العدد الثاني والثلاثين

Page 1



‫افتتاحية العدد ‪. .‬‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫يكاد املر ُء يفقد �صوابه وهو ي�سمع وي�شاهد كل يوم مئات‬ ‫من احلاالت واملواقف التي جتعل فر�صة البحث عن خمرج‬ ‫لتلك الأزم ��ات التي نعاي�شها يف غاية ال�صعوبة‪ ،‬وال��دق��ة‪،‬‬ ‫واحلذر‪ ،‬ذلك �أن تو�صيف ٍ‬ ‫حل ما لأزمة ما‪ ،‬يتطلب منك �إبعاد‬ ‫ذلك احلل عن دائرة الت�أثر والت�أثري‪ ،‬مع �شبكة امل�صالح لهذا‬ ‫الطرف �أو ذاك‪ ،‬فمتى ا�صطدم م�ؤ�شر احلل مع م�صلحة هنا‬ ‫�أو م�صلحة هناك‪ ،‬كان التوقف عن الإ�ستمرار يف البحث هو‬ ‫تو�صل‬ ‫احلل الأمثل‪ ،‬وهذا مرده �أن ال �أحد قد ا�ستهدى �أو ّ‬ ‫�إل��ى طريق الإ��ص�لاح احلقيقي العام وال�شامل‪� ،‬أو حتقيق‬ ‫العدالة املطلقة‪ ،‬فهذا من �ش�أنه الإ��ض��رار ب�شكل جزئي �أو‬ ‫كلي يف م�صلحة هذا الطرف �أو ذاك‪.‬‬ ‫ولذلك تبقى عجلة الف�ساد ت�سري وتطحن كل �شيء‬ ‫هدى ويف كل اجت��اه‪ ،‬ويف �أثناء‬ ‫�أتت عليه‪ ،‬وت�سري على غري ً‬ ‫�سريها يكرب حجم الف�ساد‪ ،‬وت�ك�بر معه احل�ي�رة والقلق‪،‬‬ ‫ح��ول م�ستقبل الأم��ة القريب والبعيد‪ ،‬ال��ذي ننتظر فيه‬ ‫ح ً‬ ‫ال لق�ضايا معلقة منذ �أم��د بعيد‪ ،‬ويف مقدمتها القد�س‬ ‫ال�شريف وفل�سطني‪.‬‬ ‫ويف ظل غياب املنهج الفكري القادر على ر�سم خريطة‬ ‫ط��ري��ق ملجمل امل�شاكل والأزم � ��ات‪ ،‬يظهر املنهج الو�سطي‬ ‫مبا يتمتع به يف ات��زان واعتدال واقتدار على التوا�صل مع‬ ‫املختلف وامل�ؤتلف من التيارات الفكرية التي حتكم حترك‬ ‫النا�س على تعدد حكوماتهم وتياراتهم ومنابرهم الثقافية‬ ‫وال�ف�ك��ري��ة‪ ،‬ول��ذل��ك ف� ��إن ال�ق��ائ�م�ين ع�ل��ى منهج الو�سطية‬ ‫والإعتدال يرون �أن كل فر�صة للتوافق والوئام بني جميع‬ ‫�أطراف املعادالت الوطنية والإقليمية والدولية‪ ،‬البد معها‬ ‫من �إ�شراك تيار الو�سطية واحلكمة يف معادلة احللول لتلك‬ ‫الأزمات‪.‬‬ ‫ل��ذا ف� ��إن �إمي ��ان امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية ب��دوره‬ ‫كحلقة ح�ضارية جامعة‪ ،‬يزيد ال�ع��بء على كاهل دعاته‪،‬‬ ‫وه ��و ي ��رى ��ش�ط�ط�اً وا� �ض �ح �اً ع �ن��د ه ��ذا ال �ط��رف �أو ذاك‪،‬‬ ‫�أو ع�ن��د �أرك ��ان ه��ذه ال��دول��ة �أو ت�ل��ك‪ ،‬مم��ا ي��زي��د م��ن قلقه‬ ‫حيال تهمي�ش كل منرب ثقايف من لدن �صانع القرار على‬

‫م�ستوى الأمة‪ ،‬وعلى تنوع ذلك القرار‪� :‬سيا�سياً �أم اقت�صادياً‬ ‫�أم اجتماعياً‪ ،‬الأمر الذي يجعلنا يف هذا املنتدى نعمل كخلية‬ ‫ن�ح��ل‪ ،‬ف�م��ؤمت��ر هنا ون ��دوة ه�ن��اك‪ ،‬وحم��ا��ض��رة يف مدر�سة‬ ‫ك��ذا وجامعة ك��ذا‪ ،‬حتى نقدم ال��ر�ؤي��ة التي ن��ؤم��ن بها‪ ،‬ما‬ ‫و�سعنا اجلهد لذلك‪ ،‬و�صو ًال الى الإ�سهام الذي تر�ضى عنه‬ ‫النفو�س‪ ،‬وتطمئن �إليه القلوب‪ ،‬ب�إعتباره جهداً يبتغي وحدة‬ ‫الأمة وكرامتها‪ ،‬و�صون �أوطانها واحلفاظ على مقدراتها‬ ‫و�أمنها وا�ستقرارها‪.‬‬ ‫ول�ع��ل م��ن ي�ت��اب��ع �أن���ش�ط��ة امل�ن�ت��دى ع�ل��ى تنوعها ي��درك‬ ‫حجم الدعاء الذي نحتاج �إليه لبلوغ �أهدافنا‪ ،‬وحجم الدعم‬ ‫ال��ذي ينبغي �أن ي�سندنا‪ ،‬ونحن نقدم �أق�صى ما ن�ستطيع‬ ‫من جهد يف �سبيل �إيجاد �أر�ضية �صلبة‪ ،‬ت�ؤ�س�س حلالة من‬ ‫الت�شاركية مع جميع امل�ؤ�س�سات الر�سمية وال�شعبية‪ ،‬املحلية‬ ‫منها والإق�ل�ي�م�ي��ة وال��دول �ي��ة‪ ،‬و� �ص��و ًال ال��ى حت��دي��د معامل‬ ‫ا�سرتاتيجية وا�ضحة الو�سائل والأه ��داف وال�غ��اي��ات‪ ،‬ويف‬ ‫مقدمتها‪ ،‬اقناع العامل ب�أن اجلميع �شركاء يف حتقيق رفعة‬ ‫الأوطان والأمة وفق ر�ؤية �إن�سانية م�شرتكة‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إن املنتدى �سيوا�صل م�سريته الفكرية ونهجه‬ ‫الثقايف حتى يتبني ل�ل�آخ��ري��ن �أن�ن��ا دع��اة ل�ل�إ��ص�لاح ال��ذي‬ ‫ي�ضمن حفظ الأوطان ومقدراتها‪ ،‬والبناء على ما مت فيها‬ ‫من �إجنارات؛ لأن ما ينتظرنا من �أهداف ت�ستحق التحقيق‬ ‫�أ�سمى‪ ،‬و�أج��ل م��ن البقاء يف حالة انتظار ال�ع��ون م��ن عدو‬ ‫حاقد �أو �صديق غادر‪.‬‬ ‫لذا ف�إن م�شروع النه�ضوي احل�ضاري العام الذي نطمح‬ ‫بامل�شاركة فيه كجزء �أ�صيل يجعلنا نعمل جاهدين و�صو ًال‬ ‫�إل ��ى حتقيق ذل��ك امل���ش��روع ال ��ذي يحقق ل�ل�أم��ة �أه��داف�ه��ا‪،‬‬ ‫وللأوطان �أمنها وا�ستقرارها‪ ،‬وللإن�سانية جمعاء �صورتها‬ ‫احل�ضارية امل�شرقة‪.‬‬ ‫واهلل ن�س�أل �أن يحفظ �أمتنا وي�سند قوامها‪ ،‬ويعيد �إليها‬ ‫عزتها؛ لتعود كما كانت �شامة بني الأمم‪� ،‬إنه �سميع جميب‪،‬‬ ‫واحلمد هلل رب العاملني من قبل ومن بعد‪.‬‬


‫االفتتاحية‬ ‫درا�سات‬

‫م�ستقبل العامل العربي‪ :‬الأزمات واحللول‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫دولة االمام ال�صادق املهدي‬

‫‪4‬‬

‫الو�سطية وحرية االجتهاد يف الإ�سالم‬

‫�أ‪ .‬د‪.‬حممد حب�ش‬

‫‪11‬‬

‫افتتاح فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف اجلزائر‬

‫�أ‪.‬د‪� .‬أبو جرة ال�سلطاين‬

‫‪17‬‬

‫من خطب عيد اال�ضحى‬

‫د‪ .‬عبداملحمود اب ّو‬

‫‪19‬‬

‫من �أطاع اهلل يف �أوامره الت�شريعية ط ّوع اهلل له �آياته التكوينية‬

‫د‪ .‬عبد املجيد �أبو �سل‬

‫‪28‬‬

‫احلكم ال�شرعي‬

‫�أ‪ .‬ب�شرى �سعدي ها�شم اخلطاط‬ ‫د‪ .‬حممد جمعة الوح�ش‬ ‫د‪ .‬هناء حممد هالل احلنيطي‬ ‫�أ‪ .‬حممد الع�ضايلة‬ ‫اللواء املتقاعد عدنان عبيدات‬ ‫�أ‪� .‬إبراهيم العجلوين‬ ‫د‪ .‬ر�شاد الكيالين‬ ‫�أ‪ .‬جمال ال�سفرتي‬ ‫د‪ .‬ح�سن علي املبي�ضني‬ ‫�أ‪� .‬شريوان ال�شمرياين‬ ‫د‪ .‬حممد احمد احلاج‬ ‫د‪ .‬جلني عبداهلل حممود‬ ‫د‪ .‬ذيب عبد اهلل خطاب‬

‫‪36‬‬

‫دور الرتبية والتعليم يف حتفيز املجتمع‬ ‫�أخالقيات الأعمال يف العمل امل�صريف الإ�سالمي‬ ‫ال�شباب واملبادرات‬

‫مقاالت‬

‫ِك َتا َب ٌات يف ا ِ‬ ‫حل ْك َم ِة‬ ‫احلق العربي يف " التم ّيز " الفل�سفي‬ ‫�أثر الت�صوف يف حفظ روح الأمة الإ�سالمية‬ ‫“دور الأئمة يف املجتمع املعا�صر”‬ ‫النه�ضة‪ ..‬م�سار وطموح‬ ‫حرية التكنولوجيا امام االن�سان‬ ‫الر�ؤية املقا�صدية يف �سورة املاعون‬ ‫الكل طامع ولي�س للعرب جامع‬

‫واحة الو�سطية‬

‫�أخبار الو�سطية‬

‫عند احلبيب (�صلى اهلل عليه و�سلم)‬

‫‪1‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪73‬‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية والبلقاء التطبيقية‪ ..‬ينظمان ندوة دولية حول خطر الإرهاب‬

‫‪76‬‬

‫و�سطية الكرك‪ ..‬ينظم ندوة فكرية يف مركز �شابات الق�صر‬

‫‪77‬‬

‫نظم فرع ال�سلط ‪ ..‬حما�ضرة للمفتي الدكتور هاين العابد حول احلج و�أحكامه (مفكرة احلاج)‬

‫‪78‬‬

‫فرع جر�ش يقيم حما�ضرة‬

‫‪78‬‬

‫مندوباً عن الأمني العام ‪ ..‬العجلوين يخرج دورة تدريبية‬

‫‪79‬‬

‫يف مدر�سة ن�سيبة املازنية ‪ ..‬املبي�ضني يحا�ضر حول التطرف واالرهاب‬

‫‪79‬‬


‫الهيئة االستش�ارية للمجلة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‪ /‬املغرب‬ ‫معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‪ /‬الأردن‬ ‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور عبد الفتاح مورو‪/‬تون�س‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور حممد طالبي‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور حممد زاهد جول‪/‬تركيا‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‪ /‬لبنان‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين‪ /‬اجلزائر‬

‫السنة العاشرة‪ :‬العدد الثاني والثالثون ‪ -‬ذو الحجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‪/‬م�صر‬ ‫الدكتور حممد حب�ش‪�/‬سوريا‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‪/‬الأردن‬

‫هيـئـة التـحريـر‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الدكتور حممد احلاج‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬ ‫الدكتور علي احلجاحجة‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‬

‫المشرف العام‬ ‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‬

‫تصميم وإخراج‬ ‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬ ‫‪0799160136‬‬

‫تصدر عن‬ ‫المنتدى العالمي للوسطية‬ ‫تحت رقم ايداع‬

‫د‪2018/708/‬‬

‫عمان‬ ‫المملكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬

‫المراسالت‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع‬

‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 1241 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net‬‬


‫دراسات‬

‫كلمة االمام ال�صادق املهدي رئي�س املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية التي �ألقاها يف حما�ضرة‬ ‫"م�ستقبل العامل العربي" التي عقدتها‬ ‫جمعية ال�ش�ؤون الدولية بالتعاون مع املنتدى‬ ‫العاملى للو�سطية‪ ‬يوم الثالثاء املوافق‬ ‫‪ 2018/8/7‬وفيما يلي ن�ص الكلمة‪:‬‬

‫مستقبل‬ ‫العالم‬ ‫العربي‪:‬‬ ‫األزمات‬ ‫والحلول‬

‫دولة اإلمام الصادق المهدي‬

‫‪6‬‬

‫مقدمة‪ :‬احلالة الراهنة يف عاملنا العربي غري جمدية‪،‬‬ ‫ب��ل ه��ي ح��ال��ة اح�ت���ض��ار ت�صنع ح�ت�م�اً ث�لاث��ة اح�ت�م��االت‬ ‫للخروج منها‪ :‬تطلع ث��وري مل�ستقبل ال وف��اء له‪ ،‬وتطلع‬ ‫ث��وري ملا�ضي ال م�ستقبل ل��ه‪ ،‬وث��ورة ناعمة مل�ستقبل له‬ ‫وفاء‪.‬‬ ‫قال غراهام فوللر يف جملة ال�سيا�سة اخلارجية عدد‬ ‫ي�ن��اي��ر‪ /‬ف�براي��ر ‪2008‬م‪� :‬إذا حذفنا الإ� �س�لام م��ن م�سار‬ ‫ال �ت��اري��خ‪ ،‬وع��وم��ل ��س�ك��ان منطقة ال���ش��رق الأو� �س��ط كما‬ ‫يعاملون الآن مع عدم وجود �إ�سالم ف�إن الو�ضع يف املنطقة‬ ‫�سوف ي�ؤول �إلى ما هو عليه الآن‪ .‬يف غياب الإ�سالم ومع‬ ‫ال�سكان االفرتا�ضيني غ�ير امل�سلمني ف ��إن ال�ع��امل �سوف‬ ‫ي�شهد اخلالفات الدامية امل�ستمرة التي ال ت��زال تغطي‬ ‫ح��روب�ه��ا و��ص��راع��ات�ه��ا على ال�ساحة اجليو�سيا�سية‪ .‬لو‬ ‫مل تتذرع املجموعات االفرتا�ضية غري امل�سلمة بالدين‬

‫لوجدت راي��ة �أخ��رى تعرب يف ظلها عن هويتها و�سعيها‬ ‫لال�ستقالل‪.‬‬ ‫الهيمنة ال��دول�ي��ة ال ت�سمح يف ‪ ‬ب�أية �إرادة م�ستقلة‬ ‫وطنية‪� ،‬أو قومية‪� ،‬أو ا�شرتاكية‪� ،‬أو �إ�سالمية بل حتر�ص‬ ‫ع �ل��ى وج� ��ود ح �ك��ام �أوت ��وق ��راط �ي�ي�ن ك �م��ا ق��ال��ت ال���س�ي��دة‬ ‫ك��ون��دال�ي���س��ا راي ����س يف ال �ق��اه��رة ع��ام ‪2005‬م‪� :‬إن �ن��ا زه��اء‬ ‫�ستني عاماً دعمنا حكام املنطقة االوتقراطيني‪ .‬ويف ظل‬ ‫مثل هذه احلكومات يوظفونهم خلدمة م�صاحلهم كما‬ ‫قال رئي�س وزراء قطر ال�سابق‪ :‬ننفذ فيما يتعلق بحجم‬ ‫�إن�ت��اج وت�سويق النفط م��ا يطلبون م�ن��ا‪ .‬وو�ضعت خطة‬ ‫�إع� ��ادة ت��دوي��ر �إي � ��رادات ال�ن�ف��ط ع��ن ط��ري��ق وج ��وه طلب‬ ‫غ�ير �ضرورية مدنية وع�سكرية لتغريب ث��روة النفط‪.‬‬ ‫واحلديث عن حقوق الإن�سان ي�ستخدم ب�صورة انتقائية‪،‬‬ ‫ف�ح�ك��وم�ت��ي ال��دمي �ق��راط �ي��ة (‪1989-1986‬م) م��ع ك��ام��ل‬


‫احرتام حقوق الإن�سان والربنامج الدميقراطي عوك�ست‬ ‫لأنها �أوقفت برنامج ترحيل الفال�شاوظاهرة ال�صحوة‬ ‫ال�شيعية يف املنطقة تعود مل�ؤثرات واف��دة‪ .‬كانت الواليات‬ ‫املتحدة تعامل �إي��ران باعتبارها �شرطي املنطقة‪ .‬وقال‬ ‫الرئي�س الأم��ري�ك��ي الأ��س�ب��ق ك��ارت��ر �إن �إي ��ران ه��ي واح��ة‬ ‫ا�ستقرار يف حميط م�ضطرب‪ .‬ولكن ه��ذه العالقة وما‬ ‫�صحبها من نهج ا�ستالبي وتغريب للرثوة كانت من �أهم‬ ‫عوامل التعبئة امل�ضادة لنظام ال�شاه‪.‬‬ ‫حتاول �أو�ساط غربية حتميل الإ�سالم تبعة التطرف‬ ‫والإره ��اب يف املنطقة‪� .‬صحيح توجد ن�صو�ص ا�ستغلها‬ ‫الغالة حول الوالء والرباء‪ ،‬و�أحاديث مثل ما رواه �أحمد‬ ‫يف م�سنده �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ق��ال‪ُ “ :‬ب ِع ْثتُ‬ ‫َب�ْي�نْ َ َي� � َد ْي ال���سَّ ��ا َع� ِة ِب��ال���سَّ � ْي� ِ�ف َح� َّت��ى ُي� ْع� َب� َد هَّ ُ‬ ‫الل َو ْح � � َد ُه لاَ‬ ‫�شَ ر َ‬ ‫ِيك َلهُ”‪ .‬هذا يناق�ض القر�آن �إذ }لاَ �إِ ْك َرا َه فيِ ال ِّدينِ {‬ ‫ويناق�ض الواقع ف�أين ال�ساعة بعد �ألف وخم�سمائة عام؟‬ ‫قال خاقان ال�صحافة الغربية روب��رت م�يردوخ‪ :‬رمبا �أن‬ ‫�أغلب امل�سلمني م�ساملون‪ .‬ولكن �إلى �أن يعرتفوا ب�سرطان‬ ‫اجل �ه��ادي�ين ال ��ذي ي�ت�ن��ام��ى ث��م ي�ق��وم��وا ب�ت��دم�يره يجب‬ ‫حتميلهم امل�س�ؤولية‪ .‬ولكن من ينبغي �أن يتحمل ال��وزر‬ ‫الأك�بر؟ الغزو ال�سوفيتي لأفغان�ستان ح��رك �ضده نداء‬ ‫ج�ه��اد لتحرير ب�لاد امل�سلمني م��ن ه��ذا ال�غ��زو‪ .‬القاعدة‬ ‫تكونت �ضمن التلبية لهذا النداء وحظيت بدعم عربي‬ ‫ودعم �أكرب توافر لها من الغرب‪ :‬الدعم املايل‪ ،‬والتدريب‪،‬‬ ‫والت�سليح حتى �صارت �آلية قتالية ال مثيل لها‪ ‬وحققت ما‬ ‫حققت يف �أفغان�ستان‪ .‬جنود القاعدة مل يكونوا مرتزقة‬ ‫ب��ل ك��ان��ت عقيدتهم القتالية ال�ت��ي حظيت ب��دع��م غربي‬ ‫هي حترير بالد امل�سلمني من االحتالل الأجنبي لذلك‬ ‫رف�ضوا ا�ستن�صار دولهم ب��دول �أجنبية ما �أدى ملواجهة‬ ‫الواليات املتحدة تطرفاً وعنفاً‪� .‬إن للواليات املتحدة دوراً‬ ‫مهماً فيما بلغت القاعدة‪.‬‬ ‫‪ ‬هذه ثمانية عوامل وافدة �ساهمت فيما �أ�صاب الأمة‬ ‫من وهن‪.‬‬ ‫ولكن هنالك عوامل ذاتية‪:‬‬ ‫ت�ضافرت عوامل عدة غيبت العقل الربهاين وجعلت‬ ‫املا�ضي و�صياً على احلا�ضر وامل�ستقبل‪:‬‬

‫ال �ع �ل � ُم م ��ا ك � ��ا َن ف �ي��ه ق ��ال ح��دث�ن��ا‬ ‫ال�ش َي ِ‬ ‫َو َما ِ�سوى َذ َ‬ ‫ا�س َّ‬ ‫اطنيِ‪.‬‬ ‫اك َو ْ�س َو ُ‬ ‫فقه التزم منطقاً فقهياً تقليدياً‪ ،‬ما جعل النقل و�صياً‬ ‫على الأحكام‪:‬‬ ‫وم� � � ��ال� � � � ٌ�ك و� � � َ��س � � ��ائ� � � � ُر الأ ِئ� � � � � َّم � � � ��ة‬ ‫و�أب � � � ��و ال� �ق ��ا�� �س� � ْم ُه � � � � ��دا ُة الأ َّم � � � ��ة‬ ‫ف � ��واج � � ٌ�ب َت� �ق� �ل� �ي� � ُد َح� �ْب� ��رٍْ ِم� �ن� � ُه� � ُم‬ ‫َك � �ذَا َق �� َ��ض��ى ال� � َق� � ْو ُم ِب� � َق � ٍ‬ ‫�ول ُي � ْف � َه � ُم‬ ‫نظم حكم قامت على التغلب با�سم اخل�لاف��ة‪ ،‬وبعد‬ ‫ان�ت�ه��اء اخل�لاف��ة ��ص��ار ذك��ره��ا مطلب بعيد ع��ن ال��واق��ع‪،‬‬ ‫وكذلك التطلع ال�شيعي لإمام غاب منذ ‪ 12‬قرناً �أن يعود‪،‬‬ ‫يف جمافاة للواقع‪.‬‬ ‫وا�ستبدت باحلكم نظم غيبت امل���ش��ارك��ة‪ ،‬وامل�ساءلة‪،‬‬ ‫وال�شفافية‪ ،‬و�سيادة حكم القانون ما جعل نظم احلكم‬ ‫غ��ال �ب �اً ق��ائ�م��ة ع�ل��ى ال�ت�غ�ل��ب ومت ��ار� ��س اح �ت�ل�ا ًال داخ�ل�ي�اً‬ ‫لل�شعوب‪.‬‬ ‫و� �س��ادت غ��ال �ب �اً ن�ظ��م اق�ت���ص��اد حت�ق��ق من ��واً ال تنمية‬ ‫والرثوة فيها مغربة غالباً‪ .‬وتوزيع الرثوة قائم على قلة‬ ‫منعمة و�أغلبية فقرية‪.‬‬ ‫والأم� ��ة م��وب��وءة ب�خ�لاف��ات طائفية ع��ائ��دة لأح ��داث‬ ‫ت��اري�خ�ي��ة ومل�ع�ت�ق��دات مذهبية م��وروث��ة ج�ي�ل ً‬ ‫ا ع��ن جيل‬ ‫وحم�صنة بالتكفري املبتادل‪.‬‬ ‫�شيوع عالقات خارجية �سمحت يف كثري من الأحيان‬ ‫لقوى الهيمنة الدولية بتحقيق م�آربها‪.‬‬ ‫امل�ف�ك��رون وال�ك�ت��اب‪ ،‬وال���ش�ع��راء وه��م ق��رون ا�ست�شعار‬ ‫لقراءة الواقع الأليم ما برحوا يعربون عن �سخط ومرارة‬ ‫– مث ً‬ ‫ال‪ -‬يف بردته يقول متيم الرغوثي‪:‬‬ ‫�روا‬ ‫واحل��اك �م��ون �أع��اج �ي� ٌ�ب �إذا َع �َب رَ ُ‬ ‫فيِ َج َّن ٍة �أَ ْ�ص َب َح ْت ِمنْ �ش�ؤمهم َج َر َدا‬ ‫�أَ ْن � َي��ا ُب � ُه � ْم فيِ َذوِي الأَ ْر َح � ��ا ِم ن ِ‬ ‫َا�ش َب ٌة‬ ‫َو ِلل��أَ َع��ا ِدي اْ ْب� ِت��� َ�س��ا ٌم ُي ْظ ِه ُر ال� � َّد َر َدا‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫‪ ‬وبكاء رو�ضة احلاج‪:‬‬ ‫يف ِّ‬ ‫ﻛﻞ ﻋﺎ�ﺻﻤﺔ �ﺃﺩﻭﺭ ﻣﻦ‬ ‫ﺍﻟ�ﺼﺒﺎﺡ �ﺇﻟﻰ ﺍﻤﻟ�ﺴﺎﺀ‬ ‫ﻋﻦ ﺑ� ٍ‬ ‫ﺴﻤﺔ ﻟﻠﻨ�ﺼﺮ ﺗﺪﺧﻞ‬ ‫ﻲﻓ ﺩﻣﻲ‬ ‫ﻓﺘﻌﻴﺪ ﺠﺗﺪﻳﺪ ﺍﺤﻟﻴﺎﺓ‬ ‫ﺟﻨﺪﻱ‬ ‫ﻋﻦ ﻭﺟﻪ‬ ‫ّ‬ ‫ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻤﻟﻮﺕ ﻣﻦ �ﺃﺟﻞ‬ ‫ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ‬ ‫ّ‬ ‫ﻋﺮﺑﻴﺔ‬ ‫ﻋﻦ �ﺻﺮﺧﺔ‬ ‫ً‬ ‫ﺗﺮ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ﺧﺎﺋﻔﺔ‬ ‫ﺍ�ﻷﺭ�ﺽ‬ ‫ﺞﺗ ﻣﻨﻬﺎ‬ ‫ﻭﺗﺮﺗﻌﺪ ﺍﻟ�ﺴﻤﺎﺀ‬ ‫ﻋﻦ ٍ‬ ‫ﻣﺎﺭﺩ ﻣﻦ ﻗﻤﻘﻢ‬ ‫ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍ�ﻷُ ِ‬ ‫ﺑﺎﺓ‬ ‫ﺼﺮﺥ ﺑﺎﻟﻨﺪﺍﺀ‬ ‫ﻳﺠﻲﺀ ﻳ� ُ‬ ‫�ﺃﻱ � ٍ‬ ‫ﺷﻲﺀ ﻗﺪ ﻳﻌﻴﺪ‬ ‫ﻋﻦ ِّ‬ ‫ﺗﻮﺍﺯﻲﻧ‬ ‫ﻟﻜﻨﻨﻲ‪ ،‬ﻣﻦ ِّ‬ ‫ﻛﻞ ﻋﺎ�ﺻﻤﺔ �ﺃﻋﻮﺩ‬ ‫ﺑﻜﺮﺑﻼﺀ !!‬ ‫هذه حالة جعلت كثرياً من املعلقني الأجانب يتحدثون‬ ‫عن �أن هذه املنطقة العربية من العامل غري ق��ادرة على‬ ‫�إح��داث تغيري �إيجابي‪ .‬بل �صار كثريون يتحدثون عن‬ ‫اال�ستثنائية العربية‪ .‬ول�ك��ن كما ق��ال اب��ن خ�ل��دون‪ :‬كل‬ ‫ظاهرة يف الوجود الطبيعي واالجتماعي خا�ضعة لقانون‬

‫تف�سرياً لقوله تعالى‪�( :‬إِنَّا ُك َّل �شَ ْي ٍء خَ لَ ْقنَا ُه ِب َق َدرٍ)‪.‬‬ ‫هناك كما ر�أينا عوامل ذاتية وخارجية ت�سببت يف هذه‬ ‫احلالة املزرية‪.‬‬ ‫هذا الرف�ض للواقع يف�سر اندفاع ال�شباب يف ثورات‬ ‫الربيع العربي‪ .‬ث��ورات ي�شدها التطلع لغد �أف�ضل ينعم‬ ‫بالكرامة‪ ،‬واحلرية‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واخلبز‪.‬‬ ‫ولكن ه��ذه ال�ث��ورات م��ع ت��واف��ر مربراتها غابت عنها‬ ‫ال�ق�ي��ادة امل��ؤه�ل��ة لتقدمي ال�ب��دي��ل بعد الإط��اح��ة باحلكم‬ ‫ال�ق��ائ��م‪ ،‬وغ��اب عنها ال�برن��ام��ج امل�ستعد لبناء امل�ستقبل‪،‬‬ ‫ل��ذل��ك وم��ع ك��ل م��ا حققت م��ن �إر� �ض��اء بع�ض التطلعات‬ ‫احتوتها ثورة م�ضادة �إال قلي ً‬ ‫ال‪ .‬ولكن مهما كان من �أمر‬ ‫الثورة امل�ضادة ف�إن الدوافع للربيع العربي ما زالت قائمة‪،‬‬ ‫�إنها تطلع لثورة ت�شدها �آمال امل�ستقبل‪.‬‬ ‫ال ينبغي اال�ستهانة ب�أجندة القاعدة وداع�ش فه�ؤالء‬ ‫مدفوعون كذلك برف�ض الواقع وت�شدهم �آم��ال املا�ضي‬ ‫كما ي�صورونه‪.‬‬ ‫النهج ال �ث��وري امل���ش��دود للم�ستقبل‪ ،‬وال�ن�ه��ج ال�ث��وري‬ ‫امل���ش��دود للما�ضي‪ ،‬لهما م�بررات�ه�م��ا‪ ،‬وال��واق��ع البائ�س‬ ‫�سوف يوفر لهما �أرت ��ا ًال م��ن امل��ؤي��دي��ن واملجندين‪ ،‬ومع‬ ‫اختالفهما اجلوهري يف تطلع للم�ستقبل وتطلع ملحاكاة‬ ‫املا�ضي ف�إنهما يرف�ضان الواقع الراهن ويرفعان �شعارات‬ ‫ثورية‪ .‬ثورات الربيع العربي �إذا مل تتوافر القيادة امل�ؤهلة‬ ‫وال�ب�رام��ج ال�ب��دي�ل��ة ق��د تقفز ف��وق ال��واق��ع االج�ت�م��اع��ي‪.‬‬ ‫وث� ��ورات االن �ك �ف��اء ن�ح��و امل��ا��ض��ي � �س��وف ت��ذه��ب ك�م��ا دل��ت‬ ‫التجارب خارج التاريخ‪.‬‬ ‫اخليار الأف�ضل �أي الأو�سط هو ال��ذي يحقق �أهدافاً‬ ‫ثورية ب�أ�سلوب ناعم‪� ،‬أ�سلوب احلكمة‪.‬‬ ‫كل الدالئل ت�شري �إلى �أن الواقع املاثل مل يعد جمدياً‬


‫وال ي�سعف املنطقة �إال ن�ظ��ام ج��دي��د ي��داوي العلل التي‬ ‫ك�شف عنها الت�شخي�ص بال�صورة الآتي بيانها‪:‬‬ ‫ال�ع��ام��ل الأول‪ :‬م�س�ألة امل�ع��رف��ة‪ :‬ال�ع�ق��ل‪ ،‬والتجربة‪،‬‬ ‫والوحي‪ ،‬الإلهام؛ هي و�سائل املعرفة الإن�سانية‪ .‬القر�آن‬ ‫ك��رر الإ� �ش��ارة للعقل وم�شتقاته ك��ال�بره��ان ق��ال تعالى‬ ‫} َك � � َذ ِل� � َ�ك ُي� � َب�ِّي�نِّ ُ هَّ ُ‬ ‫الل َل� � ُك� � ْم �آ َي� ��ا ِت � � ِه َل � َع � َّل � ُك � ْم َت � ْع � ِق � ُل��ونَ{‪.‬‬ ‫وق ��ول ��ه‪ُ }:‬ق � ْ�ل َه ��ا ُت ��وا ُب � ْر َه��ا َن � ُك � ْم �إِن ُك �ن � ُت � ْم � َ��ص��ا ِد ِق�ي َ�ن{‪،‬‬ ‫ني * َوفيِ َ �أنف ُِ�س ُك ْم‬ ‫والتجربة‪َ } :‬وفيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر�� ِ�ض �آ َي��اتٌ ِّل ْل ُمو ِق ِن َ‬ ‫�أَ َف�َل اَ�ا ُت� ْب��ِ��ص� ُرونَ{‪ .‬العقل والتجربة يف جمالهما و�سائل‬ ‫ملعرفة احلقيقة امل��وج��ودة يف �سنن الطبيعة‪ ،‬ويف النف�س‬ ‫الإن���س��ان�ي��ة‪ ،‬ويف امل�سائل االجتماعية ف ��إن �سنن ال��وج��ود‬ ‫كا�شفة حلقائقها كما قال تعالى‪َ } :‬و َما خَ لَ ْقنَا ال�سَّ َما َو ِات‬ ‫الَ ْر َ‬ ‫�ض َو َما َب ْي َن ُه َما �إِلاَّ ِبالحْ َ قِّ{‪.‬‬ ‫َو ْ أ‬ ‫االنكفاء الفكري ال��ذي �أ��ص��اب �أمتنا هو ال��ذي عطل‬ ‫معارف العقل والتجربة ما يوجب �صحوة فكرية ت�سد‬ ‫هذا النق�ص‪.‬‬ ‫ولكن للعقل والتجربة ح��دود ما ميثل الغيب الذي‬ ‫مفاحته ال��وح��ي والإل �ه��ام‪ .‬علة الفكر العلماين ه��و �أن��ه‬ ‫ينكر م �ع��ارف ال�غ�ي��ب‪ .‬علمياً ث��اب��ت �أن ح��وا���س الإن���س��ان‬ ‫وعقله ال يحيطان بكل ما يف الوجود‪ ،‬وال بالأ�سا�س غري‬ ‫النفعي ل�ل�أخ�لاق‪ ،‬وال مبقايي�س اجلماليات الفطرية‪.‬‬ ‫ه��ذه امل �ج��االت ه��ي م�ي��ادي��ن ال��وح��ي والإل �ه��ام‪ .‬ك��ان دع��اة‬ ‫الأ��ص��ول�ي��ة العلمانية ي�ق��ول��ون �إن العلمانية ه��ي �شرط‬ ‫للدميقراطية ولكن وجدوا �أن �أعتى الدكتاتوريات متت‬ ‫با�سم العلمانية يف �أملانيا‪ ،‬و�إيطاليا‪ ،‬و�أمريكا اجلنوبية‪،‬‬ ‫وحتى يف الإطار العربي ف�إن العلمانية �أقامت نظمها عن‬ ‫طريق االنقالبات الع�سكرية وقهر ال�شعوب‪ .‬لذلك عدل‬ ‫علمانيون مرجعيون مثل بيرت بريقر و�شارل�س تيلور‬ ‫مقولتهم ليقولوا �إن �شرط الدميقراطية هو التعددية‪،‬‬ ‫وق��ال��وا يف �إط ��ار ال�ت�ع��ددي��ة ال مي�ك��ن �أن ن�ح��رم امل�ن��ادي��ن‬ ‫مبرجعية دينية من حقهم يف التناف�س ال�سيا�سي ما داموا‬ ‫يقبلون حرية العقيدة لغريهم وامل�ساواة يف املواطنة‪.‬‬ ‫م�ن��ذ ال��رب��ع الأخ�ي�ر م��ن ال �ق��رن الع�شرين ولأ��س�ب��اب‬ ‫اجل��وع الروحي والعاطفي‪ ،‬و��ص��دوداً من �صخب العوملة‬ ‫انتع�شت الأ�صوليات الدينية يف كل مكان‪.‬‬ ‫وحتى يف ال��دول ذات الأغلبية الدينية غري الكتابية‬ ‫�شهدت متدداً يف الأحزاب ال�سيا�سية ذات املرجعية الدينية‬

‫كما ح��دث يف ال�ي��اب��ان ل�صالح ح��زب كوميتو ذوال�صبغة‬ ‫البوذية منذ مطلع الت�سعينيات‪ ،‬وما حدث يف الهند حلزب‬ ‫بهاراتيا جاناتا ذي املرجعية الهندو�سية الذي ح�صل على‬ ‫‪ %31‬من الأ�صوات يف انتخابات ‪2014‬م‪.‬‬ ‫القول ب��أن ق��درات الإن�سان هي العقلية والتجريبية‬ ‫فح�سب �إفقار للإن�سانية‪ .‬والقول ب��أن معارف الإن�سان‬ ‫نقلية ف�سحب �إفقار �آخر للإن�سانية‪.‬‬ ‫حاكمية اهلل يف قوله }�إ ِ​ِن الحْ ُ ْك ُم �إِلاَّ للِ هَّ ِ �أَ َم َر �أَلاَّ َت ْع ُب ُدوا‬ ‫�إِلاَّ �إِ َّي��ا ُه{ متعلقة باحلاكمية الكونية (الكوزمولوجية)‪،‬‬ ‫ونقلها للمجال ال�سيا�سي مبعنى الإمرة هلل خط�أ ج�سيم‪،‬‬ ‫ففي هذا املجال احلاكمية للب�شر على نحو ما قال �أبو بكر‬ ‫ال�صديق ر�ض اهلل عنه‪ُ “ :‬و ِّليتُ َعلَ ْي ُك ْم َو َل ْ�ستُ بِخَ يرْ ِ ُك ْم َف�إِنْ‬ ‫�أَ ْح َ�سنْتُ َف�أَ ِعي ُنونيِ َو�إِنْ �أَ َ�س�أْتُ َف َق ِّو ُموين”‪ .‬وما قال عمر‬ ‫ر�ضي اهلل عنه‪ُ “ :‬و ّلينا عليكم لن�سد جوعتكم ونوفر لكم‬ ‫حرفتكم ف�إن عجزنا عن ذلك اعتزلناكم”‪ .‬وهو تف�سري‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬و�أَ ْم � ُر ُه � ْم �شُ و َرى َب ْي َن ُه ْم{‪ .‬وحتى يف غري‬ ‫الإمرة ال يحق لأحد من النا�س �أن يتحدث با�سم اهلل‪ .‬بل‬ ‫يقول ما يقوله باجتهاده هو‪ ،‬لأن �إدعاء �أن لأحد احلق يف‬ ‫التحدث با�سم اهلل كهنوت يرف�ضه الإ�سالم‪.‬‬ ‫ال�ع��ام��ل ال �ث��اين‪ :‬ال�ف�ق��ه وم�ف�ه��وم تطبيق ال�شريعة‪:‬‬ ‫ب��ال�ف�ه��م ال�ت�ق�ل�ي��دي ق ��ال ق� ��وم‪� :‬إن �أئ �م��ة االج �ت �ه��اد قد‬ ‫ا�ستنبطوا الأحكام من الن�صو�ص عرب القيا�س واالجماع‪.‬‬ ‫وم��ا على اخل�ل��ف �إال ات�ب��اع�ه��م‪� .‬أئ�م��ة االج�ت�ه��اد �أنف�سهم‬ ‫قدموا اجتهادهم مراعني ظ��روف الزمان وامل�ك��ان‪ .‬وقد‬ ‫غ�يروه��ا عندما ت�غ�يرت تلك ال �ظ��روف كما فعل الإم��ام‬ ‫ال�شافعي‪ .‬ظروف الع�صر احلديث مل تخطر على بالهم‪.‬‬ ‫ظ ��روف ال�ع���ص��ر احل��دي��ث ك��ال��دول��ة ال��وط�ن�ي��ة‪ ،‬وال�ن�ظ��ام‬ ‫ال � ��دويل احل ��دي ��ث‪ ،‬وال �ع��ومل��ة؛ غ��ري �ب��ة ع�ل�ي�ه��م‪ .‬و�أح �ك��ام‬ ‫احل��دود يف الإ�سالم جزء من منظومة ثالثية‪ :‬الرتبية‬ ‫الإميانية‪ ،‬والإجراءات الوقائية‪ ،‬والعقوبات؛ ولذلك ف�إن‬ ‫احلديث عنهما دون مراعاة الواقع اجلديد يجعل �شعار‬ ‫تطبيق ال�شريعة منافياً للعدالة‪ ،‬وبالتايل منافياً ملقا�صد‬ ‫ال�شريعة وم�شوهاً لها‪.‬‬ ‫فكيف تقطع ي��د ال �� �س��ارق م��ع ن�سبة ال�ف�ق��ر العالية‬ ‫وتف�شي العطالة وهي �شبهات حتول دون ذل��ك؟ و�أحكام‬ ‫ال��زك��اة التقليدية قا�صرة فقد ا�ستحدثت �أن��واع جديدة‬ ‫من امل��ال‪ ،‬و�صار الأغنياء يف كثري من الأح�ي��ان ي�ضعون‬ ‫�أموالهم يف بالد �أجنبية‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫ال �ع��دال��ة االج�ت�م��اع�ي��ة م��ن م�ق��ا��ص��د ال ��زك ��اة‪ .‬ودول ��ة‬ ‫ال��رع��اي��ة االجتماعية امل�ستحدثة �أك �ف ��أ و�سيلة لتطوير‬ ‫�أحكام الزكاة‪ .‬و�سعر الفائدة ن�سبة م�ضبوطة مب�ؤ�س�سات‬ ‫ويدفعها امل�ستثمر مل�ساهمني‪ ‬هم �أفقر منه وال تعتمد على‬ ‫م�ساومة فردية كما هو احلال يف الربا‪.‬‬ ‫واقت�صاد عامل اليوم متداخل‪ ،‬و�سعر الفائدة ال يتعلق‬ ‫بالإقر�ض وحده بل بالكتلة النقدية‪ .‬والنقود نف�سها مل‬ ‫تعد ذات قيمة ثابتة‪.‬‬ ‫ه��ذا م�ع�ن��اه �أن امل�ط�ل��وب يف ك��ل ه��ذه الأح� ��وال �إ� �ص��دار‬ ‫دليل ي��درك مقا�صد ال��واج��ب‪ ،‬ويحيط بالواقع اجلديد‪،‬‬ ‫وي�ستفيد م��ن ال�ت�ط��ور ال�ق��ان��وين الو�ضعي ذي الأه ��داف‬ ‫املماثلة‪ ،‬لي�صري �أ�سا�ساً مقا�صدياً لتطبيق ال�شريعة‪� .‬أما ما‬ ‫يحدث الآن مع هذا ال�شعار ف�إنه يهزم مقا�صد ال�شريعة‪.‬‬ ‫احللول العلمانية كالقومية العربية �سيطرت على‬ ‫امل�سرح ال�سيا�سي يف بع�ض بلداننا املهمة‪ ،‬و�سجل التاريخ‬ ‫�إخفاقاتها‪ ،‬هذا �ضمن عوامل �أخرى �أف�سح املجال ل�شعار‬ ‫الإ� �س�لام ه��و احل��ل‪ .‬ه��ذا ال�شعار �أخ�ف��ق مت��ام�اً يف بع�ض‬ ‫البلدان كال�سودان وواجه عقبات هائلة كما يف م�صر‪.‬‬ ‫يف بع�ض ال�ب�ل��دان ك�ترك�ي��ا‪ ،‬وامل �غ��رب‪ ،‬وت��ون����س خ�ضع‬ ‫ملراجعات حقق مبوجبها بع�ض النجاح‪.‬‬ ‫املطلوب الآن �أن ي�أمتر كل الذين ي�ؤمنون بدور الإ�سالم‬ ‫يف احل�ي��اة العامة ل��درا��س��ة امل��و��ض��وع على ��ض��وء مطالب‬ ‫ال��واج��ب‪ ،‬وحقائق ال��واق��ع‪ ،‬ومعطيات التجارب لتحديد‬ ‫دور الإ�سالم يف احلياة العامة يف املجتمع احلديث‪.‬‬ ‫العامل الثالث‪ :‬نظام احلكم‪:‬‬ ‫العدل هو �أهم مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ .‬جتربة‬ ‫اخللفاء الرا�شدين كانت عادلة ولكنها خلت من م�ؤ�س�سية‬ ‫اال��س�ت�خ�لاف ل��ذل��ك ك�ثر ف�ي�ه��ا اغ �ت �ي��ال اخل �ل �ف��اء‪ ،‬وم��ن‬ ‫ظروف االغتياالت ن�ش�أت الفتنة الكربى‪ ،‬بل ب�سبب غياب‬ ‫التقنني وامل�أ�س�سة ف�إن تاريخ اخلالفة يف كل عهودها كان‬ ‫خم�ضباً ب�سفك ال��دم��اء‪ ،‬الع�صر احل��دي��ث ابتكر و�سائل‬ ‫م�ؤ�س�سة لتنظيم اال�ستخالف والف�صل ب�ين ال�سلطات‬ ‫لتحقيق العدالة‪ ،‬هذه الو�سائل �أولى باال�ستنباط لتحقيق‬ ‫مقا�صد احلكم الرا�شد‪ .‬قال �أبوبكر ر�ضى اهلل عنه‪ُ :‬و ِّليتُ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم (ب�شرياً) َو َل ْ�ستُ بِخَ يرْ ِ ُك ْم (جواز والية املف�ضول)‬

‫َف��إِنْ �أَ ْح َ�سنْتُ َف�أَ ِعي ُنونيِ َو�إِنْ �أَ َ�س ْ�أتُ َف َق ِّو ُمونيِ (امل�ساءلة)‬ ‫ال�ص ْدقُ �أَ َم��ا َن � ٌة‪َ ،‬وا ْل � َك� ِ�ذ ُب ِخ َيا َن ٌة (ال�شفافية) وال�ضَّ عيف‬ ‫ِّ‬ ‫الل‪ُ،‬‬ ‫أرج ��ع َع�لَ� ْي� ِه حقَّه �إِنْ ���شَ ��ا َء هَّ‬ ‫فيكم َق� �و ٌِّي عندي حتى � ِّ‬ ‫َوا ْل َقو ُِّي ِفي ُك ْم �ضعيف عندي َحتَّى �آخُ َذ الحْ َ َّق ِم ْن ُه �إِنْ �شَ ا َء‬ ‫هَّ ُ‬ ‫الل (�سيادة حكم القانون)‪� .‬إن نظام احلكم احلديث هو‬ ‫و�سيلة م�ؤ�س�سة لتحقيق العدل‪� ،‬أم��ا مقولة اتباع الإم��ام‬ ‫املع�صوم ف�صاحبها غري موجود‪ ،‬ووالية الفقيه واردة يف‬ ‫امل�سائل ال�شعائرية �أما يف امل�سائل ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫والدولية فالوالية للأمة كما �صار يقول م�صلحون يف‬ ‫الفكر ال�شيعي‪.‬‬ ‫العامل ال��راب��ع‪ :‬امل�س�ألة االقت�صادية‪� :‬إن �إزال ��ة احلاجة‬ ‫املعي�شية م��ن مقا�صد الإ� �س�لام‪ .‬لذلك فا�ستمرار احلرمان‬ ‫تكذيب للدين‪�} :‬أَ َر َ�أ ْيتَ ا َّل ِذي ُي َك ِّذ ُب بِالدِّينِ * َف َذ ِل َك ا َّل ِذي َي ُد ُّع‬ ‫ا ْل َي ِتي َم * َولاَ َي ُح ُّ�ض َعلَى َط َعا ِم المْ ِ ْ�س ِكنيِ{‪ .‬وقال �إمام املتقني‬ ‫علي ر�ضى اهلل عنه‪ :‬ما جاع فقري �إال مبا متع‪ ‬به غني‪.‬‬ ‫مقا�صد ال�شريعة يف العدالة االجتماعية تتطلب �أن‬ ‫تكون الدولة ملتزمة بالرعاية االجتماعية على نحو ما‬ ‫ي�شاهد اليوم يف بع�ض دول �أوربا ال�شمالية‪� ،‬إذا مل يحدث‬ ‫هذا ف�إن ال�سالم االجتماعي ي�ضطرب‪.‬‬ ‫ال�ن�ظ��م ال��دمي�ق��راط�ي��ة ال��ر�أ��س�م��ال�ي��ة ت�ع��اين م��ن �سوء‬ ‫توزيع ال�ث�روة‪ ،‬قالت اك�سفام يف م�ؤمتر داف��و���س الأخ�ير‬ ‫�أن ‪ %1‬من �أثرياء العامل ميلكون ن�صف ثروة العامل‪ ،‬هذا‬ ‫اخل�ل��ل يف ت��وزي��ع ال�ث�روة ه��و ال��ذي دف��ع ح��رك��ات �شبابية‬ ‫تقتحم ال�سيتي الحتاللها يف لندن وتقتحم وول �سرتيت‬ ‫يف وا�شنطن‪ ،‬ه ��ؤالء جميعاً رف�ع��وا �شعار الدميقراطية‬ ‫االجتماعية‪ ،‬هذا التجاوز بني ثراء م�سرف لأقلية وفقر‬ ‫مدقع لأغلبية وباء �سائد يف بلداننا‪ ،‬وال ميكن معه حتقيق‬ ‫ال�سالم االجتماعي‪ .‬اقت�صاد ال�سوق احل��ر ه��و الأن�سب‬ ‫لال�ستثمار والإن�ت��اج‪ ،‬ولكن ينبغي �أن يكون للر�أ�سمالية‬ ‫وجه �إن�ساين واجتماعي‪ ‬ينقذها من جتاور اال�ستهالكية‬ ‫املرتفة للقلة واحلرمان املذل للكرثة‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بالعالقة بني البلدان الفقرية والغنية‬ ‫ف�إن التجارب احلديثة قدمت �أمثا ًال جيدة‪ :‬بعد احلرب‬ ‫الأطل�سية الثانية �أنقذت �أمريكا �أوربا الغربية اقت�صادياً‬ ‫عن طريق م�شروع مار�شال حتى نه�ضت‪ ،‬وتعاملت �أملانيا‬ ‫ال�غ��رب�ي��ة ال�غ�ن�ي��ة م��ع �أمل��ان �ي��ا ال���ش��رق�ي��ة ال�ف�ق�يرة ب�صورة‬


‫�أنه�ضتها تنموياً‪ ،‬وكذلك فعل االحت��اد الأورب��ي بجنوب‬ ‫و�شرق �أوربا‪.‬‬ ‫�إن دولة الرعاية االجتماعية داخل البلدان‪ ،‬والنجدة‬ ‫التنموية فيما بينها ه��ي الو�سائل الأف���ض��ل يف النظام‬ ‫اجلديد املن�شود‪.‬‬ ‫ال �ع��ام��ل اخل��ام ����س‪ :‬ي�ن�ب�غ��ي ال�ع�م��ل ع�ل��ى �إ� �س �ك��ات كل‬ ‫النريان امل�شتعلة يف البلدان العربية واملقاطعات اخلليجية‬ ‫يف ظرف عام‪ ،‬ف�إنها بطبيعة الظروف املتحكمة فيها لن‬ ‫حتقق ن�صراً نهائياً لأحد �أطرافها بل تعمق التوتر‪ ،‬وت�ضر‬ ‫الأط ��راف امل�شرتكة فيها‪� .‬إن وج��ود �إمكانية ت��داخ�لات‬ ‫�إقليمية ودول�ي��ة عرب احل��دود القطرية جتعل االقتتال‬ ‫غري قابل للح�سم الع�سكري بل قابل ال�ستمرار بال نهاية‬ ‫و�أكرثها‪ ‬ي�ستمد دعماً من التباين ال�سني وال�شيعي‪.‬‬ ‫‪ ‬النزاع ال�سني ال�شيعي يتطلب معاجلة �إ�سرتاتيجية ملا‬ ‫يحتوي من طاقة تدمريية هائلة‪.‬‬ ‫االخ�ت�لاف ب�ين الب�شر �سنة اجتماعية‪ .‬االختالفات‬ ‫املذهبية بني املذاهب الثمانية املعتمدة لدى �أهل ال�سنة‬ ‫واملذاهب ال�شيعية معلومة‪� .‬سمى الإمام �أحمد بن حنبل‬ ‫ه��ذه اخل�لاف��ات املذهبية �سعة للم�سلمني‪ ،‬ولكن هنالك‬ ‫اخ�ت�لاف��ان هما م�صدر ال�ت��وت��ر احل ��اد‪ :‬الأول‪ :‬اختالف‬ ‫حول �أح��داث التاريخ‪ ،‬وهي �أح��داث تتعلق ب�أمة خلت وال‬ ‫�سبيل حل�سمها بالإقناع وال بالقوة‪ .‬وال�ث��اين‪ :‬اختالف‬ ‫حول والية الأمر‪ ..‬هذان‪ ‬اخلالفان ال �سبيل حل�سمهما‪،‬‬ ‫واحلكمة تتطلب �إرجاء �أمرهما كما قال تعالى‪�} :‬إِ َلى هَّ ِ‬ ‫الل‬ ‫َم ْرجِ ُع ُك ْم َج ِمي ًعا َف ُي َن ِّب ُئكُم بمِ َ ا ُكن ُت ْم ِفي ِه َتخْ َت ِلفُونَ{ ‪.‬‬ ‫ولكن عملياً ال�ظ��روف املختلف عليها ح��ول اخلالفة‬ ‫والإم��ام��ة اختفت‪ ،‬ف��أه��ل ال�سنة ل��ن يتفقوا على خالفة‬ ‫واحدة جتمع بينهم‪ ،‬والإمام ال�شيعي �سوف يظل غائباً‪.‬‬ ‫وعملياً ف ��إن ال�شعوب الإ�سالمية تتطلع لنظم حكم‬ ‫جديدة تقوم على امل�شاركة‪ ،‬وامل�ساءلة‪ ،‬وال�شفافية‪ ،‬و�سيادة‬ ‫حكم القانون‪ ،‬نظم تطبق على دول وطنية‪.‬‬ ‫نعم ل�شرعية الدولة الوطنية‪ ،‬ونعم لنظام حكم يقوم‬ ‫على امل�شاركة وامل�ساءلة وال�شفافية و�سيادة حكم القانون‪.‬‬ ‫وب��دل خالفة واح��دة مل ت�شهدها الأم��ة �إال يف ‪ %10‬من‬ ‫تاريخها‪ ،‬ميكن يف الإط��ار العربي ويف الإط��ار الإ�سالمي‬

‫اجلامع �أن تقوم بني الدول الوطنية عالقات على �أ�سا�س‬ ‫التعاهد‪ .‬لكن جت��اوز ال�شرخ ال�سني ال�شيعي ال��ذي نكب‬ ‫الأمة منذ الفتنة الكربى يتطلب االلتزام باملبادئ ال�ستة‬ ‫الآتية‪:‬‬ ‫االع �ت�راف امل�ت�ب��ادل �أن �ن��ا �أه ��ل قبلة واح� ��دة‪ ،‬وعقيدة‬ ‫واح��دة؛ تقوم على التوحيد‪ ،‬والنبوة‪ ،‬ومكارم الأخ�لاق‪،‬‬ ‫وامل �ع ��اد‪ ،‬والأرك� � ��ان اخل�م���س��ة‪ ،‬وم ��ا ع ��دا ذل ��ك اخ�ت�لاف��ات‬ ‫مذهبية ندركها وال نرتب عليها خ�صومة �أو تكفري‪.‬‬ ‫�أهل ال�سنة يلتزمون مبكانة �آل النبي حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم كما هو د�أبهم يف حتيات ال�صالة وميحون �آثار‬ ‫لغة الرواف�ض‪.‬‬ ‫ال�شيعة يلتزمون مبكانة �صحابة النبي حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم �أبوبكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وال�سيدة عائ�شة‬ ‫ر�ضى اهلل عنهم وميحون لغة النوا�صب‪.‬‬ ‫يحرتم ال�شيعة املجموعات ال�سنية يف �أو�ساط �أغلبيتهم‬ ‫بكامل حقوقهم الإميانية والإن�سانية واملواطنة‪.‬‬ ‫‪ ‬يحرتم �أه��ل ال�سنة املجموعات ال�شيعية يف �أو��س��اط‬ ‫�أغلبيتهم بكامل حقوقهم الإميانية والإن�سانية واملواطنة‪.‬‬ ‫االع�ت��راف امل �ت �ب��ادل مب��ذاه��ب �أه ��ل ال���س�ن��ة وم��ذه�ب��ي‬ ‫ال�شيعة باعتبارها اج�ت�ه��ادات ب�شرية‪ ،‬ب�لا تع�صب وبال‬ ‫تكفري‪ ،‬وبال قفل لباب االجتهاد‪ ،‬فال قد�سية �إال للقطعيات‬ ‫وروداً وداللة‪.‬‬ ‫العامل ال�ساد�س‪ :‬العالقة بالآخر‪ :‬املدخل ال�صحيح‬ ‫للعالقة ب��الآخ��ر الديني‪ ،‬وال�ث�ق��ايف‪ ،‬وال�ق��وم��ي‪ ،‬وال��دويل‬ ‫هو ت�أ�صيل عقيدة اجلهاد‪ .‬اجلهاد مبد�أ عظيم‪ ،‬وهو بذل‬ ‫اجلهد العالء كلمة اهلل‪ ،‬ويبد�أ بجهاد النف�س‪ ،‬وي�شمل كل‬ ‫الو�سائل املدنية �أو ما ي�سمى القوى الناعمة‪ ،‬وال ي�صري‬ ‫قتا ًال �إال يف حالتي الدفاع عن النف�س وعن حرية العقيدة‪،‬‬ ‫كما قال تعالى‪�} :‬أُ ِذ َن ِل َّل ِذينَ ُيقَا َت ُلو َن ِب�أَ َّن ُه ْم ُظ ِل ُموا َو�إِ َّن‬ ‫هَّ َ‬ ‫الل َعلَى ن َْ�صر ِ​ِه ْم َلق َِدي ٌر{ وقوله‪�} :‬أَلاَ ُتقَا ِت ُلو َن َق ْو ًما‬ ‫َّن َك ُثوا �أَيمْ َ ا َن ُه ْم َو َه ُّموا ِب�إِخْ َرا ِج ال َّر ُ�س ِ‬ ‫ول َو ُهم َب َد ُءو ُك ْم �أَ َّو َل‬ ‫َم � َّر ٍة{‪ .‬وحتى يف ظ��روف القتال الدفاعي امل�شروع ف�إنه‬ ‫يلتزم ب�ضوابط حمددة ت�ستثنى املدنيني‪ ،‬وتكفل حقوقاً‬ ‫للأ�سرى واجلرحى‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫علة القتال يف الإ�سالم لي�ست اختالف امللة وال املذهب بل العدوان‪.‬‬ ‫العالقة ب��الآخ��ر امللي‪ :‬الإ��س�لام �أك�ثر امللل ا�ستعداداً‬ ‫للتعاي�ش مع التعدد الديني من ب��اب } َل� ُك� ْم ِدي ُن ُك ْم وَليِ َ‬ ‫ِدي ��نِ {‪ .‬والأك�ث�ر ا�ستعداداً للت�آخي م��ع �أه��ل الكتاب قال‬ ‫اهلل تعالى‪ُ } :‬ق ْل �آ َمنَّا ب هَّ ِ‬ ‫ِالل َو َما �أُن ِز َل َعلَ ْينَا َو َما �أُن ِز َل َعلَى‬ ‫الَ ْ�س َب ِ‬ ‫اط َو َما �أُو ِت َي‬ ‫ُوب َو ْ أ‬ ‫�إِ ْب َر ِاهي َم َو�إ ِْ�س َم ِاعي َل َو�إ ِْ�س َحا َق َو َي ْعق َ‬ ‫ي�سى َوال َّن ِب ُّيو َن ِمن َّر ِّب ِه ْم لاَ ُن َف ِّرقُ َبينْ َ �أَ َح ٍد ِّم ْن ُه ْم‬ ‫و�سى َو ِع َ‬ ‫ُم َ‬ ‫َون َْحنُ َل ُه ُم ْ�س ِل ُمونَ{‪ .‬والإ�سالم يلزم‪ ‬امل�سلمني مببد�أ }لاَ‬ ‫�إِ ْك� َرا َه فيِ ال ِّدينِ {‪ .‬والتعامل على �أ�سا�س‪}:‬ا ْد ُع ِ�إ َلى َ�سب ِ‬ ‫ِيل‬ ‫َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة{‪.‬‬ ‫ال�ع�لاق��ة ب��الآخ��ر ال�ث�ق��ايف وال�ق��وم��ي‪ :‬ال�ت�ن��وع الثقايف‬ ‫واالثني وبالتايل القومي من �سنن‪ ‬احلياة‪ .‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ال ْر ِ�ض َواخْ ِتلاَ ُف �أَ ْل ِ�س َن ِت ُك ْم‬ ‫} َو ِمنْ �آ َيا ِت ِه خَ لْقُ ال�سَّ َما َو ِات َو َْ أ‬ ‫َو�أَ ْل َوا ِن ُك ْم �إِ َّن فيِ َذ ِل َك َ آل َي ٍات ِّل ْل َعالمِ ِنيَ{‪.‬‬ ‫العالقة باالخر ال��دويل‪ :‬تاريخياً قامت على �أ�سا�س‬ ‫دار ��س�لام ودار ح��رب‪ ،‬ول�ك��ن �أ��س��ا���س ال�ع�لاق��ات الدولية‬ ‫احلديث هو التعاهد على ال�سالم والتعاون الدويل‪ ،‬وهذا‬ ‫ينطلق من م�شروعية �إ�سالمية‪ .‬قال تعالى‪} :‬لاَّ َي ْن َها ُك ُم‬ ‫هَّ ُ‬ ‫الل َعنِ ا َّل ِذينَ لمَ ْ ُيقَا ِت ُلو ُك ْم فيِ ال ِّدينِ َولمَ ْ ُيخْ ر ُِجو ُكم ِّمن‬ ‫وه ْم َو ُتق ِْ�س ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم{‪ .7‬ولكن ما ال يجوز‬ ‫ِد َيا ِر ُك ْم �أَن َتبرَ ُّ ُ‬ ‫�أبداً �إقامة العالقة مع الآخر الدويل على �أ�سا�س التبعية‪.‬‬ ‫ينبغي �أن تراجع العالقات مع الآخر الدويل مبا يحقق‬ ‫�أق�صى درجات التعاون يف جمال التنمية‪ ،‬وب�سط العدل‪،‬‬ ‫ودع��م حقوق االن�سان‪ ،‬وف�ض النزاعات �سلمياً‪ ،‬وت�سكني‬ ‫التكنولوجيا احلديثة يف بلداننا‪.‬‬ ‫يكون التعامل مع العامل متعدد القطبية على �أ�سا�س‬ ‫خدمة تلك الأجندة‪.‬‬ ‫لقد �صار للم�سلمني وجود كبري يف كثري من البلدان‬ ‫كمجموعات تعي�ش م��ع �أغ�ل�ب�ي��ات �أخ� ��رى‪ .‬ينبغي �إب ��رام‬ ‫م�ع��اه��دات معها على �أ��س��ا���س االح�ت�رام ال�ث�ق��ايف املتبادل‬ ‫وحرية العقيدة وكفالة احلقوق املدنية للكافة‪.‬‬ ‫الدولة الوطنية هي وحدة العالقات الدولية‪� ،‬إنها تنظيم‬ ‫�صالح ل�ل��إدارة والتنمية وت�ق��دمي اخل��دم��ات االجتماعية‬ ‫وحفظ الأمن‪ .‬وجدير بنا اعتماد الوطنية �أ�سا�ساً لتحقيق‬

‫ذلك مع جتنب الع�صبية ف�إن احلنني للوطن واحلر�ص على‬ ‫عدم الطرد منه من وجوه الوالء احلميدة‪.‬‬ ‫�إن ل�ل�ان �ت �م��اء ال �ق��وم��ي ك ��ذل ��ك دواف � �ع ��ه ال�ث�ق��اف�ي��ة‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية ما يوجب يف �إط��ار منطقتنا‬ ‫االع�تراف باالنتماء القومي العربي‪ ،‬على �أال يكون على‬ ‫ح�ساب قوميات �أخرى ذات انتماءات قومية‪.‬‬ ‫ال��واق��ع املعا�صر ي��وج��ب وج��ود �أرب ��ع حلقات انتماء‪:‬‬ ‫الوطنية‪ ،‬وال�ق��وم�ي��ة‪ ،‬والإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬وال��دول�ي��ة‪ .‬ه��ذا مع‬ ‫جتنب الع�صبيات يف كل حلقة‪ ،‬ما ي�سمح بحلقة عربية‬ ‫تتجاوز اجلامعة العربية التي �أثبتت التجربة ف�شلها‪،‬‬ ‫وحلقة �إ�سالمية تتجاوز ال�صيغة احلالية ل�ضعفها لإقامة‬ ‫تعاهد دول �إ�سالمية‪.‬‬ ‫ال تناق�ض ب�ين ال��وط�ن�ي��ة‪ ،‬وال�ق��وم�ي��ة‪ ،‬والإ��س�لام�ي��ة‪،‬‬ ‫والدولية بل تكامل توجبه هند�سة التعامل يف الع�صر‬ ‫احلديث‪ ،‬وتتوافر فيه فر�ص التوافق بني الواجب الذي‬ ‫تقت�ضيه مبادئ الإ�سالم والواقع املعا�صر‪.‬‬ ‫ال �ع��ام��ل ال �� �س��اب��ع‪ :‬ف�ل���س�ط�ين‪ :‬خ �ط��ة ال��دول �ت�ي�ن قد‬ ‫جتاوزها الزمن‪، ،‬لذلك علينا دعم الوجود الفل�سطيني يف‬ ‫�أر�ض فل�سطني التاريخية من النهر �إلى البحر‪ ،‬والعمل‬ ‫على عودة الالجئني لديارهم‪ ،‬على �أن تكون دولة واحدة‬ ‫تتوافر فيها حقوق املواطنة الكاملة‪ ،‬دول��ة ذات قومية‬ ‫مركبة وحقوق مواطنة‪ ‬مت�ساوية حتكم دميقراطياً‪.‬‬ ‫هذا النهج هو الثورة الناعمة البديلة للقفز الثوري‬ ‫نحو امل�ستقبل‪� ،‬أو القفز ال�ث��وري نحو املا�ضي؛ �إن��ه خَ �ْي رْ ُ‬ ‫الأ ُمو ِر �أ َو ِا�س ُط َها‪ ،‬ولكن لنجاحه يتطلب ثالثة �أمور هي‪:‬‬ ‫�إرادة ق��وي��ة لتحقيقه‪ ،‬جت��اوب والة الأم ��ر‪ ،‬وم�ن��اخ دويل‬ ‫�صحي‪.‬‬ ‫وحتى �إذا مل تتوافر ه��ذه الأم��ور الثالثة الآن ف�إننا‬ ‫ن�ستطيع بلورة �صحيفة جناة الأمة‪ ،‬ومببادرة من منتدى‬ ‫الو�سطية ت�ك��وي��ن هيئة ح�ك�م��اء تبا�شر ال��دع��وة للفجر‬ ‫اجلديد‪ ،‬وت�سعى جلعل حالة االحت�ضار الذي تعاين منه‬ ‫الأمة حالة خما�ض لفجر جديد‪} .‬ال ُي َغيرِّ ُ َما ِب َق ْو ٍم َحتَّى‬ ‫ُي َغيرِّ ُ وا َما ِب�أَ ْنف ُِ�س ِه ْم{‪.‬‬


‫دراسات‬

‫الوسطية‬ ‫وحرية‬ ‫أ‪ .‬د‪.‬محمد حبش‬ ‫االجتهاد بذل اجلهد يف �سبيل الو�صول �إلى احلقيقة‪،‬‬ ‫وم��ا ن�ق���ص��ده ه�ن��ا ه��و ذل��ك امل�ن�ه��ج ال��و��س�ط��ي يف الفقه‬ ‫الإ�سالمي الذي وفر جلمهور العلماء فر�صة االجتهاد‬ ‫و�إب� ��داء ال ��ر�أي واالخ �ت�لاف امل�ح�م��ود حتى وج��د النا�س‬ ‫بالفعل قدراً وافياً من احلرية الفكرية الواعية‪.‬‬ ‫وح�ي�ن ن�ت�ح��دث ع��ن ال��و��س�ط�ي��ة فنحن نق�صد ذل��ك‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي الأ�صيل ال��ذي ع��زز ثقافة الوحدة‬ ‫الإ� �س�لام �ي��ة واالع� �ت ��دال وال �ت��و� �س��ط‪ ،‬و�إع � ��ذار امل�خ��ال��ف‬ ‫والقبول بالر�أي وال��ر�أي الآخر واجتناب املواقف احلادة‬ ‫ال�غ��ا��ض�ب��ة ال �ت��ي مت ��زق وح ��دة الأم � ��ة‪ ،‬ول���س��ت راغ �ب �اً يف‬ ‫ا�ستغراق البحث يف �شرح امل�صطلح وحت��دي��ده كما �أنني‬ ‫معني �أن تبقى الو�سطية ب�ستاناً مفتوحاً لكل �أب�ن��اء ال‬ ‫�إله �إال اهلل‪ ،‬ول�ست من �أن�صار �إلقاء القيود واحلدود على‬ ‫الو�سطية �إذن لفقدت معناها مظلة جامعة للأمة تتبنى‬ ‫خطاب اهلل عز وجل‪ :‬وال تقولوا ملن �ألقى عليكم ال�سالم‬ ‫ل�ست م�ؤمناً‪.‬‬ ‫لقد تركنا النبي �صلى اهلل عليه و�سلم على املحجة‬ ‫البي�ضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها �إال هالك‪ ،‬وب�إمكاننا‬ ‫�أن نالحظ �أن الأمة انطلقت كذلك حتت راية الرا�شدين‬ ‫على الرغم من وجود االختالف بني ال�صحابة ولكن ذلك‬ ‫االختالف مل يكن لي�صرف الأمة عن وحدتها وجماعتها‪،‬‬ ‫وظهر ال��ر�أي وال��ر�أي الآخ��ر‪ ،‬وانت�صر كل �أ�صحاب ر�أي‬ ‫لر�أيهم مبختلف الو�سائل ولكن ظل املختلفون ي�ستظلون‬ ‫بروح الإ�سالم اجلامعة‪ ،‬ويف موقف ذي داللة قال بع�ض‬ ‫�أ�صحاب علي خالل حرب اجلمل �أال تدعو عليهم فقال‪:‬‬ ‫ال‪� ..‬إن الذي بيننا مل يبلغ ديننا‪.‬‬

‫االجتهاد‬ ‫في اإلسالم‬ ‫ل�ق��د ك��ان��ت الأم� ��ة الإٍ� �س�لام �ي��ة �أم ��ة م��وح��دة وح�ين‬ ‫ظهر �أهل الأه��واء و�أعلنوا عن م�شاريعهم يف االنف�صال‬ ‫من الأم��ة وت�شكيل كياناتهم اخلا�صة‪ ،‬وظهرت الفرق‬ ‫املختلفة من خ��وارج وجربية وقدرية وراف�ضة ونا�صبة‬ ‫ظل امل�سلمون �ضمن دائرة الوحدة واجلماعة‪ ،‬وه�ؤالء هم‬ ‫من ن�سميهم ال�سواد الأعظم للأمة‪ ،‬الذين ال يريدون‬ ‫ا�سماً �آخ��ر �إال الإ��س�لام وه��م يف ال��واق��ع التيار الو�سطي‬ ‫الذي نتحدث عنه‪.‬‬ ‫وباخت�صار فالو�سطية هي االعتدال‪ ،‬والو�سطيون هم‬ ‫�سواد الأمة الأعظم‪.‬‬ ‫ان�سحاب الفرق املبتدعة من ب�ستان اجلماعة خالل التاريخ‬ ‫وعند انف�صال ه��ذه الفرق بقي ال�سواد الأعظم من‬ ‫الأمة ال يبتغي �إال ا�سماً واح��داً �سماه به القر�آن الكرمي‬ ‫ه��و �سماكم امل�سلمني م��ن قبل ويف ه��ذا ليكون الر�سول‬ ‫عليكم �شهيداً وتكونوا �شهداء على النا�س‪ ،‬وكانت الأمة‬ ‫ت�ستكمل وحدتها وجماعتها‪ ،‬وتظل �سائر �أبنائها بروح‬ ‫اجلماعة حتت عنوان ال�سواد الأعظم‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫وت�سمية �أهل اجلماعة با�سم ال�سواد الأعظم هو خيار‬ ‫نبوي حكيم �أعلنه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم كما يف‬ ‫حديث حذيفة بن اليمان ال�شهري‪:‬‬ ‫ع��ن �أب ��ي �إدري ����س اخل��والن��ى ق��ال �سمعت ح��ذي�ف��ة بن‬ ‫اليمان يقول ‪ :‬كان النا�س ي�س�ألون ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ -‬عن اخلري وكنت �أ�س�أله عن ال�شر خمافة �أن‬ ‫يدركنى فقلت ‪ :‬ي��ا ر��س��ول اهلل �إن��ا كنا ف��ى جاهلية و�شر‬ ‫فجاءنا اهلل بهذا اخلري فهل بعد هذا اخلري �شر؟ قال ‪«:‬‬ ‫نعم »‪ .‬فقلت ‪ :‬هل بعد ذلك ال�شر من خري ؟ قال ‪ «:‬نعم‬ ‫وفيه دخن »‪ .‬قلت ‪ :‬وما دخنه؟ قال ‪ «:‬قوم ي�ستنون بغري‬ ‫�سنتى ويهدون بغري هديى تعرف منهم وتنكر »‪ .‬فقلت ‪:‬‬ ‫هل بعد ذلك اخلري من �شر؟ قال ‪ «:‬نعم دعاة على �أبواب‬ ‫جهنم من �أجابهم �إليها قذفوه فيها »‪ .‬فقلت ‪ :‬يا ر�سول‬ ‫اهلل �صفهم ل�ن��ا‪ .‬ق��ال ‪ «:‬نعم ه��م م��ن جلدتنا يتكلمون‬ ‫ب�أل�سنتنا »‪ .‬قلت ‪ :‬يا ر�سول اهلل فما ت�أمرنى �إن �أدركنى‬ ‫ذلك؟ قال ‪ «:‬تلزم جماعة امل�سلمني و�إمامهم »‪ .‬قلت ‪ :‬ف�إن‬ ‫مل يكن لهم جماعة وال �إمام؟ قال ‪ «:‬فاعتزل تلك الفرق‬ ‫كلها ول��و �أن تع�ض على �أ�صل �شجرة حتى يدركك املوت‬

‫و�أنت على ذلك »(((‪.‬‬ ‫وع��ن �أن����س ب��ن م��ال��ك ق��ال ق��ال ر��س��ول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم �إن �أمتي لن جتتمع على �ضاللة ف��إذا ر�أيتم‬ ‫االختالف فعليكم بال�سواد الأعظم(((‬ ‫وه��ذه ال ��روح اجلماعية ال�ت��ي تتعزز يف الإ� �س�لام هي‬ ‫يف ال��واق��ع التي طبعت ت��اري��خ الأم��ة الإ�سالمية ووف��رت‬ ‫ل�ل�ن��ا���س ف��ر� �ص��ة االخ� �ت�ل�اف يف ال � ��ر�أي ��ض�م��ن اجل�م��اع��ة‬ ‫الواحدة‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت اكت�شف امل�سلمون يف وعيهم‬ ‫احل�ضاري تلك ال�شعارات الدميقراطية احل�ضارية التي‬ ‫ترفعها النخب املثقفة يف الع�صر احل��دي��ث ع��ن ال��ر�أي‬ ‫وال��ر�أي الآخ��ر و�أك�ثر من ر�أي واختالف ال��ر�أي ال يف�سد‬ ‫للود ق�ضية وب��وارق احلقائق ت�أتي من م�صادمة الأفكار‪،‬‬ ‫وروينا عن ال�سلف ال�صالح عبارات من ذهب كانت تعك�س‬ ‫‪ ) 1‬رواه البخاري يف ال�صحيح ج ‪�3‬ص ‪ 1319‬كما رواه م�سلم عن‬ ‫حممد بن املثنى ج ‪� 6‬ص‪20‬‬ ‫‪ ) 2‬رواه ابن ماجه عن �أن�س ج ‪� 4‬ص ‪83‬‬


‫موقفهم احل�ضاري يف فهم طبيعة االختالف ومتى يكون‬ ‫االختالف رحمة ومتى يكون نقمة وب�لاء‪ ،‬و�أعلن النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم القاعدة الذهبية يف �أدب االختالف‬ ‫للمجتهد �إن �أ�صاب �أجران اثنان و�إن �أخط�أ فله �أجر واحد‪،‬‬ ‫واع�ت��اد ال�سلف �أن يقولوا‪ :‬ر�أي��ي ��ص��واب يحتمل اخلط�أ‬ ‫ور�أي غريي خط�أ يحتمل ال�صواب‪ ،‬و�إن �أقول �إال اجتهادي‬ ‫ور�أي��ي ف ��إن يكن �صوابا فمن اهلل و�إن يكن خط�أ فمني‪،‬‬ ‫وحني كان ي�س�أل �أحدهم عن موقفه يف امل�سالة �أهو احلق‬ ‫الذي ال ريب فيه؟ كان يقول وما يدريك!! لعله الباطل‬ ‫ال��ذي ال حق فيه‪ ،‬و�إمن��ا نحن جمتهدون ولكل ق��وم جد‬ ‫وعلى اهلل ق�صد ال�سبيل‪.‬‬ ‫وحني ظهرت املذاهب الفقهية بادر �أ�صحاب االجتاه‬ ‫ال�ظ��اه��ري املت�شدد �إل��ى �إن �ك��ار ه��ذه ال�ظ��اه��رة باعتبارها‬ ‫ت�شظياً للإ�سالم‪ ،‬ورفعوا يف وجه الفقه الإ�سالمي عبارات‬ ‫حادة مثل قولهم‪ :‬احلق ال يتعدد‪ ،‬وال حكم �إال هلل‪ ،‬ومن‬ ‫�أح�سن من اهلل حكماً لقوم ي�ؤمنون‪ ،‬وال تكونوا كالذين‬ ‫تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات‪� ،‬إلى غري‬ ‫ذل��ك م��ن ن�صو�ص يف ال�ك�ت��اب ال�ع��زي��ز وال���س�ن��ة امل�شرفة‬ ‫التي وردت يف اخل�لاف امل��ذم��وم ال��ذي ي�ضيق فيه �صدر‬ ‫املتخالفني ويتبادلون االتهام بالتكفري والزندقة ومن ثم‬ ‫ال�شقاق والكراهية واحل��روب وهو بكل ت�أكيد �أمر منبوذ‬ ‫مرفو�ض ال ي�شبه يف �شيء ما ق�صده الفقهاء الكرام من‬ ‫�إعمال الر�أي والعقل يف ا�ستنباط احلكم ال�شرعي للم�سائل‬ ‫امل�ستجده وما يفر�ضه تغري الأزمان من تغري الأحكام‪.‬‬ ‫وبعد �صدام �ضار بني االجتاه الظاهري وبني الفقهاء‬ ‫بدا �أن الأمر ح�سم ل�صالح الفقه الإ�سالمي و�أدرك العقالء‬ ‫�أن اختالف النا�س يف الت�أويل والتف�سري �أمر عادي وكتب‬ ‫�سائر علماء �أ� �ص��ول الفقه يف كتبهم �أب��واب �اً خا�صة عن‬ ‫�أ�سباب اختالف الفقهاء وع��ن حكمة اختالف الفقهاء‪،‬‬ ‫وا�سمحوا يل هنا �أن �أروي لكم طرفاً من منظومة املعتمد‬ ‫يف �أ�صول الفقه التي وفقني اهلل تعالى لنظمها يف �ألف‬ ‫بيت من ال�شعر ل�شرح �أ�صول الفقه الإ�سالمي‪.‬‬ ‫�أ�سباب اختالف الفقهاء‬ ‫ِح ْد عنْ كال ِم ٍ‬ ‫حاقد مغرورِ‪ ‬واف َه ْم من اختال ِف ِه ْم حتريري‬ ‫َ‬ ‫ف��اخل �ل� ُ�ف يف ال� َّت���ش��ري� ِع �أ ْم� � � ٌر ع ��ادي ‪ ‬كالنقــــــ ِد والقانـــــــــونِ‬ ‫والأع � ��دا ِد واخل �ل� ُ�ف بي َنهم ع�ل��ى ال �ف��رو ِع م��ع ال��وف��اق يف �سوى‬ ‫ال�ف��روع وخلفهم منحنا املرونـــــــة ومدنـــــــــا ب�ثروة ثمينــــــــــة‬ ‫وخ�ل� ُف�ه��م ع�ل��ى ال �ف��رو ِع ت��و��ِ�س� َع� ْة َل � ْو �أَ َّن �ه��م م��ا اخ�ت�ل�ف��وا المتنعا‬ ‫ع�صبــــــــــاً �أو لل َهوى �أو ي�شتهو َن ال ُّر َت َبـــــــا‬ ‫ومل يكن خال ُفهم َت ُّ‬ ‫وانح�صر اخل�لاف يف املظنونِ كخبـــــــــ ِر الآحـــــــاد ال اليقيني‬ ‫فالوحي واحل��دي� ُ�ث فيه ُم َق ْد‬ ‫ومطلقاً مل يج ِر عه َد امل�صطفى‬ ‫ُ‬ ‫كفى و ُربمَّ ا حك َم يف ر�أ َي ْيــــــــــــنِ خمتلفنيِ‪ ...‬ج َّو َز ال َو ْجهيــــــــــــنِ (((‬ ‫‪ ) 1‬نظم املعتمد يف �أ�صول الفقه‪ ،‬نظم حممد حب�ش ط دار �أفنان – دم�شق ‪2002‬‬

‫وق��د ج��رى ه��ذا الأم��ر من الت�سامح و�إع��ذار املخالف‬ ‫يف تاريخ املعرفة يف الإ�سالم‪ ،‬وال حتتاج لأدنى تردد حني‬ ‫تطالع ما كتبه �أئمة التف�سري واحل��دي��ث والفقه خالل‬ ‫ال�ت��اري��خ الإ��س�لام��ي لتجد �أن م��ا كتبوه ك��ان دوم �اً ي�ؤكد‬ ‫احلقيقة �إي��اه��ا وه��ي حق الأم��ة يف االخ�ت�لاف وال��ر�أي يف‬ ‫دائ��رة من االحت��رام واملحبة‪ ،‬واع�ت��اد الفقه ال�شافعي �أن‬ ‫يقول ال��ر�أي عندنا ك��ذا وعند ال�سادة احلنفية بخالفه‪،‬‬ ‫واعتاد الفقيه املالكي ان يقول ال��ر�أي عندنا ك��ذا وعند‬ ‫ال �� �س��ادة احل�ن��اب�ل��ة ب �خ�لاف��ه((( يف ��س�ي��اق م��ن االح�ت�رام‬ ‫والتقدير‪ ،‬وكان باحلري �أن تكون هذه هي لغة اخلالف‬ ‫اليوم بحيث يقول الفقيه ال�سلفي الر�أي عندنا كذا وعند‬ ‫ال�سادة ال�صوفية بخالفه‪ ،‬و�أن يقول ال�صويف الر�أي عندنا‬ ‫كذا وعند ال�سادة ال�سلفية بخالفه و�أن يقول الفقيه ال�سني‬ ‫ال��ر�أي عندنا وعند ال�سادة اجلعفرية بخالفه و�أن يقول‬ ‫اجلعفرية الر�أي عندنا كذا وعند ال�سادة ال�سنة بخالفه‪،‬‬ ‫ولعلكم تدركون معي �أن �صورة اخلطاب ال�سائدة اليوم‬ ‫هي �أبعد ما تكون عن هذا الواقع‪ ،‬و�إن متابعة يوم واحد‬ ‫للف�ضائيات املتخ�ص�صة بالفتنة و�شق الوحدة الإ�سالمية‬ ‫تكفي الكت�شاف الواقع املخجل الذي انتهت �إليه الأمة من‬ ‫ال�شقاق والأحقاد‪ ،‬ب�أ�سهم بينهم �شديد حت�سبهم جميعاً‬ ‫وقلوبهم �شتى‪.‬‬ ‫لقد �أجريت عدداً من الإح�صائيات مب�ساعدة الكمبيوتر‬ ‫للوقوف على حجم احلرية الفكرية و�إعذار املخالف التي‬ ‫كانت �سائدة يف الع�صر الذهبي للفقه الإ�سالمي يوم كانت‬ ‫الأمة تدرك �أن اهلل هو من �شاء �أن يكون يف م�سائل الفقه‬ ‫واالع�ت�ق��اد ه��ذه ال�سعة م��ن االخ�ت�لاف وال ��ر�أي املحمود‪،‬‬ ‫و�س�أبداً هنا من علم ال�ق��راءات القر�آنية التي هي حمل‬ ‫اتفاق بني �أبناء الأمة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫من املعروف �أن اهلل �أن��زل ال�ق��ر�آن الكرمي على �سبعة‬ ‫�أحرف وقد جرت العادة �أن نتلقى علوم القراءات القر�آنية‬ ‫عن ال�سادة احلفاظ دون �أن نت�أمل يف معنى نزول القر�آن‬ ‫على �سبعة �أحرف‪.‬‬ ‫لقد ك��ان ه��ذا املعنى غائباً ع��ن النا�س حتى �أو�ضحه‬ ‫لهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم و�أخرج البخاري يف‬ ‫ال�صحيح عن ه�شام بن حكيم �أن عمر بن اخلطاب قال‪:‬‬ ‫�سمعت يقر�أ �سورة الفرقان يف حياة ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و �سلم فا�ستمعت لقراءته ف�إذا هو يقر�أ على حروف‬ ‫كثرية مل يقرئنيها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم فكدت‬ ‫�أ�ساوره يف ال�صالة فت�صربت حتى �سلم فلببته بردائه فقلت‬ ‫‪ ) 2‬ينظر على �سبيل املثال ‪ :‬الفتاوى الكربى على مذهب �أبي‬ ‫حنيفة ج ‪� 3‬ص ‪ 419‬وحتفة املحتاج �شرح املنهاج ج ‪� 3‬ص ‪433‬‬ ‫وحوا�شي ال�شرواين ج ‪� 1‬ص ‪ 329‬وحا�شية البجريمي على‬ ‫اخلطيب ج ‪� 6‬ص ‪ 490‬ونهاية الزين ج ‪� 1‬ص ‪298‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪15‬‬


‫‪16‬‬

‫من �أقر�أك هذه ال�سورة التي �سمعتك تقر�أ ؟ قال �أقر�أنيها‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم فقلت كذبت ف�إن ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم قد �أقر�أنيها على غري ما قر�أت‬ ‫فانطلقت به �أقوده �إلى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم‬ ‫فقلت �إين �سمعت هذا يقر�أ ب�سورة الفرقان على حروف مل‬ ‫تقرئنيها فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم ( �أر�سله‬ ‫اقر�أ يا ه�شام) ‪ .‬فقر�أ عليه القراءة التي �سمعته يقر�أ فقال‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم ( كذلك �أنزلت) ‪ .‬ثم قال‬ ‫( اقر�أ يا عمر ) ‪ .‬فقر�أت القراءة التي �أقر�أين فقال ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم ( كذلك �أنزلت �إن هذا القر�آن‬ ‫�أنزل على �سبعة �أحرف فاقر�ؤوا ما تي�سر منه )(((‬ ‫ثم قال لهم كلمة من ذهب‪� :‬إقر�ؤوا القر�آن ما ائتلفت‬ ‫عليه قلوبكم ف�إذا اختلفتم فيه فقوموا!!(((‬ ‫وع��ن �أب��ي جهيم الأن���ص��اري‪� :‬إن رجلني من �أ�صحاب‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم متاريا يف �آية من القر�آن‪,‬‬ ‫كالهما يزعم �أن��ه تلقاها من ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ‪ ,‬وكالهما ذكر لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �آية‬ ‫�سمعها منه فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫�إن هذا القر�آن �أن��زل على �سبعة �أح��رف فال مت��اروا يف‬ ‫القر�آن ف�إن مراء يف القر�آن كفر‪(((.‬‬ ‫وعن �أبي هريرة ‪� ،‬أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال ‪:‬‬ ‫�إن ه��ذا ال�ق��ر�آن �أن��زل على �سبعة �أح��رف ف��اق��ر�ؤوا وال‬ ‫ح��رج ولكن ال تختموا ذك��ر رحمة بعذاب وال ذك��ر عذاب‬ ‫برحمة‬ ‫و َعنْ �أبي بن كعب ‪� ,‬أَ َّن ال َّنب َِّي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ ك��ان َع� ْن��ده �أ��ض��اة بني غفار ف��أت��اه جربيل ‪ ,‬فقال ‪� :‬إن‬‫اهلل ي�أمرك �أن تقر�أ �أمتك القر�آن على حرف ‪َ ,‬قا َل ‪� :‬أ�س�أل‬ ‫اهلل معافاته ومغفرته ‪ ,‬و�إن �أمتي ال تطيق ذلك ثم �أتاه‬ ‫الثانية‪ ,‬فقال ‪� :‬إن اهلل ي�أمرك �أن تقر�أ �أمتك القر�آن على‬ ‫حرفني ‪َ ,‬قا َل‪� :‬أ�س�أل اهلل معافاته ومغفرته‪ ,‬و�إن �أمتي ال‬ ‫تطيق ذلك ثم �أتاه الثالثة‪ ,‬فقال‪� :‬إن اهلل ي�أمرك �أن تقر�أ‬ ‫�أمتك القر�آن على ثالثة �أحرف‪َ ,‬قا َل‪� :‬أ�س�أل اهلل معافاته‬ ‫ومغفرته‪ ,‬ف�إن �أمتي ال تطيق ذلك‪ .‬ثم جاءه الرابعة‪ ,‬فقال‬ ‫�إن اهلل ي�أمرك �أن تقر�أ �أمتك القر�آن على �سبعة �أحرف ‪,‬‬ ‫ف�أميا حرف قر�ؤوا عليه‪ ,‬فقد �أ�صابوا‪.‬‬

‫�إن��ه �إذن �صريح م��ن �صاحب الر�سالة �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم بالقراءة ب�أكرث من وجه و�إعذار املخالف فيما يقر�أ‬ ‫على الرغم من �أنها م�س�ألة يف التنزيل ولي�ست يف الت�أويل!!‬ ‫وحني تطالع كتب ال�ق��راءات القر�آنية ف�إنه يده�شك‬ ‫الت�سامح الكبري بني القراء يف �إع��ذار املخالف يف قراءته‬ ‫وب�إمكانك �أن تطالع معي هذا الإح�صاء الرقمي الدقيق‬ ‫للكلمات التي وردفيها اخلالف يف القر�آن الكرمي‪:‬‬ ‫عدد الكلمات التي اختلف فيها القراء الأئمة يف فر�ش‬ ‫القر�آن الكرمي‪ ،‬علماً �أن العدد الإجمايل لكلمات القر�آن‬ ‫الكرمي يبلغ ‪ 74950‬كلمة‪.‬‬ ‫وه�ك��ذا ف ��إن ع��دد الكلمات ال�ت��ي اختلف فيها ال�ق��راء‬ ‫فر�شاُ يف القر�آن الكرمي هي ‪ 1184‬كلمة من �أ�صل كلمات‬ ‫القر�آن الكرمي البالغ عددها ‪ 74950‬كلمة‪(((.‬‬ ‫ه ��ذا يف �إط� ��ار اخل�ل�اف ال�ف��ر��ش��ي وه ��و ه�ن��ا اخل�ل�اف‬ ‫يف �أ��ص��ل الكلمة يف بنيتها وح��روف�ه��ا ولي�س يف تالوتها‬ ‫واملق�صود بالفر�شيات ه��و اخل�لاف ال��ذي ال يتنزل على‬ ‫مثال وال ت�ضبطه قاعدة ومن الأمثلة على ذلك‪:‬‬ ‫مالك ي��وم ال��دي��ن ق��ر�أه��ا عا�صم والك�سائي (مالك)‬ ‫فيما قر�أها اخلم�سة الباقون (ملك) يوم الدين‬ ‫قر�أ عا�صم وما هو على الغيب (ب�ضنني) وقر�أ الباقون‬ ‫وما هو على الغيب (بظنينن)‬ ‫ق ��ر�أ ع��ا��ص��م وال ت�ق��رب��وه��ن ح�ت��ى (ي� ْ�ط �ه��رن) وق��رئ��ت‬ ‫بالتواتر وال تقربوهن حتى َّ‬ ‫(يطهرن)‬ ‫وق� ��ر�أ ع��ا��ص��م‪ :‬ول �ك��ن ر� �س��ول اهلل (وخ � � َمَ‬ ‫�ات) النبيني‬ ‫وقر�أها الباقون (وخاتمِ ) النبيني‬ ‫وق��ر�أ عا�صم �إن ج��اءك��م فا�سق بنب�أ (فتبينوا) وق��ر�أ‬ ‫الباقون (فتثبتوا)‬ ‫وال �شك �أنه ينبني على ذلك اختالف الأحكام الفقهية‬ ‫النا�شئة م��ن ه��ذه ال �ق��راءات وه��ي كما �أح�صيتها اثنني‬ ‫وت�سعني حكماً �شرعياً ين�ش�أ من اختالف القراء‪.‬‬ ‫لقد وق��ع اخل�لاف يف فر�ش ال�ق��ر�آن الكرمي يف ‪1184‬‬ ‫مو�ضعاً ومل ن�سمع �أن حف�صاً كفر ور�شاً‪� ،‬أو �أن قالون �أفتى‬ ‫بقتال �أب��ي عمرو‪� ،‬أو �أن اب��ن عامر حكم بكفر الك�سائي‪،‬‬ ‫على �أ�سا�س �أن ذلك خالف يف التنزيل والعقيدة ت�ستحل‬ ‫به الدماء‪ ،‬بل ظل القراء يروون هذه القراءات على �أعلى‬ ‫درج من الت�سامح و�إع��ذار املخالف وات�ساع ال�صدر‪ ،‬بل �إن‬ ‫�أئمة القراء ال زالوا يت�صدرون للنا�س يعلمونهم القراءات‬ ‫جميعاً بال نكري من �أحد على �أحد‪.‬‬

‫‪� ) 3‬أخ��رج��ه الإم ��ام �أح�م��د ج ‪��� 4‬ص ‪ 169‬وق��ال الهيثمي رجاله‬ ‫رجال ال�صحيح‪ ،‬كما �أخرجه �أي�ضاً ابن �أبي �شيبة ج‪� 6‬ص‪142‬‬

‫‪ ) 4‬ينظر كتاب ال�شامل يف ال �ق��راءات امل�ت��وات��رة ت�أليف حممد‬ ‫حب�ش �ص ‪29‬‬

‫‪� ) 1‬صحيح البخاري ج‪� 4‬ص ‪ 1909‬باب �أنزل القر�آن على �سبعة‬ ‫�أحرف‪ ،‬واحلديث مروي يف الكتب ال�ستة م�سلم والرتمذي‬ ‫و�أبو داود والن�سائي واملوط�أ‪.‬‬ ‫‪� ) 2‬صحيح ال �ب �خ��اري ج ‪��� 4‬ص ‪ 1929‬واحل��دي��ث رواه م�سلم‬ ‫والن�سائي و�أحمد بن حنبل عن جندب بن جنادة‬


‫وه��ذا ال��ذي �أ��ش��رن��ا �إل�ي��ه ه��و خالفهم يف ال�ف��ر���ش �أم��ا‬ ‫خالفهم يف الأ�صول فهو �أكرب بكثري واملق�صود بالأ�صول‬ ‫عند القراء‪ :‬االختالف يف لهجة القراءة‪ ،‬و�إمنا �سمي ذلك‬ ‫ب��الأ��ص��ول لأن��ه ي�ضبطه �أ��ص��ل واح��د‪ ،‬وه��و اختالفهم يف‬ ‫املد والغنة وحتقيق الهمزات وت�سهيلها وترقيق ال��راءات‬ ‫وتفخيمها وم��د امليمات و�إ�سكانها وغ�ير ذل��ك وهنا ف��إن‬ ‫االختالف يف هذا املعنى يبلغ تقريباً ثلث الكلمات القر�آنية‪،‬‬ ‫وميكنك القول بدون نكري �أن �أكرث من ع�شرين �ألف كلمة‬ ‫يف القر�آن الكرمي تقر�أ لدى القراء ب�أكرث من وجه!‬ ‫خالف القراء الأئمة الكرام يف لهجة القراءة بكلمات‬ ‫القر�آن الكرمي‬ ‫كل ذل��ك يجري خ�لال ال�ق��رون اخلريية الأول��ى وما‬ ‫بعدها ب��دون نكري‪ ،‬وتت�سع �صدور امل�سلمني هنا للقراءة‬ ‫وال�ق��راءة الأخ ��رى‪ ،‬وال��رواي��ة وال��رواي��ة الأخ��رى وال��ر�أي‬ ‫والر�أي الآخر‪ ،‬و�أعلم النا�س �أعلمهم بخالف النا�س‪.‬‬ ‫ومل يقف الأمر عند حد القراءات ال�سبع وهي قراءة‬ ‫نافع امل��دين واب��ن كثري املكي و�أب��ي عمرو الب�صري وابن‬ ‫عامر ال�شامي وعا�صم وحمزة والك�سائي الكوفيني‪ ،‬بل‬ ‫�أ�ضاف ابن اجل��زري ال�ق��راءات الثالث تتمة الع�شر وهي‬ ‫ق ��راءات يعقوب احل�ضرمي و�أب ��ي جعفر امل��دين وخلف‬ ‫ال �ب��زار‪ ،‬ولكل ق��ارئ م��ن ه ��ؤالء الأئ�م��ة راوي ��ان معتربان‬ ‫يختلف كل منهما عن �أخيه يف روايته �أ�صو ًال وفر�شاً ثم‬ ‫تبد�أ الطرق حتى تعد بالع�شرات ولكل طريق خيارات يف‬ ‫الفر�ش والأ�صول تختلف �أو تتفق مع الإم��ام الذي روى‬ ‫عنه كل ق��ارئ‪ ،‬وقد ظل ذلك كله يتلى وي��روى بال �أدنى‬ ‫نكري‪.‬‬ ‫و�أظ� ��ن �أن ك �ث�يراً مم��ن � �ض��اق �أف �ق��ه ف �ج��زم بتحرمي‬ ‫االختالف من الغالة لو اطلع على ذلك ف�إنه �سريف�ض‬ ‫ال �ق��راءات وي��رده��ا على �أ�صحابها حت��ت ع�ن��اوي��ن براقة‬ ‫ت�شبه عنوان ال حكم �إال هلل و�أن احلق ال يتعدد واخلالف‬ ‫يف التنزيل كفر‪ ،‬وغري ذلك ولكنني �أحمد اهلل �أن الأمة‬ ‫متفقة على اح�ت�رام م��ا �أجن ��زه ال �ق��راء ال �ك��رام يف رواي��ة‬ ‫التنزيل العزيز‪.‬‬ ‫وقد تو�سع قوم يف ذلك غاية ال ينبغي �أن نبلغها حتى‬ ‫قال �شيخ املف�سرين من �أهل اللغة الإمام الزخم�شري �إن‬ ‫اختالف القراءات يدور مع اجتهاد الف�صحاء وخيار �أهل‬ ‫اللغة‪ (((،‬وهو ر�أي ال نتفق معه باملطلق ولكنه على كل‬ ‫حال ر�أي واح��د من �أك�بر �أئمة القراءة والتف�سري خالل‬ ‫التاريخ‪.‬‬ ‫فلماذا تعلمنا الت�سامح يف رواي��ة القر�آن الكرمي �إلى‬ ‫هذا احلد الذي ال مزيد عليه ثم عجزنا �أن يعذر بع�ضنا‬ ‫‪ ) 1‬انظر الربهان للزرك�شي ج‪� 1‬ص ‪338‬‬

‫بع�ضاً يف خالف حول م�سائل من الر�أي مل تكن موجودة‬ ‫�أ� ً‬ ‫صال يف زمن التنزيل الأول؟‬ ‫ويف التف�سري فقد تتبعت الأئمة اخلم�سة امل�شهورين‬ ‫م��ن املف�سرين وبحثت ع��ن كلمة (اختلف املف�سرون) �أو‬ ‫اختلفوا فكانت يف كتبهم على ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫• كلمة‪ :‬اختلف املف�سرون �أو اختلفوا‬ ‫• يف تف�سري القرطبي ‪ 363‬مرة‬ ‫• يف تف�سري ابن كثري ‪ 61‬مرة‬ ‫• يف تف�سري الفخر الرازي ‪ 930‬مرة‬ ‫• يف تف�سري روح املعاين ‪ 189‬مرة‬ ‫• يف تف�سري الطربي ‪215‬مرة‬ ‫كلمة اختلف املف�سرون يف كتب التف�سري‬ ‫اخلم�سة الكربى‬ ‫وه��و يعك�س ل��ك ال ��روح املت�ساحمة ال�ت��ي ك��ان يتحلى‬ ‫بها املف�سرون من �إع��ذار املخالف وحكاية ر�أي��ه ومذهبه‬ ‫وال��رد عليه ب��اح�ترام وع�ل��م‪ ،‬ولعلك تتذكر هنا الهجمة‬ ‫ال�ضارية التي تعر�ض لها الإمام الفخر الرازي حني كان‬ ‫ي��ورد ب�إ�سهاب ر�أي الكرامية حتى اتهمه خ�صومه ب�أنه‬ ‫يورد ال�شبهة نقداً ويورد الرد ن�سيئة‪� ،‬إلى غري ذلك من‬ ‫االتهامات التي وجهها بع�ض من ق�صرت معارفهم عن‬ ‫بلوغ معنى التو�سط واالعتدال يف فهم اجتهادات العلماء‬ ‫وال�سعة التي �أرادها اهلل تعالى يف هذه ال�شريعة ويف تف�سري‬ ‫القر�آن الكرمي على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫ويف ك�ت��ب ال�ف�ق��ه تتبعت كلمة (اخ�ت�ل��ف ال�ف�ق�ه��اء) يف‬ ‫الكتب الأربعة الكربى يف املذاهب الفقهية وهي املب�سوط‬ ‫لل�سرخ�سي احلنفي واملجموع للنووي ال�شافعي واملنتقى‬ ‫للباجي املالكي واملغني البن قدامة احلنفي وبالفعل فقد‬ ‫�أمكن الوقوف على حجم اخلالف امل��أذون به والذي كان‬ ‫الأئمة يروونه على غاية من االحرتام والتقدير‪.‬‬ ‫• املب�سوط �أكرب كتب احلنفية ‪ 85‬مرة‬ ‫• املجموع �أكرب كتب ال�شافعية ‪ 335‬مرة‬ ‫• �شرح املوط�أ للباجي املالكي ‪ 75‬مرة‬ ‫• املغني البن قدامة احلنبلي ‪ 81‬مرة‬ ‫كما تتبعت ما ورد يف هذه الكتب الأربعة من كلمة‪( :‬يف‬ ‫امل�س�ألة ق��والن) �أو مذهبان �أو ر�أي��ان فوجدتهم ي�شريون‬ ‫�إلى �آالف امل�سائل وهي كالتايل‪:‬‬ ‫• املب�سوط لل�سرخ�سي احلنفي ‪ 188‬مرة‬ ‫• املجموع للنووي ال�شافعي ‪ 2050‬مرة‬ ‫• املنتقى للباجي املالكي ‪ 1088‬مرة‬ ‫• املغني البن قدامة احلنبلي ‪ 1042‬مرة‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪17‬‬


‫‪18‬‬

‫من امل�ؤكد �أن هذه الأرق��ام حمايدة وهي تتبع منهجاً‬ ‫حا�سوبياً �أ�صم ال مكان فيه للعاطفة‪ ،‬وب�إمكان كل باحث‬ ‫�أن يقف عليها بجهد مماثل‪ ،‬كما ميكننا �أن نقف على كثري‬ ‫من هذه الإح�صائيات التي حتمل حقيقة واحدة وهي �أن‬ ‫الأم��ة كانت تعي�ش حالة م��ن االح�ت�رام املتبادل و�إع��ذار‬ ‫املخالف وقبول ال��ر�أي وال��ر�أي الآخ��ر و�أن هذه بال�ضبط‬ ‫هي �صورة املعرفة خالل فرتة الع�صر احل�ضاري الذهبي‬ ‫للإ�سالم‪.‬‬ ‫�إن م��ا حققه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم م��ن و�ضع‬ ‫املعرفة يف �سياقها ال�صحيح وبناء الوحدة الإ�سالمية على‬ ‫�أ�سا�س من اح�ترام خ�صو�صية النا�س ولي�س على �أ�سا�س‬ ‫فر�ض قولبة �صارمة متنع على النا�س الر�أي واالجتهاد‬ ‫والفكر‪� ،‬إن ذلك الإجن��از كله هو الذي مكن النبي �صلى‬ ‫اهلل من �إطالق برامج التنمية والبناء يف جمتمعه الطاهر‬ ‫يف املدينة املنورة وه��و ما مكن من بعده ق��ادة الأم��ة من‬ ‫�إطالق م�شاريع البناء والتنمية يف كل البالد التي �سعدت‬ ‫بالفتح الإ�سالمي‪.‬‬ ‫�إن م��ا نتطلع �إل �ي��ه ب���ص��دق و�أم��ان��ة �أن ت�ت�ح��ول تلك‬ ‫الرتبية النبوية العظيمة �إلى �سلوكنا اليومي و�أن يتلقاها‬ ‫�شبابنا املتحم�س وال��ذي ال ي��رى للحق �إال ل��ون�اً واح��داً‪،‬‬ ‫وت�سود عنده ع�ب��ارات ظالمية خميفة ال ت�شبه يف �شيء‬ ‫روح الت�سامح الذي قر�أناه يف �صدر تاريخ هذه الأمة مثل‪:‬‬ ‫احل��ق ما قلناه وم��ن ق��ال بخالفه فقد كفر وارت��د وحل‬ ‫دمه وماله‪� ،‬أو القول ما قلناه ومن قال بخالفه فقد كفر‬ ‫ي�ستتاب و�إال قتل!! (((‬ ‫�أو قولهم ال يحل خ�لاف يف ه��ذه امل���س��أل��ة وم��ن قال‬ ‫بخالف ذل��ك فقد ارت��د وحل��ق باليهود والن�صارى وهي‬ ‫عبارات ميكنك �أن تتبعها يف كتب املت�شددين بالطريقة‬ ‫�إياها التي ا�ستخرجنا بها من فقه الأئمة روح الت�سامح‬ ‫واملحبة‪.‬‬ ‫�إن ه��ذه الق�ضايا ال�ت��ي نناق�شها لي�ست ف���ض��و ًال من‬ ‫القول و�إمنا هي م�س�ألة فا�صلة حا�سمة‪ ،‬وما مل ت�سد الروح‬ ‫الو�سطية املعتدلة املت�ساحمة يف الأمة ف�إننا لن ن�ستطيع‬ ‫امل�ضي قدماً يف التنمية والبناء وا�ستعادة دورنا احل�ضاري‬ ‫الذي كنا خالل التاريخ نقود فيه الإن�سانية بروح القر�آن‬ ‫الكرمي التي ب�شر بها الر�سول الأعظم‪ :‬وما �أر�سلناك �إال‬ ‫رحمة للعاملني‪.‬‬ ‫ويف نهاية ورقتي ف�إنني �أوج��ز ما �شرحناه من خالل‬ ‫هذه اللوحة املخت�صرة بهدف املقارنة بني ما ذهب �إليه‬ ‫ال�ت�ي��ار ال�ع�ل�م��اين وم��ا ذه��ب �إل �ي��ه ال �غ�ل�اة‪ ،‬وب �ي��ان منهج‬ ‫الو�سطية يف فهم ال�شريعة احلنيفية ال�سمحة‪:‬‬ ‫‪ ) 1‬ينظر على �سبيل املثال الإحكام البن حزم ج ‪� 1‬ص ‪ 373‬وج‬ ‫‪� 3‬ص ‪43‬‬

‫�إن الو�سطية امل�أمولة التي نبتغيها هي ثقافة الوحدة‬ ‫واجلماعة‪ ،‬ثقافة �إع��ذار املخالف‪ ،‬ثقافة �شرحها اهلل عز‬ ‫وج��ل بقوله‪ :‬وال تقولوا مل��ن �أل�ق��ى �إليكم ال�سالم ل�ست‬ ‫م�ؤمناً(((‬ ‫ثبت امل�صادر واملراجع‬ ‫مت االع �ت �م��اد يف اجل� � ��داول امل��رف �ق��ة ع �ل��ى م�ق��اب�لات‬ ‫حا�سوبية دقيقة ب��إ��ش��راف مركز ال��درا��س��ات الإ�سالمية‬ ‫بدم�شق‬ ‫�أما امل�صادر الأخرى فهي‪:‬‬ ‫• �صحيح ال�ب�خ��اري ط دار اب��ن كثري ب�يروت ‪1987‬‬ ‫تعليق م�صطفى البغا‬ ‫• �صحيح م�سلم ط دار �إحياء الرتاث العربي بريوت‬ ‫حتقيق حممد ف�ؤاد عبد الباقي‬ ‫• �سنن ابن ماجه ط دار الفكر بريوت حتقيق حممد‬ ‫ف�ؤاد عبد الباقي‬ ‫• املعتمد يف �أ�صول الفقه ط دار ندوة العلماء دم�شق‬ ‫‪2002‬‬ ‫• الفتاوى الكربى على مذهب الإمام �أبي حنيفة ط‬ ‫دار الرتاث العربي ‪1988‬‬ ‫• مغني املحتاج للخطيب ال�شافعي مكتبة ومطبعة‬ ‫م�صطفى البابي احللبي ‪1958‬‬ ‫• حوا�شي ال�شرواين مل نح�صل على ن�سخة مطبوعة‬ ‫واملرجع هو موقع يع�سوب‬ ‫• حا�شية البجريمي على اخلطيب دار �إحياء الرتاث‬ ‫العربي ‪1984‬‬ ‫• نهاية ال��زي��ن ب�شرح ق��رة العني مل جن��د الن�سخة‬ ‫املطبوعة وهو موجود على موقع امل�شكاة الإ�سالمية‬ ‫• م�سند الإمام �أحمد بن حنبل ط م�ؤ�س�سة الر�سالة‬ ‫حتقيق �شعيب الأرنا�ؤوط الطبعة الثانية ‪1999‬‬ ‫• ال�شامل يف القراءات للدكتور حممد حب�ش ط دار‬ ‫الكلم الطيب – دم�شق ‪1999‬‬ ‫• الربهان يف علوم القر�آن للزرك�شي ط دار املعرفة‬ ‫بريوت ‪ 1971‬‬ ‫• الإحكام يف ا�صول الأحكام البن حزم الظاهري ط‬ ‫دار املعرفة بريوت ‪1979‬‬

‫‪� ) 2‬سورة الن�ساء �آية ‪94‬‬


‫في حفل ترخيصه‬

‫ابو جرة السلطاني يوضح رسالة‬ ‫منتدى الوسطية في الجزائر‬ ‫ب�ي�ن ال��دك �ت��ور �أب ��و ج ��رة ال���س�ل�ط��اين رئ�ي����س منتدى‬ ‫الو�سطية اجلزائري الر�سالة ال�سامية التي ي�سعى املنتدى‬ ‫الى حتقيقها‪ ‬حيث قال‪:‬‬ ‫يتع ّر�ض العامل الإ�سالمي‪ ،‬منذ �أكرث من ع�شريتينْ ‪،‬‬ ‫لغارة �شعــواء على قيمه ومبادئه وثوابته و�سيادة �أقطاره‬ ‫وث��روات��ه و�أم �ن��ه االق�ت���ص��ادي واالج�ت�م��اع��ي وا��س�ت�ق��راره‬ ‫ال�سيا�سي‪ .‬وق��د جن�ح��ت ه��ذه ال �غ��ارة يف تفتيت وح��دت��ه‬ ‫وتعري�ض كثري من �أقطاره �إلى فنت داخل ّية �أف�ضت �إلى‬ ‫ذهاب هيبة ال ّدولة و�سقوط م�ؤ�س�ساتها وتهديد حدودها‬ ‫وتعطيل �آلة االنتاج فيها وتوقيف حركة التنمية وت�شريد‬ ‫جمتمعها الآمن‪ ،‬وحتويل مواطنيها من �أبناء وطن �إلى‬ ‫الجئني وم�ش ّردين يف �أقطار العامل كله‪.‬‬ ‫‪ ‬بعد م ��رور امل��وج��ة الأول� � ��ى‪ ،‬وم ��ا ت��رك�ت��ه م��ن دم ��ار‪.‬‬ ‫ب��د�أت الرتتيبات ملوجة ثان ّية �سوف ت�ستهدف موروثنا‬ ‫احل�ضاري وقيمنا الثقاف ّية ووح��دة �أمتنا‪ ،‬بالعمل على‬ ‫تفكيك ال ّدولة‪ ،‬و�ض ْرب الأ�سرة‪ ،‬وتعطيل دور امل�ؤ�س�سات‪،‬‬ ‫ومتييع الن�شاط احل��زب��ي وال�ع�م��ل اجل�م�ع��وي‪ ،‬وتيئي�س‬ ‫ال���ش�ب��اب م��ن احل��ا� �ض��ر وامل���س�ت�ق�ب��ل‪ .‬ل�ت�ح�ق�ي��ق ه��دف�ْي‪.‬نْ ‪.‬‬ ‫‪ ‬ـ ه��دف ق��ري��ب وا� �ض��ح‪ :‬ه��و اال��س�ت�ي�لاء ع�ل��ى ث��روات�ن��ا‬ ‫وم �� �س��خ ه��وي�ت�ن��ا و�إحل��اق �ن��ا ب ��الأم ��م ال �ت��اب �ع��ة اق�ت���ص��ادي��ا‬ ‫و��س�ي��ا��س� ّي��ا لإرادة م��ن ح � ّررن��ا الأ� �س�ل�اف م��ن تبعيتهم‪.‬‬ ‫خفي‪ :‬هو حتويل وجهة العامل الإ�سالمي‬ ‫‪ ‬ـ وهدف بعيد ّ‬ ‫كله تلقاء منظومة عومل ّية م�ص ّرة على �إعادة ر�سم اخلرائط‬ ‫ال�سيا�س ّية لل ّدول وفق منظور جغرايف ا�ستعماري قدمي‪:‬‬ ‫�شمال منتج وعامل ثالث م�ستهلك‪.‬‬ ‫‪ ‬م ّرت الهجمة الأولى على وطننا ب�سالم‪ .‬ويف تقييمنا‬ ‫للو�ضع العام ت�أ ّكد لنا �أن اجلهود ال ّر�سم ّية مل تعد كاف ّية‬ ‫وح��ده��ا ل��ر ّد الهجمات املتوال ّية على �أ ّمتنا ب�سبب ث��ورة‬ ‫االت�صال التي فتحت �أمام الب�شر ّية قدرات غري م�سبوقة‬ ‫للتّوا�صل االجتماعي العابر للحدود والقا ّرات والثقافات‬

‫والقوانني والتّح�صينات ال ّداخلية‪ .‬و�صار من واجب �أبناء‬ ‫هذا الوطن البحث عن تكتّالت �أكرث تنظيما‪ ،‬وف�ضاءات‬ ‫�أك�ث��ر ح ��ر ّي ��ة وم �ن �ت��دي��ات ذات ف �ه��م ع��امل��ي مل ��ا ُي �� �ض � ّخ يف‬ ‫ال�سماوات املفتوحة من �أفكار وما ُيبثّ من �سموم‪ ،‬تتولى‬ ‫ّ‬ ‫الغربلة والت�صف ّية والتّو�ضيح والتّوع ّية‪ .‬وتنتج �أفكا ًرا‬ ‫مهيكلة ترفع بها التح ّدي يف وجه من يريد ب�أمتنا املهانة‬ ‫وال�صَّ غار‪.‬‬ ‫‪ ‬ـ ف � �ب � �ت � �ن � �ظ � �ي� ��م ال� � � � ّن� � � �خ � � ��ب ت � �ن � �ه � ��� ��ض الأم � � � � � � ��م‪.‬‬ ‫‪ ‬ـ وب ��الأف � �ك ��ار امل �م �ن �ه �ج��ة ت�ن�ت���ص��ر �إرادة ال �� �ش �ع��وب‪.‬‬ ‫‪ ‬ـ وب �ت �ن �� �س �ي ��ق ج � �ه� ��ود اخل� �ّي� �ررّ ي � � ��ن‪ ،‬خ� � � ��ارج الأط � � ��ر‬ ‫ال �ت �ق �ل �ي��دي��ة ال �� ّ��ض �ي �ق��ة‪ ،‬ت� ��واج� ��ه م ��ؤ� �س �� �س��ات ال � � ّدول� ��ة‬ ‫ال � � �ت � � �ح � � � ّدي � ��ات ال � �ق � ��ائ � �م � ��ة والأزم� � � � � � � � � ��ات ال� � �ق � ��ادم � ��ة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬يف ظ��ل ه��ذا ال�ف�ه��م‪ّ ،‬‬ ‫مت الإع�ل�ان ع��ن م�ي�لاد املنتدى‬ ‫العاملي للو�سط ّية‪ ،‬يف هذا التوقيت بالذّات‪ ،‬ليكون �إ�ضافة‬ ‫ال�ساحة ال��وط�ن� ّي��ة‪ ،‬لكنْه مظلته‬ ‫نوع ّية مل��ا ه��و �سابق يف ّ‬ ‫وا�سعة‪ ،‬وو�سطيته جامعة لأب�ن��اء اجل��زائ��ر وبناتها دون‬ ‫�إق���ص��اء وال تهمي�شز �إ ّال م��ا خ��ال��ف �أه��داف�ه��ا‪ .‬فاملنتدى‬ ‫ف���ض��اء ع��ام م�ف�ت��وح للفكر وال � ّدع��وة وال�ث�ق��اف��ة واحل ��وار‬ ‫وال �ت �� �ش��اور‪ ..‬يف جميع امل �ج��االت‪ .‬ول�ك�ن��ه ف���ض��اء يحرتم‬ ‫ال�ت�خ��ّ��ص����ص ال��وظ�ي�ف��ي وي �ن ��آى بنف�سه ع��ن ال�ن���ش��اط��ات‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪19‬‬


‫‪20‬‬

‫ّبائني يف اال�صطفاف‪،‬‬ ‫املو�سم ّية‪ .‬وال يقبل التّ�صنيف الز ّ‬ ‫وال اللون احلزبي يف االنتماء‪ ،‬وال اخلطاب املتط ّرف يف‬ ‫التن�صل من امل�س�ؤولية وال من‬ ‫التعاطي مع الأحداث‪ ،‬وال ّ‬ ‫الواجب الوطني وامل�صلحة امل�شرتكة‪ .‬فهو ف�ضاء �أو�سع‬ ‫من ال�س ّيا�سة‪ ،‬و�سقفه �أرفع من البيوت احلزب ّية‪ ،‬وطموحه‬ ‫�أعلى من جم ّرد حمل بطاقة انت�ساب �إلى هياكله الوطن ّية‬ ‫وال��والئ� ّي��ة‪� ،‬أو على م�ستوى جاليتنا ب��اخل��ارج‪ .‬ال يدير‬ ‫ظهره للواجب الوطني‪ ،‬ولكنّ �أه��داف��ه �أبعد من موعد‬ ‫انتخابي ‪� ‬ضمن ال ّد�ستور �شروطه و�آجاله وكيف ّية تنظيمه‪.‬‬ ‫ف�ع�ين امل�ن�ت��دى مفتوحة ع�ل��ى ك��ل م��ا ي �ه � ّدد �أم ��ن وطننا‬ ‫وي�ستهدف هويتنا وثوابتنا و�سيادتنا وانتماءنا احل�ضاري‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ان�صراف �شرائح وا�سعة من الأجيال‬ ‫‪ ‬ا�ستوقفتنا ظاهرة‬ ‫ال�صاعدة عن تاريخها وعن ن�ضاالت احلركة الوطن ّية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتن�صلها عن مرجعيتها وانبهارها مبا وراء البحر‪ ،‬واعتقاد‬ ‫ّ‬ ‫بع�ضها �أنّ امل�ستقبل مل يعد �آمنا يف �أوطانها‪ ،‬وال ح ّل �إالّ‬ ‫الهجرة التي ال عودة بعدها‪ ،‬وبدونها فال تفكري يف عمل‬ ‫وال يف بناء �أ�سرة وال يف م�ساهمة من � ّأي م�شروع ‪ ‬لنه�ضة‬ ‫ال ّأم��ة وا�ستكمال بناء جمدها يف ظ ّل ال�سيادة الوطن ّية‪.‬‬ ‫وق ��د زادت م��وج��ة ال �ه �ج��رة اجل �ن��وب � ّي��ة �إل ��ى وط�ن�ن��ا من‬ ‫الأع�ب��اء االجتماع ّية على دولتنا‪ ،‬و�صارت ‪ ‬ت�شكل خطرا‬ ‫على �أمننا وا�ستقرارنا وهويتنا ون�سيجنا االجتماعي‪.‬‬ ‫وقد ب��د�أت انعكا�ساتها بالظهور على منظومتنا القيم ّية‬ ‫مما ي�ستدعي اتخاذ ما ينبغي من احتياطات لتاليف ما‬ ‫هو �أ�سو�أ على حا�ضر �أمتنا وعلى م�ستقبل الأجيال �إذا مل‬ ‫تنه�ض احلركة اجلمعو ّية بواجباتها يف دعم جهود ال ّدولة‪،‬‬ ‫وال�سيما على �صعيد مكافحة الإرهاب والت�ص ّدي للجرمية‬ ‫ّ‬ ‫املنظمة واحل��رك��ات املتطرفة وال � ّدع��وات االنف�صال ّية‪.‬‬ ‫تهب على‬ ‫‪� ‬إنّ موجة جديدة من الغزو الثقايف ب��د�أت ّ‬ ‫اجلزائر من جهات كثرية‪ ،‬و�إذا مل ننربي لها الآن �سوف‬ ‫جتتاح عقول �أبنائنا وت�ه� ّدد وحدتنا وثوابتنا وهويتنا‪.‬‬ ‫يف ظ��ل ن�ظ��ام دويل يعي�ش م ��أزق��ا م�ع� ّق��دا �أن�ت��ج ّ‬ ‫منظمات‬ ‫م�ت�ط� ّرف��ة ت�ع�م��ل خ� ��ارج الأط� ��ر ال �ق��ان��ون � ّي��ة واالت �ف��اق��ات‬ ‫ال� � ّدول� � ّي ��ة‪ ،‬م��ن �أب ��رزه ��ا االجت � ��ار ب ��امل� �خ� � ّدرات وال � ّرق �ي��ق‬ ‫الأبي�ض وبالأع�ضاء الب�شر ّية‪ ،‬وات�خ��اذ م�س ّمى الإره��اب‬ ‫واحل��رك��ات املتط ّرفة غطاء لتمرير م�شاريعها وتفكيك‬ ‫الأ�سر واملجتمعات والق�ضاء على الأنظمة التقليد ّية‪ ،‬ال‬ ‫�سيما منها املالكة للطاقة املح ّركة القت�صاديات العامل‪.‬‬ ‫‪� ‬أمام هذه الو�ضع ّية املعقّدة‪� ،‬صارت اجلهود ال ّر�سمية‬ ‫وحدها غري كاف ّية‪ ،‬ومل تعد الطبقة ال�سيا�س ّية وحدها‬ ‫قادرة على املواجهة‪ .‬و�أ�صبح من الواجب الوطني �إيجاد‬ ‫ف�ضاء �أو� �س��ع و�أك�ث�ر حت� � ّررا ي�ستوعب �أك�ب�ر ع��دد ممكن‬

‫من القدرات الفكر ّية والتخطيط ّية يف جميع املجاالت‪،‬‬ ‫داخ ��ل وط�ن�ن��ا‪ ،‬لهيكلة ر��ص�ي��ده��ا ال��وا� �س��ع م��ن اخل�ب�رات‬ ‫وال�ت�ج��ارب امل�ت�ن� ّوع��ة وتوجيهها خل��دم��ة �أه ��داف �سام ّية‬ ‫تعيد ل�ل�أم��ة الأم ��ل يف ا�ستكمال ب�ن��اء ال � ّدول��ة الوطن ّية‬ ‫وتثمني منجزات الذين ح ّرروا اجلزائر والذين �سعوا �إلى‬ ‫ن�صت علية بيان �أول نوفمرب‪ .‬فهدف‬ ‫�إقامة دولة وفق ما ّ‬ ‫تراكمي يكمل امل�سرية وال ينتف�ض عليها‪ ،‬وذلك‪.‬‬ ‫املنتدى‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬ـ ‪ ‬بتوع ّية �أمتنا باملخاطر املحدقة بها على جميع الأ�صعدة‪.‬‬ ‫‪ ‬ـ وم� ��� �س ��اع ��دة الأج � � �ي � ��ال ال � �� ّ��ص ��اع ��دة ع� �ل ��ى جت� ��اوز‬ ‫ال �ع �ق �ب��ات ال �ت��ي ت �� �ش � ّوه ح��ا� �ض��ره��ا وت� �ه� � ّدد م�ستقبلها‪.‬‬ ‫‪ ‬ـ و�إر�� �س ��اء م�ن�ظ��وم��ة ف�ك��ر و��س�ط� ّ�ي ي�ستم ّد ق��وت��ه من‬ ‫مرجعيتنا ال��وط�ن� ّي��ة وم��ن ت��اري��خ �أم�ت�ن��ا وم��ن ر�صيدنا‬ ‫امل� ��� �ش�ت�رك يف احل� ��رك� ��ة ال ��وط� �ن� � ّي ��ة وث � � ��ورة ال �ت �ح��ري��ر‪.‬‬ ‫‪ ‬ـ م � � �ق� � ��اوم� � ��ة ك � � ��ل �أ�� � � �ش� � � �ك � � ��ال ال � � � �غ � � ��زو ال � �ث � �ق� ��ايف‬ ‫وامل� ��� �س ��خ احل � �� � �ض� ��اري ال � � ��ذي ي� �ت� �ع� � ّر� ��ض ل� ��ه � �ش �ب��اب �ن��ا‪.‬‬ ‫‪ ‬ـ زرع الأم� � � � � ��ل يف ن � �ف� ��و�� ��س ال� � ��ذي� � ��ن �أره� �ق� �ت� �ه ��م‬ ‫اخل � �ط� ��اب� ��ات امل� �ت� �ط� � ّرف ��ة وامل � �م� ��ار� � �س� ��ات االق� ��� �ص ��ائ� � ّي ��ة‪.‬‬ ‫‪ ‬خال�صة الأهداف املد ّونة يف القانون الأ�سا�سي للمنتدى‬ ‫هي دع��وة كل جزائري وجزائر ّية �إل��ى احل��وار والت�سامح‬ ‫ون �ب��ذ ال�ع�ن��ف وال �ت �ط � ّرف‪ ،‬وال �ت �ع��اون ل�ت�ع��زي��ز مكت�سبات‬ ‫اال�ستقالل وحماية الوحدة الوطن ّية واحرتام م�ؤ�س�سات‬ ‫دولتنا ودعم جهود اخليرّ ين فيها والتعاون معهم من �أجل‬ ‫�سيادتنا يف وطننا‪ ،‬وترقية مك ّونات جمتمعنا‪ ،‬ودعم عنا�صر‬ ‫الهو ّية ولحُ ْ �م��ة الأم��ة و�أمنها االقت�صادي واالجتماعي‬ ‫وال �ث �ق��ايف‪ ،‬و� �ض �م��ان ت � ��وازن ن���س�ي�ج�ه��ا اجل �ه ��وي ح�ق��وق��ا‬ ‫وواجبات‪ ،‬داخل الوطن وعلى م�ستوى جاليتنا باخلارج‪.‬‬ ‫‪� ‬سع ًيا منّا �إل��ى حتقيق ه��ذه الأه��داف النّبيلة‪ّ � ،‬أ�س�سنا‬ ‫ه��ذا الف�ضاء ال�ع��ام املفتوح على الفكر والثقافة والعلم‬ ‫واملعرفة واحلوار‪ ..‬مبنظور و�سطي يحمي القيم‪ ،‬وين�شر‬ ‫ثقافة املواطنة والتعاي�ش والتعاون من �أجل حا�ضر �آمـن‬ ‫وم�ستقبل م�شرتك ي�ستكمل فيه الأب�ن��اء ر�سالة الآب��اء‪.‬‬ ‫وم ��ن �أج ��ل جت���س�ي��د ه ��ذه ال �ط �م��وح��ات امل �� �ش��روع��ة يفتح‬ ‫املنتدى �صدره للر�أي والفكر واحل��وار‪ ،‬لن�شر الوعي بني‬ ‫جميع فئات املجتمع‪ .‬ويدعو جميع اخليرّ ين يف وطننا‬ ‫الغايل اجل��زائ��ر �إل��ى احت�ضان �أ��ش��واق احل��ر ّي��ة والعدالة‬ ‫�ضحى من �أجلها �شهدا�ؤنا الأبرار لنعي�ش من بعدهم‬ ‫التي ّ‬ ‫�أ�سيا ًدا يف وطننا اجلزائر‪.‬‬


‫دراسات‬

‫من خطب‬ ‫عيد االضحى‪..‬‬ ‫الدكتور عبدالمحمود ابوّ‬ ‫�أحبابي يف اهلل و�أخواين يف الوطن العزيز‬ ‫َت َع َّو َد �أه� ُل ال�سودان منذ عقود‪� ،‬أن ي�ستمعوا من هذا‬ ‫املنرب حلكيم ال�سودان الإم��ام املجدد احلبيب‪ :‬ال�صادق‬ ‫املهدي؛ الذي ابتكر �أ�سلوبا جديدا يف اخلطب الدينية‪،‬‬ ‫حم��ررا لها م��ن ال�ت�ك��رار‪ ،‬والتغني ب��أجم��اد املا�ضي‪� ،‬إل��ى‬ ‫�أ�سلوب التفكر والتدبر واالعتبار وا�ست�شراف امل�ستقبل‪.‬‬ ‫ل�ق��د ف�صلت بيننا وب�ي�ن��ه امل���س��اف��ات‪ ،‬ول�ك��ن ال��و��ص��ال‬ ‫ال��روح��ي ي��رب�ط�ن��ا‪ ،‬وال�ع�ط��اء ال�ف�ك��ري يجمعنا ب��ه‪ ،‬وه��و‬ ‫كالغيث حيثما ح��ل ن�ف��ع؛ ف ��إن �ضاقت ب��ه ��ص��دور �أويل‬ ‫القربى فقد انفتح �أمامه ف�ضاء �أو�سع‪.‬‬ ‫�إن الهجرة �سنة الأنبياء ودي��دن امل�صلحني‪ ،‬ويعقبها‬ ‫الن�صر امل�ؤزر دائما ب�إذن اهلل؛ فل�سان حال احلبيب يقول‪:‬‬ ‫يا �أيها الوطن العزيز �أال ا�صطرب‬ ‫الب � � ��د �أن �أل � � �ق� � ��اك �أو ت �ل �ق��اين‬ ‫اهلل ي �ح �ك��م ال ُي � � � َب � � � ِّدل ُح� �ك� � َم� � ُه‬ ‫ُح � � � ْك � � � ٌم م � ��ع الأي � � � � ��ام والأزم � � � � ��ان‬ ‫ف��ال �ن �ف ����س �آم� � �ل� � � ٌة و�إين ن ��اظ� � ٌر‬ ‫ل� �ل� �ي ��وم ف� �ي ��ه �أع � � � ��ود ل �ل ��أوط � ��ان‬

‫خطبة عيد الأ�ضحى املبارك ‪1438‬هـ‬ ‫التاريخ ‪2018/8/21‬‬ ‫اخلطبة الأولى‬ ‫رب‪ُ ..‬‬ ‫رب‪ُ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫رب‬ ‫اهلل �أك ُ‬ ‫اهلل �أك ُ‬ ‫اهلل �أك ُ‬ ‫ول ا ِ‬ ‫احلم ُد ِ‬ ‫وال�صال ِة وال�سال ِم علَ َى َر ُ�س ِ‬ ‫هلل‪ ،‬و َعلَى‬ ‫هلل ّ‬ ‫�آ ِل ِه َو َ�ص ْح ِب ِه و َمنْ َوالاَ ُه‪ .‬و َب ْعد‪-‬‬ ‫� ْأح َبابي فيِ ا ِ‬ ‫ين ِيف الوطنِ العزيز‪،‬‬ ‫هلل و�أخوا ِ‬ ‫هلل‪ ،‬و َب ��ا َر َك ُ‬ ‫ال��� ّ�س�لا ُم َعلَ ْي ُك ْم َو َر ْح � َم � ُة ا ِ‬ ‫اهلل فيِ ِع ْي ِدنَا‬ ‫َج ِم ْي َعاً‪ ،‬و َب ْع ُد‪-‬‬ ‫نح َ�ض َر العي َد‬ ‫َلقَد َق َ�ضت �ضَ روراتُ اجلها ِد املدين �أن ْ‬ ‫خ��ارج ال َو َطن‪ .‬ولكن ال َو َطنَ �إنْ لمَ ْ َن ُكنْ ِف ْي ِه َف ُه َو ِف ْينا‪.‬‬ ‫ِن َظا ُم ا ُ‬ ‫حلكم احلايل من ا�ستخفاف ِه ب�ش�أن مواطنيه �أنه‬ ‫مل ُي ْجر ح��واراً حقيقياً �إال بو�ساط ٍة �أجنبي ٍة‪ ،‬ويف خارج‬ ‫الوطن‪ ،‬لذلك �أ ْب َر َم كل اتفاقياته خارج الوطن‪ :‬يف كينيا‪،‬‬ ‫يف �أوغ�ن��دا‪ ،‬يف نيجرييا‪ ،‬يف ا�سمرا‪ ،‬يف قطر‪ ،‬وهل َّم جراً‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مت�صل‬ ‫�إنه نظام تغريب للق�ضي ِة الوطني ِة‪ .‬غيا ُبنَا الآن‬ ‫بالق�ضية الوطنية كما تتابعون‪ ،‬و�سوف ينتهي �إن �شاء‬ ‫اهلل عود ًة �إلى ال َو َطن‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪21‬‬


‫‪22‬‬

‫� ْأح َبا ُبنا‪،‬‬ ‫الوحي لل ِ‬ ‫إن�سان واح��د ٌة‪ْ � .‬أح َياها �إ ْبراهي ُم‬ ‫�إ َّن ر َِ�سال َة‬ ‫ِ‬ ‫نخ�ص بالذك ِر‬ ‫َعلي ِه ال�سال ُم‪ ،‬وبلغها الأنبياء فيما بعد‪ُّ .‬‬ ‫ِمنهم مو�سى‪ ،‬وعي�سى‪ ،‬و حممد اخل��امت عليهم جميعاً‬ ‫ال�صَّال ُة وال�سالم‪.‬‬ ‫الوحي يف � ْأم ِر الثواب ِ​ِت واحد ٌة ِه َي‪ :‬التوحي ُد ِ‬ ‫هلل‪،‬‬ ‫ر�سال ُة‬ ‫ِ‬ ‫النبوةُ‪ ،‬مكار ُم الأخالقِ ‪ ،‬وامل َعا ُد‪ .‬قال تعالى‪ُ }:‬ق ْل �آ َمنَّا ب هَّ ِ‬ ‫ِالل‬ ‫َو َما �أُن ِز َل َعلَ ْينَا َو َما �أُن ِز َل َعلَى �إِ ْب َر ِاهي َم َو�إ ِْ�س َم ِاعي َل َو�إ ِْ�س َحا َق‬ ‫الَ��ْ�س� َب� ِ‬ ‫ي�سى َوال َّن ِب ُّيو َن‬ ‫ُوب َو ْ أ‬ ‫َو َي ْعق َ‬ ‫و�سى َو ِع َ‬ ‫�اط َو َم��ا �أُو ِت� َ�ي ُم َ‬ ‫ِمن َّر ِّب ِه ْم لاَ ُن َف ِّرقُ َبينْ َ �أَ َح ٍد ِّم ْن ُه ْم َون َْحنُ َل ُه ُم ْ�س ِل ُمونَ{‪.‬‬ ‫وت��أك�ي��داً ل�ه��ذا املعنى ق��ال نبي ال��رح�م��ة �صلى اهلل عليه‬ ‫ال ْن ِب َيا ُء �إِخْ � � َو ٌة ِل� َع�َّلٍتاَّ ٍت ُ�أ َّم� َه��ا ُت� ُه� ْم �شَ تَّى َو ِدي� ُن� ُه� ْم‬ ‫و�سلم‪ َْ "َ :‬أ‬ ‫َو ِاح ٌد"‪.‬‬ ‫الر�سال ُة املحمدي ُة امتازَتْ على غريها بثالث ِة �أمورٍ‪:‬‬ ‫�أنَّها ا َ‬ ‫ِ‬ ‫مواهب‬ ‫للنا�س كاف ًة‪ ،‬و�أنها اعتمدت‬ ‫خلامت ُة‪ ،‬و�أن َّها‬ ‫َ‬ ‫ال ِ‬ ‫القب�س ال ُّروحي‪ ،‬والعق ُل‪ ،‬وحر ّي ُة االختيار‪.‬‬ ‫إن�سان‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الر�ساالت ف�إ َّن امل�سائ َل االجتماعية ُمتحرك ٌة‪ ،‬كما‬ ‫يف ك ِّل‬ ‫قال �أئمة االجتهاد بتغري الفتوى بتغري الزمان واملكان‬ ‫واحل��ال‪ .‬املعنى الذي عرب عنه الإم��ام املهدي "لكل وقت‬ ‫ومقام حال‪ ،‬ولكل زمان و�أوان رجال"‪.‬‬ ‫ن�ح��نُ الآن يف م��و��س��م احل ��ج‪ .‬ول�ل�ح��ج م�ق��ا��ص� َد‪ ،‬ه��ي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وا�ستنزال رحم ِة ا ِ‬ ‫ُ‬ ‫هلل‪ ،‬ومناجا ُتهُ‪،‬‬ ‫التوحيد‪،‬‬ ‫تر�سي ُخ عقيد َة‬ ‫وال ��رم � ُز ل��وح��د ِة الأم� � � ِة‪ ،‬وجت��ري � ُد ال �ن��ا�� ِ�س ِم ��ن مظاهر‬

‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫لتعارف بين ُهم‪ ،‬ولي�شهدوا‬ ‫جمال‬ ‫التفرقة بينهم‪ ،‬و�إتاح ُة‬ ‫منا ِف َع َل ُهم‪ .‬هنالك م�ستجدات توجب اجتهادات‪ ،‬فعدد‬ ‫ا‪ ،‬وق��د ك��ان��وا مليوناً‬ ‫امل�سلمني ا ْل � َي � ْو َم بليونني �إال ق�ل�ي�ل ً‬ ‫واح ��داً‪ .‬ولتجنب ال��زح��ام ُيرجى �أن يكتفي امل�ستطيعون‬ ‫بحجة واحدة‪ ،‬و ُيرجى تكوين �صندوق (بدل حج) ي�ساهم‬ ‫وج ُه‬ ‫يف متويله من نوى احلج منهم مرة ثاني ًة �أو ثالث ًة‪ ،‬و ُي َّ‬ ‫ِ‬ ‫لتمويل ف ِر ْي َ�ض ٍة �أخْ َرى هي �إغاث ُة املحتاجني التي‬ ‫عائ ُد ُه‬ ‫�أوجبها اهلل بقوله‪َ }:‬لن َت� َن��ا ُل��وا ا ْل�ِب�رَِّ َحتَّى تُن ِفقُوا ممَِّ ا‬ ‫تحُ ِ ُّبو َن َو َما تُن ِفقُوا ِمن �شَ ْي ٍء َف�إِ َّن هَّ َ‬ ‫الل ِب ِه َع ِليم{‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫ِالدينِ * َف َذ ِل َك ا َّل ِذي َي ُد ُّع ا ْل َي ِتي َم *‬ ‫}�أَ َر َء ْيتَ ا َّل ِذي ُيك َِذ ُّب ب ِّ‬ ‫َولاَ َي ُح ُّ‬ ‫�ض َعلَى َط َعا ِم المْ ِ ْ�س ِكنيِ{‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املمول ِمن جِ َه ٍات‬ ‫احلج‬ ‫اال�ستطاع ُة املق�صود ُة ذاتي ٌة‪� ،‬أما ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات عام ٍة ال ِع َبادة‪ .‬وقيا�ساً على هذا املعنى‬ ‫�أُخْ َرى ف ُه َو‬ ‫عطل عمر بن عبد العزيز‪ ،‬ر�ضى اهلل عنه‪،‬ك�سو َة احل� ِّج‪،‬‬ ‫وقال‪�:‬أولى بهذه النفقة �أن نطعم بها كباداً جائع ًة‪.‬‬ ‫�أعا َد ُ‬ ‫ني �إلى ِد َيارهم‪ ،‬وتقبل َت ْق َواهم‪ .‬‬ ‫احلجا َج �سامل َ‬ ‫اهلل َّ‬ ‫الأُ� ْ��ض� ِ�ح �ي � ُة �� ُ�س� َّن� ٌة م ��ؤك��د ٌة‪ .‬وتحُ َ ��ا ِك��ي ِق �� َّ��ص � َة �إ ْب � َراه �ي � َم‬ ‫و�إ�سماعي َل علي ِه َما ال�سَّالم‪ِ ،‬‬ ‫وه� َ�ي لل ُم�ستطيعني‪ ،‬و َيجِ ْب‬ ‫خُ ُل ُّوها ِمن ال ُع ُيوبِ ‪ ،‬و َم ْعنَا َها َيت َ​َجا َو ُز َم ْبنَاها‪َ }:‬لنْ َينَال‬ ‫هَّ‬ ‫الل لحُ ُ وم َها َولاَ ِد َما�ؤُ َها َو َل ِكنْ َينَال ُه ال َّت ْق َوى ِم ْن ُك ْم{‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ومنْ َبابِ التقوى �إغاثة املحتاجني‪ ،‬فريجى �أن ي�ساهم‬ ‫امل�ستطيعون بثمن الأ�ضحية يف "�صندوق" لتمويل �إغاثات‬ ‫�إن�سانية واجتماعية‪ .‬على �أن يتفق �أه��ل كل جماعة على‬ ‫ذبيحة واحدة رمزاً للقربان‪.‬‬


‫امل�ؤ�سف �أن هذه االجتهادات مع تطابقها مع مقا�صد‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬تعار�ضها تقاليد اجتماعية نقلتها من العبادة‬ ‫للعادة‪ .‬ولكن يرجى �أن يدعمها املجتهدون الذين ت�شدهم‬ ‫املعاين ال املباين‪� ،‬إلى �أن ي�أتي يوم ينظمها القانون‪.‬‬ ‫�أحبا ُبنَا‪،‬‬ ‫لقد تع َّر�ضَ ت �أمتنا ملمار�سات ظاملة وافدة �شهد بذلك‬ ‫�شهود من �أهلها‪� ،‬أذكر من ه�ؤالء‪:‬‬ ‫قال مايكل اورن يف كتابه عن �سيا�سة �أمريكا يف ال�شرق‬ ‫الأو� �س��ط‪ :‬ال ي��وج��د يف جم��ال الهند�سة االجتماعية يف‬ ‫العامل عمل �أكرث ا�ستفزازاً من ت�أييد �أمريكا لقيام دولة‬ ‫يهودية يف عامل عربي �شديد العداء لها‪.‬‬ ‫وق� � ��ال ب � ��ول ك �ي �ن �ي��دي يف وول � �س�ت�ري��ت ج ��ورن ��ال‬ ‫(‪ :)2001/10/5‬لو و�ضعنا �أنف�سنا يف مكان �سكان ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪ ،‬وو�ضعناهم يف مكاننا وفعلوا ِبنَا ما نفعل بهم‬ ‫الآن‪ ،‬ف���س��وف ي�ك��ره الأم��ري�ك�ي��ون ه��ذا ال�ع�م�لاق ال�شرق‬ ‫�أو�سطي االفرتا�ضي ويحاولون �إيذاءه‪.‬‬ ‫وق��ال غ��راه��ام فوللر يف جملة ال�سيا�سة اخلارجية‬ ‫عدد يناير‪/‬فرباير ‪� :2008‬إذا حذفنا الإ�سالم من م�سار‬ ‫ال �ت��اري��خ‪ ،‬وع��وم��ل ��س�ك��ان منطقة ال���ش��رق الأو� �س��ط كما‬ ‫يعاملون الآن مع عدم وجود �إ�سالم ف�إن الو�ضع يف املنطقة‬ ‫�سوف ي�ؤول �إلى ما هو عليه الآن‪ .‬يف غياب الإ�سالم ومع‬ ‫ال�سكان االفرتا�ضيني غ�ير امل�سلمني ف ��إن ال�ع��امل �سوف‬ ‫ي�شهد اخلالفات الدامية امل�ستمرة التي ال تزال حروبها‬ ‫و�صراعاتها على ال�ساحة اجليو�سيا�سية‪ .‬ل��و مل تتذرع‬ ‫بالدين لوجدت راية‬ ‫املجموعات االفرتا�ضية غري امل�سلمة ِّ‬ ‫�أخرى تعرب يف ظلها عن هويتها و�سعيها لال�ستقالل‪.‬‬ ‫وكما قال مارك كريت�س يف كتابه مفارقات القوة‪:‬ما‬ ‫د ّبر �ضد حكومة حممد م�صدق الوطنية‪ ،‬وما �صحب ذلك‬ ‫من تغريب الرثوة كان له دور مهم يف التعبئة التي �أدت‬ ‫للثورة الإ�سالمية يف �إيران‪.‬‬ ‫والتدخالت الوافدة تطول‪ .‬فلوال امل�شهد الأفغاين ما‬ ‫كانت القاعدة‪ ،‬ولوال احتالل العراق ما كانت داع�ش‪ .‬وهم‬ ‫يتدخلون يف املنطقة حلماية م�صاحلهم النفطية كما قال‬ ‫رئي�س وزراء قطر ال�سابق‪ :‬ننفذ فيما يتعلق بحجم �إنتاج‬ ‫وت�سويق النفط ما يطلبون منا‪.‬‬ ‫وي�ت��دخ�ل��ون حل�م��اي��ة �إ��س��رائ�ي��ل وت��و��س�ع��ات�ه��ا ك�م��ا ق��ال‬ ‫الأ��س�ت��اذان ج��ون م�ير �شامير وول��ت ا�ستيفن يف كتابهما‬ ‫عن اللوبي الإ�سرائيلي‪ :‬منذ ‪ 1967‬ظلت ال�سمة املتكررة‬ ‫ل���س�ي��ا��س��ات ال ��والي ��ات امل �ت �ح��دة يف ال �� �ش��رق الأو�� �س ��ط هي‬ ‫عالقتها ب�إ�سرائيل دعماً وت�أييداً‪.‬‬

‫ه��ذه ال�ت��دخ�لات يف املنطقة جعلت ال�ق��وى املتدخلة‬ ‫حري�صة على تعميق اخلالفات بني �سكان منطقة ال�شرق‬ ‫الأو� �س��ط ال�ك�ب�ير‪ ،‬كما ق��ال الرئي�س الأم��ري�ك��ي الأ�سبق‬ ‫ريت�شارد نيك�سون‪ -‬م�شرياً للحرب العراقية الإيرانية‬‫يف كتابه ن�صر بال حرب‪ :‬هذه احلرب ما نتمنى‪ ،‬ونتمنى‬ ‫كذلك �أال ينت�صر �أحد طرفيها‪.‬‬ ‫ال��واج��ب الإ��س�ترات�ي�ج��ي وال��دي �ن��ي الآن؛ �إدراك �أن‬ ‫احل � ��روب ال�ط��ائ�ف�ي��ة وال �ق��وم �ي��ة احل��ال �ي��ة � �س��وف ت��ره��ق‬ ‫�أطرافها‪ ،‬ولن يكون فيها منت�صر لأنها ت�ستمد من جذور‬ ‫م��وروث��ة‪ ،‬ولأن ك��ل ط��رف ي�ستطيع �أن ي�ستن�صر بجهة‬ ‫�إقليمية �أو دولية �إن �أراد‪.‬‬ ‫هناك خالفان بني �أهل ال�سنة وال�شيعة‪ ،‬هما‪ :‬خالف‬ ‫ح��ول �أح� ��داث ال �ت��اري��خ‪ ،‬وخ�ل�اف ح��ول والي ��ة الأم� ��ر؛ ال‬ ‫ميكن ح�سمهما بالإقناع وال بالقوة‪ .‬وينبغي �أن نقول يف‬ ‫�أمرهما‪�( :‬إِ َلى هَّ ِ‬ ‫الل َم ْرجِ ُع ُك ْم َج ِمي ًعا َف ُي َن ِّب ُئكُم بمِ َ ا ُكن ُت ْم ِفي ِه‬ ‫َتخْ َت ِلفُونَ)‪ .‬ثم يتفق على "ميثاق املهتدين" الذي يقوم‬ ‫على �ستة مبادئ‪:‬‬ ‫• االع�تراف املتبادل �أننا �أه��ل قبلة واح��دة‪ ،‬وعقيدة‬ ‫واح � ��دة‪ .‬ت �ق��وم ع �ل��ى‪ :‬ال �ت��وح �ي��د‪ ،‬وال �ن �ب��وة‪ ،‬وم �ك��ارم‬ ‫الأخالق‪ ،‬واملعاد‪ ،‬والأركان اخلم�سة‪.‬‬ ‫• �أهل ال�سنة يلتزمون مبكانة �آل بيت حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم كما ه��و د�أب�ه��م يف حت�ي��ات ال�صالة‪،‬‬ ‫وميحون �آثار لغة الرواف�ض‪.‬‬ ‫• ال�شيعة يلتزمون مبكانة �صحابة النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم �سيما �أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعائ�شة‬ ‫ر�ضي اهلل عنهم‪ .‬وميحون لغة النوا�صب‪.‬‬ ‫• ي �ح�ترم ال���ش�ي�ع��ة امل�ج�م��وع��ات ال���س�ن�ي��ة يف �أو� �س��اط‬ ‫�أغلبيتهم‪ ،‬بكامل حقوقهم الإمي��ان�ي��ة والإن�سانية‬ ‫واملواطنة‪.‬‬ ‫• يحرتم �أهل ال�سنة املجموعات ال�شيعية يف �أو�ساط‬ ‫�أغلبيتهم‪ ،‬بكامل حقوقهم الإمي��ان�ي��ة والإن�سانية‬ ‫واملواطنة‪.‬‬ ‫• االع�ت�راف املتبادل مب��ذاه��ب �أه��ل ال�سنة الفقهية‬ ‫ومب��ذه�ب��ي ال�شيعة ب��اع�ت�ب��اره��ا اج �ت �ه��ادات ب�شرية‪،‬‬ ‫واخ �ت�لاف��ات يف ال �ف��روع ب�لا ت�ع���ص��ب‪ ،‬وب�ل�ا تكفري‪،‬‬ ‫وبال قفل لباب االجتهاد‪.‬‬ ‫وعمليا فيما يتعلق ب�أمر والي��ة الأم��ر ف��إن الظروف‬ ‫املختلف عليها حول اخلالفة والإمامة قد اختفت‪ .‬ف�أهل‬ ‫ال�سنة لن يتفقوا على قيادة واحدة‪ .‬والإمام ال�شيعي �سوف‬ ‫يظل غائباً‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪23‬‬


‫‪24‬‬

‫وعملياً ف ��إن ال�شعوب الإ�سالمية تتطلع لنظم حكم‬ ‫جديدة حتقق العدالة كما ق��ال اب��ن القيم‪�" :‬إذا ظهرت‬ ‫�أم��ارات العدل و�أ�سفر وجهه ب ��أي طريق ك��ان فثم �شرع‬ ‫اهلل‪ ‬ودينه"‪ .‬نظم حكم تقوم على‪ :‬امل�شاركة‪ ،‬وامل�ساءلة‪،‬‬ ‫وال�شفافية‪ ،‬و�سيادة حكم القانون‪ .‬نظم تطبق على دول‬ ‫قطرية حتقق ‪-‬يف الإطار العربي‪ -‬تعاهداً‪ ،‬وكذلك تعاهد‬ ‫يف الإط��ار الإ�سالمي اجلامع‪� .‬أما احلروب امل�شتعلة الآن‬ ‫يف منطقتنا فريجى اتخاذ قرار قاطع بوقفها يف �أق�صر‬ ‫مدة ممكنة‪ ،‬وتكوين �صندوق لإزالة الدمار الذي حققته‪.‬‬ ‫هذه مهمة يقوم بها حكماء‪ ،‬ويرجى �أن يتجاوب معهم‬ ‫احلكام‪.‬‬ ‫ينبغي �أن توقف هذه احلروب‪ .‬و�أن يو�ضع حد لتوتر‬ ‫دول جمل�س التعاون اخلليجي ‪-‬على �ضوء الطيبات الع�شر‬ ‫التي اقرتحناها مل�ؤمتر القمة العربي الأخري بالريا�ض‪-‬‬ ‫للم�شاركة يف م��وق��ف ع��رب��ي م��وح��د ي�ب�رم م�ع��اه��دة �أم��ن‬ ‫وتعاي�ش ثالثي الأ�ضالع‪ :‬عربي‪� ،‬إيراين‪ ،‬تركي‪.‬‬ ‫هنالك م�صالح تتطلب متدداً نحو جنوب �شرق �آ�سيا‪،‬‬ ‫وم�صالح تتطلب تعاوناً تنموياً بني �ضفتي البحر الأحمر‪.‬‬ ‫وهما منطقة غرب �آ�سيا و�أفريقيا جنوب ال�صحراء‪.‬‬ ‫�أحبابنا‪،‬‬ ‫هنالك ت�ي��ارات م�ستجدة يف ال�غ��رب تقوم على �إث��ارة‬ ‫ال �ك��راه �ي��ة وامل� �خ ��اوف‪ ،‬وت �ت��وج��ه ع��دائ �ي �اً � �ض��د الإ� �س�ل�ام‬ ‫وامل�سلمني‪ .‬هذه التيارات خمربة‪ .‬ومن �ش�أنها �أن تتجاوب‬ ‫م��ع �أط��روح��ات ال�ت�ط��رف وال�ع�ن��ف يف ب�ل��دان�ن��ا م��ا يوجب‬ ‫الت�صدي لها‪.‬‬ ‫هذا التيار الغربي امل�ؤ�س�س على الكراهية واملخاوف‪،‬‬ ‫حتالف مع تيار عن�صري يف �إ�سرائيل‪ ،‬ما �أدى الآن العتبار‬ ‫القد�س موحدة عا�صمة لإ�سرائيل‪ ،‬و�إجازة قانون يهودية‬ ‫الدولة‪ .‬القانون الذي يجعل كل من لي�س يهودياً مواطناً‬ ‫م��ارق�اً‪ ،‬ويقفل ال�ب��اب �أم��ام ال�ع��ودة‪� .‬أي ت�صفية الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬وجعل �إ�سرائيل دولة ف�صل عن�صري‪.‬‬ ‫ه � ��ذه امل� � ��ؤام � ��رة ن �� �س ��أل اهلل �أن ت �ه��زم �ه��ا ال �ع��زمي��ة‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬والعزمية العربية‪ ،‬والعزمية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫بل التيارات الدولية العادلة‪.‬‬ ‫�أحبابنا‪،‬‬ ‫ما نقول عن تيارات اال�ستكبار ال��دويل‪ ،‬واالغت�صاب‬ ‫الإ�سرائيلي ال ينطبق على العالقة املطلوبة مع امل�سيحية‬ ‫واليهودية‪ .‬لقد �أو�ضحنا يف �أبحاث �أخرى �أن توراة اليهود‪،‬‬ ‫و�إجن�ي��ل يوحنا ل��دى امل�سيحيني حافلة بن�صو�ص تب�شر‬ ‫بقدوم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كما ورد يف القر�آن‪� .‬إن‬

‫اتفاق الأديان الإبراهيمية الثالثة يتطلب �إبرام "ميثاق‬ ‫املهتدين"‪ .‬وبالقيا�س ي�شمل الديانات الأخ��رى "ميثاق‬ ‫الإميانيني"‪ ،‬لأن ال�سالم العاملي نف�سه يتطلب ال�سالم‬ ‫بني الأديان‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ف�إن للإ�سالم خوا�ص جتعله �صاحلاً لإعطاء‬ ‫�أ�سا�س روحي و�أخالقي للإن�سانية‪.‬‬ ‫هناك حاجة لنهج عاملي موحد يف الع�صر احلديث‬ ‫مطلوب يف كل املجاالت لتحقيق م�صلحة كوكب الأر�ض‪ ،‬ال‬ ‫�سيما م�س�ألة البيئة الطبيعية‪� .‬أوردت الأكادميية العلمية‬ ‫درا�سة �أجراها ‪ 16‬من علماء البيئة جاء فيها‪� :‬إن كوكب‬ ‫الأر�ض يف الطريق لي�صري الفرن الأر�ضي‪ .‬ويقدرون �أن‬ ‫ذلك �سوف ي�ؤثر �سلباً على �سكان الأر�ض بارتفاع احلرارة‪،‬‬ ‫وارتفاع منا�سيب البحار‪ ،‬واختفاء الغابات‪ ،‬و�ضمور الإنتاج‬ ‫الزراعي‪ .‬بل يقدرون موت كثري من الب�شر �إذا مل تتخذ‬ ‫�إج ��راءات جذرية خلف�ض ال�غ��ازات الدفيئة‪ ،‬وامت�صا�ص‬ ‫الكربون‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬تبني‪ ،‬كما قالت �أوك�سفام يف م�ؤمتر دافو�س‬ ‫الأخ�ير‪� ،‬أن توزيع ال�ثروة والدخل داخ��ل الأقطار وفيما‬ ‫بينها ي ��ؤدي حتماً ال�ضطرابات اجتماعية‪� .‬إذ ميلك ‪62‬‬ ‫�شخ�صاً ما ي�ساوي ن�صف ثروة �سكان الأر�ض‪.‬‬ ‫هنالك عوامل جتعل الإ�سالم‪ ،‬بفهم التدبر واحلكمة‪،‬‬ ‫�صاحلاً لتزويد ق�ضايا ال�ساعة ببعد روح��ي و�أخ�لاق��ي‪.‬‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫• االع �ت��راف ب��الإن �� �س��ان ك ��إن �� �س��ان ب�غ����ض ال �ن �ظ��ر عن‬ ‫اعتقاده‪.‬‬ ‫• االعرتاف بالتنوع الديني والثقايف كجزء من نظام‬ ‫الكون‪.‬‬ ‫• االع�ت�راف مب�صادر املعرفة العقلية والتجريبية‪،‬‬ ‫واعتماد َ�سننَ الطبيعة‪.‬‬ ‫• االعرتاف بالأ�سا�س املو�ضوعي للأخالق‪.‬‬ ‫• االع �ت�راف ب��أه�م�ي��ة البيئة الطبيعية وم�سئولية‬ ‫الإن�سان يف رعاية �سالمتها‪ ،‬من واجبات التقوى‪.‬‬ ‫• التطلع لتجاوز املحلية نحو العاملية‪.‬‬ ‫• اخللو من �سلطة دينية متحكمة‪.‬‬ ‫حقاً‪ ،‬الر�سالة املحمدية ت�صلح لكل الع�صور ال لع�صر‬ ‫واحد‪:‬‬


‫ل �ـ �ـ �ـ �م �ـ��ا �أراد اهلل ج � ��ل ج�ل�ال ��ه‬ ‫�أن ي �خ��رج ال� �ك ��ون م ��ن ال�ظ�ل�م��ات‬ ‫�أه � � � ��داك رب � ��ك ل �ل ��أن � ��ام ي� ��ا ح�ب�ن��ا‬ ‫ف �ي �� �ض �اً م ��ن الأن � � ��وار وال��رح �م��ات‬ ‫العيد منا�سبة �سرور لكل الأجيال‪ ،‬ال �سيما الأطفال‬ ‫فلذات �أكبادنا مت�شي على الأر�ض‪ .‬ومهما كانت الظروف‬ ‫حالكة يرجى �أال نحرم طفولتهم من البهجة وامل�سرة‪.‬‬ ‫بع�ض بناتنا و�أخواتنا يحر�صن على رونق املظهر كما‬ ‫ينبغي‪ ،‬ولكن نرجو جتنب و�سائل التبيي�ض الكيماوية‬ ‫امل���ض��رة لل�صحة وامل�سرطنة‪ .‬ف ��إن لل�سمار ج�م��ال��ه‪ ،‬كما‬ ‫ل�سائر الأل��وان الطبيعية التي خلقها اهلل‪ .‬ومع احلر�ص‬ ‫على ا�ستقبال العيد باحلناء الطبيعية‪ ،‬ك��ذل��ك ينبغي‬ ‫جت�ن��ب ال�صبغة ب ��د ًال ع��ن احل �ن��اء لعظيم ��ض��رره��ا على‬ ‫ال�صحة‪ .‬‬ ‫ي�أتي العيد ه��ذا العام وق��د فجعنا يف �أبنائنا وبناتنا‬ ‫ال�ط�لاب �شهداء البحرية م��ن املنا�صري‪ ،‬وقبلهم بناتنا‬ ‫�شهيدات م��در��س��ة دار ال���س�لام‪ .‬يف كتابي "�أيها اجليل"‬ ‫حتدثت عن حقوق الأطفال و�ضرورة �أن ين�شئوا يف ظروف‬ ‫تكرمي‪ ،‬فرتاعى حقوقهم ويحاطون باملحبة واالهتمام‬ ‫امل�ستحق‪� .‬إن م�أ�ساة املنا�صري �أفزعتنا جميعاً وف�ضحت‬ ‫كيف مت عقاب الذين رف�ضوا االن�صياع خليار التهجري‬ ‫بحرمانهم م��ن اخل��دم��ات الأ�سا�سية وتعري�ض �أبنائهم‬ ‫وبناتهم للمخاطر من عقارب ح�صدت �أرواح الع�شرات‬ ‫منهم‪ ،‬ثم ال��رح�لات املدر�سية اليومية املحفوفة باملوت‬ ‫املحقق‪� .‬إننا �إذ نتقدم بتعازينا احل��ارة لأهلنا املنا�صري‬ ‫ولأه��ايل دار ال�سالم ولل�شعب ال�سوداين ب�أجمعه والذي‬ ‫ده�ست قلبه تلك الأحداث‪ ،‬و�إذ نعلن كذلك ت�ضامننا مع‬ ‫مت�ضرري ال�سيول والأم�ط��ار يف النهود وك�سال بل حتى‬ ‫يف العا�صمة اخلرطوم وغريها‪ ،‬ف�إننا نرفع كل مظاهر‬ ‫االح �ت �ف��ال ب��ال�ع�ي��د ال �ت��ي درج �ن��ا ع�ل�ي�ه��ا‪ :‬م��وك��ب اجل�ي��اد‬ ‫واملعايدات يف دار الهيئة ودار احلزب‪� ،‬سائلني اهلل �أن يربط‬ ‫على قلوبنا وقلوب ذوي ال�ضحايا املفجوعني‪ ،‬ويرفع عن‬ ‫ب�لادن��ا ه��ذا ال�ب�لاء العظيم ويقيم عليها نظاماً رحيماً‬ ‫قميناً بحكم هذا ال�شعب الطيب الكرمي‪.‬‬ ‫اللهم اهدنا واهد �أبناءنا وبناتنا‪ .‬وارحمنا وارحم �آباءنا‬ ‫و�أمهاتنا‪ .‬وبارك يف بالدنا �أر�ض جدودنا‪ ،‬ومنبت رزقنا‪.‬‬ ‫و�أهد �أمتنا بوعدك‪ :‬هَّ ُ‬ ‫}الل وَليِ ُّ ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا ُيخْ ر ُِج ُه ْم ِمنَ‬ ‫ُّ‬ ‫الظ ُل َم ِات �إِ َلى ال ُنّورِ{‪� .‬آمني‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬ ‫اهلل �أكرب‪ ..‬اهلل �أكرب‪ ..‬اهلل �أكرب‬ ‫ب ِْ�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫احل�م��د هلل ال ��وايل ال �ك��رمي‪ ،‬وال���ص�لاة وال���س�لام على‬ ‫احلبيب حممد و�آله مع الت�سليم‪ ،‬وبعد‪-‬‬ ‫�أحبابنا يف اهلل‪ ،‬و�إخواننا يف الوطن العزيز‪،‬‬ ‫�أمتنا قد تداعت عليها الأم��م‪ ،‬و�أثقلتها عيوب ذاتية‬ ‫ف�صار حالها كما و�صفه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إذ‬ ‫قال‪ُ « :‬ي ِ‬ ‫الَ َكلَ ُة‬ ‫ال َم� ُم �أَنْ َت َدا َعى َعلَ ْي ُك ْم َك َما َت َدا َعى ْ أ‬ ‫و�ش ُك ُْ أ‬ ‫�إِ َل ��ى َق��ْ��ص� َع� ِت� َه��ا»‪َ ،‬ف � َق��ا َل َق��ا ِئ� ٌ�ل‪َ :‬و ِم ��نْ ِق� َّل� ٍة َن� ْ�ح��نُ َي� ْو َم� ِئ� ٍ�ذ؟‬ ‫ري‪َ ،‬و َل ِك َّن ُك ْم غُ َثا ٌء َك ُغ َثا ِء ال�سَّ ْي ِل‪،‬‬ ‫َقا َل‪َ « :‬ب ْل �أَ ْن ُت ْم َي ْو َم ِئ ٍذ َك ِث ٌ‬ ‫َو َل َي ْن َز َعنَّ هَّ ُ‬ ‫الل ِمنْ ُ�ص ُدو ِر َع ُد ِّو ُك ُم المْ َ َها َب َة ِم ْن ُك ْم‪َ ،‬و َل َيق ِْذ َفنَّ‬ ‫هَّ ُ‬ ‫الل فيِ ُق ُلو ِب ُك ُم ا ْل� َو ْه��نَ »‪َ ،‬فقَا َل َقا ِئ ٌل‪َ :‬يا َر ُ�سو َل هَّ ِ‬ ‫الل‪َ ،‬و َما‬ ‫الد ْن َيا‪َ ،‬و َك َر ِاه َي ُة المْ َ� ْو ِت»‪ .‬هذا القعود‬ ‫«ح ُّب ُّ‬ ‫ا ْل َو ْهنُ ؟ َقا َل‪ُ :‬‬ ‫�صوره ال�شاعر ال�سعودي غازي الق�صيبي بقوله‪:‬‬ ‫�أيها املخرتع العظيم‬ ‫يا من �صنعت بل�سماً‬ ‫ق�ضى على مواجع الكهولة‬ ‫و�أيقظ الفحولة‬ ‫�أما لديك بل�سم يعيد يف �أمتنا الرجولة؟‬ ‫وبكى متيم الربغوثي‪:‬‬ ‫واحل��ا ِك �م��و َن ِب�ل�ا ِدي ��نٍ �إذا َع�َب�رَ ُ وا‬ ‫فيِ َج َّن ٍة �أَ ْ�ص َب َح ْت ِمنْ �ش�ؤمهم َج َر َدا‬ ‫�أَ ْن � َي��ا ُب � ُه � ْم فيِ َذوِي الأَ ْر َح � ��ا ِم ن ِ‬ ‫َا�ش َب ٌة‬ ‫َو ِلل��أَ َع��ا ِدي اْ ْب� ِت��� َ�س��ا ٌم ُي ْظ ِه ُر ال� � َّد َر َدا‬ ‫هناك بع�ض النظم يف ب�لاد م�سلمة يف �آ�سيا‪ ،‬كما يف‬ ‫ماليزيا‪ ،‬تظهر حوكمة ر�شيدة‪ .‬ولكن يف العامل العربي‪،‬‬ ‫با�ستثناء قليل‪ ،‬تظهر درج��ة عالية م��ن ال�سوء يف كافة‬ ‫م�ن��اح��ي احل �ي��اة‪ ،‬واال��س�ت�ب��داد يف احل �ك��م‪ ،‬ح�ت��ى �أن بع�ض‬ ‫املعلقني ��ص��اروا ي�سمونها "اال�ستثنائية العربية" التي‬ ‫وثق لها تقرير برنامج الأمم املتحدة للتنمية لعام ‪،2002‬‬ ‫ما جعل كاتباً وه��و رال��ف بيرتز يقول‪ :‬ينبغي �أن نعترب‬ ‫البلدان العربية من �سكان العامل الإ�سالمي عاجزة عن‬ ‫التحول البناء‪.‬‬ ‫ال�سودان مع انه الآن م�صنف من الدول الفا�شلة والفا�سدة‬ ‫باملقايي�س الدولية‪ ،‬ف�إن به عدة عوامل جتعله واعداً من حيث‬ ‫القدرة على اخلروج من امل�ستنقع الذي يقبع به حالياً‪:‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪25‬‬


‫‪26‬‬

‫الإ��س�لام وال�ع��روب��ة مل تدخال ال���س��ودان يف ظ��ل دول��ة‬ ‫مركزية‪ ،‬بل نتيجة حتول جمتمعي‪.‬‬ ‫التجربة الدميقراطية ان�ف��ردت يف املنطقة ب�صفاء‬ ‫ليربايل منت يف ح�ضنه منظمات �سيا�سية حقيقية‪.‬‬ ‫النظم اال�ستبدادية التي حكمته‪ ،‬مهما طال عهدها‪،‬‬ ‫زعزعتها املطالب ال�شعبية الدميقراطية و�أجربتها على‬ ‫�سلخ جلدتها مرات حتى هوت‪.‬‬ ‫وخا�ضت البالد جتارب ُمرة‪� ،‬أثمرت وعياً عميقاً بدور‬ ‫�إدارة التنوع‪.‬‬ ‫وال�ن�ظ��ام القاب�ض احل��ايل حم��اط ب�ع��وام��ل احلاجة‬ ‫امللحة للتغيري‪ ،‬و�أهمها‪:‬‬ ‫رف��ع �شعاراً �إ�سالمياً و�أف��رغ��ه م��ن مقا�صد الإ��س�لام‬ ‫العدلية يف الكرامة‪ ،‬واحلر ّية‪ ،‬والعدالة‪.‬‬ ‫ورف��ع �شعار �إن �ق��اذ ال�ب�لاد م��ن ال�ت�م��رد ولكنه انهزم‬ ‫�أمامه‪ ،‬ف�ضاعت وحدة البالد‪.‬‬ ‫واتبع �سيا�سات انحياز �إثني‪ ،‬ف�أ�شعل حرباً �أهلية يف‬ ‫دارفور م�ستمرة منذ ‪ 2002‬وحتى الآن‪.‬‬ ‫�أف �ل��ح يف اال� �س �ت �ف��ادة م��ن ات �ف��اق �أب��رم �ن��اه م��ع �شركة‬ ‫�شيفرون ا�ستخرج مبوجبه ال �ب�ترول‪ .‬ولكنه ب��دد عائد‬ ‫البرتول بعد �أن جعل اقت�صاد البالد يعتمد عليه‪ ،‬يف �أ�سو�أ‬ ‫ظاهرة ملتالزمة "املر�ض الهولندي" املر�ض االقت�صادي‬ ‫امل�ع�ل��وم (وي�ط�ل��ق على االع�ت�م��اد على م��ورد ري�ع��ي وحيد‬ ‫كالنفط و�إهمال املوارد املتجددة كالزراعة)‪ ..‬ولمَ ي�ستعد‬ ‫النف�صال اجل�ن��وب املحتمل‪ ،‬ف��دخ��ل منذ ‪ 2011‬يف �أزم��ة‬ ‫اقت�صادية متفاقمة‪.‬‬ ‫وزع��م �أن��ه ل��وال انقالبه على الدميقراطية يف ‪1989‬‬ ‫لبلغ �سعر ال ��دوالر‪ 20‬جنيهاً �سودانياً‪ .‬ولكن ال�سيا�سات‬ ‫اخلاطئة التي اتبعها جعلت �سعر الدوالر الآن ما بني ‪40‬‬ ‫�إلى ‪� 50‬ألف جنيه �سوداين للدوالر الواحد!‬ ‫وعطل دول��ة الرعاية االجتماعية ل�صالح ال�صرف‬ ‫الدفاعي والأمني‪ ،‬فزادت ن�سبة الفقر والعطالة وهجرة‬ ‫املواطنني �إلى خارج الوطن ب�صورة غري م�سبوقة‪.‬‬ ‫وادع� ��ى �أن ��ه ج ��اء ل��رف��ع امل �ع��ان��اة ع��ن ال���ش�ع��ب‪ ،‬ولكن‬ ‫ال�سيا�سات التي اتبعها جعلت �أ�سعار كافة ال�سلع مبا فيها‬ ‫الأ�سا�سية باهظة التكاليف ب�صورة ال تطاق‪ .‬ويف مقارنة‬ ‫عابرة بني �أ�سعار املواد الأ�سا�سية عام ‪ 1989‬و�أ�سعارها ا ْل َي ْو َم‬ ‫يف ‪ 2018‬جند �أن �سعر رطل ال�سكر ا ْل َي ْو َم ي�شرتي ‪ 50‬جوال‬ ‫�سكر عام ‪ .1989‬و�سعر الرغيفة الواحدة ا ْل َي ْو َم ي�ساوي ‪15‬‬ ‫ٍ‬ ‫يومئذ‪.‬‬ ‫�ألف رغيفة‬

‫حطم م�ؤ�س�سات ال��دول��ة املنتجة مما �أفقر النا�س �إذ‬ ‫يقدر االقت�صاديون �أن ن�سبة الفقر تبلغ ‪ %80‬يف امل��دن‬ ‫و‪ %90‬يف الريف‪ ،‬ف�أ�صبحت املعي�شة جحيماً ال يطاق‪.‬‬ ‫�أحبابنا‪،‬‬ ‫احلرب يف جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق �سببها‬ ‫عيوب تطبيق اتفاقية �سالم نيفا�شا‪ ،‬ما ترك قوى م�سلحة‬ ‫�شمالية‪ :‬الفرقة التا�سعة والعا�شرة‪� ،‬شمال احلدود دون‬ ‫تنفيذ الربوتوكولني اخلا�صني باملنطقتني‪� .‬أما يف دارفور‪،‬‬ ‫فهناك غ�بن تاريخي يتمثل يف غياب التنمية وال�شعور‬ ‫بالتهمي�ش‪ .‬ون�سبة لظروف بيئية معلومة حدث تناف�س‬ ‫على امل��وارد الطبيعية بني جمموعتني من املواطنني يف‬ ‫دارفور الكربى‪ .‬انحازت احلكومة ملجموعة �ضد الأخرى‪،‬‬ ‫مما دفع بع�ض �أبناء املجموعة الأخ��رى ملقاومة م�سلحة‬ ‫�ضد النظام‪.‬‬ ‫قبل ان�ق�لاب ‪ 1989‬مل تكن هناك جماعة يف دارف��ور‬ ‫حتمل ال�سالح �ضد احلكومة املركزية‪ .‬ولكن لأن النظام‬ ‫نف�سه ق��ام وا�ستولى على احلكم مبنطق ال�ق��وة‪ ،‬و�أعلن‬ ‫انه ال يفاو�ض �إال حملة ال�سالح‪ ،‬فقد اندفعت جماعات‬ ‫يف دارف��ور لتكوين حركتني ملقاومة النظام با�سم حركة‬ ‫حترير ال�سودان‪ ،‬وحركة العدل وامل�ساواة‪.‬‬ ‫وجل�أ النظام خلطة ق�صرية النظر با�ستغالل التباين‬ ‫الإث �ن��ي يف دارف � ��ور‪ ،‬وحت��ري����ض ال�ق�ب��ائ��ل ال�ع��رب�ي��ة لدعم‬ ‫حمالته الع�سكرية‪.‬‬ ‫يرجى �أن تت�صالح القبائل كلها وتتجنب اال�ستقطابات‬ ‫الإث �ن �ي��ة‪ ،‬وه��و م��ا �سعينا ل��ه م��ع ك��ل ال �ن��زاع��ات القبلية‬ ‫و�أر�سلنا وف��وداً عديدة ت�سعى للم�صاحلات ووق��ف العنف‬ ‫بني القبائل يف دارفور وغريها‪� ،‬آخرها الوفد الذي �سعى‬ ‫للتو�سط بني �أهلنا اللحويني و�أهلنا الهو�سا يف الق�ضارف‪.‬‬ ‫فنحن يف ال�سودان كما قالت ال�شاعرة ال�سودانية‪:‬‬ ‫ه �ن��ا ال �ع��روب��ة يف ج ��ذر ال��زن��وج��ة‬ ‫يف ف � � ��رادة ج �م �ع��ت ك ��ل الأف ��ان�ي�ن‬ ‫ل�ق��د �أو� �ض �ح �ن��ا يف ك�ت��اب�ن��ا "الهوية ال �� �س��ودان �ي��ة بني‬ ‫الت�سبيك والتفكيك" ما تتطلبه مراعاة �شروط الت�سبيك‬ ‫جتنباً لعوامل التفكيك‪.‬‬ ‫�أحبابنا‪،‬‬ ‫وم�ه�م��ا ح��اول�ن��ا ن�صح ال�ن�ظ��ام �صعر خ��ده وا�ستكرب‬ ‫ا�ستكبارا‪:‬‬ ‫عزلنا مت��ام�اً م��ن �أي��ة م�شاركة يف احل��وار ال��ذي �أدى‬ ‫التفاقية يناير ‪ .2005‬ومنذ البداية در�سنا ما اتفق عليه‪،‬‬


‫و�أعلنا النتيجة يف مايو ‪ ،2005‬م�ؤكدين �أن بنية وبنود‬ ‫االتفاقية قا�صرة عن �إحالل �سالم وعن حتقيق الوحدة‬ ‫والتحول الدميقراطي‪ .‬وللأ�سف قد كان‪.‬‬ ‫ولدى حمادثات �سالم دارف��ور يف �أبوجا ‪� ،2006‬س�ألنا‬ ‫امل �ف��او���ض ب��ا��س��م ال�ن�ظ��ام امل��رح��وم د‪ .‬جم ��ذوب اخلليفة‪،‬‬ ‫ف�أعطيناه ر�أي �اً قاطعاً‪ .‬ه��ذا ال��ر�أي عندما عر�ضته على‬ ‫بع�ض ال��ذي��ن ك��ان��وا م��ن امل�شاركني يف ال�ت�ف��او���ض؛ قالوا‬ ‫�إن هذا ال��ر�أي لو كانت احلكومة عر�ضته علينا لأبرمت‬ ‫اتفاقية �سالم يف دارف ��ور ون�ف��ذت‪ .‬ولكن امل��رح��وم رف�ض‬ ‫الر�أي الذي عر�ضته عليه بحجة �أنه يتعار�ض مع ثوابت‬ ‫النظام احلاكم‪.‬‬ ‫بعد تنفيذ اتفاقية نيفا�شا‪� ،‬أدت عيوبها النف�صال اجلنوب‪،‬‬ ‫واحتدمت احلرب يف دارفور‪ ،‬والتخلف يف تنفيذ بروتوكويل‬ ‫جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق‪ ،‬ظهر لنا �أن حرب دارفور‬ ‫�سوف تتوا�صل و�أن احلرب يف املناطق اجلنوبية �سوف تتجدد‬ ‫با�سم اجلنوب اجل��دي��د‪ .‬ويف اجتماع لنا برئي�س النظام يف‬ ‫‪ 2011/3/24‬قلنا له‪ :‬الحتواء هذه احلاالت احلربية‪ ،‬وجتنباً‬ ‫لالنق�سام ال�سيا�سي يف البالد هاك برناجماً قومياً من ‪10‬‬ ‫نقاط‪ ،‬ونقرتح �أن تدعو ‪� 8‬أ�شخا�ص حمددين‪ ،‬و�أن تعر�ض‬ ‫عليهم النقاط للموافقة عليها �أو تعديلها‪ ،‬لينفذها رئي�س‬ ‫وفاقي‪ .‬وقدمت له هذا ال��ر�أي مكتوباً‪ .‬ولكنه مل ي�ستجب‪،‬‬ ‫وبعد حني ا�شتعلت احلرب يف جنوب كردفان وجنوب النيل‬ ‫الأزرق وات�صلت احلرب يف دار فور‪.‬‬ ‫�أحبابنا‪،‬‬ ‫نظام احلكم يف ال�سودان الآن يقف مواجهاً ‪ 63‬قراراً‬ ‫م�ضاداً �صادراً من جمل�س الأم��ن ال��دويل‪� ،‬أكرثها حتت‬ ‫الف�صل ال�سابع من ميثاق الأمم املتحدة‪ .‬و�أخطرها القرار‬ ‫‪ ،1593‬الذي مبوجبه قرر جمل�س الأمن بالإجماع �إحالة‬ ‫قيادات �سودانية للمحكمة اجلنائية الدولية‪ ،‬و�أحلق بهم‬ ‫ات�ه��ام لرئي�س النظام بجرائم �ضد الإن�سانية وج��رائ��م‬ ‫حرب وجرمية الإبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫ه ��ذه ال �ف �ظ��ائ��ع جم�ت�م�ع��ة ج�ع�ل��ت ال �ن �ظ��ام حم��ا� �ص��راً‬ ‫وي��ائ �� �س �اً‪ ،‬م��ا ج�ع��ل ق �ي��ادت��ه ت�ن��ا��ش��د رئ�ي����س دول� ��ة ك�برى‬ ‫رو�سيا‪ -‬حلمايته‪ .‬وجعلته يخالف الأع ��راف متجاوزاً‬‫�أجهزة الدفاع النظامية لالعتماد على حماية جهات غري‬ ‫نظامية‪ .‬لقد �صار اال�ستمرار يف احلكم هدفاً يف حد ذاته‬ ‫ب�لا �أيديولوجية �أو برنامج‪ ،‬ب��ل اال�ستمرار يف ال�سلطة‬ ‫للمحافظة على مكا�سب ال�سلطة واحلماية من مالحقة‬ ‫املحكمة‪.‬‬ ‫وج��ود ق��وى �سيا�سية م�سلحة معار�ضة للنظام يعود‬ ‫مبا�شرة لأمرين‪:‬‬

‫الأول‪ :‬التق�صري يف تنفيذ ات�ف��اق�ي��ة ��س�لام نيفا�شا‬ ‫ما �أبقى على فرقتني م�سلحتني يف ال�شمال دون تنفيذ‬ ‫االلتزام ال�سيا�سي املن�صو�ص عليه يف بروتوكولني‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬االنحياز الإثني يف �إدارة دارف��ور ما �أدى منذ‬ ‫‪ 2002‬لن�ش�أة حركتي مقاومة‪.‬‬ ‫ه�ؤالء جميعاً كونوا يف يونيو ‪2012‬م اجلبهة الثورية‬ ‫ال�سودانية‪ .‬ويف يناير ‪ 2013‬عقدت هذه اجلبهة م�ؤمتراً يف‬ ‫كمباال‪ .‬ذلك امل�ؤمتر �صدرت عنه "وثيقة الفجر اجلديد"‪.‬‬ ‫ومع �أننا دعينا لهذا االجتماع‪� ،‬إال �أننا رف�ضنا ما ورد يف‬ ‫تلك الوثيقة من اعتبار العمل امل�سلح �أحد و�سائل �إقامة‬ ‫نظام جديد‪ ،‬و�أي�ضاً ما ورد فيها من �إقرار تقرير امل�صري‬ ‫للمناطق املتظلمة‪ .‬وبعد ت��داول الح��ق بيننا اتفقنا مع‬ ‫اجلبهة الثورية يف �أغ�سط�س ‪ 2014‬على "�إعالن باري�س"‬ ‫الذي اتفق فيه على �إقامة النظام اجلديد بو�سائل خالية‬ ‫من العنف‪ ،‬والدعوة للمواطنة املت�ساوية �أ�سا�ساً للحقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬والتخلي عن احلديث عن املطالبة بالدعوة‬ ‫لتقرير امل�صري‪ .‬ثم‪ ،‬ويف مرحلة الحقة يف دي�سمرب ‪2014‬‬ ‫اتفق على تكوين �أك�بر با�سم "نداء ال�سودان" يف �أدي�س‬ ‫�أبابا‪.‬‬ ‫��ص��ار ن��داء ال���س��ودان تكويناً ج��ام�ع�اً ل�ق��وى �سيا�سية‬ ‫مدنية‪ ،‬وقوى اجلبهة الثورية‪ ،‬ومنظمات جمتمع مدين‪.‬‬ ‫ك��ان��ت ال�ع�لاق��ة التنظيمية ب�ين م�ك��ون��ات ن��داء ال���س��ودان‬ ‫ف�ضفا�ضة‪ ،‬ول�ك��ن يف م��ار���س ‪ 2018‬ت�ق��رر ت�ك��وي��ن هيكل‬ ‫تنظيمي موحد لها‪ .‬واتفق �أن يكون عمل النداء ال�سيا�سي‬ ‫املوحد معار�ضة �سلمية‪ ،‬مع ا�ستمرار القوى الثورية يف‬ ‫تكوينها اخلا�ص‪� .‬أي نظام واحد وم�ساران‪ُ .‬‬ ‫و�ضمن هذا‬ ‫املعنى يف د�ستور النداء‪.‬‬ ‫وك��ان وا�ضحاً �أن بع�ض قواعد اجلبهة الثورية غري‬ ‫را�ضية على قيادة مدنية يف القمة‪ ،‬وبع�ض قواعد القوى‬ ‫املدنية غري را�ضية على م�شاركة القوى امل�سلحة يف تنظيم‬ ‫واح��د و�إن اختلف امل �� �س��اران‪ .‬ول�ك��ن الثقة املكت�سبة بني‬ ‫القيادات امت�صت �أية حتفظات‪.‬‬ ‫يف يوليو ‪ 2018‬دعت ف�صائل اجلبهة الثورية الجتماع‬ ‫يف باري�س وقررت �إعادة توحيد اجلبهة الثورية‪ ،‬واتخذت‬ ‫ق ��رارات ذات م�ضمون �سيا�سي دون �أن ي�ك��ون للف�صائل‬ ‫الأخرى يف النداء �أية م�شاركة‪.‬‬ ‫معلوم �أن اجلبهة الثورية �سوف ت�ستمر يف تكويناتها‬ ‫امل�سلحة �إلى �أن يربم اتفاق �سالم عادل �شامل‪ ،‬وتدخل يف‬ ‫هيكلة جديدة للقوات امل�سلحة ال�سودانية‪.‬‬ ‫وم�ع�ل��وم �أن ال �ق��وى امل�س ّي�سة امل�سلحة ال تنتهي �إال‬ ‫مبوجب ات�ف��اق �سيا�سي‪ ،‬كما وثقت لذلك منظمة ران��د‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪27‬‬


‫‪28‬‬

‫الأمريكية بدرا�سة ‪ 684‬حركة م�سلحة يف العامل يف الفرتة‬ ‫ما بني ‪ 1983‬و ‪2008‬م‪ .‬فعندما �أُبرم االتفاق الربيطاين‬ ‫مع اجلي�ش اجلمهوري الأيرلندي كان عدد جنوده ‪250‬‬ ‫فرداً فقط‪.‬‬ ‫كان وال زال موقفنا املبدئي من العمل لنظام جديد‬ ‫ب��ال �ق��وة امل���س�ل�ح��ة م��رف��و���ض‪ .‬لأن� ��ه � �س��وف ي�ج�برن��ا على‬ ‫اال�ستعانة بجهة �أجنبية‪ ،‬وحتى �إذا حقق �إ�سقاط النظام‬ ‫بالقوة ف�إنه �سوف ي�ضطر لإقامة نظام حتميه القوة‪� ،‬أي‬ ‫�سيكون على ح�ساب حتقيق الدميقراطية‪.‬‬ ‫لإقامة تنظيم واحد لقوى مدنية و�أخ��رى م�سلحة‪،‬‬ ‫ينبغي �أن تكون القيادة كذلك موحدة مثلما كان احلال يف‬ ‫اجلبهة الوطنية التي حققت انتفا�ضة ‪1976‬م‪ ،‬واحلركة‬ ‫ال�شعبية لتحرير ال�سودان وجي�شها امل�سلح‪� .‬أما العالقة‬ ‫التنظيمية بني مكونات تختلف يف طبيعتها بني مدنية‬ ‫وم�سلحة ع�سكرية تفر�ض عليها تن�سيقاً ال تقبله ظروف‬ ‫العمل امل�سلح‪ .‬ومهما قيل عن م�سارين حتت قيادة موحدة‬ ‫ف�إن هذه العالقة ت�شل حركة القوى املدنية �سيا�سياً داخل‬ ‫ال�سودان ودبلوما�سياً خارج ال�سودان‪.‬‬ ‫لقد قلتُ لزمالئي يف ن��داء ال���س��ودان �إن تعاوننا قد‬ ‫�أ� �ض��اف للحركة ال�سيا�سية ال���س��ودان�ي��ة ر��ص�ي��داً ج��دي��داً‬ ‫بتوازن قوى جديد‪ .‬ولكن الهيكل احلايل لنداء ال�سودان‬ ‫ق��د ت��داخ��ل ب�ين امل���س��اري��ن امل ��دين وال�ع���س�ك��ري‪ .‬ل�ضمان‬ ‫ا�ستمرار ن��داء ال�سودان بال�صورة املن�شودة ينبغي تعديل‬ ‫هياكل النداء بحيث يتم الف�صل التام بني امل�سار املدين‬ ‫ال�سلمي وامل�سار الع�سكري ال��ذي يخ�ص اجلبهة الثورية‬ ‫وحدها‪ .‬ويف اجتماع ر�ؤ�ساء ف�صائل ن��داء ال�سودان اتفق‬ ‫على تكوين جلنة تقرتح الهيكلة املطلوبة للف�صل الوا�ضح‬ ‫بني امل�سار املدين ال�سلمي وامل�سار الع�سكري الذي يخ�ص‬ ‫اجلبهة الثورية وحدها‪.‬‬ ‫املكون ال�سيا�سي للجبهة الثورية ي�ؤيد �أهداف وو�سائل‬ ‫ن��داء ال�سودان املتفق عليها‪ ،‬وي��ؤي��د الو�سائل ال�سيا�سية‬ ‫لتحقيقها‪ ،‬وتتحمل اجلبهة امل�س�ؤولية ع��ن �أي��ة �أعمال‬ ‫ع�سكرية‪ ،‬وه��ي ال تخ�ص ن��داء ال���س��ودان‪ .‬واحلقيقة �أن��ه‬ ‫منذ �إع�لان باري�س يف ‪� 8‬أغ�سط�س ‪2014‬م درجت اجلبهة‬ ‫الثورية على جتدد متديد وقف العدائيات تقديراً مل�شروع‬ ‫احلل ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫�إن�ن��ا نطالب ال��ذي��ن �أي ��دوا النظام احل��ايل يف مراحل‬ ‫ما�ضية واك�ت���ش�ف��وا ع�ي��وب ال�ت�ج��رب��ة‪ ،‬وه��م ك �ث�يرون‪� ،‬أن‬

‫ي��وج �ه��وا ال��دع��وة مل ��ؤمت��ر ل�ل�ق�ي��ام ب�ن�ق��د ذات ��ي للتجربة‬ ‫و�إجراء مراجعة �شاملة لإعادة اكت�شاف الذات واال�ستعداد‬ ‫للم�شاركة يف امل�سار القومي اجلامع‪ .‬فاحلق �أحق �أن يتبع‪.‬‬ ‫كما نرجو �أن يثوب �آخرون �إلى ر�شدهم‪.‬‬ ‫�أم��ا ال��ذي��ن م��ا زال��ت تربطهم م�صالح ذات�ي��ة فنقول‬ ‫لهم‪ :‬اعلموا �أن امل�سرحية انتهت‪ .‬و�إ�صراركم على نف�س‬ ‫املر�شح مع تكاليف ذلك الباهظة على ال�سودان دليل �آخر‬ ‫على الإفال�س وعدم احلر�ص على امل�صلحة الوطنية‪.‬‬ ‫تدعون النتخابات عامة‪� .‬إذا اتفق على قانونها‪ ،‬وعلى‬ ‫مفو�ضية قومية لإدارت�ه��ا‪ ،‬وعلى كفالة احلريات‪ ،‬وعلى‬ ‫قومية م�ؤ�س�سات الإع�لام‪ ،‬وعلى �ضبط حركة املال العام‬ ‫فال ي�ستغل حزبياً‪ ،‬فنحن �أولى بخو�ضها‪ .‬و�إال فخو�ضها‬ ‫�سيكون م�ساهمة يف حلقات تزوير �إرادة ال�شعب‪.‬‬ ‫وتدعون للم�شاركة يف كتابة د�ستور البالد‪� .‬إذا اتفق �أن‬ ‫يكون عرب م�ؤمتر قومي د�ستوري جامع ال يعزل �أح��داً‪،‬‬ ‫وحت��ت رئ��ا��س��ة متفق عليها م��ن قبل اجلميع يف احلكم‬ ‫واملعار�ضة‪ ،‬ويف مناخ كفالة احلريات‪ ،‬فهذا "عز الطلب"‪.‬‬ ‫ول�ك��ن �أن ت�ضع ال��د��س�ت��ور مفو�ضية حت��ت �إم ��رة وق�ي��ادة‬ ‫احلزب احلاكم وليجيزها جمل�س "ب�صمجي"‪ ،‬فال يقبل‬ ‫ذلك عاقل �أو وطني‪.‬‬ ‫�أما فيما يخ�ص �أهل ال�سلطة‪ ،‬وكما حدث يف ظروف‬ ‫االنتقال للحزب الوطني الأفريقي يف جنوب �أفريقيا‪،‬‬ ‫وجلماعة فرانكو يف �أ�سبانيا‪ ،‬وحلزب بينو�شي يف ت�شيلي‬ ‫وغريهم‪ ،‬ف�إننا نعر�ض عليكم غ�صن زيتون مقابل ت�سليم‬ ‫البالد ورد الأمر لأهله؛ ال�شعب ال�سوداين‪ ،‬وذلك باُ�سلوب‬ ‫ناعم عرب حوار با�ستحقاقاته‪.‬‬ ‫عندما حتدثنا عن اُ�سلوب م�ساءلة �آخ��ر عرب نظام‬ ‫روم��ا امل�ؤ�س�س للمحاكمة اجلنائية ومب��وج��ب البند ‪16‬‬ ‫منه‪ ،‬ومع مت�سكنا مببد�أ عدم الإفالت من العقوبة‪ ،‬هب‬ ‫متعجلون للإدانة‪ .‬البند ‪ 16‬متاح ملجل�س الأمن‪ ،‬وجمل�س‬ ‫الأم��ن ال ميكنه �أن يعتمده �إال مبوجب موافقة �ضحايا‬ ‫التجاوزات‪ .‬وحتى قبل ذلك‪ ،‬ف�إن �ضحايا التجاوزات قد‬ ‫يقبلون جتاوز امل�ساءلة اجلنائية مقابل م�صلحة يرونها‬ ‫كما حدث �سابقا‪:‬‬ ‫• يف ‪� 21‬أكتوبر قرر �ضحايا نظام ‪ 17‬نوفمرب قبول‬ ‫العفو عن م�ساءلة النظام مقابل تنحي نظام عبود عن‬ ‫ال�سلطة‪.‬‬


‫• ويف ‪ 1992‬قررت قيادة امل�ؤمتر الوطني الأفريقي‬ ‫يف ج�ن��وب �أفريقيا التخلي ع��ن م�ساءلة جنائية لنظام‬ ‫الف�صل العن�صري وحتقيق امل�صاحلة املطلوبة لل�سالم‬ ‫والإن�صاف واال�ستقرار عرب مفو�ضية احلقيقة وامل�صاحلة‪.‬‬ ‫• ويف ‪ 2005‬جت� ��اوزت احل��رك��ة ال�شعبية لتحرير‬ ‫ال�سودان بقيادة املرحوم د‪ .‬ج��ون قرنق عن �أي��ة م�ساءلة‬ ‫جنائية لنظام الإنقاذ االنقالبي‪ ،‬رغم ما ارتكب‪ ،‬مقابل‬ ‫ما حتقق لها من مكا�سب يف اتفاقية ال�سالم‪.‬‬ ‫نقول بو�ضوح‪ :‬نحن م��ع املحكمة اجلنائية الدولية‬ ‫وواليتها يف �إن�ه��اء ح�صانات احل�ك��ام ال��ذي��ن يجرمون يف‬ ‫حقوق �شعوبهم‪ .‬ونرف�ض طلب �سفري كينيا للأمم املتحدة‬ ‫لإ�صدار فتوى من حمكمة العدل الدولية لإعطاء ح�صانة‬ ‫ل��ر�ؤ��س��اء ال ��دول ب���ص��ورة مطلقة‪ .‬نف�س احل�صانة التي‬ ‫يعطيها الر�ؤ�ساء املعتدين ملوظفيهم املعتدين‪ .‬ونقول‪� :‬إن‬ ‫احل�صانة جتايف العدالة وتعني الإفالت من العقوبة‪.‬‬ ‫�أحبابنا‪،‬‬ ‫ت�شهد �أف��ري�ق�ي��ا ا ْل� � َي� � ْو َم ت �ط��ورات �إي�ج��اب�ي��ة يف اجت��اه‬ ‫امل�صاحلات‪ ،‬ويف اجت��اه التخلي عن تعديالت الد�ساتري‬ ‫مل�صالح ذاتية‪ .‬ال�سودان �أول��ى بامل�صاحلات‪ ،‬ولكن لتكون‬ ‫له م�صداقية يف ذلك ينبغي �أن يحقق ذلك يف �أو�ضاعه‪،‬‬ ‫حتى ال يقال كما قيل يف دور النظام يف م�صاحلة الإخوة‬ ‫اجلنوبيني‪ :‬هذا كمن يريد ا�ستخراج ب�سكويتة من ال�شاي‬ ‫بب�سكويتة �أخرى‪ .‬وقدمياً قيل‪:‬‬ ‫ي ��ا �أي� �ه ��ا ال ��رج ��ل امل �ع �ـ �ـ �ـ �ل��م غ�ي�ـ��ره‬ ‫هــــــــال لنف�سك ك ��ان َذا التعليم‬ ‫ت�صف الدواء لذي ال�سقام وذي ال�ضنى‬ ‫ك�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�م��ا ي �ط �ي��ب ب ��ه و�أن� � ��ت �سقيم‬ ‫ل�ي���ص��دق ال �ن �ظ��ام يف اخل ��رط ��وم يف ن �ه��ج امل���ص��احل��ات‬ ‫فلي�صدق يف مواقفه‪ .‬فقد �أر�سل لنا وفداً بقيادة الفريق‬ ‫الهادي عبد اهلل يف القاهرة �أواخر رم�ضان املا�ضي‪ ،‬ووفداً‬ ‫�آخ��ر بعد عيد الفطر مم�ث�ل ً‬ ‫ا يف �شخ�ص ال�سيد في�صل‬ ‫ح�سن �إب��راه�ي��م‪ .‬ك�لا الوفدين اتفقا معنا على �ضرورة‬ ‫�إجراء حوار با�ستحقاقاته مبوجب خريطة الطريق املوقع‬ ‫عليها‪ ،‬ملتزمني باتخاذ �إجراءات تهيئة املناخ ولكن النظام‬ ‫�سكت عن ذلك‪َ } .‬ه ْل تحُ ِ ُّ�س ِم ْن ُهم ِّمنْ �أَ َح ٍد �أَ ْو ت َْ�س َم ُع َل ُه ْم‬ ‫ِر ْكزًا {‪.‬‬

‫�أحبابنا يف اهلل والوطن العزيز‬ ‫يف مرورنا على عوا�صم العامل جند �أرتا ًال من �شبابنا‬ ‫�ضاقت بهم ظروف الوطن‪ .‬الظروف التي دفعت كثريين‬ ‫منهم داخل الوطن للغياب باملخدرات والغياب باالرمتاء‬ ‫يف التط ّرف وحم��ارب��ة املجتمع‪� .‬إنهم جيل �سرق النظام‬ ‫حا�ضرهم‪ ،‬فلنعمل بجد لن�ؤمن لهم م�ستقبلهم‪ .‬وليقبل‬ ‫ال�ن��اج�ح��ون و�أ� �س��ره��م م��ن بناتنا و�أب�ن��ائ�ن��ا يف امتحانات‬ ‫ال�شهادة ال�سودانية تهانينا‪.‬‬ ‫�أحبابي يف اهلل و�أخواين يف الوطن العزيز‪ ،‬‬ ‫تبادلوا التعايف والت�صايف‪� .‬أعفوا عنا �صفحاً جمي ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ونحن عنكم ب�إذن اهلل عافون‪ .‬ومع بعد امل�سافات جغرافياً‬ ‫بيننا ف�إن املحبة تطوي امل�سافات‪:‬‬ ‫و� �س �ن��ة اهلل يف الأح � �ب� ��اب �أن لهم‬ ‫وج�ه�اً ي��زي��د و��ض��وح�اً كلما ابتعدا‬ ‫ولنبتهل ل��رب العاملني‪ :‬اللهم �إن عفوك ع��ن ذنوبنا‬ ‫وجت� ��اوزك ع��ن خ�ط��اي��ان��ا و� �س�ترك ع�ل��ى ق�ب�ي��ح �أع�م��ال�ن��ا‪،‬‬ ‫�أط�م�ع�ن��ا �أن ن���س��أل��ك م��ا ال ن�ستوجبه مم��ا ق�صرنا فيه‪.‬‬ ‫ندعوك �آمنني ون�س�ألك م�ست�أن�سني‪ .‬ف�إنك �أن��ت املح�سن‬ ‫�إلينا ونحن امل�سيئون �إلى �أنف�سنا فيما بيننا وبينك‪ .‬تتودد‬ ‫�إلينا بنعمك ونتبغ�ض �إليك باملعا�صي ولكن الثقة بك‬ ‫حملتنا على اجلراءة عليك فعد بف�ضلك و�إح�سانك علينا‬ ‫�إنك �أنت التواب الرحيم‪.‬‬ ‫وثقتنا باهلل‪َ }:‬و ُق ِل ْاع َم ُلوا َف َ�سيرَ َ ى هَّ ُ‬ ‫الل َع َملَ ُك ْم‪َ ‬و َر ُ�سو ُل ُه‬ ‫َوالمْ ُ�ؤ ِْمنُونَ{‪.‬‬ ‫وثقتنا باهلل‪�} :‬إِ َّن هَّ َ‬ ‫الل ُي َدا ِف ُع‪َ ‬عنِ ‪ ‬ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا{‪.‬‬ ‫وثقتنا ب��اهلل‪َ } :‬و َم��ا َك��ا َن َر ُّب� َ�ك ِل ُي ْه ِل َك ا ْل� ُق� َرى ب ُِظل ٍْم‬ ‫َو�أَ ْه ُل َها ُم ْ�ص ِل ُحونَ{‬ ‫فابقوا يف حفظ اهلل �إلى �أن يجمع اهلل �شملنا قريباً‪:‬‬ ‫م��ا ب�ين غم�ضة ع�ي ٍ�ن وانتباهتها‬ ‫ي� �ب ��دل اهلل م ��ن ح� � � ٍ‬ ‫�ال �إل� � ��ى ح��ال‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل تعالى وبركاته‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪29‬‬


‫دراسات‬

‫من أطاع الله‬ ‫في أوامره‬ ‫التشريعية‬

‫د‪ .‬عبد المجيد أبو سل‬

‫‪30‬‬

‫من ع��رف اهلل ب�أنه هو ال��ذي خلقه من العدم ورب��اه‬ ‫ب��ال�ن�ع��م ك�م��ا ي�ستحق دان ل��ه ب��ال�ع�ب��ادة ق��ال اهلل تعالى‬ ‫الن��� َ�س� ِ‬ ‫ين ِّم��نَ ال� َّد ْه� ِر لمَ ْ َيكُن �شَ ْيئًا‬ ‫} َه� ْ�ل َ�أ َت��ى َعلَى ْ إِ‬ ‫�ان ِح� ٌ‬ ‫ِن�سا َن ِمن ن ُّْط َف ٍة �أَ ْم َ�شا ٍج َّن ْب َت ِلي ِه‬ ‫َّم ْذ ُكو ًرا‪� ِ )1( ‬إنَّا خَ لَ ْقنَا ْ إ‬ ‫ال َ‬ ‫ريا‪� )2( ‬إِنَّا َه َد ْينَا ُه ال�سَّ بِي َل �إِ َّما �شَ ا ِك ًرا‬ ‫َف َج َع ْلنَا ُه َ�س ِمي ًعا َب ِ�ص ً‬ ‫َو�إِ َّما َكفُو ًرا‪ { ‬االن�سان‪ .3‬و َع ِل َم ان الف�ضل كله وال�شكر الى‬ ‫اهلل املنعم املتف�ضل ال��ذي خلق اجل��ن واالن����س م��ن اجل‬ ‫عبادته و�أن الغاية من خلق االن�سان كما قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫الن��� َ�س �إِلاَّ ِل َي ْع ُب ُد ِ‬ ‫ون (‪َ )56‬ما �أُ ِري� ُد‬ ‫} َو َم��ا خَ لَقْتُ الجْ ِ ��نَّ َو ْ إِ‬ ‫ِم ْن ُهم ِّمن ِّر ْزقٍ َو َما �أُ ِري� ُد �أَن ُي ْط ِع ُم ِ‬ ‫ون{ الذاريات ‪ 57‬اي‬ ‫امنا خلقتهم لآمرهم بعبادتي ولي�س لأحتياجي اليهم‬ ‫قال ابن عبا�س ‪ :‬اي ليقروا بعبادتي طوعا او كرهاً وقال‬ ‫ابن م�سعود ‪:‬اقر�أين ر�سول اهلل (�ص) ‪ (:‬اين انا الرزاق‬ ‫ذو القوة واملتني) رواه احمد والن�سائي وال�ترم��ذي انه‬ ‫اهلل تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده ال �شريك‬ ‫له فمن اطاعه جازاه امت اجلزاء ومن ع�صاه عذبه ا�شد‬ ‫العذاب وان��ه لي�س بحاجة لهم هم الفقراء بحاجة له‪،‬‬ ‫وجرت �سنة اهلل يف خلقه ب�أن تتعلم احكامه للنا�س ليكونوا‬ ‫خلفاء يف االر�ض قال اهلل تعالى } َو�إِ ْذ َقا َل َر ُّب َك ِل ْل َملاَ ِئ َك ِة‬ ‫الَ ْر ِ�ض خَ ِلي َف ًة َقا ُلوا �أَتجَ ْ َع ُل ِفي َها َمن ُيف ِْ�س ُد‬ ‫�إِنيِّ َج ِاع ٌل فيِ ْ أ‬ ‫ِفي َها َو َي ْ�س ِف ُك ال ِّد َما َء َون َْحنُ ن َُ�س ِّب ُح ب َِح ْم ِد َك َو ُن َق ِّد ُ�س َل َك‬ ‫َقا َل �إِنيِّ �أَ ْعلَ ُم َما لاَ َت ْعلَ ُمونَ{ كما جاء يف احلديث القد�سي‬ ‫( َعنْ �أَبِي ُه َر ْي َر َة َعنْ ال َّنب ِِّي َ�ص َّلى هَّ ُ‬ ‫الل َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َقا َل‪� :‬إِ َّن‬ ‫هَّ َ‬ ‫الل َت َعا َلى َيق ُ‬ ‫لْ َ�ص ْد َر َك‬ ‫ُول‪َ :‬يا ا ْبنَ �آ َد َم َت َف َّر ْغ ِل ِع َبا َد ِتي �أَ ْم َ أ‬

‫طوع الله‬ ‫ّ‬ ‫له آياته‬

‫التكوينية‬ ‫لْتُ َي َد ْي َك �شُ ْغلاً َولمَ ْ �أَ ُ�س َّد‬ ‫ِغنًى َو�أَ ُ�س َّد َف ْق َر َك َو ِ�إلاَّ َت ْف َع ْل َم َ أ‬ ‫َف ْق َرك) ‪ .‬قال ابن كثري يف تف�سريه ‪ :‬ورد يف بع�ض الكتب‬ ‫االلهية ‪ :‬يقول اهلل تعالى (يا ِابنَ �آد َم خَ لَقت َُك ِلل ِع َباد َة َفال‬ ‫ق�سمتُ َل َك رِز ُق� َ�ك َفال تَت َعب ‪َ ,‬ف��إِن َر ِ�ضيتَ بمِ َ ا‬ ‫تَل َعب ‪َ ,‬و َ‬ ‫َق َ�سم ُت ُه َل َك �أَ َرحتَ َقل َب َك َو َبدن َ​َك‪ ،‬و ُكنتَ ِع ِ‬ ‫ندي محَ ُموداً‪,‬‬ ‫و�إِن لمَ ت َ‬ ‫َر�ض بمِ َ ا َق َ�سم ُت ُه َل َك َف َو ِع َّز ِتي َو َجالليِ لأُ َ�س ِّل َطنَّ‬ ‫َعلَ َ‬ ‫�ض ِفي َها َر َ‬ ‫يك ال ُدن َيا تَر ُك ُ‬ ‫ك�ض ال ُوحو�ش فيِ ال�َبيرَ َّي� َة‪،‬‬ ‫ُث� َّم َال َيكُونُ َل� َ�ك ِفي َها �إِال َما َق َ�سم ُت ُه َل� َ�ك‪َ ،‬و ُكنتَ ِع ِ‬ ‫ندي‬ ‫َمذ ُمو َما) وميزهم على �سائر خملوقاته وا�سجد املالئكة‬ ‫تكرميا له ال عبادة‪ ،‬الن العبادة هلل وحده علما ان اهلل خلق‬ ‫االن�سان �ضعيفا وجاهال وقال اهلل تعالى}وخُ ِل َق االن�سان‬ ‫�ضعيفا{ وق��ال }واهلل اخرجكم من بطون امهاتكم ال‬ ‫تعلمون �شيئا{ لكن على �ضعفه وجهله عربة ملن اعترب‪،‬‬ ‫ومو�ضع العجب املتعجب الن��ه م��ع �ضعفه يت�صرف يف‬ ‫االقوياء ومع جهله يعلم جميع اال�سماء يت�صرف يف هذا‬ ‫الكون ال حد له ب ��أذن اهلل وت�صريفه ‪..‬فكيف نعبد اهلل‬ ‫حتى يتقبلنا علماً انه لي�س بحاجة لنا وال لعبادتنا؟ قال‬


‫اهلل يف احلديث القد�سي‪( :‬من عاد يل ولياً �آذنته باحلرب‬ ‫وما تقرب عبدي ب�شيء احب ايل مما افرت�ضته عليه‪ ،‬وال‬ ‫يزال عبدي يتقرب ايل بالنوافل حتى احبه‪ ،‬ف�إذا �أحببته‬ ‫كنت �سمعه الذي ي�سمع به‪ ،‬وب�صره الذي يب�صر به‪ ،‬ويده‬ ‫التي يبط�ش ب�ه��ا‪ ،‬ورج�ل��ه التي مي�شي بها‪ ،‬و�أن �س�ألني‬ ‫لأعطينه ولئن اعاذين لأعيذنه) وهذا الأمر يحتاج الى‬ ‫ال��زه��د يف ه��ذه احل�ي��اة الدنيا حتى االرت �ق��اء ال��ى حمبة‬ ‫اهلل تعالى وال يكون ذلك اال بالتوحيد اخلال�ص واتباع‬ ‫اوامره واجتناب نواهيه وتطهري القلوب من كل ما علق‬ ‫بها واالن��اب��ة واخل��وف والعبودية والت�سليم والتفوي�ض‬ ‫واالن�ق�ي��اد حلكمه وال�ترب�ي��ة الروحانية حتى ن�صل الى‬ ‫درجة االح�سان الذي هو لب االميان وروحه وكماله وهو‬ ‫اعلى وا�سمى املنازل كما قال النبي (�ص) ‪ ( :‬االح�سان هو‬ ‫ان تعبد اهلل ك�أنك تراه ف�إن مل تكن تراه ف�أنه يراك‪)...‬‬ ‫وه��ذا يحتاج الى اليقني بل الى عني اليقني وه��ذا اعلى‬ ‫املقامات عند اهلل تعالى ‪ ...‬وال يح�صل على ه��ذا املقام‬ ‫العظيم اال بجهاد النف�س وهو اجلهاد االكرب لتطويعها‬

‫وارغامها على االخال�ص لأ�صالح �ش�أنها لتكون مع الذين‬ ‫قال اهلل تعالى فيهم ‪�}:‬أَلاَ �إِ َّن �أَ ْو ِل َيا َء هَّ ِ‬ ‫الل لاَ خَ ْو ٌف َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫َولاَ ُه ْم َي ْح َزنُو َن ‪ 62‬ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا َو َكانُوا َي َّتقُونَ‪َ )63( ‬ل ُه ُم‬ ‫الد ْن َيا َوفيِ ْال ِآخ � َر ِة لاَ َت ْب ِدي َل ِل َك ِل َم ِات‬ ‫ا ْل ُب�شْ َرى فيِ الحْ َ َيا ِة ُّ‬ ‫هَّ ِ‬ ‫الل َذ ِل َك ُه َو ا ْل َف ْو ُز ا ْل َع ِظي ُم{ يون�س ‪ .‬واالخال�ص هو �سر‬ ‫من ا��س��رار اهلل تعالى يقذفه اهلل يف قلب من اح��ب من‬ ‫عباده ومنزلة ال يرتقي اليها وال ي�صلها اال من ارتقى‬ ‫درجات �سلم اال�سالم اعالها درجة االح�سان‪.‬‬ ‫قطف املح�صول للو�صول الى القبول‬ ‫بعد االخال�ص يف املثول والو�صول الى القبول واهلل‬ ‫والر�ضى من اهلل تعالى وا�صبح امل�ؤمن يف �سياحة اميانية‬ ‫خال�صة متعلقة روح��ه بخالقها م�ستح�ضرة لعجائب‬ ‫ق��درة اهلل تعالى ودائمة الذكر والفكر يف اب��داع ال�صانع‬ ‫املبدع لهذا الكون فيكون ل�سانه رطباً بذكر هلل‪ ،‬وحامدا‬ ‫�شاكرا مطمئنا �صابرا حمت�سبا لي�س له مق�صد اال الفوز‬ ‫بالنظر الى الرب �سبحانه قال اهلل تعالى‪ ( :‬وجوه يومئذ‬ ‫نا�ضرة الى ربها ناظرة) ‪ 22 / 23‬القيامة م�ستح�ضراً‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪31‬‬


‫‪32‬‬

‫عظمة اخلالق �سبحانه وتعالى يف قلبه منعك�ساً ذلك على‬ ‫اجلوارح التي التغفل عن ربها حلظة واحدة ‪ ......‬تتذوق‬ ‫حالوة االميان وت�صبح ممن يحبهم اهلل ويظلهم يف ظله‪.‬‬ ‫جاء يف احلديث القد�سي ‪� ( :‬إن اهلل يقول يوم القيامة‪:‬‬ ‫�أي��ن املتحابون ب�ج�لايل ؟ ال�ي��وم �أظلهم يف ظلي ي��وم ال‬ ‫ظ � َّل �إال ظ� ِّل��ي) ‪ ‬رواه‪ ‬م�سلم‪، ‬و�أخرج‪ ‬الرتمذي‪ ‬عن‪ ‬معاذ‬ ‫بن جبل‪ ‬ر�ضي اهلل عنه قال ‪� :‬سمعت ر�سول اهلل ‪� -‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ‪ -‬يقول ‪ :‬قال اهلل عز وجل‪(:‬املتحابون يف‬ ‫جاليل لهم منابر من نور يغبطهم النبيون وال�شهداء) ‪ ‬‬ ‫قال النبي (�ص)‪َ ( :‬ث�َل�اَ ثٌ َمنْ ُكنَّ ِفي ِه‪َ ،‬و َج� َد َح�َل�اَ َو َة‬ ‫مي ِان ؛ �أَنْ َيكُو َن هَّ ُ‬ ‫الل َو َر ُ�سو ُلهُ‪� ،‬أَ َح َّب �إِ َل ْي ِه ممَِّ ا ِ�س َو ُاه َما‪،‬‬ ‫ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫هَّ‬ ‫َو�أَنْ ُي ِح َّب المْ َ ْر َء لاَ ُي ِح ُّب ُه �إِلاَّ للِ ِ ‪َ ،‬و�أَنْ َي ْك َر َه �أَنْ َي ُعو َد فيِ ا ْل ُك ْف ِر‬ ‫َك َما َي ْك َر ُه �أَنْ ُي ْقذ َ​َف فيِ النَّا ِر ) رواه اني�س ابن مالك يف كتاب‬ ‫االميان وهذا ير�شدنا الى الطريق املو�صلة الى‬ ‫مر�ضاة اهلل �سبحانه وتعالى و معلوم ان اهلل تعالى‬ ‫ال يقبل من االعمال اال ما ك��ان خال�صاً �صوابا ق��ال اهلل‬ ‫تعالى‪َ } :‬و َما �أُ ِم� ُروا �إِلاَّ ِل َي ْع ُب ُدوا هَّ َ‬ ‫ني َل ُه ال ِّدينَ‬ ‫الل مخُ ْ ِل ِ�ص َ‬ ‫ُح َنفَا َء َو ُي ِقي ُموا ال�صَّلاَ َة َو ُي�ؤْتُوا ال َّز َكا َة َو َذ ِل َك ِدينُ ا ْل َق ِّي َم ِة{‬ ‫البينة ‪ 5‬واملق�صود بذلك �أن يكون العمل اخلال�ص هلل‬ ‫وح��ده ال �شريك له تعظيماً للرب �سبحانه وتعالى كما‬ ‫اراد وب�ين ق��ال اهلل تعالى ‪ :‬هَّ ُ‬ ‫}الل لاَ �إِ َل� � َه ِ�إلاَّ ُه � َو الحْ َ � ُّ�ي‬ ‫ا ْل َق ُّيو ُم لاَ َت�أْخُ ُذ ُه ِ�س َن ٌة َولاَ َن ْو ٌم َّل ُه َما فيِ ال�سَّ َما َو ِات َو َما فيِ‬ ‫الَ ْر�� ِ�ض{ البقرة ‪� 255‬أي ن�شهد بالوحدانية ب��أن اهلل هو‬ ‫ْأ‬ ‫الواحد االح��د‪ ،‬الفرد ال�صمد‪ ،‬ال��ذي مل يتخذ �صاحبة‬ ‫وال ولدا‪ ،‬خلق ف�سوى‪ ،‬وقدر فهدى‪ ،‬رفع اجلبال بدون‬ ‫عمد‪ ،‬واجلبال ار�ساها حلكمة بالغة‪ ،‬واالر�ض دحاها‪ ،‬له‬ ‫اال�سماء احل�سنى‪ ،‬ذو الف�ضل العظيم على عباده اجمعني‬ ‫وان ن�ستح�ضر عظمته يف قلوبنا وان�ع�ك��ا���س ذل��ك على‬ ‫جوارحنا وج�لاء الغفلة من القلب والعقل وان ال يرانا‬ ‫اهلل حيث نهانا‪ ،‬وال يفتقدنا حيث امرنا وان ال نغفل‬ ‫عن ذكر اهلل وان نرتقي ب�أنف�سنا عن ال�شهوات وبجوارحنا‬ ‫ع��ن ال���س�ي�ئ��ات‪ ،‬ق��ال احل���س��ن ال�ب���ص��ري (لأه ��ل ال� َّت�ق��وى‬ ‫عالمات ُيع َرفون بها‪� :‬صدقُ احلديث‪ ،‬وال��وف��ا ُء بالعهد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال�ضعفاء‪ ،‬وقل ُة الفخر وا ُ‬ ‫خليالء‪،‬‬ ‫و�صل ُة ال ّرحم‪ ،‬ورحم ُة ّ‬ ‫خللق‪ِ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وح�سنُ ا ُ‬ ‫و�سع ُة‬ ‫وبذل املعروف‪ ،‬و ِقل ُة املباهاة للنَّا�س‪ُ ،‬‬ ‫ا َ‬ ‫وج � َّل) وق��ال اهلل تعالى‬ ‫خل�ل��ق؛ مم��ا ُي�ق� ِّر ُب �إل��ى اهلل َع � َّز َ‬ ‫الَ ْن َعا ِم َل ِعبرْ َ ًة ن ُّْ�س ِقيكُم ممَِّّ ا فيِ ُب ُطو ِن ِه ِمن‬ ‫} َو�إِ َّن َل ُك ْم فيِ ْ أ‬ ‫َبينْ ِ َف ْر ٍث َو َد ٍم َّل َبنًا خَ ا ِل ً�صا َ�سا ِئغًا ِّلل�شَّ ا ِر ِبنيَ{ النحل ‪� 65‬أي‬ ‫ن�سقيكم م�ستخل�صاً من بني الفرث والدم اللنب االبي�ض‬ ‫اخلال�ص‪ .‬وكذلك قال اهلل تعالى ‪َ } :‬و ِمن َث َم َر ِات الن َِّخ ِ‬ ‫يل‬ ‫َو ْ أَ‬ ‫ال ْعنَابِ َتت َِّخذُو َن ِم ْن ُه َ�س َك ًرا{ �أي من م�ستخل�ص الثمار‬ ‫ومن النخيل واالعناب ما جتعلونه ُي�سكر والرزق ما �أُ ِح َل‬

‫وال�سكُر ما حرم من ثمرها وه��ذه �آي��ات تدل‬ ‫من ثمرها ُ‬ ‫على قدرة ووحدانية اهلل �سبحانه وتعالى واملعجزة يف قوله‬ ‫تعالى ‪َ } :‬و�أَ ْو َحى َر ُّب َك �إِ َلى الن َّْح ِل �أَ ِن ات َِّخ ِذي ِمنَ الجْ ِ َب ِال‬ ‫ُب ُيوتًا َو ِم��نَ ال�شَّ َج ِر وَممَِّ ��ا َي ْعرِ�شُ ونَ‪ُ )68( ‬ث َّم ُك ِلي ِمن ُك ِّل‬ ‫ا�س ُل ِكي ُ�س ُب َل َر ِّب ِك ُذلُلاً َيخْ ُر ُج ِمن ُب ُطو ِن َها �شَ َر ٌاب‬ ‫ال َّث َم َر ِات َف ْ‬ ‫مخُّ ْ َت ِلفٌ �أَ ْل� َوا ُن� ُه ِفي ِه ِ�شفَا ٌء ِّللن ِ‬ ‫َّا�س �إِ َّن فيِ َذ ِل� َ�ك َلآ َي � ًة ِّل َق ْو ٍم‬ ‫َي َت َف َّك ُرونَ{ النحل ‪ 69‬هذه احل�شرة ال�صغرية كيف جتني‬ ‫رحيق االزهار والثمار لي�ستخل�ص ع�سال فيه �شفاء للنا�س‬ ‫وكيف لها ان تبني م�ساكنها بطريقة هند�سية �سدا�سية‬ ‫اال�ضالع غاية يف الدقة واالب��داع من الذي امدها بكل‬ ‫ه��ذه ال�ق��درات‪� ،‬أ�إل��ه مع اهلل؟!! واالعجب من ذل��ك خلق‬ ‫النا�س‪ ،‬فمنهم كافر و ملحد وم�شرك وا�ستخل�ص منهم‬ ‫عباده امل�ؤمنني الذين هم اال�صفياء ال�صاحلني واالولياء‬ ‫املتقني الذين اخت�صهم بالك�شف وارتفعت احلجب عن‬ ‫قلوبهم وبا�شرت بواطنهم روح اليقني و�صرف املعرفة‬ ‫لتقوية يقينهم ب��اهلل تعالى وم��ن ه ��ؤالء ‪-1‬ال ��ويل وهو‬ ‫ال���ص� ّدي��ق والن�صري وال�ت��اب��ع وامل�ح��ب ال�ق��ري��ب وال��والي��ة‬ ‫ه��ي الن�صرة وال ��ويل ه��و امل ��وايل امل�ستمر يف طاعته هلل‬ ‫تعالى دون ع�صيان واهلل �سبحانه وتعالى يتواله دون ان‬ ‫يكله لنف�سه وامل��واالة �ضد امل�ع��اداة وه��ذه من اه��م �سمات‬ ‫ال�صاحلني وه��م يف ح��ال��ة م�شاهدة دائ�م��ة لعظمة ربهم‬ ‫�سبحانه وتعالى همهم ر�ضى اهلل تعالى ومراقبته �صادقا‬ ‫حمبا الداء حقوق اهلل �سبحانه وتعالى قال اهلل تعالى ‪:‬‬ ‫}اال ان اولياء اهلل ال خوف عليهم وال هم يحزنون الذين‬ ‫ام�ن��وا وك��ان��وا يتقون{ يون�س ‪ 62‬وق��ال ت�ع��ال��ى}اهلل ويل‬ ‫الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور{النور ‪.275‬‬ ‫اف�ضل االولياء هم االنبياء والر�سل واف�ضلهم ( �أويل‬ ‫العزم )وهم ‪ :‬ونوح‪ ،‬ومو�سى‪ ،‬وابراهيم‪ ،‬وعي�سى‪ ،‬وحممد‪،‬‬ ‫عليهم �صلوات اهلل و�سالمه قال اهلل تعالى ‪� } :‬شَ َر َع َلكُم‬ ‫ُوحا َوا َّل� ِ�ذي �أَ ْو َح� ْي� َن��ا �إِ َل� ْي� َ�ك َو َم��ا‬ ‫ِّم��نَ ال� ِّدي��نِ َم��ا َو�صَّ ى ِب� ِه ن ً‬ ‫ي�سى َ�أنْ َ�أ ِقي ُموا ال ِّدينَ َولاَ‬ ‫و�سى َو ِع َ‬ ‫َو�صَّ ْينَا ِب ِه �إِ ْب َر ِاهي َم َو ُم َ‬ ‫اللُ‬ ‫وه ْم �إِ َل� ْي� ِه هَّ‬ ‫َت َت َف َّر ُقوا ِفي ِه َك�ُب�رُ َ َعلَى المْ ُ�شْ ِر ِك َ‬ ‫ني َما َت ْد ُع ُ‬ ‫يب{ واف�ضل‬ ‫َي ْج َتبِي �إِ َل ْي ِه َمن َي َ�شا ُء َو َي ْه ِدي �إِ َل ْي ِه َمن ُي ِن ُ‬ ‫اويل ال�ع��زم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم خ��امت النبني‬ ‫وامام املتقني و�سيد ولد ادام جعل اهلل امته ب�أف�ضل االمم‬ ‫ان اولياء اهلل الذين يعت�صمون بالكتاب وال�سنة ايدهم‬ ‫اهلل مبعجزاته ال�ت��ي ه��ي ك��ل ام��ر خ��ارق ل�ل�ع��ادة خمالف‬ ‫للم�ألوف وال تخالف العقل واالفكار واهلل تعالى ايد ر�سله‬ ‫مبعجزات تبني �صدق دععوتهم وتبني للنا�س ارتباطاهم‬ ‫باهلل تعالى ‪ .‬وما من نبي اال وكرمه اهلل عزوجل‪ .‬بكرامة‬ ‫ت�أييداً وبرهاناًعلى �صدق دعوته عن ابي هريرة ر�ضي اهلل‬ ‫عنه ق��ال ق��ال ر��س��ول اهلل �صلى اهلل عيله و�سلم (م��ا من‬


‫االنبياء اال و�أعطي ما مثله �آمن عليه الب�شر وامنا كان‬ ‫الذي اوتيت وحي اوحاه اهلل ايل ف�أرجو ان اكون اكرثهم‬ ‫تبعا يوم القيامة ) البخاري ‪.‬‬ ‫وم��ن معجزات النبي (���ص) معجزة ال�ق��ر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫وه��ذه اعظم املعجزات وابلغها لأنها معجزة باقية على‬ ‫م��ر ال��زم��ن ناطقة بنبوته يف ك��ل زم��ان وم�ك��ان علما ان‬ ‫امل�ع�ج��زات االخ ��رى ال�ت��ي اي��د اهلل بها انبيائه ق��د انتهت‬ ‫وذهبت بوفاة النبي وا�صبحت تاريخاً واخباراً تذكر‪ .‬وقد‬ ‫حتدى اهلل �سبحانه وتعالى العرب بالقر�آن العظيم وهم‬ ‫اهل البالغة واللغة على ان ي�أتوا ب�آية مثله فكان حجة‬ ‫عليهم والعرب حجة على غريهم من النا�س وكذلك اكرم‬ ‫اهلل ع��زوج��ل �سيد اخللق حممد مبعجزات اخ��رى منها‬ ‫معجزة اال��س��راء وامل�ع��راج‪ ،‬ان�شقاق القمر‪ ،‬نبع امل��اء من‬ ‫ا�صابعه‪ ،‬تكليم ال�شاة امل�صلية امل�سمومة له‪ ،‬زيادة الطعام‬ ‫والربكة له‪ ،‬حنني جذع ال�شجرة‪ ،‬ابراء املر�ضى‪ ،‬وغريه‬ ‫الكثري علما ان معجزة الر�سول حممد (�ص) يف ميزان‬ ‫العلم هي املعجزة يف ميزان الدين والقر�آن وكرامة اولياء‬ ‫اهلل من امة حممد (�ص) ح�صلت بربكة اتباع مبا جاء به‬ ‫الر�سول (�ص) ومن االمثلة على ذلك" �أ�سيد بن ح�ضري"‬ ‫ي�ق��ر�أ ��س��ورة الكهف ف�ن��زل م��ن ال�سماء مثل الظلة فيها‬ ‫�أمثال ال�سرج وهي املالئكة نزلت لقراءته وكانت املالئكة‬ ‫ت�سلم على عمران بن ح�صني ؛ وكان �سلمان و�أبو الدرداء‬ ‫ي��أك�لان يف �صحفة ف�سبحت ال�صحفة �أو �سبح م��ا فيها‪،‬‬ ‫وعباد بن ب�شر‪ ،‬و�أ�سيد بن ح�ضري خرجا من عند ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف ليلة مظلمة ف�أ�ضاء لهما نور‬ ‫مثل ط��رف ال�سوط فلما افرتقا اف�ترق ال�ضوء معهما‪.‬‬ ‫رواه البخاري وغريه ‪ .‬وق�صة ال�صديق يف ال�صحيحني ملا‬ ‫ذهب بثالثة �أ�ضياف معه �إلى بيته وجعل ال �أكل لقمة �إال‬ ‫ربى من �أ�سفلها �أكرث منها ف�شبعوا و�صارت �أكرث مما هي‬ ‫قبل ذلك فنظر �إليها �أبو بكر وامر�أته ف�إذا هي �أكرث مما‬ ‫كانت فرفعها �إلى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وجاء‬ ‫�إليه �أقوام كثريون ف�أكلوا منها و�شبعوا‪.‬‬ ‫و"خبيب ب��ن عدي" ك��ان �أ��س�يرا عند امل�شركني مبكة‬ ‫�شرفها اهلل تعالى وك��ان ي�ؤتى بعنب ي�أكله ولي�س مبكة‬ ‫عنبة ‪ .‬و" عامر بن فهرية ‪ :‬قتل �شهيدا فالتم�سوا ج�سده‬ ‫فلم يقدروا عليه وكان ملا قتل رفع فر�آه عامر بن الطفيل‬ ‫وقد رفع وقال‪ :‬عروة ‪ :‬فريون املالئكة رفعته ‪ .‬وخرجت"‬ ‫�أم �أمين"مهاجرة ولي�س معها زاد وال ماء فكادت متوت‬ ‫من العط�ش فلما كان وقت الفطر وكانت �صائمة �سمعت‬ ‫ح�سا على ر�أ�سها فرفعته ف�إذا دلو معلق ف�شربت منه حتى‬ ‫رويت وما عط�شت بقية عمرها ‪.‬‬

‫و"�سفينة" مولى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�أخرب الأ�سد ب�أنه ر�سول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫فم�شى معه الأ�سد حتى �أو�صله مق�صده‪ .‬و" ال�براء بن‬ ‫مالك" ك��ان �إذا �أق�سم على اهلل تعالى �أب��ر ق�سمه وك��ان‬ ‫احلرب �إذا ا�شتدت على امل�سلمني يف اجلهاد يقولون ‪ :‬يا‬ ‫ب��راء �أق�سم على رب��ك فيقول ‪ :‬ي��ا رب �أق�سمت عليك ملا‬ ‫منحتنا �أكتافهم فيهزم العدو‪ ،‬فلما كان يوم" القاد�سية"‬ ‫ق��ال‪� :‬أق�سمت عليك يا رب ملا منحتنا �أكتافهم وجعلتني‬ ‫�أول �شهيد فمنحوا �أكتافهم وقتل الرباء �شهيدا‪.‬‬ ‫و" خالد بن الوليد" حا�صر ح�صنا منيعا فقالوا ال‬ ‫ن�سلم حتى ت�شرب ال�سم ف�شربه فلم ي�ضر و�سعد بن ابي‬ ‫وقا�ص" كان م�ستجاب الدعوة ما دعا قط �إال ا�ستجيب له‬ ‫وهو الذي هزم جنود ك�سرى وفتح العراق ‪.‬‬ ‫و" عمر بن اخلطاب" ملا �أر�سل جي�شا �أّمر عليهم رجال‬ ‫ي�سمى" �سارية" فبينما عمر يخطب فجعل ي�صيح على‬ ‫امل�ن�بر ي��ا ��س��اري��ة اجل�ب��ل‪ ،‬ي��ا ��س��اري��ة اجل�ب��ل‪ ،‬ف�ق��دم ر�سول‬ ‫اجلي�ش‪ ،‬ف�س�أل فقال‪ :‬يا �أمري امل�ؤمنني لقينا عدوا فهزمونا‬ ‫ف�إذا ب�صائح ‪ :‬يا �سارية اجلبل يا �سارية اجلبل‪ ،‬ف�أ�سندنا‬ ‫ظهورنا باجلبل فهزمهم اهلل‪ .‬وملا ُعذبت" الزبرية" على‬ ‫الإ� �س�لام يف اهلل ف��أب��ت �إال الإ� �س�لام وذه��ب ب�صرها قال‬ ‫امل�شركون‪� :‬أ�صاب ب�صرها الالت والعزى قالت كال واهلل‪،‬‬ ‫فرد اهلل عليها ب�صرها ‪ .‬ودعا" �سعيد بن زيد" على �أروى‬ ‫بنت احلكم ف�أعمي ب�صرها ملا كذبت عليه فقال ‪ :‬اللهم‬ ‫�إن كانت كاذبة ف�أعم ب�صرها واقتلها يف �أر�ضها فعميت‬ ‫ووقعت يف حفرة من �أر�ضها فماتت ‪.‬‬ ‫" وال �ع�لاء ب��ن احل�ضرمي" ك��ان ع��ام��ل ر��س��ول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم على البحرين‪ ،‬وكان يقول يف دعائه‪:‬‬ ‫يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم في�ستجاب له‪ ،‬ودعا اهلل‬ ‫ب�أن ي�سقوا ويتو�ضئوا ملا عدموا املاء والإ�سقاء ملا بعدهم‬ ‫ف�أجيب‪ ،‬ودع��ا اهلل ملا اعرت�ضهم البحر ومل يقدروا على‬ ‫امل��رور بخيولهم ف�م��روا كلهم على امل��اء م��ا ابتلت �سروج‬ ‫خيولهم ؛ ودعا اهلل �أن ال يروا ج�سده �إذا مات فلم يجدوه‬ ‫يف اللحد ‪.‬‬ ‫وجرى مثل ذلك" لأبي م�سلم اخلوالين" الذي �ألقي‬ ‫يف النار ف�إنه م�شى هو ومن معه من الع�سكر على دجلة‬ ‫وه��ي ترمى باخل�شب من مدها ثم التفت �إل��ى �أ�صحابه‬ ‫فقال ‪ :‬تفقدون من متاعكم �شيئا حتى �أدعو اهلل عز وجل‬ ‫فيه فقال بع�ضهم ‪ :‬فقدت خم�لاة فقال اتبعني فتبعه‬ ‫فوجدها قد تعلقت ب�شيء ف�أخذها‪ ،‬وطلبه الأ�سود العن�سي‬ ‫ملا ادعى النبوة فقال له ‪� :‬أت�شهد �أين ر�سول اهلل ؟ قال ما‬ ‫�أ�سمع قال �أت�شهد �أن حممدا ر�سول اهلل ؟ قال نعم ‪.‬ف�أمر‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪33‬‬


‫‪34‬‬

‫بنار ف�ألقي فيها فوجدوه قائما ي�صلي فيها وقد �صارت‬ ‫عليه بردا و�سالما ؛ وقدم املدينة بعد موت النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ف�أجل�سه عمر بينه وبني �أبي بكر ال�صديق‬ ‫ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬وق��ال احلمد هلل ال��ذي مل ميتني حتى‬ ‫�أرى م��ن �أم��ة حممد �صلى اهلل عليه و�سلم م��ن فعل به‬ ‫كما فعل ب�إبراهيم خليل اهلل ‪ .‬وو�ضعت له جارية ال�سم يف‬ ‫طعامه فلم ي�ضره ‪ .‬وخببت امر�أة عليه زوجته فدعا عليها‬ ‫فعميت وجاءت وتابت فدعا لها فرد اهلل عليها ب�صرها ‪.‬‬ ‫وكان" عامر بن عبد قي�س" ي�أخذ عطاءه �ألفي درهم يف‬ ‫كمه وما يلقاه �سائل يف طريقه �إال �أعطاه بغري عدد ثم‬ ‫يجيء �إلى بيته فال يتغري عددها وال وزنها ‪ .‬ومر بقافلة‬ ‫قد حب�سهم الأ�سد فجاء حتى م�س بثيابه الأ�سد ثم و�ضع‬ ‫رجله على عنقه وقال ‪� :‬إمنا �أنت كلب من كالب الرحمن‬ ‫و�إين �أ�ستحي �أن �أخ��اف �شيئا غ�يره وم��رت القافلة ودعا‬ ‫اهلل تعالى �أن يهون عليه الطهور يف ال�شتاء فكان ي�ؤتى‬ ‫باملاء له بخار ودعا ربه �أن مينع قلبه من ال�شيطان وهو يف‬ ‫ال�صالة فلم يقدر عليه ‪ .‬وتغيب" احل�سن الب�صري" عن‬ ‫احلجاج فدخلوا عليه �ست مرات فدعا اهلل عز وجل فلم‬ ‫يروه ودعا على بع�ض اخلوارج كان ي�ؤذيه فخر ميتا ‪ .‬و"‬ ‫�صلة بن �أ�شيم" مات فر�سه وهو يف الغزو فقال اللهم ال‬ ‫جتعل ملخلوق علي منة ودعا اهلل عز وجل ف�أحيا له‪.‬‬ ‫‪ ‬فر�سه ‪ .‬فلما و��ص��ل �إل��ى بيته ق��ال ي��ا بني خ��ذ �سرج‬ ‫الفر�س ف�إنه عارية ف�أخذ �سرجه فمات الفر�س وجاع مرة‬ ‫ب��الأه��واز ف��دع��ا اهلل ع��ز وج��ل وا�ستطعمه فوقعت خلفه‬ ‫دوخلة رطب يف ثوب حرير ف�أكل التمر وبقي الثوب عند‬ ‫زوجته زمانا ‪ .‬وجاء الأ�سد وهو ي�صلي يف غي�ضة بالليل‬ ‫فلما �سلم قال له اطلب الرزق من غري هذا املو�ضع فولى‬ ‫الأ�سد وله زئري ‪ .‬وكان " �سعيد بن امل�سيب " يف �أيام احلرة‬ ‫ي�سمع الأذان من قرب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�أوق��ات ال�صلوات وك��ان امل�سجد قد خال فلم يبق غ�يره ‪.‬‬ ‫ورجل من " النخع " كان له حمار فمات يف الطريق فقال‬ ‫له �أ�صحابه هلم نتوزع متاعك على رحالنا فقال لهم ‪:‬‬ ‫�أمهلوين هنيهة ثم تو�ض�أ ف�أح�سن الو�ضوء و�صلى ركعتني‬ ‫ودعا اهلل تعالى ف�أحيا له حماره فحمل عليه متاعه ‪ .‬وملا‬ ‫مات " �أوي�س القرين " وجدوا يف ثيابه �أكفانا مل تكن معه‬ ‫قبل ووجدوا له قربا حمفورا فيه حلد يف �صخرة فدفنوه‬ ‫فيه وكفنوه يف تلك الأثواب ‪ .‬وكان " عمرو بن عقبة بن‬ ‫فرقد " ي�صلي يوما يف �شدة احلر ف�أظلته غمامة وكان‬ ‫ال�سبع يحميه وهو يرعى ركاب �أ�صحابه لأنه كان ي�شرتط‬ ‫على �أ�صحابه يف الغزو �أنه يخدمهم ‪ .‬وكان " مطرف بن‬ ‫عبد اهلل بن ال�شخري " �إذا دخ��ل بيته �سبحت معه �آنيته‬ ‫وكان هو و�صاحب له ي�سريان يف ظلمة ف�أ�ضاء لهما طرف‬ ‫ال�سوط ‪ .‬وملا مات الأحنف بن قي�س وقعت قلن�سوة رجل‬

‫يف قربه ف�أهوى لي�أخذها فوجد القرب قد ف�سح فيه مد‬ ‫الب�صر ‪ .‬وكان " �إبراهيم التيمي " يقيم ال�شهر وال�شهرين‬ ‫ال ي�أكل �شيئا وخ��رج ميتار لأهله طعاما فلم يقدر عليه‬ ‫فمر ب�سهلة حمراء ف�أخذ منها ثم رجع �إلى �أهله ففتحها‬ ‫ف�إذا هي حنطة حمراء فكان �إذا زرع منها تخرج ال�سنبلة‬ ‫من �أ�صلها �إلى فرعها حبا مرتاكبا ‪ .‬وكان " عتبة الغالم‬ ‫" ��س��أل رب��ه ث�لاث خ�صال �صوتا ح�سنا ودم�ع��ا غزيرا‬ ‫وطعاما من غري تكلف ‪ .‬فكان �إذا قر�أ بكى و�أبكى ودموعه‬ ‫جارية دهره وكان ي�أوي �إلى منزله في�صيب فيه قوته وال‬ ‫يدري من �أين ي�أتيه ‪ .‬وكان " عبد الواحد بن زيد " �أ�صابه‬ ‫الفالج ف�س�أل ربه �أن يطلق له �أع�ضاءه وقت الو�ضوء فكان‬ ‫وق��ت الو�ضوء تطلق ل��ه �أع���ض��ا�ؤه ث��م تعود بعده ‪ .‬وه��ذا‬ ‫الباب وا�سع على كرامات الأولياء يف غري هذا املو�ضع ‪.‬‬ ‫و�أم��ا ما نعرفه عن �أعيان ونعرفه يف هذا الزمان فكثري‬ ‫‪ .‬ومم��ا ينبغي �أن يعرف �أن ال�ك��رام��ات ق��د تكون بح�سب‬ ‫حاجة الرجل ف�إذا احتاج �إليها ال�ضعيف الإميان �أو املحتاج‬ ‫�أت��اه منها ما يقوي �إميانه وي�سد حاجته ويكون من هو‬ ‫�أكمل والية هلل منه م�ستغنيا عن ذلك فال ي�أتيه مثل ذلك‬ ‫لعلو درجته وغناه عنها ال لنق�ص واليته ؛ ولهذا كانت‬ ‫هذه الأمور يف التابعني �أكرث منها يف ال�صحابة ؛ بخالف‬ ‫من يجري على يديه اخل��وارق لهدي اخللق وحلاجتهم‬ ‫فه�ؤالء �أعظم درجة‪.‬‬ ‫نبي من �أنبياء‬ ‫ومن معجزات االنبياء والر�سل ‪ .:‬لك ّل ٍّ‬ ‫اهلل �أو ٍ‬ ‫ر�سول من ُر ُ�سله ُمعجزة على الأق ّل يتميز بها‪ ،‬وقد‬ ‫جاء ذكر بع�ض ُمعجِ زات الأنبياء يف كتاب اهلل‪ ،‬بينما ذكر‬ ‫النبي ‪�-‬ص ّلى اهلل عليه و�س ّلم‪ -‬بع�ضها الآخ��ر يف �أقواله‬ ‫ّ‬ ‫�صحت ن�سبتها �إليه‪ّ � ،‬أما باقي ُمعجِ زات الأنبياء التي‬ ‫التي ّ‬ ‫مل ي� ِأت لها ذك ٌر يف كتاب اهلل و�سنة ر�سوله‪ ،‬فقد ُن ِقلت �إلينا‬ ‫عن �أنبياء اهلل بالتناقل والرواية حتى بلغت ح ّد ال�شهرة‪،‬‬ ‫�أما �أبرز امل ُعجِ زات التي تف َّرد بها بع�ض الأنبياء فمنها ما‬ ‫ال�سالم‪:‬‬ ‫�سي�أتي بيانه يف الفقرات الآتية‪ُ :‬معجِ زة نوح عليه ّ‬ ‫ال�سالم‪ -‬قومه �إلى الإمي��ان باهلل‬ ‫بعد �أن دعا نوح ‪-‬عليه ّ‬ ‫ومل ي�ؤمنوا به ‪-‬رغم �أنّه �أطال العهد فيهم‪ -‬حينها �أمره‬ ‫اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ب�صنع �سفين ٍة ليحمل فيها َمن �آمن‬ ‫معه‪ ،‬وقد كانت تلك ال�سفينة من امل ُعجِ زات التي �أعطاها‬ ‫ال�سالم؛ حيث كانت يف‬ ‫اهلل �سبحانه وتعالى لنوح عليه ّ‬ ‫حينها �سابق ًة مل ي�شهد لها النا�س مثي ً‬ ‫ال‪ ،‬كما �أنّ لها من‬ ‫ال�سفن التي جاءت‬ ‫اخل�صائ�ص ما مي ّيزها عن غريها من ُّ‬ ‫بعدها‪ ،‬فكيف ل�سفينة مثلها �أن ت�سري يف البحر تتالطمها‬ ‫ّ‬ ‫تتحطم �أو ت�غ��رق‪ ،‬وتنجو مب��ن عليها‬ ‫الأم� ��واج دون �أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫�اب‬ ‫من الب�شر وال � ّدواب! ق��ال تعالى‪َ }:‬ف�أنجْ َ ْينَا ُه َو�أ�ْ��ص� َ�ح� َ‬ ‫ال�س ِفي َن ِة َو َج َع ْلنَا َها �آ َي ًة ِل ْل َعالمَ ِنيَ{ومن �إعجاز تلك ال�سفينة‬ ‫َّ‬


‫كذلك �أنّ جميع من مل يركب فيها �أغرقه الطوفان حتّى‬ ‫لو التج�أ �إلى ٍ‬ ‫مكان بعيد اعتقد �أنه ُ�سينجيه من الطوفان‪،‬‬ ‫ممن �آمن من قوم نوح عليه‬ ‫فلم ين ُج �إال من ركب ال�سفينة ّ‬ ‫بحد ذاته �إعجا ٌز منقطع النظري ال ميكن‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وذلك ِّ‬ ‫ّ‬ ‫تخ ُّيله �أو حتى ت�ص ّور امليزات التي احتوتها تلك ال�سفينة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫للتحطم �أو ال �غ��رق‪ ،‬م��ع �أ ّن�ه��ا‬ ‫ح� ّت��ى جعلتها غ�ير ق��اب�ل��ة‬ ‫ال�سالم‬ ‫م�صنوع ٌة من الأخ�شاب‪ُ )٣(.‬معجِ زة �صالح عليه ّ‬ ‫مبعجِ ز ٍة مل ُي َ‬ ‫عط‬ ‫ال�سالم‪ُ -‬‬ ‫مت ّيز نبي اهلل �صالح ‪-‬عليه ّ‬ ‫�أح ٌد غريه من النا�س مثلها‪ ،‬كغريه من �أنبياء اهلل الذين‬ ‫مم��ا عنده من الأم��ور اخلارقة للعادات‪ ،‬فقد‬ ‫�آتاهم اهلل ّ‬ ‫�أ ّيد اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬نب ّيه �صاحلاً بناقة؛ �أخرجها‬ ‫ال�صخر‪ ،‬بعد �أن طلبوا منه ذلك‬ ‫اهلل ل�ق��وم �صالح م��ن ّ‬ ‫حتى ي�ص ّدق نب ّوته وما جاءهم به من عند اهلل‪ ،‬ورغم �أنّ‬ ‫جمرد �إخراج الناقة من �صخرة �ص ّماء ُيع ّد ُمعجِ ز ًة بح ّد‬ ‫ذاتها �إال �إن تلك الناقة كانت يف جميع تفا�صيلها ُمعجزةً؛‬ ‫حيث كان من �إعجازها �أن خُ ِّ�ص�ص لها �شرب يوم من النبع‬ ‫الذي ي�شرب منه قوم �صالح‪ ،‬فت�شرب بقدر ما ي�شرب قوم‬ ‫�صالح جميعهم‪ ،‬بينما كان لقومه �شرب يو ٍم �آخر غري يوم‬ ‫�شرب الناقة‪ ،‬وك��ان من �إعجازها كذلك �أن تعطيهم يوم‬ ‫�شربها لبناً لي�شربوه بقدر ما �أخذت من نبعهم فيكفيهم‬ ‫ذلك اليوم‪ ،‬حتّى عقرها �أحدهم بعد م�ؤامر ٍة د ّبرها القوم‬ ‫لأج��ل ذل��ك‪ ،‬فعذّبهم اهلل بفعلتهم‪ُ )٤(.‬م�ع��جِ ��زة �س ّيدنا‬ ‫ال�سالم بعد �أن دعا �س ّيدنا �إبراهيم ‪-‬عليه‬ ‫�إبراهيم عليه ّ‬ ‫ال�سالم‪ -‬قومه �إلى عبادة اهلل وترك ما كانوا يعبدون من‬ ‫ّ‬ ‫وال�سبل‪،‬‬ ‫الو�سائل‬ ‫بكل‬ ‫ذلك‬ ‫�ل‬ ‫�‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫هم‬ ‫ج‬ ‫وحاج‬ ‫أ�صنام‪،‬‬ ‫ال‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ‬ ‫كذّبوه و�آذوه‪ّ ،‬‬ ‫فحطم �أ�صنامهم ل ُيثبت لهم �ضعفها وق ّلة‬ ‫حيلتها‪ ،‬و�أن �ه��ا جم � ّرد ح �ج��ارة ال ت���ض� ّر وال ت�ن�ف��ع‪ ،‬فل ّما‬ ‫عجز القوم عن دفع حجج �إبراهيم الكثرية والتي توافق‬ ‫جميعها املنطق وتخالف ما يعتقدون‪ ،‬حينها �أجمعوا على‬ ‫حرقه بالنار حتى ال تت�ض ّرر �آلهتهم التي �أ�صبح �إبراهيم‬ ‫ُي�ه� ّدده��ا ب��دع��وت��ه احل�ق��ة‪ ،‬ق��ال تعالى يف و��ص��ف حالهم‪:‬‬ ‫ان�ص ُروا �آ ِل َه َت ُك ْم �إِن ُكن ُت ْم َف ِاع ِلنيَ* ُق ْلنَا َيا‬ ‫} َقا ُلوا َح ِّر ُقو ُه َو ُ‬ ‫نَا ُر ُكونيِ َب ْر ًدا َو َ�سلاَ ًما َعلَى �إِ ْب َر ِاهي َم{‪ )٥(.‬وحلرق �س ّيدنا‬ ‫ال�سالم‪ ،‬جمع قوم �إبراهيم حطباً كثرياً‪ ،‬ث ّم‬ ‫�إبراهيم عليه ّ‬ ‫جعلوا ذلك احلطب يف حفرة عميق ٍة من الأر�ض‪ ،‬و�أ�شعلوا‬ ‫النار فيها‪ ،‬فكان لهيبها مرتفعاً جداً‪ ،‬و�شر ُرها من ِعظمه‬ ‫ال�سالم‪ -‬يف منجنيقٍ ؛‬ ‫يتطاير‪ ،‬ث ّم و�ضعوا �إبراهيم ‪-‬عليه ّ‬ ‫خمافة �أن ي�صيبهم �شررها �أو ح ُّرها ال�شديد‪ ،‬و�ألقوه يف‬ ‫النار‪ ،‬فقال حينها‪} :‬ح�سبي اهلل ونعم الوكيل{‪ ،‬وقد �أتاه‬ ‫جربيل وه��و يف ال�ه��واء‪ ،‬فقال ل��ه‪�( :‬أل��ك ح��اج��ة؟ فقال‪:‬‬ ‫�أ َّما �إليك فال‪ ،‬و�أ ّما من اهلل فبلى)‪ ،‬حينها جاءت امل ُعجِ زة‬ ‫الإله ّية لإبراهيم بقول اهلل تعالى‪ُ } :‬ق ْلنَا َي��ا َن��ا ُر ُك�ونيِ‬ ‫َب� ْر ًدا َو َ�سلاَ ًما َعلَى �إِ ْب َر ِاهي َم{‪ )6(،‬فلم حترقه تلك النار‬

‫على ِع َظمها و�ش ّدة ح ِّرها‪ ،‬ومل حترق �سوى َوثا ِقه الذي‬ ‫رب�ط��وه ب��ه‪ ،‬فكانت تلك امل ُ�ع��جِ ��زة خ��رق�اً جلميع الأع��راف‬ ‫وال�ع��ادات؛ �إذ �إنّ من الطبيعي �أن حت��رق النار جميع ما‬ ‫تلم�سه �أو تقرتب منه‪ ،‬لكنها مل ت�ؤ ِذ �إبراهيم جم ّرد �إيذاء‬ ‫ال�سالم‪ -‬كثري ٌة متعددة‪،‬‬ ‫نبي اهلل مو�سى ‪-‬عليه ّ‬ ‫ُمعجِ زات ّ‬ ‫بل �إنّها �أك�ثر من �أن تُذكر‪ ،‬وذل��ك لكونه اُر�سل �إل��ى قو ٍم‬ ‫معروفني بق ّوة �سحرهم‪ ،‬وال َتّحكم بالأب�صار‪ ،‬والتالعب‬ ‫بعقول النا�س‪ ،‬لذلك كانت ُمعجِ زاته تتالءم مع القوم‬ ‫ال�سالم‪،‬‬ ‫الذين اُر�سل �إليهم‪� ،‬أ ّما �أه ُّم ُمعجِ زات مو�سى عليه ّ‬ ‫فمنها ما ي��أت��ي‪ُ )٧(:‬معجِ زة الع�صا‪ :‬هي �أب��رز ُمعجِ زاته‬ ‫على الإط�لاق؛ حيث كان فيها العديد من امليزات‪ ،‬فقد‬ ‫حي‪،‬‬ ‫حت ّولت �إلى ح ّية ت�سعى‪ّ ،‬‬ ‫فتوهم من يراها �أنّها كائنٌ ّ‬ ‫ع�صي قوم فرعون وحبالهم؛‬ ‫كما حتولت �إلى ح ّية ابتلعت َّ‬ ‫مل ّا جرى بينهم وبني مو�سى التناف�س‪ُ .‬معجِ زة يد مو�سى‪:‬‬ ‫ال�سالم‪� -‬إلى بي�ضاء ال �سوء‬ ‫كانت تنقلب يد مو�سى ‪-‬عليه ّ‬ ‫فيها مبجرد �أن يدخلها يف جيبه‪ ،‬وقد ح�صل ذلك عندما‬ ‫ذهب �إلى فرعون يدعوه �إلى الإميان باهلل‪ُ .‬معجِ زة انفالق‬ ‫البحر‪ :‬ملا ف َّر مو�سى ومن معه من فرعون وجنده‪� ،‬ضرب‬ ‫مو�سى بع�صاه البحر فانفلق �إلى فلقتني‪ ،‬وت�شكّل لهم فيه‬ ‫طريقٌ ‪ ،‬فا�ستطاعوا النجاة من فرعون وجنده‪ُ .‬معجِ زة‬ ‫ال � ّرج��ز(ال �ع��ذاب)‪� :‬أن��زل اهلل ‪�-‬سبحانه وت�ع��ال��ى‪ -‬الرجز‬ ‫وال �ع��ذاب ب�شتّى الأ��ص�ن��اف على ق��وم ف��رع��ون؛ لي�ؤمنوا‬ ‫مبو�سى‪ ،‬وق��د تن ّوعت ُم�ع��جِ ��زات ال��رج��ز‪ ،‬ف�م� ّر ًة ي�أخذهم‬ ‫بالقحط واجلدب‪ ،‬وم ّرة بال ّدم‪ ،‬ومرة يبعث �إليهم اجلراد‬ ‫وال� ُق� َّم��ل وال�ضفادع‪ ،‬وغ�ير ذل��ك م��ن الآي��ات وامل ُ�ع��جِ ��زات‪.‬‬ ‫ال�سالم ُمعجِ زات نبي اهلل‬ ‫ُمعجِ زات �س ّيدنا عي�سى عليه ّ‬ ‫عي�سى كذلك كثرية‪ ،‬ولع َّل �أظهرها و�أه َّمها على الإطالق‬ ‫مولده بال �أبٍ وكالمه يف املهد ل ُيخرب النا�س ب�صدق قول‬ ‫نبي اهلل �إليهم‪ ،‬ومن ُمعجِ زاته �أنّه‬ ‫�أ ّمه مرمي‪ ،‬ويبلغهم �أنّه ّ‬ ‫ك��ان ي�صنع من الطني ط�يراً ث� ّم ينفخ فيه فيطري ب�أمر‬ ‫اهلل‪ ،‬و�أن��ه ك��ان ُي�برئ الأكمه والأب��ر���ص ب ��إذن اهلل‪ ،‬و ُينبئ‬ ‫النا�س مب��ا ي� ّدخ��رون يف بيوتهم‪ ،‬كما ك��ان عي�سى ‪-‬عليه‬ ‫ال�سالم‪ُ -‬يحيي املوتى ب�أمر اهلل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫(املنهاج الرباين يف االمرالت�شريعي ال�سماوي)‬ ‫االوامر الت�شريعية ‪ :‬هي املتمثلة يف الناحية العملية‬ ‫م��ن ر��س��ال��ة اال� �س�ل�ام وت�ق���س��م االوام� ��ر الت�شريعية ال��ى‬ ‫ق�سمني ‪-:‬‬ ‫‪-1‬املت�صل ب�أحكام العبادات ‪- :‬مثل احكام ال�صالة ‪,‬‬ ‫الزكاة‪ ،‬ال�صوم‪ ،‬احلج والعمرة والدعاء والذكر‬ ‫} َو�أَ ِق � �ي � � ُم� ��وا‪ ‬ال � �� ��صَّ �َلةاَ ةَ‪َ ‬و�آ ُت� ��وا‪ ‬ال � � َّز َك� ��اةَ‪َ ‬وا ْر َك � � ُع� ��وا‪َ ‬م � � َع‬ ‫ال َّرا ِك ِعنيَ{}ا ْذ ُك ُرونيِ‪� ‬أَ ْذ ُك ْر ُك ْم‪َ ‬وا�شْ ُك ُروا‪ ‬ليِ َولاَ َت ْك ُف ُر ِ‬ ‫ون{‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪35‬‬


‫‪36‬‬

‫ال�ص َيا ُم َك َما ُك ِت َب َعلَى‬ ‫} َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا ُك ِت َب َعلَ ْي ُك ُم ِّ‬ ‫ا َّل ِذينَ ِمن َق ْب ِل ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت َّتقُونَ{ } َو�أَتمِ ُّوا الحْ َ َّج َوا ْل ُع ْم َر َة‬ ‫للِ هَّ ِ َف�إِنْ �أُ ْح ِ�ص ْرتمُ ْ َف َما ْا�س َت ْي َ�س َر ِمنَ ا ْل َه ْد ِي{ } َفا ْذ ُك ُرونيِ‬ ‫ون{ } َف�إِ َذا َق َ�ض ْيتُم َّمن ِ‬ ‫�أَ ْذ ُك ْر ُك ْم َوا�شْ ُك ُروا ليِ َولاَ َت ْك ُف ُر ِ‬ ‫َا�س َك ُك ْم‬ ‫َفا ْذ ُك ُروا هَّ َ‬ ‫الل َك ِذ ْك ِر ُك ْم �آ َبا َء ُك ْم �أَ ْو �أَ�شَ َّد ِذ ْك ًرا َف ِمنَ الن ِ‬ ‫َّا�س َمن‬ ‫َيق ُ‬ ‫الد ْن َيا َو َم��ا َل ُه فيِ ْال ِآخ � َر ِة ِمنْ خَ � اَ​َلاقٍ {‬ ‫ُول َر َّبنَا �آ ِتنَا فيِ ُّ‬ ‫‪-2‬امل�ت���ص��ل ب��االح�ك��ام ال��دن�ي��وي��ة م��ن ق�ضائية و�سيا�سية‬ ‫وحرية واقت�صادية‪ ،‬واملعامالت واالخالق‪.‬‬ ‫ احكام اجلهاد يف �سبيل اهلل و�ش�ؤون اال�سرة ( الزواج‪،‬‬‫الطالق‪ ،‬العدة‪ ،‬النكاح ‪..‬الخ)‪.‬‬ ‫اذا اطعنا اهلل يف اوامره الت�شريعية طوع اهلل لنا اوامره‬ ‫التكوينية – من االوامر الت�شريعية‬ ‫‪ .1‬اال ت�شركوا باهلل �شيئا‬ ‫‪ .2‬وبالوالدين �إح�سانا‪.‬‬ ‫‪ .3‬وال تقتلوا �أوالدكم من �إمالق‪.‬‬ ‫‪ .4‬وال تقربوا الفواح�ش ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬ ‫‪ .5‬وال تقتلوا النف�س التي حرم اهلل �إال باحلق‪.‬‬ ‫‪ .6‬وال تقربوا مال اليتيم �إال بالتي هي �أح�سن‪.‬‬ ‫‪ .7‬و�أوفوا الكيل وامليزان بالق�سط‪.‬‬ ‫‪ .8‬و�إذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى‪.‬‬ ‫‪ .9‬وبعهد اهلل �أوفوا ذلكم و�صاكم به‪.‬‬ ‫‪ .10‬و�أن ه��ذا ��ص��راط��ي م�ستقيما ف��ات�ب�ع��وه وال تتبعوا‬ ‫ال�سبل فتفرق بكم عن �سبيله ذلكم و�صاكم به لعلكم‬ ‫تتقون‪.‬‬ ‫‪ ‬قال ر�سول اهلل عن الروح الأمني عن ربه‪:‬‬ ‫} ُق� ْ�ل َت َعا َل ْوا �أَ ْت� ُل َما َح� َّر َم َر ُّب ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم‪� ‬أَلاَّ تُ�شْ ِر ُكوا ِب ِه‬ ‫�شَ ْيئًا َوبِا ْل َوا ِل َد ْينِ �إ ِْح َ�سانًا َولاَ َت ْق ُت ُلوا �أَ ْولاَ َد ُك � ْم ِمنْ إِ� ْملاَ قٍ‬ ‫ن َْحنُ َن ْر ُز ُق ُك ْم َو�إِ َّي ُاه ْم َولاَ َت ْق َر ُبوا ا ْل َف َو ِاح َ�ش َما َظ َه َر ِم ْن َها‬ ‫ْ�س ا َّل ِتي َح َّر َم هَّ ُ‬ ‫الل �إِلاَّ ِبالحْ َ ِّق َذ ِل ُك ْم‬ ‫َو َما َب َطنَ َولاَ َت ْق ُت ُلوا ال َّنف َ‬ ‫يم �إِلاَّ‬ ‫َو�صَّ ا ُك ْم ِب ِه َل َع َّل ُك ْم َت ْع ِق ُلونَ(‪َ )151‬ولاَ َت ْق َر ُبوا َما َل ا ْل َي ِت ِ‬ ‫بِا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�سنُ َحتَّى َي ْب ُل َغ �أَ�شُ َّد ُه َو َ�أ ْو ُف��وا ا ْل َك ْي َل َوالمْ ِيزَا َن‬ ‫بِا ْل ِق ْ�س ِط لاَ ُن َك ِّلفُ َنف ًْ�سا �إِلاَّ ُو ْ�س َع َها َو�إِ َذا ُق ْل ُت ْم َف ْاع ِد ُلوا َو َل ْو‬ ‫َك��ا َن َذا ُق� ْر َب��ى َو ِب َع ْه ِد هَّ ِ‬ ‫الل َ �أ ْو ُف ��وا َذ ِل� ُك� ْم َو�صَّ ا ُك ْم ِب� ِه َل َع َّل ُك ْم‬ ‫َت � َذ َّك � ُرونَ(‪َ )152‬و�أَ َّن َه�ذَا ِ�ص َر ِاطي ُم ْ�س َت ِقي ًما َفا َّت ِب ُعو ُه َولاَ‬ ‫ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َع��نْ َ�سبِي ِل ِه َذ ِل� ُك� ْم َو�صَّ ا ُك ْم ِب ِه‬ ‫َت َّت ِب ُعوا ُّ‬ ‫َل َع َّل ُك ْم َت َّتقُونَ{(‪.)153‬الأنعام‬

‫واذا اطعنا اهلل يف و اومره التي �شرعها لنا ول�صاحلنا‬ ‫و�سعادتنا طوع اهلل الكون يف خدمتنا وطاعتنا واذا ع�صينا‬ ‫اهلل تعالى وخالفنا اوامره الت�شريعية ي�سلط علينا الكون‬ ‫وي�صبح ع�صي علينا ثم انقلب علينا مثال على ذلك ‪-:‬‬ ‫كما ذكر �سابقاً‬ ‫ ابراهيم عليه ال�سالم اطاع اهلل واخل�ص يف توحيده ‪.‬‬‫�سخر له النار املحرقة يف خدمته ومل ت�ضره‬ ‫ مو�سى عليه ال�سالم ‪ :‬اط��اع اهلل واخل�ص يف عبادته‬‫�سخر البحر يف عبادته وجناه وقومه من عدوه‬ ‫ يون�س عليه ال�سالم اط��اع اهلل وان��اب اليه جن��اه من‬‫الغرق و�سخر له احلوت ليكون حا�ضنة وحافظة له‬ ‫ومل ي�ضره وكان يف خدمته‬ ‫ حممد �سيد اخللق �صلى اهلل عليه و�سلم اط��اع اهلل‬‫اطاعة خال�صة �شاملة كاملة �سخر اهلل له كل �شيئ‬ ‫وال�شاهد على ذلك ‪ :‬جاءت االوامر يف احداث غزوة‬ ‫ب��در يف ��س��ورة االن�ف��ال ال �ن��داءات االلهية للم�ؤمنني‬ ‫�ست مرات ت�أمرهم وتخاطبهم للأمتثال لأمر اهلل‬ ‫يف املعركة‬ ‫�أ‪ -‬ج��اء النداء االول التحذير من الفرار يف املعركة ‪.‬‬ ‫قال اهلل تعالى }يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم الذين‬ ‫كفروا زحفا فال تولوهم االدبار { ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬االم��ر بال�سمع والطاعة ‪ :‬ق��ال اهلل تعالى }ي��ا ايها‬ ‫ال��ذي��ن ام�ن��وا اطيعوا اهلل ور�سوله وال ت��ول��وا وانتم‬ ‫ت�سمعون {‬ ‫ج‪ -‬جاء النداء يدعوهم الى ن�صرتهم وعزتهم و�سعادتهم‬ ‫يف الدنيا واالخ ��رة ق��ال اهلل تعالى }ي��ا ايها الذين‬ ‫امنوا ا�ستجيبوا هلل والر�سول اذا دعاكم ملا يحييكم{‬ ‫د‪ -‬ال �ن��داء ب��دع��وة ع��دم خيانة اهلل وال��ر� �س��ول ق��ال اهلل‬ ‫تعالى } يا ايها الذين امنوا ال تخونوا اهلل والر�سول‬ ‫وتخونوا �أماناتكم وانتم تعلمون{‬ ‫هـ‪ -‬وج��اء ال�ن��داء االخ��ر يذكرهم بثمرة التقوى قائال‬ ‫}يا ايها الذين امنوا ان تتقوا اهلل يجعل لكم فرقاًنا‬ ‫ويكفر عنكم �سيئاتكم ويغفر لكم واهلل ذو ف�ضل‬ ‫عظيم{‬ ‫و‪ -‬و� �ض��ح ل�ه��م ط��ري��ق ال �ع��زة وا� �س ����س ال�ن���ص��ر ب��ال�ث�ب��ات‬ ‫وال�صرب ق��ال اهلل تعالى }ي��ا اي�ه��ا ال��ذي��ن ام�ن��وا اذا‬ ‫لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا اهلل كثريا لعلكم تفلحون{‬ ‫ل�ق��د ا��س�ت�ج��اب ال��ر��س��ول وامل ��ؤم �ن��ون ال��ى اوام ��ر اهلل‬ ‫الت�شريعية فط ّوع اهلل عزوجل لهم اوامره التكوينية‬ ‫التي كانت �سببا يف انت�صارهم يف غ��زوة ب��در‪ ،‬وذلك‬


‫ب���س��ب ال �ت��زام �ه��م ال � �ن ��داءات االل �ه �ي��ة ال�ت���ش��ري�ع�ي��ة‬ ‫وه��ي‪:‬ام��ده��م اهلل ب��امل�لائ�ك��ة ت�ق��ات��ل م�ع�ه��م‪ ،‬وال�ق��ى‬ ‫عليهم ال�ن��وم امنا وراح��ة الج�سامهم وق��ت اخل��وف‬ ‫وال���ش��دة‪ ،‬وغ�شاهم النعا�س �أم�ن��ة منه‪ ،‬وراح��ة لهم‪،‬‬ ‫وانزل عليهم من ال�سماء ما ًء من اجل ان يطهرهم‪،‬‬ ‫ودفع عنهم و�سو�سة ال�شيطان‪ ،‬ومنحهم الثقة حيث‬ ‫ربط على قلوبهم‪ ،‬وثبت مباء املطر االقدام حتى ال‬ ‫ت�سوخ بالرمال ‪ .‬ثم اوحى اهلل الى املالئكة لن�صرتهم‬ ‫والقى يف قلوب عدوهم الرعب وهذا م�شهد لتطويع‬ ‫اهلل اي��ات��ه ال �ك��ون �ي��ة وال �ت �ك��وي �ن �ي��ة ل �ل��ر� �س��ول (���ص)‬ ‫وا�صحابه يف ال �غ��زوات و يقول علي ر�ضي اهلل عنه‬ ‫( م��ا ك��ان فينا ف��ار���س ي��وم ب��در غ�ير امل �ق��داد ولقد‬ ‫ر�أيتنا وما فينا اال نائم �إ ّال ر�سول اهلل (�ص) حتت‬ ‫�شجرة يدعوا اهلل ويبكى حتى ا�صبح ) تقاتل معهم‬ ‫املالئكة قال اهلل تعالى مبينا ذلك يف �سورة االنفال‬ ‫اب َل ُك ْم َ�أنيِّ ممُ ِ ُّد ُكم ِب�أَ ْل ٍف‬ ‫ا�ست َ​َج َ‬ ‫}�إِ ْذ ت َْ�س َت ِغي ُثو َن َر َّب ُك ْم َف ْ‬ ‫ُ‬ ‫هَّ‬ ‫ِّمنَ المْ َلاَ ِئ َك ِة ُم ْر ِد ِفنيَ‪َ )9( ‬و َما َج َعلَ ُه الل �إِلاَّ ُب�شْ َرى‬ ‫َو ِلت َْط َم ِئنَّ ِب ِه ُق ُلو ُب ُك ْم َو َما الن َّْ�ص ُر �إِلاَّ ِمنْ ِع ِ‬ ‫ند هَّ ِ‬ ‫الل �إِ َّن‬ ‫هَّ َ‬ ‫ا�س �أَ َم َن ًة ِّم ْن ُه‬ ‫الل َعزِي ٌز َح ِكي ٌم (‪� )10‬إِ ْذ ُيغ َِّ�شي ُك ُم ال ُّن َع َ‬ ‫َو ُي َنز ُِّل َعلَ ْيكُم ِّمنَ ال�سَّ َما ِء َما ًء ِّل ُي َط ِّه َر ُكم ِب ِه َو ُيذ ِْه َب‬ ‫َعن ُك ْم ر ِْج َز ال�شَّ ْي َط ِان َو ِليرَ ْ ب َِط َعلَى ُق ُلو ِب ُك ْم َو ُي َث ِّبتَ ِب ِه‬ ‫الَ ْق� � َدا َم‪� )11( ‬إِ ْذ ُي ِ‬ ‫وحي َر ُّب َك �إِ َلى المْ َلاَ ِئ َك ِة َ�أنيِّ َم َع ُك ْم‬ ‫ْأ‬ ‫َف َث ِّبتُوا ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا َ�س�أُ ْل ِقي فيِ ُق ُلوبِ ا َّل ِذينَ َك َف ُروا‬ ‫ا�ض ِر ُبوا ِم ْن ُه ْم ُك َّل‬ ‫ا�ض ِر ُبوا َف� ْو َق ْ أ‬ ‫الَ ْع� َن��اقِ َو ْ‬ ‫ال ُّر ْع َب َف ْ‬ ‫َبن ٍَان‪َ )12( ‬ذ ِل َك ِب�أَ َّن ُه ْم �شَ ا ُّقوا هَّ َ‬ ‫الل َو َر ُ�سو َل ُه َو َمن ُي َ�شا ِققِ‬ ‫الل َو َر ُ�سو َل ُه َف�إِ َّن هَّ َ‬ ‫هَّ َ‬ ‫الل �شَ ِدي ُد ا ْل ِعقَابِ {‪ .‬كانوا مع اهلل‬ ‫ب�إطاعة اوامره فكان معهم مبعيته ون�صرته وت�أييده‬ ‫ومرده كما كان مع مو�سى ان معي ربي �سيهدين‪.‬‬ ‫وه� ��ذا م���ش�ه��د لأ� �ص �ح��اب ال�ك�ه��ف ح�ي��ث اط ��اع ��وا اهلل‬ ‫واخ�ل���ص��وا ل��ه ف �ط � ّوع اهلل ل�ه��م ا��س�ب��اب احل�ف��ظ ل�سنوات‬ ‫ُ�ص‬ ‫عديدة وايقظهم من جديد قال اهلل تعالى‪} :‬نُحن َنق ُّ‬ ‫�اه � ْم‬ ‫َعلَ ْي َك َن َب�أَ ُهم ِب�الحْ َ � ِّق �إِ َّن� ُه� ْم ِف ْت َي ٌة �آ َم� ُن��وا ِب َر ِّب ِه ْم َو ِز ْد َن� ُ‬ ‫ُه � ًدى (‪َ )13‬و َر َب ْطنَا َعلَى ُق ُلو ِب ِه ْم ِ�إ ْذ َق��ا ُم��وا َفقَا ُلوا َر ُّبنَا‬ ‫الَ ْر�� ِ�ض َلن َّن ْد ُع َو ِمن ُدو ِن ِه �إِ َل ًها َّل َق ْد ُق ْلنَا‬ ‫َر ُّب ال�سَّ َما َو ِات َو ْ أ‬ ‫�إِذًا �شَ َط ًطا (‪ { )14‬الكهف وبعد ه��ذه ال�سنني الطوال‬ ‫قاموا وك�أنهم لبثوا ليلة او ونهارا وه��ذا ا�ستدالل على‬ ‫�صحة البعث‪ ،‬ودالل��ة وا�ضحة على ان اهلل يبعث النا�س‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬وال�شاهد انهم اطاعوا اهلل تعالى واخل�صوا‬ ‫له التوحيد‪ ،‬فطوع لهم ا�سباب احلفظ ل�سنوات طويلة‬ ‫وبعثهم من جديد‪ ،‬وه��ذه اال�سباب كيف كانت ال�شم�س‬ ‫تقر�ضهم ذات اليمني وذات ال�شمال‪ ،‬واملالئكة تقلبهم‬ ‫ح�ت��ى ال تفنى وت�ه�ل��ك اج���س��ام�ه��م‪ ،‬وك�ي��ف ك��ان��ت احل�ي��اة‬ ‫م�ستمرة فيهم مل ت�ت��وق��ف ق�ل��وب�ه��م‪ ،‬وه ��ذه ادل ��ة دام�غ��ة‬

‫وبراهني وا�ضحة على �أن من تواله اهلل تعالى‪َ :‬ط ّوع له‬ ‫اياته التكوينية التي ذكرنا بع�ضها ‪.‬‬ ‫يتبني لنا من ذلك ان الكون مبني على امرين‪� :‬آيات‬ ‫اهلل املنظورة التي ن�شاهدها‪ ،‬ونب�صرها ب�أعيننا‪ ،‬الدالة‬ ‫ع�ل��ى وح��دان�ي��ة اهلل ت�ع��ال��ى‪ ،‬ث��م امل���ش��اه��دات وامل�ك��ا��ش�ف��ات‪،‬‬ ‫ال�ت��ي يعطيها اهلل لأه ��ل ط��اع�ت��ه م��ن االن �ب �ي��اء وال��ر��س��ل‬ ‫والأول �ي��اء ال�صلحاء اخلل�صاء ا�صحاب االرادة القوية‪،‬‬ ‫التي تفتت ال�صخور بنفحات اميانها واخال�صها‪ ،‬والن‬ ‫له احلديد ب�صالبته‪ .‬وم�شت اقدامها وخيولها على املاء‬ ‫واط �ف ��أت ال �ن�يران امل�ح��رق��ة‪ ،‬واذه�ب��ت ح��رارت�ه��ا‪ُ ،‬‬ ‫وط��وع��ت‬ ‫وركبت الوحو�ش الكا�سرة‪ ،‬و�شفيت االج�سام املري�ضة من‬ ‫ا�سقامها‪ ،‬والنفو�س م��ن و�سو�ستها‪ ،‬والن��ت لها القلوب‬ ‫من ق�ساوتها‪ ،‬وجعل اهلل لهم من كل هم خمرجا‪ ،‬ومن‬ ‫ك��ل �ضيق ف��رج��ا وف�ت��ح لهم اب��واب اخل�ي�ر‪ ،‬وان��ار قلوبهم‬ ‫بنور احلكمة واملعرفة ‪ ..‬ويف االخ��رة فتحت لهم اب��واب‬ ‫اجلنان وا�ستقبلتهم احلور العني وحفتهم املالئكة حيث‬ ‫انهم طوعوا انف�سهم ال��ى اهلل ونالوا �شرف الر�ضى من‬ ‫اهلل تعالى ق��ال اهلل تعالى‪َ } :‬وال���سَّ ��ا ِب� ُق��و َن ْ أ‬ ‫الَ َّو ُل � ��و َن ِم��نَ‬ ‫وهم ِب�إ ِْح َ�س ٍان َّر ِ�ض َي هَّ ُ‬ ‫الل‬ ‫المْ ُ َهاجِ رِينَ َو ْ أ‬ ‫ن�صا ِر َوا َّل ِذينَ ا َّت َب ُع ُ‬ ‫الَ َ‬ ‫الَ ْن َها ُر‬ ‫َع ْن ُه ْم َو َر ُ�ضوا َع ْن ُه َو َ�أ َع َّد َل ُه ْم َج َّن ٍات تجَ ْ رِي تحَ ْ َت َها ْ أ‬ ‫خَ ا ِل ِدينَ ِفي َها �أَ َب ًدا َذ ِل َك ا ْل َف ْو ُز ا ْل َع ِظي ُم{ التوبة‬ ‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‪-‬‬ ‫‪ -‬‬

‫املراجع‬ ‫تف�سري القر�آن الكرمي لأبن كثري‬ ‫�صفوة التفا�سري – ال�شيخ حممد علي ال�صابوين‬ ‫م�سند االمام �أحمد‬ ‫كتاب االميان – البن تيمية‬ ‫موط�أ االمام مالك‬ ‫�سنن ابي داود‬ ‫التنوير يف مولد الب�شري النذير لأب��ي خطاب ابن‬ ‫وحية‬ ‫ال �ع �ج��ائ��ب وال� �غ ��رائ ��ب ال �� �ش �ي��خ حم �م��د اب� ��ن ح�م��زة‬ ‫الكرماين‬ ‫اخل�صائ�ص للحافظ جالل الدين ال�سيوطي‬ ‫جامع علوم االحكام للأمام ابن رجب احلنبلي‬ ‫ح �ي��اة ال���ص�ح��اب��ة ل�ل�ع�لام��ة ال���ش�ي��خ حم �م��د ي��و��س��ف‬ ‫الكاندهلوي‬ ‫يف رح��اب اهلل رك��ن االح�سان – احل��اج احمد ح�سني‬ ‫الردايدة‬ ‫ا�سباب النزول للأمام جالل الدين ال�سيوطي‬ ‫مباحث يف علوم القر�آن مناع القطان‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪37‬‬


‫دراسات‬

‫الحكم‬ ‫أ ‪ .‬بشرى سعدي هاشم الخطاط‬

‫‪38‬‬

‫املقدمة‬ ‫�إن علم �أ�صول الفقه‪:‬هو علم يبحث يف االدلة الكلية‬ ‫اال�صلية والتبعية ام��ا اال�صلية املق�صود بها كتاب اهلل‬ ‫تعالى وال�سنة النبوية املطهرة واالجماع والقيا�س واما‬ ‫الفرعية فهي اال�ستح�سان واال�ست�صالح والعرف ‪.‬كما‬ ‫ي�شمل علم ا�صول الفقه احلكم ال�شرعي من حيث بيان‬ ‫حقيقته وخ��وا��ص��ه وان��واع��ه واحل��اك��م ه��و اهلل �سبحانه‬ ‫وتعالى من حيث االدل��ة التي قامت ام��ارات على �صدور‬ ‫حكمه وي�شمل كذلك املحكوم عليه وهو املكلف من حيث‬ ‫اهليته وعوار�ضها امل�ؤثرة عليها كاجلنون وال�سفه وال�صغر‬ ‫واملحكوم فيه وهو افعال العباد من حيث التكليف علما‬ ‫ان علم ا�صول الفقه م�ستمد من ثالث علوم وهي‪:‬‬ ‫علم الكالم‪-:‬وهو علم العقيدة القائم على التوحيد‬ ‫وان الأدلة ال�شرعية متوقفة على معرفة اخلالق �سبحانه‬ ‫وتعالى يف العلوم التالية‪:‬‬ ‫علم اللغة‪:‬واملق�صود بذلك اللغة العربية حيث ان‬ ‫الكتاب وال�سنة جاءا باللغة العربية‪.‬‬ ‫علم الفقه‪:‬هو جمموع االح�ك��ام ال�شرعية العملية‬ ‫امل�ستنبطة من ادلتها التف�صيلية ‪.‬‬ ‫• احلكم ال�شرعي‪ :‬عند اال�صوليني هو خطاب اهلل‬ ‫تعالى‪ ،‬اما عند الفقهاء هو العلم الذي يقت�ضيه خطاب‬ ‫ال�شارع احلكم يف العلم نف�سه من حيث احلرمة وغريهما‬ ‫مم��ا ه��و م��ن ��ص�ف��ات ف�ع��ل امل�ك�ل��ف‪ .‬ف��احل�ك��م م��ا ح�ك��م به‬ ‫واخلطاب ما خوطب به للقرينة الفعلية مثل ‪ :‬قال اهلل‬ ‫تعالى‪(:‬اوفوا بالعقود)املائدة(‪ )1‬هذا خطاب اهلل تعالى‬

‫الشرعي‬ ‫للمكلفني ف�ه��ي احل�ك��م ع�ن��د اال��ص��ول�ي��ة وع�ن��د الفقهاء‬ ‫وج��وب ال��وف��اء بالعقود ق��ال اهلل ت�ع��ال��ى‪(:‬اق��م ال�صالة‬ ‫لدلوك ال�شم�س) اال�سراء‪ 87‬احلكم عند اال�صوليني هو‬ ‫ن�ص االي��ة وعند الفقهاء دل��وك ال�شم�س اي زوال�ه��ا هو‬ ‫�سبب وج��وب �صالة الظهر قال النبي(�ص)‪(:‬القاتل ال‬ ‫ي��رث ) رواه ال�ترم��ذي عند اال��ص��ول�ي�ين ن�ص احلديث‬ ‫وعند الفقهاء ه��و القتل العمد امل��ان��ع م��ن ارث ال��وارث‬ ‫الذي يرث بالفر�ض او الع�صبة ‪.‬‬ ‫انواع احلكم ال�شرعي‬ ‫او ًال‪ :‬احلكم التكليفي‪:‬‬ ‫ه��و ج��زء م��ن احلكم ال�شرعي وه��و م��ا طلب ال�شارع‬ ‫احلكيم من املكلف فعله او الكف عنه او خُ يرّ املكلف بني‬ ‫الفعل وال�ك��ف مثال ‪:‬ق��ال تعالى‪}:‬وال�سارق وال�سارقة‬ ‫ف�أقطعوا ايديهما جزاء مبا ك�سبا نكاال من اهلل{املائدة ‪38‬‬ ‫ال�شارع طلب العقوبة على ال�سارق وهي القطع كما طلب‬ ‫الكف عن ال�سرقة ورت��ب على عدم االلتزام القطع قال‬


‫ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ‬

‫ﺍﻟﺣﻛﻡ ﺍﻟﺗﻛﻠﻳﻔﻲ‬

‫ﺍﻟﻭﺍﺟﺏ‬

‫ﺍﻟﺣﺭﺍﻡ‬

‫ﺍﻟﻣﺑﺎﺡ‬

‫ﺍﻟﺣﻛﻡ ﺍﻟﻭﺿﻌﻲ‬

‫ﺍﻟﻣﻧﺩﻭﺏ‬

‫ﺍﻟﻣﻛﺭﻭﻩ‬

‫ﺍﻟﻭﺍﺟﺏ ﺣﻛﻣﻪ‬ ‫ﻭﺍﻗﺳﺎﻣﻪ‬ ‫ﻭﺍﺟﺏ ﻣﻁﻠﻕ‪-‬ﻭﺍﺟﺏ ﻣﺅﻗﺕ‬

‫ﺍﻗﺳﺎﻣﻪ‬

‫ﺍﻟﺳﺑﺏ‬ ‫ﺍﻟﺷﺭﻁ‬ ‫ﺍﻟﻣﺎﻧﻊ‬

‫ﻭﺍﺟﺏ ﻋﻳﻧﻲ‪-‬ﻭﺍﺟﺏ ﻛﻔﺎﺋﻲ‬

‫ﺍﻟﺻﺣﺔ‬

‫ﻭﺍﺟﺏ ﻣﻌﻳﻥ‪-‬ﻭﺍﺟﺏ ﻣﻬﻡ‬

‫ﺍﻟﻔﺳﺎﺩ‬

‫ﻭﺍﺟﺏ ﻣﺣﺩﺩ‪-‬ﻭﺍﺟﺏ ﻏﻳﺭ ﻣﺣﺩﺩ‬

‫تعالى‪(:‬قاتلوا الذين الي�ؤمنون ب��اهلل وال باليوم الآخ��ر‬ ‫وال يحرمون ما حرم اهلل ور�سوله وال يدينون دين احلق‬ ‫من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا اجلزية عن يد وهم‬ ‫�صاغرون)التوبة‪ ،29‬ال�شارع احلكيم هنا طلب من املكلفني‬ ‫فعل قتال اليهود والن�صارى حتى يدفعوا اجلزية‪ ،‬وهي‬ ‫�أم��ارة على خ�ضوعهم لل�شريعة اال�سالمية والقتال هنا‬ ‫طلب‪.‬‬ ‫انواع احلكم التكليفي‬ ‫قد يكون واج��ب وق��د يكون مندوباً وطلب الكف عن‬ ‫الفعل قد يكون ح��رام�اً وق��د يكون مكروهاً وت�خ�يراً هو‬ ‫املباح‪ .‬وهو خم�سة انواع‬ ‫‪ -1‬ال��واج��ب وه��و ل�غ��ة‪ :‬ال�ث�ب��وت ويف اال� �ص �ط�لاح هو‬ ‫ال��واج��ب‪ ،‬وه��و م��ا طلب ال���ش��ارع فعله طلب ج��ازم يثاب‬ ‫فاعله ويعاقب ت��ارك��ه‪ ،‬مثال ق��ال اهلل تعالى }قاتلوهم‬ ‫يعذبهم اهلل ب�أيديكم ويخزهم وين�صركم عليهم وي�شفي‬ ‫�صدور قوم م�ؤمنني{ التوبة ‪ 14‬وقال تعالى } َو َقا ِت ُلوا فيِ‬

‫ﺍﻟﺑﻁﻼﺕ‬

‫الل ا َّل ِذينَ ُيقَا ِت ُلو َن ُك ْم َولاَ َت ْع َت ُدوا �إِ َّن هَّ َ‬ ‫ِيل هَّ ِ‬ ‫َ�سب ِ‬ ‫الل لاَ ُي ِح ُّب‬ ‫المْ ُ� ْع� َت� ِ�دي��نَ {ال�ب�ق��رة‪ 191-190‬وق��ال اهلل تعالى‪}:‬فكفارته‬ ‫�إطعام ع�شرة م�ساكني من او�سط ما تطعمون اهليكم او‬ ‫ك�سوتهم او حترير رقبة فمن مل يجد ف�صيام ثالثة ايام‬ ‫اذا حلفتم ذلك كفارة اميانكم واحفظوا امينكم{‬ ‫ففي الآي��ة االول��ى يطلب ال�شارع احلكيم من املكلف‬ ‫طلباً جازماً وهو قتال الكافرين الذين حاربوا الدعوة‬ ‫اال�سالمية واخ��رج��وا امل�سلمني م��ن ار�ضهم ودي��اره��م ‪.‬‬ ‫واالية الثانية تطلب من املكلفني قتال املعتدين كاليهود‬ ‫وغريهم ومطاردتهم وقتلهم عند الظفر بهم وتطلب‬ ‫فع ً‬ ‫ال �آخر هو �إخراجهم من بالد امل�سلمني التي احتلوها‬ ‫واخرجو اهلها منها‪ ،‬كما هو االن يف فل�سطني‪ ،‬اما الثالثة‬ ‫طلب ج��ازم املحافظة على االمي ��ان وال��وف��اء بها وحكم‬ ‫الوفاء بها‪� ،‬إذا حنث‪ ،‬ويختار واحدة من ثالثة �إما االطعام‬ ‫والك�سوة لع�شرة م�ساكني او حترير رقبة‪ ،‬ف ��أن مل يكن‬ ‫قادراً وجب عليه ال�صيام (‪ )3‬ايام ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪39‬‬


‫‪40‬‬

‫اق�سام الواجب‪:‬‬ ‫‪ -1‬بالن�سبة الى وقته‪ :‬واجب مطلق الذي مل يحدد له‬ ‫ال�شارع احلكيم وقتا معيناً الدائه وفو�ض امللكف به يف‬ ‫اي وقت مثل(وانفقوا يف �سبيل اهلل )‬ ‫واجب م�ؤقت‪:‬منه املو�سع ومنه امل�ضيق‬ ‫‪ -2‬بالن�سبة �إلى املكلف به واجب عيني وواجب كفائي‬ ‫‪ -3‬بالن�سبة �إلى تعينيه‪:‬هو واجب معني وواجب مبهم‬ ‫‪ -4‬بالن�سبة الى حتديده وتقديره واجب حمدد وواجب‬ ‫غري حمدد‬ ‫‪2‬املندوب ‪:‬معناه لغة الدعاء الى الفعل وا�صطالحا‬ ‫ه��و م��ا ط�ل��ب ال �� �ش��ارع ف�ع�ل��ه ط�ل�ب�اً غ�ي�ر ج ��ازم فا�ستحق‬ ‫فاعله امل��دح وال�ث��واب مثل‪:‬كتابة ال��دي��ن ق��ال اهلل تعالى‬ ‫}�إذا تداينتم بدين �إلى اجل م�سمى فاكتبوه{ البقرة ‪282‬‬ ‫ومكاتبة العبد لتحريره قال اهلل تعالى }فكاتبوهم‬ ‫اذا علمتم فيهم خريا{ وقال الر�سول (�ص)‪( :‬يا مع�شر‬ ‫ال�شباب من ا�ستطاع منكم الباءة فليتزوج) وردت قرينته‬ ‫��ص��رف�ت�ه��ا م��ن االي �ج��اب ال ��ى ال �ن��دب ودل الأم� ��ر للندب‬ ‫وللوجوب‬ ‫اق�سام املندوب‬ ‫‪� -1‬سنة هدي وهي التي واظب عليها الر�سول(�ص) ومل‬ ‫يرتكها الى نادر حتى يفهم النا�س انها �سنة ولي�ست‬ ‫واج ��ب ك���ص�لاة اجل�م��اع��ة واالذان واالق��ام��ة وه��ذه‬ ‫ال�سنة يثاب فاعلها وال يعاقب تاركها ان كان فردا بل‬ ‫يالم على ذلك ‪.‬‬ ‫‪� -2‬سنة زوائد وهي التي ت�صدر عن الر�سول على وجه‬ ‫العادة ال على وجه العبادة كلبا�سه وقيامه وقعوده‬ ‫والتطويل يف ال�صالة او التق�صري وهذه ال�سنة ح�سنة‬ ‫ان ي�أخذ بها املكلف وال يعاقب على تركها وال يالم ‪.‬‬ ‫‪ -3‬النفل‪:‬هو ما �شرعه الر�سول(�ص)من نوافل كال�سنن‬ ‫الراتبة يف ال�صلوات اخلم�س و�صالة التطوع وقيام‬ ‫الليل والتهجد وال�تراوي��ح وال�ضحى وي��وم ال�صيام‬ ‫ك��االي��ام البي�ض من كل �شهر و�صيام ي��وم عا�شوراء‬ ‫ويوم عرفة وللمندوب ا�سماء كثرية منها م�ستحبة‬ ‫وتطوع والنفل والقربة ‪.‬‬ ‫احلرام‪:‬‬ ‫ هو ما طلب ال�شارع من املكلف الكف عن فعله طلباً‬ ‫جازماً‪ ،‬ف�أن كان الواجب طلب فعل‪ ،‬فاحلرام طلب ترك‬ ‫الفعل وفاعله مذموم وي�ستحق العقوبة من االمثلة‬ ‫على ذلك ‪:‬من كتاب اهلل تعالى قال اهلل تعالى‪(:‬وال‬ ‫تقربوا ال��زن��ى)اال��س��راء‪38‬وق��ال ت�ع��ال��ى‪(:‬وال تقتلوا‬

‫ال�ن�ف����س ال �ت��ي ح ��رم اهلل)اال�� � �س � ��راء‪ 38‬ق ��ال ت�ع��ال��ى‪:‬‬ ‫}حرمت عليكم امليتتة{ املائدة (‪ )3‬قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫}اليحل لكم �أن ترثوا الن�ساء كرهاً{ الن�ساء (‪)19‬‬ ‫وقال تعالى‪}:‬امنا اخلمر واملي�سر واالن�صاب واالزالم‬ ‫رج�س من عمل ال�شيطان ف�أجتنبوه{ االمثلة من‬ ‫ال�سنة قال (�ص)‪(:‬ال يحل مل�سلم ان يهجر اخاه فوق‬ ‫ثالث) رواه م�سلم وكذلك قال اهلل تعالى(لعن اهلل‬ ‫النام�صة واملتنم�صة) ودليل ثالث قال (�ص)‪(:‬من‬ ‫ادع��ى الى غري ابيه وهو يعلم انه غري ابيه فاجلنة‬ ‫عليه ح��رام) رواه م�سلم متفق عليه ق��ال(���ص)‪�(:‬إن‬ ‫دماءكم و�أموالكم و�أعرا�ضكم حرام عليكم) قال(�ص)‬ ‫(ال حتا�سدوا) لو ت�أملنا يف الآيات القر�آنية ال�سابقة‬ ‫جند انها يف الأولى نهت عن الزنا‪ ،‬والثانية نهت عن‬ ‫قتل النف�س والثالثة حرمت اكل امليتتة والرابعة نفت‬ ‫ح��ل ارث الن�ساء ك��ره�اً‪ ،‬واخلام�سة �أم��رت باجتناب‬ ‫اخلمر �إم��ا الأح��ادي��ث ال�سابقة حرمت هجران الأخ‬ ‫لأخ�ي��ه امل�سلم ف��وق ثالثة اي ��ام‪ ،‬وال�ث��اين ح��رم على‬ ‫امل� ��ر�أة امل�سلمة من����ص �شعر احل��اج��ب لرتقيقه لها‬ ‫او لغريها وال�ث��ال��ث ح��رم ال���ش��ارع ان ين�سب الرجل‬ ‫لغري �أبيه‪ ،‬والرابع حرم دماء امل�سلمني على بع�ضهم‬ ‫البع�ض واخلام�س حرم على امل�سلمني ان يتحا�سدوا ‪.‬‬ ‫�صيغ التحرمي‪ -:‬اوال النهي الذي يدل على التحرمي‬ ‫�أوال توجد قرينة �صارفة له ‪ .‬قال اهلل تعالى(ال ت�أكلوا‬ ‫اموالكم بينكم بالباطل) اي حرمت اكل االموال بالبطل ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ -:‬لفظ التحرمي و�صيغته‪ :‬قال اهلل تعالى(وحرم‬ ‫الربا)‬ ‫ثالثاً‪ -:‬ال ت�ستحلوا حرمات اهلل وال تعتدوا ح��دوده �أي‬ ‫�شعائره التي حداها لعباده قال اهلل تعالى ‪(:‬يا �أيها‬ ‫الذين امنوا ال حتلوا �شعائر اهلل وال ال�شهر احلرام)‬ ‫راب �ع��ا‪ -:‬ترتيب العقوبة على الفعل او ال�ق��ول ق��ال اهلل‬ ‫تعالى‪( :‬ومن يظلم منكم يذق عذابا اليما)‬ ‫خ��ام �� �س �اً‪-:‬االم��ر ب��االج �ت �ن��اب ي�ف�ي��د ال �ت �ح��رمي ق ��ال اهلل‬ ‫تعالى‪(:‬واجتنبوا الطاغوت)‬ ‫��س��اد��س�اً‪��-:‬ص�ي�غ��ة ال�ن�ف��ي ال �ت��ي ت�ف�ي��د ال�ن�ه��ي وال�ت�ح��رمي‬ ‫ق ��ال(� ��ص)‪(:‬ل ��ن ي�ف�ل��ح ق ��وم ول� ��وا ام��ره��م ام � ��ر�أة)‬ ‫البخاري ‪.‬‬ ‫اق�سام احل ��رام‪-:‬او ًال احل��رام لذاته وهو ما طلب ال�شارع‬ ‫الكف عنه لذاته لقبحه وف�ساده ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ -:‬وهو ما كان م�شروعا ب�أ�صله‪ ،‬طر�أت عليه ظروف‬ ‫اثرت يف �شرعيته‪ ،‬فحرمته كالثوب املغ�صوب واالر�ض‬ ‫املغ�صوبة ‪.‬‬


‫املكروه‪ -:‬وهو امل�أخوذ من الكريهة‪ ،‬وهي ال�شدة يف احلرب‬ ‫وه��و �ضد املحبوب وتعريفه اال�صطالحي ما طلب‬ ‫ال�شارع من املكلف طلباً غري جازم ومن ذلك ‪.‬‬ ‫اوال ‪ :‬ك��راه��ة التنف�س يف االن ��اء لنهي النبي (���ص) �إن‬ ‫يتنف�س يف الإناء‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬كراهة و�ضع اليد يف اخلا�صرة يف ال�صالة لأن النبي‬ ‫(�ص)نهى �أن ي�صلي الرجل متخ�صرا ) رواه م�سلم‬ ‫ثالثا‪ :‬كراهة ان يطرق امل�سافر اهله ليال لأن النبي(�ص)‪:‬‬ ‫(نهى �أن يطرق �أهله ليال)‬ ‫رابعا ‪ :‬كراهة التطوع بعد �صالة الع�صر نهى ر�سول اهلل‬ ‫(�ص) عن ال�صالة بعد الع�صر حتى تغرب ال�شم�س)‬ ‫رواه م�سلم‬ ‫خام�سا‪ -:‬كراهة ال�ضرب يف الوجه‬ ‫�أق�سام املكروه‪� -:‬أوال ‪:‬كراهية حترميية‬ ‫ثانيا ‪:‬كراهة تنزيهية ‪-:‬وه��و ما طلب ال�شارع الكف‬ ‫عنه طلباً غري جازم مثل لطم الوجه يف املاء يف الو�ضوء‬ ‫واكل حلم اخليل و�شرب البانهم وال�ضوء �س�ؤر ال�سباع‬ ‫املباح يف اللغة احلالل ‪ -:‬وهو ما خري ال�شارع املكلف‬ ‫ف�ع�ل��ه ب�ين ف�ع�ل��ه وت��رك��ه و� �س��وى ب�ين ال�ف�ع��ل وال �ت�رك ال‬ ‫ي�ستحق تاركه الذم والعقاب مثل قال اهلل تعالى‪(:‬واحل‬ ‫اهلل البيع)البقرة‪ 275‬وق��ال تعالى ‪}:‬اح�ل��ت لكم بهيمة‬ ‫االنعام{ املائدة‪ 1‬قال (�ص) ‪ (:‬احلت لنا ميتتان ودمان)‬ ‫حديث �صحيح‬ ‫�صيغ املباح ‪ -:‬او ًال لفظ احلكم قال اهلل تعالى‪}:‬احل‬ ‫لكم الطيبات وما علمتم من اجلوارح مكلمني تعلمونهن‬ ‫مما علمكم اهلل{‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬رفع احلرج قال اهلل تعالى‪}:‬لي�س على الأعمى‬ ‫حرج وال على االعرج حرج وال على املري�ض حرج{ النور ‪13‬‬ ‫ثالثا‪ :‬رفع االث��م مثل قال اهلل تعالى‪}:‬فمن ا�ضطر‬ ‫لغري باغ وال عاد فال اثم عليه{ البقرة ‪ 173‬رابعا‪ :‬رفع‬ ‫اجل�ن��اح ق��ال اهلل تعالى‪}:‬لي�س عليكم ج�ن��اح ان تبتغوا‬ ‫ف�ضل من ربكم{ البقرة ‪198‬‬ ‫خام�ساً‪(:‬الأمر مع وجود قرينة ت�صرفه من الوجوب‬ ‫�إلى الإباحة قال اهلل تعالى‪}:‬وكلوا و�أ�شربوا حتى يتبني‬ ‫لكم اخليط االبي�ض من اخليط الأ��س��ود من الفجر ثم‬ ‫�أمتوا ال�صيام �إلى الليل{البقرة‪187‬‬ ‫احلكم الو�ضعي‪:‬‬ ‫ه��و جعل ال�شارع احلكيم �شيئاً �سبباً ل�شيء �آخ��ر‪� ،‬أو‬ ‫�شرطاً له او علة او مانعاً او بيان �صحة الت�صرف للمكلف‬ ‫من ف�ساده وبطالنه‬

‫انواع احلكم الو�ضعي‪:‬‬ ‫اوال ‪ :‬ال�سبب يف اللغة احلبل قال تعالى ‪}:‬فليمدد‬‫ب�سبب الى ال�سماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهنب كيده‬ ‫ما يغيظ{ احلج ‪ ،15‬وال�سبب ال�صلة احلميمة بني النا�س‬ ‫وجمعها ا�سباب تكون بني االخالء وبني ا�صحاب امل�صالح‬ ‫الدنيوية فتنقطع ي��وم القيامة وت��زول ق��ال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫}�إذ ت�بر�أ الذين اتبعوا من الذين ات ُبعوا ور�أوا العذاب‬ ‫و ت �ق �ط �ع��ت ب �ه��م الأ� � �س � �ب ��اب{ ال � �ب � �ق ��رة‪ 166‬والأ�� �س� �ب ��اب‬ ‫احل�ب��ال وك��ل م��ا ي�ستعمل لل�صعود ويف ا��س��ا���س البالغة‬ ‫الذوائب(اجلدائل)وامر�أة طويلة ال�سبائب ‪.‬‬ ‫وال�سبب يف اال�صطالح هو الو�صف الظاهر املن�ضبط‬ ‫ال��ذي جعله ال���ش��ارع مناطاً حلكم �شرعي في�ستلزم من‬ ‫وج��وده الوجود ومن عدمه العدم مثل ‪-1‬دخ��ول الوقت‬ ‫�سبب يف وج��وب ال�صالة و�صحتها ق��ال اهلل تعالى‪}:‬اقم‬ ‫ال�صالة لدلوك ال�شم�س{ اال�سراء ‪ 2- 78‬ملك الن�صاب‬ ‫�سبب وج ��وب ال��زك��اة ‪-3‬ال��زن��ى �سبب يف اق��ام��ة العقوبة‬ ‫املقررة يف حد الزنى ‪-4‬القتل العمد �سبب يف الق�صا�ص‬ ‫‪-5‬ال�سرقة يف اقامة احلد وهي قطع اليد ‪.‬‬ ‫اق�سام ال�سبب ‪:‬‬ ‫‪ -1‬ال�سبب امل���ش��روع وه��و ال�سبب ال��ذي ي ��ؤدي يف ا�صله‬ ‫الى امل�صلحة العامة‪ ،‬وان ت�ضرر منه بع�ض االفراد‬ ‫او احلق بهم العنف وامل�شقة قال اهلل تعالى‪}-:‬كتب‬ ‫عليكم القتال وهو كره لكم‪ ،‬وع�سى ان تكرهوا �شيئاً‬ ‫وه��و خري لكم{ البقرة ‪ 216‬وكذلك املجاهد الذي‬ ‫يجاهد الظاملني في�أمر باملعروف وينهى عن املنكر‬ ‫قد يت�ضرر بال�سجن او التعذيب ‪.‬‬ ‫‪ -2‬غري امل�شروع‪:‬ال�سبب الذي ي�ؤدي يف ا�صله الى مف�سدة‬ ‫وان ترتب عليه بع�ض املنافع الفردية او ال�شخ�صية‬ ‫مثل النكاح الفا�سد ف�أنه ي�ؤدي الى املفا�سد وان ترتب‬ ‫عليه م�صلحة فردية يف حلوق الولد ب�أبيه‪ ،‬واملرياث‬ ‫تق�سيم ال�سبب ب�أعتبار قدرة املكلف ‪ -1‬ال�سبب املقدور‬ ‫عليه وهوال�سبب ال��ذي حت��ت ق��درة املكلف وارادت��ه‬ ‫فله حرية االختيار واالخ��ذ بهذه اال�سباب او تركها‬ ‫مثل ال�سرقة �سبب يف ايقاع عقوبة القطع واملكلف‬ ‫لي�س جمرباً على ايقاع ال�سبب بل هو معطى حرية‬ ‫االخ�ت�ي��ار وحم��ا��س��ب على اخ�ت�ي��اره ‪ -2‬ال�سبب غري‬ ‫املقدور عليه وهناك ا�سباب خارجة عن قدرة املكلف‬ ‫وال دخل له فيها مثل دلوك ال�شم�س �سبب يف وجوب‬ ‫� �ص�لاة ال�ظ�ه��ر ق��ال اهلل ع��ز وج ��ل‪} :‬اق ��م ال�صالة‬ ‫لدلوك ال�شم�س{ اال�سراء ‪78‬‬ ‫ال�شرط ‪ :‬الو�صف الظاهر املن�ضبط الذي يرتتب على‬ ‫انعدامه العدم وال يرتتب على وجود غريه ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪41‬‬


‫‪42‬‬

‫مثال ‪ :‬احلول �شرط يف وجوب الزكاة �إذا بلغ الن�صاب‬ ‫االح�سان �شرط يف وج��وب ال��رج��م على ال��زاين الطهارة‬ ‫�شرط يف �صحة ال�صالة ‪.‬‬ ‫انواع ال�شرط‪:‬‬ ‫‪�� -1‬ش��رط حم����ض وه��و ام��ا حقيقي ي�ت��وق��ف عليه �شئ‬ ‫بحكم العقل او بحكم ال�شارع حتى ال ي�صح احلكم‬ ‫بدونه ا�صال كال�شهود للنكاح ‪.‬‬ ‫‪�� -2‬ش��رط يف حكم العلة في�ضاف احل�ك��م ال�ي��ه ك�شهود‬ ‫وجود ال�شرط كما اذا علق الرجل طالق زوجته على‬ ‫دخول ال��دار و�شهد على ذلك �شهود ف��أذا رجعوا عن‬ ‫ال�شهادة بعد ق�ضاء القا�ضي ي�ضمنون ‪..‬‬ ‫‪� -3‬شرط يف حكم ال�سبب وهو ح�صول فعل فاعل خمتار‬ ‫غري من�سوب ذلك ال�شرط مثل اذا حل قيد عبد ال‬ ‫متلكه بل ميلكه الغري ف�أبقاء العبد ي�ضمن الن حل‬ ‫القيد كان متقدما على الهروب الذي هو علة التلف‪.‬‬ ‫‪� -4‬شرط ا�سما ال حكما مثل اذا قال المر�أته ان دخلت‬ ‫ه ��ذه ال� ��دار ف ��أن��ت ط��ال��ق ف � ��أول ال���ش��رط�ين بح�سب‬ ‫الوجود �شرط ا�سم لتوقف احلكم عليه باجلملة ال‬ ‫حكم لعدم حتقق احلكم عنده‬ ‫‪� � -5‬ش��رط يف م�ع�ن��ى ال�ع�لام��ة ك��الإح �� �س��ان ف ��أن��ه �شرط‬ ‫لوجوب الرجم على الزاين فلي�س فيه معنى العلية‬ ‫وال�سببية‪.‬‬ ‫املانع‪ -:‬ا�سم فاعل من الفعل منع فيقال منعته من‬ ‫االمر ومن االمر فهو ممنوع اي حمروم منه وامتنع من‬ ‫االمر كف عنه وما نعته ال�شيء نازعته الخ‪...‬ومعنى املانع‬ ‫ا�صطالحاَ هو و�صف ظاهر ف�ضبط ي�ستلزم وجوده حكمة‬ ‫ت�ستلزم عدم احلكم او عدم ال�سبب‪ .‬االمثلة‪ :‬االبوة منعت‬ ‫الق�صا�ص مع وج��ود ال�سبب وهو القتل عمدا كون االب‬ ‫�سببا لوجود االبن يق�ضي ان ال ي�صري االبن �سبببا لعدم‬ ‫ابيه‬ ‫• ال� َّدي��ن ال��ذي ي�ستوعب معظم الن�صاب او كله يكون‬ ‫مانعاً من وج��وب الزكاة اذ الزكاة جتب على الغني‬ ‫املالك للن�صاب الزائد عن حاجته‪.‬‬ ‫• اخ�ت�لاف ال� ِّدي��ن مانع م��ن االرث ان وج��د �سببه وهو‬ ‫القرابة لقوله(�ص)‪(:‬اليرث امل�سلم الكافر وال يرث‬ ‫الكافر امل�سلم)رواه م�سلم‬ ‫• والقاتل الي��رث م��ن قتله‪ ،‬فالقتل مانع م��ن االرث‬ ‫مع وجود �سببه وهو القرابة والقاعدة (من ا�ستعجل‬ ‫ال�شيء قبل �أوانه عوقب بحرمانه) ‪.‬‬

‫اق�سام املانع‪-:‬‬ ‫الق�سم االول ‪ :‬املانع للحكم ‪:‬اذا وج��د ه��ذا الو�صف‬ ‫الظاهر املن�ضبط ف�أنه مينع وجود احلكم ويرفعه امثلة‬ ‫ذلك كثري منها‬ ‫• االبوة متنعه من الق�صا�ص‬ ‫• اختالف الدين منع من االرث‬ ‫• ال�ق�ت��ل ال �ع��دوان مي�ن��ع م��ن االرث ك�م��ا ب�ين ذل��ك يف‬ ‫االمثلة ال�سابقة‬ ‫الق�سم ال �ث��اين‪ :‬م��ان��ع ل�سبب‪:‬قد ي�ك��ون امل��ان��ع رافعا‬ ‫لل�سبب ومبط ً‬ ‫ال له ‪ ،‬ومن ثم يكون رافعا للحكم بعد ذلك‪,‬‬ ‫ورف��ع احل�ك��م هنا ب�ن��اء على ان �ع��دام ال�سبب الن ارت�ب��اط‬ ‫امل�سبب بال�سبب وج��ودا او عدما ف ��إذا وج��د ال�سبب وجد‬ ‫امل�سبب وهو احلكم واذا انتفى ال�سبب انتفى امل�سبب وهو‬ ‫احلكم مثال الدين ال��ذي ا�ستغرق الن�صاب او ج��زء منه‬ ‫فهو يرفع ال�سبب وهو عدم ملك الن�صاب واذا رفع ال�سبب‬ ‫رفع امل�سبب وانعدم وهو عدم وجوب الزكاة‪.‬‬ ‫ال�صحة‪-:‬املق�صود بال�صحة هنا وق��وع الفعل كافيا‬ ‫يف �سقوط الق�ضاء فتكون ال���ص�لاة مثال �صحيحة اذا‬ ‫ا�ستوفت اركانها و�شرائطها وا�سبابها وانتفت موانعها فاذا‬ ‫وقعت كذلك �سقط الطلب بق�ضا�ؤها والزكاة تكون واجبة‬ ‫اذا ت��وف��رت ال�شرائط واال��س�ب��اب وانتفت امل��وان��ع‪ .‬واحل��ج‬ ‫عبادة تقع �صحيحة اذا قام املكلف باركان احلج وواجباته‬ ‫و�شروطه وانتفت موانعه وعقد البيع يقع �صحيحا اذا‬ ‫ت��واف��رت ارك��ان��ه و��ش��رائ�ط��ه وك��ذل��ك �سائر ان ��واع العقود‬ ‫تكون �صحيحة �شرعا اذا توافرت اركانها و�شروطها ومل‬ ‫تقم املوانع على انتفائها وم��ن هنا لفظ ال�صحة يطلق‬ ‫على معنيني الأول‪:‬ح �� �ص��ول املق�صود بفعله يف الدنيا‪،‬‬ ‫الثاين‪:‬ما ترتب اثار العمل عليه يف االخرة‪ ،‬وهنا الثواب‬ ‫وال�ع�ق��د ال�صحيح ه��و العقد امل���ش��روع با�صله وامل���ش��روع‬ ‫بو�صفه وتوافرت فيه اركانه‪.‬‬ ‫البطالن‪:‬‬ ‫ هو كل ت�صرف مل ي�ستوف اركانه و�شرائطه فهو باطل‬‫ال ترتتب عليه اث��اره يف الدنيا وال ترتتب عليه اث��اره يف‬ ‫االخرة‪ ،‬وهو هنا جني الثواب‪ ،‬امثلة على ذلك‪*:‬ال�صالة‬ ‫الباطلة هي التي مل ت�ستوف اركانها و�شرائطها وكذلك‬ ‫احل��ج‪ ،‬وكذلك االج��ارة والكفالة واحلوالة و�سائر انواع‬ ‫العقود باطلة �إذا مل ت�ستوف �شرائطها‪.‬‬ ‫الف�ساد ‪:‬‬ ‫كل ت�صرف �شرع با�صله دون و�صفه وعلماء اال�صول‬ ‫من ال�شافعي واملالكي واحلنفي يعدون الف�ساد والبطالن‬


‫م�ت�رادف�ي�ن وم �ع �ن��اه �م��ا واح � ��د ‪ ،‬ف��ال �ف �� �س��اد ه ��و ب�ط�لان‬ ‫وال�ب�ط�لان ه��و ف�ساد وال يفرقان بينهما‪ .‬ام��ا احلنفية‬ ‫فيفرقون بني البطالن والف�ساد فيقولون البطالن هو‬ ‫ما كان غري م�شروع با�صله وو�صفه والف�ساد هو ما كان‬ ‫م�شروعاً با�صله غري و�صفه وبناء على ذلك فان العقد‬ ‫باطل مثال مل ينعقد ا�صال‪ ،‬ومن ثم مل ترتتب عليه اي‬ ‫ثمرة من ثمار العقد ال�صحيح‪ ،‬اما العقد الفا�سد فقد‬ ‫ترتتب عليه بع�ض االث��ار ‪ .‬ومثال العقد الفا�سد العقد‬ ‫املت�ضمن اركان العقد والبيع فانه ا�شتمل على ف�ضل خال‬ ‫من العو�ض وال��زائ��د ف��رع عن املزيد عليه فكان مبنزلة‬ ‫و�صف‪ ،‬وهو مببادلة مال مبال‪ ،‬وهو �أ�صل وال و�صف‪.‬‬ ‫ومبادلة املال باملال وهو م�شروع اما الزيادة يف مبادلة‬ ‫مال مبال من غري عو�ض فهو ربى وهو غري م�شروع‪.‬‬ ‫العزمية‪ :‬هي احلكم الثابت من غري‬ ‫خمالفة دليل �شرعي �أو ما ل��زم باجاب اهلل تعالى او‬ ‫ما�شرع من االحكام ابتداء غري مبني على اع��ذار العباد‬ ‫يف الظروف العادية قال اهلل تعالى‪}:‬ولقد عهدنا �إلى ادم‬ ‫من قبل فن�سي ومل جند له عزما{ طه‪ 115‬وعزمية اهلل‬ ‫فري�ضته التي افرت�ضها واجلمع عزائم وعزائم ال�سجود‬ ‫ما امر بال�سجود منها عن ابن عبا�س قال‪� :‬إن اهلل يحب‬ ‫ان ي�ؤتى رخ�صه كما يحب ان ي�ؤتى بعزائمه اي بفرائ�ضه‬ ‫التي عزم اهلل تعالى على العباد وجودها قال علي ر�ضي‬ ‫اهلل عنه‪:‬عزائم القر�آن �أربعة ويف اجلامع عزائم ال�سجود‬ ‫�إي ف��رائ���ض��ه وه��ي (امل ت�ن��زي��ل )‪ ،‬ال���س�ج��دة ‪ ،‬وال�ن�ج��م‪،‬‬ ‫و�أق��ر�أ با�سم رب��ك)وال�ع��زم هو الق�صد واطمئنان النف�س‬ ‫ق��ال اهلل ت �ع��ال��ى‪}:‬و�إذا عزمت فتوكل على اهلل{ و�أن��واع‬ ‫العزم (الواجب‪ ،‬واملندوب‪،‬واحلرام‪،‬واملكروه)الأمثلة على‬ ‫العزمية منها �صوم رم�ضان وامتام ال�صالة وال�صرب على‬ ‫التعذيب وحرمة امليتة وحلم اخلنزير والدم عزائم‪.‬‬ ‫الرخ�صة‪ :‬هو ما�شرع من االحكام يف الظروف الطارئة‬

‫وبني على اعذار العباد كاملر�ض وال�سفر واال�ضطرار مثل‬ ‫اكل امليتة عند اال�ضطرار ‪ :‬اكل امليتة حرام يف الظروف‬ ‫العادية قال اهلل تعالى }حرمت عليكم امليتتة{ ولكن اذا‬ ‫ج��اع االن�سان وا��ش��رف على الهالك ووج��د ميتة اذا اكل‬ ‫منها حفظت له حياته وجن��ا من الهالك فهذه رخ�صة‬ ‫من اهلل عزوجل لقوله تعالى‪}:‬فمن ا�ضطر يف خمم�صة‬ ‫غ�ير متجانف الث��م ف��ان اهلل غ�ف��ور رح �ي��م{ م �ث ��آل اخ��ر‬ ‫الفطر للم�سافر يف رم�ضان او املري�ض قال تعالى‪َ }:‬و َمن‬ ‫ِي�ضا �أَ ْو َعلَى َ�س َف ٍر َف ِع َّد ٌة ِّمنْ �أَ َّيا ٍم �أُخَ َر ُيرِي ُد هَّ ُ‬ ‫الل ِب ُك ُم‬ ‫َكا َن َمر ً‬ ‫ا ْل ُي ْ�س َر َولاَ ُيرِي ُد ِب ُك ُم ا ْل ُع ْ�س َر{ البقرة‪ 185‬وكذلك ق�صر‬ ‫ال�صالة عند ال�سفر رخ�صة للم�سافر ق��ال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫}و�إذا �ضربتم يف الأر���ض فلي�س عليكم جناح ان تق�صروا‬ ‫من ال�صالة{ الن�ساء‪101‬‬ ‫احكام الرخ�صة‬ ‫ان الأخذ بالرخ�صة واجب وي�ؤثم تاركها و�أحيانا يكون‬ ‫الأخ��ذ بها اف�ضل من تركها واحيانا يكون تركها �أول��ى‬ ‫و�أحيانا ي�ستوي الأخذ بها او تركها ‪.‬‬ ‫امل�صادر واملراجع‬ ‫‪ -1‬االمدي �سيف الدين ابو احل�سن علي كتاب الأحكام‬ ‫يف �أ�صول الأحكام‪،‬م�ؤ�س�سة احللبي‬ ‫‪ -2‬البي�ضاوي منهاج الو�صول �إلى علم الأ�صول مطبعة‬ ‫حممد علي �صبيح (القاهرة)‬ ‫‪ -3‬ابن حجر الع�سقالين �شهاب الدين ‪ ،‬بلوغ املرام من‬ ‫�أدلة الأحكام ‪.‬‬ ‫‪ -4‬اجل��رج��اين حا�شية اجل��رج��اين ع�ل��ى ��ش��رح الع�ضد‬ ‫ملخت�صر اب��ن احل��اج��ب املطبعة ال �ك�برى الأم�يري��ة‬ ‫القاهرة‬ ‫‪ -5‬الزحيلي‪ ،‬وهبة‪ ،‬الو�سيط يف �أ�صول الفقه‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪43‬‬


‫دراسات‬

‫دور التربية‬ ‫والتعليم في‬ ‫تحفيز المجتمع‬ ‫د‪ .‬محمد جمعة الوحش‬

‫‪44‬‬

‫ه��ذا ع �ن��وان م�ستفز‪ ،‬م�ت�ع��دد ال� ��دالالت‪� ،‬إذ املق�صود‬ ‫بذلك هو �إث��ارة املجتمع نحو ق�ضية معينة �أو نحو عدة‬ ‫ق�ضايا‪� .‬أو غر�س قيم جديدة يف املجتمع �أو حفز املجتمع‬ ‫على الإب��داع والإن�ت��اج‪� .‬أو ا�ستثارة روح التناف�سية لدى‬ ‫�أبناء املجتمع وبناته مع بع�ضهم بع�ضاً‪� ،‬أو مع غريهم‬ ‫م��ن املجتمعات؟ �إث ��ارة املجتمع للت�صدي لقيم �سلبية‬ ‫ج��دي��دة حلت حم��ل منظومة قيم عا�ش عليها املجتمع‬ ‫عقوداً �أو قروناً عديدة؟ ال��ى غري ذل��ك من الت�سا�ؤالت‬ ‫والدالالت ومع ذلك ف�إن هذا العنوان يبقى عنواناً هاماً‬ ‫يدفع الناظر فيه الى التفكر والت�أمل‪ ،‬واقرتاح احللول‬ ‫مل�شكالت املجتمع القائمة و�آفاته الفتاكة‪.‬‬ ‫الرتبية والتعليم عند الأوائل‬ ‫ك��ان ال�ع�ن��وان الأب ��رز عند ا�سالفنا ال�ق��دام��ى هو‬ ‫الت�أديب‪ ،‬وامل�ؤدب وامل�ؤدب وق�صة هارون الر�شيد مع م�ؤدب‬ ‫�أوالده م�ع��روف��ة‪ ،‬وك��ذل��ك غ�يره��ا مم��ا حت�ف��ل ب��ه بطون‬ ‫امل�صادر العربية القدمية‪ ،‬فلم يكن الفارابي وال��رازي‬ ‫وال�ن�ظ��ام واب ��ن �سينا وال �غ��زايل وغ�يره��م الأالف �سوى‬ ‫م��ؤدب�ين معلمني‪ ،‬وق��د كانت الأروق ��ة وحلقات الدر�س‬ ‫والأع �م��دة يف امل�ساجد معاهد علم وت��رب�ي��ة‪ ،‬فيها تن�ش�أ‬ ‫الأجيال وتربي وتعلم وفق منظومة قيم معروفة لدى‬ ‫العامة واخلا�صة‪ ،‬وك��ان ال�شيخ امل ��ؤدب �أو املعلم يحظى‬ ‫مبكانة ال يحظى بها كثري من علية القوم‪ ،‬وكانت �إجازة‬ ‫ال�شيخ لتلميذه تكفي ليقوم بالدور الرتبوي التعليمي‬ ‫ذاته الذي قام به ال�شيخ مع تلميذه‪ ،‬وكانت هذه االجازة‬

‫مبثابة ال�شهادة العليا التي متنحها اجلامعات لطلبتها‬ ‫يف ع�صرنا هذا‪.‬‬ ‫ولهذا كانت �سل�سلة ال�شيوخ او امل��ؤدب�ين الذين �أخذ‬ ‫عنهم ومنهم التلميذ‪ ،‬وم��ازال��ت حتظى بعناية ق�صوى‬ ‫عند الباحثني والدار�سني الى اليوم‪.‬‬ ‫م��ن ه��ذه املقدمة امل��وج��زة ن�ستدل على ال��دور �أو‬ ‫االدوار ال �ت��ي ك ��ان ي �ق��وم ب�ه��ا امل� ��ؤدب ��ون (امل �ع �ل �م��ون) يف‬ ‫جمتمعاتنا العربية والإ�سالمية القدمية‪ ،‬وق��د �سبقنا‬ ‫الإغ��ري��ق القدامى بذلك حني اطلقوا على فيل�سوفهم‬ ‫الأول �سقراط لقب املعلم‪ ،‬وكذلك على تلميذه �أفالطون‬ ‫وغريهم من فال�سفة الغرب وعلمائه يف ع�صر النه�ضة‬ ‫الذي ت�أثروا فيه ب�إعرتافهم بالثقافة العربية الإ�سالمية‬ ‫وبعلماء ومعلمي ه��ذه الأم ��ة وجامعاتهم ومعاهدهم‬ ‫ومدار�سهم التي كانت قبلة لطلبة العلم الأوروبيني يف‬ ‫القرون الو�سطى وخا�صة جامعات الأندل�س ومعاهدها‪،‬‬ ‫واخلال�صة هي �أن �أي جمتمع لي�س �سوى املخرج الرتبوي‬ ‫ال �ث �ق��ايف الأه� ��م مل�ع��اه��د ال�ع�ل��م وال�ترب �ي��ة ع�ل��ى اخ�ت�لاف‬ ‫م�ستوياتها‪.‬‬ ‫من يقود من؟‬ ‫اذا نظرنا الى الواقع الرتبوي احلايل يف جمتمعنا‬ ‫دون جلد الذات او التباكي على املا�ضي ف�إننا جند طلبة‬ ‫امل��دار���س عندنا واملعاهد واجلامعات مت�أثرين ال��ى حد‬ ‫ك�ب�ير ب��امل�ج�ت�م��ع‪ ،‬وخ��ا��ص��ة �أم��را� �ض��ه و�أدوائ � ��ه ال�ترب��وي��ة‬ ‫وال�سيا�سية والإجتماعية والفكرية وال�سلوكية على عك�س‬


‫ما هو مطلوب هو ان ه��ذه امل�ؤ�س�سات هي التي يجب �أن‬ ‫ت�ؤثر يف املجتمع وتقوده نحو االف�ضل ولهذا برزت ظاهرة‬ ‫العنف يف الو�سط الطالبي اجلامعي واملدر�سي وانت�شرت‬ ‫اجل��رائ��م على اي��دي الطلبة بن�سب ت�ضاهي ماهي عليه‬ ‫يف املجتمع و� �ص��ارت امل�ع��ادل��ة معكو�سة و�أ��ص�ب��ح املجتمع‬ ‫ب�سلبياته املختلفة ه��و امل��ؤث��ر يف امل�ؤ�س�سة التعليمية ال‬ ‫العك�س‪.‬‬ ‫حمركات تربوية لتحفيز املجتمع نحو الأف�ضل‬ ‫كثرية هي املحركات الرتبوية الإيجابية وال�ضرورية‬ ‫حلفز املجتمع نحو الأف�ضل يف كل مناحي احلياة ومن‬ ‫�أهمها ما يلي‪:‬‬ ‫‪ .1‬ع�ل��ى امل��در��س��ة واجل��ام�ع��ة وم�ع��اه��د ال�ع�ل��م والتعليم‬ ‫املختلفة متابعة ح��راك املجتمع‪ ،‬وامل��ؤث��رات الغالبة‬ ‫عليه‪ ،‬والقيام بالدور الرتبوي الإيجابي التوجيهي‬ ‫ل�ل�م�ج�ت�م��ع م ��ن خ �ل�ال ال �ن �� �ش��اط��ات ال�لام�ن�ه�ج�ي��ة‬ ‫للطلبة‪ ،‬والهيئات التدري�سية و�أبناء املجتمع وبناته‬ ‫حلفز اجلميع لإ�صالح اخللل‪ ،‬والنهو�ض باملجتمع‬ ‫وتوجيهاته نحو الإنتاج والعطاء والعمل املجدي‪.‬‬ ‫‪ .2‬غ��ر���س ق�ي��م الإن �ت �م��اء ل�ل��وط��ن ف�ع�ل ً‬ ‫ا وق ��و ًال وتعزيز‬ ‫منظومة القيم الإي�ج��اب�ي��ة الدينية والإجتماعية‬ ‫وال���س�ي��ا��س�ي��ة والأخ�لاق �ي��ة وال���س�ل��وك�ي��ة مب��ا يحفظ‬ ‫للمجتمع وحدته ومتا�سكه وترابطه ووقوفه جبهة‬ ‫واحدة يف وجه املخاطر والتحديات التي تواجهه‪.‬‬ ‫‪ .3‬ك��ان��ت م�ؤ�س�سة ال�ترب�ي��ة والتعليم ال��ى عهد قريب‬

‫ه��ي م�صنع ال �ق �ي��ادات ال��وط�ن�ي��ة يف ��ش�ت��ى امل �ج��االت‬ ‫ال�سيا�سية والإجتماعية والإقت�صادية والثقافية‪،‬‬ ‫واذا كان البد من �إعادة الهيبة للمعلم والتعليم فال‬ ‫بد من الإهتمام ال�لازم بت�أهيل القيادات الرتبوية‬ ‫وحتفيزها بكل الو�سائل لتكون يف الطليعة دائماً‬ ‫عم ً‬ ‫ال وانتاجاً واب��داع�اً‪ ،‬ورعايتها الرعاية اخلا�صة‬ ‫لتكوين فئة م�ستنرية تقود املجتمع يف �شتى امليادين‪.‬‬ ‫‪ .4‬يجب ان يكون املعلم واملدر�س قدوة يف �سلوكه وجوهره‬ ‫ومظهره‪ ،‬م�ؤمناً بر�سالته راغباً فيها‪ ،‬حري�صاً على‬ ‫ت�أديتها على �أكمل وجه‪.‬‬ ‫‪� .5‬إت��اح��ة ال�ف��ر��ص��ة ل�ل�م�ب��دع�ين م��ن ال�ط�ل�ب��ة للتعبري‬ ‫عن مواهبهم و�إبداعاتهم وت�شجيعهم على الإنتاج‬ ‫والإبداع منذ ال�صفوف الأ�سا�سية الأولى‪ ،‬وتوجيههم‬ ‫ورع��اي �ت �ه��م ح���س��ب رغ �ب��ات �ه��م وم �ي��ول �ه��م امل�خ�ت�ل�ف��ة‬ ‫�أكادميياً ومهنياً وفنياً وريا�ضياً‪ ،‬فكم من مبدع يف‬ ‫العامل قدمياً وحديثاً كان رائ��داً يف جمال �أو اكرث‪،‬‬ ‫دون �أن ي�ك��ون اح��د املتفوقني يف التح�صيل املعريف‬ ‫الدرا�سي وه��ذا يتطلب قيام املعلمني بالتعاون مع‬ ‫�أول�ي��اء الأم ��ور واملجتمع املحلي والإدارة الرتبوية‬ ‫بالبحث ع��ن ه� ��ؤالء امل�ب��دع�ين ودرا� �س��ة �إب��داع��ات�ه��م‬ ‫وميولهم والأخذ ب�أيديهم ملزيد من الإبداع والتميز‪،‬‬ ‫فهم الذين �سيكون لهم ال�ش�أن الأب��رز يف النهو�ض‬ ‫مبجتمعاتهم يف �شتى املجاالت‪.‬‬ ‫‪� .6‬إعطاء دور حقيقي للربملانات املدر�سية والإحت��ادات‬ ‫الطالبية يف املعاهد واجل��ام�ع��ات حلفز الطلبة يف‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪45‬‬


‫امل�ستقبل على امل�شاركة الإيجابية واق�تراح احللول‬ ‫ال�ن��اج�ح��ة مل���ش�ك�لات امل�ج�ت�م��ع م��ن خ�ل�ال امل���ش��ارك��ة‬ ‫م�ستقب ً‬ ‫ال يف احل �ي��اة ال�برمل��ان�ي��ة وامل�ج��ال����س املحلية‬ ‫املختلفة واجلمعيات ب��أن��واع�ه��ا و�أه��داف�ه��ا املتعددة‬ ‫للنهو�ض باملجتمع وخا�صة يف املجاالت الت�شريعية‬ ‫وال �ق��ان��ون �ي��ة واخل��دم �ي��ة وغ�ي�ره��ا م��ع ت �ع��زي��ز قيم‬ ‫العدالة وتكاف�ؤ الفر�ص وحماربة الف�ساد والوا�سطة‬ ‫واملح�سوبية وغريها من �أمن��اط ال�سلوك التي تنزع‬ ‫الثقة من نفو�س الأبناء والبنات نحو قيم العدالة‬ ‫والنزاهة وامل�ساواة‪.‬‬ ‫‪� .7‬إت��اح��ة الفر�ص للطلبة على اخ�ت�لاف م�ستوياتهم‬ ‫للتعبري عن �آرائهم بجر�أة و�شجاعة وم�س�ؤولية مع‬ ‫احرتام �آراء الآخرين و�إن اختلفت مع �آرائهم والدفاع‬ ‫ع��ن التعددية الفكرية والدينية وامل�ن�ب��ت والن�ش�أة‬ ‫وغريها‪ ،‬فالكل �أمام القانون �سواء وال يتميز واحد‬ ‫ع��ن غ�يره اال مب�ق��دار كفاءته‪ ،‬ومب��ا يقدمه لوطنه‬ ‫وجمتمعه من خدمة‪.‬‬ ‫‪� .8‬إي �ج��اد ال��و��س��ائ��ل املنا�سبة ت��رب��وي�اً وث�ق��اف�ي�اً للطلبة‬ ‫ل �ل ��إف � ��ادة م� ��ن و�� �س ��ائ ��ل ال� �ت ��وا�� �ص ��ل الإج� �ت� �م ��اع ��ي‬ ‫التكنولوجية احلديثة‪ ،‬والتحذير من م�ضارها على‬ ‫الفرد واملجتمع‪� ،‬إن هي ا�ستخدمت ووظفت ب�صورة‬ ‫�سلبية‪ ،‬وهي و�سائل غزت كل بيت وكل �أ�سرة‪ ،‬ومنعها‬ ‫م���س�ت�ح�ي��ل‪ ،‬ول �ك��ن الب ��د م��ن ال�ترك �ي��ز ع �ل��ى كيفية‬ ‫ا�ستخدامها ا�ستخداماً مفيداً‪ ،‬والتنبيه والتحذير‬ ‫من م�ضارها اخلطرية على الفرد واملجتمع‪ ،‬ولهذا‬

‫‪46‬‬

‫ك�ل��ه ي �ج��ب ان ي �ك��ون �أول� �ي ��اء الأم � ��ور م �� �ش��ارك�ين يف‬ ‫التثقيف والتوعية ح��ول ا�ستخدام ه��ذه الو�سائل‪،‬‬ ‫وان يكون هناك وح��دات درا�سية وظيفية يف جميع‬ ‫امل�ستويات الدرا�سية لتحقيق هذه الغاية‪.‬‬ ‫‪� .9‬إع��ادة النظر وامل��راج�ع��ة امل�ستمرة للمناهج والكتب‬ ‫ال��درا��س�ي��ة وامل���س��اق��ات التعليمية �إع� ��ادة وم��راج�ع��ة‬ ‫وظيفية‪ ،‬بحيث تقدم للطلبة مادة تربوية وتعليمية‬ ‫منا�سبة للع�صر وامل��رح�ل��ة وق�ي��م املجتمع‪ ،‬م��ادة او‬ ‫م��واد حت�ترم عقل ال�ط��ال��ب وحت �ف��زه على التفكري‬ ‫والإبداع وحتثه على �إجراء التجارب العلمية العملية‬ ‫للو�صول الى احلقائق بالفكر والعقل والتجربة ال‬ ‫باحلفظ والتلقني‪.‬‬ ‫‪ .10‬تفعيل دور املكتبة يف امل��در��س��ة واجل��ام�ع��ة واملعهد‬ ‫وغ�يره��ا وت�شجيع امل�ط��ال�ع��ة ب��امل���س��اب�ق��ات املختلفة‬ ‫والتناف�س الثقايف والإهتمام بالإعالم الرتبوي من‬ ‫خ�لال الإذاع��ة املدر�سية و�إذاع��ة اجلامعة واملجالت‬ ‫املختلفة التي يقوم على ا�صدارها الطلبة وامل�سرح‬ ‫املدر�سي واجلامعي وغري ذلك من الو�سائل‪ ،‬و�إتاحة‬ ‫الفر�ص لأولياء الأمور للم�شاركة فيها وتقييمها ‪.‬‬ ‫‪ .11‬تفعيل دور جم��ال����س الآب� ��اء والأم� �ه ��ات وجم��ال����س‬ ‫الإدارة يف امل�ؤ�س�سات الرتبوية املختلفة و�إخراجها‬ ‫من ( الروتني ) الباهت الى العمل اجلاد واملنتج يف‬ ‫املجتمع‪.‬‬


‫دراسات‬

‫أخالقيات‬ ‫األعمال‬ ‫في العمل‬ ‫المصرفي‬ ‫د‪ .‬هناء محمد هالل الحنيطي‬

‫املقدمة‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على‬ ‫نبيه الأمني حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫ي���ش�ه��د ال� �ع ��امل يف ال ��وق ��ت امل �ع��ا� �ص��ر �أزم� � ��ات م��ال�ي��ة‬ ‫واقت�صادية كان من �أهم �أ�سبابها انت�شار الف�ساد وغياب‬ ‫الأخالق واملراقبة وامل�ساءلة‪ ،‬تعترب امل�صارف الإ�سالمية‬ ‫ج��زء من املنظومة امل�صرفية‪ ،‬وم��ن �أه��م ما قامت عليه‬ ‫امل���ص��ارف الإ��س�لام�ي��ة ال�ق�ي��م الأخ�لاق �ي��ة امل�ستمدة من‬ ‫ال���ش��ري�ع��ة الإ� �س�لام �ي��ة‪ .‬ازدادت الأ��س�ئ�ل��ة ح��ول البنوك‬ ‫الإ� �س�لام �ي��ة وم ��ا ت�ت�م�ي��ز ب��ه ع��ن ن�ظ�يرت�ه��ا ال�ت�ق�ل�ي��دي��ة‪،‬‬ ‫وخ�صو�صاً الأخ�ل�اق من حيث الأم��ان��ة وال�ق��وة‪ ،‬ويعترب‬ ‫العامل يف امل���ص��ارف الإ��س�لام�ي��ة ج��زء مهم يف امل�صرف‬ ‫حيث يعرب عن مدى مت�سك امل�صرف الإ�سالمي بالقيم‬ ‫واملعايري الأخالقية الإ�سالمية‪ ،‬وعلى هذا الأ�سا�س ت�أتي‬ ‫�أهمية الدرا�سة يف بيان �أخالقيات العاملني يف العمل‬ ‫امل�صريف الإ�سالمي‪.‬‬

‫اإلسالمي‬ ‫ماهية الأخالق يف الإ�سالم و�أهميتها‬ ‫تعريف الأخالق لغة وا�صطالحاً‬ ‫الأخالق لغة‪ :‬جمع خلق‪ ،‬وهو العادة والطبع واملروءة‬ ‫والدين وال�سجية(((‪.‬‬ ‫ال�سجية والطبع‪،‬‬ ‫الأخالق‪ :‬اخللق بال�ضم وب�ضمتني‪َّ :‬‬ ‫واملروءة والدين(((‪.‬‬ ‫ي �ق��ول اب ��ن م �ن �ظ��ور‪" :‬حقيقة ا ُ‬ ‫خل �ل��ق �أن� ��ه ل���ص��ورة‬ ‫الإن�سان الباطنة وهي نف�سه و�أو�صافها ومعانيها ولهما‬ ‫�أو�صاف ح�سنة وقبيحة"(((‪ .‬ومعنى هذا �أن اخللق حال‬ ‫‪ ) 1‬ابن منظور‪ ،‬جمال الدين حممد بن مكرم بن منظور الإفريقي‪ ،‬ل�سان‬ ‫العرب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ :‬دار الفكر‪1374 ،‬هـ‪،1954 ،‬ج ‪� /10‬ص‪. 85-86‬‬ ‫‪ ) 2‬ال�ف�يروز �آب ��ادي‪ ،‬جم��د ال��دي��ن حممد ب��ن يعقوب‪ ،‬القامو�س املحيط‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬ط‪1407 ،2‬هـ ‪� ،1987 ,‬ص ‪.1137‬‬ ‫‪ ) 3‬ابن منظور‪ ،‬اجلزء ‪� /10‬ص ‪ ،86‬مادة "خلق"‪ ،‬مرجع �سابق‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪47‬‬


‫للنف�س‪ ،‬وفعل من �أفعالها‪ ،‬تقوم به با�ستمرار‪ ،‬مما ي�ؤدي‬ ‫�إل��ى �أن النف�س ي�صبح اخللق لها ع��ادة وطبع‪ ،‬مبعنى �أن‬ ‫النف�س �إذا �صدر منها الفعل م��رة واح��دة �أو يف ظروف‬ ‫معينة ال يعد خلقاً لها‪� ،‬أي يجب �أن يكون الفعل را�سخاً يف‬ ‫النف�س الإن�سانية(((‪ .‬وعرفها ابن م�سكوية((( "اخللق‪:‬‬ ‫حال للنف�س‪ ،‬داعية لها �إلى �أفعالها من غري فكر وال ر ّوية‪،‬‬ ‫وه��ذه احل��ال تنق�سم �إل��ى ق�سمني‪ :‬منها ما يكون طبيعاً‬ ‫من �أ�صل امل��زاج‪ ،‬كالإن�سان ال��ذي يحركه �أدن��ى �شيء نحو‬ ‫غ�ضب‪ ،‬ويهيج من �أقل �سبب‪ ،‬وكالإن�سان الذي يجنب من‬ ‫�أي�سر �شيء‪� ،‬أو كالذي يفزع من �أدنى �صوت يطرق �سمعه‪،‬‬ ‫�أو يرتاع من خرب ي�سمعه‪ ،‬وكالذي ي�ضحك �ضحكاً مفرطاً‬ ‫من �أدن��ى �شيء يعجبه‪ ،‬وكالذي يغنم ويحزن من �أي�سر‬ ‫�شيء يناله‪ .‬ومنها ما يكون م�ستفاداً بالعادة والتدرب‪،‬‬ ‫ورمبا كان مبد�ؤه بالرو ّية والفكر‪ ،‬ثم ي�ستمر �أو ًال ف�أو ًال‪،‬‬ ‫حتى ي�صري ملكة وخلقاً"‪ .‬فالأخالق هي‪":‬كل ما يت�صل‬ ‫بعمل امل�سلم ون�شاطه‪ ،‬وما يتعلق بعالقته بربه‪ ،‬وعالقته‬ ‫مع نف�سه‪ ،‬وعالقته مع غريه من بني جن�سه‪ ،‬وما يحيط‬ ‫به من حيوان وجماد"(((‪.‬‬ ‫�أي �أن الأخ�ل��اق ت��دل ع�ل��ى ال���ص�ف��ات ال �ت��ي اكت�سبت‬ ‫و�أ�صبحت ك�أنها خلقت مع طبيعة الإن�سان‪.‬‬ ‫الأخ�ل�اق ا�صطالحاً‪" :‬هي هيئة يف النف�س را�سخة‪،‬‬ ‫عنها ت�صدر الأفعال ب�سهولة وي�سر من غري حاجة �إلى‬ ‫فكر ور�ؤية"(((‪.‬‬ ‫ل�ل�أخ�لاق يف ال�شريعة الإ�سالمية مكانة خا�صة‪ ،‬فلقد‬ ‫بني الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم الغاية من بعثه‬ ‫وهي �إمتام مكارم الأخالق وهذا ما دل عليه احلديث‬ ‫ال�شريف‪� ":‬إنمَّ ��ا ُب ِع ْثتُ لأ ِّ‬ ‫مت� َم مكار َم الأخالقِ "(((‪.‬‬ ‫ولقد بلغت جمموع الآيات التي حتدثت عن الأخالق‬ ‫�صراحة �أو �إ�شارة ما يقرب من ربع العدد لإجمايل‬ ‫‪48‬‬

‫�آيات القر�آن الكرمي مما يدل على �أهمية الأخالق يف‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية(((‪.‬‬ ‫ال ��ش��ك �أن امل���ص��در الأ��س��ا��س��ي ل�ل�أخ�لاق ه��و ال��دي��ن‪،‬‬ ‫ولقد وجهت الأديان كلها على تثبيت الأ�سا�س الأخالقي‬ ‫ملقتنعيها و�أتباعها حيث �أن اهلل مل يرتك �أمة من الأمم‬ ‫�إال وقد بعث لها ر�سو ًال منهم يد ّلهم على اخلري وينهاهم‬ ‫عن ال�شر وي�أمرهم بعبادة اهلل الواحد الأحد(((‪.‬‬ ‫يعرف ليفي بريل الأخ�ل�اق ب�أنها تطلق على ثالثة‬ ‫معان هي(((‪:‬‬ ‫‪ -1‬جمموعة من الأفكار والأحكام والعواطف والعادات‬ ‫التي لها عالقة وات�صال بحقوق النا�س‪ ،‬والتي تلقى‬ ‫القبول واالعرتاف يف ع�صر م ّعني‪.‬‬ ‫‪ -2‬تطلق الأخالق على العلم الذي يدر�س هذه الظواهر‪.‬‬ ‫‪ -3‬الأخ�ل��اق تطلق ع�ل��ى تطبيقات ه��ذا ال�ع�ل��م �أي �أن‬ ‫الأخ �ل�اق ت�ق��دم احل �ي��اة االج�ت�م��اع�ي��ة م�ث��ل ال�ت�ع��اون‬ ‫والأمن والعدالة‪.‬‬ ‫فالأخالق يف الإ�سالم‪ ،‬هي عبارة عن املبادئ والقواعد‬ ‫املنظمة لل�سلوك الإن�ساين التي يحددها الوحي لتنظيم‬ ‫ح�ي��اة الإن �� �س��ان ع�ل��ى ن�ح��و يحقق ال�غ��اي��ة م��ن وج ��وده يف‬ ‫ه��ذا ال�ع��امل على ال��وج��ه الأك�م��ل والأمت(((‪ .‬فالنظرية‬ ‫الأخ�ل�اق �ي��ة يف الإ�� �س�ل�ام ت�ت�م�ث��ل يف م�ق��ا��ص��د ال���ش��ري�ع��ة‬ ‫اخلم�س‪ :‬حفظ املال‪ ،‬حفظ النف�س‪ ،‬حفظ الدين‪ ،‬حفظ‬ ‫ال�ع�ق��ل‪ ،‬ح�ف��ظ ال�ن���س��ل‪ .‬ف ��أي ع�م��ل ي�ج��ب �أن يحقق ه��ذه‬ ‫املقا�صد حتى يعترب �أخالقياً‪.‬‬ ‫�أخالقيات الأعمال وتطورها و�أهميتها يف‬ ‫احلياة املعا�صرة‬ ‫ت��رت�ك��ز �أخ�ل��اق ال�ع�م��ل يف الإ�� �س�ل�ام ع�ل��ى عن�صريني‬ ‫�أ�سا�سيني هما‪ :‬الأمانة‪ ،‬والقوة‪.‬‬

‫‪ ) 1‬ع��زام‪ ،‬حمفوظ علي‪ ،‬الأخ�لاق يف الإ�سالم بني النظرية والتطبيق‪،‬‬ ‫كلية الدرا�سات العليا‪ ،‬دار الهداية للن�شر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1986 ،1‬‬

‫‪ ) 6‬املحمادي‪� ،‬سلوى بنت حممد‪� ،‬أخالقيات العمل يف الت�شريع الإ�سالمي‬ ‫‪ ) 2‬ابن م�سكوية‪� ،‬أب��و علي �أحمد حممد بن يعقوب ‪ ،‬تهذيب الأخ�لاق‪،‬‬ ‫يف ظل املتغريات املعا�صرة‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬كلية الرتبية‬ ‫جتقيق‪ ،‬عماد الهاليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬من�شورات اجلمل‪ ،‬ط‪،1،2011‬‬ ‫للبنات‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬ق�سم الدرا�سات الإ�سالمية‪� ،2007 ،‬ص‪.6‬‬ ‫�ص ‪.56‬‬ ‫‪ ) 7‬البار‪ ،‬حممد علي والبار‪ ،‬عدنان �أحمد وبا�شا‪ ،‬حنان �شم�سي‪ ،‬مو�سوعة‬

‫‪ ) 3‬اخل��راز‪ ،‬خالد ب��ن جمعة‪ ،‬مو�سوعة الأخ�ل�اق‪ ،‬الكويت‪ ،‬مكتبة �أه��ل‬ ‫الأثر‪ ،‬ط‪� ،2009 ،1‬ص‪.22‬‬

‫�أخ�لاق �ي��ات مهنة ال �ط��ب‪ ،‬ال�ن��ا��ش��ر ك��ر��س��ي حم�م��د ح�سني ال�ع�م��ودي‬ ‫لأخالقيات املمار�سة الطبية‪ ،‬جامعة امللك عبد العزيز‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪.2012‬‬

‫‪ ) 4‬الغزايل‪ ،‬الإم��ام �أب��ي حامد‪� ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ، 1986 ،1‬جزء ‪� /3‬ص ‪.53‬‬ ‫‪ ) 8‬ب��ري��ل‪ ،‬ليفي‪ ،‬الأخ�ل�اق وعلم ال �ع��ادات الأخ�لاق�ي��ة‪ ،‬ترجمة حممود‬ ‫قا�سم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬البابي احللبي‪ ،‬د‪.‬ت‪� ،‬ص ‪ ،169‬نق ً‬ ‫ال عن البار‪ ،‬مرجع‬ ‫‪ ) 5‬رواه البخاري يف " الأدب املفرد " رقم ( ‪ , ) 273‬و ابن �سعد ‪ ،‬الطبقات‪،‬‬ ‫�سابق‪.‬‬ ‫(ج‪ ،)192/1‬احل��اك��م ( ج‪ , ) 613 / 2‬و �أح�م��د ( ج‪ , ) 318 / 2‬و ابن‬ ‫ع�ساكر‪ ، ‬تاريخ دم�شق‪( ،‬ج ‪. ) 1 / 267 / 6‬‬

‫‪ ) 9‬عزام‪ ،‬الأخالق يف الإ�سالم‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص ‪.6‬‬


‫�أدى ات�ساع اجلرائم والف�ساد الإداري خا�صة جرائم‬ ‫االخ �ت�لا���س وا��س�ت�غ�لال ال �ن �ف��وذ ال �ت��ي ي���ش�ه��ده��ا ال�ع��امل‬ ‫ال �ي��وم يف ال �� �ش��رك��ات �إل ��ى االه �ت �م��ام ب ��أخ�لاق �ي��ات العمل‬ ‫حيث �أ�صبحت‪،‬الأخالق ت�شكل ج��زءاً رئي�سياً من �صناعة‬ ‫النمو يف ال���ش��رك��ات‪ ،‬و�أ�صبحت احل��اج��ة ل��دى ال�شركات‬ ‫ملحة �إل��ى وج��ود معايري و�أخ�لاق�ي��ات عمل �أك�ثر ُرق� ّي�اً‪،‬‬ ‫و�ضرورة حتديد عالقتها بالعاملني والعمالء وال�شركات‬ ‫واجل�م�ه��ور‪� ،‬أن ف�صل العمل ع��ن الأخ�لاق�ي��ات �أم��ر غري‬ ‫ممكن وغ�ير مف�ضل‪ ،‬ف��الأخ�لاق لي�ست �أم ��راً اختيارياً‪،‬‬ ‫وق��رارات و�سلوكيات العمل عبارة عن ‪� :‬أعمال �أخالقية‬ ‫لأنها ت�ؤثر على حياة ورفاهية الآخرين‪ .‬حيث �أن جتاهل‬ ‫دور الأخالق يف العمل يعني �إنكاراً �أن هناك طرق �صحيحة‬ ‫و�أخرى خاطئة ملزاولة العمل‪.‬‬ ‫�إن احلاجة �إل��ى تطبيق كل من الأخالقيات والعمل‬ ‫بطريقة �صحيحة ال ت�ت��واف��ق م��ع ال ��ر�أي ال�شائع ال��ذي‬ ‫يتبناه رجال الأعمال من �أن ‪":‬العمل عمل ‪Business‬‬ ‫‪ “ Business‬وم � ��ع ر�أي “ميلتون فرايدمان”‬ ‫ب � ��أن الأخ�ل�اق �ي��ات ال دخ ��ل ل�ه��ا مب�ف�ه��وم “العمل عمل‬ ‫‪ (((Business Business‬ح �ي��ث ي ��رى م�ي�ل�ت��ون‬ ‫فرايدمان احلائز على جائزة نوبل يف االقت�صاد يف كتابه‬ ‫ال�صادر يف عام ‪� 1963‬أن الدوافع االقت�صادية هي �أ�سا�س‬ ‫امل �� �ش��روع اخل��ا���ص و�أن وظ�ي�ف�ت��ه الأ��س��ا��س�ي��ة ه��ي تعظيم‬ ‫الربح ل�صالح حملة الأ�سهم‪� ،‬أم��ا امل�سئولية الأخالقية‬ ‫واالجتماعية ف�إنها ترتبط بالدوافع غري االقت�صادية‬ ‫ول �ي �� �س��ت م ��ن ط �ب �ي �ع��ة امل� ��� �ش ��روع اخل� ��ا�� ��ص‪ .‬وه � ��ذا غ�ير‬ ‫االقت�صادية ولي�ست من طبيعة امل�شروع اخلا�ص‪ .‬وهذا ما‬ ‫جاء به �آدم �سميث يف كتابه ثروة الأمم عام ‪ 1776‬والذي‬ ‫بني به �أن ال�شركة لها هدف رئي�سي هو �أن تبقى كمن�ش�أ‬ ‫للرثوة لتنتج ال�سلع املادية وجتابها �إل��ى ال�سوق وتعظم‬ ‫الربح و�أن م�سئولية الأفراد والدولة هو خلق الرثوة وبعد‬ ‫مرور قرون على �أفكار �سميث‪ ،‬ويف ظل الأزم��ات الهائلة‬ ‫التي ع�صفت بعدد من ال�شركات ك��ان معظم �أ�سبابها ال‬ ‫�أخالقية ب��د�أ يظهر دع��اه ج��دد وو�سائل جلعل الأخ�لاق‬ ‫عن�صراً حاكماً للنمو والتدقيق يف اختيار امل��دراء‪ ،‬وبدء‬ ‫�أن البعد عن القيم الأخالقية �أمر ال يثبت طوي ً‬ ‫ال لأنه‬ ‫م�ضاد للفطرة‪ ،‬ومعار�ض للعلم‪ ،‬خمالف للعقل‪ ،‬ويتجاوز‬ ‫كل القيم الأ�سا�سية التي ت�شكل على �أ�سا�سها الإن�سان(((‪.‬‬

‫لذلك �أ�صبحت �أخالقيات العمل اهتماماً بالغاً وكبرياً‬ ‫عند الكثري م��ن ال�شركات‪ ،‬ولقد راع��ى الإ� �س�لام و�أهتم‬ ‫ب�أخالقيات العمل‪ ،‬حيث �أن �أخالقيات العمل يف الإ�سالم‬ ‫مرتبطة ارت�ب��اط�اً �أ��س��ا��س�ي�اً وع���ض��وي�اً ومنطقياً بالعمل‬ ‫امل ��دين وال��دن �ي��وي ال �ي��وم��ي ب ��د�أ ب��ال�ت�ع��ام��ل ال �ي��وم��ي مع‬ ‫الأخ��ري�ين‪ ،‬و�إج��ادة العمل الوظيفي‪ ،‬وممار�سة الأخ�لاق‬ ‫الإن�سانية ال�سوية‪ ،‬وان�ت�ه��اء التم�سك بالقوانني خالل‬ ‫املمار�سة االجتماعية املدنية اليومية يف املجتمع الإن�ساين‬ ‫املدين(((‪.‬‬ ‫ت��رت�ك��ز �أخ�ل��اق ال�ع�م��ل يف الإ�� �س�ل�ام ع�ل��ى عن�صريني‬ ‫�أ�سا�سيني هما‪:‬‬ ‫‪ -1‬الأمانة‪ :‬يعترب مفهوم الأمانة يف الإ�سالم �شامل‬ ‫ومتعدد اجلوانب‪ ،‬من حيث �أمانة املال واجلهد والوقت‬ ‫والفكر وال�سلوك(((‪ ،‬فالأمانة من كمال الإميان وح�سن‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬وعليها يقوم �أمر ال�سموات والأر���ض‪ ،‬وبالأمانة‬ ‫يحفظ الدين والأعرا�ض والأم��وال والأج�سام‪ ،‬والعلوم‪،‬‬ ‫وال��والي��ة‪ ،‬والق�ضاء والكتابة‪ .‬وه��ي من �أعظم ال�صفات‬ ‫اخللقية التي و�صف اهلل بها ع�ب��اده امل�ؤمنني بقوله عز‬ ‫وج��ل " َوا َّل� ِ�ذي��نَ ُه � ْم ِ أَل َم��ا َن��ا ِت� ِه� ْم َو َع� ْه� ِ�د ِه� ْم َرا ُعونَ"(((‪.‬‬ ‫ل��ذل��ك ف ��أن الأم��ان��ة ال تتحقق �إال بخ�شية اهلل‪ ،‬و�إدراك‬ ‫امل�س�ؤولية عند تويل الوظيفة العامة‪ ،‬وال يكتفي امل�س�ؤول‬ ‫عند اختياره للعاملني مبيكانيكية التعني واالختيار فقط‬ ‫و�إمن��ا ي�ستوجب الأم��ر ب��ذل العناية واحل��ر���ص ول��و �أدى‬ ‫ذلك �إلى �إغ�ضاب الآخرين(((‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال �ق��وة‪ :‬وت�ع�ن��ي ال �ك �ف��اءة يف الأداء والإت� �ق ��ان يف‬ ‫ال�ع�م��ل‪ ،‬ول�ق��د رب�ط��ت ال �ق��وة ب��ال �ق��درة‪ ،‬وم��ن الإت �ق��ان �أن‬ ‫يكون ال�شخ�ص متخ�ص�صاً يف عمله‪ ،‬وما يرى يف الوقت‬ ‫احلا�ضر من االهتمام ب�أ�ساليب اجلودة ودوائرها الكلية‪،‬‬ ‫هو تطبيق عملي ملا دعا �إليه الإ�سالم من �ضرورة الإتقان‬ ‫الَ ْي ِد �إِ َّن ُه‬ ‫يف العمل((( قال تعالى‪َ ":‬وا ْذ ُك ْر َع ْب َدنَا َدا ُوو َد َذا ْ أ‬ ‫‪  3‬‬

‫ال�سكارنة‪ ،‬بالل خلف‪� ،‬أخالقيات العمل‪ ،‬عمان‪ ،‬الأردن‪ ،‬دار امل�سرية‪،‬‬ ‫ط‪� ، 2009 ،1‬ص ‪.10‬‬

‫‪� ) 4‬أحمد‪ ،‬ف�ؤاد عبد املنعم‪� ،‬أخالقيات �أنظمة العمل يف الإ�سالم مع بيان‬ ‫التطبيق يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ال��ري��ا���ض‪� ،‬شبكة الألوكية‬ ‫‪� www.alaukah.net‬ص ‪.6‬‬ ‫‪ ) 5‬امل�ؤمنون‪� ،‬آية ‪.18‬‬

‫‪� ) 6‬أحمد‪ ،‬ف�ؤاد عبد املنعم‪� ،‬أخالقيات �أنظمة العمل يف الإ�سالم مع بيان‬ ‫‪Grace, d.and cohen,S.Business Ethics: AU Stralian problems ) 1‬‬ ‫التطبيق يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ال��ري��ا���ض‪� ،‬شبكة الألوكية‬ ‫‪� www.alaukah.net‬ص ‪.7‬‬ ‫‪.and Cases. Oxford,New York. Oxford University. Press‬‬ ‫‪ ) 2‬احت��اد �شركات اال�ستثمار‪/‬الكويت‪ ،‬دور القيم و�أخالقيات الأعمال ‪� ) 7‬صورية‪ ،‬بوطرفة‪� ،‬أخالقيات العمل من منظور الفكر االقت�صادي‬ ‫الإ��س�لام��ي‪ ،‬امللتقى ال��دويل االقت�صاد الإ��س�لام��ي ال��واق��ع وره��ان��ات‬ ‫يف التجارب العاملية يف ظل مفاهيم الإدارة الر�شيدة‪ ،2014 ،‬املوقع‬ ‫امل�ستقبل‪ ،‬جامعة غرداية‪ ،‬اجلزائر‪.2011 ،‬‬ ‫االلكرتوين ‪ www.unioninvest.org‬تاريخ الولوج ‪2015/2/22‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪49‬‬


‫�أَ َّو ٌاب"(((‪ .‬وف�سرت الأيد يف الآية �أنها القوة والإتقان يف‬ ‫العمل((( ‪.‬‬ ‫الإيجابيات وال�سلبيات لأخالق العمل‬ ‫تنق�سم �أخالق العمل �إلى ق�سمني‪:‬‬ ‫�أ‪� -‬أخالق العمل الإيجابية‪.‬‬ ‫ب‪� -‬أخالق العمل ال�سلبية‪.‬‬ ‫�أ‪� -‬أخالق العمل الإيجابية‪:‬‬ ‫تتلخ�ص �أهم �أخالق العمل الإيجابية مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ت�أدية الواجبات الوظيفية‪:‬‬ ‫من القيم اخللقية املهمة يف جم��ال العمل والإن�ت��اج‬ ‫�إح���س��ان العمل و�إت�ق��ان��ه‪ ،‬ذل��ك �أن الإ� �س�لام َي� ُ�ح���ضَّ على‬ ‫�إتقان العمل وزي��ادة الإنتاج‪ ،‬فلي�س املطلوب يف ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية جمرد القيام بالعمل‪ ،‬بل ال بد من الإح�سان‬ ‫والإج��ادة فيه و�أدائ��ه مبهارة و�إح�ك��ام(((؛ ت�صديقاً لقول‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ":‬إِنّ هَّ َ‬ ‫الل َت َعالى ُي ِح ّب �إِ َذا َع ِم َل‬ ‫�أَ َح� ُد ُك� ْم َع َم ً‬ ‫ال َ�أنْ ُي ْت ِق َنهُ"(((‪� .‬إن البطء يف العمل يهدد‬ ‫وقت امل�ؤ�س�سة كما يهدر وقت املتعامل الأول واملتعاملني‬ ‫ال��ذي��ن ي�ل��ون��ه‪ ،‬وخ���س��ارة ال��وق��ت تعني انق�ضاء ج��زء من‬ ‫العمر وهذا ال يعو�ض �أبداً(((‪.‬‬ ‫‪ -2‬مراعاة الواجبات امل�سلكية الإيجابية‬ ‫وه ��ي ال�ت�ح�ل��ي ب��ال���ص�بر والأن � ��اة واحل �ل��م وال�ت���س��ام��ح‬ ‫وال�ب���ش��ا��ش��ة‪ ،‬وي�ع�ن��ي ال�سمعة الطيبة وال��ذك��ر احل�سن‪.‬‬ ‫واح�ترام الآخرين حيث يعترب جزء من اح�ترام ال��ذات‪،‬‬ ‫فمن واجب املوظف ا�ست�شعار الأخوة مع زمالئه‪ ،‬والتعامل‬ ‫معهم على هذا الأ�سا�س‪ ،‬مبا يقت�ضيه ذلك من الن�صيحة‬ ‫واملو َّدة واحللم(((‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪� )  1‬آية ‪.17‬‬ ‫‪ ) 2‬احل��اف��ظ‪ ،‬امل �ن��ذري‪ ،‬خمت�صر �صحيح م�سلم‪ ،‬حتقيق حممد نا�صر‬ ‫الألباين‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪.1977 ،‬‬

‫‪� -3‬إطاعة الأوامر الرئا�سية‬ ‫فر�ض الإ�سالم طاعة ويل الأمر فقال �سبحانه وتعالى‬ ‫‪َ ”:‬ي��ا�أَ ُّي� َه��ا ا َّل� ِ�ذي��نَ �آ َم� ُن��وا �أَ ِط�ي� ُع��وا هَّ َ‬ ‫الل َو�أَ ِط�ي� ُع��وا ال َّر ُ�سو َل‬ ‫الَ ْم� � � ِر ِم ْن ُك ْم‪ (((" ‬وال�ط��اع��ة ه��ي �أول ��ى درج��ات‬ ‫َو�أُ ْوليِ ْ أ‬ ‫االحرتام‪ ،‬و�إن مل يقت�صر االحرتام على الطاعة وحدها‪،‬‬ ‫و�إمنا ي�شمل االلتزام واالن�ضباط واالنتظام‪ ،‬ويجب على‬ ‫امل��وظ��ف االل �ت��زام بالتعليمات اخلطية وال�شفوية على‬ ‫جميع امل�ستويات((( ‪ .‬مب��ا ال يخالف ال�شرع‪ ،‬ومب��ا هو‬ ‫مقبول ديانة وقانوناً وعرفاً(((‪.‬‬ ‫ب_�أخالق العمل ال�سلبية ‪:‬‬ ‫ه��ي ام�ت�ن��اع امل��وظ��ف ع��ن ال�ق�ي��ام ب��الأع�م��ال املحظورة‬ ‫و�إ� �س��اءة ا�ستعمال ال�سلطة وا��س�ت�غ�لال ن�ف��وذه��ا و�إف���ش��اء‬ ‫الأ�سرار الوظيفية(‪.((1‬‬ ‫‪� -1‬أكل �أموال النا�س بالباطل‬ ‫كل �شيء ح�صل عليه الإن�سان ب�شكل غري �شرعي فهو‬ ‫من �أكل �أموال النا�س بالباطل‪ .‬قال تعالى‪َ ”:‬و َال َت�أْ ُك ُلواْ‬ ‫�أَ ْم َوا َلكُم َب ْي َنكُم بِا ْل َب ِ‬ ‫اط ِل َو ُت ْد ُلواْ ِب َها �إِ َل��ى الحْ ُ كَّا ِم ِل َت�أْ ُك ُلواْ‬ ‫َفرِيقاً ِّمنْ �أَ ْم َو ِال الن ِ‬ ‫َّا�س بِالإِث ِْم َو�أَن ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن "(‪.((1‬‬ ‫‪� -2‬إ��س��اءة ا�ستعمال ال�سلطة الوظيفية وا�ستغالل‬ ‫ن�ف��وذ الوظيفة ويق�صد بها حتقيق م�صاحله اخلا�صة‬ ‫من خالل �سلطة وظيفته العامة ويعرف باالنحراف يف‬ ‫ا�ستعمال ال�سلطة وال�ستخدام الوظيفة لتحقيق منفعة‬ ‫مادية له ولذويه على ح�ساب امل�صلحة العامة(‪.((1‬‬ ‫‪� -3‬إف�شاء الأ�سرار‪.‬‬ ‫‪ -4‬يحرم كل مكلفاً �إف�شاء الإ�سراء‪ ،‬ومن ف�شي �سر‬ ‫بعد ائتمانه عليه فهو خائن للأمانة‪ ،‬و�إف�شاء الأ�سرار‬ ‫دليل على ل ��ؤم الطبع وف�ساد امل��روءة وعلى قلة ال�صرب‬ ‫و�ضيق ال�صدر(‪.((1‬‬ ‫‪ ) 7‬الن�ساء‪� ،‬آية ‪.59‬‬ ‫‪ ) 8‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪.26‬‬

‫‪ )  3‬القو�سي‪ ،‬مفرح �سليمان‪� ،‬أخ�لاق العمل يف الإ�سالم‪ ،‬جملة الدعية‪،‬‬ ‫‪� ) 9‬صورية‪� ،‬أخالقيات العمل من منظور الفكر االقت�صادي الإ�سالمي‪،‬‬ ‫العدد ‪.44‬‬ ‫مرجع �سابق‪.‬‬ ‫‪ ) 4‬رواه البيهقي‪� ،‬أحمد بن احل�سني‪ ،‬يف �شعب الإميان برقم (‪، )5312‬‬ ‫و�صححه الألباين يف "�سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة" برقم (‪� ) 10 ،)1113‬أح�م��د‪� ،‬أخ�لاق�ي��ات �أنظمة العمل يف الإ� �س�لام م��ع بيان التطبيق يف‬ ‫ج‪� ،3‬ص ‪.106‬‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية‪،‬مرجع �سابق‪.‬‬ ‫‪ ) 5‬القطان‪ ،‬حممد �أمني‪� ،‬أخالقيات العمل امل�صريف الإ�سالمي املواثيق ‪ ) 11‬البقرة‪� ،‬آية ‪.188‬‬ ‫والأخالقيات‪ ،‬امل�ؤمتر الرابع للهيئات ال�شرعية للم�ؤ�س�سات املالية‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬البحرين‪.2004 ،‬‬ ‫‪ ) 12‬املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫‪ ) 6‬القطان‪� ،‬أخالقيات العمل امل�صريف الإ�سالمي املواثيق والأخالقيات‪ ) 13 ،‬املحمادي‪� ،‬أخالقيات العمل يف الت�شريع الإ�سالمي يف ظل املتغريات‬ ‫مرجع �سابق‪� ،‬ص ‪.29‬‬ ‫املعا�صرة‪� ،‬ص ‪.15‬‬


‫‪ -5‬ال�غ����ش واخل� ��داع والت�ضليل ‪ :‬ال�ت�ع��ام��ل بالغ�ش‬ ‫دليل على دناءة النف�س وخبثها‪ ،‬والبعد عن اهلل‪ ،‬وحرمان‬ ‫الربكة من املال والعمر‪ ،‬فاملوظف يجب عليه �أن ين�صح يف‬ ‫وظيفته و�أن ي�ؤديها على الوجه املطلوب �شرعاً دون غ�ش‬ ‫وال خ��داع‪ ،‬ودون ت�أخري لأع�م��ال النا�س وم�صاحلهم(((‬ ‫وق��د ت�ب�ر�أ ال��ر� �س��ول �صلى اهلل عليه و��س�ل��م م��ن الغا�ش‬ ‫فقال ‪":‬من غ َ​َ�شنا فلي�س منا"(((‪ .‬الغ�ش‪ :‬املوظف العام‬ ‫يف الإ�سالم م�ؤمتن على وظيفته‪ ،‬وما ينتج من واجبات‬ ‫وم�س�ؤوليات(((‪.‬‬ ‫الأ�س�س والقواعد لأخالقيات العمل يف الإ�سالم‬ ‫املبادئ الأ�سا�سي للأخالق يف العمل امل�صريف الإ�سالمي‬ ‫ت�شري الأدب �ي��ات املالية ع��ن �أخ�لاق�ي��ات العمل �إل��ى �أن‬ ‫الأخالق �أمر هام ونافع للعمل يف الأمد البعيد على �أقل‬ ‫تقدير �إن مل تكن هامة ونافعة على املدى القريب‪ ،‬وغالباً‬ ‫ما تكون الأخالقيات هي الأ�سا�س الذي يتوقف عليه جناح‬ ‫وتطور امل�ؤ�س�سات على الأم��د البعيد‪ ،‬وتلعب الثقة دوراً‬ ‫هاماً وحيوياً يف العمل‪ .‬فنظراً لعدم �إمكانية الن�ص على‬ ‫جميع املواقف والأمور امل�ستجدة �أثناء تنفيذ العقود‪ ،‬يربز‬ ‫دور الثقة على اعتبار �أنها عن�صر هاماً وحيوياً يف العمل‪.‬‬ ‫فنظراً لعدم �إمكانية الن�ص على جميع املواقف والأمور‬ ‫امل�ستجدة �أثناء تنفيذ العقود‪ ،‬يربز دور الثقة على اعتبار‬ ‫�أن�ه��ا عن�صر ه��ام يف ع�لاق��ات العمل الفعالة واملمار�سات‬ ‫ال�سليمة لل�شركة‪ ،‬فعلى ال�شركات �أن حتقق هدفها املتمثل‬ ‫يف تعظيم الربح من خالل االلتزام بالطرق الأخالقية‬ ‫ل��ذل��ك ي�ج��ب �أن ت��رت�ب��ط �أخ�لاق �ي��ات ال�ع�م��ل ب��الأه��داف‪،‬‬ ‫وت�صبح مهمة الأخالقيات يف العمل و�سيلة من و�سائل‬ ‫تنفيذ تلك الأهداف(((‪.‬‬ ‫�إن ال �� �ص��دق والأم ��ان ��ة ه �م��ا �أ� �س��ا���س ع �م��ل امل �� �ص��ارف‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬فيد امل�صرف ب�صفته م�ضارباً ب�أموال �أ�صحاب‬ ‫ح�سابات اال�ستثمار يد �أمانة بالتعبري الفقهي ويد عمالء‬ ‫امل���ض��ارب��ات وامل���ش��ارك��ات على �أم ��وال امل���ص��رف ي��د �أم��ان��ة‪،‬‬ ‫والأم�ي�ن على الأم��وال يقبل قوله �شرعاً فيما يخرب به‬ ‫عن ت�صرفاته يف املال طاملا مل يثبت �صاحب املال تق�صريه‬

‫�أو ت�ع��دي��ه(((‪ .‬ع��ن امل �ب��ادئ الأ�سا�سية ال�ت��ي ت�ق��وم عليها‬ ‫املعامالت املالية الإ�سالمية تقت�ضي امل�شاركة يف الأرب��اح‬ ‫واخل�سائر‪ ،‬وع��دم الربح دون حتمل خماطر اال�ستثمار‪.‬‬ ‫وع��دم ا�ستغالل ح��اج��ات الآخ��ري��ن‪ ،‬وع��دم االح�ت�ك��ار(((‪.‬‬ ‫�إن من �أهم املبادئ الأ�سا�سية للأخالق يف العمل امل�صريف‬ ‫الإ�سالمي ما يلي((( ‪:‬‬ ‫‪� -1‬أن ي�أتي اختيار العاملني بال حماباة وال �أثرة‪.‬‬ ‫من الو�سائل املهمة يف الوقاية من اختيار غري الأكفاء �أو‬ ‫فاقدي اخل�صال احلميدة‪ :‬فاعلية اختيار العاملني‪،‬‬ ‫نظراً لأن ح�سن االختيار هو �إح��دى الو�سائل التي‬ ‫تقلل من فر�ص االنحراف يف امل�ستقبل‪ ،‬ومن ح�سنت‬ ‫بدايته ح�سنت نهايته فقد كان �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫يحر�ص على تولية القادرين من امل�سلمني‪ ،‬فقد � ّأمر‬ ‫على اجلي�ش �أ�سامة بن زي��د ر�ضي اهلل عنهما وكان‬ ‫عمره ال يتجاوز الع�شرين �سنة‪ ،‬كما رد �أبا ذر ر�ضي‬ ‫اهلل عنه عن الإم��ارة عندما طلبها‪ ،‬وعلل ذلك ب�أنه‬ ‫�ضعيف وغري قادر عليها‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال�ع�م��ل ع�ل��ى اخ �ت �ي��ار ال�ع��ام�ل�ين م��ن �أه ��ل ال�ت�ج��ارب‬ ‫والإتقان وذوي الرجاحة يف العقل والر�أي‪.‬‬ ‫‪ -3‬ق�ي��ام العاملني بالن�صح والإر� �ش��اد وح��ب امل�ساعدة‬ ‫للآخرين‪.‬‬ ‫‪� -4‬أن يت�صف العاملني ب��الأم��ان��ة وال�سرية خ�صو�صاً‬ ‫بالأمور املالية‪.‬‬ ‫‪ -5‬قدرة العاملني على الت�آلف واملودة مع الآخرين‪.‬‬ ‫‪� -6‬أن ي�شدد كل عامل ل�سانه عن قول الكذب والزور‪.‬‬ ‫‪ -7‬حر�ص كل عامل على تطوير معارفه وجودة �إنتاجه‬ ‫و�إتقان العمل‪.‬‬ ‫‪ -8‬االل�ت��زام ب�أحكام و�ضوابط ال�شريعة الإ�سالمية يف‬ ‫املعامالت والبعد عن ال�شبهات‪.‬‬ ‫‪� -9‬أن ي�ت�ح�ل��ى ك��ل ع��ام��ل ب��ال���س�ل��وك االق �ت �� �ص��ادي من‬ ‫االكت�ساب الطيب والق�صد يف الإنفاق واالدخار ليوم‬ ‫فقره وحاجته‪.‬‬ ‫‪ -10‬اال�ستمرارية بالوالء واالنتماء للعمل الذي يقوم به‪.‬‬

‫‪ )  1‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪ ) 5‬بن عمارة‪ ،‬ن��وال‪� ،‬إدارة املخاطر يف م�صارف امل�شاركة‪ ،‬ملتقى الأزمة‬ ‫‪ ) 2‬رواه م�سلم (‪ ،)101/6475‬ق��ال ال�ترم��ذي‪:‬ح��دي��ث ح�سن �صحيح‬ ‫املالية واالقت�صادية الدولية واحلوكمة العاملية‪.2009 ،‬‬ ‫((‪ ، 1/247‬احلاكم قال‪� :‬صحيح على �شرط م�سلم (‪ ،)9/218‬البيهقي ‪ ) 6‬القرعاين‪� ،‬ضرورة تعزيز القيم الأخالقية يف التمويل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫(‪.)5/320‬‬ ‫مرجع �سابق‪.2013 ،‬‬ ‫‪� ) 3‬صورية‪� ،‬أخالقيات العمل من منظور الفكر االقت�صادي الإ�سالمي‪ ) 7 ،‬البعلي‪ ،‬عبد احلميد حممود‪� ،‬أخالقيات العمل امل�صريف الإ�سالمي‪،‬‬ ‫مرجع �سابق‪.‬‬ ‫امل��ؤمت��ر ال��راب��ع للهيئات ال�شرعية للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫‪ ) 4‬دور القيم و�أخالقيات الأعمال يف التجارب العاملية‪� ،‬ص ‪.13‬‬ ‫البحرين‪.2004 ،‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪51‬‬


‫‪52‬‬

‫وب �ن��ا ًء على م��ا مت ذك��ره يتبني �أن �أخ�لاق�ي��ات العمل‬ ‫امل�صريف الإ�سالمي قائمة على التقوى والعمل ال�صالح‬ ‫وال��ذي ب��دوره ي ��ؤدي �إل��ى االل�ت��زام املبا�شر بالأخالقيات‬ ‫احلميدة‪.‬‬ ‫�أخالق املوظف يف امل�صارف الإ�سالمية‬ ‫الأ�صل �أن يتحلى امل�سلم ب��الأخ�لاق الكرمية ويبتعد‬ ‫عن الأخالق ال�سيئة �سواء كان عام ً‬ ‫ال �أو غري عامل‪ ،‬لذلك‬ ‫ف�إن هناك �أخالقيات خا�صة تلزم الإن�سان بح�سب مهنته‬ ‫ودوره يف احل�ي��اة‪ ،‬وبالتايل ف��إن هناك �أخالقيات للعمل‬ ‫تقت�ضي الرتكيز على �أخ�ل�اق معينة بح�سب العمل �أو‬ ‫املهنة‪ .‬لذلك ف�إن العمل يف امل�صارف الإ�سالمية يقت�ضي‬ ‫�أن يو�ضع للعامل �أخالقيات حتكمه وت�ضبط م�سريته‪،‬‬ ‫ال ميدانياً �أو مكتبياً �أو �إدارياً‬ ‫�سواء كان العامل يعمل عم ً‬ ‫حتى ي�ستطيع كل عامل �أن يقوم بعمله على �أمثل وجه‬ ‫و�أح�سن طريق‪ ،‬مراعياً بذلك ربط الأخالق مببد�أ الثواب‬ ‫والعقاب الأخروي‪ ،‬حتى ال تتحول �أخالقيات العمل �إلى‬ ‫جمرد ت�صرفات منفعية(((‪.‬‬ ‫وعليه يجب �أن يت�صف العامل يف امل�صارف الإ�سالمية‬ ‫بالأخالق الآتية(((‪:‬‬ ‫‪ -1‬التب�سم بوجه العميل واال�ستماع له ب�أهمية‬ ‫ا��س�ت�ق�ب��ل ال�ع�م�ي��ل و�أع �ط��ه ال��وق��ت ال �ك��ايف ل�ل�ح��دي��ث‪،‬‬ ‫و�أن�صت �إليه جيداً‪ ،‬وخاطبه مبا يفهم وي�ستوعب‪ ،‬روت‬ ‫عائ�شة ر�ضي اهلل عنها قالت‪َ ”:‬كا َن كال ُم ر�سول هَّ‬ ‫الل َ�ص ّلى‬ ‫ُ‬ ‫و�س ّلَم َكالماً َف ْ�صال ي ْف َه ُم ُه ُك ُّل َمن َي ْ�س َم ُعهُ"(((‪.‬‬ ‫اهلل َعلَ ْي ِه َ‬ ‫فالعامل ي�ستطيع �أن ميلك قلوب ال�ع�م�لاء‪ ،‬وذل��ك عن‬ ‫ط��ري��ق ال���ص�ف��ات احل�م�ي��دة ال�ت��ي يتحلى ب�ه��ا فكثري من‬ ‫العمالء يرتددون على م�صرف بعينه ب�سبب موظف معني‬ ‫وينفرون من م�صرف �آخ��ر ب�سبب موظف فعلى املوظف‬ ‫�أن ي�سعى دائما لك�سب قلوب الآخرين وك�سب ودهم وما‬ ‫‪ ) 1‬ال �غ��ام��دي‪� ،‬سعيد ب��ن ن��ا��ص��ر‪� ،‬أخ�لاق �ي��ات ال �ع �م��ل(� �ض��رورة تنموية‬ ‫وم�صلحة �شرعية)‪ ،‬رابطة العامل الإ�سالمي‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬الإدارة‬ ‫العامة للثقافة والن�شر‪ ،2010 ،‬بت�صرف‪.‬‬

‫يعك�سه على ح�سن عالقة املتعامل باملوظف وبامل�صرف‬ ‫معاً‪ ،‬ومقابلة �إ�ساءاتهم باحللم و�سعة ال�صدر‪ ،‬فالهدف‬ ‫م��ن �سماع وخماطبة العميل‪ ،‬تفهيمه للمعاملة ح�سب‬ ‫الوجه ال�شرعي ال�سليم وتلبية ما يحتاجه‪ ،‬والإجابة على‬ ‫ا�ستف�ساراته‪ .‬و�إعطائه الكلمة الطيبة وعدم العبو�س يف‬ ‫وجهه ب�إعطائه الإجابة و�أنت مبت�سماً ب�شو�شاً‪ ،‬فالتب�سم‬ ‫ال�صادق �صفة تعطي الراحة وال�سعادة لفاعلها وم�ستقبلها‬ ‫ق��ال الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪َ ":‬ت َب ُّ�س ُم َك فيِ َو ْج� ِه‬ ‫�أَ ِخ َ‬ ‫يك َ�ص َد َق ٌة "(((‪.‬‬ ‫‪ -2‬الرحمة بالعميل‬ ‫ي�ج��ب ع�ل��ى امل��وظ��ف �أن يت�سم ب��ال��رح�م��ة الإن���س��ان�ي��ة‪،‬‬ ‫ف�أ�سا�س عمله يكون مر�ضاة اهلل ولي�س ر�ضا النا�س‪ ،‬حيث‬ ‫�ستواجه املوظف يف عمله اليومي الكثري من املواقف التي‬ ‫ت�ستلزم الرحمة مبن حولك وهذا يريح العميل واملوظف‬ ‫نف�سياً‪ ،‬وي�شجع التعامل مع امل�صرف الذي يتميز موظفيه‬ ‫بهذا الطبع‪ ،‬فعلى املوظف �أن يتحلى بال�صرب‪ ،‬ويحت�سب‬ ‫ذلك عند اهلل‪ ،‬فقد يتعر�ض املوظف �إلى �إ�ساءة من العميل‪،‬‬ ‫ف��امل��وظ��ف ي�ت�ع��ام��ل م��ع خم�ت�ل��ف ف �ئ��ات امل�ج�ت�م��ع‪ ،‬ف��رمب��ا‬ ‫يتعر�ض �إل��ى بع�ض الت�صرفات ال�سيئة‪ ،‬مما يدفعه �إلى‬ ‫التلفظ مبا ال ينا�سب عمله‪ ،‬لذلك عليه التحلي بال�صرب‪،‬‬ ‫فتكون العالقة بني العمالء والعاملني واملدراء مريحة‪،‬‬ ‫فيها التي�سري والربكة‪ ،‬مع وجود �ضوابط و�أحكام حلفظ‬ ‫الأمانات والعهود‪.‬‬ ‫‪ -3‬املحافظة على �سرية العميل‬ ‫فالعميل �أودع وديعته ل��دى امل�صرف �أو ق��ام مبعاملة‬ ‫معينة �سواء طلب متويل �أو خدمة م�صرفية معينة ال‬ ‫يريد �أن يعلم بها �أح��د‪ ،‬فهو يفرت�ض ال�سرية التامة يف‬ ‫امل�صرف‪ ،‬فيجب على املوظف �أن يكون �أه�ل ً‬ ‫ا حلفظ �سر‬ ‫معاملة العميل‪ ،‬فال�سر يتعلق با�سمه وطبيعة املعاملة‬ ‫ال�ت��ي ق��ام ب�ه��ا ه��ذا م��ن ج��ان��ب وم��ن ج��ان��ب �آخ ��ر �أح ��وال‬ ‫العميل من غنى �أو فقر �أو ع�سر م��ايل �أو �إط�لاع��ه على‬ ‫�أح��وال��ه امل��ال �ي��ة‪ ،‬ف�لا ي�ج��ب ع�ل��ى امل��وظ��ف �أن ي�ت��دخ��ل يف‬ ‫�أحوال العمالء‪ ،‬ويبحث يف ملفاتهم ويتدخل يف �ش�ؤونهم‬ ‫امل�صرفية‪ ،‬فيجب على املوظف �أن يكون كتوماً للأ�سرار‬ ‫فكثري من العمالء يكتمون �أمورهم املالية وال يف�ضلون‬ ‫�إط�لاع الغري عليها‪ .‬مما ي ��ؤدي �إل��ى زرع الثقة وتبادلها‬ ‫بني كافة املتعاملني والعاملني يف امل�صارف الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وبالتايل ال�سمو يف التعامل و�ضحد لذوي النوايا ال�سيئة‪.‬‬

‫‪� ) 2‬أنظر‪ :‬القطان‪،‬حممد �أم�ين‪� ،‬أخالقيات العمل امل�صريف الإ�سالمي‬ ‫املواثيق والأخالقيات‪ ،‬امل�ؤمتر الرابع للهيئات ال�شرعية للم�ؤ�س�سات‬ ‫املالية الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬البحرين‪ ،2004 ،‬ال�غ��ام��دي‪� ،‬سعيد ب��ن نا�صر‪،‬‬ ‫�أخالقيات العمل(�ضرورة تنموية وم�صلحة �شرعية)‪ ،‬رابطة العامل‬ ‫الإ��س�لام��ي‪ ،‬مكة امل�ك��رم��ة‪ ،‬الإدارة العامة للثقافة والن�شر‪،2010 ،‬‬ ‫بت�صرف‬ ‫‪ ) 4‬رواه الرتمذي رقم (‪ )1956‬وابن حبان (‪ )2/287‬و�صححه الألباين‬ ‫يف �صحيح �سنن الرتمذي‪ ،‬و�شعيب الأرناو�ؤط يف حتقيق �صحيح ابن‬ ‫‪ ) 3‬رواه �أبو داود (‪ ، )4839‬وح�سنه الألباين‪ ،‬املقد�سي‪ ،‬حممد بن مفلح‬ ‫حبان (‪.)2/287‬‬ ‫بن حممد‪ ،‬الآداب ال�شرعية واملنح املرعية‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬


‫‪ -4‬العدل يف معاملة العمالء‬ ‫املوظف يف امل�صرف يتعامل مع عدة فئات من املجتمع‬ ‫الفقري‪ ،‬الغني‪ ،‬العامل‪ ،‬اجلاهل‪ ،‬فيجب على املوظف �أن‬ ‫ال يفرق بني العمالء‪ ،‬بل هو م�س�ؤول �أمام اهلل �أن يحرتم‬ ‫جميع العمالء دون تق�صري �أو �إهمال وال ميكن �أن ينجح‬ ‫بعمله �إال �إذا تلقى جميع العمالء املعاملة احل�سنة العادلة‬ ‫دون متيز �أو تق�صري‪.‬‬ ‫‪ -5‬االهتمام باملظهر‬ ‫ح�سن مظهر املوظف ينعك�س على العميل الذي يتوقع �أن‬ ‫يلقى املوظف مبظهر ح�سن مما يزيد من التفا�ؤل‪ ،‬ويفر�ض‬ ‫عليه احرتام وتقدير املوظف‪ ،‬فالإ�سالم يحث �أتباعه على‬ ‫االه�ت�م��ام باملظهر وال�ن�ظ��اف��ة‪ ،‬لأن ه��ذا يكمل م��ا دع��ا �إليه‬ ‫الإ�سالم من الب�شا�شة ولطف احلديث وح�سن املع�شر‪.‬‬ ‫‪ -6‬الإخال�ص و�إتقان العمل‬ ‫الإت �ق��ان ف��ر���ض يف ك��ل ع�م��ل نعمله �أو �أم ��ر نتناوله‪،‬‬ ‫وي�ستطيع امل��وظ��ف �أن يتقن عمله م��ن خ�لال الإط�ل�اع‬ ‫على كل ما هو جديد يف علم امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حتى‬ ‫يت�سنى له الإبداع واالبتكار ‪ ،‬و�أف�ضل عمل يقدمه املوظف‬ ‫للمتعاملني هو ال�سرعة والإتقان والإخ�لا���ص يف �إجناز‬ ‫امل �ع��ام�لات‪ ،‬ب��ل ي�ع�ن��ي ��س��رع��ة الإجن� ��از والإت� �ق ��ان و�سيلة‬ ‫لت�سويق خدمات امل�صرف و�أقلها تكلفة لذلك يجب على‬ ‫املوظف �أن يوازن بني �إتقان العمل وال�سرعة يف الإجناز‪،‬‬ ‫لأنه البطء يف العمل يهدر وقت امل�صرف كما يهدر وقت‬ ‫العميل ي�ق��ول ال��ر��س��ول �صلى اهلل علية و�سلم‪�":‬إِنّ هَّ َ‬ ‫الل‬ ‫َت َعالى ُي ِح ّب �إِ َذا َع ِم َل �أَ َح ُد ُك ْم َع َم ً‬ ‫ال �أَنْ ُي ْت ِق َن ُه "((( ‪.‬‬ ‫‪ -7‬تعلم الأحكام ال�شرعية واالبتعاد عن ال�شبهات‬ ‫ك �ث�يراً م��ن ال�ع�م�لاء ��س��وف ي�ط��رح��ون �أ��س�ئ�ل��ة تتعلق‬ ‫ب��الأم��ور املالية ال�شرعية ذات ال�صلة باملعامالت املالية‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬لذلك يجب على امل��وظ��ف �أن يلم بالأحكام‬ ‫املتعلقة باملعاملة من حيث احللة واحلرمة واالبتعاد عن‬ ‫ال�شبهات‪ ،‬حتى ال يقع العميل باملحظورات ‪.‬‬ ‫‪ -8‬الرقابة الذاتية‬ ‫تعترب الرقابة الذاتية من �أه��م و�أنفع الو�سائل التي‬ ‫توجد اخللق القومي يف العمل‪ ،‬وتكفل ا�ستمرار يته التي‬ ‫من �أهم ثمارها الإتقان واجلودة‪ .‬فمهما كانت قوة النظام‬ ‫والأحكام اجلزائية والق�ضائية ف�إنها قليلة اجلدوى مع‬ ‫انعدام مبد�أ الرقابة الذاتية‪ .‬والرقابة الذاتية منطلقة‬

‫م��ن حديث الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪ُ ":‬ك� ُّل� ُك� ْم َرا ٍع‬ ‫َو ُك ُّل ُك ْم َم ْ�س�ؤول َع��نْ َر ِع َّي ِت ِه"(((‪ .‬فهي �إح�سا�س املوظف‬ ‫العامل ب�أنه مكلف ب�أداء العمل وم�ؤمتن عليه‪ ،‬من غري‬ ‫حاجة �إلى م�س�ؤول يذكره مب�س�ؤوليته ‪ ،‬وتعترب �أهم عامل‬ ‫لنجاح العمل‪ ،‬لأنها تغني عن كثري من النظم والتوجيهات‬ ‫واملحا�سبة وغري ذلك(((‪.‬‬ ‫وت�أ�سي�ساً على ذل��ك يتبني �أن على املوظف ا�ست�شعار‬ ‫امل�س�ؤولية ‪ ،‬حيث يعترب من �أخالق العمل املهمة يف الوقت‬ ‫احلا�ضر‪ ،‬ا�ست�شعار امل�س�ؤولية فاملوظف ال بد �أن ي�ست�شعر‬ ‫حجم امل�س�ؤولية �أمام اهلل والنا�س و�أن يحر�ص على القيام‬ ‫بحق هذه امل�س�ؤولية العظيمة(((‪.‬‬ ‫ال��رف��ق وال�ع�ف��و م��ع م��ن يتعامل معهم امل��وظ��ف‪ ،‬وقد‬ ‫انتبهت النظريات احل��دي�ث��ة �إل��ى �أه�م�ي��ة ال��رف��ق وح�سن‬ ‫معاملة ال��زب��ائ��ن‪ ،‬وجعلته �أح��د ا�سرتاتيجيات امل�ؤ�س�سة‬ ‫الناجحة ومن جوانب الرفق مع التوا�ضع وخف�ض اجلناح‬ ‫وكذلك �أن يت�صف باللني يف قوة واحلزم يف رحمة‪ .‬ومن‬ ‫جماالت الرفع مع املتعاملني �أو مراجعي الإدارة �أو الهيئة‪،‬‬ ‫احلث العام على التب�سم يف وجه �أحيك و�إنه من ال�صدقة‪،‬‬ ‫فالرفق والتب�سم وح�سن املعا�شرة من �أكرث الأمور ت�أليفاً‬ ‫لقلوب النا�س امتثاال لقوله تعالى‪" :‬خُ ِذ ا ْل� َع� ْف� َو َو�أْ ُم � ْر‬ ‫بِا ْل ُع ْر ِف َو�أَ ْع� ِر�� ْ�ض َعنِ الجْ َ ِاه ِلنيَ"(((‪� .‬إن �أخالق العمل‬ ‫لها ارتباط كبري بالتنمية وا�ستمرارها يف تطوير املجتمع‬ ‫والدولة‪� ،‬أن ال�سبب يف تنامي اهتمام امل�ؤ�س�سات الدولية‬ ‫ب��ال�ب�ع��د الأخ�ل�اق��ي ن��اجت ع��ن ��ش�ع��وره��ا ب� ��أن ال�ع��دي��د من‬ ‫امل�شاريع والربامج التي متولها هذه امل�ؤ�س�سات مل يكتب‬ ‫لها النجاح املتوقع‪ ،‬ل��وج��ود �أ�سباب هيكلية واجتماعية‬ ‫كانت�شار ال�ف���س��اد الأخ�ل�اق��ي �أو ال��ر��ش��وة �أو غ�يره��ا من‬ ‫الأمور وقد �أدى ذلك �إلى زيادة تكلفة امل�شاريع‪ ،‬وانخفا�ض‬ ‫جودتها وموا�صفاتها‪ ،‬وتقليل الفوائد املتوقعة منها على‬ ‫املجتمع‪.‬‬

‫‪ )  2‬رواه البخاري(‪ )7138‬وم�سلم ((‪ 1829‬يف �صحيحيهما عن ابن عمر‪.‬‬ ‫‪ ) 3‬احل�م�ي��دان‪ ،‬ع�صام ب��ن عبد املح�سن‪� ،‬أخ�لاق�ي��ات املهنة يف الإ��س�لام‪،‬‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬العبيكان للن�شر‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬

‫‪ ) 4‬العمر‪ ،‬ف ��ؤاد عبد اهلل‪� ،‬أخ�لاق العمل و�سلوك العاملني يف اخلدمة‬ ‫ال�ع��ام��ة وال��رق��اب��ة عليها م��ن م�ن�ظ��ور �إ� �س�لام��ي‪ ،‬ال�ب�ن��ك الإ��س�لام��ي‬ ‫للتنمية‪.1999 ،‬‬ ‫‪� ) 1‬سبق تخريجه �ص ؟؟؟؟؟؟؟؟؟رواه البيهقي يف �شعب الإمي��ان‪ ،‬و�أبو‬ ‫بعلى يف م�سنده‪ ،‬وقال الألباين ج�سن يف �صحيح اجلامع ال�صغري‪.‬‬ ‫‪ ) 5‬الأعراف‪� ،‬آية ‪.199‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪53‬‬


‫‪54‬‬

‫التحديات والعقبات لأخالقيات الأعمال يف‬ ‫العمل امل�صريف الإ�سالمي‬ ‫الإن�سان ي�شعر باحلاجة �إلى الأخالق عندما تكون هذه‬ ‫الأخ�لاق مطلوبة من غ�يره‪ ،‬ويكون هو حمتاجاً �إليها‪،‬‬ ‫وق��د ال ي�شعر باحلاجة �إل��ى الأخ�ل�اق عندما تكون هذه‬ ‫الأخالق مطلوبة منه ل�صالح غريه‪ .‬فاخلطر الأخالقي‪:‬‬ ‫ع�ب��ارة ع��ن ت�صرفات الفاعلني االقت�صاديني يف تعظيم‬ ‫منفعتهم اخلا�صة على ح�ساب الآخ��ري��ن‪ ،‬وذل��ك عندما‬ ‫ال يتحملون جميع الآث��ار �أو عندما ال يتمتعون بجميع‬ ‫منافع ت�صرفاتهم‪ ،‬ب�سبب عدم الت�أكد‪� ،‬أو ب�سبب العقود‬ ‫الناق�صة �أو املقيدة التي متنع حتميل جميع الأ��ض��رار‬ ‫واملنافع للطرف الأخ��ر(((‪ .‬فعدم وجود قواعد وا�ضحة‬ ‫وحمددة حلل امل�شاكل املتعلقة ب�أخالق العمل‪ ،‬وذلك نظراً‬ ‫لتنوعها وتعددها باختالف البيئة وتراث املجتمع وقيمه‪،‬‬ ‫لذلك هناك العديد من التحديات التي تواجه امل�صارف‬ ‫الإ�سالمية لرت�سيخ الأخالق منها(((‪:‬‬ ‫‪ -1‬كيفية ال�ت�ع��ام��ل م��ع ك�ث�ير م��ن الأخ�ل��اق ال�سلبية‪،‬‬ ‫ك��ال�ف���س��اد الإداري‪ ،‬وع ��دم ت�ك��ري����س اجل �ه��د للقيام‬ ‫مب�س�ؤوليات الوظيفة‪� ،‬أ�صبحت الو�ساطة منت�شرة‬ ‫كقيمة اجتماعية‪ ،‬حيث �أ�صبحت الو�ساطة ت�ستنكر‬ ‫من اجلميع‪ ،‬ومتار�س من اجلميع‪ ،‬لت�سهيل املعامالت‬ ‫وتف�ضيل الأقارب‪ ،‬لقوة ومكانة العائلة االجتماعية‪.‬‬ ‫‪�� -2‬ض�ع��ف االل� �ت ��زام ب��امل���س��ؤول�ي��ة جت ��اه ال �ع �م��ل‪ ،‬وق�ل��ة‬ ‫اال�ستجابة حلاجات املجتمع‪ ،‬فالكثري من العاملني‬ ‫ي�ستخدمون الأجهزة اخلا�صة بالعمل ومعداتها يف‬ ‫تنفيذ معامالتهم ون�شاطاتهم ال�شخ�صية بد ًال من‬ ‫�إنهاء معامالت النا�س وح�سن ت�صريف خدماتهم‪،‬‬ ‫و�سرعة �أوقات الدوام‪.‬‬ ‫‪ -3‬املركزية الزائدة يف العمل مما ي�ؤدي �إلى عدم التزام‬ ‫العامل ب�أخالق العمل‪ .‬وتركز ال�سلطات ي��ؤدي �إلى‬ ‫قلة املبادرات الفردية و�ضعف االبتكار‪.‬‬ ‫‪ -4‬تو�سيع نطاق امل�س�ؤولية الإداري ��ة‪ ،‬وت�أ�سي�س نظام‬ ‫لتمحي�ص و�شفافية الت�صرفات املالية للموظفني‪.‬‬ ‫‪� -5‬ضعف ثقافة التطبيق واالكتفاء برتديد ال�شعارات‬ ‫واملفاهيم واملبادئ والقيم ال�سامية �أو االقت�صار على‬ ‫التخطيط واللوائح املنظمة للعمل(((‪.‬‬ ‫احللول املقرتحة لتنمية الأخ�لاق يف العمل امل�صريف‬ ‫الإ�سالمي(((‬ ‫�إن االلتزام بالأخالق الإ�سالمية ينعك�س �إيجابياً على‬ ‫املجتمع من الناحية االقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬حيث �أن‬ ‫ر�سالة امل�صارف الإ�سالمية ال تتوقف على حتقيق الربح‬ ‫‪ ) 1‬امل�صري‪ ،‬رفيق‪ ،‬االقت�صاد والأخالق‪ ،‬دم�شق‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‪.2007 ،1‬‬ ‫‪ ) 2‬العمر‪ ،‬ف��ؤاد عبدا هلل‪� ،‬أخ�لاق العمل و�سلوك العاملني يف اخلدمة‬ ‫ال�ع��ام��ة وال��رق��اب��ة عليها م��ن م�ن�ظ��ور �إ� �س�لام��ي‪ ،‬ال�ب�ن��ك الإ��س�لام��ي‬ ‫لتنمية‪ ،‬بحث رقم ‪ ،52‬ط‪ ،1999 ،1‬بت�صرف‪.‬‬ ‫‪ ) 3‬الغامدي‪ ،‬مرجع �سابق‪.‬‬ ‫‪ ) 4‬العمر‪� ،‬أخالق العمل و�سلوك العاملني يف اخلدمة العامة والرقابة‬ ‫عليها من منظور �إ�سالمي‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬بت�صرف‪.‬‬

‫ب��ل ت�ع��زي��ز وت�ع�م�ي��ق ال���س�ل��وك الأخ�ل�اق��ي ال���س�ل�ي��م ل��دى‬ ‫الأفراد والعاملني امل�ستمدة من �أحكام و�ضوابط ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬لذلك يتطلب االلتزام بالأخالق الإ�سالمية‬ ‫م��ن قبل العاملني يف امل�صارف الإ�سالمية وم��ن املمكن‬ ‫حتقيق ذلك من خالل ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬فاعلية ط��رق اخ�ت�ي��ار العاملني حيث يعترب ح�سن‬ ‫االختيار هو �أح��دى الو�سائل التي تقلل من فر�ص‬ ‫خ �ط��ر الأخ� �ل ��اق ال �� �س �ي �ئ��ة‪ ،‬ل��ذل��ك ع �ل��ى امل �� �ص��ارف‬ ‫الإ�سالمية �أن تويل عملية اختيار العاملني �أهمية‬ ‫وو�ضع الو�سائل املنا�سبة لالختيار وو�ضع الأ�س�س‬ ‫وال���ض��واب��ط ال��وا��ض�ح��ة وال�ع��ادل��ة املتعلقة ب��أخ�لاق‬ ‫العمل والالزمة للموظف‪.‬‬ ‫‪ -2‬منع العاملني من اجلمع بني وظيفتني‪ ،‬وذلك ملنع‬ ‫تعار�ض امل�صالح‪ ،‬و�إهمال العمل املوكول �إليهم‪.‬‬ ‫‪� -3‬إ��ص��دار نظام �أو ميثاق لأخ�ل�اق العمل‪ ،‬مم��ا يعطي‬ ‫املوظف �إح�سا�ساً بوحدة الهدف و�شعوراً بااللتزام‬ ‫جتاه م�س�ؤولياته نحو وظيفته ونحو املجتمع‪.‬‬ ‫‪ -4‬ال �ب �ن��اء ال�شخ�صي ل�ل�ع��ام��ل‪ ،‬ال ��ذي ي�ج��ب �أن يكون‬ ‫على �أعلى م�ستوى من الأم��ان��ة والعدالة وااللتزام‬ ‫ال�شخ�صي‪ ،‬وذلك من خالل غر�س الإعداد الأخالقي‬ ‫وال�ق�ي��م الإي�ج��اب�ي��ة ال�ت��ي ح��ر���ص عليها الإ� �س�لام يف‬ ‫جميع ع�صوره‪.‬‬ ‫‪ -5‬زيادة الوعي الأخالقي وذلك من خالل �إن�شاء مكتب‬ ‫لأخ�لاق الوظيفة‪ ،‬يهتم بن�شاط ووظائف التوعية‬ ‫والتحقيق‪ ،‬وتطوير �أدوات تزيد من قدرة املوظفني‬ ‫على التحليل و�إب��داء ال��ر�أي من الناحية الأخالقية‬ ‫وتدريب العاملني على الظروف التي ميكن �إف�شاء‬ ‫امل�ع�ل��وم��ات ال�ت��ي ي ��ؤمت��ن عليها امل��وظ��ف �أو �صاحب‬ ‫املهنة‪ .‬ك��أن تكون هناك م�صلحة عامة من عر�ضها‬ ‫بطريقة وا�ضحة‪.‬‬ ‫‪� -6‬إعادة ت�شكيل قيم �سلوك العاملني يعترب �إعادة ت�شكيل‬ ‫�سلوك العاملني من الأم��ور الهامة والأ�سا�سية يف‬ ‫�أخالقيات الأعمال‪ ،‬وذل��ك من خالل توفري برامج‬ ‫تدريبية للعاملني‪ ،‬تكون �ضمن الأع��داد الأخالقي‬ ‫وت�ك��ري����س ق�ي��م ال�ع�م��ل‪ ،‬وتهيئة امل��وظ��ف للمواجهة‬ ‫الواعية واملو�ضوعية ‪ ،‬ملا قد يالقيه من م�شكالت قد‬ ‫تتطلب حتلي ً‬ ‫ال للبعد الأخالقي لها‪ ،‬و�إع��ادة �إحياء‬ ‫القيم والعادات الإيجابية يف النفو�س من جديد مثل‬ ‫التعاون‪ ،‬ال�شورى‪ ،‬االلتزام بالعمل‪.‬‬ ‫‪ -7‬ت�شجيع العاملني على ك�شف االن �ح��راف والف�ساد‬ ‫الإداري ‪ :‬ميكن تدريب العاملني على اكت�شاف الف�ساد‬ ‫الإداري‪ ،‬وت�شجيعهم على �إب�لاغ�ه��ا مل�س�ؤولياتهم‪،‬‬ ‫فهناك العديد من العاملني الذين يعانون الف�ساد‬ ‫الإداري ولكنهم ال ي�ستطيعون فعل �شيء‪ ،‬لأن الإبالغ‬ ‫عنه ق��د ي� ��ؤدي �إل��ى �إن �ه��اء خ��دم��ات�ه��م‪� ،‬أو الت�ضييق‬ ‫عليهم‪ ،‬فيمكن ت�شجيعهم على الك�شف عن الف�ساد‬ ‫الإداري من خالل املكاف�آت املادية �أو غري املادية‪.‬‬ ‫و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني‪.‬‬


‫مقاالت‬

‫أ ‪ .‬محمد العضايلة‬ ‫رغ��م التحوالت اجلارية يف العامل و الوطن العربي‬ ‫خا�صة جتاه التغيري و الإ�صالح و ن�شر قيم الف�ضيلة �إ َال‬ ‫اننا ما زلنا ن�سري ببطء نحو ال�شباب الذين هم ن�صف‬ ‫احلا�ضر وكل امل�ستقبل ‪ ،‬والبد من طرح الأفكار القابلة‬ ‫للتطوير و �شحذ الهمم نحو الأف�ضل ‪.‬‬ ‫ففي ك��ل ع��ام و يف مثل ه��ذا ال��وق��ت ت��أت��ي العطلة‬ ‫ال�صيفية للطالب بكافة م�ستوياتهم ليعي�شوا يف فراغ‬ ‫كبري ‪ ،‬فراغ ممل و حا�ضنة لكل الت�صرفات اخلارجة عن‬ ‫القيم و القانون ‪� ،‬سلوكات نلم�سها يف كل �ساعة على ار�ض‬ ‫ال��واق��ع ‪ ،‬حيث مل نلم�س م�ب��ادرات يف ك��ل ح��ي و ��ش��ارع ‪،‬‬ ‫م�ب��ادرات �شبابية تطوعية ت�ستغل اوق��ات الفراغ و تعزّز‬ ‫فيهم كل القيم الأن�سانية الطيبة ‪.‬‬ ‫فامل�ؤ�س�سات التعليمية و ال�شبابية حكومية او خا�صة‬ ‫والتي تنت�شر يف كل حي و�شارع مل تقدم عم ً‬ ‫ال او مبادرات‬ ‫كبرية نلم�سها على �أر�ض الواقع رغم وجود بع�ضها و هي‬ ‫على �إ�ستحياء وال ت�ستهدف ال�شرائح الكربى بل لفئات‬ ‫حمدودة غري م�ؤثرة ‪.‬‬ ‫نتمنى ان تطرح م�ب��ادرات �شبابية يف كل حي مثل‬ ‫م �ب��ادرات النظافة العامة و زراع��ة الأ��ش�ج��ار ه��ذه التي‬ ‫حتر�ص على البيئة كذلك �أخ��رى تهتم بكبار ال�سن و‬ ‫تعليمهم على التكنولوجيا احلديثة ورعايتهم و غريها‬ ‫ومبادرات تخ�ص التجمعات الفقرية مثل �صيانة بع�ض‬ ‫املنازل و جمع الطعام و املالب�س وان�شاء مرافق ب�سيطة‬ ‫م��راف��ق ت��رف�ي�ه�ي��ة او م�ق��اع��د ع��ام��ة جت�م��ع ال���ش�ب��اب او‬ ‫االطفال وتن�شر فيهم روح الفرح و غريها ‪.‬‬ ‫نتمنى ان تطرح مبادرات تهتم بالثقافة و ن�شر الوعي‬ ‫وتعزز لغة احلوار و �أخرى ريا�ضية لأن العقل ال�سليم يف‬ ‫اجل�سم ال�سليم كما انها تعزز روح الفريق وتن�شر التعاون‬ ‫وم���س��اع��دة ال�ن��ا���س ‪ ,‬م �ب��ادرات باللغة ال�ع��رب�ي��ة وال�ل�غ��ات‬

‫الشباب‬ ‫والمبادرات‬ ‫االخ ��رى وال��ر� �س��م ع�ل��ى اجل� ��دران ال���ص�م��اء ال �ت��ي تبعث‬ ‫امللل للناظراليها وجعلها ذاكرة للزمان واملكان وغريها‬ ‫الكثري الكثري ‪.‬‬ ‫م�شاريع و مبادرات تبعد �شبح الإدم��ان واملخدرات‬ ‫وغريها من الآف��ات التي ب��د�أت تنت�شر يف ج�سم وعقول‬ ‫ال�شباب كالنار يف اله�شيم لأننا �إن بادرنا جميعاً‪ :‬افراداً‬ ‫وم�ؤ�س�سات �سنجعل من العطلة قيماً تنه�ض بالوطن‬ ‫واب�ن��ائ��ه ف��ال��وط��ن روح و ح�ي��اة م�ت�ج��ددة للعطاء يف كل‬ ‫ا�شكاله الثقافية ‪ ،‬فم�شاريع النهو�ض بالوطن و ابنائه‬ ‫يحتاج جلهود كل اخلريين ‪ ،‬يحتاج ملعرفتنا مبا حولنا‬ ‫وب��الأر���ض ال�ت��ي ن�سري عليها و ب��ال�ت��اري��خ ال��ذي عا�شته‬ ‫فكذلك علينا ال�ت��وج��ه نحو تنوير ال�ع�ق��ول ال�ت��ي تنري‬ ‫احلياة و جتدد العطاء و تن�شر املحبة و الأمن و ال�سالم‬ ‫وك��ل م�ه��ارات االت���ص��ال‪ ،‬وي�ق��ال ع � ّود نف�سك على مكارم‬ ‫الأخالق فاخلري عادة و ال�شر رذيلة‬ ‫خ �ت��ام �اً اال� �س �ت �ف��ادة م ��ن ط ��اق ��ات ال �� �ش �ب��اب ال ت�ك��ون‬ ‫االباال�ستفادة من ك��ل الفر�ص املتاحة ه��ذه التي تعزز‬ ‫فيهم قيم العمل و اخلدمة العامة و التوا�صل و العطاء ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪55‬‬


‫مقاالت‬

‫ات‬ ‫ِك َت َاب ٌ‬ ‫في‬

‫الح ْك َم ِة‬ ‫ِ‬ ‫اللواء المتقاعد عدنان عبيدات‬

‫‪56‬‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‪:‬‬ ‫}و َمنْ ُي�ؤ َْت ا ِ‬ ‫رياً{ (البقرة‪)269 :‬‬ ‫حل ْك َمة َف َق ْد �أُ ُو ِت َي َخيرْ اً َك ِث َ‬ ‫َك ِل َماتٌ فيِ ب ِْ�ض ُع َد َقا ِئقٍ ال َي ْ�س َت ِطي ُلها َم ُل ُو ٌل وال َي ْ�س َتكْثرِ ُ ها‬ ‫َم ْ�ش ُغ ٌ‬ ‫ول‬ ‫ِت ْل َك ِم َّن ٌة و َف ْ�ض ٌل ِمنَ ا ِ‬ ‫هلل َعلَ َّي‪ ،‬وهي َب ْع ٌ�ض ِمنْ خَ َو ِاطرِي‬ ‫و�شي ٌء ِمنْ خُ لاَ َ�ص ِة تجَ َ ارِبي يف ا َ‬ ‫َ‬ ‫حل َياة‪� ،‬أَ َر ْدتُ �أَنْ ال �أَ ْ�س َت ْب ِقي َها‬ ‫ِي�سة الأنفا�س‪َ ،‬ف�أَ ْح َب ْبتُ َ�أنْ َيطا َلها‬ ‫َر ِهي َن َة ال ِق ْر َطا�س‪َ ،‬حب َ‬ ‫الإِ ْف � َرا ُج و�أَنْ ُتخْ َر َج ِمنَ الأَ ْد َراج‪ِ ،‬ل ُت ْب َ�س َط ِمن َغيرْ ِ ِع َّل ٍة على‬ ‫َب ِ‬ ‫احة َف ُربمَّ ا‬ ‫ع�ض َ�ص َف َح ِات امل َ َج َّل ِة‪ ،‬و ِل َك ْي َت ُكو َن لمِ َنْ َي َ�شا ُء ُم َت َ‬ ‫ْاح َت َوتْ َق ْدراً ِمنَ ال�صَّ َر َاحة �أَو ا ِ‬ ‫الحة‪ ،‬و ِفي َما َي ِلي‬ ‫حل ْك َم ِة وامل َ َ‬ ‫َبا َق ٌة ِم ْن َها َت�أْ ِتي َك َت ْك ِملَ ٍة لمِ َا َكا َن َق ْد ُن ِ�ش َر ِمنْ َق ْب ُل يف َع َد ٍد َ�سابِقٍ‬ ‫ِمنْ َه ِذ ِه امل َ َج ِّل ِة ال َغ َّرا ِء‪:‬‬ ‫‪َ .37‬‬ ‫"ط ْع ُم الن َ​َّجا ِح ُيو ِدي بمِ َ َرا َر ِة ال َف َ�شلِ وال َع ْز ُم َعلَى تحَ ْ ِقي ِقه‬ ‫ِمنْ َ�ض ُرو َر ِات ال َع َملِ "‪.‬‬ ‫‪�" .38‬إِ َذا َكا َن فيِ ال َّت َع ُّل ِم َع َنتٌ و ِلقَا ُء ِ�ش َّدة َف ِفي ا ْك ِت َ�سابِ ال ِع ْل ِم‬ ‫َ�ش َر ٌف و ا ْعتِلاَ ُء ُ�س َّد ٍة "‪.‬‬ ‫‪" .39‬ال ِع ْل ُم ِه � َدا َي � ٌة وا َ‬ ‫جل� ْه� ُل ِغ َوا َي ٌة"‪ .‬ال� ِغ� َوا َي� ُة‪ :‬ال�ضَّلاَ ُل‬ ‫وا َ‬ ‫خل ْي َب ُة ( ل�سان العرب‪ ،‬املجلد ‪� ،10‬ص‪.)149 :‬‬ ‫ن�ش ُر ُه فيِ ا َ‬ ‫‪" .40‬زِي َنة ُال ِع ْل ِم ُح ْ�سنُ ا ُ‬ ‫خل ُلقِ و َز َكا ُت ُه ْ‬ ‫خل ْلقِ "‪.‬‬ ‫‪" .41‬الإِ ْن َتا ُج ال ِع ْل ِم ُّي َو ِلي ُد امل ُ ْ�س َت َوى امل َ ْعرِفيِ ِّ "‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪".42‬حي َن َما َيتَخَ َّلى الإِ ْعلاَ ُم َعنْ َق ْولِ ا َ‬ ‫حل ِقيقَة ِ َف�إِنَّه َي ْل َج�أُ �إِ َّما‬

‫�إِلى ال�صَّ ْم ِت �أَو �إِلى ُ�ص ْن ِع ال َك ِذبِ و َت ْ�سوِي ِق ِه"‪.‬‬ ‫‪ُ " .43‬ر َّب ُ�صو َر ٍة ِمنْ َم ْ�ش َه ٍد �إِن َْ�س ِا ٍّ‬ ‫ين َ�صا ِدقٍ َ�أ ْح َد َثتْ َع ِمي َق‬ ‫الأَ َث� � ِر و �أُخْ � � َرى ِد َع��ا ِئ� َّي� ٍة ُم ْ�ص َط َن َع ٍة َ�أ�ْ��ض� َ�ح��تْ ِم��نْ َتا ِف ِه‬ ‫ا َ‬ ‫خلبرَ ِ"‪.‬‬ ‫"منْ �أَ ْع َجبِ ال َع َجبِ ال ُه َت ُ‬ ‫‪ِ .44‬‬ ‫اف ِبلاَ َ�س َببٍ "‪.‬‬ ‫‪" .45‬الإ ِْط ُرا ُء َطرِيقٌ َز ِلقٌ َم ِط َّي ُت ُه ال ِّن َفا ُق و َم ْو ِر ُد ُه ال َهلاَ ُك"‪.‬‬ ‫‪�" .44‬إِ َذا ِقي َل يف امل َ ْر ِء َما ِفي ِه َف ُه َو فيِ ِغ َن ًى َع َّما ِقي َل ِفي ِه‪ ،‬و�إِنْ‬ ‫لمَ ْ َي ُكنْ ِفي ِه َما ِقي َل ِفي ِه َف َذ َ‬ ‫اك ِ�إ ْف ٌك لاَ َر ْي َب ِفي ِه"‪.‬‬ ‫‪" .45‬ال َّت َز ُّلفُ للأَ َنا ِم َي ُح ُّط ِمنَ ال َق ْد ِر واملَقَا ِم"‪.‬‬ ‫‪" .46‬امل َ ْد ُح بالأَ ْث َم ِان واله َِجا ُء بامل َ َّج ِان"‪.‬‬ ‫"�سو ُق ال ِّنفَاقِ �أَنتنَ ُ الأَ ْ�سواقِ "‪.‬‬ ‫‪ُ .47‬‬ ‫"ا�ص َط ِح ْب ِم��نَ ال�َب�رَ ِ َّي� ِة َم��نْ َك��ا َن َذا ِه َّم ٍة َع ِل َّية‪ ،‬و َكفٍّ‬ ‫‪ْ .48‬‬ ‫َن ِد َّي ٍة‪ ،‬و َنف ٍْ�س �أ ِب َّي ٍة‪ ،‬و ِذ َّم ٍة َو ِف َّي ٍة"‪.‬‬ ‫‪" .49‬لاَ َحيرْ َ َة فيِ �أَنْ َتخْ َتا َر ِخ َيا َراً ِمنْ َبينْ ِ الأَخْ َيارِ"‪.‬‬ ‫"اج َت ِن ْب ِمنَ الن ِ‬ ‫َّا�س َمنْ َكا َن ذا ُف ْح ٍ�ش و نمَ ِ ي َمة‪ ،‬و َنف ٍْ�س‬ ‫‪ْ .50‬‬ ‫لئيمة‪ ،‬و َذ ٍات ب ُّ‬ ‫ِال�ش ِّح َ�س ِقي َمة"‪.‬‬ ‫‪ِ .51‬‬ ‫ال�س َي َا�س ِة اتِّخَ ا ُذ محُ ْ َت ِّل ال ِّد َيا ِر و ُم َف ِّرقِ‬ ‫"منْ ُم َفا َر َق ِات ِّ‬ ‫الأَ ْم َ�صا ِر َ�ص ِديقاً َك ِام َل الإِ ْع ِت َبارِ"‪.‬‬ ‫"ال�س َي َا�س ُة يف امل ُ� َم��ا َر�� َ�س� ِة �أَ ْد َن ��ى �إِ َل��ى ال� َع� َه��ا َر ِة ِم ْن َها �إِ َل��ى‬ ‫‪ِّ .52‬‬ ‫َّ‬ ‫الط َها َر ِة"‪.‬‬


‫‪" .53‬ا ُ‬ ‫حل ْك ُم بالإِ ْذلاَ لِ َم�آ ُل ُه �إِلى َز َوالٍ "‪.‬‬ ‫‪ُّ .54‬‬ ‫وب �أَ ْط َو ُل �أَ ْع َما َراً ِمنْ َجلاَّ ِدي َها"‪.‬‬ ‫"ال�ش ُع ُ‬ ‫‪" .55‬ال ُبخْ ُل ُّ‬ ‫ي�ص َت ِان ِك ْل َتا ُه َما َم ْذ ُمو َم َت ِان‪ ،‬فالأُولى‬ ‫وال�ش ُّح َن ِق َ‬ ‫�إ ِْم َ�س ٌ‬ ‫اك َعن الإِ ْنفَاقِ َحتَّى َعلَى ال َّنف ِْ�س‪ ،‬وال َّثا ِن َي ُة محَ ْ ُ�صو َر ٌة‬ ‫بِالإ ِْم َ�ساك َعن الإِ ْنفَاقِ َفق َْط َعلَى ال َغيرْ ِ"‪.‬‬ ‫وا�س َت َق َّل َم� َرا ِك� َ�ب‬ ‫‪" .56‬ال َع َزا ُء بمِ َ ��نْ َت � َز َّود بمِ َ ُ��ؤو َن � ِة ال� ُب��خْ ��لِ ‪ْ ،‬‬ ‫ا ُ‬ ‫جلبنْ ِ‪ ،‬و�أَ ْب َح َر فيِ لجَُّ ِة ال َو ْه ِم"‪.‬‬ ‫ْ�ض و ا َ‬ ‫‪" .57‬ال َ�ص َفا َء لمِ َنْ َعلَى َق ْل ِب ِه َرا َن ال ُبغ ُ‬ ‫جل َفا ُء"‪.‬‬ ‫‪َ " .58‬منْ لمَ ْ َي�أْ َلفْ َب ْذ َل ا َ‬ ‫يب �أَ َح َداً ب َِ�ش ٍّر"‪.‬‬ ‫خليرْ ِ فلاَ ُي ِ�ص نَ َّ‬ ‫ا�س ِحيلَ ُة َ�أ َم ٍان و �أَ َدا ُة ِق َي ٍ‬ ‫ي�س الإ ِْح ِت َب ِ‬ ‫ا�س"‪.‬‬ ‫‪َ " .59‬ت ْن ِف ُ‬ ‫‪" .60‬ال ِّد َفا ُع َع��نِ َب ْي َ�ض ِة الأُ َّم � ِة ِر َع��ا َي� ُة �أَ َم��ا َن� ٍة والتَّخَ ِّلي َع ْن َها‬ ‫ِح َكا َي ُة ِخ َيا َن ٍة"‪َ .‬ب ْي َ�ض ُة الأُ َّم ِة‪َ :‬ج َما َع ُت َها (ل�سان العرب‪،‬‬ ‫املجلد ‪� ،1‬ص‪)554 :‬‬ ‫‪" .61‬ا َّل َت َنا ُز ُل َعنِ ا َ‬ ‫حل ِّق ِ�س َم ُة ال ُّد ُو ِن َّي ِة"‪.‬‬ ‫"ال�سك ُوتُ َعنِ ُّ‬ ‫الظل ِم َعال َم ُة خُ ُ�ضو ٍع و َب َّوا َب ُة �إِ ْذ َع ٍان"‪.‬‬ ‫‪ُّ .62‬‬ ‫حل ْك ِم و َب�ْيننْ َ َت ْكر ِ‬ ‫ري ال َّر ِع َّي ِة لخِ ِ ْد َم ِة ا ُ‬ ‫‪َ " .63‬ما َبينْ َ َت ْ�س ِخ ِ‬ ‫ِي�س ِه‬ ‫لخِ ِ ْد َم ِتها َك َما َبينْ َ ا َ‬ ‫خلا ِفقَينْ ِ"‪.‬‬ ‫احا الإ ِْ�س ِت ْب َدا ِد َث َرا ٌء َط ِام ٌح و ُن ُفو ٌذ َج ِام ٌح"‪.‬‬ ‫"ج َن َ‬ ‫‪َ .64‬‬ ‫ا�ص ا ُ‬ ‫حل ْك ُم فيِ َو ْحلِ ال َف َ�سا ِد وان َت َه َب خَ يرْ َ ِات ال ِبلاَ ِد‬ ‫‪�" .65‬إِ َذا َغ َ‬ ‫و َك َّم َم �أَ ْف َوا َه ال�سَّ َوا ِد َ‬ ‫و�شا َي َع ُه �أَ ْه ُل ال ِّنفَاقِ ِمنَ ال ِع َبا ِد َف َق ْد‬

‫ِبلي�س بينْ َ‬ ‫�أَ َظ � َّل ال� َق� ْو َم َي � ْو ٌم َن ِح ٌ‬ ‫ي�س و َغ � َد ْوا يف َم� ْر َت� ِع �إ َ‬ ‫ي�س و َ�شر ٍ‬ ‫وحب ٍ‬ ‫َج ِل ٍ‬ ‫ِي�س "‪.‬‬ ‫ِيك َ‬ ‫‪�" .66‬إِ َذا َف��ا َق ا َ‬ ‫حل��ا ِك� ُم يف ال َع َب ِث وامل ُ� ْت� َع� ِة َح� َّد الت َ​َّ�ص ُّو ِر و َبلَ َغ‬ ‫امل َ ْح ُكو ُم يف امل َ ِع َ‬ ‫ي�ش ِة َح َّد الت َ​َّ�ض ُّو ِر َف َق ْد �أَز َِف َما لاَ ُي َطا ُق‬ ‫َ‬ ‫و�شا َر َف الأَ ْم ُر َعلَى ال ِف َراقِ "‪.‬‬ ‫‪�" .67‬إِ َذا تَخَ َّلى ُ�س َرا ُة ال َق ْو ِم َعنْ َ�ص ْو ِن ال ِّذ َما ِر واُ ْ�س ِق َط َع ْن ُهم‬ ‫ِر َدا ُء امل َ َها َب ِة وال َو َقا ِر َف َما ّذا َع َ�سا ُه َباقٍ َل ُه ْم فيِ ال ِّد َيارِ"‪.‬‬ ‫‪َ " .68‬ت ْع ِمي ُم ال َف َ�سا ِد ِمنْ َ�أ َ ِ‬ ‫العيبِ �أَن ِْظ َم ِة الإ ِْ�س ِت ْب َدا ِد"‪.‬‬ ‫‪َ " .69‬ي ْ�ص َع ُق ِني ِمنْ ُق َ�سا ِة ال ُق ُلوبِ امل ُ ْجر ِ​ِم َ‬ ‫ني ال َق َتلَة ِح ْر ُ�ص ُه ْم‬ ‫َع �لَ��ى ُم� � َرا َع ��ا ِة �آ َدابِ امل َ��ا ِئ� � َد ِة ِع � ْن � َد َم��ا َي� ْ�ج� ِل��� ُ�س��و َن �إِ َل � ْي � َه��ا‬ ‫وا�س ِت ْ�س َها ُل ُه ْم ِ�إ ْز َه��ا َق الأَ ْن ُف ِ�س البرَ ِي َئ ِة ِحي َن َما َي ْب ِط ُ�شو َن‬ ‫ْ‬ ‫ِب َها"‪.‬‬ ‫‪" .70‬امل َ ِّيتُ لاَ َي ْح ُك ُم‪ ،‬و�إِنْ ُق ِّد َر َل ُه �أَنْ َي ْح َيا لاَ ْ�س َت ْح َيا ممَِّ ا َي ْ�ص َن ُع ُه‬ ‫ُولاَ ُة َه َذا ال َع ْ�صرِ"‪.‬‬ ‫‪" .71‬خَ ا َبتْ ُع ُر ٌ‬ ‫و�ش َت ْقتَاتُ َعلَى ا ْر ِت َه ِان �أُ َّم ٍة"‪.‬‬ ‫‪ِ .72‬‬ ‫"منْ َم َذ ِاهبِ ال ُع ْه ِر ال َّت َع ُّل ُل ِب�أَ ْق َب ِح ال ُع ْذرِ"‪.‬‬ ‫ا�س ال َق َرا ِر ال�سَّ ِلي ِم"‪.‬‬ ‫‪َ .73‬‬ ‫"�س َدا ُد الرَّ�أْ ِي �أَ َ�س ُ‬ ‫ي�س"‪.‬‬ ‫ال�سو ِء َغ َرا ُم �إِ ْب ِل َ‬ ‫‪َ " .74‬م ُ�شو َر ُة ُّ‬ ‫‪" .75‬الإ ِْح ِت َكا ُم �إِ َلى ال ُّن َهى �أَ َحقُّ ِمنَ ا ِّت َبا ِع ال َه َوى"‪.‬‬ ‫‪�" .76‬إ َِ�سا َء ُة َّ‬ ‫الظنِّ ُظ ْل ٌم‪ ،‬والت َّّ�س ُّر ُع فيِ ا ُ‬ ‫حل ْك ِم خَ ِطي َئ ٌة"‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪57‬‬


‫‪58‬‬

‫‪" .77‬ال َب ِخي ُل فيِ َط ْب ِع ِه خَ ْ�صلَ َت ِان‪ :‬يف الإِ ْنفَاقِ َف َر ٌق ُم ْ�س َت ْح ِو ٌذ‬ ‫َعلَى ا َ‬ ‫مي املَن َِّان"‪.‬‬ ‫مي� ِ�ان َ�ض ْعفُ ِث َق ٍة بِال َك ِر ِ‬ ‫جل َن ِان‪ ،‬ويف الإِ َ‬ ‫خل � ْو ُف‪ .‬ا َ‬ ‫ال� َف� َر ُق‪ :‬ا َ‬ ‫ال�ص ْد ِر‬ ‫ال�س ِت َتا ِر ِه فيِ َّ‬ ‫جل� َن��انُ‪ :‬ال َق ْل ُب ْ‬ ‫(ل�سان العرب‪ ،‬املجلد ‪� ،10‬ص‪ .247 :‬املجلد ‪� ،2‬ص‪386 :‬‬ ‫على الرتتيب)‬ ‫‪َ " .78‬ث َّم َة َر ْه ٌط ِمنَ الأَ ْغ ِن َيا ِء ُك َّل َما ا ْز َدادواَ َثرا ًء ُك َّل َما ْا�س َت َف ُ‬ ‫ا�ضوا‬ ‫ُجو َداً و َ�سخَ ا ًء"‪.‬‬ ‫‪ِ .79‬‬ ‫"منْ ِ�ش َي ِم ال ِك َرا ِم ِحف ُْظ ال ِّذ َما ِم و�إِ ْك � َرا ُم ال ِك َرا ِم وال َو َفا ُء‬ ‫حل��قُّ وا ُ‬ ‫بالإِ ْل ِت َزا ِم"‪ .‬ال � ِّذ َم��ام‪ :‬ا َ‬ ‫حل � ْر َم � ُة (ل�سان العرب‪،‬‬ ‫املجلد‪� ،5‬ص‪.)59 :‬‬ ‫‪" .80‬رُبمّ َ ا َكا َن �أَ ْب َع ُد الن ِ‬ ‫َّا�س َم ْن ِز َل ًة ِع ْن َد َك �أَ ْد َنا ُه ْم جِ َواراً َل َك‪،‬‬ ‫ورُبمَ َ ا َكا َن �أَكْثرَ ُ ُه ْم ُب ْع َداً َعن َْك �أَ ْق َر َب ُه ْم َمكاَ َن ًة �إِلى َق ْلب َِك"‪.‬‬ ‫‪َ " .81‬منْ �أَ��ْ�س� َر َف فيِ ال َق ْولِ � َأ�ضا َع ال َو ْقتَ و َ�أو�� َ�ش� َ�ك �أَنْ ُي ِ�ضي َع‬ ‫ال َع َملِ "‪.‬‬ ‫‪�" .82‬إِ َذا اجت َم َع فيِ امل َ ْر ِء ِخ َّف ُة ِظ ٍّل و َذ َكا ٌء و ِق َّل ُة َح َيا ٍء‪ ،‬و ُح ُ�ضو ُر‬ ‫ِيح ٍة َو َظرِيفُ كَلاَ ٍم َ�س َر َى ا ْلقَو ُل ِم ْن ُه‬ ‫َب ِدي َه ٍة وا ْن ِف َتا ُح َقر َ‬ ‫ِيحة‪َ :‬ملَ َك ٌة َي ْ�س َت ِطي ُع‬ ‫�أَ ْم ِثلَ ًة َعلَى �أَ ْل ِ�س َن ِة الأَ َنا ِم"‪ .‬ال َقر َ‬ ‫ِب َها امل َ� ْر ُء ا ْب� ِت� َدا َع ال� َك�َل�اَ ِم و�إِ ْب� � َدا َء ال �رَّ�أْ ِي (معجم املعاين‬ ‫اجلامع)‪.‬‬ ‫‪َ " .83‬ف ْر ُط ال َّدلاَ لِ ُيف ِْ�س ُد ا َ‬ ‫حلا َل"‪.‬‬ ‫‪�" .84‬إِنْ ُر ِز ْقتَ ال َو َل َد و�أَنْتَ يف �إِ ْق َبالٍ ِمنَ ال ُع ْم ِر �آ َز ْر َت ُهم و ا�شْ َت َّد‬ ‫وح َّم ْل َت ُه ْم‬ ‫ِب ِه ْم �أَ ْز ُر َك‪ ،‬و�إِنْ ُ�أو ِتي َت ُهم يف �إِ ْد َبا ٍر ِمنْه َ�أ ْ�ض َعف َت ُه ْم َ‬ ‫ِو ْز َر َ�ض ْع ِف َك"‪.‬‬ ‫‪َ " .85‬ب�ْي�نْ َ �أَنْ َت َت َق َّد َم �أُ َّم � ٌة �أَ ْو َت َت َق ْه َق َر َ�أ ْم � َر ِان‪� :‬أَ َّو ُل ُهما َ�سبِي ُل‬ ‫ِع ْل ٍم و َن ْه ُج خُ ُلقٍ َت ْ�سل ُك ُه �أَ ْو َت َت َن َّك ُبه‪ ُ،‬و َثا ِني ِه َما ِمي َزا ُن َع ْدلٍ‬ ‫تحَ ْ َت ِك ُم �إِ َل ْي ِه �أَ ْو َت َت َجا َو ُز ُه"‪.‬‬ ‫‪".86‬ال ُّن ْد َر ُة يف �أَ ْم ِت َع ِة ال ُّد ْن َيا ِمنْ َم َعا ِذي ِر ُع ُل ِّو َ�ش�أْ ِن َها وا ِ‬ ‫حل ْر ِ�ص‬ ‫َعلَ ْي َها‪ ،‬و َو ْف َر ُت َها ِمنْ َب َو ِاع ِث ْا�س ِت ْ�ص َغا ِر َها وال َع َب ِث ِب َها"‪.‬‬ ‫امل َ َتا ُع فيِ الأَ ْ�صلِ ‪ُ :‬ك ُّل َ�ش ْي ٍء ُي ْن َت َف ُع ِب ِه و ُي َت َب َّل ُغ ِب ِه و ُي َت َز َّو ُد وال َف َنا ُء‬ ‫َي�أْ ِتي َعلَ ْي ِه فيِ ال ُّد ْن َيا (ل�سان العرب‪ ،‬املجلد ‪� ،13‬ص‪.)14 :‬‬ ‫امل َ َعا ِذي ُر‪ :‬ا ُ‬ ‫حل َج ُج (ل�سان العرب‪ ،‬املجلد ‪� ،9‬ص‪.)108 :‬‬ ‫‪" .87‬ا ِ‬ ‫حل ْق ُد وا ُ‬ ‫خل ْبثُ ُين ِْ�ش َئ ِان ال َع َدا َو َة‪ ،‬وال ُو ُّد والأُ ْل َف ُة ُيف ِْ�ض َي ِان‬ ‫�إِ َلى ال�صَّ َدا َق َة"‪.‬‬ ‫‪" .88‬ال َّت َعاليِ َعلَى الن ِ‬ ‫َّا�س ِمنْ َعلاَ َم ِات الإِفْلاَ �س"‪.‬‬ ‫ال�شيخَ ُة َل ْي َ�ستْ ْاجترِ َ اراً لمِ َ ِ‬ ‫‪ِّ " .89‬‬ ‫ا�ضي الأَ ْج َدا ِد و َت َطا ُو ًال بِال ِكبرْ ِ‬ ‫ا�س ِّ‬ ‫الظ ِّل‬ ‫على ال ِع َبا ِد‪� ،‬أَو �إِ ِّت َكا ًء َعلَى �إِ ْر ِث الأَ ْ�سلاَ ِف وا ْل ِت َم َ‬ ‫اف‪� ،‬أو ُع ُبو َر امل َ َرا ِتبِ و َت َق ُّل َد امل َ َن ِ‬ ‫فيِ الأَ ْك َن ِ‬ ‫ا�صبِ ‪� ،‬أَو ْامتِلاَ َك‬

‫ري وا ْق ِت َنا َء المَ َت ِاع ال َو ِثريِ‪� ،‬أو ْا�س ِت ْ�ش َعا َر ال�ذ ِ‬ ‫املَ��الِ ال َو ِف ِ‬ ‫َّات‬ ‫مي ا َ‬ ‫ال�ش ْيخَ ِة ا َ‬ ‫بِال َّت َم ُّيزِ‪� ،‬إِنمَّ َ ��ا َ�ص ِاح ُب َّ‬ ‫حللي ُم‬ ‫جل� َوا ُد ال َك ِر ُ‬ ‫ا َ‬ ‫حل � ِي� ُّ�ي ال� َّ�ط� ِ�اه � ُر ال � َّن � ِق� ُّ�ي الأَ ْح� � � � َو ِذ ُّي َن���ِ�س�ي� ُج َو ْح � � ِ�د ِه ُذو‬ ‫خل�ْي�رِْ ا َ‬ ‫جل� ِ�ام � ُع ِل� ِك� ِّل َم � َع �انيِ ا َ‬ ‫امل ُ � � ُرو َء ِة ا َ‬ ‫ِيب‬ ‫جل��� ُ�س��و ُر املَه ُ‬ ‫ُوف ال َبا ِذ ُل امل َ ْع ُر َ‬ ‫وف الرَّ�ؤ ُ‬ ‫ا�ض ُع ال َع ُط ُ‬ ‫امل ُ َت َو ِ‬ ‫وف ِل ْل ُم ْ�س َتجِ ِ‬ ‫ري‬ ‫وامل َ ْل ُه ِ‬ ‫وف"‪ .‬الأَ ْح � � َو ِذ ُّي‪ :‬امل ُ َ�ش ِّم ُر فيِ الأُ ُم ��و ِر الق َِاه ُر َل َها‬ ‫ال ِذي لاَ َي ُ�ش ُّذ َعلَ ْي ِه ِم ْن َها َ�ش ْي ٌء (ل�سان العرب‪ ،‬املجلد ‪،3‬‬ ‫�ص‪.)382 :‬‬ ‫‪�" .90‬إِ َّن ِمنْ ِخ� َدا ِع ال َّنف ِْ�س َ �أنْ َت ْر َكنَ �إِ َل��ى �إ ِْح َ�س ِا�س َها الزَّا ِئ ِف‬ ‫بِالإ ِْط ِم ْئ َن ِان َق ْب َل �أَنْ َت ْب ُل َغ َب َّر الأَ َم ِان"‪.‬‬ ‫‪ِ .91‬‬ ‫"منْ ِغ َيابِ امل ُ ُروء ِة ُب ُلو ُغ ال َق َبا ِئ ُح َح َّد الإِ ْع ِت َيا ِد و ا َ‬ ‫جل ْه ُر ِب َها‬ ‫على ر�ؤو�س الأ�شهاد"‪.‬‬ ‫خل� ْو ِف وا َ‬ ‫ي�ض بني ا َ‬ ‫‪" .92‬الإ ْق َدا ُم والإ ِْح َجا ُم َط َرفا َن ِق ٍ‬ ‫حل َيا ِء‬ ‫وال�س ْم َع ِة وال ِّر َيا ِء و َن َوا ِز ِع ال َبقَا ِء"‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫َّا�س �إِ َل��ى ال َقبرْ ِ‪ُ ،‬ك َّل َما َطا َلتْ ِب ِه ْم ز َم َناً‬ ‫‪" .93‬ا َ‬ ‫حل َيا ُة ر ِْحلَ ُة الن ِ‬ ‫ُك َّل َما َنا َءتْ ِب ِه ْم ِح ْم ً‬ ‫ال"‪.‬‬ ‫‪َ ".94‬منْ َن َظ َر �إِ َلى الأَ ْج َداد لمَ ْ ُي ْد ِه ْ�ش ُه َحا ُل الأَ ْح َفا ِد"‪.‬‬ ‫‪�".95‬إ َذا َف َر َغ امل َ َكا ُن ا َّت َ�س َع و �إِنْ ْام َتلأَ َ�ضا َق"‪.‬‬ ‫‪�".96‬أَ ْع َج ُب ِح� َ‬ ‫ين َي ُكو ُن ال َفقْر َد َوا ًء وامل َ� ْن� ُع َع َطا ًء وال�صَّ ْمتُ‬ ‫ِن َدا ًء"‪.‬‬ ‫اجاً �إِلى ال ِّر َعا َي ِة والإ ِْح َ�س ِان"‪.‬‬ ‫‪�".97‬إِذا �أَ َ�سنَّ الإِن َْ�سا ُن َعا َد محُ ْ َت َ‬ ‫‪ ".98‬الترَّ ُْك والإ ِْه َما ُل �أَ ْق َ�سى َما ُي ُ�سو ُء ال ِّر َجالِ "‪ .‬‬ ‫‪َ " .99‬لنْ تجَ ِ � َد �أَ َر َّق ِم��نْ َق� ْل��بٍ َق��ا�� ٍ�س َق � َذ َف ُ‬ ‫اهلل فيِ �� ُ�س� َو ْي� َدا ِئ� ِه‬ ‫ا ّل َّر ْح َم َة"‪.‬‬ ‫‪ُ " .100‬ر ْق َع ٌة فيِ َو ْق ِت َها ُت ْغ ِني َعنِ ال َع ِد ِ‬ ‫يد ِمنْ ِم ْث ِل َها فيِ َو ْق ٍت‬ ‫ُم َت�أَخِّ رٍ"‪.‬‬ ‫‪َ " .101‬ه ِني َئاً لمِ َنْ َت َفيَّ�أ ُظ َّل َة التَّـقْوى و َتا َق �إِلى َج َّن ِة املَ�أْ َوى"‪.‬‬ ‫�اط� ِة وال � ِّر ْف � َع � ُة فيِ �� ُ�س� ُل� ِ‬ ‫‪" .102‬ال َع َظ َم ُة فيِ ِث � َي��ابِ ال� َب��� َ�س� َ‬ ‫�وك‬ ‫ال َّت َو ُ‬ ‫ا�ض ِع"‪.‬‬ ‫‪ُ .103‬‬ ‫"طو َبى ِل َف ِقيرِ ٍ ِغ َنا ُه القَناَ َع ُة وال ِّر َ�ضا‪ ،‬و َت ْع َ�ساً ِل َغ ِن ٍّي‬ ‫َف ْق ُر ُه َم َكا ِر ُم الأَخْ القِ "‪.‬‬ ‫‪" .104‬ا ُ‬ ‫خلوا ُء ال َّثقافيِ والإِفْلاَ ُ�س الأَخْ لاَ ِقي َن ِزيلاَ ِن ُم ِقي َم ِان‬ ‫الظ ِّل َعلَى ا ُ‬ ‫َث ِقيلاَ ِّ‬ ‫جلو ِع وال َف ْقرِ"‪.‬‬ ‫‪" .105‬امل ُ َ�سا َر َع ُة �إِ َلى ِعلاَ ِج ال� َّدا ِء خَ يرْ ٌ ِمنْ �إ َِ�ضا َع ِة ال َو ْق ِت يف‬ ‫َو ْ�ص ِف ال َبلاَ ِء"‪.‬‬ ‫"ح َّي َه ً‬ ‫ال ب ِّ‬ ‫ِال�ضيِقِ ِح َ‬ ‫ني َي ُكو ُن َبا َباً �إِ َلى ال َف َر ِج"‪.‬‬ ‫‪َ .106‬‬


‫مقاالت‬

‫الحق‬ ‫العربي‬ ‫في "‬

‫أ‪ .‬ابراهيم العجلوني‬ ‫ال ميلك املرء يف ح�ضرة فيل�سوف العرب وامل�سلمني‬ ‫الأول‪ ،‬اليو َم‪ ،‬الأ�ستاذ الدكتور طـه عبدالرحمن‪� ،‬إ ّال �أن‬ ‫يهيئ نف�سه لتو ُّقل معارجه ُّ�صعداً‪ ،‬من كتاب �إلى كتاب‬ ‫ومن �أطروحة �إلى �أطروحة تع�ضدها �أو تتجاوزها‪ ،‬ومن‬ ‫�س�ؤال جوهري �إلى �آخر يف ن�سق موزون‪ ،‬وتعبري مو�ضون‪،‬‬ ‫و�أنظا ٍر ي�أخذ بع�ضها ب�أطراف بع�ض؛ وت�أخذك كلها يف‬ ‫طريق الجبٍ وا�سع من جتربة ال�شعر �إلى جتربة الروح‪،‬‬ ‫وم��ن العقالنية احل��واري��ة �إل��ى العقالنية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫ثم من فقه الفل�سفة �إلى جوهرها ويقينها‪ ،‬ثم من روح‬ ‫احل��داث��ة �إل��ى روح ال��دي��ن‪� ،‬إل��ى م��رات��ب اليقني يف د ْرك‬ ‫كماالت " دين احلياء " والتوقي ومكارم الأخالق ‪..‬‬ ‫�سل�سلة ذهبية‪ُ ،‬يرجع الناظر فيها ب�صره فال يرى من‬ ‫فطور‪ ،‬ثم يرجعه مرتني �أو �أكرث ف��إذا هو يف �أيكة غنّاء‬ ‫ي�ست�شعر فيها الوفرة والغَناء‪ ،‬ويرى �إلى عظمة الر�سالة‬ ‫الإ�سالمية وجزيل عطائها ومديد ظاللها و�أفيائها‪.‬‬ ‫ونحن �إذ تُعجِ زنا الإحاطة بكل هذا البناء الفل�سفي‬ ‫ُ‬ ‫جنتزئ يف مقامنا هذا‪،‬‬ ‫الباذخ لفيل�سوفنا الكبري‪ ،‬ف�إننا‬ ‫بوقف ٍة َعجلى �أم��ام واحد من كتبه املبكّرة " الت�أ�سي�سية‬ ‫" وهو كتابه بالغ القيمة " احلق العربي يف الإختالف‬ ‫الفل�سفي " ويف ذلك نقول‪:‬‬ ‫لئن ُعني ال�س�ؤال الفل�سفي الإغريقي‪ ،‬بح�سب �أ�ستاذنا‬ ‫ط�ـ��ه ع�ب��دال��رح�م��ن‪ ،‬ب��إخ�ت�ب��ار دع ��اوى امل �ح��اوري��ن ب��إل�ق��اء‬ ‫�أ�سئلة ت�ضطرهم �إلى �أجوبة ت�ؤول يف الغالب �إلى �إبطال‬

‫التميز "‬ ‫ّ‬

‫الفلسفي‬ ‫وقفة َعجلى مع شيخنا طـه‬ ‫دعاواهم‪ .‬و ُعني ال�س�ؤال الفل�سفي الأوروبي احلديث بنقد‬ ‫الق�ضايا وتقليبها على وجوهها املختلفة والتحقق من‬ ‫متام �صدقها‪ ،‬ثم بالوقوف على حدود العقل والت�سا�ؤل‬ ‫عن �شرائط املعرفة‪ ،‬ف�إنه قد �آن الأوان كما يقول طـه‬ ‫منطي ال�س�ؤال الفل�سفي‬ ‫عبدالرحمن لكي نتجاوز كال‬ ‫ْ‬ ‫�آنفي الذكر �إلى ما ي�سميه "ال�س�ؤال امل�س�ؤول" املنبعث من‬ ‫�شعور ال�سائل مب�س�ؤوليته عن �أفعاله جليلها ودقيقها‪،‬‬ ‫مبا يف ذلك �س�ؤاله نف�سه‪ ،‬ونحن نتن ّور هنا دالل��ة الآية‬ ‫الكرمية من كتاب اهلل " �إن ال�سمع والب�صر والف�ؤاد كل‬ ‫�أولئك كان عنه م�س�ؤوال "‪.‬‬ ‫وي��رى فيل�سوفنا الكبري �أن مو�ضع اجلِ � ّدة يف دع��واه‬ ‫ه��ذه هو "هذه اللطيفة" التي جتعل ال�سائل م�س�ؤو ًال‪،‬‬ ‫و�أن الفي�سلوف العربي اجلديد " لي�س هو الذي يخو�ض‬ ‫يف كل �س�ؤال خا�ض غريه فيه‪ ،‬تقليداً له‪ ،‬و�إمنا هو الذي‬ ‫ال ي���س��أل �إ ّال ال���س��ؤال �أ�ؤل �ئ��ك ك��ان عنه م���س��ؤوال "الذي‬ ‫يلزمه و�ضعه ويلزمه اجل��واب عنه " وعلى ذلك " فال‬ ‫لزوم لل�س�ؤال الفل�سفي وال للجواب عنه يف و�ضعية هذا‬

‫*‬

‫ �أُلقيت يف الندوة التي عقدها املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان يف ال�سابع من متوز لعام ‪ 2018‬حول املفكر الكبري ‪ ..‬الدكتور طـه عبد الرحمن ‪..‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪59‬‬


‫‪60‬‬

‫املتفل�سف �إال ح�ي��ث تتعني احل��اج��ة �إل ��ى حت��ري��ر ال�ق��ول‬ ‫الفل�سفي العربي وفتح �آفاق الإبداع فيه" ‪.‬‬ ‫ولي�س يكون ه��ذا التحرير �إال بدفع هيمنة و�سطوة‬ ‫الفكر ال��واح��د ال��ذي ه��و �إف ��راز ثقافة واح��دة بعينها‪ ،‬ال‬ ‫وليد ت�أليف ( م�شروع ومقبول ) بني عنا�صر م�شرتكة‬ ‫م��ن ث�ق��اف��ات ��ش� ّت��ى‪ ،‬ث��م ب��دف��ع هيمنة �أو ��س�ط��وة �سيا�سة‬ ‫خم�صو�صة‪ ،‬وهي �شَ ٌّر و�أفدح عاقبة فيما يرى فيل�سوفنا‬ ‫من الهيمنة الثقافية‪.‬‬ ‫�إن �إ�شتغال املتفل�سف العربي بنقد مفهومي " الفكر‬ ‫ال��واح��د " و "الأمر الواقع" ه��و يف حقيقته كما يقول‬ ‫�أ�ستاذنا "�إ�شتغال بانتزاع حقّه يف �أن تختلف ممار�سته‬ ‫الفل�سفية عن منوذج الفل�سفة املعلومة التي يقرر �أهلها‬ ‫�أنها �أمر واقع ال حميد عنه‪ ،‬ويزعمون �أنها ِفك ٌر يجري‬ ‫على كافة الأمم" ‪.‬‬ ‫ونحن العرب كما يقول الدكتور طـه يف ن�ص جامع‬ ‫ملقت�ضى �أطروحته " نريد �أن نكون �أح��راراً يف فل�سفتنا‪،‬‬ ‫ولي�س من �سبيل �إلى هذه احلرية ( التي هي حق طبيعي‬ ‫لنا) �إال ب��أن جنتهد يف �إن�شاء فل�سفة خا�صة بنا تختلف‬ ‫عن فل�سفة �أ�ؤلئك الذين ي�سعون ب�شتى الدعاوى �إلى �أن‬ ‫يحولوا بيننا وبني ممار�ستنا حلريتنا الفكرية‪ ،‬والريب‬ ‫�أن �أقرب الطرق التي تو�صل �إلى �إبداع هذه الفل�سفة هو‬ ‫النظر يف ه��ذه ال��دع��اوى نف�سها‪ ،‬التي ير�سلونها �إر�سا ًال‬ ‫ويبثونها فينا بثاّ كما لو كانت حقائق ال ي�أتيها الباطل‬ ‫من بني يديها وال من خلفها"‪.‬‬ ‫و�إذا كنا ال نطمح بهذا الإج�م��ال املقت�ضب �إل��ى غري‬ ‫بيان اخلطوط العري�ضة للأطروحة الطاهاوية حول‬ ‫"احلق العربي يف الإختالف الفل�سفي" وال نعدو ذلك �إلى‬ ‫تفا�صيل الكتاب ال�شائقة التي متثلت ف�صو ًال ممتعة حول‬ ‫خ�صائ�ص احلوار والإختالف و�ضوابطهما‪ ،‬وحول دعوى‬ ‫كونية الفل�سفة‪ ،‬وحول �أ�سطورة الفل�سفة اخلال�صة‪ ،‬وحول‬ ‫م��وان��ع الإب ��داع الفل�سفي‪ ،‬وح��ول كيفية تقومي �إع��وج��اج‬ ‫الفل�سفة العربية (الفل�سفةاملغربية �أمن��وذج �اً) وح��ول‬ ‫كيفية �إقامة فل�سفة عربية‪ ،‬ثم حول ما يراه الدكتور طـه‬ ‫"ال�شبهة الكربى" مبا ميكن ت�سمته "فك الإرتباط" بني‬ ‫العروبة والإ��س�لام‪ ،‬وم��ا ينتهي �إليه من �أن��ه ل��وال ر�سالة‬ ‫�ص بها نبي عربي بل�سان عربي ملا كانت‬ ‫الإ�سالم التي خُ ّ‬ ‫ثمة يقظة عربية‪ ،‬و�أن��ه ال مدخل �أق��رب �إل��ى "الكونية"‬ ‫من العروبة بدليل وقوع الأختيار الإلهي عليها و�سرعة‬ ‫�إنت�شار لغتها وقوة الإقبال عليها حتى �صارت لغة العامل‬ ‫بحق ‪..‬‬

‫�إذا كنّا �إج�ت��ز�أن��ا مبا مبا تقدم عن اخلو�ض يف جليل‬ ‫مباحث الكتاب ‪ /‬الأطروحة ودقيقها (وهو كتاب متبوع‬ ‫ال وت��أوي�ل ً‬ ‫ب�آخر من مثله �أبعد حتلي ً‬ ‫ا هو كتابه الق ّيم "‬ ‫احلق الإ�سالمي يف الإختالف الفل�سفي")‪ ،‬ف�إن مر ّد ذلك‬ ‫�إل��ى عمق تناول فيل�سوفنا للق�ضايا‪ ،‬و�إل��ى عل ّو �أ�سلوبه‬ ‫ودق��ة م�صطلحاته التي تف ّرد بها‪ ،‬ويكون ذل��ك كله مما‬ ‫ال ي�س ُهل د ْرك مقا�صده من �أقرب �سبيل‪� ،‬أو يف حما�ضرة‬ ‫عامة غاية ما تتوخاه �أن توجه الأنظار �إلى �ضرورة قراءة‬ ‫هذا الفيل�سوف ‪ /‬الإمام "طـه عبدالرحمن" الذي ي�صح‬ ‫لنا �إعتباره – ونحن مطمئنون �إلى �صدقتنا املو�ضوعي –‬ ‫جمدد هذا القرن يف �أمة العروبة والإ�سالم‪.‬‬ ‫على �أن مما منلك الإ�شارة �إليه يف خامتة هذا احلديث‬ ‫ال��ذي جعلنا عنوانه‪" :‬حق العربي يف التم ّيز الفل�سفي"‬ ‫ال الإخ�ت�لاف الفل�سفي ح�سب كما هو عنوان فيل�سوفنا‬ ‫الكبري‪� ،‬أن العربي منتدب �إل��ى م��ا ه��و �أب�ع��د م��ن جمرد‬ ‫الإخ �ت�لاف الفل�سفي وذل��ك لعدة �أ��س�ب��اب نذكر الثالثة‬ ‫التالية منها‪:‬‬ ‫�أو ًال‪:‬‬ ‫�أنه يف �أنظاره ال�شمولية وت�أمالته الكونية �صادر من‬ ‫م�شكاة ال �ق��ر�آن‪ ،‬وح�سبك بذلك �سبباً للتميز وال�ف��رادة‬ ‫لل�سبق والإبداع‪.‬‬ ‫ومناطاً ّ‬ ‫ثانياً‪:‬‬ ‫�أن ل�غ�ت��ه ال�ع��رب�ي��ة ه��ي �أغ �ن��ى ل �غ��ات الأر�� ��ض معجماً‬ ‫و�أ�ساليب تعبري وطرائق بيان‪ ،‬و�أن ذلك منعك�س بال�ضرورة‬ ‫ثرا ًء و�سع ًة على تدبره وتفل�سفه‪.‬‬ ‫ثالثاً‪:‬‬ ‫�أن جتربته يف ال�شهود احل�ضاري‪� ،‬إنطالقاً من معنى‬ ‫الأم��ة الو�سط التي متلك �أن تكون �شاهدة على الأم��م‪،‬‬ ‫كفيلة برفد �إح�سا�سه بامل�س�ؤولية الأخالقية واملعرفية �إزاء‬ ‫�سائر �أمم الأر�ض وتلك هي خ�صو�صيته ذات البعد الكوين‬ ‫‪ ..‬وتلك هي ر�سالته يف العاملني ‪..‬‬ ‫ي �ظ � ّل ل �ن��ا‪ ،‬ب �ع � ُد‪� ،‬أن ُن���ش�ير �إل ��ى �أن الآف � ��اق الفكرية‬ ‫املرتاحبة لهذا املج ّدد الف ّذ م�ضاء ٌة ب�شبك ٍة من املفاهيم‬ ‫تعترب مفاتيح للنظر يف بنيانه الفكري ال�شامخ‪� ،‬ش�أنه يف‬ ‫ذلك �ش�أن �أ�سالفه العظام كالكندي والغزايل والباقالين‬ ‫واجلويني والآمدي و�أ�ضرابهم من ذوي القامات الفكرية‬ ‫يف تاريخ �أمتنا‪.‬‬ ‫�أط ��ال اهلل ع�م��ر فيل�سوفنا ال �ع �المِ ‪ ،‬وم� ّت�ع�ن��ا بعطائه‬ ‫الوفري ‪ ..‬وال�سالم ‪..‬‬


‫مقاالت‬

‫قراءة في ندوة‬

‫أثر التصوف‬ ‫في حفظ‬ ‫د‪ .‬رشاد الكيالني‬ ‫�إن التحدث ع��ن الفكر ال�صويف يف �أ�صله يف الوقت‬ ‫ال��ذي �أ��ص�ب��ح الفكر فيه ط��رق�اً ومم��ار��س��ات وع ��ادات ‪..‬‬ ‫واحياناً ت�صاحبه بع�ض البدع‪ ،‬يقودنا �إلى ت�أ�صيل ق�ضية‬ ‫الت�صوف وف�ض الإ�شتباكات بني املعار�ضني للت�صوف‬ ‫والراف�ضني له رف�ضاً مطقاً‪ ،‬و�أقول هنا مبلئ الفم �أن من‬ ‫يرف�ض الت�صوف ويعار�ضوه يرف�ضون ن�صف الإن�سان‪،‬‬ ‫وال �ق��ر�آن ال�ك��رمي حدثنا ع��ن ه��ذه ال�ن�م��اذج التي تنفعل‬ ‫ب��الآي��ات القر�آنية والأح��ادي��ث النبوية و�آي��ات ال�ق��ر�آن ال‬ ‫ي�أبه بها وال ينفعل بها‪ ،‬بل هناك من القلوب من و�صفها‬ ‫ال�ق��ر�آن كاحلجارة "فهي كاحلجارة �أو �أ��ش��د ق�سوة و�إن‬ ‫من احلجارة ملا يتفجر منه الأنهار و�إن منها ملا ي�شقق‬ ‫فيخرج منه املاء و�إن منها ملا يهبط من خ�شية اهلل"‪ ،‬عك�س‬ ‫بع�ض القلوب‪ ،‬فقلوب بني �آدم متنوعة‪ ،‬فالذين يرف�ضون‬ ‫الت�صوف من منطلق البدع عليهم �أن يفرقوا بني �سلوك‬ ‫املت�صوفة وبني املبادئ والقواعد والأ�س�س القر�آنية التي‬ ‫قام عليها الت�صوف‪.‬‬ ‫والإ� �س�لام كدين �سماوي �آخ��ر الأدي ��ان‪ ،‬ج��اء ليعالج‬ ‫م�شاكل الإن�سان بجانبيها امل��ادي وال��روح��ي‪ ،‬لأن �إغفال‬ ‫اجل��ان��ب ال��روح��ي يف البنية الإن���س��ان�ي��ة �إغ �ف��ال لن�صف‬ ‫الإن�سان وال ينبغي �أن يتكلم عن �إن�سان كامل ب��دون �أن‬ ‫نتعر�ض للجانب الروحي والإ�ستعداد الروحي يف داخل‬ ‫البنية الإن�سانية‪ ،‬هذا اجلانب الروحي القر�آن الكرمي‬ ‫حدثنا عن من��اذج ب�شرية متنوعة حتى تكاد اخلالفات‬ ‫الواقعة ب�ين ه��ذا التنوع وه��ذا التعدد ت�شمل الأنفا�س‬ ‫لبني �آدم‪ ،‬ف��ال�ق��ر�آن ال�ك��رمي يحدثنا ع��ن من��اذج ب�شرية‬ ‫�إذا �سمعت القر�أن الكرمي بكت وذرفت عيناها "�إذا تتلى‬

‫روح األمة‬ ‫اإلسالمية‬ ‫عليهم �آيات الرحمن خ ّروا �سجداً و ُبكيا" وهنالك الآية‬ ‫الكرمية "اهلل نزّل ح�سن احلديث كتاباً مت�شابهاً مثاين‬ ‫تق�شعر منه جلود الذين يخ�شون ربهم" وهنال " وعباد‬ ‫الرحمن الذين مي�شون على الأر���ض هوناً" هذه مناذج‬ ‫تتمتع بح�س روحي قوي �إذا �سمعت �آيات الرحمن انفعلت‬ ‫بها‪ ،‬منها يبكي ومنها من يخر �سجداً ومنها من تق�شعر‬ ‫�أج�ساده‪ ،‬هذا اللون كان موجوداً يف ع�صر ال�صحابة وال‬ ‫يخلو منه جيل م��ن الأم��ة‪ ،‬ال��ذي ينفعل ب��آي��ات ال�ق��ر�آن‬ ‫خا�صة‪� ،‬آيات الرتغيب والرتهيب‪.‬‬ ‫�إن ال�صوفية كانت حتى الوقت القريب متثل �أكرث‬ ‫املجاالت �أثراً يف ال�صناعة الدينية للوجدان ال�شعبي وكان‬ ‫الت�صوف يقوم بنظراته اىلإن�سانية مقام علوم النف�س‬ ‫الآن‪ ،‬كما كان يقوم يف ت�شكيله للوجدان ال�شعبي مبا تقوم‬ ‫به فنون الأدب والق�صة وامل�سرحية وله انتاجه الأدبي يف‬ ‫ال�شعر واحلكم والدعاء‪.‬‬ ‫وال���ص��وف�ي��ة مب��ا مت�ل�ك��ه م��ن ط��اق��ة روح �ي��ة ب� ��د�أت يف‬ ‫ال�سنوات الأخ�ي�رة ت�شهد ح�ضوراً الف�ت�اً ل��دى امل�سلمني‬ ‫الغربيني حتى الحظ بع�ض الفرن�سيني �أن الكثري من‬ ‫معتنقي الإ�سالم يف فرن�سا جا�ؤوا عن طريق ال�صوفية‪ ،‬بل‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪61‬‬


‫‪62‬‬

‫�إن بع�ض منهم اعترب ال�صوفية احلل‪ ،‬غري �أن املراقب ي�أخذ‬ ‫باحل�سبان ال�سياق الغربي الذي يغ�ص باملاديات ويبحث‬ ‫عن املعنى الذي يجده يف الرتاث ال�صويف مبا يحققه له‬ ‫من وج��دان روح��اين ومب��ا يختزنه من خم��زون �إن�ساين‪،‬‬ ‫وكذلك ال يخفى بع�ض ه ��ؤالء القول �إن احل��ل ال�صويف‬ ‫ي�أتي يف �سياق حماربة ما ي�سمى بالإ�سالم ال�سيا�سي‪ ،‬لكن‬ ‫يبقى الت�صوف يثري الكثري من الأ�سئلة وامل�شكالت يف‬ ‫جماالت �شتى لعل �أ�شهرها تداو ًال هو اجلانب الإعتقادي‬ ‫والذي يركز عليه كثرياً بع�ض خ�صومها‪.‬‬ ‫وت �ن��اول��ت ه��ذا ال �ن��دوة ال�ق�ي��م ال�ك��ام�ن��ة يف ال�صوفية‬ ‫و�أهمية اجلانب الروحي يف الإ�سالم و�إيجابيات املعرفة‬ ‫طال�صوفية وبع�ض �سلبياتها‪ ،‬ثم العالقة بني الت�صوف‬ ‫وال�سيا�سة‪ ،‬فعند احلديث عن ال�صوفية كمنهج عقدي‬ ‫ت��رب��وي ف�ك��ري ال ميكننا �إغ �ف��ال �أو جت��اوز احل��دي��ث عن‬ ‫امل�صطلح ‪ ..‬م�صطلح هذا املنهج ال�صوفية �أ�صله الإ�شتقاقي‬ ‫من �أين ي�أتي هذا امل�صطلح؟‬ ‫لو تخطينا عقبة امل�صطلح و�أوغلنا قلي ً‬ ‫ال يف �أ�صوله‬ ‫ال�ف�ك��ري��ة‪� ،‬أ� �ص��ول املنهج ت��اري�خ�اُ‪ ،‬ه��ل ه�ن��اك م��ا يثبت يف‬ ‫ال�سرية النبوية‪ ،‬يف ال�ق��ر�آن الكرمي‪ ،‬يف �سرية ال�صحابة‬ ‫وج��ود ه��ذا الفكر يف عهد زم��ن الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪.‬‬ ‫و�أق ��ول �أن الت�صوف لي�س مذهباً وال�صوفية لي�ست‬ ‫فرقة بل هي عقيدة امل�سلم يف م�شارق الأر�ض ومغاربها‪.‬‬ ‫وظيفة الت�صوف العمارة وبناء احل�ضارة والدفاع عن‬ ‫املقد�سات‪ ،‬واملطالبة بتجديد اخلطاب ال�صويف �إل��ى كل‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫ويجب على ال�صوفيني الإنتقال من الكالم النظري‬ ‫�إل��ى ال��واق��ع العملي والتنفيذي وع��دم اخ �ت��زال العبادة‬ ‫يف ال��ذك��ر‪ ،‬ل�ي�ك��ون ل�ه��م ال ��دور امل�ن���ش��ود يف ن�شر الإ� �س�لام‬ ‫واملحافظة عليه‪.‬‬

‫والبحث يف �آليات �إ�صالح الت�صوف وت�أثري الت�صوف‬ ‫يف املجتمعات وكل املجتمعات وكذلك ت�أثريه على الأ�سرة‬ ‫والفرد‪.‬‬ ‫�إن �أهم الإ�شكاليات هي التي ينتج عنها الغلو والتطرف‬ ‫والإرهاب‪.‬‬ ‫مثل غياب م�شروع ا�سرتاتيجي ناجح للمعاجلة‪ ،‬وغياب‬ ‫الر�ؤية (التكتيكية) للتنفيذ وعد توحيد ال�صفوف حول‬ ‫املرجعيات حول املذهب ‪ -‬مذهب �أهل ال�سنة واجلماعة‬ ‫– حول العقيدة والتزكية وعدم قيام امل�ساجد بدورها‬ ‫احلقيقي بحيث �أ�صبحت جما ًال لن�شر التبديع والت�شكيك‬ ‫والت�ضليل وال�شحن املذهبي والطائفي وال�سيا�سي ومن‬ ‫بع�ضها �صدرت دعوات للقتل‪ ،‬وحني يغيب �صوت الإ�صالح‬ ‫والإعتدال والتزكية والرتبية الروحية ال�سليمة والعقيدة‬ ‫ال�صحيحة عن امل�ساجد‪ ،‬ف�إن ذلك ال�صوت باب لكل �أنواع‬ ‫الكوارث والنوازل‪.‬‬ ‫الت�صحر الديني مم��ا �أع�ط��ى جم��ا ًال لت�أثري الأف�ك��ار‬ ‫املتع�صبة والعقائد املنحرفة‪.‬‬ ‫الفو�ضى التي �أدت �إلى �إ�ضعاف الدول‪ ،‬مما جعل بع�ض‬ ‫التيارات تتغول وتتمول وتن�شر الكثري من الإرباكات يف‬ ‫بع�ض املجتمعات‪.‬‬ ‫احلرب املعلنة التي ي�شنها املت�شددون على عقائد �أبناء‬ ‫الإ�سالم و�أهله‪.‬‬ ‫وحني نعلم �أن الت�صوف يتعلق بالذوق ومقام الإح�سان‬ ‫وبعل و الرتبية ومراتب ال�سلوك‪ ،‬ف�إن �أول خطوة لهزم‬ ‫الفكرة الإرهابية التي تتخذ الإ�سالم قناعاً وخداعاً‪ ،‬يكون‬ ‫بزرع الفكرة ال�صوفية‪.‬‬ ‫�إن ال�ترب�ي��ة ال�صوفية � �ص��ارت الآن يف ب� ��ؤرة اهتمام‬ ‫امل��دار���س الفل�سفية والإجتماعية والدينية‪ ،‬خا�صة بعد‬ ‫الإفال�س الفكري والإنقالب‬


‫مقاالت‬

‫“دور األئمة‬ ‫أ‪ .‬جمال السفرتي‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على �سيدنا‬ ‫حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪..‬‬ ‫�إنّ ل�ل�إم��ام وال��داع�ي��ة منزل ًة عظيم ًة وم�ك��ان� ًة عالي ًة‬ ‫ومه َّم ًة جليل ًة يف رفع �ش� ِأن الأم��ة ون�شر اخلري واملعروف‬ ‫والرحم ِة بني النا�س كاف ًة‪.‬‬ ‫والإم��ا ُم الناج ُح والداعي ُة املوفقُ هو الذي اتَّخ َذ نب َّي ُه‬ ‫حم �م��داً ﷺ �إم��ام �اً وق � ��دوةً‪ ..‬وه ��ذا م��ا ي�ج� ُ�ب ع�ل��ى كل‬ ‫ٍ‬ ‫خمل�ص و�صادقٍ يف حمل الر�سالة‪ ،‬لأن��ه ﷺ هو الإم��ا ُم‬ ‫الأول وال��داع �ي � ُة الأ� �ش��رف ال ��ذي َح � َم � َل ال��ر��س��ال� َة و�أدى‬ ‫الأم��ان� َة ون�ش َر �أن��وا َر ال��دع��و ِة واخل�ير واملحبة حتت راية‬ ‫} َو َما �أَ ْر َ�س ْلن َ‬ ‫َاك إِ�لاَّ َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِنيَ{‪.‬‬ ‫ف ��إذا انطل َق الإم ��ا ُم وال��داع�ي��ة م��ن خ�لال ه��ذا املنهج‬ ‫ال�ن�ب��وي ال�ع�ظ�ي��م‪ ،‬وحت��ت ظ�ل�ال ه��ذه ال��راي��ة ال�شريفة‪،‬‬ ‫القلوب والعقول‬ ‫و�ستُف َت ُح له‬ ‫ُ‬ ‫ف�سينج ُح ب ��إذن اهلل تعالى ُ‬ ‫والبيوت وال�شوارع وكل الأماكن‪ ،‬لأنه داعي ُة رحمة وخري‬ ‫جع َل ُقدوت ُه و�إمامه الإما َم الأول والداعية الأعظم �سيدنا‬ ‫حممد ﷺ‪.‬‬ ‫الإم��ام النبي ال�ق��دوة هو ال��ذي حم َل على كاهله َه َّم‬ ‫الدعوة وانطلق مع �أ�صحابه الكرام يبلغون ر�سالة اخلري‬ ‫واملحبة على طريقٍ من الهدى والنور والرحمة‪ ،‬وهذا‬ ‫النبي ال�ك��رمي ان�ط�ل� َق يف دع��وت��ه معتمداً على ركيزتني‬ ‫ا�سا�سيتني‪:‬‬ ‫• ركيز ٌة يعتَم ُد عليها يف التعامل مع القوم الذين‬ ‫َ�س ِع ُدوا ب�إتّباعه والإميان بر�سالته‪ .‬وهي قائمة على‬

‫في المجتمع‬ ‫المعاصر”‬ ‫قوله تعالى‪�} :‬إِنمَّ َا المْ ُ�ؤ ِْمنُو َن �إِخْ َو ٌة{‬ ‫و } َو َل ْو ُكنْتَ َف ًّظا َغ ِل َ‬ ‫يظ ا ْل َقلْبِ لاَ ْنف َُّ�ضوا ِمنْ َح ْو ِل َك{‪.‬‬ ‫• وجعل النبي ﷺ ركيز ًة ثاني ًة له يعتم ُد عليها يف‬ ‫التعامل مع الذين ت�أخروا يف �إ�سالمهم �أو �أنهم مل‬ ‫ي�سلموا �أبداً وبقوا على دينهم حيث �أرادوا واختاروا‪،‬‬ ‫فكانت تلك الركيزة هي‪َ } :‬و َم��ا �أَ ْر َ�س ْلن َ‬ ‫َاك �إِلاَّ َر ْح َم ًة‬ ‫ِل ْل َعالمَ ِنيَ) و (لاَ �إِ ْك َرا َه فيِ ال ِّدينِ {‪.‬‬ ‫وبهاتني الركيزتني العظيمتني فتح اهلل على يديه‬ ‫قلوب اخللق وعقولهم‪.‬‬ ‫وفتح كذلك بني �أيدي الأئمة والدعاة ابواباً ُم�شَّ َّرعة‬ ‫َوج� َ�ب عليهم الدخول منها يف �سبيلهم خلدمة الب�شرية‬ ‫ون�شر الرحمة واملحبة الإن�سانية‪ ..‬ف�إن فعلوا ذلك �أثبتوا‬ ‫انتما َءهم ملدر�سة نبيهم و�إمامهم ومنهجه‪.‬‬ ‫وم��ن هنا ن��رى �أن��ه ال ينبغي �أب��داً لإم��ام �أو داع�ي� ٍة �أو‬ ‫ع��امل �أو مفكر �أو باحث �أو حاكم �أو حمكوم ان يجتهد‬ ‫على اجتهاد الإمام الأول ﷺ و ُيف�سر �سنته القائمة على‬ ‫�أ�سا�س العدل والرحمة واملحبة بني النا�س كما يحلو له‬ ‫وكما هو يعتقد �أنه ال�صواب‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪63‬‬


‫‪64‬‬

‫وا�ضح و�ضعه النبي ﷺ بني �أيدينا‬ ‫جلي ٌ‬ ‫منهاج دعوي ٌّ‬ ‫م�ستنداً على هاتني الركيزتني الكرميتني‪ ..‬فوجب علينا‬ ‫من خاللها �أن ننطلق ونتحرك ونراعي الظروف املختلفة‬ ‫للأحوال والأماكن والأزمان والبلدان ب�شرط ان ال نبدل‬ ‫الرحمة ق�سوة والأخوة عداوة‪.‬‬ ‫لذلك يا �أئمة امل�ساجد‪ ..‬يا �أيها الدعاة ‪ ،‬يا �أيها القناديل‬ ‫يف دج��ى الأي ��ام‪ ..‬ي��ا ن��وراً ي�ب� ّد ُد ظلمة القلوب والأرواح‪،‬‬ ‫تذكروا دائماً نبيكم و�إمامكم الأول �سيدنا حممد ﷺ‪.‬‬ ‫ت��ذك��روا ركيزته الأول��ى يف التعامل مع امل�سلم (�إِنمَّ َ ��ا‬ ‫المْ ُ�ؤ ِْمنُو َن �إِخْ � َو ٌة) ولهذه الآية كما تعلمون �أحكا ٌم و�أحكام‪،‬‬ ‫عا�ص َرنا وي�ضيق الزمان على‬ ‫َو َقفَ عندها َمن َ�س َبقنا ومن َ‬ ‫وح ْ�صرِها‪.‬‬ ‫َع ِّدها َ‬ ‫وت��ذك��روا قوله تعالى } َو َل � ْو ُكنْتَ َف ًّظا َغ ِل َ‬ ‫يظ ا ْل َقلْبِ‬ ‫لاَ ْن� َف� ُّ���ض��وا ِم��نْ َح � ْو ِل� َ�ك{ ت��ذك��روا ه��ذا اخل�ط��اب العظيم‬ ‫�اب ع �ل��ى غ��اي � ٍة ُع �ظ �م��ى م��ن ال � ِّدق � ِة‬ ‫اجل �ل �ي��ل‪ ،‬وه ��و خ �ط� ٌ‬ ‫�اب مل��ن؟؟ للنبي؟؟ نعم للنبي ﷺ‬ ‫واحل�سا�سية‪ ..‬خ�ط� ٌ‬ ‫ويوجه له �سبحانه هذا اخلطاب ليتع َّلم كل �إمام او داعية‬ ‫لأن النتيج َة �صعب ٌة وخطرية‪( :..‬لاَ ْنف َُّ�ضوا ِمنْ َح ْو ِل َك)‬ ‫من ه�ؤالء؟؟ �إنهم �أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وال�صحابة‪.‬‬ ‫وك��أن�ه��ا ر��س��ال� ٌة م��ن احلكيم ال��وه��اب �إل��ى ك��ل ال��دع��اة‬ ‫أ�صحاب‬ ‫والأئ�م��ة يف كل زم��ان ومكان‪� ،‬إذا ك��ان ال�صحاب ُة �‬ ‫َ‬ ‫ع�صر ال�سعادة قد ت َْ�ضيقُ �صدورهم من حت ّمل فظاظة‬ ‫القول وغلظة الأ�سلوب‪ ،‬فكيف احلال بكم‪..‬؟‬ ‫ف�أنت �أيها الإمام ل�ست نبياً‪ ،‬وذلك املُب َّل ُغ لي�س �صحابياً‪،‬‬ ‫وت��ذك��روا قوله ﷺ “ امل�سل ُم �أخ��و امل�سلم‪ ،‬ال يظلمه وال‬ ‫يخذله وال يحقره” وقوله “ ُّ‬ ‫امل�سلم حرام‬ ‫امل�سلم على ِ‬ ‫كل ِ‬ ‫ِع ُ‬ ‫ر�ضه وما ُل ُه ود ُمه”‬

‫وحديث �أ�سام َة بنِ ِ‬ ‫زيد ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬الذي تَعلمونه‬ ‫جميعاً‪َ “ :‬ب َع َثنا ر��س� ُ‬ ‫�ول اهلل ﷺ �إل��ى �أن��ا�� ٍ�س من جهينة‪،‬‬ ‫ف�أتيتُ ال��ى رج� ٍ�ل منهم فذهبتُ �أط ُعمه فقال‪ :‬ال ال��ه اال‬ ‫اهلل‪ ،‬فطعنته فقتلته‪ ،‬فجئت ال��ى النبي ﷺ ف�أخربته‪،‬‬ ‫فقال‪� :‬أ َق َت ْل َت ُه وقد �شهد �أن ال �إله �إال اهلل؟ قلت‪ :‬يا ر�سول‬ ‫اهلل �إمنا فعل ذلك تعوذاً‪ ،‬فقال “ فهال �شققت عن قلبه؟”‬ ‫ويف رواية �أنه قال‪“ :‬اقتلته بعد ما قال‪ :‬ال �إله �إال اهلل ؟ “‬ ‫فما زال يكررها حتى متنيت �أين مل �أكن �أ�سل ْمتُ قبل ذلك‬ ‫اليوم‪ .‬ويف رواية “فكيف ت�صنع بال �إله �إال اهلل �إذا جاءت‬ ‫يوم القيامه”‪.‬‬ ‫من هنا �إخوتي و�أحبتي الدعاة ال�ك��رام‪ ..‬ال حتا�سبوا‬ ‫خفي يف قلوبهم وال يعلمه اال اهلل‪ ،‬عاملوهم‬ ‫النا�س على ما َ‬ ‫باحرتا ِم هيب ِة كلم ِة االميان التي ُتن َْطقُ على �أل�سنتهم‪..‬‬ ‫وج ُهوه ْم‪َ ،‬ع ِّلموه ْم‪ ،‬ان�صحوهم‪ ..‬وال حتا�سبوهم‪ ،‬ا�صربوا‬ ‫ِّ‬ ‫عليهم‪ ،‬وابت�سموا لهم‪ ،‬وثابروا على الن�صح والإر�شاد وال‬ ‫تقنطوا من ذلك‪.‬‬ ‫وال تي�أ�سوا من بطء ا�ستجابتهم‪ ،‬و�ضَ ِ‬ ‫عف امتثالهم‪،‬‬ ‫ف��اهلل ‪-‬ع��ز وج ��ل‪ -‬خ��اط��ب نبيه ال �ك��رمي ﷺ وخاطبنا‬ ‫جميعاً‪َ } :‬ف َذ ِّك ْر �إِنمَّ َا �أَنْتَ ُم َذ ِّك ٌر َل ْ�ستَ َعلَ ْي ِه ْم بمِ ُ َ�س ْي ِطرٍ {‪.‬‬ ‫ف�أَ ْج ُر الدعوة والتبليغ لن يفوتك ‪-‬ب�إذن اهلل تعالى‪-‬‬ ‫ي�ستجب‪ .‬فالواجب عليك‬ ‫��س��وا ًء ا�ستجاب امل��دع� ّو �أم مل‬ ‫ْ‬ ‫التذكري والتبليغ بالن�صيحة واملوعظة احل�سنه والهداية‬ ‫على اهلل‪.‬‬ ‫�أيها الدعاة‪..‬‬ ‫ير م��ن امل���س��ؤول�ي��ة يتحمله م��ن يقوم‬ ‫ه�ن��اك ق ��د ٌر ك�ب� ٌ‬ ‫ب��الإم��ام��ة واخل�ط��اب��ة وال��وع��ظ وال��دع��وة‪ ،‬وه�ن��اك م��ا هو‬ ‫واجب عليكم ولي�س واجبا على غريكم من عامة النا�س‪،‬‬


‫َ‬ ‫مبادئ العز ِة‬ ‫فالواجب عليكم �أن تن�شروا يف جمتمعاتكم‬ ‫وح ْ�سنُ التعامل مع النا�س‪،‬‬ ‫وال�شهامة والرحمة النبوية ُ‬ ‫�سوا ًء كانوا م�سلمني �أو غري م�سلمني وفق املبد�أ القر�آين‬ ‫واملنهج النبوي‪.‬‬ ‫علينا جميعاً �أن جندد العهد مع مرتكزات النبوة يف‬ ‫النبي ﷺ‪،‬‬ ‫طريق الدعوة‪ ،‬و�أن ال نحي َد عن طريق �سلكه ُّ‬ ‫و َع � َّب � َد ُه ب�ين �أي��دي�ن��ا‪ ،‬ث��م عمد ﷺ �إل��ى ام�ت�ث��ال �أم��ري��ن‬ ‫عظيمني وع��ا َّم�ين م��ن خالقه وم��واله �سبحانه وتعالى‪،‬‬ ‫وع�ل�ي�ن��ا �أن نتمثل ه��ذي��ن الأم ��ري ��ن ا��س�ت�ج��اب��ة و��س�ل��وك�اً‬ ‫والتزاماً‪:‬‬ ‫‪َ } .1‬و ُقو ُلوا ِللن ِ‬ ‫َّا�س ُح ْ�سنًا{ وهنا قال (للنا�س) ومل يقل‬ ‫للم�سلمني‪.‬‬ ‫‪َ } .2‬و َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�سنُ { وهنا اذا كان املق�صود‬ ‫غري امل�سلمني فكيف �سيكون احلال مع امل�سلمني؟!‬ ‫لذلك �أيها ال�ساده‪:‬‬ ‫�إن الأمانة التي حملها الإمام والداعية تحُ َ ِّت ُم عليه ان‬ ‫يكون مب�شراً ال منفراً‪ ،‬محُ ِ َّباً ال مبغ�ضاً‪� ،‬سمحاً ال غليظاً‪،‬‬ ‫ليناً ال قا�سياً‪ ،‬لطيفاً ال فظاً‪ ،‬داعي ًة ال قا�ضياً‪ ،‬اماماً ال‬ ‫حاكماً‪.‬‬ ‫�أيها الأئمة والدعاة والوعاظ واخلطباء الكرام‪..‬‬ ‫يف تاريخكم امل�شرف َق َ�ص ٌ�ص ِ‬ ‫و�سيرَ ٌ و�أح��وال وحكايات‬ ‫ِ‬ ‫ر م�ضيئة مفيدة مل�ؤها احلكمة وال�سماحة والعزة‬ ‫وع�ب ٌ‬ ‫والرحمة‪ ،‬انقلوها للنا�س وعلموها للخلق‪ ..‬وتخلقوا بها‪.‬‬ ‫�أيها الإخوة‪..‬‬ ‫الإم ��ام معلم وواع ��ظ وم�صلح ي��رب��ى ع �ق��و ًال‪ ،‬ويبني‬ ‫نفو�سا‪ ً،‬ويغر�س قيماً و�أخ�لاق�اً حميدة‪ ،‬ول��ذا ف��إن عمله‬ ‫لي�س حم���ص��وراً ب��إم��ام��ة النا�س يف ال�صالة ف�ق��ط‪� ..‬إمن��ا‬ ‫هو عام ُل َوحد ِة وتوفيق بني امل�سلمني‪ ،‬وال ي�سمح للإمام‬ ‫املن�صف املخل�ص التقي النقي �أبداً �أبداً �أن يقف �أمام النا�س‬ ‫ُيك ِّف ُر اجلهة الفُالنية من امل�سلمني و ُيف َِّ�سقُ و ُي ّبد ُع الأخرى‬ ‫و ُي��خَ � ِّونُ غريها وك��أن��ه هو �أح��د ال�صحابة ال�ك��رام وغريه‬ ‫من امل��رت��دي��ن‪ ..‬ال ُي�سمح ل�ل�إم��ام يف م�سجده‪ ،‬وللواعظ‬ ‫يف م��وع�ظ�ت��ه‪ ،‬وللمفتي يف وظيفته �أن ي�ك��ون جلماعته‬ ‫على ح�ساب حتطيم الآخ��ري��ن وت��دم�يره��م‪ ،‬ف��إالم��ام هو‬ ‫ممثل النبي ﷺ‪ ،‬فلو كان النبي ﷺ موجوداً ملا جتر�أ‬ ‫�أح � ٌد �أن يقف على ه��ذا املنرب �أو يف ذل��ك امل�ح��راب �أب��داً‪..‬‬ ‫لذلك فالإمام للجميع‪ ،‬يحت�ضنُ اجلميع بقلبه ويوجه‬ ‫الن�صيحة بحكمة وهدوء دون �إ�ساءة �أو جتريح‪.‬‬

‫�أيها الأئمة‪�..‬أيها الدعاة‪:‬‬ ‫النبي ﷺ يقول‪�“ :‬أمتي هذه �أم ٌة مرحومة”‪ ،‬نحن‬ ‫�أمة التب�شري والأمل ول�سنا �أمة التقنيط والي�أ�س‪..‬‬ ‫يا �أحبتي‪ ..‬يا حمل َة راي��ة ال��دع��وة ‪ ..‬يا حمل َة النور‬ ‫وال�ضياء ‪ ..‬يا �أئمة امل�ساجد‪..‬يا وع��اظ الأم��ة ودعاتها‪..‬‬ ‫النا�س يف �أعناقكم �أمانة ب�شروا وال تنفروا‪� ..‬أقبلوا على‬ ‫النا�س وال ُت��دب��روا‪� ..‬أف�ت�ح��وا لهم قلوبكم و��ص��دورك��م‪..‬‬ ‫ك��ون��وا يف مو�ضع ع�ب��اد اهلل تخ�ضع قلوبكم هلل ال��واح��د‬ ‫الأح ��د‪ ،‬وت��رج��ون م�ن��ه الف�ضل وال��رح �م��ة‪ ..‬وال ت�ضعوا‬ ‫�أنف�سكم ‪-‬من حيث ال ت�شعرون‪ -‬يف منزلة الإله حتكمون‬ ‫على النا�س بالردة والكفر والف�سق واخليانة‪ ،‬وتذكروا وال‬ ‫تن�سوا هذا احلديث‪ ..‬احفظوه واكتبوه يف دفاتركم وعلى‬ ‫جدارن بيوتكم وم�ساجدكم‪..‬‬ ‫�أذكروا حديث البطاقة وهو حديث �صحيح من حديث‬ ‫عبداهلل بن عمرو –ر�ضي اهلل عنهما‪� -‬أن النبي ﷺ قال‪:‬‬ ‫“�إن اهلل تعالى �سيخل�ص رج ً‬ ‫ال من �أمتي يوم القيامة على‬ ‫ر�ؤو� ��س اخل�لائ��ق‪ ،‬فين�ش ُر عليه ت�سعة وت�سعني �سج ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ك��ل �سجل م��د الب�صر‪ ،‬فيقول اهلل ‪-‬ج��ل وع�ل�ا‪ -‬للعبد‪:‬‬ ‫�أتنك ُر من هذا �شيئاً؟ �أظلمك كتبتي احلافظون؟ فيقول‬ ‫العب ُد‪ :‬ال ي��ارب! فيقول‪� :‬أ َف�ل��ك ع��ذ ٌر؟ فيقول العبد‪ :‬ال‬ ‫يارب‪ ،‬فيقول اهلل ‪-‬جل وعال‪ :-‬بلى‪� ،‬إن لك عندنا ح�سنة‪،‬‬ ‫�وب فيها‪� :‬أ��ش�ه��د �أن ال �إل��ه �إال اهلل‪،‬‬ ‫ف� ُت�خ��رج ب�ط��اق� ٌة م�ك�ت� ٌ‬ ‫و�أ�شهد �أن حممداً عبده ور�سوله‪ ،‬فيقول العبد‪ :‬يارب‬ ‫ما هذه البطاقة �إلى جوار ال�سجالت؟! فيقول اهلل ‪-‬جل‬ ‫وعال‪ :-‬اح�ضر وزنك‪ ،‬ف�إنه ال ظلم عليك اليوم‪ ،‬فتو�ضع‬ ‫ال�سجالت –�أي‪ :‬ال�صحف‪ -‬يف كفة‪ ،‬وتو�ضع البطاقة يف‬ ‫كفة‪ ،‬فطا�شت ال�سجالت‪ ،‬وثقلت البطاقة‪ ،‬ف�إنه ال يثقل‬ ‫مع ا�سم اهلل �شيء”‪.‬‬ ‫هي بطاقة �صغرية لي�س فيها كثري عمل من �صيام‬ ‫و�صالة وزك��اة وح��ج وجهاد‪ .‬فيها‪ :‬ال �إل��ه �إال اهلل �أنقذته‬ ‫من لظى جهنم ولهيبها‪� ..‬إنها بطاقة الإميان والتوحيد‬ ‫والإنتماء لهذا اخلالق العظيم‪.‬‬ ‫بطاقة (ال �إل��ه �إال اهلل) تنقذ عبداً �ضاقت �سجالته‬ ‫ب��الآث��ام والتق�صري‪ ،‬بطاقة (ال �إل��ه �إال اهلل) م��ن قالها‬ ‫يف الدنيا ُع�ص َم د ُم��ه وم��ا ُل��ه وع��ر��ض��ه‪ ..‬وال َن��� ْ�س��أَ ُل كيف‬ ‫ق��ال�ه��ا‪ ،‬ومل ق��ال�ه��ا‪ ،‬وم�ت��ى ق��ال�ه��ا؟ و�إمن ��ا ن�ت��ذك��ر معلمنا‬ ‫و�إمامناﷺ‪“ :‬هال �شققت عن قلبه”‪ ،‬بطاقة (ال �إله �إال‬ ‫اهلل) تُنق ُذ عبداً من لظى النريان‪.‬‬ ‫فارحموا النا�س جميعاً‪ ،‬وعاملوهم باحل�سنى من مبد�أ‬ ‫قر�آنكم و�سرية نبيكم ( َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِنيَ) و�أحبوا واخ�ضعوا‬ ‫وتوا�ضعوا ملن قال‪( :‬ال �إله �إال اهلل) وارحموهم واكرموهم‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪65‬‬


‫مقاالت‬

‫النهضة‪..‬‬ ‫مسار وطموح‬ ‫د‪ .‬حسن علي المبيضين‬ ‫مدير الدراسات‬

‫‪66‬‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدنا‬ ‫حم�م��د وع�ل��ى جميع الأن �ب �ي��اء وامل��ر��س�ل�ين‪ ،‬حم�ب��ي اخل�ير‬ ‫للنا�س �أجمعني‪ ،‬ومعلمي الب�شرية ماي�سعدها‬ ‫�سعادة الأخ الق�س �سامر عازر املحرتم‬ ‫الأخوة والأخوات‪ /‬احل�ضور الكرام‬ ‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬وبعد‪،‬‬ ‫طيب مبارك‪� ،‬إذ �أك��ون يف رحاب هذا املنرب‬ ‫فهذا م�ساء ٌ‬ ‫الثقايف الإن�ساين الذي جمعنا على املحبة والوئام‪ ،‬مثلما‬ ‫جمعنا ع�ل��ى اح�ت�رام ال�ف�ك��ر وال��وع��ي لنجعله �سبي ً‬ ‫ال لنا‬ ‫وللأجيال من بعدنا‪.‬‬ ‫ويطيب يل �أن اق��دم من ال�شكر �أجزله و�أبلغه ل�سعادة‬ ‫الأخ �سامر عازر املوقر‪ ،‬و�صحبه الكرام من القائمني على‬ ‫رعاية هذا ال�صرح‪� ،‬إذ منحوين �شرف احلديث من خالله‪،‬‬ ‫فكان اللقاء بكم هذا امل�ساء‪ ،‬وكان احلديث الذي �أمتنى �أن‬ ‫يرقى لذوقكم الرفيع �إمياناً وفكراً وخلقاً‪ ،‬لعلنا ن�سهم معاً‬ ‫يف �إيجاد بوابة تقنع على الدوام �أ�صحاب العقول املتحجرة‬ ‫واملنغلقة‪� ،‬أن الوعي فهم م�شرتك‪ ،‬ور�ؤية م�شرتكة‪ ،‬تنه�ض‬ ‫ل�صالح الإن�سانية جمعاء‪ ،‬بل ت�سعى لإعمار الكون بكل ما‬ ‫فيه‪ ،‬من �إن�س و�شجر وحجر‪ ،‬حتى يجد للإن�سان املعذب‬ ‫فر�صة احلياة املنا�سبة‪ ،‬التي يقدم من خاللها �أف�ضل ما‬

‫ميكن لنف�سه وغريه‪ ،‬والعامل �أجمع‪ ،‬فيكون بذلك �إمتداداً‬ ‫لر�سالة الأنبياء وجهدهم‪ ،‬الذين ج��اءوا ل�صالح الكون‬ ‫و�إعماره‪ ،‬وحفظ الكرامة الإن�سانية التي ت�ضمن للإن�سان‬ ‫ال�سعادة املطلقة يف الدارين‪ :‬الآخرة لأنها احلياة الأبدية‪،‬‬ ‫واحلياة الدنيا لأنها الطريق �إل��ى ذل��ك‪ ،‬ولعل من جميل‬ ‫القول‪� ،‬أن يكون عنوان حما�ضرتي يف هذا امل�ساء ( النه�ضة‬ ‫م�سار وط�م��وح)‪ ،‬ذل��ك �أن النه�ضة لي�ست مطلباً فردياً �أو‬ ‫�أ�سرياً �أو جمتمعياً فح�سب‪ ،‬بل �إن�سانياً كذلك‪ ،‬وامل�سار الذي‬ ‫يجب �أن ت�سلكه‪ ،‬ينبغي له ال�سري يف مدارات الذات والأ�سرة‬ ‫وامل��در� �س��ة واجل��ام �ع��ة وامل �ج �ت �م��ع‪ ،‬ع�ل��ى م���س�ت��وى ال��دول��ة‬ ‫والإقليم والعامل‪ ،‬حتى تكون �شاملة ووا�سعة وق��ادرة على‬ ‫نقل الإن�سان والكون ب�أجمعه من واقع م ٍّر �أو غري مقبول‬ ‫�إلى واقع �أف�ضل‪ ،‬و�أكرث ا�ستقراراً و�أمناً‪.‬‬ ‫و�أود يف حما�ضرتي هذه �أن �أقف على حمطات ومفا�صل‬ ‫تغني العنوان بالإ�شارة حيناً والعبارة �أحياناً �أخرى‪ ،‬وذلك‬ ‫�إحرتاماً لوقتكم الثمني‪ ،‬وعليه‪ ،‬ف�إن هذه املحطات �أ�سئلة‬ ‫حم��ددة‪ ،‬تعطي عند الإجابة عليها بناء تكاملياً معرفياً‪،‬‬ ‫ي� ��ؤدي م��ا ُي�ط�ل��ب يف ه��ذا امل �ق��ام ح��ول ال�ع�ن��وان والنه�ضة‬ ‫حتديداً‪.‬‬ ‫و�أق��ول عند ال�س�ؤال (متى ب��د�أت النه�ضة )‪ ،‬فق�صتها‬ ‫معروفة للجميع �إذ ب�إنتهاء املعركة بني هابيل وقابيل بد�أ‬ ‫�أح��ده�م��ا البحث ع��ن املعرفة يف كيفية دف��ن �أخ�ي��ه‪ ،‬وك��ان‬

‫• حما�ضرة �ألقيت يف املجمع املجتمعي امل�سكوين ‪ -‬كني�سة الراعي ال�صالح بتاريخ ‪2018/9/8‬م‪.‬‬


‫م�صدر املعرفة غراباً يبحث يف الأر���ض‪ ،‬فعلم القاتل كيف‬ ‫ي��دف��ن �أخ ��اه‪ ،‬ث��م ام�ت��دت احل��اج��ة للمعرفة لت�شمل‪ ،‬كيف‬ ‫يعي�ش وي�أكل وي�صنع لبا�سه وطعامه فكان الإمتداد املعريف‬ ‫حا�ضراً منذ ب��داي��ة الب�شرية م ��روراً بع�صرها احلجري‪،‬‬ ‫والربونزي والنحا�سي‪ ،‬حتى اطم�أن الإن�سان الى �ضرورة‬ ‫وجود ديانة تبعث يف نف�سه الطم�أنينة والإ�ستقرار فكانت‬ ‫العبادة الطوطمية‪ ،‬ويف ظل تطور م��ادي تراكمي‪ ،‬رافقه‬ ‫تطور فكري ثقايف ديني‪ ،‬زاد عدد الب�شر‪ ،‬وتعددت قدراتهم‬ ‫و�أدواتهم وميولهم‪ ،‬عندها احتاجوا لل�ضبط املعريف الذي‬ ‫يج�سد ح�ضورهم الفكري‪ ،‬فكانت الر�ساالت ال�سماوية ذات‬ ‫التحديد املكاين والإن�ساين‪ ،‬فبع�ض الأنبياء بعثوا لقوم‬ ‫دون قوم‪ ،‬وملكان دون �آخر‪ ،‬ويف فرتات زمنية متعددة‪ ،‬مما‬ ‫خلق تبايناً يف املنهج والتكليف واالت �ب��اع‪ ،‬فديانة ت�سمو‬ ‫بالروح وتفتح لها �آفاقاً رحبة وت�ستثني املادة من احل�ضور‪،‬‬ ‫ودي��ان��ة �أخ ��رى ت��أخ��ذ ب��امل��ادي��ات �سبي ً‬ ‫ال نحو الإرت �ق��اء مع‬ ‫تهمي�ش كلي �أو جزئي ل�ل��روح‪ ،‬ويف ظل احلاجة املتطورة‬ ‫�أي�ضاً‪ ،‬لإيجاد التوافق بني الديانات الو�ضعية وال�سماوية‬ ‫التي ت�ستهدف جميعها ا�ستقرار الإن�سان و�سعادته‪ ،‬كانت‬ ‫احل��اج��ة ملحة ل��دي��ان��ة جت�م��ع ب�ين ال ��روح وامل� ��ادة يف بناء‬ ‫متكامل يحقق التوازن يف حياة الفرد والأ��س��رة واملجتمع‬ ‫والكون ب�أجمعه‪ ،‬من منطلق معريف علمي‪ ،‬وبحيث تكون‬ ‫ر�سالة عاملية تخاطب الكبري وال�صغري والغني والفقري‪،‬‬ ‫واحل��اك��م وامل�ح�ك��وم‪ ،‬وال �ظ��امل وامل�ظ�ل��وم‪ ،‬وال��رج��ل وامل ��ر�أة‪،‬‬ ‫وبحيث ت�ستند الى املعرفة والعقل واملنطق منهاجاً ثابتاً‪،‬‬ ‫وقادراً على التحليل والإ�ستنتاج والإ�ستنباط‪ ،‬ح�سب درجات‬ ‫وعيه و�إدراك ��ه وم�صادر املعرفة التي يرجع �إليها فكانت‬ ‫الر�سالة الإ�سالمية ( �إقر�أ) عنواناً لنه�ضة علمية ثقافية‬ ‫فكرية قبل �أو تكون دعوة لدين �أو ن�سك �أو طقو�س ت�ؤدى‪،‬‬ ‫ِا�س ِم َر ِّب َك ا َّل ِذي خَ لَ َق‬ ‫بل فتحاً للآفاق‪ ،‬ملعرفة اخللق }ا ْق َر�أْ ب ْ‬ ‫ال ْك َر ُم (‪ )3‬ا َّل ِذي‬ ‫ِن�سا َن ِمنْ َعلَقٍ (‪ )2‬ا ْق َر ْ�أ َو َر ُّب َك َْ أ‬ ‫(‪ )1‬خَ لَ َق ْ إ‬ ‫ال َ‬ ‫َع َّل َم بِا ْل َقلَ ِم (‪َ )4‬ع َّل َم ْ إ‬ ‫ِن�سا َن َما لمَ ْ َي ْعلَ ْم(‪{)5‬‬ ‫ال َ‬

‫�إذن نحن �أمام دعوة للتفكر والتدبر يف الذات الإن�سانية‪:‬‬ ‫خلقاً وعلماً‪ ،‬وف�ك��راً‪ ،‬ممتداً با�ستخدام القلم و�سيلة من‬ ‫و�سائل املعرفة‪ ،‬فكانت (اق��ر�أ) فعل �أم��ر يبني كوناً وا�سعاً‬ ‫م��ن امل�ع��رف��ة‪ ،‬فلم يقل �سبحانه وتعالى �صل على �أهمية‬ ‫ال�صالة‪ ،‬ومل يقل ِ‬ ‫زك ومل يقل ُ�صم‪ ،‬ومل يقل جاهد‪ ،‬لكن‬ ‫الأهم هي فكرة بناء العقل الإن�ساين ووعيه و�إدراكه ملعرفة‬ ‫ذاته والكون من حوله‪ ،‬لي�صل بعد ذلك الى معرفة خالقه‪.‬‬ ‫لكن الإنك�سار والإنح�سار الذي حدث لكلمة ( اقر�أ) عندما‬ ‫ت�ن��ازل امل�سلمون ع��ن ��ش��رط امل�ع��رف��ة و� �ص��و ًال للنه�ضة يف‬ ‫فرتات زمنية متباينة‪ ،‬فبعد �أن حققت هذه الكلمة ح�ضوراً‬ ‫�سيا�سياً واقت�صادياً واجتماعياً‪ ،‬وعلمياً يف ميادين احلكم‬ ‫وال�سيا�سة والطب والهند�سة والفلك والريا�ضيات‪ ،‬انح�سر‬ ‫دورها ودورهم‪ ،‬الأمر الذي جعلهم ي�ستوردون نتاجاتها من‬ ‫دول و�أم��م عملت على تفعيلها وفق �أ�س�س معرفية �سليمة‬ ‫�أخ��ذت باملنهج التجريبي والتطبيقي والتقني‪ ،‬ف�صاروا‬ ‫�أكرث تقدماً‪ ،‬و�أ�صبحنا �أكرث حاجة لتقدمهم حتى نعي�ش‬ ‫وف��ق املعطيات امل��ادي��ة حل�ضارتهم يف ظ��ل انح�سار فكري‬ ‫عربي �إ�سالمي‪ ،‬وال�سبب يف ذلك الركون الى منطلق واحد‬ ‫من منطلقات النه�ضة‪ ،‬وهو التقدم املادي فقط‪ ،‬وهذا مل‬ ‫يتحقق للأ�سف كذلك‪.‬‬ ‫الدين والنه�ضة‪:‬‬ ‫قلت ب�أن الإح�سا�س جتاه احلاجة لدين ( �أي دين) قد‬ ‫تطور مع الإن�سان عندما �صنع �إل�ه�اً خا�صاً ب��ه( الديانة‬ ‫الطوطمية) (ال��رم��ز)‪ ،‬وت�ع��ددت اب�ت�ك��ارات��ه و�إب��داع��ات��ه يف‬ ‫هذا الإح�سا�س ح�سب قناعاته‪ ،‬و�أي املوجودات �أو الغيبيات‬ ‫�أكرث قدرة يف حتقيق الإ�ستقرار له‪ ،‬فكانت عبادة ال�شم�س‬ ‫والقمر وال�شجر واحلجر والنار والفرج واحليوانات‪ ،‬حتى‬ ‫�إذا ما �ضلت �سفينته عن درب النجاة‪ ،‬ا�ست�سلم للقدر‪ ،‬وذلك‬ ‫�إمياناً منه ب�أن ال نه�ضة بغري دين و قيم و�أخالق‪ ،‬فالبناء‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬م��ادي ومعنوي‪ ،‬فمهما تطاول يف البنيان كان‬ ‫بحاجة الى حلظة �صفاء وت�أمل وتفكر وتدبر‪ُ ،‬يرجع فيها‬ ‫اخللق للخالق والنتيجة لل�سبب‪ ،‬والقدرة للقادر‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪67‬‬


‫‪68‬‬

‫ولذلك �أقر الكثري من العلماء والفال�سفة واملفكرين‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫و�سبيل من �سبل‬ ‫�أن الدين �ضرورة ملحة لإيجاد النه�ضة‪،‬‬ ‫�سعتها و�شموليتها‪ ،‬فالتقدم الروحي واملعنوي والفكري‬ ‫وال �ث �ق��ايف الي �ك��ون ب��ال���ص��ورة الأب �ه��ى اال اذا ك��ان ترجمة‬ ‫ل�ن���ص��و���ص دي�ن�ي��ة حت�ظ��ى ب��ال�ق��دا��س��ة يف ن�ف����س الإن �� �س��ان‪،‬‬ ‫ويقدمها للآخر ك�صورة �صادقة عما يفكر به ويح�س‪ ،‬وعما‬ ‫ي�ست�شعره جتاه نف�سه والآخرين‪.‬‬ ‫ولذلك ت��زداد النه�ضة ح�ضوراً عندما ترتبط بدين‬ ‫يقد�س امل�ع��رف��ة وال �ع��امل‪ ،‬ول�ه��ذا ال�سبب دع��وين ا�ستذكر‬ ‫معكم ق��ول بع�ض علماء الغرب �أم�ث��ال الأم��ري�ك��ي‪ ،‬مايكل‬ ‫ه��ارث �إذ يقول‪� ( :‬إن حممداً �صلى اهلل عليه و�سلم) كان‬ ‫الرجل الوحيد بالتاريخ ال��ذي جنح ب�شكل �أ�سمى يف كال‬ ‫امل�ستويني الديني والدنيوي‪� ،‬إن هذا الإحتاد الفريد الذي‬ ‫النظري له يف الت�أثري الديني والدنيوي معاً يخوله ليكون‬ ‫�أعظم �شخ�صية ذات ت�أثري يف تاريخ الب�شرية)‪.‬‬ ‫وه ��ذا م ��رده ال��ى �أن ال��دي��ن يجمع احل��دي��ث ع��ن اهلل‪،‬‬ ‫والكون‪ ،‬والإن�سان‪ ،‬قبل ن�ش�أته وخلقه و�أثناء حياته وموته‪،‬‬ ‫وحتى بعد موته‪ ،‬فريتبط مع الإن�سان برباط وثيق من‬ ‫املعرفة والعلم واالتباع‪.‬‬ ‫ول�ه��ذا ق��ال الفيل�سوف الم��ارت��ن ( النبي حم�م��د‪ ،‬هو‬ ‫النبي الفيل�سوف املحارب امل�شرع‪ ،‬اخلطيب‪ ،‬قاهر الأهواء)‬ ‫وبالنظر الى املقايي�س الب�شرية للعظمة‪ ،‬ات�ساءل هل هناك‬ ‫من هو �أعظم من النبي حممد)‪ ،‬وك��أين بهذا الفيل�سوف‬ ‫المارتن يقرر �أن النه�ضة التي يدعو لها حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ت�ستوجب �أن يكون الإن�سان م�شرعاً وخطيباً‬ ‫وقاهراً للأهواء وحمارباً للظلم‪ ،‬وهذا يتطلب من الإن�سان‬ ‫كذلك انخراطاً تاماً يف ميادين العمل والإنتاج الذي يحرز‬ ‫تقدماً للأمة‪.‬‬ ‫�أما متى ننه�ض؟‬ ‫فحقيقة عند ط��رح مثل ه��ذا ال�س�ؤال‪ :‬ينتابنى �شعور‬ ‫بالقلق واحل�يرة‪ ،‬فهو لي�س �س�ؤا ًال عابراً للزمن عن وقت‬ ‫النه�ضة حت��دي��داً‪ ،‬للإ�ستب�شار بها‪ ،‬والإ��س�ت�ع��داد ملوجبات‬ ‫احل�ي��اة امل�لائ�م��ة ل�ه��ا‪ ،‬وال�ع�م��ل على �إع ��ادة �صياغة العقل‬ ‫والوجدان والإح�سا�س‪ ،‬لتكون جميعها مظهراً متقدماً من‬ ‫مظاهرها وظواهرها املرتبطة بها‪� ،‬إذ ال ينبغي تقدميها‬ ‫للنا�س بعيداً عن موروثها الفكري والإن�ساين والوجداين‪،‬‬ ‫�إذ كيف ن�ستدعي كل ما من �ش�أنه �إع��ادة بث ال��روح فينا‪،‬‬ ‫ون�ح��ن نعمل على تهيئة غ��رف��ة الإن�ع��ا���ش ب�أيدينا لتكون‬ ‫منا�سبة لنا‪ ،‬ونحن نتنازل عن �أ�سمى معاين النه�ضة يف‬ ‫حياتنا �أ ّال وهو الدين‪ ،‬ولذلك ف�إن النهو�ض مرتبط مبدى‬ ‫تفعيل كل �أ�سباب النجاح للفعل النه�ضوي يف ديننا م�ضافاً‬

‫�إل�ي�ه��ا �أ��س�ب��اب ال�ن�ج��اح يف نه�ضة �أت �ب��اع ال��دي��ان��ات الأخ��رى‬ ‫و�إبداعاتهم الب�شرية والفكرية والفل�سفية والعلمية‪.‬‬ ‫فالنه�ضة كما نراها فع ً‬ ‫ال تراكمياً وي�شرتك يف �صياغته‬ ‫الأديان كافة‪ ،‬مثلما ت�سنده الر�ؤى العلمية الب�شرية التي‬ ‫ثبت جناحها يف معاجلة �أم ��ور ك�ث�يرة‪ :‬طبية وهند�سية‬ ‫وت�ك�ن��ول��وج�ي��ة ويف م �ي��ادي��ن ال�ف�ك��ر وال�ث�ق��اف��ة وال�سيا�سة‬ ‫والإق �ت �� �ص��اد والإج �ت �م��اع والأخ �ل��اق وال �ق �ي��م‪ ،‬ف��امل���ش�ترك‬ ‫الإن�ساين اجلامع هو ما �أكده النبي حممد �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪� ،‬إذ يقول‪� :‬إمنا ُبعثت متمماً ملكارم الأخالق‪ ،‬فع ّد ما‬ ‫قبله من م��وروث ديني وفكري وثقايف قاب ً‬ ‫ال للتماهي يف‬ ‫هذا الدين اجلديد‪ ،‬ليكون جزءاً من�سجماً معه‪ ،‬ال عن�صراً‬ ‫غريباً عنه‪.‬‬ ‫موجبات النه�ضة (ملاذا النه�ضة)؟‬ ‫كثرية هي الأ�سباب التي تدعو لتفعيل معنى النه�ضة‪،‬‬ ‫ول��و ب��درج��ات تدريجية ت�ب��د�أ باملمكن لتنتهي باملعجزات‬ ‫الإجن ��ازي ��ة ال�ق��اب�ل��ة للتطبيق وال �ت �� �ص��دي��ق‪ ،‬ذل ��ك �أن ما‬ ‫ن�ستدعيه يف حا�ضرنا من �أم��ر النه�ضة املن�شودة يتطلب‬ ‫تكام ً‬ ‫ال ر�أ�سياً و�أفقياً حتى ي�شمل امليادين كافة على تعددها‬ ‫وتنوعها‪ ،‬مثلما ي�ستلزم البناء تراكمياً يف املن�شط الواحد‬ ‫كمجاراة ملا تو�صل �إليه العامل الآخر يف امليدان املخ�ص�ص‬ ‫للتناف�س‪ ،‬كالزراعة �أو ال�صناعة �أو التكنولوجيا الرقمية �أو‬ ‫البناء القيمي الأخالقي ويتلخ�ص ذلك بالآتي‪.‬‬ ‫�أ‪ .‬الفجوة احل�ضارية التي �أخذت بالإت�ساع بني املنجز‬ ‫احل �� �ض��اري الإ�� �س�ل�ام ��ي ال �ع��رب��ي وب �ي�ن م ��ا �أجن� ��زه‬ ‫الآخ��رون يف ميدان الطب والهند�سة والتكنولوجيا‬ ‫وغريه‪.‬‬ ‫ب‪ .‬ح��اج��ة ال �� �ش �ع��وب ال �ع��رب �ي��ة والإ� �س�ل�ام �ي��ة �إل� ��ى �سد‬ ‫الإح �ت �ي��اج��ات امل�ت�راك �م��ة امل �ت �ج��ددة ل � ّل �ح��اق ب��رك��ب‬ ‫احل���ض��ارة الإن���س��ان�ي��ة ال�ت��ي ف� ّع�ل��ت امل �ع��ارف وال�ع�ل��وم‬ ‫يف تقدمها‪ ،‬و�أ�صبح ت��راك��م املعرفة وم�ضاعفتها ال‬ ‫يحتاج �إل��ى �سنوات طويلة بل �إل��ى خم�س �سنوات �أو‬ ‫�أقل لتت�ضاعف املعرفة الإن�سانية املنتجة‪ ،‬وللأ�سف‬ ‫الإ�سهام العربي الإ�سالمي حديثاً يف هذه العملية ما‬ ‫زال حمدوداً‪.‬‬ ‫ت‪ .‬زيادة العدد ال�سكاين للأمة الإ�سالمية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫ي�ستوجب ملء فراغ الطاقات ال�شبابية فيها بالنافع‬ ‫واملفيد بحيث ال تكون عبئاً على الإن�سانية جمعاء �أو‬ ‫على �شعوب و�أمم بعينها‪ ،‬الأمر الذي يجعل منها تابعاً‬ ‫ح�ضارياً بعد �أن كانت متبوعاً ويف ميادين �شتّى‪ ،‬وتلبية‬ ‫الإحتياجات تلك‪ ،‬تتطلب تو�سعاً يف الأعمال والأفكار‬ ‫مثلما ي�ستوجب �إن �ف �ت��اح �اً وا� �س �ع �اً ع�ل��ى احل���ض��ارات‬ ‫الإن�سانية الأخرى‪ :‬الأ�صيلة منها والنا�شئة‪.‬‬


‫ث‪ .‬احلفاظ على احلبل املتني الذي يحقق ربط الأ�صالة‬ ‫باملعا�صرة‪ ،‬لي�س لأم��ر حم��دد يف م�ي��دان م��ا‪ ،‬و�أمن��ا‬ ‫لإيجاد ا�ستنها�ض ح�ضاري �شامل ويف امليادين كافة‪.‬‬ ‫ج‪ .‬التخل�ص من مظاهر التبعية تدريجياً يف قراراتنا‬ ‫ذات ال�ش�أن ال�سيا�سي والإقت�صادي والفكري والثقايف و�إعادة‬ ‫بناء الذات الإ�سالمية بنا ًء نوعياً ي�ستلهم املعاين الروحية‬ ‫والقيمية والفكرية التي قامت عليها نه�ضة �أمتنا ذات‬ ‫زمان‪.‬‬ ‫النه�ضة �أم الثورة (النه�ضة بديل الثورة)؟‬ ‫ق��د ي ��رى ك�ث�ير م��ن ال �ن��ا���س �أن ال�ن�ه���ض��ة �أم ��ر يحتاج‬ ‫لتقكري عميق من لدن �أ�صحاب القرار ال�سيا�سي والفكري‬ ‫وهم غالباً ما يكونون من �أ�صحاب امل�صالح ال�ضيقة التي‬ ‫حتققت ب�شكل �أو ب�آخر‪ ،‬و�إن �أم��ر البحث يف تغيري الواقع‬ ‫البائ�س رمب��ا ي�ن��ال م��ن م�صاحلهم فيحرمهم ام�ت�ي��ازات‬ ‫كثرية‪ ،‬وم�س�ألة التغيري نحو الأف�ضل رمب��ا ال ت�شملهم‪،‬‬ ‫فين�ش�أ جيل �آخر ت�سند �إليه مهمة قيادة الوطن �أو الأمة‪،‬‬ ‫الأم��ر ال��ذي ي�ستدعي �إب�ق��اء احل��ال على م��ا ه��و عليه من‬ ‫ال�ضعف والهوان والتبعية‪.‬‬ ‫ويف ��ض��وء ذل��ك تبقى الأم ��ة م��ره��ون��ة حل��ال��ة انفجار‬ ‫منتظرة ت�أتي ب�شكل مفاجئ وعفوي جراء غ�ضبة م�ضرية‬ ‫يقوم بها هذا الطرف �أو ذاك‪ ،‬ليعلن ثورته �أو مترده على‬ ‫هذا الواقع �أو ذاك‪ ،‬يف هذه الدولة �أو تلك‪.‬‬ ‫وه �ن��ا ي�ستوجب الأم ��ر امل�ف��ا��ض�ل��ة ب�ين النه�ضة التي‬ ‫تتطلب تدخل احلكماء و�صناع القرار واملفكرين واملثقفني‬ ‫يف امليادين كافة‪ ،‬وتطبيق ما يرونه منا�سباً من القرارات‬ ‫احلكيمة امل�ستندة �إلى درا�سات علمية وواقعية تتناول ال�ش�أن‬ ‫العام ب�أكمله‪ ،‬فيكون بذلك كل منا م�شاركاً يف نه�ضة بالده‬ ‫و�أمته ويف تقدمها كذلك‪ ،‬ال �أن يرتك الأمر ملجموعة من‬ ‫املُغر�ضني الذين يوظفون الفقراء واملحرومني والعاطلني‬ ‫عن العمل و�أ�صحاب ال�سوابق‪ ،‬من �أجل القيام بثورة ت�أتي‬ ‫على ما تبقى من مقدرات الدولة التي مل ي�صلها الف�ساد‬ ‫بعد‪ ،‬فتبد�أ الثورة بفكرة ح�سنة وه��دف نبيل هو التغيري‬ ‫نحو الأف�ضل لتنتهي �إلى م�أ�ساة حقيقية عندما ت�سلب �إرادة‬ ‫ال�شعوب‪ ،‬ويتم جتيريها لفئة حمددة ذات م�صالح �ضيقة‪.‬‬ ‫فالثورة يفجرها اجلياع ويقطف ثمارها الأغنياء وال‬ ‫ت�أتي بجديد نافع غري وجوه فا�سدة جديدة و�أهداف ذاتية‬ ‫جديدة‪.‬‬ ‫النه�ضة الطموح (كيف)؟‬ ‫تتحقق النه�ضة عندما ندرك الآتي‪:‬‬ ‫‪ .1‬حجم التبعية التي نعي�شها واقعاً �سيا�سياً واقت�صادياً‬ ‫واجتماعياً وثقافياً فهذا من �ش�أنه �أن يبني حجم‬ ‫اجنازنا احل�ضاري و�سبب عجزه‪ ،‬واجلهد املطلوب‬

‫بذله للو�صول �إلى م�ستوى مقنع يتحقق معه التنازل‬ ‫التدريجي عن التبعية لهذه الأمة �أو تلك‪.‬‬ ‫‪ .2‬معرفة البواعث النف�سية التي جعلت من الآخر قبلة‬ ‫لأعمالنا ور�ؤانا وطموحنا و�آمالنا وجعلت منه مثا ًال‬ ‫ُيحتذى يف الأتباع والتقليد‪.‬‬ ‫‪ .3‬ح�ق�ي�ق��ة �أ� �س �ب��اب ال �ن �ك��و���ص احل �� �ض��اري وب �ي��ان دور‬ ‫احلكومات وال�شعوب يف ذلك‪ ،‬وحماولة تف�صيل تلك‬ ‫الأ�سباب وفق خمرجاتها املتباينة من حيث ال�شكل‬ ‫وامل�ضمون ال�سيا�سي والإقت�صادي والإجتماعي‪.‬‬ ‫‪ .4‬بيان حجم البحث العلمي واملعرفة العلمية املُنجزة‬ ‫�سنوياً القادرة على و�ضع الأم��ة يف �أول درج��ات �س ّلم‬ ‫ال�صعود احل�ضاري وبيان نوعية تلك املعرفة‪.‬‬ ‫‪� .5‬أهمية التوا�صل احل���ض��اري والإن���س��اين م��ع جميع‬ ‫�أط �ي��اف اجل���س��م احل �� �ض��اري الإن �� �س��اين ع�ل��ى تنوعه‬ ‫وفتح �آفاق التعاون‪ ،‬ومد ج�سود الثقة املتبادلة بيننا‬ ‫وبني الآخرين واعتبار ما لدينا من ُمنجز ح�ضاري‬ ‫ه��و ج��زء ون�ت��اج م�شرتك �أ�سهم ب��ه الآخ ��رون ب�شكل‬ ‫�أو ب��آخ��ر‪ ،‬ولذلك ف ��إن �إب�ق��اء ب��اب التوا�صل مفتوحاً‬ ‫يجعل فر�صة الإ�ستفادة حا�ضرة يف امل�شهد احل�ضاري‬ ‫الإن�ساين الذي نعي�ش‪.‬‬ ‫هل نه�ضة غرينا نه�ضة لنا؟‬ ‫�إذا مل تقم على دم��ارن��ا وا�ستغالل ثرواتنا وجتويعنا‬ ‫فهي حتما ًمنجز ي�ضاف للمنجز الإن�ساين العام‪ ،‬ففي هذا‬ ‫امليدان �أو ذاك ال ب ّد من الإحتكاك بالتجربة الإن�سانية التي‬ ‫تفتح �آفاقاً للمعرفة املتبادلة‪ ،‬ف�أمن جاري و�سعادته ونظافة‬ ‫بيته وبيئته ووعيه املتقدم ينعك�س �إيجاباً على واقعي‪ ،‬وهذا‬ ‫يتطلب املحافظة على املنجز احل�ضاري للآخر‪ ،‬بحيث ال‬ ‫يكون هدفاً للحرب والعدوان‪ ،‬ولعل الت�أ�صيل لهذا الأمر‬ ‫موجود يف ديننا حتى يف حالة احلرب‪" ،‬ال تقطعوا �شجرة‬ ‫وال تهدموا بيتاً وال تقتلوا طف ً‬ ‫ال وال �إم��ر�أة وال �شيخاً وال‬ ‫ع��اب��داً يف �صومعته"‪ ،‬ك��ل ذل��ك ينبئ ع��ن اح�ت�رام للنف�س‬ ‫الإن�سانية ومعتقداتها ومقدراتها‪ ،‬التي قد ت ��ؤول بع�ض‬ ‫فائدتها لنا ب�شكل �أو ب�آخر‪.‬‬ ‫ويف اخل �ت��ام ‪� ..‬أك ��رر ال�شكر اجل��زي��ل وال�ث�ن��اء العظيم‬ ‫لأ�سرة اخليمة على �إتاحة هذه الفر�صة العظيمة بالن�سبة‬ ‫ال راق�ي�اً يخدم توجهاً‬ ‫يل وال�ت��ي �أراه ��ا ح�ساً �إن�سانياً نبي ً‬ ‫ح�ضارياً وثقافياً وفكرياً لدى اطراف املعادلة الفكرية يف‬ ‫وطننا العزيز‪ ،‬و��ص��و ًال �إل��ى فهم م�شرتك ح��ول كثري من‬ ‫الق�ضايا ذات الأهمية امل�شرتكة‪.‬‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪69‬‬


‫مقاالت‬

‫حيرة‬ ‫التكنولوجيا‬ ‫أ‪ .‬شيروان الشميراني‬

‫‪70‬‬

‫يف ه ��ذا امل �ق ��ال احت� ��دث ع ��ن اال� �س �ت �ع �م��ال االن �� �س��اين‬ ‫للتكنولوجيا من زاويتني‪-:‬‬ ‫االولى‪ -:‬هي التكنولوجيا وال�ضمري االن�ساين‪..‬‬ ‫والثانية‪ -:‬هي اال�سراف يف اال�ستعمال‪..‬‬ ‫�أم��ا االول��ى‪ ،‬فالتكنولوجيا اوجدها العقل االن�ساين‬ ‫كو�سيلة م�ت�ط��ورة لت�سهيل احل�ي��اة وت��ذل�ي��ل ال�صعاب يف‬ ‫الطريق‪ ،‬ومن اجل الرتفيه ومت�ضية الوقت اململ احيانا‬ ‫نتيجة رت��اب��ة احل �ي��اة (وروت�ي�ن�ي��ة) اح��داث �ه��ا‪ ،‬ف�ه��ي ج��زء‬ ‫ا�سا�سي من مهمة ا�ستخالف االن�سان يف االر�ض‪ ( ،‬هوالذي‬ ‫ان�شاكم من االر�ض وا�ستعمركم فيها)‪ ،‬فا�ستعمال العقل‬ ‫واجل�سم يف اعمار االر�ض وبنائها مهمة منوطة باالن�سان‬ ‫اخلليفة هلل‪ ،‬لكن ح�سب منهج امل�ستخلف ‪ -‬مك�سور الالم‪-‬‬ ‫ولي�س على هوى االن�سان امل�ستخلف ‪ -‬مفتوح الالم‪.-‬‬ ‫فالذي يتحكم يف ا�ستعماله اذن هواالن�سان مبا لديه‬ ‫من عقل ملتزم اومنحرف‪ ،‬ومبا يتكون لديه من �ضمري‪،‬‬ ‫فاملعاين التي ت�شكل مغزى وم�ضمون غاية االن�سان هي‬ ‫التي توجه ادوات التكنولوجيا‪ ،‬باجتاه التعمري اوباجتاه‬ ‫التدمري‪...‬فاجتاه التدمري مبا يحمل االن�سان من �ضمري‬ ‫فا�سد هوامل�سيطر الئ حد كبري‪ ،‬مثال ‪-:‬‬

‫أمام اإلنسان‬ ‫عند انتخابات ‪ 12‬ايار املا�ضي يف العراق‪ ،‬عندما �صوت‬ ‫الربملان على ان يكون الت�صويت الكرتونيا‪ ،‬كانت الغاية‬ ‫هي ك�سب الوقت يف العد والفرز‪ ،‬واعادة الثقة للمواطن‬ ‫ازاء عمليات التزوير التي �شابت كل االنتاخبات ال�سابقة‪،‬‬ ‫مبعنى ان االج �ه��زة االل�ك�ترون�ي��ة ال متنع ال�ت��زوي��ر‪ ،‬بل‬ ‫االن�سان الذي ي�ستعمل تلك االجهزة‪ ،‬فاذا كان ال�ضمري‬ ‫االن�ساين فا�سداً‪ ،‬فان االجهزة لن ت�صلحه‪ ،‬بل هي حتت‬ ‫ت�صرفه يف االف���س��اد واال� �ص�لاح‪ ،‬ومب��ا ان �ضمري احلكم‬ ‫وامل�س�ؤولني فا�سد يف العراق‪ ،‬فان االجهزة التكنولوجية‬ ‫ل ��ن مت�ن�ع��ه م ��ن الإن � �ح� ��راف اول� ��ن ت �� �ص��وب اجت� ��اه تلك‬ ‫ال�ضمائر‪ ،‬مبعنى ان امل�شلكة يف االن�سان العراقي ولي�ست‬ ‫يف التكنولوجيا يف ه��ذه احل��ال��ة‪ ،‬امل�س�ؤولون العراقيون‬ ‫م ��ردوا ع�ل��ى ال�ف���س��اد‪ ،‬بجميع مرجعياتهم‪ ،‬م��ع اال��س��ف‬ ‫حتى ا�صحاب املرجعيات الدينية‪ ،‬اوالكيانات التي حتكم‬ ‫يف بغداد هي املتهمة االول��ى‪ ،‬يف �س�ؤ توجيه التكنولوجيا‬ ‫يف االن�ت�خ��اب��ات الت�شريعية ل ��دورة ‪ ، 2018‬وهوالف�ساد‬ ‫نف�سه ال��ذي �شاب ادوات ك�شف املتفجرات‪ ،‬ففي الوقت‬ ‫ال��ذي ك��ان ال�ع��راق�ي��ون ي��ذه�ب��ون �ضحايا ال�ت�ف�ج�يرات يف‬ ‫ال�شوارع‪ ،‬كان امل�س�ؤول العراقي يتاجر بدماء ه�ؤالء عرب‬ ‫�شراء اجهزة فا�سدة‪ ،‬وع��اج��زة عن ك�شف امل��واد املتفجرة‬


‫يف ال�سيارات امللغمة عرب مئات نقاط التفتي�ش يف عموم‬ ‫البالد‪ ،‬والنتيجة ان املتفجرات متر عرب فح�ص االجهزة‬ ‫الفا�سدة وتنفجر ثم تقتل‪ ،‬وال�سبب هوف�ساد ال�ضمري‬ ‫االن�ساين‪ } ،‬وَممَِّ ��نْ َح ْو َلكُم ِّمنَ ْ أ‬ ‫الَ ْع � َرابِ ُمنَا ِفقُو َن َو ِمنْ‬ ‫�أَ ْه ِل المْ َ ِدي َن ِة َم� َر ُدوا َعلَى ال ِّنفَاقِ لاَ َت ْعلَ ُم ُه ْم ن َْحنُ َن ْعلَ ُم ُه ْم‬ ‫يم{ التوبة‪:‬‬ ‫َ�س ُن َع ِّذ ُب ُهم َّم َّر َتينْ ِ ُث َّم ُي� َر ُّدو َن �إِ َل��ى َع�ذَابٍ َع ِظ ٍ‬ ‫‪ ، 101‬م��ردوا على النفاق‪ :‬اي مت��ادوا وا�ستمروا عليه‪..‬‬ ‫فه�ؤالء م��ردوا على الف�ساد‪ ،‬مت��ادوا وا�ستمروا عليه‪ ،‬وال‬ ‫رجاء يف �صالحهم وال ا�صالحهم‪..‬‬ ‫وكذلك ما حدث يف ت�صفيات ك�آ�س العامل لكرة القدم‬ ‫‪ 2018‬يف مو�سكو‪ ،‬الفيفا ابتكر تقنية ال�ف��ار ه��ذه امل��رة‪،‬‬ ‫ت�ك��ون حت��ت ت�صرف احل�ك��م عندما ي�شاء ويلتب�س عليه‬ ‫االمر‪ ،‬من اجل احقاق احلق وجتنب االخطاء الب�شرية‪،‬‬ ‫لكن الذي حدث يف كثري من املرات انها كانت ت�ستغل من‬ ‫اجل م�صلحة املنتخبات الكبار‪ ،‬وهي املنتخبات االوروبية‬ ‫ب��ال�ط�ب��ع‪ ،‬وك ��ان وا��ض�ح��ا اال��س�ت�خ��دام غ�ير ال �ع��ادل لهذه‬ ‫التقنية يف مباراة ا�سبانيا واملغرب‪.‬‬ ‫واما الثانية‪-:‬‬ ‫ه��ي ا��س�ت�ع�م��ال االدوات ال�ت�ق�ن�ي��ة يف ت�ق�ط�ي��ع الآ� �ص��رة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬واال�سراف يف ا�ستعماله‪ ،‬واال�سراف معاك�س‬ ‫للمنهج الكوين القائم على التوازن واالعتدال‪ ،‬هذه االدوات‬ ‫ما ت�سهل احلياة وت�سهل التوا�صل بني اال�صدقاء واالقارب‪،‬‬ ‫لكن جتاوز حد الو�سط يف ا�ستعمالها تاتي بنتيجة عك�سية‪،‬‬ ‫فهي تعطي الرتابة يف العالقات واجلفاء يف امل�شاعر‪ ،‬لي�س‬ ‫يف داخ ��ل اال� �س��رة ال��واح��دة فح�سب ب��ل يف ال�ع�لاق��ات بني‬ ‫اال�سرة الكبرية‪ ،‬حيث اثناء التفقد يتم االكتفاء بر�سالة‬ ‫عرب الهاتف اجل��وال اوع�بر و�سائل التوا�صل االجتماعي‬

‫وبالتايل عدم اللقاء املبا�شر و�سقي املحبة واملودة والرتابط‬ ‫القلبي بني االهل واالقارب واال�صدقاء‪..‬‬ ‫وما يحدث االن من جلوء االطفال واملراهقني الى‬ ‫االل�ع��اب االلكرتونية على التابليت‪� ،‬سبب بعزلة كبرية‬ ‫ل�ه��م داخ ��ل ع��وائ�ل�ه��م‪ ،‬وق���ض��اء ال��وق��ت ال�ك�ث�ير يف زاوي��ة‬ ‫امل �ن��زل‪ ،‬يف غ��رف��ة ب�ع�ي��دة‪ ،‬وال �ه��روب م��ن اخل ��روج اوزي ��ارة‬ ‫االه��ل واالح �ب��اب‪ ،‬وب��ال�ت��ايل ف�ق��دان احل����س االجتماعي‪،‬‬ ‫علم النف�س واالجتماع احلديث‪ ،‬تنبه الى هذه املخاطر‬ ‫املجتمعية ل��دى املراهقني‪ ،‬خ�لال الفرتة املا�ضية ن�صح‬ ‫خ�ب�راء اجتماعيون االب ��اء با�ست�صحاب اوالده ��م معهم‬ ‫يف ال��زي��ارات وال�ل�ق��اءات ال�ع��ام��ة‪ ،‬لك�سر احل��اج��ز النف�سي‬ ‫عندهم‪ ،‬واملحافطة على خا�صية االن�سان الطبيعية وهي‬ ‫انه مدين بطبعه‪ ،‬اي يختلط وينزل الى ال�سوق وال�شارع‬ ‫وال�ساحات م��ن اج��ل م�شاهدة النا�س واالخ �ت�لاط بهم‪،‬‬ ‫فالغلويف اي �شيء هوبداية االنحراف والف�ساد عن امل�سار‬ ‫الطبيعي‪ ،‬واال� �س��راف يف ق�ضاء ال��وق��ت اوق�ت��ل ال��وق��ت يف‬ ‫ا�ستعمال التكنولوجيا هوالطريق الى الف�ساد العالئقي‬ ‫بني افراد املجتمع‪ ،‬والو�سط واالعتدال خري‪ ،‬روح االن�سان‬ ‫وم�شاعره كال�شجرة بحاجة ال��ى ال�سقاية املالئمة لها‪،‬‬ ‫واال فتموت‪ ،‬وم��ن ثم تتقطع او��ص��ال املتجمع‪..‬حتى يف‬ ‫االعياد التي هي املنا�سبة االكرث اجتماعية بني امل�سلمني‬ ‫ا�صبحت املعايدة التكتولوجية حمل املعايدة االجتماعية‬ ‫والزيارات املتبادلة‪..‬‬ ‫هذه تنبهنا على ان اال�صل هو�صالح االن�سان‪ ،‬والعمل‬ ‫يكون على تربيته الرتبية ال�سليمة املتوازنة‪ ،‬بعيدا عن‬ ‫اال�سراف والتقتري ( واللذين اذا انفقوا مل ي�سرفوا ومل‬ ‫يقرتوا وكانوا بني ذلك قواما)‪..‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪71‬‬


‫مقاالت‬

‫الرؤية‬ ‫المقاصدية في‬ ‫سورة الماعون‬ ‫الدكتور محمد احمد الحاج‬

‫‪72‬‬

‫ب ِْ�س ِم هَّ ِ‬ ‫الل ال َّر ْح َمنِ ال َّر ِحي ِم‬ ‫}�أَ َر َ�أ ْي��تَ ا َّل� ِذي ُي َك ِّذ ُب بِال ِدّينِ (‪َ )1‬ف َذ ِل َك ا َّل� ِذي َي� ُد ُّع ا ْل َي ِتي َم‬ ‫ني (‪َ )3‬ف� َو ْي� ٌل ِل ْل ُم َ�ص ِّل َ‬ ‫(‪َ )2‬ولاَ َي ُح ُّ�ض َعلَى َط َعا ِم المْ ِ ْ�س ِك ِ‬ ‫ني (‪)4‬‬ ‫ا َّل� ِذي� َ�ن ُه� ْم َع��نْ َ�صلاَ ِت ِه ْم َ�ساهُو َن (‪ )5‬ا َّل� ِذي� َ�ن ُه� ْم ُي � َرا ُءو َن (‪)6‬‬ ‫وَيمَ ْ َن ُعو َن المْ َا ُعو َن (‪. {)7‬‬ ‫�سورة املاعون ‪ ،‬اح��دى ال�صور الق�صار ‪� ،‬آياتها �سبع ق�صار‬ ‫تتحقق فيها الر�ؤية املقا�صدية لهذا الدين العظيم ‪ ،‬و تعالج‬ ‫حقيقة كبرية تكاد تبدل املفهوم ال�سائد للإميان والكفر تبدي ًال‬ ‫كام ًال مع بيان حقيقة العقيدة و ما احتوته من خري عميم‬ ‫للب�شرية و رحمة �سابغة �أراده ��ا اهلل تعالى للب�شرية يف هذه‬ ‫الر�سالة التي جاءت حتمل املنهج االلهي الأخري للنا�س جميعاً ‪.‬‬ ‫هذه ال�سورة الكرمية ت�ؤكد �أن اال�سالم بعقيدته و �شريعته‬ ‫امن��ا ه��و منهج ح�ي��اة للب�شر ‪ ،‬ف��الإ� �س�لام لي�س دي��ن مظاهر‬ ‫وطقو�س و ال تغني فيه مظاهر العبادات و ال�شعائر مامل تكن‬ ‫��ص��ادرة عن �إخ�لا���ص و جت��رد م��ؤدي��ة ال��ى �أث��ار يف القلب تدفع‬ ‫الى العمل ال�صالح ‪ ،‬متمثلة يف �سلوك ت�صلح به حياة النا�س و‬ ‫ترتقي ‪.‬‬ ‫فمن مل تنهه �صالته عن الفح�شاء و املنكر مل يزدد من اهلل‬ ‫اال بعداً و من مل يدع قول الزور و العمل به فلي�س هلل حاجة يف‬ ‫�أن يدع طعامه و �شرابه ‪.‬‬ ‫‪ ....‬املفل�س من �أمتي من ي�أتي يوم القيامة ب�صالة و �صيام‬ ‫و ي�أتي وقد �ضرب هذا و �شتم هذا و �سفك دم هذا ‪ ،‬في�أخذ هذا‬ ‫من ح�سناته و هذا من ح�سناته حتى اذا فنيت ح�سناته �أخذ من‬ ‫خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح يف النار ‪.‬‬

‫ك��ل ه��ذه الن�صو�ص ت�صب يف احلقيقة نف�سها وه��ي �أن‬ ‫هذا الدين العظيم �إمنا ي�سعى لتحقيق ال�سعادة يف دنيا الب�شر‬ ‫و ال ميكن �أن تتحقق ال�سعادة ما مل تتحقق مقا�صد اال�سالم‬ ‫اخلم�سة ‪ :‬حفظ النف�س والدين والعقل و املال و العر�ض ‪.‬‬ ‫لذلك ر�أي�ن��ا �أن اال��س�لام يف م�صدريه الأ�سا�سيني الكتاب‬ ‫و ال�سنة يركز على ه��ذه الق�ضية مبيناً �أن ه��ذا الدين منهج‬ ‫متكامل ت�ت�ع��اون ف�ي��ه ال�ع�ق�ي��دة وال�ع�ب��ادة لإن �ت��اج ��س�ل��وك يعود‬ ‫باخلري على االن�سانية للو�صول الى غاية تتطهر فيها القلوب‬ ‫و ت�صلح احلياة و يتكافل النا�س يف اخلري و ال�صالح و النماء و‬ ‫تتمثل فيها رحمة اهلل ال�سابغة على العباد ‪.‬‬ ‫نعود الى �سورة املاعون لرنى كيف جتلت الر�ؤية املقا�صدية‬ ‫يف �آياتها ال�سبع ؟‬ ‫حيث نرى جتلياتها فيما يلي ‪:‬‬ ‫�أوال ‪ :‬يف حقيقة الإميان و �أهم �أركانه االميان باهلل و اليوم‬ ‫الأخر ( يوم الدين ) ‪.‬‬ ‫ج��اءت ال�سورة لتقول �أن الإمي��ان لي�س نظرية فل�سفية و‬ ‫ال م�صطلحات �صماء و ال مفردات معقدة حتتاج ال��ى حتليل‬ ‫و طول �شرح ‪ ،‬الإميان اعتقاد جازم هادف ال فائدة منه �إن مل‬ ‫يحقق هدفة ‪.‬‬ ‫�أر�أيت الذي يكذب بالدين ؟؟‬ ‫مل ي�أت اجلواب ب�أنه امللحد املنكر لوجود اهلل املنكر للبعث‬ ‫والن�شور و �إمنا جاء اجلواب القر�آين }فذلك الذي يدع اليتيم‬ ‫وال يح�ض على طعام امل�سكني {‬


‫ثم ختمت ال�سورة الكرمية �آياتها ب�صورة تطبيقية �أخرى “‬ ‫امل�ك��ذب ب��ال��دي��ن ��س��واء �أك ��ان معنى ال��دي��ن ه��و ي��وم اجل��زاء‬ ‫واحل�ساب ( ي��وم الدين ) �أو الدين كله ‪ ،‬هو ذل��ك ال��ذي فهم و مينعون املاعون “ ‪.‬‬ ‫الدين على غري حقيقته و مل يتحقق ه��دف الإمي��ان بالدين‬ ‫و املاعون هو �أي متاع يقدم للمحتاج �إليه على �سبيل العارية‬ ‫عنده ‪ ،‬و مل يرتجم هذا االميان عنده الى �سلوك نافع للعباد و‬ ‫خري يعممه عليهم ‪.‬‬ ‫امل�سرتدة ينتفع به و تعود رقبته �إلى �صاحبه ‪.‬‬ ‫�إن ذلك ال��ذي يدع اليتيم ينهره و ي�ؤذيه و ال يلتفت اليه‬ ‫وقد �سئل �أبن م�سعود ر�ضي اهلل عنه عن املاعون فقال ‪ :‬هو‬ ‫بالإح�سان و ال يتح�س�س �أح��وال الفقراء و امل�ساكني وال�ضعفاء‬ ‫ليمد اليهم يد امل�ساعدة من نف�سه ‪� ،‬إن كان ميلك ذلك و يح�ض ما يتعاطاه النا�س بينهم من الف�أ�س و القدره و الدلو و �أ�شباه‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫غريه �إن مل يكن كذلك ‪.‬‬ ‫هو يف احلقيقة لي�س م�ؤمناً حقاً بل يدخل �ضمن املكذبني‬ ‫و يف احلديث ‪ :‬كنا نعد املاعون على عهد الر�سول �صلى اهلل‬ ‫بالدين ‪ ،‬لأن من �أمن موقناً �أن له وقفة بني يدي اهلل تعالى عليه و�سلم عارية الدلو و القدر ‪.‬‬ ‫و �أن هناك ميزاناً و ح�ساباً و جنة و ن��اراً عليه �أن ي�سجل يف‬ ‫و هذه �أم��ور على ب�ساطتها �إال �أنها مهمة يف نظر اال�سالم‬ ‫�صحائف �أعماله اخلري خللق اهلل ‪ ،‬فاخللق عيال اهلل ‪ ،‬اقربهم‬ ‫الى اهلل انفعهم لعياله ‪.‬‬ ‫لأن�ه��ا مم��ا ينتفع ب��ه العباد وال ي�ستغنون عنها و فيها ق�ضاء‬ ‫ثانياً ‪ :‬ال�صورة التطبيقية يف العبادة ‪:‬‬ ‫حلاجات العباد و م�صاحلهم و ه�ؤالء الذين مينعون املاعون ال‬ ‫فقد �أك��دت ال�سورة الكرمية على �أن من يظن �أن��ه مبجرد �أح�سنوا عبادة ربهم و ال �أح�سنوا الى خلقه حتى و ال ب�إعارة ما‬ ‫�أدائه ال�شعائر التعبدية و على ر�أ�سها ال�صالة دون �أن حتقق هذه ينتفع به مع بقاء عينه و رجوعه �إليهم ‪.‬‬ ‫ال�شعائر غايتها ‪ ،‬قد حقق الإمي��ان و النجاة يوم القيامة �إمنا‬ ‫ثالثاً ‪ :‬بيان املق�صد الأ�سا�سي من ر�سالة حممد �صلى اهلل‬ ‫هو واهم ‪.‬‬ ‫عليه و�سلم فقد اب�ت��د�أت ال�سورة بخطاب موجه مبا�شرة الى‬ ‫}فويل للم�صلني الذين هم عن �صالتهم �ساهون{‬ ‫حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ‪� :‬أر�أيت ؟؟‬ ‫ه��ؤالء امل�صلون الذين �أكتفوا ب��الأداء ي��ؤدون حركاتها دون‬ ‫اقامة ال�صالة على �أ�صولها املحققة لأهداف هذا الدين و ر�ؤيته‬ ‫و ك� ��أن ه��ذه ال �� �س��ورة ال�ق��ر�آن�ي��ة ت�ق��ول ي��ا حم�م��د ه��ذه هي‬ ‫املقا�صدية فقلوبهم ال تعي�ش معها و �أرواح�ه��م ال ت�ستح�ضر دعوتك للنا�س هذه هي ر�سالتك التي ير�سلك اهلل تعالى بها‬ ‫حقيقتها فه�ؤالء ال ي�ستحقون النجاة و الغفران بل ي�ستحقون‬ ‫الويل و الوعيد و اطلق عليهم ا�سم ‪ ( :‬ال�ساهون ) لي�س لأنهم الى العاملني و هذه هي غايتها ‪ :‬تعميم اخلري و حتقيق النفع و‬ ‫�سهوا عن وقتها كما ظن بع�ض املف�سرين ‪ .‬وال الذين �سهوا العون و هي يف احلقيقة نف�س الر�سالة بغايتها و �أهدافها التي‬ ‫�أثناء ال�صالة عن عدد ركعاتها فهذا �أمر معر�ض له كل م�صل و �أر�سل بها ر�سله الكرام عليهم ال�صالة وال�سالم “ لقد ار�سلنا‬ ‫جاء �سجود ال�سهو جلربه ‪.‬‬ ‫ر�سلنا بالبينات و انزلنا معهم الكتاب و امليزان ليقوم النا�س‬ ‫و امنا اطلق عليهم ا�سم ال�ساهني ‪ ،‬لأنهم �سهوا عن مق�صدها بالق�سط “‬ ‫و غايتها فما حققت يف نفو�سهم دافعية ال��ى اخل�ير و ال نفعاً‬ ‫لقد دع��ا الر�سل �أقوامهم ال��ى عبادة خالق ه��ذا ال��وج��ود و‬ ‫لعباد اهلل فكان حالهم كحال املنافقني الذين اظهروا اال�سالم‬ ‫و اخفوا الكفر يف نفو�سهم فكانوا ي�صلون خلف ر�سول اهلل �صلى قاموا بهدايتهم الى �صراط اهلل امل�ستقيم ال حلاجة اهلل �سبحانه‬ ‫اهلل عليه و�سلم يقومون اليها ك�سالى ي��راءون النا�س فال هم ال��ى عبادتهم ف��اهلل هو الغني احلميد و �إمن��ا يريد �سبحانه و‬ ‫ي�ؤمنون بها �أ��ص�ل ًا و ال �أث��رت يف نفو�سهم و اث�م��رت التقوى‪ ،‬تعالى اخل�ير لهم يريد �صالحهم و طهارة قلوبهم و �سعادة‬ ‫فالتقى الفريقان على نف�س ال�صورة و كانت نتيجتهما واحدة حياتهم يف بيئة نظيفة ت�سودها روح املحبة و التعاون و التكافل‪.‬‬ ‫و بذلك تتحقق الر�ؤية املقا�صدية لهذا الدين العظيم ‪.‬‬ ‫هي عدم حتقيق الهدف و عدم قبول العمل ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪73‬‬


‫مقاالت‬

‫الكل طامع‬ ‫وليس‬ ‫للعرب جامع‬ ‫د‪ .‬لجين عبداهلل محمود‬

‫‪74‬‬

‫من يت�صفح التاريخ �سريعاً �سيجد ان امة العرب منتهكة‬ ‫حقوقها م�سلوبة �إرادتها‪ ،‬منذ �أن حمكنا الأعاجم با�سم الدين‬ ‫حتى و�صل بنا احل��ال لن�سمع هتاف جماهري �شعبنا العراقي‬ ‫املنتف�ضة منذ اوا�سط متوز املا�ضي لتهتف( با�سم الدين باعونا‬ ‫احل��رام�ي��ة) تعبرياً �صريحاً ��ص��ادق�اً �إن م��ن ادع��ى ال��دي��ن هم‬ ‫�س ّراق يف و�ضح النهار دون وجل من عقوبة دنيوية او اخروية‪،‬‬ ‫وك ��أن ال��دي��ن ه��و ال�سبب حا�شا هلل فديننا اال��س�لام ه��و جامع‬ ‫�شتات العرب بعد ان كانوا �شيعاً واقواماً يغزو بع�ضهم البع�ض‬ ‫وبرفعهم راية اال�سالم انت�شر اال�سالم وتثبت يف بقاع االر�ض‬ ‫وق ��وت �شوكتهم حت��ت راي ��ة ال ال��ه اال اهلل حم�م��د ر� �س��ول اهلل‬ ‫توحيداً هلل وبعقيدة ان�سانية �سمحاء خادمة للب�شرية جمعاء‬ ‫دون تفريق او متييز ا ّال بالتقوى وياللأ�سف رفعت هذه الراية‬ ‫توظيفا الهداف اعداء اال�سالم يف ايامنا هذه من قبل تنظيمات‬ ‫وجتمعات من �صنع اعداء االمة ‪.‬‬ ‫وبعد ان تكالبت االمم على امة العرب عندما ابتعدوا عن‬ ‫�صلب عقيدة التوحيد وتفرقوا خلف رايات املذهبية والطائفية‬ ‫واحلزبية اال�سالميه وتكر�ست جتزئتهم وحتققت حتت راية‬ ‫القومية العربية لال�سف ال�شديد ولكل ا�سبابها ومربارتها‪،،‬‬ ‫جت�سدت اط�م��اع الطامعني يف ار��ض�ن��ا وث��روات�ن��ا نحن العرب‬ ‫بعد �أن متكنوا من �صلب ولب العقيدة اال�سالمية وبا�ساليب‬ ‫وط��رق �شتى فهذه االه ��واز العربية واملحمرة وع�ب��ادان ام��ارة‬ ‫ال�شيخ خزعل قد اقتطعت من العراق مطلع القرن الع�شرين‬ ‫لي�سلب ن�صف �شط العرب يف �أواخره‪ ،‬وال �أريد التف�صيل يف ذلك‬ ‫ولكنها حقيقة ماثلة �أمامنا؛ ليتواجد الفر�س على �سواحل‬ ‫اخلليج العربي و�صوال للمطالبة بت�سميته بالفار�سي الحقا‬

‫والول مرة يف تاريخ الب�شرية وبذات الوقت �سلبت ايران اجلزر‬ ‫العربية الثالث( �أبو مو�سى وطنب ال�صغرى وطنب الكربى)‬ ‫�أم��ام م��ر�آى وم�سمع كل العرب ه��ذه ح�صة الفر�س فقط‪� ،‬أما‬ ‫تركيا فقد اقتطعت ل��واء اال��س�ك�ن��درون��ه‪ ،‬وه��ي ت��دخ��ل �شمال‬ ‫�سوريا العروبة الآن لت�شكل ج��زراً ملجاميع ارهابية ترعاهم‬ ‫وتدعمهم بكل متطلبات ال�صمود والبقاء‪ ،‬لت�شكل �ضغطاً على‬ ‫احلكومة ال�سورية وكع�صا غلي�ضة ترفعها بوجهها لتنفيذ‬ ‫م�آربها وم�صاحلها طمعاً بق�ضمة جديدة من (الكعكة) بعد ان‬ ‫ان�سحبت امريكا من �سوريا وتقا�سمت النفوذ مع ايران ورو�سيا‪،‬‬ ‫�إذ اتفقت الأخ�ي�رة م��ع ا�سرائيل على الأدوار املر�سومة لكل‬ ‫منهم يف جت�سيد واق��ع االحتالل اال�سرائيلي املكمل لدولتهم‬ ‫املزعومة‪ ،‬بجعل حدود اجلوالن دائمية ولي�س م�ؤقتة‪ ،‬خا�صة‬ ‫بعد �إ�صدار ا�سرائيل للقانون العن�صري باعتبارها دولة اليهود‬ ‫القومية والقد�س ال�شريف املوحد ب�شقيه عا�صمة ابدية لهم‪،،‬‬ ‫والنن�سى ت�صريحات الرئي�س الرتكي االخ�يرة ب�ش�أن املو�صل‬ ‫ون�ب���ش��ه ل�ل�ت��اري��خ ب��ال�ع��ودة ال��ى م�ع��اه��دت��ي �سيفر ول� ��وزان بعد‬ ‫تقوي�ض خالفتهم اال�سالميه‪.‬‬ ‫هذه نتف من تاريخ متزيق االمة العربية دون اال�شارة الى‬ ‫اطماع بع�ضنا بالبع�ض الآخر ذ ًال وخذالناً و�صو ًال الى احتالالت‬ ‫بع�ضنا البع�ض وان�سالخنا وان�شطاراتنا دون م�س�ؤولية‪ ،‬واهتمام‬ ‫مب�ستقبلنا‪ ،‬وبعد ان ات�ضحت وبانت كل االطماع وامل�ؤامرات على‬ ‫امتنا العربية‪� ،‬ألي�س فينا من يجمع �شتاتنا ويوحدنا ؟؟؟؟بعد‬ ‫�أن كنا �أمة واحدة ن�أمر باملعروف وننهى عن املنكر‪ ،‬فهل ننتظر‬ ‫الوليد �أم ننتظر من هو يف ال�سرداب قعيد‪� ،‬سبحانك ربي انك‬ ‫ف ّعال ملا تريد‪...‬؟‬


‫واحة الوسطية ‪...‬‬

‫شعر ‪...‬‬ ‫د‪ .‬ذيب عبد اهلل خطاب‬

‫���ع ����ص���و ِت� ِ‬ ‫��ك ب���الأ����س���ح���ار ن��ه��واه‬ ‫َرج����ي� ُ‬ ‫غَ ��� ِّن���ي ف��م��ايل � ِ‬ ‫أراك ال���ي���و َم ���ص��ام��ت� ً�ة‬ ‫����ت يف ال��ب��ح��ر ف��ي�����ض� ًا م��ن عجائبه‬ ‫ر�أي� ُ‬ ‫ً‬ ‫أ���ش��رع��ة‬ ‫وك����م ن�����س��ج��ن��ا م���ن الأوه�������ام �‬ ‫��ت يف ال���ب���ل���دان �أ���س ��أل��ه��ا‬ ‫وك����م ت���ط��� ّوف� ُ‬ ‫طُ ��ف��ن��ا ب��ه��ا وارت���وي���ن���ا م���ن ل��ذائ��ذه��ا‬ ‫ث���م ان��ث��ن��ي��ن��ا �إل�����ى ال��ع�����ش��اقِ ن�����س��أل��ه��م‬ ‫������روح م���ن َك��م� ٍ�د‬ ‫ويف ال���ل���ي���ايل ت��ئ��ن ال�‬ ‫ُ‬ ‫���روح ب��الأح��ب��اب جتمعنا‬ ‫ت�سري بنا ال� ُ‬ ‫ج����ب����الُ م���ك� َ‬ ‫��ة �أع����ل����ى م����ن ن��واط��ح��ه��م‬ ‫ُع���دن���ا �إل�����ى اهلل ن���رج���و ع���� َّز رح��م��ت� ِ�ه‬ ‫ُع���دن���ا �إل���ي���ه وم���ا يف ال���ك���ون م���ن � ٍ‬ ‫أح���د‬ ‫َ‬ ‫ت�ب�ر طَ‬ ‫��ي��ب��ة‪ ،‬والأ�����ش����واقُ حتملني‬ ‫ي���ا َ‬ ‫ي���ا �أر�� َ�����ض طَ ��ي��ب� َ�ة ف � ْل � َي � ْه��ن��ئ� ِ‬ ‫م��رق��ده‬ ‫�ك‬ ‫ُ‬ ‫��ع ل�����س��ت �أم��ل��ك��ه‬ ‫ف��ا���ض��ت ع���ي���وين ب���دم� ٍ‬ ‫��ت ال����ي����و َم ط���ائ���ر ًة‬ ‫وم����ن ِه���ي���ام���ي رك���ب� ُ‬ ‫ُت���ك���اب���د ال�������ش���وقَ ي��غ��ل��ي يف م��راجِ ��ل��ه��ا‬ ‫���د ويف َل��ه� ٍ‬ ‫�ط الأر�� َ�����ض م��ن َوج� ٍ‬ ‫وت��ه��ب� ُ‬ ‫�ف‬ ‫��ون ال���دم��� ِع ن�سكبه‬ ‫ع��ن��د احل��ب��ي��ب َه���ت� ُ‬ ‫ِ‬ ‫لظى‬ ‫يف‬ ‫رو�ضة امل�صطفى جتري الدموع ً‬ ‫��ب ك����اد يقتلني‬ ‫ت���رج���وه ع���ف���و ًا ل���ذن� ٍ‬

‫عند الحبيب‬ ‫��ر ع��ي��ن��ي��ك ب�����الأح��ل��ا ِم ن��غ�����ش��ا ُه‬ ‫وب���ح� ُ‬ ‫����اح م����ن الأ�����ش����ج����ان م������ر�آ ُه‬ ‫ويف وِ������ش� ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫زي�������ف ق�����د �أل���ف���ن���اه‬ ‫ويف امل�����دائ�����ن‬ ‫����س���راب ال���ه���وى ع���م���ر ًا �أ���ض��ع��ن��اه‬ ‫ويف‬ ‫ِ‬ ‫ع���ن ال���رح���ي���ق‪ ،‬و�أي������ن الآن �أل���ق���اه؟‬ ‫����س���ح���ر ع�����ش��ق��ن��اه‬ ‫ويف رغ���ائ���ب���ه���ا‬ ‫ٌ‬ ‫�أف���ات���ه���م ب��ع�����ض م����ا ك���ن���ا ���ش��ه��دن��اه؟‬ ‫م����اذا ج��ن��ي��ن��ا‪ ،‬و�أي الإث�����م خ�����ض��ن��اه؟‬ ‫��د ج��ن��ي��ن��اه‬ ‫وع���ن���د �أع���ت���اب���ه���م �� َ��ش���ه� ٌ‬ ‫وك����ع����ب����ةُ ا ِ‬ ‫هلل �أغ����ل����ى م����ا ر�أي����ن����اه‬ ‫ويف ان���ك�������س���ا ٍر م����ن الآث��������ام ن��خ�����ش��اه‬ ‫ُي��ع��ي��ذ ع���ب���د ًا م���ن ال����ن��ي�ران �إال ُه��� ْو‬ ‫�ل��ب ���ش��ك��واه‬ ‫ع��ن��د احل��ب��ي��ب َي��� ُب���ثُّ ال��ق� ُ‬ ‫�وب �إل����ى َم���ن ف��ي� ِ‬ ‫�ك م��ث��واه‬ ‫ت��ه��وي ال��ق��ل� ُ‬ ‫وم����ن �أُوار ال���ه���وى م���ا ق���د ���س��ك��ب��ن��اه‬ ‫ال�����س��ح��اب ومت�����ض��ي يف ث��ن��اي��اه‬ ‫ف����وق‬ ‫ِ‬ ‫ال���ري���ح ال ت�����ص��غ��ي ل��ن��ج��واه‬ ‫وح��ول��ه��ا‬ ‫ُ‬ ‫ه��ن��ا احل��ب��ي� ُ�ب م�����ش��ى‪ ،‬يف اهلل مم�شاه‬ ‫وال��ن��ف���� ُ�س ت��ب��ك��ي دم���� ًا مم���ا ج��رح��ن��اه‬ ‫ت���رج���و م���ن اهلل غ��ي��ث � ًا ط����اب � ُ��س��ق��ي��اه‬ ‫مي���زق ال�����ص��د َر‪ ،‬يف الأح�������ش���اءِ ُ�سكناه‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪75‬‬


‫‪76‬‬

‫���ش��ق��اء ن��ف�����س��ي م���ن ال���وي�ل�ات تطحنني‬ ‫ُب���ع���دي ع���ن اهلل يف ج��ه��ل��ي ي����ؤ ّرق���ن���ي‬ ‫�إين لأرج�������و م����ن ال���رح���م���ن م��غ��ف��ر ًة‬ ‫����اب م�����والي يف ال���غ���ف���ران وا���س��ع� ٌ�ة‬ ‫رح� ُ‬ ‫ر������س�����ولُ رب�����ي وب������الإمي������ان ق��دوت��ن��ا‬ ‫ق���د ب����ارك اهلل ����ص���در ًا ك���ان ُي��ر���ض��ع��ه‬ ‫ق���د ج����اءه ال�����روح ب��ال��ت��ن��زي��ل ُي��ق��رِ ئ��ه‬ ‫�شم�س ال��ه��دى �أ���ش��رق� ْ�ت م��ن ن���و ِر طَ لعته‬ ‫ُ‬ ‫ح����ولَ ال��ن��ب� ِّ�ي ال��ت��ق� ْ�ت يف اهلل ط��ائ��ف� ٌ�ة‬ ‫بال�سيف حت��م��ي ا ِ‬ ‫حل��م��ى‪ ،‬وال��ك��ف � َر َت��ردع��ه‬ ‫��د يف ب����در ويف �أح� ٍ‬ ‫���د‬ ‫�أر����س���ى ال���ق���واع� َ‬ ‫م��ي��زانُ��ه ال���ع���دلُ ال ي��ب��غ��ي ع��ل��ى � ٍ‬ ‫أح���د‬ ‫وراي�������ةُ احل�����قِّ يف ال��ه��ي��ج��اءِ ي��رف��ع��ه��ا‬ ‫ودر ُع �أم������ت������ه يف ي��������وم ن�����ازل� ٍ‬ ‫����ة‬ ‫وك�����لُّ ذي َج���� َل� ٍ‬ ‫���د م���ن َه�����ول ���ص��دم��ت��ه��ا‬ ‫َ‬ ‫ج����ب����الُ‬ ‫م���ك���ة دان������ت م����ن ت��وا���ض��ع��ه‬ ‫م���ن ه��ي��ب��ة امل�����ص��ط��ف��ى دان�����ت رق��اب��ه� ُ�م‬ ‫ق��د ط � ّه��ر ال��ب��ي��تَ والأ����ص���ن���ا َم حطّ مها‬ ‫ال���ك���رمي وك����م ف��ا���ض��ت م��ك��ار ُم��ه‬ ‫ج����اد‬ ‫ُ‬ ‫ي���ا م���ن ُوه���ب���تَ م���ن الأخ���ل��اق �أك��رم��ه��ا‬ ‫ب��ال�����ص�بر ظ����لّ ج���ب���الَ ال��ك��ف��ر يهدمها‬ ‫وح������اَر �أه������لُ ال�� ُّن��ه��ى يف ن����ور حكمته‬ ‫ن�سب‬ ‫ي��ا �أف�����ض��لَ ال��ن��ا�� ِ�س يف ج����ا ٍه ويف ٍ‬ ‫ً‬ ‫�ضائقة‬ ‫ف��ه��و ال��ك��رمي ال����ذي م��ا خ���اف‬ ‫ب����ذك����ر ن����ع���� ِل� َ‬ ‫���ك ن���ع���ل���و ح��ي�ن ن���ذك���ره‬ ‫م��و���س��ى ال��ك��ل��ي��م ب����أم���ر اهلل يخلعها‬ ‫��م ُي����ؤم���ر بخلعهما‬ ‫�أ ّم������ا‬ ‫ُ‬ ‫احل��ب��ي��ب ف���ل� ْ‬ ‫��ب و َي����رق����ى يف م��ن��ازل��ه‬ ‫ي���دن���و احل���ب���ي� ُ‬ ‫�إذا زه������ا م����ل� ٌ‬ ‫���اج ي��ل��ب�����س��ه‬ ‫���ك ب����ال����ت� ِ‬ ‫ف������داه روح������ي ويف َم�������س���راه �أب���ذل���ه���ا‬ ‫رب ����ص���لِّ ع��ل��ى امل���خ���ت���ار �أُ���س��وت��ن��ا‬ ‫ي���ا ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ن����اءت الأر������ض ب��الإن�����س��ان يثقلها‬ ‫ق��د‬ ‫ف��ارح��م ع���ب���ادك‪ ،‬وارف����ع ���ش���أن �أ ّم��ت��ن��ا‬ ‫� ْإن ت����اه ق��ل��ب��ي ع���ن الآي������ات يهجرها‬ ‫ورن يف ال�������ص���در ب����الآه����ات ي��ر���س��ل��ه��ا‬ ‫ّ‬ ‫ل���ك���ن���ه ال����ي����وم يف حم�������راب خ��ال��ق��ه‬ ‫ق���د �آب ل��ل��ذك��ر ي���ن���وي ه��ج��ر غفلته‬ ‫ب�ر م���ع ال���غ���ف���ران ع�ثرت��ه‬ ‫ي���ا ِّ‬ ‫رب ف���اج� ْ‬

‫�����م ج��ن��ي��ن��اه‬ ‫وظ���ل���م���ةُ ال��ن��ف�����س م���ن �إث� ٍ‬ ‫��ب م����ن ح�����زن ت��غ����ّ�ش��اه‬ ‫ت��ف��ط��ر ال���ق���ل� ُ‬ ‫ف����ي��ب�ر�أ ال�������ص���در مم����ا ك�����ان �أ����ض���ن���اه‬ ‫ث�����وب ال�����س��ك��ي��ن��ة ل����ل����أواب �أ����ض���ف���اه‬ ‫ب���ه ال�����ش��ف��اع��ةُ تُ���رج���ى ي�����و َم ن��ل��ق��اه‬ ‫وب���������ارك اهلل ب���ي���ت��� ًا ك������ان م���������أواه‬ ‫��ت ع��ط��اي��اه‬ ‫��اب ال�����ذي ج��� ّل� ْ‬ ‫ه����ذا ال���ك���ت� َ‬ ‫ل��ل��دي��ن ي���ه���دي ب��ه��ا م���ن ����ش���اء م���واله‬ ‫ي���ه���دي ب��ه��ا اهلل َم����ن ل��ل��ح��ق َم�����س��ع��اه‬ ‫ق����وم َر�أوا ل��ل�����س��ي��ف جم���راه‬ ‫ق���د ع���� َّز‬ ‫ٌ‬ ‫نا ِ‬ ‫هلل ت���رع���اه‬ ‫ل���ل���دي���ن ي���ح���ي���ا‪ ،‬وع���ي�� ُ‬ ‫��ان �سيماه‬ ‫ل�����س��ا ُن��ه ال�����ص��دقُ والإح�������س� ُ‬ ‫�����روب ن���ظ���ا َم ال���ع���دلِ �أر����س���اه‬ ‫ويف احل�‬ ‫ِ‬ ‫ال��غ��اب �أ���س��راه‬ ‫��د‬ ‫ِ‬ ‫يحمي ال���ذِّ م���ار و�أُ����س� ُ‬ ‫خ���ل���ف ال���ن���ب���ي اح���ت���م���ى واهلل جنّ ����اه‬ ‫ويف ال����ِّ�ش��ع��اب ج��م��وع ال���ق���وم تخ�شاه‬ ‫��وب ال��ن��ا���س ت��ه��واه‬ ‫ب��ال��ع��ف��و ت��ه��ف��و ق���ل� ُ‬ ‫ال���ذك���ر ف����وق ال��ب��ي��ت �أع��ل�اه‬ ‫وي���رف���ع‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫���ه ق���د ب���ان���ت ث��ن��اي��اه‬ ‫��م ال����وج� ُ‬ ‫ت��ب�����س َ‬ ‫ّ‬ ‫و�أن����������زلَ اهلل ذك��������ر ًا يف ���س��ج��اي��اه‬ ‫وا ِ‬ ‫�����م ظ����ل ب����ه طَ ����ل����ق���� ًا محُ ���ي���اه‬ ‫حل������ل� ُ‬ ‫وح�����ا َر �أه�����لُ ال � ُّت��ق��ى م���ن ف�����ض��ل ت��ق��واه‬ ‫ال���ك���ون ب��ال��ت�����س��ب��ي��ح وااله‬ ‫ي���زه���و ب���ه‬ ‫ُ‬ ‫َّث�ى َت��ه��م��ي ع��ط��اي��اه‬ ‫ك��ال��غ��ي��ث ف����وقَ ال � رَّ‬ ‫وال ُن������غ������ايل �إذا ك����ن����ا رف���ع���ن���اه‬ ‫��������ر ا ِ‬ ‫هلل ل��� ّب���اه‬ ‫ف�����وق ال����ت����راب‪ ،‬و�أم� ُ‬ ‫ف����وق ال�����س��م��اء ويف ال���رج���ل�ي�ن ن��ع�لاه‬ ‫�أع����ل���اه رب�����ي ويف الآي���������ات �أغ����ن����اه‬ ‫ف����ق����د مت����� َّي�����زَ ف�������وق ال�����ت�����اج ن���ع�ل�اه‬ ‫�����ت ل���ر�ؤي���اه‬ ‫وت�����س��ع��د ال��ن��ف�����س ل���و ز َّف� ْ‬ ‫ُن��� ع��ل��ي��ن��ا‪ ،‬وب���ال���ف���ردو����س ن��ل��ق��اه‬ ‫وام�� نُ‬ ‫و���ض��اق� ِ�ت الأر�����ض ت�شكو م��ن خطاياه‬ ‫واه� ِ‬ ‫����د ال��ق��ل��وب �إل����ى م���ا �أن����ت ت��ر���ض��اه‬ ‫�أو ����ض���لَّ ق��ل��ب��ي ع���ن ال����ق����ر�آن ي��ن�����س��اه‬ ‫ي��ا وي���ح ق��ل��ب��ي ُع��ب��اب ال��ب ��ؤ���س �أ���ش��ق��اه‬ ‫رب������اه �أن������ت ال������ذي ب���ال���ت���وب �أح���ي���اه‬ ‫مم������ا ك������ان �أع����م����اه‬ ‫وث�������اب ل����ل���� َّت����وب ّ‬ ‫ب�����ارك �إل���ه���ي م���ن ال���ر����ض���وان �أُخ�����راه‬


‫مع اقتراب رأس السنة الهجرية‬ ‫تهفو النفوس إلى زيارة الحبيب‬ ‫عليه الصالة والسالم‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪77‬‬


‫أخبار الوسطية‬

‫المنتدى العالمي للوسطية والبلقاء التطبيقية‬

‫ينظمان ندوة دولية حول خطر اإلرهاب‬

‫‪78‬‬

‫برعاية كرمية من دول��ة رئي�س ال ��وزراء الدكتور‬ ‫عمر ال ��رزاز‪ ،‬نظم امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية وجامعة‬ ‫البلقاء التطبيقية ندوة دولية يف رحاب اجلامعة بعنوان‬ ‫" خطر الإرهاب على الأمن الإجتماعي وال�سلم الأهلي‬ ‫" ومت مناق�شة جمموعة من الأوراق العلمية على مدار‬ ‫جل�ستني متتاليتني منها ‪:‬‬ ‫ الوعي الوطني وحوا�ضن التطرف‬‫ التطرف بني الواقع الإجتماعي واملناخ الفكري‬‫ دور الفن يف مناه�ضة العنف‬‫ دور اخلطاب الثقايف يف مناه�ضة العنف‬‫ حمركات العنف املجتمعي و�أثرها يف تهديد الأمن‬‫املجتمعي (وت���ش�م��ل اخل �ط��اب ال�ث�ق��ايف وم�ؤ�س�سات‬ ‫املجتمع املدين)‬ ‫ دور و�سائل الإعالم يف مواجهة التطرف‬‫ دور املنظومة الدينية يف مواجهة التطرف (ت�شمل‬‫امل�ؤ�س�سات الدينية احلكومية واخل��ا��ص��ة‪ ،‬وكليات‬

‫ال�شريعة‪ ،‬ومناهج الرتبية الإ�سالمية)‬ ‫ دور امل��ؤ��س���س��ات الأم �ن �ي��ة وامل��راك��ز البحثية يف‬‫معاجلة جذور التطرف‬ ‫و� �ش��ارك يف ه ��ذه ال�ت�ظ��اه��رة ال�ف�ك��ري��ة الثقافية‬ ‫التوعوية ع��دد كبري م��ن العلماء واملفكرين و�أ�صحاب‬ ‫الإخت�صا�ص يف جمال الرتبية ومكافحة الإره��اب ومن‬ ‫ب�ين ه��ذه ال�شخ�صيات ال��وازن��ة‪ :‬دول ��ة الإم ��ام ال���ص��ادق‬ ‫امل�ه��دي وامل�ه�ن��د���س م ��روان ال �ف��اع��وري والأ� �س �ت��اذ �شوقي‬ ‫ال �ق��ا� �ض��ي م ��ن ال �ي �م��ن وال ��دك� �ت ��ور اخ �ل �ي��ف ال �ط��راون��ة‪،‬‬ ‫والدكتور عبد الرحمن الكيالين عميد كلية ال�شريعة‬ ‫يف اجلامعة الأردنية‪� ،‬إ�ضافة الى عدد �آخر من الباحثني‬ ‫�سيتحدثون مبو�ضوعات تتعلق يف بناء الوعي الوطني‬ ‫جتاه �آفات الع�صر‪ ،‬منها التطرف والإرهاب‪ ،‬هذه الآفات‬ ‫التي ا�صبحت تهدد �أمن املجتمعات وا�ستقرارها وقدمت‬ ‫ال�ن��دوة العلمية الدولية تو�صيات هامة �سيتم و�صفها‬ ‫�أمام �صناع القرار يف بالدنا للإ�ستفادة من م�ضامينها‪.‬‬


‫وسطية الكرك ينظم‬

‫ندوة فكرية في مركز شابات القصر‬

‫ن�ظ��م امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية ب��ال�ت�ع��اون م��ع ف��رع‬ ‫منتدى الو�سطية يف حمافظة الكرك ندوة فكرية تناولت‬ ‫اليات مواجهة الفكر املتطرف وتوعية اجلمهور من افكار‬ ‫اجل�م��اع��ات االره��اب�ي��ة ور��س��ال��ة اال� �س�لام الو�سطية التي‬ ‫تبناها االردن من �أجل اظهار ال�صورة احلقيقية لال�سالم‪.‬‬ ‫و�أك� ��د م��دي��ر ال��درا� �س��ات يف امل�ن�ت��دى ال��دك �ت��ور ح�سن‬ ‫املبي�ضني ان املنتدى يعنى بال�شان الوطني االردين وهدفه‬ ‫البحث عن حالة التوازن الفكري والديني مبا ين�سجم مع‬ ‫ثوابت الدولة االردنية من خالل عقد الندوات وتنظيم‬ ‫امل�ح��ا��ض��رات مب�شاركة خمت�صني واك��ادمي�ي�ين للتعريف‬ ‫بو�سطية اال�سالم وتا�صيل الفكر اال�سالمي واعادة كتابة‬ ‫ون���ش��ر االرث احل���ض��اري لتمكني االج �ي��ال امل�سلمة من‬ ‫االطالع على املنجز احل�ضاري لالمة مبينا االثر ال�سلبي‬ ‫الذي يرتكه الإرهاب يف االذهان خا�صة يف اجليل اجلديد‬ ‫وما له من �سلبيات على بناء املجتمع وحلمته االجتماعية‬ ‫والوطنية ‪.‬‬ ‫وعر�ض املبي�ضني للواقع العام الذي و�صلت اليه الدول‬ ‫العربية وما تتعر�ض له من فكر متطرف وارهاب ممنهج‬

‫�ساهم يف جذب ال�شباب العربي لالفكار املتطرفة وت�شويه‬ ‫��ص��ورة اال� �س�لام ام��ام ال�ع��امل م�شريا ال��ى اهمية تكاتف‬ ‫جميع اجلهود من اج��ل مواجهة اجلماعات التي حتمل‬ ‫فكرا ظالميا وت��ؤث��ر على ال�شباب الفتا ال��ى ان املنتدى‬ ‫يرتكز يف �سيا�ساته ال��ى اال�سهام يف حتقيق الت�صالح مع‬ ‫الذات واحلوار املبني على موازين ال�شرع والعقل والواقع‬ ‫وجتفيف م�صادر الغلو واحلوار بني احل�ضارات والتنمية‬ ‫ال�شاملة يف بالد امل�سلمني ‪.‬‬ ‫بدورها قالت رئي�سة ف��رع املنتدى يف الكرك مي�سون‬ ‫امل�ب�ي���ض�ين ان امل �ن �ت��دى اع� ��د خ �ط��ة ت�ث�ق�ي�ف�ي��ة تت�ضمن‬ ‫حما�ضرات وندوات ت�ستهدف قطاع املر�أة بالدرجة االولى‬ ‫وطلبة اجلامعات والكليات وامل��دار���س مب�شاركة االع�لام‬ ‫واالح� ��زاب وال�ن�ق��اب��ات ورج ��ال ال��دي��ن امل�سيحي وامل�سلم‬ ‫واجل�م�ع�ي��ات ب�ه��دف الت�شبيك معهم وب�ن��اء فكر معتدل‬ ‫و�سطي با�سلوب احل��وار املتزن بني ال��راي وال��راي االخر‬ ‫وتعميق الفكراال�سالمي الذي يقبل اجلميع‪.‬‬

‫من جديد المنتدى ‪...‬‬ ‫ي �ق �ي��م امل� �ن� �ت ��دى ال� �ع ��امل ��ي ل �ل��و� �س �ط �ي��ة ب �ت��اري��خ‬ ‫‪2018/10/20‬م‪ ،‬ن��دوة دول�ي��ة ب�ع�ن��وان (م��ن �أع�لام‬ ‫اال��ص�لاح وال�ت�ج��دي��د‪ ،‬اب��ن عا�شور وحم�م��د حبيب‬ ‫العبيدي)‪ ،‬تتناول �سرية هذين العلمني وم�سريتهما‬ ‫العلمية والعملية يف جمال جتديد الفكر اال�سالمي‪.‬‬ ‫ويذكر ب�أن هذه الندوة �ستقام يف مدينة تون�س‪.‬‬

‫ك�م��ا �سيقام م ��ؤمت��ر دويل ب�ت��اري��خ ‪ ٢٠١٨/ ١٠/٢٧‬يف‬ ‫كرد�ستان بعنوان (�صالح الدين االيوبي‪..‬الإن�سان والقائد‬ ‫وموجه التاريخ) يتناول �سرية وم�سرية القائد اال�سالمي‬ ‫البطل �صالح الدين االيوبي الذي كان له ال��دور الأبرز‬ ‫يف توحيد الأم��ة اال�سالمية يف ع�صره حتت راية اجلهاد‬ ‫الذي تعزز يف ذلك الوقت بتحرير بيت املقد�س بعد معركة‬ ‫حطني عام ‪1187‬م‪ ،‬و�سيتناول هذا امل�ؤمتر املالمح العامة‬ ‫يف �شخ�صية هذا القائد الرمز‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪79‬‬


‫أخبار الوسطية‬ ‫نظم فرع السلط‬

‫محاضرة للمفتي الدكتور هاني العابد حول الحج‬ ‫وأحكامه (مفكرة الحاج)‬ ‫احل ��اج) وذل ��ك ق�ب��ل ��ص�لاة اجل�م�ع��ة يف م�سجد ال�سلط‬ ‫ال�صغري حيث ت�ن��اول مو�ضوع احل��ج م��ن حيث االرك��ان‬ ‫والواجبات وال�سنن ومفهوم احلج امل�برور الذي ال رفث‬ ‫وال ف�سوق وال ج��دال ف�ي��ه‪ ،‬وي�ع��ود �صاحبه منه مغفور‬ ‫الذنب كيوم ولدته امه‪ ،‬ويف حالة اميانية خري مما ذهب‬ ‫وبعد االنتهاء من املحا�ضره مت توزيع مفكرة احلج التي‬ ‫�أعدتها وزارة االوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات اال�سالمية ‪.‬‬ ‫وق��ال احيا عربيات رئي�س الفرع بان هذا الن�شاط ياتي‬ ‫�ضمن عدة ن�شاطات �سيقوم املنتدى يف ال�سلط بتنظيمها‬ ‫نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يف ال�سلط مل�ساعدة احل�ج��اج يف ال�سلط ب��ال�ت��زود باملعلومات اثناء‬ ‫ي ��وم اجل�م�ع��ه امل��واف��ق ‪ 2018/7/27‬حم ��ا�� �ض ��رة للمفتي اع�م��ال احل��ج ‪ ‬وال�شروط وامل �ح �ظ��ورات وامل�ب��اح��ات اثناء‬ ‫ال��دك �ت��ور ه��اين ال�ع��اب��د ح��ول احل��ج واح �ك��ام��ه (م�ف�ك��رة ت�أدية فري�ضة احلج ‪.‬‬

‫فرع جرش يقيم محاضرة‬ ‫‪80‬‬

‫�أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع جر�ش يوم‬ ‫جمتمع �آمن حتدث فيها املقدم بوتاي ال�شي�شاين والوكيل‬ ‫حمزه عتوم عن معاجلة االو�ضاع ذات اخل�صو�صيه بني‬ ‫اف��راد العائلة وحل م�شاكلهم بالطرق القانونية واع��ادة‬

‫ال��وئ��ام واملحبة ب�ين اف��راد اال��س��رة وب�أ�ساليب ودي��ة دون‬ ‫االيذاء وال�ضرر لأي من افراد اال�سرة‪ ،‬فدورنا هو احالل‬ ‫الوئام حمل اخل�صام وجعل جمتمعنا جمتمعاً امناً يعي�ش‬ ‫ب�أمن و�سالم ليبقى اردننا اردن املحبة وال�سالم‪.‬‬


‫ً‬ ‫مندوبا عن األمين العام‬

‫العجلوني يخرج دورة تدريبية‬ ‫ان �ت��دب امل �ه �ن��د���س م � ��روان ال �ف��اع��وري الأم �ي��ن ال �ع��ام‬ ‫للمنتدى الأ�ستاذ ابراهيم العجلوين امل�ست�شار الثقايف‬ ‫للمنتدى لرعاية حفل تخريج الطلبة‪ ‬الربنامج التدريبي‬ ‫الذي اختتم �أعماله يوم الأحد املوافق ‪ ،2018/8/5‬حيث‬ ‫ا�شرتك فيه عدد من طلبة اجلامعة الها�شمية حيث تلقى‬ ‫امل�ت��درب��ون خ�لال ال�ف�ترة ال��واق�ع��ة م��ا ب�ين ‪2018/06/23‬‬ ‫ولغاية ‪2018/08/05‬م وبواقع (‪� )90‬ساعة تدريب عملي‬ ‫و�أكرث على جمموعة من املهارات الإداري��ة والإجتماعية‬ ‫والثقافية وح�ضور تطبيقات عملية لندوات واجتماعات‬ ‫ومهارات توا�صل و�أعمال �إدارية ومرا�سالت عامة واملوارد‬ ‫الب�شرية وكتابة التقارير ومذكرات التفاهم‪� ،‬إ�ضافة الى‬ ‫م �ه��ارات ال�ع��ر���ض والإل �ق��اء وحم��ا��ض��رات ع��ن التح�صني‬ ‫الفكري �ضد التطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫‪ ‬ويف نهاية االحتفال وزع العجلوين ال�شهادات على‬ ‫املتدربني وقد �أ�شرف على برنامج التدريب الدكتور زيد‬

‫�أحمد املحي�سن املن�سق العام لل�ش�ؤون اخلارجية والتعاون‬ ‫الدويل وح�ضر حفل التخريج الدكتور مازن الفاعوري‪ ‬‬ ‫�أمني �سر املنتدى وال�سيد عمر اخلراب�شة مدير العالقات‬ ‫العامة يف املنتدى‪.‬‬

‫في مدرسة نسيبة المازنية‬

‫المبيضين يحاضر حول التطرف واالرهاب‬

‫ق��دم الدكتور ح�سن علي املبي�ضني مدير الدرا�سات‬ ‫يف املنتدى العاملي للو�سطية حما�ضرة ح��ول التطرف‬ ‫واالره ��اب يف م��در��س��ة ن�سيبة امل��ازن�ي��ة ال�ث��ان��وي��ة للبنات‪،‬‬ ‫يف م �ن �ط �ق��ة غ� � ��ور امل� � ��زرع� � ��ة‪ ،‬يف حم ��اف� �ظ ��ة ال � �ك� ��رك‪.‬‬ ‫�ضمن برنامج اال�سبوع الثقايف للواء الق�صر‪ ،‬وتفعيال‬ ‫خلطة وجهود ل��واء االغ��وار اجلنوبية كمدينة للثقافة‬

‫االردن � �ي ��ة‪ ،‬وم���س��اه�م��ة م��ن ف ��رع م �ن �ت��دى ال��و��س�ط�ي��ة يف‬ ‫حمافظة الكرك‪.‬‬ ‫وح�ضرها مديرة املدر�سة واال�ستاذ فتحي الهوميل‬ ‫ع�ضو جمل�س حمافظة الكرك‪ ،‬وبع�ض ر�ؤ�ساء اجلمعيات‬ ‫واع�ضاء املجتمع املحلي يف املنطقة‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد الثاين والثالثون ‪ -‬ذو احلجة ‪1439‬هـ ‪/‬ايلول ‪٢٠١8‬م‬

‫‪81‬‬





Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.