مجلة الوسطية العدد الثامن والعشرين

Page 1

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪1‬‬


2


‫افتتاحية العدد‪. . .‬‬ ‫ت�ت���س��ع دائ� ��رة الإه �ت �م��ام ل��دي�ن��ا ب�ك��ل م��ا ه��و ذي‬ ‫�صلة بواقعنا ال�سيا�سي والإقت�صادي والإجتماعي‪،‬‬ ‫�إنطالقاً من امل�س�ؤولية امللقاة على عاتقنا كم�ؤ�س�سات‬ ‫وه �ي �ئ��ات و�أف � ��راد و�أ� �ص �ح��اب ر�أي‪ ،‬و�إن �� �س �ج��ام �اً مع‬ ‫احل��دي��ث ال�ن�ب��وي ال���ش��ري��ف “ �أن ��ت ع�ل��ى ث�غ��رة من‬ ‫ثغر الإ�سالم فال ي�ؤتني من قبلك‪ ،" ‬الأم��ر الذي‬ ‫ال ثقي ً‬ ‫يرتب على النف�س حم ً‬ ‫ال يقف امل��ر ُء عاجزاً‬ ‫�أمام ثقله و�أ�ضراره و�آثاره‪ ،‬ونحن ن�شهد واقعاً �صعباً‬ ‫تتداخل فيه التناق�ضات وال�ت��وت��رات املف�ضية �إل��ى‬ ‫احل��روب والنزاعات املحلية والإقليمية والدولية‪،‬‬ ‫�إذ ات�سع اخلرق على الراتق‪ ،‬فلم يعد احلكيم قادراً‬ ‫على و�صفة ي��ؤخ��ذ بها للخروج م��ن ه��ذا امل� ��أزق‪� ،‬أو‬ ‫ق��ادراً على تقدمي م�شورة ُي�ستند �إليها للتخفيف‬ ‫من �آث��ار ه��ذا الأم��ر �أو ذاك‪ ،‬لقد �أ�صبح الأم��ر جد‬ ‫خطري‪ ،‬وازداد عدد الالعبني املحليني والإقليميني‬ ‫وال��دول �ي�ين‪ ،‬ويف ك��ل لعبة �سيا�سية ينتظر النا�س‬ ‫اخل��روج منها �أك�ثر �أمناً و�سالماً و�أق��ل �ضرراً‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي يدفع نحو مزيد من احل��راك الفكري املف�ضي‬ ‫�إل��ى م��زي��د م��ن الفعل على �أر� ��ض ال��واق��ع بال�شراكة‬ ‫م��ع ال��دول خ��ارج �إط��ار القُطرية واحل ��دود الوطنية‬ ‫واملعيقات املحلية‪ ،‬ولعل هذا الإح�سا�س هو ما دفعنا‬ ‫نحو �إقامة م�ؤمتر دويل قبل �أ�شهر بعنوان " امل�سلمون‬ ‫والعامل ‪ :‬من امل�أزق �إلى املخرج" �إلتقى فيه نخبة من‬ ‫�أ�صحاب الفكر والر�أي وامل�شورة الذين ميثلون �ألوان‬ ‫ال�ط�ي��ف ال�ف�ك��ري الإن �� �س��اين وال�ت��اري�خ��ي واجل �غ��رايف‪،‬‬ ‫لأن ما يعانيه امل�سلمون على امتداد خريطة العامل‬ ‫وات�ساعها يتطلب تفعي ً‬ ‫ال لكل من ي�صل �إليه �صدى‬ ‫ذلك امل�ؤمتر الذي نبه �إلى وجود م�آزق كثرية تعرت�ض‬ ‫طريق الإ�سالم احل�ضاري الذي جاء لإنقاذ الب�شرية‪،‬‬ ‫ول �ي �ك��ون امل���س�ل�م��ون ُر� �س��ل حم �ب��ة وع� ��دل و�� �س�ل�ام‪ ،‬ال‬ ‫�ضحايا حرب و�صراعات‪ ،‬الأم��ر ال��ذي يجعل الأر���ض‬ ‫الإ�سالمية �أينما وجدت �أر�ضاً خ�صبة �صاحلة للإعمار‬ ‫والنهو�ض والرقي احل�ضاري‪ ،‬وهذا ما ينادي به كل‬ ‫م�سلم حري�ص على �أم��ر نف�سه وبيته ووطنه و�أمته‬ ‫والإن�سانية جمعاء‪� ،‬إنطالقاً من قوله تعالى‪" :‬وما‬ ‫�أر�سلناك �إال رحمة للعاملني"‪ ،‬تلك الر�سالة التي ال‬ ‫يحملها �إال من ي�ؤمن بها‪ ،‬وال ي�ستقبلها �إال من يريد‬ ‫لها احلياة والإ�ستمرارية والنمو والنماء‪.‬‬ ‫�إن��ا نتطلع �إل��ى الإ��س�ه��ام يف ب�ل��ورة م�شروع فكري‬ ‫يعني الأمة على حتديد بو�صلتها وا�ستعادتها لتوازنها‬ ‫و�إعادة تعريف عدوها من �صديقها‪ ،‬وي�سهم يف �إخراجها‬ ‫من حالة ال�صراع بني مكوناتها الفكرية واحلركية‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫وال�سيا�سية‪ ،‬وي��ؤل��ف ب�ين جهود العلماء وامل�صلحني‬ ‫واحل��رك��ات املعتدلة والأن�ظ�م��ة ال�سيا�سية احلاكمة‪،‬‬ ‫بحيث ت�صبح الأم��ة ق��ادرة على تو�صيف نف�سها ك�أمة‬ ‫�صانعة للتاريخ الإن�ساين املجيد ولي�ست مت�أثرة به‪� ،‬أو‬ ‫عاجزة عن الإ�سهام احل�ضاري يف مكوناته‪ ،‬والقادرة‬ ‫على منح الهوية الإن�سانية ل�ه��ذا ال�ع��امل ال��ذي بات‬ ‫مفرغاً من �أب�سط معايري الإعرتاف ب�إن�سانية الإن�سان‬ ‫وهويته وفكره ومعتقده وحقه يف العي�ش واحلياة‪� ،‬إذ‬ ‫�أ�صبح القلق �شعاراً يومياً يالحقه يف كل �ش�ؤون حياته‪.‬‬ ‫�إن امل �ن �ت��دى ال �ع��امل��ي ل�ل��و��س�ط�ي��ة وه� ��و ي�ضطلع‬ ‫مب�س�ؤولية الن�صح وامل���ش��ورة يف امل�ج��ال ال�سيا�سي و‬ ‫الإقت�صادي و الإجتماعي والثقايف حتى يعينه ذلك‬ ‫ع�ل��ى �أداء واج �ب��ه وف ��ق ال ��ر�ؤي ��ة امل�ت�ق��دم��ة ل�ك��ل ط��رح‬ ‫�إن�ساين يقدمنا للآخر‪ ،‬كر�سل ح�ضارة ال دعاة حرب‬ ‫و�إره��اب‪ ،‬وهذا ما يجعل العديد من املفكرين الذين‬ ‫يحملون فكر املنتدى ور�سالته �سفراء حمبة وتعاون‪،‬‬ ‫ينقلون معهم ال���ص��ورة امل���ش��رق��ة ال�ت��ي ن�ستقبل بها‬ ‫العامل وي�ستقبلها‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إن الر�سالة وا�ضحة امل�ضامني‪ ،‬تلك التي‬ ‫حملها املنتدى منذ ت�أ�سي�سه‪ ،‬وما زال يقدمها للنا�س‬ ‫�أج�م�ع�ين‪� ،‬أن �أع �ي��دوا ق ��راءة الإ� �س�ل�ام ب�ع�ين العاملية‬ ‫وال�شمولية والإت� ��زان والو�سطية حتى ن�ؤ�س�س معاً‬ ‫عاملاً متقدماً قادراً على جتاوز ال�صعاب من ال�ضالل‬ ‫واجلهل والفقر‪� ،‬إذ ال ي�ستقيم �أم��ر الدنيا والآخ��رة‬ ‫لدينا نحن امل�سلمني �إ ّال �إذا �أخ��ذن��ا الب�شرية جمعاء‬ ‫نحو ال�سعادة وبر الأمان‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪3‬‬


‫محتويات العدد‬ ‫االفتتاحية‬

‫درا�سات‬

‫مقاالت‬

‫�شخ�صية العدد‬ ‫واحة الو�سطية‬

‫�أخبار املنتدى‬

‫بيانات الو�سطية‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‬

‫‪1‬‬

‫�إ�شكالية الدولة واحلكم ر�ؤية تاريخية ت�أ�صيلية‬ ‫الوعي اال�سرتاتيجي يف بناء الوحدة‬ ‫وتر�سيخ العالقات بني مكونات الأمة‬ ‫ُ‬ ‫العربي الإ�سالمي و�إ�شكالياته‬ ‫النهو�ض‬ ‫ُّ‬ ‫العربي املعا�صر و�إ�شكالياته يف النهو�ض‬ ‫الفكر‬ ‫يف‬ ‫الرتاثُ‬ ‫ِّ‬ ‫الريادة الدينية الن�سائية‬ ‫بني الن�ص ال�شرعي و�سياق التحوالت الإجتماعية‬ ‫واجبات املر�أة يف النظام الإ�سالمي املعا�صر‬ ‫‪...‬الأمة الإ�سالمية �أمة و�سطاً‬ ‫عدو ًال خياراً وعدلها �أ�سا�س ال�سالم‬ ‫من مظاهر الت�شويق و�إثارة االنتباه يف احلديث ال�شريف‬ ‫التوعية الإعالمية‬ ‫دور الرتبية والتعليم يف حتفيز املجتمع‬ ‫�آداب طلب العلم و�أ�صوله‬ ‫متى ننه�ض ‪....‬؟!!!!‬ ‫حقوق اخلدم والعمال يف ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫مِ ُ‬ ‫العال امل�سلم و �ضرورة املراجعة الفكرية‬ ‫( يف �سيكولوجيا الغلو) “� ٌ‬ ‫إجمال مقت�ضب”‬ ‫امل�سلمون يف البانيا‬ ‫ر�ؤية يف حقوق الإن�سان‬ ‫مفهوم الو�سطية يف الدعوة �إلى اهلل‬ ‫(وقفوهم �إنهم م�سئولون)!!!‬ ‫الأمن واال�ستقرار يف عاملنا العربي واال�سالمي م�س�ؤولية من ؟؟؟‬ ‫املفكر وال�شاعر والفيل�سوف ‪ ..‬حممد �إقبال ‪ ..‬ميالد �أمة ‪..‬‬ ‫و�سطية اال�سالم كرامة‬ ‫هو وهي‪ /‬اجلزء الثاين‬ ‫جزر املالديف دولة م�سلمة ال نعرف عنها الكثري‪. .‬‬

‫‪80‬‬

‫الأمني العام ي�شارك يف اللقاء احلواري الثالث ل�صالون الكواكبي يف ا�سطنبول‬

‫‪82‬‬

‫الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري يلتقي عدداً كبرياً من القيادات الإ�سالمية يف البو�سنة‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يقيم ندوة بعنوان‪‎‬حمركات التحفيز االيجابي يف املجتمع‬ ‫الأمني العام ي�ستقبل املدير العام ملجموعة �سفن �ستارز الدولية‬ ‫منتدى الو�سطيه للفكر والثقافة يقيم ندوة بعنوان الثقافة اال�سالمية م�س�ؤولية جمتمعية‪" ‬الأردن منوذجاً‬ ‫االمني العام يزور كلية ال�شريعة باجلامعة االردنية‬ ‫الأمني العام للمنتدى ي�شارك يف حفل �إ�شهار كتاب‬ ‫�أزمة ك�شمري"ق�ضية الأمة الإ�سالمية التي مل حتل"‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية‪ ‬و‪ ‬جمعية امل�سار يعقدان مومتراً دولياً حتت عنوان‪ :‬ال�سنة النبوية ودورها يف تعزيز قيم الو�سطية واالعتدال‬ ‫ويل العهد ي�شكر االمني العام للمنتدى‬ ‫الفتوى يف اال�سالم والوالية عليه‬ ‫الأمني العام للمنتدى يف ندوة احلج الكربى‬ ‫خميم ك�شفي لبيان دور املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري يلتقي باالمني العام لوزارة الرتبية والتعليم‬ ‫بيان املنتدى حول �إحراق م�سجد �أوربرو‬ ‫بيان املنتدى حول احداث الروهينغا‬

‫‪83‬‬

‫‪4‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان التويجري‬

‫‪14‬‬

‫�أ‪ .‬د‪ .‬يو�سف حممود ال�صديقي‬

‫‪16‬‬

‫د‪ .‬مرمي �آية احمد‬

‫‪20‬‬

‫الدكتورة �أدب مبارك ال�سعود‬

‫‪22‬‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫‪26‬‬

‫د‪ .‬لطفي بن حممد الزغي‬ ‫اللواء الركن م عدنان عبيدات‬ ‫د‪ .‬حممد جمعة الوح�ش‬ ‫ال�شيخ �صالح الفوزان‬ ‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‬ ‫الدكتور تي�سري الفتياين‬ ‫�شريوان ال�شمرياين‬

‫‪34‬‬

‫ابراهيم العجلوين‬ ‫الدكتور جمال ال�سفرتي‬

‫‪40‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪64‬‬

‫املحامي حممود الداودية‬ ‫د‪.‬رقية بنت ن�صر اهلل‬

‫‪68‬‬

‫ال�شيخ عبد املجيد ابو �سل‬

‫‪70‬‬

‫الدكتور زيد �أحمد املحي�سن‬ ‫الطفلة‪ :‬رغد عبد املجيد‬ ‫الدكتورة �إن�صاف مومني‬

‫‪74‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪78‬‬

‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪94‬‬


‫الهيئة االستش�ارية للمجلة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‪/‬ال�سودان‬ ‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‪ /‬الأردن‬ ‫معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور حممد طالبي‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‪ /‬لبنان‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين‪ /‬اجلزائر‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‪ /‬املغرب‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‪ /‬الأردن‬

‫السنة التاسعة‪ :‬العدد الثامن والعشرون ‪ -‬محرم ‪1439‬هـ ‪/‬تشرين األول ‪٢٠١7‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‪/‬م�صر‬ ‫الدكتور حممد حب�ش‪�/‬سوريا‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‪/‬الأردن‬

‫هيـئـة التـحريـر‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬ ‫الدكتور علي احلجاحجة‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‬

‫المشرف العام على المجلة‬ ‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‬

‫تصدر عن‬

‫تصميم وإخراج‬ ‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬

‫‪0799160136‬‬

‫عمان‬ ‫المملكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬

‫المراسالت‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع‬

‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 2141 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net‬‬


‫دراسات‬

‫إشكالية الدولة والحكم‬ ‫رؤية تاريخية تأصيلية‬ ‫�أمتنا الإ�سالمية �أول �أمة م�ؤن�سنة يف تاريخ الب�شرية مبعنى‪:‬‬ ‫نبيها ب�شر كامل الب�شرية‪.‬‬ ‫يعرتف للإن�سان بكرامته ك�إن�سان‪.‬‬ ‫ت�ساوي الب�شر عرقي ًا‪.‬‬ ‫تعرتف للإن�سان بقيم وجودية قبل الر�سالة‪ ،‬والي�أت الأمر فيها‬ ‫�ش�أن ًا ب�شري ًا بال كهانة الدعوة فيه موجهة للنا�س جميع ًا‪.‬‬ ‫باملقارنة تاريخ الأمة اليهودية يقوم على عهد خا�ص بني اهلل‬ ‫وبني �إ�سرائيل‪ ،‬وهي �أمة على طول تاريخها‪ ،‬يف التوراة ي�سو�سها‬ ‫�أنبياء يدعم حجتهم معجزات �إلهية‪.‬‬ ‫الأمة امل�سيحية �أمة امل�سيح عليه ال�سالم فيها �أحد �أقانيم الإله‪.‬‬ ‫تقودها كني�سة قائدها مع�صوم وكهنتها و�سطاء بني اهلل والب�شر‪.‬‬ ‫والكن�سية تعمد بع�ض الرجال والن�ساء قدي�سني‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫اإلمام الصادق المهدي‬

‫تاريخ الأمتني اليهودية وامل�سيحية لذلك مقد�س‪.‬‬ ‫وح�سب ن�صو�ص الر�سالة الإٍ�سالمية ف�إن برهانها ال يعتمد على‬ ‫الَ َّو ُلونَ)(((‪.‬‬ ‫ِال َي ِات �إ اَِّل �أَن َكذ َ​َّب ِب َها ْ أ‬ ‫املعجزات ( َو َما َم َن َعنَا �أَن ُّن ْر�سِ َل ب ْ آ‬ ‫تاريخ �أمتنا يتطلب قدرات �إن�سانية هي التدبر‪ ،‬والتعقل‪ ،‬واحلكمة‪،‬‬ ‫وامل �ي��زان‪ ،‬وال��دع��وة الإ�سالمية ال تقيم تناق�ضاً ب�ين حقائق الوحي‬ ‫‪ ) 1‬سورة اإلسراء اآلية (‪)95‬‬


‫علينا التخل�ص م��ن تقدي�س النقلي وط��رد العقلي‬ ‫�أي كتاب اهلل املنزل‪ .‬وحقائق الكون �أي كتاب اهلل املنثور‬ ‫ال�س َما َو ِات الذي جعل التوجه‪:‬‬ ‫ففيه �سنن الطبيعة من �آيات اهلل } َو َما خَ لَ ْقنَا َّ‬ ‫الَ ْر َ‬ ‫�ض َو َما َب ْي َن ُه َما �إ اَِّل ِبالحْ َ قِّ{(((‪.‬‬ ‫َو ْ أ‬ ‫ال �ع �ل � ُم م ��ا ق ��د ك � ��ا َن ف �ي��ه ح��دث�ن��ا‬ ‫ت ��اري ��خ �أم �ت �ن��ا � �س �ج��ل اجن � � ��ازات ع�ظ�ي�م��ة مب�ق��اي�ي����س‬ ‫ال�ش َي ِ‬ ‫َو َما �سِ وى َذ َ‬ ‫ا�س َّ‬ ‫اط ِ‬ ‫ني‬ ‫اك َو ْ�س َو ُ‬ ‫مو�ضوعية فالنبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ب�شهادة‬ ‫غري م�سلمني هو الأول يف تاريخ الإن�سانية والقر�آن هو‬ ‫ه��ذا ال�ت��وج��ه دع�م��ه يف جم��ال الفقه حتكم التقليد‪.‬‬ ‫الن�ص الأوث��ق بني الكتب املقد�سة‪ .‬والإ�سالم هو الأجنح �أئ�م��ة االج�ت�ه��اد الفقهي �أظ �ه��روا حيوية لفهم ن�صو�ص‬ ‫بني الر�ساالت ويف ع�صر جمد الأمة تقدم امل�سلمون على الوحي والإمل��ام بالواقع وال�ت��زاوج بينهما لذلك اختلفت‬ ‫العامل املعمور ملدة �ألف عام (‪700‬م �إلى ‪1700‬م) ويعرتف ا�ستنباطاتهم‪ .‬ول�ك��ن خلف م��ن بعدهم خلف ا�سقطوا‬ ‫غربيون من�صفون �أن ح�ضارة امل�سلمني هي التي �أيقظتهم احليوية االجتهادية وا�ست�سلموا للتقليد على نحو ما جاء‬ ‫من �سبات ع�صورهم الو�سطى‪.‬‬ ‫يف جوهرة التوحيد‪:‬‬ ‫ول�ك��ن �أمتنا يف عهد انحطاطها اقتب�ست م��ن تاريخ‬ ‫َو َم � � � ��ا ِل � � � � ٌ�ك َو�� � َ��س� � ��ا ِئ � � � ُر اْلأَ ِئ� � � � � َّم� � � � � ْه‬ ‫الأم��م الإبراهيمية الأخ��رى لتدعي لتاريخها قد�سية‪.‬‬ ‫َك � �ذَا �أَ ُب � ��و ا ْل � َق��ا� �سِ � ْم ُه � � � َدا ُة اْلأُ َّم � � � ْه‬ ‫و� �س�ي�رة ال�ن�ب��ي حم �م��د ��ص�ل��ى اهلل ع�ل�ي��ه و��س �ل��م �أك���س�ب��ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫حيثيات لت�ضارع �سرية مو�سى وعي�سى عليهما ال�سالم‬ ‫ف � � � َواجِ � � � ٌ�ب َت� � ْق� �ل� �ي� � ُد َح� �ْب ��رٍْ م � ْن � ُه � ُم‬ ‫ووالية الأمر وهي يف حقيقتها �ش�أن ب�شري �أك�سبت �صفات‬ ‫َك � �ذَا ق���ض��ى ا ْل� � َق� � ْو ُم ِب �لَ � ْف� ٍ�ظ ُي� ْف� َه � ُم‬ ‫مقد�سة‪ ،‬والرباهني العقلية نحيت ل�صالح �صفات نقلية‪.‬‬ ‫قال النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ :‬ن َْحنُ َم َعا�شِ َر‬ ‫ال ينقذنا م��ن ه��ذا ال�ت�ردي �إال �أن ن��درك �أن�سنة تاريخ ْ أَ‬ ‫َّا�س َعلَى َق ْد ِر ُعقُو ِل ِه ْم"(((‪.‬‬ ‫ال ْن ِب َيا ِء �أُ ِم ْرنَا �أَنْ ُن َك ِّل َم الن َ‬ ‫�أمتنا وننزع القد�سية عن تاريخ �أمتنا ون�ستخدم �أدوات علم‬ ‫التاريخ‪ ،‬وعلم النف�س‪ ،‬وعلم الآث��ار‪ ،‬وعلم االجتماع و�سائر‬ ‫َّا�س‬ ‫روى البخاري �أن الإم��ام على ق��ال‪َ :‬‬ ‫"ح ِّد ُثوا الن َ‬ ‫املعارف الإن�سانية واالجتماعية لإعادة قراءة تاريخ �أمتنا‪.‬‬ ‫با َي ْع ِر ُفو َن �أَتحُِ ُّبو َن �أَنْ ُي َكذ َ​َّب اللهَّ ُ َو َر ُ�سو ُل ُه ؟"(((‪ .‬العقل‬ ‫مِ َ‬ ‫ن �ع��م ه� ��ذه امل� �ع ��ارف اجل ��دي ��دة م ��وب ��وءة مب �ح �م��والت احلديث حممل مبعارف جديدة‪ .‬تفرد الر�سالة املحمدية‬ ‫�أي��دي��ول��وج�ي��ة‪ .‬ول�ك��ن علينا �أن نغربلها لتبني احلقائق �أننا اليوم ن�ستطيع �أن نخاطب الب�شرية بن�صو�ص وحيها‬ ‫امل�سنودة ب�سنن الوجود التي ج��اء يف حقها قوله تعالى‪ :‬واملعارف اجلديدة‪.‬‬ ‫} َق��ا َل َر ُّبنَا ا َّل� ِ�ذي �أَ ْع َطى ُك َّل �شَ ْي ٍء خَ ْل َق ُه ُث َّم َه � َدى{((( ما‬ ‫َّا�س‬ ‫روى البخاري �أن الإم��ام علي ق��ال‪َ :‬‬ ‫"ح ِّد ُثوا الن َ‬ ‫ب��ا َي� ْع� ِر ُف��و َن َو َد ُع��وا َم��ا ُي� ْن� ِك� ُرونَ‪�َ ،‬أتحُِ � ُّب��و َن �أَنْ ُي� َك�ذ َ​َّب اللهَّ ُ‬ ‫�صاغه ابن خلدون يف قوله يف املقدمة "كل �شيء يف الوجود مِ َ‬ ‫الطبيعي واالجتماعي يخ�ضع لقوانني راتبة"‪.‬‬ ‫َو َر ُ�سو ُلهُ؟"‪.‬‬ ‫‪ ) 1‬سورة الحجر اآلية (‪)58‬‬

‫‪ ) 3‬اآلداب الشرعية‬

‫‪ ) 2‬سورة طه اآلية (‪)05‬‬

‫‪ ) 4‬صحيح البخاري‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪7‬‬


‫العوامل املختلفة التي �صبغت تاريخ �أمتنا بقد�سية‬ ‫اقتداء بالتاريخ املو�سوي والعي�سوي وجدت دعماً �سيا�سياً‬ ‫قوياً من الذين ت�سنموا والية الأمر‪.‬‬

‫جعل ال�شهر�ستاين �صاحب كتاب "امللل والنحل" يقول‪:‬‬ ‫"ما �سل �سيف يف الإ�سالم على قدر ما �سل يف �أمر الإمامة"‪.‬‬ ‫لذلك �أفتى جمهور الفقهاء بطاعة املتغلب درءاً للفتنة‪.‬‬ ‫ق��ال اب��ن حجر الع�سقالين‪" :‬اجمع الفقهاء على طاعة‬ ‫املتغلب والقتال معه"‪� .‬إدع��اءات الوالة املتغلبون وفتاوي‬ ‫الفقهاء �أعطت قد�سية لواليات ب�شرية ما �أعطى التغلب‬ ‫واال� �س �ت �ب��داد امل���ص��اح��ب ل��ه ق��د��س�ي��ة غ��ري�ب��ة ع�ل��ى منهاج‬ ‫الإ�سالم‪.‬‬

‫• " َف�إِنْ �أَ ْح��� َ�س� ْن��تُ َف��أَ ِع�ي� ُن�ونيِ ؛ َو�إِنْ �أَ�� َ�س � ْ�أتُ َف َق ِّو ُمون"‬ ‫(امل�ساءلة)‪.‬‬ ‫ال�ض ِعيفُ ِفي ُك ْم َقو ٌِّي ِعن ِْدي َحتَّى �أُ ِري� َح َعلَ ْي ِه َح َّق ُه‬ ‫• " َو َّ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫�إنْ �شَ ا َء ا ‪َ ،‬وا ْل َقو ُِّي في ُك ْم �ضَ عيفٌ عنْدي َحتَّى �آخُ َذ‬ ‫الحْ َ َّق ِم ْن ُه �إنْ �شَ ا َء اللهَّ ُ" (�سيادة حكم القانون)‪.‬‬

‫اخلطوة الأولى هي‪� :‬صحوة فكرية تقر�أ تاريخ �أمتنا‬ ‫قراءة غري �أ�سطورية وتبني �أن الإن�سان كائن فريد يف الكون‬ ‫ميلك خ�صا ًال تف�سر تكرميه العقل‪ ،‬والقب�س الروحي‪،‬‬ ‫وحرية االختيار‪� .‬إن االعتقادات التي هيمنت على تراثنا‬ ‫ونفت عنه القدرات العقلية والإلهامية الروحية وجعلته‬ ‫جمرد م�ستقبل لن�صو�ص نقلية‪ ،‬واملمار�سات التي نفت عن‬ ‫جمتمعاتنا احلرية وجعلتها جمرد مطية لأوامر الوالة‬ ‫املتغلبني هي العوامل التي قعدت ب�أمتنا وجعلتها قابلة‬ ‫لالحتالل الأجنبي وحتى بعد جالء االحتالل ف�إن الفكر‬ ‫ال��راك��د والفقه الياب�س وح�ك��وم��ات اال��س�ت�ب��داد ه��ي التي‬ ‫قعدت ب�أمتنا‪ .‬ال بد من �صحوة فكرية ثقافية تزيل هذا‬ ‫التخلف‪.‬‬

‫لدى وفاة النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم اجتمع‬ ‫الأن�صار وهم �أهل الدار يف املدينة يف �سقيفة بني �ساعدة‬ ‫ل��والي��ة الأم��ر بعد وف��اة النبي‪ .‬وبعد ج��دل طويل حول‬ ‫الأم� ��ر ح���س��م ع�م��ر (ر�� ��ض) الأم� ��ر ب�ح�ك��م الأم� ��ر ال��واق��ع‬ ‫مببايعة �أبي بكر (ر�ض) مل ترد حجة يف اجلدل �أن هذه‬ ‫�أمتنا الآن يف حالة م��أزوم��ة تفوق يف خطرها كل ما‬ ‫الوالية �أمر �إلهي‪ .‬ومل يح�سم الأمر بحجة �أن النبي �أمر‪.‬‬ ‫بل ظل بع�ض الأن�صار معار�ضني لهذه البيعة‪ .‬وكذلك تعر�ضت له يف ما�ضيها‪.‬‬ ‫مل يباع علي بن �أبي طالب (ر�ض) �إال بعد �ستة �أ�شهر من‬ ‫وعلينا �أن نعيد ق��راءة تاريخنا ب�صورة مو�ضوعية ال‬ ‫اجتماع ال�سقيفة‪.‬‬ ‫مكان فيها لقد�سية تاريخ �أمتنا لكي نحيط بااليجابيات‬ ‫كانت الوالية ب�شرية واخل�لاف��ات كذلك ب�شرية دون ونقتدي بها ونلم بال�سلبيات ونتعلم منها‪.‬‬ ‫�أي��ة �إ�شارة لتوجيه رب��اين‪ .‬و�صاحب البيعة نف�سه �أي �أبو‬ ‫وفيما يتعلق بوالية الأمر ندرك �أنها �ش�أن ب�شري نديره‬ ‫بكر (ر�ض) بعد مبايعته �أعترب الإجراء ب�شرياً �إذ قال‪:‬‬ ‫يف ظل مبادئ الإ�سالم ال�سيا�سية ومقا�صد ال�شريعة‪.‬‬ ‫• " ُو ِّليتُ َعلَ ْي ُك ْم َو َل ْ�ستُ بِخَ يرِْ ُك ْم" (والية ب�شرية)‪.‬‬ ‫�إن الت�صدي لإ�شكالية ال��دول��ة واحل�ك��م تتطلب ‪12‬‬ ‫خطوة لتجاوز الرتدي الذي يحيط ب�أمتنا‪:‬‬ ‫"ال�ص ْدقُ �أَ َما َن ٌة‪َ ،‬وا ْلك َِذ ُب ِخ َيا َن ٌة" (ال�شفافية)‪.‬‬ ‫• ‬ ‫َّ‬

‫‪8‬‬

‫ول �ك��ن ب�ع��د م�ق�ت��ل اخل�ل�ي�ف��ة ال �ث��ال��ث ع�ث�م��ان (ر� ��ض)‬ ‫ومبايعة علي (ر���ض) يف املدينة وع�صيان �أه��ل ال�شام ما‬ ‫�أدى للحرب ف ��إن ق��وم�اً رف�ضوا التحكيم ب�ين الطرفني‬ ‫بحجة (�إ ِ​ِن الحْ ُ ْك ُم �إ اَِّل للِهَِّ )((( ‪.‬‬ ‫هذا ي�شري للت�شريع ولكن اخلالف كان حول الإمرة‪.‬‬ ‫والإم � ��رة � �ش ��أن ب���ش��ري ول �ك��ن امل �ع��ار� �ض�ين ال��ذي��ن �سموا‬ ‫ا�ست�صحاب امل �ع��ارف احل��دي�ث��ة والتكنولوجيا مهمة‬ ‫باخلوارج �إمنا توهموا �أن الإمرة هلل ومبوجب ذلك كفروا‬ ‫�ضرورية‪ .‬واملطلوب تنقيتها من �أية عالئق �أيديولوجية‬ ‫الآخرين واغتالوا الإمام علي (ر�ض)‪.‬‬ ‫ذاتية‪.‬‬ ‫منذ تلك الفتنة ت�أ�س�س حكم بني �أمية ثم حكم بني‬ ‫التعليم يف بلداننا حالياً �إمن��ا ينقل حمموالت امل��أزق‬ ‫العبا�س‪ .‬وك��ان��ت ه��ذه ال��والي��ات ت�ق��وم مب��وج��ب التغلب‪.‬‬ ‫ول�ك��ن والة الأم ��ر �أرادوا �أن ي�ع�ط��وا �سلطانهم قد�سية للأجيال القادمة ما يتطلب التخطيط لإ�صالح تعليمي‬ ‫م�صنوعة فقال م�ؤ�س�س الدولة الأم��وي��ة‪" :‬لو مل يرين ج ��ذري م�ل�ت��زم مب�ط��ال��ب امل �خ��رج م��ن امل� � ��أزق ك�م��ا ��س��وف‬ ‫ال لهذا الأمر ما تركني و�إياه"‪ .‬ولو كره ما نحن نف�صلها هنا وملتزم مبهمة نقل وتوطني التكنولوجيا‬ ‫ربي �أه ً‬ ‫فيه لغريه"‪ .‬وعلى نف�س هذه الوترية قال م�ؤ�س�س الدولة احلديثة لبلداننا ولأجيال امل�ستقبل‪.‬‬ ‫العبا�سية‪�" :‬أنا ظل اهلل يف الأر�ض �أ�سو�سكم ب�إرادته"‪.‬‬ ‫اخل �ط��وة ال�ث��ان�ي��ة‪ :‬اخل�لاف��ة � �ش ��أن ب���ش��ري ويف �أب�ه��ى‬ ‫كل تلك الواليات ب�شرية وو�سيلتها النزاع امل�سلح ما �صورها يف ال�صدر الأول ف�إن خلوها من م�ؤ�س�سات جعلها‬ ‫�سبب فتنة �أدت الغتيال ثالثة من اخللفاء وقيل الأربعة‪.‬‬ ‫و�صارت بعد ذلك �سبب احتكام م�ستمر لل�سيف والغتيال‬ ‫‪ ) 1‬سورة األنعام اآلية (‪)75‬‬


‫والة الأم ��ر بحيث اغ�ت�ي��ل خم�سة م��ن خ�ل�ف��اء ب�ن��ي �أم�ي��ة "احلاكمية" �أي �إدع��اء التحدث با�سم اهلل وحت��ت �شعار‬ ‫واغتيل ‪ 12‬من خلفاء بني العبا�س‪ .‬ومع �أن بع�ضهم كان تطبيق ال�شريعة ب�صورة خالية من ال�ضوابط املطلوبة‬ ‫ممتازاً ف�أن كثرياً منهم كان مق�صراً‪ .‬حالة و�صفها �شاعر �أدت �إلى جتارب م�سيئة لديباجة الإ�سالم مث ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫(‪ )1‬جتربة �سودانية يف ظل حكم ا�ستبدادي يف ثمانينيات‬ ‫�أَ ّن � � ��ى ي� �ك ��ون ول �ي ����س ذاك ب �ك��ائ��نٍ‬ ‫القرن املا�ضي جعلت �أح�ك��ام ال�شريعة ذريعة لدعم‬ ‫اال�ستبداد‪.‬‬ ‫ي��رث ا ِ‬ ‫خل�ل�اف��ة ف��ا��س��قٌ ع��ن فا�سقِ‬ ‫ً‬ ‫(‪ )2‬ويف باك�ستان التم�س �ضياء احلق ل�سلطانه دعما من‬ ‫لي�س يف جتربة اخلالفة وهي اجتهاد ب�شري وما فيها‬ ‫�إدعاء الأ�سلمة‪.‬‬ ‫من دمج ال�سلطات وا�شرتاط الأن�ساب والركون للتغلب ما‬ ‫يدفع لإحيائها‪ .‬نعم يف الإ�سالم مبادئ �سيا�سية ميكن يف (‪ )3‬ويف ال�سودان مرة �أخرى رفع �شعار الإ�سالم لتربير‬ ‫االنقالب الع�سكري ولإقامة حكم �إق�صائي‪.‬‬ ‫زماننا هذا حتقيقها عن طريق الدولة الوطنية امللتزمة‬ ‫بتلك املبادئ يف د�ستورها‪.‬‬ ‫(‪ )4‬ويف �أف�غ��ان���س�ت��ان طبقت ط��ال�ب��ان ب��رن��اجم�اً من�سوباً‬ ‫للإ�سالم مقلداً لأحكام ما�ضوية غريباً على التطور‬ ‫�إن احتاد امل�سلمني يف كيان �سيا�سي واحد مل ي�ستمر �إال‬ ‫العقلي واالجتماعي‪.‬‬ ‫حتى ‪150‬هـ �أي ‪ %10‬من عمر الأمة والعالقة اخلا�صة بني‬ ‫الدول الوطنية ميكن حتقيقها عن طريق تعاهدي‪.‬‬ ‫حت��ت ��ش�ع��اري “احلاكمية هلل‪ ،‬وتطبيق ال�شريعة”‬ ‫اخل�ط��وة الثالثة‪ :‬مهمة تطبيق ال�شريعة‪ :‬تت�ضمن ارتكبت جتاوزات مهما دعمتها من نوايا طيبة �أدت ملفا�سد‬ ‫ال�شريعة �أح�ك��ام�اً جنائية ملعاقبة امل�ج��رم�ين‪ .‬و�أح�ك��ام�اً دعمت حجة من يقولون ب�ضرورة �إبعاد الإ�سالم عن ال�ش�أن‬ ‫م��دن�ي��ة ل�ل��وف��اء ب��ال�ع�ه��ود وال �ع �ق��ود‪ .‬و�إح �ك��ام �اً اجتماعية العام حجة مل تزدها جتربة داع�ش �إال مزيداً من القوة‪.‬‬ ‫للكفاية والعدل و�أحكاماً ل�ل�أح��وال ال�شخ�صية لتنظيم‬ ‫املطلوب �أن نقدم دلي ً‬ ‫ال اجتهادياً واقعياً لهدف تطبيق‬ ‫�أحوال الأ�سرة‪.‬‬ ‫ال�شريعة واع�ت�ب��ار التخبط الع�شوائي با�سم ال�شريعة‬ ‫ه ��ذه الأح �ك ��ام لي�ست منبتة ب��ل م�ه�ن��د��س��ة لتحقيق تعديات ممنوعة‪.‬‬ ‫مقا�صد‪ .‬وهي تراعي عوامل اجتهادية وعوامل واقعية‬ ‫اخلطوة الرابعة‪ :‬ق�سوة النظم الو�ضعية على دعاة‬ ‫على نحو مقولة ابن القيم‪" :‬تغري الفتوى بتغري الزمان‬ ‫وامل�ك��ان واحلال"‪ .‬وعلى ه��دى املقا�صد ميكن �أن تتغري الإ�سالم �أدت �إلى �إف��راز فكرة احلاكمية وبالتايل تف�سري‬ ‫الأح� �ك ��ام‪ .‬مب��وج��ب امل�ق��ا��ص��د مي�ك��ن جت ��اوز ن���ص��و��ص�اً – ق��ول��ه ت�ع��ال��ى‪�( :‬إ ِ​ِن الحْ ُ � ْك � ُم �إ اَِّل للِهَِّ )((( مبعنى �أن الأم��ر‬ ‫ال‪� -‬إ�سقاط �سهم امل�ؤلفة قلوبهم‪ ،‬و�إلغاء الرق‪ ،‬و�إلغاء هلل و��ش�ع��ور ال�شيخ �أب��و الأع �ل��ى امل� ��ودودي بخطر الغلبة‬ ‫مث ً‬ ‫ملك اليمني‪ .‬ومنع �صاحب الدم من االنتقام الفردي �أي الهندو�سية على امل�سلمني جعله ي�ق��ول‪�" :‬إن الإلوهية‬ ‫} َو َمن ُق ِت َل َم ْظ ُلو ًما َف َق ْد َج َع ْلنَا ِل َو ِل ِّي ِه ُ�سل َْطانًا فَلاَ ُي ْ�س ِرف وال�سلطة ي�ستلزمان بع�ضهما بع�ضا‪ .‬وكلمة ال��دي��ن يف‬ ‫فيِّ ا ْل � َق � ْت� ِ�ل{(((‪ .‬ب��ل حتقيقاً ملقا�صد ميكن ات�خ��اذ �أحكام القر�آن تعني �إن احلاكمية وال�سلطة العليا هلل وتوجب‬ ‫جديدة على نحو مقولة ابن القيم‪" :‬كل �شيء حتقق به الطاعة لتلك احلاكمية"‪.‬‬ ‫العدل هو من �شرع اهلل و�أن مل يرد به ن�ص"‪.‬‬ ‫ه��ذا ال�ف�ه��م ت��راف��ع ب��ه الأ� �س �ت��اذ �سيد ق�ط��ب �إذ ق��ال‪:‬‬ ‫�إن ن�صو�ص الوحي يف جمال حتديد الواجب ال ت�ؤخذ "الدين يف املفهوم الإ�سالمي هو املرادف لكلمة النظام يف‬ ‫دون تدبر ( َوا َّل ِذينَ �إِ َذا ُذ ِّك ُروا بِ�آ َي ِات َر ِّب ِه ْم لمَ ْ َي ِخ ُّروا َعلَ ْي َها امل�صطلحات احلديثة"‪ .‬هذه الآراء نقلت واجبات الدين‬ ‫�ُ��ص� ًّم��ا َو ُع � ْم � َي��ا ًن��ا)(((‪ .‬ب��ل ي��دخ��ل يف �أم��ره��ا متكني ب�شري لت�صري �أيدلوجية لل�سلطة ال�سيا�سية‪ .‬لقد نقلت الإمارة‬ ‫ال�ت��دب��ر‪ ،‬وال�ت�ع�ق��ل‪ ،‬واحل�ك�م��ة‪ ،‬وامل�صلحة‪ ،‬واال�ستطاعة‪ ،‬من كونها �أمراً ب�شرياً �إلى الربوبية‪ .‬مع �أن والية الأمر‬ ‫وال �ت��درج‪ ،‬والأول��وي��ات‪ .‬ب��اب لهند�سة ت�شريعية الجتهاد م�س�ؤولية ب�شرية اخ�ت�ي��اراً وم�ساءلة و�إع �ف��اء‪ .‬وظ��روف‬ ‫الأزم � ��ة ه��ي ال �ت��ي ج�ع�ل��ت اخل � ��وارج وه ��م ف�ئ��ة متحم�سة‬ ‫م�ستمر‪.‬‬ ‫�أخط�أوا يف تف�سري (�إ ِ​ِن الحْ ُ ْك ُم �إ اَِّل للِهَِّ )(((‪ .‬ومبوجب ذلك‬ ‫�إن تطبيق ال�شريعة يف ه��ذا الع�صر يتطلب ح��واراً كفروا �إمام املتقني علي بن �أبي طالب و�أهدروا دمه‪.‬‬ ‫مثمراً بني املقا�صد وامل�ستجدات‪ .‬ويف ع�صرنا حتت �شعار‬ ‫‪ ) 1‬سورة اإلسراء اآلية (‪)33‬‬

‫‪ ) 3‬سورة األنعام اآلية (‪)75‬‬

‫‪ ) 2‬سورة الفرقان اآلية (‪)37‬‬

‫‪ ) 4‬سورة األنعام آلية (‪)75‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫اخلطوة اخلام�سة‪ :‬لي�س يف الإ�سالم نظام حكم معني ب�ع��د �أن تخل�صوا م��ن ك�ي��ان م��وح��د ه��و الإم�براط��وري��ة‬ ‫لأن نظام احلكم لي�س م��ن ال�ث��واب��ت كالتوحيد والنبوة الرومانية املقد�سة‪.‬‬ ‫وامل�ع��اد والأرك ��ان اخلم�سة بل قابل للحركة االجتهادية‬ ‫ع��رف الإ��س�لام رابطة الأ��س��رة والقبيلة ويف �صحيفة‬ ‫�ضمن م �ب��ادئ وم�ق��ا��ص��د �سيا�سية‪ .‬ال ��دول ال�ت��ي حكمت‬ ‫امل�سلمني كانت يف غالب ف�ترات التاريخ دو ًال ا�ستبدادية املدينة كيان �سيا�سي قام على التنا�صر والأم��ن امل�شرتك‬ ‫م�ه��درة مل�ب��ادئ ومقا�صد الإ� �س�لام ال�سيا�سية كال�شورى م��ع احتفاظ املجموعات الدينية بكياناتها حت��ت مظلة‬ ‫والعدالة‪ .‬وممار�سات ه�ؤالء احلكام كانت يف الغالب �أ�شبه التنا�صر امل�شرتك‪ .‬ويف العهد الإ�سالمي الأول �إلى نهاية‬ ‫مبمار�سات الك�سروية والقي�صرية منها مببادئ الإ�سالم العهد الأموي �ضم امل�سلمني كيان �سيا�سي واحد‪.‬‬ ‫ال�سيا�سية‪ .‬وع�ل��ى ال�ب�ع��د م��ن امل�م��ار��س��ة الفعلية ن�ش�أت‬ ‫نظريتان لنظام احلكم �سنية و�شيعية‪.‬‬ ‫ولكن بعد االن�ق�لاب العبا�سي يف ‪150‬ه �ـ ب��د�أ انق�سام‬ ‫امل���س�ل�م�ين ل�ك�ي��ان��ات �سيا�سية م �ت �ع��ددة‪ .‬ح ��دث ه ��ذا قبل‬ ‫النظرية ال�سنية ف�صلها جم�ت�ه��دون ه��م ال�شافعي‪ ،‬التعر�ض لالحتالل الأجنبي ولكن االحتالل عزز هذه‬ ‫وابن قتيبة‪ ،‬واملاوردي‪ ،‬وغريهم يف كتبهم‪ .‬ومع اختالف الظاهرة‪.‬‬ ‫التفا�صيل قيل �أن الدولة يقودها خليفة للنبي يف حرا�سة‬ ‫الدين و�سيا�سية الدنيا‪ .‬وينبغي �أن يكون عاملاً وجمتهداً‬ ‫الدولة الوطنية تقوم على �أ�سا�س م�شرتكات معينة‬ ‫و�شجاعاً‪ ،‬وقر�شي الن�سب‪ ،‬و�سليم البدن واحلوا�س‪ ،‬و�أن مرتبطة برقعة معينة من الأر�ض‪ .‬واملواطنة عهد يجمع‬ ‫يختاره للخالفة �أهل احلل والعقد من الرجال العدول‪ .‬بني �شرائح هذا الوطن يف ظل �سلطة �سيا�سية واحدة هي‬ ‫الدولة الوطنية‪.‬‬ ‫ه��ذه ال��ر�ؤي��ة النظرية مل تطبق عملياً �أي �أنها كانت‬ ‫�أمنية مل تنزل �إلى الواقع الذي حكمه التغلب والتوارث‪.‬‬ ‫الدولة الوطنية تطوير خل�صو�صيات معلومة اكت�سبت‬ ‫ً‬ ‫وجودا وظفت للقيام بدور مفيد يف حتقيق الأمن و�سبل‬ ‫النظرية ال�شيعية‪ :‬هذه قال بها جمتهدون ف�صلت يف املعي�شة وه��ي ت�ضم وح ��دات قبلية وج�ه��وي��ة ودي�ن�ي��ة يف‬ ‫كتاب "الكايف" وفحواها �أن الإم��ام��ة كالنبوة من �أرك��ان نطاق وطني وقابلة ل�ضم �أكرث من دولة وطنية يف نظام‬ ‫العقيدة‪ .‬و�سندها تعيني الهي‪ .‬وهذا الإمام مع�صوم وعلى تعاهدي‪.‬‬ ‫الأمة حتماً طاعته‪.‬‬ ‫ال توجد ن�صو�ص وح��ي قطعية تلزم بخليفة واح��د‬ ‫والإمامة بهذه ال�صفة للإمام علي ثم البنيه احل�سن جامع لكل ال�سلطات وحاكم للأمة وال توجد ن�صو�ص‬ ‫واحل���س�ين ث��م لت�سعة �أئ �م��ة م��ن ح�ف��دة الإم� ��ام احل�سني وح��ي قطعية ت�ل��زم ب ��إم��ام مع�صوم واح��د ح��اك��م ل�ل�أم��ة‪.‬‬ ‫و�آخ��ره��م ه��و حممد احل�سن الع�سكري ال��ذي غ��اب منذ والتجارب التاريخية يف هذه املجاالت ال تدفع لالقتداء‬ ‫�أكرث من �ألف عام و�سوف يعود هو ذاته مهدياً‪ .‬ويف غيابه بها‪.‬‬ ‫يقود النا�س مراجع التقليد‪.‬‬ ‫النهج ال�صحيح ه��و ع��دم النظر للرابطة الوطنية‬ ‫الأئ �م��ة امل��ذك��ورون مل مي��ار��س��وا والي��ة ع��ام��ة م��ا عدا بارتياب وعدم و�ضعها يف مقابل الوالء للأمة الأكرب‪ .‬بل‬ ‫الإمام علي (ر�ض) وابنه احل�سن (ر�ض) الذي خلفه بعد تعترب الرابطة الوطنية �صاحلة يف حدودها قابلة للتو�سع‬ ‫مقتله تنازل للخليفة الأموي على �أن يخلفه‪.‬‬ ‫بالرتا�ضي‪.‬‬ ‫هذا معناه �أن �إمامة ال�شيعة كخالفة ال�سنة �أمنيات‬ ‫م�ؤ�س�سات احلكم الدميقراطي وهي امل�شاركة وامل�ساءلة‬ ‫بعيدة عن الواقع‪.‬‬ ‫وال�شفافية و�سيادة حكم القانون و�سائل م�ؤ�س�سية لتحقيق‬ ‫�آي��ة اهلل اخلميني يف كتابه "احلكومة الإ�سالمية" مبادئ �سيا�سية حتقق مبادئاً مطلوبة يف ن�صو�ص الإ�سالم‪.‬‬ ‫ن��ادى يف غيبة الإم��ام بوالية الفقيه‪ .‬وبعد وفاته اختري وال ي�صح �أن تو�ضع ال��دمي�ق��راط�ي��ة يف مقابل ال�شورى‬ ‫�آية اهلل خامنئي مر�شداً‪ .‬بع�ض �آيات اهلل يرون �أن والية ففيهما مبد�أ امل�شاركة وعدم االنفراد بال�سلطة‪� .‬صحيح‬ ‫الفقيه ينبغي �أال تتعدى الأمور ال�شعائرية‪ .‬احلقيقة �أن ال�شورى متار�س �ضمن �سقوف‪ .‬كذلك الدميقراطية‪� .‬إذ‬ ‫املعارف تطورت ب�صورة ال ميكن �أن يحيط بها الفقيه‪ .‬ال توجد دميقراطية بال �سقوف ين�ص عليها الد�ستور‪.‬‬ ‫وعلى ال�صعيد النظري فيما يتعلق بحقوق الإن�سان‬ ‫والية الفقه كاحلاكمية لدى مفكري ال�سنة ت�ؤ�س�سان‬ ‫ل �ن �ظ��ام ح �ك��وم��ة �إل �ه �ي��ة ول �ك��ن احل �ك��وم��ة يف امل��رج�ع�ي��ة ف�إن حقوق الإن�سان احلديثة متفرعة من خم�سة �أ�صول‬ ‫هي الكرامة‪ ،‬واحلرية‪ ،‬والعدالة‪ ،‬وامل�ساواة‪ ،‬وال�سالم‪ ،‬ويف‬ ‫الإ�سالمية م�س�ألة ب�شرية‪ :‬والية وم�ساءلة وحما�سبة‪.‬‬ ‫احل�ضارة احلديثة تطورت منظومة حقوق الإن�سان حتى‬ ‫الدولة الوطنية �شكل �سيا�سي جديد اتخذه الأوربيون بلغت الإع�لان العاملي حلقوق الإن�سان يف عام ‪1948‬م ثم‬


‫لكن يف العقود الثالثة املا�ضية حدثت تطورات �أهمها‪:‬‬

‫ملحقاته فيما بعد‪ .‬بع�ض النا�س �أ��ش��اروا �إل��ى �أن هناك‬ ‫نقطة يف مقدمة امليثاق وخم�س نقاط يف امليثاق العاملي‬ ‫حلقوق الإن�سان هي امل��واد (‪ )4،5،16،18،19‬تتعار�ض مع • منو طبقة مثقفة وذات توا�صل قوي بالعامل احلديث‬ ‫وتوا�صل بينهم عرب الو�سائط االلكرتونية ما جعل‬ ‫الأ� �ص��ول الإ��س�لام�ي��ة‪ .‬يف كتابي بعنوان "نحو مرجعية‬ ‫منهم قاعدة قوية مهتمة بامل�شاركة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫�إ�سالمية متجددة متحررة من التعامل االنكفائي مع‬ ‫املا�ضي والتعامل اال�ستالبي مع الوافد" تعر�ضت لهذه • �شعارات الربيع العربي حملت تطلعات �شدت �إليها‬ ‫التحفظات لأن �ف��ي وج ��ود ت�ع��ار���ض م��ع ال�ف�ه��م ال�صحيح‬ ‫قوى اجتماعية ذات وزن‪.‬‬ ‫للن�صو�ص الإ�سالمية‪.‬‬ ‫• تدين �أ�سعار البرتول حجم القدرات الريعية‪.‬‬ ‫ونتيجة م��ا �سقت م��ن �أدل��ة ه��ي‪�" :‬أن امل�سلم املعا�صر‬ ‫ميكنه �أن ي�ؤيد جوهر الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان‪� .‬إن‬ ‫هذه التطورات تتطلب عقداً اجتماعياً جديداً‪ .‬الغالة‬ ‫ملبادئ الإعالن ًالعاملي حلقوق الإن�سان مرابط �إ�سالمية يدعون لنظم جديدة م�شتقة من �صورة مثالية ما�ضوية‪.‬‬ ‫متنحها‬ ‫إهدار"‪.‬ج ��ذورا خلقية وروح �ي��ة وجتعلها �أع���ص��ى على ولكن هذه الدعوات وما جتد من ت�أييد يف �أو�ساط تن�شد‬ ‫ال‬ ‫التغيري ف�إنه وف��اء بال م�ستقبل‪ .‬اخليار الآخ��ر املجدي‬ ‫ويف الإع�ل�ان العاملي حلقوق الإن���س��ان بنود ال توافق هو الرتا�ضي عرب حوار بني احلكام وال�شعوب على عقد‬ ‫ال��دول اال�ستبدادية عليها لأنها حتمي حقوق املواطنني اجتماعي جديد يحقق توفيقاً بني الت�أ�صيل والتحديث‬ ‫ويحتجون باخل�صو�صية الثقافية والدينية لرف�ضها تلك ويكفل نظاماً دميقراطياً وعدالة اجتماعية‪� .‬أي �أن يحل‬ ‫البنود‪.‬‬ ‫حمل النظم الأبوية ملكيات د�ستورية‪.‬‬ ‫البند (‪ )9‬وي�ق��ول‪ :‬ال ي�ج��وز القب�ض على �إن���س��ان �أو‬ ‫نظم احلكم يف البلدان اجلمهورية �أ�س�ستها انقالبات‬ ‫حجزه �أو نفيه تع�سفياً‪.‬‬ ‫ع�سكرية‪ .‬ان�ق�لاب��ات رف�ع��ت ��ش�ع��ارات ق��وم�ي��ة‪ ،‬ا�شرتاكية‪،‬‬ ‫البند (‪ )10‬يقول‪ :‬لكل �إن�سان احلق على قدم امل�ساواة و�إ�سالمية‪ ،‬ولكنها تطلبت القهر للمحافظة على �سلطانها‪.‬‬ ‫التامة م��ع الآخ��ري��ن‪ ،‬يف �أن تنظر ق�ضيته �أم��ام حمكمة‬ ‫�إن حتويل امل�ؤ�س�سة الع�سكرية حلزب �سيا�سي لل�سلطة‬ ‫م�ستقلة نزيهة ن�ظ��راً ع ��اد ًال علنياً للف�صل يف حقوقه‪،‬‬ ‫حممل ب�أ�ضرار كثرية‪:‬‬ ‫والتزاماته و�أية تهمة جنائية توجه �إليه‪.‬‬ ‫البند (‪ )11‬يقول‪ :‬كل �شخ�ص متهم بجرمية يعترب • �أن ��ه ي ��ودي ب��االن���ض�ب��اط ال�ن�ظ��ام��ي وي�ف�ق��د امل�ؤ�س�سة‬ ‫بريئاً �إلى �أن تثبت �إدانته قانونياً مبحاكمة علنية ت�ؤمن‬ ‫الع�سكرية قدراتها املهنية‪ .‬فاجليو�ش التي توظف‬ ‫له فيها ال�ضمانات ال�ضرورية للدفاع عنه‪.‬‬ ‫حزبياً تفقد كفاءتها الع�سكرية حتماً‪.‬‬ ‫وهكذا البنود "‪ ."12،13،17،19،20،21،23‬هذه البنود • مم��ار��س��ة ال�ع�م��ل ال�سيا�سي بذهنية الأم ��ر والنهي‬ ‫يف امليثاق العاملي حلقوق الإن�سان حتمي حقوق املواطنني‬ ‫واالع �ت �م��اد ع�ل��ى الأج �ه��زة الأم �ن �ي��ة يجعل الطاعة‬ ‫وحتفظ النظم اال�ستبدادية على امليثاق العاملي حلقوق‬ ‫مقيا�ساً لكل الأم ��ور وتتحول �أج�ه��زة احلكم حتماً‬ ‫الإن�سان بحجة التناق�ض مع القيم الدينية والثقافية‬ ‫لآلية �أمنجية‪.‬‬ ‫ح �ج��ة ال �ه��دف م�ن�ه��ا ال ��داف ��ع ع��ن �أج� �ه ��زة ال �ق �ه��ر ب��ا��س��م‬ ‫اخل�صو�صية الدينية والثقافية‪.‬‬ ‫احلكومة الأمنجية حتقق ا�ستقراراً �سطحياً ويف ظلها‬ ‫ه��ذه الق�ضايا الآن ت�شكل تناق�ضاً ب�ين احل�ك��وم��ات يتحلق املواطنون حول والءات وراثية‪ ،‬طائفية‪� ،‬أو اثنية‪،‬‬ ‫�أو يتخندقون يف �أن�شطة دينية ويتعطل النمو ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫وال�شعوب يف كثري من البلدان ال �سيما العربية‪.‬‬ ‫يف ظروف معينة ميكن لالنقالب الع�سكري �أن يقوم‬ ‫�أكرث الدول العربية الآن تقوم على ا�ستقرار منحته الظروف‬ ‫ب ��دور ج��راح��ي‪ ،‬ا�ستثنائي‪ .‬ول�ك��ن �أن ي�ت�ح��ول االن�ق�لاب‬ ‫الريعية �أو هي جمهوريات �أ�س�ستها االنقالبات الع�سكرية‪.‬‬ ‫ال�سيا�سي �إل��ى والي��ة �سيا�سية تتخذ من القوات امل�سلحة‬ ‫قام ا�ستقرار الدول املنتجة للنفط ال �سيما يف منطقة حزبها ال�سيا�سي ف�سوف تف�شل يف �أهم ملفات العمل العام‪:‬‬ ‫اخلليج على �أ��س��ا���س عقد اجتماعي غ�ير مكتوب يوفر الإدارة ال�سيا�سية‪ ،‬والإدارة االقت�صادية‪ ،‬و�إدارة العالقات‬ ‫احلكام مبوجبه الرفاهية االجتماعية دون اهتمام منا�سب الدولية‪.‬‬ ‫بامل�شاركة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪11‬‬


‫ابن ٍ‬ ‫فابن حربٍ للم�صطفى و ُ‬ ‫ُ‬ ‫هند ‬

‫‪12‬‬

‫يف العامل العربي خا�صة ال�شباب يف �سن ‪ 29-15‬يبلغ‬ ‫ع��دده��م ‪ 105‬م �ل �ي��ون‪ .‬وي �ع��ان��ون م��ن ع�ط��ال��ة ت�ب�ل��غ ‪%30‬‬ ‫ل � �ـ � �ع � �ـ � �ل � ٍّ�ي ول� �ـ� �ل� �ح� ��� �س�ي�ن ي � �ـ� ��زي � � ُد‬ ‫ويحيط باملجتمعات درج��ة عالية من الفقر واحلرمان‬ ‫وف�ج��وة وا�سعة م��ن التفاوت االجتماعي‪ .‬ه��ذه العوامل‬ ‫وبعد واقعة �صفني ا�ستتب �أمر احلكم لبني �أمية فلقي‬ ‫حتا�صر احلكومات الأمنية التي تدفعها طبيعتها‬ ‫للقمع‪ .‬ال�شيعة ا�ضطهاداً �أموياً ثم عبا�سياً‪ .‬وادعي قادة العهدين‬ ‫ً‬ ‫هذه العوامل �سوف ت�ؤدي النفجارات اجتماعية حتما‪ .‬لأنف�سهم �أو�صافاً قد�سية‪ .‬ويف املقابل حتلق ال�شيعة حول‬ ‫هذه االنفجارات يحول دونها م�شروع ت�سليم ال�سلطة فرق �أهمها االثنى ع�شرية‪ ،‬وفحواها �أن الإمامة بعد النبي‬ ‫لل�شعب لإق��ام��ة نظم م�شاركة دميقراطية ذات �أه��داف لعلي وبنيه بالتعيني الإلهي وهم �سل�سلة �أئمة مع�صومني‬ ‫دمي�ق��راط�ي��ة اقت�صادية اجتماعية‪ .‬ه��ذا ال�ت�ح��ول ميثل وعلى الأمة طاعتهم‪ .‬بعد الإمام علي وابنيه يتوايل ت�سعة‬ ‫خطوة تاريخية �ضرورية ويف ظله ت�ست�أنف القوات امل�سلحة �أئمة من حفدة الإم��ام احل�سني و�آخرهم حممد احل�سن‬ ‫الع�سكري الذي اختفى و�سوف يعود مهدياً عندما يحل‬ ‫وظيفتها الطبيعية‪.‬‬ ‫موعد ظهوره‪.‬‬ ‫اخلطوة ال�ساد�سة‪ :‬العدالة االجتماعية‪ :‬املالحظة‬ ‫ال ت��وج��د ن���ص��و���ص قطعية ت�سند دع ��اوي العهدين‬ ‫العامة هي �أن البالد الإ�سالمية عامة والعربية خا�صة‬ ‫تعاين �شعوبها من ا�ستقطاب حاد بني فئة �صغرية ثرية الأم��وي والعبا�سي بل ك��ان ت�أ�سي�سهما على التغلب‪ .‬وال‬ ‫ث��را ًء فاح�شاً و�أك�ثري��ة كبرية فقرية ف�ق��راً مدقعاً‪ .‬هذه توجد ن�صو�ص قطعية ل�سل�سلة �أئمة ال�شيعة‪ .‬نعم ذكرت‬ ‫احل��ال��ة م��ع ال��وع��ي الكبري بها قنابل موقوتة حتر�ضها كتب احل��دي��ث ن�صو�صاً ع��ن امل�ه��دي ال��ذي مي�ل�أ الأر���ض‬ ‫با ع��د ًال‪ .‬و�أن��ه من العرتة النبوية‪ .‬وه��ي ن�صو�ص خمتلف‬ ‫ري �إ اَِّل مِ َ‬ ‫�أخالقياً مقولة الإمام علي (ر�ض)‪َ "َ :‬ما َجا َع َف ِق ٌ‬ ‫عليها وعلي تف�سريها‪.‬‬ ‫ُم ِّت َع ِب ِه َغ ِن ٌّي"‪.‬‬ ‫نعم ك��ل الثقافات الإن�سانية تتطلع يف وج��ه املعاناة‬ ‫و�سائط التوا�صل االجتماعي االلكرتونية �صارت �أكرب‬ ‫و�سائل للتوعية والتعبئة‪ .‬م�س�ألة الظلم االجتماعي يف ال��ى املخل�ص‪ ،‬خا�صة يف الثقافات الإبراهيمية �أن عودة‬ ‫العامل الإ�سالمي �صارت ف�ضيحة كربى حلملة دعوة قال �شخ�ص بعد ‪ 14‬ق��رن و��س��وف يعود ه��و ذات��ه �ضد طبيعة‬ ‫عنها ولفرد �سميث‪" :‬الدعوة الإ�سالمية �أك�بر دع��وة يف الأ�شياء‪َ } .‬و َم��ا َج َع ْلنَا ِل َب َ�ش ٍر ِّمن َق ْب ِل َك الخْ ُ ْل َد َ�أ َف ��إِن ِّم َّت‬ ‫َف ُه ُم الخْ َ ��ا ِل � ُدونَ* ُك� ُّ�ل َنف ٍْ�س َذا ِئ� َق� ُة المْ َ� ْو ِت َو َن ْب ُلو ُكم بِال�شَّ ِّر‬ ‫التاريخ لإقامة العدالة االجتماعية"‪.‬‬ ‫َوالخْ َيرِْ ِف ْت َن ًة َو�إِ َل ْينَا ُت ْر َج ُعونَ{(((‪ .‬وظهور خمل�ص يف �آخر‬ ‫�ض �آ َي� ِ‬ ‫عاملان يف جامعة وا�شنطن هما �شهرزاد رحمان وح�سني الزمان ال يجدي‪َ } :‬ي � ْو َم َي ْ�أ ِتي َب ْع ُ‬ ‫�ات َر ِّب� َ�ك اَل َين َف ُع‬ ‫(((‬ ‫ميا ُن َها لمَ ْ َت ُكنْ �آ َمن َْت ِمن َق ْب ُل{ نعم �سوف يعتقد‬ ‫ع�سكري اقرتحا ‪ 12‬مقيا�ساً للأ�سلمة االجتماعية مثل‪َ :‬نف ًْ�سا �إِ َ‬ ‫درج��ة النمو‪ ،‬م�ستوى ت��وزي��ع ال�ث�روة‪� ،‬ضبط الإ� �س��راف‪ ،‬قوم مذهبياً عقائد حول الإمامة واملهدية‪ .‬املهم �أن تعترب‬ ‫الرعاية االجتماعية للقطاعات الفقرية وهلم جرا‪.‬‬ ‫هذه عقائد مذهبية ال ت�صري �أ�سا�ساً للإميان والتكفري‪.‬‬ ‫بل يلتزم �أهل القبلة بالتوحيد‪ ،‬والنبوة‪ ،‬واملعاد‪ ،‬ومكارم‬ ‫ث��م �أ� ّ��ص�ل�ا امل�ق��اي�ي����س امل �خ �ت��ارة ب�سند م��ن الن�صو�ص الأخالق‪ ،‬والأركان اخلم�سة‪ .‬وفيما عداها عقائد مذهبية‬ ‫الإ��س�لام�ي��ة‪ .‬ث��م طبقا ه��ذه املقايي�س على ‪ 208‬دول��ة يف يتعاي�ش �أ�صاحبها دون �إل��زام غريهم بها وتفو�ض لقوله‬ ‫ال�ع��امل حت��ت ع�ن��وان "مقايي�س الأ�سلمة"‪ .‬النتيجة �أن تعالى‪ُ } :‬ث َّم �إِليَ َّ َم ْرجِ ُع ُك ْم َف�أَ ْح ُك ُم َب ْي َن ُك ْم ِفي َما ُكن ُت ْم ِفي ِه‬ ‫�أك�ثر البلدان "�أ�سلمة" مبوجب ه��ذه املقايي�س ايرلندا َتخْ َت ِلفُونَ{(((‪.‬‬ ‫ثم الرنويج‪� .‬أما الدول الإ�سالمية فكان ترتيبها متدنياً‬ ‫�أولها يف الرتتيب رقم ‪ 33‬ماليزيا‪.‬‬ ‫املختلف عليه من �أحداث التاريخ ومن العقائد تر�سخ‬ ‫يف نفو�س �أ�صحابه وال ميكن ح�سمه بالإقناع وال بالقوة‬ ‫املطلوب �إدراك ه��ذه احلقائق االجتماعية والرتكيز وينبغي التعاهد بني اجلميع على �أ�سا�س‪:‬‬ ‫قطرياً على حتقيق التنمية والعدالة االجتماعية والعمل‬ ‫على �إقامة م�شروع ت�ضامن "مار�شايل" للتعاون التنموي‪ • .‬االعرتاف املتبادل بان اجلميع �أهل قبلة‪.‬‬ ‫اخلطوة ال�سابعة‪ :‬الفتنة الطائفية‪ :‬ن�ش�أ الت�شيع يف • الكف عن التكفري املتبادل على �أ�سا�س مذهبي‪.‬‬ ‫البداية انت�صاراً حلق الإم��ام علي وبنيه يف والية الأمر‪.‬‬ ‫ولكن التنازع الها�شمي الأم��وي فتق جراحاً عميقة منذ • حرية احلوار مع بع�ضنا بع�ضاً بالتي هي �أح�سن‪.‬‬ ‫قبل الإ�سالم �أ�شار �إليها ال�شاعر‪:‬‬ ‫‪ ) 1‬سورة األنبياء اآليتان (‪)53،43‬‬ ‫عب ُد ٍ‬ ‫�شم�س ق��د �أ��ض��رم��ت لبني ها‬ ‫‪ ) 2‬سورة األنعام اآلية (‪)851‬‬ ‫��ش�ـ� ٍ�م ح�ـ��رب�اً ي�شيب منها ال��ول�ي� ُد‬ ‫‪ ) 3‬سورة آل عمرن اآلية (‪)55‬‬


‫• التخلي التام عن لغة الرتا�شق الأم��وي وال�صفوي‬ ‫برواف�ض ونوا�صب‪.‬‬

‫الفا�ش�ستية �أو ال�ستالينية‪ .‬ه�ؤالء فر�ضوا �أ�صولية علمانية‬ ‫من منطق طبقي و�سببوا �أذى بالغاً للإن�سانية‪ .‬قال بيرت‬ ‫بريقر �أح��د م�ؤ�س�سي العلمانية احلديثة‪“ :‬كنا نظن �أن‬ ‫العلمانية �شرط للدميقراطية ولكن احلقيقة ه��ي �أن‬ ‫�شرط الدميقراطية هو التعددية”‪ .‬وقال ت�شارل�س تيلور‬ ‫وه��و م�ؤ�س�س �آخ��ر للفكرة العلمانية احل��دي�ث��ة‪“ :‬يجب‬ ‫�أن ننظر للعلمانية ال بو�صفها متاري�س �ضد الدين بل‬ ‫باعتبار �أنها ت�ستجيب على نحو مبدئي ال غنى عنه للتنوع‬ ‫الذي يوجبه املجتمع احلديث”‪.‬‬

‫‪ ) 1‬سورة األنعام اآلية (‪)98‬‬

‫‪ ) 3‬سورة الحج اآلية (‪)93‬‬

‫‪ ) 2‬سورة الحديد اآلية (‪)82‬‬

‫‪ ) 4‬سورة التوبة اآلية (‪)31‬‬

‫• كفالة حقوق �إميانية وحقوق مواطنة كاملة لل�شيعة‬ ‫يف بالد ال�سنة‪ .‬وكذلك لل�سنة يف بالد ال�شيعة‪.‬‬ ‫• م�سالة املهدية خمتلف عليها ولكل مذهبياً �أن يعتقد‬ ‫ما ي�شاء ب�شرط �إال يلزم غريه باعتقاده‪.‬‬

‫ومع ذلك فان هدي النبوة م�ستمر يف الأمة مبوجب‬ ‫} َف ��إِن َي ْك ُف ْر ِب َها َه ��ؤ اَُل ِء َف َق ْد َو َّك ْلنَا ِب َها َق� ْو ًم��ا َّل ْي ُ�سوا ِب َها‬ ‫وقال‪� :‬إن اللربالية تتنكر ملبادئها �إذا حرمت �أ�صحاب‬ ‫ِبكَا ِفر {(((‪ .‬وقوله‪} :‬ا َّتقُوا اللهَّ َ و� ِآمنُوا ِبر�سو ِل ِه ي�ؤْ ِت ُكم‬ ‫ِينَمن َّر ْح َم ِت ِه َو َي ْج َعل َّل ُك ْم نُو ًرا َتمَ ُْ�شو َن َِب ِه ُ َو َي ْغ ِف ُر َل ُك ْ​ْم املرجعية الدينية م��ن حرية ال ��ر�أي م��ا دام��وا يلتزمون‬ ‫ِك ْفلَينِْ ِ‬ ‫َواللهَّ ُ َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم{(((‪ .‬هذا معناه �أن باب الإلهام ْمفتوح بالتعاي�ش الدميقراطي”‪ .‬ه��ذه الأ�س�س ت�صلح ملراجعة‬ ‫موقف العلمانية من الدين‪ .‬يقابلها يف احلوار االيجابي‬ ‫و�أن واجب �إحياء الدين م�ستمر‪.‬‬ ‫�أن يكون للمنهج الإ��س�لام��ي موقف ايجابي م��ن العقل‬ ‫وم��ن ال��دمي�ق��راط�ي��ة‪ .‬امل�ط�ل��وب ح ��وار �إ��س�لام��ي علماين‬ ‫• االتفاق على موقف موحد من االغت�صاب ال�صهيوين‪.‬‬ ‫للتعاي�ش �ضمن م�ب��ادئ م�شرتكة‪ .‬وفيما يتعلق بالفكر‬ ‫هذه الأ�س�س ال�سبعة ت�صلح لرتق الفتق ال�سني ال�شيعي القومي فان الإ�سالم يعرتف باالنتماء القومي وقوميات‬ ‫وهو مطلوب ب�إحلاح �أكرث من �أية فرتة يف التاريخ لأن هذه الأمة الإ�سالمية العربية والفار�سية‪ ،‬والرتكية‪ ،‬والهندية‬ ‫الفتنة تغذي اقتتا ًال ب�أ�سلحة �أكرث فتكاً يف التاريخ‪ .‬ومهما وغريها حققت �أف�ضل منجزاتها احل�ضارية حتت مظلة‬ ‫ا�ستخدمت هذه الأ�سلحة يف حروب طائفية فلن تتمكن الإ�سالم‪ .‬املهم �أن تتجرد االنتماءات القومية من الع�صبية‬ ‫من اجتثاث الطرف الآخر بل ت�ضر بكل امل�شرتكني فيها لتكفل حقوق املجموعات الوطنية ذات االنتماءات القومية‬ ‫وتفتح باباً وا�سعاً للتدخالت الأجنبية ولتمدد حركات الأخرى‪.‬‬ ‫الغالة‪ .‬هذه احلروب لن حتقق لأطرافها ن�صراً بل �سوف‬ ‫القومية العربية حقيقة ذات وج��ود قومي تاريخي‬ ‫تفتح الأبواب �أو�سع للهيمنة الدولية ولربامج الغالة‪.‬‬ ‫ولغوي وثقايف ولكن يتعاي�ش مع العرب قوميات �أخرى‬ ‫اخلطوة الثامنة‪ :‬االهتمام بفك اال�شتباك‬ ‫الفكري ينبغي كفالة حقوقهم‪.‬‬ ‫ب�ين ال �ت �ي��ارات امل�ه�م��ة يف ال�ف���ض��اء الإ� �س�لام��ي‪ ،‬ال�ت�ي��ارات‬ ‫الإ� �س�ل�ام �ي��ة‪ ،‬وال �ع �ل �م��ان �ي��ة‪ ،‬واال� �ش�ت�راك �ي��ة‪ ،‬وال �ق��وم �ي��ة‪،‬‬ ‫اال�شرتاكية �إح��دى م��دار���س العلمانية وق��د قعد بها‬ ‫والأفريقانية يف �أفريقيا‪.‬‬ ‫التم�سك ب�أحاديتني‪� ،‬أح��ادي��ة �أن القيمة للمادة وحدها‪،‬‬ ‫ه��ذه التيارات لها وج��ود فكري و�سيا�سي تقف معها و�أحادية التفوق الطبقي‪ .‬ينبغي تخلي اال�شرتاكية عن‬ ‫ق��وي اج�ت�م��اع�ي��ة وال�ت�ع��اي����ش بينها ج��زء م��ن متطلبات هذين ال�شرطني وقد ظهرت تيارات ا�ستنارة ا�شرتاكية‬ ‫املجتمع احلديث‪.‬‬ ‫تدرك ذلك‪ .‬هذا مدخل حلوار �إ�سالمي ا�شرتاكي م�ستمر‪.‬‬ ‫كل حماولة لإلغاء الآخ��ر الفكري وال�سيا�سي ما دام‬ ‫اخلطوة التا�سعة‪ :‬ينبغي التخل�ص نهائياً من الفهم‬ ‫�سلمياً وملتزماً بالدميقراطية‪ ،‬ت�ؤدي للطغيان‪.‬‬ ‫ال�ع��دواين للوالء وال�براء لي�ست علة القتال يف الإ�سالم‬ ‫التنوع من طبيعة الوجود‪ .‬واالختالف من حتميات اختالف امللة بل العدوان‪ .‬الفهم العدواين للوالء والرباء‬ ‫التجمع الب�شري‪ .‬ما يحمي التنوع قبول الآخر يف التداول �أ�سند لتف�سري خاطئ لآيات يف �سورة براءة‪.‬‬ ‫ونفي الع�صبية‪.‬‬ ‫م��ن حيث علة ال�ق�ت��ال يف الإ� �س�لام الآي ��ات وا�ضحة‪:‬‬ ‫(((‬ ‫ما يعيب العلمانية هو �إنكار الغيب ولكن لأ�صحابها }�أُ ِذ َن ِل َّل ِذينَ ُيقَا َت ُلو َن بِ�أَ َّن ُه ْم ُظ ِل ُموا{ ‪ .‬وقوله تعايل‪:‬‬ ‫حرية ال��ر�أي ما دام��وا ال يفر�ضون ر�أيهم علي الآخرين }�أَ اَل ُتقَا ِت ُلو َن َق ْو ًما َّن َك ُثوا �أَيمْ َ ا َن ُه ْم َو َه ُّموا بِ�إِخْ َرا ِج ال َّر ُ�س ِ‬ ‫ول‬ ‫لأن �أك�بر نظم الطغيان يف التاريخ كانت علمانية �سواء َو ُهم َب َد ُءو ُك ْم �أَ َّو َل َم َّر ٍة �أَ َتخْ َ�ش ْو َن ُه ْم َفاللهَّ ُ �أَ َحقُّ �أَن َتخْ َ�ش ْو ُه �إِن‬ ‫ُكنتُم ُّم�ؤ ِْم ِننيَ{(((‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪13‬‬


‫قال قوم �إن علة القتال هي اختالف امللة‪ .‬وعلينا �أن �أمتنا يف ارت�ك��اب �إ�سرائيل و�أمريكا حماقات �ضدنا لكي‬ ‫نكفرهم و�أن نكرههم و�أن نقاتلهم‪ .‬ومن ال ي�ؤمن بهذه ي�ستيقظ العمالق الإ�سالمي لهما و بالتايل يحقق دوره‬ ‫العقائد مرتد واملرتد يقتل‪ .‬هذه عقائد فا�سدة وترتتب امل�أمول يف التاريخ”‪.‬‬ ‫عليها يف ع��امل ال�ي��وم مفا�سد ك�ب�يرة‪� .‬إذ �أن�ه��ا ت��وج��ب �أن‬ ‫نعادي ‪ %80‬من الب�شرية‪.‬‬ ‫هذه الآراء ت�ستمد من منقوالت يف الأديان الإبراهيمية‬ ‫وثلث �أمتنا يعي�شون �أقليات يف جمتمعات ذات �أكرثية عن �صدام حتمي بني احلق والباطل‪.‬‬ ‫غ�ير م�سلمة م��ا ي�شعل الفتنه بينهم‪� .‬أن ال �ق��ول بهذه‬ ‫النظرة البناءة امل�ستنرية هي التي تنطلق من مفاهيم‬ ‫العقائد الفا�سدة ي�ضر بالدعوة الإ�سالمية ويلقي ب�أنف�س‬ ‫تتطلع لتعاي�ش ال �صدام بني احل�ضارات علي نحو ما قال‬ ‫امل�سلمني �إلى التهلكة‪.‬‬ ‫امل��ؤرخ الربيطاين الأ�شهر �أرنولد توينبي اذ قال‪“ :‬علي‬ ‫اخلطوة العا�شرة‪ :‬عالقات الأدي��ان‪ :‬االعتقاد الديني احل�ضارة الغربية باعتبارها الغالبة الآن �أال ت�ستعلى بل‬ ‫يقوم‬ ‫على ال�ضمري ما يعني �أن��ه ال ميكن �أن يقوم على �أن تتخذ خطوات ودية نحو احل�ضارات الأخرى فحواها‪:‬‬ ‫الإكراه‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫واالعتقاد الديني ي�صحبه غالباً الرغبة يف التب�شري • �أن تعرتف ب�أنها مدينة للح�ضارات الأخ��رى التي‬ ‫�سبقتها‪.‬‬ ‫بهدايته‪ .‬ف ��إذا بطل الإك ��راه وه��و ب��اط��ل‪ .‬تبقى ال��دع��وة‬ ‫باحلكمة واملوعظة احل�سنة‪ .‬كفالة حرية االعتقاد الديني • لقد بلغت احل���ض��ارات الغربية ��ش��أواً عظيماً ولكن‬ ‫للكافة واج��ب �إ�سالمي مثلما هو التزام �إن�ساين‪ .‬ينبغي‬ ‫احل�ضارات الأخرى �سوف تتعامل معها على �أ�سا�س‬ ‫ديني‪.‬‬ ‫�أن ندرك نحن امل�سلمني �أن حرية العقيدة واجب‬ ‫حوا�ضنها احل�ضارية‪.‬‬ ‫وم��ع ذل��ك ف��ان ل�ن��ا خ�صو�صية يف ال�ع�لاق��ة م��ع الأ� �س��رة‬ ‫الإبراهيمية‪ُ } :‬قو ُلوا �آ َمنَّا بِاللهَِّ َو َما �أُن ِز َل �إِ َل ْينَا َو َما �أُن ِز َل • �أن تدرك �أن احل�ضارات الأخ��رى مثلما هي متلقية‬ ‫فهي �صاحبة عطاء يف م�سرية احل�ضارة الإن�سانية‪.‬‬ ‫الَ ْ�س َب ِ‬ ‫اط َو َما‬ ‫ُوب َو ْ أ‬ ‫�إِ َلى �إِ ْب َر ِاهي َم َو�إ ِْ�س َم ِاعي َل َو�إ ِْ�س َحا َق َو َي ْعق َ‬ ‫ي�سى َو َما ُ�أو ِت َي ال َّن ِب ُّيو َن ِمن َّر ِّب ِه ْم اَل ُن َف ِّرقُ‬ ‫و�سى َو ِع َ‬ ‫�أُو ِت َي ُم َ‬ ‫هذا النهج يثمر مناخاً �إيجابياً يف التالقح والتعاي�ش‬ ‫(((‬ ‫َبينْ َ �أَ َح ٍد ِّم ْن ُه ْم َون َْحنُ َل ُه ُم ْ�س ِل ُمونَ{ ‪.‬‬ ‫بني احل�ضارات يف ظل منظومة حقوق الإن�سان وحقوق‬ ‫(ل البيئة‪.‬‬ ‫والعالقة مع كافة الأديان الأخرى تقوم على مبد�أ اَ‬ ‫�إِ ْك� َرا َه فيِ ال ِّدينِ )((( } َل ُك ْم ِدي ُن ُك ْم وَليِ َ ِدي��نِ {(((‪ .‬واحلرية‬ ‫اخل �ط��وة ال�ث��ان�ي��ة ع���ش��ر‪ :‬الأب� �ع ��اد ال��دول �ي��ة‪ :‬ال�ن�ظ��ام‬ ‫تعم الالدينيني } َو ُق ِل الحْ َ قُّ ِمن َّر ِّب ُك ْم َف َمن �شَ ا َء َف ْل ُي�ؤ ِْمن‬ ‫الدويل احلايل ا�شرتاك يف ت�صميمه ‪ 51‬دولة يف فرتة ما‬ ‫و َمن �شَ ا َء َف ْلي ْك ُفر{‪((( .‬‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫بعد احلرب الأطل�سية الثانية‪ .‬وهو نظام تنق�صه العدالة‪.‬‬ ‫اخل �ط ��وة احل ��ادي ��ة ع �� �ش��ر‪ :‬ب ��رن ��ارد ل��وي ����س حم��ر���ض وينق�صه التوازن وال بد من مراجعته على �أ�سا�س الإحاطة‬ ‫ح�ضاري ق��دم تعريفاً �أي��دي��ول��وج�ي�اً للح�ضارة الغربية‪ ،‬بامل�ستجدات والعدالة‪.‬‬ ‫وتعريفاً للح�ضارة الإ�سالمية لي�ؤ�س�س علي ذلك حتمية‬ ‫وهنالك ج��وان��ب يف ال�سيا�سة الدولية لوثت الواقع‬ ‫ال�صدام بينهما‪.‬‬ ‫الدويل تتطلب ت�صدياً حازماً‪:‬‬ ‫وه �ن��ال��ك حم��ر� �ض��ون ب��ا� �س��م ح���ض��ارت�ن��ا ك��ذل��ك ففي‬ ‫ع��ام ‪2004‬م يف ال��ري��ا���ض ق��دم��ت حم��ا��ض��رة ح��ول (ح��وار • الهيمنة الدولية غر�ست �إ�سرائيل يف حميط عدائي‬ ‫لها فت�أ�س�س م�شروع اح�ت�راب م�ستمر ودع��م دويل‬ ‫احل���ض��ارات) وك��ان م��ن ب�ين احلا�ضرين الأ��س�ت��اذ حممد‬ ‫لغزوات �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫قطب علق ق��ائ� ً‬ ‫لا‪“ :‬يا �أخ��ي دع��ك م��ن ه��ذا �إن م�صلحة‬ ‫• ال�ه�ي�م�ن��ة ال��دول �ي��ة ب �ق �ي��ادة �أم��ري �ك �ي��ة دع �م��ت نظم‬ ‫ال �ط �غ �ي��ان يف ب �ل��دان �ن��ا حل��را� �س��ة م �� �ص��احل �ه��ا‪ .‬نظم‬ ‫‪ ) 1‬سورة البقرة اآلية (‪)631‬‬ ‫دكتاتورية حافظت علي �سلطانها بالقهر و�سيا�سة‬ ‫‪ ) 2‬سورة البقرة اآلية (‪)651‬‬ ‫"فرق ت�سد" وعندما �أطيح بالطغاة برزت ت�شققات‬ ‫‪ ) 3‬سورة الكافرون اآلية (‪)6‬‬ ‫طائفية و�إثنية‪.‬‬ ‫‪ ) 4‬سورة الكهف اآلية (‪)92‬‬


‫الثورة امل�ضادة يف بلدان الربيع العربي حتاول �إ�سناد‬ ‫ذل��ك ل�ل��رب�ي��ع ال �ع��رب��ي‪ .‬ول �ك��ن ط��ول م�ك��ث ال�ط�غ�ي��ان هو‬ ‫امل�س�ؤول عن هذا الت�شويه‪.‬‬ ‫• ال�سيا�سة الأم��ري�ك�ي��ة ه��ي ال�ت��ي ا�ستغلت احلما�سة‬ ‫اجلهادية حل��رب ال�سوفييت يف �أفغان�ستان وميزت‬ ‫الأفغان العرب ما �أدى لظهور تنظيم القاعدة وهو‬ ‫تنظيم اتخذ �شرعيته من حترير بالد امل�سلمني من‬ ‫الغزو الأجنبي‪.‬‬

‫�إن الإ�سالموفوبيا وال�سيا�سات التي احت�ضنها الرئي�س‬ ‫الأم��ري �ك��ي اجل��دي��د وال���س�ي��ا��س��ات ال�ت��ي تتبناها ح��رك��ات‬ ‫ال�ي�م�ين امل �ت �ط��رف يف ال �غ��رب الآن مت�ن��ح ت �ي ��ارات الغلو‬ ‫والعنف يف منطقتنا �أقوى مربرات وجود وحجج لتجنيد‬ ‫امل�ستقتلني‪ .‬وما يحدث يف مينمار من بط�ش بامل�سلمني‬ ‫عن�صرياً‪ ،‬وكذلك البط�ش بااليغور يف ال�صني حقائق تعزز‬ ‫�أجندات الغالة‪.‬‬

‫ • و�سيا�سة احتالل العراق اخلاطئة �أدت �إلى تداعيات‬ ‫ب�سببها تراكمت مظامل �سنية ا�ستغلها فرع القاعدة‬ ‫لتكوين �سيا�سي يف ‪2007‬م وبعد هزميته كونوا داع�ش‬ ‫ختاماً‪� :‬إن الوعي املحيط بهذه اخلطوات االثني ع�شر‬ ‫يف ‪2014‬م‪ .‬ويف احلالتني ف�إن الت�صدي لهم بالتفوق‬ ‫الع�سكري‪ ،‬قد يحقق �أه��داف�اً ع�سكرية ولكن �إذا مل وت�ك��وي��ن �إرادة �سيا�سية ق��وي��ة لل�سري فيها ه��و الطريق‬ ‫متح الأ�سباب �سوف تظهر تعبريات �أخرى‪.‬‬ ‫الوحيد للت�صدي لأزماتنا الفكرية والثقافية وحتريك‬ ‫• ك �ث�ي�رون ح�م�ل��وا امل���س�ل�م�ين امل���س��ؤول�ي��ة ع��ن ت�ط��رف‬ ‫القاعدة وداع����ش م��ع �أن لل�سيا�سات الدولية ال��دور الأزم ��ات و�إ�شكالية ال��دول��ة واحلكم من �أزم��ة قاتلة �إلى‬ ‫الأكرب يف �صنع العوامل التي �أفرزتهما‪.‬‬ ‫فر�صة لفجر جديد‪.‬‬ ‫ه��ذه االت�ه��ام��ات اجل��ائ��رة �ساهمت يف تكوين ت�ي��ارات‬ ‫َ‬ ‫الإ��س�لام��وف��وب�ي��ا العمياء �ضد امل�سلمني م��ع �أن�ه��م �أك�بر‬ ‫�إذا �أن ��تَ لمَ تحَ � ِ�م ال � َق��دمي ِب�ح��ا ِدث‬ ‫�ضحايا هذا الغلو والعنف امل�صاحب له ومع �أن ال�سيا�سات‬ ‫ِمنَ امل َ ِ‬ ‫الأجنبية هي �أكرب �صناع هذا الغلو والعنف‪.‬‬ ‫جد لمَ ينفعك ما كا َن ِمن َقبل‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪15‬‬


‫دراسات‬

‫الوعي االستراتيجي في بناء الوحدة‬ ‫وترسيخ العالقات بين مكونات األمة‬ ‫لقد كانت احلالة الناجتة عن االنتكا�س الفكري والتمزق والتالعب‬ ‫مب�صائر ال���ش�ع��وب الإ��س�لام�ي��ة ال�ت��ي � �س��ادت الن�صف الأول م��ن ال�ق��رن‬ ‫الع�شرين‪� ،‬أح��د م�صادر الت�شوي�ش ال��ذي طال فكرة الوحدة الإ�سالمية‬ ‫يف مدلوالتها العامة‪ .‬ف�أ�صبحنا �أمام �أربع نظريات للوحدة متباعدة يف‬ ‫�أهدافها‪ ،‬مت�صادمة يف م�ضامينها‪ ،‬متنافرة يف �أبعادها ‪:‬‬ ‫ وحدة مثالية‪ ،‬جتمع ال�شعوب الإ�سالمية يف �إط��ار نظام �سيا�سي‬‫م��وح��د‪� ،‬أو م��ا يعرب عنه يف الأدب �ي��ات ال�سيا�سية الإ��س�لام�ي��ة بـ‬ ‫(جتديد اخلالفة الإ�سالمية)‪.‬‬ ‫ وح��دة خيالية‪ ،‬تلتئم فيها ال�شعوب العربية كافة‪� ،‬ضمن كيان‬‫�سيا�سي عربي واحد‪ ،‬وهو ما يعرب عنه بـ (الدولة القومية)‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫ ‪ -‬وح��دة واقعية‪ ،‬جتمع �شعباً واح��داً تتجان�س عنا�صره وتتوحد‬ ‫مك ّوناته يف �إطار دولة ذات �سيادة كاملة طبقاً ملقت�ضيات القانون‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان التويجري‬ ‫الدويل‪ ،‬وهو ما ي�صطلح عليه بـ (الدولة الوطنية)‪.‬‬ ‫المدير العام للمنظمة اإلسالمية‬ ‫للتربية والعلوم والثقافة ‪-‬إيسيسكو‪-‬‬

‫ وح��دة م�ستحيلة‪ ،‬تن�صهر فيها �شعوب العامل يف بوتقة واح��دة‪،‬‬‫وهي النظرية الي�سارية املارك�سية التي �أطلقت ن��داء (يا عمال‬ ‫العامل احت��دوا)‪ ،‬والتي �سادت يف بع�ض ال��دول العربية خا�صة‪،‬‬ ‫خالل الن�صف الأول من القرن الع�شرين‪ ،‬اتباعاً وتقليداً لالحتاد‬ ‫ال�سوفياتي ال��ذي كان يف �أوج ا�ستبداده وذروة طغيانه وانتهاكه‬ ‫حلقوق الإن�سان وف�ساده يف الأر�ض‪.‬‬


‫�إن الوحدة التي ينبغي �أن تن�صرف الهم ُم �إلى بنائها‪ ،‬هي كثرية لتطوير العامل الإ�سالمي‪ ،‬وحتريره من ال�ضغوط‬ ‫تلك التي ت�أخذ بعني االعتبار الظروف احلالية‪ ،‬والتحديات التي حتا�صره وت�ؤثر �سلباً يف حا�ضره ويف م�ستقبله يف الآن‬ ‫القائمة‪ ،‬والو�سائل املتاحة والعوامل امل��ؤث��رة‪ ،‬وال ينف�صل نف�سه‪.‬‬ ‫ري فيها عن املتغريات التي حتدث يف ال�ساحة الدولية‪.‬‬ ‫التفك ُ‬ ‫الوعي اال�سرتاتيجي يف بناء الوحدة‬ ‫ومن منطلقات هذه الوحدة‪ ،‬تر�سي ُخ العالقات بني مكونات‬ ‫الأمة الإ�سالمية الواحدة اجلامعة بني �أتباع الأديان وامللل‬ ‫�إ َّن رك��ائ��ز ال��وح��دة وق��واع��د الت�ضامن وم�ب��ادئ التعاون‬ ‫والنحل والقوميات املتعددة والثقافات املتنوعة التي ت�شكل تتمثل يف �أن النا�س مت�ساوون يف احلقوق وال��واج�ب��ات‪ ،‬و�أن‬ ‫جمي ُعها العمو َد‬ ‫َّ‬ ‫الفقري للجماعات الدينية والعرقية‪ ،‬كل دينهم هو دين ال�سالم والعدل الذي ي�ضمن حتقيق الأمن‬ ‫منها على حدة‪ .‬فهذا هو ما ي�صطلح عليه بالتع ّدد يف �إطار ال�شامل والتكافل االجتماعي‪ .‬وترتتب على ه��ذه امل�ساواة‬ ‫الوحدة‪� ،‬أو الوحدة على �أ�سا�س التن ّوع‪ .‬وعلى هذا الأ�سا�س مقت�ضيات ع��دة‪ ،‬يف املقدمة منها‪ ،‬التعاون املتعدد املجاالت‬ ‫املتني ُتب َنى الوحدة‪ ،‬ال على الأ�س�س اله�شة‪ ،‬فتكت�سب املناعة املتنوع الأغ��را���ض‪ ،‬املت�شعب الو�سائل‪ ،‬يف كل �ش�أن داخلي �أو‬ ‫�ضد املخاطر التي تهددها‪ ،‬وت�ك��ون وح��دة �صامدة يف وجه خ��ارج��ي‪ ،‬يحقق امل���ص��ال��ح احل�ي��وي��ة لل�شعوب‪ .‬ف�ه��ذه وح��دة‬ ‫عوادي الأيام‪ .‬وهذا هو الأمر الذي مل ُي َ‬ ‫و�ضع يف احل�سبان يف قائمة على �أ�س�س التعاون والتن�سيق والتكامل‪ ،‬وعلى قاعدة‬ ‫التجارب الوحدوية العديدة ال�سابقة التي �شا َبها االرجتال الت�ضامن الإ�سالمي الفاعل وامل�ؤثر‪.‬‬ ‫واالندفاع وعدم التقدير ال�سليم للعواقب فمنيت بالف�شل‪،‬‬ ‫حتى �أ�ضحى جمرد التفكري يف الوحدة مثاراً للجدل الذي ال‬ ‫ل �ق��د ان �ت �ه��ت ف �ك��رة ال ��وح ��دة الإ� �س�ل�ام �ي��ة‪� ،‬أو اجل��ام�ع��ة‬ ‫يجدي نفعاً‪ ،‬بل يراه بع�ضهم �ضرباً من العبث‪.‬‬ ‫الإ�سالمية‪� ،‬أو اخلالفة‪ ،‬يف ع�صرنا احل��ايل‪� ،‬إلى التبلور يف‬ ‫�صيغة تنظيم �إقليمي �أن�شئ ا�ستناداً �إلى ميثاق الأمم املتحدة‪،‬‬ ‫�إ َّن �صيغة العمل الإ��س�لام��ي امل�شرتك يف �إط��ار منظمة وانطالقاً من القانون الدويل‪ .‬فمنظمة التعاون الإ�سالمي‬ ‫التعاون الإ�سالمي‪ ،‬ويف املنظمات العاملة يف �إطارها ومنها هي اليوم �أك�بر جتمع دويل بعد الأم��م املتحدة‪ .‬و�إذا كانت‬ ‫املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة ‪�-‬إي�سي�سكو‪ ،-‬الإجن��ازات التي حققتها هذه املنظمة ال تـرقى �إلى م�ستوى‬ ‫والبنك الإ�سالمي للتنمية‪ ،‬هي امل�شروع الوحدوي الإ�سالمي تطلعات ال�شعوب الإ�سالمية‪� ،‬إ ْذ مل تفلح يف ف ّ‬ ‫ـ�ض النزاعات‬ ‫ال��ذي يهدف �إل��ى جمع ال�صفوف‪ ،‬والتقريب بني ال�شعوب ال�ت��ي تـن�ش�أ يف بع�ض امل�ن��اط��ق م��ن ال �ع��امل الإ� �س�لام��ي بني‬ ‫الإ�سالمية يف �شتى املجاالت وعلى خمتلف امل�ستويات‪ ،‬لبناء امل�سلمني بع�ضهم مع بع�ض‪ ،‬ومل تـنجح يف تـر�سيخ العالقات‬ ‫التنمية ال�شاملة امل�ستدامة التي هي اليوم �أح��د التحديات الإ�سالمية‪-‬الإ�سالمية وتقويتها و�إمنائها وازده��اره��ا‪ ،‬ف�إن‬ ‫ال�ت��ي ت��واج��ه الأم ��ة الإ��س�لام�ي��ة‪ .‬ف��ال��وح��دة احلقيقية التي ذلك ال يجيز ب�أية حال‪� ،‬إنكار �أو جتاهل الدور الكبري الذي‬ ‫ت�صمد وال ت�ن��ال منها ال�ت�ح��والت ال�سيا�سية ال�ع��اب��رة‪ ،‬هي تنه�ض به على ال�صعيدين الإ�سالمي وال��دويل‪ ،‬باعتبارها‬ ‫الوحدة التي تقوم على قاعدة را�سخة من التعاون وال�شراكة‪ ،‬متثـل منوذجاً رفيع امل�ستوى للوحدة الإ�سالمية التي حتمي‬ ‫من �أج��ل تعزيز البناء التنموي يف املقام الأول‪ ،‬ويف �سبيل امل�صالح العليا للعامل الإ�سالمي‪ ،‬وتدافع عن حقوق ال�شعوب‬ ‫ال�ت���ص��دي ل�ل�م�خ��اط��ر ال �ت��ي ت �ه��دد الأم� ��ن وال���س�ل��م‪ ،‬و ُي�ع� َن��ى الإ�سالمية‪.‬‬ ‫القائمون عليها والعاملون من �أجلها و ُبـناة قواعدها‪ ،‬بتوفري‬ ‫ّ‬ ‫الأ�سباب لالرتقاء باحلياة الإن�سانية‪ ،‬وللنهو�ض بالأو�ضاع‬ ‫وح �ي��ث �إن� ��ه م��ن امل���س�ت�ح�ي��ل يف ع ��امل ال �ي��وم ق �ي��ام دول��ة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وتطوير الأح��وال االقت�صادية‪ ،‬و�إيجاد ال�سبل �إ�سالمية واح��دة جتمع �شعوب العامل الإ�سالمي‪ ،‬كما كان‬ ‫امل�م�ه��دة لبناء جمتمع ال��رخ��اء وال��رف��اه�ي��ة واالزده� ��ار على الأمر يف �سالف الدهر‪ ،‬ف�إنّه من ال�ضروري العمل على تقوية‬ ‫مراحل تخ�ضع للدرا�سة املعمقة‪ .‬فهـذا ال�ضرب من العمل ه��ذه املنظمة اجلامعة ل��دول ال�ع��امل الإ��س�لام��ي ومتكينها‬ ‫ال�سيا�سي من �أج��ل بناء الوحدة‪ ،‬هو ال��ذي يحقق الأه��داف من و�سائل العمل املادية والب�شرية‪ ،‬وتوفري �أ�سباب النجاح‬ ‫من وراء كل جتربة وحدوية جادة وناجحة‪.‬‬ ‫ل��ر��س��ال�ت�ه��ا احل �� �ض��اري��ة‪ ،‬واح�ت��رام ال� �ق ��رارات ال �� �ص��ادرة عن‬ ‫م�ؤمتراتها املختلفة وو�ض ُعها مو�ضع التطبيق‪ ،‬يف حركةٍ‬ ‫وال��وح��دة درج ��ات ال تناق�ض بينها ب��ال �� �ض��رورة‪ .‬ولقد مت�ضامنة ومتنا�سقة‪ُ ،‬تـغ ّلـب ال�صال َح العام والق�ضايا الكربى‬ ‫م�ضى العهد الذي كانت تقوم فيه التجارب الوحدوية على على امل�سائل الفرعية والق�ضايا الهام�شية‪ .‬فبذلك يتحول‬ ‫�أ�سا�س من العاطفة واالنفعال واالرجت ��ال‪ .‬ويعي�ش العامل الوعي اال�سرتاتيجي �إلى م�شروع ا�سرتاتيجي يبني الوحدة‪،‬‬ ‫الإ��س�لام��ي ال�ي��وم مرحلة ميكن �أن نطلق عليها (مرحلة وير�سخ العالقات بني مكونات الأم��ة‪ ،‬ويخرجها من امل��أزق‬ ‫اليقظة ال��وح��دوي��ة)‪ ،‬وه��و يتخل�ص‪ ،‬م��ن روا� �س��ب الأف �ك��ار احل�ضاري ال��ذي يعوق م�سريتها‪ ،‬و ُيـغـري الأم � َم بالتكالب‬ ‫ال�سيا�سية اخليالية املرجتلة التي ت�سببت يف �ضياع فر�ص عليها‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪17‬‬


‫دراسات‬

‫النهوضُ العربيُّ اإلسالمي وإشكالياته‬ ‫ُ‬ ‫التراث في الفكر العربيِّ المعاصر وإشكالياته في النهوض‬

‫ظهر م�صطلح "الرتاث" مبعناه احلايل يف الثالثين ّيات من القرن‬ ‫املا�ضي يف كتابات جمموعة من الكتاب �أمثال‪ :‬طه ُح�سني وعبا�س حممود‬ ‫العقاد‪ ،‬ومعها كثرُ طر ُح اجتاهات نظرية نقدية تدعو �إلى �إعادة النظر يف‬ ‫الثقافة العربية عموماً‪ .‬وما زال هذا الطرح قائماً‪ ،‬حتى بني الإ�سالم ِّيني‪،‬‬ ‫ووازاه يف ّ‬ ‫اخلط نف�سِ ه مقول ُة �ضرورة �إعادة النظر يف البنيات االقت�صادية‬ ‫وال�سيا�سية والتعليمية واالجتماعية‪ ،‬و�أت��ت ه��ذه ال��دع��وات يف �أعقاب‬ ‫هزمية ‪1967‬م على يد �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫نف�سه يف املجتمع العربي منذ‬ ‫وب�ق��راء ٍة ووقفة �شاملة ملا �أخَ ��ذ ُيعلن َ‬ ‫ال�سبعين ّيات من مظاه َر �أعقبت الهزمي َة تتجلى يف �أربعة �سياقات هي‪:‬‬ ‫‪18‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬يوسف محمود الصديقي‬

‫‪ .1‬االن�ك���س��ار ال�ك�ب�ير ال ��ذي حل��ق ب��الأم��ة ال�ع��رب�ي��ة والإ��س�لام�ي��ة �أم��ام‬ ‫الهزمية التي وقعت علينا �أمام �إ�سرائيل‪.‬‬

‫‪� .2‬إع��ادة التحويل يف بنية املجتمع العربي من خ�لال مبد�أ الطفرة‬ ‫عميد كلية الشريعة والدراسات‬ ‫البرتولية‪.‬‬ ‫اإلسالمية‪-‬جامعة قطر‬

‫‪ .3‬ظهور م�شاريع ت َّدعي النه�ضة مثل‪ :‬االجتاه الليربايل‪ ،‬واال�شرتاكية‬ ‫القومية‪ ،‬واالجت ��اه الديني ب�أطيافه امل�ستبدة‪ ،‬واالجت ��اه الديني‬ ‫الأ� �ص��ويل‪ ،‬واالجت��اه الديني ال�سلفي‪ ،‬واالجت��اه الديني ل�ل�إخ��وان‬ ‫امل�سلمني‪ .‬ويف هذا اجلو جتد �أن اخلطاب العربي �أخذ يعي�ش حالة‬ ‫من الت�أزم واال�ضطراب وخيبة الأم��ل‪ ،‬وظهرت �أزم��ات عديدة من‬ ‫�أق��واه��ا تلك التي دع��ت �إل��ى اتخاذ موقف نقدي من العالقة بني‬ ‫العروبة والإ�سالم (�أو الدين عموماً) واجلمهور والثقافة‪ ،‬والعلم‬


‫وهنا ويف ظ��ل ه��ذه ال�سياقات املتعددة ال�سالفة الذكر‬ ‫وال��دي��ن‪ ،‬وامل��ا��ض��ي واحل��ا��ض��ر‪ ،‬والأ� �ص��ال��ة وامل�ع��ا��ص��رة‪،‬‬ ‫واحلداثة والدين‪ ،‬وما بعد احلداثة و�أهميتها يف حياة ب��رزت اجتاهاتٌ ت�ش ِّكك يف ج��دوى الفكر العربي الإ�سالمي‬ ‫وتاريخه‪ ،‬كما الزمها ُّ‬ ‫ال�شك يف جدوى البحث يف امل�ستقبل‬ ‫املجتمعات‪.‬‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫‪ .4‬االن�شغال ب�ضرورة العروج �إلى نقد ذاتي ملعرفة اخللل‪،‬‬ ‫ون�ستطيع �أن نقول بعد ق ��راءات ع��دي��دة ح��ول ال�تراث‬ ‫ف ��أخ��ذت ق�ضية ال�ت�راث تطفو ع�ل��ى احل ��دث الثقايف‬ ‫حتى �أ�صبحت �أُ َّم ال�شواغل يف ال�ساحة الثقافية حتى وم��ا قيل ف�ي��ه‪� :‬إ ّن املعركة على ال�ت�راث �أخ��ذت �شكلني‪� ،‬أو‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬و�أخ��ذت درا�سات و�أبحاث يعلو �صو ُتها �إلى قل‪َّ :‬‬ ‫خطينْ متوازيينْ ‪ ،‬اخلط الأول‪ٌّ :‬‬ ‫خط منهجي نظري‪،‬‬ ‫�أن �أ�صبحت احلدث الأكرب يف احلياة الثقافية العربية‪ ،‬واخلط الثاين‪ٌّ :‬‬ ‫خط تطبيقي‪.‬‬ ‫وتنوعت امل�شاريع حتت م�س َّميات عديدة‪ ،‬منها‪ :‬م�شاري ُع‬ ‫�أما اخلط املنهجي فقد ُطرح على هيئة ا�ستف�سار قائل‪:‬‬ ‫و�أب� �ح ��اثٌ ور�ؤى ودرا� � �س ��اتٌ ف�ك��ري��ة ع��ام��ة‪ ،‬ودرا� �س��ات ب �� ِّأي منهج نفهم ال�ت�راث فهماً علم ّياً؟ بينما اجت��ه اخل� ُّ�ط‬ ‫تراثية على كيفيات معينة‪ ،‬و�أ�صبحت هذه الدرا�سات ال�ث��اين �إل��ى حم��اول��ة معرفة وب�ي��ان م��ا ال��ذي ان�ط��وى عليه‬ ‫مب�سمياتها ت�ل��ك تعي�ش م�ع��رك��ة ع�ل��ى ال �ت�راث‪ ،‬حتى الرتاثُ بعامة‪� ،‬سواء �أكان تراثاً �إ�سالم ّياً �أو عرب ّياً‪.‬‬ ‫ق َّل مداها نوعاً ما مع الزلزال ال��ذي وقع للمنظومة‬ ‫ونالحظ �أن من الأخطاء اجل�سيمة التي ارتكبت من قبل‬ ‫اال�شرتاكية العاملية‪ .‬غري �أن ال�صراع مع ال�تراث‬ ‫عاد كل الذين خا�ضوا البحث يف الرتاث يف حقيقة الأمر‪� :‬أنهم‬ ‫ب�ق��وة م��رة �أخ ��رى م��ع م�ع��رك��ة ال���س�لام‬ ‫والتطبيع مع كانوا يفتقرون �إل��ى معرفة وا�ضحة بالرتاث ب�صفة عامة‬ ‫�إ��س��رائ�ي��ل‪ ،‬وه�ن��ا �أخ ��ذت ال��درا� �س��ات ت�ن�م��وا من� � ّواً �آخ��ر‪ ،‬منهجاً وعلماً‪ ،‬ومل يكونوا م�ؤ َّهلني علم ّياً ومعرف ًّيا لطرق‬ ‫وخا�صة مع بروز الأ�صولية الإ�سالمية التي عار�ضت ب��اب البحث يف ال�ت�راث؛ لأن من �أراد �أن يبحث يف ال�تراث‬ ‫ال���س�لام وال�ت�ط�ب�ي��ع م��ع �إ� �س��رائ �ي��ل ال ��ذي �أخ ��ذ يطرح من علوم وم�ع� َ‬ ‫�ارف و�أح�ك��ام �شرع ّية فقهية �أو �آرا ٍء فل�سفية‬ ‫�أ�سئلة ع��دي��دة م��ن �أهمها‪� :‬إل��ى �أي��ن امل�سري‪ ،‬وم��ا ح� ُ‬ ‫�ال وكالم ّية و�صوف ّية عليه �أن ميتلك ال ِ‬ ‫أدوات املعرفي َة الأولية‬ ‫العرب وامل�سلمني يف �سياق تعاظم امل�شروع ال�صهيوين ال�ت��ي ت��ؤه�ل��ه لأن يفهم ه��ذا ال�ن�ت��ا َج احل���ض��اري الإ��س�لام��ي‬ ‫التطبيعي‪ ،‬وم��ا �آف ��ا ُق امل�ع��رف��ة اجل��دي��دة على الهوية وال�ع��رب��ي يف �سياقه اخل��ا���ص ب��ه‪ ،‬ذل��ك �أن منهج البحث يف‬ ‫العربية‪ ،‬وما موق ُع الرتاث العربي والعربي الإ�سالمي ال�ت�راث مل ي��و�َّ��ض� ْح حتى الآن ومل يق َّعد ق��واع � َده‪ ،‬و�إليك‬ ‫من ه��ذا التطبيع؟ وكذلك ازدادت الهجمة ال�شر�سة بع�ضها‪:‬‬ ‫على ال�تراث مع َم� ْق��دم االيديولوجيات الغربية �إلى‬ ‫الكتاب �أو املو�سوعة‬ ‫جمتمعاتنا م�ث��ل‪ :‬العلمانية وال�ع��ومل��ة واحل��داث��ة وما ‪� .1‬أن �أف�ه� َم الع�صر ال��ذي �أُ ّل��ف فيه‬ ‫ُ‬ ‫الرتاثية‪.‬‬ ‫ب�ع��د احل��داث��ة واحل ��روب ال��واق�ع��ة يف منطقتنا مثل‪:‬‬ ‫حرب العراق و�سوريا واليمن وليبيا وظهور اجلماعات ‪� .2‬أن �أفه َم ال�سيا َق االجتماعي يف ذلك الع�صر الذي �ألف‬ ‫امل�سلحة الدينية املت�شددة وغريها التي احتكم ُ‬ ‫بع�ضها‬ ‫فيه‪� ،‬أو الأحكام ال�شرعية التي و�ضعت له والأحكام التي‬ ‫�إلى الرتاث‪.‬‬ ‫�أطلقت فيه‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪19‬‬


‫‪20‬‬

‫‪� .3‬أن �أفهم الأح��داث ال�سيا�سية والثقافية واالجتماعية‬ ‫التي كانت �سائدة �آنذاك �أثناء ت�أليف الكتاب �أو امل�ؤ َّلف‬ ‫الرتاثي‪.‬‬ ‫‪� .4‬أن �أُق ِّل َب الآرا َء والأحكام �أو الفتاوى التي قيلت‪ ،‬وهل‬ ‫ه��ي ك��ان��ت خ��ا��ص��ة ب�ظ��رف ووق ��ت م�ع�ين �أم �أن �ه��ا عامة‬ ‫ومطلقة؟ وهكذا‪.‬‬ ‫ه��ذه ُ‬ ‫بع�ض الأدوات املعرفية واملنهجية اخلا�صة بفهم‬ ‫الرتاث وا�ستيعابه ب�شكل علمي �صحيح‪.‬‬ ‫ون��رى ه��ا هنا ك��م ك��ان اجل��اب��ري ل��دى درا��س�ت��ه م�س�أل َة‬ ‫ال�تراث فاق ًدا ل�ل�أدوات املعرفية اخلا�صة بدرا�سة ال�تراث‪،‬‬ ‫اجلابري منذ اللحظة الأولى قد �أعلن بطالن كل‬ ‫ذلك �أن‬ ‫َّ‬ ‫املحاوالت البحثية على �صعيد الرتاث العربي والإ�سالمي‪،‬‬ ‫بحجة �أنها يف جمموعها الكلي (قراء ٌة �سلفية)(((() وخالية‬ ‫ّ‬ ‫م��ن ال�ت���ض��ا ِّد وال�ت���ص��ارع بينها‪ ،‬و�أن �ه��ا يف جمموعها الكلي‬ ‫عك�س قراءته العلمية التي قدمها‬ ‫على منط واح��د‪ .‬وه��ذا ُ‬ ‫ويقدمها؛ لأنه ي َّدعي �أ ّن قراءاته وكتاباته التي قدمها تقوم‬ ‫على منهجية الت�ضا ِّد والت�صارع بينها‪ ،‬على �صعيد �آلياتها‬ ‫املنهجية التي ُتو ّلد املعرفة وتنتجها بت�ضا ِّدها وت�صارعها‪.‬‬ ‫ومقول ُة اجل��اب��ري الراف�ضة للقراءة ال�سلفية للرتاث‬ ‫قائمة على �أمو ٍر عدة‪ ،‬منها‪� :‬أن القراءة ال�سلفية تربز الرتاث‬ ‫نف�سه �إقحاماً يف احلا�ضر‪.‬‬ ‫بو�صفه املا�ض َي الذي يقحم َ‬ ‫نف�سه يف �أح�ضان (القراءة‬ ‫وهنا جتد �أن اجلابري يرمي َ‬ ‫الأورب��اوي��ة) اال�ست�شراق ّية‪ ،‬ويطرح �أ�سئلته امل�سايرة لروح‬ ‫�أ�سئلة امل�ست�شرقني فيقول‪ :‬كيف نعي�ش ع�ص َرنا؟ وكيف‬ ‫نتعام ُل مع تراثنا؟‬ ‫اجلابري ي�ؤكد‬ ‫ويف الإجابة عن هذينِ ال�س�ؤالينِْ جتد �أن‬ ‫َّ‬ ‫�أ ّن احل��وار يف ه��ذا املحور بني احلا�ضر واملا�ضي يلزمه �أ ّن‬ ‫يجب �أن يفر�ض نف�سه على املا�ضي‬ ‫احلا�ض َر الغربي هو الذي ُ‬ ‫ال�تراث��ي العربي والإ��س�لام��ي‪ ،‬ذل��ك �أ ّن احلا�ضر الأوروب��ي‬ ‫ال�غ��رب��ي يفر�ض نف�سه ك�ـ (ذات) للع�صر ك�ل��ه‪ ،‬للإن�سانية‬ ‫جمعاء‪.‬‬ ‫ومما ي�ؤخذ منهجياً على اجلابري ومن ي�ؤ ّيده �أن��ه مل‬ ‫يتمكنْ من ت�شخي�ص عالقة الفكر العربي املعا�صر بالغرب‬ ‫�إال يف �صيغة الهيمنة اال�ستعمارية واالم�بري��ال�ي��ة‪ ،‬وه��ذه‬ ‫العالقة �إن وجدت كما يريدها اجلابري �ستجتثُّ احتماالت‬ ‫التثاقف والتجادل املعريف بني النِّدين �أو قل‪ :‬بني الفريقني‪،‬‬ ‫وتق�ضي على الت�ضا ِّد والت�صارع املعريف املو ِّلد للفكر واملعرفة‪،‬‬ ‫كما �أنها �ستق�ضي على التمايز والتنوع والهويات التي يمُ ّي ُز‬ ‫ُ‬ ‫بع�ضها ً‬ ‫بع�ضا‪.‬‬ ‫‪ ) 1‬الدكتور حممد عابد اجلابري‪ ،‬نحن والرتاث‪� ،‬ص‪.6‬‬

‫كما �أن العالقة الفكرية ما بني الفكر العربي املعا�صر‬ ‫والفكر الغربي كما يريدها اجلابري �ستو ِّلد عالق َة هيمنة‬ ‫ا�ستتباعية ل�ل�غ��رب‪ ،‬فن�صبح ق��ا��ص��ري��ن م�ع��رف� ّي�اً وتابعني‬ ‫لأيديولوج ّي ٍة مكابدة تنظر نظرة متعالية علينا‪.‬‬ ‫ثم ي�أتي اجلابري بعد ذلك فيطرح �س�ؤا ًال مفا ُده‪ :‬كيف‬ ‫نعيد بناء تراثنا؟‬ ‫ومبنهجية ا�ستقرائ ّية ح��اول�ن��ا �أن ن�ستقرئ املرجع ّي َة‬ ‫التي ينطلق منها اجلابري ومن �سار على درب��ه يف موقفه‬ ‫من الرتاث العربي الإ�سالمي‪ ،‬والتي ُتعد ُم ُثـلَه العليا‪ ،‬ويف‬ ‫ر�ؤيته للنه�ضة والنهو�ض العربي‪ ،‬وها هو ذا يقول‪( :‬بد�أ‬ ‫امل�سلمون يت�أخرون حينما بد�أ العق ُل عندهم يقدم ا�ستقالته‬ ‫حينما �أخذوا يلتم�سون امل�شروع ّية الدينية لهذه اال�ستقالة‪،‬‬ ‫يف حني بد�أ الأوروب ّيون يتقدمون حينما بد�أ العق ُل ي�ستيقظ‬ ‫و ُي�سائل نف�سه‪� ،‬أما الر�أ�سمالية فهي بنت العقالنية)(((()‪.‬‬ ‫كان دو ُر العرب التاريخي العلمي يتمثل يف جتاوز الق�شرة‬ ‫َ‬ ‫معارف العلم والعقل‪�( ،‬إلى‬ ‫(ق�شرة العقل الهرمي امل�ستقل)‬ ‫العقالنية اليونانية التي كانت متثل اخلال�صة التاريخية‬ ‫لتطور العقل الب�شري ومعارفه �إل��ى ع�صرها‪ ،‬وق��د فعلوا‬ ‫ذلك جزئياً‪ ،‬وجزئياً فقط) (((()‪.‬‬ ‫وهكذا �أخ��ذ يظهر يف �ساحة الفكر عند امل�ستغربني من‬ ‫مثقفي العرب (ال�صراع على ال�تراث العربي الإ�سالمي)‪.‬‬ ‫ومتثل هذا ال�صراع على الرتاث يف �أربعة حماور‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫ ‪ -‬ال�صراع على منهج البحث الرتاثي‪.‬‬ ‫ ال�صراع على الرتاث م�ضموناً‪.‬‬‫ ال �� �ص��راع ع�ل��ى م�ق��ول��ة (ال �� �ص��راع يف ال �ت�راث ال�ع��رب��ي‬‫الإ�سالمي)‪.‬‬ ‫ هل احلا�ضر �شيء �آخر غري عطاء املا�ضي؟ ف�إن مفهوم‬‫الرتاث عند اجلابري �أنه عبارة عن املا�ضي‪.‬‬ ‫و�إذا انتقلنا �إلى احلقل التطبيقي وجدناه يقرر ما يلي‪:‬‬ ‫(واحل��ق �أن ثقافتنا الراهنة حمكومة بهذا الآخ��ر وتابع ٌة‬ ‫له بقدر ما هي حمكومة وتابعة لثقافتنا القدمية‪� ،‬أعني‪:‬‬ ‫تراثنا العربي الإ�سالمي)(((()‪.‬‬ ‫وال�تراث جمهود ب�شري ُي�ستخل�ص �أو ينتج من الن�ص‬ ‫(الن�ص الديني ُي�ستنطق بالفهم‬ ‫الديني املق ّد�س‪ ،‬ذلك �أن‬ ‫َّ‬ ‫‪ ) 2‬الدكتور حممد عابد اجلابري‪ ،‬تكوين العقل العربي‪� ،‬ص‪.347‬‬ ‫‪ ) 3‬امل�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬ ‫‪ ) 4‬الدكتور حممد عابد اجلابري‪ ،‬الرتاث واحلداثة‪� ،‬ص‪.55‬‬


‫الب�شري ال�تراث��ي‪ ،‬وال�ن����ص ال��دي�ن��ي م�ق� َّد���س وال ي��دخ��ل يف‬ ‫ال�ت�راث؛ لأن��ه لي�س �إن�ت��اج�اً ب�شرياً‪ ،‬ب��ل وح��ي �إل�ه��ي‪ ،‬بينما‬ ‫االجتهادات هي الرتاث وهي �إنتاج ب�شري)(((()‪.‬‬ ‫ويف تعامله م��ع ه��ذا ال�ت�راث ي�ق��ول اجل��اب��ري‪( :‬وه��ذا‬ ‫ال�ت�راث �أت�ع��ام��ل معه تعام ً‬ ‫ال ن�ق��د ّي�اً يف �أ��س�ب��اب ن��زول��ه‪ ،‬ويف‬ ‫تاريخ ّيته ويف مقا�صده‪ ،‬وه��ذا النوع من التعامل يتوخى‬ ‫املو�ضوعية واحلياد)(((()‪.‬‬ ‫وه�ن��ا ي�ت��دخ��ل ط�ي��ب ت�ي��زي�ن��ي م�ستنكراً ع�ل��ى اجل��اب��ري‬ ‫مقولته تلك ال�ت��ي ل��و نظرنا �إل�ي�ه��ا ل��وج��دن��اه��ا قابلة لأن‬ ‫ت��در���س ب�ح��ذر �شديد كما ق��ال‪ ،‬ومبو�ضوعية علمية‪ ،‬كما‬ ‫يدر�س هو ال�تراثَ متوخياً املو�ضوعية التي يدعيها‪ ،‬غري‬ ‫�أن طيب تيزيني ي�ستنكر على اجلابري قوله هذا‪ ،‬را ّداً عليه‬ ‫بقوله‪ :‬كيف �سمح الكاتب‪ ،‬يعني اجلابري‪ ،‬لنف�سه �أن ميزق‬ ‫�ادي منغم�س‬ ‫املا�ضي �إل��ى مق ّد�س متعالٍ على ال�ت�راث وع � ّ‬ ‫وجم�سد له؟ �إل��ى � ّأي حقل معريف ينتمي هذا التمزيق‪،‬‬ ‫به‬ ‫ِّ‬ ‫وكيف ُي�س َّوغ ذل��ك عقلياً ومو�ضوع ّياً؟ هل �سلك الرجل–‬ ‫يعني اجلابري– يف ه��ذا م�سلك القائلني ب��وج��ود مطلق‬ ‫�إطالقاً �إلى جانب الن�سبي؟ و�أخ�يراً‪ ،‬كيف ت�سنى للكاتب–‬ ‫اجلابري– العقالين النقدي �أن يمُ �سك بـ(املطلق �إطالقاً)‪:‬‬ ‫ه��ل بوا�سطة معرفة غنو�صية �أو ح��ر���س ��ص��ويف يدخالن‬ ‫ح�سب ر�أيه يف حقل خطاب عرفاين يج�سد العقل الهرم�سي‬ ‫الظالمي امل�ستقيل؟‬ ‫تعليقاً على اعرتا�ض طيب تيزيني على مقولة اجلابري‬ ‫يف متييزه للن�ص القر�آين عن ال�تراث الذي ر�أى �أن النقد‬ ‫والدرا�سة على ال�تراث دون الن�ص القر�آين فيه �سقطة ال‬ ‫تغتفر للطيب تيزيني ال��ذي ��س��اوى ب�ين الن�ص ال�ق��ر�آين‬ ‫والرتاث الذي هو ُجهد ب�شري قام به علماء الإ�سالم‪ ،‬وحجة‬ ‫طيب تيزيني يف �أن ي�ساوي بينهما‪ ،‬الن�ص القر�آين والرتاث‪،‬‬ ‫�أنهما ينتميان �إلى املا�ضي‪ ،‬ويقول طيب تيزيني‪( :‬ماذا يعني‬ ‫�أن تنظر يف املنزَّل بعيداً عن النقد والتاريخية واملو�ضوعية‬ ‫واحليدة‪ ،‬و�إذا حجبنا هذه الر�ؤية البحثية عن البحث يف‬ ‫ذلك وغريه‪ ،‬فما الذي يتبقى للباحث على هذا ال�صعيد؟)‪.‬‬

‫�سبق للمعتزلة العقليني حقاً يف ع�صرهم �أن قدموا خطاباً‬ ‫�سمح لهم �أن يق�صوا ما اعتربه اجلابري مقد�ساً ليتحركوا‬ ‫ب�ق��وة و�شجاعة يف �إخ���ض��اع الن�ص ال��دي�ن��ي لبحث الهوتي‬ ‫نقدي عميق‪ ،‬وه��ذا م��ا يقوم ب��ه راه�ن�اً ره��ط م��ن املفكرين‬ ‫الإ�سالميني امل�ستنريين والنقديني �أم�ث��ال حممد �سعيد‬ ‫الع�شماوي‪ ،‬ون�صر حامد �أبو زيد)(((()‪.‬‬ ‫و�إذا ُع��دن��ا �إل ��ى اجل��اب��ري ن��رى �أن ��ه ع�ن��دم��ا ان�ت�ه��ى من‬ ‫ن�ق��ده ل�ل�تراث ع � ّرج �إل��ى الفل�سفة الإ��س�لام�ي��ة و�أخ ��ذ يقلل‬ ‫منها وي�ق��ول فيها‪( :‬مل تكن الفل�سفة الإ��س�لام�ي��ة ق��راءة‬ ‫متوا�صلة ومتجددة با�ستمرار لتاريخها اخلا�ص كما كان‬ ‫ال�ش�أن بالن�سبة للفل�سفة اليونانية‪ ،‬وكما هو احلال بالن�سبة‬ ‫للفل�سفة الأوروبية منذ ديكارت �إلى اليوم‪ ،‬بل �إن الفل�سفة يف‬ ‫الإ�سالم كانت عبارة عن قراءة م�ستقلة لفل�سفة �أخرى‪ ،‬وهي‬ ‫الفل�سفة اليونانية‪ :‬ق��راءات َو َّظ�ف��ت امل��ادة املعرفية نف�سها‬ ‫لأهداف �أيديولوجية خمتلفة متباينة)(((()‪.‬‬ ‫�أما الغرب يف فل�سفته فقد اعتمد على العقل وتطوره يف‬ ‫مداه املعريف من خالل ثابتني ل�سري العقل َح َّددا �سري عمل‬ ‫العقل‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫‪ .1‬اعتبار العالقة بني العقل والطبيعة عالقة مبا�شرة‪.‬‬ ‫‪ .2‬الإمي��ان مبقدرة العقل على تف�سري العالقة القائمة‬ ‫بني العقل والطبيعة والك�شف عن �أ�سرارها‪.‬‬ ‫�إذن‪ ،‬فاجلابري رف�ض الرتاث الإ�سالمي والفل�سفي‪ ،‬وكتب‬ ‫يف هذا ال�صدد‪�( :‬أم��ا �أن نبحث فيما ميكن �أخ��ذه من‬ ‫املعتزلة وال�شيعة واخل��وارج والأ�شاعرة ثم الفال�سفة‪،‬‬ ‫ف �ه��ذا ع�م��ل غ�ي�ر ت��اري �خ��ي ال ي � ��ؤدي �إال �إل ��ى حلقات‬ ‫مفرغة)(((()‪.‬‬

‫وهنا ن�س�أل اجل��اب��ري‪ :‬ملا يرف�ض اجل��اب��ري البحث عن‬ ‫الوجوه امل�شرقة يف الرتاث الإ�سالمي امل�شرق؟ من املالحظ‬ ‫�أن نه�ضة �أوروبا العقلية والطبيعية هي التي قادت اجلابري‬ ‫�إلى �أن يقلل من �ش�أن احل�ضارة الإ�سالمية ومعرفتها و�إلى‬ ‫ويكمل طيب تيزيني ا��س�ت�ه��زاءه ب��اجل��اب��ري يف تفرقته الإع �ج��اب ب��ال�غ��رب‪ ،‬و�أن احل���ض��ارة الإ��س�لام�ي��ة املتمثلة يف‬ ‫بني الن�ص ال�ق��ر�آين وال�تراث الإ�سالمي‪ ،‬فيقول‪�( :‬إم��ا �أن امل�شرق هي ح�ضارة دينية م�شرقية مطلقة‪ ،‬مقابل ح�ضارة‬ ‫يكون اجلابري قد مزّق املا�ضي العربي‪ ،‬فهذا لي�س جديداً‪ ،‬عقلية علمية مغربية غربية‪.‬‬ ‫فمحاولته على هذا ال�صعيد برزت من قب ُل يف التمييز بني‬ ‫امل�شرق العربي واملغرب العربي‪ ،‬والآن ي�ضيف �إلى ذلك ما‬ ‫ي�ضيف ليبقي يف �أيدينا �شطراً من ذلك املا�ضي‪ ،‬مع �أنه لو‬ ‫�أراد ثانية �أن يكون من�سقاً مع عملية التمييز ذاك والت�شطري‬ ‫ه��ذا ل�ك��ان عليه �أن ي�ضيف ال��وح��ي امل�سيحي وغ�ي�ره‪ ،‬لقد‬ ‫‪ ) 3‬ال��دك �ت��ور ط�ي��ب ت�ي��زي�ن��ي‪ ،‬م��ن اال��س�ت���ش��راق ال�غ��رب��ي �إل��ى‬ ‫‪ ) 1‬امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص‪.21‬‬ ‫‪ ) 2‬امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص‪.21‬‬

‫اال�ستغراب املغربي �ص‪.181-180‬‬ ‫‪ ) 4‬الدكتور حممد عابد اجلابري‪ ،‬نحن والرتاث‪� ،‬ص‪.34‬‬ ‫‪ ) 5‬امل�صدر ال�سابق‪� ،‬ص‪.78‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪21‬‬


‫دراسات‬

‫الريادة الدينية النسائية‬

‫بين النص الشرعي وسياق التحوالت اإلجتماعية‬

‫‪22‬‬

‫د‪ .‬مريم آية احمد‬

‫الأ�ساطري ال�سائدة يف املجتمعات العاملية ق��دمي�اً‪� ،‬صورت هيمنة‬ ‫الرجل يف كل الأحوال‪ ،‬فهرقل يحمل الكرة الأر�ضية على ظهر رجل‪،‬‬ ‫و "مار�س" �إله احلرب‪ ،‬بينما ترتبط امل��ر�أة بجوانب معينة‪ ،‬فهي �إله‬ ‫النماء املرتبط بالإجناب وحفظ الن�سل‪ ،‬ويف الكتاب املقد�س وح�سب‬ ‫القراءة التوراتية‪ ،‬ظلت ريادة املر�أة الدينية رهينة بخطيئتها الأولى‬ ‫امل�سببة لغواية �آدم‪ ،‬رغم بروز رياديات يهوديات حولن جمرى التاريخ‬ ‫العربي ك�إ�ستري الذي خ�ص�ص لها �سفر كامل لقوة ح�ضورها‪ ،‬تناقلت‬ ‫التف�سريات املمعززة حلمل وزر اخلطيئة �إلى امل�سيحية رغم ما �أوتيت‬ ‫به ال�سيدة مرمي ابنة عمران �أم امل�سيح عليه ال�سالم من جتربة روحية‬ ‫دينية تنازع عن ك�سب كفالتها قيادات دينية من بينهم �أنبياء زكريا‬ ‫عليه ال�سالم‪� ،‬أي�ضاً تناقلت رواية غواية املر�أة عرب الإ�سرائيليات �إلى‬ ‫تفا�سري ال�ق��ر�آن الكرمي‪ ،‬لتحمل امل��ر�أة نفي الذنب الغواية وال�سبب‬ ‫يف ط��رد �آدم من اجلنة‪ ،‬علماً �أن �آي��ات ال�ق��ر�آن الكرمي كانت وا�ضحة‬ ‫يف ك��ون عن�صر ال�غ��واي��ة ك��ان ف��ا��ص� ً‬ ‫لا ب�ين �سلطة امل� ��ر�أة وال��رج��ل يف‬ ‫�إتخاذ القرار‪ ،‬من قبل �آدم عليه ال�سالم‪ ،‬ورغم تزكية الن�ص الديني‬ ‫مل�س�ؤولية التكليف الإ�ستخاليف للمر�أة مع الرجل يف قوله تعالى"‬ ‫وامل�ؤمنني وامل�ؤمنني بع�ضهم �أول�ي��اء بع�ض‪ ،" .... .‬من حيث الأم��ر‬ ‫امل�شرتك باملعروف الديني وال�سيا�سي والإقت�صادي والإجتماعي وفق‬ ‫مبد�أ �إلزامية واجبات التكليف الإلهي يف عمارة الأر���ض‪ ،‬مما يتنافى‬ ‫والقراءات التي �أبعدتها عن القيام بهذا الواجب‪ ،‬وحا�صرتها بتعطيل‬ ‫عقلها عن الإجتهاد‪ ،‬تعطيل امتد لقرون غيب فيه ن�صف عقل الأمة‬ ‫عن العطاء امل�شرتك يف بناء جمد ال�شهود احل�ضاري العاملي‪ ،‬من دون‬ ‫مراعات ملخالفة �إجماع فقهاء الأمة حول حفظ �ضروريات خم�س من‬ ‫�ضمنها عقل الأمة رجالو�إمر�أة‪.‬‬


‫اليوم تقف احلركة الن�سوية املعا�صرة املطالبة بالعدل‬ ‫وامل�ساواة بعد تاريخ الن�ضال‪ ،‬موقف حرج زمن التنوير‬ ‫املعريف‪ ،‬لأنها مطالبة من ناحية بر�سم م�شهد ح�ضاري‬ ‫ت�شرتك فيه املر�أة جنباً �إلى جنب مع الرجل‪ ،‬يف الريادة‬ ‫الدينية وال�سيا�سية والإق�ت���ص��ادي��ة‪ ،‬وم��ن ناحية �أخ��رى‬ ‫بتفعيل ق��درات�ه��ا وال �ن��زول ب�سقف امل�ط��ال��ب م��ن ال�سياق‬ ‫النظري �إلى الواقع العملي املحكوم مبدى قدرتها على‬ ‫الإنتاج والعطاء املعريف‪ ،‬داخل �ساحة املناف�سة املعرفية‪.‬‬ ‫ففي الديانة اليهودية بد�أت قيادات التيار الإ�صالحي‬ ‫تتجه نحو ت�أهيل ن�ساء للحاخامية (الربنوت) ويف التيار‬ ‫الربوت�ستنتي امل���س�ي�ح��ي‪ ،‬ب ��روز وا� �ض��ح ل��ري��ادة امل� ��ر�أة يف‬ ‫املراتب القيادية الأ�سقفية‪ ،‬و�إنخراط الن�ساء يف تراتبية‬ ‫الإك�ل�يرو���س‪ ،‬بينما ال زال��ت دع��وى ال��ري��ادة الدينية غري‬ ‫م�ق�ب��ول��ة ل ��دى ال �ت �ي��ار الأرث��وذك �� �س��ي ال �ي �ه��ودي وال�ت�ي��ار‬ ‫الكاثوليكي امل�سيحي‪� ،‬أم��ا بالن�سبة للعامل الإ��س�لام��ي‪،‬‬ ‫فتختلف �أدوار القيادة الدينية ودعاوى متكني املر�أة منها‪،‬‬ ‫من بلد �آخر‪.‬‬ ‫�إن طبيعة العمران لنظام املجتمع املغربي مث ً‬ ‫ال هي‬ ‫ال�ت��ي مت�ل��ي ع�ل��ى امل� ��ر�أة و�ضعية الإن �خ ��راط يف ع�ضوية‬ ‫املجال�س الربملانية واملجال�س العلمية الدينية‪ ،‬وتقلد‬ ‫منا�صبهما يف ع�ضوية املجل�س العلمي الأع �ل��ى ك�أكرب‬ ‫م�ؤ�س�سة دينية للفتوى‪ ،‬وتنخرط يف �سل�سلة ال��درو���س‬ ‫احل�سنة الرم�ضانية وتلقي درو� �س �اً دينية �أم ��ام جاللة‬ ‫امللك ويف ح�ضرته جنباً �إلى جنب مع كبار علماء العامل‬ ‫الإ� �س�ل�ام ��ي‪ ،‬ل�ت�ك�ت���س��ب ب �ع��د ذل ��ك الإن �� �س �ج��ام وال� �ت ��وازن‬ ‫وال�ت�ن��ا��س��ق م��ع طبيعة امل���س��ار املجتمعي ال ��ذي تتحرك‬ ‫فيه‪ ،‬وكذلك ال�ش�أن بالن�سبة للمر�أة يف املجتمع الغربي‬ ‫والآ��س�ي��وي‪ ،‬ف��امل��ر�أة الإندوني�سية تقلدت منا�صب دينية‬ ‫ريادية برئا�سة �أكرب مل�سلمات نه�ضة العلماء التي تفوق ‪30‬‬ ‫مليون ع�ضوة‪ ،‬ورئا�سة القيادة الدينية جلمعية العائ�شية‬ ‫املحمدية بنحو ‪20‬مليون ع�ضوة‪ ،‬مع �إعتماد ع�ضويتها‬ ‫مبجل�س كبار العلماء يف هيئات الإف�ت��اء ودرا��س��ة امل�سائل‬ ‫الفقهية‪ ،‬وال �ي��وم ه�ن��اك رغ�ب��ة ق��وي��ة ل��دى �أك�ب�ر جممع‬ ‫للإفتاء‪ ،‬جممع الفقه الإ�سالمي ب�ضم عاملات فقيهات �إلى‬ ‫ع�ضويته التي هي �إلى حدود ال�ساعة‪ ،‬مغيبة للمر�أة‪ ،‬هذه‬ ‫مكت�سبات حققتها املر�أة يف الأديان ال�سماوية كما حققتها‬ ‫املر�أة يف �أديان الهند الكربى حني نزلت احلركة الن�سوية‬ ‫الهندية مطالبة بحقوق امل ��ر�أة يف التعليم والت�صويت‬ ‫مطالبة متت م�ساندتها من قبل املجل�س الوطني الهندي‬ ‫‪1918‬م‪.‬‬ ‫وميكن اعتبار درا��س��ة بانديتا رام��اب��ا (‪)1922-1858‬‬ ‫ع��ن ال�ن���س��وي��ة ال�ه�ن��دو��س�ي��ة ف��ا��ص� ً‬ ‫لا يف ت��اري��خ الإق���ص��اء‬ ‫ال�ه�ن��دي ل �ل �م��ر�أة ح�ين ق��دم��ت ك �ت��اب (ال �ق��ان��ون ال��دي�ن��ي‬

‫للمر�أة الهندو�سية) وجابت بكافة مناطق الهند البعيدة‪،‬‬ ‫لت�أ�سي�س جمموعة م��ن املنظمات الن�سائية حت��ت �إ�سم‬ ‫‪ Mahila sanaj‬ويف ال�صني �أ�س�ست الن�سوية ال��رائ��دة‬ ‫ت��ان جانينج اجلمعية ال�صينية للمنا�صرات حلق امل��ر�أة‬ ‫يف الريادة ال�سيا�سية ببكني عام ‪ ،1911‬وقد يكون منوذج‬ ‫ال�سيدة �سونغ ت�شينغ لينغ (‪ )1981-1893‬رائد يف القيادة‬ ‫الإجتماعية وال�سيا�سية والإجتماعية ك��إح��دى قيادات‬ ‫جمهورية ال�صني ال�شعبية‪ ،‬ورئي�سة �إحتاد امل�ؤمتر الدويل‬ ‫ملقاومة الإمربيالية عامي ‪ 1927‬و ‪ 1929‬وزعيمة اللجنة‬ ‫العاملية ملقاومة الفا�شية‪� ،‬أ�س�ست يف عام ‪�“ 1932‬إحتاد �ضمان‬ ‫حقوق ال�شعب ال�صيني” تولت قيادة عدة منا�صب‪� ،‬أهمها‬ ‫نائبة رئي�س اجلمهورية ونائبة رئي�س اللجنة الدائمة‬ ‫للمجل�س الوطني لنواب ال�شعب ال�صيني‪ ،‬رئي�سة �إحتاد‬ ‫ن�ساء لعموم ال�صني ورئي�سة للجنة ال�شعبية الوطنية‬ ‫حلماية الأطفال‪ ،‬انتخبت �أمينة يف جمل�س ال�سالم العاملي‬ ‫‪ 1950‬وفازت بجائزة �ستالني لتعزيز ال�سالم الدويل عام‬ ‫‪ 1951‬بعد انتخابها رئي�سة ملجل�س ال�سالم يف منطقة �آ�سيا‬ ‫البا�سيفيك ‪.1950‬‬ ‫ولعل هذه النتائج مل ت� ِأت من فراغ و�إمنا ارتبطت بواقع‬ ‫فر�ضته كفاءات ريادية ن�سائية عربت من خالل قراءاتها‬ ‫الدينية والقانونية وال�سي�سيولوجية وع�بر �إجنازاتها‬ ‫امل�ع��رف�ي��ة ع��ن ح�ق�ه��ا يف امل �� �ش��ارك��ة يف ال��واج��ب ال���ش��رع��ي‬ ‫التكليفي لها وفق م�س�ؤولية الأمانه والإ�ستخالف املكلفة‬ ‫بها دينياً و�إن�سانياً وح�ضارياً وبالتايل يكون من اخلط�أ‬ ‫ا�ستعارة و�ضعية امل��ر�أة يف نظام اجتماعي معني‪،‬بتاريخ‬ ‫م�ع�ين‪ ،‬لتطبيقه على ن�ظ��ام م�غ��اي��ر‪ ،‬ف��احل��رك��ة الن�سوية‬ ‫الهندية �أو ال�صينية للمر�أة الآ�سيوية غريها يف املناطق‬ ‫العربية �أو الغربية والإفريقية‪ ،‬وبالتايل ال ميكن و�ضع‬ ‫املر�أة يف �سلة واحدة واحدة خارج �سياق بيئتها وجمتمعها‪،‬‬ ‫الن يف ذلك عرقلة لتنمية حقيقية وم�ستدامة لإمكاناتها‬ ‫وم ��ؤه�ل�ات �ه��اوف��ق م���س�ت�ل��زم��ات �أول��وي��ات �ه��ا داخ� ��ل ن�سق‬ ‫منظومتها املجتمعية‪ ،‬عرقلة قد ت�ؤدي �إلى حتويل م�سار‬ ‫التوجه من تر�شيد تبادل الأدوار يف العمران الب�شري �إلى‬ ‫�صراع وهمي �شبهته �سيمون دي بوفوار بتناق�ض �صراع‬ ‫الربوليتاريا �ضد ال�برج��وازي��ة‪ ،‬وهما معاً م�ضطهدان‬ ‫م�ؤكدة �أنه �صراع املر�أة �ضد الرجل‪ ،‬هو �صراع بني ن�صف‬ ‫الإن�سانية ون�صفها الآخر‪ ،‬فهو �أهم من �صراع الطبقات‪،‬‬ ‫فال منا�ص من التعامل مع ق�ضايا املر�أة و�إ�شكالياتها يف‬ ‫�إطار جامع ي�صل بني الأبعاد العمرانية املتداخلة ح�سب‬ ‫املجتمعات لأجل فهم �أ�شمل لهذه الإ�شكاليات ومن منظور‬ ‫ي�ضعها يف �سياقاتها احل�ضارية وال يف�صلها عنها‪ ،‬وبذلك‬ ‫ت�ستطيع ال �ق��راءات الن�سوية امل�ع��ا��ص��رة �إع ��ادة �إكت�شاف‬ ‫املنظور احل�ضاري بر�ؤية �شمولية كلية تتعامل مع درا�سة‬ ‫الظواهر يف �سياقها دومنا اقتطاع �أو جتزيء‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪23‬‬


‫دراسات‬

‫واجبات المرأة في النظام‬ ‫اإلسالمي المعاصر‬ ‫تعريف الواجب‬ ‫ تعريف الواجب ل ً‬‫ُغة‪:‬‬ ‫ُيع ّرف الواجب يف اللغة العربية ب�أنّه الالزم‪ ،‬واملفرو�ض‪ ،‬واملُح َتّم‬ ‫من الأمور التي يجب على ال�شخ�ص القيام بها‪ ،‬ف ُيقال واجب عليك‬ ‫�أي �أ ّن��ك ملزم بالقيام به �أو تركه‪ ،‬ووجب ال�شيء �أي لزم‪ ،‬وت�لازم مع‬ ‫ال�شخ�ص‪� :‬أي الت�صق به فال مف ّر وال منا�ص منه؛ فهو ا�ستحقاق ال بد‬ ‫منه مهما اختلف املكان �أو الزمان فيبقى ثابتاً و�ضرورياً‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫‪� -‬أما ا�صطالحا‬

‫الدكتورة أدب مبارك السعود‬ ‫جامعة العلوم اإلسالمية العالمية‪-‬األردن‬

‫ُيع ّرف الواجب ب�أنه ُ�س ٌ‬ ‫لوك‪� ،‬أو فعل َيلْتزِم به امل َ ْرء؛ نظراً لقناعته‬ ‫به ول�ضرورة تنفيذه‪� ،‬أو ب�سبب دوره �أو مكانه املجتمعي‪� ،‬أو ب�سبب ما‬ ‫َت ْفرِ�ضه عليه الق ِ‬ ‫َواع ُد والأعراف الأَخْ الق ّية �أي�ضاً‪.‬‬ ‫ �أما �شرع ًا‬‫ه��و م��ا طلب امل ُ�� �ش � ِّرع وه��و "اهلل ع��ز وجل" فعله م��ن امل ُ�ك� ّلَ��ف‬ ‫وه��و "امل�سلم" طلباً ال��زام� ّي�اً ب�صيغة ت��دل على ذل��ك‪ ،‬وي�ترت��ب على‬ ‫القيام به الفوز بر�ضاه فيما تكون العقوبة جزاء تركه �أو خمالفته‪،‬‬ ‫كتحديد ال�صيام واجباً �شرعياً لقوله تعالى‪ُ }:‬ك ِت َب َعلَ ْي ُك ُم ال ّ�صِ َيا ُم{‬ ‫البقرة‪.183:‬‬


‫وق��د ات�ف��ق معظم علماء �أ� �ص��ول الفقه وامل��ذاه��ب‬ ‫الأربعة يف تعريف الواجب على �أنّه الفر�ض‪ ،‬عدا مذهب‬ ‫�أبي حنيفة الذي ر�أى �أنّ الواجب يختلف يف بع�ض املوا�ضع‬ ‫عن الفر�ض‪ ،‬و�إن كانا بنف�س املعنى �أحياناً‪.‬‬ ‫ويرى بع�ض الفال�سفة ان الواجب هو وعي اخالقي‬ ‫يتكون داخ��ل الفرد بالفطرة‪ ،‬وهناك واج�ب��ات قانونية‪،‬‬ ‫و�إجتماعية‪ ،‬ودينية ’و�سيا�سية‪ ،‬وعائلية‪،‬وخلقية ووطنية‪.‬‬ ‫وب �ك��ل الأح � ��وال ف� ��إن م�ع�ن��ى ال��واج��ب يت�ضمن التكليف‬ ‫وامل�س�ؤولية باجتاهات خمتلفة‪.‬‬

‫ِّ‬ ‫الطف ِْل ا َّل ِذينَ لمَ ْ َي ْظ َه ُروا َعلَى َع ْو َر ِات الن َِّ�ساء َو اَل َي ْ�ض ِر ْبنَ‬ ‫ني ِمن زِي َن ِت ِهنَّ َوتُو ُبوا �إِ َل��ى اللهَِّ‬ ‫بِ�أَ ْر ُج ِل ِهنَّ ِل ُي ْعلَ َم َما ُيخْ ِف َ‬ ‫َج ِميعاً �أَ ُّي َها المْ ُ�ؤ ِْمنُو َن َل َع َّل ُك ْم ُت ْف ِل ُحو َن { – النور(‪.)31‬‬ ‫وق��د ك��ان �أول م��ن � �ص��دق ال�ن�ب��ي ��ص�ل��ى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ح�ين �أن ��زل عليه ال��وح�ح��ي ه��ي زوج�ت��ه “خديجة‬ ‫بنت خويلد” ر�ضي اهلل عنها‪،‬وقد �آزرت��ه مبالها وثبتته‬ ‫ب�أفعالها‪.‬كما �أن �أول �شهيدة يف الإ��س�لام هي �سمية بنت‬ ‫خياط وال��دة عمار بن يا�سر‪ ،‬و�أول فدائية هي “�أ�سماء‬ ‫بنت �أب��ي بكر “‪ ،‬كما �شاركت الن�ساء يف الهجرة واجلهاد‬ ‫والدعوة وبناء الدولة‪.‬‬

‫اط َب ٌة – غالباً – مبا ُي َ‬ ‫�إن املر�أة مخُ َ‬ ‫خاطب به الرجل‬ ‫‪2-2-2‬القيام بواجب الدعوة و�إ�صالح املجتمع‬ ‫وال�سنة‪ ،‬و�إن ورد اخلطاب بلفظ التّذكري‪.‬فقد‬ ‫يف الكتاب ّ‬ ‫ق��ال اب��ن القيم‪ :‬قد ا�ستقر يف ع��رف ال�شارع �أن الأحكام‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬والمْ ُ�ؤ ِْمنُو َن َوالمْ ُ�ؤ ِْمنَاتُ َب ْع ُ�ض ُه ْم �أَ ْو ِل َيا ُء‬ ‫املذكورة ب�صيغة املذ َّكرين �إذا �أطلقت ومل تقتـرن بامل�ؤنث‬ ‫ف�إنـها تتناول الرجال والن�ساء ؛ لأن��ه ُيغ ّلب املذ َّكر عند َب ْع ٍ�ض َي ْ�أ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْو َن َعنِ المْ ُ ْن َك ِر {‪-‬التوبة(‪.)71‬‬ ‫االجتماع‪ ،‬كقوله تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آَ َمنُوا ُك ِت َب َعلَ ْي ُك ُم‬ ‫اعترب بع�ض العلماء الأم��ر باملعروف والنهي عن‬ ‫ال�ص َيا ُم{البقرة‪.183:‬‬ ‫ِّ‬ ‫املنكر فري�ضة بل �أن البع�ض عدها ركنا �ساد�سا من �أركان‬ ‫الإ��س�لام‪ ،‬واعتبارها الو�سيلة التي تتحقق بها ال�شعائر‬ ‫ومن �أهم واجبات املر�أة امل�سلمة‪:‬‬ ‫والعبادات‪ ،‬وو�صفه البع�ض باجلهاد الدائم الذي يقوم به‬ ‫امل�سلم‪ ،‬وهو �أ�صل مهم من �أ�صول قيام ح�ضارة الإ�سالم �إذ‬ ‫‪1-2-2‬القيام بالواجبات الدينية‬ ‫ال قيام ل�شريعة الإ�سالم بدونه‪.‬‬ ‫ويق�صد به تطبيق ما يقت�ضيه انت�ساب املر�أة للإ�سالم‬ ‫وق��د اخ�ت�ل��ف اع�ل�م��اء ح��ول م��ا �إذا ك��ان امل��ر ب��امل�ع��روف‬ ‫من حتقق �شروط (�أركان)الإميان والإ�سالم‪َ } .‬منْ َع ِم َل‬ ‫�َ��ص�الحِ ً ��ا ِّم��ن َذ َك � ٍر �أَ ْو �أُن� َث��ى َو ُه � َو ُم ��ؤ ِْم��نٌ َفلَن ُْح ِي َي َّن ُه َح� َي��ا ًة والنهي عن املنكر من فرو�ض الكفايات �أم من من فرو�ض‬ ‫َط ِّي َب ًة َو َلن َْج ِز َي َّن ُه ْم �أَ ْج َر ُهم بِ�أَ ْح َ�سنِ َما َكانُواْ َي ْع َم ُلونَ{‪ -‬الأعيان‪ ،‬وا�ستند الر�أيان �إلى ن�صو�ص قر�آنية‪ .‬فمن يرى‬ ‫�أن��ه فر�ض كفاية ا�ستدل بقوله تعالى‪} :‬و ْل� َت� ُك��ن ِّمن ُك ْم‬ ‫النحل(‪.)97‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫�أ َّم� ٌة َي ْد ُعو َن ِ�إ َل��ى الخْ َ �ْيِرِْ َو َي��أ ُم� ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْو َن َعنِ‬ ‫ويجب على املر�أة ‪-‬عموماً‪ -‬ما يجب على الرجل‪�،‬إال المْ ُنكَر و�أولئك هم املفلحون{ �آل ع�م��ران‪ ،104:‬فا�ستنتج‬ ‫فيما‬ ‫ّ‬ ‫اخت�ص به الرجل‪ .‬فاملر�أة مخُ اطب ٌة بالإميان باهلل �أ�صحاب ه��ذا ال��ر�أي �أن “منكم” تفيد التبعي�ض وعليه‬ ‫ومالئكته و ُكتُبه ور�سله واليوم الآخر والقدر خريه و�ش ِّره‪ ،‬يكون الأم��ر فر�ض كفاية‪ ،‬يف حني ي��رى �أ�صحاب ال��ر�أي‬ ‫وه��ي مخُ اطب ٌة ب��أرك��ان الإ��س�لام ( ال�شهادتني‪ ،‬وال�صالة االخ ��ر وب��اال��س�ت�ن��اد ال��ى نف�س الأي ��ة ال�ك��رمي��ة ان الأم��ر‬ ‫وال�صيام والزكاة واحلج ) �إال �أنه خُ فِّفَ عنها يف ال�صالة باملعروف والنهي عن املنكر فر�ض عني وذلك بالنظر �إلى‬ ‫فت�سقط عنها يف ح��االت معينة‪ ،‬وخُ � ِّف��فَ عنها يف ال�صيام }اول�ئ��ك ه��م املفلحون{‪ ،‬و�أن االت�صاف بالفالح واج��ب‬ ‫فتُفطر ح��ال العذر وتق�ضي‪ ،‬وخُ � ِّف��فَ عنها يف احل��ج فال عيني‪ ،‬و�أن ما ال يتم الواجب �إال به فهو واجب‪.‬وكذلك‬ ‫تُطا َلب ب ��أداء احلج ‪ -‬ولو كانت م�ستطيعة ‪ -‬ما مل يكن اال�ستدالل بقوله تعالى ‪ُ }:‬كن ُت ْم خَ يرْ َ �أُ َّم ٍة �أُخْ ر َِج ْت ِللنَّا�سِ‬ ‫هناك محَ َرم َيحفظها و َيرعى �ش�ؤونـها‪.‬‬ ‫َت�أْ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫وف َو َت ْن َه ْو َن َعنِ المْ ُن َك ِر َو ُت�ؤ ِْمنُو َن بِاللهِّ { �آل‬ ‫وي��دخ��ل حت��ت ه ��ذا ال �ع �ن��وان � �ض��رورة ال �ت��زام امل ��ر�أة ع �م��ران‪� ،110:‬إذ بني اهلل تعالى �أن من �شروط االنتماء‬ ‫امل���س�ل�م��ة ب��ال�ل�ب��ا���س ال���ش��رع��ي “احلجاب”‪،‬الذي يعترب �إلى هذه الأمة االت�صاف بهذه الثالث ال�صفات‪ ،‬وحيث �إن‬ ‫فري�ضة �أوجبها اهلل على امل�ؤمنات كما قال تعالى ‪َ }:‬و ُقل االنتماء �إلى هذه الأمة واجب عيني يكون االت�صاف بتلك‬ ‫وج ُهنَّ ال�صفات واجباً عينياً �أي�ضاً‪.‬‬ ‫ِّل ْل ُم�ؤ ِْمن َِات َيغ ُْ�ض ْ�ضنَ ِمنْ َ�أ ْب َ�صار ِ​ِهنَّ َو َي ْحف َْظنَ ُف ُر َ‬ ‫َو اَل ُي ْب ِدينَ ِزي َن َت ُهنَّ �إِ اَّل َما َظ َه َر ِم ْن َها َو ْل َي ْ�ض ِر ْبنَ ِبخُ ُم ِر ِهنَّ‬ ‫وامل ��ر�أة امل�سلمة مكلفة ب��الأم��ر باملعروف والنهي عن‬ ‫َعلَى ُج ُيو ِب ِهنَّ َو اَل ُي ْب ِدينَ زِي َن َت ُهنَّ �إ اَِّل ِل ُب ُعو َل ِت ِهنَّ �أَ ْو �آ َبا ِئ ِهنَّ املنكرمثلها مثل ال��رج��ل‪ ،‬خا�صة و�أن ه�ن��اك ان��واع��ا من‬ ‫�أَ ْو �آ َباء ُب ُعو َل ِت ِهنَّ �أَ ْو َ�أ ْبنَا ِئ ِهنَّ َ�أ ْو �أَ ْبنَاء ُب ُعو َل ِت ِهنَّ �أَ ْو �إِخْ َوا ِن ِهنَّ املنكرات ال يعاينها �إال الن�ساء‪ ،‬وهن الأن�سب للتنبيه �إليها‬ ‫�أَ ْو َب ِني �إِخْ َوا ِن ِهنَّ �أَ ْو َب ِني �أَخَ َوا ِت ِهنَّ َ�أ ْو ِن َ�سا ِئ ِهنَّ �أَ ْو َما َملَك َْت و�إنكارها‪ ،‬كتلك التي حتدث يف املنا�سبات وبني الطالبات‬ ‫�ال �أَ ِو وم��ا �شابه‪ ،‬وم��ا تقوم ب��ه امل��ر�أة م��ن �أدوار دع��وي��ة وتوعية‬ ‫ال ْر َب� � ِة ِم��نَ ال� ِّر َج� ِ‬ ‫ني َغ�ْيِرِْ �أُ ْوليِ ِ ْ إ‬ ‫�أَيمْ َ ��ا ُن� ُه��نَّ �أَ ِو التَّا ِب ِع َ‬ ‫للن�ساء والن�شء يف ال�سري على املنهج القومي‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪25‬‬


‫‪26‬‬

‫ولكي ت��ؤدي امل��ر�أة امل�سلمة هذا الواجب العظيم عليها وال�شافعي و�أحمد بن حنبل و�صالح الدين الأيوبي وابن‬ ‫�أن حتدد �أولويات املجتمع املراد تغيريها �أو تر�سيخها‪،‬وو�ضع تيمية‪.‬‬ ‫اخلطط واال�سرتاتيجيات املنا�سبة للقيام بهذه الفري�ضة‬ ‫لقد اه�ت��م الإ� �س�لام مب�س�ألة تفريغ امل ��ر�أة ملهمتها‬ ‫لتحقق �أهدافها املن�شودة وهي �إ�صالح املجتمع واالرتقاء به‪.‬‬ ‫الأ�سا�سية يف تربية الأبناء‪ ،‬فجعل نفقتها وم�ؤنتها على‬ ‫ال��رج��ل‪ ،‬و�صانها ب��احل�ج��اب‪ ،‬كما جعل الأ��ص��ل ه��و ق��رار‬ ‫‪ 3-2-2‬القيام بالواجبات الزوجية‬ ‫امل��ر�أة يف البيت‪ ،‬وح��رم اختالطها بالرجال‪ ،‬كل هذا لكي‬ ‫ال�صاحلة تدرك �أنّ لزوجها حقّ قد �أوجبه‬ ‫�إنّ املر�أة ّ‬ ‫اهلل ال تن�شغل عن مهمتها الأ�سا�سية يف الرتبية ورعاية الزوج‪.‬‬ ‫تعالى عليها‪ ،‬يبد�أ من طاعة املر�أة لزوجها يف غري مع�صي ٍة‬ ‫ف�إذا �أمرها مبا ال ير�ضي اهلل فال طاعة له‪ ،‬فطاعة الزّوج‬ ‫وي��درك �أع��داء الإ��س�لام جيدا خطورة دور امل��ر�أة يف‬ ‫عليه‬ ‫ّبي‬ ‫بعث الأم��ة الإ�سالمية من جديد‪ ،‬ل��ذا فقد �سخروا كل‬ ‫حمكوم ٌة ب�ضوابط ال�شّ رع احلكيم‪ ،‬و قد ذكر الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سالم �أ ّن��ه ما ا�ستفاد ال ّرجل بعد تقوى اهلل �إمكاناتهم لإخ��راج�ه��ا م��ن بيتها‪ ،‬حت��ت م��زاع��م ودع��اوي‬ ‫ال�صالة و ّ‬ ‫ً‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫وع‬ ‫احلة‪،‬‬ ‫ال�ص‬ ‫أة‬ ‫�‬ ‫املر‬ ‫من‬ ‫ّواج‬ ‫ز‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫كفائدة‬ ‫ة‬ ‫فائد‬ ‫�سبحانه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�شتى؛ حتى ال ت�ق��وم ب��دوره��ا الرئي�س يف ب�ن��اء وتخريج‬ ‫�صفاتها �أنّها �إذا �أمرها زوجها �أطاعته و �إذا �أق�سم عليها �أج �ي��ال م���س�ل�م��ة‪ ،‬ك�م��ا �أن م�ن��اه��ج ال�ت�ع�ل�ي��م ال�ن���س��ائ�ي��ة يف‬ ‫�أب � ّرت بق�سمه‪ ،‬و �إذا غ��اب عنها حفظته يف نف�سها وماله‪ ،‬مدار�سنا مل تعد تهتم ببناء املر�أة امل�سلمة ال�صاحلة‪ ،‬فال‬ ‫ف��امل��ر�أة ّ‬ ‫ال�صاحلة ت� ��ؤ ّدي دوره ��ا يف بيتها نحو زوج�ه��ا‪ ،‬و ن��رى �أي حديث يف مناهج تعليم امل��ر�أة عن دور امل��ر�أة يف‬ ‫طعامه‪،‬‬ ‫له‬ ‫فتهيء‬ ‫اخلدمة‬ ‫من‬ ‫ّا�س‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫اعتاده‬ ‫مبا‬ ‫تخدمه‬ ‫رعاية زوجها‪ ،‬و تربية �أوالدها‪ ،‬و�إمنا يتم تدري�س مقررات‬ ‫ّ‬ ‫وتنظف ثيابه‪ ،‬وحتر�ص على نظافتها و نظافة املنزل‪ ،‬و هي نف�س املناهج واملقررات التي تدر�س للرجال‪ ،‬لتتخرج‬ ‫كذلك هي حري�ص ٌة على التّز ّين و التّج ّمل لزوجها و �أن املر�أة بعد ذلك وتزاحم الرجال يف �أماكن عملهم‪ ،‬وتتخلى‬ ‫تبقى ب�صور ٍة ح�سن ٍة ي�شت ّم منها زوجها ال� ّروائ��ح الزّكية عن �أهم �أدواره��ا‪ ...‬وكان من نتاج ذلك هي حالة التف�سخ‬ ‫ّ‬ ‫الطيبة‪.‬‬ ‫وال�سقوط التي ت�شهدها جمتمعاتنا‪.‬‬ ‫وكانت الأمهات يف املا�ضي هن �صناع نه�ضة الأمة‬ ‫ويجب على الزوجة االعرتاف باجلميل لزوجها ف�إن‬ ‫ذلك ي�ساهم يف زرع الألفة واملحبة بينهما ووفاء واخال�ص احل �ق �ي �ق �ي��ة‪ ،‬م ��ن خ �ل�ال ب �ن��اء ج �ي��ل م ��ن ال ��رج ��ال حمل‬ ‫لها‪ ،‬وال�صرب على زوجها وتعمل على موا�ساته �إذا نزل الأمانة‪ ،‬و�سعى لتمكني الدين‪ ،‬فا�ستطاع بناء ح�ضارة من‬ ‫به بالء‪� ،‬أي �أن تكون معه يف ال�سراء وال�ضراء‪ .‬ومن حق �أك�بر احل�ضارات يف تاريخ الب�شرية‪ ،‬ومن هذه النماذج‪:‬‬ ‫ال ��زوج على زوج�ت��ه �أال ت��دخ��ل بيته �أح ��دا يكرهه‪ ،‬وع��دم �صفية بنت عبد املطلب‪،‬والدة الزبري بن العوام‪� ،‬أ�سماء‬ ‫بنت عمي�س وال��دة عبداهلل بن جعفر بن ابي طالب ‪,‬و�أم‬ ‫اخلروج من البيت �إال ب�إذنه‪.‬‬ ‫عا�صم بنت عا�صم بن عمر بن اخلطاب وال��دة عمر بن‬ ‫ع �ب��دال �ع��زي��ز‪،‬ووال��دة ع�ب��دال��رح�م��ن ال�ن��ا��ص��ر ال ��ذي ربته‬ ‫‪ 4-2-2‬تربية الأبناء ورعاية �ش�ؤون الأ�سرة يتيما‪،‬ووالدة �سقيان ال�ث��وري ال��ذي ربته م��ن اال�شتغال‬ ‫فاملر�أة راعية يف بيت زوجها وم�س�ؤولة عن رعيتها �أمام باملغزل‪ ،‬ووالدة الإمام احمد بن حنبل التي كانت تر�شده‬ ‫يف كيفية تلقي العلم وغريهن الكثري‪.‬‬ ‫اهلل كما �أخرب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف قوله‪” :‬‬ ‫كلكم راع‪ ،‬وكلكم م�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬الإمام راع وم�س�ؤول‬ ‫‪ 5-2-2‬القيام بالدور االجتماعي يف املجتمع امل�سلم‬ ‫ع��ن رع�ي�ت��ه‪ ،‬وال��رج��ل يف �أه�ل��ه راع وم���س��ؤول ع��ن رعيته‪،‬‬ ‫حتمل امل��ر�أة و الرجل امل�س�ؤوليات االجتماعية ب�شكل‬ ‫واملر�‬ ‫عليه‪.‬أة يف بيت زوجها راعية وم�س�ؤولة عن رعيتها”‪ .‬متفق متكافئ‪ .‬حني يقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ " :‬من‬ ‫�أ��ص�ب��ح ال يهتم ب ��أم��ور امل�سلمني فلي�س مب�سلم"‪ ،‬وه��ذا‬ ‫ومن الأدوار الأ�سا�سية للمر�أة واملرتبطة ب�إن�سانيتها ي�شمل الرجال والن�ساء‪ ،‬ويرتب عليهم م�س�ؤولية االهتمام‬ ‫ه��و ال ��دور االجن��اب��ي وال�ترب��وي وال ��ذي ي�ح��اول البع�ض ب��أم��ورامل���س�ل�م�ين وامل�ج�ت�م��ع الإ� �س�لام��ي و � �ش ��ؤون ال�ع��امل‬ ‫التقليل منه اليوم واعتباره دليال على ع��دم م�ساواتها الإ�سالمي و جميع الق�ضايا اجلارية يف العامل‪ ،‬لأن ذلك‬ ‫بالرجل‪ ،‬حيث ي�شيع ه�ؤالء �أن قيام املر�أة بدورها الأمومي واج��ب �إ�سالمي‪ .‬وتعترب ال�سيدة فاطمة ال��زه��راء ر�ضي‬ ‫واملنزيل يجعلها يف منزلة �أقل من الرجل‪ ،‬متجاهلني �أن اهلل عنها منوذجا على دور املر�أة يف النظام الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ه��ذا ال��دور يرفع من مكانة امل��ر�أة الإن�سانية وكرامتها‪،‬‬ ‫وامل ��ر�أة عليها واج��ب امل�شاركة يف الن�شاط العمراين‪،‬‬ ‫حيث �أنها بهذا الدور �إمنا تعترب الأ�سا�س يف تربية املجتمع‬ ‫ب�أكمله‪ ،‬وت�شكيل ثقافته‪ ،‬ول��ذا فال بد من ت�أهيل امل��ر�أة و االق �ت �� �ص��ادي‪ ،‬و يف ال �ت �خ �ط �ي��ط‪ ،‬و ال�ت�ف�ك�ير ل �� �ش ��ؤون‬ ‫للقيام بهذا الواجب العظيم‪ ،‬و�إعدادها �إعداداً يتنا�سب مع ال � �ب�ل��اد‪ ،‬ك �م��ا �أن� �ه ��ا مي� �ك ��ن ُت �� �س �ه��م ب� �ق ��وة يف حت���ص�ين‬ ‫مهمتها‪ ،‬فال بد من بناء الأم امل�سلمة الواعية ال�صاحلة‪ ،‬املجتمع وحمايته م��ن االن�ح��راف والتطرف والإره ��اب‪،‬‬ ‫امللتزمة بتعاليم دينها‪ ،‬واملحافظة على قيم جمتمعها‪ ،‬و بالتن�شئة الواعية احلازمة والتوجيه احلكيم ال�صائب‪،‬‬ ‫املطلعة على ثقافة ع�صرها؛ واملتفاعلة مع ق�ضايا �أمتها‪ ،‬م� ��ن خ �ل�ال ن �� �ش��ر ال ��وع ��ي ب�ي�ن ك��اف��ة ف �ئ��ات امل�ج�ت�م��ع‪.‬‬ ‫حتى ت�خ��رج لنا جيال م��ن �أم �ث��ال عمر ب��ن عبد العزيز‬


‫‪ 6-2-2‬دور املر�أة يف مواجهة التغريب ودعوات االنحالل‬ ‫تتعر�ض امل��ر�أة امل�سلمة اليوم �إلى هجمة وا�سعة‬ ‫حت��اول �إخ��راج�ه��ا م��ن قيمها وثقافتها الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬من‬ ‫خ�ل�ال تعري�ضها مل�ن�ت�ج��ات ث�ق��اف�ي��ة م�غ��اي��رة للمنظومة‬ ‫القيم الدينية واخل�لاق�ي��ة لها‪ ،‬حت��ت م�سميات م�ضللة‬ ‫مثل‪ :‬حترير املراة‪ ،‬وامل�ساواة املطلقة مع الرجل‪ ،‬ودعوات‬ ‫حقوق االن�سان التي �أ�صبحت مدخال لتغريب امل��راة عن‬ ‫دينها وامتها وق�ضاياها امل�صريية‪ ،‬وتقاع�سها عن دورها‬ ‫الر�سايل يف نه�ضة الأم��ة التي ب��ات حالها ال ي�سر عدوا‬ ‫وال �صديقا‪ ،‬واملر�أة واحلالة هذه مدعوة لبناء منظومتها‬ ‫الفكرية والثقافية والأخ�لاق�ي��ة ملواجهة ه��ذه الهجمة‬ ‫ال�شر�سة‪ ،‬واال��ض�ط�لاع ب��دوره��ا يف ال��وق��وف ��س��دا منيعا‬ ‫حلماية الأمة من ال�سقوط واال�ضمحالل‪.‬‬ ‫‪ 7-2-2‬واجب املر�أة يف حماية املجتمع من الإرهاب والفكر املتط ّرف‬ ‫املر�أة هي التي تربي الأجيال‪ ،‬وتنعك�س ا�ساليبها‬ ‫ال�ترب��وي��ة ع�ل��ى اب�ن��ائ�ه��ا م�ن��ذ م��رح�ل��ة ال�ط�ف��ول��ة امل�ب�ك��رة‪،‬‬ ‫والأ� �س��رة ه��ي ال�ت��ي ميكن ان جتعل ال�ف��رد ي�شعر بتلبية‬ ‫جميع حاجاته (اجل�سدية واملعنوية والنف�سية ) �أو ي�شعر‬ ‫ب��احل��رم��ان‪ ،‬وتنعك�س �سلوكات الآب ��اء وخا�صة الأم على‬ ‫ت�صرفات الأب �ن��اء‪ ،‬ف ��إذا ك��ان امل�ن��اخ الأ� �س��ري �إيجابيا ف��إن‬ ‫�سلوك االبناء‪،‬واثبتت الدرا�سة �أن العنف واالرهاب الذي‬ ‫يقوم ب��ه االب�ن��اء يف �سن ‪� 18-13‬سنه �سببه العنف داخ��ل‬ ‫اال�سرة‪ ،‬و�أن ت�أثّر الأبناء ب�سلوك الوالدين يف هذه املرحلة‬ ‫العمرية كان بن�سبة ‪( %100‬حممد)‪.‬‬ ‫وم��ن ال �ظ��واه��ر امل�ن�ت���ش��رة يف امل�ج�ت�م�ع��ات امل�ع��ا��ص��رة‬ ‫ظاهرة العنف املجتمعي‪ ،‬والأره��اب والتطرف الفكري‪،‬‬ ‫والتي يعتربها علماء الرتبية واالجتماع انعكا�سا للرتبية‬ ‫الأ��س��ري��ة‪ ،‬حيث يعاين م��ن يرتكب الأع �م��ال الإج��رام�ي��ة‬ ‫بالفراغ العاطفي‪ ،‬ب�سبب عدم اال�ستقرار اال�سري وكرثة‬ ‫النزاعات داخ��ل الأ��س��رة وغياب احل��وار بني �أف��راده��ا‪� ،‬أو‬ ‫ا�ستخدام العنف مع الأطفال‪� ،‬أو عدم امل�ساواة يف املعاملة‬ ‫بني الأب�ن��اء‪ ،‬مما يولد الكره واحلقد يف نفو�س بع�ضهم‬ ‫فيحاولوا تفريغ هذه امل�شاعر ال�سلبية من خالل الفعال‬ ‫الإرهابية والعنف داخل املجتمع‪.‬‬ ‫املراجع‬

‫من جهة �أخ��رى‪ ،‬وحتى وقت قريب‪ ،‬كان ينظر �أى‬ ‫من يرتكب افعال التطرف العنيف‪ ،‬والتع�صب والإرهاب‬ ‫هم الذكور فقط‪ .‬غري�أنه ظهر يف الآونة الأخرية �أحداث‬ ‫�إرهابية‪ ،‬كانت الن�ساء طرفا فيها يف �أماكن عديدة من‬ ‫ال�ع��امل‪ ،‬حيث ت�سعى التنظيمات الإرهابية �إل��ى اجتذاب‬ ‫الن�ساء ب�شتى الو�سائل املادية والفكرية (نكاح اجلهاد)‪،‬‬ ‫وا��س�ت�غ�لال بع�ض ال �ظ��روف ال�سيا�سية واملعي�شية لهن‪،‬‬ ‫�أو تعري�ضهن مل��واق��ف حم��رج��ة ت���ض�ط��ره��ن للخ�ضوع‬ ‫لإرادة تلك التنظيمات والطاعة املطلقة لها‪ ،‬وم��ن ثم‬ ‫ا�ستخدامهن يف تنفيذ الأعمال الإرهابية ب�شكل مبا�شر �أو‬ ‫غري مبا�شر‪.‬‬ ‫لذا يجب على احلكومات االلتفات �إلى �ضرورة توعية‬ ‫امل��ر�أة‪ ،‬ومتكينها فكريا و�إقت�صاديا و�إجتماعيا و�سيا�سيا‪،‬‬ ‫من خالل الربامج املتنوعة‪ ،‬وان�شاء املم�شروعات للق�ضاء‬ ‫على الفقر والبطالة‪ ،‬وتعديل املناهج‪ ،‬وتعزيز قيم احلوار‬ ‫داخل املجتمع بكافة فئاته وم�ستوياته‪ ،‬لكي ال تقع املر�أة‬ ‫فري�سة الفكر املتطرف �أو التنظيمات الإرهابية‪.‬‬ ‫خامتة‬ ‫من خالل العر�ض ال�سابق تبني �أن الإ�سالم �أن�صف‬ ‫املر�أة‪ ،‬و�أناط بها م�س�ؤوليات تتنا�سب وطبيعتها البيولوجية‬ ‫والنف�سية‪ ،‬ومب��ا يحقق ال�ع��دال��ة االج�ت�م��اع�ي��ة‪،‬ال�ت��ي مل‬ ‫تتحقق يف حقب تاريخية �أو ثقافات �أخرى‪ .‬كما �أن جملة‬ ‫الأدوار التي على املر�أة القيام تدلل على �أهمية دور املر�أة يف‬ ‫احلياة العامة بكافة جماالتها ومراحلها‪ ،‬ومدى الت�أثري‬ ‫الإي�ج��اب��ي ال��ذي يتحقق عند قيامها ب�ه��ذه ال ��دوار على‬ ‫�أكمل وجه‪ ،‬و�ضمن �إطار الت�شريع الإ�سالمي التي يجب‬ ‫�أن تكون منهج حياة جلميع الن�شر و�سبيال ل�سعادتهم‬ ‫وراحتهم‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫‪ -‬‬

‫القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫ال�سنة النبوية ال�شريفة‪.‬‬ ‫بدران‪،‬عبداجلبار فتحي‪�،‬شهادة املر�أة‪� ،‬شبكة الألوكة‪.2013 ،‬‬

‫‪ -‬‬

‫اخل� �ل ��وف‪،‬حم� �م ��د ع �ب ��دال ��رح �م ��ن‪،‬ح �ق ��وق امل � � � ��ر�أة وواج� �ب ��ات� �ه ��ا يف‬ ‫الإ�سالم‪،‬ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬جامعة الريموك‪.1984،‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫‪ -‬‬

‫ر�ضا‪،‬حممد ر�شيد‪،‬حقوق الن�ساء يف الإ� �س�لام‪ ،‬املكتب الإ��س�لام��ي‪،‬‬ ‫بريوت‪.1984،‬‬ ‫زينو‪ ،‬حممد بن جميل‪ ،‬تكرمي املر�أة يف الإ�سالم‪ ،‬دار القا�سم‪- .2013 ،‬‬ ‫ال�سو�سي‪،‬رائد‪ ،‬ما هي حقوق املر�أة‪.2015،‬‬ ‫ ‬‫ال�شيمي‪،‬احمد ح�سني – امل ��راة واحل �ق��وق ال�سيا�سية يف اال��س�لام ‪ -‬‬ ‫‪ -2013‬موقع �صيد الفوائد‪.‬‬‫ال �ع��زب‪ ،‬خ��ال��د ح �م��ود‪ ،‬امل���ش��ارك��ة ال�سيا�سية ل �ل �م��ر�أة ر�ؤي ��ة �شرعية‬ ‫وتنموية‪ ،‬ط‪ ،2012 ،1‬م�ؤ�س�سة التنوير للتنمية االجتماعية‪.‬‬

‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫‪ -‬‬

‫ ‬‫‪ -‬‬

‫‪ -‬‬

‫ال�ع�ي��د‪،‬ن��وال بنت عبدالعزيز‪،‬حقوق امل ��راة يف ظ��ل ال�سنة النبوية‪،‬‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز‪،2006 ،‬الريا�ض‪.‬‬ ‫عمارة‪،‬حممد‪� ،‬شبهات حول مكانة املراة يف الإ�سالم‪ ،‬ط‪،1‬دار ال�سالم‬ ‫للطباعة والن�شر‪،‬القاهرة‪.2010 .‬‬ ‫ال�ع�ي���س��وي‪،‬ح���س��ام‪ ،‬احل �ق��وق ال���س�ي��ا��س�ي��ة ل �ل �م��راة يف ظ��ل ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية‪� ،‬شبكة الألوكة‪.‬‬ ‫املرابط‪.‬ا�سماء (ترجمة ب�شر الغزايل )‪،‬الن�ساء وال�سيا�سة يف اال�سالم‬ ‫بني الن�صو�ص الدينية والواقع املعا�صر‪( ،‬اجلزء الأول)‪.2009 -‬‬ ‫حممد‪،‬نهاد ف��اروق عبا�س‪ ،‬دور امل ��ر�أة يف مكافحة الإره ��اب‪ ،‬جملة‬ ‫الأمن واحلياة‪ ،‬عدد‪،387‬جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية‪.‬‬ ‫ن�صيف‪ ،‬فاطمة عمر‪ ،‬حقوق املر�أة وواجباتها يف ظل الكتاب وال�سنة‪.2005 ،‬‬ ‫نور‪ ،‬حافظ حممد‪ ،‬والية املر�أة يف الفقه الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ودف‪،‬ي ��ا�� �س� �م�ي�ن ج� �م ��ال‪ ،‬ح� �ق ��وق امل � � ��راة يف ال �� �ش��ري �ع��ة وال� �ق ��ان ��ون‬ ‫الو�ضعي‪،‬جامعة العلوم والتكنولوجيا‪ ،‬اليمن‪.2002،‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪27‬‬


‫دراسات‬

‫‪...‬األمة اإلسالمية أمة وسط ًا‬ ‫عدو ًال خيار ًا وعدلها أساس السالم‬ ‫ق��ال تعالى‪}َ :‬و َك � َذ ِل� َ�ك َج َع ْلنَا ُك ْم �أُ َّم � ًة َو َ�سطاً ِّل َتكُونُواْ‬ ‫�شُ َه َداء َعلَى النَّا�سِ َو َيكُو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم �شَ ِهيداً{‬ ‫�إن م�صطلح الو�سطية من امل�صطلحات التي عدت عليها العاديات‬ ‫وج��ارت عليها النائبات ف�أخرجتها عن معناها الإ�سالمي الأ�صيل‪،‬‬ ‫و�أبعدتها عن كونها �أخ�ص خ�صائ�ص منهج الإ�سالم يف الفكر واحلياة‬ ‫والنظر واملمار�سة والتطبيق والقيم واملعايري والأ�صول‪� .. .‬إلى ٍ‬ ‫معان‬ ‫�أبعدت النجعة عن فحواها‪ ،‬وخالفت �أ�صل م�سماها وما ع��ادت متت‬ ‫�إلى الو�سطية ب�صلة‪ ،‬وال تتعلق فيها ب�سبب‪ ،‬الأمر الذي �أوجب العناية‬ ‫بامل�صطلح وا�ستجالء معانيه اللغوية والإ�صالحية‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫المهندس مروان الفاعوري‬ ‫أمين عام المنتدى العالمي للوسطية‬

‫وكل ي َّدعي و�ص ً‬ ‫ال بليلى‬

‫‪... .‬‬

‫وليلى ال تقر لهم بذاكا‬

‫ان الو�سطية دين وفكر و�سلوك‪ ،‬فما يقدمه كل فكر وثقافة ذي‬ ‫مرجعية و�سطية ي�ستطيع ان يقدم الطروحات ال�ق��ادرة على ايجاد‬ ‫ال�سالم ودعمه ورعايته وفق ال�ضوابط ال�شرعية التي تبتعد بالأمة‬ ‫ع��ن ال �ت �خ��اذل وال ��ذل واخل �ن��وع وت ��رى �أن جم��ده��ا ه��و ب�ن��اء جمدها‬ ‫ب��ذات�ه��ا‪ ،‬ول��ذل��ك ف ��إن الإ� �س�لام امل�ط��روح الآن يحتاج ال��ى ت�صويب يف‬ ‫الأدوات والو�سائل واملفاهيم بحيث يلم�س املواطن �أن ال�سالم يحقق له‬ ‫الأمن بكافة �أبعاده مثلما يبعد عنه �شبح اخلوف من احلرب واجلوع‬ ‫والبطالة والف�ساد‪.‬‬


‫ولذلك ف��إن الو�سطية منجاة لكل من ين�شد احلق وجعل الإ�سالم دينا ودولة‪ ،‬وهم و�إن نظروا للما�ضي ف�إنهم‬ ‫وامل�ساواة والعدل فاليجب �أن يظلم او يظلم وهي �سفينة يتخذون منه هداية للم�ستقبل‪ ،‬فهم لي�سوا حمافظني‪،‬‬ ‫النجاة للباحثني عن جناة �أنف�سهم وغريهم من النا�س‪ .‬ولكنهم ثوار"!‪.‬‬ ‫يف الوقت الذي تتعر�ض فيه الأمة ملحاوالت تهدد‬ ‫ثقافتها وهويتها‪ ،‬حا�ضرها وم�ستقبلها �ساعية لإحل��اق‬ ‫الأم ��ة بثقافة الآخ ��ر وت���ص��ورات��ه ل�ت�غ��دو ف��اق��دة لذاتها‬ ‫وهويتها جند باملقابل ردود فعل مت�شنجة عاجزة وغري‬ ‫مدركة ل�سنن التغيري يف الأنف�س والآفاق‪.‬‬

‫وعلى درب هذه ال�شهادات‪ ،‬قالت "مارجريت تات�شر"‬ ‫رئي�سة الوزراء الربيطانية الأ�سبق‪�" :-‬إن حتدي الإرهاب‬‫الإ� �س�لام��ي �إمن ��ا ي�شمل ح�ت��ى ال��ذي��ن �أدان� ��وا �أح� ��داث ‪11‬‬ ‫�سبتمرب وابن الدن وطالبان‪ ،‬ي�شمل كل الذين يرف�ضون‬ ‫القيم الغربية‪ ،‬وتتعار�ض م�صاحلهم مع الغرب"!‪.‬‬

‫جند من يب�شر بالو�سطية وي�سعى لت�أ�صيلها وبيان‬ ‫ارتباطها بالعدل والإن���ص��اف ون�شر مبادئ ال�سالم بني‬ ‫النا�س و�أنها من اخليارات الف�ضلى للب�شرية كونها تهدف‬ ‫�إلى �إ�سعاد الب�شرية ورفاهيتها ال الى الت�سلط والتحكم‬ ‫مب�صائرها لإخ��راج �ه��ا م��ن ال�ظ�ل�م��ات ال��ى ال �ن��ور‪ /‬وم��ن‬ ‫م�صارع ومهالك العنف والتطرف والدمار والفو�ضى الى‬ ‫ف�ضاء ال�سعادة والإ�ستقرار والنماء والعمران‪.‬‬

‫وكتب امل�ست�شرق ال�صهيوين "برنارد لوي�س" يف "النيوز‬ ‫ويك" (عدد ‪ 14‬يناير ‪ )2004‬يقول‪�" :‬إن �إره��اب اليوم‬ ‫هو جزء من كفاح طويل بني الإ�سالم والغرب‪ ،‬فالنظام‬ ‫الأخالقي الذي ي�ستند �إليه الإ�سالم خمتلف عما هو يف‬ ‫امل�سيحية واليهودية الغربية‪ ،‬وهذه احلرب هي حرب بني‬ ‫الأديان"‪.‬‬

‫�إن مهددات ال�سالم العاملي مثل‪ /‬الفو�ضى والتطرف‬ ‫والإرهاب والهيمنة والإ�ستبداد نقي�ض جتليات الو�سطية‬ ‫وارتباطها بال�سلم الأهلي من عدة جوانب ‪ /‬الإجتماعية‬ ‫والإقت�صادية بالإ�ضافة �إلى عالقة الو�سطية بالت�سامح‬ ‫ون�شر العدل �سواء بني �أمة الإ�سالم �أو بني الأمم الأخرى‪.‬‬

‫وكتب ال�سيناتور الأم��ري�ك��ي "جوزيف ليربمان" –‬ ‫املر�شح نائبا للرئي�س يف انتخابات عام ‪2000‬م – بقول‪:‬‬ ‫"�إنه ال حل مع الدول العربية والإ�سالمية �إال �أن تفر�ض‬ ‫عليهم �أم��ري�ك��ا القيم وال�ن�ظ��م وال�سيا�سات ال�ت��ي تراها‬ ‫�ضرورية‪ ،‬فال�شعارات التي �أعلنتها �أمريكا عند ا�ستقاللها‬ ‫ال تنتهي عند احلدود الأمريكية‪ ،‬بل تتعداها �إلى الدول‬ ‫الأخرى"!‪.‬‬

‫كان الرئي�س الأمريكي الأ�سبق "بو�ش" �أول من �أعلن‬ ‫احل ��رب ع�ل��ى "الإرهاب" ع�ق��ب ح ��ادث ‪� 11‬سبتمرب ع��ام‬ ‫ولأن ه� ��ذه ه ��ي ح �ق �ي �ق��ة احل � ��رب الأم ��ري �ك �ي ��ة ع�ل��ى‬ ‫‪2001‬م‪ ،‬وذلك دون حتديد ملاهية هذا الإرهاب !‬ ‫"الإرهاب" ‪ -‬ال �ت��ي ه��ي ب���ش�ه��ادة ه � ��ؤالء ال���ش�ه��ود من‬ ‫ل�ق��د �أع�ل�ن�ه��ا "حملة �صليبية مقد�سة"‪ ،‬ومت ال�غ��زو �أهلها "حرب على الإ�سالم"‪ ،‬كتب ال�صحفي ال�صهيوين‬ ‫الأمريكي لأفغان�ستان ثم العراق‪ ،‬وخالل هذه الأحداث الأمريكي "توما�س فريدمان" ‪ -‬من "بي�شاور" �إبان الغزو‬ ‫ك�شفت النوايا عن �أن املراد بالإرهاب هو الإ�سالم‪ ،‬الإ�سالم الأمريكي لأفغان�ستان – يف "نيويورك تاميز" يقول "�إن‬ ‫الراف�ض للحداثة الغربية والعلمانية الغربية والقيم احلرب احلقيقية يف املنطقة الإ�سالمية هي يف املدار�س‪،‬‬ ‫ول��ذل��ك يجب �أن ن�ف��رغ م��ن حملتنا الع�سكرية ب�سرعة‪،‬‬ ‫الغربية على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫ونعود م�سلحني بالكتب املدر�سية احلديثة‪ ،‬لإقامة تربة‬ ‫لقد كتب املفكر اال�سرتاتيجي الأمريكي "فوكو ياما" جديدة‪ ،‬وجيل جديد‪ ،‬يقبل �سيا�ساتنا كما يحب �شطائرنا‪،‬‬ ‫– يف العدد ال�سنوي "للنيوز ويك" (دي�سمرب ‪ 2001‬م – و�إلى �أن يحدث هذا لن جند �أ�صدقاء لنا هناك"!‪.‬‬ ‫فرباير ‪2002‬م)‪ ،‬يقول‪�" :‬إن ال�صراع احلايل لي�س بب�ساطة‬ ‫وب �ع��د �أن جن �ح��ت �أم��ري �ك��ا – ب��االع �ت �م��ادات امل��ال�ي��ة‬ ‫�ضد الإرهاب‪ ،‬ولكنه �ضد العقيدة الإ�سالمية الأ�صولية‪،‬‬ ‫التي تقف �ضد احلداثة الغربية و�ضد الدولة العلمانية‪ ،‬وال�ضغوط الدبلوما�سية – يف تغيري وتقلي�ص املناهج‬ ‫وهذه الأيديولوجية الأ�صولية متثل خطرا �أكرث �أ�سا�سية الدرا�سية الإ�سالمية – يف مدار�س باك�ستان وكثري من‬ ‫من اخلطر ال�شيوعي‪ ،‬واملطلوب هو حرب داخل الإ�سالم‪ ،‬البالد العربية – ن�شرت "الهريالدتريبيون" الدولية‬ ‫حتى يقبل احلداثة الغربية والعلمانية الغربية واملبد�أ م �ق��اال ل�ل�ك��ات��ب الأم��ري �ك��ي "�ستانلي �أ‪ .‬فاي�س" ي�ح��دد‬ ‫فيه اخل�ي��ارات �أم��ام ال�ع��امل الإ��س�لام��ي‪ :‬خيار العلمانية‬ ‫امل�سيحي "دع ما لقي�صر لقي�صر وما هلل هلل"!‪.‬‬ ‫الأت��ات��ورك�ي��ة – ال��ذي ت��ري��ده �أم��ري�ك��ا – ب��دال م��ن خيار‬ ‫ول�ق��د ف�سر الرئي�س الأم��ري�ك��ي الأ��س�ب��ق "نيك�سون" الأ�صولية الإ�سالمية‪ ،‬ف�ق��ال‪�" :‬إن حقيقة احل��رب على‬ ‫يف ك�ت��اب��ه "الفر�صة ال�سانحة" م ��راد الأم��ري �ك��ان من الإره��اب تكمن يف‪ :‬هل �ستقوم ال��دول الإ�سالمية باتباع‬ ‫"الأ�صولية الإ�سالمية"‪ ،‬فقال‪�" :‬إنهم هم الذين يريدون ال�ن�م��وذج االجتماعي ال�سيا�سي لرتكيا‪ ،‬ك��دول��ة حديثة‬ ‫بعث احل�ضارة الإ�سالمية‪ ،‬وتطبيق ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬علمانية؟ �أو منوذج الأ�صولية الإ�سالمية؟"!‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪29‬‬


‫‪30‬‬

‫فالعبادة كال�صالة مث ً‬ ‫تلك هي حقيقة احل��رب على الإره��اب‪ ،‬التي �أعلنتها‬ ‫ال تتطلب القيام بها وفق اركانها‬ ‫�أمريكا‪ ،‬والتي جرى تعميمها على النطاق العاملي‪ ،‬والتي و اوق��ات�ه��ا و�شروطها وفرائ�ضها م��ن غ�ير زي��ادة مكلفة‬ ‫وجهت نريانها – احلربية والفكرية والإعالمية – �إلى والنق�صان يذهب بكمالها‪.‬‬ ‫ق��وى التحرر الوطني‪ ،‬ال�ساعية �إل��ى حتقيق اال�ستقالل‬ ‫والتي من خ�صائ�صها‪:‬‬ ‫احل �� �ض��اري ل�ل���ش��رق الإ� �س�ل�ام��ي ع��ن ال�ت�ب�ع�ي��ة ل�ل�ن�م��وذج‬ ‫احل�ضاري الغربي‪ ،‬والتي �أكدت ال�شهادات الغربية املوثقة‬ ‫• الو�ضوح‬ ‫�أنها حرب على الإ�سالم! (منقول‪ :‬حممد عماره)‪.‬‬ ‫• ال�شمول‬ ‫ولقد كان قدر الإ�سالم دوماً �أن يكون حام ً‬ ‫ال للواء‬ ‫• الواقعية‬ ‫�إ�صالح الب�شرية جمعاء‪ ،‬باعتباره الدين اجلامع واخلامت‪،‬‬ ‫ال��ذي به ت�سعد الب�شرية‪ ،‬وبه تنال جمدها وتنف�ض عن‬ ‫• العاملية‬ ‫نف�سها غ�ب��ار اجل�ه��ل وت��رف��ع ��س�ي��اط ال�ظ�ل��م ع��ن نف�سها‬ ‫بنف�سها‪ ،‬و�إذا ما �ساد الإ�سالم و�شاد البناء احل�ضاري الذي‬ ‫• التوازن‬ ‫تريده الأمة‪ ،‬كان الرهان يف �سبيل ذلك هو التما�س �صورة‬ ‫• الت�سامح‬ ‫واحدة جتمع خريي الدنيا والآخرة مثلما جتمع عنا�صر‬ ‫اخلريية يف كل دين �إ�سالمي وم�سيحي ويهودي لتجعلها‬ ‫• العدل‬ ‫جميعاً بوابة ح�ضارية للولوج �إلى �أعماق الدين الإ�سالمي‬ ‫الذي ال يتنافى مطلقاً مع �أي دين يدعو �إلى توحيد اهلل‬ ‫و�سطيتنا �صيحة مدوية يف �أرجاء الأر�ض �أيها الغرب‬ ‫و�إقامة �شرعه وال�سري على هدي الأنبياء واملر�سلني‪.‬‬ ‫�أيها ال�شرق يا �أتباع امللل وكل النحل (ان �صورتنا لي�ست‬ ‫ولعل تلك اخلريية تتلخ�ص يف و�سطية الإ�سالم التي � �ص��ورة ال�ق�ت��ل وال�ت��دم�ير ن�ح��ن ُدع ��اة ��س�لام وح��ب ووئ��ام‬ ‫تركز على انتهاج املنهج املتوازن الذي يدور مع احلق حيث �صورتنا احلقيقية كلها �سماحة وعفو واعتدال �إننا �أمة‬ ‫دار يف ال�ش�ؤون احلياتية كافة‪� ،‬إذ ال �سبيل �إلى تطبيق قاعدة الو�سط والو�سوط والتو�سط والتو�سيط)‬ ‫من قواعد ال�شرع دون الأخرى‪ ،‬وال معنى يف اعتماد ن�ص‬ ‫هم و�سط ير�ضى الأنام بحكمهم‬ ‫دون �آخر بل يف ايجاد �صيغة توافقية عند تطبيق القواعد‬ ‫�إذا ن��زل��ت �أح ��دى ال�ل�ي��ايل مبعظم‬ ‫ال�شرعية واعتماد الن�صو�ص بحيث يحافظ على التوازن‬ ‫والتكامل وال�شمولية والو�ضوح والكمال والربانية عند‬ ‫يقول الفريوز �آب��ادي‪ " :‬الو�سط‪ ،‬من كل �شيء �أعدله‬ ‫احلكم على �أمر ما من �أمور ًالدين والدنيا‪ ،‬بحيث تظهر }وكذلك جعلناكم �أمة و�سطاً{ �أي‪ :‬عد ًال خياراً قال زهري‬ ‫ال�صورة الكلية فكراً و�سلوكا من�سجمة مع الغايات التي يف املدح‪:‬‬ ‫ج��اءت من �أجلها ال�شريعة وه��ذا الو�صف ال��ذي نريد �أن‬ ‫ينطبق متاماً على الو�سطية التي �أرادنا اهلل عليها لقوله‬ ‫همو و�سط ير�ضى الأن��ام بحكمهم‬ ‫تعالى} َو َك َذ ِل َك َج َع ْلنَا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِّل َتكُونُوا �شُ َه َدا َء َعلَى‬ ‫�إذا ن��زل��ت �إح ��دى الليالى مبعظم‬ ‫النَّا�سِ َو َيكُو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم �شَ هِي ًدا• َو َما َج َع ْلنَا ا ْل ِق ْبلَ َة‬ ‫من َين َق ِل ُب‬ ‫ا َّل ِتي ُكنتَ َعلَ ْي َها �إ اَِّل ِل َن ْعلَ َم َمن َي َّت ِب ُع ال َّر ُ�سو َل مِ َّ‬ ‫وقدمياً قالت العرب‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫ري ًة �إ اَِّل َعلَى ا َّل ِذينَ َه َدى ا َو َما‬ ‫َعلَى َع ِق َب ْي ِه َو�إِن َكان َْت َل َك ِب َ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫ميا َن ُك ْم �إِ َّن ا بِالنَّا�سِ َل َر ُء ٌ‬ ‫وف َّر ِحي ٌم‪{ ‬‬ ‫وا�سطــــة العقــــد �أثمــــن مــــا فيــــه‬ ‫َكا َن اللهَّ ُ ِل ُي ِ�ضي َع �إِ َ‬ ‫�صدق اهلل العظيم‪.‬‬ ‫ووا�سطـــــة اجلبــــــل ر�أ� ��س اجلبل‬ ‫�إن م�صدر الو�سطية التي نرغب النا�س بها هو القر�آن‬ ‫وي�ن�ق��ل اب��ن م�ن�ظ��ور ع��ن �أح ��د الأع� ��راب خماطباً‬ ‫ال �ك��رمي ذات ��ه‪ ،‬وال���س�ن��ة ال�ن�ب��وي��ة ذات �ه��ا‪ ،‬واج �م��اع العلماء‬ ‫امل�سلمني و �أئمتهم ذاتهم‪ ،‬والقيا�س ذاته الذي ي�ستطيع احل�سن قوله‪" :‬علمني ديناً َو ُ�سوطا‪ ،‬ال ذاهباً فروطاً‪ ،‬وال‬ ‫ا�ستنباط �أحكام �شرعية تتوافق وتلك امل�صادر وال تخرج �ساقطاً �سقوطاً‪ .‬ويعلق قائ ً‬ ‫ال ‪":‬ال َو�سوط هنا املتو�سط‬ ‫بني الغايل والتايل‪� ،‬أال تراه قال‪ :‬ال ذاهباً فروطاً !! ب‪/‬‬ ‫عن م�ضمون اال�سالم و�شكله‪.‬‬ ‫املعنيل وهو �أح�سن الأديان‪� ،‬أال ترى �إلى قول علي ر�ضوان‬ ‫فهي و�سطية يف ال �ع �ب��ادات‪ ،‬وو�سطية يف املعامالت اهلل عليه‪ :‬خ�ير النا�س ه��ذا النمط الأو��س��ط يلحق بهم‬ ‫وو�سطية االخالق‪.‬‬ ‫التايل ويرجع �إليهم الغايل !"‬


‫‪ -1‬املعنى اللغوي‪:‬‬ ‫ق ��ال اب ��ن م�ن�ظ��ور‪ :‬م�ق��اي�ي����س ال�ل�غ��ة (ال� ��واو وال���س�ين‬ ‫والطاء)‪ :‬بناء �صحيح يدل على العدل والن�صف‪ ،‬و�أعدل‬ ‫ال�شيء �أو�سطه وو�سطه‪ ،‬قال اهلل عز وجل ‪�}:‬أمة و�سطاً{‬ ‫وو�سط القوم‬ ‫ويقال‪� :‬ضربت َ‬ ‫و�سط ر�أ�سه بفتح ال�سني‪ْ ،‬‬ ‫ب�سكونها وه��و �أو�سطهم ح�سباً‪� ،‬إذا ك��ان يف و�سط قومه‬ ‫و�أرفعهم حم� ً‬ ‫لا‪ .‬قال ابن منظور‪ :‬و�سط ال�شيء ما بني‬ ‫طرفيه‪ ،‬قال �أعرابي ‪:‬‬ ‫�إذا َر َح� � � ْل � ��تُ ف��اج �ع �ل��وين و� �س �ط �اً‬ ‫�إين ك� �ب�ي�ر ال �أط� � �ي � ��ق ال� �ع� �ن ��ادا‬

‫}وكلوا وا�شربوا وال ت�سرفوا �إنه ال يحب امل�سرفني{‬

‫�أي اجعلوين و�سطاً لكم ترفقون ب��ي وحتفظونني‪،‬‬ ‫و�سطية امل�ع��ام�لات‪ :‬يف نحو ق��ول��ه ت�ع��ال��ى‪} :‬و�أوف ��وا‬ ‫ف�إين �أخاف �إذا كنت وحدي متقدماً لكم �أو مت�أخراً عنكم الكيل وامليزان بالق�سط{‪.‬‬ ‫�أن تفرط دابتي �أو ناقتي فت�صرعني‪ ،‬وقال‪" :‬و�سط ال�شيء‬ ‫و�سطية الق�ضاء‪ :‬يف قوله تعالى‪} :‬ف�أ�صلحوا بينهما‬ ‫�أف�ضله و�أعدله‪.‬‬ ‫بالعدل و�أق�سطوا{‬ ‫الو�سطية ا�صطالحاً‪:‬‬ ‫و�سطية اخلريية‪ :‬يف قوله تعالى‪} :‬وكذلك جعلناكم‬ ‫ً‬ ‫و�سطا{وقوله تعالى‪} :‬ق��ال �أو�سطهم �أمل �أق��ل لكم‬ ‫الو�سطية يف امل�صطلح تعني حالة حممودة تع�صم �أم��ة‬ ‫الفرد من امليل �إلى جانبي الإفراط والتفريط‪� ،‬أو " هي لوال ت�سبحون{‬ ‫التوازن والتعادل بني الطرفني‪ ،‬بحيث ال يطغى طرف‬ ‫و��س�ط�ي��ة ال��زم��ان‪ :‬يف ق��ول��ه ت�ع��ال��ى‪} :‬ح��اف �ظ��وا على‬ ‫على �آخ��ر‪ ،‬فال �إف��راط وال تفريط‪ ،‬وال غلو وال تق�صري‪،‬‬ ‫ال�صلوات وال�صالة الو�سطى{وهاهنا و�سطية زم��ان ال‬ ‫و�إمنا �إتباع للأف�ضل والأعدل والأجود والأكمل‪.‬‬ ‫ي�ضريها �إن ك��ان املعنى �صالة الفجر �أو �صالة الع�صر‬ ‫كما ُيعبرّ عنها �أي�ضاً بـ التوازن الذي يعطي كل ذي (وه ��و ال��راج��ح) �أو غ�يره�م��ا م��ن ال���ص�ل��وات ك�م��ا ج��اء يف‬ ‫حق حقه دون طغيان �أو �إخ�سار �أو وك�س �أو �شطط كالأطراف التفا�سري‪� ،‬إذ �أن املق�صود الإ�شارة �إلى الزمان ال غري‪.‬‬ ‫املتقابلة مث ً‬ ‫ال �أو املت�ضادة‪ :‬الروحية وامل��ادي��ة‪ ،‬والفردية‬ ‫و�سطية امل�ك��ان‪ :‬يف نحو قوله تعالى‪} :‬فو�سطن به‬ ‫واجلماعية‪ ،‬والواقعية واملثالية‪ ،‬والثبات والتغري وما‬ ‫�شابهها‪ ،‬ومعنى التوازن بينهما‪� :‬أن يف�سح لكل طرف منها جمعاً{بالإ�شارة هنا �إلى و�سطية املكان �إذ بعرثته اخليل‬ ‫جماله‪ ،‬ويعطي حقه بالق�سط �أو بالق�سطا�س امل�ستقيم‪ .‬وبعرثته يف مكان ما ‪ -‬تو�سطت جمعاً ففرقته وبعرثته‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الو�سطية يف القر�آن الكرمي وال�سنة املطهرة‬ ‫وردت لفظه و�سط وم�شتقاتها يف ال�ق��ر�آن الكرمي يف‬ ‫موا�ضع منها ‪:‬‬ ‫و�سطية ال�شعائر‪ :‬يف نحو ق��ول��ه تعالى }وال جتهر‬ ‫ب�صالتك وال تخافت بها وابتغ بني ذلك �سبي ً‬ ‫ال{( )‪.‬‬

‫ك�م��ا ورد يف ال�سنة م��ن ال��رواي��ات م��ا ي��دل ع�ل��ى ه��ذه‬ ‫القاعدة باللفظ �أو املفهوم‪ .‬منها‪� ":‬إن الدين قال‪ :‬ولن‬ ‫ي�شاد ال��دي��ن �أح��د �إال غلبه‪ ،‬ف���س��ددوا وق��ارب��وا واب���ش��روا‬ ‫وا�ستعينوا بالغدوة وال��روح��ة و��ش��يء م��ن الدجلةومنها‬ ‫الدعاء‪":‬و�أ�س�ألك الق�صد يف الفقر والغنى‪ ،‬وال�ع��دل يف‬ ‫الغ�ضب والر�ضي"ومنها " �أم��ا واهلل �إين لأخ�شاكم هلل‬ ‫و�أتقاكم ل��ه‪ ،‬ولكن �أ�صوم و�أفطر و�أ�صلي و�أرق��د و�أت��زوج‬ ‫الن�ساء‪ ،‬فمن رغب عن �سنتي فلي�س مني"‬

‫و�سطية الإن�ف��اق‪ :‬يف نحو قوله تعالى‪} :‬وال��ذي��ن �إذا‬ ‫�أنفقوا مل ي�سرفوا ومل ي�ق�تروا وك��ان ب�ين ذل��ك قواما{‬ ‫ومنها حديث �أن�س "�أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬وال جتعل ي��دك مغلولة �إل��ى عنقك وال‬ ‫و�سلم كان يفطر من ال�شهر حتى نظن �أنه ال ي�صوم منه‪،‬‬ ‫تب�سطها كل الب�سط{‬ ‫وي�صوم حتى نظن �أنه ال يفطر منه �شيئاً‪ ،‬وكان ال ت�شاء �أن‬ ‫و�سطية ال���س�ل��وك‪ :‬يف ن�ح��و ق��ول��ه ت�ع��ال��ى‪} :‬واق���ص��د تراه من الليل م�صلياً �إال ر�أيته وال نائماً �إال ر�أيته "وقالوا‬ ‫يف م���ش�ي��ك واغ �� �ض ����ض م��ن � �ص��وت��ك{‪ .‬وق��ول��ه ت�ع��ال��ى‪� :‬أي�ضاً ق��ال‪ :‬دخ��ل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ف ��إذا حبل‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪31‬‬


‫ممدود بني ال�ساريتني فقال‪ " :‬ما هذا احلبل؟ " قالوا‪:‬‬ ‫ه��ذا احلبل لزينب �إذا ف�ترت تعلقت ب��ه‪ ،‬ف�ق��ال‪" :‬حلوه‪،‬‬ ‫فلي�صل �أحدكم ن�شاطه ف�إذا فرت فلريقد"ويف الأخرى ‪":‬‬ ‫ف�إذا َن َع ِ‬ ‫�ست فنامي"‪.‬‬ ‫ومن املعلوم �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �آخى‬ ‫ب�ين �أب ��ي ال� ��درداء و��س�ل�م��ان ال�ف��ار��س��ي‪ .‬ف ��ر�أي �سلمان �أم‬ ‫ال��درداء وهي �شعثة فقال لها‪ :‬ما �ش�أنك؟ قالت‪� :‬أخوك‬ ‫�أبو الدرداء يقوم الليل وي�صوم النهار‪ ،‬فقال �سلمان‪�" :‬إن‬ ‫لربك عليك حقاً‪ ،‬ولنف�سك عليك حقاً‪ ،‬ولأه�ل��ك عليك‬ ‫حقاً‪ ،‬ف�أعط كل ذي حق حقه‪ ،‬قال �صلوات اهلل و�سالمه‬ ‫عليه‪�" :‬صدق �سلمان"‪.‬‬ ‫دور الو�سطية يف حتقيق ال�سلم العاملي على‬ ‫م�ستوى الفرد واملجتمع الدويل‪:‬‬

‫‪32‬‬

‫والتنافر والإنق�سام التي تفتت اجلهود وتبعرث القوى‬ ‫وتذهب باملجتمع بدءاً من الفرد والأ�سرة واملجتمع‪ ،‬فمن‬ ‫اعتمدها منهاج حياة يف �سلوكه كفرد‪ ،‬وو�ضع �أ�س�سها يف‬ ‫الأ� �س��رة مو�ضع التطبيق‪ ،‬ا�ستطاع �أن ي�ؤ�س�س جمتمعاً‬ ‫متكام ً‬ ‫ال من املحبة والتعاون والتعا�ضد و�صلة الرحم‬ ‫حتى �أن��ه بجهده ه��ذا ي�ؤ�س�س جلهد �إن�ساين عاملي قائم‬ ‫على العدل وال�سالم العاملي‪.‬‬ ‫َّا�س �إِنَّا خَ لَ ْقنَا ُك ْم ِمنْ َذكَرٍ َو ُ�أ ْن َثى َو َج َع ْلنَا ُك ْم‬ ‫} َيا َ�أ ُّي َها الن ُ‬ ‫�شُ ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِ َّن �أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد اللهَِّ �أَ ْتقَا ُك ْم �إِ َّن اللهَّ َ‬ ‫ري{‬ ‫َع ِلي ٌم خَ ِب ٌ‬ ‫المي �ك��ن ل�ف�ك��ر ي�ن���ش��د � �ص�لاح الإن���س��ان�ي��ة ج�م�ع��اء �أن‬ ‫يتقوقع داخل �أ�سرة �أو مدر�سة �أو م�صنع او دائرة حكومية‬ ‫او منظمة �أهلية �أو متجر بل يظل بحثه قائماً عن كل‬ ‫�سبيل ي��أخ��ذه ال��ى ا�سعاد الب�شرية جمعاء‪ ،‬وذل��ك الفكر‬ ‫هو الو�سطية التي جاء بها الإ�سالم ز�أرادها خلري النا�س‬ ‫جمعاء ل�صغريهم وكبريهم‪ ،‬غنيهم‪ ،‬وفقريهم‪ ،‬ذكرهم‬ ‫و�أن�ث��اه��م ولقراهم ومدنهم ودول�ه��م‪ ،‬وه�ك��ذا حتى تكون‬ ‫الو�سطية مرتبطة بالعدل وال�سالم العاملي الذي تن�شده‬ ‫الب�شرية جمعاء‪.‬‬

‫�إن الو�سطية متثل منهاج حياة �شاملة للفرد واال�سرة‬ ‫واملجتمع املحلي وال��دويل‪� ،‬إن �أح�سن تفعيلها والتعامل‬ ‫معها‪ ،‬فهي ربانية وتق�سم وتن�سجم مع الفطرة االن�سانية‪،‬‬ ‫وحتقق التوازن بني حاجات النا�س الدينية والدنيوية بكل‬ ‫تفا�صيلها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬الأمر‬ ‫ال��ذي ي�ضع ب��دي� ً‬ ‫لا لكل االنظمة والد�ساتري وال�شرائع‬ ‫لقد كانت وما زالت ر�سالة الإ�سالم موجهة نحو �أهمية‬ ‫الأخرى التي نالها التبديل والتحريف واعرتاها النق�ص‪،‬‬ ‫فاهلل �سبحانه وتعالى عالج كل �أمر (ما فرطنا يف الكتاب حتقيق الأمن املجتمعي " فليعبدوا رب هذا البيت الذي‬ ‫من �شيء‪ ،‬وقوله �سبحانه وتعالى‪( :‬و�إذا تنازعتم يف �شيء �أطعمهم من جوع و �آمنهم من خوف"‪ ،‬من �أجل �صياغة‬ ‫الفرد وحتقيق الأمن للفرد من �أجل املجتمع كله‪ ،‬ولذلك‬ ‫فردوه الى اهلل والى الر�سول )‬ ‫ف��إن الفرد الطبيعي الميكن له �أن يحقق ح�ضوره على‬ ‫فديننا و�شرعنا احلنيف‪ ،‬عمل على ف�ض النزاعات م�ستوى املدر�سة �أو اجلامعة �أو ال�سوق او يف امل�سجد اال‬ ‫حتى م��ع ال�ف��رد ونف�سه الأم ��ارة بال�سوء }�أال بذكر اهلل يف ظل �أمن جمتمعي يكفل له �أ�سرة متحابة تت�ألف من‬ ‫ت�ط�م�ئ��ن ال �ق �ل��وب{ }وق� ��ل اع� ��وذ ب ��رب ال �ن��ا���س م��ن �شر �أم ر�ؤوم و�أب رحيم و�أخوات حانيات و�أخوة �صادقة‪ ،‬مثلما‬ ‫الو�سوا�س اخلنا�س‪{ .... .‬‬ ‫يكون الأمر يف املدر�سة من معلم معطاء ومدير خمل�ص‬ ‫وهذه دعوة الى اال�ستقرار النف�سي بالرجوع الى ذكر وزميل ويف لينتقل بعدها الى جامعة منتظمة يف �أ�س�سها‬ ‫اهلل وما نزل من احلق‪ ،‬لي�ستعيد االن�سان ذاته ويجعلها وبراجمها ومناهجها و�أخالقياتها‪ ،‬ت�صقل الفرد وفق‬ ‫�صيغة ت�شاركية تكفل له الإندماج ال�سل�س يف املجتمع بعد‬ ‫م�أمورة ب�أمره اليتنازعها هوى او �شيطان‪.‬‬ ‫تخرجه‪ ،‬ويف �أي م�ؤ�س�سة ي��ري��د‪ ،‬حتى يدخل امل�صنع �أو‬ ‫�أما اال�سرة‪ ،‬ف�أن اال�سالم عالج م�شاكلها و�أمر بتحكيم الدائرة او امل�ست�شفى وهو الأكرث وعياً وت�أهي ً‬ ‫ال مبا ميلك‬ ‫�شرع اهلل فيها‪ ،‬ف�أمر برتبية االوالد على منهاج النبوة‪ ،‬من معرفة نظرية ينتظر تطبيقها على �أر�ض الواقع كل‬ ‫وقبلها باختيار االم ال�صاحلة ذات الدين واخللق التي ذلك وفق حركة دائبة مطمئنة �أمنية وخلفية و�سلوكيات‬ ‫ت�ستطيع تربية جيل م�ؤمن بربه منتم لوطنه و�أمته‪ ،‬قادر جمتمعية حتقق له �أكرب قدر من امل�شاركة النافعة‪ ،‬عندها‬ ‫تقول‪ :‬ان الأمن املجتمعي املتكامل �أ�سهم ب�شكل كبري يف‬ ‫على اثبات ح�ضوره كفرد من �أمة �صاحبة ر�سالة‪.‬‬ ‫�صياغة الفرد ال�صحيح من حيث اجل�سد والعقل والروح‬ ‫�إن ال��و��س�ط�ي��ة م�ن�ه��اج ح �ي��اة وم ��ن ات �خ��ذه��ا م�ن�ه��اج�اً والوجدان منذ كان طف ً‬ ‫ال يف بيته‪� ،‬إلى ان ا�صبح تلميذاً يف‬ ‫حلياته وجد لها �سبي ً‬ ‫ال يف كل �أمر من �أمور حياته‪ ،‬فهي مدر�سته‪ ،‬وطالباً يف جامعته وطبيباً يف عيادته‪ ،‬ومهند�ساً‬ ‫يف ال�سيا�سة والإقت�صاد وكذلك يف الإجتماع وت�ستطيع يف م�صنعه وموظفاً يف دائرته فهذه املنظومة املجتمعية‬ ‫ال��و��س�ط�ي��ة ت �ق��دمي ت���ص��ور ل�ب�ن��اء اج�ت�م��اع��ي واق�ت���ص��ادي يربطها رب��اط واح��د ا�سمه الأم��ن املجتمعي‪ ،‬فاحلي هو‬ ‫ق��ادر على تنظيم �أم��ور النا�س ونقلهم من حالة التنازع الدائرة الأولى بعد البيت وهكذا تتوالى الدوائر ات�ساعاً‬


‫حتى ت�صل الى م�ستوى الدولة كلها لتنطلق الى الإقليم‬ ‫والعامل �أجمع‪.‬‬

‫مرجعية ثابتة بالن�سبة للجهات التنفيذية وبقية‬ ‫�أطراف املعادلة الق�ضائية من متقا�ضني وحمامني‬ ‫وغريهم‪.‬‬

‫ف��ال�ف��رد ال ��ذي يعي�ش يف ب�ي��ت وم��دي�ن��ة ودول� ��ة �آم�ن��ة‬ ‫مطمئنة مر مبراحل وخربات تعليمية وعملية يكون �أكرث ‪� .4‬إحرتام القيم والأخالق العامة والأعراف والتقاليد‬ ‫ت�أهي ً‬ ‫املوروثة والإيجابية‪.‬‬ ‫ال من غ�يره ليكون مواطناً �صاحلاً له وللب�شرية‬ ‫جمعاء‪ ،‬وهذا املطلب الأول للو�سطية عندما تريد الأمن‬ ‫وذل� ��ك لأن م��ا ذك ��ر � �س��اب �ق �اً م��ن (الأخ �ل ��اق ال�ع��ام��ة‬ ‫املجتمعي حا�ضراً من �أجل �صناعة الفرد الذي نريد‬ ‫والأع��راف‪� .. .‬إل��خ) ت�شكل جميعها قانوناً اجتماعياً غري‬ ‫م�ط�ب��وع‪ ،‬لكنه ث��اب��ت يف ال��وج��دان ال�شعبي ل��دى النا�س‬ ‫مقومات الأمن الإجتماعي‪:‬‬ ‫ويتناقلون ث�م��رة الإل �ت��زام ب��ه ج�ي� ً‬ ‫لا �إث��ر ج�ي��ل‪ ،‬وه��و من‬ ‫}يا �أيها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و�أنثى وجعلناكم مقومات بناء املجتمعات �إن �أرادت ذل��ك‪ ،‬ف��الأخ�لاق هي‬ ‫�شعوباً وقبائل لتعارفوا{‬ ‫ع�صب كل عالقة تبادلية يف املجتمع مع التاجر واملوظف‬ ‫واملعلم والطالب والطبيب وهي �أ�سا�س كل عالقة ثنائية‬ ‫}يا �أيها النا�س �أدخلوا يف ال�سلم كافة{‬ ‫�أو جمعية‪.‬‬ ‫ولذلك نقول‪ :‬ان من يريد حماية الدولة عليه قبل دعم‬ ‫�أهمية الأمن وال�سلم الدويل يف ن�شوء الدول‬ ‫الت�سليح و�شراء ال�صواريخ والدبابات وال�سفن احلربية‪،‬‬ ‫وا�ستقرارها‪.‬‬ ‫عليه ان ينتقي الفكر النا�صع‪ ،‬والقيم اجلوهرية فيبثها‬ ‫يف نفو�س الأط�ف��ال وعقولهم‪ ،‬يف براجمهم ومناهجهم‬ ‫�إذا كان الأم��ن حاجة فطرية ال ي�ستطيع �أي جمتمع‬ ‫وم�سرحياتهم وم�ساجدهم ومدار�سهم وجامعاتهم ثم م��ا‪ ،‬ك�بر �أم �صغر �أن ي�ت�ن��ازل عنها‪ ،‬ف��ال�ف��رد والأ� �س��رة يف‬ ‫يفعلها ع�ل��ى �شكل خ�ط��ط ا�سرتاتيجية ق��اب�ل��ة للتنفيذ حالتهما الأول��ى يحتاجان ل�ل�أم��ن حتى ي�ستقيم الأم��ر‬ ‫احلقيقي‪ ،‬عندها �سيطمئن �أن املجتمع ي�سري وفق ر�ؤية داخل الأ�سرة ومع جميع �أفرادها باعتبارها (�أي الأ�سرة)‬ ‫فكرية واح ��دة‪ ،‬مت��ام�اً كما ه��و احل��ال م��ع �سيدنا حممد احلا�ضنة الإجتماعية الأولى لهذا الفرد‪ ،‬وهي امل�س�ؤولة‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم بعد فتح مكة (ال�ي��وم �أكملت لكم عن حتقيق الأمن والرفاه والطم�أنينة له‪.‬‬ ‫دينكم و�أمتمت عليكم نعمتي ور�ضيت لكم الإ�سالم دينا)‪.‬‬ ‫وين�سحب ه��ذا الأم��ر �إل��ى املكون الإجتماعي للدول‪،‬‬ ‫ن�ع��م‪� ،‬إن م��ن مت��ام الأم ��ن والأم� ��ان وال�ف�ت��ح امل�ب�ين له وه��ي املجموعات الب�شرية امل��وج��ودة على �شكل جتمعات‬ ‫�أن تغلغل منهاجه يف كل مفا�صل الدولة فتحقق العدل قبلية وع���ش��ائ��ري��ة وق �ط��اع��ات مهنية وف�ك��ري��ة وثقافية‬ ‫التي تلتقي جميعها وفق ما ي�سمى بالعقد الإجتماعي‪،‬‬ ‫وانت�شر الأمن ومتت النعمة‪.‬‬ ‫فتتفق على العي�ش امل�شرتك �ضمن ما ي�سمى بالدولة‪،‬‬ ‫ولعل من مقومات الأمن املجتمعي التي جتعل املجتمع فتكتب د�ستورها وقوانينها و�أنظمتها وتعليماتها التي‬ ‫�ست�سري عليها يف دوائ��ره��ا‪ ،‬وم�ؤ�س�ساتها‪ ،‬وب��ذل��ك تن�ش�أ‬ ‫الإ�سالمي قوياً فاع ً‬ ‫ال �سهماً‪:‬‬ ‫الدول انطالقاً من �إميان اجلميع ب�ضرورة حتقيق الأمن‬ ‫‪ .1‬احلرية امل�س�ؤولة‪ :‬ونق�صد هنا باحلرية تلك املمنوحة امل�شرتك الذي ميهد لإقامة الدولة وم�ؤ�ساتها التي تخدم‬ ‫للفرد وفق معادلة احلقوق والواجبات التي �أقرتها املواطنني �ضمن معادلة احلقوق والواجبات‪.‬‬ ‫ال�شرائع ال�سماوية والد�ساتري والقوانني والقوانني‬ ‫ي�ستطيع فرد ما �أن يعكر �صفو عالقة بني دولتني ما‪،‬‬ ‫الو�ضعية‪ ،‬وحتقق للفرد الكرامة الإن�سانية وحتقق وذلك �إذا ا�ستطاع �أن يجعل من امر ب�سيط م�شكلة كبرية‬ ‫الذات‪ ،‬وفر�صة الإبداع والإبتكار والتنقل والتعبري‪ .‬تتعقد فيها احللول والأ�سباب والنتائج‪ ،‬ويف ذلك ي�سجل‬ ‫‪ .2‬ح��ري��ة ال�ع�ب��ادة والإع �ت �ق��اد (ح��ري��ة ال�ت�ع�ب�ير) �ضمن التاريخ ال�سيا�سي للدول �صوراً من النزاعات الدولية التي‬ ‫معيار رب��اين ارت�ضاه اهلل لعباده‪ ،‬وهو " لكم دينكم قامت لأ�سباب ب�سيطة ا�ستدعت معها تدخل الو�سطاء‬ ‫ويل دين" ب�شرط عدم اخلروج على الوالية العامة واحلكماء واملحكمني الدوليني‪.‬‬ ‫ل�ل��دول��ة وظ��واب�ط�ه��ا فيما يتعلق ب ��الأدي ��ان وح��ري��ة‬ ‫وع�ل�ي��ه‪ ،‬ف ��إن الإج��اب��ة على ال���س��ؤال الرئي�س‪ :‬الأم��ن‬ ‫املعتقدات‪.‬‬ ‫وال�سلم الدويل م�س�ؤولية من؟‬ ‫‪�� .3‬س�ي��ادة ال �ق��ان��ون‪� :‬إن تفعيل ال�ن���ص��و���ص القانونية‬ ‫قد يلحظها كل فرد ب�سهولة‪ ،‬ذلك �أن الإن�سان مبفرده‬ ‫عند احل��اج��ة �إليها ي�ضمن �سيادتها وق��درت�ه��ا على قد يت�سبب ب�أزمة دولية‪ ،‬و قد يكون �سبباً يف منع حدوثها‬ ‫حفظ الأم��ن وال�ت��وازن بحيث ت�شكل م��واد القانون‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪33‬‬


‫�أو حلها �إن وقعت‪ ،‬وبذلك تكون امل�س�ؤولية الأولى يف حماية‬ ‫الأم��ن وال�سلم ال��دويل على الفرد �أي�اّ كان موقعه وقربه‬ ‫من �صنع احلدث �أو القرار‪ ،‬مثلما ميتد الأمر لي�صل �إلى‬ ‫املجموعة من النا�س حتى ي�صل �إل��ى م�س�ؤولية كل دولة‬ ‫ت�شرتك يف النظام الدويل مبعاهدات ومواثيق‪ ،‬فامل�س�ؤولية‬ ‫متعددة وم�شرتكة‪ ،‬تبد�أ بالفرد وتنتهي بالدول‪.‬‬

‫‪ .2‬ع��دم التدخل يف ال�سيا�سة الداخلية لأي دول��ة ما‪،‬‬ ‫وه��ذا م��ن �ش�أنه �أن يبعد الإجتماعات البعيدة عن‬ ‫ال��واق��ع يف ح��ل ه��ذه امل�شكلة �أو ت�ل��ك‪ ،‬فكما ي�ق��ال (‬ ‫�أه��ل مكة �أدرى ب�شعابها) وكل م�شكلة جتد الأق��رب‬ ‫�إل��ى ا�سبابها وحيثياتها والأط� ��راف امل�شرتكة بها‪،‬‬ ‫والو�سائل التي ميكن اتباعها يف �سبيل حلها‪.‬‬

‫وت�سعى الإن�سانية جمعاء �سعياً ظاهرياً نحو حتقيق‬ ‫الأم ��ن وال�سلم ل�ه��ا‪ ،‬وق��د ي�ك��ون �سعياً حقيقياً م��ن قبل‬ ‫امل�صلحني والدعاة واملفكرين واملثقفني الذين ي��رون �أن‬ ‫�سعادة الب�شرية تكمن يف جتان�سها وتكاملها وتعاونها‪،‬‬ ‫غ�ير �أن ت�ضارب امل�صالح ل��دى ال��دول والأن�ظ�م��ة يحيد‬ ‫العواطف وامل�شاعر الإن�سانية احلقيقية وي�ستغني عنها‬ ‫ب��احل��روب وال�ف�تن وال�ق�لاق��ل م��ن �أج��ل النيل م��ن هيبة‬ ‫هذه الدولة �أو تلك‪ ،‬الأم��ر الذي ي�ضع ال�شعوب يف مهب‬ ‫رياح ردات الفعل غري املن�ضبطه والتي ت�أتي على م�صالح ‪ .4‬اللجوء �إل��ى املنظمات احلقوقية ذات احليادية من‬ ‫جميع الأطراف‪.‬‬ ‫النا�س و�أرواحهم و�أرزاقهم فيها‪ ،‬يتنقلون من مكان لآخر‬ ‫�سعياً نحو الإ�ستقرار والأمن و الطم�أنينة‪ ،‬وقد يجدون يف ‪ .5‬تفعيل القوانني االن�سانية التي تكفل جلميع الدول‬ ‫بالد املهجر ما عانوا منه من بالدهم من ظلم وتهمي�ش‬ ‫العي�ش امل�شرتك بكل �أمن و�سالم‪.‬‬ ‫وفقر وجوع‪.‬‬ ‫‪ .6‬ع��دم اال�صطفاف يف حم��اور ع�سكرية وا�ستعرا�ض‬ ‫�إن م�ق��ول��ة " ك��ل ام ��رء ع�ل��ى ث�غ��رة م��ن ث�غ��ر الإ� �س�لام‬ ‫ال�ق��وى الع�سكرية ل�ه��ذة ال��دول��ة �أو ت�ل��ك‪� .‬أو لهذا‬ ‫فال ي�ؤتني من قبلك" هدفها وا�ضح ور�سالتها وا�ضحة‬ ‫احل�ل��ف �أوذاك ع�ن��د �أي ت���ض��اد يف امل���ص��ال��ح‪ ،‬واب�ق��اء‬ ‫واملجتمع �سفينة واح��دة‪ ،‬ال يحق لأي �إن�سان ان يت�صرف‬ ‫اخلالف ثنائياً بني هذه الدولة وتلك‪ ،‬واعطاء املزيد‬ ‫ب��امل���س��اح��ة ال �ت��ي ي�شغلها كيفما ي���ش��اء‪� ،‬إذ ان الأم� ��ن او‬ ‫من املفاو�ضات لف�ض النزاعات بالطرق ال�سلمية‪.‬‬ ‫�ضياعه ي�ب��د�أ بفكرة �إيجابية �أو �سلبية‪ ،‬فمن يريد بث‬ ‫الأمن والطم�أنينة ين�شر فكرة ويثبت عليها حتى ت�صبح ‪ .7‬تفعيل امل�ضامني القانونية ملحكمة العدل الدولية‬ ‫�إط� ��اراً عملياً ق��اب� ً‬ ‫لا للتنفيذ يف ك��ل الأم��اك��ن والأوق ��ات‬ ‫والزام جميع الدول بتنفيذ بنودها‪ ،‬مبا يكفل احقاق‬ ‫والظروف‪ ،‬وال�سلبية كذلك تبد�أ بفكرة خبيثة تبحث لها‬ ‫احلق لأ�صحابه من الدول مهما �ضعف �صاحب احلق‬ ‫عن دعم‪ ،‬فتنتهج �أقبح ال�سبل من �أجل ن�شرها وتفعيلها‬ ‫�أو ق��وي‪ ،‬فالعدل هنا هو �أ�سا�س العالقة االن�سانية‬ ‫وت�ضخيمها حتى ت�سود بني النا�س وتنتقل بينهم انتقال‬ ‫الطيبة امل�شرتكة‪.‬‬ ‫النار يف اله�شيم‪ ،‬من هنا ي�أتي الت�أكيد �أو ًال على الأم��ن‬ ‫الفكري والتح�صني الفكري والوعي الثقايف الذي يحارب ‪ .8‬منا�صرة الق�ضايا العادلة ذات ال�صبغة االن�سانية‬ ‫وال�ت��ي يجمع ال�ع��امل �أج�م��ع على عدالتها‪ :‬ان�سانيا‬ ‫الفكرة بفكرة‪ ،‬ف�إذا ما مت ذلك للدولة على م�ستوى البيت‬ ‫وقانونيا وثقافيا‪ ،‬ولعل ق�ضية فل�سطني ت�برز هنا‬ ‫واملدر�سة واجلامعة والدائرة وامل�سجد وامل�صنع وال�شارع‬ ‫ك��أب��رز ق�ضية �إن�سانية يجمع ال�ع��امل تقربياً –ولو‬ ‫�أ�صبحت الدولة يف م�أمن من كل خطر داهم‪.‬‬ ‫�شعباً – على عدالتها لأ�صحابها ال�شرعيني وهم‬ ‫�شروط حتقيق الأمن وال�سلم الدويل‪:‬‬ ‫الفل�سطينيون‪.‬‬ ‫‪ .3‬ع��دم ا�ستخدام القوة بني دول اجل��وار حلل امل�شاكل‬ ‫امل���ش�ترك��ة‪ ،‬وه��ذا الأم ��ر ي�شكل ب�ع��داً �أم�ن�ي�اً يف غاية‬ ‫الأه�م�ي��ة‪� ،‬إذ ال يجوز اللجوء للقوة عند �أي ظرف‬ ‫ال يتحقق معه الإن�سجام التام بني دولتني جارتني‪،‬‬ ‫ول��ذل��ك ال ب � ّد م��ن ت��رك م�ساحة ك�ب�يرة للتفاو�ض‬ ‫واق�تراح احللول العملية التي قد تنا�سب الطرفني‬ ‫يف حال وقعت م�شكلة ما‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫‪ .1‬اح�ترام �سيادة كل دولة على �أرا�ضيها‪ ،‬بحيث ت�شعر ‪ .9‬اح �ت�رام امل��واث �ي��ق والأع� � ��راف ال��دول �ي��ة وامل �ع��اه��دات‬ ‫ه��ذه ال��دول��ة �أو ت �ل��ك‪� ،‬أن �ه��ا يف م �ن ��أى ع��ن �أي ن��زاع‬ ‫وح�سن اجلوار‪.‬‬ ‫حمتمل م��ع دول��ة م��ا ح��ول ال���س�ي��ادة على ج��زء من‬ ‫�أجزائها‪ ،‬و�إذا تطور الأم��ر �إلى بروز اختالف ونزاع ‪ .10‬الإح�ت�ك��ام �إل��ى الهيئات ال��دول�ي��ة يف ف�ض ال�ن��زاع��ات‬ ‫واخلالفات‪.‬‬ ‫ف�إن واجب كل دولة تكون طرفاً يف هذا النزاع اللجوء‬ ‫�إلى املنظمات الدولية واملحاكم الدولية حلله‪ ،‬بعيداً‬ ‫التفريق بني الإرهاب والتطرف‪:‬‬ ‫عن �إ�شعال الفنت واحلروب التي ت�أتي على مقدرات‬ ‫�أم��ا الإره ��اب فكلمته �أطلقت يف ه��ذه الأي��ام على من‬ ‫الأمم وال�شعوب‪.‬‬


‫ي�سلكون �سبيل العنف والإرهاب لتحقيق �أهدافهم و�إقامة‬ ‫�سلطتهم‪ ،‬كما مت ا�ستثمارها م��ن قبل بع�ض الأنظمة‬ ‫لت�صفية املعار�ضني واملخالفني‪.‬‬

‫ي�سندها اق�ت���ص��اد ق��وي ت�ستطيع � �ش��راء الأ��س�ل�ح��ة‪،‬‬ ‫وال�ت�ح�ك��م مب �� �ص��ادر اق �ت �� �ص��اده��ا‪ ،‬خ��ا��ص��ة �إذا ك��ان��ت‬ ‫م�صدرة للطاقة‪ ،‬ورمبا ذلك جلب التدخل يف �ش�ؤونها‬ ‫ال��داخ�ل�ي��ة‪ ،‬خا�صة �إذا مل متتلك ال�ق��وة الع�سكرية‬ ‫احلقيقية املتمثلة بالت�سليح وال�ت��دري��ب والعقيدة‬ ‫القتالية جلنودها‪.‬‬

‫والإرهاب هو نوع من التمرد امل�شوب بالعنف لتحقيق‬ ‫الأهداف بطرق م�شروعة او غري م�شروعة‪ ،‬فالذي يدافع‬ ‫ع��ن ح�ق��ه امل �ع�ترف ب��ه يف ��ش��رائ��ع ال���س�م��اء ويف ال�ق��ان��ون‬ ‫عدم وجود التجان�س الإجتماعي يف املكون الإجتماعي‬ ‫الدويل اليعترب �إرهابياً بل ي�صل عمله الى درجة البطولة‬ ‫لهذه الدولة �أو تلك‪ ،‬فاختالف املكونات الإجتماعية يف‬ ‫والت�ضحية‪ ،‬و�إذا مات مدافعاً لكان �شهيداً وله املغفرة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الدولة الواحدة وانق�سامها‪ :‬لغة وعرقا ولونا وديان ًة‪ ،‬قد‬ ‫وه��و جم ��اوزة احل��د وال �ق��در يف ك��ل � �ش��يء‪ ،‬فالتنطع يجعل الأمر متاحاً لتدخل مرجعيات عدة يف �صنع القرار‬ ‫والت�شدد هروب من الو�سطية والو�سط ب�إجتاه كل طرف الرئي�س لدى دولة ما‪ ،‬مما يجعل �أحياناً �أمر الإن�سجام‬ ‫وعلى غري هدى‪ ،‬ذلك ان الت�شدد يف غري مو�ضع الت�شدد والتناغم بني تلك املكونات غري مقبول يف نظر البع�ض �أو‬ ‫�إف�ساد للفكر والعقل والوجدان‪ ،‬فهو كما قال ابو الطيب غري ممكن‪ ،‬مما يولد خالفاً‪ ،‬ما بني تلك املكونات‪ ،‬تت�سع‬ ‫املتنبي‬ ‫دائرته لي�صل �إلى دول اجلوار التي قد تت�شابه فيها‪ ،‬تلك‬ ‫املكونات الإجتماعية‪ ،‬وعلى �سبيل املثال ال احل�صر‪ ،‬اليهود‬ ‫فو�ضع الندى يف‪ ‬مو�ضع‪ ‬ال�سيف بالعال‬ ‫يف دولة ما‪ ،‬الأمر الذي ينذر �أي�ضاً بتدخل دول عظمى من‬ ‫م�ضر ك��و��ض��ع ال�سيف يف‪ ‬مو�ضع‪ ‬الندى �أجل حماية هذه الفئة من النا�س‪ ،‬وهذا الأم��ر ين�سحب‬ ‫على كثري م��ن الق�ضايا ال��دول�ي��ة املعلقة ذات الأ��س�ب��اب‬ ‫معوقات حتقيق الأمن وال�سلم الدويل ‪:‬‬ ‫املت�شابهة‪.‬‬ ‫• تعدد املرجعيات الفكرية والثقافية والدينية التي‬ ‫التو�صيات‪:‬‬ ‫تر�سم املالمح العامة لكل دولة من الدول‪ ،‬وتناق�ض‬ ‫‪ .1‬دع��وة العلماء واملفكرين للقيام ب��دوره��م يف ار�شاد‬ ‫هذه املرجعيات مع بع�ضها البع�ض‪.‬‬ ‫الأمة مبخاطر التطرف والإرهاب‬ ‫• ت�ضارب امل�صالح بني الدول‪ ،‬فكل دولة لها م�صلحتها‬ ‫اخلا�صة التي تختلف عن امل�صالح الأخ��رى لدولة ‪ .2‬دع��وة رج��ال الفكر و�أ��ص�ح��اب ال ��ر�أي ال��ى اب��راز قيم‬ ‫الإ�سالم و�سماحته واعتداله‪.‬‬ ‫�أخ��رى‪ ،‬وهذا ي�سبب اختالفاً يف وجهات النظر عند‬ ‫البحث يف حتقيق تلك امل�صالح‪� ،‬إذ عندها يتوقف ‪ .3‬ال�ترك�ي��ز ع�ل��ى امل�ن��اه��ج التعليمية يف �إع� ��ادة بنائها‬ ‫احل ��وار وت�صمت الأل���س�ن��ة وال �ع �ق��ول وت �ك��ون ال�ق��وة‬ ‫بطريقة علمية و�إبعاد الإفكار الأحادية‪.‬‬ ‫ه��ي �سيدة امل��وق��ف‪� ،‬إم��ا بالتلميح يف ا�ستخدامها �أو‬ ‫الإ�ستعرا�ض بها‪� ،‬أو بالتذكري بوجودها الأمر الذي ‪ .4‬على احلكومات مهام ج�سيمة للقيام بدورها لتوجيه‬ ‫يثري حفيظة الآخرين و�إن اعرتاهم �ضعف وهزل‪.‬‬ ‫بع�ض م��وارده��ا خل��دم��ة ر��س��ال��ة ال �ع��دل والإن���ص��اف‬ ‫والإن�سانية والدفاع عن الإ�سالم يف املحافل الدولية‪.‬‬ ‫• التفاوت يف القوى الع�سكرية‪� ،‬إن الدول القوية ال ت�أبه‬ ‫مب�صالح الدول ال�ضعيفة‪ ،‬وتدرك �أن م�صاحلها �سهلة ‪ .5‬ن�شر فكر الت�سامح والإعتدال كثقافة عامة بالت�شارك‬ ‫التحقيق بف�ضل امتالكها للقوة‪� ،‬إذ �إن الدول ال�ضعيفة‬ ‫بني جميع امل�ؤ�س�سات التعليمية والثقافية والعلمية‬ ‫ت�ستلم وتذعن لكل قرار �صادر عن �أي دولة قوية‪.‬‬ ‫واجلامعات يف كافة الأو�ساط الدولية‪.‬‬ ‫• التفاوت يف القوى الإقت�صادية‪ ،‬نعم‪� ،‬إن الإقت�صاد ‪ .6‬اب��راز املبادرات املتعددة للحوار والتعاي�ش والإلتقاء‬ ‫على كلمة �سواء‪.‬‬ ‫ك��ذل��ك م��ن ع��وام��ل ال �ق��وة ل �ل��دول��ة‪ ،‬ف��ال��دول��ة التي‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪35‬‬


‫دراسات‬

‫من مظاهر التشويق وإثارة االنتباه‬ ‫في الحديث الشريف‬

‫‪36‬‬

‫د‪ .‬لطفي بن حممد الزغي‬

‫غني عن القول �أ َّن ال�سنة النبوية متثل مرجعية عليا يف الرتبية‬ ‫والتعليم‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال ع��ن كونها مرجعي ًة رئي�سة يف الأح �ك��ام والعقائد‪،‬‬ ‫ولهذا فال بد �أن ت�شتمل ال�سنة على ما يخدم ه��ذه الغاية‪ ،‬و�أق�صد‬ ‫بذلك ا�شتمالها على �أ�ساليب حتقق الرتبية وت�ثري التعليم‪ ،‬وت�ضع‬ ‫القواعد‪ ،‬وتر�سم املعامل للم�شتغلني يف هذا ال�سبيل‪ ،‬من خالل املواقف‬ ‫وال�ت��وج�ي�ه��ات والأ��س��ال�ي��ب ال��واف��رة امل�ت�ن��وع��ة يف ه��ذا ال �ب��اب‪ ،‬واملتتبع‬ ‫لأحاديث النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم ) يالحظ هذا الأمر جلياً فيها‪،‬‬ ‫بل �إنني �أزيد ب�أن ال�سنة النبوية ال�شريفة قد ا�شتملت على و�سائل يف‬ ‫الرتبية والتعليم ال زالت حتى الآن هي من �أجنع الو�سائل‪.‬‬ ‫ول�ست هنا ب�صدد ح�صر هذه الأ�ساليب لأن هذا لي�س مكانه‪ ,‬وهو‬ ‫�أمر لي�س بالهني‪ ،‬بل �أريد �أن �أركز يف بحثي هذا على �أ�ساليب الت�شويق‬ ‫و�إث��ارة االنتباه التي ا�شتملت عليها الأح��ادي��ث النبوية‪ ،‬و�أق�صد بهذا‬ ‫العنوان �أ�ساليب الت�شويق و�إثارة االنتباه التي حفلت بها ال�سنة النبوية‬ ‫وا�ستخدمها النبي(�صلى اهلل عليه و�سلم )‪ ،‬ليثري �أ��ص�ح��اب��ه �أو ًال‪،‬‬ ‫ويو�صل �إليهم ما يريد ب�أف�ضل الطرق و�أجنعها‪ ،‬ويجعل ما ي�أتي من‬ ‫خالل ذلك حمفوظاً لديهم را�سخاً يف �أذهانهم‪.‬‬ ‫ولعله م��ن احلكمة �أن حتظى ه��ذه الأ��س��ال�ي��ب باهتمام املعلمني‬ ‫والعاملني يف احلقل الرتبوي‪� ،‬إذ ينبغي �أن يحر�صوا عليها‪ ،‬لأ َّن جذب‬ ‫اهتمام ال�سامعني و�إث��ارة انتباههم �أم� ٌر يف غاية الأهمية‪ ،‬لأ َّن النجاح‬ ‫يف ه��ذا الأم ��ر �سيكون مقدمة لنجاح �أك�ب�ر بعد ذل��ك يف م��ا ه��و �أه��م‬ ‫و�أعظم‪ .‬والأ�ساليب املتك ّلم عنها ع��اد ًة هي؛ �أ�ساليب ت�شويق ب�صرية‪،‬‬


‫و�أ�ساليب ت�شويق �سمعية‪ ،‬وهذا ما �سيكون حمور البحث‪ - ،‬ظهور ٍ‬ ‫رجل غريبٍ يف ثياب ٍ بي�ضاء نا�صع ٍة‪ ،‬ومظه ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫نظيف‪.‬‬ ‫ولكن �س�أزيد بع�ض الأ�ساليب التي ر�أي��ت �أنها من �صلب‬ ‫مو�ضوعي‪ ،‬ولهذا تناول بحثي ثالثة مباحث �أ�سردها كما‬ ‫هي غري مقلد �أي تق�سيم يرجع لعلم من العلوم‪ ،‬لقناعتي ‪ -‬عدم معرفة �أحد بهذا الرجل‪� ،‬إذ لو كان معروفاً لقيل‬ ‫�إنه دخل دار من يعرفه َّ‬ ‫وتنظف عنده‪.‬‬ ‫�أن التق�سيم ال��ذي ذكرته �أملته طبيعة البحث‪ ،‬وح�سبما‬ ‫توفر عندي من مادة‪ ،‬وهذه املباحث هي ‪:‬‬ ‫ عدم ظهور �أثر ال�سفر عليه‪� ،‬إذ لو كان م�سافراً لظهر‬‫هذا يف هيئته‪ ،‬من حيث ات�ساخ الثياب‪ ،‬و�شعث الر�أ�س‪.‬‬ ‫املبحث الأول‬ ‫ دخ��ول��ه على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بطريق ٍة‬‫�أ�ساليب �إثارة االنتباه الب�صرية يف ال�سنة‬ ‫خمالف ٍة ملا عهده ال�صحابة (ر�ضوان اهلل عليهم )‪ ،‬من‬ ‫النبوية‬ ‫طريقة الأعراب وما فيها من جالفة‪ ،‬وجهل ب�أ�صول‬ ‫ال�س�ؤال واخلطاب‪ .‬فهذه الأحوال كلها ُّ‬ ‫تدل على �أ َّن‬ ‫يق�صد ب�أ�ساليب الإثارة الب�صرية تلك الأ�ساليب التي‬ ‫ه��ذا احل��دي��ث ق��د ا�شتمل على م�ث ٍ‬ ‫�يرات ك�ث�ير ٍة دعت‬ ‫ت�ستخدم لإث��ارة امل�ستهدفني وت�شويقهم من خالل �أمور‬ ‫ال َّراوي لأن ي�سرت�سل يف ذكرها بدق ٍة فائق ٍة‪ ،‬وهذا ما‬ ‫لها تعلقٌ بحا�سة الب�صر‪ ،‬وق ّدمت الب�صر على غريه لأنه‬ ‫الحظه الدكتور اخلالدي بقوله(‪ (( :)2‬فقد كانت‬ ‫�أ�سرع حوا�س الإن�سان‪ ,‬وبالتايل تدرك الأ�شياء من خالله‬ ‫ثياب الرجل بي�ضاء �شديدة البيا�ض‪ ،‬و�شعره �أ�سود‬ ‫ٍ‬ ‫ب�شكل �أ�سرع‪ ,‬لذا ا�ستحق �صفة التقدم‪.‬‬ ‫�شديد ال�سواد‪ ،‬وكان �أنيق املالب�س ال ُيرى �أثر ال�سفر‬ ‫وعند جمع ال�شواهد على ه��ذا الأ�سلوب وج��دت �أنها‬ ‫على ثيابه وال على �شعره وال على بدنه‪ ،‬فك�أنه خار ٌج‬ ‫من ٍ‬ ‫تتنوع �إل��ى �أ�ساليب ت�سبق عملية التعليم و�أ�ساليب ت�أتي‬ ‫بيت قريبٍ للمكان الذي يجل�سون فيه‪.‬‬ ‫�أث�ن��اءه��ا‪ ،‬وكلها يق�صد منها لفت ان�ت�ب��اه احلا�ضرين ملا‬ ‫والغريب �أنه ال يعرفه �أح ٌد من ال�صحابة اجلال�سني‪،‬‬ ‫�سيقال‪ ،‬وهذا بيان ما �أجملت‪.‬‬ ‫فلو كان من �أهل املدينة لعرفوه‪ ،‬ولو مل يكن من املدينة‪،‬‬ ‫املطلب الأول‪� :‬أ�ساليب ت�شويق ب�صرية ت�سبق العملية التعليمية‪ .‬ولو كان م�سافرا قادماً من ٍ‬ ‫بعيد‪ ،‬لكان �أ�شعث �أغرب‪ ،‬فكيف‬ ‫جمع بني �أناقة ونظافة مظهره وبني عدم معرفتهم به‪.‬‬ ‫ويق�صد بها الأ��س��ال�ي��ب ال�ت��ي يلج�أ �إل�ي�ه��ا املعلم قبل‬ ‫بعد ذلك ت�ص َّرف الرجل الغريب املثري ت�صرفاً �أكرث‬ ‫�شروعه بالتدري�س جلذب انتباه املتعلمني و�ش ِّد انتباههم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا غالباً ما يح�صل عندما يكون الأمر املراد �إي�صاله يف �إث ��ارة‪ ،‬زاد يف انفعال وتفاعل ال�صحابة اجلال�سني‪ ،‬فقد‬ ‫اخ�ترق ال��رج��ل ال�صحابة اجلال�سني‪ ،‬و�أق�ب��ل على ر�سول‬ ‫غاية الأهمية‪ ،‬وهو يف ال�سنة النبوية كذلك‪.‬‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ثم جل�س �إليه‪ ،‬ثم اق�ترب منه‬ ‫ومن هذا القبيل احلديث امل�شهور الذي رواه عمر بن كثرياً‪ ،‬ب�أن �أ�سند ركبتيه �إلى ركبتي ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫اخلطاب‪ ,‬و�أخرجه(‪)1‬عد ٌد من �أ�صحاب الكتب املعتمدة يف عليه و�سلم ثم و�ضع كفيه على فخذي نف�سه‪ ،‬وجل�س �أمام‬ ‫ال�سنة النبوية ّ‬ ‫ون�صه‪ (( :‬بينما نحن عند ر�سول اهلل �صلى الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم جل�سة املت�أدب املتع ِّلم ))‪.‬‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ذات يوم �إذ طلع علينا ٌ‬ ‫رجل‪� ،‬شديد بيا�ض‬ ‫ً‬ ‫ومن �أمثلة هذا اللون من الأ�ساليب �أي�ضا ما رواه �أبو‬ ‫الثياب‪� ،‬شديد �سواد ال�شعر‪ ،‬ال ُيرى عليه �أثر ال�سفر‪ ،‬وال‬ ‫يعرفه منا �أح � ٌد‪ .‬حتى جل�س �إل��ى النبي �صلى اهلل عليه �سعيد اخل��دري حيث ق��ال(‪ (( :)3‬جل�س ر�سول اهلل �صلى‬ ‫جلو�س حوله‪)).... .‬‬ ‫و�سلم ف�أ�سند ركبتيه �إلى ركبتيه‪ ،‬وو�ضع كفيه على فخذيه اهلل عليه و�سلم على املنرب ونحن‬ ‫ٌ‬ ‫وقال‪ :‬يا حممد‪� ،‬أخربين عن الإ�سالم‪))... .‬‬ ‫ٍ‬ ‫ل�سائل �أن ي�س�أل‪ :‬ما ال�شيء الالفت يف هذا‪ ،‬والنبي‬ ‫لكن‬ ‫فهذا الو�صف الدقيق ال��ذي ذك��ره ال� � َّراوي ع��ن حال �صلى اهلل عليه و�سلم يخاطبهم دوم �اً م��ن على املنرب ؟‬ ‫القادم الغريب‪ ،‬يدل على �أ َّن امل��راد قد حتقق‪ ،‬و�أ َّن �إث��ارة ف��اجل��واب‪ :‬ن�ع��م‪ ،‬ه��ذا ه��و ال�غ��ال��ب م��ن ح��ال ال�ن�ب��ي �صلى‬ ‫االنتباه قد ح�صلت‪ ،‬لأ َّن كل ما ُذكر عن حال هذا القادم اهلل عليه و�سلم يف خماطبة �أ��ص�ح��اب��ه‪ ،‬ول�ك��ن ه��ذا يكون‬ ‫ير ل�لاه�ت�م��ام وال � َّت �� �س��ا�ؤل‪ ،‬وه ��ذه الأم� ��ور كلها كانت يف اخلطبة‪ ،‬فيكون ا�ستعمال املنرب يف اخلطبة طبيعياً‪،‬‬ ‫م�ث� ٌ‬ ‫بنا ًء على نظ ٍر وم�شاهد ٍة‪ ،‬مما جعلها من قبيل �أ�ساليب والأم��ر هنا لي�س كذلك‪ ،‬لأ َّن ال � َّراوي ذك��ر �أ َّن ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم جل�س على امل�ن�بر‪ ،‬ويف اخلطبة ال‬ ‫الت�شويق الب�صرية‪.‬‬ ‫يجل�س اخلطيب على املنرب و�إمنا يقف عليه وقوفاً‪ ،‬ولهذا‬ ‫والأم ��ور ال�ت��ي ُذك ��رت يف ه��ذا احل��دي��ث و�أث ��ارت انتباه كان اجللو�س فيه �إث��ارة لالنتباه‪ ،‬مما جعل ال� َّراوي ينقل‬ ‫احلا�ضرين هي ‪:‬‬ ‫لنا هذا احلال وي�صفه‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪37‬‬


‫‪38‬‬

‫ٌ‬ ‫((ويل للعرب من‬ ‫وذلك كقوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫ونظري هذا احلديث ما رواه ابن عبا�س حيث قال(‪:)4‬‬ ‫(( جل�س ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬يوماً على املنرب �ش ٍر قد اقرتب‪ ،‬اليوم ُفتح من ردم‪ ،‬ي�أجوج وم�أجوج هكذا‬ ‫عليه ملحفة متو�شحاً بها‪ ,‬عا�صباً ر�أ�سه بع�صاب ٍة د�سماء‪ ( )) ،‬و�أ�شار ب�أ�صبعيه ال�سبابة والإبهام وح َّلق بينهما )(‪.)8‬‬ ‫قال‪ :‬فحمد اهلل‪ )).. .‬وكذلك ما رواه م�سلم يف �صحيحه(‪)5‬‬ ‫ف�ه��ذه بع�ض ح � ٍ‬ ‫�االت يظهر م��ن خاللها ال�ت�ح��ول من‬ ‫((‪ ... .‬فلما ق�ضى ر��س��ول اهلل �صالته جل�س على املنرب‬ ‫وهو ي�ضحك‪ ،‬فقال ليلزم كل �إن�سان م�صاله‪� ،‬أت��درون مل ال�ك�لام �إل��ى الإ� �ش��ارة‪ ،‬وكيف �أ َّن ه��ذه الإ� �ش��ارة ق��د حظيت‬ ‫باالهتمام نظراً القرتانها مبا ُّ‬ ‫يدل عليها‪ ،‬وهناك �أمثل ٌة‬ ‫جمعتكم ؟ قالوا‪ :‬اهلل ور�سوله �أعلم‪ ... .‬احلديث )) ‬ ‫ا�ستخدمت فيها الإ� �ش��ارة وك��ان��ت داللتها �أ��ش� ُّ�د و�ضوحاً‪،‬‬ ‫فهذه �أ�ساليب �إث ��ار ٍة ب�صري ٍة �سبقت احل��دي��ث‪ ,‬و�آت��ت و�أك�ثر تعبرياً من الكالم‪ ،‬وذل��ك كقوله(�صلى اهلل عليه‬ ‫ث�م��اره��ا حيث �إ َّن ال�صحابة ق��د انتبهوا ل�ه��ذه الإ� �ش��ارات و�سلم )‪� (( :‬أنا وكافل اليتيم يف اجلنة هكذا ))‪ ( ,‬و�أ�شار‬ ‫فنقلوها لنا نق ً‬ ‫ال دقيقاً‪ ،‬بل �إ َّن احلديث الأخ�ير ا�شتمل بال�سبابة والو�سطى وف ّرج بينهما )(‪ .)9‬فهذا احلديث فيه‬ ‫على �أكرث من �أ�سلوب‪ ،‬حيث ذكر الراوي �أنَّه �صلى اهلل عليه‬ ‫ٌ‬ ‫انتقال من الكالم �إل��ى الإ��ش��ارة بقرينة اللفظة(هكذا)‪،‬‬ ‫و�سلم جل�س على املنرب و�ضحك‪ ,‬وه��ذا بح ِّد ذات��ه و�سيلة وم��ن ث��م و�صف الإ� �ش��ارة التي �أ��ش��ار بها النبي �صلى اهلل‬ ‫من و�سائل الإثارة‪.‬‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬وه��ذه الإ��ش��ارة قد ع�ّبترّ ت عن املطلوب بدق ٍة‬ ‫املطلب الثاين‪� :‬أ�ساليب ت�شويق ت�أتي �أثناء العملية التعليمية‪ .‬واختزلت عدداً من الكلمات‪ ،‬و�أعتقد �أ َّن العبارة الت�ستطيع‬ ‫�أن تفي مبا ا�شتملت عليه الإ�شارة من التو�ضيح ولإيجاز‪،‬‬ ‫وهي �أ�ساليب ت�شويقٍ ب�صري ٍة ت�أتي �أثناء اخلطاب‪ ،‬وقد ول�ه��ذا ك��ان ا�ستعمالها �أك�ث�ر ج��دوى وف��ائ��دة‪ ،‬وذل��ك لأ َّن‬ ‫يرى البع�ض �أ َّن هذا الأمر قد يتناق�ض مع �إثارة االنتباه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عندما قال ‪(:‬هكذا)‪ ،‬مل نعرف‬ ‫من خالل الب�صر‪ ،‬لأ َّن �أ�ساليب الإثارة الب�صرية غالباً ما على ماذا د ّلت الكلمة �إال من خالل و�صف ال�صحابي لها‬ ‫تكون قبل بداية الكالم لتلفت االنتباه �إليه‪ ،‬ولكن النبي بقوله‪(:‬و�أ�شار بال�سبابة والو�سطى وف� ّرج بينهما)‪ .‬وهذا‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ق��د ا�ستخدم ع��دداً م��ن الأ�ساليب الو�صف من ال�صحابي (ر�ضي اهلل عنه) هو بيت الق�صيد‪،‬‬ ‫�أثناء حديثه مع �أ�صحابه‪ ،‬لتقرير م�سائل مهمة‪ ،‬ف�أراد �ش َّد وثمرة هذا الأ�سلوب الرائع‪ ،‬لذا نقله لنا ال�صحابي بدق ٍة‬ ‫انتباههم للرتكيز على ما �سيقال �أيفعل‪ .‬وهذه الأ�ساليب متناهية غري ٍ‬ ‫غافل عن ذك��ر تفا�صيله من خ�لال قوله‪:‬‬ ‫جاءت على �صو ٍر منها ‪:‬‬ ‫(وف ّرج بينهما )‪.‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬ال� َّت�ح��ول م��ن ال�ك�لام �إل��ى الإ� �ش��ارة‪ ,‬م��ن املعلوم‬ ‫وبتفح�ص و�صف ال�صحابي للإ�شارة وحتليلها يتبني‬ ‫�أ َّن الكالم والعبارة �أك�ثر �إف�صاحاً عن م��راد املتح ِّدث من ل�ن��ا جن��اع��ة ه��ذا الأ� �س �ل��وب و�أه�م�ي�ت��ه‪ ،‬وك�ي��ف �أن ��ه �أ�ضحى‬ ‫الإ�شارة �أو الرمز‪ ،‬لأ َّن الإ�شارة قد ال ينتبه لها �إال العدد �أ�سلوب ت�شويقٍ و�إث��ار ٍة‪� ،‬إذ �إ َّن ال�صحابي (ر�ضي اهلل عنه)‬ ‫القليل عندما ال يكون هناك دا ٍع ال�ستعمالها‪ ،‬لكنها تكون قال‪(:‬و�أ�شار بال�سبابة والو�سطى) �أي �أ َّن كافل اليتيم مع‬ ‫�أكرث ت�أثرياً و�أو�ضح دالل ًة �إذا اقرتنت مبا يدل عليها‪ ،‬وهذا النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) كهذين الأ�صبعني يف هذه‬ ‫بيان ذلك ‪:‬‬ ‫اليد معاُ‪ .‬لكن يف ق��ول ال�صحابي‪( :‬وف � ّرج بينهما )‪،‬ويف‬ ‫ قد ت�أتي الإ�شارة بعد �س� ٍؤال وطلبٍ ‪ ،‬ومعلو ٌم �أ َّن ال�س�ؤال رواي � ٍة‪ ( :‬وف � ّرق بينهما ) �إ��ش��ار ٌة �إل��ى �أ َّن كافل اليتيم قد‬‫يحتاج �إل��ى ج ��وابٍ ‪ ،‬وعندما ال ي�سمع ال�سائل وم��ن معه ي�شارك النبي (�صلى اهلل عليه و�س ّلم) يف �أ�صل اجلزاء وهو‬ ‫اجلواب فالتَّ�صرف التوقع منهم �أن ت�شخ�ص �أب�صارهم �إلى دخول اجلنة‪ ،‬لكنه يفرتق عنه باملنزلة‪ ،‬قال ابن حجر(‪)10‬‬ ‫املتكلم‪ ،‬فيتلقون الإ��ش��ارة‪ ،‬وه��ذا ك�إ�شارته �صلى اهلل عليه (‪852‬ه �ـ)‪ (( :‬وف��رج بينهما ‪�:‬أي بني ال�سبابة والو�سطى‪،‬‬ ‫و�سلم‪� ،‬إلى ل�سانه عندما �س�أله �سفيان بن عبداهلل الثقفي‪ :‬وفيه �إ�شارة �إلى �أ َّن بني درجة النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)‬ ‫وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بني ال�سبابة والو�سطى‪ ،‬وهو‬ ‫(( فما �أتقي ؟ )) (‪)6‬‬ ‫نظري احلديث الآخر‪ :‬بعثت �أنا وال�ساعة كهاتني ))‪.‬‬ ‫وك��ذل��ك ع�ن��دم��ا ذك ��ر ال�ن�ب��ي ��ص�ل��ى اهلل ع�ل�ي��ه و��س�ل��م‪،‬‬ ‫فبهذا يتبني كيف �أ َّن التحول من الكالم �إلى الإ�شارة‬ ‫عالمات ال�ساعة‪ ،‬فقال‪ ((:‬يقب�ض العلم‪ ،‬ويظهر اجلهل‬ ‫وال�ف�تن‪ ،‬ويكرث ال�ه��رج‪ ،‬قيل‪ :‬يا ر�سول اهلل وم��ا الهرج ؟ �أثناء الكالم كان له دالالت كثرية �أبلغ و�أو�ضح من العبارة‬ ‫والكالم‪ ،‬ولهذا ا�ستحقت �أن ٌيقرن بها �أ�سلوب �إثار ٍة وت�شويق‪.‬‬ ‫فقال هكذا بيده فحرفها‪ ،‬ك�أنه يريد القتل )) (‪ .)7‬‬ ‫ ق��د ت ��أت��ي الإ�� �ش ��ارة م�ق�ترن��ة ب ��أل �ف��اظ ت � ُّ‬‫ث��ان �ي �اً‪ :‬تغيري ال�ه�ي�ئ��ة �أث �ن��اء ال �ك�ل�ام‪� ،‬أو الإت �ي��ان مبا‬ ‫�دل عليها‪,‬‬ ‫كقوله�صلى اهلل عليه و�سلم‪ :‬هكذا‪ ،‬هاهنا‪ ،‬كهاتني‪ٌ .... .،‬ي�ستغرب حلث احلا�ضرين على طلب التف�سري‪.‬‬


‫وذل��ك ب��أن يكون املتك ِّلم على هيئة معينة من جلو�س (ر�ضي اهلل عنها) �أ َّن النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) (( كان‬ ‫�أو وقوف‪ ،‬فيغريها ويوا�صل حديثه من باب لفت االنتباه �إذا تكلم بكلمة �أعادها ثالثاً حتى تفهم عنه ))‬ ‫وا�ستثارة املخاطبني‪ ،‬يف �إ�شار ٍة �إلى �أهمية وخطر ما �سيقال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال�سنة جند تطبيقا عمليا لهذا‪،‬‬ ‫وعند مطالعتنا لكتب ُّ‬ ‫بعد هذا التغري‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫�إذ روى م�سلم(‪)14‬وغريه(‪ )15‬عن �أبي ذر (ر�ضي اهلل عنه)‬ ‫وال يخفى �أ َّن هذا �أ�سلوب �إثار ٍة ب�صري ق�صد منه لفت �أ َّن النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) قال‪ (( :‬ثالثة ال يكلمهم‬ ‫االنتباه‪ ،‬وقد نت�أكد من فعالية هذا الأ�سلوب من خالل اهلل وال يزكيهم ولهم عذاب �أليم‪ ،‬ثالث م��رات‪ )) ،‬وجند‬ ‫�أ َّن هذا الأ�سلوب قد �آت��ى ثماره �إذ �إ َّن ال��راوي وهو �أب��و ذ ٍر‬ ‫و�صف الراوي لهذا التغري ومدى مالحظته له‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قد تفاعل ب�شدة من خالل تكرار النبي (�صلى اهلل عليه‬ ‫ومن ذلك ما رواه البخاري(‪ )11‬عن �أبي بكرة (ر�ضي و�سلم) لهذه الكلمات‪ ،‬فقال‪ :‬خابوا وخ�سروا‪ ،‬من هم يا‬ ‫اهلل عنه) ق��ال‪ :‬ق��ال ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪ :‬ر�سول اهلل ؟‬ ‫(( �أال �أنبئكم ب�أكرب الكبائر (ثالثاً)؟ قالوا بلى يا ر�سول‬ ‫وه� �ن ��اك �أم �ث �ل ��ة ك� �ث�ي�رة ع �ل��ى ت� �ك ��رار ال �ك �ل �م��ة ث�ل�اث‬ ‫اهلل‪ ،‬قال‪ :‬الإ�شراك باهلل‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ - ،‬وجل�س وكان‬ ‫متكئاُ – فقال‪� :‬أال وقول الزور‪� ،‬أال وقول الزور‪� ،‬أال وقول مرات(‪.)16‬‬ ‫الزور‪)).... .‬‬ ‫ومما يقرب من هذا الأمر �أنَّه (�صلى اهلل عليه و�سلم)‬ ‫وال�شاهد هنا هو قول ال��راوي‪ (:‬وجل�س وكان متكئاً) كان يجعل ال�سائل وامل�ستف�سر عن �شيء يكرره ثالث مرات‬ ‫ويف بع�ض الروايات‪ (:‬وكان متكئاً وجل�س )‪ ،‬وهذه احلركة حتى يلفت انتباه من ي�سمعه من احلا�ضرين‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ التحول من االتكاء �إل��ى اجللو�س – هي من باب �إث��ارة ينتبهون ملا �سيجيبه به (�صلى اهلل عليه و�سلم) ب��ه‪ ،‬لأ َّن‬‫االهتمام واالنتباه و�ش ِّد ال�سامع ملا �سيقال‪ ،‬ولهذا قال ابن غ��ال��ب الأم ��ور ال�ت��ي ك��ان النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)‬ ‫حجر (‪ (( :)12‬وي�شعر ب�أنه اهتم بذلك حتى جل�س بعد يطلب فيها م��ن ال���س��ائ��ل �أو امل�ستف�سر الإع� ��ادة ه��ي من‬ ‫املهمات‪ ،‬والتي ينبغي لأكرب عدد ممكن �أن ي�سمعها ويعيها‪،‬‬ ‫�أن كان متكئاً ))‪.‬‬ ‫لذا كان يطلب التكرار‪.‬‬ ‫وال�شاهد من هذه الأحاديث �أنها ا�شتملت على �أ�ساليب‬ ‫ومثال ذلك ما رواه م�سلم(‪ )17‬عن �أب��ي هريرة قال‪:‬‬ ‫ت�شويق ب�صرية حدثت �أثناء عملية التعليم �أو قبلها حتى‬ ‫ُت�ؤتي �أكلها ويتحقق املراد منها‪ ،‬ولهذا مل ترد يف هذا اللون (( خطبنا ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم) فقال‪� :‬أيها‬ ‫�شواهد لأ�ساليب ب�صرية بعد العملية التعليمية نظراً النا�س قد فر�ض اهلل عليكم احل��ج فحجوا‪ ،‬فقال رجل‪:‬‬ ‫�أك��ل ع��ا ٍم يا ر�سول اهلل ؟ ف�سكت حتى قالها ث�لاث�اً‪ ،‬فقال‬ ‫لعدم جدواها‪.‬‬ ‫ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪ :‬لو قلت نعم لوجبت‬ ‫ومن اجلدير بالذكر �أ َّن علماء احلديث تنبهوا لهذا وملا ا�ستطعتم‪))... .‬‬ ‫النوع ف��أف��ردوه بالذكر و�صنفوه يف خانة لها تعلق بعلم‬ ‫ونظري هذا ما رواه م�سلم كذلك عن �أبي هريرة ٌقال‪:‬‬ ‫احلديث‪ ،‬وذلك �ضمن كالمهم على احلديث امل�سل�سل‪......‬‬ ‫(( ثم قيل للنبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪ :‬ما يعدل اجلهاد‬ ‫املبحث الثاين‬ ‫يف �سبيل اهلل‪ -‬عز وج َّل‪ -‬؟ قال‪ :‬ال ت�ستطيعوه‪ ،‬قال‪ :‬ف�أعادوا‬ ‫عليه مرتني �أو ثالثاً‪ ،‬كل ذلك يقول ال ت�ستطيعونه‪ ،‬ويف‬ ‫�أ�ساليب الت�شويق ال�سمعية‬ ‫الثالثة قال‪ :‬مثل املجاهد يف �سبيل اهلل كمثل القانت ب�آيات‬ ‫وهي تلك الأ�ساليب التي يق�صد منها ت�شويق ال�سامع اهلل ال يفرت من �صيا ٍم وال �صال ٍة حتى يرجع املجاهد يف‬ ‫ولفت انتباهه من خالل م� ٍ‬ ‫ؤثرات تدرك بال�سمع يتق�صدها �سبيل اهلل ))‬ ‫القائل لإي�صال ر�سالة �أو معلومة مهمة لل�سامع‪ ،‬وهذه‬ ‫وهذا املثال ك�سابقه من حيث جعل ال�سائل يكرر �س�ؤاله‬ ‫الأ��س��ال�ي��ب م��وج��ودة ب�ك�ثر ٍة وت �ن � ُّو ٍع يف الأح��ادي��ث النبوية‬ ‫�أكرث من مر ٍة‪ ،‬لكن فيه �أ�سلوب �إثار ٍة �إ�ضايف وهو �أ َّن النبي‬ ‫ال�شريفة‪ ،‬وهذا بيان ذلك‪:‬‬ ‫(�صلى اهلل عليه و�سلم) كان يعقِّب على �س�ؤالهم بقوله‪( :‬ال‬ ‫املطلب الأول‪ :‬الت�شويق من خالل تكرار الكلمة �أكرث من مرة‪ .‬ت�ستطيعونه )‪ ،‬ليزيد من انتباههم وي�شوقهم ملا �سيقال‪.‬‬ ‫م��ن املعلوم �أ َّن التكرار ي��و ِّل��د ال�ق��رار‪ ،‬و ُي��ورث احلفظ‬ ‫والفهم‪ ،‬وقد يكون التكرار لإثارة االنتباه وجذب ال�سامع‪،‬‬ ‫وجعله ي�صغي ملا �سيقال‪ ،‬وتكرار الكلمة كان �أ�سلوباً من‬ ‫�أ�ساليب اخل�ط��اب ال�ن�ب��وي‪� ،‬إذ روت ال�سيدة عائ�شة(‪)13‬‬

‫وقد يكون التكرار �أكرث من ثالث مرات‪ ،‬خروجاً عن‬ ‫�شك �أ َّن يف هذا �إثار ًة �أكرب‪ ،‬وت�شويقاً‬ ‫املعتاد يف التكرار‪ ،‬وال َّ‬ ‫ٍ‬ ‫�أعظم‪ ،‬وهذا ال يتكرر ويت�أتى �إال لهدف عظيم ؛ حلث على‬ ‫جد ذميم‪.‬‬ ‫�أم ٍر عظيم‪� ،‬أو لتغيري �أم ٍر ُّ‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪39‬‬


‫‪40‬‬

‫ومثال ذلك ما �أخرجه البخاري(‪)18‬عن �أبي بكرة قال‪ :‬اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ولهذا لو كان الكالم بغري هذا‬ ‫قال النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) ‪� ((:‬أال �أنبئكم ب�أكرب ل ُع َّد خروجاً عن املعتاد‪ ،‬وا�ستحق �أن يذكر و ُينعت بدق ٍة‬ ‫الكبائر (ثالثاً) ؟ قالوا‪ :‬بلى يا ر�سول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬الإ�شراك ك�أ�سلوب من �أ�ساليب الإثارة والت�شويق‪.‬‬ ‫ب��اهلل‪ ،‬وع�ق��وق ال��وال��دي��ن‪ ،‬وجل�س وك��ان متكئاً ف�ق��ال‪� :‬أال‬ ‫ومثال ذلك ما رواه جابر قال(‪ (( :)23‬كان النبي �صلى‬ ‫وقول الزور‪ ،‬قال فما زال يكررها حتى قلنا ليته �سكت ))‬ ‫اهلل عليه و�سلم �إذا خطب احمرت عيناه‪ ،‬وعال �صوته‪،‬وا�شتد‬ ‫وم�ساكم ))‬ ‫ون �ظ�ير ه ��ذا م��ا رواه ع�ب��د اهلل ب��ن ع�م��ر (ر� �ض��ي اهلل غ�ضبه‪ ,‬حتى ك�أنه منذر جي�ش يقول �صبحكم ّ‬ ‫عنهما) ق��ال‪ (( :‬ق��ر�أ ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم)‬ ‫فعلو ال�صوت مع ا�شتداد الغ�ضب واحمرار الوجه‪ ،‬مل‬ ‫على املنرب‪ {:‬وال�سموات مطويات بيمينه �سبحانه وتعالى‬ ‫عما ي�شركون {الزمر ‪ ،67:‬ق��ال‪ :‬يقول اهلل –عز وجل‪ -‬يكن من عادته �صلى اهلل عليه و�سلم و�إمن��ا كانت حت�صل‬ ‫‪�:‬أنا اجلبار‪� ،‬أنا املتكرب‪�،‬أنا املتعال‪ ،‬ميجد نف�سه‪ ،‬قال‪ :‬فجعل يف حاالت خا�صة لهدف حمدد‪ ،‬قال ابن عثيمني يف �شرحه‬ ‫ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم) يرددها حتى رجف به للحديث (‪ (( :)24‬و�إمن��ا ك��ان يفعل ذل��ك لأ َّن��ه �أق��وى يف‬ ‫الت�أثري على ال�سامع )) لهذا كانت م� ٍ‬ ‫ت�شد ال�سامع‬ ‫ؤثرات ُّ‬ ‫املنرب‪ ،‬حتى رجف به املنرب‪ ،‬حتى ظننا �أنَّه �سيخر به ))‬ ‫ملا �سيقال‪ ،‬وبهذا يكون هذا احلديث قد ا�شتمل على �أكرث‬ ‫فهذان احلديثان يظهران �أ َّن النبي (�صلى اهلل عليه من م�ؤثر‪.‬‬ ‫و�سلم) ظ َّل يكرر هذه الألفاظ حتى يثري انتباه �أكرب عدد‬ ‫ثانيا‪ :‬اخلروج عن املعتاد يف التَّ�ص ُّرف‪.‬‬ ‫ممكن‪ ،‬وهذا ما كان من خالل و�صف الراوي لدقائق هذا‬ ‫التكرار‪.‬‬ ‫ون�ظ�ير ه��ذا م��ا رواه الإم ��ام �أح �م��د(‪ )24‬ع��ن �أب��ي بكر‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬اخلروج عن املعتاد يف الكالم والت�صرفات‪ .‬ال�صديق قال‪� (( :‬أ�صبح ر�سول اهلل ذات يوم ف�صلى الغداة‬ ‫ثم جل�س‪ ،‬حتى �إذا كان ال�ضحى �ضحك ر�سول اهلل �صلى‬ ‫واخل� ��روج ع��ن امل�ع�ت��اد يف اخل �ط��اب ه��و �أح ��د �أ��س��ال�ي��ب اهلل عليه و�سلم ثم جل�س مكانه حتى �صلى الأولى والع�صر‬ ‫الت�شويق و�إثارة االنتباه‪ ،‬ولكن اخلروج عن املعتاد يتناوله واملغرب‪ ،‬كل ذلك ال يتكلم‪ ،‬حتى �صلى الع�شاء الآخرة ثم‬ ‫قام �إلى �أهله))‪ ،‬فقال النا�س لأبي بك ٍر ‪�:‬أال ت�س�أل ر�سول اهلل‬ ‫�أكرث من �أمرٍ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ما �ش�أنه �صنع اليوم �شيئاً مل ي�صنعه‬ ‫�أو ًال‪ :‬اخلروج عن املعتاد يف �صفة الكالم‪ :‬حيث �إ َّن‬ ‫علي ما هو كائن‬ ‫كالم قط ؟ قال‪ :‬ف�س�أله‪ ،‬فقال‪ (( :‬نعم عر�ض َّ‬ ‫النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) ك��ان فيه ترتيل وتر�سيل من �أمر الدنيا والآخرة‪ ،‬فجمع الأولون والآخرون ب�صعيد‬ ‫وف���ص��ل(‪ ،)19‬يفهمه ك��ل م��ن �سمعه‪ ،‬فهو لي�س باجلهري واحد‪..... .‬احلديث ))‬ ‫العايل ا ّلذي ي�ؤذي �سامعه‪ ،‬وال‬ ‫ففي ه��ذا املثال يتبني كيف �أ َّن النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫باخلفي�ض ا ّل ��ذي ال ي�سمعه م��ن ي�ق��اب�ل��ه‪ ،‬و�إنمَّ ��ا ك��ان و�سلم قد تعمد هذه الإث��ارة‪ ،‬وك�أنه ي�شري �إليهم �أن �سلوا‪،‬‬ ‫ف�ص ً‬ ‫ال‪ ،‬وكيف يكون ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم على ولكنهم هابوا �أن ي�س�ألوا عن ٍ‬ ‫حال من �أحوال النبي �صلى‬ ‫�صفة ال ميدحها وال يحبها ؟ حيث روى الطرباين(‪ )20‬اهلل عليه و�سلم فدفعوا �أب��ا بك ٍر لهذه املهمة‪ ،‬ملا يعرفون‬ ‫ب�إ�سناد �ضعيف ّ‬ ‫وح�سنه ال���س�ي��وط��ي(‪،)21‬ع��ن �أب��ي �أم��ام��ة من مكانته من النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وال �شك �أنهم‬ ‫�أ َّن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ (( :‬ك��ان ي�ك��ره �أن يرى �سينتظرون اجلواب برتقبٍ واهتمام‪� ،‬سيما و�أ َّن فرتة هذه‬ ‫الرجل جهرياً رفيع ال�صوت‪ ،‬وكان يحب �أن يراه خفي�ض الإثارة قد طالت – من الفجر �إلى ما بعد الع�شاء – حتى‬ ‫ُال�صوت ))‪ .‬وقال املناوي(‪ )22‬يف �شرح هذا احلديث‪ (( :‬يالحظها كل �أح� ٍ�د‪ ،‬وي�سمع عنها �أكرب عد ٍد ممكن‪ ،‬في�أتي‬ ‫�أخذ منه �أنَّه ُي�سن للعامل �صون جمل�سه عن اللغط‪ ،‬ورفع ليعرف �سبب هذا الت�صرف غري املعتاد من النبي �صلى اهلل‬ ‫الأ�صوات‪ ،‬وغوغاء الطلبة‪ ،‬و�أنَّه ال يرفع �صوته بالتقرير عليه و�سلم ويح�صل بهذا املق�صود‪.‬‬ ‫فوق احلاجة‪ ،‬وقال ابن بنت ال�شافعي‪ :‬ما �سمعت �أبي �أبداً‬ ‫ويلتحق بهذا ال�ل��ون م��ن الت�شويق تغيرُّ ال�ل��ون �أثناء‬ ‫ُيناظر �أحداً فريفع �صوته‪ ،‬قال البيهقي‪� :‬أراد فوق عادته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عد ذلك �أ�سلوبا من �أ�ساليب الإثارة‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫فالأولى �أن ال يجاوز �صوته جمل�سه ))‬ ‫الكالم‪� ،‬إذ ُي ُّ‬ ‫ما رواه �أبو هريرة قال(‪ (( :)25‬كنا من�شي مع ر�سول اهلل‬ ‫واخلال�صة‪� :‬أ َّن��ه ينبغي للمتك ِّلم وال�ق��ارىء �أن يتكلم �صلى اهلل عليه و�سلم فمررنا على قربين‪ ،‬فقام فقمنا معه‪،‬‬ ‫بكالم ُي�سمع فيه نف�سه وغريه‪ ،‬وال يرفع �صوته �أكرث مما فجعل لونه يتغري حتى رعد كم قمي�صه‪ ،‬فقلنا‪ :‬مالك يا‬ ‫يحتاجه املوقف وال يخف�ضه �أك�ثر من ال�لازم �إال ل�سبب نبي اهلل ؟ قال‪� :‬أت�سمعون ما �أ�سمع ؟ قلنا‪ :‬وما ذاك يا نبي‬ ‫و�ضرورة‪ ،‬وعليه �أن ي�سلك �أمراً و�سطاً‪ ،‬وكذلك كان ر�سول اهلل ؟ قال‪ :‬هذان رجالن يعذبان‪.. .‬احلديث))‬


‫وكذلك ما رواه علي(ر�ضي اهلل عنه) قال(‪((:)26‬ذكرنا �أن يكون مثل �صاحب َف� َرق الأرز فليكن‪ ،‬قالوا‪ :‬يا ر�سول‬ ‫ال َّدجال عند النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فا�ستيقظ حمم َّراً اهلل‪ ،‬وما �صاحب َف َرق الأرز ؟ ٌقال‪.. .‬ثم �ساق احلديث ))‪.‬‬ ‫وجهه فقال‪ :‬وغري ذلك �أخوف عليكم‪ ... .‬احلديث ))‬ ‫ونظري ذل��ك م��ا رواه الت��رم��ذي(‪ )31‬ع��ن �أب��ي هريرة‬ ‫فهذان املثاالن يدالن على �أ َّن تغري اللون �أثناء الكالم قال‪ :‬قال ر�سول الله�صلى اهلل عليه و�سلم ‪ ((:‬تعوذوا باهلل‬ ‫� ٌ‬ ‫جب احلزن؟ قال‪:‬‬ ‫أ�سلوب من �أ�ساليب التَّ�شويق و�إث��ارة االنتباه‪ ،‬ولهذا انتبه من ِّ‬ ‫جب احلزن‪ ،‬قال يا ر�سول اهلل وما ُّ‬ ‫لها ال َّراوي فذكرها مع احلديث الذي �سيقت لأجله‪ .‬‬ ‫وا ٍد يف جهنم تتعوذ منه جهنم كل يو ٍم مائة مرة‪.)32()....‬‬ ‫ومن اخل��روج عن امل�ألوف مناداة من ال يعقل‪� ،‬أو من‬ ‫ففي هذه الأحاديث ذك ٌر ال�صطالحات مل تكن معلومة‬ ‫هو يف غياب عن ال��واق��ع‪ ,‬كمناداة النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم لقتلى بدر(‪ ،)27‬عندما �ألقاهم يف القليب‪ ،‬مما �أثار لديهم‪ ،‬و�أرى �أ َّن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم تع ّمد ذكرها‬ ‫ال�صحابة (ر�ضوان اهلل عليهم) ف�س�ألوه‪ :‬كيف يناديهم وقد ليحثهم على التفاعل والت�سا�ؤل‪ ،‬وهذا ما كان‪ ،‬مما ي�ؤكد‬ ‫ماتوا وجيفوا ؟‪ ،‬فيخربهم النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) �أ َّن هذه الطريقة �آتت ثمارها‪.‬‬ ‫ب��أن�ه��م لي�سوا ب�أ�سمع ل��ه منهم‪ ،‬ولكنهم ال ي�ستطيعون‬ ‫راب �ع �اً‪ :‬ورود م��ا ُيثري التعجب اال��س�ت�غ��راب‪ ،‬وبالتايل‬ ‫الإجابة فح�سب‪.‬‬ ‫االنتباه والت�سا�ؤل‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬الكالم مبا ال يعرفه ال�سامع �أو ال يفهمه حتى‬ ‫وهي �أق��وال �أو �أفعال تثري اال�ستغراب بني ال�سامعني‪،‬‬ ‫ي�ستف�سر عنه ‪:‬‬ ‫نظراً لعدم توقعم �صدورها عمن �صدرت عنه‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫لقد ك��ان من �أ�ساليب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف حديث جربيل ال�ط��وي��ل‪ ،‬عندما ��س��أل النبي (�صلى اهلل‬ ‫�إث��ارة انتباه ال�صحابة وت�شويقهم‪� ،‬أن يكلمهم ببع�ض ما عليه و�سلم) عن الإ�سالم‪ ،‬ف�أخربه فقال له‪� :‬صدقت‪ ،‬وهذا‬ ‫ال يعرفون �أو يفهمون‪ ،‬وهو يعلم �أنَّهم ال يفهمون كالمه �أم��ر يثري الده�شة والعجب‪ ,‬ولهذا عبرَّ ال��راوي بقوله‪:‬‬ ‫حتى يطلبون التو�ضيح م�ن��ه‪ ،‬والإف� ��ادة عما ذك��ر‪ ،‬وه��ذا فعجبنا له ي�س�أله وي�صدقه‪� ،‬إذ من املعلوم �أ َّن ال�سائل ي�س�أل‬ ‫�أ�سلوب ناجع ج��داً‪ ،‬فلو �أ َّن املعلم و�صل �إل��ى حث‬ ‫�سامعيهإذا النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) فيجيبه فيمتثل ملا �أجابه‪،‬‬ ‫على اال�ستف�سار لقلنا �أنه حقق جناحاً يف مهمته‪ ،‬فكيف �‬ ‫حثهم على الت�سا�ؤل و�أثار ف�ضولهم من خالل ذكره لأمور �أما �أن ُيعقِّب على الإجابة بقول‪� :‬أ�صبت �أو �أح�سنت‪ ,‬فهذا‬ ‫ي��دل على �أ َّن ال�سائل يعلم �إج��اب��ة ما �س�أل عنه‪ ،‬وه��ذا ما‬ ‫يجهلونها وال يعرفونها‪.‬‬ ‫�أث��ار ا�ستغراب احلا�ضرين و�شوقهم ل�سماع بقية ح��واره‬ ‫ومن ذلك احلديث الذي م َّر معنا عن عالمات ال�ساعة‪ ،‬مع النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪ ،‬وحماولة معرفة هوية‬ ‫وذك��ر فيه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم (وي�ك�ثر ال�ه��رج)‪ ،‬هذا ال�سائل الغريب ا ّلذي ي�س�أل ويعرف �إجابة ما �س�أل عنه‬ ‫والهرج كلمة مل تكن معلومة لديهم لذا �س�ألوا عنها‪ ،‬كما من خالل تعليقه على الإجابة‪ ،‬قال القرطبي(‪(( :)33‬‬ ‫م َّر معنا عند اال�ست�شهاد بهذا احلديث على التحول من �إمنا تعجبوا من ذلك لأ َّن ما جاء به النبي (�صلى اهلل علي‬ ‫الكالم �إلى الإ�شارة‪ ،‬و�أزيد هنا ف�أقول‪ :‬روى البخاري(‪)28‬‬ ‫عن �أبي مو�سى راوي احلديث �أنَّه قال‪ (( :‬الهرج ؛ القتل و�سلم) ال يعرف �إال من جهته‪ ،‬ولي�س ه��ذا ال�سائل ممن‬ ‫عرف بلقيه النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪ ،‬وال بال�سماع‬ ‫بل�سان احلب�شة ))‪.‬‬ ‫منه‪ ،‬ثم هو �س�أل �س�ؤال عارف حمقق م�صدق فتعجبوا من‬ ‫وكذلك ما رواه م�سلم(‪ )29‬عن �أب��ي هريرة �أ َّن النبي ذل��ك تعجب امل�ستبعد لأن يكون �أح � ٌد يعرف تلك الأم��ور‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم قال ‪:‬‬ ‫امل�س�ؤول عنها من غري جهة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ))‬ ‫(( اتقوا اللعانني‪ ،‬قيل‪:‬وما اللعانان يا ر�سول اهلل ؟‬ ‫ومثال ذلك �أي�ضاً ما رواه البخاري(‪)34‬عن عدي بن‬ ‫قال‪:‬ا ّلذي يتخ ّلى يف طريق النا�س وظلهم))‪.‬‬ ‫حامت قال‪ :‬قال النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪ (( :‬اتقوا‬ ‫وم ��ن ذل ��ك �أي �� �ض �اً ا��س�ت�ع�م��ال��ه ��ص�ل��ى اهلل ع�ل�ي��ه و�سلم النار‪ ،‬ثم �أعر�ض و�أ�شاح‪ ،‬ثم قال‪ :‬اتقوا النار‪ ،‬ثم �أعر�ض‬ ‫ٍ‬ ‫مل�صطلحات ال يعرفونها لإث��ارة انتباههم وال�س�ؤال عنها‪ ،‬و�أ�شاح (ثالثاً)‪ ،‬حتى ظننا �أنَّه ينظر �إليها‪ ،‬ثم قال‪ :‬اتقوا‬ ‫كقوله �صلى اهلل عليه و�سلم (‪ (( :)30‬من ا�ستطاع منكم النار ولو ب�شق مترة ))‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪41‬‬


‫دراسات‬

‫التوعية اإلعالمية‬ ‫متهيد‬ ‫ري �إلى َع َم ٍل َي ّت�صِ فُ بالإ�ستمرارية‪،‬‬ ‫التوعية الإعالمية تعب ٌ‬ ‫ري ي�ش ُ‬ ‫وينطوي ِ�ضمناً على حاجة ت�ستدعي مثل هذا العمل‪ ،‬وهي‪� ،‬أي‬ ‫باحل�س والإدراك ومرتبطة‬ ‫التوعية‪ ،‬مت�صلة بالإعالم وخمت�صة‬ ‫ِّ‬ ‫بالعقل والوجدان‪ ،‬حمورها و ُق ْط ُب َر َحاها هذا املخلوق الإن�سان‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫اللواء الركن م عدنان عبيدات‬

‫ال�ت��وع�ي��ة م�شتقة م��ن ال�ف�ع��ل ال�ث�لاث��ي ال�ل�ازم َع � ِل � َم وم�ن��ه الفعل‬ ‫الرباعي املزيد املتعدي �أَ ْعلَ َم مبعنى �أخْ برَ َ ‪ِ ،‬‬ ‫ومثا ُله ُ‬ ‫قول النبي الكرمي‪،‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬حينما افتقد امل��ر�أة التي كانت تخد ُم امل�سج َد‪،‬‬ ‫وال يع ِر ُفها �أحد‪ ،‬بل ال �أح ٌد ُ‬ ‫يعرف ا�س َمها‪ ،‬فلما ُت ُو ِّف َي ْت بدا لأ�صحابه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ر��ض��وان اهلل عليهم �أجمعني‪� ،‬أ َّن�ه��ا �أق� ُّ�ل �ش�أنًا ِم��نْ �أنْ َي � ْذ ُك��روا لل َّنبِي‪،‬‬ ‫�صلوات ربي و�سالمه عليه‪� ،‬أنّها مات َْت! مات َْت و َد َفنوها‪ ،‬فل َّما �س�أل عنها‬ ‫النبي عليه �أف�ض ُل ال�صالة و�أ ُّ‬ ‫مت الت�سليم‪ ،‬و�أجابوه �أ َنّها مات َْت و ُد ِفن َْت‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫لاَّ‬ ‫ت� مَّ َ‬ ‫أل �أمل ًا �شدي ًدا‪ ،‬وقال‪َ :‬ه �آذنتموين مبعنى َهلاّ �أعلمتموين‪.‬‬ ‫وال�س�ؤال هو‪ :‬ملاذا التوعية؟ واجلواب بكل ب�ساطة‪ :‬لأنها �أداة ها ّمة‬ ‫من �أدوات التح�صني كي ال تق َع فري�س ًة �سائغ ًة ملا ينطوي عليه الإعالم‬ ‫ِ‬ ‫تعديل �أفكارِك‬ ‫من غايات ت�ستهد ُفك‪ ،‬حيث �أنك �أنت املق�صود؛ ُبغية‬ ‫بحيث يمُ ْ لَ َى عليك كيف ُت َفكِّر ومباذا ُتفَكر‪ ،‬فيتغري �سلوكك �إلى ٍ‬ ‫�سلوك‬ ‫املطلوب َ‬ ‫منك‬ ‫�آخ َر خمتلف فتكونُ مطي ًة �سهل ًة لتنفيذ ما ُيرا ُد فت�ؤدي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مبا يخدم اجلِ َهة املُ�س َت ْه ِد َفة‪ .‬وال�س�ؤال الذي يليه مباذا �أ ْ�ستَه َد ُف حتى‬


‫ري ال�سلوك وتعدي ُل الفكر؟ واجلواب على‬ ‫ُي ْنت َ​َظ َر مني تغي ُ‬ ‫ذلك �أنك ُم�س َت ْه َد ٌف يف كل �شيء على نح ٍو ُم ِ‬ ‫�ستم ّر‪:‬‬ ‫ فكرياً و َع� َق� ِ�دي�اً‪ ،‬بن�شر الفكر املُتط ِّرف والتمذهب‬‫امل �ن �ح��رف‪ ،‬وال�ت�م�ه�ي��د ل�ن�م��و ورع ��اي ��ة ال� � ِف� � َرق ال � َع � َق��دي��ة‬ ‫والطائفية املتناق�ضة‪ ،‬وزرع ا ِ‬ ‫خل�لاف‪ ،‬و�إذك��اء روح العداء‬ ‫بني تلك الفرق بحيث ينت�ص ُر ُك� ٌّ�ل �إل��ى �شيعته‪ ،‬فيت َمزَّقُ‬ ‫�دب الفو�ضى في َت َب َّد ُد اجله ُد‬ ‫ال�صف‪ ،‬و َي َت َع َّمقُ ال�شَّ ْرخ‪ ،‬وت� ُّ‬ ‫َّ‬ ‫و َي ْق َت ِت ُل النا�س‪ ،‬وهذا ما ن�شهده يف واقعنا هذه الأيام‪.‬‬ ‫ اجتماعياً و ِق َي ِم َّياً و َم ْ�سلَك ّياً‪ ،‬بالتخ ّلي التدريجي‬‫والإنفكاك عن الأع��راف والتقاليد وال ِق َيم الإجتماعية‬ ‫ا َ‬ ‫حل َ�سنة‪ ،‬لتح َّل مكانها عاداتٌ ومفاهي ٌم اجتماعية بديلة‬ ‫م �� �س �ت��وردة ت�ستميل ال�ن�ف����س وجت �ت��ذب ال �ه��وى يف �إط ��ار‬ ‫الإفتتان مبا لدى الآخ��ر من حرية وانطالق‪ ،‬في�ضعفُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرتابط املجتمعي‪ ،‬وتن�ش�أ‬ ‫ويتفكك‬ ‫التما�سك الأُ�� َ�س �ر ِّي‪،‬‬ ‫حالة من الالمباالة يتمحور فيها الإهتمام حول الأن��ا‪،‬‬ ‫و َيترَ َ ّك ُز خاللها ال�سعي من �أجل امل�صلحة الفردية‪ ،‬دومنا‬ ‫َ‬ ‫ال�سلوك �شي ٌء‬ ‫�أي اعتبار للم�صلحة العامة‪ ،‬كما يعرتي‬ ‫من التغيري املتدرج على النحو املق�صود‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ت�ستبدل ثقافتَك‬ ‫ نف�س ّياً وثقاف ّياً وتاريخ ّياً‪ ،‬بحيث‬‫م��ع م��رور ال��زم��ن وت��راث��ك العريق بثقافة الغري ومنط‬ ‫معي�شته و�أ�سلوب حياته حتت ت�أثري الإنبهار مبا هو قائ ٌم‬ ‫ني بلغ ِت َك ‪ -‬وذل��ك دل�ي��ل على الإن �ه��زام ‪-‬‬ ‫ل��دي��ه‪ ،‬وت�سته ُ‬ ‫فت َُط ِّع ُمها ب�شي ٍء من لغته‪ ،‬بل وتن�سى تُراثك و تاريخَ ك‬ ‫وتر�س ُخ لديك‬ ‫وحمطا ِته امل�ضيئة التي تبعث فيك الأمل ّ‬ ‫نف�سك �أق َّل من ال َغيرْ ‪،‬‬ ‫الثقة وتحَ ُ ثّك على العمل‪ ،‬فترَ َى َ‬ ‫نهجه هو‬ ‫وتعتق ُد واه�م�اً �أ َّن ُل َغتَه هي لغ ُة الع�صر‪ ،‬و�أنّ َ‬ ‫ِ‬ ‫إح�سا�س زائفٌ ب�ضرورة الإتِّباع فتن ِز ُع‬ ‫فيخام ُرك �‬ ‫الأرقى‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ �أبقيتَ الذي َ‬ ‫لك وال �أخ�ذْتَ‬ ‫�إلى تقليده‪ ،‬فال �أن��تَ‬ ‫املفيد ال��ذي عند َغ�ْي�رِْ ك‪ ،‬م��ع �أ َّن معرف َة م��ا ل��دى الغري‬ ‫�� �ض ��رور ٌة مي�ل�ي�ه��ا ال��وع��ي وتقت�ضيها احل��اج��ة‪ ،‬في�صبح‬ ‫ح��ا ُل��ك يف حم��اول��ة ات �ب��اع غ�ي�رك دون ب�ل��وغ ال ��ذي تريد‬ ‫كما قال ال�شاعر الأندل�سي‪ :‬و َك� ْم ِم��نْ غُ ��رابٍ َرا َم ِم�شْ َي َة‬ ‫ُق ْب َج ٍة((( َف�أُ ْن�سِ َي ممَ ْ �شا ُه ولمَ ْ يمَ ْ �شِ كا َ‬ ‫حل َجل‬

‫القو َة الالزم َة (ال�سيا�سية والإقت�صادية والع�سكرية) التي‬ ‫تواجه بها الآخ��ر عند ال�ضرورة‪ ،‬وثانيهما‪ :‬التبع ّية فال‬ ‫حتقق ا�ستقال ًال حقيقياً ناجزاً وال متلك �إرادة �أو ق��راراً‬ ‫ري �ضَ ع ِفك‪ُ ،‬م ْعت َِمداً على الغري تابعاً له �أو‬ ‫ُح ّراً فتبقى �أ�س َ‬ ‫دا ِئراً يف َفلَ ِكه‪.‬‬ ‫ ِ�ص ِّحياً وبيئياً و َم��ال� ّي��ا‪ ،‬يف �إه�م��ال ال��واق��ع القائم‪،‬‬‫وغياب التخطيط ال�سليم وا�ست�شراف امل�ستقبل والتهي�ؤ‬ ‫ل��ه‪ ،‬ي�ع�م��ل ال �ت �ل � ّوث ال�ب�ي�ئ��ي يف �أم��اك��ن الإزدح � ��ام املكتظ‬ ‫بو�سائل النقل‪ ،‬وك��ذل��ك يف التجمعات ال�صناعية ج� ّراء‬ ‫الإن�ب�ع��اث��ات ال�غ��ازي��ة م��ن ع ��وادم امل��رك�ب��ات‪ ،‬واملنبعثة من‬ ‫مداخن املعامل‪ ،‬وكذلك �إلقاء املخلفات ال�صلبة وال�سائلة‪،‬‬ ‫وانت�شار مك ّبات النفايات وحرقها على �سطح الرتبة يف‬ ‫الهواء‪ ،‬وجماري املياه العادمة املك�شوفة‪ ،‬ودفن املخلفات‬ ‫ال �ن��ووي��ة‪ ،‬ي�ع�م� ُل ك� ُّ�ل ذل��ك ع�ل��ى �إف �� �س��اد ال �ه��واء وت�سميم‬ ‫الرتبة وتلويث املياه والإ�ضرار ال�شديد بالبيئة‪ ،‬فينعك�س‬ ‫ني‬ ‫بدوره �سلباً على الو�ضع ال�صحي العام‪ .‬كما �أن التدخ َ‬ ‫ومعاقر َة امل ُ ْ�س ِكرات وتعاطي املخ ِّدرات وتداو َلها بالتوطني‬ ‫والإ�ستهالك �أو بالعبور والتجارة ي�ؤدي بالتايل �إلى �إفراغ‬ ‫اجليوب‪ ،‬و�إهدار الأموال وانفاقها يف غري مو�ضعها‪ ،‬ورفع‬ ‫�أكالف العالج وتعطيل الإنتاج‪ ،‬وخلق م�شكالت اجتماعية‬ ‫ونف�سية‪ ،‬وي�ؤدي ذلك �إلى الدفع باجتاه الرت ِّدي ال�سلوكي‬ ‫والأخ�لاق��ي‪ :‬ارت�ك��اب امل��زي��د م��ن اجل��رائ��م‪ ،‬واجل�ن��وح �إل��ى‬ ‫ال�سرقة وال�ل�ج��وء �إل��ى الغ�ش و الن�صب والإح �ت �ي��ال‪� ،‬أو‬ ‫الإعتداء و ال�سطو لتدبري املال‪ ،‬مما يرتتب عليه بالتايل‬ ‫انعكا�ساتٌ خطري ٌة على الو�ضع العام ب ُر َّم ِته‪ ،‬بل وتدمري‬ ‫واقع ال ّأم��ة ب�أ�سرها‪ .‬وال �شك �أن تدهور الو�ضع ال�صحي‬ ‫والبيئي والعجز املايل نتيجة تراكمات الإهمال‪� ،‬أو �إرجاء‬ ‫مبا�شرة احل�ل��ول �أو َتف َِّ�شي الف�ساد ه��و م�س�ألة خطرية‪،‬‬ ‫مب�ستوى متوا�ضع ثم تتدرج يف النمو‬ ‫حيث تبد�أ الأم��ور‬ ‫ً‬ ‫والإنت�شار والإ�ستفحال حتى تبلغ مبرور الوقت درجة من‬ ‫التعقيد �أو ت�صل �إلى حالة يت�سع فيها ال َفتْقُ على ال َّرا ِقع‪،‬‬ ‫�أو ت�صبح معها كلفة احللول املمكنة باهظة جداً ال ميكن‬ ‫توفريها ف ُت ْم�سِ ي �أمراً متعذراً حينما ُيراد عالجها‪.‬‬

‫ وط �ن � َّي �اً وق��وم � َّي �اً‪ ،‬يف ب�ل�اد ال �ع��رب ف �ق��ط؛ ال وح��دة‬‫ �سيا�سياً واقت�صادياً وع�سكرياً‪� ،‬أنت ُم�س َت ْه َدف بحيث حقيقية بني الأوطان قائمة وال تبدو و�شيكة القيام‪ ،‬كما‬‫بع�ضها بال رحمة‪ُ ،‬‬ ‫ال ُي��را ُد لها �أن تُقام‪ُ ،‬ي ْ�ض َر ُب ُ‬ ‫وبع�ضها‬ ‫(((‬ ‫تبقى ره�ين امل َ ْحب َِ�سي ؛ �أولهما‪ :‬ال�ضعفُ فال متتلك الآخ��ر �إن مل ُي�شارِك فهو يف ِمن ََّ�صة املتف ِّرجني‪ُ ،‬ت ْن َت َهكُ‬ ‫ا ُ‬ ‫حل ُر ُمات‪ ،‬و ُت َدنَّ�س امل ُ َق َّد�سات‪ُ ،‬ت َه َّد ُم امل ُ ُدن والقُرى فترَ َى‬ ‫تقول يعقوب فيخت�ص بالذكر‪ ،‬وكذلك �أَر� َ��ض� َ�ك ت ُْ�سلَب‪ ،‬وحقو َقك ُت ْن َهب‪ ،‬وخ�يراتُ ب�لادك؛ ميا ٌه‬ ‫‪ ) 1‬ال ُق ْب َج ُة تقع على الذكر والأنثى يف ا َ‬ ‫حل َجل حتى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫تقول َح ْي ُقطان والبوم ُة وغاز و َنفْط و َم َعادن و�أر�صدة وودائع تُ�صادر وت ُْ�س َرق‪ ،‬ود َما ُء‬ ‫تقول ظليم والنحل ُة حتى تقول يع�سوب وال ُّد َّراج ُة حتى َ‬ ‫النعام ُة حتى َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حتى َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪.)8‬‬ ‫�ص‬ ‫‪11‬‬ ‫املجلد‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫(ل�سان‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫تقول‬ ‫حتى‬ ‫بارى‬ ‫حل‬ ‫وا‬ ‫اد‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫�شعوب تُ�ش َّرد وعقول ت َه َّجر واحتفاالت تُقام‬ ‫�أهلك ت ْه َرق‪.‬‬ ‫َ ٌ‬ ‫تقول �صدىً �أَ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ ) 2‬امل َْحب ُِ�س بك�سر الباء يكون ِ�س ْجن ًا‪ .‬وامل َْح َب ُ�س بفتح الباء‪َ :‬م ْع َل ُف ال َّدا َّبة‪ .‬وامل ِْح َب ُ�س ومهرجاناتٌ ُت ْعقَد‪ ،‬يتكر ُر امل�شه ُد على هذه ال�شاكلة حتى‬ ‫را�ش بامل ِْح َب ِ�س‪ ،‬وهي ا ِمل ْق َر َم ُة التي الآن‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫حال مل ي� ِأت هكذا عبثاً‪� .‬إذن �أنت م�ستهدف وكذا‬ ‫ال�س رْتَ‪ ،‬وقد َح َب َ�س ال ِف َ‬ ‫بك�سر امليم‪ :‬ا ِمل ْق َر َم ُة يعني ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫بل ُدك و�سائ ُر وطنك الكبري‪ ،‬والعمل جار على جتريدك‬ ‫را�ش للنوم (ل�سان العرب املجلد ‪� 3‬ص ‪.)91‬‬ ‫ُت ْب َ�س ُط على َوج ِه ال ِف ِ‬ ‫من م�صادر قواك الذاتية ومن تلك التي حولك لت ُْح َر َم‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪43‬‬


‫حتى مما قد يتو َّف ُر لك من امتدا ٍد وعمقٍ و ٍ‬ ‫و�سنَد‪،‬‬ ‫رديف َ‬ ‫ل�ك��نَّ �أح �ل� َ�ك ��س��اع� ِ‬ ‫�ات ال�ل�ي� ِ�ل ه��ي تلك ال�ت��ي ت�سبِقُ ان�ب�لا َج‬ ‫الف َْجر‪.‬‬ ‫التوعية م�س�ؤولية َم ْن؟ من يقوم بها ؟ و مِلَ ْن ُت َو َّجه؟‬ ‫التوعية م�س�ؤولية اجلميع‪ :‬الدولة بقطاعيها العام‬ ‫واخلا�ص؛ حكومة‪ ،‬م�ؤ�س�سات‪ ،‬هيئات‪ ،‬جمعيات‪ .‬وتبد�أ من‬ ‫الأ�سرة حيث يق ُع ال ِع ْب ُء على عاتق الأَ َب َو ْين ب�صورة دائمة‬ ‫جتاه الأَبناء‪ ،‬وكذلك الأخ لأخيه‪ ،‬والزميل لزميله‪ ،‬واملعلم‬ ‫لتالميذه‪ ،‬والقائد جلنوده‪ ،‬واملدير لطاقمه‪ ،‬والرئي�س‬ ‫ملر�ؤو�سيه‪ ،‬وال�شاهد للغائب؛ ف ُر َّب ُم َب َّل ٍغ �أوعى من �سامع‪.‬‬ ‫�أ ّم��ا �أي��ن ُيبنَى الوعي �أو �أي��ن تمُ ار�س عملية التوعية‬ ‫التي هي �سل�سلة من احللقات املت�صلة و املتداخلة �أي�ضاً‬ ‫ابتدا ًء من الأُ ْ�س َرة‬ ‫احليوي فهي " احللقة الأولى‬ ‫حيث ُي َع َّو ُل على دورها‬ ‫ّ‬ ‫م��ن م�صادرالتن�شئة الإج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬وه��ي امل َ� ْع� ِن� َّي��ة الأول��ى‬ ‫ِ‬ ‫واملرجعيات الأ�سا�سية‬ ‫لتمكني اللغة‪ ،‬و�أول من َي ْز َر ُع الثوابتَ‬ ‫يف �أَ ْبنَا ِئها"(((‪ِ .‬‬ ‫ومن َم َظا ِّن عملية التوعية �أي�ضاً امتدا ُد‬ ‫الأُ ْ�س َر ِة من ذوي القربى وحميطها القريب من اجلِ وار‬ ‫والأ�صدقاء‪ ،‬مروراً بريا�ض الأطفال‪ ،‬ثم لتتّ�سع الدائر ُة‬ ‫فت�شم ُل احل � ّ�ي‪ ،‬وك��ذا يف امل��دار���س وامل�ع��اه��د واجل��ام�ع��ات‪،‬‬ ‫و�أماكن العمل‪ ،‬كما �أنّ لها ميدانُها يف املدار�س واملعاهد‬ ‫و اجلامعات‪ ،‬و�أماكن العمل‪ ،‬و يف النوادي واملكتبات‪ ،‬ويف‬ ‫ٍ‬ ‫واحتكاك‬ ‫ال�سفر والرحالت وما يتهي�أ خاللها ِمن اطال ٍع‬ ‫مع الآخر‪ ،‬ولها جما ُلها �أي�ضاً يف �أماكن الرتفيه والت�س ُّوق؛‬ ‫فتج ُد ال�تروي � َج لل�سلع بالو�سائل امل�ت�ع��ددة ال�ستقطاب‬ ‫الزبون بِبيان ميزة امل ُ ْنتَج وتقدمي ت�سهيالت ال�شراء‪...‬الخ‪،‬‬

‫‪44‬‬

‫وه�ك��ذا ُت� َب��ا���شَ � ُر التوعي ُة يف املجتمع بر ّمته وبجميع‬ ‫فعالياته‪ .‬والتوعية لي�ست ب��ال���ض��رورة ن�شاطاً �أَوع�م� ً‬ ‫لا‬ ‫يمُ ��ا َر�� ُ�س ب��اجت��ا ٍه واح��د‪ ،‬و�إن كانت يف �أغلبها كذلك‪ ،‬فقد‬ ‫َت ِت ُّم يف بع�ض الأحيان �أُفق ّياً يف الإجتاهني من الزميل �إلى‬ ‫زميله �أو اجلا ِر لجِ ارِه‪. .‬الخ‪ ،‬ور�أ�سياً من الأعلى نزو ًال من‬ ‫امل�س�ؤول ملر�ؤو�سه �أو بالعك�س ُ�صعوداً؛ كما ح�صل حينما‬ ‫بثَّ �أح ُد القادة الع�سكريني الذي كان َح� ِ�ذراً يف حتركا ِته‪،‬‬ ‫القوي‬ ‫بثَّ عيونَه �أَما َمه لي�أتوه باملعلومات املتعلقة بعدوه‬ ‫ّ‬ ‫ال��ذي يتمركز يف طريق تقدمه‪ ،‬لكن �أح � َد عيون القائد‬ ‫وقع يف �أَ ْ�س ِر العدو ف�أ�صبح م�صدراً ثميناً بحيث ْا�س ُت ِغ َّل‬ ‫ِ‬ ‫لقائد جي�شِ ه ب��أن‬ ‫ير �أنْ َيكت َُب‬ ‫و�أُ ْج�ِب�ررِ َ ذل��ك ال�ع� ُ‬ ‫ين الأ��س� ُ‬ ‫‪ ) 1‬لقاء �صحفي مع �أمني عام املجل�س الدويل للغة العربية د‪ .‬علي عبداهلل‬ ‫مو�سى �أجرته وكالة الأنباء الأردنية يف ع َّمان‪ ،‬ون�شرته �صحيفة الغد‬ ‫اليومية الأردنية يف عددها رقم ‪ 4696‬ال�صادر يوم ال�سبت ‪ 19‬ذو احلجة‬ ‫‪� 9 – 1438‬أيلول ‪.2017‬‬

‫تقد َمه وال يرت َّدد ليقع يف م�صيدة عدوه‪ ،‬فلم يكن‬ ‫يوا�ص َل ُّ‬ ‫َ‬ ‫سِ‬ ‫يكتب مبا ير�ضي �آ� رِيه �إلى قائد جي�شه‪،‬‬ ‫له خيار � اّإل �أنْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لكنه بدها ِئه ِ‬ ‫كتب العبار َة التالية التي تُر�ضي‬ ‫وحيلته َ‬ ‫العد َّو وتحُ َ ِّذ َر يف حقيقتها قائ َد اجلي�ش الذي ينتمي �إليه‬ ‫ال� َع�ْي�نْ ‪ “ :‬ن�صحت فدع ريبك ودع مهلك"‪ ،‬فلما و�صلت‬ ‫الذكي الف َِطنُ معكو�س ًة كالتايل‪:‬‬ ‫الر�سالة قر�أها القائ ُد‬ ‫ُّ‬ ‫كلهم عدو كبري عد فتح�صن‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫بع�ض من التوعية التي ميار�سها َم ْن يحتل‬ ‫الأر�ض واملقد�سات‬ ‫َيخْ لق املجتم ُع الإ�سرائيلي مب�ؤ�س�ساته املتعددة حال ًة‬ ‫دائمة من الوعي لدى الطفل محُ َ ِّر ُكها القلقُ واخل�شية‬ ‫من امل�ستقبل‪ .‬في ُبثّ يف نف�س الطفل رو َح الإ�ستعالء و�أ َّن‬ ‫�سائ َر ال َب�شر ه��م دون��ه‪ ،‬و ُي�ل� َق��ى يف َر ْو ِع ��ه �أن��ه �أم��ام خطر‬ ‫دائ� ٍ�م ول��ذل��ك ف��إن��ه ب�لا ت�ف� ُّوق ال حياة ل��ه‪ ،‬و�إن مل ي�ؤمن‬ ‫ريه �إلى زوال‪ ،‬ف��إِنْ َملَكْت‬ ‫بالقوة وامتالكها �سيكون م�ص ُ‬ ‫القوة ت�ستطي ُع �أَنْ تَفر َ‬ ‫ِ�ض املنط َق الذي تُريد‪ُ .‬يغ َر ُ�س هذا‬ ‫املفهوم يف البيت‪ ،‬و ُي َثنَّى عليه يف امل�ؤ�س�سات التعليمية‪ ،‬ويف‬ ‫املجتمع من خالل ال ِ‬ ‫أمثال وال ِق�ص�صِ الهادف ِة و ُي ْ�ستَ�شْ َه ُد‬ ‫ني يف احلروب ونتا ِئجها‪ ،‬بل و ُي َن َّمى لديه مفهو ُم‬ ‫بالرباه َ‬ ‫عد ِم الإكتفا ِء بالقليل‪ ،‬وهذا ُيعَبرِّ ُ عنه َم ٌ‬ ‫ثل لديهم يقول‪:‬‬ ‫لي�ست ا َ‬ ‫حل ْف َن ُة ِلتُ�شْ ِب َع الأ�س َد‪� ،‬أ ّما ما ُي َ�س َّمى بالأدب التعليمي‬ ‫لديهم ِ‬ ‫فمنْه ق�صة الذئب الذي التقى َج ْدياً �صغرياً و�أراد‬ ‫ِ‬ ‫و�ضعف �ضح َّيته‪ ،‬زاعماً �أ َّن ا َ‬ ‫جل ْد َي‬ ‫يفرت�سه بواقع ُق َّوتَّه‬ ‫�أن‬ ‫َ‬ ‫كان قد �شَ َت َمه يوماً وقد حا َن وقتُ ال ِق�صا�ص‪ ،‬فلما �س�أل‬ ‫ا َ‬ ‫ِّئب‪ :‬قبل‬ ‫جل ْد ُي امل�سك ُ‬ ‫ني عن وقت حدوث ال�شَّ تْم � َ‬ ‫أجاب الذ ُ‬ ‫اجلدي وهو يرت ِع ُد بكل َف َرا ِئ�صِ ه‪ :‬ولكنني‬ ‫َ�س َن َتينْ ‪ ،‬فقال‬ ‫ُ‬ ‫ف�ق��ط ه��ذه ال���س�ن��ة ُو ِل � � � ْدتُ ‪ ،‬ف�ق��ال ال��ذئ� ُ�ب‪� :‬إن ك��ان ذل��ك‬ ‫�صحيحاً كا َن بالت�أكيد الذي �شَ َت َمني هو �أبوك‪.‬‬ ‫ماه َّيتُه‪ِ ،‬‬ ‫الإعالم ِ‬ ‫واق ُعه‪ ،‬وم�ستقبله‬ ‫" كما �أنه ال َم ْعرِفة بِال ِعل ٍْم فال وعي بِال �إ ِْعالمٍ"‪.‬‬ ‫عبارة ا�ستهاللية ُ�ص ْغتُها و َو�ضَ ْعتُها ِل َتكُو َن توطئ ًة ت ِّ‬ ‫ُو�ض ُح‬ ‫ال�ع�لاق� َة و ُع �م � َق الإرت �ب��اط ب�ين امل�ع��رف��ة وال�ع�ل��م وال��وع��ي‬ ‫والإع �ل��ام‪ ،‬و ُت � َب�ِّينِنِّ َ م��دى �أه�م�ي��ة وخ �ط��ورة ه��ذا الأخ�ي�ر‬ ‫ال�سمات املم ِّيز ِة للع�صر‪ ،‬وال��ذي‬ ‫الإع�ل�ام ال��ذي َغ��دا من ِّ‬ ‫يره يف حياتنا ُم�ت��زاي��داً ب��ل ِ‬ ‫طاغياً و ُمتَغل ِغ ً‬ ‫ال‬ ‫�أَ�صبح ت��أث� ُ‬ ‫لي�س ِب ُو ْ�س ِع � َأح� ٍ�د �أَنْ َيت َ​َج َّن َبه‪َ ،‬ي ْ�ص َن ُع العقو َل‪ُ ،‬ي َح ِّر ُكها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫�وج� ُه�ه��م �إل��ى حيثُ ي�شاء‪ ،‬بل‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫�را‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫�ات‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫جت‬ ‫ا‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ي�غ�ِّي�رِّ ُ‬ ‫ه��و َي�صن ُع الأح � ��داثَ ‪ ،‬وي�صنع الأخ �ب��ا َر‪ .‬والإع�ل��ا ُم على‬ ‫م�ستوى الدولة ُرك��نٌ ها ٌم من َ�أرك��ان ال�سيا�س ِة اخلارجية‬ ‫�أو الداخلية‪ ،‬وال� َو ْج� ُه العا ِك ُ�س لأي��ة �سيا�سة‪ ،‬وهو و�سيلة‬ ‫ِمنْ و�سائل �إي�صالها �إلى ال�شعب ِلكَ�سبِ ت� ِ‬ ‫أييده وموافقته‬ ‫وح�شْ ِده‪ ،‬وهو امل�ؤ�ش ُر للنوايا ال�سيا�سية وال َّت َعاطي ال َك ْي ِف ّي‬ ‫َ‬ ‫م��ع الأزم ��ات؛ ك� ّل �أزم � ٍة ح�سب طبيع ِتها وخ�صو�صي ِتها‪.‬‬


‫أي�ضا ُمال ِز ٌم‬ ‫والإعال ُم لي�س رافع ًة للحروب فح�سب‪ ،‬بل هو � ً‬ ‫َ‬ ‫ال�صراعات‪ ،‬بل وحتى يف مترير �أ ْم ٍر‬ ‫للدبلوما�س ّية و�إدار ِة ِّ‬ ‫خط ٍ‬ ‫ري يف بع�ض احلاالت‪ ،‬و �أَ ْ�ضر ُِب هنا ِمثا َلينْ ‪ ،‬الأول كان‬ ‫قد َح َ�ص َل يف غزو نورماندي‪ /‬احلرب العاملية الثانية يف‬ ‫َ�سل�س ِل الأح��داث �أث�ن��اء التح�ضريات للعملية‬ ‫مجُ ��ري��ات ت ُ‬ ‫�زي ‪ Overlord‬مبعنى “ال�سيد‬ ‫التي حتم ُل الإ��س� َم ال��رم� َّ‬ ‫الأعلى” حيث ك��ان ال ِق�س ُم الفرن�سي يف رادي��و �أل ‪BBC‬‬ ‫يف لندن‪ ،‬العامل حتت �إ�شراف اجل�نرال الفرن�سي �شارل‬ ‫ديغول‪ ،‬يبثُّ �إلى املقاومة الفرن�سية ال ِ‬ ‫أبيات الإفتتاحي َة‬ ‫ِم��ن ق�صيد ِة “�أغنية اخلريف” لل�شاع ِر الفرن�سي بول‬ ‫فريلني ‪ Paul Verlaine‬التي ك��ان ق��د ن َ​َظمها ع��ام ‪1866‬‬ ‫والتي ا�ست ِ‬ ‫ري �إلى بدء عمليات يوم ي(((‪ ،‬فكانت‬ ‫ُخدمت ِلتُ�ش َ‬ ‫الأبيات الثالثة الأولى من الق�صيدة‪:‬‬ ‫"‪"Les sanglots longs / des violons / de l'automne‬‬ ‫اخلريف ال ّت َن ّهدات الطويلة ‪ِ /‬ل َك َم ِان ‪/‬‬

‫على بلدة الكرامة الواقعة �شرقي النهر‪ ،‬تدعو اجلمي َع �إلى‬ ‫عدم التعر�ض مِلا ُي َ�س َّمى بِجي�ش الدفاع الإ�سرائيلي‪ ،‬و�إ ّال‬ ‫�سيكونُ املوتُ املُ�ؤ َّك ُد مِلن ال ُيغ ِلقُ عليه با َبه‪ ،‬متزامناً ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫طائرات عمودي ٍة من �سالح اجلو الإ�سرائيلي‬ ‫مع قيام �أرب ِع‬ ‫تحَ ْ � ِ�م� ُل ك� ٌّ�ل منها اثنني وع�شرين من رج��ال الكوماندوز‬ ‫و�إن��زال�ه��م على املرتفعات امل ُ ِطلة على بلدة الكرامة ِمن‬ ‫اجله ِة ال�شرقية ِل ْ‬ ‫قط ِع طريقِ �إن�سحابِ الفدائيني من‬ ‫بلدة الكرامة نحو ال�شرق‪ ،‬لكنَّ ذل��ك الإن ��زا َل قد ت�أخَّ َر‬ ‫ِ‬ ‫ال�ضبابِ‬ ‫الكثيف ال��ذي تَك َّو َن‬ ‫ملدة ع�شرينَ دقيقة ب�سبب َّ‬ ‫�صبيحة ذلك اليوم‬ ‫وك ��ان ُي �غ� ِّ�ط��ي م��رت�ف�ع� ِ‬ ‫�ات ال �ق��د���س ون��اب�ل����س يف م�سار‬ ‫ال�ط��ائ��رات ال�ق��ا ِدم��ة ِم��ن مطار ت��ل �أب�ي��ب‪ ،‬وال�ت��ي مل َتكُن‬ ‫تمَ ْ � ِل� ُ�ك �آن� ��ذاك و��س��ائ� َل ِم�لاح� ّي��ة ل�ل�ط�يران يف م�ث��ل تلك‬ ‫الظروف‪ ،‬فكان ال بد من الإنتظار ريثما َت ْن َق�شِ ُع الغيوم‪،‬‬ ‫الأم ��ر ال��ذي َم � َن � َح ُم�ه�ل� ًة ِم��ن ال��وق��ت‪ ،‬وم � َّك��ن ِق�سماً من‬ ‫الفدائيني م��ن الإن�سحاب �شرقاً‪ ،‬والإ�شتباك م��ع القوة‬ ‫الإ�سرائيلية املحمولة جواً لدى هبوطها هناك‪.‬‬

‫تُعني �أ َّن عملية �أوفر لورد �ستبد�أ خالل �أ�سبوعني‪ُ .‬بث َّْت‬ ‫هذه الأبياتُ يف الأول من حزيران ‪� .1944‬أ ّم��ا املجموعة‬ ‫والإع�ل�ام هو العامل امل�ساعد دوم �اً قبل و�أث�ن��اء وبعد‬ ‫الثانية من الأبيات‪:‬‬ ‫�أي��ة خطوة تنوي احل�ك��وم��اتُ ال�ق�ي��ا َم بها و�إمت��ام�ه��ا‪ ،‬هذا‬ ‫�ش�أنه دوماً‪ .‬واملُتت ِّب ُع مِلُجريات ال ِ‬ ‫أحداث يمُ ِكنه �أَنْ َي َرى َ‬ ‫ذلك‬ ‫‪“Blessent mon coeur / d'une langueur / monotone‬‬ ‫َج ِل ّياً يف منطقتنا‪ .‬و ِل َف ْهم ال�سيا�سة اخلارجية لأية دولة‬ ‫إدراك �أَ�ساليبِ إِ� ِ‬ ‫ال بد من � ِ‬ ‫عالمها و ِدعاي ِتها طاملا �أَ َّن َف ْ�ص َل‬ ‫تجَ ْ َر ُح‪َ /‬ق ْلبِي‪ِ /‬ب ُفتُورٍ‪َ /‬ر ِتيب‬ ‫الإعال ِم عن ال�سيا�س ِة باتَ �أمراً متعذراً‪ .‬بل اعتُبرِ الإعال ُم‬ ‫فت�ش ُ‬ ‫ري �إلى بدء العمليات خالل ‪� 48‬ساعة‪ ،‬وكان على �سلط ًة رابعة باعتبارِه جه ًة رقابي ًة على ال�سلطات الثالث‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫امل�ق��اوم��ة الفرن�سية �أن ت �ب��د�أ‬ ‫عمليات التخريب خا�صة التنفيذية والت�شريعية والق�ضائية‪ .‬والإع�لام‪ ،‬منذ زمنٍ‬ ‫ِ‬ ‫ال�سكك احلديدية الفرن�سية التي‬ ‫منظومة ِّ‬ ‫ت�ستخد ُمها بعيد‪ ،‬يف عاملنا العربي �إعالمان‪:‬‬ ‫قواتُ الإحتالل الأملانية يف فرن�سا‪ ،‬هذه الأبيات ُبثّت يو َم ‪5‬‬ ‫َ‬ ‫�إع �ل�ام ر��س�م��ي يف �أغ �ل �ب��ه ت��اب � ٌع لل�سلطة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫حزيران عند ال�ساعة ‪23:15‬‬ ‫تلك ال�سلطةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن ثم فهو ُيعبرِّ ُ عن التزامات ومواقف َ‬ ‫�أ ّم��ا املثال الآخ��ر فقد وقع يف تاريخنا القريب‪ ،‬حيث جت��اه خمتلف الق�ضايا ويعم ُل على ت�سويق ال�سيا�سات‬ ‫ا�ستخدمت املن�شورات ك ��أداة من �أدوات الإع�لام واحل��رب احلكومية وممار�سا ِتها ول�سانُ حا ِله‪ ،‬يف بع�ض الأحيان‪ ،‬ما‬ ‫النف�سية يف بداية معركة الكرامة و ُق َب ْيل اجتياز قوات ورد يف الآية الكرمية ‪ 29‬من �سور ِة غافر‪َ }:‬قا َل ِف ْر َع ْونُ‬ ‫العدو الغا ِز َية خلطوط وقف اطالق النار‪ ،‬حيث انطلقت َما �أُرِي ُك ْم �إ َِّال َما �أَ َرى َو َما �أَ ْه ِدي ُك ْم �إ َّ‬ ‫ِال َ�سبِي َل ال َّر�شَ ا ِد{‪ .‬و�أ ّما‬ ‫ري‬ ‫ير‬ ‫الر�سمي ��س��وا ًء ك��ان حزبيا �أَو غ َ‬ ‫ط��ائ��ر ٌة ا�سرائيلية �صغرية مجُ � َّن�ح��ة ال�ساعة ‪ 0530‬من الآخ � ُر‪ ،‬الإع�ل�ا ُم غ� ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال�ضغوط ال�سيا�سي ِة والأمني ِة‬ ‫باعتبارات‬ ‫�صباح ي��وم ‪� 21‬آذار ‪� = 1968‬ساعة �س من منطقة �أريحا ِح ْزب ِّي فهو ُمق ّي ٌد‬ ‫ٍ‬ ‫املحتلة غرب نهر الأردن ِلت ُْ�س ِق َط‬ ‫من�شورات باللغة العربية وامل��ال�ي� ِة ال�ت��ي تمُ ��ا َر�� ُ�س على تلك امل��ؤ��س���س� ِ‬ ‫�ات الإع�لام�ي� ِة‬ ‫اخلا�صة‪ .‬لكننا َن � َرى ال�صور َة �أك�ث َ‬ ‫ر تط ُّرفاً ل��دى �أنظم ِة‬ ‫حلك ِْم ال�شمولي ِة التي ِمن �أمثل ِتها احل َّية التي ما ُ‬ ‫‪ ) 1‬يوم ي‪ :‬م�صطلح ع�سكري‪ ،‬و يعني اليوم الذي يبدا فيه الهجوم �أو تبد�أ فيه ا ُ‬ ‫تزال‬ ‫العملية القتالية‪ ،‬ويقابل ‪ D-Day‬يف الإجنليزية‪.‬‬ ‫قائمة يف َع ْ�صرِنا احلا�ضر نظا ُم ا ُ‬ ‫حلكم يف كوريا ال�شمالية‪،‬‬ ‫�زب ال��واح� ُد ب�أيديولوجِ َّيته وب��أدوا ِت��ه وو�سا ِئله‬ ‫حيثُ احل� ُ‬ ‫(‪� )2‬ساعة �س‪ ::‬م�صطح ع�سكري‪ ،‬ويعني الوقت من اليوم املخطط فيه بدء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫و�ص ُح ٍف َتنْطقُِ‬ ‫ِ‬ ‫الهجوم‪� ،‬أو الإنزال‪� ،‬أو العمليات الع�سكرية الأخرى‪ ،‬ويقابل يف ‪ H- Hour‬يف الإعالمية‪ :‬قنوات �إذاع�ي�ة وتلفزيونية‪ُ ،‬‬ ‫الإجنليزية‪.‬‬ ‫با�سم النظام وت َُ�س ِّب ُح ب َِح ْم ِده‪.‬‬ ‫�شك َب ��أ َّن الإع�لا َم امل ُ�ت��واز َن ِ‬ ‫و ال َّ‬ ‫ري املُك َّر�سِ‬ ‫النا�ض َج غ َ‬ ‫خلدمة الأنظمة الذي يخدم امل�صال َح الوطنية ال ُعليا ال‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪45‬‬


‫َّ‬ ‫�شك ب�أنه يخطو بال�شعوبِ وال� ِ‬ ‫�دول ومي�ضي بها ُق� ُدم�اً‪،‬‬ ‫ت�ل��ك ه��ي مهمة الإِع�ل��ام ال� َّر��ش�ي��د‪ .‬و�إِنْ ك ��ا َن غ�ي َ�ر ذل��ك‬ ‫فلي�س غريباً �أَن َيخْ ُط َو بها �إل��ى التَّخ ّلف �أَو املراوحة يف‬ ‫َ‬ ‫ري م�ستنري‬ ‫املكان نف�سه‪ ،‬وهو ما ي�صنع �إِعالماً غا ِئماً غ َ‬ ‫ً‬ ‫يت�سِ ُم دائماً باجلمود‪� ،‬أَو �إِع�لام��أً ُم ْغرِ�ضاً عدائي�أ ي�سعى‬ ‫�إل��ى جتريد الأف ��راد من ُه ِو َّيتهم وانتماءاتهم و ِق َي ِمهم‬ ‫و ُم ْعتقداتهم وثقاف ِتهم الذاتية‪.‬‬ ‫�إِ َّن الإعال َم هو الذي ير�سم اليوم ما يمُ ْ ِكنُ �أَنْ ن ُْط ِل َق عليه‬ ‫"اخلريطة الإدراكية الوجدانية لل�شعوب" وهي خريط ٌة‬ ‫تت�شك ُل يف العادة نتيجة المتزا ِج العقلِ مع الوجدان‪ .‬انظ ْر‬ ‫�إلى �إدراكنا ووجدا ِننا جتاه ما يجري يف �سوريا �أو العراق �أو‬ ‫م�صر �أو ليبيا �أو اليمن‪� ،‬أو يف فل�سطني املحتلة (خريطة‬ ‫متباينة ��ص��ا َغ�ه��ا الإع�ل��ا ُم َف� َ�ج� َع�ل� ْت�ن��ا ن�ت�ف��اوتُ يف النظرة‬ ‫واملوقف؛ ن�ؤي ُد ونعارِ�ض‪َ ،‬ن ْث ُبتُ �أَو َن َت َب ّد ُل ِمن حالٍ �إلى حال‬ ‫َت َبعاً ملا ُتطا ِل ُعنا به و�سائ ُل الإعالم‪� ،‬سوا ًء َ‬ ‫ِ�ص‬ ‫تلك التي تحَ ْ ر ُ‬ ‫ُ‬ ‫حتاول‬ ‫على تحَ َ ّري و َع ْر�ض احلقيقة و َت ْب ِني َو ْعياً حقيقياً �أو‬ ‫�أَنْ تبدو َ‬ ‫كذلك‪� ،‬أو تلك التي ت ْع َم ُد �إلى التالعبِ بالعقولِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫و�صناعة الكذبِ‬ ‫الزائف وت�سوي ِقه‪،‬‬ ‫وحتاول �صياغة الوعي‬ ‫بال�ص ْم ِت والإمتناع عن َع ْر ِ�ض احلقيقة َت َو ُ‬ ‫اطئاً �أو‬ ‫�أو ال ّلوا ِذ َّ‬ ‫�شَ َراكة مع �صاحبِ ال ِفعل (‪� )accomplice‬أو خدمة له‪.‬‬ ‫نف�سه‪ :‬ملاذا �أُ ْع ِلم؟ من �أجل ماذا �أُ ْع ِلم؟‬ ‫وال�س� ُؤال الذي يطر ُح َ‬ ‫�أو بعبارة �أُخرى‪ ،‬ما هي الغاية ِمن تقدمي الأفكار والآراء‬ ‫والتوجهات املختلفة �إلى جانب املعلومات والبيانات؟ �ألي�س‬ ‫اجلواب هو‪ :‬لكي يكو َن مبقدور اجلمهور امل�سته َد ِف تكوينَ‬ ‫ُ‬ ‫�آرا ٍء و�أف�ك��ا ٍر جتعلهم يتحركون و َيت�ص َّرفون على �أ�سا�سها‬ ‫فيما ُي �ك � ِّو ُن فل�سف ًة خا�ص ًة لديهم ول��دى املجتمع ال��ذي‬ ‫يعي�شون فيه بحيثُ تكو ُن النتيج ُة (املتوقعة واملخطط لها‬ ‫م�سبقاً) متحقّقة؟‬ ‫هل ثمة ثقة مطلقة بالإعالم‬ ‫‪46‬‬

‫يجب �أن ال ُي�ؤخذ جمي ُع ما ُي َبثّ �أو ُي َ‬ ‫ن�ش ُر �أو ُيكت َُب يف‬ ‫�صحيح بكامله‪� ،‬أو موثوقٌ‬ ‫جميع و�سائل الإعالم على �أ َّن ُه‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫مب ْج َم ِله‪� ،‬أو َبري ٌء ب ِ‬ ‫ِظاه ِر ِه مائة باملائة لأ�سباب ع َّدة؛ ف�إذا‬ ‫ُ‬ ‫�أُ ِخ َذ على �أح�سنِ محَ ْ َم ٍل فقد ُت ْع ِو ُز ُه ال ِّد ّقة‪� ،‬أ ّما على الأ�سو�أ‬ ‫فقد َيكونُ مخُ ْ َتلَ َقاً‪ .‬وبعبارة �أخ��رى قد يقوم على تزويد‬ ‫النا�س ب�أكرب قدر من املعلومات ال�صحيحة‪� ،‬أو احلقائق‬ ‫الوا�ضحة‪ ،‬فيعتم ُد على التنوير والتثقيف ون�شر الأخبار‬ ‫�اب �إل��ى‬ ‫وم��ا يتي�س ُر م��ن امل�ع�ل��وم��ات ال���ص��ادق��ة ال�ت��ي ت�ن���س� ُ‬ ‫عقول النا�س‪ ،‬وترف ُع من م�ستوى الوعي لديهم‪ ،‬وتُعز ُز‬ ‫جانب اخلري و ُت َن ِّمي لديهم نزعة التعاون من �أجل‬ ‫فيهم َ‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ ُي ِ‬ ‫خاط ُب العقو َل ال الغرائز‪� ،‬أو‬ ‫امل�صلحة العامة‪،‬‬ ‫هكذا يجب �أن يكون‪ .‬وقد يقوم على تزويد النا�س ب�أكرب‬ ‫َق � ْد ٍر من الأك��اذي��ب وال�ضالالت و�إث��ارة الغرائز‪ ،‬ويعتمد‬ ‫على اخلداع والتزييف والإيهام‪ ،‬ون�شر الأخبار واملعلومات‬

‫ال�ك��اذب��ة‪ ،‬وتهييج �شهوة احل�ق��د و�إث� ��ارة �أ��س�ب��ابِ ال�صراع‬ ‫و�إذك� ��اء ن��ار احل ��رب (والأم �ث �ل��ة ع�ل��ى ذل��ك ك�ث�يرة ومنها‬ ‫الإعالم ال�صربي �ضد الكروات والبو�سنيني يف ت�سعينيات‬ ‫ري‬ ‫القرن املا�ضي)‪َ ،‬فت َُح ُّط ِمن م�ستوى َق� ْد ِر النا�س‪ ،‬وتث ُ‬ ‫ري‬ ‫بينهم عوام َل ال ُف ْرقة والتفكُّك‪ ،‬ولذلك َ‬ ‫وج ْدنا التدم َ‬ ‫لب‪،‬‬ ‫والإع �ت �ق��ا َل وال�ت�ع��ذي� َ�ب والإغ�ت���ص� َ‬ ‫وال�س َ‬ ‫�اب‪ ،‬وال� َّن�ه� َ�ب َّ‬ ‫ومجَ � ��ا ِز َر ا ِلإع ��دام � ِ‬ ‫ير والإ ِْح�ل��ا َل‬ ‫�ات اجل�م��اع�ي��ة‪ ،‬وال�ت�ه�ج� َ‬ ‫َك�سِ يا�س ٍة ممُ َ ْن َهجة ذا َع �صيتُها ِ‬ ‫لتحمل من َت َبقَّى على ال َه َرب‬ ‫�أو الإ�ست�سالم‪ِ .‬‬ ‫ومثا ُله �أي�ضاً ما جرى ويجري يف �أحداث‬ ‫الأزم��ة ال�سورية التي ما زلنا ن ُ‬ ‫َعي�ش ُف ُ�صو َلها امل�أ�ساو ّية‪،‬‬ ‫وكذلك الأح��داث والتحوالت اجلارية يف ِخ َ�ض ِّم ال�صراع‬ ‫ال�ق��ائ��م يف ال �ع��راق و ليبيا وم���ص��ر وال�ي�م��ن‪ ،‬وم��ا راف�ق��ه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اجلهات‬ ‫تعك�س مواقفَ‬ ‫تغطيات �إعالمي ٍة ُمت�ضارب ٍة‬ ‫من‬ ‫ُ‬ ‫املرتبط ِة بها �أو املنتمي ِة �إليها‪ .‬وكذلك ُ‬ ‫حال جز ٍء معترب‬ ‫ِمن الإِع�لام الذي ُي ِّ‬ ‫غطي الأفعا َل الإ�سرائيلية والتربير‬ ‫الل�ا�أخ�ل�اق��ي ل�ف�ظ��اع��ا ِت�ه��ا وال �ت ��أي �ي��د وال �غ �ط��اء ال ��دويل‬ ‫املُ�صاحب لها‪ ،‬ب��ل واخل��ذالن وال�صمت امل��ري��ب �إزائ �ه��ا‪ ،‬و‬ ‫النفاق الإعالمي ال�سافر جتاهها‪ ،‬والإنحياز املُ�شني �إلى‬ ‫�صف العدو الغا�صب‪ ،‬كل ذلك يك�شفُ ما يمُ ْ ِكنُ �أن يكو َن‬ ‫ري ال��ذي مي ِكنُ �أَ َن‬ ‫عليه الإع�لا ُم كما ُي َج ِّلي ال��دو َر اخلط َ‬ ‫وال�سلم‪.‬‬ ‫َيلع َبه يف احلرب ِّ‬ ‫لهذا فالتعريفُ العلمي العام ل�ل�إع�لام ال بد ِم��ن �أنْ‬ ‫الكاذب‪،‬‬ ‫ي�شم َل النوعينْ في�ضم الإعال َم ال�صاد َق والإعال َم‬ ‫َ‬ ‫والإع�ل�ا َم ب��اخل�ير‪ ،‬والإع�ل�ا َم بال�شّ ِّر‪ ،‬والإع�ل�ا َم بال ُهدى‪،‬‬ ‫والإع�ل�ا َم بال�ضالل‪ .‬وبناء على ما َت � َق � َّد َم‪ ،‬يكون تعريف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للمعلومات وامل َ�ع� ِ‬ ‫الإع�ل�ام ه��و‪ُّ :‬‬ ‫"كل ٍ‬ ‫والثقافات‬ ‫�ارف‬ ‫نقل‬ ‫الفكري ِة وال�سلوكي ِة‪ ،‬بطريقة معينة‪ِ ،‬م��ن ِخ�لال � ِ‬ ‫أدوات‬ ‫وو�سائلِ الإع�لام والنَّ�شرِ‪ ،‬الظاهر ِة املح�سو�س ِة واملعنوي ِة‬ ‫ري املح�سو�سة‪ِ ،‬‬ ‫غ ِ‬ ‫ذات ال�شخ�صية احلقيقية �أو االعتبارية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بق�صد الت�أثري‪� ،‬سوا ًء َعبرَّ َ مو�ضوعيا �أو لمَ ْ ُيعَبرِّ ْ ‪ ،‬و�سواء‬ ‫ري لعقلية اجل�م��اه�ير‪� ،‬أو ل�غ��را ِئ� ِزه��ا وميو ِلها‬ ‫ك��ان التعب ُ‬ ‫ٌ‬ ‫واجتاها ِتها‪ ".‬وهناك تعريفٌ �آخ � ٌر‬ ‫جميل موج ٌز يف �سِ تِّ‬ ‫ٍ‬ ‫كلمات يقول ب�أَ َّن الإعالم هو "�أدا ٌة حتري�ضي ٌة على الثقافة‬ ‫واملعرفة ال�صحيحة"‪� ،‬أي هو داف ٌع لعدم ا�ستقبال الر�سائلِ‬ ‫ُدو َن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مل�ضمون الر�سالة التي ُي َت َع َّر ُ�ض‬ ‫َ�ص‬ ‫بحث وحتقيق و َتق ٍّ‬ ‫ل �ه��ا‪ .‬ف��احل�ي��ادي��ة ف��ى الإع �ل��ام وامل��و��ض��وع�ي��ة ل�ط��امل��ا هما‬ ‫مرغوب فيهما ومطلوبتان ولكنهما �ش ْب ُه غائبتني‬ ‫م�س�ألتان‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫وا�سع متنو ٍع ِمن الإعالم ِمن حيثُ و�سائلهُ‬ ‫يف ِخ َ�ض ّم طيف ٍ‬ ‫و�ص َو ُره‪ ،‬و ُمتع ِّد ٌد ِمن حيثُ منطلقاتُه و�أهدا ُفه‪ .‬و�إذا كنا‬ ‫ُ‬ ‫نبحثُ يف الإع�لام خ َ‬ ‫�لاف ذلك ِمن َقبيلِ نَقلِ ُ�صور ٍة عن‬ ‫ما يحدثُ يف احلقيقة ونقلِ الأخبا ِر ب�صورة دقيقة ونقل‬ ‫حتليالتها املو�ضوعية ووج�ه��ات النظر و�إع�ط��اء ال�صورة‬ ‫الواقعية لل�شخ�صيات والت�صورات عن امل�ستقبل وحماولة‬ ‫تغيري ال��واق��ع نحو الأف���ض��ل وت��وظ�ي��ف الإع�ل�ام خلدمة‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫نت�ساءل هل هذه ال�صور ُة موجود ٌة‬ ‫عندئذ‬ ‫املجتمع‪ ،‬ف�إننا‬ ‫يف الإِعالم ؟ و�إذا كانت موجود ًة ف�أينَ هي وما هو حج ُمها؟‬


‫كيف يتم حتديد الإ�سرتاتيجية الإعالمية؟‬ ‫من هو وا�ضعها؟‬ ‫أ�سا�س اال�سرتاتيجية �أو العام َل الف َّعا َل يف حتديدها‬ ‫�إن � َ‬ ‫هو وجود فل�سفة معينة �أو وجهة نظرٍ معينة‪ ،‬فالفل�سفة‬ ‫هنا �إمن��ا تعني وج�ه��ة ن�ظ��ر‪ ،‬وه��ي يف �أب���س��ط تعريفا ِتها‬ ‫"جمرد ت�صور للعامل ي�شم ُل جمي َع نواحي احلياة من‬ ‫خ�لال وجهة نظر حم��ددة‪ .‬وق��د تكونُ فل�سف َة �أو وجه َة‬ ‫�صانع �أو ُ�صنَّا ِع القرار‪� ،‬أو فل�سف َة املجتمع‬ ‫حاكم �أو‬ ‫نظ ِر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�أو ال�شعب‪� ،‬أو فل�سف َة النظا ِم احلاكم �أو �أ�صحابِ امل�صالح‪.‬‬ ‫والفل�سفة ه��ي‪" :‬ت�ص ّو ٌر ل�ل�ع�المَ ي�شمل جميع ال�صور‬ ‫احل�ضارية املعي�شية وال�سيا�سية واالجتماعية والثقافية‬ ‫رب ُ�صنَّا ُع القرار �أَ ْنف َُ�سهم �آله ًة‬ ‫والأخالقية"‪ .‬وقدمياً اعت َ‬ ‫�أَو �أَ ْن ���ص� َ‬ ‫�اف �آل�ه��ة �أو ُو�� َ�س�ط��ا َء ب�ين ال����شَّ � ْع��بِ وال � � َّر ِّب‪ ،‬هكذا‬ ‫وجدناهم يف ِم�ص َر القدمية وبالد الإغريق‪ ،‬ووجدنا فيما‬ ‫ني الدولة‪ ،‬و َمنْ يقول‪ :‬امل ُ ِع ُّز لدين‬ ‫بعد َمنْ َي ْرب ُِط بينَه وب َ‬ ‫َ‬ ‫اهلل �أو احلاك ُم ب�أمر اهلل �أو �آي ُة اهلل �أو الإما ُم الأكرب �أو الو ّ‬ ‫يل‬ ‫الفقيه‪ .‬وقد اعتمدوا يف حتقيق ذلك على خَ لقِ حال ٍة من‬ ‫الوعي الزائف لدى الأتباع‪ ،‬والت�سليم مبوجب ذلك النوع‬ ‫من الوعي‪ ،‬والإن�صياع الكامل دو َن � ٍ‬ ‫إعمال للفكر �أو ِ‬ ‫العقل‪،‬‬ ‫�أو املنطق ال�سليم‪.‬‬ ‫كان هتلر قد قال بوجو ِد ال�شعبِ املختار ِمنَ اجلن�س‬ ‫�شعب ا ِ‬ ‫هلل‬ ‫الآري‪ ،‬وق ْبله ق��ا َل اليهود ع��ن �أنف�سهم �أ ّن�ه��م ُ‬ ‫املختا ُر �أبنا ُء اهلل و�أح� َّب��ا�ؤُه‪ ،‬والإ�سرائيليون يقومون �إلى‬ ‫ٍ‬ ‫مبمار�سات عن�صرية ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقتل وتدم ٍ‬ ‫واعتقال وتعذيبٍ‬ ‫ري‬ ‫اليوم‬ ‫و� ٍ‬ ‫ريها يف العامل وعلى نح ٍو‬ ‫إذالل ويرتكبون جرائ َم َق َّل نظ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وبتخطيط و�إ�صرارٍ‪ ،‬فهم ينظرون‬ ‫وعي‬ ‫متكر ٍر عن �سابقِ ٍ‬ ‫�إلى من �سِ واهم على �أنهم �أغيا ٌر "غوييم"‪ .‬وبالتايل فهم‬ ‫أنف�سهم ُمطلَ ِقي الأي��دي فيما يفعلون‪ ،‬بل �ضَ ِمنوا‬ ‫ي� َر ْو َن � َ‬ ‫لأنف�سهم ذل��ك بالرغم من حال ِة الوعي احلقيقي لدى‬ ‫الأو�� �س ��اط ال��دول �ي��ة والإق�ل�ي�م�ي��ة‪ .‬ب��ل ويف ال��وق��ت ال��ذي‬ ‫ني والأع � َ‬ ‫�راف الدولية َي��جِ ��دو َن َمن‬ ‫ينتهِكون فيه القوان َ‬ ‫ر ُر �أف�ع��ا َل�ه��م‪ ،‬و ُي� َ�ج� َّي��� ُ�ش الإع �ل�ا ُم خلدمة‬ ‫ُي���س��ا ِن� ُده��م و ُي �ب� ِّ‬ ‫رب الذين ي�ؤمنون ب�صربيا الكربى فعلوا‬ ‫م�آربهم‪ِّ .‬‬ ‫وال�ص ُ‬ ‫ذل��ك مِب ْ�س ِلمي البو�سنة والهر�سك‪ ،‬وم��ا ج��رى ويجري‬ ‫ِم��نْ م��ذا ِب � َح و�إب� ��اد ٍة للم�سلمني يف �أف��ري�ق�ي��ا الو�سطى �أو‬ ‫م�ي��امن��ار �أو م��ا ي �ج��ري م��ن ت�ضييق واع �ت �ق��ال وت�ع��ذي��ب‬ ‫��ض��د بع�ض امل�سلمني يف ال�ه�ن��د وال���ص�ين �أم�ث�ل��ة �أخ ��رى‪،‬‬ ‫وم�سمع من العامل ب�أ�سره‪ ،‬واجلمي ُع و�ضَ عوا‬ ‫على م��ر�أى‬ ‫ٍ‬ ‫ا�سرتاتيجيا ِتهم الإعالمية وف َق فل�سفا ِتهم اخلا�ص ِة بهم‬ ‫مبعرفة ووعي �ضروريني‪.‬‬

‫الإعالم البديل‪ ،‬الإعالم االجتماعي‪ ،‬الإعالم التفاعلي‪،‬‬ ‫الإع�ل�ام الرقمي‪ ،‬الإع�ل�ام الإل �ك�تروين‪ ،‬الإع�ل�ام الآيل‪،‬‬ ‫الإع �ل��ام ال���ش�ب�ك��ي‪ ،‬الإع �ل��ام ال���ش�ع�ب��ي‪� ،‬إع�ل��ام امل�ج�ت�م��ع‪،‬‬ ‫�صحافة املواطن‪ .‬يتميز الإعالم اجلديد بات�ساع الرقعة‬ ‫اجلغرافية التي يغطيها بالإنرتنت‪ ،‬وبعن�صر التفاعلية‬ ‫والتحاور املبا�شر وعر�ض الآراء وامل�شاركة يف منتديات‬ ‫احلوار بني امل�ستخدمني واملحادثة ‪ ،Chatting‬وامكانية‬ ‫التحكم باملعلومات‪ ،‬واحل�صول عليها و�إر�سالها وتبادلها‬ ‫ع�بر ال�بري��د الإل �ك�تروين‪ .‬كما يتميز الإع�ل�ام اجلديد‬ ‫بتوفري كلفة طباعة وتوزيع الن�سخ الورقية لل�صحف التي‬ ‫كانت ت�سود جزءاً كبرياً من الإعالم املكتوب‪ ،‬ويتميز �أي�ضاً‬ ‫ب�ضمان عد ٍد �أكرب من الق ّراء‪.‬‬ ‫اح َب ب��رو َز الإع�لا ِم اجلديد ظواه ُر عديدة منها‪:‬‬ ‫َ�ص َ‬ ‫ك�سر �إحتكار امل�ؤ�س�سات الإعالمية الكربى‪ ،‬و ظهور طبقة‬ ‫جديدة من الإعالميني‪ ،‬و�أحياناً من غري ذوي الإخت�صا�ص‬ ‫يف الإعالم‪ ،‬قد يتفوقون على �أهل االخت�صا�ص الأ�صليني‪.‬‬ ‫كما برزت منابر جديدة للحوار‪ ،‬و�أ�صبح اجلمهور م�صدراً‬ ‫ف��اع� ً‬ ‫�وج��ه �إل��ى‬ ‫لا يف ان�ت��اج م��ا ي�سمى ب��إع�لام اجلمهور امل� َّ‬ ‫اجلمهور‪ .‬وقد رافق هذا التحول ظهور م�ضامني ثقافية‬ ‫و�إع�لام�ي��ة ج��دي��دة‪ ،‬كما م� َّك��ن املجتمع م��ن امل���ش��ارك��ة يف‬ ‫ت�سليط ال�ضوء على ق�ضاياه �إعالمياً‪ ،‬وانتقل باملجتمع‬ ‫�إلى ميدان الإعالم املتخ�ص�ص‪.‬‬

‫� اّإل �أنّ الإع�ل�ام اجل��دي��د ال يخلو م��ن خم��اط� َر ون��وا ٍح‬ ‫�سلبية على امل�ستوى ال�ع��ام وامل�ستوى ال�شخ�صي منها‪:‬‬ ‫ن ��درة امل� �ه ��ارات وامل� �ع ��ارف ال�ل�ازم��ة مل�م��ار��س��ة م �ه��ام عمل‬ ‫الإع�ل�ام ب�شكل حم�ترف يف الإع�ل�ام اجل��دي��د‪ ،‬و�صعوبة‬ ‫ال��وث��وق والتحقق م��ن م�صداقية العديد م��ن البيانات‬ ‫واملعلومات على املواقع الإلكرتونية‪ ،‬و انعدام القوانني‬ ‫وال�ضوابط اخلا�صة بعمل الإعالم الإلكرتوين اجلديد‪،‬‬ ‫وع ��دم خ���ض��وع��ه ل�ل��رق��اب��ة املُ� ْ�ح �ك �م��ة‪ ،‬وال���س��رع��ة يف البث‬ ‫الإلكرتوين التي غالباً ما ينتج عنها عدم حتري الدقة‬ ‫وق��د تكون النتيجة هي الف�شل‪ ،‬وع��دم توفر الإمكانيات‬ ‫التقنية يف بع�ض ال ��دول‪ ،‬مم��ا ي ��ؤث��ر ع�ل��ى عملية تقدم‬ ‫وت �ط��ور الإع�ل��ام الإل� �ك�ت�روين‪ ،‬وان �ت �ه��اك ح �ق��وق الن�شر‬ ‫وامللكية الفكرية‪ ،‬و�سهولة الرتويج للمعلومات الزائفة‪،‬‬ ‫وغ �ي��اب التخطيط لل��إع�ل�ام الإل �ك�ت�روين يف ك�ث�ير من‬ ‫الأح� �ي ��ان‪ ،‬وع ��دم و� �ض��وح ال��ر�ؤي��ة امل�ستقبلية ل��ه‪ .‬وعلى‬ ‫ال�صعيد ال�شخ�صي والإجتماعي �أخ��ذت تتبدى مالمح‬ ‫الت�أثري ال�سلبي للإعالم يف يف احلياة الأ�سرية‪ .،‬وكذلك‬ ‫الإدمان الذي و�صل بالبع�ض حد �إهدار الوقت يف مت�ضية‬ ‫ال�ساعات ال�ط��وال دون ف��ائ��دة‪ ،‬مع ما ي�صاحب ذل��ك من‬ ‫واقع الإعالم‬ ‫خماطر �صحية نتيجة التحديق امل�ستمر يف ال�شا�شات‪،‬‬ ‫نعي�ش اليوم مرحلة جديدة من مراحل تطور الإعالم واجللو�س اخلاطىء لفرتات طويلة‪ ،‬وامكانية الت�سبب يف‬ ‫ال��ذي �أُط� ِل� َق عليه ت�سميات عدة منها‪ :‬الإع�لام اجلديد‪� ،‬آالم الظهر واملفا�صل والنمو املنحني لدى �أولئك‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪47‬‬


‫م�ستقبل الإعالم‬ ‫ني لنا مما �سبق �أ َّن الإع�لا َم الإلكرتوين بطبيع ِته‬ ‫يتب ُ‬ ‫الفورية التي تبدو وا�ضحة يف بيئة الإعالم اليو َم هو �إعالم‬ ‫امل�ستقبل وهو يف الوقت ذاته �إحدى الدعامات اخلطرية‬ ‫يف بناء الوعي ودميومته‪ ،‬ويف حتريك اجلماهري وتغيري‬ ‫م�سار الأحداث وقد �شهد العالمَ ُ مثا ًال �ساطعاً على ذلك‬ ‫يف تركيا ي��وم ‪ 15‬مت��وز ‪� 2016‬أث�ن��اء املحاولة الإنقالبية‬ ‫الفا�شلة على النظام القائم فيها‪ ،‬وعليه‪ ،‬فمن الواجب‬ ‫دائ �م �اً االه �ت �م��ا ُم ب��ه وا��س�ت�غ�لا ُل��ه والإ� �س �ت �ف��اد ُة م�ن��ه على‬ ‫ري �إلى ذلك تط ُّو ُره املت�سار ُع وانت�شا ُره‬ ‫النحو الأف�ضل‪ ،‬ي�ش ُ‬ ‫املتعاظ ُم بني �سكان املعمورة‪ ،‬واجت��ا ُه كث ٍ‬ ‫ري من ال�صحف‬ ‫الغربية والأم��ري�ك�ي��ة حت��دي��داً ‪ -‬وغ�يره��ا ك��ذل��ك ‪� -‬إل��ى‬ ‫ِ‬ ‫ال�شكل التقليدي �إلى الإع�لام الإلكرتوين‪،‬‬ ‫التح ّو ِل من‬

‫ال �سيما يف ِظ � ِّل الآث ��ا ِر العميق ِة ال�ت��ي خَ َّل َفتْها الأزم ��اتُ‬ ‫املتالحقة التي ع�صفت بالعامل يف الأعوام الأخرية‪ ،‬لين�ش�أ‬ ‫عنها الحقاً �سل�سل ٌة ِمن الأزم��ات التي ال زالت تداعياتُها‬ ‫تتوالى �سيا�سياً و اقت�صادياً وع�سكرياً واجتماعياً‪ ،‬وت ُ‬ ‫َطال‬ ‫ري من امل�ؤ�س�سات العامة واخلا�صة مبا فيها‬ ‫بح ّدة الكث َ‬ ‫م�ؤ�س�سات الإعالم يف العديد من بلدان العامل‪.‬‬ ‫ك�م��ا ت �ب�َّي�نَّ َ ل�ن��ا �أ َّن لل��إع�ل�ا ِم دوراً خ �ط�يراً يف احل��رب‬ ‫�وي �إذا �أُ ْح �� �سِ ��نَ ا��س�ت�خ��دا ُم��ه‪،‬‬ ‫وال��� ّ�س�ل��م‪ ،‬ب��ل ه��و � �س�لا ٌح ح �ي� ٌّ‬ ‫َطلب �سابِقٌ لأي ٍ‬ ‫عمل‬ ‫والوعي الذي يحققه الإعال ُم هو ُمت ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َوج ُه املر ُء الوِجه َة‬ ‫ُي�ؤَ َّم ُل �أَنْ ُي َ‬ ‫كتب له النجاح‪ ،‬فبالوعي َيت ّ‬ ‫ِ‬ ‫الوقت نف�سِ ه‪ُّ ،‬‬ ‫خط دفا ٍع �أَ َّو ٍل‬ ‫ال�سليمة‪ .‬وهو �أي الوعي‪ ،‬يف‬ ‫مبدئي واقٍ مِلا يتهد ُده ِمنْ �أخطار‪.‬‬ ‫و ِد ْر ٌع‬ ‫ٌّ‬

‫‪48‬‬

‫املراجع‬ ‫• القر�آن الكرمي‬

‫• �شذرات‪ .‬املذاهب الأدبية لدى الغرب‪ .‬عبد الرزاق‬ ‫الأ� �ص �ف��ر‪ /‬ملتقى امل�ف�ك��ري��ن وال�ب��اح�ث�ين ال�ع��رب‪.‬‬ ‫‪ ،2012 /2/19‬الأردن‪.‬‬

‫• �� ُ�س�َن�نَ ُ اب��نِ م��اج��ة‪ .‬اب��و ع�ب��داهلل حممد ب��ن يزيد • ل�سان العرب البن منظور الإفريقي امل�صري‪ .‬دار‬ ‫القزويني املتو ّفى �سنة ‪ 273‬هـ‪.‬‬ ‫�إحياء الرتاث العربي‪ .‬بريوت‪ ،‬ط‪.1986 ،3‬‬ ‫• الإع �ل��ام اجل��دي��د‪ .‬جم�م��وع��ة �إع�لام �ي��ة عربية • م�ف�ه��وم الإع�ل��ام الإل� �ك�ت�روين‪ .‬ال�ن�ق��اب��ة العامة‬ ‫م�ستقلة‪ .‬جمهورية م�صر العربية‪.‬‬ ‫ل�ل�إع�لام الإل� �ك�ت�روين‪،2017/9/6 ،.S. E. M‬‬ ‫القاهرة‪.‬‬ ‫• التكنولوجيا والإعالم التفاعلي‪ .‬علي قادر‪ .‬احلوار‬ ‫املتمدن‪.2014 .‬‬


‫دراسات‬

‫دور التربية والتعليم‬ ‫في تحفيز المجتمع‬ ‫هذا عنوان م�ستفز‪ ،‬متعدد الدالالت �إذ املق�صود بذلك هو �إثارة‬ ‫املجتمع نحو ق�ضية معينة �أو نحو عدة ق�ضايا‪� .‬أو غر�س قيم جديدة‬ ‫يف املجتمع �أو حفز املجتمع على الإب ��داع والإن �ت��اج‪� .‬أو ا�ستثارة روح‬ ‫التناف�سية لدى �أبناء املجتمع وبناته مع بع�ضهم بع�ضاً‪� ،‬أو مع غريهم‬ ‫من املجتمعات؟ �إثارة املجتمع للت�صدي لقيم �سلبية جديدة حلت حمل‬ ‫منظومة قيم عا�ش عليها املجتمع عقوداً �أو قروناً عديدة؟ الى غري‬ ‫ذلك من الت�سا�ؤالت والدالالت ومع ذلك ف�إن هذا العنوان يبقى عنواناً‬ ‫هاماً يدفع الناظر فيه الى التفكر والت�أمل‪ ،‬واقرتاح احللول مل�شكالت‬ ‫املجتمع القائمة و�آفاته الفتاكة‪.‬‬ ‫الرتبية والتعليم عند الأوائل‬ ‫كان العنوان الأبرز عند ا�سالفنا القدامى هو الت�أديب‪ ،‬وامل�ؤدب‬ ‫وامل ��ؤدب وق�صة ه��ارون الر�شيد مع م��ؤدب �أوالده معروفة‪ ،‬وكذلك‬ ‫غريها مم��ا حتفل ب��ه بطون امل���ص��ادر العربية ال�ق��دمي��ة‪ ،‬فلم يكن‬ ‫الفارابي وال ��رازي والنظام واب��ن �سينا وال�غ��زايل وغريهم الأالف‬ ‫�سوى م�ؤدبني معلمني‪ ،‬وقد كانت الأروقة وحلقات الدر�س والأعمدة‬ ‫يف امل�ساجد معاهد علم وتربية‪ ،‬فيها تن�ش�أ الأجيال وتربي وتعلم وفق‬ ‫منظومة قيم معروفة لدى العامة واخلا�صة‪ ،‬وكان ال�شيخ امل�ؤدب �أو‬ ‫املعلم يحظى مبكانة ال يحظى بها كثري من علية القوم‪ ،‬وكانت �إجازة‬ ‫ال�شيخ لتلميذه تكفي ليقوم بالدور الرتبوي التعليمي ذاته الذي قام‬ ‫به ال�شيخ مع تلميذه‪ ،‬وكانت هذه االجازة مبثابة ال�شهادة العليا التي‬ ‫متنحها اجلامعات لطلبتها يف ع�صرنا هذا‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد جمعة الوحش‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪49‬‬


‫ول�ه��ذا كانت �سل�سلة ال�شيوخ او امل��ؤدب�ين ال��ذي��ن �أخ��ذ ‪ .2‬غ��ر���س ق�ي��م الإن �ت �م��اء ل�ل��وط��ن ف�ع� ً‬ ‫لا وق ��و ًال وتعزيز‬ ‫منظومة القيم الإي�ج��اب�ي��ة الدينية والإجتماعية‬ ‫عنهم ومنهم التلميذ‪ ،‬وم��ازال��ت حتظى بعناية ق�صوى‬ ‫وال���س�ي��ا��س�ي��ة والأخ�لاق �ي��ة وال���س�ل��وك�ي��ة مب��ا يحفظ‬ ‫عند الباحثني والدار�سني الى اليوم‪.‬‬ ‫للمجتمع وحدته ومتا�سكه وترابطه ووقوفه جبهة‬ ‫م��ن ه ��ذه امل �ق��دم��ة امل��وج��زة ن���س�ت��دل ع�ل��ى ال ��دور‬ ‫واحدة يف وجه املخاطر والتحديات التي تواجهه‪.‬‬ ‫�أو االدوار ال�ت��ي ك��ان ي�ق��وم ب�ه��ا امل ��ؤدب��ون (امل�ع�ل�م��ون) يف‬ ‫جمتمعاتنا العربية والإ�سالمية القدمية‪ ،‬وق��د �سبقنا ‪ .3‬ك��ان��ت م�ؤ�س�سة ال�ترب�ي��ة والتعليم ال��ى عهد قريب‬ ‫ه��ي م�صنع ال �ق �ي��ادات ال��وط�ن�ي��ة يف ��ش�ت��ى امل �ج��االت‬ ‫الإغ��ري��ق القدامى بذلك ح�ين اطلقوا على فيل�سوفهم‬ ‫ال�سيا�سية والإجتماعية والإقت�صادية والثقافية‪،‬‬ ‫الأول �سقراط لقب املعلم‪ ،‬وكذلك على تلميذه �أفالطون‬ ‫واذا كان البد من �إعادة الهيبة للمعلم والتعليم فال‬ ‫وغريهم من فال�سفة الغرب وعلمائه يف ع�صر النه�ضة‬ ‫بد من الإهتمام ال�لازم بت�أهيل القيادات الرتبوية‬ ‫الذي ت�أثروا فيه ب�إعرتافهم بالثقافة العربية الإ�سالمية‬ ‫وحتفيزها بكل الو�سائل لتكون يف الطليعة دائماً‬ ‫وب�ع�ل�م��اء ومعلمي ه��ذه الأم ��ة وج��ام�ع��ات�ه��م ومعاهدهم‬ ‫عم ً‬ ‫ال وانتاجاً واب��داع�اً‪ ،‬ورعايتها الرعاية اخلا�صة‬ ‫ومدار�سهم التي كانت قبلة لطلبة العلم الأوروب�ي�ين يف‬ ‫لتكوين فئة م�ستنرية تقود املجتمع يف �شتى امليادين‪.‬‬ ‫القرون الو�سطى وخا�صة جامعات الأندل�س ومعاهدها‪،‬‬ ‫واخلال�صة هي �أن �أي جمتمع لي�س �سوى املخرج الرتبوي‬ ‫ال �ث �ق��ايف الأه� ��م مل�ع��اه��د ال�ع�ل��م وال�ترب �ي��ة ع�ل��ى اخ�ت�لاف ‪ .4‬ي �ج��ب ان ي �ك��ون امل �ع �ل��م وامل ��در� ��س ق� ��دوة يف �سلوكه‬ ‫وج��وه��ره وم�ظ�ه��ره‪ ،‬م��ؤم�ن�اً بر�سالته راغ �ب �اً فيها‪،‬‬ ‫م�ستوياتها‪.‬‬ ‫حري�صاً على ت�أديتها على �أكمل وجه‪.‬‬ ‫من يقود من؟‬ ‫‪� .5‬إت��اح��ة ال�ف��ر��ص��ة ل�ل�م�ب��دع�ين م��ن ال�ط�ل�ب��ة للتعبري‬ ‫عن مواهبهم و�إبداعاتهم وت�شجيعهم على الإنتاج‬ ‫اذا نظرنا الى الواقع الرتبوي احلايل يف جمتمعنا‬ ‫والإبداع منذ ال�صفوف الأ�سا�سية الأولى‪ ،‬وتوجيههم‬ ‫دون جلد الذات او التباكي على املا�ضي ف�إننا جند طلبة‬ ‫ورع��اي �ت �ه��م ح���س��ب رغ �ب��ات �ه��م وم �ي��ول �ه��م امل�خ�ت�ل�ف��ة‬ ‫امل��دار���س عندنا وامل�ع��اه��د واجل��ام�ع��ات مت�أثرين ال��ى حد‬ ‫�أكادميياً ومهنياً وفنياً وريا�ضياً‪ ،‬فكم من مبدع يف‬ ‫ك�ب�ير ب��امل�ج�ت�م��ع‪ ،‬وخ��ا��ص��ة �أم��را� �ض��ه و�أدوائ � ��ه ال�ترب��وي��ة‬ ‫العامل قدمياً وحديثاً كان رائ��داً يف جمال �أو اكرث‪،‬‬ ‫وال�سيا�سية والإجتماعية والفكرية وال�سلوكية على عك�س‬ ‫دون �أن ي�ك��ون اح��د املتفوقني يف التح�صيل املعريف‬ ‫ما هو مطلوب هو ان ه��ذه امل�ؤ�س�سات هي التي يجب �أن‬ ‫الدرا�سي وه��ذا يتطلب قيام املعلمني بالتعاون مع‬ ‫ت�ؤثر يف املجتمع وتقوده نحو االف�ضل ولهذا برزت ظاهرة‬ ‫�أول�ي��اء الأم ��ور واملجتمع املحلي والإدارة الرتبوية‬ ‫العنف يف الو�سط الطالبي اجلامعي واملدر�سي وانت�شرت‬ ‫بالبحث ع��ن ه� ��ؤالء امل�ب��دع�ين ودرا� �س��ة �إب��داع��ات�ه��م‬ ‫اجل��رائ��م على اي��دي الطلبة بن�سب ت�ضاهي ماهي عليه‬ ‫وميولهم والأخذ ب�أيديهم ملزيد من الإبداع والتميز‪،‬‬ ‫يف املجتمع و� �ص��ارت امل�ع��ادل��ة معكو�سة و�أ��ص�ب��ح املجتمع‬ ‫فهم الذين �سيكون لهم ال�ش�أن الأب��رز يف النهو�ض‬ ‫ب�سلبياته املختلفة ه��و امل��ؤث��ر يف امل�ؤ�س�سة التعليمية ال‬ ‫مبجتمعاتهم يف �شتى املجاالت‪.‬‬ ‫العك�س‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫حمركات تربوية لتحفيز املجتمع نحو الأف�ضل‬ ‫كثرية هي املحركات الرتبوية الإيجابية وال�ضرورية‬ ‫حلفز املجتمع نحو الأف�ضل يف كل مناحي احلياة ومن‬ ‫�أهمها ما يلي‪:‬‬

‫‪� .6‬إع�ط��اء دور حقيقي للربملانات املدر�سية والإحت ��ادات‬ ‫ال�ط�لاب�ي��ة يف امل �ع��اه��د واجل��ام �ع��ات حل�ف��ز ال�ط�ل�ب��ة يف‬ ‫امل�ستقبل على امل���ش��ارك��ة الإي�ج��اب�ي��ة واق�ت�راح احللول‬ ‫الناجحة مل�شكالت املجتمع من خالل امل�شاركة م�ستقب ً‬ ‫ال‬ ‫يف احل �ي ��اة ال�برمل��ان �ي��ة وامل �ج��ال ����س امل�ح�ل�ي��ة امل�خ�ت�ل�ف��ة‬ ‫واجل�م�ع�ي��ات ب��أن��واع�ه��ا و�أه��داف �ه��ا امل �ت �ع��ددة للنهو�ض‬ ‫باملجتمع وخا�صة يف املجاالت الت�شريعية والقانونية‬ ‫واخل��دم�ي��ة وغ�يره��ا م��ع تعزيز قيم ال�ع��دال��ة وتكاف�ؤ‬ ‫ال�ف��ر���ص وحم��ارب��ة ال�ف���س��اد وال��وا��س�ط��ة واملح�سوبية‬ ‫وغريها من �أمناط ال�سلوك التي تنزع الثقة من نفو�س‬ ‫الأبناء والبنات نحو قيم العدالة والنزاهة وامل�ساواة‪.‬‬

‫‪ .1‬ع�ل��ى امل��در��س��ة واجل��ام�ع��ة وم�ع��اه��د ال�ع�ل��م والتعليم‬ ‫املختلفة متابعة ح��راك املجتمع‪ ،‬وامل��ؤث��رات الغالبة‬ ‫عليه‪ ،‬والقيام بالدور الرتبوي الإيجابي التوجيهي‬ ‫ل�ل�م�ج�ت�م��ع م ��ن خ �ل�ال ال �ن �� �ش��اط��ات ال�لام�ن�ه�ج�ي��ة‬ ‫للطلبة‪ ،‬والهيئات التدري�سية و�أبناء املجتمع وبناته‬ ‫حلفز اجلميع لإ�صالح اخللل‪ ،‬والنهو�ض باملجتمع ‪� .7‬إت��اح��ة الفر�ص للطلبة على اخ�ت�لاف م�ستوياتهم‬ ‫للتعبري عن �آرائهم بجر�أة و�شجاعة وم�س�ؤولية مع‬ ‫وتوجيهاته نحو الإنتاج والعطاء والعمل املجدي‪.‬‬


‫احرتام �آراء الآخرين و�إن اختلفت مع �آرائهم والدفاع‬ ‫ع��ن التعددية الفكرية والدينية وامل�ن�ب��ت والن�ش�أة‬ ‫وغريها‪ ،‬فالكل �أمام القانون �سواء وال يتميز واحد‬ ‫ع��ن غ�يره اال مب�ق��دار كفاءته‪ ،‬ومب��ا يقدمه لوطنه‬ ‫وجمتمعه من خدمة‪.‬‬

‫وظيفية‪ ،‬بحيث تقدم للطلبة مادة تربوية وتعليمية‬ ‫منا�سبة للع�صر وامل��رح�ل��ة وق�ي��م املجتمع‪ ،‬م��ادة او‬ ‫م��واد حت�ترم عقل ال�ط��ال��ب وحت �ف��زه على التفكري‬ ‫والإبداع وحتثه على �إجراء التجارب العلمية العملية‬ ‫للو�صول الى احلقائق بالفكر والعقل والتجربة ال‬ ‫باحلفظ والتلقني‪.‬‬

‫‪� .8‬إي �ج��اد ال��و��س��ائ��ل املنا�سبة ت��رب��وي�اً وث�ق��اف�ي�اً للطلبة‬ ‫ل �ل ��إف � ��ادة م� ��ن و�� �س ��ائ ��ل ال� �ت ��وا�� �ص ��ل الإج� �ت� �م ��اع ��ي‬ ‫التكنولوجية احلديثة‪ ،‬والتحذير من م�ضارها على ‪ .10‬تفعيل دور املكتبة يف امل��در��س��ة واجل��ام�ع��ة واملعهد‬ ‫وغ�يره��ا وت�شجيع امل�ط��ال�ع��ة ب��امل���س��اب�ق��ات املختلفة‬ ‫الفرد واملجتمع‪� ،‬إن هي ا�ستخدمت ووظفت ب�صورة‬ ‫�سلبية‪ ،‬وهي و�سائل غزت كل بيت وكل �أ�سرة‪ ،‬ومنعها‬ ‫والتناف�س الثقايف والإهتمام بالإعالم الرتبوي من‬ ‫م���س�ت�ح�ي��ل‪ ،‬ول �ك��ن الب ��د م��ن ال�ترك �ي��ز ع �ل��ى كيفية‬ ‫خ�لال الإذاع��ة املدر�سية و�إذاع��ة اجلامعة واملجالت‬ ‫ا�ستخدامها ا�ستخداماً مفيداً‪ ،‬والتنبيه والتحذير‬ ‫املختلفة التي يقوم على ا�صدارها الطلبة وامل�سرح‬ ‫من م�ضارها اخلطرية على الفرد واملجتمع‪ ،‬ولهذا‬ ‫املدر�سي واجلامعي وغري ذلك من الو�سائل‪ ،‬و�إتاحة‬ ‫ك�ل��ه ي�ج��ب ان ي �ك��ون �أول� �ي ��اء الأم � ��ور م���ش��ارك�ين يف‬ ‫الفر�ص لأولياء الأمور للم�شاركة فيها وتقييمها‪.‬‬ ‫التثقيف والتوعية ح��ول ا�ستخدام ه��ذه الو�سائل‪،‬‬ ‫وان يكون هناك وح��دات درا�سية وظيفية يف جميع ‪ .11‬ت�ف�ع�ي��ل دور جم��ال����س الآب � ��اء والأم� �ه ��ات وجم��ال����س‬ ‫امل�ستويات الدرا�سية لتحقيق هذه الغاية‪.‬‬ ‫الإدارة يف امل�ؤ�س�سات الرتبوية املختلفة و�إخراجها‬ ‫من (ال��روت�ين ) الباهت ال��ى العمل اجل��اد واملنتج يف‬ ‫‪� .9‬إع��ادة النظر وامل��راج�ع��ة امل�ستمرة للمناهج والكتب‬ ‫املجتمع‪.‬‬ ‫ال��درا��س�ي��ة وامل���س��اق��ات التعليمية �إع� ��ادة وم��راج�ع��ة‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪51‬‬


‫مقاالت‬

‫آداب طلب العلم وأصوله‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬خلق الإن�سان‪ ،‬علمه البيان‪ ،‬علم بالقلم‪،‬‬ ‫علم الإن�سان ما مل يعلم‪� ،‬أر�سل ر�سوله بالهدى ودين احلق ليظهره‬ ‫على الدين كله وكفى باهلل �شهي ًدا‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫الشيخ صالح الفوزان‬

‫�أم��ا بعد‪ ،‬ف��إن طلب العلم هو �أول واج��ب على العبد قبل العمل‪،‬‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬ف ْاعلَ ْم �أَ َّن� ُه اَل ِ �إ َل� َه �إ اَِّل ُ‬ ‫ني‬ ‫اهلل َو ْا�س َت ْغ ِف ْر ِلذَنب َِك َو ِل ْل ُم�ؤ ِْم ِن َ‬ ‫َوالمْ ُ�ؤ ِْمن َِات َو ُ‬ ‫اهلل َي ْعلَ ُم ُم َت َق ّلَ َب ُك ْم َو َم ْث َوا ُك ْم{�سورة حممد‪19 :‬‬ ‫ق��ال الإم��ام البخاري رحمه اهلل‪ :‬ب��اب العلم قبل القول والعمل‪،‬‬ ‫وذكر هذه الآية‪َ } :‬ف ْاعلَ ْم �أَ َّن ُه اَل �إِ َل َه �إ اَِّل ُ‬ ‫ني‬ ‫اهلل َو ْا�س َت ْغ ِف ْر ِلذَنب َِك َو ِل ْل ُم�ؤ ِْم ِن َ‬ ‫َوالمْ ُ�ؤ ِْمن َِات َو ُ‬ ‫اهلل َي ْعلَ ُم ُم َت َق ّلَ َب ُك ْم َو َم ْث َوا ُك ْم{�سورة حممد‪19 :‬‬ ‫وبد�أ اهلل بالعلم قبل القول والعمل‪ ،‬لأن العلم هو الأ�سا�س الذي‬ ‫يبنى عليه القول والعمل‪ ،‬فعمل بدون علم �ضالل‪ ،‬كما �أن العلم بدون‬ ‫عمل �أي�ضا �ضالل‪ ،‬ومغ�ضوب على عامل ال يعمل بعلمه‪ ،‬ولهذا قال‬ ‫ال�ص َر َ‬ ‫اط‬ ‫�سبحانه وتعالى معلما عباده يف �آخر �سورة الفاحتة ْ‬ ‫}اه ِدنَا ِّ‬ ‫غ�ضوبِ َعلَي ِه ْم َوالَ‬ ‫المْ ُ ْ�س َت ِقي َم * ِ���ص� َر َ‬ ‫اط ا َّل� ِ�ذي��نَ �أَن َعمتَ َعلَي ِه ْم غَ� ِ‬ ‫ير امل َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ال�ضا ِّلنيَ{�سورة الفاحتة‪.7 :‬‬ ‫فاملنعم عليهم هم الذين جمعوا بني العلم النافع والعمل ال�صالح‪،‬‬ ‫واملغ�ضوب عليهم هم الذين �أخذوا العلم وتركوا العمل‪ ،‬وال�ضالون هم‬ ‫الذين �أخذوا العمل وتركوا العلم‪ .‬ف�أنت ت�س�أل اهلل يف كل ركعة حينما‬ ‫تقر�أ ه��ذه ال�سورة العظيمة �سورة الفاحتة �أن يهديك طريق املنعم‬


‫عليهم من النبيني وال�صديقني وال�شهداء وال�صاحلني‪،‬‬ ‫و�أن يجنبك طريق املغ�ضوب عليهم‪ ،‬وهم العلماء الذين‬ ‫ال يعملون بعلمهم‪ ،‬وطريق ال�ضالني وهم الذين يعملون‬ ‫بدون علم‪ .‬وهذا هو الذي بعث اهلل ر�سوله �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم به‪� ،‬أر�سل ر�سوله بالهدى ودين احلق‪ .‬فالهدى هو‬ ‫العلم النافع‪ ،‬ودي��ن احلق هو العمل ال�صالح‪ ،‬فالر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ُبعث بالعلم النافع والعمل ال�صالح‪،‬‬ ‫وه �م��ا ق��ري �ن��ان ال ي �ف�ترق��ان‪ ،‬ال�ع�ل��م وال �ع �م��ل ق��ري �ن��ان ال‬ ‫يفرتقان‪.‬‬ ‫ولهذا حث اهلل �سبحانه وتعالى عباده على طلب العلم‬ ‫والتفقه يف الدين‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و َما َكا َن المْ ُ�ؤ ِْمنُو َن ِل َين ِف ُروا‬ ‫ك�آ َّف ًة َفلَ ْو َال َن َف َر ِمن ُك ِّل ِف ْر َق ٍة ِّم ْن ُه ْم َط�آ ِئ َف ٌة ِّل َي َت َف َّق ُهوا فيِ‬ ‫الدينِ َو ِل ُي ِ‬ ‫نذ ُروا َق ْو َم ُه ْم �إِ َذا َر َج ُعواْ �إِ َل ْي ِه ْم َل َع ّلَ ُه ْم َي ْح َذ ُرونَ{‬ ‫ِّ‬ ‫�سورة التوبة‪} .122 :‬فلوال نفر{ هذا حث من اهلل �سبحانه‬ ‫وتعالى لعباده‪ ،‬ب�أن تنفر طائفة لطلب العلم والتفقه يف‬ ‫دي��ن اهلل‪ ،‬يطلبون العلم يف �أي مكان ي�سافرون �إل�ي��ه يف‬ ‫مكانه �أينما وج��دوه فيتفقهون يف دي��ن اهلل‪ ،‬فيح�صلون‬ ‫على ب�شارة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لقوله‪“ :‬من ُيرد‬ ‫ُ‬ ‫ريا يفقهه يف الدين"‪.‬‬ ‫اهلل به خ ً‬ ‫فه�ؤالء َم��نَّ ُ‬ ‫اهلل عليهم بهذه امليزة لأنهم �سافروا يف‬ ‫طلب العلم يف �أماكنه من �أهل العلم وتفقهوا يف دين اهلل‪،‬‬ ‫ثم �إذا تفقهوا يف دين اهلل ورجعوا �إل��ى بالدهم و�أهليهم‬ ‫ف�إنهم ينذرونهم ويعلمونهم ه��ذا العلم ال��ذي حتملوه‪،‬‬ ‫وي�ك��ون��ون دع ��اة �إل ��ى اهلل ع�ل��ى ب���ص�يرة‪ ،‬ع��ام�ل�ين بعلمهم‬ ‫وداعني �إليه‪ ،‬هذه طريقة �أهل النجاة و�أهل الفالح‪ ،‬وقد‬ ‫قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪“ :‬من �سلك طريقًا يلتم�س فيه‬ ‫ِعل ًما �سهل اهلل له طريقًا �إلى اجلنة” و�إن املالئكة لت�ضع‬ ‫�أجنحتها لطالب العلم ر�ضا مبا ي�صنع‪.‬‬ ‫ف��ال��ذي ي�سعى يف طلب العلم وي�سلك طريقه‪ ،‬ف�إنه‬ ‫ي�سهل اهلل طريقه �إلى اجلنة‪ ،‬وكفى بهذا فخ ًرا ِ‬ ‫وع�زًا يف‬ ‫الدنيا والآخ��رة‪ .‬بل �إن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قال‪:‬‬ ‫“�إن العلماء ورثة الأنبياء و�إن الأنبياء مل يورثوا دينا ًرا‬ ‫وال دره � ًم��ا و�إمن ��ا ورث ��وا ال�ع�ل��م‪ ،‬ف�م��ن �أخ ��ذه �أخ ��ذ بحظ‬ ‫وافر”‪ .‬والعلم ال يح�صل عف ًوا بدون طلب‪ ،‬البد من طلب‬ ‫العلم‪ ،‬وال يح�صل عف ًوا للإن�سان �أو �إلها ًما �أو تلقائ ًيا كما‬ ‫يقول �أهل الت�صوف‪ ،‬و�سعي يف حت�صيله و�صرب يف تلقيه‪.‬‬ ‫ك��ذل��ك العلم ال ي��ؤخ��ذ م��ن الكتب وح��ده��ا‪ ،‬ال ي�ؤخذ‬ ‫العلم عن املتعاملني‪ ،‬الذين مل يتفقهوا يف دين اهلل‪ ،‬غاية‬ ‫ما يكون �أنهم ي�ق��ر�ؤون يف الكتب �أو يحفظون �شيئًا من‬ ‫الن�صو�ص وال يفقهون معناها وال يتلقونها ع��ن �أه��ل‬ ‫العلم‪ .‬فهذه طريقة �ضارة‪ ،‬لأن العلم ال ي�ؤخذ �إال عن �أهل‬ ‫العلم بالتلقي عن العلماء جي ً‬ ‫ال بعد جيل �إلى �أن يرث اهلل‬ ‫الأر�ض ومن عليها‪.‬‬

‫فمن �أ�صول التعلم و�أ�سا�سات التعلم ه��ذا الأم��ر‪� ،‬أنه‬ ‫ي�ؤخذ عن العلماء الربانيني العلماء املعروفني بالعلم‬ ‫الذين حتملوه عن م�شائخهم وه��م يحملونه لطالبهم‬ ‫ويتوارثونه بينهم �إل��ى �أن يرث اهلل الأر���ض ومن عليها‪.‬‬ ‫فهذا من �أ�صول طلب العلم‪ ،‬الرحلة �إلى العلماء والتما�س‬ ‫العلماء يف �أي مكان حتى ي��ؤخ��ذ عنهم العلم‪ ،‬وه��ذا هو‬ ‫الطريق الذي من �سلكه �سهل اهلل له به طريقًا �إلى اجلنة‪.‬‬ ‫ومن �أ�صول التعلم كذلك املهمة �أن الإن�سان ال يبد أ�‬ ‫العلم من فروعه و�أعاله‪ ،‬و�إمنا يبد�أ العلم من الأ�سا�س‪،‬‬ ‫�شيئا ف�شيئا‪ ،‬ويتلقاه �شيئا ف�شيئا‪ ،‬من الكتب املخت�صرة يف‬ ‫كل فن ً‬ ‫حفظا وفه ًما‪ ،‬على �أيدي العلماء‪ ،‬فال يقر�أ ويبد�أ‬ ‫يف املطوالت من الكتب‪ ،‬وال يبد�أ بكتب اخلالف والأقوال‪،‬‬ ‫و�إمنا ي�ؤخذ العلم �شيئًا ف�شيئًا‪ ،‬ويتدرج فيه �شيئًا ف�شيئًا‪.‬‬ ‫وال�ع�ل��م ال ي��ؤخ��ذ دف�ع��ة واح ��دة‪ ،‬ال ي��ؤخ��ذ �إال ع��ن طريق‬ ‫التدرج �شيئا ف�شيئا‪.‬‬ ‫ك��ذل��ك م��ن �أ� �ص��ول ط�ل��ب ال�ع�ل��م‪� ،‬أن ط��ال��ب ال�ع�ل��م ال‬ ‫يقت�صر على ف��ن واح��د‪ ،‬ك ��أن يقت�صر على ف��ن يف الفقه‬ ‫ال �أو يقت�صر على فن احلديث مث ً‬ ‫مث ً‬ ‫ال �أو فن التف�سري‪،‬‬ ‫و�إمن ��ا ي��أخ��ذ م��ن ك��ل علم مبخت�صر مفيد‪ ،‬لأن العلوم‬ ‫يرتبط بع�ضها ببع�ض‪.‬‬ ‫فالبد �أن طالب العلم �أول �شيء يقر�أ القر�آن‪ ،‬ويحفظ‬ ‫ال�ق��ر�آن‪� ،‬أو يجيد تالوته من غري حفظ‪ ،‬فالأ�سا�س هو‬ ‫كتاب اهلل �سبحانه وتعالى‪ ،‬وي�ق��ر�أ ما تي�سر من تف�سري‬ ‫القر�آن حتى يفهم الآي��ات‪ ،‬وال يقر�أها على نف�سه‪ ،‬و�إمنا‬ ‫ي�ق��ر�أ على �أه��ل العلم و�أه ��ل التف�سري‪ ،‬يتلقى التف�سري‬ ‫أي�ضا يقر�أ احلديث‪،‬‬ ‫عن املف�سرين املعروفني بذلك‪ .‬ثم � ً‬ ‫يقر�أ يف احلديث حفظا وفه ًما‪ ،‬على �أيدي علماء احلديث‬ ‫امل�ع��روف�ين ب��ه‪ ،‬ث��م �أي��ً��ض��ا ي �ق��ر�أ يف ال�ف�ق��ه‪ ،‬وه��و الأح �ك��ام‬ ‫امل�ستنبطة من الكتاب وال�سنة‪ ،‬ه��ذا هو الفقه‪ :‬الأحكام‬ ‫أي�ضا يف‬ ‫ال�شرعية امل�ستنبطة من الكتاب وال�سنة‪ .‬يقر�أ � ً‬ ‫كتب النحو‪ ،‬لأن القر�آن وال�سنة نزال بلغة العرب‪ ،‬فال بد‬ ‫�أن يقر�أ يف النحو‪ ،‬حتى يعرف معاين الآيات والأحاديث‪،‬‬ ‫أي�ضا رواب��ط الكالم من الناحية اللغوية‪ ،‬حتى‬ ‫ويعرف � ً‬ ‫ي�سلم م��ن اللحن واخل �ط ��أ‪ ،‬ولأن علم النحو يعني على‬ ‫فهم الن�صو�ص‪ ،‬كذلك كل فن له �أ�صول وقواعد‪ ،‬هناك‬ ‫يف احلديث م�صطلح احلديث‪� ،‬ضوابط احلديث ال�صحيح‬ ‫من احل�سن من ال�ضعيف من املو�ضوع‪ ،‬البد �أن تعرف ولو‬ ‫خمت�ص ًرا يف م�صطلح احلديث‪ ،‬كذلك البد من خمت�صر‬ ‫يف �أ�صول الفقه وقواعد الفقه‪ ،‬تقر�أه على عامل من علماء‬ ‫الأ�صول‪ ،‬كذلك البد من خمت�صر يف �أ�صول التف�سري‪ ،‬لأن‬ ‫التف�سري له �أ��ص��ول‪ ،‬ول��ه منهج‪ ،‬وه��ذا ما ي�سمى ب�أ�صول‬ ‫التف�سري‪ ،‬فتقر�أ يف �أ��ص��ول التف�سري من املخت�صرات يف‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪53‬‬


‫هذه مفاتيح العلوم‪ ،‬والعلم ي�ؤتى من بابه ال ي�ؤتى من‬ ‫فرعه } َو َل ْي َ�س ا ْلبرِ ُّ بِ�أَنْ َت ْ�أ ُت ْواْ ا ْل ُب ُيوتَ ِمن ظ ُهو ِر َها َو َل ِك َّن‬ ‫ا ْلبرِ َّ َمنِ ا َّتقَى َو�أ ُت��وا ا ْل ُب ُيوتَ ِمنْ َ�أ ْب َوا ِب َها{ �سورة البقرة‪:‬‬ ‫‪ .189‬فكل علم له باب البد �أن تدخل من هذا الباب‪ ،‬وهذه‬ ‫الأبواب هي املخت�صرات‪ ،‬واحلمد هلل العلماء رحمهم اهلل‬ ‫اعتنوا بهذه املخت�صرات فاخت�صروها للطالب و�ضبطوها‬ ‫نرثًا ونظ ًما‪ ،‬حتى حتفظ وت�شرح لهم على �أيدي العلماء‪،‬‬ ‫وهذه العلوم مرتابطة كما ذكرنا‪ ،‬علم الفقه مرتبط بعلم‬ ‫التف�سري وعلم احلديث وعلم النحو‪ ،‬فهي مرتابطة كل‬ ‫علم مرتبط بالعلم الآخر‪ ،‬فلذلك ال يقت�صر طالب العلم‬ ‫على فن واحد‪.‬‬ ‫وهذه املخت�صرات �سهلة ملن وفقه اهلل وتدرج معها �شيئًا‬ ‫ف�شيئًا على �أيدي �أهل العلم‪ ،‬تكون الدرا�سة �إما منهجية‬ ‫يف املدار�س واملعاهد والكليات على �أيدي املدر�سني و�ضمن‬ ‫املقررات الدرا�سية يف كل فن‪ ،‬و�إما �أن تقر�أ على العلماء يف‬ ‫حلق العلم يف امل�ساجد‪� ،‬أو يف دور العلم املعروفة‪.‬‬ ‫العلم ال ُيطلب �س ًرا‪ ،‬العلم عالنية‪ ،‬ما ُيطلب �س ًرا يف‬ ‫جل�سات �سرية �أو يطلب يف ا�سرتاحات �أو يف �أمكنة خفية‪،‬‬ ‫و�إمنا يطلب العلم عالنية وي�ستفيد منه احلا�ضرون من‬ ‫ال�ع��وام وغ�يره��م‪ .‬فالعلم يعلن وال ي�سر‪ ،‬لأن اهلل �أنزله‬ ‫للنا�س‪ ،‬ومل ينزله لطائفة خا�صة‪ .‬فالبد من �أن يكون‬ ‫طلب العلم عالنية يف امل�ساجد �أو يكون عالنية يف املدار�س‬ ‫النظامية‪ ،‬فهذه �أ�صول طلب العلم‪.‬‬ ‫ويقول العلماء‪َ :‬منْ �ضَ َّيع الأ�صول ُحرم الو�صول‪� .‬إذا‬ ‫�ضيعت هذه الأ�صول وهجمت على العلم هجو ًما من غري‬ ‫طريقه ف�إنك حترم �إياه‪ ،‬من �ضيع الأ�صول حرم الو�صول‪،‬‬ ‫فيجب على ط��ال��ب العلم �أن ي�سري على ه��ذه الأ��ص��ول‪،‬‬ ‫ويتلقى العلم من �أ�صوله ومبادئه‪ ،‬ال يتلقاه من فروعه‪،‬‬ ‫ف�إن هذا ي�ضيعه وال يح�صل على �شيء‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫ك��ذل��ك ال ب��د لطالب العلم �أن ي�صرب‪ ،‬ال ب��د لطالب‬ ‫العلم �أن ي�صرب على م�شقة الطلب وعلى طول املدة‪ ،‬ي�صرب‬ ‫وي�سري مع طريق العلم ولو طال وال ي�ضجر وال ميل‪.‬‬ ‫اطلب العلم وال ت�ضجرا ف�آفة الطالب �أن ي�ضجرا‬ ‫�أمل تر احلبل بتكراره يف ال�صخرة ال�صماء قد �أثرا‬ ‫فال تي�أ�س �أو ت�ست�صعب طلب العلم �أو ت�ستطيل مدته‪،‬‬ ‫فا�صرب و�أنت على �أجر‪ ،‬طالب العلم ت�ستغفر له املالئكة‪،‬‬ ‫ت�ضع له �أجنحتها ر�ضا مبا ي�صنع‪ .‬وال بد يف طلب العلم‬ ‫من امل�شقة‪ ،‬وال بد من التحمل‪ ،‬والبد من ال�صرب‪ ،‬ومن‬ ‫مل يذق ذل التعلم �ساعة‪ ،‬جترع ك�أ�س اجلهل طول حياته‪،‬‬ ‫فعليك �أن ت�صرب وعليك �أن توا�صل الطلب‪ ،‬وال متل‪ ،‬حتى‬ ‫تبلغ الغاية ب�إذن اهلل‪ ،‬ومن �سار على الدرب و�صل‪.‬‬

‫أي�ضا فيه ناحية‬ ‫فهذه نبذ يف كيفية طلب العلم‪ ،‬ثم � ً‬ ‫مهمة تعينك على طلب العلم وتنمي معلوماتك وهي‬ ‫العمل‪ ،‬العمل مب��ا علمك اهلل‪ ،‬فكلما تعلمت �شيئًا من‬ ‫العلم تعمل به‪ ،‬حتى يزداد علمك وتكون فيه بركة‪ ،‬ويكون‬ ‫فيه خري‪ ،‬ويف احلكمة‪ :‬من عمل مبا ع ِلم‪ ،‬ورثه اهلل علم‬ ‫ما مل يعلم‪ .‬واهلل عز وجل يقول‪َ } :‬وا َّتقُواْ َ‬ ‫اهلل َو ُي َع ِّل ُم ُك ُم‬ ‫اهلل َو ُ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل ِبك ُِّل �شَ ْي ٍء َع ِلي ٌم{ �سورة البقرة‪.282 :‬‬ ‫فعليك بالعمل مبا تتعلمه‪ ،‬وال ت�أخذ العلم وتخزنه‬ ‫بدون عمل‪� ،‬إن هذا علم ال بركة فيه‪ ،‬وهو حجة عليك يوم‬ ‫القيامة‪ ،‬فعلم بال عمل ك�شجرة بال ثمر‪ ،‬والناظم يقول‪:‬‬ ‫(وعامل بعلمه مل يعم ً‬ ‫ال معذب من قبل عباد الوثن) لأنه‬ ‫يف يوم القيامة �أول من ت�سعر بهم النار يوم القيامة‪ ،‬عامل‬ ‫ال يعمل بعلمه‪ ،‬هو �أول من ت�سعر بهم النار يوم القيامة‪.‬‬ ‫فالأمر مهم ج ًدا‪ ،‬وعلى طلبة العلم �أن ي�أخذوا العلم من‬ ‫�أ�صوله ومبادئه وم��ن �أه�ل��ه و�أن يعملوا ب��ه و�أن يعلموه‬ ‫للنا�س } َو ِ�إ َذ َ�أخَ َذ ُ‬ ‫َاب َل ُت َب ِّي ُن َّن ُه‬ ‫اهلل ِمي َثا َق ا َّل ِذينَ �أُوتُواْ ا ْل ِكت َ‬ ‫ِلل َنّا�سِ َو َال َت ْك ُت ُمو َن ُه { �سورة �آل عمران‪.187 :‬‬ ‫فعلى ط��ال��ب ال�ع�ل��م �أن يعمل �أوال بعلمه ث��م يعلمه‬ ‫ل�ل�ن��ا���س وي�ن���ش��ره يف ال �ن��ا���س‪ ،‬وف ��ى احل��دي��ث‪�“ :‬إذا م��ات‬ ‫الإن�سان انقطع عمله �إال من ثالث‪� :‬صدقة جارية �أو علم‬ ‫ينتفع به �أو ول��د �صالح يدعو له”‪ ،‬وخ�ير ه��ذه الثالث‬ ‫ه��و العلم ال��ذي ينتفع ب��ه‪ ،‬لأن ال�صدقة اجل��اري��ة التي‬ ‫هي الوقت قد ينقطع وقد يخرب‪ ،‬الولد ال�صالح ميوت‪،‬‬ ‫لكن العلم ي�ستمر نفعه ل�صاحبه ما بقي علمه يف طالبه‬ ‫ويف م�ؤلفاته يبقى علمه ويجرى �أج��ره عليه وهو ميت‪،‬‬ ‫فالعلم فيه بركة وفيه خري‪ ،‬لكن البد �أن ي�ؤخذ العلم من‬ ‫�أ�صوله وعلى قواعده وعن �أهله‪ ،‬وال بد �أن يثبت وينمى‬ ‫بالعمل ال�صالح‪.‬‬ ‫على طالب العلم �أن يخل�ص النية هلل يف طلبه للعلم‪،‬‬ ‫وال يطلب العلم للرياء وال�سمعة‪ ،‬وال يطلب العلم ليقال‬ ‫هو عامل‪� ،‬أو يطلب العلم للدنيا وللوظيفة الدنيوية‪ ،‬و�إمنا‬ ‫يطلب العلم لوجه اهلل �سبحانه وتعالى‪ ،‬لأن طلب العلم‬ ‫عمل �صالح‪ ،‬والنبي �صلى اهلل عليه و�سلم يقول‪�“ :‬إمنا‬ ‫الأع�م��ال بالنيات و�إمن��ا لكل ام��رئ م��ا نوى”‪ ،‬فيخل�ص‬ ‫النية هلل عز وجل يف طلبه للعلم‪� ،‬أما �إن كان يطلب العلم‬ ‫لأجل �أن ميدح به ف�إنه جاء يف احلديث “�أنه ي�ؤتى بالعامل‬ ‫يوم القيامة فيقول اهلل له‪ :‬ماذا عملتَ ؟ فيقول‪ :‬يا رب‬ ‫تعلمتُ فيك العلم وعلمته‪ .‬فيقول اهلل‪ :‬ك��ذب��تَ ‪ ،‬و�إمن��ا‬ ‫تعلمتَ ليقال‪ :‬هو عامل‪ ،‬وقد قيل‪ .‬ثم ي�ؤمر به �إلى النار”‪،‬‬ ‫ُي�سحب �إلى النار والعياذ باهلل‪.‬‬ ‫كذلك ال يطلب العلم م��ن �أج��ل طمع ال��دن�ي��ا‪ ،‬و�إمن��ا‬ ‫يطلب العلم طم ًعا يف ثواب اهلل‪ ،‬طم ًعا يف الأجر والثواب‪،‬‬ ‫يطلب العلم من �أجل �أن ينتفع وينفع‪� .‬أما �إذا طلبه لأجل‬


‫الوظيفة �أو لأجل املال فاهلل جل وعال قال من كان يريد‬ ‫احلياة الدنيا وزينتها‪ ،‬يعنى يريدها بالعمل ال�صالح �أو‬ ‫طلب العلم } َمنْ َكا َن ُيرِي ُد الحْ َ َيا َة ال ُّد ْن َيا َوزِي َن َت َها ُن َو ِّف‬ ‫�إِ َل ْي ِه ْم �أَ ْع َما َل ُه ْم ِفي َها َو ُه ْم ِفي َها ال ُي ْبخَ ُ�سو َن * �أُ ْو َل ِئ َك ا َّل ِذينَ‬ ‫َل ْي َ�س َل ُه ْم فيِ ال ِآخ َر ِة �إ َِّال ال َنّا ُر َو َحب َِط َما َ�ص َن ُعوا ِفي َها َو َب ِ‬ ‫اط ٌل‬ ‫َما َكانُوا َي ْع َم ُلونَ{ �سورة هود‪ .15 :‬العلم �أ�شرف من ذلك‪،‬‬ ‫�أ�شرف من الدنيا وم��ا فيها‪ ،‬فيطلبه لوجه اهلل‪ ،‬يطلبه‬ ‫للعمل به‪ ،‬يطلبه للخروج من اجلهل‪.‬‬ ‫ك��ذل��ك م��ن �أ� �ص ��ول ط�ل��ب ال �ع �ل��م‪� ،‬أن ي �ب��د�أ ال�ط��ال��ب‬ ‫بعد كتاب اهلل‪ ،‬ي�ب��د�أ بعلم العقيدة علم التوحيد‪ ،‬يبد�أ‬ ‫بعلم التوحيد فيعرف التوحيد ويعرف ال�شرك‪ ،‬يعرف‬ ‫التوحيد لأجل �أن يعمل به‪ ،‬ويعرف ال�شرك من �أجل �أن‬ ‫يجتنبه‪ ،‬فيجعل يف مقدمة اهتمامه بطلب العلم‪ ،‬علم‬ ‫العقيدة ال�صحيحة‪ ،‬يجعل يف مقدمة اهتمامه الطالبية‬ ‫طلب العقيدة ال�صحيحة‪ ،‬م��ن �أج��ل �أن ي�ستقيم عليها‬ ‫وي�ؤ�س�س �أعماله كلها عليها‪ ،‬ومن �أجل �أن يدعو �إليها على‬ ‫ب�صرية ويب�صر النا�س‪ ،‬فيهتم بالعقيدة ال نقول يقت�صر‬ ‫على درا�سة العقيدة‪ ،‬لكن يجعلها يف �أول اهتماماته‪ ،‬وال‬ ‫يجعلها �أم � ًرا ثانو ًيا �أو ي�ؤخر طلب العقيدة‪ ،‬بل يقدمه‬ ‫ويهتم به لأن العقيدة هي الأ�سا�س الذي تبنى عليه �سائر‬ ‫�أعمال العبد‪ .‬فيهتم بعقيدة التوحيد و�إفراد اهلل بالعبادة‪،‬‬ ‫ومعرفة ما ي�ضادها مما ينافيها �أو ينق�صها من ال�شرك‬ ‫الأك�ب�ر والأ��ص�غ��ر وم��ن ال�ن�ف��اق‪ ،‬ي�ع��رف ه��ذا ج�ي� ًدا حتى‬ ‫أي�ضا‬ ‫ي�ؤ�س�س علمه على �أ�سا�س �صحيح‪ ،‬بل ي�ؤ�س�س عمله � ً‬ ‫على �أ�سا�س �صحيح‪ ،‬فهذه جملة من �آداب طالب العلم‬ ‫وكيفية الطلب‪.‬‬

‫نحن كما تعلمون الآن يف فنت �شديدة وال حول وال قوة‬ ‫�إال ب��اهلل‪ ،‬وم�ستقبل ال��زم��ان تزيد ه��ذه الفنت‪ ،‬كما �أخرب‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فنت يف الدين وفنت يف الدنيا‬ ‫وفنت من كل ناحية‪ ،‬وال خمرج من هذه الفنت �إال بالعلم‬ ‫النافع‪ ،‬من كتاب اهلل و�سنة ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫ولهذا قال �صلى اهلل عليه و�سلم لأ�صحابه‪“ :‬ف�إنه من يع�ش‬ ‫ريا‪ ،‬فعليكم ب�سنتي و�سنة اخللفاء‬ ‫منكم ف�سريى اختال ًفا كث ً‬ ‫الرا�شدين املهديني من بعدي‪ ،‬مت�سكوا بها وع�ضوا عليها‬ ‫بالنواجذ‪ ،‬و�إياكم وحمدثات الأمور ف�إن كل حمدثة بدعة‬ ‫وكل بدعة �ضاللة” ويف رواي��ة‪“ :‬وكل �ضاللة يف النار”‪،‬‬ ‫فال عا�صم من الفنت �إال بتوفيق اهلل جل وعال وهدايته‬ ‫ثم بالعلم النافع امل�أخوذ من كتاب اهلل و�سنة ر�سوله �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و�إال ف�إذا كنت جاه ً‬ ‫ال و�أحاطت بك الفنت‪،‬‬ ‫ف�إنك ال تدري كيف تخرج منها‪ ،‬لكن �إذا وفقك اهلل و�صار‬ ‫عندك علم من كتاب اهلل و�سنة ر�سول اهلل‪ ،‬ف�إنك تهتدي‬ ‫�إلى اخلروج منها ب�إذن اهلل �سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫وهذا ال يكون �إال بتعلم العلم النافع‪ ،‬لأجل �أن تخرج‬ ‫ب��ه م��ن ال�ف�تن امل�ت�لاط�م��ة ال�ت��ي ت�ع��رف��ون�ه��ا‪ ،‬ورمب ��ا تزيد‬ ‫ويحدث فنت ال تعرفونها‪ ،‬فال خمرج لنا من هذه الفنت‬ ‫�إال بالعلم النافع والعمل ال�صالح واالعت�صام بحبل اهلل‬ ‫�سبحانه وتعالى } َو َ�أ َّن َهذَا �صِ َر ِاطي ُم ْ�س َت ِقي ًما َفا َّت ِب ُعو ُه َو َال‬ ‫ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َعن َ�سبِي ِل ِه{ �سورة الأنعام‪،153 :‬‬ ‫َت َّت ِب ُعواْ ُّ‬ ‫والنبي �صلى اهلل عليه و�سلم كما �سمعتم ق��ال‪“ :‬عليكم‬ ‫ب�سنتي و�سنة اخللفاء الرا�شدين من بعدي”‪ .‬فاملخارج‬ ‫من الفنت ب�أيدينا وهلل احلمد‪ ،‬ولكن ال�ش�أن يف �أن نعرفها‬ ‫و�أن نتفقه فيها‪ ،‬فالفنت ال ينجي منها �إال التم�سك بكتاب‬ ‫اهلل �سبحانه وتعالى وب�سنة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫وبال�سري على منهج ال�سلف ال�صالح والقرون املف�ضلة من‬ ‫ال�صحابة والتابعني ومن تبعهم والأئمة املهديني‪ ،‬قال‬ ‫ن�صا ِر‬ ‫ال�سا ِبقُو َن الأَ َّو ُل ��و َن ِم��نَ المْ ُ َهاجِ رِينَ َوالأَ َ‬ ‫تعالى‪َ }:‬و َّ‬ ‫ُ‬ ‫وهم بِ�إ ِْح َ�س ٍان َّر ِ�ض َي اهلل َع ْن ُه ْم َو َر�ُ��ض��واْ َع ْن ُه‬ ‫َوا َّل� ِ�ذي��نَ ا َّت َب ُع ُ‬ ‫َو�أَ َع َّد َل ُه ْم َج َن ٍ‬ ‫ّات تجَ ْ رِي تحَ ْ َت َها الأَ ْن َها ُر خَ ا ِل ِدينَ ِفي َها �أَ َب ًدا‬ ‫َذ ِل َك ا ْل َف ْو ُز ا ْل َع ِظي ُم{ �سورة التوبة‪ .100 :‬الذين اتبعوهم‪،‬‬ ‫اتبعوا املهاجرين والأن�صار من �صحابة ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬اتبعوهم ب�إح�سان‪� ،‬أي ب�إتقان‪.‬‬ ‫وال ت�ت�ب��ع ال���س�ل��ف ال���ص��ال��ح ب��إح���س��ان �إال �إذا تعلمت‬ ‫منهجهم‪ ،‬تعلمت طريقتهم‪ .‬تعلمت‪ ،‬ما يكفي االنت�ساب‬ ‫تقول‪� :‬أن��ا �سلفي �أن��ا متبع لل�سلف‪ ،‬و�أن��ت ال تعرف منهج‬ ‫ال�سلف وال تعرف مذهب ال�سلف‪ ،‬فهذا ال يغني عنك �شيئًا‪.‬‬ ‫البد �أن يكون �إتباعك لهم ب�إح�سان‪� ،‬أي ب�إتقان‪ ،‬ومعرفة‪،‬‬ ‫وعلم مبنهجهم و�سريتهم حتى ت�سري على نهجهم‪.‬‬

‫فعلى ط��ال��ب ال�ع�ل��م �أن ي��راع��ى ه��ذا وي�ه�ت��م ب��ه‪ ،‬ه��ذه‬ ‫ه��ي �أ� �ص��ول طلب ال�ع�ل��م‪ ،‬ك��ذل��ك كما �أ��ش��رن��ا ون�شري �إل��ى‬ ‫�أن العلم ال ي�ؤخذ عن �أي �أح��د‪ ،‬و�إمن��ا ي�ؤخذ عن العلماء‬ ‫الأتقياء املعروفني به‪ ،‬قال بع�ض ال�سلف‪� :‬إن هذا العلم‬ ‫دين فانظروا عمن ت�أخذون دينكم‪ .‬فاخرت من العلماء‬ ‫�أتقاهم هلل عز وجل‪ ،‬و�أعلمهم باهلل عز وجل‪ ،‬حتى يدلك‬ ‫على الطريق ال�صحيح‪ .‬ال ت�أخذ العلم عن جاهل‪ ،‬ال ت�أخذ‬ ‫العلم ع��ن ��ض��ال‪ ،‬ال ت��أخ��ذ العلم ع��ن م�ب�ت��دع‪ ،‬خ��ذ العلم‬ ‫عن �أهله املعروفني به املعروفني باال�ستقامة‪ ،‬املعروفني‬ ‫بتقوى اهلل �سبحانه وتعالى‪ ،‬وه��م كثري وهلل احلمد �إذا‬ ‫طلبتهم وبحثت عنهم وحتى �إن مل يكونوا يف بلدك ت�سافر‬ ‫�إليهم‪ ،‬وتطلب العلم عندهم تت�صل بهم‪ ،‬واليوم واحلمد‬ ‫هلل و��س��ائ��ل االت �� �ص��ال م�ت�ي���س��رة‪ ،‬وك��ذل��ك و��س��ائ��ل النقل‬ ‫متي�سرة‪ ،‬وب�سرعة‪ ،‬فلي�س لنا عذر يف التكا�سل عن طلب‬ ‫هذا ون�س�أل اهلل لنا ولكم التوفيق للعلم النافع والعمل‬ ‫العلم‪ ،‬ف�إن اهلل ي�سر لنا كل �سبيل �إلى طلب العلم‪ ،‬ولكن‬ ‫ال�صالح‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم وبارك على نبينا حممد وعلى‬ ‫ال�ش�أن باالهتمام والتوجه‪.‬‬ ‫�آله و�أ�صحابه �أجمعني‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪55‬‬


‫مقاالت‬

‫متى ننهض ‪....‬؟!!!!‬ ‫ينتابني �شعو ٌر بالقلق واحلرية ‪ ،‬عندما يطارد فكري �س�ؤال مثل‬ ‫هذا ‪ ،‬فهو لي�س �س�ؤا ًال عابراً للزمن ملعرفة وقت النه�ضة حتديداً ‪،‬‬ ‫لال�ستب�شار بها ‪ ،‬واال�ستعداد ملوجبات احلياة املالزمة لها ‪ ،‬والعمل على‬ ‫�إعادة �صياغة العقل والوجدان واالح�سا�س ‪ ،‬لتكون جميعها مظهراً‬ ‫متقدماً من مظاهرها وظواهرها املرتبطة بها ‪� ،‬إذ الينبغي تقدميها‬ ‫للنا�س بعيداً عن موروثها الفكري واالن�ساين وال��وج��داين ‪�،‬إذ كيف‬ ‫ن�ستدعي كل ما من �ش�أنه �إعادة بث الروح فينا ‪ ،‬ونحن نعمل على تهيئة‬ ‫غرفة االنعا�ش بايدينا لتكون منا�سبة لنا ونحن نتنازل عن �أ�سمى‬ ‫معاين النه�ضة يف حياتنا �أال وهو الدين ‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫ولعل �إجابة ًمت�أنية على هذا ال�س�ؤال ت�ستدعي تعريف النه�ضة �ضمن‬ ‫ر�ؤية فل�سفية م�ستمدة من احلركة العامة للمجتمع ‪ ،‬تلك احلركة‬ ‫الدكتور حسن علي المبيضين التاريخية التي ت�ضرب بجذورها يف �أعماق التاريخ االن�ساين الذي‬ ‫ا�ستقر عند منعطف فكري ا�ستحقت به ومعه الأمة م�صطلح اخلريية‬ ‫مدير الدراسات‬ ‫لقول تعالى } ُكن ُت ْم خَ يرْ َ �أُ َّم ٍة �أُخْ ر َِج ْت ِللنَّا�سِ َت�أْ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫وف َو َت ْن َه ْو َن‬ ‫َعنِ المْ ُن َك ِر َو ُت�ؤ ِْمنُو َن بِاللهَِّ َو َل ْو �آ َمنَ �أَ ْه ُل ا ْل ِكتَابِ َلكَا َن خَ يرْ ً ا َّل ُهم{ هذه‬ ‫اخلريية التي حتققت معها النه�ضة مبفاهيمها ال�شاملة ‪ ،‬هي التي‬ ‫فتحت الآف��اق �شرقاً وغرباً ‪ ،‬ف�أر�ست قواعد النه�ضة االن�سانية التي‬ ‫نقلت النا�س من واق��ع تنعدم فيه الهوية الذاتية للفرد ‪ ،‬واجلمعية‬ ‫للمجتمع ‪� ،‬إلى واقع تتحقق فيه الهوية الذاتية للفرد واملجتمع معاً ‪،‬‬ ‫يف �صورة ي�صعب على غري امل�سلم �أن يتلم�س االح�سا�س الذي يعمرها‬ ‫وهو اح�سا�س الأخ��وة االميانية ال�صادقة التي ترقى على كل �أخ��وة ‪،‬‬ ‫( مثل امل�ؤمنني يف توادهم وتعاطفهم وتراحمهم ‪ ،‬كمثل اجل�سد الواحد‬ ‫�إذا ا�شتكى منه ع�ضو تداعى له �سائر الأع�ضاء باحلمى وال�سهر ) ‪.‬‬


‫تلك احل��ال��ة ه��ي املقيا�س ال�ع��ام حلركة النا�س داخ��ل‬ ‫جمتمعهم �سيا�سياً واقت�صادياً واجتماعياً ‪.‬‬ ‫�أما �سيا�سياً ‪ ،‬فال يكون الرئي�س �إال ر�أ�ساً لهذا اجل�سد‬ ‫(املجتمع ) ال��ذي تتجمع عنده وفيه احل��وا���س جميعها‬ ‫ال�سمع والب�صر وال�شم والذوق واالح�سا�س والتفكري ‪ ،‬فهو‬ ‫يراقب ب�سمعه وب�صره فريقى �إل��ى م�ستوى الأب الذي‬ ‫يرعى �أبناءه ‪ ،‬م�ستنداً �إلى احلديث النبوي (�أَ اَل ُك ُّل ُك ْم َرا ٍع‪،‬‬ ‫َو ُك ُّل ُك ْم َم�س� ٌ‬ ‫ري ا َّل ِذي َعلَى ال َنّا�سِ َرا ٍع‪،‬‬ ‫ؤول َعنْ َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬ف ْ أ‬ ‫الَ ِم ُ‬ ‫َ‬ ‫َو ُه َو َم ْ�س� ٌ‬ ‫ؤول َعنْ َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬وال َّر ُج ُل َرا ٍع َعلَى �أ ْه ِل َب ْي ِت ِه‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫َ‬ ‫َم ْ�س� ٌ‬ ‫ؤول َع ْن ُه ْم‪َ ،‬والمْ َ ْر�أ ُة َر ِاع َي ٌة َعلَى َب ْي ِت َب ْع ِل َها َو َو َل ِد ِه‪َ ،‬و ِه َي‬ ‫َم ْ�س�ؤو َل ٌة َع ْن ُه ْم‪َ ،‬وا ْل َع ْب ُد َرا ٍع َعلَى َم ِال َ�س ِّي ِد ِه َو ُه َو َم ْ�س� ٌ‬ ‫ؤول‬ ‫َع ْنهُ‪� ،‬أَ اَل َف ُك ُّل ُك ْم َرا ٍع‪َ ،‬و ُك ُّل ُك ْم َم ْ�س� ٌ‬ ‫ؤول َعنْ َر ِع َّي ِت ِه )‬ ‫ف�لا ي�ت�رك دق�ي�ق��ة �إال و ي�ك��ون فيها م���ش�غ��و ًال ب��أم��ر‬ ‫رعيته‪ ،‬م�سكونا بهمهم ‪ ،‬قلقاً على م�ستقبلهم كما يف قول‬ ‫عمر (لو عرثت بغلة يف العراق ل�س�ألني اهلل تعالى عنها مِ َ‬ ‫ل‬ ‫لمَ ْ متهد لها الطريق ياعمر) و يتطلع دوماً �إلى حتقيق‬ ‫الآم��ال والطموحات ‪،‬مثلما ينظر الى غد م�شرق ي�سعد‬ ‫فيه �شعبه ‪ ،‬وينال حظه من الرعاية واالهتمام ) ‪،‬ليكون‬ ‫مدافعاً عن اجن��ازات��ه ‪ ،‬وق��ادراً على مزيد من االنتاج يف‬ ‫امليادين كافة ‪ ،‬عندها تتحقق للرئي�س واملر�ؤو�سني معادلة‬ ‫ال�سمع والطاعة ‪ ،‬املقرتنة باملحبة والثقة ‪ ،‬والت�ضحية‬ ‫وال �ف��داء ‪ ،‬وال�ن���ص��ح وامل �� �ش��ورة ( ل��و ر�أي �ن��ا ب��ك اع��وج��اج�اً‬ ‫لقومناه ب�سيوفنا ) ‪.‬‬ ‫�أم��ا اقت�صادياً‪ :‬ف��إن حياة يحياها الفرد وهو ينتج يف‬ ‫ميادين الزراعة ‪ ،‬فيقطف الثمر ‪ ،‬ويجني مازرع ‪ ،‬ويزكي‬ ‫ما ح�صد ‪ ،‬هي حياة ت�أخذ �أ�شكا ًال من التعاون واملحبة‬ ‫املتبادلة ‪،‬وفيها من �صور الإخ��اء و امل�ساواة ‪ ،‬ما تنتفي‬ ‫معها �صور الفقر واحلاجة والعوز ‪ ،‬فيعي�ش النا�س كما‬ ‫يف عهد عمر بن عبد العزيز يتبادلون الزكاة وال�صدقات‬ ‫وال يجدون من ي�أخذها ‪ ،‬لي�شمل ذلك احل�س االن�ساين‬ ‫النبيل عندها حتى الطيور على ر�ؤو�س اجلبال‪ ،‬وقد نرث‬ ‫لها احلب حتى اليقال جاع طائر يف ار�ض امل�سلمني ‪.‬‬

‫تلك هي نه�ضة م�ستمدة من فكر ق��ومي ي�ستند �إلى‬ ‫د�ستور رب��اين ‪� ،‬شرع �أب��واب العمل وف�صله وبينه وتركه‬ ‫للنا�س دلي ً‬ ‫ال ومر�شداً ‪.‬‬ ‫�أما اجتماعياً‪ :‬فلم يجد التاريخ االن�ساين على امتداده‬ ‫�أعظم من �صور امل�ؤاخاة بني املهاجرين واالن�صار‪ ،‬تلك‬ ‫الأخ ��وة التي جعلت النا�س يعي�شون املحبة احلقيقية ‪،‬‬ ‫فرحهم واح��د و ترحهم واح��د و رزق�ه��م واح��د‪ ،‬يعطف‬ ‫قويهم على �ضعيفهم ‪ ،‬و يقدم غنيهم لفقي‬ ‫ال�ع�ي����ش وال���س�ع��ادة ‪ ،‬ف�ه��م مي�ث�ل��ون � �ص��ورة م��ن التالحم‬ ‫االج�ت�م��اع��ي ‪ ،‬حتى م��ع ال�ي�ه��ودي ال��ذي ي�ج��اوره��م ‪ ،‬فله‬ ‫مالهم وعليه ما عليهم ‪ ،‬من �أمر حمايته ‪ ،‬وت�أمني �ش�ؤون‬ ‫حياته ‪ ،‬ي�أخذون منه اجلزية �شاباً ويرعونه كه ً‬ ‫ال ‪.‬‬ ‫�إن �س�ؤال النه�ضة ميتد فينا وجعاً الينتهي وال يزال‪،‬‬ ‫لأن الأم��ة كلما �أرادت �أن ت�ستعيد قوتها وعافيتها �أتاها‬ ‫�أم��ر من اخل��وف والقلق واجل��وع واحل��رم��ان �أع��اده��ا �إلى‬ ‫املربع االول الذي تبد�أ عنده بالبحث عن �أ�سباب احلياة‬ ‫ب�صورتها ال�ب��دائ�ي��ة الب�سيطة ‪ ،‬وال �ت��ي ي�ستحيل معها‬ ‫التفكري ببواعث النه�ضة والتقدم والرقي ‪� ،‬إذ التفكري‬ ‫وف��ق امل�ستوى ال��ذي يحقق لنا النه�ضة التي نريد يعد‬ ‫ترفاً فكرياً وثقافياً ‪ ،‬وعلى اجلميع �إدراك اهمية ال�س�ؤال‬ ‫عن احلياة �أو ًال ‪ ،‬ال عن �صورها املتقدمة ‪.‬‬ ‫وعليه ‪ ،‬ف ��إن على املنظمات والهئيات الفكرية ذات‬ ‫املرجعيات الفل�سفية املتقدمة ‪�،‬أن تدرك خطر ا�ضمحالل‬ ‫املنظومة الفكرية التي ميكن اال�ستناد �إليها لبناء ج�سم‬ ‫الأم��ة احل�ضارية ‪ ،‬والنهو�ض به وفق ما ينتظر حتقيقه‬ ‫من �أه��داف ح�ضارية وان�سانية الميكن حتقيقها �إال �إذا‬ ‫نال االن�سان العربي امل�سلم �شهادة الوعي والفهم واملعرفة‪،‬‬ ‫تلك ال�شهادة التي جتعله ق��ادراً على فهم ذاته وحميطه‬ ‫وجمتمعه واالن�سانية جمعاء ‪ ،‬وتعيده �إل��ى املنطلقات‬ ‫ذاتها التي تكونت بها وعلى �أ�سا�سها �أمتنا الأ�سالمية ‪،‬‬ ‫وعليها اعتمد الغرب يف نه�ضتهم و تقدمهم ‪ ،‬عندها نكون‬ ‫قد �أجبنا على �س�ؤال الع�صر ‪ ،‬متى ننه�ض ؟‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪57‬‬


‫مقاالت‬

‫"أعطوا األجير أجره قبل أن يجف عرقه"‬

‫حقوق الخدم والعمال في الشريعة اإلسالمية‬

‫لقد �سبق الإ�سالم يف مبادئ ت�شريعه ال�شرق والغرب يف �سنه حقوقا للخدم‬ ‫والعمال تكفل حياة كرمية لهم‪ ،‬ه��ذه الت�شريعات �سمت على ما و�صلت �إليه‬ ‫النظم احلديثة والتي تزعم �أنها حققت مكا�سب كبرية للعمال‪ ،‬ومل ت�شهد �أي‬ ‫ح�ضارة عد ًال يف �إن�صاف حقوق العباد مثلما قدمته وو�ضعت �ضوابطه ال�شريعة‬ ‫الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬حيث ح�ض ال��ر��س��ول ال�ك��رمي �صلى اهلل عليه و�سلم على �إعطاء‬ ‫الأجري �أجره قبل �أن يجف عرقه‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫اعداد الدكتور تيسير الفتياني‬

‫فالعمل واخل��دم��ة يف الإ� �س�ل�ام م�ه��ن ال ت ��زرى ع�ل��ى �أ��ص�ح��اب�ه��ا وال حتقر‬ ‫م��ن �ش�أنهم‪ ،‬فحياة النا�س يف املجتمع الإ��س�لام��ي قائمة على خ��دم��ة النا�س‬ ‫وت�سخريهم لبع�ضهم البع�ض‪،‬الختالف ق��درات النا�س ومواهبهم‪ ،‬و�أعمالهم‬ ‫ومهنهم‪ ،‬فكل مي�سر ملا خلق له‪ ،‬ويف جو الأ�سرة الإ�سالمية يتعاون اجلميع على‬ ‫الرب والتقوى �ضمن مقيا�س التفا�ضل يف الإ�سالم‪ ،‬وهو قوله تعالى‪( :‬يا �أَ ُّي َها‬ ‫ا�س �إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُكم ِّمن َذ َك ٍر َو�أُن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوباً َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِ َّن �أَ ْك َر َم ُك ْم‬ ‫ال َّن ُ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫ري)(احلجرات‪.)13 :‬‬ ‫ِعن َد اللهَِّ �أ ْت َقا ُك ْم �إِ َّن ا َع ِلي ٌم َخ ِب ٌ‬ ‫وقد ا�ستنفر الر�سول الكرمي امل�سلمني لالحرتاف والكدح وال�سعي يف طلب‬ ‫الرزق وحثهم على العمل لعمارة الأر�ض‪ ،‬وبني لهم �أن الطعام الطيب الهنيء‬ ‫هو الطعام الذي يتذوقه الإن�سان بعد الكد والتعب‪ ،‬فيتذوق فيه عناء العمل‬ ‫ومتعة الإن�ت��اج‪ ،‬يقول احلبيب امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم (م��ا �أك��ل احد‬ ‫طعاما قط خري من �أن ي�أكل من عمل يده) رواه البخاري‪.‬‬ ‫كما بني عليه ال�صالة وال�سالم �أن امل�سلم �إذا اجتهد يف العمل ليعيل نف�سه‬ ‫و�أهله‪ ،‬وليتعفف عما يف �أيدي النا�س كان له اجر املجاهد يف �سبيل اهلل (مر على‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم رجل‪ ،‬فر�أى �أ�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫من جلده ون�شاطه‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل لو كان هذا يف �سبيل اهلل‪ ،‬فقال ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬إن كان خرج ي�سعى عن ولده �صغارا فهو يف �سبيل اهلل‪،‬‬ ‫وان كان خرج ي�سعى على �أبوين �شيخني كبريين فهو يف �سبيل اهلل‪ ،‬وان كان خرج‬ ‫ي�سعى على نف�سه يعفها فهو يف �سبيل اهلل‪ ،‬وان كان خرج ي�سعى رياء ومفاخرة‬ ‫فهو يف �سبيل ال�شيطان)‪ .‬رواه الطرباين‪.‬‬


‫كما حث �صلى اهلل عليه و�سلم على االحرتاف لإتقان العمل ويف هذا املجال يقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬من ويل‬ ‫فقال (�إن اهلل يحب امل�ؤمن املحرتف) رواه البيهقي‪ ،‬ويقول عليه لنا عمال ولي�س ل��ه منزل فليتخذ م�ن��زال‪� ،‬أو لي�ست ل��ه زوج��ة‬ ‫فليتزوج‪� ،‬أو لي�س له دابة فليتخذ دابة) رواه البخاري‪.‬‬ ‫ال�سالم‪�( :‬إن اهلل يحب �إذا عمل �أحدكم عمال �أن يتقنه)‪.‬‬ ‫ولقوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬من ترك ماال فلورثته‪ ،‬ومن‬ ‫�أهم حقوق اخلدم والعمال‬ ‫ترك �ضياعا “�أي ورثة” �أو كلأ “�أي ذرية �ضعفاء” فلي�أتني ف�أنا‬ ‫‪1‬ـ ح�سن املعاملة‬ ‫مواله) رواه البخاري‪.‬‬ ‫ولنا يف ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�سوة ح�سنة فقد‬ ‫ففي ه��ذا احل��دي��ث جعل ر��س��ول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫عامل خادمه ان�س ر�ضي اهلل عنه معامله ح�سنة‪ ،‬فلم ت�صدر لذرية العامل يف مال الدولة �ضمانا لهم‪ .‬وبناء عليه فان كل‬ ‫منه كلمة واح��دة خلادمه جترح �شعوره �أو تخد�ش كرامته‪� ،‬أو ما ي�صدره ويل الأمر من انظمة ال تخالف ال�شرع وترفع الظلم‬ ‫تدل على ت�ضجر منه ومل يقم بتوبيخه �أو ت�أنيبه‪،‬عن ان�س قال‪ :‬على العمال وت�ضمن حقوقهم يجب التقيد به وتنفيذه �شرعا‬ ‫(خدمت النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ع�شر �سنني‪ ،‬فما قال يل �أف لأنه يدخل يف تلك املبادئ التي كفلها الإ�سالم للعمال‪.‬‬ ‫وال مل �صنعت؟ وال �أال �صنعت) رواه م�سلم‪.‬‬ ‫‪4‬ـ حق الأخوة الإ�سالمية‬ ‫وكم ندرك اخلط�أ ال�شائع لدى كثري من النا�س يف احتقار‬ ‫فالعامل �أخ ل��رب ال�ع�م��ل‪ ،‬ورب ��اط الأخ ��وة الإ��س�لام�ي��ة من‬ ‫اخلدم والعمال والإ�ساءة �إليهم والغلظة يف معاملتهم والق�سوة‬ ‫عليهم يف �أعمالهم‪ ،‬ف�إن هذا يتنافى مع مبادئ الإ�سالم و�أخالقه �أقوى الروابط لأنه مبني على العقيدة التي جتمع بني اخلدم‬ ‫وال ي�ج��وز �أن جن��ري وراء امل�ق��ول��ة‪“ :‬ان خلق ال�ع�م��ال واخل��دم وامل�خ��دوم�ين وال�ع�م��ال و�أ��ص�ح��اب العمل‪ ،‬وتقت�ضي الأخ ��وة �أن‬ ‫ال�ي��وم ال ي�صلح لهم �إال الإ� �س��اءة والغلطة والق�سوة” الن يف يكون املطعم وامللب�س واحدا على �سبيل املوا�ساة ال امل�ساواة من‬ ‫ذلك خمالفة لتعاليم الإ�سالم فمن اخلري �أن نتخذ الو�سائل كل جهة‪ ،‬ف�أنه ينبغي لرب العمل �أن يقدم خلدمه �أو عماله �أو‬ ‫والأ�ساليب لتعليمهم وتدريبهم ورفع م�ستواهم وت�أديبهم مبا �أجرائه طعاما من جن�س طعامه م�صداقا حلديث الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم (�أخوانكم خولكم جعلهم اهلل حتت �أيديكم فمن‬ ‫يفيد �أنف�سهم وجمتمعهم‪.‬‬ ‫كان �أخ��وه حتت يده فليطعمه مما ي�أكل‪ ،‬وليلب�سه مما يلب�س)‬ ‫‪2‬ـ التكليف على قدر الطاقة‬ ‫رواه البخاري وم�سلم‪� ،‬أي من جن�س ما ي�أكل وجن�س ما ي�شرب‪.‬‬ ‫فمن ح��ق اخل��ادم �أو العامل �أن يكلف ب��الأع�م��ال على قدر‬ ‫طاقته و�ضمن �ساعات العمل‪ ،‬التي تقررها قوانني العمل‪� ،‬إذ ال‬ ‫يكلف اهلل نف�سا �إال و�سعها‪ ،‬فال يجوز ل�صاحب م�صنع �أو ور�شة‬ ‫�أو حرفة �أن يكلف خ��ادم��ا �أو �أج�ي�را �أو عامال مب��ا ي�شق عليه‪،‬‬ ‫ويجب �أن تكون طاقة العمل مالئمة لعدد العاملني حلديث‬ ‫امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم (وال تكلفوهم ما ال يطيقون‬ ‫ف�أن كلفتموهم ف�أعينوهم) رواه البخاري وم�سلم ويف رواية (ال‬ ‫تكلفوهم ما يغلبهم‪ ،‬ف�إن كلفتموهم ما يغلبهم ف�أعينوهم) رواه‬ ‫البخاري‪.‬‬ ‫�أي ال تكلفوهم �أي عمل ت�صري قدرتهم فيه قا�صرة ومغلوبة‪،‬‬ ‫فيعجزوا عن القيام به لعظمه و�صعوبته‪ ،‬ف�إن كان العمل فوق‬ ‫قدرة العامل �أو اخلادم فيجب �إعانتهم ب�آخرين‪� ،‬أو �أعينوهم على‬ ‫تعوي�ض ذلك ب�أجر �إ�ضايف‪ ،‬فال يجوز لأرب��اب العمل ا�ستغالل‬ ‫العمال اال�ستغالل ال�سيئ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ ت�أمني احلياة الكرمية بجميع و�سائلها‬

‫‪5‬ـ حق الوفاء بالأجر‬ ‫لكل عمل اج��ر‪ ،‬والأج ��ر على العمل واخل��دم��ة ح��ق �أوجبه‬ ‫الإ�سالم باملعروف‪ ،‬واملبد�أ العام يف الإ�سالم �أن اجلزاء على قدر‬ ‫العمل ف ��إذا �أدى الأج�ير عمله ا�ستحق �أج��ره وافيا ف ��إذا ق�صر‬ ‫رب العمل يف ذلك فعلى الدولة �أن حتميه من العدوان عليه �أو‬ ‫االحجاف به‪ ،‬الن هذا من وظيفتها‪ ،‬وقد حث الر�سول الكرمي‬ ‫على �إعطاء الأجري �أجره فقال‪�( :‬أعطوا الأجري �أجره قبل �أن‬ ‫يجف ع��رق��ه) رواه اب��ن ماجه وق��ال‪(:‬ث�لاث��ة �أن��ا خ�صمهم يوم‬ ‫القيامة) وذكر منهم (ورجل ا�ست�أجر �أجريا فلم يوفه �أجره)‪.‬‬ ‫ومن باب �آخ��ر ف��إن للعمل يف منظور اال�سالم فوائد كثرية‬ ‫بع�ضها دنيوي وبع�ضها �أخروي‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫‪1‬ـ العمل ي�صون ماء وجه العامل من ذل ال�س�ؤال‪.‬‬ ‫‪2‬ـ العمل يهيئ املجتمع والفرد ال�صالح‪.‬‬ ‫‪3‬ـ العمل يورث العفة ويحفظ كرامة العامل‪.‬‬ ‫‪4‬ـ العمل طريق مو�صل �إلى حمبة اهلل ور�ضاه‪.‬‬ ‫‪5‬ـ العمل �سبب �سعادة العامل يف الدارين‪.‬‬ ‫‪6‬ـ العمل �سبب يف فوز العامل باجلنة والنجاة من النار‪.‬‬

‫ف��الإ� �س�ل�ام ي�ع�ط��ي ال �ع��ام��ل ح��ق ت ��أم�ي�ن ن�ف�ق��ات��ه مب��ا يكفي‬ ‫معي�شته من ت�أمني معا�ش وت�أمني �صحي وت�أمني تعليمي له‬ ‫ولأف��راد عائلته حتى يقوم بعمله بامان وا�ستقرار ويت�ضامن‬ ‫بذلك رب العمل والدولة وذلك ب�سن القوانني التي ت�ضمن له‬ ‫حق كفايته وحمايته �أ�سرته من املر�ض �أو ال�شيخوخة �أو الوفاة ‪7‬ـ الأخالق يف العمل تثمر خ�شية اهلل عز وجل‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪59‬‬


‫مقاالت‬

‫ُمِ‬ ‫العال امل�سلم‬ ‫و �ضرورة املراجعة الفكرية‬ ‫كتب احدهم ممن ي�ستمع اليه �آلآف من ال�شباب يف كورد�ستان و‬ ‫ياخذون بر�أيه يف الفهم الديني و حجج ممار�سة العمل ال�سيا�سي كتابا‬ ‫قبل �أكرث من عقد و ن�صف‪ ،‬و�ضع له عنوان ( بني االميان و الربملان)‪،‬‬ ‫فجعل االميان مبواجهة الربملان‪ ،‬مبعنى اذا اردت االميان فعليك ان‬ ‫تتموقع خارج الربملان‪� ،‬أما اذا اخرتت التواجد حتت قبة الربملان فانك‬ ‫قد و�ضعت نف�سك يف مواجهة االميان‪ ،‬ما يعني اخلروج من الدين وان‬ ‫مل يتم الت�صريح بذلك‪..‬‬

‫‪60‬‬

‫شيروان الشميراني‬

‫ح��دث و بعد م��رور �سنوات ع��دة ان دخ��ل ال�شخ�ص ب��ذات��ه و من‬ ‫معه الربملان وا�صبح بنف�سه ع�ضوا يف الربملان‪ ،‬و علق �صوره و خا�ض‬ ‫احلمالت االنتخابية‪ ،‬لكن مع التغيري العملي يف املمار�سة مل يحدث‬ ‫ان م��ار���س مراجعة فكرية مل��ا ك��ان يقول ب��ه قبل �سنني �سابقة‪ ،‬رمبا‬ ‫كان يتكابر نوعا ما‪ ،‬او يرى ب�أن الرتاجع عما قاله يقلل من مكانته‬ ‫وقدح يف �شخ�صيته العلمية‪ ،‬او يعطي حجة ملن كانوا يف اجلهة املقابلة‬ ‫ي�ستدلون به على بطالن اقوال اخرى له‪..‬‬ ‫ه��ذه لي�ست �صفة العامل امل�سلم‪ ،‬فالرتاجع عن ال��ر�أي ملا يتبني‬ ‫فيما بعد انه احلق‪ ،‬و�صية من و�صايا ال�شرعية‪ ،‬فاحلق احلق كما قال‬ ‫لأب��ي مو�سى اال�شعري‪ ،‬ف��اذا ق�ضيت ق�ضاء ثم تبني لك ان احل��ق يف‬ ‫املكان االخر المينعم �شيء عن العودة الى احلق‪...‬و هي �أمانة علمية‪،‬‬ ‫لأن الر�أي يوجه االخرين‪ ،‬الإ�صرار على التوجيه اخلط�أ مع العلم به‬ ‫خيانة‪...‬‬


‫�إن ال�ت�غ�ير ال�ع�م�ل��ي امل�ج���س��د يف ال��واق��ع مب �ع��زل عن‬ ‫املراجعة الفكرية الن�صية‪ُ ،‬يقر�أ منه على انه من اكراهات‬ ‫ال��واق��ع و ��ض�غ��وط��ات��ه‪ ،‬ول�ي����س ن��اب�ع��ا ع��ن ق�ن��اع��ات علمية‬ ‫مدرو�سة‪ ،‬وبالتايل اليزرع الثقة عند الآخرين يف التعامل‬ ‫بل يبقى ال�شك مهيمناً على التوا�صل والتعامل‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يربك امل�شهد الفكري و ال�سيا�سي و الأمني حتى‪.. .‬‬

‫هو املرحوم طه جابر العلواين‪ ،‬العلواين اكرث من نقد‬ ‫ذات��ه من بني اجلميع‪ ،‬يف كتابه اجلديد ال��ذي طبع بعد‬ ‫وفاته ( من �أدب االختالف الى نبذ اخلالف) ينقد كتابه‬ ‫( �أدب االختالف يف اال�سالم) يف �إثنتي ع�شرة نقطة‪ ،‬يف‬ ‫النقطة الثالثة منها عند حديثه ع��ن (حت�ي��زه مل��ا ي��راه‬ ‫�صوابا و اتهما الر�أي االخر بالهوى و البدع) و االقت�صار‬ ‫على ابي ح�سن اال�شعري ممثال الهل ال�سنة‪ ،‬يقول بجر�أة‬ ‫كافية ‪ (:‬وهذا مما اخجل منه والاحب ان ان�سب اليه او‬ ‫ين�سب �إيلّ)‪..‬ح��ام��دا اهلل تعالى على اطالة العمر حلني‬ ‫مراجعة ما كتبه و ت�صحيح مايرى انه �أخطاء قال بها‪...‬‬

‫لنا يف تاريخنا احل��دي��ث و ال�ق��دمي �أدل ��ة على ذل��ك‪،‬‬ ‫الإم��ام �أب��و ح�سن اال�شعري قد كتب الإبانة على مقاالت‬ ‫اال� �س�ل�ام �ي�ي�ن‪ ،‬وال �ك �ث�ي�رون ي �ظ �ن��ون ع �ل��ى ان ��ه م��راج�ع��ة‬ ‫وتراجع علمي عن اق��وال له �سابقة‪..‬االمام الغزايل‪ ،‬قد‬ ‫اجرى مراجعة منهجية يف طريقة الو�صول الى احلقيقة‬ ‫ال�ن�ق��د‪ ،‬و امل��راج �ع��ة الت�صحيحية ل �ل��ذات او للفكر‬ ‫و ا�ستح�صال العلم من اال�ساليب املنطقية اجلافة الى‬ ‫املنهج الوجداين يف كتابه ( املنقذ من ال�ضالل)‪ ،‬وين�ص امل��در��س��ي‪ ،‬م��ن ��ض��روري��ات املرحلة ال��راه�ن��ة‪ ،‬ف��االم��ة متر‬ ‫على انه قد �صرف الكثري من عمره يف هذا الطريق قبل مب��رح�ل��ة م��ن احل�ي�رة و اال� �ض �ط��راب ال�ف�ك��ري والعلمي‪،‬‬ ‫ان يجد احلق‪. .‬‬ ‫�أو�صل بالبع�ض الى التنظري للممار�سة الوح�شية و �أدارة‬ ‫وم��ن املحدثني‪ ،‬ف��إن العلماء قد خا�ضوا يف م�سائل متوح�شة للأمور‪ ،‬كتب ال�تراث فيه الكثري من الغث‪ ،‬و‬ ‫مل تكن متوفرة يف القدمي‪ ،‬ال�صراع الفكري يف القرنني �إذا كانت االم��ة جممعة على ان المع�صوم بعد الر�سول‬ ‫ال�سابقني و حت��دي��دا يف ال�ع�ق��ود اخلم�سة االخ�ي�رة ك��ان – عليه ال���ص�لاة و ال���س�لام‪ ،-‬فال�ضري م��ن مراجعة‬ ‫�ساخنا وح� ��اداًّ‪ ،‬وق��د طبقت م�ن��اه��ج نحقيقية ق��دمي��ة و علمية دقيقة لكثري مما الفتاوى التي تفرز واقعا �سيئاً‬ ‫حديثة يف الو�صول الى احلقيقة‪ ،‬وغربلة االفكار الواردة و ال ان�سانياً الى حد كبري‪..‬البقاء يف �أ�سر الر�أي القدمي‬ ‫من االخ��ر‪ ،‬لكن اخلط�أ ال��ذي وق��ع فيه البع�ض مل يكن ملجرد انه من اقوال العامل الفالين‪ ،‬و يبقى ما ر�آه العامل‬ ‫مانعاً من املراجعة‪..‬و اكرث من نال اعجابي يف احلقيقة الفالين �سيفاً م�سلطاً ي�صيغ واقعاً متخلفاً جرمية‪..‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪61‬‬


‫( في سيكولوجيا الغلو)‬

‫ٌ‬ ‫“إجمال مقتضب”‬ ‫مقاالت‬

‫تنظر هذه الورقة يف الدواعي النف�س ّية ِللْغل ّو‪ ،‬وترى �إلى �أثرها الفاعل‬ ‫يف تهيئة �أ�سباب العنف والإ�ضطراب‪ ،‬مع �أخذها بعني الإعتبار للأ�سباب‬ ‫املاد ّية والإجتماعية الأخرى‪.‬‬ ‫و�أ ّول ما ينطلق منه النظر فيها �أن ال�شعور باهت�ضام الكرامة وبغياب‬ ‫الإعتبار والتقدير‪ ،‬وب�أنه ث ّمة موانع من حتقيق الذات فردية �أو اجتماعية‬ ‫�أو ح�ضارية؛ كل ذل��ك ممهداتٌ للغل ّو‪� ،‬سوا ًء �أك��ان ذل��ك يف �إط��ار املجتمع‬ ‫الواحد (املح ّلي) �أم يف �إطار املجتمع الدويل والنظام العاملي‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫وال تعدو الورقة �أن تكون مقاربة �أ ّول ّية تتناول ر�ؤو���س امل�سائل التي‬ ‫ال ي�ستقيم البحث املو�ضوعي دون مواجهتها ب�أق�صى درجة من املكا�شفة‬ ‫والو�ضوح ث ّم �إنّ الورقة تومئ �إلى �أهمية الدرا�سة النف�س ّية (ال�سيكولوجية)‬ ‫يف فهم ظاهرة الغل ّو وتبينُّ �أ�سبابها‪.‬‬ ‫�إل ��ى حجمه الطبيعي يف الأن�ف����س ال�ت��ي ت�ك��ون ق��د ا�ست�شعرت‬ ‫ه��د�أ ًة‪ ،‬ور ْوح �اً‪ ،‬وك��و َن تقدير واعتبار يباعدان بينها وبني الغلو‬ ‫وي�ستبقيانها ُجزءاً حميماً من الن�سيج الإجتماعي للأُ ّمة‪.‬‬ ‫ابراهيم العجلوني‬ ‫�إن التعبري عن ال��ذات داف� ٌع حيويّ ينبغي �أخ� ُذ ُه يف اعتبارنا‬ ‫لدى النظر يف �سيكولوجية الغل ّو‪ ،‬وهو دافع �إذا ما ُق ِه َر‪ ،‬ل�سببٍ‬ ‫( يف �سيكولوجيا الغُلو)‬ ‫ُ‬ ‫القب�ض‪ ،‬و َك َم َن يف الأعماق املظلمة للنف�س مبا‬ ‫�أو لآخر‪� ،‬أدرك��ه‬ ‫" مقاربة �أول ّية"‬ ‫هو ق ّو ٌة م�ؤهّلة للإنفجار لأدنى �إ�شارة �أو �أقرب فر�صة ممكنة‪.‬‬ ‫ال يذهب امل��رء يف �إع�ت�ق��اده مذهب امل�غ��االة �إال �إذا ُمنع من‬ ‫ف�س الفق َر َ‬ ‫و�ض ْن َك العي�ش و�أل��وا َن النكبات‬ ‫ولقد حتتمل ال ّن ُ‬ ‫�إب��دائ��ه‪ .‬وتلك هي اخلال�صة من تاريخ كثري من الفنت التي وت�صاريف ال�ت�ق��ادي��ر‪ ،‬ولك ّنها ال حتتمل �أن ُي�ح��ا َل بينها وبني‬ ‫م� ُّرده��ا �إل��ى َك� ْب��ت الإع�ت�ق��ادات‪�� ،‬س��وا ًء �أك��ان��ت �سليمة �أم �سقيمة‪ ،‬التعبري عن ال��ذات ب�صفة كو ِنه َ‬ ‫بع�ض طرائق حتقيقها‪ .‬وحني‬ ‫ري كثري من الفنت‬ ‫�صحيحة �أم باطلة‪ -‬ويت�صل ذلك بحقيقة �أن لتحقيق الذات �أو ُي َ‬ ‫�سح ُب ه��ذا على اجلماعات ميكن به تف�س ُ‬ ‫الإعتبار �أث��راً غالباً يف اعتدال الأمزجة و�أن احل��ؤول دون ذلك والثورات وحركات التم ّرد‪ ،‬ويكون لنا �أن ُنف�ض َي منه �إلى قاعدة‬ ‫�رب �سبيل �إل��ى الف�صاحة‬ ‫مت�أ ّد �إلى �ضيق العطن وانغالق العقول وتفاقم امل�شاعر امللتوية م� ّ�ط��ردة تقول �إن اعتقال الل�سان �أق � ُ‬ ‫وانب�ساط مدى التهاويل واخلرافات‪.‬‬ ‫لل�سنان‪ ،‬و�إن حر ّية التعبري للأفراد واجلماعات هي‬ ‫الدّموية ّ‬ ‫َ‬ ‫ال�سل ْم املجتمعي الذي نريد‪..‬‬ ‫�إ ّن مراعا َة حرية �إب��داء الآراء والإعتقادات لأول ن�شوئها �أو �أول �أ�سباب ّ‬ ‫ت�شكلها‪ ،‬وقبو َلها يف دائ��رة احل��وار واجل��دل؛ كفي ٌل بالو�صول‬ ‫و�إذا ك��ان لنا �أن نبحث يف خري الو�سائل التي َت ْ�ض َم ُن قيام‬ ‫م��ع �أ�صحابها �إل��ى كلمة ��س��واء‪� ،‬أو �إل��ى ح��الِ م��ن التعا ُي�ش مع املناظرة مع �أ�صحاب الآراء وامل�ق��االت والإع�ت�ق��ادات على �أُ�س�س‬ ‫الوعي العام الذي ال ي�ضيق ذرعاً بهم‪ ،‬وي�ضع خطابهم يف �إطار �سليمة‪ ،‬ل��دى الإع�ت�راف بح ّقهم يف �إبدائها‪ ،‬ف ��إ ّن بنا �أن نبحث‬ ‫"اختالف التن ّوع" ال " اخ�ت�لاف الت�ضاد" على ح � ّد ق��ول ابن يف كيفية تعليم املنطق‪ ،‬ومناهج النظر‪ ،‬و�أ�ساليب احل��وار‪ ،‬ملا‬ ‫تيم ّية رحمه اهلل‪.‬‬ ‫لذلك ك ّله من �أثر ملمو�س يف دفع الغلو‪ ،‬و�إعادة التوازن‪ ،‬و�شيوع‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫الطم�أنينة‪ ،‬ث� ّم يف جعل الإخ �ت�لاف‪ -‬ح�ين يكون ث� ّم�ة َ�س َعة يف‬ ‫�إن كثرياً من متهافت الآرا ِء �إذا ما �أع��وزه الإب��دا ُء ّ‬ ‫ت�ضخم العقول والقلوب – َم ْد َر َج ًة �إلى ق ّوة املجتمعات وتعا�ضد �أبنائها‬ ‫يف �أذه ��ان جم�ترح�ي��ه‪ ،‬ولي�س كاملناظرة �سبي ٌل �إل��ى ال�ع��ودة به وانتظام �صفوفهم يف م�سرية الإ�صال ِح والتطوير‪..‬‬


‫و�إذا كان لعلم نف�س (�أو �سيكولوجيا الغلو) منحاه الداخلي‬ ‫�أو الإ��س�ت�ب�ط��اين ال ��ذي ُي �ن� َ�ظ � ُر ف�ي��ه �إل ��ى جمتمع جم�ت�م��ع‪� ،‬أو‬ ‫�إل��ى حال ٍة حال ٍة مما ميكن ا�ستقرا�ؤه يف ال��دائ��رة الثقافية �أو‬ ‫احل�ضار ّية الواحدة‪ ،‬ف�إن له منحاه اخلارجي �أي�ضاً‪ ،‬وهو الذي‬ ‫ُي ْن ُظ ُر يف طبيعة �سيطرة ح�ضارة على �أُخرى‪� ،‬أو م�ستع ِمر على‬ ‫ُم ْ�س َت ْع َمر (بفتح امليم الثانية) حيث ُيقهر �أب�ن��ا ُء ح���ض��ار ِة ما‬ ‫على �أن يزنوا �أنف�سهم وعقائدهم مبوازين قاهريهم‪ ،‬وحيث‬ ‫ُيجربون‪ ،‬بو�سائل �شتى‪ ،‬على �أن تكون معطيات وعيهم م�صبوبة‬ ‫يف الأواين امل�ستطرقة التي ُت َع ّد لهم �إعداداً ي�ستبقيهم يف حالِ‬ ‫من امل�ضاهئة والتبع ّية‪.‬‬ ‫قد عكفوا طوي ًال وتباحثوا كثرياً حتى وقع اختيارهم على ّ‬ ‫بث‬ ‫�إن ر�ؤية الذات يف مر�آة الغالب �أ�ش ُّد وط�أة على املغلوب من لفظة “الإرهاب” ب�سبب قر�آنيتها‪ ،‬ودون مراعاة معناها احل ّق‪،‬‬ ‫ي�صرب له من حيث هي ذات داللة على معنى اله ْيبة والردع النف�سي ال على‬ ‫وقع احل�سام امله ّند‪ ،‬وهو �إن ي�صرب له بع�ض الوقت ال ْ‬ ‫كثرياً‪ .‬ف�إذا ُ�ض ّم هذا ال�سبب من �أ�سباب الغل ّو �إلى �سا ِب ِق ِه‪ ،‬كان لنا معنى امل�صطلح الإجنليزي الذي يقابل م�صطلح “احلرابة” يف‬ ‫منهما �إلى �أ�سباب �أُخرى �سنذكر بع�ضها‪ -‬مدخل مو�ضوعي �إلى الفقه الإ�سالمي‪..‬‬ ‫خا�صة يف العامل العربي الإ�سالمي‪.‬‬ ‫فهم ظاهرة الغلو‪ّ ،‬‬ ‫لقد �أرادوا – يف امل�صطلح املفرو�ض يف و�سائل الإع�ل�ام –‬ ‫ول�ع� ّل م��ن مت��ام الإح��اط��ة مب��ا �سبق �أن نتوقف قلي ًال عند ربط ال ُعنف والقتل بالقر�آن الكرمي وبالإ�سالم‪ ،‬فكان ذلك منهم‬ ‫مقولة ابن خلدون التي �أوردها يف مقدّمة تاريخه‪ ،‬وهي مقولة لوناً من القهر املفهومي الذي يرتك يف �أنف�س امل�سلمني انطباعاً‬ ‫م�أخوذة – و�أكاد �أقول حرف ّياً – من كتاب "الفخري يف الآداب م ��ؤك ��داً ب�غ�ي��اب االن �� �ص��اف ل�ه��م ول��دي�ن�ه��م وحل���ض��ارت�ه��م وه��ذا‬ ‫ال�سلطانية" لإبن الطقطقا‪ ،‬حيث �أُوحي �إلى وعينا املعا�صر �أن الإنطباع قاب ٌل لأن يرتجم �إل��ى �شعور بالإ�ستيئا�س من عدالة‬ ‫من �ش�أن امل�شرق العربي الإ�سالمي �أو الأُ ّم��ة امل�سلمة بعا ّمة �أن الغرب �أو من عدالة النظام العاملي اجلديد الذي يتو ّلى قيادته‪،‬‬ ‫أقرب �أن ينطوي امل�ستيئ�س على نف�سه‪ ،‬و�أن يكون ُم�ستو َفزاً‪،‬‬ ‫تق ّلد الغرب الغالب يف ال�صغرية والكبرية و�أن ت�ضاهئ ُه يف جممل وما � َ‬ ‫�ش�ؤونه‪ ،‬باعتبار ذلك ُ�س ّنة من �سنن الإجتماع �أو قانونا م�ؤكداً و�أن يرف�ض هذا القهر املفهومي جملة وتف�صي ًال‪..‬‬ ‫تخ�ضع له ال��رق��اب دون ح��رج �أو م�ع� ّرة‪ ،‬على حني �أن املق�صود‬ ‫و�إذ ن�ستذكر �أن املجاهد امل�ق��اوم للإحتالل ي�سمى يف هذا‬ ‫بذلك �أن َ‬ ‫النا�س على دين حكامها وملوكها يف طرائق العي�ش‪ ،‬املُعجم املفرو�ض نا�شطاً �سيا�سياً‪ .‬و�أ ّن للإ�سالمي معنى خمتلفاً‬ ‫تق ّلدها فيها يف الدائرة الثقافية الواحدة �أو "النظام‬ ‫التداويل" ع��ن امل�سلم‪ ،‬و�أن للأُ�صولية معنى غ�ير م��ا نعهده يف تاريخنا‬ ‫الواحد على ح ّد تعبري الأ�ستاذ الدكتور طه عبدالرحمن‪.‬‬ ‫الثقايف‪ ،‬ف ��إ ّن مما نخل�ص �إليه �أن الغرب ال يرينا �إال ما يرى‪،‬‬ ‫�أ ّم��ا خ��ارج ه��ذه ال��دائ��رة الثقافية ال��واح��دة ف ��إن م��ن �شـ�أن و�أ ّنه يحملنا‪ ،‬ق�سراً واعتنافاً‪ ،‬على حمو الذات وال�صفات‪ ،‬وكم يف‬ ‫املقهور �أن ت�ستثار حفيظته �ضد القاهر‪ ،‬و�أن يتم�سك مبا مي ّيزه ذلك من داعية للغلو فيما يتح ّقق املن�صفون‪..‬‬ ‫عنه‪� ،‬إ ّال �أن يكون ملتوي الفطرة مطمو�س الوعي‪.‬‬ ‫�إن التفاوت يف م�ستويات العي�ش‪ ،‬و�سد منافذ الرجاء يف جياة‬ ‫ويظ ّل لنا �أن نقول‪� :‬إن تظاهر �أ�سباب الغلو‪ ،‬داخل ّية وخارج ّية �أقل ق�سوة‪ ،‬وال�شعور العميق ب�إمتهان الكرامة جراء ذلك‪ ،‬كل‬ ‫كفيل بقيام ح��ال م�ستوفزة قد تفج�أُ العامل بغرائب ّيتها‪ ،‬و�إن اول�ئ��ك‪� ،‬إ�ضاف ًة ال��ى ما�سبق من دواع��ي الغلو‪ ،‬بال ٌغ يف التوتر‬ ‫النف�سي يف ال�شعوب‪ ،‬التي ت�شيع فيها طبائع اال�ستبداد؛ الى‬ ‫كانت يف �أ�صل ن�ش�أتها يف دائرة املتوقع واملعقول‪..‬‬ ‫م��دى َق���صِ � ّ�ي‪ .‬ف ��إذا زدن��ا على ذل��ك ق�صور امل�ؤ�س�سات الرتبوية‬ ‫ومنلك �أن ن�ضع املعجم الإع�لام��ي ال�سائد يف معظم دول والثقافية والإع�لام�ي��ة يف حت�صني ال��وع��ي ال �ع��ام‪ ،‬ف ��إن جِ �م��ا َع‬ ‫العامل اليوم يف جملة �أ�سباب الغلو‪� ،‬إذ هو معجم �سيا�سي غري ما نخ ُل ُ�ص �إليه من ذلك ان ث ّم َة بيئه مه ّي�أة للغلو‪ ،‬يف ُك ٍّل من‬ ‫مو�ضوعي تتحكم فيه الأغ��را���ض‪ ،‬ف�ض ًال ع��ن كونه م�شتم ًال واقعها امل�شهود‪ ،‬وما حتدّر �إليها من معطيات التاريخ القريب‬ ‫على �إيحاءات تو�شك �أن تكون خطابات �ضمنية ُيعترب اخلروج والبعيد على حد �سواء‪. .‬‬ ‫على دالالت�ه��ا هرطقة �أو �إحل ��اداً بيقينيات العوملة واحل��داث��ة‬ ‫و�إذا كنا نحن العرب وامل�سلمني ننظر يف طرائق مواجهة‬ ‫وم��ا �شئت م��ن جت� ّل�ي��ات الإ��س�ت�ع�م��ار امل�ت�ج�دّد‪ .‬ول�ن���ض��رب مث ًال‬ ‫على ذل��ك ُم�صطلح " الإرهاب" ال��ذي ال تخلو ن�شرة �إخبار ّية الغلو و�أ�سبابه‪ ،‬يف �ضوء فهم مقارب لهذه الأ�سباب‪ ،‬ف�إن علينا‬ ‫�أو حتليل �سيا�سي منه؛ فهو ترجمة كيد ّية مق�صودة مل�صطلح ان النن�سى �أ ّن يف ال�ق��وى املرتب�صه ب�أمتنا م��ن ي�سعى ج��اه��داً‬ ‫(‪ )Terrorisme‬ب��الإجن�ل�ي��زي��ة‪ ،‬روع ��ي ف�ي��ه ت��وا ُف � ُق��ه يف �أ��ص��ل ال�ستبقائها‪ ،‬ولدفعها ال��ى م��زي��د تفاقم وت�ع�ق�ي��د‪ ،‬م�ف�ي��داً يف‬ ‫الإ�شتقاق مع لفظة “ترهبون” القر�آنية يف الآي��ة الكرمية “ ذل��ك من �ضعفنا ومتزقنا وتفرقنا �أي��دي َ�س َف ٍه وجهالة‪ ،‬فان‬ ‫و�أعدّوا لهم ما ا�ستطعتم من ق ّوة ومن رباط اخليل ترهبون به يكن التنبّهُ ف�إلى �أ�سباب ما نحن فيه داخلية وخارجية‪ ،‬و�إلى‬ ‫عد ّو اهلل وعد ّوكم و�آخرين من دونهم ال تعلمونهم اهلل يعلمهم”‪ .‬ماينبغي �أن ن�ستقبل ِب ِه �أيامنا القادمات من احت�شاد قوى اخلري‬ ‫وال نعدم نفراً من امل�ست�شرقني وخ�براء الليربالية املتوح�شة‪ ،‬و�إرادات اال�صالح‪ .‬ومن �سلك ا َ‬ ‫جل َد َد � ِأم َن العثار‪. .‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪63‬‬


‫مقاالت‬

‫المسلمون في البانيا‬ ‫البانيا دولة جميلة من دول �شبه جزيرة البلقان‪ ،‬تقع يف اجلنوب‬ ‫ال�شرقي من �أوروب��ا‪ ،‬وتطل على البحر الأدرياتيكي‪ ،‬و�ألبانيا تعني‬ ‫�أر�ض الن�سور‪� ،‬أو �أبناء الن�سور‪ ،‬وهي بلد متعدد الأديان‪ ،‬ولكن الغالبية‬ ‫العظمى من �سكانها هم امل�سلمون بينما الأل�ب��ان كعرق ب�شري فهم‬ ‫متواجدون يف كل منطقة البلقان‪.‬‬ ‫ويرجع تاريخ البانيا �إلى �ألف �سنة قبل امليالد حيث حكمها اليونان‬ ‫ال�سالف والبلغار‪ ،‬ومع نهاية القرن الرابع ع�شر‬ ‫ثم البيزنطيون ثم ُّ‬ ‫امل �ي�لادي ب��د�أ الفتح العثماين لأل�ب��ان�ي��ا‪ ،‬وم��ع ان�ه�ي��ار دول��ة اخلالفة‬ ‫انف�صلت البانيا عن الدولة العثمانية ومت الإع�تراف بها دولياً بعد‬ ‫احلرب العاملية الأولى‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫الدكتور جمال السفرتي‬

‫�أم��ا ع��ن و��ص��ول الإ� �س�لام �إليها فالغالب �أن��ه و�صلها قبل الفتح‬ ‫العثماين عن طريق بع�ض التجار �أو الفاحتني العرب الذين قدموا‬ ‫من الأندل�س �إلى �صقلية ثم الى �سواحل �ألبانيا‪ ،‬وما زال العديد من‬ ‫امل�سميات العربية موجودة هناك‪.‬‬ ‫وعا�شت البانيا حتت ظالل احلكم العثماين �أكرث من خم�سمائة‬ ‫�سنة وك��ان��وا يلقبون (الأرن � ��ا�ؤوط) ث��م ك��ان الإ��س�ت�ق�لال ع��ن ال��دول��ة‬ ‫العثمانية يف ‪1912/11/28‬م‪ ،‬ومت الإع�تراف ر�سمياً بها بعد احلرب‬ ‫العاملية الأولى‪.‬‬


‫و ق��د ت�ق�ل��د الأل� �ب ��ان وظ��ائ��ف م�ه�م��ة �أث� �ن ��اء احل�ق�ب��ة‬ ‫العثمانية واعتمدت عليها الدولة داخل البانيا وخارجها‪.‬‬ ‫‪ .‬ومن ذلك ما كان من حكم حممد علي با�شا على م�صر‪.‬‬

‫للبالد‪ ،‬وبعد ذلك �سارعت العديد من اجلمعيات اخلريية‬ ‫وال��دع��وي��ة العربية لنجدة �أخ��وان�ه��م يف �ألبانيا وو�صلت‬ ‫تباعاً �إلى هناك‪ ،‬و�ساهمت يف �إع��داد الكوادر الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وفتحت امل�ساجد م��ع بع�ض الأخ ��وة م��ن تركيا‪ ،‬وفتحوا‬ ‫ع�شرات املدار�س فعاد الإ�سالم وازدهر‪ ،‬ومت �إر�سال بع�ض‬ ‫الطلبة �إل��ى ع��دد من ال��دول العربية ليتعلموا فيها ثم‬ ‫يعودوا خلدمة بلدهم‪ ،‬ولكن ونتيجة للحرب التي داهمت‬ ‫منطقة البلقان فيما بعد‪ ،‬غادرت معظم هذه اجلمعيات‬ ‫والهيئات العربية ورجعت �إلى بلدانها بعد منعها من �أداء‬ ‫ر�سالتها‪.‬‬

‫وعمل على طم�س الهوية الإ�سالمية لل�شعب متاماً من‬ ‫خالل نظام ا�ستاليني ف��والذي‪ ،‬جعل من البانيا الدولة‬ ‫الوحيدة يف العامل ال��ذي ين�ص د�ستورها على الإحل��اد‪،‬‬ ‫ومل يب َق من امل�ساجد �إال ما له قيمة �أثرية �سياحية فقط‪،‬‬ ‫وكان عدد امل�ساجد هناك ي�صل �إلى ‪ 1660‬م�سجداً تقريباً‬ ‫هدم معظمها‪.‬‬

‫ل��ذل��ك ال �ي��وم تبتهج ال�ق�ل��وب ب��ر�ؤي��ة م�ئ��ات امل�ساجد‬ ‫اجل��دي��دة وم �ظ��اه��ر ال �ت��دي��ن ال ��ذي ب ��د�أ ي�ظ�ه��ر ح�ت��ى يف‬ ‫ال�شوارع والأم��اك��ن العامة‪ ،‬و�شهدت العا�صمة الألبانية‬ ‫ت�ي�ران��ا �أك�ب�ر � �ص�لاة ل�ل�ع�ي��د يف امل�ن�ط�ق��ة وذل ��ك برتتيب‬ ‫وتنظيم من امل�شيخة الإ�سالمية التي ت�تر�أ���س وت�شرف‬ ‫على ال�ش�أن الديني هناك‪.‬‬

‫وبعد عقد من الزمن تقريبا من ا�ستقالل �ألبانيا عن‬ ‫احلكم العثماين‪ ،‬ا�ستلم احلكم امللك �أحمد زوغ��و الذي‬ ‫اعتمد على مو�سيلينا بالكامل تقريباً‪ ،‬ويف عام ‪1939‬م غزا‬ ‫الإيطاليون البالد و�أ�صبحت حممية �إيطالية‪.‬‬

‫ثم ت�أ�س�س احل��زب ال�شيوعي الأل�ب��اين و�أ�صبح "�أنور‬ ‫خوجا" �سكرترياً للحزب‪ ،‬ثم �أ�صبح رئي�ساً عاماً للبالد‬ ‫ملدة تزيد على �أربعة عقود – ‪ ،1985 -1943‬وهكذا وقعت‬ ‫ول�ك��ن ول�ل�أ��س��ف وب�ع��د منع ه��ذه املنظمات والهيئات‬ ‫�ألبانيا فري�سة لنظام �شمويل ق ّيد حريتها وحرم املواطنني ال�ع��رب�ي��ة ن�شطت الإر� �س��ال �ي��ات التب�شريية ال�ق��ادم��ة من‬ ‫حقوقهم‪.‬‬ ‫�إيطاليا واليونان مللء هذا الفراغ‪.‬‬ ‫وب ��ذل ��ك ب �� �س��ط ال �� �ش �ي��وع �ي��ون ب��زع��ام��ة �أن � ��ور خ��وج��ا‬ ‫وق��د ح ��اول الأل �ب��ان م� ��راراً وت �ك��راراً ال�سعي ل��دخ��ول‬ ‫�سيطرتهم على البالد متاماً وحارب كل �إجتا ٍه وكل �سلط ٍة الإحتاد الأوروب��ي ومازالوا يحاولون‪ ،‬ولكن دون جدوى‪،‬‬ ‫معار�ضة لأفكاره مبا يف ذلك الدين‪.‬‬ ‫فما زال الرف�ض وو�ضع العراقيل هما �سيدا املوقف‪.‬‬ ‫و�سعى يف كل بط�ش وقوة �إلى اعتقال العلماء والأئمة‬ ‫ويف الوقت الراهن ف�إن ال�شعب الألباين يعي�ش حتت‬ ‫وكل من يعمل يف �ش�أن الدين‪ ،‬وهدم امل�ساجد و�شنّ حملة �سلطة ال�ق��ان��ون ال��ذي منح النا�س حرية اختيار دينهم‬ ‫�إن�ه��اء وحم��و وت��دم�ير للإ�سالم ب��د�أه��ا بتدمري امل�ساجد وممار�سة �شعائرهم كما يريدون بعيداً عن التع�صب ونبذ‬ ‫وحتويل بع�ضها �إلى ا�سطبالت ومكتبات ومتاحف ومقا ٍه‪ .‬الآخر‪.‬‬

‫وبعد ما يزيد على الأربعني عاماً من حكم �أنور خوجا‬ ‫الألبان �شعب ودود كرمي طيب‪ ،‬مل يكن فقط م�ستقب ً‬ ‫ال‬ ‫فقد ترك �ألبانبا وهي �أفقر بلد يف �أوروبا‪ ،‬وللأ�سف ما زالت للثقافة الإ�سالمية بل كان وما زال منتجاً لها‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬ويف عام ‪ 1990‬وبعد وفاته بخم�س �سنوات تقريباً‬ ‫�شعب عا�ش املحنة و�آالمها قرابة اخلم�سني �سنة ولكن‬ ‫خ��رج��ت م�ظ��اه��رات عظيمة و�أج�ب�رت احل��زب ال�شيوعي‬ ‫على قبول �أول حزب دميقراطي معار�ض عام ‪1992‬م‪ ،‬ومت هذه املحنة مع �شدتها و�آالمها وق�سوتها مل ت�ستطع �أن‬ ‫تن�صيب الرئي�س �صالح بري�شا ك ��أول رئي�س دميقراطي تخرج الإميان من قلوب هذا ال�شعب امل�ؤمن الطيب‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪65‬‬


‫مقاالت‬

‫رؤية في‬

‫حقوق اإلنسان‬ ‫من امل�ع��روف �أن مو�ضوع حقوق الإن�سان مو�ضوع ق��دمي‪ ،‬ولي�س‬ ‫�صحيح ما يروج له البع�ض ب�أن املو�ضوع هو وليد الثورة ال�صناعية‬ ‫الفرن�سية فاملو�ضوع م��وج��ود جنباً �إل��ى جنب م��ع �أول جتمع ب�شري‬ ‫ابتداء ب�أ�سرة �سيدنا �آدم عليه ال�سالم فقد بد�أت ق�صة حقوق الإن�سان‬ ‫منذ وجود هذه الأ�سرة ممثلة ب�آدم وحواء وولديهما هابيل وقابيل‬ ‫وبد�أت ب�أ�سا�سيات احلقوق مثل ال�سكن والرحمة واملودة والتعاون‬ ‫والعمل الذي برزت ب�سببه ق�صة احل�سد والغرية التي نتج عنها حدوث‬ ‫�أول جرمية قتل و�أول انتهاك حلقوق الإن�سان‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫المحامي محمود الداودية‬

‫وت �ط��ورت ف�ك��رة ح�ق��وق الإن �� �س��ان م��ع ت�ط��ور التجمعات الب�شرية‬ ‫واحل�ضارات املتعاقبة‪ ،‬وعلى �سبيل املثال كانت حقوق الإن�سان �إبان‬ ‫احل���ض��ارت�ين ال�ي��ون��ان�ي��ة وال��روم��ان�ي��ة منتهكة‪ ،‬ح�ت��ى ح��ري��ة املعتقد‬ ‫كانت معدومة ولذلك عندما دخلت �أوروب��ا يف الديانة امل�سيحية يف‬ ‫ظ��ل ان�ع��دام ح�ق��وق الإن���س��ان ك��ان��ت النتيجة احلتمية وج��ود حماكم‬ ‫التفتي�ش‪ ،‬ومل تكن احل�ضارة امل�صرية ب�أف�ضل �أو �أح�سن ح��ال من‬ ‫احل�ضارتني اليونانية والرومانية حيث كانت حقوق الإن�سان مهدورة‬ ‫وكان هنالك تع�سف رهيب على الإن�سان امل�صري فهو مهدور احلياة‬ ‫وتفكريه م�صادر ومعتقده م�صادر ومنتهك وكذلك كان احلال �إبان‬ ‫حكم الفراعنة والهك�سو�س ويكفي للتدليل على ذلك �أن املجتمع كان‬ ‫مق�سم �إلى �أق�سام ‪:‬‬


‫‪ – 1‬امللأ املدللون‬ ‫‪ – 2‬الفقراء والزراع‬ ‫‪ – 3‬الرقيق‬

‫‪ .2‬منح الإ�سالم الإن�سان حقوقه باعتبار �إن�سانيته يف كل‬ ‫طور من �أطوار حياته ال بل �أبعد من ذلك‪ ،‬فمجرد‬ ‫ت�ف�ك�ير الإن �� �س��ان ب�ت�ك��وي��ن �أ� �س��رة ب ��ال ��زواج ال�شرعي‬ ‫احل�ل�ال وج �ه��ه الإ� �س�ل�ام وط �ل��ب م�ن��ه �أن ي�ت��أن��ى يف‬ ‫اختبار ال�شريك ال�شرعي‪.‬‬

‫وق��د �صورت �سورة يو�سف ح��ال املجتمع امل�صري من‬ ‫حيث الرق والفقرواحلب�س ومعاملة ال�شعب بق�سوة ومن فقد وجه �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم امل�سلم �إذا‬ ‫فكر يف ال ��زواج ب���ض��رورة اختيار ال�شريك الأح�سن‬ ‫ذلك زج �سيدنا يو�سف عليه ال�سالم يف ال�سجن دون ذنب‬ ‫فقال عليه ال�صالة وال�سالم‪“ :‬تخريوا لنطفكم ف�إن‬ ‫وهو بريء‪.‬‬ ‫العرق د�سا�س”‪.‬‬ ‫�أم��ا حالة ال�ع��رب قبل الإ��س�لام فلي�ست بخافية على‬ ‫احد فمظاهر احلياة كلها تدل بو�ضوح على تردي حقوق وهذه �أرقى �صور احرتام الإن�سان ودليل على عمق نظرة‬ ‫الإ�سالم للإن�سان وحتى لأن�سان امل�ستقبل احرتامه‬ ‫الإن���س��ان حيث ك��ان �سائداً ال��رق والعبودية وو�أد البنات‬ ‫الإ�سالم وعني به قبل �أن يوجد‪ ،‬وي�ستمر الإ�سالم‬ ‫وع �ب��ادة الأ� �ص �ن��ام وق�ط��ع الأرح � ��ام و�أك ��ل امل�ي�ت��ة وان �ع��دام‬ ‫ب ��اح�ت�رام ح ��ق الإن� ��� �س ��ان يف م��رح �ل��ة م ��ا ب �ع��د ذل��ك‬ ‫ال �ق��ان��ون‪ ،‬ورغ ��م وج ��ود ��س�ل��وك�ي��ات وع� ��ادات اي�ج��اب�ي��ة يف‬ ‫ف��اح�ترم��ه و�أم ��ه ح��ام��ل ب��ه بالتوجيهات والأن�ظ�م��ة‬ ‫املجتمع العربي قبل الإ�سالم �إال �أنها يف املح�صلة ال ت�صب‬ ‫املعروفة والتي ال يت�سع املقام للخو�ض يف تفا�صيلها‬ ‫يف م�صلحة حقوق الإن�سان باملعنى املق�صود الذي ر�سخه‬ ‫وكذلك عند والدته و�إثناء حياته وحتى موته ال بل‬ ‫الإ�سالم فميا بعد‪ ،‬وملا �سطعت �شم�س الإ�سالم هذا الدين‬ ‫وبعد املوت‪.‬‬ ‫اخل ��امت ل�ل��دي��ان��ات وال ��ذي ج��اء للب�شرية ك��اف��ة ومل��ا ك��ان‬ ‫الت�شريع الإ�سالمي م�صدر رباين فمن البديهي �أن تكون ‪ .3‬ح�ق��وق الإن���س��ان يف الإ� �س�لام مت�ت��از بال�شمولية فقد‬ ‫حقوق الإن�سان فيه م�صانة وحمرتمة ومكفولة‪.‬‬ ‫�أع �ط��ى الإ� �س�ل�ام ل�ل�إن���س��ان ح�ق��وق��ه يف ك��ل امل�ج��االت‬ ‫دون ا�ستثناء فكفل له حقوقه ال�سيا�سية والفكرية‬ ‫واحلديث عن حقوق الإن�سان يف الإ��س�لام هو لإب��راز‬ ‫واالقت�صادية والثقافية واح�ترام معتقده‪ ،‬واملجال‬ ‫وبيان ه��ذه احلقوق ولي�س ملجاملة �أو جم��اراة ال�شرائع‬ ‫ال يت�سع للتف�صيل‪.‬‬ ‫الو�ضعية احلديثة ولذلك ال بد من الإ�شارة �إلى ميزات‬ ‫حقوق الإن�سان يف الإ�سالم و�أهمها ‪-:‬‬ ‫‪ .4‬ان�ت�ه��اك ح�ق��وق الإن �� �س��ان يف الإ� �س�ل�ام ج��رمي��ة عليها‬ ‫عقوبة‪.‬‬ ‫‪� .1‬إن �إق ��رار ح�ق��وق الإن���س��ان يف الإ� �س�لام ج��اء بت�شريع‬ ‫رب��اين م��ن �صنع اهلل ال��ذي خلق الإن���س��ان وال ي�أتيه ‪ .5‬ميتاز الت�شريع الإ�سالمي يف جم��ال حقوق الإن�سان‬ ‫الباطل من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬وال�صانع �أدرى‬ ‫باالعتدال والتوازن والو�سطية‪.‬‬ ‫ب�صنعته فو�ضع لها هذا الت�شريع وامل�ستمدة ن�صو�صه‬ ‫م��ن ال�ق��ر�آن ال�ك��رمي وال�سنة النبوية ال�شريفة و�أن ‪ .6‬معايري حقوق الإن�سان يف الإ�سالم ثابتة ال تتغري وال‬ ‫تتبدل كونها م�ستمدة من ت�شريع رب��اين ثابت وال‬ ‫�إق��رار ه��ذه احلقوق مل ي ��أت نتيجة الحتجاجات �أو‬ ‫تخ�ضع للهوى املزاج‪.‬‬ ‫اعت�صامات �أو �إ�ضرابات �أو مظاهرات‪ ،‬وهذا بعك�س‬ ‫الإع�ل�ان ��ات وال �ق��وان�ين ال��و��ض�ع�ي��ة امل�ن�ظ�م��ة حلقوق‬ ‫�إن الكالم عن حقوق الإن�سان يحتاج �إلى وقت طويل‬ ‫الإن���س��ان يف الع�صور احلديثة فمث ً‬ ‫ال الإع�ل�ان عن‬ ‫حقوق الإن�سان يف امريكا ج��اء بعد ث��ورة ع��ام ‪ 1770‬وجهد كبري كون املو�ضوع نف�سه عظيم وتغطيته حتتاج‬ ‫وكذلك الإع�لان عن حقوق الإن�سان يف فرن�سا جاء �إلى جملدات ملن �أراد �أن يخو�ض فيه وي�سرب �أغواره‪ ،‬ولكن‬ ‫بعد ث��ورة ع��ام ‪ 1789‬وك��ذل��ك ميثاق الأم��م اخلا�ص خال�صة القول �أن الدار�س جلميع الت�شريعات والقوانني‬ ‫بحقوق الإن�سان جاء بعد احلرب العاملية الثانية عام الناظمة حلقوق الإن�سان وكفلها واهتم بها هو الت�شريع‬ ‫‪ 1945‬جراء ما تعر�ض له الإن�سان من ويالت واملقام الإ�سالمي الذي ارت�ضاه اهلل عز وجل للب�شرية كافة لأن‬ ‫فيه �سعادتهم و�صالح �أمرهم يف الدنيا والآخرة‪.‬‬ ‫ال يت�سع للتف�صيل‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪67‬‬


‫الإجتهاد يف البلدان الإ�سالمية وق�ضية متكني املر�أة‬ ‫امل�سلمة يف الغرب �أمام نوازل وحتديات معا�صرة‪:‬‬

‫‪68‬‬

‫يف م�ي��دان العلم والأدب وع��ادت اجلاهلية الأول��ى تن�شر‬ ‫م�آثرها ونزعاتها‪ ،‬وي�ضيف يف مكان �آخ��ر‪" :‬املر�أة عندنا‬ ‫لي�س لها دور ثقايف وال �سيا�سي‪ ،‬وال دخ��ل لها يف برامج‬ ‫الرتبية وال نظم املجتمع وال مكان لها يف �صحون امل�ساجد‬ ‫وال ميادين اجلهاد‪ ،‬ذكر ا�سمها عيب ور�ؤية وجهها حرام‬ ‫و�صوتها عورة وظيفتها الأول��ى والأخ�يرة �إع��داد الطعام‬ ‫وال �ف��را���ش‪ . .‬واحل ��ق �أن ق���ض��اي��ا امل� ��ر�أة تكتنفها �أزم ��ات‬ ‫عقلية وخلقية واجتماعية واقت�صادية والأمر يحتاج �إلى‬ ‫مراجعة ذكية �إلى ن�صو�ص وردت وفتاوى تورثت وعادات‬ ‫�سيئة ت�ترك طابعها يف �أع�م��ال النا�س‪ ،‬ال بد من درا�سة‬ ‫متـ�أنية ملا ن�شكو منه ودرا�سة تفرق بني الوحي وما اند�س‬ ‫فيه‪ ،‬وب�ين م��ا يجب حم��وه �أو �إثباته م��ن �أح ��وال الأم��ة‪،‬‬ ‫لر�ؤية واقع متكينها حا�ضراً وم�ستقب ً‬ ‫ال �سواء يف الداخل‬ ‫الإ�سالمي �أو اخلارج الغربي حيث تواجه عقبات كثرية‪،‬‬ ‫وقوانني متنعها من حقها املواطناتي بدعوى اللإندماج‪.‬‬ ‫واملر�أة امل�سلمة يف وقتنا املعا�صر تواجه نوازل جديدة يف‬ ‫�إدارة �ش�ؤون حياتها‪ ،‬بحث تغريت الأع��راف وباتت امل��ر�أة‬ ‫التي كانت ال تغادر بيت زوجيتها‪ ،‬بفعل حاجتها لإعالة‬ ‫�أب �ن��اءه��ا م��ن ق�ه��ر اجل ��وع وال�ف�ق��ر واحل� ��روب والتهجري‬ ‫الق�سري ملزمة بفقه موازنات يحتم عليها الإجابة عن‬ ‫�أ�سئلة تواجهها‪ ،‬ال جتد لها ح�ل��و ًال‪� ،‬إال فيما ميكننا �أن‬ ‫نقدمه لها ولأبنائها حت�صيناً للجيل املقبل وحماية له‬ ‫م��ن الإن� ��زالق نحو م�غ��ري��ات ال�ت��وج�ه��ات ال�لادي�ن�ي��ة �أم��ام‬ ‫�أمتناعنا عن الإجابة والإجتهاد لتقدمي احللول‪.‬‬

‫من الوا�ضح �أن الإجتهاد يف البلدان الإ�سالمية يختلف‬ ‫ح��ول البيئات املنتجة ل��ه اخ�ت�لاف�اً وا��ض�ح�اً ب�ين امل�شرق‬ ‫وامل �غ��رب‪ ،‬ف��الإج�ت�ه��اد يف دول ��ش��رق �آ�سيا وال �غ��رب‪� ،‬سابق‬ ‫على �إج�ت�ه��اد البيئة املثقلة ب��الإع��راف التي حتولت مع‬ ‫مر الزمن �إلى �شبه عقائد �صحيحة يف عقليات حامليها‪،‬‬ ‫ي�صعب ت�صحيحها �أو حتى مناق�شتها‪� ،‬إذ حتولت �إلى �شبه‬ ‫ثابت مطلق‪ ،‬عمر بن العزيز كان يقول‪ " :‬يجد النا�س من‬ ‫الأحكام بقدر ما يجد لهم من الأق�ضية"‪ ،‬فالإجتهاد يف‬ ‫الغرب يفر�ض نف�سه ب�شدة مبا يطرحه من ق�ضايا عالقة‬ ‫انتجتها وقائع العلم احلديث والإبتكارات العلمية التي‬ ‫�أدت �إل��ى ظهور ن��وازل فقهية جديدة حتتاج �إل��ى اجتهاد‬ ‫من قبل علماء الإ��س�لام‪� ،‬سواء يف الطلب وعلم الإحياء‬ ‫وحفظ اخل�صوبة يف جمادات املختربات‪ ،‬واملوت الرحيم‪،‬‬ ‫والتربع بالإع�ضاء والإجها�ض والت�أكد من حم�ض ن�سب‬ ‫ابن الزنى وعلة العدة ت�سقط عن احلامل بو�ضع حملها‪،‬‬ ‫مع �إمكانية الت�أكد من احلمل جمهرياً بالن�سبة للمعتدة‪،‬‬ ‫وال �ع�ل�اج ب��اخل�لاي��ا اجل��دع �ي��ة‪ ،‬ول�ب��ا���س امل� ��ر�أة يف ال�غ��رب‬ ‫ت�سا�ؤالت يقدمها م�سلمات الغرب اليوم ب�شدة‪ ،‬تبحث عن‬ ‫موقف الدين وتدفع بالفقهاء �إلى فتح باب الإجتهاد على‬ ‫م�صراعيه على مدار الوقت‪ ،‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬من بني‬ ‫املوا�ضيع التي �أثارت الكثري من اجلدل والنقا�ش ق�ضية‬ ‫التربع بالإع�ضاء الب�شرية والعالج باخلاليا اجلذعية‪،‬‬ ‫هذا الكالم يفنده الإمام الغزايل مبطالبته �إلى نه�ضة‬ ‫واملوت الرحيم والإجها�ض وزواج املثليني‪� ... .‬إلخ‪ ،‬فهذه‬ ‫النقا�شات دارت يف الأو�ساط الأوروبية قبل �أن ت�صل �إلى ن�سائية ر�شيدة لتجاوز تلك الذهنيات املتحجرة بقوله‪:‬‬ ‫ال�ساحة الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬لأن الإج�ت�ه��اد كما قلت يف ال��دول �أمتنا بحاجة �إل��ى نه�ضة ن�سائية ر�شيدة‪ ،‬مل؟ لأن هناك‬ ‫بع�ض املتدينني ال يعقلون ق�ضايا املر�أة‪� ،‬أو ينظرون فيها‬ ‫الغربية �سابق للإجتهاد يف دول امل�شرق العربي‪.‬‬ ‫بحماقة وقلة فقه ولو وكل الأمر �إليهم حلب�سوا الن�ساء‬ ‫الإمام الغزايل من �أكرث امل�صلحني املعا�صرين تعبرياً يف البيوت فال عبادة لهم وال علم وال عقل وال فكر وال‬ ‫ع��ن ر�ؤي �ت��ه ال�ن�ق��دي��ة ال �ت��ي ات���ص�ف��ت ب ��اجل ��ر�أة وال�ت�ن��وي��ر ن�شاط وال �شيء‪ ،‬هذا النوع من املتدينني اجلهلة ينبغي‬ ‫وال��و� �ض��وح بال�شكل ال ��ذي �أل �ب��ت عليه بع�ض الأو� �س��اط �أن يحرم با�سم اهلل‪.‬‬ ‫الدينية املتعار�ضة لنهجه الإ�صالحي ور�ؤيته التنويرية‪،‬‬ ‫ال �شك �أن هذه جر�أة نادرة وغري معهودة يف هذا الع�صر‬ ‫كما �أو�ضح ذلك بنف�سه يف كالم له يقول فيه‪ :‬لقد �أده�شني‬ ‫�أن نقر�أ من املتدينني يتناولونني ب�أق�سى مما يتناولني به بالذات‪ ،‬حيث ي�صعب على الكثريين ومن الو�سط الديني‬ ‫بوجه خا�ص الإ�شهار مبثل هذا الكالم وهذا الو�ضوح يف‬ ‫ال�صهاينه وال�صليبيون‪.‬‬ ‫النقد‪ ،‬وقيمته �أنه جاء من ال�شيخ‪“ :‬الغزايل” الذي ال‬ ‫وعن مقاربته لهذا املوقف يقول" هناك حرا�س للخط�أ �أحد ي�شك يف غريته على دينه و�أمته‪.‬‬ ‫ي��رت�ف��ع عويلهم �إل ��ى ع�ن��ان ال���س�م��اء‪ ،‬ع�ن��دم��ا ينتقد ه��ذا‬ ‫لبا�س املر�أة امل�سلمة يف الغرب وق�ضية التمكني‪:‬‬ ‫اخلط�أ‪ ،‬وقد كنت �أول �أمري قليل الإكرتاث بهذا العويل‬ ‫بيد �إين وجدته يتحول على مر الأي��ام �إل��ى �ضغينة على‬ ‫احلديث عن ق�ضية وقوف اللبا�س عائقاً دون متكني‬ ‫امل�صلحني وا�ستباحة لأعرا�ضهم ال ميكن ال�سكوت‬ ‫عليها‪ ،‬املر�أة يف البالد الإ�سالمية جتوز لأن املر�أة امل�سلمة اتبثت‬ ‫و�سوف‬ ‫لأن الدين نف�سه �سوف ُي�ضر من ه��ذا ال�سكوت‪،‬‬ ‫م��ع اح�ترام�ه��ا للبا�سها ال���ش��رع��ي ق��درت�ه��ا ع�ل��ى العطاء‬ ‫تتحول حقائقه �إلى �أباطيل‪.‬‬ ‫العلمي واملعريف وال�سيا�سي والإقت�صادي ب�إجماع احلركات‬ ‫�أم ��ا ن �ق��ده ل��واق��ع ح ��ال امل � ��ر�أة يف جم�ت�م�ع��ات�ن��ا‪ ،‬يقول التغريبية التي كانت حت��اول �إي�ج��اد علل حداثية‪ ،‬ترى‬ ‫ال �غ��زايل‪ " :‬م��ع ا�ضمحالل الفكر ال��دي�ن��ي يف الأع���ص��ار فيها ح�ج��اب امل ��ر�أة ع��ائ�ق�اً مينعها ع��ن مم��ار��س��ة حياتها‬ ‫ال العملية والإجتماعية والتنموية داخل بلدانها الإ�سالمية‪،‬‬ ‫املت�أخرة هبط امل�ستوى الإن�ساين للمر�أة هبوطاً خمج ً‬ ‫والإ��ش�ك��ال ال��ذي ي��واج��ه امل ��ر�أة امل�سلمة ال�ي��وم م��ن ناحية‬


‫وقوف لبا�سها حاجزاً �أمام متكينها من التنمية هو �إ�شكال‬ ‫احل�ضور الن�سائي يف الغرب وخارج الدائرة الإ�سالمية‪� ،‬إذ‬ ‫حتتكم هذه الدول لقوانينها التي تراها منا�سبة لها وفق‬ ‫منظومتها الدينية والفل�سفية والإجتماعية ي�صعب على‬ ‫الأقلية امل�سلمة مواجهتها‪� ،‬إال مبا كان �شجباً �أو تنديداً‬ ‫مبظاهرات �أو خ��رج��ات �إع�لام�ي��ة‪ ،‬لكن يف النهاية يبقى‬ ‫الأمر حمتكماً لقانون كل دولة على حدى‪ ،‬فبينما رف�ضت‬ ‫فرن�سا وتبعتها بلجيكا وبع�ض دول �أوروب��ا تعليم البنات‬ ‫يف املدار�س احلكومية باحلجاب مع �سداد باب العمل على‬ ‫كل حمجبة‪ ،‬بقي الأمر مفتوحاً يف بريطانيا و�أمريكا‪� ،‬إذ‬ ‫ت�شارك املر�أة امل�سلمة بحجابها ونقابها يف التعليم والتعلم‬ ‫وحت���ص�ي��ل ال��وظ��ائ��ف الإداري� � ��ة والإج �ت �م��اع �ي��ة م��ن دون‬ ‫ت�ضييق �أو �إق�صاء‪.‬‬ ‫ن�ح��ن ال �ي��وم �أم ��ام حت��د ي��واج��ه امل�لاي�ين م��ن الن�ساء‬ ‫امل���س�ل�م��ات يف �أوط��ان �ه��ن اجل ��دي ��دة‪ ،‬وي�ن�ت�ق����ص م��ن حق‬ ‫م��واط�ن�ت�ه��ن ب�ع��د م��ا �أ��ص�ب�ح��ن ب�ع��د اجل �ي��ل ث��ال��ث وراب ��ع‬ ‫مواطنات لتلك البلدان ول�سن مقيمات!‬ ‫ال�س�ؤال املطروح علينا هو حل هذا الإ�شكال‪ ،‬وامل�ساهمة‬ ‫يف تر�شيد فقه الأقليات امل�سلمة نحو ر�ؤى �إ�سرتاتيجيات‬ ‫عمل تو�ضح لهم خطط وم�ن��اه��ج الإن �خ��راط ال�صحيح‬ ‫يف جميع جم��االت احلياة‪ ،‬لن نفر�ض �شروطاً على دول‬ ‫هي �أدرى مب�صاحلها الإ�سرتاتيجية‪ ،‬ولن نقحم �أقلياتنا‬ ‫الإ� �س�لام �ي��ة يف ث�ن��اي��ة ال�ع�ن��ف يف امل��واج �ه��ة �أو اخل���ض��وع‬ ‫بالإ�ست�سالم الالممنهج واملزيد من الإنعزال داخل دائرة‬ ‫امل�ظ�ل��وم�ي��ة الإج�ت�م��اع�ي��ة دون رف��ع ال �ت �ح��دي‪ ،‬خ��ا��ص��ة يف‬ ‫جماالت الت�أثري الإجتماعي الذي من خالله ت�سن وتغري‬ ‫القوانني تلك املجتمعات تباعاً‪ ،‬ف�أين متوقع املر�أة امل�سلمة‬ ‫والأقلية امل�سلمة عموماً داخل هذه الدائرة؟‬ ‫�إن ظ��اه��رة الهجرة والعوملة ورف��ع ح��دود اجلغرافيا‬ ‫وت�ق���ص�ير امل �� �س��اف��ات وال �ت �ح �ك��م يف ال��وق��ت وغ�ي�ره��ا من‬ ‫الظواهر التي �أ�صبحت تعرفها املجتمعات الب�شرية اليوم‪،‬‬ ‫ال ي�سمح فيها الكالم عن اللبا�س‪ ،‬لبا�س امل��ر�أة امل�سلمة‬ ‫وعرقلة �سبل التمكني يف �أي �أر�ض �أو جهة‪ ،‬لأن الب�شرية‬ ‫اليوم �أ�صبحت تعي�ش حا ًال من التالقح الثقايف والتعدد‬ ‫الديني خ�صو�صاً يف ب�لاد الغرب‪ ،‬التي ت�ستقبل كل يوم‬ ‫�إن مل نقل كل �ساعة وفوداً جديدة من الوافدين اجلدد‪،‬‬ ‫لغر�ض العمل �أو من الالجئني ق�صد الإ�ستيطان‪.‬‬

‫احلوارات الإجتماعية لأجل حتديد مفهوم اخل�صو�صية‬ ‫و�إ�شكاالت الهوية وما يتعلق بها من �ألب�سة و�شعائر تعبدية‬ ‫وغريها‪ ،‬هو الذي جعل املر�أة تعاين من التهمي�ش وعدم‬ ‫القدرة على �إبداء موقفها يف تلك املحافل التي منها ت�سن‬ ‫القوانني ا�ستناداً �إلى قناعاتها الثقافية والدينية‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يزيد من حجم الت�ضييق عليها‪ ،‬فالإمتناع �إلى اجللو�س‬ ‫�إل��ى مائدة احل��وار خوفاً عليها من الإن��دم��اج وال��ذوب��ان‪،‬‬ ‫هو الذي ولد حالة النفور املزدوج من كال الطرفني مما‬ ‫�أدى �إل��ى رد فعل م�ضاد غذته و�سائل الإع�ل�ام احلاقدة‬ ‫على الإ��س�لام ليغلف ال��ر�ؤي��ة املو�ضوعية عند الفاعلني‬ ‫الإجتماعيني والرتبويني الغربيني لر�ؤية �سيا�سية تخدم‬ ‫م�صالح حزب واجتاه معني يحمل امل�سلم عموماً م�س�ؤولية‬ ‫الإرهاب‪ ،‬واملر�أة خا�صة م�ؤثرات هذه امل�س�ؤولية �إجتماعياً‬ ‫مبنعها م��ن ممار�سة حقها املواطناتي يف اختيار لبا�س‬ ‫هويتها كما هو احلال لدى الأقليات الهندية وال�سيخية‬ ‫واليهودية‪.‬‬ ‫�إن العبء على املر�أة امل�سلمة يف الغرب ثقيل‪� ،‬إن هي ظلت‬ ‫يف من�أى عن املنتديات الرتبوية والإجتماعية والعلمية‬ ‫والفكرية‪ ،‬وم�ؤ�س�سات املجتمع املدين لت�صحيح ما يجب‬ ‫ت�صحيحه وتقومي ما يجب تقوميه خ�صو�صاً حني توجه‬ ‫لها ال��دع��وات للتح�سي�س بق�ضيتها والإدالء ب�شهادتها‬ ‫والدفاع عن حق هويتها �ضمن التعددية املواطناتية تتاح‬ ‫لها فر�صة التعبري عن حقها فتقابله بالرف�ض واملقاطعة‬ ‫وعدم الإ�ستجابة‪ ،‬مما يجعل امل�س�ؤولني يفهمونه ب�شكل‬ ‫من �أ�شكال القطيعة والتع�صب وانعزال عن امل�شاركة يف‬ ‫احلياة العامة وات�خ��اذ ال�ق��رار‪ ،‬وبالتايل ت�أخذ ال�ق��رارات‬ ‫يف غ�ي��اب ت��ام ع��ن ح�ضور املرجعية الدينية الإ�سالمية‬ ‫املمثل باملر�أة �صاحبة الق�ضية وال يخرج �صوتها للعلن �إال‬ ‫باملظاهرات بعد القرار‪ ،‬ال يجوز مطلقاً �أن نحكم على �أن‬ ‫الغرب كله واحد‪ ،‬و�أن له دوماً �أعداء �ضد الإ�سالم‪ ،‬فكما‬ ‫لنا فيه �أعداء لنا فيه �أ�صدقاء يدافعون عن حقنا‪،‬هناك‬ ‫حمقى التع�صب وهناك عقالء احلكمة يحتاجون �إلى مد‬ ‫ج�سور معهم لتفعيل وتقا�سم الأفكار‪ ،‬ففيهم خمت�صني‬ ‫مو�ضوعيني ي��در��س��ون ال�ظ��اه��رة – ظ��اه��رة لبا�س امل��ر�أة‬ ‫امل�سلمة‪ -‬بطريقة مو�ضوعية‪ ،‬ويعطون من الأدلة العقلية‬ ‫والإجتماعية �ضمن حقوق املواطنة الكاملة‪ ،‬واح�ترام‬ ‫الوطن �ضمن التعددية الهوياتية ما ال يقدمه امل�سلمون‬ ‫�أنف�سهم لو �شاركوا وح�ضروا‪.‬‬ ‫�إن العمل اجلمعوي داخ��ل ال��دوائ��ر الغربية بالعطاء‬ ‫املتوا�صل يد بيد مع املر�أة الغربية‪ ،‬هو الذي ميكن للمر�أة‬ ‫امل�سلمة يف الغرب �أكرث مما ميكن لها لبا�سها‪� ،‬إذ ت�ستطيع‬ ‫من خالله �أن تربهن على قدرة التميز واحل�ضور والعطاء‬ ‫الإج�ت�م��اع��ي والإن �ت��اج الفكري والتعاي�ش م��ع املواطنني‬ ‫ب�صفتها كمواطنة ولي�ست مقيمة �أو جالية هو من يوفر‬ ‫لها التمكني دون �أن يكون لبا�سها حاجزاً ومانعاً لها من‬ ‫الإنفتاح على احل�ضارة الإن�سانية والتفاعل معها‪.‬‬

‫�إن لبا�س املر�أة امل�سلمة لي�س يف حد ذاته هو املانع من‬ ‫التمكني يف الغرب بقدر ما �أن املانع واملعرقلة لذلك هو‬ ‫تلك العقليات امل�سلمة التي ال زال��ت تخلط فهم الدين‬ ‫بالأعراف والتقاليد‪ ،‬ف�أ�ساءت �إليه �أكرث مما �أ�ساءت للمر�أة‬ ‫امل�سلمة يف حد ذاتها‪ ،‬وبالتايل فعزوف امل��ر�أة امل�سلمة عن‬ ‫اجللو�س �إل��ى ط��اول��ة احل ��وارات وال�ل�ق��اءات التي تناق�ش‬ ‫�إن غفلة امل�سلمني وعدم تر�شيد �أبناءهم وبناتهم عن‬ ‫املخططات الإجتماعية والثقافية وحتى الهوياتية داخل‬ ‫تلك البلدان‪ ،‬وفق انخراط ممنهج ي�ؤهلها من احل�ضور الإنخراط يف العمل اجلمعوي وال�سيا�سي يف الغرب كانت‬ ‫امل�ستمر م��ع قريناتها م��ن امل��واط �ن��ات ال�غ��رب�ي��ات مل��وائ��د له �آثار �سلبية على اتخاذ القرارات‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪69‬‬


‫مقاالت‬

‫مفهوم الوسطية‬ ‫في الدعوة إلى اهلل‬ ‫د‪.‬رقية بنت نصر اهلل •‬ ‫الو�سطية هي مبعنى العدل واحلق والتوازن بني طريف‬ ‫الإف��راط والتفريط هي �سمة ب��ارزة للدعوة الإ�سالمية‬ ‫اخل��امت��ة‪ ،‬وخا�صية من �أه��م خ�صائ�ص �أتباعها كما بينا‬ ‫�سبحانه وتعالى ذل��ك بقوله‪َ } :‬و َك � َذ ِل� َ�ك َج� َع� ْل� َن��ا ُك� ْم ُ�أ َّم � ًة‬ ‫َو َ�س ًطا{ (‪ )1‬ويو�ضح الإمام الطربي ذلك بقوله‪ :‬و�إمنا‬ ‫و�صفهم ب��أن��ه و��س��ط لتو�سطهم يف ال��دي��ن‪ ،‬ف�لاه��م �أه��ل‬ ‫غلو فيه‪ ،‬غلو الن�صارى الذين غلوا بالرتهيب‪ ،‬وقولهم‬ ‫يف عي�سى عليه ال�سالم ما قالوا فيه‪ ،‬والهم �أهل تق�صري‬ ‫ف �ي��ه‪ ،‬تق�صري ال �ي �ه��ود ال��ذي��ن ب��دل��وا ك �ت��اب اهلل‪ ،‬وق�ت�ل��وا‬ ‫�أنبياءهم‪ ،‬وكذبوا على ربهم ولكنهم �أهل تو�سط واعتدال‬ ‫فيه‪ ،‬فو�صفهم اهلل بذلك‪� ،‬إذا ك��ان �أح��ب الأم��ور �إل��ى اهلل‬ ‫�أو�سطها(‪)2‬‬

‫‪70‬‬

‫خا�صة �إذا علمنا �أن الو�سطية قاعدة عامة ت�سري يف جميع‬ ‫�ش�ؤون احلياة‪ ،‬يف الت�شريع الإ�سالمي �أو املفاهيم الدينية‪،‬‬ ‫يف الأعراف والعادات‪ ،‬فهي من �أ�سا�سيات احلياة‪ ،‬كما �أنها‬ ‫من ثوابت الدين‪.‬‬

‫�إن ما يعانية دعاة اليوم من جمانبة العدل والتوازن‬ ‫يف كثري م��ن �أم��ور ال��دع��وة ه��و ب�سبب ال�ت�ه��اون يف جانب‬ ‫الو�سطية‪ ،‬ف�صارت ال��دع��وة عر�ضة للتحريف واالب�ت��داع‬ ‫فانحرفت عن املنهج الذي ارت�ضاه اهلل لنبيه ‪� -‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ‪ -‬يف قوله‪ُ } :‬ق� ْ�ل َه ِـذ ِه َ�سبِي ِلي َ�أ ْد ُع��و �إِ َل��ى اللهِّ‬ ‫ري ٍة �أَ َن � ْا َو َم��نِ ا َّت َب َع ِني َو ُ�س ْب َحا َن اللهِّ َو َم��ا َ�أ َن � ْا ِمنَ‬ ‫َعلَى َب�صِ َ‬ ‫المْ ُ�شْ ِر ِكنيَ{(‪.)5‬‬ ‫ولقد جاء هذا املقال موجهاً للداعية ترغيباً له للعمل‬ ‫وال��واج��ب على �أتباع الدعوة الإ�سالمية العمل بهذه‬ ‫الو�سطية التي ن��ال��وا بها ج��دارت�ه��م وا�ستحقوا رفعتهم بو�سطية الإ�سالم التي فيها اخلري كله‪ ،‬وهذا لن يت�أتى �إال‬ ‫ومنها انبثقت عامليتهم وم�س�ؤوليتهم ل��ري��ادة الب�شرية من خالل �أمرين ‪:‬‬ ‫ت�شريفاً وتكليفاً }‪ِّ ....‬ل َتكُونُواْ �شُ َه َداء َعلَى النَّا�سِ {‪)3( .‬‬ ‫الأم ��ر الأول‪ :‬ق�ن��اع��ة ال��داع �ي��ة ال�شخ�صية ب�أهمية‬ ‫ولقد عنيت الدعوة الإ�سالمية عناية خا�صة مبنهج الو�سطية‪ ،‬فالداعية ال ميكن �أن يعمل بها �إال �إذا تولدت‬ ‫الو�سط وحثت على الق�صد واالعتدال وحذرت من ي�ضاده عنده قناعة �شخ�صية ب�أهمية الو�سطية‪ ،‬و�أن العمل بهذه‬ ‫غلواً وجفاء‪� ،‬إفراطاً وتفريطاً‪ ،‬فهما بابان لو لوج ال�شيطان الو�سطية تعد م��ن �صميم عمله لأن�ه��ا ترتبط ارتباطاً‬ ‫ونزغاته كما بني ذلك العالمة ابن القيم حني قال‪ “ :‬ما وثيقاً بالدعوة �إلى اهلل‪.‬‬ ‫�أمر اهلل ب�أمر �إال ولل�شيطان فيه نزغتان‪� ،‬إما �إلى تفريط‬ ‫الأمر الثاين‪� :‬إن الداعية ال ميكن �أن يرغب املدعوين‬ ‫و�إما �إلى جماوزة‪ ،‬وهي الإفراط‪ ،‬وال يبايل ب�أيهما ظفر‪،‬‬ ‫للعمل بو�سطية الإ�سالم �إلى �إذا �أظهر ت�أثريها املفيد على‬ ‫زيادة �أو نق�صان”‪)4( .‬‬ ‫املجتمع وفيه‪.‬‬ ‫�إن مو�ضوع الو�سطية من املو�ضوعات التي �سبق و�أن‬ ‫ومما يجب �أن يعلم علم اليقني �أن ت�أكيد م�صطلحات‬ ‫و�ضعت لبناته مبا كتبه علما�ؤنا الأقدمون واملعا�صرون‪،‬‬ ‫وال�شيء اجلديد يف ه��ذا املقال هو ربطه ب�صفة مبا�شرة الدعوة الإ�سالمية بال�سند ال�شرعي يعطي لها ميزة وقوة‬ ‫بالدعوة �إل��ى اهلل‪ ،‬وعر�ضه ب�صورة جت��ذب الداعية �إليه عند الدعاة‪ ،‬وهذه حقيقة ثابتة يف كل �أمورنا كم�سلمني‪.‬‬ ‫• �أ��س�ت��اذة ال��دع��وة واالح�ت���س��اب بجامعة الأم�ي�ر ن��ورة بنت عبد‬ ‫الرحمن‪ ،‬وكاتبة يف نافذة دعوة يف �شبكة ر�سالة الإ�سالم‪.‬‬


‫فالقر�آن الكرمي وال�سنة املطهرة م�صدران �أ�سا�سيان‬ ‫ومن حالل الرجوع �إلى كالم املف�سرين حول معاين‬ ‫ل�ل��دع��وة الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬و��س�لام��ة منهج ال��داع��ي يف دعوته هذه الكلمات وا�ستعماالتها (‪ )12‬وجدنا �أنها ال تخزج يف‬ ‫تعتمد عليهما‪.‬‬ ‫بيانها عما �سبق و�أن قررناه يف املعنى اللغوي اال�صطالحي‬ ‫لكلمة الو�سطية‪.‬‬ ‫وقيام الداعية ب�إخ�ضاع م�صطلحات الدعوة لن�صو�ص‬ ‫الكتاب وال�سنة يعطي لتلك امل�صطلحات �صيغة القوة‬ ‫وك��ذل��ك وردت بع�ض الأح��ادي��ث ال�ت��ي فيها ال��دالل��ة‬ ‫وبالتايل تبا�شر قلبه فال ت�ؤثر فيه ال�شبهات والأباطيل على معاين الو�سطية (‪ )13‬ومن ذلك حديث �أبي �سعيد‬ ‫التي حتيط بالدعوة الإ�سالمية‪ ،‬لو وردت عليه ال�شبه اخل��دري ر�ضي اهلل عنه ق��ال‪ :‬ق��ال ر��س��ول اهلل �صلى اهلل‬ ‫بعدد �أم��واج البحر ما �أزال��ت يقينه‪ ،‬وال قدحت فيه �شكاً‪ ،‬عليه و��س�ل��م‪“ :‬يدعى ن��وح ي��وم ال�ق�ي��ام��ة‪ ،‬ف�ي�ق��ول لبيك‬ ‫يارب‪ ،‬فيقول‪ :‬هل بلغت ؟ فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬ف ُيقال‬ ‫لأن ��ه ق��د ر��س��خ يف ال�ع�ل��م وال�ي�ق�ين وال�ث�ق��ة‪ ،‬ف�لا ت�ستفزه و�سعديك ّ‬ ‫ال�شبهات بل �إذا وردت عليه رده��ا حر�س الكتاب وال�سنة لأمته‪ :‬هل ب َّلغكم؟ فيقولون‪ :‬ما �أتانا من نذير! فيقول‪:‬‬ ‫مغلولة مغلوبة(‪ )6‬وه��ذا ينطبق متاما ً على الو�سطية‪ ،‬من ي�شهد لك؟ فيقول‪ :‬حممد و�أمته‪ ،‬في�شهدون �أنَّه قد‬ ‫فكونها تنتمي �إل��ى الإ��س�لام ب�سند �شرعي م��ن ن�صو�ص ب َّلغ‪ ،‬ويكون الر�سول عليكم �شهيداً‪ ،‬فذلك قوله – جل‬ ‫الكتاب وال�سنة و�سرية ال�سلف ال�صالح يعطي للداعية ذك��ره‪َ } :-‬و َك� َذ ِل� َ�ك َج َع ْلنَا ُك ْم �أُ َّم � ًة َو َ�س ًطا ِّل َتكُونُواْ �شُ َه َداء‬ ‫وثيقة �شرعية للعمل بقوة وثقة‪ ،‬ويزيد من تزكية ذلك َعلَى النَّا�سِ َو َيكُو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم �شَ هِي ًدا {‪ .‬والو�سط‪:‬‬ ‫الأمر‪.‬‬ ‫العدل”‪ .‬رواه البخاري (‪)14‬‬ ‫وم��ن ه��ذا ال�ب��اب ق��ول الإم ��ام ال�ق�ي��م‪ “ :‬وك��ل علم ال‬ ‫وكذلك يف قوله ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪� “ :-‬إن يف‬ ‫ي�ستند �إلى دليل فدعوى ال دليل‬ ‫عليها‪ ،‬وحكم ال برهان اجلنة مائة درجة �أع َّدها اهلل للمجاهدين يف �سبيل اهلل‪ ،‬ما‬ ‫ً‬ ‫(‪)7‬‬ ‫“‪.‬‬ ‫ا‬ ‫علم‬ ‫يكن‬ ‫عند قائله‪ ،‬وما كان كذلك مل‬ ‫ال�سماء والأر�ض‪ ،‬ف�إذا �س�ألتم اهلل‬ ‫بني ال َّدرجتني كما بني ّ‬ ‫وقد وردت كلمة و�سط يف القر�آن يف عدة موا�ضع وذلك فا�س�ألوه الفردو�س‪ ،‬ف�إنه �أو�سط اجلنّة‪� ،‬أو �أعلى اجلنة”‬ ‫بت�صاريفها امل�ت�ع��ددة حيث وردت بلفظ و�سطاً يف قوله (‪)15‬‬ ‫تعالى‪َ َ }:‬ك َذ ِل َك َج َع ْلنَا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِّل َتكُونُواْ �شُ َه َداء َعلَى‬ ‫وكذلك حديث عبد اهلل بن م�سعود ر�ضي اهلل عنه �أن‬ ‫ال� َّن��ا��سِ { (‪ )8‬ووردت بلفظ الو�سطى يف قوله تعالى‪:‬‬ ‫ال ِة ا ْل ُو�س َطى{ (‪ )9‬وردت ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬خط خطاً مربعاً‪،‬‬ ‫ال�صلَو ِات وال�ص َ‬ ‫}حا ِف ُظواْ َعلَى َّ‬ ‫َ‬ ‫قوله َتعالى‪َ َّ }:‬قا َل �أَ ْو َ�س ْ ُط ُه ْم �أَلمَ ْ َ �أ ُقل َّل ُك ْم وخ� ّ�ط و�سط اخل� ّ�ط امل��ر ّب��ع‪ ،‬وخطوطاً �إل��ى جانب اخل� ّ�ط‬ ‫يف‬ ‫أو�سط‬ ‫�‬ ‫بلفظ‬ ‫ال ��ذي و� �س��ط اخل � ّ�ط امل ��ر ّب ��ع‪ ،‬وخ� َّ�ط��ا خ��ارج �اً م��ن اخل� ّ�ط‬ ‫َل ْو اَل ت َُ�س ِّب ُحونَ{‪)10( .‬‬ ‫املربع‪ ،‬فقال‪�“ :‬أتدرون ما ه��ذا؟ قالوا‪ :‬اهلل �أعلم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وحيث وردت بلفظ َف َو َ�س ْطنَ يف قوله تعالى‪َ } :‬ف َو َ�س ْطنَ هذا الإن�سان ّ‬ ‫اخلط الأو�سط‪ ،‬وهذه اخلطوط �إلى جانبه‬ ‫ِب ِه َج ْم ًعا {(‪)11‬‬ ‫الأعرا�ض تنه�شه” (‪.)16‬‬ ‫املراجع‬

‫(‪�)10‬سورة القلم‪ :‬الآية‪.28 /‬‬

‫(‪� )1‬سورة البقرة‪ :‬الآية‪143 /‬‬

‫(‪� )11‬سورة العاديات‪ :‬الآية‪.5 /‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تف�سري الطربي (‪)6/2‬‬

‫(‪ )12‬انظر‪ :‬الو�سطية يف �ضوء القر�آن الكرمي‪ ،‬د‪ .‬نا�صر العمر(�ص ‪)32-19‬‬ ‫دار الوطن‪ -‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ .‬الأولى ‪1413‬هـ‪.‬‬

‫(‪� )3‬سورة البقرة‪ :‬الآية‪143 /‬‬ ‫(‪ )4‬مدارج ال�سالكني بني منازل �إياك نعبد و�إياك ن�ستعني (‪ )342/2‬ط‪.‬‬ ‫دار طيبة‪ .‬وانظر‪ :‬الروح‪ ،‬البن القيم ( �ص ‪ )545‬دار �إحياء العلوم‪.‬‬ ‫(‪� )5‬سورة يو�سف‪ :‬الآية‪108 /‬‬

‫(‪ )13‬انظر‪ :‬املرجع ال�سابق ( �ص ‪.) 38-33‬‬ ‫(‪ )14‬انظر‪� :‬صحيح البخاري (‪� .)151/5‬سنن ال�ترم��ذي (‪ )190/5‬رقم‬ ‫(‪� .)2961‬سنن اب��ن م��اج��ه (‪ )1432/2‬رق��م (‪ ،)4284‬ومل �أج ��ده يف‬ ‫ال�صغرى من �سنن الن�سائي‪ ،‬فلعله يف الكربى منه‪.‬‬

‫ انظر‪ :‬مفتاح دار ال�سعادة (‪ )140/1‬للإمام ابن قيم اجلوزية‪� )15( ،‬أخرجه البخاري (‪ )202/3‬والرتمذي (‪ )582/4‬رقم (‪.)2530‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫�إدارات البحث العلمية والإفتاء والدعوة والإر�شاد‪ -‬الريا�ض‪.‬‬ ‫(‪� )16‬أخ��رج��ه ال�ب�خ��اري (‪ .)171/7‬واب��ن ماجه (‪ )1414/2‬رق��م ‪.)4231‬‬ ‫و�أحمد (‪.)385/1‬‬ ‫(‪ )7‬مدارج ال�سالكني بني منازل �إياك نعبد و�إياك ن�ستعني (‪.)432/3‬‬ ‫(‪� )8‬سورة البقرة‪ :‬الآية‪.143 /‬‬ ‫(‪� )9‬سورة البقرة‪ :‬الآية‪.238 /‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪71‬‬


‫مقاالت‬

‫(وقفوهم إنهم مسئولون)!!!‬ ‫األمن واالستقرار في عالمنا العربي‬ ‫واالسالمي مسؤولية من ؟؟؟‬

‫‪72‬‬

‫الداعية الشيخ‬ ‫عبد المجيد ابو سل‬

‫ان ال�ت���ص��ور اال� �س�لام��ي ل �ل��وج��ود االن �� �س��اين ي�خ�ت�ل��ف ع��ن جميع‬ ‫الت�صورات القدمية واحلديثة وذل��ك ل�شموليته ونظرته لعنا�صر‬ ‫الوجود‪ ،‬وهذا امر �ضروري كي يتعرف امل�سلم على طبيعة هذا الوجود‬ ‫وحقائقه الكربى‪ ،‬ويت�أقلم فيه من خ�لال معرفة االن�سان بخالقه‬ ‫�سبحانه وت�ع��ال��ى وع�لاق��ة االن���س��ان باخيه االن �� �س��ان‪ ،‬لتكون عالقة‬ ‫مبنية على ال�صدق والعدل والرتاحم‪ ،‬ولي�ست عالقة ارهاب وتقاطع‪،‬‬ ‫وك��ذل��ك لتكون ع�لاق��ة االن���س��ان ب��ال�ك��ون ال��ذي يعي�ش فيه م��ن اجل‬ ‫الهدف والغاية من وج��وده‪ ،‬وه��ذا ال يتحقق اال بعن�صرين العن�صر‬ ‫االول ‪:‬اال�ستخالف على وج��ه ه��ذه االر� ��ض‪ ،‬ومعلوم ان اهلل تعالى‬ ‫خلق االن�سان وا�ستخلفه يف االر���ض‪ ،‬وبني الغاية من خلقه قال اهلل‬ ‫تعالى } َو�إِ ْذ َقا َل َر ُّب َك ِل ْل َملاَ ِئ َك ِة �إِنيِّ َج ِاع ٌل فيِ ْالأَ ْر ِ�ض خَ ِلي َف ًة { ومن‬ ‫اج��ل ه��ذه املهمة �سخر اهلل لبني ادم ما يف ال�سموات واالر���ض قائال‬ ‫الَ ْر�� ِ�ض َو َ�أ ْ�س َب َغ‬ ‫ال�س َما َو ِات َو َم��ا فيِ ْ أ‬ ‫}�أَلمَ ْ َت� َر ْوا �أَ َّن اللهَّ َ َ�سخَّ َر َلكُم َّما فيِ َّ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم ِن َع َم ُه َظ ِاه َر ًة َو َب ِ‬ ‫اط َن ًة{ وقد امد اهلل هذا الكائن (االن�سان )‬ ‫من الطاقات الكامنة واملهارات واملعرفة ما يحقق م�شيئته الإلهيه واذا‬ ‫ما اح�سن ابن ادم العمل وامتثل المر خالقه �سبحانه وتعالى ب�صدق‬ ‫و�أمانة واخال�ص وعده قائال‪:‬‬ ‫ال�صالحِ َ ِات َل َي ْ�ستَخْ ِل َف َّن ُه ْم‬ ‫} َو َع � َد اللهَّ ُ ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا ِمن ُك ْم َو َع ِم ُلوا َّ‬ ‫فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َك َما ْا�ستَخْ لَفَ ا َّل ِذينَ ِمن َق ْب ِل ِه ْم َو َل ُي َمكِّننَ َّ َل ُه ْم ِدي َن ُه ُم ا َّل ِذي‬ ‫ا ْرت َ​َ�ضىٰ َل ُه ْم َو َل ُي َب ِّد َل َّن ُهم ِّمن َب ْع ِد خَ ْو ِف ِه ْم �أَ ْمنًا َي ْع ُب ُدو َن ِني اَل ُي�شْ ِر ُكو َن‬ ‫بِي �شَ ْيئًا َو َم��ن َك َف َر َب ْع َد َذ ِل� َ�ك َف�أُو َل ِئ َك ُه� ُم ا ْلفَا�سِ قُو َن { (النور‪)55:‬‬ ‫العن�صر الثاين‪ :‬العبادة وهو مكمل للعن�صر االول اال�ستخالف ثم‬ ‫العبودية وهذه الغاية ارادها اهلل لالن�س واجلن معا قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫ِن�س �إ اَِّل ِل َي ْع ُب ُد ِ‬ ‫ون{ (الذاريات ‪ )56‬ويتمثل ذلك‬ ‫} َو َما خَ لَقْتُ الجِْ نَّ َو ْ إ‬ ‫ال َ‬ ‫يف ام��ري��ن‪ )1( :‬اال�ستقرار ملعنى العبودية هلل يف النف�س االن�سانية‬ ‫(‪ )2‬التوجه لكل حركة يف القلب واجل��وارح بل فاحلياة كلها لتحقق‬


‫الوظيفة التي خلق اهلل من اجلها اخللق‪ ،‬وبذلك تتحقق‬ ‫العبودية ويقام �شرع اهلل فيهم‪.‬‬ ‫الغاية من ر�سالة اال�سالم‬ ‫ومن هنا كانت الغاية من ر�سالة اال�سالم تزكية النف�س‬ ‫وتطهريها من كل ما علق بها من مفا�سد وتدعيم الروابط‬ ‫االن�سانية باحلفاظ على ال�سلم والأمن العاملي وحل جميع‬ ‫امل�شكالت اينما وجدت وتبليغ ر�سالة اال�سالم بانها ر�سالة‬ ‫رحمة وخري لالن�سانية قال اهلل تعالى‪َ } :‬و َما �أَ ْر َ�س ْلن َ‬ ‫َاك �إ اَِّل‬ ‫ني { وبيان ان ال بد من اال�صالح وهذا يحتاج‬ ‫َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَِ َ‬ ‫الى رج��ال اوفياء ا�صحاب همم عالية ا�ستعذبوا �صعابها‬ ‫بالكد والعمل واالجتهاد وال�صرب علما بان ظروف الزمان‬ ‫الَ َّيا ُم ُن َدا ِو ُل َها َبينْ َ النَّا�سِ {‬ ‫متقلبة قال اهلل تعالى } َو ِت ْل َك ْ أ‬ ‫ولر�سالة اال�سالم �أه��داف�اً �سامية ي�سعى لتحيقيقها من‬ ‫اجل ا�صالح الب�شرية وبناء جمتمع �صالح يحقق العبودية‬ ‫هلل وحده من خالل حتقيق حياة طيبة يعي�ش يف رحابها‬ ‫االن�سان باالمن واال�ستقرار والتكافل ون�شر ميزان العدل‬ ‫واحلق بني الب�شر وتطهري املجتمع من مظاهر االنحراف‬ ‫والف�ساد ق��ال اهلل تعالى‪َ }:‬منْ َع ِم َل َ�صالحِ ً ا ِّم��ن َذ َك � ٍر �أَ ْو‬ ‫�أُن َثى َو ُه َو ُم�ؤ ِْمنٌ َفلَن ُْح ِي َي َّن ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة َو َلن َْج ِز َي َّن ُه ْم �أَ ْج َر ُهم‬ ‫بِ�أَ ْح َ�سنِ َما َكانُوا َي ْع َم ُلونَ{ (النحل ‪ )97‬ومن اجل تو�ضيح‬ ‫ذلك وبيان امل�س�ؤولية احلقيقية الهميتها وتاثريها على‬ ‫االفراد واجلماعات ب�أ�سرها الن ال�شخ�ص هو امل�س�ؤول عن‬ ‫كل خطوة او حركة او عمل ام��ام خالقه �سبحانه وتعالى‬ ‫وحديث النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بني ذلك حيث جعل‬ ‫ه��ذه امل���س��ؤول�ي��ة م���س��ؤول�ي��ة ك��ل ف��رد يف االم ��ة ب��داي��ة من‬ ‫احل��اك��م وقطبي اال��س��رة ال��رج��ل وامل��راة واخل��ادم ع��ن ابن‬ ‫عمر ر�ضي اهلل عنهما قال‪� ( :‬سمعت ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم يقول‪ :‬كلكم راع وم�س�ؤول عن رعيته واالمام‬ ‫راع وم�س�ؤول عن رعيته والرجل راع يف اهله وم�س�ؤول عن‬ ‫رعيته وامل��ر�أة راعية يف بيت زوجها وم�س�ؤولة عن رعيتها‬ ‫واخلادم راع يف مال �سيدة وم�س�ؤول عن رعيته فكلكم راع‬ ‫وم�س�ؤل عن رعيته ) متفق عليه‪ .‬واملراد بهذه امل�س�ؤولية‬ ‫مدى االلتزام باملثل العليا والقيم االخالقية الفا�ضلة من‬ ‫اجل �صناعة جيل م�ؤمن بربه خمل�ص �صادق يف عمله علما‬ ‫بان عاملنا العربي واال�سالمي يعي�ش حمناً تع�صف بقيمه‬ ‫واخالقه ومقدراته وامنه وا�ستقراره الجل ذلك �سنبني‬ ‫باحلقائق الدامغة امل�س�ؤول عن هذا كله ومن �ضيع االمانة‬ ‫وخ��ذل االم��ة ق��ال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ( :‬ما من‬ ‫عبد ي�سرتعيه اهلل رعية يوم ميوت وهو غا�ش لرعيته اال‬ ‫ح ّرم اهلل عليه اجلنة ) متفق عليه‪ .‬و�ستحدث بداية عن‪:‬‬ ‫م�س�ؤولية ال�سلطان �صاحب الوالية العظمى‬

‫االمينة ثم االم��ن الداخلي واخلارجي واالم��ن الغذائي‬ ‫واالقت�صادي ومقابل ذل��ك ( ال�سمع والطاعة ) يف غري‬ ‫مع�صية اخلالق �سبحانه وتعالى وقدوتنا يف ذلك الر�سول‬ ‫االعظم �صلى اهلل عليه و�سلم حني بايع االن�صار قال له‬ ‫(عبد اهلل بن رواحة‪ :‬ا�شرتط لربك ولنف�سك ما �شئت قال‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ا�شرتط لربي ان تعبدوه وال‬ ‫ت�شركوا به �شيئا وا�شرتط لنف�سي ان متنعوين مما متنعوا‬ ‫به انف�سكم) ق��ال��وا‪ :‬فعلنا ذل��ك ما لنا ؟ ق��ال لكم اجلنة‬ ‫قالت االن�صار ربح البيع ال نقيل وال ن�ستقيل فجعله اهلل‬ ‫عهدا للم�سلمني قال اهلل تعالى‪}:‬ان الذي يبايعونك امنا‬ ‫يبايعون اهلل يد اهلل فوق ايديهم { (الفتح ‪)10‬‬ ‫ابو بكر ال�صديق ر�ضي اهلل عنه عندما تويل اخلالفة‬ ‫ب �ع��د ر� �س ��ول اهلل ��ص�ل��ى اهلل ع �ل��ه و� �س �ل��م خ �ط��ب ال�ن��ا���س‬ ‫ق��ائ�لا‪(:‬اين ول�ي��ت عليكم ول�ست بخريكم ف��ان اح�سنت‬ ‫ف��اع�ي�ن��وين وان ا� �س ��أت ف�ق��وم��وين ) ق��ال رج��ل لعمر بن‬ ‫اخلطاب (اتقِ اهلل يا امري امل�ؤمنني فاعرت�ض عليه رجل‬ ‫من امل�سلمني فقال عمر‪ :‬دعه فليقلها فانه ال خري فيكم‬ ‫اذا مل تقولوها وال خ�ير فينا اذا مل ن�سمعها) وال��دي��ن‬ ‫الن�صيحة قال ملن يا ر�سول اهلل ؟ قال‪ :‬هلل ولر�سوله و�أئمة‬ ‫امل�سلمني وعامتهم وقال عليه ال�صالة وال�سالم ‪ (:‬ما من‬ ‫وا ٍل يلي رعيته امل�سلمني فيمت وهو غا�ش لرعيته اال حرم‬ ‫اهلل عليه اجلنة )‬ ‫قال امري امل�ؤمنني عمر ابن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه‬ ‫لعمرو اب��ن العا�ص عندما واله على م�صر ق��ال ل��ه‪ :‬اذا‬ ‫جائك �سارق ماذا تفعل به ؟ قال عمرو‪ :‬اقطع يده يا امري‬ ‫امل�ؤمنني‪ .‬ق��ال له ام�ير امل�ؤمنني ‪:‬وان��ا اذا ج��اءين جائع‬ ‫ب�سببك اقطع را�سك!‬ ‫دخل عائذ بن عمرو على عبيد بن عبد اهلل بن زياد‬ ‫فقال ل��ه‪ :‬اي بني اين �سمعت ر��س��ول اهلل ي�ق��ول‪ :‬ان �شر‬ ‫الرعاة احلطمة فاياك ان تكون منهم ) ومن اهم �صفات‬ ‫احلاكم العدل والعدل ا�سا�س امللك امر اهلل به امل�ؤمنني‬ ‫كما امر به املر�سلني قال اهلل تعالى } َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا‬ ‫ني للِهَِّ �شُ َه َدا َء بِا ْل ِق ْ�س ِط َو اَل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم �شَ َن�آنُ‬ ‫ُكونُوا َق َّو ِام َ‬ ‫َق ْو ٍم َعلَى �أَ اَّل َت ْع ِد ُلوا ْاع ِد ُلوا ُه َو �أَ ْق َر ُب ِلل َّت ْق َوى َوا َّتقُوا اللهَّ َ‬ ‫با َت ْع َم ُلونَ{ وقال كذلك } َو�إِ َذا َح َك ْمتُم َبينْ َ‬ ‫ري مِ َ‬ ‫�إِ َّن اللهَّ َ خَ ِب ٌ‬ ‫النَّا�سِ �أَن تحَ ْ ُك ُموا بِا ْل َع ْد ِل{( الن�ساء ‪)58‬‬

‫ان العدل جلوهر �شريعة اال�سالم وقوام احلياة ومن‬ ‫ا�سباب ا�ستجاب الدعوة قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫( ث�لاث��ة ال ت��رد دع��وت�ه��م ال���ص��ائ��م ح�ت��ى يفطر واالم ��ام‬ ‫العادل ودعوة املظلوم ) واالمام العادل يظله اهلل عزوجل‬ ‫يف ظله يوم القيامة وهذا منوذج فريد من نوعه يف احلاكم‬ ‫العادل الورع العابد عمر بن عبد العزيز الذي زهد الدنيا‬ ‫وبعد ذلك م�س�ؤولية العلماء‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫ْ‬ ‫واقبل على االخرة وامتثل لقول اهلل تعالى} �إِ َّن ا َي�أ ُم ُر‬ ‫ال ِْح��� َ�س� ِ‬ ‫�ان { فمنذ ا�ستالمه احلكم طهر جهاز‬ ‫ان م�س�ؤولية ال�سلطان ويل االمر ال تتحقق اال مبا يلي ‪ :‬بِا ْل َع ْد ِل َو ْ إ‬ ‫العدل وال�شورى وامل�ساواة والطاعة الواعية واملراقبة احلكومة من الفا�سدين والظلمة واملنافقني واملرت�شني‬‫واملت�سلقني وقرب اليه العلماء ال�صادقني الذين يخافون‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪73‬‬


‫‪74‬‬

‫اهلل تعالى‪ ،‬عندما ا�ستلم احلكم قال لزوجته فاطمة بنت‬ ‫اخلليفة واخ��ت اخلليفة‪ :‬ان ك�ن� ِ�ت ت��ري��دي��ن اهلل وال��دار‬ ‫االخ��رة ارجعي حليك الى بيت مال امل�سلمني واال تعايل‬ ‫امتعك متاعا ح�سنا وت��ذه�ب��ي ال��ى بيت اب�ي��ك فارجعت‬ ‫حليها ال��ى بيت امل��ال و�آث��رت االخ��رة على الدنيا الزائلة‬ ‫رجع املظامل الى اهلها ويف فرتة حكمه الق�صرية ملأ‬ ‫ثم ّ‬ ‫االر�ض عدال ون�شر الرحمة فيها‪ ،‬قالت زوجته بعد وفاته‬ ‫كان ال ينام الليل وهو قائم بني يدي اهلل يبكي ويرتع�ش‬ ‫كالع�صفور ال��ذي ا�صابه امل��اء‪ ،‬فقلت له يا امري امل�ؤمنني‬ ‫ارحم نف�سم ما الذي تعمله وجتهد نف�سك قال لها‪ :‬مايل‬ ‫ولقد وليت امر االمة‪ .. .‬واهلل �سائلي عنهم يوم القيامة‬ ‫كان يتفقد رعيته ليال ليعود مري�ضهم ويتفقد احوالهم‬ ‫حتى ان بيت املال مل يت�سع لالموال التي كانت ترد اليه‬ ‫و زوج ال�شباب العزاب من امل�سلمني وغريهم قال احل�سن‬ ‫الب�صري لعمر بن عبد العزيز عندما تولى اخلالفة‪ :‬يا‬ ‫امري امل�ؤمنني ان اهلل جعل االمام العادل قوام كل مائل ‪,‬‬ ‫و�صالح كل فا�سد‪ ,‬وقوة لكل �ضعيف ‪ ,‬ومن�صف للمظلوم‪.‬‬ ‫‪ ..‬االمام العادل يا امري امل�ؤمنني كالراعي ال�شفيق البله‬ ‫يرتاد لها اطيب املراعي وكاالب احلفي على ولده يك�سب‬ ‫لهم يف حياته ويدخر لهم بعد مماته ‪ ,‬بل كاالم ال�شفيقة‬ ‫الربة الرقيقة حملته كرها وو�ضعته كرها وربته ت�سهر‬ ‫ب�سهره وت�سكن ب�سكونه تر�ضعة ت��ارة وتفطمة ت��ارة‪.. .‬‬ ‫االم ��ام ال �ع��ادل ك��ال�ق�ل��ب ب�ين اجل��وان��ح ت�صلح ب�صالحه‬ ‫وتف�سد بف�ساده وهو القائم بني اهلل وعباده ي�سمع كالمه‬ ‫اهلل وي�سمعهم وينقاد ال��ى اهلل وي�ق��وده��م وان اهلل جعل‬ ‫الق�صا�ص حياة لعباده فكيف اذا قتلهم من يقت�ص لهم؟‬ ‫اعلم يا امري امل�ؤمنني ان ٌ‬ ‫لكل منزال غري ال��ذي انت‬ ‫ف�ي��ه ي�ط��ول رق ��ادك وي�ف��ارق��ك اح�ب��ائ��ك‪ . .‬ال تنظر ال��ى‬ ‫ق��درت��ك ال�ي��وم وان�ظ��ر ال��ى ق��درت��ك غ��دا وان��ت واق��ف بني‬ ‫يدي اهلل وال�سالم عليك يا امري امل�ؤمنني ) ‪ .‬ان يف غياب‬ ‫االم��ن وع��دم اال�ستقرار وع��دم تطبيق القوانني بعدالة‬ ‫تنت�شر الر�شوة واملح�سوبية والوا�سطة وا�ستغالل املن�صب‬ ‫وبالتايل اهمال املواطن وكرثة اجلرائم وانتهاك حقوق‬ ‫االن�سان وال ي�أمن املواطن على نف�سه وال اهله وال ماله‬ ‫ويكون ذلك م�سماراً يف نع�ش الدولة وتدمريها وت�صبح‬ ‫نهباً لغريها‪ ،‬متى ي�ستقيم الظل والعود اعوج ؟؟؟‬ ‫كان ايا�س بن معاوية قا�ضياً يف عهد الوليد بن عبد‬ ‫امل�ل��ك ع�ن��دم��ا ا�شتكى ال�ن��ا���س للوليد ع�ل��ى ال ��وايل الح��د‬ ‫االم���ص��ار وك ��ان ق��ري�ب��ا للوليد وت�ك�ل��م ال�ن��ا���س ب�شكواهم‬ ‫وتكلم الوايل وايا�س �ساكت ال يتكلم فقال له الوليد‪ :‬ملا‬ ‫انت �ساكت ؟ فقال له‪ :‬اقول وانا امن ؟ فقال له‪ :‬قل انك‬ ‫امن فقال ايا�س‪:‬‬ ‫اق�ي��م ال� �ص�لاح ال ��ورى وه��و فا�سد‬ ‫متى ي�ستقيم الظل وال�ع��ود اع��وج‬ ‫فارجع حقوق النا�س وعزل الوايل وعزل ايا�س‪.‬‬

‫م�س�ؤولية العلماء‬ ‫قال علي ر�ضي اهلل عنه‪ ( :‬امللوك حكام على النا�س‬ ‫والعلماء حكام على احلكام يف كل زم��ان ومكان‪ ،‬العلماء‬ ‫هم القادة وال�سادة يردون النا�س الى اهلل �سبحانه وتعالى‬ ‫ويحذرونهم الف�سوق والعدول عن احلق وال يخ�شون يف‬ ‫اهلل لومة الئ��م‪� ،‬أن��ار اهلل قلوبهم فار�شدوا اخللق الى ما‬ ‫فيه منفعتهم ان جمال�سة العلماء حتيي القلوب وتذكي‬ ‫العقول قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ( :‬ان لقمان قال البنه‬ ‫عليك مبجال�سة العلماء وا�سمع كالم احلكماء فان اهلل‬ ‫ليحيى القلب امليت بنور احلكمة كما يحيي االر�ض امليتة‬ ‫ب��واب��ل امل�ط��ر ) ال �ط�براين ال �ك �ب�ير‪ .‬وال�ع�ل�م��اء ه��م اك�ثر‬ ‫النا�س خ�شية من اهلل تعالى} �إِنمَّ َا َيخْ َ�شى اللهَّ َ ِمنْ ِع َبا ِد ِه‬ ‫ا ْل ُعلَ َما ُء{فاطر ‪ .28‬وقال اهلل تعالى} َو َما َي ْعلَ ُم َت�أْوِيلَ ُه �إ اَِّل‬ ‫اللهَّ ُ َوال َّرا�سِ خُ و َن فيِ ا ْل ِعل ِْم َيقُو ُلو َن �آ َمنَّا ِب� ِه ُك� ٌّ�ل ِّم��نْ ِع ِ‬ ‫ند‬ ‫َر ِّبنَا{ ‪ 8‬ال عمران‪ .‬وهو املرجعية بعد ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم قال اهلل تعالى‪َ } :‬و�إِ َذا َج��ا َء ُه� ْم َ�أ ْم � ٌر ِّمنَ‬ ‫ال ْم��نِ َ�أ ِو الخْ َ � ْو ِف َ�أ َذا ُع��وا ِب ِه َو َل� ْو َر ُّدو ُه �إِ َل��ى ال َّر ُ�س ِ‬ ‫ول َو�إِ َل��ى‬ ‫ْ َأ‬ ‫َ‬ ‫ال ْم ِر ِم ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه ا َّل ِذينَ َي ْ�ستَنب ُِطو َن ُه ِم ْن ُه ْم{ الن�ساء‬ ‫�أُوليِ ْ أ‬ ‫‪ .83‬قال اهلل تعالى رافعا منزلتهم‪َ } :‬ي� ْر َف� ِع اللهَّ ُ ا َّل ِذينَ‬ ‫با َت ْع َم ُلو َن‬ ‫�آ َمنُوا ِمن ُك ْم َوا َّل ِذينَ �أُوتُوا ا ْل ِع ْل َم َد َر َج ٍات َواللهَّ ُ مِ َ‬ ‫ري { املجادلة ‪.11‬‬ ‫خَ ِب ٌ‬ ‫تكاملية العلماء واالمراء‪ :‬العلماء واالمراء كجناحي‬ ‫الطري ال يطري الطري اال بهما فكل واحد منهما مكمل‬ ‫لالخر‪ ،‬و�أي خلل الحدهما ال�ضر باالخر‪ .‬العلم ال�شرعي‬ ‫بحاجة الى ال�سلطان ال�شرعي‪ ،‬وكذلك ال�سلطان ال�شرعي‬ ‫بحاجة الى العلم ال�شرعي اخ��رج الديلمي عن عمر ابن‬ ‫اخلطاب قال قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬ان‬ ‫اهلل يحب االمراء اذا خالطوا العلماء وميقت العلماء اذا‬ ‫خالطوا االم��راء الن العلماء اذا خالطوا االم��راء رغبوا‬ ‫بالدنيا واالم ��راء اذا خالطوا العلماء رغبوا ب��االخ��رة)‪.‬‬ ‫واخرج احل�سن ابن �سفيان يف م�سنده واحلاكم يف تاريخه‬ ‫وغريهم عن ان�س ابن مالك ر�ضي اهلل عنه‪ ( :‬قال ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬العلماء ر�سل على عباد اهلل مامل‬ ‫يخالطوا ال�سلطان‪ ،‬ف��اذا خالطوا ال�سلطان فقد خانوا‬ ‫الر�سل ف��اح��ذروه��م )‪ .‬واخ��رج الديلمي ع��ن اب��ي االع��ور‬ ‫ال�سلمي ر�ضي اهلل عنه ق��ال‪ :‬ق��ال ر��س��ول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ :‬اياكم واب��واب ال�سلطان )‪ .‬ان االم��ة بحاجة‬ ‫ال��ى علماء منقادين حلكم اهلل تعالى ال يبيعون دينهم‬ ‫بعر�ض من الدنيا زائل قال اهلل تعالى‪} :‬يا ايها الذين‬ ‫�آم�ن��وا اطيعوا اهلل واطيعوا الر�سول واويل االم��ر منكم‬ ‫ف��ان تنازعتم يف �شي ف��ردوه ال��ى اهلل وال��ر��س��ول ان كنتم‬ ‫ت�ؤمنون باهلل واليوم الآخ��ر ذلك خري واح�سن ت�أويال{‪.‬‬ ‫ويجب على علماء االم��ة ان تكون عندهم اجل��ر�أة بن�صح‬ ‫ال�سلطان وان يكونوا له بطان ًة �صاحلة‪ .‬عن ابي �سعيد‬ ‫وابي هريرة ر�ضي اهلل عنهما ‪ (:‬ما بعث اهلل من نبي وال‬ ‫ا�ستخلف من خليفة اال كانت له بطانتان بطانة ت�أمره‬


‫باخلري وحت�ضه عليه وبطانة ت�أمره بال�شر وحت�ضه عليه ‪ -‬كما يجب على العلماء االن�خ��راط وامل�شاركة وعدم‬ ‫واملع�صوم من ع�صم اهلل ) رواه البخاري‪ .‬وعائ�شة ر�ضي‬ ‫االنطواء واالنعزال من اجل اال�سهام يف ار�ساء االمن‬ ‫اهلل عنها قالت قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ( :‬اذا‬ ‫العاملي كل يف بلده وح�سب اخت�صا�صه ليكون ذلك‬ ‫اراد اهلل باالمري خريا جعل له وزير �صدق ان ن�سي ذكره‬ ‫تعبريا �صادقا عن �سالمة عقيدة اال�سالم ال�سمحة‬ ‫وان ذكر اعانه واذا اردا به غري ذلك جعل له وزير �سوء ان‬ ‫املبنية ع�ل��ى ال �ع��دل وال��رح�م��ة وال��و��س�ط�ي��ة والب ��راز‬ ‫ن�سي مل يذكره وان ذكر مل يعنه ) رواه ابو داود على �شرط‬ ‫حقيقة اال�سالم ولتكون كلمتهمم الف�صل يف حماكاة‬ ‫�أبي م�سلم‪.‬‬ ‫احلكام بحيث ال يكون متهمني او منظرين بل يكونوا‬ ‫م�س�ؤولية العلماء ومهمتهم االن�سانية‬ ‫حمط الن�صح باحلكمة واملوعظة احل�سنة وان يكونوا‬ ‫جريئني يف اظهار احلق وازهاق الباطل �شانهم �ش�أن‬ ‫ ا��ص�لاح اال��س��رة واملجتمع بغر�س ال ��وازع الديني يف‬‫مو�سى نبي اهلل واخيه هارون عندما ار�سلهم اهلل الى‬ ‫قلوبهم وعقولهم ون�صح والة االمور للعدل وامل�ساواة‬ ‫ب�ين اف��راد االم��ة وت��وف�ير لهم ك��ل ا�سباب ال�سالمة‬ ‫فرعون الطاغية او�صاهم قائال‪}:‬اذهب انت واخوك‬ ‫واالم ��ن واالط�م�ئ�ن��ان وا��ش��اع��ة اخل�ي�ر ورف ��ع الظلم‬ ‫باياتي وال تنيا يف ذك �رِي{ ‪} 42‬ا ْذ َه� َب��ا �إِ َل��ى ِف� ْر َع� ْو َن‬ ‫عنهم وتامنيهم على انف�سهم و�أعرا�ضهم و�أموالهم‬ ‫�إِ َّن� ُه َطغَى { ‪َ } 43‬فق اَ‬ ‫ُول َل ُه َق ْو ًال َل ِّيناً َل َع ّلَ ُه َي َت َذ َّك ُر �أَ ْو‬ ‫وت�أمينهم بامل�أوى و�سبل العي�ش الكرمي من طعام‬ ‫َيخْ َ�شى{ ‪َ } 44‬ق� اَ�ال َر َّبنَا ِ�إ َّننَا نَخَ ُ‬ ‫اف �أَنْ َي ْف ُر َط َعلَ ْينَا‬ ‫و�� �ش ��راب وح��ري��ة ال� � ��ر�أي وم���ش��ارك�ت�ه��م ب��اف��راح�ه��م‬ ‫�أَ ْو �أَنْ َي ْطغَى{‪َ } 45‬قا َل اَل تَخَ ا َفا �إِ َّن ِني َم َع ُك َما �أَ ْ�س َم ُع‬ ‫واتراحهم كما كان يتعامل به ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫َو�أَ َرى{ ‪ 46‬طه‪.‬‬ ‫عليه و�سلم مع املجتمع يف زمانه‪.‬‬ ‫ ان االمة تتطلع الى حكمة العلماء من اجل التغيري‬‫واال� �ص�لاح وال�ب�ن��اء متلم�سة خطى منهج االنبياء‬ ‫الرباين العظيم النه منهجا يف غاية الدقة واالبداع‬ ‫�ساطع البيان واحلجة وال�بره��ان من اج��ل تنظيف‬ ‫االم��ة مم��ا علق بها م��ن معا�صي وب��دع وف�تن ومن‬ ‫اجل بعث جيل رباين قر�آين �صاحب همة عالية قويا‬ ‫يف عقله منريا يف فكره ال يعرف ال��ذل وال االهانة‬ ‫وان تكون عندهم ال�شجاعة بقول احلق وان يتحملوا‬ ‫م�س�ؤلياتهم ام��ام اهلل وان مل ي�ستطيعوا قول احلق‬ ‫فال ي�صفقوا للباطل ‪.‬‬ ‫ االم ��ة ب�ح��اج��ة ال��ى ع�ل�م��اء كحجر امل���س��ن ي�شحذون‬‫الهمم لتقطع ال�صعاب جمتازه العقبات كالنار التي‬ ‫تطهر املعادن من �صد�أها والذهب ليظهر بلمعانه‬ ‫وكما قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ :‬النا�س معادن‬ ‫ك �م �ع��ادن ال��ذه��ب وال �ف �� �ض��ة خ �ي��اره��م يف اجل��اه�ل�ي��ة‬ ‫خيارهم يف اال��س�لام ال يخافون يف اهلل لومة الئم‬ ‫ي�شدوا من ازر االمة لت�صبح قوة عظيمة مانعة كل‬ ‫م��ا تتعر�ض ل ��ه‪ .‬االم ��ة ب�ح��اج��ة ال��ى ع�ل�م��اء اق��وي��اء‬ ‫ا�شداء ملقاومة االع��داء واالره��اب والغلو والتطرف‬ ‫وازالة كل ما ال�صقه االعداء واتهموا به امة اال�سالم‬ ‫باالرهابية واالجرامية وهم يعلمون ان امة اال�سالم‬ ‫ام��ة العدل والرحمة‪ ،‬ام��ة اكرمها اهلل لتكون امانا‬ ‫الهل االر�ض‪ ،‬كما ان املالئكة امانا الهل ال�سماء‪.‬‬ ‫ ع�ل�م��اء االم ��ة ي�ع��رف��وا ع�ن��د ال���ش��دائ��د ون ��زول املحن‬‫والفنت والظلم والف�ساد وعندما تتعر�ض االوط��ان‬ ‫لل�ضياع وا�ستباحة بي�ضة اال�سالم‪.‬‬

‫اي�ه��ا ال�ع�ل�م��اء ت��ذك��روا م��وق��ف اب��ي ب�ك��ر ال���ص��دي��ق مع‬ ‫م��ان�ع��ي ال��زك��اة‪ .. .‬ت��ذك��روا ال �ع��امل ال�ع��اب��د امل�ج��اه��د اب��ن‬ ‫تيمية الذي مات يف ال�سجن‪ .. .‬والعامل املجاهد العز ابن‬ ‫عبد ال�سالم حم��رر العبيد‪ .. .‬ت��ذك��روا ال�ع��امل املجاهد‬ ‫اب��و احل�سن احلمال عندما دخ��ل على االم�ير احمد ابن‬ ‫طولون حاكم م�صر وقال له‪ :‬اين الرى ناراً تتاجج خلف‬ ‫ا��س��وارك وان العقالء غ�ير را��ض�ين ع��ن اع�م� ِ‬ ‫�ال يقرتفها‬ ‫ال�سفهاء ثم ال يجدون ردع��ا فغ�ضب ابن طولون وحك َم‬ ‫عليه باالعدام وكان القتل انذ�آك ان ي�ؤتى ب�أ�سد مفرت�س‬ ‫داخ��ل قف�ص ويلقى باملحكوم عليه داخ��ل القف�ص ام��ام‬ ‫جموع امل�صلني بعد �صالة اجلمعة و االمري يراقب االمر‬ ‫وه��و على كر�سيه فالقي اب��و احل�سن على اال��س��د فقعد‬ ‫اال�سد بجانبه كانه ٌ‬ ‫قط اليف ومل ي�ؤذه ابدا فامر االمري‬ ‫باخراجه و�ساله امام جموع النا�س ا�صدقني احلديث كيف‬ ‫كان �شعورك عندما القيت بداخل القف�ص قال‪ :‬مل اكن‬ ‫افكر ب�شيء قط اال هل فم اال�سد طاهر ام جن�س؟ لأنه‬ ‫�سيكون قربي‪ .‬هكذا كان علماء امل�سلمني يف �شجاعتهم يف‬ ‫ال�صراحة وق��ول احل��ق ال يخ�شون يف اهلل لومة الئ��م‪.. .‬‬ ‫على علماء امل�سلمني ا�صحاب الكلمة امل�سموعة ان ياخذوا‬ ‫دورهم يف ا�صالح االمة واخراجها من مازقها ومن هذا‬ ‫ال��واق��ع االل�ي��م ال��ذي ت�ع��اين منه ام��ة اال� �س�لام‪ .‬ق��ال اهلل‬ ‫تعالى‪} :‬هذا بيان للنا�س وهدى وموعظة للمتقني{ال‬ ‫ع�م��ران ‪.138‬وق ��ال تعالى }وال تهنوا وال حت��زن��وا وانتم‬ ‫االعلون {‪ 139‬ال عمران‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪75‬‬


‫شخصية العدد‬

‫المفكر والشاعر والفيلسوف ‪..‬‬

‫محمد إقبال ‪ ..‬ميالد أمة ‪..‬‬

‫‪76‬‬

‫الدكتور زيد أحمد المحيسن•‬

‫ •‬ ‫• ‬

‫يعد العالمة حممد �إقبال من �أهم مفكري القرن الع�شرين الذين �أثروا‬ ‫فيه – يف الأدب والفكر وال�سيا�سة على ال�سواء‪ ،‬فهو مفكر باك�ستان وحكيمها‬ ‫و�شاعرها‪.‬‬ ‫يقول �أبو احل�سن الندوي عن العالمة حممد �إقبال‪�" :‬إنه �شاعر الطموح‬ ‫واحل��ب والإميان"‪ ،‬ويقول الدكتور زك��ي علي‪� " :‬إن��ه �شاعر احلكماء وحكيم‬ ‫ال�شعراء"‪ ،‬وتقول الكاتبة خديجة جعفر‪ " :‬كان حممد �إقبال �أمة يف رجل جمع‬ ‫خمتلف الفل�سفات والعلوم‪ ،‬كتب نرثاً‪ّ ،‬‬ ‫ونظم �شعراً و�أجاد لغات �شرقية وغربية‪،‬‬ ‫حمل هم الأمة الإ�سالمية يف قلبه وكيانه‪ ،‬ا�ستقر�أ داءها وو�صف دوا َءها‪ ،‬و�سخر‬ ‫قلمه لبعث نه�ضتها"‪.‬‬ ‫ول��د ال�ع�لام��ة حممد �إق�ب��ال يف مدينة �سيالكوت‪� ،‬إح ��دى م��دن البنجاب‬ ‫الغربية التي �أ�صبحت جزءاً من باك�ستان بعد ا�ستقاللها عن الهند يف التا�سع‬ ‫من �شهر ت�شرين الثاين (نوفمرب) عام ‪1877‬م‪ ،‬وهو املولود الثاين من الذكور‪،‬‬ ‫تربى �إق�ب��ال يف بيت �صالح وزه��د وت�ق��ى‪ ،‬وك��ان وال��ده رج� ً‬ ‫لا تقياً ومت�صوفاً‪،‬‬ ‫لهذا فقد تعلق بالقر�آن الكرمي منذ ال�صغر‪ ،‬حتى ت�ش ّرب معانيه وطغى عليه‬ ‫ح�س �إن�ساين امتزجت فيه الأك��وان وال�ع��وامل والأوط ��ان‪ ،‬وذاب��ت فيه احل��دود‬ ‫واحلواجز‪ ،‬حيث ان�شد يقول عن نف�سه‪�" :‬إن ج�سمي زهرة من جنة ك�شمري‪،‬‬ ‫وقلبي من حرم احلجاز‪ ،‬و�أن�شودتي من �شرياز"‬ ‫در�س املراحل الإبتدائية والثانوية يف بلدته‪ ،‬ثم التحق بالكلية احلكومية‪،‬‬ ‫ونظراً لنبوغه املبكر‪ ،‬فقد �أُر�سل �إل��ى جامعة كامربدج يف لندن وح�صل على‬ ‫درجة مرموقة يف علم الفل�سفة والإقت�صاد‪ ،‬ثم �سافر �إلى جامعة ميونخ ب�أملانيا‪،‬‬ ‫وح�صل على دكتوراه يف الفل�سفة‪ ،‬وعاد �إلى لندن حل�ضور الإمتحان النهائي‬ ‫يف احلقوق‪ ،‬فح�صل على درجة عالية يف القانون‪ ،‬ويف لندن عمل على تدري�س‬ ‫اللغة العربية يف جامعتها وحا�ضر كثرياً عن الإ�سالم‪.‬‬ ‫ك� ّون �إقبال فل�سفة خا�صة به امتزجت مبنهله الديني ال�صويف ومعرفته‬ ‫الغربية معاً‪ ،‬تقول الكاتبة الأملانية �آن��ا م��اري �شيمل‪" :‬ف�إن �إق�ب��ال نهل من‬ ‫ثالثة مناهل‪ -‬القارة الهندية وت�أثر بها �أو ًال‪ ،‬والعامل الإ�سالمي‪ ،‬ثم احل�ضارة‬

‫رئي�س نادي خريجي اجلامعات واملعاهد الباك�ستانية‬ ‫املن�سق العام للعالقات اخلارجية والتعاون الدويل يف املنتدى العاملي للو�سطية‬


‫الغربية"‪ ،‬لهذا فقد ت�أثر بالفل�سفة الأملانية نتيجة لدرا�سته‬ ‫يف �أملانيا لفرتة من ال��زم��ن‪ ،‬وميكن تلخي�ص فل�سفة �إق�ب��ال يف‬ ‫�أن��ه ح��اول و�ضع املعرفة الدينية ب�أبعادها الدنيوية والروحية‬ ‫امل�ت�ع��ددة يف � �ص��ورة علمية ق��اب�ل��ة للتجديد وال��دي�ن��ام�ي��ة التي‬ ‫يفر�ضها عليه الواقع يف الع�صر احلا�ضر‪ ،‬ومل متنعه خلفيته‬ ‫ال��دي�ن�ي��ة وال���ص��وف�ي��ة م��ن الإ��س�ت���ش�ه��اد ب�ف�لا��س�ف��ة م�ث��ل ه�نري‬ ‫برغ�سون وغ�يره‪ ،‬وحتليل فل�سفة نت�شه �أو احلديث عن كانط‬ ‫ودي�ك��ارت باعتبار �أن �إق�ب��ال ب��الأ��ص��ل ‪ -‬فيل�سوف‪ -‬مل ي�شغله‬ ‫ال�شعر عن الفل�سفة وال الفل�سفة عن ال�شعر ومل ي�شغله ميله‬ ‫ال�صويف العايل والهائم عن الفكر وممار�سته والإنتاج الفل�سفي‬ ‫وحتى اخلو�ض يف م�شارب ال�سيا�سة وم�آربها‪.‬‬ ‫ت��رك �إق�ب��ال ث��روة �ضخمة من علمه ق ّلما تركها �أح��د مات‬ ‫يف مثل ��س� ّن��ه‪ ،‬وم��ن �آث ��اره ع���ش��رات الكتب يف جم��ال الإقت�صاد‬ ‫وال���س�ي��ا��س��ة والفل�سفة وال�ترب �ي��ة‪ ،‬وك��ذل��ك يف ال���ش�ع��ر والفكر‬ ‫وكمعلومة معرفية‪ ،‬ف�إن �إقبال ُترجمت �أ�شعاره �إلى الإ�سبانية‬ ‫وال�صينية واليابانية والإجنليزية وغريها الكثري‪ ،‬مع العلم ب�أن‬ ‫اللغة التي كتب بها �أ�شعاره كانت باللغة الأردية والفار�سية‪ ،‬لهذا‬ ‫ف�إقبال اع ُترب من بني �أعظم ال�شعراء يف الع�صر احلديث‪ ،‬حتى‬ ‫�إن البع�ض �شبهه بال�شاعر غوته يف حماوالته ال�شعرية الدائمة‬ ‫ملعرفة احل�ضارة ال�شرقية ( وهو ما فعله �إقبال مع احل�ضارة‬ ‫الغربية)‪.‬‬ ‫ومن جهة �أخ��رى مل ي�صرف الفل�سفة وال�شعر �إقبال عن‬ ‫�صوته ال��ذي ي�ن��ادي يف حم��اف��ل الأدب وجل�سات ال�شعر والتي‬ ‫ي�سمونها "حلم حم�م��د �إقبال" يف �شبه ال �ق��ارة ب��إق��ام��ة دول��ة‬ ‫للم�سلمني‪ ،‬وذل��ك ب�إنف�صال امل�سلمني عن الهندو�س وت�أ�سي�س‬ ‫دولة خا�صة بهم تكون �أر�ضها طاهرة وجميلة كخيال ال�شاعر‪،‬‬ ‫ويعي�ش فيها امل�سلم بكرامته وحريته‪ ،‬لأن امل�سلم مل ُيخلق ليكون‬ ‫تابعاً �أو �إ ّمع ًة‪ ,‬ولكنه خلق لتعمري الكون ون�شر ر�سالة التوحيد‬ ‫على وجه الب�سيطة ويعلم الب�شرية مكارم الأخ�لاق الفا�ضلة‪،‬‬ ‫وقد ترجم ذلك حبه لل �إ�سالم وللعرب ولتاريخهم املجيد ما‬ ‫حداه �إلى الإن�شاد‪:‬‬ ‫�أم� ��ة ال �� �ص �ح��راء ي ��ا ��ش�ع��ب اخل �ل ��ود ‪..‬‬ ‫م ��ن � �س��واك��م ح ��ل �أغ �ل ��ال ال� � ��ورى ‪..‬‬ ‫�أي داع ق �ب �ل �ك��م يف ذا ال � ��وج � ��ود ‪..‬‬ ‫� �ص��اح ال ك �� �س��رى ه �ن��ا �أو ق �ي �� �ص��را ‪..‬‬ ‫م ��ن � �س��واك��م يف ح��دي��ث �أو ق� ��دمي ‪..‬‬ ‫�أط� �ل ��ع ال � �ق� ��ر�آن � �ص �ب �ح �اً ل �ل��ر� �ش��اد ‪..‬‬ ‫ه��ات�ف�اً م��ع م�سمع ال �ك��ون ال�ع�ظ�ي��م ‪..‬‬ ‫ل� �ي� �� ��س غ �ي��ر اهلل رب � � � � �اً ل� �ل� �ع� �ب ��اد ‪..‬‬ ‫ويف مقام �آخر‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ال � � �� � � �ص �ي ��ن ل � � �ن � � ��ا وال � � � � � �ع� � � � � ��رب ل� �ن ��ا‬ ‫وال � � �ه � � �ن� � ��د ل � � �ن � ��ا وال � � � �ك� � � ��ل ل � � �ن � ��ا ‪..‬‬

‫�أ� � �ض � �ح � ��ى الإ� � � � �س � �ل ��ام ل � �ن� ��ا دي� � �ن � ��ا ‪..‬‬ ‫وج � �م � �ي � ��ع ال� � � �ك � � ��ون ل � �ن � ��ا وط � � �ن � ��ا ‪..‬‬ ‫ت � � ��وح � � � �ي � � ��د اهلل ل � � � �ن � � ��ا ن � � � � � � ��ور ‪..‬‬ ‫�أع � � � ��ددن � � � ��ا ال� � � � � � ��روح ل � � ��ه �� �س� �ك� �ن ��ا ‪..‬‬ ‫ال � � � �ك� � � ��ون ي� � � � � � ��زول وال من � � �ح � ��ي ‪..‬‬ ‫يف ال� ��ده� ��ر � �ص �ح ��ائ ��ف � � �س � ��ؤددن� ��ا ‪..‬‬ ‫ب� �ن� �ي ��ت يف الأر�� � � � � � ��ض م � �ع� ��اب� ��دن� ��ا ‪..‬‬ ‫وال� � � �ب� � � �ي � � ��ت الأول ك � �ع � �ب � �ت � �ن� ��ا ‪..‬‬ ‫ه� � � � ��و �أول ب � � �ي � � ��ت ن� � �ح� � �ف� � �ظ � ��ه ‪..‬‬ ‫ب� � �ح� � �ي � ��اة ال � � � � � � ��روح وي � �ح � �ف � �ظ � �ن� ��ا ‪..‬‬ ‫ويف امل��ؤمت��ر الإ��س�لام��ي العاملي ال��ذي عقد يف القد�س عام‬ ‫‪ 1931‬قال كلمته امل�شهورة‪:‬‬ ‫"�إنني �أعتقد �أن م�ستقبل الإ�سالم مرتبط مب�ستقبل العرب‬ ‫وم�ستقبل العرب متوقف على �إحتادهم فيفوز امل�سلمون �إذا احتد‬ ‫العرب ويجب علينا جميعاً �أن ن�صرف كل ما لدينا يف �إجناز هذا‬ ‫الهدف واهلل �سبحانه وتعالى‪� ،‬سوف مينحنا الفوز والنجاح‪.‬‬ ‫توفى حممد �إق�ب��ال يف ‪/21‬اب��ري��ل‪ 1938 /‬ودف��ن يف مدينة‬ ‫الهور العا�صمة الثقافية لباك�ستان‪ ،‬واتخذ �أ�صدقا�ؤه له يف فناء‬ ‫امل�سجد اجلامع "�شاهي م�سجد"‪ ،‬ثم كتبوا على �ضريحه‪� " :‬إن‬ ‫حممد نادر �شاه ملك الأفغان‪� ،‬أمر ب�صنع ذلك ال�ضريح اعرتافاً‬ ‫منه ومن الأمة الأفغانية بف�ضل ال�شاعر اخلالد‪ ،‬ويف �آخر ع�شر‬ ‫دقائق من حياته قال ملن ح�ضر وفاته‪ " :‬ليت �شعري! هل تعود‬ ‫النغمة التي �أر�سلتها يف الف�ضاء وهل تعود النغمة احلجازية‪،‬‬ ‫فليت �شعري هل حكيم يخلفني؟‪� ،‬أنا ال �أخ�شى املوت‪� ،‬أنا م�سلم‬ ‫ومن �ش�أن امل�سلم �أن ي�ستقبل املوت مبت�سماً‪ ،‬وفارقت روحه ج�سده‬ ‫الطاهر وف�ق��دت الأم��ة الإ�سالمية مفكراً وفيل�سوفاً و�شاعراً‬ ‫�أعطى من وقته وجهده ال�شيء الكثري لهذه الأمة‪.‬‬ ‫لقد توفى العالمة �إقبال تاركاً حلمه‪( ،‬يف �إقامة وطن ودولة‬ ‫للم�سلمني يف �شبه القارة) �أمانة يف عنق قائد الأمة حممد علي‬ ‫جناح والذي مل يخذله بعزمه‪ ،‬فقد ا�ستطاع ب�إ�صراره و�شجاعته‬ ‫تغيري خارطة العامل وم�صري م�سلمي �شبه القاره الهندية‪ ،‬فقد‬ ‫حقق ملحمد �إقبال حلمه بنق�شه على هذه اخلارطة العاملية ‪..‬‬ ‫دولة باك�ستان ‪� ..‬أر�ض الطهر والنقاء ‪..‬‬

‫• املراجع‪:‬‬

‫‪ .1‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫‪ .3‬‬ ‫‪ .4‬‬ ‫‪ .5‬‬

‫ويكيبيديا “املو�سوعة احلرة”‬ ‫حممد �إقبال – اجلزيرة نت‬ ‫حممد �إقبال �شاعر الإ�سالم – �أمة بو�ست‬ ‫حممد �إقبال – املعرفة‬ ‫حممد �إقبال – جتديد التفكري الديني يف الإ�سالم‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪77‬‬


‫ضريح المفكر والشاعر والفيلسوف ‪..‬محمد إقبال‬

‫‪78‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫وسطية االسالم كرامة‬ ‫الطفلة‪ :‬رغد عبد المجيد‬

‫الــــــــــــحمـــــد‬

‫هلل‬

‫عـــــــــــــــــــــــلم‬

‫القـــــر�آنــا‬

‫خلــــــــق‬

‫االنـــ�ســــان‬

‫علـــــــمه‬

‫الـــــــــــــــبيانــا‬

‫و�سالم رب��ي و�صالة على من ار�سله اهلل للنا�س اماما‬

‫وحتية م�سجاة ملنتدى الو�سطية وادارت��ه الكرامــــــا‬

‫ام��ة اال�ســـــــالم امــــة ال��ه��دى والأمـــــن وال�سالمـا‬

‫و�ســطـيـة ان��ت مـــــيزان عــدل وبيـــــــــــــــــــانـا‬

‫و�ســـطــيــــــة بيـــــن �شــرق وغـــرب باتزانـــــــا‬

‫نفت الغلو فـي االم���ور كلهـا وحـــــاربت االرهابــــا‬

‫كذلك الــب�ســـــــط املــقيـــت حــــتى ال تــــــــالما‬

‫ر�سالة رحمة وم��ي��زان ع��دل مــــبادئ اال�سالمـــــــــا‬

‫تكره الظلم وحت��ارب الفا�سدين املجرمني دوامــــــــا‬

‫و�ســـطيــــة ك�أ�ســـورة يف مع�صـــم و�ضــــــــــــاءة‬

‫مر�صعة باللآلئ من اي��ات كتاب اهلل برهـــــــــــــــــانـا‬

‫تزهو ب�سورة البقـــــــرة و�آل عمـــران الزهروانــــا‬

‫�أو ُل��ه��ا �آيــات نظمت باعــــــجاز حممــــــــكم وبيانــا‬

‫و�آياتها �ســـــــــت وثمانون ايـــــــة ومائتني بالتمامـــا‬

‫ن�صفها �آية الو�سطية لتمام االعجاز واالحكامـــــــــــا‬

‫واجلبال العـــظام بقممها ال�شمـــــاء تو�ســـطـــــــــا‬

‫دالل��ة على �شموخ �صـــــاعدا يف عباب ال�ســــــمــاء‬

‫والعـــقد يف نحــر الفــــــــــتاة زيــنـة و�ضــــــــــاءة‬

‫واو�سطها قر�ص مر�صع على ال�صدر غ��ايل االثمـان‬

‫واذا علمت جنان اخللد غالية باثمانها مميزة بق�صورها‬

‫علمت ان او�سطها غايل املهر ملن اح�سن العمل باتزان‬

‫فيها اخللود للمخل�صني العـــابدين ال�ســجدا ال ُق ّيامـــــــــا‬

‫وحممد ر�سول اهلل مبقامه املحمود يف جنة الر�ضوانـــا‬

‫تـــحيـــطه جنان اخللد بانهارا وا���ش��ج��ارا وازهــارا‬

‫وعـــد امل�صطفـــى لر�ضـــى الوالــدين مقامــــــــــــــا‬

‫او�ســـــط‬

‫ابـــواب اجلـــنـة للر�ضــــا مــكــانـــــــــــــا‬

‫فــــــكيف ب�أمــــة اكـــــرمها اهلل بو�صفـــها و�سطيــــــة‬

‫�أمـــــــــة القـــــر�آن والــــرحـمـــة والــ�ســــــــــــــالما‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪79‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫هو وهي‬

‫الجزء الثاني‬

‫تختلط الر�ؤى وتتعالى الأ�صوات وتتداخل الأدوار يف ظل الإفرازات‬ ‫املعا�صرة والطوفان الإعالمي‪ .‬فكثرياً ما ن�سمع هو يقول وهي تقول‪.‬‬ ‫هو يقول‪ :‬ت�ؤرقني الأنوثة املتهالكة عندما تتداعى (�أنثى الع�صر)‬ ‫من علياء الأنوثة وعفتها و�سحرها وعذوبتها �إلى �سلعة ا�ستهالكية‬ ‫ا�ستعرا�ضية‪� ,‬إل��ى �سلعة م�صطنعة �آن �ي��ة‪ ,‬ت�ب��اع و ُت���ش�ترى يف ف�ضاء‬ ‫االنحطاط والرذيلة ب�أبخ�س الأ�سعار‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫الدكتورة إنصاف مومني‬ ‫مدربة محترفة ورئيس مجلس‬ ‫إدارة شركة اإلعالم الجديد (األردن)‬

‫ت�ؤرقني وتكدر �صفاء الروح وجماليات احلياة عندما ترحل املر�أة‬ ‫(الأنثى) رحي ً‬ ‫ال كلياً من خ�صو�صية �أنوثتها ورقتها التي فطرها اهلل‬ ‫عليها �إلى عامل اجلن�س الثالث (اجلن�س احلائر‪ ،‬اجلن�س الرمادي)‬ ‫الذي مل ولن يكون له دور يف منظومة احلياة التي خلقها اهلل‪.‬‬ ‫وتتعالى الأ�صوات وتتباكى لتنادي (بامل�ساواة وامل�ساواة) حتى يف‬ ‫اخل�صو�صية البيولوجية والنف�سية والوظيفية والفطرية فلم يعد‬ ‫�ضمري هو �أو هي معروفا يف معجم احلياة االجتماعية فالزواج ما عاد‬ ‫من �أزواج و�أقطاب خمتلفني بل قطب واحد ال ثاين له‪.‬‬ ‫وذلك ال�صراع وال�صدام مع تناغم النظام الكوين كما �شاء ويريد‬ ‫اجا)النب�أ �آية‪ ,8‬‫( َو َل ْي َ�س ال ّذ َك ُر َكا ُال ْن َث َى)‬ ‫اللطيف اخلبري ( َوخَ لَ ْقنَا ُك ْم �أَ ْز َو ً‬ ‫�آل عمران �آية‪ ,36‬والعلم والواقع‪ ,‬وال�شرائع تقول وت�ؤكد‪.‬‬ ‫هو يقول تخاطبني بج�سدها بغرائزي تلغي وتق�صي كل تفا�صيل‬


‫لغة القلوب والعقول‪ ،‬ف�إذا ما حتدثت يف لغة (جنوم الفن)‬ ‫جت��اوزت الرقي والت�سامي وحروفه ال�ساحرة والأه��داف‬ ‫العليا‪� ,‬إل��ى دونية الأر���ض وجاذبيتها وطاقتها ال�سلبية‬ ‫لأغرا�ض ملوثة و�أدوات مغر�ضة ظاهرها احلب والدفء‬ ‫و(ال�ف��ن والنجومية) (اجل �م��ال) (احل��ري��ة ال�شخ�صية)‬ ‫وباطنها �أطياف املكر واخلديعة وتلويث جماليات احلياة‪.‬‬ ‫تتقم�صها ب ��أدوار �آنية معقدة م�صطنعة لتعلن على‬ ‫امللأ �أن احلياة وكل احلياة لي�ست �إال عبودية ج�سد وثقافة‬ ‫�صورة طاغية يف ع�صر ال�شا�شة ال�صغرية املزيفة وامللوثة‬ ‫للحقائق ول �ل��ذوق ال �ع��ام‪ ,‬حيث يت�سابق ع��ري الأل �ف��اظ‪,‬‬ ‫وعري الأج�ساد يف ع�صر ت�سوده ثقافة العري‪ ,‬من كل عفة‬ ‫وحياء و�إق�صاء و�إلغاء لكل معناً جميل‪.‬‬

‫الوقت ذاته نرى الثلة العابثة من الرجال والن�ساء ممن‬ ‫ينادون يف الغدو والآ��ص��ال ب�شعاراتهم الرباقة املغر�ضة‬ ‫يف باطنها‪ ,‬من حقوق امل��ر�أة‪ ,‬واحلرية املطلقة‪ ,‬وامل�ساواة‪,‬‬ ‫وغريها من ال�شعارات التي تن�شر الطاقة ال�سلبية وتخدم‬ ‫الأغرا�ض العبثية وتخد�ش احلياء وتف�سد الأذواق‪ ,‬ويف‬ ‫الوقت ذات��ه تزيد امل��ر�أة الفا�ضلة وهناً على وه��ن يف ظل‬ ‫تخاذل دور الرجل الر�سايل‪.‬‬

‫ويف الطرف املقابل لها ت��زداد امل��ر�أة العابثة غطر�سة‬ ‫وج�ب�روت وعبثية‪َ ,‬‬ ‫مل ال فقد تفننت و�أب��دع��ت يف �صور‬ ‫االنحطاط الأخالقي واالن�سالخ من كل قيمة �سامية‪ ,‬ما‬ ‫مل ترى ع�شر مع�شاره كل جاهليات الأمم يف عمق وحا�ضر‬ ‫التاريخ الإن�ساين منذ قرون خلت‪ ,‬يف الوقت الذي ت�صادر‬ ‫وحترم امل��ر�أة الر�سالية امللتزمة من �أب�سط حقوقها التي‬ ‫ف�إذا ما هبطت �إلى واقعها و�أدوارها الوظيفية ان�سلخت منحها اهلل �إياها‪.‬‬ ‫من كل معناً جميل �أعلنته ومن كل ثوب جميل لب�سته‪.‬‬ ‫حتى �أن اجلاهلية الأول��ى منحت امل��ر�أة حقوق �أكرث‬ ‫ف�سالم على �أه��ل الدنيا امل�غ��رر بهم ووداع� �اً للأنوثة بكثري م��ن اجلاهلية ال�ك�برى امل�ع��ا��ص��رة‪ ,‬فها ه��ي �أطهر‬ ‫الفطرية الإمي��ان�ي��ة النقية ال�صامدة �أم ��ام �صنم الفن خلق اهلل تطلب ال ��زواج م��ن �أع�ظ��م اخللق وق��د دن��ت من‬ ‫والنجومية و�سطوته‪ ,‬وقوة ومن يدفع به نحو الواجهة الأربعني و�سبق لها الزواج ‪-‬رغم �صغر �سنه وجمال وروعة‬ ‫ليقود الإن�سانية‪ ,‬ولن �أقول �سالم على كوكب الأر�ض َلأن �أخالقه‪ -‬فلم يكن م�ستنكراً �أو جرماً اجتماعياً‪ ,‬وهذا قبل‬ ‫الذي يديره ويدبره بحكمته هو خالق الأكوان ( ِلك ُِّل �أ َج ٍل البعثة والر�سالة النبوية ف�إذا ما جاء نور الر�سالة الذي‬ ‫تاب)الرعد�آية‪.38‬‬ ‫ِك ٌ‬ ‫�أ�ضاء �أرج��اء املعمورة لتنعم امل��ر�أة بحقوقها وترتبع على‬ ‫ه��ي ت �ق��ول �إن ك��ان��ت امل� �ن ��اداة ب��امل �� �س��اواة امل�ط�ل�ق��ة بني عر�ش العفة يف رحاب الزوجية الدافئة والأمومة املتدفقة‬ ‫الرجل وامل��ر�أة لعنة ت�صيب القلوب وال�ضمائر والعقول‪ ,‬وباقي مناحي احلياة االجتماعية بتناغم منقطع النظري‪.‬‬ ‫ف ��إن امل �� �س��اواة ب�ين ك��ل الإن ��اث و�إط �ل�اق الأح �ك��ام العامة‬ ‫فلي�س�أل التاريخ عن الأم��ة ( ُب��ري��رة) ورف�ضها العودة‬ ‫بحيث تت�ساوى فيه امل ��ر�أة الر�سالية ال�ع��اب��دة الفا�ضلة لزوجها وو�سيطهما نبي الرحمة عليه �أف�ضل ال�صالة‬ ‫باملر�أة الدونية العابثة بل تتقدم عليها يف مواقع احلياة و�أمت الت�سليم‪ ,‬ولي�س�أل التاريخ عن حقائق ووقائع �أعظم‬ ‫الأ�سرية واالجتماعية‪ ,‬ف�إن ذلك يعد لعنة �أخرى تفوقها من اخليال‪ ,‬من احلرية الوجدانية والعقلية‪ ,‬وفق الر�ؤية‬ ‫�أو توازيها‪.‬‬ ‫الإ� �س�لام �ي��ة‪ ,‬ول�ك�ن�ه��ا ح�ج�ب��ت يف ث�ق��اف��ة ال �ق��رن احل ��ادي‬ ‫ف�إذا ما حتدث بع�ضاً من الرجال �أ�صحاب الهم الر�سايل والع�شرين و�أل�صقت بالدين �أع��راف اجتماعية وثقافة‬ ‫الدعوي ومن تو�سمنا بهم اخلري عن املر�أة حتول احلوار موروثة عمياء �صماء ال �أ�صل ديني لها‪ ,‬وحتدث الرجال‬ ‫�إلى �سجال انفعايل عاطفي �إق�صائي‪ ,‬ل�سحب منوذج املر�أة عن امل��ر�أة الر�سالية ومل ي�سمح لها باحلديث عن نف�سها‬ ‫العابثة على كل الن�ساء من دون ا�ستثناء بل قد تغلب عليه حتى يف �أدق خ�صو�صياتها‪.‬‬ ‫�أحياناً �شيطنة املر�أة العفيفة قبل العابثة و�إق�صائها عن‬ ‫ويبقى ال���س��ؤال ال��ذي يثري ج��د ًال يف غ��ور قلبي ويف‬ ‫م��واق��ع احل�ي��اة وال�ت�م�ك�ين‪ ,‬ب��ل ي�ضع اب�سط ال ��زالت على رحاب نف�سي ورحاب عاملي امل�ضطرب كيف ملر�أة ا�ستباحت‬ ‫م�شرحة االتهام وجمهر التكبري ويكاد يعفيها من كل دور كل حرمة �أن حتظى بكل ما تريد‪ ,‬وامر�أة �أخرى جاهدت‬ ‫فاعل يف �صناعة احلياة وال�شهود احل�ضاري متغاف ً‬ ‫ال �أن نف�سها ووقعت حتت مطرقتي التقاليد الوافدة والراكدة‬ ‫ذلك ي�شل �أح��د جناحي احل�ضارة فاليد الواحدة حمال ووق�ف��ت �شاخمة �أم ��ام ه��ذه الأع��ا��ص�ير العاتية ال�ت��ي مل‬ ‫�أن ت�صفق وك�أمنا ر�سالته املبطنة �أن امل��ر�أة انح�سر دورها ي�سبق لها مثيل فجاهدت وك��اب��دت لتنال ر�ضى رحمن‬ ‫بالوظائف واملهام اجل�سدية‪.‬‬ ‫رح�ي��م فكيف ل�ه��ا �أن ت���ص��ادر حقوقها ال�ت��ي منحها اهلل‬ ‫وامل�ؤ�سف �أن البع�ض –وال �أعمم هنا‪� -‬إذا ما �س�ألته عن �إياها بل وحترم من �أب�سط حقوقها ؟؟ فمن ين�صر املر�أة‬ ‫العابثات كان على حذر من ت�شوي�ش �سمعتهن‪ ,‬ولرمبا ويف الر�سالية؟؟ ( َوا َّل� ِ�ذي��نَ َج��ا َه� ُدوا ِفينَا َل َن ْه ِد َي َّن ُه ْم ُ�س ُبلَنَا)‬ ‫العنكبوت �آية‪.69‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪81‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫من بالدنا ‪..‬‬

‫جزر المالديف‬

‫دولة مسلمة ال نعرف عنها الكثير‪. .‬‬ ‫وتاريخها الموثق هو أقرب إلى األساطير‪. .‬‬

‫‪82‬‬

‫جزر املالديف دولة م�سلمة تقع يف املحيط الهندي‪ . .‬وهي‬ ‫جمموعة جزر �صغرية يبلغ عددها ‪ 1190‬جزيرة‪ . .‬وامل�أهول منها‬ ‫‪ 200‬فقط‪ . .‬ا�سم عا�صمتها ماليه‪ . .‬كانت حممية بريطانية‬ ‫وا�ستقلت يف عام ‪ 1965‬م‪ . .‬يبلغ عدد �سكانها ‪� 309‬ألف ن�سمة كلهم‬ ‫م�سلمون‪. .‬‬ ‫ون �ظ��ام احل �ك��م ف�ي�ه��ا ج �م �ه��وري‪ ،‬ورئ�ي���س�ه��ا ُي �ع�ّي�نّ م��ن قبل‬ ‫ال�برمل��ان‪ ،‬ويكون الت�صويت للم�سلمني فقط‪ ،‬ود�ستورها ين�ص‬ ‫على �أن جميع مواطنيها يجب �أن ي��دي�ن��وا ب��دي��ان��ة الإ� �س�لام‪،‬‬ ‫وب��ال�ت��ايل ف ��إن ال�شخ�ص ال��ذي ي��رغ��ب �أن ي�ك��ون م��واط�ن�اً فيها‬ ‫عليه �أن يكون م�سلماً‪ ،‬ويمُ نع �أن يكون �أي �شخ�ص غري م�سلم‬ ‫مواطناً فيها‪ ،‬كما ي�شري د�ستورها �إلى �أن مبادءها اجلمهورية‬ ‫هي املبادىء الإ�سالمية‪.‬‬ ‫�أما �شعب املالديف فمتدين يحب الإ�سالم ويحر�ص على الآداب‬ ‫الإ�سالمية ‪ ,‬وال�سلوكيات الإ�سالمية وا�ضحة للعيان ‪ ,‬فاحلجاب‬ ‫منت�شر ‪ ,‬ويحرتم ال�سكان الأذان ‪ ,‬ويقبلون على امل�ساجد ‪ ,‬وتغلق‬ ‫املطاعم نهارا يف �شهر رم�ضان ‪ ,‬وتمُ نع املجاهرة بالفطر فيه‪.‬‬ ‫وت��وج��د بها هيئة عليا ملراقبة التطبيق ال�صحيح لأحكام‬ ‫ال�شرع الإ�سالمي يف جميع املحاكم‪.‬‬ ‫وي �ق��وم رئ�ي����س ال ��دول ��ة ب ��إل �ق��اء خ�ط�ب��ة اجل �م �ع��ة‪ ،‬و�إم��ام��ة‬ ‫ال�صالة بالنا�س‪ ،‬و�إلقاء الوعظ والإر�شاد يف املنا�سبات الدينية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬كما يقوم ب�إلقاء الدرو�س والن�صائح يف الإذاع��ة‬ ‫والتلفزيون ‪ ,‬بالإ�ضافة �إلى تدري�س بع�ض املواد الدينية يف كلية‬ ‫الدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬وكذلك يقوم رئي�سهم ب�إ�صدار �صحيفة‬ ‫دينية �أ�سبوعية با�سم (�سبيل الدين) منذ ثمانية ع�شر عاماً‪.‬‬

‫و�أكرث �أع�ضاء احلكومة يف املالديف من خريجي اجلامعات‬ ‫الإ�سالمية ومنهم وزير احلج‪. .‬‬ ‫ن�سبة الأم �ي��ة يف تلك ال�ب�لاد طفيفة ج��داً ال ت�ت�ج��اوز ‪.%2‬‬ ‫‪ .‬ورغم �أن اللغة الر�سمية لي�ست العربية �إ ّال �أنه ال يوجد بني‬ ‫ال�سكان من ال ي�ستطيع �أن يقر�أ يف كتاب اهلل تعالى بنف�سه‪. .‬‬ ‫وذلك بف�ضل مدار�س تعليم القر�آن الكرمي‪. .‬‬ ‫ام��ا ال�سياحة فتعترب امل�صدر الثاين للدخل القومي بعد‬ ‫ال�صيد‪.‬‬ ‫وال�سياحة يف ذلك البلد م�ضرب املثل فهي ال ابتذال فيها‬ ‫وال تنازل عن املبادئ الإ�سالمية‪ . .‬ف ُيمنع تقدمي اخلمور لل�سياح‬ ‫‪ ,‬و ُيلزم ال�سائح باحرتام قوانني البالد الإ�سالمية ‪ ,‬فال يوجد‬ ‫عري وال خروج على الآداب العامة‪.‬‬ ‫وق ��د خ���ص���ص��وا ل�ل���س�ي��اح �أرب �ع��ة وث �م��ان�ين ج��زي��رة منعزلة‬ ‫لل�سياحة فقط وال ي�سمح لل�سائح �أن يذهب �إلى اجلزر امل�أهولة‬ ‫بال�سكان امل�سلمني �إال �إذا التزم بالآداب الإ�سالمية ‪ ,‬وال ي�سمح له‬ ‫وال لغريه ب�إظهار الإفطار يف نهار رم�ضان‪.‬‬ ‫وع �ل��ى ال��رغ��م م��ن � �ص��رام��ة ت�ل��ك ال �ق��وان�ين ف�ق��د انتع�شت‬ ‫ال�سياحة هناك كثريا وو�صل عدد ال�سياح عام ‪ 2007‬م �إلى �أكرث‬ ‫م��ن ثمانية مليون �سائح ‪ ,‬وه��و رق��م �ضخم باملقارنة م��ع عدد‬ ‫ال�سكان الذي ال يتجاوز ثالثمائة �ألف‪.‬‬ ‫ن�أتي �إلى ق�صة دخول الإ�سالم �إلى تلك البالد‪ . .‬وهي ق�صة‬ ‫�أقرب �إلى الأ�ساطري‪ . .‬وقد و ّثقها الرحالة ابن بطوطة يف كتابه‬ ‫(حتفة ال ُن ّظار يف عجائب الأم�صار وغرائب الآثار )‪ . .‬والق�صة‬


‫و�أع��اد ال�شاب الك ّرة ثالث ليالٍ فذهب الوح�ش ومل يعد يف‬ ‫منقو�شة على لوحة جدارية بجانب اجلامع الكبري يف ماليه‪. .‬‬ ‫ّ‬ ‫الليلة الرابعة وتخل�ص منه القرويون‪. .‬‬ ‫دخ��ل الإ��س�لام �إل��ى تلك اجل��زر يف ب��داي��ات ال�ق��رن اخلام�س‬ ‫الهجري ( عام ‪1153‬م ) عندما و�صل �إلى �شواطئها �شاب م�سلم‬ ‫عندما �سمع ال�سلطان ‪ ,‬وك��ان ا�سمه ماها كالمنجا ‪ ,‬ب�أمر‬ ‫حافظ للقر�آن الكرمي من املغرب العربي ا�سمه �أب��و الربكات ذلك ال�شاب ا�ستدعاه و�س�أله عن حقيقة الأمر فقر�أ عليه القر�آن‬ ‫يو�سف الرببري‪ . .‬يقال �أن ال�سفينة التي كان ُيبحر بها ّ‬ ‫حتطمت الكرمي‪ . .‬وحدّثه عن الإ�سالم‪ . .‬ودعاه �إليه‪ . .‬فدخل امللك يف‬ ‫ق�ب��ال��ة ��ش��واط��يء �إح ��دى ت�ل��ك اجل ��زر‪ . .‬وق��ذف�ت��ه الأم� ��واج �إل��ى الإ�سالم‪ . .‬وغيرّ ا�سمه �إلى ‘ حممد بن عبد اهلل ‘‪ . .‬و�أ�سلم كل‬ ‫ال�شاطيء ‪ ,‬حيث عاجله واعتنى به �أحد‬ ‫ال�صيادين مع �أ�سرته ‪� ,‬سكان البالد‪. .‬‬ ‫وا�ست�ضافه يف بيته ‪ ,‬حيث تع ّلم لغة ال�سكان‪.‬‬ ‫وق��د �أق ��ام ذل��ك ال���ش��اب يف تلك اجل��زر ُي�ع� ّل��م �أه�ل�ه��ا ال�ق��ر�آن‬ ‫وذات يوم ‪ ,‬ر�أى ذلك ال�شاب ال�صياد وزوجته يبكيان بحرقة ‪,‬‬ ‫وعلم منهما �أن القرعة قد وقعت على ابنتهما ال�شابة لتقدميها الكرمي‪ . .‬والفقه ال�شافعي‪ . .‬والعلوم الدينية الأخرى التي كان‬ ‫قرباناً لوح�ش اجلزيرة ‪ ,‬حيث اعتاد ال�سكان �أن يقدّموا للوح�ش يعرفها �إلى �أن تو ّفاه اهلل تعالى‪. .‬‬ ‫فتا ًة كل �شهر ‪ ,‬ي�ضعونها لي ًال عند طرف الغابة ‪ ,‬في�أتي الوح�ش‬ ‫وق�ب�ره ال زال م��وج��ودا م�ع��روف��ا يف اجل��زي��رة‪ . .‬وق��د بنوا‬ ‫وي�أخذها ‪ ,‬وال يتع ّر�ض بعد ذلك للقرويني ب�سوء طوال ال�شهر‪. .‬‬ ‫بجانبه م�سجداً‪. .‬‬ ‫قرر ذلك ال�شاب �أن يذهب بد ًال من تلك الفتاة �إلى الغابة ‪,‬‬ ‫�سبحان اهلل‪ . .‬رجل واحد‪� . .‬أكرمه اهلل تعالى‪ . .‬وجعل على‬ ‫و�أخرب ال�صياد و�أ�سرته �أنه �سيكون بخري ب�إذن اهلل تعالى‪. .‬‬ ‫يديه �إ�سالم �أ ّمة‪. .‬‬ ‫وفع ًال و�ضعوه يف املكان املعهود ف�أخذ يقر�أ �سورة يا�سني و�آيات‬ ‫اللهم‪ . .‬يا �أكرم الأكرمني‪ . .‬ويا �أرحم الراحمني‪� . .‬إجعل لنا‬ ‫القر�آن الكرمي طوال الليل‪ . .‬وكان ي�شعر بالوح�ش يقرتب منه‬ ‫ً‬ ‫ف�إذا �سمع الآيات يبتعد‪� . .‬إلى �أن �أ�شرقت ال�شم�س‪. .‬‬ ‫�سهما يف ن�صرة دينك وخدمته‪ . .‬يا عظيم‪. .‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪83‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫األمين العام يشارك‬

‫في اللقاء الحواري الثالث لصالون الكواكبي في اسطنبول‬

‫‪84‬‬

‫والإجتماعي‪ ،‬ومن بني هذه ال�شخ�صيات يا�سني �أقطاي‬ ‫– نائب رئي�س حزب العدالة والتنمية يف تركيا‪ ،‬وكذلك‬ ‫بالرئي�س ال�سابق ال�سيد حمادة اجلبايل‪ ،‬واملفكر العربي‬ ‫�أبو يعرب املرزوقي وغريهم من ال�شخ�صيات الفكرية‬ ‫والثقافية والإ�سالمية يف العامل العربي والإ�سالمي‬ ‫� � �ش� ��ارك امل �ه �ن ��د� ��س م� � � ��روان ال � �ف� ��اع� ��وري الأم �ي��ن والعاملي‪.‬‬ ‫ال �ع��ام ل�ل�م�ن�ت��دى ال �ع��امل��ي للو�سطية ب ��أع �م��ال ال �ن��دوة‬ ‫من جهة �أخ��رى التقى املهند�س م��روان الفاعوري‬ ‫احل ��واري ��ة‪« ‬الإ�� �س�ل�ام والليربالية»‪ ‬التي ع �ق��دت يف بالدكتور �أكرم كل�ش رئي�س ال�ش�ؤون الدينية يف تركيا‪،‬‬ ‫ا�سطنبول خ�لال ال�ف�ترة م��ن ‪ 2017/8/22-21‬حيث وج��رى خ�لال اللقاء بحث تعزيز العالقات الأخ��وي��ة‬ ‫ق� � ّدم ورق ��ة ع�م��ل مبو�ضوع‪« ‬م�س�ألة ال�ت�ن��وي��ر الديني ال�ق��ائ�م��ة م��ا ب�ين امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية ورئ��ا��س��ة‬ ‫و�إ�صالح الفقه الإ�سالمي و�ضروراتها و�آلياتها»‪.‬‬ ‫ال���ش��ؤون الدينية يف ت��رك�ي��ا‪ ،‬وذل��ك م��ن خ�لال �إق��ام��ة‬ ‫وعلى مدار اليومني ناق�ش املنتدون عدد كبري من الن�شاطات الثقافية والفكرية الإ�سالمية وامل�ؤمترات‬ ‫الأوراق الفكرية والثقافية والعلمية وهذا هو امللتقى وال�ن��دوات يف كال البلدين‪ ،‬وكذلك يف الإ�ستفادة من‬ ‫الثالث ل�صالون الكواكبي وال��ذي ي�شرف على �إقامته جتربة املنتدى يف تدريب اخلطباء والأئمة ون�شر مبادئ‬ ‫الإعتدال والو�سطية ونبذ خطاب الكراهية وحماربة‬ ‫�سنوياً مركز حرمون للدرا�سات املعا�صرة‪.‬‬ ‫التطرف والإرهاب بالو�سائل الفكرية والثقافية‪.‬‬ ‫وع �ل��ى ه��ام ����ش ال� �ن ��دوة �إل �ت �ق��ى امل �ه �ن��د���س م ��روان‬ ‫وقد �أعرب الدكتور �أكرم كل�ش عن �إعجابه بامل�ستوى‬ ‫الفاعوري بعدد كبري من ق��ادة ال��ر�أي العام ومثقفي‬ ‫وم�ن� ِّ�ظ��ري ال �ت �ي��ارات ال�ف�ك��ري��ة والإ��س�لام�ي��ة والعاملية ال��رف�ي��ع ال ��ذي و��ص��ل �إل �ي��ه امل�ن�ت��دى يف ت�ق��دمي ��ص��ورة‬ ‫�إ� �ض��اف��ة �إل ��ى ��ش�خ���ص�ي��ات وازن� ��ة يف ال�ع�م��ل ال�سيا�سي الإ�سالم الإن�ساين واحل�ضاري ون�شر منهج الو�سطية‬ ‫والإعتدال يف العاملني العربي و الإ�سالمي‪ .‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫األمين العام المهندس مروان الفاعوري‬

‫يلتقي عدد ًا كبير ًا من القيادات اإلسالمية في البوسنة‬

‫ق��ام االم�ي�ن ال �ع��ام للمنتدى ال�ع��امل��ي للو�سطيه املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري بزيارة لدولة البو�سنة ‪ ‬والهر�سك بدعوة من‬ ‫مركز الو�سطيه يف البلقان‪.‬‬ ‫وق��د اج��رى الفاعوري خ�لال زي��ارت��ه حم��ادث��ات مع رئي�س‬ ‫املركز �سناد ‪� ‬شيمان تعلقت بتن�سيق اجلهود امل�شرتكة خلدمة‬ ‫ق�ضايا الت�سامح واحلوار وال�سالم على او�سع نطاق‪.‬‬ ‫واتفق اجلانبان على القيام بان�شطة و فعاليات م�شرتكه‬ ‫وتبادل اخلربات يف جماالت التوجيه ال�صحيح لالجيال ال�شابة‬ ‫و ت�صحيح املفاهيم املغلوطة عن العرب وامل�سلمني‪.‬‬ ‫وقد ا�شاد رئي�س مركز الو�سطية يف البلقان ال�سيد �شيمان‬ ‫ب��دور املنتدى العاملي للو�سطية والقائمني عليه يف التوجيه‬ ‫ال�صحيح وال�ت�ع��ري��ف ال�سليم ل�لا��س�لام احل�ن�ي��ف وحم��ا��ص��رة‬ ‫االفكار االرهابية و املتطرفه من املجتمعات اال�سالميه‪.‬‬ ‫وق� ��د ال �ت �ق��ى االم �ي��ن ال� �ع ��ام ال� �ف ��اع ��وري خ�ل��ال ال ��زي ��ارة‬ ‫برئي�س التحالف ال��دويل من اج��ل البو�سنه‪ -‬رئي�س جمل�س‬ ‫ال��رئ��ا� �س��ه ‪ ‬ال�سابق ال���س�ي��د ح��ار���س �سيالجيت�ش ح�ي��ث ا��ش��اد‬ ‫امل�س�ؤول البو�سني الرفيع “بر�سالة عمان “يف تعزيز ثقافة‬ ‫احلوار و الت�سامح و املعاجله ال�سلميه لالزمات الدوليه‪ .‬كما‬ ‫التقى الفاعوري خ�لال زيارته مبدير الكادمييه اال�سالميه‬

‫العليا ‪ ‬الربوف�سور زياد ليفاكوفيت�ش حيث تطرق احلديث الى‬ ‫اهمية التوجيه الرتبوي ال�سليم للن�شء والتعريف ال�صحيح‬ ‫باال�صول ال�صحيحة للدين اال�سالمي و بالقيم امل�شرتكة مع‬ ‫االديان ال�سماوية خدمة لق�ضايا ال�سالم والتعاون ال�سلمي بني‬ ‫الثقافات ‪ ‬وال�شعوب‪..‬‬ ‫كما‪� ‬شارك يف املحادثات واللقاءات التي اجراها االمني العام‬ ‫للمنتدى ع�ضو املنتدى وزير العدل واالوق��اف اال�سبق لدولة‬ ‫الكويت ال�سيد جمال ال�شهاب و ع�ضو املنتدى رئي�س مركز‬ ‫احلوار االوروبي املتو�سطي ال�سفري يا�سني روا�شده‪.‬‬ ‫‪ ‬وقد زار ال�سيد ال�ف��اع��وري يف العا�صمة البو�سنية هيئة‬ ‫االغاثه البو�سنيه” بوموزي” حيث اطلعه مدير املركز ال�سيد‬ ‫الفري كارلي�ش على ن�شاطات الهيئه التي ‪ ‬ت�شارك يف ار�سال‬ ‫قوافل االغاثة الدولية بوا�سطة ‪ ‬الى �شمال �سوريا‪.‬‬ ‫‪ ‬وقد دع��ا ال�ف��اع��وري الهيئة امل��ذك��وره ال��ى دع��م الالجئني‬ ‫ال�سوريني على االرا�ضي االردنيه‪.‬‬ ‫وق ��د اط �ل��ع ‪ ‬االم�ي�ن ال �ع��ام ل�ل�م�ن�ت��دى خ�ل�ال ال��زي��ارة‬ ‫على ع��دد من املعامل احل�ضارية وامل�ؤ�س�سات الثقافية يف‬ ‫العا�صمة البو�سنيه‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪85‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫المنتدى العالمي للوسطية يقيم ندوة بعنوان‬

‫‪‎‬محركات التحفيز االيجابي في المجتمع‬

‫‪86‬‬

‫�أق��ام املنتدى العاملي للو�سطية بتاريخ ‪ 2017/7/15‬ندوة‪ ‬‬ ‫بعنوان "حمركات التحفيز االيجابي باملجتمع " �شملت ثالثة‬ ‫حماور يتناول االول منها دور امل�ؤ�س�سات الرتبوية و التعليمية‬ ‫يف التحفيز االيجابي للمجتمع ‪ ,‬قدمه معايل الدكتور حممد‬ ‫جمعه ‪ ‬الوح�ش ب�ين فيه �أن امل�ؤ�س�سات ال�ترب��وي��ة والتعليمية‬ ‫ق��ادرة على بث ال��روح االيجابية مبا متلك من مقومات فكرية‬ ‫وثقافية ‪ ‬فقد قال �إن هذا العنوان م�ستفز ‪ ,‬يعني �إثارة املجتمع‬ ‫‪ ,‬ك��ان العنوان االب��رز عند ال�سلف ‪ ‬يف اختيار نوعية الت�أديب ‪,‬‬ ‫التاديب و امل�ؤدب ‪.‬‬ ‫ب ��دوره ق��ال ‪ ‬امني ع��ام امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطيه ‪ ‬املهند�س‬ ‫م��روان الفاعوري بكلمته الرتحيبية ‪� ‬إن �سبب عقد هذه الندوة‬ ‫ه��و ب��ث ال��روح االيجابية يف ذه��ن الآم��ة ووج��دان�ه��ا ي��أت��ي نتيجة‪ ‬‬ ‫ماتعانية ‪ ‬الأمة من االحباط الكثري ويف ال�صعد كافة ‪ ,‬وهنا ي�أتي‬ ‫دور امل�ؤ�س�سات املختلفة يف �صياغة الروح االيجابية يف حال الأمة ‪.‬‬ ‫�أم��ا الدكتور علي احلجاحجة ‪ :‬فقال �أ�شكر املهند�س‪ ‬على‬ ‫دوره يف �إيجاد املحركات االيجابية ‪ ,‬وقال ‪� :‬إن العدوى ال�سلبية‬ ‫انت�شرت بني النا�س ‪ ,‬على م�ستوى ال�شعبي واالعالمي ‪ ,‬وقال �إن‬ ‫ال�سلبية حا�ضرة يف كل قطاعات ال�شعب ‪ ,‬عند الطلبة واملوظفني‬ ‫‪ ,‬حتى �أنك جتد ال�شباب يلقون اللوم على جميع النا�س ‪.‬‬ ‫ومن التحفيز عند النبي �صل اهلل عليه و�سلم ‪� ,‬أن��ا وكافل‬ ‫اليتم يف اجلنة كهاتني ‪.‬‬ ‫‪ ‬فقد قال �إن هذا العنوان م�ستفز ‪ ,‬يعني �إثارة املجتمع ‪ ,‬كان‬ ‫العنوان االبرز عند ال�سلف ‪ ‬يف اختيار نوعية الت�أديب ‪ ,‬التاديب‬ ‫و امل�ؤدب ‪.‬‬ ‫وكانت الأروقة وامل�ساجد هي �أمكنة الرتبية والتعليم ‪ ,‬وكان‬ ‫ال�شيخ امل ��ؤدب يحظى مبكانة اجتماعية ‪ .‬ولذلك كانت �سل�سة‬ ‫امل�ؤديني تقوم بدور يجابيز‬ ‫اخلال�صة ‪ :‬ان املجتمع هو خال�صة الرتبية ‪.‬‬ ‫وحم��رك��ات ال�ترب �ي��ة يف ‪ ‬التحفيز امل�ج�ت�م�ع��ي االي �ج��اب��ي ‪:‬‬ ‫تنتظرمن يبدا ومن يعلق اجلر�س ومنها ‪:‬‬

‫ • املدر�سة واجلامعة ومعاهد الرتبية‬ ‫ • غر�س قيمة االنتماء للطلبة قو ًال وفع ًال‬ ‫ • ‪ ‬م�ؤ�س�سة الرتبية هي م�صنع القيادات الوطنية‬ ‫ • تفعيل املكتبة‬ ‫ • �إعادة النظر يف املناهج‬ ‫ • اتاحة الفر�صة للطلبة بالتعبري عن �آرائهم‬ ‫ام��ا ‪ ‬الدكتور �إخ�ل�ي��ف ال�ط��راون��ة فقد ق��ال �أود ان احت��دث‬ ‫عن حمركات التغيري ‪� ,‬إذ ت�شمل جميع مكونات املجتمع ‪ ,‬دون‬ ‫الف�صل بني املكونات‪:‬‬ ‫ • وما يحدث يف اجلامعات من �سلوكات طائ�شة بحاجة‬ ‫الى التغيرينحو ال�سلوك االيجابي‬ ‫ • ‪ ‬ثم طرح �س�ؤا ًال حمفزاً هو هل نحن نحفز االبتكار‬ ‫والبداع ؟؟؟بحيث حتقق بيئة منا�سبة لالبتكار واالبداع ‪.‬‬ ‫�أما اال�ستاذ رم�ضان الروا�شدة فقد قال ‪ :‬االعالم و�سيلة من‬ ‫و�سائل التوا�صل االجتماعي و االع�لام واالع�لان هما ‪ ‬و�سيلة‬ ‫االدي��ان يف �إي�صال الأفكار‪ , ‬وق��ال لقد �أدرك العامل منذ زمن‬ ‫�أهمية االعالم يف �إي�صال الر�سائل التي يريد من �أجل التغيري‬ ‫االيجابي يف حركة املجتمع ‪.‬‬ ‫كما قال �إن للأعالم دور كبري يف حتفيز املحركات االيجابية‬ ‫‪ ,‬و ذلك من خالل القنوات االعالمية ‪ :‬التلفزيون‪ , ‬االذاع��ة‬ ‫وال�صحافة ‪.‬‬ ‫وقد ا�ستمع احل�ضور الى مداخالت اجلمهور التي تناولت‪,‬‬ ‫جم�م��ل حم ��اور ال �ن��دوة ت �ن��اول��ت ح��رك��ة امل�ج�ت�م��ع يف اجل��وان��ب‬ ‫الرتبوبة التعليمية والثقافية واالعالمية وم�ؤ�س�سات املجتمع‬ ‫املدين التي تتمتع بت�أثري كبري يف حركة املجتمع ‪.‬‬ ‫ويف نهاية الندوة �أج��اب املنتدون على ا�سئلة وا�ستف�سارات‬ ‫احل���ض��ور وع�ل�ق��وا على امل��داخ�لات ‪ ,‬الأم ��ر ال��ذي ث��ر يف البعد‬ ‫الفكري والثقايف لهذه الندوة ‪.‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫األمين العام يستقبل‬ ‫المدير العام لمجموعة سفن ستارز الدولية‬ ‫‪ ‬ا�ستقبل املهند�س مروان الفاعوري يف مكتبه الأربعاء‬ ‫‪ 2017/7/12‬ال�سيد عامر ار�شيد امل��دي��ر ال�ع��ام ملجموعة‬ ‫قنوات �سفن �ستارز الدولية‪ ،‬وا�ستمع ار�شيد �إلى �إيجاز من‬ ‫الأمني العام عن الن�شاطات الفكرية والثقافية والربامج‬ ‫التوعوية والتدريبية يف جم��االت ال��وع��ظ والإر� �ش��اد ويف‬ ‫�إع��داد ال�ق��ادة وحم��ارب��ة التطرف والإره ��اب ويف حت�صني‬ ‫ال�شباب من �آفات الع�صر‪.‬‬ ‫وق��د �أب��دى ال�ضيف �إع�ج��اب��ه بامل�ستوى الرفيع ال��ذي‬ ‫و��ص��ل �إل �ي��ه امل�ن�ت��دى يف ه��ذه امل �ج��االت و�أب ��دى ع��ن رغبة‬ ‫جمموعة �سفن �ستارز الدولية يف توقيع م��ذك��رة تفاهم‬ ‫لتعزيز ال�ت�ع��اون م��ا ب�ين املنتدى واملجموعة يف املجاالت‬ ‫الإعالمية والثقافية‪.‬‬ ‫وقد ح�ضر اللقاء الدكتور زيد �أحمد املحي�سن املن�سق‬ ‫العام للعالقات اخلارجية والتعاون الدويل‪.‬‬

‫منتدى الوسطيه للفكر والثقافة يقيم ندوة بعنوان‬

‫الثقافة االسالمية مسؤولية مجتمعية‪" ‬األردن نموذج ًا‬ ‫�أقام منتدى الو�سطيه للفكر والثقافة وبالتعاون مع وزارة‬ ‫ال�ث�ق��اف��ة ب�ت��اري��خ ‪ 2017/10/7‬ن ��دوة ثقافية ف�ك��ري��ة ب�ع�ن��وان‪:‬‬ ‫الثقافة اال�سالمية م�س�ؤولية جمتمعية‪" ‬الأردن منوذجاً ‪.‬‬ ‫وق��د ب ��د�أت ال �ن��دوة بكلمة ترحيبية م��ن امل�ه�ن��د���س م��روان‬ ‫الفاعوري الأم�ين العام للمنتدى العاملي للو�سطيه ‪ ،‬وب�ين �أن‬ ‫ر�سالة املنتدى ت�ستهدف ا�ستبيان الر�سالة الثقافية التي تو�ضح‬ ‫اال�سالم وحقيقته‪ ، ‬وكيفية النهو�ض الثقايف االجتماعي مبا‬ ‫يخدم الفرد والأ�سرة واملجتمع والقيم االخالقية واحل�ضارية‬ ‫التي تعي�ش عليها االمة ‪ .‬‬

‫�أما الدكتور حممد الروا�شدة عميد كلية ال�شريعة يف جامعة‬ ‫م�ؤته ‪ ،‬فقد �أ�شار �إلى �أهمية دور اخلطاب الديني والدعوي يف‬ ‫تعزيز الثقافة اال�سالمية ‪ ،‬وقال البد ان يفتح الباب لالجتهاد‬ ‫و ان يفتح الباب للمنهج الو�سطي ‪ ،‬ونحن بحاجة �إل��ى احياء‬ ‫مدر�سة يف االحياء والتجديد ‪ ،‬بعيدة عن التع�صب وجتيب عن‬ ‫الت�سا�ؤالت املعا�صرة ‪ ،‬وقال نحن نحتاج �إلى خطاب ديني يحرتم‪ ‬‬ ‫االن�سانية ‪.‬‬

‫�أم��ا الدكتور عامر احل��ايف ‪ ،‬فتحدث ح��ول دور االع�ل�ام يف‬ ‫الثقافة اال�سالمية ‪ ،‬وق��ال ‪ :‬يجب �أن يكون اخلطاب الديني‬ ‫ثم حتدث الدكتور رائ��د عكا�شة رئي�س الندوة حول تعميق والثقايف متاحاً يف االعالم ‪ ،‬بحيث يحمل االعالم الهم الثقايف‪ ‬‬ ‫الثقافة اال�سالمية ‪ ،‬والبعد الفل�سفي مل�صطلح الثقافة يف حياتنا‪ . ‬وينتقل من حالة ال�سكون �إلى حالة احلركة التي تنتج معرفة‬ ‫‪ ‬ب ��دورة ب�ين ال��دك �ت��ور ع��زم��ي ط��ه ال���س�ي��د �أ� �س �ت��اذ الفا�سفة وثقافة متوازنة و�سطية و�شاملة ‪.‬‬ ‫اال�سالمية يف جامعة �آل البيت‪ ‬دور املناهج الرتبوية والتعليمية‬ ‫وق��د ا�ستمع احل���ض��ور امل�ك��ون م��ن رج��ال الفكر وال�سيا�سة‬ ‫يف تعزيز الهوية اال�سالمية للمجتمع ‪ ،‬وبني �أن الثقافة حتتل‬ ‫م�ساحة كبرية من خالل م�صطلحاتها الوا�سعة ‪ ،‬التي يجب ان والثقافة والدعوة اال�سالمية واالع�لام �إلى مداخالت ثقافية‬ ‫�أثرت مو�ضوع الندوة‪.‬‬ ‫جتد ما يفعلها يف املناهج املدر�سية واجلامعية ‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪87‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫االمين العام‬ ‫يزور كلية الشريعة بالجامعة االردنية‬

‫‪88‬‬

‫زار املهند�س مروان الفاعوري االمني العام العام‬ ‫للمنتدى العاملي للو�سطيه بتاريخ ‪ 2017/9/19‬كلية‬ ‫ال�شريعه يف اجلامعة االردنية والتقى بعميد الكلية‬ ‫اال�ستاذ الدكتور عبد الرحمن ابراهيم ‪ ‬زيد الكيالين‪ ‬‬ ‫‪ ,‬وق��دم الفاعوري التهنئة للعميد مبنا�سبة تعيينة‬ ‫عميداً لكلية ال�شريعة ‪ ,‬وج��رى خ�لال اللقاء بحث‬ ‫�سبل ال�ت�ع��اون يف امل �ج��االت الفكرية و الثقافية من‬ ‫خالل عقد امل��ؤمت��رات امل�شرتكة ‪ ‬والندوات الثقافية‬ ‫وت��دري��ب االئ�م��ة وال��وع��اظ وحت���ص�ين ‪ ‬ال�شباب �ضد‬ ‫ال�ت�ط��رف ‪ ‬واالره� ��اب ‪ ,‬ويف جم��ال ت�ب��ادل املطبوعات‬ ‫والدرا�سات التي تعزز منهج االعتدال والو�سطية ‪.‬‬ ‫وق��د �شكر العميد ال�ف��اع��وري على ه��ذه ال��زي��ارة‬ ‫واب��دى ا�ستعداد الكلية للتعاون م��ع املنتدى يف كل‬ ‫ما يحقق اه��داف الكلية‪ ,‬ور�سالة االردن اخلالدة يف‬ ‫تعزيز منهج االع �ت��دال والو�سطيه ‪ ,‬وح�ضر اللقاء‬ ‫الدكتور زيد احمد املحي�سن املن�سق العام للعالقات‬ ‫اخلارجية والتعاون الدويل يف املنتدى ‪.‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫األمين العام للمنتدى يشارك في حفل إشهار كتاب‬ ‫أزمة كشمير"قضية األمة اإلسالمية التي لم تحل"‬ ‫وب�ين املحي�سن �أن ال�صراع يف ك�شمري ال يهدد باك�ستان‬ ‫وال�ه�ن��د وح��ده�م��ا وامن ��ا ي�ه��دد ق ��ارة �أ��س�ي��ا ب��رم�ت�ه��ا ‪ .‬وت��رك‬ ‫الق�ضية �سي�ساعد على انت�شار �أع�م��ال العنف والتطرف يف‬ ‫العامل ‪ .‬و�أو��ض��ح �أن ق�ضية ك�شمري ت��زداد مع االي��ام تعقيدا‬ ‫وخطورة من خ�لال عملية الت�سليح النووي ل��دي اجلانبني‬ ‫( الهندي والباك�ستاين ) وب�سبب موقف الهند الراف�ض لأي‬ ‫حل �سلمي ير�ضي الطرفني رغم امل�ساعي اجلادة جلمهورية‬ ‫باك�ستان اليجاد ت�سوية عادلة لهذة الق�ضية ‪ ،‬ويف نهاية كلمته‬ ‫�أ�شاد املحي�سن الختيار الكاتب مدينة عمان عا�صمة الثقافة‬ ‫اال�سالمية التي انطلقت منها ر�سالة عمان مكاناً لن�شر كتابه‬ ‫يف هذا التوقيت الذي يج�سد املعاين العميقة ب�أن عمان هي‬ ‫�شارك الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري االقرب الى نب�ض ق�ضايا الأمة العربية واال�سالمية‪.‬‬ ‫ي��وم االرب �ع��اء امل��واف��ق ‪ 2017/8/16‬يف ح�ف��ل �إ� �ش �ه��ار كتاب‬ ‫وق��ال ��س�ع��ادة ال�سفري الباك�ستاين اجل�ن�رال (املتقاعد)‬ ‫" �أزمة ك�شمري(ق�ضية الأمة الإ�سالمية التي مل تحُ ل)‪� -‬آراء‬ ‫العرموطي �شفاعة اهلل �شاه‪� ،‬إن االنتهاكات الأخ�يرة حلقوق الإن�سان يف‬ ‫وحتليالت للم�ؤرخ والكاتب "عمر حممد‬ ‫املهنيةن�‪�/‬زالع �م��ان‪ ،‬و�أك��د ك�شمري الهندية املحتلة خطرية يف طبيعتها و�شدتها و ت�ستحق‬ ‫"الذي �أق �ي��م يف جم�م��ع ال�ن�ق��اب��ات‬ ‫الفاعوري �أن �أزمة ك�شمري التي م�ضي عليها �أكرث من �سبعون اهتمام املجتمع ال��دويل‪ .‬و�سي�ساعد ه��ذا الكتاب ال��ذي كتبه‬ ‫عاماً هي ق�ضية االمة اال�سالمية ‪ ,‬وال تقل �ش�أناً عن الق�ضية ال�سيد عرموطي يف �إحياء ق�ضية ك�شمري يف العامل العربي‪.‬‬ ‫الفل�سطينية من حيث التزامن والهم ال�سالمي امل�شرتك ‪.‬‬ ‫و�سيكون ال�ك�ت��اب م���ص��درا ك�ب�يرا للمعرفة ح��ول ق�ضية‬ ‫وقال �إن كتاب "�أزمة ك�شمري‪ :‬ق�ضية االمة الأ�سالمية ك�شمري م��ن امل�ن�ظ��ور التاريخي للتطورات الأخ�ي�رة للعامل‬ ‫ال �ت��ي مل حت��ل اراء وحت�ل�ي�لات " ل�ل�ك��ات��ب ال�ع��رم��وط��ي �أت�‬ ‫التي�ى العربي ب�شكل خا�ص واملجتمع الدويل ب�شكل عام‪.‬‬ ‫اميانا بقد�سية تراب كل عربي ا�سالمي ليثبت بارائه‬ ‫متثل ـــ رج��ال االع�م��ال والكتاب واالدب ��اء واالع�ل�ام ور�ؤ��س��اء‬ ‫ويف كلمة مل�ع��ايل ال��دك�ت��ور نبيل ال�شريف وزي��ر الإع�ل�ام‬ ‫املجتمع املحلي ـــ ان ق�ضية اقليم ك�شمري بامتداده‬ ‫اجلغرايف الأ�سبق �أدان فيها انتهاك حقوق الإن�سان يف ك�شمري الهندية‬ ‫والتاريخي والثقايف جلمهورية باك�ستان ‪ ,‬ق�ضية ت�ستحق‬ ‫االه�ت�م��ام والتفاعل لتبقي حية يف �ضمري االن���س��ان وعقلة امل�ح�ت�ل��ة‪ ،‬و�أع� ��رب ع��ن ت�ق��دي��ره ل�ل�ج�ه��ود ال�ت��ي ب��ذل�ه��ا ال�سيد‬ ‫عرموطي يف �إبراز ق�ضية ك�شمري من خالل كتابه‪.‬‬ ‫ووجدانة ‪.‬‬ ‫و�أعرب ال�سيدغازي الطيب‪ ،‬عن �أمله يف �أن يكون الكتاب‬ ‫وق��ال املهند�س م��روان الفاعوري ‪� :‬إن دورن��ا يف املنتدى‬ ‫ال�ع��امل��ي للو�سطية ه��و ال��دف��اع ع��ن ك��ل ق�ضية �إ��س�لام�ي��ة �أو الذي كتبه ال�سيد العرموطي مدخ ًال يف �إحياء ق�ضية ك�شمري‪.‬‬ ‫�إن�سانية ع��ن طريق �أدوات ثقافية وفكرية �سيكون مكم ًال‬ ‫لدور جميع املنظمات الدولية والهيئات التي ت�سعى لإ�سعاد‬ ‫و ذك��ر العقيد حممد يو�سف ملك م��ن �سفارة باك�ستان‬ ‫الب�شرية وحتقيق العدالة وحتقيق ال�سالم يف ك�شمري‪ً ،‬وهذا �أن ��ه يف يف االن�ت�ف��ا��ض��ة الأخ�ي��رة‪ ،‬ب�ع��د مقتل ب��ره��ان واين يف‬ ‫ما ي�ؤكد عليه دورنا يف املنتدى العاملي للو�سطية اميانا‬ ‫منا يوليو ‪ /‬مت��وز ‪ ،2016‬كانت هناك انتهاكات خطرية حلقوق‬ ‫يف الدفاع عن كل ق�ضية ا�سالمية‪/‬ان�سانية بو�سائل‬ ‫وطرق الإن�سان يف ك�شمري الهندية املحتلة مع حظر التجول لفرتة‬ ‫فكرية وثقافية تعيد التوازن للعقل اجلمعي االن�ساين مهما‬ ‫تنوعت االفكار واختلفت الآراء ‪ ,‬لتحقيق املعادلة االن�سانية طويلة حيث �أغلقت امل�ساجد واملدار�س والأ��س��واق والهواتف‬ ‫وليكون العدل �أ�سا�س هذة الق�ضية من �أجل حتقيق ال�سالم والإنرتنت و حتى امل�ست�شفيات‪ .‬وفى العام املا�ضي قتلت قوات‬ ‫والأمان لل�شعب يف ك�شمري ‪.‬‬ ‫الأم��ن الهندية �أك�ثر من ‪ 190‬ك�شمريياً و�إ�صابة ح��وايل ‪21‬‬ ‫�ألف �شخ�ص واكرث من ‪ 1200‬من الك�شمرييني الذين �أ�صيبوا‬ ‫ب� ��دوره �أك ��د ال��دك �ت��ور زي ��د امل�ح�ي���س��ن رئ�ي����س ال�ع�لاق��ات بالعمى �إثر �إ�ستخدام ر�صا�ص اخلرطو�ش‪ .‬و�أعلن �أن �إ�صابات‬ ‫اخلارجية يف املنتدى العاملي للو�سطية �أن ق�ضيتا ك�شمري بهذا العدد لأول م��رة يف تاريخ الب�شرية من قبل منظمات‬ ‫وفل�سطني هما �سبب التطرف ويجب حلهما من �أجل ال�سالم حقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫يف املنطقة ‪ ,‬و�أ�شار ان هذا الكتاب جاء ليوثق بالكلمة وال�صورة‬ ‫واملعلومة الدقيقة لل�سا�سة وال�سفراء واالعالميني وق��ادة‬ ‫وي�ع��د ه��ذا ال�ك�ت��اب �أول ك�ت��اب للكاتب الأردين يف اللغة‬ ‫الر�أي العام ما ادلوا به بخ�صو�ص هذه الق�ضية االن�سانية ‪ .‬العربية ي�سلط ال�ضوء على معاناة ال�شعب الك�شمريي مع‬ ‫التي م�ضى عليها �أكرث من �سبعني عاما ‪.‬‬ ‫الت�شابه الكبري بني ق�ضية فل�سطني و ق�ضية ك�شمري‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪89‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‪ ‬و‪ ‬جمعية المسار‬ ‫يعقدان موتمر ًا دولي ًا تحت عنوان‪:‬‬

‫السنة النبوية ودورها في تعزيز قيم الوسطية واالعتدال‬ ‫�إن املحاور املقرتحة للم�ؤمتر هي‪:‬‬ ‫• مقا�صد ال�سنة النبوية‬ ‫• الت�صرفات النبوية‪� :‬إ�شكاالت يف الفهم والتنزيل‪.‬‬ ‫• الو�سطية واالعتدال يف فهم ال�سنة النبوية والعمل بها‬ ‫• ق�ضايا يف االنحراف عن الفهم ال�سليم لل�سنة النبوية‬ ‫• �ضوابط الفهم الو�سطي لل�سنة النبوية‬ ‫• ال�سنة النبوية وامل�ساهمة يف بناء امل�شرتك االن�ساين‬ ‫• ال�سنة النبوية بني الغايات الثابتة والو�سائل املتجددة‬ ‫• معايري ال�سنة النبوية الثابتة وال�سنة النبوية الو�سيلة‬ ‫‪ ‬وتكرميا لأحد �أع�ضاء املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬وم�ؤ�س�سيها‪.‬‬ ‫و�أح��د م�ؤ�س�سي جمعية امل�سار‪� ،‬سعادة رئي�س احلكومة الدكتور‬ ‫�سعد ال��دي��ن ال�ع�ث�م��اين‪� .‬سنخ�ص�ص ح�صة م��ن ح�ص�ص ه��ذه‬ ‫الأيام العلمية‪ ،‬ملناق�شة �آخر �إ�صدارته املتعلقة بال�سنة النبوية‪،‬‬ ‫والذي عنوانه‪ :‬الت�صرفات النبوية ال�سيا�سية‪ /‬درا�سة �أ�صولية‬ ‫لت�صرفات الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بالإمامة‪.‬‬ ‫‪ ‬تاريخ امل�ؤمتر‬ ‫‪� 27‬أكتوبر ‪2017‬م‬ ‫‪ ‬بع�ض الأ�سماء املقرتحة‪:‬‬ ‫‪90‬‬

‫• ‬ ‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫ال��دك�ت��ور �أح �م��د ال �ع �ب��ادي‪ :‬الأم�ي�ن ال �ع��ام للرابطة‬ ‫املحمدية لعلماء املغرب‬ ‫الدكتور خال�ص جلبي‪� :‬سوريا‪ /‬مقيم باملغرب‬ ‫الدكتور �سليم العوا‪ :‬م�صري‬ ‫�سعيد �شبار‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور �إليا�س بلكا ‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور عبد اجلواد يا�سني‪ /‬م�صري‬ ‫الدكتور عبد املجيد النجار ‪/‬تون�س‬ ‫الدكتور طارق رم�ضان‪ /‬م�صري‬ ‫الدكتور زين العابدين بالفريج ‪/‬املغرب‬ ‫ال�شيخ عبد الفتاح مورو‪ /‬تون�س‬ ‫الدكتور حممد احلاج‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور حممد احلاليقة‪ /‬الأردن‬ ‫معايل ال�شيخ عبد الرحيم العكور‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور عارف ابو عيد‪ /‬الأردن‬ ‫�سماحة ال�شيخ حممد اخلاليلة‪ /‬الأردن‬ ‫الأ�ستاذ عبد البا�سط الكباريتي‪ /‬الأردن‬ ‫ال�شيخ الطالب �أخيار‪ /‬موريتانيا‬ ‫الدكتور �شريوان ال�شمرياين‪ /‬كرد�ستان‬ ‫الدكتور عماد الدين خليل‪ /‬العراق‬

‫• ‬

‫الدكتور خمل�ص ال�سبتي‪ :‬جامعة احل�سن الثاين‪/‬‬ ‫الدار البي�ضاء‬ ‫الدكتور حممد خروبات‪ :‬جامعة القا�ضي عيا�ض‪ /‬مراك�ش‬ ‫ال�شيخ ال�شريف حامت العوين‪ :‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫الدكتور عبد الرحمن الكيالين‪ /‬اململكة الأردنية الها�شمية‬ ‫الدكتور نور الدين اخلادمي‪ /‬تون�س‬

‫• ‬

‫الدكتور عبد املنعم التم�سماين‪ :‬جامعة عبد املالك‬ ‫ال�سعدي‪ /‬تطوان‬ ‫الدكتور حممد حب�ش‪� :‬سوريا‬ ‫املقرىء االدري�سي �أبو زيد‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور م�صطفى بنحمزة‪/‬املغرب‬ ‫• الدكتور �آدم دمبلي‪ /‬مايل‬ ‫ال��دك�ت��ور �أح �م��د اخلملي�شي‪ :‬م��دي��ر دار احل��دي��ث‬ ‫احل�سنية‪/‬املغرب‬

‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬


‫أخبار المنتدى‬

‫ولي العهد يشكر االمين العام للمنتدى‬

‫تلقى املهند�س مروان الفاعوري االمني العام‪ ‬للمنتدى الر�سالة التي كان قد بعثها ل�سموه مبنا�سبة‪ ‬تخرجه من‬ ‫العاملي للو�سطيه ر�سالة �شكر من �صاحب ال�سمو امللكي‪ ‬االكادميية الع�سكرية امللكية (�ساند هري�ست ) متنى ‪ ‬فيها‬ ‫االم�ير احل�سني بن عبداهلل الثاين ‪ ‬ويل العهد رداً على �سموه لالمني العام واملنتدى التوفيق والنجاح ‪.‬‬

‫الفتوى في االسالم والوالية عليه‬ ‫مبنا�سبة اختيار عمان عا�صمة الثقافه اال�سالميه لعام‬ ‫‪ 2017‬اقام منتدى الو�سطيه للفكر والثقافه فرع جر�ش‬ ‫ندوه بعنوان‪« ‬الفتوى يف اال�سالم والوالية عليه»‪ ‬حتدث‬ ‫فيها ف�ضيلة القا�ضي ال�شرعي ال�شيخ �صالح ال�صمادي‬ ‫و��س�م��اح��ة مفتي حم��اف�ظ��ة ج��ر���ش ال���ش�ي��خ ع�ب��د احلكيم‬ ‫البوريني وادار اللقاء عطوفة مدير ثقافة جر�ش الدكتور‬ ‫عقله القادري حيث رحب باحل�ضور واملحا�ضرين با�سم‬ ‫مديرية ثقافة جر�ش ومنتدى الو�سطيه للفكر والثقافه‬ ‫‪/‬جر�ش وحتدث ال�شيخ �صالح‪ ،‬وقال �إن الفتوى هي توقيع‬ ‫عن اهلل وان خري الفتاوى واقواها‪ « ‬من قال ال ادري ومن‬ ‫قالها فقد افتى «والفتوى بغري علم ودراي��ه ت ��ؤدي الى‬ ‫الهالك ودخول النار وهناك خمت�صني بالفتوى عن علم‬ ‫ومعرفه بالدين وا�صوله وان الرجل ال يتكلم بامر يجهله‬ ‫وذل ��ك م��ن �سخط اهلل ث��م حت��دث �سماحة امل�ف�ت��ي وق��ال‬ ‫تعريف االفتاء هو افتاء �صحيح و�صالح لكل مكان وزمان‬ ‫ويتبع منهج الو�سطية واالعتدال وان �شفاء العلم ال�س�ؤال‬ ‫وكان ذلك من مقت�ضى ر�سالة حممد �صل اهلل عليه و�سلم‬ ‫وقال الر�سول حممد �صل اهلل عليه و�سلم ان العلماء ورثة‬ ‫االنبياء ولذلك الفتوى دليل احلكم ال�شرعي وبغري الزام‬ ‫به والفتوى ال يخرج عنها اعتقاد وحكمها البيان الذي‬ ‫اوجبه اهلل على امل�سلمني ومن �سئل عن علم وكتمه اجلمه‬ ‫اهلل بلجام من النار يوم القيامه واال�صل باالفتاء واجب‬ ‫وف��ر���ض كفائي واذا ق��ام ب��ه اح��ده��م �سقط ع��ن الباقني‬ ‫و�شروط االفتاء ‪..‬ال يجوز للمفتي الت�صدي لالفتاء دون‬

‫علم وان تتوفر به العدالة وجماهدة النف�س باالخال�ص‬ ‫هلل تعالى‪..‬وعدم التع�صب ملذهب دون غريه او لطائفيه‪..‬‬ ‫وا��س�ت���ش��ارة اه��ل االخ�ت���ص��ا���ص ‪..‬وامل�ح��اف�ظ��ه ع�ل��ى ا��س��رار‬ ‫امل�ستفتي وداللة امل�ستفتي على ينفعه وباالفتاء ان ال ي�سيء‬ ‫املفتي باالدب واللفظ للم�ستفتي وال�س�ؤال يجب ان يكون‬ ‫الحقاق احلق وملن يفتي بغري علم ومعرفه فهي جرمية‬ ‫بحق اهلل والدين‪..‬واغواء النا�س وتظليلهم فيظلو ويظلو‬ ‫ويحمل املفتي اث��م امل�ستفتي‪.‬واالفتاء ب��االردن واال�سئله‬ ‫ال�شرعيه بلغات متعدده وه��و افتاء �صحيح‪..‬وحمى اهلل‬ ‫االردن وقيادته و�شعبه وادام علينا نعمة االم��ن واالم��ان‬ ‫واال�ستقرار ويف ختام اللقاء �سلم رئي�س املنتدى احمد‬ ‫ال�صمادي درع املنتدى ل�سماحة املفتي املحا�ضر وهو عبار‬ ‫عن �صوره للقران الكرمي‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪91‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫األمين العام للمنتدى في ندوة الحج الكبرى‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم ‪ ...‬وال�صالة وال�سالم على‬ ‫�سيدنا حممد ‪ ..‬وعلى �آله و�صحبه �أجمعني ‪...‬‬ ‫يف ال��وق��ت ال��ذي تتعر�ض فيه الأم ��ة مل �ح��اوالت تهدد‬ ‫ثقافتها وهويتها‪ ،‬حا�ضرها وم�ستقبلها �ساعية لإحل��اق‬ ‫الأم ��ة ب�ث�ق��اف��ة الآخ ��ر وت���ص��ورات��ه ل�ت�غ��دو ف��اق��دة لذاتها‬ ‫وهويتها وباملقابل جند ردود فعل مت�شنجة عاجزة وغري‬ ‫مدركة ل�سنن التغيري يف الأنف�س والآفاق‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫تتناول هذه الورقة البحثية تعريف مفهوم الو�سطية‬ ‫وت��أ��ص�ي�ل�ه��ا ال���ش��رع��ي والإ� �ص�ل�اح��ي وارت �ب��اط �ه��ا ب��ال�ع��دل‬ ‫والإن�صاف وتبني فيها �أهمية الو�سطية يف ن�شر مبادئ‬ ‫ال�سالم بني النا�س و�أنها من اخليارات الف�ضلى للب�شرية‬ ‫كونها تهدف �إلى �إ�سعاد الب�شرية ورفاهيتها ال الى الت�سلط‬ ‫والتحكم مب�صائرها لإخراجها من الظلمات ال��ى النور‬ ‫وم��ن مهالك العنف والتطرف وال��دم��ار والفو�ضى الى‬ ‫ف�ضاء ال�سعادة والنماء والعمران‪.‬‬ ‫ك�م��ا ت �ت �ن��اول ال��ورق��ة م �ه��ددات ال �� �س�لام ال �ع��امل��ي مثل‬ ‫ال�ف��و��ض��ى وال �ت �ط��رف والإره � ��اب وال�ه�ي�م�ن��ة والإ��س�ت�ب��داد‬ ‫وتتناول جتليات الو�سطية وارتباطها بال�سلم الأهلي من‬ ‫ع��دة ج��وان��ب منها اجل��وان��ب الإجتماعية والإقت�صادية‬ ‫بالإ�ضافة �إل��ى عالقة الو�سطية بالت�سامح ون�شر العدل‬ ‫�سواء بني �أمة الإ�سالم �أو بني الأمم الأخرى‪.‬‬

‫ولقد ك��ان ق��در الإ��س�لام دوم �اً �أن يكون ح��ام� ً‬ ‫لا للواء‬ ‫�إ�صالح الب�شرية جمعاء‪ ،‬باعتباره الدين اجلامع واخلامت‪،‬‬ ‫ال��ذي به ت�سعد الب�شرية‪ ،‬وبه تنال جمدها وتنف�ض عن‬ ‫نف�سها غ �ب��ار اجل �ه��ل وت��رف��ع ��س�ي��اط ال�ظ�ل��م ع��ن نف�سها‬ ‫بنف�سها‪ ،‬و�إذا ما �ساد الإ�سالم و�شاد البناء احل�ضاري الذي‬ ‫تريده الأمة‪ ،‬كان الرهان يف �سبيل ذلك هو التما�س �صورة‬ ‫واحدة جتمع خريي الدنيا والآخرة مثلما جتمع عنا�صر‬ ‫اخلريية يف كل دين �إ�سالمي وم�سيحي ويهودي لتجعلها‬ ‫جميعاً بوابة ح�ضارية للولوج �إلى �أعماق الدين الإ�سالمي‬ ‫الذي ال يتنافى مطلقاً مع �أي دين يدعو �إلى توحيد اهلل‬ ‫و�إقامة �شرعه وال�سري على هدي الأنبياء واملر�سلني‪.‬‬ ‫ولعل تلك اخلريية تتلخ�ص يف و�سطية الإ�سالم التي‬ ‫تركز على انتهاج املنهج الو�سطي يف ال���ش��ؤون احلياتية‬ ‫كافة‪� ،‬إذ ال �سبيل �إل��ى تطبيق قاعدة من قواعد ال�شرع‬ ‫دون الأخ ��رى‪ ،‬وال معنى يف اعتماد ن�ص دون �آخ��ر ب��ل يف‬ ‫اي�ج��اد �صيغة توافقية عند تطبيق ال�ق��واع��د ال�شرعية‬ ‫واعتماد الن�صو�ص بحيث يحافظ على التوازن والتكامل‬ ‫وال�شمولية والو�ضوح والكمال والربانية عند احلكم على‬ ‫�أم��ر م��ا م��ن �أم��ور ال��دي��ن وال��دن�ي��ا‪ ،‬بحيث تظهر ال�صورة‬ ‫الكلية ف�ك��راً و�سلوكاً من�سجمة م��ع الغايات التي ج��اءت‬ ‫من �أجلها ال�شريعة وهذا الو�صف الذي نريد �أن ينطبق‬ ‫متاماً على الو�سطية التي �أرادن��ا اهلل عليها لقوله تعالى‬


‫أخبار المنتدى‬

‫} َو َك َذ ِل َك َج َع ْلنَا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِّل َتكُونُوا �شُ َه َدا َء َعلَى النَّا�سِ‬ ‫َو َيكُو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم �شَ هِي ًدا َو َما َج َع ْلنَا ا ْل ِق ْبلَ َة ا َّل ِتي ُكنتَ‬ ‫من َين َق ِل ُب َعلَى َع ِق َب ْي ِه‬ ‫َعلَ ْي َها �إِ اَّل ِل َن ْعلَ َم َمن َي َّت ِب ُع ال َّر ُ�سو َل مِ َّ‬ ‫ري ًة �إ اَِّل َعلَى ا َّل ِذينَ َه َدى اللهَّ ُ َو َما َكا َن اللهَّ ُ‬ ‫َو�إِن َكان َْت َل َك ِب َ‬ ‫ميا َن ُك ْم �إِ َّن اللهَّ َ بِالنَّا�سِ َل َر ُء ٌ‬ ‫وف َّر ِحي ٌم‪{ ‬‬ ‫ِل ُي ِ�ضي َع �إِ َ‬ ‫�صدق اهلل العظيم‪.‬‬

‫هدف الدرا�سة‪:‬‬

‫تهدف الورقة �إلى �أن منهج الو�سطية هو خيار الأمة‬ ‫ال��رئ�ي����س ل�ل��و��ص��ول �إل ��ى ال �ع��دل والإن �� �ص��اف م��ن خ�لال‬ ‫ارتباطها بالقيم الإ��س�لام�ي��ة احلميدة ال�ت��ي ج��اءت بها‬ ‫ر��س��ال��ة الإ� �س�ل�ام ال�ع�ظ�ي�م��ة‪ ،‬م�ث��ل ال�ت���س��ام��ح وال�ب�ع��د عن‬ ‫الكراهية ونبذ العنف والإق�صاء و�أحادية الر�أي والإنغالق‬ ‫الفكري ال��ذي كافحه الإ��س�لام من خ�لال �إط�لاق حرية‬ ‫ول�ع��ل املنهج الو�سطي ال��ذي ن��ري��د يف ال�سلم العاملي التفكري املبني على العقيدة ال�صحيحة‪.‬‬ ‫والأم ��ن امل��رت�ب��ط ب��ه وم�ع��اجل��ة ال�ن��زاع��ات ال��دول�ي��ة التي‬ ‫منهجية الدرا�سة‪:‬‬ ‫ت�سبقه يجب �أن ي�سري وفق خمطط فكري‪ ،‬كالآتي‪:‬‬ ‫‪� .1‬شخ�صية الفرد واملجتمع امل�سلم‬ ‫‪ .2‬حماية املجتمع امل�سلم �ضد التيارات املنحرفة‬ ‫‪ .3‬حفظ الأمن وحتقيقه للمجتمع امل�سلم‬

‫تتبع ال��درا��س��ة املنهج الو�صفي امل�ستند �إل��ى امل��راج��ع‬ ‫وامل�صادر العلمية والعملية �سواء كانت فقهية �أو قانونية‬ ‫واملتاحة للباحث‪.‬‬ ‫‪ ‬مو�ضوعات الدرا�سة‪:‬‬

‫‪ .4‬حتقيق معاين ال�سلم والعدل الدوليني‬

‫‪ .1‬تعريف الو�سطية لغة وا�صطالحاً‬

‫‪ .5‬حتقيق التوازن‬

‫‪ .2‬م�صادر الو�سطية يف القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة‬

‫وه��ذه امل�ع��اين ال ��واردة تعد �أر�ضية �صلبة للإنطالق ‪ .3‬احلكم ال�شرعي للو�سطية‬ ‫م�ن�ه��ا ن �ح��و حت�ق�ي��ق ال��و� �س �ط �ي��ة يف ال �ع�ل�اق��ات ال��دول �ي�‬ ‫هذه�ة ‪ .4‬قيم الو�سطية – احلوار‪ ،‬الت�سامح‪ ،‬العدل‪ -‬ال�سالم‬ ‫ذات ال�ن��زاع��ات املرتبطة يف امل�صاحلة املتباينة ب�ين‬ ‫ال��دول��ة وت �ل��ك‪ ،‬وب�ي�ن ه��ذا احل�ل��ف وذاك وال �ت��ي ب�سببها ‪ .5‬جتليات الو�سطية يف ال�سرية النبوية‬ ‫تن�ش�أ احلروب والنزاعات‪ ،‬وت�ستح�ضر الو�ساطات وتوقع‬ ‫أحيان ‪ .6‬التطرف والإرهاب والغلو‬ ‫املواثيق واملعاهدات‪ ،‬ويلج�أ �إلى التحكيم الدويل يف � ٍ‬ ‫كثرية‪ ،‬وعليه‪ ،‬ف�إن الو�سطية الإ�سالمية عاجلت‬ ‫املفاهيم ‪ .7‬الو�سطية وعالقتها بالبناء الإجتماعي‪ ،‬الإقت�صادي‪،‬‬ ‫املرتبطة بالنزاعات معاجل ًة فكري ًة متقدم ًة ا�ستطاعت‬ ‫وعالقتها مع ال�شرائع الأخرى‬ ‫�أن جتد احللول املنطقية ملن �أراده��ا وفق معادلة العدل‬ ‫واحلق‪.‬‬ ‫‪ .8‬ارتباط الو�سطية بالعدل وال�سالم العاملي ‪.‬‬ ‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪93‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫مخيم كشفي‬ ‫لبيان دور المنتدى العالمي للوسطية‬

‫‪94‬‬

‫انطالقاً من ال��دور الريادي للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫يف خدمة املجتمع ويف خدمة العامل الإ�سالمي والعربي بل‬ ‫وال�ع��امل �أج�م��ع‪ ،‬و�إدراك � �اً منه ل��واج�ب��ه جت��اه ق�ضايا املجتمع‬ ‫وم�شكالته وبخا�صة الق�ضايا املتعلقة بال�شباب املراهقني ملا‬ ‫ميثلونه من مكانة يف املجتمعات الإ�سالمية و�إ�سهاماً يف نهو�ض‬ ‫املجتمع ن�ح��و الأف���ض��ل وت�شخي�ص اح�ت�ي��اج��ات��ه ومتطلباته‬ ‫والعمل على معاجلة م�شكالته ومعوقاته‪ ..‬وبخا�صة ما يقوم‬ ‫به ف��رع املنتدى يف باك�ستان بواجبه جت��اه الإ�سهام يف توعية‬ ‫وتثقيف ال�شباب لتفعيل دوره��م يف املجتمع وحماربة الفكر‬ ‫املتطرف وتعزيز ثقافة الت�سامح واالحت ��اد‪ ،‬ا�ست�ضاف فرع‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية بباك�ستان ‪� 40‬شاباً يف خميم ك�شفي‬ ‫ُعقد يوم الثالثاء املوافق ‪� 22‬أغ�سط�س ‪2017‬م بهدف ا�ستغالل‬ ‫وق��ت ال�شباب خ�لال الإج ��ازة ال�صيفية يف ن�شاطات تثقيفية‬ ‫ترويحية ليكونوا م�شاعل ُت�ضييء املجتمعات بالعلم واملعرفة‪.‬‬ ‫وي�أتي هذا الن�شاط �إمياناً من املدربني بهيئة �شباب الو�سطية‬ ‫يف فرع املنتدى العاملي للو�سطية بباك�ستان ب�أن اخل�برات التي‬ ‫يكت�سبها الفرد يف مثل هذه املخيمات تدربه على االعتماد على‬ ‫النف�س‪ ،‬وتقوي مداركه حتى مييز اخلبيث من الطيب وي�سري‬ ‫على هدى من �أمره ‪ ،‬كما تعمل على دجمه يف بيئته من خالل‬

‫ممار�سة بع�ض املهارات الريا�ضية والفنية واملغامرات التي تقوي‬ ‫الفكر وتو�سع املدارك ‪.‬‬ ‫كما يعزم املنتدى ممث ًال بهيئة �شباب الو�سطية عقد عدد‬ ‫من املخيمات الك�شفية يف امل�ستقبل القريب خلدمة البيئة‪ :‬يتم‬ ‫من خاللها درا�سة احتياجات البيئة‪ ،‬ويقوم املخيمني بحمالت‬ ‫نظافة وبرامج اجتماعية وثقافية‪.‬‬


‫أخبار المنتدى‬

‫المهندس مروان الفاعوري‬ ‫يلتقي باالمين العام لوزارة التربية والتعليم‬

‫ا�ستقبل الدكتور حممد جمعه يا�سني العكور‬ ‫االم�ين ال�ع��ام ل ��وزارة الرتبية والتعليم �صباح‬ ‫االح��د امل��واف��ق ‪ 2017/8/6‬يف مكتبه املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري االمني العام للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطيه‪.‬‬ ‫وج � � ��رى خ �ل��ال ال� �ل� �ق ��اء ب �ح ��ث ع � ��دد م��ن‬ ‫املو�ضوعات ومن بينها ‪ ‬الن�شاطات والفعاليات‬ ‫الفكرية والثقافية ال�ت��ي ‪ ‬ي�سعى امل�ن�ت��دى الى‬ ‫اقامتها بالتعاون مع ال��وزارة ومن بينها اقامة‬ ‫م�ؤمتر تربوي حول ‪ :‬ر�ؤية م�ستقبلية للرتبية‬ ‫والتعليم يف االردن‪ ‬خالل العام ‪.2017‬‬ ‫وكذلك اال�ستمرار يف برنامج التح�صني ‪ ‬الفكري للطلبة‬ ‫وح�ضر اللقاء الدكتور غازي‪ ‬ربابعه والدكتور زيد احمد‬ ‫�ضد التطرف واالرهاب والذي يقوم به املنتدى يف املدار�س من املحي�سن املن�سق العام للعالقات اخلارجية والتعاون الدويل ‪.‬‬ ‫�سنوات‪ ،‬وكذلك التعاون ‪ ‬يف برامج التدريب ‪.‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪95‬‬


‫بيانات المنتدى‬

‫بيان المنتدى حول إحراق مسجد أوربرو‬ ‫امتدت �أياد �آثمة ميل�ؤها احلقد وتتلب�سها الكراهية لإحراق‬ ‫م�سجد �أوربرو الكبري يف منطقة ال�سويد _ فيفاال ‪ ،‬مما �أدى �إلى‬ ‫دماركامليفامل�صلىواملكتبةامللحقةبهواملرفقاتالعلويةللم�سجد‪.‬‬ ‫�إن املنتدى وبكل هيئاته وعلمائه ‪ ‬يندد وي�ستنكرا�شد اال�ستنكار‬ ‫هذا االعتداء املدبر وال��ذي ا�ستهدف بيتا من بيوت اهلل ت�ؤدى‬ ‫ف�ي��ه ال���ش�ع��ائ��ر ال�ت�ع�ب��دي��ة وت �ق��ام ف�ي��ه ال ��درو� ��س وامل �ح��ا� �ض��رات‬ ‫والأن �� �ش �ط��ة ال �ت��ي ُت�ع�ل��ي م��ن ق�ي��م ال�ت���س��ام��ح ال��دي �ن��ي وت��ر��س��خ‬ ‫ملفاهيم امل�شاركة املجتمعية الإيجابية واملواطنة ال�صاحلة ‪..‬‬ ‫�إننا ندعو اجلهات الر�سمية �أن تقوم بدورها املنوط بها من �أجل‬ ‫حماية امل�سلمني ودور عبادتهم وتتخذ كافة الإجراءات الكفيلة‬ ‫ب�ت��أم�ين ذل��ك م��ع � �ض��رورة اجل��دي��ة واحل���س��م يف تعقب اجل�ن��اة‬ ‫وتقدميهم للعدالة لينالوا ج��زاءه��م ال��رادع ‪.‬كما ن�شكر ملك‬ ‫ال�سويد الذي �سارع بزيارة امل�سجد و�إدانة اجلرميه‬ ‫‪ ‬املنتدى العاملي للو�سطية االردن‬

‫بيان المنتدى حول احداث الروهينغا‬

‫معايل ال�سيد �أنطونيو غوتريي�ش املحرتم‬ ‫الأمني العام للأمم املتحدة‬ ‫حتية الإحرتام والتقدير‪ ،‬وبعد ‪،،‬‬

‫‪96‬‬

‫يتابع املنتدى العاملي للو�سطية بكافة فروعه املنت�شرة‬ ‫يف العامل بقلق كبري حول ما تتناقله و�سائل الإعالم من‬ ‫�أخبار دامية ومن ممار�سات ال �إن�سانية من عمليات القتل‬ ‫والت�شريد والتهجري واحلرق للمنازل واملمتلكات ب�صورة‬ ‫وح�شية غري �إن�سانية والتي يتعر�ض لها ع�شرات الآالف‬ ‫من �شعب الروهينغا امل�سلمني يف منطقة ميامنار من ِقبل‬ ‫اجلي�ش النظامي البورمي‪ ،‬واملنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫لينا�شد العامل احلر من خاللكم للقيام ب��دوره يف وقف‬ ‫هذه املجازر التي يتعر�ض لها الأبرياء من ن�ساء ورجال‬ ‫و�شيوخ و�أط�ف��ال يف �أب�شع عملية تطهري عرقي عرفتها‬ ‫الب�شرية يف تاريخنا املعا�صر‪.‬‬

‫ال�ع��رق��ي م��ن قبل اجلي�ش ال�ب��ورم��ي �أم ��ام �سمع و�أن �ظ��ار‬ ‫العامل احل��ر‪ ،‬كما نهيب بكم دع��وة منظمات وم�ؤ�س�سات‬ ‫الإغاثة الدولية ملد يد العون له�ؤالء املنكوبني يف بورما‬ ‫ويف خميمات اللجوء يف دول اجلوار‪.‬‬

‫كما ندعو منظمة الأم��م املتحدة لإدان ��ة ه��ذه الأع�م��ال‬ ‫ال�برب��ري��ة ال�لا�إن���س��ان�ي��ة وال�لا�أخ�لاق �ي��ة وت��وف�ير احل�م��اي��ة‬ ‫‪� ‬إننا نخاطبكم ب�صفتكم الر�سمية كممثل للأممية الدولية ل�شعب الروهينغا‪ ،‬كما ندعو جمل�س الأمن الدويل‬ ‫العاملية يف هيئة الأمم املتحدة لن�ضعكم �أمام م�س�ؤوليتكم م��ن خ�لال�ك��م لت�شكيل جل�ن��ة دول�ي��ة لتوثيق ه��ذه اجل��رائ��م‬ ‫التاريخية ون��دع��وك��م ل�ب��ذل ك��ل اجل�ه��ود املمكنة وات�خ��اذ وتقدمي ا ُ‬ ‫جلناة للمحاكمة �أمام املحكمة اجلنائية الدولية‪.‬‬ ‫ال� �ق ��رارات وال �ت��داب�ي�ر والإج � � ��راءات ال��وق��ائ �ي��ة ال�لازم��ة‬ ‫ون�س�أل اهلل تعالى �أن يك�شف عن �أخوتنا يف بورما الكرب‬ ‫حلماية �أرواح امل�ست�ضعفني من الن�ساء والأطفال وال�شيوخ ويعجل بالفرج القريب‪ ،‬وال حول وال قوة �إال باهلل‪.‬‬ ‫من �شعب الروهينغا‪.‬‬ ‫وتف�ضلوا معاليكم بقبول فائق الإحرتام‬ ‫�إننا يف املنتدى العاملي للو�سطية وبكافة فروعه يف دول‬ ‫‪ ‬الأمني العام‪/ ‬املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫العامل نهيب بكم مد يد العون وامل�ساعدة له�ؤالء الأبرياء‬ ‫الذين يذهبون �ضحايا للعن�صرية والفا�شية والتطهري‬


‫كل عام وانتم بألف خير ‪..‬بمناسبة‬

‫العام الهجري الجديد‬

‫‪1439‬‬

‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪97‬‬


98


‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد الثامن والع�شرون ‪ -‬حمرم ‪1439‬هـ ‪/‬ت�شرين الأول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪99‬‬


100


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.