني ونبيهم �صلى اهلل عليه و�سلم. روى الإم���ام البيهقي… ع��ن �أُ َب��ـ� ّ�ي ب��نِ كعب، ق��ال“ :ملا قدم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم َ املدينة و�آوتهم الأن�صار ،رمتهم العرب و�أ�صحا ُبه عن قو�س واحدة ،وكانوا ال يبيتون �إال بال�سالح، وال ي�صبحون �إال فيه ،فقالوا :ترون �أنا نعي�ش حتى نبيت مطمئنني ال نخاف �إال اهلل عز وجل؟ فنزلت: ال�صالحِ ِ َات } َو َع َد اللهَّ ُ ال َِّذ َ ين �آ َمنُوا ِم ْنك ُْم َو َع ِملُوا َّ �ض…{”10 َل َي ْ�س َتخْ ِل َف َّن ُه ْم فيِ ْ أَ ال ْر ِ وقد انتقل م�شركو العرب يف هذه املرحلة �إلى طور جديد من احلرب �ضد “حممد و�أ�صحابه”، وه���و ط���ور ال��ت��و���س��ع يف التح�شيد والتحري�ض والتحالفات الع�سكرية� ،سواء على �صعيد القبائل العربية� ،أو على �صعيد القبائل اليهودية يف املدينة امل��ن��ورة و�ضواحيها ،وذل��ك لأج��ل هدف وا�ضح وحا�سم؛ وهو ا�ستئ�صال الإ�سالم وامل�سلمني، فظهر بذلك ما ميكن ت�سميته “�أول �إ�سالموفوبيا يف التاريخ“ ،ولكنها �إ�سالموفوبيا م�سلحة وع�سكرية. لقد كانت االعتداءات على امل�سلمني خالل الع�شر �سنني املن�صرمة ذاتَ طابع ف��ردي �أو اجتماعي. لكنها حتولت يف املرحلة اجل��دي��دة �إل��ى �أعمال حربية �شاملة. ففي هذا الوقت ،ولي�س قبله� ،أَ ِذ َن اهلل تعالى للم�سلمني يف ا�ستعمال حقهم يف الدفاع عن �أنف�سهم، ُون ين ُيقَا َتل َ وذل��ك يف قوله عز وج��ل�} :أُ ِذ َن ِلل َِّذ َ ين ير ال َِّذ َ ِب�أَ َّن ُه ْم ظُ ِل ُموا َو�إ َِّن اللهَّ َ َعلَى ن َْ�صرِ ِه ْم َلق َِد ٌ �أُ ْخرِ ُجوا ِم ْن ِد َيار ِِه ْم ِب َغيرْ ِ َحقٍّ �إ اَِّل �أَ ْن َيقُولُوا َر ُّبنَا اللهَّ ُ { احلج.40 ،39 : وم��ع ه��ذا الإذن ويف ثناياه ب��د�أ و�ضع ال�سياج الت�شريعي الإ�سالمي للحرب واجلهاد احلربي .وهو مو�ضوع املبحث الثاين..
املبحث الثاين :ال�سياج الت�شريعي ما قبل الإذن بالقتال.. من املعلوم تواترا �أن الإ�سالم مل ي�أذن للم�سلمني يف ا�ستعمال ال�سيف للدفاع عن �أنف�سهم �إال بعد �أن حـ َّملهم �أق�صى ما ميكن ،و�أق�صى ما ي�ستطيعونه ،من احلِـلم والرفق وال�صرب والعفو ،جتاه ما كان م�سلطا عليهم من عدوان امل�شركني. القتال امل�شروع معل ٌَّل ومق َّيد القتال امل�شروع يف الإ�سالم ورد مقرونا – يف كافة مراحله – بعدد من التعليالت واحلدود والقيود، يجب الوقوف عندها �أو ًال لتدبرها ،ويجب الوقوف عندها ثانياً ،مبعنى �إعما ِلـها وعد ِم جتاوزها. وفيما يلي التعليالت واحلدود القر�آنية املتعلقة بالقتال امل�أذون به وامل�أمور به. الإذن الأول للم�سلمني ب��ال��ق��ت��ال ،يف قوله ُون ِب�أَ َّن ُهم ظُ ِلموا َو�إ َِّن اللهَّ َ ين ُيقَا َتل َ تعالى�}:أُ ِذ َن ِلل َِّذ َ ْ ُ ين �أُ ْخرِ ُجوا ِم ْن ِد َيار ِِه ْم ير ال َِّذ َ َعلَى ن َْ�صرِ ِه ْم َلق َِد ٌ ِب َغيرْ ِ َحقٍّ �إ اَِّل �أَ ْن َيقُولُوا َر ُّبنَا اللهَّ ُ {، ج��اءم��ع�لَّ�لا بعلتني �أُواله���م���ا ع��ام��ة جامعة، والأخرى فرعية تابعة: فالأُولى هي� :أنهم ظُ ـلموا، والثانية هي� :أنهم �أُخرجوا من ديارهم بغري حق .وهذا نوع من الظلم ،بل هو مت�ضمن مل�ضامل ع��دي��دة .ف� ِ�ذ ْك��ـ� ُ�ره بعد ذك��ر الظلم ي�شبه عطف اخلا�ص على العام. ومعنى هذا �أن م�شروعية القتال جاءت ملواجهة الظلم ب�أ�شكاله املختلفة التي مار�سها امل�شركون على امل�سلمني ،و�صرب عليها امل�سلمون �سنني طويلة. ثم و�صلت �إل��ى حد �إخراجهم من دي��اره��م؛ �أوال بالهجرة �إلى احلب�شة ،وثانيا بالهجرة �إلى املدينة. ق���ال ال��ع�لام��ة حم��م��د ال��ط��اه��ر اب���ن ع��ا���ش��ور: “وذلك �أن امل�شركني كانوا ي�ؤذون امل�ؤمنني مبكة �أذى �شديدا ،فكان امل�سلمون ي�أتون ر�سولَ اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ما بني م�ضروب وم�شجوج يتظلمون �إليه ،فيقول لهم :ا�صربوا ف�إين مل �أومر بالقتال، فلما هاجر نزلت هذه الآية بعد بيعة العقبة� ،إذن ًا لهم بالتهي�ؤ للدفاع عن �أنف�سهم”.11 ين قوله �سبحانهَ } :و َقا ِتلُوا فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ال َِّذ َ ين{ ُيقَا ِتلُو َنك ُْم َو اَل َت ْعت َُدوا �إ َِّن اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِد َ البقرة،190 :
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
25
26
فيه �أمر للم�سلمني ب�أن يقاتلوا الذين يقاتلونهم، و�أال يعتدوا مبقاتلة من مل يقاتلوهم .مبعنى �أن امل�سلمني يواجهون العدوان ،وال ميار�سون العدوان. فالقر�آن الكرمي يقرر �أن مقاتلة من مل يبادرنا بالقتال اعتداء، ويقرر �أن اهلل ال يحب املعتدين. وهذان �أمران غري قابلني للن�سخ وال للتغيري ،فال ي�صح وال ميكن �أن ي�صبح العدوان مباحا �أو م�أمورا به .وما ال يحبه اهلل (وهو االعتداء واملعتدون) ال ميكن �أن ي�صبح حمبوبا �أو مطلوبا عنده تعالى. قوله ت��ب��ارك وتعالىَ } :ف� ْل� ُي� َق��ا ِت��لْ فيِ َ�س ِبيلِ ِال ِآخ َر ِة َو َم ْن الد ْن َيا ب ْ ين َي�شْ ُر َ اللهَّ ِ ال َِّذ َ ون الحْ َ َيا َة ُّ ُيقَا ِتلْ فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ َف ُي ْقتَلْ �أَ ْو َي ْغ ِل ْب ف ََ�س ْو َف ُن�ؤْ ِت ِ يه ُون فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ �أَ ْج� ً�را َع ِظي ًما َو َم��ا َلك ُْم اَل ُتقَا ِتل َ ين َوالمْ ُْ�ست َْ�ض َع ِف َ الر َجالِ َوال ِّن َ�ساءِ َوا ْل ِول َْدانِ ال َِّذ َ ني ِم َن ِّ ُون َر َّبنَا �أَ ْخرِ ْجنَا ِم ْن َه ِذ ِه ا ْلق َْر َي ِة الظَّ المِ ِ �أَ ْه ُل َها َيقُول َ اج َعلْ َلنَا ِم ْن ل َُد ْن َك اج َعلْ َلنَا ِم ْن ل َُد ْن َك َو ِل ًّيا َو ْ َو ْ ريا{ الن�ساء.75/74 : ن َِ�ص ً فيه �أي�ضا تعليل �صريح للأمر بالقتال ،بكونه لن�صرة امل�ست�ضعفني ،ورد ِع الظاملني. قوله �سبحانهَ } :و�إ ِْن َن َكثُوا �أَيمْ َ ا َن ُه ْم ِم ْن َب ْع ِد َع ْه ِد ِه ْم َوطَ َعنُوا فيِ ِدي ِنك ُْم َفقَا ِتلُوا �أَ ِئ َّم َة ا ْل ُك ْفرِ �إِ َّن ُه ْم ُون َق ْو ًما َن َكثُوا ون �أَ اَل ُتقَا ِتل َ ان َل ُه ْم َل َعلَّ ُه ْم َي ْن َت ُه َ اَل �أَيمْ َ َ اج ال َّر ُ�سولِ َو ُه ْم َب َد ُءوكُ ْم �أَ َّولَ �أَيمْ َ ا َن ُه ْم َو َه ُّموا ِب�إ ِْخ َر ِ َم َّر ٍة{ التوبة،]13 ،12 : فيه حتري�ض وا�ستنها�ض ملقاتلة قوم معينني مو�صوفني ،لكونهم: نق�ضوا عهودهم مع امل�سلمني، وطعنوا يف دينهم، وح��اول��وا �إخ���راج الر�سول ،ثم ا�ضطروه �إلى اخلروج فعال (ومعه �أ�صحابه)، وكانوا هم البادئني باحلرب ،ظلما وعدوانا… “قال �أبو جعفر (�أي الطربي) :يقول تعالى حا�ضا لهم على ذك��ره للم�ؤمنني ب��اهلل ور�سوله، ًّ جهاد �أعدائهم من امل�شركني�( :أال تقاتلون)� ،أيها امل�ؤمنون ،ه ��ؤالء امل�شركني الذين نق�ضوا العهد الذي بينكم وبينهم ،وطعنوا يف دينكم ،وظاهروا عليكم �أع��داءك��م( ،وه��م��وا ب ��إخ��راج الر�سول)، من بني �أظهرهم فاخرجوه (وه��م بدءوكم �أول مرة) بالقتال ،يعني ف ْعلَهم ذلك يوم بدر ،وقيل:
حلفاء ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم من قتالهم َ خزاعة”]12 معظم ما تقدم ذكره من علل و�ضوابط للقتال يره – من�صو�صا عليه� ،أو ال�شرعي ،جن��ده – وغ� َ م�شارا �إليه ،يف هذه الآيات اجلامعة: �وه� ْ�م وه ْم َو�أَ ْخ��رِ ُج� ُ �وه� ْ�م َح ْيثُ َث ِق ْفت ُُم ُ }واقْ � ُت� ُل� ُ ِم ْن َح ْيثُ �أَ ْخ َر ُجوكُ ْم َوا ْل ِف ْتنَةُ �أَ َ�ش ُّد ِم َن ا ْل َق ْتلِ َو اَل ُوه ْم ِع ْن َد المْ َْ�سجِ ِد الحْ ََرا ِم َحتَّى ُيقَا ِتلُوكُ ْم ِف ِ يه ُتقَا ِتل ُ اء ا ْلكَا ِفرِ ين َف�إِنِ َف�إ ِْن َقا َتلُوكُ ْم فَاقْ ُتل ُ ُوه ْم كَذَ ِل َك َجزَ ُ ا ْن َت َهوا َف��إ َِّن َ ُوه ْم َحتَّى اَل يم َو َقا ِتل ُ اهلل غَ فُو ٌر َر ِح ٌ ْ ان ين لهلِ ِ َف�إِنِ ا ْن َت َه ْوا ف اََل ُع ْد َو َ ُون ِف ْتن ٌَة َو َيك َ َتك َ الد ُ ُون ِّ ني ال�شَّ ْه ُر الحْ َ � َ�را ُم ِبال�شَّ ْهرِ الحْ َ � َ�را ِم �إ اَِّل َعلَى الظالمِ ِ َ َاعت َُدوا َوالحْ ُ ُر َماتُ ِق َ�ص ٌ اعت ََدى َع َل ْيك ُْم ف ْ ا�ص َف َمنِ ْ َ للهَّ اعل َُموا �أَ َّن اعت ََدى َع َل ْيك ُْم َوا َّتقُوا ا َو ْ َع َل ْي ِه بمِ ِ ثْلِ َما ْ ني{ البقرة.194 – 190: اللهَّ َ َم َع المْ ُ َّت ِق َ أكيد ل�سبقِ امل�شركني يف ففي ه��ذه الآي���ات ت� ٌ عدوانهم على امل�سلمني؛ و�أن��ه��م �أخ��رج��وه��م من ديارهم ،وفتنوهم عن دينهم .وكل واحد من هذه الأفعال ٍ كاف مل�شروعية الرد عليه وردعه ،فكيف لو اجتمعت؟! ومع ذلك ،فالآيات تقرر وتكرر �أن القتالَ ور َّد االعتداءات� ،إمنا يكون ِمـثْال مبثل. مبد�أ الرد ومواجهة القتال مبثله ومبا يكافئه، ني م�ؤكد كذلك يف قوله عز وجلَ } :و َقا ِتلُوا المْ ُ�شْ رِ ِك َ اعل َُموا �أَ َّن اللهَّ َ َم َع كَاف ًَّة َك َما ُيقَا ِتلُو َنك ُْم كَاف ًَّة َو ْ ني{ التوبة.36 : المْ ُ َّت ِق َ فالقتال امل��أم��ور به هنا موجه �ضد امل�شركني ً كافة يف حرب امل�سلمني. كافة ،ردا على دخولهم فمتى وجد م�شركون مل يقاتلوا امل�سلمني ،فلي�سوا م�شمولني بالقتال امل�أمور به يف الآية. �إعمال الن�صو�ص كلها ،بدل افرتا�ض التعار�ض والن�سخ بينها من الآفات املنهجية التي يقع فيها بع�ض املف�سرين وبع�ض الفقهاء :م�سارعتهم �إلى القول بالتعار�ض والتنا�سخ بني الن�صو�ص .وهي م�س�ألة فيها بحث طويل ،مف�صل يف مظانه املخت�صة ،فال �أريد التطرق �إليه ،ولكني �أ�شري �إلى �أن امل�سلك الذي �أَتَّـبعه هو رف�ض القول بالن�سخ� ،إال �إذا جاء ذلك ب�شكل �صريح ال حميد عنه ،وال وجه فيه �إال الن�سخ .وهو ما ق��رره وك��رره �إم��ام املف�سرين ابن جرير الطربي، كما يف قوله“ :الن�سخ ال يكون يف حكم �إال بنفيه
آخر ،هو له ٍ ناف من كل وجوهه” .13وقوله“ :ال ب� َ حلكم غَ يرْ ِه بكلِّ معانيه، يكون ن�سخً ا �إال ما كان نف ًيا ٍ حتى ال يجوز اجتماع احلكم بالأمرين جمي ًعا على ِ�ص ّحته بوجه من الوجوه”.14 املدعي ن َْ�سخَ �آية يحتمل �أن قال“ :لأن دعوى َّ ري من�سوخة ،بغري داللة على �صحة دعواه، تكون غ َ 15 حتكُّم .والتحكم ال يعجِ ز عنه �أحد” . لذلك �أقول :كل ما مل يثبت ن�سخه ب�شكل قطعي ثبوتا وداللة ،فهو ُم ْـحكَم غري من�سوخ ،والعمل به واجب وم�ستمر ،وال �سيما ما تكرر وت�أكد من املعاين والأحكام يف �آيات و�سور عديدة. وعلى هذا الأ�سا�س ،ف�إن ما تقدم بيانه من مبادئ وتعليالت قر�آنية يف �ش�أن القتال ،يجب �أن يظل �ساري املفعول ،لي�س لأح��د �أن يوقف م�ست�صحبا َ َ العمل به ،بدعوى الن�سخ �أو املرحلية �أو غريهما. ويف �ضوئه ،وبتوافق معه ،تفهم �آي��ات الباب – وكذلك الأحاديث – التي وردت بغري تعليل وال تقييد. وبعبارة �أ�صولية �أخرى :ف�إن املطلق منها ُيـحمل على املقيد16؛ ف ِعلَلُ القتال ال�شرعي وقيو ُده ،قد ذُكرت وتكررت وت�أكدت يف موا�ضع متعددة ،فلي�س يلزم ذكرها كلما ذُكر القتال .بل لو مل تذكر �إال م��رة واح��دة لكان ذل��ك كافيا و ُم��طَّ ��ردا يف �سائر الآيات غري املعللة. وبناء عليه ،فحيثما جاء ذكر القتال �أو الأمر به مطلقا بدون تعليل وال تقييد ،فهو حممول على علله املعلومة املقررة يف عدة موا�ضع من الكتاب العزيز.. فقوله تعالى} :كُ ِت َب َع َل ْيك ُُم ا ْل ِقتَالُ َو ُه� َو كُ ْر ٌه َلك ُْم َو َع َ�سى �أَ ْن َت ْك َر ُهوا َ�ش ْيئًا َو ُه َو خَ يرْ ٌ َلك ُْم َو َع َ�سى �أَ ْن تحُ ِ ُّبوا َ�ش ْيئًا َو ُه َو َ�ش ٌّر َلك ُْم َواللهَّ ُ َي ْعل َُم َو�أَ ْنت ُْم اَل ون{ البقرة.216 : َت ْعل َُم َ معناه �أن القتال كتب علينا من حيث املبد�أ ،لكن ممار�سته وا�ستعماله الفعلي �إمنا يكون ب�أ�سبابه و�شروطه املعلومة ،املذكورة يف غري ما �آي��ة .ولو جاز لأحد �أن ي�أخذ هذه الآية مبفردها ،ومبعزل عن الأ�سباب وال�شروط املعلومة ،جلاز له متى �شاء �أن يحمل �سيفه ويقاتل ،على �أ�سا�س �أن اهلل “كَـتَب عليه القتال” .وه��ذا عبث ال يخفى .فبقي �أن القتال مل يكتب علينا لذاته ،ومل يكتب علينا بال �سبب وال قيد وال �شرط. وكذلك قوله تبارك وتعالىَ : ين }قا ِتلُوا ال َِّذ َ
ون َما ُون بِاللهَّ ِ َو اَل بِا ْل َي ْو ِم ْال ِآخرِ َو اَل ُي َح ِّر ُم َ اَل ُي�ؤْ ِمن َ ين َح َّر َم اللهَّ ُ َو َر ُ�سول ُُه َو اَل َي ِدين َ ين الحْ َ قِّ ِم َن ال َِّذ َ ُون ِد َ َاب َحتَّى ُي ْعطُ وا الجْ ِ ْز َي َة َع ْن َي ٍد َو ُه ْم �أُو ُت��وا ا ْل ِكت َ َ�ص ِ ون{ التوبة ،29 :فهو حممول على ما تقرر اغ ُر َ وا�ستقر من �أ�سباب القتال و�ضوابطه ،ومنها �أنه موجه للمعتدين ،وممنوع لغري املعتدين. وبناء عليه ،فال قتال لأهل الكتاب وال لغريهم، �إال بالأ�سباب املعلومة .وت�أتي اجلزية تعبريا عن هزمية املعتدي وكفه لأذاه ،ودخوله يف ال�سلم. وعلى هذا النحو �أي�ضا يحمل ويفهم قوله �صلى اهلل عليه و�سلم�( :أم��رت �أن �أقاتل النا�س حتى ي�شهدوا �أن ال �إله �إال اهلل و�أن حممدا ر�سول اهلل، ويقيموا ال�صالة ،وي�ؤتوا الزكاة ،ف�إذا فعلوا ذلك ع�صموا مني دماءهم و�أموالهم �إال بحق الإ�سالم، وح�سابهم على اهلل).17 ف����إن “النا�س” يف ه��ذا احل��دي��ث ه��م النا�س امل َعـ َّيـنون املعلومون ،الذين كانوا يف حالة حرب مع امل�سلمني ،من قري�ش وحلفائهم ،بح�سب ال�سياق ال��ذي تقدم بيانه .ففي ه��ذه احل��رب القائمة بالفعل مع �أولئك املحارِبني املعتدين� ،أَخرب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�صحابه ب�أنه م�أمور بامل�ضي يف قتالهم والق�ضاء على قوتهم ،ولن يوقفه عن ذلك �سوى احتمال �إعالنهم الدخول يف الإ�سالم والعملَ ب�أركانه .فحينئذ ي�صبحون م�سلمني ،لهم ما للم�سلمني وعليهم ما عليهم. ويتعزز هذا التف�سري للحديث ،بل يتعني ،مبا جاء ال�شْ ُه ُر الحْ ُ ُر ُم فَاقْ ُتلُوا يف قوله تعالى } َف�إِذَا ا ْن َ�سلَخَ َْ أ وه ْم المْ ُ�شْ رِ ِك َ اح ُ�ص ُر ُ ُوه ْم َو ُخذُ ُ ني َح ْيثُ َو َج ْدتمُ ُ وه ْم َو ْ ال�ص اَل َة َواقْ ُع ُدوا َل ُه ْم كُ لَّ َم ْر َ�ص ٍد َف�إ ِْن تَا ُبوا َو َ�أ َقا ُموا َّ يم{ َو�آ َت ُوا ال َّزكَا َة فَخَ لُّوا َ�س ِبي َل ُه ْم �إ َِّن اللهَّ َ غَ فُ و ٌر َر ِح ٌ التوبة.5 : فاملو�ضوع واح��د ،وال�سياق التاريخي واح��د، هي هي. والأحكام املقررة َ اجلهاد بني التقرير املبدئي والتقدير الفعلي التقرير امل��ب��دئ��ي مل�شروعية ال��ق��ت��ال وعلله و�شروطه ،هو �أمر ت�شريعي تواله القر�آن الكرمي، كما تقدم .ولكن يبقى بعد ذلك �أن يقع التقدير العملي التنفيذي للحرب وعدمها ،يف كل حالة على حدة .وهذا التقدير يرجع �إلى اخت�صا�ص والة وخرباء وقاد ًة ع�سكريني، وعلماء الأمور ،حكاما َ َ ولي�س موكوال �إل��ى �أف��راد امل�سلمني وعامتهم ،بل اء ُه ْم �أَ ْم ٌر ِم َن ْ أ الَ ْمنِ هو كما قال تعالىَ } :و�إِذَا َج َ
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
27
28
َاع��وا ب ِِه َو َل ْو َر ُّدو ُه ِ�إلَى ال َّر ُ�سولِ َو�إِلَى َ�أ ِو الخْ َ ْو ِف �أَذ ُ ين َي ْ�س َت ْن ِبطُ ون َُه ِم ْن ُهم{ �أُوليِ ْ أ الَ ْمرِ ِم ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه ال َِّذ َ الن�ساء .83 :فهم الذين ينقحون املناط يف احلاالت املعينة ،وهم الذين ينظرون يف حتقق ال�شروط والقيود ،ويف وجود موانع �أو عدم وجودها .وهم الذين يقدرون هل بقيت ف�سحة ملزيد من ال�صرب وال�صفح تالفيا للحرب و�أوزاره���ا� ،أم �أن احلرب �أ�صبحت حتمية ال بديل عنها… ر�أي ابن تيمية يف القتال امل�شروع ومتى يجوز:18 ف�صله وحرره يف كتابه (قاعدة ر�أي ابن تيمية َّ خمت�صرة يف قتال الكفار ومهادنتهم وحترمي قتلهم ملجرد كفرهم) ،]19ومنه �أنقل هذه الفقرات.. اَ ا�ستدل رحمه اهلل الدينِ بقاعدة}ل �إِك َْرا َه فيِ ِّ الر�شْ ُد ِم َن ا ْلغ َّي{ البقرة ،]256 :وقال: َق ْد َت َبينَّ َ ُّ “هذا ن�ص عام� :أنَّا ال نكره �أحدا على الدين ،ولو أعظم ك��ان الكافر ُيقتل حتى ي�سلم ،لكان ه��ذا � َ الإكراه على الدين” . ]20 وقال“ :جمهور ال�سلف واخللف على �أنها لي�ست خم�صو�صة وال من�سوخة .بل يقولون� :إنا ال نُكره �أحدا على الإ�سالم ،و�إمنا نقاتل من حاربنا ،ف�إن �أ�سلم ع�صم دمه وماله ،ولو مل يكن من فعل القتال مل نقتله ومل نكرهه على الإ�سالم” . ]21 ين ُيقَا ِتلُو َنك ُْم “فقوله } َو َقا ِتلُوا فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ال َِّذ َ ين{ البقرة: َو اَل َت ْعت َُدوا �إ َِّن اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِد َ ]190تعليق للحكم بكونهم يقاتلوننا ،فدل على �أن هذا علةُ الأمر بالقتال .ثم قال} :وال ت ْعت َُدوا{، والعدوان جماوزة احلد ،فدل على �أنقتال من مل يقاتل عدوان“. ]22 . “وكانت �سريته – �صلى اهلل عليه و�سلم :- �أن كل من هادنه من الكفار ال يقاتله .وهذه كتب ال�سري واحلديث والتف�سري والفقه واملغازي تنطق بهذا .وهذا متواتر من �سريته .فهو مل يبد�أ �أحدا من الكفار بقتال ،ولو كان اهلل �أمره �أن يقتل كل كافر لكان يبتدئهم بالقتل والقتال”.23 “و�أما الن�صارى فلم يقاتل �أحدا منهم �إلى هذه الغاية حتى �أر�سل ر�سله – بعد �صلح احلديبية – �إل��ى جميع امللوك يدعوهم �إل��ى الإ�سالم ،ف�أر�سل �إل��ى قي�صر و�إل���ى ك�سرى واملقوق�س والنجا�شي وملوك العرب بال�شرق وال�شام فدخل يف الإ�سالم من الن�صارى وغريهم من دخ��ل ،فعمد الن�صارى بال�شام فقتلوا بع�ض من قد �أ�سلم من كربائهم مبعان .فالن�صارى حاربوا امل�سلمني �أوال وقتلوا من
فر�سلُه �أر�سلهم يدعون �أ�سلم منهم ظلما وبغيا ،و�إال ُ النا�س �إلى الإ�سالم طوعا ال كرها ،فلم يكره �أحدا على الإ�سالم .فلما بد�أه الن�صارى بقتل امل�سلمني زيد بن حارثة ،ثم جعفرا، �أر�سل �سرية �أ َّمـر عليها َ ثم اب��ن رواح��ة .وه��و �أول قتال قاتله امل�سلمون للن�صارى مب�ؤتة من �أر�ض ال�شام” . ]24 “وملا نزلت �آية اجلزية كان فيها �أن املحارِبني ال يعقد لهم عهد �إال بال�صغار واجلزية” . ]25 وخال�صة كالمه يف قوله“ :الأ�صل الذي عليه اجلمهور� :أنه �إذا كان القتال لأجل احلراب ،فكل من �سامل ومل يحارِب ال يقاتَل� ،سواء كان كتابيا �أو م�شركا .اجلمهور يقولون بهذا .وهذا مذهب مالك و�أبي حنيفة وغريهما” .26 وقوله“ :وقول اجلمهور هو ال��ذي يدل عليه الكتاب وال�سنة واالعتبار” .27 ر�أي ابن القيم وه��و كالعادة م�ؤيد وم��ؤك��د ل��ر�أي �شيخه ابن تيمية. قال رحمه اهلل“ :فلما بعث اهلل ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم ا�ستجاب له وخللفائه بعده �أكرث �أهل الأديان طوعا واختيارا ،ومل ُيكره �أحدا قط على الدين ،و�إمنا كان يقاتل من يحاربه ويقاتله، و�أما من �سامله وهادنه فلم يقاتله ومل يكرهه على الدخول يف دينه ،امتثاال لأمر ربه �سبحانه وتعالى حيث يقول( :ال �إكراه يف الدين قد تبني الر�شد من الغي) ،وهذا نفي يف معنى النهي� ،أي ال تكرهوا �أح��دا على الدين .نزلت هذه الآي��ة يف رجال من ال�صحابة كان لهم �أوالد قد تهودوا وتن�صروا قبل الإ�سالم ،فلما جاء الإ�سالم �أ�سلم الآب��اء و�أرادوا �إك��راه الأوالد على الدين ،فنهاهم اهلل �سبحانه وتعالى عن ذلك حتى يكونوا هم الذين يختارون الدخول يف الإ�سالم… وم��ن ت�أمل �سرية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم تبني له �أنه مل يكره �أحدا على دينه قط ،و�أنه �إمنا قاتل من قاتله ،و�أما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته ،مل ينق�ض عهده ،بل �أمره اهلل يفي لهم بعهدهم ما ا�ستقاموا له ،كما قال تعالى �أن َ تعالى} :فما ا�ستقاموا لكم فا�ستقيموا لهم{. فلما قدم املدينة �صالح اليهو َد و�أقرهم على دينهم ،فلما حاربوه ونق�ضوا عهده وبدءوه بالقتال فمن على بع�ضهم ،و�أجلى بع�ضهم ،وقتل قاتلهمَّ ، بع�ضهم .وكذلك ملا ه��ادن قري�شا ع�شر �سنني مل
ونق�ض عهده، يبد�أهم بقتال حتى بدءوا هم بقتاله ِ فحينئذ غزاهم يف ديارهم ،وكانوا هم َيغزونه قبل ذلك ،كما ق�صدوه يوم اخلندق ،ويوم بدر �أي�ضا هم جاءوا لقتاله ،ولو ان�صرفوا عنه مل يقاتلهم. واملق�صود �أن��ه �صلى اهلل عليه و�سلم مل يكره �أح��دا على الدخول يف دينه البتة ،و�إمن��ا دخل النا�س يف دينه اختيارا وطوعا” .28 املبحث الثالث :مق�صد ال�سالم و�أدلته يف الإ�سالم يف املبحث الأول ر�أي��ن��ا م��دى حر�ص الر�سول الكرمي على ال�سالم وال��وئ��ام ون�شر قيم الرفق والعفو ،والت�سامح والت�صالح ،و�أن��ه ا�ستمات يف نهجه ال�سلمي هذا زمنا طويال ،وجترع لأجله هو و�أ�صحابه كل �أ�شكال الظلم وال��ع��دوان والأذى، وب��ذل��وا يف ذل��ك ك��ل م��ا ميكن م��ن ال�صرب واحللم وال��ت ��أين .ومل يرفعوا �سيف ال��دف��اع �إال بعد �أن �أ�صبحوا يف مفرق طريقني ال ثالث لهما :طريق البقاء ،وطريق الفناء .ونتذكر هنا معركة بدر ال��ك�برى ،حني ج��اءت قري�ش ب�ألف مقاتل لغزو امل�سلمني وا�ستئ�صال �ش�أفتهم ،فكان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أثناء املعركة يدعو ربه قائال« :اللهم �أجنز يل ما وعدتني ،اللهم �آت ما وعدتني ،اللهم �إن تهلك هذه الع�صابة من �أهل الإ�سالم ال تعبد يف الأر�ض» .29 ور�أينا يف املبحث الثاين �أن الإ�سالم حني �شرع للم�سلمني القتال ل�صد العدوان والدفاع عن �أنف�سهم ودينهم ،و�ضع لذلك حدودا وقيودا ،حتى ال يتحول دفع العدوان �إلى عدوان. فهذا وذاك ي��دالن على كون الإ�سالم مت�شوفا لل�سلم حري�صا على الأم��ن �إلى �أق�صى حد ممكن، و�أن��ه يعترب “ال�سلم قاعدة ،واحل��رب �ضرورة“، ح�سب عبارة �سيد قطب رحمه اهلل .30 ولكن ق�صد الإ�سالم و�سعيه �إلى حتقيق ال�سلم والأمن بني النا�س ال ينح�صر فيما تقدم ،بل جاءت به �آي��ات �أخ��رى �صريحة ،و�أح��ادي��ث وتطبيقات نبوية �صحيحة� ،أَع��ر�� ُ�ض ما تي�سر منها يف هذا املبحث. قواعد قر�آنية يف ت�أ�سي�س ال�سلم وت�أ�صيله ين �آ َمنُوا قال اهلل عز جل وعالَ } :يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ ال�سل ِْم كَاف ًَّة َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُخطُ َو ِ ات ال�شَّ ْيطَ انِ ا ْد ُخلُوا فيِ ّ �إِن َُّه َلك ُْم َع ُد ٌّو ُم ِبني{ البقرة.208 : يف الآية نداء و�أمر للم�ؤمنني ب�أن يدخلوا جميعا
يف ال�سلم .فال�سلم يف الآية مطلب كلي �شامل ،يوجه ُ اهلل تعالى َ كافة امل�ؤمنني للإقبال عليه والدخول حتت ظله .فما هو هذا ال�سلم امل�أمور به يف الآية؟ ق��ال الفخر ال���رازي�“ :أ�صل ه��ذه الكلمة من االنقياد ،قال اهلل تعالى�( :إذ قال له ربه �أ�سلم قال �أ�سلمت) البقرة ،]131 :والإ�سالم �إمنا �سمي �إ�سالما لهذا املعنى ،وغلب ا�سم ال�سلم على ال�صلح وترك احلرب ،وهذا �أي�ضا راجع �إلى هذا املعنى، لأن عند ال�صلح ينقاد ك��ل واح��د ل�صاحبه وال ينازعه فيه ،قال �أبو عبيدة :وفيه لغات ثالث: وال�سلَم”. وال�سلمَّ ، ال�سلمَّ ، ِّ وقد ذهب كثري من املف�سرين �إلى �أن الدخول يف ال�سلم هنا معناه الدخول يف الإ�سالم و�شرائعه .ويف هذا تكلف و ُبعد؛ فهو �أوال :ع��دول عن ظاهر اللغة ،فرغم �أن ال�سلم والإ���س�لام يرجعان �إل��ى معنى م�شرتك هو �أ�صل الكلمة ،ف�إن لكل منهما معناه اخلا�ص وداللته اخلا�صة .ولو ذهبنا نخلط بني معاين الألفاظ ونهدر ما بينها من فروق ،لفقدنا عمدتنا الأولى يف فهم خطاب ال�شرع ،وهي الدالالت اللغوية. وث���ان���ي���ا :ال����ق����ر�آن ال���ك���رمي ا���س��ت��ع��م��ل لفظ “الإ�سالم” ،وعرب به عن الر�سالة املحمدية ،فهو ا�سمها اال�صطالحي ال�شرعي .وكل لفظ �آخر ،ال بد �أن يكون له داللة خا�صة خمتلفة� ،أو �أ�ضيق، �أو �أو�سع .فال ي�ستقيم – ال لغة وال �شرعا – جعل “ال�سلم” مرادفا لـ”الإ�سالم” .ولذلك قال الرازي: “يف الآية �إ�شكال ،]31وهو �أن كثريا من املف�سرين حملوا ال�سلم على الإ�سالم ،في�صري تقدير الآية: يا �أيها الذين �آمنوا ادخلوا يف الإ�سالم ،والإميان هو الإ���س�لام ،ومعلوم �أن ذلك غري جائز ،ولأجل هذا ال�س�ؤال ذكر املف�سرون وجوها يف ت�أويل هذه الآية…” . ]32 وثالثا :من بني الت�أويالت والتكلفات التي تُذكر – بعد تف�سريهم الدخول يف ال�سلم ب�أنه الدخول يف الإ�سالم – قولهم ب��أن النداء يف مطلع الآية }يا �أيها الذين �آمنوا{ ،مراد به �أهل الكتاب� ،أو �إلى املنافقون ..مع �أن عبارة }يا �أيها الذين �آمنوا{ معهودة معلومة املعنى يف ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي ،وقد وردت فيه نحو مائة مرة ،ال تعني �سوى امل�سلمني. فبقي �أن املعنى الوا�ضح امل�ستقيم ،املغني عن الت�أويالت املتعبة ،هو �أن الآية حتثُّ امل�سلمني على الدخول يف امل�ساملة واملهادنة والوفاق ،ما �أمكن،
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
29
30
و�إيثارِه على نهج ال�صراعات واحلروب. قال الإمام ابن عا�شور“ :فكون ال�سلم من �أ�سماء ال�صلح ال خالف فيه بني �أئمة اللغة ،فهو مراد من الآية ال حمالة .وكونه يطلق على الإ�سالم – �إذا �صح ذلك – جاز �أي يكون مرادا �أي�ضا ،ويكون من ا�ستعمال امل�شرتك يف معنييه ،فعلى �أن يكون املراد بال�سلم امل�ساملة كما يقت�ضيه خطابهم بـ(يا �أيها الذين �آم��ن��وا) ال��ذي هو كاللقب للم�سلمني ،كان املعنى� :أمرهم بالدخول يف امل�ساملة دون القتال، وكما تقت�ضيه �صيغة الأم��ر يف (ادخ��ل��وا) من �أن حقيقتها طلب حت�صيل فعل مل يكن حا�صال� ،أو كان مفَـ َّرطا يف بع�ضه” .33 وه���ذا الأ���ص��ل ال��ع��ام يبقى مطلوبا وم��ط��ردا حتى يف حال قيام احلرب والعداوة ،وهو ما جاء احلث عليه يف عدة �آيات ،كما يف قوله عز وجل: َاجن َْح َل َها َو َت َوكَّلْ َعلَى اللهَّ ِ { ل�سل ِْم ف ْ } َو�إ ِْن َجن َُحوا ِل َّ الأنفال .61 :فال�سلم هنا – بدون خالف – هي ما يقابل احلرب� ،أي الت�صالح والعي�ش ب�أمان متبادل. فهو غر�ض مق�صود م�أمور به �شرعا ،وفاقا للآية ال�سابقة. وعلى هذا النهج �أي�ضا ي�أتي قوله تعالىَ } :ف�إِنِ ال�سل ََم َف َما ْ اعتَزَ لُوكُ ْم َفل َْم ُيقَا ِتلُوكُ ْم َو�أَ ْل َق ْوا �إِ َل ْيك ُُم َّ َج َعلَ اللهَّ ُ َلك ُْم َع َل ْيه ِْم َ�س ِب اً يل{ الن�ساء.90 : ين �آ َمنُوا �إِذَا َ�ض َر ْبت ُْم وقوله �أي�ضاَ } :يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ َف َت َب َّينُوا َو اَل َتقُولُوا لمِ َْن �أَ ْلقَى �إِ َل ْيك ُُم الد ْن َيا{ ُون َع َر َ ال�س اَل َم ل َْ�ستَ ُم�ؤْ ِمنًا َت ْب َتغ َ �ض الحْ َ َيا ِة ُّ َّ الن�ساء.94 : ويف جميع الأح���وال ،ف��إن قاعدة ال�شرع هي: يموا َل ُه ْم إِ� َّن اللهَّ َ ُي ِح ُّب َا�س َت ِق ُ ا�س َتقَا ُموا َلك ُْم ف ْ } َف َما ْ ني{ التوبة.7 : المْ ُ َّت ِق َ مق�صد ال�سلم يف ال�سرية النبوية رب الطويل لقد ر�أينا يف املبحث الأول ذلك ال�ص َ ال��ذي ا�ستمر عليه ر���س��ول اهلل و�صحابته وهم يتعر�ضون لكل ما ميكن من �ألوان الظلم والعدوان والفتنة يف دينهم .وكان ال�صحابة مرارا يهمون بالر ّد والدفاع عن �أنف�سهم ،ولكنهم ي�ست�أذنون يف ذلك فال ي�ؤذن لهم… �إ�ضافة �إلى ذلك� ،أعر�ض الآن ملوقفني �آخرين من ال�سعي النبوي �إل��ى حتقيق ال�سالم وتثبيته بالعهود واملواثيق .الأول فيما بني �أه��ل املدينة
املنورة ،والثاين هو ما يعرف ب�صلح احلديبية. 34 وثيقة املدينة مبا�شرة بعد هجرة ر�سول اهلل و�صحابته �إلى املدينة املنورة بادر عليه ال�سالم �إلى و�ضع نظام توافقي للتعاي�ش والتكافل ،وحت��دي��د احلقوق والواجبات ،وامل�س�ؤوليات املدنية واجلنائية بني �سكانها .و�سكان املدينة يومئذ ه��م :امل�سلمون (�أن�صار ًا ومهاجرين) ،وامل�شركون ،واليهود .ويعرف هذا النظام با�سم (الوثيقة) �أو (وثيقة املدينة) �أو (�صحيفة املدينة) ،وي�صفها بع�ض املعا�صرين بالد�ستور الإ�سالمي الأول. “قال ابن �إ�سحاق :وكتب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم كتابا بني املهاجرين والأن�صار ،وادع فيه يهو َد وعاهدهم ،و�أقرهم على دينهم و�أموالهم، و�شرط لهم ،وا�شرتط عليه…”. ]35 وهذا التدبري النبوي – يف جملته و�أهم بنوده َّاب ال�سرية – تتفق عليه رواي��ات املحدثني وكُ ـت ِ ِّ ال��ن��ب��وي��ة .وه��و ال��ق��در ال���ذي يهمنا ويتعلق به مو�ضوعنا ويثبت به مق�صودنا يف هذا البحث.36 وقد كان عمال رائ��دا يف تاريخ التعاي�ش ال�سلمي املنظم ،لوال �أن يهود املدينة مل يلزموا به ،واختاروا التحالف مع قري�ش والقتال �إلى جانبها… �صلح احلديبية �صلح احلديبية �شهري جدا ،متواتر يف العديد من وقائعه ومالب�ساته ،مبا فيها بنود ال�صلح الذي عقده ر�سول اهلل مع قري�ش… وقد خلد القر�آن الكرمي جوانب �أ�سا�سية من مقدماته ونتائجه ،يف �سورة الفتح .ولذلك ال �أرى �أن �أ�سرد تفا�صيل ما جرى ،و�أكتفي هنا بعبارة جوهرية معربة تعبريا �صريحا وبليغا عن املق�صد ال�سلمي للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،وهي قوله �أثناء التفاو�ض والتجاذب مع قري�ش( :والذي نف�سي بيده ال ي�س�ألوين خطة يعظمون فيها حرمات اهلل �إال �أعطيتهم �إياها).37 والن لهم �إلى وكذلك كان؛ فقد �ساير النبي قري�شا َ ُّ �أق�صى احلدود املمكنة ،حتى حتقق بذلك ال�صلح وا�ستتب ال�سالم. وكان من بركات ذلك ال�سالم �أن دعوة الإ�سالم وحركة انت�شاره يف القبائل العربية عرفت من التو�سع يف غ�ضون �سنتني �أكرث مما عرفته طيلة عمرها ال�سابق� ،أي طيلة ع�شرين عاما خلت قبل ال�صلح“ ..قال الزهري :فلما كانت الهدنة بع�ضهم وو�ضعت احلرب �أوزارها و�أ ِم َن النا�س ،كَـل َّم ُ بع�ضا ،والتقوا فتفاو�ضوا يف احلديث واملنازعة،
فلم يكلَّم �أحد يف الإ�سالم يعقل �شيئا �إال دخل فيه، ولقد دخل يف تينك ال�سنتني مثلُ من كان دخل يف الإ�سالم قبل ذلك �أو �أكرث” .38 وقال الإمام النووي يف �شرحه ل�صحيح م�سلم: “قال العلماء :وامل�صلحة املرتتبة على �إمت��ام هذا ال�صلح ما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده املتظاهرة ،التي كانت عاقبتها فتح مكة و�إ�سالم �أهلها كلها ودخول النا�س يف دين اهلل �أفواجا .وذلك �أنهم قبل ال�صلح مل يكونوا يختلطون بامل�سلمني وال تتظاهر عندهم �أمور النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كما هي ،وال َي ُـحلُّون مبن ُي ْعلمهم بها مف�صلة .فلما ح�صل �صلح احلديبية اختلطوا بامل�سلمني ،وجاءوا �إل��ى املدينة ،وذه��ب امل�سلمون �إل��ى مكة ،وحلُّوا ب�أهلهم و�أ�صدقائهم وغريهم ممن ي�ستن�صحونهم، و�سمعوا منهم �أحوال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مف�صلة بجزئياتها ،ومعجزاته الظاهرة و�أعالم وح�سن �سريته وجميل طريقته، نبوته املتظاهرةُ ، وعاينوا ب�أنف�سهم كثريا من ذلك .فمالت نفو�سهم �إلى الإميان ،حتى بادر خلق منهم �إلى الإ�سالم قبل فتح مكة ،ف�أ�سلموا بني �صلح احلديبية وفتح مكة، وازداد الآخرون ميال �إلى الإ�سالم .فلما كان يوم الفتح �أ�سلموا كلهم ،ملا كان قد متهد لهم من امليل وكانت العرب من غري قري�ش يف البوادي ينتظرون ب�إ�سالمهم �إ�سالم قري�ش .فلما �أ�سلمت قري�ش �أ�سلمت العرب يف البوادي…”. ]39 عالل الفا�سي ومق�صد ال�سالم العاملي َ العالمة عالل الفا�سي بهذه الفقرة، �صت خ�ص ُ َ نظرا لكونه �أكرث علماء الإ�سالم ت�صريحا وجزما واجب التحقيق بكون ال�سالم العاملي مق�صدا �شرعيا َ على امل�سلمني ،متى �أمكن ذلك ،و�أن “مق�صد الإ�سالم هو الو�صول �إلى اتفاق دويل على حترمي احلرب و�إقرار ال�سالم“.40 فمن خالل تناوله حلقوق الإن�سان يف الإ�سالم، و�ضمن حديثه ع��ن (ح��ق احل��ي��اة) ،ب�سط ر�أي��ه ه��ذا ،باعتبار �أن احل��روب هي �أعظم خطر على حق احلياة ،و�أن حتقيق ال�سالم العاملي ال�شامل هو �أعظم حفظ لهذا احلق. ومن �أدلته على هذا التوجه وهذا الق�صد: �أوال� :أن الإ���س�لام �أب��ط��ل م�شروعية جميع احلروب الهجومية املعروفة �آنذاك و�إلى الآن: ف��احل��رب التي تكون لتفوق �شعب على �آخ��ر ممنوعة. والتي تكون لل�سيطرة وتو�سيع مناطق احلكم والنفوذ ممنوعة. واحل���رب ال��ت��ي ت��ك��ون يف �سبيل �إظ��ه��ار القوة
والتفوق ممنوعة. وحروب الثارات واالنتقام ممنوعة. وال��ت��ي ت��ك��ون ال�ستعمار ال�شعوب وا�ستغالل خرياتها ممنوعة. وك��ل ح��رب هجومية كيفما ك��ان نوعها على جماعة م�ساملة ممنوعة. واحلرب التي تريد �إكراه جماعة �أو ملة على اخلروج من دينها �أو نظامها ممنوعة. و�إمنا يبقى مباحا وب�صفة م�ؤقتة� ،أي مدة الأمد ال�ضروري لإقرار ال�سلم ،القتالُ ال�ستبعاد الفتنة يف العقيدة ،ومن ِع ا�ضطهاد امل�ؤمنني و�إكراههم على اخلروج من دينهم ،فه�ؤالء وحدهم الذين �أذن اهلل لهم �أن يقاتلوا ب�أنهم ظلموا ،ووعدهم بالن�صر، وفر�ض عليهم اال�ستعداد �إره��اب��ا وردع��ا للذين يريدون ا�ضطهادهم ،وحر�صا على �أن يكون ذلك أعداءهم من االعتداء عليهم. الإرهاب مانعا � َ وثانيا� :أن هذه احلرب امل�شروعة نف�سها ت�صبح ممنوعة مبقت�ضى نظرة الإ�سالم ومقا�صده يف ثالث حاالت: – احلالة الأولى ،فيما �إذا ا�ستنفدت �أغرا�ضها ومل يبق لها موجب ،مبعنى �أن اخلطر وقع دفعه، واالطمئنان على العقيدة �أ�صبح �أمرا ال �شك فيه، ف�إنه ال يبقى للم�سلمني حق �أن يوا�صلوا القتال للتو�سع �أو االنتقام �أو ملجرد اال�ستعالء واالنت�شاء بتوايل الن�صر ،وذلك ما يدل عليه قوله تعالى: ين ُيقَا ِتلُو َنك ُْم َو اَل َت ْعت َُدوا } َو َقا ِتلُوا فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ال َِّذ َ ين{ البقرة ،]190 :وهذا �إ َِّن اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِد َ ما يعرب عنه الفقهاء ب ��أن اجلهاد �ضرورة تقدر بقدرها ،فهي مبثابة �أك��ل امليتة ال��ذي يباح ملن ا�ضطر �إليه ،ال يجوز له �أن يتجاوز به قدر ال�شبع واالطمئنان على النف�س من املوت. – احلالة الثانية ،فيما �إذا �أظهر املحاربون لنا رغبة يف ال�سلم وعلمنا �أنهم خمل�صون يف طلبهم ذلك ،ولي�س هو منهم جمرد خدعة حربية ،ف�إنه يجب علينا �أن ن�ستجيب لهم ومن�سك عن القتال، لأنه ال يكون له مربر �شرعي ،وذلك قوله تعالى: َاجن َْح َل َها َو َت َوكَّلْ َعلَى اللهَّ ِ { ل�سل ِْم ف ْ } َو�إ ِْن َجن َُحوا ِل َّ الأنفال.61 : – �أما احلالة الثالثة ،فهي �إذا ما قامت يف العامل دعوة لتحرمي احلرب جملة ،واتفقت الدول كلها مبقت�ضى �أوفاق عامة م�ضمونة النفاذ ،ف�إنه يجب علينا �أن نكون يف مقدمة امل�ستجيبني لهذه الدعوة،
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
31
32
ويحرم علينا �شرعا الدخول يف حرب كيفما كان نوعها ،ب�شرط �أن تكون ه��ذه ال�سلطة الدولية قادرة على حماية الطوائف والأديان واجلماعات بنفوذها من كل ا�ضطهاد و�إكراه. وي�ستدل على م�شروعية هذه احلالة من عدة وجوه: الأول :عموم ال��دع��وة الإ�سالمية لل�سالم، ين وهو ما تدل عليه الآية الكرميةَ } :يا�أَ ُّي َهاال َِّذ َ ال�سل ِْم كَاف ًَّة{ البقرة ،208 :وهي �آ َمنُوا ا ْد ُخلُوا فيِ ِّ �صريحة يف �أن مق�صد الإ�سالم هو الو�صول �إلى هذا االتفاق الدويل العام على حترمي احلروب و�إقرار ال�سالم. ال��ث��اين :توجيه الآي��ة التي �سبق ذكرها من قبل َاجن َْح َل َها َو َت َوكَّلْ ل�سل ِْم ف ْ وهيَ } :و�إ ِْن َجن َُحوا ِل َّ للهَّ َعلَى ا ِ { الأنفال .61 :فهي تر�شد �إلى �ضرورة اال�ستجابة لل�سالم مبجرد ظهور اجل��ن��وح� ،أي الرغبة وامليل عند الأع���داء ،ف��أح��رى �إذا وقع االتفاق على ذلك بني خمتلف الدول. ال��ث��ال��ث� :أن ه��ذا مم��ا ي��دخ��ل يف ع��م��وم قوله تعالى :اَ اه ْم �إ اَِّل َم ْن �أَ َم َر }ل خَ يرْ َ فيِ َك ِث ٍ ري ِم ْن نجَ ْ َو ُ ب َِ�ص َد َق ٍة �أَ ْو َم ْع ُر ٍ ا�س{ الن�ساء: وف َ�أ ْو �إ ِْ�ص اَل ٍح َبينْ َ ال َّن ِ ،114واالحتاد يف الإ�صالح العام بني النا�س �أوجب من الأمر به ،ال �سيما �إذا كان اال�ستعداد عاما يف املجتمعات الإن�سانية كلها. الرابع :ما روي من �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �شهد مع عمومته يف اجلاهلية حلفا قال عنه« :ما �أحب �أن يل به حمر النعم ،ولو دعيت له يف الإ�سالم لأجبت» ،وكانت غاية هذا احللف هي �إنهاء احلروب بني القبائل ،واالتفاق على طريقة لل�صلح عند ال�ضرورة ،وذلك ما يدل على �إعجابه عليه ال�سالم بهذا العمل وا�ستعداده لال�ستجابة لكل دعوة تنادى بتعاي�ش �سلمى بني النا�س ،لأن يف ذلك �ضمانا للأمن والهناء. و�إذا كان الإ�سالم قد �أباح القتال يف حالة واحدة هي التي ترمي �إلى دفع الفتنة عن العقيدة ،فتلك �ضرورة ال غنى عنها ،لأن الدعوة نف�سها ال ميكن �أن تعي�ش �إذا مل تتخذ و�سيلة حلماية امل�ؤمنني بها، الذين ينتظر منهم �أن يكونوا �أن�صارها وحوارييها والعاملني عليها .فلو تُ��رك امل�سلمون وغريهم ُيفتنون ع��ن دينهم ب��دع��وى الرغبة يف ال�سالم النقر�ضت فكرة ال�سالم نف�سها ،ولأ�صبح من احلق لكل فئة �أن تفنت الأخرى عن دينها ،كما كان العمل يف الدنيا قبل نداء الإ�سالم العام .وذلك ما نبه ُون ُوه ْم َحتَّى اَل َتك َ عليه القر�آن حني قالَ } :و َقا ِتل ُ
ين كُ ل ُُّه للِهَّ ِ { الأنفال،]39 : ِف ْتن ٌَة َو َي� ُك� َ الد ُ �ون ِّ �أي قاتلوا املعتدين على امل�ؤمنني حتى ال يبقى هناك من يتجر�أ �أن يفنت �أحدا عن دينه بالإكراه وال�ضغط. و�إذن فقد دعا الإ�سالم لل�سالم ،وحرم احلروب مطلقا �إال ل�ضرورة حماية العقيدة الدينية ،ومتى �أ�صبحت الفتنة غري موجودة ،وذلك ب�ضمان عام لها ،ف�إنه ال يبقى للحرب حق يف الوجود ،لأن احلياة الإن�سانية هي الأولى بالبقاء ،والأمن الإن�ساين هو �أ�سا�س مقا�صد الإ�سالم لتمكني املكلفني من �أداء واجبهم على هذه الأر�ض41. موقع ال�سالم يف منظومة املقا�صد ال�شرعية الدخول يف ال�سلم من كليات ال�شريعة ق�ضية احلرب وال�سالم هي �إحدى الق�ضايا الكلية العامة� ،سواء بوجهها ال�سلمي �أو بوجهها احلربي ؛ فاحلروب ،ب�أجوائها ومتطلباتها وا�ستعداداتها القبلية ومعاركها الفعلية ،لها �آثار وانعكا�سات كلية على جميع الأ�صعدة ،وكذلك هي حاالت ال�صلح وال�سلم والأمن واال�ستقرار .ف�أي احلالتني اعتُمدت و���س��ادت ،ك��ان لها نتائج كلية �شاملة ،ت�صيب كل جوانب احلياة الب�شرية وما يت�صل بها. وه��ذا ال ُبعد الكلي لق�ضية ال�سلم واحل��رب قد ت�ضمنه ونبه عليه قوله تبارك وتعالىَ }:يا �أَ ُّي َها ال�سل ِْم كَاف ًَّة{ البقرة.208 : ال َِّذ َ ين �آ َمنُوا ا ْد ُخلُوا فيِ ِّ فالدخول يف ال�سلم مطلوب من كافة النا�س ولكافة النا�س ويف كافة املجاالت والأح���وال .مبعنى �أن الدخول يف ال�سالم ينبغي �أن يكون هو امل�سلك العام يف حياة النا�س كافة :ال�سلم مع الفطرة ،وال�سلم بني الأقارب ،وال�سلم يف احلياة الزوجية ،وال�سلم بني اجلريان… وهكذا� ،إلى �أن ن�صل �إلى ال�سالم يف عالقات الأمم والدول ،فنجد فيها مق�صدا كليا يقوم على ال�سالم ،وهوَ }:و َج َع ْلنَاكُ ْم �شُ ُعو ًبا َو َق َبا ِئلَ ِل َت َعا َرفُوا{ احلجرات.13 : احلرب يف ميزان امل�صالح واملفا�سد ال ميكن �أن يختلف �أي اثنني من بني �آدم ،يف �أن احلرب يف �أ�صلها ويف جمملها وبال و�شر ،بل هي َمـجمع ال�شرور ومنبع الأوزار .ومبا �أن احلرب – كال�سلم – م�س�ألة كلية ،ف�إن الأمر القر�آين للم�ؤمنني بالدخول يف ال�سلم كافة هو نهي لهم عن الدخول يف احل��رب كافة �أي�ضا؛ لأن الأم��ر بال�شيء نهي عن �ضده ،كما تقرر يف علم �أ�صول الفقه .وعليه، فالواجب هو� :أن ندخل كلنا يف ال�سلم ما وجدنا �إلى ذلك �سبيال ،و�أن نهرب كلنا من القتال ما وجدنا �إلى ذلك �سبيال.
و�إذا كانت �أعظم الكليات املقا�صدية التي اتفقت عليها كلمة العلماء ،هي �أن ال�شريعة الإ�سالمية جاءت جللب امل�صالح ودرء املفا�سد ،بل �إن الر�سل كلَّهم �إمن��ا بعثوا بجلب امل�صالح وتكثريها ،ودرء املفا�سد وتقليلها ،ف�إن احلرب هي �ضد ذلك متاما. فهي ال�سبب الأعظم جللب املفا�سد وتكثريها وهدم امل�صالح وتعطيلها .وهذا ما يجعل ال�سالم من �أعظم املقا�صد ،ويجعل احلرب من �أعظم املفا�سد .وقد تقدم قريبا عن عالل الفا�سي� ،أنه اعترب احلروب هي اخلطر الأكرب على حفظ النفو�س ،وباملقابل يكون ال�سالم هو احل�صن الأح�صن حلفظها. وخ��ط��ر احل����روب ع��ل��ى احل��ي��اة وع��ل��ى حفظ النفو�س ،ال ينح�صر يف القتل و�إزه��اق الأرواح يف القتال ،بل �أي�ضا فيما جتلبه من هالك الأم��وال والأرزاق ،وتعطيل للك�سب واال�سرتزاق ،ومن ت�سبب يف الأمرا�ض واملجاعات. ومم��ا يجب االنتباه �إليه وت��دب��ره� ،أن الآي��ة الكرمية التي ت�ضمنت الأم��ر بالدخول يف ال�سلم ك��اف� ً�ة ،قد ج��اءت م�سبوقة ومت�صلة بالتحذير والوعيد ال�شديد ملن يهلك احلرث والن�سل وين�شر ا�س َم ْن الف�ساد يف الأر���ض ،قال تعالىَ } :و ِم� َ�ن ال َّن ِ الد ْن َيا َو ُي�شْ ه ُِد اللهَّ َ َعلَى َما ُي ْعجِ ُب َك َق ْول ُُه فيِ الحْ َ َيا ِة ُّ فيِ َق ْل ِب ِه َو ُه َو �أَل َُّد الخْ َِ�صا ِم َو�إِذَا َت َولَّى َ�س َعى فيِ ْ أَ �ض ال ْر ِ ِل ُي ْف ِ�س َد ِفي َها َو ُي ْه ِل َك الحْ َْرثَ َوال َّن ْ�سلَ َواللهَّ ُ اَل ُي ِح ُّب ا ْلف ََ�سا َد َو ِ�إذَا ِقيلَ ل َُه اتَّقِ اللهَّ َ �أَخَ ذَ ت ُْه ا ْل ِع َّز ُة ب ْ إِ ِالث ِْم ا�س َم ْن َي�شْ رِ ي ْ�س المْ ِ َها ُد َو ِم َن ال َّن ِ ف ََح ْ�س ُب ُه َج َه َّن ُم َو َل ِبئ َ َاء َم ْر َ�ض ِ ات اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َر ُء ٌ وف بِا ْل ِع َبا ِد َن ْف َ�س ُه ا ْب ِتغ َ ال�سل ِْم كَاف ًَّة…{ َيا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ ين �آ َمنُوا ا ْد ُخلُوا فيِ ِّ البقرة.208 – 204 : ف����إذا وق���ع ك��ل ه��ذا النكري وال��وع��ي��د يف حق ال�شخ�ص الواحد �إذا ات�سم بهذا ال�سلوك املف�سد امل����ؤذي ،فكيف ب��احل��رب ،وه��ي املحرقة الكربى للحرث والن�سل والأرواح والأم��وال؟! وكيف وقد �أ�صبح العامل اليوم يتحدث عن “�أ�سلحة الدمار ال�شامل و�أ�سلحة الفناء ال�شامل“ ،التي متلكها �صغار الدول ف�ضال عن كبارها؟! فمن هنا ،ال يبقى جمال لأدنى تردد يف اعتبار ال�سلم �ضرورة ب�شرية ق�صوى ،وم�صلحة حيوية كربى. ِ َ َ َ َ يموا َل ُه ْم{ التوبة.7 : ق ت َا�س ف ُم ك ل وا م َا ق ت ا�س ا م ف } َ ْ ُ ْ ْ ُ وهنا �أي�ضا ن�ستح�ضر قول اهلل تبارك وتعالى: َ ِنِ اع � َت��زَ ُل��وكُ � ْ�م َف � َل� ْ�م ُي � َق��ا ِت � ُل��وكُ � ْ�م َو�أَ ْل��� َق��� ْوا � إ ��� � ف } }لِي�َلااَ ِف ُق َر ْي ٍ�ش ِ �إ اَ ْ ال�ص ْي ِف ِإ يل ِفه ِْم ر ِْحل ََة ال�شِّ تَاءِ َو َّ ُ للهَّ ال�سل ََم َف َما َج َعلَ ا َلك ُْم َع َل ْيه ِْم َ�س ِب اً يل{ َف ْل َي ْع ُب ُدوا َر َّب َهذَ ا ا ْل َب ْي ِت ال َِّذي �أَطْ َع َم ُه ْم ِم ْن ُجو ٍع �إِ َل ْيك ُُم َّ َو�آ َم َن ُه ْم ِم ْن خَ ْو ٍف{ قري�ش.4 – 1 : الن�ساء.90 : فقد جعل �سبحانه الأمن �صنوا للطعام ،م�ساويا له يف الأهمية وال�ضرورة .فال�سالم والأم��ان من �ضرورات احلياة ،كالطعام وال�شراب. خامتة وف��ي��ه��ا التنبيه ع��ل��ى ث�لاث��ة �أم����ور ال ب��د من مراعاتها: �أولها� :أننا حني نتحدث عن كون الإ�سالم قا�صدا �إلى �إطفاء احلروب و�إقامة ال�سالم بني النا�س ،ف�إن ال�سالم العاملي التام قد يتحقق وي�سود يف فرتة ما من فرتات التاريخ ،وقد ال يتحقق �أبدا ،واهلل �أعلم. وقد يتحقق ذلك ب�شكل تقريبي ،بحيث يغلب ال�سلم وتتقل�ص دائرة احلروب ،حتى ال تقع �إال يف فلتات عابرة� ،سرعان ما يتم �إطفا�ؤها ومعاجلة �أ�سبابها، كما قال تعالى} :كُ لَّ َما �أَ ْو َق ُدوا نَا ًرا ِلل َْح ْر ِب �أَطْ َف َ�أ َها اللهَّ ُ { املائدة.64 : و�سواء كان هذا �أو ذاك� ،أو مل يت�أتَّ من وراء هذا املق�صد وهذا امل�سعى �إال خف�ض احلروب و�آفاتها، وتكثري ال�سلم و�ضماناتها ،وه��و الأق����رب ،ف��إن جمرد اجلنوح املتزايد �إلى ال�سلم ،وتغليب منطق التفاهم والوفاق� ،سيكون ربحا كبريا وخريا عميما للب�شرية .وهذه هي احلالة الأكرث واقعية وتوقعا، والأك�ثر مطابقة لقول علمائنا" :الر�سل بعثت بجلب امل�صالح وتكثريها ،ودرء املفا�سد وتقليلها". مبعنى �أن مق�صد ال�سالم التام حتى �إن مل ي�صل بنا عمليا �إال �إلى “تكثري ال�سلم وتقليل احلرب“ ،فبها ونعمت. وثانيها� :أن ال�سالم العاملي – وحتى ال�سالم الثنائي – ال ميكن �أن يحققه طرف واح��د مهما ت�سامى وت�سامح ،و�إمن���ا يتحقق بامليل املتبادل وال��ع��زم امل�����ش�ترك واالل���ت���زام امل��ت�����س��اوي .فكون امل�سلمني م�ساملني ملتزمني بالعدل والإح�سان ،والرب والإق�ساط ،لي�س كافيا لتحقيق ال�سالم وا�ستدامته، بل ال بد من حتقق ذلك لدى الطرف الآخ��ر� ،أو الأط���راف الأخ���رى .ولذلك جند �آي��ات الت�صالح وامل�ساملة ت�ستح�ضر ال��ط��رف املقابل ،وت�شرتط رغبته وا�ستعداده: َاجن َْح َل َه ِا{ الأنفال.61 : ل�سل ِْم ف ْ } َو�إ ِْن َجن َُحوا ِل َّ
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
33
وثالثها� :أن ال�سالم احلقيقي هو ال��ذي يقوم على العدل و�إعطاء كل ذي حق حقه ،كما ي�شري �إليه قوله �سبحانه } َف�أَ ْ�ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما بِا ْل َع ْدلِ َو�أَقْ ِ�سطُ وا{ احلجرات.9 : �أما ال�سالم القائم على جمرد الغلبة والإكراه واال�ضطرار ،ف�إمنا هو حرب م�ؤجلة. وقانا اهلل �شر احلرب والعدوان ،ورزقنا نعمة ال�سلم والأمان. و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني �أحمد الري�سوين ،الرباط يف �2شوال 1439هـ/ 16يونيه 2018م قائمة امل�صادر واملراجع
34
]1جوامع ال�سرية النبوية ،ال بن حزم الأندل�سي القرطبي الظاهري� ،ص . 41 2جوامع ال�سرية� ،ص .437 -436 3املغازي وال�سري (�سرية ابن �إ�سحاق) �ص. 148 � – 4سنن البيهقي الكربى .9/9 – 5تف�سري الطربي (= جامع البيان يف ت�أويل القر�آن). – 6م�سند �أحمد بن حنبل .322 /3تعليق �شعيب الأرن�ؤوط : �إ�سناده �صحيح على �شرط م�سلم. – 7املرجع ال�سابق نف�سه. – 8م�سند �أحمد بن حنبل . 460 /3 – 9انظر� :صحيح ال�سرية النبوية ،لإبراهيم العلي . – 10دالئل النبوة ومعرفة �أحوال �صاحب ال�شريعة ،لأبي بكر البيهقي .6/3 –11التحرير والتنوير . 273 /17 – 12تف�سري الطربي (= جامع البيان يف ت�أويل القر�آن) /14 .158 – 13تف�سري الطربي (= جامع البيان يف ت�أويل القر�آن) /6 . 118 – 14جامع البيان يف ت�أويل القر�آن. 333 /10 – 15جامع البيان . 563 /3 – 16حمل املطلق على املقيد له ح��االت متفق عليها عند الأ�صوليني ،وحاالت خمتلف فيها .واحلالة املتفق فيها على احلمل هي حالة احتاد ال�سبب (املو�ضوع) واحتاد احلكم بني كل من املطلق واملقيد .وما نحن فيه منها. فال�سبب (مو�ضوع الآيات) واحد ،وهو القتال .واحلكم ني حمل الوجوب املطلق على واحد ،وهو الوجوب .فتع َ الوجوب املقيد… –17احلديث متفق عليه. – 18من كتابه( :قاعدة خمت�صرة يف قتال الكفار ومهادنتهم وحترمي قتلهم ملجرد كفرهم).
– 19بع�ض من مل يعجبهم ر�أي ابن تيمية املعرب عنه يف هذا الكتاب ،حاولوا الت�شكيك يف �صحة ن�سبته �إليه .ولكن عددا من املحققني ومن املخت�صني يف تراث ابن تيمية وم�ؤلفاته يجزمون ب�صحة الكتاب وم��ا فيه من كالم ابن تيمية .ومنهم حمقق الطبعة املذكورة �آنفا .ومنهم العالمة عبد اهلل بن زيد �آل حممود ،يف اجلزء الثالث من (جمموعة ر�سائل ال�شيخ عبد اهلل بن زيد �آل حممود). ومما ي�ؤكد قول ابن تيمية و�صحةَ ن�سبته �إليه ،ر� ُأي تلميذه اب��ن القيم ،ال��ذي �سي�أتي ذك��ره بعد ر�أي ابن تيمية.. – 20قاعدة خمت�صرة يف قتال الكفار ومهادنتهم وحترمي قتلهم ملجرد كفرهم� ،ص.121 –21نف�سه� ،ص .124/123 – 22نف�سه� ،ص92/91 – 23نف�سه� ،ص .134 � 24ص.137 – 135 � – 25ص .159/158 – 26املرجع نف�سه .179/178 – 27املرجع نف�سه �ص. 90 – 28هداية احليارى يف �أجوبة اليهود والن�صارى. � 29صحيح م�سلم ،باب ا�ستحباب الدعاء بالن�صر عند لقاء العدو. – 30ال�سالم العاملي والإ�سالم� ،ص. 29 – 31يق�صد يف تف�سريها على النحو املذكور. – 32مفاتيح الغيب �أو التف�سري الكبري . 352 /5 – 33التحرير والتنوير . 276 /2 – 34وانظر مزيدا من الأدلة على التوجه الإ�سالمي ال�سلمي، عند �شيخنا العالمة يو�سف القر�ضاوي ،يف الف�صل الأول من الباب الرابع ،من كتابه اجلليل (فقه اجلهاد) ،املجلد الأول� ،ص 413وما بعدها. – 35ال�سرية النبوية لعبد امللك ابن ه�شام .501 /1 � – 36أما تفا�صيله ودرا�ستها رواية ودراية ومتييزُ درجاتها من حيث ال�صحة وال�ضعف ،فيمكن الرجوع فيها �إلى: (ال�سرية النبو َّية – كتاب الدكتور �أك��رم �ضياء العمري ِّ املحدثني يف نقد ال�صحيحة حماولة لتطبيق قواعد ّ ال�سرية النبو َّية) . روايات ِّ – وكتاب ال�شيخ �إبراهيم العلي (�صحيح ال�سرية النبوية). � – 37صحيح البخاري ،باب ال�شروط يف اجلهاد وامل�صاحلة مع �أهل احلرب وكتابة ال�شروط. – 38ال�سرية النبوية ،من (البداية والنهاية) البن كثري (/3 .)324 � – 39صحيح م�سلم ب�شرح النووي . 140 /12 – 40مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ومكارمها� ،ص.227 – 41مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ومكارمها� ،ص.231 – 227
دور وسائل
دراسات
اإلعالم في نشر ثقافة الترشيد
الدكتور محمد طالب عبيدات وزير األشغال العامة واإلسكان األسبق -األردن
• �أهمية و�سائل الإع�ل�ام :تكمن �أهميتها يف .1تعريفات �إعالمية وتر�شيدية: �سرعة الإنت�شار العاملي للمعلومات والأخبار • تعريف و�سائل الإع�ل�ام :هي �أي تقنية �أو وحرية التعبري عن الر�أي ،و�أنها �أحد �أدوات و�سيلة �أو طريقة �أو �أداة �أو جهة تكنولوجية الت�سويق لت�شكيل حالة الوعي الإقت�صادي تتولى مهمة الإع�لام �أو منظمة �أو م�ؤ�س�سة وال�سيا�سي والإج��ت��م��اع��ي ،وو�سيلة هامة غ�ير ربحية �أو جت��اري��ة خا�صة �أو عامة، لن�شر الثقافة املجتمعية وامل��ع��رف��ة على ر�سمية �أو غري ر�سمية ،تكون مهمتها الرئي�سة الإط��ل�اق وف��ه��م ال��ن��ا���س لبع�ضهم ،وو�سيلة نقل الأخبار واملعلومات واحلقائق والآراء للرتفيه وامل��واه��ب وال�تروي��ج والإع�لان��ات والأفكار ون�شرها �أو حتى املوا�ضيع التجارية التجارية و�إك�ساب املهارات والفوائد الفكرية �أو الرتفيهة �أو الت�سلية �أو الأدب �أو الثقافة �أو والإب��داع��ي��ة والتعليمية ليتابعها الكبار الفنون �أو غريها. وال�صغار. • و�سائل الإعالم التي نتحدث عنها �إبان ثورة ت��ط � ّور و���س��ائ��ل الإع��ل�ام واال ّت�����ص� ّ�ال ت�شمل • �أ ّم���ا تر�شيد اال�ستهالك فيكون م��ن خالل ا�ستخدام امل���وارد املتاحة بال�شكل الأمثل املطبوعة وامل��ق��روءة (كاجلرائد وال�صحف وبكفاءة عالية ،وم��ن خ�لال االعتماد على وامل��ج�لات وم��ا ت�ساهم به منظمات املجتمع ٍ ٍ حمد ٍ دة والتفكري العقالين إجراءات � و تقنيات ّ املحلي كجمعيات حماية امل�ستهلك وغريها) دون �إحلاق الأذى ب�إنتاجية الأفراد وراحتهم، وامل�سموعة (كاملذياع والت�سجيالت ال�صوتية حيث � ّإن الرت�شيد يف ا�ستهالك هذه املوارد ال والإن�ترن��ت) واملرئية (كالتلفاز واليوتيوب ٍ بكفاءة يعني منع ا�ستخدامها ،بل ا�ستخدامها والإن�ترن��ت وغ�يره��ا) وامل��واق��ع الإلكرتونية ٍ للحد من �إ�سرافها �أو هدرها ،فال يتجاوز عالية ّ (الإنرتنت واليوتيوب وغريها وميزتها �أنها احلد �إ�سراف ًا �أو تقتري ًا باملعنى الو�سطي �أو جت��م� ُ�ع ب�ين ال��� ّ��ص��ف��ات املكتوبة وامل�سموعة الإع��ت��دايل ،والرت�شيد نقي�ض الإ���س��راف �أي واملرئ ّية والإلكرتون ّية وربطت العامل �أجمع عدم جتاوز احلد املباح �إلى ما مل ُيبح� ،سواء حتت ف�ضاء واحد حيث بات ال�شخ�ص الواحد �أك��ان بالإ�سراف �أو التقتري لأن كال احلالني ميتلك العامل بني يديه من خالل اخلليوي �أو مذموم ،لأن املحمود �شرع ًا وعرف ًا هو التو�سط على ُركبتيه من خالل (الآيباد) �أو (الالبتوب بينهما .وتلخّ �صه الآي��ة القر�آنية ( َوكُ � ُل��وا �أو املُت�ص ّفح ،و�أدوات التوا�صل الإجتماعي ِ ِ ني)، َوا�شْ َر ُبوا َوال ت ُْ�سرِ فُوا �إِ َن ُّه ال ُيح ُّب المْ ُْ�سرِ ف َ (ال��ف��ي�����س ب���وك وال��ت��وي�تر والإن�����س��ت��غ��رام ولذلك �إنت�شرت مفاهيم الرت�شيد من خالل والوت�س�آب وغريها) ،وكذلك ت�شمل املواطن �إ�ستخدام املياه والكهرباء بكفاءة ،وهذا ال�صحفي حامل الهواتف الذكية التي حتوي ال يعني بالطبع لأن ينت�شر املفهوم لي�شمل كل التقنيات احلديثة. ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
35
36
الرت�شيد يف ق�ضايا �أخرى كمداخالتنا �أو �إبداء الر�أي �أو البحث العلمي �أو الكتابة العلمية �أو الفنية �أو �إدارة الوقت �أو الإنفاق ب�شكل عام �أو غريها. • والنتيجة �أن ع��دم الرت�شيد تقتري ًا ي ��ؤول للنعت بالبخل و�إ���س��راف � ًا للنعت بالتبذير ولن�شر جمتمع الكراهية واحل�سد وال�ضغينة، والت�صرفان مذمومان لأنهما يفتقران لروحية ّ العطاء للآخر! • اجلزء الأول :ر�ؤى نظرية يف دور و�سائل الإع��ل�ام يف ن�شر ثقافة الرت�شيد ل�ل�إع�لام دور كبري ج��د ًا يف كثري من مفا�صل الرت�شيد ���س��واء يف ن�شر ال��ث��ق��اف��ات و�آل��ي��ات الرت�شيد وكفاءة الإ�ستهالك وتعزيز دولة الإنتاجية والإ�سرتاتيجيات الناظمة لذلك وغريها، وتالي ًا ملخّ �ص ور�ؤى ملا ميكن عر�ضه لهذا الدور ال��ذي نرجو اهلل خمل�صني �أن يكون توعوي ًا وتنويري ًا ال منطي ًا �أو كال�سيكياً: .1الإعالم الرت�شيدي :الإعالم هو الأداة الأقوى القادرة على تغيري العادات والتقاليد والثقافة املجتمعية ال�سائدة ،فالإعالم ي�سيطر على حوايل ثلث نهار حياة النا�س ،مما يعني �ضرورة �إ�ستهداف امل�ستهلكني ب�إيجابية وتطوير ر�سائل �إت�صالية منا�سبة لذلك دون تلوث ب�صري و�سمعي ،و�ضرورة الت�أكّد من احلد من الأثر البيئي للإ�ستهالك واحلد من الإعالم امل�ضلل والرتويجي املخادع ،والإنتباه �إلى امل�س�ؤوليات الإجتماعية والو�سائل الإعالمية ال�شفافة وال�����ص��ادق��ة ،و�إر����س���اء ثقافة الرت�شيد من خالل تب�صري املواطنني مبواطنتهم ال�صاحلة وجناحيها يف احلقوق والواجبات وعمودها الفقري يف الإنتماء للوطن ،وكذلك توعية املواطن بخطورة �إ�ستخدام بطاقات االئتمان والبيع بالتق�سيط كطرق ت�سمح للم�ستهلك ب�شراء �سلع تتجاوز قيمتها قدراته ال�شرائية. .2امل�صداقية والدقّ ة الإعالمية :احلفاظ على احلياد و�إب��راز ال��ر�أي وال��ر�أي الآخر ب�إتّزان، و�إختيار الأنباء والق�ضايا والتحليالت التي تهم وتخدم م�صالح اجلمهور و�ش�ؤونه العامة، و�إبراز القيم االجتماعية الوطنية والقومية وال��دي��ن��ي��ة وال�تراث��ي��ة والتنموية ،و�إب���راز الإعالم على �أنه م�ؤ�س�سة تعليمية و�إ�ستقدام املتخ�ص�صني للحديث يف اجلوانب املختلفة. .3الت�أ�سي�س ل�سلوك عقالين ور�شيد :وذل��ك من خالل تفعيل خمتلف الو�سائل وتن ّوع الربامج لتوعية امل�ستهلك وو�ضعه يف �صورة الواقع،
وت��وع��ي��ة امل���واط���ن ومت��ك��ي��ن��ه م��ن الت�صرف كم�ستهلك قادر على اختيار ال�سلع واخلدمات اختيارا واعي ًا ومدرك ًا حلقوقه وم�س�ؤولياته حتى ال يقع �ضحية ل��ظ��اه��رة اال�ستهالك ال�سلبية ،وامل�ساهمة يف توجيه املواطنني �صوب امل�شاركة يف �سيا�سات النمو االقت�صادي ال�سليم ال��ق��ائ��م على الإن��ت��اج واال�ستثمار واالدخ����ار وتر�شيد اال���س��ت��ه�لاك ،و�إدخ���ال مفهوم “الإ�ستهالك العقالين” كالإ�ستثمارات يف املنافع العامة و�شق الطرق لدعم خطوط الإن��ت��اج وكذلك امل��دار���س وم��واق��ف املركبات وخطوط النقل العام وغريها لأجل �أنها ت�ؤثّر يف م��واق��ع الإن��ت��اج �أو تخلق بيئة �إنتاجية لتعزيز مفهوم بناء دولة الإنتاج. .4م�شاركة املواطن للر�سائل الإعالمية :فم�شاركة املواطن لر�سائل الرت�شيد الإعالمية تعطيها �إطار �أخالقي وميثاق �شرف بالإلتزام بذلك وهي جزء من �إنتماءه للوطن. � .5إب���راز �إ�سرتاتيجيات ال��دول��ة للرت�شيد :من خ�لال �إب���راز ال�برام��ج احلكومية واحل��واف��ز الت�شجيعية خل��ف�����ض زي�����ادة اال���س��ت��ه�لاك والإ�سراف ودور الن�شطاء واملبادرات املحلية يف �إظهار الآثار البيئية لذلك ،والرتكيز على م�صلحة االقت�صاد الوطني من خالل ُح�سن �إدارة ال��ق��رارات اال�ستهالكية على م�ستوى الفرد والدولة معاً ،وت�شخي�ص الو�ضع الراهن �إقت�صادي ًا و�سيا�سي ًا و�إجتماعي ًا و�إت�صالي ًا من خالل خرباء يف املجاالت كافة ،وطرح �أليات الرت�شيد والثقافة الو�سطية وربطها بامل�صالح امل�شرتكة ب�ين امل�ستهلك وال��دول��ة والإع�ل�ام وغريها ،وتوجيه ال��ر�أي العام والإ�ستباقية يف ن�شر املعلومات غري امل�ضللة والتب�صريية املالئمة يف الوقت والظرف املحدد ،و�ضرورة ال�تر���ش��ي��د يف ه���ذه ال���ظ���روف وال��ت��ح��دي��ات الإقت�صادية ال�صعبة. .6منظمات املجتمع امل����دين :دع���م اجلمعيات ومنظمات املجتمع امل��دين واجلهات الفاعلة وال���داع���م���ة مل�����ش��اري��ع ال�تر���ش��ي��د ك��امل��دار���س واجلامعات والأ�سر واملنابر الدينية والإعالمية وال�شبابية واجلندرية وغريها لتب ّني عالقة ت�شاركية وتكاملية ال فزعوية بينها وبني و�سائل الإع�لام املختلفة وف��ق �إ�سرتاتيجية مبنية على ت�أ�سي�س منطية ل�سلوك �إ�ستهالكي ر�شيد لتجاوز التحديات الإقت�صادية بعيدة ومتو�سطة املدى ال الآنية فح�سب.
� .7أفكار التطوير والتغيري :طرح �أفكار التغيري يف النمط الإ�ستهالكي والوفاء بامل�س�ؤوليات وتطبيق ا�سرتاتيجيات تر�شيد اال�ستهالك بداية من تهيئة املناخ املالئم للإنتاج بتوفر للتوجه �صوب اال�ستهالك �شروط اال�ستدامة، ّ امل�س�ؤول والواعي وتفعيل دور الإعالم بطرح امل�شكلة و�أبعادها وت�أثرياتها على اجلمهور. � .8إع�لام اخلدمة العامة :الرتكيز على �إع�لام اخل��دم��ة ال��ع��ام��ة ل��دع��م اال���س�ترات��ي��ج��ي��ات التنموية وزي��ادة النمو الإقت�صادي ومفهوم الإ�صالح الإقت�صادي وتعزيز ثقافة الت�شاركية يف خلق ر�ؤى �إبداعية خارج ال�صندوق لتقلي�ص عجز املوازنة وجدولة الدين العام يف الوطن. .9دولة الإنتاج وامل�س�ؤولية املجتمعية :الرتكيز على امل�شاريع التنموية ال�صغرية واملتو�سطة وال��ت��ي تفتح �آف���اق فر�ص العمل والت�شغيل والإ�ستثمار وت�ساهم يف الق�ضاء على ب��ؤر الفقر والبطالة ب�أ�شكالها املختلفة ،وخلق ثقافة الإ�ستهالك بطابع �أخالقي و�إجتماعي لدعم ال�شركات التي تتب ّنى جانب امل�س�ؤوليات املجتمعية والتي ال ت�ضر بالإن�سان �أو احليوان �أو البيئة. � .10سيا�سة اجلودة :دعم �سيا�سات و�أ�سرتاتيجيات م�ؤ�س�سات ومنظمات املجتمع املدين املطالبة بتح�سني اجل���ودة �أو تخفي�ض الأ���س��ع��ار �أو مواءمة الأ�سعار مع اجلودة من خالل ثقافة مقاطعة بع�ض ال�سلع ذات الربح الفاح�ش وغري املعقول ،وت�شجيع �شراء املنتجات �أو اخلدمات ال��ت��ي لها �أق���ل ت ��أث�ير يف ال�صحة الب�شرية والبيئية كاملكونات الغذائية الأ�سا�سية غري امل�ص ّنعة �أو املعاجلة كيميائياً. .11كبح جماح جمتمع الكراهية :هنالك بع�ض الت�صرفات الإعالمية ال�سلبية يجب جت ّنبها، فعلى �سبيل امل��ث��ال ع��ر���ض ال�����ص��ور للطعام وال�شراب من خالل التوا�صل الإجتماعي يف هذه الظروف يخلق جمتمع الكراهية واحل�سد البغي�ض ،وعر�ض ال�صور ال�سلبية من خالل الإع�لام ي�ؤجج ال�شارع ويبث �سموم الفتنة والإنق�سام ،فالإعالم �سالح ذو حدين ،وعليه الت�صدق وبث يجب بث روح الإيجابية يف ُّ روحية العطاء عند القادرين واملليئني مالي ًا ودور الإع�ل�ام يف ط��رح ال�صورة الإيجابية للرت�شيد ال ال�سلبية. • اجلزء الثاين :ر�ؤى واقعية وبحثية وعلمية و�إ�ستق�صائية يف دور و�سائل الإع�لام يف ن�شر ثقافة الرت�شيد: .1دور الإع�لام يف تفعيل �إ�سرتاتيجيات تر�شيد �إ�ستهالك وتعزيز ثقافة الإنتاج والإدخ��ار:
-
-
-
•
•
•
•
درا���س��ة ماج�ستري لفرونيك �أب���و غ��زال��ة – اجلامعة اللبنانية .2012- ث��ق��اف��ة الإ���س��ت��ه�لاك ظ���اه���رة �إق��ت�����ص��ادي��ة واجتماعية عاملية كنتيجة لثقافة العوملة، واحل���رب الإع�لام��ي��ة ال��ب��اردة م�ستمرة بني ثقافتي الإ�ستهالك والرت�شيد. ع��ام�لان �أ�سا�سيان يدفعان امل�ستهلكني الى ���ش��راء �سلعة معينة :الإع��ل�ان ()%36.7 واحلاجة �إليها ( )%26وللإعالن دور رئي�س يف حتديد اخليارات الإ�ستهالكية ،فيما احلاجة تتقدم على الإع�لان ل��دى الأف���راد خ�صو�ص ًا لدى الأف��راد الذين بلغوا امل�ستويني الثانوي واجلامعي. احللول املقرتحة لتقوم املحطّ ات التلفزيونية املحلية بدعم ثقافة تر�شيد الإ�ستهالك بدل النزعة الإ�ستهالكية :ر�أى % 32من املُ�ستطلعني �أن امل�ؤ�س�سات الإع�لام��ي��ة املرئية بحاجة ملُح ّفزات لتبث املواد الإعالمية الرت�شيدية، بينما %28منهم ر�أى �أن مفتاح �إي�صال ر�سائل الرت�شيد عرب الإعالم يتم من خالل الرتكيز على تدريب القائمني على الإت�صال ،و %22ر�أوا �ضرورة تعديالت ت�شريعية لإي�صال ر�سائل الرت�شيد ،و %18ر�أوا �أن يتم تزويد حمطات التلفزة بربامج توعوية من خالل فريق ثاين كمنظمات املجتمع املدين. ل�ل��إع�ل�ام �أه��م��ي��ة يف ن�����ش��ر ق��ي��م الو�سطية وحم��ا���ص��رة ال��ت��ط��رف ،وخ��ط��ورت��ه يف ن�شر فكر ال�سلبية والغلو ،وهنالك دور لإ�ستثمار الإعالم اجلديد يف �إ�ستقطاب و�إغراء ال�شباب �أو حمايتهم من ال�سقوط ك�ضحايا كنتيجة للأفكار والقيم ال�سلبية. ن�سبة االعالميني املكلفني بكتابة ومتابعة ال��ت��ق��اري��ر واالح������داث اخل��ا���ص��ة بق�ضايا اال�ستهالك يف الأردن حوايل ،%8.33بيد �أن معدل ن�سبتهم يف بقية دول العامل تتجاوز ّ .%12 للإعالم دور كبري يف �ضبط �سلوكيات ال�شباب الإ�سرافية من حيث التفاخر والإ�ستعرا�ض والالمباالة وعدم الإ�ستجابة ملبادرات حمالت التوعية والهدر ب�سبب جمانية املوارد واخللط بني الكرم والإ�سراف. ممكن �ضبط ال�سلبيات لرت�شيد �إ�ستخدام �شبكة الإن�ترن��ت م��ن خ�ل�ال :و���ض��ع �أه���داف للإبحار يف ال�شبكة العنكبوتية ،و �ضبط وقت اال�ستعمال ،و عدم االعتماد على الإنرتنت كم�صدر وحيد للمعارف واملعلومات ،و االبتعاد عن املواقع امل�شبوهة وغري الآمنة.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
37
دراسات
دور منظمات المجتمع المدني في محاربة
أ.د .أمين مشاقبة
التطرف
وزير التنمية االجتماعية األسبق -األردن
38
التطرف لغة :حد ال�شيء وطرفه ،ويدل على عدم الثبات على الأم��ر ،واالبتعاد عن الو�سطية واخل��روج عن امل��أل��وف ،وجت��اوز احل��د والبعد عما عليه اجلماعة ،والتطرف يعني :جتاوز االعتدال يف العقيدة والفكر وال�سلوك. �أما التطرف كفعل فيعني جتاوز حد االعتدال واحل����دود املعقولة يف الأف��ك��ار وامل��ب��ال��غ��ة فيها، والتطرف كم�صطلح يعني املغاالت ال�سيا�سية �أو الدينية �أو املذهبية �أو الفكرية ،وه��و �أ�سلوب خطري مدمر للفرد واجلماعة ،والغلو هو �أعلى مراتب الإفراط يف ال�شيء� ،أما التطرف الذي يعني االنحياز �إلى طريف الأمر ،في�شمل الغلو ،لكن الغلو �أخ�ص منه يف الزيادة واملجاوزة. وب�شكل ع��ام فيمكن ال��ق��ول� ،إن ال��ت��ط��رف هو اخل��روج عن القيم واملعايري والعادات ال�شائعة يف املجتمع ،وتبني قيم ومعايري خمالفة لها� ،أو اتخاذ الفرد (�أو اجلماعة) موقف ًا مت�شدد ًا جتاه فكر �أو وبناء عليه �أيديولوجيا �سيا�سية �أو عقيدة دينية، ً ف�إن هناك جملة من الأ�سباب تقود للتطرف ،من �أهمها: �أ .الظلم والتهمي�ش والإق�صاء واال�ستبداد. ب .الأزم��ات وامل�شاكل ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية.
ت .التخلف واجلهل والأمية والفقر والف�ساد. ومن املمكن القول� ،إن اال�ستبداد ب�شقيه الداخلي واخلارجي هو �أح��د الأ�سباب امل�س�ؤولة عن بروز ظاهرة التطرف يف املجتمعات والتي تقود �إلى ا�ستخدامات العنف والإرهاب� ،أما مظاهر التطرف فهي: .1التع�صب ل��ل��ر�أي ال يعرتف ب��ر�أي الآخ��ري��ن، ورف�ض ر�أي الآخرين ،وي�ؤ�شر ذلك �إلى جمود املتع�صب مما ال ي�سمح له بر�ؤية مقا�صد ال�شرع وال ظروف الع�صر وال يعطي لنف�سه الدور يف حماورة الآخرين ،فاملتطرف يرى نف�سه دائم ًا على حق ،و�أنه حمتكر للحقيقة. .2الت�شدد والغلو يف الر�أي ،وحما�سبة الآخرين على اجلزئيات والفروع واحلكم على الآخرين �أحيان ًا بالكفر �أو الإحلاد. � .3سوء الظن بالآخرين والنظر �إليهم بنظرة ت�شا�ؤمية ال ترى �أفعالهم احل�سنة ،فالأ�صل هو االتهام والإدانة والإزدراء بالآخرين. .4الو�صول �إلى نقطة املدى الأخ�ير يف التطرف من خالل ا�ستباحة دماء و�أم��وال و�أعرا�ض الآخرين بحكم اخلروج عن الدين �أو املذهب �أو اتهامهم بالكفر والإحلاد. وعليه ف�إن التطرف حالة من اجلمود والتحجر
واالنغالق العقلي وتعطيل القدرات الذهنية عن الإب���داع واالبتكار وع��ن �إيجاد احللول للم�شاكل، ورف�ض الآخ��ر ،وعدم قبول التعددية الفكرية �أو ال�سيا�سية واحتكار احلقيقة ،و�إن انت�شار التطرف �سيكون م��ه��دد ًا للمجتمع (ال���دول���ة) بالتفكك واالنهيار. دور م�ؤ�س�سات املجتمع املدين يف حماربة التطرف تعرف م�ؤ�س�سات املجتمع املدين ب�أنها عبارة عن تنظيمات غري حكومية (�أهلية) متلأ املجال العام بني الأ���س��رة ،وال��دول��ة ،وال�سوق ،وتن�ش�أ ب��الإرادة احلرة الطوعية لأ�صحابها من �أجل ق�ضية �أو م�صلحة �أو للتعبري عن م�شاعر معينة ملتزمة بقيم الرتا�ضي والت�سامح والإرادة ال�سلمية وم�ستقلة عن ال�سلطة ال�سيا�سية (احلكومة) ،وتقا�س ه��ذه التنظيمات مب��دى ا�ستقالليتها ع��ن ال�سلطة ال�سيا�سية� ،أم��ا تعريف البنك الدويل مل�ؤ�س�سات املجتمع املدين في�شري �إلى جمموعة وا�سعة من النطاق من املنظمات غري احلكومية ( )NGOواملنظمات غري الربحية التي لها وجود يف احلياة العامة ،وتنه�ض بعبء التعبري عن اهتمامات وقيم �أع�ضائها �أو الآخرين ا�ستناد ًا �إلى اعتبارات �أخالقية �أو ثقافية �أو �سيا�سية �أو علمية �أو دينية �أو خريية. ومن �أهم ال�سمات التي متتاز بها هذه املنظمات القدرة على التكيف� ،إذ �إنها متتلك القدرة القانونية
والتنظيمية ب�شكل ميكّنها من التكيف مع املتغريات يف البيئة التي تعمل بها ،كذلك اال�ستقالل بالر�أي والقرار عن ال�سلطة ال�سيا�سية ،وهي لي�ست تابعة جلهة حكومية وال تكون خا�ضعة لغريها من املنظمات وامل�ؤ�س�سات ،ناهيك عن التجان�س ،حيث تعمل وفق منظومة متكاملة وبرامج مدرو�سة وب�شكل توافقي، مم��ا ال ي����ؤدي �إل���ى ���ص��راع��ات واخ��ت�لاف��ات داخ��ل امل�ؤ�س�سة. وعليه ف ��إن م�ؤ�س�سات املجتمع امل��دين متنوعة ومتعددة يف �أنواعها و�أهدافها ،ومنها على �سبيل املثال ما ي�أتي: النقابات املهنية على خمتلف �أنواعها وقطاعاتها. النقابات العمالية. احلركات االجتماعية. اجلمعيات الأهلية واخلريية. اجلمعيات التعاونية. النوادي الريا�ضية. النوادي الثقافية واالجتماعية. نوادي هيئات التدري�س يف اجلامعات. نقابات املعلمني. املراكز ال�شبابية واالحتادات الطالبية. -الغرف ال�صناعية والتجارية.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
39
40
جماعات رجال الأعمال. مراكز البحوث والدرا�سات. مراكز حقوق الإن�سان ،واملر�أة ،والطفولة والبيئةواملراكز التنموية ،و�إلى غري ذلك من م�ؤ�س�سات ومنظمات. وميكن النظر �إل��ى ه��ذه املنظمات وامل�ؤ�س�سات ب�أنها تعبري عن ر�سالة اجتماعية �سيا�سية من القيم والأف��ك��ار واملمار�سات التطوعية واخلريية وحب الب�شرية والتعا�ضد املتبادل الهادف لبناء الأ�س�س والبنى التحتية ملجتمع مدين متح�ضر يقوم على مبادئ التطوعية واال�ستقالل الذاتي واملواطنة الفعالة وامل�شاركة القائمة على التوفيق بني امل�صالح اخلا�صة املتباينة من �أج��ل ال�صالح العام وقبول االختالف والتنوع؛ ما يقود �إل��ى جتويد وحت�سني ر�أ�س املال االجتماعي باجتاه �إع��ادة هيكلة البنى والبيئة االجتماعية ل�صالح التعددية والعلنية واالعتدال والت�سامح والتعامل ال�سلمي. وعليه ،ف�إن منظمات املجتمع املدين تلعب دور ًا فاع ًال يف عمليات التن�شئة االجتماعية وال�سيا�سية، وهي �إحدى الو�سائل الرئي�سة يف هذا املجال ،وميكن لنا �إيجاز الأدوار التي تقوم بها منظمات املجتمع املدين يف مكافحة التطرف والغلو ومن خالل ما يلي: �أو ًال :حتقيق النظام واالن�ضباط يف املجتمع� ،إذ �إن هذه املنظمات لي�ست تطرفية �أو موجهة ،والأ�صل فيها احل��ي��اد واحل��ي��ادي��ة يف العمل والإج����راءات املتعلقة بتلك املنظمات ،وت�شكل �أداة رقابية على �سلطات احلكومة و�ضبط �سلوك الأفراد واجلماعات جتاه بع�ضهم البع�ض ،ومن املعروف �أن كل منظمة لها جملة من القواعد (النظام الداخلي) بخ�صو�ص احلقوق والواجبات امللقاة على عاتق الفرد املن�ضوي حتت مظلتها كع�ضو فيها ،وبع�ض املنظمات تلزم الأع�ضاء بالقواعد والأ�س�س و�أحيان ًا تكون �شرط ًا لقبولهم يف الع�ضوية. ثاني ًا :عمليات التن�شئة االجتماعية وال�سيا�سية، حيث �أن ه��ذا ال���دور م��ن �أه��م الأدوار التي تقوم بها منظمات املجتمع امل���دين م��ن القيم وامل��ب��ادئ ب�ين الأف���راد الأع�����ض��اء وغ�ير الأع�����ض��اء م��ن خالل
الن�شاطات املختلفة التي تقوم بها ،ناهيك عن خلق القيم املثالية واالنتماء والوالء والتعاون والت�ضامن والقدرة على حتمل امل�س�ؤولية وتنقل هذه القيم لبقية �أفراد املجتمع بو�سائل متعددة ،وت�سعى هذه املنظمات �إلى تعزيز روح املبادرة بني الأف��راد؛ ما يقود �إلى طرح وابتكار مقرتحات خالقة تعزز بناء قدرات املجتمع ب�صورة كلية. �إ�ضافة �إل��ى ق��درة هذه امل�ؤ�س�سات على احرتام حرية الفرد واملجموعات� ،إذ ال يتغول عليها �أحد ب�سبب معتقده� ،أو مذهبه ،وه��ذا معيار �أ�سا�سي يف تكوين منظمات املجتمع امل��دين ،حيث تعمل على حماية الفرد ومعتقده ومتثل مظلة قانونية للجميع، وهي �أي�ض ًا حامية للآخر ال مكان فيها للعن�صرية، والتطرف ،والغلو ،وال مكان فيها للإق�صاء والتهمي�ش للآخرين ،وي�ضاف �إلى ذلك احرتام حقوق الإن�سان ال�سيا�سية واملدنية قو ًال وفع ًال من حيث دعم وتعزيز حقوق الفرد الأ�سا�سية وال�سيا�سية والثقافية واالقت�صادية بغ�ض النظر عن جن�سه� ،أو عرقه، �أو دينه� ،أو معتقده ال�سيا�سي� ،أو مذهبه ،فهي تلعب دور ًا �أ�سا�سي ًا يف حماية احلريات العامة وحقوق املواطنني ،وبالتايل ال جمال فيها للتطرف والغلو لأن من �أهم �أ�سا�سياتها هو معيار االعتدال والتوازن، وت�ساهم �أي�ض ًا يف عملية ن�شر الوعي والثقافة املتوازنة املعتدلة من �أجل �ضمان حريات وحقوق املواطنني و�إعالء مبادئ امل�ساواة و�إر�ساء العدل يف الواجبات ،وهذا بحد ذاته يكفل للدولة والوطن م�ستويات عالية من الأمن واال�ستقرار. �إن وجود م�ؤ�س�سات ومنظمات جمتمع مدين فاعلة ت�سهم يف تو�سيع قاعدة امل�شاركة ال�سيا�سية ،وتعميق م�ستويات الدميقراطية وتعميق امل�شاركة املجتمعية على �أ�س�س قانونية وم�شروعة ،وهذا بحد ذاته دور مهم يف عملية التن�شئة التي تقوم بها هذه امل�ؤ�س�سات يف بناء جمتمع واعٍ �سيا�سي ًا ودميقراطي ًا� ،إذ ميار�س فيه كل فرد حقوقه وحرياته دون االعتداء على الآخرين والكيان ال�سيا�سي للدولة.
دراسات
الجودة الشاملة في الفكر اإلسالمي
دكتور سهم سامي المجالي
()1
األردن -1ماهية مفهوم اجل���ودة :تتعدد وتتباين العمل ،ومتوافقه مع متطلبات الزبون والذي يكون قد قام يف و�ضع هذه املتطلبات جلودة تعاريف اجل��ودة ،اال انه ال يوجد تعريف �شامل ال�سلعه واخلدمات التي يح�صل عليها ،وبهذا لها ،امنا ت�شرتك جميع التعاريف بانها تركزعلى ال�صدد يكون ال�سعر،وموعد الت�سليم يف املوعد اظهار �سمة او اك�ثر من �سمات اجل��ودة ،وهنا ال املحدد ،و�سهولة ال�صيانة وح�صول امل�صنع على بد من بيان معنى اجلودة يف ا�صل اللغة :فاجليد اجلزاء التي تدخل يف �صناعة ال�سلع �أو تقدمي نقي�ض ال��رديء ،و�أج��اد ات��ى باجليد من قول �أو اخلدمة ،عنا�صر مهمة ت�ؤثر على الزبون يف ال�شي �صيرّ ه جيدا” و�أجود �أتى عمل ،ويقال �أجاد ْ اختياره منتجا �أو خدمة حمددة �،أي القدرة باجليد من القول والعمل . على تقدمي اف�ضل �أداء وا�صدق �صفات . �أما اجلودة يف علم االادارة ف�أن اهم التعاريف التي اوردها الباحثون واملهتمون مبو�ضوع اجلودة ﺠ -املطابقة مع متطلبات العميل(كرو�سبي) : بناءا على هذا التعريف فان جودة اخلدمه كما يلي: او املنتج يتم �إذا كان املنتج �أو اخلدمة ي�شبع -1درجة التف�ضيل :فاجلودة تعني ملعظم النا�س كل املتطلبات املحددة من قبل الزبائن �سواء التف�ضيل ، Superlativeاي ان اجلوده و�ضمن ح��ددت يف عقد ال�شراء �أو ح��ددت مبوجب هذا التعريف تعترب مرادفه للرفاهيه والتميز املوا�صفات املعلنة واملحددة �أوحددت مبوجب وتعد جودة املنتوجات متاحة للقادرين على قانون �أوغ�ير ذلك.و�ضمن نظام اجل��ودة يف الدفع . املنظمات ف����أن املتطلبات حت��دد م��ن خالل ب -امل�لاءم��ة لال�ستخدام(جوران)� :ضمن هذا الوثائق .ف�إذا ت�ضمن العقد بني املجهز والزبون التعريففاناجلودةتعنياملطابقة لال�ستعمال، مطابقة وثائق نظام اجلودة ،ف�أن متطلبات بحيث تكون حمققة لالمان للعاملني عند اداء النظام ت�صبح هي متطلبات ال��زب��ون،و�أك��د ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
41
كرو�سبي ب�أنها تن�ش�أ من الوقاية Preventative ولي�س من الت�صيحيح Correctiveوب�أنة ميكن
42
قيا�س مدى حتقيق اجلودة من خالل كلف عدم املطابقة. د -عرفت اجلمعية االمريكية ل�ضبط اجل��ودة ( )ASQCواملنظمة االوربية ل�ضبط اجلودة ( )EOQCاجل��ودة :ب�أنها “املجموع الكلي للمزايا واخل�صائ�ص التي ت�ؤثر يف قدرة املنتج �أو اخلدمة على تلبية حاجات معينة " . عرف اجلودة هـ -املهند�س الياباين (تاكو�شي) ّ ب�أنها “تعبري عن مقدار اخل�سارة التي ميكن تفاديها والتي قد ي�سببها املنتج للمجتمع بعد ت�سليمه" ،ويت�ضمن ذلك الف�شل يف تلبية توقعات الزبون ،والف�شل يف تلبية خ�صائ�ص االداء ،وال��ت��أث�يرات اجلانبية الناجمة عن املجتمع كالتلوث وال�ضجيج وغريها . وهنا ف�أنني اتفق مع الآراء التي ت�ؤكد بان هناك معنيني للجودة : املعنى االول مادي ،وهنا يكون م�ؤ�شرات قيا�سمعتمدة عاملية ،مثل ن�سبة وف��ي��ات ح��وادث املرور لكل 100,000ن�سمه من ال�سكان . املعنى الثاين ح�سي ،وهو يركز على م�شاعرمتلقي اخلدمة او ال�سلعة واحا�سي�سه،اي ما هو م�ستوى ر�ضى وقناعة متلقي اخلدمة او ال�سلعة عن م�ستوى جودة اخلدمة او ال�سلعة املقدمة له. -2تاريخ اجلودة : ك��ان امل�����ص��ري��ون ال��ق��دم��اء م��ن اول م��ن عرف قيم اجل��ودة وح�ساب االبعاد الن�سبية ومتثيلها ب��دق��ة،ح��ي��ث ان ال��ت��ف��اوت يف ط��ول اي �ضلع من ا�ضالع الهرم االك�بر يف اجليزة مل يتعد 0.005 من متو�سط اط��وال اال���ض�لاع،ال��ذي يبلغ حوايل 36.230م�ت�را،وه���ذه دق���ة ك��ب�يرة مب��ا يتعلق باحلجم الكلي للهرم ،كذلك يرجع تاريخ اجلودة ال��ى ق��ان��ون ح��م��وراب��ي ملك ب��اب��ل،ال��ذي يحتوي ع��ل��ى �أق����دم ال��ق��واع��د ال��ق��ان��ون��ي��ة ال��ت��ى عرفها االن�سان،حيث ت�ضمنت تكاليف اخلدمات املقدمة ور�سومها،واالن�سان ال��ذي ي��زور متحف اللوفر يف باري�س يقر�أ هناك الئحة �ضخمة حتتوي على اقدم الئحة جزاءات حلاالت االهمال والق�صور يف الأداء. ويف ظل الدولة العربية اال�سالمية عرف الب�شر قواعد قانونية و�أ�س�سا �صحيحة ار�سى دعائمها
ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي ،وال�سنة النبوية ،واملمار�سات العملية للفقهاء ،م��ن اج��ل بناء جمتمع ق��وي، مر�صو�ص البنيان ،وعند النظر الى اكرث مبادئ اجل��ودة يجد انها م�ستعارة من تعاليم اال�سالم ،وال��ت��ي اخ��ذت بها ال�سنةالنبوية ،وال�صحابة، والتابعون من اويل العلم والف�ضيلة ،وت�شتمل هذه املبادي على حرية االن�سان واحرتام العلم، وال�شورى يف ات��خ��اذ ال��ق��رارات ومعاجلة االم��ور ب�شكل عام ،وحتقيق العدالة وامل�ساواة باال�ضافة الى التعاون والت�ضامن بني االفراد. بعد ذلك جاءت م�ساهمات احل�ضارة الغربية وال��ت��ي رك���زت ع��ل��ى روح املناف�سة ب�ين امل�صانع وال�شركات ,وا�ستخدام اال�ساليب والطرق اجلديدة لتح�سني م�ستوى االداء. وا�ستمرت م�سرية تطوير مفاهيم و�آل��ي��ات اجلودة يف القرن الع�شرين ومن ثم القرن الواحد والع�شرين ،حيث ظهر علم توكيد اجلودة وظهور عدد من علماء اجلودة مثل “�شيوارت ،“Shewart وادوارد دمينج “ ”Edward DEMINGوغريهم. وب���رزت حلقات اجل���ودة وا���س��ت��خ��دام اال�ساليب النظرية االح�صائية ،وظهرت بعد ذل��ك ادارة اجلودة ال�شاملة وادواتها ثم معايري االيزوISO بجميع ا�شكالها و���ص��وال ال��ى � 6سيجما ومعايري وجوائز التميز . -3ماهية مفهوم ادارة اجلوده ال�شاملة. تعد �إدارة اجل���ودة ال�شاملة منهجا علميا متكامال ،وهي احد االنظمة االدارية احلديثة يف االداره التي تهدف الى تطوير االداء يف املنظمات بهدف حت�سني ج��ودة املنتج او اخلدمة ،ومتثل �إدارة اجلودة ال�شاملة �أ�سلوبا يتميز بال�شمولية حيث انها ت�شمل كافة اج��زاء املنظمه ،وتعتمد على م�ساهمة جميع �أفراد املنظمة لتحقيق النجاح طويل املدى من خالل حتقيق ر�ضا الزبون وحتقيق املنافع جلميع �أفرادها وللمجتمع. اذن ميكن تعريف ادارة اجلودة ال�شاملة على انها ممار�سة العمليات االدارية يف املنظمات با�سلوب علمي متطور من خالل اجراء املراجعة امل�ستمرة والتح�سينات لهذه العمليات وب�شكل ي�ضمن عدم وجود اخطاء او عيوب ،وذلك لالرتقاء يف م�ستوى ج��ودة املنتج اواخل��دم��ة ،بغية ار���ض��اء وحتقيق متطلبات ورغبات متلقي اخلدمة على ان ي�شارك جميع العاملني باملنظمة يف حتقيق ذلك وان ت�شمل جميع ن�شاطات العمل.
� -4أهمية �إدارة اجلودة ال�شاملة . � -1أ�صبحت اجل���ودة ال�شاملة م��ن امل��رت��ك��زات اال���س��ا���س��ي��ة ل��ن��ج��اح امل��ن��ظ��م��ات وه���ي و�سيلة قوية لتحقيق ر�ضا املتعاملني وحت�سني املنتج وتخفي�ض التكاليف وحتقيق الربح ،وهذا ما اثبتته جتارب العديد من ال�شركات وخ�صو�صا يف اليابان بوجود عالقة قوية بني تعميق فل�سفة اجل���ودة ال�شاملة وزي����ادة ارباحها وو�ضعها التناف�سي يف ال�سوق . ب -ادى ظهور العديد من الظواهر ال�سلبية يف املنظمات ال��ى تبني �إدارة اجل��ودة ال�شاملة واعتبارها �ضرورة ملحة ل�ل��إدارة ،ومن �أهم هذه الظواهر : -1زيادة الوقت املقرر للعمليات . -2زيادة حدة املناف�سة بني ال�شركات. 3ـ -زيادة عدد �شكاوى العمالء . -4اجتاه العاملني ذوي اخلربة لرتك املنظمات . -5انتقال التناف�س من ال�صعيد املحلي الى ال�صعيد العاملي . ج -ان تبني منهجية ادارة اجل��وده ال�شامله يف املنظمات يربز �أهمية “�إدارة اجلودة ال�شاملة” بانها ت�ؤدي �إلى حتقيق الفوائد التالية -1تلبية متطلبات الزبائن من خالل الرتكيز على حاجات متلقي اخلدمة واال�سواق. -2حت��ق��ي��ق ج����ودة ع��ال��ي��ة يف ج��م��ي��ع امل��واق��ع الوظيفية ون�شاطات املنظمة وعدم اخت�صارها على ال�سلع واخلدمات . -3جتويد وتعديل عدد من االجراءات ال�ضرورية واملهمه الجناز االداء بجودة عالية. -4التقييم امل�ستمر للعمليات وا�ستبعاد الفعاليات الثانوية يف �إنتاج ال�سلع وتقدمي اخلدمات . -5متابعة امل�شاريع للجميع وتقييمها للتحقق من حاجة امل�شاريع للتح�سني وتطوير مقايي�س االداء . -6خلق فر�ص العمل �سعيا لتطوير نهج الفريق حلل امل�شاكل وحت�سني العمليات. -7تطوير اال�سرتاتيجية التناف�سية والفهم الكامل والتف�صيلي للمناف�سني لتطوير عمل املنظمة . -8خلق وتطوير منظومة ات�صال ت�ساعد يف اجناز
العمل ب�صورة جيدة ومتميزة. -9تطوير ا�سرتاتيجية التح�سني امل�ستمر من خالل املراجعة امل�ستمرة ل�سري العمليات . -5اجلودة يف اال�سالم. ُي َع ُّد الإ�سالم منهاج ًا متكام ًال يف الإ�صالح وال�ترب��ي��ة وال��ت��غ��ي�ير ،وه���و ���ش��ام��ل ل��ك��ل ج��وان��ب احلياة ،ولكل اهتمامات الإن�سان يف ذات الوقت، ومفهوم اجل��ودة موجود يف كل تعاليم الإ�سالم بكل م�ضامينه ،وهو مطلب لإر�ضاء اهلل عز وجل، و�إر���ض��اء الآخ��ري��ن ،ومفهوم اجل��ودة يف الإ�سالم فرع من منظومة القيم الإ�سالمية املتميزة ويعرب عنها بالدقة والإتقان واالح�سان يف كافّة جوانب احلياة ،وقد وردت العديد من الن�صو�ص القر�آنية والأح��ادي��ث النبوية ال�شريفة املعربة عن هذه املفاهيم يف مواطن كثرية و�أل��ف��اظ عديدة ومن هذه الن�صو�ص قوله تعالى } َو�أَ ْن� ِف� ُق��وا فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ َو اَل ُت ْلقُوا ِب�أَ ْي ِديك ُْم �إِ َل��ى ال َّت ْه ُلك َِة َو�أَ ْح ِ�سنُوا ني {(البقرة ،)195وقولة �إ َِّن اللهَّ َ ُي ِح ُّب المْ ُْح ِ�س ِن َ اع َملُوا ف ََ�سيرَ َ ى اللهَّ ُ َع َم َلك ُْم َو َر ُ�سول ُُه تعالى } َو ُقلِ ْ ُون{(التوبة ،)105ك��م��ا ورد يف احلديث َوالمْ ُ�ؤْ ِمن َ ال�شريف �( :إن اهلل كتب الإح�سان يف كل �شيء) ، وقوله (�إن اهلل تعالى :يحب من العامل �إذا عمل �أن يح�سن) ،ومفهوم الإح�سان مفهوم وا�سع ويعني: “فعل الإن�سان ما ينفع غريه بحيث ي�صري الغري ح�سن ًا به �،أو ي�صري الفاعل به ح�سن ًا بنف�سه “ � ،إن الإح�سان يقت�ضي من امل�سلم �إتقان العمل املنوط به �إتقان من يعلم علم اليقني �أن اهلل عز وجل ناظر �إليه مطلع على عمله ،وبهذا الإتقان تنه�ض الأمم وترقى املجتمعات ،ومن هذه الن�صو�ص قول الر�سول �( :إن اهلل تعالى يحب �إذا عمل �أحدكم عم ًال �أن يتقنه) . �أ -مفهوم اجلودة يف الإ�سالم : هي املوا�صفات واخل�صائ�ص املتوقعة يف املنتج ويف العمليات والأن�شطة واخلدمة التي من خاللها يتحقق ر�ضا رب العاملني �أو ًال ،وبالتايل يتحقق ر�ضا االن�سان ،وحتقيق تلك املوا�صفات واخل�صائ�ص ت�ساهم يف ر���ض��ا و�إ���ش��ب��اع رغ��ب��ات امل�ستفيدين، وتت�ضمن ال�سعر،والأمان،والتوفر ،واملوثوقية، واالعتمادية ،وقابلية اال�ستعمال . ويتحقيق كذلك ر�ضا رب العاملني بتحقيق العمل ال�صالح بجميع �أب��ع��اده الدينية واالجتماعية والكونية ،وبتحقيق النية ال�صاحلة يف العمل ،ومطابقة العمل لل�سنة ،ومت��ام العمل ووفائه،
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
43
44
وال�صدق يف �أداء العمل والإخال�ص فيه ،واملجاهدة، واال�ستمرارية فيه ومراقبة اهلل يف العمل ،والتي ت�ستوجب الرقابة الذاتية يف العمل وتقييم جودته .فتحقيق ر�ضا رب العاملني �سبيل لتحقيق ر�ضا امل�ستفيدين . ب -جماالت اهتمام الإ�سالم باجلودة: .1يف جمال العمل :دعا الإ�سالم �إلى �إتقان العمل، فمن ذلك قوله �صلى اهلل عليه و�سلّمَّ �( :إن َ اهلل كم اً عمل � ْأن ُيت ِقن َُه) تعالى ُي ِح ُّب �إذا عمِلَ � ُ أحد ْ [ح�سن] ،وهنا �أطلق الر�سول كلمة العمل بحيث تعني �أي عمل �سواء كان عم ًال ديني ًا �أو عم ًال اجتماعي ًا �،أو عم ًال اقت�صاداًي � ،أو عم ًال تربوي ًا � ،أو عم ًال ع�سكرياً. .2يف جم��ال التعليم :اه��ت� ّ�م الإ���س�لام ب�إتقان التعليم ،وح�سن الإفادة من العمل ّية التعليم ّية. .3يف جم��ال الرتبية :اهتم الإ���س�لام اهتمام ًا عظيم ًا بالرتبية وال��ت��زك��ي��ة ،ق��ال تعالى: َ اها{ اب َم ْن َد َّ�س َ }ق ْد �أَ ْفل ََح َم ْن َز َك َ ّاهاَ ،و َق ْد خَ َ [ال�شم�س9 :ـ.]10 .4يف العالقات الزوج َّية :اهتم الإ�سالم بوجود العدل واخلريية يف املعاملة ،قال �صلى عليه ريكم ريكم لأه ِله و�أن��ا خ ُ ريكم خ ُ و�سلم( :خ ُ لأهلي) ح�سن �صحيح. اهتم الإ�سالم بح�سن تربية .5يف تن�شئة الأبناءّ : الأبناء ،وب�ضرورة العدل بينهم يف املعاملة. .6يف احلكم وال�سيا�سة :حر�ص الإ�سالم على اجلودة لقوله �صلى اهلل عليه و�سلم( :ك ُلّكم را ٍع ؤول عن رعي ِته ،فالإما ُم را ٍع وهو م�س� ٌ وم�س� ٌ ؤول عن رعي ِته ،والرجلُ يف �أه ِله را ٍع وهو م�س� ٌ ؤول عن رعي ِته ،واملر�أ ُة يف ِ ٌ راعية ،وهي بيت زوجِ ها ؤولة عن رعي ِتها ،واخلاد ُم يف مالِ ِ م�س� ٌ �سيده را ٍع وهو م�س� ٌ ؤول عن رعي ِته) [�صحيح البخاري] .7يف الأخ�لاق� :صرح �صلى اهلل عليه و�سلم � ّأن من �ضمن �أهداف بعثته ،اجلوانب الأخالق ّية، عثت لقوله �صلى اهلل عليه و�سلم �( : مَّإن���ا ُب ُ لأ ِ مت َّم مكار َم الأخالقِ ) [�صحيح] .8يف العالقات الدولية :بانتظامها على �أ�س�س من الأخالق والعدل وال�صدق اخلا�صة .9يف البيع وال�شراء :بو�ضع الأحكام َّ بذلك ،ومبنع الغ�ش ،والغنب والتغرير .10يف الق ّوة والإعداد :جودة متناهية نلم�سها
����دوا َل ُهم َّما يف الإ���س�لام ،ق��ال تعالىَ } :و�أَ ِع� ُّ ا�ستَطَ ْعتُم ِّمن ُق َّو ٍة َو ِمن ِّر َب ِ اط خْ َ ون ال ْيلِ ت ُْر ِه ُب َ ْ ب ِِه َع ُد َّو هَّ ِ الل َو َع ُد َّوكُ ْم{ الأنفال]60: .11ميادين متنوعة :حيث جند اهتمام الإ�سالم باجلودة والإح�سان والإتقان ،فنجده تبنى ال�شورى ك��أح��د دع��ائ��م احل��ك��م ،وك��ذل��ك يف عالقات امل�سلمني ببع�ضهم ب�شكل ع��ام ،ورفع الإ�سالم �شعار التدقيق واملحا�سبة وال �س ّيما يف الأمور املال ّية ،ودعا �إلى الإخال�ص يف �شتى الأمور ،يف العمل ،والقول ،وحر�ص على حتقيق التكافل الإجتماعي م��ن خ�لال ع��دة �أم��ور، ومنها� : إيجابية للعمل ،وحثّه على التعاون، تعد ركيزة �أ�سا�س ّية يف ونظام ال�صدقات التي ّ حتقيق التكافل يف املجتمع. ج � -آثار اجلودة على الفرد واملجتمع طم�أنينة الفرد و�سعادته نيل حم ّبة اهلل عز وجل نيل حمبة النا�س متا�سك املجتمع وازدهاره ورقيه يف �شتىجماالت احلياة. ري��ادة الأ ّم��ة وعلو �ش�أنها ،ورهبتها بنيالأمم. ت�شجيع القيم الإيجاب َّية وف�ضح القيمواملواقف ال�سلب َّية. ثقة الفرد بنف�سه وب�شعبه و�أمته. ثقة الأ ّمة ب�أبنائها ،وحتقيق كفايتها بهم اال�ستقرار الداخلي ،وطيب العالقة بنياحلاكم واملحكوم -6مبادئ اجلودة ال�شاملة من منظور �إ�سالمي : لقد تباينت �آراء الباحثني والكتاب يف مو�ضوع اجل���ودة يف حت��دي��د امل��ب��ادئ ال��ت��ي ت�ستند �إليها اجلودة،بحيث ت��ورد بع�ض امل��ب��ادئ كمتطلب �،أو يذكر املتطلب كمبد�أ لإدارة اجلودة ال�شاملة �إال �أن هناك بع�ض املبادئ التي �أتفق عليها ،وعند النظر يف هذه املبادئ جند �أن لها �أ�صو ًال �إ�سالمية وا�ضحة تربز من خالل بع�ض الآيات القر�آنية ،والأحاديث النبوية ال�شريفة ،والتطبيقات الفعلية التي وردت يف �سرية امل�صطفى �صلى اهلل علية و�سلم ،وتتلخ�ص هذه املبادئ فيما يلي:
-1التخطيط اال�سرتاتيجي (و�ضوح �أهداف امل�ؤ�س�سة ور�سالتها) : �إن ر�سم خطة �شاملة تعتمد على و�ضع ر�ؤية م�ستقبلية وا�ضحة وحمددة ور�سالة حتدد معامل الطريق و�أه��داف وا�سعة وبعيدة امل��دى �سيمكن من �صياغة اال�سرتاتيجية ،ومن ثم ت�سهل و�ضع ال�سيا�سات والربامج يف �ضوء حتليل معمق للبيئة الداخلية واخلارجية للمنظمة .وتعرف �أهداف امل�ؤ�س�سة ور�سالتها ب�أنها :الغر�ض الذي من �أجله وجدت امل�ؤ�س�سة ،وهي :هوية امل�ؤ�س�سة ،ومربرات وج��وده��ا ،والتوجهات واخل��دم��ات التي تقدمها وتنبثق �أه��داف امل�ؤ�س�سة ور�سالتها من الغايات العظمى للحياة الإن�سانية ،وت�ساعد على حتديد العمليات ،والأدوار ،واملعايري التي يتم تقييم العمل وفق ًا لها.و�إجرائي ًا هي حتديد الغايات والأن�شطة واخل��دم��ات التي تقدمها امل�ؤ�س�سة ب�شكل وا�ضح وقابل للتغيري يتوائم مع �أهداف اجلودة ال�شاملة .فو�ضوح الأه��داف ي�ساعد على الر�ؤية ال�سليمة لكافة الإجراءات واجلهود املبذولة لقوله تعالى: }�أَ َف َم ْن يمَ ْ ِ�شي ُم ِك ًّبا َعلَى َو ْجه ِِه �أَ ْه َدى�أَ َّم ْن يمَ ْ ِ�شي َ�س ِو ًّيا َعلَى ِ�ص َر ٍ يم{ (امللك . )22 اط ُم ْ�س َت ِق ٍ -2الرتكيز على امل�ستفيد(العميل) : فاجلودة هي ترجمة الحتياجات وتوقعات امل�ستفيدين (العمالء) �سواء كانوا م�ستفيدين داخليني �،أو م�ستفيدين خارجيني �إلى خ�صائ�ص حمددة تكون �أ�سا�س ًا يف ت�صميم اخلدمات وطريقة �أداء العمل يف امل�ؤ�س�سة من �أج��ل تلبية توقعات امل�ستفيدين وال�سعي لتحقيقها وحتقيق ر�ضاهم ،حيث دعا الإ�سالم �إلى ح�سن التعامل مع امل�ستفيدين �أثناء تقدمي اخلدمة ،فاجلودة بدايتها بامل�ستفيد ونهايتها بامل�ستفيد ،بحيث يطور كل فرد يف النظام عالقة طيبة مع العميل امل�ستفيد من اخلدمة ففي احلديث َع ْن َجابِرِ ْبنِ َع ْب ِد اللهَّ ِ َر ِ�ض َي اللهَّ ُ َع ْن ُه َما �أَ َّن َر ُ�سولَ اللهَّ ِ َقالَ َ ( :ر ِح َم اللهَّ ُ َر ُج اًل َ�س ْم ًحا �إِذَا َبا َع َو�إِذَا ا�شْ ترَ َى اقْ ت ََ�ضى) . وقد كان الر�سول �صلى اهلل علية و�سلم يتلم�س حاجات �أ�صحابه و�أف��راد �أمته ثم ير�شدهم �إلى ما فيه �صالحهم ،وينفذ ما فيه م�صلحة الأفراد واملجتمع .ففي غزوة بدر عندما وجد ر�سول اهلل بني الأ�سرى من يجيد الكتابة ،جعل فدية من ال ي�ستطيع فداء نف�سه �أن يعلم ع�شرة �صبيان من امل�سلمني ،وكان فداء الرجل �أربعة الآالف ،ولكن حر�ص الر�سول يف ذلك الوقت على الكتابة �أكرث من املال وذلك حلاجة �أبناء امل�سلمني لها.
-3االلتزام بالتح�سني امل�ستمر: ع��م��ل��ي��ة ال��ت��ح�����س�ين امل�����س��ت��م��ر �أو ك��اي��زن (باليابانية) كلمة مركبة م��ن جزئني وتعني «التغيري للأف�ضل» ،هي و�سيلة لتحقيق التح�سني امل�ستمر وفل�سفة �إبتكرها تايي�شي �أوهونو (Taiichi )Ohnoلقيادة امل�ؤ�س�سات ال�صناعية وامل�ؤ�س�سات املالية ،و�أي�ض ًا �إمكانية تطبيقها يف كل نواحي احلياة ،معتمدة على التحليل والعملية. ي�شمل التح�سني امل�ستمر ك��ل م��ن التح�سني اال���ض��ايف ( )Incrementalوالتح�سني املعريف االبداعي اجلديد ( )Break – Throughبو�صفها ج���زء ًا م��ن العمليات اليومية وجلميع وح��دات العمل يف املنظمة ،وهو تعهد ا�سرتاتيجي ثابت م��ن قبل جميع العاملني يف امل�ؤ�س�سة بت�أمني اجل���ودة ،فالإح�سان يف العمل م��ب��د�أ �أ�سا�سي يف الإ�سالم حيث يقوم كل عامل بت�أدية عمله على �أكمل وجه وب�أف�ضل ال�سبل املتاحة لقوله تعالى: �ض زِين ًَة َل َها ِل َن ْب ُل َو ُه ْم �أَ ُّي ُه ْم }�إِنَّا َج َع ْلنَا َما َعلَى ْ أ الَ ْر ِ �أَ ْح َ�س ُن َع َم اًل { (الكهف )7ويف احلديث عن كليب (�إن اهلل تعالى :يحب م��ن العامل �إذا عمل �أن يح�سن) ،وعن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أن النبي قال � ( :إن اهلل يحب �إذا عمل �أحدكم عم ًال �أن يتقنه). فاملعرفة متجددة واملدير واملوظفني يف امل�ؤ�س�سة يحتاجون �إل��ى حت�سني �أدائ��ه��م ،والتعرف على كل جديد يف جم��ال عملهم عن طريق ال��دورات والربامج الت�أهيلية ،واجلهاز الإداري يف امل�ؤ�س�سة .كما �أن التح�سني امل�ستمر يجب �أن يكون جلميع �أعمال امل�ؤ�س�سة ومرافقها .من منطلق قوله تعالى : }وقل اعملوا ف�سريى اهلل عملكم ور�سوله وامل�ؤمنون و�سرتدون �إلى عامل الغيب وال�شهادة فينبئكم مبا كنتم تعملون{ التوبة ( ، )115ولتحقيق التح�سني امل�ستمر للعمل عني الإ�سالم بتنمية كفاءة العاملني عن طريق تزويدهم باملعلومات واملهارات الالزمة ،لإجناز �أعمالهم بجودة عالية ،فقد حث الإ�سالم على التزود من العلم ب�صفة م�ستمرة لقوله تعالى: } َف َت َعالَى اللهَّ ُ المْ َ� ِل� ُ �ك الحْ َ � ُّ�ق َو اَل َت ْع َجلْ بِا ْلق ُْر�آنِ ِمن َق ْبلِ �أَن ُي ْق َ�ضى �إِ َل� ْي� َ �ك َو ْح� ُي� ُ�ه َو ُق��ل َّر ِّب ِزدْنيِ ِع ْل ًما{(طه ،)114كما �أكد الإ�سالم على �ضرورة تدريب العاملني مع احتياجاتهم الوظيفية ،فقد كان امل�سجد النبوي �أول معهد للتدريب ،فعن علي ر�ضي اهلل عنه قال “ :بعثني ر�سول اهلل �إلى اليمن، قال :فقلت يا ر�سول اهلل تبعثني �إلى قوم �أ�سن مني و�أنا حديث ال �أب�صر الق�ضاء قال فو�ضع يده على
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
45
46
�صدري ،وق��ال (:اللهم ثبت ل�سانه ،و�أهد قلبه،يا علي �إذا جل�س �إليك اخل�صمان فال تق�ضي بينهما حتى ت�سمع من الآخر كما �سمعت من الأول ف�إنك �إذا فعلت ذلك تبني لك الق�ضاء ).قال :فما اختلف علي ق�ضاء بعد �أو ما �أ�شكل علي ق�ضاء بعد“� ،إن التح�سني امل�ستمر يف ظل اجلودة ال�شاملة يتجلى يف قدرة التنظيم على ت�صميم وتطبيق نظام �إبداعي يحقق با�ستمرار ر�ضا امل�ستفيدين من العملية التعليمية وذلك من خالل ال�سعي املتوا�صل للو�صول �إلى الأداء الأمثل من خالل حتقيق الآتي: حت�سني الإن��ت��اج��ي��ة والفاعلية يف ا�ستخداماملوارد. تقليل الأخطاء ،والوحدات املعيبة وال�ضياع . تقدمي منتجات ج��دي��دة وحت�سني ا�ستجابةامل�ؤ�س�سة يف وقت قيا�سي. وقد تواترت املواقف النبوية التي ت�شري �إلى متابعته لأ�صحابه ،وت�أكيده على حت�سني الأداء والت�أكيد على �أنه عملية م�ستمرة ففي احلديث َع ْن َعا ِئ َ�ش َة ر�ضي اهلل عنها �أَ َّن َر ُ�سولَ اللهَّ ِ َقالَ : اعل َُموا �أَ ْن ل َْن ُي ْد ِخلَ �أَ َح َدكُ ْم (�س ِّد ُدوا َو َقا ِر ُبوا َو ْ َ للهَّ َع َمل ُُه الجْ َ َّن َة َو�أَ َّن �أَ َح َّب ْ أَ ال ْع َمالِ �إِلَى ا ِ �أَ ْد َو ُم َها َو�إ ِْن َقلَّ ). -4التنظيم (النظام الوقائي /الوقاية من االخطاء) : تعتمد ادارة اجلودة على مبد�أ الوقاية من اخلط�أ قبل الوقوع فيه،حيث ان العالج يحتاج الى تكلفه اكرث من الوقاية ،وعليه يتم عند تطبيق ادارة اجلودة ال�شامله جمع املعلومات ال�صحيحه وفح�صها وحتليلها لعدة م��رات وم��ن ث��م اتخاذ ال��ق��رارات ال�صحيحة البعيدة عن اخلط�أ ،اي يكون اال�سا�س هو منع حدوث االخطاء بدال من ت�صحيحها ،اي مبد�أ )منع حدوث الأخطاء بد ًال من ت�صحيحها). اذن الرتكيز على الوقاية بد ًال من التفتي�ش ؛ب��أن تبادر �إدارة امل�ؤ�س�سة �إلى معرفة امل�شكالت وتتوقعها قبل وقوعها وت�ضع الأنظمة الوقائية التي متنع ح�صولها ،ولقد اهتم الإ�سالم بالنظام ال��وق��ائ��ي بو�ضع �أ�ساليب متنع وق���وع الأخ��ط��اء وامل�شكالت �أث��ن��اء ت��أدي��ة العمل حيث دع��ا �إلى تنظيم ن�شاطات العاملني وفق �ضوابط ومعايري حم��ددة يلتزم بها العاملون �أثناء ت�أدية العمل والعمل على تنمية الرقابة الذاتية لدى الأفراد ا�س ا َّتقُوا ،من منطلق قوله تعالى َ } :يا �أَ ُّي َها ال َّن ُ َر َّبك ُُم ال َِّذي خَ َل َقك ُْم ِم ْن َن ْف ٍ�س َو ِ اح� َ�د ٍة َوخَ لَقَ ِم ْن َها
ريا َو ِن َ�ساء َوا َّتقُوا اللهَّ َ َز ْو َج َها َو َبثَّ ِم ْن ُه َما ر َِج اًال َك ِث ً ً َ للهَّ َان َع َل ْيك ُْم ُون ب ِِه َو ْ أ الَ ْر َح��ا َم �إ َِّن ا ك َ اءل َ ال َِّذي ت ََ�س َ َر ِقي ًبا{ ( .الن�ساء )1وقوله تعالى } َوكُ ��لَّ إِ� ْن َ�سانٍ �أَلْزَ ْمنَا ُه طَ ا ِئ َر ُه فيِ ُع ُن ِق ِه ۖ َونُخْ رِ ُج ل َُه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ِكتَا ًبا َي ْلقَا ُه َم ْن�شُ و ًرا{ (الإ�سراء )13 مما يدل على رقابة اهلل على عباده ،وغر�س الرقابة الذاتية ك�أ�سلوب ل�ضبط ال�سلوك لكي ي�ؤدي العامل عمله ب�إخال�ص و�إتقان على �أ�سا�س من تقوى اهلل �سبحانه وتعالى وخ�شيته . وق���د �أق����ر الإ����س�ل�ام ال��رق��اب��ة اخل��ارج��ي��ة (الرئا�سية) نظر ًا الختالف العاملني يف �إعدادهم وخرباتهم وقدراتهم اخلا�صة ،فحر�ص على و�ضع معايري ،ونظم رقابية ،وحما�سبية ،بحيث يقلل من حدوث الأخطاء ،ويحد من حدوثها ؛وذلك من منطلق احلديث عن َع ْب َد اللهَّ ِ ْب َن ُع َم َر َيقُولُ َ�س ِم ْع ُت َر ُ�سولَ اللهَّ ِ َيقُولُ ( :كُ ُّلك ُْم َرا ٍع َوكُ ُّلك ُْم َم ْ�سئ ٌ ُول َع ْن ال َما ُم َرا ٍع َو َم ْ�سئ ٌ َر ِع َّي ِت ِه ْ إِ ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه َوال َّر ُجلُ َرا ٍع َ ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه َوالمْ َ� ْ�ر�أ ُة َر ِ فيِ �أَ ْه ِل ِه َو ُه َو َم ْ�سئ ٌ اع َي ٌة فيِ َب ْي ِت َز ْوجِ َها َو َم ْ�سئُول ٌَة َع ْن َر ِع َّي ِت َها َوالخْ َ ��ا ِد ُم َرا ٍع فيِ َمالِ َ�س ِّي ِد ِه َو َم ْ�سئ ٌ ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه َقالَ َو َح ِ�س ْب ُت �أَ ْن َق ْد َقالَ َوال َّر ُجلُ َرا ٍع فيِ َمالِ �أَب ِ ِيه َو َم ْ�سئ ٌ ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه َوكُ ُّلك ُْم َرا ٍع َو َم ْ�سئ ٌ ُول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه ). وقد ورد يف احلديث عن �أبي حميد ال�ساعدي قال :ا�ستعمل ر�سول اهلل رج ًال من الأ�سد يقال له ابن اللتبية ،فلما قدم قال :هذا لكم وهذا �أهدي �إيل .قال :فقام ر�سول اهلل على املنرب ،فحمد اهلل و�أثنى عليه .وقال ( :ما بال عامل ابعثه فيقول: هذا لكم وهذا �أهدي يل ! �أفال قعد يف بيت �أبيه �أو بيت �أمه حتى ينظر �أيهدى �إليه �أم ال ؟ والذي نف�س حممد بيده ،ال ينال �أحد منكم منها �شيئ ًا �إال جاء يوم القيامة يحمله على عنقه ،بعري له رغاء �أو بقرة لها خ��وار� ،أو �شاة) .ثم رفع يديه حتى ر�أينا عفرتي �إبطيه .ثم قال :اللهم هل بلغت ؟” مرتني. فالأخطاء التي ت�برز يف عمل امل�ؤ�س�سة قد تكون ناجتة عن طبيعة النظام املعمول به هناك ، ولي�س بال�ضرورة لأ�سباب تت�صل بالأفراد العاملني �أنف�سهم..فقد كان ر�سول اهلل وخلفا�ؤه الرا�شدون يراعون يف تقدير الأجر والأعباء العائلية للفرد العامل و�صعوبة العمل وم�ستوى غ�لاء املعي�شة يف املناطق املختلفة من الدولة الإ�سالمية ،وكان الر�سول يعطي املتزوج من اجلند حظني والأعزب حظ ًا واحد ًا من الفيء ،ويف احلديث عن امل�ستورد بن �شداد كان يقول ( :من ويل لنا عم ًال ولي�س له
منز ًال فليتخذ منز ًال � ،أو لي�س له زوجة فليتزوج �أو لي�س له دابة فليتخذ دابة فمن �أ�صاب �شيئ ًا �سوى ذلك فهو غال �أو �سارق ) ،وذلك من باب الوقاية لكي ال ي�ستغل املوظف وظيفته ا�ستغ ً الال �سيئ ًا نظر ًا حلاجته . -5امل�شاركة وتفوي�ض ال�صالحية : �إن م�شاركة وا�سهام االدارة العليا تعترب �ضرورية الجناح فل�سفة ادارة اجلودة ال�شاملة ولكنها غري كافية لوحدها ،نظر ًا لأن هذه الفل�سفة تعتمد يف جناحها على النظرة ال�شمولية لكل العاملني يف الوحدة (املنظمة) لذلك ف�أن مهمة االدارة العليا هي حفز العاملني وت�شجيع م�شاركتهم ليكونوا اكرث قربا والت�صاقا ب�أهداف املنظمة ،ويق�صد بامل�شاركة وتفوي�ض ال�صالحية للعاملني تفعيل دوره��م بطريقة ت�شعرهم بالأهمية وحتقيق اال�ستفادة الفعلية من �إمكاناتهم وامل�شاركة املق�صودة هنا هي امل�شاركة اجلوهرية ولي�ست ال�شكلية�،إذ يفرت�ض �أن حتقق امل�شاركة �أمرين :الأول تزيد من �إمكانية ت�صميم خطة �أف�ضل ،والثاين :حت�سني من كفاءة �صنع القرارات من خالل م�شاركة العقول املفكرة والقريبة من م�شاكل العمل . �إن جناح اجلودة ال�شاملة يعتمد على م�شاركة العاملني يف امل�ؤ�س�سة مع الإدارة العليا يف اتخاذ ال��ق��رارات ،وتنفيذ الأع��م��ال مما يجعل الأف��راد يح�سون ب�أهميتهم وم�ساهمتهم يف تنفيذ الأعمال و�إجناحها ،لأنهم �سيعتربونه جناح لهم.وذلك من ا�ست ََجا ُبوا ِل َر ِّبه ِْم منطلق قوله تعالىَ }:وال َِّذ َ ين ْ ��م � ُ��ش��و َرى َب ْي َن ُه ْم َوممِ َّ ��ا ��ر ُه ْ َو�أَ َق��ا ُم��وا َّ ال�ص اَل َة َو َ�أ ْم ُ ُون{(ال�شورى )38 َاه ْم ُي ْن ِفق َ َرزَقْ ن ُ �أم��ا تفوي�ض ال�صالحية فهي ال تعني فقط امل�شاركة ب��ل يجب �أن ت��ك��ون م�شاركة الأف���راد بطريقة متنحهم �صوت ًا حقيقي ًا عن طريق هياكل العمل وال�سماح للعاملني ب�صنع القرارات التي تهتم بتح�سني العمل داخل �أق�سامهم اخلا�صة .فبدون امل�شاركة ومتكني العاملني .وتوزيع ال�صالحيات ،واملهام ،و�إعطاء الفر�ص لرفع ال��روح املعنوية لفريق العمل والإخال�ص الثابت ،وامللمو�س من اجلميع جلعل مبادئ اجلودة ال�شاملة وممار�ساتها ج��زء ًا ال ينف�صم من ثقافة امل�ؤ�س�سة ،ف ��إن كافة اجلهود املبذولة حمكوم عليها بالف�شل . فقد ورد يف ال�سرية �أن الر�سول �أوجد لكل طاقة ما ينا�سبها من عمل ،ووزع امل�س�ؤوليات ففي عهده تولى علي بن �أبي طالب وعثمان بن عفان كتابة الوحي ،كما كان يقوم بذلك �أثناء غيابهما �أبي بن كعب ،وزيد بن ثابت ،وكان الزبري بن العوام وجهيم بن ال�صلت يقومان بكتابة �أموال ال�صدقات ،وكان حذيفة بن اليمان يعد تقديرات الدخل من النخيل ،وكان املغرية بن �شعبة واحل�سن بن منر يكتبان امليزانيات واملعامالت بني النا�س .وزيد بن
ثابت كان يكتب مرا�سالت احلكام وال��والة بلغات خمتلفة ،وقد حر�ص الر�سول بتو�ضيح تلك املزايا َ�س ْبنِ َما ِل ٍك َقالَ َ :قالَ َر ُ�سولُ وال�صالحيات فعن �أَن ِ َ َ َ اللهَّ ِ �( :أَ ْر َح ُم �أُ َّم ِتي ِب�أُ َّم ِتي �أ ُبو َبكْرٍ َو�أ َ�ش ُّد ُه ْم فيِ �أ ْمرِ ان َو�أَ ْعل َُم ُه ْم ِبالحْ اََللِ اء ُع ْث َم ُ اللهَّ ِ ُع َم ُر َو�أَ ْ�ص َد ُق ُه ْم َح َي ً َوالحْ َ � َ�را ِم ُم َعا ُذ ْب ُن َج َبلٍ َو َ�أف َْر ُ�ض ُه ْم َز ْي� ُ�د ْب ُن ثَاب ٍِت ال َّم ِة َ�أ ُبو ني َه ِذ ِه ُْ أ َو َ�أقْ َر ُ�ؤ ُه ْم ُ�أ َب ٌّي َو ِلكُلِّ ُ�أ َّم ٍة َ�أ ِم ٌ ني َو َ�أ ِم ُ اح ). ُع َب ْي َد َة ْب ُن الجْ َ َّر ِ كما دعا الإ�سالم �إلى �إ�شراك العاملني يف اتخاذ القرارات من �أجل الإفادة من قدراتهم الإبداعية من خالل ت�أكيده على مبد�أ ال�شورى لقوله تعالى : } َف ِب َما َر ْح َم ٍة ِم َن اللهَّ ِ ِلنْتَ َل ُه ْم ۖ َو َل ْو كُ نْتَ فَظًّ ا غَ ِل َ يظ ا�س َت ْغ ِف ْر ا ْل َقل ِْب اَل ْنف َُّ�ضوا ِم ْن َح ْو ِل َك ف ْ َاع ُف َع ْن ُه ْم َو ْ للهَّ الَ ْمرِ ۖ َف�إِذَا َعزَ ْمتَ َف َت َوكَّلْ َعلَى ا ِ َل ُه ْم َو َ�شا ِو ْر ُه ْم فيِ ْ أ ني { (�آل عمران . )159وهنا �إ َِّن اللهَّ َ ُي ِح ُّب المْ ُ َت َو ِّك ِل َ ت�أكيد على قيمة التوكل على اهلل ال على امل�شورة ؛ففيها توفيق اهلل و�إر�شاده �إلى حقيقة امل�شورة و�صدقها فامل�شورة �سبب وال�سبب ال بد �أن يقرتن بالتوكل واالعتماد على اهلل والتوكل على اهلل ال بد �أن يعقل بالأ�سباب لي�سري الإن�سان على هدى اهلل يف حياته و�أعماله.عم ًال مبا جاء يف احلديث ال�شريف عن �أن�س بن مالك يقول " :قال رجل : يار�سول اهلل �أعقلها و�أتوكل �أو �أطلقها و�أتوكل قال( :اعقلها وتوكل)". -6حتفيز العاملني (امل�شاركه بالتحفيز): م�ساهمة العاملني يف املنظمة ا�سا�س يف جناح ادارة اجلودة ال�شاملة يف هذه املنظمة ،ولذا وحتى تكون امل�ساهمة فعالة وم�ؤثرة ال بد من اطالق طاقات العاملني وزي��ادة �شعورهم بالوالء للعمل وللمنظمه ،وهذا ياتي من خالل حتفيز العاملني ومنحهم االمتيازات وتوفري بيئة عمل مالئمة وجاذبة باال�ضافة الى توفري مناخ العمل اجلماعي وبروح الفريق واحرتام �آراء ومقرتحات العاملني وت�صوراتهم للم�شاكل وحلولها. ول�����ش��ح��ذ ه��م��م ال��ع��ام��ل�ين ل��ت ��أدي��ة العمل ب��ج��ودة عالية ،و�ضع الإ���س�لام نظام ًا للتحفيز يقوم على مكاف�أة العاملني املتميزين يف ت�أدية �أعمالهم،فالت�شجيع والتحفيز للعمل ال�صالح مبد�أ ل ْن َ�سانِ إِ� اَّل رباين يت�ضح يف قوله تعالىَ } :و�أَ ْن َل ْي َ�س ِل ِْ إ َما َ�س َعى (َ )39و َ�أ َّن َ�س ْع َي ُه َ�س ْو َف ُي َرى ( )40ث َُّم ُي ْجزَ ا ُه اء ْ أَ ال ْوفَى (( {)41النجم )41-39فوجود الجْ َزَ َ حافز للعمل �شيء �أ�سا�سي يف حت�سني العمل بحيث يزيد املح�سن �إح�سان ًا وي�شجع املق�صر على التح�سني ين �آ َمنُوا والتطوير من منطلق قوله تعالى �}:إ َِّن ال َِّذ َ ال�صالحِ ِ يع �أَ ْج� َ�ر َم ْن َ�أ ْح َ�س َن َات �إِ َّن��ا اَل ن ُِ�ض ُ َو َع ِملُوا َّ َع َم اًل{ (الكهف ، )30فتقدمي الت�شجيع والتحفيز املادي واملعنوي للأفراد �ضروري ،و�أن تكون هذه احلوافز م�ستمرة ،ووا�ضحة الأهداف،و�أن يح�سن اختيار الزمان والوقت لإعطاء احلافز،و�أن يكون
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
47
48
احلافز منا�سب ًا ل�شخ�صية العامل وحاجته ،لكي يقع احلافز موقع ًا جيد ًا للمقدم له .لذلك ربط الإ�سالم احلوافز مبعدالت �أداء العمل قال تعالى: } َو ِلكُلٍّ َد َر َج ٌ ات ممِ َّ ا َع ِملُوا َو ِل ُي َو ِّف َي ُه ْم �أَ ْع َما َل ُه ْم َو ُه ْم �ون{ (الأح��ق��اف ،)19وقوله تعالى : اَل ُي��ظْ � َل� ُ�م� َ } َف َم ْن َي ْع َملْ ِم ْثقَالَ َذ َّر ٍة خَ يرْ ً ا َي َر ُه (َ )7و َم ْن َي ْع َملْ ِم ْثقَالَ َذ َّر ٍة َ�ش ًّرا َي َر ُه (( {)8الزلزلة . )8-7ودعا الإ���س�لام �أن تكون احلوافز مالئمة الحتياجات ورغبات العاملني فعن امل�ستور بن �شداد ر�ضي اهلل عنه قال �سمعت ر�سول اهلل :يقول ( :من ويل لنا عم ًال فلم يكن له زوجة فليتزوج �،أو خادم ًا فليتخذ خادم ًا �،أو م�سكن ًا فليتخذ م�سكن ًا �،أو دابة فليتخذ داب��ة ،فمن �أ���ص��اب �شيئ ًا �سوى ذل��ك فهو غ��ال �أو �سارق). وحر�ص الإ���س�لام ب ��أن تكون احلوافز حمددة ومعلومة مقدم ًا للعاملني مع وجوب الوفاء الفوري بها حتى يكون لها ت�أثريها على موا�صلة العاملني لأعمالهم بجودة عالية .فعن حماد بن �سلمة عن يون�س عن احل�سن "�أنه كره �أن ي�ست�أجر الرجل حتى يعلمه �أجره"،وعن عبد اهلل بن عمر قال قال ر�سول اهلل �( :أعطوا الأجري �أجره قبل �أن يجف عرقه) ،ولأهمية مو�ضوع احلوافز وت�أثريه على عجلة الإنتاج والتنمية فقد اهتم الباحثون بر�صد جمموعة من العوامل التي ت�ؤثر على حتفيز النا�س للعمل منها عوامل ذاتية مثل :احل�صول على عالوة يف املرتب � ،أو وجود عالقات طيبة مع امل�شرفني �،أو وجود �أمان وظيفي ، ...وعوامل حتفيزية مثل�:أن يرى ال�شخ�ص نتيجة عمله ،تلقي الثناء واملديح ،التكليف مب�س�ؤوليات �أكرث،وقد ح�صر الطويرقي �أ�ساليب التحفيز الإداري الفعال التي ا�ستخدمها الر�سول و�صحابته الكرام يف احلوافز املادية:مثل توزيعه الغنائم بعد الغزوات مبا�شرة بعد �أخذ اخل��م�����س،واحل��واف��ز املعنوية :م��ث��ل :ت�شجيعه �أ�صحابه بالكلمات الت�شجيعيه مثل" :ربح البيع �صهيب ،ربح البيع �صهيب" ،وقوله ":اللهم ال عي�ش �إال عي�ش الآخرة فاغفر للأن�صار واملهاجرة" وكان �أكرث ما ي�ستخدم امل�صطفى احلوافز املعنوية حني يرى �أن الأم��ر يحتاج �إلى ت�شجيع و�أن هناك من ي�ستحق ذلك حقيقة ال جماملة فيها. -7مداومة االت�صال بامل�ستفيدين (التغذية الراجعة ): وهي الطريقة التي ي�ستخدمها �شخ�ص للت�أثري على �شخ�ص �آخ���ر لتغيري �أو لتعديل ف��ك��ره �أو �سلوكه .وهي ات�صال بني �شخ�صني �أو جمموعتني يبني لكل منهما كيف ي�ؤثر على الآخر .والتغذية املرتدة متكن قائد الفريق �أو الإدارة من �أن ي�صبح على دراية بامل�شاكل الداخلية قبل �أن ت�ستفحل خطورتها ،و�شكاوى فريق العمل � ،أو �صوت العمليات، و�شكاوى امل�ستفيدين من اخلارج � ،أو �صوت البيئة اخلارجية امل�ستفيدة .فمن ال�ضروري تقييم �سري
العمل داخل امل�ؤ�س�سات التعليمية ،واحل�صول على التغذية الراجعة من جانب امل�ساهمني من �أولياء الأم��ور والطلبة و�أف��راد املجتمع لتحديد م�ستوى ج��ودة املنتجات واخلدمات الواجب ا�ستيفا�ؤها، وا�ستخدام املوظفني املدربني لتطوير هذه املنتجات واخلدمات مبا ير�ضي امل�ستهلك �إلى �أق�صى درجة ممكنة ،ويحقق �أهداف العملية التعليمية .وقد عرف عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�أ�صحابه متابعتهم امل�ستمرة للعمل وحر�صهم على �إتقانه َاع َة بدليل ما ورد يف حديث امل�سيء �صالته عن ِرف َ ْبنِ َرا ِف ٍع َقالَ َ :ب ْي َن َما َر ُ�سولُ اللهَّ ِ َجا ِل ٌ�س َون َْح ُن َح ْول َُه، �إِ ْذ َدخَ لَ َر ُج ٌل َف َ�أتَى ا ْل ِق ْبل ََة ف ََ�صلَّى َف َل َّما َق َ�ضى َ�ص اَلت َُه اء ف ََ�سل ََّم َعلَى َر ُ�سولِ اللهَّ ِ َو َعلَى ا ْل َق ْو ِم َفقَالَ ل َُه َج َ للهَّ َر ُ�سولُ ا ِ َ ( :و َع َل ْي َك اذ َْه ْب ف ََ�صلِّ َف�إِن ََّك لمَ ْ ت َُ�صلِّ ) فَذَ َه َب ف ََ�صلَّى ف ََج َعلَ َر ُ�سولُ اللهَّ ِ َي ْر ُمقُ َ�ص اَلت َُه َو اَل اء ف ََ�سل ََّم َي ْدرِي َما َي ِع ُ يب ِم ْن َها َف َل َّما َق َ�ضى َ�ص اَلت َُه َج َ للهَّ للهَّ َعلَى َر ُ�سولِ ا ِ َو َعلَى ا ْل َق ْو ِم َفقَالَ ل َُه َر ُ�سولُ ا ِ َو َع َل ْي َك اذ َْه ْب ف ََ�صلِّ َف�إِن ََّك لمَ ْ ت َُ�صلِّ َف�أَ َعا َد َها َم َّر َتينْ ِ �أَ ْو ث اََل ًثا َفقَالَ ال َّر ُجلُ َيا َر ُ�سولَ اللهَّ ِ َما ِع ْبتَ ِم ْن َ�ص اَل ِتي َفقَالَ َر ُ�سولُ اللهَّ ِ �إِ َّن َها لمَ ْ َت ِت َّم َ�ص اَل ُة �أَ َح ِدكُ ْم وء َك َما �أَ َم َر ُه اللهَّ ُ َع َّز َو َجلَّ .)... َحتَّى ُي ْ�س ِب َغ ا ْل ُو ُ�ض َ وقد حر�ص الإ�سالم على مداومة االت�صال بامل�ستفيدين ملعرفة ردود �أفعالهم عن م�ستوى ج����ودة اخل���دم���ات ال��ت��ي ت��ق��دم ل��ه��م ،وم��ع��رف��ة احتياجاتهم ورغباتهم والعمل على حتقيقها فقد ا�س �أنه َقالَ َ :قالَ َر ُ�سولُ ورد يف احلديث َعنِ ا ْبنِ َع َّب ٍ َ للهَّ َ اللهَّ ِ َ ( :ل ْي َ�س الخْ َ برَ ُ َكالمْ ُ َعا َين َِة �إ َِّن ا َع َّز َو َجلَّ �أ ْخبرَ َ و�سى بمِ َ ا َ�ص َن َع َق ْو ُم ُه فيِ ا ْل ِع ْجلِ َفل َْم ُيلْقِ ْ أَ اح َف َل َّما ال ْل َو َ ُم َ َعا َي َن َما َ�ص َن ُعوا �أَ ْلقَى ْ أَ اح فَا ْنك ََ�س َرتْ .وقد حذر ال ْل َو َ الر�سول من عدم املتابعة ومعرفة حاجات ورغبات اخ ْ أ الَ ْز ِد ِّي َعنِ امل�ستفيدين يف احلديث َع ْن �أَبِي ال�شَّ َّم ِ اب ال َّن ِب ِّي �أَتَى ُم َعا ِو َي َة ف ََدخَ لَ ا ْبنِ َع ٍّم ل َُه ِم ْن �أَ ْ�ص َح ِ للهَّ �:س ِم ْع ُت َر ُ�سولَ ا ِ َيقُولُ َ ( :م ْن َوليِ َ َع َل ْي ِه َفقَالَ َ ني �أَ ْم� ً�را ِم ْن �أَ ْم��رِ ال َّن ِ ون المْ ِ ْ�س ِك ِ ا�س ث َُّم �أَغْ لَقَ َبا َب ُه ُد َ َاج ِة �أَغْ لَقَ اللهَّ ُ َت َبا َر َك َو َت َعالَى َوالمْ َظْ لُو ِم �أَ ْو ِذي الحْ َ اج ِت ِه َو َف ْقرِ ِه �أَ ْفق َُر َما ُدون َُه �أَ ْب� َو َ اب َر ْح َم ِت ِه ِع ْن َد َح َ ُون �إِ َل ْي َها).و�سار على نهجه ال�صحابة ر�ضوان َيك ُ اهلل عليهم ،فعرف عن عمر بن اخلطاب متابعته امل�ستمرة لوالته ،فقد �أخرج البيهقي وابن طاوو�س �أن عمر قال � :أر�أيتم �إن ا�ستعملت عليكم خري من �أعلم ثم �أمر بالعدل �أق�ضيت ما علي ؟ قالوا :نعم قال :ال حتى �أنظر يف عمله �أعمل مبا �أمرته �أم ال. وذلك حر�ص ًا منه على اجلودة ومتابعة العمل .
آليات تربوية
دراسات
للنهوض بواقع األسرة المسلمة
د .إنصاف أيوب المومني األردن
ملخ�ص الدرا�سة هدفت الدرا�سة �إلى تقدمي �آليات تربوية للنهو�ض بواقع اال�سرة امل�سلمة ,ويف �سبيل ذلك مت تناول �آلية الرتبية بالقدوة الوالدية .و�آلية الرتبية باحلوار الأ�سري .و�أبرز املقرتحات وال��ر�ؤى املعينة على تنفيذ تلك الآل��ي��ات للنهو�ض بواقع اال���س��رة .وق��د خل�صت الدرا�سة �إلى �أهم النتائج التالية �:إن من �أهم الآليات الرتبوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة (القدوة الوالدية) وال��ن��م��وذج العملي احل��ي الأك�ث�ر الت�صاقا ومعاي�شة للأبناء� .إن من ابرز الآليات الرتبوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة (احلوار الأ�سري) والذي يرفد الطاقة الأخالقية والإب��داع ااحل�ضاري� .إن القدوة الوالدية ال�صاحلة ت�ؤدي �إلى التوا�صل النف�سي والعقلي وتعمل على �شيوع �أج���واء املحبة وامل���ودة وترفد االيجابية وال�سلوك الر�شيد .كما �أن احلوار الأ�سري الفاعل الذي ي�سوده مناخ احلرية املن�ضبطة مينح الأب��ن��اء الثقة بالنف�س ويعمل على تقارب الأفكار ويك�شف عن الطاقات الإبداعية وبحنب الأبناء الوقوع حتت �سطوة التطرف والإرهاب. املقدمة احلمد هلل وحده وال�صالة وال�سالم على من ال نبي بعده وعلى �آله و�صحبه ُتعد الأ�سرة الوعاء الرتبوي الرئي�س الذي ي�ضطلع ب��إع��داد و�صناعة عنا�صر ب�شرية فاعلة للمنظومة االجتماعية (فمن خالل الأ�سرة يتم اكت�ساب الطفل للغة وال���ع���ادات واالجت���اه���ات وط��ري��ق��ة احل��ك��م على ال�صحيح واخلاطئ ،ومن خاللها تت�شكل �أمناط �سلوكه،
وتتطور �شخ�صيته املتمركزة حول ذاته �إلى �شخ�صية اجتماعية .ذات ف�ضاء اجتماعي وث��م��ة م��ا تعاين الإن�سانية يف اللحظات الراهنة م��ن ه�شا�شة القيم والأخ�ل�اق ال�سامية وم��ا تفرزه ه��ذه الأزم��ة من عنف و�شقاق و�إرهاب �أمام كثافة طغيان اجلوانب املادية من جهة والتكاثر املعريف وال�سباق التقني من جهة �أخرى. ولعلنا ال جن��اوز ال�صواب �إذا قلنا �إن هناك �أزم��ة اخالقية و�سلوكية تقع حتت �سطوتها الإن�سانية تفوق الأزم����ات االقت�صادية و�آه���ات اجل���وع واحل��اج��ة �إل��ى ال�سبل واملرئيات املقرتحة من بني الطعام ،بل �إن طرح ُ البدائل الر�شيدة ،للخروج من هذه الأزمة هي الطاقة االيجابية املرتقبة املن�شودة لإ�شعال فتيلة الإب��داع احل�ضاري للأمة اخلريية و لالنعتاق مما �أفرزته من ويالت وانك�سارات يف الأر�ض والآفاق وم���ن ه���ذا املنطلق ي ��أت��ي ال����دور امل��ح��وري امل��ن��وط بالأ�سرة امل�سلمة وقدرتها الفاعلة على �إع��داد وبناء الأجيال احلا�ضرة وال�صاعدة لنقدم منوذجها الريادي يف رح��اب �أر�ضها و�أمتها والإن�سانية جمعاء تتناغم ويتكامل فيه فقه الباطن بال�سلوك الظاهر ،والتنظري بالتطبيق ،واملظهر التعبدي ال�شعائري باملظهر ال�سلوكي االجتماعي والقيم االجتماعية املجردة بال�سلوكيات العملية الر�شيدة ،بر�ؤية نا�ضجة �شاملة م�ستقاة من النبع الإ�سالمي الأ�صيل يف بناء ال�شخ�صية الإن�سانية ا�ستجابة لنداء ال�سماء. }و َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ ا َء َع َلى َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِيدً ا{ (البقرة)١٤٣ : الن ِ ويف �سبيل ذلك ج��اءت هذه الدرا�سة لتقدم �آليات
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
49
50
تربوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة. وقد جاء خمطط الدرا�سة على النحو التايل: تناول املطلب الأول (التمهيدي) :املقدمة وم�شكلةالدرا�سة و�أ�سئلتها و�أهميتها و�أهدافها وم�صطلحاتها. تناول املطلب الثاين� :آلية الرتبية بالقدوة الوالديةاحل�سنة للأ�سرة والتي ت�سهم يف ترجمة القيم املجردة ل�سلوكيات عملية تناول املطلب الثالث �آلية الرتبية (باحلوار الأ�سري)والتي تعني الأ�سرة ،لرتجمة القيم املجردة على �سلوكيات عملية. تناول ملطلب الرابع� :أبرز املقرتحات واملرئيات املقدمةللأ�سرة لتحقيق �أكرب قدر من �إمكانية جناح الآليات املقرتحة� .إ�ضافة �إلى �أبرز النتائج و التو�صيات م�شكلة الدرا�سة و�أ�سئلتها �إن �إ�شعال فتيلة الإب��داع وال�شهود احل�ضاري لأمة الو�سطية يرفد وق��وده الأخ�ل�اق وال�سلوك الإمي��اين امل��ت��ف��رد ،لأن ث��م��رة ذل��ك ال��ط��اق��ة الإي��ج��اب��ي��ة �ضمن منظومتنا الأ�سرية ومنظومتنا االجتماعية والعاملية �إ�ضافة �إل��ى تقدمي منوذجنا ال��ري��ادي وال��ذي �سعدت به الإن�سانية -منذ ق��رون خلت -حقبة من الزمان .وثمة ما تعاين الأ�سرة ال�صغرية والأ�سرة الإن�سانية من الوقوع حتت �سطوة كثافة ال�ضغط امل��ادي للحياة املعا�صرة وه�شا�شة القيم والأخالق االميانية الإيجابية ولعل الأ�سرة متثل ال�صدارة يف الدور املنوط بها لأعداد وتربية جيل فاعل ,وت�أ�سي�س ًا على ما �سبق جاءت هذه الدرا�سة للإجابة على الأ�سئلة التالية: م��ا �أب��رز الآل��ي��ات الرتبوية للنهو�ض بواقع الأ�سرةامل�سلمة؟. ما �أبرز نقاط القوة ونقاط ال�ضعف للرتبية الوالديةبالقدوة؟. ما �أبزر نقاط القوة وفر�ص ونقاط ال�ضعف املحيطةب�آلية (احلوار الأ�سري) ؟. ما �أبرز الو�سائل والأ�ساليب املقرتحة لتنفيذ تفعيلتلك الآليات؟. �أهداف الدرا�سة تتمثل �أهمية الدرا�سة يف ط��رح مرئيات تربوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة .ويتفرع عن هذا الهدف الرئي�س الأهداف الفرعية التالية: الوقوف على الدور الرئي�س لآلية الرتبية بالقدوة الوالديةيف الت�أهيل الر�شيد للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة .
�إظهار �أهمية �آلية الرتبية باحلوار يف الت�أهيل الر�شيدللنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة. تقدمي مقرتحات ور�ؤى للآليات الرتبوية املقرتحةلهذا الغر�ض. منهجية الدرا�سة تتبع الدرا�سة املنهج الو�صفي التحليلي؛ حيث �سيتم جمع املعلومات من م�صادرها وفق ر�ؤية حتليلية للخروج بت�صور مقرتح لآليات تربوية للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة. حدود الدرا�سة -1تتحدد الدرا�سة بامل�ؤ�س�سة الأ�سرية وقدرتها الفاعلة على توظيف �آلية الرتبية بالقدوة و�آلية الرتبية باحلوار. -2يتحدد �سن الأبناء يف هذه الدرا�سة من الطفولة املبكرة مرور ًا مبراحلها املختلفة �إلى �سن الر�شد. �أهمية الدرا�سة تطمح ه��ذه ال��درا���س��ة �أن ت��ق��دم (�آل��ي��ات تربوية مقرتحة) مبنية على �أن ال�سلوك الر�شيد الإيجابي والرتبية الأخالقية الأ���س��ري��ة ���ض��رورة ملحة حتى "توائم بني غرائز الفرد وطبيعته ،وتوجهه �إلى ال�سلوك الالئق به يف احلياة ك�أف�ضل خملوق اخت�صه اهلل تعالى باخلالفة يف الأر�ض ،وجعل ر�سالته عبادة – اهلل �سبحانه – وطاعته عز وجل". وتكمن �أهمية الأخالق يف كونها �أداة لبناء الإن�سان ال�صالح ولأ�سرة امل�ستقرة للعمران وال�شهود احل�ضاري. وي�ؤكد اب��ن خلدون على �أهمية الأخ�لاق يف العمران وال��ق��ي��ام احل�����ض��اري و�إن ف�سادها �سبب يف ال�سقوط والتداعي العمراين واحل�ضاري فيقول يف مقدمته "ومن �أ�شد الظلمات و�أعظمها يف ف�ساد العمران تكليف الأعمال وت�سخري الرعايا بغري حق و�أعظم من ذلك يف الظلم و�إف�ساد العمران الت�سلط على �أموال النا�س". كما تطمح ه��ذه ال��درا���س��ة �أي�ض ًا �إل��ى �إب���راز قيمة القدوة واحل��وار يف الت�أهيل الأ�سري الر�شيد ل�صناعة الأجيال احلا�ضرة وال�صاعدة معرجة على �أبرز نقاط ال��ق��وة وال�ضعف وف��ر���ص النجاح وامل��خ��اط��ر املحيطة واملحتملة ،وجملة من الر�ؤى واملقرتحات من املمكن �أن ترفد امل�ؤ�س�سات االجتماعية والرتبوية والإعالمية والقائمني على �إع��داد مناهج وا�سرتاتيجيات التعليم والرتبية والإعالم. �إ���ض��اف��ة �إل��ى احل��اج��ة املا�سة وامللحة �إل��ى تفعيل املنظومة الأخالقية والقيم االجتماعية املجردة �إلى �سلوك �أو واقع عملي يف ظل طغيان املادة على امل�ستوى الأ�سري واملحلي والعاملي.
م�صطلحات الدرا�سة �آليات تربوية :ويق�صد بها الأ�ساليب واملرئياتوالو�سائل والإج����راءات النظرية والتطبيقية التي جتمع بني البعد الرتبوي والبعد ال�شرعي وفق ر�ؤية ح�ضارية للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة.ت�ستقى من نبع الوحي الأ���ص��ي��ل بحيث تتحول �إل��ى منهج حياة يومية متار�س ثمرتها ال�شخ�صية الإ�سالمية الريادية للأجبال احلا�ضرة و "يرفدها �صيغة خلقية م�ستقرة يف النف�س فطرية �أو مكت�سبة" ترتجم عملي ًا بو�سائل خمتلفة ومتنوعة ا�ستناد ًا لقوله تعالى يف �صدد الثناء على ال�شخ�صية الإن�سانية الرائدة والنموذج الأمثل يم" (القلم)٤ :و لقوله �صلى اهلل " َو�إِ َّن َك َل َعلى ُخ ُل ٍق َع ِظ ٍ عليه و�سلم" :واهدين لأح�سن الأخ�لاق ف�إنه ال يهدي لأح�سنها �إال �أنت" ،وقوله �صلى اهلل عليه و�سلم" :ما من �شيء �أثقل يف ميزان امل�ؤمن يوم القيامة من خلق ح�سن"،يلتقي فيها اجلانب الأخالقي النظري امل�ستقى من م�صادر الإ�سالم ومنابعه الأ�صلية باجلانب العملي (ال�سلوك الر�شيد )ويلتقي فيها الإخال�ص بالإتقان والتنمية العلمية امل�ستدمية لإعالن مبد�أ الوحدة بني الدنيا والآخ��رة لتقدمي النموذج الريادي لل�شخ�صية الإ�سالمية �ضمن دائرتنا خا�صة ودائ��رة الإن�سانية عامة. �أجرى بركات2004(،م) درا�سة هدفت �إلى حماولة و�ضع ت�صور مقرتح ال�سرتاتيجية مواجهة الت�أثريات ال�سلبية للإعالم املعا�صر على الأ�سرة وال�شباب وقد ا�ستخدم الباحثان منهج امل�سح االج��ت��م��اع��ي ،حيث اعتمدت على ( )120مفردة من طلبة جامعة البحرين لكلية الآداب ثم اختيارهم بطريقة العينة الع�شوائية من وقد خل�صت الدرا�سة �إلى �أهم النتائج التالية: �أبرز الت�أثريات ال�سلبية للإعالم املعا�صر على الأ�سرة وال�شباب: �ضعف العالقات اال�سرية ،والعزلة البيئية للأ�سرة، و�شيوع ثقافة اال�ستهالك� .أما �أبرز احللول الإيجابية فقد متثلت يف الإ�صالح ال�سيا�سي والإ�صالح االقت�صادي ، وقيام املجتمعات بدورها الفاعل يف الإ�صالح االجتماعي. النهو�ض بواقع الأ�سرة :ويق�صد به �إيجاد و�إب��داع وا�ستثمار ال��ق��درات وال��ك��ف��اءات والإم��ك��ان��ات املتاحة وا�ست�شراف الآت��ي منها للخروج بالأ�سرة امل�سلمة من �سطوة الواقع �إل��ى �آف��اق العمران االن�ساين وال�شهود احل�ضاري والذي تعد لبنته الأولى منوذج الأ�سرة امل�سلمة الدرا�سات ال�سابقة وقد �أجريت درا�سات عديدة ذات �صلة من �أبرزها-: �أج���رى ال�شريفني )2014( ،درا���س��ة ه��دف��ت �إل��ى
�إيجاد �آليات لت�أهيل الأ�سرة وحت�سني قدرتها للتعامل مع اجلوانب النف�سية والعقلية للأبناء؛ وذلك لإيجاد �شخ�صيات متوازنة نف�سي ًا وعقلي ًا واجتماعي ًا .وقد ا�ستخدم الباحث املنهج الو�صفي ،يف حني تناولت الآلية الأول���ى تعريف الأ���س��رة بحاجات الطفل اال�سا�سية و�ضبط انفعاالته لتحقيق الأمن النف�سي والفكري� ،أما الآلية الثانية فقد تناولت حتقيق الأمن الفكري والتي متثلت باحلوار والتفكري امل�ستقل املو�ضوعي للق�ضاء على �أ�شكال التع�صب والت�ضليل الفكري .وقد خل�صت الدرا�سة �إل��ى �أن حتقيق الأم��ن النف�سي والفكري ل��دى الأبناء يحميهم من التطرف والإره���اب ،كما �أو�صت الدرا�سة بعقد دورات تدريبية للمقبلني على ال��زواج ،و�إيجاد دليل تثقيفي للزوجني والعاملني يف الأ�سرة وتفعيل دور م�ؤ�س�سات وجمعيات رعاية الأ�سرة. و�أجرت بني يون�س )2007( ،درا�سة هدفت الك�شف عن العالقة بني اجتاه الأ�ساليب الرتبوية التي ّتتبعها الأ�سرة يف تعاملها مع �أبنائها ،وما يتك ّون لدى ه�ؤالء الأب��ن��اء من مفهوم لذواتهم ينعك�س على �سلوكهم يف خمتلف م�ستوياته ،واخ��ت��ارت ه��ذه الدرا�سة جمتمع حمافظة �إرب��د ل ُتط ّبق عليه �أدوات��ه��ا التي مت ّثلت يف ا�ستبانة لقيا�س �أ�ساليب الأ�سرة الإيجابية وال�سلبية يف التعامل مع الأب��ن��اء ،ومنها �أ�سلوب اللوم واالتهام؛ وا�سلوب احلرية مقابل التبعية ونحوها ،وقد �أظهرت نتائج الدرا�سة ت�أثري مفهوم ال��ذات ب�شقيه بنوعية الأ�سلوب الرتبوي الذي يغلب على الأ�سرة (�إيجابي – �سلبي) ،كما خل�صت الدرا�سة �إلى ت�أثري هذه الأ�ساليب ب�شكل وا�ضح يف توكيد الذات ،وقد كانت فاعلية ت�أثري هذه الأ�ساليب الرتبوية كل منها مبفردة وا�ضحة على توكيد الذات ,وقد ات�ضح من نتائج هذه الدرا�سة �أي�ض ًا وج��ود عالقة دال��ة �إح�صائي ًا بني مفهوم ال��ذات وبني توكيد الذات ،وكذلك بني مفهوم الذات ومفهوم الذات امل�سلمة. كما �أج��رت العنزي ،)2004( ،درا�سة هدفت �إلى التحقق من مدى فاعلية برنامج �إر�شادي جمعي يتم فيه تدريب الزوجات على مهارات حل اخلالفات الزوجية، كما ت�ساعد على التقليل من م�ستوى االكتئاب ،بالإ�ضافة �إلى رفع م�ستوى الأداء واملعدل الرتاكمي لديهم ،وتكونت عينة الدرا�سة من (� )30أم ًا مت توزيعهن ع�شوائي ًا �إلى جمموعتني متكافئتني �ضابطة وجتريبية ،وخل�صت نتائج الدرا�سة �إلى فاعلية الربنامج يف خف�ض م�ستوى اخل�لاف��ات الأ�سرية واالكتئاب ل��دى الأب��ن��اء وزي��ادة معدالتهم الدرا�سية. كما �أج��رت بركات2000( ،م) .درا�سة هدفت �إلى التعرف على العالقة بني �أ�ساليب املعاملة الوالدية
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
51
52
واالكتئاب لدى بع�ض املراهقني واملراهقات املراجعني مل�ست�شفى ال�صحة النف�سية بالطائف ،وقد تكونت عينة الدرا�سة من ( )135حالة من املراجعني للعيادة النف�سية يف م�ست�شفى ال�صحة بالطائف تراوحت �أعمارهم من � 24 – 12سنة ،وقد ا�ستخدمت مقيا�س �أ�ساليب املعاملة الوالدية ،ومقيا�س االكتئاب �أدوات للدرا�سة .و�أ�سفرت نتائج الدرا�سة عن وجود عالقة ارتباطية موجبة دالة �إح�صائي ًا بني (الأ�سلوب العقابي) للأب والأم واالكتئاب لدى عينة الدرا�سة ،كما �أنه يوجد �أ�سلوبان �أكرث �إ�سهام ًا يف تباين درج��ة االكتئاب لدى عينة الدرا�سة وهما: (ا�سلوب �سحب احل��ب ،وا�سلوب التوجيه واالر���ش��اد)، و�أو�صت الدرا�سة ب�إعداد برامج توعوية للآباء والأمهات على مدار العام. كما �أجرى البو�سعيدي1996( ،م) درا�سة هدفت �إلى بيان مقا�صد و�أهداف الزوجية يف الإ�سالم ور�صد �أ�سباب وق��وع امل�شكالت الأ�سرية �إ�ضافة �إل��ى ر�صد املمار�سات اخلاطئة بالتعامل مع امل�شكالت الزوجية ،وقد خل�صت الدرا�سة �إلى �أبرز النتائج التالية: �إن املمار�سات اخلاطئة يف التعامل مع امل�شكالت لها �آثارها ال�سلبية على �أفراد الأ�سرة ،و�إن وهن و�ضعف دور امل�ؤ�س�سات الر�سمية والأهلية �أ�سهم يف �إيجاد امل�شكالت الأ���س��ري��ة ،و�إن املنهج ال�ترب��وي الإ�سالمي يتعامل مع امل�شكالت الزوجية وقاية وعالج ًا. وق��د ا�ستفادت ال��درا���س��ة احلالية م��ن ال��درا���س��ات ال�سابقة� .إال �أن الدرا�سة احلالية ا�ضافت �آلية الرتبية بالقدوة الوالدية .كما �أنها بنّيت وف�صلت �آلية الرتبية ب��احل��وار الأ���س��ري حم��اول��ة �إث����راء اجل��ان��ب ال�ترب��وي الإ�سالمي. التمهيد� :أهمية النهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة تقوم املنظومة الأ�سرية على ع��دة ركائز يعا�ضد بع�ضها بع�ضا ،وتعد الركيزة الرتبوية امل�ستقاة من النبع الإ�سالمي الأ�صيل �أهم هذه الركائز حيث �إن الأ�سرة تعد امل�ؤ�س�سة الرتبوية الأولى القادرة على �صناعة (الإن�سان ال�صالح) والعنا�صر الب�شرية امل�ؤهلة للعمران احل�ضاري والتي تعلن مبد�أ الوحدة بني الدنيا والآخرة والتالحم والتناغم بني الآجل والعاجل بيد �أن �أي ق�صور يعرتي الأ�سرة بالقيام ب�أدوارها الرتبوية خا�صة والوظيفية عامة �سيلقي بظالل ال�سلبية على املنظومة االن�سانية ال �سيما �أمام هذا الطوفان الإعالمي الذي بات يخرتق �أدق تفا�صيل اخل�صو�صية الأ�سرية يف ع�صر يطلق عليه ع�صر الف�ضاء املفتوح (ع�صر ال�شا�شة) مما يحتم علينا �أن نقدم منوذجنا الرتبوي الإ�سالمي وللإن�سانية جمعاء. وت��ؤك��د الدرا�سات العديدة على �أهمية �إع��داد
وت�أهيل الأ�سرة ب�آليات قادرة على معاجلة احلا�ضر وا���س��ت�����ش��راف الآت����ي .فقد �أ���ش��ارت درا���س��ة حول ال�سمات واخل�صائ�ص ال�شخ�صية للآباء غري امل�ؤهلني بالأ�ساليب وال��ك��ف��اءات الرتبوية وم��ن �أه��م هذه اخل�صائ�ص للوالدين: ال��ن��ق�����ص يف ف��ه��م طبيعة الأط���ف���ال وق��درات��ه��موح��اج��ات��ه��م النمائية؛ ل��ذا توقعاتهم ل�سلوك ابنائهما مرتفعة وغري متوقعة. نق�ص مهارات التوا�صل االجتماعي والإنفعايل معالأبناء؛ مما ي�ؤدي �إلى معاناة االبناء من م�شكالت �سلوكية وانفعالية واجتماعية ،كما ي ��ؤدي �إلى تدهور ثقة الطفل بنف�سه مما يجعله عر�ضة لأي فكر �أو معتقد. نق�ص مهارة الأب��وة ،وعدم الوعي التام بالأ�سلوبالأ�صوب للتعامل مع الأبناء. انخفا�ض ال��ق��درة على حتمل الإح��ب��اط ،وع��دمالقدرة لل�سيطرة على امل�شاعر ،وفقدان التوازن بحالة الغ�ضب والإنفعال. النق�ص يف الن�صح االنفعايل نتيجة عدم الإ�شباع يفال�صغر؛ لذا فهما غري قادرين على منح هذه امل�شاعر لأطفالهما. وقد �أظهرت نتائج درا�سة ،عن وجود عالقة دالة �إح�صائي ًا بني مفهوم الذات وتوكيد الذات امل�سلمة ،كما �أظهرت ت�أثري جمموعة من الأ�ساليب الرتبوية ال�سالبة التي حت��ذر منها الرتبية عامة والرتبية الإ�سالمية خا�صة. كما بينت ت�أثر مفهوم ال��ذات بالأ�ساليب الرتبوية بد من الإيجابية ويف �سبيل ذلك ،ولتحقيق الأهداف ال ّ طرح �آليات تربوية مقرتحة للنهو�ض بواقع الأ�سرة امل�سلمة تقرتحها الدرا�سة من خالل املطالب الآتية: املطلب الثاين الآلية الأولى :القدوة الوالدية (نقاط القوة ، ونقاط ال�ضعف ). تتناول الآل��ي��ة الأول����ى� :آل��ي��ة الرتبية بالقدوة ال��وال��دي��ة حيث يعد ا�ستدعاء ه��ذا البعد الرتبوي �ضرورة ملحة يف اللحظات الراهنة لت�ضييق الفجوة بني االقتداء بالنموذج الأمثل (القدرة النبوية اخلالدة) وبني قدرة الأجيال احلا�ضرة وال�صاعدة على تفعيل وجت�سيد املعاين والقيم ال�سامية للرتبية الإ�سالمية ب�إطارها الو�سطى املتوازن �إلى �سلوك ر�شيد.
ويق�صد بالقدوة" :متثل املربي باالمناط ال�سلوكية الر�شيدة والأخالق وال�سلوكيات الفا�ضلة بحيث تكون �شخ�صيته م�ؤثرة وم�ؤهلة لالقتداء بها. �أما القدوة الوالدية فهي �إي�صال الأدب وال�سلوك الر�شيد امل�ستقى م��ن اال���ص��ول الإ�سالمية ع��ن طريق التطبيق الإيجابي امل�شاهد للأبناء .حيث يتم التزاوج والتقارب بني النظر والتطبيق وبني القول والفعل. �أنواع القدوة هناك �أنواع عديدة من القدوات �أبرزها: القدوة الوالدية. القدوة من العلماء. القدوة الأ�سرية من غري الأب والأم من الأخ الأكربالأخ��ت الكربى �أو �أي �أحد �أف��راد الأ�سرة له وقع وت�أثري على نف�س املرتبي. القدوة الإعالمية ولعلها من �أخطر و�أدق �أن��واعالقدوات يف هذا الع�صر. القدوة من الرفاق وال�صحبة.�أهمية القدوة: ت�أتي �أهمية القدوة الوالدية من جوانب �شتى� :أنها حمط �أنظار االبن بل لعله يكون النموذج الأمثل الذي ي�سعى �إلى تقليده واالقتداء به ،وقد يت�سرب هذا امليل العارم �إلى الأبناء يف الال�شعور فكما يقولون (الطبع را�ض وال�سلوك ل�ص) قد يقلده الإن�سان و�إن كان غري ٍ عنه يف بع�ض الأحيان وقد عهدنا �أن الن�شء وبخا�صة يف املراحل املبكرة قد يت�أثر بالنماذج التي تتعر�ض لها على نحو كبري“ ،ف�أفعال املربي �أكرث ت�أثريا يف ال�سلوك من �أقواله ،لذا يجب �أن ميار�س �سلوك ًا يتفق مع م�ضمون الأهداف التي يرغب يف حتقيقها عند من يربيهم”. ومن هذا املنطلق عليه �أن ي�ضع �سلوكه على م�شرحة املراقبة واملتابعة ف�إذا حظي بحب من يريهم زاد التقليد واالقتداء بل �إنهم يقلدونه بكل ما ي�صدر منه من �إيجاب �أو �سلب. وقد �أك��دت الدرا�سات النف�سية “�أن املربني لديهم رغبة نف�سية �إلى الت�شبه واالقتداء بالأ�شخا�ص الذين يحبونهم ويحرتمونهم ل�سريتهم احل�سنة. وت�أتي �أي�ض ًا �أهمية القدوة احل�سنة من �أنها “ت�ساعد على تكوين احلافز يف املرتبي دومنا توجيه خارجي لأن املثال �إلى املرتقي يف درجات الكمال يثري يف نف�س الب�صري قدر ًا من اال�ستح�سان والإعجاب والتقدير واملحبة ومع ه��ذه الأم��ور تظهر دواف��ع الغرية املحمودة واملناف�سة ال�شريفة”.
“�إن �أخطر ما ي�صاب به املربي انف�صال عمله عن علمه وتناق�ض الظاهر والباطن وازدواجية التوجيه والتعليم لأن املربي ال��ذي يتحدث �إل��ى طالبه عن �أي جانب معريف �أو �سلوكي ،ثم يلمحون �أنه ال يعمل بذلك �أو ي�أتي ما يخالفه ف�إنه ال�سلوك ميحو من العقول ما قدمه من معارف”. فلن ت�أتي الفاعلية املن�شودة �إال من قلب ال�صادق امللتزم الناب�ض بالإخال�ص “فالقبول واال�ستجابة يحرم منها خمالف فعله” لقوله تعالىَ } :يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آَ َم ُنوا لمِ َ َت ُقو ُلونَ َما اَل َت ْف َع ُلونَ (َ )2كبرُ َ َم ْق ًتا ِعنْدَ اللهَّ ِ �أَ ْن َت ُقو ُلوا َما اَل َت ْف َع ُلونَ ({ ال�صف.)٣ – ٢ : َّا�س ِبا ْلبرِ ِّ َو َتن َْ�س ْونَ �أَ ْن ُف َ�س ُك ْم وقال تعالى�} :أَ َت ْ�أ ُم ُرونَ الن َ اب �أَ َف اَل َت ْع ِق ُلونَ {(البقرة)٤٤ : َو�أَ ْن ُت ْم َت ْت ُلونَ ا ْل ِك َت َ والقدوة احل�سنة من ِ�ش�أنها �أن تطور حياة الفرد واجل��م��اع��ة "فالطفل يلج�أ �إل���ى االق��ت��داء ب�أ�ساليب �أفراد �أ�سرته ومن هنا ينبغي �أن يكون ال�سلوك ال�شائع يف الأ���س��رة هو ال�سلوك املرغوب اجتماعي ًا ،لن�ؤ�س�س ال�شخ�صية االجتماعية البنّاءة .علم ًا �أن ت�شرب ه�ؤالء وغريهم لتلك القيم ال يكون عن طريق الوعظ والإر�شاد بقدر ما يتوافر عن طريق املثال ال�صالح". كما �أن على الأ�سرة �أن تقدم للأبناء املثل الأعلى والنموذج امل�شرق من خالل �سلوك الوالدين �أمام �أبنائهما من خالل تربيتهم على النقد الذاتي البناء "وعدم الركود �إلى حال ال�سوء ب�ش�أنها قدر ًا مقدر ًا ،فكل تغيري �سلبي يقع على الفرد �أو اجلماعة مرده على النف�س". و�أن �سنة التغيري من ال�سنن االجتماعية الناب�ضة يف احلياة الإن�سانية �إل��ى �أن ي��رث اهلل �سبحانه وتعالى الأر�ض ومن عليها ا�ستجابة لنداء ال�سماء. ق��ال تعالىَ } :ذ ِل� َ ��ك ِب����أَنَّ اللهَّ َ لمَ ْ َي� ُ�ك ُم� َغ�ِّي�رِّ ً ا ِن ْع َم ًة َ للهَّ ِيع �أَ ْن َع َم َها َع َلى َق ْو ٍم َح َّتى ُي َغيرِّ ُ وا َما ِب�أَ ْن ُف ِ�سه ِْم َو�أَنَّ ا َ�سم ٌ يم{(الأنفال)٥٣ : َع ِل ٌ وهناك بعد ًا غائب ًا ال بد من ا�ستدعائه �إلى ميادين ال�ترب��ي��ة الأ���س��ري��ة وذل���ك م��ن خ�لال �إع��ان��ة الأب��ن��اء ومنا�صرتهم يف اختيار وانتقاء ال�صحية ال�صاحلة التي قد ت�شكل ق��دوة و�أ���س��وة حمورية "حيث تنبع �أهمية ال�صحبة ال�صاحلة من �أنها تزيد من �إميان الفرد وتعينه على ال�سلوك والأخالق الفا�ضلة وحتقق م�شاعر الإن�سان والطم�أنينة وهذه امل�شاعر تثمر ال�سعادة". وقد يلج�أ الفرد يف مرحلة عمرية �إلى تقدمي و�إثبات قدوة الرفاق على القدوة الوالدية وقد �أجريت درا�سة على فئة املراهقني فيما يتعلق مبفهوم القدوة وت�أثريها "حيث �أظهرت نتائجها �أن القدوة من جمتمع الرفاق �أكرث ت�أثري ًا من القدوة الوالدية".
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
53
54
ويو�صي �إلى ذلك النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بقوله "�إمنا مثل اجللي�س ال�صالح واجللي�س ال�سوء كحامل امل�سك ،ونافخ الكري ،فحامل امل�سك �إما �أن يحذيك و�إما �أن تبتاع منه ،و�إما جتد منه ريح ًا طيبة ونافخ الكري �إما �أن يحرق ثيابك و�إما �أن جتد ريح ًا خبيثة". م�ستويات القدوة القدوة الرائدة والنموذج الأمثل ال��ذي يتج�سدمن خاللها العقيدة ال�صحيحة وال�سلوك امل�ستقيم وامل��ث��ال ل��ذل��ك ال��ر���س��ول عليه ال�سالم فم�سريته امل�شرفة منوذج ناطق للم�ؤمنني قال تعالىَ } :ل َق ْد َكانَ َل ُك ْم فيِ َر ُ�سولِ اللهَّ ِ �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة لمِ َ ْن َكانَ َي ْر ُجو اللهَّ َ َوا ْل َي ْو َم ْ آَ ال ِخ َر َو َذ َك َر اللهَّ َ َك ِث ًريا{ (الأحزاب: .)٢١ القدوة التاريخية الغائبة من ال�صحابة والتابعنيوال�صاحلني الذين فارقوا احلياة الدنيا �إلى احلياة اخلالدة. ال��ق��دوة العلمية احلية احلا�ضرة والتي ترتجم�سرية القدوة املثلى ل�شخ�صية النبي عليه ال�سالم �إلى واقع و�سلوك عملي معا�ش ،ويعد هذا النمط من القدوة من "�أجنح الو�سائل يف �إعداد اجليل خلقي ًا وتكوينه نف�سي ًا واجتماعي ًا ،ذلك �أنها تقدم النموذج احلي املاثل وتثري امليول لالقتداء والتقليد" .مما يحتم على الوالدين الدقة والتناغم بني الظاهر والباطن والقول والعمل. ومما يجدر الإ�شارة �إليه �أن من �أبرز �شروط فاعلية الرتبية بالقدوة "�أن يكون ال�شخ�ص املربي حمب ًا ملن يريد تعليمه عام ًال مبا يعلمه �إياه و�أن يكون ال�شخ�ص املتعلم حمب ًا له" .وبال �شك �سي�ؤثر هذا على الرتبية ال��وال��دي��ة القائمة على املحبة وامل���ودة يف املنظومة الأ�سرية املرتابطة. وي�ضاف �إلى ذلك كله ال�شعور بامل�س�ؤولية الرتبوية من قبل الوالدين ،و�أن تلك امل�س�ألة لي�ست من قبيل النافلة، بل هي �أمانة وم�س�ؤولية يف الآجل والعاجل كل ح�سب الإمكانات والقدرات املتاحة له. نقاط القوة وفر�ص النجاح يف تلك الآلية: حتقيق التوا�صل النف�سي ،و�إ�شباع احلاجة �إلىاحلب واالنتماء؛ ف��إذا كان احلب يعد انفعا ًال وطاقة خمتزنة يف النف�س الإن�سانية ف�لا ب��د م��ن ت�صريفها بالقنوات امل�شروعة فاحلاجة �إلى احلب �أخذ ًا وعطاء تباد ًال وتفاع ًال ترفد التوا�صل النف�سي يف املنظومة الأ�سرية االجتماعية. "فالدافع �إل��ى احلب هو تلك احلاجة التي يحبها
الإن�سان ويرغب معها يف �أن يحبه الآخرين" .وقد علم الر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم � -أ�صحابه �أن ي�شبعوا حاجة احلب يف �أنف�سهم ونفو�س �أطفالهم بقوله عليه �أف�ضل ال�صالة وال�سالم" :امل�ؤمن �ألف م�ألوف ،وال خري فيمن ال ي�ألف وال ي�ؤلف ،وخري النا�س �أنفعهم للنا�س". وق��د دخ��ل الأق���رع ب��ن حاب�س على النبي -عليه ال�صالة وال�سالم -ويف ح�ضنه �أحد �أبنائه يقبله فقال �أتقبلون �أبناءكم؟ �إن يل ع�شرة من ال�صبيان ما قبلت �أحدهم �أبد ًا فقال له ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم: �أو �أملك لك �إن نزع اهلل من قلبك الرحمة ،من ال يرحم ال ُيرحم". ومما يجدر الإ�شارة �إليه �أن م�س�ألة تعديل الدوافعتقوم يف كثري من الأحيان على العاطفة ال�سائدة؛ وهي وف��ق الت�صور الإ���س�لام��ي ح��ب اهلل وال���ذي يعد نقطة التحول احلقيقية من االنكما�ش وال�سلبية �إلى التوا�صل والإيجابية مم��ا يحتم على امل��رب�ين ال�سعي ال���د�ؤوب واجلاد لتحقيق �أكرب قدر من تنمية احلب هلل مبختلف الأ�ساليب والأدوات والإمكانات املتاحة للت�سامي فوق م�ستويات احلزن والتمزق النف�سي ،ويف الوقت ذاته نرى �أن عاطفة ال�سخط ا�سا�س للكثري من م�شاكل كل فرد منا لأنه يدمر الذهن ويهدد ال�صحة اجل�سمانية ب�أخطار كثرية. "�إن تبني ال�سلبية وا�سرتجاع اخل�برات املا�ضيةيكون له �سلبيته وم�شكالت نف�سية". الو�صول �إل��ى الإب���داع الأخ�لاق��ي وال��ذي ينبع مناال�ستقاللية الأخالقية بحيث ال يخ�ضع للأعراف والتقاليد من غري ر�ؤية نقدية �أو وقفة مت�أنية ،بل يتعامل مع كل موقف جديد بانفتاح ممزوج باحلب والعقل؛ فهو يتعامل مع النا�س باحلب ،ويتعامل مع امل�شكالت بالعقل ،ويطلق قدرات علمية وثقافية فائقة الت�صور ،ويكون لديه الفاعلية الأخالقية التي ترف�ض ال�شخ�صية ال�سلبية التي ترتد �إلى �أح�ضان املا�ضي .وهذا الإب��داع الأخالقي يرف�ض اخرتاق خ�صو�صيات الآخر وتهديد �أمنه النف�سي والفكري. وجود مناذج يف املنظومة االجتماعية من ال�شخ�صيةالإيثارية وهذه ال�شخ�صية غالب ًا ما يكون لديها ح��ري��ة �إ���ض��اف��ي��ة؛ فهو يختار بنف�سه الأح��ك��ام الأخ�لاق��ي��ة ال��ت��ي يهتدي بها يف حياته وي�شعر باحلرية لتعديلها وتطويرها بتطور خرباتهم. وقد تتباين وتختلف �أمناط معاملة الأ�سر لأبنائهمما بني الدالل املفرط ،والإهمال املفرط والتو�سط يف بناء ال�شخ�صية املتوازية؛ فهذا النمط الرتبوي
الأخري يزاوج بني العقل والعاطفة وما بني الرتبية بالنموذج العملي (الرتبية بالقدوة) والرتبية بالن�صح والإر�شاد والأ�ساليب الرتبوية الأخ��رى، وتعمل على تخفيف كثافة ال�ضغوط النف�سية عن الأبناء حيث "ت�ؤدي ردود فعل الوالدين دور ًا يف تخفيف معاناة املراهق خالل الفرتة احلرجة خالل العمر ،ورفع معدالت التوتر واملعاناة لتخفيف ظهور امل�شكالت ال�سلوكية يف حياة املراهقني" .وحيث بان "نق�ص مهارات التوا�صل االجتماعي والإنفعايل ت����ؤدي �إل���ى وق���وع الأب��ن��اء يف م�شكالت �سلوكية وانفعالية واجتماعية كما ي�ؤدي �إلى تدهور ثقة الفرد بنف�سه مما ي�سهل تعر�ضه لأي فكر �أو معتقد. ويف املقابل �إذا كانت امل�ؤ�س�سة الأ�سرية من خالل ما تقدمه الرتبية الوالدية بالقدوة ق��ادرة على حتقيق الأمن النف�سي للأبناء فال بد �أن تخلق جو ًا من االطمئنان واال�ستقرار الأ�سري واالنفعايل. و�إذا ت��واف��ر ه��ذا اجل��و امل��ث��ايل "تكونت �شخ�صيات �إيجابية متكيفة مع نف�سها ومع الآخرين ،قادرة على جتنب كل ما ي�ضعف حياتها وي�سبب لها اال�ضطراب والقلق ،وت�ساعد الأفراد على ت�أدية �أدوارهم يف حياتهم وجمتمعهم على �أكمل وج��ه مما يجعلهم يف حالة من الر�ضا وال�سعادة والثقة بالنف�س". غر�س الأ�صول الإميانية من خالل القدوة الوالديةحيث �إن الإميان هو الأ�سا�س لل�سلوك االجتماعي وفق الت�صور الإ�سالمي" .وعقيدة فرد ما هي �أ�سا�س �سلوكه و�سعيه ومنهاجه يف احلياة من حيث �إنها حتدد له الهدف من وجوده .وح�سب الهدف والغاية تنتظم اخلطوات وتتنوع الأ�ساليب ،وكذلك احلال بالن�سبة للمجتمع الب�شري حيث ي��ؤم��ن معظم �أفراده ب�أ�صل �إمياين م�شرتك هو الأ�سا�س الفكري �أو الفل�سفي لل�سلوك االجتماعي". وه��ذه العالقة احلميمة ب�ين الأ���ص��ول الإميانية وال�سلوك االجتماعي تفر�ض على الرتبية الوالدية �أن ت�ؤ�س�س اجتاه ًا تربوي ًا �أ�صي ًال يظهر فيه التالزم بني الإميان والعمل والعقيدة وال�سلوك وعلى احلالتني الربط بني ال�سلوك الفردي واالجتماعي. حيث �إن مو�ضوع الإمي��ان والعقيدة لي�ست معرفة ذهنية جمردة بل هي الركيزة الأول��ى لإ�شعال فتيلة الإب��داع احل�ضاري وااللتحام بالكتلة العمرانية وفق �سلوك فاعل ر�شيد يلم�سه الأبناء. ح�سن انتقاء القدوة :وميثل ذلك توجيه الآباءللأبناء حل�سن اختيار القدوة ال�صاحلة من الأ�صدقاء والعلماء والأق��رب��اء و�إذا م��ا توفر ذل��ك الأم���ر ،ف��إن ذلك فيه �إيجابية وفاعلية كبرية و�أي�ض ًا قدرة الآباء
والأبناء مع ًا على اختيار وانتقاء قدوات متعددة ولي�س االقت�صار على ق��دوة واح��دة يف جميع �أم��ور احلياة؛ بحيث ت�صبح �أقرب �إلى الوثنية يف بع�ض الأحيان� ،أو يكون لها �صد ًا ورجع ًا �سلبي ًا يف حال ا�ضطراب القدوة �أو حدوث �شرخ بني القدوة واملقتدى به يف حالة االقت�صار على القدوة الواحدة �إ�ضافة �إلى �أن تعدد القدوات تقدم ثراء �إمياني ًا معرفي ًا وح�ضاري ًا؛ لأن فيه �سعة الر�ؤية ً و�شموليتها واكت�ساب الكثري من مهارات احلياة وتربية الذوق االجتماعي يف اجلانب ال�سلوكي .وكذلك ت�ؤدي �إلى تقليد ال�سلوك الإيجابي ،و حتقيق الإجناز والنجاح وخروج الأبناء من (ثقافة الي�أ�س) التي قد تقود �إلى الهاوية والإرهاب والعنف. �أما عن نقاط ال�ضعف لتلك الآلية: الف�صام والتناق�ض بني �أقوال و�أفعال الوالدين :حيث�إن الف�صام وال�شقاق بني الأقوال والأفعال للقدوة املربي ي�شكل حتدي ًا للرتبية ب�إطارها الو�سطي الإ�سالمي املتوازن .وقد يفرز ذلك �أن يفقد الآباء ثقة الأبناء �إ�ضافة �إلى التن�شئة على ازدواجية املعايري .فقد ين�ش�أ الأبناء على التناق�ض والتنافر بني التنظري والتطبيق ،وثمة معلم تربوي يجدر بنا الإ�شارة �إليه يف تقدمي القدوة الوالدية يف هذا ال�سياق حيث نلحظ جلي ًا بع�ض من هذه القدوات يح�سر مفهوم الدين يف املظهر ال�شعائري بعيد ًا عن التوظيف العملي لهذا املظهر يف ن�سيج املنظومة االجتماعية "وقد اعترب الإ���س�لام الف�صل بني املظهر الديني وال�شعائري يف العبادة وبني املظهر االجتماعي وال�سلوكي تكذيب ًا بالدين نف�سه". ين{ (املاعون)١ : قال تعالى�} :أَ َر َ�أ ْي َت ا َّل ِذي ُي َك ِّذ ُب ِبالدِّ ِ "وهذا ي�ؤكد �أن املظهر االجتماعي للعبادة هو حمك ال�صدق للمظهر ال�شعائري ف��الأول هو الإمي��ان العملي والثاين الإدعاء النظري �أو نقول الثاين هو العقد بني اخلالق والعبد والأول هو التنفيذ" ولعل ق�صور الفهم حلقيقة الدين وانح�سار مفهومه جعلنا تقع حتت �سطوة �أزمة ال�سلوك. �إن اال�ستغراق يف التنعم وتدليل الذات واملبالغة فيهي��ؤدي �إل��ى �إنتاج ال�شخ�صيات اله�شة غري القادرة على م��واج��ه��ة ال��ت��ح��دي��ات وق��د ورد يف احلديث "�إياكم والتنعم وزي �أهل ال�شرك" .فاال�ستغراق يف التنعم حت��ول دون تزكية النف�س وترتيبها واال�ستجابة �إلى ال�سلوك الر�شيد وال �سيما يف ع�صر البث الإعالمي ،والذي يت�سرب �إلينا يف كل حلظة من خمتلف الأبواب والنوافذ الإعالمية �سلوكيات دخيلة.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
55
-
-
-
56
-
وق���د �أع���د بع�ض ال��ب��اح��ث�ين م��ن �أ���س��ب��اب التنعم وال�سلوكيات الدخيلة والوافدة �إلينا والتي مت�س ال�شخ�صية امل�سلمة و�صلتها باهلل تعالى" .ركونها �إلى املو�سيقى واملعازف وان�شغالها بالغناء عن الأعمال النافعة امل�ؤثرة يف �سلوك وحياة الفرد". �ضياع الإخال�ص وغياب التوظيف العملي للإميان ي�ؤدي �إلى الوقوع حتت �سطوة الكبت والقهر النف�سي وقد يفرز خلل يف البناء الإمي��اين مما ي��ؤدي �إلى ت�سرب حبائل النفاق والرياء �إ�ضافة �إلى �أن تقلي�ص دور الإخ�لا���ص يفرز �أي�ض ًا �شيئ ًا من ال�سلوكيات اال�ستعرا�ضية (عالقة الأر�ض بالأر�ض) ال ال�سماء بالأر�ض تفر�ضها كثافة �ضغط املادة وحب التزلف ال �سيما يف ع�صر ت�ضاءلت فيه القيم املعنوية وارتفعت القيم املادية فيتف�شى (�سرطان الأنا) يف امل�ؤ�س�سة الأ�سرية. ال��ق�����ص��ور ع���ن ت��ق��دمي من����وذج ري�����ادي لل�سلوك االجتماعي �أم��ام كثافة متطلبات الع�صر نظر ًا وتطبيق ًا. ه�شا�شة و�ضعف روح امل���ودة والإخ���اء والتكافل االجتماعي داخ��ل ال��دائ��رة الأ�سرية وال��دائ��رة الإ�سالمية والدائرة الإن�سانية �أمام �سيادة القيم املادية على ح�ساب القيم املعنوية. انت�شار و�شيوع ال�سلوكيات الدخيلة الوافدة �إلينا من خمتلف النوافذ والأبواب الإعالمية �أمام هذا التكاثر املعريف وال�سباق التقني. القدوات الإعالمية (القدوات البائ�سة) وهي من �أكرث و�أ�شد �أن��واع القدوات ت�أثري ًا نظر ًا ملا يقدمه الإعالم من حم�سنات ومبالغات غري عادية يجعل منها �شخ�صيات باهرة تتقزم �أمامها القدوة الأبوية وق��دوة الرفاق والعلماء� .إ�ضافة �إلى �إن الإعالم يقلل من �ش�أن القدوة الوالدية من خالل الدراما التي ال متثل الواقع بل يحاول الن�شء �إ�سقاطها على الواقع .وال يفوتنا �أن القدوات الفاعلة من العلماء و�أه���ل الإ���ص�لاح �إذا ارتبطت باجلانب الإمي��اين يقدمها الإعالم ب�صورة مزيفة وم�ضطربة ب�أ�سلوب ذكي وماكر يحمل بني طياته لوثة املغر�ضني. انح�سار مفهوم الرتبية بالن�سبة لبع�ض الآب��اء ب�إ�شباع احل��اج��ات اجل�سمية و�إغ��ف��ال اجل��وان��ب الأخرى التي قد توازيها �أو تفوقها �أهمية فنجد م��ن ينهمك بجمع امل��ال لت�أمني حياة كرمية من م�أكل وم�سكن وملب�س ويهمل اجلوانب الرتبوية واحل�ضارية والإميانية وهذا الق�صور يلغي االلتقاء بني الآجل والعاجل والوحدة بني الدنيا والآخرة.
ت�ضخم زالت وهفوات القدوة الوالدية فقد يعد الأبناءالآب��اء �أنهم ب�شر يعملون بطريقة م�سحورة فهم الأقرب �إلى املالئكية مما تنعك�س �سلب ًا على الأبناء بالعزلة االجتماعية والأ�ضرار ال�صحية والنف�سية .ويف ال��وق��ت ذات���ه ق��د ي��ن��ال ال��ق��دوة ال��وال��دي��ة الإعجاب والر�ضا املبالغ فيه من الأبناء في�ؤدي �إلى االنغما�س التام ورف�ض كل جديد و�أحادية التلقي املعريف والوجداين للأبناء والوالء املطلق من غري ر�ؤية نقدية وب�صرية نافذة. املطلب الثالث �آلية الرتبية باحلوار الأ�سري :نقاط القوة ونقاط ال�ضعف لتلك الآلية �إن احل�صون احلوارية هي �أبرز احللول الر�شيدة من بني البدائل املطروحة لقيام منظومة �أ�سرية م�ستقرة �آمنة مع الت�أكيد على الأب��ع��اد والقيم وال�سلوكيات الر�شيدة يف الن�شاط االجتماعي ،كما ي�ؤكد ذلك احلديث النبوي ال�شريف“ :مثل امل�ؤمنني يف توادهم وتعاطفهم كمثل اجل�سد الواحد �إذا ا�شتكى منه ع�ضو تداعى له �سائر اجل�سد بال�سهر واحلمى”. �أو ًال :لغة :مفهوم احلوار احلوار لغة :حاوره حماورة وحوار ًا جاوبه وجادله وحتاوروا :تراجعوا يف الكالم بينهم وجتادلوا .واملحاورة مراجعة املنطق والكالم يف املخاطبة ،والأح ْور :العقل. ثاني ًا :احلوار ا�صطالح ًا ه��ن��اك العديد م��ن التعريفات ملفهوم احل���وار من �أبرزها: “حديث �شفهي يجري تناوله بني �أك�ثر من فرد�سواء يف �شارع �أو بيت �أو مدر�سة ،وي�أخذ احلوار �أهميته من خطورة و�أهمية الق�ضايا املثارة �أو ب�سبب الثقافة العميقة �أو املتميزة للمتحاورين”. وي��ع��رف احل���وار الأ���س��ري ب ��أن��ه“ :تناول للأفكار والآراء بني طرفني من عنا�صر الأ�سرة ب�صورة منظمة ومو�ضوعية على �أ�سا�س االحرتام املتبادل بينهما”. مقومات و�أ�س�س احلوار مقومات املحاور �أم��ا عن مقومات امل��ح��اور فمن �أهمها�“ -:أن يكون حكيم ًا ،فطن ًا ،عاملا بالع�صر وفقهي ًا يف ق�ضاياه وم�شكالته، قوي ًا م�ستقيم ًا عارف ًا بالدنيا مدرك ًا لر�سالته منفتح العقل ذكي الف�ؤاد ،وا�سع الأفق ،حميط ًا مبعارف �شتى ،على قدر كبري من الثقافة واخلربة والتخ�ص�ص”.
وي�ضاف لل�سابق جملة م��ن املقومات للمحاور من �أبرزها: �أنه يجب على املناظر �أن يحر�ص على االخت�صاروعدم اال�ستطراد يف احلديث. �أن ال ي�ستعمل الألفاظ التي حتتمل اكرث من معنى.�أن ي�ستخدم الكلمة الدافئة اللينة حيث �إنها ت�ؤلفالقلوب وتف�سح املجال الو�صول �إلى القوا�سم امل�شرتكة بني املتحاورين بينما الكلمة اجلافة حت ّول احلوار �إلى �شكل من �أ�شكال ا�ستعرا�ض امل��ه��ارات وي�سود الغ�ضب، والإنفعال الذي يعطل احلوار. ن�شر الرحمة� :إن احل��وار ب�صورة عامة واحل��وار الأ���س��ري ب�صورة خا�صة له مق�صد رئي�س ه��و“ :ن�شر الرحمة التي بعث من �أجلها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم” .وه��ذه الرحمة موجهة �إل��ى جميع الأطياف االجتماعية بل والإن�سانية على تباينها واختالفها. قال تعالىَ “ :و َما �أَ ْر َ�س ْل َن َ اك ِ�إ اَّل َر ْح� َم� ً�ة ِل ْل َعالمَ ِنيَ" (الأنبياء)١٠٧ : ف�إن كانت الدعوة �إلى احلوار مع (الآخ��ر) لتحقيق ال��ع��دال��ة االجتماعية فمن ب��اب �أول���ى رف��د الطاقة احلوارية يف م�ؤ�س�ستنا الأ�سرية يف �سبيل �إذكاء احل�س الأخ�لاق��ي الإمي���اين ال��ذي يرفد امل�����ش��روع احل�ضاري الإ�سالمي يف حتقيق املنظومة الأخالقية يف جمتمع �آمن م�ستقر. توفر �أجواء احلرية املن�ضبطة. التزام املو�ضوعية :فاملو�ضوعية من ركائز احلوارو�أ�س�سه الهامة ،وقد �أ�شار الغزايل �إل��ى هذا الأ�سا�س بقوله "وينبغي �أن يكون �أي املتحاوران ،يف طلب احلق كنا�شد �ضالة ،ال يفرق بني �أن تظهر ال�ضالة على عدة �أو على بدة من يعاونه .وهناك ركائز و�أ�س�س للمو�ضوعية �أخرى ميكن �أن يندرج حتتها "حتديد معاين امل�صطلحات وم�صافيها من �أعلى مراتب �إذ يعد �شروط املو�ضوعية لأي حوار مثمر والعبارة ال�سائدة بني املفكرين �أنه "ال م�شاحة يف الألفاظ وامل�صطلحات" .ويحتاج �إلى �إعادة نظر و�ضبط ملفهومها" وال �سيما يف لغة التوا�صل الأ�سري �إذ تهمي�شها يو�سع دائرة اخلالف واخل�صام يف الأجواء الأ�سرية .التي باتت فيها ن�شر ثقافة احل��وار �ضرورة حياتية. رعاية الأولويات �إن اال�سرة مطالبة برتتيب �سلم الأولويات فيقدم الأه���م على امل��ه��م وامل��ت��ف��ق عليه قبل املختلف عليه "والكليات على اجلزئيات وما كان قليل ال�ضرر على كثريه" .حيث �إن احلياة قد ات�سعت مبادئها وت�شعبت
جماالتها وم�ستجداتها وق�ضاياها مما يطرح على �ساحة احلوار الأ�سري م�ستجدات ال ح�صر لها فعلينا �أن ن�ضعها على م�شرحة �سلم الأولويات حتى ال تنتقل بالق�ضايا الهام�شية على ح�ساب الق�ضايا امل�صريية والهامة. ومن ترتيب الأولويات حماورة الأبناء الأكرث ن�ضج ًا و�أعمق فهم ًا على غريهم �إ�ضافة �إلى حماورة االبن الأكرب والبنت الكربى ليكونا قدوة ح�سنة ومثا ًال يحتذى به ملن هم �أ�صغر منهم يف �أ�سرهم. ومي��ك��ن ل�ل�أ���س��رة �أن ت��ر���س��خ احل����وار وجت����ذره ل��دى عنا�صرها من خالل ما يلي: تر�سيخ ثقافة احل���وار ل��دى الأب��ن��اء ع��ن طريقالرتبية بالقدوة ،فعلى الوالدين متثل �أ�سلوب احلوار و�آداب���ه و�شروطه ،ف ��إذا ر�أى الأب��ن��اء اتباع الوالدين لأ�سلوب فيما بينهم يف جو ت�سوده املحبة والألفة واملودة كان ال بد �أن ينعك�س ذلك على �سلوك الأبناء �أنف�سهم. التخل�ص م��ن ال�شعور بالفوقية عند احل���وار معالأبناء ،فقد يقف هذا ال�شعور حاجز ًا التخاذ �أ�سلوب احل��وار داخ��ل الأ�سرة ،لذا يحب على الوالدين �إزال��ة هذا ال�شعور وتقدير �شخ�صياتهم والثقة بقدرتهم على متييزها و�إبدائها. منح الأبناء الفر�صة الكافية للتعبري عن �آرائهمخالل احلوار مما ي�سمح ببناء الثقة املتبادلة بني الآباء والأبناء فيزول حاجز اخلوف والقلق من نفو�س الأبناء، ويدفع �إلى الإقبال على الآباء وم�صارحتهم مبا يجول يف نفو�سهم. نقاط القوة لتلك الآلية :ح�صانة الهوية حيث�“ :إن التفاعالت واحل��وارات العائلية خ�صو�ص ًا الأولية منها تقدم للمراهق املواقف التي ت�شكل من خاللها الهوية لديه ،فامل�شكلة املركزية يف مرحلة املراهقة هي الو�صول �إلى ال�شعور بالهوية النف�سية. كما �إن ه��ذه املرحلة حتمل خطر امتداد (الأن��ا) وتو�سع جماالته ،ولكن هذا االمتداد ال يتم ب�سهولة و�أحيان ًا كثرية ي�ؤدي �إلى �سوء التكيف وظهور امل�شكالت ال�سلوكية ،ويتوقف ذلك �إل��ى حد كبري على ما حدث يف مراحل ما قبل املراهقة من من��و ،وم��ا اكت�سبه من خربات” .وميكننا �أن نتغافل الدور احليوي الذي ت�ضطلع به الأ�سرة يف البناء النف�سي والرتبوي ل�شخ�صية املراهق فيما قبل املراهقة ب�شكل خا�ص .وقد �أثبتت النتائج لعدد من الدرا�سات النف�سية “وجود عالقة ارتباطيه – بني ح�صانة الهوية النف�سية وانخفا�ض امل�شكالت ال�سلوكية من جهة �أخرى” .كما دلت على وجود عالقة “ارتباطية �سلبية بني انغالق وه�شا�شة الهوية النف�سية وكل من جمال ال�سلوك العدواين والذي يتمثل العنف
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
57
58
والإرهاب وغريها وجمال �سلوك التدخني وجمال �سلوك الكذب. كما �أظهرت النتائج وجود اختالف دال اح�صائي ًا يف درجة �شيوع امل�شكالت ال�سلوكية يعزى الختالف اجلن�س للمجاالت ال�سلوكية ال�سالف ذكرها ،ومرد ذلك العامل الأ�سري املتمثل يف التن�شئة االجتماعية التي ت�شجع الذكور على العدوانية والذكورة والإح�سا�س بالرجولة. حتقيق العدل واحلرية :حيث �إن الأجواء الأ�سريةالتي ي�سودها حرية التعبري الفاعل من خالل قنوات التوا�صل واحلوار الأ�سري حتظى بق�سط وافر من العدل والذي يعد القاعدة الأ�صلية واملنطلق الرئي�س لقيمة احلرية. “�إن اهلل �سبحانه وتعالى الذي جعل العدل من �أ�سمائه ما �أر�سل ر�سله وال �أنزل كتابه وال كلف النا�س بال�شرائع �إال لإقامة العدل واحلق” .قال تعالىَ “ :و�أَ ِقي ُموا ا ْل َوزْنَ ِبا ْل ِق ْ�س ِط َو اَل ُتخْ ِ�س ُروا المْ ِي َزانَ "(الرحمن.)٩ : بيد �أن الإ���س�لام وازن يف عدله ب�ين جميع القوى الفاعلة يف احلياة فال يطغى فيه الفرد على املجتمع ،وال املجتمع على الفرد وال يطغى فيه �أي فرد يف املنظومة الأ�سرية على �آخر حيث �إن احلرية ثمرة للعدل يقول ابن خلدون يف قيمة العدل�" :إن التعدي والظلم عائدة اخلراب يف العمران". الرتكيز على اجلوانب الإيجابية :يف �شخ�صياتالأب��ن��اء "و�إظهار م��ا ميتلكون م��ن خ�صائ�ص وما لديهم من �إجنازات واالعرتاف بف�ضلهم واالبتعاد عن الت�شهري بهم خا�صة عندما يكون ذلك بذكر �سلبياتهم ون��ق��اط �ضعفهم على م�سمع ال�ضيوف والأ�صدقاء وال�سخرية من �سلوكياتهم وت�صرفاتهم. ال��ب��دء ب��احل��وار بالقوا�سم امل�شرتكة وا�ستخدامالألفاظ الإيجابية والأ�سماء والألقاب املحببة لدى الأبناء يف حمادثتهم وحماوراتهم ومن ذلك ا�ستعمال العبارات التي تنم عن اح�ترام الأبناء وتقديرهم عند مبا�شرتهم لأي عمل �أو حوار مثل �أرج��وك� ،شكر ًا لك� ،آ�سف� ،إ�ضافة �إلى الإمي��اءات والتوا�صل غري اللفظي وال��ذي يكون �أك�ثر وقع ًا �إيجابي ًا يف النف�س من التوا�صل اللفظي يف بع�ض الأحيان. االبتعاد عن االنفعال والغ�ضب :وال يفوتنا الت�أكيدهنا على �أهمية االبتعاد عن املناخات االنفعالية يف احل��وار الأ�سري؛ ليتم يف �أج��واء هادئة متزنة ول��ت��ج��اوز ه��ذا امل��ن��زل��ق ي��ب��د�أ احل���وار بالقوا�سم امل�شرتكة ونقاط االتفاق والكلمات الدافئة التي ترطب الأجواء وتلني القلوب �إ�ضافة �إلى �أن تن�صف
الأطراف املتحاورة بفقه اال�ستماع مع احلر�ص �أن ال ت�سرب التع�صب واالنغالق �إلى املناخات الأ�سرية احلوارية التي ي�سودها احلب وال��دفء “حيث �إن اال�ستماع اجليد للأبناء هو عالمة اهتمام وبداية للتوا�صل وقبول الأبناء لها يلقى عليهم من �أوامر �سيما �إذا اق�ت�رن بح�سن الإ���ص��غ��اء وع���دم ال��رد على ال�س�ؤال قبل نهايته وعدم مقاطعتهم �أثناء احلديث”. �إ�ضافة �أن ال يعطي انطباع ًا قبل نهاية احلديث و�أن ينتبه لتعابري وجوههم وحركاتهم مع االحتفاظ ب�أكرب قدر من م�شاعر التقدير واالحرتام .ولتحقيق �أكرب قدر من التوا�صل الأ�سري :فال بد من الت�أكيد على التما�سك الأ���س��ري� ،إذ ي�سهم احل���وار يف دع��م �أوا���ص��ر التعاون والتوا�صل وال �شك �أن التفاهم واالت�صال اجليدان يتطلبان الكثري من احلديث واال�ستماع من قبل جميع �أفراد العائلة” .ويرفد ذلك ك�شف اللثام عن الأفكار والر�ؤى اخلاطئة لت�صويب م�سارها وحتديد مكمن اخللل �إ�ضافة �إل��ى اقتنا�ص الأف��ك��ار والطاقات الإبداعية لتطويرها وتنميتها ،حيث �إن احلوار الأ�سري يربي على النقد البناء ويحمي من �أحادية التفكري كما يجلي اللب�س والغمو�ض عن كثري من املواقف الأ�سرية� ،إ�ضافة �إلى �أن �شيوع �أجواء احلرية تعني يف الك�شف عن القدرات الإبداعية لتطويرها والأفكار اخلاطئة لت�صويبها. �أماعن نقاط ال�ضعف لتلك الآلية: ال�سلوك العدواين ،ويعرف ال�سلوك العدواين ب�أنه:“ما ي�صدره الفرد بهدف �إحلاق الأذى وال�ضرر بفرد �آخر �أو �أفراد �آخرين �سواء كان بدني ًا �أو لفظي ًا �أو نف�سي ًا ب�صورة مبا�شرة �أو غري مبا�شرة �أو مت الإف�صاح عنه ب�صورة غ�ضب �أو ع��داوة ولل�سلوك العدواين �أ�شكال و�صور متعددة من �أبرزها“ .العدوان اللفظي والعدوان الرمزي والعدوان املادي”. ويعد غياب مفهوم احلوار الداخلي والتدرج يف بناءال�شخ�صية احلوارية وذلك باالنتقال التدريجي من احل��وار الداخلي �إلى اخلارجي حتدي ًا �إ�ضافة �إلى التع�صب والإنغالق واملبالغة يف تقدير الذات، �سيما �إذا اق�ترن ذل��ك بغياب العدالة الأ�سرية واالجتماعية وال��ذي ي ��ؤدي �إل��ى تغليب ال�سلوك ال�سلبي من عنف و�إرهاب .وي�ضاف على ذلك حتول احلوار الأ�سري �إلى جدل مذموم. تخ�ضع املجتمعات الإن�سانية يف الوقت احلا�ضرلكثري من التغري والتطور �سرعة ومدى مبا مل ي�سبق لها �أن مار�سته يف �أي��ة ف�ترة من ف�ترات التاريخ الإن�����س��اين �شملت ك��ل ن��واح��ي احل��ي��اة ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية وغريها والتي فر�ضت
نف�سها على قيم الأفراد و�سلوكهم وعلى امل�ؤ�س�سات االجتماعية املختلفة. وي��ؤدي فقدان الثقة بالنف�س �إلى “�شعور بال�ضجر فال يجر�ؤ الفرد يف احلا�ضر والآتي على اتخاذ القرار في�ؤدي به �إلى االنطواء واالن�سحاب تكوين �شخ�صية م�ستقلة” مما يفرز ال�شخ�صيات النمطية الأمعية والتي تقلد من غري فكر م�ستقل ور�ؤية نا�ضجة. ولعل اخلجل مع�ضلة وعقبة حتول دون �أن حتقق �أهداف احلوار وتفعيله ويعرف اخلجل ب�أنه عدم ثقة الفرد بنف�سه ومبهاراته االجتماعية .ويعرف وليم مكدوجل ب�أنه “ظرف انفعايل يت�سم بعدم االرتياح والتحرج والكف يف وجود الآخرين” .فاخلجل ال يعيق احل��وار الفاعل فح�سب بل قد يحول دون التوظيف العملي لل�سلوكيات الر�شيدة يف املحيط االجتماعي �إ�ضافة �أنه قد يفر�ض الفرد �إلى العدوان الإن�ساين �أو �أي �شكل من �أ�شكال العنف اللفظي �أو اجل�سدي �أو غري ذلك. وي�ضاف �إلى ذلك يل عنق الن�صو�ص ال�شرعية للأهواء والأغرا�ض ال�شخ�صية وا�ستباحة احلمى. ثمة تناق�ض كبري بني الن�صو�ص النظرية التي تدعو �إل��ى احل��وار والتوا�صل الأ�سري والعفو واللني والرفق والرحمة وكافة معاين الت�سامح التي نادت بها الرتبية الإ�سالمية وبني التطبيق العملي لها على �أر�ض الواقع ال��ذي ي�سوده العنف والتطرف واالعتداء على القيم العظيمة ولعل ذلك مرده �إلى ت�أويل الن�صو�ص ال�شرعية ت ��أوي� ً لا ج��ائ��ز ًا بق�صد حتريفها عن م��راده��ا لتحقيق �أهداف �شخ�صية �ضيقة .وي�ضاف �إلى ذلك �أن ي�سود مبد�أ النازل �أو التطفل الأ�سري يف امل�ؤ�س�سة الأ�سرية بحيث يعتاد فرد من �أفراد الأ�سرة التنازل عن احلق مما ي�سبب اخللط بني احلق والواجب وبني املداراة واملراهنة. املطلب الرابع ابرز املرئيات واملقرتحات التي ت�ؤهل الأ�سرة على تفعيل الآليات الرتبوية املقرتحة وذلك من خالل الآتي: تنظيم دورات دوريه يف الرتبية الأخالقية لل�شبابوال�شابات عامةالذين ينوون ال���زواج خا�صة- �إ�سالميا واجتماعيا وعلميا -وتعريفهم كافة م�س�ؤوليات الأ���س��رة احلديثة والتحديات التي تواجهها يف الع�صر احلديث ،والبد من جعل ح�ضور هذه ال��دورات بع�ض متطلبات ال��زواج و�شروطه. علما ب����أن ه��ذه ال����دورات تعد �أزواج���� ًا وزوج���ات م�ؤهلني الن يكونوا قدوة ح�سنه فاعله قادرة على توظيف الأخالق وخمتلف املفردات االجتماعية املجردة �إلى �سلوك عملي ي�سهل على الأبناء تقليده
-
-
-
-
-
-
واالقتداء به يف املواقف احلياتية املختلفة ,ي�سهم يف تطويره �إل��ى مرتبة الإب��داع الأخالقي الذي يرفده املرونة واال�ستقاللية الأخالقية. الرتكيز اخلا�ص على دور االعالم ب�شقيه التقليدي واجلديد ودور امل�ؤ�س�سات الرتبوية واالجتماعية املختلفة لفتح قنوات التوا�صل مع الأ�سر لر�صد واقعها وا�ست�شراف الآتي واالنفتاح على �شريحة الأب��ن��اء ب�أ�سلوب ع�صري يتناغم وي��ت��زاوج فيه الأ�صالة باملعا�صرة وفق مفاهيم م�ؤ�صلة املحتوى وم��ع��ا���ص��رة االجت����اه جت��م��ع ب�ي�ن ث��واب��ت ال��دي��ن وم�ستجدات الع�صر ومعطياته تتبع الرتبية التجديدية ال الرتبية التقليدية اال�ستفادة من معينات الرتبية الإميانية النامية وح�����س��ن ت��وظ��ي��ف ( ف��ق��ه ال��ت��دي��ن) م��ن ق�ص�ص ال��ق��ر�آن اخل��ال��دة والرتبية النبوية و الرتبية بالنماذج الإميانية ومعاي�شتهم ،وجماهدة النف�س، ومعرفة �آث��ار الدعاء واال�ستعانة باهلل ،وقراءة �سري ال�صاحلني الذين �سبقونا ب��الإمي��ان ،ومعرفة الإن�����س��ان حلقيقته وع��ج��زه ،وذك��ر امل��وت والقرب وال�صالة وغريها من معينات الرتبية الإميانية التي تعني برتبية القلوب وتزكيتها وفقه الباطن؛ الن الرتبية الإميانية هي املحور احليوي الذي يرفد الطاقة الأخالقية وميدها بالثبات والتجديد حيث �إن العون الرباين هي الطاقة الكامنة التي ترفد الطاقة الرتبوية الأ�سرية ا�ستثمار الو�سائل والأ�ساليب والأن�شطة املعينة لتنفيذ الآليات الرتبوية املقرتحة للأ �سرة ومن �أبرزها : برامج تدريبية تقدم للأ�سرة؛ للوقوف على الأدوار الوظيفية التي ت�ضطلع بها يف الت�أهيل الر�شيد؛ لتحويل القيم االجتماعية املجردة �إلى واقع عملي معي�ش على �أر�ض الواقع. املوعظة والإر���ش��اد� ،أو ما ميكن ت�سميته التعليم املبا�شر :وهو تقدمي الأفكار ،واملعلومات ،واخلربات بطريقة مبا�شرة ،خمت�صرة ،ويكون ذل��ك ب�شكل تذكري �أو ن�صيحة �أو ترغيب. الرتبية بتفريغ الطاقة ال�سيما يف مرحلة الطفولة وال�شباب. الإع�لام ب�شقيه القدمي واجلديد وذلك من خالل مواقع التوا�صل االجتماعي ودراما هادفة وبرامج حوارية ووعظية م�ؤمترات ذات ف�ضاء اجتماعي تربوي �شرعي ت�ستهدف الآباء والأبناء. الق�صة وعر�ضها ب�أ�ساليبها وطرائقها املختلفة.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
59
60
وتعد من �أكرث الأ�ساليب ت�أثريا . الإذاعة املدر�سية والنوادي املدر�سية من اجتماعيةو�أدبية وعلمية. ال�سرية النبوية للم�صطفى عليه �أف�ضل ال�صالةوال�سالم م��ن خ�لال التطبيق العملي وم��ن خالل الإعالم ومن خالل الق�صة ب�أ�سلوب �شيق يتناغم مع املعا�صرة .وغريها. كتب ودوريات ومطويات. اال�ستفادة من ال�شبكة العنكبوتية وال�سيما مواقعالتوا�صل الإجتماعي وقوة �سطوتها وت�أثريها على الأجيال الرحالت والأن�شطة الرتفيهية. �أ�سلوب القراءة العامة واملطالعة احلرة مبا يتالءممع املراحل التكوينية. الكتاب الأكادميي �أي الكتاب اجلامعي �أو الكتاباملدر�سي وذل��ك ب�لا ري��ب يحتاج �إل��ى جهد ف��ردي وم�ؤ�س�سي وتعا�ضد جهود خمتلفة يف �سبيل ذلك. التوا�صل مع امل�ؤ�س�سات الر�سمية وغري الر�سميةلتحقيق هذا الهدف. التعود واكت�ساب ال��ع��ادات� :إن كثري ًا من �أمن��اطال�سلوك و�أ�ساليب الكالم وم�ستوى االنفعاالت هي نتيجة عادات مكت�سبة دخلت يف �صميم ال�شخ�صية من الطفولة؛ لذا كانت رعاية اكت�ساب العادات من الطرائق الأ�صلية ،خا�صة و�أنها �أمر �سهل تربوي ًا ملا يف�سر به ال�صغار من ميل �إلى التقليد ،واالندماج وامل�شاركة الوجدانية يف حني �أن ت�صحيحها يعد ر�سوخها وا�ستحكامها يحتاج �إلى الكثري من اجلهد والإدارة واالقتناع”. الدرو�س الدورية :الأ�سرية ال�شهرية �أو الف�صيلةوغريها. ا�ست�ضافة العلماء والدعاة واملد�سني وغريهم. توظيف امل�سجد يف ذلك وخطبة اجلمعة. عقد م�سابقات يف م��ا ميكن ت�سميته (الإب����داعالأ�سري) لأف�ضل الأ�ساليب الأ�سرية. النتائج والتو�صيات ويف نهاية املطاف خل�صت الدرا�سة �إلى �أهم النتائج التالية: �إن من �أهم الآليات الرتبوية للنهو�ض بواقع الأ�سرةلرتجمة القيم االجتماعية املجردة �إل��ى �سلوك عملي ر�شيدة هو (القدوة الوالدية) والنموذج
العملي احلي الأكرث الت�صاقا ومعاي�شته للأبناء. �إن من �أبرز الآليات الرتبوية للنهو�ض بواقع الأ�سرةلرتجمة القيم املجردة �إلى �سلوك عملي حميد لدى الأبناء (احل��وار الأ���س��ري) وال��ذي يرفد الطاقة الأخالقية والإبداع الأخالقي. �إن القدوة الوالدية ال�صاحلة ت�ؤدي �إلى التوا�صلالنف�سي والعقلي وتعمل على �شيوع �أج��واء املحبة وامل���ودة وت��رف��د االيجابية والأخ�ل�اق وال�سلوك الر�شيد. �إن احل���وار الأ���س��ري الفاعل ال��ذي ي�سوده مناخاحلرية املن�ضبطة مينح الأب��ن��اء الثقة بالنف�س ويعمل على تقارب الأفكار ويك�شف عن الطاقات الإبداعية وبحنب الأبناء من الوقوع حتت �سطوة التطرف والإرهاب. ال بدَ من تعا�ضد الو�سائط الأ�سرية والإعالميةواملجتمعية ليثمر جيال ذا �أبعاد ح�ضارية و�أ�سريه و�سلوك عملي ر�شيد قادر على تقدمي منوذج ريادي للم�سلم املعا�صر التو�صيات:ويف نهاية املطاف تو�صي الدرا�سة : تو�سيع الف�ضاء ب��اجت��اه فقه الإع�ل�ام (الإع�ل�امالأ���س��ري) يعمل على �إع���داد من��اذج من القدوات ال��وال��دي��ة احل�سنه ال��ت��ي يتج�سد فيها ال�سلوك الر�شيد وامل�ؤهلة لإي�صال هذه الطاقة �إلى الأجيال ال�صاعدة واحلا�ضرة. العمل على عقد دورات تدريبية لكافة عنا�صرامل�ؤ�س�سة الأ�سرية لتفعيل اجلوانب الأخالقية النظرية �إلى منظومة �سلوكية ر�شيدة. التن�سيق بني خمتلف الو�سائط وامل�ؤ�س�سات الرتبويةوالتعليمية لإي��ج��اد (م���ادة) (منهج) يف خمتلف املراحل التعليمية تعنى برتجمة القيم املجردة �إل��ى �سلوك ر�شيد بعيدا ع��ن الرتبية الأ�سرية التقليدية. �إعادة الفهم وبر�ؤية جديدة للتطبيقات ال�سلوكيةالنبوية ال�شريفة يف امل�ؤ�س�سة الأ�سرية خا�صة واملنظومة االجتماعية عامة. قائمة امل�صادر واملراجع: (� )1سرحان ،منري مر�سي ،)1981( ،يف اجتماعيات الرتبية ،بريوت :دار النه�ضة للطباعة والن�شر. ( )2عفيفي ،جمال الدين ح�سني� .)1994( .أ�س�س فل�سفة الأخ�لاق، القاهرة :دار الطباعة املحمدية� ،ص.11
الأردن :دار الفرقان� ،ص.20
( )3ابن خلدون ,عبد الرحمن .)1992( .املقدمة ،بريوت :دار القلم، �ص.289 (� )16سالمة� ،أحمد عبد العزيز ،عبد ال�سالم عبد الغفار.)1997( . ( )4البغا م�صطفى .)1981( .نظام الأ�سرة يف الإ�سالم ،دم�شق :املطبعة علم النف�س االجتماعي :النا�شر دار النه�ضة العربية.200 ، التعاونية� ،ص.117 ( )17بادحدح ،علي عمر .)1996( .مقومات الداعية الناجح ،جدة :دار ( )5م�سلم ،1995 ،ج� 6ص.58 الأندل�س اخل�ضراء� ،ص.20 ( )6الرتمذي( ،د .ت) ج� ،8ص.3
( )18الزهراين ،علي �إبراهيم .)1999( .مهارات التدري�س يف احللقات القر�آنية ،ال�سعودية ،مكتبة الدار� ،ص.263
( )7ال�شريفني ،عماد ،مطالقة� ،أحالم� .)2014( .آليات ت�أهيل الأ�سرة لتحقيق الأم��ن النف�سي والفكري لدى الأب��ن��اء ،املجلة العربية ( )19النعيمي ،عبد اهلل .)1998( .التن�شئة االجتماعية مفهومها للدرا�سات الأمنية ،املجلد .131 - 87 ،)60( 30 وو�سائلها ،جملة ال��دع��وة الإ�سالمية, ،ليبيا :طرابل�س العدد ( )8بني يون�س� ،أ�سماء عبد املطلب .)2007( .تنمية مفهوم الذات اخلام�س� ،ص.335 وتوكيدها وت�أثري الأ�سرة امل�سلمة فيهما� ،أطروحة دكتوراه غري ( )20الدغثي� ،أحمد حممد ح�سني .)200( .نظرية املعرفة يف القر�آن من�شورة ،الأردن ،جامعة الريموك ،كلية ال�شريعة. وت�ضميناتها الرتبوية ،دم�شق ،دار الفكر� ،ص.180 ( )9بركات� ،آ�سيا .)2000( .العالقة بني �أ�ساليب املعاملة الوالدية ( )21العزام ،و�سيلة �أحمد فالح .)2008( .منهج الإ�سالم يف حتقيق واالكتئاب لدى بع�ض املراهقني واملراهقات املراجعني مل�ست�شفى ال�سعادة (درا�سة تربوية مقارنة) ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة، ال�صحة النف�سية بالطائف ،ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة ،مكة الأردن :جامعة الريموك� ،ص.75 املكرمة ،جامعة �أم القرى ،كلية الرتبية. ( )10العنزي ،تركية .)2004( .فاعلية برنامج ار�شاد جمعي يف خف�ض ( )22يكن ،منى� .)1988( .أبناءنا بني و�سائل الإعالم و�أخالق القر�آن، بريوت :دار ال�شروق� ،ص.66 م�ستوى اخلالفات الأ�سرية املدركة من قبل الأمهات وت�أثريه على
االكتئاب والتح�صيل الدرا�سي لدى �أبنائهن ،ر�سالة ماج�ستري غري ( )23رواه م�سلم� ،صحيح م�سلم ،ب��اب ا�ستحباب جمال�سة ال�صاحلني من�شورة ،الأردن ،الزرقاء ،اجلامعة الها�شمية. وجمانبة قرناء ال�سوء ،ج ،6692حتقيق ف��ؤاد عبد الباقي ،دار ال�سالم� ،ص.1146 ( )11بركات ،وجدي ،ح�سن ،من�صور .)2004( .نحو ا�سرتاتيجية عربية ملواجهة ت�أثري الإعالم املعا�صر على الأ�سرة وال�شباب ،م�ؤمتر الأ�سرة ( )24اخلدا�ش ،مرجع �سابق� ،ص.20 وال�شباب يف دول اخلليج ،ال�شارقة ،املجل�س االعلى للأ�سرة. ( )25الها�شمي ،عبد احلميد .)1981(.الر�سول العربي املربي� ،سوريا: ( )12البو�سعيدي ،عبداهلل حمود .)1996( .املنهج الرتبوي الإ�سالمي دار الثقافة� ،ص. 443 يف التعامل مع امل�شكالت الزوجية ،ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة، الأردن� ،إربد ،جامعة الريموك ،كلية ال�شريعة. ( )13ح�سني ،طه� .)2008( .إ�ساءة معاملة االطفال :النظرية والعالج )26( ،توفيق ،حممد عز الدين .)1998( .الت�أ�صل الإ�سالمي للدرا�سات النف�سية ،القاهرة:،دار ال�سالم� ،ص.18 عمان:،دار الفكر نا�شرون� ،ص.72 ( )27رواه م�سلم ،1988 ،ج� ،4ص.18
بني يون�س ،مرجع �سابق� ،ص.5
( )14اخلدا�ش جاد اهلل بن ح�سن .)2000( .املهذب امل�ستفاد لرتبية ( )28رواه م�سلم ،1988 ،ج� ،1ص.66 الأوالد يف �ضوء الكتاب وال�سنة .عمان :املكتبة الإ�سالمية. ( )29جوملان ،دانييل .)2001( .الذكاء العاطفي ،ترجمة ليلى اجلبايل، (� )15شواين ،عبد املجيد عبد امليجد .)1996( .علم النف�س الرتبوي،
الكويت :املجل�س الوطني للثقافة والفنون.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
61
دراسات
مالمح االعتدال والوسطية في الخطـــاب الفقهي
د .خولة حمد خلف الزيدي كلية العلوم اإلسالمية جامعة ديالى /العراق
62
املقدمة: احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على املبعوث رحمة للعاملني� ،سيدنا حممد وعلى �آله الطيبني الطاهرين ،و�صحابته الغر امليامني، والتابعني لهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين ...وبعد: فان الإ�سالم العظيم دين عدل واعتدال ،ودين مثل وامتثال ، ،ودين ي�سر وتي�سري و�شريعة اهلل �سبحانه وتعالى و�إحكامها للنا�س جميعا ،رجاال ون�ساء ، ،فهم يف اخلطاب الديني ���س��واء� ،إال ما اخت�صت به املر�أة عن �أخيها الرجل فقد كانت لها �أحكامها اخلا�صة بها ،والتي ال تنق�ص من �إن�سانيتها بل تزيدها �شرفا و�ألقا ،وتبني �أهميتها يف الإ�سالم، فاملت�أمل يف واقع املر�أة امل�سلمة قدميا وحديثا يجد �أنها ت�شكل قاعدة ه��رم البيت امل�سلم ،واملجتمع الإ�سالمي و لها دور فعال قي احلفاظ على رقي بناء املجتمعات الإ�سالمية ،ومل��دى �أهمية هذا الدور وخطورته يف مثل هذا الزمن الذي يواجه فيه امل�سلمون حتديات ج�سيمة وتتنازعهم ثقافات جمتمعات خمتلفة ،وجعله يتيه بني الإف��راط والتفريط وتربز �أهمية اخلطاب الفقهي والفتوى ال�شرعية يف الوقت احلا�ضر الت�ساع الإ�سالم وكرثة املفتني ،وظهور و�سائل التوا�صل االجتماعي ،وبروز
المعاصر للمرأة م�ستجدات ع�صرية ت�ستدعي حكما �شرعيا لها، وقد كان للمر�أة امل�سلمة الن�صيب الأكرب واحلظ الأوفر من هذه الفتاوى ،وقد تعددت وكرثت بني فتاوى مت�شددة و�أخ��رى مفرطة �ضاع بينها وجه االعتدال والو�سطية الذي هو مبد�أ الإ�سالم و�أ�سا�س بنيانه الر�صني ،ولهذا كله ،حاولت �أن اكتب بحثي ه��ذا ولأب�ين فيه مالمح ع��دل وو�سطية الإ�سالم متمثال باخلطاب الفقهي للمر�أة امل�سلمة يف كل ما حتتاجه من فتوى �شرعية ،وقد اخرتت احلديث عن �أمنوذجني مهمني كرث احلديث وال�س�ؤال عنهما بعد بياين ملعنى االع��ت��دال والو�سطية والفقه، �أولهما :حكم راتب الزوجة وهل للزوج حق فيه، وثانيهما حكم قيادة املر�أة لل�سيارة وذكرت �آراء الفقهاء رحمهم اهلل على عجالة ولعدم الإطالة، ثم �أوردت ن�صو�ص الفتوى ال�صادرة من املجمع الفقهي الإ�سالمي ودار الإفتاء امل�صرية والتي متثل واجهة اخلطاب ال�شرعي للم�سلمني ثم خامتة ب�أهم النتائج والتو�صيات. �سائلة اهلل �سبحانه ال�سداد والر�شاد ،والثبات، وان يلهمني ال�صدق والإخال�ص يف ال�سر والعلن، وان يوفقني و�إياكم ملا يحب وير�ضى ،انه القادر على ذلك الباحثة
املبحث الأول ا :مفهوم االعتدال والو�سطية وفيه. املطلب الأول :التعريف باالعتدال. التعريف: - 1االعتدال يف اللغة كون ال�شيء متنا�سبا� ،أو �صريورته كذلك ،ف�إذا مال �شيء ف�أقمته تقول: عدلته فاعتدل. واالع ُ تدالَ :ت َو ُّ�س ُط حالٍ ب َ ني حا َلينْ ِ يف َك ٍّم �أو َك ْي ٍف، ْ َ اع َتدَ َل ،و ُك ُّل ما �أ َق ْم َتهُ فقد َعدَ ْلتهَُ نا�س َب فقد ْ و ُك ُّل ما ت َ وع َّد ْل َتهُ )1(. َ وال يفرق �أه��ل اللغة بني االع��ت��دال واال�ستقامة، واال�ستواء ،فهم يقولون :ا�ستقام ال�شيء �إذا ا�ستوى واع��ت��دل ،ويقولون �أي�ضا ا�ستوى ال�شيء �إذا ا�ستقام واعتدل ()2 املطلب الثاين :مفهوم الو�سطية:، معنى الو�سطية لغة: الو�سطية م�أخوذة من مادة و�سط ،وهى كلمة تدل على العدل والف�ضل واخلريية والن�صف والتو�سط بني الطرفني. يقول ابن منظور :و َو َ�س ُط ال�شيءِ و�أَ ْو َ�سطُ ه: �أَ ْع َدلُهَ ،و َر ُج ٌل َو َ�س ٌط و َو ِ�س ٌ ح�س ٌن ِم ْن َذ ِل َكَ .و َ�صا َر يطَ : املاء َو ِ�س ً ني َعلَى المْ َاءِ ؛ َو ُيقَالُ يطة �إِذا غلَب الط ُ ُ جل ِّي ِد وال َّر ِدي" ()3 َ �شيء َو َ�س ٌط �أي َبينْ َ ا َ �أَي�ضاًٌ : 1ال��ق��ام��و���س امل��ح��ي��ط :جم��د ال��دي��ن �أب���و ط��اه��ر حم��م��د بن يعقوب الفريوز�آبادى (ت817 :ه��ـ) ،حتقيق :حممد نعيم العرق�سو�سي :م�ؤ�س�سة الر�سالة للطباعة والن�شر والتوزيع، ُ ب�ي�روت ،ط 2005 ،8م� ،صـ ،1030 :والكليات معجم يف امل�صطلحات والفروق اللغوية� :أي��وب بن مو�سى احل�سيني القرميي الكفوي� ،أبو البقاء احلنفي (ت1094 :هـ) حتقيق: عدنان دروي�ش ،وحممد امل�صري :م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت، �( :ص ،)150 :وتاج العرو�س من جواهر القامو�س :حم ّمد بن حم ّمد بن عبد ال���رزّاق احل�سيني� ،أب��و الفي�ض ،امللقّب مبرت�ضى ،الزَّبيدي (ت1205 :ه���ـ) دار الهداية/29( : .)448 2جممل اللغة الب��ن ف��ار���س� :أح��م��د ب��ن ف��ار���س ب��ن زك��ري��اء القزويني الرازي� ،أبو احل�سني (ت395 :هـ) درا�سة وحتقيق: زهري عبد املح�سن �سلطاندار ،م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت، 1986م�( ،ص ،)477 :واملو�سوعة الفقهية الكويتية ،وزارة االوقاف وال�ش�ؤون اال�سالمية ،الكويت (.)203 /5 )(3ينظر :املحكم واملحيط الأع��ظ��م� :أب��و احل�سن علي بن �إ�سماعيل ب��ن �سيده املر�سي (ت458 :ه���ـ) حتقيق :عبد احلميد هنداوي :دار الكتب العلمية – بريوت ،ط/8( ،1 ،)596ول�سان العرب� ،أب��و الف�ضل جمال الدين حممد بن مكرم بن منظور االفريقي امل�صري (ت711 :هـ) ،دار �صادر
وقال ابن فار�س :و�سط :الو�سط من كل �شيء: �أعدله ،قال اهلل -جل ثنا�ؤه َ } :-وكَذَ ِل َك َج َع ْلنَاكُ ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا{(.)4 قال اهلل �سبحانهَ } :و َك��ذَ ِل� َ �ك َج َع ْلنَاكُ ْم �أُ َّم� ً�ة ُون ال َّر ُ�سولُ اء َعلَى ال َّن ِ ا�س َو َيك َ َو َ�س ًطا ِل َتكُونُوا �شُ َه َد َ ِيدا { البقرة.143 : َع َل ْيك ُْم َ�شه ً يقول ابن جرير الطربي " :الو�سط هو اجلزء الذي بني الطرفني ،مثل و�سط ال��دار ،وقد و�صف اهلل هذه الأمة بالو�سط ؛ لتو�سطها يف الدين ".فال ُهم �أهل غُ ل ٍّو فيه - ،وال ُهم �أهلُ تق�صري فيه.)5( ، ق���ال الإم����ام اب���ن ك��ث�ير رح��م��ه اهلل :ق��ول��ه: }َ وكَذَ ِل َك َج َع ْلنَاكُ ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا{ البقرة143 :؛ �أي: �شهداء لنجعلكم خيار الأمم؛ لتكونوا يوم القيامة َ على الأم��م؛ لأن اجلميع معرتفون لكم بالف�ضل، والو�سط ها هنا :اخليار والأجود؛(.)6 ق��ال �سبحانه يف و�صف عباد الرحمن من ِّب ًها على �أهمية التو�سط وعدم الإفراط والتفريط: َان ين �إِذَا �أَ ْن َفقُوا لمَ ْ ُي ْ�سرِ فُوا َولمَ ْ َي ْقترُ ُوا َوك َ }َ وال َِّذ َ َبينْ َ َذ ِل َك َق َوا ًما { الفرقان.67 : ق��ال الإم���ام اب��ن كثري رحمه اهلل �أي :لي�سوا مببذِّ رين يف �إنفاقهم في�صرفون ف��وق احلاجة، فيق�صرون يف حقهم فال بخالء على �أهليهم وال َ ِّ ري الأمور �أو�سطها ،ال يكفونهم ،بل َع ْد اًل خيا ًرا ،وخ ُ بريوت1374 ،هـ 1955-م.)430 /7( . )(4ينظر :جممل اللغة البن فار�س �أحمد بن فار�س بن زكرياء القزويني الرازي� ،أبو احل�سني (ت395 :هـ) حتقيق :زهري عبد املح�سن �سلطان :م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت ط1986 ،2 م ،باب الواو وال�سني وما يثلثهما�( .ص)924 : )(5ينظر :جامع البيان يف ت�أويل القر�آن حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب الآم��ل��ي� ،أب��و جعفر الطربي (ت: 310ه��ـ) حتقيق� :أحمد حممد �شاكر :م�ؤ�س�سة الر�سالة، ط 2000 ،1م ( ،)142 /3وتف�سري امل����اوردي = النكت والعيون� :أب��و احل�سن علي بن حممد بن حممد بن حبيب الب�صري البغدادي ،ال�شهري باملاوردي (ت450 :هـ) حتقيق: ال�سيد ابن عبد املق�صود بن عبد الرحيم :دار الكتب العلمية بريوت (.)199 /1 )(6تف�سري ابن كثري� ،أب��و الفداء �إ�سماعيل بن عمر بن كثري القر�شي الب�صري ثم الدم�شقي (ت 774 :هـ) حتقيق� :سامي بن حممد �سالمة دار طيبة للن�شر والتوزيع ط1420 2 :هـ - 1999م ( ،)124 /6ومو�سوعة ال�صحيح امل�سبور من التف�سري بامل�أثور� :أ .د .حكمت بن ب�شري بن يا�سني :دار امل�آثر للن�شر والتوزيع والطباعة -املدينة النبوية ،ط 1420 ،1:هـ - 1999م.)503 /3( ،
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
63
هذا وال هذا؛ (.)7 الو�سطية ا�صطالحاً�" :سلوك حممود -مادي �أو معنوي -يع�صم �صاحبه من االنزالق �إلى طرفني ُمتقابلني -غال ًبا � -أو ُمتفاوتني ،تتجاذبهما رذيلتا الإف���راط والتفريط� ،سواء يف ميدان ديني �أم دنيوي(.)8 املبحث الثاين :التعريف باخلطاب الفقهي وفيه: املطلب الأول :التعريف باخلطاب لغة وا�صطالحا: اب :لغة: �أوال تعريف اخلِطَ ُ اءَ ،وجمع وجمع ُمراجعةُ ا ْلك اََلم، ِ ُ اخلطيب ُخطَ َب ُ الخْ ِ اب. َاط ِب ُخطَّ ُ َو َق��الَ بع�ض المْ ُف َّ�سرين فيِ َقول اهلل جلّ وعزّ : } َوف�صل الخْ ��ط��اب{ (���صُ :)20 :ه � َو �أَن َي ْحك َُم با ْل َب ِّينة� ،أَو ا ْل َيمنيَ .وقيلَ :م ْعنَا ُه �أَن ِ يف�صلَ َبني اطل ،ومي ِّيزَ َبني احلُ ْك ِم ِ احلقِّ َوا ْل َب ِ و�ض ِّده.)9(. ويف ل�سان العرب: وا ِ �راج � َع��ة ال �كَ�لا ِم، خل���ط� ُ ��اب واملُ��خ��اطَ � َب��ةُ :م� َ َو َق� ْ�د خاطَ َبه بالكَال ِم مخُ اطَ َب ًة ِ وهما وخطاباًُ ، يب ،وخَ طَ ب َيتخاطَ بانِ :.واخلُ طْ َبة َم ْ�ص َد ُر اخل َِط ِ ِ واختَطَ ب َيخْ طُ ُب خَ طا َب ًة، اخلاط ُب َعلَى املِ ْنبرَ ْ ، ()10 وا�سم الكال ِم :اخلُ طْ َبة . ُ ثانيا :اخلطاب ا�صطالحا: اخلاطب واخلطبة يف اال�صطالح هي الكالم امل��ؤل��ف ال��ذي يت�ضمن وعظا و�إب�لاغ��ا على �صفة خم�صو�صة(.)11 64
-7تف�سري ابن كثري.)454 /1( : -8الو�سطية مفهو ًما وداللة ،د .حممد وياليل ،بحث من�شور على موقع الألوكة. -9ينظر تهذيب اللغة حممد بن �أحمد بن الأزه��ري الهروي، �أبو من�صور (ت 370 :هـ)حتقيق :حممد عو�ض مرعب :دار �إحياء الرتاث العربي – بريوت ط2001 ،1 :م (.)112 /7 -10ينظر ل�سان العرب ()361 /1 -11تهذيب الأ�سماء واللغات� ،أبو زكريا حميي الدين يحيى بن �شرف النووي (ت676 :ه��ـ) ،عنيت بن�شره وت�صحيحه والتعليق عليه ومقابلة �أ�صوله� :شركة العلماء مب�ساعدة �إدارة الطباعة املنريية يطلب م��ن :دار الكتب العلمية، بريوت.)93 /3( ،
املطلب الثاين :التعريف بالفقه ،وفيه: يف ا ْل ِف ْق ِه ُلغ ًَة: اوالَ :ت ْعرِ ُ اء َما ظَ َه َر �أَ ْو ا ْل ِف ْق ُه ُلغ ًَة :ا ْل َف ْه ُم ُمطْ َلقًا�َ ،س َو ٌ خَ ِف َي.وهو ا ْل ِعل ُْم ِبال�شَّ ْيءِ وغلب َعلَى والفهم ل َُه، َ ُ الدينِ ِ ل�سيا َد ِته َو َ�ش َر ِف ِه وف َْ�ض ِله َعلَى َ�سا ِئرِ ِعلْم ِّ النجم َعلَى الثرُّ َ َّيا وال ُعو ُد �أَن��واع ا ْل ِعل ِْم َك َما غَ ل ََب ُ قاقه ِم َن ال�شَّ قِّ َعلَى املَ ْن َدل؛ َقالَ ا ْب ُن الأَثري :وا�شْ ِت ُ ا�صا ِب ِعل ِْم ال�شَّ رِ ي َع ِة، وال َف ْتحَ ،وللهَّ َ ُق ْد َج َعله ال ُع ْر ُف خَ ًّ َ�ش َّرفَها ا َت َعالَى ،و َتخْ �صي�ص ًا ِب ِعل ِْم الْفُ ُرو ِع ِم ْن َها. َقالَ غَ يرْ ُ ُه :وال ِف ْق ُه فيِ الأَ�صل ال َف ْهمُ .يقَالُ � :أُو ِت َي الدينِ �أَي َف ْهم ًا ِف ِ يه،. ٌ فالن ِف ْقه ًا فيِ ِّ ��ن ِن��� ْ��س� ٍ �وة ف��ق��ا ِئ��هَ َ .و َح� َك��ى والأُن��ث��ى َف ِقيهة ِم ْ ِ ِ ِ ِ َ الل ِّْح َيانيِ ُّ ِ :ن ْ�س َوةٌ ُفقَهاءَ ،وه َي نَاد َرةٌ ،قالَ َ :وع ْندي َ�أن َقا ِئلَ ُفقَهاء ِم َن ا ْل َع َر ِب لمَ ْ َي ْعت ََّد ِب َهاءِ الت ْ�أنيث، ري َها ِن ْ�س َوةٌ ُفقَراء. )12( . َون َِظ ُ ويف تهذيب اللغة: الدينُ ،يقَالَ :ف ِقهَ الرجل ( ال ِف ْق ُه :ال ِعل ُْم فيِ ّ َ َ َي ْفق َُه َف ُه َو َف ِقيهٌ ،و�أ ْف َق ْهتُه �أنَا؛ �أي :ب َّي ْن ُت ل َُه تعل َُّم ُالن َعني َما ب َّي ْن ُت ل َُهَ ،ي ْفق َُه ا ْل ِف ْقهُ .يقَالَ :ف ِقه ف ٌ ِف ْقهاً� :إِذا َف ِه َمه.)13() . ثانيا :ا ْل ِف ْق ِه ا�صطالحاَ: الفقه يف اال�صطالح ال�شرعي :عرفه �أبو حنيفة رحمه اهلل تعالى ب�أنه «معرفة النف�س مالها وما عليها» ()14 وعرف ال�شافعي رحمه اهلل الفقه بالتعريفامل�شهور بعده عند العلماء ب�أنه: (ال ِعل ُْم بالأحكا ِم ال�شرع َّي ِة ال َع َم ِل َّي ِة ،املُ ْكت ََ�س ُب ِمن �أَ ِد َّل ِتها التف�صيل َّي ِة) (.)15 -12ينظر :ل�سان العرب ،)522 /13( :مادة ففه. -13تهذيب اللغة.)263 /5( : -14الكايف �شرح البزودي :احل�سني بن علي بن حجاج بن علي، ال�س ْغنَاقي (ت 711 :هـ) حتقيق :فخر الدين ح�سام الدين ِّ �سيد حممد قانت (ر�سالة دكتوراه)النا�شر :مكتبة الر�شد للن�شر والتوزيع ط 1422 ،1 :هـ 2001 -م (،)144 /1 قواعد الفقه :حممد عميم الإح�سان املجددي الربكتري: ال�صدف ببل�شرز – كرات�شي ط�( ،1986 – 1407 ،1ص: .)414 -15املوافقات �إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي ال�شهري بال�شاطبي (ت790 :هـ) ،حتقيق� :أبو عبيدة م�شهور
املطلب الثالث :مفهوم "اخلطاب الفقهي": يعرف اخلطاب الإ�سالمي عموما تعريفًا �أول ًّيا ب ��أن��ه :ال��ك�لام ال��ذي ي�ستند ملرجعية �إ�سالمية من �أ�صول القر�آن وال�سنة ،و�أي من �سائر الفروع الإ�سالمية الأخ���رى� ،سواء �أك��ان منتج اخلطاب جماعة �إ�سالمية �أم م�ؤ�س�سة دعوية ر�سمية �أو �أهلية �أم �أفرا ًدا متفرقني جمعهم اال�ستناد للدين ً مرجعية لر�ؤاهم و�أطروحاتهم.)16( . و�أ�صوله �أم��ا اخلطاب الفقهي :فيمكن يل ان اعرفه: ب�أنه الكالم الذي ي�ستند يف �إ�صدار الفتوى وبيان حكم ال�شرع يف امل�سائل العملية واالجتهادية �إلى امل�صادر الت�شريعية من الكتاب وال�سنة املطهرة وباقي امل�صادر املعتمدة ،وال��ذي ي�صدر عن جهة ر�سمية �أفرادا �أو جماميع فقهية. وقد كان للمر�أة ن�صيبا وافرا من هذا اخلطاب وقد زخرت كتب الفقه القدمية واحلديثة بكتب بن ح�سن �آل �سلمان :دار ابن عفان ،ط1417 :1هـ1997 /م ( ،)24 /1البحر املحيط يف �أ�صول الفقه� :أبو عبد اهلل بدر الدين حممد بن عبد اهلل بن بهادر الزرك�شي (ت 794 :هـ)، دار الكتبي ،ط1414 ،1 :ه��ـ 1994 -م ،)34 /1( ،و�إر�شاد الفحول �إلى حتقيق احلق من علم الأ�صول :حممد بن علي بن حممد بن عبد اهلل ال�شوكاين اليمني (ت 1250 :ه��ـ) حتقيق :ال�شيخ �أحمد عزو عناية ،قدم له :ال�شيخ خليل املي�س والدكتور ويل الدين �صالح فرفور :دار الكتاب العربي، دم�شق ،ط1419 ،1هـ 1999 -م.)17 /1( ، -16يراجع بحث " توظيف الو�سائل التكنولوجية املعا�صرة يف تطوير اخلطاب الإ�سالمي" -د.ال�سيد حممد مرعي م�ؤمتر احتاد علماء امل�سلمني 2012
خا�صة تناولت احلديث عن احكام امل��ر�أة فقط واملف�صل يف �أحكا ِم ك�أحكا ِم ال ِّن�ساءِ البن اجلوزي، ، َّ املر�أة للدكتور عبد الكرمي زيدان. املطلب الرابع� :أ�صول اخلطاب الفقهي للمر�أة ِ �إن الأ�صولِ الفقهاء يف اعتمدها والقواعد التي َ ُ ت�أ�سي�س الق�ضايا املتعلِّقة باملر�أة ،حا�ضر ًة يف البناء وتظهر بالتت ُّبع واال�ستقراء ،وهي الأتي: الفقهي، ُ الأ�صل الأ َّول :امل�صدر الإلهي يف بناءِ احلقوق إيجاب احلقوق والواجبات ،و � َّأن املرجع وامل�صدر يف � ِ والواجبات هو ال��وح� ُ�ي من اهلل تعالى (الكتاب الت�سليم له، وال�س َّنة) ،ويجب ُ ُّ ال�شرعي هو �ص هدد أخطر ما ُي ِّ َ و � َّأن � َ الت�سليم لل َّن ِّ ِّ الت�أويل امل ْن َحرِ ف لتلك الن�صو�ص. الأ�صل الثاين� :شمولُ ِخطاب ال�شَّ ارع للجِ ن�سني، داخلة بال ِ ٌ ال�شرعي، أ�صالة يف اخلِطاب ف��امل��ر�أة ِّ ِ بتكاليف ال�شريعة ،مع ِخالف الفقهاءِ يف و ُم َكلَّف ٌَة جمع املذكَّر، م�س�ألة دخولِ ال ِّن�ساء يف ِ بع�ض ِ�ص َيغ ْ طاب ال�شريعة ي�شملُ الذَّ كَر مع اتِّفاقهم على � َّأن ِخ َ والأنثى ،و� َّأن هذا ما جرى عليه العملُ منذ عهد ال�صحابة �إلى وق ِتنا احلايل. َّ جلن�سني يف الأ���ص��ل ال��ث��ال��ث :امل�����س��اوا ُة ب�ين ا ِ الإن�سان َّية وامل�س�ؤول َّية ال�شرع َّية ،والتن ُّوع والتما ُيز َ االختالف والتن ُّو َع يف احلقوق والواجبات؛ و هذا ِ �اب؛ منها :االخ��ت�لاف��اتُ الفطْ رِ ية ��دة �أ���س��ب� ٍ له ِع َّ والطبيع َّية بني الذَّ كَر والأنثى ،ومنها :ما يرتت َُّب املخت�ص على امل�ساوا ِة الكا ِملَة من �أ�ضرار ،و َك� ْون ِّ بالواجب �أق� َ�د َر عليه من غريه؛ كتقدمي ح�ضانة
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
65
باتفاق الفقهاء (.)18 وق���ال اب��ن ق��دام��ة املقد�سي( :وظ��اه��ر كالم اخلرقي� :أن للمر�أة الر�شيدة الت�صرف يف مالها كله بالتربع واملعاو�ضة ،وه��ذا �إح��دى الروايتني عن �أحمد ،وهو مذهب �أبي حنيفة وال�شافعي وابن املنذر) (.)19 �أما تربع املر�أة من مالها وهبته ففيه �أقوال: القول الأول :املر�أة لها �أن تتربع من مالها متى �شاءت ما دامت ر�شيدة وال حتتاج �إلى �إذن زوجها يف الت�صدق من مالها ولو كان ب�أكرث من الثلث. وال��ي��ه ذه���ب ج��م��ه��ور ال��ف��ق��ه��اء :احلنفية، وال�شافعية ،ورواية عن الإمام �أحمد وهو الراجح عند احلنابلة ،وابن حزم (.)20 وا�ستدلوا بـ: -1بقوله تعالىَ :وا ْب َتلُوا ا ْل َيتَا َمى َحتَّى �إِذَا َب َلغُوا َاح َف�إ ِْن �آن َْ�ست ُْم ِم ْن ُه ْم ُر�شْ ًدا فَا ْد َف ُعوا �إِ َل ْيه ِْم ال ِّنك َ َ ْ ُوها �إ ِْ�س َرا ًفا َوب َِدا ًرا �أ ْن َي ْكبرَ ُ وا �أَ ْم َوا َل ُه ْم َو اَل َت�أكُ ل َ ريا �ان غَ ِن ًّيا َف ْل َي ْ�س َت ْع ِف ْف َو َم� ْ�ن َك� َ َو َم� ْ�ن َك� َ �ان َف ِق ً َ ِ َف ْل َي�أْكُ لْ ِبالمْ َ ْع ُروف َف��إِذَا َد َف ْعت ُْم �إِ َل ْيه ِْم �أ ْم َوا َل ُه ْم َف�أَ�شْ ه ُِدوا َع َل ْيه ِْم َو َكفَى بِاللهَّ ِ َح ِ�سي ًبا (.)21
66
الأ ِّم على ال ِأب يف والية احل�ضانة ،وتقدمي ال ِأب على الأ ِّم يف الوالية على املال. والأ���ص��ل ال��راب��ع :ا�ستعمالُ احل��ق��وقِ يف �أم��و ٍر ٍ بناء على م�شروعة وانتفاء َّ ال�ضرر يف ا�ستخدامهاً ، ُ القاعدة الك ِّل َّية (ال َ�ض َر َر َو اَل ِ�ض َرا َر) ،كحقِّ الوالية على ال ِب ْكر. الديني يف الأ�صل اخلام�س :الت� ُ أكيد على الوا ِز ِع ِّ مما َيكْفُ ل ِ�صيانة احلقوق ،و�أنَّه يف داخلِ كلِّ فرد؛ َّ أداءها لأ�صحابها ،و �صيانة احلقوق والواجبات و� َ � َّأن �أحكام املعامالت ذات اعتبا َر ْين؛ اعتبار َق�ضائي، واعتبار ِديني؛ والأ َّول ُيحا ِكم بح�سب الظَّ اهر فقط، والثاين ب َِح َ�سب احلقيقة والواقع ،و ِمن ث َّم َة خَ ل َِت الفقهاء امل�ؤلَّفات ال ِفقه َّية من ِ�سياق التَّذكري ،وف َِط َن ُ ال�سلوك، �إلى ذلك؛ ف�أن�ش�ؤوا ِع ْل ًما ُم ْ�ست ِق اًّل هو ِعلْم ُّ ق�ضاء ال و� ْإن كانت الإ�شار ُة �إلى � َّأن هذا احلُ كم ُيق َبل ً ِد ً يانة �إ�شارة لهذا التذكري(.)17 املبحث الثالث :مناذج من اخلطاب الفقهي املعا�صر للمر�أة لقد برزت و�سطية اال�سالم ،يف جانب من �أهم جوانبه �أال وهو اجلانب املتعلق باملر�أة :فجاءت ال�شريعة الغراء وامل��ر�أة بني جاهليتني ،ف َك َّرمتها وحفظت حقوقها ،واعطتها ما منعها منه االقوام وجه الداللة: ال�سابقة ،و�شرعت االحكام املن�صفة لها ،والتي دلت الآية على �أن احلجر ثابت على اليتامى ت�ضمن حقوقها املالية واملعنوية ،وق��د اخرتت حتى يجمعوا خ�صلتني :البلوغ والر�شد وهو ظاهر البراز هذه الو�سطية منوذجني اولهما حكم راتب الزوجة ،وثانيهما حكم قيادة املر�أة لل�سيارة )(18ينظر :امل��دون��ة ال��ك�برى ..82 284/ 13 :ال��ك��ايف يف املطلب الأول :حكم راتب الزوجة. فقه �أه��ل املدينة �أب��و عمر يو�سف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد ال�بر بن عا�صم النمري القرطبي (ت463 :ه��ـ) �س�أبحث ه��ذا امل��و���ض��وع يف م�س�ألتني مهمتني حتقيق :حممد حممد �أحيد ولد ماديك املوريتاين :مكتبة متعلقتني بحكم راتب الزوجة الريا�ض احلديثة ،الريا�ض،ط1400 ،2 :ه��ـ1980/م (/2 اوال :امل�س�ألة الأولى :ذمة املر�أة املالية. ،)731والفقه الإ�سالمي و�أدلته للزحيلي( ،ال�شَّ امل للأدلّة أهم النَّظر َّيات الفقه َّية وحتقيق ال�شَّ رع َّية والآراء املذهب َّية و� ّ يف هذه امل�س�ألة �أبني ،هل يجوز للمر�أة الت�صرف الأحاديث النَّبو َّية وتخريجها) �أ .دَ .و ْه َبة بن م�صطفى مبالها عن طريق املعاو�ضة او الهبة ب��دون �إذن الزُّ َح ْي ِل ّي ،دار الفكر ،دم�شق ط.)4506 /6( ،4 ال��زوج باعتبار انف�صال ذمتها املالية عن زوجها وكمال هذه الذمة ،ام �إن ت�صرفها موقوف على �إذنه 19ينظر :املغني البن قدامة ( )348 /4التجريد للقدوري: �أحمد بن حممد بن �أحمد بن جعفر بن حمدان �أبو احل�سني لها ف�أقول: القدوري (ت 428 :هـ) ،حتقيق :د .حممد �أحمد �سراج، ود.علي جمعة حممد :دار ال�سالم – القاهرة ،ط 1427 ،2 اتفق الفقهاء على �أن املر�أة تت�صرف يف مالها هـ 2006 -م)4248 /9( ، كله عن طريق املعاو�ضة بدون �إذن من �أحد ,وهذا
قهي املتعلِّقُ باملر�أة� ..أ�صو ُلهُ و�أبعا ُده )(17يراجع اخل ُ ِطاب ال ِف ُّ ا�سم امل�ؤلف� :إميان بنت �سالمة الطوير�ش ،ومها بنت علي املانع ،تكوين للدرا�سات والأبحاث – لندن ط.1 :
20ينظر� :أحكام القر�آن� ،أحمد بن علي الرازي اجل�صا�ص �أبو بكر (ت هـ ،)370دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت1405 ،هـ، حتقيق :حممد ال�صادق قمحاوي ،88/2 :االم،224/3 : ك�شاف القناع عن منت االقناع ،من�صور بن يون�س البهوتي ،دار الكتب العلمية ،457 /3 :املحلى.124/2 : � 21سورة الن�ساء� :آية.٦ :
يف فك احلجر عنهم ,و�إطالقهم يف الت�صرف (.)22 -2ما �صح عن جابر قال� { :شهدت العيد مع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ,فبد�أ بال�صالة قبل اخلطبة بال �أذان وال �إقامة ,ثم قام متوكئا على بالل ,ف�أمر بتقوى اهلل ,وحث على طاعته, ووعظ النا�س وذكرهم ,ثم م�ضى حتى �أتى الن�ساء ,فوعظهن وذكرهن وق��ال :ت�صدقن ف�إن �أكرثكن حطب جهنم ,فقامت ام��ر�أة من و�سطة الن�ساء، �سفعاء اخلدين فقالت :مل يا ر�سول اهلل ؟ قال: لأنكن تكرثن ال�شكاة ,وتكفرن الع�شري ; قالت: فجعلن يت�صدقن من حليهن يلقني يف ثوب بالل من �أقراطهن وخواتيمهن } متفق عليه (.)23 -4ولأن املر�أة من �أهل الت�صرف ،وال حق لزوجها يف مالها ,فلم ميلك احلجر عليها يف الت�صرف بجميعه ،كما علله ابن قدامة (.)24 القول الثاين :انه يجوز لها �أن تعطي مالها بغري �إذنه يف الثلث ال فيما فوقه فال يجوز �إال ب�إذنه. هذا و�إن تربعها بزائد على ثلثها جائز حتى يرد الزوج جميعه �أو ما �شاء منه على امل�شهور من مذهب مالك ,وقيل :مردود حتى يجيزه الزوج ،وللزوج رد اجلميع �إن تربعت بزائد عن الثلث ,ولو كان الزائد ي�سريا.واليه ذهب املالكية وطاوو�س يف رواية عنه وهو رواية �أخرى عند احلنابلة (.)25 وا�ستدلوا -1ما روي عن عبد اهلل بن عمرو �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ق��ال( :ال يجوز الم���ر�أة عطية �إال ب�إذن زوجها ) رواه �أبو داود والن�سائي ب�إ�سناد �صحيح (.)26 2ما �صح عن ابي هريرة ( ر�ضي اهلل عنه )�أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قال: 22املغني.300 / 4 : � 23صحيح البخاري� ،531 / 2 :صحيح م�سلم.603 / 2 : 24املغني.300 / 4 : 25ينظر :املدونة الكربى ،226 / 4 :وحا�شية العدوي على كفاية الطالب الرباين� :أبو احل�سن ،علي بن �أحمد بن مكرم ال�صعيدي العدوي ،حتقيق :يو�سف ال�شيخ حممد البقاعي: دار الفكر – بريوت :بدون طبعة1414 :هـ 1994 -م/2( ، ،)227املغني.300 / 4 : 26ال�سنن الكربى ،للإمام �أحمد بن �شعيب �أب��و عبد الرحمن الن�سائي ،ت 303هـ ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط،1991 ،1 حتقيق :د .عبد الغفار �سليمان البنداري ،و�سيد ك�سروي ح�سن ،135/4:و�سنن �أبي داود.293/3 :
(تنكح املر�أة لأربع ملالها وحل�سبها وجلمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)متفق عليه (.)27 -4لأن الرجل �إمنا يتزوج املر�أة ملالها ويرفع يف �صداقها ملالها ,فهو خالف غريه يف هذا �إمنا �أعطاها �إياه على ب�ضعها ومالها ،و�إن جاوزت الثلث مل يبطل الثلث .كاملري�ض يو�صي ب�أكرث من ثلثه ,فيجوز من ذلك الثلث (.)28 وحمل مالك �أدلة اجلمهور على ال�شيء الي�سري وجعل حده الثلث فما دونه(.)29 القول الثالث :ال يجوز للمر�أة �أن تتربع ب�شيء من مالها بغري �إذن زوجها ولو كانت ر�شيدة ال يف الثلث وال فيما دونه �إال يف ال�شيء التافه � ,أما غري التربع من الت�صرفات ,فهي والرجل فيه �سواء (.)30وبه قال الليث بن �سعد (.)31 الرتجيح: والراجح عندي واهلل اعلم – رجحان ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء من احلنفية وال�شافعية. القائل بان املر�أة لها �أن تتربع من مالها متى �شاءت م��ا دام��ت ر�شيدة وال حتتاج �إل��ى �إذن زوج��ه��ا يف الت�صدق من مالها ولو كان ب�أكرث من الثلث. ومم��ا ت��ق��دم نلمح مظاهر و�سطية الإ���س�لام واعتداله وتوازنه يف �أحكامه وت�شريعاته.فهاهو قد �ضمن للمر�أة الذمة املالية امل�ستقلة والتي كانت المتلكها قبل اال�سالم بل هي نف�سها كانت من �سقط متاع الرجل ،واثبت لها حق الت�صرف والهبة والت�صدق بدون احلاجة الى اذن ال��زوج ،والذي عجزت عن اثباته لها ال�شرائع التي �سبقت اال�سالم وحتى الو�ضعية التي فر�ضت قيودا على ت�صرفات الزوجة، ثانيا :امل�س�ألة الثانية :اذن الزوج للزوجة بالعمل خارج البيت من امل�س�ؤوليات الأ�سا�سية للزوجة رعاية الأ�سرة وتربية الأوالد والعناية بهم وعلى ال��زوج النفقة عليها وعلى �أوالده��ا �شرعا ،فهل يحق للزوجة �أن متار�س العمل خارج البيت بدون اذن زوجها ،ام ان ذلك متوقف على اذنه ،وهل يجوز له ان ياخذ مقابل خروجها عو�ضا ماليا او جزء ًا من راتبها لهذا اخلروج؟ )27
�صحيح البخاري� ،1958 / 5 :صحيح م�سلم.1086 / 2 :
)28ينظر :املدونة.125/4 : )29نيل الأوطار.125 / 6 : 30ينظر :فتح الباري ،218 / 5 :نيل الأوطار.125 / 6 : 31ينظر :نيل الأوطار.125 / 6 :
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
67
68
الأ�صل �أن الإذن يكون جمانًا ,ولكن لو ا�شرتط ت�صح و�ضا� ,أو اتفقا على بدلٍ مايلٍّ ،فهل آذن ِع ً ال ُ ّ هذه املعاو�ضة؟ ميكن تق�سيم املعاو�ضة على الإذن بالعمل �إلى �صورتني: ال��� ُّ��ص��ورة الأول����ى� :أن يكون الإذن يف مقابل �إ�سقاط النفقة الزوج ّية �أو بع�ضها. وذل��ك ب��أن يتفق الزوجان على عمل امل��ر�أة يف بع�ضها; مقابل �أن ت�سقط نفقتها عنه� ,أو �أن ي�سقط ُ ال�سكنى فيكون كراء املنزل عليها ك�سقوط نفقة ُّ مثلاً� ,أو نفقة اللبا�س ,ونحو ذلك. فالظاهر �أن هذا االتفاق بني الزوجني �صحيح; لأن انتفاء الإذن يرتتب عليه �سقوط النفقة �أو جزئها ,ف�إذا اتفقا على �سقوطها يف مقابل الإذن �صحيحا ,وت�ستفيد املر�أة ِمن الإذن رف َع ف�إنه يكون ً ُ ً إ�ضافة لبقاء الألفة بني الزوجني الإث��م عنها� , و�إزالة م�سببات الت�شاحن. عو�ض ال�صورة الثانية� :أن يكون الإذن يف مقابل ٍ م��ايل غري �إ�سقاط النفقة؛ ك ��أن ي�شرتط ال��زوج مقطوعا جزء ًا من راتب زوجته� ,أو �أن ي�أخذ مبلغًا ً منه� ,أو �أن تتولى الزوجة ُم��ؤون� َ�ة النفقة على �أبنائهما� ,أو تبذل له عينًا; ك�سيارة ,ونحو ذلك ِمن ال�صور(..)32 ف�إن له حالتني: :1ف����إن ك��ان ه��ذا ال � ِع��و�� ُ�ض يف مقابل ع��م��لٍ ِمن الزوج; ك�أن يقوم بتو�صيل الزوجة لعملها� ,أو مبرافقتها فيه ,ونحو ذلك ف�إنه ي�ستحق عليها الأُجرة باملعروف. العو�ض يف ُمقابل الإذن :2و�أ ّما �إذا كان هذا ُ بالعمل ف��ق��ط .ف����إن حكم ه��ذه امل�س�ألة متفر ٌع ي�صح املعاو�ضةُ عليه� ,أم عن كون هذا الإذن هل ّ ال( ? )33ومبنى ذلك �أن احلقوق تختلف يف قبولها ِ للمعاو�ضة يف ُمقابل الإ���س��ق��اط ,فبع�ضها يقبل املعاو�ضة ,وبع�ضها ال يقبله (.)34 ويف م�س�ألتنا هذه ف�إن احلقَّ الثابتَ للزوج هو ي�صح احتبا�س الزوجة والتمكني التام منها ،فهل ّ 32تقرير القواعد وحترير الفوائد زين الدين عبد الرحمن بن احمدابن رجب دار ابن عفان للن�شر والتوزيع ال�سعودية، ط 1419 ،1هـ.290 /2 ، 33من يرى عدم املعاو�ضة فلأنها حقوق مل تثبت ومل جتب بعد، ي�صح املعاو�ضة عليها [العناية للبابرتي (.)126/5 فال ّ 34تقرير القواعد وحترير الفوائد.290 /2 :
له املعاو�ضة على �إ�سقاط هذا احلق مبالٍ ؟ هذه امل�س�ألة -وكذا �سائر احلقوق الزوج ّية غري ي�صح املالية ,كاملبيت والق َْ�سم وهما حقٌّ للزوجة هل ّ املعاو�ضة عليها -فيها ر�أيان لأهل العلم (:)35 ي�صح املعاو�ضة القول الأول� :أن هذا ّ احلق ال ّ عليه .وهو قول احلنف ّية ,.و�أح��د القولني عند ِ احلنابلة( .)36ويعللون املالكية ،وم�شهور مذهب ِ املعاو�ضة; لأنها ذلك :ب�أن هذه احلقوق ال تقبل لي�س مبالٍ فال يجوز مقابلتها مبال. ي�صح املعاو�ضة على الإذن القول الثاين� :أنه ّ و�سائر احلقوق الزوج ّية .وهو قول عند املالكية (.)37 وعلى القول بجوازه فال ُب ّد ِمن تقييده بعدم الزوجة; لكي ال يكون املُ�ضا ّرة ,بل بطيب النف�س من َ ذريعة للتع�سف يف ا�ستعمال الزوج حل ّقه بالإذن ِمن �أجل م�ساومة املر�أة على بذل املال. الزوج مل تُل َغ بل ُرعيت ويف املقابل ف�إن م�صلحة ِ وخفف وال�سكن يف بع�ض اليومُ , بوجود التمكني َّ �شرعا يف ُمقابل هذا عنه يف قدر النفقة الواجبة ً النق�ص يف التمكني. أي�ضا ف�إن هذا القول فيه مراعاةٌ ل ِ و� ًأعراف ُ ٌ موغلة يف ري من الأ�سر هذا الزمان� ,إذ معي�شةُ كث ٍ �زوج �أن ال َك َمال ّيات والتّح�سينيات التي ال َيلزَ م ال� َ يوف َّرها لزوج ِته يف النفقة الواجبة ,و�إمن��ا هي من الإح�سان منه �إليها .فرمبا كان يف عمل املر�أ ِة �سداد حلاجتها من هذا الباب الذي �أُغرق وك�س ِبها ٌ ()38 النا�س فيه. . ثالثا :ن�صو�ص الفتوى املعا�صرة حلكم راتب الزوجة: اذكر هنا فتوى املجمع الفقهي الإ�سالمي ،ودار الإفتاء امل�صرية فيما يخ�ص حكم راتب الزوجة وهل للزوج حق فيه: �أوال :ن�ص فتوى جممع الفقه الإ�سالمي الدويل املنبثق عن منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي: 35تقرير ال��ق��واع��د الب��ن رج��ب .290 /2وذك��ر اخل�لاف يف امل�س�ألة. 36بدائع ال�صنائع � ،333 /2شرح خليل للخر�شي ،205 /5 وال�شرح الكبري البن �أبي ُعمر .458 /21 � 37شرح خليل للخر�شي .205 /5 � 38أثر عمل املر�أة يف النفقة الزوجية (�ص.)29 :
�أ�صدر جمل�س جممع الفقه الإ�سالمي الدويل املنبثق عن منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي املنعقد يف دورت��ه ال�ساد�سة ع�شرة بدبي (دول��ة الإم��ارات العربية املتحدة) ــ من � 9إلى � 14أبريل احلايل ــ ق��رارا وفتوى عن اختالفات ال��زوج والزوجة املوظفة ،وعن انف�صال الذمة املالية بني الزوجني، جاء فيه: � أو ًال :انف�صال الذمة املالية بني الزوجني: ل��ل��زوج��ة الأه��ل��ي��ة ال��ك��ام��ل��ة وال��ذم��ة املالية امل�ستقلة التامة ،ولها احلق املطلق يف �إطار �أحكام ال�شرع مما تك�سبه من عملها ،ولها ثروتها اخلا�صة، ولها حق التملك وحق الت�صرف مبا متلك وال �سلطان للزوج على مالها ،وال حتتاج لإذن الزوج يف التملك والت�صرف مبالها . ثانيا :النفقة الزوجية: ت�ستحق ال��زوج��ة النفقة الكاملة امل��ق��ررة ب��امل��ع��روف ،وبح�سب �سعة ال���زوج ،ومب��ا يتنا�سب مع الأع��راف ال�صحيحة والتقاليد االجتماعية املقبولة ���ش��رع��ا ،وال ت�سقط ه��ذه النفقة �إال بالن�شوز . ثالثا :عمل الزوجة خارج البيت: ( )1من امل�س�ؤوليات الأ�سا�سية للزوجة رعاية الأ���س��رة وت��رب��ي��ة ال��ن�����شء وال��ع��ن��اي��ة بجيل امل�ستقبل ،ويحق لها عند احلاجة �أن متار�س خارج البيت الأعمال التي تتنا�سب مع طبيعتها واخت�صا�صها مبقت�ضى الأعراف املقبولة �شرعا، ب�شرط االلتزام بالأحكام الدينية والآداب ال�شرعية ومراعاة م�س�ؤوليتها الأ�سا�سية . (� )2إن خ��روج الزوجة للعمل ال ي�سقط نفقتها ال��واج��ب��ة على ال���زوج امل��ق��ررة ���ش��رع��ا ،وفق ال�ضوابط ال�شرعية ،ما مل يتحقق يف ذلك اخلروج معنى الن�شوز امل�سقط للنفقة. رابعا :م�شاركة الزوجة يف نفقات الأ�سرة: ( )1ال يجب على ال��زوج��ة �شرعا امل�شاركة يف النفقات الواجبة على الزوج ابتداء ،وال يجوز �إلزامها بذلك. ( )2تطوع الزوجة بامل�شاركة يف نفقات الأ�سرة �أمر مندوب �إليه �شرعا ملا يرتتب عليه من حتقيق معنى التعاون والت�آزر والت�آلف بني الزوجني. ( )3يجوز �أن يتم تفاهم ال��زوج�ين واتفاقهما الر�ضائي على م�صري الراتب �أو الأجر الذي تك�سبه الزوجة.
(� )4إذا ترتب على خروج الزوجة للعمل نفقات �إ�ضافية تخ�صها ف�إنها تتحمل تلك النفقات. خام�سا :ا�شرتاط العمل: ( )1يجوز للزوجة �أن ت�شرتط يف عقد الزواج �أن تعمل خارج البيت ف�إن ر�ضى الزوج بذلك �ألزم به ،ويكون الإ�شرتاط عند العقد �صراحة. ( )2يجوز للزوج �أن يطلب من الزوجة ترك العمل بعد �إذنه به �إذا كان الرتك يف م�صلحة الأ�سرة والأوالد. ( )3ال يجوز �شرعا ربط الإذن (�أو اال�شرتاط) للزوجة بالعمل خارج البيت مقابل اال�شرتاك يف النفقات الواجبة على ال��زوج ابتداء �أو �إعطائه جزءا من راتبها وك�سبها. ( )4لي�س للزوج �أن يجرب الزوجة على العمل خارج البيت . �ساد�سا :ا�شرتاك الزوجة يف التملك: �إذا �أ�سهمت الزوجة فعليا من مالها �أو ك�سب عملها يف متلك م�سكن �أو عقار �أو م�شروع جتاري ف�إن لها احلق يف اال�شرتاك يف ملكية ذلك امل�سكن �أو امل�شروع بن�سبة املال الذي �أ�سهمت به . �سابعا� :إ�ساءة ا�ستعمال احلق يف جمال العمل: ( )1للزواج حقوق وواجبات متبادلة بني الزوجني، وهي حمددة �شرعا وينبغي �أن تقوم العالقة بني الزوجني على العدل والتكافل والتنا�صر والرتاحم ،واخلروج عليها يعد حمرم �شرعا. ( )2ال يجوز للزوج �أن ي�سيء ا�ستعمال احلق مبنع الزوجة من العمل �أو مطالبتها برتكه �إذا كان بق�صد الإ���ض��رار �أو ترتب على ذلك مف�سدة و�ضرر يربو على امل�صلحة املرجتاة. ( )3ينطبق ه��ذا على ال��زوج��ة �إذا ق�صدت من البقاء يف عملها الإ�ضرار بالزوج �أو الأ�سرة �أو ترتب على عملها �ضرر يربو على امل�صلحة املرجتاة منه. ثامنا :ن�ص فتوى دار الإفتاء امل�صرية :املبادئ: -1الزوج ملزم �شرعا بنفقة زوجته بجميع انواعها ح�سب ي�ساره -2ذم��ة ال��زوج��ة املالية م�ستقلة عن �شخ�صية زوجها و ذمته -3للزوجة اهليتها يف التعاقد و حقها يف التمليك ولها مطلق احل��ق و كامل االهلية يف حتمل االلتزمات و اجراء خمتلف العقود
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
69
70
-4لي�س من حق ال��زوج �شرعا منع زوجته من م�ساعدة والدها من مالها اخلا�ص.)39( . املطلب الثاين :حكم قيادة املر�أة ال�سيارة. �شغلت هذه امل�س�ألة حكم (قيادة املر�أة ال�سيارة) بال الكثري من النا�س رج��اال ون�ساء وكانت مادة حديثهم لزمن طويل بني م�ستنكر لها ،وبني موافق لل�سماح للمر�أة بقيادة ال�سيارة ،مما ا�ستوجب �إ�صدار فتوى �شرعية حت�سم الأمر وتكون احلكم الف�صل للحديث ،بهذا اخل�صو�ص ال�سيما ونحن نرى الكثري من ن�ساء امل�سلمني يقدن ال�سيارات يف عموم بالد امل�سلمني ،اال يف بع�ض ال��دول العربية التي كانت قد �أفتت م�سبقا بحرمة قيادة املر�أة لل�سيارة وقد تولت و�سائل الإعالم االهتمام بهذا املو�ضوع ون�شرت الكثري حول هذا املو�ضوع مما ا�ستدعى الرد ببيان احلكم ال�شرعي يف هذه امل�سالة. ن�ص دار الإفتاء حول "قيادة املر�أة ال�سيارة" جواب دار الإفتاء على ما ن�شرته بع�ض و�سائل الإعالم حول "قيادة املر�أة ال�سيارة" احلمد هلل ،وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل ،وبعد ف ��إن دائ���رة الإف��ت��اء ال��ع��ام كانت ق��د �أ���ص��درت فتاوى عدة قدمية برقم ( ،)862ورقم ()1296 يف تقرير ج��واز قيادة امل��ر�أة لل�سيارة ،وممار�سة حق التنقل بها ،من غري �إثم وال حرج ،ون�شرت هذه الفتاوى على �صفحات املوقع الإلكرتوين لدائرة الإفتاء بتاريخ (2010 /7 /25م) ،وعرب و�سائل الإعالم �أي�ضا. و�أ�صل هذا التقرير هو �أن التنقل عرب و�سائل املوا�صالت القدمية �أو احلديثة حق �إن�ساين عام، ال ترد ال�شريعة مبنعه �سواء للرجال �أو للن�ساء ،بل ت�أتي بت�أكيده والدفاع عنه باعتبار �صيانة حقوق الإن�����س��ان مق�صدا رئي�سيا م��ن مقا�صد ال�شريعة الغراء ،ي�ؤكد هذا العديد من الآث��ار الثابتة يف ال�سنة النبوية يف ممار�سة ال�صحابيات الكرميات ه��ذا احل��ق م��ن غ�ير نكري م��ن �أح���د .وه��و الفتوى التي ت�صدع بها دائ��رة الإفتاء العام يف ع�شرات اال�ستفتاءات التي ترد �إليها ب�شكل دوري. 39دار الإفتاء امل�صرية امل�صدر :موقع وزارة الأوقاف امل�صرية http: //www.islamic-council.comاملفتي عبد اللطيف حمزة 14رجب �سنة 1405هـ – 4ابريل �سنة .1985
و�أما ما �صدر يف الفتوى رقم )914( :من رف�ض القيود التع�سفية التي يفر�ضها بع�ض الأزواج على زوجاتهم فهو ي�ؤكد ما �سبق� ،إذ لي�س من حق الزوج منع زوجته من ا�ستعمال و�سائل التوا�صل احلديثة كالهاتف ،كما لي�س من حقه الت�سلط على الزوجة بحرمانها من زيارة �أهلها و�أداء وظيفتها وواجباتها. ويف املقابل �أي�ضا يجب على ال��زوج��ة م��راع��اة �أ�سباب الع�شرة احل�سنة بني الزوجني ،و�صيانة بيت الزوجية عن ال�شقاق واال�ضطراب ،فت�ست�أذن زوجها قبل خروجها يف غري حاجاتها ال�ضرورية، فالزوج راع وم�س�ؤول عن رعيته ،وم�س�ؤوليته يف املنزل تقت�ضي مراعاة هذه الأحكام ،ليكون كل من الزوجني على بينة من حقوقه وواجباته. وما قامت به بع�ض و�سائل الإعالم من اجتزاء كلمة "قيادة ال�سيارة" يف غري �سياقها ،والإعرا�ض عن ذكر احلقوق الإن�سانية التي تقررها الفتوى، والتقول على دائرة الإفتاء بتحرمي ما مل يحرمه اهلل وال ر�سوله -ه��و عمل بعيد ع��ن النزاهة واملو�ضوعية ،ويخالف مواثيق ال�صدق والأمانة التي يتحملها امل�سلم يف عمله ووظيفته .الأمر الذي ي�ستدعي من املتلقي الواعي التحري والتثبت قبل اخلو�ض فيما مل يثبت له �أ�صل �أو �أ�سا�س� ،سائلني املولى عز وجل �أن يلهم اجلميع ر�شده ويهدينا ا �سواء ال�سبيل.)40( . ونالحظ و�سطية اال�سالم يف ا�ستنباط الأحكام، وهي و�سطية بني طريف الت�شديد والإف��راط ،فلم متانع ال�شريعة من قيادتها لل�سيارة اذا التزمت ب�ضوابط ال�شرع ومل ترتك لها احلبل على الغارب ان �صح التعبري ،يف قيادنها فال افراط والتفريط، وه��ذه الو�سطية تن�ضبط بالن�صو�ص ،وترعى املقا�صد ،وحتقق امل�صالح ،وتدر�أ املفا�سد ،وتعطي كل ذي حق حقه. اخلامتة ونتائج البحث: -1الإ�سالم دين عدل وو�سطية ت�شهد بذلك كل الإحكام ال�شرعية الني جاءت بها ال�شريعة الغراء -2للمر�أة ذمة مالية م�ستقلة كالرجل ,وحقها يف الت�صرف يف مالها �أمر مقرر يف ال�شريعة ما دامت ر�شيدة وهذا ر�أي جمهور الفقهاء. 40دار االفتاء العام ،املوقع االلكرتوين لدائرة الإفتاء العام بتاريخ ()2010/7/25
-3املر�أة لها �أن تتربع من مالها متى �شاءت ما دامت ر�شيدة وال حتتاج �إلى �إذن زوجها يف الت�صدق من مالها ولو كان ب�أكرث من الثلث. -4ي��ج��وز �أن يتم تفاهم ال��زوج�ين واتفاقهما الر�ضائي على م�صري الراتب �أو الأجر الذي تك�سبه الزوجة. -5لي�س من حق الزوج منع زوجته من ا�ستعمال و�سائل التوا�صل احلديثة كالهاتف ،كما لي�س من حقه الت�سلط على الزوجة بحرمانها من زيارة �أهلها و�أداء وظيفتها وواجباتها. -6ج��واز قيادة امل���ر�أة لل�سيارة ،وممار�سة حق التنقل ب��ه��ا ،م��ن غ�ير �إث���م وال ح���رج ،ووف��ق �ضوابط ال�شرع بال افراط او تفريط.. و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني و�صلى اهلل تعالى على �سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه املراجع
� -1أحكام القر�آن� ،أحمد بن علي الرازي اجل�صا�ص �أبو بكر (ت 370هـ) ،ـ ،حتقيق: حممد ال�صادق قمحاوي ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت1405 ،ه. � -2أثر عمل املر�أة يف النفقة الزوجية بحث حمكم قدم حللقة البحث التي �أقامها مركز التميز البحثي يف فقه الق�ضايا املعا�صرة بعنوان (نفقة الزوجة يف �ضوء متغريات الع�صر)� :أ .د .عبد ال�سالم بن حممد ال�شويعر ،جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية -اململكة العربية ال�سعودية ،ط2011 ،1م � -3إر�شاد الفحول �إيل حتقيق احلق من علم الأ�صول :حممد بن علي بن حممد بن عبد اهلل ال�شوكاين اليمني (ت1250 :هـ)املحقق :ال�شيخ �أحمد عزو عناية، دم�شق -كفر بطنا ،قدم له :ال�شيخ خليل املي�س والدكتور ويل الدين �صالح فرفور :دار الكتاب العربي. -4بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع ،ابو بكر م�سعود بن احمد الكا�ساين ،دار الكتب العلمية. -5البحر املحيط يف �أ�صول الفقه� :أبو عبد اهلل بدر الدين حممد بن عبد اهلل بن بهادر الزرك�شي (ت794 :هـ) ،دار الكتبي ،ط :الأولى1414 ،هـ 1994 -م -6تاج العرو�س من جواهر القامو�س :حم ّمد بن حم ّمد بن عبد الرزّاق احل�سيني، �أبو الفي�ض ،امللقّب مبرت�ضى ،الزَّبيدي (ت1205 :هـ)املحقق :جمموعة من املحققني :دار الهداية. -7تف�سري ابن كثري �سالمة ف�سري القر�آن العظيم� :أبو الفداء �إ�سماعيل بن عمر بن كثري القر�شي الب�صري ثم الدم�شقي ( ت 774 :هـ)املحقق� :سامي بن حممد �سالمة دار طيبة للن�شر والتوزيع ط 1999 ،2م. -8تف�سري امل��اوردي = النكت والعيون� :أب��و احل�سن علي بن حممد بن حممد بن حبيب الب�صري البغدادي ،ال�شهري باملاوردي (ت450 :هـ) حتقيق :ال�سيد ابن عبد املق�صود بن عبد الرحيم :دار الكتب العلمية – بريوت. -9تقرير القواعد وحترير الفوائد زين الدين عبد الرحمن بن احمد ابن رجب دار ابن عفان للن�شر والتوزيع ال�سعودية ،ط االولى 1419.3 -10تهذيب اللغة :حممد بن �أحمد بن الأزهري الهروي� ،أبو من�صور ( ت 370 :هـ) املحقق :حممد عو�ض مرعب :دار �إحياء الرتاث العربي – بريوت ط2001 ،1م. -11جامع البيان يف ت�أويل القر�آن حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب الآملي� ،أبو جعفر الطربي ( ت 310 :هـ)املحقق� :أحمد حممد �شاكر :م�ؤ�س�سة الر�سالة ،ط 2000 ،1م. -12جامع ال�صحيح املخت�صر ،حممد بن �إ�سماعيل �أبو عبداهلل البخاري اجلعفي، حتقيق :م�صطفى ديب البغا ،دار ابن كثري ،اليمامة ،ط ،3بريوت.1987 ، -13اجلامع ال�صحيح للإمام م�سلم بن احلجاج �أبو احل�سني الق�شريي الني�سابوري ت 261هـ ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت. -14حا�شية العدوي على كفاية الطالب الرباين� :أبو احل�سن ,علي بن �أحمد بن مكرم ال�صعيدي العدوي (ن�سبة �إل��ى بني ع��دي ،بالقرب من منفلوط) (ت: 1189هـ) ،املحقق :يو�سف ال�شيخ حممد البقاعي :دار الفكر – بريوت :بدون
-15 -16 -17 - 18 -19 -20
-21
-22 -23
-24 - 25 -26 -27 -28 -29 -30 - 31 -32 -33 -34 - 35 -36 -37
طبعة1414 :هـ 1994 -م ،ت هـ( )392ط.2 دار االف���ت���اء ال���ع���ام ،امل��وق��ع االل���ك�ت�روين ل���دائ���رة االف���ت���اء ال��ع��ام بتاريخ ()2010/7/25 12دار الإفتاء امل�صرية امل�صدر :موقع وزارة الأوق��اف امل�صرية http: // www.islamic-council.comاملفتي عبد اللطيف حمزة 14رجب �سنة 1405ه – 4ابريل �سنة .1985 ال�سنن الكربى ،المام �أحمد بن �شعيب �أبو عبد الرحمن الن�سائي ،ت 303هـ .دار الكتب العلمية ،بريوت ،1991 – 1411 ،ط ،1حتقيق :د.عبد الغفار �سليمان البنداري� ،سيد ك�سروي ح�سن. �شرح خمت�صر خليل للخر�شي ،حممد بن عبداهلل اخلر�شي ،دار الفكر. فتح الباري �شرح �صحيح البخاري� ،أحمد بن علي بن حجر �أبو الف�ضل الع�سقالين ال�شافعي ،وفاته 852ه��ـ ،دار املعرفة ،يروت 1379 ،هـ ،حتقيق :حممد ف�ؤاد عبدالباقي ,حمب الدين اخلطيب. (ال�شامل للأدلّة َّ الفقه الإ�سالمي و�أدلته للزحيليَّ . ال�شرع َّية والآراء املذهب َّية أهم النَّظر َّيات الفقه َّية وحتقيق الأحاديث النَّبو َّية وتخريجها) �أ .دَ .و ْه َبة و� ّ إ�سالمي و�أ�صوله بجامعة ل ا الفقه ق�سم ورئي�س أ�ستاذ � ، ِي ل ي ُّح ز ال م�صطفى بن َ ّ ْ ّ دم�شق -ك ّل َّية َّ ال�شريعة :دار الفكر � -سور َّية -دم�شق ط :ال َّرابعة املنقَّحة املعدَّلة بالنِّ�سبة ملا �سبقها. القامو�س املحيط :جمد الدين �أبو طاهر حممد بن يعقوب الفريوز�آبادى (ت: 817هـ) ،حتقيق :مكتب حتقيق الرتاث يف م�ؤ�س�سة الر�سالة ،ب�إ�شراف :حممد العرق�سو�سي :م�ؤ�س�سة الر�سالة للطباعة والن�شر والتوزيع ،بريوت ،ط،8 نعيم ُ 1426هـ 2005 -م قواعد الفقه :حممد عميم الإح�سان املجددي الرب كتري :ال�صدف ببل�شرز – كرات�شي ط1986 ،1م. الكايف يف فقه �أهل املدينة �أبو عمر يو�سف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الرب بن عا�صم النمري القرطبي (ت463 :هـ) حتقيق :حممد حممد �أحيد ولد ماديك املوريتاين :مكتبة الريا�ض احلديثة ،الريا�ض ،اململكة العربية ال�سعودية ،ط: الثانية1400 ،هـ1980/م الكايف �شرح ال��ب��زودي :احل�سني بن علي بن حجاج بن علي ،ح�سام الدين ال�س ْغنَاقي ( ت 711 :ه��ـ) حتقيق :فخر الدين �سيد حممد قانت (ر�سالة ِّ دكتوراه)النا�شر :مكتبة الر�شد للن�شر والتوزيع ط 2001 ،1م . ك�شاف القناع عن منت االقناع ،من�صور بن يون�س البهوتي ،دار الكتب العلمية. الكليات معجم يف امل�صطلحات والفروق اللغوية� :أي��وب بن مو�سى احل�سيني القرميي الكفوي� ،أبو البقاء احلنفي (ت1094 :هـ) حتقيق :عدنان دروي�ش - حممد امل�صري :م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت. ل�سان العرب ،ابي الف�ضل جمال الدين حممد بن مكرم بن منظور االفريقي امل�صري ،دار �صادر بريوت1374 ،هـ 1955-م,)522 /13( .مادة ففه. جممل اللغة البن فار�س �أحمد بن فار�س بن زكرياء القزويني ال��رازي� ،أبو احل�سني ( ت 395 :هـ) درا�سة وحتقيق :زهري عبد املح�سن �سلطان دار الن�شر: م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت ،ط1986 ،2م. املحكم واملحيط الأعظم� :أبو احل�سن علي بن �إ�سماعيل بن �سيده املر�سي )ت: 458هـ ) املحقق :عبد احلميد هنداوي :دار الكتب العلمية – بريوت ،ط.1 املحلى باالثار ،علي بن حممد ـ املعروف بابن حزم الظاهري _ ت (456هـ )، دار الفكر. املدونة الكربى ،مالك بن ان�س بن مالك اال�صبحي دار الكتب العلمية. املغني ،لالمام �أحمد بن حنبل ال�شيباين ،عبد اهلل بن �أحمد بن قدامة املقد�سي �أبو حممد ت 620هـ ،دار احياء الرتاث العربي. املوافقات �إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي ال�شهري بال�شاطبي (ت790 :هـ) ،املحقق� :أبو عبيدة م�شهور بن ح�سن �آل �سلمان :دار ابن عفان، ط1997 :2م. مو�سوعة ال�صحيح امل�سبور من التف�سري بامل�أثور ،د .حكمت بن ب�شري بن يا�سني: دار امل�آثر للن�شر والتوزيع والطباعة -املدينة النبوية ،ط 1999 ،1م. املو�سوعة الفقهية ،وزارة االوقاف وال�ش�ؤون اال�سالمية ،الكويت.نيل الأوطار من �أحاديث �سيد الأخيار �شرح منتقى الأخبار حممد بن علي بن حممد ال�شوكاين ت 1255هـ ،دار احلديث. الو�سطية مفهو ًما وداللة ،د .حممد وياليل ،بحث من�شور على موقع الألوكة.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
71
دراسات
فضيلة الشيخ عبد المجيد ابو سل
عالمية اإلسالم ..والعلمانية المذهبية
األردن
72
لقد اختلطت معاين املعرفة والنظم والأخالق واملذهبية يف زحمة تكنولوجيا املعرفة والتقنية من خالل �إعطائها ال�صفة والأهداف التي ت�سيطر على و���س��ائ��ل الإع��ل�ام امل��وج��ه��ة وامل��ق�����ص��ودة �إل��ى امل�سلم وعقيدته وذل���ك بعد �أن ا�شتغل �أع���داء الإ�سالم احلقيقيون بالو�سائل والطرق املختلفة و�أوج��دوا البيئة املنا�سبة وتهيئة الأمور وتزينها ليكون القبول بكل ما يقدمونه لتحقيق �أهدافهم ال�شيطانية والإحل��ادي��ة �أم���ر ًا واق��ع� ًا وب��ذل��وا من �أج��ل ذل��ك جهود ًا م�ضنية وت�ضحيات ج�سام ًا من �إزهاق للأرواح واملذابح وارتكاب اجلرائم واحلروب املدمرة واملهلكة وبذل الأموال باملليارات التي تعجز العقول عن ا�ستيعابها. ومن �أجل هذا وذاك انتهجوا طريق ًا �شيطانية مارك�سية (ف�صل الدين عن ال��دول��ة) مبا ي�سمى بالعلمانية ليحكموا من خاللها العامل �إذ �أن��ه ال بد من معرفة العلمانية وتاريخها و�أهدافها وكيف ّ دخلت �إلى العامل الإ�سالمي. العلمانية ُيرمز لها بالالتينية ((secularism �أي (الالدينية) وبذلك تعني ف�صل الدين عن جميع مقومات الدولة ال�سيا�سية كانت �أم �إقت�صادية وجاء ذلك من خالل (ت�صارع العلم مع الكني�سة الن�صرانية التي كانت �سائدة وخا�صة يف ال��ق��رون الو�سطى م��ن ت�سلط الكني�سة و�إع��ط��اء �صكوك الغفران
وانت�شار الف�ساد الأخالقي والإجتماعي وال�سيا�سي والإقت�صادي و�أ�صبح رجال الدين الكن�سي هم �أ�صل الف�ساد يف ظل تلك الظروف القائمة ظهرت الثورة العلمية ال�صناعية وانت�صرت على الكني�سة بعد احلرب ا�ستمرت لفرتة طويلة وخال�صة احلديث كانت النتيجة ف�صل الدين عن الدولة. والعلم �سالح ذو حدين فهو ي�ستعمل للبناء والتعمري وملعرفة اخل��ال��ق �سبحانه وت��ع��ايل عن طريق التفكري يف خلق ال�سماوات والأر����ض ،وقد ي�ستعمل العلم للهدم والتدمري ثم الغرور والإحلاد ق���ال ت��ع��ال��ى�“ :إن يف خ��ل��ق ال�����س��م��وات والأر�����ض واختالف الليل والنهار لآيات لأويل الألباب” (�آل عمران.)190: وه��ذا بالن�سبة لنا نحن امل�سلمني يتعار�ض مع عقيدتنا كلي ًا ،لأن عقيدة الإ�سالم تدخل يف جميع �ش�ؤون احلياة �أكانت �سيا�سية �أم اجتماعية �أو غري ذلك على م�ستوى الفرد �أو الدولة �أو املجتمع كام ًال يف كل �صغرية وكبرية ولي�س عقيدة كهنوتية فا�سدة فا�شلة. وعقيدة الإ���س�لام عقيدة �سماوية تعاليمها من خالق هذا الكون ومبدعه من �أجل �سعادة النا�س يف الدنيا والآخ���رة ويعطي احلياة كرامتها ومعانيها ال�سامية ودولة اخلالفة الإ�سالمية �شاهدة على ذلك.
فالإ�سالم هو الدين الذي جاء به الر�سل جميع ًا مبا فيهم حممد عليه �أف�ضل ال�صالة وال�سالم خامت املر�سلني لإن (الدين عند اهلل الإ�سالم) والإ�سالم ميثل مبجموعة م��ن ع��ب��ادات ومعامالت و�أح���وال �شخ�صية والتي هي ال�شريعة. وخال�صة القول � ..إن العلمانية تعتد بالعلم دون الدين وتعتربهما خ�صمان يف حرب دائرة م�ستمرة لأن الكني�سة كانت حت� ّ�رم العلم وتعترب ال�صناعة والتقدم انحراف ًا ويعار�ض عقيدتها ،وذلك من �أجل �أن تبقى امل�سيطرة وامل�ستعبدة للنا�س حتى �أن رجال الدين املتطرفني �أخذوا يكفرون ويرتكبون اجلرائم يف ح��ق ك��ل خمالف لهم وب��ذل��ك �أق��ام��وا (حماكم التفتي�ش) وانتهى ال�صراع بانت�صار اخل�صم على الكني�سة وكانت �ساحة ال�سجال يف �أوروبا وخا�صة فرن�سا على �أ�شدها. وال�س�ؤال :ما النتيجة ؟ هل انتهى الف�ساد ؟ ال ..ثم ال ..ف�أ�صبحت اجلاهلية من نوع �آخر وذل��ك برفع �شعارات ال�شيوعية والإحل��ادي��ة �إلى كوابي�س� ،إذ ا�ستطاع العلمانيون الأوروبيون �أن ينقلوا �أفكارهم العلمانية وال�شعارات املزيفة وب�أ�سماء مزرك�شة �إلى البالد الإ�سالمية والعربية خا�صة، وذلك بطرق خمتلفة �سواء طريق امل�ست�شرقني �أو عن طريق الإحتالل �أو عن طريق ال�ضالني من امل�سلمني ال��ذي��ن عا�شوا معهم يف ب�لاده��م ونقلوا �أفكارهم بطريق �أو ب�أخرى ،وذلك يف ظل الإحتالل الأوروبي و�ضعف العقيدة يف ح��ي��اة امل�سلمني ومب�ساعدة الأقليات غري الإ�سالمية من ن�صارى العقيدة يف حياة امل�سلمني ومب�ساعدة الأقليات غري الإ�سالمية من ن�صارى ويهود و�أ�صحاب املذاهب الإحلادية ب�إقامة الأح��زاب ال�شيوعية واملارك�سية احلمراء� ،أو عن طريق الر�أ�سمالية الإمربيالية. ومن ابرز احلركات العلمانية يف البالد العربية والإ�سالمية حزب جمعية الإحتاد والرتقي بزعامة م�صطفى �أت��ات��ورك م��ن ي��ه��ود ال��دومن��ة و�أو���ص��ل��ت
مدحت با�شا وه��و اب��ن حاخام يهودي جم��ري �إلى من�صب ال�صدارة العظمى ،وقامت العلمانية وال زال��ت يف تركيا حيث �أل��غ��ت اخل�لاف��ة الإ�سالمية و�ألغت كل املظاهر الإ�سالمية وقد حاربت اللغة العربية ح��رب� ًا �ضرو�س ًا و�أل��غ��ت معظم ال�شعائر الإ�سالمية ،ودخلت العلمانية عن طريق م�صر �أثناء الإحتالل الربيطاين وتزعم ذلك (قا�سم �أمني) و (طه ح�سني) وال�شيخ عبدالرزاق وغريهم كرث مثل �سعد زغلول ولطفي ال�سيد ،فظهرت القومية والإ���ش�تراك��ي��ة والبعث واملارك�سية وال�شيوعية ��دث وال ح���رج ،و�أخ���ذت ال�����ش��ع��ارات املزرك�شة وح� ّ والتي جذبت عقول الكثري للإنطواء حتتها ،وبهذا �أ�صبحت الأمة العربية الإ�سالمية �شيع ًا �أو �أحزاب ًا كل حزب مبا لديه فرحون ،وبذلك �أ�صبح احلكم يف البالد الإ�سالمية علماني ًا وا�ستبعد ال�شرع الإ�سالمي �إال على م�ستوى �ضيق انح�صر يف املحاكم ال�شرعية (الطالق والزواج) و�أ�صبح احلكم يغري ما �أنزل اهلل. ر�أي ال�شرع الإ�سالمي يف العلمانية تعترب العقيدة الإ���س�لام��ي��ة العلمانية ع��دو ًا لدوداً ،لها وتندرج حتت قائمة الكفر وال�شرك لأنها ا�ستبدلت القوانني والت�شريعات واحلكم بغري اهلل �شريعة رب ال�سموات والأر�ض ،لأن العلمانية تدعو �إلى نبذ الدين جانب ًا وتفريغ احلياة من امل�ضمون الأخ�لاق��ي وال��روح��ي و�إع��ط��اء الأهمية لإ�شاعة الرذيلة والفاح�شة و�إ�شاعة الف�ساديف الأر�ض ،وهذا يتنافى مع عقيدة الإ���س�لام ال�سمحة التي تدعو �إلى التوحيد اخلال�ص واحرتام النف�س ،وال�شريعة تهذبنا وحتلينا ب�أ�سمى املعاين اخللقية وكان التدين ب�ين النا�س بالفطرة وذل��ك ب�سبب �شعور النا�س بوجود قوة �أعظم من قوتهم واعتقادهم ب�صلتهم بها وال�سعي لتوثيق هذه ال�صلة معها. عاملية الدعوة الإ�سالمية عندما نريد �أن نو�ضح احلقيقة وجنلي الأم��ور التي اختلطت على ال�شخ�صية الإ�سالمية يف القرن
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
73
74
الع�شرين واحلادي والع�شرين يجب �أن ن�ضع املجهر بعد�ساته املكربة لتو�ضيح ال�صورة لعقيدة الإ�سالم ال�سماوية ال�سمحة ،وذل��ك لبيان عاملية الدعوة والر�سالة النبوية املحمدية ،لتقول للعامل هذا هو دين الإ�سالم ..دين املحبة ..والإخ��اء ..دين ال�سعادة يف الدارين الدنيا والآخرة لكافة النا�س. لقد �أر�سل اهلل الر�سل والأنبياء مب�شرين ومنذرين ليخل�صوا النا�س مما علق يف عقولهم و�أذهانهم من �شر وف�ساد و�إحلاد ،ليخرجوهم من ظلمة الدنيا و�ضيق العي�ش �إلى نور اخلالق ،نور ال�سموات والأر�ض و�إلى �سعة الدنيا ورحابة العي�ش فيها ،فقال رب العاملني "وما نر�سل املر�سلني �إ ّال مب�شرين ومنذرين فمن �آمن و�أ�صلح فال خوف عليهم وال هم يحزنون". وقد كان كل ر�سول يبعث يف قومه ،قال تعالى: }�إنّا �أر�سلناك باحلق ب�شري ًا ونذير ًا و�إن من �أمة �إ ّال خال فيها نذير{ ،وقال تعالى�} :إنا �أر�سلنا نوح ًا �إلى قومه �أن �أنذر قومك من قبل �أن ي�أتيهم عذاب �أليم{. فكان يف كل �أمة نذير ي�ؤمن معه قليل ويعاديه الكثري وهذا ما �أخرب عنه ربنا �سبحانه وتعالى يف كتابه العزيز وذاكر ًا كل نبي جهاده املرير مع قومه حتى يقول الر�سول والذين معه متى ن�صر اهلل وقال تعالى} :وك�أ ّين من نبي قاتل معه ربيون كثري فما وهنوا ملا �أ�صابهم يف �سبيل اهلل وما�ضعفوا وما ا�ستكانوا واهلل يحب ال�صابرين{�( .آل عمران.)146: لكن ر�سالة الإ�سالم ر�سالة حممد �صلى اهلل عليه و�سلم كانت ر�سالة عاملية لكافة النا�س قال تعالى}: وما �أر�سلناك �إال كافة للنا�س ب�شري ًا ونذير ًا ولكن �أكرث النا�س ال يعلمون{ (�سب�أ ،)28:فالآية وا�ضحة املعنى واملق�صد مهمة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مهمة عظيمة و�سامية للنا�س كافة ب�شري ًا ملن �آمن معه واتبع الهدى ب�أن له الأمن وال�سعادة يف احلياة الدنيا والأمن واحلياة الرغيدة يف جنان النعيم يوم القيامة ومنذر ًا كل من �أعر�ض �أن له جهنم وبئ�س امل�صري وق��د مت ّيزت ر�سالته �صلى اهلل عليه و�سلم ب�أنها ر�سالة توحيد خال�صة العبودية خلالق الكون ومبدعه ال �شخ�صية لذانها وال من �أجل نفع مادي �أو معنوي �أو �سيادي ،قال تعالى } :قل �إمنا �أنا منذر وما من �إله �إال الواحد الق ّهار{ (�ص )65:وقال تعالى: }و�إنا �أر�سلناك �شاهد ًا ومب�شر ًا ونذير ًا وداعي ًا �إلى اهلل ب�إذنه و�سراج ًا منرياً{ (الأحزاب.)46: والدعوة �إلى �أمة واحدة وعقيدة و�شاملة يقول تعالى} :و�إن ه��ذه �أمتكم �أم��ة واح��دة و�أن��ا ربكم
فاتقون{(امل�ؤمنون� ،)52:أي �أن ملتكم هي �شريعة الإ�سالم ال�سمحة واملتمثله يف الإله الواحد املنفرد يف عبوديته والألوهية واملنزهة عن خلقه والذي لي�س كمثله �شيء وهو ال�سميع الب�صري ،قال تعالى: }ق��ل �إين �أُم���رت �أن �أعبد اهلل خمل�ص ًا له الدين، و�أُمرت لأن �أكون �أول امل�سلمني{ (الزمر.)12: وقد �أكرم اهلل نبيه حممد ب�أن تكون ر�سالته رحمة للعاملني للخلق كافة قال تعالى} :وما �أر�سلنا من قبلك من ر�سول �إال نوحي �إليه �أنه ال �إله �إال �أنا فاعبدون{. (الأنبياء )65:حيث كانت ال�سائدة يف املجتمع املكي اجلاهلية القاتلة وقد عاب عليهم ال�شارع يف الإ�سالم وبينّ �أن اجلاهلية عبارة عن ع�صبية قبلية حمقاء ال ت�أتي بخري فقال تعالى�} :إذ جعل الذين كفروا يف قلوبهم احلم ّية حم ّية اجلاهلية ف��أن��زل اهلل �سكينته على ر�سول وعلى امل�ؤمنني و�ألزمهم كلمة التقوى وكانوا �أحق بها وب�أهلها وكان اهلل بكل �شيء عليم{(الفتح )26:حيث �أن العقيدة الإ�سالمية متيزت بعامليتها و�صالحها دون غريها ملا اخت�صت به من خ�صائ�ص ثابته لتقود العامل �إلى ال�سعادة وتنقذه من براثن الطغاة وظلم العقيدة الإحلادية الوثنية وال�شركية الفا�سدة ومن هذه اخل�صائ�ص: �إلهية امل�صدر :قال تعالى�} :إ ّن��ا �أنزلنا �إليكال��ك��ت��اب ب��احل��ق لتحكم ب�ين ال��ن��ا���س{ وق��ال تعالى�} :إن الدين عند اهلل الإ�سالم{. فالدين عند اهلل الإ�سالم �أر�سله �إلى النا�س بوا�سطة الر�سل لتبليغهم �إ ّياه �شامل متكامل، �أي �أن الت�شريع ال�سماوي كامل بكل ما يخ�ص النا�س يف جميع ���ش��ؤون حياتهم حتى قيام ال�ساعة ،قال تعالى “ :اليوم �أكملت لكم دينكم و�أمتمت عليكم نعمتي ور�ضيت لكم الإ�سالم دينا”. متوازن وو�سطي :والو�سطية بعيد ًا عن التطرفوعن الإ�سراف ومتوازن ًا بعيد ًا عن املغاالة يكون بني �أمور عديدة بعيدة عن املُغاالة. ومن �صفات ال�شريعة الإ�سالمية وخ�صائ�صها املثاليةواملرونة والعقالنية والإن�سانية والإيجابية وبكل اخل�صائ�ص التي ت�سمو وترقى بها النف�س الب�شرية، فالإ�سالم عقيدة �إلهية عاملية �سامية ال تتبدل وال تتجدد �أرادها اهلل لبني الب�شر لتكون ت�شريع ًا ود�ستوراً لبني الب�شر.
لقاءات
لقاء المهندس مروان الفاعوري مع صحيفة
لقاء مطو ًال �أجرت �صحيفة الد�ستور الأردنية ً مع عطوفة املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى ،تناول عدد ًا من الق�ضايا التي تهم الأمة والأوطان وفيما يلي ن�صه: ال�س�ؤال الأول :الأردن يعي�ش حالة خا�صة الآن �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا فما ر�أيكم؟ ت�أ�س�س الأردن كنواة لكيان �سيا�سي عربي كبري ي�سد الفراغ ال��ذي خلفته الدولة العثمانية ،يف املنطقة كافة ،وليكون ق��ادر ًا على مللمة ال�شتات العربي الإ�سالمي ب�صورة حتفظ معها الأوط��ان واملقد�سات وعلى ر�أ�سها مدينة القد�س وم�سجدها املبارك ،لكن هذا احللم الكبري �سرعان ما تبدد �أم��ام الهجمة ال�صهيونية العاملية التي وجدت غطاء عاملي ًا ق��وي� ًا لأطماعها لي�س يف فل�سطني فح�سب ،بل ويف املنطقة ب�أ�سرها ،ولذلك فمنذ ت�أ�سي�س الأردن يف عام 1921ولغاية تاريخه وهو يعي�ش النتائج ال�سلبية لتلك الأطماع التي متثلت باحتالل فل�سطني كاملة على مرحلتني� ،إذ كانت أعباء �إ�ضافية على �إف���رازات كل مرحلة ت�شكل � ً الأردن الدولة وال�شعب وامل��ق��درات ،الأم��ر الذي ارتبط معه النهو�ض الأردين مبدى قدرته على
ا�ستيعاب خمرجات النكبة ثم النك�سة وغريها، �إذ يرى املتابع �أن هناك م�صيبة ت�أتي على ر�أ�س كل عقد من ال�سنني بدء ًا من وعد بلفور امل�ش�ؤوم ولغاية الآن ،ولذلك ي�سهل على من يتابع تطور الف�ضية الفل�سطينية وتداعياتها على الأردن �أن ي�سجل مزيد ًا من امل�صائب والأت��ع��اب ال�سيا�سية والع�سكرية والإقت�صادية والإجتماعية ،الأمر الذي �أربك �صانع القرار العام وما ينبثق عنه من قرارات فرعية يف املجاالت كافة ،لأن �أي قرار ما بد و�أن يتما�شى مع �آث��ار حرب هناك �أو ثورة ال ّ �أو انتفا�ضة �أو جلوء ،وهذا ما �سبب خل ًال متجدد ًا يف ر�سم ال�سيا�سات الأردنية ،هل �ستكون �سيا�سات مفتاحية نحو �أفق جديد؟ �أو مرحلة جديدة؟ �أم رد ًا لل�سيا�سات ،مبعنى �أن تكون كالهزّ ات الإرتدادية ملا جرى يف هذه الدولة �أو تلك ،لي�س يف فل�سطني فح�سب ،بل ويف بع�ض دول اجلوار التي كانت �أنظمة احلكم فيها تتبدل بانقالب هنا �أو هناك. ويف ظل هذا الظرف الإقليمي املتغري دوماً ،كان من ال�صعب احلفاظ على وترية واحدة من الر�ؤية ال�سيا�سية العامة التي تتعامل مع جميع الأطراف يف الإقليم ب�صورة م�ستقلة ،بل العك�س متاماً� ،إذ
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
75
76
بتغري الظروف تت�أثر ال�سيا�سات الإقليمية ومنها الداخلية على م�ستوى الأردن ،فكان الرهان دوم ًا هو املحافظة على الكيان ال�سيا�سي الأردين بالرغم من وج��ود املتغريات الإقليمية التي تفرز بع�ض الآثار اجلانبية ،وهذا ما �شكّل خل ًال يف التخطيط الإ�سرتاتيجي الذي يراعي خمرجات هذا الظرف الإقليمي �أو ذاك ،فجعل اخلطط الإقت�صادية وكلفها املادية تت�أرجح �صعود ًا وهبوط ًا تبع ًا لتلك املتغريات التي مل ت�ستقر على ح��ال واح��دة ولو لفرتة زمنية ق�صرية. فاخللل �سيا�سي ًا �أنتج خل ًال �إقت�صادي ًا ومثله �إجتماعي ًا وهكذا ،حتى �أ�صبحنا نتعاي�ش مع ظروف، الإ�ستقرار فيها ه��و الإ�ستثناء ،وه��ذا ظاهري ًا وجوهري ًا بع�ض ال�شيء� ،أم��ا الأم��ر ال��ذي زاد من �أثر تلك الرتاكمات ال�سلبية ،فهو الف�ساد ب�أنوعه وم�سمياته و�آث���اره ،ويف جميع مفا�صل املجتمع والدولة� ،إذ جعل جهد الإ�صالح يتوا�ضع �أمام هذا الأخطبوط الذي يتنامى ب�شكل كبري ،ف�أ�صبحت املع�ضالت مرتاكمة �أمام جهود الإ�صالح ومطالباته اليومية على امل�ستوى ال�سيا�سي والإقت�صادي والإجتماعي ،فظهرت القُوى اخلفية التي ر�أت يف الف�ساد العام فر�صتها يف حتقيق ح�ضورها يف امل�شهد العام بكل تفا�صيله ،و�إذا كان من مع�ضالت جديرة بالدر�س والبحث ،فق�ضية اللجوء على امتدادها الزمني منذ النكبة الأولى وما تالها من خمرجات �سلبية للق�ضية الفل�سطينية والربيع العربي الذي مل يزهر �إال حطام ًا ودم� ًا وت�شرداً� ،إذ ي�ست�ضيف الأردن بحكم جواره واملبادئ ال�سامية التي ي�ؤمن بها ديني ًا و�إن�ساني ًا املاليني من الالجئني واملهجرين، ف�أ�صبح بهم الأردن �أكرب دولة م�ست�ضيفة ،الأمر ال��ذي زاد م��ن �أعبائها ،وجعل احلكومة تتجه لبع�ض خططها ال�شاملة لتلبية مطالب الالجئني �أحيان ًا قبل مطالب �أبنائها ،الأمر الذي �شكل عبئ ًا ُم�ضاف ًا على منظومته الإقت�صادية والإجتماعية والإن�سانية. �إن هذا الو�ضع ال�سيا�سي العام �أوج��د ُمع�ضلة ظاهرة وهي كيفية دمج الالجئني ب�صورة تامة يف الواقع ال�سيا�سي العام ،وما يتطلبه من حتديد لهوية الالجئني التي تق�ضي الأع��راف الدولية الدينية والإن�سانية والدولية حمايتهم ورعايتهم ومنحهم احلقوق كاملة غري منقو�صة ،وهذا يقت�ضي �إدراج ق�ضاياهم يف الهم ال�سيا�سي العام للدولة، بحيث تطرح تلك الق�ضايا يف كل م�ؤمتر حملي عام �أو �إقليمي �أو عربي �أو �إ�سالمي �أو دويل �أو عاملي، لإبقاء ح�ضورهم يف امل�شهد الإن�ساين الذي كاد �أن ين�سى معاناتهم وق�ضيتهم.
ولعل من املع�ضالت �أي�ض ًا هي احلالة الإقت�صادية ال�صعبة ال��ت��ي �أل��ق��ت بظاللها على الإقت�صاد الإنتاجي مبدخالته وخمرجاته ،ف�أ�صبحت عجلة الإقت�صاد تتباط�أ تدريجي ًا يف ظل �إنعدام الر�ؤية الوا�ضحة جتاه كثري من الأمور املتعلقة بتح�سني الو�ضع الإقت�صادي ،فارتفاع الأ�سعار وال�ضرائب وتعددها وارتفاع كلف الإنتاج ،كل ذلك زاد من العبء املعي�شي على املواطن ،الذي ترك م�س�ألة الإ�صالح ال�سيا�سي واملناداة بها� ،إلى م�س�ألة الإ�صالح الإقت�صادي التي ترتبط بالهم اليومي للمواطن وقوته فهي الأكرث �إحلاح ًا بالن�سبة له ،وهذا ما ي�ستدعي حقيقة وج��ود برامج �إ�صالحية ذات بعد �إقت�صادي يف املدى املنظور والبعيد لتحقيق الإ�ستقرار ال�سيا�سي الدائم الذي بات مهدد ًا يف ظ��ل تنامي ظاهرتي الفقر والبطالة وانت�شار الف�ساد املايل والإداري الذي انت�شر حتت ذريعة الفقر والعوز الأم��ر ال��ذي يهدد كذلك منظومة القيم الأخالقية والإجتماعية التي تربى عليها الأردنيون وميزت ح�ضورهم الأخالقي كذلك. ال�س�ؤال الثاين :كيف تقيم دور املنتدى منذ ن�ش�أته ولغاية الآن؟ جاءت فكرة ت�أ�سي�س املنتدى بعد �أن تنادى جمع ط ّيب من علماء الأمة ومفكريها ومثقفيها الكبار من �أجل �إنقاذ احلالة الفكرية العا ّمة للم�سلمني وما ميكن �أن يعلق بها من جهل �أو خرافة قد تن�سحب �إلى مواطن �صنع القرار الديني وال�سيا�سي فالفكرة هي حلماية الفكر الإ�سالمي النا�صع من الإ�ستالب والت�شويه والت�شوي�ش عليه ،والعودة فيه �إلى ما كان يتمتع به من نقاء و�صفاء وبهاء زمن الر�سول الكرمي عليه ال�صالة وال�سالم و�صحابته الأخيار الذين تتلمذوا على يدي نبينا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ،ولذلك ت�أ�س�س املنتدى و�أ�صبح هيئة �إ�سالمية عاملية فكرية ذات امتداد جغرايف وا�سع �شمل خم�سة ع�شر فرعاً ،هذا ف� ً ضال عن �أذرع��ه املعنوية التي متتد مع كل عامل �أو فقيه �أو مفكر ً وممار�سة ي�ؤمن بالو�سطية فكر ًا وخلق ًا و�سلوك ًا حيثما ُوجد يف هذا العامل الوا�سع. وا�ستطيع القول� ،إن املنتدى العاملي للو�سطية انتزع الإعرتاف العاملي به حتى من اجلماعات ذات الفكر املتطرف ،التي تر�صد ما نقوم من ن�شاطات فكرية وثقافية تبني زيفهم وتك�شف ُبطالن نهجهم ومنهجهم ،فهم يروا يف املنتدى جر�س �إنذار ينبه ال�شباب والعلماء ويحذرهم من الإقرتاب �إلى كل فكر متطرف.
لذلك ف ��إن املنتدى مبثل م��ا ميثل م��ن ح�ضور فكري كمدافع ع��ن العقيدة والفكر الإ�سالمي ال�سليم ،يتحقق ح�����ض��وره ك��ذل��ك كمنرب فكري يجمع علماء الأمة مهما تباعدت بينهم امل�سافات الفكرية ،وبذلك ا�ستطاع املنتدى �أن ي�ؤ�س�س حلالة فكرية �إ�سالمية عاملية ال ميكن جتاوزها �أو التفكري خارج �إطارها العام باعتبارها بدي ًال فكري ًا جلميع النماذج الفكرية الإ�سالمية التي قدمت ر�ؤي��ة �سيا�سية عامة كذلك لتكون ب��دي� ً لا ع��ن النظم ال�سيا�سية القائمة وال �أريد هنا تف�صيل القول يف تلك الأح��زاب �أو اجلماعات التي نالت حتى من مرجعيتها الفكرية كذلك ،فعجزت عن تقدمي ذاتها ب�شكل �سليم �أو التقدم ب�شكل يراها النا�س �أنها �سليمة. ولهذا ف�إننا نرى ح�ضورنا الدائم واملتنامي من خ�لال اعرتافنا باملكون الآخ��ر فكري ًا و�سيا�سي ًا وثقافي ًا ومعه نعمل م��ن �أج��ل �إع��ط��اء امل�ساحة امل�شرتكة بيننا مزيد ًا من املرونة ،لي�س يف داخل الأردن فقط ،بل مع م�ؤ�س�سات فكرية �إقليمية وعربية وعاملية كذلك ،وظهر ذلك جلي ًا من خالل امل�ؤمترات الدولية التي نقيمها �أو تتعاون يف �أمر �إقامتها �أو ن�شارك بها ح�ضوراً ،وهكذا حتى �أ�صبح املنتدى مق�صد ًا للمفكرين والعلماء لدى الكثري من �أبناء الأمة والعامل. ال�س�ؤال الثالث :ماهي نظرتكم للعمل احلزبي الأردين ك�سيا�سي وحزبي؟ �شهد الأردن منذ ت�أ�سي�سه تيارات �سيا�سية عدة، �صدرت عن مراجع فكرية كثرية دينية وفل�سفية و�أيديولوجية �شرقية وغربية جت��اه ق�ضيتهم املركزية فل�سطني ،وظن ًا منهم ب ��أن الإن��خ��راط يف العمل احلزبي العام يحقق برامج �سيا�سية و�إقت�صادية و�إجتماعية قادرة على تغيري العقلية ال�سيا�سية التي حتكم بها الأنظمة العربية على تعددها جمهورية وملكية وم�شيخات و�إم���ارات بحيث يف�ضي هذا التغيري املن�شود �إلى تطوير نظم �سيا�سية ذات ق��درة على حتقيق احلكم العربي الإ�سالمي العام على م�ستوى ال�شعوب والأف��راد، ولذلك جتد بروز تيارات للمد القومي وال�شيوعي التي ثبت ف�شلها يف امليدان ال�سيا�سي العام ثم جاء املد الإ�سالمي ليكون بدي ًال عن كل التيارات ال�سالفة الذكر الأم��ر ال��ذي جعل من هذا املد �أم� ً لا وا�سع ًا ي�شمل غالبية الأم��ة نظر ًا ملا ميثله من مرجعية دينية ق��ادرة على خماطبة العقل والقلب معاً، ولذلك ن�شطت الأحزاب الدينية يف الأردن مبكر ًا
وا�ستمالت الكثري من ال�شباب �سعي ًا نحو تنظيمهم وتوعيتهم بالعمل احلزبي امل�ستند �إل��ى الربامج العملية ،ولعل �أن�شط الأحزاب �ضمن هذا التو�صيف قدموا برامج عملية (الإخ��وان امل�سلمني) الذين ّ يف اجلوانب الإقت�صادية والإجتماعية ف� ً ضال عن دورها �سيا�سي ًا الأمر الذي جعلني �أن�ضم �إلى �أ�سرهم يف مرحلة عمرية مبكرة ،وال �أكاد �أنكر دورهم يف التوعية املبكرة وحفظ الأخالق وتهذيب ال�سلوك واخلطط املنظمة لديهم ،هذا ف� ً ضال عن زرع الثقة يف نفو�سهم وتقوية �شخ�صيتهم �إال �أن ربط تقدم الفكرة احلزبية يف هذا احلزب �أو ذاك لفئة دون غريها وجعلني �أراقب باهتمام م�سرية هذا احلزب الذي �أ�صابه من اخللل التنظيمي والعملي ما �أ�صابه نتيجة تغري موازين القوى العامله فيه من حني لآخر الأمر الذي جعلني �أغادر �صفوفه بحث ًا عن ر�ؤية حزبية �أخرى متنح مزيد ًا من املرونة للرجل احلزبي مع هذا التيار �أو ذاك� ،أو مع �سلطات الدولة على تعددها ،فكان ت�شكيل حزب الو�سط الإ�سالمي خمرج ًا مقبو ًال يف حينه للنهو�ض بالعمل احلزبي الأردين حتى نعمل من خالله على ر�سم خريطة حزبية قابلة للحياة ،ا�ستمر ذلك ل�سنوات �أدركت معها �أنني قادر على خدمة الإ�سالم بفكره الو�سطي التفرغ التام لأعمال املنتدى املعتدل من خ�لال ّ العاملي للو�سطية ومغادرة احلياة احلزبية التي بد�أت حياتي ال�سيا�سية بها وتقدمت يف �صفوفها الأولى لأغادرها تنظيمي ًا حيث املكان الذي �أراه �أكرث خدمة للفكر الإ�سالمي على م�ستوى العامل خا�صة �إذا علمنا �أن الأح���زاب غري ق��ادرة على تقدمي ر�ؤية �سيا�سية عامة تفعلها يف الإنتخابات البلدية والنيابية وت�ستطيع �إ�ستثمارها يف ت�شكيل حكومة برملانية ذات مرجعية حزبية بحيث نرى عم جميع مفا�صل ح�ضورها يف نهاية املطاف وقد َّ الدولة اذ �أ�صبحت حقيقة �أ�شبه بالواجهات ( الديكورية ) التي تغطي عيوب احلكومات يف جمال التنمية ال�سيا�سية �أو غري ذلك ،ف�إن املع�ضلة يف العمل احلزبي تكمن بانعدام الرغبة احلقيقية يف جعل الأحزاب بيوت خربة �سيا�سية تقدم حكومات تنفيذية وحكومات ظل ور�سم لل�سيا�سات العامة. �أم��ا فيما يتعلق بالعمل احل��زب��ي ،ف ��أق��ول �أن ب�صي�ص الأم���ل ال يغيب ط��امل��ا �أن ج�لال��ة امللك ب�أوراقه النقا�شية قد �أ�شار بو�ضوح �إلى �ضرورة تفعيل دور الأح��زاب ومنحها الفر�صة الأكيدة التي جتعلها �أكرث ح�ضور ًا يف الإنتخابات وت�شكيل احلكومات الأمر الذي يتطلب فقط �صدق التوجه لدى احلكومات لتنفيذ ر�ؤى جاللته بهذا الأمر.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
77
78
وهذا �إنه يدعو �إلى منح الأحزاب واحلزبيني مزيد ًا من حرية العمل ال�سيا�سي احلزبي املن�ضبط مع د�ستور الدولة وقوانينها ليكون العمل احلزبي رافعة للعمل ال�سيا�سي العام ولي�س حم ًال ثقي ًال على موازنة الدولة التي ت�سعى �إلى �إن�شاء املزيد من الأحزاب بغري لون �أو طعم �أو هدف. ال�س�ؤال الرابع :كيف تقيم املحطات احلزبية وال�سيا�سية التي ع�شتها يف �ضوء فهمك ال�سيا�سي للإ�سالم ؟ ما ذكرته ك�إجابة لل�س�ؤال ال�سابق يعطي �صورة وا�ضحة حول جتربتي الطويلة مع احلركة الإ�سالمية التي �أ�سهمت ب�شكل �أو ب�آخر يف �صقل �شخ�صيتي الفكرية والثقافية ب�شكل جعلني �أذكر ف�ضلها يف حفظ ال�سلوك العام لكثري من ال�شباب غري �أن غلبة ال�صراع ال�سيا�سي على الرتبوي ،جعلها تفقد بع�ض بريقها خا�صة �إذا علمنا �أن التمايز بني هذا وذاك قد ال يكون العتبارات فكرية فقط ،بل تتعداها �إلى ما هو �أدنى من ذلك التقييم ،الأمر الذي جعل الكثري يزهد بالبقاء يف هذا احلزب �أو ذاك ليرتك املجال للباحثني عن ال�سلطة ب�أي ثمن ،ولي�س هذا منح�صر ًا بحزب دون غريه �إمنا تت�سع الدائرة وفق هذا الفهم لت�شمل معظم الأحزاب دون ا�ستثناء. وفيما يتعلق بتجربة الإ�سالم ال�سيا�سي حزبي ًا فما مت طرحه من ر�أي �سابق حول الأحزاب يو�ضح امل�س�ألة ب�شيء من التف�صيل ذلك �أن هو�س ال�سلطة يداعب خميلة كل العاملني يف العمل احلزبي على تعدده وه��ذا �أمر م�أخوذ به يف �أقل الدول ممار�سة للدميوقراطية باعتبار �أن خمرجات العمل احلزبي هي امل�شاركة يف الإنتخابات النيابية ومن ثم ت�شكيل احلكومات وفق نتائجها ومبا ين�سجم مع ح�ضور كل حزب يف هذه العملية. ومل��ا ك��ان الإ���س�لام ب�صورته الكلية ي�شمل العمل ال�سيا�سي والإق��ت�����ص��ادي والإج��ت��م��اع��ي ،ف ��إن م�صطلح الإ�سالم ال�سيا�سي الآن ما زال غائب ًا عن امل�شهد العام لإعتبارات كثرية لعل �أولها تلك الريبة التي ينطلق منها املجتمع الدويل من و�صول التيارات الإ�سالمية للحكومات والإدارات العليا �أو عدم قدرة الإ�سالميني �أحيان ًا على توظيف قدراتهم ومهاراتهم ليكونوا �أكرث ح�ضور ًا يف �أي م�شهد دميقراطي عام ،الأمر الذي يوفر لهم قناعة ذاتية ب�أن الفر�صة مل تتح لهم بعد ملمار�سة ال�سلطة �أو ان التجربة لديهم حتى على امل�ستوى احلزبي مل تن�ضج بعد لإنتاج رجال دولة وقيادات ميكن �أن متار�س احلكم. ولذلك �أقول مازال العمل احلزبي العام والإ�سالمي خ�صو�ص ًا غري قادر على م�أ�س�سة نظام �سيا�سي عام ،لأنه مل مينح الفر�صة الكافية لو�ضع براجمه ال�سيا�سية ذات الأبعاد الإقت�صادية والإجتماعية والثقافية التي
ت�ؤهله للم�شاركة يف احلياة العامة و�صو ًال للم�شاركة ال�سيا�سية على م�ستوى احلكم. �أما نحن هنا يف الأردن فظهرت الأحزاب الإ�سالمية مع بداية ت�أ�سي�س الدولة الأردنية احلديثة تقريب ًا �إذ �أ�س�ست جماعةالأخوان عام 1947وتطورت عالقتها ب�شكل �إيجابي مع النظام ال�سيا�سي مع ال�صراع الذي وقع بني امللك ح�سني والرئي�س عبد النا�صر الذي متثل يف حظر العمل احلزبي يف الأردن عام 1956والإبقاء على جماعة الأخ��وان لتعمل ب�شكل م�شروع ووا�سع نتيجة ن�ضج قيادتها �آنذاك ممثلة بف�ضيلة املراقب العام حممد عبد الرحمن خليفه رحمه اهلل الذي انحاز الى النظام والد�ستور وعار�ض دعاة الإنقالب او ما �سمي ال�ضباط الأحرار. تطورت ومن��ت وامتدت اجلماعة منذ ذل��ك الوقت يف املدار�س واجلامعات وامل�ساجد واجلمعيات وانخرط يف �صفوفها �آالف ال�شباب الأردين يف ال�ضفتني ،وكان لها ا�سهامات كبرية على ال�صعيد اخلارجي يف الإمتداد والإنت�شار وعلى �صعيد الق�ضية الفل�سطينية يف اجلهاد يف فل�سطني بعد عام 1967ويف دعم ت�أ�سي�س و�إن�شاء حركة حما�س يف ال�ضفة الغربية وقطاع غزه واحلياة ال�سيا�سية الأردنية منذ ذلك احلني والى الآن. وبد�أت عالقتي يف اجلماعة عام 1973يف العا�صمة عمان ثم انخرطت يف �صفوفها ب�شكل مبا�شر يف مدينة ال�سلط ثم تعمق انتمائي وتعريف على احلركة ابان �سفري للدرا�سة يف م�صر يف جامعة املن�صورة حيث تعرفت الى عدد من قياداتها كان منهم الأ�ستاذ حممد العدوي رحمه اهلل وعمر التلم�ساين وم�صطفى م�شهور وعبد املتعال اجل�بري وخ�يرت ال�شاطر و�صربي عرفه وحممد عبد الرحمن مر�سي و�آخرين ،،وتعلمت منهم معنى العمل والت�ضحية والإيجابية والتنظيم والأخوة و�أهمية العمل اجلماعي وا�شعلوا يف نف�سي ُجذوة ال تهد�أ وال تنطفئ يف ال�شوق لإ�ستعادة اجماد الأم��ة وا�سلمة املجتمع وح�سم التوجهات الفكرية والأن�شطة باجتاه اح�ت�رام قيم الإ���س�لام وال��ن��م��وذج ال��ذي متثله حركة الأخوان. وعدت من م�صر الى الأردن �أحمل هذه الروح وبد�أنا مع نخبة كرمية من ال�شباب يف ال�سلط يف العمل حيث جوبهنا باحلر�س القدمي ال��ذي يخ�شى من التطور او التطوير وجنحنا يف الو�صول الى املواقع القيادية يف اجلماعة وبد�أت م�سرية الإنفتاح على العمل ال�سيا�سي يف الأردن التي �أطلقها املرحوم امللك ح�سني عام 1989 من خالل امليثاق الوطني ،حيث �سمح بالعمل احلزبي وبد�أت الأحزاب بالتناف�س والتقينا مع ا�ستاذنا وملهمنا يف ذلك الوقت املهند�س احمد قطي�ش الأزاي��دة الذي
كانت تربطنا به (جمموعة ال�سلط) عالقة خا�صة وبد�أ اللقاء الأول يف منزيل لو�ضع الت�صورات والأفكار لت�أ�سي�س ح��زب جبهة العمل الإ���س�لام��ي حيث كانت هناك معار�ضة كبرية ملجرد احلديث عن ت�أ�سي�س حزب �إ�سالمي من تيار مت�شدد داخل اجلماعة وا�سفر التنا�صل داخل اجلماعة عن املوافقة على ت�أ�سي�س حزب جبهة العمل الإ�سالمي على �أن يكون حتت �سلطة اجلماعة وو�ضع عليه �أربعة ع�شر قيد ًا �أبرزها �أن جمل�س �شورى اجلماعة هو من يحدد الأمني العام واملكتب التنفيذي ل��ل��ح��زب ،وه��ن��ا ب���د�أت امل�شكلة� ،إذ ظهر احل���زب �أن��ه �صورة ولي�س حقيقة يعرب عن �إرادة منت�سبيه وب��د�أ ال�صراع بني الدعوي وال�سيا�سي متثل يف ف�شل اللقاء الأول ملجل�س ال�شورى ال��ذي مل ي�ستطع معه الإخ��وان ا�ستقطاب العنا�صر الإ�سالمية امل�ستقلة التي حر�صوا على ا�ستقطابها ودعوتها ال��ى احل��زب وا�سقطوها يف الإنتخابات نتيجة تعليمات ب�ضرورة انتخاب ال�شخ�صية الإ�سالمية املنتخبة من اجلماعة فقط يف جمل�س ال�شورى مما دفع هذه ال�شخ�صيات بتقدمي ا�ستقالة جماعية �شكلت ال�ضربة الأول��ى التي اجه�ضت انطالق احلزب بقوة كما متثل هذا الإنك�سار يف املوقف من الإنتخابات ومقاطعتها عام 1993وكذلك عام ،1997حيث �شعرت و�شعر من معي عدد من الإخ��وان �أن املقاطعة النيابية بداية اخلروج من املجتمع والإن�سحاب من احلياة العامة والهروب �إلى الكهوف وهي تعرب عن �صراع وت�صفيات داخلية بني تيارات و�أجنحة اجلماعه للأ�سف ،وعلت اال�صوات معار�ضة قيادة اجلماعة يف ذلك الوقت مما ا�ضطرها لإتخاذ �إج��راءات ف�صل وجتميد بحق عدد من خرية �أبنائها ..عندها وعندها فقط �شعرنا ب�أن ال�ضغوط ت��زداد علينا من املراقب العام عبد املجيد ذنيبات يف حينها و�أع�ضاء املكتب مل��غ��ادرة اجلماعة، فقررنا الإن�سحاب وكتبنا يف ذلك بيانات عربنا فيها عن �أ�سباب ا�ستقالتنا و�إنها جاءت خروج ًا للإخوان ولي�ست خروج ًا على الإخوان. وكنا نقول لهم ما قاله م�ؤمن �آل فرعون م�ستذكرون ما �أقول لكم ..و�أفو�ض �أمري �إلى اهلل) ،وكان ي�شجعنا على اخلروج حينها لت�أ�سي�س حزب �سيا�سي جديد عدد من قيادات الإخوان الذين كنا و�إياهم يف مدر�سة فكرية واح��دة وتيار واح��د داخ��ل اجلماعة ومنهم املرحوم الأ���س��ت��اذ �إ�سحق الفرحان وال��دك��ت��ور حممد عوي�ضة والأ�ستاذ حمزة من�صور ويو�سف العظم وغريهم.. وا�ستفزنا قول للمرحوم الأ�ستاذ داود قوجك رحمه اهلل عندما قال �إن الذي يخرج من حتت هذه الالفته (لن تقوم له قائمة) فقررنا وقتها �أن نعمل عم ًال منظم ًا على �صورة حزب �أو تيار �أو جماعة ف�أ�س�ستُ مع جمموعة من الإخوان حزب الو�سط الإ�سالمي عام 2001ثم املنتدى العاملي للو�سطية عام.2004
وت�شكل احلزب من �أع�ضاء خرجوا �أو �أُخرجوا من جماعة الإخوان ا�ضافة الى بع�ض ال�شخ�صيات امل�ستقلة املحرتمة واعترب النموذج الأحدث للأحزاب ال�سيا�سية التي تت�صف باملرونة ال�سيا�سية ومار�س احلزب الإنفتاح وق��دم خطاب ًا معتد ًال ح��داث��ي� ًا وت��وا���ص��ل م��ع النخب ال�سيا�سية وجنح يف تقدمي نف�سه كمكافئ فكري جلماعة الأخوان وحر�صتُ على م�شاركة احلزب يف الإنتخابات النيابية عام 2003و عام 2007الى ان جنحت يف �إي�صال 17نائب ًا من احلزب يف انتخابات عام 2011الى الربملان وتعيني وزير يف حكومة عبد اهلل الن�سور. وعندها ب��د�أ ال�صراع على �إدارة احل��زب لي�س مع اع�ضاء احل��زب وقياداته و�إمن��ا مع منط متخلف من القيادات الأمنية وال�سيا�سية يف حينها التي ُت�صر على ان تدير الأمور يف احلزب (بالرميوت كنرتول) ا�ضافة الى انقالب رئي�س احلكومة �آنذاك على احلزب يف حينها بعد ان كان لنا الف�ضل يف ت�سميته رئي�س ًا للوزارة من خالل كتلة احلزب وحتالفنا مع كتلة وطن يف ذلك احلني. وج��رت معركة خفية عميقة حتالف فيها الأمني وال�سيا�سي لتغيري قيادة احلزب من الداخل مبمار�سة كل �أ�شكال ال�ضغط على الأع�ضاء وعلى القيادة ومت فتح غرفة عمليات ودع��وة �أع�ضاء للتح�ضري لإنقالب على قيادتي للحزب ومت ذلك عام ، 2014اذ تزامن ذلك مع بع�ض املواقف مني ومن ال�شيخ عبد الرحيم العكور وبع�ض الأخوة يف املكتب ال�سيا�سي التي ادانت الإنقالب الع�سكري الدموي يف م�صر ورف�ضنا كدائرة �سيا�سية لذلك وا�صدار عدة بيانات كانت ترف�ض املوافقة على ما توافقت عليه بع�ض الدول العربية من اتهام واعتبار حلركة الأخوان بالإرهاب والت�صريح بقوة يف معار�ضة م�شروع بناء مفاعل نووي يف الأردن �آثرت عندها مغادرة احل��زب حفاظ ًا على م��ا تبقى م��ن ع�لاق��ات �شخ�صية وخمافة �أن تتطور اخلالفات امل�صطنعة ال��ى �أم��ور ال يحمد عقباها فرتكت احلزب وقدمت ا�ستقالتي. وخا�ض احل��زب بعدها الإنتخابات ويف يقيني انه مل ينجح منه ب�إ�سمه اي نائب �أو رئي�س بلدية و�إمنا مت الإعالن عن �أ�شخا�ص جنحوا ب�إ�سمهم او ب�إ�سم ع�شائرهم ومت �ضمهم للحزب مقابل مبالغ مالية مت تقدميها لهم. ان احلديث عن الأحزاب �أ�شبه ما يكون باحلديث عن نباتات الزينة ،فالأحزاب يراد لها �أن تبقى ا�شكا ًال تزين احلكومات وامل�سرية الدميقراطية ومواكب الإ�صالح وال زالت الى اليوم مل حتظ ب�أي اعرتاف حقيقي وحتى قانون الإنتخاب الذي اعطى جما ًال للأحزاب من خالل القوائم الوطنية مت الرجوع عنه. ان قناعتي الرا�سخة �أن العمل احلزبي هو ال�سبيل للنهو�ض باملجتمع الأردين و�أن اتاحة املجال للعمل
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
79
80
و�إطالق احلرية للأحزاب ميكن �أن ي�شكل بوابة لبناء الدولة الأردن��ي��ة احلديثة بعيد ًا عن هيمنة الأم��ن، ذلك �أن الدميقراطية والتعددية والأوراق النقا�شية التي طرحها جاللة امللك عبد اهلل حتمل �صورة الأمل للأردنيني يف بناء ه��ذه ال��دول��ة بعيد ًا عن الو�صاية والرعاية وهيمنة الإقطاع بكافة �صوره و�أ�شكاله. �إن انخراطي يف العمل احلزبي ك��ان مبكر ًا ولكن العمل احلزبي يف بالدنا له �ضريبة عالية الكلفة قد ت�ؤثر على �أ�سرتك وم�ستقبلك العملي ومع ذلك حاولنا �صادقني �أن نعمل من �أج��ل بناء ح��زب و�سطي ي�ؤمن بالتعددية وبالدولة الوطنية واحلريات العامة ولديه م�شروع تنموي نه�ضوي على ال�صعيد الوطني ولكن يبدو ان الطموحات الكبرية دائم ًا تواجه مبع�ضالت �أكرب، فعدم وجود �إرادة �سيا�سية �صادقة للعمل احلزبي وعدم اعتبار احلزبية رافعة للعمل ال�سيا�سي للدولة هو ال�شيء املفقود يف حياتنا ال�سيا�سية واحلزبية ،لهذا ف�إن معظم الأحزاب ذات والء �شخ�صي ولي�س عم ًال جماعي ًا منظم ًا لديه فكرة وتنظيم يعمل من �أجل حتقيقها. لهذا ف ��إن �أردن��ا عم ًال حزبي ًا واقعي ًا علينا �أو ًال تخفيف القب�ضة الأمنية على ن�شاطات الأحزاب ،ثاني ًا �إمي��ان �أ�صحاب ال��ق��رار يف ال��دول��ة �أن احلزبية رافعة �أ�سا�سية للعمل ال�سيا�سي ولي�س عم ًال ثانوي ًا �أو ترف ًا �سيا�سي ًا ،كذلك �إعادة النظر يف مكانة العامل يف املجال ال�سيا�سي واحلزبي وعدم و�ضع املعيقات احلياتية �أمامه و�أمام م�ستقبله الأ�سري والعملي. ال�س�ؤال اخلام�س :هناك مبادرة عربية من �أجل اليمن ،ماهي ،ومادوركم فيها؟ تقت�ضي مهمتنا الدينية وال�سيا�سية والإن�سانية �أن ن�سعى دوم ًا خلدمة �أوطاننا وحتقيق �أمنها وا�ستقرارها ورفاهيتها حتى تكون حالة متقدمة من التنمية والنماء والبناء والعطاء ومل��ا كانت نظرتنا �شمولية وعاملية ان�سجام ًا مع ر�سالتنا الإ�سالمية ال�سمحة ،فقد تنادت جمموعة طيبة من �أ�صحاب الفكر وال���ر�أي وامل�شورة واخل�برة ال�سيا�سية والت�أثري الكبرييف املحيط العربي والإ�سالمي من �أ�صحاب الدولة واملعايل وال�سادة العلماء الذين يحظون ب��الإح�ترام والتقدير حملي ًا وعربي ًا وعاملي ًا تنادوا جميعهم لت�شكيل وفد عربي �إ�سالمي من �أجل حتقيق امل�صاحلة ال�سيا�سية بني جميع الأطراف املتنازعة يف اليمن حقن ًا للدماء الربيئة ورفق ًا بالأطفال والن�ساء وال�شيوخ الذين �أتت احلرب على قوتهم اليومي وعالجهم و�سعادتهم ف�أ�صبحوا بتلك احلروب الطاحنة
موزعني على ال�شتات �أو يف امل�ست�شفيات او يف القبور. ومع كل الإخال�ص يف النوايا لدى الوفد ،والرغبة الأكيدة لذلك يف �إيجاد مظلة �صادقة لي�ست ذات عالقة م�شرتكة مع هذا الطرف دون الآخر� ،إال ان النجاح كان بعيد ًا ب�سبب حالة العناد التي ت�سيطر على امل�شهد العام يف اليمن ،وب�سبب التدخل اخلارجي يف ر�سم ال�سيا�سة العامة واحلالة العامة يف الأو�ضاع كافة يف اليمن كذلك. وكان من �أبرز امل�شرتكني يف هذه املبادرة دولة الدكتور عبد ال�سالم امل��ج��ايل ودول���ة الإم���ام ال�صادق املهدي، رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية و�سماحة ال�سيد عمار احلكيم رئي�س تيار احلكمة الوطني – العراق ،ال�شيخ عبد الفتاح مورو /نائب رئي�س جمل�س النواب التون�سي، ال�سيد عبا�س زكي ع�ضو اللجنة املركزية حلركة فتح / فل�سطني ،عبد احل�سني �شعبان /كاتب ومفكر من العراق، الدكتور عبد اللطيف ع�ضو املجل�س الوطني /فل�سطني، املهند�س �سمري حبا�شنة رئي�س اجلمعية الأردنية للعلوم والثقافة ،وزير الداخلية الأ�سبق /الأردن ،معايل ابو جره ال�سلطاين رئي�س حركة جمتمع ال�سلم �سابق ًا ،وزير �سابق يف اجلزائر ،الدكتور ح�سن نافعه ،كاتب ومفكر . وحقيقة نقول �إن ما يبعث الأ�سى هو �أن ق�ضايا الأمة العربية والإ�سالمية �إمنا هي امتداد لإرادة خارجية وه��ي التي تفر�ض �إرادت��ه��ا يف �صنع الأزم���ات و�إدارت��ه��ا وتف�صيل �أحداثها وخمرجاتها حتى تطمئن ال��دول الراغبة ببيع �سالحها ونهب ثرواتنا وحتطيم قوانا من �أن هذه الأمة بعيد �أملها يف الوحدة والتقدم والنماء وحترير القد�س واملقد�سات ،فهذا �ش�أن ا�سرتاتيجي عاملي كل القوى يف العامل ت�سعى لإبقائه حتت دائرة ال�ضوء الذي يجعلنا نقبل بالذل واحلرمان واجلوع والتقهقر ولو �إلى حني. ال�س�ؤال ال�ساد�س :مار�أيكم مبن يهاجم الإ�سالم وهو من �أبنائه؟ يو�سف قنديل مث ًال: �أقول ب�إخت�صار مل ولن تنتهي احلرب �ضد الإ�سالم فكر ًا وعقيدة ونظام ًا ،لذلك ف ��إن اع��داء ه��ذا الدين يف بحث م�ستمر عن كل �أم��ر قد ي�ضعف تقدمه ونوره املت�صاعد يوم ًا بعد يوم ،واحلمد هلل ف�إن ما يثار حول الإ�سالم اليزيده اال ت�ألق ًا وتنبيه ًا لأبنائه ب�أن العدو يف املر�صاد ،فيزداد الوعي وت�ستمر امل�سرية .
دراسات
الوسطي ُة ّ
أسود ليست ْ َ وأبيض فقط َ
د .أبو جرة سلطاني وزير أسبق -الجزائر
كث ٌري من النا�س يعتقدون �أنهم يفكرون ،واحلقيقة �أنهم يلوكون عادات فكر ّية خال ّية من لوازم التفكري ال�سبع ،وهي :القدرة على التّفكري .تروي�ض العقل على ر ّيا�ضة الت�أ ّمل يف �شيء واحد بطريقة مركّزة. ري فيها .جمع ال�شّ واهد يتم التّفك ُ حتديد ق�ض ّية ّ اخلادمة للمو�ضوع املراد بحثه� .إمهال العقل الوقت الكايف ليتخ ّمر املو�ضوع .تدقيق جوهر الفكرة وحتديد املق�صد منها ،فكرثة التفكري التّجريدي يف �شيء واحد يقتله ،ف�إذا ن�ضجت الفكرة وجب انتقاء الألفاظ امل ِ ُنا�سبة للتعبري عنها .ف�إذا جت ّمعت هذه ال�سبعة اللوازم وجب احلذر من ُمف�سدات التّفكري ّ القاتلة للإبداع ،وهي :التقليد .والغفلة .والعادة. والتع�صب .معاداة التاريخ .والتنكّر والتّبع ّية. ّ للفل�سفة. املقدمة ا�ستدعتها بع�ض التّعاليق التي ه��ذه ّ ال�سابقة، ّ القراء املتابعني للمقاالت ّ �سجلها بع�ض ّ ال�سيما املقال املعنون بـ”�إما �أن ُتغيرّ و�إما �أن تتغيرَّ �أو تواجه قانون اال�ستبدال” ،فقد عاتبني �أحد القراء م�شكورا� ،س ّمى نف�سه “فران�شيز” على � ّأن ّ أحتدث عنها هي و�سط ّية انتقائ ّية! الو�سط ّية التي � ّ املتطرفون الإ�سالميون� ،أكرث من هاج�سها الوحيد ّ التطرف ريا من املتطرفني العلمانيني! رغم � ّأن كث ً ّ ّ تطرف �ن � م ��وده � ووق �ه � ذخ�يرت ي�ستمد �ي � �س�لام الإ�� ّ ّ رحبت العلمانيني .ثم ي�ضيف� :أن مبادرة َ املنتدى ّ بكل �أطياف العلمان ّية ،ولك ّنها رف�ضت بع�ض �أطياف للتطرف يف الإ�سالميني ..ويختم بالقول :ال مكان ّ الو�سط ّية �سواء كان �إ�سالماو ّيا �أو علمان ّيا ،و�إال فهي لي�ست و�سط ّية.
���ش��ك� ً�را ع��ل��ى ر���ص��دك ال� ّ�دق��ي��ق ،ومالحظاتك الق ّيمة .فقد منحتنا فر�صة لتو�ضيح ثالث م�سائل نحر�ص كل احلر�ص على �أن يدركها كل من يريد متحررة من �أن يفهم معنى الو�سط ّية ،من منطلقات ّ �سوالب التفكري :فال يركن �إلى التقليد .وال يقبل �أن يعي�ش يف حالة غفلة عن التح ّوالت املت�سارعة من حوله .وال ي�ست�سلم للعرف والعادة والإلْف الذي احلر .وال يعطّ ل وظيفة العقل الأولى؛ وهي التفكري ّ يتع�صب لر�أيه يكون عبدا لهواه وال لهوى غريه .وال ّ متى ما �أب�صر احلقّ .وال يدير ظهره للتاريخ ،كونه امل��ر�آة التي تقر�أ الأمم على �صفحتها وجه املا�ضي وت�ست�شرف يف �آفاقها �صورة امل�ستقبل .ف�أ ّمة بال ما�ض ال حا�ضر لها� ،أما م�ستقبلها فبيد من ي�صنعون ٍ املنت�صرين ويد ّر�سه لها تاريخها ويكتبونه ب�أقالم ِّ املنهزمون للأجيال بلغة امل�ستع ِمر .وال يعادي الفكر التحرر من الفل�سفي الذي ـ �شئنا �أم �أب ْيناـ هو بوابة ّ العادة الفكر ّية �إلى التفكري املبدع. بطرح هذه العوامل املُح ِبطة جانبا ،ميكن �أن نفهم تطرف بع�ض غالة الإ�سالميني ،يف مقابل الفرق بني ّ ْ ٌ مرفو�ض تطرف بع�ض غالة العلمانيني .وكالهما ّ التطرف وق� ٌ �وف على حافّة الفكر، أن � منطلق من ّ ّ وعلى طرف املجتمع ،وعلى هام�ش احل�ضارة ..وال املتطرف �أخ�ض َر �أو �أحم َر �أو برتقال ّيا. يهم �أن يكون ّ ّ املتطرفني با�سم ى م ف�س معا، ق الفري اهلل م ذ فقد ينْ ّ ّ ّ الدين حرف (� ْأي على حافّة ّ الإ�سالم عابدين على ْ و�أط��راف��ه ال� ّ�رخ��وة) .احل��ج .11 :و�س ّمى املارقني عنه ناك�صني على �أعقابهم كبرْ ً ا بال ّنف�س وهجرانًا للحقّ .امل�ؤمنون .67/66 :ودعا اجلميع ـ مبن فيهم
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
81
82
تطرفت ترك الغل ّو يف ّ الدين ،فقد ّ �أهل الكتاب ـ �إلى ْ التطرف َ بع�ض فرقهم �إلى ال ّن�صارى يف دينها ف�أ ْو�صل ّ ت�أليه عي�سى (ع) ،وهو الذي قال لهم� :أنا عبد اهلل ور�سوله .الن�ساء.172/171 : هذا عن بديهيات منهج التّفكري الو�سطي� .أما مالحظاتنا ع ّما ي��راه البع�ض حتامال على جهة للدين وت ْي�سريا حل�ساب �أخرى ،ويراه �آخرون متيي ًعا ّ �ضدهم ،وي��راه فريقٌ ثالث على من يجب الت�شدد ّ ّ تز ّلفًا للعلمانيني ال جدوى من ورائه ،وفريقٌ رابع ي��راه مداهنة نهى ال�شّ رع عنها ،ومهادنة لي�ست املقررة يف فقهنا املعت َمد.. من�ضبطة ب�شروط الهدنة ّ وكل هذه الآراء نحرتمها ،من حيث املبد�أ ،من منطلق بالر�أي الآخر ،حتّى يخ�ضع للحوار الذي التّ�سليم ّ ال�صواب ون ْبذ اخلط�أ ،مهما هو الباب الأو�سع لإدراك ّ كانت اجلهة التي تر ّوج له ،فاحلقّ �أحقّ �أن ُيتّبع، الدليل على �صحته و�سداده. متى ما قام ّ �أوال��� ،ش��ه��ادة ل��ل � ّت��اري��خ� ،أق����ول � ّإن ا�ستجابة بع�ض الي�سار ّيني لنداء الو�سط ّية ك��ان �أ�سرع من جتاوب بع�ض اليمين ّيني له ،من منطلق � ّأن م�صطلح م�صطلح “الو�سط ّية” يف ذه��ن كثري من املتابعني ٌ �إ�سالمي .وهذا خط�أ يف الفهم ،و�ضيق يف الت�ص ّور، و�أنان ّية يف احتكار امل�صطلحات ..فما نحن ب�صدده دعوة عامة �إلى و�سط ّية اجتماع ّية تتيح للجميع جديدا ريا ً التعاي�ش معا يف �سالم .ولي�ست � ً أبدا تنظ ً للعقيدة وال لل�شّ ريعة ،وال حتّى مالم�سة للفقه الدولة يف مفهوم احلكم مبا الد�ستوري ،وطبيعة ّ ّ �أنزل اهلل .فذلك جمال �أو�سع من �إمكانيات �أفراد، و�أدقّ م��ن �أن تنه�ض ب��ه ال��ع��ا ّم��ة ،و�أ���ش��رف م��ن �أن تتداوله الغوغاء يف الف�ضاء الأزرق. احلكم على فكرة ثان ّيا ،لي�س من احلكمة يف �شيء ُ كبرية من خالل مقال واحد� ،أو جمموعة مقاالت، مازالت ت�ضع الأ�س�س العا ّمة كمدخل لفهم كثري من الأ�شياء التي توارثناها من عادات فكر ّية نلوكها وال نعرف معناها على وج��ه ال� ّ كالدعوة، �دق��ةّ : ���ر�أي ،وال��ع��د ّو، واخلُ � ْل��ط��ة ،واحل���وار ،واحل��ك��م ،وال� ّ وال�صديق ،و”نحن والآخر ..ولعلّ مر ّد ذلك �إلى � ّأن ّ املتطرف ال يب�صر عادة �إ ّال لونينْ � :أ�سود و�أبي�ض. ّ وه��و ن��و ٌع من الإ�صابة بعمى الأل���وان .فال يب�صر امل�صاب �إ ّال بيا�ضه مقابل �سواد كل العامل :هذا حالل وهذا حرام .هذا �صديق وهذا عد ّو .هذه دار حرب وهذه دار �سالم ..والو�سط ّية لي�ست ف ْي�صلة يف الثّوابت واملبادئ والعقائد والتكاليف ال�شّ رع ّية.. نتقدم عنها �أو فتلك مق َّررات ثابتة لي�س لنا �أن ّ نت�أخّ ر� .إمن��ا الو�سط ّية تدب ٌري م�شرتك يف منطقة
بن�ص ،ولي�س خافي ًا الع ْفو التي مل يقطع فيها الوحي ّ عن �أبناء الإ�سالم � ّأن دينهم مو�صوف بالر ّبان ّية واملرونة وال�شّ مول والواقع ّية ..و� ّأن من واقعيته قدرته الفائقة على اال�ستيعاب. يظن كل واقف على �شاطئه الإ�سالم كالبحرّ : �أن��ه يناجيه ،وه��و يناجي اجلميع ،ويحمل على �صفحته الأثقال كلها ،وينظّ ف نف�سه من ال�سراخ�س والأ���ش��ن � ّي��ات .وال يعب�أ مب��ن يرميه بحجر كلما ا�ستفزّ ه هدو�ؤُه .ويلفظ الأج�سام املتعفّنة بعد �أن تفقد حيويتها وحياتها .وتطفو الأوزان اخلفيفة على �صفحته� ،إذا فقدت وزنها .وينفي خب َثه بق ّوة ظن �أنه بلغ قاعه �أمواجه ،ومن عانده �أ ّدبه .ومن ّ هلك بغروره .ومهما قيل فيه يكفيه �شرفا �أن ا�سمه البحر .فهل من اغرتف منه غرفة يقول :هذا هو البحر!؟ وثالثا و�أخريا ،واقعنا اليوم يدعونا �إلى تو�سيع الدولة ،ومن اجلماعة �إلى مظلّتنا من الأ�سرة �إلى ّ املجتمع ،وم��ن اخل��ط��اب الإ���س�لام��ي �إل���ى اخلطاب الإن�����س��اين ،وال��ب��داي��ة ب��ال��ت��د ّرب على فقه احل��وار وح�سن اال�ستماع للمخا ِلف ،والبحث عن نقاط ت�شدنا االلتقاء ..دون االبتعاد عن الآخ ّية التي ّ �إلى ثوابتنا وهويتنا و�أ�صالتنا .وال يكون ذلك �إ ّال بتحويل م�سائل اختالف الت�ضا ّد والتّ�صادم �إلى اختالف تن ّوع وتكامل ،يرثي احلياة االجتماع ّية للمجتمع الإن�ساين كله ،ويبتعد ـ قدر امل�ستطاع ـ عن ال�صدامي الذي ي�شلّ حركة احلياة ويتيح الفكر ّ الفر�صة لأ�صحاب املخالب والأظ��اف��ر والأن��ي��اب وامليا�سم ..لي�صفّوا ح�سابات قدمية بطرق غري الئقة. ودعه ي�صرخ �إذا هاجمك متطرف فال تر ّد عليهْ ، ّ وحجته �ضعيفة حتّى تتقطّ ع � ُ أوداجه .ف َنف َُ�سه ق�صري ّ ال�صراخ، و�أن�صارة قلّة ..لذلك يداري �ضعفه بكرثة ّ ال�صوت الأعلى يكتم احلقيقة ،وتطاوله ظ ّنا � ّأن ّ عليك �سريهب االعتدال فيك ..دعه ي�صرخ حتّى تتقطّ ع �أوداج���ه ،ف�إنه �إذا ط��ال �صراخه اكت�شف الدنيا �أجمل النا�س حقيقته ،فحا�صروه وعلموا � ّأن ّ من �أن تُرتك مل�صاب بعمى الألوان ي�صبغها بالأ�سود والأبي�ض. �شهادة للتّاريخ� ،أقول � ّإن ا�ستجابة بع�ض الي�سار ّيني ل��ن��داء الو�سط ّية ك��ان �أ���س��رع م��ن جت���اوب بع�ض اليمين ّيني له ،من منطلق � ّأن م�صطلح “الو�سط ّية” م�صطلح �إ�سالمي .وهذا يف ذهن كثري من املتابعني ٌ خط�أ يف الفهم ،و�ضيق يف الت�ص ّور ،و�أنان ّية يف احتكار امل�صطلحات..
دراسات
دور َ األئمة في المجتمع المعاصر
أ .جمال السفرتي األردن
ب�سم اهلل الرحمن الرحيم احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على �سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني.. ً ً ً ومكانة عظيمة منزلة � ّإن للإمام والداعية ً ً جليلة يف رفع �ش�أنِ الأمة ون�شر اخلري عالية ومه َّم ًة ِ والرحمة بني النا�س ً كافة. واملعروف الناجح والداعيةُ املوفقُ هو الذي ا َّتخذَ والإما ُم ُ يجب نب َّي ُه حممد ًا ﷺ �إمام ًا وق��دوةً ..وه��ذا ما ُ خمل�ص و�صادقٍ يف حمل الر�سالة ،لأنه على كل ٍ ﷺ هو الإم���ا ُم الأول والداعيةُ الأ���ش��رف الذي الر�سالة و�أدى ال َ َ َح َملَ ون�شر �أن��وا َر الدعو ِة أمانة َ واخلري واملحبة حتت راية } َو َما �أَ ْر َ�س ْلن َ َاك �إ اَِّل َر ْح َم ًة ني{. ِل ْل َعالمَ ِ َ ف ��إذا انطلقَ الإم���ا ُم والداعية من خ�لال هذا املنهج النبوي العظيم ،وحتت ظالل هذه الراية و�ستُفت َُح له ال�شريفة، ُ ف�سينجح ب�إذن اهلل تعالى ُ القلوب والعقول والبيوت وال�شوارع وكل الأماكن، ُ لأن��ه داع��ي��ةُ رحمة وخ�ير جعلَ ُق��دوت� ُ�ه و�إمامه الإما َم الأول والداعية الأعظم �سيدنا حممد ﷺ. الإمام النبي القدوة هو الذي حملَ على كاهله
َه� َّ�م الدعوة وانطلق مع �أ�صحابه الكرام يبلغون ر�سالة اخلري واملحبة على طريقٍ من الهدى والنور والرحمة ،وهذا النبي الكرمي انطلقَ يف دعوته معتمد ًا على ركيزتني ا�سا�سيتني: َمد عليها يف التعامل مع القوم • ركيزةٌ يعت ُ الذين َ�س ِع ُدوا ب�إتّباعه والإمي��ان بر�سالته .وهي ُون �إ ِْخ َوةٌ { قائمة على قوله تعالى�} :إِنمَّ َا المْ ُ�ؤْ ِمن َ و } َو َل � ْو كُ نْتَ فَظًّ ا غَ ِل َ يظ ا ْل َقل ِْب اَل ْنف َُّ�ضوا ِم ْن َح ْو ِل َك{. ً يعتمد ثانية له • وجعل النبي ﷺ ركيز ًة ُ عليها يف التعامل مع الذين ت�أخروا يف �إ�سالمهم �أو �أنهم مل ي�سلموا �أبد ًا وبقوا على دينهم حيث �أرادوا واختاروا ،فكانت تلك الركيزة هيَ } :و َما �أَ ْر َ�س ْلن َ َاك ني) و اَ الدينِ {. �إ اَِّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ (ل �إِك َْرا َه فيِ ِّ وبهاتني الركيزتني العظيمتني فتح اهلل على يديه قلوب اخللق وعقولهم. وف��ت��ح ك��ذل��ك ب�ين �أي����دي الأئ���م���ة وال��دع��اة ��ب عليهم ال��دخ��ول منها يف اب��واب � ًا ُم�شَّ َّرعة َوج� َ �سبيلهم خلدمة الب�شرية ون�شر الرحمة واملحبة
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
83
84
انتماءهم الإن�سانية ..ف ��إن فعلوا ذل��ك �أثبتوا َ ملدر�سة نبيهم و�إمامهم ومنهجه. ٍ داعية ومن هنا نرى �أنه ال ينبغي �أبد ًا لإمام �أو �أو عامل �أو مفكر �أو باحث �أو حاكم �أو حمكوم ان يجتهد على اجتهاد الإمام الأول ﷺ و ُيف�سر �سنته القائمة على �أ�سا�س العدل والرحمة واملحبة بني النا�س كما يحلو له وكما هو يعتقد �أنه ال�صواب. وا�ضح و�ضعه النبي ﷺ بني جلي ٌ منهاج دعوي ٌّ �أيدينا م�ستند ًا على هاتني الركيزتني الكرميتني.. ف��وج��ب علينا م��ن خاللها �أن ننطلق ونتحرك ون��راع��ي ال��ظ��روف املختلفة ل�ل�أح��وال والأم��اك��ن والأزم���ان والبلدان ب�شرط ان ال نبدل الرحمة ق�سوة والأخوة عداوة. لذلك يا �أئمة امل�ساجد ..يا �أيها الدعاة ،يا يبد ُد ظلمة �أيها القناديل يف دجى الأيام ..يا نور ًا ّ القلوب والأرواح ،تذكروا دائم ًا نبيكم و�إمامكم الأول �سيدنا حممد ﷺ. تذكروا ركيزته الأول��ى يف التعامل مع امل�سلم ُون �إ ِْخ�� َوةٌ ) ولهذه الآي��ة كما تعلمون (�إِنمَّ َ ��ا المْ ُ�ؤْ ِمن َ ��ف عندها َم��ن َ�س َبقنا ومن �ام و�أح��ك��امَ ،و َق� َ �أح��ك� ٌ وح ْ�صرِ ها. عا�ص َرنا وي�ضيق الزمان على َع ِّدها َ َ وتذكروا قوله تعالى } َو َل � ْو كُ نْتَ فَظًّ ا غَ ِل َ يظ ا ْل َقل ِْب اَل ْنف َُّ�ضوا ِم ْن َح ْو ِل َك{ تذكروا هذا اخلطاب ٍ غاية ُعظمى من خطاب على العظيم اجلليل ،وهو ٌ الد ِ خطاب ملن؟؟ للنبي؟؟ نعم قة واحل�سا�سية.. ِّ ٌ للنبي ﷺ ويوجه له �سبحانه هذا اخلطاب ليتعلَّم ٌ َ �صعبة وخطرية:.. النتيجة كل �إمام او داعية لأن اَ (ل ْنف َُّ�ضوا ِم ْن َح ْو ِل َك) من ه�ؤالء؟؟ �إنهم �أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وال�صحابة. ٌ ر�سالة من احلكيم الوهاب �إلى كل الدعاة وك�أنها والأئ��م��ة يف كل زم��ان ومكان� ،إذا ك��ان ال�صحابةُ أ�صحاب ع�صر ال�سعادة قد ت َْ�ضيقُ �صدورهم من � َ حت ّمل فظاظة القول وغلظة الأ���س��ل��وب ،فكيف احلال بكم..؟ ف�أنت �أيها الإم��ام ل�ست نبياً ،وذلك املُبلَّغُ لي�س امل�سلم �أخو امل�سلم، �صحابياً ،وتذكروا قوله ﷺ " ُ ال يظلمه وال يخذله وال يحقره" وقوله " كلُّ ر�ضه ومال ُُه ود ُمه" امل�سلم على امل�سلم حرام ِع ُ ِ ِ
أ�سامة بنِ ِ وحديث � َ زيد -ر�ضي اهلل عنه -الذي أنا�س تَعلمونه جميعاًَ " :ب َعثَنا ر�سولُ اهلل ﷺ �إلى � ٍ فذهبت �أط ُعمه أتيت الى رجلٍ منهم ُ من جهينة ،ف� ُ فقال :ال اله اال اهلل ،فطعنته فقتلته ،فجئت الى النبي ﷺ ف�أخربته ،فقالَ � :أق َت ْلت َُه وقد �شهد �أن ال �إله �إال اهلل؟ قلت :يا ر�سول اهلل �إمنا فعل ذلك تعوذاً ،فقال " فهال �شققت عن قلبه؟" ويف رواية �أنه قال" :اقتلته بعد ما قال :ال �إله �إال اهلل ؟ " أ�سلم ُت فما زال يكررها حتى متنيت �أين مل �أكن � ْ قبل ذلك اليوم .ويف رواية "فكيف ت�صنع بال �إله �إال اهلل �إذا جاءت يوم القيامه". من هنا �إخوتي و�أحبتي الدعاة ال��ك��رام ..ال خفي يف قلوبهم وال يعلمه حتا�سبوا النا�س على ما َ ِ ِ كلمة االميان هيبة اال اهلل ،عاملوهم باحرتا ِم ِّموهم، التي ُت ْنطَ قُ على �أل�سنتهمِّ .. وهمَ ،عل ْ وج ُه ْ ان�صحوهم ..وال حتا�سبوهم ،ا���ص�بروا عليهم، وابت�سموا لهم ،وثابروا على الن�صح والإر�شاد وال تقنطوا من ذلك. و�ض ِ عف وال تي�أ�سوا م��ن ب��طء ا�ستجابتهمَ ، امتثالهم ،فاهلل -عز وجل -خاطب نبيه الكرمي ﷺ وخاطبنا جميعاً} :فَذَ ك ِّْر �إِنمَّ َا �أَنْتَ ُمذَ ك ٌِّر ل َْ�ستَ َع َل ْيه ِْم بمِ ُ َ�س ْي ِطرٍ {. ف�أَ ْج ُر الدعوة والتبليغ لن يفوتك -ب�إذن اهلل ي�ستجب. �واء ا�ستجاب امل��دع� ّو �أم مل تعالى��� -س� ً ْ فالواجب عليك التذكري والتبليغ بالن�صيحة واملوعظة احل�سنه والهداية على اهلل. �أيها الدعاة.. ري من امل�س�ؤولية يتحمله من يقوم هناك قد ٌر كب ٌ بالإمامة واخلطابة والوعظ والدعوة ،وهناك ما هو واجب عليكم ولي�س واجبا على غريكم من عامة النا�س ،فالواجب عليكم �أن تن�شروا يف جمتمعاتكم وح ْ�س ُن مبادئَ العز ِة وال�شهامة والرحمة النبوية ُ �سواء كانوا م�سلمني �أو غري التعامل مع النا�س، ً م�سلمني وفق املبد�أ القر�آين واملنهج النبوي. علينا جميع ًا �أن جندد العهد مع مرتكزات النبوة نحيد عن طريق �سلكه يف طريق الدعوة ،و�أن ال َ وع َّب َد ُه بني �أيدينا ،ثم عمد ﷺ �إلى النبي ﷺَ ، ُّ امتثال �أمرين عظيمني وعا َّمني من خالقه ومواله �سبحانه وتعالى ،وعلينا �أن نتمثل هذين الأمرين
ا�ستجابة و�سلوك ًا والتزاماً: ا�س ُح ْ�سنًا{ وهنا قال (للنا�س) َ } .1و ُقولُوا ِلل َّن ِ ومل يقل للم�سلمني. َ } .2و َجا ِد ْل ُه ْم ِبا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�سنُ { وهنا اذا كان املق�صود غري امل�سلمني فكيف �سيكون احلال مع امل�سلمني؟! لذلك �أيها ال�ساده: �إن الأمانة التي حملها الإمام والداعية تحُ َ ت ُِّم عليه ان يكون مب�شر ًا ال منفراً ،محُ ِ َّب ًا ال مبغ�ضاً، �سمح ًا ال غليظاً ،لين ًا ال قا�سياً ،لطيف ًا ال فظاً، ً داعية ال قا�ضياً ،امام ًا ال حاكماً. �أيها الأئمة والدعاة والوعاظ واخلطباء الكرام.. �ص و� ِ��س�َيورَ ٌ و�أح��وال يف تاريخكم امل�شرف َق َ�ص ٌ وحكايات ِ بر م�ضيئة مفيدة مل�ؤها احلكمة وع� ٌ وال�سماحة وال��ع��زة وال��رح��م��ة ،انقلوها للنا�س وعلموها للخلق ..وتخلقوا بها. �أيها الإخوة.. الإمام معلم وواعظ وم�صلح يربى عقو ًال ،ويبني نفو�سا ً ،ويغر�س قيم ًا و�أخالق ًا حميدة ،ولذا ف�إن عمله لي�س حم�صور ًا ب�إمامة النا�س يف ال�صالة فقط� ..إمنا هو عاملُ َوحد ِة وتوفيق بني امل�سلمني، وال ي�سمح للإمام املن�صف املخل�ص التقي النقي �أبد ًا �أب��د ًا �أن يقف �أم��ام النا�س ُيكف ُِّر اجلهة الفُالنية م��ن امل�سلمني و ُي� َف��� ِّ��س��قُ و ُي � ّب��د ُع الأخ���رى و ُي��خَ � ِّو ُن غريها وك�أنه هو �أحد ال�صحابة الكرام وغريه من املرتدين ..ال ُي�سمح للإمام يف م�سجده ،وللواعظ يف موعظته ،وللمفتي يف وظيفته �أن يكون جلماعته على ح�ساب حتطيم الآخرين وتدمريهم ،ف�إالمام هو ممثل النبي ﷺ ،فلو كان النبي ﷺ موجود ًا ملا جتر�أ �أح� ٌ�د �أن يقف على هذا املنرب �أو يف ذلك يحت�ضن املحراب �أب��داً ..لذلك فالإمام للجميع، ُ اجلميع بقلبه ويوجه الن�صيحة بحكمة وهدوء دون �إ�ساءة �أو جتريح. �أيها الأئمة�..أيها الدعاة: النبي ﷺ يقول�" :أمتي هذه � ٌ أمة مرحومة"، نحن �أم��ة التب�شري والأم���ل ول�سنا �أم��ة التقنيط والي�أ�س.. َ َ حملة حملة راية الدعوة ..يا يا �أحبتي ..يا النور وال�ضياء ..يا �أئمة امل�ساجد..يا وعاظ الأمة
ودعاتها ..النا�س يف �أعناقكم �أمانة ب�شروا وال تنفروا� ..أقبلوا على النا�س وال تُدبروا� ..أفتحوا لهم قلوبكم و�صدوركم ..كونوا يف مو�ضع عباد اهلل تخ�ضع قلوبكم هلل الواحد الأحد ،وترجون منه الف�ضل والرحمة ..وال ت�ضعوا �أنف�سكم -من حيث ال ت�شعرون -يف منزلة الإل��ه حتكمون على النا�س بالردة والكفر والف�سق واخليانة ،وتذكروا وال تن�سوا ه��ذا احل��دي��ث ..احفظوه واكتبوه يف دفاتركم وعلى جدارن بيوتكم وم�ساجدكم.. �أذكروا حديث البطاقة وهو حديث �صحيح من حديث عبداهلل بن عمرو –ر�ضي اهلل عنهما� -أن النبي ﷺ ق��ال�" :إن اهلل تعالى �سيخل�ص رج ًال فين�شر من �أمتي يوم القيامة على ر�ؤو�س اخلالئق، ُ عليه ت�سعة وت�سعني �سج ًال ،كل �سجل مد الب�صر، أتنكر من هذا فيقول اهلل -ج��ل وع�لا -للعبدُ � : العبد :ال �شيئاً؟ �أظلمك كتبتي احلافظون؟ فيقول ُ يارب! فيقول� :أفَلك عذ ٌر؟ فيقول العبد :ال يارب، فيقول اهلل -جل وعال :-بلى� ،إن لك عندنا ح�سنة، ٌ مكتوب فيها� :أ�شهد �أن ال �إله �إال بطاقة فتُخرج ٌ اهلل ،و�أ�شهد �أن حممد ًا عبده ور�سوله ،فيقول العبد :يارب ما هذه البطاقة �إلى جوار ال�سجالت؟! فيقول اهلل -جل وعال :-اح�ضر وزنك ،ف�إنه ال ظلم عليك اليوم ،فتو�ضع ال�سجالت –�أي :ال�صحف -يف كفة ،وتو�ضع البطاقة يف كفة ،فطا�شت ال�سجالت، وثقلت البطاقة ،ف�إنه ال يثقل مع ا�سم اهلل �شيء". ه��ي بطاقة �صغرية لي�س فيها كثري عمل من �صيام و�صالة وزكاة وحج وجهاد .فيها :ال �إله �إال اهلل �أنقذته من لظى جهنم ولهيبها� ..إنها بطاقة الإميان والتوحيد والإنتماء لهذا اخلالق العظيم. بطاقة (ال �إل��ه �إال اهلل) تنقذ عبد ًا �ضاقت �سجالته بالآثام والتق�صري ،بطاقة (ال �إل��ه �إال �صم د ُمه ومالُه وعر�ضه.. اهلل) من قالها يف الدنيا ُع َ وال ن َْ�س�أَلُ كيف قالها ،ومل قالها ،ومتى قالها؟ و�إمنا نتذكر معلمنا و�إمامنا ﷺ" :هال �شققت عن قلبه"، بطاقة (ال �إل��ه �إال اهلل) تُنقذُ ع��ب��د ًا م��ن لظى النريان. فارحموا النا�س جميعاً ،وعاملوهم باحل�سنى ني) من مبد�أ قر�آنكم و�سرية نبيكم ( َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ و�أحبوا واخ�ضعوا وتوا�ضعوا ملن قال( :ال �إله �إال اهلل) وارحموهم واكرموهم.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
85
دراسات مقاالت
الحرية في االسالم أ .محمد العضايلة األردن
86
قال اخلليفة الرا�شدي عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه “متى ا�ستعبدمت النا�س وق��د ولدتهم امهاتهم احرارا “ فاحلرية حق لالن�سان ولي�ست منحة من احد ,حيث ي�سعى االن�سان للحرية وي�ضحي من اجلها ولكنه يواجه ال�سا�سة وقدرتهم على التالعب بعواطف النا�س و�سلبهم حرياتهم ,ولكنها يف اال�سالم لي�ست �شعارا بل اح�سا�سا ينبع من داخل الفرد حتى وان كان �سجني اال�ضطهاد والتعذيب ف�تراه ي�سخر من جالديه ،وه��ذه �سرية االنبياء والر�سل وامل�ؤمنني على اختالف ازمانهم واماكنهم فهذا ب�لال بن رب��اح ر�ضي اهلل عنه ي�صمد امام ال��ت��ع��ذي��ب وي��ق��ول يف وج���ه ج�لادي��ه اح���د اح��د ي����ه����ز ب����ه����ا ارك�����������ان ال����ظ����ل����م م������ن ام����ث����ال ام������ي������ة ب�������ن خ�����ل�����ف واب�����������ي ج�����ه�����ل ... كما النن�سى يا�سر وزوجته �سمية حيث كانا مثالني وا�ضحني واول �شهيدين يف اال�سالم � ..شهيدين للحرية و املبد�آ واملعتقد “ قل لن ي�صيبنا اال ما كتب اهلل لنا وعلى اهلل فليتوكل امل�ؤمنون “ . ل��ق��د ار���س��ى منهج ال���ق���ر�آن ال��ك��رمي اال���س��ا���س
امل��ت�ين للن�شء اجل��دي��د وللمجتمع بكل اب��ع��اده وم�ضامينه وفق تعاليمه الربانية ,فبد�آ باالن�سان من داخله ،فحرره من العبودية وال��ذل وحرره م��ن احل��ر���ص ع��ل��ى احل��ي��اة واخل����وف م��ن امل��وت “اينما تكونوا يدرككم املوت ولو كنتم يف بروج م�شيدة “ . ح�����رر اال�����س��ل�ام االن�������س���ان م����ن امل����ذل����ة يف ط��ل��ب ال������رزق وال����ق����وت لآن ���س��ع��ة ال������رزق او ���ض��ي��ق��ه ف��م��رده��ا ال���ى اهلل ���س��ب��ح��ان��ه وت��ع��ال��ى "اهلل يب�سط الرزق ملن ي�شاء من عباده ويقدره له" كما فتح له باب الهجرة حفاظا على نف�سه ودينه ومعتقده ،وما الهجرة النبوية اال منوذجا يحتذى يف احلياة ,كما حرره من النفاق والتملق لالخرين بهدف احلفاظ على كرامة االن�سان ومنزلة كل فرد فيهم }وان مي�س�سك اهلل ب�ضر فال كا�شف له اال هو ،وان مي�س�سك بخري فهو على كل �شئ قدير{ ولي�س معنى ذلك اال�ست�سالم واالنقياد بل اليقني ب�أن ما يالقيه االن�سان يف هذه احلياة هو مقدر له وعليه الوقوف والن�ضال بوجه كل الظاملني حتى يتحقق العدل وتعود احلرية للنا�س .
ا���س��ت��ط��اع اال����س�ل�ام ان ي��ح��رر االن�����س��ان من االو���ض��اع االجتماعية الفا�سدة ودع���اه للنظر وال��ت��آم��ل والتجديد والبحث ع��ن املفيد للفرد ول��ل��ن��ا���س وع���اب عليه التقليد ،لأن عليهم ان مييزوا بني احل��ق والباطل وب�ين اخل�ير وال�شر، فاحلياة الت�ستقيم على ح��ال ,كما دع��اه للزهد فيها ،زه��د ال��ق��ادري��ن ال ال��ع��اج��زي��ن ،ف ��آب��اح له اال�ستمتاع باحلياة الدنيا بدون تفريط بل بتوازن “وما �أوتيتم من �شئ فمتاع احلياة الدنيا وزينتها وما عند اهلل خري وابقى افال تعقلون “ ودعاه لتحرير النف�س م��ن ال�شهوات واطماعها اعمل لدنياك ك�أنك تعي�ش ابدا واعمل لآخرتك ك�أنك متوت غدا . وانطالقا من هذه املبادئ وغريها فقد فر�ض اال�سالم ال�صالة على امل�سلم تدريبا وتطويعا له على اخل�شوع والتوا�ضع ،كما فر�ض الزكاة عليه ليحرره من عبودية املادة وطغيان املال على النف�س “قد افلح من زكاها وقد خاب من د�ساها” وفر�ض ال�صوم ليك�سر �شهوة الطعام واجل�سد . بنى اال�سالم االن�سان من الداخل قبل الظاهر فاحلرية يف اال�سالم فتحت الطريق امام االن�سان لي�شدو باحلياة وي��ك��ون كرميا يف خلقه ونف�سه فلم يعد ا�سريا لأي �شئ بل حرا طليقا يختار ما
يريد ،فاالميان احلقيقي ا�سا�سه االقتناع العقلي "الاكراه يف الدين قد تبني الر�شد من الغي " كما رافقت حرية الدين واملعتقد حرية العلم وانواع املعارف لأن اال�سالم هو دين احلرية واحلق والعدل وال�سالم . ان احلرية قيمة مطلقة ولي�س من حق احد ان مينع االخرين من التعبري عن نف�سه بكل ابعادها فاحلرية هبة اهلل لعباده واالن�سان احلر اقدر على العطاء واالب���داع ولهذا فاحلرية مقد�سة وتعلو ف��وق كل القيم ف��اذا فقدت احلرية تكون احلياة غري مكتملة ويحل مكانها العبودية وحينها تف�سد املنظومة االخ�لاق��ي��ة وينت�شر الف�ساد االخ�لاق��ي واللغوي الن العبودية اذا �سيطرت ت�صبح اللغة و�سيلة للنفاق ،والتعرب عن احلقيقة وينت�شر الف�ساد بكل ا�شكاله وم�سمياته ،فيفقد املجتمع املبادرات اخلالقة ،كما ت�ؤدي العبودية الى ن�شوء التنظيمات ال�سرية وي�صعد االره��اب وي�سود اال�ستبداد ،وتنت�شر الطائفية البغي�ضة وينق�سم املجتمع ال��ى فئات وطوائف وجتمعات مغلقة تدمر نف�سها وال��دول��ة التي تن�ش�أ فيها, �أم��ا املجتمعات الآم��ن��ة فهي التي نظمت نف�سها وكانت احلرية مدخلها للحياة وللعطاء واالبداع والتميز.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
87
دراسات مقاالت
خواطر إدارية وتربوية
تأمالت تربوية في أ .د .داود عبدالملك الحدابي
سورة الضحى
اليمن
88
ت�شد ال�سورة االنتباه �إلى �آيات وظواهر كونية مرتبطة باحلياة مبا�شرة وت�ؤثر على ا�ستقرار و�سعادة الإن�سان .ف�إ�شراقة ال�ضحى و�سكون الليل �آيتان عظيمتان ينبغي �أن يلفت الطلبة �إليهما منذ نعومة �أظفارهم؛ ملعرفة خملوقات اهلل امل�سخرة لإ�سعاد وراح��ة الإن�سان .يوجد %٢٥من ْالآي��ات يف القر�آن تقري ًبا ترتبط ب�آيات طبيعية وكونية؛ لربط الفرد بخالقه وتعظيمه له .ومن �أعظم الآيات النهار والليل ،الثنائية البديعة التي �أق�سم اهلل بهما؛ ملا لهما من �ش�أن عظيم يف حياة النا�س. ف�ألفاظهما ت�شع باحلركة وال�سكون؛ لتعك�س طبيعة احلياة و�أنهما نعمة ال تقدر بثمن وال ي�ستطيع الإن�سان �أن ي�شكر اهلل عليهما. والأك�ث�ر �أهمية ه��و ذل��ك ال��رب��ط املحكم بني املخلوق واخلالق ،فلفت �أنظار الب�شر �إلى الظواهر الكونية وعالقتها باحلياة مرتبطة بطبيعة ال��ع�لاق��ة ب�ين اخل��ال��ق وامل��خ��ل��وق .تلك العالقة القائمة على التوا�صل امل�ستمر واملحبة من اهلل لعباده امل�ؤمنني } َما َو َّد َع َك َر ُّب َك َو َما َقلَى{ ،فاهلل مع عبده مادام العبد معه .واهلل لن يرتك عبده وهو بدا. قريب منه ولن يقليه �أَ ً وبعد �شرح طبيعة تلك العالقة الودية بني اخلالق واملخلوق ي�أتي الت�أكيد لأه��م مبد�أ بعد الإمي���ان وتلك العالقة وه��ي ال�صلة ب�ين حياة الإن�سان يف الدنيا والآخ��رة .فتعلق الفرد باهلل
والآخ��رة يجعله متطلع ًا �إلى امل�ستقبل وحري�ص ًا على الأجر يف الآخرة �أكرث من �أجر الدنيا بالرغم من عدم ن�سيانه ملتطلبات احلياة و�إعمارها ،ولكن مع تلك ال�صلة التي ال تنقطع والتعلق ال��ذي ال ينتهي. تلك اخل�يري��ة ل�ل�أُ ْخ��رى �أك�ث�ر م��ن الدنيا هي املبد�أ الذي ينبغي تعزيزه لدى الطلبة .ف�أنظمتنا يرا على وظيفة العلوم التعليمية الت��رك��ز ك��ث� ً الطبيعية وم�آالتها يف تعزيز التعلق باهلل وتقدير نعمه املرتبطة بحياة النا�س .كما �أن �أنظمتنا التعليمية التعزز تلك املعية والتعلق باهلل ومبا عنده يف الآخرة� .إن الفرد يف حاجة م�ستمرة �إلى و�سعيدا مبحبته والقرب منه �أن يكون متعلقًا باهلل ً } َما َو َّد َع َك َر ُّب َك َو َما َقلَى{. �إن ال��ف��رد يف ح��اج��ة �إل���ى �سلم لأول��وي��ات��ه الُو َل��ى{ ،كما �أن ال�سورة } َول َْ�ْل� ِآخ� َ�ر ُة خَ يرْ ٌ لَك ِم ْن ْ أ ت�ؤكد لي�س فقط احلا�ضر يف عالقة الفرد باهلل بل امل�ستقبل يف تلك العالقة ،امل�ستقبل اململوء بالإيجابية واحلب والتفا�ؤل .فعطاء اهلل لعبده ال حدود له ،وربه املعتني برتبيته م�ستمر ما كان ح ًيا وبعد مماته حتى تكون النهاية هي الر�ضا الكامل عن عطاء اهلل } َول ََ�س ْو َف ُي ْع ِط ْي َك َر ُّب َك فَترَ ْ َ�ضى{. م�ستقبل جميل و�سعادة الحدود لها. ال�س�ؤال �إلى �أي مدى �أنظمتنا التعليمية ت�سهم يف
تعزيز هذا الإميان وهذه العالقة باهلل نظر ًيا وعمل ًيا؟ ثم يلي هذه الآية ن�سق جديد ومقطع جديد، يحدد امل��ج��االت الرئي�سية لالهتمام والرعاية والرتبية والإع���داد للحياتني الدنيا والأُخ���رى القريبة وامل�ستقبلية. فعناية اهلل وتوجيهه لر�سوله ه��و تو�ضيح عملي ملنهجية الرتبية والتعليم والإعداد للحياة، واملتمثلة باملقطع القادم يف ال�سورة . اً متكامل للتعليم والإع���داد منهجا �إنها تمُ ثِّل ً للحياة؛ لأن النظام التعليمي هو نظام للإعداد للحياة .وهذه املكونات املنهجية هي: فبعد احل��دي��ث ع��ن بع�ض امل��ظ��اه��ر الكونية واحلياتية وحتديد طبيعة العالقة بني اخلالق واملخلوق وتعزيز �أهمية الإع���داد واالرت��ب��اط والتعلق بالآخرة ،ثم ت�أكيد مبد�أ �إمياين وهو �أن اً اهلل اً وم�ستقبل �سيكون مع عبده يف الرعاية حال واحلياة الدنيا والآخ��رى حتى يكون را�ض ًيا مبا �أعطاه اهلل .بعد هذا كله مت حتديد بع�ض جوانب العطاء ،وال��ذي ينبغي �أن ي�شمله املنهج الرتبوي ليعد الفرد للحياتني. • برنامج الإيواء: ويف هذا البعد ف�إن على النظام التعليمي توفري بيئة �آم��ن��ة وم�ستقرة نف�سي ًا وج�سمي ًا وعقلي ًا واجتماعي ًا وعاطفي ًا ت�شعر االطفال باال�ستقرار واحلماية الكاملة؛ ليكون تعليمهم اً فعال .فالإيواء متطلب �أ�سا�سي لعملية التعلم .فاالهتمام بالبعد النف�سي والعاطفي واجل�سمي واالجتماعي وتوفري �أن�شطة و�سيا�سات و�أنظمة تلبي تلك احلاجات وتوفري البيئة الآم��ن��ة وامل�ستقرة �أم��ر يف غاية الأهمية( �أَلمَ ْ َيجِ ْد َك َي ِت ْي ًما َف�آ َوى). • برنامج الهداية: � َّإن تغذية ال��روح وتعزيز الإمي���ان والعبادة وتوفري برنامج الهداية لتخرج الإن�سان من الهوى ��د َك َ�ض� اًّآل وال�شهوة �إلى احلياة الإن�سانية ( َو َو َج� َ
��دى) .ففي ه��ذا امل��ك��ون يتم تربية و�إع���داد َف��� َه� َ االن�سان العابد هلل بكل معنى العبودية ال�شاملة وال��ت��ي جتعله ناف ًعا لنف�سه و�أ���س��رت��ه وجمتمعه عابدا ومواطنًا و�أمته والإن�سانية ،في�صبح �إن�سانًا ً �صاحلًا و�إيجاب ًيا. • برنامج الإغناء: ويف هذا اجلانب يتم تعليم الطلبة ،واكت�شاف ميولهم ومواهبهم ،والعمل على تنميتها من خالل تفعيل قلب وع��ق��ل وج���وارح الطلبه منطلقني؛ لتحقيق منافع تغنيهم ع��ن امل�����س��أل��ة وجتعلهم ي�سهمون يف ت�سخري ماخلق لهم لعمارة االر���ض ورفاهية االن�سانَ } .و َو َج َد َك َعا ِئ اًل َف�أَغْ نَى{. • برنامج تفعيل دور الإن�سان يف احلياة: ويف ه��ذا الربنامج ينطلق الطلبة �إل��ى البعد الإيجابي املجتمعي ونفع النا�س وخدمة املجتمع وتلبية حاجاته يف �ضوء ال�سياق املجتمعي املحدد. فبعد �أن حتقق االع��ت��م��اد على ال����ذات ،وو�صل �إلى مرحلة االكتفاء عليه �أن ي�ضفي خَ �ْيهرْ ُه على الآخرين .لي�س فقط ماد ًيا بل �أخالق ًيا بالدرجة الأول����ى ،مم��ا ي��ؤك��د �أهمية الإع����داد الأخ�لاق��ي للطلبة؛ فالعطاء �أخالقي وم��ادي} َف��أ َّم��ا ا ْل َي ِت ْي َم ال�س ْا ِئلَ فَ�َلْاَ ْ َت ْن َه ْر َو�أَ َّم��� ْا ِب ِن ْع َم ِة فَ�َل�اَ َت ْق َه ْر َو َ�أ َّم���ا َّ َر ِّب َك ف ََح ِّدثْ { .وهذه كلها �ألفاظ عامة ،فالأبعاد الأخالقية يف التعامل و�أي�ضا تقدمي اخلدمات واملنتجات لكل �سائل لي�س املق�صود ًا فقط الأبعاد املجانية ،بل تلبية احتياجات املجتمعات املادية والعنوية الدنيوية واالخروية. هذا ال��دور املجتمعي هو بيت الق�صيد ،والذي يتنا�ساه النظام التعليمي متا ًما. � َّإن حياة النا�س ينبغي �أن تتحدث مبا �أنعم اهلل عليها ،وبهذا يتم عمارة الأر�ض ورفاهية الإن�سان . وهذا الغر�ض الرئي�سي من التعليم. علينا �أن نعيد النظر يف غاياتنا وبراجمنا التعليمية؛ حتى ن�سعد يف الدارين.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
89
دراسات مقاالت
توظيف اإلبداع في الفعاليات االقتصادية
أ .د .قيصر عبد الكريم الهيتي
مطلب شرعي
أستاذ الدراسات االقتصادية االسالمية العراق -جامعة األنبار
90
�إن واق��ع الإب���داع يف جمتمع الأم��ة الإ�سالمية يعاين من حالة ال�ضعف يف الوقت احلا�ضر �سيما يف اجلانب االقت�صادي لذلك ارت�أيت �أن �أكتب يف �أهمية توظيف الإب��داع يف الأن�شطة االقت�صادية والتي دعا �إليها الإ�سالم كجزء من منظومته العمرانية فكانت مطلب ًا �شرعي ًا حتتاج �إليه الأجيال احلا�ضرة والقادمة يف م�سار التنمية امل�ستدامة وفق املنظومة اال�سالمية . ول��ذا ف�إننا حني نقر�أ عن �أب��ي الأ���س��ود ال��د�ؤيل الذي بد�أ بو�ضع قواعد النحو ,واخلليل بن �أحمد الفراهيدي ال��ذي ا�ستنبط بحور ال�شعر العربي, والإم��ام ال�شافعي ال��ذي و�ضع �أ ّول كتاب يف �أ�صول ال��ف��ق��ه ,واب���ن خ��ل��دون ال���ذي �أر���س��ى ق��واع��د علم االجتماع ,وابن الهيثم ونظرياته يف علم ال�ضوء, وابن النفي�س يف اكت�شافه للدورة الدموية ال�صغرى ...ف�إننا نتحدث ع��ن �أمن���اط ف��ري��دة �أب��دع��ت يف جماالت العلوم املختلفة عرب التاريخ الذي �شهدته الأ ّمة. ولعلّ اجتهادنا يف �صياغة مفهوم توظيف الإبداع يف املنظور االقت�صادي الإ�سالمي (متكني القدرات واملهارات الذهنية التي تعمل مبجموعها للو�صول �إلى كل ما هو جديد ونافع يف �شتّى جماالت احلياة �سيما فيما يتعلق بعجلة احل��ي��اة االقت�صادية واخلدمية والإدارية وذلك مبا ين�سجم مع معطيات ً إيجابية ال�شريعة الإ�سالمية وتعاليمها) ُيعد خطو ًة �
نحو فهم و�إدراك بع�ض املفاهيم ذات ال�صلة يف بناء املجتمع وتط ّوره ,و�أحد �أهم �أ�سباب جناح خطواته قدمها باالجتاه ال�صحيح الذي يحتاج دائم ًا التي ُي ّ �إلى التغيري والإبداع امل�ستمر. فقد �شهد الإن�سان عرب التاريخ تطور ًا ثـقافي ًا واقت�صادي ًا واجتماعي ًا ,ولن ينتهي حتى نهايته؛ وذل��ك بفعل البحث امل�ستمر عن الفكرة اجلديدة وال�سلعة املبتكرة التي ُت��ق� ّ�دم املنفعة احلقيقية والإ�شباع املنا�سب كونها تتم ّيز بخ�صائ�ص معا�صرة يبحث عنها كل فرد منّا �سواء كان منتج ًا �أم م�ستهلك ًا �أم م�ستثمر ًا . واننا حني نقر�أ عن نيوتن وغاو�س و�آين�شتاين ال��ذي��ن �أب��دع��وا يف الريا�ضيات والفيزياء ف�إنّنا جمرد ّ نتحدث عن �أمناط فريدة ،مل يكن �إنتاجها ّ تكرار �أو جتميع بل هو �إبداع للعلماء كل يف جمال عمله واهتمامه. وهكذا يكون الإب��داع يف �أي جمال من جماالت اللغة والأدب والإدارة وال�سيا�سة والفيزياء والطب واالقت�صاد واالجتماع � ..إلخ. ولهذا جند الأ���س��واق يف جميع الأم��م ويف كل الع�صور تت�سابق نحو �إنتاج �أج��ود ال�سلع و�أف�ضل اخلدمات من جهة والرتويج لها من جهة �أخرى ,حتى دخل العامل يف ميدان التط ّور ال�سريع ,ف�أ�صبحت املنتجات الرائدة واملتميزة مناط اهتمام ال�شركات
وامل�ؤ�س�سات الإنتاجية ,وباتت تت�سابق للح�صول على اجلديد من الأفكار لتدخل ميدان الت�صنيع والتوزيع يف الأ�سواق. ولذلك جند �أن الإ�سالم دعا يف �أول كلمة نزل بها القر�آن الكرمي وهي قوله عزّ وجل }اقر�أ{ �إلى البحث عن الفكرة اجلديدة عن طريق القراءة ،بل و�أكّد على �أهمية ال�سعي والعمل وفق �أف�ضل الطرق والأ�ساليب لقوله عز وجل يف هذا اجلانبَ } :و ُقلِ ُون{، اع َملُو ْا َف َ�سيرَ َ ى اللهّ ُ َع َم َلك ُْم َو َر ُ�سو ُلهُ َوالمْ ُ�ؤْ ِمن َ ْ وقال تعالى �أي�ض ًا يف هذا ال�سياقِ } :ل َي ْب ُل َو ُك ْم َ�أ ُّيك ُْم �أَ ْح َ�س ُن َع َم اًل{ .ولهذا جاء الإ�سالم داعي ًا �إلى الإبداع ( )Innovationواالبتكار واالكت�شاف والبحث عن كل ما هو جديد ومعا�صر ل ُي�سخّ ره يف كافة اجلوانب االقت�صادية واالجتماعية وال�سيا�سية والإدارية, كيف ال وقد جاء يف حمكم التنزيل قوله تعالى}: ال�س َما َو ِ ُون َلهُ َو َلدٌ َولمَ ْ َتكُن ات َوالأَ ْر ِ �ض �أَنَّى َيك ُ َب ِد ُ يع َّ َّلهُ َ�ص ِ يم{. اح َب ٌة َوخَ لَقَ ُكلَّ َ�ش ْيءٍ ُ وه َو ِبكُلِّ َ�ش ْيءٍ َع ِل ٌ ول � ُي��وظّ ��ف ه��ذا الإب����داع ال���ذي �شمل اخللق ومنظومته الكونية يف خدمة الإن�سان حتى يتمكّن من حتقيق معا�شه وحت�سني بيئته والو�صول �إلى مرحلة الغاية من خلقه؛ وه��ي العبادة هلل }وما خلقت اجل��ن واالن�س {....يف جميع �سلوكياته. ومبا �إن ثـقافة الإبداع واالخرتاع واالبتكار ت�سري يف خط واحد ت�ستنه�ض اجلانب العلمي واحل�ضاري ُعد ميدان ًا وا�سع ًا يف خمتلف ميادين احلياة ,ف�إنها ت ّ وم�ؤثّر ًا ال �سيما �إذا كان قد اقرتن باملناف�سة امل�ستمرة الهادفة بني خمتلف الدول. وهنا جند �أن من ال�ضروري �أن ن�شري �إلى �أن توظيف الإب��داع يف م�ؤ�س�سات املجتمع الإ�سالمي ال ميكن �أن ُيحقّق ثماره وينه�ض بالواقع ال�سلمي واخلدمي �إال �إذا �سلك طريقه وفق ال�ضوابط ال�شرعية امل�ستمدة من القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ،وذلك لكونهما �أعطيا ملفهوم الإب��داع اهتمام ًا وا�ضح ًا ينطلق من �شريعة بديع ال�سموات والأر�ض الذي خط للإن�سان طريق ًا وا�ضح ًا ومنهج ًا م�ستقيم ًا يقوده �إلى التنمية بكل �أ�شكالها ويرتقي ب�إمكانياته �إل��ى كل فر�ص النجاح والرفاهية يف احلياة. والذي يبدو يل �أن الإبداع يف املنظور ال�شرعي ي��راد به الإتيان بفكرة جديدة تتفق مع مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية وال تتعار�ض معها .ولعلّ من الوا�ضح �أن علماء ال�شريعة واالقت�صاد يتفقون ب�أن الإب��داع :هو الإتيان بفكرة �أو ر�أي مل ي�سبق ب�أن �أوجده �أحد من قبل ،لكن االختالف الأ�سا�سي بني
املفهوم (ال�شرعي واالقت�صادي) كون هذه الفكرة أقرته ال�شريعة الإ�سالمية ،ف�إن كان من من �ضمن ما � ّ �ضمن ما �أقرته ال�شريعة فهو مباح كونه ي�ؤدي �إلى تطوير املجتمع يف �شتى فعاليته احلياتية واملعي�شية, بينما عند علماء االقت�صاد ال ي�شرتطون ال�ضابط ال�شرعي الذي يتطلب وجود حالة عقلية (ذهنية) ب�شرية تتجه نحو �إيجاد �أفكار �أو طرق �أو و�سائل غاية يف املنفعة واجلدية ,تعمل على حتقيق امل�صالح الكلية واخت�صار الأ�ساليب والأع���داد والتكاليف وذلك يف حتقيق مقا�صد ال�شريعة و�أهدافها يف جمال العمل االقت�صادي باختالف �أ�شكاله. نخل�ص مم��ا تقدم ال��ى ���ض��رورة اال���ش��ارة الى النقاط الآتية : � .1إن ت��وظ��ي��ف الإب�����داع يف خ��دم��ة الأن�����ش��ط��ة االقت�صادية كافّة ُيعد من �أهم الق�ضايا التي دعا �إليها الإ�سالم كونه يدعو للتط ّور والنهو�ض مير وم��واك��ب��ة �أه���م الق�ضايا املعا�صرة ال��ت��ي ُّ بها النا�س با�ستمرار ويحتاجونها يف ق�ضاء حوائجهم. .2الإب��داع يف املنظور االقت�صادي الإ�سالمي هو: “ جمموعة من القواعد والأ�س�س والقوانني الفكرية تتميز باال�ستحداث �أي مل ي�سبقه �أحد يف �إيجادها ت�ساهم يف و�ضع حلول وقواعد مل�شاكل اقت�صادية تواجه امل�ؤ�س�سات واملنظّ مات متّـفقة مع تعاليم ال�شريعة الإ�سالمية “ . � .3إن �أهمية الإبداع يف املجال االقت�صادي تكمن يف �أن��ه �ساهم يف �إي��ج��اد حلول وابتكار طرق وو�سائل جديدة �ساهمت يف �إيجاد �إنتاج �سلعي وتنوع مبتكر يف ال�سوق. � .4إن الدين الإ�سالمي دي��ن يدعو �إل��ى الإب��داع واالبتكار بكافة �أ�شكاله ,بل جند �أنه �ساهم يف تنميته من خالل �إيجاد عدة قواعد �أهمها : التمكني ,وتنمية القدرات ,واال�ستثمار املعريف، و�أنه جعل الإبداع يف املجال االقت�صادي عبادة ُيثاب املبدع عليها. التوجه � .5إن من واجب الدول العربية والإ�سالمية ّ نحو االقت�صاد امل��ع��ريف كونه �أج���ود �إن��ت��اج� ًا, و�أ�سرع عم ًال ,و�أقل ً كلفة ،فالكثري من امل� ّؤ�س�سات االقت�صادية اليوم تُعاين من م�شكلة البطالة املقنّعة حيث يوجد العديد من املوظفي ي�شكلون عائق ًا حقيقي ًا لتقدم امل� ّؤ�س�سة ,كونهم غري فاعلني وغ�ير مبتكرين يف �أعمالهم التي ميار�سونها.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
91
دراسات مقاالت
ِفي اس ْان ِح َب ِ الق ْط ِر َ
عدنان عبيدات
ِع ْب َر ٌة
األردن
92
املقدمة هلل العزي ِز يف َع��� َ��ش� َر ِ �اب ا ِ ات ��اء يف ك��ت� ِ ُذ ِك��� َر امل� ُ ِ املَ َو ِ لفظة �أَ ْنز ََل و َنز ََّل ،والأُولى هي ا�ض ِع َمق ُْرون ٌا َم َع الغالبة .فقد َو َر َد يف القر�آن الكرمي َم ْو ُ�صوف ًا �أو واملاء واملاء الطَّ ُهورُ ، املاء املباركُ ، ُم َ�ش َّب َه ًا ومن ذلكُ : واملاء املَهِني، واملاء ال�صديدٌ ، وماء كاملُ ْهلِ ُ ، غ ُري الآ�سنُ ، واملاء واملاء امل�سكوب، واملاء املنهمر، واملاء احلميم، ُ ُ ُ ُ واملاء الفرات، واملاء ال َغ َدق، املَعني، واملاء الث ََّّجاج، ُ ُ ُ َ ري التي الدا ِفقُ .وعلى ما يبدو ف�إ َِّن داللة التعب ِ واملاء َّ ُ َت ْن َط ِب ُع يف الذِّ ْهنِ َت ْن َ�صر ُِف ُع ُمو َم ًا �إِلى املَ ْعنَى املُ َرا ِد وف َلف ِْظ ِه ِب َط ِبي َع ِته و َن ْو ِع ِه و َم َذ ِ ُ حيث َت ِ�شي ُح ُر ُ اق ِه وه ْي َئ ِته َ و�صفَا ِئ ِه ُ وق َّو ِته و َت ْكوِي ِنه ِ وق َوا ِمه. و�ص َف ِته َ َ الغاية الأ�سا�سية اية ال َأ�س ِ وال�س�ؤال هنا ُيط َر ُح حول ال َغ ُ ا�س َّي ُة ِم َن ال�س ُّر؟ �أَ َّم��ا ا َ واب جل ُ املَ��اءِ ؟ بمِ َ ْعنَى لمِ َ��اذا املَ� ُ �اء و َما ُهو ِّ َف َنجِ ُد ُه �صريح ًا مبا�شر ًا يف َق ْولِ ا َ وع اَل يف حلقِّ َجلَّ َ الآية 30من �سورة الأنبياءَ ... } :و َج َع ْلنَا ِم َن املَاءِ اء فيه ا َ حل َيا ُة َك َما ُكلَّ َ�ش ْيءٍ َح ٍّي ،{...وهكذا َف�إ َِّن املَ َ للم�ؤْ ِمنِ َح َياةٌ : حياة يف �أَ َّن يف الطَّ َ اع ِة وا ِّت َبا ِع املَ ْن َه ِج ُ ا�س ا َ ٌ الدنيا خللْقِ فاملاء �إِذ ًا هو �أَ َ�س ُ وحياة يف ال ِآخرةُ . وع َما ُدها و�أَ َه ُّم ُم َق ِّو َم ِ حل َيا ِة ِ َ و�ش ْر ُط ا َ ات ا�س ِت ْم َرارِها، خلا ِلقِ املُ ْب ِد ِع ا َ ن َْ�ست َِدلُّ على ذلك ِم ْن َق ْولِ ا َ يم يف حل ِك ِ ُ }واهلل خَ لَقَ ُكلَّ دا َّب ٍة من الآية 45من �سورة النور:
ماء ،{...وكذلك ممِ َّ ا جاء يف الآية الكرمية 54من �سورة الفرقان ُ حيث ُي َبينِّ ُ َلنَا َر ُّب ال ِع َّز ِة َجلَّ َج اَل ُلهُ ا�س خَ لْقِ ال َب َ�ش ِر و َتق ِْ�سي َمهم �إِ َلى ِق ْ�س َمينْ :ن ََ�سب ًا �أي �أَ َ�س َ ابن فُالنٍ �أو ُفالن َُة ن�س ُب �إِليهم ف ُيقالُ ُف ُ الن ُ ذ ُُكو َر ًا ُي َ ِبنْتُ ُف اَلنٍ ِ ، اه ُر ِبه َِّنَ } :و ُه َو ال َِّذي و�ص ْهر ًا �أي �إ ِن َا َث ًا ُي َ�ص َ ان َر ُّب َك خَ لَقَ ِم َن المْ َاءِ َب َ�ش ًرا َف َج َع َلهُ ن ََ�س ًبا َو ِ�ص ْه ًرا َو َك َ يرا{ .وهناك املاء /ال ِّرزْقُ ( :املاء ال ِغ َذاء :ماء َق ِد ً اء. َاء) .املاء /الإ ِْح َي ُ املاء ال�شِّ ف ُ زمزمُ : ِ درجة اء فيِ احلقيق َِة ُم َتفَاو ٌِت يف ومن املعلوم �أَ َّن املَ َ َنقَا ِئ ِه ِت َب َع ًا مل�صدرِهَ ،ك َما �أَنَّهُ ُم َت َبا ِي ٌن يف ِن َ�س ِب ُمك ِّونا ِت ِه وبالتايل فهو مخُ ْ َت ِل ٌف يف درج� ِ�ة ُعذُ و َب ِت ِهَ .يترَ َّب ُع ٌ وقاية ِ على ِق َّم ِة �أَ ْن َو ِ وع اَل ٌج اء َز ْمزَم الذي هو اع ِه َم ُ طانُ ، وق ْر َح ُة العني، ال�س َر ُ ِلكث ٍري من الأمرا�ض منهاَّ : ُ وق ُ�صو ُر نمُ ُ ِّو الأَجِ ن َِّة. �ض ان َب ْع ِ اء يف بع�ض الآيات الكرمية َب َي ُ وقد َج َ ِ َغا َي ِ وتثبيت الأقدام ات ا�ستخدا ِم املاءِ فهو للتطهري كما يف قوله تعالى يف الآية 11من �سورة الأنفال: اء ِّل ُي َط ِّه َر ُكم ِب ِه ال�س َماءِ َم ً }َ ...و ُي َن ِّزلُ َع َل ْيكُم ِّم َن َّ َو ُيذْ ِه َب َعنك ُْم ر ِْج َز ال�شَّ ْي َطانِ َو ِليرَ ْ ِب َط َع َلى ُقلُو ِبك ُْم َو ُي َث ِّبتَ ِب ِه ْ أَ ال�س ْق َيا: ال ْق� َ�دا َم{ .وهناك �أي�ض ًا ُ املاءُّ / يت�ضح لنا َ ذلك ممِ َّ ا و�س ْق َيا العذاب، ُ ُ�سقْيا الرحمة ُ ني ُ حيث ني و�إ َم��ا ِم امل ُْر َ�س ِل َ َو َر َد يف ُد َع��اءِ خامت ال َّن ِب ِّي َ َر َوى الإم��ا ُم ال ُبخَ اري َع ْن َعا ِئ َ�ش َة ر�ضي اهلل عنها هلل �صلى ُ ر�سول ا ِ َ كان �أنها قالت � َّإن اهلل عليه و�سلم َ
�إِ َذا َر َ�أى املَ َط َر َ قال (اللَّ ُه َّم َ�ص ِّي َب ًا نَا ِف َع ًا)( ،ال ّل ُه َّم ُ�س ْق َيا ول َه ْد ٍم اَ ول َب اَلءٍ اَ اب اَ َر ْح َم ٍة اَ ول َغ َرقٍ ) ول ُ�س ْق َيا َع َذ ٍ للح ِد ِ وك��لُّ َو ِ اح� ٍ�د ممِ َّ ا َتق ََّد َم َي ْ�س َت ْغرِقُ َ�ص ٍ ُ يث فحات َ َعنْهُ . املقدار الكلي ملاء املطر وم�ض ٍ ولأَ َّن املَقا َم ال يت َِّ�س ُعَ ،د ُع��و َن��ا نت�أ َّملُ يف َ ات َ�سر ٍ ال�س َماءِ َع َلى ِيعة ِمق َْدا َر املَ��اءِ الذي َي ْهطُ لُ ِم َن َّ ���ض فهو َي ْ�ست َِحقُّ �أَ ْن َنت َ ني ِمن الأَ ْر ِ َوقف ِع ْن َد ُه ذاهل َ هلل فيِ َت ْ�صر ِ قدر ِة ا ِ ني له ِيف الأم ِر يف َك ْو َك ِبنَا ُم َ�س ِّب ِح َ ِ �ض امل َُ�سطَّ َح ِ ُ املائية ات ل ْن ُع ِم ِه؛ ِين َِ أ فنتيجة َت َع ُّر ِ َ�شا ِكر َ وجه الكر ِة ال ِ املوجود ِة على ِ ال�شم�س أر�ضية لأ�ش َّع ِة ِ التي َت ْ�س َط ُع ِب ُ�ص ٍ أر�ض َح ْو َل ورة َدا ِئ َم ٍة َم َع َد َو َرانِ ال ِ اء يف الثانية الواحدة من ال�ستني َنف ِْ�س َهاَ :ي َت َبخَّ ُر املَ ُ ثانية من الدقيقة الواحدة من ال�ستني دقيقة من ال�ساعة الواحدة من الأربع والع�شرين �ساعة بفعل �أ�شعة ال�شم�س التي َ�سخَّ َرها خالقُ الكون يتبخَّ ُر يف كل ثانية ما ي�صلُ �إِلى" "150مليون طن ُي ْ�ض َر ُب هذا فيكون َح ِ ا�صلُ ال َّت َبخُّ ِر يف الرقم بـ ِ ""24×60×60 ُ اليوم " "12,960,000,000,000طن �أي 12000 تريليون و 960بليون طن ما ه��ذا امل��ق��دا ُر ال َهائِلُ القلوب!! – يا ِل َع َظ َم ِة ا َ َ فكيف الذي َت ْنخَ ِل ُع له خللْقِ ُ ُ ب َع َظ َم ِة ا َ خلا ِلقِ – ُي َن ِّزلُ اهلل هذا الك ََّم املُذْ ِه َل ُ حيث ِ اء يف اء ويف ي�شاء َ الوقت الذي َي َ�ش ُ وبالقد ِر الذي َي َ�ش ُ ُ
ٍ واحد�ُ ،س ْب َحا َنهُ يف َع ْل َيا ِئ ِه َجل َّْت ُق ْد َر ُتهُ . يوم ٍ ول يف ال ُغ ُيوم َت ُ�س ُ هذا الق َْد ُر املُ ْعجِ زُ املَ ُهولُ محَ ْ ُم ٌ وقهُ اح ب�أم ِر ا ِ هلل يف �سما ِئ ِه وينزله حيث اقت�ضت ال ِّر َي ُ حكمتُه ،ف ُي ْحيِي به الأر�� َ�ض بعد َم ْو ِتها و ُيخْ ر ُِج به َث � َم � َر ٍ ات خمتلف ًا �ألوانُها ،و ُي� ْ�ج�رِي به الأن��ه��ا َر على َ�سطْ ِح َها و َي ْر ِف ُد به ِب َحا َر َها و ُب َحيرْ ا ِتها وحميطا ِتها، احلكيم ينابي َع و�أن��ه��ار ًا يف و َي ْ�س ُل ُكهُ اخلالقُ املبد ُع ُ ِ �صفحات َما ِئها، َج ْو ِفها ،فتجري ال ُفل ُْك ب�أمره على ُ �صحب ويعي�ش فيها من الكائنات ما اهلل به عليمَ .ي ُ َ نزول املاءِ من ال�سماءِ يف اليوم الواحد ()44000 � ٌ أربعة و�أربعون �ألف عا�صفة رعدية و()8000000 ثمانية ماليني ومي�ض َب ْر ِقي .ف�سبحان ا ِ هلل ال َّرزَّاقِ الكرمي. �أعلى معدالت الهطول ٍ وبكميات هائلة ماء املطر بال توقف قد ينهمر ُ ِ كميات الأمطا ِر ال�سنوية فوق التوقعات؛ ف ِمن �أعلى يف العامل تلك التي ت�سقط على �شوكو �شمال �شرق كولومبيا مبعدل ثالثة ع�شر �ألف 13000ملليمرتاً؛ وهي منطقة تطل على املحيط الهادئ حيث َ�س َّج َل ْت ُم َع َّد َل ُهطُ ولٍ بلغ 13000ملليمرت من الأمطار �سنوي ًا. وهناك والية يف الهند تُدعى ميغااليا ت�شهد �سقوط �أمطار غزيرة ب�شكل يومي ،وقد �صنفت على �أنها من �أكرث الأماكن َم َط َر ًا على وجه الأر�ض� ،إذ تبلغ ن�سبة
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
93
94
الأمطار املت�ساقطة فيها �سنويا 467بو�صة .وتتفاوت الكميات انخفا�ض ًا ب��الآالف يف مناطق متعددة من العامل لتهبط �إلى املئات يف كثري من �أ�صقاع الأر�ض، انعدام ُكل ِّّي ثم تبلغ الع�شرات ثم ب�ضع ملليمرتات �إلى ٍ يف ال�صحارى اجلافة. النفع وال�ضرر �سبب يف احلياة ويف املاء يف ِ�س ِّر ِه و ِم َ قدار ِه ٌ كما �أَ َّن َ اخلري العميم والنعيم املقيم كما �أ�سلفنا ،فهو �أي املاء قد ينزل َم َطر ًا �ساحق ًا و ُي�ش ِّكلُ خطر ًا َم ِ اح َق ًا املطر ِعل ََّة من جانب �آخر؛ فعند نزول البالء ُ ٍ يكون ُ الهالك والإنهيار واخلراب واملوت والدمار .وقد �أ�شار �إلى ذلك القرطبي رحمه اهلل فمن لطائف تف�سريه ما قاله وهو يتناول ت�شبيه الدنيا باملاء" :وقالت احلكماء� :إمنا َ�ش َّبهَ تعالى الدنيا باملاء لأن املاء ال ي�ستقر يف مو�ضع ،كذلك الدنيا ال تبقى على حال واح��د ،ولأن امل��اء ال ي�ستقيم على حالة واح��دة، كذلك الدنيا ،ولأن امل��اء ال يبقى ويذهب ،كذلك املاء ال َيق ِْد ُر �أَ َحدٌ � ْأن َي ْدخُ َله وال الدنيا تفنى ،ولأن َ َي ْبتَلَّ ،كذلك الدنيا ال َي ْ�س َل ُم �أَ َحدٌ َدخَ َل َها من ِف ْت َن ِت َها كان نافع ًا ُم ْن ِب َت ًا ،و�إِ َذا كان بقد ٍر َ املاء �إذا َ و�آ َف ِت َها ،ولأن َ ان َ�ضا َّر ًا ُم ْه ِل َك ًا ،وكذلك الدنيا ،ال َكف ُ َاف َجا َو َز املِق َْدا َر َك َ منها َي ْنف َُع و ُف ُ�ضو ُل َها َي ُ�ض ُّر". ِ �وي�لات وال��ك� َ �وارث ��اء َج��� َّر ال� ف����إذا م��ا َط��غ��ى امل� ُ وت�شكلت منه الأعا�صري والطوفان وت�سبب طُ ْغ َيا ُنهُ ُ امل�شيئة الربانية يف الإنهيارات والإجنرافات .لكنها ُي َن ِّزلُ ُ ُ وكمية املاءِ املاء بق ََد ٍر على �أمرٍ َق ْد ُق ِدر. اهلل َ ٌ والتوازن ثابتة منذ الأزل ال َعذْ ِب على وجه الأر�ض ُ قائم ،عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما عن ر�سول ٌ اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أ َّن���ه ق��ال :م��ا م��ن عام �أمطر من عام ولكن ي�صرفه حيث ي�شاء ،ثم قر�أ: َّا�س �إ اَِّل } َو َلق َْد َ�ص َّر ْفنَا ُه َب ْي َن ُه ْم ِل َيذَّ ك َُّروا َف�أَ َبى �أَ ْكثرَ ُ الن ِ ُكفُو ًرا{(الفرقان.)50 : املطر! ما الذي َي ْح ِب ُ�سه؟ ومن الذي هل َي ْن َح ِب ُ�س ُ َي ْح ِب ُ�سه؟ �رمي عليه �أف�ضل ال�صالة كيف َف� َع� َ�ل النبي ال��ك� ُ ُّ املطر؟ و�أزكى الت�سليم حينما ان َْح َب َ�س ُ ِ�ضوان اهلل عليهم، اخللفاء وكيف فعل َ الرا�شدون ر ُ ُ �صالح الأَ ِئ َّم ِة يف الأُ َّمة ِم ْن َب ْع ِد ِهم؟ وكيف اقتدى بهم ُ ثم ماذا علينا نحن �أن نفعل؟ ا�س املطر َم ْد َع ٌاة لل َّت�أَ ُّملِ ونذير لنا �أَ َل ْي َ�س يف ان ِْح َب ِ ٌ
وب �إلى ُر�شْ ِدنَا ونَخ�ض َع ونَخ�ش َع حتى َنت ََذ َّك َر ر َّبنا و َن ُث َ لخِ َ ا ِل ِقنا بعد �أن �أَ ْل َهتْنا الدنيا ِبزُ خْ ُر ِفها و�أَن َْ�س ْتنَا � ِآخ َر َتنا َب َب ْه َرجِ َها! ول َ ْنتذ َّك َر �أَ َّننَا يف دار ال َع َملِ َق ْد ُ�ش ِغ ْلنَا بالأَ َملِ َفق ََّ�ص ْرنَا يف ال َع َملِ ،و�أَن ال ن َْح ِق َر َع َم اَ ًل مهما َ�ص ُغ َر يف �أَعينُ ِ النَّا�س ما دام خال�ص ًا ِل َر ِّب النَّا�س، ب�سبب َكل ٍْب الق�ص َة التي َح ِفظْ نَاها �أنه ِ و ْلن َْ�ست َْح ِ�ضر ّ ماء �أدخلها ي�أكلُ ال�َّثرَرَّ َ ى من العط�ش �أَ ْ�س َقتْهُ ام��ر� ٌأة ً ُ اهلل اجلنة ،وب�سبب ِه ّر ٍة َح َب َ�ستْها امر�أَ ٌة ف َل ْم َت َد ْع َها فماتت ،دخَ َل ِت املر�أ ُة ب�سببها ا�ش الأَر�ض َت�أْ ُكلُ ِمن خَ َ�ش ِ ْ النا َر؟ باب لل َّت َف ُّك ِر يف خلق ثم �أل ْي َ�س يف ِ انحبا�س املط ِر ٌ ُون املَ ْن ُع اهلل ويف ِن َع ِم ِه و َف ْ�ض ِل ِه؟ �أَ َي ْع َج ُب املَ ْر ُء ِح َ ني َيك ُ اء! �أل ْي َ�س يف َم ْن ِع القَطْ ر دافع ًا وباعث ًا للتوجه َع َط ً َّو�سلِ وال َّرجاءِ ؟ �إليه �سبحانه بالت ََّذلُّلِ والدعاء والت ُّ بلى� ،إنه ُ احلليم الكرمي املجيب ال�سميع القريب اهلل ُ ُ ُ ُ ُ ال َودو ُد ا َ الرحيم. جل َوا ُد ُ ون اَّ ون الل ُه َ َل ِك َّننَا ن َْح ُن اجلُ فَا ُة ال ُع َ�صا ُة ال َعا ِب ُث َ ون. املُ ْعر ُِ�ض َ ِ ن�ستمط ُر؟ و�إذا كيف ندعو؟ كيف ن�ستغ ِف ُر؟ كيف �أُ ْم ِط ْرنا فكيف ن�شك ُُر؟ هل نن�سى من جديد ونعود �إلى ما كنا نفعله منذ ٍ عهد قريب؟ نَ�س�ألُ َ َ الهداية ،وال ُب ْع َد عن الغفلة وال ِغواية، اهلل ْ وال َع ْو َن على ال َّت َف ُّك ِر والت ََّد ُّب ِر والإ ِْع ِتبارِ. املراجع القر�آن الكرمي احلديث النبوي ال�شريف تف�سري القرطبي موقع ArabiaWeather.com
قراءة
مقاالت
في السلم د .عبد الحميد القطيطات األردن
ب�سم اهلل الرحمن الرحيم قال �أحد خطباء الثورة الفرن�سية “ :حترك الرذيلة احلرب �,أما الف�ضيلة فتقاتل “. ب��ال��رغ��م م��ن ان��ه ال ي��وج��د اال طريقة واح ��دة ل��والدة الب�شر�،إال �أن طرق قتلهم ال حت�صى،واحلرب �أكرث هذه الطرق دموية وتدمري ًا ،ومع ذلك فلكل م�أ�ساة نهاية. ينبغي علينا ونحن نبحث يف ال�سلم �أن ن��ويل �إهتمام ًا بالقدر ذاته لظاهرة احلرب،ملاذا؟؛لأنهما ظاهرتان متكاملتان مرتابطتان ومتعاقبتان يولد كل منهما الآخر،هكذا هو قوام حياة املجتمعات ،التعاقب امل�ستمر حلالتي احلرب وال�سلم�،إنهما متاما مثل ايرين ربة احلرب،ومار�س �إل��ه ال�سلم ،زوج��ان ال يفرتقان كما تقول الأ�ساطري. يعرف ال�سيا�سي الفرن�سي برايان اري�ستيد ()1932-1862 ال�سلم ب�أنه بب�ساطة غياب احلرب ،ويعرف القانون الدويل احلرب على �أنها �صدام م�سلح بني �إرادتني. يت�سا َءل املرء عما �إذا كان ال�سلم هو ال�سائد تاريخي ًا �أم احلرب،ومع �أن الب�شر بديهي ًا يف�ضلون ال�سلم،لكنهم خمتلفون حول �أيهما الو�ضع الطبيعي ٌ وكل له حججه . ال�شعوب عادة ال ت�شعل احلروب،بل احلكام والأنظمة هم من يروج لها ويقودها ( جنكيز خان،هوالكو،لوي�س الرابع ع�شرالذي اعرتف على فرا�ش املوت قائ ًال :لقد �أحببت احلرب �أكرث مما ينبغي وهناك �أي�ض ًا نابليون ،هتلر،ال�صهيونية العاملية والإ�ستعمار). لقد ُر�سمت غالبية احل��دود ال�سيا�سية الدولية بفعل احلروب ،وكذلك احلدود العقائدية بني الإ�سالم وامل�سيحية ،وحتى بني الطوائف امل�سيحية والإ�سالمية ذاتها ؛كاثوليك ،ارثوذك�س،بروت�ستانت ،و بني ال�سنة وال�شيعة. �إن املفارقة العجيبة عند الب�شر عموم ًا� ،أن�ه��م وبعد معاي�شتهم مل�آ�سي احلروب و ويالتها،جندهم يف فرتات ال�سلم
يحتفلون بذكراها ويتغنون ب�أجمادها وبطوالتها ،حتى �أولئك املغالون يف حبهم للحرب وتعط�شهم لها ،نراهم ي�سوقون مربرات �إ�شعالها ،بحجة �إزالة العوائق من طريق ال�سلم� ،أي �أن �أهداف احلرب – وياللمفارقة -ما هي �إال � ٌ أهداف لل�سلم، فحديث ًا ُ�شنت حروب اخلليج حتت �ستار�إزالة �أ�سلحة الدمار ال�شامل من العراق،كما هي حال �إعتداءات �إ�سرائيل املتكررة بحجة الأمن وال�سالم ،وطاملا بقي ه�ؤالء املعتدون ف�إن ال�سلم الذي نن�شده �سيبقى بعيد املنال . وب��ال��رغ��م م��ن �أن �أ��س�ب��اب احل ��روب وم�سبباتها عديدة نفق نهاية ،وال بد من بزوغ �ضوء جديد وخمتلفة،لكن لكل ٍ �إذا ما توافرت العوامل الأ�سا�سية التي ت�شكل دعائم لل�سلم امل�ستدام ،ومنها : �إحرتام القانون الدويل واملعاهدات والأعرافالتي ترف�ض �سقوط احلقوق بالتقادم ،بل تن�ص ب�شكل وا�ضح على حقوق ال�شعوب يف العي�ش بكرامة ،وتقرير م�صريها على �أر�ضها. التوقف عن نهب ثروات ال�شعوب ومواردها ،داخلي ًابفعل ف�ساد الأنظمة واحلكام،وخارجي ًا عن طريق �أذرع الإ�ستعمار ،وال�شركات متعددة اجلن�سيات ،والبنك الدويل وغريها. �إح�ت�رام ح��ق��وق الإن�����س��ان،ك��م��ا ن�صت عليهاال�شرائع ال�سماوية والو�ضعية ،يف العي�ش بكرامة وحرية وعدالة،بعيد ًا عن الظلم والإ�ستعباد والفقر واجل��وع ،و�أن ال يبقى الإن�سان فري�سة للف�ساد واملف�سدين الفا�سدين. مكافحة التطرف والإرهاب ب�أ�شكاله و�أمناطهاملختلفة ،عن طريق ن�شر الوعي وتعزيز القيم الروحية والإجتماعية ال�سامية. درا����س���ة ح����االت الأم�����م وال�����ش��ع��وب ال��ت��يجت��ن��ب��ت احل�����رب ،و�أم�������ض���ت ف��ت��رات �سلم طويلة،والإفادة من جتاربها مبا ت�ضمنته من بنى اجتماعية،ومفاهيم ومعتقدات دينية ً وقانونية وفل�سفية و�أخالقية. ي��و� �ص��ف ال �� �س �ل��م ق��ان��ون�� ًا ب� ��أن ��ه �إت� �ف ��اق ب�ي�ن �أط� ��راف مت�ساوية،وب�ضمانات و�شروط حمددة قوامها �إحرتام القانون والعدالة وحرية الإن�سان وكرامته.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
95
مقاالت
االنتماء لألمة والوطن الدكتور سليمان الرطروط األردن
96
ُخ��ل��ق الإن�����س��ان بطبعه وفطرته اجتماعياً، وتقت�ضي م�صلحته ال�شخ�صية التعاون مع حميطه االجتماعي ،فال ي�ستطيع �أي �شخ�ص مهما امتلك من امل�ؤهالت واملواهب �أن يقوم ب�ش�ؤون نف�سه دون م�ساعدة من الآخ��ري��ن؛ ول��ذا عا�ش النا�س منذ اخلليقة الأول���ى يف جتمعات ب�شرية – �صغرية �أو كبرية _ ،ومن هذا املنطلق وجب على جميع �أفراد تلك التجمعات املحافظة على ا�ستقرارها ، ومراعاة القوانني والنظم والأع��راف التي تنظم �ش�ؤون تلك التجمعات ،مما ينعك�س �إيجابي ًا على الفرد وعلى املجتمع. وق��د �أر���س��ل اهلل الر�سل والأن��ب��ي��اء _ عليهم ال�سالم _ لإر���ش��اد النا�س �إل��ى ات��ب��اع الطريق امل�ستقيم ،وو�ضع لهم املبادئ والقوانني والقيموالتي تنظم �ش�ؤونهم ،وحتقق العدالة بينهم ،كما وتركت ال�شرائع ال�سماوية جما ًال كبري ًا الجتهاد النا�س فيما ي�ستجد ،مع مراعاة مبادئ العدل وامل�ساوة .وقد اتفقت الر�ساالت ال�سماوية مع العديد من املبادئ واالجتهادات الب�شرية على قواعد �أ�سا�سية ال�ستمرار احلياة ،وتتمثل يف املحافظة على حرية االعتقاد ،والن�سل والن�سب وما يت�صل به كالعر�ض ،واحلياة وحقن الدم ،واملال ،والعقل ،كما ونهت
ال�شرائع ال�سماوية ع��ن ك��ل ال��رذائ��ل ،وم�ساوئ الأخالق. و�إزاء ذل��ك فعلى الإن�سان املنتمي واملنت�سب ملجتمع ما � ،أو املنتمي لعقيدة ودي��ن � ،أو لفكرة معينة � ،أن ينتمي لها ،و�أن يتمثل تعاليمها ،و�إال ف�لا ميكن �أن يو�سم ب��أن��ه منتمي لها .والإ���س�لام �أك��د هذا املعنى ،فامل�ؤمنون :من �آمنوا بالإ�سالم ق����و ًال ل��ف��ظ��ي � ًا ،وط��ب��ق��وه ع��م��ل��ي � ًا يف حياتهم }ا َّل� ِ�ذي� َ�ن �آ َم � ُن��وا َو َع� ِم� ُل��وا ال��� َّ��ص�الحِ َ � ِ �ات{ ،وقوله : ُون اع َملُوا ف ََ�سيرَ َ ى اللهَّ ُ َع َم َلك ُْم َو َر ُ�سول ُُه َوالمْ ُ�ؤْ ِمن َ } َو ُقلِ ْ ون �إِلَى َعالمِ ِ ا ْل َغ ْي ِب َوال�شَّ َها َد ِة َف ُي َن ِّب ُئكُم بمِ َ ا َو َ�سترُ َ ُّد َ ُون{( )105والعمل حتى يكون مر�ضي ًا كُ نت ُْم َت ْع َمل َ يجب ق�صره على ال�صاحلات ،وهنالك طائفة �أخرى يف املجتمع الإ�سالمي هم :املنافقون الذين �آمنوا قو ًال ،ولكنهم ي�سعون لتحطيم قيم املجتمع، و�إبطال قوانينه و�أنظمته ،وانظر لقوله تعالى الد ْن َيا َ } :و ِم َن ال َّن ِ ا�س َمن ُي ْعجِ ُب َك َق ْول ُُه فيِ الحْ َ َيا ِة ُّ َ��د الخْ َِ�صا ِم َو ُي�شْ ه ُِد اللهَّ َ َعلَى َما فيِ َق ْل ِب ِه َو ُه � َو �أَل ُّ ���ض ِل ُي ْف ِ�س َد ِفي َها (َ )204و�إِذَا َت َولَّى َ�س َعى فيِ ْ أ الَ ْر ِ ��رثَ َوال َّن ْ�سلَ َواللهَّ ُ اَل ُي ِح ُّب ا ْلف ََ�سا َد َو ُي ْه ِل َك الحْ َ � ْ َ للهَّ (َ )205و�إِذَا ِقيلَ ل َُه اتَّقِ ا �أَخَ ذَ ت ُْه ا ْل ِع َّز ُة ب ْ إِ ِالث ِْم
ْ�س المْ ِ َها ُد{البقرة ف ََح ْ�س ُب ُه َج َه َّن ُم َو َل ِبئ َ وقد ُج�سد االنتماء بالإخوة الإ�سالمية بقوله �ون �إ ِْخ��� َوةٌ { احلجرات ، 11 تعالى �} :إِنمَّ َ��ا المْ ُ��ؤْ ِم� ُن� َ فجعل العقيدة والإمي���ان بالإ�سالم هي الرابط بني امل�سلمني ،على اختالف �ألوانهم و�أجنا�سهم و�أعراقهم ولغاتهم؛ ولعل فري�ضة احلج خري �شاهد على ذلك .و�إن االنتماء للإ�سالم يحتم بال�ضرورة الإمي��ان ب�أركانه ،والعمل بفرائ�ضة ،و�أن يدافع املرء امل�سلم عن م�صلحة دينه و�إخوانه ؛ ( المْ ُْ�س ِل ُم �ان فيِ �أَ ُخ��و المْ ُْ�س ِل ِم ,اَل َيظْ ِل ُم ُهَ ,و اَل ُي ْ�س ِل ُم ُهَ ,و َم� ْ�ن َك� َ اج ِة �أَ ِخ ِ اج ِت ِهَ ,و َم ْن َف َّر َج َع ْن يه ,ك َ َان اللهَّ ُ فيِ َح َ َح َ ُ للهَّ ُم ْ�س ِل ٍم كُ ْر َب ًةَ ,ف َّر َج ا َع ْن ُه كُ ْر َب ًة ِم ْن كُ ُر َب ِ ات َي ْو ِم ا ْل ِق َيا َم ِةَ ,و َم ْن َ�سترَ َ ُم ْ�س ِل ًما�َ ,سترَ َ ُه اللهَّ ُ َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة) متفق عليه ، -و�إن مل يكن كذلك فنخ�شى عليه �أنيكون من املنافقني ،بل �إن الإ�سالم جعل الكثري من ال�صدقات ناجتة عن االهتمام باملجتمع ،ولعل من �أدنى م�ستوى �إماطة الأذى عن الطريق �..ألخ .قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم(( :كل ُ�س اَل َمى من ٌ يوم تطلع فيه ال�شم�س: النا�س عليه �صدقة ،كل ٍ ٌ �صدقة ،وتعني الرجل يف دابته تعدل بني اثنني ٌ �صدقة ،والكلمة فتحمله عليها �أو ترفع له متاعه ٍ ٌ خطوة مت�شيها �إلى ال�صالة �صدقة ،وبكل الطيبة ٌ ٌ �صدقة))؛ رواه �صدقة ،ومتيط الأذى عن الطريق البخاري وم�سلم. وعلى م�ستوى الأمة الإ�سالمية فالواجب يقت�ضى على حكامها املحافظة على �أمنها ورعاية م�صاحلها، وعلى املحافظة على حرمة مقد�ساتها و�أرا�ضيها، وعلى حقن دم��اء �أبنائها �أينما ك��ان��وا ،وعليهم كذلك واجب ت�سهيل احلياة واملعي�شة لرعاياهم، واملقيمني يف دولهم ،و�إبراز ال�صور امل�شرقة للإ�سالم وتعاليمه ال�سمحة ،ومبادئه العظيمة ،وبث روح
الإخ��وة ،و�إع�لاء القيم الإ�سالمية الإن�سانية؛ وكان اعتناق الإ�سالم من �أكرب و�أكرث بالد امل�سلمني نتيجة للقدوة ال�صاحلة من التجار والدعاة ،ومل يكن ب�إر�سال اجليو�ش. ولعل الزائرين للبلدان الأجنبية ي�ست�شعرون الفرق الكبري بني املجتمعات الغربية وبلدانهم من ع��دة نواحي؛ كالعدالة وامل�ساوة ،واحلرية، والنظافة ،والنظام ،وال�صدق والأم��ان��ة �...أل��خ حتى �إن ل�سان حالهم لريدد املقولة ال�سابقة لل�شيخ حممد عبده عندما ذه��ب �سنة م 1881لإح��دى امل ��ؤمت��رات يف باري�س ( :ذهبت للغرب فوجدت �إ�سالم ًا ومل �أجد م�سلمني ،وملا عدت لل�شرق وجدت م�سلمني ؛ ولكن مل �أجد �إ�سالم ًا ) ولكن على �شعوب ال��دول العربية والإ�سالمية ال�ساعية للنه�ضة والرفعة التخلق ب�أخالق الإ�سالم العظيمة ،مما �سينعك�س على جمتمعاتها؛ وم��ن تلك املظاهر التي تدل على االنتماء للمجتمع ،كاحلفاظ على نظافة ال�شوارع والأماكن واملرافق العامة ،وكذلك امل�شاركة يف الأعمال التطوع ّية واخلري ّية التي تخدم املجتمع ففي الأردن مث ًال ما يزيد عن 3500 جمعية خريية ،ولكن العديد منها بحاجة لإعادة التنظيم والإنتاجية ،وحتقيق الأه���داف التي �أن�ش�أت لأجلها ،و�أي�ض ًا االلتزام بالقوانني والقواعد ال�سلوكية ،والآداب العامة ،ومنها االن�ضباط والإنتاجية يف العمل ،والقيام ب��الأع��م��ال على �أح�سن وجه ،كما �أن اختيار �أ�سلوب احلوار الواعي يف حلّ امل�شاكل والنزاعات التي تقع بني الأفراد واجل��م��اع��ات ه��و الأ���س��ا���س ،ويتبع ذل��ك اح�ترام عادات وتقاليد و�أعراف املجتمع ،وم�شاركة �أبناء املجتمع املحلي وعلى م�ستوى الوطن �أفراحهم، و�أحزانهم ،ومنا�سباتهم.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
97
دراسات مقاالت
في رحاب جامعة األنبار
98
د .حسن علي المبيضين مدير الدراسات حظي ع��دد كبري م��ن الأك��ادمي��ي�ين والعلماء امل�سلمني بزيارة دولة العراق ال�شقيق للم�شاركة يف امل�ؤمتر الدويل الأول الذي عقدته جامعة الأنبار يف ال��ف�ترة م��ن 2018/11/1-10/31برعاية وزير التعليم العايل والبحث العلمي وحتت �إ�شراف رئي�س جامعة الأنبار الأ�ستاذ الدكتور املهند�س خالد بتال النجم ،ذلك ال�شاب الذي يفي�ض حما�س ًا نحو العمل العام املخل�ص الذي الحظه اجلميع، لي�س من �أبناء حمافظة الأنبار وجامعتها والعراق فقط ،ب��ل م��ن ال��زائ��ري��ن ال��ذي��ن وف���دوا �إل��ى تلك املدينة وهذه اجلامعة يف �أعقاب معركة حتريرها من الدواع�ش ،الأمر الذي ترك �إنطباع ًا طيب ًا يف نفو�سنا ب�أن اجلهود املخل�صة يف تتبع م�سار الفكر الظالمي �سرتى النور ولو بعد حني ،مثلما ينبيك عن جهده الد�ؤوب هذا الكم الهائل من الإجنازات التي ت�شهدها كليات اجلامعة ومراكزها وقاعاتها وخمترباتها ومالعبها وم��راف��ق اخل��دم��ة فيها، و ُبناها التحتية وحتى �أ�شجارها وبقايا �أزهارها ال�صامدة التي مل تنحنِ لعوا�صف اجلهل والظالم واخلراب فكانت من�سجمة مع تلك الروح الوثابة التي ميلكها الأ�ستاذ الدكتور النجم رئي�س اجلامعة وزم�لا�ؤه الكرام الذين �شهدوا له باملزيد من �صور الت�ضحية وال��ب��ذل م��ن جهده وع��رق��ه يف �سبيل ا�ستمرار عملية التدري�س حتى يف ظل العمليات الع�سكرية والأمنية �ضد الإرهابيني� ،إذ عملت اجلامعة على توزيع طلبتها �إل��ى بع�ض جامعات القُطر العراقي ال�شقيق. �إن عم ًال مثل ذلك العمل ي�أتي رد ًا على قوى الظالم ومن قبله املحتل الأجنبي الذي ا�ستعان ب�أجهزة الإ�ستخبارات الإقليمية املعادية للأمة العربية والإ�سالمية وقام بقتل العلماء وتعذيبهم
وت�شريدهم يف بقاع الأر�ض كافة ليحرم العراق من �إبداعات علمهم وفكرهم و�إخرتاعاتهم. نعم �إن م�ؤمتر (الإعتدال يف اخلطاب الديني وال�سيا�سي و�أث��ره يف تعزيز التنمية املجتمعية) وال��ذي ج��اء حتت �شعار (الإع��ت��دال يف اخلطاب طريقنا �إلى ال�سالم) ليحمل حماور �إجتماعية يف ذلك اخلطاب وكذلك نف�سية وفل�سفية وتربوية و�إع�لام��ي��ة و�سيا�سية و�إق��ت�����ص��ادي��ة وقانونية، وقبل ذلك دينية و�شرعية ،لأن املرجعية الأولى لكل حتركاتنا الفكرية وحركاتنا ال�سيا�سية والع�سكرية والإقت�صادية �إمنا تنبثق عن مرجعية فكرية دينية واح��ده تر�سم لنا الطريق الذي نريد. ولعل من �شاهد جهود الإعمار الكبري يف حميط جامعة الأنبار ي��درك عمق الإمي��ان لدى رئي�سها الذي �أفا�ض عليها من غزير ثقافته ووعيه وعلمه، وب��ث ذل��ك كله يف رح���اب جامعته لتعود �أق��وى مما كانت قبل العمليات الإرهابية ،لأن جتربة الإعمار وما �سبقها وما تالها �أعطت درو�س ًا �شكّلت قيمة م�ضافة يف العمل الأكادميي والعلمي املمزوج باملتابعة امليدانية احلثيثة حول �أدق التفا�صيل بدء ًا من تنظيف �شوارع اجلامعة �إلى �إزالة خملفات الدمار �إلى تقدمي كل ما من �ش�أنه ت�سريع عملية الإعمار ،بالتزامن مع تقدمي املحا�ضرات والدرو�س يف كل مكان ُي�ستفاد منه ولو �إلى حني. لقد �أعطى امل�ؤمتر �صورة وا�ضحة وجلية حول اجل��ه��د ال��ع��ام للجامعة ،وظ��ه��ر ذل��ك وا���ض��ح� ًا يف فعاليات امل�ؤمتر كافة ،بدء ًا من جل�سته الإفتتاحية التي �شهدت ح�ضور ًا عاملي ًا ووطني ًا كبري ًا بد�أت ب�آي من الذكر احلكيم بعد ال�سالم اجلمهوري ثم
قراءة �سورة الفاحتة على �أرواح �شهداء العراق واملحافظة واجلامعة ،تال ذلك عر�ض فلم وثائقي للجامعة تناول بع�ض م�شاهد الإعمار والإنت�صار على الإرهاب والإرهابيني ،ثم �ألقى رئي�س اجلامعة كلمة رئي�سة تناولت التعريف ب�إميان اجلامعة وقدرتها على تخطي معيقات التقدم والبناء والإعمار يف فرتة العمليات وما تالها. ب��ع��د ذل���ك ،حت���دث راع���ي احل��ف��ل ح���ول دور اجلامعات يف تعزيز التنمية املجتمعية ،الفت ًا النظر �إل��ى اجلهد الكبري ال��ذي بذلته جامعة الأن��ب��ار يف �سبيل �إع��ادة احلياة �إل��ى طبيعتها يف اجلامعة وحميطها ،كما �أ�شار �إلى اجلهد املبذول يف �سبيل هذا امل�ؤمتر �إعداد ًا وتنظيماً ،ومنوه ًا يف الوقت ذاته �إلى �ضرورة �إنتهاج منهج الإعتدال يف اخلطاب الديني وال�سيا�سي حتى ي�ست�شعر اجلميع معنى الأمن والإ�ستقرار الذي يف�سح املجال للجهود التنموية التي �ستنعك�س �إيجاب ًا على اجلميع. �إن امل�ؤمتر كان عالمة فارقة يف اجلهد الفكري بد من مالم�سة هذا اجلهد النوعي للجامعات� ،إذ ال ّ للواقع ال�سيا�سي والإقت�صادي والإجتماعي الذي يعي�شه النا�س ،يف واقع حياتهم اليومية� ،إذ ينبغي واحلالة هذه �أن يف�سح املجال للجامعات لتقدمي تو�صيف واقعي للمجتمع املحلي والوطني والدويل والإن�ساين الذي تعي�ش به ،وحتى ت�سهم يف �صنع القرار ال�سيا�سي وال�صناعي والتجاري والزراعي وال�صحي � ....إلى غري ذلك من ق��رارات ذات �أثر تنموي مبا�شر �أو غري مبا�شر ،وحتى تكون تلك ال��ق��رارات �صادرة عن بيت خ�برة علمية �سليمة م�ستندة �إلى معايري البحث العلمي الدقيق ،الأمر الذي تزداد معه الثقة ب�أي قرار �صدر وفق تلك املعايري مثلما ت��زداد الطم�أنينة �إل��ى خمرجاته كذلك.
ون�ستطيع ال��ق��ول� :إن امل ��ؤمت��ر جن��ح جناح ًا مبهر ًا نظر ًا للم�ستوى العلمي الرفيع الذي حفلت به �أوراق��ه وحم��اوره العلمية ،ثم حجم امل�شاركة الفكرية ذات املرجعيات الفكرية املتعددة ،الأمر الذي زاد من قناعة اجلميع ب�أن فر�صة الإلتقاء بني املذاهب والتيارات الإ�سالمية املتعددة �أمر ممكن للغاية �إذا جترد ال�سيا�سيون من م�صاحلهم الذاتية ال�ضيقة التي يعملون من �أجلها ،ومن �أجل بقائها لتبقى هي حديثهم ال��ذي ال ينتهي لأنه املحقق لوجودهم يف ال�سلطة على �أ�سا�س مذهبي وطائفي. �إن م�ؤمتر ًا كهذا ي�ؤكد �أن ال وج��ود للطائفية واملذهبية �إذا �أردن��ا ملجتمع ما النهو�ض والتقدم والتعاي�ش بني �أفراد �شعبه ،الأمر الذي يحتم على اجلميع القيام بدور كامل من �أجل �إظهار الإعتدال لي�س يف اخلطاب الديني فح�سب ،بل ويف اخلطاب ال�سيا�سي والإجتماعي والثقايف ،حتى ن�صل �إلى قناعة م�شرتكة �أن الإع��ت��دال ال��ذي نريد هو ما يحقق لنا ال��ت��وازن والتعاي�ش ب�ين جميع فئات املجتمع العربي والإ�سالمي. وحقيقة نقولها� ،إن امل�ؤمتر ا�ستحق �أن يكون م�ؤ�س�سة فكرية دولية تنرث �أفكارها ملن �أراده��ا، ول��ذل��ك ف���إن اجلميع ينتظرون امل ��ؤمت��ر ال��دويل الثاين يف جامعة الأنبار ال�صامدة جامعة الإ�صرار والإعمار حتى يت�أكد لنا ما �أك��ده جنم اجلامعة ورئي�سها الأ�ستاذ الدكتور خالد بتال النجم. وال نقول �إال ما ي�شحذ الهمم ،ويدعم التوجهات ويعزز الثقة ،فبوركت العقول وال�سواعد يا �أبناء جامعة الأنبار رئي�س ًا و�أ�ساتذة وطلبة وهنيئ ًا لكم ما �أجنزمت.
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
99
دراسات مقاالت
سؤال الدولة االسالمية و مفهومها
في فكر سعدالدين العثماني شيروان الشميراني كردستان العراق
100
متهيد يتحدث املفكر املغربي �سعدالدين العثماين ب�صورة متقطعة عن الدولة ال�سالمية يف كتبه و مقاالته ،حماوال ان ي�أتي باجلديد يف مرجع للرتاث الفكري اال�سالمي املتعلق بق�ضية ال�سيا�سة و ال�سلطة و االح��ك��ام ال�سلطانية ،لكنه خ�ص بذلك كتاب ًا متو�سط احلجم حتت عنوان ( الدولة اال�سالمية، املفهوم و االمكان) من من�شورات دارالكلمة 2016 الطبعة االولى..نحن هنا نعتمد هذا الكتاب ،ما نبغي اليه هو كيف يفكر �سعد الدين العثماين ،و�أي مرحلة و�صل اليه الفكر اال�سالمي يف هذا املجال، وما هو املدى الذي ميكن ان يذهب اليه العقل امل�سلم يف حماوالت التجديد يف هذا املجال موقع ال�سيا�سة يف اال�سالم و كعادته ال��ذي ه��و حم��ور و مركز تفكريه، ي��ت��ح��دث ال��ع��ث��م��اين و ينطلق ب��ن��اء ع��ل��ى ق��اع��دة التفريق بني الديني والدنيوي ،او العبادي التبليغي و العادي ،وان الق�ضية الفكرية اال�سالمية كلها مبنية على ه��ذا اال���س��ا���س ،و ي�صنف م��ا يخت�ص ب�ش�ؤون الدولة و ال�سيا�سة يف اجلانب الثاين ،اي الدنيوي – العاديات -ح�سب تعبري بع�ض العلماء، و هي مبنية على امل�صالح العامة لالمة ،حتقيقها يف املحددة� ،أي �ضوء ال�ضوابط و املباديء ال�شرعية َُ انها من املجاالت املفو�ضة الى االجتهاد الب�شري
و مل ي�أت فيها ن�صو�ص من الوحي االلهي تنهي كل حديث ب�شري عقالين فيها . ثم يذهب الى ان الت�صرفات النبوية ال�سيا�سية التي ادارت فيها �ش�ؤون االمة يف املدينة هي ت�صرفات دنيوية اجتهادية ،و انه – �صلى اهلل عليه و�سلم- تعامل مع االحداث يف زمنه تعام ًال م�صلحي ًا (بو�صفه ولي ًا للأمر و م�س�ؤوال �سيا�سيا ،يتخذ القرارت بالنظر الى امل�صلحة املراد حتقيقها) ،ما ي�سميه �إبن القيم اجلوزية ب ( �سيا�سة جزئية بح�سب امل�صلحة) يف ذلك الوقت املكان و احلال .. فال�سيا�سة يف اال�سالم و فق العثماين هي -: -1من العاديات -2مفو�ضة لالجتهاد الب�شري -3اال�صل فيها احلكم و املقا�صد -4ت�صرفات الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم ال�سيا�سية دنيوية و اجتهادية ،م��ا يعني اناجتهادات الر�سول يف االدارة و تدبري ال�ش�أن العام، هي قابلة للمراجعة ح�سب تغري املكان و احلال، و ال�شخ�ص اي�ض ًا ،كما ك��ان ال�صحابة يراجعونه يف حياته ويغريون من اجتهاداته ال�سيا�سية بعد مماته.. 1 � 1ص – 27- 9
الأمة الدينية و الأُمة ال�سيا�سية بناء على ما �سبق مييز �سعد الدين العثماين، بني �أمتني ،الدينية و ال�سيا�سية ،و هي من النقاط اال�سا�سية التي يجب على الفكر اال�سالمي القول الكثري فيها م��ن اج��ل جتليتها و ازال���ة الكثري من النق�ص و امليالن يف التنظري لها .. الأ�سا�س ال�شرعي الذي ي�ستند اليه العثماين يف هذا التق�سيم هو د�ستور املدينة ،حيث ق�سم الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم – اهل املدينة الى امة �سيا�سية ( م�سلمني و يهود و م�شركني ) تربطها بنود حمددة يف د�ستور املدينة ،و ( �أمة امل�سلمني ) برابط ديني و عقائدي ،فهناك �أمة دينية و امم �سيا�سية ح�سب تعبري امل�ؤلف خمتلفة االع��راق و االدي��ان، اي لي�س �شرطا ان يتوحد امل�سلمون كلهم يف دولة واحدة ،بل الوحدة ال�شعورية برباط العقيدة هي اال�سا�س ،ولي�س �شرطا ان يكون كل مواطني الدولة م�سلمون..2 بني ال�شرع و القانون مييز العثماين و هو العامل اال�صويل و ال�سيا�سي، بني القانون يف العرف احلديث و بني الت�شريع الديني، فالت�شريع الديني حق خال�ص هلل تعالى،ال ي�شاركه احد ،وامل�شاركة فيه اما بدعة �أو كفر و �شرك ،لكن الت�شريع القانوين فهو خمتلف ،النه اداة قانونية ل�ضبط ع�لاق��ات املجتمع و ه��و م�ستحدث وم��ل�زِم للجميع ،لكنه اجتهادي ب�شري ،مبعنى التفرقة بني الت�شريعني ،و ان كانا ي�شاركان يف التعبري عنهما، (( ويجب التمييز بني امل�ستويني من الت�شريع ،فهما � - 2ص 51من الكتاب
عمليتان خمتلفتان ،و قد �أدى الت�شابه يف الإ�سم الى اخللط بينهما لدى الكثري من املتدينني و الكتاب ،و بالغ البع�ض فرتب على قول الفقهاء ب�أن (ال�شارع هو اهلل تعالى ) يف ا�شارة الى الت�شريع الديني ،ونفى حق املجتمع يف تقنني حياته ،و بالتايل حق الدولة يف ا�صدار ت�شريعات ذات طابع دنيوي �أو قواعد قانونية)).. 3 كما انه لي�س من حق احد ان يفر�ض الت�شريع الديني بالقوة املادية بل هو يعتمد على القناعات و دور العلماء ق��ي تكوين القاعدة اجلماهريية ال�شعبية لقبولها� ،أي التمييز بني ال�سيا�سة ومرجعية القانون.. مفهوم الدولة اال�سالمية و هو الغاية اال�سا�س من الكتاب ،و هو ما دعانا الى تقدمي هذه القراءة لأفكاره ،نظر ًا لأهميته و مركزيته يف الفكر االن�ساين و اال�سالمي املعا�صر.. وتقوم الدولة يف الفهم اال�سالمي عنده على اال�س�س التالية -: -1دنيوية ال�سيا�سة -2جمال لالجتهاد الب�شري -3اليوجد �شكل حمدد للدولة و ال�سلطة يف الإ�سالم -4جتاوز اال�شكال التاريخية -5جتاوز امل�صطلحات الرتاثية املعربة النقتطان الأوليتان جرى احلديث فيهما ب�إ�شارات وا�ضحة ،يبقى ان ممار�سة ال�سلطة ال�سيا�سية يف � - 3ص 34
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
101
102
اال�سالم غري من�صو�ص يف �شكلها و القالب املادي الذي ت�أخذه ،و كل ما كان موجود ًا يف الع�صور ال�سالفة لي�س اال اج��ت��ه��ادات ب�شرية م��ن العلماء لرتتيب البيت االداري و ال�سيا�سي اال�سالمي يف �شكل ممار�سة ال�سلطة ،ولي�ست ملزمة على االطالق ،و من هنا يقول بانه ال يوجد نظام �سيا�سي حمدد ال�شكل يف اال�سالم، و التعاطي مع �شكل الدولة يكون يف �ضوء تطور الفكر االن�ساين احلديث �شرط االلتزام باملبادئ والقواعد واملقا�صد العامة ( جممل اجتهادات الفقه ال�سيا�سي التقليدي – يف ر�أينا -متجاوزة و غري منا�سبة مع ذلك التطور ،و يف �أحايني كثرية ت�ؤدي يف الواقع الى عك�س امل��راد ال�شرعي ) ،4و ينتهي الى �أن م�صطلح الدولة اال�سالمية غري �ضرورية بل -دولة امل�سلمني ،و الدولة املقبولة ا�سالمي ًا...مع جتاوز التعبرياتالتقليدية التاريخية يف عامل ال�سيا�سة .. بني اخلالفة و الدولة �إذا كانت الدولة يف املنظور الإ�سالمي لي�س لها �شكل حمدد ،فعليه ان اخلالفة لي�ست نظاما �سيا�سيا و ال هيكال لل�سلطة و لي�ست منوذجا �شرعيا للحكم ال�سيا�سي ،بل هي منهج بالدرجة االولى ( ،من الزهد يف املال و الرئا�سة و عدم تولى بالقهر ،و االلتزام مب��ب��ادئ ال��ع��دل و االن�����ص��اف و ال�����ش��ورى وبتحقيق املقا�صد ال�شرعية يف املجال ال�سيا�سي ،واي نظام �سيا�سي – على اختالف تركيبته – يقرتب من املراد ال�شرعي بقدر متثله لتلك املبادئ ،فيمكن ان نقول “ حكم �سيا�سي على منهج النبوة” وال فرق لأن املهم هو امل�ضمون و املق�صد ال اللفظ).. 5و اخلالفة و امللك و ال�سيا�سة ت�أتي مبعانٍ مرادفة يف ن�صو�ص الكتاب و ال�سنة .. الدولة الإ�سالمية و الدولة املدنية �سعد الدين العثماين ،خريج بيت العلم ،ال�سيا�سي الوا�صل ال��ى قيادة احلكومة ،القريب من العقل الغربي املعا�صر ،من اال���ش��داء على ان ال��دول��ة يف اال�سالم دولة مدنية ،ر�أي وجيه ،يعتمده االجتهاد اال�سالمي املعا�صر يف تياره الو�سطي العام ،ومع وجود
حماذير م�ستقبلية ،لكن يف ال�سياق الفكري العاملي احلديث ف�إن العثماين و الغنو�شي و�آخرين ي�ؤكدون على هذا املعنى .. العثماين ي�أتي ب�أ�س�س الدولة املدنية ،ثم يقول ان��ه��ا كلها ب�شكل او ب ��آخ��ر ،م��وج��ودة يف املفاهيم ال�سيا�سية الفكرية اال�سالمية ،وهي خم�سة -: -1متثيلها لإرادة املجتمع -2دولة القانون -3انطالقها من نظام مدين يقوم على ا�سا�س ال�سالم و الت�سامح وق��ب��ول الآخ���ر و امل��ا���س��اواة يف احلقوق و الواجبات -4قيامها على املواطنة -5االلتزام بالدمقراطية بعد ذلك ي�أتي املفكر املغربي ،للمقارنة و ذكر اال�صول الفكرية اال�سالمية ،ثم يجزم بذلك� ،أي ( ان مفهوم الدولة يف املفهوم اال�سالمي ال تتنافى يف �شيء مع الدولة املدنية بل ت�ؤ�س�س لها على خمتلف امل�ستويات..) 6 خامتة ما ذكرناه يف ال�صفحات ال�سابقة هي قراءة لفكر �سعدالدين العثماين املفكر و ال�سيا�سي املغربي للدولة يف اال�سالم ،مل نعلق عليها ،بل اتينا بها كما هي ،يل ر�أينا املالحظ يف بع�ض الفقرات ،خا�صة يف احل�سم يف ق�ضية او اق�تران الدولة يف اال�سالم بالدولة املدنية لي�س نكران ًا للمبادئ ،و �إمنا لأن مفهوم الدولة املدنية حديث قابل للتطور مبرور الزمن ،لكن و مع هذا فان املقارنة التي قام بها العثماين ،وهل هي كل ا�س�س الدولة املدنية ام بع�ض منها؟ ،رغم هذا فان امل�ضامني التي اوردها بني الفكرين �صحيحة .. و العثماين يعمل مع مفكرين �آخرين يف العامل اال���س�لام��ي على جت��دي��د م�ستمر متوا�صل للفكر اال�سالمي ليبقى ع�صريا يف كل وقت و حال و مكان..
� - 4ص 43من الكتاب .. � - 5ص .. 58
� - 6ص 69من الكتاب
واحة الوسطية
الشيخ اإلمام يوسف القرضاوى
يناجي ويبتهل.. ي��������ارب ه�����ا ج�������س���م���ي ي�������ش���ي���خ ومي����ر�����ض و َّل���������ت ِ �����س����نُ����وع����م����ري ك�������ر�ؤي�������ا ن���ائ���م ودن����������ا ال�����رح�����ي�����ل ومل �أه������ي������ئ زاده
وال������وه������ن واف�����������اين ����س���ري���ع���ا ي���وف�������ض وم���������ض����ى ����ش���ب���اب���ي م����ث����ل ب�������رق ي���وم�������ض وخ������ي������ام �أي�������ام�������ي ت�����ك�����اد ُت����� َق����� َّو������ض
ك����ل ال���ن���ف���ائ�������س ق����د ت���ع���و����ض �إن ت�����ض��ع
وال���ع���م���ر � -إن � َ��ض��ي��ع��تَ -ل��ي�����س ُي��ع � ّو���ض ه��������ي �����س����ن����ة هلل ل����ي���������س����ت ت���ن���ق�������ض
و�إذا �أت���������ى الأج�����������ل امل������ق������در وق���ت���ه
مل ي�����غ�����ن ع�����ن�����ك م����ط����ب����ب ومم�����ر������ض
م�������ايل وق�������د ف����رط����ت يف �أم����������ري ����س���وى
رب �إل�������������ى ن�����ف�����ح�����ات�����ه �أت�����ع�����ر������ض
م�����اك�����ان م�����ن ع�������ذر ل���ت���ق�������ص�ي�ري ����س���وى
ن���ف�������س ت����ق����اد �إل�������ى اجل�����ن�����ان ف��� ُت���ع���ر����ض
ك���������س����لَ����ى ع�������ن اخل����ي����ر ج�������د ث���ق���ي���ل���ة
وه�����ي اجل��������واد �إل������ى ال���ب���ط���ال���ة َي��رك�����ض
ن������ام������ت و�أه��������������ل اجل���������د ق������������وام ومل
ت���ن���ف�������ض غ����ب����ار ال�����ن�����وم ف���ي���م���ا ُي��� ْن���ف�������ض
ي��������ارب يف الأول�����������ى �����س��ت�رت ن��ق��ائ�����ص��ي
مت �����س��ت�رك ي������وم ع����ن����دك �أع����ر�����ض ف����������أ َّ
م�����ايل �����س����واك �إذا اخل����ط����وب ت��ف��اق��م��ت
�أم���������ري �إل�����ي�����ك ع���ل���ى ال����������داوم م��ف��و���ض
ل�������وك�������ان يل رب ��������س�������واك رج�����وت�����ه
ف���ل���م���ن �أم��������د ي�������دي وم�������ن �أ����س���ت���ق���ر����ض
رب����������اه �إن ر�������ض������اك غ�����اي�����ة م��ط��ل��ب��ي
م����ا �����ض����رين ����س���خ���ط ال��ب�ري����ة �أم ر����ض���وا
وارف����������ع م����ك����اين رب ع����ن����دك ب��ال��ت��ق��ى
م������ن ت�����رف�����ع ال����ل����ه����م م������ن ذا ي��خ��ف�����ض
����ي ع�����ط�����اء رب ب���ا����س���ط واب���������س����ط ع�����ل� ّ
َب��������� ٍّر ،ف���������إن ت���ب�������س���ط ف���م���ن ذا ي��ق��ب�����ض
م����اب����ع����د ن�������ض���ج ال����������زرع غ��ي��ر ح�������ص���اده
�آت����ي����ت����ن����ي ال��������ق��������ر�آن ف���ان���ف���ع���ن���ي ب��ه
و�أق������������م ب������ه يل ح����ج����ة ال ت���دح�������ض
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
103
ب����ي���������ض ب�������ه وج������ه������ي ب������ي������وم ق�������ادم
ف�����ي�����ه ال��������وج��������وه م�����������س�����ود وم���ب���ي�������ض
ي����اخ��ي�ر م�����ن �أع�����ط�����ى و�أك����������رم م�����ن ع��ف��ا
و�إذا دع�����������اه م������ذن������ب ال ي���ع���ر����ض
رب ا�����س����م����ك ال����غ����ف����ار ف����اع����ف ت���ك���رم���ا �أن��������تَ ال�������ذي �أك���رم���ت���ن���ي م����ن����ذُ ال�����ص��ب��ا ّ
ي������دع������وك م���ك�������س���ور اجل������ن������اح م��ه��ي�����ض ورع����ي����ت����ن����ي ،واخل����ي���ر م����ن� َ ���ك م���ق��� َّي����� ُ��ض ووه���ب���ت���ن���ي ف�������ض� ً ���ر�� ُ���ض ل�ا ي����ط����ولُ وي����ع� ُ � َّإن امل����ح���� ّب� َ ���ة ب���ال���ع�������ص���ا ال ُت���ف���ر�� ُ��ض
����دي�����ن م���ن���ذ ح��داث��ت��ي وغ���ر����س���ت���ن���ي يف ال� ّ ��������ب الأن��������������ا ِم ت���ف���� ُ���ض� ً ل�ا ورزق�����ت�����ن�����ي ح� َّ
وغ���م���رت���ن���ي ب���ال���ف�������ض���ل م����ن ق������رين �إل����ى مت ب����ال����غ����ف����ران ف�������ض���ل� َ ���ر�����ض����ا ف����������أ َّ ��ك وال� ِّ
واح�������ش���رين يف رك����ب احل��ب��ي��ب امل�����ص��ط��ف��ى
إخ���ل��ا�������ص ح���� ّت����ى ال �أرى وارزق������ن������ي ال َ ���ة ُع�����ل�����و ّي� ٍ �����ي ب����ن����ف����ح� ٍ ����ة وام�����ن�����ن ع������ل� ّ
لأظ���������لَّ ال�����س����م� َ ���ك ذاك�����������ر ًا وم�������س��� ّب���ح��� ًا و�أع�����ي������� َ����ش ي�����ا ر ّب��������ي ل����دي���� ِن� َ ���ك داع����ي���� ًا
ي�����ا م�����ن ل�����ه ت����ع����ن����وال����وج����وه وت��خ�����ش��ع �أع������ن������و�إل������ي������ك ب���ج���ب���ه���ة مل �أح����ن����ه����ا
�إال وك������ ّل������ي يف ر��������ض� َ �������ض ������اك مم���ح ُ َّ �أ�����ش����ف����ى ب���ه���ا م�����ن ك������لِّ داءٍ يمُ ����ر�� ُ���ض ك���ي �أُرت�������ض���ى ف��ي��م��ن ل���دي� َ ��ك ق���د ارتُ�����ض��وا م����ا دام ب����ي ن����ف������ ٌ���س ،وع��������رقٌ ي��ن��ب���� ُ�ض ولأم����������������ره ك���������لّ اخل���ل���ائ�������ق ت���خ�������ض���ع ����رع �إ ّال ل����وج����ه����ك ������س�����اج�����دا �أت�����������ض� ّ ي�����وم�����ا ل����غ��ي�ر �������س�������ؤال ف�������ض���ل���ك ت���رف���ع
������ف ذلّ مل ت��ك��ن و�إل������ي������ك �أب���������س����ط ك� ّ �أن������ا م����ن ع��ل��م��ت امل����ذن����ب ال���ع���ا����ص���ي ال����ذي
ع����ظ����م����ت خ�����ط�����اي�����اه ف������ج������اءك ي���ه���رع
ف�����رط�����ت ف���ي���ه���ا م�������س���رف���ا ك�����م �����س����اع����ة ّ
و�أ������ض�����ع�����ت�����ه�����ا يف زائ������������ل ال ي���ن���ف���ع
���������ت ل����ي����ل����ي ك������لّ������ه م���ت���ث���اق�ل�ا ك��������م ب� ّ 104
���������دقٌ �أوم����غ����م������ ُ���ض ق�����دم�����ي ،ي��������راه حم� ّ م���ن ذاق ح����ل���� َو َك مل ي���طُ ���ق م���ا ي��ح� ُ�م���� ُ�ض َ دي����ن����ك ب�� ّي�����ض��وا وم������ع ال����ذي����ن ل����وج����ه
وذووال�������� ّت��������ق��������ى ح��������ويل ق�����ي�����ام ركّ������ع
ين ����ش���ي���ط���ان ال���ك���رى ك�����م ب������ال يف �أذ ّ ك����م ز ّي����ن����ت يل ال��� ّن���ف�������س �����س����وء ف��ع��ال��ه��ا
ف�����������إذا ال������ ّ���ص����ب����اح ع����ل����ى ن�����������ؤوم ي��ط��ل��ع
ك����م و����س���و����س اخل��� ّن���ا����س يف �����ص����دري ف��ل��م
ف����أط���ع���ت���ه���ا ����ض���ع���ف���ا ,وب���ئ�������س ال���ط��� ّي���ع ي�����ج�����د ال�����������ذي ي����ع����ل����وق����ف����ا وي�������ص���ف���ع
ك�����م �أق������������ر�أ الآي������������ات ل����ون����زل����ت ع��ل��ى
ت���ت�������ص���دع ������ش�����م اجل������ب������ال ر�أي������ت������ه������ا ّ ّ
م��������ايل �أر ّدد وع������ده������ا ووع����ي����ده����ا
رق ق���ل���ب���ي �أوج�������������رى يل م���دم���ع م������ا ّ ف��م�����ض��ت ك���م���ا مي�������ض���ي اجل��������واد امل�������س���رع
���ح����ق ح���ي��ن ت���رك���ت���ن���ي �أي����ق����ظ����ت����ه����ا ل����ل� ّ
����دن�����ي�����ا �أت������ي������ه و�أرت���������ع يف غ���ف���ل���ة ال� ّ
ي����ا ح�������س���رت���ا ! �أع������ظ الأن���������ام ,ف��ل��ي��ت��ن��ي
ن��ف�����س��ي وع���ظ���ت ,ف���وع���ظ ن��ف�����س��ي �أن���ف���ع
رب ح���ك���م���ت���ك اق���ت�������ض���ت���ن���ي م��ذن��ب��ا ي�����ا ّ
لأج����������يء ب�����اب�����ك �أ�����س����ت����ج��ي�ر و�أ������ض�����رع
ك������م م������ن ن����ف����و�����س ب����ال����ه����دى ذ ّك����رت����ه����ا
ف����ت���رى ع����ب����ي����دك ت����ائ����ب����ا م�������س���ت���غ���ف���را
و�أراك غ�������� ّف��������ارا ل������ذن������ب ي���ف���ظ���ع
�أن����ا �إن ع�صيتك ف����ذاك م��ن نق�صي ,وم��ن
غ��ي��ر الإل����������ه ل�����ه ال����ك����م����ال الأرف������������ع ؟
رب �أن���������ت خ���ل���ق���ت���ن���ي م������ن ط��ي��ن��ة ي������ا ّ ل����������وال ه�������������داك ون�����ف�����خ�����ة ع�����ل�����و ّي�����ة ّت����راب ت���ر ّف���ع���ا ف���ب���ه���ا �أ������ص�����ول ع���ل���ى ال����� رّ
وم�������ن ال���������ذي لأ������ص�����ول�����ه ال ي�����ن�����زع ؟!
���دة ال������ط���ي��ن ي����ج����ذب����ن����ي �إل�������ي�������ه ب���������ش� ّ
�أودع������ت������ه������ا روح����������ي ل�����ك�����ان امل���������ص����رع وب����ه����ا �أح������ ّل������ق ح��ي��ن ت�������ص���ف���والأ����ض���ل���ع وال������������روح ت�������ص���ع���دين �إل�����ي�����ك وت����رف����ع
ف���������إذا ارت���ق���ي���ت �إل�������ى ر�����ض����اك ف��غ��اي��ت��ي
و�إذا ه����ب����ط����ت ف�����دائ�����م�����ا �أت�����ط����� ّل�����ع
ه�����واالب�����ت��ل��اء ,ع���ل���ي���ه ق������ام وج����ودن����ا ب����ال���������ش����ه����وات ح����� ّف�����ت ف��ت��ن��ة ال������� ّن�������ار ّ
وب����������ه ن������ه������ ّي�������أ ل�����ل�����خ�����ل�����ود ون�������ص���ن���ع
�����ج������ار ول����ي����ت����م���� ّت����ع����وا ف����ل����ي����م����رح ال������ف� ّ
�أ ّم�������������ا اجل�������ن�������ان ف�������إ ّن������ه������ا حم���ف���وف���ة
مب������ك������اره ت�����دم�����ي ال��������ف���������ؤاد وت����وج����ع
وال����������دي����������ار ب���ع���ي���دة ال����������������زّ اد ق���������لّ ّ وه�����ن�����اك ق�����طّ �����اع ال�����طّ �����ري�����ق ط���وائ���ف���ا
�����رف������ي������ق م�������ض��� ّي���ع ال����ظ����ه����ر ي���������ض����و ,وال� ّ
�����ش���� ّت����ى ,ت���������ض����لّ ع�����ن امل����������راد وت���ق���ط���ع
�إب����ل����ي���������س ي����غ����وي وال������ه������وى �����ش����رك ل��ه
وال���ع���ي�������ش ي����غ����ري ,والأم�����������اين ت���خ���دع
وه�������ن�������اك ق�������طّ �������اع ع������ت������اة �أع�����ل�����ن�����وا
ح����رب����ا ت���خ���ي���ف ال������ ّ���س����ائ����ري����ن وت����ف����زع
ج���������ر�ؤوا ع���ل���ي���ك و�أن��������ت حت���ل���م ع��ن��ه��م��و!
ول������ك������لّ ������ش�����يء ع����ن����د ر ّب����������ي م���رج���ع
ه�������ذي ال�����ط�����ري�����ق ,و�إنّ�������ه�������ا مل���خ���وف���ة
رب اه������دين و�أع��������ن ع�����س��ى ال �أق����ط����ع ! ّ
رب ع����ب����دك ع����ن����د ب����اب����ك واق�����ف ي�����ا ّ ف�����إذاخ���������ش����ي����ت ف���ق���د ع�����ص��ي��ت��ك ج���اه�ل�ا
ي�����دع�����وك دع��������وة م�����ن ي����خ����اف وي��ط��م��ع
��رط���ا ي����ا ّ رب �إن �أك يف احل����ق����وق م���ف� ّ ب��ي��ن اجل������وان������ح خ����اف����ق ي����ه����وى ال���ت���ق���ى
و�إذا رج��������وت ف����������� ّإن ع����ف����وك �أو�����س����ع ف��ل���أن�����ت �أب���������ص����ر ب����ال����ق����ل����وب و�أ�����س����م����ع وي�������ض���ي���ق ك�����ره�����ا ب�����ال�����ذن�����وب وي����ج����زع م�������ن ذك���������ر ر ّب�����������ي ف�����ه�����ي ب���������ور ب���ل���ق���ع
���ب ذك������رك ,وال����ق����ل����وب �إذا خ��ل��ت وي����ح� ّ ول�����ك�����م ذك�����رت�����ك خ����ال����ي����ا ف���وج���دت���ن���ي
وال����ق����ل����ب يف وج�������ل ,وع����ي����ن����ي ت���دم���ع
مم��������ن دع������وا ه������ل يل رج���������اء �إ ّن�������ن�������ي ّ
ي��وم��ا �إل���ي���ك وق����ال :ت���وب���وا وارج����ع����وا ؟!
وح���م���ل���ت م�������ص���ب���اح ال����ه����داي����ة م���ر����ش���دا
�أه�������ن�������اك ك������ال������ق������ر�آن ن��������ور ي�����س��ط��ع
وم�����ش��ي��ت يف رك�����ب ال����ه����داة ,و�إن �أك����ن
�أب����ط�����أت يف ط��ل��ب ال���ك���م���ال و�أ�����س����رع����وا !
ح�������س���ب���ي �أح����� ّب�����ه�����م و�أق����ف����وخ����ط����وه����م
������ب الأك�������اب�������ر ي�����ش��ف��ع ول�����ك�����م �أرى ح� ّ
ال�سنة العا�شرة :العدد الثالث والثالثون -ربيع الآخر 1440هـ /كانون الأول ٢٠١8م
105