العدد الخاص بالمؤتمر الدولي

Page 1



‫افتتاحية العدد ‪. .‬‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫}لي� �َل �ااَ ِف ُق � َر ْي ��� ٍ�ش • �إِي� اَ​َلِ ِف � ِه � ْم ر ِْح �لَ � َة ال��� ِّ�ش� َت��ا ِء‬ ‫ِ إِ‬ ‫ال�ص ْي ِف • َف ْل َي ْع ُب ُدوا َر َّب َهذَا ا ْل َب ْي ِت • ا َّل ِذي �أَ ْط َع َم ُه ْم‬ ‫َو َّ‬ ‫ِمنْ ُجو ٍع َو�آ َم َن ُه ْم ِمنْ خَ ْو ٍف{‬

‫ي�أتي العدد الثالثون من جملتنا (الو�سطية)‬ ‫ون�ح��ن ن�ح��ث اخل�ط��ى ب�شكل د�ؤوب وب�ه�م��ة عالية‬ ‫ال تفرت ‪ ,‬مع هيئة فكرية عاملية ‪ ,‬وا�سعة الت�أثري‬ ‫وعظيمة احل�ضور ‪ ,‬من �أجل �إجناح امل�ؤمتر الدويل‬ ‫الكبري(الأمن املجتمعي و�أثره يف وحدة الأمة ) �إنها‬ ‫رابطة العامل الإ�سالمي التي �أعطت ملعنى الدعوة‬ ‫الإ� �س�لام �ي��ة ‪ ,‬ذل ��ك الأف� ��ق ال�ك�ب�ير ال ��ذي �سيحقق‬ ‫النجاح لهذا امل�ؤمتر ب�إذن اهلل ‪.‬‬ ‫�إن �إمياننا ب�ضرورة الأمن ي�أتي من قدرة الأمن‬ ‫مبفهمومه ال�شامل على حتقيق الإ�ستقرار والنماء‬ ‫والدميومة والفاعلية لهذه الدولة �أو ذلك املجتمع‬ ‫‪ ,‬ذلك �أن الف�صل بني مكونات الأم��ن غري موجود‬ ‫يف �أدب �ي��ات ال�ف�ك��ر الإ� �س�لام��ي ‪ ,‬ف��الأم��ن ال�سيا�سي‬ ‫والع�سكري والفكري والإق�ت���ص��ادي والثقايف ‪ ,‬هي‬ ‫جميعها م�صطلحات ذات عالقة ت�شاركية ال ميكن‬ ‫حتقيق �أحدها مبعزل عن الآخر ‪ ,‬والتقدم يف جانب‬ ‫ال يعني الإ�ستغناء عن اجلوانب الأخ��رى ‪ ,‬لذا كان‬ ‫م��ن الأوج� ��ب �إي �ج��اد �صيغة تكاملية يف منظومة‬ ‫الأمن لي�س على م�ستوى الدولة الواحدة �أو الأقليم‪,‬‬ ‫ب��ل على م�ستوى الأم��ة كذلك ‪ ,‬و�إذا ك��ان م��ن �أم��ل‬ ‫م�شروع ‪ ,‬فليكن الأمر على م�ستوى العامل ب�أ�سره‪,‬‬ ‫�إذ �أن الرحمة امل�ه��داة التي ج��اء بها �سيدنا حممد‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم تقت�ضي �أن ن�سعى جاهدين‬ ‫من �أج��ل �إي�صال ر�سالة املحبة والتعاون والرحمة‬ ‫�إلى الب�شرية كافة ‪ ,‬لنكون ممن يدعون �إلى �سبيل‬ ‫ربنا باحلكمة واملوعظة احل�سنة ‪ ,‬التي تن�شر الوعي‬ ‫واملعرفة ‪ ,‬وتقيم احلجة على هدي ذلك ويف �سبيله ‪.‬‬ ‫�إن م�ؤمترنا (الأم��ن املجتمعي و�أث��ره يف توحيد‬ ‫الأمة) والذي ي�أتي مب�شاركة كبرية من لدن رابطة‬ ‫العامل الإ�سالمي ‪ ,‬يقدم للعامل �أجمع �أن الأعمال‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫اجلليلة التي ت�ستهدف النهو�ض بالأمة �إقت�صادياً‬ ‫و�سيا�سياً و�أمنياً وثقافياً و�إجتماعياً ‪ ,‬ال ميكن �أن‬ ‫تنجح �إال يف �إطار الت�شاركية والعمل اجلمعي ‪ ,‬لأن‬ ‫املنظور الإ�سالمي ال�سليم ‪ ,‬ال يكتمل قوامه �إال وفق‬ ‫منظور الأمة �شك ً‬ ‫ال وم�ضموناً ‪� ,‬إذ الواقع ي�شهد �أن‬ ‫التجزئة يف امليادين كافة �أثبتت ف�شلها على م�ستوى‬ ‫الأ�سرة وامل�ؤ�س�سة والدولة واملجتمع الدويل والأمة ‪,‬‬ ‫الأمر الذي يتطلب عم ً‬ ‫ال د�ؤوباً وفق تلك امل�ستويات‬ ‫جميعها ‪ ,‬للو�صول �إلى حالة من التكامل والإن�ساين‬ ‫الذي يف�ضي �إلى �سعادة الب�شرية يف الدارين ‪.‬‬ ‫لذا ف�إن املنتدى ي�ؤمن ب�أن كل لقاء فكري من‬ ‫�ش�أنه تو�ضيح معامل البناء والنهو�ض والتحديات‬ ‫ال �ت��ي ت ��واج ��ه ال� �ع ��امل �أج� �م ��ع ‪,‬و�أم� �ت� �ن ��ا ال�ع��رب�ي��ة‬ ‫والإ� �س�لام �ي��ة ج ��زء �أ� �ص �ي��ل يف ال �ب �ن��اء احل���ض��اري‬ ‫الإن�ساين ‪� ,‬إذ ال معنى ملفهوم احل�ضارة الإن�سانية‬ ‫دون �إف�ساح املجال للح�ضارة الإ�سالمية ب�أبعادها‬ ‫امل��ادي��ة والفكرية وال��روح�ي��ة م��ن �أج��ل ال��ول��وج يف‬ ‫خ�ضم عملية البناء احل�ضاري ال��ذي يعطي دوراً‬ ‫معيناً لكل فكر ديني و�إن�ساين من �أج��ل الإ�سهام‬ ‫�إيجابياً حتى تنعم الإن�سانية املعذبة مبزيد من‬ ‫الأم��ن وال��رف��اه ‪ ,‬لي�س على امل�ستويات ال�سيا�سية‬ ‫والع�سكرية فح�سب ب��ل والإقت�صادية والفكرية‬ ‫والثقافية كذلك‪� ,‬إذ �أن الأمن مبفهمومه ال�شامل‬ ‫ي�ستدعي ا�ستح�ضار كل معنى من �ش�أنه ا�ستكمال‬ ‫البنية التحتية للم�شروع النه�ضوي على م�ستوى‬ ‫الأم ��ة والإن���س��ان�ي��ة جمعاء ‪ ,‬حتى ي��أت��ي ي��وم وقد‬ ‫حت��ررت فيه الب�شرية م��ن ق��وى الت�سلط التي ال‬ ‫تقبل �شريكاً ح�ضارياً لها يف الوجود ‪ ,‬بل وحتاول‬ ‫الغاء الآخر بكل ما ميثل من ح�ضور‪.‬‬


‫محتويات العدد‬ ‫االفتتاحية‬ ‫درا�سات‬

‫مقاالت‬

‫واحة الو�سطية‬ ‫م�ؤمترات‬ ‫�أخبار الو�سطية‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫‪1‬‬

‫الأهمية الدينية والتاريخية ملدينة القد�س‬

‫�أ‪ .‬عبداهلل كنعان‬

‫‪7‬‬

‫مواقف رابطة العامل اال�سالمي يف الدفاع عن االق�صى والقد�س‬

‫الدكتور مازن الفاعوري‬

‫‪15‬‬

‫الإعجاز العلمي يف ال�سمع والب�صر والف�ؤاد يف القر�آن الكرمي‬

‫املهند�س حامت الب�شتاوي‬

‫‪25‬‬

‫الإعجاز الت�شريعي يف القر�آن وال�سنة وحقوق الإن�سان‬

‫د‪ .‬عدنان ح�سونة‬

‫‪30‬‬

‫الإ�سالم وامل�سلمونفي ال�ســــويــد‬

‫اعداد الدكتور عديل �أبو حجر‬

‫‪34‬‬

‫�أَجمل و�أروع الق�ص�ص القر�آين عربة لأويل االلباب‬

‫ال�شيخ عبد املجيد �أبو �سل‬

‫‪47‬‬

‫حديث الرجل مع �شراك نعله‬

‫د‪ .‬علي املر‬

‫‪51‬‬

‫امل�سلمون يف املجتمعات الغربية نحو فكر و�سطي ومنهج اعتدايل‬

‫د‪ .‬عالل الزهواين‬

‫‪58‬‬

‫ب�شائر النبوة قبل بعثة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬

‫الدكتور تي�سري الفتياين‬

‫‪61‬‬

‫�أحاديث ال تنق�صها ال�صراحة ‪ :‬مفاهيم ينبغي ا�ستيقانها‬

‫�أ‪� .‬إبراهيم العجلوين‬

‫‪64‬‬

‫�إ�صالح الفكر الديني عند امل�سلمني‬

‫د‪ .‬حممد خري الطر�شان‬

‫‪66‬‬

‫قراءة يف ديوان ( يف ارتقاب ال�شروق) للدكتور با�سل الرفاعي‬

‫�أ‪� .‬صالح البوريني‬

‫‪68‬‬

‫الأمن الإجتماعي �ضرورة جمتمعية‬

‫الدكتور زيد �أحمد املحي�سن‬

‫‪71‬‬

‫قراءة يف االعالم الر�سمي‬

‫اللواء الركن م عدنان عبيدات‬

‫‪72‬‬

‫التطرف والإرهاب وجذبه لل�شباب ما هو التطرف والإرهاب؟‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬هناء احلنيطي‬

‫‪75‬‬

‫ال�صورة ال�صحيحة للم�سجد الأق�صى املبارك‬

‫اللجنة امللكية ل�ش�ؤون القد�س‬

‫‪78‬‬

‫(و�أنبتنا عليه �شجرة من يقطني)‬

‫د‪� .‬أحمد �أبو بكر‬

‫‪80‬‬

‫رابطة العامل الإ�سالمي‬

‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‬

‫‪84‬‬

‫ق�صة نوح عليه ال�سالم‬

‫ال�شاعر عدنان ال�صمادي‬

‫‪86‬‬

‫امل�ؤمتر اخلام�س ع�شر للمنتدى العاملي للو�سطية " الأمن املجتمعي و�أثره يف وحدة الأمة "‬

‫‪4‬‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك يف م�ؤمتر الأديان وحقوق الإن�سان يف الدوحة‬

‫‪5‬‬

‫زيارة املنتدى العاملي للو�سطيه �إلى املالديف‬

‫‪88‬‬

‫االمني العام يلتقي بال�شيخ �إبراهيم البخاري‬

‫‪88‬‬

‫توقيع مذكرة تفاهم بني اجلامعة الأردنية واملنتدى العاملي للو�سطية‬

‫‪89‬‬

‫لقاء مع الدكتور عبداهلل زين وزير الدولة وم�س�ؤول ملف الو�سطية يف ماليزيا‬

‫‪89‬‬

‫منتدى الو�سطيه للفكر والثقافه يقيم ندوة حوارية عن تعريب اجلي�ش‬

‫‪90‬‬

‫من ن�شاطات مركز الدرا�سات يف املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫‪91‬‬


‫الهيئة االستش�ارية للمجلة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‪/‬ال�سودان‬ ‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‪ /‬الأردن‬ ‫معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور حممد طالبي‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‪ /‬لبنان‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين‪ /‬اجلزائر‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‪ /‬املغرب‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‪ /‬الأردن‬

‫السنة العاشرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‪/‬م�صر‬ ‫الدكتور حممد حب�ش‪�/‬سوريا‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‪/‬الأردن‬

‫هيـئـة التـحريـر‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬ ‫الدكتور علي احلجاحجة‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‬

‫تصدر عن‬

‫المشرف العام على المجلة‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬

‫تصميم وإخراج‬

‫تحت رقم ايداع‬

‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‬

‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬

‫د‪2018/708/‬‬

‫‪0799160136‬‬

‫عمان‬ ‫المملكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬

‫المراسالت‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع‬

‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 1241 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net‬‬


‫المؤتمر الخامس عشر للمنتدى العالمي للوسطية "‬

‫األمن المجتمعي وأثره في وحدة األمة "‬

‫‪6‬‬

‫ب�ت�ع��اون وث�ي��ق ب�ين امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية وبني‬ ‫رابطة العامل الإ�سالمي‪ ،‬ينعقد يف عمان‪ ،‬عا�صمة اململكة‬ ‫الأردن �ي��ة الها�شمية ومل��دة يومني ال��راب��ع واخلام�س من‬ ‫ني�سان ‪2018‬م امل��ؤمت��ر اخلام�س ع�شر للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية حتت عنوان " الأمن املجتمعي و�أثره يف وحدة‬ ‫الأمة "وذلك حتت رعاية دولة رئي�س الوزراء‪.‬‬ ‫الهدف من عقد امل�ؤمتر‪:‬‬ ‫ي ��أت��ي ع�ق��د م ��ؤمت��رن��ا ه ��ذا يف ظ��ل ظ ��روف �سيا�سية‬ ‫واق�ت���ص��ادي��ة واج�ت�م��اع�ي��ة �صعبة �أث ��رت ع�ل��ى الإ��س�ت�ق��رار‬ ‫وبرامج التنمية يف عاملنا العربي والإ�سالمي ويربز دور‬ ‫م�ؤمترنا ه��ذا يف �إل�ق��اء ال�ضوء على العديد من الأدوار‬ ‫لو�سائل الإعالم ودور املنظمات الدولية والأهلية يف تعزيز‬ ‫ال�سلم املدين واملجتمعي وحتقيق التعاي�ش ال�سلمي بني‬ ‫كافة مكونات املجتمع ودور الأمن املجتمعي يف مواجهة‬ ‫التطرف والإرهاب‪ ،‬ويف ح�شد الطاقات الفكرية والثقافية‬ ‫للعلماء وق ��ادة ال� ��ر�أي ال �ع��ام ب�ه��دف ت�ب�ي��ان �أدواره � ��م يف‬ ‫حتقيق الأمن والإ�ستقرار للمجتمعات يف العامل العربي‬ ‫والإ�سالمي والعاملي‪.‬‬ ‫و�إن مما الريب فيه �أن " الأمن" �أمر �أ�سا�سي يف الوجود‬ ‫م�صداقاً لقوله تعالى ‪َ } :‬ف ْل َي ْع ُب ُدوا َر َّب َهذَا ا ْل َب ْي ِت ا َّل ِذي‬ ‫�أَ ْط َع َم ُهم ِّمن ُجو ٍع َو�آ َم َن ُهم ِّمنْ خَ ْو ٍف{�صدق اهلل العظيم‬ ‫ذلك �أن احلاجة الى الأمن املجتمعي �أ�سا�سية لإ�ستمرار‬ ‫احلياة وعمرانها وتطورها وتقدمها والإ�سالم وهو يركز‬ ‫على الأم��ن يبني احلياة الإجتماعية وينظم العالقات‬ ‫ب�ين امل��واط�ن�ين على �أ��س��ا���س ا�ستتباب الأم��ن يف النفو�س‬

‫والعقول يف الأ��س��ر واملجتمعات وال ��دول‪ ،‬كما �أن مفهوم‬ ‫الأم��ن املجتمعي يف الإ�سالم ي�ستوعب كل املعاين املادية‬ ‫واملعنوية‪ ،‬فهو حق جلميع الأفراد على اختالف �أديانهم‬ ‫�أو مذاهبهم او اعراقهم ومقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫اخلم�سة‪ :‬الدين‪ ،‬والنف�س‪ ،‬والعقل‪ ،‬وامل��ال‪ ،‬والعر�ض �إذ‬ ‫يتج�سد الأم��ن يف حمايتها‪ ،‬ف��إن الأم��ن املجتمعي حاجة‬ ‫�ضرورية ملحة لأي جمتمع لأنه يتعلق ب�أبناء هذا املجتمع‬ ‫�أو ذلك مبختلف �شرائحه ومو�ضوعاته املتعددةال�سيا�سية‬ ‫والإج �ت �م��اع �ي��ة وال�ت�رب��وي��ة وال��دي �ن �ي��ة وال �ث �ق��اف �ي��ة‪ ،‬وه��و‬ ‫ركيزة �أ�سا�سية لكي ي�شعر �أفراد املجتمع بالأمن والأمان‬ ‫والإطمئنان والتمتع باحلياة الكرمية امل�ستقرة‪.‬‬ ‫�إن حر�ص الإ�سالم على ا�ستتباب الأمن املجتمعي يرجع‬ ‫الى عدة �أمور ال تتحقق �إال يف ظل جو عام يت�سم بالأمن‬ ‫والطم�أنينة والهدوء ومقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية التي‬ ‫تدعو للمحافظة على حياة النا�س و�أموالهم و�أعمالهم‬ ‫و�أن �أمن املواطن واملجتمع يف الإ�سالم مقد�س وال ينبغي‬ ‫امل�سا�س به حتت �أي ذريعة من الذرائع �أو حماولة تربير‬ ‫�أ�سباب العنف‪ ،‬على املجتمع ب�أكمله �أف��راداً وجماعات �أن‬ ‫يدركوا �أن عليهم م�س�ؤوليات ج�سام جت��اه �أهمية الأم��ن‬ ‫املجتمعي و�أث��ره يف وح��دة الأم��ة وتقدمها ورفعتها بني‬ ‫الأمم‪.‬‬ ‫املحاور الأ�سا�سية للم�ؤمتر‪:‬‬ ‫وي�ن��اق����ش امل ��ؤمت��ر ع�ل��ى م ��دار ي��وم�ين جم�م��وع��ة من‬ ‫املحاور والأوراق مبو�ضوعات خمتلفة منها ‪:‬‬ ‫الأمن املجتمعي و�أثره يف التنمية‪.‬‬ ‫�أثر التعاي�ش الديني يف حتقيق الأمن‬ ‫املجتمعي‪.‬‬ ‫كما يتناول �أب��رز التجارب الناجحة يف بع�ض الدول‬ ‫مثل الأردن وال�سعودية واملغرب يف حتقيق الأمن املجتمعي‬ ‫ومكافحة التطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫وقد وجهت رقاع الدعوة الى الفئات الفكرية والثقافية‬ ‫الوازنة واملفكرين و�أ�صحاب الإخت�صا�ص لإث��راء امل�ؤمتر‬ ‫مبرئياتهم و�آرائهم يف هذا املو�ضوع الهام واحليوي‪.‬‬


‫المنتدى العالمي للوسطية‬ ‫يشارك في مؤتمر األديان وحقوق اإلنسان في الدوحة‬

‫��ش��ارك املنتدى العاملي للو�سطية يف �أع�م��ال م�ؤمتر‬ ‫الدوحة الدويل الثالث ع�شر حلوار الأديان ‪ 2018‬والذي‬ ‫ينظمه ��س�ن��وي�اً م��رك��ز ال��دوح��ة ال ��دويل حل ��وار الأدي� ��ان‪،‬‬ ‫وكان عنوان امل�ؤمتر لعام ‪ " 2018‬الأديان وحقوق الإن�سان‬ ‫" وعقد خالل الفرتة من ‪2018/02/21-20‬م يف فندق‬ ‫ال�شرياتون حيث تر�أ�س املهند�س مروان الفاعوري جل�سة‬ ‫موقف الأدي��ان من مظاهر انتهاك حقوق الإن�سان من‬ ‫التطرف والإرهاب‪ ،‬وحتدث يف اجلل�سة عدد من املتحدثني‬ ‫من �سلطنة عمان والأرجنتني وبنغالد�ش وماليزيا وقطر‬ ‫و�أذربيجان والهند وجاء يف مداخلة الأمني العام قوله‪:‬‬ ‫يعد – حلف الف�ضول – اول جمعية عربية للدفاع عن‬ ‫حقوق االن�سان يف العامل �صاغها بع�ض عقالء وف�ضالء‬ ‫مكة الذين عا�شوا منذ قرون يف جمتمع �سمي باجلاهلي‬ ‫؟! وبالرغم من ان هذه الوثيقة غري دينية فقد باركها‬ ‫واث �ن��ى عليها ال��ر��س��ول – حم�م��د عليه اف���ض��ل ال�صالة‬ ‫والت�سليم –لقد كان اجتماع هوالء الرجال يف دار عبد اهلل‬ ‫بن جدعان – اول اجتماع ي�ؤذن يف النا�س مببادىء حقوق‬ ‫االن�سان‪ ،‬حيث تعاهدوا على ميثاق اخالقي عملي – ان‬ ‫اليدعوا ببطن مكة مظلوما من اهلها او ممن دخلها من‬

‫االغراب‪ ،‬اال كانوا معه على ظامله‪ ،‬حتى ترد اليه مظلمته‪.‬‬ ‫و�أ�� �ض ��اف ب� ��أن امل�ت�ت�ب��ع ل�ل���س�ي��اق ال �ت��اري �خ��ي االن���س��اين‬ ‫يالحظ ان هذه اجلمعية او احللف ا�ستمرت الى مابعد‬ ‫ظهور اال�سالم العظيم يف جزيرة العرب بع�شرات ال�سنني‬ ‫وان الدين اال�سالمي احلنيف كان ذا موقف ايجابي من‬ ‫هذا احللف وحمتوياته وم�ضامينه االخالقية االن�سانية‬ ‫النبيلة‪ ،‬وقد قال فية النبي العربي االم�ين –�صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ( �شهدت مع اعمامي يف دار عبداهلل بن جدعان‬ ‫حلفا لو انني دعيت الى مثله يف اال�سالم لأجبت ) ان حلف‬ ‫الف�ضول لي�س ا�شراقة م�ضيئة يف التاريخ العربي القدمي‬ ‫نطل فيها بني فرتة واخرى بالزهو والثقة بالذات العربية‬ ‫املبدعة وبهذا املنتج القيمي واالخالقي مببادئ حقوق‬ ‫النا�س ‪ -‬بل انها مقاربة معا�صرة لت�أ�صيل فكرة – حقوق‬ ‫االن�سان – ال�صادرة �ضمن ال�شرعية الدولية عام ‪1948‬‬ ‫– و�أك ّد الفاعوري �أن بذرة حقوق االن�سان عربية الن�ش�أة‬ ‫واجلذور ‪ -‬حيث جاء اال�سالم العظيم لكي ير�سي قواعدها‬ ‫و يعزز اركانها ومرتكزاتها من خالل �آيات القر�آن الكرمي‬ ‫الذي نزل على �سيد املر�سلني وخامت االنبياء واملر�سلني‬ ‫حممد عليه اف�ضل ال���ص�لاة والت�سليم م�صدقا لقوله‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫تعالى } يا ايها النا�س اتقوا ربكم الذي خلقكم من نف�س‬ ‫واحدة { } َو َل َق ْد َك َّر ْمنَا َب ِني �آ َد َم َو َح َم ْلن َُاه ْم فيِ ا ْلبرَ ِّ َوا ْل َب ْح ِر‬ ‫َو َر َز ْقن َُاهم ِّمنَ َّ‬ ‫الط ِّي َب ِات َو َف َّ�ض ْلن َُاه ْم َعلَى َك ِث ٍ‬ ‫ري ممِّ َّ نْ خَ لَ ْقنَا‬ ‫الَ ْر ِ�ض‬ ‫َتف ِْ�ضيلاً { } َمن َق َت َل َنف ًْ�سا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ‬ ‫َّا�س َج ِمي ًعا{‬ ‫َف َك�أَ مَّنَا َق َت َل الن َ‬ ‫وا�ستطرد قائ ً‬ ‫ال �أنه بالرغم من املكانة والقيمة العالية‬ ‫التي و�ضع اخلالق االن�سان فيها وتكرميه له على الكثري‬ ‫من املخلوقات حيث طلب للمالئكة ان ت�سجد له اال ان‬ ‫االن���س��ان‪ ،‬نف�سه ا�صبح ذئ�ب��ا مفرت�سا على ح�ق��وق اخيه‬ ‫االن�سان وامل�شاهدات اليوميه عرب و�سائل االعالم امل�سموعة‬ ‫واملقروءة واملرئية تظهر �صور �سلب االف��راد واجلماعات‬ ‫وال� ��دول احل �ق��وق اال��س��ا��س�ي��ة ل �ه��ذا االن �� �س��ان ومعاملته‬ ‫كائنه اقل من الب�شر قيمة – ان مظاهر انتهاك حقوق‬ ‫االن�سان يف العامل التعد والحت�صى – ان عمليات القتل‬ ‫واالب��ادة اجلماعية لل�سكان يف بورما وفل�سطني وك�شمري‬ ‫والتهجري امل�ستمر لفئات ب�شرية وح��رم��ان اف��راده��ا من‬ ‫احل�صول على غذائهم ون�شر املجاعة وزج املعار�ضني يف‬ ‫ال�سجون واملعتقالت وح�صار الدول �ضد الدول االخرى‬ ‫يف اط��ار ذرائ ��ع واه�ي��ة كلها م��ن مظاهر ان�ت�ه��اك حقوق‬ ‫االن�سان االقت�صادية واالجتماعية وال�سيا�سية والثقافية‬ ‫وف�شل الدول يف تنفيذ التزاماتها االخالقية والت�شريعية‬ ‫والتنفيذية مل��واث�ي��ق ح�ق��وق االن���س��ان ي�ب�رز ان ا�شكالية‬ ‫احل� ��روب وال �� �ص��راع��ات ارت�ب��اط�ه��ا ال��وث �ي��ق ب��االن�ت�ه��اك��ات‬ ‫امل�ستمرة حلقوق االن���س��ان – حمليا واقيميا ودول�ي��ا –‬ ‫ملح يف ظل تزايد‬ ‫لهذا ف��ان حماية حقوق االن�سان ام� ٌر ٌ‬ ‫ف��ر���ص ال�ت�غ��ول على االن���س��ان وح�ق��وق��ه – م��ن هنا تربز‬ ‫اهمية وجود القانون االن�ساين الدويل – ليحافظ بدوره‬ ‫على االن�سانية يف كافة ال�ظ��روف حتى يف ظ��ل احل��روب‬ ‫والنزاعات امل�سلحة‪ ،‬وقد �شكل هذا القانون م�ساحة وهام�شاً‬ ‫من ال�سالم يف احلد من حدة النزاعات وال�صراعات من‬ ‫خ�لال ف��ر���ض م�ب��د�أ – االن�سانية امل�شرتكة – وال��دع��اء‬ ‫امل�ستمر للمحافظة عليها وحل امل�شاكل العالقة من خالل‬ ‫احلوار وعر�ض الق�ضايا العالقة على املحاكم الدولية او‬ ‫حمكمة جرائم احلرب – كما ان الديانات ال�سماوية لعبت‬ ‫دورا هاما يف ق�ضية حقوق االن�سان من خالل م�ساهماتها‬ ‫يف ت�أ�سي�س الوعي بحرية االن�سان وحقه يف العي�ش احلر‬ ‫الكرمي وحتريره من كل القيود وحقه يف احلياة واحلرية‬ ‫والتعليم وال�صحة وال�سكن وامل �� �س��اواة وال �ع��دل وحرية‬ ‫العبادة وعدم التمييز اجلغرايف او العرقي او الديني او‬ ‫اللون او اللغة‪ ،‬حيث ان االديان ال�سماوية جعلت االن�سان‬ ‫– م��دار الكون – ومناط التكرمي ب�صفته االن�سانية‪،‬‬

‫وق�ب��ل ان ي���ش��وب بع�ض ال��دي��ان��ات ال�ت�ح��ري��ف وال �ت ��أ�ؤي��ل‬ ‫والتبديل والتزوير عرب ال�سياقات التاريخيه وال�سيا�سية‬ ‫للدول واالمم – واالهواء للحكام وا�صحاب اجلاه واملال‬ ‫والنفوذ – وبني الفاعوري �أن الديانات ال�سماوية جاءت‬ ‫كم�شكاة واح��دة ومن م�صدر واحد ‪ -‬لال�ضاءة والتنوير‬ ‫ب�ت�ك��رمي االن �� �س��ان واح�ت��رام ح�ق��وق��ة ول�ي����س با�ضطهاده‬ ‫ب��ال�ق�ت��ل وال�ت�ه�ج�ير واالب � ��ادة اجل�م��اع�ي��ة وال �ت �ع��دي على‬ ‫كرامته – لقد اك��دت الديانات ال�سماوية على الكرامة‬ ‫االن�سانية باعتبار االن�سان خليفة اهلل على االر�ض‪ ،‬وجد‬ ‫ليعمرها ويزيد من مداميك البناء املادي واملعنوي وين�شر‬ ‫االن�صاف والعدل واخلري واملحبة بني اجلميع وال�سالم‬ ‫ع �ل��ى االر� � ��ض واال�� �س�ل�ام ك �خ��امت ال��ر� �س��االت ال���س�م��اوي��ة‬ ‫واالديان عزز من مفاهيم حقوق االن�سان بالقول والعمل‬ ‫التنفيذي‪ ،‬فحرم القتل والظلم وع��زز مفاهيم الرحمة‬ ‫وامل��ودة والعدل واقربحقوق االن�سان كاملة بغ�ض النظر‬ ‫عن الدين واللون والعرق واللغة واجلغرافيا –فالب�شرية‬ ‫�سوا�سية كا�سنان امل�شط‪ ،‬الف�ضل لعربي على اعجمي اال‬ ‫بالتقوى – وخال�صة االمر �إن اال�سالم جاء ليتمم مكارم‬ ‫االخالق وحلماية الكليات اخلم�س لالن�سان واملتمثلة يف‬ ‫حفظ الدين والن�سل والعر�ض واملال والعقل وهي مدار‬ ‫حقوق االن�سان املدنية‪ ،‬ويف اق�سامها الع�صرية جمتمعه‬ ‫– �شرعة حقوق االن�سان عام ‪ 1948‬ومواثيق احلقوق‬ ‫االقت�صادية وال�سيا�سية واالجتماعية والثقافية‪.‬‬ ‫وخ�لال فرتة امل�ؤمتر ناق�ش امل�شاركون جمموعة من‬ ‫املحاور منها حقوق الإن�سان‪ :‬الر�ؤية واملفهوم‪ ،‬احلقوق‬ ‫ال�ف��ردي��ة وامل�صلحة ال�ع��ام��ة‪ ،‬ح�ق��وق الإن���س��ان ال�سيا�سية‬ ‫والإقت�صادية والإجتماعية وموقف الأديان من التطرف‬ ‫والإرهاب والت�سامح الديني ونبذ ظاهرة التع�صب وازدراء‬ ‫الأديان وحقوق الإن�سان بني ال�شرائع ال�سماوية واملواثيق‬ ‫الدولية‪� ،‬إ�ضافة الى عر�ض جتارب ناجحة لإدماج القيم‬ ‫الدينية يف قوانني حقوق الإن�سان‪ ،‬وح�ضر امل�ؤمتر �أكرث‬ ‫م��ن ‪� 500‬شخ�ص مي�ث�ل��ون �أك�ث�رم��ن ‪ 40‬جن�سية‪ ،‬وعلى‬ ‫هام�ش امل��ؤمت��ر التقى الفاعوري بعدد من ال�شخ�صيات‬ ‫الفكرية والثقافية وال��دي�ن�ي��ة‪ ،‬وج��رى خ�لال ال�ل�ق��اءات‬ ‫بحث �سبل تعزيز ال�ت�ع��اون فيما بينهم‪ ،‬كما مت توقيع‬ ‫مذكرة تفاهم بني املنتدى و املركز الأوك��راين للتوا�صل‬ ‫واحلوار‪ ،‬مبو�ضوع تعزيز التعاون امل�شرتك بني اجلانبني‬ ‫يف ح�ضور امل�ؤمترات والندوات وتبادل الوفود واملطبوعات‬ ‫والإ�ست�شارات وحماربة التطرف والإرهاب ون�شر الإعتدال‬ ‫والو�سطية يف املجتمعات‪.‬‬


‫دراسات‬

‫األهمية الدينية والتاريخية‬ ‫لمدينة القدس‬

‫أ‪ .‬عبداهلل كنعان‬ ‫أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس‬

‫�أهمية القد�س‬ ‫لن �أحتدث طوي ً‬ ‫ال عن �أهمية هذه املدينة من النواحي‬ ‫التاريخية والثقافية والدينية واحل�ضارية‪ ،‬فلقد كتب‬ ‫عنها ما مل يكتب عن مدينة قط‪ ،‬ومع ذلك ف�إن الكلمة‬ ‫الأخرية مل تقل فيها بعد‪ .‬وقد قيل يف الأثر "�أن القد�س‬ ‫وعاء لت�سعة �أع�شار اجلمال يف هذه الدنيا"‪.‬‬ ‫�أم��ا �أهميتها التاريخية فرتجع �إل��ى �أنها واح��دة من‬ ‫�أق��دم امل��دن ال�ت��ي ع��ا���ش فيها الإن���س��ان املتح�ضر‪� ،‬إذ هي‬ ‫“مملكة مدينة” ك�م��ا ي�ق��ول ال�ب��اح�ث��ون ي��زي��د عمرها‬ ‫امل �ع��روف ع��ن �ستة �أالف ع ��ام‪ ،‬بع�ضهم ي�ق��ول ‪� 50‬أل��ف‬ ‫ع��ام‪� .‬أن���ش��أه��ا ال�ع��رب الكنعانيون و�أ�� ْ�س� َم� ْوه��ا “اور�سامل‬ ‫وار�شامل” �أي مدينة الإل��ه �شامل �أحد �آلهة الكنعانيني‪،‬‬ ‫ح�سب بع�ض التف�سريات ونالحظ �أن اال�سم الكنعاين‬ ‫هو الذي ي ّدعيه اليهود ا�سماً عربياً للمدينة‪ ،‬وقد نقل‬ ‫�إلى االجنليزية ف�أ�صبح ‪ .Jerusalem‬كما � ْأ�س َم ْوها يبو�س‬ ‫ن�سبة لليبو�سيني‪� ،‬إح��دى تلك القبائل الكنعانية‪ .‬وقد‬

‫بقي فيها العرب منذ �أن�ش�أها حتى اليوم‪ ،‬دون انقطاع يف‬ ‫�أي حلظة من التاريخ‪� .‬سوى الفرتة التي تعر�ضت فيها‬ ‫فل�سطني لغزو العربانيني حيث دام �سيطرة اليهود على‬ ‫القد�س يف ذل��ك الوقت م��دة ال تزيد عن ‪� 72‬سنة طوال‬ ‫تاريخها الذي امتد لأكرث من خم�سة �آالف �سنة‪.‬‬ ‫وق ��د �أث �ب �ت��ت ن �ت��ائ��ج احل �ف��ري��ات الأث ��ري ��ة‪ ،‬ك �م��ا دل��ت‬ ‫الن�صو�ص والوثائق التاريخية املكتوبة على �أن مدينة‬ ‫القد�س‪ ،‬مل تخرج ع��ن كونها �إح��دى امل��دن الأم��وري��ة ‪-‬‬ ‫الكنعانية‪� ،‬أ�س�سها وحكمها �أمراء وملوك حمليون‪ ،‬اتبعوا‬ ‫ديانات‪ ،‬وملال‪ ،‬ونحال اختلفت عرب الع�صور‪ ،‬كما تعر�ضت‬ ‫القد�س لالحتالل والتحرير �أكرث من مرة‪.‬‬ ‫ و�شهدت القد�س م��ن ال�صراعات وال �غ��زوات ما‬ ‫قل نظريه يف حياة املدن والأمم‪ .‬ويروى لنا التاريخ �أنها‬ ‫تعر�ضت للغزو واالحتالل حوايل ع�شرين ّمرة‪ ،‬انت�صرت‬ ‫فيها ع�ل��ى ال �غ��زاة جميعاً ف��ذه�ب��وا وبقيت ه��ي‪ ،‬و�سوف‬ ‫تندحر ه��ذه ال�غ��زوة ال�صهيونية الأخ�ي�رة التي �صنعها‬ ‫الغرب لتحقيق م�صاحله يف املنطقة التي ال تخفى على‬ ‫�أحد‪� ،‬إنها �أخطر الهجمات واكرثها همجية و�شرا�سة‪ ،‬وال‬ ‫ال �أم �آج ً‬ ‫مثيل لها يف التاريخ‪ ،‬عاج ً‬ ‫ال ب�إذن اهلل‪.‬‬ ‫�أما عن �أهميتها الدينية‬ ‫فيكفي �أن ن���ش�ير يف ه��ذا ال���ص��دد �إل ��ى �أن ��س�ب��ب ما‬ ‫تعر�ضت ل��ه ه��ذه املدينة اخل��ال��دة م��ن غ��زوات يكمن يف‬ ‫ّ�سر عظمتها و�أهميتها‪� ،‬أال وه��و قدا�ستها‪ .‬التي �أكدها‬ ‫ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي‪ ،‬وك��ذل��ك ع���ش��رات الأح ��ادي ��ث النبوية‬ ‫ال�شريفة ال�صحيحة التي �أكدت �أن �أول بيت مقد�س جعله‬ ‫اهلل على ه��ذه الأر���ض وه��و البيت احل��رام (الكعبة) ثم‬ ‫بعدها ب�أربعني �إلى خم�سني �سنة جعل اهلل تعايل امل�سجد‬ ‫الأق�صى((((‪ )1‬البيت الثاين املقد�س فهو ثاين امل�سجدين‬ ‫‪ )1() 1‬عند ذكر امل�سجد الأق�صى املبارك يعني كامل امل�ساحة املعروفة باحلرم‬ ‫القد�سي ال�شريف وهي كل ما هو داخل ال�سور من املوقع والتي تبلغ‬ ‫م�ساحته ‪ 144‬دومن والذي يحتوي على �أكرث من ‪ 100‬معلم‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫و�أول القبلتني وثالث احلرمني ال�شريفني وقلب القد�س‬ ‫ال�شريف وفل�سطني وما حولها (بالد ال�شام)‪.‬‬ ‫وك��ان��ت ال �ق��د���س � �ش��اه��داً ع �ل��ى دع� ��وة ال���س�ي��د امل�سيح‬ ‫عليه ال�سالم‪� ،‬إل��ى الدين اجلديد ال��ذي ت�ص ّدى للكهنة‬ ‫واحل��اخ��ام��ات امل��راب�ي�ن‪ ،‬ال�ف��ا��س��دي��ن امل�ف���س��دي��ن‪ ،‬يتح ّدى‬ ‫خداعهم ودجلهم‪ .‬وهكذا �أ�صبح حمور م�ؤامراتهم لأنه‬ ‫�سي�سلبهم ما كانوا يبتزون به النا�س من ع�شور وقرابني‬ ‫ون��ذور وهبات‪ .‬ولقد و�صفها ال�سيد امل�سيح عليه ال�سالم‬ ‫بو�ضعها الذي كانت عليه حتت كهنوت ه�ؤالء احلاخامات‪،‬‬ ‫ب�أنها قاتلة الأنبياء‪ ،‬وهذا ما و�صفه اهلل تعالى يف القر�آن‬ ‫لهم } َو َي ْق ُت ُلو َن ْ أَ‬ ‫الن ِب َيا َء ِب َغيرْ ِ َحقٍّ {((((‪ )1‬ودعا عليها وتنب�أ‬ ‫بدمارها‪ .‬وبعد مئات ال�سنني من نزول ر�سالة عي�سى عليه‬ ‫ال�سالم التي قاومها اليهود‪� ،‬أ�صبحت املدينة ن�صرانية‬ ‫الطابع عندما بنى فيها الرومان كني�سة القيامة والكثري‬ ‫من الكنائ�س الأخرى والأديرة‪ ،‬بعد �أن انت�شرت امل�سيحية‬ ‫يف �أرجاء كثرية من العامل‪.‬‬ ‫وح�ين حت��ررت املدينة م��ن ا�ستعمار ال��روم��ان لها يف‬ ‫عهد اخلليفة عمر ب��ن اخل�ط��اب‪ ،‬وت�سلم مفاتيحها من‬ ‫��ص�ف��رون�ي��و���س ب �ط��ري��رك ال �ق��د���س‪� ،‬أع �ط��ى ع�م��ر عهدته‬ ‫امل���ش�ه��ورة ال�ت��ي تعترب م��ن �أه ��م وث��ائ��ق الإن���س��ان�ي��ة عرب‬ ‫م�سريتها التاريخية‪ ،‬من حيث الت�سامح الديني واحلفاظ‬ ‫على احل�ق��وق وال�ق��وان�ين والأم�ل�اك والأن�ف����س‪ ،‬وال �أظ��ن‬ ‫ان امل��رء بحاجة للخو�ض يف تفا�صيل مكانة القد�س يف‬ ‫الإ�سالم بد ًء بالر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ومروراً‬ ‫باخلالفة الرا�شدة‪ ،‬فالأموية‪ ،‬فالعبا�سية‪ ،‬فالفاطمية‪،‬‬ ‫فالأيوبية‪ ،‬فاململوكية‪ ،‬فالعثمانية و�أخرياً الها�شمية‪.‬‬ ‫ت�ستند مكانة القد�س يف الإ�سالم �إلى املقومات الدينية‬ ‫والروحية الآتية‪:‬‬ ‫‪ : 1‬ان القد�س موطن الأنبياء‬ ‫‪� )1() 1‬آل عمران �أية ‪.112‬‬

‫ان �إميان امل�ؤمن ال يكتمل �إال بالإميان بالر�سل لقوله‬ ‫�سبحانه وتعالى يف �سورة البقرة }�آ َمنَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول بمِ َ ا �أُن ِز َل‬ ‫�إِ َل ْي ِه ِمن َّر ِّب� ِه َوالمْ ُ��ؤ ِْم� ُن��و َن ُك ٌّل �آ َم��نَ ِب��اللهّ ِ َو َملآ ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه‬ ‫َو ُر ُ�س ِل ِه َال ُن َف ِّرقُ َبينْ َ �أَ َح ٍد ِّمن ُّر ُ�س ِل ِه َو َقا ُلواْ َ�س ِم ْعنَا َو�أَ َط ْعنَا‬ ‫ري{((((‪.)2‬‬ ‫غُ ْف َران َ​َك َر َّبنَا َو�إِ َل ْي َك المْ َ ِ�ص ُ‬ ‫يعني ه��ذا ان كل ما يت�صل بالأنبياء والر�سل هو من‬ ‫�صميم العقيدة الإ�سالمية‪ .‬وكل ما هو مقد�س‪ ،‬ان مكانة‬ ‫بيت املقد�س لدى امل�سلمني قائمة على الإجالل والتقدي�س‬ ‫ل��درج��ة ان بع�ض �صحابة �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه‬ ‫و��س�ل��م ق��د ف�ك��ر يف ن�ق��ل رف��ات��ه ال�ط��اه��رة ل �ت��وارى يف ث��رى‬ ‫القد�س "حيث دفن الأنبياء وال�صحابة وال�شهداء قبله"‪.‬‬ ‫‪ :2‬القد�س موطن الإ�سراء واملعراج‬ ‫ان اهلل �سبحانه وتعالى قد ربطها �إل��ى مكة املكرمة‬ ‫ربطاً دينياً و�أبدياً‪ ،‬مبعجزة �سماوية خارقة حني �أ�سري‬ ‫مبحمد �صلى اهلل عليه و�سلم م��ن امل�سجد احل��رام �إل��ى‬ ‫امل�سجد الأق�صى فالإ�سراء واملعراج هما الرباط املقد�س‬ ‫ما بني مكة املكرمة وامل�سجد الأق�صى‪� .‬إذ يقول �سبحانه‬ ‫وتعالى يف حمكم تنزيله يف مطلع �سورة الإ�سراء‪:‬‬ ‫}�س ْب َحا َن ا َّل ِذي �أَ ْ�س َرى ِب َع ْب ِد ِه َل ْي ً‬ ‫ال ِّمنَ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َرا ِم‬ ‫ُ‬ ‫�إلى المْ َ ْ�سجِ ِد الأَ ْق َ�صا ا َّل ِذي َبا َر ْكنَا َح ْو َل ُه ِل رُ ِ‬ ‫ن َي ُه ِمنْ �آ َيا ِتنَا �إِ َّن ُه‬ ‫�صري{((((‪)1‬‬ ‫ال�س ِمي ُع ال َب ِ ُ‬ ‫ُه َو َّ‬ ‫وهل �أ�شرف و�أرفع للمدينة من �شهادة ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ح�ين ق��ال يف ح��دي��ث رواه الإم ��ام �أحمد‬ ‫ع��ن حديث �أب��ي �أم��ام��ة ق��ال‪" :‬ال ت��زال طائفة م��ن �أمتي‬ ‫على الدين ظاهرين‪ ،‬لعدوهم قاهرين‪ ،‬ال ي�ضرهم من‬ ‫‪� )2() 2‬سورة البقرة‪� ،‬آية ‪.285‬‬ ‫‪� )1() 3‬سورة الإ�سراء‪� ،‬آية ‪1‬‬


‫خالفهم �إال ما �أ�صابهم من لأواء‪ ،‬حتى ي�أتيهم �أمر اهلل‪.‬‬ ‫وهم كذلك”‪ ،‬قالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل و�أين هم؟ قال‪“ :‬ببيت‬ ‫املقد�س و�أكناف بيت املقد�س”((((‪.)2‬‬ ‫‪ : 3‬القد�س القبلة الأولى للم�سلمني‬ ‫ من املعروف ان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قد‬ ‫توجه بال�صالة �إلى بيت املقد�س �ستة ع�شر �شهراً �أو �سبعة‬ ‫ع�شر �شهراً‪ ،‬ومل حتول القبلة �إلى الكعبة �إال بعد ال�سنة‬ ‫الثانية من الهجرة اثر نزول الآية الكرمية‪:‬‬ ‫ال�س َماء َفلَ ُن َو ِّل َين َ​َّك ِق ْبلَ ًة‬ ‫} َق� ْد َن� َرى َت َق ُّل َب َو ْج� ِه� َ�ك فيِ َّ‬ ‫َت ْر�ضَ ا َها َف َو ِّل َو ْج َه َك �شَ ْط َر المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َرا ِم َو َح ْيثُ َما ُكن ُت ْم‬ ‫َف َو ُّلواْ ُو ُج ِو َه ُك ْم �شَ ْط َر ُه{((((‪.)3‬‬ ‫�إذا كانت هذه هي مرتكزات مكانة القد�س يف الإ�سالم‪،‬‬ ‫فما هي الف�ضائل امل�ستوحاة منها؟‬ ‫وك� ��ان ق��ا� �ض��ي دم �� �ش��ق وح �ل��ب حم �ي��ي ال��دي��ن حممد‬ ‫ب��ن زك��ي ال��دي��ن علي القر�شي خ�ير م��ن �أج�م��ل ف�ضائل‬ ‫بيت املقد�س يف خطبة له يف �أول ي��وم جمعة �صلى فيها‬ ‫يف امل�سجد الأق�صى بعد الفتح ال�صالحي �سنة ‪583‬ه�ـ –‬ ‫(‪1187‬م) قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫“فهو موطن �أبيكم ابراهيم‪ ،‬وم�ع��راج نبيكم عليه‬ ‫ال�صالة وال���س�لام وقبلتكم التي كنتم ت�صلون �إليها يف‬ ‫اب �ت��داء الإ� �س�ل�ام‪ ،‬وه��و م�ق��ر الأن �ب �ي��اء ومق�صد الأت�ق�ي��اء‬ ‫ومدفن الر�سل‪ ،‬ومهبط الوحي‪ ،‬وتنزل به الأمر والنهي‬ ‫وهو يف �أر�ض املح�شر و�صعيد املن�شر وهو يف الأر�ض املقد�سة‬ ‫التي ذك��ره��ا اهلل تعالى يف كتابه امل�ب�ين‪ ،‬وه��و يف امل�سجد‬ ‫الأق�صى الذي �صلى فيه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫باملالئكة املقربني وه��و البلد ال��ذي بعث اهلل �إليه عبده‬ ‫ور�سوله وكلمته التي �ألقاها �إل��ى م��رمي وروح��ه عي�سى‬ ‫الذي كرمه اهلل بر�سالته و�شرفه بنبوته ومل يزحزحه عن‬ ‫رتبة عبوديته … وهو �أولى القبلتني وثاين امل�سجدين‬ ‫وثالث احلرمني‪ ،‬ال ت�شد الرحال بعد امل�سجدين �إال �إليه‬ ‫وال تعقد اخلنا�صر بعد املوطنني �إال عليه … “‪.‬‬ ‫حظيت القد�س باهتمام كبري من اخللفاء امل�سلمني‬ ‫وجتلى هذا االهتمام مبا يلي‪:‬‬ ‫اخللفاء الرا�شدون‬ ‫بعد وف��اة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يف عام ‪11‬هـ‬ ‫�أمر اخلليفة �أبو بكر اجليو�ش الإ�سالمية بالتوجه لفتح‬ ‫العراق وب�لاد ال�شام ولكن اخلليفة �أب��ا بكر تويف قبل �أن‬ ‫ي�شهد فتح امل�سلمني للقد�س ومت لهم ذلك يف �أيام اخلليفة‬ ‫ع�م��ر ب��ن اخل �ط��اب ع ��ام ‪17‬ه� ��ـ‪ ،‬وت�ظ�ه��ر �أه �م �ي��ة ال�ق��د���س‬ ‫ومكانتها يف الإ�سالم يف �أنها املدينة الوحيدة التي زارها‬ ‫اخلليفة عمر بن اخلطاب من بني امل��دن العديدة التي‬ ‫فتحت يف عهده‪ ،‬وقد اتخذ فيها اخلليفة عمر جملة من‬ ‫‪ )2() 1‬جمري الدين احلنبلي‪ ،‬الأن�س اجلليل‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪.286‬‬

‫الإجراءات الهامة منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬كتب وثيقة ت�سليم امل��دي�ن��ة وال�ت��ي ع��رف��ت بالعهدة‬ ‫العمرية‪.‬‬ ‫‪ -2‬عني عبادة بن ال�صامت قا�ضياً ومعلماً للم�سلمني‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫‪� -3‬أم ��ر ب�ب�ن��اء امل���س�ج��د ال ��ذي ع ��رف مب���س�ج��د ال�ق��د���س‬ ‫(امل�سجد العمري)‪.‬‬ ‫ كما اهتم اخلليفة عثمان بن عفان مبدينة القد�س‬‫و�سكانها امل�سلمني ويظهر ذل��ك من �أن��ه �أم��ر بوقف‬ ‫قرية �سلوان على �ضعفاء املدينة‪.‬‬ ‫وبد�أت منذ الفتح العمري للقد�س عملية �إعادة تعريب‬ ‫املدينة فقد وفد �إليها عدد كبري من �صحابة ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وابناء القبائل العربية فهناك (‪)9‬‬ ‫من �صحابة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم دفنوا يف بيت‬ ‫املقد�س ومنذ ذلك الوقت مل ينقطع جميء القادمني �إلى‬ ‫القد�س من �صحابة وتابعني وعباد و�صوفية وا�ستمر ذلك‬ ‫يف خمتلف الع�صور الإ�سالمية‪.‬‬ ‫الأمويون‬ ‫اهتم اخللفاء الأمويون بالقد�س ب�شكل كبري وحظيت‬ ‫يف عهدهم مبظاهر االحرتام والتقدي�س وظهر ذلك مما‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬زارها كل من معاوية بن �أبي �سفيان وعبد امللك بن‬ ‫مروان و�سليمان بن عبد امللك وعمر بن عبد العزيز‪.‬‬ ‫‪ -2‬بويع فيها ع��دد من اخللفاء الأم��وي�ين ففيها اتخذ‬ ‫معاوية البيعة العامة �سنة ‪41‬هـ وكذلك فعل كل من‬ ‫عبد امللك بن مروان وابنه �سليمان‪.‬‬ ‫‪ -3‬ان �أعظم م�آثر الأموييـن يف بيـت املقد�س هو بناء عبد‬ ‫امللك بن مروان لقبة ال�صخرة عام ‪72‬هـ‪691 /‬م وبناء‬ ‫اجلامع الأق�صى (امل�سجد القبلي) من قبل اخلليفـة‬ ‫الوليد بن عبد امللك عام ‪90‬هـ‪708 /‬م‪.‬‬ ‫العبا�سيون‬ ‫يف �سنة ‪132‬هـ‪750 /‬م انتقلت اخلالفة من الأموييـن يف‬ ‫دم�شق �إلى اخللفاء العبا�سـيني يف بغـداد‪ ،‬ولكن االهتمام‬ ‫بالقد�س ومكانتها ا�سـتمر مم�ي��زاً يف الع�صر العبا�سـي‬ ‫وظهر ذلك فيما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ق��ام اخلليفة �أب��و جعفر املن�صور بزيارتني للقد�س‬ ‫الأول � � ��ى � �س �ن��ة ‪140‬ه� � � �ـ‪758 /‬م ح �ي��ث �أم � ��ر ب� ��إع ��ادة‬ ‫ب �ن��اء اجل ��ام ��ع الأق� ��� �ص ��ى (امل �� �س �ج��د ال �ق �ب �ل��ي) بعد‬ ‫��س�ـ�ق��وط الأج� � ��زاء ال���ش��رق�ي��ة وال �غ��رب �ي��ة م�ن��ه بفعل‬ ‫ال��زل��زال ال ��ذي �أ� �ص��اب امل��دي�ن��ة �سنة ‪130‬ه � �ـ‪748 /‬م‬ ‫�أم��ا ال��زي��ارة الثانية فقد مت��ت �سنة ‪154‬ه� � �ـ‪772/‬م‪.‬‬

‫‪� )3() 2‬سورة البقرة‪� ،‬آية ‪.144‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫‪ -2‬زار اخلليفة العبا�سي امل�ه��دي القد�س �سنة ‪163‬م‪/‬‬ ‫‪780‬م و�أم��ر ب��إع��ادة بناء اجل��ام��ع الأق�صى (امل�سجد‬ ‫القبلي) من جديد بعد تعر�ض املدينة لزلزال �أدى‬ ‫�إلى تهدم بع�ض �أجزاء امل�سجد‪.‬‬ ‫‪� -3‬أمر اخلليفة العبا�سي امل�أمون �أثناء زيارته لل�شام �سنة‬ ‫‪215‬هـ‪830 /‬م برتميم قبة ال�صخرة‪.‬‬ ‫‪� -4‬أم��رت �أم اخلليفة املقتدر ب��اهلل �سنة ‪310‬ه� �ـ‪913 /‬م‬ ‫ب�صنع �أبواب قبة ال�صخرة الأربعة من خ�شب التنوب‪.‬‬ ‫الفاطميون‬ ‫�أولى الفاطميـون القد�س وال �سـيما اجلامع الأق�صى‬ ‫(امل�سجد القبلي) وقبـة ال�صخرة العنايـة الكاملة وظهر‬ ‫ذلك مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ق��ام الظاهر لإع��زاز اهلل ع��ام ‪407‬ه �ـ‪1016 /‬م بزيارة‬ ‫القد�س حيث �أمر ب�إعادة بناء قبة ال�صخرة كما �أعاد‬ ‫بناء امل�سجد الأق�صى �سنة ‪426‬هـ‪1030 /‬م‪.‬‬ ‫‪� -2‬أم ��ر امل�ن�ت���ص��ر ب ��اهلل ��س�ن��ة ‪458‬ه � �ـ‪1066 /‬م بتجديد‬ ‫ال��واج �ه��ة ال���ش�م��ال�ي��ة اجل��ام��ع الأق �� �ص��ى (امل���س�ج��د‬ ‫القبلي)‪.‬‬ ‫‪ -3‬ان�شـ�أ الفاطميون يف القد�س املدار�س وامل�سـت�شفيات‬ ‫و�أهمها البيمار�ستان الفاطمي ودار العلم الفاطمية‪.‬‬ ‫الأيوبيون‬ ‫عمل ��ص�لاح ال��دي��ن الأي��وب��ي وغ�ي�ره م��ن ال�سالطني‬ ‫الأيوبيني فور حترير القد�س من الفرجنة (ال�صليبيني)‬ ‫�سنة ‪583‬هـ‪1187 /‬م على �إعادة الطابع العربي الإ�سالمي‬ ‫وامل�سيحي للمدينة فقاموا مبا يلي‪:‬‬ ‫‪� -1‬أعاد �صالح الدين قبة ال�صخرة اجلامع الأق�صى‬ ‫(امل�سجد القبلي) �إلى حالهما القدمي ف�أمر ب�إزالة املذبح‬ ‫وال���ص��ور والتماثيـل م��ن داخ��ل قبة ال�صخرة وع�ين لها‬ ‫�إم��ام �اً ووق ��ف عليها الأوق � ��اف و�أم ��ر ب�ترخ�ي�ـ��م ح�ج��رات‬ ‫الأق�صى وو�ضع فيه املنرب الذي �صنعه نور الدين زنكـي‪.‬‬ ‫‪� -2‬أقام الأيوبيني الكثري من الأبنية والقباب وامل�آذن‬ ‫والقناطر يف منطقة احلرم ال�شريف‪.‬‬ ‫‪� -3‬أ�س�س الأيوبيون يف القد�س ع�شر مدار�س منها‬ ‫امل��در� �س��ة ال���ص�لاح�ي��ة وامل��در� �س��ة اخل�ت�ن�ي��ة‪ ،‬ك�م��ا �أ��س���س��وا‬ ‫امل�ست�شفيات ومنها البيمار�ستان ال�صالحي‪ ،‬وكان الإنفاق‬ ‫ع�ل��ى ه��ذه الأم��اك��ن ع��ن ط��ري��ق الأوق� ��اف ال�ع��دي��دة التي‬ ‫خ�ص�صت لها يف القد�س وخارجها‪.‬‬ ‫‪ -4‬اهتم �صالح الدين وال�سالطني الأيوبيني من‬ ‫ب�ع��ده بتعمري امل��دي�ن��ة‪ ،‬فقد حفر ��ص�لاح ال��دي��ن خندقاً‬ ‫عميقاً وبنى �أبراج حربية من باب العمود �إلى باب اخلليل‬ ‫وانفق على ذلك �أموا ًال طائلة لتقوية دفاعات املدينة �أمام‬ ‫�أي حماولة �صليبية الحتاللها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ت��رك ل�ل�ع��رب �أت �ب��اع ال��دي��ان��ة امل�سيحية احل��ري��ة‬

‫الكاملة ب�صيانة وترميم ما يلزم للكنائ�س والأدي��رة وكل‬ ‫الأم��اك��ن ال�ت��ي يقد�سونها وي�ع�ت��زون بها ك�ت�راث لل�سيد‬ ‫امل�سيح عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬ومل يتوان �صالح الدين‬ ‫الأيوبي من ت�أمني طلباتهم التي يحتاجونها‪.‬‬ ‫املماليك‬ ‫�سـار التطور الذي �شهدته القد�س يف الع�صر الأيوبي يف‬ ‫خط �صاعد وثابت يف ع�صر املماليك‪ ،‬فقد كان هذا الع�صر‬ ‫ال��ذي دام اك�ثر م��ن ‪� 260‬سنة متميزاً ��س��واء يف النه�ضة‬ ‫العمرانية ال�ت��ي �شـهدتها املدينة �أو يف ق�ي��ام امل�ؤ�س�سات‬ ‫الدينية والعلمية وكرثة الأوقاف التي خ�ص�صت لها وقد‬ ‫حظيت فيه املدينة مبظاهر التقدير بو�صفها املدينة‬ ‫الثالثة يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫وق��د ات�خ��ذ اه�ت�م��ام ح�ك��ام امل�م��ال�ي��ك ب��ال�ق��د���س ��ص��وراً‬ ‫عديدة من �أبرزها‪:‬‬ ‫‪ -1‬االهتمام بتعمري املدينة والأماكن الدينية فيها‪ :‬ان‬ ‫معظم الآث��ار الباقية يف القد�س اليوم والتي تعطي‬ ‫للمدينة �صورتها التاريخية هي �آثار مملوكية فمن‬ ‫بني ‪� 153‬أثر ت�ضمنها الفهر�س الذي �أعدته املدر�سة‬ ‫الربيطانية للآثار يف القد�س هناك ‪� 81‬أث��ر ترجع‬ ‫�إل��ى عهد املماليك ه��ذا ف� ً‬ ‫ضال عن �أعمال الرتميم‬ ‫الكثرية لالماكن الدينية املقد�سة وال �سيما مل�سجدي‬ ‫قبة ال�صخرة والأق�صى‪.‬‬ ‫‪ -2‬اه�ت��م املماليك بتزويد القد�س ب��امل��اء فعمروا قناة‬ ‫ال���س�ب�ي��ل ال �ت��ي ك��ان��ت ت�ن�ق��ل امل �ي��اه ل�ل�ق��د���س (احل ��رم‬ ‫ال�شريف) من عني العروب‪.‬‬ ‫‪ -3‬ان�شئوا الربك واال�سبلة واخلانات والربط والزوايا‬ ‫واخلوانق يف املدينة على النحو التايل‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬بنو �أكرث من ع�شرين خاناً يف القد�س‪ .‬‬ ‫ب‪ -‬بنو ‪ 12‬رباط يف املدينة‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ج‪ -‬بنو ‪ 40‬زاوية فيها‪.‬‬ ‫د‪ -‬بنو ‪ 6‬خوانق فيها‪.‬‬ ‫‪ -4‬قام امللك النا�صر حممد بتعمري قلعة القد�س �سنة‬ ‫‪710‬هـ‪1310 /‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬اهتم املماليك ببناء امل��دار���س يف القد�س وبلغ عدد‬ ‫امل��دار���س التي كانت م��وج��ودة يف القد�س يف عهدهم‬ ‫حوايل ‪ 57‬مدر�سـة من بينها ‪ 10‬مدار�س �أن�شئت من‬ ‫قبل الأيوبيني وهذا يعني ان املماليك ان�شئوا حوايل‬ ‫‪ 47‬م��در��س��ة ومنها امل��در��س��ة ال ��دواداري ��ة والتنكزية‬ ‫واجلوهرية واال�شـرفية ال�سلطانية بحيث �أ�صبحت‬ ‫ال �ق��د���س يف ال�ع���ص��ر امل�م�ل��وك��ي م � ��زاراً ل�ل�ع�ل�م��اء من‬ ‫خمتلف �أنحاء العامل الإ�سالمي فجاء �إليها العلماء‬ ‫من املغرب والأندل�س وم�صر والعراق و�إيران وبالد‬


‫ال�شام وا�ستقر عدد كبري منهم فيها‪ ،‬ولذلك كانت‬ ‫ال�ق��د���س �أح��د امل��راك��ز الثقافية والعلمية املهمة يف‬ ‫البالد الإ�سالمية يف الع�صر اململوكي‪.‬‬ ‫وقد خ�ص�ص املماليك الأوقاف يف فل�سطني وخارجها‬ ‫للأنفاق على هذه الأماكن‪ .‬فمث ً‬ ‫ال �أوقف الظاهر بيرب�س‬ ‫قرية العوجا للأنفاق على احلرم ال�شريف‪.‬‬ ‫‪ -6‬اهتم ال�سالطني املماليك ب��زي��ارة القد�س فقد‬ ‫زاره ��ا ال�ظ��اه��ر ب�ي�بر���س �أرب ��ع م ��رات ك�م��ا زاره ��ا ك��ل من‬ ‫ال�سلطان النا�صر حممد وبرقوق والنا�صر فرج بن برقوق‬ ‫وغريهم‪.‬‬ ‫العثمانيون‬ ‫�أول��ى العثمانيون القد�س عناية واهتماماً كبريين‬ ‫ويظهر ذلك فيما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬قام ال�سلطان �سليم الأول عام ‪1516‬م بزيارة للقد�س‬ ‫حيث ت�سلم مفاتيح اجلامع الأق�صى (امل�سجد القبلي)‬ ‫وقبة ال�صخرة وقدم الهدايا والأموال لأهايل املدينة‬ ‫و�أعفاهم من دفع ال�ضرائب‪.‬‬ ‫‪� -2‬أول ��ى ال���س�ل�ط��ان �سـليمان ال�ق��ان��وين ع�ن��اي��ة خا�صة‬ ‫للقد�س ب�ع��د ان ل�ق��ب نف�سه مب�ل��ك (م�ك��ة وامل��دي�ن��ة‬ ‫والقد�س)‪ ،‬وقد قام بعدة �أعمال عمرانية عديدة يف‬ ‫القد�س‪:‬‬ ‫ جدد بناء قبة ال�صخرة امل�شرفة‪.‬‬‫ ب �ن��ى � �س��ور ال �ق��د���س ب�ي�ن ��س�ن�ت��ي ‪934‬ه� � � �ـ‪947 -‬ه� � �ـ‪/‬‬‫‪1527‬م‪1540-‬م‪.‬‬ ‫ رمم قلعة القد�س‪.‬‬‫ بنى التكية العامرة (تكية خا�صكي �سلطان)‪ ،‬وهي‬‫ع �ب��ارة ع��ن رب ��اط وخ ��ان وم���س�ج��د وم�ط�ب�ـ��خ �ضخم‬ ‫لإطعام الفقراء واملحتاجني‪.‬‬ ‫ بنى امل�سجد القيمري وم�سجد الطور وقبتي الأرواح‬‫واخل�ضر وحمامني ومقام النبي داود ومئذنة م�سجد‬ ‫القلعة‪.‬‬ ‫لقد ��س��ار اخل�ل�ف��اء العثمانيون امل �ت ��أخ��رون على نهج‬ ‫�أ�سالفهم الأوائ��ل يف االهتمام بتعمري القد�س والأماكن‬ ‫الدينية ف�أن�شئوا املدار�س وامل�ست�شفيات والربط والزوايا‬ ‫واخلانات العديدة‪.‬‬ ‫الها�شميون والقد�س‬ ‫ال�شريف ح�سني بن علي‬ ‫وقف الها�شميون وعلى ر�أ�سهم ال�شريف احل�سني بن‬ ‫علي منذ قيام الثورة العربية الكربى عام ‪1916‬م موقف‬ ‫املعار�ض ملطالب احلركة ال�صهيونية املتمثلة يف �إقامة‬ ‫ال��وط��ن القومي ال�ي�ه��ودي‪ ،‬فقد �أك��د ال�شريف ح�سني يف‬ ‫ر�سائله �إلى �أهايل فل�سطني وبرقياته �إلى �أع�ضاء اللجنة‬

‫التنفيذية العربية على عروبة فل�سطني واعتبارها جزء‬ ‫م��ن ال��دول��ة العربية ال�ت��ي مت االت�ف��اق على �إقامتها مع‬ ‫بريطانيا‪ ،‬وظهر ذلك يف الإعالن الذي �أذاعته احلكومة‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة الها�شمية يف احل �ج��از مبنا�سبة �سفر الأم�ي�ر‬ ‫عبداهلل �إلى لندن عام ‪1922‬م والذي تقول فيه "ب�أنها ال‬ ‫تنحرف قيد �شعرة عن اخلطة الأ�سا�سية وهي اال�ستقالل‬ ‫التام والوحدة املطلقة للبالد العربية ب�أ�سرها"‪.‬‬ ‫كما �أ�صر ال�شريف ح�سني يف املباحثات التي متت بينه‬ ‫وب�ي�ن بريطانيا لتوقيع م��ا ع��رف ب��امل�ع��اه��دة احل�ج��ازي��ة‬ ‫الربيطانية على �أن تت�ضمن املعاهدة االعرتاف با�ستقالل‬ ‫فل�سطني باعتبارها جزء من البالد العربية فقد قال علي‬ ‫عبا�س املالكي مندوب ال�شريف ح�سني �إلى فل�سطني عام‬ ‫‪1923‬م يف هذا ال�ش�أن ما يلي ‪� " :‬أن املعاهدة قد عر�ضتها‬ ‫على م��والي حكومة �صاحب اجل�لال��ة الربيطانية ويف‬ ‫ال مهماً‬ ‫بع�ض موادها ما مل ي�سرتح له ف�ؤاده فعدلها تعدي ً‬ ‫ن�ص فيه على ا�ستقالل البالد الفل�سطينية ا�ستق ً‬ ‫الال تاماً‬ ‫مطلقاً يخولهم �إدارة �أنف�سهم كم�ستقلني واختيار طريقة‬ ‫حكمهم لأنف�سهم فرتك هذا التعديل وعد بلفور يف حكم‬ ‫�أنه مل ي�صدر �أو ق�ضي عليه باملوت… وي�ؤكد لكم جاللة‬ ‫�سيدي امللك ان احلكومة االجنليزية �إذا مل تقبل ان تكون‬ ‫هذه املعاهدة بهذا التعديل ومبا اقرتحه عليهم ال ميكن‬ ‫�أن مي�ضيها لهم بل يرف�ضها بتاتاً كما و�أنه ي�ؤكد ب�أنه ال‬ ‫ميكن �أن يذهب �شرب �أر�ض من فل�سطني ما دام هو �أو �أحد‬ ‫من �أوالده حي على وج��ه الأر���ض بل ال بد �أن يحافظوا‬ ‫على اقل قرية يف فل�سطني حمافظتهم على البيت احلرام‬ ‫�إلى �آخر نقطة من دمائهم”‪.‬‬ ‫وتظهر هذه املواقف �إ�صرار ال�شريف ح�سني على ان‬ ‫تكون فل�سطني عربية خال�صة و�ضمن ال��دول��ة العربية‬ ‫التي �أراد �أقامتها بقدر �إ��ص��راره��م على املحافظة على‬ ‫البيت احلرام والقد�س ال�شريف‪.‬‬ ‫امللك عبد اهلل الأول‬ ‫��ص��ار امل�ل��ك عبد اهلل متتبعاً �سيا�سة وال��ده ال�شريف‬ ‫ح�سني يف موقفه م��ن الق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬فعار�ض‬ ‫احل��رك��ة ال�صهيونية ومطالبها يف فل�سطني فهو يقول‬ ‫يف ذلك‪" :‬ان فل�سطني عربية ويجب ان تبقى عربية �إلى‬ ‫ما �شاء اهلل‪ ،‬و�أن ال�صهيونيني لي�س لهم فيها �أدنى حق"‪،‬‬ ‫كما كان الأم�ير عبداهلل يدعو العرب لعدم التعامل مع‬ ‫اليهود �أو بيع �إيجار �أو رهن �أية �أرا�ضي لهم ويلعن كل من‬ ‫يتعامل معهم ر�أ�ساً �أو بالوا�سطة �أو ي�سعى لإدخالهم للبالد‬ ‫العربية‪ ،‬ولذلك �أك��د على �ضرورة االحتفاظ بالأرا�ضي‬ ‫يف فل�سطني من خالل دعم �صندوق الأم��ة الفل�سطيني‪،‬‬ ‫ففي ع��ام ‪1945‬م ت�برع �سموه ب�ح��وايل �أل��ف جنيه دعماً‬ ‫لهذا ال�صندوق فهو يقول مو�ضحاً �أهمية ه��ذا امل�شروع‬ ‫"ان ت�شجيعنا ملثل هذا امل�شروع اجلليل �سوف ي�ؤدي �إلى‬ ‫احتفاظنا ب�أرا�ضي فل�سطني عربية ونثبت للأجنبي �أننا‬ ‫�شعب ال يفرط بعروبته ووحدته"‪.‬‬ ‫لقد اهتم امللك عبداهلل بدعم الق�ضية الفل�سطينية‬ ‫يف خمتلف جوانبها ال�سيا�سية واالقت�صادية وظهر ذلك‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫يف م��واق��ف ع��دي��دة فقد ا��ش�ترك وف��د �أردين يف امل��ؤمت��ر‬ ‫الإ� �س�ل�ام��ي ال �ع��ام ال ��ذي ع�ق��د يف ال �ق��د���س ع ��ام ‪1931‬م‪،‬‬ ‫وق��د رح��ب امل�ل��ك ع �ب��داهلل بجميع �أع �� �ض��اء ه��ذا امل��ؤمت��ر‬ ‫ودعاهم لزيارته يف ال�شونة وتبادل معهم احلديث حول‬ ‫الق�ضية الفل�سطينية وامل���ش��اك��ل املختلفة ال�ت��ي ت��واج��ه‬ ‫ال �ع��امل الإ� �س�لام��ي‪ ،‬ويف ع��ام ‪1933‬م ق��ام امل�ل��ك ع�ب��داهلل‬ ‫بزيارة للمعر�ض العربي يف القد�س الذي �أقيم لت�شجيع‬ ‫ال�صناعات العربية ودعى الغرف التجارية الأردنية ل�شراء‬ ‫الب�ضائع الوطنية‪.‬‬ ‫وع �ن��دم��ا ظ �ه��رت ال� ��دع� ��وات ال�بري �ط��ان �ي��ة لتق�سيم‬ ‫فل�سطني ب�ين ال �ع��رب وال �ي �ه��ود رف ����ض الأم �ي�ر ع�ب��داهلل‬ ‫هذه امل�شاريع الداعية لهذا التق�سيم م�ؤكداً على عروبة‬ ‫فل�سطني ورف�ض كل حل جمحف بحق الفل�سطينيني‪.‬‬ ‫وق��د جت�ل��ى اه�ت�م��ام الأم�ي�ر ع �ب��داهلل بفل�سطني وم��ا‬ ‫يجري فيها من �أحداث من خالل الزيارات �شبه الدائمة‬ ‫ال�ت��ي ك��ان ي�ق��وم ب�ه��ا ل�ل�م��دن الفل�سطينية‪ ،‬وق��د حظيت‬ ‫القد�س بن�صيب كبري من هذا االهتمام فمن بني ‪ 93‬زيارة‬ ‫قام بها امللك عبداهلل للمدن الفل�سطينية يف الفرتة ما‬ ‫بني عامي ‪ ،1950 – 1922‬حظيت القد�س منها بحوايل‬ ‫‪ 41‬زي��ارة‪ ،‬وهذا يظهر العناية الكبرية التي �أواله��ا امللك‬ ‫عبداهلل للقد�س وق��د و�ضح ه��ذا االهتمام بقوله “فيها‬ ‫حلد �أبي وفيها قومي و�أولى القبلتني وثالث احلرمني”‪،‬‬ ‫ولقد ا�ست�شهد امللك عبداهلل على �أبواب امل�سجد الأق�صى‬ ‫يف �أثناء ا�ستعداده لت�أدية �صالة اجلمعة يف املدينة التي‬ ‫جاهد م��ن �أج��ل بقاءها عربية �إ�سالمية‪ .‬وك��ان الأم�ير‬ ‫عبداهلل خالل زيارته للقد�س حري�صاً على زيارة امل�سجد‬ ‫الأق�صى وقبة ال�صخرة وت�أدية ال�صالة فيهما‪ ،‬ومتابعة ما‬ ‫حتتاجه الأماكن الدينية فيها من تعمري وترميم‪ ،‬ففي‬ ‫عام ‪1950‬م رعى م�شروعاً لت�صليح نوافذ امل�سجد الأق�صى‬ ‫(احلرم القد�سي ال�شريف) ورعى يف نف�س العام م�شروعاً‬ ‫لإعادة بناء كني�سة القيامة‪.‬‬ ‫يف �أيار عام ‪1948‬م �أعلنت بريطانيا عن انتهاء انتدابها‬ ‫على فل�سطني ويف نف�س العام �أعلن اليهود عن قيام دولة‬ ‫�إ�سرائيل فرف�ض الفل�سطينيون والعرب هذا القرار وبد�أت‬ ‫يف ه��ذا ال��وق��ت الهجمات اليهودية على ال�سكان العرب‬ ‫فقدم امللك عبداهلل امل�ساعدات الع�سكرية للفل�سطينيني‬ ‫ففي ع��ام ‪� 1948‬أم��ر امل�ل��ك ع�ب��داهلل بتجنيد (‪� )50‬شاباً‬ ‫كحر�س وطني لت�أمني الدفاع عن قبائل بئر ال�سبع كما‬ ‫�أ�صدر �أوامره �إلى القائد حكمت مهيار بتعيني (‪� )50‬شاباً‬ ‫للمحافظة على الأمن والدفاع عن اخلليل �أمام الهجمات‬ ‫اليهودية‪.‬‬ ‫ون �ت �ي �ج��ة ال� �ش �ت��داد ه �ج �م��ات ال �ي �ه��ود ع �ل��ى ال���س�ك��ان‬ ‫الفل�سطينيني ف�ق��د �أر� �س �ل��ت ال� ��دول ال�ع��رب�ي��ة امل �ج��اورة‬ ‫(الأردن‪� ،‬سوريا‪ ،‬لبنان‪ ،‬م�صر) جيو�شها �إل��ى فل�سطني‬ ‫للت�صدي للهجمات اليهودية وقد خا�ض اجلي�ش الأردين‬ ‫معارك عديدة يف فل�سطني والقد�س منها اللطرون وباب‬ ‫الواد ا�ستطاع يف �أعقابها حتقيق ما يلي‪:‬‬ ‫· االحتفاظ بالقد�س ال�شرقية واحليلولة دون وقوعها‬

‫حتت االحتالل الإ�سرائيلي‪.‬‬ ‫· متكنت ال �ق��وات الأردن �ي��ة م��ن �إخ ��راج امل�ستوطنني‬ ‫اليهود من حارة ال�شرف العربية يف البلدة‪.‬‬ ‫· االحتفاظ مب��ا ع��رف فيما بعد بال�ضفة الغربية‬ ‫واحليلولة دون وقوعها ب�أيدي القوات الإ�سرائيلية‪.‬‬ ‫وحدة ال�ضفتني‬ ‫يف ‪1950/4/24‬م وع�ل��ى �أث��ر امل ��ؤمت��ر الفل�سطيني يف‬ ‫�أريحا وقرار جمل�س الأمة الأردين الذي مثل ال�ضفتني‬ ‫مت��ت امل��واف�ق��ة على ال��وح��دة لل�ضفتني يف دول��ة واح��دة‪،‬‬ ‫وبعد الوحدة ازدادت عناية امللك عبداهلل بالقد�س و�أ�صر‬ ‫على بقاءها عربية �إ�سالمية مما جعله يرف�ض مطالب‬ ‫اليهود يف احل�صول على ممر �إلى حائط الرباق ويرف�ض‬ ‫مطالب بريطانيا بال�سماح بالهجرة اليهودية �إلى القد�س‬ ‫ال�شرقية‪ ،‬كما رف�ض مطالب الفاتيكان بتدويل الأماكن‬ ‫املقد�سة‪ ،‬وك��ان يقول‪" :‬ان احتفاظه ب�إ�سالمية القد�س‬ ‫وعروبتها هو عزا�ؤه عن كل ظلم حلق به"‪.‬‬ ‫امللك طالل والقد�س‬ ‫ل�ق��د حظيت ال�ق��د���س ب��ال��رع��اي��ة وااله �ت �م��ام م��ن قبل‬ ‫امللك طالل بعد توليه العر�ش‪ ،‬فقد زار القد�س و�صلى يف‬ ‫م�سجدها الأق�صى وعرب فيها عن �سعادته ببقاء املدينة‬ ‫عربية �إ�سالمية فهو ي�ق��ول يف �إح ��دى خطبه فيها عام‬ ‫‪1951‬م لقد جئت لأراكم وازور مدينتكم التي احتفظ بها‬ ‫عربية بعون اهلل وتوفيقه فاطم�أن العامل على مقد�ساته‬ ‫واطم�أن العرب على �أن ما يف �أيديهم �أقد�س ما يف القد�س"‪.‬‬ ‫امللك احل�سني بن طالل والقد�س‬ ‫فما �أن ت�سلم امللك الراحل احل�سني بن طالل �سلطاته‬ ‫الد�ستورية يف الثاين من �أيار �سنة ‪1952‬م وبايعته الأمة‪،‬‬ ‫حتى حمل �أم��ان��ة القد�س يف عنقه بكل م��ا تعنيه عبارة‬


‫الأم��ان��ة ال���ش��رع�ي��ة م��ن م���ض��ام�ين‪ .‬ف�ك��ان ال �ك��فء حلمل‬ ‫الأم��ان��ة واملنافح ع��ن ه��ذه املدينة املقد�سة‪ .‬فقد �أعطى‬ ‫القد�س �أهمية خا�صة مبا خ�ص املقد�سات الدينية فيها‬ ‫بعناية واهتمام متميزين‪( .‬وقد يف عده ازده��ر العمران‬ ‫وال�صيانة وكل ما يحتاجه امل�سجد الأق�صى املبارك و�صدر‬ ‫ق��ان��ون اع�م��ار امل�سجد الأق���ص��ى وق�ب��ة ال�صخرة امل�شرفة‬ ‫(قانون رقم ‪ 32‬ل�سنة ‪1954‬م) و�شكلت وجلنة اعمار امل�سجد‬ ‫الأق�صى وقبة ال�صخرة مبوجب هذا القانون والتي تولت‬ ‫كافة الإ� �ش��راف وتنفيذ االع �م��ارات الها�شمية منذ ذلك‬ ‫التاريخ حتى الآن كما �أمر جاللته بت�شكل اللجنة امللكية‬ ‫ل�ش�ؤون القد�س عام ‪ )1971‬ويت�ضح ذلك من قوله رحمه‬ ‫اهلل‪�(( :‬إن الق�ضية التي ندافع عنها هي �أعدل ق�ضية يف‬ ‫التاريخ‪ ،‬فنحن مل نعتد على �أحد‪ ،‬ومل ن�سلب �أحداً �أر�ضاً‬ ‫�أو قرية �أو مدينة‪ ،‬والذي جرى �أن �أنا�ساً من جميع �أنحاء‬ ‫ال�ع��امل غ��زوا ال��وط��ن و� �ش��ردوا �أه�ل��ه‪ ،‬ث��م �أخ ��ذوا يزعمون‬ ‫�أنهم يريدون ال�سالم‪ .‬وقد �سخّ روا جميع و�سائل الدعاية‬ ‫ليظهروا مبظهر امل�ساكني‪� ،‬إنهم ي�ستهينون بالقرارات‬ ‫الدولية ويهددون الأمن القومي بالتو�سع والعدوان))‪.‬‬ ‫ظل امللك احل�سني بن طالل طوال حياته ي�ؤكد على‬ ‫�أن ال�ق��د���س لي�ست م��و��ض��وع م�ساومة ب�ين الأردن وبني‬ ‫�إ�سرائيل‪ ،‬لأن القد�س جزء من الأر���ض العربية املحتلة‪،‬‬ ‫وعلى �إ�سرائيل �أن تن�سحب منها كما تن�سحب من غريها‬ ‫من املناطق العربية املحتلة‪ ،‬وبغري هذا لن يقوم ال�سالم‪.‬‬ ‫فالقد�س بالن�سبة للح�سني مفتاح ال�سالم ورم��زه معرباً‬ ‫عن ذلك بقوله‪:‬‬ ‫((ال ��رم ��ز احل�ق�ي�ق��ي ل�ل���س�لام ه��و ال �ق��د���س وع��ودت�ه��ا‬ ‫عربية هو املعيار الوحيد ل�صدق الداعني �إلى ال�سالم يف‬ ‫املنطقة))‪.‬‬ ‫وك� ��ل م ��ن ي �ط��ال��ع جم �م��وع��ة خ �ط��ب امل �ل��ك ال��راح��ل‬ ‫احل�سني بن ط�لال يالحظ اهتمامه امل�ستمر بالق�ضية‬ ‫الفل�سطينية ع��ام��ة وب��ال�ق��د���س خ��ا��ص��ة‪ .‬واحل���س�ين كما‬ ‫هو معروف عنه ُيت ِب ُع القول العمل‪ ،‬ال بل يعمل قبل �أن‬ ‫يتحدث‪ .‬فالقد�س بالن�سبة للح�سني كانت منار العني‬ ‫وموطن العزم‪ ،‬والدافع القوي النف�سي والديني؛ فمن‬ ‫قد�سية القد�س ظل على الدوام ي�ستمد ال�صرب وال�شجاعة‬ ‫والقوة والعزمية‪.‬‬ ‫امللك عبد اهلل الثاين بن احل�سني والقد�س‬ ‫ا�ستمراراً جلهود القيادة الها�شمية يف احلفاظ على‬ ‫القد�س ومقد�ساتها الإ�سالمية وامل�سيحية وحر�صاً منها‬ ‫على الق�ضية الفل�سطينية منذ عهد ال�شريف احل�سني بن‬ ‫علي واملغفور لهم �أ�صحاب اجلاللة امللك امل�ؤ�س�س وامللك‬ ‫طالل وامللك احل�سني طيب اهلل ثراهم‪ ،‬فما زالت الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية وال�ق��د���س ه�م��ا حم��ور ال�ن���ش��اط ال�سيا�سي‬ ‫والدبلوما�سي جلاللة امللك عبداهلل الثاين ابن احل�سني‬ ‫منذ توليه �سلطاته الد�ستورية يف ال�سابع م��ن �شباط‬ ‫‪1999‬م‪.‬‬ ‫ل �ق��د ح �م��ل ج�لال �ت��ه ه��ات�ين ال�ق���ض�ي�ت�ين ((وم�ع�ه�م��ا‬ ‫الطموح الفل�سطيني يف التمتع بحقه يف تقرير م�صريه‪،‬‬

‫و�إق��ام��ة دولته امل�ستقلة ذات ال�سيادة الكاملة على ترابه‬ ‫الوطني يف ال�ضفة الغربية وقطاع غزة املحتلني منذ �سنة‬ ‫‪1967‬م وعا�صمتها القد�س ال�شرقية)) حيثما رحل وحل‬ ‫يف �شتى �أنحاء املعمورة باعتبارها ق�ضايا وطنية‪ ،‬ف�ضال‬ ‫ع��ن �أن �ه��ا ق�ضايا ق��وم�ي��ة و�إ��س�لام�ي��ة‪ .‬ول �ه��ذا ظ�ل��ت تلك‬ ‫الق�ضايا ت�ستحوذ على تفكري جاللته‪ ,‬وحم��ور �أحاديثه‬ ‫يف كل لقاءاته مع م�ؤ�س�سات ودوائر �صنع القرار ال�سيا�سي‬ ‫ال ��دويل‪ .‬وي�ق��ول جاللته يف ه��ذا ال���ص��دد‪�" :‬إن اجلهود‬ ‫ال�ت��ي ن�ق��وم ب�ه��ا ل�ت��وف�ير ال��دع��م ال�ع��رب��ي وال ��دويل لدفع‬ ‫عملية ال�سالم هدفها �إقامة الدولة الفل�سطينية امل�ستقلة‬ ‫وعا�صمتها القد�س ال�شريف”‪.‬‬ ‫�إن ت���ص��ري�ح��ات ج�لال��ة امل �ل��ك ع �ب��داهلل ال �ث��اين "ب�أن‬ ‫للقد�س ال�شريف وعلى مدى التاريخ مكانة خا�صة لدى‬ ‫الها�شميني‪ ،‬ولدى كل �أبناء العامل الإ�سالمي والعربي‪،‬‬ ‫و�أن�ه��ا حية يف �ضمري ووج ��دان ك��ل ع��رب��ي وم�سلم‪ ،‬ولها‬ ‫ارت �ب��اط �أزيل وث�ي��ق بعقيدتنا ودي�ن�ن��ا احلنيف ال ينهيه‬ ‫احتالل وال تلغيه حواجز �أو حدود"؛ تلقى �إجماعاً لدى‬ ‫املهتمني يف مو�ضوع القد�س‪ ،‬وه��ي ت�شكل موقفا �أردنيا‬ ‫ثابتا يجب على ال�ع��رب وامل�سلمني �أن يبنوا عليه‪ ،‬و�أن‬ ‫ي�ضغطوا ب��اجت��اه م��وق��ف دويل ف��اع��ل وم ��ؤث��ر ي�سهم يف‬ ‫�إيقاف االعتداءات الإ�سرائيلية بحق القد�س ومقد�ساتها‬ ‫واحليلولة دون ت�ك��راره��ا‪ ،‬ومب��ا ي�ضمن حماية الأق�صى‬ ‫ال���ش��ري��ف‪ ،‬وي �ح��ول دون �أي ��ة ن�ت��ائ��ج ك��ارث�ي��ة تت�سبب بها‬ ‫�إ�سرائيل‪.‬‬ ‫واعرتافاً بجهود جاللته املتوا�صلة يف خدمة القد�س‬ ‫والدور الأردين البارز يف رعاية الأماكن املقد�سة‪ ،‬والدفاع‬ ‫عنها وما قام به من حترك �سيا�سي ودبلوما�سي على جميع‬ ‫امل�ستويات عندما تعر�ضت الع�ت��داءات من قبل �سلطات‬ ‫االح�ت�لال الإ�سرائيلي لوقف ه��ذه االع �ت��داءات‪ ،‬والعمل‬ ‫على تثبيت املواطنني العرب من م�سلمني وم�سيحيني يف‬ ‫القد�س ال�شريف باعتبارها �أولوية �أردنية ها�شمية مل ولن‬ ‫تتوانى اململكة عن بذل كل جهد ممكن لتحقيقها مما �أكد‬ ‫"�أن الأق�صى �أمانة يف عنق جاللته وانه �سي�ستمر يف دعمه‬ ‫�سرياً على خطى الآب��اء والأج ��داد من جيل �إل��ى جيل"‪،‬‬ ‫وت ��ؤك ��د مب��ا ال ي ��دع جم ��اال ل�ل���ش��ك ع�ل��ى ع�م��ق ال�ع�لاق��ة‬ ‫ال��دي�ن�ي��ة وال �ت��اري �خ �ي��ة ال �ت��ي ت��رب��ط الأ�� �س ��رة الها�شمية‬ ‫بالأق�صى املبارك‪.‬‬ ‫ل��ذل��ك مت جت��دي��د الو�صاية الها�شمية على القد�س‬ ‫واملقد�سات جلاللته بتوقيع اتفاقية جتديد هذه الو�صاية‬ ‫من قبل جاللته وفخامة الرئي�س حممود عبا�س بتاريخ‬ ‫‪� 31‬آذار ‪.2013‬‬ ‫وق��د �أك��د جاللته على خ�ط��ورة ق��رار ت��رام��ب الأخ�ير‬ ‫على �أمن وا�ستقرار املنطقة وجهود حتقيق ال�سالم‪ ،‬و�أكد‬ ‫يف �أكرث من منا�سبة دعمه ل�صمود �أهل القد�س واحلفاظ‬ ‫على املقد�سات الإ�سالمية وامل�سيحية فيها‪ ،‬وقال جاللته‬ ‫"�سنوا�صل واج�ب�ن��ا ال�ت��اري�خ��ي املمتد منذ عهد جدنا‬ ‫ال�شريف احل�سني بن علي يف حماية ورعاية املقد�سات يف‬ ‫القد�س ال�شريف"‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪15‬‬


‫‪16‬‬

‫هذا االهتمام الكبري باملقد�سات الإ�سالمية يف القد�س‬ ‫من قبل جاللة امللك‪� ،‬شكّل ا�ستمرارية للنهج الها�شمي يف‬ ‫رعاية هذه املقد�سات منذ �أمد بعيد‪ ،‬و�أخذت تلك الرعاية‬ ‫�إطارا م�ؤ�س�سيا متثل يف �إن�شاء ال�صندوق الها�شمي لإعمار‬ ‫امل�سجد الأق�صى وقبة ال�صخرة امل�شرفة‪ ،‬مبوجب قانون‬ ‫�صدر عام ‪ 2007‬بعد تعديل قانون �إعمار امل�سجد الأق�صى‬ ‫رقم ‪ 32‬ل�سنة ‪ ،1954‬وي�شرف على ال�صندوق جمل�س �أمناء‬ ‫برئا�سة �سمو الأمري غازي بن حممد املبعوث ال�شخ�صي‪،‬‬ ‫امل�ست�شار اخلا�ص جلاللة امللك‪.‬‬ ‫وقد �أول��ت جلنة �إعمار امل�سجد الأق�صى املبارك وقبة‬ ‫ال�صخرة امل�شرفة‪ ،‬امل�شكلة مبوجب القانون الأردين رقم‬ ‫‪ 32‬ل�سنة ‪1954‬م‪ُ ،‬ج ّل عنايتها بامل�سجد الأق�صى املبارك‪،‬‬ ‫وما ي�شتمل عليه من م�ساجد وقباب وحماريب وغريها‬ ‫م��ن امل�ع��امل احل���ض��اري��ة‪ ،‬وق��ام��ت ب�شكل متوا�صل وعمل‬ ‫د�ؤوب ب�صيانة وترميم هذه املعامل‪ ،‬و�أزال��ت �آثار احلريق‬ ‫الذي جاوز �أكرث من ثلث م�ساحة امل�سجد‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى‬ ‫�إع�م��ار م�سجد قبة ال�صخرة امل�شرفة الأول‪ ،‬ال��ذي يعود‬ ‫تاريخه �إلى عام ‪691‬م‪.‬‬ ‫واجلدير ذكره ان ملف القد�س والق�ضية الفل�سطينية‬ ‫هو �أول بند يف مباحثات جاللة امللك وزياراته واجتماعاته‬ ‫خارج الأردن واملنظمات الدولية‪ .‬م�ؤكداً �أن �إقامة الدولة‬ ‫الفل�سطينية وعا�صمتها القد�س ال�شرقية �أ�سا�س ال�سالم‬ ‫والأمن الدوليني‪.‬‬ ‫الأمري احل�سن بن طالل والقد�س‬ ‫بيد �أن ب��ان��ورام��ا‪<< :‬الها�شميون والقد�س>> ال‬ ‫ميكن له �أن يتكامل �أو يكتمل دون ق��راءة ملكانة القد�س‬ ‫لدى �سمو الأمري احل�سن بن طالل الذي غطى مب�ؤلفاته‬ ‫ودرا� �س ��ات ��ه و�أح ��ادي �ث ��ه يف امل �ح��اف��ل ال��وط �ن �ي��ة وال�ع��رب�ي��ة‬ ‫والإقليمية والدولية‪ ،‬ويف حواراته ومقابالته مع و�سائل‬ ‫الإع�لام املقروءة وامل�سموعة واملرئية الأردن�ي��ة والعربية‬ ‫والأجنبية ق�ضية القد�س ب�أبعادها املختلفة وبخا�صة‬ ‫الدميغرافية وال�سيا�سية والقانونية والروحية التي ال‬ ‫غنى لأي باحث يف ق�ضية القد�س من الرجوع �إليها حيث‬

‫تركزت على املعطيات الآتية‪:‬‬ ‫ التنبيه �إلى خماطر �سيا�سة �إ�سرائيل اال�ستيطانية‪.‬‬‫ توجيه النقد ل�سيا�سة الغرب الت�سليحية لإ�سرائيل‪.‬‬‫ التحذير املتكرر من خماطر التغريات الدميغرافية‬‫ال �ت ��ي حت��دث �ه��ا �إ� �س ��رائ �ي ��ل يف الأرا� � �ض � ��ي ال �ع��رب �ي��ة‬ ‫الفل�سطينية املحتلة ويف القد�س خا�صة‪.‬‬ ‫ ت�أكيده املتكرر على �أن ال�سيادة على ال�شطر ال�شرقي‬‫من القد�س ال بد و�أن تكون للعرب وحتديداً لعرب‬ ‫فل�سطني‪.‬‬ ‫ ت�شديد �سموه على ��ض��رورة ان�سحاب �إ�سرائيل من‬‫كافة “املناطق العربية املحتلة ويف مقدمتها القد�س‬ ‫العربية يف �إطار حل �شامل وعادل‪.‬‬ ‫ التحذير م��ن خ�ط��ورة م�س�ألة “اال�ضطهاد الثقايف‬‫املبا�شر املدعوم بالقوة الع�سكرية”‪.‬‬ ‫ دعوة املجتمع الدويل �إلى �ضرورة مواجهة امل�شكالت‬‫املرتتبة عن االحتالل‪.‬‬ ‫ احل� ��ر�� ��ص ع� �ل ��ى ت� �ع ��زي ��ز ال � �ع �ل�اق� ��ات م� ��ع الأخ � � ��وة‬‫الفل�سطينيني وذلك من خالل اجل�سور املفتوحة مبا‬ ‫يحفظ للقد�س وال�ضفة الغربية عروبتها‪ ،‬وميهد‬ ‫الطريق �أم��ام انف�صال االقت�صاد الفل�سطيني عن‬ ‫اقت�صاد دولة االحتالل‪.‬‬ ‫ ا�ستبعاد �إمكانية التعاي�ش العربي الفل�سطيني –‬‫الإ�سرائيلي يف ظل االحتالل‪.‬‬ ‫ ال��دع��وة لإن�شاء �شبكة دولية تتولى ق�ضية القد�س‬‫بالتعريف والدعاية يف �سائر �أنحاء العامل وخ�صو�صاً‬ ‫يف العامل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ ال �ت ��أك �ي��د ع �ل��ى ال �ت ��راث امل �� �ش�ت�رك ب�ي�ن امل���س�ل�م�ين‬‫وامل�سيحيني يف مدينة القد�س‪.‬‬ ‫ الت�أكيد على الهوية العربية اليبو�سية الكنعانية‬‫للقد�س‪.‬‬ ‫‪ -‬الأردن هو الأردن وفل�سطني هي فل�سطني‪.‬‬


‫مواقف رابطة العالم االسالمي‬

‫في الدفاع عن االقصى والقدس‬ ‫دراسات‬

‫إعداد الدكتور مازن الفاعوري‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫ان اح��د م�ه��ام راب�ط��ة ال�ع��امل اال��س�لام��ي ه��و ال��دف��اع‬ ‫عن املقد�سات اال�سالمية عامة وامل�سجد االق�صى خا�صة‬ ‫ب�سبب وقوعه حتت براثن االع��داء حيث تقوم الرابطة‬ ‫بالدعوة وتقدمي العون للم�سلمني يف فل�سطني املحتلة‬ ‫وحل م�شكالتهم وتنفيذ م�شاريعهم الدعوية والتعليمية‬ ‫والرتبوية والثقافية‪.‬‬ ‫ان م��ن ال�ع�لاق��ات ال��وط�ي��دة واالرت �ب��اط��ات الوثيقة‬ ‫واحلقوق املتينة التي تربط امل�سلمني مبدينة القد�س‪،‬‬ ‫هي االرتباط ا ْل َعق َِدي (ن�سبة �إلى العقيدة) ويتمثل هذا‬ ‫االرتباط ا ْل َعق َِدي بالقد�س يف معجزة الإ�سراء واملعراج‬ ‫فقد �أ�سري بالر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم من‬ ‫امل�سجد احلرام مبكة املكرمة �إلى امل�سجد الأق�صى املبارك‬ ‫مبدينة القد�س‪ ،‬وع��رج به من امل�سجد الأق�صى املبارك‬ ‫�إل��ى ال���س�م��اوات العلى عند ��س��درة املنتهى عندها جنة‬ ‫امل� ��أوى‪ ،‬فكانت القد�س حم��وراً لهذه احل��ادث��ة الربانية‬ ‫وذل��ك لبيان �أه�م�ي��ة ال�ق��د���س ول��رف��ع �ش�أنها ومنزلتها‪،‬‬ ‫ومبا �أن حادثة الإ�سراء واملعراج معجزة واملعجزة متثل‬ ‫جزءاً من العقيدة الإ�سالمية كان ارتباط امل�سلمني بهذه‬ ‫املدينة ارتباطاً َعق َِدياًّ‪.‬‬

‫موقف رابطة العامل الإ�سالمي التاريخي من‬ ‫ق�ضية القد�س‪:‬‬ ‫يف امل�ؤمتر الإ�سالمي العام الذي ُعقد خالل الفرتة‬ ‫م��ن ‪ 20-18‬م��اي��و ‪ 1962‬م مب�ك��ة امل �ك��رم��ة‪ ،‬ق��رر امل��ؤمت��ر‬ ‫اع�ت�ب��ارم�ك��ان��ة ال �ق��د���س وف�ل���س�ط�ين ه��ي امل �ك��ان��ة الأول ��ى‬ ‫م��ن جميع الق�ضايا الإ��س�لام�ي��ة كما �أع�ل��ن ب�ط�لان كل‬ ‫الإج��راءات الإ�سرائيلية يف فل�سطني والهادفة �إلى �إقرار‬ ‫الأمر الواقع و�أحال امل�ؤمتر �إلى رابطة العامل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫درا� �س��ة �آل �ي��ات جتنيد امل�سلمني خل��دم��ة ق�ضية الأر���ض‬ ‫املقد�سة‪ ،‬وح�شد الطاقات الإ�سالمية لإنقاذها‪ .‬ويف الدورة‬ ‫الثانية للم�ؤمتر‪ ،‬ال��ذي ُعقد خالل الفرتة من ‪24 -17‬‬ ‫�أبريل ‪1965‬م‪� ،‬أكد �أن ق�ضية فل�سطني هي الق�ضية الأولى‬ ‫يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬و�أنه من الواجب املحتم العمل على‬ ‫�إن�ق��اذ ال�ب�لاد املقد�سة التي ت�ضم امل�سجد الأق�صى و�أن‬ ‫ذلك �أ�صبح واجباً �شرعياً و�إن�سانياً على جميع امل�سلمني‪.‬‬ ‫كما �أعلن رف�ضه ملقررات الأمم املتحدة اخلا�صة بتق�سيم‬ ‫فل�سطني وت��دوي��ل القد�س‪ .‬ولقد نا�شد امل��ؤمت��ر ال��دول‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬تزويد مناطق احلدود الفل�سطينية بال�سالح‬ ‫ال�ل�ازم حلماية الأم��اك��ن املقد�سة‪� ،‬أي قبل ع��ام�ين من‬ ‫العدوان الإ�سرائيلي على الدول العربية يف يونيه ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وا�ستيالئها على مدينة القد�س كاملة‪.‬‬ ‫وبدعوة من الأم��ان��ة العامة للرابطة‪ُ ،‬عقد م�ؤمتر‬ ‫املنظمات الإ�سالمية يف مكة املكرمة‪ ،‬خالل الفرتة من‬ ‫‪� 10 - 6‬أبريل ‪ ،1974‬و�ضم وفوداً من املنظمات وامل�ؤ�س�سات‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬بلغ عددها ‪ 140‬وفداً‪ .‬وكانت ق�ضية القد�س‬ ‫يف مقدمة املو�ضوعات التي تناولها امل�ؤمتر‪ ،‬حيث �أكد �أن‬ ‫ال�سيادة العربية على مدينة القد�س �أمر ال يجوز التنازل‬ ‫عنه‪ ،‬و�إن�شاء �صندوق �إ�سالمي متوله الدول الإ�سالمية‬ ‫لدعم �صمود �أهل مدينة القد�س‪ .‬كذلك ُعقد �أول م�ؤمتر‬ ‫ل��ر��س��ال��ة امل���س�ج��د‪ ،‬خ�ل�ال ال �ف�ترة م��ن ‪� 23-20‬سبتمرب‬ ‫‪1975‬م‪ ،‬ح�ضره وف��ود دول ومنظمات و�أقليات �إ�سالمية‬ ‫من ثمانني دول��ة‪� ،‬إ�ضافة �إل��ى الأم��ان��ة العامة للرابطة‬ ‫الإ�سالمية‪ .‬ولقد �أو�صى امل�ؤمتر بت�شكيل كتائب اجلهاد‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬لإنقاذ املقد�سات بالتعاون مع املجاهدين من‬ ‫�أه��ل فل�سطني‪ ،‬مع ت�شكيل جلنة دائمة حتت ا�سم جلنة‬ ‫امل�سجد الأق�صى‪ ،‬يكون مقرها رابطة العامل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ملتابعة العمل اجلاد ال�سرتداد املقد�سات الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪17‬‬


‫‪18‬‬

‫كان للأمانة العامة للرابطة الإ�سالمية دور فاعل‪ ،‬يف‬ ‫عقد امل�ؤمتر الإ�سالمي الآ�سيوي الأول يف كرات�شي خالل‬ ‫ال�ف�ترة م��ن ‪ 8 -6‬يوليه ‪1978‬م حيث ت�صدرت القد�س‬ ‫وفل�سطني ق�ضايا العامل الإ�سالمي التي ناق�شها امل�ؤمتر‪،‬‬ ‫ك�م��ا ح��ث احل�ك��وم��ات الإ��س�لام�ي��ة ع�ل��ى ات �خ��اذ ال �ق��رارات‬ ‫الفعالة‪ ،‬لتحرير امل�سجد الأق�صى‪ ،‬وامل�سجد الإبراهيمي‪،‬‬ ‫وجميع الأرا�ضي املحتلة‪ .‬كذلك كان للرابطة دور فاعل‬ ‫يف امل�ؤمتر الثالث ل��وزراء الأوق��اف وال�ش�ؤون الإ�سالمية‪،‬‬ ‫الذي عقد يف مكة املكرمة‪ ،‬خالل الفرتة من ‪ 19 -17‬يونيه‬ ‫‪1980‬م حيث نا�شد امل�ؤمتر ال��دول الإ�سالمية‪ ،‬بالتجاوب‬ ‫م��ع م�ساعي م��ؤمت��ر القمة الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬ال�ه��ادف��ة جلمع‬ ‫طاقات العامل الإ�سالمي‪ ،‬ملواجهة العدوان الإ�سرائيلي‬ ‫وتطهري القد�س وحترير فل�سطني‪.‬‬ ‫ا�ستجابة لدعوة الأمانة العامة للرابطة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫ُعقد امل�ؤمتر الإ�سالمي لأمريكا اجلنوبية يف الربازيل‪،‬‬ ‫خالل الفرتة من ‪�29 -27‬سبتمرب ‪1985‬م ولقد انبثق عن‬ ‫امل��ؤمت��ر العديد م��ن اللجان‪ ،‬ك��ان �أهمها جلنة القد�س‪.‬‬ ‫حيث ناق�ش امل�ؤمتر ما تتعر�ض له املقد�سات الإ�سالمية يف‬ ‫فل�سطني‪ ،‬وخا�صة امل�سجد الأق�صى‪ ،‬من انتهاك حلرمتها‬ ‫كما �أدان عمليات احلفر والتنقيب التي تقوم بها ال�سلطات‬ ‫الإ��س��رائ�ي�ل�ي��ة ح��ول امل�سجد الأق���ص��ى‪ ،‬واق�ت�ح��ام ال�ق��وات‬ ‫الإ�سرائيلية امل�ساجد واملقد�سات الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ُع�ق��د امل ��ؤمت��ر الإ��س�لام��ي ال�ع��ام ال�ث��ال��ث‪ ،‬حت��ت رعاية‬ ‫خ ��ادم احل��رم�ين ال�شريفني امل�ل��ك ف�ه��د ب��ن عبدالعزيز‪،‬‬ ‫خ�ل�ال ال �ف�ترة ‪� 15-11‬أك�ت��وب��ر ‪1987‬م وط��ال��ب امل��ؤمت��ر‬ ‫ب�ضرورة الإعداد للجهاد لتحرير الأر�ض املحتلة والقد�س‬ ‫ال �� �ش��ري��ف‪ ،‬وم��وا� �ص �ل��ة اجل �ه��اد يف ��س�ب�ي��ل اهلل با�ستنفار‬ ‫ال�شعوب الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬كما �شجب امل��ؤمت��ر االع�ت��داء على‬ ‫امل�سجد الأق�صى و�صالة اليهود فيه‪ ،‬وكذلك االعتداء‬

‫على امل�سجد الإبراهيمي مبدينة اخلليل‪.‬‬ ‫�أكدت الأمانة العامة للرابطة الإ�سالمية يف تقريرها‬ ‫ال�سنوي ع��ام ‪ ،1993‬ا��س�ت�م��رار االن�ت�ه��اك��ات الإ�سرائيلية‬ ‫للمقد�سات الإ�سالمية يف القد�س‪.‬‬ ‫الطرق التي تتبعها الرابطة لن�صرة امل�سجد الأق�صى ‪:‬‬ ‫ ال ��دع ��وة �إل � ��ى ت��وح �ي��د ال �ك �ل �م��ة وت �ك��ري ����س اجل �ه��ود‬‫ل� �ف� �ه ��م الإ� � � �س �ل ��ام ف� �ه� �م ��ا � �ص �ح �ي �ح��ا وت �ط �ب �ي �ق��ه‪.‬‬ ‫ �إن�شاء جلان للدفاع عن الأق�صى و�إن�شاء م�ؤ�س�سة‬‫�أو � �ص �ن��دوق ي���س�م��ى ال �� �ص �ن��دوق ال �ع��رب��ي ال�ت�ع��اوين‬ ‫الفل�سطيني‪.‬‬ ‫ م�ق��ا��ض��اة �أي �أ��ش�خ��ا���ص �أو ج �ه��ات ح�ك��وم�ي��ه ت�سمح‬‫بامل�سا�س مبقد�ساتنا �أو ديننا �إ�سالميا وعامليا ‪.‬‬ ‫ ك�شف خمططات و م�ؤامرات �أعداء الإ�سالم ‪.‬‬‫ مرا�سلة احلكام وخماطبتهم وا�ستثارة م�شاعرهم‬‫ل�ن���ص��رة الأق �� �ص��ى ول ��و ��س�ي��ا��س�ي�اً وال ��دف ��اع ع��ن ع��روب�ت��ه‬ ‫و�إ�سالميته يف املحافل الدولية‪.‬‬ ‫ عقد ندوات و م�ؤمترات ل�صالح الق�ضية الفل�سطينية‪.‬‬‫ان امل���س�ل�م�ين ال �ي��وم م�ط��ال�ب��ون �أم� ��ام ام�ت�ه��م بو�ضع‬ ‫ا�سرتاتيجية �إعالمية على م�ستوى احل��دث باال�ضافة‬ ‫�إل��ى �أن يكون هناك برنامج عمل ج��اد ال�ستنها�ض همم‬ ‫العاملني يف هذه الأم��ة ملواجهة املخططات ال�صهيونية‪،‬‬ ‫و�إ�سرائيل الآن تقوم مب�صادرة الأرا�ضي وبناء م�ستوطنات‬ ‫يف كل مكان على االرا�ضي الفل�سطينية بابتالعها وعلى‬ ‫وجه اخل�صو�ص مدينة القد�س للحفاظ على �إ�سالمية‬ ‫مدينة القد�س فنحن بحاجة �إل��ى دع��م معنوى وم��ادي‬ ‫للدفاع عن كرامة هذه الأمة وعقيدتها بكل االمكانيات‪.‬‬


‫لذا يجب عليهم اال�ستمرار بالتعريف بامل�سجد االق�صى‬ ‫والقد�س والدفاع عن الق�ضايا واملقد�سات الإ�سالمية‪ ،‬بل‬ ‫الدعوة �إلى موا�صلة اجلهود من �أجل مقد�ساتنا‪ ،‬ليكون‬ ‫م��ن �أه ��م االول��وي��ات تنظيم دع ��وات متالحقة ملوا�صلة‬ ‫اجلهود �إل��ى لتحرير املقد�سات وح�شد اجلهود الدولية‬ ‫جلمع امل ��وارد املالية ل�صيانة ه��ذه املقد�سات وترميمها‬ ‫وتوفري الإمكانيات املادية ملوا�صلة �أداء ر�سالتها الدينية‪،‬‬ ‫وتوفري الأم��وال والإمكانيات املختلفة لإع��داد الوثائق‬ ‫امل�ؤيدة لأحقية العرب فى مقد�ساتهما املنهوبة‪ ،‬و�أن تعتمد‬ ‫فى ذلك على اللغات الأخرى مثل الإجنليزية والفرن�سية‬ ‫ون�شرها ع�بر ق�ن��وات الف�ضائية‪ ،‬لت�صل ه��ذه الق�ضايا‬ ‫جلميع امل�سلمني فى الوطن يف كافة ارجاء العامل ولر�أى‬ ‫العام العاملى ب�أكمله ‪.‬‬ ‫حتذيرات رابطة العامل اال�سالمي من العدوان‬ ‫اال�سرائيلي على القد�س وامل�سجد االق�صى ‪:‬‬ ‫بتاريخ ‪1425 /6/10 :‬هـ‬ ‫حذرت الأمانة العامة لرابطة العامل الإ�سالمي من‬ ‫عدوان �إ�سرائيلي جديد على امل�سجد الأق�صى ي�ؤدي �إلى‬ ‫تدمريه‪ ،‬ويحدث جمزرة دموية للم�سلمني يف حميطه‪،‬‬ ‫وط��ال�ب��ت هيئة الأم ��م امل�ت�ح��دة وجم�ل����س الأم ��ن ال��دويل‬ ‫باتخاذ التدابري العملية املطلوبة حلماية امل�سجد من‬ ‫تنفيذ خمطط االعتداء عليه وهدمه‪ ،‬وذلك لأن االعتداء‬ ‫عمل �إجرامي ال يقره القانون الدويل‪.‬‬ ‫جاء ذلك يف بيان �أ�صدره معايل الأمني العام لرابطة‬ ‫العامل الإ�سالمي‪� ،‬أو�ضح فيه �أن الرابطة تلقت تقارير‬ ‫تت�ضمن وجود خطط متعددة �أعدها �صهاينة متطرفون‬ ‫ل �ل �ع��دوان ع�ل��ى ك��ل م��ن امل���س�ج��د الأق �� �ص��ى وم���س�ج��د قبة‬ ‫ال�صخرة‪.‬‬ ‫وق��ال معاليه ‪� :‬إن الت�صريحات التي �أدل��ى بها وزير‬ ‫الأم� ��ن ال��داخ �ل��ي الإ� �س��رائ �ي �ل��ي وغ �ي�ره م��ن امل���س��ؤول�ين‬ ‫الإ�سرائيليني ت�ؤكد على وجود خطط لتنظيمات يهودية‬ ‫متطرفة للقيام بعمليات تفجري كبرية يف حميط امل�سجد‬ ‫الأق�صى‪ ،‬م�شرياً معاليه �إلى �أن هذه الت�صريحات �أقلقت‬ ‫امل�سلمني يف العامل‪ ،‬وذلك ملكانة امل�سجد الأق�صى عندهم‪،‬‬ ‫ف�ه��و ال�ق�ب�ل��ة الأول � ��ى للم�سلمني‪ ،‬وامل �ك��ان ال ��ذي �أ� �س��ري‬ ‫�إليه بالر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم من امل�سجد‬ ‫}�س ْب َحا َن ا َّل� ِ�ذي َ�أ ْ�س َرى ِب َع ْب ِد ِه َل ْي ً‬ ‫ال‬ ‫احل��رام‪ ،‬قال تعالى ‪ُ :‬‬ ‫ِم��نَ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ � � َرا ِم �إِ َل��ى المْ َ ْ�سجِ ِد الأَ ْق َ�صى ا َّل� ِ�ذي َبا َر ْكنَا‬ ‫ري{ وهو‬ ‫ال�س ِمي ُع ا ْل َب ِ�ص ُ‬ ‫َح� ْو َل� ُه ِل�ُن�رُ ِ َي� ُه ِم��نْ �آ َيا ِتنَا �إِ َّن � ُه ُه� َو َّ‬ ‫ثالث امل�ساجد التي ت�شد الرحال �إليها لعبادة اهلل فيها ‪.‬‬ ‫وو��ص��ف الأم�ي�ن ال�ع��ام اخل�ط��ط ال�ت��ي �أع��ده��ا املتطرفون‬ ‫اليهود لهدم امل�سجد الأق���ص��ى ون�شرت و�سائل الإع�لام‬ ‫الإ�سرائيلية بع�ضاً منها ‪ ،‬ب�أنها خطط �إرهابية خطرية‬

‫ت �ه��دف �إل� ��ى ت��دم�ير الأم ��اك ��ن امل �ق��د� �س��ة وق �ت��ل امل�صلني‬ ‫الآم �ن�ي�ن داخ ��ل امل���س�ج��د وت��روي��ع امل���س�ل�م�ين يف ال�ق��د���س‬ ‫وف �ل �� �س �ط�ين‪ ،‬و�إث� � � ��ارة امل �� �س �ل �م�ين يف ال� �ع ��امل‪ ،‬م �ب �ي �ن �اً �أن‬ ‫تنفيذ اخل�ط��ط امل��ذك��ورة ��س��وف ي�ع��رق��ل ج�ه��ود ال�سالم‬ ‫يف املنطقة ‪ ،‬ك�م��ا �أن ��ه ي�ه��دد الأم ��ن وال���س�ل��م يف ال �ع��امل ‪.‬‬ ‫وطالب معاليه الأمني العام لهيئة الأمم املتحدة مبتابعة‬ ‫ما ذكره امل�س�ؤولون الإ�سرائيليون واملتطرفون اليهود عن‬ ‫خطط تفجري امل�سجد الأق�صى و�إبادة امل�صلني فيه‪ ،‬ودعاه‬ ‫�إلى بذل امل�ساعي الدولية ملنع حدوث العدوان الإجرامي‪،‬‬ ‫وحماية امل�سجد الأق�صى وغ�يره من م�ساجد فل�سطني‬ ‫من املخططات العدوانية التي ينوي املتطرفون اليهود‬ ‫تنفيذها‪ ،‬وذل��ك وف��ق ال�ق��رارات التي اتخذتها املنظمات‬ ‫الدولية و�إنفاذاً مل�ضامينها ‪.‬‬ ‫وقال معاليه ‪� :‬إن القانون الدويل ين�ص على �ضرورة‬ ‫حماية املقد�سات‪ ،‬و�إن جمل�س الأمن وهيئة الأمم املتحدة‬ ‫�أ� �ص��درا العديد م��ن ال �ق��رارات ب�ش�أن منع ال �ع��دوان على‬ ‫امل�سجد الأق�صى وحماية املقد�سات يف فل�سطني ‪ ،‬ومن‬ ‫ذل��ك القرار رق��م (‪ )271‬ال��ذي �أ��ص��دره جمل�س الأم��ن يف‬ ‫‪1969/9/15‬م �إث��ر �إح��راق ال�صهاينة للم�سجد الأق�صى‪،‬‬ ‫حيث �أق��ر املجل�س ب ��أن �أي ت��دم�ير �أو تدني�س للأماكن‬ ‫امل�ق��د��س��ة �أو امل �ب��اين �أو امل��واق��ع ال��دي�ن�ي��ة يف ال�ق��د���س يعد‬ ‫جرمية‪ ،‬و�أي ت�شجيع �أو تواط�ؤ للقيام بعمل مماثل ميكن‬ ‫�أن يهدد الأمن وال�سلم الدوليني ‪.‬‬ ‫ونبه معاليه �إل��ى �أهمية تعاون املجتمع ال��دويل على‬ ‫تنفيذ ب�ن��ود اتفاقية جنيف ال��راب�ع��ة ال�ت��ي متنع ارت�ك��اب‬ ‫الأعمال العدوانية �ضد الآثار التاريخية �أو �أماكن العبادة‬ ‫التي ت�شكل الرتاث الثقايف �أو الروحي لل�شعوب ‪.‬‬ ‫كذلك نا�شد الأم�ين العام منظمة اليون�سكو لل�سعي‬ ‫ملنع كارثة العدوان على امل�سجد الأق�صى مذكراً معاليه‬ ‫ب�أن اتفاقية الهاي لعام ‪1954‬م ت�ضمنت وجوب حماية دور‬ ‫العبادة يف زمن احلرب ‪ ،‬ويف فرتة االحتالل احلربي ‪ ،‬وقد‬ ‫و�ضعت االتفاقية تدابري تق�ضي �إبعاد الأعيان الثقافية‬ ‫ودور ال�ع�ب��ادة ع��ن الأه� ��داف الع�سكرية‪ ،‬وم�ن��ع الهجوم‬ ‫عليها‪ ،‬ومنع توجيه �أي عمل ع��دواين �ضدها‪ ،‬من �ش�أنه‬ ‫تدمريها �أو �إحلاق ال�ضرر بها‪.‬‬ ‫وقال الأمني العام ‪� :‬إن ال�شعوب واملنظمات والأقليات‬ ‫امل�سلمة املمثلة يف رابطة العامل الإ�سالمي تطالب املجتمع‬ ‫الدويل وم�ؤ�س�ساته ودول العامل املحبة لل�سالم �أن تتخذ‬ ‫مبادرة عملية جادة ملنع �أي عدوان �صهيوين على امل�سجد‬ ‫الأق�صى وغريه من امل�ساجد يف فل�سطني‪ ،‬و�أعرب معاليه‬ ‫عن الأمل يف �أن يعمل جمل�س الأمن على تنفيذ قراراته ‪،‬‬ ‫و�أن ي�صونها من جتاوزات ال�صهاينة املعتدين‪ ،‬و�أن يتخذ‬ ‫من التدابري العاجلة ما يحقق حماية امل�سجد الأق�صى‬ ‫من �أي عدوان �إرهابي حمتمل ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪19‬‬


‫‪20‬‬

‫بتاريخ‪1425/7/ :‬هـ‬ ‫رابطة العامل الإ�سالمي تطالب بتطبيق‬ ‫قانون مكافحة الإرهاب على منظمات الإرهاب‬ ‫ال�صهيوين التي تخطط لهدم امل�سجد الأق�صى‪.‬‬ ‫�أك��دت راب�ط��ة ال�ع��امل الإ��س�لام��ي على مكانة امل�سجد‬ ‫الأق�صى‪ ،‬واهتمام م�سلمي العامل به‪ ،‬ومتابعتهم للأحداث‬ ‫ال �ت��ي حت�ي��ط ب��ه‪ ،‬معلنة �أن ق�ضيته م��ن �أه ��م الق�ضايا‬ ‫الإ�سالمية التي تتابعها ال�شعوب والأقليات واملنظمات‬ ‫الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬وح ��ذرت ال��راب�ط��ة يف ب�ي��ان �أ� �ص��دره معايل‬ ‫الأمني العام للرابطة من اخلطط ال�صهيونية اجلديدة‬ ‫لإزال��ة ه��ذا امل�سجد‪ ،‬ال��ذي يحتل مكانة كبرية يف نفو�س‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬لأنه �أولى القبلتني ‪ ،‬وثالث امل�ساجد التي ت�شد‬ ‫�إليها الرحال‪ ،‬وهو املكان الذي �أ�سرى �إليه بالنبي حممد‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫وق� ��ال الأم �ي��ن ال� �ع ��ام‪� :‬إن ح��ري��ق امل���س�ج��د الأق �� �ص��ى‬ ‫ال��ذي نفذه الإره��اب��ي املتطرف مايكل روه��ان يف احلادي‬ ‫وال�ع���ش��ري��ن م��ن ��ش�ه��ر �أغ���س�ط����س‪� /‬آب ع ��ام ‪1969‬م ك��ان‬ ‫تعبرياً عن قناعة �صهيونية هدفها �إزال��ة امل�سجد‪ ،‬وذلك‬ ‫يتبني وا�ضحاً من خالل البيانات التي ت�صدرها العديد‬ ‫من املنظمات ال�صهيونية‪ ،‬والتي تدعو فيها �إلى تدمري‬ ‫امل�سجد و�إزالته‪ ،‬وبناء الهيكل املزعوم على �أنقا�ضه‪.‬‬ ‫و�شدد الأمني العام على خطورة اخلطط التي تعدها‬ ‫املنظمات ال�صهيونية املتطرفة لهدم امل�سجد‪ ،‬وو�صفها‬ ‫باخلطط الإرهابية التي تهدف �إلى �إحداث فتنة كربى‪،‬‬ ‫تثري مليار ون�صف املليار من امل�سلمني يف العامل‪ ،‬الذين‬ ‫يرف�ضون �أي تدني�س لهذا امل�سجد و�أي اعتداء عليه‪.‬‬ ‫ونبه معاليه �إل��ى املخاطر احلقيقية التي ت�ستهدف‬ ‫امل �� �س �ج��د الأق � �� � �ص� ��ى‪ ،‬وذ ّك � � ��ر ب � � ��أن م �ن �ظ �م��ات الإره � � ��اب‬ ‫ال�صهيوين ح��اول��ت يف م��رات ع��دي��دة ت��دم�يره و�إح��راق��ه‪،‬‬ ‫م �� �ش�يراً �إل� ��ى حم ��اول ��ة ن���س�ف��ه م ��ن ق �ب��ل جم �م��وع��ة ع��ام‬ ‫‪1980‬م ب�ق�ي��ادة م��ائ�ير ك��اه��ان��ا‪ ،‬وحم��اول��ة ن�سفه كذلك‬ ‫م��ن ق�ب��ل جم�م��وع��ة �صهيونية ب�ق�ي��ادة امل�ت�ط��رف ي�ه��ودا‬ ‫غ �� �س �ي��ون يف ع � ��ام ‪1982‬م وحم � ��اول � ��ة جم� �م ��وع ��ة م��ن‬ ‫منظمة غ��و���ش �أم��ون �ي��م ال �ع��دوان عليه يف ع��ام ‪1989‬م‪.‬‬ ‫وطالب الأمني العام املجتمع الدويل بكبح جماح منظمات‬ ‫الإره� ��اب ال�صهيوين ال�ت��ي ب��ات��ت ت�ت�ع��اون يف التخطيط‬ ‫لتدمري امل�سجد الأق���ص��ى‪ ،‬حيث �أع�ل�ن��ت يف ال�ع��دي��د من‬ ‫املرات �أن امل�سجد ال يعدو عن كونه حجارة ينبغي �أن تزال؛‬ ‫ليتم بناء الهيكل مكانها‪.‬‬ ‫ودع ��ا معاليه هيئة الأم ��م امل�ت�ح��دة وجم�ل����س الأم��ن‬ ‫ال��دويل ومنظمات حقوق الإن�سان يف العامل �إل��ى تنفيذ‬ ‫ن���ص��و���ص ال �ق��ان��ون ال � ��دويل وق � � ��رارات جم�ل����س الأم� ��ن‪،‬‬ ‫القا�ضية مبنع العدوان على امل�سجد الأق�صى وحمايته‪،‬‬

‫ومنها ال�ق��رار رق��م (‪ )271‬ال��ذي ن��دد فيه جمل�س الأم��ن‬ ‫ال��دويل ب�إحراق امل�سجد الأق�صى‪ ،‬و�أك��د فيه على قراريه‬ ‫رقم (‪ )252‬ورقم (‪ )267‬و ّبني ب�أن �أي تدمري �أو تدني�س‬ ‫للأماكن املقد�سة �أو املباين �أو املواقع الدينية يف القد�س‬ ‫يعد انتهاكاً للقانون الدويل‪ ،‬و�أي ت�شجيع وتواط�ؤ للقيام‬ ‫بعمل مماثل ميكن �أن يهدد الأمن وال�سلم الدوليني‪.‬‬ ‫التب�صر‬ ‫وح��ث الأم�ي�ن ال�ع��ام املنظمات الدولية على‬ ‫ّ‬ ‫ب�خ�ط��ورة اخل�ط��ط ال�ت��ي تعلن عنها منظمات الإره ��اب‬ ‫ال���ص�ه�ي��وين‪ ،‬والأع �م��ال ال�ت��ي ت�ع��د ل�ه��ا ل�ت��دم�ير امل�سجد‬ ‫الأق�صى‪ ،‬م�شرياً �إلى �أن من �أهم املنظمات التي تتعاون يف‬ ‫و�ضع خطط العدوان على امل�سجد هي‪� :‬أمناء جبل الهيكل‬ ‫ومنظمة غو�ش �أمونيم‪ ،‬وجماعة كاهانا‪ ،‬وحركة جمو�ش‬ ‫بنايحم وكتائب جلعار �شالفهيت‪.‬‬ ‫وبني الأمني العام �أن خطاب هذه املنظمات ال�صهيونية‬ ‫املعلن يك�شف نواياها العدوانية‪ ،‬وي�ؤكد �أنها من �أخطر‬ ‫منظمات الإره ��اب ال�صهيوين‪ ،‬التي ت�سعى �إل��ى تدمري‬ ‫امل�سجد الأق�صى وغ�يره من امل�ساجد يف مدينة القد�س‪،‬‬ ‫كما �أنها تعلن عن خطط لقتل امل�صلني الآم�ن�ين داخل‬ ‫هذه امل�ساجد‪ ،‬وت�ساءل الأم�ين العام عن موقف املجتمع‬ ‫ال� ��دويل ال ��ذي ي�ع�م��ل ع�ل��ى حم��ارب��ة الإره� � ��اب م��ن ه��ذه‬ ‫املنظمات ال�صهيونية‪ ،‬وع��ن م�شروعاتها الإره��اب �ي��ة يف‬ ‫ا�ستهداف املقد�سات‪ ،‬التي مينع القانون الدويل العدوان‬ ‫عليها‪ ،‬وطالب ب�إدراجها �ضمن قائمة املنظمات الإرهابية‬ ‫وتطبيق ما يوجبه قانون مكافحة الإرهاب عليها‪.‬‬ ‫وق��ال الأم�ين العام ‪� :‬إن امل�سجد الأق�صى واق��ع حتت‬ ‫االحتالل‪ ،‬و�إن م�سلمي العامل يحملون حكومة �إ�سرائيل‬ ‫م�س�ؤولية �أي عدوان �إرهابي يتعر�ض له امل�سجد الأق�صى‪،‬‬ ‫وم�سجد قبة ال�صخرة وم�ساجد القد�س‪ ،‬ودعا امل�سلمني‬ ‫�إلى توحيد مواقفهم‪ ،‬ور�ص �صفوفهم‪ ،‬وحتقيق التالحم‬ ‫ال�شعبي وال��ر��س�م��ي مل��واج�ه��ة �أي خطر يتعر�ض ل��ه هذا‬ ‫امل�سجد ‪ ،‬وال�سعي الدائم ل�ضمان حمايته من خمططات‬ ‫منظمات الإرهاب ال�صهيوين‪.‬‬ ‫بتاريخ‪ 1426/3/1:‬هـ‬ ‫ا�ستنكرت الأم��ان��ة العامة لرابطة العامل الإ�سالمي‬ ‫ا�ستنكاراً �شديداً املخططات اال�ستفزازية التي تنتهجها‬ ‫الفئات ال�صهيونية املتطرفة جتاه املقد�سات الإ�سالمية‬ ‫يف فل�سطني ويف مقدمتها امل�سجد الأق���ص��ى ‪ ،‬وح��ذرت‬ ‫من خطورة دعوة احلاخامات ال�صهاينة املتطرفني �آالفاً‬ ‫من املتطرفني القتحام �ساحاته ‪ ،‬ودخوله عنوة ‪ ،‬و�شحن‬ ‫نفو�سهم بالبغ�ضاء وال�ك��راه�ي��ة ��ض��د امل�سجد الأق���ص��ى‬ ‫وامل�صلني فيه‪،‬كما ح��ذرت من امل�شروع ال�صهيوين الذي‬ ‫ي�سعى بع�ض احل��اخ��ام��ات ال�صهاينة لتنفيذه‪ ،‬وال��ذي‬ ‫يق�ضي بتق�سيم امل�سجد الأق�صى بني امل�سلمني واليهود‬ ‫‪ ،‬وفق ما فعلته حكومة �إ�سرائيل يف امل�سجد الإبراهيمي‬ ‫مبدينة اخلليل ‪.‬‬


‫جاء ذلك يف بيان عاجل �أ�صدره الأمني العام لرابطة‬ ‫العامل الإ�سالمي ق��ال فيه ‪� :‬إن اجلماعات ال�صهيونية‬ ‫املتطرفة مت��ردت على الأع��راف والقوانني الدولية‪ ،‬مبا‬ ‫تعلن عنه م��ن خطط ع��دوان�ي��ة‪ ،‬ومب��ا تنفذه م��ن �أعمال‬ ‫�إجرامية ال ترعى �أية حرمة لدين‪ ،‬وال تبايل ب�أي موثق‬ ‫�أو عهد‪ ،‬وال ت�أبه بقرارات املجتمع الدويل التي عرب عنها‬ ‫جمل�س الأم��ن يف ال�ق��رار رق��م (‪ )271‬ال��ذي ق��رر ب ��أن �أي‬ ‫تدني�س للأماكن املقد�سة �أو املباين �أو املواقع الدينية يف‬ ‫مدينة القد�س‪ ،‬و�أي ت�شجيع �أو توط�ؤ للقيام بعمل مماثل‬ ‫ميكن �أن يهدد الأم��ن وال�سلم ال��دول�ي�ين‪ ،‬و�أك��د معاليه‬ ‫�أن اعتزام � ٍ‬ ‫آالف من املتطرفني ال�صهاينة دخول امل�سجد‬ ‫الأق���ص��ى عمل ا��س�ت�ف��زازي �شائن يثري جميع امل�سلمني‬ ‫يف ال�ع��امل وي��زي��د م��ن املخاطر يف فل�سطني ويف املنطقة‬ ‫ب�أ�سرها‪ ،‬و�أو�ضح �أن دخول ه�ؤالء �إلى امل�سجد الأق�صى عمل‬ ‫مناق�ض لقرار كانت اتخذته املحكمة الإ�سرائيلية العليا‬ ‫يق�ضي مبنع اليهود من الدخول �إلى امل�سجد الأق�صى ‪.‬‬ ‫ونبه الأمني العام �إلى اخلطر ال�شديد ملا ي�سعى �إليه‬ ‫بع�ض احلاخامات من �أجل �إقامة كني�س يهودي يف املنطقة‬ ‫املحيطة بامل�سجد الأق�صى‪.‬‬ ‫وذ ّكر معاليه مبا �أكدت عليه الرابطة يف بيانات �سابقة‬ ‫من اهتمام م�سلمي العامل بامل�سجد الأق�صى‪ ،‬ومتابعتهم‬ ‫ما يحدث فيه‪ ،‬ملكانته العظيمة يف نفو�سهم‪ ،‬فهو �أول��ى‬ ‫القبلتني‪ ،‬وهو املكان الذي �أ�سرى بالر�سول حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم �إل�ي��ه م��ن امل�ســـجد احل ��رام ‪�ُ ��} :‬س� ْب� َ�ح��ا َن‬ ‫ا َّل ِذي �أَ ْ�س َرى ِب َع ْب ِد ِه َل ْي ً‬ ‫ال ِمنَ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َرا ِم �إِ َلى المْ َ ْ�سجِ ِد‬ ‫الَ ْق�� َ��ص��ى ا َّل� ِ�ذي َب��ا َر ْك� َن��ا َح� ْو َل � ُه ِل�ُنِرُ ِ َي � ُه ِم��نْ �آ َي��ا ِت� َن��ا �إِ َّن� � ُه ُه َو‬ ‫ْأ‬ ‫ري{(اال�سراء‪. )1:‬‬ ‫ال�س ِمي ُع ا ْل َب ِ�ص ُ‬ ‫َّ‬ ‫و�أك � ��د م�ع��ال�ي��ه �أن ال �� �ش �ع��وب والأق� �ل� �ي ��ات وامل�ن�ظ�م��ات‬ ‫الإ��س�لام�ي��ة املمثلة يف راب �ط��ة ال �ع��امل الإ� �س�لام��ي تدين‬ ‫جميع خطط العدوان على امل�سجد الأق�صى وغ�يره من‬ ‫امل�ق��د��س��ات الإ��س�لام�ي��ة يف فل�سطني وت�ط��ال��ب حكومات‬ ‫العامل الإ�سالمي واحلكومات املحبة لل�سالم بالتعاون‬ ‫ملنع اجلماعات ال�صهيونية املتطرفة من تنفيذ براجمها‬ ‫اال�ستفزازية وخططها ال�ع��دوان�ي��ة‪ ،‬م�شرياً �إل��ى �أن من‬ ‫� �ش ��أن اخل�ط��ط ال�ع��دوان�ي��ة اجل��دي��دة تفجري امل��زي��د من‬ ‫الأحداث الدامية يف فل�سطني‪ ،‬و�أهاب معاليه بقادة الدول‬ ‫الإ��س�لام�ي��ة �أن ي�ب��ذل��وا خمتلف اجل�ه��ود حلمل املجتمع‬ ‫ال��دويل ومنظماته على منع اجلماعات ال�صهيونية من‬ ‫تنفيذ خططها الإج��رام�ي��ة حفاظاً على مكانة امل�سجد‬ ‫الأق�صى‪ ،‬وطالب د‪ .‬الرتكي هيئة الأمم املتحدة مبتابعة‬ ‫التزاماتها التي ت�ضمنتها ال �ق��رارات اخلا�صة بامل�سجد‬ ‫الأق�صى واملقد�سات الإ�سالمية يف فل�سطني‪ ،‬والعمل على‬ ‫تنفيذها من قبل �إ�سرائيل وعدم امل�سا�س باملقد�سات‪.‬‬

‫بتاريخ ‪ 1426/7/17:‬هـ‬ ‫رابطة العامل الإ�سالمي حتذر من خطط املتطرفني‬ ‫ال�صهاينة لهدمه و�إق��ام��ة الهيكل امل��زع��وم على �أنقا�ضه‬ ‫طالبت الأمانة العامة لرابطة العامل الإ�سالمي املجتمع‬ ‫ال��دويل وم�ؤ�س�ساته‪ ،‬ويف مقدمتها هيئة الأم��م املتحدة‪،‬‬ ‫باتخاذ الإج��راءات العملية حلماية امل�سجد الأق�صى من‬ ‫�أي عدوان حمتمل عليه‪ ،‬وو�ضع حد ملحاوالت املتطرفني‬ ‫ال�صهاينة هدمه ‪ ،‬وب�ن��اء الهيكل امل��زع��وم على �أنقا�ضه‪،‬‬ ‫وح��ذرت م��ن خ�ط��ورة �إ��ص��رار جمموعات م��ن املتطرفني‬ ‫على تنفيذ خمطط �صهيوين للعدوان على هذا امل�سجد‪،‬‬ ‫الذي يتطلع امل�سلمون يف العامل �إلى حتريره‪ ،‬وعودته �إلى‬ ‫احلوزة الإ�سالمية ‪ ،‬كما كان عرب التاريخ ‪.‬‬ ‫جاء ذلك يف بيان �أ�صدره الأمني العام لرابطة العامل‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬مبنا�سبة مرور �ستة وثالثني عاماً على �إحراق‬ ‫امل�سجد الأق���ص��ى‪ ،‬ال��ذي �أح��رق��ه �صهاينة متطرفون يف‬ ‫احلادي والع�شرين من �أغ�سط�س �آب من عام ‪1969‬م ‪.‬‬ ‫وقال الأم�ين العام ‪� :‬إن جماعات �صهيونية متطرفة‬ ‫عديدة تهدد با�ستمرار بهدم امل�سجد الأق�صى‪ ،‬وذل��ك يف‬ ‫ت�صريحات وبيانات وتقارير تت�ضمن خططاً يتم الك�شف‬ ‫عنها يف و�سائل الإع�لام‪ ،‬مبيناً �أن ال�صحف الإ�سرائيلية‬ ‫ن �� �ش��رت يف م� ��رات ع ��دي ��دة خ �ط �ط �اً �أع��دت �ه��ا جم�م��وع��ات‬ ‫�صهيونية متطرفة القتحام امل�سجد‪ ،‬ومن ذلك ما ك�شفت‬ ‫عنه �صحيفة معاريف يوم ‪2005/3/4‬م وما ن�شرته �صحيفة‬ ‫يديعوت �أح��رن��وت ي��وم ‪2005/3/22‬م وكذلك ما ن�شرته‬ ‫�صحيفة ها �آرت�س يوم ‪2005/4/8‬م حول اعتزام جمموعات‬ ‫يهودية متطرفة دخول امل�سجد الأق�صى والعدوان عليه ‪.‬‬ ‫وق��ال د‪ .‬ال�ترك��ي‪ :‬لقد �شهد ه��ذا ال �ع��ام ع��دة حم��اوالت‬ ‫عملية الق�ت�ح��ام امل�سجد الأق �� �ص��ى م��ن ق�ب��ل اجل�م��اع��ات‬ ‫املتطرفة‪ ،‬وذلك ا�ستجابة لدعوات من منظمات التطرف‬ ‫ال�صهيوين والتي كانت �آخر دعواتها القتحام امل�سجد يوم‬ ‫‪2005/8/14‬م‪ ،‬حيث دعت من �أج��ل ذلك ع�شرات الآالف‬ ‫من اليهود للتجمهر يف �ساحة الرباق‪ ،‬وقال د‪ .‬الرتكي‪:‬‬ ‫�إن املنظمات ال�صهيونية املتطرفة تعد القتحام امل�سجد‬ ‫الأق���ص��ى ي��وم اخلمي�س ال �ق��ادم‪ ،‬امل��واف��ق ‪1426/7/20‬ه� � �ـ‬ ‫وط��ال��ب املجتمع ال��دويل باال�ستجابة ل�ن��داء اال�ستغاثة‬ ‫ال� ��ذي �أ�� �ص ��دره امل�ج�ل����س الأع� �ل ��ى ل�ل�ق���ض��اء ال �� �ش��رع��ي يف‬ ‫فل�سطني‪ ،‬مطالباً امل�سلمني والعامل �أجمع بالعمل على‬ ‫حماية امل�سجد الأق�صى ومنع اقتحامه لئال حتدث فتنة‬ ‫يف الأر�ض‪.‬‬ ‫وذ ّك� ��ر م�ع��ال�ي��ه ب��ال �ق��رار رق ��م (‪ )271‬ال ��ذي �أ� �ص��دره‬ ‫جمل�س الأم ��ن ال ��دويل يف ‪1969/9/15‬م وع�بر فيه عن‬ ‫ح��زن��ه ل�ل���ض��رر ال �ب��ال��غ ال ��ذي �أحل �ق��ه احل��ري��ق بامل�سجد‬ ‫الأق�صى يوم ‪ /1969/8/21‬و�أكد املجل�س يف القرار املذكور‬ ‫على قراريه رقم (‪ )252‬و (‪ )267‬و�أقر ب�أن �أي تدمري �أو‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪21‬‬


‫‪22‬‬

‫تدني�س للأماكن املقد�سة �أو املباين �أو امل��واق��ع الدينية‬ ‫يف القد�س‪ ،‬و�أي ت�شجيع �أو تواط�ؤ للقيام بعمل مماثل‪،‬‬ ‫ميكن �أن يهدد الأمن وال�سلم الدوليني‪ ،‬و�أكد معاليه على‬ ‫�ضرورة التعاون الدويل يف حماية امل�سجد الأق�صى وفق ما‬ ‫تقت�ضيه هذه القرارات ‪.‬‬ ‫وح��ذر الأم�ي�ن ال�ع��ام م��ن النتائج اخل�ط��رة لأي عمل‬ ‫عدواين ينفذه املتطرفون ال�صهاينة �ضد امل�سجد الأق�صى‪،‬‬ ‫و�شدد على ��ض��رورة حماية ه��ذا امل�سجد ال��ذي له مكانة‬ ‫كربى يف نفو�س امل�سلمني‪ ،‬فهو قبلتهم الأولى‪ ،‬وهو املكان‬ ‫الذي ا�سري �إليه بالنبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم من‬ ‫}�س ْب َحا َن ا َّل� ِ�ذي �أَ�� ْ�س� َرى‬ ‫البيت احل��رام يف مكة املكرمة ‪ُ :‬‬ ‫ال ِمنَ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َرا ِم �إِ َلى المْ َ ْ�سجِ ِد ْ أَ‬ ‫ِب َع ْب ِد ِه َل ْي ً‬ ‫ال ْق َ�صى ا َّل ِذي‬ ‫َبا َر ْكنَا َح ْو َل ُه ِل رُ ِ‬ ‫ري { ‪.‬‬ ‫ال�س ِمي ُع ا ْل َب ِ�ص ُ‬ ‫ن َي ُه ِمنْ �آ َيا ِتنَا �إِ َّن ُه ُه َو َّ‬ ‫بتاريخ‪ 1426/11/16 :‬هـ‬ ‫ن��ا��ش��دت الأم��ان��ة ال�ع��ام��ة ل��راب�ط��ة ال�ع��امل الإ��س�لام��ي‬ ‫املنظمات الدولية ملتابعة ما تتعر�ض له مدينة القد�س‬ ‫واملقد�سات الإ�سالمية يف فل�سطني‪ ،‬ويف مقدمتها امل�سجد‬ ‫الأق�صى‪ ،‬من جت��اوزات ل�ق��رارات املجتمع ال��دويل‪ ،‬حيث‬ ‫تتعر�ض حل�ف��ري��ات �أدت �إل��ى ت�صديع الأ� �س��وار املحيطة‬ ‫ب�ه��ا‪ ،‬ك�م��ا �أدت �إل ��ى تغيري معاملها الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬وح��ذرت‬ ‫م��ن خ �ط��ورة التغيري اجل �غ��رايف يف امل��دن�ي��ة واحل�ف��ري��ات‬ ‫اجل��اري��ة حت��ت �أر�� ��ض امل���س�ج��د الأق �� �ص��ى ع�ل��ى �سالمته‪،‬‬ ‫وطالبت ب�سعي حثيث حلماية مدينة القد�س واملقد�سات‬ ‫الإ�سالمية فيها‪ ،‬من خالل تطبيق قرارات جمل�س الأمن‬ ‫املتعلقة باحلفاظ على الهوية الإ�سالمية لهذه املدينة‪.‬‬ ‫ج��اء ذل��ك يف ن��داء �أ��ص��دره الأم�ي�ن ال�ع��ام لرابطة العامل‬ ‫الإ� �س�لام��ي‪ ،‬ق��ال ف�ي��ه‪� :‬إن ال��راب�ط��ة تلقت ت�ق��اري��ر حول‬ ‫الأو��ض��اع التي �آل��ت �إليها مدينة القد�س‪ ،‬واخلطر الذي‬ ‫يهدد امل�سجد الأق�صى‪ ،‬كما تلقت املنا�شدة التي دعا فيها‬ ‫ال�شيخ يو�سف جمعة �سالمة وزي��ر الأوق ��اف وال���ش��ؤون‬ ‫الدينية يف ال�سلطة الفل�سطينية رابطة العامل الإ�سالمي‬ ‫�إلى ال�سعي للحفاظ على الهوية الإ�سالمية ملدينة القد�س‪،‬‬ ‫التي تتعر�ض للتغيري يف جغرافيتها‪ ،‬والى �إجراءات تهدد‬ ‫�أ�سوارها باالنهيار‪ ،‬وحمو هويتها الإ�سالمية‪.‬‬ ‫وحث الأم�ين العام املنظمات الإ�سالمية على تقدمي‬ ‫العون للم�ؤ�س�سات الفل�سطينية يف مدينة القد�س لتتمكن‬ ‫م��ن حماية �آث��اره��ا و�إ� �ص�لاح �أ��س��واره��ا‪ ،‬وترميم امل�سجد‬ ‫الأق���ص��ى‪ ،‬كما ط��ال��ب امل�ؤ�س�سات ال��دول�ي��ة ويف مقدمتها‬ ‫هيئة الأم��م املتحدة واملنظمة الدولية للرتبية والعلوم‬ ‫والثقافة ( اليون�سكو ) بحماية مدينة القد�س واملقد�سات‬ ‫الإ�سالمية فيها م��ن �أي تغيري‪ ،‬ومنع ال�ت�ج��اوزات التي‬ ‫تتعار�ض م��ع ال �ق��رارات ال��دول�ي��ة ال�ت��ي �أ��ص��دره��ا جمل�س‬ ‫الأمن حلماية القد�س واحلفاظ على هويتها الإ�سالمية‪.‬‬ ‫وذ ّك ��ر م�ع��ال�ي��ه �أن جم�ل����س الأم ��ن ال ��دويل �أ� �ص��در ع��دداً‬

‫م��ن ال� �ق ��رارات ال��وا��ض�ح��ة ب �� �ش ��أن ه ��ذه امل��دي �ن��ة املقد�سة‬ ‫وغ�يره��ا م��ن الأرا� �ض��ي العربية ال�ت��ي احتلتها �إ�سرائيل‬ ‫ع��ام ‪1967‬م متنع �إ�سرائيل من امل�سا�س مبدينة القد�س‬ ‫وال �ت �غ �ي�ير يف ج �غ��راف �ي �ت �ه��ا‪ ،‬وم ��ن �أب � ��رز ت �ل��ك ال� �ق ��رارات‬ ‫ال �ق��رار رق��م (‪ )242‬وال �ق��رار رق��م (‪ )338‬وه�م��ا ق ��راران‬ ‫يعتربان بو�ضوح �أن القد�س جزء من الأرا��ض��ي العربية‬ ‫املحتلة وال ي�ج��وز لإ��س��رائ�ي��ل �إح� ��داث �أي تغيري فيها‪.‬‬ ‫والقرار رقم (‪ )252‬الذي يعد جميع الإج��راءات الإدارية‬ ‫والت�شريعية و�أية �أعمال من �ش�أنها تغيري الو�ضع القانوين‬ ‫للقد�س �إجراءات باطلة‪ ،‬وال ميكن �أن تغري من و�ضع القد�س‪،‬‬ ‫ودع��ا �إ�سرائيل �إل��ى �إلغاء هذه الإج��راءات‪ ،‬واالمتناع عن‬ ‫القيام ب�أي عمل �آخر من �ش�أنه �أن يغري من و�ضع القد�س‪.‬‬ ‫كما �أ� �ص��در جمل�س الأم ��ن ال�ق��راري��ن رق��م (‪ )465‬ورق��م‬ ‫(‪ )476‬وه �م��ا ي�ق���ض�ي��ان ب � ��أن الإج � � ��راءات الإ��س��رائ�ي�ل�ي��ة‬ ‫الت�شريعية والإداري��ة واال�ستيطانية الرامية �إل��ى تغيري‬ ‫ال��و��ض��ع ال�ق��ان��وين للمدينة املقد�سة الغ�ي��ة‪� ،‬إل��ى جانب‬ ‫م��ا �أع� ��رب ع�ن��ه جم�ل����س الأم� ��ن يف ق� ��راراه رق ��م (‪)1073‬‬ ‫م��ن ق�ل��ق ب��ال��غ �إزاء ال �ت��ده��ور اخل �ط�ير ال ��ذي �آل ��ت �إل�ي��ه‬ ‫الأو� �ض��اع يف القد�س نتيجة لفتح �إ�سرائيل النفق حتت‬ ‫�أر���ض امل�سجد الأق���ص��ى‪ ،‬وك��ذل��ك م��ا �صدر ع��ن اجلمعية‬ ‫ال �ع��ام��ة لل��أم��م امل �ت �ح��دة م��ن ق � ��رارات يف ه ��ذا ال �� �ش ��أن‪.‬‬ ‫و�أك��د الأم�ين العام �أن امل�سلمني يف �أنحاء العامل يتابعون‬ ‫بقلق بالغ ما يجري من تغيريات يف هذه املدينة ‪ ،‬وهي‬ ‫�إجراءات تتحدى �إرادة املجتمع الدويل‪ ،‬وتتجاهل قراراته‬ ‫وه��م يطالبون هيئة الأم��م املتحدة بتحمل م�س�ؤوليتها‬ ‫وذلك مبتابعة تنفيذ قراراتها وفق ما يقت�ضيه القانون‬ ‫ال� ��دويل‪ ،‬و�أه� ��اب معاليه ب�ح�ك��وم��ات ال ��دول الإ��س�لام�ي��ة‬ ‫ملتابعة مو�ضوع القد�س وامل�سجد الأق�صى م�ؤكداً �أن هذا‬ ‫امل��و��ض��وع م��ن الق�ضايا الإ��س�لام�ي��ة املهمة ال�ت��ي تتابعها‬ ‫ال�شعوب والأقليات امل�سلمة يف كل مكان ‪.‬‬ ‫بتاريخ‪ 1427/7/18:‬هـ‬ ‫يف الذكرى الأليمة لإحراقه عام ‪1969‬م رابطة العامل‬ ‫الإ�سالمي حتذر من خطط منظمات الإرهاب ال�صهيوين‬ ‫لهدم امل�سجد الأق�صى‪.‬‬ ‫ذ ّك� ��رت راب �ط��ة ال �ع��امل الإ� �س�ل�ام��ي امل�ج�ت�م��ع ال ��دويل‬ ‫ومنظماته مبكانة امل�سجد الأق���ص��ى‪ ،‬واه�ت�م��ام م�سلمي‬ ‫العامل به‪ ،‬ومتابعتهم للأحداث التي حتيط به‪ ،‬وحذرت‬ ‫من اخلطط ال�صهيونية لإزالة هذا امل�سجد‪ ،‬الذي يحتل‬ ‫مكانة ك�ب�يرة يف نفو�س امل�سلمني‪ ،‬لأن��ه �أول ��ى القبلتني‬ ‫‪ ،‬وث��ال��ث امل�ساجد ال�ت��ي ت�شد �إل�ي�ه��ا ال��رح��ال‪ ،‬وه��و املكان‬ ‫ال��ذي �أ�سرى �إليه بالنبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ‪:‬‬ ‫}�س ْب َحا َن ا َّل ِذي �أَ ْ�س َرى ِب َع ْب ِد ِه َل ْي ً‬ ‫ال ِمنَ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َرا ِم �إِ َلى‬ ‫ُ‬


‫المْ َ ْ�سجِ ِد ْ أَ‬ ‫ال ْق َ�صى ا َّل ِذي َبا َر ْكنَا َح ْو َل ُه ِل رُ ِ‬ ‫ن َي ُه ِمنْ �آ َيا ِتنَا �إِ َّن ُه‬ ‫ال�س ِمي ُع ا ْل َب ِ�ص ُ‬ ‫ري{ (اال�سراء‪.)1:‬‬ ‫ُه َو َّ‬ ‫جاء ذلك يف بيان �أ�صدره الأم�ين العام للرابطة قال‬ ‫فيه ‪� :‬إن حريق امل�سجد الأق�صى ال��ذي نفذه الإره��اب��ي‬ ‫املتطرف مايكل روه��ان يف احل��ادي والع�شرين من �شهر‬ ‫�أغ�سط�س‪� /‬آب عام ‪1969‬م كان تعبرياً عن قناعة �صهيونية‬ ‫هدفها �إزال ��ة امل�سجد‪ ،‬وذل��ك يتبني وا��ض�ح�اً م��ن خالل‬ ‫البيانات التي ت�صدرها العديد من املنظمات ال�صهيونية‬ ‫بني فرتة و�أخ��رى‪ ،‬والتي تدعو فيها �إلى تدمري امل�سجد‬ ‫و�إزالته‪ ،‬وبناء الهيكل املزعوم مكانه‪.‬‬ ‫ول�ف��ت الأم�ي�ن ال �ع��ام الأن �ظ��ار �إل ��ى خ �ط��ورة اخلطط‬ ‫ال�صهيونية املتطرفة لهدم امل�سجد‪ ،‬وو�صفها باخلطط‬ ‫الإرهابية التي تهدف �إلى �إحداث فتنة كربى‪ ،‬تثري مليار‬ ‫ون�صف املليار من امل�سلمني يف العامل‪ ،‬الذين يرف�ضون‬ ‫�أي تدني�س لهذا امل�سجد و�أي اعتداء عليه‪ ،‬كما يرف�ضون‬ ‫تق�سيمه واحتالل ال�صهاينة لأي جزء منه‪.‬‬ ‫وذ ّكر معاليه باملخاطر التي ت�ستهدف امل�سجد الأق�صى‪،‬‬ ‫و�أن منظمات الإرهاب ال�صهيوين حاولت يف مرات عديدة‬ ‫ت��دم�يره و�إح��راق��ه‪ ،‬م�شرياً �إل��ى حم��اول��ة ن�سفه م��ن قبل‬ ‫جمموعة عام ‪1980‬م بقيادة مائري كاهانا‪ ،‬وحماولة ن�سفه‬ ‫كذلك من قبل جمموعة �صهيونية بقيادة املتطرف يهودا‬ ‫غ�سيون يف ع��ام ‪1982‬م وحم��اول��ة جمموعة م��ن منظمة‬ ‫غو�ش �أمونيم العدوان عليه يف عام ‪1989‬م ‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى‬ ‫امل�ح��اوالت امل�ستمرة القتحامه و�إي��ذاء امل�صلني فيه‪ ،‬من‬ ‫قبل اجلماعات ال�صهيونية املتطرفة‪.‬‬ ‫ودع ��ا معاليه هيئة الأم ��م امل�ت�ح��دة وجم�ل����س الأم��ن‬ ‫ال��دويل ومنظمات حقوق الإن�سان يف العامل �إل��ى تنفيذ‬ ‫القانون ال��دويل وق��رارات جمل�س الأم��ن‪ ،‬القا�ضية مبنع‬ ‫ال�ع��دوان على امل�سجد الأق�صى وحمايته‪ ،‬ومنها القرار‬ ‫رقم (‪ )271‬الذي ندد فيه جمل�س الأمن الدويل ب�إحراق‬ ‫امل�سجد الأق�صى‪ ،‬و�أكد فيه على قراريه رقم (‪ )252‬ورقم‬ ‫(‪ )267‬و ّبني ب�أن �أي تدمري �أو تدني�س للأماكن املقد�سة �أو‬ ‫املباين �أو املواقع الدينية يف القد�س يعد انتهاكاً للقانون‬ ‫ال��دويل‪ ،‬و�أي ت�شجيع وتواط�ؤ للقيام بعمل مماثل ميكن‬ ‫�أن يهدد الأمن وال�سلم الدوليني‪.‬‬ ‫وب�ي�ن الأم �ي�ن ال �ع��ام �أن اخل �ط��اب امل�ع�ل��ن للمنظمات‬ ‫ال�صهيونية املتطرفة يك�شف نواياها العدوانية‪ ،‬وي�ؤكد‬ ‫�أنها من �أخطر منظمات الإرهاب ال�صهيوين‪ ،‬التي ت�سعى‬ ‫�إلى تدمري امل�سجد الأق�صى وغريه من امل�ساجد يف مدينة‬ ‫القد�س‪ ،‬كما �أنها تعلن عن خطط لقتل امل�صلني الآمنني‬ ‫داخ��ل ه��ذه امل�ساجد‪ ،‬وت���س��اءل الأم�ي�ن ال�ع��ام ع��ن موقف‬ ‫املجتمع ال��دويل ال��ذي يعمل على حماربة الإره ��اب من‬ ‫هذه املنظمات ال�صهيونية‪ ،‬وعن م�شروعاتها الإرهابية يف‬ ‫ا�ستهداف املقد�سات‪ ،‬التي مينع القانون الدويل العدوان‬ ‫عليها‪.‬‬

‫وط��ال��ب الأم�ي�ن ال�ع��ام امل�سلمني بتوحيد مواقفهم‪،‬‬ ‫ور���ص �صفوفهم‪ ،‬وحتقيق التالحم ال�شعبي والر�سمي‬ ‫ملواجهة �أي خطر يتعر�ض له هذا امل�سجد ‪ ،‬وال�سعي الدائم‬ ‫لدى املنظمات الدولية املعنية باحلقوق الإن�سانية ل�ضمان‬ ‫حمايته من خمططات منظمات الإرهاب ال�صهيوين ومن‬ ‫�أي عدوان عليه‪.‬‬ ‫ال��راب�ط��ة حت��ذر م��ن خم��اط��ر دخ ��ول ال�ي�ه��ود امل�سجد‬ ‫الأق�صى وتدعو الأمم املتحدة لتنفيذ التزاماتها بحمايته‪.‬‬ ‫ا�ستنكرت الأم��ان��ة العامة لرابطة العامل الإ�سالمي‬ ‫ا�ستنكاراً �شديداً املخططات اال�ستفزازية التي تنتهجها‬ ‫الفئات ال�صهيونية املتطرفة جتاه املقد�سات الإ�سالمية‬ ‫يف فل�سطني ويف مقدمتها امل�سجد الأق���ص��ى ‪ ،‬وح��ذرت‬ ‫من خطورة دعوة احلاخامات ال�صهاينة املتطرفني �آالفاً‬ ‫من املتطرفني القتحام �ساحاته ‪ ،‬ودخوله عنوة ‪ ،‬و�شحن‬ ‫نفو�سهم بالبغ�ضاء وال�ك��راه�ي��ة ��ض��د امل�سجد الأق���ص��ى‬ ‫وامل�صلني فيه‪،‬كما ح��ذرت من امل�شروع ال�صهيوين الذي‬ ‫ي�سعى بع�ض احل��اخ��ام��ات ال�صهاينة لتنفيذه‪ ،‬وال��ذي‬ ‫يق�ضي بتق�سيم امل�سجد الأق�صى بني امل�سلمني واليهود‬ ‫‪ ،‬وفق ما فعلته حكومة �إ�سرائيل يف امل�سجد الإبراهيمي‬ ‫مبدينة اخلليل ‪.‬‬ ‫جاء ذلك يف بيان عاجل �أ�صدره الأمني العام لرابطة‬ ‫العامل الإ�سالمي ق��ال فيه ‪� :‬إن اجلماعات ال�صهيونية‬ ‫املتطرفة مت��ردت على الأع��راف والقوانني الدولية‪ ،‬مبا‬ ‫تعلن عنه من خطط عدوانية ‪ ،‬ومب��ا تنفذه من �أعمال‬ ‫�إجرامية ال ترعى �أية حرمة لدين‪ ،‬وال تبايل ب�أي موثق‬ ‫�أو عهد ‪ ،‬وال ت�أبه بقرارات املجتمع الدويل التي عرب عنها‬ ‫جمل�س الأم��ن يف ال�ق��رار رق��م (‪ )271‬ال��ذي ق��رر ب ��أن �أي‬ ‫تدني�س للأماكن املقد�سة �أو املباين �أو املواقع الدينية يف‬ ‫مدينة القد�س ‪ ،‬و�أي ت�شجيع �أو توط�ؤ للقيام بعمل مماثل‬ ‫ميكن �أن يهدد الأم��ن وال�سلم الدوليني ‪ ،‬و�أك��د معاليه‬ ‫�أن اعتزام � ٍ‬ ‫آالف من املتطرفني ال�صهاينة دخول امل�سجد‬ ‫الأق�صى عمل ا�ستفزازي �شائن يثري جميع امل�سلمني يف‬ ‫العامل ويزيد من املخاطر يف فل�سطني ويف املنطقة ب�أ�سرها‬ ‫‪ ،‬و�أو� �ض��ح �أن دخ ��ول ه� ��ؤالء �إل ��ى امل�سجد الأق���ص��ى عمل‬ ‫مناق�ض لقرار كانت اتخذته املحكمة الإ�سرائيلية العليا‬ ‫يق�ضي مبنع اليهود من الدخول �إلى امل�سجد الأق�صى ‪.‬‬ ‫ون �ب��ه الأم �ي�ن ال �ع��ام �إل ��ى اخل �ط��ر ال���ش��دي��د مل��ا ي�سعى‬ ‫�إل � �ي� ��ه ب �ع ����ض احل� ��اخ� ��ام� ��ات م� ��ن �أج� � ��ل �إق � ��ام � ��ة ك�ن�ي����س‬ ‫ي � �ه� ��ودي يف امل �ن �ط �ق��ة امل �ح �ي �ط��ة ب��امل �� �س �ج��د الأق� ��� �ص ��ى‪.‬‬ ‫وذ ّك��ر معاليه مبا �أك��دت عليه الرابطة يف بيانات �سابقة‬ ‫من اهتمام م�سلمي العامل بامل�سجد الأق�صى‪ ،‬ومتابعتهم‬ ‫ما يحدث فيه‪ ،‬ملكانته العظيمة يف نفو�سهم ‪ ،‬فهو �أولى‬ ‫القبلتني ‪ ،‬وهو املكان الذي �أ�سرى بالر�سول حممد �صلى‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪23‬‬


‫‪24‬‬

‫اهلل عليه و�سلم �إل�ي��ه م��ن امل�ســـجد احل��رام ‪�ُ } :‬س ْب َحا َن‬ ‫ا َّل ِذي �أَ ْ�س َرى ِب َع ْب ِد ِه َل ْي ً‬ ‫ال ِمنَ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َرا ِم �إِ َلى المْ َ ْ�سجِ ِد‬ ‫الَ ْق�� َ��ص��ى ا َّل� ِ�ذي َب��ا َر ْك� َن��ا َح� ْو َل � ُه ِل�ُنِرُ ِ َي � ُه ِم��نْ �آ َي��ا ِت� َن��ا �إِ َّن� � ُه ُه َو‬ ‫ْأ‬ ‫ري{ (اال�سراء‪. )1:‬‬ ‫ال�س ِمي ُع ا ْل َب ِ�ص ُ‬ ‫َّ‬ ‫و�أك� ��د م�ع��ال�ي��ه �أن ال���ش�ع��وب والأق �ل �ي��ات وامل�ن�ظ�م��ات‬ ‫الإ��س�لام�ي��ة املمثلة يف راب �ط��ة ال �ع��امل الإ� �س�لام��ي تدين‬ ‫جميع خطط العدوان على امل�سجد الأق�صى وغ�يره من‬ ‫امل�ق��د��س��ات الإ��س�لام�ي��ة يف فل�سطني وت�ط��ال��ب حكومات‬ ‫العامل الإ�سالمي واحلكومات املحبة لل�سالم بالتعاون‬ ‫ملنع اجلماعات ال�صهيونية املتطرفة من تنفيذ براجمها‬ ‫اال�ستفزازية وخططها العدوانية ‪ ،‬م�شرياً �إلى �أن من �ش�أن‬ ‫اخلطط العدوانية اجلديدة تفجري املزيد من الأحداث‬ ‫ال��دام �ي��ة يف ف�ل���س�ط�ين ‪ ،‬و�أه � ��اب م�ع��ال�ي��ه ب �ق��ادة ال ��دول‬ ‫الإ��س�لام�ي��ة �أن ي�ب��ذل��وا خمتلف اجل�ه��ود حلمل املجتمع‬ ‫ال��دويل ومنظماته على منع اجلماعات ال�صهيونية من‬ ‫تنفيذ خططها الإج��رام�ي��ة حفاظاً على مكانة امل�سجد‬ ‫الأق�صى‪ ،‬وطالب د‪ .‬الرتكي هيئة الأمم املتحدة مبتابعة‬ ‫التزاماتها التي ت�ضمنتها ال �ق��رارات اخلا�صة بامل�سجد‬ ‫الأق�صى واملقد�سات الإ�سالمية يف فل�سطني‪ ،‬والعمل على‬ ‫تنفيذها من قبل �إ�سرائيل وعدم امل�سا�س باملقد�سات‪.‬‬ ‫بتاريخ‪ 1427/7/29:‬هـ‬ ‫ال��راب�ط��ة حت��ذر م��ن خم��اط��ر دخ ��ول ال�ي�ه��ود امل�سجد‬ ‫الأق �� �ص��ى وت��دع��و الأم � ��م امل �ت �ح��دة ل�ت�ن�ف�ي��ذ ال�ت��زام��ات�ه��ا‬ ‫بحمايته‪:‬‬ ‫ذ ّك� ��رت راب �ط��ة ال �ع��امل الإ� �س�ل�ام��ي امل�ج�ت�م��ع ال ��دويل‬ ‫ومنظماته مبكانة امل�سجد الأق���ص��ى‪ ،‬واه�ت�م��ام م�سلمي‬ ‫العامل به‪ ،‬ومتابعتهم للأحداث التي حتيط به‪ ،‬وحذرت‬ ‫من اخلطط ال�صهيونية لإزالة هذا امل�سجد‪ ،‬الذي يحتل‬ ‫مكانة كبرية يف نفو�س امل�سلمني‪ ،‬لأن��ه �أول��ى القبلتني‪،‬‬ ‫وث��ال��ث امل���س��اج��د ال�ت��ي ت�شد �إل�ي�ه��ا ال��رح��ال‪ ،‬وه��و امل�ك��ان‬ ‫ال��ذي �أ�سرى �إليه بالنبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ‪:‬‬ ‫} ُ�س ْب َحا َن ا َّل ِذي �أَ ْ�س َرى ِب َع ْب ِد ِه َل ْي ً‬ ‫ال ِمنَ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َرا ِم �إِ َلى‬ ‫الَ ْق َ�صى ا َّل ِذي َبا َر ْكنَا َح ْو َل ُه ِل رُ ِ‬ ‫ن َي ُه ِمنْ �آ َيا ِتنَا �إِ َّن ُه‬ ‫المْ َ ْ�سجِ ِد ْ أ‬ ‫ري{ (اال�سراء‪.)1:‬‬ ‫ال�س ِمي ُع ا ْل َب ِ�ص ُ‬ ‫ُه َو َّ‬ ‫جاء ذلك يف بيان �أ�صدره الأم�ين العام للرابطة قال‬ ‫ف�ي��ه‪� :‬إن ح��ري��ق امل�سجد الأق���ص��ى ال��ذي ن�ف��ذه الإره��اب��ي‬ ‫املتطرف مايكل روه��ان يف احل��ادي والع�شرين من �شهر‬ ‫�أغ�سط�س‪� /‬آب عام ‪1969‬م كان تعبرياً عن قناعة �صهيونية‬ ‫هدفها �إزال ��ة امل�سجد‪ ،‬وذل��ك يتبني وا��ض�ح�اً م��ن خالل‬ ‫البيانات التي ت�صدرها العديد من املنظمات ال�صهيونية‬ ‫بني فرتة و�أخ��رى‪ ،‬والتي تدعو فيها �إلى تدمري امل�سجد‬ ‫و�إزالته‪ ،‬وبناء الهيكل املزعوم مكانه‪.‬‬ ‫ول�ف��ت الأم�ي�ن ال �ع��ام الأن �ظ��ار �إل ��ى خ �ط��ورة اخلطط‬

‫ال�صهيونية املتطرفة لهدم امل�سجد‪ ،‬وو�صفها باخلطط‬ ‫الإرهابية التي تهدف �إلى �إحداث فتنة كربى‪ ،‬تثري مليار‬ ‫ون�صف املليار من امل�سلمني يف العامل‪ ،‬الذين يرف�ضون‬ ‫�أي تدني�س لهذا امل�سجد و�أي اعتداء عليه‪ ،‬كما يرف�ضون‬ ‫تق�سيمه واحتالل ال�صهاينة لأي جزء منه‪.‬‬ ‫وذ ّكر معاليه باملخاطر التي ت�ستهدف امل�سجد الأق�صى‪،‬‬ ‫و�أن منظمات الإرهاب ال�صهيوين حاولت يف مرات عديدة‬ ‫ت��دم�يره و�إح��راق��ه‪ ،‬م�شرياً �إل��ى حم��اول��ة ن�سفه م��ن قبل‬ ‫جمموعة عام ‪1980‬م بقيادة مائري كاهانا‪ ،‬وحماولة ن�سفه‬ ‫كذلك من قبل جمموعة �صهيونية بقيادة املتطرف يهودا‬ ‫غ�سيون يف ع��ام ‪1982‬م وحم��اول��ة جمموعة م��ن منظمة‬ ‫غو�ش �أمونيم العدوان عليه يف عام ‪1989‬م ‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى‬ ‫امل�ح��اوالت امل�ستمرة القتحامه و�إي��ذاء امل�صلني فيه‪ ،‬من‬ ‫قبل اجلماعات ال�صهيونية املتطرفة‪.‬‬ ‫ودع ��ا معاليه هيئة الأم ��م امل�ت�ح��دة وجم�ل����س الأم��ن‬ ‫ال��دويل ومنظمات حقوق الإن�سان يف العامل �إل��ى تنفيذ‬ ‫القانون ال��دويل وق��رارات جمل�س الأم��ن‪ ،‬القا�ضية مبنع‬ ‫ال�ع��دوان على امل�سجد الأق�صى وحمايته‪ ،‬ومنها القرار‬ ‫رقم (‪ )271‬الذي ندد فيه جمل�س الأمن الدويل ب�إحراق‬ ‫امل�سجد الأق�صى‪ ،‬و�أكد فيه على قراريه رقم (‪ )252‬ورقم‬ ‫(‪ )267‬و ّبني ب�أن �أي تدمري �أو تدني�س للأماكن املقد�سة �أو‬ ‫املباين �أو املواقع الدينية يف القد�س يعد انتهاكاً للقانون‬ ‫ال��دويل‪ ،‬و�أي ت�شجيع وتواط�ؤ للقيام بعمل مماثل ميكن‬ ‫�أن يهدد الأمن وال�سلم الدوليني‪.‬‬ ‫وب�ي�ن الأم �ي�ن ال �ع��ام �أن اخل �ط��اب امل�ع�ل��ن للمنظمات‬ ‫ال�صهيونية املتطرفة يك�شف نواياها العدوانية‪ ،‬وي�ؤكد‬ ‫�أنها من �أخطر منظمات الإرهاب ال�صهيوين‪ ،‬التي ت�سعى‬ ‫�إلى تدمري امل�سجد الأق�صى وغريه من امل�ساجد يف مدينة‬ ‫القد�س‪ ،‬كما �أنها تعلن عن خطط لقتل امل�صلني الآمنني‬ ‫داخ��ل ه��ذه امل�ساجد‪ ،‬وت���س��اءل الأم�ي�ن ال�ع��ام ع��ن موقف‬ ‫املجتمع ال��دويل ال��ذي يعمل على حماربة الإره ��اب من‬ ‫هذه املنظمات ال�صهيونية‪ ،‬وعن م�شروعاتها الإرهابية يف‬ ‫ا�ستهداف املقد�سات‪ ،‬التي مينع القانون الدويل العدوان‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫وط��ال��ب الأم�ي�ن ال�ع��ام امل�سلمني بتوحيد مواقفهم‪،‬‬ ‫ور���ص �صفوفهم‪ ،‬وحتقيق التالحم ال�شعبي والر�سمي‬ ‫ملواجهة �أي خطر يتعر�ض له هذا امل�سجد ‪ ،‬وال�سعي الدائم‬ ‫لدى املنظمات الدولية املعنية باحلقوق الإن�سانية ل�ضمان‬ ‫حمايته من خمططات منظمات الإرهاب ال�صهيوين ومن‬ ‫�أي عدوان عليه‪.‬‬ ‫بتاريخ‪ 1428/1/16:‬هـ‬ ‫رابطة العامل الإ�سالمي ت�ستنكر �أعمال احلفر والهدم‬ ‫يف حميط امل�سجد الأق�صى‪:‬‬ ‫ا�ستنكرت الأمانة العامة لرابطة العامل الإ�سالمي‬ ‫�أع �م��ال احل �ف��ر اجل��دي��دة ال �ت��ي ت�ن�ف��ذه��ا �إ� �س��رائ �ي��ل حتت‬ ‫امل�سجد الأق�صى ‪ ،‬وهدمها الطريق امل�ؤدي �إلى باب املغاربة‬


‫‪� ،‬أحد �أب��واب امل�سجد ‪ ،‬مع هدم غرف للوقف الإ�سالمي ‪،‬‬ ‫والتخطيط لإقامة كني�س يهودي ومدينة �سياحية على‬ ‫جزء من الأرا��ض��ي التابعة للم�سجد الأق�صى ‪ ،‬وطالبت‬ ‫هيئة الأمم املتحدة بالإ�سراع يف اتخاذ التدابري العملية‬ ‫املطلوبة حلماية امل�سجد والأرا�ضي والأوقاف التابعة له‬ ‫من الهدم واحلفر حتته لأن ذلك ي�ؤدي �إلى انهياره‪.‬‬ ‫ج��اء ذل��ك يف ب�ي��ان �أ� �ص��دره م�ع��ايل ال��دك�ت��ور عبد اهلل‬ ‫ب��ن عبد املح�سن ال�ترك��ي‪ ،‬الأم�ي�ن ال�ع��ام ل�ل��راب�ط��ة‪ ،‬بني‬ ‫فيه �أن �إج ��راءات احلفر وال�ه��دم حت��ت امل�سجد الأق�صى‬ ‫ويف حميطه �أقلقت امل�سلمني يف العامل‪ ،‬وذلك ملكانة هذا‬ ‫امل�سجد عندهم ‪ ،‬فهو القبلة الأول��ى للم�سلمني‪ ،‬واملكان‬ ‫الذي �أ�سرى �إليه بالر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫}�س ْب َحا َن ا َّل� ِ�ذي َ�أ ْ�س َرى ِب َع ْب ِد ِه َل ْي ً‬ ‫ال‬ ‫من امل�سجد احل��رام‪ُ :‬‬ ‫ال ْق�� َ��ص��ى ا َّل� ِ�ذي َبا َر ْكنَا‬ ‫ِم��نَ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ � َرا ِم �إِ َل��ى المْ َ ْ�سجِ ِد ْ َ أ‬ ‫َح ْو َل ُه ِل رُ ِ‬ ‫ري{‬ ‫ال�س ِمي ُع ا ْل َب ِ�ص ُ‬ ‫ن َي ُه ِمنْ �آ َيا ِتنَا �إِ َّن ُه ُه َو َّ‬ ‫وندد الأم�ين العام بخطط �إ�سرائيل التي تهدف �إلى‬ ‫�إقامة كني�س يهودي ومدينة �سياحية يف حميط امل�سجد‬ ‫الأق���ص��ى ‪� ،‬ضمن م�ساعي تهويد مدينة ال�ق��د���س التي‬ ‫عزلتها �إ�سرائيل عن مدن فل�سطني‪.‬‬ ‫وطالب معاليه هيئة الأمم املتحدة مبتابعة ما تقوم‬ ‫به �إ�سرائيل من حفر وهدم وتهويد‪ ،‬م�شرياً �إلى انتهاكها‬ ‫يف ذل��ك ق ��رارات املجتمع ال ��دويل ب���ش��أن مدينة القد�س‬ ‫وامل�سجد الأق�صى‪.‬‬ ‫وق��ال‪� :‬إن القانون ال��دويل ين�ص على �ضرورة حماية‬ ‫املقد�سات ‪ ،‬و�إن جمل�س الأمن وهيئة الأمم املتحدة �أ�صدرا‬ ‫العديد م��ن ال �ق��رارات ب�ش�أن منع ال�ع��دوان على امل�سجد‬ ‫الأق�صى وحماية املقد�سات يف فل�سطني ‪ ،‬ومن ذلك القرار‬ ‫رق��م(‪ )271‬الذي �أ�صدره جمل�س الأمن يف ‪1969/9/15‬م‬ ‫�إثر �إحراق ال�صهاينة للم�سجد الأق�صى ‪ ،‬حيث �أقر املجل�س‬ ‫ب�أن �أي تدمري �أو تدني�س للأماكن املقد�سة �أو املباين �أو‬ ‫املواقع الدينية يف القد�س يعد جرمية ‪ ،‬و�أي ت�شجيع �أو‬ ‫تواط�ؤ للقيام بعمل مماثل ميكن �أن يهدد الأمن وال�سلم‬ ‫الدوليني‪.‬‬ ‫ونبه معاليه �إل��ى �أهمية تعاون املجتمع ال��دويل على‬ ‫تنفيذ بنود اتفاقية جنيف الرابعة التي متنع االعتداء‬ ‫على الآثار التاريخية �أو �أماكن العبادة التي ت�شكل الرتاث‬ ‫الثقايف �أو الروحي لل�شعوب‪.‬‬ ‫كذلك نا�شد الأم�ين العام منظمة اليون�سكو لل�سعي‬ ‫ملنع ال �ع��دوان على امل�سجد الأق���ص��ى م��ذك��راً معاليه ب��أن‬ ‫اتفاقية اله��اي لعام ‪1954‬م ت�ضمنت وج��وب حماية دور‬ ‫العبادة يف زمن احلرب ‪ ،‬ويف فرتة االحتالل احلربي ‪ ،‬وقد‬ ‫و�ضعت االتفاقية تدابري تق�ضي �إبعاد الأعيان الثقافية‬ ‫ودور العبادة عن �أي عمل من �ش�أنه تدمريها �أو �إحل��اق‬ ‫ال�ضرر بها‪.‬‬

‫وقال الأمني العام ‪� :‬إن ال�شعوب واملنظمات والأقليات‬ ‫امل�سلمة املمثلة يف رابطة العامل الإ�سالمي تطالب املجتمع‬ ‫الدويل وم�ؤ�س�ساته ودول العامل املحبة لل�سالم �أن تتخذ‬ ‫م�ب��ادرة عملية ج��ادة ملنع ا�ستمرار احلفريات وال�ه��دم يف‬ ‫حميط امل�سجد الأق�صى‪ ،‬و�أعرب معاليه عن الأمل يف �أن‬ ‫يعمل جمل�س الأم��ن على تنفيذ ق��رارات��ه ‪ ،‬و�أن ي�صونها‬ ‫من جتاوزات ال�صهاينة‪ ،‬و�أن يتخذ التدابري العاجلة مبا‬ ‫يحقق حماية امل�سجد الأق�صى من كل اعتداء عليه‪.‬‬ ‫بتاريخ‪ 18 ,‬ربيع الأول ‪ 1439‬هـ‪� ,‬أك��دت رابطة العامل‬ ‫الإ�سالمي �أن االعرتاف بالقد�س عا�صم ًة لإ�سرائيل ُيعد‬ ‫خطوة خطرية تبارك احلق التاريخي لل�شعب الفل�سطيني‬ ‫يف القد�س‪ ،‬وت�صادم القرارات ال َّد ْو ِل َّية املُ�ؤ ّك َدة على ذلك‪.‬‬ ‫و�أو�ضح َم َعاليِ الأمني العام لرابطة العامل الإ�سالمي‬ ‫ال�شيخ الدكتور حممد بن عبدالكرمي العي�سى يف بيان له‬ ‫�أن �أَي قرار من هذا القبيل �سيواجه بغ�ضب �إ�سالمي كبري‬ ‫ويفتح تداعيات خطرية‪ ،‬و�أن �أب�سط َما يمُ كن التعبري عنه‬ ‫�إزاء ه��ذه اخل�ط��وة �أن�ه��ا متثل ال��دخ��ول بق�ضية القد�س‬ ‫امل�صريية يف ال��وج��دان الإ��س�لام��ي نحو تعقيدات مت�س‬ ‫مبد�أ عدم الت�أثري على مفاو�ضات احلل النهائي‪.‬‬ ‫َو�أَ���شَ ��ا َر َم َعا ِليه �إل��ى �أن امل��أم��ول من ال��والي��ات املتحدة‬ ‫الأمريكية ال�سعي احلثيث بها نحو م�سرية ال�سالم ودفعها‬ ‫�إلى الأمام‪ ،‬و�أن الرجوع بها �إلى الوراء �سيهدد مبزيد من‬ ‫التداعيات بالغة اخل�ط��ورة يف ��ش��أن ال�ن��زاع الفل�سطيني‬ ‫الإ�سرائيلي‪.‬‬ ‫و�أَ�ضَ َ‬ ‫اف �أن الرابطة بو�صفها مظلة لل�شعوب الإ�سالمية‬ ‫ت�ؤكد �أن القد�س تمُ ثل يف ال�شعور الإ�سالمي ق�ضية ُم ِه َّمة‬ ‫ال تقبل �سوى احلل العادل واملن�صف الذي يحفظ التاريخ‬ ‫واحلق لي�ضع الأمور يف ن�صابها ال�صحيح دون �أَي انحياز‬ ‫�سلبي �أو تعقيد خطري‪.‬‬ ‫وام ِتنَانه للجهود‬ ‫وقدم َم َعا ِليه با�سم الرابطة �شكره ْ‬ ‫املبذولة من اململكة ال َع َر ِب ّية ال�سعودية يف هذه الق�ضية‪،‬‬ ‫وب��خَ ��ا�َّ��ص��ة َم��ا �أع�ل�ن�ت��ه ُم� ��ؤخَّ � � َراً م��ن م��وق��ف ح ��ازم وع��ادل‬ ‫حيالها‪ ،‬مرتجِ َم ُة بذلك َم��ا يجب �أن يكون عليه �صوت‬ ‫العامل الإ�سالمي ال�صادر عن متعلقه ال��روح��ي وقبلته‬ ‫اجلامعة‪.‬‬ ‫واخرياً البد يل من كلمة �شكر وعرفان للقائمني على‬ ‫راب�ط��ة ال�ع��امل اال�سالمي وعلى ر�أ�سهم معايل الدكتور‬ ‫حم�م��د ع�ب��د ال �ك��رمي العي�سى لن�صرتهم ودف��اع�ه��م عن‬ ‫ق�ضايا اال� �س�لام وامل�سلمني وخ�صو�صاً ق�ضية القد�س‬ ‫ب�شكل عام واالق�صى ب�شكل خا�ص حتى يعود عزيزاً حمرراً‬ ‫من دن�س اليهود ‪.‬‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ‪،‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪25‬‬


‫اإلعجاز العلمي في السمع والبصر والفؤاد‬

‫في القرآن الكريم‬ ‫دراسات‬

‫المهندس حاتم البشتاوي‬

‫‪26‬‬

‫لفظ اجلاللة ب�صري ‪ 51‬مرة‪.‬‬ ‫الإعجاز العلمي يف ال�سمع والب�صر والف�ؤاد‬ ‫لفظ اجلاللة ال�سميع الب�صري ‪ 11‬مرة‪.‬‬ ‫ال�س ْم َع َوا ْل َب َ�ص َر َوا ْل ُف�ؤَا َد ُك ُّل �أُو َل ِئ َك‬ ‫قال تعالى‪�} :‬إِ َّن َّ‬ ‫َكا َن َع ْن ُه َم ْ�سئ اً‬ ‫جمموع �ألفاظ ال�سمع والب�صر وم�شتقاتها ‪ 332‬كلمة‪.‬‬ ‫ُول{ (الإ�سراء‪.)36 :‬‬ ‫= ‪ 27/1‬من �ألفاظ القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫�ألفاظ ال�سمع والب�صر يف القر�آن الكرمي‪:‬‬ ‫وع�ن��دم��ا ت��رد لفظة �سمع يف ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي ف�إنها‬ ‫وردت �ألفاظ ال�سمع والأب�صار وم�شتقاتها ‪ 12‬مرة يف‬ ‫تعني دائ�م�اً �سماع ال�ك�لام والأ� �ص��وات و�إدراك م��ا تنقله‬ ‫القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫من معلومات‪ ،‬بينما مل تعن كلمة الب�صر ر�ؤي��ة ال�ضوء‬ ‫لفظة ال�سمع والب�صر مرة واحدة‪.‬‬ ‫وال�صور والأج�سام بالعينني �إال يف ‪ 88‬حالة فقط‪� ،‬إذ �إنها‬ ‫ال�سمع وحده ‪ 7‬مرات‪.‬‬ ‫دلت يف باقي املرات على التب�صر العقلي يف ظواهر الكون‬ ‫واحلياة �أو يف ما يتلقاه املرء وي�سمعه من �آيات و�أقوال‪.‬‬ ‫الب�صر وحده ‪ 10‬مرات‪.‬‬ ‫وقد ترافقت كلمتا ال�سمع والب�صر‪ ،‬يف ‪� 38‬آية كرمية‪ ،‬كما‬ ‫الأب�صار ‪ 25‬مرة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال�س ْم َع‬ ‫قال تعالى‪} :‬ث َّم َ�س َّوا ُه َونفخ فيه منْ ُروحه َو َج َعل لك ُم َّ‬ ‫�سمع وم�شتقاتها ‪ 175‬مرة عدد اال�شتقاقات ‪.45‬‬ ‫ال ْف ِئ َد َة َق ِليلاً َما َت ْ�ش ُك ُرونَ{ (ال�سجدة‪.)9 :‬‬ ‫الَ ْب َ�صا َر َو َْ أ‬ ‫َو ْ أ‬ ‫ب�صر وم�شتقاتها ‪ 147‬مرة عدد اال�شتقاقات ‪.32‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الف �ئ � َد َة‬ ‫ال�س ْم َع َوالأ ْب�� َ��ص��ا َر َو أ‬ ‫} َو ُه � َو ا َّل��ذي �أ ْن��� َ�ش��أ ل ُك ُم َّ‬ ‫لفظ اجلاللة �سميع ‪ 47‬مرة‪.‬‬ ‫َق ِليلاً َما تَ�شْ ُك ُرونَ{ (امل�ؤمنون‪.)78 :‬‬


‫} َواللهَّ ُ �أَخْ َر َج ُك ْم ِمنْ ُب ُط ِ‬ ‫ون �أُ َّم َها ِت ُك ْم اَل َت ْعلَ ُمو َن �شَ ْيئًا‬ ‫ال�س ْم َع َو ْ أَ‬ ‫ال ْف� ِئ� َد َة َل َع َّل ُك ْم تَ�شْ ُك ُرونَ{‬ ‫ال ْب َ�صا َر َو َْ أ‬ ‫َو َج َع َل َل ُك ُم َّ‬ ‫(النحل‪.)78 :‬‬ ‫} َو َل َق ْد َم َّكن َُّاه ْم ِفي َما �إِنْ َم َّكنَّا ُك ْم ِفي ِه َو َج َع ْلنَا َل ُه ْم َ�س ْم ًعا‬ ‫َو�أَ ْب َ�صا ًرا َو�أَ ْف ِئ َد ًة َف َما َ�أغْ نَى َع ْن ُه ْم َ�س ْم ُع ُه ْم َو اَل َ�أ ْب َ�صا ُر ُه ْم َو اَل‬ ‫�أَ ْف ِئ َد ُت ُه ْم ِمنْ �شَ ْي ٍء ِ�إ ْذ َكانُوا َي ْج َح ُدو َن ِب�آَ َي ِات اللهَّ ِ َو َحا َق ِب ِه ْم‬ ‫َما َكانُوا ِب ِه َي ْ�س َت ْه ِز ُئونَ{ (الأحقاف‪)26 :‬‬ ‫جهاز ال�سمع والب�صر بالأرقام‪:‬‬ ‫يوجد يف الق�سم اللولبي ل�ل�أذن ‪ 4000‬قو�س �صغرية‬ ‫مت�صلة بع�صب ال�سمع يف ال��ر�أ���س ويف الأذن ‪100.000‬‬ ‫خلية ع�صبية �سمعية تنتهي ب�أهداب دقيقة وهذه اخلاليا‬ ‫الع�صبية ت�ستطيع �أن متيز بني ‪ 34000‬حلن خمتلف‪.‬‬ ‫وت�ستطيع الأذن املدربة �أن متيز بني ‪ 2000‬نربة �صوت‬ ‫ما مل يقل تردد ال�صوت عن ‪ 100‬ذبذبة وال يزيد عن ‪3000‬‬ ‫ذبذبة‪/‬ث‪.‬‬ ‫وت �ت�راوح ال�ت��رددات ال�ت��ي ت�سمعها الأذن ب�ين (‪-16‬‬ ‫‪ )20000‬ذبذبة‪/‬ث‪.‬‬ ‫ك�م��ا ت�ت�راوح ح��دة ال�سمع ل�ل��أذن الطبيعية م��ا بني‬ ‫ال�صفر �إلى احلد الأعلى الذي ي�سبب �آالماً حادة يف الأذن‬ ‫(‪ )140-120‬دي�سبل‪ ،‬وه��ذا ال �ف��ارق ب�ين احل��دي��ن يعادل‬ ‫‪ 100‬تريليون �ضعف ويف العني ‪ 300‬مليون خلية ع�صبية‬ ‫ب�صرية‪.‬‬ ‫وللب�صر ‪ 34-18‬م��رك��ز ب��ال�ق���ش��رة امل�خ�ي��ة ال�ستقبال‬ ‫املعلومات ويف العني ‪ 140‬مليون خلية �ضوئية وت�سمى‬ ‫باملخاريط والع�صي حيث يبلغ عدد املخاريط يف كل عني ‪7‬‬

‫مليون وعدد الع�صيات ‪ 130‬مليون وتقوم جميعها مبهمة‬ ‫�إر��س��ال املجموعة الت�صويرية �إل��ى امل��خ‪ ،‬والع�صي خاليا‬ ‫�شديدة احل�سا�سية بحيث تظهر ال�ضوء البالغ ال�ضعف‪،‬‬ ‫لدرجة ت�صل �إلى ‪/1‬مائة بليون جزء من الواط‪.‬‬ ‫وت�ستطيع العني �أن ترى يف نور ال�شم�س ال�ساطع ويف‬ ‫نور القمر الباهت والن�سبة بينهما ‪ 30.000‬مرة‪.‬‬ ‫وخلق اهلل �سبحانه وتعالى ‪ 24‬ع�ضلة لتحريك احلدقة‬ ‫وتقليبها ولو نق�صت منها ع�ضلة الختل �أمر العني‪.‬‬ ‫ال�س ْم َع‬ ‫وقال تعالى‪ُ } :‬ق ْل ُه َو ا َّل ِذي �أَن َْ�ش َ�أ ُك ْم َو َج َع َل َل ُك ُم َّ‬ ‫ال ْف ِئ َد َة َق ِليلاً َما تَ�شْ ُك ُرونَ{ (امللك‪.)23 :‬‬ ‫الَ ْب َ�صا َر َو َْ أ‬ ‫َو ْ أ‬ ‫الَ ْر�� ِ�ض‬ ‫ال�س َما ِء َو ْ أ‬ ‫وقال تعالى‪ُ } :‬ق ْل َمنْ َي ْر ُز ُق ُك ْم ِمنَ َّ‬ ‫الَ ْب َ�صا َر َو َمنْ ُيخْ ِر ُج الحْ َ َّي ِمنَ المْ َ ِّي ِت‬ ‫ال�س ْم َع َو ْ أ‬ ‫�أَ َّمنْ يمَ ْ ِل ُك َّ‬ ‫الَ ْم َر َف َ�س َيقُو ُلو َن اللهَّ ُ‬ ‫َو ُيخْ ِر ُج المْ َ ِّيتَ ِمنَ الحْ َ ِّي َو َمنْ ُي َد ِّب ُر ْ أ‬ ‫َفق ُْل �أَفَلاَ َت َّتقُونَ{ (يون�س‪.)31 :‬‬ ‫ال�س ْم َع َو َما َكانُوا‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬ما َكانُوا َي ْ�ست َِطي ُعو َن َّ‬ ‫ُي ْب ِ�ص ُرونَ{ (هود‪.)20 :‬‬ ‫الن َْ�سا َن ِم��نْ ن ُْط َف ٍة �أَ ْم َ�شا ٍج‬ ‫وق��ال تعالى‪�} :‬إِ َّن��ا خَ لَ ْقنَا ْ إِ‬ ‫ريا{ (الإن�سان‪.)2 :‬‬ ‫َن ْب َت ِلي ِه َف َج َع ْلنَا ُه َ�س ِمي ًعا َب ِ�ص ً‬ ‫وق� ��د وردت ك �ل �م��ة "ال�صمم" م�ت�راف �ق��ة م ��ع كلمة‬ ‫"العمى" يف ثماين �آي��ات �سبقت يف معظمها "ال�صمم"‬ ‫كلمة "العمى" كما يف قوله تعالى‪�} :‬أُو َل ِئ َك ا َّل ِذينَ َل َع َن ُه ُم‬ ‫اللهَّ ُ َف�أَ َ�ص َّم ُه ْم َو�أَ ْع َمى �أَ ْب َ�صا َر ُه ْم{ (حممد‪.)23 :‬‬ ‫وق ��ال ت�ع��ال��ى‪��ُ �} :‬ص� ٌّ�م ُب � ْك � ٌم ُع � ْم� ٌ�ي َف � ُه � ْم اَل َي� ْع � ِق � ُل��ونَ{‬ ‫(البقرة‪.)171 :‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪27‬‬


‫‪28‬‬

‫وق��ال ت�ع��ال��ى‪��ُ �} :‬ص� ٌّ�م ُب � ْك � ٌم ُع � ْم� ٌ�ي َف � ُه � ْم اَل َي � ْرجِ � ُع��ونَ{‬ ‫(البقرة‪.)18 :‬‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬وا َّل ِذينَ �إِ َذا ُذ ِّك ُروا ِب�آَ َي ِات َر ِّب ِه ْم لمَ ْ َي ِخ ُّروا‬ ‫َعلَ ْي َها ُ�ص ًّما َو ُع ْم َيانًا{ (الفرقان‪.)73 :‬‬ ‫ومن املالحظ يف هذه الآيات الكونية �أن كلمة "ال�سمع"‬ ‫قد �سبقت "الب�صر" وبال ا�ستثناء‪ ،‬فال بد و�أن نت�ساءل‪:‬‬ ‫هل لهذا ال�سبق من داللة خا�صة؟ قد تبدو الإجابة عن‬ ‫هذا ال�س�ؤال وللوهلة الأولى وعلى �ضوء املعلومات الأولية‬ ‫التي نعرفها عن هذين احل�سني �صعبة وع�سرية الفهم‪،‬‬ ‫فمن املعلوم ف�سيولوجياً وت�شريحياً �أن الع�صب الب�صري‬ ‫الواحد يحتوي على �أكرث من (‪ 1.000.000‬ليف ع�صبي‬ ‫بينما ال يحتوي الع�صب ال�سمعي �إال على ‪ 30.000‬ليف‬ ‫ف�ق��ط‪ ،‬كما �أن م��ن امل �ع��روف ف�سيولوجياً �أن ثلثي عدد‬ ‫الأع�صاب احل�سية يف اجل�سم هي �أع�صاب ب�صرية‪ ،‬وال يرد‬ ‫�إل��ى اجل�سم م��ن جمموع املعلومات احل�سية ع��ن طريق‬ ‫اجلهاز ال�سمعي �أك�ثر من (‪ )%12‬بينما يرد �إل��ى اجل�سم‬ ‫عن طريق اجلهاز الب�صري ح��وايل (‪ )%70‬من جمموع‬ ‫امل�ع�ل��وم��ات احل�سية‪� ،‬إذاً مل��اذا ه��ذا ال�ت�ق��دم حل�س ال�سمع‬ ‫و�إيراده قبل ح�س الب�صر يف كل الآيات تقريباً؟ فال بد و�أن‬ ‫هناك �سبباً مل نعرفه بعد‪ ،‬ولكننا لو تب�صرنا يف احلقائق‬ ‫العلمية التي عرفت حديثاً يف علوم الأج�ن��ة والت�شريح‬ ‫والف�سيولوجيا وال�ط��ب لتمكنا م��ن �إي�ج��اد الأج��وب��ة وال‬ ‫ت�ضح لنا الإعجاز العلمي يف هذه الآي��ات الكرمية‪ ،‬فمما‬ ‫عرفناه حتى الآن من هذه احلقائق‪:‬‬ ‫‪ -1‬تطور حا�سة ال�سمع والب�صر ‪:‬‬ ‫تتطور �آلتا ال�سمع والب�صر يف وقت متزامن تقريباً يف‬ ‫احلياة اجلنينية الأول��ى �إذ تظهر ال�صحيفة ال�سمعية يف‬ ‫�آخر الأ�سبوع الثالث (‪ )Otic lacode‬وهي �أول مكونات‬ ‫�آل ��ة ال���س�م��ع‪ ،‬بينما تظهر ال�صحيفة الب�صرية يف �أول‬ ‫الأ�سبوع الرابع من حياة اجلنني‪.‬‬ ‫وتتطور الأذن الداخلية للجنني من هذه ال�صحيفة‬ ‫ال�سمعية‪ ،‬فيظهر يف الأ��س�ب��وع ال��راب��ع الكي�س الغا�شائي‬ ‫حل �ل��زون الأذن (‪ )Membraneous Cochlea‬ال��ذي‬ ‫ي�ن�م��و ط��ول �ي �اً وي �ل �ت��ف ل�ف�ت�ين ون �� �ص��ف م �ك��ون �اً احل �ل��زون‬ ‫ال�ك��ام��ل يف الأ� �س �ب��وع ال�ث��ام��ن‪ ،‬ث��م ت�ت��م �إح��اط��ة احل�ل��زون‬ ‫بغالف غ�ضرويف يف الأ��س�ب��وع الثامن ع�شر‪ ،‬وينمو هذا‬ ‫حتى ي�صل حجمه احلجم الطبيعي له عند البالغني يف‬ ‫نهاية الأ�سبوع احلادي والع�شرين‪ ،‬عندما ينمو فيه ع�ضو‬ ‫"كورتي" (وهو ع�ضو ح�س ال�سمع) وتظهر فيه اخلاليا‬ ‫ال�شعرية احل�سية التي حتاط بنهايات الع�صب ال�سمعي‬ ‫وبذا تكون الأذن الداخلية قد منت ون�ضجت لت�صل �إلى‬ ‫حجمها الطبيعي عند البالغني و�أ�صبحت جاهزة للقيام‬ ‫بوظيفة ال�سمع املخ�ص�صة لها يف ال�شهر اخلام�س من‬ ‫عمر اجلنني‪.‬‬

‫وهذا الق�سم من الأذن يتمكن منفرداً من التح�س�س‬ ‫للأ�صوات ونقل �إ�شاراتها �إل��ى الدماغ‪ ،‬لإدراكها دون �أية‬ ‫�ضرورة مل�ساهمة الأذنني الو�سطى واخلارجية من الأدمي‬ ‫الظاهر والأذن الو�سطى م��ن الأدمي املتو�سط‪ ،‬فتتولد‬ ‫عظيمات وع���ض�لات الأذن الو�سطى وب��وق "او�ستاكي"‬ ‫وغ �� �ش��اء ال�ط�ب�ل��ة وال �� �ص �م��اخ ال���س�م�ع��ي اخل ��ارج ��ي خ�لال‬ ‫الأ�سابيع (‪ )20-10‬ثم يتم ات�صالها ب��الأذن الداخلية يف‬ ‫الأ�سبوع احل��ادي والع�شرين‪ ،‬كما يتو�ضح �شكل �صيوان‬ ‫الأذن يف بداية ال�شهر اخلام�س ويتكامل منوه يف الأ�سبوع‬ ‫الثاين والثالثني‪.‬‬ ‫�أما العني فال يتم تكامل طبقتها ال�شبكية احل�سا�سة‬ ‫لل�ضوء �إال بعد الأ�سبوع اخلام�س والع�شرين‪ ،‬وال تتغطى‬ ‫�ألياف الع�صب الب�صري بالطبقة النخاعية لتتمكن من‬ ‫نقل الإ��ش��ارات الع�صبية الب�صرية بكفاءة �إال بعد ع�شرة‬ ‫�أ�سابيع من والدة اجلنني كما يبقى جفنا عيني اجلنني‬ ‫مغلقني حتى الأ��س�ب��وع ال�ساد�س والع�شرين م��ن احلياة‬ ‫اجلنينية‪.‬‬ ‫‪ -2‬تولد �إ�شارات ال�سمع والب�صر يف اجلنني‪:‬‬ ‫لقد ثبت علمياً �أن الأذن الداخلية للجنني تتح�س�س‬ ‫ل�ل�أ��ص��وات يف ال�شهر اخلام�س‪ ،‬وي�سمع اجلنني �أ��ص��وات‬ ‫ح��رك��ات �أم �ع��اء وق�ل��ب �أم ��ه‪ ،‬وت�ت��ول��د نتيجة ه��ذا ال�سمع‬ ‫�إ� �ش��ارات ع�صبية �سمعية يف الأذن ال��داخ�ل�ي��ة‪ ،‬والع�صب‬ ‫ال�سمعي واملنطقة ال�سمعية يف املخ ميكن ت�سجيلها بالآت‬ ‫الت�سجيل امل�خ�ت�بري��ة‪ ،‬وه ��ذا ب��ره��ان علمي يثبت �سماع‬ ‫اجلنني للأ�صوات يف هذه املرحلة املبكرة من عمره‪.‬‬ ‫ومل ت�سجل مثل ه��ذه الإ� �ش��ارات الع�صبية يف اجلهاز‬ ‫الب�صري للجنني �إال بعد والدته‪.‬‬ ‫كما �أن من املهم �أن نعرف �أن الأ��ص��وات ت�صل الأذن‬ ‫الداخلية عادة عن طريقني‪:‬‬ ‫الطريق الأول‪ :‬هو طريق الأذن اخلارجية ثم الو�سطى‬ ‫واململوءان بالهواء يف الإن�سان الطبيعي‪.‬‬ ‫ال� �ط ��ري ��ق ال � �ث� ��اين‪ :‬ه ��و ط ��ري ��ق ع� �ظ ��ام اجل �م �ج �م��ة‪،‬‬ ‫فاالهتزازات ال�صوتية تنتقل بالطريقة الأولى بوا�سطة‬ ‫ال� �ه ��واء‪ ،‬وت�ن�ت�ق��ل ب��ال�ط��ري�ق��ة ال �ث��ان �ي��ة ب��وا� �س �ط��ة ع�ظ��ام‬ ‫اجل�م�ج�م��ة‪ ،‬وه ��ي ن��اق�ل��ة ج �ي��دة ل�ل�أ� �ص��وات ول �ك��ن الأذن‬ ‫اخل��ارج �ي��ة ل�ل�ج�ن�ين مم �ل��وءة ب�ب�ع����ض الأل� �ي ��اف وب���س��ائ��ل‬ ‫"ال�سلى" ول �ك��ن ال���س��وائ��ل ه��ي الأخ� ��رى ن��اق�ل��ة جيدة‬ ‫للأ�صوات‪ ،‬فعند غمر ر�ؤو�سنا باملاء عند ال�سباحة نتمكن‬ ‫م��ن �سماع الأ� �ص��وات ج�ي��داً‪ ،‬م��ن ذل��ك يت�ضح �أن اجلنني‬ ‫ميكنه �أن ي�سمع الأ�صوات التي قد ت�صل �إلى �أذنه الداخلية‬ ‫�إم��ا عن طريق اجلمجمة �أو عن طريق الأذن اخلارجية‬ ‫اململوءة ب�سائل ال�سلى والأن�سجة‪ ،‬ومن الناحية الأخرى‬ ‫ال يتمكن اجلنني من �أن يب�صر خالل حياته اجلنينية‪،‬‬


‫ال لظالم حميطه فقط بل الن�سداد �أجفانه‪ ،‬وعدم ن�ضوج‬ ‫�شبكية عينيه‪ ،‬وعدم اكتمال الع�صب الب�صري حتى وقت‬ ‫مت�أخر من حياته اجلنينية‪.‬‬ ‫‪ -3‬اكتمال حا�ستي ال�سمع والب�صر‪:‬‬ ‫ميكن للجنني �أن ي�سمع الأ�صوات بالطريقة الطبيعة‬ ‫بعد ب�ضعة �أي��ام من والدت��ه‪ ،‬بعد �أن متت�ص كل ال�سوائل‬ ‫وف�ضالت الأن�سجة املتبقية يف �أذن��ه الو�سطى واملحيطة‬ ‫بعظيماتها‪ ،‬ثم ي�صبح ال�سمع ح��اداً بعد �أي��ام قالئل من‬ ‫والدة الطفل‪.‬‬ ‫ومن املالحظ �أن الإن�سان هو املخلوق الوحيد الذي‬ ‫يبد�أ ب�سماع الأ�صوات وهو يف رحم �أمه‪ ،‬فجميع احليوانات‬ ‫ال تبد�أ ب�سماع الأ�صوات �إال بعد والدتها بفرتة‪ ،‬وفيما يلي‬ ‫بع�ض الأمثلة التي تو�ضح ذلك‪:‬‬ ‫فالإن�سان ي�سمع الأ�صوات قبل والدته ب�أكرث من (‪)16‬‬ ‫�أ�سبوعاً‪ ،‬وخنزير "غينيا" (قبيعة) بعد والدت��ه بحوايل‬ ‫(‪� )6-5‬ساعات والقط ي�سمعها بعد والدت��ه بحوايل (‪-5‬‬ ‫‪� )6‬أيام‪ .‬والأرنب ي�سمعها بعد والدته بـ (‪� )7‬أيام‪ ،‬والكلب‬ ‫ي�سمعها بعد والدته بـ (‪ )10‬ايام‪.‬‬ ‫�أم��ا حا�سة الب�صر فهي �ضعيفة ج��داً عند ال ��والدة‪،‬‬ ‫�إذ تكاد �أن تكون معدومة‪ ،‬وي�صعب على الوليد متييز‬ ‫ال�ضوء من الظالم‪ ،‬وال يرى �إال �صوراً م�شو�شة للمرئيات‪،‬‬ ‫وتتحرك عيناه دون �أن يتمكن من تركيز ب�صره وتثبيته‬ ‫على اجل�سم املنظور‪ ،‬ولكنه يبد�أ يف ال�شهر الثالث �أو الرابع‬ ‫متييز �شكل �أمه �أو قنينة حليبه وتتبع حركاتهما‪ ،‬وعند‬ ‫ال�شهر ال�ساد�س يتمكن من تفريق وجوه الأ�شخا�ص‪� ،‬إال‬ ‫�أن الوليد يف ه��ذا ال�سن يكون بعيد الب�صر‪ ،‬ثم ي�ستمر‬ ‫ب�صره على النمو والتطور حتى ال�سنة العا�شرة من عمره‪.‬‬ ‫‪ -4‬تطور املناطق ال�سمعية والب�صرية املخية‪:‬‬ ‫ل�ق��د ث�ب��ت الآن �أن املنطقة ال�سمعية امل�خ�ي��ة تتطور‬ ‫وتتكامل وظائفها قبل مثيلتها الب�صرية وقد �أمكن ت�سجيل‬ ‫�إ�شارات ع�صبية �سمعية من املنطقة ال�سمعية لق�شرة املخ‬ ‫عند تنبيه اجلنني مبنبه �صوتي يف بداية ال�شهر اجلنيني‬ ‫اخلام�س‪ ،‬وحتفز الأ��ص��وات التي ي�سمعها اجلنني خالل‬ ‫الن�صف الثاين من حياته اجلنينية هذه املنطقة ال�سمعية‬ ‫لتنمو وتتطور وتتكامل ع�ضوياً ووظائفياً‪ ،‬ومن الناحية‬ ‫الأخ��رى ال تنبه املنطقة الب�صرية للمخ يف هذه الفرتة‬ ‫ب�أية منبهات‪ ،‬ولذلك فهي ال تتطور كثرياً وال تن�ضج وال‬ ‫تتكامل‪ ،‬فمن املعلوم ف�سيولوجياً �أن املنبهات النوعية التي‬ ‫ترد �أي طريق ع�صبي ح�سي حتفزه على النمو والن�ضوج‪،‬‬ ‫وبهذه الطريقة يحفز اجلهاز الع�صبي على الن�ضوج منذ‬ ‫ال�شهر اخلام�س اجلنيني وال يحفز اجلهاز الب�صري مبثل‬ ‫ذلك �إال بعد والدة الوليد‪.‬‬ ‫ولهذه الأ�سباب يتعلم الطفل املعلومات ال�صوتية يف‬ ‫�أوائ��ل حياته قبل تعلمه املعلومات الب�صرية‪ ،‬ويتعلمها‬

‫ويحفظها �أ�سرع بكثري من تعلمه املعلومات املرئية‪ ،‬فهو‬ ‫(مث ً‬ ‫ال) يفهم الكالم ال��ذي ي�سمعه ويدركه ويعيه �أكرث‬ ‫من فهمه للر�سوم وال�صور والكتابات التي يراها‪ ،‬ويحفظ‬ ‫الأغ��اين والأنا�شيد ب�سرعة ويتمكن من تعلم النطق يف‬ ‫وق��ت مبكر ج��داً بالن�سبة لتعلمه ال�ق��راءة والكتاب‪ ،‬وكل‬ ‫ذلك لأن مناطق دماغه ال�سمعية ن�ضجت قبل مناطقه‬ ‫الب�صرية‪ ،‬قال تعالى‪ِ } :‬لن َْج َعلَ َها َل ُك ْم َت ْذ ِك َر ًة َو َت ِع َي َها �أُذُنٌ‬ ‫َو ِاع َي ٌة{ (احلاقة‪.)12 :‬‬ ‫‪ -5‬تطور منطقة التف�سري اللغوي يف ق�شرة املخ‪:‬‬ ‫تنمو وتتطور منطقة التف�سري اللغوي (‪ )geln‬يف‬ ‫ق�شرة امل��خ‪ ،‬والتي تقع بالقرب من منطقة ح�س ال�سمع‬ ‫وترتبط معها ارتباطاً يف �أق��رب و�أوث��ق من ارتباطها مع‬ ‫منطقة ح�س الب�صر التي هي الأخرى ت�ساهم يف وظيفة‬ ‫الكالم والإدراك اللغوي عن طريق القراءة والكتابة‪.‬‬ ‫�إن هذا التقارب بني هاتني املنطقتني ناجت عن حقيقة‬ ‫تطور منطقة ح�س ال�سمع ووظائفه يف وقت مبكر‪ ،‬وقبل‬ ‫ن�ضوج منطقة ووظائف ح�س الب�صر‪.‬‬ ‫وهنا ال بد �أن نعود �إلى الآيات الكرمية‪:‬‬ ‫قال تعالى‪ُ } :‬ث� َّم َ�س َّوا ُه َو َن َف َخ ِفي ِه ِمنْ ُر ِ‬ ‫وح � ِه َو َج َع َل َل ُك ُم‬ ‫ال�س ْم َع َو ْ أَ‬ ‫ال ْف ِئ َد َة َق ِليلاً َما َت ْ�ش ُك ُرونَ{ (ال�سجدة‪.)9 :‬‬ ‫ال ْب َ�صا َر َو َْ أ‬ ‫َّ‬ ‫الَ ْب َ�صا َر‬ ‫ال�س ْم َع َو ْ أ‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬و ُه َو ا َّل ِذي �أَن َْ�ش َ�أ َل ُك ُم َّ‬ ‫الَ ْف ِئ َد َة َق ِليلاً َما تَ�شْ ُك ُرونَ{ (امل�ؤمنون‪.)78 :‬‬ ‫َو ْ أ‬ ‫وق��ال تعالى‪َ } :‬و َل � َق � ْد َم� َّك� َّن��ا ُه� ْم ِفي َما �إِنْ َم� َّك� َّن��ا ُك� ْم ِفي ِه‬ ‫َو َج َع ْلنَا َل ُه ْم َ�س ْم ًعا َو َ�أ ْب َ�صا ًرا َو�أَ ْف ِئ َد ًة َف َما �أَغْ نَى َع ْن ُه ْم َ�س ْم ُع ُه ْم‬ ‫َو اَل �أَ ْب َ�صا ُر ُه ْم َو اَل �أَ ْف ِئ َد ُت ُه ْم ِمنْ �شَ ْي ٍء ِ�إ ْذ َكانُوا َي ْج َح ُدو َن ِب�آَ َي ِات‬ ‫اللهَّ ِ َو َحا َق ِب ِه ْم َما َكانُوا ِب ِه َي ْ�س َت ْه ِز ُئونَ{ (الأحقاف‪.)26 :‬‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬واللهَّ ُ �أَخْ َر َج ُك ْم ِمنْ ُب ُط ِ‬ ‫ون �أُ َّم َها ِت ُك ْم اَل‬ ‫الَ ْف ِئ َد َة َل َع َّل ُك ْم‬ ‫ال ْب َ�صا َر َو ْ أ‬ ‫ال�س ْم َع َو َْ أ‬ ‫َت ْعلَ ُمو َن �شَ ْيئًا َو َج َع َل َل ُك ُم َّ‬ ‫تَ�شْ ُك ُرونَ{ (النحل‪.)78 :‬‬ ‫ال�س ْم َع‬ ‫وقال تعالى‪ُ } :‬ق ْل ُه َو ا َّل ِذي �أَن َْ�ش َ�أ ُك ْم َو َج َع َل َل ُك ُم َّ‬ ‫ال ْف ِئ َد َة َق ِليلاً َما تَ�شْ ُك ُرونَ{ (امللك‪.)23 :‬‬ ‫الَ ْب َ�صا َر َو َْ أ‬ ‫َو ْ أ‬ ‫ال�س ْم َع َو ْالأَ ْب َ�صا َر َو َمنْ ُيخْ ِر ُج‬ ‫وقال تعالى‪�} :‬أَ َّمنْ يمَ ْ ِل ُك َّ‬ ‫الحْ َ َّي ِمنَ المْ َ ِّي ِت َو ُيخْ ِر ُج المْ َ ِّيتَ ِمنَ الحْ َ ِّي َو َمنْ ُي َد ِّب ُر ْال ْأم َر‬ ‫َف َ�س َيقُو ُلو َن اللهَّ ُ َفق ُْل �أَفَلاَ َت َّتقُونَ{ (يون�س‪.)31 :‬‬ ‫ال�س ْم َع َو َما َكانُوا‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬ما َكانُوا َي ْ�ست َِطي ُعو َن َّ‬ ‫ُي ْب ِ�ص ُرونَ{ (هود‪.)20 :‬‬ ‫وق��ال تعالى‪�} :‬إِ َّن��ا خَ لَ ْقنَا ْالإِن َْ�سا َن ِم��نْ ن ُْط َف ٍة �أَ ْم َ�شا ٍج‬ ‫ريا{ (الإن�سان‪.)2 :‬‬ ‫َن ْب َت ِلي ِه َف َج َع ْلنَا ُه َ�س ِمي ًعا َب ِ�ص ً‬ ‫كل ه��ذه الآي��ات ت�شري �إل��ى خلق ون�ش�أة الإن���س��ان‪ ،‬ويف‬ ‫كلها دون ا�ستثناء تقدم ذك��ر ال�سمع على الب�صر‪ ،‬وهذه‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪29‬‬


‫‪30‬‬

‫مل تكن �صدفة عابرة من غري ق�صد‪ ،‬ولكنها �إعجاز رباين‬ ‫مل نهتد �إلى معرفته �إال م�ؤخراً بعد �سرب غور احلقائق‬ ‫العلمية احل��دي��ث ال�ت��ي تثبت الإع �ج��از العلمي يف ه��ذه‬ ‫الآيات الكرميات‪.‬‬ ‫ب��ل �إن احل��دي��ث النبوي ق��د ت�ضافر م��ع �آي��ات ال�ق��ر�آن‬ ‫الكرمي يف تقدمي ال�سمع‪ ،‬وكيف ال وهما من م�شكاة واحدة‪،‬‬ ‫ويقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إذا مر بالنطفة‬ ‫ثنتان و�أربعون ليلة بعث اهلل �إليها ملكاً ف�صورها‪ ،‬وخلق‬ ‫�سمعها وب�صرها وجلدها وحلمها وعظامها ثم ق��ال‪ :‬يا‬ ‫رب �أذك��ر �أم �أن�ث��ى؟ فيق�ضي رب��ك م��ا �شاء ويكتب امللك"‬ ‫احلديث‪( .‬رواه م�سلم)‪.‬‬ ‫ث��م دع��ون��ا ننظر �إل��ى الآي ��ات الكرمية الأخ ��رى التي‬ ‫ترافقت فيها كلمتا "ال�سمع" و "الب�صر" يف قوله تعالى‪:‬‬ ‫}�إِ ْذ َقا َل َِ ألبِي ِه َيا �أَ َب ِت لمِ َ َت ْع ُب ُد َما اَل َي ْ�س َم ُع َو اَل ُي ْب ِ�ص ُر َو اَل‬ ‫ُي ْغ ِني َعن َْك �شَ ْيئًا{ (مرمي‪.)42 :‬‬ ‫ال�س ْم َع َو َما َكانُوا‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬ما َكانُوا َي ْ�ست َِطي ُعو َن َّ‬ ‫ُي ْب ِ�ص ُرونَ{ (هود‪.)20 :‬‬ ‫ال�س ْم َع َوا ْل َب َ�ص َر َوا ْل ُف�ؤَا َد ُك ُّل �أُو َل ِئ َك‬ ‫وقال تعالى‪�} :‬إِ َّن َّ‬ ‫َكا َن َع ْن ُه َم ْ�سئ اً‬ ‫ُول{ (الإ�سراء‪.)36 :‬‬ ‫وقال تعالى‪ُ } :‬ق ْل �أَ َر َ�أ ْي� ُت� ْم ِ�إنْ �أَ َخ� َذ اللهَّ ُ َ�س ْم َع ُك ْم َو َ�أ ْب َ�صا َر ُك ْم‬ ‫َو َخ َت َم َعلَى ُق ُلو ِب ُك ْم َمنْ �إِ َل ٌه َغيرْ ُ اللهَّ ِ َي�أْ ِتي ُك ْم ِب ِه{ (الأنعام‪.)46 :‬‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬و َم��ا ُك ْن ُت ْم ت َْ�س َتترِ ُو َن َ�أنْ َي�شْ َه َد َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫َ�س ْم ُع ُك ْم َو اَل �أَ ْب َ�صا ُر ُك ْم َو اَل ُج ُلو ُد ُك ْم َو َل ِكنْ َظ َن ْن ُت ْم �أَ َّن اللهَّ َ اَل‬ ‫ريا ممِ َّ ا َت ْع َم ُلونَ{ (ف�صلت‪.)22 :‬‬ ‫َي ْعلَ ُم َك ِث ً‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬و َل ْو �شَ ا َء اللهَّ ُ َل َذ َه َب ب َِ�س ْم ِع ِه ْم َو�أَ ْب َ�صار ِ​ِه ْم‬ ‫�إِ َّن اللهَّ َ َعلَى ُك ِّل �شَ ْي ٍء َق ِدي ٌر{ (البقرة‪.)20 :‬‬ ‫}حتَّى �إِ َذا َما َجا ُءو َها �شَ ِه َد َعلَ ْي ِه ْم َ�س ْم ُع ُه ْم‬ ‫وقال تعالى‪َ :‬‬ ‫َو�أَ ْب َ�صا ُر ُه ْم َو ُج ُلو ُد ُه ْم بمِ َ ا َكانُوا َي ْع َم ُلونَ{ (ف�صلت‪.)20 :‬‬ ‫يف ه��ذه الآي ��ات ي�شري ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي �إل��ى وظيفتي‬ ‫ال�سمع والب�صر‪ ،‬ولأن الوظيفة الأولى تطورت ون�ضجت‬ ‫قبل الثانية‪ ،‬ولأن ال�سمع �أهم يف التعلم والتعليم و�أعمق‬ ‫ر��س��وخ�اً يف ذاك��رة الطفل فقد قدمها ج��ل وع�لا‪ ،‬وتبني‬ ‫احلقائق العلمية ال�سالفة الإعجاز العلمي يف هذه الآيات‬ ‫الكرمية‪ ،‬وهناك ن��واح عديدة �أخ��رى متيز ح�س ال�سمع‬ ‫على الب�صر ن�ضيفهما ملا تقدم‪.‬‬ ‫‪ -6‬فقدان حوا�س ال�سمع والب�صر‪:‬‬ ‫من املعروف ف�سيولوجياً �أن امل��رء يفقد ح�س الب�صر‬ ‫ق�ب��ل ف�ق��دان��ه ح����س ال���س�م��ع ع�ن��د ب��د ال �ن��وم �أو التخدير‬ ‫(التبنج) �أو عند االحت�ضار قبيل امل��وت‪� ،‬أو عند هبوط‬ ‫�ضغط الأك���س�ج�ين يف ال �ه��واء كما يح�صل (م �ث� ً‬ ‫لا) عند‬ ‫ال�صعود على املناطق اجلبلية العليا‪� ،‬أو عند الطريان‬ ‫يف الأج��واء العليا‪� ،‬أو عند فقر دم ال��دم��اغ (كما يح�صل‬ ‫لل�صائم مث ً‬ ‫ال �إن ملأ معدته بغذاء وفري وب�سرعة كبرية‪،‬‬ ‫�أو عند النهو�ض ال�سريع واملفاجئ من و�ضع اال�ستلقاء)‬

‫ففي كل هذه احلاالت ال يفقد ح�س ال�سمع �إال بعد فقدان‬ ‫ح�س الب�صر بفرتة ق�صرية‪.‬‬ ‫‪ -7‬ت�أثري ال�سرعة واالرتفاع على ال�سمع والب�صر‪:‬‬ ‫يولد الت�سارع �أو التعجيل ال�شديد عند الطيارين �أو‬ ‫عند رواد الف�ضاء يف �أث�ن��اء ال�ط�يران واالرت�ف��اع ال�سريع‬ ‫جتاذباً موجباً ي�ؤثر على الب�صر وي�سبب �ضباب الر�ؤية‬ ‫قبل فقدانها متاماً والإ�صابة بالعتمة التامة‪ ،‬وال يفقد‬ ‫الطيار يف ه��ذه الأح��وال ح�س ال�سمع كله بل يبقى جزء‬ ‫كبري منه لفرتة تالية تبقيه بات�صال �صوتي مع املحطات‬ ‫الأر�ضية‪.‬‬ ‫‪ -8‬ال�ساحة ال�سمعية والب�صرية‪:‬‬ ‫يتمكن الإن�سان من �سماع الأ��ص��وات التي ت�صل �إلى‬ ‫�أذنيه من كل االجت��اه��ات واالرت�ف��اع��ات‪ ،‬فيمكننا القول‪:‬‬ ‫"�إن ال�ساحة ال�سمعية هي (‪ ) ْ 360‬بينما لو ثبت الإن�سان‬ ‫ر�أ�سه يف مو�ضع واحد فلن يتمكن من ر�ؤية الأج�سام �إال يف‬ ‫�ساحة ب�صرية حمدودة تقارب (‪ )ْ 180‬يف امل�ستوى الأفقي‬ ‫و (‪ )ْ 145‬يف االجتاه العمودي‪� ،‬أما �ساحة �إب�صاره للألوان‬ ‫فهي �أقل من ذلك كثرياً‪ .‬كما �أن �أ�شعة ال�ضوء ت�سري بخط‬ ‫م�ستقيم دائ �م �اً‪ ،‬ف ��إذا اعرت�ضها ج�سم غ�ير �شفاف فلن‬ ‫تتمكن من عبوره �أو املرور حوله‪ ،‬ولكن املوجات ال�صوتية‬ ‫ت�سري يف كل االجت��اه��ات‪ ،‬وميكنها �أن تلف ح��ول الزوايا‬ ‫وعرب الأج�سام التي ت�صادفها‪ ،‬فهي تنتقل عرب ال�سوائل‬ ‫والأج�سام ال�صلبة ب�سهولة في�سمعها الإن�سان حتى عرب‬ ‫اجلدران‪.‬‬ ‫‪ -9‬ت�أثري �إ�صابة الدماغ على ال�سمع والب�صر‪:‬‬ ‫من املهم مالحظة �أن ح�س ال�سمع لكل �أذن يتمثل يف‬ ‫جهتي املخ‪ ،‬ف�إذا �أ�صيب �أحد ن�صفي الدماغ مبر�ض ما‪ ،‬فلن‬ ‫يفقد امل�صاب ال�سمع يف �أي من �أذنيه‪� ،‬أما يف حالة الب�صر‬ ‫فيتمثل كل ن�صف من ن�صفي العني ال��واح��دة على جهة‬ ‫املخ املعاك�سة لها‪ ،‬ف��إذا ما �أ�صيب الدماغ مبر�ض يف �أحد‬ ‫ن�صفيه فقد امل�صاب الب�صر يف ن�صفي عينيه املعاك�سني‬ ‫جلهة الإ�صابة‪.‬‬ ‫‪ -10‬فقدان حا�سة ال�سمع والب�صر‪:‬‬ ‫من املعلوم �أن املولود الذي يولد فاقداً حل�س ال�سمع‬ ‫ي�صبح �أبكماً‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى �صممه‪ ،‬ولن يتمكن من تعلم‬ ‫النطق وال�ك�لام‪� ،‬أم��ا ال��ذي يولد ف��اق��داً احل�س الب�صري‬ ‫ف��إن��ه يتمكن م��ن تعلم النطق وب�سهولة‪ ،‬وه��ذا على ما‬ ‫يظهر ترافق لفظ "ال�صم" مع "البكم" واهلل �أعلم قال‬ ‫}�ص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي َف ُه ْم اَل َي ْرجِ ُعونَ{ (البقرة‪.)18 :‬‬ ‫تعالى‪ُ :‬‬ ‫}�ص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي َف ُه ْم اَل َي ْع ِق ُلونَ{ (البقرة‪.)171 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ع�ن��د ف �ق��دان ح����س ال�ب���ص��ر ت �ق��وم امل�ن�ط�ق��ة الب�صرية‬ ‫املخية بوظائف ارتباطية‪ ،‬فرتتبط وظيفياً مع املناطق‬ ‫االرتباطية الدماغية الأخرى‪ ،‬فتزيد من قابلية الدماغ‬ ‫على حفظ املعلومات والذاكرة والذكاء‪ ،‬وال تقوم املناطق‬


‫ال�سمعية – ل�سبب غري معروف – مبثل هذا االرتباط‬ ‫عند فقدان ح�س ال�سمع‪ ،‬ولذلك فقد نبغ الكثريون ممن‬ ‫فقدوا ح�س الب�صر‪ ،‬ومل ينبغ �أحد ممن فقد ح�س ال�سمع‬ ‫�إال ن��ادراً‪ ،‬مما ي��دل على �أهمية ح�س ال�سمع واملبالغة يف‬ ‫تخ�ص�ص مناطقه املخية‪.‬‬ ‫وال بد هنا من الإ�شارة �إل��ى املحيط الأويل واملجتمع‬ ‫ال ��ذي ن��زل ف�ي��ه ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي‪� ،‬إذ �إن ��ه مت�ي��ز بطبيعة‬ ‫�سمعية �أك�ثر منها ب�صرية‪ ،‬فلي�س هناك يف ال�صحاري‬ ‫منبهات ب�صرية بقدر ما فيها من منبهات �سمعية‪ ،‬كما‬ ‫ك��ان جم�ت�م��ع ذل��ك ال�ع���ص��ر جم�ت�م�ع�اً �سمعياً �أك�ث�ر منه‬ ‫ب�صرياً‪ ،‬فالآيات القر�آنية الكرمية كانت ت�سمع وحتفظ يف‬ ‫ال�صدور‪ ،‬وتتناقل عن طريق الرواة‪ ،‬وبالرغم من �أن كتاب‬ ‫الوحي كانوا يدونونها �إال �أن القر�آن الكرمي مل يعمم على‬ ‫الأم���ص��ار �إال يف زم��ن اخلليفة الثالث عثمان ب��ن عفان‬ ‫ر�ضي اهلل تعالى عنه و�أر�ضاه‪ ،‬وبقيت الأحاديث النبوية‬ ‫ال�شريفة غري مدونة لوقت مت�أخر‪ ،‬ولعل ال�سبب يف ذلك‬ ‫يعود �إلى قلة من كانوا يجيدون القراءة والكتابة‪� ،‬إذ قيل‪:‬‬ ‫"�إن عددهم يف مكة عند �أو ظهور الإ�سالم مل يتجاوز‬ ‫ب�ضعة �أفراد" كما �أن العرب مل يدونوا �شعرهم الغزير‬ ‫حتى وقت مت�أخر‪ ،‬ولكنه كان يحفظ وترويه الرواة ويلقى‬ ‫يف الأ�سواق واملنا�سبات في�ستمع الكل �إليه‪.‬‬ ‫‪ -11‬تخ�صي�ص القر�آن الكرمي حلا�سة ال�سمع‪:‬‬ ‫وقد خ�ص اهلل �سبحانه وتعالى ح�س ال�سمع وجهازه‬ ‫ومل يذكر الب�صر عندما �أراد تخ�صي�ص �أهمية حوا�س‬ ‫بع�ض عباده فقال �سبحانه وتعالى‪َ } :‬و َج َع ْلنَا َعلَى ُق ُلو ِب ِه ْم‬ ‫�أَ ِك َّن ًة �أَنْ َي ْف َق ُهو ُه َوفيِ �آَ َذا ِن ِه ْم َو ْق ًرا{ (الأنعام‪.)25 :‬‬ ‫وق��ال ت�ع��ال��ى‪َ } :‬ي� ْ�ج� َع� ُل��و َن �أَ� َ��ص��ا ِب� َع� ُه� ْم فيِ �آَ َذا ِن� � ِه� � ْم ِم��نَ‬ ‫ال�ص َو ِاعقِ َح َذ َر المْ َ ْو ِت َواللهَّ ُ محُ ِ ٌ‬ ‫يط بِا ْلكَا ِفرِينَ { (البقرة‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫‪.)19‬‬ ‫ني‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬ف َ�ض َر ْبنَا َعلَى �آَ َذا ِن ِه ْم فيِ ا ْل َك ْه ِف ِ�س ِن َ‬ ‫َع َد ًدا{ (الكهف‪.)11 :‬‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬و�إِنيِّ ُك َّل َما َد َع ْو ُت ُه ْم ِل َت ْغ ِف َر َل ُه ْم َج َع ُلوا‬ ‫�أَ َ�صا ِب َع ُه ْم فيِ �آَ َذا ِن ِه ْم َو ْا�س َتغ َْ�ش ْوا ِث َيا َب ُه ْم َو َ�أ َ�ص ُّروا َو ْا�س َت ْكبرَ ُ وا‬ ‫ْا�س ِت ْك َبا ًرا{ (نوح‪.)7 :‬‬ ‫وقال تعالى‪ِ } :‬لن َْج َعلَ َها َل ُك ْم َت ْذ ِك َر ًة َو َت ِع َي َها �أُذُنٌ َو ِاع َي ٌة{‬ ‫(احلاقة‪.)12 :‬‬ ‫وت��ؤك��د الآي��ة الكرمية الأخ�ي�رة على �أن الإح�سا�سات‬ ‫ال�صوتية التي ي�سمعها الإن���س��ان ب��أذن�ي��ه ت�صل م�ستوى‬ ‫ال��وع��ي �أك�ث�ر م��ن تلك ال�ت��ي ت�صله م��ن غ�ير طريقهما‪،‬‬ ‫كالب�صر (مث ً‬ ‫ال)‪.‬‬ ‫‪ -12‬ت�ق��دمي �أل �ف��اظ الب�صر ع�ل��ى ال�سمع يف ال �ق��ر�آن‬ ‫الكرمي‪:‬‬ ‫الآي� ��ات القليلة ال�ت��ي ورد فيها ذك��ر "الب�صر" قبل‬ ‫كلمة "ال�سمع" ه��ي تلك الآي ��ات التي تنذر بالعقاب �أو‬

‫ت�صف الكافرين‪ ،‬ولي�س يف �أي منها �إ��ش��ارة خللق هذين‬ ‫احل�سني �أو لو�صف وظيفتهما �أو تطورهما‪ .‬قال تعالى‪:‬‬ ‫وب‬ ‫ريا ِمنَ الجْ ِ نِّ َو ْ إِ‬ ‫الن ِْ�س َل ُه ْم ُق ُل ٌ‬ ‫} َو َل َق ْد َذ َر�أْ َن��ا لجِ َ َه َّن َم َك ِث ً‬ ‫اَل َي ْف َق ُهو َن ِب َها َو َل� ُه� ْم �أَ ْعُي�ننٌُ اَل ُي ْب ِ�ص ُرو َن ِب َها َو َل� ُه� ْم َ�آذَانٌ‬ ‫ال ْن َعا ِم َب ْل ُه ْم �أَ�ضَ ُّل ُ�أو َل ِئ َك ُه ُم‬ ‫اَل َي ْ�س َم ُعو َن ِب َها �أُو َل ِئ َك َك َْ أ‬ ‫ا ْلغَا ِف ُلونَ{ (الأعراف‪.)179 :‬‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬و َح ِ�س ُبوا �أَ اَّل َتكُو َن ِف ْت َن ٌة َف َع ُموا َو َ�ص ُّموا‬ ‫ير ِم ْن ُه ْم َواللهَّ ُ‬ ‫ُث� َّم َت� َ‬ ‫�اب اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه ْم ُث� َّم َع� ُم��وا َو َ�ص ُّموا َك� ِث� ٌ‬ ‫ري بمِ َ ا َي ْع َم ُلونَ{ (املائدة‪.)71 :‬‬ ‫َب ِ�ص ٌ‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬ون َْح ُ�ش ُر ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َعلَى ُو ُج ِ‬ ‫وه ِه ْم‬ ‫�اه � ْم‬ ‫ُع ْم ًيا َو ُب� ْك� ًم��ا َو ُ�ص ًّما َم ��أْ َو ُاه � ْم َج َه َّن ُم ُك َّل َما خَ � َب� ْ�ت ِز ْد َن� ُ‬ ‫ريا{ (الإ�سراء‪.)97 :‬‬ ‫َ�س ِع ً‬ ‫وقال تعالى‪�} :‬أَ ْم َل ُه ْم �أَ ْعينُ ٌ ُي ْب ِ�ص ُرو َن ِب َها �أَ ْم َل ُه ْم �آَذَانٌ‬ ‫ون فَلاَ ُتن ِْظ ُر ِ‬ ‫َي ْ�س َم ُعو َن ِب َها ُق ِل ا ْد ُعوا �شُ َر َكا َء ُك ْم ُث َّم ِكي ُد ِ‬ ‫ون{‬ ‫(الأعراف‪.)195 :‬‬ ‫‪ -13‬ت��ول��د الإدراك م��ن خ�ل�ال امل�ع�ل��وم��ات ال�سمعية‬ ‫والب�صرية‪:‬‬ ‫�أم��ا عن ك�ثرة املعلومات الب�صرية التي ت��رد اجل�سم‬ ‫بالن�سبة للمعلومات ال�سمعية القليلة ن�سبياً التي ت�صل‬ ‫�إل�ي��ه ف�لا ب��د م��ن �أن ن�ع��رف �أن ك�ثرة املعلومات ال تعني‬ ‫دائ�م�اً �أنها تولد �إدراك� �اً‪ ،‬ومفاهيم �أك�ثر و�أع�م��ق يف دماغ‬ ‫الإن �� �س��ان مم��ا ت��ول��ده امل�ع�ل��وم��ات ال�سمعية ع�ل��ى قلتها‪،‬‬ ‫فالذاكرة ال�سمعية �أر�سخ من الذاكرة الب�صرية‪ ،‬والرموز‬ ‫ال�صوتية تعطي م��دل��والت ومفاهيم �أك�ث�ر م��ن ال��رم��وز‬ ‫ال�ضوئية‪ ،‬فمن املعلوم (مث ً‬ ‫ال) �أن نطق الكلمة الواحدة‬ ‫بلهجات ونغمات متباينة تنقل لل�سامع مفاهيم خمتلفة‪،‬‬ ‫ولو كتبنا الكلمة نف�سها مبختلف ال�صور اخلطية لنقلت‬ ‫دائماً لقارئها مفهوماً واحداً ال غري‪ ،‬ومن املعلوم جيداً �أن‬ ‫الأفالم ال�صامتة ال تو�صل من املعلومات �إال جزءاً ي�سرياً‬ ‫مما ميكن �أن تنقله الأفالم الناطقة‪.‬‬ ‫هذه احلقائق العلمية مل تكن معروفة قبل �أربعة ع�شر قرناً‪،‬‬ ‫ومل يعرف الكثري عنها �إال يف العقود الأخرية من هذا القرن‪،‬‬ ‫حتى �إن من العلماء من كانوا يرون �أن ح�س الب�صر �أهم من ح�س‬ ‫ال�سمع‪ ،‬ولكن الدرا�سات العلمية احلديث ك�شفت الكثري من‬ ‫احلقائق النا�صعة التي تبني بكل و�ضوح وجالء الإعجاز العلمي‬ ‫يف الآيات البينات التي قدمت "ال�سمع" على "الب�صر" لأ�سبقيته‬ ‫يف اخللق والتطور الع�ضوي والوظيفي‪ ،‬وللميزات الكثرية‬ ‫حل�س ال�سمع على ح�س الب�صر‪ ،‬و�صدق اهلل العظيم القائل‪:‬‬ ‫}�س رُنِي ِه ْم �آَ َيا ِت َنا فيِ ْ آَ‬ ‫ال َف��اقِ َوفيِ �أَ ْن ُف ِ�س ِه ْم َح َّتى َي َت َبينَّ َ َل ُه ْم �أَ َّن� ُه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لمَ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الحْ ُّق �أ َو ْ َي ْكف ِب َر ِّبك �أ َّن ُه َعلى كل َ�ش ْيء َ�شهِيدٌ{ (ف�صلت‪.)53 :‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪31‬‬


‫اإلعجاز التشريعي في القرآن والسنة‬

‫وحقوق اإلنسان‬ ‫دراسات‬

‫د‪ .‬عدنان حسونة‬

‫‪32‬‬

‫ب�ين ي��دي بحثنا ه ��ذا‪ ،‬ال ب � ّد م��ن �إل �ق��اء بع�ض ال�ضوء‬ ‫على واقع الأدي��ان ال�سابقة‪ ،‬وواقع و�أح��وال الأمم وال�شعوب‬ ‫ال�سالفة يف بداية القرن ال�سابع امليالدي‪ ،‬وهي الفرتة التي‬ ‫�أ�شرقت منها بعثة احلبيب امل�صطفى عليه ال�صالة وال�سالم‪.‬‬ ‫فلقد انحرفت اليهودية عن م�سارها بعدادها ديناً‬ ‫��س�م��او ّي�اً‪ ،‬بعد �أن ت�سربت �إليها تعاليم خاطئة و�أف�ك��ار‬ ‫م �ن �ح��رف��ة‪ ،‬ون ��زع ��ات م ��د ّم ��رة‪ ،‬ج�ع�ل�ت�ه��ا جم �م��وع��ة من‬ ‫الطقو�س والتقاليد ال�صادمة للفطرة ال�سليمة‪ .‬والتي‬ ‫ال روح فيها وال ح�ي��اة‪ ،‬ع�لاوة على �أن�ه��ا �أ�صبحت ديانة‬ ‫�ساللية‪ ،‬ال حتمل للعامل ر�سالة‪ ،‬وال للأمم دع��وة‪ ،‬وال‬ ‫للإن�سان ّية رحمة‪.‬‬ ‫حيث �شاعت عندهم اخلرافة‪ ،‬وخفة العقل‪ ،‬و�سخف‬ ‫القول‪ ،‬واالج�تراء على اهلل تعالى وعلى �أنبيائه ور�سله‬ ‫عليهم ال�صالة وال�سالم‪ ،‬مما جعلهم يت�صفون ب�صفات‬ ‫وخ �� �ص��ائ ����ص ظ �ل��ت م�ل�ازم ��ة ل �ه��م‪ ،‬م�ن�ه��ا اخل �ن ��وع عند‬ ‫ال�ضعف‪ ،‬والبط�ش عند الغلبة‪ ،‬والنفاق يف كل الأحوال‪،‬‬ ‫والق�سوة والأث��رة‪ ،‬و�أك��ل �أم��وال النا�س بالباطل‪ .‬وال�صد‬ ‫ع��ن احل��ق وال �ع��دل‪ ،‬ح�ي��ث �أو� �ض��ح ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي ه��ذه‬ ‫ال�صفات اخل�سي�سة‪ ،‬والتي ترجموها �إلى وقائع و�أفعال‬ ‫على الأر�ض‪.‬‬

‫موقفهم من الن�صارى يف �أنطاكية ‪:‬‬ ‫قاموا مبقتلة عظيمة �ضد امل�سيحيني‪ ،‬حيث حتالفوا‬ ‫مع الفر�س املجو�س‪ ،‬يف قتل الن�صارى وتدمري كنائ�سهم‬ ‫وت�شريدهم وتخريب مدنهم وقراهم‪ ،‬مما حدا بهرقل‬ ‫ملك ال ��روم بعد �أن ا�ستعان ب��ه الن�صارى و�أل �ب��وه على‬ ‫االنتقام من اليهود‪ ،‬حيث ق��ام بارتكاب مقتلة عظيمة‬ ‫باليهود‪ ،‬وت�شريدهم وهدم مدنهم وقراهم‪.‬‬ ‫�أما امل�سيحية ال�سمحاء‪:‬‬ ‫فقد ابتليت بتحريف ال�غ��ال�ين وت ��أوي��ل اجلاهلني‪،‬‬ ‫ووثنية الرومان املنت�صرين‪ ،‬ليختفي منها نور التوحيد‬ ‫و�إخال�ص العبادة هلل تعالى‪ ،‬بعد �أن انتقلت من التوحيد‬ ‫�إل� ��ى ال�ت�ث�ل�ي��ث‪ .‬ح �ي��ث م��ور� �س��ت �أب �� �ش��ع � �ص��ور ال�ت�ع��ذي��ب‬ ‫واال�ضطهاد والقتل �ضد املعار�ضني لهذه الوثن ّيات التي‬ ‫ابتليت بها امل�سيحية‪ .‬يقول الدكتور غو�ستاف لوبون يف‬ ‫كتابه ح�ضارة العرب‪" ،‬لقد �أُك� ِره��ت م�صر على انتحال‬ ‫الن�صران ّية‪ ،‬فهبطت ب��ذل��ك �إل��ى ح�ضي�ض االنحطاط‬ ‫وال ��ذي مل ينت�شلها م�ن��ه ��س��وى ال�ف�ت��ح العربي‪ ".‬حيث‬ ‫ا�ست�شرى بينهم القتل وذاق��وا م��رارة القمع واال�ستبداد‬ ‫والإذالل‪.‬‬ ‫�أم��ا ع��ن ال��دي��ان��ات يف �إي ��ران‪ ،‬ف�ح� ّدث وال ح��رج‪ ،‬فقد‬ ‫تف�شت عند ال�سكان الوثنية‪ ،‬و�سيطرت عليهم الأ�ساطري‬ ‫واخل��راف��ات‪ ،‬وع �ب��ادة ال �ن��ار‪ ،‬وتقدي�س الأم� ��راء‪ ،‬وت�أليه‬ ‫الأباطرة‪ ،‬وانت�شار الظلم والف�ساد‪ ،‬وغياب الأمن وات�ساع‬ ‫املتوح�شة بعد �أن‬ ‫ال�ه� ّوة ب�ين ال�سكان وظ�ه��ور الطبق ّية‬ ‫ّ‬ ‫�شاعت بينهم الزراد�شتية واملانو ّية واملزدك ّية وبقية عقائد‬ ‫املجو�س ال�ضالة املنحرفة‪.‬‬ ‫�أم ��ا ع��ن ال��دي��ان��ات يف ال�ه�ن��د‪ ،‬ف�ب��ال��رغ��م م��ن ازده ��ار‬ ‫العلوم والريا�ضيات والفلك والطب والفل�سفة عندهم‪،‬‬ ‫�إال �أن امل��ؤ ّرخ�ين قد �أجمعوا �أن �أح��ط �أدوار الهند ديان ًة‬ ‫وخ�ل�ق�اً واج�ت�م��اع�اَ ك��ان يف ذل��ك ال�ع�ه��د ال ��ذي ي �ب��د�أ من‬ ‫م�ستهل القرن ال�ساد�س امليالدي‪ ،‬حيث الطبق ّية املرعبة‬


‫واخلالعة املاجنة و�إه��دار مكانة امل��ر�أة حيث كانت �سلعة‬ ‫رخي�صة ال مكانة وال قيمة وال حتظى ب�أي احرتام‪ ،‬حيث‬ ‫ك��ان يحكم عليها ب��امل��وت حينما مي��وت زوج�ه��ا ويرحتل‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫�أما اجلاهليون العرب قبل الإ�سالم‪ ،‬فلم يكونوا �أح�سن‬ ‫ح��ا ًال م��ن الأم ��م ال�سابقة فقد انت�شرت بينهم الوثنية‬ ‫والفواح�ش واملنكرات و�سادت بينهم عادات الغزو والإغارة‪،‬‬ ‫كال�سلعة تو َّرث‪ ،‬وت�ؤكل‬ ‫وانحدرت مكانة املر�أة‪ .‬حتى �أ�ضحت ّ‬ ‫حقوقها‪ ،‬وت�سام الغنب‪ .‬كما كانت تو�أد وهي �صغرية‪.‬‬ ‫وخال�صة ال�ق��ول ب ��أن ال�ق��رن ال�ساد�س امل�ي�لادي وهو‬ ‫ال�ق��رن ال��ذي ج��اء ب�ين ي��دي بعثة احلبيب حممد عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪ ،‬كان هذا القرن من �أحط �أدوار التاريخ‬ ‫و�أ�شدها ظالماً وب�ؤ�ساً و�شقا ًء على الب�شرية‪.‬‬ ‫الر�سالة الإ�سالمية‬ ‫ويف و�سط ه��ذه الأح��وال البائ�سة والظالم الدام�س‬ ‫وال��درك ال�سحيق ال��ذي ت��ر ّدت فيه الب�شر ّية‪� ،‬أدرك اهلل‬ ‫تعالى ه��ذه الب�شرية التائهة وال�شق ّية ب��وا��س��ع عطائه‬ ‫وج��و ِده وكرمه ونعمائه‪ ،‬حينما �أ�شرقت �شم�س الهداية‬ ‫ببعثة احلبيب امل�صطفى عليه ال�صالة وال�سالم‪ .‬فكان �أن‬ ‫منح الإ��س�لام للإن�سان كرامات ميزه بها عن غ�يره من‬ ‫خملوقات اهلل‪ ،‬كما قرر له حقوقاً ثابتة ال تتغري بتغيرّ‬ ‫املكان والزمان‪.‬‬ ‫�أم��ا ع��ن ك��رام��ات اهلل تعالى ل�ل�إن���س��ان ف��إن�ه��ا تنطلق‬ ‫من قوله تعالى‪" :‬ولقد كرمنا بني �آدم" ومل يقل ك ّرمنا‬ ‫امل�سلم‪� ،‬أجملها بع�ض العلماء ب�ست كرامات‪:‬‬ ‫‪ .1‬كرامة �إقرار وحدة اجلن�س الب�شري‪" :‬يا �أيها النا�س �إنا‬ ‫خلقناكم من ذكر و�أنثى" "ك ّلكم لآدم‪ ،‬و�آدم من تراب"‬

‫‪ .2‬ك��رام��ة وج��ود نفخة م��ن روح اهلل يف ج�سده‪" :‬ف�إذا‬ ‫�س ّويته ونفحت له من روحي"‬ ‫‪ .3‬كرامة �سجود املالئكة له‪ " ،‬ف�إذا �س ّويته ونفحت فيه‬ ‫من روحي فقعوا له �ساجدين"‬ ‫‪ .4‬ك��رام��ة خلقه يف �أح���س��ن هيئة و�أك ��رم � �ص��ورة‪" ،‬لقد‬ ‫خلقنا الإن�سان يف �أح�سن تقومي"‪.‬‬ ‫‪ .5‬ك��رام��ة اال�ستخالف يف الأر� ��ض‪ ،‬لإع�م��اره��ا وا�ستثمار‬ ‫خرياتها وكنوزها وحتقيق منهج اهلل تعالى فيها‪.‬‬ ‫"و�إذ ق��ال رب��ك للمالئكة �إين ج��اع��ل يف الأر� ��ض‬ ‫خليفة"‪.‬‬ ‫‪ .6‬كرامة ت�سخري كل ما يف الكون له‪" ،‬و�سخر لكم ما يف‬ ‫ال�سموات والأر�ض جميعاً منه"‬ ‫�أما عن �أبرز احلقوق التي منحها الإ�سالم للإن�سان‪:‬‬ ‫‪ .1‬حقه يف احلياة‪" :‬من قتل نف�ساً بغري ٍ‬ ‫نف�س �أو ف�ساد يف‬ ‫الأر�ض فك�أمنا قتل النا�س جميعاً‪ ،‬ومن �أحياها‪"...‬‬ ‫‪ .2‬حقه يف احل�ضانة‪" :‬والوالدات ير�ضعن �أوالده��ن‬ ‫حولني كاملني"‬ ‫‪ .3‬حقه يف الزواج وتكوين �أ�سرة‪ :‬ومن �آياته �أن خلق لكم‬ ‫من �أنف�سكم �أزواجاً لت�سكنوا �إليها" تنا�سلوا تكاثروا‬ ‫ف�إين مبا ٍه بكم الأمم"‬ ‫‪ .4‬حقه يف التعليم‪ :‬طلب العلم فري�ضة على كل م�سلم‬ ‫وم�سلمة‪ " ،‬املالئكة ت�ضع �أجنحتها لطالب العلم‬ ‫ر�ضاً مبا ي�صنع"‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪33‬‬


‫‪34‬‬

‫‪ .5‬حقه يف الرعاية ال�صح ّية‪�" :‬إن لبدنك عليك حقاً"‬ ‫"تداووا عباد اهلل ف�إن لكل داء دواء"‬ ‫‪ .6‬حقه يف التفكر والتفكري‪�" :‬أفال ينظرون �إلى الإبل‬ ‫كيف خلقت ‪ "...‬ووجود العديد من الآيات الكرمية‬ ‫التي حتث على التفكّر‪ ،‬والتي ختمت بقوله تعالى‪،‬‬ ‫�أفال تتفكرون‪� ،‬أفال تعقلون‪.‬‬ ‫‪ .7‬حقه يف حرية التعبري‪�" :‬أتخ�شونهم ف��اهلل �أح��ق �أن‬ ‫تخ�شوه �إن كنتم م�ؤمنني" وقول عمر‪" :‬ال خري فيكم‬ ‫�إن مل تقولوها وال خري فينا �إن مل ن�سمعها"‪�" ،‬إذا‬ ‫هابت �أمتي �أن تقول للظامل يا ظامل فقد تو ّدع منها"‬ ‫‪ .8‬ح�ق��ه يف ال���س�ف��ر وال�ت�ن� ّق��ل‪" :‬قل � �س�يروا يف الأر� ��ض‬ ‫فانظروا كيف كان عاقبة املجرمني" وقوله تعالى‪:‬‬ ‫"�أمل تكن �أر�ض اهلل وا�سعة فتهاجروا فيها"‪.‬‬ ‫‪ .9‬حقّه يف الأمن ب�شموله‪ :‬امل�سلم �أخو امل�سلم‪ ،‬كل امل�سلم‬ ‫على امل�سلم حرام؛ دمه وماله وعر�ضه‪ .‬ونهى الإ�سالم‬ ‫ع��ن التهديد وال�تروي��ع‪ ،‬و�إه ��دار ال�سمعة باغتيال‬ ‫ال�شخ�صية‪.‬‬ ‫‪ .10‬ح�ق��ه يف ال�ع�م��ل‪ :‬وق��ل اع�م�ل��وا ف���س�يرى اهلل عملكم‬ ‫ور��س��ول��ه وامل ��ؤم �ن��ون‪ ،‬ف�م��ن �أوج ��ب واج �ب��ات احل��اك��م‬ ‫امل�سلم ت�أمني وظيفة وعمل لكل �إن�سان يف املجتمع‪.‬‬ ‫"من مل يكن له وظيفة‪ ،‬جعلنا له وظيفة‪ ،‬ومن مل‬ ‫يكن له بيتاً‪ ،‬جعلنا له بيتاً‪ ،‬ومن مل يكن له زوجة‪،‬‬ ‫جعلنا ل��ه زوج ��ة‪ ،‬وم��ن مل يكن ل��ه رك��وب��ة جعلنا له‬ ‫ركوبة"‪.‬‬ ‫‪ .11‬ح�ق��ه يف ال�ع�م��ل ال�سيا�سي واالج�ت�م��اع��ي واخل�ي�ري‪،‬‬ ‫م��ن خ�لال �إح�ي��اء ر�سالة امل�سجد ومت� ّث��ل املناق�شات‬ ‫وال��و��ص��اي��ا ال�ت��ي ج��رت فيها "�أطيعوين م��ا �أط�ع��ت‬ ‫اهلل فيكم‪ ،‬ف��إن ع�صيته فال طاعة يل عليكم" " �إن‬ ‫ا�ستقمت ف�أعينوين و�إن زغت فق ّوموين" ‪� " ،‬أ�صابت‬ ‫امر�أة و�أخط�أ عمر"‪.‬‬ ‫‪ .12‬ح� ّق��ه يف ال�ك��رام��ة الإن���س��ان�ي��ة‪ ،‬ف��الإن���س��ان ك��رمي على‬ ‫اهلل وع��زي��ز عليه �سبحانه‪" ،‬ولقد ك ّرمنا بني �آدم"‬ ‫‪ ،‬وال�ن�ه��ي ع��ن تخويف امل�سلم و�إذالل� ��ه �أو حتقريه‪،‬‬ ‫"بح�سب ٍ‬ ‫امرئ من ال�شر �أن يحقر �أخاه امل�سلم" " من‬ ‫نظر نظرة �إلى �أخيه امل�سلم فيها تخويف له �أخافه‬ ‫اهلل �سبحانه يوم القيامة" "والذين يعذبون النا�س‬ ‫يف الدنيا يعذبهم اهلل يوم القيامة"‪.‬‬ ‫‪ .13‬حقه يف التم ّيز والإبداع‪ :‬ق�صة ابن عمرو بن العا�ص‬ ‫مع ال�شاب القبطي‪.‬‬ ‫‪ .14‬حقّه يف التقا�ضي �إلى ق�ضا ٍء نزيه عادل‪�( .‬شكوى �أهل‬ ‫�سمرقند من قتيبة الباهلي حينما فتح تلك البالد‬ ‫دون �أن ينبذهم‪ ،‬فا�شتكوه �إلى اخلليفة‪ ،‬فقرر اخلليفة‬

‫�أن ي�ك��ون ه�ن��اك ق��ا�� ٍ�ض ي�ستمع ال��ى �شكاوى النا�س‪،‬‬ ‫وحينما وج��د القا�ضي �أن �شكواهم �صحيحة‪� ،‬أم��ر‬ ‫قتيبة �أن يخرج جي�شه من املدينة ويعتذر لأهلها)‪.‬‬ ‫حقوق الإن�سان يف الغرب‬ ‫لقد مر تاريخ انتزاع حقوق الإن�سان يف الغرب ب�أطوار‬ ‫ومراحل ال بد من الوقوف عندها والتع ّرف عليها‪ ،‬متهيداً‬ ‫ملقارنتها بحقوق الإن�سان التي جاء بها الإ�سالم‪� ،‬سواء من‬ ‫حيث ال�شكل وامل�ضمون واجل��وه��ر والعمق‪� ،‬أو من حيث‬ ‫الفرق بني احلقوق املطلقة والن�سب ّية يف كلتا احل�ضارتني‪.‬‬ ‫�أول ميثاق �سيا�سي ت�ضمن بع�ض جوانب حقوق الإن�سان‬ ‫ظهر يف �أوروبا يف بداية الألفية الثانية مليالد امل�سيح عليه‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وحتديداً يف عام ‪ " 1215‬املاجنا كارتا" ثم تالها‬ ‫بعد ذلك ‪ 1776‬الإع�لان الأمريكي حلقوق الإن�سان‪ .‬ثم‬ ‫تال ذلك الإعالن الفرن�سي ال�صادر عن الثورة الفرن�سية‬ ‫‪.1789‬‬ ‫وق ّد ن�صت جمموع هذه الإعالنات ب�أن النا�س يولدون‬ ‫�أحراراً مت�ساوين يف احلقوق‪ .‬والعجيب �أن جاء هذا الن�ص‬ ‫بعد �أكرث من �أحد ع�شر قرناً على �صيحة اخلليفة عمر‪"،‬‬ ‫متى ا�ستعبدمت النا�س وقد ولدتهم �أمهاتهم �أحراراً‪".‬‬ ‫ثم �صدر بعد احلرب العاملية الثانية عن الأمم املتحدة‬ ‫الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان ‪ 1948‬وتاله الإعالن �أو‬ ‫العهد الأوروبي عام ‪ .1950‬ثم �صدر العهد الدويل الأول‬ ‫عن الأم��م املتحدة ع��ام ‪ .1966‬والعجيب �أن ذل��ك العهد‬ ‫�أُ ِ‬ ‫حل��ق به بروتوكول اختياري ب�ش�أن ال�شكوى التي يتق ّدم‬ ‫بها الفرد �أو اجلهة �إذا كان هناك م�سا�س بحقوقه املقر ّرة‬ ‫حيث ت�ض ّمن �إن�شاء حمكمة للنظر يف ال�شكاوى‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫الأحكام تبقى ن�صائح وهي لي�ست ملزمة واجبة التنفيذ‪،‬‬ ‫ومن هنا جند �أحد كبار امل�ست�شرقني الأوروبيني " �أرنولد‬ ‫توينبي" يف كتابه خمت�صر تاريخ احل�ضارة ي�صف ميثاق‬ ‫الأمم املتحدة بامليثاق ال�سخيف‪ .‬لأنه ت�ضمن حق الفيتو‬ ‫�أو النق�ض للدول الكربى‪ ،‬والذي �أجه�ض �أي قرار لن�صرة‬ ‫املظلوم عرب و�سائل ثالث‪:‬‬ ‫‪ .1‬لأن ه � � � � � ��ذه احل � � � � � ��ق ج� � � �ع � � ��ل �إرادة دول� � � � ��ة‬ ‫واح� � � � � ��دة ت� �ت� �ح� �ك ��م يف �إرادة ج� �م� �ي ��ع ال� � � � ��دول‪.‬‬ ‫‪ .2‬لأنّ ال�ن�ظ��ام الأ��س��ا��س��ي ملحكمة ال �ع��دل ال��دول� ّي��ة‬ ‫ق ��د مت ��ت ��ص�ي��اغ�ت��ه ب �ط��ري �ق��ة ت�ف���ض��ي �إل� ��ى �إف�ل�ات‬ ‫املعتدي من الق�ضاء والعقاب‪ ،‬حيث �أن املحكمة ال‬ ‫تتدخل �إال �إذا ارت�ضى ال�ط��رف��ان االح�ت�ك��ام لديها‪.‬‬ ‫‪� .3‬إغ �ف��ال م�ب��د�أ ال�ع��دال��ة يف امل�ي�ث��اق‪ ،‬فلم ي ��أت عليه‬ ‫خمت�صة وجمل�س‬ ‫الن�ص‪ ،‬فاجلمع ّية العامة لي�ست‬ ‫ّ‬ ‫الأمن ّ‬ ‫معطل بالفيتو‪ ،‬ولأن املحكمة ال تقبل النظر‬ ‫يف �أي دعوى �إال بالرتا�ضي‪.‬‬


‫جوهر حقوق الإن�سان يف الغرب‬ ‫بالرغم من كرثة حديث الغربيني عن حقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫�إال �أن هناك �أ�س�ساً فكرية تقوم عليها هذه احلقوق‪:‬‬ ‫‪� .1‬إن هذه احلقوق ا�ستندت على مواثيق تط ّورت عرب‬ ‫ال�صراع الذي عرفته �أوروبا بدءاً بربيطانيا لتحديد‬ ‫�صالحيات امللكية املطلقة‪ .‬ومل تنطلق �أبداً من عقيدة‬ ‫�إميان ّية را�سخة �أو فل�سفة �إن�سان ّية عا ّمة‪ .‬فلم ت�ستند‬ ‫�إل��ى امل���س��اواة ب�ين الب�شر ومل ت�ق� َّدم كم�شروع عاملي‬ ‫للنا�س جميعاً‪ ،‬و�إمن��ا كانت خا�صة ملعادالت ال�صراع‬ ‫الطبقي واالجتماعي داخل املجتمعات الغربية‪.‬‬ ‫‪� .2‬إن ن�ش�أة حقوق الإن�سان يف املحيط الأنكلو �ساك�سوين‬ ‫الأم��ري �ك��ي ع�بر ع�ن�ه��ا ال�ف�ي�ل���س��وف ت��وم��ا���س ب�ين يف‬ ‫كتابه ال�شهري "حقوق الإن�سان" حيث �أو�ضح �أن تلك‬ ‫احلقوق ن�ش�أت وولدت يف �أثناء عمل ّيات ال�صراع �ضد‬ ‫الكني�سة و�ضد امللك ّية املطلقة‪ .‬وانتهى بهم ال�صراع‬ ‫�إل��ى انتهاج �سيا�سة البط�ش والإب ��ادة �ضد ال�شعوب‬ ‫الأخرى‪ ،‬وت�سويغ ذبح الهنود احلمر‪ ،‬و�شن احلروب‬ ‫الدين ّية بني الكنائ�س القائمة‪ ،‬واعتماد االقت�صاد‬ ‫املتوح�شة‪،‬‬ ‫ال��رب��وي ال�ظ��امل‪ ،‬وتقدي�س الر�أ�سمال ّية‬ ‫ّ‬ ‫وا�ستباحة ث��روات الآخرين وا�سرتقاقهم‪ .‬وه��ذا ما‬ ‫جعل الدميقراطية وحقوق الإن�سان حتت �سيطرة‬ ‫الفئات العليا عمل ّياً‪.‬‬ ‫‪� .3‬أم� ��ا ع ��ن ح �ق��وق الإن �� �س ��ان يف امل �ح ��ور ال�ك��اث��ول�ي�ك��ي‬ ‫الأوروبي‪ ،‬فقد تناولتها الكتابات التي م ّهدت للثورة‬ ‫رو�سو" وال�ت��ي انبثقت من‬ ‫الفرن�سية‪" ،‬جان ج��اك ّ‬ ‫ال�صراع مع الكني�سة وامللك ّية املطلقة‪ ،‬والتي م ّيزت‬ ‫بني املجال الأوروبي وجمال ال�شعوب الأخرى‪.‬‬ ‫‪� .4‬إن العقل الأوروبي حينما حترر من �سلطان الكني�سة‬ ‫�أ�صابه التيه‪ ،‬حيث وج��د �ضالته يف نظرية داروي��ن‬ ‫ح ��ول ت �ن��ازع ال �ب �ق��اء‪ ،‬وال �ب �ق��اء ل�ل�أ��ص�ل��ح واالن �ت �ق��اء‬ ‫الطبيعي‪ ،‬ف���س� ّوغ ذل��ك ال�ع�ق��ل التمييز العن�صري‬ ‫واال�ستعباد واال�ستعمار والعودة بالإن�سان �إلى �شريعة‬ ‫الغاب‪.‬‬ ‫‪ .5‬جت ّرد االوروبيني من القيم الأخالق ّية والإن�سان ّية‬ ‫وع��دم قدرتهم على تهذيب النف�س الب�شرية جتاه‬ ‫الآخرين‪ ،‬وما جرى يف احلملة ال�صليبية الثانية يف‬ ‫مع ّرة النعمان وعند احتاللهم لبيت املقد�س‪ ،‬وما‬ ‫فعله الإ��س�ب��ان يف الأن��دل����س‪،‬وم��ا فعلوه يف ن�صارى‬ ‫�أنطاكيا‪ .‬ويقابل ذل��ك م��ا فعله �صالح ال��دي��ن عند‬ ‫فتحه القد�س بعد احتاللها ت�سعني عاماً‪ ،‬وما فعله‬ ‫حممد الفاحت عند فتح الق�سطنطينية‪.‬‬

‫جوهر حقوق الإن�سان يف الإ�سالم‬ ‫فتقوم على �أن هذه احلقوق لي�ست ن�سبية �أو مرتبطة‬ ‫ب��ال���ص��راع��ات امل��ذه�ب�ي��ة وال�ط��ائ�ف�ي��ة وال�ع��رق�ي��ة‪� ،‬إمن ��ا هي‬ ‫حقوق مق ّد�سة‪ ،‬لأنها وردت يف القر�آن وال�سنة‪ ،‬ومطلقة‬ ‫ال تتغيرّ بتغري الزمان واملكان‪ ،‬وثالثاً �أنّها �إن�سانية‪ ،‬فهي‬ ‫لي�ست حقوقاً للم�سلمني فقط‪� ،‬إمنا لهم ولغريهم‪.‬‬ ‫‪� .6‬إن الر�سالة الإ�سالمية كانت �أول �إعالن عاملي حلقوق‬ ‫الإن �� �س��ان‪ ،‬ح��اف�ظ��ت ع�ل��ى ك��رام�ت��ه و��ص��ان��ت ح��ر ّي��ات��ه‬ ‫و�آدميته‪ ،‬و�أق ّرت حقوقه الأ�سا�سية‪.‬‬ ‫الوثائق وامل�صادر التي ن�صت على حقوق الإن�سان يف الإ�سالم‬ ‫الوثيقة الأولى‪ :‬القر�آن الكرمي‬ ‫وردت كلمة الإن�سان يف ال�ق��ر�آن �سبعني م��رة‪ ،‬وهناك‬ ‫��س��ورة يف ال �ق��رءان ه��ي ��س��ورة الإن �� �س��ان‪ .‬وردت �أك�ث�ر من‬ ‫‪� 150‬آي��ة ح��ول وح��دة اجلن�س الب�شري واخللق وامل�ساواة‬ ‫والتعارف بني العباد‪.‬‬ ‫وردت (‪� )54‬آية حت ّدث فيها القرءان عن العدل‪�" ،‬إن اهلل‬ ‫ي�أمر بالعدل والإح�سان و�إيتاء ذي القربى" وقوله تعالى‪.‬‬ ‫النهي عن الظلم واملنكر والفح�شاء‪ ،‬يف ‪� 320‬آية‪" ،‬وال‬ ‫يجرمنكم �شنئان قوم �أال تعدلوا"‬ ‫�أكرث من مئة �آية حتدثت عن حرية التفكري واالعتقاد‬ ‫والتد ّين والنهي عن اجلرب والإكراه‪" ،‬ال �إكراه يف الدين‬ ‫ق��د ت�ب�ّي�نّ ال��ر��ش��د م��ن الغي" "�أف�أنت ت�ك��ره ال�ن��ا���س حتى‬ ‫يكونوا م�ؤمنني"‬ ‫الوثيقة الثانية‪ :‬ال�صحيفة التي �أ�صدرها النبي عليه‬ ‫ال�سالم بعد هجرته �إلى املدينة‪ ،‬لتكون �أول وثيقة �إن�سانية‬ ‫مدنية متط ّورة يف التاريخ‪.‬‬ ‫الوثيقة الثالثة‪ :‬خطبة الوداع‪ ،‬والتي تعترب �أقدم وثيقة‬ ‫حلقوق الفرد يف التاريخ " �إن دماءكم و�أموالكم حرام عليكم‬ ‫حرمة يومكم هذا يف �شهركم هذا يف بلدكم هذا"‬ ‫ّ‬ ‫اخلطاب‬ ‫الوثيقة الرابعة‪ :‬ر�سالة اخلليفة عمر بن‬ ‫لأبي مو�سى الأ�شعري حول التقا�ضي‪.‬‬ ‫الوثيقة اخلام�سة‪ :‬عهد الإم��ام علي لواليه يف م�صر‬ ‫مالك الأ�شرت ت�ضمن ‪ 94‬بنداً �شملت كل ال�سلطات التي‬ ‫ي�ضطلع يف �إدارة �ش�ؤون الدولة ورعاية م�صالح العباد‪.‬‬ ‫ال��وث�ي�ق��ة ال���س��اد��س��ة‪ :‬ك �ت��اب ال�ع�ل��ي ب��ن احل���س�ين "زين‬ ‫العابدين" وه��ي ر��س��ال��ة خ��ا��ص��ة �سميت ر��س��ال��ة احل�ق��وق‬ ‫وت���ض�م�ن��ت خ�م���س�ين ح �ق �اً وت �ع��د �أول م��دون��ة ح�ق��وق� ّي��ة يف‬ ‫وف�صلت حقوق الإن���س��ان‪ ،‬مبا فيها حقوق‬ ‫التاريخ‪ ،‬قنّنت ّ‬ ‫الأقليات غري امل�سلمة‪.‬‬ ‫الوثيقة ال�سابعة‪ :‬العهدة العمرية التي �أبرمها عمر بن‬ ‫اخلطاب مع البطريرك �صفرونيو�س عند فتح بيت املقد�س‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪35‬‬


‫دراسات‬

‫اإلسالم والمسلمون‬ ‫في الســــويــد‬ ‫ف��ان مناخها معتدل نوعا م��ا‪ ،‬والف�ضل بذلك يعود بعد‬ ‫ف�ضل اهلل ع� ّز وج��ل �إل��ى تيار اخلليج ال��داف��ئ يف املحيط‬ ‫الأطل�سي الذي يقوم بتدفئة البحار املحيطة بال�سويد‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫اعداد الدكتور عدلي أبو حجر‬ ‫مقدمة‬ ‫تعد ال�سويد م��ن ناحية امل�ساحة راب��ع �أك�بر دول��ة يف‬ ‫�أوروب ��ا‪ ،‬حيث تبلغ م�ساحتها ‪� 450‬أل��ف كيلومرت مربع‪،‬‬ ‫وتبلغ امل�سافة ما بني �أق�صى �شمالها و�أق�صى جنوبها ‪1600‬‬ ‫كيلومرت‪ .‬وبالرغم من �أن ال�سويد تقع يف �أق�صى ال�شمال‬

‫ال�سويد يف املا�ضي واحلا�ضر‬ ‫ملعظم التقاليد ال�سويدية ارت�ب��اط بالدين امل�سيحي‬ ‫الذي دخل ال�سويد منذ ما يزيد عن �ألف عام حيث ن�شر‬ ‫مب�شرون كاثوليكيك الديانة امل�سيحية بني �سكان ال�سويد‬ ‫الوثنيني ‪ ،‬ول��ذل��ك جن��د �أن ل�ل�أع�ي��اد ال�سويدية �أ�صال‬ ‫وثنيا �ألب�ست ثوبا كن�سيا يف القرن العا�شر امليالدي مثل‬ ‫احتفاالت عيد منت�صف ال�صيف وعيد امليالد الذي حتول‬ ‫�إلى احتفال بذكرى مولد امل�سيح عليه وعلى نبينا حممد‬ ‫اف�ضل التحية وال�سالم رغم �أن تقاليده تعود �إلى الفرتة‬ ‫الوثنية حيث ك��ان �سكان ال�سويد يحتفلون م��ن خالل‬ ‫طقو�س خا�صة‪ ،‬عندما تكون �أي��ام ال�شتاء حالكة ال�سواد‬ ‫‪ .‬ويف ال �ق��رن ال���س��اب��ع ع���ش��ر حت��ول��ت ال���س��وي��د �إل ��ى دول��ة‬ ‫م�سيحية بروت�ستانتية وحتولت الكني�سة تدريجيا �إلى‬ ‫م�ؤ�س�سة دينية مرتبطة باحلكومة رئي�سها الروحي هو‬ ‫امللك ومت �إدارة البالد ب�صورة تامة ح�سب تعاليم الكني�سة‬ ‫الربوت�ستانتية التي �أطلق عليها ا�سم الكني�سة ال�سويدية‬


‫وك��ان��ت الكني�سة ت�ستخدم ك� ��أداة للتو�صل �إل��ى ال��وح��دة‬ ‫ال�سيا�سية ‪ .‬ويف �أواخر القرن الثامن ع�شر مت ت�شريع قرار‬ ‫يق�ضي مبنح حرية الديانة للذين ينتمون �إل��ى طوائف‬ ‫دينية �أخرى مثل الكاثوليك واليهود وامل�سلمني و�إعطائهم‬ ‫فقط احلق يف ممار�سة ديانتهم يف �أماكن عبادتهم‪.‬‬ ‫وخ�ل�ال احل�ق�ب��ة الأخ �ي�رة م��ن ال �ق��رن ال�ت��ا��س��ع ع�شر‬ ‫منت �صحوة دينية قوية يف ال�سويد ب�سبب اال�ستياء من‬ ‫ت�صرفات الكني�سة ال�سويدية احلكومية وقام املعمدانيون‬ ‫وامليثوديون بت�أ�سي�س طوائف م�سيحية م�ستقلة �أطلق‬ ‫عليها الكنائ�س احلرة ‪ .‬خالل القرن التا�سع ع�شر كانت‬ ‫ال�سويد ع�ب��ارة ع��ن جمتمع زراع��ي فقري يتميز بنظام‬ ‫الطبقات‪ .‬ومل يكن ل��دى غالبية ال�شعب ال�سويدي �أية‬ ‫�إمكانيات للت�أثري على ال�ق��رارات ال�سيا�سية ‪ ،‬وك��ان حق‬ ‫الت�صويت مق�صورا على فئة قليلة من الرجال الأغنياء‪.‬‬ ‫وكان للملك �سلطة كبرية‪ ،‬بالرغم من �أنه مل يكن يحكم‬ ‫ب�صورة مطلقة‪ .‬هذا وقد طر�أت تغريات كبرية يف املجتمع‬ ‫ال�سويدي خالل القرن التا�سع ع�شر وب�صورة رئي�سية من‬ ‫الناحية االجتماعية وازداد عدد ال�سكان ولكن الأرا�ضي‬ ‫الزراعية مل تكن كافية لإطعام اجلميع و�ساءت ظروف‬ ‫ال�سكان املعي�شية يف ال�سويد‪ .‬وتذكر كتب التاريخ �أن (‪)2,1‬‬ ‫مليونني ومائة �ألف من �سكان ال�سويد البالغ عددهم ‪4‬‬ ‫ماليني ن�سمة‪ ،‬ا�ضطروا �إلى الهجرة �إلى �أمريكا ال�شمالية‬

‫يف الفرتة الواقعة ما بني ‪1920-1850‬م ‪ .‬ولكن مل يتمكن‬ ‫معظم الفقراء من �شراء تذاكر �سفر �إلى �أمريكا‪ .‬فعا�ش‬ ‫يف ال�سويد عدد كبري من املواطنني يف فقر مدقع‪ .‬وعلى‬ ‫�سبيل املثال ال احل�صر يذكر انه كان يتم عر�ض الأطفال‬ ‫اليتامى – �أو الأط �ف��ال ال��ذي��ن مل يكن مب�ق��دور �أول�ي��اء‬ ‫�أمورهم تدبري معي�شتهم‪ -‬يف مزاد علني بحيث ي�أخذهم‬ ‫م��ن ي�ستطيع رعايتهم ب��أق��ل التكاليف بالن�سبة لنظام‬ ‫رعاية الفقراء‪ .‬وكانت م�ؤ�س�سة رعاية الفقراء حتى عام‬ ‫‪ 1956‬هي امل�ؤ�س�سة التي ت�ساعد من ال ي�ستطيع تدبري‬ ‫�أمور معي�شته بنف�سه‪ .‬ويف العقد ال�سابع من القرن التا�سع‬ ‫ع�شر حدثت نه�ضة اقت�صادية كبرية يف ال�سويد و بد�أت‬ ‫النه�ضة ال�صناعية ب�صورة رئي�سية وبرزت طبقة العمال‬ ‫الذين نظموا �أنف�سهم �ضمن نقابات عمالية و التي �أطلق‬ ‫عليها ا�سم احلركات ال�شعبية التي كافحت للح�صول على‬ ‫جزء من النمو االقت�صادي الذي ازدهر نتيجة النه�ضة‬ ‫ال�صناعية‪ .‬ويف الوقت ال��ذي تزايدت فيه ث��روة الأغنياء‬ ‫كان يغلب على ظروف العمال املعي�شية طابع الفقر ‪ .‬قام‬ ‫�أرب��اب العمل �أي�ضا يف تنظيم �أنف�سهم يف منظمات �أرباب‬ ‫العمل ‪ ،‬حيث كانت النزاعات يف �سوق العمل �شيئا معتادا‬ ‫حتى العقد الثالث من القرن الع�شرين‪ ،‬عندما عقدت‬ ‫منظمات �أرباب العمل ومنظمات العمال معاهدة كان من‬ ‫بني الأ�شياء التي ت�ضمنتها االتفاق على حل النزاعات عن‬ ‫طريق املفاو�ضات‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪37‬‬


‫‪38‬‬

‫ويف نهاية ال�ق��رن التا�سع ع�شر ب��د�أ ت�شكيل الأح��زاب‬ ‫احلديثة‪ .‬وكان العامل الرئي�سي الذي دعى �إلى ت�أ�سي�سها‬ ‫يتلخ�ص يف النزاعات التي كانت �سائدة يف املجتمع‪ .‬ومن‬ ‫الأ�سباب الأخ��رى ارتفاع ن�سبة املثقفني من عوام النا�س‬ ‫ومن �أهم �إجنازات الأحزاب �آنذاك ‪ ،‬تطبيق �إ�صالح املدر�سة‬ ‫ال�شعبية العليا عام ‪ 1842‬وحت�سني �سبل املوا�صالت وزيادة‬ ‫االه�ت�م��ام بامل�سائل ال�سيا�سية‪ .‬كما �أدت ال�ت�غ�يرات التي‬ ‫طر�أت على املجتمع �إلى بروز ال�صحف اليومية احلديثة‪.‬‬ ‫ومن بني القوة العاملة الإجمالية يف ال�سويد – التي يبلغ‬ ‫عددها ‪ 6،4‬مليون �شخ�ص‪ -‬ف�إننا جند �أن القطاع ال�صناعي‬ ‫يوظف ما يزيد عن مليون �شخ�ص بينما توظف احلكومة‬ ‫والبلديات مليونا و�سبعمائة �ألف �شخ�ص وقطاع الرعاية‬ ‫ال�صحية والطبية يوظف حوايل ‪� 500000‬شخ�ص‪ .‬يوجد‬ ‫يف ال�سويد بطالة ملحوظة وخا�صة يف �صفوف املهاجرين‪.‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر �أن احل�صول على عمل يف ال�سويد‬ ‫يعترب �صعبا حتى ولو كانت فر�ص العمل متوفرة ب�صورة‬ ‫جيدة‪� ،‬إذ �أن الأمر يتطلب معرفة جيدة باللغة ال�سويدية‬ ‫ودرا�سات مهنية تتنا�سب مع النه�ضة التقنية املعا�صرة‪.‬‬ ‫يوجد يف ال�سويد قانون خا�ص بامل�ساواة يف احلياة العملية‪،‬‬ ‫مينع هذا القانون �أرباب العمل من ممار�سة التميز �ضد‬ ‫املوظفني‪ ،‬ويتابع وكيل اجلمهور ل�ش�ؤون امل�ساواة وجمل�س‬ ‫�ش�ؤون امل�ساواة �أن �أرباب العمل يطبقون القانون ب�صورة‬ ‫�صحيحة ‪ ،‬وا�ستفادة الن�ساء م��ن ق��ان��ون امل���س��اواة ب�شكل‬ ‫ملحوظ ‪ ،‬فاغلب الوزراء اليوم من الن�ساء وحوايل ‪%40‬‬ ‫من �أع�ضاء الربملان من الن�ساء‪.‬‬ ‫الف�صل بني الكني�سة ال�سويدية والدولة‬ ‫تخل�صت ال�سويد من �سيطرة الكني�سة الربوت�ستانتية‬ ‫بعد �أن �صدر قانون ف�صل الكني�سة عن الدولة وحتويل‬ ‫الكني�سة �إل ��ى ط��ائ�ف��ة دي�ن�ي��ة �أ� �س��وة ب��ال�ط��وائ��ف الدينية‬ ‫الأخرى‪ .‬و�سرى هذا القانون اعتبارا من الأول من يناير‬ ‫‪ ، 2000‬وحتولت ال�سويد �إلى دولة علمانية قلبا وقالبا ‪،‬‬ ‫لي�س لها دين ر�سمي وال كني�سة حكومية‪ .‬ومل ي��أت هذا‬ ‫الطالق وليد �صدفة‪ ،‬و �إمن��ا ا�ستغرقت املفاو�ضات مدة‬ ‫‪� 50‬سنة ‪ .‬النظام ال�برمل��اين ال��دمي�ق��راط��ي ال��ذي يعتمد‬ ‫على د��س�ت��ور ي�ع�ترف ب��احل�ق��وق واحل��ري��ات ال�ع��ام��ة‪ ،‬كفل‬ ‫للمواطنني حرية التدين ‪ ،‬وممار�سة ال�شعائر الدينية‬ ‫و�إقامة �أماكن العبادة اخلا�صة التي يقدم لها دعما ماليا‬ ‫من خ�لال م�ؤ�س�سة حكومية متخ�ص�صة يف ه��ذا املجال‪.‬‬ ‫وي���ش�ك��ل ال�ن�ظ��ام ال��د� �س �ت��وري امل�ت�ب��ع يف ال���س��وي��د �ضمانه‬ ‫�أك�ي��دة للحد الأدن��ى من املثل والقيم ومعايري ال�سلوك‬ ‫االج �ت �م��اع��ي امل �ل��زم��ة ل�ل�ج�م�ي��ع‪ .‬وو� �ض �ع��ت ال�ق�ي��م وامل�ث��ل‬ ‫اخلا�صة ب�أي دين من الأديان يف خانة احلقوق ال�شخ�صية‬ ‫و��ض�م��ن ح�ي��ز اج�ت�م��اع��ي وا� �س��ع‪ .‬وغ��ال�ب��ا م��ا ت�ستمد ه��ذه‬ ‫احلقوق م�شروعيتها من الد�ستور‪ .‬لقد حددت القوانني‬ ‫الد�ستورية وب�إ�سهاب حق املهاجرين يف ممار�سة �شعائرهم‬

‫الدينية �أ�سوة باملواطنني الأ�صليني وي�ؤكد الد�ستور على‬ ‫مناه�ضة التميز العن�صري على �أ�سا�س العرق �أو اللون‬ ‫�أو الدين‪ .‬ويقدم للمهاجرين الت�سهيالت الالزمة حتى‬ ‫يتمكنوا من تنظيم �أنف�سهم يف �إطارات قانونية ت�سمح لهم‬ ‫باحلفاظ على هويتهم الثقافية والدينية ون�شر ثقافتهم‬ ‫وحتقيق �أهدافهم ما مل تتعار�ض وبنود القانون املدين‬ ‫للمجتمع‪ ،‬مثل ذبح احليوانات دون تخدير م�سبق والتزوج‬ ‫بثانية ‪.‬‬ ‫يحق لأي جماعة دينية تتبنى النهج الدميقراطي �أن‬ ‫ت�سجل نف�سها ر�سميا وال حتتاج اعرتافا من احلكومة ‪.‬‬ ‫رغم انف�صال الكني�سة الربوت�ستانتية عن الدولة �إال �أن‬ ‫�أثر امل�سيحية ما زال موجودا يف كثري من القوانني املتعلقة‬ ‫بالأحوال املدنية والأعياد امل�سيحية ما زالت تعترب ر�سمية‬ ‫ويحق لها اقتطاع جزء حمدد من �ضريبة الدخل مقابل‬ ‫التزامها بالإ�شراف على املقابر يف ال�سويد‪ .‬لكن هذا ال‬ ‫يعني �أن طريق املهاجرين مفرو�ش بالورود �أو �أن وجودهم‬ ‫مرغوب فيه من طرف جميع �أف��راد املجتمع ال�سويدي‪.‬‬ ‫وكيفما ك��ان احل��ال ‪ ،‬فالو�ضعية ال ميكن مقارنتها مبا‬ ‫يجري للمهاجرين امل�سلمني يف �أملانيا وفرن�سا والنم�سا‪.‬‬ ‫ق��د يعود ذل��ك �إل��ى تركيبة املجتمع ال�سويدي امل�سيحي‬ ‫ال�ي�ه��ودي ال��راف����ض مل�ب��د�أ ت��واج��د الإ� �س�لام كدين يناف�س‬ ‫الديانتني امل�سيحية واليهودية �أو كدين زاحف كما ينظر‬ ‫�إليه امل�ست�شرقون والعلمانيون‪ .‬وقد تعود الأ�سباب كذلك‬ ‫�إلى االقليات امل�سلمة ذاتها ‪ ،‬حيث مل تعمل طوال �سنني‬ ‫�إقامتها بال�سويد �إال القليل لتح�سني و�ضعها الثقايف‬ ‫واالج�ت�م��اع��ي واالق�ت���ص��ادي وال�سيا�سي ومل تعمل على‬ ‫االرت �ق��اء مب�ستواها يف جمتمع متح�ضر‪ ،‬فبقيت �شبه‬ ‫معزولة عن املجتمع رغم �صيحات االنفتاح والتوطن التي‬ ‫يطلقها قادة ال��ر�أي والفكر يف �أو�ساط االقليات امل�سلمة‪.‬‬ ‫كما �إن �إعرا�ض �أفرادها على امل�شاركة يف خمتلف جوانب‬ ‫املجتمع ال�سيا�سية والثقافية واالجتماعية واالقت�صادية‬ ‫والرتفيهية والتفتح على املجتمع الذي يعي�شون فيه ومد‬ ‫ج�سور التعاون م��ع خمتلف ال�شرائح املكونة للمجتمع‬ ‫ال�سويدي م�ساهمة منهم يف بناء �صرحه وتقدمه ميكن‬ ‫�أن ي�ك��ون م��ن الأ� �س �ب��اب الرئي�سية ل�ه��ذا ال��رف����ض ال��ذي‬ ‫يواجهونه‪� .‬صحيح �أن متثيلية الأقلية الإ�سالمية على‬ ‫م�ستوى الأحزاب ال�سيا�سية وامل�ؤ�س�سات ال�سويدية الأخرى‬ ‫قائمة ن�سبيا‪ ،‬فبع�ض امل�سلمني ا�صبحوا يتمتعون بع�ضوية‬ ‫بع�ض املجال�س البلدية ‪ ،‬بل وحتى يف برملان املحافظات‬ ‫والربملان الذي هو �أعلى �سلطة ت�شريعية يف البالد وهو‬ ‫الأمر الذي ال حتلم به الأقليات امل�سلمة يف بع�ض البلدان‬ ‫الأوروبية‪ .‬بع�ض ه�ؤالء الن�شطني �سيا�سيا لهم توجهات‬ ‫�أح��رى �أق��ل م��ا ميكن �أن ي�ق��ال عنها �أن�ه��ا ترف�ض تبني‬ ‫الفكرة الإ�سالمية‪ ،‬بدعوى �أن تعلق امل�سلمني مبعتقداتهم‬ ‫الدينية وت�شبثهم بثقافتهم الإ�سالمية �أمر مينع اندماج‬


‫تدبري �أمور معي�شتهم مثل املهاجرين اجلدد والالجئني‬ ‫كبار ال�سن وامل��ر��ض��ى وامل�ع��اق�ين ‪ ،‬فتقوم �شبكة احلماية‬ ‫االقت�صادية بتقدمي الأموال لهم من خالل نظام خا�ص‬ ‫يكفل لهم احلد الأدنى من امل�ستوى املعي�شي‪ .‬كما يح�صل‬ ‫امل��واط��ن ع�ل��ى تعوي�ض ع��ن ف �ق��دان دخ��ل ال�ع�م��ل ب�سبب‬ ‫املر�ض �أو احلمل �أو الوالدة وت�سمى نقدية الوالدين حيث‬ ‫يحق لهم التعطيل عن العمل ملدة ‪� 18‬شهرا ويقوم مكتب‬ ‫الت�أمينات العامة بدفع تعوي�ض م��ايل عن دخ��ل العمل‬ ‫ال��ذي يفقده �أح��د الأب��وي��ن ب�سبب ذل��ك‪ .‬ت��دف��ع ال��دول��ة‬ ‫�أي�ضا نقدية الطفل العامة مرة كل �شهر جلميع الأطفال‬ ‫املقيمني يف ال�سويد والذين تقل �أعمارهم عن ‪� 16‬سنة‪.‬‬ ‫ويتم دفعها ب�صورة �أوتوماتيكية �سنحد الوالدين �إن حجم‬ ‫التعوي�ض الذي يح�صل علية ال�شخ�ص يعتمد عادة على‬ ‫حجم الدخل وغالبا ما يعادا ‪ %80‬من الدخل وملدة �سنة‬ ‫واحدة‪� .‬إن �شبكة احلماية االجتماعية املوجودة يف ال�سويد‬ ‫ه��ي نتيجة العمل ال��ذي ق��ام��ت ب��ه الأح ��زاب ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وكفاح نقابات العمال واملنظمات ال�شعبية على امتداد ‪110‬‬ ‫�سنة‪ .‬و �أ�سا�س ذلك هو قيام جميع العاملني بدفع جزء‬ ‫من مرتباتهم على �شكل �ضرائب وعن طريق قيام �أرباب‬ ‫العمل بدفع ر�سوم الت�أمينات االجتماعية‪ .‬وال يح�صل‬ ‫املرء على �إعانات مادية من املجتمع �إال يف حاالت املر�ض‬ ‫والبطالة عن العمل‪.‬‬ ‫طبيعة املدر�سة ال�سويدية‬ ‫يجد التلميذ امل�سلم �صعوبة كبرية يف التكيف مع املناخ‬ ‫العام للمجتمع ال�سويدي نتيجة لت�صادم ثقافة الأ�صلية‬ ‫مبعناها الوا�سع والثقافة ال�سويدية منذ ولوجه امل�ؤ�س�سة‬ ‫التعليمية في�ؤدي ذلك �إلى ت�أخره الدرا�سي‪ .‬وي�أتي خطر‬ ‫املدر�سة ال�سويدية على الطفل امل�سلم من جوانب متعددة‪:‬‬

‫امل���س�ل�م�ين يف امل�ج�ت�م��ع ال �� �س��وي��دي وي �ح��د م��ن عطائهم‬ ‫و�إبداعاتهم‪ .‬والواقع �أن جل هذه الأطر ال�سيا�سية ال حتمل‬ ‫هم الأمة الإ�سالمية وهي تنادي ب�أن يقت�صر الإ�سالم على‬ ‫نطاق العبادات وحدها ‪� .‬إن املبادئ التي تنادي بها الأطر‬ ‫املنت�سبة لأف��راد الأقلية امل�سلمة املمثلة داخ��ل البلديات‬ ‫واملحافظات والربملان تعك�س ال�سيا�سة العامة للأحزاب‬ ‫التي ه��ي ع�ضوه فيها‪ .‬وال��واق��ع �أن الأح ��زاب ال�سيا�سية‬ ‫ت�سخر هذه الأطر ال�سيا�سية امل�سلمة لتمرير مبادئها بني‬ ‫�صفوف �أف��راد الأقلية امل�سلمة بال�سويد لطم�س هويتها‬ ‫الثقافية واحل�ضارية ومبادئها الإ�سالمية والدفع بها‬ ‫�إل��ى ال��ذوب��ان يف املجتمع ال�سويدي‪ .‬لذلك ق��ام املجل�س‬ ‫الإ��س�لام��ي ال�سويدي بالتن�سيق وال�ت�ع��اون م��ع الرابطة‬ ‫الإ�سالمية يف ال�سويد بت�أ�سي�س كتلة �سيا�سية �إ�سالمية‬ ‫تتعاون وتن�سق مع الأح��زاب ال�سويدية من اجل تدريب‬ ‫كوادر �سيا�سية م�سلمة تندمج بالأحزاب ال�سيا�سية القائمة‬ ‫وتنافح عن حقوق الأقلية امل�سلمة داخ��ل ه��ذه الأح��زاب‬ ‫ومن �أجل جتاوز املعوقات التي يفر�ضها املحيط ال�سويدي‬ ‫ب�ك��ل ف�ع��ال�ي��ات��ه ال�سيا�سية واالق�ت���ص��ادي��ة واالج�ت�م��اع�ي��ة‬ ‫والتعليمية والفكرية والإع�لام�ي��ة وال�ت��ي تقف يف وجه‬ ‫الوجود الإ�سالمي وت�شل من حركته‪ .‬فطبيعة املجتمع‬ ‫ال�سويدي كجزء ال يتجز�أ من املجتمع الغربي الراف�ض‬ ‫ملبد�أ ا�ستقرار امل�سلمني على �أ�سا�س ديني يعلنها �صريحة‬ ‫من خالل �شرائح املجتمع املختلفة ‪.‬‬ ‫النظام االقت�صادي يف ال�سويد‬ ‫ي�سمى ال�ن�ظ��ام االق�ت���ص��ادي يف ال���س��وي��د ع ��ادة با�سم‬ ‫(ال�ن�ظ��ام االق�ت���ص��ادي امل�خ�ت�ل��ط) وه ��ذا يعني �أن معظم‬ ‫ال�شركات مملوكة من قبل القطاع اخلا�ص بينما متتلك‬ ‫احلكومة وتدير �أمور الربيد والهاتف وال�سكك احلديدية‬ ‫وجزء من �إنتاج الطاقة الكهربائية رغم خ�صخ�صة جزء‬ ‫م��ن ه��ذه املمتلكات‪ .‬ب��الإ��ض��اف��ة �إل��ى ذل��ك ف��ان احلكومة‬ ‫متتلك بع�ض ال�شركات ال�ضخمة‪ .‬ويف ال�سويد يتحمل ·‬ ‫املجتمع �أي�ضا م�س�ؤولية ق�سم كبري من قطاع الرعاية‬ ‫ال���ص�ح�ي��ة وال�ط�ب�ي��ة وامل ��دار� ��س واجل��ام �ع��ات واخل��دم��ات‬ ‫االجتماعية الأخرى‪.‬‬ ‫الأمان االقت�صادي يف ال�سويد‬ ‫ ·‬ ‫يتحمل ال��رج��ال والن�ساء ب�أنف�سهم م�س�ؤولية تدبري‬ ‫�أم��ور معي�شتهم‪ .‬ويتحمل املجتمع م�س�ؤولية مالحظة‬ ‫الأط �ف��ال خ�ل�ال ف�ت�رة ع�م��ل �أول �ي��اء الأم� ��ور‪ .‬وي��وج��د يف‬ ‫ال�سويد �أ�شكال خمتلفة لنظام مالحظة الأط�ف��ال مثل · ‬ ‫دور احل�ضانة ودور احل�ضانة العائلية ودور مالحظة‬ ‫�أطفال امل��دار���س واملدر�سة التمهيدية اجلزئية واملدر�سة‬ ‫التمهيدية املفتوحة‪ .‬يدفع ال�شخ�ص ر�سما حمددا ح�سب‬ ‫دخ��ل ال�ف��رد �أي ي��زي��د �إذا ك��ان ال��دخ��ل مرتفع وي�ق��ل �إذا‬ ‫ك��ان الدخل قليل‪� .‬أم��ا الأ�شخا�ص الذين ال ي�ستطيعون‬

‫ه��ي م��دار���س علمانية وت��رت�ك��ز يف تعليمها على‬ ‫ال�ث�ق��اف��ة امل�سيحية وال ت��ويل اع�ت�ب��ارا يف براجمها‬ ‫املدر�سية لثقافة الطفل امل�سلم حتى ي�سهل عليه‬ ‫ال�ت��أق�ل��م يف حميطه اجل��دي��د خ��ا��ص��ة يف ال���س�ن��وات‬ ‫الأولى من التحاقه باملدر�سة‪.‬‬ ‫تعمل املدر�سة على توجيه الطفل من وجهة غربية‬ ‫قائمة على االنحالل اخللقي وت�شويه معامل هويته‬ ‫الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ت��دري����س م��ادة اجلن�س ب�شكل مبتذل ال يتما�شى‬ ‫م��ع �أخ�لاق�ي��ات الإ� �س�لام وتت�سبب يف تو�سيع الهوة‬ ‫بني الآب��اء والأب�ن��اء وتدمري �أ�س�س الأ��س��رة امل�سلمة‬ ‫و�سلخها م��ن ثقافتها وا�ستئ�صالها م��ن ج��ذوره��ا‬ ‫والق�ضاء عليها تدريجيا‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪39‬‬


‫‪40‬‬

‫اال�ست�شراق و�أثره على اال�سالم يف ال�سويد‬ ‫اال�ست�شراق ال�سويدي له ماله وعليه ما عليه‪ ،‬فهناك‬ ‫من امل�ست�شرقني املو�ضوعيني الذين يتناولون الإ�سالم‬ ‫وق�ضاياه الكلية واجلزئية مبو�ضوعية ومنهجية علمية‬ ‫دون امل�س به وجرح كرامة امل�سلمني‪ ،‬ونذكر من بني ه�ؤالء‬ ‫على �سبيل امل �ث��ال ال��دك�ت��ور كر�سرت هيدين ‪Christer‬‬ ‫‪ Hedin‬ال ��ذي � �ص��درت ل��ه ع��دة ك�ت��ب وم �ق��االت تناولت‬ ‫خمتلف ج��وان��ب احل���ض��ارة وال�ت��اري��خ الإ��س�لام�ي�ين وك��ذا‬ ‫جوانب الدعوة الإ�سالمية ‪ ،‬اال �أنه يقلل من �ش�أن امل�سلمني‬ ‫كتجمع ديني متما�سك ويعترب ان غالبية امل�سلمني يف‬ ‫طريقهم نحو الذوبان يف املجتمع ال�سويدي‪.‬‬ ‫وه �ن��اك �آخ� ��رون �أم �ث��ال ال���س�ف�ير اجن �م��ار ك��ارل���س��ون‬ ‫‪ Ingmar Karlsson‬وال�ب��اح��ث د‪ .‬كنت رت��زي��ن ‪Kent‬‬ ‫‪ Ritzén‬ال��ذي��ن � �ص��درت ل�ه��م ك�ت��ب و�أب �ح��اث وم �ق��االت‬ ‫ت �ن��اول��ت خم�ت�ل��ف ج��وان��ب الإ�� �س�ل�ام وخ��ا� �ص��ة الإ� �س�ل�ام‬ ‫يف �أوروب � ��ا و�أح � ��وال امل�سلمني يف ال �غ��رب‪ .‬وه �ن��اك بع�ض‬

‫امل�ست�شرقني الذين تخ�ص�صوا يف تناول الإ�سالم وق�ضاياه‬ ‫الكلية واجلزئية مبو�ضوعية ومنهجية علمية و لكن‬ ‫عك�ست كتاباتهم طعونا كثرية بكل ماله �صلة بالإ�سالم‬ ‫كدين رباين ومنهم الأ�ستاذ الرب ف�سور يان يربة‬ ‫‪� Jan Hjärpe‬أ�ستاذ الدرا�سات الإ�سالمية يف جامعة‬ ‫لند وخبري ال���ش��ؤون الإ�سالمية ل��دى وزارة اخلارجية‬ ‫ال�سويدية الذي �صدرت له ع�شرات الكتب ومئات املقاالت‬ ‫والأب �ح��اث وع���ش��رات امل�ق��اب�لات التلفزيونية وامل�سموعة‬ ‫ورغم تظاهره باملظهر املتح�ضر والإن�ساين الذي يرف�ض‬ ‫العنف واملواجهة املبا�شرة �إال ان��ه تفلت منه بني الفينة‬ ‫والأخ ��رى ردود الفعل على �شكل ت�صريحات �أو مقاالت‬ ‫ت���ص��ور اال� �سل��ام احل ��ايل ب��ان��ه ا� �س�لام �سيا�سي ويطالب‬ ‫با�سالم �أوروبي علماين‪.‬‬ ‫وهذا التيار اال�ست�شراقي العلماين الذي تغلب عليه‬ ‫�أ��س��ال�ي��ب التلميحات وال�ل�ع��ب ب��الأل �ف��اظ وامل�صطلحات‬ ‫وجتنب املواجهة املبا�شرة هو من يخرج املثقفني امل�سلمني‬ ‫ومينحهم درجة الدكتوراة بالتاريخ اال�سالمي‪.‬‬


‫فالكثريون من ه��ؤالء امل�ست�شرقني يرف�ضون وجود‬ ‫الإ��س�لام كدين ويقبلون بتواجد امل�سلمني ك�أقليات مع‬ ‫احلر�ص على �صقلهم بالثقافة الغربية العلمانية ومن‬ ‫امل�لاح��ظ �أن �أ�ساليبهم ترتكز على امل��رون��ة يف التفكري‬ ‫والدقة يف التدبري‪ .‬وما املخططات وامل�شاريع التي تطلع‬ ‫علينا كل حلظة وحني والتي ت�ستهدف اقتالع اجلذور‬ ‫الأ�صلية الإ�سالمية وارتباطها بفكرة اعادة اللحمة لالمة‬ ‫اال�سالمية وا�ستئ�صال القيم واملبادئ الفا�ضلة من �أبناء‬ ‫اجلالية امل�سلمة �إال دليل وا�ضح على ما �سلف ذكره‪ .‬وهذا‬ ‫التيار هو الغالب على ال�ساحة ال�سويدية كما هو ال�ش�أن‬ ‫بالن�سبة لال�ست�شراق الغربي ب�صفة عامة‪.‬‬ ‫�أثرالدميقراطية يف ال�سويد على امل�سلمني‬ ‫ال�سويد دول��ة دميقراطية و�سيا�سة احل�ك��م برملانية‬ ‫متثيلية ‪ ،‬ت�سودها �سلطة ال�شعب وعلى احلكومة املنتخبة‬ ‫�أن حتوز على ثقة الربملان ودعمه يف جميع االقرتاحات‬ ‫امل �ه �م��ة‪ .‬ن �ظ��ام احل �ك��م م�ل�ك��ي‪ ،‬ول �ك��ن م �ه��ام امل �ل��ك تعترب‬

‫يف ال��وق��ت احل��ا��ض��ر رم��زي��ة ومتثيلية ف�ق��ط‪ .‬م��ن ناحية‬ ‫�سيا�سة ال��دف��اع ف��ان ال�سويد دول��ة حمايدة يف عالقاتها‬ ‫بجميع التحالفات الع�سكرية رغم ع�ضويتها يف االحتاد‬ ‫الأوروب� ��ي‪ ،‬وت��و��ص��ف الدميقراطية ال�سويدية كما يلي‬ ‫‪ :‬ي�ق��وم ال�شعب خ�لال انتخابات ع��ام��ة باختيار ممثليه‬ ‫ال��ذي��ن �سيقومون ب��ات�خ��اذ ال �ق��رارات ال�سيا�سية‪ .‬وبعده‬ ‫اتخاذ القرارات ال�سيا�سية يعهد �إلى ال�سلطات ال�سيا�سية‬ ‫مهمة تنفيذها‪ .‬بالإ�ضافة �إل��ى االنتخابات فانه ميكن‬ ‫ال�ت��أث�ير على ال �ق��رار ال�سيا�سي ع��ن ط��ري��ق امل���ش��ارك��ة يف‬ ‫ن�شاطات الأحزاب ال�سيا�سية والتنظيمات ال�شعبية وقيام‬ ‫املرء بامل�شاركة يف و�سائل الإع�لام والت�أثري عليها وقرار‬ ‫الأغلبية ه��و ال��ذي يح�سم الأم��ر ول�ك��ن احل��زب احلاكم‬ ‫ي�سعى دوم��ا عن �إي�ج��اد احل��ل الو�سط ‪ ،‬مما يعني تنازل‬ ‫جميع الأط ��راف يف احلكومة واملعار�ضة ع��ن �أج��زاء من‬ ‫مطالباتها‪ .‬هذا ويجب �أن تتنا�سب القرارات ال�سيا�سية‬ ‫مع �إرادة ال�شعب ‪ .‬هذا وين�ص القانون ال�سويدي على �أن‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪41‬‬


‫‪42‬‬

‫القيم الدميقراطية ه��ي املر�شد والدليل �ضمن جميع‬ ‫قطاعات املجتمع وجم��االت��ه‪ .‬جنحت الدميقراطية يف‬ ‫تر�سيخ �أط��ره��ا يف ال�سويد خ�لال العقدين الأول�ي�ن من‬ ‫القرن الع�شرين‪ .‬ففي عام ‪ 1909‬مت تطبيق �إ�صالح حق · ‬ ‫الت�صويت العام للرجال‪ .‬ويف ع��ام ‪ 1921‬ح�صلت الن�ساء‬ ‫�أي���ض��ا ع�ل��ى ح��ق الت�صويت ال �ع��ام وب��ذل��ك ت���س��اوت امل ��ر�أة‬ ‫مع الرجل لأول م��رة يف احلقوق ال�سيا�سية‪ .‬وقبل ذلك‬ ‫بب�ضعة �أعوام وبالتحديد يف عام ‪ 1917‬مت �إقرار الإ�صالح‬ ‫ال�برمل��اين‪ ،‬و�أ�صبحت احلكومة م�ضطرة �إل��ى احل�صول‬ ‫على ثقة الربملان ‪ .‬قبل ذلك كان للملك �سيطرة حا�سمة‬ ‫على �سلطة احلكم‪ .‬وقد متت هذه �إ�صالحات ال�سيا�سية‬ ‫الكبرية �سويا مع التطور االجتماعي واالقت�صادي العام‬ ‫الذي �ساد �أنحاء البالد‪.‬‬ ‫احلريات واحلقوق والواجبات‬ ‫�إن �أ� �س��ا���س ال��دمي�ق��راط�ي��ة ال���س��وي��دي��ة ه��و ان ��ه يحق‬ ‫للجميع �أن يك ّونوا �آراءهم ال�شخ�صية وان يف�صحوا عنها‪.‬‬ ‫ولذلك فان هذه احلريات حممية يف القانون ال�سويدي ‪،‬‬ ‫ومن بني احلريات واحلقوق الأ�سا�سية ‪:‬‬ ‫· حرية التعبري عن الر�أي والأفكار وامل�شاعر جلميع‬ ‫املواطنني ال�سويديني و الأجانب‪ .‬لو�سائل الإعالم‬ ‫�أهمية كبرية بالن�سبة للدميقراطية الف ّعالة ‪ .‬فمن‬ ‫ب�ين مهماتها ت�ق��دمي امل�ع�ل��وم��ات ع��ن الأم� ��ور التي‬ ‫جتري يف املجتمع‪ ،‬كما تقوم بالتدقيق على امل�س�ؤولني‬ ‫ومراقبتهم‪ .‬ومينع القانون ال�سويدي جميع �أ�شكال‬ ‫الرقابة على املطبوعات ويوفر جلميع املواطنني حق‬ ‫�إ��ص��دار املطبوعات‪ .‬ولكن هناك بع�ض املحظورات‬ ‫‪� :‬إذ من املمنوع �إي��ذاء الأ�شخا�ص ب�سبب معتقدهم‬ ‫الديني �أو �أ�صلهم العرقي �أو التميز بني املواطنني يف‬ ‫املجاالت املختلفة ‪ ،‬فالنا�س �سوا�سية ك�أ�سنان امل�شط‬ ‫�أو تهديد �أمنهم االجتماعي‪ .‬يعطي القانون احلق‬ ‫جلميع املواطنني يف االط�لاع على الوثائق العامة‪،‬‬ ‫با�ستثناء الوثائق التي تتعلق مثال بالأفراد‪.‬‬ ‫· ح��ري��ة �إع� ��داد وت�ن�ظ�ي��م االج�ت�م��اع��ات وامل �ظ��اه��رات‬ ‫وامل�شاركة فيها‪.‬‬ ‫· ح��ري��ة ت�شكيل اجلمعيات واالحت� ��ادات واملنظمات‬ ‫الدينية وال�سيا�سية وامل�شاركة يف ن�شاطاتها‪ .‬ت�ضم‬ ‫ال�سويد عددا كبريا من املنظمات ال�شعبية التي تعمل‬ ‫من �أجل هدف معني يف جماالت الريا�ضة والبيئة‬ ‫وال�سالم والدين والثقافة واالقت�صاد بالإ�ضافة �إلى‬ ‫منظمات العمال و�أرب��اب العمل‪ .‬عن طريق موجات‬ ‫الهجرة التي �أت��ت �إل��ى ال�سويد بعد احل��رب العاملية‬ ‫الثانية قامت خمتلف الطوائف الدينية الوطنية‬ ‫بت�أ�سي�س تنظيمات دينية خا�صة بها ‪ .‬هذا و�أن اكرب‬ ‫ه��ذه ال�ت�ج�م�ع��ات ه��ي الإ��س�لام�ي��ة ال�ت��ي ي��زي��د ع��دد‬ ‫�أفرادها عنى ‪ 400000‬م�سلم وت�أتي يف املرتبة الثانية‬

‫الكني�سة الكاثوليكية التي يزيد ع��دد اتباعها عن‬ ‫‪ 150000‬كاثوليكي‪ .‬كما ت�ضم الكنائ�س الأرثوذك�سية‬ ‫وال�شرقية عددا كبريا من الأع�ضاء‪.‬‬ ‫حرية ممار�سة كل �شخ�ص ل�شعائر دينه ومعتقداته‬ ‫الدينية‪ :‬كانت ال�سويد حتى مطلع القرن الواحد‬ ‫والع�شرين م�سيحية منذ م��ا ي��زي��د ع��ن �أل��ف ع��ام‪.‬‬ ‫كانت ال�سويد كاثوليكية حتى مطلع القرن ال�ساد�س‬ ‫ع�شر حيث ت�أثرت ب�إ�صالحات الراهب الأملاين مارتن‬ ‫لوثر وحتولت تدريجيا �إل��ى الكني�سة اللوثرية �أو‬ ‫الربوت�ستانتية‪ .‬وحت��ول��ت الكني�سة تدريجيا �إل��ى‬ ‫م�ؤ�س�سة حكومية رئي�سها الروحي هو امللك ‪ ،‬ويف‬ ‫�أواخ��ر القرن الثامن ع�شر مت ت�شريع ق��رار يق�ضي‬ ‫مبنح ح��ري��ة ال��دي��ان��ة للذين ينتمون �إل��ى طوائف‬ ‫�أخرى مثل الكاثوليك واليهود و�إعطائهم احلق يف‬ ‫ممار�سة دياناتهم يف مقرات خا�صة بهم‪ .‬ويف خالل‬ ‫احلقبة الأخرية من القرن التا�سع ع�شر مت ت�أ�سي�س‬ ‫ط��وائ��ف م�سيحية م�ستقلة ت�سمى الكنائ�س احل��رة‬ ‫من قبل املعمدانيني وامليثودين‪ .‬وبقي الأم��ر على‬ ‫حاله حتى مطلع القرن ال��واح��د والع�شرين حيث‬ ‫انف�صلت الكني�سة ال�سويدية عن احلكومة اعتبارا‬ ‫من الفاحت من يناير عام ‪2000‬م ‪� .‬إن تقاليد ال�سويد‬ ‫يف ممار�سة حرية الأدي ��ان ق�صرية‪� ،‬إذ مل يتم �سن‬ ‫ق��ان��ون ح��ري��ة الأدي� ��ان �إال يف نهاية ال�ق��رن التا�سع‬ ‫ع�شر‪ .‬وتوفرت لدى الأفراد �آنذاك �إمكانية اخلروج‬ ‫من الكني�سة ال�سويدية �شريطة �أن يدخلوا يف طائفة‬ ‫م�سيحية �أخ��رى‪ .‬ومل يتم تطبيق احلرية الدينية‬ ‫الكاملة قبل عام ‪1951‬م وتعني احلرية الدينية انه‬ ‫يحق لكل مواطن �أن ميار�س دينه بحرية �أو يبقى‬ ‫خارج �أية طائفة دينية‪ .‬ال�سويد اليوم دولة علمانية‬ ‫ب�صورة وا�سعة‪ .‬وهذا يعني �أن �سلطة الكني�سة على‬ ‫املجتمع ال�سويدي قد تال�شت وا�صبح التدين م�س�ألة‬ ‫�شخ�صية ب�ح�ت��ة‪ .‬الكني�سة ال���س��وي��دي��ة ال �ت��ي تتبع‬ ‫التعاليم اللوثرية هي اكرب طائفة دينية يف ال�سويد‬ ‫وتتحمل �إل ��ى ج��ان��ب مهامها ال��روح�ي��ة م�س�ؤولية‬ ‫�أماكن الدفن ومتول ن�شاطاتها عن طريق �ضريبة‬ ‫الأب��ر��ش�ي��ة وال�ت��ي ت�شكل ج��زءا م��ن �ضريبة الدخل‬ ‫البلدية ‪ ،‬يحق جلميع التجمعات الدينية حت�صيل‬ ‫ال�ضريبة الدينية من �أع�ضاءها بر�ضاهم من خالل‬ ‫نظام �أعدته احلكومة ال�سويدية وحت��اول الكنائ�س‬ ‫احل��رة والطائفة الكاثوليكية والتجمعات الدينية‬ ‫للمهاجرين اال��س�ت�ف��ادة م��ن ه��ذا ال�ن�ظ��ام اجل��دي��د‪.‬‬ ‫ه��ذا وتقوم الطائفة اليهودية منذ �سنوات طويلة‬ ‫باقتطاع ما ن�سبته ‪ %4‬من دخل الفرد املنتمي لهذه‬ ‫الطائفة طواعية ‪ ،‬مقابل اخل��دم��ات التي تقدمها‬ ‫اجلمعيات الدينية اليهودية املختلفة‪.‬‬


‫· عدم التمييز �ضد �شخ�ص ب�سبب ا�صله العرقي �أو‬ ‫ب�سبب جن�سه �أو دينه وم��ن بني القواعد املهمة يف‬ ‫ن�ظ��ام احل��ري��ات يف ال���س��وي��د �أن اجل�م�ي��ع مب��ا فيهم‬ ‫املواطنون الأجانب مت�ساوون �أم��ام القانون‪ .‬يوجد‬ ‫اليوم يف ال�سويد قانون مينع التميز �ضد املهاجرين‬ ‫يف �سوق العمل‪ .‬و �أخ��ذت نقابات العمال ومنظمات‬ ‫�أرب��اب العمل على عاتقها م�س�ؤولية العمل ب�صورة‬ ‫فعالة ملكافحة التميز العرقي والديني يف �أي مكان‬ ‫وعندما ي�ح��دث‪ .‬وي��راق��ب وك�ي��ل اجلمهور ل�ش�ؤون‬ ‫التميز �سوق العمل ويتابع ق�ضايا التميز مبا�شرة مع‬ ‫اجلهات املعنية ويرفع بع�ض الق�ضايا �إلى املحكمة ‪،‬‬ ‫رغم هذا جند �أن عددا كبريا من املهاجرين امل�سلمني‬ ‫يتعر�ضون للتميز العن�صري يف �سوق العمل وخا�صة‬ ‫الن�ساء امللتزمات بارتداء الزي ال�شرعي الإ�سالمي‪.‬‬ ‫· حتدد القوانني والت�شريعات الواجبات التي يجب‬ ‫اتباعها واحرتامها لكي تتمكن فعاليات املجتمع‬ ‫م��ن ال�ع�م��ل ب �� �ص��ورة م��ر��ض�ي��ة‪ .‬وي �ت��وج��ب ع�ل��ى كل‬ ‫�شخ�ص �أن يتعرف بنف�سه على واجباته والتزاماته‪.‬‬ ‫عينت احلكومة م��ا يطلق عليه وكيل اجلمهور يف‬ ‫ال�ش�ؤون القانونية و�آخر للتميز العن�صري والنائب‬ ‫العام وعهدت �إليهم متابعة الق�ضايا التي يرفعها‬ ‫املواطنون �ضد املوظفني �أو الأفراد وامل�ؤ�س�سات التي‬ ‫ترتكب خمالفات قانونية �أو يلم�س منها ا�ضطهاد‬ ‫عن�صري ‪.‬‬ ‫الثقافة و�أوقات الفراغ‬ ‫ه �ن��اك �إم �ك��ان �ي��ات ع��دي��دة ل�ل�م��واط�ن�ين ل�ل�م���ش��ارك��ة يف‬ ‫الن�شاطات الثقافية ون�شاطات �أوق��ات الفراغ يف ال�سويد‪.‬‬ ‫وت��وج��د منظمات ملمار�سة جميع ال�ه��واي��ات واالهتمامات‬ ‫تقريبا مثل الريا�ضة ‪ ،‬ال�سيا�سة‪ ،‬املو�سيقى‪ ،‬ال�شطرجن‪،‬‬ ‫ه��واي��ة ��ص�ي��د الأ� �س �م��اك و�أ� �ش �ي��اء �أخ� ��رى ك �ث�يرة �أخ ��رى‪.‬‬ ‫وت�ع�ت�بر ه ��ذه ال�ت�ن�ظ�ي�م��ات ال �� �ص��وت امل �ع�بر ع��ن تطلعات‬ ‫هذه التنظيمات‪ ،‬وتقدم للأع�ضاء معلومات عن املجتمع‬ ‫ال�سويدي وكيفية احلياة يف ال�سويد وم�ساعدة املهاجرين‬ ‫والالجئني على �إبقاء ات�صاالتهم بلغاتهم وثقافاتهم‪ .‬كما‬ ‫ت�شكل املكتبات العامة و البيوت الثقافية واملتاحف وبيوت‬ ‫ال�شباب و حدائق �أوقات الفراغ �أماكن للقاءات الثقافية يف‬ ‫البلديات‪ .‬تختلف حياة الرتفيه كثريا بني املواطنني‪ ،‬حيث‬ ‫يعترب ال�سويديون �أن املراق�ص مثل الدي�سكو واملطاعم ذات‬ ‫الأم�سيات الراق�صة �أهم �أماكن ق�ضاء وقت الفراغ ‪ ،‬بينما‬ ‫ينعزل امل�سلمون يف بيوتهم ويق�ضون �أوق��ات فراغهم مع‬ ‫القنوات الف�ضائية التي غ��زت كل بيت وت�سببت يف عزلة ‪ .7‬الإجها�ض م�سموح به خالل املراحل املبكرة �شريطة‬ ‫اجتماعية ��ش��دي��دة ي�ع��اين منها ال�شباب خا�صة الفتيات‬ ‫�أن تتم عملية الإجها�ض قبل م�ضي الأ�سبوع الثاين‬ ‫اللواتي ال يجدن مكانا ي�صلح لق�ضاء وقت الفراغ وف�شلت‬ ‫ع�شر من احلمل‪.‬‬ ‫املنظمات الإ�سالمية يف توفري البدائل لهم ‪ ،‬رغم وجود‬

‫بع�ض ال �ن��وادي اخل��ا��ص��ة بالفتيات وال�ت��ي ق��ام بها بع�ض‬ ‫الأمهات الغيورات على بنات امل�سلمني مثل نادي البنات يف‬ ‫�صولنا الذي ي�ضم يف ع�ضويته اكرث من ‪ 100‬فتاه م�سلمة ‪.‬‬ ‫طبيعة تكوين الأ�سرة يف ال�سويد‬ ‫تت�شابه العائلة ال�سويدية ذات الأط �ف��ال م��ع معظم‬ ‫ال�ع��ائ�لات الأخ ��رى يف ال�ع��امل ال�غ��رب��ي‪ .‬وت�ت��أل��ف العائلة‬ ‫ال���س��وي��دي��ة ال�ق�ي��ا��س�ي��ة ع ��ادة م��ن �أالم والأب وط�ف�ل�ين‪.‬‬ ‫والذي مييز العائلة ال�سويدية عن غريها فهو �أن الن�ساء‬ ‫ميار�سن العمل ب�صورة �أو�سع و�أن كثريا من هذه العائالت‬ ‫ال يرتبطون بعقد زواج بل يتعاي�شون دون زواج ‪ .‬وح�سب‬ ‫القانون ال�سويدي ف��ان امل��رء يقرر بنف�سه �إذا ك��ان يريد‬ ‫ال��زواج �أم ال ‪،‬وحكم الولد للفرا�ش يف حالة ال��والدة من‬ ‫زواج غري �شرعي‪ .‬يعي�ش يف ال�سويد ثمانية �أطفال بني كل‬ ‫ع�شرة �أطفال �سويا بغ�ض النظر عن زواج الوالدين �أم ال‪.‬‬ ‫قوانني العالقات االجتماعية يف ال�سويد‬ ‫‪ .1‬للرجال والن�ساء احلقوق نف�سها‪ ،‬وتعدد الزوجات‬ ‫ممنوع وكذلك ال��زواج بني الأق��ارب الذين تربطهم‬ ‫�صلة الرحم‪.‬‬ ‫‪ .2‬يتخذ كل من الزوجني قراراته حول كيفية الت�صرف‬ ‫مبمتلكاته وم��ا يرتتب عليه م��ن دي��ون‪ .‬ولكل من‬ ‫هما حقوق مت�ساوية فيما يتعلق مبمتلكات العائلة‬ ‫امل�شرتكة‪ .‬ولكل من الرجل وامل��ر�أة احلق نف�سه يف‬ ‫اتخاذ القرارات �ضمن العائلة‪ ،‬ولكن لي�س من امللزم‬ ‫�أن يقوما باملهام نف�سها‪.‬‬ ‫‪ .3‬يحق لكل من الرجل واملر�أة �أن تكون لهما جماالت‬ ‫اهتمام خا�صة و�أ�صدقاء خ��ارج نطاق العائلة‪ ،‬وان‬ ‫الإخال�ص مهم جدا ملعظم الأط��راف‪ ،‬ولكن هذا ال‬ ‫يعني يف العرف ال�سويدي �أن اخليانة الزوجية ت�ؤدي‬ ‫�إلى الطالق‪.‬‬ ‫‪� .4‬إن �ضرب �أو تهديد �أو ا�ضطهاد ال��زوج �أو الزوجة‬ ‫ممنوع‪.‬‬ ‫‪� .5‬إن زواج الق�صر دون الثامنة ع�شرة ممنوع وميكن‬ ‫احل �� �ص��ول ع �ل��ى ا� �س �ت �ث �ن��اء م ��ن امل �ح �ك �م��ة يف بع�ض‬ ‫احلاالت‪.‬‬ ‫‪ .6‬تعترب م��واد منع احل�م��ل �شيئا طبيعيا يف ال�سويد‬ ‫وحت�صل الفتيات القا�صرات عليها جمانا من مراكز‬ ‫الرعاية ال�صحية لل�شباب‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪43‬‬


‫‪44‬‬

‫التعليم واملدار�س يف ال�سويد‬ ‫ل �ع��ل م��ن امل �ف �ي��د ه �ن��ا �أن �أب � ��د�أ ب ��إي �� �ض��اح ال �ف��رق بني‬ ‫الرتبية والثقافة ‪ .‬ف�أ�سبق تعريف للرتبية هو ما �أدلى‬ ‫به �أفالطون بقولة‪ « :‬الرتبية �إعطاء اجل�سم والروح كل‬ ‫ما ميكن من اجلمال وكل ما ميكن من الكمال» ‪ .‬ومن‬ ‫الغربيني م��ن عرفها بقوله‪ « :‬الرتبية ‪� :‬إع ��داد الفرد‬ ‫لي�سعد نف�سه �أوال وغ�يره ثانيا» ‪ .‬وم��ن علماء امل�سلمني‬ ‫من عرفها تعريفا ين�سجم مع وجهة النظر الإ�سالمية‬ ‫ال�ت��ي ال تعترب ه��ذه احل�ي��اة ��س��وى معرب ل��دار ال �ق��رار يف‬ ‫الآخرة‪ ،‬فقال‪ « :‬الرتبية هي �إعداد الإن�سان ليحيا حياة‬ ‫�سعيدة يف الدارين» ‪� .‬أما الثقافة فهي « املعرفة التي ت�ؤخذ‬ ‫عن طريق الإخ�ب��ار والتلقي واال�ستنباط» مثل التاريخ‬ ‫واللغة والفقه والفل�سفة والفنون ( كالت�صوير والنحت‬ ‫واملو�سيقى ) ‪ .‬وان م��ا مييزها ع��ن العلم �أن الأخ�ي�ر هو‬ ‫« امل�ع��رف��ة ال�ت��ي ت ��ؤخ��ذ ع��ن ط��ري��ق امل�لاح�ظ��ة والتجربة‬ ‫واال�ستنتاج»‪ .‬لذا فان العلم عاملي جلميع الأمم وال تخت�ص‬ ‫به �أمة دون �أخرى‪ ،‬ويجوز �أخذه بل يجب على امل�سلم بذل‬ ‫اجلهد للح�صول عليه �أيا كان‪� .‬أما الثقافة التي تكون من‬ ‫خ�صو�صيات ومميزات �أمة بعينها كالأدب و�سري الأبطال‬ ‫وفل�سفة تلك الأمة عن احلياة‪ ،‬فان امل�سلم يجب �أن يبد�أ‬ ‫بثقافته �أوال حتى �إذا در�سها ووعاها ومتركزت يف ذهنه‬ ‫واط�م��أن �إل��ى ا�ستيعابها ‪ ،‬حينها فقط ميكنه �أن يدر�س‬ ‫الثقافات الأخرى ‪.‬‬ ‫ما انفك امل�سلمون منذ �أن هاجروا �إلى ال�سويد عن بذل‬ ‫اجلهود من اجل تربية �أبنائهم وتزويدهم بالثقافة التي‬ ‫حتول دون ان�صهارهم و�ضياعهم يف املجتمع ال�سويدي‬ ‫‪ .‬غ�ير �أن ت�ل��ك اجل �ه��ود ك��ان��ت وم��ا زال ��ت دون امل�ستوى‬ ‫الذي يجب �أن تكون عليه حتى تخفف من ت�أثري البيئة‬ ‫ال�سويدية على الن�شء امل�سلم‪ .‬ومل تقت�صر اخل�شية من‬ ‫ت�أثري الرتبية ال�سويدية يف الن�شء امل�سلم على امل�سلمني‬ ‫امل�ه��اج��ري��ن واملتجن�سني فح�سب ‪ ،‬ب��ل ��ش��ارك�ه��م يف ذل��ك‬ ‫ال�سويديون الذين قبلوا الإ�سالم كنظام �شامل للحياة‪.‬‬

‫وه�ؤالء الداخلون يف الإ�سالم من �أبناء البيئة ال�سويدية‬ ‫ي��رغ �ب��ون دوم� ��ا ب���س�ح��ب �أب �ن��ائ �ه��م م��ن امل ��دار� ��س ال�ع��ام��ة‬ ‫لرتبيتهم تربية �إ�سالمية يف �أي مكان توجد فيه مدر�سة‬ ‫�إ�سالمية لأنهم �أدرى من غريهم بواقع املدار�س ال�سويدية‬ ‫وما حتتوي عليه من علل و�آفات مدمرة تزداد �سوءا �سنة‬ ‫بعد �أخرى‪ .‬فالعنف والعن�صرية واحتقار الأجانب مثال‬ ‫يف مدار�س ال�سويد يعترب م�شكلة م�ستع�صية على احلل‬ ‫رغ��م اجلهود الكبرية التي تبذلها ال�سلطات لتغري هذا‬ ‫الواقع نحو الأح�سن‪.‬‬ ‫ملحة تاريخية عن النظام التعليمي يف ال�سويد‬ ‫يعترب ق�ي��ام املجتمع برعاية الأط �ف��ال ال�صغار �أم��را‬ ‫طبيعيا بالن�سبة ملعظم ال���س��وي��دي�ين ال �ي��وم ‪ ،‬ف��ال��رج��ال‬ ‫والن�ساء يعملون ولكي تتمكن الن�ساء من العمل ا�صبح‬ ‫من واجب املجتمع تدبري �أمر رعاية الأطفال ال�صغار من‬ ‫قبل �أ�شخا�ص �آخرين غري �أولياء �أمورهم‪ .‬من بني �أهم‬ ‫�أه��داف نظام مالحظة الأطفال خلق االح�ترام والتفهم‬ ‫ملختلف الثقافات‪ .‬كما توفر الدولة خدمات مدر�سي اللغة‬ ‫�أالم للأطفال الأجانب بالإ�ضافة �إلى العمل على �إتقان‬ ‫الأطفال اللغة ال�سويدية ‪ .‬يبد�أ الرتكيز على ازدواجية‬ ‫اللغة منذ البداية ‪ .‬والفكرة الكامنة وراء ذلك هي تعليم‬ ‫الأطفال ب�صورة �أولية لغتهم الأ�صلية ب�شكل جيد ‪ .‬ويتم‬ ‫بعد ذلك تطوير اللغة الأ�صلية واللغة ال�سويدية جنبا‬ ‫�إل ��ى ج�ن��ب‪ .‬وم��ن امل�لاح��ظ �أن ه�ن��اك خم�ط��ط م��درو���س‬ ‫يتم تنفيذه يف امل��دار���س ال�سويدية للق�ضاء على هوية‬ ‫امل���س�ل�م�ين ال�ث�ق��اف�ي��ة م��ن خ�ل�ال ع ��دم اجل��دي��ة يف تعليم‬ ‫ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة لأب �ن��اء امل�سلمني و�إع �ط��اء ف��ر���ص العمل‬ ‫للعرب من غري امل�سلمني لتدري�س مادة اللغة العربية يف‬ ‫املدار�س ال�سويدية‪ .‬فمن ال�شواهد ال�صحيحة التي �أدركها‬ ‫امل�ست�شرقون ال�سويديون التي ال جمال لل�شك فيها �أنه‬ ‫كلما زاد ولوع ال�شباب من �أ�صل م�سلم بتعلم اللغة العربية‪،‬‬ ‫ودرا�ستها واالطالع على �آدابها ‪ ،‬كلما ازداد ر�صيدهم من‬ ‫القدرة اللغوية التي تعينهم على فهم القر�آن ومتكنهم‬ ‫من �إدراك حقائق الإ��س�لام وحبه واالقتناع ب�صالحيته‬ ‫ع�ق�ي��دة وف �ك��را و� �س �ل��وك��ا‪ ،‬وت���ض��اع��ف اه�ت�م��ام�ه��م ب�ت�راث‬


‫اللغة العربية‪ .‬وكلما قل بحثهم واطالعهم على اللغة‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ك�ل�م��ا ات���س�ع��ت ال��رق�ع��ة بينهم ‪ ،‬وب�ي�ن م���ص��ادر‬ ‫الت�شريع الإ�سالمي ومقا�صد الإ��س�لام‪ ،‬و�سهل �سلخهم‬ ‫ع��ن هويتهم الإ��س�لام�ي��ة والثقافية ل��ذل��ك �سعى بع�ض‬ ‫ال�سيا�سيني �إل��ى �إق�صاء اللغة العربية باعتبارها دع��وة‬ ‫�صريحة الع�ت�ن��اق ال��دي��ن الإ� �س�لام��ي‪ ،‬وت�شبث ال�شباب‬ ‫برتاثهم وثقافتهم الإ�سالمية ‪ ،‬وهذا ما يعوق اندماجهم‬ ‫يف املجتمع ال�سويدي‪ .‬فبالرغم من �أن الد�ستور ال�سويدي‬ ‫ين�ص على �أحقية الأجانب يف تعلم لغتهم الأ�صلية كما‬ ‫�أ�شرنا �سابقا ‪ ،‬تطاولت �أيادي ال�سا�سة �إلى برت هذا احلق‬ ‫الد�ستوري من خالل تخفي�ض عدد �ساعات اللغة العربية‬ ‫من �ساعتني �إلى �ساعة واحدة �أ�سبوعيا وجتريد ح�ص�ص‬ ‫اللغة العربية م��ن الثقافة الإ��س�لام�ي��ة ودرو� ��س الدين‬ ‫‪ ،‬ومنع مدر�سو اللغة العربية من تناول �أي مو�ضوع له‬ ‫�صلة بالدين‪ .‬والعمل على �إخ��راج درو���س اللغة العربية‬ ‫خارج �أوقات الدرا�سة‪� ،‬أو جعلها يف �أوقات تكون على ح�ساب‬ ‫مواد علمية مثل الريا�ضيات على �سبيل املثال مما يدفع‬ ‫التالميذ العرب �إلى تف�ضيل البقاء يف ال�صف مع �أقرانهم‬ ‫حتى ال ت�ضيع عليهم ال��درو���س العلمية‪ .‬وهناك دع��وات‬ ‫ج��ادة ت�ستهدف �إخ ��راج اللغة العربية جملة وتف�صيال‬ ‫من اخلريطة املدر�سية ال�سويدية وتوكيلها �إلى امل�ساجد‬ ‫وامل�ؤ�س�سات احلرة واجلمعيات و�أولياء الأمور‪.‬‬ ‫املدر�سة والتعليم‬ ‫توجد يف ال�سويد مدار�س وجم��االت تعليمية جلميع‬ ‫الأ�شخا�ص وملختلف الأع�م��ار ‪ .‬ويلزم جميع املهاجرين‬ ‫�صغارا وكبارا ‪،‬رجاال ون�ساء ‪ ،‬مثقفني و�أميني‪ ،‬عاجال �أم‬ ‫�آج�لا على اجللو�س على مقاعد الدرا�سة ‪،‬وتكون اللغة‬ ‫ال�سويدية هي �أول ما يتعلمه املهاجر‪.‬‬ ‫التوجيه الدرا�سي‬ ‫�إن النظام الدرا�سي يف ال�سويد �شامل ووا�سع بحيث‬ ‫ي�صعب على املرء ا�ستيعابه ب�صورة كاملة ولذلك يوجد‬ ‫يف ال�سويد م�ست�شارون ومهنيون مهمتهم تقدمي امل�ساعدة‬ ‫للجميع لدخول املدار�س الثانوية �أو ال��دورات الدرا�سية‬ ‫والتعليمية املنا�سبة‪.‬‬ ‫تعليم الأطفال وال�شباب‬ ‫�إن مدة الدرا�سة يف مدر�سة املرحلة الأ�سا�سية هي ت�سعة‬ ‫�سنوات والدرا�سة فيها �إجبارية جلميع الأطفال الذين‬ ‫ت�تراوح �أعمارهم ما بني �سبعة �سنوات و �ستة ع�شر �سنة‬ ‫ويحق للأطفال بدء الدرا�سة من �سن ال�ساد�سة وهو �أمر‬ ‫اختياري‪ .‬التعليم خمتلط وميكن القول ب�صورة عامة‬ ‫�أن ‪ %88‬من الأطفال يدر�سون يف املدار�س العامة التابعة‬ ‫للبلديات وت��ول ع��ن ط��ري��ق ال���ض��رائ��ب وه�ن��اك م��دار���س‬ ‫خا�صة ي��در���س بها ح��وايل ‪ %12‬م��ن الأط �ف��ال وال�شباب‬ ‫ومت��ول �أي�ضا ع��ن طريق ال�ضرائب حيث تدفع الدولة‬ ‫ما قيمته ‪� %75‬إلى ‪ % 80‬من ما تدفعه للمدار�س التابعة‬ ‫للبلديات‪.‬‬

‫الهجرة امل�سلمة �إلى ال�سويد‬ ‫ال تعترب الهجرة �أمرا جديدا بالن�سبة لل�سويد‪ ،‬فقد‬ ‫هاجر �إليها على امتداد القرون املختلفة �شعوب متعددة‬ ‫مثل �أمل ��ان ه��ان��زا‪ ،‬ال�ف��ال��ون�ي��ون‪ ،‬اال�سكتلنديون ‪ ،‬الغجر‬ ‫وال�ي�ه��ود وع ��دد ك�ب�ير م��ن �أب �ن��اء ال���ش�ع��وب الأخ� ��رى‪� .‬أم��ا‬ ‫بالن�سبة للهجرة يف الع�صر احلديث فانه ميكن القول‬ ‫�أن �ه��ا ب ��د�أت ع�ن��د ن���ش��وب احل ��رب ال�ع��امل�ي��ة ال�ث��ان�ي��ة عندما‬ ‫فر ما يقارب ‪� 200‬أل��ف �شخ�ص �إل��ى ال�سويد منهم �أقلية‬ ‫م�سلمة من ا�صل ترتي هاجرت من فنلندا وا�ستلندا �إلى‬ ‫ا�ستكهومل و�أ�س�سوا نواة العمل الإ�سالمي يف هذه البالد‪.‬‬ ‫تغيرّ �سوق العمل ال�سويدي ب�صورة دراماتيكية خالل‬ ‫القرن الع�شرين‪ .‬فعند بداية القرن ك��ان واح��د من كل‬ ‫اثنني يعمل يف جمال الزراعة‪ .‬ولكن ال جند اليوم �سوى‬ ‫�شخ�ص واح��د م��ن ب�ين ع�شرين �شخ�صا يعمل يف جمال‬ ‫ال��زراع��ة والغابات‪ .‬وال��ى جانب ال��زراع��ة ب��د�أت ال�صناعة‬ ‫تتطور ووظفت عددا متزايدا‪ .‬ومنذ عام ‪ 1960‬بد�أ قطاع‬ ‫اخلدمات – التجارة والقطاع العام‪ -‬بالنمو ب�صورة �أ�سرع‬ ‫م��ن القطاع ال�صناعي‪ .‬ويف خ�لال ف�ترة م��ا بعد احل��رب‬ ‫ت��زاي��د ال�ط�ل��ب ع�ل��ى الأي� ��ادي ال�ع��ام�ل��ة ‪ ،‬ومت تلبية ذل��ك‬ ‫جزئيا ع��ن طريق ت�شجيع الهجرة �إل��ى ال�سويد و�سافر‬ ‫�أرب��اب العمل ال�سويديون �إل��ى بع�ض ال��دول مثل تركيا‬ ‫ويوغ�سالفيا وال�ي��ون��ان وجلبوا �آالف ال�شباب للعمل يف‬ ‫امل�صانع والقطاع اخلدمات العامة ‪ ،‬وفرغت قرى ومدن‬ ‫ب�أكملها من ال�شباب الراغب يف ك�سب الرزق والرثوة‪ ،‬ويف‬ ‫ال�ستينات وبداية ال�سبعينات بلغ عدد املهاجرين امل�سلمني‬ ‫ح�سب تقديرات ال�سلطات الر�سمية حوايل ‪� 15000‬شخ�ص‬ ‫واقت�صرت هجرة امل�سلمني �آن��ذاك على العمال حمدودي‬ ‫الثقافة وال��وع��ي‪� ،‬إن مل نقل الأغلبية فيها �سبة �أمية‪،‬‬ ‫هاجرت من قراها هاربة من البطالة املتف�شية يف �أو�ساط‬ ‫جمتمعاتها وم��ن �أو��ض��اع�ه��ا االقت�صادية واالجتماعية‬ ‫امل �ت��ده��ورة ب�غ�ي��ة حت���س�ين م���س�ت��واه��ا امل�ع�ي���ش��ي ب��ال��درج��ة‬ ‫الأولى‪ .‬فهجرة امل�سلمني يف بدايتها �إذن هجرة اقت�صادية‬ ‫حم�ضة‪ ،‬وقد كان لها ت�أثري مبا�شر على نوعية « التوا�صل»‬ ‫املبني على الأخ��ذ والعطاء املتبادل بينها وب�ين املجتمع‬ ‫ال���س��وي��دي امل�ح�ي��ط ب�ه��ا ول �ك��ن � �س��رع��ان م��ا ت�غ�ير احل��ال‬ ‫حيث �أق�ف�ل��ت ال�سويد ب��اب ال�ه�ج��رة وت���ش��ددت يف �إ��ص��دار‬ ‫ت�صاريح الإقامة‪ .‬مت �إيقاف جزء كبري من هجرة الأيادي‬ ‫العاملة �إل��ى ال�سويد خ�لال ا�شتداد الأزم��ة االقت�صادية‬ ‫يف �سوق العمل ال�سويدي يف بداية ال�سبعينات‪ .‬ويف خالل‬ ‫ال�ف�ترة الأخ�ي�رة ك��ان��ت ال�ه�ج��رة م��ن خ��ارج دول ال�شمال‬ ‫تت�ألف ب�صورة �أ�سا�سية من الالجئني و�أق��ارب املهاجرين‬ ‫وال�سويديني الذين يقيمون هنا‪ .‬الهجرة مل تنقطع يوما‬ ‫واحدا بل هي م�ستمرة وبكثافة �أ�شد حيث جل�أ �إلى ال�سويد‬ ‫يف ال�سبعينات �أع��داد كبرية من الأك��راد والفل�سطينيني‬ ‫والبنجال والأفارقة هروبا من جحيم احلروب والكوارث‬ ‫الطبيعية واال�ضطهاد ال�سيا�سي وبلغ عدد طالبي اللجوء‬ ‫يف �أواخر ال�سبعينات من القرن الع�شرين حوايل ‪� 35‬ألف‬ ‫�شخ�ص جلهم من ال�شباب‪ ،‬وبذلك ارتفع عدد امل�سلمني‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪45‬‬


‫‪46‬‬

‫يف ب��داي��ة الثمانينات م��ن ال�ق��رن الع�شرين لي�صل �إل��ى‬ ‫‪� 50000‬شخ�ص ‪ .‬قام �أوائل املهاجرين ولالجئني ب�إح�ضار‬ ‫عائالتهم وت��زوج ال�شباب وكونوا �أ�سرا جديدة ومل تعد‬ ‫الهجرة قا�صرة على ال��رج��ال ب��ل �شملت �آالف الفتيات‬ ‫اللواتي التحت ب�أزواجهن‪.‬‬ ‫ا�ستمر ت��دف��ق �سيل ال�لاج�ئ�ين م��ن �إي ��ران بعد جناح‬ ‫ال �ث��ورة الإ��س�لام�ي��ة ب�ت��ويل مقاليد احل�ك��م ه�ن��اك وف��رار‬ ‫الكثري من �أن�صار ال�شاة وم��ن �أن�صار بع�ض املجموعات‬ ‫ال�سيا�سية مثل الأف��راد املنت�سبني �إل��ى احل��زب ال�شيوعي‬ ‫«ت ��ودة» وال ��ى ح��زب « مقاتلي خ�ل��ق» وط�ل��ب �أل ��ف طالب‬ ‫�إي��راين مبعوثني للدرا�سة يف زمن ال�شاة املخلوع اللجوء‬ ‫ال�سيا�سي ورف�ضوا العودة �إل��ى �إي��ران وجل��أ �إل��ى ال�سويد‬ ‫�آالف اللبنانيني والفل�سطينيني املقيمني يف لبنان �إلى‬ ‫ال�سويد نتيجة احل��روب الأهلية واالجتياح الإ�سرائيلي‬ ‫للبنان يف مطلع الثمانينات وتدفق �سيل من الالجئني‬ ‫الإرتريني والأثيوبيني والعراقيني والأكراد والأفغانيني‬ ‫ب�سبب احل��روب وال�ك��وارث الطبيعية و�ساهمت الكنائ�س‬ ‫ب�إح�ضار �آالف الالجئني من مناطق احل��روب والكوارث‬ ‫بغية تن�صريهم وبلغ عدد امل�سلمني يف نهاية الثمانينات‬ ‫م��ن ال�ق��رن الع�شرين ح��وايل ‪� 130000‬شخ�ص‪ .‬و�شهدت‬ ‫ال�ت���س�ع�ي�ن��ات م��ن ال �ق��رن ال�ع���ش��ري��ن م��وج��ات ه �ج��رة من‬ ‫بلغاريا وال�صومال والبو�سنة و�إقليم كو�سفو والأف�غ��ان‬ ‫والعراقيني بالإ�ضافة �إلى ا�ستمرار هجرة طالبي اللجوء‬ ‫م��ن املجموعات ال�سابقة ‪ ،‬وبلغ ع��دد امل�سلمني يف بداية‬ ‫القرن الواحد والع�شرين حوايل ‪� 400000‬شخ�ص ‪.‬‬ ‫التعليم املوازي واملدار�س الإ�سالمية يف ال�سويد‬ ‫ال�صعوبات والواقع والأمل‬ ‫م ��ا زال امل �� �س �ل �م��ون ي �ع �ل �م��ون �أب� �ن ��اءه ��م يف امل���س��اج��د‬ ‫واجل�م�ع�ي��ات وامل��راك��ز الإ��س�لام�ي��ة ال�ت��ي ب��د�أ ظ�ه��وره��ا يف‬ ‫ال�سويد منذ انتهاء احل��رب العاملية الثانية حني �أ�س�ست‬ ‫�أول جمعية �إ�سالمية يف ا�ستكهومل ع��ام ‪ 1949‬وبعدها‬ ‫تتابع ظهور اجلمعيات وازديادها �سنة بعد �أخرى ‪ .‬اليوم‬ ‫يوجد يف ال�سويد �أكرث من ‪ 150‬جمعية �إ�سالمية و �أربعة‬

‫م�ساجد يف كل من ماملو وترولهتان واوب�ساال وا�ستكهومل ‪،‬‬ ‫هذا وا�شرتى امل�سلمون كني�سة و ع�شرات الأبنية وحولوها‬ ‫�إلى م�ساجد ومراكز �إ�سالمية تعترب مبثابة دور للعبادة‬ ‫ومعاهد للتعليم ومدار�س للقر�آن الكرمي ‪� ،‬شانها يف ذلك‬ ‫�ش�أن امل�ساجد يف عهودها النقية الأول��ى‪ .‬ومدار�س نهاية‬ ‫الأ�سبوع ت�ستقبل �أبناء امل�سلمني الذين يتعلمون ق��راءة‬ ‫ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي وال�ل�غ��ة العربية وال�ترب�ي��ة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫وندعو اهلل تعالى �أن يثيب م�ؤ�س�سيها والقائمني عليها‬ ‫و�أن يكتبها لهم يف م�ي��زان ح�سناتهم ي��وم اللقاء ‪ .‬و�أم��ا‬ ‫�أك�بر اجلمعيات الإ��س�لام�ي��ة و�أك�ثره��ا ن�شاطا يف جمال‬ ‫ال�ترب �ي��ة الإ� �س�لام �ي��ة ويف جم ��ال ال��دع��وة �أي �� �ض��ا ف�ه��ي «‬ ‫الرابطة الإ�سالمية با�ستكهومل « التي ت�أ�س�ست عام ‪1980‬‬ ‫وتوجت ن�شاطها ببناء �أك�بر م�سجد ومركز �إ�سالمي يف‬ ‫ا�سكندنافيا يفتتح هذا العام‪ .‬د�أبت الرابطة منذ ت�أ�سي�سها‬ ‫على دعم الرتبية الإ�سالمية يف ال�سويد‪� .‬شكلت الرابطة‬ ‫الإ��س�لام�ي��ة جلنة ل�ل�إ��ش��راف على �إن���ش��اء وق��ف امل��دار���س‬ ‫الإ�سالمية يعمل على « تخريج الطالب امل�سلم امل�ؤهل‬ ‫علميا ودينيا وخلقيا للتعاي�ش م��ع املجتمع ال�سويدي‪،‬‬ ‫ملتزما بالقيم الإ�سالمية‪ ،‬حمافظا على اللغة العربية‬ ‫ومتقنا اللغة ال�سويدية اتقانا ي�ؤهله االلتحاق باجلامعات‬ ‫واملدار�س العليا بي�سر « ومت بالفعل ت�أ�سي�س رابطة املدار�س‬ ‫الإ�سالمية التي ير�أ�سها الأ�ستاذ �شكيب بن خملوف يف عام‬ ‫‪ 1998‬يف العا�صمة ا�ستكهومل ‪.‬‬ ‫املدر�سة الإ�سالمية يف ال�سويد‬ ‫لقد كان امل�سلمون يوم ‪� 13‬أغ�سط�س (�آب) ‪1996‬على‬ ‫موعد م��ع افتتاح امل��در��س��ة ‪ ،‬الأم��ل واحل�ل��م ال��ذي ا�صبح‬ ‫حقيقة ‪ .‬ولقد مر على هذه التجربة قرابة الأربع �سنني‬ ‫‪ ،‬وهي �سويدية اللغة وا�سالمية املنهج ‪ ،‬الذي يركز على‬ ‫�أط �ف��ال ال �ي��وم ال��ذي��ن �سي�صبحون رج ��ال ال�غ��د وال��ذي��ن‬ ‫�سيدخلون املجتمع ال�سويدي من �أبوابه املختلفة يعي�شون‬ ‫ه�م��وم امل�سلمني وي�ساهمون يف حلها م��ن خ�لال �أم��اك��ن‬ ‫تواجدهم ‪ .‬والتوطني هو �شعار املدر�سة ‪ ،‬ومتتاز املدر�سة‬ ‫ع��ن غريها م��ن حيث توفري الطعام احل�لال للتالميذ‬


‫وف�صل الأوالد ع��ن البنات يف الريا�ضة وتعوي�ض م��ادة‬ ‫املو�سيقى بالأنا�شيد الإ�سالمية ومقارنة النظريات التي‬ ‫ت�ت�ع��ار���ض م��ع ال�ع�ق�ي��دة الإ��س�لام�ي��ة كنظرية دارون مبا‬ ‫يقوله الإ�سالم يف هذا ال�ش�أن ‪ .‬كانت املهمة �صعبة حيث‬ ‫جمعت املدر�سة �أط�ف��ال امل�سلمني م��ن جن�سيات خمتلفة‬ ‫والذين يعانون من نق�ص كبري يف فهم وا�ستيعاب اللغة‬ ‫ال�سويدية وبع�ضهم يعاين من عقد نف�سية ب�سبب احلروب‬ ‫والكوارث يف بلدانهم الأ�صلية‪ ،‬وهناك عقبة �أخرى التي‬ ‫تواجه املدر�سة الإ�سالمية وهي عدم فهم التالميذ العرب‬ ‫للغتهم العربية حيث يخلطون اللغة العربية ‪ ،‬و مبفردات‬ ‫�سويدية ‪� .‬إن غياب الكتاب الدرا�سي املالئم لتوجهات‬ ‫امل�سلمني وتطلعاتهم ‪ ،‬جعل بع�ض احلري�صني على جناح‬ ‫املدر�سة بو�ضعه بع�ض املناهج التي تالئم البيئة ال�سويدية‬ ‫‪� .‬إن �أهم هدف و�ضعته املدر�سة هو ت�أهيل التالميذ ليكونوا‬ ‫مب�ستوى التالميذ ال�سويديني �إ�ضافة �إلى تربيتهم تربية‬ ‫�إ�سالمية �صحيحة‪ ،‬وذلك ب�إيجاد اجلو املنا�سب ملثل هذه‬ ‫الرتبية ‪.‬‬ ‫الإ�سالم يف املجتمع ال�سويدي‬ ‫�إذا ك��ان الأ��س��ا���س الأه��م يف ال�ع�لاق��ات اخل��ارج�ي��ة بني‬ ‫امل�سلمني واملجتمع ال�سويدي هو الدعوة �إلى اهلل تعالى‪،‬‬ ‫ف��ان ال�سالم هو بال ج��دال �أف�ضل ال�ظ��روف لنجاح هذه‬ ‫الدعوة ‪ ..‬ذلك �أنه يف ظل ال�سالم تكون العقول متفتحة‬ ‫وال�ن�ف��و���س م�ستقرة وال�ق�ل��وب ه��ادئ��ة‪ ،‬ف� ��إذا �أراد امل�سلم‬ ‫التعريف ب��الإ��س�لام ف�سيجد النا�س م�ستعدين ل�سماع‬ ‫الكلمة الطيبة بل يت�شوقون ل�سماعها‪� .‬إن �إقرار التعاي�ش‬ ‫ال�سلمي م��ع غ�ير امل�سلمني ي��زي��ل ك��ل عقبة ت�ق��ف �أم��ام‬ ‫الدعوة والتعريف بالإ�سالم وقبول املجتمع واحلكومة‬ ‫امل�سلمني كمواطنني لهم من احلقوق ما ل�سواهم وعليهم‬ ‫م��ن ال��واج�ب��ات م��ا على غ�يره��م ‪ ،‬وم��ن ح��ق امل�سلمني �أن‬ ‫يطمئنوا �إل��ى عدم قيام غري امل�سلمني با�ضطهادهم و�أن‬ ‫يرتكوا ما فيه �ضرر على امل�سلمني يف النفو�س والأموال ‪.‬‬

‫الإ�سالم طريق ال�سعادة للب�شرية جمعاء‬ ‫الإ� �س�لام يهدف �إل��ى �إ��س�ع��اد الب�شرية و �إل��ى مراعاة‬ ‫�أوام � � ��ر اهلل واج �ت �ن ��اب ن ��واه �ي ��ه وم �ع��ام �ل��ة خم�ل��وق��ات��ه‬ ‫بال�شفقة والرحمة‪ .‬وامل�سلم احلقيقي هو من يفي مبا‬ ‫ورد يف العبارتني املذكورتني �أع�لاه ‪ .‬الإ�سالم هو طريق‬ ‫الطم�أنينة يف الدنيا وال�سعادة الأبدية يف الآخرة‪� .‬إن طلب‬ ‫ال�سعادة من اخل�صائ�ص امل�شرتكة لدى الإن�سان الذي �أكرم‬ ‫بالعقل والفكر والقابلية الرفيعة وامتلك �أرقى مكان بني‬ ‫املخلوقات‪ ،‬ويعمل كل �إن�سان من اجل احل�صول على هذه‬ ‫الأمنية ويفكر لغده اكرث مما يفكر ليومه احلا�ضر ويعد‬ ‫له العدة‪� .‬إن الإن�سان خملوق مركب من روح وبدن ولهذا‬ ‫فقد اعتنى الإ�سالم بحاجات الإن�سان البدنية والروحية‬ ‫على �سواء ومن جهة �أخ��رى �أت��ى الإ�سالم مببادئ الزمة‬ ‫من اجل �سعادة الفرد كما و�ضع جمموعة من الأ�س�س من‬ ‫اج��ل �سعادة املجتمع وطم�أنينته وع�ين واجبات وحقوقا‬ ‫للأفراد جتاه بع�ضهم البع�ض‪� .‬إن الإ�سالم �آخ��ر واكمل‬ ‫دين وان حممدا �صلى اهلل عليه و�سلم هو خامت النبيني‬ ‫وان ال�ق��ر�آن الكرمي امل�صدر الأ�سا�سي للدين الإ�سالمي‬ ‫وه��و �آخ��ر ر�سالة �أر�سلها اهلل للنا�س عن طريق نبي اهلل‬ ‫حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫املجل�س الإ�سالمي ال�سويدي‬ ‫املراجع‬ ‫كتاب معلومات عن ال�سويد �صادر عن م�صلحة الهجرة‬ ‫مقاالت وبحوث ن�شرت يف جملة ال�سالم باللغة ال�سويدية‬ ‫ملفات ووثائق امل�ؤ�س�سات اال�سالمية يف ال�سويد‬ ‫‪www.islamguiden.com‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪47‬‬


‫دراسات‬

‫َأجمل وأروع القصص القرآني‬ ‫عبرة ألولي االلباب‬

‫الداعية الشيخ‬ ‫عبد المجيد أبو سل‬

‫‪48‬‬

‫الَ ْل َبابِ {‬ ‫قال اهلل تعالى} َل َق ْد َكا َن فيِ َق َ�ص ِ�ص ِه ْم ِعبرْ َ ٌة ِّ ألُوليِ ْ أ‬ ‫} َن ْح ُن َن ُق ُّ�ص َعلَ ْي َك �أَ ْح َ�س َن ا ْل َق َ�ص ِ�ص بمِ َ ا َ�أ ْو َح ْي َنا �إِ َل ْي َك َه َذا‬ ‫ا ْل ُق ْر�آ َن َو�إِن ُكنتَ ِمن َق ْب ِل ِه لمَ ِ َن ا ْل َغا ِف ِل َ‬ ‫ني{‬ ‫�أهمية الق�ص�ص ال�ق��ر�آين‪ -:‬هذا هو �سر االعجاز البياين‬ ‫يف كتاب اهلل تعالى ال��ذي ال تنق�ضي عجائبه وال يخلق على‬ ‫كرثة ال��رد‪ ،‬يوقظ به ال�شعور بامل�س�ؤولية و�أن الهدف والغاية‬ ‫م��ن الق�ص�ص ال �ق��ر�آين اه ��داف ك�ث�يرة وم�ت�ن��وع��ة امل �ه��ام ولها‬ ‫غايات تربوية للدعاة الى اهلل تعالى تنري لهم طريق الهداية‬ ‫للنا�س‪ ،‬وكيف يجتازون امل�سالك ال�صعبة الوعرة املتنوعة ولكل‬ ‫منها م�سلك خا�ص يختلف عن االخر من اجل احياء القلوب‬ ‫العمي واالنف�س املري�ضة وا�صحاب الكرب وال�ضالالت باالدلة‬ ‫والرباهني الدالة على وحدانية اهلل تعالى وعلى قدرته وتفرده‬ ‫يف هذا الكون‪ ،‬مبا فيه من ايات كونية خلق ال�سماوات واالر�ضني‬ ‫وال�شم�س والقمر والنجوم وع��وامل مل يتو�صل االن�سان الى‬ ‫معرفتها بعد و�آي ��ات تكونية على االر� ��ض ال�ت��ي نع�شيها من‬ ‫جبال وانهار وبحار و�سهول ونباتات وجمادات واعظم من ذلك‬ ‫خلق االن�سان ويكون ذلك من خالل بيان احلقائق املتعلقة يف‬ ‫تلك االيات ومن اجل ان ي�سمو االن�سان ويرتقي الى امل�ستوى‬ ‫ال��ذي كرمه وميزه اهلل به على �سائر خلقه فكانت الق�ص�ص‬ ‫القر�آين تبيان للحقائق العلمية املتعلقة بهذا الكون واالن�سان‬ ‫واحلياة وبيان بديع النظم واال�سلوب اجلمايل لل�صورة الكونية‬

‫و�ستبقى الق�صة القر�آنية ال�شعلة التي ت�ضيء لهذا االن�سان‬ ‫ليكون مت�صال حا�ضره مبا�ضيه بل هي نفحات ربانية تعمر بها‬ ‫القلوب وت�شرق بها االنف�س وان كان لتكراره يف �سور متعددة‬ ‫هو تبيان ل�سحره وجماله وتثبيت بنيان كله بالغة واعجاز‬ ‫ومنهج ق��ومي اله��داف �سلوكية وتربوية ترقى باالن�سان الى‬ ‫املكانة ال�سامية التي �شرفها اهلل بها‪ ،‬ويختلف كليا عما ن�سج‬ ‫والف من ق�ص�ص تقوم على اخليال الذي ال حقيقة له وت�شويه‬ ‫للحقائق وانحراف عن القيم واملثل العليا باالحلاد والتهريج‬ ‫‪....‬الخ‪ .‬ويختلف عن الق�ص�ص يف الكتب ال�سماوية التي حرفت‬ ‫النها خالفت القواعد الرتبوية والقيم االن�سانية وتذكر بامور‬ ‫ت�شمئز منها االنف�س وال يليق ذلك باخلالق �سبحانه وتعالى‬ ‫وال باالنبياء املكرمني وال حتى بالنف�س الب�شرية التي حرمها‬ ‫اهلل تعالى‪.‬‬ ‫�أه ��داف الق�ص�ص ال �ق��ر�آين‪ -:‬للق�ص�ص ال �ق��ر�آين �أه��داف‬ ‫كثرية ومتعددة ومنها‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعميق العقيدة اال�سالمية يف ع�ق��ول وانف�س امل�سلمني‬ ‫وخا�صة عقيدة التوحيد‬ ‫‪ -2‬رك ��زت ع�ل��ى ال���ص�ف��ات واالخ �ل��اق ال�ع�ظ�ي�م��ة ال �ت��ي حتلى‬ ‫بها االنبياء والر�سل ليكونوا القدوة للنا�س ت�سلك تارة‬ ‫الرتغيب وتارة الرتهيب بالرباهني واالدلة ال�ساطعة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ال�سمو باالن�سان على جميع املخلوقات بتميزه العقلي‬ ‫والفكري فهو ي�سمو بروحه ونف�سه‬ ‫‪ -4‬تركزت على الرقي املادي وا�سباب القوة الن ذلك ا�سباب‬ ‫هامة وعن�صر ا�سا�س يف مقومات االن�سان‬ ‫‪ -5‬بينت �أ�سباب حياة االم��م مبا �أمدها اهلل من �أ�سباب من‬ ‫�أجل �أمنه وا�سقراره‬ ‫‪ -6‬بينت ا��س�ب��اب ه�لاك االم ��م‪ :‬اف ��راد وج�م��اع��ات م��ن ج��راء‬ ‫االمرا�ض والظلم واالرهاب‪.‬‬ ‫‪ -7‬تكاملية احلياة بالتدين والعمل والعلم والفكر‬ ‫‪ -8‬ب �ي��ان احل�ق��ائ��ق ال�ع�ل�م�ي��ة امل�ت�ع�ل�ق��ة ب��ال�ك��ون واالن �� �س��ان يف‬


‫ال�سموات واالر�ض‬ ‫‪ -9‬ب�ي��ان روائ ��ع ن�ظ��م ال �ق��ر�آن وج �م��ال ال���ص��ورة وه ��ذا يجلب‬ ‫العلماء وغريهم الى التدبر يف الق�ص�ص القر�آين‬ ‫‪ -10‬ت�سلية وتثبيت يف قلب النبي قال تعالى}وكل نق�ص عليك‬ ‫من انباء الر�سل ما نثبت به ف�ؤادك{ هود ‪121‬‬ ‫‪ -11‬تكرار الق�ص�ص للت�أكيد على ماجاء يف كتاب اهلل لت�أثريه‬ ‫على النفو�س ويثبت به القلوب‬ ‫‪ -12‬البيان الحكام العقيدة والدعوة بالرتهيب والرتغيب قال‬ ‫اهلل تعالى}امل ي�أتكم نب�أ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد‬ ‫وثمود{ ابراهيم‪9‬‬ ‫وعند امل�ساءلة عند اهلل تعالى قالوا‪(:‬انا كفرنا مبا ار�سلتم‬ ‫به)وبع�ضهم قال (وانا لفي �شك مما تدعوننا اليه مريب)وكيف‬ ‫ان الباطل يتهم احلق قال تعالى(ايف اهلل �شك فاطر ال�سموات‬ ‫واالر���ض) ثم يكون االعرا�ض ب�أتهام الر�سل (ان انتم �إال ب�شر‬ ‫مثلنا) وهذه التهمة االولى‪ ،‬اما التهمة الثانية قولهم(تريدون‬ ‫ان ت�صدون عما ك��ان يعبد اب��ا�ؤن��ا) ثم طلبهم(ف�أتونا ب�سلطان‬ ‫مبني )وترد الر�سل (ايف اهلل �شك فاطر ال�سموات واالرا�ض )وهو‬ ‫القائل(خللق ال�سموات واالر���ض اك�بر من خلق النا�س) وبعد‬ ‫ه��ذه الرباهني ي��رد الكفار (لنخرجنكم من ار�ضنا او لتعودن‬ ‫الى ملتنا) وهذا كرب واعرا�ض ويجيئ الرد الرباين }انا لنن�صر‬ ‫ر�سلنا والذين �آمنو يف احلياة الدنيا ويوم يقوم اال�شهاد{‪.‬‬ ‫اللغة العربية حا�ضنة القر�آن وال�سنة النبوية املطهرة‪:‬‬ ‫بد�أت �سورة يو�سف بقوله تعالى (الرتلك ايات الكتاب املبني‬ ‫انا انزلنه قر�آناً عربيا لعلكم تعقلون)‪ 2+1‬ذكر اهلل اللغة العربية‬ ‫وجعلها لغة االعجاز والبيان والتعقل من اجل فهم وتدبر كالم‬ ‫اهلل عزوجل املنزل يف قر�آنه العظيم واللغة العربية هي هوية‬

‫االمة حيث ان اللغات عبارة عن جوازات �سفر يعرف النا�س من‬ ‫خاللها‪ ،‬وبها تتقدم االم��م وتبنى ح�ضارتها وحتفظ تاريخها‬ ‫وعلومها وهي الباب الرئي�سي للثقافة واملعرفة قال عمر ر�ضي‬ ‫اهلل عنه ( تعلموا العربية ف�أنها من دينكم )وق��ال النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ‪( -:‬اح��ب العرب لثالث الين عربي‪،‬والقر�آن‬ ‫عربي‪،‬ول�سان اه��ل اجلنة عربي ) فهي لغة املحبة والتوا�صل‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬ومن اجل ذلك قام امللك عبدهلل الثاين ابن احل�سني‬ ‫باملبادرة امللكية لالبداع الثقايف واقراره‪ ،‬قانون اللغة واالهتمام‬ ‫والتم�سك بلغتنا العربية اجلميلة ف�أنها اف�صح اللغات واكرثها‬ ‫ت��أدي��ة للمعاين ت�ق��وى بها النفو�س ول�ه��ذا ��ش��رف اهلل عزوجل‬ ‫هذه اللغة لتكون لغة القر�آن الكرمي‪ ،‬قال ال�شاعر(انا البحر يف‬ ‫اح�شائه الدر كامن ‪/‬فهل �س�ألوا الغوا�ص عن �صدفاتي )‬ ‫اغرا�ض الق�صة القر�آنية‪ :‬بيان ان الدين كله من عند اهلل‬ ‫تعالى‪ ،‬وهو دين واحد دين الفطرة اال�سالم من عهد نوح عليه‬ ‫ال�سالم ال��ى عهد حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وان امل�ؤمنني‬ ‫كلهم امة واحدة واهلل رب اجلميع قال اهلل تعالى(ان هذه امتكم‬ ‫امة واحدة وانا ربكم ف�أعبدون) لهذا كانت ترد ق�ص�ص االنبياء‬ ‫جمتمعة يف �سورة وكلها تدعو الى اال�سالم نف�سه‬ ‫ت�صديق التب�شري والتحذير‪ -:‬قال اهلل تعالى }نب�أ عبادي‬ ‫اين انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب االليم{‬ ‫بيان قدرة اهلل تعالى على اخل��وارق فق�صة خلق ادم ومولد‬ ‫عي�سى وق�صة ابراهيم والطري واهل الكهف‪ ،‬ومو�سى‪...‬الخ‬ ‫تنبيه �أبناء �آدم الى غواية ال�شيطان وعاقبة ال�شر والف�ساد‬ ‫ب �ي��ان ال �ف��ارق ب�ي�ن احل�ك�م��ة االن���س��ان�ي��ة ال�ق��ري�ب��ة ال�ع��اج�ل��ة‬ ‫واحلكمة االلهية البعيدة ‪.‬‬ ‫*مقا�صد الق�ص�ص القر�آين‪-:‬‬ ‫ق�سم العلماء الق�ص�ص يف القر�آن العظيم الى اربعة مقا�صد‬ ‫‪ -1‬ق�ص�ص االن �ب �ي��اء‪ :‬وق��د ت�ضمنت دع��وت�ه��م ال��ى اق��وام�ه��م‬ ‫بالرباهني واملعجزات الباهرة كق�صة نوح وابراهيم وعي�سى‬ ‫ويو�سف وحممد عليهم ال�سالم‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪49‬‬


‫‪50‬‬

‫‪- 2‬ق�ص�ص تتعلق بحوادث االمم الغابرة وال�شخا�ص مل تثبت‬ ‫نبوتهم مثل ق�صة اه��ل الكهف وا�صحاب الفيل وق��ارون‬ ‫وفرعون وا�صحاب ال�سبت ومرمي‬ ‫‪ -3‬ق�ص�ص تتعلق باحلوادث التى وقعت زمن الر�سول حممد‬ ‫(�ص) كالغزوات والهجرة واال�سراء واملعراج‬ ‫‪ -4‬الق�صة الغيبية‪ :‬احداث ووقائع غيبية من م�شاهد اجلنة‬ ‫والنار ‪.‬‬ ‫ومن هنا نفهم‪ ،‬ان هي م�صدر تذوق وجمال وتربية وغذاء‬ ‫للروح والوجدان والعقل فهي اذا ادب م�سموع وتعبري عن واقع‬ ‫الزمن الذي وقعت فيه من حيث الو�ضع االجتماعي وال�سيا�سي‬ ‫والعقدي‪ ،‬فهي تعبري من املا�ضي وانعكا�س للحا�ضر وتطور‬ ‫للم�ستقبل‬ ‫حماور لطائف االبتالءات امل�ستفادة من ق�صة نبي‬ ‫اهلل يو�سف عليه ال�سالم‬ ‫ ال � � ��ر�ؤي � � ��ة ال� ��� �ص ��احل ��ة حم � � ��ور االخ � �ت � �ب� ��ار واالب� � �ت �ل��اء‬‫}اذ قال يو�سف البيه يا ابت اين ر�أيت احد ع�شر كوكبا وال�شم�س‬ ‫والقمر ر�أي�ت�ه��م يل �ساجدين{ ه��ذه ر�ؤي��ا خا�صة ب��امل�ن��ام‪ ،‬قال‬ ‫االلو�سي‪ :‬م�صدر ر�أى احللمية‪ ،‬وهي م�صدر الب�صرية الر�ؤيا ‪.‬‬ ‫وهذا دليل م�سبق ب�أن اهلل تعالى �سيكرم ابن نبيه يعقوب ب�أمر‬ ‫عظيم‪ ،‬اي ر�أيت يف املنام احد ع�شر كوكبا وال�شم�س والقمر يل‬ ‫�ساجدين قال ابن عبا�س كانت الر�ؤيا فيهم وحيا كما ح�صل جلده‬ ‫ابراهيم ابي االنبياء و�شيخ احلنفاء عندما دعا اهلل تعالى }رب‬ ‫هب يل من ال�صاحلني‪،‬فب�شرناه بغالم عليم‪،‬فلما بلغ ال�سعي قال‬ ‫يابني اين ارى يف املنام اين اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ِ‬ ‫ابت‬ ‫افعل ما ت�ؤمر �ستجدين ان �شاء اهلل من ال�صابرين{(ال�صافات‬ ‫‪)102‬ان��ه االب�ت�لاء العظيم‪ ،‬اذ يبتلى االب بذبح ول��ده حيث ما‬ ‫اخ�بر ابراهيم ابنه ان��ه ر�أى يف املنام ان��ه يذبحه ق��ال ا�سماعيل‬ ‫االبن البار ال�صادق االمني‪...‬افعل ما ت�ؤمر �ستجدين ان �شاء‬ ‫اهلل من ال�صابرين‪ ،‬ويف هذا ا�ست�سالم حقيقي امياين من االب‬ ‫وابنه لربهما �سبحانه وتعالى ال يداخلهما جزع وال خوف انها‬ ‫اعلى مراتب االح�سان واالختبار ويكرم اهلل تعالى نبيه ابراهيم‬ ‫يف هذا املوقف ال�صعب ب�أن �صدق اهلل تعالى عندما جمع بني عز‬ ‫االميان وخ�ضوع العبودية‪ ،‬وهما مقام الفخار واالفتخار‪ ،‬اكرمه‬ ‫�سبحانه وتعالى بالفداء (بذبح كب�ش) فيقوم االب بذبح الكب�ش‬ ‫ا�ستجابة ملكرمة رب��ه �سبحانه وتعالى وهذا‪،‬يذكرنا بالر�سول‬ ‫االع�ظ��م حممد ب��ن عبد اهلل (اب��ن الذبيحني)وهما ا�سماعيل‬ ‫ووالده عبد اهلل ‪ .‬وكذلك بوالدة الر�سول (�ص) عندما ولدته‬ ‫خرج منها نور ا�ضاء له ق�صور ك�سرى وقي�صر‪ ،‬وكذلك عندما‬ ‫توالت ال�شدائد على نبينا حممد (�ص) عندما فقد اعز النا�س‬ ‫عليه زوجه الطاهرة خديجة وعمه ابو طالب الذي كان له خري‬ ‫ن�صري ك�أن اهلل يقول له اب�شر ال حتزن وال جتزع ف�أنا معك انظر‬ ‫الى اخيك نبي اهلل يو�سف‪ ،‬كيف انه ابتلى ولقي جميع ا�صناف‬ ‫العذاب وال�شدة من اقرب واحب النا�س اليه‪ ،‬وهو غالم ح�سده‬ ‫اخوته على حمبة ابيهم اليه منهم‪ ،‬حيث ان ق�صة يو�سف كلها‬

‫ت��دور ح��ول ال��ر�ؤي��ا التي ا�صبحت فيما بعد �شاهد على ار���ض‬ ‫الواقع وتتلخ�ص حماور هذه الق�صة‬ ‫‪-1‬حمنة ح�سد اخوته وكيدهم له‬ ‫‪-2‬حمنة رميه يف غيابة اجلب‬ ‫‪ -3‬حمنته مع زوجة عزيز م�صر وع�شقها له‬ ‫‪-4‬حمنته وهو يف ال�سجن وخروجه منه‬ ‫‪-5‬حتقق الر�ؤيا كم جاءت كاملة‪.‬‬ ‫‪-1‬كيد االخوة‪-:‬‬ ‫ذهب يو�سف مع اخوته وقد حذرهم والدهم من التفريط‬ ‫به‪ ،‬فما كان منهم اال ان غدروا به والقوه يف غيابة اجلب وجاءوا‬ ‫اباهم ع�شاء يبكون وبقيم�ص قد غم�سوه بدم كذب فلم ي�صدقه‬ ‫االب وق��ال لهم }ب��ل �سولت لكم انف�سكم ام��را ف�صرب جميل{‬ ‫وجتيئ ال�سيارة ويقول واردهم هذه ب�شارة غالم يف غيابة اجلب‬ ‫فيحملوه معهم الى م�صر وهناك يعر�ضوه للبيع‪.‬‬ ‫‪ -2‬حمنة اال�سرتقاق ومراودة زوجة العزيز عن نف�سها‪:‬‬ ‫حيث باعه ال�سيارة امل�سافرون من مدين ال��ى م�صر حيث‬ ‫م��روا بطريقهم ال��ى االر���ض التي فيها اجل��ب حيث ك��ان بعيدا‬ ‫ع��ن العمران وه��ي حمنة اال��س�ترق��اق ق��ال اهلل تعالى(و�شروه‬ ‫بثمن بخ�س دراه��م م�ع��دودة وك��ان��وا فيه من ال��زاه��دي��ن) وقال‬ ‫الذي ا�شرتاه من م�صر المر�أته اكرمي مثواه اي اقامته عندنا‬ ‫وهو العزيز الذي كان على خزائن م�صر وا�سمه(قطمري)قال‬ ‫الطربي‪(:‬ع�سى ان ينفعنا او ان نتخذه ول��دا) ا�شارة الى انهم‬ ‫مل يكن لهم ولد‪� ،‬أي مل ينجبا‪ ،‬وكما جنيناه من اجلب مكناه‬ ‫يف ار�ض م�صر بعزة وكرامة وامان ولنعلمه من ت�أويل االحاديث‬ ‫واملق�صود التعبري عن بع�ض الغيبيات (واهلل غالب على امره)‬ ‫اي ال يعجزه �شيء يف االر�ض وال يف ال�سماء‪ .‬وملا بلغ ا�شده وهويف‬ ‫بيت امللك حيث ابعده و�صرف عنه ال�سوء وجناه من كيد امر�أة‬ ‫العزيز التي راودت��ه عن نف�سه ومل ترتك و�سيلة اال ا�ستعملتها‬ ‫حيث غلقت االبواب وقالت هيت لك ولكن يو�سف الذي يفي�ض‬ ‫�شبابه ن�ضارة وج�م��ا ًال ويخاف اهلل ويخ�شاه �صدها عن نف�سه‬ ‫وذك��ره��ا ب��اهلل تعالى (م�ع��اذ اهلل ان��ه رب��ي اح�سن م�ث��واي ان��ه ال‬ ‫يفلح الظاملون)حيث همت به تريد الفاح�شة وهو هم باخلروج‬ ‫ب��اجت��اه ال�ب��اب وق�ي��ل ه��م بها لي�ضربها وي�صرفها عنه ف��ر�أى‬ ‫برهان ربه لدى الباب (كذلك لن�صرف عنه ال�سوء والفح�شاء)‬ ‫ول�ي����س ل�ن���ص��رف��ه ع��ن ال �� �س��وء الن ��ه مل ي�ب�ح��ث ع��ن ال�ف��اح���ش��ة‬ ‫قالت لزوجها العزيز عندما باغت االم��ر فج�أة كذبت وقالت‬ ‫ي�ص ُه ِمن ُد ُب ٍر َو َ�أ ْل َف َيا َ�س ِّي َدهَا َلدَى ا ْل َبابِ‬ ‫} َو ْا�س َت َب َقا ا ْل َب َاب َو َق َّدتْ َق ِم َ‬ ‫َقا َلتْ َما َج َزا ُء َمنْ �أَ َرا َد ِب َ�أ ْه ِل َك ُ�سو ًءا �إ اَِّل َ �أن ُي ْ�س َج َن َ�أ ْو َع َذ ٌاب َ�أ ِلي ٌم‬ ‫(‪َ )25‬قا َل ِه َي َرا َو َد ْت ِني َعن َّن ْف ِ�سي َو َ�ش ِه َد َ�ش ِاه ٌد ِّمنْ �أَ ْه ِل َها �إِن َكا َن‬ ‫ي�ص ُه ُق َّد ِمن ُق ُبلٍ َف َ�ص َد َقتْ َو ُه َو ِم َن ا ْل َكا ِذ ِب َ‬ ‫ني (‪( ))26‬ف َقا َل‬ ‫َق ِم ُ‬ ‫ي�ص ُه‬ ‫ِه َي َرا َو َد ْت ِني َعن َّن ْف ِ�سي َو َ�ش ِه َد َ�ش ِاه ٌد ِّمنْ �أَ ْه ِل َها �إِن َكا َن َق ِم ُ‬ ‫ُق َّد ِمن ُق ُبلٍ َف َ�ص َد َقتْ َو ُه َو ِم َن ا ْل َكا ِذ ِب َ‬ ‫ي�ص ُه‬ ‫ني (‪َ )26‬و�إِن َكا َن َق ِم ُ‬


‫ُق� َّد ِم��ن ُد ُب � ٍر َف� َك� َذ َب��تْ َو ُه � َو ِم� َ�ن ال��َّ��ص��ا ِد ِق� َ‬ ‫ين{ انت�شر خرب ام��ر�أة‬ ‫العزيز وكانت فر�صة للن�سوة اللواتي �سمعن اخلرب لإذالل امر�أة‬ ‫العزيز وف�ضحها وع�شقها وحبها ال�شديد ليو�سف ‪،‬وان�شغال‬ ‫العقل والقلب‪ ،‬لأن الهم بامليل ال بد له ان مير بخم�س مراحل‬ ‫قبل وقوعه وهي‪ :‬الهاج�س‪ ،‬واخلاطر‪ ،‬وحديث النف�س‪،‬والهم‪،‬‬ ‫والعزم اما الهاج�س واخلاطر‪:‬هما اول ما يطر�أ على النف�س‬ ‫‪،‬و�أما حديث النف�س فهو عند وقوع االمر‪ ،‬فيحدث به االن�سان‬ ‫نف�سه‪ ،‬فهو مفرتق الطرق‪ ،‬اما الهم يقول النبي(�ص)‪(:‬فمن‬ ‫هم بح�سنة فلم يعملها كتبها اهلل عنده ح�سنة كاملة وان هم بها‬ ‫وفعلها كتبها اهلل عنده بع�شر ح�سنات الى �سبع مائة �ضعف وان‬ ‫هم ب�سيئة فلم يعملها كتبها اهلل عنده ح�سنة وان هم بها وفعلها‬ ‫كتبها اهلل عنده �سيئة)رواه البخاري‪ ،‬اما املرحلة االخرية فهي‬ ‫العزم وه��ي التي يحا�سب عليها االن�سان ويو�سف مل يكن من‬ ‫هذا العزم لأن امراة العزيز هي التي همت به وهذا مثبت ولوال‬ ‫ان ر�أى برهان ربه لهم بها اي لوال حرف امتناع لوجود واذن‬ ‫مل يهم لأن �صفة الفح�شاء منفية ا�صال عن االنبياء ومن كيد‬ ‫الن�ساء ان راودته خدعة وخبث ملرادها ال�شخ�صي فكانت املراودة‬ ‫منها برفق ولني لتخرجه مما هو فيه الى ما هي فيه وغلقت‬ ‫االبواب وهذا دليل على انها بيتت االمر مع �سبق اال�صرار على‬ ‫علمها بعملها القبيح فقالت‪:‬هيت لك انتقلت من التلميح الى‬ ‫الت�صريح فا�ستعاذ منها باهلل تعالى لأنه نبي وابن وبنبي واهلل‬ ‫هو العا�صم له قال اهلل تعالى} َو َل َق ْد َه َّمتْ ِب ِه َو َه َّم ِب َها َل ْو اَل �أَن‬ ‫ال�سو َء َوا ْل َف ْح َ�شا َء �إِ َّن ُه ِمنْ‬ ‫َّر�أَى ُب ْرهَا َن َر ِّب ِه َكذ ِل َك ِل َن ْ�صر َِف َع ْن ُه ُّ‬ ‫املخل�صني ِ‬ ‫ني{ (‪ )24‬والفرق بني َ‬ ‫ِع َبا ِد َنا المْ ُ ْخلَ ِ�ص َ‬ ‫واملخل�صني ان‬ ‫االولى من ي�صل الى طاعة اهلل بكرامة اهلل (ال�صفوة املختارة)‪.‬‬ ‫املخل�صني م��ن ي�صل ال��ى ك��رام��ة اهلل بطاعة اهلل ‪.‬اذ ل��وال ان‬ ‫ر�أى برهان ربه لهم بها ان يبعدها عنه او ي�صرفها وهذه حجة‬ ‫وا�ضحة على ان يو�سف مل يقع يف املع�صية لأن��ه من عباد اهلل‬ ‫املخل�صني ‪.‬‬ ‫وامل�ف��اج��أة ب�ق��دوم زوج�ه��ا وهما يت�سابقان نحو ال�ب��اب وهي‬ ‫هائجة ب�سبب �شهوتها وهو هارب منها حيث قدت قمي�صه من‬ ‫دبر فبادرت زوجها قائلة} َما َج َزا ُء َمنْ �أَ َرا َد ِب َ�أ ْه ِل َك ُ�سو ًءا �إ اَِّل َ �أن‬ ‫ُي ْ�س َج َن �أَ ْو َع َذ ٌاب َ�أ ِلي ٌم{ (‪ )25‬قال يو�سف مدافعاً عن نف�سه } َقا َل‬ ‫ِه َي َرا َو َد ْت ِني َعن َّن ْف ِ�سي{وعند ذلك كان طفال يف املكان انطقه‬ ‫ي�ص ُه ُق َّد ِمن‬ ‫اهلل حيث قال } َو َ�ش ِه َد َ�ش ِاه ٌد ِّمنْ �أَ ْه ِل َها �إِن َكا َن َق ِم ُ‬ ‫ُق ُبلٍ َف َ�ص َد َقتْ َو ُه َو ِم َن ا ْل َكا ِذ ِب َ‬ ‫ي�ص ُه ُق َّد ِمن‬ ‫ني }‪َ {26‬و�إِن َكا َن َق ِم ُ‬ ‫ال�صا ِد ِق َ‬ ‫ني{ فلما ر�أى زوجها ان قمي�صه‬ ‫ُد ُب� ٍر َف َك َذ َبتْ َو ُه� َو ِم َن َّ‬ ‫�شق من ال��وراء قال‪َ }:‬قا َل �إِ َّن� ُه ِمن َك ْي ِد ُكن ِ�إ َّن َك ْي َد ُكنَّ َع ِظي ٌم{‬ ‫اي من تدبريكن واحتيالكن }ان كيدكن عظيم{ وقال ليو�سف‬ ‫}اعر�ض عن هذا{ اي اكتم اخلرب خوفا من الف�ضيحة وخاطب‬ ‫زوجته قائال }وا�ستغفري لذنبك{ وقد ف�شى اخلرب بني ن�ساء‬ ‫الق�صر قيل امر�أة �ساقي العزيز وامر�أة احلاجب وامر�أة اخلباز‬ ‫وامر�أة �صاحب الدواب و�أمر�أة �صاحب ال�سجن‪ .‬قال ابن عبا�س‬ ‫انت�شر اخلرب يف البلد ب�أن }امر�أة العزيز تراود فتاها عن نف�سه‬ ‫�شغفها حبا{ اي و�صل ال��ى ف ��ؤاده��ا } َف�لَ� َّم��ا َ�س ِم َعتْ بمِ َ � ْك�ر ِ​ِه��نَّ‬

‫�أَ ْر َ�سلَتْ إِ� َل ْيهِنَّ َو�أَ ْع َت َدتْ َل ُهنَّ ُم َّت َك ً�أ َو�آ َتتْ ُك َّل َو ِاح َد ٍة ِّم ْن ُهنَّ ِ�س ِّكي ًنا‬ ‫َو َقا َل ِت ْاخ ُر ْج َعلَ ْيهِنَّ َفلَ َّما َر�أَ ْي َن ُه �أَ ْكبرَ ْ َن ُه َو َق َّط ْع َن �أَ ْي ِد َي ُهنَّ َو ُق ْل َن‬ ‫َح َ‬ ‫مي{ (‪ )31‬وطلبت من‬ ‫ا�ش للِهَّ ِ َما َه َذا َب َ�ش ًرا �إِ ْن َه َذا �إ اَِّل َملَ ٌك َك ِر ٌ‬ ‫يو�سف }وقالت اخرج عليهن{ وكان ذلك اثناء تناولهن االكل‬ ‫}فلما ر�أينه اكربنه وده�شن من جماله وهيبته وقط ّعن ايديهن‬ ‫بال�سكاكني وقلن حا�شا هلل ما هذا ب�شرا{ لي�س من الب�شر و�أمنا‬ ‫من املالئكة عندها قالت ‪َ }:‬قا َلتْ َف َذ ِل ُكنَّ ا َّل ِذي لمُ ْ ُت َّن ِني ِفيه َو َل َق ْد‬ ‫َرا َود ُّت� ُه َعن َّن ْف ِ�س ِه َف ْا�س َت ْع َ�ص َم َو َل ِئن لمَّ ْ َي ْف َع ْل َما �آ ُم� ُر ُه َل ُي ْ�س َج نَ َّ‬ ‫ن‬ ‫َو َل� َي� ُك��و ًن��ا ِّم� َ�ن ال��َّ��ص� ِ�اغ� ِري� َ�ن{ مبديا ع��ذره��ا م��ن عملها ال�شنيع‬ ‫و�أعرتفت قائلة} َو َل َق ْد َرا َود ُّت ُه َعن َّن ْف ِ�س ِه َف ْا�س َت ْع َ�ص َم{ اي فامتنع‬ ‫ورغم هذا كله ا�صرت قائلة} َو َل ِئن لمَّ ْ َي ْف َع ْل َما �آ ُم� ُر ُه َل ُي ْ�س َج نَ َّ‬ ‫ن‬ ‫ال�ص ِاغر َ‬ ‫ِين{ ف�ألتج�أ ال��ى اهلل قائال ‪َ } :‬ق��ا َل َر ِّب‬ ‫َو َل َي ُكو ًنا ِّم� َ�ن َّ‬ ‫ال�س ْج ُن �أَ َح ُّب �إِليَ َّ ممِ َّ ا َي ْد ُعو َن ِني �إِ َل ْي ِه{ وطلب الع�صمة من اهلل‬ ‫ِّ‬ ‫تعالى وهذا اقرار من زوجة العزيز برباءته و�أنه مل يخن امللك‬ ‫‪ ...‬وجنح يف االختبار‬ ‫حمنة دخوله ال�سجن وخروجه منه ثم التكمني له يف االر�ض‬ ‫ال�س ْج ُن �أَ َح ُّب �إِليَ َّ ممِ َّ ا َي ْد ُعو َن ِني �إِ َل ْي ِه َو�إ اَِّل َت ْ�صر ِْف‬ ‫} َقا َل َر ِّب ِّ‬ ‫َع ِّني َك ْي َد ُهنَّ �أَ ْ�ص ُب �إِ َل ْيهِنَّ َو�أَ ُكن ِّم َن الجْ َ ِاه ِل َ‬ ‫ني{ ودخل ال�سجن‬ ‫ومعه فتايان قال احدهما} َقا َل �أَ َح ُد ُه َما �إِنيِّ �أَ َرانيِ �أَ ْع ِ�ص ُر َخ ْم ًرا{‬ ‫وقال االخر } َو َقا َل ْال َآخ ُر �إِنيِّ �أَ َرانيِ �أَ ْح ِم ُل َف ْو َق َر�أْ ِ�سي ُخ ْب ًزا َت ْ�أ ُك ُل‬ ‫َّ‬ ‫الطيرْ ُ ِم ْنه َن ِّب ْئ َنا ِب َت�أْوِي ِله �إِ َّنا َن� َر َاك ِم َن المْ ُ ْح ِ�س ِن َ‬ ‫ني{ وهما خادم‬ ‫امللك اخلا�ص وخبازه االخر و�ساقيه لهماقال البي�ضاوي‪ :‬اراد‬ ‫ان يدعوهما الى التوحيد وهدايتهما من خالل �صدقه يف تعبري‬ ‫الر�ؤيا وقال لهما}ذالكما مما علمني ربي{ اي لي�س بكهانة وال‬ ‫تنجيم وخ�صني ربي لأنني من بيت النبوة وبني لهما امرين‬ ‫عظيمني‪ :‬االميان باهلل واالميان بدار اجلزاء وبذلك بني لهما‬ ‫باحلجة وال�بره��ان على ب�ط�لان عبادتهم لألهتهم وامرهما‬ ‫بعبادة اهلل الواحد الديان وهذا يدل على حكمة الدعوة واملوعظة‬ ‫احل�سنة وقال لهما بعد ان دعاهما الى توحيد اهلل } َيا َ�ص ِاح َب ِي‬ ‫ال�س ْجنِ �أَ َّما �أَ َح ُد ُك َما َف َي ْ�س ِقي َر َّب ُه َخ ْم ًرا َو َ�أ َّما ْال َآخ ُر َف ُي ْ�صلَ ُب َف َت�أْ ُك ُل‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الطيرْ ُ من َّر�أ�سه{‪.‬‬ ‫وقال للذي جنى منهما(ال�ساقي) اذكرين عند ربك اي ذكر‬ ‫امللك ّيف لعل ان يخرجني من ال�سجن ولكن ال�شيطان ان�ساه‬ ‫فلبث يف ال�سجن �سبع �سنني وال�سبب يف ذلك كونه اعتمد على‬ ‫املخلوق وغفل عن اخلالق �سبحانه وتعالى ‪.‬‬ ‫روى ج�بري��ل ع�ل�ي��ه ال���س�لام ج ��اء ال ��ى ي��و��س��ف يف ال�سجن‬ ‫معاتباً له قال له ‪(:‬يا يو�سف من خل�صك من القتل من �أيدي‬ ‫اخوتك؟قال اهلل تعالى‪ ،‬قال من اخرجك من اجلب؟قال اهلل‬ ‫ت�ع��ال��ى‪ :‬ث��م ق��ال ل��ه‪ :‬م��ن ع�صمك م��ن ام ��ر�أة ال�ع��زي��ز ق��ال اهلل‬ ‫تعالى ثم قال‪ :‬له من �صرف عنك كيد الن�ساء؟ قال اهلل تعالى‬ ‫فقال ل��ه‪ :‬فكيف تركت رب��ك مل ت�س�أله ووثقت باملخلوق فقال‬ ‫يارب كلمة زلت مني ا�س�ألك يا اله ابراهيم واله ال�شيخ يعقوب‬ ‫عليهم ال�سالم ان ترحمني فقال جربيل‪ :‬ف�أن عقوبتك �أن لبثت‬ ‫يف ال�سجن ب�ضع �سنني و�إرادة اهلل ان ي��أت��ي ال�ف��رج ع��ن يو�سف‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪51‬‬


‫‪52‬‬

‫واخرجه من ال�سجن حيث راى ملك م�صر ر�ؤيا عجيبة افزعته‬ ‫فجمع ال�سحرة والكهنة واملنجمني واخربهم مبا ر�أى يف منامه‬ ‫فعجزوا جميعا‪ ،‬ومل ي�ستطيعوا تف�سري ر�ؤياه‬ ‫ر�ؤيا امللك‪َ } :‬و َقا َل المْ َ ِل ُك �إِنيِّ �أَ َرى َ�س ْب َع َب َق َر ٍات ِ�س َمانٍ َي ْ�أ ُك ُله َُّن‬ ‫َ�س ْب ٌع ِع َج ٌاف َو َ�س ْب َع ُ�سن ُبلاَ ٍت ُخ ْ�ض ٍر َو�أُ َخ � َر َياب َِ�س ٍات َيا �أَ ُّي� َه��ا المْ َ َ ُ‬ ‫�َل�أ‬ ‫�أَ ْف ُتونيِ فيِ ُر�ؤْ َيايَ �إِن ُكن ُت ْم ِلل ُّر�ؤْ َيا َتعْبرُ ُ و َن{ وهنا ي�أتي دور ال�ساقي‬ ‫فيتذكر يو�سف قال للملك } َو َق��ا َل ا َّل ِذي نجَ َ ا ِم ْن ُه َما َوا َّد َك� َر َب ْع َد‬ ‫�أُ َّم� ٍة َ�أ َن��ا ُ�أ َن ِّب ُئ ُكم ِب َت�أْوِي ِل ِه َف َ�أ ْر ِ�س ُلونِ { انطلق ال�ساقي الى ال�سجن‬ ‫ودخ��ل على يو�سف وخاطبه بال�صديق لأن��ه ج��رب �صدقه وذكر‬ ‫ل��ه ر�ؤي��ا امللك وطلب منه تف�سريها ك��ي يذكربه امللك وليعلم‬ ‫ف�ضل يو�سف وف�ضله ويكون �سببا يف خروجه من ال�سجن فقال‬ ‫يو�سف‪ :‬تزرعون �سبع �سنني دائبني بجد وعزمية فما ح�صدمتوه‬ ‫ف�أتركوه يف �سنبلة حفظاً له من الت�سو�س اال بقدر ما ت�أكلون ثم‬ ‫ي�أتي بعد ذلك �سبع �شداد (قحط) بعد الرخاء ي�أكلن ما قدمت‬ ‫وادخرمت ثم ي�أتي بعد ذلك عام رخاء ميطر فيه النا�س ويغاثون‬ ‫وفيه يع�صرون االعناب وغريها لكرثة خ�صبه وت�أويل البقرات‬ ‫ال�سمان وال�سنبالت اخل�ضر ب�سنني خ�صبة والعجاف والياب�سات‬ ‫ب�سنني جمدبة ثم يب�شرهم بالعام الثامن يكون رحمة وبركة‬ ‫وخ�صبا‪( .‬قال امللك �أئتوين به) عندما ا�ستح�سن ت�أويل ر�ؤياه قال‬ ‫اح�ضروه يل لأ�سمع من تف�سريها بنف�سي ولأب�صره فجاء ر�سل‬ ‫امللك ليوف قال له يو�سف(ارجع الى �سيدك ف�أ�س�أله عن ق�صة‬ ‫الن�سوة التي قطعن ايديهن هل عنده علم بهن؟ وهل يعلم ملاذا‬ ‫دخلت ال�سجن؟ وذلك حتى ترب�ؤ �صحته من تهمته ال�شنيعة ‪.‬‬ ‫ا�ستدعى امللك زوجة العزيز والن�ساء و�س�ألهن ما خطبكن اذ‬ ‫راودتن يو�سف عن نف�سه (قلن حا�شا هلل ما علمنا عليه من �سوء)‬ ‫قالت زوج��ة العزيز معرتفة باحلقيقة امل��رة (االن ح�صح�ص‬ ‫احل��ق) اي ظهر وانك�شف احل��ق ان��ا راودت��ه عن نف�سه وان��ه من‬ ‫ال�صادقني وبر�أته من التهمة ‪.‬‬ ‫م�سك اخلتام الفرج والتمكني ليو�سف وحتققت ر�ؤياه‬ ‫ب�ع��د ان اج �ت��از ي��و��س��ف عليه ال���س�لام ك��ل ه��ذه االخ�ت�ب��ارات‬ ‫واالم�ت�ح��ان��ات منذ �صغره ويف �شبابه وجن��ح بتوفيق م��ن اهلل‬ ‫وع�صمة منه اراد اهلل ان يكرمه ويتوج ه��ذه اجلهود ب��أن مكن‬ ‫ليو�سف وذلك حتقيقا ملا جاء يف ر�ؤياه بداية ال�سورة حيث ا�صبح‬ ‫م�ؤهال للتعامل مع ظروف املجتمع امل�ستبدة بكل علم وحفظ‬ ‫ورحمة وت�سامح ودليل ذلك ‪ -1‬جميء اخوة يو�سف عليه لطلب‬ ‫امل�يرة ‪-2‬ترتيب او��ض��اع البلد االقت�صادية ح�سب ر�ؤي��ا امللك‪3‬‬ ‫رفع ابوايه على العر�ش وخروا له (�سجود تكرمي )‪ -4‬وما كانت‬ ‫جمريات هذه االحداث اال تدبريا من اهلل تعالى لتمكني يو�سف‬ ‫حتى يتولى ويتبوء يف االر�ض‪.‬‬ ‫الدرو�س امل�ستفادة من ق�صة يو�سف‬ ‫(ان يف ق�صة يو�سف عالج ملعظم امل�شاكل املجتمعية بدءاً من‬ ‫الفرد واال�سرة واملجتمع ب�أكمله )‬ ‫‪-1‬ان اهلل تعالى ال يزيل نعمته عن قوم وال ي�سلبهم اياها اال اذا‬ ‫بدلو احوالهم اجلميلة ب�أحوال قبيحة قال اهلل تعالى(ان‬ ‫اهلل ال يغري ما بقوم حتى يغريوا ما ب�أنف�سهم )كما حدث‬ ‫لأخ��وة يو�سف‪ ،‬وهذه من �سنن اهلل تعالى يف خلقه ان اهلل‬

‫تعالى ال يبدل ما بقوم من نعمة وعافية وعزة وامن‪ ،‬اال‬ ‫اذا كفرت تلك النعم وارتكبت املعا�صي‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عجائب �صنع اهلل لدالالت وعالمات باهرة جعلت من‬ ‫بعد �ضعف قوة ومن بعد �ضيق فرجا وهذا دليل على قدرة‬ ‫اهلل ووحدانيته �سبحانه وتعالى قال الطربي‪ :‬ان يعقوب‬ ‫عليه ال�سالم دخل م�صر هو ومن معه من اوالده و�أهاليهم‬ ‫و�أبنائهم اقل من مئة وخرجوا منها يوم خرجوا وهم زيادة‬ ‫على �ست ماية الف ‪.‬‬ ‫‪ -3‬ب��د�أت ��س��ورة يو�سف ب( َن� ْ�ح��نُ َن� ُق��� ُّ�ص َع�لَ� ْي� َ�ك �أَ ْح��� َ�س��نَ‬ ‫ا ْلق َ​َ�ص ِ�ص بمِ َ ا �أَ ْو َح ْينَا �إِ َل ْي َك َهذَا ا ْل ُق ْر�آ َن َو�إِن ُكنتَ ِمن‬ ‫َق� ْب� ِل� ِه لمَ ِ��نَ ا ْل� َغ��ا ِف� ِل�ينَ) ه��ذا خطاب م��ن اهلل ال��ى �سيد‬ ‫اخللق حممد �صلى اهلل عليه و�سلم نوحي اليك هذا‬ ‫القر�آن املق�صود (ق�صة يو�سف) مل تخطر على بالك‬ ‫لأنك امي التقر�أ وال تكتب وانتهت بقوله تعالى ( َل َق ْد‬ ‫الَ ْل َبابِ ) مذكر حممد‬ ‫َكا َن فيِ َق َ�ص ِ�ص ِه ْم ِعبرْ َ ٌة ِّ ألُوليِ ْ أ‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يف ق�صة يو�سف واخوته لتكون‬ ‫لك عربة وان ت�صرب وكذلك وان هذا القران م�صدق‬ ‫ملا �سبقه من الكتب ال�سماوية وال�شرائع واالحكام‬ ‫‪ -4‬جاءت ق�صة يو�سف حتمل الراحة والب�شر واخلري وت�سلية‬ ‫وتخفيفاً عما يالقيه حممد �صلى اهلل عليه و�سلم من‬ ‫كفار قري�ش‪ ،‬وك�أنها تقول له ا�صرب ف�أن بعد ال�ضيق الفرج‬ ‫‪ -5‬ان ق�صة يو�سف بل�سم للجروح و�سلوى للقلوب ولكل مبتلى‬ ‫يجد فيها راحته و�سعادته‬ ‫‪ -6‬جاءت ق�صة يو�سف لعالج امل�شكالت التي تعاين منها اال�سر‬ ‫واملجتمعات مبينة ان بيت النبوة واب�ن��اء االنبياء يوجد‬ ‫بينهما غرية وح�سد والبد من وجود اختالفات وهذا من‬ ‫�سنن احلياة‬ ‫‪ -7‬ومن �ضمن الق�ضايا املجتمعية انه يجوز للم�سلم ان يعمل‬ ‫عند حاكم كافر ودليل ذلك قول يو�سف لفرعون اجعلني‬ ‫على خزائن االر�ض‬ ‫‪ -8‬لقد جنح يو�سف عليه ال�سالم يف الب�صرية التي او�صلته‬ ‫الى ح�سن التعامل مع احلال حتى و�صل الى كمال الرتبية‬ ‫االميانية التي او�صلته الى التمكني يف حكم م�صر‪.‬‬ ‫‪ -9‬وما كانت تزكية يو�سف لنف�سه عندما قال للملك اجعلني‬ ‫على خزائن االر���ض اال من بعد االختبارات واالب�ت�لاءات‬ ‫العظيمة التي م��ر بها و�أو�صلته ال��ى الب�صري اي ح�سن‬ ‫التعامل مع احلال ملر�ضاة اهلل تعالى ‪.‬‬ ‫‪ – 10‬االخذ باال�سباب لدفع �ضرر او جلب نفع قال يو�سف ل�ساق‬ ‫امللك عندما اف��رج عنه اذك��رين عند رب��ك اي �سيدك قال‬ ‫القرطبي هذا دليل على ج��واز التعلق باال�سباب وان كان‬ ‫اليقني حا�صال‬ ‫ِيب َعلَ ْي ُك ُم ا ْل� َي� ْو َم َي ْغ ِف ُر اللهَّ ُ‬ ‫‪ -11‬العفوعند املقدر} َق��ا َل اَل َتثرْ َ‬ ‫َل ُك ْم َو ُه َو �أَ ْر َح ُم ال َّر ِاح ِم َ‬ ‫ني { لقد عفى وا�صفح يو�سف عن‬ ‫اخوته رغم ظلمهم وكيدهم له قال لهم )‬


‫حديث الرجل‬ ‫م���ع ش����راك نعله‬ ‫دراسات‬

‫د‪ .‬علي المر‬ ‫‪ -1‬املقدمة‪:‬‬ ‫يف ال�سنة النبوية ال�شريفة �أحاديث تت�ضمن معاين‬ ‫مل تكن م�ألوفة يف عهد النبوة وع�صور الإ�سالم الأولى؛‬ ‫�أو تنبئ بوقوع �أح��داث يف امل�ستقبل غري املنظور‪ .‬ولقد‬ ‫تلقاها ال�صحابة الكرامر�ضي اهلل عنهم‪ ،‬عن النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪،‬و�صدقوها ورووها؛وتناقلها امل�سلمون‬ ‫جي ً‬ ‫ال بعد جيل‪ .‬ولقد ق�ضت حكمة اهلل عز وجل �أن تظل‬ ‫تلك املعانيوالأحداث وراء �أ�ستار الغيب‪� ،‬أزماناً؛حتى �إذا‬ ‫تطورت و�سائل البحث العلمي‪ ،‬و�أوغ��ل العلماء يف علوم‬ ‫املادةاكت�شفوا ظواهر علمية‪ ،‬جديدة‪ ،‬بدا لنا �أنها تتفق‬ ‫م��ع تلك الأح ��داث‪،‬وب ��دت لنا م�ضامني تلك الأح��ادي��ث‬ ‫�سابقة يف الزمن‪ ،‬مئات ال�سنني‪ ،‬عن زمن ك�شفها �أو حتقق‬

‫�أح��داث�ه��ا‪ ،‬وه��و م��ا ي�ضفي على ه��ذه احل��دي��ث ال�شريف‬ ‫وال�سنة النبوية �صفة الإعجاز العلمي‪� ،‬إذ لي�س مبقدور‬ ‫ب�شر عادي �أن يتنب�أ بوجود مثل هذه املعاين والأح��داث‪،‬‬ ‫قبل وقوعها مبئات ال�سنني‪.‬‬ ‫يف ه��ذه املحا�ضرة حماولة لفهم امل�ضامني العلمية‬ ‫ال�سا َع ُة‬ ‫للحديث ال�شريف‪َ ( :‬وا َّل ِذي َنف ِْ�سي ِب َي ِد ِه اَل َتقُو ُم َّ‬ ‫ال ْن��� َ�س؛ َو ُي َك ِّل َم ال َّر ُج َل َع َذ َب ُة َ�س ْو ِط ِه‬ ‫ال�س َبا ُع ْ إِ‬ ‫َحتَّى ُي َك ِّل َم ِّ‬ ‫َو ِ�ش َر ُ‬ ‫اك َن ْع ِل ِه‪َ ،‬و ُيخْ برِ َ ُه َف ِخ ُذ ُه بمِ َ ا �أَ ْح َدثَ �أَ ْه ُل ُه َب ْع َد ُه")‪.1‬‬ ‫وكما هو وا�ضح ف��إن هذا احلديث ال�شريف يت�ضمن‬ ‫ثالثة �أم��ور كانت يف زمن النبوة خارقة للعادة‪� ،‬أو غري‬ ‫م�ألوفة‪ ،‬ورمبا �أ�صبحت �أكرث قرباً من الفهم والإدراك‬ ‫اليوم‪ ،‬يف �ضوء ما تو�صل �إليه العلم احلديث من ك�شوف‬ ‫وابتكارات‪ .‬وهذه الأم��ور هي‪ :‬تكلم ال��دواب �أو احليوان‪،‬‬ ‫ال��ذي ميكن �أن ن�سميه احليوانات غري العاقلة (وذك��ر‬ ‫احلديث منها ال�سباع)؛ وتكلم اجلماد (وذكر منها �شراك‬ ‫ال�ن�ع��ل وع��ذب��ة ال �� �س��وط)؛ وت�ك�ل��م‪� ،‬أو �إخ �ب��اره ع�ل��ى وج��ه‬ ‫ال��دق��ة)امل��ادة احل�ي��ة (وذك ��ر منها الفخذ وه��و ع�ضو يف‬ ‫ج�سم الإن�سان)‪ .‬ونرى �أن املو�ضوع الأول (تكلم الدواب)‬ ‫يحتاج �إل��ى حما�ضرة �أخ��رى‪ ،‬ورمب��ا �أف�ضل من يتحدث‬ ‫فيها �شخ�ص متخ�ص�ص يف علوم �سلوك احليوان‪ .‬ولهذا‬ ‫�سنخ�ص�ص ه��ذه امل�ح��ا��ض��رة للحديث ع��ن املو�ضوعني‬ ‫الأول �ي��ن (ت�ك�ل��م امل� ��ادة اجل��ام��دة وت�ك�ل��م امل� ��ادة احل �ي��ة)‪.‬‬ ‫و�سنمهد لذلك بعر�ضلبع�ض الأم��ور التي تتعلق بهذا‬ ‫املو�ضوع؛ وهي‪� :‬آراء العلماء يف هذا النوع من الأحاديث‪،‬‬ ‫(ال�ت��ي تت�ضمن ق�ضايا غ�ير م��أل��وف��ة‪ ،‬كهذه الق�ضايا)؛‬ ‫وموقف ال�شرع‪� ،‬أو الأدل��ة الدينية‪ ،‬من القر�آن وال�سنة‪،‬‬ ‫على تكلم بع�ض الكائنات‪،‬التي ميكن �أن ن�سميها غري‬ ‫العاقلة؛ ثم تطور التقنيات احلديثة التي تتعلق بالتكلم‬ ‫�أو التوا�صل والعمليات احليوية يف ج�سم الإن�سان‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪53‬‬


‫‪54‬‬

‫‪�-2‬أراء العلماء (قدميا وحديث ًا) يف تكلم الكائنات غري العاقلة‪:‬‬ ‫�إن املحقق يف هذه الق�ضية يجد �أن العلماء الأ�سبقون‪،‬‬ ‫يف �أغلب الأحوال‪�،‬آمنوا بهذه الأحاديث و�صدقوها ونقلوها‬ ‫�إلينا كما هي؛ وخرياً فعلوا‪ .‬وهذا يف نظرنا يدل على �أنهم‬ ‫بال�سنة وااللتزام بالأمانة‬ ‫كانوا الأقدر على متثل الإميان ُّ‬ ‫يف النقل والعلمية يف البحث والتحليل‪ .‬ومنهم من ر�أى‬ ‫�أن الأحاديث الغريبة يجب الإميان بها وعدم اخلو�ض يف‬ ‫معانيها لأنها من �ش�أن اهلل عز وجل‪ .‬و�أما املحدثون فقد‬ ‫انق�سموا �إلى خم�سة �أق�سام‪:‬‬ ‫• ق�سم �أول‪� :‬آمنوا بها؛ و�أيقنوا ب�أنها �سوف تتجلى‬ ‫معانيها مب��رور ال��زم��ن؛ ودع ��وا �إل��ى �إع �م��ال العقل‬ ‫والبحث فيها ل�ل�إف��ادة منها وللربهنة على �إعجاز‬ ‫النبوة وه�ؤالء نرى �أنهم على احلق‪ .‬‬ ‫• وق�سم ث � ٍ‬ ‫�ان‪ :‬ق�صرت �أل�ب��اب�ه��م ع��ن ا�ستيعاب هذه‬ ‫ال�ق���ض��اي��ا‪ ،‬و��ض��اق��ت �أح�لام �ه��م ع��ن ال�ت���ص��دي��ق بها‪،‬‬ ‫ف�ك��ذب��وه��ا و��ش�ك�ك��وا ف�ي�ه��ا؛ وال ي �ت��ورع بع�ضهم من‬ ‫اتهام �سلفهم باجلهل واخلرافة‪ ،‬وه�ؤالء عالوة على‬ ‫�إ�ساءتهم لغريهم من العلماء‪ ،‬فهم يخالفون �أ�ساليب‬ ‫البحث العلمي التي ت�ستلزم جمع كل ما قيل �إنه من‬ ‫ال�سنة النبوية ال�شريف‪ .‬ف�إما �أن‪ :‬يفندوه‪� ،‬أو ي�ؤيدوه‪،‬‬ ‫�أو ينقلوه‪ ،‬كما هو‪ ،‬ملن ميكنه حتقيقه مع الزمن‪.2‬‬ ‫• وق�سم ثالث‪� :‬آمن بها‪ ،‬ودعا (مثل بع�ض الأ�سبقني)‬ ‫�إلى عدم اخلو�ض يف البحث عن معانيها؛ وه�ؤالء قد‬ ‫جانبوا املنهج العلمي مبنع حتقيق العلم و�إن كانوا‬ ‫حمقني ب�إميانهم بها والتحرز من عواقب اخلو�ض‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫• وق�سم رابع‪ :‬ر�أى �أن بع�ض معاين هذه الأحاديث‪،‬‬ ‫يعد م��ن خ ��وارق ال �ع��ادات‪ ،‬حيث �أن ه��ذه الأم ��ور ال‬ ‫تتكلم يف الأ�صل‪ ،‬ولكن عند اق�تراب ال�ساعة تتغري‬ ‫بع�ض نوامي�س الكون �إي��ذان�اً بقرب انتهائه ف ُينطق‬ ‫اهلل ت�ع��ال��ى‪ ،‬ال ��ذي �أن �ط��ق ك��ل � �ش��يء‪ ،‬ه��ذه الأ��ش�ي��اء؛‬ ‫بعبارة �أخ��رى �إن ه��ذه الأم ��ور خ��ارج ن�ط��اق م��دارك‬ ‫الب�شر و�إمكانياته وحتى قابلياته العادية‪.3‬‬ ‫• وق�سم خام�س‪:‬ف�سر بع�ض الأح��ادي��ث مبا تو�صلت‬ ‫�إليه علوم اليوم؛ ومثل هذا قد يوقع يف تناق�ض �إذا‬ ‫تبني مع الزمن �أن ما بنوا عليه قناعاتهم مل يكن‬ ‫�صحيحاً؛ ومن الأمثلة على هذا النوع الأخ�ير مما‬ ‫قيل يف احلديث ال�شريف مو�ضوع البحث‪:‬‬ ‫ما قاله الباحث يف الإعجاز عبد الكرمي علي الفهدي‪:‬‬ ‫قد يكون املراد‪ ،‬واهلل �أعلم‪� ،‬أجهزة االت�صال و�آالت الت�سجيل‬ ‫والتج�س�س املختلفة‪� .‬أو �أن العلم قد يتطور ويكت�شف �أن‬ ‫ع��ذب��ة ال���س��وط و� �ش��راك النعل ي�ق��وم بتخزين املعلومات‬ ‫فيقومون بو�ساطة �أج�ه��زة‪ ،‬يف امل�ستقبل‪ ،‬با�ستخراج ما‬

‫خزن يف عذبة ال�سوط و�شراك النعل وهذا يف نظره غري‬ ‫م�ستغرب‪( .‬ويف نظرنا �أن�ه��ذا ال��ر�أي له وعليه يف اجلزء‬ ‫الأول؛ وفيه �إ�شارة ذكية لطبيعة املادة وما قد يح�صل من‬ ‫ا�ستنطاقها كما �أرغب �أن �أ�سميه)‪.‬‬ ‫ما نقل عن ال�شيخ حممد احل�سن ال�شنقيطي �أنه قال‪:‬‬ ‫لعل امل�ق���ص��ود‪ :‬مبقب�ض ال���س��وط ه��و ال�ه��ات��ف املحمول؛‬ ‫و�شراك النعل هي �سماعة الأذن‪ .‬ويرى �أهل العلم‪� :‬أن هذا‬ ‫الت�أويل غري �صحيح لأن الأ�صل يف الألفاظ �أن حتمل على‬ ‫ظاهرها‪� ،‬إال �أن ي�صرفها �صارف؛ ولي�س هنالك ما يخرج‬ ‫هذه الألفاظ عن ظاهرهما و�أنهما مق�صودان جم��ازاً ال‬ ‫حقيقة‪ .‬وي�ضيفون �إذا كان هذا هو ت�أويل عذبة ال�سوط‬ ‫و�شراك النعل‪ :‬فماذا يف�سر الفخذ؟‪ (.4‬وه��ذا الردعلى‬ ‫ر�أي ال�شيخ هو ما ن�ؤيده)‪.‬‬ ‫ويرى ابن باز رحمه اهلل‪ ،‬يف جوابه ال�سائل عن �صحة‬ ‫احل��دي��ث‪� :‬أن ��ه ��س�ي�ك��ون يف �آخ ��ر ال��زم��ان ��ش��يء يجعل يف‬ ‫ال�سوط �أو يف الع�صا‪� ،‬أو نحو ذل��ك‪ ،‬يرتتب عليه حفظ‬ ‫كالم الأه��ل‪ .‬وهذا كامل�سجالت التي وقعت الآن‪ ،‬هي من‬ ‫هذا الباب‪ ،‬فقد جتعل يف ال�سوط‪ ،‬وقد جتعل يف الع�صا‪،‬‬ ‫وقد جتعل يف �شبه �ساعة يف البيت؛ �صغرية‪ ،‬وقد يجعلها‬ ‫الإن�سان يف ع�ضده فيحفظ كل �شيء‪ ،‬كل هذا واقع‪ ،‬ف�إذا‬ ‫جعل امل�سجل يف حمل يف البيت عند �أه�ل��ه‪ ،‬وح��ول �أهله‪،‬‬ ‫�سجل عليهم كل ما يقولون‪ .‬و�أم��ا الفخذ فقد �أخ�بر به‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و�سيقع؛ مل ن�سمع به الآن‬ ‫ولكنه يف �آخر الزمان يقع ما �أخرب به النبي عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم‪� - .‬إذاً هذا من املعجزات النبوية ل�سيدنا حممد‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪( .5‬ويف ر�أينا �أن هذه الإجابة الأكرث‬‫تعبرياً وحتوطاً)‪.‬‬ ‫‪ -3‬املوقف ال�شرعي‪:‬‬ ‫�أو ًال ‪-‬الأدلة من القر�آن العظيم‬ ‫ورد فيالقر�آن العظيم يف مواقع كثرية‪� ،‬آيات ون�صو�ص‪،‬‬ ‫وا��ض�ح��ة غ�ير قابلة ل�ل�ت��أوي��ل‪ ،‬تفيد ب ��أن امل ��ادة امل�ي�ت��ة‪� ،‬أو‬ ‫اجل�م��اد‪ ،‬تتكلم؛ يقول تعالى خم�براً ع��ن م��ا ح�صل من‬ ‫تكلم املادة‪ ،‬يف بداية اخللق‪:‬‬ ‫ل ْر ِ�ض‬ ‫ال�س َما ِء َو ِه َي ُدخَ انٌ َفقَا َل َل َها َو ِل َْ أ‬ ‫} ُث َّم ْا�س َت َوى �إِ َلى َّ‬ ‫ا ْئ ِت َيا َط ْو ًعا �أَ ْو َك ْر ًها َقا َلتَا �أَ َت ْينَا َطا ِئ ِعنيَ{‪.6‬‬ ‫وك ��ذا امل ��ادة احل �ي��ة‪� :‬أخ�برن��ا ال �ق��ر�آن ال�ع�ظ�ي�م��أن �أم��م‬ ‫الدواب والطري‪ ،‬ت�شبه �أمم الب�شر‪ .‬وهذا يت�ضمن �أن لها‬ ‫نظم حياة وو�سائل �أو لغات تتعارف بها‪ .‬وال يزال العلماء‬ ‫يبحثون يف نظم حياة هذه الكائنات واللغات التي تتفاهم‬ ‫بها؛ يقول تعالى‪:‬‬ ‫َاح ْي ِه �إ اَِّل‬ ‫} َو َما ِمنْ َدا َّب ٍة فيِ ْ أ‬ ‫ري ب َِجن َ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َو اَل َطا ِئرٍ َي ِط ُ‬ ‫�أُ َم ٌم �أَ ْم َثا ُل ُك ْم َما َف َّر ْطنَا فيِ ا ْل ِكتَابِ ِمنْ �شَ ْي ٍء ُث َّم �إِ َلى َر ِّب ِه ْم‬ ‫ُي ْح َ�ش ُرونَ{‪.7‬‬


‫‪ ‬و�أبعد من ذلك ت�أكيداً‪ ،‬و�أكرث تعميماً‪ ،‬يخربنا القر�آن‬ ‫العظيم �أن كل ما يف الكون من �أ�شياء و�أحياء‪ ،‬ق َّل �أو َكثرُ‪،‬‬ ‫َكبرُ �أم َ�صغُر‪ ،‬كلها ت�سبحاهلل؛ يقول تعالى‪:‬‬ ‫ال�س ْب ُع َو ْ أ‬ ‫الَ ْر�� ُ�ض َو َمنْ ِفي ِهنَّ َو�إِنْ‬ ‫ال�س َم َواتُ َّ‬ ‫}ت َُ�س ِّب ُح َل ُه َّ‬ ‫ِيح ُه ْم{‪8‬‬ ‫ِمنْ �شَ ْي ٍء �إ اَِّل ُي َ�س ِّب ُح ب َِح ْم ِد ِه َو َل ِكنْ اَل َت ْف َق ُهو َن ت َْ�سب َ‬ ‫فلقد عمم ال �ق��ر�آن العظيم فذكر ال�سماوات ال�سبع‬ ‫والأر�ض‪� ،‬أو الكون؛ ثم خ�ص�ص فكر من فيهم (ومن تفيد‬ ‫احلياة العاقلة)؛ ثم ف�صل (و�إن من ��ش��يء‪ ،)...‬وال�شيء‬ ‫من ‪ ،‬وهو كل ما �شاء اهلل �أن يخلقه‪.‬‬ ‫وغ�ير تكلم الكائنات م��ع اهلل تعالى‪ ،‬وت�سبيحها له‪،‬‬ ‫�أخ�برن��ا ال �ق��ر�آن العظيم وال�سنة ال�شريفة‪ ،‬ع��ن ح��االت‬ ‫تكلمت فيها الكائنات غري العاقلة‪ ،‬مع الب�شر‪.‬فلقد رددت‬ ‫اجلبال والطري الت�سبيح مع نبي اهلل داوود عليه ال�سالم؛‬ ‫وما �أروع��ه من وج��ود‪ ،‬وما �أعظمه من خالق‪،‬وما �أجمله‬ ‫من نغم؛ يقول تعالى‪:‬‬ ‫} َو َل� َق� ْد �آ َت ْينَا َدا ُوو َد ِمنَّا َف ْ�ضلاً َي��ا جِ � َب� ُ‬ ‫�ال �أَ ِّو ِب ��ي َم َع ُه‬ ‫{‪9‬‬ ‫الطيرْ َ‬ ‫َو َّ‬ ‫وتب�س َم‬ ‫و�سمع عليه ال�سالم منلة تعظ �صويحباتها‪َّ ،‬‬ ‫من قولها؛ ما يعني �أن لها لغة‪،‬و�أنها لغة مفهومة للنمل‪،‬‬ ‫و�أن ��ه ف�ه�م�ه��ا؛ وم��ا �أع�ظ�ه��ا م��ن ح�ك��اي��ة‪،‬وم��ا �أروع �ه��ا من‬ ‫موعظة؛ يقول تعالى‪:‬‬ ‫الن ِْ�س َو َّ‬ ‫الطيرْ ِ‬ ‫} َو ُح ِ�ش َر ِل ُ�سلَ ْي َما َن ُجنُو ُد ُه ِمنَ الجْ ِ نِّ َو ْ إِ‬ ‫نلَ ٌة َيا‬ ‫َف ُه ْم ُيو َز ُعو َن • َحتَّى �إِ َذا �أَ َت ْوا َعلَى َوا ِد ال َّن ْم ِل َقا َل ْت مَ ْ‬ ‫�أَ ُّي َها ال َّن ْم ُل ا ْدخُ ُلوا َم َ�سا ِك َن ُك ْم اَل َي ْح ِط َم َّن ُك ْم ُ�سلَ ْي َمانُ َو ُجنُو ُد ُه‬ ‫َو ُه� ْم اَل َي�شْ ُع ُرو َن • َف َت َب َّ�س َم �ضَ ِاحكًا ِمنْ َق ْو ِل َها َو َق��ا َل َر ِّب‬ ‫�أَ ْوز ِْع ِني �أَنْ َ�أ�شْ ُك َر ِن ْع َمت َ​َك ا َّل ِتي َ�أ ْن َع ْمتَ َعلَ َّي َو َعلَى َوا ِل َد َّي‬ ‫َو�أَنْ �أَ ْع َم َل َ�صالحِ ًا َت ْر�ضَ ا ُه َو�أَ ْد ِخ ْل ِني ِب َر ْح َم ِت َك فيِ ِع َبا ِد َك‬ ‫ال�صالحِ ِ ني{ ‪ 10‬‬ ‫َّ‬ ‫وتكلم عليه ال�سالم مع الهدهد‪ ،‬وحاوره‪ ،‬وكلفه وقبل‬ ‫منه‪ ،‬ما يعني �أنها كائنات عاقلة (�أو قل ذكية على م�ستوى‬ ‫ع� ٍ‬ ‫�ال) ول�غ��ة م�ت�ط��ورة؛ و�أخ��ال��ه يتبخرت‪ ،‬ي��زه��و بتيجانه‬ ‫و�أل��وان��ه ال��زاه�ي��ة‪ ،‬غ�ير مفتون وال م�غ��رور‪،‬ي��روي عظمة‬ ‫�صنيعه يف ح�ضرة النبي العظيم؛ يقول تعالى‪:‬‬ ‫} َو َت َف َّق َد َّ‬ ‫الطيرْ َ َفقَا َل َما ليِ َ اَل �أَ َرى ا ْل ُه ْد ُه َد �أَ ْم َكا َن ِمنَ‬ ‫ني • َ ألُ َع ِّذ َب َّن ُه َعذَا ًبا �شَ ِدي ًدا �أَ ْو َ ألَ ْذ َب َح َّن ُه �أَ ْو َل َي�أْ ِت َينِّي‬ ‫ا ْلغَا ِئ ِب َ‬ ‫ني • َف َمكَثَ غَ�ْيررْ َ َب ِع ٍ‬ ‫ب ُِ�سل َْط ٍان ُم ِب ٍ‬ ‫يد َفقَا َل �أَ َح ْطتُ بمِ َ ا لمَ ْ‬ ‫تحُ ِ ْط ِب ِه َوجِ ْئت َُك ِمنْ َ�س َب�إٍ ِب َن َب ٍ�إ َي ِق ٍ‬ ‫ني ‪� • ‬إِنيِّ َو َج ْدتُ ْام َر�أَ ًة‬ ‫تمَ ْ ِل ُك ُه ْم َو�أُو ِت َي ْت ِمنْ ُك ِّل �شَ ْي ٍء َو َل َها َع ْر ٌ�ش َع ِظي ٌم‪َ • ‬و َج ْد ُت َها‬ ‫َو َق � ْو َم � َه��ا َي��� ْ�س� ُ�ج� ُدو َن ِلل�شَّ ْم ِ�س ِم��نْ ُد ِ‬ ‫ون اللهَّ ِ َو َز َّي� ��نَ َل� ُه� ُم‬ ‫ال�سب ِ‬ ‫ِيل َف ُه ْم اَل َي ْه َت ُدونَ‪• ‬‬ ‫ال�شَّ ْي َطانُ �أَ ْع َما َل ُه ْم َف َ�ص َّد ُه ْم َعنِ َّ‬ ‫الَ ْر ِ�ض‬ ‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬ ‫�أَ اَّل َي ْ�س ُج ُدوا للِهَّ ِ ا َّل ِذي ُيخْ ِر ُج الخْ َ ْب َء فيِ َّ‬

‫َو َي� ْع�لَ� ُم َم��ا ُتخْ فُو َن َو َم��ا ُت ْع ِلنُونَ‪ • ‬اللهَّ ُ اَل ِ �إ َل � َه �إ اَِّل ُه� َو َر ُّب‬ ‫يم‪َ • ‬ق��ا َل َ�س َنن ُْظ ُر �أَ� َ��ص � َد ْق��تَ �أَ ْم ُك� ْن��تَ ِم��نَ‬ ‫ا ْل� َع� ْر�� ِ�ش ا ْل َع ِظ ِ‬ ‫ا ْلكَا ِذ ِبنيَ‪ • ‬ا ْذ َه ْب ِب ِكتَابِي َهذَا َف�أَ ْل ِق ْه �إِ َل ْي ِه ْم ُث َّم َت َو َّل َع ْن ُه ْم‬ ‫ْظر َما َذا َيرجِ عونَ{‪11 ‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫َفان ُ ْ‬ ‫ويف �آخر الزمان �أخربنا القر�آن العظيمب�أن اهلل �سوف‬ ‫يخرج دابة من الأر�ض تكلم النا�س‪:‬‬ ‫الد َعا َء �إِ َذا َو َّل ْوا‬ ‫ال�ص َّم ُّ‬ ‫}�إِن َ​َّك اَل ت ُْ�س ِم ُعالمْ َ ْوتَى َو اَل ت ُْ�س ِم ُع ُّ‬ ‫ُم ْد ِبرِينَ ‪َ • ‬و َما �أَ ْن��تَ ِب� َه��ا ِدي ا ْل� ُع� ْم� ِ�ي َع��نْ �ضَ لاَ َل ِت ِه ْم إِ�نْ‬ ‫ت ُْ�س ِم ُع �إ اَِّل َمنْ ُي�ؤ ِْمنُ ِب�آ َيا ِتنَا َف ُه ْم ُم ْ�س ِل ُمونَ‪َ • ‬و�إِ َذا َو َق َع‬ ‫الَ ْر�� ِ�ض ُت َك ِّل ُم ُه ْم َ�أ َّن‬ ‫ا ْل َق ْو ُل َعلَ ْي ِه ْم �أَخْ َر ْجنَا َل ُه ْم َدا َّب� ًة ِمنَ ْ أ‬ ‫َّا�س َكانُوا ِب�آ َيا ِتنَا اَل ُيو ِقنُونَ‪َ • ‬و َي ْو َم ن َْح ُ�ش ُر ِم��نْ ُك ِّل‬ ‫الن َ‬ ‫�أُ َّم � ٍة َف ْو ًجا ممِ َّ ��نْ ُي َكذ ُِّب ِب�آ َيا ِتنَا َف ُه ْم ُيو َز ُعونَ‪ َ • ‬حتَّى �إِ َذا‬ ‫َج��ا ُءوا َق��ا َل �أَ َك� َّذ ْب� ُت� ْم ِب�آ َيا ِتي َولمَ ْ تحُ ِ ُ‬ ‫يطوا ِب َها ِع ْل ًما �أَ َّم��ا َذا‬ ‫ُك ْن ُت ْم َت ْع َم ُلونَ‪َ • ‬و َو َق � َع ا ْل َق ْو ُل َعلَ ْي ِه ْم بمِ َ ا َظلَ ُموا َف ُه ْم اَل‬ ‫ْطقُونَ{‪12‬‬ ‫َين ِ‬ ‫وك ��أن يف ه��ذه الآي��ات تقريع عنيف م��ن اهلل ع��ز وجل‬ ‫مل��ن ال ي�صدق ب ��أن منظومة ال�ك��ون واحل �ي��اة ت�سبح اهلل‪،‬‬ ‫بلغة كونية وجودية ال نفقها‪ ،‬فيجيء لنا ب�آية من نوع ما‬ ‫�أنكرناه " دابة من الأر�ض تكلم النا�س"‪.‬‬ ‫و�أخرياً ولي�س �آخراً �أخربنا القر�آن العظيم �أن جلودنا‬ ‫وحوا�سنا �ستتنطق يوم القيامة لت�شهد علينا لت�شهد على‬ ‫فعيلنا يف احلياة الدنيا؛ يقول تعالى‪:‬‬ ‫َ‪ • ‬حتَّى‬ ‫} َو َي ْو َم ُي ْح َ�ش ُر �أَ ْع َدا ُء اللهَّ ِ �إِ َلى النَّا ِر َف ُه ْم ُيو َز ُعون َ‬ ‫�إِ َذا َما َجا ُءو َها �شَ ِه َد َعلَ ْي ِه ْم َ�س ْم ُع ُه ْم َو�أَ ْب َ�صا ُر ُه ْم َو ُج ُلو ُد ُه ْم‬ ‫بمِ َ ا َكانُوا َي ْع َم ُلونَ‪َ • ‬و َقا ُلوا لجِ ُ ُلو ِد ِه ْم لمِ َ �شَ ِه ْدتمُ ْ َعلَ ْينَا‬ ‫َقا ُلوا �أَن َْط َقنَا اللهَّ ُ ا َّل ِذي �أَن َْط َق ُك َّل �شَ ْي ٍء َو ُه َو خَ لَ َق ُك ْم �أَ َّو َل‬ ‫َم َّر ٍة َو�إِ َل ْي ِه ُت ْر َج ُعونَ‪َ • ‬و َما ُك ْن ُت ْم ت َْ�س َتترِ ُو َن �أَنْ َي�شْ َه َد َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫َ�س ْم ُع ُك ْم َو اَل �أَ ْب َ�صا ُر ُك ْم َو اَل ُج ُلو ُد ُك ْم َو َل ِكنْ َظ َن ْن ُت ْم �أَ َّن اللهَّ َ اَل‬ ‫ريا ممِ َّ ��ا َت ْع َم ُلو َن ‪َ • ‬و َذ ِل ُك ْم َظ ُّن ُك ُم ا َّل� ِ�ذي َظ َن ْن ُت ْم‬ ‫َي ْعلَ ُم َك ِث ً‬ ‫‪13‬‬ ‫ِب َر ِّب ُك ْم �أَ ْر َدا ُك ْم َف�أَ ْ�ص َب ْح ُت ْم ِمنَ الخْ َ ِا�سرِين{ ‪ .‬‬ ‫واحل��ق لقد ب��د�أن��ا نفهم �أك�ثر‪ ،‬ون��ؤم��ن �أك�ثر‪ ،‬مبعاين‬ ‫هذه الآيات وما فيها من �إعجاز علمي يف �ضوء ما تو�صل‬ ‫�إل�ي��ه العلم احل��دي��ث م��ن ك�شوف واب �ت �ك��ارات ه��ي يف حد‬ ‫ذاتها �أدلة على ما وراء هذه املادة من علوم وحكمة بالغة‪.‬‬ ‫و�سنلم�س هذه احلقيقة �ساخنة يف الفقرات التالية‪.‬‬ ‫ثانياً‪ -‬الأدلة من احلديث ال�شريف‬ ‫وغ�ير ال�ق��ر�آن العظيم ورد يف احلديث ال�شريف �آث��ار‬ ‫كثرية ت��ؤك��د �أن بع�ض الكائنات غ�ير العاقلة ع��ن جابر‬ ‫الَن َْ�صا ِر َقا َل ْت‬ ‫بن عبداهلل ر�ضي اهلل عنهما‪�:‬أَ َّن ْام َر�أَ ًة ِمنْ ْ أ‬ ‫لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪55‬‬


‫‪56‬‬

‫( َيا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ !‪� ‬أَ اَل �أَ ْج َع ُل َل َك �شَ ْيئًا َت ْق ُع ُد َعلَ ْي ِه َف�إِ َّن ليِ‬ ‫غُ لاَ ًما نجَ َّ ��ا ًرا؟ َق��ا َل‪� :‬إِنْ ِ�شئ ِْت‪َ .‬ق��ا َل (جابر)‪َ :‬ف َع ِملَ ْت َل ُه‬ ‫المْ ِ ْنبرَ َ ‪َ .‬فلَ َّما َكا َن َي ْو ُم الجْ ُ ُم َع ِة َق َع َد ال َّنب ُِّي َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫اح ِت النَّخْ لَ ُة ا َّل ِتي َكا َن‬ ‫َو َ�س َّل َم َعلَى المْ ِ ْنبرَ ِ ا َّل ِذي ُ�ص ِن َع‪َ ،‬ف َ�ص َ‬ ‫َيخْ ُط ُب ِع ْن َد َها؛ َحتَّى َكا َدتْ َتن َْ�شقَّ‪َ .‬ف َن َز َل ال َّنب ُِّي َ�ص َّلى اللهَّ ُ‬ ‫ني‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َحتَّى �أَخَ َذ َها َف َ�ض َّم َها �إِ َل ْي ِه‪َ .‬ف َج َعلَ ْت َت ِئنُّ �أَ ِن َ‬ ‫ال�صب ِِّي ا َّل� ِ�ذي ُي َ�س َّكتُ َحتَّى ْا�س َت َق َّرتْ ‪َ .‬ق��ا َل (جابر)‪َ :‬بك َْت‬ ‫َّ‬ ‫‪14‬‬ ‫ِ‬ ‫َعلَى َما َكان َْت ت َْ�س َم ُع منَ ال ِّذ ْكرِ) ‪.‬‬ ‫وعن �أبي ذر ر�ضي اهلل عنه قال‪� :‬إِنيِّ ان َْطلَقْتُ �أَ ْلت َِم ُ�س‬ ‫َر ُ�سو َل اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم فيِ َب ْع ِ�ض َح َوا ِئ ِط المْ َ ِدي َن ِة؛‬ ‫َف ِ�إ َذا َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َق ِاع ٌد؛ َف�أَ ْق َب ْلتُ َعلَ ْي ِه‬ ‫َف َ�س َّل ْمتُ َعلَ ْي ِه‪َ ،‬و َح َ�ص َياتٌ َم ْو ُ�ضو َع ٌة َب�ْي نْ َ َي َد ْي ِه‪َ ،‬ف�أَخَ ذ َُهنَّ‬ ‫فيِ َي ِد ِه َف َ�س َّب ْحنَ فيِ َي ِد ِه‪ُ .‬ث َّم َو�ضَ َع ُهنَّ فيِ الأَ ْر�� ِ�ض َف َ�سك نْ َ‬ ‫َت‪.‬‬ ‫ُث� َّم �أَخَ �ذ َُه��نَّ َف َو�ضَ َع ُهنَّ فيِ َي� ِ�د َ�أ ِب��ي َب ْك ٍر َف َ�س َّب ْحنَ فيِ َي� ِ�د ِه‪.‬‬ ‫ُث� َّم �أَخَ �ذ َُه��نَّ َف َو�ضَ َع ُهنَّ فيِ ا َلأ ْر�� ِ�ض َفخَ َر ْ�سنَ ‪ُ .‬ث� َّم َ�أخَ �ذ َُه��نَّ‬ ‫َف� َو� َ��ض� َع� ُه��نَّ فيِ َي� ِ�د ُع � َم � َر َف��� َ�س� َّب� ْ�ح��نَ فيِ َي� � ِ�د ِه‪ُ .‬ث � َّم �أَخَ �ذ َُه��نَّ‬ ‫َف َو�ضَ َع ُهنَّ فيِ الأَ ْر� � ِ�ض َفخَ َر ْ�سنَ ‪ُ .‬ث� َّم �أَخَ �ذ َُه��نَّ َف َو�ضَ َع ُهنَّ‬ ‫فيِ َي ِد ُع ْث َما َن َف َ�س َّب ْحنَ ‪ُ .‬ث َّم �أَخَ ذ َُهنَّ َف َو�ضَ َع ُهنَّ فيِ الأَ ْر�� ِ�ض‬ ‫َفخَ َر ْ�سنَ "‪. 15‬‬ ‫وحتى الب�شر العاديني‪ ،‬من غري الأنبياء‪�،‬سمعوا �صوت‬ ‫بع�ض الكائنات من الأحياء واجلماد‪ ،‬وتكلموا معها‪ .‬فقد‬ ‫�سمع ال�صحابة‪ ،‬حنني جذع النخل‪ ،‬يف احلديث ال�شريف‪،‬‬ ‫ال�سابق؛ و�سمعوا �صوت احل�صى ت�سبح بني ي��دي ر�سول‬ ‫اهلل عليه ال�سالم؛و�سمعوا ت�سبيح الطعام وه��و ي�ؤكل؛‬ ‫يقول عبد اهلل بن م�سعود ر�ضي اهلل عنه قال‪:‬‬ ‫ال َي ِات َب َر َك ًة َو�أَ ْن ُت ْم َت ُع ُّدو َن َها َتخْ وِيفًا‪ُ .‬كنَّا َم َع‬ ‫‪ُ " ‬كنَّا َن ُع ُّد ْ آ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫َر ُ�س ِ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى ا َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم فيِ َ�س َف ٍر َف َق َّل المْ َا ُء؛ َفقَا َل‬ ‫َ‬ ‫اط ُل ُبوا َف ْ�ضلَ ًة ِمنْ َماء ٍ‪َ .‬ف َجا ُءوا ِب ِ�إنَا ٍء ِفي ِه َما ٌء َق ِل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫يل؛‪َ ‬ف�أ ْدخَ َل‬ ‫ال َن��ا ِء‪ُ ،‬ث َّم َقا َل َح َّي َعلَى َّ‬ ‫الط ُهو ِر المْ ُ َبا َر ِك‪َ ‬وا ْلبرَ َ َك ُة‬ ‫َي َد ُه فيِ ْ إِ‬ ‫ِمنْ اللهَّ ِ ‪(.‬يقول عبد اهلل) َفلَ َق ْد َر�أَ ْي��تُ المْ َ��ا َء َي ْن ُب ُع ِمنْ َبينْ ِ‬ ‫�أَ َ�صا ِب ِع َر ُ�س ِ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َو َل َق ْد ُكنَّا ن َْ�س َم ُع‬ ‫الطعا ِم و ُه َو ُي�ؤْ َك ُل‪16.‬‬ ‫ت َْ�سبِي َح َّ َ َ‬ ‫بل و�سمع الراعي �صوت الذئب يف احلديث ال�شريف‪:‬‬ ‫“ َع َدا ال � ِّذ ْئ� ُ�ب َع�لَ��ى ���شَ ��ا ٍة َف ��أَخَ � َذ َه��ا‪َ ،‬ف� َ�ط�لَ� َب� ُه ال � َّر ِاع��ي‬ ‫َفا ْن َت َز َع َها ِم ْنهُ‪َ ،‬ف�أَ ْق َعى ال ِّذ ْئ ُب َعلَى َذ َن ِب ِه‪َ ،‬و َقا َل‪� :‬أَ اَل َت َّت ِقي‬ ‫اللهَّ َ َت ْن ِز ُع ِمنِّي ِر ْز ًق��ا َ�سا َق ُه اللهَّ ُ �إِليَ َّ؟ َفقَا َل (الراعي)‪َ :‬يا‬ ‫الن ِْ�س!؟ َفقَا َل‬ ‫َع َجبِي ِذ ْئ ٌب ُمق ٍْع َعلَى َذ َن ِب ِه ُي َك ِّل ُم ِني كَلاَ َم ْ إِ‬ ‫ال ِّذ ْئ ُب‪� :‬أَ اَل �أُخْ �ِبُرِ ُ َك ِب َ�أ ْع َج َب ِمنْ َذ ِل َك‪ ،‬محُ َ َّم ٌد (�صلى اهلل‬ ‫َّا�س ِب�أَ ْن َبا ِء َما َق ْد َ�س َبقَ؟ َقا َل‬ ‫عليه و�سلم) ِب َيثرْ َِب ُيخْ برِ ُ الن َ‬ ‫(الراوي)‪َ :‬ف�أَ ْق َب َل ال َّر ِاعي َي ُ�سوقُ َغ َن َمهُ‪َ ،‬حتَّى َدخَ َل المْ َ ِدي َن َة‪،‬‬ ‫َف َز َوا َها �إِ َل��ى زَا ِو َي� ٍة ِمنْ َز َوا َيا َها؛ ُث َّم َ�أ َت��ى َر ُ�سو َل اللهَّ ِ َ�ص َّلى‬ ‫اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َف�أَخْ برَ َ ُه‪َ .‬ف�أَ َم َر َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ال�صلاَ ُة َج ِام َع ٌة‪ُ .‬ث� َّم خَ � َر َج (عليه ال�سالم) َفقَا َل‬ ‫َو َ�س َّل َم‪َّ :‬‬

‫ِل�ل� َّر ِاع��ي‪� :‬أَخْ ِب�ررِ ْ ُه � ْم‪َ .‬ف��أَخْ �َبَرَ َ ُه� ْم (ال��راع��ي)‪َ .‬ف� َق��ا َل َر�� ُ�س� ُ‬ ‫�ول‬ ‫اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم‪�َ :‬ص َدقَ؛ َوا َّل ِذي َنف ِْ�سي ِب َي ِد ِه اَل‬ ‫ال ْن��� َ�س؛ َو ُي َك ِّل َم ال َّر ُج َل‬ ‫ال�س َبا ُع ْ إِ‬ ‫ال�سا َع ُة َحتَّى ُي َك ِّل َم ِّ‬ ‫َتقُو ُم َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َع َذ َب ُة َ�س ْو ِط ِه َو ِ�ش َر ُ‬ ‫اك َن ْع ِل ِه‪َ ،‬و ُيخْ برِ َ ُه َف ِخ ُذ ُه بمِ َ ا �أ ْح َدثَ �أ ْه ُل ُه‬ ‫ِث �أَ ْه ِل ِه َبع ِد ِه) "‪17‬‬ ‫َب ْع َده‪ .‬ويف رواية (ب َِحدي ِ‬ ‫ْ‬ ‫هذهالن�صو�ص ت��دل دالل��ة قطعية على �أن اجلماد‬ ‫ي�سبح اهلل ويتكلم �أحياناً بلغة يفهمها النا�س‪ .‬و�إذا كان‬ ‫م��ن ع�لام��ات ال�ساعة �أن يخرج اهلل ع��ز وج��ل داب��ة تكلم‬ ‫النا�س‪ ،‬بني يدي ال�ساعة‪ ،‬و�إذا كانت جلودنا �ست�شهد علينا‬ ‫يوم القيامة‪:‬فلي�س ثمة غرابة �أن ي�أتي زمان تتكلم فيه‬ ‫اجل�م��ادات وال�سباع مع الإن�سان؛ و�أن يخربه فخذه مبا‬ ‫�أح��دث �أه�ل��ه بعده �أو بحديث �أه�ل��ه ب�ع��ده‪ .‬ب��ل �إن�ن��ا ننظر‬ ‫�إلى هذه الأحاديث ال�شريفة بح�سبها تنبيه لنا بني يدي‬ ‫ال�ساعة للعمل ال�صالح؛ ودع��وة لإع�م��ال الفكر يف مثل‬ ‫هذه الأمور‪،‬ومفاحت لأبواب علوم ظلت وراء �أ�ستار الغيب‬ ‫منذنزول ال�ق��ر�آن العظيم؛و�أنها ك��ان يجب �أن نتخذها‬ ‫منارات على طريق البحث العلمي‪ ،‬الذي ت�أخرنا عنه‪ ،‬يف‬ ‫�أ�سرار املادة واحلياة‪.‬‬ ‫‪ -4‬ال�شواهد العلمية (املادية) على �صحة احلديث‬ ‫�أوال‪ -‬تقنيات االت�صال والتوا�صل‪:‬‬ ‫�إن البحث يف �أ�سرار املادة واحلياة وتكلمها يقودنا�إلى‬ ‫احل��دي��ث ع��ن تقنيات االت �� �ص��االت‪ ،‬وم��ا حتقق فيها من‬ ‫ك�شوف و�إجن� ��ازات‪ ،‬كانت �أ�شبه بامل�ستحيل‪ ،‬وق��ت تنزيل‬ ‫القر�آن‪.‬ولقد وجدنا �أن ه��ذه التقنية تطورت عرب ‪114‬‬ ‫عاماً يف ثالثة �أجيال‪� ،‬أو مراحل‪ ،‬عري�ضة‪:‬‬ ‫امل��رح�ل��ة الأول ��ى‪:‬وه ��ي امل��رح�ل��ة ال�ت��ي ب ��د�أت باكت�شاف‬ ‫ال�صمامات الكهربائية املفرغة ع��ام ‪ .1904‬وه��ي عبارة‬ ‫ع �ن ��أوع �ي��ة زج��اج �ي��ة ك �ب�ي�رة‪ ،‬ب�ح�ج��م ح�ب��ة ال�ب�رت �ق��ال‪� ،‬أو‬ ‫�أك�ب�ر‪،‬م �ف��رغ��ة م��ن ال� �ه ��واء‪ ،‬ت���ض��م �أق �ط��اب �اً ك�ه��رب��ائ�ي��ة‪،‬‬ ‫وت�ستخدم يف التحكم يف م��رور التيار الكهربائي؛مثل‪:‬‬ ‫ال�صمام البلوري الكهربائي الثنائي الأقطاب (املعروف‬ ‫بالديود)وال�صمام البلوري الكهربائي الثالثي الأقطاب‬ ‫(املعروف بالرتانز�ستور)‪ .‬ولقد �ساعدت هذه ال�صمامات‬ ‫علىتطوير �صناعة الأج �ه��زة الكهربائية واحلوا�سيب‬ ‫والرادار واملذياع والتلفاز الأولى‪ .‬وكانت هذه ال�صمامات‬ ‫تتميز ب�ك�بر ح�ج�م�ه��ا؛ ف �ك��ان �أول ج �ه��از ح��ا� �س��وب قابل‬ ‫للربجمة‪ ،‬وي�ستخدم لأغرا�ض عامة‪� ،‬إنياك‪ ،‬مث ً‬ ‫ال‪ ،‬يتكون‬ ‫م��ن ‪� 18,000‬صمام �إل �ك�تروين م�ف��رغ‪ ،‬و‪ 500,000‬و�صلة‬ ‫ك�ه��رب��ائ�ي��ة‪ ،‬ووزن ��ه ح ��وايل ‪ 30‬ط �ن �اً‪ ،‬وي�شغل ح�ي��ز غرفة‬ ‫كبرية‪ ،‬وا�ستغرقت عملية حلام �أ�سالكه حوايل �سنتني!‬ ‫املرحلة الثانية‪ :‬تلت عملية اكت�شاف �أ�شباه املو�صالت‪،‬‬ ‫يف �ستينيات القرن املا�ضي‪ ،‬وهي م��واد جامدة‪ ،‬كالرمل‪،‬‬


‫ال�شكل ‪� :1‬صمامات كهربائية‬ ‫الأمين �أول �صمام �صنع يف التاريخ عام ‪1904‬؛ الأو�سط والأي�سر‪ :‬مراحل خمتلفة من ت�صنيع ال�صمامات‪.‬‬ ‫ت�ت�راوح مقاومتها للتيار الكهربائي ب�ين امل��واد العازلة‬ ‫كاخل�شب وامل� ��واد امل��و��ص�ل��ة ك��ال�ن�ح��ا���س‪ .‬تخلط م��ع م��واد‬ ‫�أخرى (�شوائب) بطرائق معينة‪ ،‬فنتج تركيبات (�أ�شابات)‬ ‫لها خا�صية ال�صمامات الإل�ك�ترون�ي��ة‪،‬يف مت��ري��ر التيار‬ ‫الكهربائي‪ .‬ولكنها متتاز بكونها م��واد �صلبة‪� ،‬صغرية‬ ‫احلجم وتتحمل ظروف ا�ستخدام �أ�صعب من ال�صمامات‬ ‫املفرغة‪ .‬ولقد �شكلت هذه املواد الأ�سا�س يف تطوير �أجهزة‬ ‫القيا�س واالت���ص��االت احل��ال�ي��ة‪ .‬ول�ق��د �أم�ك��ن با�ستخدام‬ ‫ال �� �ص �م��ام��ات امل �� �ص �ن��وع��ة م ��ن �أ� �ش �ب��اه امل��و��ص�لات���ص�ن��اع��ة‬

‫�أج � �ه� ��زة ذك� �ي ��ة م� �ت� �ع ��ددة الأغ� � ��را�� � ��ض‪ ،‬حت � ��وي م�لاي�ين‬ ‫ال�صمامات‪،‬وبحجوم �صغرية جداً‪ ،‬عدة �سنتمرتات مكعبة‪،‬‬ ‫بدل الأجهزة القدمية التي كانت غالباً وحيدة الغر�ض‪،‬‬ ‫وبحجم �صندوق اخل�ضار الكبري؛ �أنظر ال�شكل ‪.1‬‬ ‫وم��ن الأمثلة الرائجة ع�ل��ىالأج�ه��زة احلديثة جهاز‬ ‫اخل�ل��وي ال��ذي ميكن �أن ي�ضم ع���ش��رات‪� ،‬أو حتى مئات‪،‬‬ ‫ال�ت�ط�ب�ي�ق��ات امل�خ�ت�ل�ف��ة؛ ت���س�ت�خ��دم ف�ي�ه��ا م �ئ��ات ال��دوائ��ر‬ ‫الإلكرتونية و�آالف ال�صمامات‪.‬‬

‫ال�شكل ‪2‬‬ ‫�أجهزة كهربائية قدمية ت�ستخدم ال�صمامات املفرغة‬ ‫�إن النتيجة التي نخل�ص �إليها من ه��ذا اجلانب من‬ ‫امل��و��ض��وع �أن هنالك ت�ط��وراً �سريعاً ح�صل حتى الآن يف‬ ‫�صناعة �أجهزة االت�صال والتوا�صل؛ و�أن الأج�ه��زة التي‬ ‫كانت تزن ع�شرات الأطنان �أ�صبح بالإمكان �إنتاج �أجهزة‬ ‫�أو�سع منها‪ ،‬يف جماالت اال�ستخدام ع�شرات �أو مئات املرات؛‬ ‫و�أكرث منها ذكاء و�سرعة؛ وبحجوم �صغرية جداً‪ ،‬بحجم‬ ‫كف اليد فقط؛ و�أن هنالك منحى �سريع يف تطوير هذه‬ ‫التقنيات‪ ،‬لت�صبح �أكرث �صغراً و�أكرث ذكاء و�أو�سع جماالت‬ ‫ا�ستخدام‪ ،‬في�صبح التوا�صل بينها وبني الإن�سان �أ�شمل‪،‬‬ ‫فيخاطبها وترد عليه‪ .‬وقد ت�صغر يف احلجم فتو�ضع يف‬

‫�شق يف ر�أ�س ع�صا‪� ،‬أو �سوط‪� ،‬أو �سري �شراك نعل‪ .‬بل لقد‬ ‫حتققت هذه املعجزةفع ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫فلقد�أعلنت �شركة جوجل‪ ،‬يف معر�ض ‪ SXSW‬التقني‬ ‫ال��ذي عقد يف مدينة �أو��س�تن ب��والي��ة تك�سا�سعن ت�صنيع‬ ‫ح ��ذاء ري��ا��ض��ي ذك ��ي‪ ،‬يتميز ب�ق��درت��ه ع�ل��ى خم��اط�ب��ة من‬ ‫ينتعله‪ ،‬حم�ف��زاً �إي ��اه ب�ع�ب��ارات ت�شجيعية �أث�ن��اء ممار�سة‬ ‫ال��ري��ا��ض��ة �أح �ي��ان �اً‪ ،‬وع �ب��ارات فكاهية يف �أح �ي��ان �أخ ��رى‪.‬‬ ‫واحلذاء املنتج هو حذاء ريا�ضي عادي‪ ،‬من نوع �أديدا�س‪،‬‬ ‫�أدخ��ل عليه تعديالت ب�إ�ضافة معالج �صغري‪ ،‬ومقيا�س‬ ‫لل�سرعة‪ ،‬ومقيا�س لل�ضغط‪ ،‬وم�ست�شعر لتحديد االجتاه‪،‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪57‬‬


‫�إ�ضافة �إل��ى مكرب لل�صوت‪ ،‬وتقنية ات�صال عرب بلوتوث‪،‬‬ ‫ومي�ك��ن للحذاء جمع املعلومات ع�بر ه��ذه امل�ست�شعرات‬ ‫والتحدث مع امل�ستخدم‪� ،‬إما عرب مكرب ال�صوت املدمج يف‬ ‫احلذاء‪� ،‬أو بتمرير الكالم عرب بلوتوث كي ي�صل امل�ستخدم‬ ‫من خالل ال�سماعات‪.‬‬ ‫وي� �ع ��د �أح � ��د ت �ط �ب �ي �ق��ات احل � � ��ذاء احل ��ال� �ي ��ة‪ ،‬حت�ف�ي��ز‬ ‫امل�ستخدم �أثناء ممار�سة الريا�ضة‪ ،‬على �سبيل املثال‪ ،‬لو‬ ‫اتخذ امل�ستخدم لنف�سه ف�ترة راح��ة طويلة ن�سبياً خالل‬ ‫التمرين‪ ،‬يبد�أ احلذاء بت�شجيع امل�ستخدم على املتابعة من‬ ‫خالل نطق عبارات على غرار “هذا ممل ج ًدا”‪ .‬وعندما‬

‫يبد�أ امل�ستخدم باحلركة يقول له احلذاء “هذا �أف�ضل”‪.‬‬ ‫ثم يتابع احل��ذاء بنطق العبارات التحفيزية وامل�شجعة‬ ‫بح�سب ازدياد ن�شاط امل�ستخدم‪ .‬وال يقت�صر عمل احلذاء‬ ‫ع �ل��ى حت�ف�ي��ز امل �� �س �ت �خ��دم ف�ح���س��ب‪ ،‬ب ��ل ب�ف���ض��ل ات���ص��ال��ه‬ ‫بالإنرتنت ميتلك كذلك مهارات التوا�صل االجتماعي‪� ،‬إذ‬ ‫يح ّدث طوال فرتة التمرين حالة امل�ستخدم على �شبكاته‬ ‫االجتماعية ب�آخر البيانات والإح�صاءات التي مت جمعها‪،‬‬ ‫فيمكن للم�ستخدم من خالله ا�ستعرا�ض امل�سافة التي‬ ‫قطعها‪� ،‬أو �سرعته يف اجلري التي و�صل �إليها‪ ،‬وتظهر هذه‬ ‫املعلومات لأ�صدقاء امل�ستخدم �ضمن ح�ساباته االجتماعية‬ ‫مبا�شرة �أثناء ممار�سة التمرين‪.‬‬

‫ال�شكل ‪3‬‬ ‫ال�صورة اليمنى‪ :‬لوحة ت�ضم �أعداداً كبرية من الدارات الإلكرتونية املتكاملة امل�ستخدمة يف الأجهزة الكهربائية‪.‬‬ ‫ال�صورة الو�سطى‪ :‬جهاز ات�صال ال �سلكي قدمي‪ .‬ال�صورة الي�سرى‪ :‬جهاز خليوي حديث‪.‬‬ ‫يف الأ�سفل‪ :‬جهاز تن�صت �صغري جداً يربط مع اخللوي‬

‫‪58‬‬

‫وع�لاوة على ذلك ميكن للحذاء �أن يرتبط بالهاتف‬ ‫الذكي من خالل تطبيق خا�ص‪ .‬وميكن للتطبيق‪ ،‬بف�ضل‬ ‫املعلومات التي مت جمعها من اجلهاز‪ ،‬توليد �إح�صاءات‬ ‫م �ف �ي��دة ل�ل�م���س�ت�خ��دم‪ ،‬ك��امل �� �س��اف��ات ال �ت��ي ق�ط�ع�ه��ا‪ ،‬وع��دد‬ ‫اخلطوات التي م�شاها‪ ،‬ومتو�سط �سرعته �أثناء التمرين‪،‬‬ ‫و�أعلى و�أق��ل �سرعة‪� ،‬إ�ضافة �إلى احلريرات التي حرقها‪،‬‬ ‫وغري ذلك من امليزات التي مل يطبق بع�ضها عملياً بعد يف‬ ‫هذه الن�سخة التجريبية من احلذاء‪ ،‬لكنها قابلة للتطبيق‬ ‫ب�سهولة‪.18‬‬ ‫ثانياً‪:‬تطوير تقنيات الوظائف احليوية‬ ‫مل ي�ت��وق��ف الأم� ��ر ع�ن��د �أج �ه ��زة ال� � ��رادار واالت �� �ص��ال‬ ‫والتوا�صل‪ .‬بل لقد �أمكن ا�ستخدامالدوائر �إلكرتونية‬ ‫متكاملة ملتابعة التغريات احليوية التي حت�صل يف ج�سم‬ ‫الإن �� �س��ان‪ .‬وب��ال�ت�ح��ري يف ال�شبكة العنكبية با�ستخدام‬ ‫عبارة "�شريحة �إلكرتونية" تظهر لك ماليني العناوين‬ ‫العجيبة مثل‪:‬‬ ‫• �شريحة �إلكرتونية تقي�س ا�ستجابة ك�سور العظام‬ ‫للعالج!‬

‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫ال�شكل ‪4‬‬ ‫حذاء ناطق‬ ‫�شريحة �إلكرتونية تغني عن غ�سيل الكلى!‬ ‫�شريحة �إلكرتونية ت�ساعد على امل�شي!‬ ‫�شريحة �إلكرتونية ذكية حتول ج�سم الإن�سان �إلى‬ ‫حا�سب �آيل‪.‬‬ ‫ح�ب��ل ��ش��وك��ي �إل� �ك�ت�روين �أم� ��ل امل���ص��اب�ين بال�شلل‬ ‫الن�صفي لل�سري جمدداً‪.‬‬ ‫�شريحة �إلكرتونية �سحرية للتحكم يف حالة الإن�سان املزاجية‬


‫ال�شكل ‪ 4‬ا�ستخدامات ال�شرائح الإلكرتونية داخل ج�سم الإن�سان‬ ‫• �شريحة �إلكرتونية تزرع يف اجل�سم لإعطاء الدواء عن بعد‪.‬‬ ‫• و�شم ذكي يتحكم يف الهاتف املحمول‪.‬‬ ‫• و�شم يعمل كناقل �صوت (ميكروفون)‪.‬‬ ‫• و�شم �إلكرتوين لقيا�س حراة اجل�سم‪.‬‬ ‫ل�ق��د ت �ط��ورت �صناعة ال���ش��رائ��ح الإل�ك�ترون�ي��ة ك�ث�يراً‬ ‫يف الأع� ��وام الأخ �ي�رة‪ .‬ومت�ك��ن ف��ري��ق ي��اب��اين م��ن جامعة‬ ‫طوكيو من ت�صنيع �شريحة �إلكرتونية رقيقة جداً‪ ،‬تبلغ‬ ‫�سماكتها ‪ 3‬ميكرو مرت (�أي ‪ 1000/1‬من املليمرت)؛ تل�صق‬ ‫على اجللد‪ ،‬يف �أي مكان من ج�سم الإن�سان‪ ،‬بحيث تبدو‬ ‫طبقة م��ن البال�ستيك ال�شفاف ال�لا��ص��ق‪ .‬وت�ستخدم‪،‬‬ ‫عرب ات�صالها ب�أجهزة ا�ست�شعار يف اجل�سم‪ ،‬ك�شا�شة عر�ض‬ ‫رقميةلإظهار العمليات احليوية التي جت��ري يف ج�سم‬ ‫الإن�سان‪ ،‬مثل ال�ضغط والنب�ض وال�سكرو�أك�سجني الدم‬ ‫ودرج��ة احل ��رارة‪ .‬وع�بر ات�صالها ب�أجهزة اال�ست�شعار يف‬ ‫ج�سم الإن���س��ان‪ ،‬ت�ستخدم ه��ذه ال�شريحةك�شا�شة عر�ض‬ ‫رقمية لإظ�ه��ار النب�ض وال ��دم الأوك���س�ج�ين؛ كما ميكن‬ ‫ا�ستخدامهاملراقبة �صحة امل��ر��ض��ى يف امل�ست�شفيات ويف‬

‫النوادي واملالعب ملراقبة �صحة الالعبني‪.‬‬ ‫كما ميكن �أن ت�ستخدم ال�شرائح اجللدية يف قطاعات‬ ‫�أخ��رى‪ ،‬كالهند�سة والبناء‪ .‬حيث ي�ستخدمها املهند�سون‬ ‫والعمال‪ ،‬ك�شا�شة لعر�ض خمططات البناء �أو امل�شاريع‬ ‫(على �أيديهم) من دون �أن يتوجب عليهم حمل الأجهزة‬ ‫الإل�ك�ترون�ي��ة الثقيلة‪ .‬ويطمح ف��ري��ق العمل يف جامعة‬ ‫طوكيو ب��أن يتمكنوا من تطوير هذه ال�شرائح اجللدية‬ ‫الإلكرتونية الرقيقة للغاية لتحل حمل الهواتف الذكية‬ ‫يف امل�ستقبل‪ ،‬فت�صبح �شا�شة هاتفك مثبتة على يدك من‬ ‫دون احلاجة �إلى حمل جهاز الهاتف �أياً تكن زنته"‪.‬‬ ‫‪-5‬النتيجة‪:‬‬ ‫�إن هذه التطورات حتى اللحظة �شواهد علميةوا�ضحة‬ ‫على �صحة احلديث ال�شريف‪ .‬وال يزال البحث والتطوير‬ ‫م�ستمرين‪ ،‬ولي�س غريباً‪� ،‬أن ي�أتي زمان ت�صنع فيها �شرائح‬ ‫�أو و�شوم تر�سم على اجللد‪ ،‬تعر�ض بيانات عما يجري يف‬ ‫ج�سد امل��ر�أة من تغريات حيوية‪ .‬بل هي يف �ضوء ما �سبق‬ ‫م�س�ألة وقت‪.‬‬

‫‪ )  11‬القر�آن العظيم؛ �سورة النمل‪ :‬الآية ‪.28-20‬‬ ‫هوام�ش ومراجع‪:‬‬ ‫‪ )  1‬رواه ال�ترم��ذي‪ .‬عذبة �سوطه‪ :‬قيل ط��رف��ه‪ ،‬وقيل ق��د يجعل يف ‪ ) 12‬القر�آن العظيم؛ �سورة النمل‪ :‬الآيات ‪.85-80‬‬ ‫طرفه‪ .‬و�شراك النعل‪� :‬أحد �سيوره يجهل على وجهها‪ .‬انظر مقال ‪ ) 13‬القر�آن العظيم؛ �سورة ف�صلت‪ :‬الآيات ‪.23-18‬‬ ‫" نطق اجلمال والإع�ج��از يف ذلك"؛‬ ‫إميان‪ .‬عبد الكرمي علي الفهدي؛ ‪ ) 14‬احلديث ال�شريف؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪2009/ 11/11‬؛ موقع جامعة ال‬ ‫‪ ) 2‬يعرت�ض بع�ض العلماء املعا�صرون على العلماء الأ�سبقون �أنهم ‪ ) 15‬احل��دي��ث ال���ش��ري��ف؛ رواه ال �ب��زاز وال� �ط�ب�راين و�صححه‬ ‫الألباين‪.‬‬ ‫قاموا بنقل بع�ض الأح��ادي��ث غري املقبولة يف نظرهم من حيث‬ ‫املعنى �أو لأنهم يرون فيها تناق�ض وا�ضح مع العقل �أو ما تو�صل ‪ ) 16‬احلديث ال�شريف؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫�إليه العلم الدنيوي ويذهب بع�ضهم �إلى �ضرورة التخل�ص من‬ ‫تلك ‪ ) 17‬رواه احلاكم يف امل�ستدرك؛ وابن حبان يف �صحيحه وابن‬ ‫الكتب والتفا�سري �أو تنقيحها‪ .‬وه�ؤالء عالوة على �أنهم يتجاوزون‬ ‫�أب��ي �شيبة يف امل�صنف‪ .......‬والبيهقي يف ال��دالئ��ل؛ وابن‬ ‫ح��دود املنطق لأن هذه الكتب قد وج��دت وال ميكن �إلغاء حقيقة‬ ‫كثري يف البداية والنهاية؛ موقع �إ�سالم‪-‬ويب‪.‬‬ ‫�أن�ه��ا وج��دت‪ ،‬و�أن م��ن ح��ق �أ�صحابها �أن تظل تن�شر كما ه��ي‪ ،‬ملن‬ ‫يرغب يف نقلها‪ ،‬فهم بهذا يخالفون �أ�ساليب البحث العلمي‪ ،‬التي ‪ ) 18‬احل� � ��ذاء ال �ن��اط��ق ل �ي ����س �أول م �ن �ت��ج م ��ن غ ��وغ ��ل ي�ت�ع�ل��ق‬ ‫بالتكنولوجيا القابلة ل�لارت��داء‪� ،‬إذ ك�شفت ال�شركة العام‬ ‫ت�ستوجب جمع كل ما قيل يف الرواية الواحدة‪.‬‬ ‫امل��ا��ض��ي ع��ن نظارتها ال��ذك�ي��ة ال�ت��ي تعمل بتقنية ال��واق��ع‬ ‫‪ ) 3‬ان�ظ��ر ل�ه��ذا ال �ن��وع الأخ �ي�ر‪ :‬ال�ف�ت��وى رق��م ‪109748‬؛ الت�صنيف‪:‬‬ ‫املعزز‪ ،‬التي ميكن للم�ستخدم عرب ارتدائها احل�صول على‬ ‫�أحاديث نبوية مه �شرحها؛ تاريخ ‪22/6/29‬؛ موقع �إ�سالم ويب‪.‬‬ ‫املعلومات املفيدة املتعلقة بالأ�شياء والأم��اك��ن من حوله‪،‬‬ ‫مثل �أ��س�م��اء ال���ش��وارع والأب�ن�ي��ة‪ ،‬وم�ساعدته على التن ّقل‬ ‫‪ ) 4‬انظر الإجابة على �س�ؤال بعنوان “ هل من تخريج حلديث ويكلم‬ ‫يف الطرقات‪� ،‬إ�ضاف ًة �إل��ى �إمكانية البحث عرب الإنرتنت‬ ‫الرجل �أهله من مقب�ض �سوطه �أو �شراك نعله”؛ موقع املو�سوعة‬ ‫وال��درد��ش��ة مع الأ��ص��دق��اء وغ�ير ذل��ك‪ .‬وتقول غوغل �إنه‬ ‫ال�شاملة‪.‬‬ ‫يجري درا�سة تطبيق الفكرة نف�سها على �أ�شياء �أخرى ميكن‬ ‫‪ ) 5‬انظر مقال بعنوان “معنى عذبة ال�سوط يف احلديث”؛ املوقع‬ ‫ارتدا�ؤها يف امل�ستقبل‪ ،‬ولي�س الأحذية فقط‪ .‬وكذلك عملت‬ ‫الر�سمي للإمام ابن باز رحمه اهلل‪.‬‬ ‫�سوين على ت�صنيع �ساعة ذكية‪ ،‬مت�صلة بالإنرتنت‪ ،‬متتلك‬ ‫تطبيقات خا�صة تتيح للم�ستخدم عمل �أ�شياء �أخرى‪ ،‬مثل‬ ‫‪ ) 6‬القر�آن العظيم؛ �سورة ف�صلت‪ :‬الآية ‪.11‬‬ ‫احل���ص��ول ع�ل��ى �آخ ��ر الأخ �ب��ار م��ن ال�شبكات االجتماعية‬ ‫‪ ) 7‬القر�آن العظيم؛ �سورة الأنعام‪ :‬الآية ‪.38‬‬ ‫مثل تويرت وفي�س بوك‪ ،‬و�إر�سال الر�سائل‪ ،‬وتفقد الربيد‬ ‫الإلكرتوين وغري ذلك‪ ،‬كما ت�شري بع�ض التقارير الأخرية‬ ‫‪ ) 8‬القر�آن العظيم؛ �سورة الإ�سراء‪ :‬الآية ‪.44‬‬ ‫�إل ��ى اع �ت��زام ��ش��رك��ة �أب ��ل ك��ذل��ك �إط �ل�اق �ساعتها ال��ذك�ي��ة‬ ‫‪ ) 9‬القر�آن العظيم؛ �سورة �سب�أ‪ :‬الآية ‪.10‬‬ ‫اخلا�صة‪ .‬انظر مقال بعنوان “حذاء ناطق من جوجل”؛‬ ‫‪.19-17‬‬ ‫‪ ) 10‬القر�آن العظيم؛ �سورة النمل‪ :‬الآيات‬ ‫تاريخ ‪2014 /10/5‬؛ موقع �أخبار الآن ومواقع �أخرى‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪59‬‬


‫المسلمون في المجتمعات الغربية‬

‫نحو فكر وسطي ومنهج اعتدالي‬ ‫مقاالت‬

‫د‪ .‬عالل الزهواني‬ ‫رئيس المنتدى األوروبي للوسطية ببلجيكا‬

‫‪60‬‬

‫‪ ‬ينق�سم امل�سلمون ‪ ‬يف ال��دول الغربية �إل��ى منوذجني‬ ‫م��ن خ�ل�ال ال�ن�ظ��ر يف طبيعة ال�ت�ف�ك�ير وال�ك�ي�ف�ي��ة التي‬ ‫ينتظمون بها‪ ،‬ويرتاوح هذان النموذجان بني االنحالل‬ ‫التام يف بوتقة الثقافة الغربية �أو االنغالق على الذات‬ ‫با�سم ال��دي��ن واخل ��وف م��ن ال��ذوب��ان نتيجة م�ب�ررات ال‬ ‫�شرعية وال عقالنية‪ ،‬وكالهما ال يخدم الإ�سالم عقيدة‬ ‫وال ثقافة بل يقدمان �صورة م�شوهة‪ ،‬ولذلك فامل�سلمون‬ ‫يف الدول الغربية يحتاجون �إلى منوذج ثالث ين�سج نظرة‬ ‫�إ�سالمية معتدلة‪ ،‬ويت�سم تفكريه بالو�سطية و�سلوكه‬ ‫باالعتدال‪.‬‬ ‫ويعترب خري ما يراهن عليه لتحقيق خري جدير بهم‬ ‫�ضمن املجتمعات التي يعي�شون فيها‪ ،‬بحيث يحافظون‬ ‫على الثقافة الإ�سالمية‪ ،‬ويف نف�س الوقت يراعون طبيعة‬ ‫البيئة التي يعي�شون فيها‪ ،‬وهو م�سلك مالئم لرتتيب‬ ‫الوجود الإ�سالمي يف الدول الغربية‪ ،‬وقد ت�شكلت بع�ض‬ ‫مالمح هذا النموذج ب�صيغة فردية �أو جماعية‪.‬‬ ‫حيث تعالت �أ� �ص��وات ون���ش��أت �أف�ك��ار ت�ن��ادي بتح�سني‬ ‫�صورة الإ�سالم يف املجتمعات الغربية والك�شف عن �صوره‬ ‫امل�شوهة‪ ،‬وبد�أت ت�شق لها منهجا و�سطيا يتجاوز النظرة‬ ‫النفعية ويرف�ض الذوبان يف الثقافة الغربية‪ ،‬ويتجلى‬

‫منهجه احلياتي يف االندماج الإيجابي والعي�ش امل�شرتك‬ ‫يف �إطار القيم الإن�سانية امل�شرتكة‪.‬‬ ‫ولقد �أ�صبح امل�سلمون يف ال��دول الغربية "لهم ثقل‬ ‫ح�ضاري يتجاوز الق�ضايا التقليدية ذات الطابع الفردي‬ ‫�إل��ى ق�ضايا �أك�بر دالل��ة و�أع�م��ق �أث��را‪ ،‬مرتبطة بالهوية‬ ‫الإ��س�لام�ي��ة ور��س��ال��ة امل�سلم و�صلته ب�أمته الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وقد حاول البع�ض الإجابة على امل�سائل الفردية مبنطق‬ ‫ال���ض��رورات وال �ن��وازل‪ ،‬نا�سني �أن��ه منطق ه�ش ال يت�سع‬ ‫لأم��ور ذات ب��ال‪ ،‬كما واج��ه امل�سلم فو�ضى يف الإفتاء من‬ ‫ط��رف الفقهاء فهذا يحل وذاك ي�ح��رم‪ ،‬وث��ال��ث ي�ستند‬ ‫�إلى �أنه يجوز يف الدار غري الإ�سالمية ماال يجوز يف دار‬ ‫الإ�سالم‪.‬‬ ‫ورابع يقي�س الواقع احلا�ضر على املا�ضي الغابر قيا�سا‬ ‫ال ي�أبه بالفوارق النوعية الهائلة بني جمتمع و�آخر وبني‬ ‫حقبة تاريخية و�أخ��رى‪ ،‬بل ال ي�أبه بالقواعد الأ�صولية‬ ‫ملنع قيا�س فرع على فرع‪ ،‬فكانت النتيجة املنطقية لهذا‬ ‫املنطلق املنهجي اخل��اط��ئ‪� ،‬إي �ق��اع امل�سلمني يف البلبلة‬ ‫واال�ضطراب‪ ،‬وحتجيم دوره��م املرتقب‪ ،‬واحلكم عليهم‬ ‫بالعزلة واالغ�تراب‪ ،‬و�إعاقة احلياة الإ�سالمية‪ ،‬وفر�ض‬ ‫التخلف عليهم‪ ،‬و�إظ �ه��ار الإ� �س�لام مبظهر العاجز عن‬ ‫مواجهة �أ�سئلة احل�ضارة وال�ع�م��ران امل�ستنري يف ع�صر‬ ‫العوملة"(‪.)1‬‬ ‫ول��ذل��ك فامل�سلمون بحاجة �إل��ى اج�ت�ه��اد مقا�صدي‬ ‫يف ق�ضاياهم يلبي الطموحات ويربطهم بج�سم الأم��ة‬ ‫الإ�سالمية ل�ي��ؤدوا وظيفة خ�يرة يف بناء ج�سور احل��وار‬ ‫احل�ضاري ‪ ،‬و�إل��ى ��ض��رورة حتديد اخل�ط��اب الإ�سالمي‬ ‫املالئم للمجتمعات الغربية‪ ،‬وتوظيفه للمعارف الإن�سانية‬ ‫اجلديدة مثل الأو��ض��اع االجتماعية واملهنية وامل�شاركة‬ ‫الوجدانية وامل�صاحبة النف�سية با�ستخدام �أدوات منهجية‬ ‫م�ستنبطة من �أ�صول الفقه ت�أخذ الأب�ستمولوجيا العاملية‬ ‫املعا�صرة بعني االعتبار‪ ،‬وتدريب �أبناء امل�سلمني على هذا‬ ‫اخلطاب لتنمو لديهم القدرة على التحدث به‪ ‬بكل �إتقان‬ ‫و�سهولة ودون تكلف �أو ت�صنع‪.‬‬ ‫كما تنمو لديهم القدرة على �إبداعات فكرية وبدائل‬ ‫مع االلتزام بالن�صو�ص ال�شرعية الثابتة يف �إطار مقا�صد‬ ‫ال�شريعة الإ��س�لام�ي��ة وكلياتها‪ ،‬وذل��ك م��ن خ�لال فهم‬


‫�شامل للق�ضايا مبختلف �أبعادها ويف كل �صورها‪ ،‬مع الأخذ‬ ‫بعني االعتبار املمار�سات التاريخية واملعا�صرة واحللول‬ ‫املطروحة من قبل القوانني املحلية واالتفاقيات الدولية‬ ‫املنعقدة بني دول العامل الإ�سالمي والدول الغربية التي‬ ‫حتمي امل�سلمني يف دينهم و�أموالهم و�أعرا�ضهم(‪.)2‬‬ ‫كما ينبغي �ضرورة تخريج علماء‪ ‬ووعاظ ومر�شدين‬ ‫من �أ�صالب امل�سلمني مت�شربني بعقلية الغرب وقوانينه‪،‬‬ ‫جامعني بني اخلال�صات الإيجابية للح�ضارات‪ ،‬وجامعني‬ ‫بني التجارب الإ�سالمية العملية والنظر الفقهي املتحرر‪،‬‬ ‫داع�ين امل�سلمني كافة �إل��ى االن��دم��اج ال�سلمي يف جمتمع‬ ‫الأغلبية الذي‪ ‬يعي�شون ف�ي��ه‪ ،‬واالن �خ��راط يف ق�ضاياه‬ ‫ومناق�شاتها‪ ،‬م��ع ع��دم �إغفالهم ع��ن امل�ع��اجل��ات الهادئة‬ ‫وغ�ير املبا�شرة للغلو الديني وال�ت�ط��رف الإيديولوجي‬ ‫بفكر و�سطي ومنهج اع �ت��دايل‪ ،‬كما ينبغي العمل على‬ ‫رفع التعار�ض بني ال�شريعة الإ�سالمية وقوانني الدول‬ ‫الغربية‪ ،‬وذلك بو�ضع حد للمفارقة الوهمية التي يعي�شها‬ ‫امل�سلمني بني مواطنتها الغربية و الإ��س�لام‪ ،‬ليكونوا يف‬ ‫تناغم ت��ام م��ع النف�س واملجتمع‪ ،‬م��ع العلم �أن املواطنة‬ ‫الغربية تعطي �شرعية للح�ضور الإ�سالمي‪ ،‬وت�ضفي عليه‬ ‫حماية د�ستورية وقانونية ت�صون �أمنه و�أم��ان��ه‪ ،‬وحتمي‬ ‫حقوقه‪.‬‬ ‫ويف ه��ذا ال���س�ي��اق �أ� �ص��در املجل�س الأوروب � ��ي ل�ل�إف�ت��اء‬ ‫قراراً ب�ش�أن املواءمة بني التقيد بالثوابت وبني مقت�ضيات‬ ‫املواطنة ق��ال فيه‪« :‬يق�صد باملواطنة االنتماء �إل��ى دولة‬ ‫معينة �أر�ضاً وواقعاً‪ ،‬وحمل جن�سيتها‪ ،‬ويق�صد بالثوابت‬ ‫الإ� �س�لام �ي��ة‪ :‬الأح �ك��ام ال�شرعية االع�ت�ق��ادي��ة والعملية‬ ‫والأخالقية التي جاءت بها الن�صو�ص ال�شرعية القطعية‬ ‫�أو �أجمعت عليها الأمة الإ�سالمية‪ ،‬وي�شمل ذلك ما يتعلق‬ ‫بال�ضروريات اخلم�س‪ ،‬وهي حفظ الدين والنف�س والعقل‬ ‫والن�سل واملال‪ .‬وم�شروعية �إ�سهام امل�سلمني يف غري الدول‬

‫الإ�سالمية‪ ،‬من الأن�شطة االجتماعية �أو ال�سيا�سية �أو‬ ‫االق�ت���ص��ادي��ة‪ ،‬ال�ت��ي ال ت�ت�ع��ار���ض م��ع ال�ث��واب��ت املتقدمة‪،‬‬ ‫وال��س�ي�م��ا �إذا اقت�ضت امل��واط�ن��ة ذل��ك �شريطة �أال تهدد‬ ‫هويتهم و�شخ�صيتهم الإ�سالمية"(‪.)3‬‬ ‫كما قرر بخ�صو�ص الوالء ما ن�صه‪�« :‬إن الوالء رباط‬ ‫وث�ي��ق‪ ،‬يربط الإن���س��ان بعالقة خا�صة وو�شيجة حميمة‬ ‫تن�ش�أ عنه التزامات وحقوق وواجبات‪ ،‬وهذه العالقة ذات‬ ‫�أوجه خمتلفة و�أبعاد متعددة‪ ،‬فالوالء قد يكون للعقيدة‪،‬‬ ‫وقد يكون للن�سب والقوم‪ ،‬وقد يكون بالعهد والعقد‪ ،‬وقد‬ ‫�أ�شار القر�آن �إلى هذه املعاين جميعاً‪ .‬و�أعلى هذه الوالءات‬ ‫منزلة الوالء للعقيدة الذي يدخل فيه الإميان ب�أركانه‪،‬‬ ‫وم��ا يرتتب على ذل��ك م��ن ممار�سة ال�شعائر‪ ،‬واالل�ت��زام‬ ‫ب��الأخ�لاق الفا�ضلة‪ ،‬وه��ذا ال��والء ال يتناق�ض مع ال��والء‬ ‫للوطن الذي يرتبط معه الإن�سان بعقد املواطنة‪ ،‬فيدافع‬ ‫عن حوزته �ضد �أي اعتداء"(‪.)4‬‬ ‫كما ينبغي ‪� ‬ضرورة االجتهاد‪ ‬للمالءمة بني الإ�سالم‬ ‫والعلمانية يف املجتمعات الغربية(‪ ،)5‬ليعي�ش امل�سلمون يف‬ ‫تناغم مع النف�س واملجتمع‪ ،‬دون �أن تتخلى عن هويتها‬ ‫الثقافية « التي ‪ ‬لي�ست يف م�ستكن امل�سلم جم��رد هوية‬ ‫انتماء �شخ�صي‪ ،‬بل هي �أي�ضا هوية تعريف وتبليغ وعر�ض‬ ‫يف بعدها الديني واحل�ضاري"(‪ ،)6‬و�ضرورة �إبداع‪ ‬منوذج‬ ‫من التدين للم�سلمني ي�ستجيب للبيئات الغربية‪ ،‬مع‬ ‫�ضرورة الوعي بحدود الفقه امل��وروث يف معاجلة ق�ضايا‬ ‫امل�سلمني‪« ،‬فعلى ثراء هذا الفقه وتنوعه وغناه وت�شعبه‪،‬‬ ‫فقد �أ�صبح �أغلبه جزء من التاريخ‪ ،‬لأ�سباب تتعلق باملنهج‬ ‫و�أخ��رى بتحقيق امل�ن��اط‪ ،‬حيث مل يرتب بع�ض الفقهاء‬ ‫الأق��دم�ي�ن م���ص��ادر الت�شريع ال�ترت�ي��ب ال�صحيح ال��ذي‬ ‫يعني على ح�سن اال�ستنباط‪ ،‬وه��و جعل ال�ق��ر�آن الكرمي‬ ‫امل�صدر الت�أ�سي�سي املهيمن على ما �سواه‪ ،‬واعتبار ال�سنة‬ ‫النبوية م�صدرا بيانيا ملزما مكمال وتابعا ل��ه‪ ،‬كما �أن‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪61‬‬


‫‪62‬‬

‫�أك�ثر الفقهاء مل ي��أخ��ذوا بعني االعتبار عاملية الإ�سالم‬ ‫يف التنظري الفقهي لعالقة امل�سلمني بغريهم‪ ،‬بل عربوا‬ ‫عن نوع من االنطواء على الذات ال يتنا�سب مع خ�صائ�ص‬ ‫ال��ر��س��ال��ة اخل��امت��ة والأم ��ة ال���ش��اه��دة‪ ،‬ك�م��ا �أن �ه��م ت ��أث��روا‬ ‫بالأعراف التاريخية ال�سائدة يف ع�صرهم حول التق�سيم‬ ‫الدويل للعامل‪ ،‬ف�ضاقت نظرتهم للمو�ضوع فابتعدوا عن‬ ‫املفهوم القر�آين للجغرافيا»(‪.)7‬‬ ‫و�أم��ا الأ�سباب املتعلقة بتحقيق املناط فينبغي الفهم‬ ‫العلمي ل�ل��واق��ع ال ��ذي ي�ف��رز امل���س�ت�ج��دات وال �ن��وازل كما‬ ‫�أفرزتها الأو��ض��اع املجتمعية للم�سلمني‪ ،‬وه��ذا ما �سماه‬ ‫الأ��ص��ول�ي��ون بتنقيح امل�ن��اط وتخريجه وحتقيقه‪ ،‬يقول‬ ‫ابن القيم اجلوزية‪« :‬فهم الواقع والفقه فيه‪..‬فالعلم من‬ ‫يتو�صل مبعرفة الواقع والتفقه فيه �إلى معرفة حكم اهلل‬ ‫ور�سوله»(‪ ،)8‬فلم يعتد امل�سلمون يف تاريخهم بعد الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و��س�ل��م‪ ،‬ع�ل��ى ال�ل�ج��وء �إل ��ى ال�ب�ل��دان غري‬ ‫الإ�سالمية طلبا حلق مهدر �أو هربا من ظلم مفرو�ض‪،‬‬ ‫بل كانت بالد الإ�سالم يف الغالب �أر���ض عز ومناعة‪ ،‬ومل‬ ‫تكن تف�صل بينها ح��دود �سيا�سية‪ ،‬فكلما �ضاقت مب�سلم‬ ‫�أر�ض‪� ،‬أو ان�سدت عليه �سبيل‪ ،‬حتول �إلى ناحية �أخرى من‬ ‫الإمرباطورية الإ�سالمية الف�سيحة دون �أن يح�س بغربة‬ ‫�أو تعرتيه مذلة‪...‬كما �أن الفقهاء الأقدمني مل يعي�شوا‬ ‫ال��وح��دة الأر� �ض �ي��ة ال�ت��ي نعي�شها ال �ي��وم‪ ،‬ح�ي��ث تتداخل‬ ‫الثقافات وتعي�ش الأم��م يف مكان واح��د‪ ،‬و�إمن��ا عا�شوا يف‬ ‫عامل من جزر منف�صلة‪ ،‬ال تعاي�ش بينها وال تفاهم‪ ،‬فكان‬ ‫فقه احل��رب طاغيا بحكم مقت�ضيات ال��واق��ع ي��وم��ذاك‪،‬‬ ‫وما نحتاجه اليوم هو فقه التعاي�ش يف واقع خمتلف كما‬ ‫ونوعا"(‪.)9‬‬ ‫ف �ي �ج��ب االن� �ط�ل�اق يف م �ع��اجل��ة ال �ق �� �ض��اي��ا ال �ك�برى‬ ‫للم�سلمني يف الدول الغربية " من كليات القر�آن الكرمي‬ ‫وغاياته وقيمه العليا ومقا�صد �شريعته ومنهاجه القومي‬ ‫‪ ،‬واال�ستنارة مبا �صح من �سنة‪ ‬و�سرية الر�سول �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم يف تطبيقاته للقر�آن وقيمه وكلياته"[‪،]10‬‬ ‫كما ينبغي الإف ��ادة مما كتبه �أه��ل املقا�صد والأ��ص��ول يف‬ ‫‪ ‬الهوام�ش‪:‬‬

‫ب��اب التمييز ب�ين الو�سائل واملقا�صد يف تنزيل الأح�ك��ام‬ ‫ال�شرعية(‪.)11‬‬ ‫ووجود امل�سلمني يف الدول الغربية‪ ،‬ي�ساعد على توفري‬ ‫�شروط التجديد مبعرفة املجتمعات الغربية عن كتب‪ ،‬و‬ ‫هذا يعترب فر�صة من ذهب لتقدمي خدمات جليلة من‬ ‫طرف احلداثة الغربية للفكر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ويبقى ترتيب الوجود الإ�سالمي ب�شكل دائم و�صحي‬ ‫يف املجتمعات الغربية م��ره��ون مب��دى جن��اع��ة امل�سلمني‬ ‫فيها‪ ،‬والكيفية التي يح�ضرون بها هي التي حتدد املكانة‬ ‫والقيمة لهم‪ ،‬وعليه ف ��إن امل�سلمني مطالبون بتح�سني‬ ‫ح�ضورهم بال�سلوك احل���س��ن‪ ،‬وامل�ع��ام�لات االجتماعية‬ ‫واالق�ت���ص��ادي��ة ال�ف�ع��ال��ة‪ ،‬والإ� �س �ه��ام ال�سيا�سي امل�ستمر‪،‬‬ ‫والإن �ت��اج ال�ث�ق��ايف ال �ه��ادف والتوجيه ال�ترب��وي ال���ص��ارم‪،‬‬ ‫ويتطلب ه��ذا االن�خ��راط ال�سلمي للم�سلمني يف الواقع‬ ‫الغربي فقه الواقع فقها جيدا لإنزال ال�شرعية الإ�سالمية‬ ‫وتطبيقها يف �ضوء مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية وكلياتها‪،‬‬ ‫فلذلك يحتاج هذا الوجود يف الغرب �إلى فقهاء مدققني‬ ‫ورع�ين ال يت�صورون �أن دوره��م جم��رد دور الفقيه الذي‬ ‫ي�أتي بالأحكام ال�شرعية للنا�س ويقول هذا حالل وهذا‬ ‫حرام‪ ،‬و�إمنا عليهم �أن يقوموا بدرا�سة هذا الواقع الغربي‬ ‫من خالل �أهل االخت�صا�ص ‪ ،‬يقول الإمام ال�شاطبي‪" :‬ال‬ ‫تنزل من ي�أتيك على ع��رف بلدك‪ ،‬بل �أن��زل��ه على عرف‬ ‫بلده"‪ ،‬كي ت�ستطيع �أن تفهم ق�ضيته وم�شكلته التي تريد‬ ‫�أن تنزل احلكم عليها‪ ،‬فهناك دور لأهل االخت�صا�ص يف كل‬ ‫علم لتو�صيف هذا الواقع قبل �أن ننزل احلكم ال�شرعي‬ ‫عليه‪ ،‬كلهم علماء واقع ال علماء �شريعة‪ ،‬وبعد هذا ي�أتي‬ ‫دور الفقهاء لأن �أه��ل االخت�صا�ص كالطبيب وال�سيا�سي‬ ‫واالقت�صادي وغريهم قد تكون لهم الكلمة العليا يف كثري‬ ‫من الق�ضايا‪ ،‬ومن مت ف��إن فقه الواقع ال��ذي يعي�ش فيه‬ ‫امل�سلمون ي�سهم كثريا يف تر�سيخ الفكر الو�سطي للإ�سالم‬ ‫القادر على ا�ستيعاب الزمان واملكان‪ ،‬الذي يدفع امل�سلمني‬ ‫�إلى مزيد من اخلري والعدل وال�سالم والأمن واال�ستقرار‪.‬‬

‫‪ - 1‬مدخل �إلى فقه الأقليات‪ :‬نظرات ت�أ�سي�سية‪ ،‬طه جابر العلواين‪ ،‬جملة �إ�سالمية‬ ‫املعرفة‪ ،‬ال�سنة اخلام�سة‪ ،‬العدد التا�سع ع�شر‪ ،‬وا�شنطن‪� ،‬ص ‪ ،12‬بت�صرف‪.‬‬ ‫‪ - 2‬القامو�س ال�سيا�سي‪� ،‬أحمد عطية اهلل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1968 ،3‬م‪� ،‬ص ‪ ،96‬وحممد بن‬ ‫احل�سن احلجوي‪ ،‬الفكر ال�سامي يف تاريخ الفكر الإ�سالمي‪ ،‬تخريج وتعليق‪:‬‬ ‫عبد العزيز عبد الفتاح‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪ ،376‬بت�صرف‪ ،‬ينظر �أي�ضا ‪:‬‬ ‫نحو فقه جديد للأقليات‪ ،‬جمال الدين عطية حممد‪ ،‬دار ال�سالم‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫م�صر‪2007 ،‬م‪� ،‬ص‪ ،3‬بت�صرف‪.‬‬ ‫‪ - 3‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪.303‬‬ ‫‪ - 4‬فتاوي وق��رارات ال��دورة العادية ال�ساد�سة ع�شرة‪ ،‬للمجل�س الأوروب��ي للإفتاء‬ ‫والبحوث‪� ،‬ص ‪ ،302‬املجلة العلمية للمجل�س الأوروب��ي للإفتاء والبحوث‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،11 ،10‬اجلزء الثاين‪ ،‬مايو ‪2007‬م‪..‬‬ ‫‪ -5‬للمزيد من التف�صيل حول مالءمة الإ�سالم والعلمانية يف املجتمعات الغربية‪،‬‬ ‫ينظر �إلى كتاب طارق �أوب��رو‪ ،‬املهنة �إم��ام‪ ،‬دار الن�شر‪� :‬ألبان مي�شال‪ ،‬فرن�سا‪،‬‬ ‫ط‪2009 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -6‬الت�أ�صيل لفقه الأقليات‪� ،‬ضرورته وموجهاته عبد املجيد النجار‪ ،‬احللقة الأولى‪،‬‬ ‫امل�صدر‪،http://www.islamonline.net/livefatwa/Arabic:‬‬ ‫�ص ‪ ، 3-2‬بت�صرف‪.‬‬ ‫‪ -7‬مدخل �إلى فقه الأقليات‪ :‬نظرات ت�أ�سي�سية‪ ،‬طه جابر العلواين‪ ،‬جملة �إ�سالمية‬ ‫املعرفة ‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪� - 8‬إعالم املوقعني‪ ،‬ابن القيم اجلوزية‪ ،‬دار اجليل بريوت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬ج‪� ،1‬ص ‪.88‬‬ ‫‪ -9‬مدخل �إلى فقه الأقليات‪ :‬نظرات ت�أ�سي�سية‪ ،‬طه جابر العلواين‪ ،‬جملة �إ�سالمية‬ ‫املعرفة ‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،14-13 ،‬بت�صرف‪.‬‬ ‫‪ - 10‬نف�سه‪ ،‬بت�صرف‪.‬‬ ‫‪ -11‬للتف�صيل ينظر‪ :‬نظرية املقا�صد عند الإم ��ام حممد ال�ط��اه��ر ب��ن عا�شور‪،‬‬ ‫ا�سماعيل احل�سني‪ ،‬من�شورات املعهد العاملي للفكر الإ�سالمي‪ ،‬وا�شنطن‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1995‬م‪� ،‬ص ‪ ،396‬بت�صرف‪.‬‬


‫بشائر النبوة‬ ‫قبل بعثة النبي صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫مقاالت‬

‫الدكتور تيسير الفتياني‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫ر�سالة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم هي �أعظم الر�ساالت‬ ‫و�أ�شملها‪ ،‬وق��د �أحاطها اهلل بعنايته و�شملها برعايته‪،‬‬ ‫وجعل لها دالئ��ل باهرة‪ ،‬وعالمات ظاهرة‪ ،‬قبل والدت��ه‬ ‫وقبل مبعثه �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وكانت هذه الدالئل‬ ‫ب�شائر على بعثته‪ ،‬وم��ا �ستحمله تلك البعثة م��ن خري‬ ‫للب�شرية جمعاء‪ ،‬وهداية �إلى احلق و�إلى طريق م�ستقيم‪.‬‬ ‫الب�شارات يف امللأ الأعلى‪:‬‬ ‫كان �أم��ره �صلى اهلل عليه و�سلم مذكوراً معلوماً من‬ ‫قبل خلق �آدم عليه ال�سالم‪ ،‬وذلك فيما رواه الإمام �أحمد‬ ‫عن العربا�ض بن �سارية‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪�( :‬إين عبد اهلل خامت النبيني‪ ،‬و�إن �آدم ملنجدل‬ ‫يف طينته‪.)..‬‬ ‫وم��ا رواه الإم ��ام �أح�م��د ع��ن عبد اهلل ب��ن �شقيق عن‬ ‫مي�سرة الفجر قال‪ :‬قلت يا ر�سول اهلل‪ ،‬متى كنت نبياً؟‬ ‫قال‪( :‬و�آدم بني الروح واجل�سد)‪.‬‬ ‫ويف كتاب دالئ��ل النبوة ي��روي حديثاً عن �أب��ي هريرة‬ ‫ر�ضي اهلل عنه قال‪� :‬سئل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫متى وجبت لك النبوة؟ ق��ال‪( :‬ب�ين خلق �آدم ونفخ فيه‬

‫الروح)‪ ،‬ورواه من وجه �آخر عن الإمام الأوزاعي‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫(و�آدم منجدل يف طينته)‪.‬‬ ‫وروي عن البغوي عن �أب��ي هريرة مرفوعاً يف قوله‬ ‫تعالى‪َ ( :‬و�إِ ْذ �أَخَ � ْذ َن��ا ِم��نَ ال َّن ِب ِّي َ‬ ‫ني ِمي َثا َق ُه ْم َو ِم� ْن� َ�ك َو ِم��نْ‬ ‫ُن��و ٍح)‪ ،‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬كنت �أول‬ ‫النبيني يف اخللق و�آخرهم يف البعث)‪.‬‬ ‫وع��ن اب��ن عبا�س قيل ي��ا ر��س��ول اهلل متى كنت نبياً؟‬ ‫قال‪( :‬و�آدم بني الروح واجل�سد) �إ�سناده جيد‪.‬‬ ‫ف�ه��ذه الأخ �ب��ار وغ�يره��ا تفيد ب��أن��ه م�ع��روف يف امل�ل�أ‬ ‫الأعلى ب�أنه خامت النبيني‪ ،‬و�آدم مل ينفخ فيه الروح‪ ،‬لأن‬ ‫علم اهلل تعالى بذلك �سابق قبل خلق ال�سموات والأر�ض‬ ‫ال حمالة‪ ،‬ويف هذا تنويه وتنبيه على �شرفه وعظمته يف‬ ‫�سائر امللل وعلى �أل�سنة الأنبياء‪ ،‬و�إعالمهم بر�سالته يف‬ ‫�آخر الزمان‪ ،‬و�أنه �أكرم املر�سلني وخامت النبيني‪.‬‬ ‫ب�شارات الأنبياء عليهم ال�صالة وال�سالم‬ ‫وهي من �أهم الب�شارات‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬ما ورد يف القر�آن الكرمي‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪} :‬الذين يتبعون الر�سول النبي الأمي‬‫الذي يجدونه مكتوباً عندهم يف التوراة والإجنيل{‪.‬‬ ‫ي�سى ا ْب��نُ َم � ْريمَ َ َي��ا َب ِني‬ ‫ وق��ال تعالى‪َ } :‬و�إِ ْذ َق��ا َل ِع َ‬‫�إ ِْ�س َرا ِئي َل �إِنيِّ َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ �إِ َل ْي ُك ْم ُم َ�ص ِّد ًقا لمِ َا َبينْ َ َي َد َّي‬ ‫ِمنَ ال َّت ْو َرا ِة َو ُم َب ِّ�ش ًرا ِب َر ُ�س ٍ‬ ‫ول َي�أْ ِتي ِمنْ َب ْع ِدي ْا�س ُم ُه‬ ‫�أَ ْح َم ُد{‪.‬‬ ‫ وقال تعالى‪} :‬محُّ َ َّم ٌد َّر ُ�س ُ‬‫ول اللهَّ ِ َوا َّل ِذينَ َم َع ُه �أَ ِ�ش َّدا ُء‬ ‫َعلَى ا ْل ُكفَّا ِر ُر َح َما ُء َب ْي َن ُه ْم َت َر ُاه ْم ُر َّك ًعا ُ�س َّج ًدا َي ْب َتغُو َن‬ ‫َف ْ�ضلاً ِّمنَ اللهَّ ِ َور ِْ�ض َوانًا ِ�سي َم ُاه ْم فيِ ُو ُج ِ‬ ‫وههِم ِّمنْ‬ ‫ال�س ُجو ِد َذ ِل� َ�ك َم َث ُل ُه ْم فيِ ال � َّت � ْو َرا ِة َو َم َث ُل ُه ْم فيِ‬ ‫�أَ َث � ِر ُّ‬ ‫الِجنِ ِ‬ ‫يل{‪.‬‬ ‫ْإ‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪63‬‬


‫‪64‬‬

‫ني لمَ َا �آ َت ْي ُت ُك ْم‬ ‫ وقال تعالى‪َ } :‬و�إِ ْذ �أَخَ َذ اللهَّ ُ ِمي َثا َق ال َّن ِب ِّي َ‬‫ِمنْ ِكتَابٍ َو ِح ْك َم ٍة ُث َّم َجا َء ُك ْم َر ُ�س ٌ‬ ‫ول ُم َ�ص ِّدقٌ لمِ َا َم َع ُك ْم‬ ‫َل ُت�ؤ ِْم نُ َّ‬ ‫ن ِب ِه َو َل َتن ُْ�ص ُر َّن ُه َق��ا َل �أَ�أَ ْق� � َر ْرتمُ ْ َو�أَخَ �ذْتمُ ْ َعلَى‬ ‫َذ ِل ُك ْم �إ ِْ�صرِي َقا ُلوا �أَ ْق َر ْرنَا َقا َل َفا�شْ َه ُدوا َو�أَ َن��ا َم َع ُك ْم‬ ‫ِمنَ ال�شَّ ِاه ِدينَ {‪.‬‬ ‫ وقال تعالى على ل�سان �سيدنا �إبراهيم عليه ال�سالم‪:‬‬‫}ربنا وابعث فيهم ر�سو ًال منهم يتلو عليهم �آياتك{‪.‬‬ ‫ب‪ .‬ما ورد يف ال�سنة‪:‬‬ ‫ م��ا رواه البخاري ع��ن اب��ن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما‬‫ق��ال‪( :‬م��ا بعث اهلل نبياً �إال �أخ��ذ عليه امليثاق؛ لئن‬ ‫بعث حممد وهو حي لي�ؤمنن به ولين�صرنه‪ ،‬و�أمره‬ ‫�أن ي�أخذ مع �أمته امليثاق؛ لئن بعث حممد وهم �أحياء‬ ‫لي�ؤمنن به ولين�صرنه وليتبعنه)‪ ،‬فيعلم من هذا �أن‬ ‫جميع الأنبياء ب�شروا و�أمروا باتباعه‪.‬‬ ‫ ما رواه الإمام �أحمد عن �أبي �أمامة قال‪ :‬قلت يا ر�سول‬‫اهلل‪ ،‬ما ك��ان ب��دء �أم��رك؟ ق��ال‪( :‬دع��وة �أب��ي �إبراهيم‬ ‫وب�شرى عي�سى‪ ،‬ور�أت �أمي �أنه يخرج منها نور �أ�ضاءت‬ ‫له ق�صور ال�شام)‪� ،‬أي �أنه �صلى اهلل عليه و�سلم �أراد‬ ‫بدء �أمره بني النا�س وا�شتهار ذكره وانت�شاره‪ ،‬فذكر‬ ‫دع��وة �إب��راه�ي��م ال��ذي تن�سب �إل�ي��ه ال�ع��رب ث��م ب�شارة‬ ‫عي�سى الذي هو خامت �أنبياء بني �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫ب�شارات اهل الكتاب من �أحبار اليهود ورهبان الن�صارى‬ ‫ومن ذلك ما رواه ابن �إ�سحاق‪ :‬عن عا�صم عن رجال‬ ‫من قومه‪ ،‬قالوا‪� :‬إن مما دعانا �إلى الإ�سالم ‪ -‬من رحمة‬ ‫اهلل تعالى وه��داه لنا ‪� -‬أن كنا ن�سمع من رجل من يهود‬ ‫وكنا �أهل �شرك �أ�صحاب �أوثان‪ ،‬وكانوا �أهل كتاب عندهم‬ ‫علم لي�س لنا‪ ،‬وكانت ال يزال بيننا وبينهم �شرور‪ ،‬ف�إذا نلنا‬ ‫منهم بع�ض ما يكرهون‪ ،‬قالوا لنا‪� :‬إنه تقارب زمان نبي‬ ‫يبعث‪ ،‬نقتلكم معه قتل ع��اد و�إرم‪ ،‬فكنا كثرياً ما ن�سمع‬ ‫ذلك منهم‪ ،‬فلما بعث اهلل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫�أجبناه حني دعانا �إل��ى اهلل‪ ،‬وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا‬ ‫به �إل�ي��ه‪ ،‬ف�آمنا به وك�ف��روا ب��ه‪ .‬وفيهم نزلت ه��ذه الآي��ة‪:‬‬ ‫َاب ِمنْ ِعن ِْد اللهَّ ِ ُم َ�ص ِّدقٌ لمِ َا َم َع ُه ْم َو َكانُوا‬ ‫} َولمَ َّا َجا َء ُه ْم ِكت ٌ‬ ‫ِمنْ َق ْب ُل َي ْ�س َت ْف ِت ُحو َن َعلَى ا َّل ِذينَ َك َف ُروا َفلَ َّما َجا َء ُه ْم َما‬ ‫َع َر ُفوا َك َف ُروا ِب ِه َفلَ ْع َن ُة اللهَّ ِ َعلَى ا ْلكَا ِفرِينَ {‪.‬‬ ‫وما رواه �أبو نعيم يف الدالئل عن عبد اهلل بن �سالم‪� :‬أن‬ ‫اهلل ملا �أراد هدى زيد‪ ،‬قال زيد‪ :‬مل يبق �شيء من عالمات‬ ‫النبوة �إال وقد عرفتها يف وجه حممد �صلى اهلل عليه حني‬ ‫نظرت �إل�ي��ه‪� ،‬إال اثنتني مل �أخربهما منه‪ :‬ي�سبق حلمه‬ ‫جهله‪ ،‬وال يزيده �شدة اجلهل عليه �إال حلماً‪ ،‬قال‪ :‬فكنت‬ ‫�أتلطف له لأن �أخالطه ف�أعرف حلمه وجهله‪ ،‬فذكر ق�صة‬ ‫�إ�سالمه للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬قال‪ :‬فلما حل الأجل‬

‫�أتيته‪ ،‬ف�أخذت مبجامع قمي�صه وردائه‪ ،‬وهو يف جمع مع‬ ‫�أ�صحابه‪ ،‬ونظرت �إليه بوجه غليظ‪ ،‬وقلت‪ :‬يا حممد‪� ،‬أال‬ ‫تق�ضي حقي؟ فواهلل ما علمتكم بني عبد املطلب ملطل!‬ ‫ق��ال‪ :‬فنظر �إ َّ‬ ‫يل عمر‪ ،‬وعيناه ي��دوران يف وجهه كالفلك‬ ‫امل�ستدير‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا عدو اهلل �أتقول لر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ما �أ�سمع‪ ،‬وتفعل ما �أرى؟ فوالذي بعثه باحلق‬ ‫لوال ما �أح��اذر لومه ل�ضربت ب�سيفي ر�أ�سك‪ .‬ور�سول اهلل‬ ‫ينظر �إلى عمر يف �سكون وت�ؤده‪ ،‬وتب�سم‪ ،‬ثم قال‪�( :‬أنا وهو‬ ‫كنا �أحوج �إلى غري هذا منك يا عمر‪� ،‬أن ت�أمرين بح�سن‬ ‫الأداء‪ ،‬وت�أمره بح�سن الطلب‪ ،‬اذه��ب يا عمر ف��أده حقه‪،‬‬ ‫وزد ع�شرين �صاعاً من متر) ف�أ�سلم زيد ر�ضي اهلل عنه‪،‬‬ ‫و�شهد بقية امل�شهد مع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫وتويف عام تبوك رحمه اهلل‪.‬‬ ‫عن عبد اهلل بن �سالم �أنه كان يقول‪� :‬إنا لنجد �صفة‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�( :‬إن��ا �أر�سلناك �شاهداً‬ ‫ومب�شراً ون��ذي��راً للأميني‪� ،‬أن��ت عبدي ور��س��ويل‪� ،‬سميته‬ ‫املتوكل لي�س بفظ وال غليظ وال �صخاب يف الأ�سواق‪ ،‬وال‬ ‫يجزي ال�سيئة مبثلها‪ ،‬ولكن يعفو ويتجاوز‪ ،‬ولن يقب�ضه‬ ‫حتى يقيم به امللة العوجاء‪ ،‬ب�أن ي�شهدوا �أال �إله �إال اهلل‪،‬‬ ‫يفتح بها �أعيناً عمياً‪ ،‬و�آذاناً �صماً‪ ،‬وقلوباً غلفاً)‪.‬‬ ‫ب�شارات الكهان‬ ‫�أما الكهان فقد كانت ت�أتيهم بالأخبار �شياطني اجلن‬ ‫التي ت�سرتق ال�سمع‪ ،‬حيث مل تكن حمجوبة ع��ن ذلك‬ ‫ومل تكن تقذف بالنجوم‪ ،‬فكان الكهنة يقع منهما بع�ض‬ ‫ذك ٍر لأمور نبي �آخر الزمان‪ ،‬ولكنَّ العرب مل يكونوا يلقوا‬ ‫لذلك با ًال‪ ،‬حتى بعث اهلل حممداً �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫ووق�ع��ت تلك الأم ��ور‪ ،‬فعرفها ال �ع��رب‪ .‬فلما ت�ق��ارب �أم��ر‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وح�ضر زم��ان مبعثه‪،‬‬ ‫حجبت ال�شياطني عن ال�سمع‪ ،‬فعرفت ال�شياطني �أن ذلك‬ ‫لأم��ر حدث من �أم��ر اهلل عز وج��ل‪ ،‬ويف ذلك قال تعالى‪:‬‬ ‫} ُق ْل �أُ ِ‬ ‫وح َي �إِليَ َّ �أَ َّن ُه ْا�س َت َم َع َن َف ٌر ِّمنَ الجْ ِ نِّ َفقَا ُلوا �إِنَّا َ�س ِم ْعنَا‬ ‫ُق ْر�آناً َع َجباً (‪َ )1‬ي ْه ِدي �إِ َلى ال ُّر�شْ ِد َف�آ َمنَّا ِب ِه َو َلن نُّ�شْ ر َِك‬ ‫ِب َر ِّبنَا �أَ َحداً{ �إلى �آخر ال�سورة‪.‬‬ ‫وق��ال ت�ع��ال��ى‪َ } :‬و�إِ ْذ � َ��ص� َر ْف� َن��ا �إِ َل � ْي� َ�ك َن � َف � ًرا ِّم��نَ الجْ ِ ��نِّ‬ ‫َي ْ�ست َِم ُعو َن ا ْل ُق ْر�آ َن َفلَ َّما َح َ�ض ُرو ُه َقا ُلوا �أَ ِ‬ ‫ن�صتُوا َفلَ َّما ُق ِ�ض َي‬ ‫َو َّل ْوا �إِ َلى َق ْو ِمهِم ُّم ِ‬ ‫نذ ِرينَ (‪َ )29‬قا ُلوا َيا َق ْو َمنَا �إِنَّا َ�س ِم ْعنَا‬ ‫و�سى ُم َ�ص ِّد ًقا لمِّ َا َبينْ َ َي َد ْي ِه َي ْه ِدي �إِ َلى‬ ‫ِكتَا ًبا �أُن ِز َل ِمن َب ْع ِد ُم َ‬ ‫يم{‪.‬‬ ‫الحْ َ ِّق َو�إِ َلى َطرِيقٍ ُّم ْ�س َت ِق ٍ‬ ‫ومما ورد‪ :‬ما رواه ابن �إ�سحاق‪�( :‬أن �أول العرب فزع‬ ‫للرمي بالنجوم ‪ -‬حني رمي بها ‪ -‬هذا احلي من ثقيف‪،‬‬ ‫و�أن�ه��م ج��اءوا �إل��ى رج��ل منهم‪ ،‬يقال ل��ه‪ :‬عمرو بن �أمية‬ ‫ وكان داهية ‪ -‬فقالوا له‪ :‬يا عمرو‪� ،‬أمل تر ما حدث يف‬‫ال�سماء من القذف بهذه النجوم؟ قال بلى‪ ،‬فانظروا ف�إن‬ ‫كانت معامل النجوم التي يهتدى بها يف ال�بر والبحر‪،‬‬


‫ويعرف بها الأنواء من ال�صيف وال�شتاء ملا ي�صلح النا�س يف يطهر قلبه م��ن ح��ظ ال�شيطان‪ ،‬فيما رواه م�سلم عن‬ ‫معاي�شهم‪ ،‬هي التي يرمى بها؛ فهو واهلل طي وهالك هذا �أن�س‪� :‬أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أتاه جربيل وهو‬ ‫اخللق‪ ،‬و�إن كانت جنوماً غريها‪ ،‬وهي ثابته على حالها؛ يلعب مع الغلمان‪ ،‬ف�أخذه ف�صرعه‪ ،‬ف�شق قلبه‪ ،‬فا�ستخرج‬ ‫فهذا الأمر �أراد اهلل به هذا اخللق‪ ،‬فما هو؟)‪.‬‬ ‫القلب‪ ،‬فا�ستخرج منه علقة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا حظ ال�شيطان‬ ‫هواتف اجلان‬ ‫منك‪ ،‬ثم غ�سله يف ط�ست من ذهب فيه ماء زمزم‪.‬‬ ‫�أما هواتف اجلان‪ ،‬فما رواه الإمام البخاري عن عبد‬ ‫ه‪ .‬عبد املطلب ي�ست�سقي بر�سول اهلل‬ ‫اهلل بن عمر قال‪ :‬ما �سمعت عمر يقول ل�شيء قط‪� :‬إين‬ ‫ق��ال��ت قري�ش‪ :‬ي��ا �أب��ا ط��ال��ب‪ ،‬اق�ح��ط ال ��وادي و�أج��دب‬ ‫لأظنه‪� ..‬إال كان كما يظن! بينما عمر بن اخلطاب جال�س‪،‬‬ ‫�إذ مر به رجل جميل‪ ،‬فقال‪ :‬لقد �أخط�أ ظني‪� ،‬أو �إن هذا العيال‪ ،‬فهلم فا�ست�سق فخرج �أب��و طالب ومعه غ�لام‪..‬‬ ‫على دينه يف اجلاهلية �أو لقد كان كاهنهم على الرجل‪ ،‬ف��أخ��ذه �أب��و طالب‪ ،‬ف�أل�صق ظهره بالكعبة‪ ،‬والذ الغالم‬ ‫فدعى به فقال له ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ما ر�أيت كاليوم ا�ستقبل به ب�أ�صبعه وما يف ال�سماء قزعة‪ ،‬ف�أقبل ال�سحاب من ها هنا‬ ‫رجال م�سلماً‪ ،‬قال ف�إين �أعزم عليك �إال ما �أخربتني‪ ،‬قال‪ :‬ومن ها هنا‪ ،‬و�أغدق واغدودق‪ ،‬وانفجر الوادي‪ ،‬و�أخ�ضب‬ ‫كنت كاهنهم يف اجلاهلية‪ ،‬قال‪ :‬فما �أعجب ما جاءتك به النادي والبادي‪ ،‬و�إلى هذا �أ�شار �أبو طالب حني قال‪:‬‬ ‫جنيتك؟ قال‪ :‬بينما �أنا يف ال�سوق يوماً‪ ،‬جاءتني ‪� -‬أعرف‬ ‫و�أبي�ض ي�ست�سقي الغمام بوجهه‬ ‫اجلن‪ ‬و�إ ْبال�سها‪ ،‬وي�أ�سها‬ ‫منها الفزع ‪ -‬فقالت‪� :‬أمل ت� َر َّ‬ ‫ثمال اليتامى ع�صمة الأرامل‬ ‫من‪ ‬بعد انتكا�سها‪ ،‬وحلوقها القال�ص و�أحال�سها‪..‬‬ ‫قال عمر‪� :‬صدق‪ ،‬بينما �أنا نائم عند �آلهتهم‪� ،‬إذ جاء‬ ‫و‪ .‬بحريى الراهب وا�ستدالله على نبوة حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫رج��ل بعجل فذبحه‪ ،‬ف�صرخ به �صارخ‪ ،‬مل �أ�سمع �صارخا‬ ‫ملا بلغ ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم اثنتي ع�شرة‬ ‫قط �أ�شد �صوتا منه‪ ،‬يقول‪ :‬يا جليح‪� ،‬أم��ر جنيح‪ ،‬رجل‬ ‫ف�صيح‪ ،‬يقول‪ :‬ال �إله �إال اهلل‪ .‬فوثب القوم‪ ،‬قلت‪ :‬ال �أبرح �سنة‪ ،‬ارحت��ل به �أب��و طالب تاجراً �إل��ى ال�شام‪ ،‬حتى و�صل‬ ‫حتى �أعلم ما وراء ه��ذا‪ ،‬ثم ن��ادى‪ :‬يا جليح‪� ،‬أم��ر جنيح‪� ،‬إل��ى ب�صرى‪ ،‬وك��ان يف ه��ذا البلد راه��ب ع��رف ببحريى‪،‬‬ ‫رجل ف�صيح‪ ،‬يقول‪ :‬ال �إله �إال اهلل‪ .‬فقمت‪ ،‬فما ن�شبنا �أن فلما ن��زل ال��رك��ب‪ ،‬خ��رج وق ��ال‪ :‬ه��ذا �سيد ال�ع��امل�ين‪ ،‬هذا‬ ‫ر�سول رب العاملني‪ ،‬هذا يبعثه اهلل رحمة للعاملني‪ ،‬فقال له‬ ‫قيل هذا نبي‪.‬‬ ‫ب�شائر النبوة عند والدته �صلى اهلل عليه و�سلم �أبو طالب‪ :‬وما علمك بذلك؟ فقال‪� :‬إنكم حني �أ�شرفتم‬ ‫من العقبة مل يبق حجر وال �شجر �إال خر �ساجداً‪ ،‬وال‬ ‫�أ‪ .‬خروج نور عند والدته �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ي�سجدان �إال لنبي‪ ،‬و�إين �أعرفه بخامت النبوة و�إنا جنده يف‬ ‫فعن العربا�ض بن �سارية ر�ضي اهلل عنه قال‪� :‬سمعت كتبنا‪ ،‬ثم �أكرمهم بال�ضيافة‪ ،‬و�س�أل �أبا طالب �أن يرده وال‬ ‫ر��س��ول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ي�ق��ول‪�( :‬إين عبد اهلل يقدم به �إلى ال�شام خوفاً عليه من الروم واليهود‪ ،‬فبعثه‬ ‫وخامت النبيني‪ ،‬و�إن �آدم ملنجدل يف طينته‪ ،‬و�س�أخربكم عن عمه مع بع�ض غلمانه �إلى مكة‪ .‬رواه الرتمذي واحلاكم‪،‬‬ ‫ذل��ك‪ :‬دع��وة �أب��ي �إبراهيم‪ ،‬وب�شارة عي�سى بي‪ ،‬ور�ؤي��ا �أمي‬ ‫التي ر�أت‪ ،‬وكذلك �أم�ه��ات النبيني ي��ري��ن)‪� ،‬إن �أم حممد و�صححه الألباين‪.‬‬ ‫خامتة‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ر�أت حني و�ضعت ن��وراً �أ��ض��اءت له‬ ‫ق�صور ال�شام)‪.‬‬ ‫�إن اهلل تعالى بعث �إلينا و�إلى الأمم نبياً �أمياً لي�س بفظ‬ ‫ج‪ .‬الربكة العامة يف بيت مر�ضعته حليمة ال�سعدية ومالها وال غليظ القلب وال �صخاب يف الأ�سواق‪� ،‬سدده لكل جميل‪،‬‬ ‫فقد كان من عادة قري�ش �أن يطلبوا لأبنائهم مر�ضعات ووهب له كل خلق كرمي‪ ،‬ثم جعل ال�سكينة لبا�سه‪ ،‬والرب‬ ‫من البادية‪ ،‬لتقوى �أج�سادهم وترتبى على حياة البادية‪� ،‬شعاره‪ ،‬والتقوى يف �ضمريه‪ ،‬واحلكمة يف مقولته‪ ،‬والوفاء‬ ‫وكان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ممن عا�ش يف البادية‪ ،‬طبيعته‪ ،‬والعدل �سريته‪ ،‬واحلق �شريعته‪ ،‬والهدى ملته‪،‬‬ ‫و�أر�ضعته حليمة ال�سعدية‪ ،‬فحدث لها ولزوجها من النعم والإ�سالم دينه‪ ،‬والقر�آن كتابه‪ ،‬ا�سمه �أحمد‪ ،‬هدى اهلل به‬ ‫الكثرية �أثناء مكث حممد بن عبد اهلل معهما‪ ،‬ذكرها ابن من ال�ضاللة‪ ،‬ورفع به ذكر العرب بعد اخلمالة‪ ،‬وجمعهم‬ ‫ا�سحاق يف كتابه برواية حليمة ال�سعدية نف�سها‪.‬‬ ‫بعد الفرقة‪ ،‬و�أل��ف به بني قلوبهم املختلفة‪ ،‬وجعل �أمته‬ ‫د‪� .‬شق �صدره عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫خري �أمة �أخرجت للنا�س‪ ،‬قرابينهم دما�ؤهم‪ ،‬و�أناجيلهم‬ ‫فكانت املرة الأول��ى ور�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف �صدورهم‪ ،‬رهباناً يف الليل‪ ،‬ليوثاً بالنهار ‪ ..‬ذلك ف�ضل‬ ‫عند مر�ضعته حليمة ال�سعدية‪ ،‬فقد �أراد اهلل تعالى �أن اهلل ي�ؤتيه من ي�شاء‪ ،‬واهلل وا�سع عليم‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪65‬‬


‫أحاديث ال تنقصها الصراحة ‪:‬‬

‫مفاهيم ينبغي استيقانها‬ ‫مقاالت‬

‫أ‪ .‬إبراهيم العجلوني‬

‫‪66‬‬

‫ن��ورد �أدن��اه ر�ؤي��ة ـ نرجو �أن تكون �صحيحة ـ لثالثة‬ ‫مفاهيم‪ ،‬نح�سب �أن الرتبية الوطنية يف الأردن ينبغي �أن‬ ‫تكون قائمة عليها �أو وثيقة الأ�سباب بها ‪ ،‬وهي مفاهيم ‪:‬‬ ‫الوطن ‪ ،‬واجلرية ‪ ،‬والع�شرية ‪.‬‬ ‫ ونحن ن�أمل من ب�سط ر�ؤيتنا لهذه املفاهيم �أن‬ ‫تكون مو�ضع نظر ذوي الألباب يف بلدنا العربي هذا ويف‬ ‫جميع �أقطار العروبة والإ�سالم ‪.‬‬ ‫ وه��ي بعد مفاهيم مطروحة للنقا�ش لكل من‬ ‫كان له قلب �أو �ألقى ال�سمع وهو �شهيد ‪.‬‬ ‫• مفهوم الوطن ‪:‬‬ ‫املفهوم ‪ ،‬بوجه عام ‪ ،‬هو ال�صورة الذهنية التي منتلكها‬ ‫لأمر من الأمور ‪.‬‬ ‫ومفهوم ال�شيء ومعناه �سواء ‪ ،‬لكن املعنى معرب عنه‬ ‫باللفظ دائما ‪ ،‬يف حني قد يبقى املفهوم م�ستكنا يف وعينا‬ ‫دون تعبري ‪.‬‬ ‫ف � ��إذا ق�ل�ن��ا م�ث�لا �إن م�ف�ه��وم ال��وط��ن ق��ائ��م يف وع��ي‬ ‫الأردنيني جميعا ؛ ف�إن ذلك ال يتعار�ض مع قولنا �إن قلة‬ ‫منهم هي التي متلك التعبري عن معنى الوطن ‪.‬‬

‫ون�ح��ن ه�ن��ا ن��ري��د �أن ننتقل م��ن امل�ف�ه��وم ال�ق��ائ��م يف‬ ‫الوجدان �إلى املعنى ال�سائر على الل�سان‪ ،‬حتى ن�ستطيع‬ ‫جميعا �أن جنيب على ال�س�ؤال الذي قد نتعر�ض له حول‬ ‫مفهوم الوطن‪ :‬ما هو ؟ وحتى يكون لنا يف ذلك �إجابة‬ ‫موحدة كوحدة �إرادتنا الوطنية وا�ضحة كو�ضوح �أهدافنا‪.‬‬ ‫�إن الوطن فيما ن�ؤمن به ‪ ،‬هو (ح�ضور �إن�ساين متميز‬ ‫متجذر يف املكان ممتد يف الزمان ) ‪.‬‬ ‫فالوطن الأردين الذي ننتمي �إليه هو هذا احل�ضور‬ ‫الإن�ساين الفاعل لأجيال العرب التي �سكنت �أر�ض الأردن‬ ‫جيال �إث��ر جيل من �أق�صاه �إل��ى �أق�صاه ‪ ،‬وال��ذي ك��ان له‬ ‫دميومته التاريخية م��ن �أع��ايل ت��اري��خ ال�ع��رب �إل��ى هذه‬ ‫اللحظة من الزمن ‪.‬‬ ‫�إن ال�ت�ج��ذر يف امل�ك��ان واالم �ت��داد يف ال��زم��ان �شرطان‬ ‫�ضروريان مالزمان للح�ضور الإن�ساين ومميزان له من‬ ‫�سائر �ألوان الإقامة �أو املكوث �أو املرور‪ ،‬ومن �سائر �ألوان‬ ‫العالقات املحتملة بني �إن�سان ما وبني بيئة من البيئات‪.‬‬ ‫�إن �أحدنا ليذهب �صبيحة العيد ليقر�أ الفاحتة على‬ ‫روح قريب حميم له ‪ ،‬ف��إذا هو يقر�ؤها يف الوقت نف�سه‬ ‫على روح جده وجد جده ثم على رميم �أ�سالفه املختلط‬ ‫ب��ال�تراب ‪ ،‬ف�ضال عن �أن��ه لن يت�صور لرفاته هو م��أوى‬ ‫خارج هذه الأر�ض ‪ ،‬وال لأبنائه و�أحفاده ‪ ،‬فهي دار �إقامته‬ ‫حيا وميتا ‪ ،‬وهي التي ت�ضم �أ�صوله وفروعه يف �آن واحد‬ ‫معا ‪..‬‬ ‫�إن ال��ذي��ن ي�ن�ظ��رون �إل ��ى الأردن ‪� ،‬أو �إل ��ى �أي وط��ن‬ ‫عربي �آخر ‪ ،‬ب�صفة كونه (قاعة ترانزيت) يعربونها �إلى‬ ‫�أهدافهم البعيدة �أو القريبة ‪� ،‬أو الذين يرونه �سوقا كبرية‬ ‫لال�ستثمار االقت�صادي ‪� ،‬أو �ساحة للمغامرة الفردية ‪� ،‬أو‬ ‫لل�صراعات االيديولوجية املجلوبة ‪ ..‬كل ه�ؤالء جتفوهم‬ ‫احلقيقة ويخط�ؤهم ال�صواب وتختلط لديهم املفاهيم‬ ‫والت�صورات ‪.‬‬ ‫�أم ��ا ال��ذي��ن ي ��رون يف الأردن م�ي�راث الأج� ��داد ال��ذي‬ ‫ينبغي �أن نرتكه لأحفادنا �أك�ثر ع��زة وك��رام��ة ‪ ،‬و�أن�ضر‬ ‫وجها ‪ ،‬و�أقوى منعة ؛ ف�إولئك وحدهم الذين ي�ست�شعرون‬ ‫مفهوم الوطن على نحو ما هو يف حقيقته الإن�سانية التي‬ ‫�أ�شرنا �إليها �آنفا ‪ ،‬وهم وحدهم الذين ميلكون حق متثيله‬ ‫وترجمة �إرادته �إلى واقع ملمو�س ‪.‬‬


‫من �أج��ل ذل��ك كله ك��ان ( الوطن ) �أم��ان��ة ال يحملها‬ ‫غري �أويل العزم من النا�س‪ ،‬وكان معنى عظيما ال تتبينه‬ ‫على حقيقته �إال النفو�س الطيبة ال�صافية التي تت�سع‬ ‫للآخرين ‪ ،‬وتتجاوز �أبعادها الذاتية �إل��ى ما ورائها من‬ ‫التزامات �إن�سانية عري�ضة �أو �آفاق قيمية تعطي للوجود‬ ‫معناه ‪..‬‬ ‫ول�ع��ل م��ن حت�صيل احل��ا��ص��ل ال �ق��ول ه�ن��ا �إن ال��وط��ن‬ ‫لي�س وظيفة ‪ ،‬وال ر�صيدا بنكيا ‪ ،‬وال �سوقا مالية ‪ ،‬وال‬ ‫مزرعة ‪ ،‬وال ا�ستثمارا �سياحيا �أو �سيا�سيا ‪ ،‬وال حمطة على‬ ‫طريق ؛ فقد ك��ان الوطن ومل يكن ذل��ك كله ‪ ،‬و�سيبقى‬ ‫الوطن ويذهب ذلك كله ‪ ،‬وما من منطق يلزمنا بالنظر‬ ‫�إليهما مقرتنني ‪� ،‬إال �أن يكون هو منطق الزيف واخلديعة‬ ‫واال�ستالب ‪..‬‬ ‫و�إن مما نطمئن �إليه �أن مفهوم الوطن غري ملتب�س‬ ‫يف وجداننا الأردين ‪ ،‬و�أنه وا�ضح كاملحجة البي�ضاء تراه‬ ‫القلوب قبل �أن تراه الأعني ‪ ،‬وت�سيجه ال�سواعد يف حر�ص‬ ‫حري�ص ‪ ،‬وحدب دائب مو�صول ‪..‬‬ ‫• مفهوم اجلرية‪:‬‬ ‫وهو مفهوم ال يقت�صر ‪ ،‬يف ت�صورنا ‪ ،‬على حدود اجلار‬ ‫الأدن��ى �أو عند ( �سابع جار ) كما يقال ‪ ،‬بل يتجاوز ذلك‬ ‫�إلى �سكان القرية �أو البلدة �أو احلي �أو املدينة ‪.‬‬ ‫ونحن نعلم �أن الأردن قد امتد العمران فيه وتقاربت‬ ‫امل��دن ‪ ،‬و�أف�ضى بع�ضها �إل��ى بع�ض ‪ ،‬ف�أبنا�ؤه ‪ ،‬جميعهم ‪،‬‬ ‫جريان ‪ ،‬ميلك الواحد منهم �أن يطالب الآخرين ‪ ،‬على‬ ‫اختالف مواقعهم و�أحوالهم ‪ ،‬بحقوق اجل�يرة و�آداب�ه��ا ‪،‬‬ ‫على نحو ما يطلبها من جاره القريب امل�صاقب‪.‬‬ ‫لقد جاء يف احلديث ال�شريف �أنه لي�س م�ؤمنا من بات‬ ‫�شبعان وجاره جائع ‪ ،‬كما جاء �أنه لي�س م�ؤمنا من ال ي�أمن‬ ‫جاره بوائقه ‪ ،‬و�إن لنا �أن نقي�س على هذا الهدي النبوي‬ ‫فنقول ‪� :‬إن��ه لي�س �أردن �ي��ا م��ن يبيت �شبعان ويف وطنه‬

‫جياع ‪ ،‬ولي�س �أردنيا من ال ميتلك �إح�سا�سا حثيثا بهموم‬ ‫�سائر الأردنيني و�أوجاعهم ‪� ،‬أو من يغ�ض طرفا عن ذلك‬ ‫ويكتفي دونه ب�أفقه ال�ضيق ودائرته الفردية ‪..‬‬ ‫�إن��ه ‪� ،‬إذن ‪ ،‬ال يعرف للجرية حقها ‪ ،‬وهو غري جدير‬ ‫ب�شرف االنت�ساب ؛ ال �إلى الأردن وال �إلى الأمة العربية وال‬ ‫�إلى �شرعة الإ�سالم ‪.‬‬ ‫• مفهوم الع�شرية‪:‬‬ ‫الع�شرية حقيقة �إن�سانية قائمة على اختالف الليل‬ ‫والنهار ‪.‬‬ ‫فما دام هناك �أمهات يلدن و�آباء ين�سلون و�أ�سراً تت�شكل‬ ‫وتكرب ف�إن بنية الع�شرية �ستظل على نحو �آو �آخر قائمة ‪،‬‬ ‫و�سيظل النا�س �أ�سراً وع�شائر �إلى يوم يبعثون‪.‬‬ ‫�إن �صلة الرحم هي املظلة القيمية لروح الع�شرية ‪ .‬و�إن‬ ‫هذه الروح ال حتول دون االنتماء الوطني الأو�سع ‪ .‬بل هي‬ ‫واحدة من روابطه وعن�صر رئي�س فيه‪.‬‬ ‫لقد �أراد الفيل�سوف الأمل ��اين ( هيجل ) ل�ل��دول��ة �أن‬ ‫تتمثل قيم الأ�سرة ‪� ،‬أو �أن تكون امتدادا لها ‪ .‬و�إن من حقنا‬ ‫�أن نطالب بح�سن فهم وتفهم ما تعنيه روح الع�شرية يف‬ ‫حياتنا االجتماعية الأردنية ‪.‬‬ ‫وهكذا ف�إنه ملخطئ �أفدح اخلط�أ ذلك الذي ينكر دفء‬ ‫العالقات الإن�سانية التي جتمع �أب�ن��اء ه��ذه الع�شرية �أو‬ ‫تلك ‪� ،‬أو ي�ضرب �صفحا ع��ن القيم النبيلة التي تلتقي‬ ‫عليها الع�شائر الأردنية بوجه عام ‪� ،‬أو يريد ـ �ضربة الزم‬ ‫وبجهالة عمياء ـ �أن ينفي الع�شرية ب�صفة كونها ن�سيجا‬ ‫حيا فاعال ‪ ،‬من بنية املجتمع الأردين �أو �أي جمتمع عربي‬ ‫�آخر ‪.‬‬ ‫وي �ظ��ل واح� ��دا م��ن ط�م��وح��ات�ن��ا ال��وط�ن�ي��ة �أن ي�صبح‬ ‫�أب� �ن ��اء ه ��ذا ال �ب �ل��د ج�م�ي�ع��ا ع �� �ش�يرة واح � ��دة ‪ ،‬يف وط�ن�ه��م‬ ‫ال��واح��د ‪ ،‬ال��ذي يلتقون على افتدائه باملهج والأرواح ‪..‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪67‬‬


‫إصالح الفكر الديني‬ ‫عند المسلمين‬ ‫مقاالت‬

‫د‪ .‬محمد خير الطرشان‬ ‫أستاذ القضايا الفكرية المعاصرة‬

‫‪68‬‬

‫يعد اخلطاب الديني �أ�سا�ساً ه��ام�اً‪ ،‬ومرتكزاً رئي�ساً‬ ‫لعملية الإ� �ص�لاح والتجديد ال��دائ�م�ين للفكر الديني‪،‬‬ ‫فهو يف الأ�صل خطاب الر�سل عليهم ال�صالة وال�سالم‬ ‫مع �أقوامهم‪ ،‬كما �أن��ه خطاب امل�صلحني لأتباعهم‪ ،‬وقد‬ ‫امتدحه اهلل تعالى يف ال�ق��ر�آن الكرمي بقوله‪َ } :‬و ُه� �دُوا ِ�إ َل��ى‬ ‫َّ‬ ‫الط ِّيبِ ِمنَ ا ْل َق ْولِ َو ُهدُوا ِ�إ َلى ِ�ص َر ِ‬ ‫اط الحْ َ ِمي ِد{‪( ،‬احلج‪.)24 :‬‬ ‫واخل�ط��اب الديني ل��ه ه��دف ��س��ام يتمثل يف تو�ضيح‬ ‫ر�سالة الإن�سان يف ه��ذه احل�ي��اة‪ ،‬وو�سائل تنفيذها‪ ،‬قال‬ ‫ت�ع��ال��ى‪َ } :‬و َم ��ا خَ �لَ� ْق��تُ الجْ ِ ��نَّ َو ْ إِال ْن� �� � َ�س �إ اَِّل ِل � َي � ْع � ُب � ُد ِ‬ ‫ون{‬ ‫(الذاريات‪.)56 :‬‬ ‫فاهلل عز وجل �أوجد الإن�سان يف هذا الكون لكي يعمره‬ ‫بالنفع واخل�ي�ر‪ ،‬زراع � � ًة‪ ،‬و��ص�ن��اع� ًة‪ ،‬واخ�ت�راع� �اً‪ ،‬واب �ت �ك��اراً‪،‬‬ ‫وتطويراً‪ ،‬وم�ه��ارات؛ لأننا يف ع�صر ال تتناف�س فيه الأم��م‬ ‫بات�ساع رقعة �أرا�ضيها و�أمالكها‪ ،‬وال بكرثة ع��دد �سكانها‪،‬‬ ‫ولكنها تتناف�س يف العلوم واالخرتاعات والقوة‪ ،‬وهو ما ن َد َبنا‬ ‫�إليه الإ�سالم من خالل قول النبي عليه ال�صالة وال�سالم‪:‬‬ ‫أحب �إلى اهلل من امل�ؤمن ال�ضعيف"‪.‬‬ ‫"امل�ؤمن القوي خ ٌ‬ ‫ري و� ُّ‬ ‫لذلك ميكن �أن ن�ضع �أ�س�ساً للخطاب الديني املثمر‬ ‫نحددها يف النقاط التالية‪:‬‬

‫‪� -1‬أن ي�ستمد اخلطاب الديني �أ�سلو َبه من القر�آن‬ ‫َاب �أَ ْن َز ْلنَا ُه �إِ َل ْي َك‬ ‫الكرمي‪ ،‬الذي قال فيه اهلل �سبحانه‪ِ }:‬كت ٌ‬ ‫َّا�س ِم��نَ ُّ‬ ‫الظ ُل َم ِات �إِ َل��ى النُّو ِر ِب ��إِذ ِْن َر ِّب� ِه� ْم ِ�إ َل��ى‬ ‫ِلتُخْ ِر َج الن َ‬ ‫اط ا ْل َعزِي ِز الحْ َ ِم ِ‬ ‫ِ�ص َر ِ‬ ‫يد{‪�( ،‬إبراهيم‪.)1 :‬‬ ‫من��وذج م��ن الأ��س�ل��وب ال �ق��ر�آين‪ :‬خ�ط��اب مو�سى وه��ارون‬ ‫لفرعون خ�صمهما اللدود‪} :‬ا ْذ َه َبا �إِ َلى ِف ْر َع ْو َن ِ�إ َّن ُه َط َغى (‪)43‬‬ ‫َف ُق اَ‬ ‫ول َل ُه َق ْو اًل َل ِّينًا َل َع َّل ُه َي َت َذ َّك ُر �أَ ْو َيخْ َ�شى{(طه‪.)44 ،43 :‬‬ ‫‪-2‬اعتماد اخلطاب الديني على ما �ص َّح من الأحاديث‬ ‫ال�ن�ب��وي��ة ال���ش��ري�ف��ة‪ ،‬بتوجيهاتها احل�ك�ي�م��ة‪ ،‬و�أح�ك��ام�ه��ا‬ ‫اللطيفة‪ ،‬و�آدابها الرفيعة‪ ،‬وف�ضائلها العظيمة‪.‬‬ ‫منوذج من الأ�سلوب النبوي يف اخلطاب‪ :‬خطاب ر�سول‬ ‫اهلل لأبي مو�سى الأ�شعري ومعاذ بن جبل ملا �أر�سلهما �إلى‬ ‫تع�سرا‪ِّ ،‬‬ ‫وب�شرا وال تنفِّرا" حيث عك�س‬ ‫"ي�سرا وال ِّ‬ ‫اليمن‪ِّ :‬‬ ‫هذا التوجيه �سماحة الإ�سالم وحمبته للآخرين‪ ،‬و َن ْب َذ ُه‬ ‫للعنف والتطرف والت�شدد‪ ،‬ودعوتَه لقبول الآخر‪.‬‬ ‫‪� -3‬أن ي��واك��ب اخل�ط��اب الديني الأح ��داث ويتعاي�ش‬ ‫معها‪ ،‬م�ؤثراً فيها ومت�أثراً بها‪ ،‬و�أال يت�صادم معها‪ ،‬كما‬ ‫كان يحدث عقب الغزوات التي خا�ضها امل�سلمون‪.‬‬ ‫منوذج من مواكبة اخلطاب الديني للأحداث‪ :‬بعد‬ ‫غ��زوة اخلندق كانت �سورة الأح��زاب تتحدث عن موقف‬ ‫�اب‬ ‫امل�ن��اف�ق�ين م��واك �ب � ًة ل�ل�ح��دث‪ .‬وه ��ذا ي�ستدعي اخل �ط� َ‬ ‫الديني �أن ال َّ‬ ‫ينفك عن الواقع‪ ،‬بل �أن يتعاي�ش معه‪ ،‬حتى‬ ‫ّ‬ ‫ي�صل �إلى مرحلة الت�أثري‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪ -4‬مراعا ُة � ِ‬ ‫املخاطبني‪ :‬فاهلل تعالى �أمر بذلك‬ ‫أحوال‬ ‫بقوله‪} :‬ا ْد ُع �إِ َلى َ�سب ِ‬ ‫ِيل َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة‬ ‫َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�سنُ { (النحل‪.)125 :‬‬ ‫ر�سمت ه��ذه الآي ��ة ال�ط��ري��ق ال�ق��ومي يف ال��دع��وة �إل��ى‬ ‫اهلل تعالى‪ ،‬وب َّينت الو�سائل التي يلزم اتبا ُعها لهداية‬ ‫النفو�س‪ ،‬وم��راع��اة �أح ��وال النا�س‪ ،‬وطباعهم‪ ،‬وظ��روف‬ ‫َ‬ ‫يخاطبوا بالأ�سلوب الذي‬ ‫حياتهم‪ ،‬وتنوع ثقافتهم‪ ،‬و�أن‬ ‫ي��ؤث��ر يف نفو�سهم‪ ،‬وبالطريقة ال�سليمة التي ت��ؤث��ر يف‬ ‫عقولهم‪ ،‬وت�ستميل عواطفهم‪.‬‬ ‫من��وذج‪ :‬خطاب الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم لأهل‬


‫رب ام�صيا ٌم يف ام�سفر؟" �أي‪ :‬هل من‬ ‫اليمن‪" :‬هل من ام ٍّ‬ ‫الرب ال�صيا ُم يف ال�سفر؟ �إذ خاطب النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم �أهل اليمن بلغتهم التي يفهمون ويجيدون‪.‬‬ ‫‪� -5‬أن يقوم اخلطاب الديني على احلقائق الثابتة‪،‬‬ ‫بعيداً عن اخلرافة وال�شعوذة والأ�سطورة‪ .‬فما ُبني على‬ ‫احلقائق يالم�س العقول ويقرتب منها‪ ،‬وه��ذا ما اتَّبعه‬ ‫القر�آن الكرمي مع امل�ؤمنني؛ �إذ كان خطاباً يقينياً را�سخاً‪.‬‬ ‫‪�-6‬إ َّن �أه � � � َّم �أرك � � ��ان اخل� �ط ��اب ال��دي �ن��ي (ال��و� �س �ط �ي��ة‬ ‫واالعتدال)؛ لأ َّن ال�شريعة الإ�سالمية قامت عليهما‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪َ } :‬و َك َذ ِل َك َج َع ْلنَا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِل َتكُونُوا �شُ َه َدا َء َعلَى‬ ‫َّا�س َو َيكُو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫الن ِ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم �شَ هِي ًدا{ (البقرة‪.)143 :‬‬ ‫وه��ذه الو�سطية ت�أمر النا�س بالتعاون فيما بينهم‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫اختالف يف العقائد‪ ،‬وامل�سلم لي�س‬ ‫حتى ول��و ك��ان بينهم‬ ‫من وظيفته �أن يحا�سب النا�س على معتقداتهم‪ ،‬بل تقوم‬ ‫وظيفته على ال��دع��وة �إل��ى اخل�ي�ر‪ ،‬واحل ��ق‪ ،‬والف�ضيلة‪،‬‬ ‫و�إق��ام��ة ال�ع��دال��ة‪ ،‬كما ال يجوز �إك��راه النا�س على تغيري‬ ‫ع �ق��ائ��ده��م‪ ،‬ف��ال �ع �ق��ائ��د ال �إك � � ��راه ف �ي �ه��ا‪ ،‬ك �م��ا ق� ��ال اهلل‬ ‫تعالى‪ :‬اَ‬ ‫}ل �إِ ْك � َرا َه فيِ ال ِّدينِ َق ْد َت َبينَّ َ ال ُّر�شْ ُد ِمنَ ا ْلغ َِّي{‬ ‫(البقرة‪.)256 :‬‬ ‫منوذج‪ :‬بعد غزوة بدر دفن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم �شهداء امل�سلمني‪ ،‬ومل يرتك �أج�ساد امل�شركني ملقا ًة‬ ‫على الأر�ض‪ ،‬بل �أمر بدفنها �أي�ضاً !‬ ‫مل ُيحر ْقها‪ ،‬ومل مي ِّثل بها‪ ،‬بل احرتم �أج�سادهم‪ ،‬ومل‬ ‫يرتكها نهباً لل�سباع وال��ذئ��اب واحل �� �ش��رات‪ ،‬وه��و بذلك‬ ‫يعطي العالمَ ك َّله در�ساً يف احرتام الأنف�س‪ ،‬التي قال اهلل‬ ‫تعالى يف حقها‪َ } :‬و َل َق ْد َك َّر ْمنَا َب ِني �آ َد َم{‪( ،‬الإ�سراء‪.)70 :‬‬ ‫مي{‪،‬‬ ‫وق��ال �أي�ضاً‪َ } :‬ل َق ْد خَ لَ ْقنَا ْ إِ‬ ‫ال ْن��� َ�س��ا َن فيِ َ�أ ْح َ�سنِ َت� ْق� ِو ٍ‬ ‫(التني‪.)4 :‬‬ ‫منوذج �آخر‪ :‬يف �صحيح البخاري عن جابر بن عبد اهلل‬ ‫ر�ضي اهلل عنه قال‪ :‬م َّرت بنا جنازة‪ ،‬فقام لها النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم وقمنا له‪ ،‬فقلنا يا ر�سول اهلل‪� :‬إنها جنازة‬ ‫يهودي! قال‪�" :‬إذا ر�أيتم اجلنازة فقوموا"‪.‬‬

‫ويف رواية �أخرى لهذا احلديث قال‪� ":‬ألي�ست َنفْ�ساً ؟ "‬ ‫وكال الروايتني يف �صحيح البخاري‪.‬‬ ‫يقول الإم ��ام اب��ن حجر يف فتح ال�ب��اري على �صحيح‬ ‫البخاري ‪( :180/3‬مق�صو ُد احلديث �أن ال ي�ستم َّر الإن�سان‬ ‫على الغفلة بعد ر�ؤية املوت‪ ،‬وا�ستوى فيه كو ًن امليت م�سلماً‬ ‫�أو غري م�سلم)‪.‬‬ ‫كما �أ َّن يف ه��ذا الن�ص دالل � ًة رائ�ع��ة تتمثَّل يف تدريب‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�صحا َبه الكرا َم على جتاوز‬ ‫اجلزئي ال�ض ِّيق‪� ،‬إلى التعامل مع الواقع ب�إحاط ٍة‬ ‫النظر‬ ‫ِّ‬ ‫و�شمولية‪.‬‬ ‫ولعل ه��ذا الأ�سلوب الرتبوي الفريد هو ال��ذي جعل‬ ‫�أ�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يتعاملون مع‬ ‫الوقائع امل�ستج َّدة مبرونة‪ ،‬فحني �أر�سل �أبو بكر ال�صديق‬ ‫جيو�شه لفتح بالد ال�شام �أو�صاهم فقال‪� :‬أو�صيكم بتقوى‬ ‫اهلل‪ ،‬ال تَع�صوا‪ ،‬وال تَغ ُّلوا‪ ،‬والتجَ ُبنوا‪ ،‬وال تَع ِقروا نخ ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫وال تحُ رقوا زرعاً‪ ،‬وال تحَ ب�سوا بهيم ًة‪ ،‬وال تقطعوا �شجر ًة‬ ‫م �ث �م��رةً‪ ،‬وال ت�ق�ت�ل��وا ��ش�ي�خ�اً ك �ب�ي�راً‪ ،‬وال ��ص�ب�ي�اً ��ص�غ�يراً‪،‬‬ ‫و�ستجدون �أق��وام �اً حب�سوا �أنف�سهم يف ال�صوامع للذي‬ ‫حب�سوها فذروهم وما حب�سوا �أنف�سهم له)‪.‬‬ ‫ففي هذه الو�صية‪ :‬يربز حر�ص الإ�سالم على الآخر‪،‬‬ ‫وحمايته حلقوق الإن�سان‪ ،‬ورعايته للطفولة وال�شيخوخة‪،‬‬ ‫وت �ك��رمي��ه ل �ل �م��ر�أة‪ ،‬وح �ف��اظ��ه ع �ل��ى ال �ب �ي �ئ��ة‪ ،‬واح�ت�رام��ه‬ ‫للمق َّد�سات‪ ،‬و�إكرامه لذوي الهيئات من �أ�صحاب ال�شرائع‬ ‫ال�سماوية ال�سابقة‪.‬‬ ‫يف اخلتام‪ :‬لع َّل هذه الأ�س�س التي قدمتها ب�إيجاز تُ�سهم‬ ‫يف �إ� �ص�لاح الفكر ال��دي�ن��ي‪ ،‬وان���ض�ب��اط اخل�ط��اب الديني‬ ‫ب�ضوابط ال �ق��ر�آن وال�سنة‪ ،‬ويفيد م��ن منهج ال�صحابة‬ ‫والتابعني يف �إر�ساء املفاهيم الثابتة للفكر الديني‪ ،‬بعيداً‬ ‫عن التف�سريات اخلاطئة‪ ،‬والقراءات املعا�صرة املنحرفة‪،‬‬ ‫املقحم ِة الغريبة عن الثوابت وامل�س َّلمات‪.‬‬ ‫والإ�سقاطات َ‬ ‫واهلل من وراء الق�صد‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪69‬‬


‫قراءة في ديوان ( في ارتقاب الشروق)‬ ‫للدكتور باسل الرفاعي‬ ‫مقاالت‬

‫أ‪ .‬صالح البوريني‬

‫‪70‬‬

‫الدكتور با�سل الرفاعي دار�س �أكادميي‪ ،‬ومتخ�ص�ص‬ ‫يف ال�ق��ان��ون ال ��دويل‪ُ ،‬م�ل��م ب��ال�ت��اري��خ الإن���س��اين وم��درك‬ ‫حل��رك��ة ال���ص��راع احل���ض��اري‪ ،‬م�سكون ب��االن�ت�م��اء لأمته‬ ‫وتراثها املجيد‪ ،‬م�ؤمن بروحها وعقيدتها وخ�صو�صيتها‪،‬‬ ‫ومتطلع �إل��ى م�ستقبلها ال �ق��ادم‪ ،‬مثقف م�ل�ت��زم‪ ،‬م�سلم‬ ‫ي�ست�شعر �أمانة البالغ ‪ ،‬منطلَقاً وغاي ًة‪ ،‬و�شك ً‬ ‫ال وم�ضموناً‪،‬‬ ‫عروبي �أ�صيل‪ ،‬ينب�ض ف��ؤاده بحب �أمته‪ ،‬وحب �أوطانها‬ ‫مما وراء الفرات �إلى ما وراء النيل‪ ،‬ومن ماء بحرالعرب‬ ‫�إلى ماء املتو�سط‪ ،‬وهو العربي املكتوي بنار الغربة‪ ،‬الذي‬ ‫عالج تباريح احلنني �إلى الوطن‪ ،‬و�شرب من ك�أ�س احلنني‬ ‫حتى الثمالة‪ ،‬ا�سمعه يقول ‪:‬‬ ‫يا ما�شيا نحو الديـــار ومهجتي ‬ ‫مت�شي ب�صحبـة خطوه املتن ِّقلِ‬ ‫�أبلغ بنيها واملرابـــ َع �أننـــــي‬ ‫عانقتهم بالقلب يوم ترحلـي‬ ‫ملكوا الف�ؤاد على املدى فك�أمنا‬ ‫ج�سمي هنا والقلب مل َّا يرحلِ‬ ‫با�سل الرفاعي الأبن البار الويف لأمته ‪ ،‬الذي يتلوع‬ ‫حزنا على �أوج��اع�ه��ا‪ ،‬ويرتقب فجرها ال��واع��د‪ ،‬وينتظر‬

‫طلوع جنمها من جديد ‪ ،‬و�شَّ ح �صفحة الغالف الأخرية‬ ‫من ديوانه بقوله ‪:‬‬ ‫عذبتنا احلروق‬ ‫ ‬ ‫يف ارتقاب ال�شروق‬ ‫ب�شــــــــرت باملطر‬ ‫ ‬ ‫ور�أينـــــا البـــــــــــــروق‬ ‫نذكــــــر املحتـــدا‬ ‫ ‬ ‫فاحتملنـــا ال�سهر‬ ‫�ض ّمن ديوانه �إحدى وع�شرين ق�صيدة ‪ ،‬بث فيها من‬ ‫كل �شوق‪َ ،‬‬ ‫ون�ص َب فيها من كل‬ ‫ونظم فيها من كل دعوة‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عالمة‪� ،‬أ�شواقاً‬ ‫وعالمات على طريق النهو�ض‪،‬‬ ‫ودعوات‬ ‫ا�ست�صرخ النخوة‪ ،‬وا�ستنه�ض الهمة‪ ،‬وا�ستنطق التاريخ‪،‬‬ ‫�أن�شد ف�أ�سمع‪ ،‬و�أن�ش�أ ف�أبدع‪ ،‬و�أخرب ف�صدق‪� ،‬أنْط َق احلرف‪،‬‬ ‫و� ْأجم َل الو�صف‪ ،‬عر�ض ف�أوفى‪ ،‬و�شرح ف�أ�ضفى‪ ،‬افتخر‬ ‫برتاث �أمته‪ ،‬وا�ستذكر معامل ح�ضارتها‪ ،‬وم�آثر �أبطالها‪،‬‬ ‫قام على باب فجرها الواعد‪ ،‬يدعوها �إلى ال�صعود‪ ،‬وك�سر‬ ‫اجلمود ‪ ،‬وجتاوز احلدود‪ ،‬لتحقيق حلمها املن�شود‪.‬‬ ‫وق��د ت��وج��ه ال��رف��اع��ي بخطابه يف ق�صيدته (ه��ادي��ة‬ ‫ال�ب�راي��ا)‪ ،‬ال�ت��ي ه��ي �أول ��ى ق�صائد ال��دي��وان‪� ،‬إل ��ى �أم�ت��ه‬ ‫م�ستنه�ضاً �إي ��اه ��ا م��ن ��س�ب��ات�ه��ا ال ��ذي ط ��ال‪ ،‬وحم�م� ً‬ ‫لا‬ ‫�إي��اه��ا م�س�ؤولية مت��ادي �أع��دائ�ه��ا يف الطمع ب�ثروات�ه��ا‪،‬‬ ‫والتحكم يف �ش�ؤونها‪ ،‬واح�ت�لال بع�ض �أوط��ان�ه��ا‪ ،‬ونهب‬ ‫تراثها‪ ،‬وم�صادرة حقوق �أبنائها‪ ،‬والتجر�ؤ على حماها‪،‬‬ ‫واال�ستهانة ب�شعوبها‪ ،‬واال�ستعالء على دولها‪ ،‬وم�شيداً‬ ‫مب�آثرها ومناقبها‪ ،‬وما �أ�سدته للعامل كله‪ ،‬وخا�صة الغرب‬ ‫م��ن ف�ضل يف ت�صديرها العلم وامل�ع��رف��ة وامل��دن�ي��ة �إليه‪،‬‬ ‫وحملها م�شعل احلكمة والثقافة ط��وال ق��رون متعاقبة‬ ‫من تاريخها املجيد ‪:‬‬ ‫لب�س ِت من اخلالفة خري ثوب‬ ‫ْ‬ ‫ف�أنت مبو�ضع الو�سط املزكى‬ ‫وك��ـ��ل م��ـ��ف��ارق ج��اف��اك جهال‬ ‫دعـي مـثواك هادية الربايا ‬ ‫ فـعـوديوالب�سيماتلب�سينا‬ ‫فـقـد زك��ـ��اك رب العاملينا‬


‫ت��ـ��ردى يف م��ه��اوي اجلاهلينا‬ ‫وقـومـي النتها�ض العاملينا‬ ‫ويف ( هادية الربايا ) جمال ملقال طويل ال يت�سع له‬ ‫مقام هذه القراءة ‪.‬‬ ‫ ويف ق���ص�ي��دة (��س�ق��ط اجل� ��دار) ي ��ؤك��د ال��رف��اع��ي‬ ‫وح��دة ال�ع��راق‪ ،‬وتالحم �شعبه‪ ،‬ومتا�سك ن�سيجه املتنوع‬ ‫عرب القرون‪ ،‬وك��أن تنوع منابته و�أع��راق��ه يف �إط��ار وحدة‬ ‫ال �ت��اري��خ واجل �غ��راف �ي��ا؛ ه��و ت�ن��وع ال� ��ورود وال��ري��اح�ين يف‬ ‫ال��رو���ض ال��واح��د‪� ،‬أو تنوع اخليوط يف الب�ساط الواحد‪،‬‬ ‫ويرى �أن هذا التنوع الطبيعي اجلمايل يتحقق يف جتلياته‬ ‫تكامل الأدوار‪ ،‬وتعاون الأيدي على بناء املدنية‪ ،‬و�صناعة‬ ‫احل�ضارة‪ ،‬و�إق��ام��ة القوة التي جت��دد دور الأم��ة‪ ،‬وحتيي‬ ‫همتها لتحمل ر�سالة الهدى والعلم واملعرفة والإ�صالح‬ ‫�إلى العامل بكل ثقة واقتدار‪.‬‬ ‫ وي��رى ال�شاعر �أن ج��دار الأع�ظ�م�ي��ة؛ و�إن عزل‬ ‫الأج�سام ف�إنه عاجز عن ع��زل الأرواح والقلوب‪ ،‬وعاجز‬ ‫عن ف�صم عرى املحبة وامل��ودة بني �أبناء ال�شعب الواحد‪،‬‬ ‫وهو واث��ق من �أن ال�شعب ال��ذي بنى بابل‪ ،‬وبنى عا�صمة‬ ‫ال��ر��ش�ي��د‪ ،‬وا��س�ت��وع��ب �أت �ب��اع الأدي� ��ان املختلفة والأع ��راق‬ ‫املتنوعة‪ ،‬وج�م��ع احل���ض��ارة م��ن �أط��راف�ه��ا‪ ،‬و��ص��در العلم‬ ‫واملعرفة واملدنية �إل��ى العامل؛ ق��ادر على جت��اوز حمنته‪،‬‬ ‫وك�سر طوق احل�صار الذي �ضربه �أعدا�ؤه حوله‪ ،‬و�أنه قادر‬ ‫على �صناعة امل�ستقبل بالإميان والإرادة وب�إخال�ص �أبنائه‬ ‫وت�ضحياتهم وبطوالتهم ‪.‬‬ ‫ ويف (�سقط اجل��دار) يقع ال�ق��ارئ على ل��ون من‬ ‫احلنني �إلى الوطن يف رقة الن�سيم‪ ،‬وعذوبة الندى‪ ،‬تهتز‬ ‫لت�أثريه القلوب‪ ،‬وي�شف عن نف�س تذوب حزناً‪ ،‬وحترتق‬ ‫أ�سى‪ ،‬وتعاين لوعة الفراق‪� ،‬إذ يتحول قلب ال�شاعر �إلى‬ ‫� ً‬ ‫م���س��اف��ر؛ ي�صحب ال���س��ائ��ري��ن ن�ح��و ال��دي��ار‪ ،‬وي�ت�ب��ع �آث��ار‬ ‫قلب‬ ‫خطاهم‪ ،‬ويحملهم �أمانة تبليغ الأهل والربوع؛ �أنّ َ‬ ‫ال�شاعر مل يرحل من الوطن و�إن رحل ج�سده‪ ،‬و�أن ف�ؤا َده‬ ‫م�سكون بحبهم‪ ،‬موثق بحبال الوفاء واالنتماء لهم‪.‬‬ ‫يا ما�شيا نحو الديار ومهجتي‬ ‫�أب��ـ��ل��ـ��غ بنيها وامل��راب��ع �أنني‬ ‫ملكوا الفواد على املدى فك�أمنا‬ ‫�أبلغهموا �أين غدوت بلوعتي ‬ ‫مت�شي ب�صحبة خطوه املتنقل‬ ‫عـانقتهم بالقلب يوم ترحلي‬ ‫ج�سمي هنا والقلب ملا يرحل‬ ‫ولها بهم عن غريهم مل ا�س�أل‬

‫و ُي َذكـرك قوله‪:‬‬ ‫وك�����أن �أح�����زان ال�بري��ة كلها‬ ‫جمعت بحزن الرافدين الأقتل‬ ‫ب�أبيات متمم بن نويرة حني نظر �إلى قرب �أخيه مالك‬ ‫فقال ‪:‬‬ ‫لقد المنى عند القبور على البكا‬ ‫وقـال �أتـبكي كل قرب ر�أيته‬ ‫فقلت له �إن ال�شجا يبعث ال�شجا‬ ‫رفيقي لتذرف الدموع ال�سوافك‬ ‫لقرب ثوى بني اللوى فالدكادك؟!‬ ‫فـدعـنـي فهذا كله قرب مالك‬ ‫فحينما ُيختزل ح��زن الدنيا ل ُيجمع يف تيار واح��د‪،‬‬ ‫وح��دث واح��د‪ ،‬وزم��ان واح��د‪ ،‬ومكان واح��د‪ ،‬وحينما يكرب‬ ‫اجلرح ويكرب‪ ،‬ويت�سع مدى الأ�سى ويت�سع‪ ،‬حتى يتحو َل‬ ‫�إلى حزن الب�شرية كلها‪ ،‬و�آالم بني �آدم جميعهم؛ ف�إن ذلك‬ ‫ُ‬ ‫�سقوط الفوا�صل بني الإن�سان والإن�سان‪ ،‬واجنالء‬ ‫معناه‬ ‫الغ�شاوات التي تغ�شي العيون ب�سحب الزيف وال�ضالل‬ ‫والتفريق والتمييز العن�صري والعرقي‪.‬‬ ‫هكذا يرى الرفاعي م�أ�ساة العراق تكرب‪ ،‬وجرحه يت�سع‬ ‫حتى جتتمع فيه �أح��زان الب�شرية كلها‪� .‬إن��ه ج��رح عميق‬ ‫ي�ستوعب ن��زف جراحات النا�س �أجمعني‪ ،‬ودف��ق عذابات‬ ‫ني الإن�سان يف كل زمان ومكان ‪.‬‬ ‫املظلومني‪ ،‬و�أن َ‬ ‫�إن��ه �شعر يرتقي �إل��ى ال�ع��امل�ي��ة‪ ،‬و��ش��اع��ر يتعالى فوق‬ ‫ال��ذات�ي��ة‪ ،‬وي�ت�ج��اوز احل��دود الإقليمية والعرقية ليكون‬ ‫�شاعراً �إن�سانياً راقياً‪.‬‬ ‫ت��اري��خ �أم�ت��ه ينب�ض يف ع��روق��ه‪ ،‬وح��ب وط�ن��ه يجري‬ ‫يف دم� ��ه‪ ،‬وان �ت �م ��ا�ؤه ل �ق��وم��ه ي�ت�ن�ف����س يف �� �ص ��دره‪ ،‬ميتلئ‬ ‫ثقة وف�خ��راً واع �ت��زازاً ب�تراث �أم�ت��ه وثقافتها وعروبتها‬ ‫و�إ��س�لام�ه��ا‪ ،‬متنحه �سعة ثقافته ورح��اب��ة �أف�ق��ه ونوعية‬ ‫تخ�ص�صه الأك ��ادمي ��ي وجت��ارب��ه ال��ذات �ي��ة واالج�ت�م��اع�ي��ة‬ ‫والعملية املتنوعة �سي ً‬ ‫ال من املعاين املتدفقة‪ ،‬يتبع بع�ضها‬ ‫بع�ضاً‪ ،‬وي�أخذ بع�ضها ب�أيدي بع�ض‪ ،‬يف �أ�شكال متوافقة‬ ‫من التعبري املت�سق‪ ،‬يخدمه قامو�س غزير من املفردات‬ ‫املتناغمة‪ ،‬والرتاكيب اللفظية الغنية بالإمكانات الداللية‬ ‫والطاقات التعبريية ‪.‬‬ ‫وي�ت���ض��ح ذل��ك يف ق�صيدته (ع ��ودة ��ص�لاح ال��دي��ن)‪،‬‬ ‫�إذ يتجلى حبه العظيم لأم�ت��ه وتعلقه مبا�ضيها املجيد‬ ‫واعتزازه بها ‪:‬‬ ‫والنا�س‬ ‫ما الكا�س يل علم املال‬ ‫ُ‬ ‫ناجيتهموذكرتح�سنعهودهم‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪71‬‬


‫لـف�ؤادي التنوير يف تذكارهم‬ ‫هـم يف الف�ؤاد �إذا �أكون بخلوة‬

‫‪72‬‬

‫�سـادوا فلم ير قبلهم �أو بعدهم‬ ‫حـرا�سهم جي�ش املالئك فوقهم‬ ‫الكا�س‬ ‫وخيال من غ�بروا ملثلي‬ ‫ُ‬ ‫وكـ�أنـها من ح�سنها �أعرا�س‬ ‫ولـروحـي الإم��ت��اع والإينا�س‬ ‫وعلى الل�سان وحويل اجلال�س‬ ‫بـيـت مـنيف م��ا ل��ه ح��را���س‬ ‫ورعـيـة بـالأتـقياء ت�سا�س‬ ‫وتتعالى ن�برة ال�شاعر يف ا�ستنها�ض �أمته با�ستدعاء‬ ‫�أحد مناذجها الفذة‪ ،‬وهو منوذج القيادة الأيوبية املتمثلة‬ ‫يف �شخ�ص القائد �صالح الدين الأيوبي‪ ،‬وجيل الفاحتني‬ ‫الذين �صنعهم على عينه فيقول ‪:‬‬ ‫�أقبلْ �صالح الدين وليقبلْ غدا‬ ‫ولـتـنقذ الأق�صى كما �أنقذته‬ ‫ولـيلتحم بك بعد طول تفرق‬ ‫يف ركبك الفر�سان والأفرا�س‬ ‫بالأم�س واحلرمات والأقدا�س‬ ‫الـباتران ال�سيف والقرطا�س‬ ‫والرفاعي �شاعر عامر بالإميان قلبه‪ ،‬زاكية بالتخ�شع‬ ‫نف�سه‪ ،‬يتطلع �إلى مقام يف العبادة �أعلى و�أرق��ى‪ ،‬يحر�ص‬ ‫ع�ل��ى التح�صن بحمى ال�ت�ق��وى‪ ،‬وي ��رى �أن الإ� �س�ل�ام هو‬ ‫منهج التزكية للإن�سان‪ ،‬و�أنه �سياج الع�صمة من الوقوع‬ ‫يف �شراك الهوى‪ ،‬وال�سقوط يف دركات الغواية وال�ضالل‪.‬‬ ‫وهو �شاعر الإن�سانية الر�شيدة‪ ،‬امل�ست�شعرة لنعمة اهلل‬ ‫تعالى عليها‪ ،‬امل�ستح�ضرة لعظيم ف�ضل اهلل تعالى ومنته‪،‬‬ ‫ي��رى يف العبودية هلل تعالى حت��ري��راً للنف�س م��ن �أكبال‬ ‫الهوى وقيود ال�شهوات‪ ،‬وارت�ق��ا ًء بال�شعور �إل��ى م�ستوى‬ ‫معاينة احل�ق��ائ��ق‪ ،‬وم�لام���س��ة امل��اه �ي��ات‪ .‬ي�ب��دو ذل��ك كله‬ ‫وا�ضحا يف ق�صيدة ( �أراك بعني قلبي)‪ ،‬التي تزهو مبطلع‬ ‫ب��دي��ع يجمع ب�ين الب�ساطة واجل �م��ال وح�سن ال�صياغة‬ ‫وبراعة توظيف اال�ستفهام ‪:‬‬ ‫�أت��غ��رق ي��ا اب��ن �آدم يف هواكا‬ ‫وع��ن��دك منهج مم��ن ب��راك��ا؟‬ ‫وال��رف��اع��ي مل تفتـنه متع ال��دن�ي��ا ع��ن ل��ذة ال�ع�ب��ادة‪،‬‬ ‫فموطنه حمى الرحمن؛ يف �سمعه ندا�ؤه‪ ،‬ويف عينه بها�ؤه‪،‬‬

‫ي��رى �سالمة �أم��ره يف التقوى‪ ،‬وع��زة نف�سه يف التعفف‪،‬‬ ‫و�سمو غايته يف مر�ضاة مواله‪ ،‬فال يرى عالياً �إال عاله‪،‬‬ ‫وال موئ ً‬ ‫غنى �إال غناه ‪ .‬ذلك منه ٌج للتزكية‬ ‫ال �إال تقاه‪ ،‬وال ً‬ ‫ير�سم ال��رف��اع��ي بع�ض معامله يف ه��ذه الكافية الرقيقة‬ ‫الر�شيقة الدافعة للوهم‪ ،‬والناطقة باحلقيقة‪ ،‬ا�ستمع‬ ‫�إليه يقول ‪:‬‬ ‫ب�رتَ ق��دري‬ ‫�أق��ـ��ول لبارئي �أك� ْ‬ ‫كنت و�شق �أ�سري‬ ‫ريالنف�س ُ‬ ‫�أ�س َ‬ ‫وكـنـت ُمعبدا للنف�س حتى‬ ‫ُ‬ ‫ول���ـ���ي ن�����وران ن����ور يف ك��ت��اب‬ ‫ذكرتك خاليا فجرت دموعي‬ ‫�أراك بـعـني قلبي بيد �أين ‬ ‫فـلـم جتعل خليفتك املالكا‬ ‫���ق منه فكاكا‬ ‫عـلـي ومل � ِأط ْ‬ ‫َّ‬ ‫عـبـدتـكم فمزقت ال�شراكا‬ ‫ُ‬ ‫ون��ور يف ال�سريرة من هداكا‬ ‫�إذ ا�شـتـاق ال��ف���ؤاد �إل��ى لقاكا‬ ‫بـنـفـ�سي منية �أين �أراك���ا‬ ‫يبدو الرفاعي �شاعراً متمكناً من �أدواته الفنية‪ ،‬مم�سكاً‬ ‫ب�أعنة قوافيه‪ ،‬فهي �سهلة القياد له‪ ،‬قريبة التناول‪ ،‬ي�سرية‬ ‫الت�أتي‪ ،‬ال ترى فيها ن�شوزاً وال نفوراً‪ ،‬وال تكلفاً وال وعورة؛‬ ‫تلوح له املعاين فيلتقطها‪ ،‬وتتوارده اخلواطر في�صطادها‪،‬‬ ‫وتطيعه اللغة وتلني بني يديه قوالبها‪ ،‬وينك�شف له املدى‬ ‫يف عامل اخليال فينتقي ال�صور الفنية املختارة بعناية؛‬ ‫انتقا ًء واعياً ينا�سب احلركة وال يتنافر مع جو الق�صيدة‪.‬‬ ‫وعبارة ال�شاعر الرفاعي ر�شيقة‪ ،‬ولغته �أنيقة‪ ،‬وقامو�سه‬ ‫اللغوي ف�صيح غني‪ ،‬يلمع �سيف �شعره ال�صقيل‪ ،‬فتح�سبه‬ ‫جدو ًال ي�سيل‪� ،‬أو غ�صن بان مييل‪ ،‬وت�ستفتح كتاب فكره‪،‬‬ ‫فتقف على باب �شعره‪ ،‬ف�إذا وجلت �إلى النظر يف ق�صائده‪،‬‬ ‫مل يبلغ بك طرفك �آف��اق ت�أمالته وعميق نظراته‪ ،‬فهو‬ ‫لل�شعر ديوان‪ ،‬وعلى الإبداع و�سم وعنوان‪ .‬‬ ‫وك��ل ق�صيدة من ق�صائد (يف ارتقاب ال�شروق) تليق‬ ‫بها قراءة خا�صة‪ ،‬وت�ستحق نظرا فيها ي�ستلهم الدرو�س‪،‬‬ ‫وي�ستخل�ص العرب‪ ،‬وي�ستنطق الدالالت‪ .‬وح�سبي �أن يكون‬ ‫ما كتبت هنا �إ�شارة ـ فح�سب ـ تهدي �إلى نفا�سة هذا الكنز‪،‬‬ ‫وعالمة على قيمة هذا الديوان‪.‬‬


‫األمن اإلجتماعي ضرورة مجتمعية‬ ‫مقاالت‬

‫الدكتور زيد أحمد المحيسن‬ ‫يعد الأمن حاجة �أ�سا�سية للمجتمع الإن�ساين وم�ؤ�شراً‬ ‫على �إ�ستقرار و�إزده ��ار وتقدم الأوط��ان ‪ .‬وال ميكن لأي‬ ‫جمتمع ب�شري ين�شد التقدم والرقي �أن يكون له هذا اال‬ ‫�إذا ك��ان املجتمع ينعم بقيم العدل والأم��ن والطم�أنينة‬ ‫وهو ما يطلق عليه البع�ض بال�سلم الإجتماعي �أو ال�سلم‬ ‫امل��دين ‪ .‬وي��رى بع�ض اخل�ب�راء يف ه��ذا امل�ج��ال �أن الأم��ن‬ ‫الإجتماعي يعني بب�ساطة �سالمة الأف ��راد واجلماعات‬ ‫من الأخطار الداخلية واخلارجية متمثلة يف التهديدات‬ ‫الع�سكرية �أو اجلرمية داخ��ل املجتمع من قبل �أف��راد �أو‬ ‫جماعات متار�س عمليات القتل والعنف والتخريب مما‬ ‫يعد م�ؤ�شراً خطرياً لإفتقاد الأمن الإجتماعي ‪ .‬ومن �أبرز‬ ‫التحديات التي تواجه املجتمعات العربية والإ�سالمية‬ ‫يف االونة الأخرية التع�صب والتطرف والعنف والإرهاب‬ ‫و�آف��ات الع�صر من امل�خ��درات و�أم��را���ض الع�صر ‪ .‬والفقر‬ ‫والآمال املخيبة لل�شباب العربي والإ�سالمي ‪.‬‬ ‫وبقدر حاجة املجتمع للأمن الإجتماعي تكون حاجته‬ ‫ملقوماته وركائزه الأ�سا�سية التي ت�سهم يف توفري الأمن‬ ‫وب�ن��اء املجتعات احلديثة وع��ام� ً‬ ‫لا مهما يف ت�ق��دم الأم��م‬ ‫ورقيها ‪ .‬ومن هذه املقومات والركائز – �سيادة القانون‬ ‫على اجلميع و�أن ال يكون القانون مثل بيت العنكبوت‬ ‫احل���ش��رة ال���ص�غ�يرة ت�ق��ع ف�ي��ه وال�ك�ب�يرة ت�خ�ترق��ه �أي �أن‬ ‫ال�ق��ان��ون يطبق على ال�ضعفاء �أم��ا كبار املتنفذين فهم‬ ‫ف��وق ال�ق��ان��ون وم��ن امل�ق��وم��ات الأخ ��رى ت��واف��ر احل��اج��ات‬ ‫الأ�سا�سية للجميع وامل���س��اواة وت�ك��اف��ؤ الفر�ص للجميع‬ ‫وع ��دم ال�ت�م�ي�ي��ز وامل �ح��اب��اة م��ن ن��اح�ي��ة اجل�ن����س وال �ع��رق‬ ‫واللغة والهوية اجلغرافية ‪ ,‬كذلك من مقومات الأمن‬ ‫الإحتماعي الت�سامح ونبذ العنف وال�شعور بامل�س�ؤولية‬ ‫وحتقيق العدالة والإن�صاف لكافة مكونات املجتمع ‪ .‬لقد‬

‫ثبت بالربهان القاطع �أن��ه كلما ك��ان م�ي��زان ال�ع��دل هو‬ ‫القائم فكلما زاد الإن�سجام والتعاون بني �أطياف املجتمع‬ ‫وكلما زاد �صالبة ن�سيجه الإجتماعي وزادت اللحمة بني‬ ‫�أفراد املجتمع ‪ ,‬وهذا ي�ؤدي يف املح�صلة �إلى تعزيز البناء‬ ‫للجبهة الداخلية للأوطان ‪ ,‬ويف املقابل كلما زاد العنف‬ ‫والنزاع داخل املجتمع �أدى �إلى �إ�ضعاف �شبكة العالقات‬ ‫القائمة بني فئات و�أطياف املجتمع والعمل على تفكيك‬ ‫لروابطه وحتويله �إل��ى جمتمع يكر�س مفهوم التخلف‬ ‫وحكم �شريعة الغاب من هنا ف�إن علينا جميعا م�س�ؤولية‬ ‫�إجتماعية �أخالقية ودينية جتاه هذه املظاهر التي تفتك‬ ‫باملجتمعات من �آف��ات الع�صر من عنف وتطرف واره��اب‬ ‫وفقر وخالفه ‪�.‬أفراداً وجماعات وم�ؤ�س�سات جمتمع مدين‬ ‫من �أجل �إيجاد ال�سبل الكفيلة بتفعيل دور القانون لكي‬ ‫ي�سود على اجلميع ‪ .‬من �أج��ل كبح جماح هذه الظواهر‬ ‫خوفاً من �إمتداد دوائرها وتو�سعها يف املجتمعات العربية‬ ‫والإ�سالمية حيث �ست�صبح عبئاً كبرياً على الدول و�إعاقة‬ ‫ل�برام��ج التنمية ال�شاملة يف الأوط ��ان وزي ��ادة املجتعات‬ ‫تخلفاً �إلى تخلفها الأ�صلي ‪ .‬لقد جاءت ال�شرائع ال�سماوية‬ ‫ومنها ال�شريعة الإ�سالمية حلفظ ال�ضرورات اخلم�س ‪:‬‬ ‫وهي النف�س والعقل والدين والعر�ض واملال ‪ ,‬و�أكدت على‬ ‫�أن �صالح الدنيا ال يكون �إال بالأمن و�سالمة الأفراد ‪.‬‬ ‫ل�ه��ذا ف��الإ� �س�لام بنظامه الإج�ت�م��اع��ي والإق�ت���ص��ادي‬ ‫وال���س�ي��ا��س��ي والأن �� �س ��اين ي �ق��دم �أف �� �ض��ل من� ��وذج ل�ل�أم��ن‬ ‫الإج �ت �م��اع��ي ف�ه��و ي���س�ت�ه��دف اخل�ي�ر والإح �� �س��ان للنا�س‬ ‫�أجمعني ويعمل على تخلي�صهم م��ن ب��راث��ن الأغ��را���ض‬ ‫والإن��زالق يف �إط��ار املفكر واحل��ث على الأعمال الفا�ضلة‬ ‫‪ .‬م��ن خ�ل�ال �إ� �ش��اع��ة روح امل��واط �ن��ة وح��ب ال��وط��ن وزرع‬ ‫روح امل�شاركة للعمل على �إعمار الأر���ض واحلفاظ عليها‬ ‫للأجيال و�إ�شاعة روح الت�سامح يف املجتمعات وبث ثقافة‬ ‫العي�ش امل�شرتك وحتفيز املجتمع على التعاون والتكاتف‬ ‫وت���ش��دي��د ال�ع�ق��وب��ة ع�ل��ى امل�ن�ح��رف�ين والأ� �ش ��رار ‪ .‬ويدلنا‬ ‫واقع احلياة وتاريخ الإجتماع الب�شري �أن احتفاظ الأمة‬ ‫بكيانها يرتبط ب�أمرين ال بد منهما ‪ :‬الإ�ستقرار الداخلي‬ ‫والإ�ستقرار اخلارجي فالإ�ستقرار الداخلي �أ�سا�سه �صالح‬ ‫الأ�سرة وتوفراملال وقوة النظام التي ت�سا�س بها يف جميع‬ ‫�ش�ؤونها والإ��س�ت�ق��رار اخل��ارج��ي �أ�سا�سه اح�ت�ف��اظ الأم��ة‬ ‫ب�شروطها و�إ�ستعدادها ملقاومة ال�شر الذي يطر�أ عليها ‪.‬‬ ‫وال �ع��دو ال��ذي يطمع فيها وال ب��د م��ن ه��ذا وذاك يف‬ ‫تقوية العنف الروحي يف قلوب �أبنائها حتى يتحقق فيما‬ ‫بينهم الت�ضامن والتعاون على ال�سري يف الأم��ة يف ظل‬ ‫ت�شريعها القوي العادل الأم�ين يف �سبيل اخلري والفالح‬ ‫والعز واملنفعة لهذه الأمة‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪73‬‬


‫مقاالت‬

‫قراءة في االعالم الرسمي‬

‫اللواء الركن م عدنان عبيدات‬ ‫‪74‬‬

‫ظل الإع�لام ‪ -‬ب�شكل ع��ام ‪ -‬ردح �اً من الزمن يتدثّر‬ ‫بالعباءة الر�سمية‪ ،‬مت�شحاً بال�صرامة و اجلمود‪ ،‬مفتقراً‬ ‫�إلى احليوية والدينامية والقدرة الالزمة على املوائمة‬ ‫مع املتغريات‪ ،‬كما ظل متخلفاً عن ركب التطور احلتمي‬ ‫يف ه��ذا املجال احليوي ال�ه��ام‪ .‬وللحقيقة نقول �أن هذا‬ ‫احل��ال ال يقت�صر على واق��ع الإع�لام يف بلد واح��د بعينه‬ ‫بل ينطبق‪ ،‬بدرجات متفاوتة‪ ،‬على كثري من بلدان العامل‬ ‫الثالث‪.‬‬ ‫لكنه ‪� -‬أي الإع�ل��ام ‪ -‬مل ي�ع��د ك�م��ا ك��ان يف ال�سابق‬ ‫حممية ح�صرية معزولة تتفي�أ ظالل احلكومات‪ ،‬فقد‬ ‫�أ�صبح منذ � ٍ‬ ‫أمد ي�سري ميداناً تناف�سياً مفتوحاً تت�سابق يف‬ ‫م�ضماره فعاليات متعددة تتبع جهات خمتلفة متباينة‬ ‫يف ال��والء‪ ،‬والإنتماء ومتفاوتة يف ال�ق��درات والإمكانات‬

‫والو�سائل والأدوات‪ ،‬بتوجهات حمددة مق�صودة بعينها‬ ‫لي�ست بريئة �أو ملتزمة باملعايري الأخالقية بال�ضرورة‪،‬‬ ‫�إ ّال �أن�ه��ا جميعها ت�سعى ال��ى �إح ��داث ال�ت��أث�ير املطلوب‬ ‫وا�ستمالة اجلمهور وك�سبه لتحقيق طيف عري�ض من‬ ‫الغايات املن�شودة والأهداف املبتغاة‪.‬‬ ‫وملَّ��ا ك��ان الإع�ل�ام قد بلغ مرحلة �أ�صبح فيها متاحاً‬ ‫للجميع‪ْ � ،‬أم �ك��نَ لمِ ��نْ َه � َّ�ب و َد َّب �أن ي��ديل ف�ي��ه ب��دل��وه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ليفر�ض‬ ‫بال�س ِمني‪،‬‬ ‫فاختلط احلاب ُل بالنَّابِل وامتزج الغثُّ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫حتديات جديد ًة على كال الطرفني‪ :‬اجلهة الإعالمية‬ ‫واجلمهور امل�ستهدف‪ .‬و�إذا كان ُيفترَ ُ‬ ‫َ�ض يف الإع�لام �أن‬ ‫يخدم ويغطي يف �أح��د ِ�شـقّيه اجلوانب املتعلقة باحلياة‬ ‫العامة يف جماالتها ال�سيا�سية واالقت�صادية والعلمية‬ ‫والثقافية واالجتماعية والقيمية واالخالقية والدينية‬ ‫‪ ...‬الخ ‪ ،‬ويف ِ�شـقِّه الآخر يخدم و يغطي اجلانب الع�سكري‬ ‫والأم �ن��ي‪ ،‬فمن امل�ت��وق��ع �أن يت�صدى الإع�ل�ام الر�سمي‬ ‫لتحمل م�س�ؤولية ال�ق�ي��ام ب ��دوره ال�ف��اع��ل ك��ام� ً‬ ‫لا يف كل‬ ‫املراحل‪ ،‬يف �سبيل حتقيق الأهداف الوطنية العليا‪.‬‬ ‫لطاملا برزت احلاجة يف املا�ضي‪ ،‬وال تزال‪� ،‬إلى العمل‬ ‫وفق منهجية علمية عملية حتت مظلة واح��دة‪ ،‬ولطاملا‬ ‫ك��ان ال�ت��وا��ص��ل والتن�سيق وال�ع�م��ل امل���ش�ترك فيما بني‬ ‫امل�ؤ�س�سات االعالمية الر�سمية بكل مكوناتها‪ ،‬لطاملا كان‬ ‫ذلك مطلوباً ومفقوداً‪ .‬ولئن حت َّق َق منه �شي ٌء يف املا�ضي‪،‬‬ ‫فقد ج��اء منقو�صاً غري مكتمل ومتقطعاً غري مت�صل‪،‬‬ ‫�ادرات ف��ردي��ة واج �ت �ه� ٍ‬ ‫م�ع�ت� ِ�م��داً ع�ل��ى م �ب � ٍ‬ ‫�ادات �شخ�صية‪.‬‬ ‫�اب‬ ‫وع�ل�ي��ه ف�ق��د �أف ��رز � َ��ض�ع��فُ التن�سيقِ وال�ت��وا��ص� ِ�ل وغ�ي� ُ‬ ‫منهجية علمية عملية حتت مظلة واح��دة‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫عدم اال�ستقرار الوظيفي و َت َب ُّدل احلكومات‪ ،‬واج�تراح‬ ‫التعديالت واال�ستحداثات والإل �غ��اءات وال �ع��دول عنها‬


‫وال�ع��ودة من جديد �إل��ى ما ك��ان عليه الأم��ر قبلها‪ .‬لكل‬ ‫هذه املعطيات وملجموعة الأ�سباب املو�ضوعية فقد ت�ش َّك َل‬ ‫يف بيئة الإعالم الر�سمي واق ٌع ات َ​َّ�س َم حتى عهد قريب‪� ،‬أو‬ ‫رمبا ال يزال‪ ،‬بعدة مالمح �أبرزها‪:‬‬ ‫التفريط يف الوقت واملراوحة يف دائرة ردود الفعل‬ ‫يظهر هذا التفريط َج ِل ّياً عند الت�أخر غري املربر يف‬ ‫الإع�ل�ام الر�سمي ع��ن احل��دث حلظة وق��وع��ه‪ ،‬والعائدة‬ ‫�أ�سبابه �إل��ى احل��ر���ص واحل ��ذر‪ ،‬واخل�شية م��ن ال��وق��وع يف‬ ‫اخل�ط��أ والتعر�ض لل َمالمة‪ ،‬وت�ف��ادي حتمل امل�س�ؤولية‪،‬‬ ‫خا�صة عندما يتعلق احل َدثُ بال�ش�أن الع�سكري �أو الأمني‪.‬‬ ‫لكن هذا املنحى ي�ستتبع اال�ضطرار الى ا�ستدراك الأمر‬ ‫و حم��اول��ة ال�ل�ح��اق بتغطية احل ��دث ب�ع��د �أن ت �ك��ون قد‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ‬ ‫�سبق َْت �إل�ي��ه وت�ن��او َل� ْت� ُه ج�ه��اتٌ �إعالمية �أخ��رى ‪-‬‬ ‫معنى �أو‬ ‫يكون الإجرا ُء امل�ستدرِك ملا فاتَ لي�س ذا َط ْع ٍم �أو ً‬ ‫قيمة‪ .‬وعليه ف�إنه لي�س من املفيد �إحاطة بع�ض الأحداث‬ ‫بالكتمان‪� ،‬أو الت�أخر يف الإف�صاح عنها �أو الت�سرت عليها ثم‬ ‫انك�شافها �أو ك�شفها فيما بعد‪ ،‬و بالتايل ت�ؤدي �إلى الوقوع‬ ‫يف َح � َر ٍج �أو ارت�ب� ٍ‬ ‫�اك ال داع��ي لهما‪ ،‬مبعنى �أن��ه يجب منذ‬ ‫البداية �أخ ُذ كل الظروف املتعلقة باحلدث بعني الإعتبار‬ ‫و�إيالء الوقت الأهمية الق�صوى التي ي�ستحقها‪.‬‬ ‫التح ُّول والبحث عن البدائل‬ ‫ي�سعى امل�شاهد وامل�ستمع واملت�صفِّح دائماً الى احل�صول‬ ‫على املعلومة يف وقتها وم��ن م�صدرها املعني ب�ه��ا‪ ،‬ف��إن‬ ‫مل َيجِ ْدها ف�إنه يتح َّو ُل تلقائياً �إلى م�صادر �أخرى‪ ،‬وهي‬ ‫متوفرة داخلياً وخارجياً ملن يطلبها‪ .‬ومما يدفع باجتاه‬ ‫ال�ت�ح� ُّول وال�ب�ح��ث ع��ن ال�ب��دائ��ل ن ��زو ُع الإع�ل�ام الر�سمي‬ ‫ن��زوع �اً تقليدياً م �ت��وارث �اً ن�ح��و تعظيم امل �� �س ��ؤول الكبري‬ ‫وتركيزه على �أ َّن ك� َّل َع� َم� ٍ�ل �إمن��ا يتم بتوجي ٍه منه‪ ،‬وك��أن‬ ‫لديه الوقت وترف الفراغ‪ ،‬واملعرفة الدقيقة‪ ،‬والذخرية‬ ‫الفكرية املختزنة واخلربة ال�شاملة يف كل اخت�صا�ص‪ ،‬بل‬ ‫وك�أنه ميتلك الطاقة والقدرة على توجيه كل من يعمل‬ ‫حتته‪ ،‬وك��أ َّن ك َّل م�س� ٍ‬ ‫ؤول دو َن��ه قا�ص ٌر يف ذاته حمتا ٌج �إلى‬

‫غريه يف اخت�صا�صه‪ ،‬ال يعمل �إال بتوجيه دائ��م‪ ،‬ويف هذا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫زي��فٌ واف�ت�را ٌء‪ ،‬وت��زل��فٌ‬ ‫و�سلوك ممجو ٌج يدفع‬ ‫مك�شوف‪،‬‬ ‫باملتت ِّب ِع له نحو التح ُّول عنه �إلى تلقِّي الإعالم من ٍ‬ ‫جهات‬ ‫�أخرى ذات ت�صنيفً خمتلف‪ ،‬تنتهج منهجاً ُمغايِراً يحرت ُم‬ ‫العقول ويراعي املو�ضوعية‪ ،‬ويحقق الغاية املطلوبة دومنا‬ ‫ا�ستخفاف �أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ابتذال‪ .‬وبهذا يخذل الإع�لا ُم‬ ‫تكلف �أو‬ ‫�أي‬ ‫نف�سه وجمهو َره املفرتَ�ض‪ ،‬بل و ُي ْ�سدي خدمة بال‬ ‫الر�سمي َ‬ ‫ُّ‬ ‫مقابل لتلك اجلهات التي �أ�شرنا �إليها‪.‬‬ ‫تدين الثقة يف الإعالم الر�سمي‬ ‫ت�ضاءلت الثقة تدريجياً يف الإع�ل�ام الر�سمي ‪� -‬إن‬ ‫مل تكن م�ع��دوم��ة ‪ -‬ل�ع��دة �أ��س�ب��اب منها‪ :‬ات���س��اع م�ساحة‬ ‫ال��وع��ي وارت �ف��اع م�ستوى الن�ضج ل��دى ال�ن��ا���س‪ ،‬وت��زاي��د‬ ‫الإهتمام والرغبة يف الإطالع على حقيقة ما يجري من‬ ‫�أحداث‪ ،‬يف �ضوء توفر البديل وتنوع امل�صادر التي تُ�س َتقَى‬ ‫منها احل�ق��ائ��ق وال�ت��ي تت�سابق فيما بينها‪� ،‬إ��ض��اف��ة �إل��ى‬ ‫الإختالف والتباين فيما ُي َ‬ ‫ن�ش ُر ر�سميا يف بع�ض الأحيان‬ ‫عن ما يحدث على �أر�ض الواقع‪ ،‬ومن �أ�سباب ذلك �أي�ضاً‬ ‫والت�ضارب يف الت�صريحات التي ُيديل بها �أك ُ‬ ‫ُ‬ ‫رث‬ ‫التناق�ض‬ ‫ُ‬ ‫م��ن م���س��ؤول ح��ول ح��دث �أو ق�ضية معينة‪� ،‬أو الإدالء‬ ‫بالت�صريحات والرجوع عنها يف بع�ض احلاالت‪� ،‬أو اللجوء‬ ‫�إلى نفي الواقع �أو نفي املُث َبت‪ ،‬مما يق ّو ُ‬ ‫ومي�س‬ ‫�ض الثق َة‬ ‫ّ‬ ‫امل�صداقية التي هي ر�أ�سمال الإعالم الناجح‪.‬‬ ‫�ضعف ا�ستغالل الإمكانيات وعدم توحيد اجلهود‬ ‫وحمدودية تطوير العمل‬ ‫�إ َّن عدم معرفة كل طرف من مكونات اجل�سم الإعالمي‬ ‫الر�سمي بالطرف‪/‬الأطراف الأخرى معرف ًة كافي ًة‪ ،‬ي�ؤدي‬ ‫ِ‬ ‫تكري�س حاج ٍز يحول دون الإحاطة بطبيعة عمل �أو‬ ‫�إلى‬ ‫�إمكانيات ك� ِّل ط��رف‪ ،‬وال ُي�س ِّهل الوقوف على حتديدات‬ ‫اخت�صا�ص الآخ��ر �أو م��دى ح�سا�سيته‪ ،‬وبالتايل �ستكون‬ ‫اال�ستفادة املتحققة على �صعيد توحيد اجلهود و تطوير‬ ‫العمل امل�شرتك ا�ستفاد ًة يف حدها الأدنى‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪75‬‬


‫‪76‬‬

‫توا�ضع املوازنة املالية ال�سنوية املخ�ص�صة لدوائر‬ ‫الإعالم الر�سمي والكوادر العاملة فيه‬ ‫ي�شكل حجم املوازنات املالية للإعالم الر�سمي ‪ -‬مع‬ ‫بع�ض الإ��س�ت�ث�ن��اءات اخل��ا��ص��ة ‪� -‬أث ��راً يتنا�سب م��ع ذل��ك‬ ‫احل�ج��م‪ ،‬وينعك�س ب�شكل وا��ض��ح وب���ص��ورة تراكمية على‬ ‫م�ستوى القدرات وجممل الأداء وخمرجات العمل‪ ،‬وهكذا‬ ‫�سيرتاجع ت�أثري الإع�لام الر�سمي مع تقلي�ص املوازنات‬ ‫ين �أم َر ْين‬ ‫املخ�ص�صة �إل��ى �أن ُي�صبِح يف نهاية املطاف ره� َ‬ ‫اثنني‪ :‬الق�صور عن بلوغ امل�ستوى املطلوب منه‪ ،‬وانخفا�ض‬ ‫وترية التطور احلتمي املتما�شي مع م�ستلزمات الع�صر‪.‬‬ ‫وعلى النقي�ض من ذل��ك‪ ،‬فمن املالحظ �أ َّن العديد‬ ‫من دوائر الإعالم غري الر�سمي تتمتع مبوازنات مكَّنتها‬ ‫من �صقل الكفاءات‪ ،‬و�إثراء وتنويع اخلربات‪ ،‬ورفع �سوية‬ ‫الأداء‪ ،‬وام �ت�لاك �أذرع �إع�لام�ي��ة مم�ت��دة ب��ال�غ��ة ال�ت��أث�ير‬ ‫ووا�سعة الإنت�شار يف ال�ساحة الإعالمية التناف�سية املتاحة‬ ‫�أمامها‪.‬‬ ‫ا�ستمرار ت َ​َ�س ُّرب الكفاءات الإعالمية �إلى اخلارج‬ ‫�شكلت م�ؤ�س�سات الإعالم الر�سمي على مدى عقود من الزمن‬ ‫حا�ضنة �أول �ي��ة‪ ،‬ترعرعت فيها ال�ك�ف��اءات الإع�لام�ي��ة ال��واع��دة‬ ‫لتت�سرب �إلى اخلارج‪ ،‬بدافع البحث عن فر�ص عمل مب�ستويات‬ ‫معي�شية �أف�ضل‪� ،‬ضمن ف�ضاءات مهنية �أو�سع‪� ،‬ش َّك َل لها اخلار ُج‬ ‫بيئ َة عملٍ جاذب ٍة �ساع َدتْ على �إغناء التجارب واكت�ساب اخلربات‬ ‫وب��روز القدرات والإمكانات لدى تلك الكفاءات املهاجرة‪ .‬هذا‬ ‫م��ن ج�ه��ة‪ ،‬وم��ن جهة �أخ ��رى ويف ال��وق��ت ال��ذي ُي �ع � َت�َب�رَ ون فيه‬ ‫رواف� � َع معتربة يف امل��ؤ��س���س��ات ال�ت��ي يعملون لديها يف اخل��ارج‪،‬‬ ‫ف�إنهم ي�ش ِّكلون نزفاً متوا� ً‬ ‫صال‪ ،‬بل و �إنهاكاً للإعالم املحلي و‬ ‫خ�سارة مهنية م�ستمرة للم�ؤ�س�سات الإعالمية الأم التي كانوا‬ ‫قد انطلقوا منها‪.‬‬ ‫�إزاء ه��ذا ال��واق��ع‪ ،‬ول�ل�إرت �ق��اء ب���س��و ّي��ة الإع �ل�ام �أدرج‬ ‫ت��ال�ي�اً جم�م��وع��ة م��ن ال�ن�ق��اط ال �ت��ي تعك�س وج �ه��ة نظر‬ ‫�شخ�صية بحتة م��ن منطلق املعاي�شة والإط �ل�اع‪ ،‬لعلها‬ ‫تت�ضمن م��ا ي�ستحق ال �ت��وق��ف ع�ن��ده��ا والإف� � ��ادة منها‪:‬‬ ‫ ال�ق�ي��ام مب��راج�ع��ة �شاملة وحتليل وتقييم مو�ضوعي‬‫مل�سرية الإع�ل�ام الر�سمي يف ال�ف�ترات املا�ضية والوقوف‬ ‫على �إيجابياتها و�سلبياتها والإ�ستفادة منها و�أخذها بعني‬ ‫يدي التخطيط للم�ستقبل‪.‬‬ ‫الإعتبار بني ّ‬ ‫ تخ�صي�ص م��وازن��ة م��ال�ي��ة �سنوية كفيلة ب��ال��وف��اء‬‫مبتطلبات النهو�ض بالإعالم الر�سمي‪ ،‬بحيث تُعا َل ُج من‬ ‫خاللها ن�ق� ُ‬ ‫�اط ال�ضعف وتُ�صلَ ُح م��واط��نُ اخللل و تُل َّبى‬ ‫الإحتياجاتُ الفورية و املرحلية املقبلة‪ ،‬لتحقيق الهدف‬ ‫املتمثل يف و�ضع الإعالم الر�سمي يف املكانة التي يجب �أن‬ ‫يرتقي �إليها‪.‬‬ ‫ التخطيط وال�ت�ن�ف�ي��ذ لإع� ��ادة وت��وط�ين ال�ك�ف��اءات‬‫الإعالمية املهاجرة على نح ٍو متدر ٍج على مدى ال�سنوات‬

‫املقبلة‪ ،‬وتوفري احلوافز امل�شجعة لتق�صري رحلة اغرتاب‬ ‫تلك الكفاءات‪� ،‬أو �إنهائها والإ�ستعانة بالإمكانات واخلربات‬ ‫املتح�صلة لإحداث التوازن و النهو�ض بالإعالم‪.‬‬ ‫ ا�ستعداداً ملمار�سة �إعالم �أك َ‬‫رث جناحاً و�أبل َغ ت�أثرياً‪،‬‬ ‫يجب العمل على ك�سر التقاليد املتَّبعة ومنها احتكار‬ ‫املعلومة املتوفرة ل��دى �أي من �أج�ه��زة ال��دول��ة و�إتاحتها‬ ‫ل�ل�آخَ � ِري��ن املعنيني دون ت ��أخ�ير‪ .‬والإق�ل��اع ع��ن �أ��س�ل��وب‬ ‫ال�شخ�صنة ومتجيد امل�س�ؤول‪ .‬و�أن يكون الإعال ُم وامل�س� ُ‬ ‫ؤول‬ ‫– كالهما ‪ -‬يف خدمة الوطن واملواطن‪.‬‬ ‫ ت�شكيل خلية ع�م��ل ي��ر�أ��س�ه��ا م���س��ؤول متخ�ص�ص‬‫�إعالمي كبري ولفرتة معقولة لي�ست ق�صرية‪ ،‬ت�ضم مدراء‬ ‫الأج�ه��زة الإعالمية الر�سمية املدنية والع�سكرية كافة‪،‬‬ ‫جتتمع ب�شكل دوري منتظم و يف احلاالت الطارئة للتن�سيق‬ ‫والتكامل‪ ،‬ولتقدمي التو�صيات متهيداً التخاذ القرارات‪،‬‬ ‫يف �إطار �سيا�سات �إعالمية متفتحة مواكبة للم�ستجدات‬ ‫ومتطورة وفق مقت�ضيات الظروف والأحوال‪.‬‬ ‫ تتولى اخللية �إعداد خطط �إعالمية مرنة ت�ستبق‬‫الأح ��داث التي ق��د حت�صل داخلياً و‪� /‬أو تتما�شى معها‪،‬‬ ‫وكذلك الأحداث التي من املتوقع ح�صولها خارجياً ولها‬ ‫ت�أثري حمتمل �أو متوقع على البالد‪ ،‬بحيث يكون من �ش�أن‬ ‫ه��ذه اخلطط الإ�سهام يف التهيئة ال�ستيعاب الأح��داث و‬ ‫تداعياتها وتخفيف انعكا�ساتها ال�سلبية املحتملة‪.‬‬ ‫ يف �إط� ��ار ا��س�ت���ش��راف امل�ستقبل وال�ت�ه�ي��ؤ املنا�سب‬‫ل��ه‪ ،‬ت��أخ��ذ اخللية على عاتقها �أي���ض�اً التخطيط لبناء‬ ‫جيل �إع�لام��ي ذي اخت�صا�ص يرفد الأج �ه��زة والإدارات‬ ‫باحتياجاتها احل��ال�ي��ة وامل�ن�ت�ظ��رة ع�ل��ى م��راح��ل‪ ،‬بحيث‬ ‫يتم ا�ستغالل الإمكانات التدريبية املحلية وكذلك املِنَح‬ ‫اخلارجية‪ ،‬والإبتعاث يف املجاالت املتخ�ص�صة يف �أف�ضل‬ ‫ا�ستغالل ممكن ملواكبة التطور التقني والب�شري الوا�سع‬ ‫يف جمال الإعالم‪.‬‬ ‫ ت�ك�ل�ي��ف الإدارات امل ُ � َم � َّث �ل��ة يف اخل �ل �ي��ة ب��ال �ت �ع��اون‬‫والتح�ضري امل�شرتك وحتديد املهام والواجبات والأدوار‬ ‫ب�صورة تكاملية ملواجهة ال�سيناريوهات املحتملة لتطور‬ ‫الأو� �ض��اع داخ�ل�ي�اً وخ��ارج �ي �اً‪ ،‬وم��واج�ه��ة و��س��ائ��ل الإع�ل�ام‬ ‫مقنع و�أدا ٍء محُ ْ ك ٍَم واحرتافي ٍة عالية‪.‬‬ ‫ب�أ�سلوبٍ راقٍ ٍ‬ ‫و�أخ� �ي��راً ف � ��إ َّن امل��و� �ض��وع �ي��ة‪ ،‬واجل� � ��ر�أة‪ ،‬وامل���ص��داق�ي��ة‪،‬‬ ‫وال�سرعة يف نقل احل��دث‪ ،‬وا�ستغالل الإمكانات والدعم‬ ‫الالزم‪ ،‬واخلطاب الإعالمي املنطقي العقالين املتوازن‪،‬‬ ‫واللغة امل�شرتكة بني مكونات اجل�سم الإعالمي الر�سمي‪،‬‬ ‫والإن�سجام والإيقاع املتناغم‪ ،‬واح�ترام املواطن وحقه يف‬ ‫احل�صول على املعلومة‪ ،‬كل ذلك ي�شكّل ركائزاً �ضرورية‬ ‫ممكنة ولي�ست م�ستحيلة‪ ،‬وي�شكّل يف الوقت نف�سه م�صلحة‬ ‫حيوية عليا‪.‬‬


‫التطرف واإلرهاب وجذبه للشباب‬ ‫ما هو التطرف واإلرهاب؟‬ ‫مقاالت‬

‫أ‪.‬د‪ .‬هناء الحنيطي‬ ‫عميد البحث العلمي ‪/‬جامعة العلوم اإلسالمية العالمية‬

‫ي�ع��اين ال�ع��امل �أج�م��ع يف ال��وق��ت املعا�صر م��ن انت�شار‬ ‫ظهور حركات وتنظيمات مبا ي�سمى التطرف والإرهاب‪،‬‬ ‫وال �شك �أن الدول التي مل توجد بها مثل هذه احلركات‬ ‫واملنظمات �صابها من �آثاره ال�سلبية‪ ،‬التي امتدت وتغلغلت‬ ‫من خالل بث �سموم �أفكارها �إلى تلك الفئة ال�ضعيفة التي‬ ‫تعاين �إما من م�شاكل اجتماعية �أو اقت�صادية �أو �ضعف يف‬ ‫املعتقدات الدينية‪ ،‬م�ستغلة هذا ال�ضعف لت�سيطر على‬ ‫عقولهم ومن ثم تتحكم ب�أفعالهم‪.‬‬ ‫�أ�صبح التطرف والإره ��اب ي�شكل ظاهرة اجتماعية‬ ‫م�ع�ق��دة‪ ،‬تختلط فيها املفاهيم وت�ت�ن��وع ال ��ر�ؤى وتت�سع‬ ‫ال�ف�ج��وة ل�ل�م��زي��د م��ن ال�ل�ب����س يف االج �ت �ه��اد والتف�سري‪،‬‬

‫ول�ك��ن ب ��دون ��ش��ك �أن ه�ن��اك �إج �م��اع ع�ل��ى خ �ط��ورة ه��ذه‬ ‫الظاهرة على �أ�سا�س �أنها ظاهرة تهدد �أم��ن وا�ستقرار‬ ‫املجتمع والأفراد‪ ،‬و�أنها تعد من �أقوى املعاول التي تطيح‬ ‫باال�ستقرار االق�ت���ص��ادي واالج�ت�م��اع��ي‪ ،‬مم��ا يت�سبب يف‬ ‫�إح��داث ا�ضطرابات خطرية تنعك�س بقوة على القطاع‬ ‫الأمني ‪.‬‬ ‫�أ�صبح مفهوم الإره��اب حديث ال�ساعة ومن امل�سائل‬ ‫ال�شائكة والتي ت�سبب لدى البع�ض اللب�س يف التف�سري‬ ‫وامل�ع�ن��ى‪ ،‬ل��ذل��ك ج��اء ت�ع��ري��ف الإره� ��اب م��ن ق�ب��ل جممع‬ ‫الفقه الإ��س�لام��ي يف راب�ط��ة ال�ع��امل الإ��س�لام��ي مبكة يف‬ ‫دورت��ه ال�ساد�سة ع�شرة‪ ،‬املنعقدة يف �شوال من عام ‪1423‬‬ ‫هـ مبكة املكرمة ب��أن��ه‪“ :‬العدوان ال��ذي ميار�سه �أف��راد‬ ‫�أو جماعات �أو دول بغياً على الإن���س��ان يف دي�ن��ه‪ ،‬ودم��ه‪،‬‬ ‫وع �ق �ل��ه‪ ،‬وم��ال��ه‪ ،‬وع��ر� �ض��ه‪ ،‬وي���ش�م��ل ��ص�ن��وف التخويف‬ ‫والأذى والتهديد والفعل بغري ح��ق‪ ،‬وم��ا يت�صل ب�صور‬ ‫احلرابة و�إخافة ال�سبيل وقطع الطريق‪ ،‬وكل فعل من‬ ‫�أف�ع��ال العنف �أو التهديد يقع تنفيذاً مل�شروع �إج��رام��ي‬ ‫فردي �أو جماعي‪ ،‬ويهدف �إلى �إلقاء الرعب بني النا�س‪،‬‬ ‫�أو ترويعهم ب�إيذائهم‪� ،‬أو تعري�ض حياتهم‪� ،‬أو حريتهم‪� ،‬أو‬ ‫�أمنهم ‪� ،‬أو �أقوالهم للخطر‪ ،‬ومن �صنوفه �إحلاق ال�ضرر‬ ‫بالبيئة �أو تعري�ض �أح��د امل��وارد الوطنية ‪� ،‬أوالطبيعية‬ ‫للخطر” ‪ .‬من هنا يتبني لنا �أن الإرهاب يرتبط بالفعل‪،‬‬ ‫و�أنه يقع على �شدة التخويف الواقعة على الفرد �أو على‬ ‫اجلماعة ‪ ،‬والتهديد بالعنف ‪ ،‬وه��و القيام ب��أع�م��ال ال‬ ‫جتيزها القوانني املحلية �أو الدولية‪ ،‬حيث تتعطل لغة‬ ‫احلوار وفهم الأخر ‪.‬‬ ‫يعترب مفهوما الإره ��اب وال�ت�ط��رف وج�ه��ان لعملة‬ ‫واح��دة‪ ،‬حيث هناك لب�س هائل و�شائك لدى الكثريين‬ ‫حول مفهوم الإرهاب والتطرف‪ ،‬فالإرهاب وليد التطرف‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪77‬‬


‫‪78‬‬

‫وذلك من حيث �أن التطرف هو الأ�سا�س الذي ين�ش�أ لدى‬ ‫الفرد الإرهابي حيث يكون لدى الفرد املتطرف معتقدات‬ ‫و�أفكار را�سخة ال تقبل التغيري �أو احل��وار واملناق�شة مع‬ ‫الأخر ‪ ،‬وال حتى جمرد �إبداء الر�أي مما ي�ؤدي �إلى العنف‬ ‫يف التعامل وذل��ك من خ�لال ممار�سة الإره ��اب (القتل‪،‬‬ ‫التدمري‪ ،‬احل��رق‪...‬ال��خ) ‪ .‬من هنا يتبني لنا �أن مفهوم‬ ‫التطرف يختلف عن مفهوم الإره��اب ويتبع ذل��ك طرق‬ ‫املعاجلة لكال احلالتني حيث تكون خمتلفة‪ .‬فالتطرف يف‬ ‫اللغة‪:‬هو الوقوف يف الطرف عك�س التو�سط واالعتدال‪،‬‬ ‫وك��ذل��ك ال �غ �ل��و وارت� �ف ��اع ال �� �ش��يء وجم � ��اوزة احل ��د ف�ي��ه‪.‬‬ ‫فالتطرف‪ :‬هو جمموعة من املعتقدات والأف�ك��ار التي‬ ‫تتجاوز املتفق عليه �سيا�سيا واجتماعيا ودينيا فالتطرف‬ ‫هو دائما يكون مرتبطا مبا هو فكري بالأ�سا�س‪ ،‬فهو كل‬ ‫فكر �أو ت�صرف يخرج عن حد االعتدال فاملتطرفني لديهم‬ ‫�إمي��ان را�سخ ويقني مبا يحملونه من �أفكار ومبادئ وال‬ ‫ي�سمحون للأخر بحوارهم و�إبداء الر�أي وذلك لإميانهم‬ ‫ب�أنهم على �صواب و�أن الآخرين يف �ضالل وكفر مما ي�ؤدي‬ ‫�إل��ى عنف يف التعامل والت�شدد يف ال��دع��وة وال���ش��ذوذ يف‬ ‫املظهر ‪ ،‬وبالتايل عدم �ضبط النف�س واخلروج عن امل�ألوف‬ ‫والت�سيري املعتدل‪ ,‬من هنا يتبني لنا �أن التطرف يرتبط‬ ‫بالفكر والإرهاب يرتبط بالفعل ‪ ،‬حيث �أن التطرف يرتبط‬ ‫ب�أفكار ومعتقدات بعيدة عما هو متعارف عليه يف منهجية‬ ‫الو�سطية واالعتدال يف الدين وميكن �أن يكون التطرف‬ ‫�سيا�سياً �أو اجتماعياً �أو اقت�صادياً ويرتبط ب�أفكار بعيدة‬ ‫عن احلقيقة والواقع‪ .‬ومن ناحية قانونية فالتطرف ال‬ ‫يعاقب عليه القانون لأنه �ضمن دائ��رة �أفكار ومعتقدات‬ ‫الفرد ولكن عندما يتحول ه��ذا الفكر �إل��ى فعل ويخرج‬ ‫عن دائرة املعتقدات �إلى �سلوكيات عنيفة ت�ؤذي الآخرين‬ ‫من خالل ت�شكيل التنظيمات امل�سلحة واالعتداءات على‬ ‫احلريات واملمتلكات اخلا�صة بالآخرين يتحول التطرف‬ ‫�إلى �إره��اب بحيث ي�صبح جرمية يعاقب عليها القانون ‪،‬‬ ‫وال بد من ذكر �أن هناك من الأفراد من ميار�سون الإرهاب‬ ‫دون �أن يكون لديهم فكر متطرف ولكن ي�سلكون ذلك من‬ ‫اجل احل�صول على الأموال ‪ .‬لذلك ف�إن طرق الت�صحيح‬ ‫والعالج لكال الظاهرتني خمتلف ك ً‬ ‫ال بح�سب مفهومه‪.‬‬ ‫ما هي منابع االرهاب التي ت�ؤثر على عقول ال�شباب ؟‬ ‫تعترب الو�سائل الإع�لام�ي��ة م��ن �أه��م منابع الإره��اب‬ ‫التي ت�ؤثر على ال�شباب ‪ ،‬وذلك من خالل و�سائل التوا�صل‬ ‫االجتماعي التي تعترب من �أ�سهل �أنواع التوا�صل بني بني‬ ‫الب�شر وذلك كونها متاحة ب�سهولة وي�سر حيث ي�ستطيع‬ ‫�أي �شخ�ص �أن ين�شر �أف �ك��اره ومعتقداته ويو�صلها �إل��ى‬ ‫العامل �أجمع ‪ ،‬ومن هنا جند �أن الفكر الإرهابي يركز على‬ ‫الإدراك واملعرفة كمنبع ي�ؤثر من خالله على ال�شباب‬ ‫حيث يعمل على الت�أثري على االجتاهات والقيم والعادات‪،‬‬ ‫وذلك عن طريق بث معلومات عن �ضعف الأمة الإ�سالمية‬ ‫وما �آلت �إليه من وهن وانحطاط مما ي�ؤدي �إلى ا�ستهواء‬ ‫عقول ال�شباب وبالتايل الت�أثري على �إجتاهامت ومن ثم‬ ‫على �سلوكياتهم ن ومن منابعهم كذلك ا�ستخدام العبارات‬ ‫والكلمات الرباقة والرنانة التي حتظى ل��دى الآخرين‬

‫وامل�ت�ل�ق�ين اح�ت�رام وت�ق��دي��ر دون حت��دي��د امل�ع�ن��ى الدقيق‬ ‫واحلقيقي لها‪ ،‬حيث يعمل الفكر الإرهابي على ا�ستخدام‬ ‫ال�شعارات والرموز التي ت�ستعمل يف النيل من علماء الأمة‬ ‫‪ ،‬والتزهيد يف علمهم وت�شويه �سمعتهم‪ ،‬ب��دع��وى �أنهم‬ ‫لي�سوا م�ؤهلني حلل م�شاكل الأمة الإ�سالمية وا�ستخدام‬ ‫العبارات التي ت�شوههم مثل ‪":‬ادعى �شيخ الأزهر كذا ‪"...‬‬ ‫�أو "زعم ال�شيخ ‪ ، "...‬مما ي�ؤدي �إلى ترويج �أفكارهم و�إقناع‬ ‫ال�شباب ب�أفكارهم واالن�صياع لها‪ .‬وم��ن منابعهم �أي�ضاً‬ ‫تكفري ال��دول الإ�سالمية التي تربطها عالقات وتعاون‬ ‫مع الدول الغربية واملتقدمة‪ ،‬وبث ال�سموم يف الأفكار من‬ ‫حيث ت�س ُلط الكفار على بلدانهم‪ ،‬وتبعيتهم وما يتعر�ضوا‬ ‫له من �صور الأذى والبط�ش وال�سخرية بالدين‪.‬‬ ‫ا�سباب ان�ضمام ال�شباب الى املجموعات االرهابية ؟‬ ‫م��ن �أه ��م �أ� �س �ب��اب ان���ض�م��ام ال���ش�ب��اب �إل ��ى امل�ج�م��وع��ات‬ ‫الإرهابية ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ال�ف�ق��ر وال�ب�ط��ال��ة‪ ،‬وغ�ل�اء املعي�شة وق�ل��ة ال��وظ��ائ��ف‬ ‫واعتمادهم على الدولة يف ت�أمني ك�سب معي�شتهم‪،‬‬ ‫وف�شلهم يف احلياة والإخفاق املعي�شي‪.‬‬ ‫‪ -2‬الفراغ الفكري الذي ي�ؤدي �إلى �سوء ا�ستخدام الوقت‬ ‫ب�شكل �صحيح و�سهولة تبني الأفكار املدمرة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬ع��دم ان�ت�ق��اء الأ� �ص��دق��اء ال���ص��احل�ين وذوي الأف �ك��ار‬ ‫النرية‪.‬‬ ‫‪ -4‬ال�ف�ج��وة ال�ه��ائ�ل��ة ب�ين ال�ع�ل�م��اء وط�ل�ب��ة ال�ع�ل��م حيث‬ ‫�أ�صبحت الأفكار بينهما ال تلتقي ‪ ،‬و�صعوبة احلوار‬ ‫والتفاهم بني الطرفني وتبني البع�ض من املعلمني‬ ‫الأفكار املتطرفة والتي يحاول كل منهم �أن يلقنها‬ ‫لطلبة العلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬اجل� �ه ��ل وع� � ��دم امل� �ع ��رف ��ة ب��ال �� �ش��ري �ع��ة الإ� �س�ل�ام �ي��ة‬ ‫ومقا�صدها‪ ،‬والت�أويل اخلاطئ للن�صو�ص ال�شرعية‬ ‫‪ ،‬وا�ستنادهم �إلى �شبهات باطلة بنوا عليها �أفكارهم‬ ‫واجت��اه��ات �ه��م‪ .‬ح �ي��ث �أن �ه��م ي���ص��دون�ه��م ع��ن ال�ع�ل��م‬ ‫النافع يف مرحلة �أذهانهم فيها متوقدة‪ ،‬وهممهم‬ ‫عالية ولكنها موجهة بطريقة خاطئة �إل��ى البدعة‬ ‫وال�شبهات مما ي�ؤدي �إلى التع�صب والتقليد‪.‬‬ ‫‪� -6‬شيوع مظاهر ال�ت�رف والإ� �س��راف م��ن حيث امل��أك��ل‬ ‫وامل�ل�ب����س ل ��دى ال�ب�ع����ض مم��ا ي � ��ؤدي �إل ��ى ح�سا�سية‬ ‫الغالبية من ال�شباب بالد ُونية‪ ،‬فيحاول تعوي�ض ذلك‬ ‫بكافة ال�سبل فيقع فري�سة �سهلة يف �أيدي اجلماعات‬ ‫الإرهابية‪.‬‬ ‫‪ -7‬احل�م��ا���س ال��ذي يتميز ب��ه ال�شباب يف ه��ذه املرحلة‬ ‫العمرية وقدرته على تكوين فكرة عامة عن املجتمع‬ ‫الذي يعي�ش فيه‪ ،‬وميله للتغري‪.‬‬ ‫هل ال�شباب املهم�ش اجتماعيا والعاطل عن العمل هم‬ ‫اكرث عر�ضة لغ�سيل الدماغ وارتكاب اجلرائم الإرهابية؟‬ ‫يعترب ال�شباب �أع�ظ��م �أداة ب�ن��اء للمجتمع وال��دول��ة‪،‬‬ ‫وه��م �أ��س��ا���س نه�ضتها وق��وت�ه��ا‪ ،‬وه��ذه الأداة تنقلب �إل��ى‬


‫معول هدم و�سبب انحطاط متى ما تبنى ال�شباب منهج‬ ‫الفكر الإره��اب��ي وم��ا يتبعه حيث يركز ه��ذا الفكر على‬ ‫ال�شباب لأن��ه ال�شباب يف ه��ذه املرحلة العمرية ميتازون‬ ‫بالقوة والت�سرع يف اتخاذ القرارات ويف الأفعال‪ ،‬وكذلك‬ ‫وجد الفكر الإره��اب��ي �أن ال�شباب يف هذه املرحلة لديهم‬ ‫ف��راغ�اً روح�ي�اً ك�ب�يراً وذل��ك ن�ظ��راً للظروف املختلفة يف‬ ‫ال �ب �ن��اءات ال�ترب��وي��ة واالج�ت�م��اع�ي��ة ال�ت��ي مل تتمكن من‬ ‫احتواء تطلعات و�آمال الأجيال املفعمة باحليوية‪ .‬لذلك‬ ‫يركز الإره ��اب على ال�شباب كمورد ب�شري رئي�س لدعم‬ ‫ن�شاطها وذلك من خالل بث الأفكار ال�سامة لديهم من‬ ‫حيث اتهام املجتمع الإ�سالمي باجلاهلية والكفر والر ّدة‪،‬‬ ‫لأنه ح�سب معتقداتهم يخ�ضع لأنظمة ال تقيم �شرع اهلل‪،‬‬ ‫وال تطبق ال�شريعة الإ�سالمية‪ .‬وبالتايل ف��إن الن�شاط‬ ‫امل�سلح العنيف هو ال��ذي �سيحدث التغيري املرتقب على‬ ‫امل�ستويات االجتماعية وال�سيا�سية‪ .‬ون�شر الرعب و�أجواء‬ ‫غ�ير الأم �ن �ي��ة وع ��دم اال� �س �ت �ق��رار‪ .‬وب��ال �ت��ايل ف� ��أن الفكر‬ ‫الإرهابي ي�ؤثر على ال�شباب ب�أن يطبعهم على العنف يف‬ ‫القول والفعل‪ ،‬فيت�سرعون حلما�ستهم الدينية وغريتهم‬ ‫غ�ير املن�ضبطة ب��ال���ش��ري�ع��ة ب��احل�ك��م ع�ل��ى م��ن خالفهم‬ ‫بالكفر‪ ،‬وه��ذا عنف يف القول يتبعه عنف يف الفعل دون‬ ‫النظر �أو ر�ؤي��ة‪ ،‬فيت�سارعون نتيجة التكفري بالتفجري‪،‬‬ ‫وتبني العمليات الإرهابية ظناً منهم �أن هذا جهاد‪ ،‬و�أنه‬ ‫نهى عن املنكر ‪ ،‬وهم بهذا يهدمون وال يبنون‪ ،‬وبالتايل‬ ‫�صرف طاقات ال�شباب والتي هي وقود املجتمع من النافع‬ ‫املفيد �إلى االن�شغال بفتنة الإرهاب وما تعززه من �شبهات‬ ‫تروج‪ ،‬وبالتايل يعملوا على ترك خدمة البلد واالنخراط‬ ‫يف وظائفهم لأن�ه��م يعتقدون بكفر ال��دول��ة واحلكومة‬ ‫فيعملون على ت��روي��ج ال�شبهات ال�ت��ي تطعن يف �أول�ي��اء‬ ‫الأم ��ور‪ ،‬العلماء‪ ،‬وتركهم ال��دف��اع ع��ن وطنهم والتوجه‬ ‫للعمل يف الهجوم عليه وزعزعة �أمنه ‪.‬‬ ‫يعترب الفراغ والبطالة من �أهم العوامل لتبني الأفكار‬ ‫املتطرفة وبث �سمومها حيث تعترب البطالة حمطة لعدة‬ ‫تغريات اقت�صادية واجتماعية ‪ ،‬وم��ع كل ذل��ك ال تعترب‬ ‫البطالة وحدها هي ال�سبب الرئي�س للجرائم الإرهابية‪،‬‬ ‫بل الإرهاب يرتبط ب�شكل كبري بالإدراك والوعي الفكري‪،‬‬ ‫فكثري من اجلماعات الإرهابية من الأثرياء‪ ،‬وال�سبب يف‬ ‫�إنظمامهم هو الفكر الرا�سخ يف �أذهانهم والذي تلقوه لدى‬ ‫بع�ض امل�شايخ يف امل�ساجد �أو من العلماء املتطرفني‪ ،‬فلي�س‬ ‫كل عاطل عن العمل يبحث عن القتل والتدمري‪ ،‬ولكن �إذا‬ ‫كان لديه مفهوم وتعط�ش للدين ب�شكل خاطئ قد ي�ؤدي‬ ‫�إلى القيام ب�أعمال �إرهابية ‪ ،‬ففي ظل العي�ش يف بيئة ال‬ ‫توفر ��ض��رورات احل�ي��اة مما ي ��ؤدي �إل��ى الفقر والبطالة‬ ‫وب��ال�ت��ايل �سهولة غ�سيل الأدم �غ��ة وذل��ك لتوفر ال�ف��راغ‬ ‫الفكري مما ي�ؤدي �إلى زرع الأفكار اخلطرية واملغالطة عن‬ ‫الدين‪ ،‬فال�شباب العاطلني عن العمل يتولد لديهم �شعور‬ ‫ب�أن املجتمع رف�ضهم وال يعترب عن�صر فعال‪ ،‬فتت�سع لديهم‬ ‫الفجوة بني م�ستوى الطموح وب�ين ال�ق��درات احلقيقية‬ ‫وال�ف��ر���ص امل�ت��وف��رة مم��ا ي� ��ؤدي �إل��ى تفجري اال��ض�ط��راب‬ ‫النف�سي على امل�ستوى الفردي واالجتماعي‪ ،‬لذلك يلج�أ‬ ‫ه ��ؤالء �إل��ى االن�خ��راط مع �أ�صدقاء �سيئني وتلقي �أفكار‬

‫مغايرة متاماً للدين الإ�سالمي ال�صحيح‪ .‬مما ي�ؤدي �إلى‬ ‫انحرافات فكرية و�سلوكية ‪ ،‬وم��ن هنا تعمل اجلماعات‬ ‫الإره��اب �ي��ة ع�ل��ى �إر� �ض��اء ح��اج��ات ال���ش�ب��اب ال�ع��اط�ل�ين عن‬ ‫العمل �سواء من ناحية اجتماعية �أو اقت�صادية �أو �سيا�سية‪،‬‬ ‫فيعملون على تقدمي حلول �سهلة و�سريعة مثل الزواج بل‬ ‫مهر وال م�ؤخر‪ ،‬ويوفرون امل�أوى‪... ،‬الخ‪ .‬من هنا يتبني �أن‬ ‫البطالة هي �أهم �أحد الأ�سباب امل�ؤدية للجرائم الإرهابية‪.‬‬ ‫ماهو عالج الإرهاب ودور ال�شباب يف حماربة الإرهاب؟‬ ‫�إن كثري من املجتمعات تفر�ض حلول جزئية ولي�س‬ ‫حلول �شاملة مما ي�ؤدي �إلى عالج م�ؤقت ‪ ،‬ممكن �أن يكون‬ ‫العالج ال�شامل من خالل مرحلتني ‪:‬‬ ‫امل��رح�ل��ة الأول� ��ى‪ :‬ال��وق��اي��ة والتح�صني االج�ت�م��اع��ي ‪،‬‬ ‫وذل��ك من خالل ن�شر الوعي والثقافة ملفهوم الو�سطية‬ ‫ب��الإ� �س�لام ومي�ك��ن �أن ي�ك��ون ذل��ك حم�ل�ي�اً ع�ل��ى م�ستوى‬ ‫اململكة الأردن�ي��ة الها�شمية من خالل ن�شر ر�سالة عمان‬ ‫وما حتتويه من تعاليم للو�سطية يف ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫ومفهومها‪ ،‬حيث من املمكن �إ�ضافة ر�سالة عمان كمنهج‬ ‫يدر�س يف اجلامعات بحيث ت�صبح من متطلبات اجلامعات‬ ‫التي ينبغي على ك��ل طالب جامعي درا�ستها لي�ستطيع‬ ‫احل�صول على الأفكار النرية والفهم احلقيقي للو�سطية‬ ‫يف الإ�سالم يف ظل املتغريات وال�سموم الهائلة التي تبث‬ ‫يف امل�ج�ت�م�ع��ات‪ ،‬وب��ال �ت��ايل نعمل ع�ل��ى اح�ت���ض��ان ال�شباب‬ ‫مب�شاكلهم و�أه��وائ �ه��م وتقريبهم �إل��ى االل �ت��زام ب�شعائر‬ ‫الإ�سالم بال �إفراط �أو تفريط‪.‬‬ ‫املرحلة الثانية‪ :‬املعاجلة والتغيري‪:‬‬ ‫وذل ��ك م��ن خ�ل�ال م�ع��اجل��ة م��ن ه��م ف�ع� ً‬ ‫لا متورطني‬ ‫يف اجلماعات الإره��اب�ي��ة ‪ ،‬وذل��ك ع��ن طريق احت�ضانهم‬ ‫وحت�سني و�ضعهم املعي�شي والفكري‪ ،‬وع��دم توبيخهم �أو‬ ‫نبذهم‪ ،‬وا�ستعرا�ض مناذج لأ�شخا�ص تائبني من الأفكار‬ ‫املتطرفة وكيفية ا�ستغالل الوازع الديني لديهم يف خدمة‬ ‫دينهم وبلدهم بالطريقة ال�صحيحة‪ ،‬وكذلك من خالل‬ ‫توفري و�سائل العي�ش الكرمي لهم وانخراطهم بالعمل‪،‬‬ ‫ومن املمكن اال�ستعانة بالأخ�صائيني النف�سيني يف التعامل‬ ‫مع م�شاكلهم النف�سية التي يعانون منها‪ ،‬وبيان مفهوم‬ ‫الدين الإ�سالمي والتدين ال�صحيح فالعلماء هم ورثة‬ ‫الأنبياء وه��م وحدهم من ي��درك��ون الو�سطية من حيث‬ ‫الن�صيحة والتنا�صح باحلكمة‪ ،‬لذلك يجب �أن يكون هناك‬ ‫اهتمام باخلطاب الديني لدى �أئمة امل�ساجد وو�ضع منهج‬ ‫للفكر الو�سطي وجت��دي��د خطاب ال��دع��وة ال��ذي ي�ستمد‬ ‫�أ�صوله من الكتاب وال�سنة النبوية ال�شريفة ‪ ،‬وكذلك من‬ ‫خ�لال حت�سني و�سائل �ألأع�ل�ام ودوره��ا الرئي�س يف ن�شر‬ ‫العلم ال�شرعي ال�صحيح‪ ،‬والعمل على تفعيل دور الرقابة‬ ‫الأ�سرية وا�ستغالل الوازع الديني والروحي لدى ال�شباب‬ ‫يف م��ا يفيد الإ� �س�لام وامل�سلمني‪ ،‬وي�ت��م ذل��ك م��ن خالل‬ ‫�إ� �ش��راك القطاع اخل��ا���ص و�أ��ص�ح��اب الأم ��وال واملح�سنني‬ ‫مع الدولة يف ق�ضاء حوائجهم وت�أمني العمل للعاطلني‬ ‫وخ�صو�صاً يف املناطق النائية ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪79‬‬


‫الصورة الصحيحة‬

‫للمسجد األقصى المبارك‬ ‫مقاالت‬

‫إعداد‪ :‬اللجنة الملكية لشؤون القدس‬

‫‪80‬‬

‫ت�سعى �سلطات االحتالل الإ�سرائيلي جاهدة يف تهويد‬ ‫م��دي�ن��ة ال�ق��د���س ال���ش��رق�ي��ة‪ ،‬ولتحقيق ذل��ك ت�ق��وم بعدة‬ ‫�إجراءات عملية لعل من �أخطرها التو�سع اال�ستيطاين يف‬ ‫املدينة والعمل على تهويد امل�سجد الأق�صى املبارك بكافة‬ ‫ال�سبل‪ ،‬ومل تخف �سلطات االحتالل �سيا�ستها ه��ذه بل‬ ‫�أعلنت م��راراً وعلى ل�سان بع�ض م�س�ؤوليها وحاخاماتها‬ ‫ع��ن نيتهم يف ازال ��ة امل�سجد الأق���ص��ى و�إق��ام��ة الهيكل‬ ‫املزعوم على �أنقا�ضه‪.‬‬ ‫وي �ق��وم ب��االع �ت��داءات �أف ��راد وجم�م��وع��ات ومنظمات‬ ‫يهودية متطرفة بت�شجيع م��ن ال�سلطات الإ�سرائيلية‬ ‫�أو بعلمها وحمايتها على الأق��ل كما مت عندما قام �أحد‬ ‫املتطرفني ع��ام ‪ 1969‬ب ��إح��راق امل�سجد القبلي وادع��وا‬ ‫�أن��ه جمنون‪ ،‬كما قامت ال�سلطات الإ�سرائيلية والزال��ت‬ ‫بحفريات حول �سور امل�سجد الأق�صى وحتته وفتح بع�ض‬ ‫الأنفاق �أ�سفله مما هدد بع�ض �أجزاء امل�سجد باالنهيار‪.‬‬ ‫وي �ت��م ب���ش�ك��ل �أ� �ص �ب��ح ��ش�ب��ه ي��وم��ي اق �ت �ح��ام امل���س�ج��د‬ ‫الأق�صى م��ن قبل متطرفني ي�ه��ود‪ ،‬وي�شاركهم يف ذلك‬ ‫عدد من الوزراء و�أع�ضاء الكني�ست اليهود‪ ،‬وجمموعات‬ ‫من اجلنود واملجندات بلبا�سهم الع�سكري‪ ،‬ويقود هذه‬ ‫االق�ت�ح��ام��ات يف معظم الأح �ي��ان ح��اخ��ام��ات متع�صبون‪،‬‬ ‫ويتم خ�لال االقتحام التجول يف �ساحات امل�سجد و�أداء‬ ‫بع�ض الطقو�س الدينية ورفع �صور عليها �صورة للهيكل‬ ‫املزعوم بد ًال من قبة ال�صخرة‪ ،‬واملناداة ب�ضرورة �إقامة‬ ‫الهيكل املزعوم مكان امل�سجد الأق�صى وذلك بهدف �إظهار‬ ‫�أنهم �أ�صحاب حق يف املكان‪ ،‬وخلق �أمر واقع جديد‪.‬‬ ‫وتتم كل هذه االع�ت��داءات واالقتحامات حتت مر�أى‬ ‫وم�سمع ال بل بحرا�سة م�شددة من ال�شرطة الإ�سرائيلية‪،‬‬ ‫وقد تقدم �أف��راد وق��ادة من اجلماعات املتطرفة وبع�ض‬ ‫امل���س��ؤول�ين و�أع���ض��اء الكني�ست بطلبات �إل��ى ال�سلطات‬ ‫وامل�ح��اك��م والكني�ست الإ�سرائيلية للمطالبة بال�سماح‬ ‫لليهود ب��دخ��ول امل�سجد الأق���ص��ى و�أداء �صالتهم فيه‬ ‫بحرية‪ ،‬ومنع امل�سلمني من دخول امل�سجد‪ ،‬وطالبوا �أي�ضاً‬

‫بتق�سيم امل�سجد زمانياً ومكانياً بني اليهود وامل�سلمني‪،‬‬ ‫ورف ��ع ال��و��ص��اي��ة ال�ه��ا��ش�م�ي��ة ع��ن امل�ق��د��س��ات يف ال�ق��د���س‬ ‫ال�شرقية ووق��ف �أع �م��ال دائ ��رة الأوق ��اف الإ��س�لام�ي��ة يف‬ ‫القد�س التابعة ل ��وزارة الأوق ��اف الأردن �ي��ة التي تتولى‬ ‫م�س�ؤولية احلفاظ عليها ليتمكنوا من �إطالق يدهم يف‬ ‫االعتداء على امل�سجد الأق�صى متهيداً لو�ضعه بالكامل‬ ‫حت��ت ��س�ي��ادت�ه��م ك�م��ا ح�صل يف امل�سجد االب��راه�ي�م��ي يف‬ ‫مدينة اخلليل‪.‬‬ ‫وقد ا�ستجابت �سلطات االحتالل الإ�سرائيلي لبع�ض‬ ‫مطالب املتطرفني اليهود فحددت عدد و�ساعات دخول‬ ‫امل�صلني للم�سجد ومنعت عدداً من املرابطني واملرابطات‬ ‫وطلبة العمل وحرا�س امل�سجد من الدخول �إليه مرات‬ ‫عدة ولفرتات زمنية متفاوتة‪ ،‬كما �أ�صدرت م��رات عدة‬ ‫�أوام ��ر ل��دائ��رة الأوق ��اف الإ�سالمية بوقف الرتميم يف‬ ‫امل�سجد الأق �� �ص��ى امل �ب��ارك‪ .‬وجت� ��اوزت االع� �ت ��داءات �إل��ى‬ ‫�إغ�لاق �سلطات االحتالل الإ�سرائيلي امل�سجد الأق�صى‬ ‫املبارك ومداخل بلدة القد�س القدمية ومنع �إقامة �صالة‬ ‫اجلمعة يف امل�سجد الأق�صى يف �سابقة منذ احتالل القد�س‬ ‫عام ‪ 1967‬ب�سبب الهبة ال�شعبية والر�سمية الفل�سطينية‬ ‫التي قامت لرف�ض و�ضع ال�سلطات الإ�سرائيلية بوابات‬ ‫�إلكرتونية يف امل�سجد الأق�صى املبارك بتاريخ ‪ 14‬متوز‬ ‫‪ ،2017‬وراف � ��ق ال��رف ����ض ال�ف�ل���س�ط�ي�ن��ي ت���ض��ام��ن ع��رب��ي‬ ‫و�إ�سالمي وقد �أثمرت اجلهود الدبلوما�سية الأردنية التي‬ ‫قادها جاللة امللك عبد اهلل الثاين حفظه اهلل بالتعاون‬ ‫مع الدول العربية والإ�سالمية يف تراجع قوات االحتالل‬ ‫عن �إقامة تلك البوابات‪.‬‬ ‫والى جانب اخلطوات العملية التي تقوم بها �سلطات‬ ‫االح �ت�لال لتهويد امل�سجد الأق���ص��ى‪ ،‬ف��إن�ه��ا ت�سعى من‬ ‫خ�ل�ال و��س��ائ��ل اع�لام�ه��ا امل�ضللة �إل ��ى خ�ل��ق لب�س ل��دى‬ ‫امل�شاهد برتكيزها على ع��ر���ض � �ص��ورة ج��زء فقط من‬ ‫�أج ��زاء امل�سجد الأق���ص��ى (كامل�سجد القبلي مب�ف��رده �أو‬ ‫قبة ال�صخرة مبفردها) متجاهلة عن ق�صد عدم �إظهار‬


‫ال�صورة الكاملة للم�سجد مبا ي�ضمه من معامل متعددة‪،‬‬ ‫يف حم��اوالت ترويجية منها لإي�ه��ام امل�شاهد ‪ -‬وخا�صة‬ ‫الأجنبي – ولزرع انطباع يف فكره عند قيامها باالعتداء‬ ‫على �أي من الأج��زاء واملعامل االخ��رى غري املعرو�ضة يف‬ ‫ال���ص��ورة‪� ،‬أو �إذا طالبت بتواجدها يف �أج��زاء �أخ��رى منه‬ ‫ك��ال���س��اح��ات م�ث� ً‬ ‫لا �أن �ه��ا مل تعتد ع�ل��ى امل�سجد الأق���ص��ى‬ ‫املبارك‪.‬‬ ‫ولك�شف زي��ف االح�ت�لال وال��دف��اع عن ق�ضية القد�س‬ ‫واحلفاظ على امل�سجد الأق�صى املبارك ر�أت اللجنة امللكية‬ ‫ل���ش��ؤون ال�ق��د���س � �ض��رورة التنبيه �إل ��ى اخل �ط ��أ اجل�سيم‬ ‫ال��ذي تقع فيه بع�ض و�سائل االع�ل�ام املرئية (العربية‬ ‫والإ�سالمية) �أو الكتب امل�صورة ‪ -‬عن ق�صد �أو دون ق�صد ‪-‬‬ ‫عندما تعر�ض �صورة امل�سجد القبلي مبفرده �أو �صورة قبة‬ ‫ال�صخرة مبفردها للداللة على امل�سجد الأق�صى املبارك‪.‬‬ ‫لإن امل���س�ج��د الأق �� �ص��ى امل �ب ��ارك ال� ��ذي ورد ذك� ��ره يف‬ ‫مطلع ��س��ورة اال� �س��راء يف ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي بقوله تعالى‬ ‫} ُ�س ْب َحا َن ا َّل ِذي �أَ ْ�س َرى ِب َع ْب ِد ِه َل ْيلاً ِمنَ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َرا ِم �إِ َلى‬ ‫المْ َ ْ�سجِ ِد ْ أَ‬ ‫ال ْق َ�صى ا َّل ِذي َبا َر ْكنَا َح ْو َل ُه ِل رُ ِ‬ ‫ن َي ُه ِمنْ �آ َيا ِتنَا �إِ َّن ُه‬ ‫ري{‪ .‬هو كل امل�ساحة البالغة (‪� )144‬ألف‬ ‫ال�س ِمي ُع ا ْل َب ِ�ص ُ‬ ‫ُه َو َّ‬ ‫مرت مربع واملحددة ب�سور امل�سجد مبا فيه من �أبواب وما‬ ‫هو حم�صور داخل هذا ال�سور من م�ساجد ومعامل متعددة‬ ‫اخرى �أهمها‪ :‬امل�سجد القبلي‪ ،‬وامل�سجد القدمي‪ ،‬وم�سجد‬ ‫قبة ال�صخرة‪ ،‬وم�سجد الرباق‪ ،‬وم�سجد املغاربه‪ ،‬وم�سجد‬ ‫الن�ساء‪ ،‬وامل�صلى املرواين �إ�ضافة �إلى (‪ )14‬قبة �أهمها قبة‬ ‫ال�صخرة امل�شرفة و(‪ )4‬م�آذن و(‪ )12‬مدر�سة و(‪ )8‬بوائك‬ ‫وعدداً من الأ�سبلة واملحاريب وامل�صاطب والآبار العامرة‬ ‫ورواقني غربي و�شمايل‪ .‬بالإ�ضافة �إلى حائط الرباق‪.‬‬ ‫فامل�سجد القبلي‪ :‬هو ج��زء ه��ام من امل�سجد الأق�صى‬ ‫وهو اجلزء القائم حالياً يف اجلهة اجلنوبية من امل�سجد‬ ‫الأق�صى املبارك ويطلق عليه �أي�ضا (امل�سجد امل�سقوف �أو‬ ‫اجلامع الأق�صى) وقد �سمي بامل�سجد القبلي لأنه يقع يف‬

‫اجلهة اجلنوبية من امل�سجد الأق�صى امل�ب��ارك‪ ،‬وق��د بد�أ‬ ‫بناءه ب�شكله احلايل اخلليفة الأموي عبدامللك بن مروان‬ ‫وا�ستكمل بنا�ؤه يف عهد ابنه الوليد بن عبدامللك‪ ،‬وهذا‬ ‫امل�سجد هو ج��زء ه��ام فقط من امل�سجد الأق�صى املبارك‬ ‫وال يجوز �أن ي�شار اليه يف الأو�ساط االعالمية وال�سيا�سية‬ ‫على �أنه امل�سجد الأق�صى املبارك‪.‬‬ ‫ �أم ��ا اجل ��زء ال �ه��ام الآخ ��ر ال ��ذي ال ي�ج��وز �إظ�ه��ار‬ ‫�صورته على �أنه امل�سجد الأق�صى كام ً‬ ‫ال فهو قبة ال�صخرة‬ ‫امل�شرفة وهي واحدة من قباب امل�سجد الأق�صى و�أكربها‬ ‫و�أج�م�ل�ه��ا‪ ،‬وت�ق��ع ه��ذه القبة يف و��س��ط امل�سجد الأق�صى‬ ‫امل �ب��ارك وحت�ت�ه��ا م�سجد ال���ص�خ��رة امل���ش��رف��ة وق��د بناها‬ ‫اخلليفة عبدامللك بن مروان‪ .‬ومع �أنها �شاهد على عروبة‬ ‫و�إ�سالمية القد�س و�أنها حتفة فنية ت�شد اليها الأنظار‬ ‫من كافة �أنحاء العامل ا ّال �أنها جزء هام فقط من �أجزاء‬ ‫امل�سجد الأق�صى ولي�ست كل امل�سجد‪.‬‬ ‫ل��ذل��ك ال ب��د م��ن �أن ت�ت�ن�ب��ه ك��اف��ة و� �س��ائ��ل الإع�ل��ام‬ ‫واجلهات املعنية �إلى �ضرورة احلر�ص على �إظهار �صورة‬ ‫امل�سجد الأق�صى املبارك مب�ساحته الكاملة (‪ )144‬دومناً‬ ‫ع�ن��د احل��دي��ث ع��ن امل���س�ج��د الأق �� �ص��ى �أو الإ�� �ش ��ارة �إل �ي��ه‪،‬‬ ‫وجت�ن��ب ع��ر���ض ��ص��ورة اجل��زء (كقبة ال�صخرة امل�شرفة‬ ‫مبفردها �أو �صورة امل�سجد القبلي مبفرده) يف �أي و�سيلة‬ ‫مرئية‪ ،‬وخا�صة يف و�سائل الإعالم للداللة على الكل وهو‬ ‫امل�سجد الأق�صى املبارك‪ ،‬لري�سخ يف ذهن امل�شاهد العربي‬ ‫والإ��س�لام��ي والأج�ن�ب��ي‪ ،‬ان ك��ل �شرب داخ��ل �سور امل�سجد‬ ‫الأق�صى املبارك هو جزء منه ولي�س بدي ً‬ ‫ال عنه وبذلك‬ ‫نفوت على �سلطات االحتالل الإ�سرائيلي ما تهدف �إليه‬ ‫م��ن حم��اوالت تهويد امل�سجد الأق�صى امل�ب��ارك �أو و�ضع‬ ‫ي��ده��ا ع�ل��ى �أج ��زاء م�ن��ه‪ ،‬وه ��ذه ه��ي ال���ص��ورة ال�صحيحة‬ ‫للم�سجد الأق�صى املبارك‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪81‬‬


‫(وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)‬ ‫مقاالت‬

‫د‪ .‬أحمد أبو بكر‬ ‫‪82‬‬

‫القر�آن الكرمي كتاب اهلل املنزل‪ ،‬الذي ال ي�أتيه الباطل‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وكامل‪،‬‬ ‫�شامل‬ ‫كتاب‬ ‫من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬وه��و ٌ‬ ‫وردت فيه الكثري من الق�ص�ص والعرب و�أ�سماء املخلوقات‬ ‫والكائنات احلية ‪ ،‬وقد �أورد القر�آن الكرمي ‪� 152‬آية كرمية‬ ‫تتعلق بانباتات والأ�شار ةالفواكه ‪،‬ومتتاز هذه النباتات‬ ‫التي ورد ذكرها يف القر�آن الكرمي ‪ ،‬بفوائدها العظيمة‪،‬‬ ‫وكرثة ما حتويه من م�صادر غنية باملواد التي ت�شفي من‬ ‫الأمرا�ض‪ ،‬وهذا يوجب �ضرورة التفكر والتدبر يف �آيات‬ ‫القر�آن الكرمي‪ ،‬ودرا�سة اخل�صائ�ص الغذائية و الدوائية‬ ‫للنباتات التي ذكرها اهلل تعالى يف �آياته‪.‬‬ ‫ويعود تاريخ �شجرة اليقطني من ‪� 5500‬إلى ‪7000‬‬ ‫عام ‪ ،‬وميتاز اليقطني بجمال �ألونه الأ�صفر �أو الربتقايل‬ ‫�أو الأحمر‪ ،‬وهناك ‪ 45‬نوع من اليقطني ‪ ،‬وحتتوي حبة‬

‫اليقطني على ‪ % 90‬من وزنها م��اء ‪ ،‬وي�تراوح وزنها ما‬ ‫بني ‪ 10 – 7‬كغم ‪ ،‬وقد ي�صل وزن الواحدة منها ‪ 90‬كغم‪،‬‬ ‫كما و�صل �أك�بر يقطينة ‪ 363‬كغم ‪ .‬وت�شتهر ال��والي��ات‬ ‫امل�ت�ح��دة ب��زراع��ة اليقطني حيث ي��زرع منها يف ك��ل عام‬ ‫بليون يقطينة‪.‬‬ ‫اليقطني يف القر�آن الكرمي ‪:‬‬ ‫ورد اليقطني يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف الآية‬ ‫الآتية ‪ :‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ني * �إِ ْذ �أَ َب َق �إِ َلى ا ْل ُفل ِْك المْ َ�شْ ُح ِ‬ ‫ون‬ ‫} َو�إِ َّن ُيون َُ�س لمَ ِنَ المْ ُ ْر َ�س ِل َ‬ ‫ني * َفا ْل َت َق َم ُه الحْ ُ ��وتُ َو ُه َو‬ ‫* َف َ�سا َه َم َفكَا َن ِمنْ المْ ُ ْد َح ِ�ض َ‬ ‫ني * َللَبِثَ فيِ َب ْط ِن ِه �إِ َلى‬ ‫ُم ِلي ٌم * َفلَ ْو اَل �أَ َّن ُه َكا َن ِمنْ المْ ُ َ�س ِّب ِح َ‬ ‫َي ْو ِم ُي ْب َع ُثو َن * َف َن َب ْذنَا ُه بِا ْل َع َراء َو ُه َو َ�س ِقي ٌم * َو َ�أن َب ْتنَا َعلَ ْي ِه‬ ‫�شَ َج َر ًة ِّمن َيق ِْطنيٍ{ (ال�صافات‪. )146-139 :‬‬ ‫�أقوال املف�سرين‬ ‫ذكر املف�سرون �أن اليقطني هو القرع‪ ،‬قال ابن كثري‪:‬‬ ‫�إن العلماء يف �إن�ب��ات القرع حكم جمة منها �أن ورق��ه يف‬ ‫غاية النعومة‪ ،‬وكثري وظليل وال يقربه ذب��اب‪ ،‬وي�ؤكل‬ ‫ثمره من �أول طلوعه �إلى �آخره نيئاً ومطبوخاً وبق�شره‬ ‫وببذره �أي�ضا‪ ،‬وفيه نفع كثري للدماغ وغري ذلك‪...‬‬ ‫ويقول الدكتور زغلول النجار �أ�ستاذ علوم الأر�ض‬ ‫�إن ه��ذه الآي ��ات ت ��روي �أن احل ��وت لفظ ع �ب��داهلل ونبيه‬ ‫يون�س بن متى عليه ال�سالم‪ ،‬ملقياً به على ال�ساحل وهو‬ ‫يف حالة عظيمة من الإعياء والذهول وال�ه��زال‪ ،‬ف�أنبت‬ ‫اهلل تعالى عليه �شجرة من يقطني �أظلته و�سرتته‪ ،‬ورمبا‬ ‫تناول �شيئا من ثمارها فعافاه اهلل من �سقمه‪ ،‬وغفر له ‪.‬‬ ‫واخ�ت�ي��ار �شجرة م��ن يقطني دون غ�يره��ا م��ن �أن��واع‬


‫النباتات وجعلها �سرتا وظال لنبي اهلل يون�س عليه ال�سالم‬ ‫ي�شري الى ما يف اليقطني من فوائد عالجية وغذائية ملن‬ ‫كان يف مثل ظروف نبي اهلل يون�س‪.‬‬ ‫اليقطني يف الأحاديث النبوية ال�شريفة‬ ‫ف َعنْ �إ ِْ�س َحا َق ْبنِ َع ْب ِد اللهَّ ِ ْبنِ �أَبِي َطل َْح َة ‪� ،‬أَ َّن ُه َ�س ِم َع �أَن َ​َ�س‬ ‫ْبنَ َما ِل ٍك ‪َ ،‬يق ُ‬ ‫ُول ‪� “ :‬أَ َّن خَ َّي ً‬ ‫اطا َد َعا ال َّنب َِّي َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ول اللهَّ ِ‬ ‫َو َ�س َّل َم ِل َط َعا ٍم َ�ص َن َع ُه ‪َ ،‬قا َل �أَن ٌَ�س ‪َ :‬ف َذ َه ْبتُ َم َع َر ُ�س ِ‬ ‫ري َو َم َرقٌ‬ ‫َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم ‪َ ،‬ف ُق ِّر َب �إِ َل ْي ِه خُ ْب ٌز ِمنْ �شَ ِع ٍ‬ ‫ِفي ِه ُد َّب��ا ٌء َو َق� ِ�دي� ٌد َق��ا َل َ�أن ٌَ�س ‪َ :‬ر َ�أ ْي��تُ َر ُ�سو َل اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ‬ ‫الد َّبا َء ِمنْ ُح ُر ِ‬ ‫ال�ص ْح َف ِة َقا َل ‪َ :‬فلَ ْم‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َي ْت َب ُع ُّ‬ ‫وف َّ‬ ‫الد َّبا َء ِمنْ َذ ِل� َ�ك ا ْل َي ْو ِم “ ‪ .‬رواه البخاري وهذا‬ ‫�أَزَلْ �أُ ِح� ُّ�ب ُّ‬ ‫احلديث مرفوع‪� ،‬أجمع الأئمة على �صحته‪.‬‬ ‫وقد ثبت �أن النبي عليه ال�صالة وال�سالم كان يحب‬ ‫الدباء ففي احلديث ‪ " :‬كان ي�أكل الرثيد باللحم والقرع‬ ‫ويقول ‪� " :‬إنها �شجرة �أخي يون�س" �أخرجه الن�سائي وابن‬ ‫ماجه من حديث �أن�س‪ ،‬ويف رواية م�سلم " تعجبه"‪.‬‬ ‫والد ّباء هو القرع ‪ ،‬فالراجح من اليقطني هو الد ّباء‬ ‫(ال�ق��رع)‪ ،‬ق��ال اب��ن كثري‪ :‬اليقطني هو القرع وه��و قول‬ ‫جمهور ال�سلف‪ ،‬وقال ابن حجر‪ :‬وامل�شهور �أنه القرع‪.‬‬ ‫ملاذا اليقطني ‪ /‬القرع ‪ /‬الدباء‬ ‫وبالرجوع �إل��ى الآي��ات الكرمية ال�سابقة و�إل��ى ذكر‬ ‫(�شجرة) فالآية �أو�ضحت �أنها (�شجرة من يقطني) والذي‬ ‫يتبادر �إل��ى �أذه��ان النا�س اليوم �أن هذا ال�شجر (وه��و ما‬ ‫يعرفه اخت�صا�صيو الأ�شجار كذلك) نبات له �ساق واغ�صان‬ ‫وطول معني ‪ ،‬وبالبحث يف �آيات القر�آن واللغة �أت�ضح �أن‬ ‫ال�شجرة تطلق على النبات عموماً‪ ،‬كما الدابة تطلق على‬ ‫احليوان عموماً‪ ،‬فالقر�آن مل ي�ستعمل كلمة نبات �إال كا�سم‬ ‫م�صدر مث ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫قوله تعالى }ف�أخرجنا به نبات كل �شيء{)الأنعام ‪.99‬‬ ‫وقوله تعالى }واهلل �أنبتكم من الأر�ض نباتاً{ نوح ‪.17‬‬ ‫�أهمية اليقطني النباتية‪:‬‬ ‫ق��ال العلماء �إن اليقطني ه��و ال�ق��رع‪ ،‬ولعل ال�س ّر يف‬ ‫�إنبات هذه ال�شجرة �أنّها تتمتع مبوا�صفات مم ّيزة قد ال‬ ‫تتواجد يف غريها ‪:‬‬ ‫‪� -1‬أوراق اليقطني‪ :‬مل�ساء ‪� ،‬صارفة للذباب ‪ ،‬فال يحبها‬ ‫وال يقربها ‪ ،‬وهو يتميز بكرثته وكربه و�سرعة منوه ‪،‬‬ ‫فكان يحمي يون�س عليه ال�سالم من حرارة ال�شم�س‬ ‫احلارقه يف هذه الفالة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬ثمــــــره‪ :‬يتميز ب�أنه ي�ؤكل مبجرد �أن يظهر ‪ ,‬فهو ي�ؤكل‬ ‫نيئا ومطبوخا‪.‬‬ ‫‪� -3‬سهل امل�أخذ‪ :‬فلم يتكلف �سيدنا يون�س جهدا يف تناوله‪.‬‬

‫‪� -4‬سهل اله�ضم ‪ :‬فال يكلف املعدة جهدا يف ه�ضمه ‪.‬‬ ‫‪ -5‬مينع العط�ش ‪ :‬فال يحتاج �آكله ل�شرب املاء لن�سبة املاء‬ ‫العاليه فيه ‪.‬‬ ‫‪ -6‬يعدل املزاج ‪ :‬في�شعر �آكله بال�سعادة والإن�سجـــــــام ‪.‬‬ ‫‪ -7‬يدفع احلرارة ‪ :‬وخا�صة ما�ؤه ‪ ,‬ولذلك ين�صح بتناوله‬ ‫ملن يعاين من حمى يف اجلوف‪.‬‬ ‫فقال �أهل العلم �إن اهلل عز وجل قد جمع له يف �شجرة‬ ‫اليقطني الغذاء وامل�أوى وال�شفاء ‪.‬فالناظر يف حال �سيدنا‬ ‫يون�س حينما نبذه احلوت‪ ،‬لوجد �أنه كان يعاين من �أمور‬ ‫ثالث ‪ ,‬الإعياء والعراء والهزال ‪.‬قال عنه ابن عبا�س ر�ضي‬ ‫اهلل عنهما ‪ :‬كان كالطفل الر�ضيع‪ ،‬وقال ابن م�سعود‪ :‬كان‬ ‫كالفرخ منتوف الري�ش ‪.‬‬ ‫وهنا ن��رى حكمة اهلل يف انبات �شجرة اليقطني ‪/‬‬ ‫ال �ق��رع ل�ف��وائ��ده��ا ال�ع��دي��ده وم�ن�ه��ا ان�ه��ا ج�ي��دة للحاالت‬ ‫النف�سية‪ .‬فعن ام امل��ؤم�ن�ين عائ�شة ر��ض��ي اهلل عنها ان‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم كان يقول “ يا عائ�شة ‪:‬‬ ‫�إذ طبختم قدرا ف�أكرثوا فيها من الدباء ف�إنه ي�شد قلب‬ ‫احلزين”‪ .‬حديث مرفوع رقم ‪920‬‬ ‫اليقطني ‪ /‬القرع ‪ /‬الدباء يف اللغة‪:‬‬ ‫اختلف �أه��ل الدراية ما هو اليقطني‪ ،‬فمن قائل‬ ‫هو كل ما لي�س له �ساق من النبات‪ ،‬ومن قائل هو الد ّباء‬ ‫�أو ال�ق��رع‪ ،‬فقد ورد ه��ذا وه��ذا يف �أق��وال�ه��م‪ ،‬ق��ال يف ل�سان‬ ‫العرب‪ :‬ال َيق ِْطني كل �شجر ال يقوم على �ساق نحو الد ّباء‬ ‫وال َق ْرع والبطيخ واحلنظل ‪ ....‬وال َيقطني �شجر الق ْرع‪،‬‬ ‫قال اهلل عز وج��ل‪َ } :‬و�أَن َب ْتنَا َعلَ ْي ِه �شَ َج َر ًة ِّمن َيق ِْطنيٍ{‬ ‫ال�صافات‪.146 :‬‬ ‫قال الفراء‪ :‬قيل عند ابن عبا�س هو ورق الق ْرع‪ ،‬فقال‬ ‫ات�سعت‬ ‫وما ج َع َل ال َق ْر َع من بني ال�شجر َيق ِْطيناً كل ورقة‬ ‫ْ‬ ‫و�سرتتْ فهي َيقْطنيٌ‪ ،‬وقال جماهد‪ :‬كل �شيء ذهب َب ْ�سطاً‬ ‫ني ونحو ذلك‪.‬‬ ‫يف الأَر�ض َيقْط ٌ‬ ‫قال الكلبي‪ :‬ومنه ال َق ْرع والبطيخ وال ِقثَّاء وال�شّ مام ‪،‬‬ ‫وقال �سعيد بن جبري‪ :‬كل �شيء ينبت ثم ميوت من عامه‬ ‫فهو َيق ِْطنيٌ‪.‬‬ ‫ف�إن قيل‪ :‬ما ال يقوم على �ساق ي�سمى جنماً ال �شجراً‪،‬‬ ‫وال�شجر‪ :‬ما له �ساق قاله �أه��ل اللغة‪ ،‬فكيف قال �شجرة‬ ‫من يقطني؟ واجل ��واب‪� :‬أن ال�شجر �إذا �أطلق ك��ان ما له‬ ‫�ساق يقوم عليه و�إذا قيد ب�شيء تقيد ب��ه‪ ،‬فالفرق بني‬ ‫املطلق واملقيد يف الأ�سماء باب مهم عظيم النفع يف الفهم‬ ‫ومراتب اللغة‪.‬‬ ‫ومن جانب �آخر ف�إن القر�آن مل ي�ستعمل كلمة نبات �إال‬ ‫كا�سم م�صدر مث ً‬ ‫ال‪َ } :‬ف َ�أخْ َر ْج َنا ِب ِه َن َباتَ ُك ِّل َ�ش ْي ٍء{ الأنعام‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َن َباتاً{ نوح‪.17 :‬‬ ‫‪. 99‬وقوله تعالى‪َ } :‬وا �أَن َب َت ُكم ِّمنَ ْ أ‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪83‬‬


‫‪84‬‬

‫كما مل ي�ستخدم كلمة ح�ي��وان �إال ب��ذات الطريقة‪:‬‬ ‫الد ْن َيا �إ اَِّل َل ْه ٌو َو َل ِع ٌب َو�إِ َّن ال َّدا َر ْال ِآخ َر َة‬ ‫} َو َما َه ِذ ِه الحْ َ َيا ُة ُّ‬ ‫َله َِي الحْ َ َي َوانُ َل ْو َكانُوا َي ْعلَ ُمونَ{ العنكبوت‪.64 :‬‬ ‫ولكنه ا�ستخدم لفظ �شجرة للنبات‪ ،‬ودابة للحيوان يف‬ ‫موا�ضع كثرية من القر�آن‪ ،‬فعلى �سبيل املثال ال احل�صر‪،‬‬ ‫ال�س َما َو ِات‬ ‫قوله تعالى‪� } :‬أَلمَ ْ َت َر �أَ َّن اللهَّ َ َي ْ�س ُج ُد َل ُه َمن فيِ َّ‬ ‫الَ ْر�� �ِ�ض َوال�شَّ ْم ُ�س َوا ْل� َق� َم� ُر َوال� ُّن� ُ�ج��و ُم َوالجْ ِ � َب� ُ‬ ‫�ال‬ ‫َو َم��ن فيِ ْ أ‬ ‫َوال�شَّ َج ُر َوال َّد َو ُّاب{ احلج‪.18 :‬‬ ‫وق��ول��ه‪َ } :‬و َل� � ْو َ�أ مَّ َ‬ ‫الَ ْر�� ِ��ض ِم��ن ���شَ � َ�ج� َر ٍة �أَ ْق �َل{اَ ٌم{‬ ‫ن ��ا فيِ ْ أ‬ ‫لقمان‪.27 :‬‬ ‫وقوله‪َ } :‬و َما ِمن َد�آ َّب ٍة فيِ الأَ ْر ِ�ض �إِ َّال َعلَى اللهّ ِ ِر ْز ُق َها{‬ ‫ه��ود‪ ، 6 :‬فكان العرب حينها يطلقون على النبات لفظ‬ ‫ال���ش�ج��ر‪ ،‬وب �ه��ذا ميكننا �أن ن �ق��دم تعليل �آخ ��ر لت�سمية‬ ‫اليقطني �شجرة يف الآية املتقدمة‪.‬‬ ‫وق��د ذك��رت الآي��ة �شجرة اليقطني ب�صيغية التنكري‬ ‫}�شَ َج َر ًة ِّمن َيق ِْطنيٍ{ ال�صافات‪146:‬؛ ومعلوم �أن النكرة‬ ‫يف �سياق الإث�ب��ات تفيد الإط�ل�اق‪ ،‬وبهذا ميكن �أن تطلق‬ ‫اللفظة على كل عائلة اليقطينيات وه��ي مكونة من ‪45‬‬ ‫نوع ‪ ،‬دون حتديد لنوع معني‪ ،‬فيمكن �أن تفيد اللفظة ب�أن‬ ‫اليقطني �إمنا هو من جن�س �أو قبيلة اليقطينيات‪.‬‬ ‫فقد يكون النبات املعينّ الذي �أنبت على يون�س عليه‬ ‫ال���س�لام ه��و يقطني م�ع�ين ي�ستعمله ال�ن��ا���س يف ج��زي��رة‬ ‫ال �ع��رب‪ ،‬ول�ك��ن ك�م��ا ي�ق��ول �أه ��ل الت�صنيف ال�ن�ب��ات��ي‪� :‬إن‬ ‫ال�صفات املورفولوجية ال�شكلية الظاهرة والت�شريحية‬ ‫تت�شابه وت�ت�ق��ارب وت�شرتك �أح�ي��ان�اً ب�ين �أف ��راد الف�صيلة‬ ‫الواحدة‪.‬‬ ‫اليقطني عند علماء امل�سلمني‪:‬‬ ‫عرف لليقطني ‪ /‬القرع فوائد جمة منذ زمن بعيد‪،‬‬ ‫وقد كان امل�سلمون يقدمونه يف موائدهم اقتداءاً بر�سول‬ ‫اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،-‬و�أحبوه حلبه �إياه‪ ،‬ومن ثم‬

‫ع��رف��وا ل��ه ف��وائ��د ك�ث�يرة ومنافع ج�م��ة‪ ،‬ذك��ره��ا املهتمون‬ ‫بالطب يف كتبهم‪ ،‬فاليقطني بارد رطب يغذي غذاء ي�سرياً‬ ‫�سريع االنحدار و�إن مل يف�سد قبل اله�ضم وله خلط �صالح‬ ‫و�سبب حمبته له ما فيه من زيادة العقل والرطوبة وما‬ ‫خ�صه اهلل به من �إنباته على يون�س حتى وقاه وتربى يف‬ ‫ظله فكان له كالأم احلا�ضنة لفراخها‪.‬‬ ‫اليقطني والعلم احلديث‪:‬‬ ‫يقول �أهل ال�صيدلة‪� :‬إن املكونات الكيميائية قد تكون‬ ‫م�شرتكة بني �أفراد الف�صيلة الواحدة يف النبات‪ ،‬وبناء على‬ ‫ذلك فقد توجه البحث ملعرفة مكونات بع�ض اليقطينيات‬ ‫و�أثرها الوقائي والعالجي‪ .‬فاليقطني جيد الغذاء �سهل‬ ‫اله�ضم ال جتهد ث�م��اره امل�ع��دة �أو الأم �ع��اء ومفيد ج��داً‬ ‫ملر�ضى القلب وال�شيوخ والناقهني عموماً‪ .‬وهو ذو قيمة‬ ‫عالية جداً بفيتامني ‪ A‬مما يو�ضح فوائده للب�صر يف عدم‬ ‫جفاف قرنية العني والأغ�شية املخاطية املبطنة للج�سم ‪،‬‬ ‫كما يحتوي على ن�سبة معقولة من فيتامني ‪ C‬والف�سفور‪،‬‬ ‫ون�سب قليلة من فيتامينات ‪ B‬واحلديد والن�شا وال�سكر‬ ‫والربوتني والدهون‪.‬‬ ‫وق��د �أث�ب��ت التحاليل احليوية لثمار اليقطني �أنها‬ ‫حتتوي على املاء والربوتني والدهون والألياف واملعادن‬ ‫وال�ف�ي�ت��ام�ي�ن��ات‪ ،‬و�أك � ��دت ال �ب �ح��وث ال�ط�ب�ي��ة �أن �ه��ا ملينة‬ ‫للمعدة‪ ،‬وت��زي��ل ال�صداع ومهدئة للأع�صاب‪ ،‬و�أم��را���ض‬ ‫النف�س ومن�شطة للكبد وت ��در ال �ب��ول‪ ،‬وت�ف�ت��ت احل�صى‬ ‫والرمل‪ ،‬وتزيل التهابات الكلى‪ ،‬وتك�سر العط�ش وتعالج‬ ‫�آالم الأ�سنان واللثة‪ ،‬كما تطرد بذوره الدودة ال�شريطية‬ ‫وتعالج العجز اجلن�سي والأرق والتهاب املجاري البولية‪.‬‬ ‫القرع ‪/‬اليقطني‪/‬الدباء‬ ‫القرع من النباتات امل�شهورة جداً‪ ،‬يتميز بلونه اجلميل‬ ‫ال�برت�ق��ايل �أو الأح �م��ر �أو الأ� �ص �ف��ر‪ ،‬وب�شكله ال �ك��روي ‪،‬‬ ‫وطعمه اللذيذ‪ ،‬وهو من �أغنى النباتات باملواد الغذائية‪،‬‬ ‫�إذ يحتوي على العديد من الفيتامينات واملعادن والألياف‬ ‫وال���س�ع��رات احل��راري��ة‪ ،‬وال �ك��رب��وه �ي��درات‪ ،‬وال�بروت�ي�ن��ات‬


‫النباتية‪ ،‬والفوالت‪ ،‬وفيتامني �أ‪ ،‬وفيتامني ج‪ ،‬وفيتامني‬ ‫ه��ـ‪ ،‬وفيتامني ك‪ ،‬وفيتامني د‪ ،‬والف�سفور‪ ،‬وال�صوديوم‪،‬‬ ‫وال �ب��وت��ا� �س �ي��وم‪ ،‬وال �ك��ال �� �س �ي��وم‪ ،‬وال �ن �ح��ا���س‪ ،‬واحل ��دي ��د‪،‬‬ ‫واملغني�سيوم‪ ،‬واملنغنيز‪ ،‬وحم�ض الأوميغا ‪ ،3‬والعديد من‬ ‫الأم�لاح‪ ،‬ويدخل القرع يف حت�ضري العديد من الأطباق‬ ‫الغذائية‪ ،‬واحللويات‪ ،‬واملر ّبيات‪ ،‬كما يتم اال�ستفادة من‬ ‫بذوره اللذيذة على �شكل ت�سايل‪.‬‬ ‫فوائد القرع‬ ‫• ي��زي��ل ع�سر اله�ضم‪ ،‬ومي�ن��ع الإ��ص��اب��ة بالإم�ساك‪،‬‬ ‫ويعمل كملينّ طبيعي للجهاز اله�ضمي‪.‬‬ ‫• زيت بذر القرع يزيد الذكاء واحليوية الذهنية و‬ ‫تن�شيط الدماغ وتنمية تالفيف املخ‪.‬‬ ‫• ي�ساعد يف ال�شفاء من ح�صوات الكلى واملرارة‪.‬‬ ‫يح�سن �صحة الكبد‪ ،‬ويعزّز عمله‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ّ‬ ‫• يقي من ت�صلب ال�شرايني‪ ،‬والإ�صابة ب�أمرا�ض القلب‬ ‫واجل �ل �ط��ات‪ ،‬وي�ق�ل��ل احتمالية الإ� �ص��اب��ة بال�سكتات‬ ‫ال��دم��اغ�ي��ة‪ ،‬وذل��ك الح�ت��وائ��ه على ن�سب ٍة عالي ٍة من‬ ‫م�ضادات الأك�سدة‪.‬‬ ‫يح�سن �أداء الكلى واجل �ه��از ال �ب��ويل‪ ،‬وي�ساعد يف‬ ‫• ‬ ‫ّ‬ ‫تخلي�ص اجل�سم من ال�سموم‪.‬‬ ‫• يعالج قرحة املعدة‪ ،‬ومينع الإ�صابة باحلرقة‪.‬‬ ‫• يزيل ال�شعور بالقلق والتوتر ومينح الهدوء والراحة‬ ‫واال�سرتخاء النف�سي (يزيل الغم)‪.‬‬ ‫• ي���س��اع��د يف ع�ل�اج ال �ك ��آب��ة والأرق وحت���س�ين ال�ن��وم‬ ‫الحتوائه على حوام�ض �أمينيه مهمة‪.‬‬ ‫النف�سي‪،‬‬ ‫القوي الناجت عن ال�ضغط‬ ‫• ي�سكّن ال�صداع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يه ّديء الأع�صاب‪.‬‬ ‫• مينع ارتفاع �ضغط الدم‪ ،‬ويقلل ن�سبة الكولي�سرتول‬ ‫ال�ضار‪.‬‬ ‫• ي�ساعد يف عالج التهاب الكبد الفريو�سي عند �إدخاله‬ ‫الغذائي اليومي‪.‬‬ ‫�ضمن النظام‬ ‫ّ‬ ‫• يعزّز عمل جهاز املناعة‪ ،‬ويح�سن ال�صحة العامة‬ ‫للج�سم‪.‬‬ ‫• زيت بذر القرع مينح الب�شرة الن�ضارة واحليو ّية‪،‬‬ ‫ويزيل الكلف‪.‬‬ ‫• ي�ساعد يف التئام اجلروح والتقرحات‪ ،‬ويعالج لدغات‬ ‫احل�شرات‪.‬‬ ‫• يقلل ظ�ه��ور التجاعيد‪ ،‬مينح الب�شرة الرتطيب‬ ‫العميق ومينع جفافها‪.‬‬

‫• يقوي منو ال�شعر‪ ،‬ومينع تك�سره وتق�صفه ت�ساقطه‪،‬‬ ‫ومينحه الرتطيب واللمعان‪.‬‬ ‫• يقوي النظر‪ ،‬الحتوائه على الزنك‪،‬ومينع الإ�صابة‬ ‫بتلف ال�شبكية‪� ،‬أو ال�ضمور البقعي ‪.‬‬ ‫• ي�ق��ي م��ن الإ� �ص��اب��ة ب��ال���س��رط��ان‪ ،‬ومي�ن��ع الإ��ص��اب��ة‬ ‫بااللتهابات‪.‬‬ ‫• ي�ساعد يف تخ�سي�س ال��وزن‪ ،‬الحتوائه على كميات‬ ‫منخف�ضة من ال�سعرات احلرارية‪.‬‬ ‫• يقلل من الآثار ال�سلبية ل�سن انقطاع دور احلي�ض‬ ‫"�سن الي�أ�س" عند املر�أة‪.‬‬ ‫• يعالج ت�ضخم غدة الرب�ستات احلميد وال �سيما عند‬ ‫ال�شيوخ وكبار ال�سن‬ ‫وجه الإعجاز‪:‬‬ ‫�أث�ب��ت العلم احل��دي��ث ف��وائ��د العائلة اليقطينية‬ ‫عموماً واليقطني ‪ /‬القرع خ�صو�صاً من الناحية الغذائية‬ ‫والعالجية‪ ،‬ويف مو�ضوعنا ه��ذا تبني لنا �أن اليقطني‪/‬‬ ‫ال�ق��رع يتميز ب�صفات وخ�صائ�ص جتعله م��ن �أول��وي��ات‬ ‫ال�ن�ب��ات��ات ال�ت��ي ت�صلح لأن ت�ك��ون جم ��اور ًة ليون�س عليه‬ ‫ال�سالم وه��و يف تلك احل��ال��ة م��ن ال�سقم‪ ،‬بعد �أن لفظه‬ ‫احلوت بغ�ض النظر عن الفرتة التي بقي فيها يف جوف‬ ‫احلوت‪ ،‬فالذي �أنزل علينا هذا القر�آن و�أودع فيه ما �أودع‬ ‫من الأ�سرار �أخربنا بتلك الق�صة التي قد ت�ستع�صي على‬ ‫عقول البع�ض مم��ن ال ي��ؤم�ن��ون �إال ب��امل��ادي��ات وي�صمون‬ ‫�أعينهم و�آذان�ه��م عن ع��امل الغيب واملعجزات‪ ،‬ف��إن الذي‬ ‫جعل النار برداً و�سالماً على �إبراهيم هو ذات الإله الذي‬ ‫�أبقى يون�س عليه ال�سالم حياً يف جوف احلوت‪.‬‬ ‫وم��ا م��ن ��ش��ك م��ن �أن اليقطني ‪/‬ال �ق��رع ال ��ذي ذك��ره‬ ‫اهلل تعالى يف كتابه هو نف�س اليقطني الذي �أجرى عليه‬ ‫الباحثون اليوم جتاربهم وبحوثهم‬ ‫فالقر�آن الكرمي وما جاء فيه من الآيات‪ ،‬ما �أودعه‬ ‫اهلل تعالى من �أ�سرار يف خمتلف جماالت العلوم‪ ،‬وينبغي �أن‬ ‫تكثف البحوث �أكرث و�أكرث حول النبات املبارك اليقطني‬ ‫�أو القرع واليقطينيات عموماً؛ ملا يف ه��ذه البحوث من‬ ‫مزيد الفائدة‪ ،‬و�إظهاراً لإعجاز القر�آن العلمي يف ع�صرنا‪،‬‬ ‫فخلود القر�آن �آي��ة‪ ،‬وحفظه من التحريف والتبديل �آية‬ ‫�أخ ��رى‪ ،‬وورود الآي ��ات العلمية ال�ت��ي يتم اكت�شافها بني‬ ‫احل�ين والآخ ��ر �آي ��ات �أع �ظ��م‪ ،‬ب��ل �إن ال �ق��ر�آن ه��و معجزة‬ ‫الإ�سالم اخلالدة ب�شتى الأ�ساليب ومبختلف العلوم‪ ،‬واهلل‬ ‫ال َف ��اقِ َوفيِ‬ ‫}�س رُنِي ِه ْم �آ َي��ا ِت� َن��ا فيِ ْ آ‬ ‫�سبحانه تعالى يقول‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫�أَنف ُِ�س ِه ْم َحتَّى َي َت َبينَّ َ َل ُه ْم �أَ َّن� ُه الحْ َ ��قُّ �أ َولمَ ْ َيك ِْف ِب َر ِّب َك �أ َّن ُه‬ ‫َعلَى ُك ِّل �شَ ْي ٍء �شَ هِي ٌد{ ف�صلت‪.53 :‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪85‬‬


‫رابطة العالم اإلسالمي‬ ‫في سطور‬

‫إعداد الدكتور حسن علي المبيضين‬ ‫مدير الدراسات‬

‫‪86‬‬

‫رابطة العامل الإ�سالمي منظمة �إ�سالمية �شعبية عاملية غري‬ ‫ح�ك��وم�ي��ة‪ ،‬م�ق��ره��ا م�ك��ة امل�ك��رم��ة‪ ،‬تعنى ب��إي���ض��اح حقيقة الإ��س�لام‬ ‫ومبادئه ال�سمحة النقية من مفاهيم الت�شدد والتطرف والإرهاب‪،‬‬ ‫كما تعنى بن�شر التوعية ب�س ّنة اخلالق ‪ -‬جل وعال ‪ -‬يف االختالف‬ ‫والتنوع والتعددية ‪ ،‬وحمبة اخلري وال�سعادة للجميع‪ ،‬من خالل‬ ‫م� ّد ج�سور احل��وار والتعاون على اخل�ير مع البعدين الإ�سالمي‬ ‫والإن �� �س��اين‪ ،‬واالن �ف �ت��اح الإي �ج��اب��ي امل �ت��وازن ع�ل��ى ك��اف��ة ال�ث�ق��اف��ات‬ ‫واحل �� �ض��ارات‪ ،‬وال�ع�م��ل ع�ل��ى ت�ع��زي��ز منهج الو�سطية واالع �ت��دال‪،‬‬ ‫والت�صدي لتيارات الغلو والعنف والإق�صاء ‪� ،‬سعيا للو�صول �إلى‬ ‫لمي ي�سوده الأمن والعدل والرخاء والتفاهم املتبادل ‪.‬‬ ‫عامل ِ�س ّ‬ ‫وقد �أن�شئت الرابطة مبوجب قرار �صدر عن امل�ؤمتر الإ�سالمي‬ ‫العام الذي عقد مبكة املكرمة يف ‪ 14‬من ذي احلجة ‪1381‬هـ ‪ ،‬املوافق‬ ‫‪ 18‬من مايو ‪1962‬م‪ ،‬وت�ستخدم يف �سبيل حتقيق �أهدافها الو�سائل‬ ‫التي ال تتعار�ض مع �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫وه��ي منظمة عاملية لها ع�ضويتها ال��دائ�م��ة يف امل�ؤ�س�سات‬ ‫واملنظمات الدولية التالية ‪:‬‬ ‫• هيئة الأم��م املتحدة (‪ ،)UN‬ب�صفة ع�ضو مراقب باملجل�س‬ ‫االق �ت �� �ص��ادي واالج �ت �م��اع��ي ب�ي�ن امل �ن �ظ �م��ات ال��دول �ي��ة غري‬ ‫احلكومية ذات الو�ضع اال�ست�شاري ‪.‬‬ ‫• منظمة التعاون الإ�سالمي(‪ ، )OIC‬ب�صفة مراقب حت�ضر‬ ‫م�ؤمترات القمة‪ ،‬ووزراء اخلارجية‪ ،‬وجميع م�ؤمترات املنظمة‬ ‫الدولية والإقليمية ‪.‬‬ ‫• منظمة الرتبية والتعليم والثقافة (اليون�سكو) ‪ ،‬ب�صفة‬ ‫ع�ضو‪.‬‬ ‫• منظمة الطفل العاملية (اليوني�سيف)‪ ،‬ب�صفة ع�ضو‪.‬‬ ‫وت�ضم الرابطة عددا من املجال�س والهيئات واملجامع‪ ،‬ومنها ‪:‬‬ ‫• املجل�س الأعلى للرابطة ‪.‬‬ ‫• املجل�س التنفيذي ‪.‬‬

‫• املجل�س الأعلى العاملي للم�ساجد‪.‬‬ ‫• املجمع الفقهي الإ�سالمي‪.‬‬ ‫• هيئة الإغاثة الإ�سالمية العاملية ‪.‬‬ ‫• الهيئة العاملية للكتاب وال�س ّنة ‪.‬‬ ‫• الهيئة العاملية للعلماء امل�سلمني ‪.‬‬ ‫ول�ل��راب�ط��ة مكاتب خ��ارج�ي��ة يف ع��دد م��ن دول ال �ع��امل‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫(فرن�سا‪ ،‬اجنلرتا‪ ،‬النم�سا‪� ،‬إيطاليا‪ ،‬الدمنارك‪ ،‬البو�سنة والهر�سك‪،‬‬ ‫رو�سيا‪ ،‬ا�سرتاليا‪ ،‬نيوزلندا‪� ،‬أندوني�سيا‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬باك�ستان‪ ،‬جوب‬ ‫�أفريقيا‪ ،‬ال�سودان‪ ،‬ال�سنغال‪ ،‬موريتانيا‪ ،‬تنزانيا‪ ، ،‬نيجرييا‪ ،‬جزر‬ ‫القمر‪ ،‬كينيا‪ ،‬بورندي‪ ،‬اجلابون‪� ،‬أوغندا‪ ،‬الكونغو)‪.‬‬ ‫كما �أن للرابطة ممثل يف ال��دول التالية‪( :‬الأردن‪ ،‬فل�سطني‪،‬‬ ‫�سوريا‪ ،‬لبنان‪ ،‬ال�ع��راق‪ ،‬تركيا‪ ،‬ك��وري��ا اجلنوبية‪ ،‬الفلبني‪ ،‬توجو‪،‬‬ ‫بنني‪ ،‬غانا‪ ،‬موزمبيق‪ ،‬بوركينا فا�سو‪ ،‬ليربيا‪� ،‬سرياليون‪ ،‬غينيا‬ ‫بي�ساو‪ ،‬غينيا كوناكري‪ ،‬الر�أ�س الأخ�ضر‪ ،‬موري�شيو�س)‪.‬‬ ‫وت�شرف الرابطة على ع��دد م��ن امل�ساجد واجل��وام��ع وامل��راك��ز‬ ‫الإ�سالمية والثقافية يف العامل‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫• املركز الثقايف الإ�سالمي ( �أ�سبانيا )‪.‬‬ ‫• املركز الإ�سالمي الأندل�سي يف ملقا (�أ�سبانيا )‪.‬‬ ‫• املركز الثقايف الإ�سالمي ( �إيطاليا ) ‪.‬‬ ‫• مركز الأمرية اجلوهرة الثقايف ( البو�سنة والهر�سك ) ‪.‬‬ ‫• املركز الثقايف الإ�سالمي يف هيل�سينجور (الدمنارك)‪.‬‬ ‫• مركز الدعوة الإ�سالمية يف ا�ستكهومل ( ال�سويد)‪.‬‬ ‫• امل��رك��ز الإ��س�لام��ي وم�سجد خ��ادم احل��رم�ين ال�شريفني يف‬ ‫�أدنربة (بريطانيا )‪.‬‬ ‫• املركز الإ�سالمي يف فيينا ( النم�سا ) ‪.‬‬ ‫• املركز الإ�سالمي وجامع خادم احلرمني ال�شريفني ( جبل‬ ‫طارق) ‪.‬‬ ‫• املركز الثقايف الإ�سالمي ( بلجيكا )‪.‬‬ ‫• املركز الثقايف الإ�سالمي ( بولندا )‪.‬‬ ‫• امل�ؤ�س�سة الثقافية الإ�سالمية يف جنيف ( �سوي�سرا )‪.‬‬ ‫• وقف امللك في�صل الإ�سالمي يف بازل ( �سوي�سرا )‪.‬‬ ‫• املركز الإ�سالمي الثقايف ( هولندا )‪.‬‬ ‫• املركز الإ�سالمي ( الربازيل )‪.‬‬ ‫• م�سجد ال�شيخ �إبراهيم الرباهيم وجمعية رابطة العامل‬ ‫الإ�سالمي يف كراكا�س ( فنزويال)‬ ‫• مركز امللك في�صل الإ�سالمي واملعهد ( النيجر )‪.‬‬ ‫• املركز الإ�سالمي يف �أنوفيا ( نيجرييا)‪.‬‬


‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫االعتدال والو�سطية وتكري�سها يف املمار�سة العملية بني فئات‬ ‫مركز الأمري �سلطان الثقايف يف نيامي ( النيجر)‪.‬‬ ‫املجتمع وم�ؤ�س�ساته املدنية ‪.‬‬ ‫وت�سعى الرابطة يف ر�ؤيتها اجلديدة �إلى حتقيق الأهداف التالية‪:‬‬ ‫بيان حقائق الإ� �س�لام وقيمه ال�سمحة م��ن خ�لال �أ�صوله • تنمية التعارف والتعاون بني ال�شعوب‪ ،‬والعمل على �إيقاظ‬ ‫الوعي امل�شرتك بق�ضايا الإن�سانية‪ ،‬حتقيقا للعدل وال�سالم‬ ‫ال�صحيحة‪ ،‬بعيدا ع��ن حتريف الغالني‪ ،‬وانتحال املبطلني‪،‬‬ ‫واال�ستقرار يف العامل ‪.‬‬ ‫وت�أويل اجلاهلني‪.‬‬ ‫ومن �أبرز منا�شط رابطة العامل الإ�سالمي يف الوقت احلايل‪:‬‬ ‫جمع كلمة امل�سلمني حتت �شعار وو�صف الإ�سالم اجلامع‪،‬‬ ‫بعيدا‬ ‫عن الت�صنيف والإق�صاء امل�ؤدي �إلى التطرف والتناحر • عقد امل�ؤمترات والندوات وامللتقيات يف خمتلف دول العامل‪،‬‬ ‫والتدابر‪.‬‬ ‫ب��ال �ت �ع��اون م��ع اجل �ه��ات ال��ر��س�م�ي��ة يف ال��دول��ة امل�ست�ضيفة ‪،‬‬ ‫ن�شر اخلطاب الإ�سالمي الو�سطي املعتدل‪ ،‬لإي�ضاح حقيقة‬ ‫لبحث ومناق�شة املو�ضوعات التي مت�س حاجة الفرد وتراعي‬ ‫الإ��س�لام‪ ،‬ونبذ مظاهر العنف واالع�ت��داء‪ ،‬واع�ترا���ض ر�سائل‬ ‫امل�صلحة ال�ع��ام��ة للمجتمع يف �سبيل حتقيق التعاي�ش بني‬ ‫التطرف الديني وتطرف (الإ�سالموفوبيا)‪.‬‬ ‫ال�شعوب من خالل ن�شر قيم االعتدال والت�سامح والرتاحم‪.‬‬ ‫تر�سيخ مفاهيم الو�سطية واالعتدال يف وعي الأمة امل�سلمة‪� • ،‬إر��س��ال ال��وف��ود الر�سمية ل��زي��ارة خمتلف ال��دول وااللتقاء‬ ‫حتقيقا لر�سالة الإ�سالم العاملية التي جاءت باخلري والرحمة‬ ‫ب��امل �� �س ��ؤول�ين و�أ� �ص �ح��اب ال�ف�ك��ر وال� �ق ��رار ف�ي�ه��ا‪ ،‬ل�ن�ق��ل ر�ؤي ��ة‬ ‫للعاملني‪.‬‬ ‫الرابطة يف بيان حقيقة الإ��س�لام وقيمه ال�سمحة‪ ،‬وتر�سيخ‬ ‫�أخ��ذ زم��ام امل�ب��ادرة يف ق�ضايا الأم��ة امل�سلمة بتقدمي ر�ؤي��ة‬ ‫منهج الو�سطية واالعتدال‪ ،‬واالنفتاح الإيجابي املتوازن على‬ ‫�إ��س�لام�ي��ة ر��ص�ي�ن��ة‪ ،‬ت�سعى جل�م��ع الكلمة وت��راع��ي امل�صلحة‬ ‫كافة الثقافات واحل�ضارات �أخ��ذا وعطاء‪ ،‬والت�صدي لتيارات‬ ‫العليا للأمة‪ ،‬وت�ؤمن بال�س ّنة الكونية يف االختالف والتنوع‬ ‫الغلو والتطرف والكراهية والإق�صاء‪ ،‬والعمل على ما يحقق‬ ‫والتعدد‪.‬‬ ‫الأمن واال�ستقرار والتنمية لل�شعوب والأوطان‪.‬‬ ‫تعميق قيم التوا�صل احل�ضاري ون�شر ثقافة احل��وار‬ ‫مع • عقد االتفاقيات مع خمتلف اجلهات الر�سمية وال�شعبية يف‬ ‫الآخ��ر ملواجهة نظريات ال�صراع والت�صادم‪ ،‬وت�أ�سي�س عامل‬ ‫ال�ع��امل ‪ ،‬وت�ق��دمي امل �ب��ادرات ال�ت��ي تت�ضمن حتقيق الأه ��داف‬ ‫وال�سلم والرتاحم‪.‬‬ ‫ت�سوده العدالة ِّ‬ ‫امل���ش�ترك��ة امل�ت�م�ث�ل��ة يف �إظ �ه��ار ت�ع��ال�ي��م الإ� �س�ل�ام ال�صحيحة‬ ‫ت�ع��زي��ز ال �ت �ق��ارب الإن �� �س��اين م��ن �أج ��ل ن���ش��ر ق�ي��م الت�سامح‬ ‫و�إب��راز قيمه الإن�سانية العاملية‪ ،‬والت�أ�صيل لو�سطية الإ�سالم‬ ‫والتعاي�ش وال�سالم مع اجلميع‪.‬‬ ‫واع �ت��دال��ه‪ ،‬وال���س�ع��ي �إل ��ى حتقيق ال�سلم والأم� ��ان والتنمية‬ ‫امل�ستدامة يف املجتمعات ‪.‬‬ ‫م � ّد ج���س��ور التعاي�ش الإي�ج��اب��ي م��ع ��ش�ع��وب ودول ال�ع��امل‪،‬‬ ‫لتحقيق املُثل والقيم الإن�سانية‬ ‫امل�شرتكة‪ ،‬والت�صدّي لكافة • اجلهود الإعالمية مبختلف و�سائل التوا�صل االجتماعي‬ ‫والكراهية‪.‬‬ ‫م�شاريع ال�صراع والتطرف‬ ‫م��ن خ�ل�ال م��وق��ع ال��راب �ط��ة ع�ل��ى االن�ت�رن��ت‪ ،‬امل���ش�ت�م��ل لعدد‬ ‫االن �ف �ت��اح الإي �ج��اب��ي امل �ت��وازن ع�ل��ى ال�ث�ق��اف��ات واحل �� �ض��ارات‬ ‫م��ن ال �ق��رارات وال�ب�ي��ان��ات وال�ت�ق��ري��رات والأخ �ب��ار يف خمتلف‬ ‫امل�خ�ت�ل�ف��ة‪ ،‬مب��ا ي�سهم يف حتقيق التنمية والأم� ��ن وال��رخ��اء‬ ‫الق�ضايا والأحداث العاملية‪ ،‬والتي يكون لها �صداها الإعالمي‬ ‫واال�ستقرار للجميع‪.‬‬ ‫البارز على ال�ساحة الإقليمية والدولية والقنوات الف�ضائية ملا‬ ‫للرابطة من ثقل على امل�ستوى الإقليمي والدويل ‪.‬‬ ‫تقدمي امل �ب��ادرات الفعالة التي تعالج واق��ع الأم��ة امل�سلمة‬ ‫و ُت�صلحه مبا يقت�ضيه املوقف من احلكمة والت�أين والرتوي‪،‬‬ ‫• �إ� �ص��دار امل�ط�ب��وع��ات ال�ع�ل�م�ي��ة وال�ث�ق��اف�ي��ة م��ن جم�لات‬ ‫ووفق خطط علمية �شاملة ‪.‬‬ ‫وبحوث ودرا�سات وكتب متتاز بالت�أ�صيل والتحليل واال�ستنتاج يف‬ ‫م�ؤازرة جهود احلكومات الوطنية ومنظمات العمل الإ�سالمي خمتلف املو�ضوعات امل�ستجدة على ال�ساحة الدولية‪ ،‬مع الرتكيز‬ ‫امل �� �ش�ترك ودع ��م امل�ج�ت�م��ع ال� ��دويل يف و� �ض��ع ا��س�ترات�ي�ج�ي��ات على ن�شر اخلطاب الإ�سالمي يف بعده الو�سطي واعتداله املنهجي‪،‬‬ ‫ومقاربات وطنية و�إقليمية فعالة للت�صدي جلميع مظاهر واحرتام التنوع الفكري والثقايف‪ ،‬وتعزيز قيم التوا�صل احل�ضاري‬ ‫العنف والغلو والتطرف‪.‬‬ ‫والتعاي�ش الإيجابي بني ال�شعوب‪ ،‬والت�صدي لنظريات التطرف‬ ‫و�ضع ا�سرتاتيجية �إعالمية �شاملة ومتكاملة‪ ،‬لن�شر ثقافة والتوظيف ال�سيا�سي للدين‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪87‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫الشاعر عدنان الصمادي‬

‫‪88‬‬

‫قصة نوح عليه السالم‬

‫ي���������ا ن�����������وح م���������ا ه�����������ذا ال��������������ذي �أن������ك������رت������ه‬ ‫�أ�������ص������ن������ام ت����ع����ب����د ي������ا ِل�������وي�������لِ ال����ع����اب����دي����ن‬ ‫���ح����ت����ت‬ ‫�أ�������ص������ن������ام يف �أر��������������ض اجل��������زي��������رة ُن� ّ‬ ‫ت������ذك������اره������ا ب������و�������س������او�������س امل������ك������ر ال���ل���ع�ي�ن‬ ‫ف�����ت�����ع�����ذر ال�����������ش�����ي�����ط�����ان ل����ل����ن����ا�����س ان����ح����ت����وا‬ ‫ل�����ه�����م احل���������ج���������ارة ذك��������ره��������م ل����ل����ق����ادم��ي�ن‬ ‫ال ت������ع������ب������دوه������م واع�����������ب�����������دوا رب������������� ّا �إذا‬ ‫م��������ا ت������ن������ظ������رون ت�������ذك�������روه�������م خ����ا�����ش����ع��ي�ن‬ ‫ح�����ت�����ى �إذا ع�����ف�����ت ال�����������س�����ن�����ون ع����ه����وده����م‬ ‫وا�����س����ت����ج����ه����ل اجل������ي������ل اجل�������دي�������د م����غ����رري����ن‬ ‫�������س������ج������دوا ل�����ه�����م زُل�������ف�������ى وق���������ال���������وا �إن�����ن�����ا‬ ‫م������ا ن����ع����ب����د الأح��������ج��������ار ��������ص�������اروا م�������ش���رك�ي�ن‬ ‫ي��������ا ن����������وح �أن�������������ت ن����ب����ي����ن����ا ف����������أذه���������ب ل���ه���م‬ ‫ب�����ال�����ل��ي��ن �أن��������������ذر ل�����ل�����ح�����ج�����ارة خ���ا����ض���ع�ي�ن‬ ‫ق�����������ال�����������وا ل�����������ه �إن�����������������ا وج�����������دن�����������ا �أم�����������ة‬ ‫�آب����������اءن����������ا �������س������ج������دوا و�إن���������������ا م�����ق�����ت�����دون‬ ‫���������س��������ج��������دوا ل�������ه�������م م������ت������زل������ف���ي��ن ل�����رب�����ه�����م‬ ‫�إن�������������ا ع�����ل�����ى �آث����������اره����������م ه��������ا ������س�����ائ�����رون‬ ‫ي��������������ارب ق�����������ال دع�������وت�������ه�������م ع������ل������ن������ ًا وق������د‬ ‫����ت ا�����س����ت����غ����ف����روا ي������ا ق���ان���ط�ي�ن‬ ‫�أ��������س�������ررت ق�����ل� ُ‬ ‫ي�������ر��������س�������ل ع�����ل�����ي�����ك�����م غ������ي������ث������ه ومي�������دك�������م‬ ‫ول������������د ًا ف���ي���ع���ط���ي �إن ت�����ت�����وب�����وا �����ص����ادق��ي�ن‬ ‫رب اخل�����ل����ائ����������ق ق����������د ت��������وق��������ر �إ�������س������م������ه‬ ‫خ����ل����ق ال���������س����م����اء ب���ل��ا ع�����م�����ود ال����داع����م��ي�ن‬


‫و�أن������������اره������������ا ب����ال���������ش����م���������س ث��������م ت����زي����ن����ت‬ ‫ب�����ه��ل��ال�����ه�����ا ي���������ا ح�����������س�����ن�����ه ل����ل����ن����اظ����ري����ن‬ ‫واهلل �أن������ب������ت������ك������م م��������ن الأر�������������������ض ال����ت����ي‬ ‫�����س����ي����ع����ي����دك����م ف����ي����ه����ا وي�����ب�����ع�����ث خ�����ارج��ي��ن‬ ‫ب���������س����ط ال���������س����ه����ول ل���ت�������س���ل���ك���وا �����س����ب��ل� ًا ب��ه��ا‬ ‫�أع���������ص����ي����ت����م����وه وق���������د ح�����ب�����اك�����م م���ن���ع���م�ي�ن‬ ‫مم���������ا خ����ط����ي����ئ����ت����ك����م ������س�����ي�����غ�����رق ج���م���ع���ك���م‬ ‫ه��������زئ��������وا ب��������ه م��������ا ل����ل���������س����ف����ي����ن����ة راك�����ب��ي��ن‬ ‫ت���������ن��������� ُّور ف������������ار ف�������������ص������اح ن������������وح ي���������ا ب���ن���ي‬ ‫�إرك�������������ب م������ع������ ًا ك�������ي ال ت������ك������ون ك����غ����ارق��ي�ن‬ ‫ع����ا�����ص����م‬ ‫�������ص������اح ال�����������ش�����ق�����ي �أوي���������������ت ت�����ل�����ة‬ ‫ٍ‬ ‫ب����ع����ل����ي����ه����ا ف���������أُ���������ص��������ان يف ح���������ص����ن �أم����ي���ن‬ ‫ق������������ال ال������ن������ب������ي ف����ل����ا ع�������وا��������ص�������م ل�����ل�����ذي‬ ‫خ�����ل�����ق اجل��������ب��������ال وم���������������اءه ي��������ا م�������س���ت���ه�ي�ن‬ ‫ي��������ا �أي��������ه��������ا ال��������ق��������وم ال��������ذي��������ن ت�������ن�������دروا‬ ‫�����س����ح����ق���� ًا ل�����ك�����م يف �����س����ف����ل����ي����ات امل����غ����رق��ي�ن‬ ‫ه���������ي دع���������������وة حل���������ق ب������ه������م ق���������د ق����ال����ه����ا‬ ‫���������������وح‪� :‬إل��������ه��������ي ال ت�����������ذر ل����ل����ك����اف����ري����ن‬ ‫ن�‬ ‫ٌ‬ ‫ول�����������������د ًا وال دي�����������������اّر ي�����ف�����ج�����ر م��������ارق�������� ًا‬ ‫واغ���������ف���������ر �إل���������ه���������ي ل�����ل�����ع�����ب�����اد امل�������ؤم������ن���ي��ن‬ ‫وال����������ظ����������امل����������ون ف�����ل����ا ت�������������زد �إ ّال ل����ه����م‬ ‫ك�������ل ال������تّ������ب������ار �أي�����������ا �����س����م����ي����ع ال����ط����ال����ب��ي�ن‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪89‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫زيارة المنتدى العالمي للوسطيه إلى المالديف‬

‫قام املهند�س مروان الفاعوري االمني العام للمنتدى‬ ‫ال�ع��امل��ي للو�سطيه وم�ع��ايل ال��دك�ت��ور حممد احلاليقة‪،‬‬ ‫ب��زي��ارة ال��ى امل��ال��دي��ف ب��دع��وة ك��رمي��ة م��ن وزي��ر االوق��اف‬ ‫املالديفي‪ ،‬من �أج��ل التباحث مبو�ضوع – تعزيز مفهوم‬ ‫الو�سطيه واالعتدال وحماربة التطرف والغلو واالرهاب‬ ‫يف ال �ع��امل اال��س�لام��ي ‪ -‬وخ�ل�ال ال��زي��ارة ال�ت��ي ا�ستمرت‬ ‫ع��دة �أي��ام ‪، ‬قابل وف��د املنتدى ع��دد كبري م��ن امل�س�ؤولني‬ ‫املالديفيني وابدوا اعجابهم بالن�شاطات والفعاليات التي‬ ‫‪90‬‬

‫يقوم بها املنتدى خا�صة مب��ا يتعلق مبحاربة التطرف‬ ‫واالره� ��اب‪ ‬ون���ش��ر ن�ه��ج الو�سطيه واالع �ت��دال وت�صويب‬ ‫املفاهيم اخلاطئة حول الدين اال�سالمي احلنيف وتعزيز‬ ‫منظومة القيم االخالقية واالن�سانية بني النا�شئة ‪.‬‬ ‫كما ج��رى خ�لال ال��زي��ارة توقيع م��ذك��رة تفاهم بني‬ ‫وزارة االوق ��اف يف امل��ال��دي��ف وامل�ن�ت��دى العاملي للو�سطيه‬ ‫لأقامة ن�شاطات فكرية وثقافية م�شرتكة من م�ؤمترات‬ ‫وبرامج تدريب للخطباء واالئمة والوعاظ ‪.‬‬

‫االمين العام يلتقي بالشيخ إبراهيم البخاري‬ ‫ ال�ت�ق��ى االم�ي�ن ال �ع��ام ل�ل�م�ن�ت��دى امل�ه�ن��د���س م ��روان‬ ‫الفاعوري‪ ‬وال��دك�ت��ور حممد احل��اج ي��وم ال�ث�لاث��اء امل��واف��ق‬ ‫‪ 2018/3/6‬اثناء زيارته لدولة ماليزيا حل�ضور امل�ؤمتر الذي‬ ‫عقد يف اجلامعة اال�سالمية العاملية بف�ضيلة ال�شيخ ابراهيم‬ ‫البخاري مدير “معهد معدن للثقافة الإ�سالمية” بكرياال‬ ‫بدولة الهند ‪،‬حيث تناق�ش الطرفان ب�أهداف املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية و�أهمية النهج الذي يتبعه يف ظل الو�ضع الراهن‬ ‫الذي تعي�شة الأمة‪.‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫توقيع مذكرة تفاهم‬ ‫بين الجامعة األردنية والمنتدى العالمي للوسطية‬

‫ُوقعت بتاريخ ‪ 2018/2/27‬يف مبنى اجلامعة الأردنية‬ ‫مذكرة تفاهم بني املنتدى العاملي للو�سطية واجلامعة‬ ‫الأردن � �ي� ��ة ل �ل �ت �ع��اون يف امل� �ج ��االت ال �ف �ك��ري��ة وال�ث�ق��اف�ي��ة‬ ‫والإع�لام �ي��ة وب�ن��اء ت�ع��اون م��ع �إذاع ��ة اجل��ام�ع��ة الأردن �ي��ة‬ ‫يف جم��ال التغطيات الإعالمية ونقل وت�سجيل الأخبار‬ ‫والندوات والإ�ستفادة من الن�شاطات الفكرية والثقافية‬ ‫ال�ت��ي يقيمها ال�ط��رف��ان مب��ا فيها حت�صني ال�شباب �ضد‬ ‫الأفكار املتطرفة وحماربة الغلو ون�شر منهج الإعتدال‬

‫والو�سطية وتعزيز منظومة القيم الإن�سانية والأخالقية‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬وق��د و ّق��ع الإتفاقية ع��ن اجلامعة الأردن�ي��ة‬ ‫رئي�س اجلامعة الأ�ستاذ الدكتور عزمي حمافظة وعن‬ ‫امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية املهند�س م ��روان ال�ف��اع��وري‬ ‫الأم�ين العام للمنتدى‪ ،‬وح�ضر مرا�سم التوقيع مديرة‬ ‫ال�ع�لاق��ات يف اجلامعة الأردن �ي��ة واملن�سق ال�ع��ام للتعاون‬ ‫الدويل والعالقات اخلارجية الدكتور زيد �أحمد املحي�سن‪.‬‬ ‫ويف نهاية اللقاء تبادل اجلانبان الدروع التذكارية‪.‬‬

‫لقاء مع الدكتور عبداهلل زين وزير الدولة ومسؤول ملف‬ ‫الوسطية في ماليزيا‬ ‫ال �ت �ق��ى االم �ي��ن ال� �ع ��ام ل �ل �م �ن �ت��دى امل �ه �ن��د���س م� ��روان‬ ‫الفاعوري‪ ‬والدكتور حممد احل��اج يوم الثالثاء املوافق‬ ‫‪ 2018/3/6‬اثناء زيارتهما لدولة ماليزيا حل�ضور امل�ؤمتر‬ ‫ال��ذي عقد يف اجلامعة اال�سالمية العاملية‪ ‬مع الدكتور‬ ‫ع�ب��داهلل زي��ن وزي��ر ال��دول��ة وم���س��ؤول ملف الو�سطية يف‬ ‫ماليزيا‪ ،‬حيث تباحث الطرفان ب�أهداف املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية و�أه�م�ي��ة ال�ن�ه��ج ال ��ذي يتبعه يف ظ��ل الو�ضع‬ ‫الراهن الذي تعي�شة الأمة ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪91‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫بمناسبة ذكرى تعريب الجيش العربي ويوم المرأه العالمي‬ ‫وبالتعاون مع مديرية ثقافة جرش‬

‫منتدى الوسطيه للفكر والثقافه يقيم ندوة حوارية عن تعريب الجيش‬

‫‪92‬‬

‫مب �ن��ا� �س �ب��ة ذك � ��رى ت �ع��ري��ب اجل �ي ����ش ال �ع��رب��ي وي ��وم‬ ‫امل��ر�أة العاملي وبالتعاون مع مديرية ثقافة جر�ش يوم‬ ‫اخلمي�س امل��واف��ق ‪ 8/3/2018‬ق��دم رئ�ي����س منتدىفرع‬ ‫الو�سطيه للفكر والثقافه يف ج��ر���ش �أح�م��د ال�صمادي‬ ‫ن��دوة حوارية يف مدر�سة الربكتني اال�سا�سية املختلطة‬ ‫حت��دث فيها ع��ن ت�ع��ري��ب اجل�ي����ش وا��س�ت�ع��ر���ض خاللها‬ ‫النقاط املف�صليه ملواقف جاللة املغفور له احل�سني بن‬ ‫طالل طيب اهلل ث��راه بعزل رئي�س ارك��ان حرب اجلي�ش‬

‫كلوب وبطوالت اجلي�ش االردين التي خا�ضها على ثرى‬ ‫فل�سطني واجنازات الها�شميني عرب التاريخ ودورهم يف‬ ‫بناء الدولة االردنية كما وحتدث ع�ضو املنتدى رئي�سة‬ ‫جلنة امل��ر�أه ع��ن حرية امل��ر�أه يف اال��س�لام ال�سيدة ناديه‬ ‫علقم حيث قالت �إن اال�سالم اعطى املر�أة احلرية واو�ضح‬ ‫اال�سالم واجباته وحقوقها مقارنة باملر�أة الغربيه التي‬ ‫تعترب حريتها يف ج�سدها دون �ضوابط �شرعيه ‪.‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫من نشاطات مركز الدراسات في المنتدى العالمي للوسطية‬ ‫في برنامج التحصين الفكري الموجه لطلبة المدارس‬ ‫وبعض المحاضرات التي قدمها الدكتور حسن مبيضين‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪93‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫تكريم المهندس مروان الفاعوري‬ ‫في ماليزيا بجائزة”القيادات الدينية المتميزه"‬

‫‪94‬‬

‫�� �ش ��ارك الأم �ي ��ن ال� �ع ��ام ل�ل�م�ن�ت��دى‬ ‫امل�ه�ن��د���س م ��روان ال �ف��اع��وري ب��امل��ؤمت��ر‬ ‫ال� ��ذي ع �ق��د يف اجل��ام �ع��ة اال��س�لام�ي��ة‬ ‫ال� �ع ��امل� �ي ��ة يف م ��ال� �ي ��زي ��ا ‪ ‬ح� �ي ��ث ك ��رم‬ ‫خالله ‪ ‬بجائزة الإجناز املتميز الفريد‬ ‫م� ��دى احل� �ي ��اة ‪ -‬ال� �ق� �ي ��ادات ال��دي�ن�ي��ة‬ ‫املتميزه‪-‬على جهوده الكبرية يف خدمة‬ ‫العامل الإ�سالمي يف جم��االت الرتبية‬ ‫والفكر والإ� �ص�لاح الإجتماعي وعلى‪ ‬‬ ‫ن �� �ش��ره مل �ن �ه��ج ال��و� �س �ط �ي��ة يف خم�ت�ل��ف‬ ‫امل � �ج� ��االت وع� �ل ��ى ت �ن �ظ �ي �م��ه و�إدارت � � � ��ه‬ ‫للمنتدى العاملي للو�سطية الذي �أ�صبح‬ ‫متواجداً يف خم�سة ع�شرة دولة ‪،‬ويذكر‬ ‫�أن ه ��ذه اجل ��ائ ��زة ه��ي ج��ائ��زة خا�صة‬ ‫تعطيها اجل��ام�ع��ة ل�شخ�صيات قليلة‬ ‫التي قدمت اجن��ازات لها اث��ر كبري يف‬ ‫الوعي والفكر واملجتمع والتي منحت‬ ‫من قبل للملك عبداهلل وامللك �سلمان‬ ‫وجمموعة م��ن اال�شخا�ص اللذين ال‬ ‫يتجاوز ع��دده��م �أ�صابع اليد ال��واح��دة‬ ‫‪،‬وح�ضر امل�ؤمتر الدكتور حممد احلاج‬ ‫من الأردن ‪.‬‬ ‫وعلى هام�ش امل�ؤمتر القى املهند�س‬ ‫م��روان ال�ف��اع��وري حما�ضرة بعنوان”‬ ‫دور املنتدى العاملي للو�سطية يف تعزيز‬ ‫حوار االديان” وفيما يلي ن�ص الكلمة‪:‬‬ ‫ي ��ؤك��د امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية‬ ‫للعامل �أجمع �أنه هيئة فكرية �إ�سالمية‬ ‫عاملية ت�ستمد �أ�س�سها ور�ؤيتها وفل�سفتها‬ ‫و�أه��داف�ه��ا‪ ،‬م��ن ديننا الإ��س�لام��ي ال��ذي‬ ‫ن�ؤمن به �إمياناً مطلقاً‪ ،‬مثلما ن�ؤمن بقدرته على الإنفتاح مع‬ ‫الآخ��ر وفق‪ ‬ر�ؤي��ة �إن�سانية جامعة مانعة‪ ،‬الأم��ر ال��ذي يجعلنا‬ ‫نحث اخلطى دوماً نحو تفعيل �أدواتنا الفكرية والثقافية لتكون‬ ‫حا�ضرة يف امل�شهد الإن���س��اين‪ ،‬وم�ع�برة بكل و��ض��وح ع��ن ر�سالة‬ ‫الإ�سالم ال�سمحة التي تتيح املجال �أمام نوافذ العقل الإن�ساين‬ ‫اجلمعي ليكون ق ��ادراً على �إب ��راز دور ه��ذا العقل يف التعاي�ش‬ ‫و�إقامة ج�سور التوا�صل املبنية على الإعرتاف بالآخر‪.‬‬ ‫�إن املنتدى العاملي‪ ‬للو�سطية يعالج الإختالالت الفكرية التي‬ ‫طر�أت على ال�ساحة الفكرية للأمة قدمياً وحديثاً‪ ،‬حتى ال ت�سري‬ ‫مع الزمن وت�صبح يوماً ما جزءاً من تراثها الفكري والإن�ساين‬ ‫وي��و��ص��م الإ� �س�لام عندها باملتحجر �أو يو�صف بالإق�صائي �أو‬ ‫الإرهابي �أو غري ذلك من الأو�صاف التي حتد من تقدمه الدعوي‬ ‫واحل�ضاري والإن�ساين‪ ،‬الأمر الذي يف�سح املجال لتيارات فكرية‬ ‫عاملية غريه حتقق ح�ضورها ال�سيا�سي والإقت�صادي والإجتماعي‬ ‫على ح�ساب الدعوة الإ�سالمية ال�صادقة‪.‬‬

‫ومن هذا املنطلق تعهد املنتدى �أن يتتبع كل �إ�شارة فكرية‬ ‫يف تراثنا الإ��س�لام��ي تعطي دالل��ة م��ا‪ ،‬هدفها حم��ارب��ة الآخ��ر‬ ‫والإبتعاد عنه وتهمي�شه وعدم حماورته‪ ،‬و�سبب ذلك كان بغ�ضاً‬ ‫ت�أ�صل يف قلوب بع�ض القائمني على مثل ذلك الفكر‪ ،‬وحتجراً يف‬ ‫عقولهم منعهم من اجللو�س يف ظل �شجرة احلياة التي يجتمع‬ ‫النا�س �إليها‪ ،‬حتى ن�ستطيع معاً كب�شر خدمة بع�ضنا بع�ضاً وفق‬ ‫معادلة التكامل الإن�ساين‪� ،‬إن مل يكن على ال�صعيد الفكري‪ ‬‬ ‫وال�ث�ق��ايف ‪ ،‬فعلى ال�صعيد الإق�ت���ص��ادي والأم �ن��ي والإجتماعي‬ ‫وغريه‪.‬‬ ‫ويف �سبيل ذلك ن�شط املنتدى منذ ت�أ�سي�سه يف جمال الدعوة‬ ‫�إل��ى فتح قنوات احل��وار و�أب��واب��ه التي‪� ‬أغلقت يف وج��وه الأفكار‬ ‫الإيجابية البناءة عند ك��ل ط��رف‪ ،‬ومت على �أ�سا�سها التوزيع‬ ‫اجل �غ��رايف ال�ف�ك��ري ل�ل�أر���ض كقطع ل�ل�ح��رب و�أخ� ��رى لل�سالم‬ ‫وبع�ضها للإميان وغريها للكفر‪ ،‬الأمر الذي جعل من مهمة‬ ‫امل�ن�ت��دى �أم ��راً �صعبا‪ ً،‬لكن غ�ير م�ستحيل خا�صة �إذا خل�صت‬ ‫النوايا عند �صناع القرار ال�سيا�سي‪ ،‬عند هذا الطرف �أو ذاك‪،‬‬


‫�إذ مب�ساعدتهم احلقيقية ي�ستطيع �أ�صحاب الفكر الولوج �إلى‬ ‫عقول النا�س وقلوبهم‪ ،‬مما ي�ساعد على التعارف املتبادل بني‬ ‫�أ�صحاب الثقافات والأفكار املتباينة‪.‬‬ ‫وقد كان �أول م�ؤمتر �أ�ستند �إليه �أمر ت�أ�سي�س املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية هو (و�سطية الإ��س�لام بني الفكر واملمار�سة) الذي‬ ‫عقده منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يف عمان ع��ام ‪، 2004‬‬ ‫�إذ مت الإ�شارة ب�شكل كبري يف ذلك امل�ؤمتر �إل��ى م�س�ألة العالقة‬ ‫مع الآخ��ر واحل��وار املتبادل بني �أ�صحاب الديانات والثقافات‬ ‫املتباينة‪ ،‬الأمر الذي جعل من مفردات ذلك امل�ؤمتر مرجعيات‬ ‫�إ�صطالحية كالو�سطية واحل��وار‪ ،‬وكذلك العالقة مع الآخ��ر‬ ‫�أ�س�سها و�ضوابطها‪ ،‬يف �ضوء و�سطية الإ�سالم‪ ،‬كما كان للت�صوير‬ ‫الإ�سالمي للعالقة مع الآخ��ر �أي�ضاً ح�ضوراً �إ�صطالحياً بني‬ ‫مفردات امل�ؤمتر‪ ،‬مثلما ا�شار بع�ض الباحثني �أي�ضاً �إلى و�سطية‬ ‫الإ��س�لام يف التعامل م��ع �أه��ل ال�ك�ت��اب‪ ،‬والو�سطية الإ�سالمية‬ ‫باعتبارها مدخ ًال للحوار احل�ضاري ه��ذا بالإ�ضافة �إل��ى بيان‬ ‫�صورة الإ�سالم وامل�سلمني يف الغرب‪ ،‬والعالقة مع الآخر يف �ضوء‬ ‫الو�سطية يف الإ�سالم وفقاً لروايات و�سرية النبي الأك��رم عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪.‬‬ ‫�إن الإ�سالم مل يطلب من �أهل الكتاب �إ ّال عبادة اهلل‪ ،‬وذلك‬ ‫بقوله تعالى “قل يا �أه��ل الكتاب تعالوا �إل��ى كلمة �سواء بيننا‬ ‫وبينكم �أال نعبد �إال اهلل”‬ ‫�إن ال�ع�لاق��ة م��ع الآخ ��ر وج ��دت ل�ه��ا م�ك��ان�اً خ�صباً يف ذه��ن‬ ‫القائمني على �أع�م��ال املنتدى ومت ترجمة ذل��ك بالعديد من‬ ‫امل�ؤمترات والندوات واملحا�ضرات واملطبوعات‪� ،‬إذ يت�شكل منها‬ ‫اجل���س��م ال�ف�ك��ري وال�ث�ق��ايف والإن �� �س��اين ع�م��وم�اً‪ ،‬وت�ف�ت��ح امل�ج��ال‬ ‫وا�سعاً للحوار باعتباره من �أه��م العوامل امل��ؤدي��ة �إل��ى تو�سيع‬ ‫�آفاق الر�ؤية والر�صيد املعريف املرتاكم باخلربات اجلديده التي‬ ‫ت��ؤدي �إلى تخطي احلواجز بني املختلفني ر�أي�اً وفكراً وثقاف ًة‪،‬‬ ‫وق��د �أخ�ت� ّ�ط املنتدى يف ��س�يره نحو متهيد ط��ري��ق احل��وار بني‬ ‫الأديان والعالقة مع الآخر على �إطالقه‪� ،‬أن ي�ضع عالمات بارزة‬ ‫تو�ضع منهجه يف احلوار الفكري والثقايف ‪ ،‬وليكون هذا املنهج‬ ‫عم ًال قو�سياً قاب ًال للإ�ستمرار كمدر�سة فكرية منتجة للمعرفة‬ ‫و�صانعة للتغيري الإيجابي نحو مزيد من التوا�صل احل�ضاري‬ ‫الب ّناء‪ ،‬بحيث يراعي اجلميع �ضوابط احلوار الهادف وهي ‪:‬‬ ‫‪ .1‬الإع�ت�راف لكل ط��رف بامتالك امل�ساحة ال�ت��ي متثله‪ ،‬يف‬ ‫ال��وق��ت ال ��ذي ي�ت�رك م���س��اح��ة م���ش�ترك��ة يلتقي فيها مع‬ ‫الآخر‪.‬‬ ‫‪� .2‬ضبط ال�سلوك الإن�ساين الظاهر فال غ�ضب وال ع�صبية‬ ‫‪ .3‬الإع�تراف ب�أن احلوار ميدان لإثبات قدرة كل طرف على‬ ‫�إق�ن��اع الآخ��ر‪� ،‬أو التعاون معه �أو التكامل �أو التوقف عن‬ ‫مواجهته مواجهة ظاهرة‬ ‫‪ .4‬العمل على �إيجاد الثقة بني �أطراف احلوار‬ ‫‪� .5‬إط�لاع الآخ��ر على الفكر املتطرف ونتائجه والعمل على‬ ‫�إل�صاقه بالإ�سالم وقيمه‬ ‫‪� .6‬إعتماد املنهج الوا�ضح ب��احل��وار ف�لا جم��ادل��ة عقيمة وال‬ ‫ابتزاز وال مغالطة �أو مراوغة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫‪ .7‬احرتام الآداب العامة للحوار لتكون منطلقاً للتفاهم‬

‫من أخبار المنتدى‪...‬‬ ‫�إن امل �ن �ت��دى مب �ث��ل �إمي ��ان ��ه ب ��احل ��وار و�آداب� � ��ه وم�ن�ط�ل�ق��ات��ه‬ ‫وم�ضامينه ي�ؤمن كذلك بالربامج الفعلية والتنفيذية الداعمة‬ ‫لهذا الأمر‪ ،‬وخا�صة تبني ر�سالة عمان التي �أ�س�ست حلالة فكرية‬ ‫جديدة وممتدة يف الوقت نف�سه‪ ،‬يف الأردن والعامل الإ�سالمي‬ ‫وحظيت ب��اح�ترام امل�ؤ�س�سات الفكرية والدينية على تنوعها‪،‬‬ ‫وكان للمنتدى دور يف ابراز م�ضامينها والدعوة �إليها‪ ،‬وخا�صة‬ ‫تلك التي تدعو �إل��ى اح�ترام وقبول ر�أي��ه ومعاملته باحل�سنى‪،‬‬ ‫والإن �ط�ل�اق ب��ه ن�ح��و م���س��اح��ة احل��ري��ة ال�ت��ي جتعله ي�ع�بر عن‬ ‫مكنونات فكره بكل حيادية‪.‬‬ ‫ومل يتوقف املنتدى �أي�ضاً عن م�ساندة م�شروع كلمة �سواء‪،‬‬ ‫الذي�إجتمع �إليه �أك�ثر من (‪ )138‬عاملاً من علماء الأدي��ان على‬ ‫تعددها‪ ،‬وكذلك املذاهب الإ�سالمية على تنوعها‪ ،‬وكان الهدف‬ ‫من امل�شروع �إبراز الوجه احل�ضاري الإ�سالمي التكاملي يف تقبله‬ ‫خلاليا ج�سده على تنوعها وتقبله للآخر على اختالفه من‬ ‫�أجل الو�صول �إلى درجة من الإن�سجام والتناغم ت�سمح با�ستمرار‬ ‫احلياة ال تعقيدها‪.‬‬ ‫وم��ن ال�برام��ج ال��داع�م��ة لعمل املنتدى برنامج التح�صني‬ ‫الفكري ال��ذي ينفذ بالتعاون م��ع وزارة الرتبية والتعليم يف‬ ‫اململكة الأردنية الها�شمية‪ ،‬من �أجل ن�شر مبادئ الفكر ال�سليم‬ ‫ال��ذي يحرتم خ�صو�صية ك��ل ف��رد يف الأردن بغ�ض النظر عن‬ ‫دينه وعرقه وجن�سه‪ ،‬بحيث ن�صل يف نهاية املطاف �إلى ت�أ�سي�س‬ ‫قلعة �صعبة تتحطم عليهاومن دون�ه��ا م�ع��اول ال�ه��دم الفكري‬ ‫الذي يفرق بني مكونات املجتمع‪ ،‬خا�صة ونحن نعلم �أن املجتمع‬ ‫الأردين ي�ضم بالإ�ضافة �إلى الأكرثية امل�سلمة‪� ،‬أقلية م�سيحية‪،‬‬ ‫لها احلق بالعي�ش امل�شرتك وفق ما تقرره ال�شرائع ال�سماوية‬ ‫والإن�سانية امل�شرتكة‪.‬‬ ‫و�إن م��ن ج�م�ي��ل الإع �ت��راف ال� ��دويل ب��امل �ن �ج��زات ال�ف�ك��ري��ة‬ ‫واحل�ضارية للمنتدى ما كان على �شكل جائزة دولية ُمنحت له‬ ‫بتاريخ ‪ 2014/3/25‬وهي جائزة الدوحة الدولية حلوار الأديان‪،‬‬ ‫تقديراً لعطائه يف مو�ضوع ح��وار الأدي��ان ول��دوره يف ن�شر فكر‬ ‫الو�سطية والإعتدال والت�سامح القائم على احلوار الهادف �إلى‬ ‫بناء الطاقات الإيجابية لدى ال�شباب لتعزيز العي�ش امل�شرتك‪،‬‬ ‫الأم��ر ال��ذي �أعطى املنتدى طاقة �إيجابية حفزت الأداء لديه‬ ‫ليكون مت� ً‬ ‫صال بجهده ال�سابق‪ ،‬م�ضافاً �إليه الأفكار الإبداعية‬ ‫اخل�لاق��ة ال�ت��ي ت���ص��ل �إل ��ى ك��ل امل ��ؤم �ن�ين ب��احل��ري��ة والإع �ت��دال‬ ‫واحرتام حقوق الإن�سان لإقامة جمتمع دويل متكامل ومتعاون‬ ‫على الأقل يف الق�ضايا الإن�سانية ذات الإهتمام امل�شرتك‪ ،‬ولعل‬ ‫كوكبنا الأر�ضي بيئياً وجغرافياً ودميوغرافياً يفر�ض علينا هذا‬ ‫الأمر‪.‬‬ ‫ويف اخلتام ‪..‬‬ ‫�أ�شكر مل�ؤمتركم املوقر هذا اجلهد العظيم‪ ،‬وال��ذي �أت��اح يل‬ ‫�شرف امل�شاركة يف �أعماله املميزة ليكون ذلك �شهادة م�ستقبلية‬ ‫نعتز ب�إن�ضمامها �إلى �شهادات املنتدى العاملي للو�سطية يف هذا‬ ‫امل�ضمار الذي تطرحون‪.‬‬ ‫‪ ‬وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪95‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية في ضيافه‬ ‫االستاذ الدكتور احمد داوود اوغلو‬ ‫الأم �ي��ن ال �ع��ام للمنتدى‬ ‫ال�ع��امل��ي للو�سطية املهند�س‬ ‫م � � � � � � ��روان ال� � � �ف � � ��اع � � ��وري يف‬ ‫�� �ض� �ي ��اف ��ة رج� � ��ل ال �� �س �ي��ا� �س��ة‬ ‫وال �ف �ك��ر واحل �ك �م��ة وال �ع �م��ق‬ ‫اال�� �س�ت�رات� �ي� �ج ��ي يف ت��رك �ي��ا‬ ‫اال�ستاذ الدكتور احمد داوود‬ ‫اوغلو‪.‬‬

‫توقيع مذكرة تفاهم بين المنتدى العالمي‬ ‫للوسطيه وهيئة علماء المسلمين في العراق‬

‫‪96‬‬

‫وقعت (هيئة علماء امل�سلمني) م��ذك��رة تفاهم لبناء‬ ‫�شراكة وتعاون مع (املنتدى العاملي للو�سطية) يف العا�صمة‬ ‫الأردنية عمان‪.‬‬ ‫وجرى التوقيع يف مقر (املنتدى) خالل زيارة الدكتور‬ ‫(م�ث�ن��ى ح� ��ارث ال �� �ض��اري) الأم�ي��ن ال �ع��ام ل�ه�ي�ئ��ة علماء‬ ‫امل�سلمني‪ ‬للمنتدى؛ حيث التقى ال��دك�ت��ور (ال���ض��اري)‬ ‫خ�لال ال��زي��ارة التي رافقه فيها وف��د �ضم نائب م�س�ؤول‬ ‫الق�سم املهني وع��ددا من �أع�ضاء الهيئة يف مكتب ع ّمان؛‬ ‫املهند�س (مروان الفاعوري) الأمني العام للمنتدى‪.‬‬ ‫ريا‬ ‫وقد �أبدى املهند�س (مروان الفاعوري) ترحا ًبا كب ً‬ ‫ب��زي��ارة وف��د الهيئة‪ ،‬و�أع ��رب ع��ن امتنانه لهذه ال��زي��ارة‪،‬‬ ‫وا�ستعداد املنتدى لتقدمي كل ما ميكن يف �سبيل حتقيق‬

‫بنود مذكرة التفاهم‪ ،‬التي ت�ضمنت التعاون يف جماالت‪:‬‬ ‫عقد امل�ؤمترات والندوات ملناق�شة الق�ضايا املعا�صرة ذات‬ ‫االهتمام امل�شرتك‪ ،‬وتدريب الأئمة واخلطباء و�إعدادهم‪،‬‬ ‫وتبادل الإ�صدارات والنتاجات العلمية والتطويرية‪.‬‬ ‫ني العام للمنتدى‬ ‫بدوره �شكر الدكتور (ال�ضاري) الأم َ‬ ‫على م��ا �أب ��داه م��ن ت�ع��اون‪ ،‬و�أك ��د على ��ض��رورة التوا�صل‬ ‫والتعاون املثمر بني الهيئة واملنتدى‪.‬‬ ‫وكانت الهيئة قد وقعت عدة مذكرات تفاهم وتعاون‬ ‫م�شرتك مع اجلامعات الأردنية خالل الأ�شهر املا�ضية‪ ،‬يف‬ ‫�إطار جهود الق�سم املهني لفتح �آفاق التوا�صل امل�شرتك مع‬ ‫اجلامعات والروابط العلمية واملهنية‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫لقاء االمين العام للمنتدى بالدكتور ياسين اقطاي‬ ‫مستشار الرئيس التركي‬ ‫التقى االمني العام للمنتدى املهند�س مروان‬ ‫ال �ف��اع��وري ب��ال��دك �ت��ور ي��ا��س�ين اق �ط��اي م�ست�شار‬ ‫الرئي�س الرتكي رجب طيب اردوغ��ان يف انقره و‬ ‫نائب رئي�س حزب العداله والتنميه الرتكي وبحث‬ ‫معهم عن �سبل التعاون بني املنتدى و بني حزب‬ ‫العداله والتنمية الرتكي و تفعيل دور املنتدى يف‬ ‫ن�شر قيم الو�سطية واالعتدال يف تركيا و يف بقية‬ ‫دول العامل اال�سالمي‪.‬‬

‫عقد المنتدى العالمي للوسطية ندوة بعنوان “‬

‫من أئمة اإلصالح‪ :‬بديع ‪ ‬الزمان سعيد النورسي‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية ندوة بعنوان “ من �أئمة‬ ‫الإ��ص�لاح‪ :‬بديع ‪ ‬الزمان �سعيد النور�سي” وذل��ك اليوم‬ ‫ال�سبت ‪� 2018/3/3 ‬شملت عدة حماور تتعلق مبرتكزات‬ ‫امل��در��س��ة النور�سية ور��س��ائ��ل ال�ن��ور وعمليات التجديد‬ ‫والإ�صالح الفكري والذي تناوله الأ�ستاذ الدكتور م�أمون‬ ‫فريز جرار‪� ،‬إذ بني �أن القر�آن الكرمي من �أهم مرتكزات‬ ‫املدر�سة النور�سية التي �أ�شتق منها ر�سائله فكانت مرجعاً‬ ‫وثيقاً ودق�ي�ق�اً لعمليات التجديد والإ� �ص�لاح‪ ،‬وق��ال �إن‬ ‫النور�سي ا�ستطاع �أن يقود حركة التجديد الديني يف‬ ‫فرتة ع�صيبة و�صعبة للغاية‪ ،‬وقد ن�شط عمله �إبان احلرب‬ ‫العاملية الأول ��ى وب�ع��ده��ا‪ ،‬وق��د ك��ان لذلك الن�شاط �أث��ره‬ ‫ف�سجن و�ش ّرد‪ ،‬وكان �أن‬ ‫الوا�ضح يف �إث��ارة خ�صومه عليه‪ُ ،‬‬ ‫زار دم�شق و�ألقى خطبة ال�شام يف امل�سجد الأموي ح�ضرها‬ ‫ع�شرة �آالف �شخ�ص هي اخلطبة ال�شامية‪� ،‬إذ ا�ستطاع من‬ ‫خالله �أن يعرف بفكره‪.‬‬ ‫�أما املحور الثاين‪ ،‬فكان للأ�ستاذ الدكتور زياد خليل‬ ‫الدغامني والذي كان بعنوان ‪“ ‬الإن�سان قطب الرحى يف‬ ‫عملية الإ�صالح من املنظور النور�سي”‪� ،‬إذ ركزت ر�سائله‬ ‫على الإن���س��ان باعتباره العن�صر امل�ستهدف و�أن��ه �صانع‬ ‫التغيري و�صاحبه‪.‬‬

‫بينما ك��ان امل�ح��ور ال�ث��ال��ث‪ ،‬ل�ل�أ��س�ت��اذ ال��دك�ت��ور �أحمد‬ ‫�شكري وكان بعنوان “متيز املدر�سة النور�سية وانعكا�سها‬ ‫على طرائق التفكري والعمل والدعوة‪� ،‬إذ بني �أن املدر�سة‬ ‫النور�سية تركت ب�صماتها على �أ�سلوب التفكري ومنهجه‬ ‫وخمرجاته‪ ،‬التي دخلت �سوق العمل والدعوة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ويف نهاية الندوة �أجاب املتحدثون على �أ�سئلة احل�ضور‬ ‫ومداخالتهم التي تناولت حماور الندوة‪ ،‬والأفكار التي‬ ‫انبثقت عنها‪.‬‬ ‫ُي��ذك��ر �أن ال��دك�ت��ور رائ��د عكا�شة ه��و م��ن �أدار ال�ن��دوة‬ ‫و�شارك يف تقدمي بع�ض الوم�ضات املتعلقة بعنوان الندوة‬ ‫الرئي�س‪ ،‬كما �أن النائب الدكتور علي احلجاحجة هو من‬ ‫ق ّدم هذه الندوة‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪97‬‬


98


‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثالثون ‪ -‬رجب ‪1439‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪99‬‬


100


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.