العدد السادس والعشرين

Page 1


‫افتتاحية العدد ‪. . .‬‬ ‫ي�أتي �صدور العدد ال�ساد�س والع�شرين من جملتنا‬ ‫(ال��و� �س �ط �ي��ة) م �ت��زام � ًن��ا م��ع ع�ق��د م ��ؤمت��رن��ا ال ��دويل‬ ‫"امل�سلمون وال�ع��امل م��ن امل ��أزق �إل��ى املخرج"‪ ،‬ال��ذي‬ ‫نريده بوابة فكرية تف�ضي �إلى العقل اجلمعي للأمة‬ ‫الإ�سالمية التي باتت ترى يف كل ما تعانيه من م�صائب‬ ‫وويالت‪ ،‬وحروب وكوارث‪ ،‬وتخلف �سيا�سي واقت�صادي‬ ‫واجتماعي‪� ،‬أم ًرا اعتياد ًّيا‪ ،‬بل وك�أنها تطلب املزيد من‬ ‫ذلك التخلف‪ ،‬مبا متار�سه من ممار�سات‪ ،‬ومن تخ ّبط‬ ‫يف اتخاذ ال�ق��رارات‪ ،‬وم��ن �إق�صا ٍء ملفكريها وعلمائها‪،‬‬ ‫ورواد التنوير الفكري والثقايف من �أبنائها‪� ،‬أو �صعود‬ ‫اجلهلة و�أ�صحاب امل�صالح الذاتية ال�ضيقة ليكونوا‬ ‫�صنّاع ال�ق��رار يف مفا�صلها ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫و�أ�صحاب الكلمة النافذة فيها؛ �إذ ت�شكل هذه جميعها‬ ‫ج��ز ًءا من امل��أزق الذي نعي�ش‪� ،‬إ�ضافة �إلى وجود �أزمة‬ ‫وا� �ض �ح��ة يف ال �ع�لاق��ة ب�ي�ن ال��دي��ن وم �ظ��اه��ر احل�ي��اة‬ ‫لدينا‪ ،‬وم��ا بني مفهوم احلرية و�شكلها وح�ضورها‪،‬‬ ‫وال��دمي��وق��راط�ي��ة ك��ذل��ك‪� ،‬إ��ض��اف��ة �إل��ى �أزم ��ة ال�صراع‬ ‫املذهبي التي تفت يف ع�ضد الأمة‪ ،‬و�أزمة غياب الوعي‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬وغياب التنمية ال�شاملة يف ديار الإ�سالم‪.‬‬ ‫�إنّ ��ص��دور ه��ذا ال�ع��دد‪ ،‬وه��و يحمل م��ن امل�ضامني‬ ‫الفكرية والثقافية �أك�ثره��ا م�صداقي ًة ملا نحن فيه‪،‬‬ ‫و�أق� ��دره� ��ا ع �ل��ى م��واج �ه��ة ال ��واق ��ع ب��ال�ف�ك��ر واحل �ج��ة‬ ‫والربهان‪ ،‬ومقارعة الفكر بالفكر‪ ،‬مقرون ًة باملجادلة‬ ‫بالتي هي �أح�سن‪ ،‬وغري بعيدة عن احلكمة التي هي‬ ‫جوهر كل ف�ضيلة‪ ،‬ي�أتي برهانًا ودليلاً مقن ًعا للجميع‬ ‫�أن املنتدى العاملي للو�سطية لي�س �إال ن��و ًرا يف زمن‬ ‫العتمة؛ �إذ ي��رى �أن �أم��ر الأم��ة ال ي�صلحه �إال حتكيم‬ ‫ال��ر�أي ال�سديد‪ ،‬امل�ستند �إل��ى مرجعية ارت�ضاها اهلل‬ ‫�سبحانه وتعالى‪ ،‬و�سار على نهجها �سيدنا حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فانتقل بالعامل �أجمع ولي�س امل�سلمني‬ ‫فقط ‪ -‬وملن �أراد ‪ -‬من امل�أزق �إلى املخرج الذي ن�ضمن به‬ ‫ومعه �سالمة الذات الإن�سانية بكل �أبعادها ومكوناتها‪:‬‬ ‫ونف�سا‪ ،‬وعقلاً وج�س ًدا‪ ،‬وامتدا ًدا وجدان ًّيا؛ حيث‬ ‫ً‬ ‫روحا ً‬ ‫الف�ضاء الرحب الذي ت�سكنه وي�سكنها‪ ،‬مثلما ي�ضمن‬ ‫للمجتمع �سالمة ا�ستقراره وازده��اره ومنائه‪� ،‬إن هو‬ ‫�آمن مبنهج ال�سالمة والأمن واال�ستقرار‪ ،‬كما ي�ضمن‬ ‫للعامل �أجمع رحم ًة وهداية‪� ،‬إن قبل ر�سالة الرحمة‬ ‫وال�ه��داي��ة امل �ه��داة لقوله ت�ع��ال��ى‪( :‬وم��ا �أر��س�ل�ن��اك �إال‬ ‫رحم ًة للعاملني)‪.‬‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬

‫ن�ع��م‪� ،‬إن امل�خ��رج فيما ذك��رت م�ضا ًفا �إل�ي��ه �إي�ج��اد‬ ‫امل�صاحلة التاريخية بني مكونات الأمة الواحدة‪ ،‬فمن‬ ‫حيث هي مكونات جمتمعية متعددة‪ ،‬ومذاهب �شتى‪،‬‬ ‫البد من تعظيم اجلوامع امل�شرتكة بينها والبناء عليها‬ ‫�إي�ج��اب� ًّي��ا‪ ،‬ه��ذا ف�ضلاً ع��ن �إي�ج��اد م�صاحلة فيما بني‬ ‫الأنظمة القائمة و�شعوبها‪ ،‬واعتماد امل�صاحلة الفكرية‬ ‫احلقيقية التي تعيدنا �إلى جوهر الدين وثوابته‪ ،‬تلك‬ ‫أي�ضا �إلى م�صاحلة مع الآخر‬ ‫امل�صاحلة التي تف�ضي � ً‬ ‫على اختالفه‪ :‬دينًا ولونًا‪ ،‬وعر ًقا ول�سانًا‪.‬‬ ‫قال تعالى‪( :‬يا �أيها النا�س �إن��ا خلقناكم من ذكر‬ ‫و�أنثى وجعلناكم �شعو ًبا وقبائل لتعارفوا �إن �أكرمكم‬ ‫عند اهلل �أتقاكم)‪.‬‬ ‫ن�ع��م‪� ،‬إن جملتنا وم��ؤمت��رن��ا و�سيلتان م��ن و�سائلنا‬ ‫نلج بهما �إلى قلب كل ح�صيف‪ ،‬وعقل كل متدبر‪ ،‬حتى‬ ‫يكون له يف ال�ساملني والعارفني خري �سبيل نحو حتقيق‬ ‫ذاته‪� :‬أمنًا ورق ًّيا وح�ضو ًرا‪ ،‬ونحو حتقيق ما ي�صبو �إليه‬ ‫جمتمعه م��ن ازده ��ا ٍر وم�ن�ع��ة؛ حتى ننتقل �إل��ى العامل‬ ‫�أجمع‪ ،‬ونحن نحمل لهم ر�سالة ح�ضارية‪ ،‬ع�ص ّية على‬ ‫الت�شويه واالنتقا�ص م��ن ح��ق الآخ��ر يف احل�ضور على‬ ‫امل�سرح احل�ضاري الإن�ساين‪ ،‬ال��ذي يكتمل اجلمال فيه‬ ‫عندما نرى اجلميع ي�شرتك يف ا�ستح�ضار رونقها و�أَلقها‬ ‫وجمالها وبهائها‪ .‬ون�س�أل اهلل التوفيق وال�سداد والر�شاد‪،‬‬ ‫�إنه نعم املولى ونعم املجيب‪ .‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬


‫محتويات العدد‬

‫درا�سات �إ�سالمية‬

‫ثقافة التجديد ودورها يف النهو�ض باخلطاب الإ�سالمي املعا�صر �أ‪.‬د‪ .‬عزمي طه ال�سيد �أحمد‬ ‫العرب وعلم درا�سة امل�ستقبل يف القرن احلادي والع�شرين‬

‫د‪ .‬خالد �صالح حنفي‬

‫دور اجلامعات العربية يف التنمية االقت�صادية واالجتماعية د‪ .‬خالد حممود‬ ‫مقابالت‬

‫العوملة وانعكا�ساتها على الثقافـة العربية والإ�سالمية‬ ‫حوار �شامل مع الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫من حتديات الأمة ‪...‬‬

‫مقاالت الو�سطية رد �شبهات الفكر املتطرف‬

‫د‪ .‬زهاء الدين �أحمد عبيدات‬

‫‪4‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪24‬‬

‫د‪ .‬ح�سن علي املبي�ضني‬

‫‪29‬‬

‫د‪ .‬منذر زيتون‬

‫‪32‬‬

‫اخلطاب الديني املعتدل ودوره يف تر�سيخ الأمن واال�ستقرار املجتمعي ال�شيخ عامر اجبري فالح النمراوي‬

‫‪35‬‬

‫الو�سطية يف العقيدة‬

‫الدكتور عدنان ح�سونة‬

‫‪38‬‬

‫حقيقة ال�شكر‬

‫عالء الدين احلايك‬

‫‪40‬‬

‫الو�سطية ميزان العدل الإلهي‬

‫ال�شيخ الدكتور عبد املجيد �أبو �سل‬

‫‪42‬‬

‫مقابالت‬

‫مقابلة مع ال�شيخ عبد الفتاح مورو حول‪ ..‬املفتي‬

‫‪45‬‬

‫�شخ�صية العدد‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬عبد احلليم عوي�س‬

‫‪50‬‬

‫فعاليات اليوم العلمي الثاين ع�شر جلمعية �إعجاز القر�آن وال�سنة‬

‫‪52‬‬

‫اليوم العلمي الثاين �شذرات كونية‬

‫ع�شر جلمعية �إعجاز‬ ‫القر�آن وال�سنة‬ ‫فَلاَ �أُقْ�سِمُ بمَِوَاقِعِ ال ُّنجُوم َو�إِ َّن ُه َلق َ​َ�س ٌم َل ْو َت ْعلَ ُمو َن َع ِظيم‬

‫مقاالت‬ ‫يف اللغة والأدب‬

‫بيانات املنتدى‬ ‫ن�شاطات املنتدى‬

‫‪54‬‬ ‫‪56‬‬

‫و�إنَّا مل ُ ِ‬ ‫و�ســـعـون‬

‫‪58‬‬

‫املالحة البحرية العربية يف املحيط الهندي‬

‫‪61‬‬

‫ندوة �أ�سبوع الوئام الديني‬

‫‪63‬‬

‫اخلالدي يعاين الفتنة يف التاريخ الإ�سالمي‬

‫‪64‬‬

‫تقرير ن�شاطات جلنة املر�أة‬

‫‪66‬‬

‫العبور يف �أجواء الن�ص عرب ق�صيدة (يف الو�صيد) لإبراهيم العجلوين‬

‫‪69‬‬

‫يف يوم اللغة واملحتوى‬

‫‪71‬‬

‫من �أدب التعزية ‪...‬‬

‫‪73‬‬

‫حفل تكرمي رابطة كتاب التجديد‬

‫‪76‬‬

‫من اللقاء ال�صحفي للأمني العام م‪ .‬مروان الفاعوري‪ ،‬حول امل�ؤمتر الدويل‪ :‬امل�سلمون والعامل من امل�أزق الى املخرج‬

‫‪77‬‬

‫بيان املنتدى العاملي للو�سطية ب�ش�أن حلب‬

‫‪79‬‬ ‫‪83-80‬‬


‫الهيئة االستش�ارية للمجلة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‪/‬ال�سودان‬ ‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‪ /‬الأردن‬ ‫معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور حممد طالبي‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‪ /‬لبنان‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين‪ /‬اجلزائر‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‪ /‬املغرب‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‪ /‬الأردن‬

‫السنة التاسعة‪ :‬العدد السادس والعشرون ‪ -‬جمادى اآلخرة ‪1438‬هـ ‪/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‪/‬م�صر‬ ‫الدكتور حممد حب�ش‪�/‬سوريا‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‪/‬الأردن‬

‫هيـئـة التـحريـر‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬ ‫الدكتور علي احلجاحجة‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‬

‫المشرف العام على المجلة‬ ‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‬

‫تصدر عن‬

‫تصميم وإخراج‬ ‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬

‫‪0799160136‬‬

‫عمان‬ ‫المملكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬

‫المراسالت‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع‬

‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 2141 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫ثقافة التجديد‬

‫ودورها في النهوض بالخطاب اإلسالمي المعاصر‬ ‫ينطوي عنوان هذه الورقة على عدد من املفردات‪ ،‬نرى‬ ‫�أنها بحاجة �إل��ى تو�ضيح دالالت�ه��ا‪ ،‬حتى يت�سنّى بعد ذلك‬ ‫ريا كيف ت�ؤدي ثقافة‬ ‫الربط بني هذه الدالالت‪ ،‬ليت�ضح �أخ ً‬ ‫التجديد �إلى دور �إيجابي يف النهو�ض باخلطاب الإ�سالمي‬ ‫املعا�صر‪.‬‬ ‫مفهومنا للثقافة‬ ‫�س�أبد�أ بتو�ضيح داللة لفظ �أو م�صطلح ثقافة‪ ،‬ومتهي ًدا‬ ‫لتحديد مق�صودنا بهذا امل�صطلح‪ ،‬نقول‪:‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عزمي طه السيد أحمد‬ ‫�أ�ستاذ الفل�سفة الإ�سالمية‬

‫ك ّررتُ يف العديد من املنا�سبات ويف كتبي يف الثقافة(‪)1‬‬ ‫و�صف م�صطلح الثقافة‪ ،‬ب��أن��ه م�صطلح ج��ذاب وم�ضلل‪،‬‬ ‫�أم��ا ما له من جاذبية ف�أمر وا�ضح‪ ،‬ملا يحمله هذا اللفظ‬ ‫من دالالت �إيحائية �إيجابية؛ �إذ ي�ستخدم يف �سياقات املدح‬ ‫وال�ث�ن��اء مل��ن ُين�سب �إل��ى ال�ث�ق��اف��ة‪ ،‬ف�ضلاً ع��ن الت�سابق يف‬ ‫االنت�ساب �إلى الثقافة‪ ،‬لدرجة كاد �أن يطغى فيها ا�ستخدام‬ ‫لفظ املثقف ب��دي�ًل�اً ع��ن املفكر �أو الفيل�سوف �أو اخلبري‬ ‫يف ��ش��أن م��ن ��ش��ؤون احل�ي��اة؛ �أم��ا الت�ضليل؛ ف�سببه كرثة‬ ‫التعاريف واملفاهيم التي تقال عن الثقافة وتختلف من‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪5‬‬


‫باحث لآخ��ر‪ ،‬الأم��ر ال��ذي يجعل املق�صود بالثقافة �أم� ًرا‬ ‫غري وا�ضح املعامل‪ ،‬وعند التدقيق العلمي‪ ،‬جنده ي�شو�ش‬ ‫وي�ضلل �أكرث مما يهدي وير�شد‪.‬‬ ‫وقد �شغلني مو�ضوع الثقافة ب�صورة عامة‪ ،‬ومو�ضوع‬ ‫الثقافة الإ�سالمية‪ ،‬وو�ضعت تعريفًا للثقافة �سرت عليه‬ ‫يف كل ما كتبته من قبل حول الثقافة والق�ضايا الثقافية‪،‬‬ ‫أي�ضا؛ هذا التعريف‬ ‫وهو ما �س�أعتمده هنا يف هذه الورقة � ً‬ ‫يقول‪:‬‬

‫‪6‬‬

‫املناطقة ي�سمى "جن�س الأجنا�س"‪ .‬و�إذا كان "كل ما هو‬ ‫اً‬ ‫تف�صيل‪ ،‬ف ��إن��ه ميكن‬ ‫موجود" ال مي�ك��ن �أن ي�ح��اط ب��ه‬ ‫الإحاطة به �إج�م� اً�ال‪ ،‬وقد ر�أينا �أن نق�سم الوجود ق�سمة‬ ‫فق�سمناه � اً‬ ‫أول �إل��ى‪:‬‬ ‫تي�سر ل�ن��ا ف�ه��م م��و��ض��وع ال�ث�ق��اف��ة‪ّ ،‬‬ ‫خالق وخملوقات انطال ًقا من الق�ضية الوجودية الأولى‬ ‫وال �ك�برى‪ ،‬وه��ي‪" :‬اهلل خ��ال��ق ك��ل �شيء"‪ ،‬وه��ي الو�صف‬ ‫القر�آين هلل �سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫واخلالق واحد ال كرثة فيه‪� ،‬أما املخلوقات فال ح�صر‬ ‫لها تف�صيلاً ‪ ،‬ولكن نح�صرها � اً‬ ‫إجمال يف اجلوانب الآتية‪:‬‬

‫الثقافة معرفة علمية مكت�سبة‪ ،‬تنطوي على جانب‬ ‫الذات‪�( :‬أي‪ :‬ذات كل فرد)؛ والآخر‪ :‬ونق�صد به جميع‬ ‫م�ع�ي��اري‪ ،‬وتتجلى يف ال�سلوك ال��واع��ي للإن�سان (ف��ر ًدا‬ ‫وجماعة) يف تعامله يف احلياة االجتماعية مع الوجود �أف��راد النوع الإن�ساين ما ع��دا ال��ذات‪ ،‬وه��ذا جانب وا�سع‬ ‫جداّ‪ ،‬فالآخر قد يكون ذاتًا فردية �أو جماعة‪ ،‬واجلماعة‬ ‫(ب�أجزائه املختلفة)‪.‬‬ ‫فيها دوائ��ر متداخلة ومت�سعة‪ ،‬ابتدا ًء من دائ��رة الأ�سرة‪،‬‬ ‫هذا التعريف بحاجة �إلى �شيء من التو�ضيح‪ ،‬فنقول‪ :‬فدائرة الأرح��ام والأق��ارب‪ ،‬انتها ًء بدائرة جمتمع الدولة‬ ‫الثقافة – يف حتديدنا هذا – معرفة عملية غايتها واملجتمع الدويل والإن�ساين‪.‬‬ ‫العمل وال�ف�ع��ل وال���س�ل��وك‪ ،‬وال ت��دخ��ل امل�ع��رف��ة النظرية‬ ‫وه�ن��اك ج��ان��ب ال�ك��ون الطبيعي م��ن �أر���ض و�سماوات‬ ‫بحقائق الأ�شياء �ضمن الثقافة‪ ،‬و�إن كانت املعرفة العملية وما بينهما‪ ،‬وجانب الأفكار‪ ،‬ويدخل فيها جميع العلوم‬ ‫الأ�صوب الب َّد من بنائها على معرفة نظرية �صائبة‪.‬‬ ‫بال ا�ستثناء؛ وجانب الأدوات والو�سائل‪� ،‬سواء الطبيعية‬ ‫والثقافة نكت�سبها ونتعلمها بطرق التعلم واالكت�ساب �أم امل�صنوعة؛ ثم هناك جانب الزمن‪ ،‬وهو عن�صر مالزم‬ ‫للوجود واحلركة بعامة‪ ،‬وال غنى للإن�سان عن التعامل‬ ‫العديدة‪ ،‬فهي لي�ست �أمراً فطرياً نولد مزودين به‪.‬‬ ‫معه يف تنظيم �ش�ؤون حياته؛ و�أخ�ي ً�را جانب الغيب‪� ،‬أي‬ ‫وللثقافة‪� ،‬أي ثقافة‪ ،‬جانبها امل�ع�ي��اري ال��ذي ُيقا�س الوجود الذي ال يدرك باحلوا�س‪ ،‬والتعامل معه �ضروري‬ ‫�إل�ي��ه ال�سلوك والفعل وال�ع�م��ل‪ ،‬وجن��ده ب�صورة �ضمنية لتف�سري وجود الإن�سان والكون‪ ،‬فهو جزء �صميم يف كيان‬ ‫حني ن�صدر �أحكا ًما على �سلوك �أو عمل ب�أنه من�سجم مع الإن�سان‪ ،‬كما �أنه يحيط بالإن�سان من كال طريف وجوده‪.‬‬ ‫هذه الثقافة �أو متوافق معها �أو خمتلف عنها‪� ،‬أو �أحكام‬ ‫كل جانب من جوانب الوجود هذه يرتبط بها ثقافة‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬هذا ال�سلوك ُيع َّد تخلفًا ثقاف ًّيا‪� ،‬أو هذا �سلوك ثقايف �أي معرفة كيفية تعامل الإن�سان مع كل منها‪.‬‬ ‫متميز‪�...‬إلخ‪ .‬وه��ذا املعيار‪ ،‬هو جمموعة املبادئ والقيم‬ ‫وال�ضوابط التي يقا�س يف �ضوئها حال الثقافة قر ًبا �أو‬ ‫هذا التعامل يف واقع الأمر – يتم على م�ستويني‪:‬‬ ‫بع ًدا‪ ،‬تقد ًما �أو تخلفًا‪ ،‬وهو – يف الوقت نف�سه – ميثل‬ ‫الأول‪ :‬م�ستوى ع��ام‪ ،‬يراعي يف التعامل فيه املبادئ‬ ‫احلالة �أو ال�صورة الأكمل والأم�ث��ل التي ي�سعى الأف��راد‬ ‫واملجتمعات للو�صول �إليها �أو االقرتاب منها ما �أمكن‪ .‬ال �ع��ام��ة وال �ق ��واع ��د ال �ك �ل �ي��ة وال �ق �ي��م‪ ،‬دون ال ��دخ ��ول يف‬ ‫التفا�صيل‪ ،‬ومعرفة هذه الأمور ن�سميها‪ :‬الثقافة العامة‪،‬‬ ‫والثقافة الب ّد �أن تتجلى يف ال�سلوك الفردي �أو اجلمعي‪ ،‬وفيها ح ّد �أدنى الب ّد من معرفة كل را�شد به‪ ،‬ثم يتفاوت‬ ‫والب َّد �أن يكون هذا ال�سلوك – يف نظرنا – �سلو ًكا واع ًيا النا�س بعد ذلك يف هذه املعرفة العامة والوعي بها‪.‬‬ ‫ي��درك الفرد هدفه وغايته‪ ،‬و�أن �سلوكه يو�صل �إل��ى هذا‬ ‫الثاين‪ :‬م�ستوى خا�ص‪ ،‬وفيه يتعامل الفرد �أو الفئة‬ ‫الهدف والغاية‪ .‬ويلزم عن ذلك �أن ال��ذي ميلك املعرفة‬ ‫العملية وال يج�سدها يف �سلوكه ال يو�صف ب�أنه مثقف‪ .‬مع جانب حمدد ج ًّدا من الوجود‪ ،‬مراع ًيا يف ذلك املبادئ‬ ‫والقيم والقواعد الكلية امل�شار �إليها يف امل�ستوى الأول‬ ‫وبطبيعة احلال‪ ،‬ف�إن �سلوك الفرد هذا ال يكون �إال يف (�أي‪ :‬الثقافة العامة)‪ ،‬ونُ�س ِّمي الثقافة يف هذا امل�ستوى‬ ‫جمتمع‪ ،‬ويف �سياق حياة اجتماعية‪ ،‬هذه احلياة التي الب َّد الثقافة اخلا�صة‪.‬‬ ‫فيها للإن�سان من �أن يتعامل مع جميع جوانب الوجود‪.‬‬ ‫وجم��االت ه��ذه الثقافة ال ح�صر لها‪ ،‬فهناك – على‬ ‫ولفظ وج��ود‪ :‬هو و�صف لكل ما هو موجود‪ ،‬وه��و ال �سبيل امل�ث��ال – ثقافة خا�صة يف ك��ل ج��ان��ب م��ن جوانب‬ ‫يع َّرف الإ بنف�سه لو�ضوح معناه عند كل �أح��د‪ ،‬وهو عند الزراعة وال�صناعة واالقت�صاد واملهن على اختالفها‪ ،‬وقد‬


‫ي�صل الأمر �إلى ثقافة خا�صة يف جمال حمدود ج ًّدا �إلى‬ ‫درجة كبرية‪ ،‬كالذي يتخ�ص�ص يف زراعة القمح �أو التفاح‬ ‫فقط‪� ،‬أو يتعامل مع �إ��ص�لاح �إط ��ارات ال���س�ي��ارات‪� ...‬إل��خ‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬ف�إذا كان لدى املرء معرفة بكيفية التعامل مع هذا‬ ‫اجلانب املحدود ج ًّدا‪ ،‬كان مثقفًا يف هذا املجال‪.‬‬

‫وط ُ‬ ‫ـول مقـا ِم املــر ِء يف احلـي خمـلـقٌ‬ ‫لـديـبـاجتـيــ ِه فـاغــتــــرب تــتــجـــــــــــــــــــــد ِد‬ ‫ــ�س زيـدتْ محَ َ ـ َّبـ ًة‬ ‫فـ�إنــي ر�أ ْيـتُ ال�شَّ ـم َ‬ ‫�إلـى ال َّنـا�س �أَن ل ْي َ�س ْـت عـليـهـ ْم بِ�سـ ْر َم ِـد‬

‫والب� ّد للإن�سان من قدر �أدن��ى فما فوقه من الثقافة‬ ‫فع ّد ال�سفر واالنتقال وتغيري مكان الإقامة جتدي ًدا‬ ‫العامة �إ�ضافة �إلى الثقافة اخلا�صة‪ .‬ويلزم عن ذلك �أن كل‬ ‫فرد يح�سن عملاً ما مهما كان �ضئيلاً هو مثقف يف جمال وجتد ًدا‪ ،‬فكذلك تعاقب الليل والنهار جتديد‪ ،‬وكذلك كل‬ ‫ما يدفع امللل والك�سل عن النا�س‪ ،‬ويدفعهم �إلى الأعمال‬ ‫عمله �أو مهنته هذه‪.‬‬ ‫الإيجابية‪.‬‬ ‫�أكتفي بهذا القدر من احلديث عن مفهوم الثقافة‬ ‫وقد �ألف املرحوم ال�شيخ حممد الغزايل كتا ًبا عنوانه‪:‬‬ ‫الذي �سرنا عليه هنا‪ ،‬ونلخ�ص ما تقدم من �صورة موجزة‪،‬‬ ‫ب��ال�ق��ول‪� :‬إن جوهر الثقافة ه��و معرفة كيفية التعامل "ج ّدد حياتك"‪ ،‬ون�سمع من امل�ؤ�س�سات الرتبوية جتديدها‬ ‫مع جوانب الوجود‪� ،‬أي �إن الثقافة لي�ست بحو ًثا نظري ًة ملناهج التعليم �أو �أ�ساليبه؛ حتى تكون مالئمة للتطور‬ ‫فح�سب‪ ،‬و�إمنا هي معرفة عملية متج�سدة يف ال�سلوك‪ .‬الذي و�صل �إليه �إن�سان الع�صر‪.‬‬ ‫ويف كالم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وحديثه ذكر‬ ‫مفهوم التجديد‬ ‫للتجديد و�ضرورته يف �أمر الدين‪ ،‬الذي مي�س كل جوانب‬ ‫�أنتقل بعدما تقدم �إلى تو�ضيح املق�صود بِــ التجديد‪ ،‬احلياة‪� ،‬إذ الدين يف جوهره هداية و�إر�شاد‪ ،‬وبيان ومنهج‬ ‫لن�صل بعد ذلك �إلى تو�ضيح املق�صود بِـ ثقافة التجديد‪ ،‬للنا�س يو�ضح لهم كيف يكون تعاملهم يف ه��ذه احلياة‬ ‫فنقول‪:‬‬ ‫الدنيا مع جميع جوانب ال��وج��ود‪ ،‬يف �صورة حتقق لهم‬ ‫ال جند يف قوامي�س اللغة ومعاجمها مادة تعيننا كثريا خريهم وتبعدهم عن ال�ضنك وال�شقاء‪ ،‬وذلك يف حديث‬ ‫ً ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم املتداول‪ ،‬وهو قوله‪�" :‬إن‬ ‫على الو�صول �إلى املعنى اال�صطالحي الذي ن�سعى �إليه‪ ،‬اهلل يبعث لهذه الأمة على ر�أ�س كل مائة �سنة من يجدد‬ ‫�إذ تقدم معنى ً�إجمال ًّيا‪ ،‬فنجدها تقول‪ :‬التجديد جعل لها دينها"‪ .‬ويف رواي��ة "�أمر دينها"‪ ،‬وقد اهتم امل�سلمون‬ ‫ال���ش��يء ج��دي��دا‪ ،‬ويفهم م��ن ذل��ك وج��ود ��ش��يء ك��ان��ت له‬ ‫ميا وحديثًا‪ ،‬وكذلك‬ ‫وف�صلوا يف �شرحه قد ً‬ ‫�صورة �أو حالة قدمية �أو �سابقة‪ ،‬ثم جرى تغيريها �إلى بهذا احلديث َّ‬ ‫يف املجدد هل هو واحد �أو جماعة؟‪ ،‬و�أجمع كل من تعر�ض‬ ‫�صورة �أو حالة يف الوقت الراهن‪ ،‬هي �أف�ضل من تلك التي ل�شرح هذا احلديث �أن التجديد املطلوب لي�س يف �أ�صلي‬ ‫كان عليها هذا ال�شيء �سابقًا‪.‬‬ ‫الدين‪ ،‬الكتاب وال�سنة ال�صحيحة‪ ،‬و�إمن��ا جتديد الفهم‬ ‫و�أرى �أن اللغة املتداولة تعيننا �أكرث يف حتديد مفهوم لهما يف �ضوء تغريات الأمكنة والأزمنة والأحوال بعامة‪،‬‬ ‫مل�صطلح التجديد ال��ذي نبحث عنه‪ ،‬و�سوق الأمثلة مما بحيث يظل ال��دي��ن ق��و ًّي��ا يف النفو�س‪ ،‬و��ص��ا ً‬ ‫حل��ا لهداية‬ ‫هو متداول حول ا�ستخدام هذا اللفظ نرى �أن له فائدة النا�س يف كل الأوقات والأحوال والظروف‪.‬‬ ‫كبرية‪ ،‬فمثلاً ‪:‬‬ ‫وال��ر��س��ول عليه ال�صالة وال���س�لام طلب منا جتديد‬ ‫حلاً لل�سكن �أو الإميان يف قلوبنا‪ ،‬وملا �سئل عن كيفية ذلك‪ ،‬قال‪�" :‬أكرثوا‬ ‫ُيقال‪ :‬جدد فالن بيته الذي مل يعد �صا ً‬ ‫من قول ال �إله �إال اهلل"‪ ،‬واملق�صود الت�أمل يف دالالت هذه‬ ‫ومريحا لل�سكن؛‬ ‫مريحا‪ ،‬ف�صار جدي ًدا �صاحلًا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العبارة‪� ،‬إ�ضافة �إل��ى تكرار ذكرها بالل�سان‪ ،‬فذلك ي�ؤدي‬ ‫ويقال‪ :‬ج ّدد فالن �أثاث بيته‪ ،‬مبعنى �إ�صالحه‪� ،‬أو �أنه �إلى بقاء الإميان وزيادته‪.‬‬ ‫�أتى ب�أثاث جديد غريه‪ ،‬ف�صار الأثاث �أجمل �أو �أكرث راحة‬ ‫والر�سول ي�أمرنا �أن "نر ِّوح القلوب �ساعة بعد �ساعة"؛‬ ‫مل�ستخدمه‪:‬‬ ‫لأن البقاء على حال واح��دة ي��ؤدي �إلى امللل والكلل‪ ،‬فال‬ ‫ويقال‪ :‬جدد فالن ثيابه‪ ،‬مبعنى‪� :‬أ�صلح ما بلي منها‪ ،‬تعود القلوب ن�شطة يف القيام مبا هو مطلوب منها من‬ ‫�أو �أتى يثياب جديدة؛‬ ‫تفكر وتدبر وتدبري‪.‬‬ ‫و�أب��و مت��ام ي�شري �إل��ى جت��دد وجتديد يف جم��رى حياة‬ ‫وال�ع�ل��وم بعامة يلحقها ال�ت�ج��دد‪� ،‬أي تتجدد‪ ،‬مبعنى‬ ‫الإن�سان‪ ،‬و�أنه �أمر حممود‪ ،‬وذلك يف قوله‪:‬‬ ‫ت�صويب ما كان منها خط�أ‪ ،‬و�إكمال ما فيه نق�ص‪ ،‬و�إ�ضافة‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪7‬‬


‫اجلديد �إلى ما �سبق‪ ،‬وهذه كلها �ضرورية يف جمال العلم‬ ‫النظري‪ ،‬الذي تنعك�س �آثاره على جوانب احلياة املختلفة‪.‬‬ ‫ل�ع��ل م��ا ت�ق��دم ذك ��ره م��ن �أم�ث�ل��ة ال��س�ت�خ��دام��ات لفظ‬ ‫التجديد يعيننا يف ا�ستنباط مفهوم ا�صطالحي له‪.‬‬ ‫ولنا �أن ن�سال قبل حتديد هذا املفهوم‪ :‬ملاذا التجديد‬ ‫يف �أمورنا وحياتنا؟ وهل هو �أمر �ضروري دائماً؟ و�إن كان‬ ‫كذلك فما وجه ال�ضرورة فيه؟‬

‫‪8‬‬

‫ون���س��أل‪ :‬ه��ل ك��ل ��ش��يء يف ح�ي��اة الإن���س��ان يحتاج �إل��ى‬ ‫التجديد مع م��رور الأزم�ن��ة وتغري الأو��ض��اع والأح��وال؟‬ ‫ن�سارع �إل��ى الإج��اب��ة بالنفي‪ ،‬فهناك �أم��ور هي بطبيعتها‬ ‫وخ�صائ�صها �أو �أ�صل خلقتها ثابتة على حالها ال تتجدد‪،‬‬ ‫و�أخ � ��رى حت �ت��اج �إل ��ى ال �ت �ج��دي��د‪ ،‬ف��الأ� �ش �ي��اء ال �ت��ي ميكن‬ ‫ت�صنيفها حتت عنوان‪ :‬الو�سائل والأدوات يلحقها البلَى‬ ‫�أو عدم القدرة على �إجناز ما جاءت له‪ ،‬وعندها حتتاج �إلى‬ ‫التجديد‪ ،‬ومن ذلك على �سبيل املثال ال احل�صر‪ ،‬و�سائل‬ ‫املوا�صالت واالت�صاالت والتوا�صل‪.‬‬

‫يف الإج��اب��ة عن ه��ذه الأ�سئلة نقول‪� :‬إن احلاجة �إلى‬ ‫التجديد هي التي توجبه‪ ،‬واحلاجة �إلى جتديد �أمر ما �أو‬ ‫�ش�أن من �ش�ؤون حياتنا تن�ش�أ عندما مت ّر على ال�شيء فرتة‬ ‫من الزمان ال يعود هذا ال�شيء قاد ًرا على ت�أدية الوظيفة‬ ‫التي وجد من �أجلها‪ ،‬والغاية املطلوبة واملرغوبة‪ ،‬عندئذ‬ ‫يحتاج القائم على هذا الأمر �أو ال�ش�أن �أن يجدده‪� ،‬أي �أن‬ ‫بلي منه‪� ،‬أو �أن يبدله ب�آخر من نف�س‬ ‫ي�صلح ما ف�سد �أو ّ‬ ‫جن�سه فيجعله قاد ًرا على حتقيق املطلوب واملرغوب‪.‬‬ ‫�أما �ضرورة التجديد فهي مرتبطة باحلاجة �إليه‪ ،‬ذلك‬ ‫�أن الأمر �أو ال�شيء �إذا كان ي�ؤدي وظيفة يف حياة الإن�سان‪،‬‬ ‫فر ًدا �أو جماعة‪ ،‬ثم �أ�صبح غري قادر على حتقيقها‪ ،‬وتُرك‬ ‫�أمره على حاله‪ ،‬كانت النتيجة ت�أخر وتقهقر وجمود يف‬ ‫ه��ذا الأم��ر �أو ال���ش��يء‪ ،‬وعندها يكون التخلف ب� اً‬ ‫�دل من‬ ‫التقدم ومواكبة تغري الأزمان واحلقب والأوق��ات‪ ،‬وتظل‬ ‫احل��اج��ات قائمة دون تلبية �أو ا�ستجابة‪ .‬ف ��إذا ك��ان هذا‬ ‫الو�صف ينطبق على �أم��ور �أو ح��االت �أو �أ�شياء عديدة يف‬ ‫هذه – فيما نرى – �أب��رز املجاالت التي حتتاج دو ًما‬ ‫جمتمع ما‪ ،‬ف�إن هذا املجتمع �سيكون بال�ضرورة حمتو ًما‬ ‫ي�سوده اجلمود والتقهقر‪ ،‬غري ق��ادر على تلبية حاجات �إلى التجديد‪ ،‬كي يحقق الإن�سان وظيفته يف هذه احلياة‬ ‫الراهن املعا�ش‪.‬‬ ‫على الوجه الأكمل املمكن له‪.‬‬ ‫وتعامالت الإن���س��ان م��ع نف�سه وم��ع الآخ��ري��ن‪ ،‬يطر�أ‬ ‫عليها ال�ت�غ�ير وال �ت �ب��دل م��ع ت�غ�ير الأم ��اك ��ن والأزم � ��ان‪،‬‬ ‫ف�ي�ل�ح�ق�ه��ا ال �ت �ج��دي��د‪ ،‬ون �ل �ح��ظ ذل ��ك يف ت �غ�ير ال �ع��وائ��د‬ ‫والأع � ��راف وال�ت�ق��ال�ي��د يف املجتمعات املختلفة‪ ،‬وتعامل‬ ‫وخ�صو�صا الأر���ض‬ ‫الإن���س��ان م��ع �أج��زاء ال�ك��ون الطبيعي‬ ‫ً‬ ‫وما عليها‪ ،‬حتتاج �إلى التجديد لت�صبح �أي�سر جه ًدا و�أكرث‬ ‫ج��دوى‪ ،‬وتعامل الإن�سان مع الأفكار‪ ،‬وهو جمال تندرج‬ ‫حتته ك��ل �أن ��واع العلوم التي �أن�ش�أها و�أب��دع�ه��ا الإن���س��ان‪،‬‬ ‫حتتاج �إلى التجديد‪ ،‬حتى تظل هذه العلوم قائمة بدورها‬ ‫النظري يف اكت�شاف احلقائق‪ ،‬ودورها العملي يف حت�سني‬ ‫يرا؛‬ ‫�أح��وال الإن�سان وت�سهيل حياته يف هذه احلياة‪ ،‬و�أخ� ً‬ ‫ت�شري �إلى تعاملنا مع الزمن والوقت‪ ،‬الذي يت�أثر‪ ،‬لي�س‬ ‫فقط بحركة الأجرام الثابتة‪ ،‬و�إمنا يت�أثر بحركة الإن�سان‬ ‫يف هذه احلياة‪ ،‬وحركة احلياة ذاتها‪ ،‬مما يقت�ضي جتديد‬ ‫هذا التعامل‪.‬‬


‫لقد و�ضح مما تقدم �أن التجديد ب�شكل ع��ام‪ ،‬عملية‬ ‫يقوم بها الإن�سان‪ ،‬جتري لتحقيق غاية �أو وظيفة عجز‬ ‫الأم��ر الراهن �أو ال�شيء القائم �أو التعامل ال�سائد عن‬ ‫ت�أديتها على ال��وج��ه الأك �م��ل‪ ،‬وه��ذه الوظيفة �أو الغاية‬ ‫مرتبطة بالإن�سان ومتفرعة ع��ن الغاية الق�صوى من‬ ‫وج��وده (�أي العبودية) التي يف حتقيقها حتقيق خريه‬ ‫و�سعادته وكماله‪ ،‬من خالل قيامه بعمارة هذه الأر���ض‬ ‫وفق �شروط امل�ستخلف الذي جعله خليفة فيها‪.‬‬ ‫املق�صود بِـثقافة التجديد‬ ‫�أنتقل الآن �إلى الربط بني مفهومي‪ :‬ثقافة وجتديد‪،‬‬ ‫لن�صل �إلى مفهوم عبارة‪ :‬ثقافة التجديد‪ ،‬فنقول يف ذلك‪:‬‬ ‫ثقافة التجديد‪ :‬هي معرفة عملية مكت�سبة تنطوي‬ ‫على جانب معياري وتتجلى يف �سلوك الأف��راد الواعي يف‬ ‫احلياة يف التعامل مع التجديد‪� ،‬أي مع الأمور �أو الأ�شياء‬ ‫التي مل تعد قادرة على حتقيق الوظيفة التي ن�ش�أت من‬ ‫�أجل حتقيقها‪ ،‬ب�أن جنعلها قادرة من جديد على ذلك‪.‬‬ ‫هذه املعرفة العملية‪ ،‬املكت�سبة يتعلمها الإن�سان‪ ،‬وهي‬ ‫على نوعني‪:‬‬

‫علوم الدين على اختالفها للقيام مبهمة جتديدها‪ ،‬مع‬ ‫مالحظة �أن جتديد الدين �أو �أم��ر الدين ال يدخل فيه‬ ‫– بطبيعة احلال – التجديد يف �أ�صليه‪ ،‬الكتاب وال�سنة‬ ‫ال�صحيحة(‪ ،)2‬و�إمنا يكون التجديد يف علوم الدين التي‬ ‫ه��ي ج�ه��ود واج �ت �ه��ادات ب�شرية يف ف�ه��م ن�صو�ص ال��دي��ن‬ ‫ومرادات اهلل فيها‪ ،‬ويف القدرة على تنزيلها على ما ي�ستجد‬ ‫من �أمور وحوادث لتحقق مقا�صد الدين وم�صالح النا�س‪،‬‬ ‫ملتزمني بثوابت الدين و�ضوابطه وحمكمه‪.‬‬ ‫احلاجة ليكون لدينا ثقافة التجديد‪� ،‬أي‪ :‬يكون لدينا‬ ‫الوعي ب�ضرورة التجديد – فيما يقبل ذلك‪ ،‬كما تقدمت‬ ‫الإ�شارات �إليه – و�أن تكون لدينا الإرادة لفعل ذلك بعد‬ ‫ه��ذا ال��وع��ي‪ ،‬ثم �أن نح�صل على املعرفة التي متكنا من‬ ‫ال�ق�ي��ام بفعل ال�ت�ج��دي��د‪ ،‬وذل ��ك ليتحقق ل�ن��ا يف النهاية‬ ‫خرينا املمكن لنا‪ ،‬والغاية التي خلقنا من �أجلها‪.‬‬ ‫دور ثقافة التجديد يف النهو�ض باخلطاب الإ�سالمي املعا�صر‬ ‫انتقل بعد ما تقدم �إل��ى بيان دور ثقافة التجديد يف‬ ‫النهو�ض باخلطاب الإ�سالمي املعا�صر‪ ،‬فنقول يف البداية‪:‬‬ ‫ُي�ف�ه��م م��ن ع �ب��ارة "النهو�ض ب��اخل �ط��اب الإ� �س�لام��ي‬ ‫املعا�صر"‪� ،‬أن ه��ذا اخل�ط��اب ال�ي��وم يف و�ضع ال يقوم فيه‬ ‫بوظيفته يف حياة امل�سلم على الوجه املطلوب واملرغوب؛‬ ‫وذلك ب�سبب ما حلقه مع الزمن من ق�صور و�آفات �أ�صابت‬ ‫جميع عنا�صر ه��ذا اخل �ط��اب �أو بع�ضها‪ ،‬و�أن املطلوب‬ ‫التخل�ص من هذه الآفات من جهة‪ ،‬والتح ّول به �إلى حالة‬ ‫جديدة يكون فيها ق��اد ًرا على القيام بالوظيفة املطلوبة‬ ‫منه‪ ،‬وحتقيق الغاية املرج ّوة له‪.‬‬

‫معرفة عامة‪ :‬تت�ضمن املعرفة ب�أن التجديد �ضروري‬ ‫ال�ستمرار احلياة وتقدمها نحو التحقيق الأمثل خلري‬ ‫الإن �� �س��ان‪ ،‬وع �م��ارة الأر�� ��ض‪ ،‬وك��ذل��ك امل�ع��رف��ة ب��اجل��وان��ب‬ ‫الثابتة التي ال جمال للتجديد فيها‪ ،‬واجلوانب التي من‬ ‫ال�ضروري النظر فيها و�إليها لتجديدها كلما �صارت غري‬ ‫قادرة على حتقيق وظيفتها‪ ،‬ومعرفة ال�ضوابط العامية‬ ‫من الوا�ضح �أن فعل ذلك يحتاج �إلى �أمرين رئي�سني‪:‬‬ ‫التي ال ينبغي للتجديد جتاوزها وخمالفتها على �سبيل‬ ‫الأول؛ ت�شخي�ص ال��واق��ع ال��راه��ن ل �ه��ذا اخل �ط��اب‪،‬‬ ‫املثال‪( :‬ع��دم معار�ضة �أ�صل من �أ�صول الدين‪� ،‬أو قيمة‬ ‫وحتديد جوانب الق�صور فيه والآف ��ات التي حلقته مع‬ ‫من قيم الأخالق الإ�سالمية‪� ...‬إلخ)‪.‬‬ ‫مرور الزمان وتغري الأحوال؛‬ ‫ومعرفة خا�صة‪ :‬وه��ي معرفة عملية مكت�سبة حول‬ ‫وال�ث��اين؛ معرفة كيفية معاجلة ه��ذا الق�صور وهذه‬ ‫كيفية جتديد الأمر �أو ال�شيء �أو احلال املعينة التي حتتاج‬ ‫�إلى التجديد‪ ،‬وهذا يحتاج �إلى معرفة اجلانب املعياري الآف ��ات‪ ،‬بحيث يتجدد ه��ذا اخلطاب في�صري ق��اد ًرا على‬ ‫لهذا التجديد‪� ،‬أي احلالة الأمثل والأكمل التي بالو�صول القيام بالوظيفة املطلوبة منه‪ ،‬وعلى حتقيق الغاية التي‬ ‫�إليها‪� ،‬أو االقرتاب منها ي�صري هذا الأمر �أو ال�شيء حمققًا تنتظ ُر الأم ُة �أن يحققها‪.‬‬ ‫للغاية امل��أم��ول��ة وال��وظ�ي�ف��ة املطلوبة وامل��رغ��وب��ة‪ .‬وه��ذه‬ ‫وهنا ن�صل �إلى جوهر امل�س�ألة يف مو�ضوع هذه الورقة‪،‬‬ ‫املعرفة هي معرفة متخ�ص�صة‪ ،‬فال �أح��د يدعي القدرة وه��و ك�ي��ف ي�ك��ون ِل�ـ�ـ ث�ق��اف��ة ال�ت�ج��دي��د دور يف ه��ذا الأم��ر‬ ‫على جتديد كل الأمور‪ ،‬و�إمنا هم �أهل االخت�صا�ص يف كل الذي و�صفناه �آنفًا‪� ،‬أي يف النهو�ض باخلطاب الإ�سالمي‬ ‫�أم��ر �أو جم��ال‪ ،‬املتخ�ص�صون يف االقت�صاد هم امل�س�ؤولون املعا�صر؟‬ ‫عن جتديد �أح��وال��ه وال �ق��ادرون عليه‪ ،‬وك��ذا يف ال�سيا�سة‬ ‫نتلم�س الإجابة عن هذا الت�سا�ؤل بالعودة �إلى ما �سبق‬ ‫وال�ت�ع�ل�ي��م‪ ،‬والإدارة وغ�يره��ا م��ن � �ش ��ؤون احل �ي��اة‪ ،‬ومثل‬ ‫ذلك‪ :‬التجديد يف �أمر الدين وعلومه‪ ،‬والتعليم الديني‪ ،‬بيانه حول ثقافة التجديد‪ ،‬حيث �أو�ضحنا �أن فيها‪ :‬ثقافة‬ ‫واخلطاب الديني‪ ،‬هي �أمور بحاجة �إلى املتخ�ص�صني يف التجديد ال�ع��ام��ة‪ ،‬وه��ي معرفة تعني يف ت�شكيل الوعي‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪9‬‬


‫عند الأف��راد واجلماعة‪ ،‬ب��أن التجديد بعامة والتجديد‬ ‫يف اخل�ط��اب الإ��س�لام��ي �أم��ر ��ض��روري ال�ستمرار احلياة‬ ‫وتقدمها‪ ،‬و�أنه بالتجديد ننه�ض بهذا اخلطاب لتحقيق‬ ‫�أك�ب�ر ق ��در مم�ك��ن م��ن اخل�ي�ر ل�ل�ن��ا���س‪ ،‬و�أن� ��ه الب� � َّد لفعل‬ ‫التجديد م��ن �إرادة ��ص��ادق��ة؛ كما تعني ه��ذه الثقافة يف‬ ‫ت�شخي�ص �آفات اخلطاب الراهن وجوانب الق�صور ب�صورة‬ ‫عامة جمملة‪ ،‬دون الدخول يف التف�صيالت (التي ترتك‬ ‫لأه��ل ثقافة التجديد اخلا�صة م��ن املتخ�ص�صني) هذا‬ ‫الوعي الناجت عن الثقافة العامة‪ ..‬التي ينبغي �أن يكت�سبها‬ ‫كل را�شد يف املجتمع قدر ا�ستطاعته – �سوف ت�سهل مهمة‬ ‫النهو�ض املن�شود للخطاب الإ�سالمي املعا�صر؛‬

‫‪10‬‬

‫�أما هذه املهمة على وجه التف�صيل والتحديد فتقوم بها‬ ‫– كما �أ�شرنا �آنفًا – ثقافة التجديد اخلا�صة يف جمال‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي املعا�صر‪ ،‬وه��ذه الثقافة اخلا�صة‬ ‫هنا ه��ي ثقافة متخ�ص�صة حت�ت��اج يف حت�صيلها �إل��ى‬ ‫�إعداد واكت�ساب متخ�ص�ص‪ ،‬فمن يت�صدى للقيام بهذه‬ ‫املهمة يحتاج �إلى معرفة بحقيقة اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫يف ك��ل ج��وان �ب��ه وع �ن��ا� �ص��ره‪ ،‬و�إل� ��ى م�ع��رف��ة بوظيفته‬ ‫وغايته‪ ،‬و�إلى معرفة باحلالة املعيارية فيه‪� ،‬أي احلالة‬ ‫الأمثل والأكمل‪ ،‬احلالة املطلوبة واملرغوبة‪ ،‬ومعرفة‬ ‫بالو�ضع الراهن (املعا�صر) لهذا اخلطاب من خالل‬ ‫م�ع��رف��ة ج��وان��ب ال�ق���ص��ور ف�ي��ه �أو ج��وان��ب امل�م��ار��س��ات‬ ‫اخل��اط�ئ��ة �أو ال�ت��ي مل تعد ت� ��ؤدي الوظيفة املطلوبة‬ ‫منها �أو الغاية امل��أم��ول��ة‪� ،‬أي املعرفة التي متكنه من‬ ‫ت�شخي�ص واق��ع ه��ذا اخل�ط��اب على �أمت وج��ه ممكن‪،‬‬ ‫ليتمكن �صاحب ثقافة التجديد اخلا�صة من القيام‬ ‫مبهمة ال�ت�ج��دي��د يف جم��ال تخ�ص�صه‪ ،‬ذل��ك �أن ه��ذا‬ ‫الأمر لي�س مهمة �شخ�ص واحد‪ ،‬و�إمنا هو مهمة الب َّد‬ ‫فيها م��ن ت�شارك العديد م��ن املتخ�ص�صني وت�ضافر‬ ‫جهودهم لإجن��از هذه املهمة التي حتتاج الأم��ة �إليها‪،‬‬ ‫كي ي�ساهم هذا اخلطاب الإ�سالمي املج َّدد – مع �أمور‬ ‫وعوامل �أخرى – يف تغيري واقع الأمة �إلى ما يحقق‬ ‫لها خريها وكرامتها وعزتها وقوتها التي ت�ستحق‪،‬‬ ‫وت�صل �إل��ى امل�ستوى ال��ذي ذك��ره اهلل �سبحانه وتعالى‬ ‫يف قوله الكرمي‪ُ } :‬كن ُت ْم خَ �ْي�رْ َ �أُ َّم � ٍة �أُخْ �ر َِج� ْ�ت ِللن ِ‬ ‫َّا�س{‬ ‫�آل عمران‪.110:‬‬ ‫ول�ت��و��ض�ي��ح �أوف� ��ى ل �ه��ذه ال�ث�ق��اف��ة اخل��ا� �ص��ة بتجديد‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي والنهو�ض به‪� ،‬سنقوم بتحليل اخلطاب‬ ‫�إلى عنا�صره الرئي�سية‪ ،‬ونبد�أ بـ‪:‬‬ ‫‪ )1‬غ��اي��ة اخل �ط��اب الإ�� �س�ل�ام ��ي‪ ،‬ذل ��ك �أن ال �غ��اي��ة ت ��أت��ي‬ ‫� اً‬ ‫را يف ال��واق��ع‬ ‫أول يف ال�ت�ف�ك�ير‪ ،‬و�إن ك��ان��ت ت ��أت��ي �أخ �ي� ً‬ ‫والتنفيذ‪ .‬ه��ذه الغاية ُت�ؤ�س�س على الغاية الكربى‬ ‫التي خلق الإن�سان من �أجلها‪ ،‬وهي عبادة اهلل �سبحانه‬

‫وت�ع��ال��ى‪ ،‬وه��ي ال�ت��ي ح��دده��ا خ��ال��ق الإن���س��ان كما ورد‬ ‫الن � ��� � َ�س �إ اَِّل‬ ‫يف ق��ول��ه ت�ع��ال��ى‪َ } :‬و َم� ��ا خَ �لَ � ْق��تُ الجْ ِ � ��نَّ َو ْ ِ إ‬ ‫ِل َي ْع ُب ُد ِ‬ ‫ون{الذاريات‪ ،56:‬والعبادة هنا تعني – كما هو‬ ‫معلوم – اخل�ضوع والتذلل والطاعة هلل اخل��ال��ق يف‬ ‫�أمره ونهيه‪ ،‬ويلزم من هذه الغاية �ضرورة �أن تكون كل‬ ‫�أفعال الإن�سان وتعامالته يف احلياة مع جميع جوانب‬ ‫الوجود‪ ،‬جليلها وحقريها عبادة هلل �سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫و�إذا كان الأمر كذلك‪ ،‬ف�إننا ن�ستطيع القول ب�أن غاية‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي هي بيان كيفية تعامل الإن�سان يف‬ ‫هذه احلياة مع جميع جوانب الوجود بحيث تكون طاعة‬ ‫هلل‪� ،‬أي‪ :‬عبادة‪ ،‬وببيان كيفيات التعامل التي ال تر�ضي‬ ‫أي�ضا‪� ،‬أي‪ :‬عبادة‪،‬‬ ‫اهلل �سبحانه‪ ،‬والتي يكون تركها طاعة � ً‬ ‫فالتعامالت الأولى تو�صف ب�أنها اخلري وفيها املنافع‪،‬‬ ‫والثانية تو�صف ب�أنها ال�ش ّر وفيها امل�ضار واملفا�سد‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬ف�إن للخطاب الإ�سالمي غاية رئي�سية – وهي‬ ‫ال�ع�ب��ادة – تنق�سم �إل��ى غايتني كبريتني ه�م��ا؛ بيان‬ ‫كيفية جلب املنافع‪� ،‬أي‪ :‬حتقيق اخلري‪ ،‬وبيان كيفية‬ ‫دفع امل�ضار‪� ،‬أي جتنب ال�ش ّر‪ .‬والواقع �أنه يف كل واحدة‬ ‫من هاتني الغايتني �أهداف فرعية عديدة‪.‬‬ ‫ان �ت �ق��ل ب �ع��د ه� ��ذا ال �ع��ر���ض امل ��وج ��ز ل �غ��اي��ة اخل �ط��اب‬ ‫الإ�سالمي �إلى العن�صر الثاين‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫‪ )2‬امل �خ� ِ‬ ‫�اط��ب‪ ،‬ال ��ذي �سيقوم مبهمة خم��اط�ب��ة الآخ��ري��ن‬ ‫ونقل م�ضامني اخلطاب �إليهم‪ ،‬وهو يف حقيقة الأمر‬ ‫العن�صر الأه ��م يف عملية اخل�ط��اب (�سنوليه الحقًا‬ ‫مزيد بيان)؛ ث َّم‪:‬‬ ‫‪ )3‬امل�خ� َ‬ ‫�اب �إل�ي��ه وي�ستقبله‪،‬‬ ‫�اط��ب‪ ،‬ال��ذي �سيتوجه اخل�ط� ُ‬ ‫لي�صري قاد ًرا على القيام مبا يهدف اخلطاب �إليه‪ ،‬وهو‬ ‫تغيري الواقع القا�صر وجتديده؛ ث َّم‪:‬‬ ‫‪ )4‬م��و� �ض��وع اخل �ط��اب وم ��ادت ��ه امل �ع��رف �ي��ة‪ :‬وه ��ي ال�ع�ل��وم‬ ‫َ‬ ‫املخاطب تتحقق الغاية‬ ‫واملعارف التي بتقدميها �إلى‬ ‫م��ن اخل�ط��اب‪ ،‬وه��ي هنا جت��دي��ده لي�صبح ق ��اد ًرا على‬ ‫ت�أدية الوظيفة املطلوبة منه واملرجتاة؛ ث َّم‪:‬‬ ‫‪� )5‬أدوات اخل�ط��اب وو�سائله‪ ،‬التي تعني القائمني على‬ ‫اخل�ط��اب‪ :‬بحيث ي� ��ؤدوا ه��ذه املهمة على �أي�سر وجه‬ ‫و�أمته‪ ،‬ث َّم‪:‬‬ ‫‪ )6‬ال�شكل (�أو ال���ص��ورة) ال��ذي �سيكون عليه اخل�ط��اب‪:‬‬ ‫وي�ستعان يف بيان هذا العن�صر بقوله تعالى‪} :‬ا ْد ُع �إِ َلى‬ ‫َ�سب ِ‬ ‫ِيل َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُهم بِا َّل ِتي‬ ‫ريا‪:‬‬ ‫ِه َي �أَ ْح َ�سنُ {النحل‪ ،125:‬ث َّم �أخ ً‬ ‫‪ )7‬ال�ب�ي�ئ��ة االج�ت�م��اع�ي��ة ال �ت��ي ��س� ُي�م��ا َر���س فيها اخل�ط��اب‬ ‫الإ�سالمي‪ :‬ويف هذه البيئة نظام اجتماعي معني له‬


‫عاداته وتقاليده‪ ،‬ونظام �سيا�سي له �شكله وتوجهاته‬ ‫وم���ص�ل�ح�ت��ه‪ ،‬ون �ظ ��ام اق �ت �� �ص��ادي وق �� �ض��ائ��ي‪� ...‬إل ��خ‪،‬‬ ‫واخلطاب الإ�سالمي ينبغي �أن ي�أخذ �أحوال هذه البيئة‬ ‫يف االعتبار حتى ي�ستطيع حتقيق غايته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫للمخاطب‬ ‫ثقافة التجديد اخلا�صة‬ ‫تقدم القول �آنفًا �إن �أهم عنا�صر اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫امل�ع��ا��ص��ر ه��و عن�صر‪ :‬ال�ق��ائ��م ع�ل��ى عملية اخل �ط��اب‪� ،‬أي‬ ‫امل�خ� ِ‬ ‫�اط��ب (وك��ل عنا�صر اخل�ط��اب م�ه� ّم��ة)‪ ،‬ودور ثقافة‬ ‫التجديد يف النهو�ض باخلطاب الإ�سالمي (املعا�صر ويف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واملخاطب‪ ،‬هو‬ ‫املخاطب يف املقام الأول‪،‬‬ ‫كل حني) يقوم بها‬ ‫ال��ذي قلنا �إن��ه يحمل ثقافة جتديد اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫اخل��ا��ص��ة ويج�سدها يف �سلوكه‪ ،‬ول�ه��ذا ر�أي �ن��ا – يف هذا‬ ‫املقام– �أن نبينَّ جان ًبا م��ن ه��ذه الثقافة اخلا�صة التي‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب – على وجه الإيجاز – ليقوم بعملية‬ ‫يحتاجها‬ ‫جتديد اخلطاب على الوجه الذي يحقق وظيفته والغاية‬ ‫امل�أمولة منه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب هنا الب� َّد �أن يكون‬ ‫من البديهي القول ب��أن‬ ‫م��ن �أه��ل العلم بعامة‪ ،‬فيكون متمكناً م��ن علوم الدين‬ ‫امل�ع��روف��ة‪ ،‬وم��ن ع�ل��وم ال��و��س��ائ��ل ال�ت��ي تو�صل �إل��ى اتقان‬ ‫ه ��ذه ال �ع �ل��وم‪ ،‬م�ث��ل ع �ل��وم ال�ل�غ��ة وال �ن �ح��و وامل �ن �ط��ق‪ ،‬و�أن‬ ‫يكون عامل ًا مبقا�صد الدين ووظيفته يف حياة الإن�سان‪،‬‬ ‫عامل ًا بروحه العامة وخ�صائ�صه التي متيزه عن الأدي��ان‬ ‫الأخ��رى وامل��ذاه��ب الو�ضعية الب�شرية على اختالفاتها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أي�ضا‪ ،‬املعرفة والقدرة على ربط‬ ‫ومما يحتاجه‬ ‫املخاطب � ً‬ ‫�أحكام ال�شريعة مبا يقبله العقل ال�سليم ويرتقي بفطرة‬ ‫الإن�سان (�أي‪ :‬ا�ستعداداته) �إلى كمالها‪ ،‬وبيان �أن كل ما‬ ‫ج��اء ب��ه ال��دي��ن الإ��س�لام��ي فيه خ�ير الإن���س��ان و�سعادته‪،‬‬ ‫من خالل جتنيبه ال�ضنك وال�شقاء يف عي�شه‪ ،‬و�أنه باتباع‬ ‫�أوامر اخلالق �سبحانه وتعالى يف �أمره ونهيه تكون �سعادة‬ ‫الإن�سان‪ ،‬ويكون حتقيقه لكماله يف الدنيا والآخرة‪.‬‬ ‫ه��ذا الو�صف للعلم ال��ذي يحتاجه امل�خ� ِ‬ ‫�اط��ب‪ ،‬ه��و يف‬ ‫حقيقته علم عملي‪ ،‬لكنه مبني وم�ؤ�س�س على معرفة‬ ‫نظرية‪ ،‬لكن الذي �سيظهر يف عملية التجديد هو جانب‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب (يف اخلطاب الإ�سالمي)‪،‬‬ ‫العلم العملي؛ ذلك �أن‬ ‫لو �س�أله �سائل عن فعل �أو �سلوك من �أفعال التجديد‪ ،‬لمِ َ‬ ‫كان ذلك؟ وما احلكمة من ورائه؟ وما الغاية التي يرجو‬ ‫حتقيقها؟ كان الب َّد له من الإجابة عن مثل هذه الأ�سئلة‪،‬‬ ‫وال يكون ق��اد ًرا على ذل��ك �إال �إذا ك��ان متفق ًها يف الدين‪،‬‬ ‫�أي ك��ان مكت�س ًبا مل�ع��رف��ة ن�ظ��ري��ة ح��ول حقيقة الإن���س��ان‬ ‫والكون واخلالق واحلياة‪ ،‬والغاية من خلقه‪ ،‬وحول املبد�أ‬ ‫وامل�صري‪� ...‬إلخ‪ ،‬والربط بني كل هذه العنا�صر التي وردت‬ ‫يف ن�صو�ص الدين كتا ًبا و�سنة‪.‬‬

‫ون��رى �أن االهتمام باجلانب العملي وح��ده يف عملية‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب بعملية التجديد يف‬ ‫التجديد ال يكفي ليقوم‬ ‫اخلطاب‪ ،‬ولهذا – كما �أ�شرنا فيما تقدم ‪ -‬ف�إن هذه امله ّمة‬ ‫يقوم بها �أه��ل التخ�ص�ص ولي�س ك��ل �أح��د‪ ،‬وه��ذا الفهم‬ ‫م�ستمد من قوله تعالى‪َ } :‬و َم��ا َك��ا َن المْ ُ��ؤ ِْم� ُن��و َن ِل َين ِف ُروا‬ ‫َكا َّف ًة َفلَ ْو اَل َن َف َر ِمن ُك ِّل ِف ْر َق ٍة ِّم ْن ُه ْم َطا ِئ َف ٌة ِّل َي َت َف َّق ُهوا فيِ‬ ‫ال ِّدينِ َو ِل ُي ِ‬ ‫نذ ُروا َق ْو َم ُه ْم �إِ َذا َر َج ُعوا �إِ َل ْي ِه ْم َل َع َّل ُه ْم َي ْح َذ ُرونَ{‬ ‫التوبة‪.122:‬‬ ‫ولي�س “التفقُّه يف الدين" هو معرفة ما الذي ينبغي‬ ‫أي�ضا معرفة ما هو قائم يف الواقع‪،‬‬ ‫فعله فح�سب‪ ،‬و�إمنا � ً‬ ‫ِ‬ ‫فيكون �صاحب هذا الفقه‪ ،‬الذي �سيكون املخاطب واملجدد‬ ‫للخطاب الإ��س�لام��ي‪ ،‬م��در ًك��ا ل�ل��واق��ع و�أح��وال��ه وم��ا فيه‬ ‫من تيارات ومذاهب‪ ،‬عامل ًا بجوانب الف�ساد �أو الق�صور يف‬ ‫�أمور النا�س وحياتهم‪ ،‬ذلك �أنه بكل هذه العلوم واملعارف‬ ‫(�أي‪ :‬بالتفقه يف الدين)‪ ،‬ي�ستطيع القيام مبه ّمة جتديد‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي املن�شودة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب �أن يعرف حقيقة‬ ‫ومن العلم الذي يحتاجه‬ ‫ال��دي��ن ووظيفته يف حياة النا�س‪ ،‬و�أن ال��دي��ن �أن��زل��ه اهلل‬ ‫�سبحانه من �أج��ل الإن�سان � اً‬ ‫أول فاهلل هو الغني احلميد‪،‬‬ ‫والنا�س هم الفقراء �إليه‪ ،‬وهو ال تنفعه طاعة الطائع وال‬ ‫ت�ضره مع�صية العا�صي‪ ،‬ف�إذا كان اهلل خلقنا لنعبده‪ ،‬ف�إن‬ ‫يف هذه العبادة خرينا و�سعادتنا وحريتنا احلقيقية نحن‬ ‫� اً‬ ‫أول‪.‬‬ ‫وي�ح�ت��اج امل�خ� ِ‬ ‫�اط��ب – يف عملية ال�ن�ه��و���ض باخلطاب‬ ‫الإ�سالمي – �إل��ى معرفة ح��دود التو�سط واالع�ت��دال يف‬ ‫ك��ل م��ا يتعر�ض ل��ه م��ن �أم��ور ال��دي��ن؛ و�إل��ى ال�ق��درة على‬ ‫خماطبة النا�س على قدر عقولهم وم�ستوياتهم العلمية‬ ‫واملعرفية وخرباتهم احلياتية‪ ،‬وه��ذا يحتاج �إل��ى معرفة‬ ‫ب�أ�ساليب الرتبية يف املخاطبة والتعليم ونقل املعلومات‬ ‫�إلى الآخرين‪.‬‬ ‫وهناك �صفات �أو خربات يغلب عليها الطابع الأخالقي‬ ‫ِ‬ ‫للمخاطب من اكت�سابها واالت�صاف بها‪ ،‬فعليه �أن‬ ‫الب� َّد‬ ‫يكون قدوة ح�سنة يف �أخالقه بعامة‪ ،‬ويف عدم التكالب على‬ ‫الدنيا‪ ،‬و�أن يكون �شجا ًعا جريئاً يف قول احلق‪ ،‬رحي ًما يف‬ ‫خطابه ولي�س ًّ‬ ‫"فظا غليظ القلب"‪ ،‬غري متع�صب ملذهب‬ ‫بعينه‪ ،‬وعلى وع��ي ب��أن �آراء املذاهب املختلفة‪ ،‬عقدية �أو‬ ‫فقهية هي جملة �آراء اجتهادية‪ ،‬وكلها �آراء ظنية اجتهد‬ ‫�أ�صحابها يف بيان مراد اهلل �سبحانه وتعالى‪ ،‬فيبتعد عن‬ ‫التع�صب للمذهب‪� ،‬أي القول واالعتقاد ب�أن �آراء مذهبه‬ ‫وحدها هي ال�صواب‪ ،‬و�أن �آراء �أ�صحاب املذاهب الأخرى‬ ‫ك�ل�ه��ا خ �ط ��أ وي�ن�ب�غ��ي ت �ك �ف�يره��ا‪ ،‬وي� ��درك دالالت ال �ق��ول‬ ‫امل�شهور‪" :‬ر�أيي �صواب يحتمل اخلط�أ‪ ،‬ور�أي غريي خط�أ‬ ‫يحتمل ال�صواب"‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪11‬‬


‫وع �ل��ى امل �خ� ِ‬ ‫�اط��ب �أن ي�ط�ب��ق ك��ل ج��وان��ب ه ��ذه امل�ع��رف��ة‬ ‫خمل�صا هلل �سبحانه وتعالى‪ ،‬ال ي�ضع ن�صب عينيه �سوى‬ ‫ً‬ ‫ر�ضا اهلل وح��ده‪ ،‬و�أن��ه ال يطلب �إال احل��ق‪ ،‬و�أن مهمته هذه‬ ‫هي ر�سالة ي�ؤديها متابعة وامتداداً ملهمة ر�سول اهلل حممد‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬ويتفرع عن هذه النقطة االبتعاد‬ ‫عن ممالأة ال�سلطان واحلكام‪ ،‬فيبتعد عن احلق �إر�ضا ًء لهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب الذي يريد جتديد اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫ولأن‬ ‫والنهو�ض به ال يعمل مبعزل عن جمتمعه‪ ،‬ولأن��ه لي�س‬ ‫ف��ر ًدا واح � ًدا‪ ،‬كان من ال�ضروري �أن يكون لعمله �أه��داف‬ ‫ق��ري�ب��ة وب�ع�ي��دة (ا��س�ترات�ي�ج�ي��ات) ت�ع�ين يف ه��ذه املهمة‪،‬‬ ‫مراعي ًة يف ذلك ما يزخر به الع�صر من م�شكالت �شتى‪ ،‬وما‬ ‫مت ُّر به الأمة من �أزمات خمتلفة‪ ،‬وهذا ي�ستدعي �أن تقوم‬ ‫امل�ؤ�س�سات ذات ال�صلة بو�ضع مثل هذه اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫وا�ضح �أن كل جوانب املعرفة امل�شار �إليها فيما تقدم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب الكت�سابها‪ ،‬ال ميكن له ذلك �إال �إذا‬ ‫والتي يحتاج‬ ‫جرى �إع��داده ب�صورة �سليمة وافية‪ ،‬وهنا ت�أتي م�س�ؤولية‬ ‫امل�ؤ�س�سات التعليمية الدينية يف �إع��داد ه��ذه الفئة‪ ،‬فئة‬ ‫املتفقهني يف ال��دي��ن‪ ،‬وه��ذا الأم ��ر ي�ستدعي جت��دي � ًدا يف‬ ‫كل جوانب �إع��داده��م وتعليمهم‪� ،‬أي ما يتعلق باملعلمني‬ ‫وامل �ن��اه��ج ال�ترب��وي��ة و�أ��س��ال�ي�ب�ه��ا‪ ،‬بحيث ال يقت�صر ه��ذا‬ ‫الإع ��داد على العلوم ال�شرعية فح�سب‪ ،‬و�إمن��ا الب � َّد من‬ ‫دعمها بقدر منا�سب من العلوم الإن�سانية احلديثة التي‬ ‫ميكنها خدمة املهمة التي يرجتى منهم القيام بها على‬ ‫�أمت وجه‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫�أي‪ :‬التوجيه �إل��ى ال�سلوك ال��ذي ير�ضي اهلل �سبحانه‬ ‫وتعالى‪ ،‬واحلكم على �سلوكات النا�س من حيث موافقتها‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب ال�سلبي‪،‬‬ ‫ملا يحبه اهلل وير�ضاه من عدمه‪� .‬أم��ا‬ ‫ف�لا ي�ق��وم ب� ��أي م��ن ه��ات�ين امل�ه�م�ت�ين‪ ،‬ومي�ك��ن مالحظة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب‬ ‫املخاطب ال�سلبي‪ :‬الأول ��ى‪ ،‬فئة‬ ‫فئتني يف ه��ذا‬ ‫ال�سلبي العادي‪ ،‬وهو الإن�سان امللتزم بتعاليم الإ�سالم يف‬ ‫�سلوكه‪ ،‬فهو قدوة لغريه وداعية دون �أن يق�صد؛ والفئة‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب ال�سلبي املتخ�ص�ص‪ ،‬وهم �أ�صحاب‬ ‫الثانية فئة‬ ‫التخ�ص�صات الأخرى غري علوم الدين‪ ،‬الذين ميار�سون‬ ‫علومهم بربطها بالإ�سالم يف مرحلة البدايات ومرحلة‬ ‫النهايات‪ ،‬فهم حني يفعلون ذلك‪ ،‬يكونوا قائمني ب�شكل‬ ‫من �أ�شكال جتديد اخلطاب الإ�سالمي‪ ،‬وهكذا تت�سع –‬ ‫يف نظرنا – دائرة القائمني على جتديد اخلطاب الديني‬ ‫لت�شمل تقري ًبا جميع �أفراد املجتمع والأمة الرا�شدون‪ ،‬كل‬ ‫ح�سب طاقته‪.‬‬

‫�أو�ضحنا فيما تقدم املق�صود بثقافة التجديد التي‬ ‫يحتاجها الأف��راد يف املجتمع‪ ،‬من خالل الوعي ب�ضرورة‬ ‫ال�ن�ظ��ر يف الأو� �ض��اع ال�ق��ائ�م��ة ب�ع��ام��ة‪ ،‬و�أو� �ض��اع اخل�ط��اب‬ ‫الإ�سالمي بخا�صة‪ ،‬لر�ؤية اجلوانب التي مل تعد ت�ؤدي‬ ‫الوظيفة املطلوبة منها‪ ،‬والتي مل تعد قادرة على مواكبة‬ ‫تغري الأو��ض��اع والأح��وال وامل�ستجدات‪ ،‬ليتوجه �أ�صحاب‬ ‫التخ�ص�ص (�أي‪� :‬أ��ص�ح��اب ال�ث�ق��اف��ة اخل��ا��ص��ة يف جانب‬ ‫جت��دي��د اخل�ط��اب ال��دي�ن��ي) وه��م "املتفقهون يف الدين"‬ ‫ب��ال�ق�ي��ام ب��واج�ب�ه��م ب��ال�ت�ع��اون والتن�سيق وال�ت���ش��ارك مع‬ ‫امل�ؤ�س�سات ذات ال�صلة‪� ،‬إذ ال ينبغي �أن يرتك الأمر للجهود‬ ‫واحلق �إن هذا الأمر (�إع��داد املتفقهني يف الدين) هو الفردية‪.‬‬ ‫يف ح� ّد ذات��ه �أم��ر وا��س��ع ومت�شعب‪ ،‬اكتفينا هنا بالإ�شارة‬ ‫�إنّ نقطة البداية يف �أي جتديد هي ال�شعور الواعي‬ ‫ال�سريعة �إليه‪.‬‬ ‫باحلاجة �إلى التجديد‪ ،‬و�إن "املتفقهني يف الدين" �إذا مل‬ ‫ما تقدم �أقرب �إلى تو�ضيح للمالمح العامة ملا ينبغي ي�شعروا بهذه احلاجة و�إحلاحها‪ ،‬ف�إننا لن جند جتدي ًدا‪،‬‬ ‫�أن تكون عليه ثقافة جتديد اخلطاب الإ�سالمي اخلا�صة‪ ،‬ثم الب� َّد بعد ذلك من الإرادة ال�صادقة املخل�صة لإجناز‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب املجدد الإيجابي‪ ،‬وقد �أ�ضفت هذه املهمة‪ ،‬والتي هي مهمة م�ستمرة ال تقف عند ح ّد‪.‬‬ ‫متمثلة يف �صفات‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب املجدد وقد �أكدنا فيما تقدم �أن �أهم عن�صر من عنا�صر التجديد‬ ‫و�صف الإيجابي له‪ ،‬لأنني �أرى �أن هناك‬ ‫ال�سلبي‪ ،‬وهذه الفئة تقوم بتو�صيل اخلطاب الإ�سالمي يف اخلطاب هو الإن�سان املتخ�ص�ص (املتفقه يف الدين)‪،‬‬ ‫دون بذل جهود خا�صة لهذا الغر�ض‪ ،‬فك�أنه جاء ب�صورة و�أنه لذلك الب ّد من �إعداده الإعداد الأوفى والأمثل قبل‬ ‫�أن توكل �إليه هذه املهمة الكربى‪ ،‬مهمة جتديد اخلطاب‬ ‫عفوية تلقائية غري مق�صودة‪.‬‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املخاطب املجدد الإيجابي املتقدم و�صف مالحمه‬ ‫�إن‬ ‫ريا‪ ..‬ف�إن هذا املو�ضوع فيه تف�صيالت كثرية‪ ،‬وقد‬ ‫العامة‪ ،‬هوالذي قلنا �إن��ه املتفقه يف الدين‪ ،‬وه��ذه الفئة‬ ‫و�أخ ً‬ ‫تقوم – �إ�ضافة ملا ورد �آنفًا – مبهمتي التوجيه واحلكم‪ ،‬اكتفينا مبا تقدم‪ ،‬على قدر ما �سمح به املقام‪.‬‬ ‫هوام�ش‬ ‫‪ -1‬انظر‪ :‬عزمي طه ال�سيد �أحمد‪ ،‬الثقافة والثقافة الإ�سالمية ر�ؤيا جديدة وعلم جديد‪� ،‬أمانة عمان الكربى‪،‬‬ ‫عمان‪( ،2007 ،‬الق�سم الأول)‪.‬‬ ‫‪ -2‬نقول ذلك؛ لأن هناك من حاول تغيري ترتيب �سور القر�آن الكرمي و�آياته‪ ،‬وهو �أمر �أجمعت الأمة على عدم‬ ‫امل�سا�س به‪.‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫العرب وعلم دراسة المستقبل‬ ‫في القرن الحادي والعشرين‬

‫د‪ .‬خالد صالح حنفي‬ ‫مدر�س �أ�صول الرتبية ‪ -‬جامعة الإ�سكندرية‬ ‫تطور مفهوم امل�ستقبل مع تطور الفكر الب�شري‪ ،‬من‬ ‫نظرة ترى امل�ستقبل "قد ًرا حمتو ًما"‪ ،‬ر�سمته ّ‬ ‫وخططت‬ ‫له قوى خارقة ال ميكن جتاوز تخطيطها ب�أي حال من‬ ‫الأح��وال‪ ،‬وال ميلك الإن�سان حيالها خيارات تُذكر‪� ،‬إلى‬ ‫ن�ظ��رة تنطلق م��ن م�ب��د�أ ال���ص�يرورة وق ��درة احل�ي��اة على‬ ‫التج ّدد‪ ،‬وترى يف امل�ستقبل بع ًدا زمن ًيا ميكن التحكّم يف‬ ‫�صورته‪ ،‬لذا‪ ،‬فدرا�سة امل�ستقبل لي�ست تر ًفا لأنا�س يهتمون‬ ‫بالت�أمل يف م�صريهم‪ ،‬ب��ل جهد م��ر ّك��ب ال خ�لاف حول‬ ‫�أهميته و�ضرورة توطينه يف الوطن العربي‪.‬‬

‫ومت�ث�ل��ت الإره��ا� �ص��ات الأول� ��ى ل�ع�ل��م امل�ستقبليات يف‬ ‫�أع �م��ال كثري م��ن امل�ف� ّك��ري��ن والأدب � ��اء؛ كما يف "مقال يف‬ ‫ال�سكان" للق�س الإجنليزي توما�س مالتو�س‪ ،‬والذي يعد‬ ‫ر�ؤي��ة م�ستقبلية ت�شا�ؤمية للنمو ال�سكاين‪ ،‬وكتاب املفكر‬ ‫الفرن�سي كوندر�سيه (‪1793‬م) بعنوان "خمطط ل�صورة‬ ‫تاريخية لتقدم العقل الب�شري"‪ ،‬وا�ستخدم فيه �أ�سلوبينْ‬ ‫منهج ّيينْ يف التنب�ؤ ما زاال ي�ستخدمان على نطاق وا�سع‬ ‫من قبل امل�ستقبليني املعا�صرين‪.‬‬

‫�أم��ا هربرت ج��ورج ويلز‪� ،‬أ�شهر كتاّب رواي��ات اخليال‬ ‫وجاء هذا املقال ليحلل مفهوم علم امل�ستقبل‪ ،‬ون�ش�أته‪ ،‬ال�ع�ل�م��ي‪ ،‬ف�ه��و �أول �أ��س�ه��م يف ت��أ��ص�ي��ل االه �ت �م��ام العلمي‬ ‫و�أهمية ال��درا��س��ات امل�ستقبلية‪ ،‬وينتقل �إل��ى ر�صد واق��ع بالدرا�سات امل�ستقبلية‪ ،‬ودعا يف حما�ضرة �ألقاها يف يناير‬ ‫اجلهود العربية فى الدرا�سات امل�ستقبلية‪ ،‬منطلقًا �إلى ‪� ،1902‬أمام املعهد امللكي الربيطاين �إلى "علم امل�ستقبل"‪،‬‬ ‫كما �أن هناك اتفا ًقا على �أن �أو�سيب فلختهامي‪ ،‬هو �صاحب‬ ‫�أهمية التو�سع فى ذلك النوع من الدرا�سات‪.‬‬ ‫م�صطلح "علم امل�ستقبل" يف عام ‪ ،1943‬م�ؤ ّذنًا مبيالد علم‬ ‫�أو ًال‪ :‬ماهية الدرا�سات امل�ستقبلية‬ ‫جديد يبحث عن منطق امل�ستقبل بالطريقة نف�سها التي‬ ‫يبحث فيها علم التاريخ عن منطق املا�ضي‪.‬‬ ‫يعد التفكري نحو امل�ستقبل ً‬ ‫ن�شاطا مركز ًّيا للأفراد منذ‬ ‫البدء يف بناء احل�ضارات املختلفة‪ .‬وقد تعددت �سبل توجه‬ ‫وا�ست�شراف امل�ستقبل‪ ،‬هو اجتهاد علمي منظم‪ ،‬يرمي‬ ‫الإن�سان بفكره نحو امل�ستقبل على مدار الفرتات املتعاقبة �إلى �صوغ جمموعة من التنب�ؤات امل�شروطة‪ ،‬والتي ت�شمل‬ ‫تاريخ ًّيا‪ ،‬فقد ق َّدم �أفالطون ر�ؤيته نحو ما يجب �أن يكون امل�ع��امل الرئي�سة لأو� �ض��اع جمتمع م��ا‪� ،‬أو جمموعة من‬ ‫عليه املجتمع م�ستقبلاً م�ستن ًدا على فكرة العدالة‪ ،‬و�أطلق امل�ج�ت�م�ع��ات‪ ،‬وع�ب�ر ف�ت�رة مقبلة مت�ت��د ق�ل�ي�ًل�اً لأب �ع��د من‬ ‫عليه املدينة الفا�ضلة‪ ،‬والتي مثلت ت�صوره للدولة ت�أثر ع�شرين عا ًما‪ ،‬وتنطلق من بع�ض االفرتا�ضات اخلا�صة‬ ‫فيه بخرباته ال�سابقة وم��وت �سقراط‪ ،‬وبكل املناق�شات حول املا�ضي واحلا�ضر‪ ،‬وال�ستك�شاف �أث��ر دخ��ول عنا�صر‬ ‫واحل��وارات التي �أجراها مع نظرائه والتي حاولوا فيها م�ستقبلية على املجتمع‪ .‬فا�ست�شراف امل�ستقبل‪ ،‬ال ي�ستبعد‬ ‫أي�ضا �إمكانية ا�ستك�شاف نوعية وحجم التغريات الأ�سا�سية‬ ‫� ً‬ ‫بناء دولة مثالية‪( .‬اجلميل‪.)2012 ،‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫الواجب حدوثها يف‬ ‫جمتمع ما حتى يت�شكل م�ستقبله على ‪ -6‬ت��ر��ش�ي��د ع�م�ل�ي��ات ��ص�ن��ع ال �ق��رار‪ ،‬وت��وف�ير مرجعيات‬ ‫ٍ‬ ‫نح ٍو معني من�شود‪�( .‬إبراهيم‪)1982 ،‬‬ ‫م�ستقبلية ل�صانع القرار‪ ،‬واقرتاح جمموعة متنوعة‬ ‫من الطرق املمكنة حل ّل امل�شكالت‪.‬‬ ‫فعلم امل�ستقبل‪ ،‬هو علم حديث‪ ،‬يعتمد �أحدث املعطيات‬ ‫االقت�صادية والعلوم املتطورة والتقنيات املتقدمة لت�صور ‪ -7‬زيادة امل�شاركة الدميقراطية يف �صنع امل�ستقبل و�صياغة‬ ‫ما يكون عليه العامل بعد عقد وعقدين‪( .‬بلمودون‪� )2013 ،‬سيناريوهاته‪ ،‬والتخطيط له؛ فالدرا�سات امل�ستقبلية‬ ‫م �ي��دان م �ف �ت��وح ل�ت�خ��ّ��ص���ص��ات م �ت �ن��وع��ة‪ ،‬وا� �س �ت �خ��دام‬ ‫ثان ًيا‪� :‬أهمية الدرا�سات امل�ستقبلية‬ ‫الأ�ساليب الت�شاركية والعمل اجلماعي‪.‬‬ ‫لقد �شهد الغرب عقب احلرب العاملية الثانية حركة‬ ‫اجلهود العربية يف جمال الدرا�سات امل�ستقبلية‬ ‫وا�سعة‪ ،‬ا�ستهدفت االهتمام بالدرا�سات امل�ستقبلية‪ ،‬حتى‬ ‫ً‬ ‫ون�شاطا علم ًّيا‬ ‫غدت درا�سات امل�ستقبل �صناعة �أكادميية‪،‬‬ ‫يعود االهتمام العربي بهذا بعلم امل�ستقبل وتطبيقاته‬ ‫ق��ائ� ًم��ا ب��ذات��ه‪،‬‬ ‫ومنهجا عمل ًّيا ف��ى الإدارة والتخطيط‪� .‬إل��ى منت�صف العقد ال�سابع من القرن املا�ضي تقري ًبا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وات� �خ ��ذ ه� ��ذا االه �ت �م��ام ع � ��د ًدا م ��ن امل� ��ؤ�� �ش ��رات �أه �م �ه��ا‪:‬‬ ‫وجت�سد ذلك عرب جمموعة من امل�ؤلفات والدرا�سات‪ ،‬التي‬ ‫ّ‬ ‫ت��زاي��د �أع ��داد العلماء والباحثني امل�شتغلني بالدرا�سات رغم قلة عددها‪� ،‬إال �أنها �ساهمت يف ن�شر التفكري العلمي‬ ‫امل�ستقبلية‪ ،‬وانت�شار املراكز واجلمعيات والروابط واملعاهد يف امل�ستقبل فى الوطن العربي‪ .‬وهناك ِ�س َمتان ت�سمان‬ ‫املتخ�ص�صة يف الدرا�سات امل�ستقبلية‪ ،‬وحتى املراكز الكربى اجلهود العربية يف جمال الدرا�سات امل�ستقبلية؛ الأولى‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ل�صنع ال�ق��رار الأم��ري�ك��ي‪ ،‬البيت الأبي�ض‪ ،‬والكونغر�س‪� ،‬إن هذه الدرا�سات كانت عملاً م�ؤ�س�س ًّيا قامت به م�ؤ�س�سات‬ ‫والبنتاجون‪ ،‬يقوم على خدمتها ع��دد من مراكز الفكر معظمها ينتمي �إل��ى املجتمع امل��دين‪ .‬والثانية‪� :‬أن تلك‬ ‫(‪ )Think Tanks‬امل �ع��روف��ة ذات ال �ت��وج��ه امل�ستقبلي اجلهود مل تت�صف بالرتاكم واال�ستمرار‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬بدت‬ ‫واال�سرتاتيجي‪ ،‬منها‪ :‬املجل�س القومي لال�ستخبارات هذه اجلهود وك�أنه ال يوجد ارتباط بينها‪.‬‬ ‫الأمريكية (‪ ،)NIC‬الذي ي�صدر تقري ًرا كل �أربع �سنوات‪،‬‬ ‫ومتثلت �أولى اجلهود العربية يف ذلك امليدان يف‪:‬‬ ‫كان �آخرها توجهات عاملية بحلول عام ‪.2025‬‬ ‫وت �ت �ب �ل��ور �أه �م �ي��ة ال ��درا�� �س ��ات امل���س�ت�ق�ب�ل�ي��ة يف �سبعة ‪ -‬الدرا�سة الرائدة بعنوان "الوطن العربي عام ‪،"2000‬‬ ‫ال �� �ص��ادرة يف ع ��ام ‪ ،1975‬وه��ي ن�ت��اج ع�م��ل ف��ري��ق من‬ ‫م�ستويات‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫اخل�براء العرب بدعم من م�ؤ�س�سة امل�شاريع والإمن��اء‬ ‫‪ -1‬ر��س��م خريطة كلية للم�ستقبل‪ ،‬م��ن خ�لال ا�ستقراء ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬وه��دف��ت �إل ��ى ا��س�ت�ط�لاع م�ستقبل للوطن‬ ‫االجت��اه��ات املحتمل ظ�ه��وره��ا يف امل�ستقبل‪ ،‬وال�ق��وى العربي حتى عام ‪2000‬م‪.‬‬ ‫والفواعل الدينامية املحركة للأحداث‪.‬‬ ‫ جهود جمموعة القاهرة عام‪ ،1977‬بقيادة خرباء معهد‬‫‪ -2‬ب�ل��ورة اخل �ي��ارات املمكنة وامل�ت��اح��ة‪ ،‬وتر�شيد عمليات التخطيط القومي يف القاهرة‪ ،‬بالتعاون مع ال�صندوق‬ ‫امل�ف��ا��ض�ل��ة ب�ي�ن�ه��ا‪ ،‬وا��س�ت�ط�لاع ال �ت��داع �ي��ات‪ ،‬وال�ن�ت��ائ��ج العربي للإمناء االقت�صادي واالجتماعي يف الكويت‬ ‫املحتملة‪ ،‬وحتديد االختيارات املنا�سبة‪.‬‬ ‫وامل�ؤ�س�سات العربية والدولية‪ .‬وهدفت �إلى �إن�شاء حركة‬ ‫فعالة للتخطيط الطويل املدى يف الوطن العربي‪.‬‬ ‫‪ -3‬التخفيف م��ن الأزم� ��ات ع��ن ط��ري��ق ال�ت�ن�ب��ؤ ب�ه��ا قبل‬ ‫وقوعها‪ ،‬والتهي�ؤ ملواجهتها‪ ،‬الأم��ر ال��ذي ي ��ؤدي �إل��ى ‪ -‬درا�سة �إ�سماعيل �صربي يف عام ‪ 1977‬عن تطور م�صر‪،‬‬ ‫املباد�أة للتعامل مع امل�شكالت قبل تفاقمها‪.‬‬ ‫وطرح فيها �سيناريوهات امل�ستقبل م�صر‪.‬‬ ‫‪ -4‬ت �ع � ّد ال ��درا�� �س ��ات امل���س�ت�ق�ب�ل�ي��ة �أ� �س��ا�� ً�س��ا للتخطيط ‪ -‬ورقة عمل اللجنة الثالثية املنبثقة يف عام ‪ 1978‬ال�صادرة‬ ‫اال�سرتاتيجي‪ ،‬حيث توفر �سيناريوهات ابتكارية تزيد ع��ن جل�ن��ة خ�ب�راء ا��س�ترات�ي�ج�ي��ة ال�ع�م��ل االق�ت���ص��ادي‬ ‫من كفاءة وفاعلية التخطيط اال�سرتاتيجي‪.‬‬ ‫العربي امل�شرتك‪ .‬وه��دف��ت �إل��ى حم��اول��ة تطوير دور‬ ‫التعاون العربي امل�شرتك‪.‬‬ ‫‪ -5‬تزايد الت�أثريات املعقّدة لتحديات م�ستقبلية ذات طابع‬ ‫عاملي من �أمثلتها‪ :‬التهديد بفناء احل�ضارة الإن�سانية‪ - ،‬وثيقة ا�سرتاتيجية العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‬ ‫ووق��وع ال�سالح النووي يف �أي� ٍ�د غري عاقلة �أو ر�شيدة‪� ،‬سنة ‪ ،1979‬بدعم من الأمانة العامة جلامعة الدول‬ ‫والتغيرّ ات املناخية‪ ،‬وما ي�صاحبها من ظواهر الغرق ال�ع��رب �ي��ة‪ ،‬وجم�ل����س ال��وح��دة االق�ت���ص��ادي��ة ال�ع��رب�ي��ة‪،‬‬ ‫والت�صحر واجلفاف‪.‬‬ ‫وال�صندوق العربي للإمناء االقت�صادي واالجتماعي‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪14‬‬


‫وه��ذه الوثيقة رك��زت على التنب�ؤ بفرتة الثمانينيات ب‪ -‬االن�شغال ب ��إع��ادة �إن�ت��اج املا�ضي �أك�ث�ر م��ن االن�شغال‬ ‫بقراءة امل�ستقبل‪ ،‬و�إنتاجه و�صناعته‪.‬‬ ‫انطال ًقا من الواقع‪.‬‬ ‫ج �ـ‪ -‬غ�ي��اب تقاليد ع��دة ع��ن الثقافة العربية‪ :‬كتقاليد‬ ‫الفريق والعمل اجلماعي‪ ،‬واحل��وار‪ ،‬والتبادل املعريف‪،‬‬ ‫وال �ت �� �س��ام��ح ال �ف �ك��ري وال �� �س �ي��ا� �س��ي‪ ،‬وق� �ب ��ول ال �ت �ع��دد‬ ‫واالختالف‪.‬‬

‫وق ��د اك�ت���س�ب��ت ت�ل��ك ال��درا� �س��ات �أه �م �ي��ة م �ت��زاي��دة يف‬ ‫الثمانينيات والت�سعينيات‪ ،‬نتيجة ال�ت�غ�ّي�رّ يف مفاهيم‬ ‫التنمية‪ ،‬وهجرة املفاهيم التقليدية القدمية‪ ،‬وا�ستبدلت‬ ‫بها مفهوم التنمية امل�ستدامة‪ ،‬وه��و مفهوم م�ستقبلي‬ ‫يهتم بحقوق الأجيال القادمة‪ ،‬و ُيعنى بدمج االعتبارات‬ ‫االجتماعية والثقافية وال�سيا�سية جن ًبا �إل��ى جنب مع د‪ -‬ق�صور املعلومات‪ ،‬و�صعوبة الو�صول �إليها‪ ،‬وعدم توافر‬ ‫قواعد معلومات دقيقة وحديثة‪.‬‬ ‫االعتبارات االقت�صادية‪.‬‬ ‫وب��الإ��ض��اف��ة �إل��ى ��ض��آل��ة الإن �ت��اج على �صعيد درا��س��ات ه� �ـ‪ -‬غ �ي��اب الأط� ��ر امل��ؤ��س���س�ي��ة امل�ت�خ��ّ��ص���ص��ة ب��ال��درا� �س��ات‬ ‫امل�ستقبلية‪ ،‬واالن�شغال بهموم "احلا�ضر" وق�ضاياه‬ ‫امل�ستقبليات‪ ،‬ف�إن الواقع العربي يعاين الآتي‪:‬‬ ‫ال�ضاغطة‪ ،‬عن "امل�ستقبل" وق�ضاياه امل�ؤجلة‪.‬‬ ‫• ال ت ��أخ��ذ غالبية ال ��دول ال�ع��رب�ي��ة ب�ه��ذه ال��درا� �س��ات‬ ‫وه��ذه ال�صعوبات تقدم دلي ً‬ ‫ال جدي ًدا على �أن الوعي‬ ‫ك�أ�سا�س م�سبق التخاذ القرارات‪ ،‬مثلما هو احلال مع‬ ‫املخت�صني‬ ‫ب��أه�م�ي��ة ا��س�ت���ش��راف امل�ستقبل مل ي� ُع��د يعني‬ ‫ّ‬ ‫العديد من الدول‪.‬‬ ‫بالدرا�سات امل�ستقبلية فح�سب‪ ،‬ولكنه �صار يعني كل من‬ ‫• قلة اجلامعات العربية‪ ،‬التي جعلت مو�ضوع امل�ستقبل ي�ؤمن بتقدم املجتمع العربي وتنميته ووحدته‪ ،‬و�ضمان‬ ‫ا�ستقراره و�أمنه يف احلا�ضر وامل�ستقبل‪� ،‬أي �أنه �أ�صبح يعني‬ ‫�ضمن مناهجها ومقرراتها التدري�سية‪.‬‬ ‫أي�ضا‪.‬‬ ‫املخت�صني واملثقفني‪ ،‬والرجل العادي � ً‬ ‫ّ‬ ‫• حمدودية املراكز التي تتّخذ من ت�سمية درا�سة �أو‬ ‫وم��ا ي�شهده ال��وط��ن العربي م��ن متغريات وح��روب‪،‬‬ ‫درا�سات امل�ستقبل عنوانًا ر�سم ًّيا لها �أوجمال لعملها‪.‬‬ ‫و�صراعات وم��ؤام��رات يف الفرتة الراهنة‪ ،‬ي�ؤكد احلاجة‬ ‫• ندرة الدوريات العربية املتخ�ص�صة يف ن�شر الدرا�سات �إل ��ى ع�ل��م امل���س�ت�ق�ب��ل مب�ن�ه�ج�ي��ات��ه و�أ� �س��ال �ي �ب��ه امل�خ�ت�ل�ف��ة؛‬ ‫امل�ستقبلية‪.‬‬ ‫لي�ساعدنا ع�ل��ى درا� �س��ة الأزم � ��ات ال��راه �ن��ة وامل�ستقبلية‬ ‫• قلة النوافذ الإعالمية العربية التي تتولى الرتويج ب��ال�ط��رق واملنهجيات العلمية‪ ،‬وحت��دي��د �أف���ض��ل الطرق‬ ‫التعامل مع احلا�ضر وبناء امل�ستقبل‪.‬‬ ‫لثقافة �صناعة امل�ستقبل‪.‬‬ ‫�إن ال��درا��س��ات امل�ستقبلية يف ال��وط��ن ال�ع��رب��ي �ستظل‬ ‫معوقات و�صعوبات انت�شار الدرا�سات امل�ستقبلية‬ ‫تراوح مكانها �إن مل ن�سع �إلى �إعادة ت�شكيل العقل العربي‪،‬‬ ‫فى الوطن العربي‬ ‫وخلق تيار وطني وق��وم��ي ميتلك عقلاً منهج ًّيا نقد ًّيا‬ ‫هناك �صعوبات تعرت�ض انت�شار الدرا�سات امل�ستقبلية يتغلب على كل �أ�شكال القيود املوروثة وامل�صنوعة‪ .‬ومن‬ ‫ال�ع�ب��ث و��ض��ع ر�ؤى م�ستقبلية �أو درا� �س��ات ا�ست�شرافية‬ ‫يف الوطن العربي‪ ،‬وتتلخ�ص يف‪:‬‬ ‫مع بقاء حالة الأ�سر للما�ضي‪ ،‬ب� اً‬ ‫�دل من �إط�لاق م�شروع‬ ‫�أ‪ -‬غياب الر�ؤية امل�ستقبلية يف بنية العقل العربي‪ ،‬وطغيان فكري عقالين‪ ،‬قادر على �أن ي�ؤ�س�س لقيام مدر�سة عربية‬ ‫النظرة ال�سلبية �إلى امل�ستقبل يف ثقافتنا العربية‪.‬‬ ‫للدرا�سات امل�ستقبلية‪ ،‬وير ّوج لأ�ساليبها ومنهجياتها‪.‬‬ ‫املراجع‪:‬‬ ‫ �إبراهيم حممد من�صور (‪" .)2013‬الدرا�سات امل�ستقبلية‪ :‬ماهيتها و�أهمية توطينها عرب ًّيا"‪ ،‬ورقة بحثية مقدمة �إلى فعاليات منتدى‬‫اجلزيرة ال�سابع حول الدرا�سات امل�ستقبلية‪ ،‬الدوحة‪ 15 ،‬مار�س ‪.2013‬‬ ‫ �سعد الدين �إبراهيم و�آخرون‪� :‬صور امل�ستقبل العربي‪ ،‬مركز درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬الطبعة الأولى‪� ،‬سنة ‪� ،1982‬ص ‪.23‬‬‫ د‪ .‬م��ازن الرم�ضاين (‪ .)2015‬ال�ع��رب والبحث العلمي يف امل�ستقبل‪ ..‬م�شروع ح�ضاري م�ت��أخ��ر‪� ،‬صحيفة ال�ع��رب‪ ،‬ال�ع��دد (‪،)10065‬‬‫‪� ،2015/10/13‬ص (‪.)6‬‬ ‫ �أمينة اجلميل (‪ .)2012‬ماهية الدرا�سات امل�ستقبلية‪� ،‬سل�سلة �أوراق‪ ،‬مكتبة الإ�سكندرية‪ ،‬العدد (‪.)5‬‬‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪15‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫دور الجامعات العربية‬

‫في التنمية االقتصادية واالجتماعية‬ ‫(الواقع – المعوقات – الحلول)‬ ‫د‪ .‬خالد محمود‬ ‫جامعة الإ�سكندرية‬

‫‪16‬‬

‫ُيع ّد البحث العلمي الو�سيلة الأ�سا�سية لتحقيق التنمية املتكاملة للمجتمع‪ ،‬وا�ستثمار‬ ‫غري مادي يحقق مردوده على املدى الطويل‪ ،‬مبا ي�ؤدي �إلى زيادة النمو االقت�صادي‪ ،‬وميكّن‬ ‫امل�ؤ�س�سات من مواجهة حتديات البيئات التناف�سية‪ .‬ويقوم البحث العلمي يف اجلامعات بدور‬ ‫ف ّعال فـي منظومـة البحث والتطوير‪ ،‬فاجلامعة حتدد حاجات املجتمع املختلفة وم�ؤ�س�ساته‬ ‫الإنتاجية‪ ،‬وحتدد م�سارات بحثية وا�ضحة ت�سهم يف رقي جمتمعاتها‪ ،‬وتقدمهم؛ وتوفر البيئة‬ ‫العلمية التي توفر كل ما يلـزم من متويل و�إمكانيات‪ ،‬فهي بيئة ممتازة للإبداع العلمي و�إمناء‬ ‫املعرفة و�إثرائها ون�شرها‪ ،‬وال�سعي يف توظيفها حلل امل�شكالت املختلفة يف املجتمع (‪,Cherki‬‬ ‫‪.)30 ,2005‬‬ ‫وبالرغم من �أهمية دور اجلامعة يف الإ�سهام يف التنمية ال�شاملة‪ ،‬ف�إن اجلامعات العربية‬ ‫تواجه معوقات دون حتقيقها هذا الدور‪ ،‬ودون حتقيقها التعاون بني مراكز البحوث واجلامعات‬ ‫والقطاعات الإنتاجية وال�صناعية‪ ،‬ويحاول هذا املقال حتليل العالقة بني اجلامعات والتنمية‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬وواق��ع ه��ذه العالقة يف ال�ب�لاد العربية كما تو�ضحه التقارير‬ ‫والدرا�سات الدولية والعاملية‪ ،‬ومعوقات حتقيق التكامل والرتابط بني اجلامعات والتنمية‬ ‫ريا بع�ض الآليات التي ميكن اتباعها لتقليل الفجوة القائمة‪،‬‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬و�أخ ً‬ ‫والتغلب على املعوقات التي حتول دون قيام اجلامعات العربية بدورها التنموي‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪16‬‬


‫وتعتمد التنمية على عوامل عدة‪ ،‬من �ضمنها‪ :‬ر�أ�س‬ ‫امل ��ال‪ ،‬وامل� ��وارد الطبيعية‪ ،‬وال�ت�ق��دم ال�ت�ق�ن��ي‪ ،‬وال �ظ��روف‬ ‫ال�سيا�سية واالجتماعية والثقافية واالقت�صادية‪ ،‬ودرجة‬ ‫الوعي لدى �أفراد املجتمع‪ .‬فحاجات التنمية ال تنح�صر يف‬ ‫أ�سا�سا على القوى‬ ‫امل�سلتزمات املادية للم�شاريع‪ ،‬بل تعتمد � ً‬ ‫الب�شرية الالزمة لهذه امل�شاريع؛ وذل��ك من منطلق �أن‬ ‫م�شاريع التنمية تتوقف �إلى حد بعيد على توفري حاجاتها‬ ‫من الأفراد وفق م�ستويات املهارة املطلوبة‪.‬‬ ‫فالتنمية احلقيقية والفعالة ال تقت�صر على جانب‬ ‫دون �آخ��ر؛ �إذ �إنها تنمية مق�صودة ُيعبرّ عنها يف �أدبيات‬ ‫ال�ت�ن�م�ي��ة بالتنمية ال���ش��ام�ل��ة يف ج��وان�ب�ه��ا االق�ت���ص��ادي��ة‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وما تت�ضمنه من حماور وعنا�صر خمتلفة‪،‬‬ ‫ت�شمل‪ :‬ال�صحة والتعليم‪ ،‬والعمل والدخل الكايف‪ ،‬و�إ�شباع‬ ‫احلاجات الأ�سا�سية وال�ق��درة على العطاء والإب ��داع؛ �أي‬ ‫�إن حتقيق تقدم يف �أي جم��ال من امل�ج��االت االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬يعزّز فر�ص التقدم يف بقية املجاالت‪ ،‬ويعزز‬ ‫أي�ضا فر�ص حتقيق �آفاق �أرحب وم�ستويات �أف�ضل للحياة‪،‬‬ ‫� ً‬ ‫وه��ذا الأم��ر يو�ضح �أهمية تكامل التنمية االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية مع باقي املجاالت‪.‬‬

‫و�إذا �أ�ضفنا �إلى ما �سبق واقع ترتيب اجلامعات العربية‬ ‫يف الت�صنيفات ال�ع��امل�ي��ة‪ ،‬وت ��أخ��ر �أو ت� �دنيّ ت��رت�ي��ب تلك‬ ‫اجلامعات‪ ،‬وخروج معظم اجلامعات العربية من معظم‬ ‫الت�صنيفات �أو تذيلها الرتتيب با�ستثناء بع�ض اجلامعات‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬ي��دق ناقو�س اخلطر‪ ،‬وي�شري �إل��ى وج��ود ثمة‬ ‫اخ �ت�لاالت و�سلبيات يف التعليم اجل��ام�ع��ي ال�ع��رب��ي‪ ،‬مما‬ ‫ي�ؤدي بدوره �إلى �ضعف قيامه بدوره التنموي‪.‬‬ ‫معوقات العالقة بني اجلامعات العربية‬ ‫وم�ؤ�س�سات التنمية االقت�صادية واالجتماعية‪:‬‬ ‫مم��ا ال � �ش��ك ف �ي��ه‪� ،‬أن ه �ن��اك ال �ع��دي��د م��ن امل �ع��وق��ات‬ ‫وال�صعوبات التي تقف حائلاً �أمام حتقيق التعاون امل�أمول‬ ‫بني اجلامعات والقطاع اخلا�ص‪ ،‬وجتدر الإ�شارة �إلى �أن‬ ‫هناك وجهتي نظر يف هذا اخل�صو�ص‪ ،‬الأول��ى‪ :‬يتبنّاها‬ ‫رج��ال التعليم‪ ،‬وتتلخ�ص يف �ضعف الإع�ل�ام‪ ،‬وتق�صريه‬ ‫يف تقدمي اخلدمات اال�ست�شارية �أو الربامج التدريبية‪،‬‬ ‫�أو الأب �ح��اث وامل���ش��روع��ات ال�ت��ي ت�ساهم فيها اجلامعات‬ ‫العربية �أو تنظمها‪ ،‬و�ضعف رغبة امل�ؤ�س�سات ال�صناعية‬ ‫يف امل�شاركة يف تكاليف امل�شاريع البحثية‪ ،‬و�ضعف العالقة‬ ‫بني اجلامعات والقطاعات الإنتاجية؛ حيث يرى رجال‬ ‫ريا يف‬ ‫التعليم �أن امل�ؤ�س�سات ال�صناعية العربية ال تثق كث ً‬ ‫الأب�ح��اث وال��درا��س��ات العلمية‪ ،‬وال تقتنع بفائدتها‪ ،‬وما‬ ‫ك ّون ذلك ومنبعه النظرة املجتمعية �إلى البحث العلمي‪،‬‬ ‫و�ضعف الثقة يف جدواه وفوائده‪� ،‬إ�ضاف ًة للمناخ الثقايف‬ ‫غري داعم يف كثري من الأحيان لقيم العلم والبحث‪.‬‬

‫والتنمية ال�شاملة والتعليم اجلامعي كالهما يلتقيان‬ ‫يف الإن �� �س��ان بو�صفه حم ��و ًرا ل�ه�م��ا‪ ،‬فالتعليم اجلامعي‬ ‫ي �ت �ن��اول �شخ�صية الإن �� �س��ان بجميع ج��وان�ب�ه��ا وحتقيق‬ ‫التكامل لها‪ ،‬والتنمية تتناول املجتمع من جميع جوانبه‪،‬‬ ‫وت�سعى �إلى �إتاحة التقدم له‪ .‬والتنمية ال�شاملة ال تكون‬ ‫فعال ًة م��ن غ�ير جهود التعليم ال�ع��ايل يف تنمية ال�ثروة‬ ‫�أم ��ا وج�ه��ة ال�ن�ظ��ر ال�ث��ان�ي��ة‪ :‬ف�ه��ي وج�ه��ة ن�ظ��ر رج��ال‬ ‫الب�شرية للنهو�ض مبتطلبات التنمية؛ وذلك باعتبار �أن‬ ‫التنمية ال�شاملة للجوانب االقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬الأع� �م ��ال يف ال �ق �ط��اع اخل��ا���ص‪ ،‬ال��ذي��ن ي ��رون ��ص�ع��وب��ات‬ ‫والثقافية وال�سيا�سية يف املجتمع‪ ،‬هي ال�صيغة املنا�سبة ومعوقات تواجه التعاون بينهم وبني اجلامعات‪ ،‬وتتمثل‬ ‫يف ان�شغال اجلامعات العربية بالتدري�س‪ ،‬ومنح الدرجات‬ ‫لتقدم املجتمع‪.‬‬ ‫العلمية‪ ،‬وع��دم اهتمام اجلامعات بالأبحاث التطبيقية‬ ‫واقع العالقة بني اجلامعات العربية والتنمية التي تعالج م�شاكل الإن�ت��اج املحلي‪ ،‬ووج��ود تطور �سريع‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية‪:‬‬ ‫يف بع�ض القطاعات الإنتاجية‪ ،‬وامل�شاكل الناجمة عنه‬ ‫تفوق م�ستوى امل�ساهمة الذي ميكن �أن تقدمه اجلامعات‪،‬‬ ‫�أكد تقرير املعرفة العربية ال�صادر عن برنامج الأمم �إ�ضاف ًة لعدم ارتباط املناهج التعليمية والتدريبية بالواقع‬ ‫املتحدة الإمن��ائ��ي (‪ )137 ،2002‬على �ضعف ال��دور الذي احل��ايل للقطاعات الإنتاجية وما تواجهه من م�شكالت‬ ‫مت��ار��س��ه اجل��ام�ع��ات وامل��راك��ز البحثية العربية يف �إن�ت��اج ومعوقات‪ ،‬واالكتفاء باجلوانب بالنظرية دون التطبيقية‬ ‫املعرفة عامل ًّيا‪ ،‬وابتعاد الكثري من البحوث عن معاجلة يف املقررات اجلامعية‪.‬‬ ‫م�شكالت ال��واق��ع وامل�ج�ت�م��ع‪ .‬و�أ� �ش��ار ت�ق��ري��ر التناف�سية‬ ‫العاملي لعام (‪� )2014‬إلى �ضعف البحث العلمي والإنتاجية‬ ‫وي�ؤكد حممود (‪� )2014،7‬أن اجلامعات العربية تعاين‬ ‫البحثية يف الدول العربية (‪ .)459 ,2014 ,Schwab et al‬العديد من امل�شكالت واملعوقات والتي �أثرت على قيامها‬ ‫كما بينّ تقرير التناف�سية العاملي (‪� )2015،24‬أن ترتيب بدورها يف التنمية والبحث العلمي‪ ،‬لعل �أبرزها التمويل‬ ‫الدول العربية من حيث جودة م�ؤ�س�سات البحث العلمي وه��و �أه��م ع��ائ��ق‪ ،‬وم�شكالت االف�ت�ق��ار �إل��ى اال�ستقاللية‬ ‫يقع يف مراتب مت�أخرة؛ فم�صر مثلاً ‪ ،‬ح ّلت يف املرتبة رقم يف ال�ع�م��ل‪ ،‬وان �ع��دام ال�ع�م��ل امل��ؤ��س���س��ات��ي امل�ستقل وامل�ن��اخ‬ ‫(‪ )135‬من بني (‪ )144‬دول��ة يف العامل ‪ ,Schwab et al‬ال��دمي �ق��راط��ي‪ ،‬وال�ع���ش��وائ�ي��ة يف ال�ع�م��ل‪ ،‬و��ض�ع��ف �آل �ي��ات‬ ‫‪.))50 ,2014‬‬ ‫التعاون وال�شراكة‪ ،‬وع��دم توفر قنوات ات�صال وتن�سيق‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪17‬‬


‫مع مراكز الأبحاث العاملية لنقل اخلربة وت�أ�سي�س �شراكة‬ ‫معرفية‪ ،‬وع��دم توافر قواعدها وف��ق النظم املعلوماتية‬ ‫احلديثة يت�سنّى ا�ستخدامها للباحثني‪ ،‬وغياب نظام جاذب‬ ‫للكفاءات‪ ،‬وعدم وجود مقايي�س �أو �أدوات لتقييم امل�ؤ�س�سات‬ ‫البحثية‪ ،‬وعدم وجود معطيات وا�ضحة ومن�شورة وحمدثة‬ ‫لتقييم الأداء‪ ،‬وحمدودية �أهدافه‪ ،‬وغياب االرتباط بني‬ ‫اجلامعات واملراكز بحثية وباقي م�ؤ�س�سات املجتمع خا�صة‬ ‫الإنتاجية منها‪ ،‬وغياب �إ�سرتاتيجية وا�ضحة يف جمال‬ ‫ف��اجل��ام �ع��ات ال �ع��رب �ي��ة م �ط��ال �ب��ة ب � ��أن ت �ت �ب � ّن��ى �آل �ي��ات‬ ‫البحث العلمي من جهة‪ ،‬وع��دم ربطها بالإ�سرتاتيجية‬ ‫و�أ�شكال جديدة لت�شجيع التفكري يف البحث والتطوير‬ ‫العامة للتنمية من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫وامل���ش��ارك��ة م��ع ق�ط��اع��ات الإن �ت��اج يف املجتمع‪ ،‬مب��ا يحقق‬ ‫خامتة‬ ‫التنمية امل�ستدامة يف املجتمعات الإن�سانية؛ بل �إنّ درجة‬ ‫�إن طبيعة الع�صر الذي نعي�ش فيه فر�ضت تغري من التعاون بني اجلامعات والقطاعات الإنتاجية هي �إحدى‬ ‫من��وذج اجلامعة التقليدية التي تركز فقط على �إنتاج حمددات �سمعة اجلامعة وت�صنيفها على امل�ستوى العاملي‬ ‫املعرفة‪� ،‬إلى االنتقال �إلى منوذج اجلامعة احلديث الذي ‪Belfield, 2012,3)، (HEFCE,2013, 2)، (Clarke(.‬‬ ‫يركز على �إن�ت��اج املعرفة وتطبيق وممار�سة املعرفة فى ‪.)&Williams, 2015,1‬‬ ‫جم��االت ال�صناعة والإن �ت��اج‪ ،‬ف�لا ج��دوى م��ن ال�شركات‬ ‫وقد ظهرت عدة �آليات و�صيغ للربط بني اجلامعات‬ ‫وامل�صانع التي ال ت�ستفيد من �إمكانيات اجلامعات يف �إنتاج‬ ‫مع وال �ق �ط��اع��ات الإن �ت��اج �ي��ة‪ ،‬وم �ن �ه��ا‪ :‬م ��دن ال�ت�ك�ن��ول��وج�ي��ا‪،‬‬ ‫امل�ع��رف��ة‪� ،‬أو اجل��ام�ع��ات ال�ت��ي ال ت��رك��ز على التوا�صل‬ ‫القطاعات الإنتاجية وال�صناعية على �أ�سا�س نقل املعرفة وحدائق البحوث‪ ،‬ومراكز التميز البحثي‪ ،‬والتجمعات‬ ‫ال�صناعية امل�ستندة �إلى التكنولوجيات العالية‪ ،‬وممرات‬ ‫�إليها ‪.))Yüksel & Cevher, 2014, 232‬‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬واحلا�ضنات التكنولوجية‪ .‬ولعل تبنّي تلك‬ ‫والبد من �إيجاد �آليات منا�سبة لتحقيق درجة عالية الآليات للربط بني اجلامعات وتلك امل�ؤ�س�سات يف بع�ض‬ ‫م��ن ال�ت�ف��اع��ل واالرت �ب��اط ب�ين اجل��ام�ع��ات ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬وم��ا بلدان العامل‪ ،‬جعلها تتحول �إلى جامعات قادرة على متويل‬ ‫جت��ري��ه م��ن �أب �ح��اث وم���ش��روع��ات علمية‪ ،‬وب�ين قطاعات‬ ‫الإنتاج وال�صناعة يف املجتمع مبا يحقق �أه��داف التنمية‬ ‫االقت�صادية والثقافية واالجتماعية‪ ،‬فاجلامعات ت�صنع‬ ‫املعرفة‪ ،‬ويت ّم بني جدرانها البحث عن املعرفة‪ ،‬ف�أي فكرة‬ ‫�أو نظرية تولد يف حميط اجلامعة‪ ،‬ويف معامل الأبحاث‪،‬‬ ‫وتقوم قطاعات ال�صناعة والإنتاج بتحويلها �إلى حقيقة‬ ‫يف ال�سوق‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪18‬‬


‫أرباحا كثرية كما‬ ‫نف�سها ذات ًّيا‪ ،‬و�صارت هذه اجلامعات تد ُّر � ً‬ ‫أرباحا للم�ساهمني فيها‬ ‫تد ُّر ال�شركات وامل�صانع والبنوك � ً‬ ‫(‪.)Ciferri & Lommbardi, 2014, 20‬‬ ‫والب��د م��ن تطوير امل �ق��ررات اجلامعية؛ بحيث تركز‬ ‫على �إك�ساب الطلبة املهارات البحثية الالزمة‪ ،‬والرتكيز‬ ‫على مهارات �إج��راء البحوث التطبيقية‪ ،‬وميكن �أن تبد�أ‬ ‫اجل��ام�ع��ات ال�ع��رب�ي��ة يف ت�ب� ّن��ي �صيغ اجل��ام�ع��ات املنتجة‪،‬‬ ‫ومراكز التميز‪ ،‬وحدائق وحا�ضنات التكنولوجيا‪ ،‬وغريها‬ ‫من ال�صيغ التي ت�شجع على الربط وتوثيق الروابط مع‬ ‫قطاعات ال�صناعة والإنتاج‪.‬‬

‫كما ينبغي �أن تركز الدرا�سات وامل�شروعات والأبحاث‬ ‫اجلامعية على م�شكالت املجتمع‪ ،‬ومتطلبات قطاعات‬ ‫الإنتاج وال�صناعة‪ ،‬وعلى القيادات اجلامعية �أن ت�ساهم‬ ‫يف ذلك التعاون من خالل التفاعل الفعال‪ ،‬و�إن�شاء ٍ‬ ‫جلان‬ ‫م�شرتكة بينهما ملتابعة هذا التعاون‪ ،‬ومراجعته وتعزيزه‬ ‫وتقوميه‪ ،‬و�إعطاء هذه اللجان ال�صالحيات والآليات التي‬ ‫ت�سهم يف التغلب على ال�صعوبات التي تقف عائقًا يف �سبيل‬ ‫املرج ّوة‪.‬‬ ‫حتقيق هذه النتائج ُ‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫‪ .1‬برنامج الأمم املتحدة الإمنائي (‪ .)2002‬تقرير التنمية الإن�سانية العربي‪ ،‬دبي‪ :‬ال�صندوق العربي للإمناء‬ ‫االقت�صادي واالجتماعي‪.‬‬ ‫‪ .2‬زرزار العيا�شي‪� ،‬سفيان بو عطيط (‪ .)2012‬اجلامعة والبحث العلمي من �أجل التنمية‪� :‬إ�شارة الى احلالة‬ ‫اجلزائرية‪ ،‬جملة امل�ستقبل العربي‪ ،‬مركز درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬العدد ‪.396‬‬ ‫‪ .3‬عبد العزيز اجلالل‪ ،‬الرتبية والتنمية‪ ،‬الريا�ض‪ :‬الدار الرتبوية للدرا�سات واال�ست�شارات‪� ،1985 ،‬ص ‪.5‬‬ ‫‪ .4‬م�ؤ�س�سة الفكر العربي (‪ .)2012‬التقرير العربي ال�ساد�س للتنمية الثقافية‪ :‬التكامل املفقود بني التعليم‬ ‫والبحث العلمي و�سوق العمل والتنمية يف الدول العربية‪ .‬الطبعة الأولى‪ .‬بريوت‪ :‬م�ؤ�س�سة الفكر العربي‪.‬‬ ‫‪ .5‬حممد حربي ح�سن (‪ .)1990‬دور اجلامعة يف تنمية بيئتها‪ ،‬جملة الإدارة العامة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬العدد (‪� ،)68‬ص ‪.59‬‬ ‫‪6. Belfield, H. (2012). Making industry-university partnerships work Lessons from successful‬‬ ‫‪collaborations, USA: Business Innovation Board.‬‬ ‫‪7. Ciferri, L. & Lombardi, P. (2014). The role of university Education in fostering sustainable and‬‬ ‫‪responsible development, a paper presented at G8 University Summit, May 17th-19th, Torino,‬‬ ‫‪Italy.‬‬ ‫‪8. Clarke, E. & Williams, M., (2015). Supporting links between universities and high-growth firms‬‬ ‫‪in cities change. London: Center for Cities‬‬ ‫‪9. Schwab, K., Sala-i-Martín, X., Barth, E. and Blanke, J. (2014). The Global Competitiveness‬‬ ‫‪Report 2014 –2015, Geneva: The World Economic Forum.‬‬ ‫‪10. UNESCO, (2010). UNESCO SCIENCE REPORT 2010: the current status of science around the world,‬‬ ‫‪Poland: UNESCO.‬‬

‫‪11. United Nation Development Program (2011). Arab Knowledge Report: Preparing Future‬‬ ‫‪Generations for the Knowledge Society, Dubai, U.A.E: UNDP.‬‬ ‫‪12. United Nation Development Program (2011). Arab Knowledge Report 2011: Preparing‬‬ ‫‪future generations for the knowledge society, Dubai, U.A.E: UNDP.‬‬ ‫‪13. World Economic Forum (2015). Global Competitiveness Rankings Report. Retrieved form‬‬ ‫ ‪http://reports.weforum.org‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪19‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫العولمة وانعكاساتها‬

‫على الثقافـة العربية واإلسالمية‬ ‫مقدمة‬

‫‪20‬‬

‫يعترب ال�ع��امل ال�ك�ن��دي "مار�شال م��اك لوهان" ‪ -‬من‬ ‫جامعة تورنتو ‪� -‬أول من �أ�شار �إلى م�صطلح العوملة‪ ،‬عندما‬ ‫�صاغ يف نهاية عقد ال�ستينيات مفهوم القرية الكونية‪ ،‬ثم‬ ‫تبعه "زبيغنيو بريجين�سكي" م�ست�شار الرئي�س الأمريكي‬ ‫كارتر (‪1977‬م‪1980 -‬م) ال��ذي �أك � ّد على �ضرورة �أنّ تق ّدم‬ ‫�أمريكا ‪ -‬التي متتلك ‪ %65‬من املادة الإعالمية على م�ستوى‬ ‫منوذجا كون ًّيا للحداثة‪ ،‬يحمل القيم الأمريكية‬ ‫العامل ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫يف احلرية وحقوق الإن�سان (‪ ،)91 : 18‬ثم انت�شر ا�ستخدام‬ ‫م�صطلح العوملة بعد ذلك يف كتابات �سيا�سية واقت�صادية‬ ‫عديدة يف العقد الأخ�ير‪ ،‬وذل��ك قبل �أن يكت�سب امل�صطلح‬ ‫دالالت ا�سرتاتيجية وثقافية مهمة م��ن خ�لال تطورات‬ ‫واقعية عديدة �شهدها العامل منذ �أوائل الت�سعينات‪.‬‬

‫د‪ .‬زهاء الدين أحمد عبيدات‬

‫ول �ق��د � �ص��در ك�ث�ير م��ن امل ��ؤل �ف��ات ب��ال�ل�غ��ات الأوروب� �ي ��ة‬ ‫والعربية التي تتناول هذه الظاهرة‪ ،‬لدرجة �أنّ املرء يكاد‬ ‫يحار يف كيفية درا�سة ه��ذه الظاهرة والإمل��ام مبو�ضوعها‪،‬‬ ‫خا�صة �أنّ كل كاتب �أو متحدث يتناولها بالدرا�سة والتحليل‬ ‫من جانب معني‪ ،‬مثل‪ :‬اجلانب االقت�صادي �أو الثقايف‪� ،‬أو‬ ‫ال�سيا�سي �أو الإعالمي‪ ،‬والإ�سالمي‪ ،‬و�ستجيب هذه الورقة‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪20‬‬


‫ومن خالل املعنى اللغوي؛ ميكننا �أن نقول ب�أنّ العوملة‬ ‫عن انعكا�سات العوملة على الثقافة العربية الإ�سالمية من‬ ‫خالل الأ�سئلة الآتية‪:‬‬ ‫�إذا �صدرت من بلد �أو جماعة ف�إنها تعني‪ :‬تعميم منط من‬ ‫الأمناط التي تخ�ص ذلك البلد �أو تلك اجلماعة‪ ،‬وجعله‬ ‫وا�صطالحا؟‬ ‫ال�س�ؤال الأول‪ :‬ما مفهوم العوملة لغ ًة‬ ‫ً‬ ‫ي�شمل اجلميع �أي العامل كله (‪.)2 : 8‬‬ ‫ال�س�ؤال الثاين‪ :‬ما �إيجابيات العوملة على اجلانب الثقايف؟‬ ‫ا�صطالحا‪:‬‬ ‫‪ -2‬العوملة‬ ‫ً‬ ‫ال�س�ؤال الثالث‪ :‬ما �سلبيات العوملة على اجلانب الثقايف؟‬ ‫النظام العاملي اجلديد‪ :‬هو يف حقيقة �أم��ره وطبيعة‬ ‫ال�س�ؤال الرابع‪ :‬هل تنتهي العوملة على يدي �صانعيها؟ �أهدافه‪ ،‬نظا ٌم �صاغته ُقوى الهيمنة وال�سيطرة لإحداث‬ ‫من��ط �سيا�سي واق�ت���ص��ادي واجتماعي وث�ق��ايف و�إع�لام��ي‬ ‫واح��د وفر�ضه على املجتمعات الإن�سانية ك��اف��ة‪ ،‬و�إل��زام‬ ‫احلكومات بالتق ّيد به وتطبيقه (‪.)4‬‬ ‫الإجابة عن ال�س�ؤال الأول‬ ‫ولقد كرثت التعاريف التي تو�ضح معنى العوملة‪ ،‬نذكر‬ ‫مفهوم العوملة ً‬ ‫وا�صطالحا‬ ‫لغة‬ ‫ً‬ ‫بع�ضا منها‪ ،‬ث َّم اذكر التعريف الذي �أرى �أنّه يعرب عن‬ ‫هنا ً‬ ‫املعنى احلقيقي لظاهرة العوملة‪.‬‬ ‫‪ -1‬العوملة لغة‪:‬‬ ‫ومن هذه التعريفات‪:‬‬ ‫عوملة على وزن قولبة‪ ،‬وكلمة “العوملة” ن�سبة �إل��ى‬ ‫ال َعامل ‪ -‬بفتح العني – �أي‪ :‬الكون‪ ،‬ولي�س �إل��ى ال ِعلم ‪-‬‬ ‫بك�سر العني ‪ -‬والعامل جمع ال مفرد له كاجلي�ش وال�شعب‪ -1 ،‬ي� �ق ��ول ال �ف �ي �ل �� �س��وف ال �ف��رن �� �س��ي روج � �ي ��ه ج� � ��ارودي‬ ‫وهو م�شتق من العالمة على ما قيل‪ ،‬وقيل‪ :‬م�شتق من ع��ن ال�ع��ول�ـ�م��ة‪" :‬نظام يمُ � ّك��ن الأق ��وي ��اء م��ن ف��ر���ض‬ ‫ال ِعلم‪ ،‬وذلك على تف�صيل مذكور يف كتب اللغة‪ .‬فالعوملة ال��دك�ت��ات��وري��ات ال�لا�إن���س��ان�ي��ة ال�ت��ي ت�سمح ب��اف�ترا���س‬ ‫كالرباعي يف ال�شكل فهو ي�شبه (دح��رج��ة) امل�صدر‪ ،‬لكن امل�ست�ضعفني بذريعة التبادل احلر وحرية ال�سوق" (‪7‬‬ ‫(دحرجة) رباعي منقول‪� ،‬أما (عوملة) فرباعي خمرتع �إن ‪.)17:‬‬ ‫ّ‬ ‫�صح التعبري‪ .‬وهذه الكلمة بهذه ال�صيغة ال�صرفية مل ترد ‪ -2‬ال�ع��ومل��ة ه��ي‪" :‬العملية ال�ت��ي ي�ت��م مبقت�ضاها �إل�غ��اء‬ ‫يف كالم العرب‪ ،‬واحلاجة املعا�صرة قد تفر�ض ا�ستعمالها‪ ،‬احل��واج��ز ب�ين ال ��دول وال���ش�ع��وب‪ ،‬وال�ت��ي تنتقل فيها‬ ‫وهي تدل على حتويل ال�شيء �إلى و�ضعية �أخرى ومعناها‪ :‬امل�ج�ت�م�ع��ات م��ن ح��ال��ة ال�ف��رق��ة وال�ت�ج��زئ��ة �إل ��ى حالة‬ ‫و�ضع ال�شيء على م�ستوى العامل‪ ،‬و�أ�صبحت الكلمة دارجة االق �ت�راب وال �ت��وح��د‪ ،‬وم��ن ح��ال��ة ال���ص��راع �إل ��ى حالة‬ ‫على �أل�سنة الكتاب واملفكرين يف �أن�ح��اء الوطن العربي ال �ت��واف��ق‪ ،‬وم ��ن ح��ال��ة ال�ت�ب��اي��ن وال �ت �م��اي��ز �إل ��ى حالة‬ ‫(‪.)135 : 5‬‬ ‫التجان�س وال�ت�م��اث��ل‪ ،‬وه�ن��ا يت�شكل وع��ي ع��امل��ي وقيم‬ ‫وي��رى ال��دك�ت��ور �أح�م��د �صدقي ال��دج��اين‪� ،‬أنّ العوملة موحدة تقوم على مواثيق �إن�سانية عامة" (‪.)3 :9‬‬ ‫م�شتقة من الفعل عومل على �صيغة فوعل‪ ،‬وا�ستخدام هذا ‪ -3‬لقد ذهب عدد من الكتاب �إلى �أن العوملة تعني‪ :‬تعميم‬ ‫اال�شتقاق يفيد �أن الفعل يحتاج لوجود فاعل يفعل‪� ،‬أي �أنّ‬ ‫منوذج احل�ضارة الغربية‪ ،‬وخا�صة الأمريكية و�أمناطها‬ ‫العوملة حتتاج ملن يعممها على العامل (‪.)13 :13‬‬ ‫الفكرية وال�سيا�سية االقت�صادية والثقافية على العامل‬ ‫ونن ّبه �إلى �أن جممع اللغة العربية بالقاهرة ق ّرر �إجازة كله (‪.)137 : 1‬‬ ‫ا�ستعمال العوملة مبعنى جعل ال�شيء عامل ًّيا (‪.)87 :10‬‬ ‫‪ -4‬العوملة‪ :‬منظومة من املبادئ ال�سيا�سية واالقت�صادية‪،‬‬ ‫والعوملة ترجمة لكلمة ‪ Modularization‬الفرن�سية‪ ،‬واملفاهيم االجتماعية والثقافية‪ ،‬والأنظمة الإعالمية‬ ‫مب �ع �ن��ى ج �ع��ل ال �� �ش��يء ع �ل��ى م �� �س �ت��وى ع ��امل ��ي‪ ،‬وال�ك�ل�م��ة واملعلوماتية‪ ،‬و�أمن��اط ال�سلوك ومناهج احلياة‪ُ ،‬يراد‬ ‫الفرن�سية املذكورة �إنمّ ا هي ترجمة “‪ ”Globalizations‬بها �إك ��راه ال�ع��امل ك� ِّل��ه على االن��دم��اج فيها‪ ،‬وتبنّيها‪،‬‬ ‫الإجن �ل �ي��زي��ة ال �ت��ي ظ �ه��رت � اً‬ ‫أول يف ال ��والي ��ات امل�ت�ح��دة والعمل بها‪ ،‬والعي�ش يف �إطارها (‪.)17‬‬ ‫الأمريكية‪ ،‬مبعنى تعميم ال�شيء وتو�سيع دائرته لي�شمل‬ ‫وب �ع��د درا�� �س ��ة م �ت ��أن �ي��ة ل �ظ��اه��رة ال �ع��ومل��ة و�أه��داف �ه��ا‬ ‫الكل‪ .‬فهي �إذن؛ م�صطلح يعني جعل العامل عامل ًا واح ًدا‪،‬‬ ‫موج ًها توجي ًها واح ًدا يف �إطار ح�ضارة واحدة‪ ،‬ولذلك قد وت�أثرياتها يف واقع املجتمعات وال�شعوب‪ ،‬ميكن �أن تع َّرف‬ ‫العوملة مبا ي�أتي‪:‬‬ ‫ت�سمى الكونية �أو الكوكبة‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪21‬‬


‫"العوملة ه��ي احل��ال��ة ال�ت��ي تتم فيها عملية تغيري‬ ‫جم�م��وع��ة ال�ق�ي��م وال �ع��ادات ال���س��ائ��دة‪ ،‬وت�غ�ي�ير الأمن ��اط‬ ‫وال�ن�ظ��م االق�ت���ص��ادي��ة والثقافية واالج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬و�إزال ��ة‬ ‫ال �ف��وارق الدينية والقومية والوطنية يف �إط ��ار تدويل ‪ -6‬متكني العلماء والدعاة امل�سلمني من تبليغ الر�سالة‬ ‫ال�ن�ظ��ام ال��ر�أ��س�م��ايل احل��دي��ث‪ ،‬وف��ق ال��ر�ؤي��ة الأم��ري�ك�ي��ة الإ�سالمية والثقافة الإ�سالمية لكافة �شعوب العامل‪،‬‬ ‫املهيمنة‪ ،‬والتي تزعم �أنها �سيدة الكون‪ ،‬وحامية النظام ومن ث ّم متكني الثقافة الإ�سالمية من االنفتاح على‬ ‫الثقافات الأخرى‪ ،‬بل والت�أثري الإيجابي فيها‪ .‬و�أ�صبح‬ ‫العاملي اجلديد"‪.‬‬ ‫من واج��ب دع��اة الإ��س�لام وعلمائه �أن ي�ستفيدوا بكل‬ ‫الإجابة عن ال�س�ؤال الثاين‬ ‫�أن��واع الو�سائل احلديثة‪ ،‬التي ظهرت يف ع�صر ثورة‬ ‫املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬واال�ستفادة من هذه الو�سائل‬ ‫�إيجابيات العوملة يف اجلانب الثقايف‪:‬‬ ‫لإي�صال دعوة اهلل تعالى �إلى كل النا�س‪ ،‬وبكل اللغات‬ ‫من املعلوم �إن لكل جمتمع من املجتمعات انتما ًء ثقاف ًّيا �إن �أمكن ذلك‪.‬‬ ‫وخ�صو�صي ًة متيزه عن غ�يره من املجتمعات‪ ،‬واملجتمع ‪ -7‬مت�ك�ين امل�ف�ك��ري��ن الإ��س�لام�ي�ين ‪ -‬م��ن خ�ل�ال و�سائل‬ ‫الإ�سالمي له ثقافته وخ�صو�صيته احل�ضارية التي متيزه االت�صاالت والإع�لام الدولية ‪ -‬من مناق�شة املذاهب‬ ‫ع��ن غ�يره م��ن املجتمعات‪� ،‬إن ال�ع��ومل��ة ب�أ�شكالها ومنها ال�ف�ك��ري��ة ال ��واف ��دة‪ ،‬وال�ت���ص��دي ل�ل�ح��رك��ات الفل�سفية‬ ‫الثقافية يف ظاهرها نعمة‪ ،‬ولكن يف باطنها نقمة علينا الهدامة‪.‬‬ ‫وعلى ثوابتنا الثقافية وخ�صو�صيتنا احل�ضارية‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫العقيدة الدينية واللغة‪ ،‬والتاريخ وال�ع��ادات‪ ،‬والتقاليد ‪ -8‬زيادة الوعي ال�سيا�سي لدى ال�شعوب‪ ،‬وزيادة قدرتها ‪-‬‬ ‫والأعراف النبيلة‪ ،‬ولكن يجب علينا كم�سلمني �أن نح�سن نو ًعا ما ‪ -‬يف الت�أثري يف جمريات الأحداث‪.‬‬ ‫توظيف العوملة الثقافية وا�ستغاللها ل�صاحلنا‪ ،‬وحتويل‬ ‫الإجابة عن ال�س�ؤال الثالث‬ ‫نقمتها �إلى نعمة (‪.)47 : 16‬‬ ‫�سلبيات العوملة يف اجلانب الثقايف‪:‬‬ ‫ف��ال �ع��ومل��ة‪ ،‬حت�م��ل يف ط�ي��ات�ه��ا ك �ث�ي ً�را م��ن الإجن � ��ازات‬ ‫مم��ا ميكن امل�سلمني‬ ‫التكنولوجية العلمية والثقافية‪ّ ،‬‬ ‫الغرب الر�أ�سمايل هو الذي ابتكر مفهوم العوملة‪ ،‬وهو‬ ‫اال�ستفادة منها‪ ،‬يف نفع دينهم و�شعوبهم امل�سلمة‪ ،‬ومن الذي ح ّدد لها م�ضامينها وهويتها‪ ،‬ومكوناتها الفكرية‬ ‫الإيجابيات ما ي�أتي‪-:‬‬ ‫واالقت�صادية‪ ،‬وهو الذي يقود حركتها يف العامل‪ ،‬وير ّوج‬ ‫‪ -1‬رواج تكنولوجيا امل�ع�ل��وم��ات واالت �� �ص��االت‪ ،‬و�إح ��داث لهذا املفهوم‪ .‬وه��ذا �أح��د �أه��م م�صادر التوج�س واخلوف‬ ‫ال �ت �ط��ورات ال �ن��وع �ي��ة يف جم ��ال ت�ي���س�ير االت �� �ص��االت ال��ذي تظهره الأم��م واحل���ض��ارات جت��اه ق�ضية العوملة؛‬ ‫الثقافية والعلمية ب�ين ال�شعوب‪ ،‬وال ��دول‪ ،‬وانت�شار لأنّ الغرب ال يريد �إال �أن يرى نف�سه وح�ضارته يف هذا‬ ‫ال�ع��امل‪ ،‬وم��ا زال��ت نزعة التمركز ح��ول ال��ذات ه��ي التي‬ ‫الثقافة التقنية‪.‬‬ ‫ت�شكل عقليته‪ ،‬و�إنّ تاريخ عالقاته بالأمم واحل�ضارات‬ ‫ً‬ ‫حمبطا ومرو ًعا للغاية‪ ،‬حني �أظهر �سلو ًكا ا�ستال ًبا‬ ‫‪ -2‬دور �شبكات االت�صاالت والإعالم الدولية‪ ،‬ومنها القنوات كان‬ ‫الف�ضائية‪ ،‬و�شبكة امل�ع�ل��وم��ات ال��دول�ي��ة (الإن�ترن��ت) متوح�شً ا‪ ،‬وح ّول ثقافته �إلى ثقافة مهيمنة‪.)20( .‬‬ ‫يف تغطية الأخ�ب��ار العاملية واملحلية للعامل‪ ،‬وتكوين‬ ‫�إنّ من �سلبيات العوملة الثقافية حتويل الثقافة نف�سها‬ ‫ثقافة ل��دى الأف��راد وال�شعوب عن الأح��داث العاملية‪،‬‬ ‫وهذا ي�شكل لدى امل�ستفيد منها قدرة كبرية ملعرفة ما وم�ؤ�س�ساتها �إل��ى �سلعة‪ ،‬و�أم��ام �إ�شاعة ثقافة العوملة ذات‬ ‫يدور يف الكرة الأر�ضية من �أحداث‪ ،‬وقدرة كبرية على الطابع امل�ؤمرك واملتجهة �إلى �إق�صاء الثقافات الأخرى‪،‬‬ ‫حتليل الأحداث‪ ،‬و�إثراء النقا�ش‪ ،‬بل وامل�شاركة الفعالة من خالل قوتها املالية وقدرتها على الإنتاج والتوزيع‪،‬‬ ‫ال م��ن خ�لال قيمتها الثقافية �أو مناف�ستها الثقافية‪.‬‬ ‫يف الندوات العلمية واللقاءات الثقافية‪.‬‬ ‫ون�ح��ن امل�سلمني ل�سنا ب��د ًع��ا ب�ين الأم ��م �إذا عملنا على‬ ‫‪ -3‬االهتمام باحلفاظ على البيئة من التلوث‪.‬‬ ‫جتنب �سلبيات للعوملة الثقافية‪ ،‬خا�صة و�أن لها ت�أثري‬ ‫‪ -4‬تي�سري االت �� �ص��االت ب�ين ال���ش�ع��وب وال� ��دول‪ ،‬وانت�شار �ضار على هويتنا وخ�صو�صيتنا الثقافية‪ ،‬فالدول الكربى‬ ‫تعمل على حماية هويتها الثقافية واملحافظة عليها من‬ ‫الثقافة التقنية‪.‬‬ ‫تيار امل�صطلحات واملفاهيم الأجنبية الوافدة من اخلارج‬ ‫‪ -5‬اخ �ت �� �ص��ار امل �� �س��اف��ات‪ ،‬ورف � ��ع ال �ظ �ل��م ع ��ن ك �ث�ير من (‪.)19-18 :15‬‬ ‫امل�ضطهدين يف العامل‪ ،‬وذلك ملا لل�صورة املنقولة �أثر‬ ‫على احلكومات والأحزاب (‪.)11‬‬

‫‪22‬‬


‫�أهم �سلبيات العوملة يف اجلانب الثقايف هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ثقافة االخرتاق التي متثلها العوملة‪ :‬وهي تهدف �إلى‪:‬‬

‫‪ -2‬التقليل من قيمة الثقافات املختلفة‪ ،‬وفر�ض هيمنة‬ ‫ثقافة واحدة‪� ،‬أال وهي ثقافة القوى املالكة ملراكز توجيه‬ ‫�آليات العوملة‪ ،‬وهي الثقافة الأمريكية يف الوقت احلا�ضر‪.‬‬ ‫يقول الدكتور عالء الدين زعرتي‪" :‬ومن املالحظ �أن‬ ‫العوملة حتمل يف ط ّياتها م�شرو ًعا لأمركة العامل‪ ،‬لأن‬ ‫القيم النف�سية وال�سلوكية والعقائدية الأمريكية هي‬ ‫املهيمنة على هذه العوملة الثقافية" (‪.)14‬‬

‫�أ‪ -‬اخ�ت�راق البنية الثقافية امل�ح�ل�ي��ة‪ ،‬وت�ف��اق��م خماطر‬ ‫اال�ستالب والغزو واال�ستعمار الثقايف‪ ،‬مبا ي��ؤدي �إلى‬ ‫حم��و ال�ه��وي��ة احل���ض��اري��ة الثقافية ل�ل�أم��ة امل�سلمة‪،‬‬ ‫ونزع اخل�صو�صية ال�شخ�صية لل�شعوب امل�سلمة (التي‬ ‫تتمثل يف‪ :‬الدين واللغة‪ ،‬والتاريخ والعادات‪ ،‬والتقاليد ‪� -3‬إ��ش��اع��ة ال ��ذوق ال�غ��رب��ي يف اال��س�ت�ه�لاك‪ ،‬ويف ممار�سة‬ ‫والأخ �ل ��اق)‪ ،‬مب��ا ت�ن�ط��وي ع�ل�ي��ه م��ن ال�ت�روي��ج لقيم ال�سلوك االجتماعي مع الآخرين‪.‬‬ ‫معينة حل�ضارة معينة هي احل�ضارة الغربية (‪.)16 :3‬‬ ‫و�إنّ �أخطر ما يف العوملة �أنًّها تن�شر �أفكا ًرا و�سلوكيات ‪ -4‬ن�شر الثقافة الغربية الالدينية‪ ،‬وفر�ض الرك�ض ‪-‬‬ ‫الفجة‪.‬‬ ‫من �ش�أنها حتطيم ال��والء للقيم الرتاثية والدينية وغال ًبا بال وعي ‪ -‬خلف املو�ضات االجتماعية ّ‬ ‫الأ� �ص �ل �ي��ة‪ ،‬وال� ��والء ل�ل��وط��ن والأم � ��ة‪ ،‬و�إح�ل��ال �أف �ك��ار ‪ -5‬حرمان ال�شعوب املتخلفة من اللحاق بركب التقدم‪،‬‬ ‫ووالءات جديدة حملها (‪.)156 :2‬‬ ‫نظ ًرا لتف�شّ ي الأمية فيها‪ ،‬والعوملة تقوم على تقنية‬ ‫ب‪ -‬التطبيع مع الهيمنة وتكري�س اال�ستتباع احل�ضاري ع��ال�ي��ة ال متلكها ال�ك�ث�ير م��ن ال ��دول وامل�ج�ت�م�ع��ات يف‬ ‫لأمريكا‪ ،‬ومع التطبيع مع الهيمنة واال�ست�سالم لعملية الدول النامية واملتخلفة (‪.)11‬‬ ‫اال�ستتباع احل�ضاري ي�أتي فقدان ال�شعور باالنتماء‬ ‫الإجابة عن ال�س�ؤال الرابع‬ ‫لوطن �أو �أمة �أو دولة‪ ،‬وبالتايل‪� ،‬إفراغ الهوية الثقافية‬ ‫هل تنتهي العوملة على �أيدي �صانعيها؟‬ ‫من كل حمتوى‪� )6( .‬أو �إيقاع الأفراد يف الدول النامية‬ ‫بني ثقافتني متناق�ضتني‪� ،‬أي بني نظامه االجتماعي‬ ‫حت �ت��د دائ � ��رة ال �ن �ق��ا���ش واجل � ��دل ال� �ي ��وم يف �أو�� �س ��اط‬ ‫وب�ين ما ي�أتيه من ثقافة عرب الف�ضائيات وال�شبكة املفكرين والباحثني ب�ش�أن املتغريات ال�سريعة اجلارية‬ ‫الدولية للمعلومات من ثقافة مادية متطورة‪ ،‬و�إزاء يف ال �ع��امل ع�ل��ى ك��ل امل���س�ت��وي��ات ال�سيا�سة واالج�ت�م��اع�ي��ة‬ ‫هذا يح�صل الت�شوهات الذهنية واملعرفية وال�سلوكية واالقت�صادية والثقافية واالعالمية حول م�صري العوملة‬ ‫عند الأفراد املتلقني للثقافة الوافدة اجلديدة‪ ،‬وهذا (‪.)Globalization‬‬ ‫ريا ثقاف ًّيا م��اد ًّي��ا‪،‬‬ ‫ي ��ؤدي �إل��ى جعل تفكري ال�ف��رد تفك ً‬ ‫وجعل �سلوكه االجتماعي ي�صدر عن تقليد‪ ،‬ودون وعي‬ ‫وي ��رى ال �ك �ث�يرون �أن خ ��روج ب��ري�ط��ان�ي��ا م��ن االحت ��اد‬ ‫�أو ب�صرية‪.‬‬ ‫الأوروب��ي (‪ ،)Brexit‬وتف�شي العن�صرية يف العديد من‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪23‬‬


‫الدول الأوروبية جتاه مواطني الدول الأخرى‪ ،‬والدعوة‬ ‫الى �إغ�لاق احل��دود ام��ام املهاجرين من مناطق ال�صراع‬ ‫يف العامل‪ ،‬والإجراءات احلمائية التي �سيتخذها الرئي�س‬ ‫الأمريكي اجلديد دونالد ترمب‪ ،‬وبناء اجلدار العازل مع ‪ -4‬لقد ت�ضمنت العوملة جمموعة من الأخطار يف اجلانب‬ ‫أول» ما هي �إال بداية النهاية ال�ث�ق��ايف‪ .‬و�إنّ م��ن �أخ �ط��ر �أه ��داف ال�ع��ومل��ة الثقافية‪:‬‬ ‫املك�سيك‪ ،‬و�شعار «�أمريكا � اً‬ ‫ت�سييد الثقافة الر�أ�سمالية لت�صبح الثقافة العليا‪ ،‬التي‬ ‫لع�صر العوملة‪.‬‬ ‫تتجاوز احل��دود التي �أقامتها ال�شعوب لتحمي كيان‬ ‫وجودها وبقائها‪ .‬و�إنّ الثقافات الغربية الوافدة ت�شكل‬ ‫اخلال�صة‪:‬‬ ‫خط ًرا على الهوية العربية والإ�سالمية‪ ،‬وبخا�صة يف‬ ‫‪� -1‬إنّ لفظة العوملة ت�شمل م�ضامني تتعلق بكل جوانب ظل االنفتاح على العامل الغربي و�ضعف التح�صينات‬ ‫احلياة الإن�سانية‪ .‬ولقد فر�ضت العوملة نف�سها على الداخلية للأمة امل�سلمة‪.‬‬ ‫احلياة املعا�صرة على العديد من امل�ستويات‪� ،‬سيا�س ًّيـا‬ ‫واقت�صاد ًّيـا‪ ،‬فكر ًّيا وعلم ًّيا‪ ،‬ثقاف ًّيا و�إعالم ًّيا‪ ،‬تربو ًّيا ‪ -5‬لقد جل��أت القوى الر�أ�سمالية الغربية وعلى ر�أ�سها‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية �إلى جمموعة من الو�سائل‬ ‫وتعليم ًّيـا‪.‬‬ ‫من �أجل حتقيق �أهدافها من وراء العوملة الثقافية‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال �ع��ومل��ة حت �م��ل يف ط �ي��ات �ه��ا ك� �ث�ي ً�را م ��ن الإجن� � ��ازات‬ ‫مما ميكن امل�سلمني ‪� -6‬إنّ مواجهة العوملة يف اجلانب الثقايف من قبل امل�سلمني‬ ‫التكنولوجية العلمية والثقافية‪ّ ،‬‬ ‫تتطلب‪ :‬و�ضع ا�سرتاتيجية �شاملة ت�شرتك يف و�ضعها‪:‬‬ ‫من اال�ستفادة منها‪ ،‬يف نفع دينهم و�شعوبهم امل�سلمة‪.‬‬ ‫احلكومات امل�سلمة‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات التعليمية والثقافية‪،‬‬ ‫‪� -3‬إنّ العوملة ت�ستند ا�ستنا ًدا مبا�ش ًرا �إلى احل�ضارة الغربية وامل �ن �ظ �م��ات ال�ترب��وي��ة الإ� �س�ل�ام �ي��ة‪ ،‬ال �ت��ي ت �ه��دف يف‬ ‫املعا�صرة التي توجهها امل�ب��ادئ الالدينية الو�ضعية‪ .‬جمملها �إلى‪ :‬مواجهة �سلبيات و�آثار العوملة يف بعدها‬ ‫ومن هنا‪ ،‬ت�شيع احلياة املادية والإحلادية عرب �شبكاتها الثقايف‪ ،‬واال�ستفادة منها يف �إيجابياتها‪.‬‬ ‫و�أجهزتها العاملية ب�أ�ساليب وو�سائل يف غاية الت�أثري يف‬ ‫النف�س الإن�سانية‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬

‫‪24‬‬

‫‪� -1‬إ�سماعيل‪ ،‬عبد �سعيد عبد‪ :‬العوملة والعامل‬ ‫الإ� �س�لام��ي‪� ..‬أرق ��ام وح�ق��ائ��ق‪ ،‬دار الأن��دل����س‪،‬‬ ‫‪2001‬م‪ ،‬الطبعة الأولى‪.‬‬ ‫‪� -2‬أم�ين‪ ،‬ج�لال‪ :‬العوملة وال��دول��ة‪� ،‬ضمن كتاب‬ ‫(ال�ع��رب وال�ع��ومل��ة) بحوث ومناق�شات الندوة‬ ‫الفكرية التي نظمها مركز درا��س��ات الوحدة‬ ‫ال �ع��رب �ي��ة‪ ،‬حت��ري��ر‪ :‬اخل � ��ويل‪� ،‬أ� �س��ام��ة �أم�ي�ن‪،‬‬ ‫ب �ي��روت‪ :‬م��رك��ز درا�� �س ��ات ال ��وح ��دة ال�ع��رب�ي��ة‪،‬‬ ‫(ط‪.)1998/1‬‬ ‫‪ -3‬ب��ره��ان‪ ،‬غ�ل�ي��ون‪ :‬ره��ان��ات ال �ع��ومل��ة‪� ،‬سل�سلة‬ ‫مقاالت ن�شرت يف جريدة االحت��اد الظبيانية‬ ‫عام ‪1991‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬التويجري‪ ،‬عبد العزيز بن عثمان‪:‬العوملة‬ ‫واحل� �ي ��اة ال �ث �ق��اف �ي��ة يف ال �ع ��امل الإ� �س�ل�ام��ي‪،‬‬ ‫املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة‬ ‫(�أي�سي�سكو) الريا�ض‪ .‬انظر‪ :‬موقع �أي�سي�سكو‬ ‫(‪ )www.isesco.org.ma/arabic‬على �شبكة‬ ‫املعلومات الدولية‪.‬‬ ‫‪ -5‬اجلابري‪ ،‬حممد عابد‪ :‬العرب والعوملة‪ ،‬مركز‬ ‫درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬اجل ��اب ��ري‪ ،‬حم�م��د ع��اب��د ال �ع��ومل��ة وال�ه��وي��ة‬ ‫الثقافية‪ ،‬ع�شر �أط��روح��ات‪ :‬جملة امل�ستقبل‬ ‫العربي‪ ،‬العدد ‪.)1998/2( ،228‬‬

‫‪ -7‬جارودي‪ ،‬روجيه‪ :‬العولـمة املزعومة – الواقع‬ ‫– اجلذور – البدائل‪ ،‬تعريب‪ :‬الدكتور حممد‬ ‫ال�سبيطلي‪ ،‬دار ال�شوكاين للن�شر والتوزيع‪،‬‬ ‫�صنعاء ‪ -‬اليمن‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬اجل � ��واد‪ ،‬ي��ا��س��ر ع �ب��د‪ :‬م �ق��ارب �ت��ان ع��رب�ي�ت��ان‬ ‫للعوامة‪� ،‬شباط ‪2000‬م‪ ،‬امل�ستقبل العربي عدد‬ ‫‪.252‬‬ ‫‪ -9‬ح �ج��ازي‪� ،‬أح �م��د جم ��دي‪ :‬ال �ع��ومل��ة و�آل �ي��ات‬ ‫التهمي�ش يف الثقافة العربية‪ ،‬وهو بحث �ألقي‬ ‫يف امل��ؤمت��ر العلمي ال��راب��ع (الثقافة العربية‬ ‫يف ال�ق��رن ال�ق��ادم ب�ين العوملة واخل�صو�صية)‬ ‫املنعقد بجامعة فيالدلفيا يف الأردن‪ ،‬مايو‬ ‫‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪ -10‬حجازي‪ ،‬حممود فهمي‪ ،‬مقال‪ ،‬جملة الهالل‪،‬‬ ‫مار�س ‪2001‬م‪ ،‬عدد القاهرة‪.‬‬ ‫‪ -11‬خليل بن عبد اهلل اخلليل‪ ،‬العوملة ا�ستعمار‬ ‫وتهمي�ش للثقافة‪� ،‬أم ان�ف�ت��اح وا��س�ت�ف��ادة من‬ ‫ال �ت �ق �ن �ي��ات‪ :‬م�ن��اق���ش��ة‪ :‬ع ��دد م��ن ال�ب��اح�ث�ين‪،‬‬ ‫حتقيق‪ :‬جوهر الر�ضيان‪� ،‬صحيفة اجلزيرة‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬الثالثاء‪ 2 ،‬رم�ضان ‪1421‬هـ‪ ،‬العدد‬ ‫(‪.)10288‬‬ ‫‪ -12‬ال ��دج ��اين‪� ،‬أح �م��د ��ص��دق��ي‪ :‬م�ف�ه��وم ال�ع��ومل��ة‬ ‫وق��راءة تاريخية للظاهرة‪� ،‬صحيفة القد�س‪،‬‬ ‫‪1998/2/6‬م‪.‬‬ ‫‪ -13‬زعرتي‪ ،‬عالء الدين ‪ -‬باحث �سوري ‪ -‬العوملة‬

‫وال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ان �ظ��ر‪ :‬م��وق��ع ال��وط��ن على‬ ‫�شبكة املعلومات الدولية (‪www.alwatan.‬‬ ‫‪.)com‬‬

‫‪ -14‬الزقزوق‪ ،‬حممود حمدي‪ :‬الإ�سالم يف ع�صر‬ ‫ال �ع��ومل��ة‪ ،‬م�ك�ت�ب��ة ال �� �ش��روق‪ ،‬ال�ط�ب�ع��ة الأول� ��ى‬ ‫(‪1421‬ه ‪2001 -‬م)‪.‬‬ ‫‪ -15‬ال�شرعبي‪ ،‬را�ضية‪ ،‬الإعالم العربي وحتديات‬ ‫ال �ع��ومل��ة ال �ث �ق��اف �ي��ة‪ ،‬م��رك��ز ال �ع �ه��د ال �ث �ق��ايف‪،‬‬ ‫‪2006/2/24‬م‪ ،‬ان �ظ��ر‪ :‬م��وق �ع��ه ع �ل��ى �شبكة‬ ‫املعلومات الدولية (‪.)www.alahd.com‬‬ ‫‪ -16‬ع�ب��د احل�م�ي��د‪ :‬حم�سن ال�ع��ومل��ة م��ن منظور‬ ‫�إ� �س�ل�ام��ي‪2001/7/22 ،‬م‪�� ،‬ص�ف�ح��ة الإ� �س�ل�ام‬ ‫وق�ضايا الع�صر‪ ،‬انظر‪ :‬موقع �شبكة الإ�سالم‬ ‫على الطريق (‪.)www.islamonline.net‬‬ ‫‪ -17‬العظم‪� ،‬صادق جالل‪ :‬ما هي العوملة ‪ -‬ورقة‬ ‫بحث ‪ -‬مقدمة للمنظمة‪ ‬العربية للرتبية‬ ‫والثقافة والعلوم‪ ،‬تون�س‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -18‬العظم‪� ،‬صادق جالل‪ ،‬ما هي العوملة‪ :‬م�صدر‬ ‫�سابق‪.‬‬ ‫‪ -19‬امل �ي�ل�اد‪ ،‬زك� ��ي‪ ،‬ال �ف �ك��ر الإ� �س�ل�ام��ي وق���ض��اي��ا‬ ‫الع�صر‪ :‬الكلمة‪ ،‬العدد (‪ )20‬ال�سنة اخلام�سة‪،‬‬ ‫(‪1998‬م ‪1419-‬هـ)‪.‬‬


‫في حوار شامل مع األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية‬

‫المهندس مروان الفاعوري‪:‬‬ ‫• الو�سطية ف��ك� ٌ�ر م��ب��ث� ٌ‬ ‫�وث يف ثنايا مرجعنا الرئي�س ك���أ ّم��ة‪ ،‬وه��و ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي‪.‬‬ ‫أ�شد املُن ّبهني�إلىق�ضيةالقد�سال�شريف‪،‬واملتابعنيملجرياتهاعلىال�صعيديناملحليوالدويل‪.‬‬ ‫• نحن من � ّ‬

‫مقدمة‬ ‫مل مي���ِ�ض على ت�أ�سي�سه ��س�ن��وات‪ ،‬حتى غ��دا وجهة‬ ‫العلماء واملفكرين والأدب��اء لينهلوا من معينه الفكري‬ ‫والثقايف والأدبي الذي ال ين�ضب‪ ،‬وحتى يكون نافذتهم‬ ‫وانطالقتهم نحو العاملية التي ين�شدون‪ ،‬ومل��ا ميثّلون‬ ‫من فكر وثقافة ملتزمة‪ ،‬ت�صلح �أن تكون م��ادة العقل‬ ‫والتفكري واالج�ت�ه��اد للحكومات وال�شعوب والأف ��راد‬ ‫على حد �سواء‪ ،‬ذلك �أنّها تعالج امل�سائل وفق ر�ؤية دينية‬ ‫ودنيوية يف �صورة تكاملية تخدم احلاكم واملحكوم‪ ،‬مثلما‬ ‫تخدم من يتعاملون مع ه��ذا الفكر من خ��ارج ح��دوده‬ ‫اجلغرافية والتاريخية والفكرية والدينية والثقافية‪،‬‬ ‫فهو ال ينظر �إليهم ك��أع��داء‪ ،‬بل ك�شركاء يف الإن�سانية‬ ‫املعذبة التي ت�ستدعي �أن ي�سهم كل طرف يف هذا العامل‬ ‫من �أج��ل رف��ع الظلم وال�ضيم عن بني الب�شر جمي ًعا‪،‬‬ ‫ليعي�شوا يف ف�ضاءات م��ن احل��ري��ة وال�ع��دال��ة وامل��ؤاخ��اة‬ ‫التي ت�ستظل بظالل القر�آن الكرمي؛ د�ستور الرحمة‬ ‫واملحبة والتكافل‪ ،‬وت�ستند �إلى مرجعيات متوارثة من‬

‫َل ُدن نبي الرحمة عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬حتى ا�ستقرت‪،‬‬ ‫ف�شكّلت اً‬ ‫دول قائم ًة على الت�سامح واح�ت�رام �إن�سانية‬ ‫الإن�سان‪ ،‬بغ�ض النظر عن دينه ولونه وعرقه وجن�سه‪،‬‬ ‫فكان فيها الفار�سي والرومي واحلب�شي والعربي �إخوة‪،‬‬ ‫متحابني يف �صف واح��د يف ��ش��ؤون حياتهم ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬كما يف �صالتهم و�صيامهم‪،‬‬ ‫الأمر الذي تن ّبه �إليه املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬ف�أراد‬ ‫تعظيم االعتبار لهذا الدين ال��ذي يحرتم خ�صو�صية‬ ‫الفرد يف حياته‪ ،‬مثلما يخدم خ�صو�صية اجلماعة يف‬ ‫توجهاتها ومنطلقاتها‪ ،‬انطال ًقا من قوله تعالى‪( :‬ال‬ ‫�إكراه يف الدين)‪.‬‬ ‫ويف الوقت نف�سه الذي �سادت فيه ال�ضبابية‪ ،‬وعمت‬ ‫وطغت على الفكر والإع�لام وال�سلوك‪ ،‬انربى املنتدى‬ ‫ال�ع��امل��ي للو�سطية م��ن ب�ين ه��ذا اخل���ض� ّم ال�ه��ائ��ل من‬ ‫التيارات املتالطمة املتناق�ضة ليمثّل �سفينة النجاة‪،‬‬ ‫فيحمل لواء الت�صحيح يف امليادين الفكرية قبل كل �شيء‪،‬‬ ‫باعتبارها مادة العقل والتفكري والتدبر التي ت�سبق كل‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪25‬‬


‫ً‬ ‫ال�س�ؤال‪� -:‬إذن‪� ،‬أنتم متلكون ر� ً‬ ‫خا�صة بكم‪،‬‬ ‫ؤية‬ ‫هل لكم تو�ضيح تلك الر�ؤية؟‬

‫‪26‬‬

‫عمل وحركة يف امليادين احلياتية كافة‪ ،‬وليزيح الغبار‬ ‫ال��ذي ك��اد يطم�س امل�لام��ح النا�صعة لفكرنا الإ�سالمي‬ ‫ال�سليم‪ .‬ولتو�ضيح تلك الر�ؤية والهدف والر�سالة التي‬ ‫اجل ��واب‪ -:‬مب��ا �أن امل�ن�ت��دى هيئة فكرية �إ�سالمية‪،‬‬ ‫ميثلها املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬ي�س ّر �صحيفة الر�أي �أن‬ ‫تلتقي باملهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى‪ .‬ت�سعى للتجديد يف حياة الأمة لإعادة �صياغة م�شروعها‬ ‫* ب��داي��ة‪ ..‬نرحب ب�سعادة الأم�ين العام املهند�س م��روان النه�ضوي الإ�سالمي‪ ،‬ف�إن ر�ؤيتنا هي العمل الإ�سالمي‬ ‫املجدد يف خدمة الدين‪ ،‬الذي ي�ؤ�س�س لعامل عادل متوازن‪،‬‬ ‫الفاعوري يف رحاب جريدة الر�أي‪ ،‬ف�أهلاً و�سهلاً بكم‪.‬‬ ‫عرب تر�سيخ التدين يف �إطار العقيدة الإ�سالمية ال�سمحة‪،‬‬ ‫ �أهلاً و�سهلاً بكم‪ ،‬و�أ�شكر لكم ا�ست�ضافتكم الكرمية من �أج��ل الإ�سهام يف ت�أ�سي�س ح�ضارة �إن�سانية عادلة يف‬‫التي ت�ؤكد حر�ص �صحيفتكم الر�أي الغ ّراء على ن�شر كل نهجها متوازنة يف �أطروحاتها وم�سريتها وغايتها املثلى‪،‬‬ ‫ما من �ش�أنه االرتقاء بالأمة فك ًرا وثقاف ًة وح�ضارة‪.‬‬ ‫وه��ي حفظ النظام ال�ك��وين م��ن ك��ل م��ا يعكر �صفوه‪� ،‬أو‬ ‫يبعث اخللل يف مكوناته‪.‬‬ ‫* ح� ّب��ذا ل��و ق� ّدم�ت��م ن�ب��ذ ًة ع��ن ف�ك��رة الت�أ�سي�س لهذا‬ ‫املنتدى لو �سمحتم‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬اعتما ًدا على تلك الر�ؤية‪ ،‬البد من وجود‬ ‫ر�سالة تو ُّدون �إي�صالها ورعايتها العتمادها كمنهج عمل‬ ‫ ن���ش�ط��ت يف ال �� �س �ن��وات ال�ق�ل�ي�ل��ة امل��ا��ض�ي��ة احل��رك��ات‬‫ملن ي�ؤمنون بطروحاتكم الفكرية‪ ،‬فما ر�سالتكم؟‬ ‫الفكرية الدينية وغ�ير الدينية ب�شكل ملحوظ‪ ،‬وباتت‬ ‫ت�شكل تلك احلركات تيارات جتاوزت اجلانب الفكري �إلى‬ ‫اجلواب‪ -:‬ر�سالتنا يا �سيدي‪ ،‬هي ت�أكيد وت�أ�صيل ملنهج‬ ‫ال�سلوك املجتمعي‪ ،‬والفعل املتحرك �سيا�س ًّيا وع�سكر ًّيا الو�سطية واالع �ت��دال‪ ،‬م��ن خ�لال �إب ��راز ��ص��ور الإ��س�لام‬ ‫وثقاف ًّيا‪ ،‬ف�أثّرت يف املجتمعات وت�أثّرت بها‪ ،‬وارتبط الكثري ومعامله احلقيقية فك ًرا وثقاف ًة و�سلو ًكا‪ ،‬على �صعيد الفرد‬ ‫أي�ضا ر�سال ًة ممتد ًة‬ ‫منها بتيارات عاملية قد ال تتفق وثوابت الأم��ة وم�صالح واملجتمع وال��دول��ة والأم ��ة؛ لتكون � ً‬ ‫�شعوبها و�أف��راده��ا‪ ،‬وب��ات��ت تلقي بظاللها القامتة على تع ّم ب�شائرها الإن�سانية جمعاء لن�شر �إن�سانية الإ�سالم‪،‬‬ ‫م�سرح احل�ي��اة يف دول�ن��ا ومدار�سنا وجامعاتنا‪ ،‬و�شكَّلت وبثّ روح الت�سامح واحل��وار الإن�ساين‪ ،‬انطال ًقا من تلك‬ ‫ل�ه��ا ج �م �ه��و ًرا م��ن ال�ت��اب�ع�ين وامل��ري��دي��ن ال��ذي��ن ينتمون الو�سطية التي ننتهج؛ تبيانًا ملا نعتقد به ونعمل من �أجله‪،‬‬ ‫�إل�ي�ه��ا ع�ل��ى غ�ير ه ��دى؛ ف�ق��ط لأن �ه��ا ا�ستمالتهم بقليل‬ ‫وتو�ضيحا لر�سالتنا ور�ؤيتنا‪ ،‬لن�صل مع اخليرّ ين جمي ًعا‬ ‫ً‬ ‫من املال �أو منفعة زائلة‪ ،‬الأمر الذي تن ّبه �إليه نف ٌر من يف هذا العامل‪� ،‬إلى حالة من ال�صفاء‪ ،‬يكون فيها العامل‬ ‫العلماء الأج�ّل اّ�اء الذين ميثّلون نب�ض الأم��ة احلقيقي‪ ،‬خال ًيا من الغالة والطغاة‪ ،‬وي�سود فيه العدل واالعتدال‬ ‫واحلري�صني على �سمعتها ما�ض ًيا وحا�ض ًرا وم�ستقبلاً ‪ ،‬واملحبة وال�سالم‪.‬‬ ‫والذين يعنيهم االرتقاء بها �إلى م�ستوى تكون قادر ًة معه‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬ما هي الأهداف العري�ضة التي‬ ‫أي�ضا‬ ‫على حتقيق �آم��ال �شعوبها و�أبنائها‪ ،‬وتكون ق��ادر ًة � ً‬ ‫يتب ّناها املنتدى؟‬ ‫على احلفاظ على �شخ�صيتها وهويتها �أمام تلك التيارات‬ ‫اجل��ارف��ة امل�سلحة ب��الأف�ك��ار الهدامة والإع�ل�ام امل�سموم‪،‬‬ ‫اجلواب‪ -:‬تتلخ�ص �أهداف املنتدى بالآتي‪:‬‬ ‫وامل��ال النج�س ال��ذي يوظف م��ن �أج��ل زع��زع��ة الأوط��ان‪،‬‬ ‫وبثّ الفرقة بني �أبنائها‪ ،‬والت�شكيك يف معتقداتها‪ ،‬فكان �أ‪ -‬بناء منظومة فكرية ت�أ�صيلية ثابتة‪ ،‬ت�ستند �إلى �أدلة‬ ‫ذل��ك ك�ل��ه م��دع��ا ًة للقائهم ع�ل��ى م��ائ��دة ف�ك��ري��ة و�سطية �شرعية م�ستلة من ال�ق��ر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‬ ‫معتدلة‪ ،‬متثّل ر�أ ًيا واح ًدا ور�سال ًة واحد ًة وهد ًفا واحدةً‪ ،‬املطهرة‪ ،‬تعزز فكرة الو�سطية عند النا�س فك ًرا و�سلو ًكا‪،‬‬ ‫وهي البعث والتجديد يف الفكر الإ�سالمي املعا�صر‪ ،‬من بحيث يتم الرجوع �إلى هذه املنظومة لعالج كثري من‬ ‫خ�لال انتهاج الو�سطية ف�ك� ًرا و�سلو ًكا يف حياتنا‪ .‬ومن الهنات الفكرية التي �س ّببت ت�ضييقًا على النا�س يف‬ ‫هنا‪ ،‬جاءت فكرة الت�أ�سي�س لهذا املنتدى يف العام ‪ ،2002‬فهم الن�صو�ص ال�شرعية‪ ،‬واال�ستناد �إليها‪ ،‬وحتكيمها‬ ‫ليكون املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬الذي ميثل منار ًة علمي ًة يف ��ش��ؤون حياتهم ك��اف��ة‪ :‬ال�سيا�سية‪ ،‬واالقت�صادية‪،‬‬ ‫وفكري ًة وثقافي ًة للأمة الإ�سالمية الواحدة‪.‬‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وغريها‪.‬‬


‫ب‪ -‬حتقيق �شراكة تكاملية فكرية وثقافية مع امل�ؤ�س�سات ومذاهبها ال�سيا�سية والفكرية‪� ،‬إال �أنها من�سجمة �ضمن‬ ‫وامل �ن �ظ �م��ات واجل��ام �ع��ات ال�ع��رب�ي��ة والإ� �س�لام �ي��ة ذات كينونة �سيا�سية واحدة‪.‬‬ ‫االهتمام الثقايف والفكري؛ من �أجل ا�ستكمال البناء‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬ما هي الو�سائل التي تن�شرون من‬ ‫املن�شود ح�ضار ًّيا ل�ل�أم��ة الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬وبحيث يحقق‬ ‫خاللها فكر الو�سطية وقيمها و�أدبياتها؟‬ ‫هذا التكامل ال�صورة ال�شمولية للإ�سالم الذي نريد‬ ‫ح�ضوره يف ميادين حياتنا كافة‪ ،‬ومن هذه املنظمات‬ ‫اجل ��واب‪ -:‬الو�سطية ف�ك� ٌر م�ث�ب��وتٌ يف ثنايا مرجعنا‬ ‫الدولية‪( :‬املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‪ ،‬ال��رئ�ي����س ك ��أم��ة‪ ،‬وه��و ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي ب��آي��ات��ه و�أح�ك��ام��ه‬ ‫وامل�ن�ظ�م��ة الإ� �س�لام �ي��ة ل�ل�ترب�ي��ة وال�ث�ق��اف��ة وال �ع �ل��وم‪ ،‬وتعاليمه‪ ،‬ق��ال ت�ع��ال��ى‪( :‬وك��ذل��ك جعلناكم �أم� � ًة ً‬ ‫و�سطا‬ ‫واجلامعة العربية‪� .....‬إل ��خ)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬ن�شر الوعي ل�ت�ك��ون��وا � �ش �ه��داء ع�ل��ى ال �ن��ا���س وي �ك��ون ال��ر� �س��ول عليكم‬ ‫الفكري التنويري الإ�سالمي بني طلبة اجلامعات‪ ،‬ويف �شهي ًدا)‪� .‬صدق اهلل العظيم‪ .‬مثلما يزخر احلديث النبوي‬ ‫�صفوف املدار�س على تنوع تخ�ص�صاتها‪.‬‬ ‫ال�شريف بالكثري من الإ��ش��ارات النبوية التي حتثّ على‬ ‫د‪ -‬ب �ي��ان ��ض�ع��ف وب �ط�لان ال�ف�ك��ر ال �ظ�لام��ي والإره ��اب ��ي اتباع املنهجية الو�سطية يف العبادات واملعامالت‪ ،‬وتدعو‬ ‫وامل�ت�ط��رف ال��ذي ت�ستند �إل�ي��ه اجل�م��اع��ات التكفريية �إلى �إقامة املجتمع الإن�ساين وفق قواعد حمكمة ال �إفراط‬ ‫والظالمية‪ ،‬وتعرية هذا الفكر من �أجل بيانه للنا�س فيها وال تفريط‪ .‬ل��ذا‪ ،‬ف��إن و�سائلنا املتمثلة بامل�ؤمترات‬ ‫وال � �ن� ��دوات‪ ،‬وامل �ح��ا� �ض��رات وح �ل �ق��ات ال �ن �ق��ا���ش‪ ،‬واحل� ��وار‬ ‫وحتذيرهم منه‪.‬‬ ‫واملحا�ضرات التدريبية والعملية‪ ،‬متثّل �أذرعنا العملية‬ ‫هـ‪ -‬تقدمي الن�صح وامل�شورة ال�صادقة للحكومات العربية التي من خاللها ننقل تلك ال��ر�ؤي��ة الو�سطية بنظرتها‬ ‫والإ��س�لام�ي��ة ال�ت��ي ت��ري��د عقلنة خطابها الإع�لام��ي الكلية واجلزئية للكون واحلياة والنا�س‪ ،‬وللإن�سان فر ًدا‬ ‫الدعوي‪ ،‬وتر�شيده وفق امل�سار الذي يحقق لها التوازن وج�م��اع��ة‪ ،‬ول�ل��دول��ة ق��وان�ين وت���ش��ري�ع��ات‪ ،‬و�أن�ظ�م��ة حكم‪،‬‬ ‫امل�ط�ل��وب م��ع ب�ق�ي��ة امل �ك��ون��ات ال�ث�ق��اف�ي��ة وال�ف�ك��ري��ة يف ولوائح وتعليمات‪ ،‬وللمجتمع الإن�ساين ال��دويل تكتالت‬ ‫اً‬ ‫املجتمع الوطني والقومي‪،‬‬ ‫و�صول �إلى مرحلة الر�شد ب�شرية وفكرية جتمعنا بها قوا�سم م�شرتكة‪ ،‬ونلتقي واياها‬ ‫املف�ضي �إلى االلتزام بثوابت الدين ال�صحيح‪ ،‬لإقامة على قاعدة �صلبة‪ ،‬هي امل�صالح املتبادلة والر�ؤية امل�شرتكة‬ ‫جمتمع العدل وامل�ؤاخاة والت�سامح‪ ،‬وفق ر�ؤية �إ�سالمية للكون والإن�سان‪ ،‬بغ�ض النظر عن معتقد ٍّ‬ ‫كل منّا ودينه‪،‬‬ ‫عادلة ومعتدلة‪ ،‬وتواكب كل تطور �سيا�سي واقت�صادي �إمنا القا�سم امل�شرتك بيننا هو �إن�سانيته القابلة للتطوير‬ ‫واجتماعي وثقايف‪.‬‬ ‫وفق منهجنا ور�ؤيتنا؛ �إذ �أن �أملنا ميتد ليكون فاعلاً يف‬ ‫الت�أثري لي�صل �إلى تغيري قناعات الآخرين �إلى الأف�ضل‬ ‫و‪ -‬تنمية الوعي لدى ال�شعوب الإ�سالمية للقبول بفكرة الذي نريد‪� ،‬أو حتييدها بعي ًدا عن �إ�ضرارنا ون�صب العداء‬ ‫الدولة املدنية التي حترتم مبادئ املواطنة‪ ،‬وت�ستند لنا‪ ،‬وهذه مهمة فكرية جليلة ينبغي �أن ي�سندها �إعالمي‬ ‫�إليها‪ ،‬كما هو احلال الذي قامت عليه الدولة املدنية �إ��س�لام��ي م�ت�ن��ور وح ��ر‪ ،‬ق ��ادر ع�ل��ى ف�ه��م الإ� �س�ل�ام عقيد ًة‬ ‫ال�ت��ي �أر��س��ى ق��واع��ده��ا �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه وخلقًا و�أنظمة‪ ،‬ليقدمها للآخر وفق �سياقها التاريخي‬ ‫و�سلم‪ ،‬فاحرتمت جميع مكونات ال�شعب بغ�ض النظر واجلغرايف وال�سيا�سي الذي يجمعنا بالآخر‪ ،‬بغ�ض النظر‬ ‫عن ديانتهم وعرقهم ون�سبهم‪.‬‬ ‫عن ديانته احلقيقية‪ ،‬و�إن من و�سائلنا كذلك �إ�ضاف ًة �إلى‬ ‫ز‪� -‬إيجاد م�ساحة فكرية م�شرتكة ت�ضم جميع املكونات ما ذكرت من امل�ؤمترات والندوات‪:‬‬ ‫الفكرية للأمة‪ ،‬ولو لفرتات زمنية ق�صرية‪� ،‬أو متباعدة‪ -1 ،‬املوقع الإل�ك�تروين‪ :‬وه��ذا املوقع يقدم ر�ؤي��ة املنتدى‬ ‫�أو م�ستمرة؛ بهدف �إيجاد االن�سجام بني هذه التيارات‪ ،‬ور�سالته‪ ،‬وفل�سفته و�أن�شطته � اً‬ ‫أول ب�أول‪� ،‬شاملاً بذلك‬ ‫وب��ثّ القناعة يف عقول �أتباعها ومريديها ب�أنهم جمي ًعا جميع الأن�شطة التي يقوم بها املق ّر العام للمنتدى‪،‬‬ ‫ي�شرتكون يف قبلة واحدة و�أركان واحدة وم�سميات واحدة‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى فروعه املنت�شرة‪.‬‬ ‫وعليهم جمي ًعا ال�ع�م��ل بتناغم وان���س�ج��ام فيما بينهم‪،‬‬ ‫لعلهم ي�صلون ذات يوم �إلى ر�ؤية م�شرتكة واحدة متثّلهم ‪ -2‬املجلة‪ :‬وه��ي جملة الو�سطية التي حتظى باهتمام‬ ‫�أم��ام الآخ��ر‪ ،‬مثلما عليهم �أن ي�برزوا النقاط الإيجابية الهيئة اال�ست�شارية العليا التي ير�أ�سها دول��ة الإم��ام‬ ‫ال�ت��ي ت�شكل م��اد ًة للحوار الإي�ج��اب��ي ال��ذي ي��دع��م ال��روح ال�صادق املهدي رئي�س املنتدى‪ ،‬و�أع�ضاء الهيئة من كبار‬ ‫الإيجابية‪ ،‬القادرة على بثّ االحرتام املتبادل بني جميع العلماء امل�سلمني يف املعارف والعلوم املختلفة الذين‬ ‫اً‬ ‫و�صول �إلى حالة من الر�ضا ميثلون فكر الو�سطية يف الكثري من الدول‪ ،‬هذا ف�ضلاً‬ ‫املكونات الب�شرية للأمة –‬ ‫املتبادل‪ ،‬كتلك احلالة التي تعي�شها منظمات واحت��ادات عن هيئة حتريرها التي ير�أ�سها الأمني العام وع�ضوية‬ ‫دولية ك��أوروب��ا مثلاً ‪ ،‬التي ت�ضم اً‬ ‫دول تختلف يف لغاتها جملة م��ن الأ��س��ات��ذة العلماء والأك��ادمي�ي�ين الأج�ّل اّ ء‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪27‬‬


‫‪28‬‬

‫‪ -4‬الدراما‪ :‬ويف ذلك يحاول املنتدى �أن ُي�سخّ ر كل ما‬ ‫الذين ميثّلون تخ�ص�صات فكرية و�أدبية عدة‪ ،‬وي�شرف‬ ‫عليها �إ� �ش��را ًف��ا ع��ا ًّم��ا ال��دك�ت��ور ح�سن علي مبي�ضني‪ ،‬من �ش�أنه تقدمي الأفكار‪ ،‬والتي يراها املنتدى �ضروري ًة‬ ‫وه��و ب��اح��ث و�أك��ادمي��ي‪ .‬وت�صدر املجلة ب�شكل دوري‪ ،‬لت�صحيح ما لدى النا�س من �أفكار‪.‬‬ ‫وتتناول موا�ضيع ذات م�سا�س مبا�شر مبا تعي�شه الأمة‬ ‫‪ -5‬ال��ر� �س��ائ��ل الإل �ك�ت�رون �ي ��ة و� �ص �ف �ح��ات ال �ت��وا� �ص��ل‬ ‫الإ�سالمية والعامل‪ ،‬وفق الر�ؤية الو�سطية جتاه تلك‬ ‫الق�ضايا‪ ،‬الأمر الذي ي�ساعد �صانعي القرار ال�سيا�سي االج�ت�م��اع��ي‪ :‬وه��ي ال�ت��ي حت�م��ل م�ضامني ق���ص�يرة ذات‬ ‫العام يف عاملنا الإ�سالمي يف عملية اتخاذ قراراتهم‪ ،‬ر�سائل وا��ض�ح��ة‪ُ ،‬ت ��وزّع على �أع���ض��اء املنتدى والعاملني‬ ‫وخ��ا��ص��ة تلك املتعلقة ب��الإره��اب وال�ت�ط��رف‪ ،‬والغلو ب ��ه‪ ،‬م�ث�ل�م��ا ت���س�ت�ث�م��ر ��ص�ف�ح��ات ال �ت��وا� �ص��ل االج�ت�م��اع��ي‬ ‫والتكفري‪ ،‬وكيفية مواجهة هذا الفكر املتطرف بفكر (الفي�سبوك) وغريه‪ ،‬من �أجل تزويد املتابعني لنا ب�آخر‬ ‫�سليم‪ ،‬وفق �أدوات وو�سائل عملية تربوية‪ ،‬و�إعالمية الأخبار‪ ،‬وتفاعل املنتدى العاملي معها‪.‬‬ ‫وق��ان��ون�ي��ة‪ ،‬وه��ذا م��ا حت��اول جملتنا (الو�سطية) �أن‬ ‫‪ -6‬البيانات‪ :‬وهنا �أ�ؤكد �أن املنتدى يتابع كل ما يجري‬ ‫ت�شري �إل�ي��ه‪ ،‬خا�ص ًة يف اجل��وان��ب الدعوية والرتبوية‬ ‫واالج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬وم��ا يخ�ص امل� ��ر�أة والأ� �س��رة والطفل حمل ًّيا وعرب ًّيا وعامل ًّيا متابع ًة حثيثة‪ ،‬ويربط ما يجري‬ ‫وال�شباب‪ ،‬وكذلك القانونية بو�ضع منظومة قانونية بواقعنا ال�سيا�سي مع تلك املخططات العاملية التي تريد‬ ‫تكافح التطرف والإره ��اب والغلو‪ ،‬من خ�لال تفعيل النيل من الأمة ومقدراتها‪ ،‬وهنا البد �أن يطرح املنتدى‬ ‫تلك املنظومة القانونية التي ت�ستمد بع�ض موادها العاملي ر�أي��ه حول هذا احلدث �أو ذاك‪ ،‬يف هذه الدولة �أو‬ ‫من �شريعتنا الغراء‪ ،‬ومن القوانني الو�ضعية املحلية تلك‪ ،‬وب�صورة وا�ضحة املعامل؛ ليعرف العامل �أجمع ر�أي‬ ‫والدولية‪ ،‬مثلما تت�ضمن الإ�شارات �إلى جملة الق�ضايا املنتدى ور�ؤيته جتاه ما يجري‪ ،‬مثلما يعطي الإ�شارة يف‬ ‫املتعلقة بحقوق الإن�سان حمل ًّيا وعرب ًّيا وعامل ًّيا‪ ،‬وخا�ص ًة بياناته �إلى اجلهات ذات العالقة باحلدث‪� ،‬إذ يطالب فيها‬ ‫مبا ت�ستوجبه م�صالح الأمة العليا املن�سجمة مع امل�صلحة‬ ‫تلك املن�سجمة مع تعاليم ديننا احلنيف‪.‬‬ ‫الوطنية العليا لهذه الدولة �أو تلك‪ ،‬من دول عاملنا العربي‬ ‫‪ -3‬املطبوعات الأخرى‪ :‬وهي عبارة عن كتب وم�ؤلفات والإ�سالمي‪ ،‬وخا�ص ًة تلك امل�سائل والأحداث ذات الطابع‬ ‫نا�صحا ومن ّب ًها للخطر‬ ‫وك �ت � ّي �ب��ات � �ص �غ�يرة وم �ط �ب��وع��ات ورق �ي ��ة حم ��دودة الإره��اب��ي‪� ،‬إذ يكون دور املنتدى‬ ‫ً‬ ‫(ب� ��رو� � �ش� ��ورات)‪ ،‬ت�ت���ض�م��ن ر�ؤي � ��ة امل �ن �ت��دى ال �ع��امل��ي وكوامنه‪.‬‬ ‫للو�سطية وفل�سفته يف الكثري من الق�ضايا الإن�سانية‬ ‫‪ -7‬الر�سائل ومذكرات التعاون‪� :‬إذ تت�سع دائرة اهتمام‬ ‫التي يتناولها املنتدى باهتمامه و�أن�شطته‪ ،‬من خالل‬ ‫وكت ّييات‪ ،‬املنتدى بالكثري من امل�سائل‪ ،‬فيقوم ب�إر�سائل الر�سائل �إلى‬ ‫امل�ؤمترات والندوات وغريها‪� ،‬إذ يتم‬ ‫وت ��وزع لأه ��ل االه �ت �م��ام‪)CD( ،‬طباعة امل ��ؤمت��رات �أ�صحاب القرار يف الكثري من ال�ش�ؤون للفت االنتباه �إليها‪،‬‬ ‫وال� �ن ��دوات ع�ل��ى �أق ��را� ��ص م��دجم��ة م�ث�ل�م��ا تعر�ض مثلما يقوم بعمل مذكرات تعاون وتفاهم مع م�ؤ�س�سات‬ ‫�أم ��ام زوار امل�ن�ت��دى لال�ستفادة منها‪ .‬وت�شكل هذه دع��وي��ة وبحثية حملية وعاملية م��ن �أج��ل �إف���س��اح املجال‬ ‫املطبوعات الإلكرتونية والورقية املكتبة الو�سطية �أمام �أدوات املنتدى وو�سائله ور�سائله‪ ،‬لتكون حا�ضرة بني‬ ‫التي �أنتجها املنتدى خ�لال ال�سنوات التي رافقت �أيدي �أبناء الأمة والعامل‪ ،‬خا�صة تلك املتعلقة بن�شر الفكر‬ ‫الو�سطي ب�شكل خا�ص‪.‬‬ ‫ت�أ�سي�سه و�إلى تاريخه‪.‬‬


‫والتطرف‬ ‫يف مواجهة الغلو‬ ‫ّ‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬ما موقف املنتدى من الإرهاب؟‬

‫امل�ؤ�س�سية الإ�سالمية التي متتلك ر�أ ًيا ور�ؤي ًة حول القد�س‬ ‫ال���ش��ري��ف وق�ضيتها‪ ،‬وه��و م��ن �أ� �ش��د امل�ن� ّب�ه�ين لق�ضيتها‬ ‫وامل�ت��اب�ع�ين مل�ج��ري��ات�ه��ا ع�ل��ى ال���ص�ع�ي��د امل�ح�ل��ي وال� ��دويل‪،‬‬ ‫وخا�ص ًة فيما يتعلق باحلفريات التي جت��ري يف حميط‬ ‫امل�سجد الأق���ص��ى امل �ب��ارك‪ ،‬وال ينف�صل م��وق��ف املنتدى‬ ‫عن املوقف الر�سمي العربي والإ��س�لام��ي‪ ،‬بل هو مك ّمل‬ ‫وم�ساند له‪ ،‬وي�أتي الت�أكيد دو ًما من املنتدى على �أهمية‬ ‫ق�ضيتها م��ن خ�لال امل ��ؤمت��رات وال �ن��دوات وامل�ح��ا��ض��رات‬ ‫املتعلقة بها‪ ،‬ولعل �أهمها امل�ؤمتر الدويل ال�ساد�س‪ ،‬والذي‬ ‫عقده املنتدى بعنوان (القد�س‪ :‬دين وتاريخ)‪ ،‬وال يخفى‬ ‫على اجلميع هذا الدور الذي يق ّدم ر�ؤي ًة علمي ًة وتاريخي ًة‬ ‫ودينية‪ ،‬تك�شف زيف وبطالن العدو الإ�سرائيلي ومزاعمه‬ ‫املتعلقة بالقد�س ال�شريف‪ .‬والإره��اب ال�صهيوين �أ�سا�س‬ ‫الإرهاب العاملي و�سببه‪.‬‬

‫اجل � ��واب‪ -:‬م��ن ��س�ي��اق ح��دي�ث��ي ال �ع��ام ح ��ول امل�ن�ت��دى‬ ‫ن�ش�أ ًة وهيكلاً تنظيم ًّيا‪ ،‬ور�سال ًة ور�ؤي��ة‪ ،‬و�أه��دا ًف��ا ُت��د َرك‪،‬‬ ‫ويدرك القراء الكرام �أن املنتدى مل ي� ِأت �إال لتعزيز منهج‬ ‫االعتدال؛ باعتباره �ضرور ًة لنه�ضة الأمة وحماربة الفكر‬ ‫املتطرف‪� ،‬أ ًّي��ا كان م�صدر هذا الفكر و�شكله وم�ضمونه‪،‬‬ ‫و�أدواته وو�سائله‪ ،‬وحتى القائمني عليه‪� ،‬سوا ًء كانت اً‬ ‫دول‬ ‫�أو �أحزا ًبا‪� ،‬أو تنظيمات‪ ،‬بغ�ض النظر عن دينها �أو هويتها‪.‬‬ ‫وو� �ض��ع امل�ن�ت��دى ن�صب عينيه �أم ��ر م��واج�ه��ة ه��ذا الفكر‬ ‫لتنقية ال�صورة الإ�سالمية النا�صعة من كل ما ي�سيء �إليها‬ ‫فك ًرا و�سلو ًكا‪ ،‬وقد ن ّبه املنتدى يف م�ؤمتراته �إلى �ضرورة‬ ‫تبنّي الفكر الو�سطي يف جميع مرافق احلياة‪ ،‬وذل��ك يف‬ ‫م�ؤمتره الأول (و�سطية الإ�سالم بني الفكر واملمار�سة)‪،‬‬ ‫والذي عقد يف العام ‪ ،2004‬ثم توالت امل�ؤمترات الدولية‬ ‫ال �ت��ي ع�ق��ده��ا امل �ن �ت��دى‪ ،‬وك��ان��ت جميعها ت�ت�م�ح��ور ح��ول‬ ‫الق�ضايا الإ�سالمية املعا�صرة‪ ،‬ومنها كما ذكرت الإرهاب‬ ‫كلمة �أخرية‬ ‫ال��ذي احتل م�ساح ًة كبري ًة يف ه��ذه امل��ؤمت��رات وال�ن��دوات‬ ‫واملحا�ضرات التي يقدمها حما�ضرون‪ ،‬ميثلون املنتدى‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬هل من كلمة �أخرية ترغب يف قولها؟‬ ‫لطلبة اجلامعات الأردن�ي��ة والكليات وامل��دار���س يف جميع‬ ‫�أنحاء اململكة وخارجها‪ ،‬حيث تنت�شر فروع املنتدى العاملي‬ ‫اجلواب‪ -:‬نتمنى �أن يف�سح الطريق للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية‪ ،‬وبالتعاون �أحيانًا مع املنظمات الدولية ذات‬ ‫االه�ت�م��ام‪ ،‬واحل�ك��وم��ات يف ال��دول العربية والإ�سالمية‪ ،‬للو�سطية لينال ًّ‬ ‫حظا �أكرب ودو ًرا �أو�سع يف تر�شيد عقول‬ ‫ممثل ًة بوزارات الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية‪ ،‬وبالتعاون النا�س و�أفكارهم يف كل ميادين حياتهم؛ لي�سهم �إ�سها ًما‬ ‫مع اجلامعات العاملية والعربية واملراكز البحثية فيها‪.‬‬ ‫ف ّع اًال يف تو�ضيح �صورة الإ�سالم احلقيقية التي حتافظ‬ ‫موقفنا من القد�س ال�شريف‬ ‫على توازن الفرد والأ�سرة واملجتمع والأمة والكون‬ ‫ب�أكمله‪ ،‬وفق معادلة ربانية ت�ستوجب دائ ًما ا�ستح�ضار‬ ‫خا�صا‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬هل تب ّنى املنتدى موقفًا ًّ‬ ‫معنى الرحمة التي جاء بها الدين احلنيف؛ لينعم يف‬ ‫بالقد�س وق�ضيتها؟‬ ‫اجل ��واب‪ -:‬القد�س ه��ي ج��وه��ر ال���ص��راع‪ ،‬وغ�ي��اب حل ظالله الب�شر وال�شجر واحليوان‪ ،‬م�صدا ًقا لقوله تعالى‪:‬‬ ‫مل�شكلة فل�سطني �سبب كبري من �أ�سباب انت�شار التطرف (وكذلك جعلناكم �أمة ً‬ ‫و�سطا لتكونوا �شهداء على النا�س‬ ‫والإره ��اب‪ .‬واملنتدى ج��زء رئي�س من املنظومة الفكرية ويكون الر�سول عليكم �شهي ًدا‪ .‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪29‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫من تحديات األمة ‪...‬‬ ‫د‪ .‬حسن علي المبيضين‬

‫مدير مركز الدرا�سات يف املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫‪ -1‬حتديات اقت�صادية وتكنولوجية‪:‬‬

‫‪30‬‬

‫ي ��واج ��ه ال ��وط ��ن ال �ع��رب��ي يف ح��ا� �ض��ره وم���س�ت�ق�ب�ل��ه‬ ‫حت��دي��ات ع��دة‪ ،‬تقف �أم ��ام تقدمه وخ��روج��ه م��ن دائ��رة‬ ‫ي��درك اجلميع يف الوطن العربي م��دى �أهمية هذه‬ ‫الثالوث اخلطر‪( :‬الفقر‪ ،‬اجلهل‪ ،‬املر�ض)؛ �إذ باتت هذه‬ ‫هاج�سا يف ذهن ال�شعوب واحلكومات التحديات االقت�صادية والتكنولوجية؛ نظ ًرا للت�سارع‬ ‫التحديات ت�شكل‬ ‫ً‬ ‫التقني والفني‪ ،‬والذي ربطت عجلة التقدم االقت�صادي‬ ‫العربية على ال�سواء‪.‬‬ ‫به‪� ،‬إذ باتت الدول ال�صناعية تبحث عن ال�سوق ملنتوجاتها‬ ‫وملا كان التعليم الأداة الأولى يف ت�شكيل الوعي والفكر م���س�ت�خ��دم� ًة الأدوات امل���ش��روع��ة ��س�ي��ا��س� ًّي��ا واق�ت���ص��اد ًّي��ا‬ ‫والثقافة‪ ،‬ف�إن دوره هذا يتطلب جهو ًدا حثيث ًة من �أجل وا�سرتاتيج ًّيا‪ ،‬وغري امل�شروعة ع�سكر ًّيا و�أمن ًّيا واخرتا ًقا‬ ‫�إف�ساح املجال لهذا الدور التنويري الذي ينتظره العرب اقت�صاد ًّيا وفكر ًّيا‪.‬‬ ‫من تلك امل�ؤ�س�سات املعنية بالرتبية والثقافة والتعليم‬ ‫�إن النظام الرتبوي العربي الذي ُينظر �إليه كمنقذ‬ ‫على‬ ‫اختالف م�ستوياتها‪ :‬مدار�س‪ ،‬وجامعات‪ ،‬ومراكز فكري لأجيال الأمة‪ ،‬يرزح حتت وط�أة الديون اخلارجية‬ ‫بحث علمي‪.‬‬ ‫التي تعاين منها الدول العربية‪ ،‬وحتى النفطية منها‪،‬‬ ‫وانطال ًقا من ال�صورة ال�شمولية التي يك ّونها التقدم ك�م��ا ي �ع��اين م��ن ق�ل��ة امل� ��وارد املخ�ص�صة ل��دع��م البحث‬ ‫يف جمال الرتبية والتعليم ملجتمع ما‪� ،‬إذ حتوي ال�صورة العلمي عرب ًّيا؛ نتيج ًة للق�صور الذهني العربي الذي ال‬ ‫ٍ‬ ‫كمدخل من مدخالت الإنتاج‬ ‫داخل �إطارها تقد ًما �صناع ًّيا وجتار ًّيا وطب ًّيا وهند�س ًّيا ينظر للقطاع التعليمي‬ ‫كناقل للمعرفة من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جيل �إلى‬ ‫التي واالقت�صاد‪ ،‬بل ينظر �إليه‬ ‫وفكر ًّيا وقيم ًّيا‪ ،‬ي�أتي االهتمام بدرا�سة التحديات‬ ‫كعرب‪ ،‬وت�ؤثر يف واقعنا ال�سيا�سي واالقت�صادي جيل‪ ،‬وم�ستخد ٍم ملا ُينتج عامل ًّيا ب�أ�سلوب �صحيح‪ ،‬بعي ًدا‬ ‫تواجهنام��اع��ي وال �ث �ق��ايف‪ ،‬وت �ق��ف ع��ائ� ًق��ا �أم� ��ام تطلعاتنا عن روح الت�أمل والإب��داع واالبتكار‪ ،‬وه��ذا يعزل الواقع‬ ‫واالج �ت �‬ ‫التعليمي ونظامه � اً‬ ‫إجمال عن �سري العملية االقت�صادية‪،‬‬ ‫امل�ستقبلية يف �إق��ام��ة جمتمع العدل والإخ ��اء‬ ‫وامل�ساواة والأم��ر عائد �إلى الأ�سلوب التقليدي يف التعليم‪ ،‬بعي ًدا‬ ‫والرفاهية‪ ،‬وفق منظومة من القيم الروحية والثقافية عن التطبيق والتجريب والبحث‪.‬‬ ‫واخل�ل�ق�ي��ة‪ ،‬ق ��ادرة ع�ل��ى احل �ف��اظ ع�ل��ى �شكل وم�ضمون‬ ‫�صورة املجتمع العربي امل�سلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬امل�س�ألة االجتماعية‪:‬‬ ‫والبد هنا من الإ�شارة �إلى تلك التحديات امل�ستقبلية‬ ‫�إن االق�ت���ص��اد وق��درت��ه يف التغلغل يف ف�ك��ر و�سلوك‬ ‫الأفراد واجلماعات وا�ضحة ملن يريد بيان �أثر االقت�صاد‬ ‫للوطن العربي و�أقطاره‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫مالءمتها ح�ضار ًّيا لل�سكن‪ ،‬وقلة الوعي البيئي الناجت‬ ‫عن ٍ‬ ‫�ضعف يف امل�ستوى التعليمي الثقايف‪.‬‬

‫يف تكوين املجتمعات الإن�سانية‪ .‬فحالة الت�شرذم ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫وم��ا يتبعها اقت�صاد ًّيا وثقاف ًّيا يف عاملنا ال�ع��رب��ي‪ ،‬تلقي‬ ‫بظاللها على الواقع االجتماعي املتمثل يف دولنا العربية‬ ‫ج‪ -‬الإ�سكان‪ :‬وه��ذا �أم��ر يف غاية الأهمية‪� :‬إذ باتت املدن‬ ‫ومدنها وقراها وباديتها‪.‬‬ ‫العربية غ�ير مهنية يف التعامل م��ع تلك احل��اج��ات‪،‬‬ ‫وهنا ميتد الت�شرذم ويت�سع حتى ينال م��ن اجلانب نظ ًرا لوجود الإدارات غري املهي�أة‪ ،‬ويف ظل عدم وجود‬ ‫التعليمي‪� ،‬إذ ال جم��ال لن�شوء حركة ت�سري عك�س التيار املوارد املادية الالزمة للتو�سع يف التخطيط والتنفيذ‪،‬‬ ‫بالقوة نف�سها؛ لأن امل�ث�يرات امل��وج��ودة خ��ارج� ًّي��ا وعرب ًّيا خا�صة تلك املدن التي تعر�ضت ملوجات هجرة ق�سرية‬ ‫وحم�ل� ًّي��ا‪ ،‬وتفعل فعلها اب�ت�غ��اء م��ر��ض��اة ال ��دول العظمى نتيجة الأحداث ال�سيا�سية هنا وهناك‪.‬‬ ‫و�صاحبة النفوذ يف املنطقة‪� ،‬إذ نرى حقيق ًة تدخلاً بالأمور‬ ‫التي ت�شكل �إطا ًرا اجتماع ًّيا يف هذه الدولة �أو تلك‪ ،‬وبات د‪ -‬الأمن الغذائي‪ :‬وهذا الأمر ي�شكل عبئًا حقيق ًّيا على‬ ‫ه��ذا الن�سيج االجتماعي املتما�سك‪� :‬إ�سالم ًّيا وعرب ًّيا يف �صانع ال�ق��رار ال�سيا�سي يف الوطن العربي‪� ،‬إذ تعاين‬ ‫دول عدة من جيوب الفقر املنت�شرة يف مدنها وقراها‬ ‫وطننا مطم ًعا ا�سرتاتيج ًّيا البد من الإتيان عليه‪.‬‬ ‫وباديتها‪ ،‬فباتت برامج الرعاية االجتماعية مبا متلك‬ ‫وهذا ما ي�شكل عائقًا �آخر �أمام حركة التعليم العربي‪ ،‬من موارد متوا�ضعة غري قادرة على حتقيق ذلك الأمن‬ ‫ال �ت��ي م��ن امل�ف�تر���ض �أن ت��ؤ��س����س ال�ب�ن�ي��ان ال�ف�ك��ري وف��ق الغذائي‪ ،‬يف ظل �ضعف الربامج الإنتاجية‪ ،‬والفردية‬ ‫أي�ضا‪ ،‬لأن املجتمع باملنظور التعليمي الدولية العربية يف معاجلة هذه امل�شكلة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫مرجعية اجتماعية � ً‬ ‫ي�شكل ه��د ًف��ا و�أداة‪ ،‬فنحو املجتمع ي�سري‪ ،‬ومنه ي�ستمد‬ ‫‪ -4‬التبعية واال�ستعمار اجلديد‪:‬‬ ‫الهدف والغاية‪ .‬لذا‪ ،‬ف�إن التعليم عرب ًّيا ما زال قا�ص ًرا‪،‬‬ ‫لأن �صورة املجتمع الواحد املوحد‪ ،‬ما زالت غري موجودة‪،‬‬ ‫باتت ال��دول بعد احلرب العاملية الثانية مق�سم ًة بني‬ ‫بحكم حالة التجزئة التي يعي�شها جمتمعنا مق�س ًما بني‬ ‫دول منت�صرة عظمى‪ ،‬وبني ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫دول �ضعيفة �صغرى‪ ،‬الأمر‬ ‫ٍ‬ ‫هدف هنا و�آخر هناك‪.‬‬ ‫ق�سم العامل �إلى تيارات من امل�صالح املتوافقة هنا‪،‬‬ ‫الذي ّ‬ ‫واملختلفة هناك‪ ،‬مما ي��ؤدي �إل��ى ت�ضاربٍ يف امل�صالح بني‬ ‫‪ -3‬حتديات دميوغرافية وبيئية‪:‬‬ ‫دول ٍة و�أخرى‪.‬‬ ‫�إن املجتمع العربي جمتمع فتي‪ ،‬ويزداد املجتمع عد ًدا‬ ‫ف�سعت تلك ال ��دول العظمى �إل��ى التغلغل يف ��ش��ؤون‬ ‫وف��ق ه��ذه ال�صفة‪ ،‬الأم��ر ال��ذي يرفع من ن�سبة الإعالة‬ ‫يف وطننا العربي‪� ،‬إذ الغالبية منهم دون �سن الإنتاجية‪ ،‬الدول ال�ضعيفة من خالل الربامج الثقافية والفكرية‪،‬‬ ‫ويف ظل عدم التو�سع يف املجال الزراعي ب�شقّيه‪ :‬النباتي واحل��رك��ات ال�ت�ج��اري��ة‪ ،‬وال�ت��دخ��ل يف ال���ش��ؤون الداخلية‪:‬‬ ‫واحل �ي��واين‪ ،‬وع ��دم ق ��درة ق�ط��اع ال�صناعة ال�ع��رب��ي على ال�سيا�سية واالق�ت���ص��ادي��ة واالج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬حتى �أ�صبحت‬ ‫املناف�سة عامل ًّيا‪ ،‬وع��دم ق��درة النظام التعليمي على فتح ال ��دول العظمى ت�ق��دم نف�سها ك�ن�م��وذج ث�ق��ايف وع�سكري‬ ‫الآفاق البحثية املنتجة‪ ،‬واال�ستثمار فيها‪ :‬حمل ًّيا وعرب ًّيا‪ ،‬واقت�صادي واجتماعي‪ ،‬وما على ال��دول ال�ضعيفة �إال �أن‬ ‫تبقى احلاجة دو ًما للمزيد من الإنتاج الزراعي وال�صناعي تختار النموذج الذي يتوافق مع ا�سرتاتيجيتها الع�سكرية‬ ‫موجود ًة يف الوطن العربي لتلبية رغبات الأعداد املتزايدة واالق �ت �� �ص��ادي��ة‪ ،‬ط�ب� ًق��ا ل�ع��وام��ل ال�ل�غ��ة وم�ن�ه��ج ال�سيا�سة‬ ‫من ال�سكان‪ .‬وحتدث حتت هذا العنوان حاجات مت�شعبة واالقت�صاد‪.‬‬ ‫ملواجهة م�شاكل فرعية هي‪:‬‬ ‫وع��رب � ًّي��ا �أ��ص�ب�ح��ت ال ��دول جميعها‪ ،‬وب�ح�ك��م �ضعفها‬ ‫�ضغطا على قطاعات مق�سم ًة مر ًة �أخرى‪ ،‬ولكن يف هذه املرة‪ ،‬بني تيارات ع�سكرية‬ ‫ً‬ ‫�أ‪ -‬االنفجار ال�سكاين‪ :‬فهذا ي�شكل‬ ‫اخل��دم��ات‪ :‬ال�صحية والإداري � ��ة والتعليمية ك��ذل��ك‪� ،‬سيا�سية خمتلفة‪ ،‬تر�سم م�لام��ح ال�سيا�سة واالقت�صاد‬ ‫يرا �أم��ام برامج‬ ‫فتقل اخلدمة املقدمة ن�سب ًة �إل��ى املجموع‪ ،‬كما ت�سوء والتعليم‪ ،‬الأم��ر ال��ذي ي�شكل حت��د ًي��ا ك�ب� ً‬ ‫نوعية اخلدمة تلك نظ ًرا لعدم قدرة تلك امل�ؤ�س�سات التعليم ب�شكل عام‪� ،‬إذ كيف يتمكن التعليم على م�ستوى‬ ‫الوطن العربي من ا�ستخدام ا�سرتاتيجية تعليمية واحدة‪،‬‬ ‫على تلبية هذه احلاجات الكثرية‪.‬‬ ‫يف �ضوء التنوع من �أ�شكال التبعية‪ ،‬التي تظهر جل ًّيا يف‬ ‫ب‪ -‬ت �ل��وث ال �ب �ي �ئ��ة‪ :‬ك�ل�م��ا زاد ع ��دد ال �� �س �ك��ان‪ ،‬ك�ل�م��ا زاد عالقة ال��دول العربية وتلك ال��دول العظمى‪ ،‬فالأخرية‬ ‫اال��س�ت�ه�لاك م��ن امل ��واد ال�غ��ذائ�ي��ة وال���ص�ن��اع�ي��ة‪ ،‬وه��ذا تت�ضارب م�صاحلها‪ ،‬وكذلك �سيا�ساتها ومنها التعليمية‪،‬‬ ‫فائ�ضا يف املخلفات نتيجة ل��ذل��ك اال�ستهالك مما ينعك�س �سلباً على واقعنا العربي‪� ،‬إذ �سيكون احلمل‬ ‫ي��ول��د ً‬ ‫واال�ستخدام‪ ،‬ونظ ًرا لعدم قدرة برامج البنية التحتية ثقيلاً على املعلم العربي‪ ،‬املعني بر�سم خريطة ثقافية‬ ‫ع�ل��ى ا��س�ت�ي�ع��اب ال��زي��ادة امل�ت���س��ارع��ة يف ع��دد ال���س�ك��ان‪ ،‬عربية واح��دة‪ ،‬من �أج��ل ت�شكيل �شخ�صية عربية واح��دة‬ ‫وت�خ�ل�ف�ه��ا ع��ن م�ت�ط�ل�ب��ات ت�ل��ك ال ��زي ��ادة‪ ،‬ف� ��إن البيئة للطالب العربي �أينما ُوجد‪ .‬وهذا ما �سيكون عمله �أ�شبه‬ ‫العربية باتت تعاين نتيج ًة للفو�ضى يف امل�ساكن‪ ،‬وعدم بالنحت يف �صخر �صلد‪ ،‬خا�ص ًة يف وقتنا احلا�ضر‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪31‬‬


‫‪32‬‬

‫�إن الأم ��ر ج� ُّ�د خ�ط�ير‪� ،‬إذ الب��د م��ن ت�شكيل �أو �إع��ادة‬ ‫‪ -5‬الأمن الوطني والتهديدات اخلارجية‪:‬‬ ‫ت�شكيل الفكر ال�ع��رب��ي امل�سلم ال��واح��د‪ ،‬م��ن خ�لال ر�سم‬ ‫ٍ‬ ‫ومب�ضمون واح��د‪،‬‬ ‫ويف ظ��ل ح��ال��ة االن�ق���س��ام ال��وا��ض�ح��ة يف ال��وا��ض�ح��ة يف �سيا�سة واح��دة‪ ،‬تنفذ ب�أ�سلوبٍ واح� ٍ�د‬ ‫ال��وط��ن ال�ع��رب��ي‪� :‬سيا�س ًّيا واقت�صاد ًّيا واجتماع ًّيا‪ ،‬فقد عندها ميكن احلديث عن حلم عربي واحد‪.‬‬ ‫�أ�صبح الأمن الوطني ه ًّما قطر ًّيا‪ ،‬تبذل يف �سبيله كل دولة‬ ‫‪ -8‬امل�س�ألة الدميوقراطية وامل�شاركة اجلماهريية‪:‬‬ ‫عربية كل جهدها مبعزل عن �شقيقتها العربية‪ ،‬مما ينتج‬ ‫عنه تبعرث يف اجلهود الأمنية العربية‪ٍ ،‬‬ ‫وخلل يف ت�سمية‬ ‫ت�سعى ال�شعوب العربية لأن تكون طر ًفا يف معادلة‬ ‫ال�شقيق من الدول كالأجنبي الغريب‪ ،‬مما يتطلب نو ًعا‬ ‫املتبادلة‪ ،‬احلكم يف النظام العربي؛ وذلك لأنها باتت ت�شعر ب�أهمية‬ ‫من احلر�ص وع��دم الثقة يف النواحي الأمنية‬ ‫وتُبنى العالقات بكل �أنواعها وفقًا لهذه الر�ؤية‪ ،‬وطبيعي امل�شاركة اجلماهريية يف �صنع القرار ال�سيا�سي‪ ،‬وما يتبعه‬ ‫أي�ضا �أن يختلف م�سمى التهديدات اخلارجية ومعناه من قرارات‪.‬‬ ‫� ً‬ ‫عند ك��ل دول��ة عربية ع��ن الأخ ��رى‪ .‬وه�ن��اك تب ًعا لذلك‬ ‫�إن نظر ًة �إلى ال�سابق (من ال�شعب العربي) يدرك فيها‬ ‫ت�أتي �أنظمة التعليم خمتلف ًة �شكلاً وم�ضمونًا‪ .‬فالتحدي الإن�سان العربي امل��دى ال��ذي كانت متثله فكرة ال�شورى‬ ‫الذي يلحظ كيف نر�سم �سيا�سة تعليمية واحدة‪ ،‬ت�ستطيع م��ن تطبيق مل�ب��د�أ امل�شاركة اجلماهريية يف �صنع القرار‬ ‫حت��دي��د م�ف�ه��وم الأم� ��ن ال��وط�ن��ي ل�ك��ل دول ��ة مب �ع��زل عن العام بد ًءا من اختيار اخلليفة‪.‬‬ ‫ام� �ت ��داده ال �ع��رب��ي؟ وك �ي��ف ي�ت��م ال �ت�ع��ام��ل م��ع م�صطلح‬ ‫وحديثًا‪ ،‬ويف ظل تزايد الإحل��اح من قبل الدول التي‬ ‫ال�ت�ه��دي��دات اخل��ارج�ي��ة؟ ف ��أي خ��ارج��ي نق�صد؟ وم��ا هي‬ ‫مظاهر التهديد فيه؟ هذه الأ�سئلة وغريها تلقى �إجاب ًة تتبنّى النهج الدميوقراطي وت��ري��ده �سائ ًدا ب�ين جميع‬ ‫مت�ضارب ًة يف نظامنا التعليمي العربي‪ ،‬الأمر الذي ي�شكل ال ��دول‪ ،‬ف ��إن الكثري م��ن ال ��دول العربية مب��ا متثله من‬ ‫�أنظمة حكم خمتلفة‪ ،‬كلها متثل نظام الأ��س��رة احلاكمة‬ ‫عائقًا �أمام كل تقدم ممكن‪.‬‬ ‫الواحدة �أو احلزب الواحد‪� ،‬أ�صبحت تدرك �أهمية امل�شاركة‬ ‫‪ -6‬امل�س�ألة القومية الوحدوية‪:‬‬ ‫اجلماهريية ولو ب�صورة �شكلية‪.‬‬ ‫ب��ال��رغ��م م��ن تغلغل ال�ق�ط��ري��ة يف ال��وط��ن ال�ع��رب��ي‪،‬‬ ‫فظهرت الدميوقرطية كتح ٍّد �آخر من حتديات النظام‬ ‫وظهورها فك ًرا وممار�س ًة عند �أبناء الوطن العربي‪� ،‬إال �أن ال�ع��رب��ي ال �ع��ام‪ .‬ففي ظ��ل ال��دع��وة العاملية لتبني النظم‬ ‫مالمح االعتقاد بوحدوية الأمة العربية‪ ،‬وانتمائها �إلى الدميوقراطية‪ ،‬تكون ال��دول العربية من �أح��وج ال��دول‬ ‫مقومات واحدة من اللغة والدين وال�سيا�سة والتطلعات لتطبيقها‪ ،‬وهذا الأمر يعد حتد ًيا لأي نظام حكم �إذا طبق‬ ‫والآم��ال‪ ،‬كل ذلك مل ي�ستطع �أن يرقى �إل��ى ت�شكيل فكر ب�صورته احلقيقية‪� ،‬إذ ال معنى لوجود نظام حكم؛ لأن‬ ‫قومي ممار�س‪ :‬فك ًرا و�سلو ًكا‪ ،‬وكل ما كان يقف يف وجه ال�شعوب �إذا اختارت �ستختار �شكلاً �آخر من �أنظمة احلكم‬ ‫التعليم كوحدة واح��دة‪ً � ،‬‬ ‫أي�ضا ت�أتي ه��ذه امل�س�ألة لتلقي رمبا غري املوجود حال ًّيا‪.‬‬ ‫بظاللها كتح ٍّد �آخر لربامج التعليم العربي‪.‬‬ ‫فالدميوقراطية �إذا �أهملت �أ�صبحت مطل ًبا جماهري ًّيا‬ ‫‪ -7‬امل�س�ألة التعليمية‪:‬‬ ‫من الداخل ومطل ًبا دول ًّيا متثله ال��دول الدميوقراطية‬ ‫�إن اخ�ت�لاف منطلقات الرتبية العربية‪ ،‬و�أه��داف�ه��ا ومنها �أمريكا‪ .‬و�إذا طبقت ب�شكل حقيقي �أف��رزت تيارات‬ ‫و�أ�ساليبها وبراجمها وا�سرتاتيجياتها‪ ،‬وع��دم مالءمة حكم ال عهد للمنطقة مبثلها‪.‬‬ ‫ال�برام��ج يف ه��ذه ال��دول��ة مل��ا ه��و م�ط��روح يف ت�ل��ك‪ ،‬وع��دم‬ ‫وع �ل �ي��ه‪ ،‬ف� ��إن ال��دمي��وق��راط �ي��ة امل�ط�ب�ق��ة ح��ال � ًّي��ا منقو�صة‪،‬‬ ‫ارت�ب��اط ب��رام��ج التعليم ب�سوق العمل‪ ،‬ووج��ود اخللل يف وحمكومة برغبات الأنظمة‪ ،‬ويفرج عنها �شكلاً وتقي ُد م�ضمو ًنا‪.‬‬ ‫خم��رج��ات النظام التعليمي‪ ،‬وغ�ي��اب التعليم املهني‪� ،‬إذ‬ ‫وه��ذا الأم��ر �إن ط��رح �ضمن التعليم هد ًفا وحمت ًوى‬ ‫�أ�صبح هذا القطاع عبئًا على كاهل احلكومات وال�شعوب‬ ‫م ًعا‪� ،‬إذ كيف ي�ستطيع النظام التعليمي العربي وفق ر�ؤى و�أ�سلو ًبا و�سيا�سة‪ ،‬ف�إن التعليم العربي �س ُي�صاب ب�إ�شكالية‬ ‫�ضعيفة وبرامج حم��دودة‪ ،‬و�سيا�سات قا�صرة ومدخالت ك� �ب�ي�رة‪ ،‬ت �ن �ب��ع م ��ن ن �ق �ط��ة ت �ع��دد امل��رج �ع �ي��ات ال �ف �ك��ري��ة‬ ‫�ضعيفة ك��ذل��ك‪� ،‬أن يحقق نقلة نوعية فكرية وثقافية والأيديولوجية والعقدية يف الوطن العربي‪ ،‬التي تتفق‬ ‫وعلمية‪ ،‬ق��ادرة على ر�سم الإط��ار العام للأمة العربية‪ ،‬م��ع الأخ ��ذ مب�ب��د�أ ال��دمي��وق��راط�ي��ة �أو تختلف وف� ًق��ا لكل‬ ‫وتو�ضيح مالحمها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية‪ .‬منظور فكري‪.‬‬ ‫�إن املعلم العربي حمكوم ب�سيا�سات املناهج املختلفة‪،‬‬ ‫�أ��س�ل��و ًب��ا وت�شكيلاً و�أه ��دا ًف ��ا‪ ،‬وه��و ب��ذل��ك ال ي�ك��ون ق ��اد ًرا‬ ‫على مللمة �شتات الأم��ة با�ستخدام التعليم ك��أداة من هذا‬ ‫اجلانب‪ ،‬ويف ظل هذا التنوع من املناهج‪.‬‬

‫�إن ال ��دمي ��وق ��راط� �ي ��ة ال �ت �ع �ل �ي �م �ي��ة‪ ،‬ه� ��ي من� ��ط م��ن‬ ‫ال��دمي��وق��راط�ي��ة ال�سيا�سية �أو ام �ت��دا ٌد ل�ه��ا‪ ،‬وع�ل�ي��ه‪ ،‬ف��إن‬ ‫االلتزام بها يف هذ القطر �أو ذاك‪ ،‬ال ي�شكل فك ًرا جماع ًّيا‬ ‫عرب ًّيا واح ًدا‪.‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫رد شبهات‬

‫الفكر المتطرف‬ ‫د‪ .‬منذر زيتون‬ ‫�أ�ستاذ م�ساعد يف الفقه و�أ�صوله‬ ‫مل يكن التطرف �أو الغلو وار ًدا يف �أ�صول ال�شريعة وال‬ ‫يف مناهج تطبيقها مطلقًا‪ ،‬بل �إن الإ�سالم نبذ ذلك وحذر‬ ‫منه‪ ،‬فكيف �إذن‪ ،‬ي ّدعي بع�ض من اتّبع ذلك املنهج املكروه‬ ‫ �إنْ بالقول �أو بالفعل ‪� -‬أنه يطبق ن�صو�ص الإ�سالم �أو‬‫روح��ه؟! �إنه جهل كبري �أدى �إلى التلبي�س على النا�س ال‬ ‫�سيما العوام منهم‪ ،‬و�أدى �إل��ى ح�شد عاملي �ضد الإ�سالم‬ ‫يقوده كثري ممن �ص ّدق ذل��ك‪ ،‬واعتربه و�صمة يف جبني‬ ‫الدين و�أهله‪.‬‬ ‫انظروا �إلى قول اهلل تعالى يف القر�آن الكرمي ‪ -‬والذي‬ ‫جاء يحذر �أ�صحاب الر�ساالت ال�سماوية ال�سابقة من اتباع‬ ‫خ�صو�صا مع مرور وقت طويل على بعثات ر�سلهم‪،‬‬ ‫الغلو‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مما �أدى �إل��ى �إدخ��ال الت�شويه والتغيري يف عقول بع�ض‬ ‫وخ�صو�صا الذين ر�أوا �أن حمبة اهلل‬ ‫�أتباع تلك الر�ساالت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تعالى �أو حمبة ر�سله �أو كتبهم الكرمية ت�ستوجب املغاالة‬ ‫يف و�صفهم �أو التعبري عنهم ‪ .. -‬ق��ال تعالى‪َ ( :‬ي��ا �أَ ْه � َل‬

‫ا ْل ِكتَابِ ال َت ْغ ُلوا فيِ ِدي ِن ُك ْم َوال َتقُو ُلوا َعلَى اللهَّ ِ �إِ ّال الحْ َ قَّ )‬ ‫(‪ )77‬املائدة‪ .‬لقد قال بع�ضهم يف اهلل غري احلق مغاالة‪،‬‬ ‫ورف��ع مقام بع�ض الأن�ب�ي��اء �إل��ى ف��وق م�ستوى الب�شرية‬ ‫انت�صا ًرا لهم‪ ،‬فت�أ ّلى على اهلل تعالى مبا مل يقله‪ ،‬و�أخرج‬ ‫نف�سه من دائ��رة الإمي��ان التي ك��ان يدعى احلر�ص على‬ ‫�أنه يدور فيها‪ ،‬ويف ذلك يقول القر�آن الكرمي‪َ ( :‬و َقا َل ِت‬ ‫الل َو َق��ا َل� ِ�ت ال َن َّ�صا َرى امل َ ِ�سي ُح ا ْب��نُ هَّ ِ‬ ‫ال َي ُهو ُد ُع َز ْي ٌر ا ْب��نُ هَّ ِ‬ ‫الل‬ ‫َذ ِل َك َق ْو ُل ُهم ِب�أَ ْف َو ِاه ِه ْم ُي َ�ض ِاهئُو َن َق ْو َل ا َّل ِذينَ َك َف ُروا ِمن‬ ‫َق ْب ُل َقا َتلَ ُه ُم هَّ ُ‬ ‫الل �أَ َنّى ُي�ؤْ َفكُو َن (‪ )30‬التوبة‪.‬‬ ‫ثم ج��اءت �أق��وال عديدة عن النبي حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ت�ؤكد على ذات املعنى‪ ،‬وحت��ذر امل�ؤمنني من‬ ‫�سلوك نهج ه��ؤالء ال�سابقني يف املغاالة والتنطع‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫قوله �صلى اهلل عليه و�سلم يف احلديث ال�صحيح‪�" :‬إِ َّيا ُك ْم‬ ‫َوا ْل� ُغ� ُل� َّو فيِ ال� ِّ�دي��نِ ‪َ ،‬ف��إِ َّن� ُه َ�أ ْه�لَ� َ�ك َم��نْ َك��ا َن َق ْبلَ ُك ُم ا ْل ُغ ُل ُّو فيِ‬ ‫الدينِ "‪ .‬وم��ع ذل��ك‪� ،‬سلك البع�ض با�سم الإ��س�لام نف�س‬ ‫ِّ‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪33‬‬


‫النهج املغايل املتطرف يف و�صف بع�ض الب�شر ح ًّبا لهم‬ ‫�أو انت�صا ًرا لدعواتهم‪ ،‬ف�أخرجهم ذلك عن ال�سوية ونزع‬ ‫عنهم �صفة الإ� �س�لام‪ ،‬فقد رف��ع البع�ض ب�ش ًرا كعلي بن‬ ‫�أب��ي طالب ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬واحلاكم ب�أمر اهلل الفاطمي‪،‬‬ ‫واملريزا ح�سني علي النوري املازندراين‪ ،‬امللقب ببهاء اهلل‬ ‫وغريهم �إلى م�ستوى الإلهية‪.‬‬ ‫ال�ت�ط��رف منبوذ يف ال�ق��دمي ويف احل��ا��ض��ر‪ ،‬لأن��ه �ضد‬ ‫الو�سطية واحل��ق‪ ،‬والتط ّرف يف اللغة من الطرف‪ ،‬وهو‬ ‫ال�ن��اح�ي��ة م��ن ال���ش��يء‪ .‬ف�ي�ك��ون م�ع�ن��اه‪ :‬االب�ت�ع��اد ع��ن ل� ّ�ب‬ ‫ال�شيء وو�سطه‪ ،‬واالنحياز �إل��ى �أح��د طرفيه املتجه �إلى‬ ‫تك ّلف ال���ش� ّدة‪� ،‬أو املتجه �إل��ى ق�صد الت�ساهل والتحلل‬ ‫من امل�س�ؤولية‪ .‬وك�لا الأم��ري��ن يعترب جت��اوزًا وب�ع� ًدا عن‬ ‫االعتدال‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫�إذن؛ قد يكون الق�صد من التطرف يف الأ�صل لي�س نية‬ ‫ال�سوء �أو ق�صد ال�شر‪ ،‬و�إمنا يكون الدافع �أمر خري ك�إ�سداء‬ ‫احلب �أو الدعم ل�شخ�ص �أو �أم��ر ما‪ ،‬وقد يكون يف بع�ض‬ ‫الأمثلة التالية بيان عن كيف ميكن �أن يعرتي التطرف‬ ‫ت�صرفات خمتلفة ولو ظن �أ�صحابها �أنهم يح�سنون �صنعاً‪،‬‬ ‫فمث ً‬ ‫ال‪ :‬ي�ترك البع�ض الأم��ر امل�ب��اح �إل��ى درج��ة حترميه‬ ‫على �أنف�سهم على �سبيل املبالغة يف التدين وااللتزام فيما‬ ‫يعتربون �إتيانه ت�ساه ً‬ ‫ال من الغري‪ ،‬فيتنطعون يف الأحكام‬ ‫حر�صا من الدين وم��ن نبيه‪،‬‬ ‫والت�صرفات وك�أنهم �أ�شد ً‬ ‫فه�ؤالء حذرهم الر�سول الكرمي وق��ال لهم �إن الت�شديد‬ ‫على النف�س بهذه الطريقة ال يعترب ارتقاء للنفو�س وال‬ ‫انت�صاراً للدين‪ ،‬و�إمنا �سيكون �سبيلاً للهالك‪ ،‬لأن الإن�سان‬ ‫ذا طبيعة ب�شرية‪ ،‬له غرائزه من حب وكره و�شهوة ومتنٍّ ‪،‬‬ ‫وال �ت��ي ال ميكنه جتنبها واالن � ��زواء يف خ�ب��اي��ا احل��رم��ان‬ ‫واحلاجة دونها‪ ،‬فقال النبي عليه ال�صالة وال�سالم حمذ ًرا‬ ‫من م�صري ه�ؤالء‪َ " :‬هلَ َك المْ ُ َتن َِّط ُعونَ"‪ ..‬و�أعادها للت�أكيد‬ ‫ثال ًثا"‪ .‬رواه م�سلم‪ .‬وفيما ح��رم البع�ض على �أنف�سهم‬ ‫املباحات‪� ،‬ألزم فريق �آخر منهم �أنف�سهم مبا ال تطيق من‬ ‫الأعمال حتى مع ما فيها من م�شقة و�ضرر عليهم‪ ،‬منهم‬ ‫ه��ؤالء النفر الثالثة الذين ر�أوا �أنهم مق�صرون يف ذات‬ ‫اهلل ودينه‪ ،‬فاختاروا �أن ينقطعوا عن �أمور الدنيا‪ ،‬فح ّرم‬ ‫�أح��ده��م على نف�سه ال�ن��وم يف الليل لي�ستمر يف ال�صالة‬ ‫والطاعة‪ ،‬وح � ّرم �آخ��ر على نف�سه ال��زواج‪ ،‬و�أ�صر على �أن‬ ‫يبقى ع��از ًب��ا متب ّتلاً حتى ال ي�شغله الأم��ر ع��ن العبادة‪،‬‬ ‫وح ّرم الثالث على نف�سه الأكل والطعام يف النهار ليبقى‬ ‫�صائ ًما‪ ،‬ومل��ا علم ر�سولهم الكرمي عن نواياهم املت�شددة‬ ‫�أنكر عليهم‪ ،‬وقال لهم‪" :‬واهلل �إين لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم‬ ‫له‪ ،‬لكني �أ�صوم و�أفطر و�أ�صلي و�أرقد و�أتزوج الن�ساء‪ ،‬فمن‬ ‫رغ��ب ع��ن �سنتي فلي�س مني"‪ ،‬رواه ال�ب�خ��اري‪ .‬وق��ال يف‬ ‫حديث �آخر‪َ " :‬علَ ْي ُك ْم ِمنَ الأَ ْع َم ِال َما ت ُِطيقُونَ" ال�شيخان‪،‬‬ ‫وذلك حتى ميكن املداومة عليها‪.‬‬

‫وم��ن قبيل ذل��ك ال�ت�ط��رف ال�ت���ش��دد؛ ان�ت���ص��ا ًرا لعرق‬ ‫�أو طائفة‪� ،‬أو جن�سية �أو نحو ذل��ك‪ ،‬وه��و ما �سماه النبي‬ ‫ال�ك��رمي عليه ال�صالة وال���س�لام ب��أن��ه ع�صبية‪ ،‬وق��ال �إن‬ ‫الع�صبية لي�ست م��ن الإمي ��ان وو�صفها ب�أنها �شر يلوث‬ ‫�صاحبه بالننت‪ ،‬فقال‪" :‬لي�س منّا من دعا �إل��ى ع�صبية‪،‬‬ ‫ولي�س منّا م��ن قاتل على ع�صبية‪ ،‬ولي�س منّا م��ن مات‬ ‫على ع�صبية" م�سلم‪ .‬ثم قال عنها‪" :‬دعوها ف�إنها منتنة"‬ ‫البخاري‪.‬‬ ‫امل�شكلة ال �ك�برى يف ال�ت�ط��رف �أن ��ه ال ي�ق��ف ع�ن��د ح��د‪،‬‬ ‫ف�إن كان هو يف الأ�صل ين�ش�أ من قبيل املنا�صرة والإ�سناد‬ ‫لأ�شخا�ص �أو مواقف �أو �أ�شياء‪ ،‬ف�إنه بال�ضرورة ي�صبح‬ ‫وحمر�ضا �ضد من ال يتفق معه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫من نف�س الباب معاد ًيا‬ ‫فيتحول �إل��ى كراهية وم�ك��اي��دة‪ ،‬وم��ن هنا ت�ب��د�أ امل�صيبة‬ ‫ال�ك�برى‪ ،‬لأن الإن�سان مبجرد �أن ي�سمح لقلبه �أن يفتح‬ ‫�أبوابه حل�س الكراهية‪ ،‬ف�إنه يتحول �إلى خ�صم مبني‪ ،‬يبد�أ‬ ‫بخ�صومته من حيث ال�شعور ال�سلبي‪ ،‬ثم الكالم املثري‪،‬‬ ‫ثم املواجهة‪ ،‬و�إن قامت املواجهة‪ ،‬فهي لن تقف عند حد‬ ‫ما‪ ،‬فاملواجهة بالل�سان �ستكون طريقًا ممهدة للمواجهة‬ ‫بالأبدان‪ ،‬وحينها �سوف يتقوى كل طرف بكل ما ي�ستطيع‬ ‫من �أ�سباب املواجهة التي يظن �أنها حتقق له االنت�صار‬ ‫حتى ول��و جنح �إل��ى حيث الق�ضاء على غ�ي�ره‪ ،‬وه��ذا ما‬ ‫مي�ك��ن �أن يف�سر ل�ن��ا ك�ي��ف يقتل ال�ن��ا���س ال �ي��وم بع�ضهم‪،‬‬ ‫با�سم ال��دي��ن‪ ،‬وب�ه��دف االنت�صار ل��ه‪ ،‬ي�سمح بع�ضهم �أن‬ ‫يفني الآخ��ر‪ ،‬ويهون عليه اتباع كل الو�سائل التي ت�ؤدي‬ ‫�إل��ى الق�ضاء على خمالفيه ول��و كانت نف�سه بالأ�صل ال‬ ‫ت�ست�سيغها وال تطيقها‪ ،‬ولكنه يندفع �إليها ويعمل بها‬ ‫حتت �ستار جهله الكبري الذي يظن �أن �سيو�صله �إلى �آخرة‬ ‫فيها جنان زاخرة بالنعم‪.‬‬ ‫من ذلك‪ ،‬فهمنا كيف يقدم بع�ض من يعترب نف�سه تق ًّيا‬ ‫ور ًعا بقتل �آخر من بني جن�سه ودينه وجن�سيته‪ ،‬ويح�سب‬ ‫نف�سه �إ ّب��ان ذلك يف قمة العبادة والطاعة هلل‪ .‬ومن ذلك‬ ‫عرفنا كيف يلب�س ال�شيطان ث��وب املالئكية‪ ،‬ويزعم �أنه‬ ‫�صاحب ر�سالة �سوية‪.‬‬ ‫�أ�صل ال�شرور‪� ،‬أن يرى الإن�سان نف�سه �أح�سن من غريه‪،‬‬ ‫عندها ي�ست�سيغ اال�ستعالء على الآخرين‪ ،‬و�سيعترب نف�سه‬ ‫فوق اجلميع‪ ،‬في�سقطه كربه �إلى احل�ضي�ض‪ ،‬ولقد كان‬ ‫يف �إبلي�س ق�صة خ ّلدها القر�آن الكرمي تعلي ًما وتوجي ًها‬ ‫للنا�س‪ ،‬ف�إبلي�س العابد �أوحت له نف�سه �أنه خري من املالئكة‬ ‫فا�ستعلى عليهم‪ ،‬ثم ا�ستعلى على ربه الأعلى‪ ،‬فقال عن‬ ‫�آدم فيما يرويه القر�آن الكرمي‪�( :‬أنا خري منه)‪ ،‬فغ�ضب‬ ‫اهلل عليه و�أحط قدره‪ ،‬ثم لعنه وطرده من رحمته‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬ومن هذا الباب‪ ،‬اعترب الإ�سالم �أنّ من ر�أى‬ ‫ربا �صاحب ه��وى نف�س‪،‬‬ ‫نف�سه خ� ً‬ ‫يرا م��ن الآخ��ري��ن متك ً‬


‫و�أنه �س ُيحرم من اجلنة التي ي ّدعي �أنه ي�سعى �إليها‪ ،‬متا ًما‬ ‫كما ح�صل مع �إبلي�س ال�شيطان؛ لأن ذلك الكرب مدخل‬ ‫ين�صب الإن�سان نف�سه قا�ض ًيا مينح نف�سه حق احلكم‪،‬‬ ‫لأن ِّ‬ ‫فيق�ضي على غريه بالفناء ويق�ضي بالبقاء‪ ،‬قال النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ال َي ْدخُ ُل الجْ َ َّن َة َمنْ َكا َن فيِ َق ْل ِب ِه‬ ‫ِم ْثق ُ‬ ‫َال َذ َّر ٍة ِمنْ ِكبرْ ٍ"‪ ،‬رواه م�سلم‪.‬‬ ‫عندما يقود الإن�سان نف�سه وفق هواه‪ ،‬فيزين لنف�سه‬ ‫ما يريد كيفما يريد‪ ،‬يكون قد �ضل و�أ��ض��ل‪ ،‬وال�ضال ال‬ ‫حمالة �سينتهي �إلى الف�شل‪ ،‬وقد دعانا اهلل تعالى �إلى �أن‬ ‫ننظر يف مثل ذلك فقال‪�( :‬أف��ر�أي��ت من اتخذ �إلهه هواه‬ ‫و�أ�ضله اهلل على علم وختم على �سمعه وقلبه وجعل على‬ ‫ب�صره غ�شاوة فمن يهديه من بعد اهلل �أف�لا تذكرون)‪.‬‬ ‫(‪ )23‬اجلاثية‬ ‫عندما فتح نبينا الكرمي عليه ال�صالة وال�سالم مكة‪،‬‬ ‫خطب خطبة جمع فيها كل املبادئ واحلكم‪ ،‬وبينّ فيها ما‬ ‫يجب على النا�س �أن يعلموه ويلتزموه‪ ،‬فكان مما قاله‪:‬‬ ‫"يا مع�شر قري�ش‪� ،‬إن اهلل قد �أذهب عنكم نخوة اجلاهلية‬ ‫وتعظمها ب��الآب��اء‪ ،‬النا�س م��ن �آدم و�آدم م��ن تراب"‪ ،‬ويف‬ ‫رواي ��ة‪" :‬يا �أي �ه��ا ال�ن��ا���س �إن اهلل ق��د �أذه ��ب عنكم عُبِّي َّـة‬ ‫(الكرب) اجلاهلية وتعاظمها ب�آبائها‪ ،‬والنا�س رجالن ب ٌّر‬ ‫�شقي هني على اهلل‪ ،‬والنا�س‬ ‫تقي كرمي على اهلل‪ ،‬وفاجر ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫بنو �آدم وخلق اهلل �آدم من تراب‪ ،‬ثم قر�أ قوله تعالى‪َ ( :‬يا‬ ‫�أَ ُّيها ال َّناُ�س �إِ َّناَ خلَق َناُ ْكم ْمن َذ ٍك َر و ُ�أن َثى َو َج ْعل َناُ ْكم �شُ عوباً‬ ‫هلل �أَت َقاُ ْكم �إِن َ‬ ‫و َق َبا ِئل ِلتَعاَر ُفوا ّ�إَن �أَك َر ُمك ِْم ْع َن َد ا ِ‬ ‫اهلل ع ِل ٌيم‬ ‫ّ‬ ‫خبِي")‪� (13( .‬سورة احلجرات‪.‬‬

‫�إن��ه �إق ��رار ت��ام ب��ال�ك��رام��ة لبني �آدم‪ ،‬ك��ل بني �آدم‪ ،‬ثم‬ ‫�إق��رار باحلقوق‪ ،‬ال فرق بني �إن�سان و�إن�سان‪ ،‬ال بلونه وال‬ ‫بعرقه‪ ،‬وال بدينه وال بجن�سه‪ ،‬و�إن كان ثمة فرق فهو يف‬ ‫مدى قرب النا�س لربهم‪ ،‬ف�أقربهم �إلى اهلل تعالى �أ�شدهم‬ ‫�إمي��ا ًن��ا‪ ،‬وم��ع ذل��ك‪ ،‬ف ��إن عليهم �أن ي�سلكوا م��ع بع�ضهم‬ ‫ال�سلوك احل�سن القائم على ال�ت�ع��ارف وال�ت�ع��اون‪ ،‬فاهلل‬ ‫خلق النا�س �شعوباً وقبائل ليتعارفوا‪ ،‬وخلقهم خمتلفني‬ ‫وهو �أعلم مبا خلق‪ ،‬وجعل االختالف �سنة دائمة‪ ،‬وبينّ �أن‬ ‫النا�س لن يلتقوا على كل �شيء و�أنهم �سيبقوا خمتلفني‪،‬‬ ‫ول��ذل��ك‪ ،‬ح ّبب �إليهم التعارف ال التنافر‪ ،‬ول��و �شاء اهلل‬ ‫تعالى جلعل النا�س �أم��ة واح��دة متفقني متوافقني من‬ ‫غري اختالف وال تباين‪ ،‬ولكنه ق� ّدر غري ذل��ك من �أجل‬ ‫ّا�س‬ ‫�أن ميتحنهم‪ ،‬فقال �سبحانه‪َ ( :‬و َل ْو �شَ اء َر ُّب َك لجَ َ َع َل ال َن َ‬ ‫ني �إِ َّال َمن َّر ِح َم َر ُّب َك َو ِل َذ ِل َك‬ ‫�أُ َّم ًة َو ِاح َد ًة َو َال َيزَا ُلو َن مخُ ْ َت ِل ِف َ‬ ‫خَ لَ َق ُه ْم َوتمَ َ ّْت َك ِل َم ُة َر ِّب َك لأَ ْملأ َّن َج َه َّن َم ِمنَ الجْ ِ َّن ِة َوال َن ِ‬ ‫ّا�س‬ ‫ني (‪ )119 ،118‬ه��ود‪ .‬ثم جعل ربنا تبارك وتعالى‬ ‫�أَ ْج َم ِع َ‬ ‫ال�سلم وامل�ساملة ب�ين النا�س‪ ،‬ونهى ع��ن امل �ع��اداة‪ ،‬فقال يف‬ ‫�أك�ث�ر م��ن �آي��ة ك��رمي��ة (وال ت�ع�ت��دوا)‪ ،‬و�أم ��ر ب��اح�ترام كل‬ ‫م�سامل ال يعتدي و�إن كان خمتلف الدين �أو املذهب‪ ،‬فقال‬ ‫تعالى‪ :‬اَ‬ ‫(ل َي ْن َها ُك ُم اللهَّ ُ َعنِ ا َّل ِذينَ لمَ ْ ُيقَا ِت ُلو ُك ْم فيِ ال ِّدينِ‬ ‫وه ْم َو ُتق ِْ�س ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن‬ ‫َولمَ ْ ُيخْ ر ُِجو ُك ْم ِمنْ ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َتبرَ ُّ ُ‬ ‫ني (‪ )60‬املمتحنة‪.‬‬ ‫اللهَّ َ ُي ِح ُّب المْ ُق ِْ�س ِط َ‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪35‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫الخطاب الديني المعتدل‬

‫ودوره في ترسيخ األمن واالستقرار المجتمعي‬

‫الشيخ عامر اجبير فالح النمراوي‬ ‫رئي�س جتمع علماء االعتدال يف العراق و�إمام وخطيب‬ ‫جامع القوي الأمني‬ ‫‪1438‬هـ ‪2017 -‬م‬ ‫‪36‬‬

‫ور�ص‬ ‫مقدمة‬ ‫يف الدين‪ ،‬الداعي �إل��ى حترير الإرادة الوطنية‪ّ ،‬‬ ‫ال���ص�ف��وف مل��واج�ه��ة خ�ط��ر تغييب ال�ه��وي��ة الإ��س�لام�ي��ة‬ ‫ُيعترب اخلطاب الديني ر�سال ًة تنويري ًة‪ ،‬تهدف �إلى والوطنية يف الأجيال القادمة من �أبنائنا‪.‬‬ ‫بناء العقول وتر�شيد ال�سلوك‪ .‬وت�ستمد هذه الر�سالة‬ ‫ولبيان �أهمية اخلطاب الديني يف عملية بناء املجتمع‬ ‫�شرعيتها من ن�صو�ص القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‬ ‫العطرة‪ ،‬وتتخذ من الو�سائل ال�شرعية املتاحة طريقًا الإ�سالمي؛ �أتقدم بهذه املحاور راج ًيا من اهلل تعالى يل‬ ‫لن�شر كلمة اهلل ال��داع �ي��ة للمحبة وال �� �س�لام واخل�ير ولل ُق ّراء الكرام التوفيق وال�سداد خدمة لديننا العظيم‬ ‫ووطننا احلبيب‪.‬‬ ‫للب�شرية جمعاء‪ ،‬وللم�سلمني على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫ونحن اليوم �إذ نعي�ش مرحل ًة خطري ًة من تاريخ‬ ‫الأم��ة اال�سالمية؛ حيث الأط �م��اع اال�ستعمارية التي‬ ‫ع� ��ادت ل�ل�ظ�ه��ور م��ن خ�ل�ال ت���س�ل��ط ال � ��دول ال�ع�ظ�م��ى‪،‬‬ ‫وتدخلها ال�سافر يف �أوطاننا‪ ،‬وظهور احلركات املتطرفة‬ ‫أم�س احلاجة‬ ‫التي �شوهت الدين‪ ،‬و�أف�سدت الأوط��ان ب� ّ‬ ‫لبيان اخل�ط��اب ال�شرعي الو�سطي البعيد ع��ن الغلو‬

‫و�س�أجعل حماور هذه الورقة املتوا�ضعة لبيان‪:‬‬ ‫� اً‬ ‫أول‪ :‬مفهوم اخلطاب الديني‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬عقبات وم�شكالت تواجه اخلطاب الديني املن�شود‪.‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬حماور اخلطاب الديني املطلوب يف املرحلة احلالية‪.‬‬


‫�أولاً ‪ :‬مفهوم اخلطاب الديني‬

‫ال�سني)‪ ،‬والتي يت�صدى للوعظ فيها �أ�شخا�ص غري‬ ‫م�ؤهلني علم ًّيا‪� ،‬أو �أ�شخا�ص مت�أثرون بالفكر املنحرف‬ ‫للجماعات التكفريية‪.‬‬

‫ل�سنا بحاجة لبيان املعاين اللغوية لكلمة (اخلطاب‬ ‫الديني)‪ ،‬وذكر احل��دود والتعريفات وفق قوانني املنطق‬ ‫املعهودة‪ ،‬فالق�صد هو بيان املفهوم املتداول بني الأو�ساط ‪ -2‬جهل بع�ض �أهل الفتوى من العلماء بالواقع ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫ووقوعهم حتت ت�أثري املواقف ال�سيا�سية االرجتالية‪،‬‬ ‫ال�شعبية والر�سمية‪ ،‬والذي ميكن حتديده مبا ي�أتي‪:‬‬ ‫وعملية الت�ضليل التي متار�س بحقهم من قبل بع�ض‬ ‫اخل�ط��اب ال��دي�ن��ي‪ :‬ه��و ال��دع��وة والإر� �ش��اد م��ن خالل ال�سيا�سيني‪ ،‬مما يجعل خطابهم قا�ص ًرا وغري دقيق‪،‬‬ ‫اخلطب‪ ،‬واملواعظ‪ ،‬والدرو�س التي تلقى يف امل�ساجد‪ ،‬ومن وال يلبي حاجة املرحلة التي مير بها البلد‪.‬‬ ‫خ�لال و�سائل الإع�ل�ام‪ ،‬وه��و كذلك ما ي�صدر عن علماء‬ ‫ال��دي��ن م��ن �أق ��وال �أو ن�صائح‪� ،‬أو م��واق��ف �سيا�سية جتاه ‪ -3‬الرتويج الإعالمي لبع�ض املتم�شيخني الذين لي�س‬ ‫لهم باع يف العلم ال�شرعي‪ ،‬وحماولة الإعالم ب�أ�شكاله‬ ‫م�ستجدات الع�صر‪ ،‬ويكون م�ستندهم فيها �إلى الدين‪.‬‬ ‫امل�خ�ت�ل�ف��ة �أن ي���ص�ن��ع م�ن�ه��م دع � ��اة‪ ،‬وم �ف �ت�ين‪ ،‬وق� ��ادة‪،‬‬ ‫من خالل هذا التعريف‪ ،‬ميكننا تق�سيم �أنواع اخلطاب والت�سويق الإعالمي لكالمهم وفتاواهم دون متحي�ص‬ ‫الديني املعهود يف جمتمعنا بح�سب نوع الت�أثري‪:‬‬ ‫علمي‪ ،‬مم��ا ي�سبب �إرب��ا ًك��ا عند ع�م��وم ال�ن��ا���س؛ لعدم‬ ‫أول‪ :‬اخل �ط��اب ال��دي�ن��ي امل��رت�ك��ز ع�ل��ى قد�سية امل�ك��ان قدرتهم على متحي�ص من هو �أهل للفتوى والوعظ‬ ‫� اً‬ ‫من غريه‪.‬‬ ‫(اجلوامع وامل�ساجد والتكايا)‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬اخلطاب الديني املرتكز على قد�سية الأ�شخا�ص ‪ -4‬م�شكلة ال�سخط ال�شعبي الناقم من جتربة املظاهرات‬ ‫واالع �ت �� �ص��ام��ات ال �ت��ي ح��دث��ت � �س��اب � ًق��ا يف امل�ح��اف�ظ��ات‬ ‫(�أهل الفتوى من العلماء املعا�صرين)‪.‬‬ ‫ال�سنية‪ ،‬والتي كان املت�صدر فيها طلبة العلم وامل�شايخ‪،‬‬ ‫ث��ال� ًث��ا‪ :‬اخل�ط��اب الديني املرتكز على �سعة االنت�شار والتي �أعقبها هذا الدمار ال�شامل للمحافظات‪ ،‬مما‬ ‫(اخلطاب امل�ستثمر لو�سائل الإعالم املعا�صرة)‪.‬‬ ‫جعل البع�ض ُيح ّمل امل�شايخ والعلماء نتيجة ما ح�صل‪،‬‬ ‫و�أ��ص�ب��ح اع�ترا��ض��ه موج ًها للخطاب الديني ب�صورة‬ ‫وم��ن خ�لال ه��ذا التق�سيم‪ ،‬يكون انطالقنا لتحديد‬ ‫الهفوات ع��ام��ة‪ ،‬دون تفريق ب�ين اخل�ط��اب املعتدل املطلوب يف‬ ‫مكامن اخل�ل��ل يف اخل�ط��اب ال��دي�ن��ي‪ ،‬وم�ع��اجل��ة‬ ‫املجتمع من املرحلة الراهنة‪ ،‬وبني اخلطاب املت�شنج ال��ذي ي�سعى‬ ‫التي ن�ش�أ ب�سببها الغلو والتطرف‪ ،‬وحت�صني‬ ‫اجلميع للخال�ص منه‪.‬‬ ‫االنحدار مرة �أخرى لهذا الدرك اخلطري‪.‬‬ ‫هذه باخت�صار �أهم عقبات اخلطاب الديني يف املرحلة‬ ‫ثان ًيا‪ :‬العقبات وامل�شاكل التي تواجه اخلطاب الديني الراهنة‪ ،‬وال يخفى على �أح��د �أن عالج كل م�شكلة يكون‬ ‫�إن اخل�ط��اب الديني املن�شود ه��و اخل�ط��اب املت�سامح‪ ،‬بتحقيق نقي�ضها‪ ،‬والعمل بعك�سها‪.‬‬ ‫ال�ه��ادف لبناء املجتمع‪ ،‬امل��راع��ي لطبيعة ال��زم��ان واملكان‬ ‫ف�ع�لاج امل�شكلة الأول ��ى‪ :‬ي�ب��د�أ بتقوية دور امل�ؤ�س�سة‬ ‫وحتديات الع�صر‪ ،‬البعيد كل البعد عن الغلو يف الأفكار‬ ‫وال�ع�ن��ف يف ال���س�ل��وك‪ ،‬وه ��ذا اخل �ط��اب‪ ،‬ه��و ال�غ��اي��ة التي الدينية الر�سمية كــ (دي ��وان ال��وق��ف ال���س�ن��ي)‪ ،‬و�إح�ك��ام‬ ‫ين�شدها جميع العاملني يف امل�ؤ�س�سات الدينية العلمية الرقابة على امل�ساجد واجل��وام��ع‪ ،‬ومنع �أي �شخ�ص من‬ ‫منها وال��دع��وي��ة‪ ،‬ولأج�ل�ه��ا ع�ق��دت امل ��ؤمت��رات وال �ن��دوات‪ ،‬اعتالء املنابر دون موافقة ر�سمية‪ ،‬كذلك الت�أكيد على‬ ‫الكفاءة العلمية للمت�صدرين للوعظ والإر�شاد‪ ،‬و�إدخ��ال‬ ‫وكتبت البحوث واملقاالت‪.‬‬ ‫ذوي الوظائف الدينية دورات متعددة لتح�سني �أدائهم‬ ‫�إال �أن هذا اخلطاب يواجه عقبات متعددة حتول بينه الوظيفي‪.‬‬ ‫وبني حتقيق �أهدافه‪ ،‬ميكن حتديد بع�ضها من خالل ما‬ ‫وع�لاج امل�شكلة الثانية‪ :‬يكون بالتوا�صل امل�ستمر مع‬ ‫قدمته قبل قليل يف تعريف اخلطاب الديني‪� ،‬إ�ضافة ملا‬ ‫ميكن ت�شخي�صه من خالل درا�سة الواقع الذي منر به‪� ،‬أهل العلم والفتوى من م�شايخنا الأفا�ضل‪ ،‬واطالعهم‬ ‫على كل جديد من الأحداث واملواقف؛ كيال يقعوا �ضحية‬ ‫وهي باخت�صار‪:‬‬ ‫التمويه الإعالمي وال�سيا�سي جلهات تنتفع من الفو�ضى‬ ‫‪ -1‬امل�ؤ�س�سات الدينية غري املن�ضبطة ب�ضوابط ر�سمية‪ :‬وع ��دم اال� �س �ت �ق��رار‪ ،‬تعمل دائ � ًم��ا م��ن �أج ��ل ح�ج��ب املفتي‬ ‫وه��ي‪ :‬امل�ساجد‪ ،‬واجلوامع‪ ،‬والتكايا التي تن�ش�أ بعي ًدا والعامل عن احلقائق والتفا�صيل التي لو اطلع عليها هذا‬ ‫عن رقابة امل�ؤ�س�سة الر�سمية املخت�صة كـــ (ديوان الوقف العامل املفتي لكان موقفه مغاي ًرا ملا يطلبونه‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪37‬‬


‫هذا التوا�صل م�س�ؤولية احلكومة‬ ‫املحلية‪ ،‬وم�س�ؤولية امل�ؤ�س�سة الدينية‬ ‫الر�سمية كــ (ديوان الوقف ال�سني)؛‬ ‫حتى تتك�سر احلواجز الوهمية املانعة‬ ‫م��ن ت��وا��ص��ل ال�ع�ل�م��اء م��ع القائمني‬ ‫على العملية ال�سيا�سية يف املحافظة‪.‬‬ ‫ك �م��ا ي �ج��ب ال �ع �م��ل ع �ل��ى دع ��وة‬ ‫ال� �ع� �ل� �م ��اء ل � �ل � �ع� ��ودة �إل � � � ��ى م��دن �ه��م‬ ‫وم� ��� �س ��اج ��ده ��م‪ ،‬وت� ��وف �ي�ر احل �م��اي��ة‬ ‫ال�ك��اف�ي��ة ل �ه��م‪ ،‬وال�ع�م��ل ع�ل��ى تذليل‬ ‫كل العقبات التي حتول بينهم وبني‬ ‫�أداء ر�سالتهم العلمية‪ ،‬وبذلك نكون‬ ‫ق ��د ق �ط �ع �ن��ا ال� �ط ��ري ��ق ع �ل��ى ب�ع����ض‬ ‫ال�سيا�سيني الذين يحاولون ت�ضليل‬ ‫�أه ��ل ال �ف �ت��وى م��ن ال�ع�ل�م��اء حتقيقًا‬ ‫مل�شاريعهم‪.‬‬ ‫�أم��ا ع�لاج امل�شكلة الثالثة‪ :‬فيكون با�ستثمار الإع�لام‬ ‫والو�سائل احلديثة لإي�صال اخل�ط��اب الديني جلمهور‬ ‫امل ��واط �ن�ي�ن‪ ،‬وت �ع��ري �ف �ه��م ب ��أ� �ش �خ��ا���ص ال ��دع ��اة وال�ع�ل�م��اء‬ ‫الثقات‪ ،‬وحتذيرهم ممن هو دخيل على ال�ساحة العلمية‬ ‫وال��دع��وي��ة‪ ،‬وتنبيه النا�س �إل��ى ع��دم االغ�ت�رار بالألقاب‬ ‫والت�سميات اجلوفاء‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫تبقى لدينا �أه��م امل�شاكل – من وجهة نظري – هي‬ ‫امل�شكلة الرابعة‪ :‬وهي حالة التذمر احلا�صل عند بع�ض‬ ‫النا�س من رجال الدين‪ ،‬وهي م�شكلة حقيقية‪ ،‬حتتاج �إلى‬ ‫وقت لي�س بالقليل ملعاجلتها‪ ،‬لكن ن�ستطيع التقليل من‬ ‫وط�أتها؛ ب�إبعاد ال�شخ�صيات املثرية للجدل عن �صدارة‬ ‫امل�شهد الدعوي‪ ،‬والبحث عن وجوه جديدة تكون م�ؤهلة‬ ‫للوعظ والإر�شاد الديني‪.‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬حماور اخلطاب الديني املطلوب يف املرحلة احلالية‬

‫وال �ع �ف��اف‪ ،‬وال���ش�ج��اع��ة‪ ،‬وال���س�خ��اء‪ ،‬وال �ع��زة‪ ،‬وال�ت��وا��ض��ع‪،‬‬ ‫ريا‬ ‫واحلياء‪ ،‬وغري ذلك من الأخ�لاق‪ ،‬ي�سهم �إ�سها ًما كب ً‬ ‫يف خلق املجتمع ال��واع��ي املتكاتف الفا�ضل‪ ،‬البعيد عن‬ ‫الأمرا�ض الأخالقية‪ .‬فالأخالق الإ�سالمية‪ ،‬ينبوع رحمة‬ ‫يو�صل �إلى الف�ضيلة‪ ،‬مما يثمر �سعادة عامة �شاملة لكل‬ ‫�أبناء املجتمعات‪ ،‬لذا‪ ،‬وجب الرتكيز يف اخلطب والدرو�س‬ ‫على ق�ضية الأخ�لاق‪ ،‬والتعامل الأخالقي املطلوب بني‬ ‫النا�س‪.‬‬ ‫‪ -2‬تر�سيخ االنتماء الوطني‪ :‬ف��إن ال�شعور باالنتماء‬ ‫ل�ل��وط��ن م��ن �أه ��م ال��دع��ائ��م ال�ت��ي حت��اف��ظ ع�ل��ى ا�ستقرار‬ ‫الأوطان ومنوها‪ ،‬وهو يعني امل�شاركة الإيجابية يف �أن�شطة‬ ‫املجتمع‪ ،‬والدفاع عن م�صالح الوطن‪ ،‬وال�شعور بالفخر‬ ‫واالعتزاز به‪ ،‬وتر�سيخ هذا االنتماء يكون من خالل بيان‬ ‫ميا‬ ‫مكانة الأوط� ��ان يف الإ� �س�ل�ام‪ ،‬وح��ر���ص امل�سلمني قد ً‬ ‫وحديثًا على خدمة وحماية �أوطانهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬اح �ت�رام ث�ق��اف��ة الآخ� ��ر‪ ،‬والإمي � ��ان ب�سنة ال�ت�ن��وع‪،‬‬ ‫وثقافة التعدد‪ :‬فديننا احلنيف يقبل ثقافة االختالف‪،‬‬ ‫والدعوة �إلى �سبيل اهلل تكون باحلكمة واملوعظة احل�سنة‪،‬‬ ‫�أو املجادلة بالتي هي �أح�سن‪ ،‬بعي ًدا عن التع�سف وت�سفيه‬ ‫�آراء الآخرين‪.‬‬

‫لغر�ض حتقيق ال�ه��دف امل��رج��و م��ن تر�شيد اخلطاب‬ ‫الديني‪ ،‬البد من و�ضع خطوات عملية ت�سهم يف حتقيق‬ ‫الأم��ن وال�سلم االجتماعي‪ ،‬ه��ذه اخل�ط��وات تنح�صر يف‬ ‫بدايتها مبادة الوعظ والإر�شاد املطروح يف ال�ساحة‪ ،‬فالبد‬ ‫من جتديد اخلطاب الديني �أ�سلو ًبا ومادة‪ ،‬والرتكيز على‬ ‫‪ -4‬تعظيم حرمة املال العام‪ :‬ف�إن من �أخطر الق�ضايا‬ ‫بع�ض الأم��ور املرتبطة ب�أمن املجتمع‪ ،‬واالبتعاد عن كل التي تهدد الأم��ن االجتماعي واالقت�صادي وال�سيا�سي‪،‬‬ ‫ما ي�سهم يف تفتيت الن�سيج املجتمعي‪ ،‬ولعل �أهم ما يجب االعتداء على املال العام‪ ،‬والتي �أخذت �صو ًرا �شتَّى منها‪:‬‬ ‫الرتكيز عليه حال ًّيا‪:‬‬ ‫ال�سرقات‪ ،‬والر�شوة‪ ،‬والغ�ش‪ ،‬وخيانة الأمانة‪ ،‬واالختال�س‪،‬‬ ‫‪ -1‬تر�سيخ القيم الأخ�لاق�ي��ة وال�سلوكية ب�ين �أف��راد فالبد من حماربة االعتداء على امل��ال العام‪ ،‬وممتلكات‬ ‫امل�ج�ت�م��ع‪ :‬ف� ��إن ر� �س��وخ ال�ق�ي��م الأخ�لاق �ي��ة الأ��ص�ي�ل��ة من ال��دول��ة‪ ،‬وح��ثّ ال�ن��ا���س على حماية م��ا ب�ين �أي��دي�ه��م من‬ ‫ال�صدق‪ ،‬والأمانة‪ ،‬والوفاء‪ ،‬والعدل‪ ،‬والإح�سان‪ ،‬والرحمة‪ ،‬امل�ؤ�س�سات الر�سمية‪.‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫الوسطية‬ ‫في العقيدة‬

‫الدكتور عدنان حسونة‬

‫ال �شك �أن الغلو وامل �غ��االة يف العقيدة‪ ،‬ه��ي مر�ض‬ ‫خ�ط�ير‪ ،‬وه��ي حم��رم��ة ��ش��ر ًع��ا؛ لأن�ه��ا ت ��ؤدي �إل��ى نتائج‬ ‫�سيئة على الفرد واملجتمع والأم��ة‪ ،‬و�أي غلو �أو مغاالة‬ ‫يف االع�ت�ق��اد‪ ،‬يرتتب عليها غلو وم�غ��االة يف العبادات‪،‬‬ ‫حيث ي�صرفها عن حقيقتها و�أ�صالتها التي �أرادها اهلل‬ ‫وي� � ��وازن امل �ن �ه��ج ال��و� �س �ط��ي ب�ي�ن اجل ��ان ��ب ال��روح��ي‬ ‫�سبحانه وتعالى‪( :‬ينظر االع�ت��دال يف التدين‪ :‬فك ًرا‪،‬‬ ‫واجلانب املادي‪ ،‬ويعطي اًّ‬ ‫كل ح�سب حاجاته دون �إفراط‬ ‫ومنهجا‪ ..‬للدكتور حممد الزحيلي)‪.‬‬ ‫و�سلو ًكا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫�أو تفريط‪ ،‬وك��ان املذهب ال�شائع عند الن�صارى �أقرب‬ ‫ي�ق��ول القرطبي يف تغيري ق��ول��ه ت�ع��ال��ى‪( :‬وك��ذل��ك ما يتقرب به العبد �إلى اهلل تعذيب النف�س واحتقارها‪،‬‬ ‫جعلناكم �أمة ً‬ ‫و�سطا لتكونوا �شهداء على النا�س ويكون وحرمانها من جميع الطيبات امل�ستلذة‪ ،‬واعتقاده �أن ال‬ ‫الر�سول عليكم �شهي ًدا) (�سورة البقرة‪� :‬آية ‪.)148‬‬ ‫حياة (ل�ل��روح) �إال بتعذيب اجل�سد‪ ،‬وك��ل ه��ذه الأحكام‬ ‫(ومل ��ا ك��ان ال��و��س��ط جم��ان�ب��ا للغلو والتق�صري ك��ان وال�شرائع قد و�ضعها الر�ؤ�ساء‪ ،‬ولي�س لها �أثر يف �شريعة‬ ‫حممودا‪� ،‬أي‪� :‬أن هذه الأم��ة ًمل تغ ُل غلو الن�صارى يف اهلل‪ ،‬وقد تف�ضل اهلل على هذه الأمة بجعلها �أمة ً‬ ‫و�سطا‪،‬‬ ‫�أن�ب�ي��ائ� ًه��م‪ ،‬وال ق���ص��روا تق�صري ال�ي�ه��ود يف �أنبيائهم) تعطي اجل�سد حقه‪ ،‬وال��روح حقها‪ ،‬ف�أحل لنا الطيبات‬ ‫وح ��رم علينا اخل �ب��ائ��ث‪ ،‬و�أم��رن��ا بال�شكر ع�ل�ي�ه��ا‪ ،‬ومل‬ ‫(اجلامع لأحكام القر�آن للقرطبي‪ :‬ج �ص‪.)104‬‬ ‫خل�صا‬ ‫خل�صا كالأنعام‪ ،‬وال روحانيني ً‬ ‫يجعلنا جثمانيني ً‬ ‫وال�ب�ع��د ع��ن ه��ذه الو�سطية‪ ،‬يو�صل الإن���س��ان �إل��ى كاملالئكة‪ ،‬بل جعلنا �أنا�سي كله بهذه ال�شريعة املعتدلة‪.‬‬ ‫�ضالل ال�سعي والعمل‪ ،‬وان�ح��راف الق�صور والعبادة‪( ،‬روائ ��ع ال�ب�ي��ان ‪ -‬تف�سري �آي ��ات الأح �ك��ام) حممد علي‬ ‫و�صدق اهلل حيث يقول‪" :‬قل هل ننبئكم بالأخ�سرين ال�صابوين ج ‪� / 1‬ص ‪.)166‬‬ ‫�أع� �م � اً�ال‪ ،‬ال��ذي��ن ��ض��ل �سعيهم يف احل �ي��اة ال��دن �ي��ا وه��م‬ ‫ب�ّي�نّ اهلل �سبحانه وتعالى حقيقة عي�سى بن مرمي‬ ‫يح�سبون �أنهم يح�سنون �صن ًعا‪� ،‬أول�ئ��ك الذين كفروا‬ ‫ب�آيات ربهم ولقائه فحبطت �أعمالهم فال نقيم لهم يوم عليه ال�سالم؛ ب��أن��ه ال يعدو �أن يكون ر��س� اً‬ ‫�ول‪ ،‬وكلمته‬ ‫القيامة وزنًا‪ ،‬ذلك جزا�ؤهم جهنم مبا كفروا واتخذوا �ألقاها �إلى مرمي وروح منه‪ ،‬ونهاهم عن القول بالتثليث‬ ‫�آياتي ور�سلي هز ًوا"‪�( .‬سورة الكهف‪� :‬آية ‪ .)106-103‬املتمثل يف الأب واالبن وروح القد�س‪ ،‬واعتبار �أن امل�سيح‬ ‫ه��و االب��ن‪ ،‬و�أث�ب��ت �سبحانه �أن ال �إل��ه �إال اهلل واح��د‪ ،‬ال‬ ‫و�أوج� � ��ه االن� �ح ��راف وال �� �ض�ل�ال ال� ��ذي ه��و نقي�ض يكون له ولد‪.‬‬ ‫الو�سطية ك�ث�يرة يف واق�ع�ن��ا‪ ،‬ويف �أح ��وال ال�شعوب من‬ ‫ل��ذل��ك‪ ،‬حكم اهلل بالكفر على م��ن اعتقد بعقيدة‬ ‫حولنا‪ ،‬مما يخرج الإن�سان عن دين اهلل تعالى‪ ،‬وخري‬ ‫م�ث��ال على ه��ذا الغلو واالن �ح��راف‪ :‬م��ا وق��ع فيه �أه��ل التثليث التي نهى اهلل عنها يف الآية ال�سابقة‪ .‬قال‬ ‫الكتاب م��ن ي�ه��ود ون���ص��ارى؛ حيث اع�ت�ق��دوا �أنبيائهم تعالى‪" :‬لقد كفر الذين قالوا �إن اهلل ثالث ثالثة وما‬ ‫من �إله �إال �إله واحد"(�سورة املائدة‪� :‬آية ‪.)73‬‬ ‫�أربا ًبا و�آلهة من دون اهلل‪.‬‬ ‫ريا لكم �إمنا اهلل‬ ‫باهلل ور�سله وال تقولوا ثالثة انتهوا خ ً‬ ‫�إل��ه واح��د �سبحانه �أن يكون له ولد له ما يف ال�سموات‬ ‫وما يف الأر���ض وكفى باهلل وكيلاً ) (�سورة الن�ساء‪� :‬آية‬ ‫‪.)171‬‬

‫أي�ضا بالكفر على من قال �أن امل�سيح هو اهلل‪.‬‬ ‫وحكم � ً‬ ‫وقال تعالى‪( :‬يا �أهل الكتاب ال تغلوا يف دينكم وال‬ ‫تقولوا على اهلل �إال احلق �إمنا امل�سيح عي�سى ابن مرمي قال تعالى يف حمكم كتابه‪" :‬لقد كفر الذين قالوا �إن‬ ‫ر�سول اهلل وكلمته �ألقاها �إلى مرمي وروح منه‪ ،‬ف�آمنوا اهلل هو امل�سيح ابن مرمي"‪�( .‬سورة املائدة‪� :‬آية ‪.)72‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪39‬‬


‫‪40‬‬

‫لي�ست الن�صارى فقط هم الذين انحرفوا وغالوا يف من انحراف و�ضالل‪ ،‬وبعد عن اال�ستقامة واالعتدال يف‬ ‫أي�ضا؛ حيث �أمور العقيدة‪.‬‬ ‫عقيدتهم‪ ،‬فاليهود من قبلهم فعلوا ذل��ك � ً‬ ‫اعتقدوا �أن عزيز هو ابن اهلل‪ ،‬قال تعالى يف بيان �ضاللهم‬ ‫ي �ق��ول اهلل ��س�ب�ح��ان��ه وت �ع��ال��ى‪" :‬و�إن ه ��ذا ��ص��راط��ي‬ ‫وان �ح��راف �ه��م‪" :‬وقالت ال �ي �ه��ود ع��زي��ز اب ��ن اهلل وق��ال��ت م�ستقي ًما فاتبعوه وال تتبعوا ال�سبل فتفرق بكم عن �سبيله‬ ‫الن�صارى امل�سيح ابن اهلل ذلك قولهم ب�أفواههم ي�ضاهئون ذلكم و�صاكم به لعلكم تتقون) (�سورة الأنعام‪� :‬آية ‪.)153‬‬ ‫ق��ول ال��ذي��ن ك�ف��روا م��ن قبل قاتلهم اهلل �أن��ى ي�ؤفكون"‬ ‫ي�ق��ول �سيد قطب �أن��ه ��ص��راط واح��د ‪�� -‬ص��راط اهلل‪،‬‬ ‫(�سورة الـتوبة‪� :‬آية ‪.)30‬‬ ‫و�سبيل واحد ي�ؤدي �إلى اهلل‪� ،‬أن يفرد النا�س اهلل �سبحانه‬ ‫فاهلل يريد �أن يعبد وح��ده‪ ،‬وال ي�شرك به �أح��د �سواه‪ ،‬وت�ع��ال��ى بالربوبية‪ ،‬وي��دي�ن��وا ل��ه وح��ده بالعبودية‪ ،‬و�أن‬ ‫فهو الإله املعبود بحق‪ ،‬وهو منزه عن �شرعهم واعرتافهم يعلموا �أن احلاكمية هلل وحده‪ ،‬و�أن يدينوا لهذه احلاكمية‬ ‫و�ضاللتهم‪� ،‬إذ كيف ينزلون الأح �ب��ار وال��ره�ب��ان منزلة يف حياتهم الواقعية‪.‬‬ ‫الإله يف عبادتهم وطاعتهم وحتليلهم وحترميهم‪.‬‬ ‫هذا هو �صراط اهلل‪ ،‬وهذا هو �سبيله‪ ،‬ولي�س وراء ذلك‬ ‫ل��ذل��ك‪ ،‬ج ��اءت الآي� ��ات ال�ق��ر�آن�ي��ة ب�غ�ل� ّو �أه ��ل ال�ك�ت��اب؛ �إال ال�سبل ال�ت��ي تتفرق مب��ن ي�سلكونها ع��ن �سبيله (يف‬ ‫ليحذر امل�سلمني الوقوع فيما وقع فيه اليهود والن�صارى ظالل القر�آن ‪ -‬ج ‪� /3‬ص ‪.)1234‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫حقيقة الشكر‬ ‫بقلم‪ :‬عالء الدين الحايك‬ ‫�أي�ه��ا الأح �ب��ة‪( :‬ق��ال داود ي��و ًم��ا ل��رب��ه‪ :‬ي��ا رب كيف‬ ‫حم�ض ٍ‬ ‫َ‬ ‫ف�ضل منك‪ ،‬وهل‬ ‫�أ�شكرك �إذا ك��ان �شكري لك‬ ‫ي�ستطيع �أحدنا �أن ي�شكر اهلل عز وجل �إال �إذا �ألهمه اهلل‬ ‫ال�شكر؟ فقال له موالنا‪ :‬الآن �شكرتني يا داود)‪.‬‬

‫ومن جملة النعماء‪ ،‬قويل‪ :‬لك احلمد‪ ،‬فال حمد �إال �أن‬ ‫مت��نَّ بنعمة‪� ،‬سبحانك ال يح�صي نعماءك العبد‪ ،‬ف��إذا‬ ‫قلت‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬فينبغي عليك �أن حتمد اهلل على �أن‬ ‫�ألهمك هذا احلمد‪ ،‬ف�إذا حمدت اهلل على �أن �ألهمك ذلك‬ ‫احلمد‪ ،‬وجب عليك �أن حتمد اهلل على �أن �ألهمك ذلك‬ ‫احلمد‪ ،‬وهكذا‪..‬‬

‫ه��ذا الأث��ر رواه اب��ن �أب��ي ح��امت ف�ق��ال‪ :‬حدثنا �أب��ي‪،‬‬ ‫حدثنا عمران بن مو�سى‪ ،‬حدثنا �أب��و يزيد في�ض بن‬ ‫�إ� �س �ح��اق ال��رق��ي ق ��ال‪ :‬ق��ال الف�ضيل يف ق��ول��ه تعالى‪:‬‬ ‫فربنا جل وعال يف �أول كلمة يف كتابه قال‪ :‬احلمد‬ ‫{اع � َم � ُل��وا �آ َل َدا ُو َد ���شُ � ْك � ًرا}‪ .‬ف�ق��ال داود‪ :‬ي��ا رب‪ ،‬كيف هلل‪� ،‬أي‪� :‬أنه �سبحانه وتعالى حمد نف�سه بنف�سه‪ ،‬وعندما‬ ‫ْ‬ ‫�أ�شكرك‪ ،‬وال�شكر نعمة منك؟ قال‪" :‬الآن �شكرتني حني نقول‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬ف�إ َّن الالم الم اال�ستغراق‪� ،‬أي‪ :‬احلمد‬ ‫علمت �أن النعمة مني"‪.‬‬ ‫هلل ح �م � ًدا م���س�ت�غ��ر ًق��ا ك��ل �أن� ��واع احل �م��د وال �ث �ن��اء‪ ،‬فهو‬ ‫�سبحانه وتعالى وحده الذي ي�ستحق احلمد ‪.‬‬ ‫ذكره ابن كثري ف “تف�سريه” ‪. 501 / 6‬‬ ‫َعنْ َه َّما ِم ْبنِ الحْ َ ��ار ِ​ِث َ�أ َّن َر ُج�ل ً‬ ‫ا َج َع َل يمَ ْ � َد ُح ُع ْث َما َن‬ ‫ومعنى الآن �شكرتني ي��ا داود �أي‪� :‬أن العجز عن َف َع ِم َد المْ ِ� ْق� َدا ُد َف َج َثا َعلَى ُر ْك َب َت ْي ِه ‪َ -‬و َك��ا َن َر ُج�ًل�اً �ضَ خْ ًما‬ ‫الإدراك �إدراك‪ ،‬والعجز عن ال�شكر �شكر‪ ،‬ف�إذا قدم لك ‪َ -‬ف َج َع َل َي ْح ُثو فيِ َو ْج ِه ِه الحْ َ ْ�ص َبا َء َفقَا َل َل ُه ُع ْث َمانُ َما‬ ‫�إن�سان هدية تقول له جزاك اهلل خ ً‬ ‫ريا‪� ،‬أكرمك اهلل‪ ،‬ف�إذا �شَ ْ�أن َُك َفقَا َل‪� :‬إِ َّن َر ُ�سو َل اللهَّ ِ �صلى اهلل عليه و�سلم َقال‪:‬‬ ‫اح ُثوا فيِ ُو ُج ِ‬ ‫َاب"‪.‬‬ ‫زاد يف الإك��رام زاد ال�شكر منك والثناء‪ ،‬ف ��إذا زاد �أكرث "�إِ َذا َر َ�أ ْي ُت ُم المْ َ َّد ِاح َ‬ ‫وه ِه ُم الترُّ َ‬ ‫ني َف ْ‬ ‫ف�إنك رمبا ترد هدية بهدية‪ ،‬ف��إذا �أعطى �أك�ثر و�أك�ثر‪،‬‬ ‫تقول له �أنا عاجز عن ال�شكر‪ ،‬ال �أجد يف قامو�س اللغة‬ ‫م��ا معنى‪ :‬فاحثو يف وج��وه امل��ادح�ين ال�ت�راب؟ هل‬ ‫كلمة تفي مبا يف نف�سي جتاه هذا العطاء‪ ،‬وهذا الف�ضل‪� ،‬إذا ر�أي��ت �إن�سانًا ميدح �إن�سانًا �أن ت�أخذ حفن ًة من تراب‬ ‫وهذا املنّ ‪.‬‬ ‫وجتعلها يف عينه؟‬ ‫فعندما يعجز الل�سان عن ال�شكر يكون هذا هو �أبلغ‬ ‫امل ��داح ��ون ه��م ال��ذي��ن ات� �خ ��ذوا م ��دح ال �ن��ا���س ع��ادة‬ ‫ال�شكر‪ ،‬فاللهم لك احلمد على كل نعمة �أوليتنا �إ َّياها‪ ،‬وجعلوه ب�ضاعة ي�ست�أكلون به املمدوح ويفتنونه ‪ ،‬ف�أما‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪41‬‬


‫‪42‬‬

‫من مدح الرجل على الفعل احل�سن والأمر املحمود يكون يحمد على مكروه �سواه؟ لي�س هكذا يكون احلمد؛ لأن‬ ‫منه ترغي ًبا له يف �أمثاله‬ ‫ً‬ ‫وحتري�ضا للنا�س على االقتداء هذا املكروه هو عني اخلري ب�أن اهلل ق َّدره عليك‪ ،‬هو عني‬ ‫به يف �أ�شباهه فلي�س مبداح‪ ،‬و�إن كان قد �صار ً‬ ‫مادحا مبا اخلري؛ لأن اهلل �أراده‪ ،‬هو عني اخلري؛ لأن اهلل كتبه‪ ،‬ف�إذا‬ ‫تكلم به من جميل القول فيه ‪.‬‬ ‫كنت كذلك‪ ،‬ف�أنت حام ٌد هلل عز وجل‪.‬‬ ‫جاء يف عمدة الباري �شرح �صحيح البخاري‪ :‬ومن ذلك‬ ‫ورد �أن الإم��ام الف�ضيل بن عيا�ض‪ ،‬رحمه اهلل تعالى‬ ‫ت�أول العلماء يف قوله‪ :‬احثوا الرتاب يف وجوه املداحني‪،‬‬ ‫�أن املراد بهم‪ :‬املداحون النا�س يف وجوههم بالباطل ومبا بعد ت��اب �إل��ى اهلل تعالى ‪ -‬وك��ان يف بداية طريقه قاطع‬ ‫َ‬ ‫لي�س فيهم‪ ،‬ومل ي��رد بهم من م��دح رج� مبا فيه‪ ،‬فقد طريق ‪ -‬ما ر�ؤي �ضاحكًا منذ �أن تاب �إلى �أن مات‪� ،‬أ�صابه‬ ‫ًل�اً‬ ‫ُمدح ر�سول اهلل يف الأ�شعار واخلطب واملخاطبة‪ ،‬ومل يحث حال بعد التوبة من احل�ضور واخل�شوع‪ ،‬و�أ�صبح من كبار‬ ‫و َّعاظ ع�صره و�أوليائهم و�صاحليهم‪ ،‬وقد ورد �أ َّن هارون‬ ‫يف وجوه املداحني الرتاب‪ ،‬وال �أمر بذلك‪.‬‬ ‫الر�شيد‪ ،‬خليفة امل�سلمني �أت��ى بيته يقبل يديه‪ ،‬ويطلب‬ ‫وعلى وجه احلقيقة الذي ي�ستحق املدح وال�شكر والثناء منه الدعاء‪ ،‬ويقول له‪ :‬يا ف�ضيل �سلني مقا ًما عظي ًما‪،‬‬ ‫ه��و اهلل‪ ،‬ه��و اهلل‪ ،‬وال ي�ستحق �أح��د امل��دح ��س��واه �سبحانه‬ ‫وتعالى‪ ،‬فهو املنعم املتف�ضل‪ ،‬وكل خري بيده‪ ،‬فاخلري كل وك��ان زاه ��داً‪ ،‬ور ًع ��ا‪ ،‬تق ًّيا‪ ،‬م��ا ر�ؤي �ضاحكًا ق��ط �إال مرة‬ ‫واحدة يف جنازة ولده علي‪ ،‬كان ي�سري يف اجلنازة مبت�س ًما‪،‬‬ ‫اخلري بيده �سبحانه وتعالى ‪.‬‬ ‫فعجب �إخوانه منه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما ر�أيناك �ضاحكًا قط‪ ،‬كيف‬ ‫ولكن ما معنى احلمد‪ ،‬وم��ا معنى ال�شكر‪ ،‬وربنا جل ت�ضحك يف مثل هذا املقام وهو مقام بكاء؟! فقال‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫وع�لا ي�ق��ول‪( :‬و�إن ت�ع��دوا نعمة اهلل ال حت�صوها)‪ ،‬كيف �أردت �أن �أرغ��م ال�شيطان‪ ،‬وق�ضى اهلل الق�ضاء ف�أحب �أن‬ ‫اً‬ ‫�أكون �شاك ًرا حام ًدا ؟ �آتاين اهلل مال‪ ،‬و�أنا �أقول احلمد هلل‪� ،‬أر�ضى بق�ضائه‪ ،‬فهو �أرحم الراحمني و�أكرم الأكرمني‪.‬‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬ولكن ال �أعرف هلل حقًّا يف هذا املال‪ ،‬وال �أت�صدق‬ ‫منه‪ ،‬وال �أزكيه‪ ،‬وال �أتقي اهلل يف الت�صرف فيه‪ ،‬ثم �أقول‪:‬‬ ‫ه��ذا ه��و ال�شكر واحل�م��د هلل تعالى على �أمت ��ص��ورة‪،‬‬ ‫ر�ضى بق�ضاء اهلل تعالى‪ ،‬وتقول‪:‬‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬هل هذا هو احلمد ؟ ال‪� ،‬أنا ما حمدت اهلل‪ .‬ت�أتي امل�صيبة فتبت�سم ً‬ ‫ثوب العافية‪ ،‬و�أقول بل�ساين‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬احلمد هلل‪ ،‬لأن�ن��ي �أع�ل��م �أن��ه م��ا �أخ��ذ مني �إال ليعطيني‪،‬‬ ‫�ألب�سني اهلل َ‬ ‫ولكنني ال �أق��وم بطاعته‪ ،‬و�أ��ص��رف ه��ذا ال�ق��وة والعافية فاهلل �سبحانه وتعالى (رمبا �أعطاك فمنعك‪ ،‬ورمبا منعك‬ ‫يف مع�صيته‪ ،‬ثم �أق��ول‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬هل �أ�س َّمى حام ًدا هلل ف�أعطاك)‪ ،‬كما قال الإم��ام ابن عطاء اهلل ال�سكندري يف‬ ‫تعالى؟ ال �أكرمني اهلل ب��زوج��ة‪ ،‬وال �أت�ق��ي اهلل فيها‪ ،‬وال حكمه‪.‬‬ ‫�أح�سن �إليها‪ ،‬ولكني �أق��ول‪ :‬احلمد هلل على نعمة الزواج‪،‬‬ ‫�أي‪ :‬رمبا �أعطاك موالك ما متيل �إليه من ال�شهوات‪،‬‬ ‫هل �أُ َع ُّد حام ًدا؟ ال ‪.‬‬ ‫فمنعك التوفيق لعظيم القرب والطاعات‪ ،‬ورمبا منعك‬ ‫ُ ِ‬ ‫رزق�ن��ي اهلل �أوال ًدا‪ ،‬فلم �أح����س� ُ�نْ تربيتهم‪ ،‬ث��م �أق��ول‪ :‬من �شهواتك‪ ،‬ف�أعطاك التوفيق الذي هو بغية‪.‬‬ ‫احلمد هلل على نعمة الأوالد‪ ،‬هل �أ�س َّمى حام ًدا؟ ال ‪.‬‬ ‫ول�ه��ذا علمنا ر��س��ول اهلل عليه ال���ص�لاة وال���س�لام �أن‬ ‫�إذن‪ ،‬ما هو احلمد احلقيقي؟ ما هو ال�شكر احلقيقي؟‬ ‫نقول‪“ :‬هلل ما �أعطى‪ ،‬هلل ما �أخذ”‪ ،‬كيف �أنزعج من �أمر‬ ‫احلمد وال�شكر على وجه احلقيقة �أن ت�صرف النعمة كتبه اهلل و�أراده �سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو املنعم املتف�ضل؟‬ ‫فيما �أمرك اهلل‪ ،‬فعند ذلك تكون هلل حام ًدا �شاك ًرا‪.‬‬ ‫ف�إذا كنا حقيقة نريد �أن نحمد اهلل عز وجل‪ ،‬فيتوجب‬ ‫�أن� �ع ��م اهلل ع� �ل � َّ�ي َب �ن �ع �م��ة ال �ب �� �ص��ر‪ ،‬ف �غ �� �ض �� �ض � ُت��ه ع��ن علينا �أن ن�ك��ون يف ح��ال ر��ض��ى بكل م��ا ق�ضاه اهلل تعالى‬ ‫احلرام‪ ،‬فحمدي اهلل تعالى على هذه النعمة �أين نظرت وق��دره‪ ،‬ويف حال ت�سليم تام بكل ما يجري من مقاديره‬ ‫فيه �إلى ما �أحل اهلل‪ ،‬و�إن مل ينطق ل�ساين بكلمات احلمد‬ ‫�سبحانه‪ ،‬ولنعتقد ب�أن لنا ر ًّبا قاد ًرا على �أن يغيرّ الأمور‪،‬‬ ‫وال�شكر هلل ‪.‬‬ ‫و�أن يقلب املوازين‪ ،‬و�أن يجعل بعد الع�سر ي�س ًرا‪.‬‬ ‫وعندما نقول‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬ينبغي �أن نقول “احلمد هلل‬ ‫ه��ذه ه��ي حقيقة ال�شكر هلل ع��ز وج��ل‪ ،‬ورب�ن��ا وع��د كل‬ ‫على كل حال” فكثري من النا�س يقولون‪ :‬احلمد هلل الذي‬ ‫ال يحمد على مكروه �سواه‪ ،‬هذا كلمة ال �أرى فيها جتاوز �شاكر ب��ال��زي��ادة وامل��زي��د‪ ،‬فقال ج��ل وع�لا‪( :‬لئن �شكرمت‬ ‫�أدبٍ يف حق اهلل عز وجل‪ ،‬فكيف يكون احلمد هلل الذي ال لأزيدنكم)‪.‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫الوسطية‬

‫ميزان العدل اإللهي‬

‫الشيخ الدكتور عبد المجيد أبو سل‬

‫من عظيم رحمة اهلل بعباده �أن �شرع لهم هذا الدين احلق‪ ،‬الهادي �إلى �سواء ال�سبيل‪ ،‬املي�سر فهمه‪ ،‬الوا�ضحة‬ ‫معامله‪ ،‬القوي برهانه وحجته‪ ،‬والباقي �أثره وت�أثريه يف النفو�س �إلى �أن يرث اهلل الأر�ض ومن عليها‪ .‬قال اهلل‬ ‫تعالى‪( :‬فبما رحمة من اهلل لنت لهم ولو كنت ًّ‬ ‫فظا غليظ القلب النف�ضوا من حولك)‪� .‬آل عمران‪ .159 ،‬وقد‬ ‫و�صف اهلل تعالى مهمة ر�سوله حممد �صلى اهلل عليه و�سلم قائلاً ‪( :‬وما �أر�سلناك �إال رحم ًة للعاملني)‪ .‬الأنبياء‪،‬‬ ‫‪ .107‬وق��ال نبي الأم��ة حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬الراحمون يرحمهم اهلل تعالى‪ ،‬ارحموا من يف الأر���ض‬ ‫يرحمكم من يف ال�سماء"‪ .‬حديث �صحيح‬ ‫وم ��ن �أج ��ل ر� �س��م ال�ط��ري�ق��ة امل�ث�ل��ى ل���س�ع��ادة املجتمع‬ ‫الإن�ساين لريتقي من عبوديته للطواغيت �إل��ى عبودية‬ ‫للخالق �سبحانه وتعالى‪ ،‬هو توفري الطم�أنينة والأم��ن‬ ‫واال��س�ت�ق��رار ال��ذي يفتقده النا�س قبل ذل��ك‪ ،‬عل ًما ب��أن‬ ‫الإ�سالم هو دعوة �إلى احلق والعدل‪ ،‬وملعرفة اهلل تعالى‬ ‫بالدعوة �إل��ى اهلل باحلكمة واملوعظة احل�سنة‪ ،‬وم��ع كل‬ ‫ذل ��ك‪ ،‬ف� ��إن الإ�� �س�ل�ام ي �ح�ترم ال�ع�ق��ل الإن �� �س��اين‪ ،‬وي�ق��در‬ ‫�أ�صحاب الفكر النيرّ الهادف ليعطي الإن�سان �إن�سانيته‬ ‫ويحرتمها‪ ،‬ولذلك‪ ،‬نظم الإ��س�لام العالقات الإن�سانية‬ ‫بني الأفراد واجلماعات بالتفاهم والتعاون‪ ،‬ودعوتهم �إلى‬ ‫ال�سلم‪ ،‬ونبذ احلرب والقتال واجلرائم التي تف�سد حياة‬ ‫الإن�سان‪ ،‬ومن �أجل ذلك‪ ،‬يدعونا الإ�سالم �إلى االنخراط‬ ‫وامل�شاركة يف املجتمع الإن�ساين املعا�صر‪ ،‬من �أجل الإ�سهام‬ ‫يف رق ّيه وتقدمه‪ ،‬متعاونني مع كل قوى اخلري والعدل‬ ‫ريا �صاد ًقا عن �سالمة �إمياننا‬ ‫وال�سالم‪ ،‬ليكون ذلك تعب ً‬ ‫وع�ق�ي��دت�ن��ا املبنية ع�ل��ى احل��ق وال �ع��دل‪ .‬والأم� ��ل معقود‬ ‫على علماء الأم��ة وال��دع��اة واملخل�صني يف �إب ��راز حقيقة‬ ‫الإ� �س�ل�ام؛ م��ن خ�ل�ال ذك��ر وت��و��ض�ي��ح اخل�صائ�ص املبني‬

‫عليها لتنوير عقول �أجيالنا ال�شابة‪ ،‬رفيقة حا�ضرنا وعدة‬ ‫م�ستقبلنا؛ لتجنيبهم مزالق وخماطر اجلهل والف�ساد‪،‬‬ ‫وال�ت�ب�ع�ي��ة‪ ،‬وال �ت �ط��رف امل��دم��ر ل �ل��روح واجل �� �س��د‪ ،‬ولإن ��ارة‬ ‫دربهم بال�سماحة واالع�ت��دال‪ ،‬والو�سطية‪ ،‬للو�صول �إلى‬ ‫بر الأمن وال�سالم‪ .‬قال اهلل تعالى‪�( :‬إن اهلل ي�أمر بالعدل‬ ‫والإح�سان)‪ .‬النحل‪ .90 ،‬وبهذا لن جتد الب�شرية �سبيلاً‬ ‫لتحقيق �أمنها وا�ستقرارها بالعدل الإلهي الذي �أمرهم‬ ‫اهلل به حيث ق��ال‪( :‬لقد �أر�سلنا ر�سلنا بالبينات و�أنزلنا‬ ‫معهم الكتاب وامل�ي��زان ليقوم النا�س بالق�سط) احلديد‪،‬‬ ‫‪ .25‬و�س�أبينّ يف هذا البحث اخل�صائ�ص التي ُبنيت عليها‬ ‫الثقافة الإ�سالمية‪ ،‬والتي تفتقدها الكثري من الثقافات‬ ‫الأخ��رى‪ ،‬والتي ُو�صفت باحل�سن والإح���س��ان‪ ،‬بعيد ًة كل‬ ‫البعد عن التطرف والغلو؛ لأن عن�صري الكمال واجلمال‬ ‫هما م��ن �أخ����ص خ�صائ�ص ه��ذا ال��دي��ن‪ .‬وم��ن �أه��م هذه‬ ‫اخل�صائ�ص‪:‬‬ ‫�أ‪� -‬إل�ه�ي��ة امل���ص��در‪� :‬أي �إن �ه��ا م��ن و��ض��ع اخل��ال��ق �سبحانه‬ ‫وت�ع��ال��ى‪ ،‬وت�ت�ع��ام��ل م��ع ك��ل ال��وج��ود ال ��ذي خلقه اهلل‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪43‬‬


‫التفكري‪ .‬قال اهلل تعالى‪�( :‬أفال تعقلون) البقرة‪.44 ،‬‬ ‫(لعلكم تعقلون) البقرة‪( .73 ،‬وما يعقلها �إال العاملون)‪.‬‬ ‫العنكبوت‪43 ،‬‬

‫‪44‬‬

‫�سبحانه وتعالى‪ .‬قال اهلل تعالى‪�( :‬أال يعلم من خلق‬ ‫وهو اللطيف واخلبري) امللك‪ .14 ،‬و�إن اهلل تعالى خلق‬ ‫اخللق‪ ،‬فقدر لهم كل �أ�سباب و�سبل ا�ستمرارية حياتهم‬ ‫وهو لي�س بحاجتهم‪ ،‬ولي�س له هدف ينتظره منهم؛‬ ‫لأنه غني عنهم‪ .‬قال اهلل تعالى‪( :‬يا �أيها النا�س �أنتم ط‪ -‬الإن�سانية‪� :‬أي مالءمة الفطرة الإن�سانية يف اخللق‬ ‫الفقراء �إلى اهلل واهلل الغني احلميد)‪ .‬فاطر‪،‬‬ ‫‪(.15‬وعل ًم�ما�ا والغرائز‪ ،‬وا�ستعدادات تالئم العقل الإن�ساين‪ ،‬وتالئم‬ ‫ب��أن��ه خلقهم م��ن �أج��ل �أم��ر واح��د‪ .‬ق��ال تعالى‪:‬‬ ‫ال ��وج ��دان م��ن ع��واط��ف وان �ف �ع��االت و� �ش �ه��وات ليلبي‬ ‫خلقت اجلن والإن�س �إال ليعبدون)‪ .‬الذاريات‪56 ،‬‬ ‫احتياجات ال��روح‪ .‬ق��ال تعالى‪( :‬ي��ا �أيها النا�س اتقوا‬ ‫ب‪ -‬ال�شمولية‪ :‬جلميع جوانب احلياة على وجه الأر�ض‪ ،‬ربكم الذي خلقكم من نف�س واحدة وخلق منها زوجها‬ ‫والتعامل مع الإن�سان ب�أنه مكون (م��ادي‪ ،‬وروح)‪� ،‬أو وبث منها اً‬ ‫ريا ون�ساء)‪ .‬الن�ساء‪1 ،‬‬ ‫رجال كث ً‬ ‫نف�س غري مادية وعقل ووجدان‪ ،‬وربط احلياة الدنيا‬ ‫�أهم �صفات الو�سطية واالعتدال‪:‬‬ ‫بالآخرة خا�ص ًة بامل�سلم‪.‬‬ ‫قال اهلل تعالى‪( :‬وكذلك جعلناكم �أم ًة ً‬ ‫و�سطا لتكونوا‬ ‫ج‪ -‬التوازن‪ :‬وهو امل�ساواة بني �أف��راد املجتمع يف احلقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬بحيث ال يطغى جانب على اجلانب الآخر‪� .‬شهدا َء على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهي ًدا) البقرة‪،‬‬ ‫‪ .143‬وهذا �أ�صدق و�صف رباين لأمة الإ�سالم الو�سطية‪،‬‬ ‫د‪ -‬االت���س��اق وال�ت�ك��ام��ل‪ :‬وذل ��ك ب�ع��دم وج ��ود ت�ع��ار���ض �أو والتي جمع الإ��س�لام بني �أف��راده��ا و�شعوبها يف العقيدة‪،‬‬ ‫تناق�ض بني �أجزاء ال�شيء الواحد‪� ،‬أو املعرفة املتعلقة والعبادة‪ ،‬والأخالق‪ ،‬واملعامالت‪.‬‬ ‫بتعامل الإن���س��ان م��ع اجل��وان��ب الأخ ��رى‪�� ،‬س��واء �أك��ان‬ ‫وقد و�صف ال�سيد قطب الو�سطية يف الآي��ة ال�سابقة‬ ‫اجل��ان��ب الغيبي‪� ،‬أو الطبيعي‪� ،‬أو ال�ف�ك��ري‪ ،‬ق��ال اهلل‬ ‫تعالى‪( :‬اليوم �أكملت لكم دينكم و�أمتمت عليكم نعمتي مبعنى االعتدال والق�صد‪� ،‬أو من الو�سط‪ ،‬مبعناه املادي‬ ‫واحل �� �س��ي‪� .‬أم ��ا الإم� ��ام ال� ��رازي ف �ق��ال‪ :‬ال��و��س�ط�ي��ة �صفة‬ ‫ور�ضيت لكم الإ�سالم دينًا)‪ .‬املائدة‪3 ،‬‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬فهم متو�سطون يف الدين بني امل ُ ْفرِط وامل ُ َف ِّرط‪،‬‬ ‫واملق�صر يف الأ��ش�ي��اء؛ لأنهم مل يغلوا كما غلت‬ ‫ه �ـ‪ -‬الإي�ج��اب�ي��ة‪ :‬وذل ��ك يف الأف �ع��ال والأق � ��وال والأوام� ��ر وال�غ��ايل‬ ‫ِّ‬ ‫والفكرة التي تقرب‬ ‫ق�صروا كتق�صري اليهود‬ ‫واملطلوبة‪ .‬الإن�سان �إل��ى �أه��داف��ه وحاجياته الن�صارى‪ ،‬فجعلوا ابنًا و�إل ًها‪ ،‬وال ّ‬ ‫الأ�سا�سية‬ ‫ق�صروا‬ ‫يف قتل الأنبياء وتبديل الكتب‪ ،‬وغري ذلك مما ّ‬ ‫و‪ -‬املثالية الواقعية‪ :‬وهذا ي�شري للواقع الأكمل والأمثل‪ ،‬فيه‪.‬‬ ‫وه��ذه حالة معيارية مراعي ًة للواقع القامت الراهن‬ ‫نعم‪� ،‬إن الأمة الإ�سالمية هي �أمة الو�سط يف االعتقاد‬ ‫نف�سا �‬ ‫بكل جوانبه‪ .‬قال اهلل تعالى‪( :‬ال يك ّلف اهلل ً‬ ‫‪286‬إال والت�صور‪ ،‬فهي ال تغلو يف التجرد الروحي وال يف االرتكا�س‬ ‫و�سعها لها ما ك�سبت وعليها ما اكت�سبت)‪ .‬البقرة‪،‬‬ ‫امل��ادي‪� ،‬إمن��ا تتبع الفطرة‪ ،‬وتعطي الكيان حقه املتكامل‬ ‫ز‪ -‬الثبات وامل��رون��ة‪� :‬أي ثبات الأم��ر على حاله‪ ،‬واملرونة م��ن ك��ل زاد‪ .‬ب��ل �إن�ه��ا �أم��ة الو�سط يف التفكري وال�شعور‪،‬‬ ‫قابلة للتبديل والتغيري‪ .‬وال�صفتان ثابتتان ال تقبالن و�إمن��ا تتم�سك مبا لديها من ت�صورات ومناهج و�أ�صول‪،‬‬ ‫�شعارها‪( :‬احلقيقة �ضالة امل�ؤمن �أنّى وجدها �أخذها)‪.‬‬ ‫التعديل وال التغيري‪.‬‬ ‫وك��ذل��ك �أم ��ة الإ� �س�ل�ام ه��ي �أم ��ة ال��و��س��ط يف التنظيم‬ ‫ح‪ -‬العقالنية‪ :‬مبعنى رب��ط وحب�س العاقل هو اجلامع‬ ‫لأم � ��ره ح �ت��ى ال ي �ن��زل��ق يف امل �ه��ال��ك‪ ،‬وال �ع �ق��ل م�ن��اط والتن�سيق‪ ،‬ف�لا ت��دع احل �ي��اة للم�شاعر وال���ض�م��ائ��ر‪ ،‬وال‬


‫للت�شريع وال �ت ��أدي��ب‪ ،‬و�إمن ��ا ت��رف��ع �ضمائر الب�شر على‬ ‫التوجيه والتهذيب‪ ،‬وتكفل له نظامه‪ ،‬و�أم��ة الو�سط يف‬ ‫االرت �ب��اط��ات وال �ع�لاق��ات‪ ،‬فهي ال تلغي �شخ�صية الفرد‬ ‫ومقوماته‪ ،‬وال تطلقه كذلك ف��ر ًدا ج�ش ًعا ال ه� ّم ل��ه �إال‬ ‫ملذاته‪ ،‬فهي تعمل على حتقيق �شخ�صية الفرد دون الغلو‪،‬‬ ‫وتكلفه من الأعمال جلعله خاد ًما للجماعة‪.‬‬

‫و�آدم من تراب‪ ،‬ال ترثيب عليكم اليوم‪ .‬ما ترون �أين فاعل‬ ‫ريا‪� ،‬أ ٌخ كرمي وابن �أ ٍخ كرمي‪ .‬قال‪ :‬اذهبوا‬ ‫بكم؟ قالوا‪ :‬خ ً‬ ‫ف�أنتم الطلقاء"‪ .‬ما �أجمل ال�صفح عندما ميلك الإن�سان‬ ‫القوة والقدرة على عدوه‪.‬‬

‫وال �ت �ط��رف ح�ق�ي�ق�ت��ه ال �غ �ل��و يف ن�ف����س ال �� �س �ل��وك‪ ،‬ول��ه‬ ‫�أ�سباب كثرية‪ :‬منها ما هو ديني‪ ،‬وم��ا هو �سيا�سي‪ ،‬وما‬ ‫وقد �أكرم اهلل �أمة الإ�سالم �أن تكون يف �أوا�سط الأر�ض‪ ،‬هو اجتماعي‪ ،‬واقت�صادي‪� ،‬أو فكري‪ ،‬ونف�سي‪� ،‬أو خليط‬ ‫م�شرتك من ذلك كله‪.‬‬ ‫تتو�سط �أقطار الغرب من جميع االجتاهات‪.‬‬ ‫ومن �أهم �أ�سبابه‪:‬‬

‫املق�صد م��ن الو�سطية‪ :‬ه��و البعد ع��ن التطرف �إل��ى‬ ‫�أي من الطرفني املتقابلني‪ ،‬بحيث يكون ً‬ ‫و�سطا بينهما‪،‬‬ ‫والو�سطية تختلف عن ال�ت��وازن؛ لأن التوازن يكون بني ‪ -‬اجل �ه ��ل ب ��الأح� �ك ��ام ال �� �ش��رع �ي��ة وم �ق��ا� �ص��د ال���ش��ري�ع��ة‬ ‫�أمور عدة‪ ،‬ال يطغى �أحدها على الآخ��ر‪ .‬بينما الو�سطية الإ�سالمية‪.‬‬ ‫تقال للأمر الواحد الذي ال يكون حاله متطر ًفا �إلى �أحد ‪ -‬االعتداد بالنف�س‪ .‬قال تعالى‪( :‬ومن النا�س من يعجبك‬ ‫الطرفني البعيدين املتقابلني �إ�شارة �إلى الو�سط‪.‬‬ ‫قوله يف احلياة الدنيا وي�شهد اهلل على ما يف قلبه وهو‬ ‫�ألد اخل�صام) البقرة‪( .204 ،‬و�إذا تولى �سعى يف الأر�ض‬ ‫تطرف يف الإ�سراف ‪ -‬التو�سط املعتدل ‪ -‬تطرف يف البخل‬ ‫ليف�سد فيها ويهلك احل��رث والن�سل واهلل ال يحب‬ ‫قال اهلل تعالى‪( :‬وال جتعل يدك مغلول ًة �إلى عنقك وال الف�ساد) البقرة‪( .205 ،‬و�إذا قيل ل��ه ات��ق اهلل �أخذته‬ ‫العزة بالإثم فح�سبه جهنم وبئ�س املهاد) البقرة‪. 205 ،‬‬ ‫تب�سطها كل الب�سط فتقعد ملو ًما حم�سو ًرا)‪ .‬الإ�سراء‪29 ،‬‬ ‫وق��ال كذلك‪( :‬وكلوا وا�شربوا وال ت�سرفوا �إن اهلل ال ‪ -‬الغلو يف العقيدة والإحلاد‪ ،‬والغزو الفكري‪ ،‬والتن�صري‪،‬‬ ‫يحب امل�سرفني)‪ .‬الأع ��راف‪ .31 ،‬الأك��ل وال�شرب مطلب وال �ع �ل �م��ان �ي��ة امل �ق �ي �ت��ة‪ ،‬وه� ��ذا ك �ل��ه ي ��دل ع �ل��ى اجل�ه��ل‬ ‫�ضروري‪ ،‬ولكن �أال ي�صل �إلى حد الإ�سراف‪ ،‬وال �إلى حد وال�ضالل واالنحراف عن ج��ادة ال�صواب‪ ،‬وع��دم فهم‬ ‫التقتري والبخل‪ ،‬حتى يف كفارة اليمني‪ .‬يقول اهلل تعالى‪ :‬مقا�صد ال�شريعة التي ذكرناها بداي ًة ‪.‬‬ ‫(فكفارته �إطعام ع�شرة م�ساكني من �أو�سط ما تطعمون‬ ‫به �أهليكم) املائدة‪ .89 ،‬وكذلك يف النفقة قال اهلل تعالى‪ - :‬الت�شديد يف �أمور ال�شريعة‪ :‬بحيث تكرث الإفتاءات‪ ،‬هذا‬ ‫(والذين �إذا �أنفقوا مل ي�سرفوا ومل يقرتوا وكان بني ذلك حالل وهذا حرام‪ ،‬دون التحفظ‪ ،‬وي�ضللون ب�إفتاءاتهم‬ ‫ق��وا ًم��ا) ال�ف��رق��ان‪ .67 ،‬وب� ذل��ك النبي �صلى اهلل عليه ال�ك�ث�ير م��ن ع ��وام ال �ن��ا���س‪ ،‬وي �ك��ون ذل ��ك م��دع��ا ًة �إل��ى‬ ‫ّي�نّ‬ ‫الدين متني ف�أوغلوا فيه برفق"‪ .‬التطرف يف الفكر والعمل‪ ،‬ويكون ذلك تربي ًرا لتلك‬ ‫و�سلم قائلاً ‪�" :‬إن هذا‬ ‫�أبو داود و�أحمد‪ .‬وقال كذلك‪" :‬لن ي�شا ّد الدينُ �أح ًدا �إال الأفكار‪.‬‬ ‫بخلق" العجلوين يف اخلفاء‪ ،‬ج‪ .1‬و�أجمع علماء امل�سلمني ‪ -‬ال���ش�ع��ور بالنق�ص وال�ت�ق���ص�ير‪ ،‬واخل ��وف م��ن ع��واق��ب‬ ‫وحكامهم العرب �أن التو�سط يف الأمور هو خري حالتها‪ ،‬الأم��ور التي قد عملها يف زمن �سابق‪ ،‬ويريد �أن يكفّر‬ ‫و�أن التطرف مذموم‪.‬‬ ‫عن ذنبه‪ ،‬فيقع يف الغلو املنهي عنه‪.‬‬ ‫ف��الإ��س�لام دي��ن ع��دل وخ�ير و�أم ��ن‪ ،‬يرف�ض الإره ��اب ‪ -‬الإغ� � � ��راءات ل���س��د ك �ث�ير م��ن االح �ت �ي��اج��ات‪ :‬ك��ال�ف�ق��ر‪،‬‬ ‫والتطرف ودواعيه وكل �أ�شكاله‪ ،‬بل �إن العرب قبل الإ�سالم وال�ب�ط��ال��ة‪ ،‬وت�ع��وي����ض النق�ص يف ك�ث�ير م��ن الأم ��ور‬ ‫انت�صروا لل�ضعيف‪ .‬وال�شاهد على ذلك‪ :‬حلف الف�ضول املجتمعية‪ .‬ف��الإ� �س�لام ي��رى م��ن ال�غ�ل��و‪ ،‬وال�ت�ط��رف‪،‬‬ ‫الذي �شارك فيه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قبائل قري�ش واالنحراف‪ ،‬والتكفري‪ ،‬والدعوة �إلى احلكمة والرحمة‪،‬‬ ‫م��ن �أج��ل ن�صرة ال�ضعيف‪ ،‬و�إن���ص��اف امل�ظ�ل��وم‪ ،‬و�إع��ان�ت��ه‪ ،‬واالق�ت��داء ب�سيد اخللق حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫و�إجارته‪ .‬وامل�شهد الرائع‪ ..‬عمندما دخل النبي �صلى و�أ� �ص �ح��اب��ه ال� �ك ��رام‪ .‬ق��ال اهلل ت�ع��ال��ى‪( :‬ل �ق��د ج��اءك��م‬ ‫حري�ص عليكم‬ ‫اهلل عليه و�سلم مكة فاحتًا بعد �أن �أخرجه �أهلها و�أ�صحابه ر�سول من �أنف�سكم عزيز عليه ما عنتُّم‬ ‫ٌ‬ ‫ع�ن��وةً‪ ،‬وق��ف فيهم خطي ًبا يف �أ��ش��رف و�أع�ظ��م مكان على بامل�ؤمنني ر� ٌ‬ ‫ؤوف رحيم) التوبة‪ .128 ،‬وقال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫وجه الأر���ض حول الكعبة يف البيت احل��رام‪ ،‬بعد �أن ك�سر (ف��أق��م وج�ه��ك للدين حنيفًا ف�ط��رت اهلل ال�ت��ي فطر‬ ‫ال�صنمية والأ�صنام قائلاً ‪" :‬يا مع�شر قري�ش‪� ،‬إن اهلل قد النا�س عليها ال تبديل خللق اهلل ذل��ك ال��دي��ن القيم‬ ‫�أذه��ب عنكم اجلاهلية‪ ،‬وتعظيمها الآب��اء والنا�س من �آدم ولكن �أكرث النا�س ال يعلمون)‪ .‬الروم‪30 ،‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪45‬‬


‫مقابلة مع الشيخ عبد الفتاح مورو‬

‫حول‪ ..‬المفتي‬

‫‪46‬‬

‫ي�سر هيئة حترير جملة الو�سطية ا�ست�ضافة دون فهم م�ستوياتها‪ ،‬بينما �أن يكون عامل ًا بالكتاب‪ ،‬وعامل ًا‬ ‫ال��ع�لام��ة ال�شيخ عبد ال��ف��ت��اح م���ورو يف ه��ذا العدد بال�سنة‪ ،‬وفقي ًها‪ ،‬م��اذا يعني فقيه؟ يعني �أن يكون ق��اد ًرا‬ ‫للحديث حول املفتي يف �شريعتنا اال�سالمية الغراء‪ ،‬على معرفة احلكم ومعرفة م�ستند احلكم‪ ،‬هذا احلكم‬ ‫ال��ذي ق��رره العامل‪ ،‬هو يعرف م�ستنده‪ ،‬ويعرف �أن هذا‬ ‫وتالي ًا احلوار الذي مت مع �سماحته‪:‬‬ ‫احلكم هو من اجتهاد من �أفتى به وقاله‪ ،‬و�أن يكون فقي ًها‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬من هو املفتي؟‬ ‫مبعنى علمه مب�ستند احلكم‪.‬‬ ‫اجلواب‪ -:‬نحن نخلط يف تعريف املفتي بني ق�ضيتني‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬كيف للمواطن العادي �أن مي ّيز؟‬ ‫اثنتني‪ :‬الذي ن�س�أله عن �أحكام �شرعية تتعلق بعباداتنا‬ ‫ن�صبنا يف بلداننا هيئ ًة ر�سمي ًة فيها‬ ‫باحلالل واحل��رام مطلقة‪ ،‬هذا يكفي فيه �أن يكون عامل ًا‬ ‫اجل��واب‪ -:‬نحن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ناقلاً للن�ص‪ ،‬متيقنًا من احلكم الذي ينطق به‪ ،‬من حيث مفت وله م�ساعدون‪ ،‬هذه الق�ضايا التي ي�س�أل عنها النا�س‪،‬‬ ‫�أنه حكم �شرعي معتمد يف املذهب الذي ي�س�أل �صاحبه عن والتي ال ينبغي �أن ي�س�ألوا عنها غري املفتي املت�صدر للقيام‬ ‫احلكم ال�شرعي‪ ،‬هذا ميكن �أن ي�س�أل عمن ن�سي ركع ًة يف بتلك الفتوى‪ ،‬ف�أنا �أُ�س�أل يف كثري من احلاالت عن �شخ�ص‬ ‫�صالة املغرب‪ ،‬الركعة الثانية‪ ،‬من �سجد ومن مل ي�سجد‪ ،‬حلف ميينًا تتعلق بطالق مثلاً ‪ ،‬و�أنا �أعرف احلكم ف�أقول‬ ‫بني‪ ..‬اذهب �إلى املفتي‪ ،‬يقول يل �أنت تعرف‬ ‫م��ن ق ��ر�أ وم��ن مل ي �ق��ر�أ‪ ،‬وه ��ذا �أم ��ر ي�ب��دو �أن الكثريين لل�شخ�ص يا ّ‬ ‫م�ؤهلون له ممن لهم معارف ابتدائية تتعلق بالعبادات‪ .‬احلكم‪ ،‬نعم �أنا �أعرف احلكم‪ ،‬ولكن لتوحيد ن�ص الفتوى‪،‬‬ ‫لكن هناك نو ٌع ٍ‬ ‫ثان‪ ،‬وهم �أولئك الذين ُي�س�ألون عن �أحكام حتى ال يح�صل ت�ضارب يف �أذهان النا�س بني فالن الذي‬ ‫تتجاوز املعتاد‪ ،‬من ممار�سة ال�صالة والعبادات اليومية‪ ،‬ق�ضى بالإيجاب‪ ،‬وف�لان ال��ذي �أفتى بال�سلب‪ ،‬ينبغي �أن‬ ‫ٍ‬ ‫نوحد الفتوى يف الق�ضايا الهامة‪� .‬أما الق�ضايا الهامة يف‬ ‫�شخ�ص يف �إميانه �أو كفره‪ ،‬يف ق�ضية‬ ‫�إلى �أحكام تتعلق مب�آل‬ ‫ّ‬ ‫تتعلق بالتعامل مع ال�سلطة‪ ،‬يف ق�ضية تتعلق بالتعامل حياة ال�شخ�ص التي تتعلق بزواجه‪ ،‬تتعلق مب�صري حياته‬ ‫م��ع الق�ضاء‪ ،‬يف � �س ��ؤال يتعلق ب�ط�لاق‪� ،‬أو ببيع و��ش��راء‪ ،‬تتعلق بر�ضا ٍع؛ �أي �أنه تزوج امر�أ ًة ر�ضع معها‪ ،‬هي حالل‬ ‫بق�ضية من�شورة �أمام الق�ضاء �س ُيق�ضى فيها‪ ،‬وي�أتي �أحد �أو ح��رام‪ ،‬فهذه ق�ضايا �أ�سا�سية‪ ،‬ال ينفع معها �أن نتوجه‬ ‫املعنيني بهذه الق�ضية لي�س�أل عامل ًا من العلماء‪ ،‬ه��ؤالء �إل��ى كل حامل عمام ٍة لن�س�أله عنها‪ ،‬حتى ول��و ك��ان من‬ ‫ال��ذي��ن ُي�س�ألون‪ ،‬ال ينبغي �أن يكونوا م��ن نقلة الأح�ك��ام �أعلم النا�س‪� ،‬أنا يف ت�صوري �أنه البد من توحيد الفتوى‬


‫التي يرتتب عليها تكفري فئة‪� ،‬أو ا�ستحالل دمها‪� ،‬أو جواز‬ ‫االعتداء عليها‪� ،‬أو �أخذ مالها‪� ،‬أو تكفري ٍ‬ ‫زيد من النا�س‪،‬‬ ‫هذه الق�ضايا ال ُيت�ساهل فيها‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬ماذا يفعل النا�س الآن مثلاً يف حالة �إذا �أتى‬ ‫در�سا‬ ‫�شخ�ص ما ي�صلي يف امل�سجد‪ ،‬فقام �أحدهم يعطي ً‬ ‫�إميان ًّيا مبه ًرا ي�صدقه النا�س وي�ؤمنون به ثم ي�ستفتونه‬ ‫فيفتي‪ ،‬ماذا �أفعل �أنا ك�شخ�ص ب�سيط يف هذه احلالة؟‬ ‫اجلواب‪ -:‬يجب �أن ن�صدر تعمي ًما يف عدم جواز الفتوى‬ ‫يف الق�ضايا ال�شخ�صية‪ ،‬يا �سيدي الكرمي‪ � ..‬اً‬ ‫أول �أقول‪ :‬يف‬ ‫الق�ضايا ال�شخ�صية الفتوى تكون �شخ�صية‪ ،‬وال ينبغي �أن‬ ‫تكون عامة وال علنية ملاذا؟ لأنني عندما �أ�ستفتيك ف�أنت‬ ‫تنزل حك ًما �شرع ًّيا على واقعة تتعلق بي ملا فهمته من‬ ‫نيتي‪ ،‬من ظرويف‪ ،‬من واقعي‪ ،‬من رغبتي يف �أن �أحتينّ ‪� ،‬أو‬ ‫رغبتي يف �أن �أكون �صاد ًقا‪ .‬هذه الفتوى ال يجوز �أن تعلق‬ ‫على النا�س لتتحول �إلى حكم �شرعي عام؛ لأن هناك فر ًقا‬ ‫بني احلكم ال�شرعي والفتوى‪ ،‬الفتوى �شخ�صية تتعلق‬ ‫بواقعة حمددة‪ .‬جاءت زوجة �أبي �سفيان لر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم عندما �أخذ عليها عهد الن�ساء‪ ،‬وو�ضعت‬ ‫يدها يف ق�صعة املاء معه‪ ،‬و�أخذ عليها العهد وعلى الن�ساء‬ ‫�أال ي�سرقن‪ ،‬وال يزنني‪ ،‬كما ورد يف الآية‪ ،‬ملا قال ال ي�سرقن‪،‬‬ ‫رفعت يدها من الإناء فقال‪ :‬ما بالك؟ قالت‪ :‬تعلم �أن �أبا‬ ‫�سفيان وهو زوج هند بنت عتبة‪� ،‬أن �أبا �سفيان �شحيح‪ ،‬ال‬ ‫يعطيني ما يكفيني من ٍ‬ ‫مال لأبنائي‪ ،‬فا�ضطر لأَنْ �آخذ من‬ ‫ماله دون علمه‪ ،‬ف�أ�سرق من ماله‪ ،‬ملا يعلمه من حر�ص من‬ ‫هذه امل��ر�أة على ال�شرف‪ ،‬و�أال تنال من مال زوجها ب�أكرث‬ ‫مما ت�ستحق‪� ،‬أفتى لها بجواز ذلك‪ ،‬هذه فتوى خا�صة بها‪.‬‬ ‫لو �أتت امر�أة �أخرى‪ ،‬لن يفتي لها بنف�س الأمر‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬الآن الأمر يتعدى الأمور ال�شخ�صية‪ ..‬الآن‬ ‫نحن نتكلم عن م�صلحة �أم��ة‪ ،‬عن و�ضع �أمني يف الأم��ة‪،‬‬ ‫هناك من يفتون بجواز التظاهر واخل��روج على احلاكم‬ ‫والقتل‪ ،‬كيف يعرف ه�ؤالء الأ�شخا�ص من ي�ستفتون‬ ‫اجلواب‪ -:‬الآن الذين ي�س�ألون هم ال ُبلْه‪ ،‬ال ينبغي �أن‬ ‫يتوجهوا لكل �شخ�ص له حلي ٌة وله عمامة‪ ،‬وعليه مظهر‬ ‫التدين‪ ،‬وي�ؤثر على النا�س ب�سل�س كالمه‪ ،‬الق�ضية لي�ست‬ ‫�سال�سة كالم‪ ،‬هذا موقف من �ش� ٍأن يتعلق بالأمة ال يجوز‬ ‫ٍ‬ ‫ل�شخ�ص �أن ي�ستفتى فيه‪ ،‬وال ي�س�أل فيه‪ ،‬نتوجه �إلى العامل‬ ‫املعتمد يف ذلك‪ ،‬ون�س�أله عن حكم اهلل يف هذا الأم��ر وهو‬ ‫يفتينا‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬ماذا لو كان ال�شعب ال ي�ؤمن باحلكومة؟‬ ‫اجل ��واب‪ -:‬ال ي�ج��وز لل�شعب �أن ي�ث��ور على احلكومة‬ ‫بهذه الفتاوى اخلارقة لإجماع الأم��ة واخلارقة لوحدة‬

‫الأم��ة‪� .‬سيدي الكرمي‪ ..‬نحن �أوتينا من باب ي�سمى باب‬ ‫الأم��ر باملعروف والنهي عن املنكر باليد‪ ،‬وب��اب اجلهاد‪.‬‬ ‫الأمر باملعروف والنهي عن املنكر باليد واجلهاد‪ ،‬هما من‬ ‫اخت�صا�ص احلاكم ولي�س لأحد من النا�س‪ ،‬والذي يفتي‬ ‫ب�خ�لاف ذل��ك‪ ،‬وي��دع��و �إل��ى الفتنة ب�ين ع��ام��ة امل�سلمني‪،‬‬ ‫فذلك ال يجوز ذلك �أب ًدا‪ .‬اجلهاد هو م�شروع دولة‪ ،‬ولي�س‬ ‫م�شروع فرد‪ ،‬الأمر باملعروف والنهي عن املنكر باليد من‬ ‫اخت�صا�ص �صاحب ال�سلطان‪ ،‬وال يحق لأف��راد النا�س �أن‬ ‫يتناولوه‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬و�أنا �أوافقك‪ ،‬لكن النا�س ال ي�ؤمنون بال�سلطات؟!‬ ‫اجل � ��واب‪ -:‬ن�ع� ّل�م�ه��م ذل ��ك‪ ،‬ن�ف� ّه�م�ه��م �أ� �ص��ول دي�ن�ه��م‪،‬‬ ‫ن�شعرهم ب�أن للدين حدو ًدا وال ينبغي �أن نتجاوزها‪ ،‬ماذا‬ ‫يعني ال ي�ؤمنون بال�سلطة؟ �أن نناق�ش ال�سلطة يف �أمر‬ ‫يتعلق مبوقفها من الدين فله ذل��ك‪ ،‬ولكن �أن يج ّر �إلى‬ ‫فتنة بني امل�سلمني‪ ،‬فهذا ال يجوز �شر ًعا �أب ًدا‪ ،‬وينبغي �أن‬ ‫ُينهر عن ذلك‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال‪� -:‬أمل تقم الثورات لأجل اجلهاد يف �سوريا؟‬ ‫اجلواب‪ -:‬هذه لي�ست ق�ضية جهاد‪ ،‬هذا �شعب �أراد �أن‬ ‫ي�أخذ حقو ًقا مدني ًة ال ت�سمى جها ًدا‪ ،‬اجلهاد له حدود وله‬ ‫موا�صفات �شرعية‪ ،‬ميوت فيه ال�شخ�ص و�أهله يدخلون‬ ‫اجل�ن��ة‪ ،‬وي�ت�ع�ّي�نّ عليه ال �ق��ادر وغ�ير ال �ق��ادر‪ ،‬لي�ست هذه‬ ‫الق�ضية يا �أ�ستاذ‪ ،‬والذين قاموا بالثورة مل ي�ستفتوا �إما ًما‬ ‫وال �شيخً ا‪ ،‬ومل يفعلوها لأنّ الإ�سالم قال لهم ذلك‪ ،‬هم‬ ‫فعلوها لك�سب حقوقهم املدنية‪ ،‬هذه ق�ضية تهمهم‪� .‬أما �أن‬ ‫ي�أتي ال�شارع با�سم ال�شرع والعامل با�سم ال�شريعة‪ ،‬ويقول‬ ‫للنا�س افعلوا وال تفعلوا هذه‪ ،‬فهذه ق�ضية خطرية‪ ،‬نحن‬ ‫اعرت�ضنا على ال��ذي��ن �أف�ت��وا باجلهاد يف �سوريا يف وقت‬ ‫من الأوق��ات‪ ،‬وقلنا لهم �إن الق�ضية لي�ست ق�ضية جهاد‪،‬‬ ‫الق�ضية معركة بني احلاكم واملحكوم‪ ،‬تو�صل بالطرق‬ ‫التي تتاح للحاكم وللمحكوم‪� ،‬أما �أن نحولها �إلى جهاد‪،‬‬ ‫فنحن ن�أمر امل�سلمني كافة ب��أن ي�شرتكوا فيها ولذلك‪،‬‬ ‫كل الذين اعرت�ضوا على هذ الفتوى وكل امل�شايخ الذين‬ ‫هم �أعظم مني و�أك�بر مني �سنًّا‪ ،‬و�أك�ثر عل ًما‪ ،‬قلت لهم‬ ‫�أنتم تفتحون ب��اب �سوريا للتدمري؛ لأن��ك عندما تفتي‬ ‫امل�سلمني �أن��ت ت�ق��ول ل�ل��ذي ي�سكن يف �أ��س�ترال�ي��ا‪ ،‬وللذي‬ ‫تف�ضل‬ ‫ي�سكن يف تنزانيا‪ ،‬وللذي ي�سكن يف الدار البي�ضاء‪ّ :‬‬ ‫وارف��ع ال�سالح �ضد هذا احلاكم‪� ،‬أن��ت در�ست ال��واق��ع؟!‪..‬‬ ‫هل �أنت ٌ‬ ‫عارف ماذا يحوي ه�ؤالء من �إمكانية حتى يثوروا‬ ‫على احلاكم؟!‪ ...‬ما دمت تفتي ب�شرعية ذلك‪� ،‬أنت ك�أنك‬ ‫ت�أمرهم بهذا الفعل‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪47‬‬


‫ال���س��ؤال‪ -:‬م��اذا تقول مل��ن ي�شعر ب��أن��ه مظلوم‪ ..‬لهذا‬ ‫الذي ي�شعر ب�أن حقه قد ُ�سلب‪� ،‬أو مل ُي َ‬ ‫عط حقه يف احلياة‬ ‫الكرمية والعمل؟‬ ‫اجل��واب‪ -:‬يا �أخي هل كل مظلوم يثور على احلاكم؟‬ ‫نحن ب��ذل��ك فتحنا ب��اب الفو�ضى‪ ،‬ه��ذه ال �ث��ورات لي�ست‬ ‫ق�ضية مرتبة‪ ،‬هي ال ت�سمى ثورة‪� ،‬إذا مل تكن مرتبة‪ ،‬هي‬ ‫انفعال �شعبي �أطاح بحاكم وانتهت الق�ضية‪ .‬لي�ست ق�ضية‬ ‫تعاد وترتب ويدعى عليها‪ ،‬وتفتي النا�س ب�ش�أنها‪ ،‬ولي�ست‬ ‫ق�ضية ُيحاك على منوالها‪ ،‬هي ال ت�أتي الثورات �إال بعد‬ ‫قرن �أو قرنني وانتهت الق�ضية‪� .‬أما �أن حتدثني عن �أولئك‬ ‫بع�ضا على‬ ‫ال��ذي��ن يفتون لعامة النا�س ليقتل بع�ضهم ً‬ ‫معنى �أن اجلهاد فري�ضة‪ ،‬و�أن احلاكم ظامل‪ ،‬فال �سند لهم‬ ‫من ال�شريعة يف ذلك �أب ًدا‪ ،‬ومل يفتي علماء الأمة بجواز‬ ‫خرق �إجماع الأمة على حاكم �أن يطالبوا بحقوقهم فهذه‬ ‫ق�ضيتهم‪ ،‬لكن �أن يتحول ذلك �إلى جهاد �شرعي معمول به‬ ‫�شر ًعا‪ ،‬يثاب فاعله والذي ال يفعله يعاقب‪ ،‬هذا ال يجوز‪.‬‬ ‫ال�صحابة حني رفعوا ال�سالح بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬مل يكن‬ ‫هذا جها ًدا‪ ،‬كان نزا ًعا �سيا�س ًّيا‪ ،‬ولذلك‪ ،‬مل يكفّر بع�ضهم‬ ‫بع�ضا‪ ،‬ومل يتجا�سر �أحد على تكفري هذا �أو هذا‪ ،‬فعائ�شة‬ ‫ً‬ ‫توقفت �أم��ام ع�ل��ي‪ ،‬وع�ل��ي ت��وق��ف �أم��ام عائ�شة‪ ،‬وكالهما‬ ‫مبكانة من الإ�سالم ومكانة من الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،‬مل ي ّدعي �أحد منهم �أنه جماهد‪.‬‬ ‫ال���س��ؤال‪ -:‬م��ن ه��و امل��ؤه��ل ليعطى فتوى للنا�س ب��أن‬ ‫يجاهدوا؟‬

‫‪48‬‬

‫اجل��واب‪ -:‬ه��ذه الق�ضية ال جت��وز �أ��ص�ًل‪،‬اً ‪ ،‬ال فتوى يف‬ ‫اجل �ه��اد‪ ،‬و�إمن ��ا ب�ق��رار م��ن احل��اك��م‪ ،‬قلت ل��ك �إن اجلهاد‬ ‫م�شروع دولة ولي�س م�شروع �أف��راد‪ ،‬و�إال فتحنا لكل حارة‬ ‫احلق لأبنائها يف �أن يرفعوا ال�سالح با�سم اجلهاد‪ ،‬ودخلنا‬ ‫يف فو�ضى عارمة‪.‬ال�س�ؤال‪ -:‬ماذا يفعل النا�س الذين يرون‬ ‫املفتني حولهم؟ يعني الآن يف �شيخ حمرتم معروف من‬ ‫علماء الأمة يقول �أنا على غري اتفاق مع احلكومة‪ ..‬يفتي‬ ‫باخلروج على احلاكم؟‬ ‫اجل��واب‪ -:‬ال��ذي يفتي باخلروج على احلاكم يف هذا‬ ‫الظرف‪ ،‬يجب �أن ُينهر ويمُ نع‪ ،‬ويجب �أن ميتنع النا�س‬ ‫عن ال�سماع له‪� ،‬أن تكون دعوته لإ�صالح ذات البني بني‬ ‫امل�سلمني‪� ،‬أن ي�ع� ّرف احل��اك��م ب��واج��ب الإ��س�لام املفرو�ض‬ ‫عليه يف �أن يق�ضي حاجات �شعبه‪� ،‬أن يقول لهذا احلاكم‬ ‫�أن��ت ظلمت النا�س واعتديت عليهم فهذا من حقه‪ ،‬لكن‬ ‫�أن ينتقل بعد التو�صيف �إلى دعو ٍة حلمل ال�سالح‪ ،‬فهذه‬ ‫مرحلة ال يجوز اخرتاقها‪.‬ال�س�ؤال‪ -:‬لو �أتى �أحدهم‪ ،‬وقد‬ ‫تعلم ودر�س الدين من ال�شيخ عبد الفتاح ليحكم هل �أنه‬ ‫�أهل ليفتي �أم ال‪ ،‬كيف تق ّيمه؟‬

‫اجل � ��واب‪ -:‬ال‪ ،‬ه ��ذه ال�ق���ض�ي��ة ل�ي���س��ت ق���ض�ي��ة تقييم‬ ‫ف ��ردي‪ ،‬ه��ذه تقييم م�ؤ�س�سات‪ ،‬ينبغي �أن ُيعطى ه ��ؤالء‬ ‫�شهادات تبيح لهم �أن يفتوا يف ق�ضايا حمددة‪ ،‬الذي يعرف‬ ‫الأن�ك�ح��ة وق�ضايا ال�ط�لاق وق�ضايا ال� ��زواج‪ ،‬وال يعرف‬ ‫ق�ضية البيوعات‪ ،‬ال ي�ستطيع �أن يفتي �إال فيما يعرفه‪،‬‬ ‫وه � ��ؤالء يمُ �ت�ح�ن��وا و ُي�ع�ط��ى ل�ه��م م��ا ي��ؤه�ل�ه��م لأن يفتوا‬ ‫النا�س يف ق�ضاياهم اليومية‪� ،‬أن��ت تتحدث ع��ن ق�ضايا‬ ‫�أكرب من هذه‪ ،‬عن ق�ضايا لها مردود �سيا�سي‪ ،‬عن ق�ضايا‬ ‫لها م��ردود على الأم��ة‪ ،‬لي�ست ق�ضايا �سهلة حتى نكلها‬ ‫�إل��ى �شخ�ص يح�سن التقدير �أو ي�سيء التقدير‪ ،‬يح�سن‬ ‫الفهم �أو ال يح�سن الفهم‪ ،‬يريد �أن ينزل �آي � ًة على غري‬ ‫حملها‪ ،‬قاتلوهم يعذبكم اهلل ب�أيديكم‪ ،‬كيف ينزلها يف‬ ‫غري مكانها؟ يقول ه�ؤالء كفرة‪ ،‬والقر�آن يقول ال ينهاكم‬ ‫اهلل عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين‪ ،‬ومل يخرجوكم من‬ ‫دي��ارك��م �أن تربوهم وتق�سطوا �إليهم‪ ،‬ه��ذا حكم �شرعي‪،‬‬ ‫هو ين�سى هذا احلكم‪ ،‬ويقدم حك ًما ثان ًيا؛ لأن من ترك‬ ‫ال�صالة فقد كفر‪ ،‬يقول هذا احلاكم ترك ال�صالة �إذن هو‬ ‫كافر‪ ،‬وما دام كاف ًرا‪ ،‬نخرج على الكافر‪ ،‬وال نر�ضى بحكم‬ ‫الكافر‪ ،‬وينزّل احلديث على غري حمله؛ لأنه مل يجمع‬ ‫علماء الأمة على �أنه من ترك ال�صالة فهو كافر‪ ،‬والإمام‬ ‫ال�شافعي عندما ناق�ش تلميذه الإمام �أحمد يف فهمه لهذا‬ ‫احلديث‪ ،‬عندما حكم يف كفر من ترك ال�صالة‪ ،‬قال‪ :‬يا‬ ‫�أح�م��د‪ ،‬وكيف يدخل الإ��س�لام؟ ق��ال‪ :‬يدخله بال �إل��ه �إال‬ ‫اهلل‪ .‬قال‪ :‬فكيف يخرج منه وهو يقولها؟ ف�سكت الإمام‬ ‫�أحمد‪ ،‬يعني �أن الن�ص حمله على غري حمله؛ لأن هذا‬ ‫الن�ص يفهم يف �إطار جمموعة الن�صو�ص ال�شرعية التي‬ ‫تتعامل معها‪ ،‬والنظرة الإجمالية ال�شرعية يف جوانبها‬ ‫ن�صا مبعزل عن بقية الن�صو�ص‪،‬‬ ‫املختلفة؛ حتى ال ينزل ًّ‬ ‫وحتى يعرف الظروف التي �صدر فيها ذلك الن�ص‪ .‬الذي‬ ‫ج��اء و�أف�ت��ى النا�س ب ��أن م��ن �أك��ل حل��م اجل��زور فليتو�ض�أ‬ ‫ل�ق��ول��ه �صلى اهلل عليه و��س�ل��م‪( :‬م��ن �أك ��ل حل��م اجل��زور‬ ‫فليتو�ض�أ)‪� .‬أي �أكل حلم ناقة‪ ،‬ف�أفتى ب�أنه ينبغي �أن يتو�ض�أ‬ ‫�إذا �أكلوا حلم الناقة‪� ،‬سنده يف ذلك احلديث ال��ذي رواه‬ ‫الإم ��ام �أح�م��د يف م�سنده‪� ،‬أج��اب��ه النا�س ب ��أن م��ن يتو�ض�أ‬ ‫لي�س و� �ض��وء ال���ص�لاة‪ ،‬و�إمن ��ا م��ا ن�س ّميه غ�سل اليدين‬ ‫و�ضوء اليدين‪ ،‬فهو حمل معنى من املعاين على �إطالقه‬ ‫ال���ش��رع��ي‪ ،‬م��ع �أن ��ه ا�ستعمل يف غ�ير �إط�لاق��ه ال�شرعي‪،‬‬ ‫و�إمن��ا يف �إط�لاق��ه التعاملي ب�ين النا�س‪ ،‬فهذه الق�ضايا‬ ‫تغيب عن كثري من الذين ال يدركون مرامي العلم وال‬ ‫يفهمون الن�صو�ص‪ ،‬ولذلك‪ ،‬ه�ؤالء ال نبيح لهم �أن يفتوا‬ ‫يف ق�ضايا تتعلق بزواجنا‪ ،‬وطالقنا‪ ،‬ب��أوالدن��ا‪ ،‬بحاللنا‪،‬‬ ‫وال نبيح لهم �أن يفتوا يف ق�ضايا تتعلق بعالقتنا ب�شعبنا‪،‬‬ ‫ب�أمتنا‪ ،‬بدولتنا‪ ،‬براحتنا‪ ،‬بهنائنا‪ ،‬هذا ي�أتي يفتيني ب�أن‬ ‫�أخرج على احلاكم‪ ،‬يعني يطلب مني �أن �أقتل نف�سي و�أقتل‬ ‫�أبنائي‪ ،‬و�أ�ست�سيغ هذا الكالم‪ ،‬هو لو جاءين �شخ�ص‪ ،‬فقال‬ ‫يجب �أن تخرج من بيتك لأن بيتك فيه جن‪� ،‬أتق ّبل ذلك؟‬


‫�شخ�صا ما مع ّم ًما ملتح ًيا‪ ،‬يظهر‬ ‫فينا من يرتك بيته لأن‬ ‫ً‬ ‫عليه ال�صالح‪ ،‬ق��ال يا �أخ��ي ه��ذا البيت فيه ج��ن‪ ،‬واجلن‬ ‫ذكر‪ ،‬وهو ال يقبل �أن جتل�س معه لأنك ذكر‪ ،‬فاخرج من‬ ‫بيتك‪� .‬أتت�صور �أين �أ�ستمع �إليه؟ �أنا �إذا كنت �أحكّم عقلي‬ ‫و�أقدر م�صلحتي ال�شخ�صية‪ ،‬ف�إنني ال �أ�ستمع �إليه‪ ،‬فكيف‬ ‫ن�ستبيح لأنف�سنا �أن نرتك هناءنا وراحتنا يف بلدنا‪ ،‬و�أن‬ ‫نفتي ب�أن يقتل �أبنا�ؤنا وتقتل ن�سا�ؤنا‪ ،‬و�أن جنودنا الذين‬ ‫�صنعناهم ليحموا حدودنا‪ ،‬نع ّر�ضهم لأن يقتلوا بيد �أنا�س‬ ‫ال يفهمون احلياة وال املمات‪ ،‬وال يدركون مرامي الدنيا‪،‬‬ ‫وال يفهمون من العلم �شيئًا‪ ،‬ويع ّولون على فتوى �شخ�ص‬ ‫مل ينزل معهم �إل��ى ال�ساحة‪ ،‬وه��و جال�س يف بيته يفتي‬ ‫النا�س‪ ،‬يطعم وي��أك��ل وي�شرب‪ ،‬ويتفرج على التلفزيون‪،‬‬ ‫ويقول للنا�س موتوا‪ ...‬اهلل!!‪..‬‬

‫اجلواب‪ -:‬قلنا �إن نع ّلم امل�ستفتي ب�أال يطرق باب �أي كان‬ ‫و�أن يكون له عالقة جتعله يعلم �أن هذا الذي ي�ستفتيه هو‬ ‫را�سخ يف علمه و�أنا �أقول عن الق�ضايا الهامة التي تتعلق‬ ‫بحالل وحرام برابطة الزوجية من طالق �أو من ر�ضاع‬ ‫�أو من غريها‪ ،‬وهي الق�ضايا ال�شائكة التي ال ينبغي �أن‬ ‫ي�ستفتى فيها كل �أحد من العلماء بل يجب �أن نرجع �إلى‬ ‫املفتي الر�سمي لأن ه��ذه الق�ضايا �سيرتتب عليها حكم‬ ‫يتعهد الق�ضاء باحلكم فيه‪.‬ال�س�ؤال‪ -:‬ما ر�أيك بطريقة‬ ‫تقدمي املفتي الآن يف املعاهد وكليات ال�شريعة واجلامعات‪،‬‬ ‫هل اخلطوات التي يتبعها الطلبة الذين يتعلمون ال�شرع‬ ‫ت�ؤهلهم ليكونوا مفتني؟‬ ‫اجل ��واب‪ -:‬ه��ذه ب��داي��ات‪� ..‬أن��ا قلت الب��د م��ن ت�أ�صيل‬ ‫احلكم ال�شرعي يف ذهن املفتي‪ ،‬والبد من تكوين اجتماعي‪،‬‬ ‫والبد من تكوين نف�ساين‪ ،‬وهذا اجلانب ال ننظر �إليه وال‬ ‫نتعهد به‪ ،‬وهو �ضروري البد منه‪ ،‬لأنك بامل�ستفتي تعرف‬ ‫نيته من عينيه‪ ،‬من طريقة �إلقاء �س�ؤاله‪ ،‬تفهم ما الذي‬ ‫يرغب فيه‪ ،‬يف بع�ض الأح�ي��ان‪ ،‬هو يريد �أن يت�سرت بها‪،‬‬ ‫�أن يربر فعلاً يعزم على القيام به‪ ،‬ويريد �أن ي�أخذ طاب ًعا‬ ‫�شرع ًّيا لهذا الأمر‪ ،‬فهو يك ّيف احلديث ب�شكل يدعوك لأن‬ ‫تقول له نعم احلكم ال�شرعي كذا‪ ،‬وتبيح له الفعل الذي‬ ‫يرغب فيه‪ ،‬ويل�صق بك الفتوى مع �أن��ه هو ال��ذي �صنع‬ ‫ذلك احلكم مبا قدمه من معطيات حاول �أن يراوغ فيها‪.‬‬

‫ال�ف�ت��وى ه��ي �أ��ص�ع��ب م��راح��ل ال�ع�ل��م؛ لأن�ه��ا ا�ستيعاب‬ ‫للن�صو�ص ال�شرعية‪ ،‬ثم �إرادة تنزيلها على واقعة حمددة‪.‬‬ ‫الب��د من معرفة احل��ال‪ ،‬معرفة ال��واق��ع‪ ،‬معرفة جريان‬ ‫ال�ع�م��ل‪ ،‬معرفة م��ا ال��ذي ي��رغ��ب فيه امل�ستفتي؟ م��ا هي‬ ‫غايته م��ن طلب ال�ف�ت��وى؟ ه��ذا يحتاج �إل��ى علم نف�س‪،‬‬ ‫وعلم اجتماع‪ ،‬ومعرفة بال�شرع‪ ،‬ومعرفة مبرامي ال�شارع‪،‬‬ ‫مقا�صد ال���ش��رع‪ ،‬ومعرفة الن�صو�ص‪ ،‬وم��ا ت�ستند �إليه‪،‬‬ ‫فهذه ق�ضية معقدة يف احلقيقة‪ ،‬وميكن �أن يخطئ العامل‬ ‫يف املناط‪ ،‬ما ن�سميه املناط‪ ،‬وهو ترتيب النازلة يف اجلانب‬ ‫الفالين من فروع العلم‪ ،‬هو �س�ألني عن وديعة واملو�ضوع‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬هل من ال�ضروري �أن يكون املفتي متعل ًما‬ ‫ال يتعلق بوديعة‪ ،‬و�إمنا يتعلق بهدية مثلاً ‪ ،‬هو �س�ألني عن‬ ‫ق�ضية تتعلق بالإرث‪ ،‬وهذه ق�ضية ال تتعلق بالإرث‪ ،‬و�إمنا تعلي ًما ر�سم ًّيا جامع ًّيا؟‬ ‫تتعلق بالو�صية لوارث‪ ،‬فهذا يحتاج �إلى دقة يف فهم فروع‬ ‫اجلواب‪ -:‬هذا �أ�ضمن‪ ،‬لأن التعليم الر�سمي اجلامعي‬ ‫العلم‪ ،‬ومعرفة بالواقعة‪ ،‬وو�ضعها يف حالتها حتى ننزّل جعل عليه رقابة‪ ،‬وتعرفنا �إلى �أن هذا الرجل قد تخرج‬ ‫احلكم املنا�سب لها‪� ،‬إذن‪ ،‬ق�ضية اال�ستفتاء؛‬ ‫ب ��إج��ازة ر�سمية م��ن ع�ل�م��اء ��ش�ه��دوا ل�ه��م ب��امل�ع��رف��ة‪ .‬وه��و‬ ‫ق�ضية �إ�صدار الفتوى للنا�س ق�ضية �صعبة الطريق الذي تعودناه يف �سائر م�آربنا اليومية‪ .‬يعني لو‬ ‫ي�أتيني �شخ�ص يقول �أنا تعلمت الطب ولكن لي�س بيدي‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬ما هي اخلطوات التي ت�ؤهل ال�شخ�ص للإفتاء؟ �شهادة �أو م�ؤهل علمي �صادر من جامعة تتعاطى الطب‬ ‫وتعلم الطب‪ ،‬هل �أقبل ب��أن �أعطيه ج�سدي؟ ال �أعطيه‪.‬‬ ‫اجل��واب‪ -:‬ال يت�أهل للفتوى من ي ّدعي لنف�سه عل ًما‪.‬‬ ‫يجب فيقول واهلل �أنا عارف‪ ،‬و�أنت يف عينيك �صفرة‪ ،‬يعني �أنت‬ ‫ُ�سئل الإم��ام مالك عن �أكرث من ثالثني نازلة فلم‬ ‫ثمان‪ ،‬وقال يف بقيتها اهلل �أعلم‪ ،‬وهو �إمام الهجرة‪ .‬غلبت كريات دمك البي�ضاء على كريات دمك احلمراء‪،‬‬ ‫�إال يف ٍ‬ ‫وك��ان �أ�صحاب ر�سول اهلل والتابعون يتدافعون الفتوى و�أنت �سنك كذا‪ ...‬ال �أقبل منه ذلك‪ ،‬ملاذا؟ لأنني �أحر�ص‬ ‫ف�إذا جاء �أحد يف جمل�س‪ ،‬ووجد عبد اهلل بن م�سعود �أحاله ع�ل��ى ��س�لام��ة ج���س��دي‪ .‬رمب��ا ي�ك��ون ه��ذا ال�شخ�ص ع��املً��ا‬ ‫على علي بن �أبي طالب وعلي يحيله على عمر وعلى �أبي بالطب‪ ،‬لكن ال �ضمان �إال تلك ال�شهادة التي ي�أتي بها‪،‬‬ ‫بكر‪ ،‬وكانوا ال ي�سرعون ب�إفتاء النا�س‪ ،‬كانوا يقولون من رمبا الذي ي�أتيني ب�شهادة ال �أقبله‪ ،‬و�أم ّيز عليه �صاحب‬ ‫عالمة العامل �أن يتجافى الإ�سراع باجلواب على ما يقدم �شهادة ٍ‬ ‫ثان‪ ،‬لأنه �أبرع منه‪ ،‬و�أعلم منه‪ ،‬و�أكرث ثقة منه يف‬ ‫له من �س�ؤال �أو ما يطرح عليه من فتوى‪ ،‬وكتب يف ذلك‬ ‫هب‬ ‫الإمام ال�سيوطي كتا ًبا يف الفتوى واملفتي وامل�ستفتي وهو ميدانه‪ ،‬هذا طيب‪ .‬لكن �أن نفتح الباب �أمام كل من ّ‬ ‫ودب لي�صبح مفت ًيا يف ق�ضايا الأمة‪ ،‬هذا ال يجوز‪� .‬أما �أن‬ ‫ّ‬ ‫كتاب مطبوع معروف ينبغي الرجوع �إليه لتحديد هذه‬ ‫املفاهيم‪.‬ال�س�ؤال‪ -:‬ما هي م�س�ؤولية امل�ستفتي نف�سه‪� ...‬أنا يكون له�ؤالء ت�سل�سل يف فهم العلم فيما يتعلق بعباداتنا‬ ‫علي فعله كي �أح�صل على فتوى اليومية‪ ،‬فهذا ال �ضري فيه‪� .‬أم��ا �أن يكون الأم��ر متعلقًا‬ ‫ٍ‬ ‫كم�ستفت ما الذي يجب ّ‬ ‫من املفتي؟‬ ‫ب�أمر ح�سا�س‪ ،‬يتعلق باحلالة ال�شخ�صية للنا�س‪ ،‬مبوقفهم‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪49‬‬


‫من القانون وموقف القانون منهم‪� ،‬إلى �أن ي�صل الأمر‬ ‫�إلى موقفهم من ال�سلطة‪ ،‬فهذه ق�ضية ال يعهد بها لكل‬ ‫من ي ّدعي لنف�سه عل ًما‪.‬‬ ‫أنا�سا قد �أف�ت��وا النا�س يف‬ ‫ونحن ر�أي�ن��ا ويف بلدنا ه��ذا � ً‬ ‫ق�ضايا و�صلت �إل��ى ح��د التكفري وا�ستباحة ال��دم��اء‪ ،‬ملا‬ ‫روجعوا تراجعوا‪ ،‬وه�ؤالء قالوا كنا خمطئني هم نف�سهم‬ ‫الذين �أفتوا �سابقًا وب ّينوا �سبب خطئهم‪ ،‬ورجعوا �إلى احلق‬ ‫بن�صو�ص �شرعية اعتمدوا غريها يف الفتوى التي ذكروا‬ ‫�أنهم �أخط�ؤوا فيها يعني �أن الإن�سان ميكن �أن يخطئ لأنه‬ ‫ر�أى الق�ضية من جانب ومل يرها من جانب �آخ��ر‪ ،‬نزّل‬ ‫ن�صا من�سوخً ا يف ق�ضية ورد‬ ‫حك ًما ون�سي حك ًما ثان ًيا‪ ،‬اعتمد ًّ‬ ‫حكم �شرعي ٍ‬ ‫ثان ب�ش�أنها‪ ،‬فه�ؤالء ب ّينوا �أنهم �أخط�ؤوا‪� ،‬إذن‪،‬‬ ‫ما دمنا نتوخى الرغبة يف ال�صواب والرغبة يف ال�صالح‪،‬‬ ‫ودب خا�صة يف هذه‬ ‫هب ّ‬ ‫فال ينبغي �أن نفتح الباب لكل من ّ‬ ‫الفرتة‪� ،‬أنا �أقول هذه الفرتة دقيقة‪� ..‬أنت الآن ت�ستفتيني‪،‬‬ ‫تطلب م�ن��ي ح�ك� ًم��ا ��ش��رع� ًّي��ا‪� ،‬أق ��ول ال��و��ض��ع ال ��ذي نعي�شه‬ ‫دعي ي ّدعي عل ًما‪.‬‬ ‫يدعونا �إلى �إغالق الباب �أمام كل ٍّ‬ ‫ال�س�ؤال‪ -:‬ماذا نقول لل�شباب املندفع الذي يريد �أن‬ ‫يدافع من �أجل حق الأمة و�إعادة كرامة الأمة‪ ،‬ويذهبون‬ ‫�إلى امل�سفتني لري�شدوهم ويوجهوهم؟‬

‫‪50‬‬

‫اجل��واب‪� -:‬أي �أمة يا �أ�ستاذ؟ ه��ؤالء يرغبون يف �إعادة‬ ‫كرامة الأمة؟ هم ي�سلكون الطريق التي تعاد فيه الكرامة‬ ‫للأمة؟ ال‪ ..‬غري �صحيح‪ .‬هل كرامة الأم��ة تعاد بفتوى‬ ‫يف قتل النا�س؟ كرامة الأمة ال تعاد �إال مبا فعله نبي اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬علم النا�س القر�آن‪ ،‬قال‪ :‬اقر�أ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫الرحمن خلق الإن�سان علمه البيان‪ ،‬قال‪ :‬علم الإن�سان ما‬ ‫مل يعلم‪ ،‬قال‪ :‬وعلم �آدم الأ�سماء كلها‪ ،‬قال‪ :‬فاعلم �أنه ال‬ ‫�إال اهلل‪ .‬املعرفة هي �سبيلنا �إلى العلم‪ ،‬واملعرفة هي �سبيلنا‬ ‫�إل��ى �إق��ام��ة �صرح الإ� �س�لام يف نفو�سنا‪ ،‬نحن ال ينق�صنا‬ ‫ن����ص م��ن ن���ص��و���ص ن�ح��ن مل نعتمدها �أب � � ًدا يف حياتنا‪،‬‬ ‫مبلتح ي�أمر النا�س‬ ‫إ�صالحا‪ ،‬ن�أتي‬ ‫ت�صوروا �أن��ه �إذا �أردن��ا �‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫وينهاهم يف �صالتهم و�صيامهم‪ ،‬قال هذا �إقامة الدولة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬ويغلق اخل ّمارات‪ ،‬وي�أتي للن�سوة فيحجبهن‬ ‫عن �أنظار الرجال‪ ،‬وانتهت الق�ضية‪ ،‬ه�ؤالء ي�أتوننا اليوم‬ ‫بربنامج حل��ل م�شكلة الفقر لدينا؟ يقدمون لنا حلاًّ‬ ‫لق�ضية ت�شغيل �شبابنا؟ يريدون �أن يوازنوا بني وارداتنا‬ ‫و�صادراتنا‪ ،‬حتى ال نكون مدينني ملن نتعامل معهم‪ ،‬وال‬ ‫تذهب �أم��وال�ن��ا وعملتنا ال�صعبة �إل��ى دي��ار �أن��ا���س لي�سوا‬ ‫يفوقوننا ال ع�ل� ًم��ا وال م�ع��رف� ًة‪� ،‬إال �أن ح��زم�ه��م جعلهم‬ ‫منتجني‪ ،‬ورخ ��اوة حياتنا وب�ساطتنا يف فهمنا جعلتنا‬ ‫م�ستهلكني‪� .‬أنا ال �أت�صور �أن ه�ؤالء يحدوهم هذا الدافع‪،‬‬ ‫لأنه لو حداهم هذا الدافع لتب ّينوا الطريق املو�صلة �إلى‬ ‫ذل��ك‪ .‬ي��ا �أب�ن��ائ��ي‪� ..‬أن�ت��م ال ت�ستطيعون �أن ت�غ�يروا و�ضع‬

‫�أم��ة ‪ %30‬منها �أميون ال يح�سنون القراءة والكتابة‪ ..‬يا‬ ‫�أب�ن��ائ��ي‪� ..‬أن�ت��م ال ت�ستطيعون تغيري ح��ال �أم��ة طعامها‪،‬‬ ‫و��ش��راب�ه��ا‪ ،‬ولبا�سها و��س�ي��ارت�ه��ا‪ ،‬وه��ات�ف�ه��ا‪ ،‬واحل �ب��ة التي‬ ‫يتداوون بها‪ ،‬والطبيب ال��ذي يداويهم وك�سوته‪ ،‬و�آالت��ه‬ ‫كلها من وراء احل��دود‪ .‬كيف ت�صلحون احلال؟ يعني هي‬ ‫الق�ضية �أن تزيل حاك ًما؟ ت�أتيني �أن��ا يف تون�س فتزيلني‬ ‫�أن��ا وت�أتي بحاكم ث� ٍ‬ ‫�ان؟ �إي مرح ًبا ب��ه‪ ..‬ما ال��ذي �سيفعله‬ ‫ح��اك�م��ك ه ��ذا‪ ،‬ال ��ذي ه��و �أك�ث�ر م�ن��ي ت �ق��وى‪ ،‬و�أك�ث�ر مني‬ ‫ا�ستقامة‪ ،‬و�أكرث مني التزا ًما‪ ،‬ويبكي بالليل عند الدعاء‪..‬‬ ‫ريا‬ ‫ما الذي ي�ستطيع �أن يفعله �أمام جماعة ُّ‬ ‫تعم جز ًءا كب ً‬ ‫من �شعبي؟ و�أمام (‪� )620‬ألف �شاب ينتظرون �أن ُي�شغَّلوا‪..‬‬ ‫قل له يا ابني ِح ْل هذه امل�شاكل‪ ،‬عو�ض �أن تعي�ش يف ال�سراب‬ ‫وال�سحاب‪ ..‬بني الكتاب وال�سحاب‪ِ ..‬ع ْ�ش يف الواقع‪ .‬وافهم‬ ‫�أن الأمة مل ت�أخذ قوتها �إال بعد �أن �أع ّدت م�ؤ�س�ساتها‪ .‬نبي‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم تُقتل �سمية �أم��ام��ه‪ ،‬ويعتدى‬ ‫على �أهلها �أمامه ويبكون �أمامه‪ ،‬ويقولون يا ر�سول اهلل‪،‬‬ ‫فيقول مل �أ�ؤمر ب�شيء‪ ،‬فيقول هذا النبي عندما انتقل �إلى‬ ‫املدينة‪ ،‬ع ّرى �شخ�ص امر�أ ًة ربط لبا�سها بعقي�صة �شعرها‪،‬‬ ‫فلما قامت من جمل�سها ت�ع� ّرت‪ ،‬ف�ضحك النا�س‪ ،‬ف�أمر‬ ‫النبي بهذا الرجل وجماعته �أن يق�صوا من املدينة ملاذا؟‬ ‫لأن��ه تبدلت م��وازي��ن ال�ق��وى‪ ،‬و�أ�صبح ذا �سلطة‪ ،‬ويحمي‬ ‫الأمن العام‪ ،‬الأمة هي �آثمة كلها عاملها وجاهلها‪ ،‬غنيها‬ ‫وفقريها‪ ،‬حاكمها وحمكومها‪ ،‬كلهم �آثمون؛ لأنهم تخلوا‬ ‫عن واجب الكفاية حلالتهم‪ ،‬و�أنتم حتدثونني عن رجل‬ ‫يقتل رجلاً ‪� ،‬أمل يوجد القتل من خم�س �سنوات؟ ع�شرات‬ ‫بع�ضا؟‬ ‫املئات والآالف من امل�سلمني للأمة؟ يقتل بع�ضها ً‬ ‫الذي يقتل يقول ال �إله �إال اهلل‪ ،‬والذي ي�سرق يقول ال �إله‬ ‫�إال اهلل‪� ،‬أتت�صورون �أن اهلل ٍ‬ ‫را�ض عنا؟ �أتت�صورون �أن ر�سول‬ ‫اهلل عندما تعر�ض عليه �أعمالنا كل يوم خمي�س‪ ،‬يطمئن‬ ‫بع�ضا؟ ملاذا؟ ‪ ..‬ملاذا؟ الذي‬ ‫حلال هذه الأمة وبع�ضها يقتل ً‬ ‫مل يفعله عدونا فينا‪ ،‬فعلناه نحن ب�أنف�سنا وع�شر مرات‬ ‫بالقدر الذي كان فيه‪ .‬مل ينل �أحد منا‪ ،‬بقدر ما نلنا من‬ ‫بع�ضنا ومن �أنف�سنا‪ .‬مل��اذا تقتله؟ لأن��ه ظ��امل؟ يعني �أنت‬ ‫�أعنته على الدخول �إلى جهنم؟ �أمل يكن من واجبك �أن‬ ‫تدعوه ليُحجم عن �ضالله �إن كان �ضالًّ‬ ‫وتنتظره‪ ،‬وت�صرب حتى ي�أتيه اهلل‪ ،‬لو عاجل الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم خ�صومه بالإبادة‪ ،‬ما كان ليبقى ال عمر‪،‬‬ ‫وال عثمان بن عفان‪ ،‬وال غريهم من ال�صحابة �أب ًدا‪� .‬إذن‪،‬‬ ‫�أق��ول يا �أبنائي‪ ..‬يا �أخ��ي‪ ..‬فكر‪ ..‬فكر‪ ..‬اخرج من ظلمة‬ ‫العقل �إلى نور العلم‪ .‬وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬


‫شخصية العدد‬

‫أ‪.‬د‪.‬‬

‫إعداد ‪ :‬هيئة التحرير‬

‫كثرية هي الأ�سماء التي تتزاحم يف الذاكرة الإن�سانية‪،‬‬ ‫كا�سم المع‪،‬‬ ‫ولكن القليل منها ما يقفز �إلى نقطة ال�ضوء ٍ‬ ‫جامع ل�صفات جتعل �صاحبها �أ�شهر من نا ٍر على علم يف‬ ‫ٍ‬ ‫ميدان علمه‪ ،‬ومبا يت�صف به من خلق و�أدب وفكر‪.‬‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور عبد احلليم عوي�س‪ ،‬هو واح��د من‬ ‫الأ�سماء التي يقف املرء عندها مل ًّيا‪ ،‬وهو يحاول �أن يلملم‬ ‫م��ا تناثر م��ن �أث��ر لهذا ال��رج��ل يف كتاب هنا‪ ،‬ويف مقالة‬ ‫هناك‪ ،‬ويف م�ؤمتر بعنوان كذا‪ ،‬ويف ندوة كذا‪� ،‬إذ �إن امتداد‬ ‫اال�سم عرب عقود من الزمان‪ ،‬وعرب �أمكنة عديدة تنقّل‬ ‫فيها وبينها‪ ،‬مواطنًا وطال ًبا وزائ ًرا وباحثًا‪ ،‬جعل من هذا‬ ‫اال�سم عنوانًا لكل ف�ضيلة‪ ،‬وطريقًا نحو كل مكرمة‪.‬‬

‫مبرتبة ال�شرف الثانية‪ ،‬ومل يتوقف طموحه عند درجة‬ ‫اللي�سان�س؛ بل تابع م�سريه يف درا�سة التاريخ الإ�سالمي‬ ‫واحل���ض��ارة الإ��س�لام�ي��ة ليتخرج ع��ام ‪ 1973‬م��ن جامعة‬ ‫القاهرة بدرجة املاج�ستري؛ الأمر الذي �ضاعف من رغبته‬ ‫مبتابعة درا�سته‪ ،‬ليعود ثانية �إلى اجلامعة نف�سها طال ًبا‬ ‫يف مرحلة ال��دك�ت��وراه‪� ،‬إذ تخرج فيها ع��ام ‪ 1978‬مبرتبة‬ ‫ال�شرف‪ ،‬وعمل باحثًا يف املناهج مبركز املناهج والبحوث‬ ‫والدرا�سات الرتبوية بالكويت‪ ،‬يف الفرتة ما بني (‪-1971‬‬ ‫‪ ،)1975‬ث��م حما�ض ًرا مل��ادة الثقافة الإ�سالمية بجامعة‬ ‫الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية بالريا�ض‪ ،‬يف الفرتة‬ ‫ما بني (‪ ،)1977-1975‬ليعود بعد ح�صوله على الدكتوراه‬ ‫�أ��س�ت��اذًا يف اجلامعة نف�سها‪ ،‬مت�سل�سلاً بالرتب العلمية‬ ‫فيها �إلى درجة الأ�ستاذية‪ ،‬ليغادر اجلامعة عام ‪ 1994‬بعد‬ ‫خم�سة ع�شر عا ًما‪.‬‬

‫ولد عبد احلليم عوي�س بتاريخ ‪ ،1943/7/12‬يف قرية‬ ‫�سند�سي�س‪ ،‬م��ن �أع�م��ال مركز املحلة ال�ك�برى ‪ /‬غربية‪.‬‬ ‫ويف قريته ت�ل��ك‪ ،‬تلقى تعليمه الأويل‪ ،‬ث��م �شد ال��رح��ال‬ ‫مل يقف ال��دك�ت��ور عبد احلليم عوي�س على مرحلة‬ ‫�إل��ى جامعة ال�ق��اه��رة‪ ،‬ليدخل كلية دار ال�ع�ل��وم يف ق�سم تاريخية واح��دة يختار م��اد ًة لطالبه‪ ،‬ب��ل ق��ام بتدري�س‬ ‫اللغة العربية وال�ع�ل��وم الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬ليتخرج ع��ام ‪ 1968‬ت��اري��خ امل �غ��رب ال �ع��رب��ي والأن��دل ����س‪ ،‬وال �ت��اري��خ احل��دي��ث‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪51‬‬


‫‪52‬‬

‫املعا�صر‪ ،‬مثلما د ّر� ��س ت��اري��خ ال�ف��رق وامل��ذاه��ب يف الفكر‬ ‫ه��ذا ف���ض� اً​ًلا ع��ن �إجن� ��از م��و��س��وع��ة م��وج��زة يف ح��دود‬ ‫الإ�سالمي والتاريخ الإ�سالمي بكل ع�صوره‪ ،‬حم� اً‬ ‫�اول �أن ‪� 800‬صفحة للجامعة الأمريكية املفتوحة‪ ،‬بالتعاون مع‬ ‫ريا علم ًّيا فل�سف ًّيا للتاريخ‪ ،‬عندما د ّر�س تف�سري م�ساعدين له من الباحثني يف التاريخ‪ ،‬وقد طبعت‪.‬‬ ‫يجد تف�س ً‬ ‫التاريخ من منظور فل�سفي‪ ،‬هذا ف�ضلاً عن تناوله ال�سرية‬ ‫وقد ا�شرتك الدكتور عوي�س مع �أربعة من الأ�ساتذة‬ ‫النبوية كمادة علمية لطالبه‪.‬‬ ‫ب��الإ� �ش��راف ال�ع�ل�م��ي ع�ل��ى م��و��س��وع��ة (الإدارة ال�ع��رب�ي��ة‬ ‫وق��د عمل زائ � ًرا يف العديد من اجلامعات العاملية يف الإ�سالمية) حل�ساب املنظمة العربية للتنمية الإداري��ة‬ ‫الهند واجلزائر‪ ،‬وماليزيا وباك�ستان‪ ،‬وتون�س وال�سودان‪ ،‬التابعة جلامعة الدول العربية‪ ،‬يف ثالثة ع�شر جز ًءا (‪77‬‬ ‫وت��رك�ي��ا‪ ،‬مثلما ق��ام ب��زي��ارات علمية وثقافية للواليات جم�ل� ًدا)‪ ،‬وك��ان م���س�� اً‬ ‫ؤول وم�سه ًما يف �إع��داد م��واد (�إدارة‬ ‫املتحدة الأمريكية وبريطانيا‪ ،‬وفرن�سا و�أملانيا‪ ،‬و�إ�سبانيا اجلي�ش والق�ضاء‪ ،‬وال�شرطة و�إدارة التنظيمات املهنية‬ ‫وبلجيكا‪ ،‬وهولندا ودول اخلليج‪ ،‬هذا ف�ضلاً عن ح�ضوره واحلرفية العربية الإ�سالمية (النقابات) يف احل�ضارة‬ ‫لأكرث من مائة م�ؤمتر عاملي و�إقليمي‪.‬‬ ‫الإ�سالمية عرب مراحل التاريخ الإ�سالمي‪.‬‬ ‫كان رحمه اهلل مطل ًبا علم ًّيا لطالبه؛ فاختاره الع�شرات‬ ‫مثلما �أ� �ش��رف على �إجن ��از معجم م�صطلحات علوم‬ ‫م��ن الطلبة م�شر ًفا �أك��ادمي� ًّي��ا لر�سائلهم و�أطروحاتهم القر�آن حل�ساب دار الوفاء بالقاهرة‪ ،‬و�أ�سهم ب�إعداد بع�ض‬ ‫العلمية اجلامعية يف جم��ال التاريخ يف بلده م�صر‪ ،‬ويف املواد العلمية‪ ،‬ف�ضلاً عن م�س�ؤوليته عن �إجنازها‪.‬‬ ‫ال�سعودية كذلك‪.‬‬ ‫رئي�سا لتحرير جملة كلية العلوم االجتماعية‪،‬‬ ‫عمل ً‬ ‫�أغ�ن��ى ال��دك�ت��ور عبد احلليم عوي�س املكتبة العربية ال���ص��ادرة ع��ن الكلية (ج��ام�ع��ة الإم ��ام حممد ب��ن �سعود‬ ‫رئي�سا‬ ‫بالعديد من امل�ؤلفات ذات الأثر املفيد يف ال�ساحة الفكرية الإ��س�لام�ي��ة ب��ال��ري��ا���ض) ل�سنوات ع��دة‪ .‬كما عمل ً‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة امل �ع��ا� �ص��رة‪ ،‬ف�ه��و ��ص��اح��ب ج �ه��ود م��و��س��وع�ي��ة يف للتحرير باال�شرتاك مع الدكتور (ظفر الإ��س�لام خان‪،‬‬ ‫جم��ال تف�سري ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي للنا�شئني‪ ،‬مثلما �أث��رى يف دلهي بالهند) ملجلة التاريخ الإ�سالمي التي �صدرت‬ ‫املكتبة بالعديد من الكتب‪ ،‬مثل‪( :‬العبادات يف الإ�سالم‪� ،‬سنوات عدة بطريقة دورية‪.‬‬ ‫ن�ظ��ام الأ� �س��رة يف الإ� �س�ل�ام‪ ،‬م���ش�ك�لات ال���ش�ب��اب يف �ضوء‬ ‫الإ��س�لام‪ ،‬حقوق الإن�سان يف الإ��س�لام‪ ،‬الفقه الإ�سالمي‬ ‫ل �ق��د ت ��رك ال��دك �ت��ور ع��وي ����س خ ��زان ��ة ع�ل�م�ي��ة زاخ ��رة‬ ‫بني التطور والثبات‪ ،‬ق�ضايا امل��ر�أة يف الإ��س�لام‪ ،‬التكافل بالعناوين املتعددة يف ميادين العلم والفكر‪ ،‬التي ت�شهد‬ ‫االجتماعي يف الإ� �س�لام‪ ،‬الرعاية ال�صحية يف الإ��س�لام‪ ،‬بالريادة يف كل علم خا�ض عباب بحره الوا�سع‪ ،‬متنقلاً‬ ‫الوظائف الإ�سالمية‪ :‬فقه وح�ضارة‪ ،‬وم�شكالت االقت�صاد يف ذلك بني التاريخ واحل�ضارة الإ�سالمية‪ ،‬وبني الثقافة‬ ‫الإ�سالمي)‪.‬‬ ‫الإ� �س�لام �ي��ة والإع� �ل ��ام‪ ،‬وال�ت�راج ��م وال �� �س�ير‪ ،‬وامل �ع��ارك‬ ‫والأخ �ل��اق‪ ،‬وال�ف�ك��ر ال���س�ي��ا��س��ي واحل��رك��ات التجديدية‬ ‫وبعد ح�صول امل�ؤلف على � ٍ‬ ‫إذن مبلكيته للكتب ال�سابقة‪،‬‬ ‫بالقاهرة ال�سيا�سية‪ ،‬وال�سرية النبوية‪.‬‬ ‫مت عملها كمو�سوعة يف ثالثة جملدات‪ ،‬ن�شرت‬ ‫عن دار الوفاء يف م�صر‪ ،‬حتت عنوان‪" :‬مو�سوعة الفقه‬ ‫ت���ش� ّرف��ت ال �ع��دي��د م��ن ال�ه�ي�ئ��ات وال ��رواب ��ط العلمية‬ ‫الإ�سالمي املعا�صر ‪"2005‬؛ وه��ي حماولة لتقدمي فقه واجل�م�ع�ي��ات الثقافية ب ��أن �ض ّمت ا��س��م ال��دك�ت��ور عوي�س‬ ‫�إ��س�لام��ي معا�صر‪ ،‬مي��زج ب�ين الفقه امل� ��وروث‪ ،‬وم��ا ي��راه ع�ض ًوا بني �أع�ضائها‪ :‬كرابطة الأدب الإ�سالمي العاملية‪،‬‬ ‫الفقهاء املعا�صرون الأحياء‪.‬‬ ‫واحتاد كتاب م�صر‪ ،‬ونقابة ال�صحفيني‪ ،‬واحتاد امل�ؤرخني‬ ‫�أ��ش��رف الدكتور عوي�س على عمل مو�سوعة يف نحو العرب وغريها‪.‬‬ ‫ع�شرة �آالف �صفحة للتاريخ الإ��س�لام��ي ع�بر الع�صور‪،‬‬ ‫وقد غادر ج�سده الطاهر الدنيا يوم ‪1433/1/13‬ه �ـ‪،‬‬ ‫و�أجن ��زت منذ �أع ��وام ع��دة ل�سمو الأم�ي�ر ال��دك�ت��ور �سعود املوافق ‪2012/12/9‬م‪ ،‬ومل يغادر فكره وروحه و�أثر علمه‬ ‫بن �سلمان بن حممد �آل �سعود بالريا�ض (وق��د ا�شرتك وثقافته‪ ،‬فنحن معه حيث نقر�أ له‪ ،‬وهو معنا حيث نكون‬ ‫يف �إعدادها نحو �ستني م�ؤرخً ا ومفك ًرا من عدد كبري من على نهجه ومنهجه يف العلم والفكر والثقافة واخللق‪.‬‬ ‫البالد العربية‪ ،‬و�أ�سهم فيها الدكتور رحمه اهلل مبواد‬ ‫رح��م اهلل العامل امل ��ؤ ّرخ الأدي��ب ال�صحفي الناقد �أ‪.‬د‪.‬‬ ‫عديدة‪� ،‬إلى جانب قيامه بالإ�شراف العلمي عليها و�إجن‬ ‫ازها)‪.‬‬ ‫عبد احلليم عوي�س رحمة وا�سعة وغفر له‪.‬‬


‫مجلة‬

‫ترصد فعاليات اليوم العلمي الثاني عشر‬

‫لجمعية إعجاز القرآن والسنة‬ ‫بتاريخ ‪2017/1/23‬م الموافق ‪ /24‬ربيع الثاني ‪1438 /‬هـ‬

‫في المركز الجغرافي األردني‬ ‫النجوم �أجرام �سماوية تزين �صفحة ال�سماء الدنيا‪،‬‬ ‫وهي‏ ك��روي��ة �أو �شبه ك��روي��ة‪ ،‬‏غازية‏ ملتهبة م�ضيئة‬ ‫بذاتها‏‪ ،‬متما�سكة بقوة اجلاذبية رغ��م بنائها الغازي‏‪،‬‬ ‫وهي‏ هائلة الكتلة‪،‬‏ عظيمة احل�ج��م‪ ،‬عالية احل��رارة‪،‬‬ ‫‏وت�شع ال�ن�ج��وم م��وج��ات كهرومغناطي�سية على هيئة‬ ‫ال�ضوء امل��رئ��ي وغ�ير امل��رئ��ي بجميع موجاته‏‪ .‬‏وميكن‬ ‫ب��درا��س��ة ��ض��وء ال�ن�ج��وم الوا�صل‪� ‬إلينا‪ ،‬ال�ت�ع��رف على‬ ‫ال�ع��دي��د م��ن �صفاتها الطبيعية والكيميائية‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫درجة اللمعان‪،‬‏و�شدة الإ�ضاءة‪،‬‏ودرجة احلرارة‏‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إلى حجمها‪ ،‬وكتلتها‏‪ ،‬وتركيبها الكيميائي‪.‬‬

‫م‪ .‬حاتم البشتاوي‬ ‫‪ 220.000‬ك ��م ‪ /‬الثانية‪ .‬ول�ع� ّل ه��ذه الإزاح ��ة احلمراء‬ ‫للمج ّرات التي حتقق �سرعة ابتعادها العالقة اخلطية‬ ‫ل�ق��ان��ون ه��اب��ل‪ ،‬دل�ي��ل على �أنّ ه��ذه امل �ج � ّرات مربوطة‬ ‫بجذب بناء ما ّدة مظلمة‪.‬‬ ‫وخلق اهلل ال�سماوات والنجوم قبل الإن�سان بباليني‬ ‫ال�سنني‪ ،‬والنجوم م�صابيح ال�سماء‪ ،‬وهي م�سخرة ب�أمره‬ ‫تعالى‪ ،‬وقد جعلها منارات يهتدي بها النا�س يف ظلمات‬ ‫ال�بر وال�ب�ح��ر‪ ،‬كما جعلها دال��ة على عظمته وق��درت��ه‬ ‫وحكمته وب��دي��ع �صنعه‪ ،‬وطلب م��ن النا�س التفكر يف‬ ‫خلقها‪ ،‬وجعل هذا التفكر داللة على عمق الإمي��ان به‬ ‫تعالى‪ ،‬بديع ال�سماوات والأر�ض وفاطرها وخالقها‪.‬‬

‫‪ ‬وال�س َماء بناء حمكم‪ ،‬خ� ٍ‬ ‫�ال م��ن الفطور وال�ف��روج‬ ‫َّ‬ ‫متو�سع بقوة اهلل ( َو�إِ َّن��ا لمَ ُ ِ‬ ‫و�س ُعونَ)‪ ،‬وقد‬ ‫وال�شّ قوق‪ ،‬وهو ّ‬ ‫وق��د ورد ذك��ر النجم وال�ن�ج��وم ‪ 13‬م��رة يف ال�ق��ر�آن‬ ‫�أم �ك��ن ق�ي��ا���س ��س��رع��ة حت��رك ت�ل��ك امل �ج��رات وتو�سعها‪،‬‬ ‫وت��راج �ع �ه��ا ع �ن��ا م��ن خ�ل�ال ق �ي��ا���س خ �ط��وط ال�ط�ي��ف الكرمي‪ ،‬و�أق�سم تعالى بالنجم‪" :‬والنجم �إذا هوى"‪ ،‬كما‬ ‫لعدد م��ن ال�ن�ج��وم‪ ،‬وثبت �أن�ه��ا ت�ت�راوح ب�ين ‪� - 60.000‬أق�سم بالنجم الطارق‪" :‬وال�سماء والطارق * وما �أدراك‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪53‬‬


‫‪54‬‬

‫ما الطارق * النجم الثاقب"‪ ،‬و�أق�سم باخلن�س *اجل��وار وم��ا ي��زال��ون يف كل ع��ام يكت�شفون املزيد من �أ��س��رار هذا‬ ‫الكن�س"‪ ،‬كما �أق�سم مبواقع النجوم "فال �أق�سم مبواقع الكون الوا�سع‪.‬‬ ‫النجوم * و�إنه لق�سم لو تعلمون عظيم"‪،‬‏ ويحمل الق�سم‬ ‫وال ي�سعنا يف هذه املنا�سبة �إال �أن نتقدم بال�شكر اجلزيل‬ ‫بالنجوم وم��واق�ع�ه��ا‪ ،‬التحدي لعلماء الف�ضاء والفلك‬ ‫والفيزياء �إل��ى ي��وم الدين لدرا�سة ه��ذا الكون الوا�سع‪ ،‬لعطوفة العميد ال��دك�ت��ور املهند�س ع��وين اخل�صاونة‪،‬‬ ‫وال�ت�ف�ك��ر يف ه��ذه ال�ن�ج��وم ذات ال���ض�خ��ام��ة وال���س��رع��ات‪ ،‬مدير املركز اجلغرايف امللكي الأردين‪ ،‬والإخ��وة العاملني‬ ‫والإميان �أن هذا القر�آن حق‪ ،‬و�أنه تنزيل من رب العاملني‪ .‬يف املركز على جهودهم يف �إقامة هذا امللتقى العلمي‪.‬‬ ‫وي��أت��ي �إق��ام��ة ه��ذا ال�ي��وم العلمي ال�ث��اين ع�شر ال��ذي‬ ‫ك�م��ا ن�ت�ق��دم ب��ال���ش�ك��ر �أي �� ً��ض��ا �إل ��ى اجل�م�ع�ي��ة الفلكية‬ ‫تقيمه اجلمعية الأردنية لإعجاز القر�آن وال�سنة‪ ،‬بالتعاون‬ ‫م��ع امل��رك��ز اجل �غ��رايف امل�ل�ك��ي الأردين واالحت� ��اد العربي الأردن� �ي ��ة‪ ،‬واالحت � ��اد ال �ع��رب��ي ل�ع�ل��وم ال�ف���ض��اء وال�ف�ل��ك‪،‬‬ ‫لعلوم الفلك والف�ضاء‪ ،‬وي�شارك فيه نخبة من العلماء والأ�ساتذة املحا�ضرين مقدمي الأوراق‪ ،‬ور�ؤ�ساء اجلل�سات‬ ‫وال�ب��اح�ث�ين لي�ضيف ل�ب�ن��ة ج��دي��دة ل�ب�ن��اء � �ص��رح علمي على م�شاركتهم يف �إقامة هذه الفعالية‪.‬‬ ‫�إمي��اين‪ ،‬فيما يتناوله من موا�ضيع عن ال�سماء وبنائها‪،‬‬ ‫أي�ضا بال�شكر اجلزيل لو�سائل‬ ‫وال نن�سى �أن نتقدم � ً‬ ‫وعن الكون وات�ساعه‪ ،‬وعن النجوم واالهتداء بها‪ ،‬وعن‬ ‫مواقعها العظيمة‪ ،‬ولي�شري �إلى �إعجاز القر�آن الكرمي يف الإع �ل�ام املختلفة ال�ت��ي ق��ام��ت بتغطية ه��ذه الفعالية‪،‬‬ ‫�سبقه بالإ�شارة �إلى �إحدى حقائق الكون املبهرة التي مل داعني اهلل �أن يحفظهم ويرعاهم‪ ،‬وال�سالم عليكم ورحمة‬ ‫يكن النا�س يعرفون عنها �شيئًا عند نزول القر�آن الكرمي‪ ،‬اهلل وبركاته‪.‬‬


‫شذرات كونية‬ ‫د‪ .‬يوسف محمود‬

‫بنية الكون‬

‫وق ��د ح�م��ل ال��ر� �س��ل والأن �ب �ي��اء ع�ق�ي��دة اهلل و��ص�ف��ات‬ ‫الألوهية احلقة �إلى �أممهم‪ ،‬غري �أن الب�شرية انحرفت يف‬ ‫ت�صوراتها عن هذه احلقيقة و�أخذت ب�أ�ساطري من �أنواع‬ ‫�شتى‪ ،‬ون�سبوا �إلى الذات الإلهية من اخلرافات وال�شركاء‬ ‫م��ا مل ي� ��أذن ب��ه اهلل؛ ف�ك��ان البابليون ي��رون �أن ال�سماء‬ ‫ترتكز على جبال يف �أطراف الأر�ض‪ ،‬و�أن ال�سماء زرقاء؛‬ ‫لكونها تتكون من حجارة ثمينة‪ ،‬و�أن اجلبال يف الأر�ض‬ ‫مكان �سكن الآلهة‪ ،‬والأر�ض امل�ستوية �سكن الب�شر وباطن‬ ‫الأر�ض مكان للموتى‪.‬‬

‫يتعلق حديثنا هنا بتطور ت�صورات الب�شر ع��ن هذا‬ ‫ال�ك��ون منذ ب��دء اخلليقة حتى ع�صرنا ال��راه��ن‪ .‬وتقرر‬ ‫احلقيقة ال�ق��ر�آن�ي��ة �أن اهلل تعالى ه��و ب��دي��ع ال�سماوات‬ ‫والأر���ض‪ ،‬و�أن��ه هو فاطر ال�سماوات والأر���ض‪ ،‬و�أن��ه خلق‬ ‫ال�سموات والأر���ض يف �ستة �أي��ام‪ ،‬و�أن��ه جل �ش�أنه ا�ستوى‬ ‫�إلى ال�سماء وهي دخ��ان‪ ،‬فقال لها وللأر�ض �إئتيا طو ًعا‬ ‫�أو كر ًها قالتا �أتينا طائعني* فق�ضاهن �سبع �سموات يف‬ ‫�أما الإغريق؛ فقالوا بفكرة الآلهة الع�شرة التي حتمل‬ ‫يومني و�أوح��ى يف كل �سماء �أمرها‪ ،‬وزينا ال�سماء الدنيا الأج��رام الفلكية‪ ،‬و�أ�ضفوا �صفات �إلهية لهذه الأج��رام‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مب�صابيح‬ ‫وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم‪ )12-11( .‬و�أن�ه��ا خ��ال��دة ال��وج��ود و�أزل �ي��ة ال�ق��دم‪ ،‬حيث ك��ان �أر�سطو‬ ‫يطلق عليها اململكة الأب��دي��ة ‪.kingdom of eternity‬‬ ‫من �سورة ف�صلت‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪55‬‬


‫من اليوم العلمي إلعجاز القرآن والسنة‪...‬‬

‫بينما يف حقيقة الأمر يف الن�ص القر�آين‪� ،‬أن اهلل وحده هو‬ ‫احلي القيوم‪ ،‬و�أنه الباقي‪ ،‬و�أن كل �شيء هالك �إال وجهه‪.‬‬ ‫ف�ك��ان تفكريهم ينتمي جزئ ًّيا �إل��ى املرحلة الثانية من‬ ‫مراحل التفكري الب�شري‪ ،‬وهي املرحلة امليتافيزيقية كما‬ ‫يقرر ذلك الفيل�سوف الفرن�سي �أوج�ست كومت ‪Auguste‬‬ ‫‪ Comte‬يف القرن التا�سع ع�شر‪.‬‬ ‫وق��د بقي الأم��ر كذلك يف �أوروب ��ا‪ ،‬حتى ب��داي��ة ع�صر‬ ‫النه�ضة العلمي الذي بد�أ يف القرن ال�سابع ع�شر امليالدي؛‬ ‫حيث ب��د�أ علم الفلك يتطور ب�صورة ج��ادة متزامنًا مع‬ ‫املرحلة الو�ضعية ح�سب ت�صنيف �أوج�ست كومت‪ .‬وا�ستمر‬ ‫ريا حتى و�صل �إل��ى ما نراه‬ ‫تطور علم الفلك تطو ًرا كب ً‬ ‫الآن‪.‬‬ ‫ون�شري هنا �إلى فرعني رئي�سيني لعلم الفلك اخلا�ص‬ ‫بالكون الوا�سع‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫علم الكون الت�صويري ‪ :cosmography‬الذي يت�ألف‬ ‫من حقائق فلكية قائمة على �أ�سا�س من الر�صد الفلكي‬ ‫الدقيق‪ ،‬وال��ذي يتعلق فقط مبا يقل عن ‪ %3‬من جممل‬ ‫املادة الكونية‪،‬‬ ‫علم الكون التف�سريي ‪ :cosmogony‬ال��ذي يت�ألف‬ ‫من ت�أمالت نظرية عقلية قائمة على �أ�سا�س من معطيات‬ ‫العلوم الفيزيائية النظرية‪ ،‬وهذه الت�أمالت تت�أثر ب�شكل‬ ‫كبري بالر�ؤى الفل�سفية للعلماء‪.‬‬ ‫املادة املفقودة �أو املظلمة‬ ‫‪missing or dark matter‬‬

‫‪56‬‬

‫�إن م��ا يخ�ضع للبحث الفلكي ع�بر عملية الر�صد‬ ‫وامل�شاهدة ال يزيد عن ‪ %3‬من جممل امل��ادة التي يعتقد‬ ‫العلماء بوجودها يف هذا الكون املح�سو�س‪� .‬أما �سائر املادة‪،‬‬ ‫والتي يطلق عليها العلماء ا�سم امل��ادة املفقودة‪� ،‬أو امل��ادة‬ ‫املظلمة‪ ،‬فقد ا�ستدل عليها العلماء من خ�لال ت�أثريها‬ ‫اجلاذبي على املجرات وعناقيدها؛ ذلك �أن هذه امل��ادة ال‬ ‫تت�أثر بالقوى الكهرو ال�ضعيفة وال بالقوى بالنووية‬ ‫القوية‪ ،‬مم��ا يجعلها ال تعك�س ال�ضوء ال��ذي ه��و جم� ٌ‬ ‫�ال‬ ‫كهرومغناطي�سي حيث ال ميكن ر�ؤيتها‪ ،‬ومن هنا ُ�س ِّميت‬ ‫ٌّ‬ ‫باملادة املظلمة‪.‬‬

‫�إحدى مراحل التطور النجمي؛ حيث ي�صل فيها النجم‬ ‫خالل انكما�شه �إلى حجم �صغري ج ًّدا وكثافة هائلة‪ ،‬بحيث‬ ‫ت�صبح قوته اجلاذبية كبرية �إل��ى احلد ال��ذي متكنه من‬ ‫ابتالع �أية مادة قريبة منه‪ ،‬وي�ؤدي ابتالعه املتتايل للمواد‬ ‫النجمية �إلى امل�ساهمة يف �صغر حجمه‪� ،‬إ�ضافة �إلى زيادة‬ ‫مرافقة ل�شدة قوته اجلذبية‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬قدرته الهائلة‬ ‫على ابتالع املزيد‪ .‬ومن املعلوم �أن الثقب الأ�سود هو جنم‬ ‫متنا ٍه يف �صغره ويف حجمه‪ ،‬حيث يكاد يك ّون متفرد ًة كونية‬ ‫هائلة الكتلة‪ ،‬وهائلة القدرة اجلذبية التي ال ت�ستطيع‬ ‫امل��ادة وال حتى ال�ضوء الفلتان من داخله‪ ،‬بيد �أن هناك‬ ‫م�سافات قريبة منه تعرف ب�أفق احلدث ‪،event horizon‬‬ ‫ميكن عندها انبعاث الإ�شعاع الكهرومغناطي�سي‪ ،‬والذي‬ ‫ُي�س َّمى "�إ�شعاع هوكنغ"‪.‬‬ ‫يدوية الكون‬ ‫‪Handedness of the Universe‬‬

‫يتعلق مو�ضوع ي��دوي��ة ال�ك��ون بالتماثل ب�ين اليمني‬ ‫والي�سار يف ظ��واه��ر ال�ك��ون املختلفة‪ ،‬اب �ت��دا ًء م��ن �أ�صغر‬ ‫مكونات الكون وانتها ًء ب�أكربها‪ ،‬عبو ًرا بالكائنات احلية‬ ‫وبنيتها‪ .‬فمن املالحظ البينّ لدى العلماء‪� ،‬أن��ه رغم �أن‬ ‫القوانني الفيزيائية متماثلة بني اليمني والي�سار‪� ،‬إال �أن‬ ‫هناك الكثري من الظواهر الكونية تك�سر هذا التماثل‪.‬‬ ‫ومن �أمثلة ذلك‪ :‬النباتات املتلولبة‪ ،‬واحللزونات البحرية‪،‬‬ ‫والأح �م��ا���ض الأم�ي�ن�ي��ة‪ ،‬و�أخ�ي� ً�را امل �ج��رات ع�ل��ى امل�ستوى‬ ‫رجح �إحدى النظريتني املر�آتيني على‬ ‫الكوين‪ .‬فما الذي َّ‬ ‫مرجح؟‬ ‫الأخرى؟ حيث ال ترجيح دون ِّ‬ ‫ظواهر الن�ش�أة‬

‫وت�شمل هذه الظواهر كلاًّ من ن�ش�أة الكرة الأر�ضية‪،‬‬ ‫ون�ش�أة امل�ج��االت املغناطي�سية الكونية‪ ،‬ون�ش�أة املنظومة‬ ‫ال�شم�سية‪� ،‬إ�ضاف ًة �إلى ن�ش�أة النجوم واملجرات‪ ،‬وكل ذلك‬ ‫يتعلق بعلم الكون التف�سريي ‪ ،cosmogony‬حيث تغلب‬ ‫على ذلك التكهنات والت�أمالت العقلية املت�ضمنة العديد‬ ‫من الت�سا�ؤالت التي مل ي�ستطع العلماء الإج��اب��ة عليها‬ ‫الثقوب ال�سوداء‬ ‫حتى الآن‪ .‬ول�ع��ل ذل��ك ي�ع��ود �إل��ى ك��ون ه��ذه ال�ت���س��ا�ؤالت‬ ‫‪Black hole‬‬ ‫تتعلق بال�س�ؤال "ملاذا"‪ ،‬وال��ذي جماله الفل�سفة ولي�س‬ ‫�إ َّن مو�ضوع الثقوب ال�سوداء مو�ضوع �شائك‪ ،‬تتداخل العلم؛ لأن البحث العلمي يعتمد على مو�ضوع و�صفي‪،‬‬ ‫فيه اعتبارات كمومية‪ ،‬واعتبارات تتعلق بقوة اجلاذبية‪� ،‬أي كيف حت�صل الأ�شياء‪ ،‬ولي�س له عالقة مل��اذا حت�صل‬ ‫و�أخرى تتعلق بن�سبية �آين�شتني‪� ،‬إذ متثل الثقوب ال�سوداء بهذه الطريقة دون �سواها‪.‬‬


‫من اليوم العلمي إلعجاز القرآن والسنة‪...‬‬

‫فَلاَ �أُقْ�سِمُ بمَِوَاقِعِ ال ُّنجُوم َو ِ�إ َّن ُه َل َق َ�س ٌم َل ْو َت ْع َل ُم َ‬ ‫ون َع ِظيم‬ ‫المهندس حاتم البشتاوي‬ ‫رئي�س اجلمعية الأردنية لإعجاز القر�آن وال�سنة‬ ‫النجوم �أج��رام �سماوية تز ّين �صفحة ال�سماء الدنيا‪ ،‬النجوم يف جمرتنا‪ ،‬وقيا�س حوايل ‪ 200‬مليون جنم بدقة‬ ‫ويهتدي بها النا�س يف ظلمات الرب والبحر‪ ،‬وهي م�سخ ّرة �أف�ضل من ‪.٪ 10‬‬ ‫ب�أمره تعالى‪ .‬والنجوم‏كروية �أو �شبه كروية‏‪ ،‬غازية‏ ملتهبة‪،‬‬ ‫وال ميكن قيا�س �أب�ع��اد النجوم وامل �ج��رات باملقايي�س‬ ‫م�ضيئة بذاتها‏‪ ،‬متما�سكة بقوة اجلاذبية على الرغم من‬ ‫بنائها الغازي‏‪ .‬وهي‏ هائلة الكتلة‪،‬‏ عظيمة احلجم‪ ،‬وعالية العادية‪ ،‬حيث تُع ّد �سرعة ال�ضوء البالغة ‪ 300.000‬كم‬ ‫أ�سا�سا لقيا�س امل�سافات القريبة‪ ،‬بينما تُع ّد ال�سنة‬ ‫احلرارة‪،‬‏ وت�ش ُّع النجوم موجات كهرومغناطي�سي ًة على ‪ /‬ث � ً‬ ‫أ�سا�سا لقيا�س امل�سافات‬ ‫هيئة ال�ضوء املرئي وغري املرئي بجميع موجاته‏ ‏‪ .‬وميكن ال�ضوئية البالغة ‪ 9.5‬مليون كم � ً‬ ‫بدرا�سة �ضوء النجوم الوا�صل �إلينا التعرف على العديد بني ال�شم�س و�سائر النجوم واملجرات‪ ،‬و�أقرب النجوم �إلينا‬ ‫من �صفاتها الطبيعية والكيميائية‪ ،‬مثل‪ :‬درجة اللمعان‪ ،‬بعد ال�شم�س‪ ،‬هو النجم �ألفا قنطور�س الذي يبعد عنا‏‪4.3‬‏‬ ‫‏و�شدة الإ� �ض��اءة‪ ،‬‏ودرج��ة احل ��رارة‏‪� ،‬إ��ض��اف��ة �إل��ى حجمها‪� ،‬سنة �ضوئية (‪ )535.000‬مرة بعد ال�شم�س عنا‪،‬‏بينما يبعد‬ ‫عنا النجم القطبي حوايل‏‪ 00‬‏‪� 4‬سنة �ضوئي ‏ة‪،‬‏ ويبعد منكب‬ ‫وكتلتها‏‪ ،‬وتركيبها الكيميائي‪.‬‬ ‫اجلوزاء ‏‪ 600‬‏‪� 1‬سنة �ضوئية‏‏‪� ،‬أما �أ�شد النجوم بع ًدا عنا يف‬ ‫�أطلقت وك��ال��ة الف�ضاء الأوروب �ي��ة امل�سبار "جايا" يف جمرتنا‪،‬‏ ف ُيق َّدر بــ ‪� 80.000‬سنة �ضوئية‏‪.‬‬ ‫دي�سمرب ‪ 2013‬يف مهمة مدتها ‪� 5‬سنوات‪ ،‬لر�صد مواقع‬ ‫وحت�ت��وي جمرتنا على حوايل‏ ‪ 300‬بليون‏‏ جنم‏‪ ،‬ويف‬ ‫بليون جنم من جم� ّرة درب التبانة‪ ،‬وبناء من��وذج ثالثي‬ ‫الأب�ع��اد وذل��ك لر�صد حركتها واجتاهها‪ ،‬وه��ذا النموذج اجلزء املدرك من ال�سماء الدنيا يقدر العلماء ‪200.000‬‬ ‫� �س��وف ي��و ّف��ر للعلماء � �ص��ورة وا��ض�ح��ة ع��ن من��ط حركة مليون جمرة على الأقل‏‏‪ ،‬ت�سبح يف ركن من ال�سماء الدنيا‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪57‬‬


‫‏و�أقرب املجرات �إلينا تُع َرف با�سم "�سحب ماجالن" التي‬ ‫ويبلغ قطر �أك�بر جنمة مت اكت�شافها‬ ‫تبعد عنا ‪� 150.000‬سنة �ضوئية‪.‬‬ ‫‪ 2100 )Majoris‬قطر ال�شم�س‪ ،‬وحجمها يبلغ حوالى‬ ‫وق��د �شبه �أح��د العلماء املجموعة ال�شم�سية البالغ ‪ 9261.‬مليون مرة حجم ال�شم�س‪ ،‬وتبدو ال�شم�س بالن�سبة‬ ‫ّ‬ ‫‪ 12.000‬مليون كم برمتها بحجم ر�أ���س الإب��رة‪ ،‬لها كالفريو�س‪.‬‬ ‫قطرها‬ ‫ّ‬ ‫ن�سب ًة �إل��ى حجم جم��رة درب التبانة التي ننتمي �إليها‪.‬‬ ‫وهذه املعلومات مل يكن �أحد يعلم عنها �شيئًا �إال بعد‬ ‫ويبلغ من ات�ساع هذه املجرة �أننا لو �أننا قمنا ب�سوق �سيارة اكت�شاف املقاريب‪ ،‬وكان القدماء يعتقدون �أن النجوم هي‬ ‫من الأر�ض ب�سرعة ‪ 160‬كم ‪� /‬ساعة‪ ،‬قد ن�صل �إلى مركز امل�سامري التي تثبت ال�سماء‪ ،‬وجاء القر�آن العظيم وطلب‬ ‫املجرة بعد ‪ 345‬بليون �سنة تقري ًبا‪.‬‬ ‫منا �أن ننظر �إلى �صفحة ال�سماء‪ ،‬ونتدبر عظمة اخلالق‬ ‫مت ت�صغري حجم جم��رة التبانة لت�صبح بحجم الذي �أبدعها وفطرها‪ ،‬وخلقها و�سخ ّرها خلدمة الإن�سان‪.‬‬ ‫ول��و ّ‬ ‫يعادل حجم الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬ف�سيكون حجم‬ ‫وي�شري القَ�سم القر�آين العظيم مبواقع النجوم �إلى‬ ‫املجموعة ال�شم�سية بحجم فنجان ق�ه��وة‪ ،‬بينما �سيبلغ‬ ‫حجم الأر���ض �أق��ل من �أ�صغر ذرة غبار ال تكاد ُت��رى من �سبق القر�آن الكرمي بالإ�شارة �إل��ى �إح��دى حقائق الكون‬ ‫خالل �أقوى جمهر يف العامل! فما بالك بحجم الإن�سان املبهرة‪،‬‏ والتي م�ؤداها �أن النجوم من �أعظم �صور �إب��داع‬ ‫اهلل يف الكون‪ ،‬والتي ك�شف العلم عنها �أنها �أفران كونية‬ ‫باملنطق القيا�سي؟!‬ ‫عجيبة‪ ،‬يخلق اهلل‏‏ تعال ‏ى لنا فيها كل �صور املادة والطاقة‬ ‫كما �أن هناك ما ُي�س َّمى النجـوم العمالقة التي يبلغ التي ينبني منها هذا الكون املدرك‏‪ ،‬واملق�سم عليه‪�( :‬إِ َّن ُه‬ ‫مي * فيِ ِك� َت��ابٍ َم� ْك� ُن� ٍ‬ ‫�ون)‪ .‬وه��و �أن ه��ذا ال�ق��ر�آن‬ ‫حجم ال��واح��د منها ماليني امل��رات بالن�سبة لل�شم�س �أو َل � ُق � ْر�آنٌ َك � ِر ٌ‬ ‫�أك�ث�ر‪ ،‬كما يزيد ملعانها �أل��وف امل��رات‪ ،‬ومنها على �سبيل ك��رمي عظيم‪ ،‬وب��ال�ت��ايل‪ ،‬ف�أنتم �أك�ثر ع�ج�زًا �أم��ام معرفة‬ ‫املثال الآتية‪:‬‬ ‫كنه وحقيقة كالم اهلل الذي �أنزله يف الكتاب املكنون؛ ذلك‬ ‫يبعد عنا منكب اجل��وزاء (‪" )Betelgeuse‬النجم ال�ق��ر�آن الكتاب ال�ك��رمي‪ ،‬ال��ذي ‏جمع اهلل فيه للإن�سانية‬ ‫الأح �م��ر ف��وق العمالق" م�سافة ‪� 1600‬سنة �ضوئية‪ ،‬كلها‏ من الفوائد واملنافع‪ ،‬ما مل ي�شتمل عليه �أي كتاب‬ ‫وق�ط��ره ‪ 630‬قطر ال�شم�س‪ ،‬وي��زي��د حجمه على ‪� 274.‬سماوي �سابق من �أ�صول الدين ومن العقيدة‪ ،‬والعبادة‬ ‫واحلكم‪ ،‬والأخالق واملعامالت‪.‬‬ ‫مليون حجم ال�شم�س‪.‬‬ ‫(‪VY Canis‬‬

‫‪58‬‬


‫من اليوم العلمي إلعجاز القرآن والسنة‪...‬‬

‫و�إ َّنا ملُ ِ‬ ‫و�ســـعـون‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬حسين يوسف العمري‬ ‫ ق�سم الفيزياء ‪ -‬جامعة م�ؤتة ‪ /‬الأردن‬‫ي�ب�ّي�نّ ه��ذا ال�ب�ح��ث �أنّ ه�ن��اك ب �ن��ا ًء ��س�م��او ًّي��ا م��رف��و ًع��ا‬ ‫اً‬ ‫وم�صقول‪ ،‬يتك ّون من �سبع طرائق �أو طبقات‪ .‬كما‬ ‫وم�س ًّوى‬ ‫أي�ضا �أنّ جم ّرة درب التبانة التي يبلغ طولها‬ ‫يبينّ البحث � ً‬ ‫‪� 100.000‬سن ًة �ضوئية‪ ،‬وت�ض ّم حوايل ‪300.000.000.000‬‬ ‫جنم‪ ،‬تقع قرب البناء ال�سماوي الأول ال��ذي هو احلافة‬ ‫العلوية للكون‪.‬‬ ‫‪ ‬وبناء ال�سماء محُ � َك��م‪ ،‬خ� ٍ‬ ‫�ال م��ن ال�ف�ط��ور وال�ف��روج‬ ‫متو�سع بقوة اهلل ( َو�إِ َّن��ا لمَ ُ ِ‬ ‫و�س ُعونَ)‪ ،‬وقد‬ ‫وال�شّ قوق‪ ،‬وهو ّ‬ ‫�أمكن قيا�س �سرعة حترك تلك املجرات وتو�سعها وتراجعها‬ ‫عنا من خالل قيا�س خطوط الطيف لعدد من النجوم‪،‬‬ ‫وثبت �أنها ترتاوح بني ‪ 220.000 - 60.000‬كم ‪ /‬الثانية‪.‬‬ ‫ولع ّل هذه ‪ ‬الإزاحة احلمراء للمج ّرات التي حتقق �سرعة‬ ‫ابتعادها العالقة اخلطية لقانون هابل (‪ ،)Hubble‬دليل‬ ‫على �أنّ هذه املج ّرات مربوطة بجذب بناء ما ّدة مظلمة‪.‬‬ ‫‪ ‬وهذا ال�ب�ن��اء ه��و م�صدر م��ا ُي�س ّمى ال�ط��اق��ة املظلمة‬ ‫(‪ )Dark Matter‬ا ّلتي تت�س ّبب يف مهاد وفر�ش الأر�ضني‬ ‫ال�سبع‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬والأ ْر�� َ�ض َف َر�شْ نَا َها َف ِن ْع َم المْ َ ِاه ُدونَ)‪.‬‬ ‫( َوالأ ْر َ‬ ‫�ض) يت ّم فر�شها ومهادها يف كل حلظة‪ .‬وهذه املا ّدة‬ ‫املظلمة الزم��ة الجن ��ذاب وجت� ّم��ع ال�ن�ج��وم داخ��ل امل�ج� ّرة‬ ‫ال��واح��دة‪ ،‬والج�ت�م��اع امل �ج � ّرات داخ��ل العناقيد امل�ج��ر ّي��ة‪،‬‬ ‫تو�سع ال�ك��ون‪ ،‬وت�شري‬ ‫والطاقة املظلمة ال تتناق�ص م��ع ّ‬ ‫تو�سع ال�ك��ون �إل��ى تخ ّلق ك� ٍّ�ل م��ن امل��ادة والطاقة‬ ‫ظ��اه��رة ّ‬ ‫يف�سر‬ ‫لتملأ امل�ساحات الناجتة عن هذا التو�سع‪ ،‬وهو ما ّ‬ ‫لنا ثبات البعد بني ال�سماء والأر�ض‪.‬‬ ‫‪ ‬وي�شري العلماء �إلى �أن ‪ ‬ال�سماء هي م�صدر الإ�شعاع‬ ‫�روي املتجان�س‪ ،‬واملتماثل املناحي‬ ‫اخللفي ال�ك��وين امل�ي�ك� ّ‬ ‫االجت��اه�ي��ة عند درج��ة احل ��رارة (‪ )2.725‬كلفن‪ ،‬والتي‬ ‫تعك�س قيمته موقع كلمة تفاوت يف قوله تعالى‪" :‬ما ترى‬ ‫يف خلق الرحمن من تفاوت" [ �سورة امللك ‪ .]3 -‬‬

‫�رج��ح‬ ‫‪ ‬وميثّل ث��اب��ت ه��اب��ل م�ع� ّدل التو�سع ال�ك��وين‪ ،‬وي� ّ‬ ‫فريق م��ن العلماء قيمة ه��ذا الثابت‪ "75" ‬وه��ذا الرقم‬ ‫ي�ساوي رق��م �آي��ة الق�سم مب��واق��ع النجوم (‪ .)75‬وبينما‬ ‫يرجح فريق �آخر من العلماء قيمته العدد ّية (‪ ،)55‬وهي‬ ‫قريبة ج ًّدا من رقم �سورة الواقعة (‪ )56‬التي وردت فيها‬ ‫�آية الق�سم مبواقع النجوم؛ والفرق "واحد" بني القيمتني‬ ‫العددية‪ ،‬هو �أقل من ن�سبة اخلط�أ يف احت�ساب قيمة ثابت‬ ‫هابل‪.‬‬ ‫ك��ان��ت ك�ث��اف��ة ال�ط��اق��ة امل�ظ�ل�م��ة ك �ب�ير ًة يف ال �ك��ون بعد‬ ‫يتو�سع بت�سارع‬ ‫االنفجار العظيم مبا�شرة‪ ،‬حيث كان الكون ّ‬ ‫كبري �أثناء حقبة الت�ضخّ م (‪ )inflation‬؛ �أ ّم��ا يف حقبة‬ ‫التمايز (‪ ،)decoupling‬فقد �أو�ضحت الر�ؤية العلمية‬ ‫�أنّ ن�سبة الطاقة املظلمة قليلة‪ِ ( :‬ب�غَ�ْيررْ ِ َع� َم� ٍ�د َت� َر ْو َن� َه��ا)‪،‬‬ ‫حيث كانت املادة املظلمة ت�شكل ‪ ،% 63‬وهذا مما كان يعطي‬ ‫فر�صة لتخ ّلق ذرات الهيدروجني ث ّم الهيليوم‪.‬‬ ‫ويتمثل الإع �ج��از ال �ق��ر�آين يف الآي��ة الكرمية‪َ ( :‬و�إِنَّا‬ ‫لمَ ُ��و�� ِ�س � ُع��ونَ) �إل ��ى ا��س�ت�م��راري��ة ال�ت��و��س��ع ال �ك��وين‪ ،‬واخل��ال��ق‬ ‫�سبحانه وا�سع عليم يو�سع بناء ال�سماء يف ك ّل حلظة بعلمه‬ ‫وحكمته وق��درت��ه‪ .‬وق��د دلّ ظاهر الآي��ة على �أنّ ال�سماء‬ ‫التو�سع‬ ‫وا�سعة‪ )inflation( ‬عندما خلقها اهلل تعالى‪ ،‬و�أنّ‬ ‫ّ‬ ‫فيها دائ��م م�ستمر �إل��ى ي��وم ال��دي��ن‪ .‬كما ‪ ‬ثبت علم ًّيا �أنّ‬ ‫ّ‬ ‫ويتفطر‪ ،‬وهذه‬ ‫الكون يتم ّدد ب�شكل مت�سارع حتى ين�شقّ‬ ‫احلقائق العلمية مل يفطن لها علماء الفلك والفيزياء‬ ‫�إال ‪ ‬يف الثالثة عقود الأخ�يرة من القرن الع�شرين‪� ،‬أي‪:‬‬ ‫بعد �أربعة ع�شر قرنًا من نزول القر�آن العظيم‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪59‬‬


‫من اليوم العلمي إلعجاز القرآن والسنة‪...‬‬

‫هل يتوسع الكون بوتيرة متسارعة؟‬ ‫?‪Is universe expanding at an accelerating rate‬‬

‫الدكتور محمود أبو لبن‬ ‫م�ستعر عظيم نوع ‪IA/G299‬‬

‫‪60‬‬

‫�أثبت العامل الفلكي ال�شهري �إدوي��ن هابل (‪ )Edwin Hubel‬يف ع�شرينيات‬ ‫القرن املا�ضي‪� ،‬أن املجرات تتباعد بع�ضها عن بع�ض‪ ،‬مما يعني �أن الكون يتمدد مدللاً‬ ‫على ذلك بانزياح �أطياف املجرات نحو اللون الأحمر‪ .‬كما وق ّدم هابل عالق ًة ريا�ضي ًة‬ ‫تربط بني �سرعة املجرة وبعدها عن الأر���ض ميكن تطبيقها‪ ،‬وح�ساب �سرعة تباعد‬ ‫املجرة‪ .‬وق��د ا�ستطاعت نظرية "االنفجار الأعظم" تف�سري تباعد امل�ج��رات؛ الأم��ر‬ ‫ريا ملا جاء به هابل من تباعد املجرات ومتدد الكون‪� ،‬إال �أن ال�س�ؤال‬ ‫الذي ق ّدم دع ًما كب ً‬ ‫الذي ما ّ‬ ‫انفك يراود الفلكيني هو‪ :‬هل مت ّدد الكون ي�سري وفق �سرعة ثابتة �أو متغرية‬ ‫ت�سار ًعا �أو تباط�ؤًا؟‬ ‫وحتاول هذه املحا�ضرة الإحاطة بالدرا�سات التي تطرقت �إلى مو�ضوع متدد الكون‬ ‫اعتما ًدا على امل�شاهدات الفلكية قدميها وحديثها‪ ،‬وابراز وجهات النظر املختلفة يف‬ ‫ه��ذا ال�صدد‪ .‬فقد يظن البع�ض �أن امل�س�ألة قد ُح�سمت ل�صالح الفريق ال��ذي يقول‬ ‫بتمدد الكون بت�سار ٍع م�ضطر ٍد عام ‪2011‬م لدى منح جائزة نوبل يف الفيزياء لثالثة‬ ‫فلكيني‪ ،‬هم‪� :‬سول بريملطرد‪ ،‬وبريان �شميدت‪ ،‬و�آدم راي��ز‪ ،‬نظري �إثباتهم ب��أن الكون‬ ‫يتمدد بت�سارع م�ضطرد‪ ،‬بنا ًء على معلومات فلكية مت ر�صدها مل�ستعرات ُعظمى من‬ ‫فئة (‪� ،)IA‬إال �أن فريقًا بحث ًّيا �آخ��ر من ق�سم الفيزياء يف جامعة �أك�سفورد بقيادة‬


‫انزياح خطوط االمت�صا�ص لأطياف املجرات نحو‬ ‫اللون الأحمر‬ ‫الربوفي�سور ُ�صبري �ساركر‪ ،‬ن�شر درا�س ًة حديث ًة هذا العام‪،‬‬ ‫يتحدى فيها ما جاء به الفريق البحثي‬ ‫الثالثي‪ ،‬اع�ت�م��ا ًدا على بيانات فلكية حديثة لــ ‪740‬‬ ‫م�ستعر �أعظم من فئة (‪ ،)IA‬وهو ما يعادل ع�شرة �أ�ضعاف‬ ‫البيانات التي بنى �سول بريملطرد وبريان �شميدت و�آدم‬ ‫راي��ز نتائجهم عليها يف �إث�ب��ات �أن ال�ك��ون يتمدد بت�سارع‬ ‫م�ضطرد‪.‬‬ ‫وي �ق��ول ال�بروف�ي���س��ور �ُ��ص�ب�ير � �س��ارك��ران �أن ال�ف��ري��ق‬ ‫ال�سابق قد �أثبت فر�ضية الت�سارع امل�ضطرد لتمدد الكون‪،‬‬

‫ب��اف�ترا���ض وج ��ود م��ا ُي�سمى ب��ال�ط��اق��ة ال�ق��امت��ة (‪Dark‬‬ ‫‪ )Energy‬ال ��ذي ��ش�غ��ل م�ع�ظ��م ال �ك��ون ب��االع �ت �م��اد على‬

‫معلومات واهية؛ لأنها اعتمدت على بيانات هام�شية‪ ،‬كمن‬ ‫ي�ستنبط عالق ًة ريا�ضي ًة خمربي ًة باالعتماد على منحنى‬ ‫مير يف ثالث نقاط فقط‪ ،‬يف حني �أن �أقل عدد نقاط هو‬ ‫خم�س ن�ق��اط‪ ،‬حتى يت�ضح �شكل املنحنى ال��ذي ميثّلها‬ ‫اً‬ ‫و�صول �إلى ا�ستنباط العالقة الريا�ضية التي تنتظمها‪.‬‬ ‫و�إن ما ن�شره الربوفي�سور ُ�صبري �ساركر وفريقه مثري‬ ‫لالهتمام‪ ،‬وقد �أدى �إلى وجود عا�صفة من الآراء املثرية‬ ‫للم�ؤيدين واملعار�ضني يجدر باملهتمني متابعتها والإفادة‬ ‫منها‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪61‬‬


‫من اليوم العلمي إلعجاز القرآن والسنة‪...‬‬

‫“وعالمات وبالنجم هم يهتدون”‬

‫المالحة البحرية العربية في المحيط الهندي‬ ‫عبد القادر عابد البياضي‬ ‫‪aabed@ju.edu.jo‬‬

‫‪62‬‬

‫النجوم منارات كونية �إلهية �سخّ رها اهلل جل يف عاله خلدمة الب�شر يف حياتهم على كوكب الأر�ض‪َ " :‬و َ�سخَّ َر‬ ‫الَ ْر�� ِ�ض َج ِمي ًعا ِّم ْن ُه �إِ َّن فيِ َذ ِل َك َ آل َي ٍات ِّل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرون»‪ .‬اجلاثية‪ .13 ،‬فقد ا�ستخدمها‬ ‫ال�س َما َو ِات َو َما فيِ ْ أ‬ ‫َلكُم َّما فيِ َّ‬ ‫عرب اجلاهلية مثلاً يف حتديد الف�صول واملوا�سم الزراعية‪ ،‬وموا�سم �أنعامهم‪ ،‬ويف ح ّلهم وترحالهم‪.‬‬ ‫وقد ام ّ‬ ‫نت اهلل عز وجل يف �أكرث من �آية على بني الب�شر؛ ب�أن جعل لهم النجوم لالهتداء بها ب ًّرا وبح ًرا قبل‬ ‫�أن توجد الأجهزة املالحية احلديثة‪َ « :‬و َعلاَ َم ٍات َوبِالن َّْج ِم ُه ْم َي ْه َت ُدون» النحل‪َ " .16 ،‬و ُه َو ا َّل ِذي َج َع َل َل ُك ُم الن ُ​ُّجو َم‬ ‫ال َي ِات ِل َق ْو ٍم َي ْعلَ ُمون» الأنعام‪ .97 ،‬وميكن للعارف ب�صفحة ال�سماء‬ ‫ِل َت ْه َت ُدوا ِب َها فيِ ُظ ُل َم ِات ا ْلبرَ ِّ َوا ْل َب ْح ِر َق ْد َف َّ�ص ْلنَا ْ آ‬ ‫�أن يهتدي ب�أي جنم‪ ،‬غري �أن النجم القطبي الذي يبعد عنا ‪� 400‬سنة �ضوئية‪ُ ،‬يع ّد �أف�ضل النجوم يف هذا ال�سياق‪،‬‬ ‫فهو ي�شري �إلى ال�شمال اجلغرايف احلقيقي‪ ،‬وميكن �أن ُيرى يف �أي مكان من �سطح الأر�ض يف ن�صف الكرة ال�شمايل‪،‬‬ ‫و�أن ُيهتدى به يف الرب والبحر‪.‬‬ ‫وقد تق ّدم عرب جنوب جزيرة العرب يف فنون املالحة البحرية يف بحر العرب واملحيط الهندي؛ بحيث �أ�صبحوا‬ ‫ظاهرة علمية عربية فريدة يف تاريخ احل�ضارة العربية الإ�سالمية‪ .‬وقد َت� َّوج ذلك جمموعة من َم َعالمِ َ ِة البحر‬ ‫الأفذاذ‪ .‬و "املعلم يف ا�صطالح رجال البحر‪� ،‬آنذاك‪ ،‬هو �أمهر امللاّ حني يف قيادة ال�سفينة ال�شراعية‪ ،‬ودرجة املعلم‬ ‫�أعلى من درجة الربان‪ .‬بل هو �أعلى درجات ال�سلم املهني البحري"‪ .‬وعلى ر�أ�س ه�ؤالء املعاملة‪� :‬شهاب الدين �أحمد‬ ‫بن ماجد‪ ،‬الذي تويف بعيد عام ‪1500‬م‪.‬‬


‫العالمات البحرية‪ :‬مثل‪� :‬أ�شكال اجلبال‪ ،‬والأماكن‬ ‫على ال���س��واح��ل واجل ��زر يف ع��ر���ض امل�ح�ي��ط؛ حيث كانوا‬ ‫يقي�سون امل�سافة (القيا�س) التي قطعوها بالدرجات‪� ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫هبوطا �أو ارتفا ًعا لنجم "اجلاه" �أي‪( :‬القطب‬ ‫�أجزائها‬ ‫ال�شمايل)‪� ،‬أو غريه‪ ،‬م�ستعملني وحدة �إلزام (جمع �أزوام)‬ ‫ال�ت��ي ُت�ق��ا���س ب��ال�ب�ن��ان امل���ض�ب��وط��ة‪ ،‬وه��ي م�سافة مطلقة‬ ‫ت�ساوي البعد بني جنم العيوق وذ ّبانه‪ ،‬عندما يكون جنم‬ ‫جبهة الأ�سد على �سمت الر�أ�س‪.‬‬ ‫لقد �أتقن ه�ؤالء املعاملة الإبحار من جنوب �إفريقية‬ ‫�إلى جنوب �شرق �آ�سيا يف طريقتني �أو ديرتني كما كانوا‬ ‫ي�سمونهما‪ :‬ديرة امل ُ ّل‪ :‬التي ي�سريون بها مبحاذاة �سواحل‬ ‫البحر‪ ،‬وديرة املطلق‪ :‬حيث يعربون املحيط نف�سه بعي ًدا‬ ‫عن ال�سواحل‪ ،‬مبتدئني من ديرة على ال�ساحل �إلى ديرة‬ ‫�أخرى بعيدة‪ .‬وقد ا�ستخدموا يف االهتداء يف �أثناء امل�سري‬ ‫و�سائل عدة‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬ ‫النجوم النيرّ ة ال�شمالية واجلنوبية‪ ،‬والربوج التي‬ ‫عرفوا مطالعها وم��دارات�ه��ا وغروبها معرفة ا�ستخدام‬ ‫وا�ستالل‪ ،‬ال معرفة ق��راءة يف بطون الكتب‪ .‬ومل يكتفوا‬ ‫با�ستخدام هذه النجوم مفردة‪ ،‬بل �إنهم كانوا ي�ستدلون‬ ‫بالنجم املعني عندما يربطون عالقته بنجم �أو جنوم‬ ‫�أخرى؛ �إمعانًا يف دقة االجتاه وامل�سافات التي يقطعونها‪.‬‬ ‫ق�سم معاملة البحر الهندي الدائرة‬ ‫الأَخْ نان‪ :‬حيث ّ‬ ‫الأف�ق�ي��ة املحيطة ب�سطح ال �ك��رة �إل ��ى ‪ 32‬ج ��ز ًءا �أو جهة‬ ‫�سموها �أخنانًا؛ لأنها تقابل �أخنان ال�سفينة‪� ،‬أي‪ :‬جهاتها‬ ‫ُّ‬ ‫املختلفة‪ .‬وعلى كل خن منها جنم م�ضيء معروف‪ .‬وقد‬ ‫حدد ابن ماجد اخلن بالدرجات التي ت�ساوي قب�ضة اليد‪،‬‬ ‫وهي ممدودة �أي‪ 11.25 :‬درجة‪ .‬وقد ُو�ضعت الأخنان على‬ ‫بيت الإب��رة‪ .‬وقد ق�سمت الأخنان �إلى �أج��زاء �أ�صغر منها‬ ‫كالإ�صبع الذي ي�ساوي ربع ُذ ّبان وغريها‪.‬‬ ‫بيت الإيرة �أو احلقة‪ ،‬ويف و�سطها‪ :‬الأخنان‪ ،‬واجلهات‬ ‫الأربعة‪ ،‬والنجوم النيرّ ة التي تر�شد �إلى ذلك‪.‬‬ ‫البو�صلة �أو بيت الإبرة‪ :‬حيث يقول ابن ماجد �إنه �أول‬ ‫من و�ضع حجر املغناطي�س يف ا ُ‬ ‫حلقّة‪ .‬فهو‪ ،‬يف اعتقادي‪،‬‬ ‫خمرتع البو�صلة‪ ،‬برغم ا ّدع��اء الطليان �أنهم هم الذين‬ ‫�أوج��دوه��ا‪ ،‬وبرغم معرفة ال�صينيني حلجر املغناطي�س‬ ‫وخ�صائ�صه‪ .‬وق��د و�ضعوا الأخ�ن��ان و�أج��زاءه��ا على بيت‬ ‫الإبرة‪.‬‬

‫وي�ستطيع القارئ �أن يجد يف كتبهم و�صفًا دقيقًا‬ ‫ج � ًّدا للمدن والأم��اك��ن على ط��ول ال�سواحل املمتدة من‬ ‫�أق�صى جنوب �إفريقية غر ًبا‪ ،‬حتى املاليو يف جنوب �شرق‬ ‫�آ�سيا �شر ًقا‪ ،‬وو�صفًا وخرائط ال ُّ‬ ‫تقل تف�صيلاً عن جميع‬ ‫اجلزر املوجودة يف املحيط الهندي‪.‬‬ ‫وق��د عاي�ش اب��ن م��اج��د‪ ،‬وه��و �شيخ ك�ب�ير‪ ،‬فا�سكو‬ ‫دي غاما الذي دار حول ر�أ�س الرجاء ال�صالح عام ‪،1497‬‬ ‫وو�صل كاليكوت يف الهند عام ‪ .1498‬ويعتقد البع�ض �أن‬ ‫اب��ن م��اج��د ه��و ال��ذي �أر��ش��د ال�برت�غ��ايل يف ع�ب��ور املحيط‬ ‫الهندي‪ ،‬وينكر ذلك �آخ��رون‪ .‬ولذلك تف�صيل ُيعر�ض يف‬ ‫حينه‪.‬‬ ‫و�إنّ من �إعجاز القر�آن الكرمي‪� :‬أنه الكتاب ال�سماوي‬ ‫الوحيد الذي �أ�شار �إلى �أهمية النجوم‪ ،‬و�س ّمى �سورة النجم‪،‬‬ ‫التي �أق�سم اهلل تعالى فيها بالنجم �إذا ه��وى ومبواقع‬ ‫النجوم‪ ،‬وجعل هذه املواقع يف ال�سماء لهداية امل�سافرين‬ ‫يف ظلمات الرب والبحر‪ ،‬وي�أتي �سبقه �أنه نزل يف � ّأمة �أ ّمية‬ ‫لي�س لديها بحار تركبها‪ ،‬ولي�س عندهم دراية بعلم الفلك‬ ‫وبالنجوم‪ ،‬يتعرفون من خاللها على طريقهم ومواقعهم‬ ‫اجل�غ��راف�ي��ة‪ ،‬وج�ع��ل اهلل النجم القطبي م�ن��ارة ثابتة يف‬ ‫�صفحة ال�سماء ت��دل على ال�شمال اجل�غ��رايف احلقيقي‪،‬‬ ‫وبالتايل‪ ،‬ميكن بها معرفة االجتاهات �سواء كان امل�سافرون‬ ‫يف عر�ض ال�صحراء‪� ،‬أو يف �أعماق املحيطات‪ .‬ولي�س هذا‬ ‫فح�سب‪ ،‬بل �إن كل النجوم لها خ�صائ�ص ومواقع ثابتة‬ ‫يف كل الف�صول‪ ،‬وقد ا�ستطاع امل�سلمون حتديد جغرافية‬ ‫الأر� ��ض م��ن خ�ل�ال ال�ن�ظ��ر �إل ��ى ه��ذه ال�ن�ج��وم ب��الأج�ه��زة‬ ‫(الديرتني) التي �صنعوها قبل �صنع البو�صلة‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪63‬‬


‫ندوة أسبوع الوئام الديني‬ ‫التي يعي�شها امل�سلمون وامل�سيحيون يف حمافظة الكرك‬ ‫ريا‬ ‫تطورت �إلى مفاهيم �أعمق من الأخ��وة واملحبة‪ ،‬وكث ً‬ ‫ما جتد �أخوة الر�ضاعة حا�ضر ًة بني الكثري من العائالت‬ ‫امل�سلمة وامل�سيحية؛ مبعنى �أن الوئام والرتاحم هو �أ�سا�س‬ ‫عالقتهم التي يعي�شون بظاللها‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫�شارك مدير الدرا�سات يف املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني يف الندوة الفكرية حول‬ ‫�أ�سبوع الوئام الديني‪ ،‬والتي دعت �إليها مديرية �أوقاف‬ ‫ال�ك��رك‪ ،‬ومكتب ل��وائ��ي الق�صر وف�ق��وع‪ ،‬وك��ان��ت برعاية‬ ‫وح���ض��ور ع�ط��وف��ة حم��اف��ظ ال �ك��رك‪ ،‬وح���ض��ور عطوفة‬ ‫مت�صرف ل��واء الق�صر‪ ،‬وعطوفة مت�صرف ل��واء فقوع‪،‬‬ ‫وق ��د حت ��دث يف ال� �ن ��دوة ك��ذل��ك �أ‪.‬د‪ .‬ع �ب��د احل�م�ي��د‬ ‫وم��دراء الأجهزة الأمنية‪ ،‬والأئمة‪ ،‬والوعاظ‪ ،‬والدعاة‪،‬‬ ‫ورجال الدين امل�سيحي‪.‬‬ ‫امل�ج��ايل‪ ،‬رئي�س جامعة م��ؤت��ة بالوكالة ال�سابق‪ ،‬والأب‬ ‫بول�ص بقاعني‪ ،‬و د‪ .‬حممد �ضرار املجايل‪ ،‬مدير �أوقاف‬ ‫وق��د �أ� �ش��ار املبي�ضني يف ورق �ت��ه �أن امل�ن�ت��دى العاملي‬ ‫�امل‪ ،‬الق�صر‪.‬‬ ‫ل�ل��و��س�ط�ي��ة ي�ت�ب�ن��ى م�ن�ه�ج�ي� ًة ف �ك��ري � ًة وا� �ض �ح��ة امل �ع�‬ ‫وهي الدعوة �إلى نبذ التطرف والعنف والكراهية بكل‬ ‫وق��د ب ��د�أت ال �ن��دوة ال�ت��ي �أداره� ��ا د‪ .‬ع ��زام ال�شمايلة‬ ‫�أ�شكالها‪ ،‬بحيث نعود ثاني ًة كما عا�ش �أ�سالفنا حياتهم ب�آيات‪ ‬من الذكر احلكيم بعد ال�سالم امللكي‪ ،‬ثم �ألقى‬ ‫بكل نقاء و�صفاء يف جمتمع واح��د‪ ،‬وي�ستلهمون ر�سال ًة د‪ .‬حممد‪ ‬عبد ال�سالم كلم ًة ترحيب ًة با�سمه‪ ،‬و�أع�ضاء‬ ‫واح��دة‪ ،‬جتمعهم م�صلحة املجتمع العليا‪ ،‬وم�صاحلهم جمعية متيم بن �أو���س ال��داري‪ ،‬ثم �ألقى عطوفة مدير‬ ‫الفردية املتبادلة‪.‬‬ ‫�أوقاف الكرك الأ�ستاذ حمود ال�ضمور كلمة املديرية‪.‬‬ ‫و�أ� �ض��اف �أن امل�ن�ت��دى �أق ��ام ن ��دوات ع ��د ًة وم ��ؤمت��رات‬ ‫وق ��د ت �ن��اول��ت ال� �ن ��دوة م�ف��اه�ي��م ال�ت�ع��اي����ش وال���س�ل��م‬ ‫دولي ًة كذلك‪ ،‬تتناول م�سائل فكرية‪ ،‬تدعو يف جمملها‬ ‫�إل��ى ��ض��رورة االع�ت��دال يف الطروحات الفكرية‪ ،‬والبعد املجتمعي‪ ،‬يف ظل تنوع الديانات واملرجعيات الفكرية‬ ‫عن خطاب الكراهية وتكفري الآخ��ر‪ ،‬خا�ص ًة بني �أبناء التي �أ�سهمت يف غنى املوروث الإن�ساين‪ ،‬لي�س يف حميط‬ ‫املذاهب الإ�سالمية يف الأمة الواحدة‪ ،‬و�إلى �ضرورة تبني حمافظة الكرك فقط‪ ،‬بل وتاريخ ًّيا على امتداد الأمة‬ ‫احلوار الهادف والهادئ مع �أ�صحاب الديانات والعقائد العربية والإ�سالمية مكانًا وزمانًا‪.‬‬ ‫الأخرى‪.‬‬ ‫ك��ل ال���ش�ك��ر ل�ع�ط��وف��ة حم��اف��ظ ال �ك��رك‪ ،‬و�أج�ه��زت�ه��ا‬ ‫وق��ال �إن املجتمع يف حمافظة الكرك ال يحتاج ملثل الر�سمية التي �أ�سهمت ب�إجناح الندوة‪ ،‬وال�شكر مو�صول‬ ‫رئي�سا و�أع�ضاء هيئة‬ ‫هذه الندوة؛ لأن الواقع االجتماعي الذي يعي�شه النا�س جلمعية متيم بن �أو���س ال��داري؛ ً‬ ‫ال يلحظ فيه متايز واختالف‪ ،‬حتى �إن الأخوة الإن�سانية �إدارة‪ ،‬وعاملني على ما بذلوا من جهد م�شكور‪.‬‬


‫قدَّمه األمين العام للمنتدى ‪..‬‬

‫الخالدي يعاين الفتنة في التاريخ اإلسالمي‬

‫ق �دَّم املهند�س م��روان ال�ف��اع��وري ال��دك�ت��ور ال�ضيف �صالح‬ ‫�رح � ًب��ا ب��ه يف رح ��اب امل �ن �ت��دى ال �ع��امل��ي للو�سطية‪،‬‬ ‫اخل��ال��دي م� ِّ‬ ‫وم���س�ت��ذك� ًرا ��س�يرة وم���س�يرة ه��ذا ال�ع��امل ال�ف�ك��ري ال��ذي و�ضع‬ ‫ب�صمات وا�ضحة يف م�سرية الدعوة والرتبية والبحث والت�أليف‬ ‫يف ميدان الفكر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وتناول الأ�ستاذ الدكتور �صالح اخلالدي مو�ضوع الفتنة‬ ‫يف ال�ت��اري��خ الإ��س�لام��ي م��ن منظور حم��اي��د‪ ،‬وك �ق��ارئ للتاريخ‬ ‫مي��ا وح��دي � ًث��ا‪ ،‬م�ت�خ� ًذا مقتل ع�ث�م��ان ب��ن عفان‬ ‫الإ� �س�لام��ي ق��د ً‬ ‫منطل ًقا لهذه الفتنة‪.‬‬ ‫وق ��ال يف امل �ح��ا� �ض��رة ال �ت��ي ج ��اءت ت�ل�ب�ي� ًة م��ن ق �ط��اع امل ��ر�أة‬ ‫يف املنتدى العاملي للو�سطية‪� ،‬إن تاريخنا فيه ن�ق��اط بي�ضاء‬

‫نا�صعة الم�ع��ة‪ ،‬وف�ي��ه ن�ق��اط ��س��وداء ق��امت��ة‪ ،‬وه��ذا خال�صة ما‬ ‫ذكره امل�ؤرخون امل�سلمون؛ �إذ �إن بع�ضهم ذكر كل ما و�صل �إليه‪،‬‬ ‫وبع�ضهم مل يذكر احلقيقة كاملة‪ ،‬فالطربي مثلاً ‪ ،‬مل ت�صح كل‬ ‫رواياته ‪ -‬عل ًما ب�أنه كان يذكر الرواية بالأ�سانيد‪� .‬أما ابن كثري‪،‬‬ ‫فكان عنده القدرة على النقد والتمحي�ص للروايات ال�صحيحة‬ ‫وغ�ير ال�صحيحة‪ ،‬ويف رواي��ات��ه الكثري م��ن ال��رواي��ات الباطلة‬ ‫وال�صحيحة كذلك‪� .‬أما �أبو بكر بن العربي‪ ،‬يف كتابه (العوا�صم‬ ‫من القوا�صم)‪ ،‬فقد ر�صد فرتة عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه‪،‬‬ ‫وقال �إن عثمان بن عفان هو اخلليفة املفرتى عليه‪ ،‬ح�سبما �أكد‬ ‫ذل��ك � ً‬ ‫أي�ضا الباحث حممد ال�صادق عرجون؛ باعتباره م�ؤل ًفا‬ ‫لديه القدرة على النقد‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪65‬‬


‫‪66‬‬

‫وت �ن��اول اخل��ال��دي يف حم��ا��ض��رت��ه جم�م��وع��ة م��ن الأ��س�ئ�ل��ة (جمو�سية‪ ،‬ن�صرانية‪ ،‬ي�ه��ودي��ة) �أف ��رزت تنظي ًما �سر ًّيا خبي ًثا‬ ‫وامل�ف��اه�ي��م ال�ت��ي ب ّينها و�أج ��اب ح��ول�ه��ا‪ ،‬م�ث��ل‪ :‬م�ف�ه��وم الطاعة �أفرزه عبد اهلل بن �سب�أ اليهودي‪ ،‬ر�أ�س الفتنة الأولى‪ ،‬من ّوهًا �أن‬ ‫للخليقة؛ �إذ يجب طاعة اخلليفة وعدم اخلروج عليه‪ ،‬وااللتزام ال�سنوات ال�ست الأولى من عهد عثمان بن عفان كانت يف غاية‬ ‫الهدوء‪.‬‬ ‫ب�أمره ونهيه ان�سجا ًما مع م�صلحة الأمة العامة والعليا‪.‬‬ ‫وق��د تناولت املحا�ضرة يف جمملها �إج��اب��ة ح��ول ت�سا�ؤالت‬ ‫�أخرى‪ ،‬كذلك حول �سيا�سة �سيدنا عثمان بن عفان بتعامله مع‬ ‫مثريي الفتنة‪ ،‬وما هو موقف معاوية من الفتنة‪ ،‬و�سبب خروج‬ ‫ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها مع طلحة والزبري‪ ،‬وموقف �سيدنا‬ ‫علي كرم اهلل وجهه‪ ،‬وخروجه لقتال جي�ش طلحة والزبري يف‬ ‫موقعة اجلمل‪ ،‬وما �إلى ذلك من تبعات ومواقف �سيا�سية‪� ،‬أ ّثرت‬ ‫يف م�سرية ال��دول��ة �آن ��ذاك‪ ،‬و�أ�صبحت مثار ج��دل وت���س��ا�ؤل بني‬ ‫احلني والآخر يف �صفوف املفكرين واملثقفني‪.‬‬

‫وقال �إن ال�صحابة جيل عظيم نحرتم ما جرى بينهم‪ ،‬و�إنهم‬ ‫ب�شر غري مع�صومني‪ ،‬والبحث يف مواقفهم يحتاج ملقدمات بحثية‬ ‫ومنهجية‪� ،‬إذ �أن بع�ضهم �أخط�أ يف بع�ض املواقف‪ ،‬ويجب علينا �أن‬ ‫نتعامل مع اخلط�أ ح�سب حجمه فقط‪� ،‬إذ �أن النبي عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم حذر ال�صحابة من الفنت‪ ،‬وهم يف حياتهم ومواقفهم‬ ‫جمتهدون‪ ،‬وعلينا �أن نحرتم اجتهادهم فيما بينهم‪ ،‬م�ؤكدًا على‬ ‫مقولة‪( :‬تلك فرتة ن ّزه اهلل �سيوفنا �أن تكون فيها‪ ،‬ويجب علينا‬ ‫�أن نن ّزه �أل�سنتنا �أن تخو�ض فيها)‪ .‬وت�أد ًبا مع �سريتهم‪ ،‬علينا �أن‬ ‫ربا �أن الفتنة مظهر‬ ‫ويف نهاية املحا�ضرة‪� ،‬أجاب ف�ضيلته عن �أ�سئلة الأخوات الداعيات‬ ‫نقول �إنهم كانوا جمتهدين بالأمر‪ ،‬معت ً‬ ‫من مظاهر �إجها�ض التجربة الإ�سالمية الأولى‪ ،‬وهي م�ؤامرة يف جلنة املر�أة و�ضيوفهن من املهتمات‪.‬‬


‫تقرير نشاطات لجنة المرأة‬ ‫شهر تشرين الثاني ‪2016‬‬

‫سحر فياض‬

‫المركز القرآني‬

‫المركز القرآني‬

‫المركز القرآني‬

‫النشاط‬

‫الفئة المستهدفة‬

‫دورة التالوة والتجويد‬ ‫األسبوعية للمستوى االول‬

‫جميع السيدات‬

‫كل اثنين و اربعاء‬ ‫س ‪12.00-10.00‬‬

‫جميع السيدات‬

‫كل ثالثاء وخميس‬ ‫س ‪12-10‬‬

‫سحر فياض‬

‫جميع السيدات‬

‫كل اثنين وأربعاء‬ ‫س ‪10 - 9‬‬

‫سحر فياض‬

‫دورة التالوة والتجويد‬ ‫األسبوعية للمستوى‬ ‫الثاني‬ ‫دورة القاعدة النورانية‬ ‫دورة تحفيظ القرآن‬ ‫للناشئة‬

‫الهدف‬

‫الزمن‬

‫المحاضر‬

‫المشرف على‬ ‫النشاط‬

‫كل ســــبت‬ ‫س ‪1:30-3‬‬

‫الناشئين واالطفال‬

‫غرس القيم القرآنية السمحه في‬ ‫نفوس الصغار‬

‫تقديم إستشارات أسرية‬ ‫على مدار الشهر‬

‫جميع فئات المجتمع‬

‫تقديم اإلستشارات لألفراد واألسر‬ ‫الذين يواجهون مشكالت إجتماعية‬

‫يتم تنسيق الموعد‬ ‫حسب الحاجة إليها‬

‫إطالق المسابقة القرآنية‬ ‫السادسة للعام ‪2017‬‬

‫جميع فئات المجتمع‬

‫تسجيل المتسابقين‬

‫نيسان ‪2017‬‬

‫بثينة قراقع‬

‫المركز القرآني‬

‫د‪.‬ماجدة عكوب‬

‫لجنة المرأة‬

‫المركز القرآني‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪67‬‬


‫شهر كانون األول ‪2016‬‬ ‫سحر فياض‬

‫المركز القرآني‬

‫المركز القرآني‬

‫المركز القرآني‬

‫النشاط‬

‫الفئة المستهدفة‬

‫دورة التالوة والتجويد‬ ‫األسبوعية للمستوى االول‬

‫جميع السيدات‬

‫كل اثنين و اربعاء‬ ‫س ‪12.00-10.00‬‬

‫جميع السيدات‬

‫كل ثالثاء وخميس‬ ‫س ‪12-10‬‬

‫سحر فياض‬

‫جميع السيدات‬

‫كل اثنين وأربعاء‬ ‫س ‪10 - 9‬‬

‫سحر فياض‬

‫دورة التالوة والتجويد‬ ‫األسبوعية للمستوى‬ ‫الثاني‬ ‫دورة القاعدة النورانية‬ ‫دورة تحفيظ القرآن‬ ‫للناشئة‬

‫الهدف‬

‫الزمن‬

‫المحاضر‬

‫المشرف على‬ ‫النشاط‬

‫الناشئين واالطفال‬

‫غرس القيم القرآنية السمحه في‬ ‫نفوس الصغار‬

‫كل ســــبت‬ ‫س ‪1:30-3‬‬

‫بثينة قراقع‬

‫المركز القرآني‬

‫تقديم إستشارات أسرية‬ ‫على مدار الشهر‬

‫جميع فئات المجتمع‬

‫تقديم اإلستشارات لألفراد واألسر‬ ‫الذين يواجهون مشكالت إجتماعية‬

‫يتم تنسيق الموعد‬ ‫حسب الحاجة إليها‬

‫د‪.‬ماجدة عكوب‬

‫لجنة المرأة‬

‫اإلعداد لعمل دورة‬ ‫للمقبلين على الزواج‬

‫المقبلين على الزواج‬

‫توعية المقبلين على الزواج على‬ ‫الحياة األسرية وكيفية التعايش في‬ ‫الحياة الزوجية‬

‫موعد مقترح‬ ‫آذار‪2017/‬‬

‫قيد التنفيذ‬

‫مركز األمان للتوافق‬ ‫األسري‬

‫النشاط‬

‫الفئة المستهدفة‬

‫دورة التالوة والتجويد‬ ‫األسبوعية للمستوى االول‬

‫كانون الثاني ‪2017‬‬

‫‪68‬‬

‫دورة التالوة والتجويد‬ ‫األسبوعية للمستوى‬ ‫الثاني‬ ‫دورة تحفيظ القرآن‬ ‫للناشئة‬

‫الزمن‬

‫المحاضر‬

‫المشرف على‬ ‫النشاط‬

‫جميع السيدات‬

‫كل اثنين و اربعاء‬ ‫س ‪12.00-10.00‬‬

‫سحر فياض‬

‫المركز القرآني‬

‫جميع السيدات‬

‫كل ثالثاء وخميس‬ ‫س ‪12-10‬‬

‫سحر فياض‬

‫المركز القرآني‬

‫الهدف‬

‫الناشئين واالطفال‬

‫غرس القيم القرآنية السمحه في‬ ‫نفوس الصغار‬

‫كل ســــبت‬ ‫س ‪1:30-3‬‬

‫بثينة قراقع‬

‫المركز القرآني‬

‫تقديم إستشارات أسرية‬ ‫على مدار الشهر‬

‫جميع فئات المجتمع‬

‫تقديم اإلستشارات لألفراد واألسر‬ ‫الذين يواجهون مشكالت إجتماعية‬

‫يتم تنسيق الموعد‬ ‫حسب الحاجة إليها‬

‫د‪.‬ماجدة عكوب‬

‫لجنة المرأة‬

‫اإلعداد لعمل دورة‬ ‫للمقبلين على الزواج‬

‫المقبلين على الزواج‬

‫توعية المقبلين على الزواج على‬ ‫الحياة األسرية وكيفية التعايش في‬ ‫الحياة الزوجية‬

‫موعد مقترح‬ ‫آذار‪2017/‬‬

‫قيد التنفيذ‬

‫مركز األمان للتوافق‬ ‫األسري‬

‫رئي�سة جلنة املر�أة‬ ‫�سو�سن املومني‬


‫مقاالت في اللغة واألدب‬

‫في النقد األدبي اإلسالمي‬

‫العبور في أجواء النص عبر قصيدة‬ ‫(في الوصيد) إلبراهيم العجلوني‬ ‫بقلم‪ :‬صالح البوريني‬ ‫ما بني الذاتي والإن�ساين‪� ،‬أو اخلا�ص والعام‪ ،‬يف موقف‬ ‫ال�شاعر ح��دود فا�صلة‪ ،‬ت�ضيق وتت�سع‪� ،‬أو ت�شفّ وتكثف‪،‬‬ ‫بقدر ما يتقاربان �أو يتباعدان‪ ،‬وال �شك �أن مما يرفع من‬ ‫�ش�أن الن�ص الإب��داع��ي على م�ستوى املحتوى املو�ضوعي‬ ‫وامل�ضمون القيمي‪� ،‬أن يتجاوز املبدع فيه ذاته‪ ،‬و�أن ينفتح‬ ‫ن�صه على �آفاق املعاناة االجتماعية والتجربة الإن�سانية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذا ما يلفتنا ابتدا ًء يف الق�صيدة الرثائية الرائعة‬ ‫التي �أهداها الكاتب والأديب الأ�ستاذ �إبراهيم العجلوين‬ ‫�إلى روح والده رحمه اهلل تعالى‪ ،‬و�س ّماها (يف الو�صيد)‪،‬‬ ‫ون�شرها يف �صحيفة الر�أي‪ ،‬يوم ‪ .2016-1-22‬والق�صيدة‬ ‫قد توحي ب�أنها رثاء مزدوج لوالد ال�شاعر ولذاته هو‪ ،‬رغم‬ ‫ما بني رثاء الوالد ورثاء الذات من تباين تقت�ضيه طبيعة‬ ‫الفقدين‪� ،‬إال �أن الق�صيدة تنطوي على منط يف الرثاء‬ ‫يتجاوز الذات واملخاطب‪ ،‬وميتد حتى ي�شمل احلياة كلها‪،‬‬ ‫ويحيط بالواقع من �أطرافه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الو�صيد وو ّف � ِه الإنعاما‬ ‫ِق��فْ يف‬

‫يعيد �إنتاج الن�ص املقتب�س من غري �أن ي�ستعري منه لفظة‬ ‫واحدة‪ .‬على �أن هذا البناء الفني يف هذا البيت ال يعك�س‬ ‫الت�أثر بن�ص واح��د بعينه‪ ،‬بل ي�ستدعي يف ذاك��رة القارئ‬ ‫ن�صو�صا ك�ث�يرة‪ ،‬و�إن��ه لريتد �إل��ى ثقافة وا�سعة‬ ‫ال��واع��ي‬ ‫ً‬ ‫ميتلكها ال�شاعر‪ ،‬قد امتزج يف كيانها‪ ،‬وان�سلك يف ن�سيجها‬ ‫كثري من الن�صو�ص واملفاهيم واملبادئ وامل�سلمات؛‬ ‫التي تنبع من مرجعية دينية مقد�سة‪ ،‬و�أ�صالة تراثية‬ ‫را�سخة‪ ،‬وخمزون معريف ولغوي وفل�سفي غزير‪.‬‬

‫أي�ضا مع قوله �صلى اهلل عليه و�سلم يف‬ ‫وه��و يلتقي � ً‬ ‫حديث �آخ��ر‪( :‬م��ن خ��اف �أدل��ج وم��ن �أدل��ج بلغ امل�ن��زل‪،)...‬‬ ‫واالدالج‪ :‬ال�سري يف الليل‪ ،‬وه��و م��رادف ملعنى الإ��س��راء‪،‬‬ ‫ق��ال �سبحانه وتعالى‪�( :‬سبحان ال��ذي �أ�سرى بعبده من‬ ‫امل�سجد احلرام �إلى امل�سجد الأق�صى‪ .)...‬فامل ُجِ ّد الذي كان‬ ‫�أ�سبق خطوة‪ ،‬هو الك ِّي�س الفطن ال��ذي ّ‬ ‫وط��ن نف�سه على‬ ‫اال�ستقامة واخل�ضوع لأم��ر اهلل تعالى؛ ف�أحكم قيادها‪،‬‬ ‫واتَّبع بها �سبيل امل�ؤمنني‪ ،‬والعاثر هو العاجز الذي �أخذ‬ ‫الأم��ر بالتهاون واال�سرتخاء فقعد به �ضعف الهمة‪ ،‬ثم‬ ‫هل ت�ستب ُ‬ ‫ني على امل��دى �أقواما؟ �ضل يف م�سارب الدعة والأهواء والتيه‪ ،‬ف�أخلد �إلى الك�سل‪،‬‬ ‫يتوجه ال��رث��اء �إل��ى النا�س جمي ًعا‪ ،‬فكلهم راح�ل��ون؛ وثقلت خطاه عن امل�سارعة �إلى الرفعة وطلب املعايل‪.‬‬ ‫والذين مل يرحلوا بعد يف �سباتهم غافلون‪� ،‬إال من تن ّبه‬ ‫تعدد املخاطب يف �شخ�ص واحد‪ ،‬وهو غائب عن الواقع‬ ‫�إل��ى خ�ط��ورة اال� �س�ترخ��اء‪ ،‬ومغبة اال�ست�سالم‬ ‫اجلِ ل�د‪.‬ل�أم��اين حا�ضر يف ال��وج��دان‪ ،‬واملخاطب طيف الأب ال��ذي يظهر‬ ‫ال�سرى‪ ،‬وحزم �أمره على‬ ‫والأهواء؛ فبكّر يف ّ‬ ‫وا�ضحا يف العنوان ال�صريح‪.‬‬ ‫ً‬ ‫�أ� �س��رى املُ��جِ � ُّ�د ف�ك��ا َن �أ��س�ب� َق خُ �ط� َو ًة‬ ‫يج�سد قيمة احلب يف مقام التّبجيل‬ ‫وخطاب الطيف ّ‬ ‫وال �ع ��اث � ُر ا� �س �ت ��أن��ى‪ ،‬ف �ه ��ام‪ ،‬ف�ن��ام��ا ل�ل�أب‪ ،‬ومقام فقد ال��ذات �أي�ضاً‪ ،‬كما �أن يف ا�شتياق احلي‬ ‫للميت قيمة �أخ ��رى جليلة‪ ،‬ت�شي بالت�شوف ال��ى �سمو‬ ‫يعود بنا ال�شطر الأول من البيت �إلى قول النبي �صلى ال ��روح الأب �ي��ة ال�ط�ي�ب��ة ��ش��و ًق��ا �إل ��ى ال �ل �ق��اء‪ ،‬وت�ط�ل� ًع��ا �إل��ى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪( :‬الك ّي�س م��ن دان نف�سه وعمل مل��ا بعد العلياء‪ ،‬ونزوعها �إل��ى االنعتاق من قيود الطني يف دنيا‬ ‫امل��وت)‪ ،‬ويذكرنا ال�شطر الثاين‪( :‬والعاث ُر ا�ست�أنى فها َم الهائمني‪ ،‬ف�ضلاً عن تعجل اخلال�ص من ربقة مكابداتها‬ ‫فناما) ببقية احلديث نف�سه‪:‬‬ ‫أماين)‪(.‬والعاجز من اتبع نف�سه وابتالءاتها‪ ،‬وجترع غ�ص�صها ومراراتها‪:‬‬ ‫هواها ومتنى على اهلل ال‬ ‫ل �ك �ن �م��ا َغ� �ل� �ب � ْ�ت ع� �ل � ّ�ي م �� �ص��ائ��ري‬ ‫تت�صرف ذائ�ق��ة ال�شاعر يف امل�ع��اين املقتب�سة ت�صر ًفا‬ ‫ف�م�ك��ثُ ب �ع��دك يف الأ� �س ��ى �أع��وام��ا‬ ‫حاذ ًقا‪ ،‬وتعيد �شاعريته �صياغتها يف نظم بديع مبتكر‪� ،‬إنه‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪69‬‬


‫ولغة الأ�ستاذ العجلوين ال�شعرية لغة تراثية �أ�صيلة‪،‬‬ ‫تقتب�س من م�شكاة القر�آن؛ فك�أنها قطر من مزنه �أو نثري‬ ‫من د ّرة‪ ،‬وذل��ك يف كتابته كثري‪ ،‬ومنه يف ه��ذه الق�صيدة‬ ‫ق��ول��ه‪��( :‬س��اء منقل ًبا)‪��( ،‬س��اء م�ق��ا ًم��ا)‪�( ،‬أ�سلمت وجهي)‬ ‫وغريها‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫�أكربت هذا الطيف �أن يط�أ الرثى‬ ‫وه ��و ال� ��ذي خ�ل��ل ال���ش�غ��اف �أق��ام��ا‬ ‫ورج � ��وت ل�ل�ن�ف����س ال�ن�ب�ي�ل��ة م �ن��زل‬ ‫م ��ن ع �ط��ر �أوراد ون �ف��ح خُ ��زام��ى‬

‫ول�ع� ّل م��ن �أب ��رز حم�م��والت الن�ص اجلمالية يف هذه‬ ‫البع�ض يتحم�س يف بداية ال�سباق‪ ،‬ويجتهد يف املتابعة‪،‬‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬م��ا زخ��رت ب��ه م��ن ال�شحنة العاطفية التبي ويفاج�أ يف بع�ض مراحل التناف�س بتغري قواعد ال�سباق‪،‬‬ ‫متيزت بالزخم والتنوع‪ ،‬وال�صدق‪.‬‬ ‫واخ �ت�لاف �أ��س�ب��اب ال�ف��وز و� �ش��روط امل���ش��ارك��ة‪ ،‬في�ست�شعر‬ ‫مرارة الغدر‪ ،‬وي�أ�سف على �أمل خاب‪ ،‬و�إجناز ي�ؤول‬ ‫وبقراءة عميقة م�ست�أنية‪ ،‬تتب ّدى لب�صرية القارئ من‬ ‫وراء الكلمات؛ ف�ضاءات حتت�شد فيها‪ ،‬وتتدافع عواطف‬ ‫�إل ��ى ال�ت�ب��اب‪ ،‬فينطلق ب �ج��واده �إل ��ى ع��ر���ض امل �ي��دان‪،‬‬ ‫�إن�سانية جيا�شة‪ ،‬وم�شاعر قلبية وروحية‪ ،‬تتفاعل وتعتلج م�ت�ح�ي�زًا �إل ��ى ف�ئ��ة ال �� �ص��ادق�ين‪ ،‬وم�ت�ح��ر ًف��ا �إل ��ى مناجزة‬ ‫اع�ت�لاج املع�صرات‪ ،‬تنبئ ع��ن روح معذبة‪ ،‬وقلب‬ ‫حزين‪ ،‬املبطلني‪.‬‬ ‫ورجاء عري�ض تخيبه خماتالت الوقائع‪ ،‬ورجولة تغالب‬ ‫م ��ا ك� ��ان �أق � � ��رب م ��ا دن � ��وت ت � ��ود ًدا‬ ‫القهر‪ ،‬ونف�س �أبية‬ ‫م ��ا ك ��ان �أب �ع ��د م ��ا ن ��أي ��ت خ���ص��ام��ا‬ ‫ن�أت بها �أنفتها وكرامتها �أن تخو�ض مع اخلائ�ضني‪� ،‬أو‬ ‫ترتع مع الراتعني‪ ،‬وا�ستمع �إليه يقول‪:‬‬ ‫ل � �ك� ��نّ يل يف ك � ��ل ح � � ��ال ُح � �ظ ��وة‬ ‫ل� �ك ��ن �أم � � � � ��ا ُّ‬ ‫ين ال � �ق � �ل� ��وب رواج� � ��ع‬ ‫ف � � ��الإم �أح� �ت� �م� � ُل ال� ��� �ص ��دود �إالم � ��ا‬ ‫ب ��وج� �ي ��ع �آه � � � ��ات ي� � � � ��ز َد َن � �ض��رام��ا‬ ‫يا ط��ول ما �أ�سلمت وجهي �ضار ًعا‬ ‫يف احل��ادث��ات ف�م��ا وج ��دت �سالما‬ ‫�رب م��رت �ق��ب ت �ب��ا� �ش�ي�ر امل �ن��ى‬ ‫ول � � � ّ‬ ‫ع �م��ر ت �ق �� �ض��ى ب�ي�ن �أ� � �س� ��راب امل �ن��ى‬ ‫�أخ ��ذت ��ه خ ��ادع ��ة ال �� �س��راب ف�ه��ام��ا‬ ‫وم� � �ط � ��ام � � ٌ�ح مل �آل � � �ه� � ��ا ت �ه �ي��ام��ا‬ ‫ي� ��ا وي � �ح � � ُه م � �ت � �ل � � ّد ًدا م �ت �ح ��� ّ�س � ًرا‬ ‫بلقع‬ ‫�أم���ض��ي �أخ��و���ض ��س��راب�ه��ا يف ٍ‬ ‫ق ��د �� �س ��اء م �ن �ق �ل � ًب��ا و�� �س ��اء م�ق��ام��ا‬ ‫م��ا �أ��س�ت�ب�ين م��ع ال���ض�ح��ى �أع�لام��ا‬ ‫ما هي املفاعالت التي �أنتجت هذه ال�شكوى املريرة؟‬ ‫ال�شكوى من احلرية واحل�سرة‪ ،‬و�سوء املنلقب و�سوء املقام!!‬ ‫وعلى الرغم من ال�صدود والهجر و�سوء الرد‪� ،‬إ ّال �أنه‬ ‫‪� ..‬إن مل تكن العقوق والنكران والإق�صاء واخلذالن؟! و�إن يتعلق برجاء �أخري‪ ،‬ويت�شبث ب�أمل يلح يف طلبه‪ ،‬فيتمنى‬ ‫مل يكن الإعرا�ض والن�أي باجلانب‪ ،‬وثني العطف‪ ،‬وتويل على ذلك الطيف �أن ال ي�ضن به عليه‪� ،‬أال وهو الزيارة ولو‬ ‫املبطلني؟!‬ ‫ملاما‪� .‬إنه يرجو ذلك الطيف الطاهر النبيل �أن ال ينقطع‬ ‫عن الو�صول لأن الوح�شة قاتلة والواقع مرير‪.‬‬ ‫ح�ين ي�صغي املحبوب للو�شاة‪ ،‬في�صرم حبل ال��وداد‪،‬‬ ‫وق �ع��ت ع�ي�ن��ي يف ه ��ذه ال�ق���ص�ي��دة ع�ل��ى اال��س�ت�ع�ط��اف‬ ‫وي�أن�س القريب بذوي الإحن فتلعب به �أهوا�ؤهم‪ ،‬ويوافق‬ ‫�أداء امله ّرجني ميول النظارة وامل�صفقني‪ُ ،‬يلفي العا�شق وال ��وداد‪ ،‬وال��رق��ة وال��رح�م��ة‪ ،‬وال��وف��اء واحل�ن�ين‪ ،‬والوجد‬ ‫ال�سرب‪ ،‬ومول ًّيا وال �ع �ت��اب ال��رق �ي��ق احل ��زي ��ن‪ ،‬وا��س�ت���ش�ع��ار ل ��ذة ال��و� �ص��ال‬ ‫الأمني والنا�صح املبني نف�سه حملقًا خارج ّ‬ ‫بتلى ال�صادقون‪ ،‬النوراين‪ ،‬والروحاين‪ ،‬وال�سكينة ومتعة احل�ضور الذاتي‬ ‫وجهه �إلى غري قبلة ال�سارين‪ ،‬هنالك ُي‬ ‫وال��وج��داين‪ ،‬ومعاناة ال�صد والإع��را���ض‪ ،‬وال�شكوى من‬ ‫زلزل �أهل الوفاء اً‬ ‫و ُي ُ‬ ‫زلزال �شدي ًدا‪.‬‬ ‫ق�سوة الفراق‪ ،‬وطول الهجر وتقدمي الت�ضحية يف مقابل‬ ‫واحل��زن والأ��س��ى‪ ،‬وخيبة الرجاء واحل�سرة‪ ،‬والغربة اجلحود والنكران‪ ،‬والطموح البائ�س اخلا�سر‪ ،‬واحلظ‬ ‫ال�صد والإعرا�ض‪،‬‬ ‫والفقد‪ ،‬والوح�شة والوحدة‪ ،‬ومعاناة ّ‬ ‫العاثر‪ ،‬والو�صول واملبادرة والعفو وال�صفح‪ ،‬و�ألفيت‬ ‫أي�ضا ي ًدا تهب الر�ضى وتعطر الأن�سام‪ ،‬والتقيت باحلب‬ ‫وال�س�أم وامل�ل��ل‪ ،‬كل ذل��ك يوجه �سلوك ال�شاعر الالواعي � ً‬ ‫�إلى ال�شكوى من ق�سوة الواقع‪ ،‬وامليل �إلى اعتزال الفعل‪ ،‬والإخال�ص‪ ،‬و�صادق الود‪ ،‬وح�سن املعا�شرة ولني اجلانب‪،‬‬ ‫والنزوع �إلى العامل الآخر‪ ،‬حيث يجد الثقة التي عدمها وا�ستح�ضار ال��ذك��رى اجلميلة ال�ع�ط��رة‪ ،‬وال�ن�ب��ل وك��رم‬ ‫الأخ�ل�اق‪ ،‬و�أن�ي�ن ال�شكوى م��ن ق�سوة احل�ي��اة‪ ،‬والأ� �ش��واق‬ ‫يف عامل ال�شهادة‪ ،‬واملقام الذي ليق مبكانته و�صدقه‪..‬‬


‫�إلى حياة اخللود الأبدية‪ ،‬والنزوع �إلى اال�ستقالل‪ ،‬وامليل‬ ‫�إل ��ى �إل �ق��اء ع�صى ال�ت�رح��ال‪ ،‬ك��ل ذل��ك م�ب�ث��وث يف ثنايا‬ ‫ه��ذه الق�صيدة‪ ،‬ومنثور بني حروفها‪ ،‬ي�ضوع عبريه‪ ،‬يف‬ ‫ف�ضائها‪ ،‬وت�ستجلي العني �صوره فيما بني كلماتها‪ ،‬ت�أمله‬ ‫معي يقول‪:‬‬ ‫يا ط��ول ما �أ�سلمت وجهي �ضار ًعا‬ ‫يف احل��ادث��ات وم��ا وج ��دت �سالما‬ ‫ع �م��ر ت�ق���ض��ى ب�ي�ن �أ� � �س� ��راب امل�ن��ى‬ ‫وم � �ط � ��ام � ��ح مل �آ ُل� � � �ه � � ��ا ت �ه �ي��ام��ا‬ ‫�أم���ض��ي �أخ��و���ض ��س��راب�ه��ا يف بلقع‬ ‫م��ا �أ��س�ت�ب�ين م��ع ال���ض�ح��ى �أع�لام��ا‬ ‫وب�ع��د‪ ،‬ف�ه��ذه حم��اول��ة للعبور يف �أج ��واء ال�ن����ص‪ ،‬وقد‬ ‫يحلو لبع�ضهم �أن ي�س ّمي الق�صيدة �أ�سماء �أخرى‪� ،‬أ�سماء‬ ‫�أن �ظ��ر �إل�ي�ه��ا م��ن بعيد ف ��أج��دين �أق ��رب �إل ��ى رح ��اب‪" :‬يف‬ ‫الو�صيد"‪...‬‬ ‫ن�ص الق�صيدة‪:‬‬

‫في الوصيد‬

‫ِق � ��فْ يف ال��و� �ص �ي��د وو ّف� � ��ه �إن �ع��ام��ا‬ ‫ن ع�ل��ى امل� ��دى �أق��وام��ا‬ ‫ه��ل ت���س�ت�ب�ي ُ‬ ‫�أ� �س��رى امل �ج� ُّ�د ف�ك��ان �أ��س�ب��ق خ�ط��و ًة‬ ‫وال� �ع ��اث ��ر ا�� �س� �ت� ��أين‪ ،‬ف �ه ��ام ف�ن��ام��ا‬ ‫�أك � �ب� ��رتُ ط �ي �ف��ك �أن ي� � ��زور مل��ام��ا‬ ‫ورج � ��وت �أن �أرق � ��ي �إل� �ي ��ك م�ق��ام��ا‬ ‫ل �ك �ن �م��ا غ �ل �ب ��ت ع� �ل ��ي م �� �ص��ائ��ري‬ ‫فمكثت ب�ع��دك يف الأ� �س��ى �أع��وام��ا‬ ‫ل��و ك ��ان ميكنني مم��اط�ل��ة ال ��ر ّدى‬ ‫ب� ��دق� ��ائ� ��ق �أ� � �ش � �ف� ��ي ب � �ه ��ن �أوام � � � ��ا‬ ‫مل �ط �ل �ت��ه م �ط��ل ال �� �ض �ن�ين ب��روح��ه‬ ‫ول � ��� �ُ�س � �م � �ت� ��ه ب � �� � �س� ��وي � �ع � � ٍة �أي � ��ام � ��ا‬ ‫ل � �ك� ��نْ �أم� � � � ��ا ُّ‬ ‫ين ال� �ق� �ل ��وب رواج� � � � ٌع‬ ‫ب ��وج� �ي ��ع �آه � � � ��ات ي� � � ��زدن � �ض ��رام ��ا‬ ‫ول � � � � ُر ّب م ��رت� �ق ��بٍ ت �ب��ا� �ش�ي�ر امل ُ �ن��ى‬ ‫�أخ ��ذت ��ه خ ��ادع ��ة ال �� �س��راب ف�ه��ام��ا‬

‫ي � ��ا وي � �ح� ��ه م� � �ت� � �ل� � � ّد ًدا م �ت �ح �� � ّ�س � ًرا‬ ‫ق ��د �� �س ��اء م �ن �ق �ل � ًب��ا و�� �س ��اء م �ق��ام��ا‬ ‫ٍ‬ ‫بطرف نحو غا�سقة ال ّدجى‬ ‫يرنو‬ ‫وي � � � ��روم ط� �ي� � ًف ��ا �أن ي � � ��زور مل��ام��ا‬ ‫�أك �ب��رتُ ط�ي�ف��ك �أن ي ��ِ��ض��نّ ب ��زورة‬ ‫وه ��و ال ��ذي خَ �لَ � َل ال���ش�غ��اف �أق��ام��ا‬ ‫وبكيتُ �إذ غمر ال�ضياء جوانحي‬ ‫وخ �� �ش �ع��ت يف �أع� �ط ��اف ��ه �إع �ظ��ام��ا‬ ‫�رب م ��ا دن � ��وت ت � ��و ّددا‬ ‫م ��ا ك� ��ان �أق � � � َ‬ ‫م ��ا ك ��ان �أب �ع ��د م ��ا ن ��أي ��ت خ���ص��ام��ا‬ ‫ل � �ك� ��نّ يل يف ك � ��ل ح� � ��ال ُح � � ْ�ظ� � � َو ًة‬ ‫ف � � ��الإم �أح� �ت� �م� � ُل ال� ��� �ص ��دود �إالم � ��ا‬ ‫يا ط��ول ما �أ�سلمت وجهي �ضار ًعا‬ ‫يف احل��ادث��ات ف�م��ا وج ��دت �سالما‬ ‫ع �م��ر ت �ق ��ّ��ض��ى ب�ي�ن �أ� � �س� ��راب امل�ن��ى‬ ‫وم� � �ط � ��ام � � ٌ�ح مل �آ ُل � � �ه � � ��ا ت �ه �ي��ام��ا‬ ‫�أم���ض��ي �أخ��و���ض ��س��راب�ه��ا يف بلقع‬ ‫م��ا �أ��س�ت�ب�ين م��ع ال���ض�ح��ى �أع�لام��ا‬ ‫ل �ك��ن يل يف ق �ي ��� َ�ض �أي� ��ام� ��ي ي � � ًدا‬ ‫ت�ه��ب ال � ّر� �ض��ى وت �ع� ّ�ط��ر االن���س��ام��ا‬ ‫�أكربت هذا الطيف �أن يط�أ الرثى‬ ‫وه ��و ال� ��ذي خ�ل��ل ال���ش�غ��اف �أق��ام��ا‬ ‫ورج � ��وت ل�ل�ن�ف����س ال�ن�ب�ي�ل��ة م �ن��زل‬ ‫م ��ن ع �ط��ر �أوراد ون �ف��ح خُ ��زام��ى‬ ‫ل�ك��ن �إذا ُح � ّم ال�ق���ض��اء ع�ل��ى ام� ٍ‬ ‫�رئ‬ ‫�سكن احلقيقة واجتوى الأوهاما‬ ‫و َل� �ع � ِ�م ��ر ه � ��ذا احل� � ��زن �أين ق��ائ��ل‬ ‫م��ا ع�شت ب�ع��دك يف ال�شقاء دوام��ا‬ ‫�أك � �ب ��رت ط �ي �ف��ك �أن ي � � ��زور مل��ام��ا‬ ‫ورج ��وت �أن �أح �ظ��ى ل��دي��ك مقاما‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪71‬‬


‫مقاالت في اللغة واألدب‬

‫عن اللغة والمحتوى‪...‬‬

‫في يوم اللغة والمحتوى‬

‫م‪ .‬سامر حيدر المجالي‬

‫‪72‬‬

‫فما هي اللغة �إذن‪ ،‬وكيف نخرجها من م�أزق البالغة‬ ‫وح��دي��ثٌ يف احل� ِّ�ب �إنْ مل َن� ُق� ْل� ُه ‪� ،،،،‬أو��ش� َ�ك ال�صمتُ‬ ‫حو َلنا �أنْ يقوال‬ ‫واخلطابة والقول الف�صل لنجعل منها كائنًا ح ًّيا‪ ،‬يحيا‬ ‫خلقًا من بعد خلق وينتمي �إل��ى الزمن؛ �أي‪� :‬إل��ى �سنة‬ ‫ما اللغة؟ هذا �س�ؤال خارج ح�سابات العرب يف اليوم التغري والتطور‪ ،‬اللذين هما جوهر احلياة مبعناها‬ ‫العاملي للغة العربية‪ ،‬والإجابة عليه ت�ستلزم ال�سفر يف الفل�سفي العميق؟‬ ‫الزمن �سف ًرا فل�سف ًّيا مبقدار �ألف عا ٍم �إلى الأمام‪ .‬يردف‬ ‫هذا ال�س�ؤال �س�ؤال ٍ‬ ‫ثان‪ :‬هل تقول اللغة العربية �شيئًا يف‬ ‫مبا �أنه ال �سبيل �إلى ا�ستعرا�ض التطور الذي �شهده‬ ‫زمن ال�شبكة العنكبوتية؟ تلك �ضربة قا�سية‪ ،‬ومفاج�أة مفهوم اللغة واخلطاب عرب الأعوام الألف التي تلت ابن‬ ‫متوقعة تعيدنا �إلى ال�س�ؤال الأول‪� ،‬إلى �ش ّد الرحال؛ كي جني يف مقال �صغري كهذا‪ ،‬ف�إننا �سنخل�ص �إلى مفاهيم‬ ‫ن�ض ّم �إلى معرفتنا مباه ّية اللغة معرفة بالطريقة التي الزمن الذي نحياه الآن‪ ،‬و�سن�ستمع �إلى لغته اخلا�صة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تتجلى بها اللغة وت�ق��ول‪.‬‬ ‫عندئذ‪ ،‬قد ال ن�ضيع وقتنا يخربنا عن نف�سه‪ ،‬وع��ن فهمه اخلا�صة للغة‪� ،‬آخذين‬ ‫وراء ح�سابات كمية كالتي نحن منهمكون بها يف يومنا بعني االعتبار �أن ما نعرفه الآن لي�س نهاية املطاف‪ ،‬و�إال‬ ‫هذا‪ .‬ماذا تعني ن�سبة اثنني ون�صف باملائة من حمتوى ناق�ضنا �أنف�سنا‪ ،‬ووقعنا يف �شرك القدماء و�أ�صنامهم‬ ‫�شبكة الإنرتنت؟ هذا رقم حمايد‪� ،‬إن مل يقارن مبقدار املعبودة حتى الزمن احلا�ضر‪ .‬مفهوم اللغة املطروح‬ ‫م�ساهمتنا يف احل�ضارة؛ لأن مفتاح احل�ضارة هو اللغة‪ ،‬اليوم‪ ،‬البالغ ذروة �سنامه ت�أويلاً فل�سف ًّيا‪ ،‬مفهوم قابل‬ ‫بل �إنّ بيت احل�ضارة كله ي�سكن يف قلب اللغة‪ ،‬ومنها ب��دوره للتغري‪ ،‬وما نحن �إال �أبناء زمننا يخربنا بع�ض‬ ‫ينهل و�إليها يفر‪.....‬‬ ‫الأ�شياء‪ ،‬ويرتك بع�ضها الأكرث لأجيال ت�أتي من بعدنا‪.‬‬ ‫نتقدم �إلى اللغة لنقول‪� :‬إنّ زمن العرب قد توقف‬ ‫عند اللحظة التي ع ّرف بها ابن جني اللغة على �أنها‪:‬‬ ‫"�أ�صوات يعبرّ كل قوم عن �أغرا�ضهم"‪ .‬فاللغة بهذا‬ ‫الت�صور ال�سكوين رموز و�إ�شارات ال تنتمي �إلى دالالتها‬ ‫�إال مبقدار ما ينتمي الثوب �إلى الب�سه‪ .‬والدالالت تلك‪،‬‬ ‫ت�سكن يف عامل ناجز منذ زمن‪ ،‬لتغدو وظيفة اللغة هي‬ ‫بلوغ املعنى املعطى �سلفًا‪ .‬لذلك‪�ُ ،‬س ّمي القول الف�صل‬ ‫اً‬ ‫قول بليغًا‪ ،‬و ُع ّدت املعاين "ملقا ًة على قارعة الطريق"‪،‬‬ ‫فر�سخ من قبل ابن جني‬ ‫وهو ت�صو ٌر جاء به اجلاحظ‪ّ ،‬‬ ‫فكرة املعاين اجلاهزة؛ �أي‪ :‬العامل املكتمل الذي ال �سبيل‬ ‫�إلى تطويره و�إخراجه من حالة اكتماله املزعومة‪.‬‬

‫الوجود ي�ض ّج بر�ساالته‪ ،‬وعند كل مفرق عميق ينقله‬ ‫الوجود للذين يح�سنون اال�ستماع �إليه‪ ،‬فعالقة الإن�سان‬ ‫بالكون عالقة انغما�س وتفاعل؛ �إنه و�سيط بني الوجود‬ ‫وال��وج��ود‪ ،‬بني القدمي واحلديث‪ ،‬بني ما احتجب وما‬ ‫ظهر‪ .‬وو�ساطته تلك تقوم على قاعدة الفهم؛ امتالك‬ ‫احلا�سة‪ ،‬فت�ص ّيد الر�سالة‪ ،‬فالقب�ض عليها‪ ،‬ثم �إ�شهارها‪.‬‬ ‫وال تُفهم الر�سالة �إال بالإن�صات اجليد؛ لأن لغة الوجود‬ ‫لغة يوحي ظاهرها بالب�ساطة‪ ،‬غري �أنها حتتوي على ما‬ ‫ال ح ّد له من الرتكيب والإعجاز‪ .‬كما �أن لغة الوجود‬ ‫ل�غ��ة م��راوغ��ة‪ ،‬حت��ب م��ن امل�ستمعني الأذك �ي��اء وح��ادي‬ ‫الذهن‪ ،‬فتختار حمطاتها النهائية منهم بعناية فائقة‪.‬‬


‫هكذا يغدو كل ك�شف ب�شري مرحلة من مراحل الفهم‪،‬‬ ‫وفكًّا ل�شيفرة �أر�سلها الوجود بلغته اخلا�صة التي يفهمها‬ ‫�أولو الألباب؛ فكل "قول" ذي قيمة‪ ،‬علم ًّيا كان �أو �شعر ًّيا‬ ‫�أو فل�سف ًّيا‪ ،‬ه��و لغة وج��دت م��ن �أح���س��ن الإن���ص��ات �إليها‬ ‫فرتجمها للوعي الب�شري‪ .‬هذا هو �سر احل�ضارة وتراكم‬ ‫املنجزات الإن�سانية‪ ،‬فهي جمموعة من الك�شوف تتوالى‪،‬‬ ‫وما لغتنا املنطوقة �إال مرحلة �أخرية تتلو اكتمال الر�سالة‬ ‫وظهورها �إلى العلن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ تظهر الأ�سماء‪ ،‬نختارها نحن ب�شروط الوجود‬ ‫ورمبا ب�شروطنا‪ .‬والأ�سماء‪ ،‬هي املرحلة العليا من مراحل‬ ‫وج��ود ال�شيء؛ �إنها ظهوره بعد احتجابه ده��و ًرا طويلة‪.‬‬ ‫هل كان غاز امليثان موجو ًدا قبل �ألفي عام؟ ال �شك �أنه كان‬ ‫هناك‪ ،‬لكنه كان بدون ا�سم‪ ،‬كان عد ًما حتى �أظهرته ر�سالة‬ ‫ما فتحقق وجوده‪ .‬هل كانت اجلاذبية الأر�ضية موجودة؟‬ ‫نعم‪ ،‬كانت‪ ،‬لكنها بقيت ن�س ًيا من�س ًّيا حتى التقطها عبقري‬ ‫ما‪ ،‬و�أعطاها ا�س ًما ف�صارت ملء ال�سمع والب�صر‪ .‬القوة =‬ ‫الكتلة × الت�سارع‪ ،‬هذه لغة قالها الوجود متا ًما هكذا‪،‬‬ ‫أي�ضا هكذا‪.‬‬ ‫ونفهمها اليوم � ً‬ ‫ه��ذا بال�ضبط ما يق�صده �أ�ساتذة املدر�سة الت�أويلية‬ ‫بعباراتهم الغائمة‪ ،‬مثل‪ :‬قول هيدجر عن "جلب اللغة‬ ‫�إل ��ى ال�ل�غ��ة كلغة"‪ ،‬ف�ه�ن��اك ل�غ��ة �أول ��ى ه��ي ل�غ��ة ال��وج��ود‪،‬‬ ‫وهناك لغة ثانية‪ ،‬حت�صيل حا�صل‪ ،‬هي لغتنا وكلماتنا‬ ‫نحن‪ .‬والنتيجة؛ لغة مفهومة‪ ،‬ته ُِب الأ�شياء م�سميات‬ ‫وا�ضحة‪...‬‬ ‫ل�ك��ن‪ ،‬ه��ل الإن �� �س��ان جم��رد و��س�ي��ط حم��اي��د‪� ،‬أم �أنّ له‬ ‫�ش�أنًا �أعمق من ه��ذا؟ يخربنا الت�أويليون املت�أخرون عن‬ ‫هيدجر �أن الت�أويل؛ �أي‪ :‬عملية فهم الر�سالة‪ ،‬حمكوم‬ ‫خللْقية وا ُ‬ ‫ب�شروط الإن�سان الزمنية وا َ‬ ‫خل ُلقية والنف�سية‬ ‫ميت �إليه ب�صلة‪ .‬فهو عامل‬ ‫والثقافية واملعرفية‪ ،‬وكل ما ّ‬ ‫م�ؤثر يف الر�سالة‪ ،‬يهبها ب�صمته و�شخ�صيته اخلا�صة‪ .‬هذا‬ ‫الت�صور ي�ضع الإن�سان يف القمة؛ �إذ يغدو الع ًبا رئي�س ًّيا يف‬ ‫لعبة ال��وج��ود‪ ،‬ول��ه دور موهوب يف اخللق واالبتكار‪� .‬إنه‬ ‫مفو�ضا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مفو�ض بطريقة ما‪ .‬ولعل اجلنوح �إلى اعتباره‬ ‫وهو قول مل يتطرق �إليه الت�أويليون‪ ،‬و�إمنا �أورده كتف�سري‬ ‫�شخ�صي‪ ،‬يتنا�سب وه��ذا الكم م��ن ال��روح��ان�ي��ات الهائلة‬ ‫التي تفر�ضها علينا الفل�سفة يف قمتها الت�أويلية‪ .‬ثم �إن‬ ‫هذا الك�شف الت�أويلي ت�ؤيده اللغة التي جتلبها �إلينا علوم‬ ‫�أخ��رى؛ ففي الفيزياء مثلاً ‪ ،‬يتدخل الإن�سان يف �إدراك‬ ‫حركة اجل�سيمات دون الذرية‪ ،‬فريى كل �شخ�ص حركتها‬ ‫ب�ين الأوت ��ار ب��ر�ؤي��ة خمتلفة ع��ن ر�ؤي��ة ال�شخ�ص الآخ��ر‪،‬‬ ‫و�إن التقيا يف نف�س الزمان واملكان‪ .‬هذا املبد�أ ا�سمه مبد�أ‬ ‫"الالتعني" لعبقري فيزيائي ا�سمه هايزنربغ‪ ،‬وهو ركن‬ ‫�أ�سا�سي يف نظرية الأوت��ار الفائقة‪ ،‬وب��ه قد يختلف لون‬

‫ال�شيء وجن�سه وك��ل �صفاته باختالف ال��رائ��ي‪� .‬أي �أننا‬ ‫نعود مرة �أخرى �إلى جدلية احلقيقة؛ �أهي معطى ثابت‪،‬‬ ‫�أم هي نتيجة �أحا�سي�سنا؟ املهم �أن الإن�سان يف املركز‪ ،‬مركز‬ ‫الوجود واحلقيقة وكل �شيء‪....‬‬ ‫ه��ل ل�ه��ذا ال �ك�لام م��ن خ�لا��ص��ة؟ رمب��ا ل��ه خ�لا��ص��ات‪،‬‬ ‫لكن ما يهمنا يف اليوم العاملي للغة العربية‪� ،‬أن امل�س�ألة‬ ‫كيفية ولي�ست كمية‪ ،‬و�أن ما تقوله اللغة العربية اليوم‬ ‫�شبه معدوم النعدام املدخالت يف ذهن الإن�سان العربي؛‬ ‫فالوجود ال يه ُِب ر�ساالته للذين ال يح�سنون اال�ستماع‬ ‫�إليه‪ .‬لغة العربي ال تقول �شيئًا؛ لأنه ال يفعل �شيئًا‪ ،‬ولأن‬ ‫�شروطه كلها تق�صر به عن حتقيق دور ح�ضاري م�أمول‪.‬‬ ‫لغة العربي التي ندافع عنها لغة مهرتئة‪ ،‬لي�س بقوامها‬ ‫و�إمن� ��ا ب�ط��ري�ق��ة ت��وظ�ي�ف�ه��ا؛ ن�خ��اط��ب ال��وج��ود ب��ال�ك��ذب‪،‬‬ ‫ب��ال���ش��اع��ري��ة ال�ف�ج��ة وال�غ�ن��ائ�ي��ة امل �غ��رق��ة يف ال�شخ�صنة‬ ‫والنفاق‪ .‬خطابات ال تحُِ��قّ حقًّا وال تبطل باطلاً ‪ ،‬ولي�س‬ ‫ريا‬ ‫فيها (مقول)‪ .‬تنتج فك ًرا عاد ًّيا‪ ،‬ف�ضلاً عن �أن تنتج تفك ً‬ ‫نقد ًّيا؛ كالذي �أنتجه �أ�سالف ا�ستخدموا نف�س اللغة‪ .‬هل‬ ‫�سمع �أحدكم بكتاب ا�سمه "ال�شكوك على بطليمو�س" البن‬ ‫الهيثم‪� ،‬أو كتاب �آخ��ر ا�سمه "ال�شكوك على جالينو�س"‬ ‫لأب��ي بكر ال ��رازي؟ لعل ال��ذي��ن �سمعوا بهذين الكتابني‬ ‫قليلون‪ ،‬لكن معظمنا يعرف الكثري عن تهافت الفال�سفة‪،‬‬ ‫وتهافت التهافت‪ ،‬وف�ضائح الباطنية؛ ذلك �أننا ا�ستثنينا‬ ‫التفكري النقدي من تراثنا‪ ،‬و�أبقينا التفكري ال�سجايل‬ ‫الذي ال يخدم املعرفة‪ ،‬وما زلنا نعي�ش بني ق�ضبانه حتى‬ ‫هذه اللحظة‪.‬‬ ‫�أ�ضيفوا �إل��ى ه��ذا‪ ،‬ب��ل �ضعوه على ر�أ���س القائمة‪� ،‬أن‬ ‫م�ساحات احل��ري��ة �ضيقة‪ ،‬و� �ش��روط اال��س�ت�ب��داد حتا�صر‬ ‫ال �ع��رب��ي م��ن ك��ل ج��ان��ب؛ ا� �س�ت �ب��داد ��س�ي��ا��س��ي وع �ق��ائ��دي‪،‬‬ ‫وع�شائري وطائفي‪ ،‬ومذهبي‪ .‬امل��وارد �سائبة‪ ،‬وميزانيات‬ ‫البحث العلمي خجولة‪ .‬هل علينا يف العام �ألفني و�سبعة‬ ‫ع�شر �أن نندب "الربيع املذبوح" ح�ين رغ��ب العربي يف‬ ‫االنعتاق‪ ،‬وب��د�أ ي ِل ُج �إل��ى لغة الع�صر‪ ،‬فذبحته ال�سكاكني‬ ‫من كل جانب‪� .‬أي لغة تلك التي ندافع عنها؟ عن بقايا‬ ‫بالغية متناثرة يف كتب �أكل الدهر على تراكيبها و�شرب؟‬ ‫�أم على ت��راث يحاكم بتهمة االنتماء �إل��ى زم�ن��ه‪ ،‬فتُبرت‬ ‫العالقة برتًا يخرج الأمة من هويتها‪ ،‬ويجعلها �إ ّمع ًة بال‬ ‫تاريخ وال حا�ضر‪.‬‬ ‫رمبا كانت م�شكلة اللغة العربية م�شكلة حمتوى‪ ،‬لكن‬ ‫علينا �أن نحدد بال�ضبط �أي حمتوى ذاك الذي علينا �أن‬ ‫نح�سنه كي نن�صر لغتنا التي نحب‪....‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪73‬‬


‫مقاالت في اللغة واألدب‬

‫من أدب التعزية ‪...‬‬ ‫إعداد ‪ :‬هيئة التحرير‬ ‫ُفجع ال�شيخ عبد اهلل بن حممد الع�سكر حفظه اهلل‬ ‫و�أ�سرته برحيل االبن (عمر)‪ ،‬تقبله اهلل‪ ،‬وجعله �شفي ًعا‬ ‫لوالديه م�ساء الأحد‪ ،‬املوافق‪1430 / 6 / 14 :‬هـ‪ ،‬وخالل‬ ‫�أي��ام العزاء‪ ،‬كانت هذه املرا�سالت بني ال�شيخ عبد اهلل‬ ‫وال�شيخ �سلمان العودة حفظهما اهلل‪..‬‬ ‫ر�سالة ال�شيخ عبد اهلل‪:‬‬

‫‪74‬‬

‫ع�صيب‪ ،‬ومل يكن حولك من يعزيك �إال نزر ي�سري ممن‬ ‫هم حولك‪ ،‬على عك�س ما �أن��ا فيه‪ ،‬فاملعزُّون من داخل‬ ‫البالد وخارجها كثري‪ ،‬والباكون �أو املتباكون يطيفون‬ ‫بي مين ًة وي�سرة‪.‬‬ ‫وم� � ��ا ي� �ب� �ك ��ون م� �ث ��ل ُب � �ن� � َّ�ي ل�ك��ن‬ ‫�أع � � �زِّي ال �ن �ف ����س ع �ن��ه ب��ال �ت ��أ�� ِّ�س��ي‬

‫�شيخي احلبيب‪ :‬تعلم – وفقك اهلل – ما ق�ضاه اهلل‬ ‫وال �شك �أن لكل هذا �أث ًرا يف تخفيف امل�صاب‪� ،‬أما �أنت‪،‬‬ ‫علي من فقد فلذة كبدي وريحانة ف�ؤادي‪ ،‬ابني "عمر"‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فقد كنت حمرو ًما من هذا كله‪ ،‬فلعمري �إن م�صابك‬ ‫واحلمد هلل على كل حال‪.‬‬ ‫جللل‪ .‬وقد �أخ�برين ال�شيخ عبد الوهاب وقتها ٍ‬ ‫بثبات‬ ‫لقد كان "عمر" يل �شيئًا �آخر من بني �أخيه و�أخواته عجيبٍ لك يف هذا املوقف!!‬ ‫الأرب��ع‪ ،‬ولقد كنت �أ�ؤم��ل فيه �آم� اً�ال كبا ًرا؛ ملا ملحت فيه‬ ‫خ�صو�صا دون‬ ‫أي�ضا �أن �أطلب منك �أنت‬ ‫ومما دفعني � ً‬ ‫ً‬ ‫من �آثار النجابة‪ ،‬فكان بحقٍّ وا�سطة العقد‪ ،‬وكنت كما‬ ‫غريك �أن تكتب يل بهذه التعزية‪ ،‬ما �أجده من كلمات‬ ‫قال ابن الرومي يف رثاء ولده‪:‬‬ ‫ولفتات يفتح اهلل بها عليك يف كثري من �أحاديثك‪ ،‬رمبا‬ ‫توخّ ى حمام املوت �أو�سط �صبيتي‬ ‫ال �أجدها عند غريك‪ ،‬وذلك ف�ضل اهلل عليك‪ ،‬ف�أردت �أن‬ ‫فلله كيف اختار وا�سطة العقد �أقتن�ص منها �شارد ًة ينفعني اهلل بها‪.‬‬ ‫و�أنا � ِّ‬ ‫أب�شرك على ما حتب من الر�ضا والت�سليم لأمر‬ ‫على حني رمت اخلري من ملحاته‬ ‫و�آن�ست م��ن �أفعاله �آي��ة الر�شــد اهلل‪ ،‬ومل تب ُد مني كلمة فيها جزع �أو ت�سخُّ ط‪ ،‬ال �أنا وال‬ ‫�أمه التي فجعت به �صري ًعا بني يديها؛ لكنَّ يف قلبي من‬ ‫طواه الردى عني ف�أ�ضحى مزاره‬ ‫احلزن ما اهلل به عليم‪ ،‬وكلما خلوتُ هاجت بي الذكرى‬ ‫بعي ًدا على قرب قري ًبا على بعد ف�صدعت قلبي املكلوم‪ ،‬والعرب تقول‪“ :‬كل جرح يندمل‬ ‫�إال جرح فقد الولد”‪.‬‬ ‫ل�ق��د ك ��ان م ��لء ال���س�م��ع وال�ب���ص��ر‪ ،‬ول ��ه يف ك��ل رك��ن‬ ‫ه��ذه ع �ب��ارات وع�ب�رات �أ� �س��ررتُ بها �إل�ي��ك يف �ساعة‬ ‫م��ن �أرك��ان البيت �صخب‪ ،‬مل �أع��د �أ�سمع منه �إال رجع‬ ‫مت�أخرة‪ ،‬وك�أين بك تقول‪ “ :‬لو اخت�صرت فقلت‪� :‬أر�سل‬ ‫ال�صدى!!‬ ‫ر�سالة تعزية يف ولدي “لكفى!” وهذا حقّ ؛ ولكني يف‬ ‫وك� ��ان ُح���ش��ا��ش�ت��ي وج �ل��ا َء ه� ِّم��ي‬ ‫احلقيقة �أردت من ه��ذه الإط��ال��ة �أن �أن�ثر كنانتي بني‬ ‫يديك‪ ،‬و�أب��ثُّ �شيئًا من همومي لديك؛ طم ًعا يف �إفراغ‬ ‫و�إل � �ف� ��ي وامل� � �ف� � � ِّرج ع� ��ن ف � � ��ؤادي �شيء من �شحنات احلزن يف �صدر �أبٍ مفجوع بولده‪.‬‬ ‫�أردت من هذه الر�سالة �أن تكتب �إ ّ‬ ‫يل بكلمات �أتعزى بها‬ ‫والبد من �شكوى �إلى ذي مروءة‬ ‫عن فقد ولدي‪ ،‬و�إن كنت �أ�شعر بنو ٍع من احلرج �أن �أطلب‬ ‫منك ذلك؛ لعلمي بكرثة الأعباء التي ينوء بها كاهلك‪،‬‬ ‫ي��وا��س�ي��ك �أو ي�سليك �أو يتوجع‬ ‫لكنني طمعت بكلمات منك �أنت على وجه اخل�صو�ص‬ ‫لأم� ��ور م�ن�ه��ا‪� :‬أن ��ك ق��د ذق ��ت ط�ع��م ال �ف��راق وجت��رع��ت‬ ‫غ�ص�صه‪ ،‬حني فقدت �صبيك عبد الرحمن _ جعله اهلل‬ ‫�سائقًا لك �إلى جنات النعيم _ وكان فقدك له يف ظرف‬

‫و�أن��ا ال �أ�شكو ‪ -‬معاذ اهلل �أن �أك��ون من اجلاهلني ‪-‬‬ ‫�إذ كيف ُي�شكى اخلالق �إلى املخلوق؟!! لكن هو نوع من‬ ‫التنفي�س من جهة وت�أ�س ًيا بعد ٍد من �سلف هذه الأمة يف‬ ‫مرا�سالتهم ملن يحبون‪ ،‬ويطمعون يف بركة علمه �أن‬


‫يوا�سيهم يف م�صائبهم‪ ،‬ولهم يف هذا الباب �أخبار وكتابات‬ ‫ال تخفى على مثلك‪.‬‬ ‫�أنتظر ردك �إن كان هناك ف�ضلة من وقتك‪ ،‬و�إال ف�أنت‬ ‫يف ح ّل �أب��د الدهر‪ ،‬ويكفيني منك دع��وة �صادقة يف ظهر‬ ‫الغيب‪.‬‬ ‫�أق ّر اهلل عينك ب�صالح ذريتك‪ ،‬وحفظهم من كل �سوء‬ ‫ومكروه‪ ،‬واحلمد هلل حم ًدا يليق بجالل وجهه وعظمة‬ ‫�سلطانه‪.‬‬ ‫رد ال�شيخ �سلمان‪:‬‬

‫فلذة كبدي "عبد الرحمن" بعي ًدا عن املعزّين‪ ،‬ومل �أظفر‬ ‫بر�ؤية وجهه ال�ب�ريء‪ ،,‬وال ج�سده الطاهر امل�سجى‪ ,‬وال‬ ‫حظيت بال�صالة عليه‪.‬‬ ‫تـمـنـيـت ل��و تغني الأم� ��اين نظرة‬ ‫�إل �ـ��ى جـ�سـد ذا ٍو ي�ـ�غ� ِ‬ ‫�رغ��ر بالبهر‬ ‫تـمـنـيت ح�ت��ى وق�ـ�ف��ة ع�ن��د نع�شه‬ ‫َت ُر ُد �إلى نف�سي الذي �ضاع من �صربي‬ ‫تـمـنـيت م��ا ن��ال��ت �أل� ��وف توجهت‬ ‫�إلـى ربـها �صلت عليك مع الع�صر‬ ‫ت�ـ�م�ـ�ن�ـ�ي�ـ��ت ك �ف �اً م ��ن ت � ��رابِ �أ��س�ن�ه��ا‬

‫�شكر اهلل ثقتك التي حملتني بها ما طلبت و�أنا �صائر‬ ‫�إليه �إن �شاء اهلل‪ ،‬و�س�أبعث به �إليك بطريقتي اخلا�صة‪� ،‬أو‬ ‫عـلـى قربك امليمون طيب من ق ِ‬ ‫رب‬ ‫لعلي �آتيك به زائ ًرا و م�سل ًيا وم�سام ًرا‪.‬‬ ‫وال �أكتمك �أين �أج��د ل�ل�أوالد ذكورهم و�إناثهم تعلقًا‬ ‫�أخ ��ي �أب ��ا ع�م��ر! ال �أج ��د خ�ي ً�را م��ن ت�ع��زي��ة ر� �س��ول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم البنته يف ابنها؛ لمِ ا فيها من العمق غري ًبا يف قلبي‪ ،‬و�أقول‪:‬‬ ‫والو�ضوح والإيجاز‪�( :‬إِ َّن للِهَّ ِ َما �أَخَ َذ َو َل ُه َما �أَ ْع َطى‪َ ،‬و ُك ٌّل‬ ‫هل كل النا�س مثلي؟! ‪ ..‬ولل�صغري فوق احلب عاطفة‬ ‫ِع ْن َد ُه ِب�أَ َج ٍل ُم َ�س ًّمى َف ْلت َْ�صبرِ ْ َو ْلت َْحت َِ�س ْب)‪.‬‬ ‫الرحمة واحلنان‪ ،,‬وما �أذكر �أين ذرفت دمعة‪ ،‬ورمبا كان‬ ‫وال �أراك كنت تطمع ل��ول��دك وفقيدك مبنزلة فوق احلزن �أكرب‪ ،‬ولكني كنت �أت�صبرّ ؛ ف�صبرّ ين اهلل‪ ،‬و�أطلب‬ ‫ال���ش�ه��ادة‪ ،‬وق��د ن��ال�ه��ا بحمد اهلل وف���ض�ل��ه‪ ،‬ع�ل��ى هيئة ال العو�ض؛ فعو�ضني اهلل بعده ب�سبعة من الولد؛ فله احلمد‬ ‫اعت�ساف فيها وال تغرير؛ فعو�ضه ربه منك‪ ،‬ما �أرجو �أن على ما �أخذ وله احلمد على ما �أعطى‪..‬‬ ‫يعو�ضك منه‪.‬‬ ‫وكنت �أتذكر �أن لأب��ي احل�سن التهامي �شجنًا �شعر ًّيا‬ ‫ثم �إن��ه رح��ل طاهر اجليب‪� ،‬صاف ًيا كماء ال�سماء‪ ،‬مل ك�شجننا �أوحى به لنف�سه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫يقارف ومل يتلطخ ب�شيء من الدنيا‪.‬‬ ‫�إِ ّن � �ـ ��ي ُو ِت � �ـ� ��رتُ ِب� ��� �ص ��ا ِر ٍم ذي َرو َن� ��ق‬ ‫َثوى ِ‬ ‫طاه َر الأَثوابِ لمَ تَب َق َرو�ضَ ٌة‬ ‫�أَع � �ـ ��ددت � �ـ � � ُه ِل �ـ � ِ�ط �ـ�ل�ا َب �ـ � ِة الأَوت � � � ��ا ِر‬ ‫بر‬ ‫َف�س �إِن َر ِ�ض َيت ِب� َذ ِل� َ�ك �أَو �أَ َب��ت‬ ‫َغ �ـ��دا َة َث��وى �إ اِّل ِا�ش َت َهت �أَ َّن �ه��ا َق� ُ‬ ‫َوالن ُ‬ ‫ُم� �ـ� �ن� �ـ� �ق� �ـ ��ادة ِب � �ـ � ��أَز َّم � �ـ � ��ة الأَق� � � � � ��دا ِر‬ ‫وكم من �أبٍ كان ي�ؤمل ويرجو‪ ،‬فلما كرب ولده �أخلفوه‬ ‫وعقّوه‪ ،‬فتمنى رحيلهم وجت� ّرع منهم العلقم؛ �أما فتاك‬ ‫ي�ـ��ا َك�ـ��و َك�ب �اً م��ا ك ��ا َن �أَق ���َ�ص � َر ُع �م � َر ُه‬ ‫فرحل‪ ،‬وال تذكر منه �إال كل جميل‪ ،‬ولعل ذلك ما جعلك‬ ‫َو َك� �ـ � َ‬ ‫�ذاك ُع �م � ُر َك ��وا ِك ��بِ الأَ� �س �ح��ا ِر‬ ‫جتد حرارة الفقد ولوعة الثكل‪:‬‬ ‫َوه �ـ�ل�ال �أَ ّي� �ـ ��ا ٍم َم���ض��ى لمَ َي���س� َت� ِ�در‬ ‫ف�ـ�ق�ـ�ل��ت ل �ع �ب��د اهلل �إذ ح� ��نَّ ب��اك�ي��ا‬ ‫َب� �ـ ��دراً‪َ ،‬و َل �ـ ��م مي�ه��ل ِل � َوق ��ت �� ِ�س��را ِر‬ ‫حـزيـنا وماء العني منهمر يجري‬ ‫َع�ـ��جِ � َل ا ُ‬ ‫خل���س��وف َع�لَ�ي� ِه َق�ب� َل �أَوا ِن ��ه‬ ‫ت�ـ�ب�ـ�ين ف � ��إن ك ��ان ال �ب � َك��ا ر َّد ه��ال�ك��ا‬ ‫على � ٍ‬ ‫َف �ـ � َم �ـ �ح �ـ��ا ُه َق �ـ �ب � َل َم� َ�ظ � َّن��ة الإِب � � ��دا ِر‬ ‫أحد فاجهد بكاك على عمرو‬ ‫وا� �س �ـ � َت �ـ � َّل ِم �ـ��ن �أَت � �ـ� ��را ِب � � ِه َو ِل� ��دا ِت� ��ه‬ ‫وال ت�ـ�ب�ـ��ك م �ي �ت �اً ب �ع��د م �ي� ٍ�ت �أج �ن��ه‬ ‫ع �ـ �ل �ـ� ٌ�ي وع� �ـ� �ب ��ا� � ٌ�س و�آل �أب� � ��ي ب�ك��ر‬ ‫َك�ـ��ال�ـ� ُم�ـ�ق�لَ� ِة ا��س� َت�لَ��ت ِم ��نَ الأَ� �ش �ف��ا ِر‬ ‫على �أن اهلل ال ي�ؤاخذ بدمع العني‪ ،‬وال بحزن القلب‪،‬‬ ‫َف � �ـ � � َك � �ـ � ��أَ َّن َق �ـ �ل �ـ �ب �ـ��ي ق �ب��ره َو َك � � ��أَ َّن� � ��ه‬ ‫ولكن ي�ؤاخذ بالل�سان �أو يرحم‪ ،‬ورمبا كان يف دمعة عابرة‬ ‫يف خلوة ما يخفف كظيم احل��زن‪ ،‬غري �أين وج��دت فقد‬ ‫ف �ـ��ي َط �ـ � ِّي �ـ � ِه �� ِ�س �ـ � ٌّر ِم � ��نَ الأَ�� � �س � ��را ِر‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪75‬‬


‫والهف نف�سي عليه يوم ت�سلل �إليه ا ِ‬ ‫حلمام الرا�صد يف‬ ‫وعكة‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫�إِ َّن ال �ـ � َك �ـ��وا ِك��بِ يف ُع� � ُل� � ِّو َم �ك��ا ِن �ه��ا‬ ‫َل�ـ� ُت�ـ��رى �ِ��ص �غ��اراً َوه � َ�ي َغ�ي ُ�ر ِ���ص�غ��ا ِر‬ ‫لقد عبث ال ��داء الوبيل بج�سمه الن�ضر‪ ،‬كما تعبث‬ ‫�اب‬ ‫وب��الأم����س‪ ،‬كنت �أق��ف عند ق��ول��ه تعالى‪َ ( :‬م��ا �أَ� َ��ص�‬ ‫َ‬ ‫الغ�ضة!‬ ‫ِم��نْ ُم ِ�صي َب ٍة �إ اَِّل ِب� ��إِذ ِْن اللهَّ ِ َو َم��نْ ُي��ؤ ِْم��نْ ِب��اللهَّ ِ َي ْه ِد َق ْل َبهُ) الريح ال�سموم بالزهرة ّ‬ ‫التغابن‪.11/‬‬ ‫ولكن ذك��اءه وجماله ولطفه ما برحت قوية نا�صعة‪،‬‬ ‫ف��ذك��رت ق��ول علقمة‪ :‬ه��و ال��رج��ل ت�صيبه امل�صيبة‪ ،‬ت�صارع العدم بحيوية الطفولة!‬ ‫فيعلم �أنها من عند اهلل فري�ضى وي�سلم‪.‬‬ ‫و�ألهف نف�سي عليه �ساعة �أخذته غ�صة املوت‪ ،‬و�أدركته‬ ‫وق ��ول اب��ن ع�ب��ا���س‪� :‬أن ي�ع�ل��م �أن م��ا �أ� �ص��اب��ه مل يكن �شهقة ال��روح‪ ،‬ف�صاح مب��لء فمه اجلميل‪ ( :‬ب��اب��ا‪ ..‬بابا)‬ ‫ك�أمنا ظنّ �أباه يدفع عنه ما ال يدفع عن نف�سه!‬ ‫ليخطئه‪ ،‬وما �أخط�أه مل يكن لي�صيبه‪.‬‬ ‫لنا اهلل من قبلك ومن بعدك يا رجاء‪ .‬وللذين تطولوا‬ ‫وق��ر�أ �أبو بكر ال�صديق‪ُ :‬يه َد قل ُبه‪ ،‬بفتح ال��دال و�ضم‬ ‫باملوا�ساة فيك ال�سالمة والبقاء" �أ‪.‬هـ‪.‬‬ ‫الباء‪� ،‬أي‪ :‬يهد�أ قلبه وي�سكن بعد ع�صف امل�صيبة‪.‬‬ ‫فهذه حالنا وحال الدنيا‪� ..‬أخذت الزيات ذات يوم كما‬ ‫ونحن جند من �أنف�سنا عزا ًء يف الفاقدين واملكلومني‬ ‫وعجل لذاك‪،‬‬ ‫وامل�صابني‪ ،‬وحينما فقد الأديب �أحمد الزيات ولده الوحيد �أخذت ابنه من قبل غري �أن الأجل �أخّ ر لهذا ّ‬ ‫"رجاء"‪ ،‬ذي الأربع �سنوات‪ ،‬ب�سبب مر�ض "الدفترييا" ( ُك ُّل َنف ٍْ�س َذا ِئ َق ُة المْ َ ْو ِت)‪ ،‬واحلمام الرا�صد خامتة كل ق�صة‬ ‫مل ب��ه فق�ضى نحبه‪ ،‬كتب ال��زي��ات قطعة ن�ثري��ة باكية مهما اختلف �أبطالها وتعددت �أحداثها‪ ،‬وهلل الأم��ر من‬ ‫�أ ّ‬ ‫قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫تذوب حروفها �أنينًا‪ ،‬فكان مما قال‪:‬‬ ‫ومن العجب �أن العرب قبل الإ�سالم ‪ -‬وهم ال يرجون‬ ‫"هذا ولدي كما ترى‪ ،‬رزِقته على ٍ‬ ‫حال عاب�س ٍة كالي�أ�س‪،‬‬ ‫يتحا�ضون على ال�صرب‪،‬‬ ‫وكهولة بائ�سة كالهرم‪ ،‬و ُح�ي��اة ب��اردة ك��امل��وت‪ ،‬ف�أ�شرق يف ثوا ًبا وال يخ�شون عقا ًبا – كانوا‬ ‫ّ‬ ‫نف�سي �إ�شراق الأمل‪ ،‬و�أورق يف عودي �إيراق الربيع‪ ،‬وو ّلد ويعرفون ف�ضله‪ ،‬وي�ع�ّيررّ ون باجلزع �أه�ل��ه‪� ،‬إي�ث��ا ًرا للحزم‬ ‫يف حياتي العقيمة معاين اجل ّدة واال�ستمرار واخللود! وتزينًا باحللم‪ ،‬وطل ًبا للمروءة‪ ،‬وفرا ًرا من اال�ستكانة �إلى‬ ‫ح�سن العزاء‪ ،‬حتى �إن كان الرجل منهم ليفقد حميمه‪،‬‬ ‫ريا هو؛ ي�أكل ف�أ�شبع‪ ،‬وي�شرب فال يعرف ذلك فيه‪ ،‬وي�ص ّدق ذلك ما جاء يف �أ�شعارهم‪،‬‬ ‫ريا �أنا‪ ،‬و�أنا كب ً‬ ‫فهو �صغ ً‬ ‫ف�أرتوي‪ ،‬وينام ف�أ�سرتيح‪ ،‬ويحلم فت�سبح روحي وروحه يف ونرث �أخبارهم‪.‬‬ ‫�إ�شراق �سماوي من الغبطة ال يو�صف وال يح ّد‪.‬‬ ‫ريا ثم يكرب‬ ‫قال بع�ض ال�سلف‪� :‬إن ك ّل �شيء يبدو �صغ ً‬ ‫ذلك ك ّله انعكا�س حياة على حياة‪ ،‬وتدفق روح يف روح‪� ،‬إال امل�صيبة‪ ،‬ف�إنها تبدو كبرية ثم ت�صغر‪.‬‬ ‫وت�أثري ولد يف والد!‬ ‫فانتهز عظم الثواب لها عند �أ ّول كربها قبل �صغرها‪،‬‬ ‫ث��م انق�ضت تلك ال�سنون الأرب ��ع! ف�ط� ّوح��ت ال��واح��ة واحل�م��د هلل ال��ذي �أع��زه بوقوفك على ق�بره‪ ،‬ومل يذله‬ ‫و�أوح�ش القفر‪ ،‬وانطف�أت الوم�ضة‪ ،‬و�أغط�ش الليل‪ ،‬وتبدد بخالفه‪.‬‬ ‫احللم وجت ّهم الواقع‪ ،‬و�أخفق الطب‪ ،‬ومات رجاء!!‬ ‫ي��ا �صاحبي‪� ..‬أم��ر اهلل ن��اف��ذ‪ ،‬وحكمه ال�ع��ام ج��ا ٍر على‬ ‫�سنة كتبها قبل �أن يخلق اخل�لائ��ق‪ ،‬ول�ك��ن خ�ير النا�س‬ ‫يا ج ّبار ال�سموات والأر�ض ُرحماك!!‬ ‫من كان �أو�سعهم حكمة و�أكرثهم ر�ضى‪ ،‬وت�سلي ًما لق�ضاء‬ ‫�أيف مثل خفقة الو�سنان تب ّدل الدنيا غري الدنيا‪ ،‬فيعود اهلل‪ ..‬وقد �شعرت �أن امل�صيبة هذه املرة يف العمق‪ ،‬وذهبت‬ ‫النعيم �شقاء‪ ،‬وامللأ خالء‪ ،‬والأمل ذكرى؟!‬ ‫بفكري �أت�ف�ق��د �أب�ن��ائ��ي م��رة بعد م��رة‪ ،‬فاللهم �أج��رن��ا يف‬ ‫يرا منها‪ ،‬وارب��ط على قلوبنا يا‬ ‫�أيف مثل حتية العجالن ي�صمت الرو�ض الغرد‪ ،‬وي�سكن م�صيبتنا واخلف لنا خ� ً‬ ‫�أرحم الراحمني‪.‬‬ ‫البيت الالعب‪ ،‬ويقبح الوجود اجلميل؟!‬ ‫اللهم مهما ا�ستب ّد بنا احلزن‪ ،‬ف�إنا ن�س�ألك �أال جتعلنا‬ ‫حنانيك يا لطيف!‬ ‫�ساخطني وال جزعني‪ ،‬واهدنا ل�سنة نبيك حممد �صلى‬ ‫ما هذا اللهيب الغريب الذي يهب على غ�شاء ال�صدر اهلل عليه و�سلم حني قال‪�" :‬إن القلب ليحزن‪ ،‬و�إن العني‬ ‫ومراق البطن ‪,‬فريم�ض احل�شا‪ ,‬ويذيب لفائف القلب؟ لتدمع‪ ،‬وال نقول �إال ما ير�ضي ربنا"‪.‬‬


‫من حفل تكرمي رابطة كتاب التجديد‬

‫حفل تكريم رابطة كتاب التجديد‬ ‫(أ) – العلماء‪ ،‬المفكرون‪ ،‬المثقفون‪:‬‬ ‫‪ -1‬الأ�ستاذ را�شد الغنو�شي – تون�س‬ ‫‪ -2‬الدكتور �سعد الدين العثماين – املغرب‬ ‫‪ -3‬ال�شيخ عبد اهلل بن بيه – موريتانيا‬ ‫‪ -4‬الدكتور عبد العزيز التويجري – ال�سعودية‬ ‫‪ -5‬الدكتور عبد ال�سالم العبادي – الأردن‬ ‫‪ -6‬الأ�ستاذ عبد الفتاح مورو – املغرب‬ ‫‪ -7‬الدكتور عبد املجيد النجار – تون�س‬ ‫‪ -8‬الدكتور حمي الدين علي القره داغي – قطر‬ ‫‪ -9‬الدكتور �أحمد نوفل – الأردن‬ ‫‪ -10‬الأ�ستاذ �إبراهيم العجلوين – الأردن‬ ‫‪ -11‬الدكتور حممد مورو – م�صر‬ ‫‪ -12‬الدكتورة رقية العلواين – البحرين‬

‫‪ -13‬الدكتور �سلمان بن فهد العودة – ال�سعودية‬ ‫‪ -14‬الدكتور عبد اللطيف الهميم – العراق‬ ‫‪ -15‬الدكتور جا�سم �سلطان – قطر‬ ‫‪ -16‬الأ�ستاذ الدكتور عزمي طه ال�سيد – الأردن‬ ‫‪ -17‬الأ�ستاذ الدكتور �أبو يعرب املرزوقي – تون�س‬ ‫‪ -18‬الأ�ستاذ الدكتور حممد حب�ش ‪� -‬سوريا‬ ‫(ب) – المؤسسات‪:‬‬ ‫‪ -1‬املعهد العاملي للفكر الإ�سالمي – �أمريكا‬ ‫‪ -2‬منتدى الفكر العربي – الأردن‪.‬‬ ‫‪ -3‬مركز جمعة املاجد للثقافة والرتاث –‬ ‫الإمارات العربية املتحدة‬ ‫‪ -4‬مركز الدوحة الدويل للأديان ‪ -‬قطر‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪77‬‬


‫من اللقاء الصحفي لألمين العام م‪ .‬مروان الفاعوري‪ ،‬حول المؤتمر الدولي‪:‬‬

‫المسلمون والعالم من المأزق الى المخرج‬

‫‪78‬‬

‫العا�صمة عمان – اململكة الأردنية الها�شمية مق ًّرا دائ ًما‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ل��ه‪ ،‬ول��ه ف��روع يف العديد م��ن العوا�صم وامل��دن العربية‬ ‫حممد عليه �أف�ضل ال�صالة والت�سليم‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه‪ ،‬والإ�سالمية‪ ،‬عل ًما ب�أن رئي�س املنتدى‪ ،‬هو �سماحة الإمام‬ ‫ال �� �ص��ادق امل �ه��دي‪ ،‬والأم�ي��ن ال �ع��ام‪ ،‬ه��و امل�ه�ن��د���س م��روان‬ ‫ومن �سار على نهجه وهديه �إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫الفاعوري‪ ،‬وي�ضم املنتدى يف ع�ضويته جمموعة كبرية‬ ‫�أح�ي�ي�ك��م �أي �ه��ا الإخ ��وة والأخ � ��وات‬ ‫وبركاته‪ ..‬بتحية الإ� �س�ل�ام – من العلماء واملفكرين واملثقفني من كافة �أب�ن��اء العامل‬ ‫فال�سالم عليكم ورحمة اهلل‬ ‫العربي والإ�سالمي‪.‬‬ ‫ي�سرين �أن �أرح��ب بكم �أج�م��ل ترحيب‪ ،‬يف ه��ذا اللقاء‬ ‫ما �أهمية عقد هذا اللقاء يف مدينة عمان وحتت هذا‬ ‫ال ��ذي �سنتحدث ف�ي��ه ع��ن ه��ذا امل�ل�ت�ق��ى ال�ف�ك��ري الثقايف‬ ‫الكبري ال��ذي يعقده املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان‪ ،‬العنوان‪ :‬امل�سلمون والعامل من امل�أزق �إلى املخرج؟‬ ‫خ�لال ال�ف�ترة م��ن ‪ .2017/3/12-11‬وقبل احل��دي��ث عن‬ ‫ي�أتي انعقاد ه��ذا امل��ؤمت��ر بتاريخ ‪ 2017/3/12-11‬يف‬ ‫امل�ؤمتر وبرنامج امل�ؤمتر‪ ،‬وحماوره و�أهميته‪ ،‬ا�سمحوا يل فندق هوليداي �إن‪ ،‬ا�ستجابة �إلى �ضرورة زمانية ومكانية‬ ‫�أن �أق��دم �إي�ج��ازًا عن املنتدى العاملي للو�سطية احلا�ضن ت�ستوجب �إلقاء ال�ضوء على �أبرز التحديات والأزمات التي‬ ‫لهذا امل�ؤمتر‪ ،‬و�أ�ستفتح بالذي هو خري‪.‬‬ ‫ت�ؤرق العامل الإ�سالمي؛ بهدف ال�سعي �إلى �إيجاد حلول‬ ‫توافقية مالئمة حت � ّد م��ن ه��ذه ال���ص��راع��ات وال�ن��زاع��ات‬ ‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬هو هيئة فكرية �إ�سالمية ال�ق��ائ�م��ة‪ ،‬ب�ع�ي� ًدا ع��ن ل�غ��ة ال�ع�ن��ف وال�ت�ط��رف والإره� ��اب‪،‬‬ ‫عاملية‪ ،‬ذات ر�سالة فكرية م�ستنرية‪ ،‬ي�سعى �إلى التجديد يف و� اً‬ ‫إعمال لنهج احلكمة واملوعظة احل�سنة الذي ينبثق من‬ ‫حياة الأمة‪ ،‬و�إعادة �صياغة امل�شروع النه�ضوي الإ�سالمي؛ مفهومنا الوا�سع لنهج الو�سطية‪ ،‬الذي �شكّل عرب الزمان‬ ‫م��ن خ�لال ام�ت�لاك و��س��ائ��ل علمية وواق�ع�ي��ة جتديدية‪ ،‬ق��وة الإ��س�لام الناعمة يف مواجهة الأزم��ات والتحديات؛‬ ‫�اح��ا ل �ل��دور ال��روح��ي والأخ�ل�اق��ي‬ ‫ت�سهم يف �إن�ت��اج خطاب �إ��س�لام��ي م�ستنري‪ ،‬ويعتمد على �إع �م� اً�ال ل�ل�ع�ق��ل‪ ،‬و�إف �� �س� ً‬ ‫للأديان يف الألفية اجلديدة؛ من خالل اعتماد القدوات‬ ‫الفهم ل�ل�إ��س�لام وق�ي�م��ه‪ ،‬وت�شريعاته‪ ،‬ولي�س للمنتدى احل�سنة لأمة الإ�سالم التي تعمل من �أجل خري الإن�سانية‬ ‫�أي ��ة ع�لاق��ة ب��الأح��زاب ال�سيا�سية‪ .‬وي�ت�خ��ذ امل�ن�ت��دى من و�سعادة ال�شعوب‪ ،‬و�إعمار االر�ض‪.‬‬


‫ما الأهداف التي ت�سعون �إلى حتقيقها من خالل عقد‬ ‫هذا امل�ؤمتر؟‬ ‫نحن ن�ه��دف ب��ال��درج��ة الأول ��ى م��ن عقد ه��ذا امللتقى‬ ‫الفكري الثقايف يف عمان �إلى �إلقاء ال�ضوء على الأخطار‬ ‫املحدقة بالعامل الإ�سالمي‪� ،‬سواء كانت هذه التحديات‬ ‫داخلية �أو خارجية‪ ،‬وم��ن �أب��رزه��ا‪ :‬التخلف‪ ،‬والتطرف‪،‬‬ ‫والإره��اب‪ ،‬والإ�سالم فوبيا‪ ،‬والعوملة‪ ،‬وخطاب الكراهية‪،‬‬ ‫والإع �ل��ام الإل� �ك�ت�روين‪ ،‬وال �ق �ي��م‪ ،‬والأخ �ل��اق‪ ،‬وب �ي��ان �أن‬ ‫الإ�سالم م�ؤهل بكل املقايي�س ملواجهة هذه الأزم��ات‪ ،‬من‬ ‫خ�لال امل��رون��ة‪ ،‬وال�ت�ع��اون م��ع ك��ل ال�ق��وى املحبة لل�سالم‬ ‫وال �ت �ق��دم‪ ،‬وك��ذل��ك ت��رك�ي��ز ال���ض��وء ع�ل��ى �أدوار اجل�ه��ات‬ ‫املختلفة يف حل الكثري من امل�شكالت والأزم��ات‪ ،‬يف �إطار‬ ‫منهجية االعتدال‪ ،‬و�إدان��ة احلملة الظاملة التي يتعر�ض‬ ‫لها العامل الإ�سالمي من �أعدائه من الداخل واخل��ارج‪،‬‬ ‫وال�سعي للتفريق بني الإ�سالم كدين يدعو �إلى الف�ضيلة‬ ‫والت�سامح‪ ،‬ومن ميار�س العنف والقتل والت�شريد با�سم‬ ‫مم��ا يعملون)‪ ،‬كذلك ي�سعى‬ ‫الإ� �س�لام‪ ،‬والإ� �س�لام (ب ��راءٌ ّ‬ ‫امل��ؤمت��ر �إل��ى �إي�ج��اد خم��رج من ه��ذه الأزم ��ات‪ ،‬من خالل‬ ‫�صيغ توافقية‪� ،‬أو حلول ت��ؤ���شّ ��ر �إل��ى خم��رج تنه�ض من‬ ‫خالله الأم��ة من جديد‪ ،‬ومن حتت هذا الركام لتجدد‬ ‫�وج��ه بو�صلتها ن�ح��و ال�ترف��ع ع��ن اخل�لاف��ات‬ ‫ذات �ه��ا‪ ،‬وت� ّ‬ ‫اجلانبية‪ ،‬وتعزيز مفاهيم ال��وح��دة‪ ،‬والتم�سك بثوابت‬ ‫الأم ��ة م��ن خل��ال دي�ن�ه��ا ال�ع�ظ�ي��م‪ ،‬و��س�ن��ة ال�ن�ب��ي الأم�ي�ن‪،‬‬ ‫وجتديد خمزونها وموروثها الفكري واملعريف؛ ليواكب‬ ‫متطلبات الع�صر يف القول والفعل وال�سلوك احل�ضاري‬ ‫والإن�ساين‪ ،‬ون�ساهم يف التقدم احل�ضاري قيمة م�ضافة‬ ‫للقيم الإن�سانية والعاملية امل�شرتكة‪.‬‬ ‫ما �أبرز حماور امل�ؤمتر؟‬ ‫يركز امل�ؤمتر على جمموعة كبرية من املحاور‪� ،‬أهمها‪:‬‬ ‫ �إب ��راز حت��دي��ات ال�ق��رن ال��واح��د والع�شرين للعامل‬‫الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ �إ�شكالية الدولة والدين واحلكم‪ :‬ر�ؤية ت�أ�صيلية‪.‬‬‫ خطاب الكراهية‪ ،‬ودور و�سائل الإع�ل�ام والف�ضاء‬‫املفتوح‪.‬‬ ‫ �أهمية التجديد الثقايف والفكري يف بناء �أمة ال�شهود‬‫احل�ضاري‪ ،‬وغريها من املحاور والعناوين‪.‬‬ ‫هل لنا مبعرفة الدول امل�شاركة يف هذا اللقاء الفكري‬ ‫الدويل؟‬ ‫�إ�ضافة �إلى الأردن‪ ،‬ال�سودان‪ ،‬تون�س‪ ،‬املغرب‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬ ‫ماليزيا‪ ،‬العراق‪ ،‬كرد�ستان‪ ،‬لبنان‪ ،‬تركيا‪� ،‬سوريا‪ ،‬الإمارات‪،‬‬

‫فل�سطني‪ ،‬الكويت‪ ،‬اليمن‪ ،‬موريتانيا‪ ،‬نيجرييا‪ ،‬باك�ستان‪،‬‬ ‫ال�سويد‪ ،‬قطر‪ ،‬البو�سنة‪.‬‬ ‫�إ� �ض��اف��ة �إل ��ى م��راك��ز درا� �س��ات وج��ام �ع��ات‪ ،‬ومنظمات‬ ‫�إقليمية ودولية‪ ،‬حيث مت توزيع رقاع الدعوة �إلى العديد‬ ‫من ال�شخ�صيات ال�سيا�سية والربملانية‪ ،‬ومنظمات املجتمع‬ ‫املدين واحلركات الن�سوية والإعالمية‪ ،‬ومراكز ال�شباب‪،‬‬ ‫وال�ط�ل�ب��ة ال �ع��رب وامل���س�ل�م�ين والأج ��ان ��ب يف اجل��ام �ع��ات‬ ‫واملعاهد الأردنية‪ ،‬و�أع�ضاء ال�سلك الدبلوما�سي العربي‬ ‫والإ�سالمي والأجنبي‪ ،‬ورجال الدين والعلماء امل�سلمني‬ ‫من الأردن‪.‬‬ ‫هل بالإمكان تعريفنا ب�أبرز امل�شاركني يف هذا امل�ؤمتر؟‬ ‫�إ�ضافة �إلى ما �أ�شرت �إليه من �أ�سماء الدول واملنظمات‪،‬‬ ‫واجلامعات ومراكز البحوث يف العامل العربي والإ�سالمي‪،‬‬ ‫ومن بع�ض الدول ال�صديقة‪� ،‬سي�شارك كل من‪:‬‬ ‫�سماحة الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫احلار�س �سيالجيت�ش‬ ‫ال�شيخ عبد الفتاح مورو‬ ‫املفكر املغربي حممد طالبي‬ ‫املفكر اجلزائري �أبو جره ال�سلطاين‬ ‫املفكر التون�سي �أبو يعرب املرزوقي‬ ‫ال�شيخ الدكتور علي القره داغي‬ ‫الدكتور عبد اهلل الزين‬ ‫ف�ضيلة علي ح�سني ف�ضل اهلل‬ ‫معايل الأ�ستاذ جمال �شهاب‬ ‫الدكتور عبد اللطيف الهميم‬ ‫�إ�ضافة �إلى علماء من الأردن‪ ،‬و�أبرزهم‪ :‬معايل الدكتور‬ ‫عبد ال�سالم العبادي‪ ،‬ومعايل ال�شيخ عبد الرحيم العكور‪.‬‬ ‫هل من ر�سالة يرغب الأمني العام بتوجيهها يف نهاية‬ ‫هذا اللقاء؟‬ ‫�أود �أن �أ��ش�ير ال��ى �أن ه��ذا امل ��ؤمت��ر‪ ،‬ي�ت��زام��ن م��ع كون‬ ‫مدينة ع�م��ان عا�صمة للثقافة الإ��س�لام�ي��ة ل�ع��ام ‪،2017‬‬ ‫وك��ذل��ك قبل موعد انعقاد القمة العربية التي �ستُعقد‬ ‫مب�شيئة اهلل يف عمان‪ ،‬يف ‪ ،2017/3/29‬وهذه ر�سالة للعامل‬ ‫�أج �م��ع‪ ،‬ب ��أن الأردن دول��ة م�ستقرة‪ ،‬ينعم اجلميع فيها‬ ‫ب��الأم��ن واال�ستقرار والطمانينة‪ ،‬واملطلوب من الإخ��وة‬ ‫الإعالميني الرتكيز على هذه الأبعاد‪ ،‬من خالل ر�سائلهم‬ ‫الإع�لام�ي��ة‪ ،‬ك��ذل��ك القيام بن�شر خم��رج��ات ه��ذا امللتقى‬ ‫الفكري الثقايف الكبري �إلى �أكرب �شريحة من املواطنني؛‬ ‫فهم الفئة امل�ستهدفة الأولى لأعمال هذا امل�ؤمتر‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪79‬‬


‫من بيانات المنتدى‬

‫بيان المنتدى العالمي للوسطية بشأن حلب‬ ‫‪/5‬كانون �أول‪2016 /‬‬

‫‪80‬‬

‫احلمد هلل ويل امل�ؤمنني ونا�صر املظلومني القائل يف كتابه وتوحيد كلمتها قال تعالى‪َ ( ‬وا ْع َت ِ�ص ُموا ب َِح ْبلِ اللهَّ ِ َج ِمي ًعا َو اَل‬ ‫ن�ص ُر ُر ُ�سلَ َنا َوا َّل ِذ َ‬ ‫العزيز (�إِ َّنا َل َن ُ‬ ‫ين �آ َم ُنوا فيِ الحْ َ َيا ِة ال ُّد ْن َيا َو َي ْو َم َت َف َّر ُقوا‪� ) ۚ ‬آل عمران ‪ 103‬ف�إن الن�صر مع الوحدة واالئتالف‬ ‫َي ُقو ُم ْ أ‬ ‫الَ ْ�ش َها ُد) غافر ‪ 51‬وال�صالة وال�سالم على ر�سولنا الكرمي والهزمية مع الفرقة واالختالف وذلك يف مواجهة داع�ش ورفع‬ ‫حممد وعلى �آله و�أ�صحابه �أجمعني وبعد‪: ‬‬ ‫الظلم الواقع على �أهلنا يف �سوريا‪.‬‬ ‫ف��إن من امل�ؤ�سف ج��دا حالة العجز التام التي و�صل‪� ‬إليها‬ ‫رابعاً‪ /‬دع��وة الأم��م املتحدة واملنظمات الدولية و حكومات‬ ‫العامل اليوم وهو ي�شهد جرائم الإب��ادة اجلماعية �ضد ال�شعب ال�ع��امل �إل��ى حتمل م�س�ؤولياتها جت��اه ج��رائ��م احل��رب والإب ��ادة‬ ‫ال�سوري ال�صابر يف حلب ال�شهباء خا�صة وبقية املدن‬ ‫ال�سورية التي ي�شهدها �سكان حلب من قتل للأطفال والن�ساء بالأ�سلحة‬ ‫عامة‪ .‬املنتدى �إذ يدين وي�ستنكر هذه الأعمال الوح�شية ف�إنه‬ ‫ي�ستنه�ض العامل احلر �أجمع للتحرك لنجدة ال�شعب ال�سوري ال�ك�ي�م��اوي��ة امل�ح��رم��ة دول �ي �اً وال�ق���ص��ف امل�ت�ع�م��د للم�ست�شفيات‬ ‫ومدينة حلب – حر�سها اهلل – للحفاظ على م��ا تبقى فيها واملدار�س من كافة اجليو�ش احلا�ضرة هناك‪.‬‬ ‫من �أرواح تكاد �أن تزهق و�أم��وال تكاد �أن تتلف ومعامل تو�شك‬ ‫خام�ساً ‪� /‬إن دعوى ق�صف حلب بحجة حماربة الإرهابيني‬ ‫ان تزول‪.‬‬ ‫دعوى ف�ضحتها و�سائل الإعالم واملنظمات الإن�سانية فما عالقة‬ ‫والأمانة العامة للمنتدى �إذ ت�صدر هذا البيان ف�إنها ت�ؤكد ق�صف امل�ست�شفيات وامل��دار���س وقتل الن�ساء والأط�ف��ال املدنيني‬ ‫العزل بالإرهابيني يف الوقت الذي ن�ؤكد على �ضرورة ا�ستئ�صال‬ ‫على الأمور التالية‪-: ‬‬ ‫كافة �أ�شكال الإرهاب وخا�صة �إرهاب داع�ش و�إرهاب رو�سيا‪!!! ‬‬ ‫�أو ًال ‪� /‬ضرورة تعاون والتفاف ال�شعوب امل�سلمة يف املنطقة مع‬ ‫احلكام ملواجهة امل�ؤامرات اخلاريجة الهادفة الى اعادة تق�سيم‬ ‫�ساد�ساً ‪ /‬تو�صي جموع امل�سلمني ب�ضرورة رفع �أكف ال�ضراعة‬ ‫املنطقة وتفتيتها وتهجري �سكانها م�ستعينة ب�ق��وى الإره��اب �إل��ى اهلل والإحل��اح بالدعاء لرفع الظلم عن العامل الإ�سالمي‬ ‫والتطرف يف الداخل‪.‬‬ ‫وحمايته من �أخ�ط��ار التق�سيم وال��دع��وة لإخوانهم املظلومني‬ ‫ثانياً‪ /‬ت�أييد ما دع��ت �إليه بع�ض ال��دول �إل��ى ��ض��رورة عقد وبذل الغايل والنفي�س يف �سبيل ن�صرة احلق و�أهله‬ ‫جل�سة ط��ارئ��ة للجمعية ال�ع��ام��ة ل�ل�أم��م امل�ت�ح��دة لإن �ق��اذ حلب‬ ‫ن�س�أل اهلل جل وعال �أن يك�شف الغمة عن الأمة ‪ ،‬و�أن يجعل‬ ‫و�إغاثة �أهلها‪. ‬‬ ‫لإخواننا يف حلب من كل هم فرجاً ومن كل �ضيق خمرجاً �إنه‬ ‫ثالثاً ‪� /‬أهمية توحيد ف�صائل املقاومة الوطنية ال�شريفة ويل ذلك والقادر عليه‪.‬‬


‫من نشاطات المنتدى‬

‫في األردن‬

‫ندوة "أثر األخالق في إصالح المجتمع"‬

‫�أق��ام املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان ن��دو ًة بعنوان �أقرا�ص �إلكرتونية‪ ،‬يف �إ�شارة �إلى �ضرورة �أن يكون الداعية‬ ‫ومرب �صادق‪.‬‬ ‫"�أثر الأخالق يف �إ�صالح املجتمع"‪ ،‬وذلك يف مقر املنتدى‪ ،‬قدو ًة ح�سن ًة‬ ‫ٍّ‬ ‫يوم ال�سبت املوافق ‪ ،2016/12/24‬فتناولت ثالث ورقات‬ ‫وحتدث حول �أوبئة الأخالق املتمثلة بالأمية الكالمية‪،‬‬ ‫عمل الأولى منها‪� :‬أهمية الأخالق يف املجتمع الإن�ساين‪،‬‬ ‫للدكتور الداعية عبد الرحمن �إب��داح‪ ،‬ب�ّين فيها �أهمية والإ�سهال الكالمي واالنف�صام ال�سلوكي‪.‬‬ ‫نّ‬ ‫الأخ�ل�اق يف بيئة املجتمع لي�س الإ��س�لام��ي فقط‪ ،‬و�إمن��ا‬ ‫وق��د عر�ض �أمثل ًة ملواقف بع�ض الدعاة و�أتباعهم يف‬ ‫متتد فائدتها لتعم املجتمع الإن�ساين على ات�ساعه‪ ،‬مثلما بع�ض اجلوانب الأخالقية‪.‬‬ ‫بينّ �أهمية الأخالق يف بناء الأ�سرة‪ ،‬و�أ�ضاف �أن الأخالق‬ ‫�أم� ��ا ال ��ورق ��ة ال �ث��ال �ث��ة‪ :‬ف �ق��د ك��ان��ت ح ��ول “الرتبية‬ ‫ترتعرع ب�شكل �إيجابي‪� ،‬إذا كانت الأخالق منظومة مت�سعة‬ ‫لكل فئات املجتمع؛ يف البيت‪ ،‬ويف املدر�سة‪ ،‬وال�سوق‪ ،‬وميدان الأخالقية و�أث��ره��ا يف بناء م�ستقبل ال�شباب” للدكتور‬ ‫العمل‪ ،‬وكل مكان �صغر �أو كرب يف املجتمع‪ ،‬فهي منظومة عامر احلايف‪ ،‬فقد قال �إن الأخالق جت�سد حال الإن�سان‪،‬‬ ‫ت�ضامنية تكاملية م�شرتكة‪� .‬أما الورقة الثانية‪ :‬فكانت و�إن تقييم الإن�سان يرتبط ب�شيء قيمي ولي�س �سلوكي‪،‬‬ ‫بعنوان "دور العلماء والدعاة يف تعزيز القيم الأخالقية في�صبح ال�سلوك هو الأه��م‪ .‬وق��ال من ال�صعوبة مبكان‬ ‫يف املجتمع"‪ ،‬للدكتور عمر ذاك��ر الها�شمي‪ ،‬ال��ذي بينّ تقييم الإن���س��ان ن�ظ��ر ًّي��ا‪“ ،‬لئن ي�صاحبني �إن���س��ان فا�سق‬ ‫ح�سن اخللق‪� ،‬أحب �إ ّ‬ ‫يل من قارئ �سيء اخللق”‪.‬‬ ‫�ضرورة التزام املتدينني والدعاة يف الأخالق الإ�سالمية‬ ‫العامة‪� ،‬إذ �إن بع�ض الدعاة يتظاهرون بااللتزام الأخالقي‬ ‫وق��د ا�ستمع �إل��ى ال�ن��دوة ع��دد كبري م��ن الأكادمييني‬ ‫وه��م مي��ار��س��ون � �س � ًّرا نقي�ضها‪ ،‬وا�ست�شهد بالكثري من واملهتمني وقادة الفكر والثقافة يف املجتمع‪ ،‬الذين �أثروا‬ ‫الآيات والأحاديث النبوية‪ ،‬التي حتث على التزام الدعاة الندوة كذلك مبداخالتهم و�أ�سئلتهم التي �أج��اب عليها‬ ‫ب��الأخ�ل�اق وق ��ال‪� :‬إن �ن��ا ب�ح��اج��ة �إل ��ى م��رب�ين‪ ،‬ول�ي����س �إل��ى املحا�ضرون‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪81‬‬


‫في تونس‬

‫من نشاطات المنتدى‬

‫دورة تكوينية بعنوان‬

‫"المسجد منطلق البناء‪ ‬والتغيير"‬

‫ّ‬ ‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية ‪ /‬تون�س دورة تكوينية‬ ‫ي ��وم الأح� ��د ‪ 25‬دي�سمرب ‪2016 /‬م‪ ،‬امل��واف��ق ل �ـ ‪ 25‬ربيع‬ ‫الأول ‪1438‬ه�ـ مبدينة �صفاق�س‪ ،‬باال�شرتاك مع جمعية‬ ‫ال��دع��وة والإ� �ص�ل�اح ب��اجل�ه��ة‪ ،‬وه��و ال�ع�م��ل ال �ث��اين ال��ذي‬ ‫ينجزه املنتدى مع اجلمعية بعا�صمة اجلنوب التون�سي‪.‬‬ ‫وكانت الدورة بعنوان "امل�سجد منطلق البناء‪ ‬والتغيري"‪،‬‬ ‫‪ ‬ن�شّ طها‪ ‬الدكتور عبد احلق بركات ميحي من اجلزائر‪،‬‬ ‫الذي �شارك املنتدى يف ندوة فكرية بنزل امل�شتل بتون�س‬ ‫�سنة ‪ 2015‬بدعوة من املنتدى املركزي‪ .‬وقد �أ�شرف ال�سيد‬ ‫وهذه‪ ‬ثاين �أك�بر ندوة‪ ‬عقدها املنتدى منذ ت�أ�سي�سه‬ ‫ع�ب��د احل��ق ميحي م��ن اجل��زائ��ر ع�ل��ى ت�ك��وي��ن الأئ �م��ة يف‬ ‫من حيث كثافة احل�ضور‪ ،‬تليها يف املرتبة دورة �سو�سة‬ ‫زجنبار باليمن يف دورة تدريبية هامة‪.‬‬ ‫وال �ق�يروان‪ .‬وبعد ال ��دورة وانت�شارها مب��واق��ع التوا�صل‬ ‫وت ��أت��ي ه��ذه ال ��دورة ت ��أك �ي � ًدا ع�ل��ى ال ��دور ال �ه��ام ال��ذي االجتماعي‪ ،‬تهاطلت الطلبات على املنتدى م��ن جهات‬ ‫ي�ؤديه امل�سجد يف ن�شر الوعي الديني واملفاهيم ال�صحيحة ع��دي��دة وم��ن حم��اف�ظ��ات ك �ث�يرة‪ ،‬ووزع ��ت �أث �ن��اء ال �ن��دوة‬ ‫لأبنائنا‪ .‬وناق�شت ال��دورة ع��د ًدا م��ن امل�ح��اور الرئي�سية‪،‬‬ ‫كرا�سات و�أق�لام‪ ،‬وبيعت كتب دينية على هام�ش معر�ض‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫�صغري‪ .‬ورك��ز ال��دك�ت��ور عبد احل��ق على �أه�م�ي��ة امل�سجد‬ ‫ ر�سالة امل�سجد بني الأم�س واليوم‪.‬‬‫يف الإ��س�لام و�أخ�ط��اء اخلطباء‪ ،‬و�ضعف الأداء والفر�ص‬ ‫ال�ضائعة يف خطابهم من �أجل �شد جمهور امل�صلني‪ .‬كما‬ ‫ناجحا‪.‬‬ ‫ كيف �أكون خطي ًبا ً‬‫ن ّبه �إلى ما يجب جتنبه يف اخلطبة‪ ،‬وما يجب االهتمام‬ ‫ العمل امل�سجدي‪ ..‬حتدياته و�آفاقه‪.‬‬‫به من خطب يف الأي��ام العاملية التي يجب على اخلطيب‬ ‫ جتارب على الدرب‪.‬‬‫�أن ي�ساهم فيها ويديل بدلوه؛ حتى يبني �أن الأ�سالم دين‬ ‫وك ��ان احل �� �ض��ور من‪� ‬أئمة امل���س��اج��د م��ن معتمديات لكل ع�صر وم�صر‪ ،‬مثل‪ :‬اليوم العاملي ملقاومة التدخني‪،‬‬ ‫ال ��والي ��ة‪ ،‬وم ��ن امل��رب �ي��ات واملدر�سات‪ ‬اللواتي ج�ئ��ن من وال �� �س �ي��دا‪ ،‬وال �ع �ن��ف ��ض��د امل� � ��ر�أة‪ ،‬وال�ت�ن�م�ي��ة وال�ط�ف��ول��ة‪،‬‬ ‫مدن جماورة � ً‬ ‫أي�ضا‪ .‬وقع تفاعل �إيجابي ج ًّدا بني املكون بالإ�ضافة �إلى تقنيات اخلطابة ومهارة الإلقاء‪.‬‬ ‫واحل��ا� �ض��رات‪ .‬وح�ضر ال �ن��دوة م��ا ي��زي��د ع��ن ‪� 140‬إم��ا ًم��ا‬ ‫وداع�ي��ة‪ ،‬و�أ��س�ت��اذًا جامع ًّيا بجامعة �صفاق�س‪ ،‬و ‪� 40‬أختًا‬ ‫داع�ي��ة وم��ر��ش��دة تربوية ودي�ن�ي��ة‪ ،‬ونا�شطني يف املجتمع‬ ‫املدين والأهلي‪ .‬وا�ستطاع املنتدى جمع �شمل املتفرقني‬ ‫من اجلمعيات القر�آنية يف املدينة بعد فرتة ركود‪ .‬وجاءت‬ ‫الدورة ثمرة اتفاق �سابق بني املنتدى فرع تون�س‪ ،‬وجمعية‬ ‫الدعوة والإ�صالح ب�صفاق�س‪.‬‬

‫‪82‬‬


‫من نشاطات المنتدى‬

‫في السودان‬

‫محاضرة بعنوان "أدب االختالف في اإلسالم"‬ ‫�أل �ق��ى الأ� �س �ت��اذ �أب ��و �إب��راه �ي��م الأم�ي�ن‬ ‫ال �ع��ام ل�ه�ي�ئ��ة �� �ش� ��ؤون الأن� ��� �ص ��ار‪ ،‬رئ�ي����س‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية ف��رع ال�سودان‬ ‫ال�ي��وم حما�ضرة‪ ‬مب�سجد ب��وارث بعنوان‬ ‫"�أدب االختالف يف الإ�سالم" يف م�سجد‬ ‫ب ��ورت� ��� �س ��ودان يف اخل � ��رط � ��وم‪ ،‬ب � � ��د�أت يف‬ ‫ي��وم ‪ 2017/2/16‬وام � �ت� ��دت مل��دة �أ��س�ب��وع‪،‬‬ ‫ت �ن��اول فيها موا�ضيع‪ ‬عدة‪ ،‬م�ن�ه��ا‪� :‬أدب‬ ‫االختالف يف الإ�سالم بعناوينها الفرعية‪،‬‬ ‫وخ�صائ�ص الإن�سان امل�سلم‪ ،‬و�آثار الأخالق‬ ‫على امل�سلم يف تي�سري �أموره وممار�ستها‪،‬‬ ‫وامل� �ح ��اف� �ظ ��ة ع� �ل ��ى ال � �ك� ��رام� ��ة وال� �ع ��دل‬ ‫والو�سطية واالعتدال‪ ،‬و�شاركه فيها عدد‬ ‫من املهتمني ورواد امل�ساجد‪.‬‬

‫في اليمن‬

‫ورشة تدريبية بعنوان‬

‫"التعايش أساس النهوض"‬

‫وق��د ت�ط� ّرق املي�سر �إل��ى �أن��ه رغ��م �أن �أ��ص��ل الب�شرية‬ ‫واح ��د‪� ،‬إال �أن ه�ن��اك حتمية ت�ق��ول �إن اهلل خلق النا�س‬ ‫خم �ت �ل �ف�ين‪ ،‬و�إن اهلل ف �ط��ر ال �ن��ا���س وامل �خ �ل��وق��ات على‬ ‫االخ�ت�لاف والتباين‪ ،‬والت�أكيد عليه من خ�لال الأدل��ة‬ ‫املختلفة‪ ،‬وكذلك الواقع الذي تعي�شه اليمن؛‪ ‬للتعرف‬ ‫على �ضرورة التعاي�ش وفوائده للمجتمعات التي تعي�ش‬ ‫فيها طوائف و�أديان ومذاهب خمتلفة‪.‬‬

‫ع�ق��د املنتدى‪ ‬العاملي للو�سطية ‪ /‬ال�ي�م��ن ب�ت��اري��خ‬ ‫‪ 2017/2/18‬ور��ش��ة تدريبية بعنوان‪" ‬التعاي�ش �أ�سا�س‬ ‫النهو�ض"‪ ،‬ملدة يومني يف اليمن؛ من �أجل الو�صول �إلى‬ ‫و�ضع �آمن م�ستقر يف البلد‪.‬‬

‫وب�ّي�نّ ال�سيد‪ ‬نادر العريقي‪� ،‬أن م��و��ض��وع التعاي�ش‬ ‫يحتل �أهمية و�أولوية للخروج من كل الأزم��ات املحلية‬ ‫وع �ل��ى ك ��ل امل �� �س �ت��وي��ات‪ ،‬و�إن � ��ه ل ��ن ي�ت�ح�ق��ق م ��ا مل يكن‬ ‫ق��ادة الفكر وموجهي ال ��ر�أي على �إمل��ام بذلك املو�ضوع‬ ‫وب��أه�م�ي�ت��ه‪ .‬وا�ستهدفت ال��ور��ش��ة التدريبية ع ��د ًدا من‬ ‫وموجهي الر�أي يف حمافظة تعز‪.‬‬ ‫اخلطباء والواعظات‪ّ ،‬‬

‫وت ��أت��ي ه��ذه الندوة‪ ‬ا�ستمرا ًرا ل�ل�برن��ام��ج التنموي‬ ‫التوعوي الذي ي�ستهدف ت�سع حمافظات مينية يف ظل‬ ‫ال�ظ��روف ال�ت��ي يعي�شها املجتمع اليمني؛ ت��أك�ي� ًدا على‬ ‫ويف نهاية ال��ور��ش��ة التدريبية‪� ،‬أ��ش��اد امل�ت��درب��ون بها‬ ‫�أهمية هذا املفهوم‪ ،‬والذي له دور �أ�سا�سي يف حل العديد‬ ‫من امل�شكالت‪ ،‬حيث ناق�ش املي�سر مع امل�شاركني الأدل��ة وبالأهداف التي ت�سعى لتحقيقها‪ ،‬وطالبوا بعقد املزيد‬ ‫والوقائع التي ت�ؤيد �أن �أ�صل الب�شرية واحد‪ .‬‬ ‫من الور�ش املماثلة؛ ملا لها من �أثر �إيجابي‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪83‬‬


‫في موريتانيا‬

‫من نشاطات المنتدى‬

‫دورة تكوينية بعنوان‬

‫"دور الخطيب في صناعة الوسطية"‬ ‫ع�ق��د امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية ‪ /‬م��وري�ت��ان�ي��ا ي��وم‬ ‫اخلمي�س املوافق ‪ 2017/2/17-16‬دورة تكوينية للأئمة‬ ‫وال��وع��اظ واخلطباء بعنوان "دور اخلطيب يف �صناعة‬ ‫الو�سطية"‪ ،‬وتهدف الدورة �إلى توعية اخلطباء ب�أهمية‬ ‫دورهم يف حماربة العنف والتطرف والإرهاب‪ ،‬من خالل‬ ‫خطبهم ودرو�سهم بطريقة علمية ومنهجية‪.‬‬ ‫وتناولت الدورة حماور رئي�سة‪ ‬عدة �أبرزها‪ :‬اخلطاب‬ ‫الوعظي‪ ،‬ونقاط القوة وال�ضعف‪� ،‬إ�ضافة �إلى الو�سطية‬ ‫وت�أ�صيلها ال�شرعي‪ ،‬ودور اخلطيب يف تعزيزها‪ ،‬كما والتكفري‪ ،‬ودور اخلطيب يف احلد منها‪.‬‬ ‫�شرحا تف�صيل ًّيا‪ ‬حول خطبة اجلمعة‬ ‫وتلقى امل�شاركون ً‬ ‫وت�ضمنت الدورة ور�شات تدريبية ومداخالت لتعزيز‬ ‫ريا و�أدا ًء‪ ،‬ومهارات فنون االت�صال الفعال‪ ،‬والدور‬ ‫حت�ض ً‬ ‫اال�سرتاتيجي للخطيب والداعية‪� ،‬إ�ضافة �إلى التعاي�ش الأفكار‪ ،‬قدمها جمموعة من العلماء و�أ�صحاب اخلربة‬ ‫وال�ت�ع��اون ب�ين املجتمعات والأم ��م‪ ،‬وال�غ�ل��و‪ ،‬والتطرف‪ ،‬واالخت�صا�ص‪.‬‬ ‫في الجزائر‬

‫ورشة تدريبية بعنوان‬

‫"فاعلية الطالبة الجامعية في مجال العمل‬ ‫الدعوي في الوسط الجامعي"‬

‫‪84‬‬

‫يف �إطار تظاهرة القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية التي‬ ‫يقيمها م�سجد فاطمة البتول ر�ضي اهلل عنها بالإقامة‬ ‫اجلامعية ‪� 2000‬سرير بوالية �أدرار‪ ،‬وبالتن�سيق مع جلنة‬ ‫ال�شباب والطلبة للمنتدى العاملي للو�سطية فرع اجلزائر‪،‬‬ ‫قدم رئي�س فرع املنتدى �أ‪� .‬إبراهيم بدر‪ ،‬م�س�ؤول ال�شباب‬ ‫والطلبة بالأمانة الوالئية لوالية �أدرار للمنتدى �أ‪ .‬حممد‬ ‫توهامي ور��ش��ة تدريبية حت��ت ع�ن��وان "فاعلية الطالبة‬ ‫اجلامعية يف جمال العمل الدعوي يف الو�سط اجلامعي"‪.‬‬ ‫وب�ع��د ق ��راءة ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي و�إل �ق��اء الكلمة الرتحيبية‬ ‫مل�س�ؤول العمل اجلامعي بالوالية‪ ،‬والإع�ل�ان عن افتتاح‬ ‫الور�شة‪� ،‬أتيحت املداخلة الأول��ى للأ�ستاذ امل��درب حممد‬ ‫توهامي‪ ،‬وال��ذي تطرق فيها �إل��ى مدخل ح��ول مو�ضوع‬ ‫ال�ف��اع�ل�ي��ة‪ ،‬وذل ��ك م��ن خ�ل�ال ت�ع��ري��ف م�ف�ه��وم الفاعلية‬ ‫ب�شكل ع��ام‪ ،‬والفاعلية بالن�سبة للطالب اجلامعي ب�شكل‬ ‫خا�ص؛ حيث يعترب الطالب اجلامعي هو مقيا�س فاعلية‬ ‫امل�ج�ت�م�ع��ات؛ �إذ �سيكون ه��ذا ال�ط��ال��ب م�ستقبلاً الإط ��ار‬ ‫وامل���س�ير يف خم�ت�ل��ف امل��ؤ��س���س��ات ال��ر��س�م�ي��ة واملجتمعية‪.‬‬ ‫�أما رئي�س فرع املنتدى‪� ،‬أ‪� .‬إبراهيم بدر‪ ،‬فع ّرج على حمددات‬

‫فاعلية الطالبة‪ ،‬وخلّ�صها يف و�ضوح ال��ر�ؤي��ة امل�ستقبلية‬ ‫للطالبة‪ ،‬وذلك من خالل معرفة الر�سالة الدعوية التي‬ ‫يجب �أن حتملها الطالبة والتي �أه��م ما مييزها اخللق‬ ‫الإ��س�لام��ي ال��داف��ع �إل��ى التفاف الطالبات ح��ول امل�شروع‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬والتميز يف الدرا�سة لإعطاء النموذج للطالبة‬ ‫امللتزمة‪ ،‬وحتديد الأهداف يف خمتلف امل�ستويات‪.‬‬


‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد ال�ساد�س والع�شرون ‪ -‬جمادى الآخرة ‪1438‬هـ ‪�/‬آذار ‪٢٠١7‬م‬

‫‪85‬‬


86


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.