العدد التاسع والعشرين من مجلةالوسطية

Page 1



‫افتتاحية العدد‪. . .‬‬

‫القد�س توحدنا‬

‫ي ��ودع ال �ع��امل ال �ع��رب��ي والإ� �س�ل�ام��ي ه ��ذا ال �ع��ام (‪)2017‬‬ ‫والغ�ضب يرت�سم على وج��وه �أب�ن��ائ��ه‪ ،‬ك�ب��اراً و��ص�غ��اراً‪ ،‬عرباً‬ ‫وعجماً‪ ،‬م�سلمني وم�سيحيني‪ ،‬كل ذلك ب�سبب القرار الظامل‬ ‫الذي اقت�ضى اعتبار القد�س عا�صم ًة �أبدي ًة لإ�سرائيل‪� ،‬ضارباً‬ ‫بذلك القرار عر�ض احلائط بالقرارات الدولية وال�شرعية‬ ‫والقانونية والتاريخية التي تتعامل مع القد�س ال�شريف‬ ‫كمدينة �إ�سالمية عربية حمتلة و ُمتنازع على م�صريها مع‬ ‫عدو حمتل مغت�صب‪ ،‬وينتظرها دور دويل كعا�صمة لدولة‬ ‫فل�سطني ال�شرعية والتي تنادي بها كل ال�ق��رارات واملواقف‬ ‫الدولية املنا�صرة لق�ضيتها‪ ،‬هذا ف�ض ً‬ ‫ال عن القيم الدينية‬ ‫والأخالقية والإن�سانية التي تنزّه هذه املدينة املقد�سة من كل‬ ‫�إرث ديني يهودي مزعوم قدمياً وحديثاً و�إلى قيام ال�ساعة‪.‬‬ ‫ومل يت�سن ملثل ذلك القرار الظامل �أن ي�سرت�شد �صاحبه‬ ‫باملنجز التاريخي والإن�ساين الذي يثبت ب�شكل قاطع وال يدع‬ ‫جما ًال لل�شك‪� ،‬أن هذه املدينة عربية �إ�سالمية متتد �إمتداد‬ ‫التاريخ نف�سه يف ذاكرة الإن�سان العربي وامل�سلم والفل�سطيني‪،‬‬ ‫ول��ن ي�ستطيع �أح � ٌد �أي �اً ك��ان �إن�ت��زاع تلك القيمة اجلوهرية‬ ‫التي حتظى بها القد�س يف نف�س كل عربي وم�سلم‪ ،‬ذلك �أن‪،‬‬ ‫رب العزة واجل�بروت جل يف عاله‪ ،‬ربط بني امل�سجد احلرام‬ ‫وامل�سجد الأق�صى برباط وثيق يبلغ منتهاه يف ال�سماء‪ ،‬حيث‬ ‫ال قيمة مل��ن يف الأر� ��ض جميعاً مهما بلغت قوتهم وطغت‪،‬‬ ‫ومهما تعاظم ظلمهم وعم‪ ،‬فاحلكم �إليه و�إليه امل�صري‪.‬‬ ‫نعم‪� ،‬إن قراراً كهذا لن يغري حقائق التاريخ واجلغرافيا‬ ‫واحلق واحلقيقة بقدر ما يقدم �صورة مظلمة لدولة كانت‬ ‫وم��ا زال��ت تقدم نف�سها كراعية للحقوق واملواثيق الدولية‬ ‫وحقوق الإن�سان واحليوان‪ ،‬يف الرب والبحر واجلو‪ ،‬وتنا�ست‬ ‫كل هذه امل�سميات وهي تقدم رئي�سها ليعطي وعداً ظاملاً جائراً‬ ‫ي�أتي موعد �إ�صداره على ر�أ�س مئوية وعد م�ش�ؤوم �سبقه هو‬ ‫وع��د بلفور بالتمام وال�ك�م��ال‪ ،‬فيت�شابه ال��وع��دان يف ال�شكل‬ ‫وامل���ض�م��ون‪ ،‬ويتفقان م�ع�اً ب���ض��رورة ت�ق��دمي م�صيبة كربى‬ ‫للأمة العربية والإ�سالمية ي�ستمر �أثرها مائة �سنة و�أكرث‪.‬‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫وعليه‪ ،‬ف ��إن املنتدى العاملي للو�سطية وه��و يبحث عن‬ ‫حلول عملية ين�صح بها �صناع القرار ال�سيا�سي يف عاملنا العربي‬ ‫والإ�سالمي‪ ،‬ليجد من ال�ضروري التوجه فوراً نحو م�صاحلة‬ ‫وطنية فل�سطينية تُذيب اجلليد يف العالقات البينية بني‬ ‫مكونات ال�شعب الواحد باعتباره �صاحب الق�ضية الأول‪.‬‬ ‫كما يدعو �إل��ى نبذ اخلالفات العربية العربية يف �سبيل‬ ‫الو�صول �إلى وحدة حقيقية تخدم ق�ضية القد�س ال�شريف‬ ‫وت�ضعها يف مقدمة اهتماماتهم املحلية والإقليمية والدولية‪،‬‬ ‫والإن�ف�ت��اح نحو القوى الوطنية املنا�صرة للحق الإ�سالمي‬ ‫وال �ع��رب��ي وال�ف�ل���س�ط�ي�ن��ي يف ه ��ذه امل��دي �ن��ة‪ ،‬وال��دف��ع ب��اجت��اه‬ ‫م�صاحلات وطنية حقيقية هدفها جتفيف منابع احلقد‬ ‫والكراهية بني مكونات الأمة الواحدة‪ ،‬مثلما يدعو املنتدى‬ ‫�إلى التوا�صل مع الهيئات واملنظمات الإن�سانية العاملية التي‬ ‫ترفع �شعارات احلق والعدالة لل�شعوب‪.‬‬

‫مثلما ي��دع��و امل�ن�ت��دى �إل��ى تفعيل دور منظمة التعاون‬ ‫الإ� �سل��ام��ي ل�ت�ق��دم ه ��ذه ال�ق���ض�ي��ة ع�ل��ى ك��ل ق���ض�ي��ة فرعية‬ ‫وجانبية‪ ،‬باعتبار �أن ق�ضية القد�س ق�ضية �أمة بكاملها و�أي‬ ‫حل حمتمل �أو من�شود ينبغي �أن يحظى بدعم جميع امل�سلمني‬ ‫م��ن خ�لال دول�ه��م ومنظماتهم وهيئاتهم ويف مقدمة تلك‬ ‫�إن املنتدى وه��و هيئة فكرية �إ�سالمية عاملية ير�صد املنظمات‪ ،‬منظمة التعاون الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ال�صدى الإ�سالمي والإن�ساين العاملي املرتد عن وقع ذلك‬ ‫م��ن ه�ن��ا ي ��أت��ي ت ��أك �ي��دن��ا �أن م���س��أل��ة ال �ق��د���س وح�ق��وق�ه��ا‬ ‫القرار على �أ�سماع كل العاملني يف جمال املنظمات والهيئات التاريخية ثابتة يف �أعماق التاريخ و�إل��ى قيام ال�ساعة‪ ،‬و�أن‬ ‫الدولية ومراكز حقوق الإن�سان التي تر�صد كل قرار من قراراً ظاملاً جائراً كهذا لن يلغي حقنا امل�شروع فيها‪ ،‬بل على‬ ‫��ش��أن��ه الإ� �ض��رار مب�صالح ال�شعوب وحقوقها التاريخية‪ ،‬العك�س متاماً �إن كان هناك من فائدة لذلك القرار‪ ،‬ف�إمنا‬ ‫مثلما ي���ض��ر ب�سمعة امل�ن�ظ�م��ات وال�ه�ي�ئ��ات ذات الإه�ت�م��ام تنح�سر فائدته يف �إع��ادة البو�صلة الإ�سالمية جتاه القد�س‬ ‫بتلك امل�صالح‪ ،‬الأمر الذي يفقدها امل�صداقية املطلوبة يف وفل�سطني م��ن جديد و�إع ��ادة ق�ضيتها �إل��ى دائ��رة الإهتمام‬ ‫ال�ضمري الإن�ساين العاملي‪.‬‬ ‫العاملي ب�شكل يومي‪ ،‬حتى ي�أذن اهلل ب�أمر كان مفعو ًال‪.‬‬


‫محتويات العدد‬ ‫االفتتاحية‬ ‫درا�سات‬

‫م�ؤمترات‬ ‫مقاالت‬

‫واحة الو�سطية‬

‫�أخبار املنتدى‬

‫بيانات الو�سطية‬

‫القد�س توحدنا‬ ‫تقييم ردود الفعل العربية واال�سالمية والدولية على قرار ترامب ب�ش�أن القد�س‬ ‫احلوثيون يف اليمن‪:‬‬ ‫بني االجتهاد الديني واملمار�سة ال�سيا�سية‬ ‫مرئيات الإعالم الر�سايل ومنطلقاته‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫د‪� .‬سمري مطاوع‬

‫‪6‬‬

‫د ‪.‬حممود حممد اجلبارات‬

‫‪23‬‬

‫د ‪�.‬إن�صاف �أيوب املومني‬

‫‪29‬‬

‫العامل‪ ..‬ف�ضاء للتعاي�ش والت�سامح‬

‫د‪ .‬عالل الزهواين‬

‫‪38‬‬

‫ف�أخرجـنا به نبات ك ّل �شيء‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬من�صور �أبو�شريعة العبادي‬

‫‪43‬‬

‫الو�سطية ‪ ...‬ر�سالة عدل وم�ساواة‬ ‫(وقفوهم �إنهم م�س�ؤولون!!!) م�س�ؤولية املجتمع امل�سلم(الأُ�سرة‪-‬الأَفراد)‬

‫د‪ .‬مازن الفاعوري‬ ‫ال�شيخ عبد املجيد �أبو �سل‬

‫‪50‬‬

‫ملخ�ص �أوراق اجلل�سات العلمية مل�ؤمتر‪:‬‬ ‫ال�سنة النبوية ودورها يف تعزيز قيم الو�سطية واالعتدال‬ ‫الكفاءة‬ ‫القد�س‪ :‬كيف حررها �صالح الدين؟!‬ ‫مناهج التعليم وت�أ�صيل الفكر الو�سطي يف العامل الإ�سالمي‬ ‫ملاذا القتل؟!‬ ‫املواطنة ال�صاحلة �أ�سا�س التعاي�ش ال�سلمي‬ ‫الغابات و�أهميتها يف حياة االن�سان والبيئة‬ ‫القر�آن الكرمي يقرر �شمول الوحي لل�سنة النبوية‬ ‫دور املنتدى يف مبادرات التح�صني الفكري‬ ‫مقام الت�صرفات النبوية و تعزيز الو�سطية والإعتدال‬ ‫املولد النبوي يف منظور ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫ك�شمري‪ :‬م�شكلة يف اجلنة‬ ‫�أثر الت�صوف يف حفظ روح الأمة الإ�سالمية‬ ‫كتابات يف احلكمة‬ ‫خلق �آدم عليه ال�سالم‬ ‫((تاج الذكر))‬

‫د‪ .‬عبد احلميد القطيطات‬ ‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫د‪ .‬ح�سن علي املبي�ضني‬ ‫ال�شيخ عامر اجبري فالح عبد النمراوي‬ ‫�أ‪ .‬عبد القادر النايل‬ ‫د‪� .‬صالح عبد الغني ال�شرع‬ ‫�أ‪� .‬أ�سامة �شحادة‬ ‫�أ‪ .‬حنا ميخائيل �سالمة نعمان‬ ‫�أ‪� .‬شريوان ال�شمرياين‬ ‫د‪ .‬تي�سري الفتياين‬ ‫د‪ .‬غالم نبي فاي‬ ‫د‪ .‬ر�شاد الكيالين‬ ‫اللواء الركن م ‪ .‬عدنان عبيدات‬

‫‪89‬‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية يقيم ندوته ال�شهرية بعنوانالقد�س توحدنا‬

‫‪4‬‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية يعقد م�ؤمتراً دولياً بالتعاون مع جمعية امل�سار يف الدار البي�ضاء‬ ‫جملة الو�سطية يف ا�سطنبول‬ ‫املنتدى ي�شارك يف معر�ض احتاد املنظمات الأهلية يف العامل اال�سالمي يف ا�سطنبول‬ ‫الأمني العام يلتقي وفداً عراقياً‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك يف ملتقى تا�سكا الدويل الثالث ‪ -‬تركيا‬ ‫الفاعوري ي�ستقبل ممثلة الإحتاد الن�سائي لل�سالم العاملي‬ ‫بيان حول الهجوم على كني�سة حلوان‬ ‫بيان حول حادثة انفجار يف نيجرييا‬ ‫بيان املنتدى العاملي للو�سطية حول القد�س‬

‫‪10‬‬

‫‪1‬‬

‫‪54‬‬

‫‪12‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪88‬‬

‫‪90‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪94‬‬


‫الهيئة االستش�ارية للمجلة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‪/‬ال�سودان‬ ‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‪ /‬الأردن‬ ‫معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور حممد طالبي‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‪ /‬لبنان‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين‪ /‬اجلزائر‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‪ /‬املغرب‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‪ /‬الأردن‬

‫السنة العاشرة‪ :‬العدد التاسع والعشرون ‪ -‬ربيع الثاني ‪1439‬هـ ‪/‬كانون أول ‪٢٠١7‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‪/‬م�صر‬ ‫الدكتور حممد حب�ش‪�/‬سوريا‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‪/‬الأردن‬

‫هيـئـة التـحريـر‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬ ‫الدكتور علي احلجاحجة‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‬

‫المشرف العام على المجلة‬ ‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‬

‫تصدر عن‬

‫تصميم وإخراج‬ ‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬

‫‪0799160136‬‬

‫عمان‬ ‫المملكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬

‫المراسالت‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع‬

‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 1241 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬ ‫يقيم ندوته الشهرية بعنوان‬

‫القدس توحدنا‬

‫‪6‬‬

‫اقام املنتدى العاملي للو�سطيه ندوته ال�شهرية بعنوان‬ ‫القد�س توحدنا‪ ،‬مب�شاركة عدد من املفكرين والباحثني‬ ‫م��ن ذوي ال�ع�لاق��ة وااله �ت �م��ام بالق�ضية الفل�سطينية‬ ‫والقد�س والواقع ال�سيا�سي والدبلوما�سي ‪.‬‬ ‫وقد �شارك يف الندوة الأ�ستاذ عبداهلل كنعان �أمني عام‬ ‫اللجنة امللكية ل�ش�ؤون القد�س مبحور بعنوان (االهمية‬ ‫الدينية والتاريخية ملدينة القد�س ) ينب فيه �أن القد�س‬ ‫ع��رب�ي��ة م�ن��ذ الأزل ومي �ت��د ت��اري�خ�ه��ا ال�ع��رب��ي لأك�ثرم��ن‬ ‫(‪� )5000‬آالف �سنة ‪ ،‬االم��ر ال��ذي اع�ط��اه��ا ب�ع��داً عربياً‬

‫وا�سالمياً ‪ ،‬كما تناول البعد اال�سالمي يف مدينة القد�س‬ ‫م��ن ل��دن ع�م��ر ب��ن اخل �ط��اب ال ��ذي ح��اف��ظ ع�ل��ى هويتها‬ ‫العربية واال�سالمية ‪ ،‬ومنع اليهود من البقاء فيها ‪� ،‬إلى‬ ‫العهد الأم��وي ال��ذي ظهرت مالحمه يف بناء املقد�سات‬ ‫اال�سالمية ‪ ،‬ث��م العهد العبا�سي ‪ ،‬واململوكي واالي��وب��ي‬ ‫‪ ،‬والعثماين حتى العهد الها�شمي احلديث ال��ذي جعل‬ ‫القد�س درة ال�صراع العربي اال�سالمي وال�صهيوين هذا‬ ‫العهد املمتد م��ن ال�شريف احل�سني ب��ن علي ال��ى امللك‬ ‫امل�ؤ�س�س ثم امللك طالل وما تاله من عهد امللك احل�سني‬ ‫بن طالل الذي عمل على �إعمار املقد�سات ‪ ،‬ثم عهد امللك‬


‫عبداهلل الثاين ابن احل�سني الذي �أعاد مبوقفه ال�سيا�سي‬ ‫احل��ازم ح��ول القد�س ‪ ،‬الق�ضيه الفل�سطينية وجوهرها‬ ‫القد�س الى واجهة االحداث العاملية ‪.‬‬ ‫ث��م ت�ن��اول معايل الأ��س�ت��اذ الدكتور �سمري امل�ط��اوع ‪،‬‬ ‫حم��وراً �آخ��ر هو تقييم ردود الفعل العربية واال�سالمية‬ ‫والعاملية ‪ :‬ال��واق��ع امل��أم��ول ‪ ،‬املمكن واملتوقع ) فقد عرج‬ ‫يف ه��ذا امل�ح��ور ال��ى حجم ال ��ردود و قدرتها على اح��داث‬ ‫ال�ت�غ�ي�ير امل�ط�ل��وب ‪ ،‬وط�ب�ي�ع��ة ه ��ذه ال� ��ردود ‪ ،‬وت��وزي�ع�ه��ا‬ ‫اجلغرايف حملياً واقليمياً وعاملياً ‪ ،‬وقال ‪�:‬إن ردود الأفعال‬ ‫من اجلميع ت�شابهت يف اجلوهر ‪ ،‬وان تنوعت من حيث‬ ‫املفردات والكلمات ‪ ،‬فلم تكن �أكرث من كلمات و �أحاديث‬ ‫يف الهواء تبخرت مبجرد �إذاعتها لأنها يف الواقع مل ت�أت‬ ‫ب�أي نتيجة ‪.‬‬ ‫وق��ال ‪� :‬إن ا�سرائيل مت��ادت بعد ردود االف�ع��ال تلك‪،‬‬ ‫ف��أ��ص��در الكني�ست اال��س��رائ�ي�ل��ي ق��ان��ون��ا يحظر ع�ل��ى �أي‬ ‫حكومة �إ�سرائيلية �أن ت�ف��او���ض ب���ش��أن ال�ق��د���س ‪ ،‬جمرد‬ ‫تفاو�ض ‪ ،‬مع �أن معاهدات ال�سالم بني ا�سرائيل وكل من‬ ‫م�صر واالردن واتفاقات او�سلو جتعل القد�س مو�ضوعاً‬ ‫للمفاو�ضات النهائية ‪.‬‬

‫الآثار البعيدة باالعرتاف بالقد�س عا�صمة ا�سرائيل على‬ ‫م�ستقبل املنطقة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يتطلب العمل ال�ف��وري على‬ ‫حتديث مناهج الرتيبة والتعليم باالحتكام �إل��ى العقل‬ ‫و�أ�ساليب التجربة واخلط�أ ‪ ،‬وبالبطبع دون التخلي عن‬ ‫القيم الروحية واالجتماعية املن�سجمة متاماً مع واقعنا ‪.‬‬ ‫ب��دوره �أك��د املهند�س م��روان الفاعوري الأم�ين العام‬ ‫للمنتدى رئي�س الندوة �أن فل�سطني والقد�س هذه االيام‬ ‫ت�ت�ع��ر���ض ملحنة م��ن �أ� �ش��د امل �ح��ن و �أخ �ط��ره��ا م��ن خ�لال‬ ‫االع�لان والقرار الظامل ل�لادارة االمريكية الداعي ب�أن‬ ‫تكون القد�س عا�صمة للكيان ال�صهيوين ونقل ال�سفارة‬ ‫الأم��ري�ك�ي��ة وعمليات التهويد امل�ستمرة منذ ع��ام ‪1967‬‬ ‫واالقتحامات املتكررة التي تقوم بها ال�سلطات اال�سرائيليه‬ ‫للم�سجد االق�صى املبارك وب�شكل �شبه يومي ‪ .‬ومن هذا‬ ‫املكان نتوجه الى اهلنا يف فل�سطني والقد�س بتحية على‬ ‫دوره��م املميز و�شجاعتهم يف ال��دف��اع ع��ن م�سرى النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم وامل��دي�ن��ة املقد�سة وك��اف��ة ال�ثرى‬ ‫الفل�سطني ‪.‬‬

‫ه ��ذا وق ��د ح���ض��ر ال �ن��دوة ج�م�ه��ور م��ن امل�ه�ت�م�ين من‬ ‫الباحثني والأك��ادمي�ين وم��دراء الدرا�سات واالعالميني‬ ‫�أما حمور معايل الدكتور كامل ابو جابر فقد تناول وطلبة الدرا�سات العليا وغريهم ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪7‬‬


‫حديث حول‬ ‫تقييم ردود الفعل العربية واالسالمية والدولية‬ ‫على قرار ترامب بشأن القدس‬ ‫‪ ..‬فلم تكن �أك�ثر م��ن كلمات و�أح��ادي��ث يف ال�ه��واء‪،‬‬ ‫تبخرت مبجرد �إذاعتها‪ ،‬لأنها يف الواقع مل ت�أت ب�أي‬ ‫نتيجة‪.‬‬

‫دراسات‬

‫‪ .4‬ب��ل �إن �إ��س��رائ�ي��ل مت��ادت بعد ردود الأف �ع��ال تلك ‪،‬‬ ‫ف�أقر الكني�ست الإ�سرائيلي قانونا يحظر على �أي‬ ‫حكومة �إ�سرائيلية �أن تفاو�ض ب�ش�أن القد�س ‪ ،‬جمرد‬ ‫تفاو�ض‪ .‬مع �أن معاهدات ال�سالم بني ا�سرائيل وكل‬ ‫من م�صر والأردن و�إتفاقات �أو�سلو جتعل القد�س‬ ‫مو�ضوعا للمفاو�ضات النهائية ‪.‬‬

‫د‪ .‬سمير مطاوع‬ ‫وزير االعالم األسبق‬

‫‪8‬‬

‫‪ .1‬مل ي ��أت ق��رار الرئي�س الأم�يرك��ي دون��ال��د ترامب‬ ‫ب�ش�أن الإعرتاف بالقد�س عا�صمة لإ�سرائيل مفاجئا‬ ‫‪ ،‬فقد م ّهد له الرئي�س الأم�يرك��ي قبل �أ�سبوع من‬ ‫�إعالنه ‪ ،‬كما �أن��ه ات�صل بعدد من ق��ادة دول ال�شرق‬ ‫الأو��س��ط لإبالغهم بالقرار ولي�س للت�شاور معهم‬ ‫‪ .‬كانت ات�صاالت جماملة ورف��ع عتب لي�س �أك�ثر ‪..‬‬ ‫فلم يعتد الر�ؤ�ساء الأمريكيون �أن ي�شاوروا الزعماء‬ ‫العرب لأنهم ال يتعاملون معهم بندية من الأ�صل ‪.‬‬

‫‪ .5‬كانت ردود الأفعال العربية والإ�سالمية والدولية‬ ‫جم��رد رف ����ض‪ ،‬وا��س�ت�ن�ك��ار‪ ،‬و��ش�ج��ب ‪ ،‬وحت��ذي��ر من‬ ‫ع��واق��ب مل ت�ع��د تخيف ال �إ��س��رائ�ي��ل وال ال��والي��ات‬ ‫املتحدة ‪.‬‬ ‫‪ .6‬ردود الأف �ع��ال ك��ان��ت جم��رد تو�صيف ل�ل�ق��رار بانه‬ ‫خمالف لل�شرعية الدولية ‪ ،‬خمالف لقرارات االمم‬ ‫املتحدة ‪ ،‬خم��ال��ف الل�ت��زام��ات ا�سرائيل وال��والي��ات‬ ‫املتحدة ‪ ،‬خرق لل�شرعية الدولية وامليثاق الأممي ‪،‬‬ ‫�أو �أن��ه ق��رار غري م�س�ؤول‪ ،‬وم�ؤ�سف‪ ،‬ومثري للقلق‪،‬‬ ‫وي�ح�ك��م ب��االع��دام ع�ل��ى م�ساعي ال���س�لام ‪ ،‬وي�شكل‬ ‫م�سا�سا ب��ال��و��ض��ع ال �ق��ان��وين وال�ت��اري�خ��ي للمدينة‬ ‫املقد�سة ‪ ،‬و�أن ��ه خ�ط�ير‪ ،‬وي�ه��دد �صدقية ال��والي��ات‬ ‫املتحدة ‪ ،‬وين�سف الو�ضع اخل��ا���ص ال��ذي اكت�سبته‬ ‫القد�س على مر التاريخ ‪ ،‬وي�ؤخر عملية ال�سالم ‪،‬‬ ‫ويثري الإ�ستياء ‪ ،‬ويهدد ال�سالم ‪ ،‬و�أنه قرار متهور‬ ‫وا��س�ت�ث�ن��ائ��ي وي��زي��د م��ن ت�ق��وي����ض ح �ق��وق ال�شعب‬ ‫الفل�سطيني ‪ ،‬و�أنه قد يت�سبب يف انتفا�ضة جديدة ‪،‬‬ ‫و�أنه ي�شكل �ضربة قا�سية لل�سالم‪.‬‬

‫‪ .2‬هل كانت ردود الفعل العربية والدولية والإ�سالمية‬ ‫على ق��در احل��دث؟ فقرار بهذا احلجم له ما قبله‬ ‫ول��ه م��ا ب�ع��ده‪ ،‬لكن امل��واق��ف العربية والإ��س�لام�ي��ة‬ ‫والدولية منه‪ ،‬كانت باهتة‪ ،‬ومل تكن م�ساوية له يف‬ ‫‪ .7‬كل الدول‪ :‬عربية و�إ�سالمية و�أوروبية �أعربت عن‬ ‫القوة‪ ،‬وان كانت م�ضادة له يف الإجتاه ‪.‬‬ ‫رف�ضها للقرار وع��دم الإت �ف��اق معه‪ ،‬وع��دم ت�أييده‬ ‫وال�ت��زم��ت ب�ع��دم نقل �سفاراتها ال��ى القد�س مثلما‬ ‫‪ .3‬ت�شابهت ردود الأف �ع��ال م��ن اجلميع ‪ ،‬ت�شابهت يف‬ ‫اجلوهر‪ ،‬وان تنوعت من حيث امل�ف��ردات والكلمات‬ ‫�ستفعل ال��والي��ات املتحدة ‪ .‬وك��ان ملفتا �أن جميع‬


‫املوقف الوحيد ال�شجاع والوا�ضح هو موقف جاللة‬ ‫امللك عبداهلل الثاين‬

‫ال ��دول الأع �� �ض��اء يف جم�ل����س الأم ��ن الأرب� ��ع ع�شرة‬ ‫�صوتت �ضد القرار مبا فيها الدول الدائمة الع�ضوية‬ ‫التي تتمتع بحق النق�ض (الفيتو) ورغم �أن بريطانيا‬ ‫وفرن�سا تعتربان حليفتني للواليات املتحدة ‪ ،‬ف�ضال ‪ .10‬اجتمع ال�ع��امل اال��س�لام��ي ب��دع��وة م��ن ج�لال��ة امللك‬ ‫وال��رئ �ي ����س ال�ت�رك��ي �أردوغ� � ��ان يف ا��س�ط�ن�ب��ول ول�ك��ن‬ ‫عن ت�صويت ‪ 128‬دول��ة ميثلون ثلثي �أع�ضاء الأم��م‬ ‫امل�ؤمتر مل ي�ستطع ان يفعل �شيئا �سوى ا�صدار بيان‬ ‫املتحدة يف اجلمعية العامة التي ال تعترب قراراتها‬ ‫مثل كل البيانات ال�سابقة ‪� :‬شجب وا�ستنكار و�إدانة‪..‬‬ ‫ملزمة‪ .‬وعار�ضت ال�ق��رار بطبيعة احل��ال �إ�سرائيل‬ ‫وتاكيد م��ا ه��و م��ؤك��د وم �ع��روف‪�� ..‬ش�ذّوا ع��ن اتخاذ‬ ‫وال��والي��ات املتحدة و�سبع دول �أخ��رى ‪ ..‬ف�ضال عن‬ ‫موقف م�شابه ملا اتخذه املرحوم امللك في�صل �آل �سعود‬ ‫خم�س وثالثني دولة امتنعت عن الت�صويت ‪ ..‬وبع�ض‬ ‫باملقاطعة النفطية للدولتني امل�ساندتني لإ�سرائيل‬ ‫هذه الدول ال يعرف الكثريون مكانها جغرافيا فيما‬ ‫عام ‪ 1974‬و�إحداهما الواليات املتحدة نف�سها ‪.‬‬ ‫عدد �سكانها ال يزيدون عن �سكان قرية �أردنية ‪.‬‬ ‫‪ . 8‬ولكن ماذا �ستفعل هذه املواقف اللفظية ‪� .‬إن و�ضع ‪ . 11‬م� ��اذا ي�ع�ن��ي م��ا ج ��اء يف ال �ب �ي��ان اخل �ت��ام��ي لقمة‬ ‫ا�سطنبول “ �أن تتم دعوة العامل لالعرتاف بالقد�س‬ ‫ه ��ذه ال � ��دول ا��ش�ب��ه مب��ن ي ��رى ج��رمي��ة ف�ي�م�ع��ن يف‬ ‫ال�شرقية عا�صمة لفل�سطني" ؟ واحلقيقة ان معظم‬ ‫و�صفها و�إدانتها ولكنه ال يفعل �شيئا بحق املجرم‪.‬‬ ‫دول ال�ع��امل با�ستثناء ا�سرائيل وال��والي��ات املتحدة‬ ‫ه��ذا بال�ضبط ه��و م��وق��ف النظام العربي ال��ذي ر ّد‬ ‫تعرتف بذلك وان كان االمر لي�س ر�سميا بعد ‪.‬‬ ‫�شكليا ولفظيا ولكن مل يقم ب�أي �أفعال ميكن �أن تردع‬ ‫الواليات املتحدة ‪ ،‬التي جل�أت ولأول مرة يف العالقات ‪ . 12‬البيان اخلتامي للم�ؤمتر �أكد انعقاد عزم الدول‬ ‫الدولية لأ�سلوب الإبتزاز والتهديد ملن ي�صوت �ضد‬ ‫امل�شاركة على مواجهة �أي تغيري يف الو�ضع الديني‬ ‫القرار عالنية من على منرب الأمم املتحدة وفق ما‬ ‫وال�سيا�سي ملدينة القد�س‪ .‬لكن البيان مل يبني كيف؟‬ ‫�أعلنت املندوبة الأمريكية الوقحة‪.‬‬ ‫مل يه ّدد ‪ ..‬مل يحذّر‪ ..‬ومل ي�ضع �سقفا زمنيا مطالبا‬ ‫وا�شنطن بالرتاجع ‪.‬‬ ‫‪ .9‬النظام العربي مكبل يف �ضعفه‪ ..‬مكبل يف ارتباط‬ ‫م�صاحله بامل�صالح االم�يرك�ي��ة‪ ..‬مكبل يف افتقاده ‪ . 13‬وبعد ذلك ويف ختام البيان دعت قمة ا�سطنبول �إلى‬ ‫ال��دع��م ال�شعبي احلقيقي ‪ ،‬الأم��ر ال��ذي مينعه من‬ ‫التم�سك بال�سالم على �أ�سا�س حل الدولتني والقد�س‬ ‫اتخاذ مواقف قوية ‪ .‬هناك فرق كبري وفجوة عميقة‬ ‫ال�شرقية عا�صمة لدولة فل�سطني ‪.‬‬ ‫ب�ين م��ا يتمنى ال���ش�ع��ب ال�ع��رب��ي م��ن ق �ي��ادات��ه‪ ،‬وم��ا‬ ‫ميكن لتلك القيادات ان تفعل ازاء مثل هذا القرار‪ . 14 .‬هل هناك ما يدعو لل�شفقة اكرث من ذلك ؟ لقد‬ ‫عاد العرب ليكونوا من جديد جمرد ظاهرة �صوتية‬ ‫وم��وق��ف ال�ن�ظ��ام ال�ع��رب��ي ه��ذه امل��رة ال يختلف عنه‬ ‫وجعجعة بدون طحن‪.‬‬ ‫يف م��رات �سابقة وظ��روف م�صريية م�شابهة ‪ .‬وكان‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪9‬‬


‫‪ . 15‬مل جند دول��ة عربية تقطع ‪� ،‬أو على الأق��ل جت ّمد‬ ‫العالقات مع الواليات املتحدة ‪� ..‬أو تغلق ال�سفارة �أو‬ ‫تعيد �سفريها للت�شاور‪� ،‬أو توقف التجارة مع امريكا‬ ‫‪� ،‬أو ع�ل��ى الأق ��ل ت��وق��ف الإت �� �ص��االت الدبلوما�سية‬ ‫والأمنية ولو ملدة حمدودة ‪.‬‬

‫‪ . 22‬يف حرب ‪ 1948‬كان احلر�ص الأكرب للملك امل�ؤ�س�س‬ ‫ع �ب��داهلل الأول رح �م��ه اهلل احل �ف��اظ ع�ل��ى امل��دي�ن��ة‬ ‫املقد�سة ‪ ،‬وق��د ا�ستطاع اجلي�ش العربي �أن يحمي‬ ‫القد�س ويحافظ عليها رغ��م الت�ضحيات وال�ع��دد‬ ‫الهائل من ال�شهداء ‪.‬‬ ‫‪ . 23‬مواقف امللك عبداهلل الثاين معروفة ووا�ضحة‪:‬‬ ‫ات�� �ص��ل ه��ات�ف�ي��ا ب��ال��رئ�ي����س ت��رام��ب ق�ب�ي��ل �أن يعلن‬ ‫الأخري قراره ب�ش�أن القد�س وحذّره من عواقب ذلك‬ ‫االعالن‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫‪ . 1 6‬من ي�سمع لردود الفعل العربية على القرار اجلائر‬ ‫ب�ش�أن القد�س والتي حتذّر من انهيار عملية ال�سالم‬ ‫‪ ،‬ومل يكن يعرف حقيقة ما يجري يف �إط��ار عملية‬ ‫ال�سالم منذ خم�سة وع�شرين عاما‪� ،‬سيظن �أن عملية‬ ‫ال�سالم ت�سري يف �سكة وا�ضحة ‪ ،‬واملفاو�ضات ناجحة‪،‬‬ ‫واحلقوق الفل�سطينية يف طريق عودتها لأ�صحابها ‪ . 24‬ظل املوقف االردين من القد�س هو الأكرث و�ضوحا‬ ‫وحزما مع �أن الأردن يجد نف�سه يف و�ضع �صعب جدا ‪،‬‬ ‫‪ ،‬و�أن قرار ترامب جاء ليخ ّرب هذه العملية ويعيق‬ ‫ويف الوقت نف�سه يواجه خ�صما ال يخ�ضع ملنطق ‪� .‬إنه‬ ‫عودة احلقوق وي�ؤخر الإن�سحاب الإ�سرائيلي ويوقف‬ ‫على ما يبدو يقف وحيدا يف هذه املعركة يف الوقت‬ ‫�إقامة الدولة الفل�سطينية ‪.‬‬ ‫الذي جند فيه الدول ال�شقيقة التي يجب ان تدعم‬ ‫‪ . 17‬واحلقيقة �أن قرار ترامب هو نتيجة ّ‬ ‫وت ��ؤازر الأردن يف معركة القد�س م�شغولة ومتلهية‬ ‫لتعطل عملية‬ ‫ب�ش�ؤونها الأمنية والداخلية و�صراعاتها الطائفية‬ ‫ال���س�لام وج�م��وده��ا‪ ،‬ونتيجة للفو�ضى ال���س��ائ��دة يف‬ ‫وال�سطحية‪.‬‬ ‫العامل العربي‪ ،‬ونتيجة للمواقف العربية الباهتة‬ ‫م��ن الق�ضية الفل�سطينية ‪ ،‬وال���ض�ع��ف ال�ع��رب��ي يف‬ ‫‪ . 25‬ولأن االردن هو الأقرب الى القد�س وامللك عبداهلل‬ ‫مواجه التحديات املحدقة باالمة ‪.‬‬ ‫الثاين هو وريث الثورة العربية الكربى الذي �ضحى‬ ‫مفجرها بعر�شه يف �سبيل عروبة القد�س وفل�سطني ‪،‬‬ ‫‪ . 18‬ت��رام��ب ي��ري��د �أن ي��وق��ف امل�ع��ون��ات املالية لل�سلطة‬ ‫ف�إن الو�صاية الها�شمية على القد�س واملقد�سات هي‬ ‫الفل�سطينية ولوكالة الغوث التي تعيل الالجئني‬ ‫جزء من الإلتزام التاريخي من امللك عبداهلل جتاه‬ ‫الفل�سطينيني يف لبنان والأردن وال�ضفة الغربية‬ ‫�أمته و�شعبه ‪.‬‬ ‫وغ� ��زة ‪ ،‬ف �ه��ل دقّ ال �ع ��رب ع �ل��ى � �ص��دوره��م وق��ال��وا‬ ‫للفل�سطينيني �أب�شروا �سنعو�ضكم باح�سن منها؟‬ ‫‪ . 26‬ي�ؤكد امللك عبداهلل الثاين دوما على �أن الو�صاية‬ ‫الها�شمية ع�ل��ى امل�ق��د��س��ات امل�سيحية واال��س�لام�ي��ة‬ ‫‪ . 19‬واقع احلال م�ؤ�سف جدا ‪ .‬يف �ضوء الواقع الراهن‬ ‫يف القد�س م�س�ؤولية تاريخية يت�شرف بها الأردن‬ ‫لن تفعل ال��دول العربية وال ال��دول الإ�سالمية وال‬ ‫و��س�ي���س�ت�م��ر يف ح�م�ل�ه��ا و� �س �ي��وا� �ص��ل ال �ت �� �ص��دي ل ّأي‬ ‫العامل ك ّله �أي �شيء ازاء هذ القرار‪.‬‬ ‫حماولة لتغيري الو�ضع التاريخي والقانوين القائم‬ ‫‪� . 20‬ستظل القد�س يف قلوب اجلميع ‪� ..‬سيظل اجلميع‬ ‫يف احلرم القد�سي ب�شكل خا�ص ‪( .‬من خطاب امللك‬ ‫يطالب باحلقوق‪� ..‬سيظل ال�شعب الفل�سطيني يحلم‬ ‫يف قمة ا�سطنبول‪ ،‬دي�سمرب ‪)2017‬‬ ‫بالعودة و�إق��ام��ة ال��دول��ة‪ ،‬ولكن ه��ذا احللم على ما‬ ‫يبدو �سيكون طويال جدا ونتمنى �أن ال يتحول �إلى ‪ . 27‬القد�س �أولى القبلتني وثالث احلرمني يف وجدان‬ ‫كل امل�سلمني والقد�س �أي�ضا يف وجدان كل امل�سيحيني‬ ‫كابو�س‪.‬‬ ‫‪ ..‬وحق امل�سلمني وامل�سيحيني يف القد�س حق �أبدي‬ ‫‪ . 21‬القد�س تتمتع بخ�صو�صية بالن�سبة ل�ل�أردن الذي‬ ‫وخ��ال��د الن�ه��ا را��س�خ��ة يف وج��دان�ه��م جميعا ‪ ،‬لأن�ه��ا‬ ‫حر�ص يف معاهدة ال�سالم م��ع ا�سرائيل ع��ام ‪1994‬‬ ‫املدينة التي �أ�سري �إليها وكان معراجه �إلى ال�سماء‬ ‫على �أن تكون الأم��اك��ن املقد�سة يف القد�س خا�ضعة‬ ‫م�ن�ه��ا ال��ر� �س��ول الأع �ظ��م حم�م��د ��ص�ل��وات اهلل عليه‬ ‫للو�صاية الها�شمية (فقرة ‪ 2‬م��ادة ‪ )9‬من املعاهدة‬ ‫و�سالمه وفيها كني�سة قيامة امل�سيح عليه ال�سالم ‪.‬‬ ‫‪ ..‬ون�صها‪( :‬حترتم ا�سرائيل الدور احلايل اخلا�ص‬ ‫للمملكة االردنية الها�شمية يف االماكن املقد�سة يف ‪ . 28‬على امل�ستوى ال��وط�ن��ي وال�شعبي ت�لاق��ت جميع‬ ‫الأط �ي��اف ال�سيا�سية الأردن �ي��ة ملتفة ح��ول القيادة‬ ‫القد�س‪.)..‬‬ ‫الها�شمية يف م��وق��ف �شعبي ور��س�م��ي م��وح��د جتاه‬


‫القد�س‪ .‬و�شاهدنا امل�سريات والإعت�صامات التي تعبرّ ‪ . 32‬ملحة تاريخية �سريعة ‪ :‬بانتهاء احل��رب العربية‬ ‫عن �أن القد�س عنوان رئي�سي ال خالف عليه ‪.‬‬ ‫اال�سرائيلية ع��ام ‪ 1948‬تق�سمت املدينة بني غربية‬ ‫خا�ضعة لل�سيطرة الإ�سرائيلية و�شرقية بقيت عربية‬ ‫‪ . 2 9‬ل�ل�ت��ذك�ير ‪ ..‬يف ال �ع��ام ‪ 1995‬ات �خ��ذ ال�ك��ون�غ��ر���س‬ ‫�ضمن ما ع��رف بال�ضفة الغربية التي توحدت مع‬ ‫الأم�يرك��ي ال��ذي ي�سيطر عليه اللوبي ال�صهيوين‬ ‫االردن يف اململكة الأردنية الها�شمية عام ‪.1950‬‬ ‫ق ��رارا بنقل ال�سفارة الأم�يرك�ي��ة م��ن ت��ل اب�ي��ب �إل��ى‬ ‫القد�س ‪ ،‬ولكن ظل الر�ؤ�ساء الأمريكيون ي�ؤجلون ‪ . 33‬عندما قبلت الأم ��م امل�ت�ح��دة �إ��س��رائ�ي��ل كع�ضو يف‬ ‫القرار مبوجب مر�سوم رئا�سي هو من حق الرئي�س‬ ‫املنظمة الدولية تعهدت ا�سرائيل باحرتام القرارات‬ ‫ومن �صالحياته التنفيذية ‪ .‬غري �أن ترامب الذي‬ ‫الدولية وك��ان قبولها ب�ق��رار ‪ 194‬ال��ذي ين�ص على‬ ‫كادت �أعماله البهلوانية يف ال�سيا�سة اخلارجية تفقده‬ ‫حق العودة للفل�سطينيني الذين �شردوا من ديارهم‬ ‫ال�سلطة يريد تر�سيخ وجوده يف البيت االبي�ض بدعم‬ ‫نتيجة ق�ي��ام دول ��ة �إ��س��رائ�ي��ل وال�ت�ع��وي����ض ع�ل��ى من‬ ‫م��ن اللوبيات اليهودية فاعلن ذل��ك ال�ق��رار املتعلق‬ ‫ال يرغب يف ال�ع��ودة �شرطا �أ�سا�سيا لقبولها ع�ضوا‬ ‫بالقد�س ف�أ�سكت الأ� �ص��وات امل�ن��ادي��ة با�سقاطه من‬ ‫يف الأم��م امل�ت�ح��دة لكنها مل تلتزم بهذا التعهد بل‬ ‫الرئا�سة‪.‬‬ ‫وقاومت تنفيذه بالقوة الع�سكرية ‪ ..‬كما �أعلنت يف‬ ‫‪ . 30‬تُعد القد�س ال�شرقية التي يعرتف بها العرب وعدد‬ ‫العام ‪ 1950‬ان القد�س عا�صمتها الأبدية ‪.‬‬ ‫ك�ب�ير ج��دا م��ن دول ال �ع��امل ب��ان�ه��ا عا�صمة ال��دول��ة‬ ‫الفل�سطينية ج��زءا من االر���ض املحتلة ع��ام ‪ . 34 ، 1967‬ا�سرائيل تقوم برت�سيخ الأم��ر الواقع منذ �أن بد�أ‬ ‫الإح �ت�ل�ال ع��ام ‪ 1967‬وحت ��اول ت�ف��ري��غ ال�ق��د���س من‬ ‫وهي �إح��دى ق�ضايا الو�ضع النهائي وفقا للقوانني‬ ‫�سكانها العرب وخ�صو�صا امل�سيحيني منهم الذين‬ ‫الدولية‪ ،‬وم�شمولة بقرارات جمل�س الأم��ن والأمم‬ ‫انخف�ض عددهم الى الن�صف تقريبا عما كان عليه‬ ‫املتحدة ذات ال�صلة مب�س�ألة الأرا��ض��ي الفل�سطينية‬ ‫الو�ضع يف ع��ام ‪ .1948‬وه��م الآن م��ا ب�ين ع�شرة الى‬ ‫املحتلة‪.‬‬ ‫اثني ع�شر الفا وكان عددهم ع�شية النك�سة عام ‪1967‬‬ ‫‪ . 31‬كان �أب��رز ال�ق��رارات املتعلقة بالقد�س والتي تعترب‬ ‫‪ 31‬الفا‪.‬‬ ‫القد�س ال�شرقية �أر�ضا حمتلة هي ق��رارات جمل�س‬ ‫الأم��ن رقم ‪ 672‬و ‪ 673‬لعام ‪ 1990‬اللذين �أك��دا على ‪ 35‬الكالم عن القد�س كالم حق ومنطق ‪ ..‬ولن تغري‬ ‫�أن القد�س �أر���ض حمتلة مبوجب القانون ال��دويل‬ ‫مكانتها الدينية واحل�ضارية العربية مهما فعلت‬ ‫واتفاقيات جنيف ‪ ،‬ف�ضال عن ق��رار جمل�س الأمن‬ ‫�إ�سرائيل ومهما القت من ت�أييد من الواليات املتحدة‬ ‫الدويل رقم ‪ 478‬لعام ‪ 1980‬والذي يعترب �أن جميع‬ ‫الأمريكية ‪...‬‬ ‫الإجراءات الإ�سرائيلية لتغيري الو�ضع احل�ضاري �أو‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬ ‫الديني ملدينة القد�س الغ وغري �شرعي‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪11‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬

‫يعقد مؤتمر ًا دولي ًا بالتعاون مع جمعية المسار في الدار البيضاء‬

‫‪12‬‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطيه بالتعاون مع جمعية‬ ‫امل�سار م�ؤمتراً دولياً يف اململكة املغربية يف مدينة الدار‬ ‫البي�ضاء بتاريخ ‪ 2017/10/27‬حتت عنوان “ دور ال�سنة‬ ‫النبوية يف تعزيز نهج الو�سطيه “ بح�ضور رئي�س املنتدى‬ ‫دول��ة االم��ام ال�صادق املهدي وعطوفة املهند�س م��روان‬ ‫الفاعوري الأمني العام للمنتدى ‪.‬‬

‫ال�سقيم “ والتي تر�أ�سها معايل الدكتور حممد احلاليقة‬ ‫ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية ‪ ،‬فقد ت�ضمنت مداخالت‬ ‫ثالث ‪ ،‬كانت االولى بعنوان “ ال�سنة النبوية و�إ�شكاالتها‬ ‫يف الفهم والتنزيل عند بع�ض املعا�صرين لل�شيخ عبد‬ ‫الفتاح مورو ‪.‬‬

‫�أم��ا املداخلة الثانية فكانت بعنوان “ من �أج��ل فهم‬ ‫وافتتح امل��ؤمت��ر ب��آي��ات من الذكر احلكيم ثم بكلمة‬ ‫لرئي�س جمعية امل�سار الدكتور خمل�ص ال�سبتي ‪ ،‬ثم كلمة �سليم لل�سنة النبوية يف الر�ؤية واملنهج للدكتور �سعيد‬ ‫د‪ .‬ادري�س املن�صوري رئي�س جامعة احل�سن الثاين ‪ ،‬فكلمة �شبار‪.‬‬ ‫املهند�س م��روان ال�ف��اع��وري االم�ين ال�ع��ام للمنتدى ثم‬ ‫فيما كانت املداخلة الثالثة حتت عنوان “ الفهم‬ ‫�ألقى االمام ال�صادق املهدي كلمة با�سم �ضيوف امل�ؤمتر‬ ‫‪ ،‬ثم كلمة ال�سيد عبد احلميد اجلماهري ممثل جهة احل��داث��ي لل�سنة ال�ن�ب��وي��ة ‪ ،‬م��ال��ه وم��ا عليه ‪ ،‬للدكتور‬ ‫ال��دار البي�ضاء ‪ ،‬وكلمة املهند�س عبد العزيز العماري حممد ر�ستم ‪.‬‬ ‫رئي�س جمل�س مدينة الدار البي�ضاء ‪.‬‬ ‫�أما اجلل�سة العلمية امل�سائية يف اليوم االول فتناولت‬ ‫�أم��ا اجلل�سة العلمية ال�صباحية االول��ى والتي كانت املداخلة الرابعة بعنوان “ �ضوابط مقا�صدية للتعامل‬ ‫حتت عنوان “ ال�سنة النبوية بني الفهم ال�سليم والفهم مع ال�سنة النبوية للدكتور حممد �شهيد ‪.‬‬


‫بينما ت�ضمنت املداخلة اخلام�سة ورقة بعنوان “الثابت والتنزيل ‪ ،‬ق��راءة ومناق�شة كتاب الدكتور �سعد الدين‬ ‫واملتغري يف ال�سنة النبوية للدكتور عبدالفتاح الزنيقي ‪ .‬العثماين ‪ :‬الت�صرفات النبوية ال�سيا�سية ‪ ،‬فقد كانت‬ ‫�أم��ا امل��داخ�ل��ة ال�ساد�سة ‪ ،‬فكانت بعنوان “�أثر ال�سنة برئا�سة الأ�ستاذ جواد العراقي ‪.‬‬ ‫النبوية يف تر�سيخ الو�سطية يف التعامل مع غري امل�سلمني‬ ‫وقدم خالل اجلل�سة ق��راءات لكل من الدكتور �أحمد‬ ‫للدكتور عبد املنعم التم�سماين ‪.‬‬ ‫الري�سوين ‪ ،‬وقراءة الدكنور نور الدين اخلادمي وقراءة‬ ‫ويف اليوم الثاين عقد امل��ؤمت��رون جل�ستني علميتني للدكتور ‪ ،‬ال�شمرياين �شريوان ‪.‬‬ ‫واجلل�سة اخلتامية ‪.‬‬ ‫ثم تال القراءات تعقيب للدكتور �سعد الدين العثماين‬ ‫�أم��ا اجلل�سة العلمية ال�صباحية فقد كانت برئا�سة‬ ‫ويف اجلل�سة اخلتامية التي تر�أ�سها الدكتور عز الدين‬ ‫ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطيه الأ�ستاذ منت�صر الزيات ‪،‬‬ ‫وت�ضمنت املداخلة ال�سابعة والتي كانت بعنوان “ ال�سنة توفيق �ألقيت كلمات من جمعية امل�سار للدكتور خمل�ص‬ ‫النبوية ورب��ط اجل��زئ�ي��ات بكلياتها ‪ :‬التوحيد من��وذج�اً ال�سبتي ‪ ,‬وكلمة املنتدى لالمام ال�صادق املهدي ‪،‬وكلمة‬ ‫اللجنة املنظمة للدكتور اح�م��د ك��ايف ‪ ،‬بعد ذل��ك ق��ر�أت‬ ‫للدكتور خمل�ص ال�سبتي ‪.‬‬ ‫ال�سيدة خديجة م�سعد التو�صيات التي خرج بها امل�ؤمترون‬ ‫�أم��ا املداخلة الثامنة فكانت بعنوان “�إ�شكالية �إدراك من م�ؤمترهم‪ ،‬هذا وقد القى امل�ؤمتر �إهتماماً كبرياً من‬ ‫عالقة الكليات باجلزئيات يف فهم ال�سنة النبوية للدكتور لدن املحطات االعالمية والف�ضائية التي تابعت جمريات‬ ‫حممد عوام ‪.‬‬ ‫اجلل�سات فيه باهتمام بالغ ‪.‬‬ ‫فيما كانت املداخلة التا�سعة بعنوان “ ال�سنة النبوية‬ ‫وقد �أع��رب امل�ؤمترون جميعهم عن �شكرهم للمملكة‬ ‫ب�ي�ن ال� �ق ��ر�آن واحل��دي��ث ‪� :‬إ� �ش �ك��االت منهجية ل�ل��دك�ت��ور املغربية واللجنة املنظمة على ح�سن اال�ستقبال وك��رم‬ ‫م�صطفى بوهندي ‪.‬‬ ‫ال���ض�ي��اف��ة و� �ش �ك��روا امل �ن �ت��دى ال �ع��امل��ي ل�ل��و��س�ط�ي��ة �إدارة‬ ‫ويف اجلل�سة العلمية امل�سائية من اليوم الثاين والتي وعاملني على ح�سن جهودهم الطيبة املبذولة يف جمال‬ ‫كانت بعنوان “ الت�صرفات النبوية _ �إ�شكاالت الفهم دعم الو�سطية فكراً و�سلوكاً يف جميع البالد اال�سالمية ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪13‬‬


‫من مؤتمراتنا ‪...‬‬

‫ملخص أوراق الجلسات العلمية لمؤتمر‪:‬‬

‫السنة النبوية ودورها في‬ ‫تعزيز قيم الوسطية واالعتدال‬ ‫مم��ا ال �شك فيه‪� ،‬أن الن�صو�ص ال�شرعية تعرف يف‬ ‫معطيات عن امل�شاركني‪:‬‬ ‫�إط��ار التعامل معها‪ ،‬وتنزيلها غلوا وجفاء‪ ،‬ين�شب منه‬ ‫�شارك يف امل��ؤمت��ر من داخ��ل املغرب وخ��ارج��ه‪ ،‬علماء �أو�ضاع م�أ�ساوية يف كثري من الأحايني‪ .‬وقد عد �صلى اهلل‬ ‫وباحثون و�أ�ساتذة من ثمان دول هي‪:‬‬ ‫عليه و�سلم العدول من هذه الأمة �أمناء على ال�شريعة‪،‬‬ ‫‪ )1‬اململكة املغربية‪.‬‬ ‫يدفعون عن ن�صو�صها البي�ضاء النقية‪ ،‬ال�سمحة ال�سهلة‪،‬‬ ‫�شعبا من االنحراف ثالثة‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫‪ )2‬اململكة الأردنية الها�شمية‪.‬‬ ‫‪ )3‬اجلزائر‪.‬‬ ‫• حتريف الغالة‪.‬‬ ‫‪ )4‬تون�س‪.‬‬ ‫• انتحال املبطلني‬ ‫‪ )5‬م�صر‪.‬‬ ‫• ت�أويل اجلهال‪.‬‬ ‫‪ )6‬ال�سودان‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪ )7‬تركيا‬ ‫‪ )8‬العراق‬ ‫و�شارك من املغرب‪:‬‬ ‫• دكاترة اجلامعات املغربية‬ ‫• طلبة املا�سرت مبدينة الدار البي�ضاء ونواحيها‪.‬‬ ‫• الباحثون يف �سلك الدكتوراه‪.‬‬

‫وهو منطوق قوله عليه ال�صالة وال�سالم‪َ ":‬ي ْح ِم ُل‬ ‫ه��ذا ال ِع ْل َم ِم��نْ ُك � ِّل خَ �لَ� ٍ�ف ُع � ُدو ُل �هُ‪َ ،‬ي� ْن� ُف��و َن َع� ْن� ُه تحَ ْ � ِري��فَ‬ ‫الغَا ِلنيَ‪َ ،‬وا ْن ِت َحا َل امل ُ ْب ِط ِلنيَ‪َ ،‬و َت�أوِي َل ا َ‬ ‫جل ِاه ِلنيَ"‪.‬‬ ‫وال �شك ثانية �أن الأمة‪ ،‬بل والأمم �ستكتوى بالغلو‪،‬‬ ‫وبالباطل‪ ،‬وباجلهل‪� ،‬إذا وجد له رواجا يف دنياهم‪.‬‬

‫انطالقا م��ن ه��ذه الآف��ات وغ�يره��ا مم��ا يتنا�سل عن‬ ‫هذه الأ�صول‪ ،‬ف�إن اللجنة املنظمة لهذا امل�ؤمتر العلمي‪،‬‬ ‫• الإعالميون من قنوات و�إذاعات و�صحف ورقية و�إلكرتونية تهيب ب�أهل النظر والر�أي �أن يتناولوا مو�ضوع الو�سطية‬ ‫وقد قدر عدد امل�شاركني يف هذا امل�ؤمتر العلمي‪ 200 :‬م�شارك‪ .‬من خالل �أحد �أ�صول هذه الدين‪� ،‬أال وهو ال�سنة النبوية‪.‬‬ ‫ون�ضع بني �أيديكم املحاور الآتية‪:‬‬ ‫الورقة امل�ؤطرة للم�ؤمتر الدويل‬ ‫• مقا�صد ال�سنة النبوية‬ ‫ال�سنة النبوية ودورها يف تعزيز قيم الو�سطية واالعتدال • الت�صرفات النبوية‪� :‬إ�شكاالت يف الفهم والتنزيل‪.‬‬


‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫الو�سطية واالعتدال يف فهم ال�سنة النبوية والعمل بها‬ ‫ق�ضايا يف االنحراف عن الفهم ال�سليم لل�سنة النبوية‬ ‫�ضوابط الفهم الو�سطي لل�سنة النبوية‬ ‫ال�سنة النبوية وامل�ساهمة يف بناء امل�شرتك االن�ساين‬ ‫ال�سنة النبوية بني الغايات الثابتة والو�سائل املتجددة‬ ‫معايري ال�سنة النبوية الثابتة وال�سنة النبوية الو�سيلة‬

‫وت�ك��رمي��ا لأح ��د �أع���ض��اء امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية‪،‬‬ ‫وم�ؤ�س�سيها‪ .‬و�أحد م�ؤ�س�سي جمعية امل�سار‪� ،‬سعادة رئي�س‬ ‫احل�ك��وم��ة ال��دك�ت��ور �سعد ال��دي��ن ال�ع�ث�م��اين‪� .‬سنخ�ص�ص‬ ‫ح�صة م��ن ح�ص�ص ه��ذه الأي� ��ام العلمية‪ ،‬ملناق�شة �آخ��ر‬ ‫�إ� �ص��دارت��ه امل�ت�ع�ل�ق��ة ب��ال���س�ن��ة ال�ن�ب��وي��ة‪ ،‬وال� ��ذي ع�ن��وان��ه‪:‬‬ ‫الت�صرفات النبوية ال�سيا�سية‪ /‬درا�سة �أ�صولية لت�صرفات‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بالإمامة‪.‬‬ ‫كلمات اجلل�سة االفتتاحية‬ ‫من طرف اجلهات الراعية للم�ؤمتر‬ ‫انعقدت يوم اجلمعة ‪� 7‬صفر ‪1439‬هـ املوافق‪27 :‬اكتوبر‬ ‫‪2017‬م ابتداء من ال�ساعة التا�سعة �صباحا‪ .‬وعلى امتداد‬ ‫يومني علميني �شيقني كاملني‪ .‬اختتما بلقاء علمي من‬ ‫م�ستوى رف�ي��ع‪ ،‬خ�ص�ص مل��دار��س��ة كتاب رئي�س احلكومة‬ ‫امل �غ��رب��ي‪ ،‬وع���ض��و امل�ك�ت��ب ال�ت�ن�ف�ي��ذي ل�ل�م�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي‬ ‫للو�سطية‪ ،‬الدكتور �سعد الدين العثماين‪.‬‬ ‫وك��ان��ت اجلل�سة االفتتاحية برئا�سة ال��دك�ت��ور �أحمد‬ ‫كايف �أ�ستاذ التعليم العايل بجامعة احل�سن الثاين الدار‬ ‫البي�ضاء‪ ،‬كلية الآداب والعلوم االن�سانية ابن ام�سيك‪.‬‬

‫تناول الكلمة يف البداية الدكتور احمد ك��ايف رئي�س‬ ‫اجلل�سة مرحبا بال�ضيوف الكرام‪� ،‬ضيوف جامعة احل�سن‬ ‫ال�ث��اين وامل�ن�ت��دى العاملي للو�سطية وجمعية امل���س��ار‪ ،‬كل‬ ‫با�سمه وج�م�ي��ل لقبه وو��ص�ف��ه‪ .‬وم��ذك��را ال�سيد رئي�س‬ ‫اجلل�سة ب�برن��ام��ج اجلل�سات العلمية ال�ت��ي ��س��وف تكون‬ ‫م��ائ��دة �شهية م��ن خ�لال عرو�ضها ومدار�ساتها‪ .‬وكانت‬ ‫الكلمات االفتتاحية ون�صها على ال�شكل الآتي‪:‬‬ ‫الكلمة الأولى‪ :‬كلمة رئي�س جامعة احل�سن‬ ‫الثاين‪ /‬الدكتور ادري�س من�صوري‬ ‫ال�سنة النبوية و تعزيز فكر الو�سطية‬ ‫واالعتدال‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل‪ ،‬وعلى‬ ‫�آله و�صحبه‪،‬‬ ‫ح �� �ض��رات ال �� �ض �ي��وف الأع� � � ��زاء‪ ،‬ال �� �س �ي��دات وال �� �س��ادة‬ ‫الف�ضالء‪� ،‬أيها احل�ضور الكرمي‪،‬‬ ‫ي�سعدين �أن �أرح ��ب بكم يف اململكة املغربية الفتتاح‬ ‫�أ�شغال امل�ؤمتر العاملي‪ ‬حول ال�سنة النبوية وتعزيز فكر‬ ‫الو�سطية واالع �ت��دال يف ه��ذا ال �ي��وم ال ��ذي يجتمع فيه‬ ‫العلماء والباحثون والطلبة لتدار�س هذا املو�ضوع الذي‬ ‫يعترب من الأهمية مبكان‪ ،‬وال �سيما يف ع�صرنا احلا�ضر‪.‬‬ ‫وتت�شرف جامعة احل�سن الثاين بالدار البي�ضاء بالتعاون‬ ‫مع جمعية م�سار واملنتدى العاملي للو�سطية باحت�ضان‬ ‫امل�ؤمتر يف ن�سخته احلالية‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪15‬‬


‫�أيها احل�ضور الكرام‪،‬‬ ‫قبل �أن نتحدث عن الو�سطية واالعتدال‪ ،‬ال ب�أ�س من‬ ‫الإ�شارة الى معناهما يف اللغة العربية‪ ،‬فهما كلمتان تدالن‬ ‫على العدل والف�ضل واخلريية والتو�سط بني طرفني‪� .‬أما‬ ‫من الناحية اال�صطالحية فتدالن على كل �أم��ر توفرت‬ ‫فيه اخلريية والأف�ضلية‪ ،‬والتوازن والعدل والقيام باحلق‬ ‫يف �ضوء ما جاء به الدين الإ�سالمي احلنيف‪.‬‬

‫ال�صحيحة مم��ا ي�سهل ع�ل��ى ال�ن��ا���س ح�ي��ات�ه��م‪ ،‬ويحفظ‬ ‫للمجتمع ا�ستقراره وكيانه يف �إطار قيمي موحد‪ .‬و�أخريا‬ ‫ذلكم الفكر ال��ذي يعمل �إ�شاعة ال�سالم والأم��ان وب�سط‬ ‫اال�ستقرار يف ظل االلتزام بقيم الو�سطية كمنهج حياة‪،‬‬ ‫�أم ��ا �إذا ح�صل الإف � ��راط وال�ت�ف��ري��ط‪ ،‬فيقع املجتمع يف‬ ‫خماطر ال تعد وال حت�صى‪.‬‬ ‫�أيها احل�ضور الكرام‪،‬‬

‫ل��ذا ف ��إن املق�صود بقيم الو�سطية واالع �ت��دال يف هذا‬ ‫امل�ؤمتر هو‪ :‬االلتزام ال�سلوكي بالأمر الو�سط بني �أمرين‬ ‫م�ت���ض��ادي��ن‪ ،‬وك ��ذا اخ�ت�ي��ار الأي �� �س��ر ب�ين �أم��ري��ن كالهما • التي�سري على النا�س وال��رف��ق ب�ه��م‪� ،‬إذ �إن التي�سري‬ ‫خري ومباح‪ ،‬والأخ��ذ بقواعد الدين‪ ،‬ومقا�صد ال�شريعة‬ ‫ِ‬ ‫عامة لل�شريعة‬ ‫مق�ص ٌد من مقا�صد هذا الدين‪ ،‬و�صفة ّ‬ ‫ال�سمحة من غري زي��ادة وال نق�صان‪ ،‬م�صداقا لقول اهلل‬ ‫يف �أح�ك��ام�ه��ا وع �ق��ائ��ده��ا‪ ،‬و�أخ�لاق �ه��ا وم�ع��ام�لات�ه��ا‪،‬‬ ‫تعالى} وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا �شهداء‪ ‬على‬ ‫و�أ�صولها وفروعها‪ .‬فربنا �سبحانه مل يك ِّلف عبا َده‬ ‫النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا{(البقرة‪ :‬الآية ‪.)143‬‬ ‫مب��ا ي���ش��قّ عليهم وي�غ�ل� ُب�ه��م‪ ،‬ومل ُي � � ِر ْد ب�ه��م ال�ع� َن��تَ‬ ‫واحل َرج‪ ،‬بل �أنزل دينَه ُم َي ّ�سرا ُمطاقا م�ستَطاعا‪.‬‬ ‫�إن املتتبع واملت�أمل يف ال�سنة النبوية ال�شريفة �سيجد‬ ‫�أن فيها الكثري من الن�صو�ص التي حتث امل�سلمني على • امل��وازن��ة ب�ين متطلبات ال ��روح وال �ب��دن‪ :‬ف�لا ينبغي‬ ‫الو�سطية واالعتدال يف كل �أمورهم‪ ،‬حيث ال �إف��راط وال‬ ‫لأحد �أن َي ْحر ِم نف�سه مما �أحله اهلل له‪ ،‬بل عليه �أن‬ ‫ت�ف��ري��ط‪ ،‬وال غ�ل��و وال تق�صري‪ ،‬ب��ل دع ��وة �إل ��ى االع �ت��دال‬ ‫يتقرب �إل��ى اهلل بفعل املباح‪ ،‬كما يتقرب �إليه بفعل‬ ‫وال�ت��وازن بني مطالب الدنيا ومطالب الآخ��رة‪ ،‬والأخ��ذ‬ ‫امل ��أم��ور ب��ه‪ .‬والإن �� �س��ان روح وج���س��د‪ ،‬ل �ل��روح حقُّها‪،‬‬ ‫بالأ�سباب امل��ؤدي��ة �إل��ى ذل��ك دون �إ��س��راف �أو تقتري‪ .‬فهي‬ ‫ِ‬ ‫فليعط كل ذي حق حقه‪.‬‬ ‫وللبدن حقُّه‪،‬‬ ‫انعكا�س للو�سطية واالعتدال يف القر�آن الكرمي‪ ،‬تلك التي‬ ‫كانت �سببا يف ن�شر ر�سالة اال��س�لام و�إق�ب��ال النا�س على • حمبة اخلري للنا�س كافة وهذه �سمة ظاهرة يف هذا‬ ‫الدين‪ ،‬و�أ�صل �أ�صيل يف �أحكامه وت�شريعاته‪ ،‬فخري‬ ‫اعتناقه‪.‬‬ ‫النا�س �أنفعهم للنا�س‪ ،‬وم��ن مت��ام الإمي��ان �أن يحب‬ ‫�أيها احل�ضور الكرام‪،‬‬ ‫املرء لأخيه ما يحبه لنف�سه‪ ،‬و�أن يحب اخلري للنا�س‬ ‫كافة‪ ،‬وي�سدي املعروف �إلى النا�س كافة‪ ،‬و�أن يتعاي�ش‬ ‫�إن الناظر يف حال العامل الإ�سالمي يف الآونة الأخرية‬ ‫رب على �أح��د‪ ،‬وال‬ ‫ويتعاون مع النا�س كافة‪ ،‬و�أ ّال يتك َ‬ ‫�سيجد �أن هناك تقهقرا ح�ضاريا �أ�صبح يعرفه ممثال يف‬ ‫ي�ستعلي على �أح��د‪� .‬سمة متيز املغاربة حيث يعترب‬ ‫نزعات التطرف والغلو التي �أ�صبحت تنت�شر يف �أغلب دول‬ ‫املغرب‪ ،‬حتت القيادة الرا�شدة ل�صاحب اجلاللة امللك‬ ‫العامل الإ�سالمي انت�شار النار يف اله�شيم‪ ،‬وهو الأمر الذي‬ ‫حممد ال�ساد�س ن�صره اهلل‪ ،‬منوذجا لتعاي�ش الديانات‬ ‫يلقي ب�أعباء ثقيلة على كاهل خمتلف الفاعلني يف العامل‬ ‫والذي ال �ضيق فيه وال تع�صب وال غلو وال تطرف‪.‬‬ ‫الإ��س�لام��ي‪ ،‬دوال وم�ؤ�س�سات و�أف ��رادا من �أج��ل الت�صدي‬ ‫لظاهرة الغلو والتطرف‪ ،‬التي �أ�صبحت ت�سيء �إلى �صورة‬ ‫�أيها احل�ضور الكرام‪،‬‬ ‫الإ�سالم وقيمه ال�سمحة ‪.‬‬ ‫�إن دور اجلامعة ال�ي��وم �أ�صبح ال يقت�صر فقط على‬ ‫ما �أحوجنا �إل��ى فكر الو�سطية واالع�ت��دال يف الدين‪ ،‬ت�أهيل طالبها فكريا ومهنيا بل يتعداه �إلى مهمة بث قيم‬ ‫ذل �ك��م ال�ف�ك��ر ال ��ذي ت���ش�ت��د ح��اج��ة ال �ن��ا���س �إل �ي��ه يف مثل الف�ضائل والو�سطية والإعتدال لدى مرتفقيها من �أجل‬ ‫ه��ذا ال��زم��ن ال��ذي ك�ثرت فيه ال�ف�تن وامل �ح��ن‪ ،‬واحل��روب �إع��داد مواطنني �صاحلني �أكفاء وم�ؤهلني علميا وفكريا‬ ‫وال�ن��زاع��ات‪ .‬ذلكم الفكر ال��ذي يعمل على ا�صالح الفرد ومتوازنني نف�سيا وروحيا لأداء واجبهم يف خدمة بالدهم‬ ‫خا�صة والإن�سانية عامة‪.‬‬ ‫نف�سيا وخلقيا ويوجهه نحو التوازن يف حياته كلها‪ ،‬كما‬ ‫ويف الأخ�ير ال ي�سعني �إال �أن �أ�شكر كل من �ساهم من‬ ‫يحقق التوازن بني الفرد واجلماعة‪ ،‬وبني الدين والدنيا‪،‬‬ ‫وبني املثالية والواقعية‪ ،‬وبني اجلانب الروحي وامل��ادي‪ .‬قريب �أو بعيد يف تنظيم ه��ذا امل��ؤمت��ر العلمي‪ ،‬و�أمتنى‬ ‫ذلكم الفكر ال��ذي يحفظ للمجتمع متا�سكه وي�ساعده النجاح الكامل لأ�شغاله‪.‬‬ ‫على مواجهة التغريات التي حتدث بتحديد االختيارات‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ‪...‬‬ ‫�إن من معامل الو�سطية واالعتدال يف دين الإ�سالم‪:‬‬

‫‪16‬‬


‫الكلمة الثانية‪ :‬رئي�س جمعية امل�سار‪ /‬الدكتور الأقدار ارتقى ‪ ،‬و�إن اختلت �شقى‪ ،‬و�إن تزي بزي حداثة �أو‬ ‫�أ�صالة �أو �سلفية �أو ما �شئت من الأ�سماء والت�صنيفات ‪ ،‬وال‬ ‫خمل�ص ال�سبتي‬ ‫يزال الإن�سان يف �شقاوته حتى ي�ستوي امليزان ‪ ،‬فالق�ضية يف‬ ‫ال�سنة النبوية و تعزيز فكر الو�سطية‬ ‫جوهرها ق�ضية ميزان ‪ ،‬ف�إن اعتدل ‪ ،‬و�إال كانت القا�ضية‪.‬‬ ‫واالعتدال‬ ‫ومبا �أن احلياة ‪� -‬سادتي العلماء ‪� ،‬أ�ساتذتي الف�ضالء‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫ متغرية ال تكاد ت�ستقر على حال ‪ ،‬ف�إن التوازن داخلها ال‬‫وال�صالة وال�سالم على �سيدنا حممد الهادي الأمني ي�ستقيم �إال بخم�سة ت�أتي جمتمعة ‪:‬‬ ‫• تعاليم الأنبياء‪.‬‬ ‫املبعوث رحمة للعاملني وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‬ ‫الأ� �س �ت��اذ امل�ه�ن��د���س م� ��روان ال �ف��اع��وري الأم �ي�ن ال�ع��ام • علم العلماء ‪.‬‬ ‫للمنتدى العاملي للو�سطية ‪.‬‬ ‫• حكمة احلكماء ‪.‬‬ ‫الأ� �س �ت��اذ ال��دك�ت��ور ادري ����س م�ن���ص��وري رئ�ي����س جامعة • بذل الأغنياء ‪.‬‬ ‫احل�سن الثاين‪.‬‬ ‫• و�سعي �أويل العزم من ال�شباب ‪.‬‬ ‫الأ�ستاذ م�صطفى الباكوري رئي�س جهة الدار البي�ضاء ‪� -‬سطات ‪.‬‬ ‫ف�ك��ان �أن ظ�ه��رت يف بلدنا جمموعة م��ن امل�ؤ�س�سات‬ ‫الأ�ستاذ عبد العزيز العماري عمدة مدينة الدار البي�ضاء ‪ .‬الفكرية والثقافية اجلادة لعل من �أهمها جمعية امل�سار‬ ‫‪ ،‬وكان �أن حمل م�شعل التنوير بها ومن خاللها ثلة من‬ ‫ال�سادة ال�ضيوف الأكارم ‪.‬‬ ‫�أويل العلم والفكر والنظر ( من بينهم رئي�س جامعتنا‬ ‫العلماء والأ�ساتذة الأفا�ضل‪.‬‬ ‫حاليا الدكتور �إدري�س من�صوري ورئي�س حكومتنا اليوم‬ ‫�أب �ن��ائ��ي و�أع ��زائ ��ي ط�ل�ب��ة م��ا� �س�تر ال �ف �ك��ر اال� �س�لام��ي ال��دك �ت��ور ��س�ع��د ال��دي��ن ال�ع�ث�م��اين وغ�ي�ره��م م��ن علماء‬ ‫وامل�شرتك االن�ساين ‪.‬‬ ‫وحكماء وف�ضالء هذا البلد ) ‪ ،‬ومنذ ما يقارب العقدين‬ ‫من الزمن وال�سعي حثيث وامل�ساهمة م�ستمرة يف البناء‬ ‫�أيها احل�ضور الكرمي ‪.‬‬ ‫على امل�شرتك الوطني والإ�سالمي والإن�ساين ‪ ،‬وهي ‪ -‬مع‬ ‫ا�ستقاللها ال�سيا�سي والفكري ‪ -‬منفتحة على اجلميع ‪،‬‬ ‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ‪.‬‬ ‫ال ت�شرتط �إال الإخال�ص يف حمبة الوطن والإن�سان �أنى‬ ‫ت�ت�ن��ازع الإن �� �س��ان يف ح�ي��ات��ه ال�ي��وم�ي��ة �أرب �ع��ة م �ن��ازع ‪ :‬كان ‪.‬‬ ‫�إغ � ��راءات ورغ �ب��ات وخم ��اوف و�إك ��راه ��ات ‪ ،‬جت��ذب��ه هاته‬ ‫طلب االعتدال وبيان مناهجه ومدار�سة �سبل احلفاظ‬ ‫ذات اليمني و�أخ��رى ذات ال�شمال ‪ ،‬وه��و يف تلبيته لهاته‬ ‫وخ�ضوعه لتلك ‪ ،‬كثريا ما يفقد توازنه في�سقط ‪ ،‬وهو عليه و�سط هذه العوا�صف التي جتتاح العامل حولنا غاية‬ ‫بعد ال�سقوط يحتاج للقيام ‪ ،‬ويحتاج ملن يعينه على القيام هذا امل�ؤمتر‪.‬‬ ‫‪ ،‬ل�ك��ن ه��ذا امل�ع�ين ق��د ي��رف��ع ال���س��اق��ط م��ن �سقطته ذات‬ ‫ال�سادة العلماء ‪� .‬أ�صحاب املعايل ‪� .‬أ�ساتذتي الف�ضالء‬ ‫اليمني ‪،‬ليقذفه ذات ال�شمال ‪ ،‬ليعاود ال�سقوط يف اجلهة‬ ‫‪.‬مع�شر الطلبة الأعزاء ‪.‬‬ ‫املقابلة ‪ ،‬فهو ما بني �سقوط هنا وانهيار هناك ‪ ،‬وغلو هنا‬ ‫وغلو م�ضاد هناك قد يكون يف بع�ض احلاالت �أدهى و�أمر‬ ‫ا�سمحوا يل �أن �أع�بر ع��ن خال�ص امتناين وعرفاين‬ ‫‪ ،‬ولي�س يحمل اللوم يف ه��ذا وح��ده �شخ�ص من ك��ان قد لكل اجل�ه��ات ال��داع�م��ة للم�ؤمتر التي ل��واله��ا مل��ا حظينا‬ ‫�سقط ‪ ،‬بل �أي�ضا من توجه مل�ساعدته من دون علم �أو حلم اليوم باللقاء بكم و�سعدنا باالجتماع معكم ‪ ،‬ف ��إذا كان‬ ‫�أو روية وبعد نظر ‪ ،‬فتحققت بذلك حاجة اجلميع للنظر الإخ�ل�ا���ص يف حم�ب��ة الأوط � ��ان وخ��دم��ة الإن �� �س��ان منزع‬ ‫يف متطلبات ال�ت��وازن يف احلياة ‪ ،‬والتفكر يف مقت�ضيات قلبي داخلي ‪ ،‬ف��إن يف ن�برات ال�صوت وا�ستب�شار الوجوه‬ ‫االع �ت��دال يف �أخ��ذ م��ا ينفع ‪ ،‬ف ��إن ال�شيء ينفع م��ادام يف وبذل الن�صح وامل�سارعة يف تقدمي العون واق�تراح املزيد‬ ‫املقدار متزنا ‪ ،‬ف�إن هو زاد عن حده قلب امل�سرة م�ضرة ‪ ،‬ما يك�شف عما يختلج القلوب من حمبة للخري ورغبة‬ ‫والف�ضيلة رذيلة ‪ ،‬واجلمال قبحا ‪ ،‬و�أ�صبحت احلياة بذلك �صادقة لفعله ‪ ،‬ف�إلى ال�ساهرين على �إدارة املنتدى العاملي‬ ‫دميمة ‪ ،‬و�صار الدين مزعجا ‪ ،‬وما احلياة عند التحقيق للو�سطية الأ�ستاذ املهند�س م��روان الفاعوري والأ�ستاذ‬ ‫�إال جمال ‪ ،‬وما الدين �إال رحمة للعلمني ‪ ،‬ف�أقدار ال�سماء الدكتور �أحمد كايف ‪ ،‬و�إلى ال�ساهرين على رئا�سة جامعة‬ ‫تغلب دوما مقادير الإن�سان ‪ ،‬ف�إن �سارت مقاديره بح�سب احل�سن الثاين الدكتور ادري�س املن�صوري وفريق عمله ‪،‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪17‬‬


‫و�إلى امل�شرفني على جهة الدار البي�ضاء‪� -‬سطات الأ�ستاذ‬ ‫م�صطفى الباكوري ونائبه الأ�ستاذ حميد اجلماهري ‪،‬‬ ‫و�إلى الأ�ستاذ املهند�س عبد العزيز العماري وعبد املالك‬ ‫الكحيلي يف جمل�س املدينة ‪ ،‬و�إل��ى جميع طلبة ما�سرت‬ ‫امل���ش�ترك الإن �� �س��اين ك��ل ال���ش�ك��ر وال�ت�ق��دي��ر واالع �ت�راف‬ ‫بالف�ضل على ما بذلوا من جهد وقدموا من خدمة ‪.‬‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ‪...‬‬ ‫الكلمة الثالثة‪ :‬كلمة املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية‪ /‬املهند�س مروان الفاعوري ـ الأمني‬ ‫العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫ال�سنة النبوية و تعزيز فكر الو�سطية‬ ‫واالعتدال‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على‬ ‫�أ�شرف املر�سلني‪ ،‬وبعد‪.‬‬ ‫�أ�صحاب املعايل ‪� ..‬أ�صحاب الف�ضيلة ‪ ..‬الإخوة والأخوات ‪..‬‬ ‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ‪،،،‬‬ ‫احلمد هلل الذي �أكمل لنا الدين ‪ ..‬و�أمت علينا النعمة‪..‬‬ ‫وجعل �أمتنا خري �أمة ‪ ..‬وبعث فينا ر�سو ًال منا يتلو علينا‬ ‫�آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب واحلكمة ‪..‬‬ ‫ال�شكر �أو ًال للمملكة املغربية ال�شقيقة – ملكاً وحكوم ًة‬ ‫و��ش�ع�ب�اً لتهيئة امل �ن��اخ لعقد ه��ذا امل ��ؤمت��ر يف رح ��اب ه��ذه‬ ‫الأر���ض الطيبة لنتحدث عن ال�سنة النبوية ودوره��ا يف‬ ‫تعزيز قيم الو�سطية والإعتدال‪ ،‬فكراً ومفهوماً و�ضوابط‬ ‫ومعايري‪ ،‬وال�شكر املو�صول �إلى معايل الأخ الدكتور �سعد‬ ‫الدين العثماين – رئي�س احلكومة املغربية على جهوده‬ ‫املباركة يف الرعاية وامل�شاركة يف هذا امل�ؤمتر‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫�إن واقعنا هذه الأيام يرتنح بني الغلو الديني تكفرياً‬ ‫وتفجرياً وتدمرياً وتخريباً وانتهاكاً للأعرا�ض والدماء‬ ‫والأنف�س والأموال والعمران وبني الغلو الالديني ت�سيباً‬ ‫وتفلتاً وانحال ًال ونق�ضاً للثوابت وحماربة لهوية الأمة‬ ‫الإ�سالمية – وذلك كله لعدم الفهم ال�صحيح لن�صو�ص‬ ‫الر�سالة املحمدية وم��ا ورد ع��ن الر�سول العظيم �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم من ق��ول �أو فعل �أو تقرير‪ ،‬مما ي�صلح‬ ‫�أن يكون م�صدراً حلكم �شرعي �أو مما هو �صادر من مقام‬ ‫الت�شريع‪ ،‬وميكن التمييز بني الت�صرفات النبوية وال�سنة‬ ‫النبوية بكون الت�صرفات النبوية ه��ي‪ :‬عموم التدابري‬ ‫القولية والفعلية والتقريرية التي �صدرت عن الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬أما ال�سنة النبوية فهي الت�صرفات‬ ‫املق�صود منها الت�شريع �أو املق�صود منها الأتباع والإقتداء‪،‬‬ ‫وبالتايل ف�إن من الت�صرفات ما لي�س ب�سنة‪ .‬و�إن النظرة‬ ‫الو�سطية �إل��ى ت�صرفات الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫تقت�ضي الإميان بع�صمته عن كل ما يخل بتبليغ الر�سالة‪،‬‬ ‫وبيان الدين‪ ،‬والت�سليم مبقت�ضى ب�شريته يف �أمور الدنيا‪.‬‬ ‫وذل��ك معناه �أن بع�ض ت�صرفاته هي وح��ي من عند اهلل‬ ‫تعالى‪ ،‬وبع�ضها الآخر لي�س وحياً‪.‬‬ ‫�إن اعتبار �أقوال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�أفعاله كلها‬ ‫وحياً‪� ،‬أو التعامل معها على �أ�سا�س �أنها على وزن واحد‪ ،‬ويف‬ ‫م�ستوى واحد‪ ،‬نظرة غري واقعية وغري �شرعية‪ ،‬لكونها‬ ‫تتجاهل تنوع وظائف النبي الكرمي‪ ،‬وتنوع املقامات التي‬ ‫ت�صدر عنها ت�صرفاته‪ ،‬وتلغي وتتجاهل اجلانب الب�شري‬ ‫من �شخ�صية الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬مما ينتج عنه‬ ‫�سوء فهم الت�صرفات النبوية‪ ،‬وه��ي نظرة غري �شرعية‬ ‫�أي�ضاً لأنها جتعل احلكم الإجتهادي نهائياً قطعياً‪ ،‬فهي‬ ‫بذلك تنتهي �إلى جتميد الدين يف �أ�شكال تطبيقه الأولى‪،‬‬ ‫وتدخل امل�سلمني يف عنت وحرج ال مثيل له‪.‬‬

‫لقد �أ�سهم عدم الوعي بتنوع الت�صرف النبوي من حيث‬ ‫دالالتها الت�شريعية يف انت�شار الفهم الظاهري واحلريف‬ ‫وكذلك �إلى جامعة احل�سن الثاين – رئي�ساً و�أع�ضاء لأق ��وال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�أف�ع��ال��ه‪ ،‬مم��ا فتح‬ ‫هيئة تدري�س و�إداريني‪.‬‬ ‫باب الت�شدد والغلو والتطرف يف التعامل مع الت�صرفات‬ ‫و�إل� ��ى رئ�ي����س جمعية امل���س��ار وم ��ن م�ع��ه م��ن إ�خ��وان��ه ال�ن�ب��وي��ة‪ ،‬وتبخي�س ح��ق ال�ع�ق��ل امل�سلم يف فهمه للدين‬ ‫وتعامله م��ع ال��واق��ع‪ ،‬و�أ��ض�ح��ى م��ن ال���ض��روري ت�صحيح‬ ‫الطيبني املكافحني على ثغر الفكر والثقافة‪.‬‬ ‫اخللل بالوعي ب�أن الأقوال والأفعال والتقريرات ال تكون‬ ‫ح�ضر وح�ضر و�سيحا�ضر يف هذا �سنة �إال �إذا �صدرت عن الر�سول من مقام الت�شريع‪� ،‬أما �إذا‬ ‫وال�شكر لكل م��ن ّ‬ ‫�صدرت عنه �صلى اهلل عليه و�سلم من مقامات غريها �أو‬ ‫امللتقى الفكري الثقايف الهام‪ ،‬وبعد ‪،،‬‬ ‫ب�أو�صاف خمتلفة عنها ف�إنها ال ت�سمى �سنة‪.‬‬ ‫ي�أتي انعقاد هذا امل�ؤمتر – ال�سنة النبوية – ودورها‬ ‫يف تعزيز الو�سطية والإع�ت��دال يف وق��ت نحن فيه ب�أم�س‬ ‫من هنا ي�أتي �أهمية هذا اللقاء الفكري‪ ،‬الذي �سيلقي‬ ‫احل��اج��ة ل�ل�ع��ودة �إل ��ى ك�ت��اب اهلل و��س�ن��ة ر��س��ول��ه – ق��راءة ال�ضوء على هذه املفاهيم والعمل على ت�صويبها‪ ،‬ويقدم‬ ‫وتفكرا وبحثا وتطبيقا – فالأمم تتكالب علينا من كل امل��وق��ف ال��و��س��ط والأرج� ��ح م��ن ه��ذه الق�ضايا املرتبطة‬ ‫الأط��راف‪ ،‬والت�شرذم والفرقة ت�صيب جمتمعاتنا ونحن بتعريف ال�سنة وت�صنيفها‪ ،‬والآث ��ار امل�ترت�ب��ة على بناء‬ ‫�أهل التوحيد والوحدة‪.‬‬


‫العقلية الإ�سالمية املعا�صرة‪ ،‬ل�صياغة �شخ�صية �إ�سالمية‬ ‫ال� �ث ��اين‪ :‬ج ��ان ��ب ال �ت �ن��زي��ل‪ :‬وال� � ��ذي ي ��راع ��ي جميع‬ ‫م�ستنرية للدين والواقع‪ ،‬وتعي�ش فكراً و�سلوكاً على هدي املقت�ضيات الزمنية اخلا�صة بالإن�سان امل�سلم من جهة‪،‬‬ ‫�سليم ي�ستند �إلى كتاب اهلل و�سنة نبيه الكرمي �صلى اهلل �أو مبحيطه القابل �إياه‪� ،‬أو الراف�ض له‪ .‬ومن هنا جاءت‬ ‫عليه و�سلم‪.‬‬ ‫كثري من الأحاديث مقرونة ب�سبب وروده��ا‪ .‬وهي �أ�سباب‬ ‫ت�ؤكد هذا التفاعل ب�سطا وقب�ضا‪ ،‬وت�ؤ�س�س لوجوب ن�سج‬ ‫ختاماً ‪..‬‬ ‫عالقة مع الواقع بان�سياب يف جمال الإ�صالح‪.‬‬ ‫�أكرر ال�شكر واالمتنان �إلى كل من �ساهم يف التنظيم‬ ‫وملا كانت ال�سنة النبوية يف غالبها قد عرفت جهودا‬ ‫والإعداد لهذا امل�ؤمتر‪ ،‬كما �أتوجه بخال�ص ال�شكر وعظيم‬ ‫الثناء للحفاوة البالغة التي لقيناها بني �إخواننا و�أهلنا يف يف جمال الت�صحيح و�إثبات ن�سبتها �إليه �صلى اهلل عليه‬ ‫هذا البلد‪ ،‬واهلل ن�س�أل �أن يكون هذا العمل خال�صاً لوجهه و�سلم‪ .‬ف��إن جهودا �أخ��رى يك�شف عنها الواقع‪ ،‬فت�ضطر‬ ‫ال�ك��رمي �سبحانه وتعالى‪ ،‬حتى ن�سهم جميعاً يف تعديل �أهل العلم �إلى مزيد من الفهم من �أجل التنزيل‪ ،‬وليت�أكد‬ ‫الذهنية وت�صحيح املفاهيم املغلوطة عن الإ�سالم العظيم‪� ،‬أن ما كان يف بع�ضها من الفهم مل يكن م�سددا‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ُ }:‬ه َو ا َّل ِذي َب َعثَ فيِ ْ أُ‬ ‫ني َر ُ�س اً‬ ‫ول ِّم ْن ُه ْم َي ْت ُلو‬ ‫ال ِّم ِّي َ‬ ‫ه��ذا ال��واق��ع العنيد يفر�ض �أن تفهم الن�صو�ص من‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم �آ َيا ِت ِه َو ُي َز ِّكي ِه ْم َو ُي َع ِّل ُم ُه ُم ا ْل ِكت َ ِ‬ ‫َاب َوالحْ ْك َم َة َو�إِن َكانُوا غري ت�شنج‪ ،‬ويفهم التنزيل من غري ا�ستعالء عليه‪ ،‬بل‬ ‫ِمن َق ْب ُل َل ِفي �ضَ لاَ ٍل ُّم ِبنيٍ{‪� . ‬صدق اهلل العظيم‬ ‫احت�ضان ي�سلك به �إل��ى ميدان الإ�صالح الف�سيح‪ ،‬بعيدا‬ ‫عن م�ضايق الأنظار كما قال �شيخ الزيتونة الطاهر بن‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ‪...‬‬ ‫عا�شور يف �إحدى كتبه‪.‬‬ ‫ملخ�ص �أوراق اجلل�سات العلمية‬ ‫وه��ذه املداخلة تريد �أن تقف عند بع�ض الإ�شكاالت‬ ‫• املداخلة الأول��ى بعنوان‪ :‬ال�سنة النبوية‪ /‬التي ورطت الأف��راد �أو اجلماعة امل�سلمة فيما ال قبل لها‬ ‫�إ���ش��ك��االت يف ال��ف��ه��م وال��ت��ن��زي��ل ع��ن��د بع�ض من التحمل‪ .‬لتت�أكد �أنها �إ�شكاالت نابعة من فهم غري‬ ‫املعا�صرين‪.‬‬ ‫�سليم‪� ،‬أو من تنزيل غري موفق‪.‬‬ ‫ ال�شيخ عبد الفتاح مورو‬ ‫وتناول ال�شيخ عبد الفتاح مورو يف بداية مداخلته عن‬ ‫ال ميكن احلديث عن اال�سالم كدين ودعوة وممار�سة �أن �أ�شد احل��روب والفنت تتمثل يف ان�سداد �آف��اق التغيري‬ ‫و� �س �ل��وك م��ن غ�ي�ر ح��دي��ث ع��ن �أ� �ص��ول��ه يف اال� �س �ت �م��داد امل�ستقبلي �أمامنا‪ ،‬والتي تعترب �أك�بر خطر نعانيه‪ ،‬وقد‬ ‫والتنزيل‪ .‬ومن �أهم هذه الأ�صول الأ�صل الثاين بالإجماع �أكد ال�شيخ على �أن هذا اخلطر يكمن يف عدم �سن منهج‬ ‫وهو‪ :‬ال�سنة النبوية‪ .‬التي هي يف حقيقة الأم��ر جانبني �سليم للتغيري‬ ‫عظيمني‪:‬‬ ‫وذك��ر ال�شيخ م��ورو غري ما م��رة �أن الدين يتقدمون‬ ‫الأول‪ :‬جانب العلم �أو احلكمة بتعبري القر�آن الكرمي‪� ،‬ساحة التغري لي�س �أهال لها حيث غيبوا حقائق التغيري‬ ‫الذي يراد له �أن يجد مكانه يف قلوب النا�س و�أعمالهم‪ .‬و�أرادوا تخطيها فهم �إما‪:‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪19‬‬


‫طائفة اعتربوا �أن منهج التغيري الواجب �إتباعه اليوم فاهمني للن�صو�ص منفتحني على واقع يرغبون بتغيريه‪.‬‬ ‫يقدم �إلينا ن�صو�ص يراد من خاللها �إقناعنا �أن واقعنا‬ ‫�سيتغري ب��رف��ع ال���س�لاح و�إراق� ��ة ال��دم��اء وي �ج�يرون ذلك • املداخلة الثانية بعنوان‪ :‬الثابت واملتغري‬ ‫يف ال�سنة النبوية وعالقتهما بالو�سطية‬ ‫مبا اقتب�سوه من ال�سرية النبوية لي�ضفوا على منهجهم‬ ‫واالعتدال‬ ‫القدا�سة مم��ا يجعلها غ�ير قابلة للنقا�ش واخل ��ارج عن‬ ‫منهجهم وجب يف حقه القتل‪ ،‬وهذا كله راجع �إلى التحاف‬ ‫الدكتور عبد الفتاح الزنيفي‪� /‬أ�ستاذ التعليم العايل‬ ‫ه�ؤالء الأدعياء �أو الزعماء‪ ،‬بن�صو�ص ال�سنة التي �أنزلت يف بجامعة احل�سن الثاين ـ مبدينة الدار البي�ضاء‬ ‫غري مو�ضعها ويف غري �سياقها‪ ،‬بناء على فهم �سقيم غلف‬ ‫يف قالب‪ ،‬وق��دم للنا�س على �أ�سا�س �أن��ه م��راد اهلل تعالى‪،‬‬ ‫ابتد�أ ورقته باحلديث عن املق�صود بالثابت واملتغري‬ ‫فاختلطت فيها ال�ف��روع بالأ�صول وت�ساوت فيما بينها‪ .‬يف ال�سنة النبوية‪� ،‬أي الر�ؤية الثابتة و املتغرية‪ ،‬وبني �أن‬ ‫وبالتايل مي��ررون لنا فهما خا�صا يقوم على �أ�سا�س �أن ال�ف��رق بينهما يكمن يف ك��ون الثابت م��ا ك��ان م��ن �أرك��ان‬ ‫و�ضع الأمة ال يتغري �إال باجلهاد وفق منظورهم‪.‬‬ ‫الإ� �س�لام و �أ��ص��ول��ه وق��واع��ده وم�ق��ا��ص��ده‪ ،‬مم��ا ال يتعلق‬ ‫باملتغري من العلل والأ�سباب‪� .‬أم املتغري فيكون يف ال�سنن‬ ‫و�أما الطائفة الثانية التي �أوردها ال�شيخ يف مداخلته املنوط بالظروف املتغرية‪ ،‬وقد �أرجع ذلك لكون �أن ال�سنة‬ ‫فهي تقدم لنا ن�صو�صا مغلفتا على وفق ما يرونه ويخدم فيها ما هو من باب الت�شريع وما هو من باب التنظيم‪.‬‬ ‫م�صاحلهم‪ ،‬يردون بذلك �إقناعنا �أن واقعنا الذي نعي�شه‬ ‫قدر يجب �أن نر�ضى به‪ ،‬و�أن �أح��داث واقعنا ترتتب على‬ ‫وقد �أورد يف مداخلته جمموعة من الأحاديث ‪ ،‬التي‬ ‫�أم��ور غيبية‪ ،‬جتعلنا ننتظر التغيري الن هناك ن�صو�ص تفيد تغري ر��س��ول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ملجموعة‬ ‫فهمها وفق هواهم تفيد على �أن هناك من �سي�أتي لإنقاذ من الأحكام بناء على تغيري الواقع‪ ، .‬وعلى نهجه �صار‬ ‫الأمة يف �أخر الزمان‪.‬‬ ‫ال�صحابة ر�ضوان اهلل عليهم‪ ،‬حيث منع عمر ر�ضي اهلل‬ ‫ع�ن��ه تق�سيم الأرا�� �ض ��ي امل�ف�ت��وح��ة “احلديث املعروف”‬ ‫وكال هذين االجتاهني ح�سب ال�شيخ م��ورو معاديني لتغيري الأو�ضاع‪ ،‬فتتغري الأحكام بتغري الواقع‪.‬‬ ‫ل� ��روح الإ�� �س�ل�ام وخم��ال �ف�ين ل���س�ن��ة احل �ب �ي��ب امل�صطفى‬ ‫وخم��ال�ف�ين لل�سنن ال�ك��ون�ي��ة ال�ت��ي يخ�ضع ل�ه��ا التغري‪.‬‬ ‫ف�ي�ق��ال �أن ت�ل��ك الأح ��ادي ��ث لي�س عليها ال�ع�م��ل رغ��م‬ ‫وبالتايل �سنبقى يف تخلفنا ما مل ندرك ما ينق�صنا لنغري �صحتها وفق مناهج اجتهادية وقد ق�سم الدكتور الزنيفي‬ ‫واقعنا‪ ،‬و�أن التغري ال يقوم بقرار ف��ردي بل يقوم بقرار املخرج يف التعامل مع ال�سنة النبوية �إلى �أربعة مداخل ‪:‬‬ ‫جماعي نكر�س فيه ل�شبابنا الفهم ال�سليم‪ ،‬ونخل�صهم من‬ ‫املدخل الأول‪ :‬التفرقة بني امل�صطلحات التي �أطلقت‬ ‫الوهم الذي بقي يف �أدهانهم عن التغري‪.‬‬ ‫على �أفعال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬

‫‪20‬‬

‫وقد �أو�صى ال�شيخ عبد الفتاح مورو �أن ال يبقى عمل‬ ‫حيث قام الدكتور يف هذا املدخل بالتفريق بني �أربع‬ ‫امل�ؤمتر عمال �أكادمييا‪ ،‬يقدم لنا طريقا لفهم احلديث‪،‬‬ ‫فنعترب �أنف�سنا �أ�صبنا الهدف و�أوفينا ال�سنة النبوية حقها‪ ،‬م�صطلحات وهي‪ :‬ال�سنة واحلديث والأثر واخلرب‪،‬‬ ‫ورعينا �ش�أن الآم��ة حيث �سي�ضل هذا العمل منقو�صا ما‬ ‫املدخل الثاين‪ :‬الأمر مبحو احلديث‬ ‫مل تطرح ق�ضية �أ�سا�سية �أال وه��ي �أن الأم��ة قامت على‬ ‫�أنقا�ض �أدي��ان �سابقة مرجعيتها كن�سية‪� ،‬إال �أن الإ�سالم‬ ‫وق��د ب�ين ال��دك�ت��ور �أن �سبب ه��ذا الأم��ر ميثل ق�ضية‬ ‫جاء ليجعل التعامل مع الن�صو�ص يقوم على دميقراطية‪ ،‬معرفية لها عالقة بالثابت واملتغري‪ ،‬حيث �أن الثابت ينقل‬ ‫ولهذا وجب التعامل مع الن�صو�ص بدميقراطية لن�صل ك�سنة عملية ال تخ�ضع للقوالب اللفظية عك�س املتغري‬ ‫�إلى الفهم ال�سليم ‪.‬‬ ‫الذي يعمل به �إذا وجد مقت�ضاه‪.‬‬ ‫املدخل الثالث‪ :‬ت�صحيح املحدثني‬

‫وق��د �أو��ص��ى ك��ذل��ك بحماية ال�سنة النبوية بحماية‬ ‫الفهم عرب جمع النخبة املوكل لها الفهم ال�سليم للدين‬ ‫وقد تكلم يف هذا املدخل عن كون ال�سنة مل ت�صل �إلينا‬ ‫وجمعهم يف جمامع علمية يرجع �إليها للف�صل يف القول‬ ‫ال ت�ك��ون �سطحية يف فهمها وال ج��زئ�ي��ة‪ ،‬حيث يكونون كما و�صل ال�ق��ر�آن لأن�ه��ا مل ت�سجل ب��ل و�صلت �إلينا عن‬ ‫�صورة جديدة عن الواقع ت�أخذ بعن االعتبار علوم الع�صر طريق الإ�سناد‪ ،‬فبالتايل ت�صحيح املحدثني عمل ب�شري‬ ‫وم��ا تقدمه لنا من �آل�ي��ات‪ ،‬وبالتايل نح�صل على علماء تختلف فيه �أعمال املحدثني التي حتتمل ال�صحة وحتتمل‬ ‫الغلط فيحيلنا ذلك ح�سب الأ�ستاذ على الثابت واملتغري‬


‫املدخل الرابع‪ :‬فقه امل�صاحلة بني العلوم الإ�سالمية‬

‫من تركيز على االحاديث دومنا ا�ستناد الى القر�آن‬ ‫الكرمي‪.‬‬

‫حيث بني يف هذا املدخل �ضرورة تفعيل فقه امل�صاحلة‬ ‫ب�ين ال�ع�ل��وم الإ��س�لام�ي��ة حتى ال ت�ستبد طائفة مبفتاح • ثانيهما‪ :‬لقد �شغل مو�ضوع اجلهاد و القتال حيزا‬ ‫النجاة‪ ،‬لكي يت�أتى كمال ال�شريعة بذلك‪ ،‬ودعا كذلك �إلى‬ ‫مهما من كتب ال�سرية‪ ،‬ومت �إغفال اجلوانب الرتبوية‬ ‫ا�ست�صحاب فقه التنزيل‪ ،‬وفقه الأولويات وترتيبها‪ ،‬وفقه‬ ‫واالن�سانية من حياة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫املرحلة �أي فقه الواقع ‪.‬‬ ‫انتقل الدكتور بعد ذلك �إلى تناول ق�ضية تعدد افهام‬ ‫وقد اختتمت هذه اجلل�سة ال�صباحية مبناق�شة �ضمت ال�سنة النبوية م��ن خ�لال احل� ��وارات وال���س�ج��االت التي‬ ‫جمموعة من الأ�سئلة واملداخالت والنقا�شات املثمرة‪.‬‬ ‫دارت بني العلماء فك�أمنا تعلق الأمر ب�إ�سالمات خمتلفة‬ ‫• املداخلة الثالثة بعنوان‪ :‬الفهم احلداثي لل�سنة (�إ�سالم �سلفي‪� ،‬إ�سالم ملتزم‪� ،‬إ�سالم �سني‪ )...‬من خالل‬ ‫مناق�شته للق�ضية ميز الدكتور حممد �شهيد بني ثالثة‬ ‫النبوية ما له وما عليه‬ ‫�أ�شياء حتكم فهم ال�سنة النبوية‪:‬‬ ‫الدكتور حممد ر�ستم ‪� /‬أ�ستاذ التعليم العايل بجامعة‬ ‫• الدين‪ :‬باعتبار م�صادر اال�صلية‬ ‫املولى �سليمان ـ مبدينة بني مالل‬ ‫�أقبل املعا�صرون احلداثيون على درا�سة ال�سنة النبوية • ال� �ع ��ادات وال �ت �ق��ال �ي��د‪ :‬وه ��ي ت�ط�ب�ي�ق��ات مل�ف��اه�ي��م قد‬ ‫تكون من الوحي ف�ألب�ست لبا�س الدين‪ ،‬وت�أثرت بها‬ ‫درا� �س��ة نقدية م��ن حيث ط��ري��ق الإث �ب��ات و ال� ��ورود‪ ،‬كما‬ ‫جمموعة من الفتاوى‪.‬‬ ‫�أنهم �أقبلوا عليها حتليال وفهما من حيث الدراية وبيان‬ ‫املق�صود‪ ،‬فن�ش�أت من ذلك املدر�سة احلداثية املعا�صرة يف • االج�ت�ه��ادات احل��رك�ي��ة‪ :‬التي تكون ت��ارة قريبة من‬ ‫فهم ال�سنة النبوية وبيان مقا�صدها يف الع�صر احلديث‪،‬‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬وتارة بعيدة عنه‪.‬‬ ‫وغاية هذه الورقة العلمية يف هذا امل�ؤمتر العلمي بيان‬ ‫الأ�س�س املنهجية التي تبناها احلداثيون املعا�صرون �أثناء‬ ‫وب�ع��د عر�ضه ل�ه��ذه امل�سائل ال�ث�لاث حت��دث الدكتور‬ ‫فهم ال�سنة النبوية �إثباتا �أو ردا مل�ضمونها‪ ،‬كما �أن من عن املقا�صد ك��أداة لتوجيه الفهم للن�ص ال�شرعي‪ ،‬وجاء‬ ‫�أهدافها نقد ه��ذه الأ�س�س املنهجية املتبعة وبيان ُع��وار مب �ف �ه��وم ال�ت�ق���ص�ي��د ك�م�ن��زل��ة ت �ن��زل ف �ي��ه جم �م��وع��ة من‬ ‫بع�ضها‪ ،‬و�ستعتمد هذه الورقة على مناذج معروفة لفُهو ِم احليثيات مم��ا ي��دف��ع ال��ى �إع�م��ال الن�ص وتنزيله منزال‬ ‫بع�ض احلداثيني املعا�صرين مع مناق�شتها وفق َّ‬ ‫ال�ضوابط مطابقا ملقا�صد ال�شريعة ‪.‬‬ ‫العلمية املعروفة‪.‬‬ ‫خل�ص الدكتور يف نهاية ه��ذا املحور �إل��ى �أن املقا�صد‬ ‫• املداخلة الرابعة بعنوان‪� :‬ضوابط مقا�صدية �آلية ومبحث من مباحث علم الأ�صول‪ ،‬و�أن املق�صد العام‬ ‫للتعامل مع ال�سنة النبوية‬ ‫للإ�سالم هو رفع احلرج وال�ضيق عن النا�س‪.‬‬ ‫الدكتور حممد �شهيد‪� /‬أ�ستاذ التعليم العايل‬ ‫�أما املحور الثاين من العر�ض فقد حتدث فيه الدكتور‬ ‫بجامعة احل�سن الأول ـ مبدينة وجدة‬ ‫حممد �شهيد ع��ن ال�ضوابط الرئي�سية للفهم ال�سليم‬ ‫حتدث الدكتور حممد �شهيد يف البداية عن مو�ضوع للن�ص ال�شرعي وذكر منها‪:‬‬ ‫ال�سنة النبوية ‪ ،‬مبينا �أن ق��راءة الن�ص الديني تتجدد • التعليل‪ :‬ب�ين م��ن خ�لال جمموعة م��ن الن�صو�ص‬ ‫باختالف الأزمنة والأمكنة‪.‬‬ ‫اهمية هذا ال�ضابط يف فهم دالل��ة الن�ص ال�شرعي‪،‬‬ ‫و�أن الأم��ة اال�سالمية �أ�صبحت ع��اج��زة يف ع�صرنا‬ ‫حاول الدكتور �أن ي�ستهل مو�ضوعه مبدخل ميهد به‬ ‫الراهن عن التعليل االيجابي وركزت على الفهومات‬ ‫للطرح اال�سا�سي ال��ذي ج��اء به ‪ ،‬من خ�لال ه��ذا املدخل‬ ‫اللغوية‪ ،‬مم��ا ادى �أل��ى ت�ضخم القامو�س فتولدت‬ ‫تناول ق�ضيتني غاية يف االهمية على حد قوله‪:‬‬ ‫بذلك العقلية احلرفية املعجمية‪.‬‬ ‫• �أوالهما‪ :‬وجوب التعامل مع كتب احلديث انطالقا‬ ‫من كتب التف�سري‪ ،‬فلكي يكون الفهم �سليما وجب فاحلديث ي��دور مع علته وج��ودا و عدما‪ ،‬و�إذا �أخ��رج من‬ ‫�سياقه فقد فهم فهما غري �سليم‪.‬‬ ‫امل ��زج ب�ين احل��دي��ث و ال �ق��ر�آن خ�لاف��ا مل��ا ي�ق��ع ال�ي��وم‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪21‬‬


‫‪22‬‬

‫• اعتبار امل ��آل‪� :‬إن تغييب امل ��آل عن الن�صو�ص �أدى‬ ‫�إل��ى نتائج عك�سية‪ ،‬ف��إن �آف��ة الوعاظ هو اال�ست�شهاد‬ ‫ب ��أح��ادي��ث �ضعيفة �أو م��و��ض��وع��ة دون ال�ت�ث�ب��ت من‬ ‫�صحتها خدمة ملوا�ضيع حمددة‪.‬‬ ‫• املداخلة اخلام�سة بعنوان‪� :‬أث��ر ال�سنة النبوية يف‬ ‫تر�سيخ الو�سطية يف التعامل مع غري امل�سلمني‬ ‫الدكتور عبد املنعم الفقري التم�سماين‪� /‬أ�ستاذ التعليم‬ ‫العايل بجامعة عبد امللك ال�سعدي ـ مبدينة تطوان‬ ‫احلمد هلل وكفى وال�صالة وال�سالم على عباده الذين‬ ‫ا�صطفى‪ ،‬وبعد ‪:‬‬ ‫ف�إن من �أهم و�أب��رز قيم �شريعتنا الغراء التي يرتتب‬ ‫ع��ن ع ��دم الأخ� ��ذ ب�ه��ا ومت�ث�ل�ه��ا ال ��وق ��وع يف � �ش��رك الغلو‬ ‫والتطرف‪ :‬قيمة الو�سطية‪ ،‬فهي ال�سمة البارزة لديننا‬ ‫احلنيف والتي تعك�س �سماحته وي�سره وجماليته ‪ ...‬وهي‬ ‫�سبب خريية الأم��ة املحمدية‪ ،‬وتبوئها بني الأم��م املكانة‬ ‫املرموقة ال�سنية‪ ،‬وامتالكها م�ؤهالت القيادة والريادة‬ ‫للب�شرية‪ ،‬ومقومات ال�شهادة على النا�س كافة ‪.‬‬ ‫وم��ا �أح��وج �أمتنا وك��ل �أم��م الأر���ض �إل��ى �إدراك حقيقة‬ ‫هذه الو�سطية التي م ِّيزت و ُمزِّيت بها احلنيفية ال�سمحة‪،‬‬ ‫ومعرفة جماالتها ومظاهرها‪ ،‬والتعامل مع خلق اهلل وفق‬ ‫مبادئها وقواعدها‪ ،‬وخا�صة يف هذه الظرفية الع�صيبة‬ ‫التي ذاع��ت فيها الأفكار الغالية املتطرفة‪ ،‬وبنيت عليها‬ ‫مواقف و�سلوكات عدوانية �إره��اب�ي��ة‪ ،‬مت ا�ستغاللها من‬ ‫ط��رف خمتلف ال��دوائ��ر املعادية للإ�سالم لتقدميه على‬ ‫�أنه دين الت�شدد والتنطع والعنف والتطرف والإرهاب ‪..‬‬ ‫ وث �م��ة جم��ال ي�ع�ت�بر م��ن �أه ��م م��ن امل �ج��االت التي‬‫ت �ب�رز ف �ي �ه��ا و� �س �ط �ي��ة الإ� � �س �ل�ام و� �س �م��اح �ت��ه‪ ،‬ل �ك��ن قلما‬ ‫ُيتَح ّدث عنه‪ ،‬للأ�سف ال�شديد‪ ،‬على الرغم من �أهميته‪،‬‬ ‫و�ضرورة ا�ستيعابه‪ ،‬وخا�صة يف هذه الآونة‪ ،‬ويتعلق الأمر‬ ‫ب(التعامل مع غري امل�سلمني) ‪.‬‬ ‫لذلك ارت��أي��ت �أن �أ�سهم بهذه املداخلة املتوا�ضعة يف‬ ‫�إب��راز وجتلية �أه��م املرتكزات التي تنبني عليها وتتحقق‬ ‫بالعمل مبقت�ضاها الو�سطية يف التعامل مع املخالفني‬ ‫لنا يف امللة ‪ ،‬مع الرتكيز يف ت�أ�صيلها على ال�سنة القولية‬ ‫والعملية ‪ ..‬ف�أقول ملخ�صا باقت�ضاب �شديد ما �سطر يف‬ ‫�أ�صل املداخلة ‪:‬‬ ‫م��ن امل�لاح��ظ �أن ك �ث�يرا م��ن امل���س�ل�م�ين ال �ي��وم‪ ،‬ممن‬ ‫مالوا �إلى الت�شدد والغلو والإف��راط‪� ،‬أو ممن جنحوا �إلى‬ ‫الت�ساهل والتق�صري والتفريط‪ ،‬مل يهتدوا �إل��ى ال�سبيل‬ ‫الأق��وم واملنهج الأ�� َ�س� ّد والأع��دل يف نظرتهم ومعاملتهم‬ ‫لغري امل�سلمني‪ ،‬فهم بني �إفراط وتفريط ‪..‬‬ ‫وقد ح�صل عند الكثريين منهم خلط والتبا�س بني‬ ‫جملة من املفاهيم املرتبطة بعالقة امل�سلمني بغريهم‪،‬‬ ‫فح ّرفوا مدلوالتها و��ش� ّوه��وا معانيها و�أ� �س��ا�ؤوا فهمها‪،‬‬

‫وبنوا على الفهم املغلوط لها ت�صورات خاطئة ومواقف‬ ‫غ��ال�ي��ة‪ ،‬جن�م��ت عنها ��س�ل��وك��ات منحرفة م�ت�ط��رف��ة‪ ،‬كما‬ ‫�سلف‪..‬‬ ‫ومن ذلك ‪ :‬االلتبا�س بني مفهوم (امل��واالة املحرمة)‪،‬‬ ‫التي فيها خ��ذالن للدين �أو ن��واء لأه�ل��ه �أو �إي ��ذاء بهم ‪،‬‬ ‫وبني ( مفهوم الرب ) امل�أذون فيه واملطلوب �شرعا ‪ ،‬والذي‬ ‫يعني �إجماال ح�سن العالقة الندية بني �أع�ضاء الأ�سرة‬ ‫الإن�سانية على اختالف مللهم ونحلهم‪ ،‬وما يرتتب عليها‬ ‫من تعاون على ما فيه اخلري والنفع ‪...‬‬ ‫فالذين قا�سوا املواالة املمنوعة على الرب امل�أذون فيه‪،‬‬ ‫مل ي��روا ب�أ�سا وال حرجا يف اتخاذ غري امل�سلمني عموما‬ ‫�أولياء ون�صراء‪� ،‬سواء كانوا من امل�ساملني �أو من الأع��داء‬ ‫املحاربني‪ ،‬وهذا تطرف مذموم ‪..‬‬ ‫وال��ذي��ن ق��ا��س��وا ال�بر امل���ش��روع على امل ��واالة املحرمة‪،‬‬ ‫حرموا ال�بر والإح���س��ان �إل��ى غري امل�سلمني عموما‪ ،‬ولو‬ ‫كانوا م�ساملني‪ ،‬و�أوج �ب��وا معاداتهم‪ ،‬وه��ذا �أي�ضا تطرف‬ ‫مم�ق��وت‪ ،‬مل��ا فيه م��ن ا��س�ت��دراك على ال�شارع وحت��رمي ما‬ ‫�أباحه ‪.‬‬ ‫�أما الإ�سالم ‪ ،‬فقد وقف موقفا و�سطا بني الفريقني‪،‬‬ ‫فم ّيز وف � ّرق يف التعامل مع غري امل�سلمني بني امل�ساملني‬ ‫منهم واملحاربني‪ ،‬فنهى عن مواالة املحاربني‪ ،‬و�سلك مع‬ ‫امل�ساملني م�سلك الت�سامح‪ ،‬فرغب يف (برهم) ‪ ،‬و(الإق�ساط‬ ‫�إليهم) ‪ ،‬كما ورد يف الآية اجلامعة امل�ؤ�س�سة للعالقة بني‬ ‫امل�سلمني وغريهم عموما‪ ،‬وهي قوله تعالى‪ }:‬ال ينهاكم‬ ‫اهلل عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين ومل يخرجوكم من‬ ‫دياركم �أن تربوهم وتق�سطوا �إليهم �إن اهلل يحب املق�سطني‬ ‫‪� .‬إمنا ينهاكم اهلل عن الذين قاتلوكم يف الدين و�أخرجوكم‬ ‫م��ن دي��ارك��م وظ��اه��روا على �إخ��راج�ك��م �أن تولوهم ومن‬ ‫يتولهم ف�أولئك هم الظاملون { املمتحنة‪9 ،8:‬‬ ‫وكما ورد يف ن�صو�ص حديثية ثابتة ‪..‬‬ ‫وق��د ب�سطت احل��دي��ث يف م��داخ�ل�ت��ي امل�ت��وا��ض�ع��ة عن‬ ‫هذين املرتكزين ‪ ،‬وكذا عن مرتكزات �أخ��رى تتحقق بها‬ ‫الو�سطية يف التعامل مع غري امل�سلمني‪ ،‬وردت مبثوثة‬ ‫يف ن�صو�ص قر�آنية ومنثورة يف �صحيح ال�سنة القولية‬ ‫والعملية ‪ ،‬و�أكتفي بالإملاع �إل��ى �أهمها يف هذه اخلال�صة‬ ‫على النحو الآتي ‪:‬‬ ‫ حماورة غري امل�سلمني وجمادلتهم بالتي هي �أح�سن ‪.‬‬‫ التعامل معهم مبقت�ضى الرحمة التي بعث بها نبي‬‫الإن�سانية حممد �صلى اهلل عليه و�سلم �إل��ى النا�س‬ ‫كافة ‪.‬‬ ‫ متكينهم من حقوق املواطنة املختلفة ‪ ،‬وحمايتهم من‬‫كل �أنواع الأذى و�أ�شكال الظلم والعدوان ‪...‬‬ ‫واهلل املوفق لل�صواب والهادي �إلى �سواء ال�سبيل‪.‬‬


‫• املداخلة ال�ساد�سة بعنوان‪ :‬عالقة الكليات‬ ‫باجلزئيات يف فهم ال�سنة النبوية عند الإمام‬ ‫ال�شاطبي‬ ‫ الدكتور حممد عوام‪� /‬أ�ستاذ التعليم العايل‬ ‫للدرا�سات اال�سالمية ـ مبدينة الرباط‬ ‫ال يخفى �أن الإمام �أبا �إ�سحق ال�شاطبي رحمه اهلل �إمام‬ ‫املقا�صد بال منازع‪ ،‬بل جمدد القرن الثامن الهجري يف‬ ‫علم مقا�صد ال�شريعة‪ ،‬فكانت له بذلك نظرات �سديدة‪،‬‬ ‫وا�ستدراكات مفيدة‪ ،‬و�إ�ضافات عميقة‪ ،‬بنى عليها من �أتى‬ ‫بعده‪ .‬ومن جملة ما تطرق �إليه رحمه اهلل عالقة الكليات‬ ‫باجلزئيات‪ ،‬وخا�صة يف بيان ال�سنة النبوية‪.‬‬ ‫ه��ذا الإ� �ش �ك��ال ال ��ذي ت�ط��رق �إل �ي��ه ال���ش��اط�ب��ي‪ ،‬ال نكاد‬ ‫جند بيانه عند من �سبقه‪ ،‬فكان بذلك �سباقا يف البيان‬ ‫والتو�ضيح‪ ،‬خا�صة لتوظيف الكليات يف تف�سري الن�صو�ص‬ ‫اجلزئية ال�سنية‪ .‬فهو يرى �أن عالقة الكليات باجلزئيات‬ ‫عالقة تكامل وترابط ال تناق�ض‪ ،‬ف ��إذا وج��دت ن�صو�ص‬ ‫جزئية مناق�ضة للكليات دون البحث عن خمرج مقبول‬ ‫لرفع �إ�شكال التعار�ض‪ ،‬فينبغي �أن يعلم �أن ذلك اجلزئي‬ ‫�إما غري �صحيح البتة �أو �أن ظاهره غري مراد‪.‬‬ ‫وال�شاطبي ال يقت�صر يف رف��ع �إ�شكال التعار�ض على‬ ‫تفكيك وحتليل الداللة اللفظية فح�سب‪ ،‬و�إمنا ي�ستثمر‬ ‫�سبب ورود الن�ص اجلزئي والقرائن املختلفة به يف رفع‬ ‫�إ�شكالية التعار�ض‪ ،‬لذلك قال يف �سياق ب�سطه الكالم عن‬ ‫الَ َحا ِد ِ‬ ‫يث َو َق َع ْت َعلَى �أَ ْ�س َبابٍ ‪،‬‬ ‫ري ِمنَ ْ أ‬ ‫هذا امل�سلك‪�" :‬إِ ْذ َك ِث ٌ‬ ‫َو اَل َي ْح ُ�ص ُل َف ْه ُم َها �إ اَِّل بمِ َ ْع ِر َف ِة َذ ِل َك"‪.‬‬ ‫والبحث العلمي املقا�صدي التجديدي اليوم يف حاجة‬ ‫ملحة لإعادة النظر يف عالقة الكليات باجلزئيات‪ ،‬بل �إنعام‬ ‫النظر يف بع�ض الن�صو�ص اجلزئية التي خولف يف بيانها‬ ‫عن الكليات‪ ،‬و�سنقف على �أمثلة منوذجية يف منت البحث‪،‬‬ ‫مع بيان �أن الغفلة عن هذا امل�سلك موقع يف خلل و�شطط‬ ‫عظيم‪ .‬هذا ملخ�ص البحث يف هذا الأ�سطر القليلة ع�سى‬ ‫�أن تكون مفيدة‪ ،‬ال�ستيعاب �إ�شكالية العالقة بني الكليات‬ ‫واجلزئيات عند �إم��ام عظيم وحمقق نحرير وهو الإمام‬ ‫�أبو �إ�سحق ال�شاطبي رحمه‪.‬‬ ‫• املداخلة ال�سابعة بعنوان‪ :‬ال�سنة النبوية بني‬ ‫القر�آن واحلديث‪� :‬إ�شكاالت منهجية‬ ‫الدكتور م�صطفى بوهندي‪� /‬أ�ستاذ التعليم العايل ـ‬ ‫مقارنة الأديان ـ بجامعة احل�سن الثاين ـ الدار‬ ‫البي�ضاء‬ ‫عندما نف�صل ال�سنة النبوية ع��ن ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي‪،‬‬ ‫ونحجزها يف جمموعة م��ن الأخ �ب��ار والروايات‪ ‬متتلئ‬ ‫بها كتب احلديث وال�سنن‪ ،‬ونغ�ض الطرف عن �سياقاتها‬ ‫التاريخية وال�سيا�سية التي �أن�ش�أتها ووظفتها‪ ،‬وجنعل‬ ‫لها ام �ت��دادا مطلقا يف ال��زم��ان وامل �ك��ان والأح� ��وال؛ دون‬

‫الرجوع �إلى الن�ص القر�آين امل�ؤ�س�س ومفاهيمه ومقا�صده‬ ‫وروحه و�إيحاءاته ‪ ،‬ودون مراعاة لأحوال‪ ‬الواقع املختلف‬ ‫؛ الذي تطورت فيه الإن�سانية‪ ،‬و�أ�صبحت لها قيم كونية‬ ‫ومكت�سبات معرفية عميقة‪ ،‬وم�ن��اه��ج علمية متطورة‬ ‫�ساهمت يف تبلورها كل الأديان والثقافات والتجارب‪ .‬ف�إننا‬ ‫�سنقع بالت�أكيد يف م�شاكل معرفية ومنهجية و�سلوكية‬ ‫خطرية‪ ،‬جتعل ما ا�صطلح عليه بال�سنة م�صدرا لكل هذه‬ ‫امل�شاكل‪ .‬وحتاول ورقتنا هذه �أن ت�سلط بع�ض ال�ضوء على‬ ‫�أهم امل�شاكل املنهجية يف التعامل مع القر�آن وال�سنة‪ ،‬من‬ ‫خالل �أمثلة خمتارة مبا ي�سمح به وقت املداخلة‪.‬‬ ‫• املداخلة الثامنة بعنوان‪ :‬منهجية ال�سنة النبوية‬ ‫وربط اجلزئيات بكلياتها‪ :‬التوحيد منوذجا‬ ‫ الدكتور خمل�ص ال�سبتي‪� /‬أ�ستاذ التعليم العايل للدرا�سات‬ ‫الإ�سالمية ـ بجامعة احل�سن الثاين ـ الدار البي�ضاء‬ ‫مل ت ��أت الأح�ك��ام ال�شرعية �سواء يف املجال التعبدي‬ ‫اخلال�ص ‪� ،‬أو يف املجال الأ�سري �أو االجتماعي �أو ال�سيا�سي‬ ‫‪ ،‬مل ت�أت م�شتتة ال رابط بينها ‪ ،‬بل حكمتها مقا�صد عامة‬ ‫وت��وج�ه��ات كلية‪ ،‬لكن يف غ�ي��اب وع��ي ع��ام ب�ه��ذه الأح�ك��ام‬ ‫الكلية واملقا�صد الكربى كثريا ما �ضاع النا�س يف متاهات‬ ‫جزئيات ا�ستنفذت اجلهود و�ضيعت الطاقات ‪ ،‬وجعلتهم‬ ‫ينخرطون يف ج ��داالت و ��س�ج��االت ال ت�ك��اد تنق�ضي �إال‬ ‫لكي تبد�أ من جديد ‪ ،‬منها ما يخ�ص جزئيات العبادات‪،‬‬ ‫ومنها ما يعم تفا�صيل الغناء والت�صوير والنحت و�أ�شكال‬ ‫ال�ل�ب��ا���س وامل ��أك��ل وامل���ش��رب وت �ع��دد ال��زوج �ـ��ات وال�ع�ق��وب��ات‬ ‫واحلدود و�أحكام اجلهـــاد والوالء والبــــراء ‪...‬ولي�س تناول‬ ‫اجلزئيات بالدر�س والتدري�س وال بالإفتاء واال�ستفتاء‬ ‫مب�ستقبح يف ذات��ه ‪ ،‬ف ��إن ا�ستح�ضار ال ��وازع الديني عند‬ ‫النظر يف تفا�صيل احلياة وجزئياتها �أمر م�شروع وواجب‬ ‫‪ ،‬ل�ك��ن ت �ن��اول اجل��زئ �ي��ات مب�ع��زل ع��ن ك�ل�ي��ات�ه��ا ي�ضيعها‬ ‫وي�ضيع الكليات ‪ ،‬وي�صبح الدين عند كثري من امل�ؤمنني‬ ‫به جمرد �شكليات بدون معنى ‪ ،‬وطقو�س من دون كبري‬ ‫ت�أثري ‪�،‬أحد �أهم و�أخطر املفاهيم املعنية بربط اجلزئيات‬ ‫بكلياتها هو مفهوم التوحيد‪.‬‬ ‫اجلل�سة العلمية اخلتامية‬ ‫قراءة يف كتاب الدكتور �سعد الدين العثماين‬ ‫" الت�صرفات النبوية ال�سيا�سية ـ درا�سة �أ�صولية‬ ‫لت�صرفات الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بالإمامة "‬ ‫ملخ�ص كتاب الدكتور �سعد الدين العثماين‪:‬‬ ‫الت�صرفات النبوية ال�سيا�سية‬ ‫تعترب درا�سة مناهج فهم الن�صو�ص النبوية من �أكرث‬ ‫الدرا�سات الأ�صولية واحلديثية �أهمية‪ ،‬فكون احلديث‬ ‫امل�صدر الثاين للت�شريع الإ�سالمي‪ ،‬و�أداة لفهم القر�آن‬ ‫الكرمي ‪ ،‬يقت�ضي بذل اجلهود لتطوير ت�صنيفه ودرا�سته‬ ‫وحتليله‪ ،‬وتفهم مقا�صده وغاياته‪ ،‬وك�شف عالقة �أحكامه‬ ‫بالزمان واملكان ومتغريات الواقع‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪23‬‬


‫وم��و� �ض��وع ه��ذا ال�ك�ت��اب يتعلق ب��واح��دة م��ن الأدوات • الرتكيز على اجل��ان��ب االن���س��اين و االج�ت�ه��ادي يف‬ ‫املنهجية ال�ضرورية لتحقيق ذلك‪� ،‬إذ ت�صنيف الت�صرفات‬ ‫ال�سرية النبوية‪.‬‬ ‫ال�ن�ب��وي��ة ح�سب امل �ق��ام �أو احل ��ال ال�ل��ذي��ن � �ص��درت فيهما‬ ‫عن الر�سول امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ ،‬والتمييز • �إع�ط��اء الفر�صة يف امل��ؤمت��رات امل�ستقبلية للطلبة‬ ‫منها ب�ين م��ا ه��و دي ��ن وت���ش��ري��ع دائ ��م للم�سلمني‪ ،‬وم��ا‬ ‫الباحثني لعر�ض م��داخ�لات�ه��م ال��ى ج��ان��ب ال�سادة‬ ‫لي�س كذلك‪ ،‬وهو ت�صنيف كان من املفرو�ض �إن يحدث‬ ‫اال�ساتذة و الدكاترة و العلماء‪. ‬‬ ‫تغيريات جوهرية يف بنية التعامل مع الأحاديث النبوية‪.‬‬ ‫وم��ع الأح�ك��ام الدينية‪ ،‬ولكن مل يحظ ‪ -‬م��ع الأ��س��ف ‪ • -‬تخ�صي�ص جوائز علمية م�شجعة للباحثني يف تدقيق‬ ‫باالهتمام ال�لازم مما �أدى �إلى اختالالت عديدة يف فقه‬ ‫حدث من �أحداث ال�سرية النبوية توثيقا وفهما وتنزيال‪.‬‬ ‫الدين واحلياة‪.‬‬ ‫• ا�ستحداث علم الت�صرفات النبوية و تدري�سه يف‬ ‫وركزنا يف هذه الدرا�سة على " الت�صرفات النبوية‬ ‫خم�ت�ل��ف �أ� �س�ل�اك ال��درا� �س��ات اال��س�لام�ي��ة و ال�ع�ل��وم‬ ‫ال�سيا�سي " باعتبار �أهميتها يف مقاربة الفقه ال�سيا�سي‬ ‫ال�شرعية و علم االجتماع و القانون‪.‬‬ ‫من منظور �إ�سالمي‪ ،‬ب��دءا بطبيعة املمار�سة ال�سيا�سية‬ ‫للنبي الكرمي‪ ،‬باعتبارها تدبريا دنيويا م�ؤقتا‪ ،‬وعالقتها • ت��دري����س ك�ت��اب «ال�ت���ص��رف��ات ال�ن�ب��وي��ة ال�سيا�سية"‬ ‫مبقامي النبوة وال��ر��س��ال��ة‪ ،‬وان�ت�ه��اء بالأ�س�س التي على‬ ‫ل �ل��دك �ت��ور ��س�ع��د ال ��دي ��ن ال �ع �ث �م��اين ��ض�م��ن ب��رام��ج‬ ‫امل�سلمني �أن يبنوا عليها حياتهم ال�سيا�سية والت�صورات‬ ‫ومقررات امل�ؤ�س�سات اجلامعية‪.‬‬ ‫التي من املنطقي �أن يحملوها يف مو�ضوع طبيعة الدولة‬ ‫ووظائفها وطبيعة املمار�سة ال�سيا�سية عموما‪ .‬فع�سى �‬ ‫ �ضرورة مراجعة املناهج التعليمية والرتبوية مبا‬ ‫التغيريأن •‬ ‫يكون هذا البحث �إ�سهاما منهجيا لتجلية �آف��اق‬ ‫يبني الو�سطية واالعتدال لدى �أجيال الأمة‬ ‫ال�ضروري يف ذلك‪.‬‬ ‫• عدم االكتفاء بالأبحاث النظرية واقرتاح االجراءات‬ ‫وقد قام بالقراءة يف الكتاب كل من‪:‬‬ ‫العملية الكفيلة بتفعيل الكليات واالنطالق منها يف‬ ‫• الدكتور �أحمد الري�سوين ـ املغرب‬ ‫كل من التدري�س و التكوين‪.‬‬ ‫• الدكتور نور الدين اخلادمي ـ تون�س‬ ‫• كتابة م��ؤل�ف��ات ح��ول دور املقايي�س ال�صحيحة يف‬ ‫التعامل مع الأحاديث‪.‬‬ ‫• الأ�ستاذ ال�شمرياين �شريوان ـ العراق‬

‫‪24‬‬

‫وختمت اجلل�سة العلمية ب��رد ال��دك�ت��ور �سعد الدين • كتابة ال�سنة النبوية مبنهج مقا�صدي يدمج جزئيات‬ ‫العثماين على قراءة الكتاب من طرف الأ�ساتذة املعنيني‬ ‫ال�شريعة بكلياتها‪.‬‬ ‫بالقراءة‪.‬‬ ‫م�سك اخلتام‪:‬‬ ‫تو�صيات امل�ؤمتر ال��دويل لل�سنة النبوية وتعزيز فكر‬ ‫الو�سطية واالعتدال‬ ‫وختم امل�ؤمتر بالدعاء ال�صالح ل‪:‬‬ ‫�أ�سفر امل�ؤمتر الدويل يف يومني من املدار�سة العلمية‬ ‫اجلهات الراعية للم�ؤمتر‪:‬‬ ‫على التو�صيات الآتية‪:‬‬ ‫ • جامعة احل�سن الثاين‬ ‫• دع��وة اجل�ه��ات املنظمة للم�ؤمتر �إل��ى ال�سهر على‬ ‫تنظيم ل �ق��اءات علمية ��س�ن��وي��ة متخ�ص�صة حتمل • املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫عنوان‪(:‬حمطات يف درا��س��ة فكر االع�ت��دال) وتكون • جمعية امل�سار‬ ‫امل�ح�ط��ة امل�ق�ب�ل��ة يف ال���س�ن��ة ال �ق��ادم��ة ي�ستفيد منها‬ ‫وب �ج �م �ي��ل ال �� �ش �ك��ر جل �م �ي��ع الأ� � �س� ��ات� ��ذة وال �ب��اح �ث�ين‬ ‫اال�ساتذة الباحثون وطلبة الدرا�سات العليا‪.‬‬ ‫والإعالميني الذين �أثروا �أيام امل�ؤمتر‪ ،‬و�ساهم كل واحد‬ ‫• �إح��داث جلان تابعة للم�ؤ�س�سات املنظمة �إحداها �‬ ‫حياةأو من جهته يف القيام بالإ�شعاع له‪.‬‬ ‫جلها ق�صد التفكري يف الق�ضايا التطبيقية يف‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و متييز ما ات��ى منها‬ ‫و�أجزل ال�شكر اجلزيل للملكة املغربية ملكا وحكومة‬ ‫ب�صفته الر�سالية وما �أتى ب�صفته الب�شرية‪.‬‬ ‫و�شعبا على حفاوة اال�ستقبال وح�سن التنظيم‪ .‬على �أمل‬ ‫• طباعة �أبحاث امل�ؤمتر يف كتاب واحد‬ ‫اللقاء يف م�ؤمتر قادم‪.‬‬


‫الحوثيون في اليمن‪:‬‬ ‫بين االجتهاد الديني والممارسة السياسية‬ ‫دراسات‬ ‫وحيث ان للمذهب الزيدي جتربة تاريخية طويلة يف اليمن‬ ‫‪ ،‬وكان له دور يف ان�شاء دول مينية خمتلفة ‪ ،‬وكانت له مواقف من‬ ‫ال��دول��ة اال�سالمية املركزية ‪ ،‬وم��ن ال��دول اال�سالمية االخ��رى يف‬ ‫اليمن ؛ وحيث ان درا��س��ة ت��اري��خ االم��ام��ة الزيدية الي��زال جماال‬ ‫بكرا ؛ فقد اثريت عدة ت�سا�ؤالت حول االجتهادات املذهبية الدينية ‪،‬‬ ‫واملمار�سات ال�سيا�سية لهذا املذهب يف اليمن ‪.‬‬ ‫ورغم اهمية الدرا�سات ال�سابقة التي تناولت الفرقة الزيدية‬ ‫واملذهب الزيدي واحلركة احلوثية باعتباراالخرية امتداداَ وتطوراَ‬ ‫فكرياَ و�سيا�سياَ لهما ؛ والدرا�سات التي ا�شارت الى عالقات وارتباطات‬ ‫احل��رك��ة احلوثية على امل�ستوى االج�ت�ه��ادي وامل�ستوى ال�سيا�سي ؛‬ ‫فان اياً من هذه الدرا�سات مل تذهب ال�ستقراء التجربة التاريخية‬ ‫للفرقة الزيدية او املذهب ال��زي��دي يف احلكم على �شكل معار�ضة‬ ‫�سيا�سية لنظام �سيا�سي قائم او على اداء اتباعها عند و�صولهم الى‬ ‫ال�سلطة ‪ ،‬وتا�سي�س دولهم املختلفة يف اليمن ‪.‬‬

‫د ‪.‬محمود محمد الجبارات‬ ‫جامعة البلقاء التطبيقية‬

‫الزيدية‬ ‫هي فرقة ا�سالمية تن�سب الى زيد بن علي ‪ ،‬زين العابدين‬ ‫( ت‪122 :‬هـ‪739 /‬م) ‪،‬وتقول بامامته ؛ وا�ستطاعت الفرقة ان ت�ؤ�س�س‬ ‫دولتها االولى يف املغرب االق�صى ‪ ،‬ثم ا�س�ست دولة زيدية يف طرب�ستان‬ ‫وبالد الديلم يف بالد فار�س ؛ واطلق م�صطلح الدولة الزيدية على‬ ‫ال�سلطة التي ا�س�سها االمام الهادي يحيى بن احل�سني ( ت‪298 :‬هـ‪/‬‬ ‫‪910‬م) يف اليمن ؛ و�ساهم يف ن�ش�أتها �ضعف �سيطرة الدولة العبا�سية‬ ‫على االطراف من جهة ‪ ،‬و�ضعف ومتزق و�إقتتال القبائل اخلوالنية‬ ‫اليمنية من جهة اخرى ‪ ،‬مما دفع القبائل لإ�ستدعاء االم��ام ‪ ،‬كما‬ ‫�ساهم الكثري من الطربيني(زيدية خرا�سان )الذين عرفوا االمام‬ ‫خالل زيارته لطرب�ستان ‪ ،‬وقدموا الى اليمن ؛ بعد خروجه لالمامة‬ ‫وكانوا اكرث حما�سا من اليمنيني لرت�سيخ املذهب الزيدي ‪.‬‬

‫تعترب االزمة اليمنية( ‪ )2017-2011‬من �أهم االزمات الدولية‬ ‫التي واجهت النظام االقليمي العربي ‪ ،‬والعامل اال�سالمي املعا�صر‬ ‫يف بداية العقد الثاين من القرن احلادي والع�شرين ‪ ،‬وال تزال ُت�شكل‬ ‫�أزمة دولية و�إقليمية ُتهدد ال�سلم واالمن الدوليني يف املنطقة ؛ ومن‬ ‫خاللهما يف ال�ع��امل ؛ على �ض�ؤ م��ا �أحدثته م��ن ا�ستقطاب �إقليمي‬ ‫ودويل ‪.‬‬ ‫وظهرت املناف�سة ال�سيا�سية ثم املواجهة الع�سكرية الالحقة يف‬ ‫اليمن مت�سلحة بالآراء والدعاوى ال�سيا�سية يف البداية ‪ ،‬ثم �إتخذت‬ ‫و ُتع ًد الزيدية احدى فرق ال�شيعة من حيث اال�صل ‪ ،‬وتتميز‬ ‫ه��ذه اخل�لاف��ات ُب�ع��داَ مذهبياَ دينياً ؛ حت��اول من خالله االط�‬ ‫�راف باميانها املطلق بفكرة اخل��روج على �أئمة اجل��ور؛ و تخالف ال�شيعة‬ ‫ال�سيا�سية واالقليمية تغذية هذا ال�صراع واال�ستمرار فيه لتحقيق‬ ‫االمامية يف العمل ؛ كماعرفت الزيدية تاريخيا كمذهب بانها جزء‬ ‫�أغرا�ض �سيا�سية‪.‬‬ ‫اليتجز�أ من مدر�سة املتكلمني ‪ ،‬وبعيدة عن منهج ال�شيعة االمامية ‪،‬‬ ‫ال�سنة ‪ ،‬ورغم �إفرتاق‬ ‫وكان للمذهب الزيدي دور هام يف اذكاء املعار�ضة ال�سيا�سية ومل تخرج �إجماال عن منهج جمهور العلماء ُ‬ ‫يف البداية ‪ ،‬ثم يف ا�ستمرار ال�صراع الع�سكري للو�صول الى ال�سلطة الزيدية ال��ى ف��رق ع��دة ؛ اال ان االف�ك��ار ال�سيا�سية للفرق الزيدية‬ ‫( ال��دول��ة) ؛ واال�ستيالء عليها ‪ ،‬واال�ستعانة ب��دول اخ��رى لتحقيق الرئي�سة الثالث ( اجل��ارودي��ة‪ ،‬ال�صاحلية‪ ،‬ال�سليمانية ) ؛ �شكلت‬ ‫�أ�س�س البناء الفكري واحلركي عند الزيدية يف اليمن ‪.‬‬ ‫اهدافه ال�سيا�سية والبقاء على را�س ال�سلطة ( الدولة )‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪25‬‬


‫‪26‬‬

‫طورت الزيدية نظريتها الفقهية وال�سيا�سية ومثلت افكارها اربعة ع�شر عاماَ منزوياَ يف �شمال �صنعاء ق�ضاها بني ا�شياعه من‬ ‫امل��رج�ع�ي��ة ال�ف�ك��ري��ة لعملية ال�ت�ج��دي��د احل��دي��ث وامل�ع��ا��ص��ر يف فكر القبائل الزيدية يف �شهارة وقفلة عذر وال�سودة ‪.‬‬ ‫االمامة عند زيدية اليمن ؛ ولوحظ ان نقاط التقارب وااللتقاء بني‬ ‫و ُيفهم من امل�صادر املعا�صرة لتاريخ اليمن خالل هذه املرحلة ما‬ ‫االجتهادين الزيدي وال�سني اكرث من نقاط التباعد ‪ ،‬وان امل�سائل‬ ‫يلي ‪:‬‬ ‫املختلف عليها ال مت�س جوهر العقيدة اال�سالمية ‪.‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬ان االم��ام الزيدي حممد بن يحيى حميد الدين (‪-1307‬‬ ‫وقد حكمت الزيدية اليمن نحو الف �سنة ؛ رغم انهم ال ينتمون‬ ‫جغرافياً وتاريخياً لأي قبيلة مينية ؛ ولكن يبدو ان الرتابط القوي ‪1322‬ه�ـ ‪1904-1889/‬م) ال��ذي خرج لتولى االمامة بعد وف��اة االمام‬ ‫الذي ن�ش�أ بني املذهب الزيدي والنظام القبلي اليمني قد �ساهم يف الهادي �شرف الدين ( ‪1307‬ه�ـ‪1889 /‬م ) وقاد املقاومة اليمنية �ضد‬ ‫خلق �شوكة ع�صبية لنظام حكمهم من خالل التوازن القبلي الذي العثمانيني ؛ َجهز قبيلتي حا�شد وبكيل والقبائل االخرى التي طلبت‬ ‫اوجدوه يف هذه املنطقة اجلغرافية ‪ ،‬وتطور الفكر ال�سيا�سي الزيدي ذل��ك �ضمن حتالف عربي ؛ وزوده��م باملقاتلني والطعام وال��ري��االت‬ ‫املعار�ض ؛ ثم حت��ول املذهب ال��ى �سلطة حاكمة ‪ .‬ومتيزت الزيدية والك�ساء‪ ،‬ونظم جهادهم �ضد العثمانيني باعتبارهم عجم ‪.‬‬ ‫باالمامة و�سلطة االم��ام ال��ذي ي�ستمد مكانته من ن�صو�ص وقواعد‬ ‫ثانياً‪ :‬ان الإم��ام احتفظ بحق جباية الزكاة دون �سائر القبائل‬ ‫املذهب الزيدي ‪.‬‬ ‫وم�شايخها وانه حارب من امتنع عن دفعها ‪ ،‬او جباها لنف�سه ‪.‬‬ ‫الزيدية املعا�صرة‬ ‫ثالثاً‪ :‬ان الإم��ام مل ُيظهر اي تع�صب مذهبي و ح��اول االت�صال‬ ‫بجميع ال �ق��وى اليمنية وم��ن �ضمنها ب�ن��ي ا��س�م��اع�ي��ل " الباطنية‬ ‫( ‪ 1265‬هـ ‪ 1849 /‬م ‪ 1336 -‬هـ ‪ 1918 /‬م)‬ ‫اال�سماعيلية " يف ح��راز وطلب منهم الطاعة واالمتثال ‪ ،‬وال�سادة‬ ‫ب��دت التجربة الزيدية يف املعا�صرة متناغمة م��ع التطورات من بيت الوزير وبيت املتوكل وبيت �شرف الدين وال�سادة ال�شوافع‬ ‫ال�سيا�سية يف املنطقة ؛ فقد ا�ستعان ال�سادة االئمة بالعثمانيني على ‪ ،‬وم�شائخ القبائل وعقالها وم�شائخ ال ُعزالت والنواحي ‪ ،‬ثم املُالك‬ ‫�إمامهم فدعوهم ال��ى �صنعاء ع��ام ‪1872‬م وبذلك وط��د العثمانيون والتجار والفالحون وال�صناع احلرفيون والق�شامون الذين يقومون‬ ‫اقدامهم يف اعايل ه�ضبة اليمن ملدة ق�صرية ؛ ثم ا�ستمرت احلروب بزراعة املحا�صيل ‪.‬‬ ‫بينهما �سجاال ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا‪ :‬ان الإم��ام حافظ على عالقة طيبة مع علماء ال�شافعية‬ ‫وكان التوزيع اجلغرايف لل�سكان ‪ ،‬يف اليمن مذاهبياً كما يلي ‪ :‬يف زبيد ‪ ،‬ومل ُي�شهر فيمن �ساير العثمانيني منهم ‪ ،‬واج��رى لهم‬ ‫�صنعاء واطرافها زيدية ينق�سمون الى ق�سمني متع�صبني ومعتدلني العثمانيون جرايات �شهرية ‪.‬‬ ‫‪ ،‬وا ُ‬ ‫حل��دي��دة �شافعية ‪ ،‬وتعز حنبلية و�شافعية ؛ وهناك ا��ش��ارة ذات‬ ‫ً‬ ‫خام�سا‪ :‬ان الإمام كان يف نظر اتباعه مع�صوما ‪ ،‬و قد افتى بقتل‬ ‫معنى ان الزيديني كانوا ‪ -‬من وجهة نظر العثمانيني على االقل –‬ ‫ُ‬ ‫ال�سنة ‪.‬‬ ‫اهل‬ ‫الجتهاد‬ ‫خالفا‬ ‫إ�ستتابة‬ ‫�‬ ‫دون‬ ‫املعار�ض‬ ‫�ضر‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫منق�سمني الى متع�صبني ومعتدلني ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وكانت اليمن تعاين خالل هذه الفرتة من الفو�ضى وتعدد‬ ‫القوى املحلية وت�صارعها بزعامة اربعة من االئمة ‪ ،‬ا�ضافة الى �صراع‬ ‫االئمة مع العثمانيني ؛ الى ان تال�شت �سيطرة االئمة الثالث االوائل‬ ‫‪ ،‬وبقي االم��ام �شرف الدين الى ان ت��ويف‪ ،‬وك��ان قد او�صى با�ستدعاء‬ ‫حممد بن يحيى حميدالدين (تـ‪ 1322‬هـ‪1904 /‬م) ابرز علماء �صنعاء‬ ‫‪ ،‬وانه�ضهم للقيام للإمامة ومبايعته اماماَ ‪ ،‬ومتت مبايعته ؛ وا�ستغل‬ ‫االمام كراهية اليمنيني لالتراك وبث العلماء واملر�شدين يف القبائل‬ ‫اليمنية ال�شمالية للدعوة الى مباينة االتراك ومواالة الإمام ؛ وحكم‬

‫واج ��ه ال�ع�ث�م��ان�ي��ون ث� ��ورات م �ت �ع��ددة ب��زع��ام��ة الأئ �م ��ة م��ن بيت‬ ‫حميدالدين و�أعلن الإمام يحيى حميد الدين �إمامته مقرونة بخرب‬ ‫وف��اة وال��ده الإم ��ام املن�صور ي��وم اجلمعة ‪ 20‬ربيع االول ‪1322‬ه �ـ‪6/‬‬ ‫حزيران ‪1904‬م ؛ وكان ابنه الوحيد ‪ ،‬ح�سب ال�شروط املعتربة عند‬ ‫الزيدية ‪ ،‬ورغم علو مكانته العلمية ؛ فقد اختلف يف اهليته للإامامة‬ ‫بدعوى العيب والنق�ص " فقد كان يف غاية البخل وال�شح "‪ ،‬ولهذا‬ ‫اختلف العلماء يف بادئ االمرحول �إمامته ؛ ولكن الإمام يحيى كان‬ ‫قد عهد الى ال�شيخ نا�صر االحمر‪ ،‬زعيم قبيلة حا�شد ‪ ،‬التي يعي�ش‬


‫الإم��ام والعلماء يف كنفها وحت��ت حمايتها ‪ ،‬و�أع�ط��اه مبلغا من املال تهامة حتت حكم االدري�سي ‪ ،‬وا�ستطاع االمام يحيى ان يحقق بع�ض‬ ‫ليح�سم االمر حينما يرى �أن الكفة قد رجحت خل�صمه ‪ ،‬كما انه مل النجاحات الداخلية يف مناطقه يف جماالت االدارة والق�ضاء وتطبيق‬ ‫يتول الإمامة اال ب�أمر من والده الإمام املن�صور باهلل ‪ ،‬وهذا خمالف ال�شريعة ‪.‬‬ ‫ل���ش��روط ت��ويل االم��ام��ة عند ال��زي��دي��ة‪ ،‬وت��وج��ب اخل ��روج على �إم��ام‬ ‫اهتمت ال��دول��ة العثمانية مب�ج��اراة امل��ذه��ب ال��زي��دي بعد ذل��ك ؛‬ ‫ال��وراث��ة‪ ،‬وح�سم الإم��ام يحيى اخل�لاف ع�سكرياً‪ ،‬ومن خالل تهويل‬ ‫خطر العثمانيني العجم باعتبارهم العدو الأولى باملجاهدة‪ ،‬و�ضرورة وا�س�س الوايل العثماين ح�سني حلمي با�شا يف �صنعاء دارا للمعلمني‬ ‫حيث ج��رى تعيني علماء زي��دي�ين للتدري�س فيها وف��ق مذهبهم ‪،‬‬ ‫توحيد اجلهود جلهادهم ‪.‬‬ ‫واج��ري��ت ا��ص�لاح��ات على ال�ط��رق وال���ض��رائ��ب واجل �م��ارك وتا�سي�س‬ ‫ويبدو ان االمام يحيى و�صل الى احلكم عن طريق القوة وجمع بع�ض ال�شركات ؛ ومع ذلك بقيت منظومة االحتكارات االقت�صادية‬ ‫ب�ين ال�سلطتني الزمنية والدينية ‪ ،‬وخ��ا���ض االم ��ام يحيى ح��روب�اً حتت ا�شراف دقيق للإمام يحيى ثم الإمام احمد بعده ‪ ،‬وكان االحتكار‬ ‫متوا�صلة �ضد العثمانيني بعد ان و�ضع نظاماً للجي�ش‪ " ،‬فاجلنود هم املتنامي للتجارة قد حد من النفوذ ال�سيا�سي للنخب التقليدية ؛ واثر‬ ‫يف نفوذها االقت�صادي من جهة ‪ ،‬وكان على ح�ساب احلياة االقت�صادية‬ ‫اجلناح وال�سيف والرمح لدولة الإمام " ‪.‬‬ ‫للمدن من جهة �أخرى ‪.‬‬ ‫ومار�ست القوات الإمامية ‪ ،‬التي ُعرفت باملجاهدين ؛ نهب واحراق‬ ‫ووا�صل االئمة عادتهم باالحتفال يف يوم ‪ 18‬ذي احلجة بذكرى‬ ‫القرى املعار�ضة؛ التي و�صفت احياناً كثرية ب "ال�شوافع "‪ .‬ومار�ست‬ ‫ق��وات الإم��ام يحيى نهب ال�ق��رى وامل��دن الزيدية كذلك ؛ رغ��م انها حديث الغدير ؛ وكان االئمة يحتفلون به لهدف �سيا�سي ولي�س ديني‬ ‫فتحت ابوابها جلي�ش االمام معتزة به كجي�ش يكافح لتحرير اليمن ‪ ،‬وك��ان االم��ام يحيى حينما يخرج حل�ضور االحتفال يقول عن هذا‬ ‫من ال�سلطة العثمانية ‪ ،‬ومل ُيعو�ض الإمام االهايل عن املنتهبات ‪ .‬اليوم " انه يوم �صقل اخلالفة " ‪.‬‬ ‫ح��اول االم��ام ‪ ،‬بعد ان قويت �شوكته ‪ ،‬ا�ستقطاب القوى املحلية‬ ‫يف املناطق ال�شافعية ‪� ،‬شافعية كانت ام �صوفية ‪ ،‬ويف لواء تعز خا�صة‬ ‫‪ ،‬عن طريق ابقاء ال�سلطة بيدها ‪ ،‬وا�سناد بع�ض االع�م��ال االداري��ة‬ ‫والق�ضائية اليهم ‪.‬‬ ‫وباملقابل حاول االمام يحيى مهادنة او التحالف مع اال�سماعيلية‬ ‫يف ح��راز للتفرغ لقتال العثمانيني االت��راك ‪ ،‬و�أغ��رى باملال وامل�ؤونة‬ ‫حاكم ع�سري واملخالف ال�سليماين ‪.‬‬ ‫ورغم ما احلق ح�صار االمام يحيى ل�صنعاء عام ‪1904‬م وما بعده‬ ‫من ا�ضرار بالغة باالقت�صاد يف املدينة وجوارها اال ان الإم��ام يحيى‬ ‫ابقى على امل�س�ؤولني االداريني ال�سابقني على عهده يف اماكنهم ‪.‬‬ ‫انتهى ال�صراع الع�سكري بني الإمام يحيى والعثمانيني بتوقيع‬ ‫�صلح دع��ان ع��ام ‪ 1911‬م ‪ ،‬ومل يكن ال�صلح ا�ستجابة ل��دع��وات رواد‬ ‫اال�صالح العرب يف الدولة العثمانية ‪ ،‬التي طالبت بحكم ال مركزي‬ ‫�ضمن اط��ار الدولة العثمانية ؛ ومل تطالب باالنف�صال عن الدولة‬ ‫العثمانية ‪ ،‬بل كان الإمام يحيى يهدف منه الى البدء باحل�صول على‬ ‫ا�ستقالل �شامل عن الدولة العثمانية ‪،‬ولكن على مراحل ‪.‬‬ ‫واتاح �صلح دعان للإمام يحيى ان يعقد اول اتفاقية مع دولة‬ ‫تعرتف ب��ه حاكماَ م�ستقال يف اليمن ‪ ،‬واف��اد م��ن ه��ذا ال�صلح يف ان‬ ‫يتفرغ لإع��ادة �إحياء املذهب الزيدي ؛ و�ساعده على ذلك االع�تراف‬ ‫به حاكما وقا�ضيا ملختلف املذاهب ومطبقا لل�شريعة يف مناطقه ‪ ،‬كما‬ ‫وفر ال�صلح اجلهد وامل��ال على الدولة العثمانية وعلى االم��ام ‪ ،‬فيما‬ ‫الغت الدولة العثمانية مبوجب ال�صلح ال�ضرائب امل�ستحقة لها على‬ ‫املناطق الزيدية ‪ ،‬و�ضمنت انحياز الإمام للدولة العثمانية �ضد القوى‬ ‫االجنبية ‪ ،‬ورف�ض االمام دعوات عدة لنق�ض ال�صلح مع العثمانيني‬ ‫خ�لال احل��رب العاملية االول��ى ‪ ،‬ويف ال��وق��ت ال��ذي ع��ان��ى فيه اليمن‬ ‫‪ ،‬كباقي دول اجلزيرة العربية ‪ ،‬من ع��دم وج��ود ح��دود وا�ضحة بني‬ ‫دولها ؛ وات�ساع هذه احلدود وتقل�صها تبعا للقوى املوجودة الفاعلة‬ ‫وللظروف امل�ستجدة ‪.‬‬ ‫وا�صبحت اليمن جمز�أة الى اربع مناطق ذات �سلطات خمتلفة هي‬ ‫‪ :‬مناطق يحكمها االمام متتد من حدود عمران الى �صعدة‪ ،‬ومناطق‬ ‫فيها �سيطرة م�شرتكة بني االمام والعثمانيني متتد من عمران الى‬ ‫ُ�سمارة ‪ ،‬وثالثة خال�صة للعثمانيني من �سمارة الى الراهدة ‪ ،‬ومنطقة‬

‫اململكة املتوكلية اليمنية‬ ‫( ‪ 1336‬هـ ‪ 1918/‬م ‪ 1382-‬هـ ‪ 1962 /‬م)‬ ‫خ�لال وب�ع��د احل��رب العاملية االول ��ى ؛ عمل االم ��ام يحيى على‬ ‫تو�سيع نفوذه ال�سيا�سي واالداري يف املناطق اليمنية التي مل تخ�ضع‬ ‫ل�سلطاته من قبل ‪ ،‬ومتكن من اخ�ضاعها حلكمه واق��ام اول مملكة‬ ‫ال�سني ( ال�شافعي واحلنفي‬ ‫مينية ت�شمل ال�شمال الزيدي ‪ ،‬والق�سم ُ‬ ‫) الذي �شكل فيما بعد ال�شطر ال�شمايل ‪ ،‬وحافظ على وحدة اليمن‬ ‫الطبيعية من التمزق بعد ان كان يف اليمن نحو مائة �إمارة وم�شيخة‬ ‫و�سلطنة ‪.‬‬ ‫ات�سم حكم الإمام يحيى ‪ ،‬بعد رحيل العثمانيني ‪ ،‬باالنفراد‬ ‫مع افراد ا�سرته باحلكم بالنظر الى زيادة عدد املتطلعني والطاحمني‬ ‫من ال�سادة الفاطميني بال�سلطة واالمامة ؛ الذين كانوا يرون بانهم‬ ‫االحق بها واالقدر على م�س�ؤلياتها واالكمل يف توافر �شروطها‪ ،‬وافاد‬ ‫االم ��ام يحيى م��ن اط�لاع��ه على ت��اري��خ ��ص��راع االئ�م��ة على احل�ك��م ؛‬ ‫ومتثلت خطته يف احكام ال�سيطرة على ال�سلطة ؛ وحتويل الدولة‬ ‫اليمنية اال�سالمية الى مملكة متوكلية مينية عام ( ‪1342‬هـ‪1924 /‬م‬ ‫) وك��ان م�غ��زى ذل��ك ان��ه ا�صبح ملكا على اليمن بق�سميه ال��زي��دي‬ ‫وال�شافعي وت��اك�ي��داً على تخليه ع��ن �أ�س�س الإج�ت�ه��اد ال��زي��دي التي‬ ‫ا�صبحت متثل تهديدا ل�سلطاته فكرياً و�سيا�سيا ‪ .‬وال�سعي لتاهيل‬ ‫ك��ادر ق�ضائي و�إداري وا�ست�شاري من خ��ارج اال�سرة الفاطمية خللق‬ ‫تناف�س بني الفئتني وت�أهيل كادر اليناف�سه على احلكم ‪.‬‬ ‫وكان خط�أ الإمام يحيى ال�سيا�سي قد مت ًثل يف عزل اليمن �سيا�سياً‬ ‫واجتماعياً وثقافياً ‪،‬عن املحيط االقليمي املتطور ن�سبياً ‪ ،‬وجتاهله‬ ‫ل�ل�ق��وى االج�ت�م��اع�ي��ة وال�سيا�سية ال��داخ�ل�ي��ة ‪ ،‬مب��ا فيها الفاطمية‪،‬‬ ‫واحتكاره لل�سلطة وخالف على امل�ستوى الفكري واح��داً من �أُ�س�س‬ ‫الإمامة يف الإجتهاد الزيدي بتعيني ال�سيف احمد ( ‪1962-1895‬م)‬ ‫ولياً للعهد خالل حياته ؛ ومثل ذلك تطوراً فكرياً و�سيا�سياً هاماً ؛‬ ‫وخمالفة لأُ�س�س االمامة التي ا�ستمد منها �شرعية احلكم‪ ،‬االمامة‬ ‫ال�ت��ي ك��ان��ت قائمة يف اليمن م��دة ت��زي��د على ال��ف �سنة ‪ ،‬و�أك��د مبد�أ‬ ‫وراث��ة الإم��ام��ة ‪ ،‬وخلق ذل��ك تذمراً داخ��ل ا�سرة الإم��ام نف�سها ؛ مما‬ ‫ادى لإنظمام احد ابنائه للمعار�ضة الحقاً؛ و�شجع ا�سرة �آل الوزير‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪27‬‬


‫الفاطمية للتعاون مع قوى املعار�ضة ال�سيا�سية التي قامت بالثورة‬ ‫�ضده ‪ ،‬ومتت مبايعة عبداهلل بن احمد الوزير( ت‪1367 :‬ه�ـ‪1948/‬م)‬ ‫اماماً �شرعياً �شورياً د�ستورياً لليمن ‪ .‬ومع ذلك فقد �أُخ��ذت البيعة‬ ‫باالمامة لعبداهلل بن الوزير من بع�ض القبائل والعقال دون تفوي�ض‬ ‫م��ن اب��ن الوزيرنف�سه ؛ ورمب��ا دون علمه ؛ وت ُلقب بامري امل�ؤمنني‬ ‫الهادي ‪ ،‬وا�صبح ابراهيم ابن االمام يحيى رئي�ساً ملجل�س ال�شورى يف‬ ‫حكومة الوزير ‪ ،‬وكانت معظم املنا�صب ال�سر تقليدية دعمت االنقالب‬ ‫‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫وعند �صياغة ن�ص البيعة لويل العهد االمام البدر حممد بن‬ ‫االم��ام احمد يف اي��ار‪1954‬م فقد لوحظ ان البيعة كانت خارجة عن‬ ‫�شروط املذهب الزيدي ‪ ،‬ولكنها ت�ضمنت الت�أ�سي املعهود عندهم مبا‬ ‫عهد به الر�سول ( �صلى اهلل عليه و�سلم ) لعلي بن ابي طالب يف غدير‬ ‫خ��م ‪ ،‬يف احقيته باخلالفة ‪ ،‬وجنحت لتوريث االم��ام��ة رغ��م توقف‬ ‫العمل بها ‪.‬‬ ‫اجلمهورية العربية اليمنية‬ ‫( ‪ 1382‬هـ ‪ 1962 /‬م ‪1412 -‬هـ ‪ 1991 /‬م )‬

‫ومل تكن ال�ث��ورة التي و�صفت بالد�ستورية ع��ام ‪1948‬م بزعامة‬ ‫الإمام الوزير ‪ ،‬بح�سب القائمني عليها‪ ،‬اال حماولة لتجاوز الإمامة‬ ‫الغت حكومة ثورة ‪1962‬م االحتفال بيوم الغدير ؛ باعتباره كان‬ ‫والتخل�ص من �إم��ام م�ستبد منغلق متحجر العقلية ؛ ون�صب‬ ‫امام جزءا من توطيد حكم االئمة كحق �إلهي ‪ ،‬ومرياث �شرعي وا�ستغالال‬ ‫تتوفر فيه قابلية التطور واخلروج من العزلة امل�ضروبة على اليمن‬ ‫جمل�س‪ ،‬ملكانة امري امل�ؤمنني علي بن ابي طالب يف تدعيم حكم فا�سد �أوحاكم‬ ‫وكانت احدى طروحات قادتها �آنذاك �إن�شاء جمل�س‬ ‫�سيادة اويف املذهب ظامل ‪.‬‬ ‫�إمامة ؛ على ان يتحلَى الإم��ام ب�شروط الإم��ام��ة املعتربة‬ ‫الزيدي وان تكون له �شعبية ووجاهة لدى القبائل ال�شمالية ‪.‬‬ ‫و�شجعت القوات امل�صرية ‪ ،‬املُ�شاركة يف احلرب اليمنية الى جانب‬ ‫وق��د مثلت الإم��ام��ة الإط��ار الفكري واللبنة اال�سا�سية للبنيان قوات اجلمهوريني ‪ ،‬النعرة الطائفية يف اليمن ‪ ،‬وقد كانت االو�ضاع‬ ‫ال�سيا�سي للدولة عند �آل الوزير ؛ ومتكنوا من خالل �صياغة امليثاق مهي�أة ‪ ،‬حيث ك��ان��ت الأث ��رة والت�سلط للطائفة ال��زي��دي��ة على ابناء‬ ‫املقد�س ‪ ،‬كد�ستور للثورة ‪،‬م��ن الإب�ق��اء على �شكل النظام ال�سيا�سي الطائفة ال�شافعية ‪ ،‬خ�لال عهد الأئ�م��ة ‪ ،‬فيما ا�صبح ابناء املناطق‬ ‫اليمني القائم على الإمامة ‪ ،‬من جهة ‪ ،‬والق�ضاء على حكم ا�سرة اجل�ن��وب�ي��ة االوف ��ر ح�ظ�اً يف امل�ن��ا��ص��ب احل�ك��وم�ي��ة ب�ع��د ال �ث��ورة بحكم‬ ‫حميدالدين اجلائر ‪ ،‬من وجهة نظرهم ‪ ،‬من جهة اخرى؛ ثم تطور تعليمهم وكفايتهم ‪ ،‬وك ��ان اغ�ل��ب امل�ن��اط��ق ال�شمالية غ�ير موالية‬ ‫فكرهم الحقا الى املناداة بدولة ا�سالمية �شورية ربانية مع احلفاظ للجمهورية ‪ ،‬وفراالكفاء منهم خارج البالد ‪.‬‬ ‫على امل�سار الفكري للزيدية من خالل التم�سك بالإمامة العادلة ‪،‬‬ ‫يف العام ‪ 1967‬وخ�لال احل��رب بني ان�صار اجلمهورية بدعم من‬ ‫وتقدمي ر�ؤية اجتهادية ا�سالمية ميكن ان تقنع االطراف اال�سالمية م�صر وان�صار االم��ام��ة الذين عرفوا بامللكيني بدعم من االردن و‬ ‫االخرى يف اليمن ‪ ،‬وخا�صة ال�شافعية ‪ ،‬قائمة على ان الإمامة م�صطلح ال�سعودية ؛ حا�صرت قوات الإمامة العا�صمة �صنعاء �سبعني يوماً ‪،‬‬ ‫لغوي اال�صل ورد يف القران الكرمي وال�سنة النبوية املطهرة ‪ ،‬ولي�س واعترب ف�شل احل�صاربداية النهاية لنظام االمامة يف اليمن ؛ وانتقلت‬ ‫م�صطلحا خم�صو�صا ومقت�صرا على الزيدية ؛ وقدمت هذه االراء بع�ض القيادات الزيدية املعار�ضة الى االردنوال�سعودية و�سواهما ‪.‬‬ ‫يف حماولة للتوافق مع الظروف ال�سيا�سية امل�ستجدة بعد الثورة ‪.‬‬ ‫وبقي املذهب الزيدي يف ال�سلطة ‪ ،‬خالل احلكم اجلمهوري‬ ‫ويالحظ ان االتهام بالتع�صب ال�سيا�سي واملذهبي قد برزت ؛ من خالل امل�شاركة يف ال�سلطة التنفيذية ‪ ،‬و�ساهم الت�سامح الذي‬ ‫‪ ،‬ب���ص��ورة وا��ض�ح��ة ل��دى االو� �س��اط ال�سيا�سية اليمنية‪ُ ،‬بعيد ال�ث��ورة تبناه النظام ال�سيا�سي اليمني يف تبادل املواقع بني املذهب الزيدي‬ ‫الد�ستورية وخا�صة بني �سيا�سييها ؛ الذين تبادلوااالتهامات بالوالء واملذهب ال�شافعي ‪ ،‬و�سجلت الكثري من االنتقاالت بني املذهبني على‬ ‫لل�سنة وال�شيعة وال�شافعية والزيدية ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫�شكل قناعة باالجتهادات الفقهية ولي�س ال�سيا�سية ‪.‬‬ ‫وعندما تلقى ابن االمام يحيى وويل عهده احمد بن يحيى ‪،‬‬ ‫ت�أثري الثورة االيرانية‬ ‫الذي اخذ له والده البيعة عام ‪1937‬م ‪ ،‬دون ان ميتلك كامل �شروط‬ ‫االمامة ‪ ،‬تلقى برقية من االمام عبداهلل الوزير يطلب اليه الدخول‬ ‫بعد اعالن جناح الثورة االيرانية عام ‪1979‬م ‪ ،‬جرت تظاهرات‬ ‫يف الطاعة ؛ ادرك احمد �أن الوزير كان �ضالعا يف اغتيال ابيه ؛ فار�سل م�ؤيدة لها يف �صعدة ‪ ،‬معقل الزيدية ‪ ،‬و�شكلت ا�ستفزازاً للحكومة‬ ‫له برقية ج��اء فيها " من �أم�ير امل�ؤمنني امل�ؤيد ب��اهلل النا�صر احمد التي قامت بحملة �إعتقاالت ‪ ،‬ومل يبد�أ �أول حترك مدرو�س ومنظم‬ ‫ابن امري امل�ؤمنني املتوكل على اهلل يحيى الى الناكث الذليل احلقري للمذهب الزيدي �سوى عام ‪1986‬م حيث �أن�ش�أ العالمة �صالح �أحمد‬ ‫عبداهلل الوزير ‪ ،‬لقد ركبت مركبا �صعبا عن طريق الغدر واخليانة فليتة (‪ 17-1935‬ايار ‪2008‬م ) تنظيم " احتاد ال�شباب الزيدي " وكان‬ ‫‪..‬واين زاحف اليك بان�صار اهلل " ‪ ،‬واعلن نف�سه اماماً ‪ ،‬وا�صبح هناك حممد بدرالدين احلوثي وال��د عبد امللك احلوثي ؛ ُيدًر�س خالله‬ ‫مادة عن الثورة االيرانية ومبادئها ‪ ،‬وبد�أ بت�شكيل نواة دينية لتدري�س‬ ‫ام��ام��ان ؛ احدهما بايعته اغلبية م��ن العلماء يف �صنعاء ‪ ،‬والثاين ابناء الطائفة الزيدية �أم��ور الدين والعقيدة والفقه ‪ ،‬و�ساعده يف‬ ‫ك��ان وارث��ا للحكم يف حجة ‪ ،‬ا�ستعدا للمواجهة الع�سكرية ‪ ،‬وازداد ذلك عدد من ال�شباب على را�سهم يحيى �سامل عزان ‪ .‬ويف عام ‪1988‬‬ ‫عدد القبائل امل�ؤيدة لالمام احمد والدعم االقليمي له با�ضطراد ؛ ازداد ن�شاطهم بان�ضمام علماء عادوا من ال�سعودية الى اليمن منهم‬ ‫فح�سم االمر ل�صاحله ع�سكرياً ‪ .‬ويالحظ ان االمام احمد �إ�ستند يف العالمة جمد الني امل�ؤيدي( ت‪ )2007/9/18:‬و بدرالدين احلوثي (‬ ‫حكمه الى تعزيز دور القبائل وال�سماح لها بنهب �صنعاء ؛ ثم االنفراد ت‪ 25 :‬ت�شرين الثاين ‪.)2010‬‬ ‫بال�سلطة واال�ستخدام املفرط للقوة والبط�ش باملعار�ضني �سيا�سياً‬ ‫مع قيام الوحدة اليمنية ‪ 1990‬التي �أحدثت انفتاحا �سيا�سيا‬ ‫عن طريق القتل واالغتيال وال�سجن والنفي للجميع مبا فيهم اخوة و�سمحت بالتعددية ال�سيا�سية والفكرية ؛ بادر اتباع املذهب الزيدي‬ ‫االمام وابنائهم ‪.‬‬ ‫الى ان�شاء عدة احزاب منها ‪ :‬حزب احتاد القوى الثورية اال�سالمية او‬


‫حزب الثورة اال�سالمية ‪ ،‬وحزب العمل والتوحيد اال�سالمي ( حزب‬ ‫لل�سادة �آل الوزير )‪ ،‬واحتاد القوى ال�شعبية اليمنية ( حزب لل�سادة �آل‬ ‫الوزير ) و حزب اهلل ‪ ،‬وحزب احلق ‪ ،‬ويف حني تال�شت االحزاب االربعة‬ ‫االولى ؛ فان احلزب االخري بقي وحتول الى م�شروع حزب �سيا�سي‬ ‫زيدي خال�ص له قيادة ومرجعية رمزية م�ؤلفة من ( ‪� ) 32‬شخ�صية‬ ‫متثل الطائفة الزيدية ؛ يعطي للزيديني و�سيلة للتعبري ال�سيا�سي؛‬ ‫وبح�سب تعبري االمني العام الع ًالمة احمد ال�شامي " اليجاد توازن‬ ‫فكري �سيا�سي منظم ُيعبرَ عن وجهة نظر ا�سالمية �أخرى " ‪ ،‬و�أعلن‬ ‫�صراحة �أنه يتبنى الفكر الزيدي الفقهي وال�سيا�سي ‪ ،‬والدفاع عن هذا‬ ‫الفكر باعتباره فكراً ا�سالمياً ال ميكن التخلي عنه ‪ ،‬والنه ثانياً جزء‬ ‫من تاريخ اليمن وعقيدته ال ميكن �سلخه منها " ‪ ،‬ورغم ان احلزب‬ ‫�أ�صدر بيانه ال�شرعي االول عام ‪1990‬م واعلن فيه التخلي عن االمامة‬ ‫كاطار فكري و�سيا�سي لن�شاط احلزب ‪ ،‬واعتربها �صيغة ب�شرية كان‬ ‫لها مربراتها يف املا�ضي ؛ ومل يبق لها مكان يف حا�ضر اليمن ؛ و�أن‬ ‫معيار اختيار احلاكم اليوم هو التقوى ‪،‬و�أن االمة م�صدر ال�سلطات "‬ ‫؛ اال انه تبنى الدفاع عن الفكر الزيدي ال�سيا�سي يف مواجهة التيار‬ ‫ال�سني؛ وكان جميع املوقعني على البيان ال�شرعي من علماء �صنعاء‬ ‫ُ‬ ‫‪ ،‬ومل يوقع علماء �صعدة على البيان النهم يبنون ر�ؤيتهم ال�سيا�سية‬ ‫وال�ع�ق��ائ��دي��ة ع�ل��ى ن�ظ��ري��ة ال�ب�ط�ن�ين ال��زي��دي��ة ال �ه��ادوي��ة ؛ ونتيجة‬ ‫للتطورات الدولية ؛ حرب اخلليج الثانية واملقاومة اللبنانية ؛ ازداد‬ ‫التباعد بني التيار الزيدي العام والتيار احلوثي وقد جنح احلوثيون‬ ‫يف ا�ستقطاب �أغلب املذهب الزيدي و�آل البيت الها�شميون يف اليمن ‪.‬‬ ‫و�أ�صدر احل��زب �صحيفتة " �صحيفة االم��ة " وهي ا�سبوعية ‪،‬‬ ‫وك��ان احل��زب هام�شيا ومل يكن له وزن يف االنتخابات النيابية لعام‬ ‫‪1993‬م ؛ حيث �شارك باالنتخابات ب�ستة مر�شحني وف��از اثنان فقط‬ ‫هما ‪ :‬ح�سني احلوثي وعبداهلل عيظة الرازمي �صهر االول وم�ساعده‬ ‫‪ ،‬ومل يفز ح�سني ابن العالمة جمدالدين امل�ؤيدي ‪.‬‬ ‫يف العام ‪� 1994‬أحدث ح�سني احلوثي ان�شقاقا يف حزب احلق‬ ‫على خلفية ا�صراره على منا�صرة احلزب اال�شرتاكي اليمني يف م�سعاه‬ ‫االنف�صايل ؛ وان�شق معه نحو ثالثة �آالف من ان�صاره قدموا ا�ستقالة‬ ‫جماعية من احلزب‪.‬‬ ‫حدث تطور �آخر عام ‪1997‬م حيث حتول املنتدى الثقايف الفكري‬ ‫ال��ى تنظيم �سيا�سي با�سم " تنظيم ال�شباب امل��ؤم��ن " وتفرغ ح�سني‬ ‫احلوثي للعمل فيه ‪ ،‬تاركا مقعد جمل�س ال�ن��واب ال��ذي ك��ان ي�شغله‬ ‫ل�شقيقه يحيى (‪1965‬م‪ ، ) -‬وبرز والده بدرالني احلوثي كمرجعية‬ ‫عليا للتنظيم ‪ ،‬ومت �إق�صاء العالمة امل�ؤيدي؛ الذي كان اجتهاده ان‬ ‫االم��ام��ة يف �آل البيت هي ا�ستداللية ولي�ست ن�صية " ما يعني �أنها‬ ‫لي�ست من �ضروريات الدين " كما �أُق�صي العالمة �صالح فليتة ‪.‬‬ ‫غ َذى نظام الرئي�س علي عبداهلل �صالح اخلالفات داخل حزب‬ ‫احلق فانق�سم يف �صعدة الى ن�صفني االول بزعامة امل�ؤيدي والثاين‬ ‫ت�سمى ب " منتدى ال�شباب امل�ؤمن " بزعامة بدرالدين احلوثي و�أوالده‬ ‫ً‬ ‫‪،‬وكان بدرالدين من املراجع العلمية الزيدية ‪ ،‬ومن فرقة اجلارودية‬ ‫القريبة من ال�شيعة االثني ع�شرية من حيث �إنكار �إمامة اخللفاء‬ ‫الرا�شدين ‪ ،‬والقول بامامة علي واحل�سن واحل�سني بالن�ص اخلفي‬ ‫من النبي ( �صلى اهلل عليه و�سلم )؛ وكان قد هاجر مع ابنه ح�سني‬ ‫ال��ى اي��ران ؛ الن النظام غ�ضب عليه ل��دوره يف تاييد االنف�صاليني‬ ‫اجلنوبيني عام ‪1994‬م واقاما يف ُقم ب�ضعة ا�شهر ثم غادرا الى لبنان‬ ‫‪ ،‬وتنقال بني ال�ضاحية اجلنوبية لبريوت حيث حزب اهلل وايران الى‬ ‫ان عادا الى اليمن ‪.‬‬

‫خالل االعوام ( ‪2004 -1999‬م) ن�شط تنظيم ال�شباب ثقافيا من‬ ‫خالل جملة " الر�سالة "‪ ،‬والتدريب الع�سكري لعنا�صره يف خميمات‬ ‫�صيفية‪ ،‬وو��س��ع ن�شاطه اوال يف حمافظة �صعدة حيث افتتح (‪)24‬‬ ‫مركزا ‪ ،‬ثم فتح فروعا يف بقية حمافظات اليمن بلغت يف العا�صمة‬ ‫ارب��ع ويف عمران �ستة مراكز ‪ ،‬واملحويت خم�سة وحجة اثني ع�شر‬ ‫‪،‬واالمانة خم�سة وذمار �سبعة ومركز واحد يف كل من �إب وتعز ‪.‬‬ ‫ورغم االنفتاح واالعتدال والت�أ�صيل الفكار املنتدى فان ال�شباب‬ ‫امل��ؤم��ن ك��ان اق��رب ال��ى الت�شدد ؛ وك��ان��ت ال��دع��وة اليه �أ�سهل و�أك�ثر‬ ‫رواج �اً ؛ حتى ان علماء الرعيل االول بقيادة العالمة جمدالدين‬ ‫امل�ؤيدي ؛ اعتربوا هذا النهج انقالباً على الفكر الزيدي ؛ و�أعيدت‬ ‫طباعة كتب املنهاج التدري�سي مع بع�ض التعديالت وعليها توقيع‬ ‫بدرالدين احلوثي الذي دعم توجهات جيل ال�شباب الذين ي�ؤكدون‬ ‫على العالمات الفا�صلة بني املذاهب ؛ اي الرتكيز على فكرة تقدي�س‬ ‫امل ��وروث وال�ك��ف ع��ن التحديث واالن�ف�ت��اح ب�إعتباره خ�ط��راً و ُمف�سداً‬ ‫التباع املذهب ‪،‬وكان ذلك متناق�ضاً مع و�سطية الزيدية باعتبارهم "‬ ‫�سنة ال�شيعة و�شيعة ال�سنة "‪ .‬وذكرت م�صادر حوثية ان عدد الطلبة‬ ‫املنتظمني يف مراكز �صعدة وحدها بلغ (‪ )18000‬طالب ‪ ،‬وان هذه‬ ‫املراكز جتاوزت حمافظة �صعدة الى ت�سع حمافظات مينية �أخرى ‪.‬‬ ‫وبد�أ بتا�سي�س مراكز دينية يف مديرية حيدان مبحافظة �صعدة‬ ‫منذ ‪� 1997‬أطلق عليها ا�سم " حوزة " ‪ ،‬ت�شبهاً بحوزات ُقم االيرانية ‪،‬‬ ‫ويف ‪� 16‬آذار ‪ 2007‬قدم العالمة �أحمد ال�شامي �أمني عام احلزب طلبا‬ ‫للجنة �ش�ؤون االحزاب والتنظيمات ال�سيا�سية حلل احلزب لعدم التزام‬ ‫امل�ؤ�س�سني باهداف وتوجهات وبرنامج احلزب‪ ،‬وف�شل احلزب يف عقد‬ ‫م�ؤمتره العام رغم م��رور �ستة ع�شر عاماً على ت�أ�سي�سه ؛ ويبدو �أن‬ ‫حل احل��زب �ساهم يف دفع الكثريين من �أتباعه لاللتحاق باحلركة‬ ‫احلوثية ؛ رغم ان بع�ض قيادات احلزب رف�ضت احلل وانتخبت ح�سن‬ ‫حممد زيد ( ‪1954‬م‪، )-‬الداعي لدولة مدنية توافقية عادلة ‪� ،‬أميناً‬ ‫عاماً ؛ وبقي احل��زب ميار�س ن�شاطه ال�سيا�سي متحالفاً مع احلزب‬ ‫اال�شرتاكي واي��ران ‪ ،‬ومتم�سكاً ب�شرط البطنني يف االمامة ومتثيل‬ ‫الها�شميني‪ ،‬ومدافعاً عن املذهب الزيدي وحقوق ابنائه ؛ لكل ما �سبق‬ ‫كان احلزب يف �صراع مع ال�سلطة‪ .‬ورغم ان جماعة احلوثي ب�شكلها‬ ‫احل��ايل مل يكن لها ح�ضور عند تا�سي�س ال�شباب امل��ؤم��ن ؛ اال ان‬ ‫متيزه باملنهج الذي اتبعه للطلبة امللتحقني به الذي ت�ضمن درو�سا‬ ‫دينية ‪ ،‬كالفقه ‪ ،‬احلديث ‪ ،‬التف�سري ‪،‬العقائد وان�شطة ريا�ضية وتعليم‬ ‫اخلطابة واالنا�شيد وامل�سرحيات واللقاءات واحلوارات �ضمن برنامج‬ ‫يومي يف ثالث فرتات ‪� :‬صباحية ‪ ،‬ويف الظهرية وم�سائية يف مراكز‬ ‫علمية افتتحت لهذه الغاية بد�أت يف �ضحيان ثم انت�شرت يف خمتلف‬ ‫املحافظات‪.‬‬ ‫هي�أ تنظيم ال�شباب امل�ؤمن �أتباعه �سيا�سيا وع�سكريا بان نظام‬ ‫الرئي�س �صالح فا�سد وعميل وغري �شرعي وان ال�صدام معه ق��ادم ‪،‬‬ ‫وابرز دور ايران كنموذج للخال�ص ‪ ،‬وركز على مظاهر القوة والكرثة‬ ‫ل�شبابه يف منا�سبات عا�شوراء والغدير ‪ ،‬ودعا اتباعه ل�شراء ال�سالح‬ ‫‪ ،‬واع�ت�بر ال�ت��درب على ال�سالح واقتنائه �شرطا للع�ضوية ‪ ،‬وق�سم‬ ‫حمافظة �صعدة الى مناطق ع�سكرية ووزع فيها امللي�شيات ‪ ،‬وازدادت‬ ‫املراكز ال��ى �ستني مركزا بلغ ع��دد منت�سبيها خم�سة ع�شر ال��ف �شاب‬ ‫؛ فاتهمت احلكومة احلوثيني بال�سعي الق��ام��ة دول��ة دينية �شيعية‬ ‫يف �صعدة ‪،‬واح�ي��اء االم��ام��ة الزيدية ‪ ،‬وبالغ الرئي�س �صالح يف بيان‬ ‫اخطار احلوثيني ال�سباب منها ما تعلق ب�ضرب خ�صومه يف الداخل‬ ‫اوالتك�سب من ُود ال�سعودية و�أمريكا ‪ ،‬ويرت ًبح من عمليات احلرب‬ ‫ُ‬ ‫وجتارة ال�سالح " ‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪29‬‬


‫اعتمد تنظيم ال�شباب �شعار ال�صرخة " اهلل اكرب‪ ،‬املوت المريكا‬ ‫‪ ،‬املوت ال�سرائيل ‪ ،‬اللعنة على اليهود ‪ ،‬الن�صر لال�سالم " منذ ‪2002‬‬ ‫‪� :‬أي بعد حادثة ‪ 11‬ايلول ‪ 2001‬يف نيويورك ‪ ،‬وظل ان�صاره يرددونه‬ ‫عقب ك��ل ��ص�لاة ويكتبونه على ج ��دران امل�ساجد وامل�ب��اين وامل�م��رات‬ ‫العامة ‪.‬‬ ‫منعت ال�سلطات اليمنية تردديد ال�شعار يف امل�ساجد ؛ يف الوقت‬ ‫ال��ذي ك��ان فيه احلوثيون ي��ؤك��دون التباعهم ان الزيديني تعر�ضوا‬ ‫للتهمي�ش والتمييز ال�سيا�سي واالجتماعي يف الوظائف احلكومية‬ ‫والقمع الفكري واملذهبي من قبل االكرثية ال�شافعية ‪ ،‬ويحاولون‬ ‫ت�أ�صيل ه��ذا كله بالقول ان �سيا�سات التمييز تعود ال��ى ع��ام ‪1962‬م‬ ‫عندما �أطيح باالمامة الزيدية التي حكمت اليمن لأك�ثر من �أحد‬ ‫ع�شر قرنا ‪ ،‬وان مطالبهم تت�ضمن تكوين حزب �سيا�سي مدين زيدي‬ ‫‪ ،‬وان�شاء جامعة معتمدة ‪ ،‬وحقهم يف تعلم املذهب الزيدي يف الكليات‬ ‫ال�شرعية ‪ ،‬واعتماد املذهب ال��زي��دي مذهبا رئي�سا يف اليمن ‪ ،‬فيما‬ ‫كانت ال�سلطات ت�ؤكد انهم ي�سعون الى اقامة حكم رجال دين ‪ ،‬و�إعادة‬ ‫االمامة الزيدية ‪.‬‬ ‫وك��ان ع�ل�م��اء ال��زي��دي��ة ق��د �أ� �ص��دروا ف�ت��وى �أن ��ش��رط الن�سب‬ ‫الها�شمي والبطنني للإمامة مل يعد مقبو ًال اليوم ‪ ،‬وانه كان لظرف‬ ‫تاريخي م�ضى ‪ ،‬وان ��ش��ؤون االم��ة وقيادتها ( الرئا�سة ) ح��ق لكل‬ ‫امل��واط�ن�ين ؛ و ت��راج��ع ع��ن ه��ذه الفتوى ع��ام ‪ 2004‬ك��ل م��ن العالمة‬ ‫جمدالدين امل�ؤيدي والعالمة حممد بن حممد املن�صور(‪9 -1915‬‬ ‫ايلول ‪2016‬م) وا�صدرا بياناً تربءا فيه ممن ي�ستحل دماء امل�سلمني ‪،‬‬ ‫واعتربا ان اخلالف يف امل�سائل الفقهية �ش�أن العلماء وال يجوز الحد‬ ‫ان يبني عليه موقفاً �سيا�سياً ‪ ،‬وطالبوا الرئي�س �صالح باحتواء ح�سني‬ ‫احلوثي ‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫حملت �أح ��زاب اللقاء امل�شرتك املُعار�ضة احلكومة اليمنية‬ ‫م�س�ؤلية الت�صعيد يف احلرب على احلوثيني‪ ،‬وادانت ا�ستخدام القوة‬ ‫الع�سكرية يف �صعدة ‪ ،‬وك��ان لهذا الت�ضامن عالقة مب�شاركة حزبي‬ ‫احلق واحتاد القوى ال�شعبية يف �أحزاب اللقاء امل�شرتك و مبعار�ضة‬ ‫احزاب اللقاء امل�شرتك توريث ال�سلطة البن الرئي�س �صالح ‪ ،‬ولكنها‬ ‫ال�ساليل‬ ‫ادانت اي�ضا يف بيانها بتاريخ ‪ " 2005/4/7‬كل ا�شكال التطرف ُ‬ ‫واملذهبي واملناطقي والأ�سري " ‪.‬‬ ‫مل تنجح الدولة احلديثة يف اليمن يف مركزة الوالء نحوها‬ ‫‪ ،‬و��س�ح��ب ارت �ب��اط��ات االف� ��راد واجل �م��اع��ات جت��اه ال��زع��ام��ات النابعة‬ ‫م��ن ال� ُب�ن��ى ال�ق��راب�ي��ة الأول �ي��ة ‪ ،‬وك��ان��ت امل �ت �غ�يرات يف ُب�ن�ي��ة القبيلة‬ ‫ودميوغرافيتها ‪ ،‬ويف امل�ستوى التعليمي واملهني ‪ ،‬وتغيري املكان وتعدد‬ ‫املمار�سات والوظائف ‪ ،‬ومتكني ابناء القبيلة من ادوات ال�سلطة والقوة‬ ‫�ضمن م�ؤ�س�سات الدولة ؛كانت قد �ساعدت على ظهور زعامة جديدة‬ ‫يف الو�سط القبلي اليمني متثل ب “ احلركة احلوثية “ ‪.‬‬

‫وا�صبح احلوثيون حركة طائفية افادت من التهمي�ش الالحق‬ ‫بالزيدية منذ ثورة ‪ ،1962‬وخ�صو�صا بعد الوحدة ‪1990‬م ‪،‬وطرحت‬ ‫نف�سها كممثل لل�شرعية الزيدية التاريخية ‪ ،‬وا�ستطاعت جتيي�ش‬ ‫الزيدية ال�ستعادة دع��اوى الن�سب القر�شي والها�شمية والفاطمية ‪،‬‬ ‫يف م�سعى ال�ستعادة الدور واملوقع ‪ ،‬وافادت من انهيار النظام ال�سابق‬ ‫وا�ستثمرت يف حزبه (امل��ؤمت��ر ال�شعبي ) وق�ي��ادات��ه ومنهم الرئي�س‬ ‫�صالح على ا�سا�س الدفاع عن حقوق وم�صالح الزيدية ‪ ،‬وقد قلبت‬ ‫وجتذرت ايديولوجيا احلوثيني على يد ح�سني احلوثي �صاحب التوازنات القبلية اليمنية القدمية وخلقت و�ضعا جديدا فقدت فيه‬ ‫الفكر ال�سيا�سي الزيدي الذي يعترب اال�صل اخلام�س عنده هو االمر القبيلة �سيطرتها على مناطقها وتفككت مرجعياتها يف مواجهة‬ ‫باملعروف والنهي عن املنكر ‪ ،‬وان من م�ستلزمات االميان به الرف�ض تنظيم مذهبي طائفي �سيا�سي وع�سكري حديث ‪.‬‬ ‫والتمرد والع�صيان بل املحاربة وال�ث��أر على كل حاكم ُيعتقد ف�سقه‬ ‫وف�ساده ؛ و�أ�صبحت �شخ�صية ح�سني ثم عبدامللك من بعده �شخ�صية‬ ‫و ال�شك ان احلوثيني تبنوا الت�شيع مذهباً دينياً على طريقة‬ ‫كارزمية على ن�سق ال�سيد ح�سن ن�صراهلل و ت��داخ��ل االيديولوجي‬ ‫الزيدية التي كانت �شائعة يف اليمن ؛ ولكنهم ك��ان��وا اك�ثر ُق��رب�اً يف‬ ‫املذهبي بال�سيا�سي‪ ،‬واالجتماعي باالقت�صادي والتنموي ‪.‬‬ ‫الت�شيع ال�سيا�سي الى الزيدية الهادوية املعا�صرة ؛ وهي اجلارودية‪.‬‬ ‫�أق��ر عبدامللك احل��وث��ي ان �شعار ال�صرخة ال��ذي اطلقه �شقيقه وقد خل�صت ندوة عن احلوثيني يف جامعة ذمار بتاريخ ‪2009/10/5‬م‬ ‫ح�سني كان ال�سبب يف كل التداعيات الالحقة ‪ ،‬فيما اكد‬ ‫بدرالدين ال��ى ع��دم وج��ود ارتباط بني املذهب الزيدي واحلركة احلوثية وان‬ ‫احلوثي �صحة الدعوة لرتديد ال�صرخة وان ابنه ح�سني كان مرجع‬ ‫االخرية هي امتداد للحركة الراف�ضية االثني ع�شرية ‪.‬‬ ‫ال�شباب امل�ؤمن ‪.‬‬ ‫اح�س النظام ال�سيا�سي اليمني يف عهد الرئي�س �صالح بالتهديد‬ ‫و ب��د�أت �ست ج��والت من ال�صراع امل�سلح بني الدولة واحلوثيني بني‬ ‫عامي (‪ )2010-2004‬وا�صبحت احلركة احلوثية �إثر هذه احلروب‬ ‫نوع من التنظيم الديني امل�سلح احلديث ال�شبيه بحزب اهلل اللبناين‬ ‫؛ فهو يجمع بني االنتماء الديني املذهبي(الطائفي)وبني امل�شروع‬ ‫ال�سيا�سي واالدوات التنظيمية والع�سكرية احلديثة من جهة اخرى‪.‬‬ ‫وكان احلوثيون يعلنون �أنهم ينتمون للمذهب الزيدي ‪ ،‬ويحاولون‬ ‫ا�ستمالة القلوب اليهم ‪ ،‬بعيدا عن املذهبية الفقهية ‪ ،‬وبح�سب �أحد‬ ‫م�ؤ�س�سي منتدى ال�شباب امل�ؤمن ف��ان احل��رب على �صعدة زع��م انها‬ ‫للق�ضاء على الزيدية ؛ وذل��ك لك�سب تاييد ودع��م �أبناء املذهب يف‬ ‫مواجهتها ‪ ،‬وت�صوير ما يجري يف �صعدة بانه ح��رب اب��ادة جماعية‬ ‫لتدويل الق�ضية والتدخل اخلارجي ‪.‬‬

‫ورغم مالحظة ان املذهب الزيدي ؛ اقرب املذاهب ال�شيعية الى‬ ‫ال�سنة ؛ال��ذي تطور فكرياً واجتهادياً على �ض�ؤ مدر�سة املتكلمني‬ ‫ُ‬ ‫املعتزلية ‪ ،‬ورك��ز على الإمامة ودور الإم��ام يف ال�سلطة ال�سيا�سية (‬ ‫الدولة ) ؛ لكن ما ان تقوى �سلطة الإمام ودولته ‪ ،‬ويجد اي مبادرة‬ ‫خارجية من دولة �شيعية �إمامية �إثني ع�شرية ؛ املختلفة يف اجتهادها‬ ‫الفقهي عن الزيدية ؛ فان االمام ي�ستقوي بها ‪،‬وين�سق معها �سيا�سياً‬ ‫ورمبا ع�سكرياً يف مواجهة معار�ضيه ال�سيا�سيني ‪ ،‬ويرافق ذلك تطبيق‬ ‫اجتهادات الفرقة املطرفية اواجلارودية او االثني ع�شرية يف اليمن‬ ‫ومنها � �ش��روط االم��ام��ة وامل��وق��ف م��ن خ�لاف��ة ال�شيخني ‪ ،‬وحديث‬ ‫الغدير ‪ ،‬واال�ضافة على الآذان ‪ ،‬وال�صرخة ‪.‬‬


‫مرئيات اإلعالم الرسالي ومنطلقاته‬ ‫دراسات‬

‫املقدمة ‪:‬‬ ‫احلمد هلل وكفى وال�صالة وال�سالم على نبيه امل�صطفى ‪ ،‬وعلى �آله‬ ‫و�صحبه ومن بهديه اقتدى ‪.‬‬ ‫ي�شغل (الإع�لام الر�سايل) م�ساحة من اهتمام مفكري وم�صلحي‬ ‫الأم��ة يف اللحظات الراهنة حيث يعد نافذة الأم��ل ال��ذي تتطلع �إليه‬ ‫اجل�ه��ود املخل�صة يف ع��امل ي�شهد كما هائال م��ن ال�ط��وف��ان الإع�لام��ي‬ ‫يتدفق �إلينا م��ن خمتلف ال�ن��واف��ذ الإع�لام�ي��ة بكافة و�سائل التقنية‬ ‫املت�سارعة واملتنوعة يتطلب ذلك منا فهما �أعمق و�إدراكا �أن�ضج ملواجهه‬ ‫هذا التحدي الإعالمي والذي قزم من دور الو�سائط الرتبوية الأخرى‬ ‫وبات ي�شكل عقل ووجدان الأجيال احلا�ضرة وال�صاعدة ولعله يخرتق‬ ‫�أدق اخل�صو�صيات الثقافية والنف�سية وي�ضطلع يف �صناعتها وت�شكيلها ‪.‬‬

‫د‪.‬إنصاف أيوب المومني‬

‫وثمة حاجة ملحة تدعونا ؛ للخروج من قوقعة االنتظار وك�سر طوق‬ ‫االنغالق و�صوال �إلى �آفاق الفعل والبناء والإع��داد الر�شيد انطالقا من‬ ‫احلا�ضر وا�ست�شرافا للم�ستقبل ل�صياغة منوذج �إعالمي ر�سايل بر�ؤية‬ ‫جديدة م�ؤ�صلة املحتوى معا�صرة االجتاه ت�ؤهلنا للتفاعل مع الثقافات‬ ‫الوافدة والتطورات املت�سارعة‪ ،‬يتناغم فيها الذوق الإمي��اين الأخالقي‬ ‫مع الذوق اجلمايل‪ ،‬وتتعا�ضد فيها الطاقات ال�شبابية املميزة املتجددة مع‬ ‫اخلربات املت�ألقة لتجارب من �سبقونا �إلى الإميان من خمتلف الأطياف‬ ‫والو�سائط الرتبوية واالجتماعية والتخ�ص�صية‪ ،‬التي م��ن املمكن �أن‬ ‫ت�سهم يف �صناعه النموذج الر�سايل الإعالمي املرتقب ؛ لي�شكل خلية من‬ ‫ن�سيج امل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي ‪ ،‬وب�صي�ص النور املتدفق الذي يحد‬ ‫من كثافة دجى املدنية املعا�صرة للأمة خا�صة وللإن�سانية عامة ‪.‬‬ ‫ويف �سبيل ذلك جاءت هذه الدرا�سة لتبني مفهوم الأعالم الر�سايل‬ ‫م�ع��رج��ة ع�ل��ى �أه�م�ي�ت��ه ب���ص��ورة خم�ت��زل��ة وع�ل��ى �أب ��رز م�ع��امل مرئياته‬ ‫ومنطلقاته و�صوال �إلى طرح ر�ؤى و�سبل تتجاوز معوقات التي حتول‬ ‫ال ْ�صلاَ َح‬ ‫دونه �ضمن حلول ر�شيدة ا�ستجابة لنداء ال�سماء }�إِ ْن �أُرِي ُد �إ اَِّل ِْ إ‬ ‫َما ْا�س َت َط ْعتُ َو َما َت ْو ِفي ِقي �إ اَِّل ب هَّ ِ‬ ‫يب{هود ‪88 :‬‬ ‫ِالل َعلَ ْي ِه َت َو َّك ْلتُ َو�إِ َل ْي ِه �أُ ِن ُ‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪31‬‬


‫املبحث الأول‬

‫مع امل�ضامني احلقة التي تعر�ض من خاللها"(((()‪.‬‬

‫�أوال‪ :‬مفهوم الإعالم الر�سايل‪:‬‬

‫وال��ذي منيل �إليه �أن الإع�ل�ام الر�سايل هو ‪ :‬ال��ذي يهدف‬ ‫�إل��ى حتقيق و�سطية الإ� �س�لام و�إر� �س��اء ثوابته بكافة الو�سائل‬ ‫والأ� �س��ال �ي��ب امل�ن��ا��س�ب��ة امل�ت�ن��اغ�م��ة وروح ال�ع���ص��ر‪ ،‬وال �ق��ادر على‬ ‫اقتنا�ص وا�ستثمار الطاقات ال�شبابية املميزة امل�ؤهلة لتقدمي‬ ‫ال�ن�م��وذج الإ��س�لام��ي ال��ري��ادي احل���ض��اري ل�ل�أج�ي��ال احلا�ضرة‬ ‫وال�صاعدة وللإن�سانية كافه من خالل النموذج الإن�ساين تارة‬ ‫ومن خالل البناء الفكري والإمياين واحل�ضاري �أطوار �أخرى‬ ‫ويتميز ب�أنه �إعالم عقدي منهجي هادف ومو�ضوعي مبني على‬ ‫�أ�س�س التثبت‪ ،‬و�أنه ح�سبة هلل تعالى‪ ،‬واجب على �أفراد الأمة‪ ،‬كل‬ ‫ح�سب قدرته وطاقته‪ ،‬ومن املرادفات الأخرى له والتي يجمعها‬ ‫قا�سم م�شرتك فيما بينها الإع�لام الر�سايل‪ ،‬والإع�لام امللتزم‪،‬‬ ‫والإعالم الديني‪ ،‬والإعالم الإ�سالمي‪.‬‬

‫ي���س�ت�ن��د م�ف�ه��وم الإع �ل��ام ال��ر� �س��ايل ع�ل��ى (ف�ل���س�ف��ة الفكر‬ ‫الإعالمي الإ�سالمي) امل�ستقاة من الأ�صول الإ�سالمية بحيث‬ ‫ي�صبح �أداة وو�سيلة لتحقيق �أه��داف الإ��س�لام وغاياته العليا‪.‬‬ ‫وعلى و�سائل الإعالم تنمية الوعي وبناء املنظومة االجتماعية‪،‬‬ ‫ومواجهة التحديات الراكدة والوافدة لهذه املنظومة و�أن تكون‬ ‫بدي ًال مكافئاً من حيث التقنيات املعا�صرة‪ ،‬واالنفتاح على الآخر‪،‬‬ ‫بيد �إنها �إن مل ت�ستح�ضر هذا البعد ف�ستكون امتداداً لإخفاقات‬ ‫احلا�ضر وتر�سيخ ثقافة الي�أ�س والهزمية الداخلية �أمام ثقافة‬ ‫الزهو لل�سلوكيات والقيم الوافدة الغازية‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫�إن الإع�ل��ام وف��ق ال�ت���ص��ور الإ� �س�لام��ي ه��و ال ��ذي "يوظف‬ ‫التكنولوجيا االت���ص��ال�ي��ة والإب � ��داع امل� ��ادي‪ ،‬وي �ق��ود خ�ط��اه��ا يف‬ ‫اال�ست�شراف الروحي"(((()‪ .‬وال يتم ذلك �إال �إذا عرف الإعالم‬ ‫الإ��س�لام��ي وتقنياته وو�ضعت ذل��ك على �أ��س��ا���س م��ن االختيار‬ ‫واالخ�ت�ب��ار فلي�س املعيار ك��ل جديد نافع ولي�س ك��ل ق��دمي بال‬ ‫فاعلية‪� ،‬إمنا املعيار يف ذلك مدى حاجتنا لهذا اجلديد ومدى‬ ‫مالءمته ملبادئ الإ�سالم‪ ،‬وكيفية تعاملنا مع القدمي وعر�ضه‬ ‫ب�أ�سلوب يالئم الع�صر"(((()‪.‬‬ ‫ويع ّرف الإعالم الر�سايل �أي�ضاً �أنه "�إعالء كلمة اهلل يف كل‬ ‫ع�صر بكافة و�سائل االت���ص��ال املنا�سبة وال�ت��ي ال تتناق�ض مع‬ ‫مقا�صد ال�شريعة"(((()‪.‬‬ ‫ويقدم ال�شنقيطي تعريفاً �آخر فريى �أنه "حمل م�ضامني‬ ‫الوحي الإلهي‪ ،‬ووقائع احلياة الب�شرية املحكومة ب�شرع اهلل �إلى‬ ‫النا�س كافة‪ ،‬ب�أ�ساليب وو�سائل تتفق يف �سموها وح�سنها وتنوعها‬

‫ثانيا‪� :‬أهمية الإعالم الر�سايل يف بناء جيل النخبة ال�شبابي‬ ‫لقد تقل�ص دور الأ�سرة وباتت تعاين من فقدانها املتزايد‬ ‫للقدرة على اال�ستمرار بو�صفها مرجعية منهجية و�أخالقية‬ ‫للأجيال ال�صاعدة ب�سبب ن�شوء م�ؤ�س�سات تربوية �أخرى وعلى‬ ‫ر�أ�سها الإعالم‪.‬‬ ‫وال يغيب عن �أذهاننا �أننا نعي�ش حتو ًال حقيقياً ملجمل دور‬ ‫احلياة حتقيقاً ل�سنة اهلل يف التغيري والتبديل يف �أدوار احلياة‬ ‫وفق طاقات الب�شر وقدراتهم الذهنية يف الإبداع والتميز لإدارة‬ ‫معركة احلياة الأزل�ي��ة ف ��إن كانت اجلاهلية البائدة عبدت ما‬ ‫�صنعت من احلجارة ف��إن جاهلية اليوم انقادت ملا �صنعت بعد‬ ‫�أن بلغت �أعلى مراتب التقدم التقني وال�سياق املعريف وال�سيما يف‬ ‫و�سائل الإعالم و�أدواته‪.‬‬

‫والإع�لام الهادف (الر�سايل الذي يوجه �إلى جيل النخبة)‬ ‫ليقوده لبناء نف�سه �أوال ولتقدمي الإ�سالم بعدالته وو�سطيته‬ ‫‪�� ) 1‬ش��رف‪ ،‬ع�ب��د ال�ع��زي��ز‪ ،‬الإع �ل�ام الإ��س�لام��ي وتكنولوجيا االت���ص��ال‪ ،‬و�سماحته ثانياً‪ ،‬نرى فيه احلاجة املا�سة �إلى �أن يعي�ش ال�شاب‬ ‫ع�صره و�أن ي�شارك العامل معارفه ليقدم عظمة هدفه الذي‬ ‫القاهرة‪ ،‬دار قباء‪� ،1998 ،‬ص‪.90‬‬ ‫ينبع من عظمة دينه‪ ،‬ولعل �أن �أي �شهود ح�ضاري يف ع�صر البث‬ ‫‪) 2‬حاج‪ ،‬خرية �سرير‪ ،‬الوعي بامل�ستقبل ودور و�سائط الرتبية يف تتمته الإعالمي يتولى زمامه (جيل النخبة) الإعالمي املميز املبدع‪.‬‬ ‫من منظور �إ�سالمي‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري مقدمة �إل��ى كلية ال�شريعة‪ ،‬والذي ي�سري بخطى واثقة نحو البناء الدقيق للمفكر الإعالمي‬ ‫جامعة الريموك‪ ،‬الأردن‪2005 ،‬م‪� ،‬ص‪.213‬‬ ‫ولي�س قفزة يف الف�ضاء ت�ستند لأحالم الك�سالى‪.‬‬

‫‪ ) 3‬الغالييني‪ ،‬حممد موفق‪ ،‬و�سائل الإع�لام و�أث��ره��ا يف وح��دة الأم��ة‪،‬‬ ‫ر�سالة ماج�ستري غ�ير من�شورة‪ ،‬جامعة الإم��ام حممد ب��ن م�سعود ‪ ) 4‬ال�شنقيطي‪� ،‬سيد‪ ،‬مفاهيم �إعالمية من القر�آن الكرمي‪( ،‬الريا�ض)‬ ‫عامل الكتب‪ ،‬ط‪� ،1‬ص‪.18‬‬ ‫الإ�سالمية‪1405 ،‬هـ ‪19/15‬م‪� ،‬ص‪.46‬‬


‫وي��ورد ال�سويدان طائفة م��ن موا�صفات املفكر الإع�لام��ي الإعالم وح�سن توظيفه وفق الر�ؤية الإ�سالمية لي�صل الإن�سان‬ ‫بخالقه‪ ،‬ويو�ضح حقائق الهداية‪ ،‬ويك�شف ال�ستار عن الفهم‬ ‫جليل النخبة منها‪:‬‬ ‫اخلاطئ حلقيقة هذا الدين النقية‪ ،‬و�أي�ضاً لك�شف النقاب عن‬ ‫‪-1‬التفكري الواقعي‬ ‫هذا اخلليط غري املتجان�س للنظريات الإعالمية الو�ضعية التي‬ ‫تقوم على �أهداف �ضيقة حتكمها امل�صالح والأهواء‪.‬‬ ‫‪-2‬التعلم الذاتي‬ ‫‪-3‬التمييز بني الأفكار والآراء القابلة للرف�ض واحلقائق‬ ‫املبحث الثاين ‪:‬‬ ‫‪-4‬الإملام بفنون الإعالم‬ ‫مرئيات وتوجيهات للإعالم الر�سايل‬ ‫‪-5‬عالقات مع املفكرين وح�ضور ندواتهم (((‬ ‫فمن �أبرز املرئيات والإر�شادات للإعالم الر�سايل‪:‬‬ ‫ويف �صدد احلديث عن قوة الت�أثري يبني ال�سويدان مفاتيح‬ ‫االرتقاء بالذوق اجلمايل‬ ‫ال�ت��أث�ير وك�سب ال�ق�ل��وب جليل النخبة الإع�لام��ي بجملة من‬ ‫الإ�شارات يت�صدرها‪:‬‬ ‫�إن الفكر الإعالمي الإ�سالمي "يت�سق مع الر�ؤية الإ�سالمية‬ ‫�صدق الت�أثري (التفاعل العاطفي)‪.‬‬‫وال �ت��ي ت�ع��د م���س��ار م�ف�ت��وح ال��س�ت���ش�ع��ار اجل �م��ال‪ ،‬وا��س�ت�ن�ط��اق��ه‬ ‫وا�ستبطانه وتنميته ب�أبعاده وم�ستوياته املختلفة (الروحية‬ ‫االلتزام مبا يدعو �إليه‪.‬‬‫وامل ��ادي ��ة‪ )..‬وذل ��ك ��ض�م��ن ال��ر�ؤي��ة ال�ن��اب�ع��ة م��ن ق�ل��ب الإ� �س�لام‬ ‫االبت�سامة‪.‬‬‫واملنبثقة وفق ت�صوره"(((()‪.‬‬ ‫ح�سن املظهر‪.‬‬‫وهناك جملة من الدرر القر�آنية والنبوية تدعو �إلى الآنف‬ ‫االهتمام بالآخرين‪.‬‬‫ذكره ويتوج ذلك كله‪:‬‬ ‫ومما جتدر الإ�شارة �إليه �أن جيل النخبة الذي ي�شكل نواة‬ ‫ق��ول��ه ت�ع��ال��ى‪َ }:‬و َل � ُك � ْم ِف�ي� َه��ا َج � َم� ٌ�ال ِح�ي َ�ن ُت � ِري� ُ�ح��و َن َو ِح�ي َ�ن‬ ‫التغيري يتجاوز عطاءه دائرته وبناء ذاته �إلى دائرة �أقرانه وعامله‬ ‫الرحب ليكون من��وذج�اً يحتذى به وي�ستقى من علمه وفكره َت ْ�س َر ُحو َن{ (�سورة النحل‪)٦ :‬‬ ‫يف ميادين �أخ��رى ( من �أج��ل بناء فكر وعقل ووج��دان جديد‬ ‫وق ��ول ��ه � �ص �ل��ى اهلل ع �ل �ي��ه و� �س �ل��م‪�" :‬إن اهلل ج �م �ي��ل يحب‬ ‫حم�صن �ضد التحديات الداخلية واخلارجية‪ ،‬قادر على العي�ش‬ ‫ّ‬ ‫ومع اجلمال"(((()‪.‬‬ ‫يف �سالم �ضمن دائرته واملجتمعات الإ�سالمية الأخرى بل‬ ‫�سائر الأديان وال�شعوب يف خمتلف �أنحاء العامل)(((() للنهو�ض‬ ‫�إن م��ن �أب ��رز خ�صائ�ص العقل الإع�لام��ي امل �ب��دع‪ ،‬الإدراك‬ ‫برتبة الفهم العميق لفقه التدين‪.‬‬ ‫اجل �م��ايل‪ ،‬واك �ت �� �س��اب ال�ق�ي��م اجل �م��ال �ي��ة‪ ،‬و�إي �� �ص��ال م�ضمونها‬ ‫ه�ن��اك ث�لاث��ة ع��وام��ل رئ�ي���س��ة ت���س��اه��م يف ت�شكيل العقلية بالر�سالة الإعالمية التي ترتقي بالعقل وتو�سع الف�ضاء املعريف‬ ‫الإ�سالمية‪ :‬الإعالم والتعليم واخلطاب الديني(((()‪ ،‬ويت�صدر وال��وج��داين‪ ،‬وجت�ع��ل م��درك اجل�م��ال �أق��رب �إل��ى م�ب��دع وخالق‬ ‫الإع�ل�ام املرئي ه��ذه العوامل ال�سالف ذكرها للمزايا الكثرية اجلمال‪.‬‬ ‫م��ن‪� :‬سعة انت�شاره‪ ،‬واجل�م��ع ب�ين ال�صوت وال���ص��ورة واحلركة‬ ‫ثمة م�ي��ادي��ن للجمال ميكن �أن يوظفها الإع�ل�ام خلدمة‬ ‫واللون‪( ،‬وقدرته اخلارقة على توحيد الأفكار والقيم وامل�شاعر‪� :‬أه��داف��ه العليا مثل‪ :‬الأدب امللتزم مبختلف ��ص��وره و�أ�صنافه‬ ‫فالآالف ي�شاهدون امل�ؤثرات نف�سها مما ي�سهم يف حتقيق وحدة حيث يعد �صورة ناب�ضة للإبداع عرب م�سرية التاريخ احل�ضاري‬ ‫الفكر واملعايري والثقافة)(((()‪� ،‬إ�ضافة �إلى اجلمع بني الإقناع للإن�سانية‪ ،‬وجند الت�أكيد النبوي والدعوة �إليه لقوله �صلى اهلل‬ ‫الفكري والت�سلية والرتفيه‪.‬‬ ‫عليه و�سلم‪�" :‬إن من ال�شعر حلكمة"(((() وهنا ن��رى اجلمع‬ ‫وثمة حاجة ملحة يف اللحظات ال��راه�ن��ة تدعونا لتفعيل بني ال��ذوق الوجداين وال��ذوق العقلي ف��الأدب الذي يدعو �إليه‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم هو الذي ي�صقل الإح�سا�س وال يغفل �إعمال‬ ‫العقل بل ُي ّلحظ فيه احلكمة‪.‬‬ ‫‪ - ) 1‬قناة الر�سالة الف�ضائية‪ ،‬طارق ال�سويدان‪ ،‬برنامج علمتني احلياة‪،‬‬ ‫اجلزء‪ ،2‬رم�ضان ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬ ‫‪ ) 5‬املومني‪� ،‬إن�صاف �أي��وب‪ ،‬توظيف ال�سنة النبوية يف بناء ال�شخ�صية‬ ‫الإب��داع �ي��ة‪ ،‬بحث م�ق��دم �إل��ى م��ؤمت��ر ال�سنة النبوية يف ال��درا��س��ات‬ ‫‪ - ) 2‬ينظر‪ :‬عبد املجيد �شكري‪ ،‬الإعالم الإ�سالمي الواقع‪ ،‬التحديات‪،‬‬ ‫املعا�صرة‪ ،‬جامعة الريموك‪ ،‬الأردن‪1427،‬ه‪2006 -‬م‪� ،‬ص‪.14‬‬ ‫امل�ستقبل‪ ،‬القاهرة – العربي ‪1990‬م‪� ،‬ص‪90‬‬ ‫‪ - ) 3‬خالد �أبو الفتوح‪ ،‬اخلطاب الديني‪ ،‬يريدون �أن يبدلوا كالم اهلل‪� ) 6 ،‬أخرجه م�سلم ‪ ،‬ج‪ ،2‬ب��اب حت��رمي الكرب وبيانه‪ ،‬حديث رق��م (‪،)271‬‬ ‫�ص‪.274‬‬ ‫البيان‪ ،‬العدد ‪� ،195‬ص‪45‬‬ ‫‪ - ) 4‬عبد الرحمن عي�سوي‘ الآث��ار النف�سية واالجتماعية للتلفزيون ‪� ) 7‬أخ��رج��ه ال�ب�خ��اري‪ ،‬كتاب الأدب‪ ،‬ب��اب م��ا يجوز م��ن ال�شعر والزجر‬ ‫واحلداء‪ ،‬وما نكره منه‪ ،‬حديث رقم (‪� )6145‬ص‪.1146‬‬ ‫الغربي – بريوت – دار النه�ضة‪� ،1984 ،‬ص‪25‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪33‬‬


‫الإعالم املفتوح‪:‬‬ ‫هو باب مفتوح لكل الطاقات الإبداعية واملتميزة وفق الر�ؤية‬ ‫الإ�سالمية (فهو ال ينتمي جلهة معينة؛ لأنه ُ�سخر لتبليغ ر�سالة‬ ‫الإ�سالم �إلى كل النا�س"(((() على �أن تتنوع و�سائله و�أ�ساليبه‬ ‫وي�ستفاد من م�ساحه احلرية الإعالمية يف ع�صر العوملة‪.‬‬ ‫التخل�ص من الرتابة‪:‬‬ ‫"وعلينا �أن نعيد التفكري يف عالقتنا مبجتمع الإع�ل�ام‬ ‫من خالل تقومينا لإعالمنا املحلي‪ ،‬و�أن نتخل�ص من رتابته‬ ‫ور�سميته‪ ،‬ومن غربته وبقائه على هام�ش حياة النا�س ومعاناتهم‬ ‫وتطلعاتهم‪ ..‬ولن يتي�سر ذلك من دون توافر احلرية وانطالق‬ ‫ملكات االبتكار والتجديد و�إتاحة الفر�ص �أمام (جيل النخبة)‪.‬‬ ‫الأجيال اجلديدة للإ�سهام يف تطوير حمتوى نوعيتها وكيفية‬ ‫تقدميها للم�شاهد(((()‪.‬‬

‫ذهبت �إلى ذلك فل�سفة الإعالم احلر*‪ ،‬كما �أنه ال ينظر �إليها على‬ ‫�أنها حق للمجتمع كما ذهبت لذلك فل�سفة الإعالم املوجه*‪.‬‬ ‫و�إمن��ا نظر �إليها على �أن�ه��ا �شيء �أك�بر م��ن احل��ق ال�ف��ردي‪،‬‬ ‫و�أنها حق يرتقي لي�صبح من ال�ضرورات احلتمية ليتمكن الفرد‬ ‫من اال�ضطالع بالدور املنوط به ككائن مكلف‪ .‬وهنا يعني �أن‬ ‫ممار�سة ه��ذا احل��ق ي�صبح واج�ب�اً يق�ضيه اال��ض�ط�لاع بالدور‬ ‫املنوط بهذا الكائن املكلف يف �إقامة جمتمع اال�ستخالف(((()‪.‬‬ ‫وهذا ما جعل الآية تخاطب ب�صيغة "الوجوب" ‪َ } :‬و ْل َت ُكن ِّمن ُك ْم‬ ‫�أُ َّم� ٌة َي ْد ُعو َن ِ�إ َل��ى الخْ َ �ْيِرْ ِ َو َي��أْ ُم� ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْو َن عَنِ المْ ُن َك ِر‬ ‫َو�أُو َل � ِئ� َ�ك ُه � ُم المْ ُ� ْف� ِل� ُ�ح��و َن{ (��س��ورة �آل ع�م��ران‪ )١٠٤ :‬وي�ستبطن‬ ‫الفهم الإ�سالمي للحرية الإعالمية‪ ،‬من ناحية ثانية والذي‬ ‫ُيعد واجباً من قبل الدولة‪ ،‬ويتمثل يف العمل على تهيئة املناخ‬ ‫الآمن ملمار�سة هذه احلرية‪ ،‬وتوفري الإمكانيات املادية ملمار�ستها‬ ‫كما ي�ح��رم عليها ال�ت��دخ��ل ب ��أي ��ص��ورة حت��ول ب�ين ال�ف��رد وبني‬ ‫التمتع بهذا احلق‪ ،‬ما مل يكن هناك مربر م�شروع(((()‪.‬‬

‫فكما هو معلوم �أن التكرار ال ي�ضيف للمعرفة الإن�سانية‬ ‫وت�ع��د احل��ري��ة الإع�لام�ي��ة ال�سقف الأع �ل��ى لإ��ش�ع��ال فتيلة‬ ‫والرتبية الإ�سالمية جديداً بل ي�ستنفذ الطاقات فال بد‬ ‫من الإب � ��داع ل�ل�م���ش��روع احل �� �ض��اري الإ� �س�لام��ي ب�ي��د �إن ��ه �إذا غابت‬ ‫ا�ستنطاق وا�ستبطان كل جديد‬ ‫ومفيد‪ ،‬لال�ستزادة مع الرتكيز �ضوابطها �ست�ؤدي �إلى تراكمات �سلبية غري فاعلة على املنظومة‬ ‫اخلا�ص لعن�صري اجلذب والت�شويق‪.‬‬ ‫االجتماعية خا�صة وعلى ر�أ�سها امل�ؤ�س�سة الإعالمية‪.‬‬ ‫التخطيط الإعالمي‪:‬‬ ‫الرقابة الذاتية‬

‫‪34‬‬

‫�إن التخطيط الإع�ل�ام��ي � �ض��رورة ملحة ويق�صد ب��ه وف��ق‬ ‫�إن الرقابة الذاتية من �أهم ما ي�ستفرد به الإعالم الإ�سالمي‬ ‫ر�ؤيتنا �أنه ح�شد جميع الطاقات الإعالمية واملادية وكل امل‬ ‫الدعوة‪�.‬ؤ�س�سات عن الإعالم الو�ضعي‪.‬‬ ‫الإعالمية ال�ستنطاق وا�ستغالل طاقاتها مل�صلحة‬ ‫وح�ي��ث "�إن الأه� ��داف ال��دن�ي��وي��ة ال�ت��ي ينظر �إل�ي�ه��ا الفكر‬ ‫والتخطيط الإعالمي الإ�سالمي ال بد �أن ي�شتق من‬ ‫خطة الإعالمي الو�ضعي وباقي مناحي الفكر االجتماعي لبلوغها‪،‬‬ ‫النخبة‬ ‫حمكمة بعيدة وقريبة املدى من �أجل �إعداد وبناء‬ ‫جيلالقادرين تفتقر �إل��ى �أه��م �ضامن يكفل ال�ت��زام القائمني على تنفيذها‬ ‫واقتنا�ص الطاقات الإبداعية من الإعالميني والدعاة‬ ‫أوليات وو�ضع بال�سعي الد�ؤوب واملخل�ص يف �سبيل �إجنازها‪ .‬وهذا ال�ضامن هو‬ ‫على الت�أثري والفاعلية‪ ،‬وال بد �أي�ضاً من حتديد ال‬ ‫ل�صناعة الثقافات �إح�سا�س القائم على العمل الإعالمي �أو االجتماعي �أنه �إذا ما‬ ‫خطط التحرك الإعالمي ملواجهة التحديات‬ ‫م�صلحة الدعوة لتنمية ا�ستطاع الإف�لات من العقاب القانوين �أو االجتماعي لإخالله‬ ‫ون�شرها على م�ستوى كوين مبا يخدم‬ ‫بالقيام باملهام امللقاة على عاتقه فلن ي�ستطيع الإف�ل�ات من‬ ‫التفكري الناقد ملحتوى امل�ضامني الإعالمية ‪.‬‬ ‫العقاب الإلهي يف الآخرة(((()‪.‬‬ ‫�إن مواجهة الأف�ك��ار والت�صورات املنحرفة ال ميكن ال�سيطرة‬ ‫وه��ذا ما يف�سر لنا واح��دة من �أه��م �أ�سباب �إخفاق فل�سفات‬ ‫عليها �أم ��ام ه��ذا ال�غ��ث الإع�لام��ي والإ��س�ف��اف ال��روح��ي امل�ت��دف��ق‬ ‫املطروحةيف الإعالم الو�ضعية وباقي مناحي الفكر االجتماعي يف حتقيق ما‬ ‫كل حلظة والذهنية الناقدة هي �أب��رز احللول الر�شيدة‬ ‫إعالمية املعا�صرة ت�صبو �إليه من �إقامة حياة اجتماعية مثالية(((()‪.‬‬ ‫ملواجهة االنحالل اخللقي ومواجهة التحديات ال‬ ‫ومواجهة التطرق ب�شتى جوانبه الفكرية والدينية وال�سيا�سية ‪.‬‬ ‫�إن ه��ذه ال��رق��اب��ة ت�شكل مف�ص ًال حم��وري �اً للقائم بالعمل‬ ‫احلرية الواعية املن�ضبطة بالإ�سالم‬

‫�إن الفكر الإ�سالمي ال ينظر �إلى احلرية الإعالمية على �أنها‬ ‫حق للفرد‪� ،‬سواء �أك��ان هذا احلق حقاً طبيعياً �أم �أخالقياً‪ ،‬كما‬ ‫‪� - ) 1‬إكرام م�صري‪ ،‬عوملة املر�أة امل�سلمة الآليات وطرق املواجهة‪ ،‬الريا�ض‬ ‫– مركز باحثات‪ 1431 ،‬هـ ‪ 2010 -‬م�ص ‪.394‬‬ ‫‪ ) 2‬املنجي الزيدي‪ ،‬ثقافة ال�شياب يف جمتمع الإعالم‪ ،‬عامل الفكر‪ ،‬العدد‬ ‫(‪ ،)1‬املجلد ‪ ،55‬يوليو‪2006 ،‬م‪� ،‬ص ‪.251‬‬

‫‪ )20() 3‬م�صطفى‪ ،‬حممود يو�سف‪ ،‬حرية ال ��ر�أي يف الإ� �س�لام‪ ،‬مكتبة‬ ‫غريب‪ ،‬القاهرة‪ -‬د‪.‬ت‪� ،‬ص‪.39‬‬ ‫‪ ) 4‬ال�سما�سريي‪ ،‬حممود‪ ،‬فل�سفات الإع�لام املعا�صر يف �ضوء الإ�سالم‪،‬‬ ‫مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.456‬‬ ‫‪ ) 5‬ا)ل�سما�سريي‪ ،‬حممود‪، ،‬املرجع ال�سابق ‪� ،‬ص‪.212‬‬ ‫‪� ) 6‬صبحي‪� ،‬أحمد حممود‪ ،‬الفل�سفة الأخالقية يف الفكر الإ�سالمي دار‬ ‫املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ط‪� ،2‬ص‪.64‬‬


‫الإع�لام��ي الإ��س�لام��ي في�ضع حركاته و�سكناته "حتت رعاية‬ ‫اهلل و�سلطانه ورق��اب�ت��ه في�ستلهمه كم�شروع لكرامته يف �أدق‬ ‫التفا�صيل" (((()‪.‬‬ ‫التوازن بني الثابت واملتغري‬ ‫�إن الإعالم الإ�سالمي يف �سعيه لإقامة �أي بناء فكري مرتبط‬ ‫به "يعتمد مثله مثل نظريه الو�ضعي على معطيات الواقع‪ ،‬غري‬ ‫�أنه يفوقه باال�ستناد على م�صدر ميده باحلقائق الثابتة التي‬ ‫متثل الهيكل العام الذي يقيم بناءه على دعائمه‪� ،‬أما تف�صيالت‬ ‫ه��ذا البناء اجلزئية ف�إنها قابلة للتكيف م��ع م��ا ق��د يجد من‬ ‫معطيات ال��زم��ان وامل �ك��ان‪ ،‬وه ��ذا ال ينطبق ع�ل��ى ب�ن��اء النظام‬ ‫الإعالمي يف الإ�سالم (الفل�سفة الإعالمية) فح�سب‪ ،‬بل ينطبق‬ ‫على غريه من الأبنية الفكرية الأخرى"(((()‪.‬‬ ‫"فعلى الإع�ل�ام ��ي امل���س�ل��م �أن ي �ك��ون ث��اب�ت�اً ع�ل��ى غ��اي��ات��ه‬ ‫الأخالقية وال�شرعية ال�صاحلة لكل زم��ان ومكان‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫ذات��ه ال ب��د �أن ي��أخ��ذ ب��امل��رون��ة‪ ،‬وال�ت��ي تعني ال�ق��درة الإعالمية‬ ‫على التجديد واالبتكار"(((()‪ .‬ف�لا تعني امل��رون��ة االنعتاق‬ ‫واالن�سالخ من الثوابت الأ�صلية "و�أن ال يقابل التغري املت�سارع‬ ‫يف الأو��ض��اع جمود يف التفكري �أو �أن ال يعالج التعقيد بعقلية‬ ‫ب�سيطة"(((() فهي موقف م�ستقل "ومنهج منفتح على الأفكار‬ ‫والعمليات والأ�ساليب مع �إخ�ضاعها للنقد واالختيار وفق �أ�س�س‬ ‫معينة"(((()‪.‬‬ ‫ومم ��ا ال ري ��ب ف�ي��ه �أن م���س��اح��ة ال �ث��اب��ت ت ��ؤط��ر للفل�سفة‬ ‫الإعالمية وفق الر�ؤية الإ�سالمية مرجعيتها وجتذر دعائمها‬ ‫لتحفظها م��ن ال�ت�ف�ت��ت واالن �� �ص �ه��ار �أم ��ام ال�ث�ق��اف��ات ال�غ��ازي��ة‪،‬‬ ‫وباملقابل ف�إن م�ساحة املتغري متنحها املرونة واحلياة املتجددة‪.‬‬ ‫علو الهمة والطموح‬ ‫�إن علو الهمة و�سمو الطموح ورفعة الهدف يجعل الإن�سان‬ ‫ين�سلخ م��ن �أغ�ل�ال العجز والك�سل لينطلق يف احل�ي��اة فاع ًال‬ ‫�إيجابياً (ورب همة �أحيت �أم��ة)‪ ،‬فقد حث الر�سول �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم على علو الهمة وت��أل��ق ال�ط�م��وح‪ ،‬لنيل امل��رت�ب��ة يف‬ ‫�أعلى مراتب اجلنة تلك التي ي�سعى �إليها كل منت ٍم لهذا الدين‪،‬‬ ‫املقرتنة بالعبادة الفاعلة (الفعل املتقن) املجت�شة من حبائل‬ ‫الرياء‪ ،‬وحمبطات العمل ومثبطاته‪.‬‬

‫يقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪“ :‬اجلنة مئة درج��ة ُّ‬ ‫كل‬ ‫درجة منها كما بني ال�سماء والأر�ض‪ ،‬و�إن �أعالها الفردو�س‪ ،‬و�إن‬ ‫تفجر �أنهار اجلنة‪ ،‬ف�إذا ما �س�ألتم‬ ‫العر�ش على الفردو�س منها ّ‬ ‫اهلل ف�سلوه الفردو�س”(((()‪.‬‬ ‫بل �إن �سريته العملية ون�ش�أته ت��ؤ َك��د ذل��ك‪ ،‬فلقد‪" :‬ولدت‬ ‫ه ّمته عليه ال�صالة وال�سالم معه يوم ولد‪ ،‬فمنذ طفولته ونف�سه‬ ‫مهاجرة �إلى معايل الأم��ور ومكارم اخللق‪ ،‬وال ير�ضى بالدون‬ ‫بل هو الطموح ال�س ّباق املقدام املتفرد وامل�برز املحظوظ‪ ،‬وكان‬ ‫فيه قبل النبوة من �سمات الريادة والزعامة والقيادة ما جعل‬ ‫قري�ش ي�سمونه ال�صادق الأمني‪ ،‬وير�ضون حكمه ويعودون �إليه‬ ‫يف �أمورهم"(((()‪.‬‬ ‫فل ّما م��نَّ اهلل عليه ببعثه تاقت نف�سه �إل��ى الو�سيلة‪ ،‬وهي‬ ‫�أعلى درجة يف اجلنة‪ ،‬ف�س�أل اهلل �إياها‪ ،‬وع ّلمنا �أن ن�س�ألها له من‬ ‫ربه‪ ،‬وحاز بالكمال الب�شري املطلق‪ ،‬والف�ضيلة الإن�سانية‪ ،‬ومن‬ ‫علو همته‪ ،‬ورف�ضه للدنيا وعدم الوقوف مع مطالبها الزهيدة‬ ‫لوالياتها ومنا�صبها وق�صورها ودورها(((()‪.‬‬ ‫وي�ب��دو جلياً �أن منهج الرتبية الإ�سالمية ت��ؤك��د وب�صورة‬ ‫متوالية على رفع الهمم‪ ،‬والرقي برتبة الطموح‪ ،‬واالنفالت من‬ ‫التواكل والك�سل والر�ضا بالواقع الأدن��ى‪ ،‬ورف�ض الوقوع حتت‬ ‫�سطوة �إح��ال��ة العجز واالنك�سار على الأق ��دار م��ع ال�ق��درة على‬ ‫امتالك زمام الفعل والبناء والإب��داع والتغري لتقدمي منوذجاً‬ ‫ريادياً للأ�سرة الإن�سانية‪ .‬ولغر�س خمرية هذه الهمة العالية يف‬ ‫نفو�س الأجيال ال�صاعدة ابتداء من امل�ؤ�س�سة الرتبوية الأولى‬ ‫(الأ�سرة)‪ ،‬امتداداً �إلى الو�سائط وامل�ؤ�س�سات الرتبوية الأخرى‬ ‫ومن �أبرزها الإعالم‪.‬‬ ‫االنتقاء احل�ضاري‬ ‫�إن ال��ر��س��ول �صلى اهلل عليه و�سلم دع��ا �إل��ى االن�ف�ت��اح على‬ ‫خربات الآخرين واال�ستفادة من معطياتهم �أو ما ميكن ت�سميته‬ ‫(االنتقاء احل�ضاري)* ‪.‬‬

‫وم��ن هنا ج��اء حر�ص الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم على‬ ‫حتقيق الأداة والو�سيلة احلتمية ملعرفة ما لديهم من معطيات‬ ‫مي�ك��ن �أن ت��رف��د ال�ن�ه���ض��ة ال�ع�م��ران�ي��ة‪ ،‬وت��دف��ع بعجلة الفعل‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬وذل��ك من خ�لال تع ّلم لغتهم‪ ،‬ق��ال زي��د ر�ضي اهلل‬ ‫‪ ) 1‬دراز‪ ،‬عز الدين‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ ،‬د�ستور الأخالق يف القر�آن الكرمي‪ ،‬عنه‪� :‬أمرين ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فتعلمت له كتاب‬ ‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪1973 ،‬م‪� ،‬ص‪.134‬‬ ‫‪� ) 2‬أم� ��زي� ��ان‪ ،‬حم �م��د حم �م��د‪� � ،‬ض��واب��ط امل��و� �ض��وع �ي��ة وامل �ع �ي��اري��ة يف‬ ‫امليثودولوجيا الإ�سالمية‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪ ) 3‬عبد الواحد‪ ،‬حامد‪ ،‬الإعالم يف املجتمع الإ�سالمي‪ ،‬مكة‪� ،‬سل�سلة دعوة‬ ‫احلق‪ ،‬عدد ‪1401 ،33‬ه‪� ،‬ص‪.70‬‬ ‫‪ ) 4‬زري��ف‪ ،‬ق�سطنطني‪ ،‬نحن وامل�ستقبل‪ ،‬ب�يروت‪ ،‬دار العلم للماليني‪،‬‬ ‫‪1977‬م‪� ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪ ) 5‬الهيتي‪ ،‬نعمان‪� ،‬إ�شكالية امل�ستقبل يف الوعي العربي‪ ،‬بريوت – مركز‬ ‫درا�سات الوحدة العربية‪2003 ،‬م‪� ،‬ص‪.71‬‬

‫‪ ) 6‬رواه ابن ماجة‪ ،‬ج‪ ،2‬حديث رقم (‪� ،)4331‬ص ‪ ،1448‬ويف رواية البخاري‪ ،‬ورد‬ ‫الن�ص للمجاهدين يف �سبيل اهلل‪ ،‬ج‪ ،4‬حديث رقم ‪� ،8‬ص ‪.69‬‬ ‫‪ ) 7‬القرين‪ ،‬عائ�ض‪ ،‬ك�أنك تراه‪ ، ،‬لبنان‪ -‬دار ابن حزم‪� ،2002 ،‬ص ‪.58‬‬ ‫‪ ) 8‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪.58‬‬ ‫* ويق�صد به‪ :‬القدرة على االنتقاء الواعي املن�ضبط للداخل واخل��ارج‬ ‫�إلينا من الآخ��ر‪ ،‬ملزيد من التو�سع ينظر‪ :‬عماد الدين خليل‪ ،‬حول‬ ‫�إعادة ت�شكيل العقل امل�سلم‪ ،‬قطر‪ ،‬وزارة الأوقاف القطرية‪ ،‬ط‪ ،1‬كتاب‬ ‫الأمة‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪35‬‬


‫يهود بال�سريانية‪ ،‬وقال‪� ":‬إين واهلل ما �آمن يهود على كتابي‪ ،‬فما‬ ‫م ّر يل ن�صف �شهر حتى تعلمته وحذفته‪ ،‬فكنت اكتب له �إليهم‪،‬‬ ‫و�أقر�أ له كتبهم"(((()‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫وكما يقول ه�شام الطالب‪:‬‬

‫“لو كانت �أمة الإ�سالم هي الأف�ضل قراءة واطالعاً لقادت‬ ‫احل �� �ض��ارة الإن���س��ان�ي��ة ال �ي��وم‪ ،‬والجت �ه��ت �أن �ظ��ار ال���ش�ع��وب لها‬ ‫وم��ن هنا حر�ص امل�سلمون على معرفة اللغات فرتجموا باعتبارها الأمل”(((()‪.‬‬ ‫منها واليها(((()‪ ،‬وملا يرتتب على ذلك من جملة منطلقات‬ ‫وال �ق��ر�آن ال �ك��رمي ي��دع��ون��ا �إل ��ى امل�ع��رف��ة ال�ت��ي تو�صلنا �إل��ى‬ ‫ت�سهم يف بناء ال�شخ�صية الإبداعية لأعالم ر�سايل‪ ،‬من �أبرزها‪:‬‬ ‫اخل��روج من زنزانة التخ�ص�ص*‪ ،‬ولغربلة ما يدخل �إلينا من ا�ستغالل م��ا �سخر اهلل لنا م��ن ال�ط��اق��ات لتوظيفها يف عمارة‬ ‫الآخر‪ ،‬ولال�ستزادة من املجاالت العلمية التي كان للأخر ال�سبق الأر�ض‪.‬‬ ‫�إليها‪ ،‬ولنقل ال�صورة امل�شرقة لعظمة ديننا‪" .‬فلم توجد ح�ضارة‬ ‫} َل َق ْد �أَ ْر َ�س ْل َنا ُر ُ�سلَ َنا بِا ْل َب ِّي َن ِات َو�أَن َز ْل َنا َم َع ُه ُم ا ْل ِك َت َاب َوالمْ ِي َزا َن‬ ‫�أبدعت ومل تنقل‪ ،‬فالنقل لي�س وب��ا ًء وع��اراً‪� ،‬إمنا هو‬ ‫ا�س بِا ْل ِق ْ�س ِط َو َ�أن َز ْل َنا الحْ َ ِدي َد ِفي ِه َب ْ�أ ٌ�س َ�ش ِدي ٌد َو َم َنا ِف ُع‬ ‫غذاء‪ِ ،‬ل َي ُقو َم ال َّن ُ‬ ‫والعزلة احل�ضارية واجلهل �صنوان وكالهما تخلف‪ ،‬والأم��ة ِلل َّن ِ‬ ‫ن�ص ُر ُه َو ُر�� ُ�س�لَ� ُه بِا ْل َغ ْيبِ �إِ َّن اللهَّ َ َق�وِيٌّ‬ ‫ا�س َو ِل َي ْعلَ َم اللهَّ ُ َم��ن َي ُ‬ ‫الإ�سالمية وه��ي تتطلع �إل��ى م�ستقبل م�شرق الب��د �أن تخو�ض َعزِي ٌز{(احلديد‪)25 :‬‬ ‫معركة ال��ذات وجتديدها‪ ،‬وت�ستفيد من �آليات الفكر الغربي‪،‬‬ ‫ومنجزاته العلمية املعا�صرة طبق �ضوابط"(((()‪،‬‬ ‫وم��ن ف�ضل رب العزة على نبيه داوود‪َ :‬و َل� َق� ْد �آ َت� ْي� َن��ا َدا ُوو َد‬ ‫بيد �أن بوناً �شا�سعاً بني االنفتاح الواعي الذي يحفظ للأمة ِم� َّن��ا َف��ْ��ض�ًلااً َي��ا جِ � َب��ا ُل �أَ ِّو ِب� ��ي َم � َع � ُه َوال� َّ�ط�ْيَرْ َ َو َ�أ َل � َّن ��ا َل � ُه الحْ َ � ِدي � َد‬ ‫هويتها امل�ستقلة املتميزة‪ ،‬وبني الذوبان واالن�صهار والتفتت �أمام (�سب�أ‪َ } )10 :‬و َما َج َع ْل َنا ُه ْم َج َ�سدًا اَّل َي ْ�أ ُك ُلو َن َّ‬ ‫الط َعا َم َو َما َكا ُنوا‬ ‫التحديات الداخلية واخلارجية و�إدم��ان التقليد‪ ،‬واالجن��راف َخا ِل ِد َ‬ ‫ين{(الأنبياء‪.)8 :‬‬ ‫خلف كل م�ستور ٍد لالرمتاء يف �أح�ضان الآخ��ر‪ ،‬يقول �صلى اهلل‬ ‫ومن هذه الإ�شارات الربانية وغريها �أ�شعل روادن��ا يف عمق‬ ‫عليه و�سلم‪ ":‬لتتبعن �سنن الذين من قبلكم �شرباً �شرباً‪ ،‬وذراعاً‬ ‫بذراع‪ ،‬حتى لو دخلوا جحر �ضب لدخلتموه‪ ،‬قلنا يا ر�سول اهلل احل�ضارة الإ�سالمية فتيلة املنهج التجريبي يف البحث العلمي‬ ‫اليهود والن�صارى؟ قال‪ :‬فمن‪.)(((( ".‬‬ ‫وال��ذي ا�ستلبته �أوروب��ا‪ ،‬وقامت عليه نه�ضتها العلمية‪ .‬يعد �أن‬ ‫اعتزلنا م�سرح احلياة‪.‬‬ ‫وبال ريب يحتاج هذا االنفتاح �إلى النظر الأ�صيل يف معطيات‬ ‫الآخ��ر ملحاولة فهمه‪ ،‬ونقده‪ ،‬وت�صويبه‪ ،‬لتوظيف ما فيه من‬ ‫وو�سط ه��ذا التكاثر املعريف واالنفجار العلمي باتت هناك‬ ‫اي�ج��اب�ي��ات لتطوير احل��ا��ض��ر وامل�ستقبل‪ ،‬ف�لا ب��د م��ن التخيرّ الكثري من �أن��واع العلوم يف ع�صر العوملة واالنفتاح الإعالمي‪،‬‬ ‫واالنتفاع الواعي والو�ضوح العقدي‪ ،‬والن�صاعة الفكرية‪ ،‬وجعل ‪ -‬ح�سب ظني ‪� -‬ضرورة �إن�سانية وفري�ضة �شرعية من �أبرزها‬ ‫املقيا�س يف القبول والرد هو الفهم الثاقب ل�شرع اهلل عز وجل‪ ،‬التمكن من لغة الآخ��ر‪ ،‬لأنها �أداة التوا�صل معه‪ ،‬ولي�س الأمر‬ ‫قال تعالى‪َ }:‬ف ْا�س َت ْم ِ�س ْك بِا َّل ِذي �أُ ِ‬ ‫وح� َي �إِ َل ْي َك �إِ َّن� َ�ك َعلَى ِ�ص َر ٍاط على �إطالقه حتماً‪ ،‬ولكن وف��ق �إ�سرتاتيجية مدرو�سة ومعدة‬ ‫ُّم ْ�س َت ِقي ٍم{ �سورة الزخرف‪.43 :‬‬ ‫بدقة عالية‪ ،‬وكذلك �إتقان مهارة التعامل مع االعالم اجلديد‬ ‫ح�ي��ث �أن "ماال ي�ت��م ال��واج��ب �إال ب��ه ف�ه��و واجب" ووف ��ق ه��ذه‬ ‫التنمية العلمية‪:‬‬ ‫القاعدة الفقهية والتي تلتقي مع وجوب تبليغ ر�سالة الإ�سالم‬ ‫تعد التنمية العلمية من �أه��م املنطلقات وامل��رت�ك��زات التي للعامل } َو َم��ا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك �إ اَِّل َر ْح َم ًة ِّل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫ني{ الأنبياء‪ 107 :‬فكل‬ ‫يجب على جيل النخبة الإعالمي �أن يوليها �أوفر الن�صيب من �أن��واع املعرفة واملهارة واخل�برة التي تعني على بلوغ هذا املرام‬ ‫االهتمام والعناية‪ ،‬فالبد من االنفتاح على معطيات العلم كافة فهي ت�صبح واجبه واهلل �أعلى و�أعلم فال تقف املعرفة عند فا�صل‬ ‫التي تعني على حمل الر�سالة وت�ألق العمل الإع�لام��ي و�أول��ى بل معرفة نامية م�ستمرة تواكب �سرعة الع�صر‪ ،‬ونطفئ ظم�أه‬ ‫بيد �أن الأمر لي�س على �إطالقه بل كل �ضمن قدراته و�إمكانياته‬ ‫هذه الو�سائل (التعليم الذاتي) القراءة املعمقة الهادفة‪.‬‬ ‫التي �أودعها اهلل �سبحانه وتعالى له‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪:‬‬

‫‪ ) 1‬رواه البخاري‪ ،‬و�أب��و داود وال�ترم��ذي‪ ،‬انظر‪ :‬جمع الفوائد و�أع��ذب‬ ‫املوارد‪ ،‬ج‪ ،1‬حديث رقم (‪ ،)319‬طبعة املدينة املنورة‪.‬‬ ‫ه�ن��اك جملة م��ن املنطلقات وال ��ر�ؤى ال�ت��ي ت�سهم يف بناء‬ ‫‪ ) 2‬القر�ضاوي‪ ،‬يو�سف‪ ،‬الر�سول والعلم‪ ،‬بريوت‪ ،‬مكتبة الر�سالة‪1984 ،‬م‪� ،‬ص ‪ .42‬الإع�ل��ام ال��ر� �س��ايل ول��رف��ده ب��ال�ف�ه��م ال��واع��ي حلقيقة ال��دي��ن‬ ‫ومنهجه الو�سطي وعليه و�أن يوليهما الأهمية اخلا�صة وميكن‬ ‫ً‬ ‫* زن��زان��ة التخ�ص�ص‪ :‬وي�ق���ص��د ب��ه ال�ترك�ي��ز �أوال و�آخ� ��راً ع�ل��ى التخ�ص�ص �أن نعرج على �أبرز معاملها يف املطالب التالية ‪:‬‬ ‫الأك ��ادمي ��ي‪ ،‬وع ��دم ت��و��س�ي��ع دائ ��رة ال�ث�ق��اف��ة يف امل �ج��االت الأخ � ��رى‪ ،‬فيقع‬ ‫الأكادميي حتت �سطوة �أحادية التفكري فال ينظر �إال من زاوية تخ�ص�صه‪.‬‬ ‫التجديد يف التف�سري‬ ‫‪ ) 3‬الثقافة الإ�سالمية ثقافة امل�سلم وحتديات الع�صر‪ ،‬حممد �أبو يحيى‬ ‫و�آخرون‪ ،‬عمان‪ ،‬دار املناهج‪2003 ،‬م‪� ،‬ص ‪.205‬‬ ‫‪) 5‬ه�شام الطالب‪ ،‬دليل التدريب القيادي‪ ،‬عمان‪ ،‬املعهد العاملي للفكر‬ ‫الإ�سالمي‪� ،1996 ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪�) 4‬أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع ال�صحيح يف امل�سند املخت�صر‪ ،‬رقم (‪� ،)7320‬ص ‪.1006‬‬


‫�إن التجديد ق��ان��ون احل�ي��اة‪ ،‬وال ميكن ت�ص ّور ح�ي��اة ب��دون‬ ‫جتديد؛ لأن الزمن مركب من التغري واال�ستمرار‪ ،‬ولي�س هذا‬ ‫عالمة �ضعف �أو خلل(((()‪ .‬فالتجديد فري�ضة وقانون لهذه‬ ‫الأمة املنبعثة القائمة مقام النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم – يف‬ ‫رب العاملني‪ ،‬فهو �إعادة الأمة �إلى الو�سطية وال�صفاء‬ ‫تبليغ ر�سالة ِّ‬ ‫و�إزالة البدع التي تغطي جوهر الإ�سالم وحتجب فاعليته �أوال‪ً،‬‬ ‫واال�ستجابة لتحديات الواقع ومتطلباته ثانياً(((()‪.‬‬ ‫ويف الوقت نف�سه ف�إنه ذو جذور تاريخية‪ ،‬حيث �إن الإحياء‬ ‫احل�ضاري والت�صويب الفكري �أم��ران قاما على �أكتاف علماء‬ ‫الأم��ة ال�سابقني على م ِّر الع�صور ابتداء بعمر بن عبد العزيز‬ ‫وال�شافعي وم ��روراً بالغزايل واب��ن تيمية‪ ،‬وانتهاء بالأفغاين‬ ‫وامل ��ودودي‪ .‬وغ�يره��م‪ ،‬وم��ا زال��ت عجلة التجديد ت ��دور(((()‪.‬‬ ‫وه��ذا الأم��ر ي��ؤك��د �أن��ه "ال‪ ،‬ميكن ل�ل�أم��ة �أن ت�ب��د�أ انطالقتها‬ ‫وعامليتها الثانية وال�شهود احل�ضاري الإ�سالمي اجلديد الذي‬ ‫ي�شكل �إنقاذاً للب�شرية كافة قبل معاجلة ق�ضايا �أ�سا�سية كربى‪،‬‬ ‫منها‪ :‬قواعد التعامل مع كتاب اهلل وقواعد التعامل مع �سنة‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وق�ضية التعامل مع ال�تراث‬ ‫الإ�سالمي ما الذي ي�ؤخذ وما الذي يرتك"(((()‪.‬‬

‫التحول النافع للب�شرية من‬ ‫التغيري ال�سليم وغري ال�سليم‪ ،‬وبني ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�ضار(((() وك�شف الأ�سرار و�إماطة اللثام عن �إ�شارات القر�آن‬ ‫وتلميحاته املخبوءة يف خملوقات اهلل‪�َ }.‬س رُنِي ِه ْم �آ َيا ِت َنا فيِ ْالآ َفاقِ‬ ‫َوفيِ �أَن ُف ِ�س ِه ْم َح َّتى َي َت َبينَّ َ َل ُه ْم �أَ َّن ُه الحْ َ ُّق �أَ َولمَ ْ َي ْك ِف ِب َر ِّب َك �أَ َّن ُه َعلَى‬ ‫ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َ�شهِيدٌ{ (�سورة ف�صلت‪.)53 :‬‬ ‫فمن �أبواب التجديد‪ :‬التف�سري العلمي للقر�آن‪ ،‬والذي ُيطفئ‬ ‫ظم�أ الع�صر ويجلي �إعجاز القر�آن وقدرته اخلارقة على ك�سر‬ ‫طوق الزمان واملكان‪ ،‬ولكن مع �أهميته ي�ؤكد عماد الدين خليل‬ ‫على �ضرورة االعتدال فيه‪ ،‬يقول‪�" :‬إن املف�سر املعا�صر يتوجب‬ ‫عليه �أن ُيعمل عقله وق��درات��ه يف جم��ال تخ�ص�صه �إذا توافرت‬ ‫لديه ال�ق��درة على اجلمع ب�ين ط��ريف امل�ع��ادل��ة‪ :‬الآي��ة القر�آنية‬ ‫وامل�ق��ول��ة العلمية‪ ،‬م�ستفيداً م��ن جهة �أخ��رى م��ن االجت��اه��ات‬ ‫التي تعتمد مفردات ال�ق��ر�آن نف�سه ومنحنياته البيانية لفهم‬ ‫م�ضامينه ومعانيه فيما ُي�ع��رف بالتف�سري ال�ب�ي��اين ل�ل�ق��ر�آن‪،‬‬ ‫وال��ذي من �ش�أنه �أن مينح املف�سر �ضمانات مو�ضوعية لن�شاطه‬ ‫حتميه م��ن الإف ��راط والتفريط‪ ،‬وم��ن خ�لال ه��ذا ال�ت��وازن يف‬ ‫القدرة العلمية التخ�ص�صية‪ ،‬وال�ق��درة التف�سريية (البيانية)‬ ‫ميكن للمف�سر �أن يتحرك للك�شف عن الدالالت للآيات العلمية‬ ‫يف كتاب اهلل(((()‪.‬‬ ‫وب��ذا ت�ب��دو جلياً الأه�م�ي��ة البالغة للعمل م��ع نب�ض واق��ع‬ ‫الأ�سرة وحاجتها للتجديد وفق املنهج القر�آين املحكم الر�شيد‬ ‫انفالتاً من الفردية واالرجت��ال�ي��ة والع�شوائية والعمل �ضمن‬ ‫جهد جماعي لأهل املعرفة واالخت�صا�ص للرقي برتبة الأ�سرة‬ ‫امل�سلمة وال�سعي من �أجل ا�ستقرارها‪.‬‬

‫"و�إن نظرة �سريعة على كتب التف�سري �ستظهر للقارئ‬ ‫�أنها حتوي �أ�شياء كثرية لي�ست من �صلب التف�سري‪ ،‬حتى قيل‬ ‫يف بع�ضها "فيه ُّ‬ ‫كل �شيء �سوى التف�سري‪ ،‬وهو ق��ول‪ ،‬و�إن حمل‬ ‫يف طياته ق�سوة يف احلكم �إال �أنه ُّ‬ ‫يدل على احل�شو الزائد الذي‬ ‫و�صلت �إليه تلك الكتب(((()‪.‬‬ ‫و�إذا كان القر�آن �آخر الكتب ال�سماوية املنزلة وامل َقدر له �أن‬ ‫جتديد اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫ي�شمل جميع �ش�ؤون حياتنا فكيف ميكن �أن يوهب اخللود �إذا كان‬ ‫فهمه قبل ب�ضعة ع�شر قرناً يجب �أن يبقى �إلى اليوم؟ وما الذي‬ ‫�إن جت��دي��د اخل �ط��اب الإ� �س�ل�ام��ي ي�ت�ط�ل��ب ت��و��ض�ي��ح معنى‬ ‫يعرت�ض حياتنا من جديد‪ ،‬وهي بطبيعتها نامية متطورة؟ ويف‬ ‫ك ِّل يوم متت ُّد �أمور وتبتكر عقول؟ وما زلنا يف حاجة �إلى تفا�سري (اخل� � �ط � ��اب) ح �ي��ث �أن “اخلطاب ه ��و م� � ��ادة ال � �ك �ل�ام ب�ين‬ ‫امل�ت�ك�ل��م وال �� �س��ام��ع‪ ،‬وب�ي�ن اخل�ط�ي��ب وامل �خ��اط��ب‪ ،‬وب�ي�ن ال�ك��ات��ب‬ ‫جديدة للقر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫والقارئ”(((()‪.‬‬ ‫لذا فمن ال�ضرورة امللحة واحلاجة املا�سة �أن ُينظر يف تف�سري‬ ‫وق��د ا�شتمل ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي على م��واق��ع ك�ث�يرة تعر�ضت‬ ‫ن�صو�ص القر�آن بروح الع�صر‪" ،‬و�أن يتقدم الدين مع احلياة يداً‬ ‫بيد وال يواكبها كتابع لها فقط‪ ،‬و�إنمّ ا له دور بارز يف التمييز بني للخطاب الإ�سالمي الرتبوي من جوانب خمتلفة‪ ،‬ففي �سورة‬ ‫الَ ْر ِ�ض َه ْونًا‬ ‫الفرقان" } َو ِع َبا ُد ال َّر ْح َمنِ ا َّل ِذينَ يمَ ْ ُ�شو َن َعلَى ْ أ‬ ‫َو�إِ َذا خَ َ‬ ‫اط َب ُه ُم الجْ َ ِاه ُلو َن َقا ُلوا َ�سلاَ ًما{ الفرقان‪ .63 :‬وقوله‬ ‫‪ ) 1‬الندوي‪� ،‬أبو احل�سن ‪ ،‬الإ�سالم يف عامل متغري‪ ،‬بريوت‪ ،‬مكتبة احلياة‪� ،‬ص‪ .56‬تعالى‪� } :‬أَ َّت َخ ْذ َنا ُه ْم ِ�س ْخ ِر ًّيا �أَ ْم َزا َغ��تْ َع ْن ُه ُم ْ أَ‬ ‫ال ْب َ�صا ُر{(�سورة‬ ‫‪� ) 2‬أبو الب�صل‪ ،‬عبد النا�صر ‪ ،‬وقائع م�ؤمتر التجديد يف الفكر الإ�سالمي‪� ،‬ص‪.)63:‬‬ ‫�إربد – جامعة الريموك‪ ،‬من�شورات عمادة البحث العلمي والدرا�سات‬ ‫و"ان�سجاماً م��ع �سنة اهلل يف التطور ك��ان ال ب� ّد م��ن تط ّور‬ ‫العليا‪1425 ،‬هـ‪2004-‬م‪.‬‬ ‫اخل �ط��اب الإ� �س�لام��ي يف ك��ل امل �ج��االت‪ :‬ال��روح�ي��ة والإع�لام�ي��ة‬ ‫‪ ) 3‬ال �ع �ل��واين‪ ،‬ط��ه ‪ُ ،‬ي�ن�ظ��ر‪� :‬إ� �ص�ل�اح ال�ف�ك��ر الإ� �س�لام��ي ب�ين ال �ق��درات‬ ‫‪) 6‬الندوي‪� ،‬أبو احل�سن ‪ ،‬الإ�سالم يف عامل متغري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.58‬‬ ‫والعقبات‪ ،‬الأردن – مكتبة املنار ‪1992‬م‪� ،‬ص‪.33‬‬ ‫‪) 4‬الب�شري‪ ،‬طارق‪ ،‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪ ،‬م�شكلتان وقراءة فيهما‪ ،‬عمان‪ ) 7 ،‬خليل‪ ،‬عماد الدين ‪ ،‬مدخل �إل��ى موقف ال�ق��ر�آن الكرمي من العلم‪،‬‬ ‫� ��ص‪ ،.121-120‬ح�صلت الباحثة من امل��ؤل��ف على ن�سخة �إلكرتونية‬ ‫املعهد العايل للفكر الإ�سالمي‪� ،1992 ،‬ص ‪.73-72‬‬ ‫لهذا الكتاب‪.‬‬ ‫‪�) 5‬شطناوي‪ ،‬يحيى ‪ ،‬التجديد يف التف�سري م�ؤمتر التجديد يف الفكر‬ ‫الإ�سالمي‪� ،‬إربد‪ ،‬جامعة الريموك‪ ،‬من�شورات عمادة البحث العلمي ‪) 8‬يكن‪ ،‬فتحي ‪ ،‬نحو �صحوة �إ�سالمية يف م�ستوى الع�صر‪ ،‬ب�ي�روت ‪،‬‬ ‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪� ،1998 ،‬ص‪.228‬‬ ‫والدرا�سات العليا‪1425 ،‬هـ ‪2004 -‬م‪� ،‬ص‪.108‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪37‬‬


‫والأ� �س��ري��ة وال�ع�ل�م�ي��ة واالج�ت�م��اع�ي��ة وال�ترب��وي��ة وال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية"(((()‪ .‬فاخلطاب الإ��س�لام��ي �شبكة متداخلة‬ ‫مرتابطة يف �شتى جماالت الفكر الإ�سالمي‪ :‬اخلطاب العقدي‬ ‫واخل�ط��اب ال�ترب��وي واخل�ط��اب الإع�لام��ي واخل�ط��اب ال��دع��وي‬ ‫واخل�ط��اب الأ� �س��ري‪ ...‬ال��خ‪ .‬ويحتاج �إل��ى جت��دي��د يف املتغريات‬ ‫وامل���س�ت�ج��دات م��ع املحافظة على ال�ث��واب��ت‪ ،‬فلي�ست ث��ورة على‬ ‫الثوابت‪ ،‬ولكن التجديد يف املنهج من منظور �إ�سالمي وا�ستخدام‬ ‫الو�سائل والأ�ساليب احلديثة وال��وق��وف على مهارة التوا�صل‬ ‫الإبداعي داخل الأ�سرة‪ ،‬و�ضمن دائرتنا �أي�ضا نحن بحاجة ما�سة‬ ‫لو�ضع خطابنا الإ�سالمي على م�شرحة املنهج القر�آين‪ ،‬واملنهج‬ ‫النبوي؛ لن�ستقي منهما �أجنع الأ�ساليب لإعادة الفاعلية واحلياة‬ ‫واحل��رك��ة خلطابنا الإع�لام��ي والأ��س��ري وال��دع��وي وال�ترب��وي‪،‬‬ ‫وال بد من �إع��ادة النظر ملعاجلة اخللل وت�صويب امل�سار وح�شد‬ ‫طاقات الأمة؛ لأن ذلك م�شروع عاملي �إ�سالمي كبري‪ ،‬وذلك من‬ ‫خ�لال البحوث العلمية الإ�سالمية ح��ول اخلطاب الإعالمي‬ ‫ال�ترب��وي الإ��س�لام��ي‪ ،‬و�إج ��راء درا� �س��ات ميدانية ح��ول جتديد‬ ‫مفهوم اخلطاب الإعالمي الإ�سالمي للنهو�ض برتبة بناء جيل‬ ‫م�ؤ�س�سات �أ�سرية رائدة‪.‬‬ ‫�إعادة النظر يف توظيف خطابنا الفقهي‬ ‫"�إن ال�ف�ق��ه الإ� �س�لام��ي حم�ي��ط ب��احل�ي��اة الإن���س��ان�ي��ة من‬ ‫�أل�ف�ه��ا �إل ��ى ي��ائ�ه��ا‪ ،‬ومي�ل��ك �صالحيته املطلقة بتزكية احل�ي��اة‬ ‫وتنميتها"(((() ولذا كان ال بد من فتح باب التجديد يف الفقه‬ ‫ملربرات عدّة‪" :‬التغيريات الهائلة يف احلياة املعا�صرة‪ ،‬و�سيطرة‬ ‫�أمناط احلياة الغربية و�أعرافها على كثري من جوانب احلياة‪،‬‬ ‫واالنبهار بالفكر الغربي‪ ،‬وت�صدى ه��ؤالء املنبهرين للق�ضايا‬ ‫ال�شرعية‪ ،‬و�أخ�ي�راً اجلمود الفقهي والتع�صب امل��ذه�ب��ي(((()‪.‬‬ ‫ومن امل�ؤكد �أن الع�صر ال��ذي نحن فيه قد فر�ض علينا �أنواعاً‬ ‫جديدة �شتى من امل�ستجدات الفقهية‪ ،‬مثل‪ :‬فقه املوازنات‪ ،‬وفقه‬ ‫الأولويات‪ ،‬وفقه الأقليات امل�سلمة‪ ،‬وفقه النوازل‪ ،‬وفقه الواقع‪،‬‬ ‫والفقه املقا�صدي(((()‪.‬‬

‫ولكي تتحقق فاعلية الفقه ال ب��د م��ن فتح ب��اب االجتهاد‪،‬‬ ‫حيث "�إن االجتهاد تنفيذ ملهمة مزدوجة‪ :‬احلفاظ على هند�سة‬ ‫الإ�سالم من جهة‪ ،‬وحتقيق انطباقه على الواقع التاريخي –‬ ‫من جهة �أخرى –"(((()‪.‬‬ ‫الرتبية الإميانية امل�ستمرة النامية‪:‬‬ ‫“�إ َّن “الإميان” ال ميثل �ضرورة عقيدية فح�سب‪ ،‬ولكنه‬ ‫يعد �ضرورة “عملية” على م�ستوى الفرد‪ ،‬واجلماعة‪ ،‬والدولة‪،‬‬ ‫واحل�ضارة الب�شرية‪� ،‬إذا ما �أريد للحياة الب�شرية �أن مت�ضي بي�سر‬ ‫�إلى �أهدافها و�أن تتمكن من حتقيق مهمتها يف الأر�ض”(((()‪.‬‬ ‫وح �ي��ث‪�" :‬إن الإمي� ��ان ي��ول��د امل���س�ل��م والدة ج��دي��دة‪ ،‬ال��روح‬ ‫اجلديدة‪ ،‬وامل�شاعر اجلديدة‪ ،‬والقدوة اجلديدة‪ ،‬في�صبح عمالقاً‬ ‫�شاخماً يرتفع بب�صره‪ ،‬وي�سمو بواقعه"(((()‪.‬‬ ‫و�إن احل�ي��اة الإمي��ان�ي��ة كما ي��ري��ده��ا الإ� �س�لام "تقوم على‬ ‫التوحيد اخلال�ص هلل ولهذه العقيدة عنوان يلخ�صها �شهادة‬ ‫�أن ال �إل��ه �إال اهلل و�أن حم�م��داً ر��س��ول اهلل"(((()‪ .‬فهذه متثل‬ ‫ت�صور الإ�سالم �إلى اخللق واخلالق‪� ،‬إلى الدنيا والآخرة"((‪)((1‬‬ ‫"والتوحيد ع�صب الت�صور الإ�سالمي للكون والإن�سان واحلياة‬ ‫ونقطة االرتكاز الأ�سا�سية‪ ،‬وهو يف حالة ت�ألقه و�صفائه وحيويته‬ ‫وانطباقه على املعطى القر�آين والنبوي‪ ،‬يفعل املعجزات((‪.)((1‬‬ ‫"و�أن م�ف�ه��وم الإمي� ��ان ع��ام��ة‪ ،‬وم�ف�ه��وم ال�ت��وح�ي��د خا�صة‬ ‫وال يقت�صر على املعرفة الذهنية املجردة‪ ،‬بل ال بد �أن يقرتن‬ ‫ب�شطره الآخر العمل‪ ،‬وال يفوتنا �أن الفهم ال�سقيم لهذا املف�صل‬ ‫احل�سا�س ب�صورته النمطية الإنطفائية يفرز لنا �أجيا ًال مبتورة‬ ‫ال�صلة بعقيدتها الفاعلة قا�صرة الإبداع واالبتكار"((‪.)((1‬‬

‫‪) 6‬خليل‪ ،‬عماد الدين ‪ ،‬مدخل �إلى احل�ضارة الإ�سالمية‪ ،‬ح�صلت الباحثة‬ ‫ويف �صدد احلديث عن فقه الواقع‪ ،‬يقول عماد الدين خليل‪:‬‬ ‫من امل�ؤلف على ن�سخة �إلكرتونية لهذا الكتاب‪� ،‬ص‪.76‬‬

‫‪38‬‬

‫"�إن الع�صر الذي نعي�ش فيه بك ِّل ما ينطوي عليه من معطيات‬ ‫وحتديات يتطلب ا�ستدعاء فقه الواقع ملجابهة حمنة االحتواء * ويق�صد به تزكية النف�س �أو فقه القلوب �أو �أعمال القلوب ملزيد من‬ ‫التو�سع ينظر‪ ،‬ال�غ��زايل‪� ،‬أب��و حامد‪ ،‬ج ‪ ،3‬وبرنامج وثيابك فطهر‪،‬‬ ‫والتغريب والعوملة و�صراع احل�ضارات يف عامل ي�ضيع فيه من ال‬ ‫ع�صام الب�شري‪ ،‬قناة الر�سالة الف�ضائية‪.‬‬ ‫ميلك فقهاً عميقاً للواقع بكل حيثياته التاريخية والعقدية ‪...‬‬ ‫واحل�ضارية"(((()‪.‬‬ ‫‪) 7‬عماد الدين خليل‪ ،‬يف الر�ؤية الإ�سالمية‪ ،‬دم�شق – بريوت – دار ابن‬ ‫‪) 1‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.229‬‬ ‫‪) 2‬الغزايل‪ ،‬حممد ‪ ،‬الإ��س�لام والطاقات املعطلة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار نه�ضة‬ ‫م�صر للن�شر والطباعة والتوزيع‪� ،2002،‬ص‪.24‬‬ ‫‪ ) 3‬اجلرعي‪ ،‬عبد الرحمن ‪ ،‬الفقه والتجديد‪ ،‬وقائع م�ؤمتر التجديد يف الفكر‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬اربد – جامعة الريموك‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪� ،‬ص‪.298‬‬ ‫‪ ) 4‬الفقه املقا�صدي‪ ،‬هو الفقه احل�ضاري الذي ي�ستغرق جوانب املعرفة‬ ‫جميعها‪ ،‬وميتد لآفاق احلياة كلها ينظر‪ :‬يو�سف �أحمد حممد البدوي‪،‬‬ ‫مقا�صد ال�شريعة عند ابن تيمية‪ ،‬عمان‪ ،‬دار النفائ�س‪200 ،‬م‪� ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪) 5‬خليل‪ ،‬عماد الدين ‪ ،‬متابعات �إ�سالمية‪ ،‬لندن‪ ،‬دار احلكمة‪2002 ،‬م‪،‬‬ ‫�ص‪.211‬‬

‫كثري‪2005 ،‬م‪� ،‬ص‪.50‬‬ ‫‪) 8‬ع�صام‪ ،‬العطار‪� ،‬أزمة روحية‪ ،‬الريا�ض – دار ال�شريف للن�شر‪1990 ،‬م‪،‬‬ ‫�ص‪.23‬‬ ‫‪ ) 9‬يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬احلياة الربانية والعلم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪،‬‬ ‫‪ ،1996‬ط ‪� ،1‬ص‪.31‬‬ ‫‪ ) 10‬يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬جرمية الردة وعقوبة املرتد يف الإ�سالم‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫دار الفرقان‪ ،‬ط‪ ،1‬ا‪996‬م‪� ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪ ) 11‬عماد الدين خليل‪ ،‬مدخل �إلى احل�ضارة الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ ،76‬مرجع‬ ‫�سابق‪.‬‬ ‫‪� ) 12‬إن�صاف املومني‪ ،‬تربية املر�أة يف فكر القر�ضاوي‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‪،‬‬ ‫جامعة الريموك‪2005 ،‬م‪� ،‬ص‪.66‬‬


‫اب��رز امل��رئ�ي��ات ال�ت��ي يحتاج لها االع�ل�ام ال��ر��س��ايل الرتبية‬ ‫الإمي��ان �ي��ة وتنمية ال ��ذوق اجل�م��ايل والتخل�ص م��ن ال��روت�ين‬ ‫وال��رت��اب��ة والتنمية العلمية والتخطيط االع�لام��ي االنتقاء‬ ‫احل�ضاري والرقابة الذاتية واحلرية املن�ضبطة الواعية وغريها‬ ‫ال�ت�ج��دي��د يف التف�سري واع� ��ادة ال�ن�ظ��ر يف ت��وظ�ي��ف خطابنا‬ ‫الفقهي وجتديد اخلطاب والرتبية االميانية النامية اال�سالمية‬ ‫هذه العنا�صر جمتمعة ت�شكل ابرز معامل االعالم الر�سايل‬ ‫يف نهاية املطاف تقدم الدرا�سة التو�صيات التالية‪:‬‬

‫و�إن كانت حاجة الإن�سان �إلى الإميان ما�سة و�ضرورة ملحة‬ ‫منذ �أن و�ضع �أبونا �آدم قدمه على هذه املعمورة ف�إن حاجتنا يف‬ ‫ظل االنفالت االعالمي �أك�ثر �ضرورة من قبل حيث ال بد لنا‬ ‫�أن نح�صن �أنف�سنا م��ن غ��وائ��ل االن�ح��دار واالن�ح�ط��اط‪ ،‬ولوثة‬ ‫امل�غ��ر��ض�ين‪ ،‬و��س�م��وم ال�ك��ائ��دي��ن لننطلق يف ال�سباق احل�ضاري‬ ‫بعزمية را�سخة ال تعرف اخلور ‪ ،‬وال الهزمية واالنك�سار لن�ضع‬ ‫لبنة يف "امل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي العاملي" على �أن تكون‬ ‫هذه الرتبية الإميانية م�ستمرة وم�ستدمية ونامية‪.‬‬ ‫�إن من �أبرز ما يتفرد ويتميز به الإعالم الر�سايل �أنه �إعالم‬ ‫ع�ق��دي فهو "قائم على العقيدة والإمي� ��ان‪ ،‬وي��رت�ب��ط ب�أحكام‬ ‫الإ�سالم وتعاليمه وهديه و�أخالقه"(((()‪.‬‬ ‫ ‪ -‬تو�سيع ال�ف���ض��اء ب��اجت��اه ف�ق��ه �إع�ل�ام ر� �س��ايل‪ ،‬لنقل‬ ‫ف��ال��ر��س��ال��ة الإع�لام �ي��ة ال ت�ق��ف ع�ن��د ح ��دود �إر� �س��اء ق��واع��د‬ ‫الإع�لام �إل��ى قلب الع�صر لال�ستفادة من معطياته‬ ‫ا�ستخالف و�إع �م��ار الأر�� ��ض‪ ،‬ولكنها تعلن م�ب��د�أ ال��وح��دة بني‬ ‫وال�صمود �أمام حتدياته‪ ،‬وللقيام بوظيفته املرتقبة‬ ‫الدنيا والآخرة‪ ،‬وااللتحام بني الآجل والعاجل فهي ت�سعى �إلى‬ ‫يف امل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي العاملي‪.‬‬ ‫متكني الفرد امل�سلم من النجاح يف قوانني االبتالء‪ .‬واالختيارات‬ ‫ال��دن�ي��وي��ة �إ��ض��اف��ة �إل��ى الت�صدي لعاملية ال��ر��س��ال��ة ال‬ ‫إ�سالمية ‪ -‬العمل اجلاد لإعداد كوكبة من الطالئع املبدعة من‪:‬‬ ‫ووج��وب تبليغها للمعمورة كافة ح�سب الإم�ك��ان��ات وال�ق��درات‬ ‫الرجال والن�ساء والنا�شئة تكون رائدة ومتقنة للغة‬ ‫املتاحة ا�ستجابة لنداء ال�سماء الذي كلف اهلل به �أمة ال�شهادة‬ ‫الإعالم الر�سايل داخل �أر�ض الإ�سالم وخارجها‪.‬‬ ‫ا�س‬ ‫} َو َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم� ًة َو َ�س ًطا ِّل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫َو َي ُكو َن ال َّر ُ�سو ُل َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيدًا َو َما َج َع ْل َنا ا ْل ِق ْبلَ َة ا َّل ِتي ُكنتَ َعلَ ْي َها ‪ -‬العمل �ضمن جهد م�ؤ�س�سي وحتت مظلة ال�شرعية‬ ‫القانونية لعمل �صندوق دعم مادي يرفد امل�ؤ�س�سات‬ ‫�إ اَِّل ِل َن ْعلَ َم َمن َي َّت ِب ُع ال َّر ُ�سو َل ممِ َّ ن َين َق ِل ُب َعلَى َع ِق َب ْي ِه َو�إِن َكا َنتْ‬ ‫ري ًة �إ اَِّل َعلَى ا َّل ِذ َ‬ ‫ميا َن ُك ْم �إِ َّن‬ ‫الإعالمية الر�سالية الهادفة‪.‬‬ ‫ين َهدَى اللهَّ ُ َو َما َكا َن اللهَّ ُ ِل ُي ِ�ضي َع �إِ َ‬ ‫َل َك ِب َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ا�س ل َر ُءوف َّر ِحي ٌم { (�سورة البقرة‪.)١٤٣ :‬‬ ‫اللهَّ َ بِال َّن ِ‬ ‫ ال�سعي �ضمن جهد م�ؤ�س�سي منظم لإع��داد �أبحاث‬‫غري متغافلني �أو متجاهلني الرد على ال�شبهات واالفرتاءات‬ ‫ور�سائل ودرا�سات “ر�صيد علمي” حول فقه الإعالم‬ ‫بالو�سيلة املنا�سبة والطريقة املواتية‪ ،‬و�إعطاء ال�صورة املرجتاة‬ ‫يف بالد االغرتاب يحدد منطلقاته و�أهدافه وو�سائله‬ ‫لعظمة الدين الإ�سالمي‪.‬‬ ‫و�أ��س��ال�ي�ب��ه وي�ق��ف ع�ل��ى م�ع��وق��ات��ه وحت��دي��ات��ه ملعرفة‬ ‫اخللل وت�صويب امل�سار‪.‬‬ ‫ول �ع��ل �أول م���س�ت�ل��زم��ات ه��ذه اخل��ا��ص�ي��ة ال �ت��ي ينبغي على‬ ‫الإعالمي امل�سلم ا�ستح�ضارها هي الرتبية الإميانية ‪.‬‬ ‫ فتح قنوات ات�صال بني املنظمات الإ�سالمية والعاملية‬‫وال��دع��اة وامل��راك��ز الإ��س�لام�ي��ة داخ ��ل وخ ��ارج �أر���ض‬ ‫النتائج‪:‬‬ ‫الإ��س�لام من جهة والإع�ل�ام من جهة �أخ��رى �ضمن‬ ‫وقد خل�صت الدرا�سة الى اهم النتائج التالية‪:‬‬ ‫ا�سرتاتيجية حمكمة بعيدة املدى ت�أخذ بعني االعتبار‬ ‫الر�ؤى امل�ستقبلية‪.‬‬ ‫االعالم الر�سايل هواالعالم الذي يهدف �إلى حتقيق و�سطية‬ ‫املعا�صر‬ ‫الإ� �س�لام و�إر� �س��اء ث��واب�ت��ه وب�ن��اء ال�ن�م��وذج اال��س�لام��ي‬ ‫املتناغمة وروح ‪ -‬ت�ق��دمي احل��واف��ز امل��ادي��ة واملعنوية للعقول املت�ألقة‬ ‫لالن�سان ال�صالح بكافة و�سائل االت�صال املنا�سبة‬ ‫من الطاقات الإ�سالمية املميزة للنهو�ض باالنك�سار‬ ‫الع�صر‪ ،‬ويتميز بانه �إعالم منهجي هادف ومو�ضوعي مبني على‬ ‫احل�ضاري‪.‬‬ ‫�أ�س�س التثبت ‪ ،‬و�أنه ح�سبه هلل تعالى واجب على �أفراد الأمة كل‬ ‫ح�سب قدرته وطاقته‪ ،‬ومن املرادفات الأخرى له والتي يجمعها‬ ‫قا�سم م�شرتك فيما بينها الإع�ل�ام ال�ه��ادف‪ ،‬والإع�ل�ام امللتزم‪� - ،‬إع��ادة النظر يف خطابنا الفقهي؛ لنقل الفقه �إل��ى‬ ‫والإعالم الإ�سالمي‬ ‫قلب ال��واق��ع ملواجهة م�ستجداته وذل��ك م��ن خالل‬ ‫جم��ام��ع فقهية تختزل ال��زم��ان وامل �ك��ان م��ن خالل‬ ‫ثمة اهمية ل�ل�إع�لام الر�سايل منها‪ :‬يعد متنف�س االم��ل‬ ‫و�سائل الع�صر احلديثة وتت�صدى لأبرز م�سائل من‬ ‫ملواجهة االنفالت االعالمي وي�ضطلع يف بناء عقل ووج��دان‬ ‫(فقه الإع�لام الر�سايل) وغ�يره لرت�شيد ال�صحوة‬ ‫االجيال احلا�ضرة والنا�شئة وتقدمي منوذجنا اال�سالمي املتفرد‬ ‫يف رحاب ار�ضنا وللإن�سانية جمعاء‬ ‫وت�صويب م�سارها وغريها من امل�سائل امل�ستجدة على‬ ‫ال�ساحة املعا�صرة‪.‬‬ ‫‪ ) 1‬امل�صري‪� ،‬إك��رام‪ ،‬عوملة امل��ر�أة امل�سلمة الآليات وط��رق املواجهة‪ ،‬جدة‪،‬‬ ‫مركز باحثات‪1431 ،‬هـ‪� ،‬ص‪.392‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪39‬‬


‫العالم‪..‬‬ ‫فضاء للتعايش والتسامح‬ ‫دراسـات‬

‫د‪ .‬عالل الزهواني‬

‫‪40‬‬

‫�أحزاب جائرة‪ ،‬دعنا ن�صف ال�سكان وال ن�صف املكان ونرتك‬ ‫عالقة الإن�سان باملكان هي عالقة مفتوحة‪� ،‬أي �أن��ه �إذا‬ ‫وجد عدال وا�ستطاع �أن يظهر دينه‪ ،‬فلماذا اال�ستناد �إلى‬ ‫التق�سيم القدمي؟ ونرجع �إلى م�س�ألة الأمان هل امل�سلم‬ ‫�آمن �أو لي�س �آمنا‪ ،‬هل هو قادر على �إظهار دينه �أو غري‬ ‫ق��ادر؟ هل الأحكام ال�شرعية مطبقة �أم ال؟ ‪...‬و �أف�ضل‬ ‫ما قاله الكا�ساين ب�أنها الدار التي توفر الأمان‪ ،‬مع �أنني‬ ‫ال �أتفق معه يف ق�سمة الأم��ان واخل��وف‪ ،‬الأم��ن للم�سلم‬ ‫واخل��وف لغريه فال ��ض��رورة‪� ،‬إذا وف��رت الأم��ن للجميع‬ ‫فهذا ه��و املطلوب وبالتايل فقد بنى دار الإ��س�لام على‬ ‫الأم��ن‪ ،‬بينما بناها بع�ض ال�شافعية كالنووي وامل��اوردي‬ ‫على �أن يكون امل�سلم فيها قادرا على �إظهار دينه‪ ،‬و�إن كان‬ ‫بيتا واحدا يقدر �أهله على �إظهار الدين‪ ،‬فال يجوز لأهل‬ ‫البيت الهجرة‪ ،‬لأن وجودهم‪ ‬وجود لدار �إ�سالم"[‪.]1‬‬

‫رئيس المنتدى األوروبي للوسطية ببلجيكا‬ ‫وقد ذهب الأ�ستاذ مالك بن نبي �إلى طرح ما �سماه‪ ‬‬ ‫[‪]2‬‬ ‫«دار ال�شهود» ‪ ‬بدال عن الدار التي ي�سكنها غري امل�سلمني‬ ‫و التي ُ‬ ‫ا�صطلح عليها قدميا بـ «دار احلرب» انطالقا من‬ ‫‪ ‬هناك ر�ؤى ف�سيحة وبدائل خمتلفة لتق�سيم جديد دور امل�سلم يف احلياة الذي جاء يف قوله تعالى } َو َك َذ ِل َك‬ ‫للعامل‪ ،‬بدال من "دار كفر" ودار �إ�سالم‪ ،‬فهناك من قال َج َع ْلنَا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِل َتكُونُوا �شُ َه َدا َء َعلَى الن ِ‬ ‫َّا�س َو َيكُو َن‬ ‫ب�إمكانية تق�سيم العامل �إلى دار عدل ودار جور‪ ،‬ف�أينما ال َّر�سُولُ عَلَيْكُمْ �شَهِيدًا{[‪ .]3‬‬ ‫متكن امل�سلم وغريه من �إقامة ال�شعائر الدينية‪ ،‬وحرية‬ ‫فال�شهادة يف ظاهرها هي الإخبار عن �أمر وقع العلم به‬ ‫االعتقاد وال��ر�أي‪� ،‬سواء يف ال��دول الإ�سالمية �أو ال��دول‬ ‫الغربية فهي دار عدل‪ ،‬و�أينما حورب امل�سلم‪ ‬وغريه من لإقامة حق يتوقف عليه ذلك الإخبار ‪ ،‬وهو ما يقوم على‬ ‫احلرية الدينية‪� ،‬سواء يف ال��دول الإ�سالمية �أو ال��دول �أربعة عنا�صر �أ�سا�سية‪ :‬العلم الذي هو �أ�سا�س ال�شهادة‪،‬‬ ‫والبيان والإظهار لذلك العلم‪ ،‬ثم تبليغ ذلك العلم بحيث‬ ‫الغربية‪ ،‬فهي دار جور‪.‬‬ ‫ي�صري وا�ص ً‬ ‫ال �إلى الآخرين على الوجه املقنع‪ ،‬ثم العدل‬ ‫و�إلى جانب هذا هناك من ق�سم العامل �إلى دار خوف يف كل ذلك حتى تكون ال�شهادة مف�ضية �إلى نفع امل�شهود‬ ‫ودار �أمن‪ ،‬وتعليقا على ما �سبق يقول ابن بيه‪ ..." :‬لكن عليهم‪ .‬تلك هي ال�شهادة على النا�س التي يقوم عليها‬ ‫ال ميكن �أن تعطي العدل واجلور متغريان‪ ،‬وبالتايل لو التح�ضر الإ�سالمي ت�أ�سي�ساً يف مبادئ الدين ‪ ،‬وتطبيقاً‬ ‫قلت دار ع��دل �أو دار ج��ور‪ ،‬ه��ذه دار ع��دل قد ت�صبح دار يف ال�سرية العملية للح�ضارة الإ�سالمية‪� .‬إن�ه��ا �شهادة‬ ‫جور ودار اجل��ور قد ت�صبح دار ع��دل‪ ،‬نقول حاكم عادل تنطلق من ت�صور عقدي للإن�سان ال��ذي خلق للنعمة ‪،‬‬ ‫وحاكم جائر‪ ،‬حكومة عادلة حكومة جائرة‪� ،‬أحزاب عادلة وكرم تكرمياً ‪ ،‬وحمل الأمانة تعظيماً ‪ ،‬وبناء على ذلك‬


‫ف�إن التح�ضر الإ�سالمي ي�شهد على النا�س ب�شهادة العلم‬ ‫بحقائق الدين وال�ك��ون والنا�س‪ ،‬ثم �شهادة على النا�س‬ ‫بتبليغ تلك احلقائق تبليغ �إنقاذ و�إ�صالح ون�شر للخري ‪،‬‬ ‫�شهادة عدل يف املوقع الو�سطي بني املتطرفات يف الأفكار‬ ‫وال�سلوك ‪ ،‬ليكون ذل��ك املوقع مثوبة ملن ترهق فطرته‬ ‫م�سالك ال�ت�ط��رف‪ ،‬و��ش�ه��ادة ع��دل يف احل�ك��م ب�ين النا�س‬ ‫بالتعامل املت�ساوي معهم‪ ،‬وبرد جائرهم عن مظلومهم‪،‬‬ ‫ون �� �ص��رة امل���س�ت���ض�ع�ف�ين وامل �ق �ه��وري��ن‪ .‬ه ��ذه ه��ي ��ش�ه��ادة‬ ‫التح�ضر الإ�سالمي على النا�س‪ ،‬وهي �شهادة ال ي�ضريها‬ ‫خروقات الأف��راد واحلاالت اجلزئية املعزولة �إذا ما ظلت‬ ‫قائمة يف عمومها زمن التح�ضر»[‪ ،]4‬و هذا الفهم لل�شهود‬ ‫احل�ضاري ال ميكن ت�صور القيام به يف ظل تق�سيم العامل‬ ‫�إلى دار �إ�سالم �أو دار حرب‪.‬‬ ‫وق��د ط��رح املعهد العاملي للفكر الإ��س�لام��ي ب�أمريكا‬ ‫يف م�شروع العالقات الدولية يف الإ��س�لام م�صطلح دار‬ ‫الإ�سالم حكماً وحقيقة ودار الإ�سالم حكماً ال حقيقة‪ ،‬ودار‬ ‫احلرب و�أ�شار �إلى �أن دار الإ�سالم حقيقة هي ما �أ�شار �إليه‬ ‫الفقهاء قدميا ‪ ،‬و�أم��ا دار الإ�سالم حكما ال حقيقة فهي‬ ‫البالد التي يعي�ش فيها امل�سلمون وميار�سون �شعائر دينهم‬ ‫و ال يقع عليهم ظلم �أو ع��دوان ب�سبب دينهم و يتمتعون‬ ‫بكافة احل�ق��وق التي يتمتع بها غريهم م��ن �سكان تلك‬ ‫البالد‪ ،‬لكن احلكم ال�سائد فيها لي�س حكما �إ�سالميا ‪� ،‬أما‬ ‫دار احلرب فهي التي بينها و بني امل�سلمني حربا معلنة‪،‬‬ ‫ومتار�س العمليات احلربية �ضدهم ‪ ،‬كما �أن ت�أثري هذه‬ ‫احلرب ال ميتد �إلى غري املحاربني من �أهل تلك الدولة و‬ ‫�إمنا يقت�صر على من ميار�س العمليات احلربية[‪. ]5‬‬

‫كما جند الدكتور طه جابر العلواين يف طرحه للر�ؤى‬ ‫اجلديدة للتق�سيم‪ ،‬قد تبنى تق�سيم الرازي‪ ‬للدار حيث‬ ‫ق�سمها �إلى دار دعوة ودار �إجابة فقال‪ « :‬كان الإمام فخر‬ ‫الدين ال��رازي موفقا غاية التوفيق حني ا�ستند �إل��ى ما‬ ‫نقله ال�شا�شي‪ ،‬وبنى عليه توجهه �إلى تقدمي بديل ممتاز‬ ‫عن تق�سيم املعمورة ‪ ،‬حيث ق�سم الأر�ض كلها �إلى دار دعوة‬ ‫بدال من «دار حرب»‪ ،‬ودار �إجابة بدال من دار الإ�سالم‪ ،‬كما‬ ‫ق�سم النا�س �إلى �صنفني ‪� :‬أمة الدعوة وهم غري امل�سلمني‬ ‫و�أم��ة الإجابة وهم امل�سلمون»[‪ .]6‬وي�ؤكد عبد اهلل بن بيه‬ ‫هذا الطرح‪ ،‬انطالقا من الر�سالة النبوية التي هي ر�سالة‬ ‫�شاملة كاملة للعامل كله‪ « ،‬فمعمورة العامل هي �إم��ا �أن‬ ‫تكون من �أمة الإجابة و�إما �أن تكون من �أمة الدعوة‪ ،‬وكل‬ ‫�أمة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم على اختالف يف من‬ ‫ا�ستجاب لهذه الدعوة ومن مل ي�ستجب لها‪ ،‬ثم �إن هناك‬ ‫�أحاديث ت�ؤيد هذا فيما يتعلق بالهجرة يف حديث فديك‪،‬‬ ‫وفديك ه��ذا رج��ل �أ�سلم ولكن قومه قالوا ل��ه‪« :‬دن مبا‬ ‫�شئت واب��ق معنا»‪ ،‬فلما توفرت له احلرية الدينية بقي‬ ‫مع قومه حتى وفد �إلى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فلما‬ ‫وفد �إليه يف �سنة �ست قال‪ :‬يا ر�سول اهلل يقال �إن املهاجر‪..‬‬ ‫قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم «يا فديك �أق��م ال�صالة‬ ‫و�آت الزكاة واهجر ال�سوء وا�سكن من �أر�ض قومك حيث‬ ‫�شئت»[‪ ،]7‬الحظ �أن��ه قال من �أر���ض قومك‪ ،‬ومل يقل من‬ ‫دار قومك‪ ،‬ف��ال��دار هي لغة تقال ل�ل�أر���ض التي ي�سكنها‬ ‫النا�س‪ ،‬تقال للمنزل‪ ،‬تقال للم�سكن‪ ،‬لكن الفقهاء �أخذوها‬ ‫كم�صطلح‪ ،‬فهو اختيار فقهي»[‪� ،]8‬إال �أن هذا التق�سيم غري‬ ‫دقيق وال يعرب عن م�ستوى ال��دول��ة �أو القانون ال��دويل‬ ‫واجل�غ��راف�ي��ة ال�سيا�سية‪ ،‬كما ي�ق��ول عمر عبيد ح�سنة‪:‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪41‬‬


‫لوجود �أقليات م�سلمة يف جمتمعات غري م�سلمة من �أمة‬ ‫الدعوة هي من �أمة الإجابة‪ ،‬فكيف ميتد �إليهم �سلطان‬ ‫الدولة امل�سلمة جغرافيا»[‪ ،]9‬كما �أنه �إذا �سلمنا مب�صطلح‬ ‫دار ال��دع��وة‪ ،‬فهل ه��ذا ي�صدق على ال��دول ال�ت��ي جتاهر‬ ‫ب�ع��دائ�ه��ا ل�ل�إ� �س�لام و�أه �ل��ه‪ ،‬وحت��ارب��ه ��س��را وع�لان �ي��ة‪� ،‬أم‬ ‫تتحول �إلى «دار ح��رب»‪ ،‬ثم �إن هذا امل�صطلح عام ووا�سع‬ ‫وغري من�ضبط ‪ ،‬وبتعبري �آخر لي�س بجامع مانع»[‪ ،]10‬كما‬ ‫ال يكفي االعتماد على تق�سيم ال��رازي للمعمورة �إلى دار‬ ‫�إ��س�لام ودار دع ��وة‪،‬لأن مفهوم دار العهد هو ال��ذي ي�ضع‬ ‫الأ�سا�س القانوين لعالقات �سلمية ‪ ‬ميكن �أن متار�س من‬ ‫خاللها ال��دع��وة وغ�يره��ا م��ن امل�صالح كالعلم والتجارة‬ ‫[‪]11‬‬ ‫والعمل ‪...‬‬

‫‪42‬‬

‫وتبقى املراجعات التي خرج‪ ‬بها م�ؤمتر قمة ال�سالم‬ ‫(ماردين‪ ..‬دار ال�سالم)[‪ ،]12‬الذي در�س �أهم �أ�س�س العالقات‬ ‫بني امل�سلمني وغريهم يف الإن�سانية‪ ،‬وهي ت�صنيف الديار‬ ‫يف الت�صور الإ��س�لام��ي و م��ا يرتبط ب��ه م��ن املفاهيم يف‬ ‫ت�أ�صيل التعاي�ش ال�سلمي والتعاون على اخل�ير والعدل‬ ‫مع اجلميع‪ ،‬كالهجرة واملواطنة والوالء والرباء‪ ...‬حيث‬ ‫ه��دف امل ��ؤمت��ر يف امل�ق��ام الأول �إل��ى �إي �ج��اد و��ص��ف جديد‬ ‫للعالقات بني دول العامل‪ ،‬يتوافق مع امل�ستجدات العاملية‪،‬‬ ‫بدل التق�سيمات الفقهية الواردة يف الرتاث الفقهي‪� ،‬سمي‬ ‫هذا الو�صف بف�ضاء الت�سامح‪� ،‬أو ف�ضاء �سالم‪ ،‬فقلما جند‬ ‫دول��ة ال يعي�ش فيها امل�سلمون ويتمتعون فيها بحقوق‬ ‫املواطنة‪ ،‬وقد ا�ستثني من هذا الو�صف الكيانات الغا�صبة‬ ‫التي تخو�ض حروبا �ضد امل�سلمني‪ ،‬كالكيان ال�صهيوين‪،‬‬ ‫يقول ابن بيه يف هذا ال�ش�أن‪« :‬هذه الر�ؤية نحن �سميناها‬ ‫ف�ضاء ت�سامح‪ ،‬املجل�س الأوروب��ي كان �سباقا عندما قال‪:‬‬ ‫دار متعددة الأعراق والديانات‪ ،‬يعني ال يوجد مكان اليوم‬ ‫يف ال�ع��امل خال�صا للم�سلمني فقط �أو لليهود فقط �أو‬ ‫للن�صارى فقط‪ ...‬فف�ضاء الت�سامح الذي اقرتحناه بدال‬ ‫من ال��دار‪ ،‬حتى ال ن�صادم اللفظ ال��ذي اعتاده الفقهاء‪،‬‬ ‫قلنا يوجد ف�ضاء ت�سامح‪ ،‬وهو عبارة عن ف�ضاء حترتم‬ ‫فيه احل�ق��وق واحل��ري��ات‪ ،‬وال يعتدى فيه على الإن�سان‪،‬‬ ‫فهذا �إذا مت يف �أي مكان فهو ف�ضاء ت�سامح‪ ،‬و�إن مل يتم‬ ‫وك��ان ال �ع��دوان ه��و ال�ق��ائ��م‪ ،‬ف�شرعة الأم��م املتحدة التي‬ ‫ي�شرعها �إن�سانية‪ ،‬تقول �إنها �ضد العدوان و�ضد االعتداء‪،‬‬ ‫�أم��ا ال�شريعة الإ�سالمية ف�إنها تقدم التدابري العملية‬ ‫ملواجهة العدوان‪ ،‬فامل�سلمون عليهم �أن يظلوا متم�سكني‬ ‫ب�شريعتهم‪ ،‬و�أن ي��روا �أن �شريعتهم ال تناق�ض املواثيق‬ ‫الدولية التي جاءت مل�صالح الإن�سان»[‪.]13‬‬ ‫ومن هنا مل يعد هناك جمال لتطبيق فتاوى تعود �إلى‬ ‫القرون الو�سطى ‪ ،‬التي تدعو �إلى العنف املت�شدد‪ ،‬وتق�سيم‬

‫ال�ع��امل �إل��ى دار �إ��س�لام و»دار ك�ف��ر»‪ ،‬وم��ن ه��ذه الفتاوى‬ ‫ف�ت��وى الفقيه ب��ن تيمية‪ ،‬ال��ذي ع��ا���ش يف ال�ق��رن ال��راب��ع‬ ‫ع�شر امليالدي ‪ ،‬تدعو �إلى القتال التي ي�ستند �إليها اليوم‬ ‫بع�ض الإ�سالميني املت�شددين لتربير قتل امل�سلمني وغري‬ ‫امل�سلمني‪ .‬و عليه فمن �أخذ مبثل هذه الفتاوى‪ ،‬فقد �ضل‬ ‫يف التف�سري ‪ ،‬ولهذا ينبغي �إب��راز ما يرجى حتقيقه من‬ ‫الفهم ال�صحيح ل�ل�تراث الفقهي‪ ،‬وذل��ك ب��دع��وة علماء‬ ‫الدين �إلى �إجراء بحوث عميقة‪ ‬لتف�سري �سياق الفتاوى‬ ‫القدمية على الق�ضايا العامة‪ ،‬التي طالها اخللل على‬ ‫م�ستوى الت�أويل والتعليل والتنزيل‪ ،‬يقول عبد اهلل بن‬ ‫بيه‪ ... « :‬كيف �أول��وا كلمة ال��دار التي وردت يف احلديث‬ ‫ومل ي�سموها �أر�ضا �أو بلدا؟ هذا الت�أويل قد يكون �صاحلا‬ ‫يف ذلك الزمان‪ ،‬وهو �صالح وجهد الفقهاء مقدر‪ ،‬ويجب‬ ‫�أال يفهم م��ن ه��ذا �أن�ن��ا نقلل م��ن �أهمية ال�ت�راث الكبري‬ ‫ال��ذي ق��دم��ه الفقهاء يف ذل��ك ال��وق��ت‪ ،‬وال��ذي �أ��ص�ل��وا به‬ ‫لتق�سيم املعمورة‪ ،‬ولكن هناك �أ�شياء حتتاج �إلى �أن ن�ؤولها‬ ‫م��ن ج��دي��د‪ ،‬التعليل ه��ل ه��و معلل بالظهور والغلبة �أم‬ ‫معلل بالأمان؟ نحن منيل �إلى �أن التعليل بالأمان‪ ،‬الذي‬ ‫ذك��ره الكا�ساين يف «بدائع ال�صنائع»‪� ،‬أن��ه التعليل الأول‬ ‫وبالتايل هناك خلل يف التعليل‪ ،‬هناك خلل يف التنزيل‪،‬‬ ‫�أي عندما تريد تنزيل هذه الن�صو�ص على واقعك ف�إن‬ ‫عليك �أن ت�ع��رف ت�ضاري�س ه��ذا ال��واق��ع‪ ،‬فلم يكن �أح��د‬ ‫يظن �أن م�سجدا يبنى يف روم��ا بالقرب م��ن الفاتيكان‪،‬‬ ‫ه��ذا واق��ع جديد‪ ،‬مل يكن �أح��د يظن �أن ع�شرين مليونا‬ ‫من امل�سلمني تكون يف �أوروبا الغربية‪ ،‬هذا واقع جديد‪...‬‬ ‫علينا �أن نراجع الن�صو�ص‪ ،‬و�أن نحقق حتى الن�صو�ص‬ ‫املوجودة‪ ‬التي فيها خلل‪ ،‬كما جاء يف فتوى ابن تيمية‪،‬‬ ‫«يقاتل اخلارج عن �شريعة الإ�سالم مبا ي�ستحقه»[‪ ]14‬بدل‬ ‫يعامل‪ ،‬بينما جاء يف كتاب"الآداب ال�شرعية"[‪ ]15‬لتلميذه‬ ‫ابن مفلح‪ ،‬يعامل بدل يقاتل نقال عن �شيخه‪� .‬إذاً علينا‬ ‫�أن نراجع هذه الن�صو�ص و�أن نتعامل معها من جديد‪،‬‬ ‫و�أن نحققها و�أن نقدم ر�ؤيتنا للعامل‪...‬فاجلهاد �سببه‬ ‫العدوان‪ ،‬ف�إذا وقع العدوان يرد عليه‪ ‬باملقاومة امل�شروعة‪،‬‬ ‫هذا �أمر ال ميكن لأحد �أن يغفله‪ ،‬وحتى و�صف الدار لن‬ ‫ي�ؤثر على هذا‪ ،‬لكن ت�صف كل دار �أنها غري مع�صومة‪ ،‬كما‬ ‫قال نيك�سون يف كتابه «الفر�صة ال�سانحة» قال‪ :‬امل�سلمون‬ ‫ي��رون وج��ود داري��ن فقط دار �إ��س�لام «ودار ح��رب»‪ ،‬ودار‬ ‫الإ�سالم يجب �أن تتغلب على «دار احلرب»‪ .‬هذا االنطباع‬ ‫الذي �أعطيناه للآخر‪ ،‬الذي �شجعنا به الآخر �أن يحاربنا‪،‬‬ ‫ه��و انطباع غ�ير �صحيح‪ ،‬يجب علينا �أن نقدم الإ��س�لام‬ ‫الذي يدعو �إلى دار ال�سالم ويهدي من ي�شاء �إلى �صراط‬ ‫م�ستقيم»[‪.]16‬‬


‫�إن ال��ر�أي ال��ذي يرجحه الفقه املعا�صر �أن اجتهادات‬ ‫الفقهاء القدمية يف تق�سيم العامل قد ولى زمنه‪ ،‬ويجب‬ ‫على الفقهاء املعا�صرين‪ ‬التوجه �صوب واق��ع العالقات‬ ‫الدولية املعا�صرة واالجتهاد يف تو�ضيح املمنوع واجلائز‬ ‫ف�ي�ه��ا مم��ا ي�ح�ق��ق م���ص��ال��ح ال �ع �ب��اد‪ ،‬ول��ذل��ك «�إن واج��ب‬ ‫فقه الع�صر �أن ييمم وج�ه��ه �شطر تلك العلة نف�سها‪:‬‬ ‫امل�صلحة ال��راج�ح��ة للم�سلمني ويقيم ب�ن��اء اج�ت�ه��اده يف‬ ‫العالقات الدولية على �أ�سا�سها‪ .‬وال يجوز �أن يبقى الفقه‬ ‫املعا�صر �أ� �س�يرا الج�ت�ه��اد ق��دمي مل يعد حمققا للغاية‪،‬‬ ‫التي ا�ستهدفها �أ�صحابه‪ ،‬ومل تعد الأ�سباب التي �سوغته‬ ‫قائمة‪...‬ويف تقديرنا �أن العامل كله الآن دار واحدة هي دار‬

‫عهد وموادعة‪ .‬و�أن �أحكام الإ�سالم تنطبق على امل�سلمني‬ ‫�أينما كانوا‪� ،‬سواء �أكانوا يف دار يغلب الإ�سالم على �أهلها‬ ‫�أم كانوا �أقلية �أو �أفرادا يف دار غالبية �أهلها غري م�سلمني‪.‬‬ ‫وال يجوز لأح��د �أن يقبل �أو يعمل بالفتوى التي تذهب‬ ‫�إلى انح�سار بع�ض �أحكام الإ�سالم العملية على الأف��راد‪،‬‬ ‫ماداموا يعي�شون يف دار ال يغلب عليها الإ�سالم‪ .‬لأن هذا‬ ‫القول هدم للدين كله بت�سويغ �إهمال بع�ضه‪...‬وال يجوز‬ ‫لأحد �أن ي�ستحل �أموال غري امل�سلمني يف دارهم بزعم �أنها‬ ‫«دار حرب»‪ .‬ومن كان هذا ر�أيه فال يحل له العي�ش فيها‬ ‫لأن ما �أدى �إلى احلرام حرام»[‪.]17‬‬

‫الهوام�ش‬ ‫[‪ -]1‬الفقهاء وتق�سيم العامل‪،‬عبد اهلل بن بيه‪ ،‬قناة اجلزيرة‪ ،‬برنامج‪ - ]11[ :‬حقوق املواطنة‪ ،‬حقوق غري امل�سلم يف املجتمع الإ�سالمي‪ ،‬را�شد‬ ‫ال�شريعة واحلياة‪،http://www.aljazera.net ،2010/04/13 ،‬‬ ‫الغنو�شي‪ ،‬املعهد العاملي للفكر الإ�سالمي‪ ،‬ط‪1993 ،2‬م‪� ،‬ص ‪.21‬‬ ‫بت�صرف‪.‬‬ ‫[‪ - ]12‬م�ؤمتر ماردين ‪ ،‬عقد يومي ‪ 28-27‬مار�س ‪ ، 2010‬مباردين‪ ‬‬ ‫[‪ - ]2‬يف مهب املعركة‪ ،‬مالك بن نبي‪ ،‬يف مهب املعركة‪ ،‬مالك بن نبي‪،‬‬ ‫ب�ترك�ي��ا‪ ،‬ب��رع��اي��ة امل��رك��ز ال�ع��امل��ي للتجديد وال�تر��ش�ي��د بلندن‪،‬‬ ‫دار الفكر ‪ ،‬املطبعة العلمية‪ ،‬دم�شق‪� ،‬سوريا‪2002 ،‬م‪� ،‬ص ‪.137‬‬ ‫وب��ال �ت �ع��اون م ��ع ك��ان��وب��و���س ل�لا� �س �ت �� �ش��ارات ب �ل �ن��دن‪ ،‬وج��ام �ع��ة‬ ‫[‪� - ]3‬سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪143‬‬ ‫م ��اردي ��ن‪ ،‬ومب���ش��ارك��ة ث�ل��ة من‪ ‬ع�ل�م��اء الأم� ��ة الإ� �س�لام �ي��ة من‬ ‫خمتلف التخ�ص�صات والبلدان‪ ،‬موقع بن بيه‪http://www. ،‬‬ ‫[‪ - ]4‬ف�ق��ه التح�ضر الإ� �س�لام��ي‪ ،‬ع�ب��د امل�ج�ي��د ال�ن�ج��ار‪ ،‬دار ال�غ��رب‬ ‫‪.binbayyah.net‬‬ ‫الإ�سالمي ‪ ،‬ال�سل�سلة‪ :‬ال�شهود احل�ضاري للأمة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫ط‪2006 ،2.‬م‪� ،‬ص‪.24‬‬ ‫[‪ - ]13‬نف�سه‪ ،‬م�ؤمتر ماردين‪.http://www.binbayyah.net ،‬‬

‫[‪ - ]5‬ينظر‪ :‬م�شروع العالقات الدولية يف الإ��س�لام‪ ،‬املعهد العاملي‬ ‫للفكر الإ�سالمي‪� ،‬إ�شراف نادية م�صطفى‪ ،‬و�شارك فيه عدد من‬ ‫الباحثني‪.‬‬ ‫[‪ - ]6‬التف�سري الكبري‪�،‬أبو بكر ال��رازي‪ ،‬طهران ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫ط‪ ،2‬بدون تاريخ‪ ،‬ج‪� ،8‬ص ‪.179‬‬ ‫ينظر �أي�ضا ‪ :‬يف فقه الأقليات امل�سلمة‪ ،‬طه جابر العلواين‪ ،‬مرجع‬ ‫�سابق‪ ،44 ،43 ،‬وكتابه مقا�صد ال�شريعة‪ ،‬ب�يروت‪ ،‬دار الهادي‪،‬‬ ‫ط‪2001 ،1‬م‪� ،‬ص ‪.57-56‬‬ ‫[‪ - ]7‬رواه البخاري يف التاريخ الكبري‪ ،‬باب فديك رقم ‪ ،612‬ج‪� ،7‬ص‬ ‫‪ ،135‬ورواه ابن حبان‪ ،‬كتاب ال�سري‪ ،‬باب الهجرة‪ ،‬رق��م‪،4861 :‬‬ ‫ج‪� ،11‬ص ‪ ،202‬والبيهقي‪ ،‬كتاب ال�سري‪ ،‬باب الرخ�صة يف الإقامة‬ ‫ب��دار ال�شرك‪ ،‬ج‪� ،9‬ص ‪ ،17‬ال�ط�براين يف املعجم الأو��س��ط‪ ،‬رقم‬ ‫‪ ،2297‬ج‪� ،3‬ص‪.6‬‬

‫[‪ - ]14‬يقول بن بيه ‪ :‬يقاتل فيها خطورة كبرية جدا‪� ،‬أثرت يف بداية‬ ‫ال�سبعينات‪ ،‬خا�صة يف بع�ض الكتابات التي تتحدث عن ال��دار‪،‬‬ ‫ككتابات حممد خري‪ ‬هيكل ال��ذي يتحدث ع��ن ال��دار ويقول‪:‬‬ ‫�إن دور الإ�سالم الآن هي كلها كفر ولي�ست دور �إ�سالم‪...‬ففتوى‬ ‫ابن تيمية مت �إ�سقاطاتها ماديا على التاريخ املعا�صر‪ ،‬فرتجمت‬ ‫كلمة» ي�ق��ات��ل» �إل��ى الإجن�ل�ي��زي��ة والفرن�سية‪ ،combat‬ف��أث��رت‬ ‫على الكتاب‪ ،‬كالكاتب البلجيكي امل�سلم يحيى مي�شو‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن بع�ض ال�شباب الذين يقر�ؤونها وي�صرون قتال الآخ��ر‪� ،‬إن‬ ‫ال�صياغة وال�سياق ال يقت�ضيان القتال‪� ،‬إمنا‪ ‬يقاتل ه��ذه هي‬ ‫يعامل‪ ،‬فالقتال لي�س فيه درجات ‪ ،‬ثم �إن ال�سياق يدل على وجود‬ ‫م�صانعة ومعاي�شة بني الطرفني‪ .‬عبد اهلل بن بيه‪ ،‬الفقهاء‬ ‫وتق�سيم العامل‪ ،‬مرجع �سابق‪.‬‬

‫[‪ - ]15‬ينظر الآداب ال�شرعية ‪،‬ابن مفلح املقد�سي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬ ‫[‪ - ]8‬الفقهاء وتق�سيم العامل‪ ،‬عبد اهلل بن بيه‪ ،‬قناة اجلزيرة‪،‬برنامج‬ ‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪1999 ،‬م‪� ،‬ص ‪.213‬‬ ‫ال�شريعة واحلياة‪2010http://www.aljazera.net-04-13 ،‬‬ ‫[‪ - ]9‬االجتهاد للتجديد �سبيل الوراثة احل�ضارية‪ ،‬عمر عبيد ح�سنة‪ - ]16[ ،‬الفقهاء وتق�سيم العامل‪ ،‬عبد اهلل بن بيه‪ ،‬قناة اجلزيرة‪ ،‬مرجع‬ ‫�سابق‪ ،‬بت�صرف‪.‬‬ ‫املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪2002 ،1.‬م‪� ،‬ص ‪.62‬‬ ‫[‪ - ]10‬فقه الأقليات امل�سلمة‪ ،‬خالد عبد القادر‪ ،‬دار الإميان‪ ،‬طرابل�س‪ - ]17[ ،‬الفقه الإ�سالمي يف طريق التجديد‪ ،‬حممد �سليم العوا‪� ،‬سل�سلة‬ ‫ال�شرق‪ ،‬ط‪1998 ،1.‬م‪� ،‬ص ‪.118‬‬ ‫�شرفات ‪ ،22‬من�شورات الزمن‪ ،‬املغرب‪� ،2008 ،‬ص ‪. 302-301‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪43‬‬


‫دراسات‬

‫من دالئل اإلعجاز في النبات‬

‫فأخرجـنا به نبات ّ‬ ‫كل شيء‬ ‫شيء"‬ ‫"فأخرجـنا‬

‫الدكتور منصور أبوشريعة العبادي‬ ‫جامعة العلوم والتكنولوجيا األردنية‬

‫‪44‬‬

‫�إن كان هناك من ي�شك يف �أن �أ�صول الكائنات احلية قد‬ ‫خلقت من الرتاب مبا�شرة فال �أظن �أن هناك من ي�شك يف �أن‬ ‫�أج�سام الكائنات احلية ت�صنع بكاملها من تراب الأر�ض �إما‬ ‫ب�شكل مبا�شر �أو غري مبا�شر‪ .‬فجميع �أنواع الكائنات احلية‬ ‫وبال ا�ستثناء يبد�أ ت�صنيعها من خلية واح��دة وتنتهي بعد‬ ‫مدة حمددة من الزمن بكائنات حية تتكون �أج�سام معظمها‬ ‫من باليني اخلاليا يفوق وزنها وزن الأ�صل الذي بد�أت منه‬ ‫مبثل عدد خالياه‪ .‬ومبا �أن املادة ال تفنى والتتجدد ف�إنه ال‬ ‫م�صدر لزيادة وزن هذه الكائنات �إال تراب هذه ال �أر�ض التي‬ ‫تعي�ش عليها م�صداقاﹰ لقوله تعالى }واهلل �أنبتكم من الأر�ض‬ ‫نباتا ث � ّم يعيدكم فيها ويخرجكم �إخ��راج��ا{ ن��وح ‪.18-17‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن الإن�سان وغريه من احليوانات ال ت�أخذ‬ ‫الغذاء ال��ذي ت�صنع منه �أج�سامها مبا�شرة من ال�تراب �إال‬ ‫�أنها تعتمد يف ذلك على النباتات التي تقوم بت�صنيع خمتلف‬ ‫�أن��واع امل��واد الع�ضوية مبا�شرة من ال�تراب‪ .‬فهذه النباتات‬ ‫ي�ب��د�أ ت�صنيعها م��ن ال�ب��ذور التي تنبت يف ال�ت�راب ث��م تنمو‬ ‫لت�صبح نباتات مبختلف الأ�شكال والأحجام فتكون طعاما‬

‫لأن ��واع خمتلفة م��ن ال�ك��ائ�ن��ات احل�ي��ة و��ص��دق اهلل العظيم‬ ‫القائل }و�آ َي ٌة َّل ُه ُم الأ ْر ُ‬ ‫�ض المْ َ ْي َت ُة �أَ ْح َي ْينَا َها َو َ�أخْ َر ْجنَا ِم ْن َها َح ّباً‬ ‫َ‬ ‫َف ِم ْن ُه َي�أْ ُك ُلونَ* َو َج َع ْلنَا ِفي َها َجن ٍ‬ ‫َّات ِّمن ن َِّخ ٍ‬ ‫يل َو�أ ْعنَابٍ َو َف َّج ْرنَا‬ ‫ون* ِل َي�أْ ُك ُلواْ ِمن َث َم ِر ِه َو َما َع ِملَ ْت ُه �أَ ْي ِدي ِه ْم َ�أ َف َ‬ ‫ِفي َها ِمنَ ا ْل ُع ُي ِ‬ ‫ال‬ ‫َي�شْ ُك ُرونَ* ُ�س ْب َحا َن ا َّل ِذي خَ لَق الأ ْز َوا َج ُك َّل َها ممِ َّ ا تُن ِبتُ الأ ْر ُ‬ ‫�ض‬ ‫َو ِم��نْ �أَنف ُِ�س ِه ْم َوممِ َّ ��ا َال َي� ْع�لَ� ُم��ونَ{ ي�س ‪� .36-33‬إن غالبية‬ ‫النا�س تعلم �أن �أج�سام الكائنات الربية نباتاتها وحيواناتها‬ ‫ت�صنع من الرتاب ب�شكل مبا�شر �أو غري مبا�شر �إال �أن كثريا‬ ‫منهم يجهل مما ت�صنع �أج�سام الكائنات البحرية ولي�س ثمة‬ ‫تراب يف البحار‪ .‬و�إن لهذا اجلهل ما يربره فمعظم الكائنات‬ ‫البحرية هي من مملكة احليوان ومل ي�سبق لأحد �أن �شاهد‬ ‫نباتات و�أ�شجار يف البحار واملحيطات ميكن حليوانات البحر‬ ‫�أن تتغذى عليها‪ .‬وقد يعجب النا�س �إذا ما علموا �أن كمية‬ ‫امل��واد الع�ضوية التي تنتجها الكائنات البحرية تفوق ما‬ ‫تنتجه الكائنات الربية مبا يقرب من ع�شرة �أ�ضعاف‪ .‬ولقد‬ ‫وجد العلماء �أن املنتج الرئي�سي للمواد الع�ضوية يف البحر‬ ‫ه��ي الطحالب وه��ي ك��ائ�ن��ات حية وح�ي��دة اخللية ال ميكن‬ ‫ر�ؤيتها بالعني امل�ج��ردة تعي�ش يف طبقات امل��اء العليا حيث‬ ‫ي�صلها �ضوء ال�شم�س‪ .‬ويوجد يف املتو�سط ما يقرب من مليون‬ ‫طحلب يف اللرت الواحد من مياه املحيطات ال�سطحية وعلى‬ ‫ما تنتجه هذه الطحالب من م��واد ع�ضوية تتغذى جميع‬ ‫الكائنات البحرية وفق �سل�سلة غذاء بالغة التعقيد و�صدق‬ ‫اهلل العظيم القائل } َو ُه َو ا َّل ِذي َ�سخَّ َر ا ْل َب ْح َر ِل َت�أْ ُك ُلوا ِم ْن ُه لحَ ْ مًا‬ ‫َط ِر ًّيا َو َت ْ�ستَخْ ر ُِجوا ِم ْن ُه ِح ْل َيةً َت ْل َب ُ�سو َن َها َو َت َرى ا ْل ُف ْل َك َم َو ِاخ َر‬ ‫ِفي ِه َو ِل َت ْب َتغُوا ِمن َف ْ�ض ِل ِه َو َل َع َّل ُك ْم تَ�شْ ُك ُرو َن { (النحل ‪.)14‬‬ ‫�إن املتدبر لقوله تعالى }وهو الذي �أنزل من ال�سماء م�آء‬ ‫ف�أخرجنا به نبات ك ّل �شيء ف�أخرجنا منه خ�ضرا نخرج منه‬ ‫ح ّبا مرتاكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنّات من‬ ‫�أعناب والزيتون والر ّمان م�شتبها وغري مت�شابه انظروا �إلى‬ ‫ثمره �إذا �أثمر وينعه �إنّ يف ذلكم لآيات لقوم ي�ؤمنون{ الأنعام‬ ‫‪ 99‬يجد �إ��ش��ارات وا�ضحة ملا يجري يف داخ��ل ه��ذه النباتات‬ ‫والطحالب من عمليات حتويل املواد غري الع�ضوية �إلى مواد‬ ‫ع�ضوية تقوم عليها حياة جميع �أنواع الكائنات احلية‪ .‬فقد‬ ‫�أ�شارت هذه الآية �إلى ثالثة �أنواع من عمليات الإخراج فاملاء‬


‫�أخرج }نبات كل �شيء{ ونبات كل �شيء �أخرج اخل�ضر واخل�ضر‬ ‫�أخرج خمتلف �أنواع النباتات والثمرات‪ .‬ومن املعلوم �أن بذور‬ ‫النباتات تبقى على حالها �ساكنة يف تراب الأر�ض �إلى �أن ينزل‬ ‫املاء عليها ف�إذا �أح�س جزء حمدد من البذرة بتوفر كمية كافية‬ ‫من امل��اء �أعطى �إ��ش��ارة لربنامج الت�صنيع املخزن يف داخلها‬ ‫للبدء يف عملية ت�صنيع النبتة م�صداقا لقوله تعالى }وترى‬ ‫الأر�ض هامدة ف�إذا �أنزلنا عليها املاء اهتزت وربت و�أنبتت من‬ ‫ك ّل زوج بهيج{ احلج ‪ .5‬وقد جاءت هذه الآية القر�آنية لتلفت‬ ‫�أن�ظ��ار الب�شر لهذه العمليات املعقدة التي جت��ري يف داخ��ل‬ ‫هذه البذور من خالل الإ�شارة �إلى �أهم مكونني من مكونات‬ ‫اخللية امل�س�ؤولة عن ت�صنيع الكائنات احلية‪ .‬فقد �أ�شارت هذه‬ ‫الآية �إلى �أن املاء عندما ينزل على البذور املدفونة يف الرتاب‬ ‫يقوم �أوال ب��إخ��راج "نبات ك� ّل �شيء" �أي املكون امل�س�ؤول عن‬ ‫�إنبات �أو ت�صنيع كل �شيء‪ .‬وال تعني جملة "كل �شيء" يف هذه‬ ‫الآية كل �شيء على االطالق بل جميع �أنواع الكائنات احلية‬ ‫ابتداء من الفريو�سات وانتهاء بالب�شر الذين قال اهلل فيهم‬ ‫}واهلل �أنبتكم من الأر�ض نباتا{ (نوح ‪ .)17‬وت�ؤكد هذه الآية‬ ‫ت�أكيدا قويا على �أن جميع �أنواع الكائنات احلية ال ميكن �أن‬ ‫تظهر للوجود ب��دون ه��ذا املكون وه��و "نبات ك� ّل �شيء" كما‬ ‫هو وا�ضح من ا�سمه‪ .‬ومن الوا�ضح من االكت�شافات العلمية‬ ‫احلديثة �أن "نبات ك � ّل �شيء" م��ا ه��و �إال �شريط احلام�ض‬ ‫النووي الذي يكمن فيه �سر احلياة الأول والأعظم فبدونه‬ ‫ال ميكن لأي خلية حية �أن تعي�ش وال ميكن لأي كائن حي �أن‬ ‫يتكاثر فهو يحتوي على جميع التعليمات التي تلزم للتحكم‬ ‫يف العمليات احليوية يف داخل اخللية وعلى برنامج الت�صنيع‬ ‫الكامل للكائن احلي‪.‬‬ ‫�أم��ا املكون الثاين املوجود يف خلية الإن�ب��ات فهو اخل�ضر‬ ‫الذي �أخرجه "نبات ك ّل �شيء" يف قوله تعالى }ف�أخرجنا به‬ ‫نبات ك� ّل �شيء ف�أخرجنا منه خ�ضرا{‪ .‬وميكن �أن نالحظ‬ ‫الدقة يف التعبري القر�آين عند احلديث عن هاذين املكونني‬ ‫فعندما ق��ال اهلل تعالى }وه��و ال��ذي �أن��زل م��ن ال�سماء م��آء‬ ‫ف�أخرجنا به نبات ك ّل �شيء{ قال �سبحانه �أخرجنا به � ّأي �أن‬ ‫اهلل �أخرج باملاء "نبات ك ّل �شيء" �أي �أن املاء كان فقط و�سيلة‬ ‫لعملية لإخراج‪� .‬أما عندما تكلم �سبحانه عن �إخراج اخل�ضر‬ ‫"ف�أخرجنا به نبات ك ّل �شيء ف�أخرجنا منه خ�ضرا" قال‬ ‫�سبحانه �أخرجنا منه ولي�س به � ّأي �أن اهلل �أخ��رج من "نبات‬ ‫ك ّل �شيء" هذا اخل�ضر وهذا يعني �أن ال�شريط الوراثي هو‬ ‫الذي يحدد تعليمات ت�صنيع اخل�ضر‪ .‬وميكننا معرفة ما هو‬ ‫هذا اخل�ضر من معرفة الوظيفة التي يقوم بها يف اخللية‬ ‫وذلك يف قوله تعالى }ف�أخرجنا منه خ�ضرا نخرج منه ح ّبا‬ ‫م�تراك�ب��ا{‪ .‬ف�ه��ذا اخل�ضر ه��و ال��ذي ي�خ��رج احل��ب امل�تراك��ب‬ ‫وثمرات النخيل والأعناب والزيتون التي حتتوي على املواد‬ ‫الع�ضوية وهو بالت�أكيد البال�ستيدات اخل�ضراء املوجودة يف‬ ‫خاليا النباتات والطحالب‪� .‬إن الت�سمية التي �أطلقها القر�آن‬ ‫الكرمي على البال�ستيدات اخل�ضراء مل ت�أت اعتباطا بل �إن‬ ‫الذي �صنعها و�سماها "خ�ضرا" يعلم متام العلم مغزى هذه‬ ‫الت�سمية‪ .‬فهذه البال�ستيدات هي التي تعطي اللون الأخ�ضر‬ ‫لأوراق النباتات وذلك ب�سبب �أنها تعك�س اللون الأخ�ضر من‬

‫ب�ين �أل��وان الطيف امل�ك��ون لأ�شعة ال�شم�س وتلتقط الطاقة‬ ‫ال�شم�سية يف ما عدا ذلك من �ألوان الطيف يف عملية الرتكيب‬ ‫ال�ضوئي‪ .‬ول�ه��ذا ف ��إن علماء الأح �ي��اء ال��ذي��ن اكت�شفوا هذه‬ ‫البال�ستيدات �أ�ضافوا �صفة اخل�ضراء �إليها بعد �أن عرفوا �أنها‬ ‫هي امل�س�ؤولة عن �إعطاء اللون الأخ�ضر لأوراق النباتات علما‬ ‫ب��أن ه��ؤالء العلماء هم من غري امل�سلمني‪� .‬إن م��ادة اخل�ضر‬ ‫�أو البال�ستيدات اخل�ضراء هي امل�س�ؤولة عن �إخ��راج خمتلف‬ ‫�أنواع الثمار من خالل عملية حتويل املواد غري الع�ضوية �إلى‬ ‫�سكر اجللوكوز ال��ذي �صنع اهلل منه �آالف الأن��واع من املواد‬ ‫الع�ضوية التي تدخل يف بناء �آالف الأن��واع من الثمار ذات‬ ‫التنوع الهائل يف الأ�شكال والأل��وان والطعوم‪ .‬وهاهي الآية‬ ‫القر�آنية تدعونا للنظر �إيل ثمرات هذه النباتات والت�أمل يف‬ ‫عجيب �صنعها لكي نوقن ب�أن هنالك �صانعا ال حدود لقدرته‬ ‫وعلمه يقف وراء ت�صنيع هذه البال�ستيدات اخل�ضراء التي‬ ‫حتول تراب الأر�ض امليت �إلى هذه الثمرات الطيبة "انظروا‬ ‫�إلى ثمره �إذا �أثمر وينعه �إن يف ذلكم لآيات لقوم ي�ؤمنون"‪.‬‬ ‫و�سن�شرح يف هذه املقالة ال�سر الثاين من �أ�سرار احلياة‬ ‫وهو قدرة بع�ض �أن��واع اخلاليا احلية على حتويل العنا�صر‬ ‫الأر�ضية �إلى مواد ع�ضوية خمتلفة بالغة التعقيد ت�ستخدمها‬ ‫الكائنات احل�ي��ة لبناء �أج�سمها ول�ت��زوي��ده��ا بالطاقة التي‬ ‫تلزمها لإج ��راء عملياتها احل�ي��وي��ة‪ .‬وق��د وج��د العلماء �أن‬ ‫�أج�سام الكائنات احلية حتتاج ملا يزيد عن ع�شرين عن�صرا من‬ ‫العنا�صر الطبيعية التي يحويها تراب الأر�ض والبالغ عددها‬ ‫اثنني وت�سعني عن�صرا‪ .‬وت�شكل �أربعة من هذه العنا�صر وهي‬ ‫الكربون والأوك�سجني والهيدروجني والنيرتوجني ما يزيد‬ ‫عن خم�س وت�سعني باملائة من وزن الكائن احلي بينما ت�شكل‬ ‫بقية العنا�صر التي �أهمها الفو�سفور والكربيت وال�صوديوم‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪45‬‬


‫‪46‬‬

‫والكال�سيوم واملغني�سيوم والبوتا�سيوم وال�ك�ل��ور واحل��دي��د‬ ‫اخلم�سة باملائة املتبقية‪ .‬ويعترب عن�صر الكربون �أه��م هذه‬ ‫العنا�صر على الإط�ل�اق حيث ت�شكل ذرات��ه العمود الفقري‬ ‫جلميع جزيئات املواد الع�ضوية وذلك ملا فيه من اخل�صائ�ص‬ ‫الفريدة التي ال توجد يف غريه من العنا�صر‪ .‬ومن �أهم هذه‬ ‫اخل�صائ�ص قدرة ذراته على االحتاد مع بع�ضها البع�ض م�شكلة‬ ‫جزيئات ذات �سال�سل طويلة حتتوي على �آالف الذرات بينما‬ ‫ال يتجاوز عدد ال��ذرات التي تتكون منها جزيئات العنا�صر‬ ‫الأخ ��رى الع�شرة ذرات‪ .‬وم��ن خ�صائ�صه �أن��ه عند ارتباطه‬ ‫ب��ذرات الهيدروجني ف�إنه يقوم بتخزين كميات كبرية من‬ ‫الطاقة يف الروابط الكربوهيدراتية‪ .‬ومن خ�صائ�صه �أي�ضا‬ ‫�أن ذرة الكربون الواحدة قادرة على االرتباط ب�أربع ذرات من‬ ‫عنا�صر خمتلفة يف نف�س الوقت مما ينتج عن ذلك �أن��واع ال‬ ‫ح�صر لها من املركبات الع�ضوية كالكربوهيدرات والدهون‬ ‫والربوتينات والأحما�ض النووية‪ .‬وي��ؤك��د العلماء على �أن‬ ‫احل�ي��اة م��ا ك��ان لها �أن تظهر على الأر� ��ض ب��دون الكربون‬ ‫حيث ال يوجد � ّأي عن�صر �آخر يف الأر�ض يقوم مقامه لإجناز‬ ‫مثل هذه املهام‪ .‬وقد ال يعرف كثري من النا�س �أن معظم ما‬ ‫حتتاجه الكائنات احلية من غذاء تبني به �أج�سامها حت�صل‬ ‫عليه من الهواء ومن املاء بينما ال ت�أخذ هذه الكائنات من‬ ‫عنا�صر تراب الأر�ض �إال القدر الي�سري وهذا يعني �أن طعامنا‬ ‫وطعام بقية الكائنات �إمنا ينزل علينا من ال�سماء �أي الغالف‬ ‫اجلوي و�صدق اهلل العظيم القائل }هو الذي يريكم ءاياته‬ ‫وينزّل لكم من ال�سماء رزقا وما يتذ ّكر �إ ّال من ينيب{ (غافر‬ ‫‪ .)13‬وعلى الرغم من �أن العنا�صر الرئي�سية التي تتغذى‬ ‫عليها النباتات والطحالب ال تتجاوز ع��دد �أ�صابع اليد �إال‬ ‫�أنها تنتج من املواد الع�ضوية ما ي�صعب حتى على املخت�صني‬ ‫ح�صر عدد �أنواعها ولهذا نرى هذا التنوع الهائل يف �أ�شكال‬ ‫و�أل��وان احليوانات والنباتات التي تعد باملاليني و�صدق اهلل‬ ‫العظيم القائل "ويف الأر� ��ض قطع م�ت�ج��اورات وج� ّن��ات من‬ ‫�أعناب وزرع ونخيل �صنوان وغري �صنوان ي�سقى مباء واحد‬ ‫ونف�ضل بع�ضها على بع�ض يف الأك��ل �إنّ يف ذلك لآي��ات لقوم‬ ‫ّ‬ ‫يعقلون" الرعد ‪ 4‬والقائل �سبحانه "وما ذر�أ لكم يف الأر�ض‬ ‫خمتلفا �ألوانه �إن يف ذلك لأية لقوم ي ّذ ّكرون" النحل ‪.13‬‬

‫حتتوي النباتات الربية والطحالب البحرية على �أ�ضخم‬ ‫م�صنع لإنتاج املواد الع�ضوية على وجه هذه الأر�ض حيث يقوم‬ ‫هذا امل�صنع بتزويد جميع الكائنات احلية باملواد الع�ضوية‬ ‫الالزمة لبناء �أج�سامها والطاقة الالزمة لإجراء عملياتها‬ ‫احل�ي��وي��ة‪� .‬إن امل ��ادة الع�ضوية الرئي�سية ال�ت��ي ينتجها هذا‬ ‫امل�صنع من خالل عملية الرتكيب ال�ضوئي هو �سكر اجللوكوز‬ ‫الذي يتم ت�صنيعه من املاء وغاز ثاين �أك�سيد الكربون فقط‪.‬‬ ‫وت�أخذ النباتات الربية غاز ثاين �أك�سيد الكربون من الهواء‬ ‫من خالل �أوراقها ومتت�ص املاء وبقية العنا�صر من الرتاب‬ ‫من خالل جذورها بينما ت�أخذ الطاقة الالزمة للت�صنيع من‬ ‫�أ�شعة ال�شم�س ال�ساقطة على �أوراقها‪� .‬أما الطحالب البحرية‬ ‫فت�أخذ جميع ما حتتاجه من عنا�صر من املركبات الذائبة‬ ‫يف ماء البحر والطاقة التي تلزمها من ال�شم�س التي تنفذ‬ ‫�أ�شعتها �إلى داخل مياهه‪ .‬يتكون م�صنع �سكر اجللوكوز هذا‬ ‫من مكونات دقيقة ت�سمى البال�ستيدات موجودة يف خاليا‬ ‫النباتات والطحالب وهي مكونات بالغة التعقيد ال تتجاوز‬ ‫�أبعادها عدة ميكرومرتات وال زال العلماء يجهلون كثري من‬ ‫تفا�صيل تركيبها‪ .‬وتقوم هذه البال�ستيدات ب�إدخال جزيئات‬ ‫املاء وثاين �أك�سيد الكربون من خالل م�سامات �أغ�شيتها �إلى‬ ‫تراكيبها الداخلية بينما يقوم جزيء الكلوروفيل بالتقاط‬ ‫الطاقة ال�شم�سية وتخزينها يف ثناياه ب�شكل م�ؤقت‪ .‬ومن ثم‬ ‫تقوم بع�ض الأنزميات بتحليل جزيئات ثاين �أك�سيد الكربون‬ ‫واملاء �إلى مركباتها بينما تقوم �أنزميات �أخرى بت�صنيع �سكر‬ ‫اجللوكوز من ن��واجت هذا التحليل والطاقة ال�شم�سية التي‬ ‫�أم�سك بها الكلوروفيل‪ .‬يتكون جزيء الكلوروفيل من ‪ 55‬ذرة‬ ‫كربون و‪ 72‬ذرة هيدروجني وخم�س ذرات �أوك�سجني و�أرب��ع‬ ‫ذرات نيرتوجني وذرة ماغني�سيوم واحدة‪ .‬وتتلخ�ص وظيفة‬ ‫ه��ذا اجل ��زيء يف ام�ت���ص��ا���ص �أح ��د ف��وت��ون��ات ��ض��وء ال�شم�س‬ ‫وتخزين طاقته يف �أح��د الإل�ك�ترون��ات بعد رف�ع��ه م��ن م��دار‬ ‫منخف�ض الطاقة �إلى مدار مرتفع الطاقة‪ .‬وعلى عك�س ما‬ ‫يحدث يف جميع ذرات امل��واد عند امت�صا�صها لل�ضوء حيث‬ ‫تعود الإل�ك�ترون��ات امل�ث��ارة �إل��ى م��دارات�ه��ا الأ�صلية وت�شع ما‬ ‫اكت�سبته من طاقة على �شكل �ضوء �أو حرارة‪ ،‬ف�إن هذا اجلزيء‬ ‫يقوم بت�سليم هذا الإلكرتون املثار �إلى جزيئات �أخرى تعمل‬


‫على ا�ستغالل طاقة هذا الإلكرتون وتخزينها يف الروابط‬ ‫الكيميائية ل�سكر اجللوكوز من خ�لال �سل�سلة طويلة من‬ ‫التفاعالت الكيميائية‬ ‫تقوم البال�ستيدات ب�أخذ �ستة جزيئات من ثاين �أك�سيد‬ ‫الكربون و�إثني ع�شر جزيء من املاء وكمية كافية من الطاقة‬ ‫ال�شم�سية وتنتج مقابل ذلك جزيئا واحدا من �سكر اجللوكوز‬ ‫مع �ستة جزيئات من الأوك�سجني و�ستة جزيئات من امل��اء‪.‬‬ ‫ويتكون ج��زيء �سكر اجللوكوز من �ستة ذرات من الكربون‬ ‫و�ستة ذرات من الأوك�سجني واثني ع�شر ذرة من الهيدروجني‬ ‫ويحتفظ بالطاقة التي ا�ستمدها من ال�شم�س يف روابطه‬ ‫الكيميائية‪ .‬وقد وجد العلماء �أن ثالثا وت�سعني باملائة من‬ ‫وزن �سكر اجللوكوز ي��أت��ي م��ن ث��اين �أك�سيد الكربون بينما‬ ‫ت�أتي ال�سبعة باملائة املتبقية من امل��اء‪ .‬ويقدر العلماء كمية‬ ‫ثاين �أك�سيد الكربون الذي ت�أخذه النباتات والطحالب من‬ ‫الهواء �سنويا بخم�سمائة بليون طن وكمية املاء الذي متت�صه‬ ‫النباتات من الأر�ض والطحالب من البحر ب�أربعمائة وع�شرة‬ ‫باليني طن وكمية الطاقة التي ت�ستمدها من �ضوء ال�شم�س‬ ‫بجزء من �ألفي جزء من جمموع الطاقة ال�شم�سية التي ت�صل‬ ‫�إلى الأر�ض‪ .‬وتنتج البال�ستيدات يف املقابل ثالثمائة وواحد‬ ‫و�أرب �ع�ين بليون ط��ن م��ن �سكر اجل�ل��وك��وز ومائتني وخم�سة‬ ‫باليني طن من املاء وثالثمائة و�أربعة و�ستون بليون طن من‬ ‫الأوك�سجني‪ .‬ويت�ضح من هذه الأرقام �أن كمية الطاقة التي‬ ‫يتم تخزينها يف امل��واد الع�ضوية التي تنتجها البال�ستيدات‬ ‫يف ك��ل ع��ام تزيد مبائتي م��رة ع��ن كمية الإن�ت��اج العاملي من‬ ‫الطاقة يف العام الواحد‪� .‬إن هذه الكمية ال�ضخمة من �سكر‬ ‫اجل�ل��وك��وز ال��ذي تنتجه النباتات �سنويا ت�ق��وم عليها حياة‬ ‫جميع الكائنات احلية التي تعي�ش على الأر�ض �سواء يف برها‬ ‫�أو يف بحرها‪ .‬وي�ستخدم هذا ال�سكر يف �أج�سام الكائنات احلية‬ ‫لغر�ضني رئي�سني وهما ا�ستخدامه كمادة خام لت�صنيع جميع‬ ‫�أن��واع امل��واد الع�ضوية ال�لازم��ة لبناء �أج�سام ه��ذه الكائنات‬ ‫كالكربوهيدرات والدهون والربوتينات والأحما�ض النووية‬ ‫وا�ستخدامه كوقود ي��زود الكائنات احلية بالطاقة الالزمة‬ ‫لإجراء خمتلف العمليات احليوية التي حتتاجها‪.‬‬ ‫ويوجد يف جميع خاليا الكائنات احلية جهاز �آخ��ر بالغ‬ ‫الأه�م�ي��ة ي�سمى امليتوكندريون يقوم بتفكيك ج��زيء �سكر‬ ‫اجللوكوز بوجود الأوك�سجني وحتويل الطاقة الكيميائية‬ ‫املخزنة فيه �إلى طاقة كيميائية يحملها �أحد �أهم اجلزيئات‬

‫امل���س�ت�خ��دم��ة يف ت� ��داول ال �ط��اق��ة يف داخ ��ل خ�لاي��ا ال�ك��ائ�ن��ات‬ ‫احلية وهو ثالثي فو�سفات الأدينو�ساين‪ .‬وقد وجد العلماء‬ ‫�أن اجل��زيء ال��واح��د م��ن �سكر اجل�ل��وك��وز ينتج عند حتليله‬ ‫�أو ح��رق��ه خم�س وث�لاث�ين ج��زي�ئ��ا ن��اق�لا ل�ل�ط��اق��ة وب�ك�ف��اءة‬ ‫حت��وي��ل ق��د ت�صل �إل ��ى م��ا ي�ق��رب م��ن �أرب �ع�ين يف امل��ائ��ة وه��ي‬ ‫كفاءة حتويل عالية �إذا ما قارناها مع كفاءات التحويل يف‬ ‫املحركات امليكانيكية التي ال تتجاوز الثالثني يف املائة ملعظم‬ ‫�أنواعها‪ .‬وينتج عن حتلل �سكر اجللوكوز يف امليتكوندريون‬ ‫غاز ثاين �أك�سيد الكربون وامل��اء اللذين يخرجان كف�ضالت‬ ‫م��ن اخل�لاي��ا ل�ي�ع��ودان ك�م��واد غ�ير ع�ضوية �إل��ى اجل��و حيث‬ ‫يعاد امت�صا�صهما من قبل النباتات والطحالب من جديد‪.‬‬ ‫�إن التعقيد امل��وج��ود يف تركيب امل�ي�ت��وك�ن��دري��ون ال يقل عن‬ ‫التعقيد امل��وج��ود يف ت��رك�ي��ب ال�ب�لا��س�ت�ي��دة اخل ���ض��راء حيث‬ ‫حتتاج عملية ح��رق ال�سكر �إل��ى ع��دد كبري من الأن��زمي��ات ال‬ ‫يقل عن تلك التي حتتاجها عملية الرتكيب ال�ضوئي‪ .‬لقد‬ ‫كانت الطاقة املخزنة يف املواد الع�ضوية قبل اكت�شاف الفحم‬ ‫احلجري والبرتول والغاز هي امل�صدر الوحيد للطاقة التي‬ ‫يحتاجها الإن�سان لتوفري الدفء له ولطهو طعامه ول�صناعة‬ ‫معداته م��ن خ�لال ح��رق �أخ�شاب وج��ذور و�أوراق النباتات‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪47‬‬


‫وم��ن اجلدير بالذكر �أن الفحم احلجري وال�ب�ترول والغاز‬ ‫ما هي �إال م��واد ع�ضوية �أنتجتها النباتات والطحالب قبل‬ ‫ماليني ال�سنني وحتولت مع مرور الزمن �إلى هذه الأ�شكال‬ ‫من الوقود نتيجة النحبا�سها يف طبقات الأر���ض‪ .‬وقد �أ�شار‬ ‫ال�ق��ر�آن الكرمي �إل��ى نعمة توفري الطاقة للب�شر من خالل‬ ‫ح��رق امل��واد الع�ضوية التي تنتجها البال�ستيدات اخل�ضراء‬ ‫يف ق��ول��ه ت�ع��ال��ى }ال� ��ذي ج�ع��ل ل�ك��م م��ن ال���ش�ج��ر الأخ���ض��ر‬ ‫ن ��ارا ف � ��إذا �أن �ت��م م�ن��ه ت��وق��دون{(ي ����س ‪ )80‬وق��ول��ه �سبحانه‬ ‫}�أفرءيتم النار التي ت��ورون ء�أنتم �أن�ش�أمت �شجرتها �أم نحن‬ ‫املن�شئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ف�س ّبح با�سم‬ ‫ر ّبك العظيم{ (الواقعة ‪.)74-71‬‬

‫‪48‬‬

‫�إن �أعجب ما يف عملية ت�صنيع �سكر اجللوكوز �أنها تتم‬ ‫عند درج��ات ح��رارة منخف�ضة ن�سبيا � ّأي عند درج��ات حرارة‬ ‫جو الأر�ض‪ .‬وعلى الرغم من ب�ساطة تركيب �سكر اجللوكوز‬ ‫�إال �أن العلماء قد �أثبتوا ا�ستحالة ت�صنيعه من مواده اخلام‬ ‫عند مثل هذه الدرجات بدون وجود الأنزميات‪ .‬ومما يثبت‬ ‫هذه اال�ستحالة �أنه على الرغم من معرفة العلماء للطريقة‬ ‫التي يتم بها ت�صنيع �سكر اجللوكوز من ثاين �أك�سيد الكربون‬ ‫واملاء داخل �أوراق النباتات �إال �أنهم ال زالوا عاجزين عن تقليد‬ ‫عملية الت�صنيع هذه‪ .‬ولو ق ّدر للب�شر النجاح يف ت�صنيع ال�سكر‬ ‫مبا�شرة من مواده اخلام لتم حل م�شكلة الغذاء والطاقة يف‬ ‫هذا العامل ب�شكل نهائي وذلك من خالل بناء م�صانع تتكون‬ ‫موادها اخلام من ثاين �أك�سيد الكربون واملاء فقط وت�ستمد‬ ‫طاقتها من ال�شم�س مبا�شرة‪ .‬وقد ي�س�أل �سائل عن ال�سبب‬ ‫الذي مينع ه�ؤالء العلماء من ا�ستخدام الأنزميات لت�صنيع‬ ‫�سكر اجللوكوز عند درج��ات احل��رارة العادية‪ .‬واجل��واب على‬ ‫ذلك هو �أن التعقيد املوجود يف تركيب الأنزميات يفوق ب�آالف‬ ‫امل��رات التعقيد املوجود يف تركيب �سكر اجللوكوز فالأنزمي‬ ‫عبارة عن بروتني مكون من �سل�سلة طويلة من الأحما�ض‬ ‫الأمينية يتم ترتيبها ب�شكل مدرو�س بحيث تنتج �شكال ثالثي‬ ‫الأب �ع��اد ل��ه م��ن اخل�صائ�ص م��ا ميكنه م��ن ت�سهيل وت�سريع‬ ‫تفاعل كيميائي حمدد عند درجات حرارة منخف�ضة‪ .‬و�إذا ما‬ ‫علمنا �أن عملية ت�صنيع ال�سكر من مواده اخلام يحتاج لع�شرات‬ ‫الأنواع من الأنزميات ولي�س لإنزمي واحد يتبني لنا ملاذا يقف‬ ‫علماء الب�شر عاجزين عن ت�صنيع �سكر اجللوكوز من ثاين‬ ‫�أك�سيد الكربون وامل��اء بوجود الطاقة ال�شم�سية‪ .‬ويف املقابل‬

‫جند �أن جميع خاليا الكائنات احلية على �صغر حجمها قادرة‬ ‫على ت�صنيع جميع �أن��واع الأنزميات التي حتتاجها لت�سهيل‬ ‫التفاعالت الكيميائية التي جت��ري يف داخلها عند درج��ات‬ ‫حرارة منخف�ضة ن�سبيا‪ .‬ومن اجلدير بالذكر �أن كل تفاعل‬ ‫كيميائي يجري يف داخل اخللية يحتاج �إلى �إنزمي خا�ص به‬ ‫مما يعني �أن هنالك �أنزميات يف داخل خاليا الكائنات احلية‬ ‫بعدد �أنواع التفاعالت الكيميائية التي جتري فيها‪ .‬وحتى لو‬ ‫متكن العلماء من ت�صنيع الأنزميات الالزمة لعملية ت�صنيع‬ ‫ال�سكر فال �أظن �أن مبقدورهم ت�صنيع البال�ستيدة اخل�ضراء‬ ‫وما فيها من مكونات بالغة التعقيد كجزيء الكلوروفيل‪ .‬و‬ ‫مما يدل على عجز الب�شر وقلة حيلتهم �أنه لي�س مبقدورهم‬ ‫اال��س�ت�ف��ادة حتى م��ن البال�ستيدات اخل���ض��راء والأن��زمي��ات‬ ‫املوجودة يف النباتات التي متلأ الأر�ض من حولهم فيقوموا‬ ‫با�ستخال�صها من �أوراق النباتات وبناء م�صانع لت�صنيع �سكر‬ ‫اجللوكوز من مواده اخلام و�صدق اهلل العظيم القائل }�أ ّمن‬ ‫خلق ال�سموات والأر�ض و�أنزل لكم من ال�سماء م�آء ف�أنبتنا به‬ ‫حدائق ذات بهجة ما كان لكم �أن تنبتوا �شجرها �أءله مع اهلل‬ ‫بل هم قوم يعدلون{ (النمل ‪.)60‬‬ ‫وقد يتبادر لذهن البع�ض �أن قيام النباتات والطحالب‬ ‫بتحويل بع�ض عنا�صر الطبيعة �إل��ى م��واد ع�ضوية �سي�ؤدي‬ ‫يف النهاية �إلى ن�ضوب م�صادرها و�سي�ؤدي بالتايل �إلى انتهاء‬ ‫احل�ي��اة على �سطح ه��ذه الأر� ��ض‪ .‬ومب��ا �أن عنا�صر الكربون‬ ‫والأوك�سجني والهيدروجني والنيرتوجني ت�شكل ما يزيد‬ ‫ع��ن خم�س وت�سعني ب��امل��ائ��ة م��ن وزن امل ��واد الع�ضوية التي‬ ‫تنتجها النباتات ف��إن درا�سة الطريقة التي يتم بها جتديد‬ ‫هذه العنا�صر من الأهمية مبكان ل�ضمان ا�ستمرار احلياة‬ ‫على الأر�ض‪ .‬لقد ذكرنا �سابقا �أن النباتات والطحالب حت�صل‬ ‫على ه��ذه العنا�صر الأرب�ع��ة من امل��اء وم��ن غ��از النيرتوجني‬ ‫وغ��از ث��اين الكربون امل��وج��ودة يف ال�ه��واء �أو امل��ذاب��ة يف املياه‪.‬‬ ‫ومبا �أن ن�سبة غاز ثاين �أك�سيد الكربون يف الهواء تبلغ ثالثة‬ ‫من مائة باملائة وهي ن�سبة متدنية جدا باملقارنة مع ن�سبة‬ ‫غاز الأوك�سجني التي تبلغ واحد وع�شرين باملائة ون�سبة غاز‬ ‫النيرتوجني التي تبلغ ثمان و�سبعني باملائة ف��إن ا�ستهالك‬ ‫خم�سمائة بليون طن من هذا الغاز �سنويا �سي�ؤدي لن�ضوب‬ ‫خم��زون ه��ذا ال�غ��از يف ال�ه��واء يف �سنوات م�ع��دودة �إن مل يتم‬ ‫تعوي�ضه ب�شكل متوا�صل‪ .‬ويف دورة ثاين �أك�سيد الكربون تقوم‬


‫الكائنات احلية بحرق معظم �سكر اجللوكوز لتطلق بذلك‬ ‫غاز ثاين �أك�سيد الكربون الذي يعود �إلى اجلو مرة �أخرى‪.‬‬ ‫�أم��ا بالن�سبة لعن�صر الأوك�سجني ف��إن الكمية التي ت�أخذها‬ ‫النباتات م��ن ال�ه��واء لكي تتمكن م��ن ح��رق �سكر اجللوكوز‬ ‫تعادل متاما الكمية التي تطلقها النباتات والطحالب �إلى‬ ‫اجلو يف عملية الرتكيب ال�ضوئي مما يحافظ على خمزون‬ ‫هذا العن�صر ثابتا يف الهواء‪ .‬وكذلك هو احلال مع دورة املاء‬ ‫حيث �أن كمية املاء التي يتم حتريرها عند حرق �سكر اجللوكوز‬ ‫تعادل متاما كمية املاء امل�ستهلكة يف عملية الرتكيب ال�ضوئي‪.‬‬ ‫و�أما بالن�سبة لعن�صر النيرتوجني ف�إن دورته �أكرث تعقيدا من‬ ‫دورات بقية العنا�صر حيث �أن النباتات ال تقوم بامت�صا�ص‬ ‫النيرتوجني من اجلو مبا�شرة بل تعتمد اعتمادا كبريا على‬ ‫البكترييا يف فعل ذلك ‪ .‬تقوم بع�ض �أنواع البكترييا بتثبيت‬ ‫نيرتوجني ال�ه��واء كمركبات نيرتوجينية يف ت��راب الأر���ض‬ ‫ومن ثم تقوم النباتات بامت�صا�ص هذه املركبات الذائبة من‬ ‫خالل جذورها بينما تقوم �أنواع �أخرى من البكترييا بتحليل‬ ‫املواد الع�ضوية النيرتوجينية املوجودة يف الكائنات امليتة ويف‬ ‫ف�ضالت الكائنات احلية و�إط�ل�اق النيرتوجني امل�ح��رر �إل��ى‬ ‫اجلو‪.‬‬ ‫وق��د ي�ق��ول ق��ائ��ل م��ا ال��ذي ي�ضمن �أن ت�ك��ون كمية امل��واد‬ ‫الع�ضوية التي يتم حرقها يف �أج�سام الكائنات احلية ت�ساوي‬ ‫متاما كمية املواد الع�ضوية التي �أنتجتها النباتات والطحالب‬ ‫بحيث يتم �إعادة نف�س الكمية من هذه العنا�صر �إيل امل�صادر‬ ‫التي �أخ��ذت منها‪ .‬فوجود فرق ب�سيط بني الكميات املنتجة‬ ‫وامل�ستهلكة ق��د ي� ��ؤدي م��ع م��رور ال�سنني �إل��ى ن�ضوب امل��واد‬ ‫اخل��ام امل��وج��ودة يف الطبيعة وخا�صة ث��اين �أك�سيد الكربون‪.‬‬ ‫ولكن الذي خلق احلياة من ال�تراب ال يعجزه �أن يجد حال‬ ‫لهذه امل�شكلة الب�سيطة ن�سبيا �إذا ما قورنت مع �أ�سرار احلياة‬ ‫الأخ��رى‪ .‬لقد ق��ام علماء الأح�ي��اء بت�صنيف الكائنات احلية‬ ‫�إل��ى ثالثة �أن��واع رئي�سية وه��ي الكائنات املنتجة والكائنات‬ ‫امل�ستهلكة والكائنات املحللة‪ .‬فالكائنات املنتجة هي التي تقوم‬ ‫بتحويل امل��واد غري الع�ضوية كثاين �أك�سيد الكربون وامل��اء‬ ‫والنيرتوجني وبقية العنا�صر الأر�ضية �إل��ى م��واد ع�ضوية‬ ‫من خالل عملية الرتكيب ال�ضوئي وي�شمل هذا النوع جميع‬ ‫النباتات التي تعي�ش على الياب�سة ومعظم �أن��واع الطحالب‬ ‫البحرية‪� .‬أما الكائنات امل�ستهلكة فهي التي تعتمد يف غذائها‬ ‫على ما تنتجه النباتات والطحالب من مواد ع�ضوية خمتلفة‬ ‫وي�شمل هذا النوع جميع �أن��واع حيوانات الرب والبحر‪ .‬و�أما‬ ‫الكائنات املحللة فهي ال�ت��ي ت�ق��وم بتحليل امل ��واد الع�ضوية‬ ‫امل��وج��ودة يف ال�ك��ائ�ن��ات احل�ي��ة بعد موتها وال�ف���ض�لات التي‬ ‫تخرج من الكائنات احلية وحتويلها �إلى مواد غري ع�ضوية‬ ‫يعاد ا�ستهالكها من قبل الكائنات املنتجة وي�شمل هذا النوع‬ ‫خمتلف �أنواع البكترييا والفطريات‪ .‬ومن الوا�ضح �أن الكائنات‬ ‫امل�ستهلكة واملحللة ال ميكنها ب�أي حال من الأحوال �أن تعي�ش‬ ‫على الأر�ض بدون وجود الكائنات املنتجة وذلك لعدم قدرتها‬ ‫على توفري ال�غ��ذاء ال�ل�ازم لها مبا�شرة م��ن ت��راب الأر���ض‪.‬‬ ‫وكذلك ف�إنه ال ميكن للكائنات املنتجة �أن ت�ستمر يف العي�ش‬ ‫على �سطح الأر���ض بدون الكائنات امل�ستهلكة واملحللة وذلك‬

‫لأنها �ستحول مع مرور الزمن جميع ثاين �أك�سيد الكربون‬ ‫امل�ت��وف��ر يف الطبيعة �إل��ى م��واد ع�ضوية و�سيكون م�صريها‬ ‫امل��وت يف غياب طعامها املف�ضل وه��و ث��اين �أك�سيد الكربون‪.‬‬ ‫وم��ن ال��وا��ض��ح �أن ا�ستمرار احل�ي��اة على �سطح ه��ذه الأر���ض‬ ‫يتطلب ت��وازن تام بني الكائنات املنتجة وامل�ستهلكة واملحللة‬ ‫بحيث ال يطغى � ّأي نوع من هذه الأنواع على الأنواع الأخرى‬ ‫و�إال �أدى هذا الطغيان �إلى اختفاء جميع �أ�شكال احلياة على‬ ‫الأر���ض‪ .‬فالكائنات املحللة كالبكترييا والفطريات ميكنها‬ ‫ال�ق���ض��اء ع�ل��ى ال�ك��ائ�ن��ات املنتجة وامل�ستهلكة ب�سبب �سرعة‬ ‫تكاثرها لوال و�سائل الدفاع التي زود اهلل بها الكائنات احلية‬ ‫�ضد هذه الكائنات الدقيقة ولذلك فهي ال تتكاثر �إال على‬ ‫بقايا الكائنات امليتة وهي الوظيفة التي خلقها اهلل من �أجلها‪.‬‬ ‫وكذلك ف�إن احليوانات �آكلة النباتات ميكنها �إذا ما تكاثرت‬ ‫مبعدالت عالية �أن ت�أكل كل ما على بر الأر���ض من نباتات‬ ‫وبهذا ف�إنها �ستق�ضي على هذه النباتات وبالتايل على نف�سها‬ ‫لأنها لن جتد ما ت�أكله ويف �أ�سراب اجل��راد التي تغزو بع�ض‬ ‫املناطق فال ترتك عرقا �أخ�ضرا عليها �أكرب مثال على ذلك‪.‬‬ ‫وكذلك ف��إن احليوانات �آكلة اللحوم ميكنها �إذا ما تزايدت‬ ‫�أع��داده��ا �أن ت�أكل جميع احليوانات �آكلة النباتات و�سيكون‬ ‫م�صريها بالطبع املوت يف غياب طعامها الوحيد وهو حلوم‬ ‫هذه احليوانات‪ .‬ويجب �أي�ضا �أن يتوفر التوازن بني جميع‬ ‫�أنواع الكائنات احلية والتي تعد بع�شرات املاليني ولي�س فقط‬ ‫بني الفئات الرئي�سة الثالث بحيث ال يتفرد كائن معني من‬ ‫هذه الكائنات باملوارد الطبيعية على ح�ساب الكائنات الأخرى‬ ‫مما ي��ؤدي �إلى انقرا�ض البقية‪ .‬ولقد وجد العلماء �أن مثل‬ ‫هذا التوازن املطلوب بني الكائنات احلية ال ميكن �أن يتم �إن‬ ‫مل يتم ت�صميم هذا النظام البيئي املعقد ب�شكل بالغ الدقة من‬ ‫قبل عليم خبري حيث �أن خط�أ ب�سيطا يف ت�صميم هذا النظام‬ ‫قد ي�ؤدي �إلى انهيار كامل النظام وبالتايل اختفاء احلياة على‬ ‫�سطح الأر�ض و�صدق اهلل العظيم القائل “والأر�ض مددناها‬ ‫و�ألقينا فيها روا�سي و�أنبتنا فيها من ك ّل �شيء موزون وجعلنا‬ ‫لكم فيها معاي�ش ومن ل�ستم له برازقني" احلجر ‪.20-19‬‬ ‫�إن مثل ه��ذا الت�صميم البالغ التعقيد يتطلب حتديد‬ ‫خ�صائ�ص كل نوع من �أن��واع الكائنات احلية التي يبلغ عدد‬ ‫املعروف منها اليوم ما يزيد عن مليوين نوع وذلك من حيث‬ ‫�أع��داده��ا و�أح�ج��ام�ه��ا وط��رق تكاثرها و��س��رع��ة ه��ذا التكاثر‬ ‫وط��رق ح�صولها على ال �غ��ذاء ون��وع ال �غ��ذاء ال��ذي ينا�سبها‬ ‫والو�سائل التي تتبعها يف الدفاع عن نف�سها �ضد من يحاول‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪49‬‬


‫‪50‬‬

‫افرتا�سها وم��دى مقاومتها للظروف اجل��وي��ة التي حتيط‬ ‫بها و�إل��ى غري ذل��ك من اخل�صائ�ص التي ي�صعب حتى على‬ ‫املخت�صني ح���ص��ره��ا‪ .‬ول�ق��د ت�ب�ين للعلماء �أن ه�ن��اك �آل�ي��ات‬ ‫بالغة التعقيد �أودعها اهلل يف هذه الكائنات لكي ت�ضمن هذا‬ ‫ال�ت��وازن وق��د متكن ه ��ؤالء العلماء من اكت�شاف بع�ض هذه‬ ‫الآل�ي��ات �إال �أنهم ال زال��وا يجهلون الكثري منها‪ .‬ف ��أول هذه‬ ‫الآل�ي��ات التي ت�ضمن ع��دم زي��ادة �أع��داد الكائنات احلية عن‬ ‫حد معني هو �أن كمية امل��واد اخل��ام والطاقة التي حتتاجها‬ ‫الكائنات احلية حمدودة على �سطح هذه الأر�ض‪ .‬فالنباتات‬ ‫التي هي م�صدر غ��ذاء كائنات الياب�سة ال تتكاثر �إال بوجود‬ ‫كميات كافية من املاء على طول العام والطحالب التي هي‬ ‫م�صدر غذاء كائنات البحر ال تتكاثر �إال بوجود كميات كافية‬ ‫من ثاين �أك�سيد الكربون املذاب يف مياه البحار‪ .‬وكذلك ف�إن‬ ‫كمية الطاقة ال�شم�سية التي ت�سقط على املرت املربع الواحد‬ ‫من �سطح الأر���ض حم��دودة مما يعني �أن هناك �سقفا �أعلى‬ ‫لكمية املواد الع�ضوية التي ميكن ت�صنيعها من قبل النباتات‬ ‫والطحالب يف املرت املربع الواحد‪ .‬و�أم��ا الآلية الثانية فهي‬ ‫�أن كفاءة حتويل الطاقة يف الأنظمة احلية ال ميكن �أن تكون‬ ‫مائة باملائة بل هي �أقل من ذلك بكثري حيث ت�صل يف الأنظمة‬ ‫احلية �إل��ى ما يقرب من ع�شرة باملائة وه��ذا يعني �أن كمية‬ ‫الطاقة التي ت�ستمدها احليوانات �آكلة النباتات من النباتات‬ ‫ال تتجاوز الع�شرة باملائة من كمية الطاقة الكيميائية املخزنة‬ ‫فيها وبناءا على ذلك ف�إن حجم املواد الع�ضوية املوجودة يف‬ ‫احليوانات �آكلة النباتات ال ميكن �أن يتجاوز ب��أي ح��ال من‬ ‫الأح��وال ع�شر حجم امل��واد الع�ضوية امل��وج��ودة يف النباتات‪.‬‬ ‫وكذلك ف�إن حجم املواد الع�ضوية املوجودة يف احليوانات �آكلة‬ ‫اللحوم ال ميكن �أن يتجاوز ب�أي حال من الأحوال ع�شر حجم‬ ‫امل��واد الع�ضوية املوجودة يف احليوانات �آكلة النباتات‪ .‬ومن‬ ‫هذه الآليات �أي�ضا �أن احليوانات التي تعتمد على ما تنتجه‬ ‫النباتات من مواد ع�ضوية ال تتغذى جميعها على النباتات‬ ‫ب�شكل مبا�شر ب��ل ي��وج��د ع��دة م�ستويات م��ن نظم التغذية‬ ‫فهناك احليوانات التي تتغذى على النباتات مبا�شرة وت�سمى‬ ‫الكائنات امل�ستهلكة االبتدائية �أو احليوانات �آكلة النباتات‬ ‫وهنالك احليوانات التي تتغذى على احليوانات االبتدائية‬ ‫وت�سمى الكائنات امل�ستهلكة الثانوية وه��ي احليوانات �آكلة‬ ‫اللحوم وهناك بع�ض احليوانات التي تعتمد يف غذائها على‬ ‫احل�ي��وان��ات �آك�ل��ة اللحوم ك��ذل��ك‪ .‬وم��ن الآل �ي��ات امل�ستخدمة‬ ‫يف حفظ ال�ت��وازن �أي�ضا �أن لكل من ه��ذه احليوانات �أطعمة‬ ‫مف�ضلة من النباتات �أو من احليوانات فهنالك احليوانات‬ ‫ال�ت��ي تتغذى على �أوراق النباتات وت�ل��ك ال�ت��ي تتغذى على‬ ‫�أزهارها �أو ثمارها �أو بذورها �أو �أخ�شابها �أو جذورها‪ .‬ومن‬ ‫احليوانات من يف�ضل �أكل بع�ض �أنواع احليوانات على غريها‬ ‫�أو بع�ض الأجزاء من �أج�سامها ومن الكائنات من يتغذى على‬ ‫ف�ضالت احليوانات �أو رممها ومنها من يتطفل يف طعامه‬ ‫على �أج�سام الكائنات احلية دون �أن يهلكها و�إلى غري ذلك من‬ ‫و�سائل التغذية التي ال ح�صر لها‪ .‬ومن الآليات العجيبة التي‬ ‫تدل على مدى الإتقان يف ت�صميم هذا النظام البيئي املتوازن‬ ‫هو �أن معدالت تكاثر الكائنات تقل تدريجيا مع ازدياد حجم‬ ‫هذه الكائنات فعلى �سبيل املثال ف�إن معدل التكاثر يف العام‬

‫الواحد ي�صل لع�شرات الآالف يف البكترييا ولعدة �آالف يف‬ ‫الطحالب ول�ع��دة مئات يف الكائنات احلية الدقيقة ولعدة‬ ‫ع�شرات يف احل�شرات ولعدة �آحاد يف �صغار الفقاريات و�إلى �أقل‬ ‫من واحد يف كبار الفقاريات ف�سبحان القائل }وخلق ك ّل �شيء‬ ‫فق ّدره تقديرا{ (الفرقان ‪ )2‬والقائل }�إنّا ك ّل �شيء خلقناه‬ ‫بقدر{ (القمر ‪.)49‬‬ ‫لقد ثبت للعلماء �أن الكائنات احلية مل تظهر دفعة واحدة‬ ‫على �سطح الأر�ض بل �إن بع�ضها قد ظهر قبل البع�ض الآخر‬ ‫فالكائنات املنتجة هي �أول الكائنات ظهورا على الأر�ض تلتها‬ ‫يف الظهور الكائنات املحللة وم��ن ث��م الكائنات امل�ستهلكة‪.‬‬ ‫وقد جاء هذا الرتتيب مطابقا للرتتيب املذكور يف احلديث‬ ‫ال�صحيح الذي رواه �أبو هريرة عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم "خلق اهلل الرتبة يوم ال�سبت وخلق اجلبال فيها يوم‬ ‫الأح ��د وخ�ل��ق ال�شجر فيها ي��وم االث�ن�ين وخ�ل��ق امل �ك��روه يوم‬ ‫ال�ث�لاث��اء وخ�ل��ق ال�ن��ور ي��وم الأرب �ع��اء وب��ث فيها ال ��دواب يوم‬ ‫اخلمي�س وخلق �آدم بعد الع�صر يوم اجلمعة فيما بني الع�صر‬ ‫�إلى الليل" رواه م�سلم يف �صحيحه والإمام �أحمد يف م�سنده‪.‬‬ ‫ويتبني من هذا احلديث ال�شريف �أن الكائنات احلية قد مت‬ ‫تق�سيمها �إلى ثالثة �أ�صناف وهي ال�شجر واملكروه والدواب‪.‬‬ ‫فال�شجر ميثل جميع �أن��واع النباتات والطحالب وه��ي �أول‬ ‫الكائنات احلية ظهورا على الأر���ض وذل��ك لأنها ق��ادرة على‬ ‫ت�أمني غذائها مبا�شرة من ت��راب الأر���ض بعد �أن زوده��ا اهلل‬ ‫بالبال�ستيدات اخل�ضراء القادرة على ت�صنيع املواد الع�ضوية‬ ‫من املواد غري الع�ضوية‪ .‬ويت�ضح من احلديث �أن النباتات مل‬ ‫تظهر على الأر�ض �إال بعد مرور يومني من �أيام اخللق وذلك‬ ‫بعد �أن توفرت الظروف املنا�سبة على �سطح الأر�ض‪� .‬إن �أغرب‬ ‫ما يف هذا احلديث هو ذكره للمكروه كخلق من خملوقات اهلل‬ ‫فقد بقي معنى هذا املكروه جمهوال حتى متكن الب�شر من‬ ‫اكت�شاف الكائنات احلية الدقيقة التي ال ترى بالعني املجردة‬ ‫وذلك با�ستخدام امليكرو�سكوبات ال�ضوئية‪ .‬ويف �إطالق ا�سم‬ ‫املكروه على ه��ذه الكائنات الدقيقة دليل على �صدق نبوءة‬


‫من ج��اء ه��ذا احلديث ال�شريف على ل�سانه فهذه الكائنات‬ ‫احلية الدقيقة مكروهة ب�سبب الروائح الكريهة التي تنطلق‬ ‫من املواد الع�ضوية عند حتللها من قبل هذه الكائنات‪ .‬وقد‬ ‫جاء ترتيب خلق املكروه �أو ما ي�سمى بالكائنات املحللة بعد‬ ‫النباتات مبا�شرة وذلك لكي تقوم بتحليل وحترير العنا�صر‬ ‫الطبيعية من املواد الع�ضوية املوجودة يف ما ميوت من هذه‬ ‫النباتات وذلك يف غياب احليوانات يف تلك احلقبة من الزمن‬ ‫ول��وال ه��ذا التحلل ال�ستنفدت النباتات جميع امل��واد اخل��ام‬ ‫التي تلزمها من الطبيعة ولتوقفت بذلك عجلة احلياة على‬ ‫الأر���ض‪� .‬أما ال��دواب فقد بد�أ ظهورها يف اليوم قبل الأخري‬ ‫من �أيام اخللق ال�ستة وهي متثل جميع الكائنات احلية التي‬ ‫ال ميكنها احل���ص��ول على غ��ذائ�ه��ا مبا�شرة م��ن ال�ت�راب بل‬ ‫تعتمد على النباتات والطحالب يف ت�أمني غذائها‪.‬‬ ‫�إن �أك�ث�ر م��ا يثري ده�شة ال��دار���س ل�ظ��اه��رة احل�ي��اة على‬ ‫الأر���ض هو هذا الكم الهائل من �أن��واع الكائنات احلية التي‬ ‫تعي�ش يف مياه الأر���ض وبراريها‪ .‬فرب الأر���ض ميتلأ ب�شتى‬ ‫�أن ��واع النباتات واحل�ي��وان��ات مهما ك��ان��ت ت�ضاري�سه ومهما‬ ‫ك��ان مناخه فنجد كائنات تعي�ش عند قطبي الأر� ��ض رغم‬ ‫ال�برودة املتدنية وكائنات تعي�ش يف ال�صحارى رغم احلرارة‬ ‫العالية وامل��اء القليل‪ .‬و�أنهار وبحار وحميطات الأر���ض تعج‬ ‫ب ��أن��واع ال ح�صر لها م��ن الكائنات احلية ويعي�ش فيها من‬ ‫�أع��داد الكائنات �أ�ضعاف م��ا يعي�ش على ال�بر‪ .‬وعند درا�سة‬ ‫خ�صائ�ص الكائنات احلية يف بيئات الأر�ض املختلفة جند �أنها‬ ‫قد �صممت ب�شكل ب��ارع بحيث ميكنها البقاء حتت الظروف‬ ‫ال�سائدة يف تلك البيئة وال�ت��ي ق��د تكون مبنتهى الق�ساوة‪.‬‬ ‫ولوال هذا الإبداع يف ت�صميم �أج�سام الكائنات احلية لتنا�سب‬ ‫البيئات املختلفة النح�صر عي�ش ه��ذه الكائنات يف مناطق‬ ‫حم��دودة من الأر���ض حيث تتوفر ظ��روف العي�ش املنا�سبة‪.‬‬ ‫ولكننا جند كائنات تعي�ش يف املحيطات على خمتلف الأعماق‬ ‫ومل تنح�صر عند ال�سطح حيث تتوفر �أ�سباب العي�ش بكرثة‬ ‫وجن��د كائنات تعي�ش يف �صحارى الأر���ض القاحلة ور�ؤو���س‬ ‫اجل�ب��ال ال�شاهقة و�أق �ط��اب الأر� ��ض املتجمدة ومل تنح�صر‬ ‫يف امل�ن��اط��ق ذات امل �ن��اخ امل�ع�ت��دل وامل� ��اء ال��وف�ي�ر‪ .‬ول�ط��امل��ا دع��ا‬ ‫ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي الب�شر للتفكر يف ه��ذه ال�ظ��اه��رة العجيبة‬ ‫وهي بث الكائنات احلية يف كل ركن من �أرك��ان هذه الأر���ض‬ ‫ف�ق��ال ع��ز م��ن ق��ائ��ل }وم��ن ءاي��ات��ه خلق ال�سموات والأر� ��ض‬ ‫وم��ا ب��ثّ فيهما م��ن د�آ ّب ��ة{ (ال �� �ش��ورى‪ )29‬وال�ق��ائ��ل �سبحانه‬ ‫}ويف خ�ل�ق�ك��م وم ��ا ي �ب��ثّ م��ن د�آ ّب � ��ة ءاي� ��ات ل �ق��وم ي��وق�ن��ون{‬ ‫(اجلاثية‪ .)4‬ومل يتمكن علماء الأحياء حتى الآن من ح�صر‬ ‫عدد �أنواع الكائنات احلية التي تعي�ش على �سطح هذه الأر�ض‬ ‫وخا�صة تلك التي تعي�ش يف �أعماق املحيطات �أو تلك التي ال‬ ‫ت��رى بالعني امل�ج��ردة وت�ت�راوح تقديرات العلماء لعدد هذه‬ ‫الأنواع ما بني خم�سة ماليني وخم�سة ع�شر مليون نوع‪� .‬أما‬ ‫عدد �أن��واع الكائنات احلية التي مت ح�صرها من قبل ه�ؤالء‬ ‫العلماء فيقرب من مليوين نوع حيث يبلغ عدد �أنواع الكائنات‬

‫احلية الدقيقة كالفريو�سات والبكترييا والطحالب حوايل‬ ‫مائة �ألف نوع والفطريات مائة �ألف نوع والنباتات ثالثمائة‬ ‫�ألف نوع واحليوانات الفقارية خم�سني �ألف نوع واحليوانات‬ ‫الالفقارية ما يقرب من مليون ون�صف نوع‪� .‬أما عدد �أفراد‬ ‫كل نوع من هذه الأنواع فمن ال�صعب حتديده وخا�صة تلك‬ ‫الأن� ��واع ال�ت��ي ال ت��رى بالعني امل �ج��ردة وال�ت��ي ي�ح��وي اجل��زء‬ ‫الي�سري من امل��اء �أو الهواء �أو ال�تراب على ماليني املاليني‬ ‫منها‪� .‬أم��ا ع��دد �أف��راد كل ح�شرة من احل�شرات فكلنا يدرك‬ ‫م��دى �صعوبة ح�صره عندما نحاول معرفة ع��دد النمل يف‬ ‫بيت النمل الواحد �أو ع��دد النحل يف خلية النحل الواحدة‬ ‫وكذلك هو احلال مع بقية �أن��واع الكائنات احلية وقد يكون‬ ‫الإن�سان هو الكائن احلي الوحيد من بني هذه الكائنات الذي‬ ‫مت ح�صر عدد �أف��راده وذلك على وجه التقريب‪� .‬أما �أحجام‬ ‫هذه الكائنات فترتاوح بني تلك التي ال ترى بالعني املجردة‬ ‫كالفريو�سات والبكترييا والفطريات وتلك التي ي�صل وزنها‬ ‫�إل��ى ع��دة �أطنان كالفيلة واحليتان وم��ا بني هذين احلدين‬ ‫ي��وج��د ت ��درج ع�ج�ي��ب يف �أح �ج��ام ه��ذه ال�ك��ائ�ن��ات ل�ك��ي يتخذ‬ ‫بع�ضها من البع�ض الآخر غذاء لها‪ .‬فالطحالب التي تعي�ش‬ ‫يف طبقات امل��اء العليا م��ن املحيطات تعترب م�صدر ال�غ��ذاء‬ ‫الرئي�سي جلميع خملوقات البحر ومبا �أن معظم الكائنات‬ ‫البحرية ال�ك�ب�يرة ال ميكنها ال�ت�غ��ذي على ه��ذه الطحالب‬ ‫مبا�شرة وذل��ك ل�صغر حجمها فقد �سخّ ر اهلل كائنات حية‬ ‫دقيقة �أك�بر حجما من الطحالب تتخذها طعاما لها وهي‬ ‫ب��دوره��ا تكون طعاما لكائنات �أك�بر حجما منها كالأ�سماك‬ ‫ال�صغرية التي ت�صبح طعاما لأ�سماك �أك�بر منها حجما يف‬ ‫�سل�سلة غذاء بالغة التعقيد‪ .‬وعلى الرب توجد كذلك �سل�سلة‬ ‫غ��ذاء بنف�س التعقيد املوجود يف البحر حيث تقوم النباتات‬ ‫مبختلف �أنواعها بت�أمني الغذاء لكل فرد من �أفراد الكائنات‬ ‫احلية ال�بري��ة‪ .‬وعلى ال��رغ��م م��ن ه��ذه الأع ��داد الهائلة من‬ ‫الكائنات احل�ي��ة ال�ت��ي ال ي�ك��اد يخلو منها م�ك��ان على �سطح‬ ‫الأر�ض �إال �أنها حت�صل على ن�صيبها من الغذاء الذي يبقيها‬ ‫على قيد احلياة‪ .‬وتقوم معظم الكائنات احلية بت�أمني غذائها‬ ‫يوما بيوم وال حت�سب ح�ساب رزق اليوم الذي يليه كما يفعل‬ ‫الب�شر الذين يقومون بتخزين ما يحتاجون �إليه من طعام‬ ‫لعام كامل على الرغم من �أنهم �أذك��ى و�أق��در خملوقات اهلل‬ ‫على هذه الأر���ض و�صدق اهلل العظيم القائل }وما من د�آ ّبة‬ ‫يف الأر���ض �إ ّال على اهلل رزقها ويعلم م�ستقرها وم�ستودعها‬ ‫ك ّل يف كتاب مبني{ (ه��ود ‪ )6‬والقائل �سبحانه }وك�أ ّين من‬ ‫د�آ ّبة ال حتمل رزقها اهلل يرزقها و�إياكم وهو ال�سميع العليم{‬ ‫(العنكبوت ‪.)60‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪51‬‬


‫الوسطية ‪...‬‬ ‫رسالة عدل ومساواة‬ ‫دراسـات‬

‫العبادات ويف ال�شهادة واحلكم على النا�س‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫الدكتور مازن الفاعوري‬

‫‪52‬‬

‫}ي��ا �أي�ه��ا ال��ذي��ن �أم �ن��وا ك��ون��وا ق��وام�ين هلل ��ش�ه��داء بالق�سط‬ ‫وال يجرمنكم ��ش�ن��آن ق��وم ع�ل��ى �أن ال ت�ع��د ْل��وا اع��دل��وا ه��و �أق��رب‬ ‫ال َم��ا َن� ِ�ات �إِ َل��ى �أَهْ ِل َها‬ ‫للتقوى{(((() } �إِ َّن اللهَّ َ َي�أْ ُم ُر ُك ْم �أَن ُت ��ؤَ ُّدوا َْ أ‬ ‫ا�س �أَن تحَ ْ ُك ُموا بِا ْل َع ْدلِ {(((() } َو�إِنْ َعا َق ْب ُت ْم‬ ‫َو�إِ َذا َح َك ْم ُتم َبينْ َ ال َّن ِ‬ ‫َف� َع��ا ِق� ُب��وا بمِ ِ � ْث��لِ َم��ا ُع��و ِق� ْب� ُت��م ِب � ِه {(((() } َو َم��ن ُق� ِت� َل َم ْظ ُلومًا‬ ‫ن�صورًا‪ ‬‬ ‫َف َق ْد َج َع ْل َنا ِل َو ِل ِّي ِه ُ�س ْل َطانًا فَلاَ ُي ْ�سرِف فيِّ ا ْل َقتْلِ �إِ َّن ُه َكا َن َم ُ‬ ‫{(((() ‪.،‬‬

‫�أما الو�سطية فهي يف �أ�سا�س هذه القواعد الكلية انطالقاً من‬ ‫قوله تعالى‪} :‬وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا{‪ .‬والو�سطية ترتبط‬ ‫بال�سيا�سة العامة‪ .‬عند القرطبي‪" :‬الو�سط‪ :‬العدل؛ و�أ�صل هذا �أن‬ ‫�أحمد الأ�شياء �أو�سطها‪ .‬وروى الرتمذي عن �أبي �سعيد اخلدري‬ ‫�إذا كانت الو�سطية تقوم على العدل واالعتدال‪ ،‬ف�إنها �ستقود عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف قوله تعالى‪} :‬وكذلك جعلناكم‬ ‫حتماً �إل��ى اال�ستقرار‪ ،‬فالعدل �أ�سا�س املُلك و�إذا كانت الو�سطية �أمة و�سطا{؛ قال‪ :‬عدالً‪ .‬هذا حديث ح�سن �صحيح‪ .‬ويف التنـزيل‪:‬‬ ‫ترف�ض يف طبيعتها التط ّرف والغلو ف�إنها حتول دون انق�سامات (قال �أو�سطهم)؛ �أي �أعدلهم وخريهم" (((() ‪.‬‬ ‫جمتمعية داخلية وتهديد هيكلية الدولة بال�سقوط نتيجة الظلم‬ ‫وال �ع��دل ي�ق��اب�ل��ه ال�ظ�ل��م واال� �س �ت �ب��داد واجل� ��ور‪ ،‬ق��ال ال��راغ��ب‬ ‫واجلربوت‪.‬‬ ‫الأ�صفهاين‪" :‬العدالة واملعادلة لفظ يقت�ضي امل�ساواة‪ ،‬لكن العدل‬ ‫ال��و� �س �ط �ي��ة ت �ع �ن��ي ال � �ع ��دل واالع� � �ت � ��دال وب� �ع� �ب ��ارة �أخ� � ��رى‪ :‬ي�ستعمل فيما ُي ��د َرك بالب�صرية كالأحكام" (((() وي�ق��ول اهلل‬ ‫ي�ع�ن��ي ال �ت �ع��ادل ب�لا ج�ن��وح �إل ��ى ال�غ�ل��و وال �إل ��ى التق�صري‪:.‬فمن‬ ‫م �ع��اين ال��و��س�ط�ي��ة ال �ت��ي و� �ص �ف��ت ب �ه��ا الأم � ��ة يف الآي � ��ة ال�ك��رمي��ة ‪� ) 1‬سورة املائدة‪ ،‬االبة ‪. 8‬‬ ‫ورت� �ب ��ت ع �ل �ي �ه��ا � �ش �ه ��ادة ع �ل��ى ال �ب �� �ش��ري��ة ك �ل �ه��ا‪ :‬ال � �ع ��دل‪ ،‬ال ��ذي ‪�) 2‬سورة الن�ساء االبة ‪.58‬‬ ‫ه ��و � � �ض ��رورة ل �ق �ب��ول � �ش �ه��ادة ال �� �ش��اه��د ك �م��ا ق� ��ال اهلل ت �ع��ال��ى‪:‬‬ ‫ُ َ ‪�) 3‬سورة النحل‪ ،‬االبة ‪.126‬‬ ‫ا�س َو َيكون‬ ‫} َو َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّمةً َو َ�سطاً ِّل َت ُكو ُنواْ ُ�ش َهدَاء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫‪�) 4‬سورة الإ�سراء‪ ،‬االبة ‪.)33‬‬ ‫ال َّر ُ�سو ُل َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيداً{ (‪� )143‬سورة البقرة‪.‬‬ ‫ارتباط مفهومي الو�سطية والعدالة‪:‬‬ ‫الو�سطية العدل واحلكمة (�أم��ة و�سطاً) �أي عدالً وقد جاءت‬ ‫ال��و��س�ط�ي��ة يف �أ� �ص��ل االع�ت�ق��اد تعني يف ال�ت���ش��ري��ع وال�ت�ك�ل�ي��ف ويف‬

‫‪ ) 5‬القرطبي‪ ،‬اجلامع لأحكام القر�آن‪ ،‬ج‪ ،2‬بريوت‪ ،‬دار �إحياء الرتاث‬ ‫العربي‪ ،‬بدون تاريخ‪� ،‬ص ‪.153‬‬

‫‪) 6‬الراغب الأ�صفهاين‪ ،‬معجم مفردات �ألفاظ القر�آن‪ ،‬حتقيق ندمي‬ ‫مرع�شلي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكاتب العربي‪� ،‬سنة ‪1392‬هـ‪1972 -‬م‪� ،‬ص ‪.336‬‬


‫ال ِْح َ�سانِ { "(((()‪.‬‬ ‫تعالى‪� } :‬إِ َّن اللهَّ َ َي�أْ ُم ُر بِا ْل َع ْدلِ َو ْ إ‬ ‫وال �ظ �ل��م م�ف���س��دة و�أمي � ��ا م�ف���س��دة ل��ذل��ك ت�ب� ّ�ر�أ اهلل �سبحانه‬ ‫م ��ن ال �ظ ��امل�ي�ن وال �ظ �ل ��م وج �ع �ل��ه حم� ��رم � �اً‪ .‬ي� �ق ��ول اهلل ت �ع��ال��ى‪:‬‬ ‫الَ ْر ِ�ض ِب َغيرْ ِ‬ ‫ا�س َو َي ْب ُغو َن فيِ ْ أ‬ ‫ال�سبِي ُل َعلَى ا َّل ِذينَ َي ْظ ِل ُمو َن ال َّن َ‬ ‫}�إِنمَّ َ ا َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الحْ َ ِّق �أُو َلئك ل ُه ْم َعذ ٌاب �ألي ٌم{ "(((()‪.‬‬ ‫و�أخ��رج م�سلم يف �صحيحه حديثاً قد�سياً فيه‪�" :‬إن اهلل تعالى‬ ‫ح ّرم الظلم على نف�سه وجعله بينكم حمرماً فال تظاملوا"‪.‬‬

‫العدل والق�سط يف �شتى املجاالت �سيما املجال ال�سيا�سي لي�س هدف‬ ‫ر�سالته فقط بل �إمنا كان الهدف الأ�سمى لكل الر�ساالت والنبوات‪،‬‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬ل َق ْد �أَ ْر َ�س ْل َنا ُر ُ�سلَ َنا بِا ْل َب ِّي َن ِات َو�أَن� َز ْل� َن��ا َم َع ُه ُم ا ْل ِك َت َاب‬ ‫ا�س بِا ْل ِق ْ�س ِط { (((()‪.‬‬ ‫َوالمْ ِي َزا َن ِل َي ُقو َم ال َّن ُ‬ ‫و�أ ّم��ا بال ّن�سبة �إل��ى خ�صو�ص ر��س��ول اللهّ �صلى اهلل عليه و�آل��ه‬ ‫و�سلم ف�إن العدل بني النا�س كان من مهامه الأ�صلية بن�ص القر�آن‪:‬‬ ‫} َو ُق ْل �آ َمنْتُ بمِ َ ا �أَ ْن َز َل اللهَّ ُ ِمنْ ِك َتابٍ َو�أُ ِم ْر ُت ِ أَل ْع ِد َل َب ْي َن ُك ُم { (((()‪. ‬‬ ‫وك��ان يو�صي بالعدل دوم �اً �سواء يف املجال ال�ف��ردي �أو املجال‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ولو راجعنا و�صاياه ُالمراء اجليو�ش وال�سرايا وكذلك‬ ‫�إل��ى من يجبي ال�صدقات لر�أينا �أن قوامها واملحور الأ�سا�سي لها‬ ‫التو�صية بالعدل واالح�سان وح�سن املعاملة مع الآخ��ر �سواء كان‬ ‫عدواً �أو �صديقاً‪.‬‬

‫�إن الفطرة الب�شرية ت�ستقيم مع العدل وت�أبى الظلم والعدل‬ ‫�إم�ضاء للأحكام املتوافقة مع ال�شرع‪ ،‬والتي حتفظ احلقوق‪ ،‬وحتقق‬ ‫مقا�صد ال�شريعة‪ ،‬كما �أن تطبيق العدل يوفر املناخ الذي يعي�ش فيه‬ ‫الإن�سان بكرامة‪ ،‬لذلك نخل�ص �إلى القول‪�" :‬إن الظلم واال�ستبداد‬ ‫م�صدرا الرذيلة يف املجتمع‪ ،‬ومنبعا الفرقة والتفتيت لوحدة الوطن‬ ‫والأم��ة‪ ،‬لأن الطباع الب�شرية للآدميني ال ينافيها وي�ضايقها �أمر‬ ‫و�إذا قلنا �أ ّن ال�سبب الرئي�سي يف انت�شار الإ�سالم ودخوله يف قلوب‬ ‫�أك�ثر من الظلم‪ .‬كما �أن احلرية م�صدر ال��وح��دة وال�ع��زة‪ ،‬ومنبع النا�س امنا كان بالعدل مل نقل �شططاً‪ .‬يقول عثمان بن مظعون‪:‬‬ ‫العطاء والت�ضحية‪ ،‬ولأن خماطر الظلم يف هذا امل�ستوى‪ ،‬لذلك كله كنت ا�سلمت ا�ستحياء من ر�سول اللهّ (�صلى اهلل عليه و�آله و�سلم)‬ ‫وعد اهلل تعالى الظاملني ب�سوء امل�صري على فعلهم"(((()‪.‬‬ ‫علي الإ�سالم ومل يق ّر الإ�سالم يف قلبي فكنت‬ ‫لكثري ما كان يعر�ض ّ‬ ‫ذات يوم عنده حال ت�أمله ف�شخ�ص ب�صره نحو ال�سماء ك�أنه ي�ستفهم‬ ‫وقد �أخرج املنذري يف "الرتغيب والرتهيب" حديثاً نبوياً فيه‪� :‬شيئاً فلما �سرى عنه �س�ألته عن حاله فقال‪ :‬نعم بينا �أنا �أحدثك �إذ‬ ‫"العدل ميزان اهلل يف الأر�ض فمن �أخذ به قاده �إلى اجلنة‪ ،‬ومن ر�أيت جربئيل يف الهواء ف�أتاين بهذه الآية‪�( :‬إن اللهّ ي�أمر بالعدل‬ ‫تركه قاده �إلى النار"‪ .‬نعم لأن الظلم ظلمات‪ ،‬والعدل نور وم�ساواة‪.‬‬ ‫علي �إلى �آخرها فق ّر الإ�سالم يف قلبي (((()‪.‬‬ ‫واالح�سان)‪ ،‬فقر�أها ّ‬ ‫فالعدل ا�سم جامع للو�سطية والت�سوية‪ ،‬ومن هذا املعنى تفرعت‬ ‫ومب�ب��ادئ العدل التي احتوى عليها الإ��س�لام �سواء يف املجال‬ ‫معاين متعددة‪ ،‬فالعدل �إي�صال احلق �إلى �أهله ودفع املعتدى على الفردي �أو االجتماعي‪ ،‬متكن ر�سول اللهّ �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم‬ ‫حقوق غريه وال�شاهد العدل هو ال��ذي يحكم مبوقع و�سطي بني من توحيد القبائل املتنافرة واملتقاتلة فيما بينها وت�شكيل حكومة‬ ‫الفرقاء دون اعتبار مليل ذاتي‪ ،‬وبالن�سبة للأمة الإ�سالمية هي �أمة م��وح��دة ا��س�لام�ي��ة‪ ،‬لأن ال�ع��رب ـ كما ي��رى اب��ن خ�ل��دون (((()ـ ال‬ ‫و�سط ال مثل يف مبادئها �إلى من تطرف ذات اليمني وذات ال�شمال يح�صل لهم امللك �إ ّال ب�صبغة دينية من نبوة �أو والية‪ ،‬وال�سبب يف‬ ‫وهي تقف من النا�س موقف العدل يف احلقوق لإي�صالها �إليهم‪ ،‬ذلك انهم ُ‬ ‫خل ُلق التوح�ش الذي فيهم �أ�صعب الأمم انقياداً بع�ضهم‬ ‫فت�سلك م�سلك‬ ‫الن�صف �إذا كانت طرفاً �أو م�سلك احلكمة والنجدة لبع�ض للغلظة والأنفة و ُبعد الهمة واملناف�سة يف الريا�سة‪ ،‬فق ّلما‬ ‫�إن مل تكن كذلك‪.‬‬ ‫جتتمع اهوا�ؤهم‪ ،‬ف�إذا كان الدين بالنبوة �أو الوالية كان الوازع لهم‬ ‫ا ّن العدل ال يجري وال يت�أتى �إ ّال �إذا اعتقدنا للآخر بنوع من من �أنف�سهم وذه��ب خلق الكرب واملناف�سة منهم ف�سهل انقيادهم‬ ‫احلق‪ ،‬فنن�صفه ونلتزم بحقه فنكون عدوال‪ ،‬وهذا ما ُفقد يف املجال واجتماعهم‪ ،‬وذلك مبا ي�شملهم من الدين امل ُ ْذ ِهب للغلظة واالنفة‬ ‫ال�سيا�سي قبيل مبعث الر�سول �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم �سواء يف الوازع عن التحا�سد والتناف�س‪ .‬ف�إذا كان فيهم النبي �أو الو ّ‬ ‫يل الذي‬ ‫اجل��زي��رة العربية �أم يف �سائر �أق�ط��ار ال�ع��امل‪ ،‬وذل��ك �أن احلاكم �أو‬ ‫على يبعثهم على القيام ب�أمر اللهّ ‪ ،‬ويذهب عنهم مذمومات الأخ�لاق‬ ‫رئي�س القبيلة كان يرى نف�سه املقيا�س وامليزان لكل �شيء ولي�س‬ ‫وي�أخذهم مبحمودها‪ ،‬وي�ؤلف كلمتهم الظهار احلق‪ ،‬مت اجتماعهم‪.‬‬ ‫النا�س �إ ّال ال�سمع والطاعة‪.‬‬ ‫و�إلى هذا �أ�شار علي بن �أبي طالب(عليه ال�سالم) يف خطبة‬ ‫وهذا املفهوم وهذا النوع من التعامل ال�سلبي كان �سائداً �آنذاك‪،‬‬ ‫ولكن ملا بعث ر�سول اللهّ �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم ر�أينا �أن اقامة خطبها ب��ذي ق��ار وه��و متوجه �إل��ى الب�صرة مي��دح فيها ر�سول‬ ‫‪�.) 4‬سورة احلديد االية ‪25‬‬

‫‪�.) 1‬سورة النحل‪ ،‬الآية ‪.90‬‬

‫‪�.) 5‬سورة ال�شورى االية ‪.15‬‬

‫‪�.) 2‬سورة ال�شورى‪ ،‬الآية ‪.42‬‬ ‫‪.) 3‬ال�سحمراين‪ ،‬د‪� .‬أ�سعد‪ ،‬العدل فري�ضة �إ�سالمية واحلرية �ضرورة‬ ‫�إن�سانية‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬ط‪� ،1‬سنة ‪1411‬هـ ‪1991 -‬م‪� ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪.) 6‬جممع البيان للطرب�سي ‪ ،191 :6‬امليزان للطباطبائي ‪. 349 :12‬‬ ‫‪.) 7‬مقدمة ابن خلدون‪ ،140 :‬الف�صل ال�سابع والع�شرون ‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪53‬‬


‫اللهّ (�صلى اهلل عليه و�آل��ه و�سلم)‪ " :‬ف�صدع مبا اُم��ر به وبلغ‬ ‫ر�سالة ربه‪ ،‬فل ّم اللهّ به ال�صدع ورتق به الفتق‪ ،‬و�أ ّلف به بني ذوي‬ ‫الأرحام بعد العداوة الواغرة يف ال�صدور وال�ضغائن القادحة يف‬ ‫القلوب" (((()‬ ‫ثم اننا ملا نتكلم عن العدل والعدالة‪ ،‬ال نق�صد الت�ساوي املطلق‬ ‫وعدم مراعاة الأنواع املختلفة لال�ستحقاق والنظر �إلى الكل بعني‬ ‫واحدة‪ ،‬لأن هذا عني الظلم‪ ،‬بل مرادنا من العدل معاملة كل فرد‬ ‫من �أفراد املجتمع مبا ي�ستحقه وو�ضع كل �شيء مو�ضعه‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫وانتهج علي بن �أبي طالب نف�س هذا النهج فكان يو�صي عماله‬ ‫على اخل��راج ويقول لهم‪� " :‬أن�صفوا النا�س من �أنف�سكم وا�صربوا‬ ‫حلوائجهم فانكم خ ّزان الرعية ووكالء الأمة و�سفراء الأئمة‪ ،‬وال‬ ‫حتم�سوا �أحداً عن حاجته وال حتب�سوه عن طلبته وال َت ْ�ض ِر ُبنّ �أحداً‬ ‫مت�سنَّ مال �أحد من النا�س م�ص ٍّل وال معاهد‬ ‫�سوطاً ملكان درهم وال ُ‬ ‫�إ ّال �أن جتدوا فر�ساً �أو �سالحاً ُيعدى به على �أهل الإ�سالم‪)(((( "... ‬‬ ‫فالعدل �إذن ميزان اللهّ �سبحانه الذي و�ضعه يف اخللق ون�صبه‬ ‫القامة احلق ‪ ،‬وجعله قواماً للأنام وتنزيهاً من املظامل والآث��ام ‪،‬‬ ‫وه��و ق��وام الرعية وج�م��ال ال��والة وال�ع��دل �أح�ل��ى م��ن امل��اء ي�صيبه‬ ‫الظم�آن ‪ ،‬بل هو �أحلى من ال�شهد و�أل�ين من ال��زب��د‪ ،‬و�أل�ط��ف من‬ ‫امل�سك‪ ،‬بالعدل تت�ضاعف الربكات‪ ،‬وماع ّمرت البلدان مبثل العدل ‪،‬‬ ‫وهو ر�أ�س الإميان وجماع االح�سان (((()‪ ،‬ولذا كان �أول من يدخل‬ ‫النار �أمري مت�سلط مل يعدل (((()‪.‬‬

‫وعلى �سبيل املثال �أ ّن املجتمع ـ � ّأي جمتمع كان ـ �إذا �أراد البقاء‬ ‫لنف�سه ف�إنه البد �أن يكون متعادالً �أي يكون كل �شي فيه موجوداً‬ ‫بالقدر الالزم ولي�س بالقدر امل�ساوي‪ ،‬وكل جمتمع متعادل يحتاج‬ ‫�إل��ى فعاليات متنوعة‪ ،‬منها اقت�صادية واخ��رى �سيا�سية وثالثة‬ ‫تربوية وهكذا‪ ،‬والبد من تق�سيم هذه الفعاليات بني �أفراد املجتمع‬ ‫ارتباط مفهومي احلرية والعدالة‪:‬‬ ‫وا�ستخدام افراد لها بالقدر ال�ضروري‪ ،‬فالتعادل االجتماعي يفر�ض‬ ‫علينا النظر بعني االعتبار �إلى ميزان االحتياجات فنخ�ص�ص لها‬ ‫�إذا توفرت احلرية والعدالة توفرت عنا�صر االجتماع الب�شري‬ ‫ميزانية منا�سبة ون�صرف فيها قوة الزمة‪ ،‬وهذا ما ن�ستلهمه من‬ ‫�سرية ر�سول اللهّ �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم الذاتية واحلكومية‪ .‬على قاعدة التعارف الذي يحافظ على اال�ستقرار‪ ،‬ويعمق �أ�سباب‬ ‫التوا�صل‪ ،‬والتعاون‪،‬فال تعارف وال حوار بدوام حرية وعدالة‪ .‬وهذه‬ ‫وه�ن��ا �أم ��ر الب��د م��ن االن�ت�ب��اه �إل �ي��ه‪ ،‬وه��و �أن مقت�ضى ال�ع��دل القيم واملبادئ هي التي تخلق عند الإن�سان القابلية واال�ستعداد‬ ‫اخل�ضوع �أمام االنتاجات الب�شرية ال�سليمة والإيجابية والتي ت�صب لالعرتاف بوجود �أوج��ه التنوع املختلفة‪،‬بني الأف��راد واجلماعات‬ ‫يف م�صب حتقيق العدل والعدالة‪ .‬وبعبارة �أخرى ا�ستعمال الطرق وال�شعوب والأمم ‪.‬‬ ‫جت�سد العدل �أو تكون طريقاً �إل��ى حتققه‬ ‫والآليات واملناهج التي ّ‬ ‫ول �ن��ا يف ال�ت�ج��رب��ة ال�ن�ب��وي��ة ‪،‬خ�ي�ر م �ث��ال ومن� ��وذج ع�ل��ى ذل��ك‪،‬‬ ‫وب�سطه على �أر�ض الواقع‪.‬‬ ‫�إذ �أن امل��واط�ن��ة ال�ت��ي �شكلها ر��س��ول�ن��ا ال �ك��رمي يف جمتمع املدينة‬ ‫ومن هذا املنطلق ميكن تقييم م�س�ألة الدميقراطية وحتديد ‪،‬اعتمدت بالأ�سا�س م�ب��د�أ احل��ري��ة وال�ع��دال��ة ‪،‬ومل تلغ التعدديات‬ ‫املوقف منها‪ ،‬فهي اليوم ـ‪� ‬إن �سلمت من اال�ستغالل ال�سلبي من قبل وال �ت �ن��وع��ات‪،‬و�إمن��ا ��ص��اغ د� �س �ت��ورا وق��ان��ون��ا ي��و��ض��ح ن�ظ��ام احل�ق��وق‬ ‫الأحزاب وال�شركات و�أ�صحاب الرثوات والدعايات ـ ُتع ّد طريقاً نحو وال��واج�ب��ات واح�ت�رام اخل�صو�صيات‪،‬ويحدد وظ��ائ��ف ك��ل �شريحة‬ ‫حتقيق العدالة يف املجال ال�سيا�سي‪ ،‬فال �سبيل �إذاً لأنكارها ورف�ضها وفئة‪،‬وي�ؤكد على نظام الت�ضامن والعي�ش امل�شرتك‪.‬‬ ‫وان ك ّنا نعتقد �أنها لي�ست باخليار الأخري والنهائي للأنظمة التي‬ ‫ف �ب��اح�ترام م �ب��د�أي احل��ري��ة وال �ع��دال��ة ت �ع��اد ��ص�ي��اغ��ة ع�لاق��ة‬ ‫ت�شهدها الب�شرية‪ ،‬ولكن نعتقد ب�أن هذا ال�شكل من النظام ال�سيا�سي‬ ‫مع ما فيه من نواق�ص ومعايب �أكرث حتقيقاً للعدالة من غريه‪ .‬الإن �� �س��ان ب��امل�ف��اه�ي��م وال �ت �� �ص��ورات‪�،‬إذ ت�ت�ح��ول م��ن ع�لاق��ة ج��ام��دة‬ ‫�سكونية منغلقة �إل��ى ع�لاق��ة تفاعلية ‪،‬توا�صلية تن�سجم واملثل‬ ‫ومن تلك الو�صايا ما �أو�صى بها علياً(عليه ال�سالم) ملا بعثه العليا ل�ل��وج��دان الإن �� �س��اين ف��الإن���س��ان حم�ت��اج �إل ��ى غ�ي�ره ليقيم‬ ‫مبعثاً فقال له‪�« :‬إذا نزلت ب�ساحتهم فال تقاتلهم حتى يقاتلوك‪� ،‬صرح العمران واحل�ضارة والتمدن‪،‬فهو ي�ستلزم قدرا من احلرية‬ ‫ف�إن قاتلوك فال تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيال‪ ،‬ف�إن قتلوا منكم الواعية وامل�س�ؤولة واملنظمة‪،‬و�أن خراب الأم��م ودرو���س احل�ضارات‬ ‫قتيال فال تقاتلوهم حتى تريهم �إياه ثم تقول لهم‪ :‬هل لكم �إلى �أن وانح�سار الثقافات يرجع �إلى تدهور الفكر احلر‪،‬و�إلى �شيوع التغلب‬ ‫تقولوا ال �إله �إ ّال اللهّ‪ ... ‬واللهّ لئن يهدي على يديك رجال خري لك واال�ستبداد و�ضياع احلرية (((()‬ ‫مما طلعت عليه ال�شم�س وغربت»‪)(((( .‬‬ ‫والأم ��ة ال�ت��ي تن�ش�أ على التطبع ب��ال��ر�أي ال�صحيح والتخلق‬ ‫وكان �صلى اهلل عليه و�آل��ه و�سلم يرى �أن عدل �ساعة خري من ب�أخالق الأخوة وامل�ساواة وحب احلرية‪،‬وتوفري العدل ‪،‬لأمة خليقة‬ ‫عبادة �ستني �سنة قيام ليلها و�صيام نهارها وجور �ساعة يف حكم �أ�شد‬ ‫و�أعظم عند اللهّ من معا�صي �ستني �سنة‪.)(((( .‬‬ ‫‪.) 4‬نهج البالغة الكتاب رقم‪. 51 :‬‬ ‫‪.) 5‬غرر احلكم‪ .1704 :‬عن الإمام علي عليه ال�سالم ‪.‬‬

‫‪.) 1‬نهج البالغة‪ ،‬اخلطبة رقم ‪� 230‬ص‪. 447‬‬

‫‪.) 6‬عيون �أخبار الر�ضا عليه ال�سالم ‪ 28 :2‬ح‪ .20‬عن ر�سول اللهّ (�صلى‬ ‫اهلل عليه و�آله و�سلم) ‪.‬‬

‫‪.) 3‬جامع الأخبار‪ 435 :‬ح‪ ،1216‬الرتغيب والرتهيب ‪ 102 :3‬ح‪. 3228‬‬

‫‪.) 7‬املقدمة ‪،‬ابن خلدون �ص ‪ 131‬الف�صل ‪25‬‬

‫‪.) 2‬ال�سري الكبري لل�شيباين ‪ 78 :1‬ح‪63‬‬


‫ب�أن ال تعرف مبزية الوحدة‪،‬كاجل�سد الواحد تراه عديد الأع�ضاء‬ ‫وامل�شاعر‪،‬ولكنه متحد الأ�سا�س ‪،‬متحد العمل‪،‬ف�إن النا�س �إذا كانوا‬ ‫�سواء متحابني انتفت عنهم دخائل الف�ساد بينهم‪،‬ومل ينظر �أحد‬ ‫منهم للآخر نظر التحقري‪)(((( .‬‬

‫لقد ج��اء الإ� �س�لام يف وق��ت ��س��اد فيه التفريق وع��دم امل���س��اواة‬ ‫يف النظام االجتماعي وال�سيا�سي‪ ،‬فجعل ق��ان��ون امل���س��اواة �شعاره‬ ‫والركيزة الأ�سا�سية التي بنى عليها نظامه االجتماعي وال�سيا�سي‪،‬‬ ‫ومغزى امل�ساواة �أن جتري االحكام والقوانني على جميع الأف��راد‬ ‫بال�سوية وب��دون تفاوت ومتايز بني ال�شريف والو�ضيع‪ ،‬اجلاهل‬ ‫والعامل‪ ،‬امل�سلم والكافر‪ ،‬احلاكم واملحكوم‪. ‬‬

‫�إن هذه املبادئ والقواعد التي �أ�س�س لها القر�آن الكرمي‪،‬وجعلها‬ ‫الإ�سالم �أ�صوال ملعاملة املخالفني‪،‬هي �أرقى و�أ�سمى و�أعدل القواعد‬ ‫التي تتفق مع �إن�سانية الإن�سان وتوفر الأر�ضية املالئمة واملناخ‬ ‫ي�صرح القر�آن الكرمي ب�أن النا�س خلقوا من �أب واحد واُ ّم واحدة‬ ‫ال�سليم للعي�ش امل�شرتك بني جميع �شعوب العامل على اختالف وهم مت�ساوون يف اخللق‪} :‬ا َّل� ِذي َخلَ َق ُكم ِّمن َّن ْف ٍ�س َو ِاح � َد ٍة َو َخلَ َق‬ ‫�ألوانهم وم�شاربهم و�أعراقهم واجتاهاتهم ‪.‬‬ ‫ِم ْن َها َز ْو َج َها{ (((()‪ .‬و�أم��ا التباين ال�صوري املوجود فيما بينهم‬ ‫فيقع خ��ارج اط��ار الكرامة الإن�سانية امل�شرتكة‪ ،‬ويعترب �أ ّي��ة نزعة‬ ‫حتديد �أ�سلوب احلـوار مع الآخر ‪:‬‬ ‫للتمايز والتفاخر والتفوق يف ميدان احلياة االجتماعية نق�ضاً ملبد�أ‬ ‫يبدي الإ�سالم اهتماما بالغا ب�أ�سلوب احلوار ل�ضبط العالقة العدالة‪ ،‬وال يرى للتمايز من �سبيل �إ ّال بالف�ضيلة والتقوى‪َ } :‬يا‬ ‫ا�س �إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُكم ِّمن َذ َك ٍر َو�أُن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوبًا َو َق َبا ِئ َل‬ ‫مع الآخ��ر‪، ،‬وق��د ق��دم امل��اوردي معاجلة �أخالقية وا�سعة لتحديد �أَ ُّي َها ال َّن ُ‬ ‫�أ�سلوب احلوار فربط ف�ضيلة الت�سامح يف احلوار باملروءة (التي هي ِل َت َعا َر ُفوا �إِ َّن �أَ ْك َر َم ُك ْم ِعن َد اللهَّ ِ �أَ ْت َقا ُك ْم { (((()‪.‬‬ ‫حيلة النفو�س وزينة الهمم‪،‬فاملروءة مراعاة الأحوال �إلى �أن تكون‬ ‫على �أف�ضلها حتى ال يظهر منها قبيح عن ق�صد وال يتوجه �إليها ذم‬ ‫كان ر�سول اللهّ �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم ملتزماً بهذا القانون‬ ‫با�ستحقاق ) (((()‬ ‫�أ� �ش � ّد ال �ت��زام‪ ،‬وال ي��رى ال�ف��رق يف اج ��راء الأح �ك��ام وال�ق��وان�ين على‬ ‫ويق�سم امل��اوردي هذا الت�سامح �أو املبا�شرة �إلى ق�سمني ‪ :‬العفو القريب �أو البعيد‪ ،‬ول��ذا ملّا �ش ّفعت قري�ش ا�سامة بن زيد يف امل��ر�أة‬ ‫املخزومية التي �سرقت ق��ال ل��ه ر��س��ول اللهّ (��ص�ل��ى اهلل عليه و�آل��ه‬ ‫عن الهفوات ‪،‬وامل�ساحمة يف احلقوق ‪:‬‬ ‫للهّ‬ ‫و�سلم)‪� " :‬أت�شفع يف حد من ح��دود ا » ثم ق��ام فاختطب وق��ال‪:‬‬ ‫العفو عن الهفوات ‪:‬‬ ‫«�إمنا هلك الذين قبلكم انهم كانوا �إذا �سرق فيهم ال�شريف تركوه‬ ‫�إذ ينبغي يف جمل�س احل ��وار الت�أكيد على االح�ت�رام املتبادل و�إذا �سرق فيهم ال�ضعيف �أقاموا عليه احلد‪ ،‬و�أمي اللهّ لو �أن فاطمة‬ ‫ب�ين الأط ��راف‪،‬و�إع� �ط ��اء ك��ل ذي ح��ق ح�ق��ه‪،‬ب��امل�خ��اط�ب��ة ب��ال�ع�ب��ارات ابنة حممد �سرقت لقطعت يدها" (((()‪.‬‬ ‫الالئقة‪،‬والألقاب امل�ستحقة ‪،‬والأ�ساليب املهذبة والعفو عن الهفوات‬ ‫وك��ذا فعل �أم�ير امل�ؤمنني علي بن �أب��ي طالب عليه ال�سالم يف‬ ‫التي قد تقع مع الآخرين‪.‬‬ ‫�سريته احلكومية وراعى مبد�أ امل�ساواة‪ ،‬ولذا ملا جاء عقيل بن �أبي‬ ‫ويف ذل��ك يقول امل ��اوردي‪ (:‬ف�أما العفو عن الهفوات فلأنه ال طالب يريد الزيادة من بيت املال‪ ،‬منعه و�أحمى له حديدة وادناها‬ ‫مربر من �سهو وزلل‪،‬وال �سليم من نق�ص �أو خلل‪،‬ومن رام �سليما من من ج�سمه وقال له‪ " :‬جبارها لغ�ضبه‪� ،‬أتئن من االذى وال �أئن من‬ ‫هفوة‪،‬فقد تعدى على الدهر ب�شططه ‪،‬وخ��ادع نف�سه بغلطه‪،‬وكان لظى"(((()‪.‬‬ ‫من وجود بغيته بعيدا ‪،‬و�صار باقرتاحه فردا وحيدا ) (((()‬ ‫فالعدل هو طريق االع�ت��دال‪ ،‬وال حماية لالعتدال مبواجهة‬ ‫�إن �أ�سلوب العفو عن الهفوات ‪،‬يقود ح�سب ما ي��رى امل��اوردي التطرف �إال ب�سيادة القانون الذي ميار�س دور احلماية والردع يف �آن‬ ‫�إلى قبول احلق‪،‬والبعد عن الهوى ‪،‬واالنت�صار للنف�س‪،‬وما قيل من واحد‪ ،‬واليتم ذلك اال باحرتام تطبيق القانون على اجلميع‪ ،‬وبهذا‬ ‫�ضرورة التقيد مببد�أ العفو عن الأخطاء‪ ،‬ال ينايف الن�صح‪،‬وت�صحيح ن�صل �إل��ى معادلة وا�ضحة لعملية تفكيك ج��ذور خطاب وحقائق‬ ‫الأخ�ط��اء بالأ�ساليب الرفيعة وال�ط��رق الراقية ‪،‬ال�ت��ي تتحكم‬ ‫مناق�شاتيف التطرف والتع�صب‪ ،‬وبناء حقائق الت�سامح واالع�ت��دال واح�ترام‬ ‫�ضبط خط احلوار يف االجتاه املن�شود ‪،‬عو�ض حتويله �‬ ‫أطرافإلىاملحاورة ‪ .‬حقوق الإن�سان‪ ،‬والإميان العميق بحقوق الإن�سان املادية واملعنوية‬ ‫الأخطاء‪،‬والت�صرفات‪ ،‬وهفوات ال�سري الذاتية لل‬ ‫معاً‪ ،‬والكرامة الإن�سانية التي يجب �أ ّال تمُ ّ�س �أمل تلتقِ كافة ال�شرائع‬ ‫ال�سماوية والو�ضعية حول احرتام الكرامة الإن�سانية‪.‬‬ ‫ارتباط مفهومي الو�سطية وامل�ساواة‪ :‬‬ ‫‪�.) 1‬أ�صول النظام الإجتماعي يف الإ�سالم �ص ‪، 120‬ابن عا�شور ط‬ ‫تون�س‪1964‬م‬ ‫‪�.) 2‬أدب الدنيا والدين‪،‬املاوردي‪،‬حتقيق م�صطفى ال�سقا‪،‬مكة دار الباز‬ ‫للن�شر ط‪1978 2/‬م �ص ‪265‬‬ ‫‪�.) 3‬أدب الدين والدنيا املاوردي حتقيق م�صطفى ال�سقا ‪،‬مكة دار الباز‬ ‫للن�شر ط‪� 1978 2/‬ص‪265324‬‬

‫‪�.) 4‬سورة الن�ساء االية ‪1‬‬ ‫‪�.) 5‬سورة احلجرات االية ‪13‬‬ ‫‪�.) 6‬صحيح البخاري ‪.. 150 :4‬‬ ‫‪.) 7‬نهج البالغة اخلطبة رقم ‪� 223‬ص‪. 438‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪55‬‬


‫(وقفوهم إنهم مسؤولون!!!)‬

‫الحلقة( ‪)2‬‬

‫مسؤولية المجتمع المسلم(ا ُألسرة‪-‬ا َألفراد)‬ ‫دراسات‬

‫الداعية الشيخ‬ ‫عبد المجيد أبو سل‬

‫‪56‬‬

‫حت��دث �ن��ايف ال �ع��دد ال���س��اب��ق ع��ن م���س��ؤول�ي��ة �صاحب‬ ‫ال��والي��ة العظمى وم�س�ؤولية العلماء‪ ،‬وحديثنا يف هذا‬ ‫العدد عن امل�س�ؤولية (الفرد‪،‬اال�سرة‪،‬واملجتمع ب�أ�سره)قال‬ ‫اهلل تعالى}ولوال دفع اهلل النا�س بع�ضهم ببع�ض لف�سدت‬ ‫الأر���ض ولكن اهلل ذو ف�ضل على العاملني{ البقرة ‪،251‬‬ ‫ويف اي��ة اخ��رى}ول��وال دف��ع اهلل النا�س بع�ضهم ببع�ض‬ ‫لهدمت �صوامع وبيع و�صلوات وم�ساجد يذكر فيها ا�سم‬ ‫اهلل ك �ث�يرا{(احل��ج‪ ،)40‬وه��ذه الآي ��ات ت��دل على ان اهلل‬ ‫تعالى خلق من الب�شر ل��رد املعتدين واذاه��م والوقو ف‬ ‫ام��ام الظلم واهله من اجل العدل واالم��ن واال�ستقرار‬ ‫ومن هنا جاءت م�س�ؤولية كامل املجتمع يف حديث النبي‬ ‫(�ص)‪(-:‬كلكم راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته)و�سنكمل ملا‬ ‫�سبق م�س�ؤولية املجتمع ب��دءاَ من االف��راد ثم اال�سرة ثم‬ ‫كامل املجتمع ‪.‬‬ ‫ال�شخ�صية امل�سلمة‬ ‫و� �ض��ع اال�� �س�ل�ام ل �ك��ل ام��ورح �ي��ات �ن��ا ع�ل�اج��ا ��ش��اف�ي��ا‬ ‫يتنا�سب واحل��اج��ة التي تنا�سبها كانت فكرية من اجل‬

‫ان يتم غذاءه الروحاين ملعرفته ايات اهلل تعالى الكونية‬ ‫والتكوينية من اج��ل معرفة عظمة اخلالق ال��ذي بيده‬ ‫كل �شئ ومعرفة احل��ق من الباطل وه��ذا ام��ر �ضروري‬ ‫الَ ْر ِ�ض َواخْ ِتلاَ ِف‬ ‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬ ‫قال اهلل تعالى}�إِ َّن فيِ خَ لْقِ َّ‬ ‫َ‬ ‫ال َّل ْي ِل َوال َّن َها ِر َلآ َي� ٍ‬ ‫ال ْل � َب��ابِ { (�آل عمران‪)190‬‬ ‫�ات ِّ ألُوليِ ْ أ‬ ‫ومن اجل معرفة احلاجات الع�ضوية التي غر�سها اهلل‬ ‫يف ج�سم االن�سان حيث اوجد لها احكاماً �شرعية �ضابطة‬ ‫لها من اجل ا�ستقراره وطم�أنته دون الوقوع يف ما نهى‬ ‫اهلل عنه من اجل حفظ نف�سه وعقله‪ ،‬وعالجا ناجحاً له‬ ‫وذلك من خالل االحكام ال�شرعية يف كتاب اهلل عزوجل‬ ‫وال�ف�ق��ه ال �ن �ب��وي ال���ش��ري��ف م��ن اج ��ل ت���ص��وي��ب وه��داي��ة‬ ‫االن�سان للأمر الذي خلقه اهلل من �أجل غريزة العبادة‬ ‫فمن عرف خالقه عبد اهلل كما ينبغي و�شكره على نعمه‬ ‫التي اوجدها له وكيف ان اهلل كرمه على �سائر خملوقاته‬ ‫قال اهلل تعالى } َو َما خَ لَقْتُ الجْ ِ نَّ َوالأِن َْ�س �إِ َّال ِل َي ْع ُب ُد ِ‬ ‫ون{‬ ‫(الذاريات‪ )56‬وجمع اهلل كل ما جاء به االنبياء والر�سل‬ ‫يف قر�آنه العظيم‪ ،‬وحيث انزل فيه ال�شفاء الكامل للروح‬ ‫والنف�س واجل�سد‪ ،‬وهذا جانب ملا كان يتعر�ض له الر�سول‬ ‫(�صلى اهلل عليه و�سلم) من �أ�سئلة فيتلقى االجابة من‬ ‫اهلل تعالى‪ ،‬فقد ج��اءت كلمة ي�س�ألونك لال�ستفهام عن‬ ‫�أ�شياء و�أمور �شرعية‪ ،‬وكانت االجابة من اهلل عز وجل كما‬ ‫يف هذه اال�سئلة التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬ي�س�ألونك م��اذا ينفقون؟}قل ما انفقتم من خري‬ ‫وللوالدين واالقربني{(البقرة‪)215 ،‬‬ ‫‪ -2‬ي�س�ألونك عن ال�شهر احلرام قتال فيه ؟}قل قتال‬ ‫فيه كبري{( البقرة‪)217 ،‬‬ ‫‪ -3‬وي�س�ألونك عن اخلمر واملي�سر ؟}قل فيهما اثم كبري{‬ ‫‪ -4‬وي�س�ألونك عن اليتامى ؟}وقل ا�صالح لهم خري{‬ ‫‪ -5‬ي�س�ألونك عن املحي�ض؟}قل هو اذى{‬ ‫‪ -6‬ي�س�ألونك عن االنفال؟}قل االنفال هلل والر�سول{‬


‫‪ -7‬ي�س�ألونك ماذا �أحل لهم ؟}قل احل لكم الطيبات{‬ ‫علما ان كلمة ي�س�ألونك وردت يف �آي��ات اخ��رى كثرية‬ ‫غري ت�شريعية‪.‬‬ ‫م�س�ؤولية الفرد يف اال�سالم‬ ‫كثري من النا�س ال يعرف م�س�ؤوليته يف ه��ذه احلياة‬ ‫الدنيا‪ ،‬وان عرفها تهرب وتنكر لها‪ ،‬وم��ن الأ�سباب �أنه‬ ‫يعتقد كما يعتقد اليهود ب�أنهم �شعب اهلل املختار الذي غفر‬ ‫لهم جميع ذنوبهم وامل�سيحية تعتقد كذلك ان خطيئة‬ ‫االن�سان �سوف تغفر الن امل�سيح دفع الثمن حيث �صلب من‬ ‫اجل الب�شرية التي حتملت الذنب الذي وقع فيه �آدم عليه‬ ‫ال�سالم وهو يف اجلنة‪ ،‬ومن هنا يعتقد االن�سان انه غري‬ ‫م�س�ؤول عن اعماله بل م�س�ؤول عن اعمال غريه‪ .‬ال�س�ؤال‬ ‫هنا ‪...‬ماهو موقف اال�سالم من ذلك ؟‬ ‫ان ��ش��رع اهلل وا��ض��ح ب�ّي نّ �أن ك��ل ان���س��ان م���س��ؤول عن‬ ‫اعماله ويتحمل نتائجها‪ ،‬ق��ال اهلل تعالى}وكل ان�سان‬ ‫الزمناه طائره يف عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه‬ ‫من�شورا{اال�سراء(‪} )13‬اقر�أ كتابك كفى بنف�سك اليوم‬ ‫عليك ح�سيبا{اال�سراء(‪} )14‬من اهتدى ف�أمنا يهتدي‬ ‫لنف�سه وم��ن �ضل ف��أمن��ا ي�ضل عليها وال ت��زر وازرة وزر‬ ‫اخرى{ اال�سراء (‪ ،)15‬ويف و�صية للنبي �ص قال ‪(:‬احفظ‬ ‫عليك ل�سانك ولي�سعك بيتك وابك على خطيئتك)رواه‬ ‫الرتمذي‪-‬وايات واحاديث كثرية تبني ان كل فرد م�س�ؤول‬ ‫عن عمله وذلك حتى ت�ستقيم افعاله واعماله و�سلوكياته‬ ‫ني ال�شارع‬ ‫�ضمن �شرع اهلل وهدي النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) وب ّ‬ ‫يف اال�سالم ان الذي يقدم الفرد او ي�أخره مبقدار عمله‬ ‫واجتهاده وباملقابل اعطاه احلق يف امل�ساءلة يف حت�صيل‬

‫حقوقه اليخ�شى يف اهلل اح��دا‪ .‬اخ��رج ابن ماجه عن ابن‬ ‫م�سعود(�أن رجالً جاء الر�سول (�صلى اهلل عليه و�سلم)يتقا�ضاه‬ ‫دين كان عليه فا�شتد يف حديثه فانتهره ا�صحابه فقالوا‬ ‫للرجل ‪:‬ويحك اتدري من تكلم؟قال انا اطلب حقي‪ .‬قال‬ ‫النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) ال�صحابه ه ّ‬ ‫ال مع �صاحب احلق كنتم‬ ‫؟وار�سل الر�سول (�صلى اهلل عليه و�سلم) الى خولة بنت عمي�س ان‬ ‫كان عندك متر اقر�ضينا اياه حتى ي�أتينا متر فنق�ضيكي )‬ ‫قالت نعم ب�أبي وامي يار�سول اهلل فق�ضى الر�سول للرجل‬ ‫‪...‬وق��ال اوفيت اوف اهلل عنك‪ ،‬واال�سالم عندما اعطى‬ ‫هذا احلق جعل كل فرد بقدر ا�ستطاعته‪ ،‬قال اهلل تعالى‬ ‫‪ }:‬اليكلف اهلل نف�ساً اال و�سعها لها ما ك�سبت وعليها ما‬ ‫اكت�سبت{ (البقرة‪ )286‬وامل�س�ؤولية ال تتوقف على عمل‬ ‫الفرد فقط‪ ،‬وامنا على �آثار عمله ان كانت ايجابية كانت‬ ‫خري له وعلى جمتمعه ‪ .‬قال(�صلى اهلل عليه و�سلم)وما بال اقوام‬ ‫اليفقهون جريانهم وال يعلمونهم وال يطعمونهم وال‬ ‫يعظونهم وال ي��أم��رون�ه��م وليتعلمن ق��وم م��ن جريانهم‬ ‫ويتفقهون ويعظون او لأعجلنهم العقوبة)اخرج احلاكم‬ ‫ال�ك�ب�ير يف(ال �ك �ن��ى)ع��ن ال�شعبي ق��ال ع�م��ر ب��ن اخل�ط��اب‬ ‫‪-:‬دل ��وين على رج��ل ا�ستعمله على ام��ر ق��د اهمني من‬ ‫امر امل�سلمني قالوا ‪:‬عبدالرحمن بن عوف قال ‪� :‬ضعيف‬ ‫ق��ال��وا ‪:‬ف�ل�ان ‪:‬ق��ال �ضعيف ال ح��اج��ة لنا ب��ه‪ ،‬ق��ال��وا‪:‬م��ن‬ ‫تريد؟قال‪:‬رجل اذا كان امريهم كان ك�أنه رجل منهم واذا‬ ‫مل يكن امريهم ك�أنه امريهم قالوا ‪ -:‬ما نعلم اال الربيع‬ ‫ابن زياد احلارثي قال‪�:‬صدقتم هذا يدل على من يتولى‬ ‫ام��راً من ام��ور امل�سلمني يجب �أن يكون اهال لذلك قال‬ ‫تعالى}افمن ا�س�س بنيانه على تقوى من اهلل ور�ضوان‬ ‫خري ام من ا�س�س بنيانه على �شفا جرف هار فانهار به يف‬ ‫نار جهنم واهلل اليهدي القوم الظاملني{(التوبة‪)109‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪57‬‬


‫‪58‬‬

‫�شئ منه نف�ساً فكلوه هنيئا مريئا{ الن�ساء‪ -4‬والعدل‬ ‫م�س�ؤولية اال�سرة امل�سلمة‬ ‫يجب عليه ان يعدل اذا كان متزوجاً اكرث من واح��دة يف‬ ‫(الغاية من الزواج)‬ ‫النفقة واملبيت وامل�سكن وكان هذا �صفة النبي(�صلى اهلل عليه‬ ‫قال اهلل تعالى }يا �أَي َها النَّا�س ا َّتقُوا رب ُكم ا َّل ِذي خَ لَ َقكُم و�سلم)العدل بني ازواجه ويقول‪(:‬اللهم هذا جهدي يف ما‬ ‫من َّنف ٍْ�س و ِاح � َد ٍة و َخَ لَ َ ُّق ِم ْن َها َز ُوج� َه��ا و َب�َّ�ثَّ ُ ِم ْن ُهما رِجالًا �أملك وال طاقة يل فيما ال �أملك)‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ْ َ َ​َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ال ْر َحا َم �إِ َّن ا‬ ‫َكثريًا َون َ�ساءً َوا َّتقُوا ا الذي ت َ​َ�سا َءلو َن ِبه َو أ‬ ‫ح�سن املعا�شرة بني الزوجني‬ ‫َك��ا َن َعلَ ْي ُك ْم َر ِقيبًا {(الن�ساء ‪-)1‬ال��زواج م�صلحة �شرعية‬ ‫وه ��ي م ��ن اه ��م اال� �س �ب��اب ل���س�ع��ادت�ه�م��ا ق ��ال ت�ع��ال��ى‪:‬‬ ‫من اجل املحافظة على النوع االن�ساين بالتكاثر ومن اجل‬ ‫�سالمة املجتمع من االنحالل اخللقي وكذلك من اجل }وجعل بينكم مودة ورحمة{ (الروم‪ )21‬وح�سن املعا�شرة‬ ‫املحافظة على االن�ساب ليبقى جمتمعاً �سليما مبنيا على م �� �س ��ؤول �ي��ة ك��ل م�ن�ه�م��ا ع �ل��ى احل ��ب واالح �ت ��رام وال�ث�ق��ة‬ ‫الأل�ف��ة واملحبة والطهارة ومتانة ال��رواب��ط االجتماعية واالخال�ص كل منهما لالخر وكذلك االخ�لاق املتبادلة‬ ‫ال�سامية قال الر�سول (�صلى اهلل عليه و�سلم) يا مع�شر ال�شباب الطيبة بني الزوجني‪ ،‬وهذا هدي النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)‬ ‫م��ن ا�ستطاع منكم ال�ب��اءة فليتزوج ف��أن��ه اغ����ض للب�صر حيث قال اكمل امل�ؤمنني اميانا اح�سنهم خلقا وخياركم‬ ‫واح�صن للفرج‪ ،‬فمن مل ي�ستطع فعليه بال�صوم ف�إنه له خياركم لن�سائه )رواه الرتمذي ‪.‬‬ ‫وج��اء) وم��ن خ�صو�صية ال��زواج ال�شرعي حفظ املجتمع‬ ‫قال اهلل تعالى ‪}:‬خ��ذ العفو وام��ر بالعرف واعر�ض‬ ‫من االم��را���ض الفتاكة ال�سارية التي تعاين منها اال�سر‬ ‫يف املجتمعات االخ��رى وتن�شئة اجليل احل��ايل باالخالق عن اجلاهلني{(االعراف‪)199‬‬ ‫الطاهرة النظيفة من هذه االمرا�ض‪.‬‬ ‫بناء اال�سرة امل�سلمة يف نظرة اال�سالم‬ ‫ومن اجل ذلك و�ضع اال�سالم ا�س�س �ضابطة وحافظة‬ ‫معلوم ان اال�سرة مكونة من رجل وامر�أة وهي اللبنة‬ ‫للمكون اال��س��ري ومنها ‪:‬اختيار ال��زوج��ة او ال��زوج ممن‬ ‫يت�صفون باالخالق ال�سامية النابعة من �شريعة اال�سالم‪ ،‬االولى اال�سا�سية يف بناء املجتمع امل�سلم وقد اهتم اال�سالم‬ ‫قال النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)(تنكح املر�أة الربع ملالها وحل�سبها اهتماماً كبرياً باملر�أة‪ ،‬وعن عبد امللك بن عمري‪.‬وكان قد‬ ‫وجلمالها ولدينها فعليك بذات الدين تربت يداك)ويقول ر�أى عليا و�أبا مو�سى اال�شعري‪ ،‬ومات �سنة‪136‬ه وهو ابن‬ ‫كذلك‪( -:‬من جاءكم من تر�ضون دينه وخلقه فزوجوه ‪�130‬سنة‪ ،‬وكان من �أوعية املعرفة والعلم ق��ال‪:‬زوج عوف‬ ‫واال تكون فتنة او ف�ساد عري�ض)رواه احمد اذن �صالح بن ملحم ال�شيباين وكان من ا�شراف العرب يف اجلاهلية‬ ‫اال�سرة يكون بالدين اخلال�ص و�سمو االخ�لاق ق��ال‬ ‫اهلل ابنته من �أيا�س بن احلارث الكندي احد ملوك اليمن ‪،‬فلما‬ ‫تعالى }وانكحوا االيامى منكم وال�صاحلني من عبادكم‬ ‫و�إمائكم ان يكونوا فقراء يغنهم اهلل من ف�ضله واهلل وا�سع ُجهزت لتُحمل �أليه دخلت عليها �أمها �أمامة بنت احلارث‬ ‫لتو�صيها فقالت‪:‬اي بنية �إن الو�صية لو تركت لف�ضل يف‬ ‫عليم{ (النور‪.)32‬‬ ‫االدب او مكرمة يف احل�سب لرتكت ذلك منك ولزويتها‬ ‫وق��ال النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)(تزوجوا ال��ودود الولود عنك ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل‪� ،‬أي بنية لو‬ ‫تنا�سلوا ف�أين مباه بكم االمم يوم القيامة )جاء يف ال�سنن ا�ستغنت امل ��ر�أة ع��ن زوج�ه��ا بغنى �أب��وي�ه��ا و��ش��دة حاجتها‬ ‫وق ��ال اب��ن م�سعود)التم�سوا ال�غ�ن��ى يف ال �ن �ك��اح)رواه بن اليهما لكنت اغنى النا�س عنه اال انهن خلقن للرجال كما‬ ‫جريروحث ال�شارع يف اال��س�لام على زواج البكر والثيب لهن خلق الرجال اي بنية ‪ :‬انك قد فارقت اجلو الذي‬ ‫التي مات زوجها او املطلقة وقد او�صى ابو �سلمة زوجته منه خرجت والع�ش الذي فيه درجت الى وكر مل تعرفيه‬ ‫(هند بنت امل �غ�يرة)اذا م��ت ت��زوج��ي اللهم ارزق ام �سلمة وقرين مل ت�ألفيه ا�صبح مبلكة عليك مليكا فكوين له امة‬ ‫رجالً خريا مني )‪.‬‬ ‫يكن لك عبداً احفظي منه خ�صاال ع�شرا تكن لك دركا‬ ‫وذكر‪-:‬االولى والثانية فال�صحبة له بالقناعة واملعا�شرة‬ ‫وكذلك قال النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪ :‬الدنيا متاع وخري له بح�سن ال�سمع والطاعة ف�أن يف القناعة راحة القلب يف‬ ‫متاعها املر�أة ال�صاحلة التي اذا نظر اليها �سرته واذا امرها ح�سن ال�سمع والطاعة ور�ضى الرب �أما الثالثة والرابعة‬ ‫�أطاعته وان غاب عنها حفظته يف اهله وماله) ومكتوب تفقدي مو�ضع ان�ف��ه وت�ع��اه��دي مو�ضعه عينه ف�لا تقع‬ ‫يف ال�ت��وراة من بلغت عنده ابنه (‪� )12‬سنة فلم يزوجها‬ ‫عليه عينه منك على �شيئ قبيح وال ي�شم منك اال اطيب ريح‬ ‫فا�صابت اث�م�اً فاثمها عليه (وب�ي�ن الر�سول(�صلى اهلل‬ ‫و�سلم) ان �سعادة ابن �آدم يف املر�أة ال�صاحلة وامل�سكن ال�صالح وان الكحل اح�سن امل��وج��ود وامل��اء اطيب الطيب املفقود‬ ‫واملركب ال�صالح وجعل للمر�أة حقوقاً من اهمها ال�صداق اخل��ام���س��ة وال���س��اد��س��ة ت�ع��اه��دي مو�ضعه ط�ع��ام��ه ووق��ت‬ ‫والنفقة وال يحل ل��زوج ان ي�ح��رم زوج�ت��ه م��ن �صداقها منامه ال�سابعة والثامنة احر�صي على ح�شمه وعياله‪،‬‬ ‫اويتحكم فيه او ان ي�أخذ منه �شيء بدون ارادتها قال اهلل واالحتفاظ مباله التا�سعة والعا�شرة فال تف�شي له �سراً‪،‬‬ ‫تعالى}واتوا الن�ساء �صدقاتهن نحلة ف�أن طنب لكم عن وال تع�صي له امراً‪ ،‬ف�أنك ان اف�شيتي �سره مل ت�أمني غدره‪.‬‬


‫م�س�ؤولية الرجل جتاه زوجته‬ ‫ح�سن الع�شرة ‪:‬‬‫قال اهلل تعالى }وعا�شروهن باملعروف{ (‪ 19‬الن�ساء)‬ ‫او�صى النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)قائال‪:‬‬‫(اال فا�ستو�صوا بالن�ساء خرياً ف�أمنا هن عوان عندكم‬ ‫لي�س متلكون منهن غري ذل��ك ) وق��ال النبي (�صلى اهلل عليه‬ ‫و� �س �ل��م)‪(:‬اك�م��ل امل��ؤم�ن�ين امي��ان��ا اح�سنهم خلقا وخياركم‬ ‫خياركم لن�سائه) رواه الرتمذي وكان النبي خري النا�س‬ ‫معا�شرة الزواجه واح�سن النا�س رفقاً بهن‪ ،‬روي ان عمر‬ ‫بن اخلطاب راجعته امر�أته بالكالم فقال لها اتراجعيني‬ ‫يا لكعاء؟ فقالت ان ازواج النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)يراجعنه‬ ‫وهو خري منك‪ ،‬وكذلك من ح�سن املعا�شرة طالقة الوجه‬ ‫والكلمة احللوة وممازحة زوجته وادخال ال�سرورعليها‪.‬‬ ‫ تعليمها �أمور دينها ‪-:‬فالزوج م�س�ؤول عنها امام اهلل‬‫تعالى وقال اهلل تعالى}الرجال قوامون على الن�ساء‬ ‫مبا ف�ضل اهلل بع�ضهم على بع�ض ومب��ا انفقوا من‬ ‫اموالهم{(الن�ساء‪ )34‬قال النبي(�صلى اهلل عليه و�سلم)‪-:‬‬ ‫(كلكم م�س�ؤول وكلكم م�س�ؤول ع��ن رعيته) حديث‬ ‫�صحيح‬ ‫ امرها باملعروف ونهيها عن املنكر‪-:‬قال اهلل تعالى‪:‬‬‫}و�أمر اهلك بال�صالة وا�صطرب عليها{(طه‪)132‬‬ ‫ م�س�ؤولية عامة ام��ام اهلل وام��ام ال�ن��ا���س‪ -:‬احلفاظ‬‫عليها من كل �شر واذى قال النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪-:‬‬ ‫(اين لغيور وما من امرئ ال يغار منكو�س القلب‪).‬‬ ‫املهر وتبعاته‪:‬‬ ‫قال تعالى }و�آتوا الن�ساء �صداقتهن نحلة ف�أن طنب لكم‬ ‫عن �شيئ منه نف�ساً فكلوه هنيئا مريئا{ (الن�ساء ‪)4‬‬ ‫وكما ي�س�أل الرجل امام اهلل عن �صالته وزكاته و�صومه‬ ‫وكذلك ي�س�أل عن �سلوكيات الزوجة واالوالد من عبادات‬ ‫وعالقتهم مع ربهم ومع املجتمع املحيط بهم ‪.‬‬ ‫اجل��ه��از‪ :‬م��ن اث ��اث ال�ب�ي��ت وت�ب�ع��ات��ه (غ��رف��ةال �ن��وم‪،‬‬ ‫ال �ث�لاج��ة‪،‬ال �غ �� �س��ال��ة‪،‬ال��خ‪)..‬وي �� �س �م��ى(ال �ب �ي��ت ال���ش��رع��ي‬ ‫م�س�ؤولية الزوج ت�أثيثه ح�سب اال�ستطاعة والقدرة‬ ‫النفقة‪:‬‬ ‫ق��ال اهلل تعالى }وعلى امل��ول��ود له رزقهن وك�سوتهن‬ ‫باملعروف ال تكلف نف�س اال و�سعها{ (البقرة ‪)232‬‬ ‫ع �ن��دم��ا � �س ��أل ال��ر� �س��ول(���ص) م��ا ح��ق زوج� ��ة �أح��دن��ا‬ ‫عليه؟قال‪( :‬تطعمها اذا �أطعمت‪ ،‬وتك�سوها اذا اكت�سيت‬ ‫وال ت�ضرب الوجه‪ ،‬وال تقبح وال تهجر اال يف البيت)‪.‬‬

‫م�س�ؤولية تربية الأبناء‪:‬‬ ‫عندما نريد احلديث عن تربية االبناء يجب مراعاة‬ ‫ال�سن يف العالج وكذلك اجلن�س ذكراً كان �أو انثى مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقبل ت�صرفاتهم دون التعر�ض لنق�ضهم وعيوبهم‬ ‫وجتنب معاقبتهم امام الآخرين‪.‬‬ ‫‪ -2‬زرع االف �ك��ار احل�سنة ن�ظ��ري��ا وعمليا ب�ع��دم ال�ك��ذب‬ ‫والتلفظ امامهم ب��أل�ف��اظ �سيئة او معيبة وعملياً‬ ‫عدم الت�صرف امامهم ت�صرفات خاطئة ونبني لهم‬ ‫جتارب االخرين و�سري ال�صاحلني من اجل اعطائهم‬ ‫الثقة ب�أنف�سهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬جت��اه��ل بقدر امل�ستطاع �سلبياتهم وال�ترك�ي��ز على‬ ‫االيجابيات وبدون عنف او �شتم او حتقري وا�شراكهم‬ ‫باملقابل يف المور االجتماعية مبرافقتهم يف الزيارت‬ ‫واملنا�سبات وتعليمهم كيف يت�صرفون خالل ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬معاجلة ال�سلوك الفو�ضوي �أوالً ب�أول ببيان ال�صح‬ ‫لهم من اخلط�أ ونتائج كل خط�أ ‪.‬‬ ‫‪ -5‬ت�ق��وي��ة ملكة االب� ��داع وال �ه��واي��ات ك��ال��ر��س��م وحتليل‬ ‫وت ��رك �ي ��ب ب �ع ����ض االل � �ع� ��اب وت �ع �ل �ي �م �ه��م ال �� �س �ب��اح��ة‬ ‫والفرو�سية وممار�سة االلعاب والتمارين الريا�ضية‬ ‫مم ��ا ي �ع �ط �ي��ه ال �ث �ق��ة ب �ن �ف �� �س��ه وال � �ق� ��وة يف اجل �� �س��م‬ ‫والعقل(العقل ال�سليم يف اجل�سم ال�سليم)‬ ‫‪ -6‬عالقة الطفل بوالديه قال ابن القيم‪-:‬تبد�أ عالقة‬ ‫الطفل وهو يف بطن امه ويكون مت�صالً بها ات�صال‬ ‫الغر�س يف االر�ض وبعد والدته مبا�شرة يلتقم ثدي‬ ‫امه وال يرتاح اال على الثدي الذي فوق القلب حيث‬ ‫ان دق ��ات ال�ق�ل��ب تبقى ع��ال�ق��ة يف ذه�ن��ه كاملو�سيقى‬ ‫ويبقى متعلق بوالديه وخا�صة يف طفولته املبكرة‬ ‫لتلقيه احلنان والعطف‬ ‫‪� -7‬شخ�صية الطفل‪ :‬التغذية ال�سلوكية والتي ت�ؤثر يف‬ ‫�شخ�صية الطفل تكون بداية من اال�سرة وبداية من‬ ‫والدته باالخ�ص حيث هي البيئة التي يعي�ش فيها‬ ‫منامه وم�أكله وم�شربه وتلقي �سلوكياته واخالقه‬ ‫منها‪.‬‬ ‫‪ -8‬ا�سباب ال�سلوك اخلاطئ واالنحراف‪ ،‬حيث ان الطفل‬ ‫يولد على الفطرة ال�ن�ق�ي��ة‪...‬والآب��اء واالم�ه��ات هم‬ ‫�سبب بداية يف �سلوكيات ابنائهم واحلنان والرعاية‬ ‫وباملقابل االهمال‪،‬وال�ضرب وال�شتم والعنف والق�سوة‬ ‫وم�شاكل الآب��اء واالم�ه��ات ينعك�س عليه ايجابيا ام‬ ‫�سلبيا يقول النبي (�صلى اهلل ع�ل�ي��ه و�سلم)(ما نحل وال��د‬ ‫ولداً خريا من �أدب) والتعاليم امل�ستمدة من ال�شريعة‬ ‫مهمة جدا عند بداية الوالدة يغ�سل من الدم وحتنك‬ ‫لثته ب�شئ م��ن احل �ل��وى‪ ،‬وي ��وم �سابعه يحلق �شعر‬ ‫ر�أ�سه ويت�صدق بوزنه ذهبا او ف�ضة وي�سمى ب�أح�سن‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪59‬‬


‫اال��س�م��اء وي�ع��ق ع�ن��ه‪ ،‬وي� ��ؤذن يف اذن��ه اليمنى‪ ،‬وتقام‬ ‫ال�صالة يف اذنه الي�سرى وكل ذلك يف الطفولة املبكرة‬ ‫لكن يف الطفولة املت�أخرة يكون متعر�ضاً للأمرا�ض يف‬ ‫هذه املرحلة يجب ان يهتم به اهتماما خا�ص يف تغذيته‬ ‫ويف نظافته ويف تعليمه ال�صالة وتعريفه بخالقه �سبحانه‬ ‫وتعالىت‪ 3-‬قال النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم)(مروا ابنا َءكم‬ ‫بال�صالة ل�سبع وا�ضربوهم عليها لع�شر وفرقوا بينهم‬ ‫يف امل�ضاجع )لقد و�صى النبي ابن عبا�س قائال(ياغالم‬ ‫اح �ف��ظ اهلل يحفظك اح �ف��ظ اهلل جت��ده جت��اه��ك واذا‬ ‫�س�ألت ف�س�أل اهلل واذا ا�ستعنت ف�أ�ستعن باهلل) رواه احمد‬ ‫كذلك تعلمه من خالل اال�سئلة واملحاورة من ربك؟ ما‬ ‫دينك؟ما اال�سالم؟ ما التوحيد؟ ما االح�سان؟ ما ا�سم‬ ‫نبيك؟ من اول الر�سل ومن اخرهم؟ كيف تعرف ربك؟‬ ‫وتعلمهم ال�صالة وال�سور الق�صرية من القر�آن وهكذا‬ ‫حتى �سن املراهقة التي لها عناية خا�صة وا�سلوب خا�ص‬ ‫النها فرتة انتقالية يف حياته وي�صاحبها انفعاالت ومنو‬ ‫يف �سلوكه او يف ف�ك��ره او عقله‪ ،‬وت�صبح ع�ن��ده طاقات‬ ‫كامنة وغرائز خمتلفة حتتاج الى رعاية و�صرب ومراقبة‬ ‫وتوجيه م�ستمر‪.‬‬ ‫م�س�ؤولية املجتمع‬ ‫ت�ت�ج���س��د م �� �س ��ؤول �ي��ة امل�ج�ت�م��ع ب��ات �ب��اع اف �� �ض��ل اال��س��ال�ي��ب‬ ‫الرتبوية واالخالقية النابعة من عقيدته اال�سالمية ليكون‬ ‫منوذجاً فريدا ومتميزاً عن غريه من املجتمعات وذلك برتبية‬ ‫االبناء على ا�س�س ت�صان بها فطرتهم التي فطرهم اهلل عليها‬ ‫ب�أعتبار املجتمع امل�سلم كياناً واحداًحيث �شبهه النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم باجل�سد الواحد قائال‪(:‬مثل امل�ؤمنني يف توادهم‬ ‫وتراحمهم وتعاطفهم كمثل اجل�سد اذا ا�شتكى منه ع�ضو‬ ‫تداعى له �سائر اجل�سد بال�سهر واحلمى)متفق عليه‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫وع�ل��ى ��ض��وء ذل��ك رغ��ب اهلل ت�ع��ال��ى ب��ال�ت�ع��اون ق��ال اهلل‬ ‫تعالى‪}:‬وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على االثم‬ ‫وال �ع��دوان{ (امل��ائ��ده‪-)2‬وذل��ك لتحقيق امل�صالح امل�شرتكة‬ ‫على ا�س�س �سليمة ب��أوا��ص��ر املحبة وه��ذا م��ا مييز الرتبية‬ ‫اال�سالمية عن غريها ب�صالح املواطن لق�ضاء حاجات النا�س‬ ‫والتفريج عنهم و�سرت عيوبهم ون�صحهم وم�ساعدتهم ويجب‬ ‫تربية االبناء على احلب يف اهلل وتنبع هذه املحبة من االبوين‬ ‫ينابيع املحبة والعواطف ال�صادقة وان ذلك يكون مبحبة اهلل‬ ‫الذي انعم علينا بنعمه التي التعد وال حت�صى والتي ن�ستمد‬ ‫منها العون والقوة‪ .‬ان احلب يف اهلل تعالى له ت�أثري كبري على‬ ‫نف�سية افراد املجتمع عن ان�س ر�ضي اهلل عنه قال النبي(�صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم)‪( :‬ثالث من كن وجد بهن حالوة االميان ان يكون‬ ‫اهلل ور�سوله احب اليه مما �سواهما وان يحب املرء ال يحبه اال‬ ‫هلل وان يكره ان يعود يف الكفر بعد ان انقذه اهلل منه كما يكره‬ ‫ان يقذف يف النار)متفق عليه وقال كذلك(ان من عباد اهلل‬ ‫عباد لي�سوا ب�أنبياء وال �شهداء يغبطهم االنبياء وال�شهداء‬ ‫قيل من هم لعلنا نحبهم ؟ق��ال‪:‬ه��م ق��وم حتابوا يف اهلل من‬ ‫غري ارح��ام وال ان�ساب وجوههم ن��ور على منابر من ن��ور ال‬ ‫يخافون اذا خاف النا�س وال يحزنون اذا حزن النا�س)ثم قر�أ‬

‫قوله تعالى }اال ان اولياءاهلل ال خوف عليهم وال هم يحزنون{‬ ‫واذا علم االن�سان ان اهلل خلق اجلن واالن�س من اجل طاعته‬ ‫حيث ق��ال‪}:‬وم��ا خلقت اجل��ن واالن����س اال ليعبدون{ ومن‬ ‫اجل ذلك �سخر لهم كل ما يف ال�سموات وما يف االر�ض وجعل‬ ‫كل ذلك خادما م�سخرا حلياة النا�س وطلب منهم ان يتفكروا‬ ‫يف هذا الكون ليتعرف على عظمة اخلالق �سبحانه وتعالى‬ ‫قال اهلل تعالى}ان يف خلق ال�سموات واالر�ض واختالف الليل‬ ‫والنهار اليات لأولوا الألباب{‪(.‬ال عمران ‪)19‬‬ ‫عوامل ال�سعادة يف املجتمع‬ ‫معلوم ان االن�سان منذ خلقه اهلل يبحث يف هذه احلياة‬ ‫الدنيا عن ا�سباب ا�ستقراره و�سعادته و�أمنه واهلل تعالى تكفل‬ ‫بكل ذلك قال} َمنْ َع ِم َل َ�صالحِ ًا ِّمن َذ َك ٍر �أَ ْو �أُن َثى َو ُه َو ُم�ؤ ِْمنٌ‬ ‫َفلَن ُْح ِي َي َّن ُه َح َياةً َط ِّي َبةً َو َلن َْج ِز َي َّن ُه ْم �أَ ْج َر ُهم ِب�أَ ْح َ�سنِ َما َكانُوا‬ ‫َي ْع َم ُلونَ{(النحل ‪ ,)97‬وال يتحقق ذلك للأن�سان اال اذا ادرك‬ ‫كل فرد واجبه نحو اخيه ونحو اجلماعة التي يعي�ش معها‬ ‫واالمة التي ينت�سب �إليها واالن�سانية التي هو جزء منها ‪.‬‬ ‫وما احوج هذه االمة يف هذا الزمان من التم�سك بعقيدتها‬ ‫ال�سليمة النورانية االلهية النها بحاجة الى املقومات التي‬ ‫حتفظ وحدتها وكيانها وتعيد لها قوتها وامنها احلقيقي‬ ‫لهذا كان البناء اال�سالمي مبكوناته هو البناء الوحيد الذي‬ ‫يجعل ال�ع��زة و امل�ه��اب��ة لها ق��ال اهلل تعالى}كنتم خ�ير امة‬ ‫اخرجت للنا�س ت�أمرون باملعروف وتنهون عن املنكر وت�أمنون‬ ‫باهلل{(ال عمران‪ -)110‬والغاية من االمر باملعروف والنهي‬ ‫عن املنكر ‪:‬التغيري لي�س ينكره فقط بل يغريه من املنكر‬ ‫الى املعروف قال �صلى اهلل عليه و�سلم(من ر�أى منكم منكرا‬ ‫فليغريه بيده فان مل ي�ستطع فبل�سانه فان مل ي�ستطع فبقلبه‬ ‫وذلك ا�ضعف االميان) والنبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) حدد لنا طرق‬ ‫التغيري باليد واملق�صود بذلك القوة ثم الل�سان واملق�صود‬ ‫بذلك بالدعوة قال اهلل تعالى‪ } -:‬ادع الى �سبيل ربك باحلكمة‬ ‫واملوعظة احل�سنة{(النحل ‪ )125‬ثم القلب‪:‬واملق�صود بذلك‬ ‫االنكار وعدم الر�ضى وهذه ادوي��ة عالجية و�ضوابط النهي‬ ‫واالمر ‪-1‬ثم قوة االميان وان يكون عنده فقه وعلم باالحكام‬ ‫وهذا التغيري بالقوة باليد وذلك ‪:‬بقوة االميان و�ضعف العلم‬ ‫واالحكام وهذا التغيري بالل�سان اما الثالث �أ�ضعف االميان‬ ‫و�ضعف االحكام ويكون التغيري بالقلب ويكون ه��ذا عندما‬ ‫تلتزم االم��ة بكتاب اهلل و�سنته على منهاج النبوة م��ن اجل‬ ‫جت�سيد حقيقة االخ��وة ب�ين اف��راد املجتمع ال�ت��ي بينها اهلل‬ ‫قائال ‪} :‬امنا امل�ؤمنون اخوة{ والنبي قال (امل�سلم اخو امل�سلم‬ ‫اليظلمه وال ي�سلمه‪ )...‬باملقابل حذر اهلل من الفنت والتفرقة‬ ‫التي متزق �شمل الأمة وت�ضعفها وتف�سد عليها حياتها قال‬ ‫تعالى‪} :‬واعت�صموا بحبل اهلل جميعا وال تفرقوا{ ال عمران‬ ‫‪ 103‬وقال كذلك}واطيعو اهلل ور�سوله وال تنازعوا فتف�شلوا‬ ‫وتذهب ريحكم وا�صربوا ان اهلل مع ال�صربين{االنفال‪46‬‬ ‫وخال�صة االم��ر �سالمة العقيدة وطهارة النف�س ونظافتها‬ ‫والفهم الواعي بالواجبات واداب ال�سلوك االجتماعي املتمثل‬ ‫يف املكون اال�سري ‪.‬‬


‫مقاالت‬

‫الكفاءة‬ ‫ونقر�أ يف القر�آن الكرمي ح��وار �سيدنا �سليمان عليه‬ ‫ال���س�لام م��ع اجل ��ن يف �أم ��ر ع��ر���ش ب�ل�ق�ي����س‪ ،‬ق ��ال تعالى‬ ‫} َقا َل َيا �أَ ُّي َها المْ َ َُ أ‬ ‫�َلأ �أَ ُّي ُك ْم َي ْ�أ ِتي ِني ِب َع ْر ِ�ش َها َق ْب َل �أَن َي�أْ ُتونيِ‬ ‫ني { (النمل‪)38‬‬ ‫ُم ْ�س ِل ِم َ‬

‫الدكتور‪ :‬عبد الحميد القطيطات‬ ‫الكفاءة تعني ح�سن الأداء �أو الأداء الأكمل‪� ،‬أو احلرفية‬ ‫ومن وجهة نظر الإدراة التي ترتبط بها �إرتباطاً وثيقاً‬ ‫تعني احل�صول على الكثري‪ ،‬نظري ما هو �أقل‪ ،‬لقد �أطلق‬ ‫على الإدارة العلمية الإدارة بالكفاءة‪ ،‬وتعني من منظور‬ ‫ال�صناعات الإنتاجية‪ ،‬انتاج عال بحد �أدنى من املدخالت‪،‬‬ ‫�أو تكلفة منخف�ضة و�أرباح عالية‪.‬‬ ‫لقد �أعطى الإ�سالم احلنيف للكفاءة مفهوماً وا�سعاً‬ ‫�شامالً يرتكز على ث�لاث عوامل �أ�سا�سية ه��ي‪ :‬الأهلية‬ ‫امل�ع��رف�ي��ة‪ ،‬وامل �ق��درة احل���س�ي��ة‪ ،‬والإخ�ل�ا���ص وال���ص��دق يف‬ ‫النية‪ ،‬وهذا ما �أ�شار �إليه احلديث النبوي ال�شريف " �إن‬ ‫اهلل يحب �إذا عمل �أحدكم عمالً �أن يتقنه "‪.‬‬ ‫وق��د ورد يف ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي ق��ول��ه ت�ع��ال��ى يف ��س��ورة‬ ‫الق�ص�ص الآية ‪َ } 26‬قا َل ْت إِ� ْح َد ُاه َما َيا َ�أ َب ِت ْا�س َت�أْجِ ْر ُه إِ� َّن‬ ‫الَ ِمنيُ{ �صدق اهلل العظيم‬ ‫خَ يرْ َ َمنِ ْا�س َت�أْ َج ْرتَ ا ْل َقو ُِّي ْ أ‬ ‫كتب �أحد مفكري علم الإدارة يف الع�صر احلديث ‪.....‬‬ ‫" يتعني علينا ونحن نبد�أ يف �إمعان النظر يف مو�ضوعات‬ ‫الإدارة �أن نقر متى نبد�أ‪ ،‬يرى البع�ض �أن علينا �أن نرجع‬ ‫�إلى مو�سى و�إلى تلك الن�صائح الر�شيدة التي تلقاها من‬ ‫حميه �شعيب حيث علينا تعلم الكثري"‬

‫وروي عن �سيدنا عمر الفاروق ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬وكان‬ ‫جال�ساً مع بع�ض �أ�صحابه فقال لهم متنوا‪ ،‬قال �أحدهم‬ ‫�أمتنى �أن يكون يل ملء هذا املكان دراهم ف�ضة لأنفقها‬ ‫يف �سبيل اهلل‪ ،‬بينما متنى �آخ��ر ذه�ب�اً لينفقه �أي���ض�اّ يف‬ ‫�سبيل اهلل‪ ،‬فقال �سيدنا عمر �أم��ا �أن��ا ف�أمتنى م��لء هذا‬ ‫املكان الرحب رج��االً مثل �أب��ي عبيدة عامر بن اجل��راح‪،‬‬ ‫ومعاذ بن جبل لأ�ستعملهم يف �سبيل اهلل" ر�ضي اهلل عنهم‬ ‫جميعاً و�أر�ضاهم‪.‬‬ ‫ودع��ا اب��ن خلدون يف الف�صل اخلام�س من مقدمته‬ ‫نحو الإزده��ار احل�ضاري‪� ،‬إذ دعا �إلى تق�سيم ‪ /‬تخ�ص�ص‬ ‫العمل من خالل ثالث فئات رئي�سة يف املجتمع‪ :‬الزراعة‬ ‫وتربية املوا�شي للقاطنني يف الأرياف‪ ،‬واملناطق الرعوية‬ ‫تليها التجارة ثم ال�صناعة للقاطنني يف املدن ال�صغرية‬ ‫وال �ك �ب�يرة ح�ي��ث جم��ال التعليم م�ت��اح�اً يف ال�ك�ث�ير من‬ ‫الأرياف‪.‬‬ ‫لقد �سبق ابن خلدون بذلك فيل�سوف الإدارة احلديث‬ ‫�آدم �سميث �صاحب كتاب ثروة الأمم الذي خ�ص�ص ف�صوله‬ ‫الثالث الأولى‪ ،‬لتق�سيم العمل ‪ /‬التخ�ص�ص‪ ،‬ومع تزايد‬ ‫عدد املن�ش�آت ال�صناعية وتنوعها والتطور التكنولوجي‬ ‫وا�شتداد املناف�سه‪ ،‬تنامي االهتمام مبو�ضوع الكفاءة �أو‬ ‫الإدارة العلمية‪ ،‬ف�برز العديد من املفكرين واملهتمني‬ ‫ب�ه��ذا ال �� �ش ��أن (ال �ك �ف��اءة‪ ،‬الإدارة‪ ،‬الأه � ��داف‪ ،‬الهند�سة‪،‬‬ ‫�إدارة اجل� ��ودة ال �� �ش��ام �ل��ة)‪ ،‬ت��ذك��ر م��ن ه � ��ؤالء امل�ه�ن��د���س‬ ‫فريدريك تايلور �صاحب كتاب الإدارة العلمية احلديثة‪،‬‬ ‫وهارينجتون �إمري�سون ويحمل عدة �ألقاب منها‪ :‬كبري‬ ‫كهنة الكفاءة‪ ،‬مهند�س الكفاءة وم�ؤلفه ال�شهري املبادئ‬ ‫الإثنا ع�شر للكفاءة‪ ،‬ومن بني هذه املبادئ‪ :‬مبد�أ امل�شورة‬ ‫ذات م �ب��د�أ الإن �� �ض �ب��اط كخلية ال�ن�ح��ل‪ ،‬م �ب��د�أ التعامل‬ ‫املنت�صف العدالة للعمال‪ ،‬مبد�أ الإثابة �أو املكاف�أة على‬ ‫الكفاءة‪� .... ،‬إلخ‪ ،‬رمبا يعلم �إمري�سون �أن هذه املبادئ يف‬ ‫جلها قيم �إ�سالمية �أ�صيلة‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪61‬‬


‫القدس‪:‬‬ ‫كيف حررها صالح الدين ؟!‬

‫مقاالت‬

‫ال�سليم �إلى �أن متكن ب�إخال�صه و�إميانه العميق وحنكته‬ ‫من �إلغاء خالفة الدولة الفاطمية يف م�صر‪ ،‬يف �أول جمعة‬ ‫من حمرم عام ‪567‬هـ‪.‬‬ ‫وبعد وف��اة ن��ور الدين حممود يف ‪567‬ه �ـ‪ ،‬وال��ذي كان‬ ‫يحكم دم�شق‪ ،‬متهدت الأمور �أكرث ل�صالح الدين لي�ضم‬ ‫دم�شق �إلى م�صر ليكمل خطته يف توحيد الأمة الإ�سالمية‬ ‫ب�شقيها ال�شرقي والغربي‪.‬‬ ‫ل �ق��د ح �ق��ق � �ص�ل�اح ال��دي��ن م �� �س ��أل��ة ال � ��والء وال�ب��راء‬ ‫باعتبارها من �أ�سا�سيات العقيدة‪� ،‬إذ ال ميكن للم�سلم �أن‬ ‫يجاهد دون �أن يتمكن الوالء والرباء من قبله‪.‬‬

‫المهندس مروان الفاعوري‬ ‫األمين العام‬

‫‪62‬‬

‫ولد القائد البطل يو�سف بن �أيوب بن �شاذي الكردي‬ ‫�أ��ص�لاً ولقبه �صالح الدين الأي��وب��ي ع��ام ‪532‬ه �ـ‪ ،‬وانتقل‬ ‫م��ع �أ�سرته �إل��ى املو�صل ث��م �إل��ى بعلبك حيث ك��ان يعمل‬ ‫والده حاكماً فيها‪ ،‬وهناك تعلم الدرو�س العلمية وال�صيد‬ ‫والفرو�سية‪.‬‬ ‫وقد تولى �صالح الدين من�صب ال��وزراة عام ‪564‬ه�ـ‪،‬‬ ‫زمن الفاطميني وعمره وقتذاك (‪ )32‬عاماً‪ ،‬وقد �أبدع‬ ‫يف �إدارت��ه‪� ،‬إذ عمل على �إلغاء �ضرائب الفاطميني‪ ،‬وبذل‬ ‫الأم� ��وال للنا�س يف �أوق� ��ات ال���ش��دة ح�ت��ى مت�ل��ك قلوبهم‬ ‫ف�أحبوه‪ ،‬و�صد غارات ال�صليبيني على دمياط عام ‪565‬هـ‪،‬‬ ‫بالتعاون م��ع �أهلها‪ ،‬وك��ان �أن عمل كذلك على ت�أ�سي�س‬ ‫وح�صن امل��دن وامل��وان��ئ والثغور امل�صرية وبنى‬ ‫امل��دار���س ّ‬ ‫القلعة امل���ش�ه��ورة (امل�ق�ط��م)‪ ،‬ث��م ب��د�أ مب���ش��روع نه�ضوي‬ ‫فكري مهم‪ ،‬وهو عزل ق�ضاة م�صر الباطنيني الفاطميني‬ ‫وا�ستبدالهم بق�ضاة من ال�سنة وال�شيعة‪ ،‬والغى عبارة‬ ‫(ح � ّ�ي ع�ل��ى خ�ي�ر ال �ع �م��ل) م��ن الآذان وال �ت��ي اخ�ترع�ه��ا‬ ‫الباطنيون يف م�صر‪ ،‬وظل يعمل وفق هذا النهج الفكري‬

‫ولعل �أبرز الأعمال و�ضوحاً ل�صالح الدين هي العمل‬ ‫م��ن �أج��ل توحيد ب�لاد امل�سلمني م�صر وال�شام وجزيرة‬ ‫العرب التي تتبع فيها قبائل العرب املنت�شرة يف ال�صحراء‬ ‫حتى �أطراف احلجاز‪ ،‬فعمل على تنقية املعتقدات لديهم‬ ‫ون�شر العقيدة ال�سليمة يف �صفوفهم‪ ،‬ثم �أخ�ضع املو�صل‬ ‫لي�صبح �أقوى و�أعظم ملوك ال�شرق قاطبة‪.‬‬ ‫وق��د ك��ان �صالح ال��دي��ن م��ن رواد التجديد‪ ،‬لي�س يف‬ ‫العلم والفكر وح�سب‪ ،‬بل يف اجلهاد كذلك‪ ،‬فعلم ما بالقوم‬ ‫م��ن ق��وة وم�ن�ع��ة‪ ،‬فعمل على تهيئة الأم ��ة مب��ا يفوقهم‬ ‫عدداً وعدة‪� ،‬إنطالقاً من قوله تعالى‪َ } :‬و�أَ ِع� ُّ�دوا َل ُهم َّما‬ ‫ْا�ست َ​َط ْعتُم ِّمن ُق َّو ٍة َو ِمن ِّر َب ِ‬ ‫اط الخْ َ ْي ِل ُت ْر ِه ُبو َن ِب ِه َع ُد َّو اللهَّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫َو َع� ُد َّو ُك� ْم َو�آخَ � ِري��نَ ِمن ُدو ِن ِه ْم اَل َت ْعلَ ُمو َن ُه ُم ا َي ْعلَ ُم ُه ْم‬ ‫َو َما تُن ِفقُوا ِمن �شَ ْي ٍء فيِ َ�سب ِ‬ ‫ِيل اللهَّ ِ ُي� َو َّف ِ�إ َل ْي ُك ْم َو�أَن ُت ْم اَل‬ ‫تُظْلَمُونَ{ (‪ 60‬الأنفال) " فعمل على �إ�صالح اجلند من‬ ‫جميع ج��وان�ب��ه‪ ،‬و�أع ��د دواوي� ��ن اجل �ن��د‪ ،‬وج�ه��ز الأ��س�ل�ح��ة‪،‬‬ ‫والإقت�صاد والذخائر والعتاد وامل�ؤن واخلطط احلربية‪.‬‬ ‫ل�ق��د ك��ان � �ص�لاح ال��دي��ن ق��ائ��داً ��ش�م��ول�ي�اً ي�سخر كل‬ ‫م �ق��وم��ات الأم� ��ة ليجعلها يف خ��دم��ة اجل �ه��اد‪� ،‬إذ جعل‬ ‫الإق�ط��اع��ات ال��زراع�ي��ة يف خدمة اجل�ه��اد‪� ،‬إذ ق��ام بتوزيع‬ ‫الأرا�ضي على القادة احلربيني واجلنود لزراعتها‪ ،‬على‬ ‫ق��اع��دة (الأر� ��ض مل��ن يفلحها) ف ��إذا �أهملت انتزعت من‬ ‫مالكها‪� ،‬إذ دخ��ل مفهوم الإقت�صاد احل��رب��ي‪ ،‬ف�سخر كل‬ ‫مقومات الإقت�صاد من �أجل خدمة اجلهاد عندما حتني‬ ‫�ساعته‪ ،‬ه��ذا ف�ضالً عن ت�أ�سي�س دواوي��ن خا�صة باجلند‬


‫ل�ضبط رتبهم ورواتبهم و�إح�صائيات عددهم‪ ،‬وقت ال�سلم‬ ‫واحلرب‪.‬‬

‫�إل��ى تنقية عقل الأم��ة وعقيدتها وفكرها ووجدانها من‬ ‫اخلرافات واخلزعبالت وال�شعوذة وال�سحر‪ ،‬فعمل على‬ ‫�إب��راز العقيدة ال�صاحلة التي �أن�ش�أها يف حوا�ضر العامل‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬كما عمل على توحيد اخلطاب الديني الدعوي‬ ‫وخل�ص امل�ساجد من ال�شرذمة الفكرية التي ت�شتت جهود‬ ‫العلماء املخل�صني‪ ،‬ث��م بعد ذل��ك ت��أك��د م��ن ث�ب��ات القيم‬ ‫الإخالقية يف نفو�س اجلند وعقولهم وقلوبهم‪.‬‬

‫وكان �صالح الدين ي�ؤمن �إمياناً عميقاً ب�أهمية ال�شورى‬ ‫يف احل�ك��م‪ ،‬فقد �أ�س�س جمل�ساً لل�شورى ب�شقيه اخلا�ص‬ ‫والعام حتت �إ�شرافه‪� ،‬إذ ي�أخذ ب��آراء اجلنود وامل�ست�شارين‬ ‫ويقدم الر�أي الأكرث �صواباً على �أي ر�أي‪ ،‬مثلما كان ي�ؤمن‬ ‫بالتوا�صل والإت�صال مع �أركان حكمه يف البالد م�ستخدماً‬ ‫احلمام الزاجل يف �إي�صال ر�سائله كما ح�صل يف حرب عكا‪.‬‬

‫�أما خامتة الأفعال النا�صعة فكانت يف معركة حطني‬ ‫عام ‪ 1187‬والتي حرر فيها القد�س ال�شريف‪� ،‬إذ ا�ستطاع‬ ‫بحنكته ودهائه ا�ستغالل فر�صة خالف بني ال�صليبيني‬ ‫ليميل مع جانب �ضد الآخر‪ ،‬و�أمر �أهل حلب بعقد معاهدة‬ ‫مع البيزنطيني ليمنع و�صول الإم��دادات للن�صارى‪ ،‬ثم‬ ‫جمع قواته من م�صر ودم�شق وحلب واجلزيزة واملو�صل‬ ‫و�سار �إل��ى قرب بحرية طربيا‪ ،‬وع�سكر على �سفح جبلها‬ ‫املطل ثم ا�ستدرج ال�صليبيني �إل��ى ذل��ك املكان ليهزمهم‬ ‫فيه‪.‬‬

‫�إن اهتمامه بتطوير الأ�سلحة فاق كل ت�صور يف ذلك‬ ‫الزمان‪� ،‬إذ عمل على ت�صميم �أنواع من ال�سالح املعتمد على‬ ‫النفط الذي ي�ستخدم يف املاء ويكون م�شتعالً‪،‬في�صطدم‬ ‫مبراكب العدو فيحرقها‪ ،‬هذا ف�ضالً عن �صناعة الدبابات‬ ‫اخل�شبية التي ت�سري على عجالت خ�شبية‪.‬‬

‫لقد خرب �أ�ساليب القتال واحل��رب وخدعها ومكرها‪،‬‬ ‫فكان ي�ستخدم �أ�ساليب اخلدعة والتمويه‪ ،‬فيعلم النا�س‬ ‫�أنه متجه �إلى جهة ما‪ ،‬وهو يريد الذهاب �إلى جهة �أخرى‪،‬‬ ‫حتى �أنه يراعي ظروف البيئة واملناخ يف �أب�سط تفا�صيلها‬ ‫وه��و يتحرك يف م�ي��دان ال�ق�ت��ال كحركة ال��ري��ح‪ ،‬و�أ�شعة‬ ‫�إن الأمة الآن بحاجة �إلى مدر�سة كتلك التي نهل منها‬ ‫ال�شم�س وغريها‪.‬‬ ‫��ص�لاح ال��دي��ن علمه وخلقه وت �ق��واه‪ ،‬مثلما ه��ي بحاجة‬ ‫ول�ع��ل �أب ��رز م�ق��والت ��ص�لاح ال��دي��ن ال�ت��ي تبني مدى �إل��ى قائد يعمل كما عمل يف امليادين العلمية والفكرية‬ ‫اعتماده على الفكر وت�أثريه يف �صياغة العقل والوجدان والإق �ت �� �ص��ادي��ة وال�ع���س�ك��ري��ة خ��دم��ة ل�ل�ه��دف ال �ع��ام وه��و‬ ‫اجلمعي من �أجل �صياغة الهدف العام للأمة‪� ،‬إذ يقول‪ :‬حترير القد�س‪ ،‬كما كان يف زمانه‪ ،‬وليعيد للأمة جمدها‬ ‫" نُ�صرنا بقلم القا�ضي الفا�ضل"‪� ،‬إذ �أرجع �سبب الن�صر التليد‪...‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪63‬‬


‫مناهج التعليم‬ ‫وتأصيل الفكر الوسطي في العالم اإلسالمي‬

‫مقاالت‬

‫الدكتور حسن علي المبيضين‬ ‫مدير الدراسات‬ ‫‪64‬‬

‫مما ال�شك فيه �أن التعليم هو كلمة ال�سر يف جناح �أي‬ ‫دولة اقت�صادياً و�إجتماعياً وعلمياً‪ ،‬بل و�سيا�سياً �أي�ضاً‪ ،‬لذا‬ ‫�إذا ارادت اي دولة الإرتقاء مب�ستوى املجتمع يف جماالته‬ ‫املختلفة وج��ب عليها الإهتمام مب�ستوى التعليم عامة‬ ‫ويف تخ�صي�ص ن�سبة من ميزانية الدولة للتعليم والبحث‬ ‫العلمي‪ ،‬لأن التعليم هو املحرك الأ�سا�سي يف تطور الأمم‪،‬‬ ‫فبدون التعليم ي�صبح املجتمع �ضعيفاً لي�س له قواعد‬ ‫�صلبة ي�ستند �إليها ‪.‬‬ ‫لقد �شهد العامل الإ�سالمي تطوراً ملحوظاً يف جمال‬ ‫التعليم منذ ب��دء ن��زول �أول كلمة م��ن ال �ق��ر�آن الكرمي‬ ‫} �إقر�أ{ �إذ �سرعان ما ات�سعت دوائر العلم واملعرفة التي‬ ‫ارت�ضت لتلك الكلمة �أن تكون د�ستوراً فكرياً و�أخالقياً‬ ‫ف�ضالً عن اعتبارها منهج عبادة وطريق تعبد‪.‬‬

‫�إن التعليم مل يكن م�ع��روف�اً �سابقاً لكنه � ٌ‬ ‫أ�صيل‬ ‫يف �أف�ك��اره و�أه��داف��ه وو�سائله‪ ،‬مثلما كانت نواجته تتبع‬ ‫الأ� �ص��ل ال ��ذي ان�ب�ث�ق��ت ع �ن��ه‪ ،‬ول��ذل��ك ق�ل�م��ا جت��د ف�ك��راً‬ ‫غريباً م�شو�شاً يدخل نطاق املعرفة واخل�برة املرتاكمة‬ ‫التي �أ�س�ست البنيان املعريف الإ�سالمي يف بداية تطور‬ ‫الدولة الإ�سالمية‪ ،‬وال�سبب يف ذلك �أن م�صدري املعرفة‬ ‫يحظيان ب��الإح�ت�رام وال�ت�ق��دي��ر‪ ،‬وه�م��ا ال �ق��ر�آن الكرمي‬ ‫وال�سنة النبوية املطهرة‪ ،‬وما ينبثق عن هذين امل�صدرين‬ ‫اليحتاج الى مراجعة وتثبت وت�صحيح‪ ،‬فقط يحتاجان‬ ‫ال��ى تف�سري و�شرح وتو�ضيح‪ ،‬حتى ي�سهل على الدار�س‬ ‫تلقي املعرفة ال�صادرة عنهما‪.‬‬ ‫وظ��ل ه��ذا الأم��ر ��س��ائ��داً حتى ات�سعت دائ��رة املعرفة‬ ‫والفل�سفات الفكرية التي اخرتقت اجل�سم الثقايف للأمة‪،‬‬ ‫ف�أ�صبحت دائ��رة املعارف تزخر بامل�ؤلفات الفل�سفية ذات‬ ‫املرجعية اليونانية‪ ،‬الفار�سية‪ ،‬الهندية والإ�سالمية‬ ‫كذلك‪ ،‬ف�أ�صبح التعليم مرهوناً بتقدمي مناذج معرفية‬ ‫�أ�صيلة ودخيلة‪ ،‬الأمر الذي �أفرز كماً هائالً من املعارف‬ ‫والعلوم ذات املرجعيات الفل�سفية املختلفة‪ ،‬مما�ساعد‬ ‫على ن�شوء ما ي�سمى بالثقافات املو�سوعية لدى الأفراد‬ ‫املفكرين والعلماء وال�ب��اح�ث�ين‪ ،‬وم��ع ه��ذا ال�ك��م الهائل‬ ‫من املعرفة‪ ،‬ظهرت القوة الفكرية للأمة مثلما ظهر‬ ‫بع�ض اخللل يف منظومتها املعرفية والثقافية ب�سبب‬ ‫دخول عنا�صر ال�شعوبية التي نالت من ال�صورة الكلية‬ ‫للثقافة العربية والإ��س�لام�ي��ة ومنها بالطبع اجلانب‬ ‫التعليمي‪ ،‬وما ينطوي عليه من ر�ؤي��ة ثقافية ب�شكل �أو‬ ‫ب�آخر‪� ،‬إذ دخلت بفعل ال�شعوبية تيارات فكرية عدة امتدت‬ ‫بو�سائلها الى املظهر العام يف التعليم‪ ،‬فتجد يف الدولة‬ ‫ال��واح��دة م��ن يحر�ص على تبني الثقافة الفار�سية �أو‬ ‫الهندية‪ ،‬ويف خ�ضم الكم الهائل من الثقافات اخلارجية‪،‬‬


‫وال��داخ�ل�ي��ة ال�ت��ي ترتبط ب�ه��ذا امل��ذه��ب �أو ذاك‪� ،‬أو هذه ذلك‪.‬‬ ‫الطائفة �أو ت�ل��ك‪ ،‬ج��اءت الو�سطية لتكون في�صالً بني‬ ‫�أم ��ا ت��وث�ي��ق امل ��ادة العلمية يف امل�ن�ه��ج ال��و��س�ط��ي‪ ،‬فهو‬ ‫التيارات الفكرية كافة‪ ،‬ذل��ك �أنها غري معنية بالتبعية‬ ‫لطائفة �أو مذهب بعينه‪� ،‬إمن��ا يعنيها الأخ��ذ مب�ضامني التعليم امل�ستند �إل��ى ال�سند‪� ،‬إذ كان دي��دن العلماء يف كل‬ ‫ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي وال���س�ن��ة ال�ن�ب��وي��ة م��ن غ�ير �إف� ��راط وال ع�صر العمل البحث عن ال�سند املت�صل يف التعليم‪� ،‬إذ يجب‬ ‫تفريط‪� ،‬سواء كان ذلك يف العبادات او املعامالت والأخالق �أن يكون ال�سند �سل�سلة من امل�شايخ والأ�ساتذة‪.‬‬ ‫وه��ذا مبعثه �أن ال�شريعة مل تقف عند �إق��ام��ة ال�شعائر‬ ‫وقد �سعى العلماء �إلى �إ�صالح منهجية التعليم كلما‬ ‫ومنا�سك العبادة‪ ،‬ومنظومة الأخالق للفرد امل�ؤمن‪ ،‬و�إمنا ظهر خلل �أو جهل يف م�سلكه �أو طريقته �أو معلوماته‪،‬‬ ‫كان ذلك ا�ستدعاء الدولة ب�شكلها املدين لتكون حا�ضرة ف �� �ش��ددوا ع�ل��ى �شخ�صية امل�ع�ل��م امل � ��ؤدب وم���س�ت��وى علمه‬ ‫ب�شكلها الديني كذلك‪ ،‬اعتقاداً وقيماً و�أخالقاً‪ ،‬يف ميادين وثقافته وغ ��زارة علمه يف تخ�ص�صه‪� ،‬إذ يجب �أن يكون‬ ‫ال�سيا�سة والإقت�صاد والقانون والعالقات الدولية‪ ،‬حتى مطلعاً على �أمهات الكتب يف تخ�ص�صه ومطلعاً يف غريه‪،‬‬ ‫يتغلغل القر�آن الكرمي كد�ستور حياة يف مفا�صل الدولة و�صاحب خط جميل وعبارة �سهلة مي�سورة‪ ،‬ق��ادراً على‬ ‫واملجتمع‪ ،‬الأمر الذي جعل املرء يلحظ منهج الو�سطية الإ��س�ت�ي�لاء ع�ل��ى امل�ج��ال����س بح�سن ح��دي�ث��ه وخ�ف��ة روح��ه‬ ‫يف الفكر وال�سلوك معاً‪.‬‬ ‫العلمية واحرتام القواعد العلمية كذلك‪.‬‬ ‫ول �ه��ذا ك ��ان الب ��د مل��ن ي�ع�ه��د �إل �ي��ه �إع � ��داد امل�ن��اه��ج‬ ‫�أما كيف ميكن الت�أ�سي�س لإيجاد مناهج تعليمية ذات‬ ‫وتخطيطها وتنفيذها وتقييمها وو�ضع �أهدافها العامة ت�أ�صيل فكري و�سطي يف العامل الإ��س�لام��ي‪ ،‬ف ��إن الأم��ر‬ ‫والعري�ضة‪ ،‬ومن ي�سهر على مراجعتها وو�ضع التغذية �سهل ٌ جداً �إذا توفرت عنا�صر الإرادة والريادة والإدارة‪.‬‬ ‫الراجعة لها‪� ،‬أن يربطها بالو�سطية فكراً وثقافة وقيماً‬ ‫و�أخالقاً‪ ،‬حتى تنتقل يف فكر �أبناء الأمة و�سلوكهم جيالً‬ ‫�أم��ا الإرادة فتكفي �أن تنبعث من كل �إن�سان خمل�ص‬ ‫�إث��ر جيل‪ ،‬وه��ذا ي�ساعد على ت�أ�صيل فكر الو�سطية يف لدينه مهما تباعدت بيننا الأ�سفار كم�سلمني‪ ،‬طاملا �أن‬ ‫حياة النا�س الفكرية والثقافية والتعليمية وغريها‪ ،‬و�أمر د�ستورنا الأول وهو القر�آن الكرمي حا�ضر بيننا ون�ستطيع‬ ‫الت�أ�صيل ه��ذا ان�سحب ال��ى كل املعارف والعلوم الدينية �أن ن�ستلهم ما فيه من عنا�صر الوحدة والإحتاد والتعاون‬ ‫منها والدنيوية‪ ،‬وم��ا ك��ان يف مركز الدولة او اخلالفة والتكامل والتكافل يف �سبيل �إيجاد مناهج تعليمية موحدة‬ ‫وما كان خارجها‪ ،‬حتى �شمل املنهج الو�سطي يف التعليم ت�ضع �أهدافها العامة والعري�ضة وفق �إحتياجات الأمة يف‬ ‫العديد من بلدان الدولة الإ�سالمية‪ ،‬مثلما �شمل مظاهر حا�ضرها وم�ستقبلها‪ ،‬ولعل وج��ود م�ؤ�س�سات ومنظمات‬ ‫التعليم الذي كان موجوداً �آنذاك والقائمني عليه‪ ،‬وكذلك دولية �إ�سالمية وعربية تُعنى بالرتبية والثقافة والتعليم‪،‬‬ ‫ط��رائ��ق التعليم‪ ،‬فيما يتعلق باملعلم �إذ ظهر جلياً عند ي�سهل �أمر الوحدة تلك‪ ،‬وي�ساعد على �إيجاد مناهج واحدة‬ ‫�إع��داده لهذه املهمة اجلليلة‪ ،‬مراعاة �أن يكون على قدر منبثقة عن الإي�سي�سكو مثالً‪� ،‬أو غريها‪.‬‬ ‫عال من العلم واملعرفة والفهم والكيا�سة والدين واخللق‬ ‫�أم ��ا ال��ري��ادة ف� ��إن الأم ��ة ��ص��اح�ب��ة ح���ض��ور م�ن��ذ فجر‬ ‫الكرمي الذي ي�ؤهله ليكون �أباً �أو �أخاً ملن يعلم‪� ،‬أو هادياً �أو‬ ‫نا�صحاً �أو مر�شداً �أو موجهاً‪ ،‬فمثل هذه ال�صفات حتتاج التاريخ وه��ي م�ؤهلة مبا حتمله من فكر لقيادة نف�سها‬ ‫ل�صفات تلحظ عند امل��رء يف �سني عمره الأول ��ى‪ ،‬ليكرب بنف�سها وه ��ذا ي�ج��ب �أن ي �ك��ون منطلقها ن�ح��و ت�أ�صيل‬ ‫وعندئذ ي�صبح م�ؤهالً ليكون قدوة لغريه‪ ،‬مناهجها التعليمية وفق منهج و�سطي قومي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عليها ويعتاد‪،‬‬ ‫يف �صفاته و�أخالقه وعلمه ودينه‪.‬‬ ‫�أما الإدارة ب�شقيها املادي‪ :‬املايل والب�شري‪ ،‬ف�إن هذا‬ ‫وق��د ظ�ه��ر ملمح الو�سطية يف �أوق� ��ات التعليم عند الأمر موجود �إذا �أح�سن توظيفه واقرتن ب�إرادة �سيا�سية‬ ‫ارتباطه ب�أوقات بع�ض ال�صلوات‪ ،‬كالظهر والع�صر واملغرب جامعة ت�ستنه�ض الهمم يف كل دولة �أو م�ؤ�س�سة �أو لدى‬ ‫مثالً‪ ،‬وذلك رغبة يف �إجماع النا�س على �أمرين كرميني‪ ،‬ك��ل ف��رد م��ن �أف��راد الأم��ة‪ ،‬بحيث توظف الإدارة تلك يف‬ ‫التعليم وال�صالة‪ ،‬وحتى ي�ستفيد من ذلك �أي�ضاً جميع �إيجاد منظومة متكاملة من املناهج التعليمية ذات الر�ؤية‬ ‫الفئات العمرية املوجودة يف امل�سجد‪ ،‬حتى تطور الأمر �إلى الت�أ�صيلية الو�سطية‪.‬‬ ‫تو�صيف مراحل خا�صة بالتعليم تبد�أ بالطور الإبتدائي‪،‬‬ ‫ويف اخلتام ‪..‬‬ ‫ثم الثانوي ثم العايل‪.‬‬

‫نقول �إن القر�آن حمفوظ ب�إرادة �إلهية‪ ،‬وما علينا �إال ا�ستنطاق‬ ‫�أم��ا امل��واد التي يحر�ص على تدري�سها بالإ�ضافة �إلى‬ ‫علوم ال�ق��ر�آن من ُتف�سري وغ�يره‪ ،‬ي�أتي احلديث النبوي كل �آية فيه تقدم لنا الن�صح والتوجيه والعالج والوقاية‪.‬‬ ‫ال�شريف وعلومه واللغة واحل�ساب‪ ،‬الأم��ر ال��ذي تباينت‬ ‫لنكون كما �أرادنا اهلل ‪ ...‬خري �أُمة �أخرجت للنا�س‪...‬‬ ‫معه طرق التدري�س امل�ستخدمة مع الطلبة‪ ،‬كالت�سميع‬ ‫والإم�ل�اء‪ ،‬والإل�ق��اء‪ ،‬وال�س�ؤال واجل��واب وامل�ح��اورة وغري‬ ‫واحلمد هلل رب العاملني‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪65‬‬


‫مقاالت‬

‫‪66‬‬

‫لماذا القتل؟!‬

‫جميعاً؛ ذلك �أن القاتل با�ستهانته جلرمية القتل تهون عليه‬ ‫�أنف�س‪ ،‬فال يلقي ب��االً �أقتل ف��رداً �أم جماعة‪ ،‬فبا�ستحالله‬ ‫للدم املع�صوم ي�ستحل دماءً كثرية‪ .‬وعلى العك�س َمن حر�ص‬ ‫على النف�س املع�صومة و�أحياها بكل ال�سبل والو�سائل التي‬ ‫حتافظ عليها‪ ،‬فهو كمن حافظ على �أنف�س كثرية‪.‬‬ ‫قال ابن عبا�س ر�ضي اللهَّ عنهما‪ :‬املعنى من قتل نف�ساً‬ ‫واح��دة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل النا�س جميعاً‪.‬‬ ‫وم ��ن ت ��رك ق �ت��ل ن�ف����س واح � ��دة و� �ص��ان ح��رم�ت�ه��ا خم��اف�ت��ي‬ ‫وا�ستحياها �أن يقتلها فهو كمن �أحيا النا�س جميعاً‪.‬‬

‫�إن ج��رمي��ة ق�ت��ل ال�ن�ف����س امل�ع���ص��وم��ة ال تقبلها �شريعة‬ ‫�سماوية‪ ،‬وال ترت�ضيها الأنف�س الطاهرة‪ ،‬فاهلل تعالى خلق‬ ‫الإن�سان ومنحه احلياة وحرم �إزهاق هذه الروح التي ميتلكها‪،‬‬ ‫فالتعدي عليها جناية توجب الق�صا�ص من منتهك حرمتها؛‬ ‫الشيخ عامر اجبير فالح عبد النمراوي‬ ‫وقد ن�صت �شريعة الإ�سالم العظيمة على هذه امل�س�ألة‪� ،‬إحياءً‬ ‫رئيس تجمع علماء اإلعتدال في العراق لها وحفاظاً عليها فقال تعالى‪َ } :‬و َل ُك ْم فيِ ا ْل ِق َ�ص ِ‬ ‫ا�ص َح َيا ٌة َيا‬ ‫الَ ْل َبابِ َل َع َّل ُك ْم َت َّتقُونَ{ (�سورة البقرة‪ . )179:‬قال �شيخ‬ ‫�أُوليِ ْ أ‬ ‫املف�سرين الإم��ام الطربي رحمه اهلل عن هذه الآي��ة‪ :‬ولكم‬ ‫ب�سم اللهَّ الرحمن الرحيم‬ ‫يا �أويل العقول‪ ،‬فيما فر�ضتُ عليكم و�أوجبتُ لبع�ضكم على‬ ‫احلمد للهَّ ‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدي ر�سول اللهَّ ‪ ،‬بع�ض‪ ،‬من الق�صا�ص يف النفو�س واجلراح وال�شجاج‪َ ،‬ما َمنع‬ ‫به بع�ضكم من قتل بع�ض‪ ،‬و َق َدع بع�ضكم عن بع�ض‪ ،‬فحييتم‬ ‫وعلى �آله و�صحبه ومن وااله ‪.‬‬ ‫بذلك‪ ،‬فكان لكم يف حكمي بينكم بذلك حياة‪.‬‬ ‫�أما بعد‪:‬‬ ‫�إ َّن الإ�سالم دين العدل واالعتدال‪ ،‬دين ال�سلم وامل�ساملة‪،‬‬ ‫ف�إ َّن من املقا�صد التي جاءت بها �شريعة الإ�سالم حفظ وق��د ح��ر���ص �شديد احل��ر���ص على توجيه �سلوك الإن���س��ان‬ ‫النف�س واملحافظة عليها بكل الو�سائل وال�سبل‪ ،‬ذل��ك �أن و�أخ�لاق��ه‪ ،‬وحماية حلياته من �أي اع�ت��داء‪ .‬بل بني مكانته‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية تعنى بتقليل املفا�سد و�إلغاءها‪ ،‬و�أعظم وف�ضله بني اخلالئق فقال عز وج��ل‪َ } :‬و َل� َق� ْد َك َّر ْمنَا َب ِني‬ ‫�اه � ْم ِم��نَ َّ‬ ‫الط ِّي َب ِات‬ ‫�اه� ْم فيِ ا ْل�َب�رَِّ َوا ْل� َب� ْ�ح� ِر َو َر َز ْق � َن� ُ‬ ‫�آ َد َم َو َح� َم� ْل� َن� ُ‬ ‫املفا�سد هي قتل النف�س التي حرم اللهَّ �إال باحلق‪.‬‬ ‫�اه� ْم َع �لَ��ى َك � ِث� ٍ‬ ‫ير ممِ َّ ��نْ خَ �لَ� ْق� َن��ا َت� ْف� ِ���ض�ي�لا{ (��س��ورة‬ ‫َو َف��َّ��ض� ْل � َن� ُ‬ ‫قال اللهَّ تعالى‪ِ :‬‬ ‫}منْ �أَ ْجلِ َذ ِل َك َك َت ْبنَا َعلَى َب ِني �إ ِْ�س َرا ِئي َل الإ� �س��راء‪ .)70:‬فال جم��ال البتة لإهانة الإن�سان ومعاملته‬ ‫�أَ َّن ُه َمنْ َق َت َل َنفْ�سًا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َف َك َ�أنمَّ َا َق َت َل معاملة غ�ير الئقة ب��ه‪ ،‬ب��ل جعل للنف�س الإن�سانية مكانة‬ ‫َّا�س َج ِميعًا{ حمرتمة‪ ،‬وف�ضلها على كثري من اخلالئق‪ .‬ف��إذا كان دين‬ ‫َّا�س َج ِميعًا َو َم��نْ َ�أ ْح� َي��ا َه��ا َف� َك� َ�أنمَّ َ ��ا �أَ ْح� َي��ا الن َ‬ ‫الن َ‬ ‫(�سورة املائدة‪ .)32:‬ف�إن قتل النف�س املع�صومة هو قتل للنا�س الإ�سالم ي��ر�أف ويرحم تلك الدابة التي ال تعقل وال تعرف‬


‫ع��ن موتها �شيئاً �أن ي�سايرها الإن���س��ان ف�لا يريها �شفرته‪،‬‬ ‫ويو�صيه ب�أن يحدها‪ ،‬ويرح ذبيحته‪ ،‬ف�إن و�صيته للمحافظة‬ ‫على النف�س املع�صومة كانت �أ�شد و�أح��ر���ص‪ ،‬فقال �سبحانه‬ ‫ْ�س ا َّل ِتي َح َّر َم اللهَّ ُ �إ اَِّل ِبالحْ َ ِّق َو َمنْ‬ ‫وتعالى‪َ } :‬و اَل َت ْق ُت ُلوا ال َّنف َ‬ ‫ُق ِت َل َم ْظ ُلومًا َف َق ْد َج َع ْلنَا ِل َو ِل ِّي ِه ُ�سل َْطانًا فَلاَ ُي ْ�سر ِْف فيِ ا ْل َق ْتلِ‬ ‫�إِ َّن ُه َكا َن َمن ُْ�صورًا{ (�سورة الإ�سراء‪ .)33:‬وتوعد القاتل ب�أ�شد‬ ‫وع�ي��د‪ ،‬و�أن �ك��ى ع�ق��اب ف�ق��ال ع��ز وج��ل‪َ } :‬و َم ��نْ َي� ْق� ُت��لْ ُم�ؤ ِْمنًا‬ ‫مُتَعَمِّدًا فَجَزَا�ؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَ�ضِبَ اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َل َع َن ُه‬ ‫َو�أَ َع َّد َل ُه َعذَابًا َع ِظيمًا{(�سورة الن�ساء‪ .)93:‬فمن نظر �إلى ما‬ ‫يتح�صل عليه القاتل من عقوبة يعلم �أن ما فعله �أمر عظيم‪،‬‬ ‫وا�ستحق عليه‪ :‬جهنم‪ ،‬وغ�ضب اهلل‪ ،‬ولعنته‪ ،‬مع ما يناله من‬ ‫العذاب الأليم‪ .‬كان حري بكل م�سلم عاقل �أن ال يخرج من‬ ‫هذه الدنيا ويف رقبته دم م�سلم‪ ،‬ولو قدر �أمنلة‪ ،‬ال مبا�شرة يف‬ ‫القتل وال حتري�ضاً عليه فاملبا�شر وهو القاتل واملحر�ض �سواء‬ ‫يف العقوبة واجلزاء‪ .‬وهذا ما فهمه كبار ال�صحابة ر�ضوان اهلل‬ ‫عليهم و�أقروه لعمر ر�ضي اهلل‪ ،‬عنه كما �أخرج مالك يف املوط�أ‬ ‫ب�سنده عن �سعيد بن امل�سيب؛ �أن عمر بن اخلطاب قتل نفراً‪.‬‬ ‫خم�سة �أو �سبعة‪ .‬برجل واحد قتلوه قتل غيلة‪ .‬وقال عمر‪ :‬لو‬ ‫متالأ عليه �أهل �صنعاء لقتلتهم جميعاً‪ .‬وهذا من حكمة عمر‬ ‫ر�ضي اهلل عنه وعدله‪ ،‬فكما �أنهم اجتمعوا وت�شاركوا ور�ضوا‬ ‫يف قتل الرجل ا�ستحقوا العقوبة جميعاً جزاءً وفاقاً‪.‬‬

‫وهنا ال بد من بيان حقائق ثابتة‪،‬‬

‫‪ -1‬الإ�� �س�ل�ام دي ��ن ع ��دل و��س�ل��م ال ي�ج�ي��ز ال �ت �ع��دي على‬ ‫احلرمات وال انتهاكها‪.‬‬ ‫‪ -2‬الإ�سالم بينَّ موقفه من القاتل و�أنه جمرم ي�ستحق‬ ‫اجل��زاء العادل بالق�صا�ص يف الدنيا‪ ،‬وعقوبة النار‬ ‫وغ�ضب اهلل يف الآخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬القاتل املبا�شر للنف�س املع�صومة واملحر�ض �سواء‪.‬‬ ‫ك�لاه�م��ا جم��رم��ان م�ستحقان ال�ع�ق��وب��ة ال��دن�ي��وي��ة‬ ‫والآخروية‪.‬‬ ‫‪ -4‬حترمي الغدر والغيلة حتت �أي ذريعة كانت‪.‬‬ ‫وهنا �أي�ضاً بيان بع�ض املهمات التي يجب �أن تناط بكل‬ ‫م�سلم‪:‬‬ ‫‪ -1‬دور العلماء وط�لاب العلم يف بيان حرمة ال��دم��اء‪،‬‬ ‫و�أنها �سبب لهالك املجتمعات‪ ،‬وتف�شي العقوبات‪.‬‬

‫‪ -2‬احلر�ص على االعتدال يف بيان حرمة الدماء‪ ،‬و�أن‬ ‫وق��د ج��اء يف ال�سنة �أح��ادي��ث كثرية يف التوعد والتهديد‬ ‫كل دم مع�صوم وجب احلفاظ عليه‪ ،‬وتفويت الفر�صة‬ ‫والتحذير من �إراقة دم بغري حق‪:‬‬ ‫على من �أراد التمييز بني دم ودم‪.‬‬

‫منها‪ :‬ما �أخرجه البخاري يف �صحيحه (‪ )6878‬ب�سنده‬ ‫اهلل‬ ‫ع��ن م�سروق‪ ،‬ع��ن عبد اهلل‪ ،‬ق��ال‪ :‬ق��ال ر��س��ول اهلل �صلى‬ ‫‪� -3‬إن���ش��اء امل��راك��ز العلمية وت��وع�ي��ة ال���ش�ب��اب امل�سلم يف‬ ‫عليه و�سلم‪ " :‬ال يحل دم امرئ م�سلم‪ ،‬ي�شهد �أن ال �إله �إال اهلل‬ ‫معرفة تعاليم دينهم احلنيف‪.‬‬ ‫و�أين ر�سول اهلل‪� ،‬إال ب�إحدى ثالث‪ :‬النف�س بالنف�س‪ ،‬والثيب‬ ‫ال ��زاين‪ ،‬وامل ��ارق م��ن ال��دي��ن ال�ت��ارك للجماعة "‪ .‬وه��ذا ن�ص‬ ‫‪ -4‬عقد ال �ن��دوات وتو�سيع دور العلماء وط�لاب العلم‬ ‫�صريح يف حرمة قتل النف�س �إال مبا ا�ستثني‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬ما �أخرجه البخاري يف �صحيحه (‪ )6533‬ب�سنده‬ ‫عن �شقيق‪� ،‬سمعت عبد اهلل ر�ضي اهلل عنه‪ :‬قال النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪� " :‬أول ما يق�ضى بني النا�س بالدماء "‪.‬‬

‫يف �إلقاء الدرو�س واملحا�ضرات يف امل�ساجد واملدار�س‬ ‫واجل��ام �ع��ات ل�ب�ي��ان ح��اج��ة امل�ج�ت�م��ع ل�ه��م يف ع�م��ارة‬ ‫الأر�ض وا�ستخالفهم فيها‪.‬‬

‫‪ -5‬االبتعاد عن املذهبية والعن�صرية والقبلية‪ ،‬والتعامل‬ ‫م��ع �أف� ��راد امل�ج�ت�م��ع ع�ل��ى ال �� �س��واء‪ ،‬و�أن ك��ل ف��رد له‬ ‫م�س�ؤوليته ودوره يف احلفاظ على مقا�صد ال�شريعة؛‬ ‫فال�شريعة عامة ولي�ست خا�صة ب�أحد‪.‬‬

‫�إن امل�سلم احلري�ص على دينه وم�آله ينبغي �أن يراعي حدود‬ ‫اهلل تعالى فال ينتهكها‪ ،‬و�أي انتهاك �أعظم من الولوج يف دماء‬ ‫حرمها اهلل تعالى‪ ،‬و�أي انتهاك �أ�شد من التعدي على نف�س‬ ‫مع�صومة �أمر اهلل تعالى بحفظها‪� ،‬إن احلري�ص الذي يعلم �أن‬ ‫بانتهاكه لهذه احلرمات �سيقف �أمام جبار الأر�ض وال�سماوات‪،‬‬ ‫وقد �أوقفه على ر�ؤو�س اخلالئق حامالً راية الغدر واخليانة‪ -6 ،‬نبذ ال�ت�ف��رق وال��دع��وة �إل��ى االج�ت�م��اع‪ ،‬و�إب� ��راز �سمة‬ ‫مط�أط�أ ر�أ�سه ندماً على ما انتهك وتعدى‪ ،‬جاء يف احلديث‪:‬‬ ‫العفو وامل�ساحمة وال�صفح‪.‬‬ ‫" يجيء املقتول يوم القيامة متعلقاً بالقاتل‪ ،‬ت�شخب �أوداجه‬ ‫ه��ذا‪ ،‬و�أ��س��أل اهلل تعالى �أن يحفظ امل�سلمني ويقيهم �شر‬ ‫دم �اً‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب‪� ،‬سل ه��ذا مل قتلني؟ "‪� .‬إ َّن اخل��ذالن كل‬ ‫الفنت ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬ ‫اخلذالن �أن يبيع امل�سلم دينه بعر�ض من الدنيا زائل‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪67‬‬


‫المواطنة الصالحة‬

‫أساس التعايش السلمي‬ ‫مقاالت‬

‫ومعلوم �أن كل ما يفعله امل�سلم من خري يعود عليه‬ ‫بالأجر مرتني ‪ ،‬فالأول دنيوي ‪ ،‬والثاين �أخــــروي لينال‬ ‫ب��ه احل�سنى ‪ ،‬ويف احل��ال�ين ف��إن��ه ي�صب يف ع�م��ارة وطنه‬ ‫ودينه ‪ ،‬ق��ال اهلل تعالى‪َ }:‬منْ َع ِم َل َ�صالحِ اً ِم��نْ َذ َك��رٍ �أَ ْو‬ ‫�أُ ْن َثى َو ُه� َو ُم��ؤ ِْم��نٌ َفلَن ُْح ِي َي َّن ُه َح َياةً َو َلن َْج ِز َي َّن ُه ْم َ�أ ْج� َر ُه� ْم‬ ‫ِب�أَ ْح َ�سنِ َما َكانُوا َي ْع َم ُلونَ{ (النحل ‪. )96‬‬

‫عبد القادر النايل‬ ‫باحث عراقي‬

‫‪68‬‬

‫ه ��ذا ه��و امل �ع �ي��ار الإ� �س�لام��ي ‪ ،‬ف��امل���س�ل��م ال ��ذي يعمل‬ ‫ب��إخ�لا�� ٍ�ص ون�ي��ة ��ص��ادق� ٍة ‪ ،‬فهو ��ص��ادق ال�ت��وج��ه و��ص��ادق‬ ‫امل��واط�ن��ة ‪ ،‬وامل��واط�ن��ة م��ن �آك��د ت��وج�ه��ات العبد ال�صالح‬ ‫ال��ذي ي�سعى لآخ��رت��ه ومر�ضـــاة رب��ه ‪ ،‬ق��ال النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪�((:‬إذا قامت ال�ساعة وبيد �أحدكم ف�سيلة‬ ‫فليغر�سها)) ‪� .‬أمل يكن زراعتها وغر�سها عمل ح�سن ي�صب‬ ‫يف رافد املواطنة ال�صاحلة وبناء املجتمع رغم �شدة الهول‬ ‫يوم القيامة ‪ ،‬ومن داللة هذا احلديث احلث على ا�ستغالل‬ ‫الأوقات والفر�ص وعدم ت�ضييعها من غري �إنتاج‪.‬‬

‫�إن ك َّل ما يقدمه الإن�سان �سواء �أكان م�سلماً �أم كافر ًا‬ ‫والأوط � ��ان تبنى ب��الأع �م��ال ال �ف��ردي��ة ال�ت��ي يقدمها‬ ‫لنف�سه �أو لغريه يف �أبواب املعروف فهو خري له ولوطنه الأفراد ‪ ،‬وبالأعمال اجلماعية التي تقدمها اجلماعات ‪،‬‬ ‫‪ ،‬وي�صب ذلك يف عمارة الأر���ض وبناء املجتمعات ‪� ،‬سواء ولبنة فوق �أخرى تنتج بناءً �شاخماً و�صرحاً كبرياً ‪.‬‬ ‫�أكـــان هذا العمل عمالً فردياً �أم جماعياً ‪ ،‬مق�صوداً �أم غري‬ ‫ف�إذا �ساد اخلري وانت�شر ‪ ،‬ف�ستموت الفوارق الطبقية‬ ‫مق�صود ‪ ،‬قال اهلل تعالى } َف َمنْ َي ْع َم ْل ِم ْثقَا َل َذ َّر ٍة خَ رياً والطائفية واملناطقية والدينية و�سي�صبح الفرد يعي�ش‬ ‫َي َر ُه • َو َمنْ َي ْع َم ْل ِم ْثقَا َل َذ َّر ٍة �شَ ّراً َي َر ُه{ (الزلزلة ‪ 7‬و ‪ . )6‬ب�سالم و�أم��ان يف ظل عرف املواطنة ال�صاحلة ‪ ،‬قال اهلل‬ ‫وت��أ��س�ي���س�اً ع�ل��ى ه��ذا ف ��إن امل��واط�ن��ة م��وج��ودة يف ذات تعالى }ال �إِ ْك َرا َه فيِ ال ِّدينِ { (البقرة ‪. )256‬‬ ‫الإن�سان �شاء �أو �أبى‪ ،‬وهي جزء ال يتجز�أ من فطرته التي‬ ‫وم��ا ال�ق��وان�ين ال��رادع��ة ال�ت��ي ت�ش ّرعها احل�ك��وم��ات ‪،‬‬ ‫�أودع�ه��ا اهلل عز وج��ل فيها ‪ ،‬ل��ذا جند يف ال��دول التي ال والق�صا�ص العادل الذي تفر�ضه املحاكم احلكومية على‬ ‫تدين بالإ�سالم يف �أيامنا هذه �أن كل ما ينتجه الفرد من املجرمني ومرتكبي ال�سيئات �إ َّال رادعاً لهم ‪ ،‬ليعودوا �إلى‬ ‫ر�شدهم وي�سلكوا الطريق الأم�ث��ل يف م�ستقبل �أيامهم‬ ‫جهد ‪ ،‬ف�إنه ي�صب يف عمارة وطنه ‪.‬‬ ‫لتتحقق بهم املواطنة ال�صاحلة التي يتعاي�ش الأف��راد‬ ‫وم��ن ب��اب �أول��ى ف ��إن على امل�سلم ال��ذي يدين هلل عز حتت ظلها ‪ .‬فدرء املفا�سـد امل�ستع�صية ال يتم �إ َّال با�ستخدام‬ ‫وجل بالعبودية املطلقة اخلال�صة �أن يكون فعله كله خري القوانني ال�صارمة ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪َ } :‬و َل ُك ْم فيِ ا ْل ِق َ�ص ِ‬ ‫ا�ص‬ ‫وي�صب يف بناء جمتمعه نحو الأح�سن ‪.‬‬ ‫َح َيا ٌة َيا �أُوليِ الأَ ْل َباب َل َعلَ ُك ْم َت َّتقُونَ{ (البقرة ‪. )179‬‬


‫ومن هذه املقدمة ن�صل �إل��ى نتيجة حتمية �أن الفرد‬ ‫الثالث ‪ :‬الرادع الديني والقانوين ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪:‬‬ ‫ال��ذي يعي�ش على بقعة من الأر���ض ومعه �أف��راد �آخرين } َو َل ُك ْم فيِ ا ْل ِق َ�ص ِ‬ ‫ا�ص َح َيا ٌة َيا �أُوليِ الأَ ْل َباب َل َعلَ ُك ْم َت ََّتقُونَ{‬ ‫�إما �أن يكون بعمله وتوجهاته مواطناً �صاحلاً يخدم �أمته (البقرة ‪.)179‬‬ ‫ووطنه ‪ ،‬و�إما �أن يكون مف�سداً خمرباً ال نفع يرجتى منه ‪.‬‬ ‫ف�إن مل تتحقق الأ�شياء الثالثة يف كل فرد مل تتحقق‬ ‫ومم��ا ي�ست�شف من ت�أريخ �أمتنا �أن ال�سلف ر�ضي اهلل لديه املواطنة ال�صاحلة التي �أرادها القر�آن الكرمي ‪ .‬قال‬ ‫عنهم كانوا من النوع الأول الذين خدموا دينهم‬ ‫ووطنهم‪ ،‬اهلل تعالى وهو ي�صف هذه الأم��ة باخلريية وا�ستمرارها‬ ‫فكانوا حقاً �أن ��واراً وم�صابيح تنري ل�ل�أج�ي��ال طريقها ‪،‬‬ ‫َّا�س َت�أْ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫ورحم اهلل القائل ‪( :‬ت�شبهوا بالكرام �إن مل تكونوا مثلهم فيها ‪ُ } :‬ك ْن ُت ْم خَ يرَ َ �أُ َّم ٍة �أُخْ ر َِج ْت ِللن ِ‬ ‫وف‬ ‫َو َت ْن َه ْو َن َعنْ المْ ُ ْن َكرِ{ (�آل عمران ‪. )110‬‬ ‫�إن الت�شبه بالكرام فالح) ‪.‬‬ ‫وملا ابتعد امل�سلمون عن فعل احل�سنات واجتناب املنكرات‬ ‫ف�ع��ن �أب ��ي �أم��ام��ة ر� �ض��ي اهلل ع�ن��ه �أن ف�ت��ى ��ش��اب�اً �أت��ى‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فقال ‪ :‬يا ر�سول اهلل ائذن �أ�صبح املجتمع يف حالة �سيئة يرثى لها ‪ ،‬وب��ات املجتمع‬ ‫يل بالزنى ‪ ،‬ف�أقبل القوم عليه ف��زج��روه‪ ،‬وق��ال��وا ‪ :‬مه ‪ ،‬يئن ملثل ه�ؤالء الرجال الذين ي�أمرون باملعروف وينهون‬ ‫مه ‪ ،‬فدنا منه قريباً قال فجل�س قال ‪�(( :‬أحتبه لأمك عن املنكر والذين كان همهم وديدنهم بناء املجتمع على‬ ‫؟)) ‪ ،‬ق��ال ‪ :‬ال واهلل جعلني اهلل ف�ـ�ـ��داءك ‪ ،‬ق��ال ‪(( :‬وال �أف�ضل ما يكون ‪.‬‬ ‫النا�س يحبونه لأمهاتهم)) ‪ ،‬قال ‪�(( :‬أحتبه لأختك ؟))‬ ‫فاملجتمع ال يتعافى م��ن �أم��را��ض��ه و��ش��رور مواطنيه‬ ‫‪ ،‬قـال ‪ :‬ال واهلل جعلني اهلل ف��داءك ‪ ،‬قال ‪(( :‬وال النا�س‬ ‫ي�ح�ب��ون��ه لأخ��وات �ه��م)) ‪ ،‬ق��ال ‪�(( :‬أحت �ب��ه لعمتك ؟)) ‪� ،‬إ َّال عندما يعرف كل ف��رد فيه حقه وم�ستحقه ‪ ،‬وي��ؤدي‬ ‫ق��ال ‪ :‬ال واهلل جعلني اهلل ف��داءك ‪ ،‬ق��ال ‪ (( :‬وال النا�س ما عليه من حقوق وواجبات جتاهه ‪ ،‬وكذلك ال ي�سوده‬ ‫يحبونه لعماتهم))‪ ،‬قال ‪�(( :‬أحتبه خلالتك ؟)) ‪ ،‬قال ‪ :‬الأمن والرخاء �إ ّال �إذا التزم �أفراده ب�أداء حقوق الآخرين‬ ‫ال واهلل جعلني اهلل فداءك ‪ ،‬قــال ‪(( :‬وال النــا�س يحبونه وتنازل عن رغباته النف�سية اجلاحمة لغريه ‪.‬‬ ‫خلاالتهم)) ‪ ،‬قال ‪ :‬فو�ضع يده عليه وقال ‪(( :‬اللهم اغفر‬ ‫ذنبه ‪ ،‬وط ّهر قلبه‪ ،‬و�أح�صن فرجه)) فلم يكن الفتى بعد‬ ‫فكل من ع��رف حقه وح��ق الآخ��ري��ن عليه و�سعى �إلى‬ ‫ذلك يلتفت �إلى �شيء ‪( .‬احلديث �صحيح رواه �أحمد) ‪ .‬حتقيقها عا�ش يف جمتمعه مبواطنة �صاحلة م��ن غري‬ ‫ف�ت��وج�ه��ات ه��ذا ال���ش��اب ك��ان��ت تن�صب ن�ح��و الإف���س��اد �أن يخطر بباله الإ�ساءة �إليه وهذا ما ن�سعى �إليه وي�سعى‬ ‫والإ�ساءة �إلى جمتمعه ‪ ،‬ولوال وازعه الإمياين وتوجيهــــــات �إليه �أه��ل اخل�ير يف كل جمتمع �إن�ساين قائم على �أ�س�س‬ ‫املعلم امل��رب��ي �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ ،‬ل��وق��ع يف املع�صية ومبادئ‪.‬‬ ‫وال�سوء الذي �سريد على املجتمع بالعواقب ال�سيئة ‪.‬‬ ‫ولكن عندما ت�ضيع احل�ق��وق وال يعرف ك��ل ذي حق‬ ‫�إذن تتحقق املواطنة ال�صاحلة بثالثة �أ�شياء ‪:‬‬ ‫حقه تنت�شر الفو�ضى ويعم البالء وي�سوء الأمن وت�سو�سه‬ ‫الأول ‪ :‬ال�ت��وج��ه ال�صحيح وال�ن�ي��ة املخل�صة والنف�س الأ�شرار و�أهل الأطماع والرغبات ال�شهوانية وهذا ما ال‬ ‫املطمئنة ‪ ،‬ق��ال �صلى اهلل عليه و�سلم ‪�(( :‬إمن ��ا الأع�م��ال ير�ضاه اهلل وال ير�ضاه ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم ‪.‬‬ ‫بالنيات و�إمنا لكل امرئ ما نوى)) (رواه البخاري وم�سلم) ‪.‬‬ ‫ف��امل���س�ل��م احل �ـ��ق ال ي�ت�ج��اه��ل ح��ق الآخ ��ري ��ن ‪ ،‬وال ��ذي‬ ‫الثاين ‪ :‬وجود املعلم واملربي واملوجه ال�صادق لت�صويب يتجاهل ه��ذا ال ي�ع��رف للمواطنة ال�صاحلة حقها ‪ ،‬بل‬ ‫العمل وت�سديده ‪ ،‬وعلى كل م�سلم �أن يقبل من معلمه يتنكر ذلك با�ستمرار ليكون عابثاً مف�سداً و�إنا هلل و�إنا �إليه‬ ‫ومربيه الن�صيحة والتوجيه والت�سديد‪.‬‬ ‫راجعون ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪69‬‬


‫الغابات وأهميتها‬ ‫في حياة االنسان والبيئة‬ ‫مقاالت‬

‫الدكتور صالح عبد الغني الشرع‬

‫‪70‬‬

‫ال �غ��اب��ات م��ن �آي� ��ات اهلل ‪ ،‬وم ��ن ب��دائ��ع خ�ل�ق��ه ‪ ،‬وه��ي‬ ‫ك��ائ��نٌ ح� ّ�ي يتنف�س ينمو وي�ك�بر يحيا ومي� ��وت‪ ،‬ح�سب‬ ‫�سننه تعالى يف اخللق والإي�ج��اد ‪ ،‬وه��ي ت�سبح بحمده ‪،‬‬ ‫وت�سجد لعظمته ‪ ،‬كما جاء يف قوله تعالى‪} :‬ت�سبح له‬ ‫ال�سموات ال�سبع واالر���ض ومن فيهن‪ ،‬و�إن من �شيء اال‬ ‫ي�سبح بحمده ولكن ال تفقهون ت�سبيحهم انه كان حليما‬ ‫عفوراً{ ( اال�سراء ‪ ,)44 -‬ويف قوله تعالى‪� } :‬أمل تر �أن‬ ‫اهلل ي�سجد له من يف ال�سماوات ومن يف الأر�ض وال�شم�س‬ ‫والقمر والنجوم واجلبال وال�شجر وال��دواب وكثري من‬ ‫النا�س{‪(.‬احلج ؟؟؟ )‬ ‫وتعترب الغابات من املوارد الطبيعية املتجددة والهامة‬ ‫يف احل�ي��اة على وج��ه االر� ��ض‪ ،‬ي�ق��ول ت�ع��ال��ى‪} :‬فلينظر‬ ‫االن�سان الى طعامه انا �صببنا املاء �صباً ثم �شققنا االر�ض‬ ‫�شقاً ف�أنبتنا فيها حباً وعنباً وق�ضبا ‪ . . . .‬متاعاً لكم‬ ‫ولأنعامكم{ (عب�س ‪) 35 - 24‬‬ ‫وللغابات �أهميتها البالغة يف ا�ستمرار احل�ي��اة‪ ،‬ويف‬ ‫التنوع احليوي (البيولوجي) لأنها م�صدر هام للموارد‬

‫اجلينية واال� �ص��ول ال��وراث �ي��ة ل�ل�أح �ي��اء‪ .‬وذل ��ك لأن�ه��ا‬ ‫ت�شتمل على نظام بيئي متكامل ي�شكل منهجاً وا�ضحاً يف‬ ‫التعاي�ش بني مكونات هذا النظام‪ ،‬ويف تبادل املنفعة من‬ ‫�أج��ل ا�ستمرار احلياة بني املجموعات احلية التي متد‬ ‫الرتبة واملوارد الطبييعية يف بيئة الغابة مب�صادر الغذاء‬ ‫وامل�أوى والعي�ش الدائم‪.‬‬ ‫وت�شكل ال�غ��اب��ات م�ستودعاً للتباين ال��وراث��ي حيث‬ ‫تلعب دوراً هاماً يف تزويد البيئة مب�صادر االنواع احلية‬ ‫واملنتجات اخل�شبية‪ ،‬وكما ت�شكل موئالً �آمناً للأحياء‬ ‫الربية من احليوانات والطيور والنباتات واحل�شرات‬ ‫"‪} :‬و�أوحى ربك الى النحل �أن اتخذي من اجلبال بيوتاً‬ ‫ومن ال�شجر ومما يعر�شون{ ( النحل ‪.)68 -‬‬ ‫وتعترب ال�غ��اب��ات نظاماً بيئياً متكامالً تظهر فيه‬ ‫ج�م�ي��ع �أ� �ش �ك��ال وم �ظ��اه��ر احل �ي��اة ل�ل�ط�ي��ور والأ� �ش �ج��ار‬ ‫والنباتات واالحياء الربية‪ ،‬و ذلك مبا فيها من موارد‬ ‫وثروات طبيعية من املياه والأنهار والينابيع وال�صخور‬ ‫وامل �ع��ادن وامل ��راع ��ى‪ .‬وم��ن م ��ؤث��رات ال �غ��اب��ات يف احل�ي��اة‬ ‫االن�سانية والبيئية‪:‬‬ ‫‪ .1‬الفوائد االقت�صادية‪:‬‬ ‫ ت��وف��ر ال �غ��اب��ات االخ �� �ش��اب ال �ت��ي ت�ستغل يف جميع‬‫ال�ن���ش��اط��ات واالح �ت �ي��اج��ات ال���ص�ن��اع�ي��ة وال��زراع �ي��ة‬ ‫واحل��رف�ي��ة وامل�ن��زل�ي��ة م��ن م�ع��دات ال�ب�ن��اء وال��زراع��ة‬ ‫واالثاث وال�سفن وغريها العديد‪.‬‬ ‫ ويف جم��ال الطاقة توفر الأخ���ش��اب ال��وق��ود‪ ،‬كما‬‫�أن الغابات متثل برتول بع�ض ال��دول‪ ،‬فهي تعترب‬ ‫امل�صدر اال�سا�س يف حطب وفحم الوقود يف العديد‬ ‫من ال��دول النامية‪ ،‬وقد �أ�شار القر�آن الكرمي �إلى‬ ‫ه��ذه احلقيقة العلمية والعملية بقوله تعالى ‪:‬‬ ‫}اهلل جعل لكم من ال�شجر الأخ�ضر ناراً ف�إذا �أنتم‬ ‫منه توقدون{ (ي�س ‪، )80‬‬ ‫ وقوله ‪�} :‬أفر�أيتم النار التي تورون * �أ�أنتم �أن�ش�أمت‬‫�شجرتها �أم �أن�ت��م نحن املن�ش�ؤون * نحن جعلناها‬ ‫تذكرةً ومتاعاً للمقوين { (الواقعة‪.)73 - 71‬‬


‫‪ .2‬الت�أثريات ال�صحية‪:‬‬ ‫ للأ�شجار ف��وائ��د ه��ام��ة على �صحة االن���س��ان وعلى‬‫الأح� �ي ��اء امل ��وج ��ودة يف االر� � ��ض وذل� ��ك ل ��دوره ��ا يف‬ ‫الأجواء ويف تخلي�ص الهواء من كثري من الأمرا�ض‬ ‫واجلراثيم والغازات ال�سامة امل�سببة لها‪ .‬حبث تقوم‬ ‫الأ�شجار والغابات بامت�صا�ص ال�صخب وال�ضجيج‬ ‫الناجم عن الن�شاطات ال�صناعية وحركة الطائرات‬ ‫وال�سيارات والقطارات‪ ،‬كما تعترب الغابات م�صدراً‬ ‫هاماً لكثري من النباتات واالع�شاب الطبية‪.‬‬ ‫‪ .3‬الت�أثريات النف�سية والروحية‪:‬‬ ‫ ت�شكل الغابات �أماكن ا�ستجمام وتنزه جلميع االفراد‬‫حيث يخلوا النا�س ال��ى ال��راح��ة وال�سكينة داخلها‬ ‫فيتن�سمون ه��واءه��ا الطلق النقي فتغمر نفو�سهم‬ ‫الن�شوة واالبتهاج‪ ،‬ب�سحر وجمال وخ�ضرة الطبيعة‬ ‫ال�صافية داخل الغابات‪.‬‬ ‫‪ .4‬الت�أثريات على احليوانات والطيور و�سائراالحياء‬ ‫داخل الغابات‪ :‬حيث ال تقل �أهمية ال�شجرة بالن�سبة‬ ‫ل�لاح�ي��اء ال�ت��ي تعي�ش داخ ��ل ال�غ��اب��ات ع��ن �أهميتها‬ ‫لالن�سان‪ ،‬فهي ت�شكل املوئل واملوطن وم�صدر الغذاء‬ ‫لهذه الأحياء التي تتغذى من ثمارها وت�ستقي من‬ ‫مياهها وتتفي�أ ظاللها‪ ،‬وترتبط حياة العديد من‬ ‫هذه االحياء بوجود الغابات‪.‬‬ ‫�أ‌) �أثر الغابات على عنا�صر احلياة االن�سانية‪:‬‬ ‫�أثرها على الرتبة‪:‬‬ ‫ تثبيت الرتبة وحتول دون اجنرافها‪.‬‬‫ زيادة عمق وخ�صوبة الرتبة‪.‬‬‫ تفتيت وحتليل ال�صخور وحتويلها الى تربة‪.‬‬‫ تظليل االر�ض والعمل على تخفيف ن�سبة التبخر‪.‬‬‫ب) �أثرها على املاء‪:‬‬

‫ زيادة كميات هطول االمطار املت�ساقطة والعمل على‬‫جلب الرياح املحملة بال�سحب‪.‬‬ ‫ احلد من �سرعة جريان املياه فوق �سطح الرتبة وما‬‫يتبع ذلك من �سرعة االجنراف‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫زيادة كميات املياه اجلوفية‪.‬‬ ‫ج) �أثرها على الهواء‪:‬‬

‫ تعترب اال�شجار م�صفاة طبيعية للهواء املحيط حيث‬‫تعملعلى تنقية الهواء وت�صفيته من كل ال�شوائب‪.‬‬ ‫ ق �ي��ام �أوراق الأ� �ش �ج��ار ب��ام�ت���ص��ا���ص ال �غ��ازات ال�سامة‬‫وخا�صة ثاين �أك�سيد الكربون والغبار و�إط�لاق غاز‬ ‫االك�سجني‪.‬‬ ‫ العمل على تلطيف حرارة اجلو واملناخ‪.‬‬‫د) مكافحة الت�صحر‪:‬‬ ‫ت�ع�ت�بر ال �غ��اب��ات وزراع � ��ة اال� �ش �ج��ار م��ن �أه ��م و��س��ائ��ل‬ ‫مكافحة الت�صحر‪ ،‬حيث تعمل على تثبيت الرتبة و�صد‬ ‫ال��ري��اح املحملة ب��ال��رم��ال‪ .‬وال�ع�م��ل على حماية الطرق‬ ‫واجل�سور واملن�ش�آت وامل�ست�شفيات والبنى التحتية‪.‬‬ ‫• و�ضع الغابات يف العامل‪:‬‬ ‫ت�شري تقارير برنامج الأمم املتحدة للبيئة �أنّ الغابات‬ ‫تغطي يف الوقت الراهن م�ساحة (‪ )3625‬مليون هكتار‪،‬‬ ‫�أي ما يعادل (‪ )%27.7‬من م�ساحة الكرة االر�ضية او من‬ ‫م�ساحة الياب�سة اخلالية من اجلليد‪ ،‬يتم توزيعها على‬ ‫النحو الآتي‪:‬‬ ‫(‪ )%25.4‬م�ساحة الغابات ال�شمالية‪.‬‬ ‫(‪ )%21.2‬م�ساحة الغابات املعتدلة‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪71‬‬


‫‪72‬‬

‫(‪ )%53.4‬الغابات اال�ستوائية‪.‬‬ ‫ويجري توزيعها االقليمي على النحو االتي‪:‬‬ ‫افريقيا فيها ح��وايل (‪ )700‬مليون هكتار غابات‬ ‫‬‫ا�ستوائية‪.‬‬ ‫ امريكا وفيها ح��وايل (‪ )820‬مليون هكتار غابات‬‫ا�ستوائية‪.‬‬ ‫ وحوايل (‪ )300‬مليون هكتار غابات معتدلة‪.‬‬‫ �آ��س�ي��ا وف�ي�ه��ا ح ��وايل (‪ )300‬م�ل�ي��ون ه�ك�ت��ار غ��اب��ات‬‫ا�ستوائية‪.‬‬ ‫ وحوايل (‪ )200‬مليون هكتار غابات معتدلة‪.‬‬‫ وحوايل (‪ )1900‬مليون هكتار غابات �شمالية‪.‬‬‫وال��ى جانب تلك الغابات هناك (‪ )650‬مليون هكتار‬ ‫مغطاة ب�أنواع �أخرى من النباتات اخل�شبية وال�شجريات‬ ‫وال �ن �ب��ات��ات ال �ث��ان��وي��ة‪ .‬ك �م��ا ي �ق��در امل� �خ ��زون ال �ك �م��ي من‬ ‫االخ�شاب والغابات املوجودة يف العامل بنحو (‪ )315‬بليون‬ ‫مرت مكعب من االخ�شاب ح�سب بيانات منظمة التعاون‬ ‫والتنمية يف امليدان االقت�صادي‪.‬‬ ‫و�ضع الغابات يف االردن‪:‬‬ ‫· ت��دل كثري من ال��دالئ��ل على �أن �أج��زاء كبرية من‬ ‫االرا�ضي االردنية كانت مغطاة باال�شجار وال�شجريات‬ ‫احلراجية‪ ،‬لكنها تعر�ضت لأ�شكال عديدة من القطع‬ ‫والإبادة واالقتالع‪.‬‬ ‫· وت�شري االرقام الى ان م�ساحة املناطق احلرجية يف‬ ‫االردن تبلغ حوايل (‪ )1.3 - 1.5‬مليون دومن ‪ ،‬وق�سم‬ ‫منها م�شجر وق�سم �آخرال يزال عار من الأ�شجار‪ ,‬وال‬ ‫تزيد ن�سبة �أرا�ضي احلراج يف الأردن عن ( ‪ ) % 1‬من‬ ‫امل�ساحة الإجمالية‪ ,‬فيما يقدر املعدل العاملي لن�سبة‬ ‫�إ��ش�غ��ال ال�غ��اب��ات ( ‪ )% 20‬وم��ن هنا تظهر ��ض��رورة‬ ‫ال�ع�م��ل ع�ل��ى و��ض��ع خ�ط��ة تعمل ع�ل��ى تنمية وزي ��ادة‬ ‫م�ساحة الغابات يف الأردن‪.‬‬ ‫• ويجري توزيع الغابات يف الأردن الى‪:‬‬ ‫• غابات حكومية‪ )354( :‬الف دومن‪.‬‬ ‫• غابات مملوكة‪ )47( :‬الف دومن‪.‬‬ ‫ويجري توزيعها ب�سبب النوع على النحو االتي‪:‬‬ ‫�أ‌) غابات عري�ضة االوراق م�ستدمية اخل�ضرة (‪ )50‬الف‬ ‫دومن منها (‪ )19‬الف دومن يف ال�شمال و (‪ )59‬الف‬ ‫دومن يف اجلنوب‪.‬‬ ‫�أهم االنواع فيها‪:‬‬

‫ ال�سنديان (‪)quercus coccifera‬‬‫ امللول (‪)quercus aeglops‬‬‫ البطم (‪)pistacia atlantica‬‬‫ اخلروب (‪)ceratonia siliqua‬‬‫ القيقب (‪)arbutus and rachne‬‬‫ب‌) غابات عري�ضة االوراق مت�ساقطة‪ :‬وتبلغ م�ساحتها‬ ‫(‪ )42‬ال��ف دومن ت��وج��د يف امل�ن��اط��ق ال�شمالية وهي‬ ‫ب�شكل رئي�س غابات امللول (‪)q.aegilops‬‬ ‫�أنواع ثانوية‪:‬‬ ‫ العبهر (‪)styrex officinalis‬‬‫ البطم (‪)pistacia atlantica‬‬‫ اخلروب (‪)ceratonia siliqua‬‬‫ج) غابات خمروطية‪ :‬وتغطي م�ساحة (‪ )78‬الف دومن‬ ‫على النحو االتي‪:‬‬ ‫ الف دومن مغطاة بال�صنوبر احللبي يف ال�شمال (‪pinus‬‬‫‪)halepensis‬‬ ‫ (‪ )77‬ال��ف دومن مغطاة ب�أ�شجار العرعر يف اجلنوب‬‫(‪.)juniperusPhoenicia‬‬ ‫د) تغطي م�ساحة (‪ )30‬الف دومن يف املناطق ال�شمالية‬ ‫و تتكون من نوعني رئي�سيني هما ال�صنوبر احللبي‪،‬‬ ‫وال�سنديان‪ ،‬ا�ضافة الى انواع مرافقة مثل‪:‬‬ ‫ القيقب (‪)arbutus and rachne‬‬‫ البطم الفل�سطيني (‪)pistacia palestina‬‬‫ االجا�ص الربي (‪)pyrus syriacus‬‬‫ غابات الزيتون الربي (‪)olea euraoea‬‬‫وت�غ�ط��ي ه��ذه م�ساحة (‪ )1000‬دومن يف ب�ل��دة ب��رم��ا‪ ،‬يف‬ ‫حمافظة جر�ش‪.‬‬ ‫ وتتكون ب�شكل رئي�س من ال�صنوبر احللبي‪ ،‬والربوتيا‪،‬‬ ‫واالكا�سيا (‪ )acacia cyanophella‬وتبلغ م�ساحتها‬ ‫حوايل (‪ )400‬الف دومن‪.‬‬ ‫ وبذلك فان فوائد و�أثر الغابات على االن�سان وعلى‬ ‫بيئته املحيطة ال ميكن ح�صرها‪ ،‬وهي ثروة وطنية‬ ‫يجب حمايتها و�صيانتها وتنميتها بكل الو�سائل‬ ‫وعلى كافة امل�ستويات املحلية واالقليمية والدولية‪.‬‬ ‫وهنا ن�ستذكر قول الر�سول العظيم يف �أهمية ال�شجرة‬ ‫(اذا قامت ال�ساعة ويف يد �أحدكم ف�سيلة فال يدعها‬ ‫حتى يغر�سها)‬


‫القرآن الكريم‬ ‫يقرر شمول الوحي للسنة النبوية‬ ‫مقاالت‬

‫املتطرفون الإرهابيون لن�شر فكرهم التكفريي الدموي‬ ‫با�سم حماية ال��دي��ن وبي�ضته م��ن ج�ه��ة‪ ،‬وي�ستغل هذا‬ ‫اجلهل بالدين يف اجلهة املقابلة املتطرفون الإرهابيون‬ ‫العلمانيون لن�شر طعونهم يف الإ� �س�لام وال�سنة با�سم‬ ‫تنقية الدين وتطويره!‬ ‫وحجية ال�سنة النبوية ي�ؤكدها القر�آن الكرمي بذاته‬ ‫حني يكرر يف �أك�ثر من �آي��ة �أن ال�سنة النبوية هي جزء‬ ‫من الوحي الرباين للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كما يف‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ما �ض ّل �صاحبكم وما غوى* وما ينطق‬ ‫عن الهوى* �إن هو �إال وحي ُيوحى{ (النجم‪.)4-2 :‬‬ ‫فالوحي ال��ذي ن��زل على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫نوعان‪ ،‬الأول وحي بلفظه ومعناه من اهلل عز وجل وهو‬ ‫متعبد به كالقر�آن الكرمي‪ ،‬ووحي معناه من اهلل عز وجل‬ ‫كالأحاديث النبوية والأحاديث القد�سية فهي معناها من‬ ‫عند اهلل عز وجل و�إن كان لفظ الأحاديث القد�سية من‬ ‫اهلل عز وجل �إال �أنه ال يتعبد بتالوتها مثل القر�آن الكرمي‪.‬‬

‫أسامة شحادة‬

‫�إن ك�ث�يرا م��ن املتعلمني يف ع�صرنا ه��ذا يتخرجون‬ ‫من املدار�س واجلامعات ومل تتكون عندهم ملكة فكرية‬ ‫حت�صنهم يف ال�شبهات التي ت�شيع يف ه��ذا الع�صر �ضد‬ ‫ّ‬ ‫ال��دي��ن والإ�� �س�ل�ام‪ ،‬وال �ت��ي منها ال�ط�ع��ن والت�شكيك يف‬ ‫ال�سنة النبوية‪ ،‬ومما يدل على خلل هذه املناعة الفكرية‬ ‫واحل���ص��ان��ة الإمي��ان �ي��ة ك�ث�رة ان�ت���ش��ار وت ��داول الر�سائل‬ ‫امل�شككة يف حج ّية ال�سنة النبوية �أو امل�شككة يف دقة ثبوتها‬ ‫ونقلها �أو التي تطعن يف ال�سنة من جهة ت�أويلها على‬ ‫معان فا�سدة‪.‬‬ ‫ومما �ساعد على ذلك خروج كثري من ر�ؤو�س ال�ضالل‬ ‫على �شا�شات الف�ضائيات ين�شرون ترهاتهم و�أباطيلهم‬ ‫على جمهور غري خمت�ص ومل ميلك مفاتيح الفهم لهذه‬ ‫الق�ضايا‪ ،‬وه��ذه �ضريبة اجلهل بالدين ال��ذي ا�ستغله‬

‫ولذلك كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إذا �سئل �س�ؤاالً‬ ‫ولي�س عنده فيه علم من ربه انتظر ن��زول الوحي لأنه‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ال ينطق عن الهوى‪ ،‬وق��د يطول‬ ‫هذا االنتظار حتى ي�أتي اجلواب بوحي من اهلل عز وجل‪،‬‬ ‫وال��ذي قد يكون قر�آنا كقوله تعالى‪} :‬وي�س�ألونك عن‬ ‫ال��روح ق��ل ال��روح م��ن �أم��ر رب��ي{ (الإ� �س��راء‪ ،)85 :‬ففي‬ ‫ال�صحيحني عن عبد اهلل بن م�سعود ر�ضي اهلل عنه قال‪:‬‬ ‫بينما �أنا �أم�شي مع النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف حرث‪،‬‬ ‫وه��و متكئ على ع�سيب‪� ،‬إذ م� ّر بنفر م��ن اليهود‪ ،‬فقال‬ ‫بع�ضهم لبع�ض‪� :‬سلوه عن الروح‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما رابكم �إليه‪،‬‬ ‫ال ي�ستقبلكم ب�شيء تكرهونه‪ ،‬فقالوا‪� :‬سلوه‪ ،‬فقام �إليه‬ ‫بع�ضهم ف�س�أله عن الروح‪ ،‬قال‪ :‬ف�أ�سكت النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬فلم يرد عليه �شيئاً‪ ،‬فعلمت �أنه يوحى �إليه‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فقمت مكاين‪ ،‬فلما نزل الوحي قال‪َ }:‬و َي ْ�س�أَ ُلون َ​َك‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪73‬‬


‫َعنِ ال ُّرو ِح ُق ِل ال ُّرو ُح ِمنْ �أَ ْم ِر َر ِّبي َو َما �أُو ِتي ُت ْم ِمنَ ا ْل ِعل ِْم �إ اَِّل (الن�ساء‪ ،)59 :‬وكقوله تعالى‪} :‬و�أطيعوا اهلل والر�سول‬ ‫لعلكم ترحمون{(�آل عمران‪.)132 :‬‬ ‫َق ِليلًا { (الإ�سراء‪.)85 :‬‬

‫‪74‬‬

‫وقد يكون اجلواب وحيا باملعنى نزل به جربيل كحديث‬ ‫�صفوان بن يعلى بن �أمية عن �أبيه‪ ،‬ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫جاء رجل �إلى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وهو باجلعرانة‪،‬‬ ‫عليه جبة وعليها خلوق �أو قال �أثر �صفرة (نوع من الطيب‬ ‫له لون �أ�صفر)‪ ،‬فقال‪ :‬كيف ت�أمرين �أن �أ�صنع يف عمرتي؟‬ ‫قال‪ :‬و�أنزل على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم الوحي ف�سرت‬ ‫بثوب‪ ،‬وكان يعلى يقول‪ :‬وددت �أين �أرى النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم وق��د ن��زل عليه ال��وح��ي‪ ،‬ق��ال‪ :‬فقال �أي�سرك‬ ‫�أن تنظر �إلى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وقد �أنزل عليه‬ ‫الوحي؟ ق��ال‪ :‬فرفع عمر طرف الثوب‪ ،‬فنظرت �إليه له‬ ‫غطيط‪ ،‬ق��ال‪ :‬و�أح�سبه ق��ال‪ :‬كغطيط البكر‪ ،‬ق��ال‪ :‬فلما‬ ‫�سري عنه‪ ،‬قال‪�":‬أين ال�سائل عن العمرة‪ ،‬اغ�سل عنك �أثر‬ ‫ال�صفرة �أو قال �أثر اخللوق‪ ،‬واخلع عنك جبتك‪ ،‬وا�صنع‬ ‫يف عمرتك ما �أنت �صانع يف حجك" رواه م�سلم؛ فهنا جاء‬ ‫الوحي ببيان حكم و�ضع العطر والطيب للمحرم باحلج‬ ‫�أو العمرة‪ ،‬ومل يكن من القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫ومن �أدلة القر�آن الكرمي على �أن ال�سنة النبوية وحي‬ ‫رب��اين‪� ،‬أم��ر ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي ب�شكل مطلق وع��ام و�شامل‬ ‫جلميع النا�س عرب الزمان واملكان بالرجوع لل�سنة النبوية‬ ‫مع القر�آن الكرمي كما يف قوله تعالى‪} :‬يا �أيها الذين‬ ‫�آم�ن��وا �أطيعوا اهلل و�أطيعوا الر�سول و�أويل الأم��ر منكم‬ ‫ف��إن تنازعتم يف �شيء ف��ر ّدوه �إل��ى اهلل والر�سول �إن كنتم‬ ‫ت�ؤمنون باهلل وباليوم الآخر ذلك خري و�أح�سن ت�أويال{‬

‫ومعلوم �أن املق�صود بطاعة اهلل عز وج��ل وال��رد �إليه‬ ‫هو طاعة كتابه وكالمه وقر�آنه ويكون ذلك يف كل وقت‬ ‫ومكان ويف كل �ش�أن‪ ،‬وباملثل طاعة الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم والرد �إليه هو طاعة �سنته والرد �إليها يف كل وقت‬ ‫ومكان و�ش�أن لأنها وحي من اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫والآي��ات القر�آنية الدالة وامل��ؤك��دة على ذل��ك عديدة‪،‬‬ ‫وه ��ذا ي �ه��دم خ��راف��ات وادع � ��اءات م�ن�ك��ري ح�ج�ي��ة ال�سنة‬ ‫النبوية من م ّدعي اتباع القر�آن الكرمي واالقت�صار عليه‪،‬‬ ‫ويك�شف عن كذبهم وافرتائهم يف دع��وى التزامهم مبا‬ ‫جاء يف القر�آن الكرمي!‬ ‫ف��ال�ق��ر�آن ال�ك��رمي ي��ؤك��د وي�صرح وي�ك��رر الأم��ر باتباع‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم و�أن ما جاء به من ال�سنة‬ ‫واحل�ك�م��ة ه��و وح��ي م�ث��ل ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي يف الت�شريع‪،‬‬ ‫ولكن ه�ؤالء الأفاقني بحالهم املائل هذا ي�ؤكدون حجية‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم حني �أخ�بر عنهم مبا جاءه‬ ‫من الوحي من ربه فقال‪�" :‬أال �إين �أوتيت الكتاب ومثله‬ ‫معه �أال يو�شك رجل �شبعان على �أريكته يقول عليكم بهذا‬ ‫ال�ق��ر�آن فما وج��دمت فيه من ح�لال ف�أح ّلوه وم��ا وجدمت‬ ‫فيه من ح��رام فح ّرموه" رواه �أحمد وغ�يره‪ .‬وما �أجمل‬ ‫م��ا لقّبهم ب��ه �أح��د الف�ضالء ب�أنهم الأرائ�ك�ي��ون ولي�سوا‬ ‫القر�آنيني كما ي ّدعون!‬ ‫والقر�آن الكرمي ال يكتفي بهذه الآيات ال�صريحة التي‬


‫تعلن �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ال ينطق عن الهوى ذلك ولكن لي�س يف القر�آن الكرمي ولكن يف ال�سنة النبوية‪.‬‬ ‫يف تبليغ ال�ق��ر�آن الكرمي وال يف بيان معانيه وال يف بيان‬ ‫للتغطية على موقف القر�آن الكرمي من �شمول ال�سنة‬ ‫�أم��ور الدين‪ ،‬بل ي�شري يف �آي��ات عدة �إلى نزول وحي على‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بخالف ال�ق��ر�آن الكرمي‪ ،‬النبوية يف مفهوم ال��وح��ي وال��ذي يجعل لل�سنة النبوية‬ ‫حجية وم �� �ص��درا م�ستقال بالت�شريع يف الإ� �س�ل�ام‪ ،‬جل��أ‬ ‫وهذه بع�ض النماذج‪:‬‬ ‫املغر�ضون من �أهل الأهواء والعلمانيون للزعم �أن اعتبار‬ ‫ق��ال ت�ع��ال��ى‪�} :‬إذ ت�ق��ول للم�ؤمنني �أل ��ن يكفيكم �أن ال�سنة وحيا هي فكرة طارئة على الإ�سالم! ومل تعرف �إال‬ ‫مي� ّدك��م رب�ك��م بثالثة �آالف م��ن امل�لائ�ك��ة م�ن��زل�ين{ (�آل بعد �سنوات عديدة من وفاة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم!‬ ‫عمران‪ ،)124 :‬وهذا خرب �أقر القر�آن الكرمي ّ‬ ‫ب�صحته وهو و�أن �أول من اخرتع ذلك القول وا ّدعاه هو الإمام ال�شافعي!‬ ‫ال يقال باالجتهاد والتخمني من الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫وه��ذه كذبة �صلعاء ي��راد بها الت�شوي�ش وخ��داع جهلة‬ ‫و�سلم‪ ،‬فلم يب َق �إال �أن يكون وحياً من اهلل لكنه من ال�سنة‬ ‫ولي�س ال�ق��ر�آن كما ت�صرح الآي��ة "تقول" وتن�سب القول املتعلمني م��ن �أب�ن��اء امل�سلمني! ف��ال�ق��ر�آن ال�ك��رمي يف�صح‬ ‫يف ع��دة �آي ��ات على �أن ال�سنة النبوية ه��ي احلكمة التي‬ ‫للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫�أن��زل��ت م��ع ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي ع�ل��ى ال�ن�ب��ي �صلى اهلل عليه‬ ‫وق� ��ال ت �ع��ال��ى‪} :‬ق ��د ن ��رى ت �ق � ّل��ب وج �ه��ك يف ال���س�م��اء و�سلم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬و�أنزل اهلل عليك الكتاب واحلكمة{‬ ‫ف�سر‬ ‫فلنو ّلينك قبلة ت��ر��ض��اه��ا{(ال�ب�ق��رة‪ ،)144 :‬فتم حتويل (الن�ساء‪ ،)113 :‬فزعموا �أن ال�شافعي هو �أول من ّ‬ ‫القبلة يف ال�صالة من بيت املقد�س �إلى الكعبة امل�شرفة يف احل�ك�م��ة ب��ال���س�ن��ة‪ ،‬وم�ع�ل��وم �أن ال���ش��اف�ع��ي ول��د �سنة ‪150‬‬ ‫مكة املكرمة‪ ،‬لكن جعل بيت املقد�س قبلة مل ي�أت بالقر�آن للهجرة‪ ،‬فهل حقا مل يقل �أحد قبل ال�شافعي ب�أن احلكمة‬ ‫الكرمي وال ميكن �أن يكون باالجتهاد ال�شخ�صي من الر�سول هي ال�سنة النبوية و�أنها �أنزلت مع القر�آن على الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فلم يبق �إال �أن اتخاذ بيت املقد�س �صلى اهلل عليه و�سلم؟‬ ‫قبلة كان بوحي خارج القر�آن الكرمي وهو ال�سنة النبوية‪.‬‬ ‫طبعا اجلواب‪� :‬إنهم يكذبون! فاعتقاد �أن احلكمة هي‬ ‫وقال تعالى‪} :‬و�إذ �أ�س ّر النبي �إلى بع�ض �أزواجه حديثا ال�سنة هو ق��ول عامة املف�سرين والعلماء من قبل والدة‬ ‫فلما نب�أت به و�أظهره اهلل عليه ع ّرف بع�ضه و�أعر�ض عن ال�شافعي �أ�صالً! ومن يراجع كتب التف�سري كتف�سري ابن‬ ‫بع�ض فلما ن ّب�أها به قالت من �أنب�أك هذا قال ن ّب�أين العليم كثري يجده ينقل ذلك عن الإمام احل�سن الب�صري املولود‬ ‫اخل�ب�ير{(ال�ت�ح��رمي‪ ،)3 :‬وه��ذه �آي��ة �صريحة يف جميء �سنة ‪ 21‬هجري! ويجد الإمام الطربي يف تف�سريه ينقل‬ ‫وحي للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم بخالف القر�آن الكرمي‪ .‬ذلك عن الإم��ام قتادة بن دعامة ال�سدو�سي املولود �سنة‬ ‫وق��ال تعالى‪�} :‬إمن��ا �أُم ��رت �أن �أع�ب��د رب ه��ذه البلدة ‪ 61‬هجري! فكيف يخرتع ال�شافعي قوال معروفا قبله بـ‬ ‫الذي حرمها وله كل �شيء و�أُمرت �أن �أكون من امل�سلمني{ ‪� 130‬سنة!!‬ ‫(النمل‪ ،)91 :‬ثم حارب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كفار‬ ‫ل�ك��ن مل��ا ك��ان��ت غ��اي�ت�ه��م ه��دم الإ� �س�ل�ام ب�ه��دم م���ص��ادره‬ ‫مكة ودخلها بال�سالح منت�صراً و�سجل القر�آن الكرمي‬ ‫ذلك‪ ،‬الأول��ى (ال�ق��ر�آن الكرمي وال�سنة النبوية) مل يبال ه�ؤالء‬ ‫فقال تعالى‪�} :‬إذا ج��اء ن�صر اهلل‬ ‫والفتح{(الن�صر‪ ،)1:‬الأع��داء للو�سيلة التي ي�سلكونها لإطفاء نور احلق الذي‬ ‫ف�أين الإذن للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم ب�إباحة فتح مكة؟‬ ‫وقد بينّ النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أن مكة‪" :‬بلد حرم جاء به الإ�سالم‪ ،‬ولكن ما ي�سري عن امل�ؤمنني وامل�سلمني‬ ‫اهلل ي��وم خلق ال�سموات والأر���ض وه��و ح��رام بحرمة اهلل �أن هذه احلروب ع�سكرية وفكرية م�آلها اخل�سارة واخلراب‪،‬‬ ‫�إلى يوم القيامة و�إنه مل يحل القتال فيه لأحد قبلي ومل فالواقع ي�ؤكد قوة الإ�سالم ومتدده يف كل مكان برغم �ضعف‬ ‫يحل يل �إال �ساعة من نهار فهو حرام بحرمة اهلل �إلى يوم قوة امل�سلمني‪ ،‬واهلل عز وجل �أخربنا من قبل فقال تعالى‬ ‫ذك��ره‪�} :‬إن الذين كفروا ينفقون �أموالهم لي�ص ّدوا عن‬ ‫القيامة" رواه البخاري‪.‬‬ ‫�سبيل اهلل ف�سينفقونها ثم تكون عليهم ح�سرة ثم ُيغلبون‬ ‫وثناء القر�آن على الفتح ي�ؤكد نزول الوحي بالإذن يف والذين كفروا �إلى جهنم ُيح�شرون{(الأنفال‪.)36 :‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪75‬‬


‫دور المنتدى في‪:‬‬

‫مبادرات التحصين الفكري‬

‫مقاالت‬

‫اخل�برة الوا�سعة والعلم الوفري لهذه املهمة التي حتتاج‬ ‫ملُ��ر��ش� ٍ�د ُم� َّ�ط� ِل� ٍ�ع َف� ِ�ط��نٍ محُ �ت�رم اجل��ان��ب‪ .‬حيث ق��ام ب�إلقاء‬ ‫ٍ‬ ‫وتثقيف يف‬ ‫جمموعة حم��ا��ض��رات ِ�ضمن برنامج توعي ٍة‬ ‫بع�ض مدار�سنا حملت عنوان" الإرهاب الأ�سباب والظواهر‬ ‫والنتائج ودور اململكة يف مكافحته"‪.‬‬

‫حنا ميخائيل سالمة نعمان‬ ‫كاتب وباحث‬

‫‪76‬‬

‫هي مبادر ٌة ت�ستحق التقدير تلك التي يقوم بها املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية بالتعاون م��ع وزارة الرتبية والتعليم‬ ‫جيل وا ٍع ُم ٍ‬ ‫لغايتها النبيلة يف بناء ٍ‬ ‫درك ِل ُك ْن ِه ما يدو ُر ِمن‬ ‫ِ‬ ‫َحو ِله‪ ،‬و ُم ِ‬ ‫�ستوعبٍ للثوابت واملفاهيم‪ ،‬من خالل ت�سليط‬ ‫�أنوار م�صابيح العقل على ما يجري يف زمنٍ خَ َبت فيه تلك‬ ‫الأن��وار‪َ ،‬م��ا �أدى �إل��ى طم�س احلقائق مب��ؤ ِّث� ٍ‬ ‫�رات خمتلفة‪،‬‬ ‫ف�صارت َن��زع��ة ال�شر تتغلب على َن� ْزع��ة اخل�ير عند فئات‬ ‫طائ�شة م�ت�ه��ورة �إ�ستغ َّلتها جم�م��وع��ات ل��دي�ه��ا م �ه��ارة يف‬ ‫ح�شو ال��ر�ؤو���س وتعطيل الفكر ال�سليم‪ .‬تلك املجموعات‬ ‫�أخذت تتحكم مب�صائر النا�س من خالل � ٍ‬ ‫أدوات ب�شرية مل‬ ‫تحُ ََّ�صن بالتثقيف الكايف والتوعية ال�صحيحة‪ .‬وقد تبنى‬ ‫هذه املبادرة امل ُ ِه َّمة املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع‬ ‫وزارة الرتبية والتعليم ِ�ضمن برنامج التح�صني الفكري‬ ‫والإتفاقية املُربمة ما بني املنتدى ووزارة الرتبية والتعليم‬ ‫حيث َّ‬ ‫مت اختيار الأ�ستاذ الدكتور ح�سن املبي�ضني �صاحب‬

‫يف ُم�ستهل محُ ا�ضرته يف مدر�سة ُرق َّية بنت الر�سول‬ ‫الكائنة يف �ضاحية احل��اج ح�سن‪ ،‬ع� َّرف امل ُ ِ‬ ‫حا�ضر بر�سالة‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية ال��ذي ي�تر�أ���س �أم��ان�ت��ه العامة‬ ‫�سعادة املهند�س م��روان الفاعوري‪ ،‬وبال ِف ْك ِر الذي ينطلق‬ ‫منه املنتدى املو َّقر والذي ي� ِّؤ�س ُ�س حلالة �إن�سانية جوهرها‬ ‫�إحرتام كرامة الإن�سان‪ .‬ثم وجه املحا�ضر للطالبات �س�ؤاالً‬ ‫عن �أ�سبابٍ الإرهاب لي�ستطل َع وجهة ِ‬ ‫نظرهنَّ ‪ ،‬وح�سناً فعل‪،‬‬ ‫�إذ جاءت الردود عفويةً لتُعطي فكرةً عن تلك الأ�سباب يف‬ ‫َم ْف ُه ِ‬ ‫ي�س َم ْعنَ من هنا وهناك‪ .‬ثم خل�ص‬ ‫وم ِهنَّ َ‬ ‫وح�سبما ْ‬ ‫املحا�ضر تلك ال��ردود و�أدرج�ه��ا حتت عنوان ٍ‬ ‫رئي�س واح� ٍ�د‬ ‫هو‪ " :‬اجلهل"‪ .‬يقول املحا�ضر" �إن اجلهل هو عك�س العلم‬ ‫واملعرفة وهو ت�صور الأ�شياء على خالف ما هي عليه يف‬ ‫حقيقتها‪ .‬واجلهل يف الأمور الفكرية والعقائدية حتديداً‬ ‫ُي�ع� ُّ�د �أ��ش��د خ�ط��راً م��ن �أي ج�ه� ٍ�ل �آخ��ر ‪ ،‬فاجلهل الب�سيط‬ ‫ال��ذي ي�ت��أت��ى م��ن ع��دم متابعة ال��درا��س��ة لأ��س�ب��اب قهرية‬ ‫جتد ال�شخ�ص هنا يف ح��االت كثرية ُيبدع وينتج ويخدم‬ ‫�أ�سرته وجمتمعه بكل امانة والتزام"‪ .‬و�أ�ضاف قائالً" �إن‬ ‫احلالة التي ج��اءت فيها الدعوة الإ�سالمية يف بداياتها‬ ‫كانت حالة فكرية بامتياز‪ ،‬ولت�أكيد ه��ذا علينا الرجوع‬ ‫لكلمة "�إقر�أ " ال��واردة يف الآي��ة القر�آنية الكرمية }ا ْق � َر�أْ‬ ‫ِن�سا َن ِمنْ َعلَقٍ {‪ }2‬ا ْق َر�أْ‬ ‫ِا�س ِم َر ِّب َك ا َّل ِذي خَ لَقَ{‪ }1‬خَ لَ َق ْ إ‬ ‫ال َ‬ ‫ب ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ِن�سا َن َما‬ ‫الك� َر ُم{‪ }3‬الذي َعل َم بِال َقل ِم{‪َ }4‬عل َم إ‬ ‫َو َر ُّبك أ‬ ‫ال َ‬ ‫لمَ ْ َي ْعلَ ْم{‪ 5‬و�آيات كثرية حتُثُ على التفكري وت�شغيل العقل‬ ‫وال�سعي نحو ال ِعلم‪} :‬هل ي�ستوي الذينَ يعل ُمو َن والذينَ‬ ‫َّ‬ ‫ال َيعل ُمونَ{ ‪� } ،‬أفال يتفكرون{ ‪ ،‬وغري ذلك الكثري وكلها‬ ‫َد َع ��واتٌ �سامية الهدف للتعرف على ال��ذات وعلى احلياة‬ ‫وعلى النا�س‪� ،‬إنها َد َع ��واتٌ لفهم �أك�ثر‪ ،‬وا�ستيعاب �أ�شمل‬


‫ملزيد من الوعي‪ ،‬فم�ساحة الوعي مت�سعة وغري حم�صورة‬ ‫وال حدود لها ‪ .‬فما مييز الإن�سان عن غريه من املخلوقات‬ ‫هو �أنَّه يفكر‪ ،‬والتفكري يعني فتح نوافذ العقل ِل ِ�ص ٍ‬ ‫الت‬ ‫�إن�سانية وب�شرية �أو�سع "‪ .‬ويتابع املحا�ضر حديثه معترباً‬ ‫" �أن اجلهل الفكري هو نذير �ش�ؤ ٍم على �أي جمتمع‪ ،‬وعليه‬ ‫‪ ،‬ينبغي مكافحته بال ِعلم واملعرفة والبحث والتح�صيل ‪،‬‬ ‫�إن هذه الأم��ور لي�ست باعتبار وال على ِ‬ ‫بال من يقومون‬ ‫باعمال �إره��اب�ي��ة ال��ذي��ن ه��م �أ��س��رى لتفكريهم اخلا�ص‪،‬‬ ‫ف�لا ي�ق�ب�ل��ون ال � ��ر�أي وال � ��ر�أي الآخ � ��ر‪ ،‬وال��ذي��ن ُه ��م على‬ ‫ٍ‬ ‫جهل بحقيقة ال ِّدين بدليل �أنهم يف�سرون �آي��ات دون �أن‬ ‫يكونوا حم�صنني دينياً وفقهياً في�ستعر�ضونها لتتطابق‬ ‫وم�صاحلهم ومتجاهلني �أن الكرامة الإن�سانية َم�صونة يف‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬وان زهق الأرواح الربيئة حمر ٌم } َمن َق َت َل َنفْ�سًا‬ ‫َّا�س َج ِميعًا‬ ‫ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ َْ أ‬ ‫ال ْر�� ِ�ض َف َك�أَنمَّ َا َق َت َل الن َ‬ ‫َّا�س َج ِميعًا{ وبني املحا�ضر �أنّ‬ ‫َو َمنْ �أَ ْح َيا َها َف َك َ�أنمَّ َا �أَ ْح َيا الن َ‬ ‫اجلنة والنار بيد اخلالق تعالى وال يجوز ل ٍ‬ ‫أحد �أن يدعي‬ ‫غري ذلك‪ .‬كما �أ َّن ِمن اجلهل االعتقاد �أنّ الإ�سالم ُيجرب‬ ‫� ّأي كان على تغيري دينه‪� ،‬أو �أن �إختالف الأديان وتنوعها‬ ‫ي��وج��ب ال�ق�ت��ال وال�ت�ن��ازع‪ ،‬فالتكامل م��ع جميع املكونات‬ ‫والإن�سجام والعي�ش امل�شرتك واح�ترام هوية االخ��ر هي‬ ‫تعا�ض ٍد ُم ِ‬ ‫فا�ضل ُم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ت�ضامنٍ "‪.‬‬ ‫جتمع‬ ‫الركائز مل ُ ٍ‬ ‫وي�ت��اب��ع ال��دك �ت��ور املبي�ضني حم��ا��ض��رت��ه ق��ائ�لاً " �إذا‬ ‫كان الفقر هو ال�سبب الثاين الذي يدفع ب�أ�شخا�ص �إلى‬ ‫الإنتماء حلركات متطرفة �إرهابية ف�إن هذا ال�سبب لي�س‬ ‫واق�ع�ي�اً‪ ،‬فعلى امل��رء �أن يعمل وي�ك��د ويثابر ليتمكن من‬ ‫حتقيق ذات��ه ‪َ ،‬ف َك ْم خ َّرجت مدر�سة الفقر هامات ق َّدمت‬ ‫الكثري للوطن والأمة ‪ ،‬و�إذا ما نظرنا �إلى الآباء والأجداد‬ ‫ٍ‬ ‫وجدناهم وق��د عا�شوا الفقر ب�ص ٍ‬ ‫وحتمل و�إمي��ان مبا‬ ‫رب‬ ‫َق َ�سم اهلل لهم‪� .‬إن الفقر الذي ت�ستغله اجلهات التحري�ضية‬ ‫وال�سذج ف�إن هذا‬ ‫والإرهابية َ‬ ‫ك�س َببٍ لإ�ستدراج الأبرياء ُّ‬ ‫ال يدعوهم للإجنرار للقتال والإرهاب �إن كانت منظومة‬ ‫القيم والأخ�ل�اق متوفرة وم��زروع��ة يف نفو�سهم " ِ‬ ‫ومن‬ ‫هنا على النا�س �أن يتكافلوا ويت�ضامنوا مل�ساعدة كل فقري‬ ‫وحمتاج ‪ ،‬مع االع�تراف �أن غياب تلك املنظومة وغياب‬ ‫ال�ع��دال��ة الإج�ت�م��اع�ي��ة م��ن ال �ع��وام��ل ال�ت��ي جت�ع��ل جهات‬ ‫�إرهابية حتت�ضن �أ�شخا�صاً فرتفع عنهم الفقر لكن مقابل‬ ‫جتنيدهم ل�صفوفها" ‪.‬‬ ‫وي �ع��ود امل�ح��ا��ض��ر لي�ؤكد"�أن م��ن ي�ق��وم��ون ب��أع�م��ال‬ ‫�إرهابية هم يف الأغلب �أ�شخا�ص فا�شلون مل يتمكنوا من‬ ‫حتقيق �أهداف حياتهم‪ ،‬وعلينا االعرتاف �أي�ضاً �أن القمع‬ ‫يف البيت و�إل�صاق ُت َه ٍم ب�أحد الأبناء مثالً �أنه فا�شل وك�سول‬ ‫و�أ َّن��ه ال ُيرجتى منه ب�شيء‪ ..‬ومعاملته بق�سوة ومتييزه‬ ‫عن �إخوانه يجعله فري�سة �سهلة تتلقفها جماعات �إرهابية‬ ‫متزمتة‪ ،‬ف ُت َع ِّظم ِمن �ش�أنه وتعطيه �صفات و�ألقاباً فيجد‬

‫نف�سه فج�أة �صاحب �سلطة فرتاه ناقماً وم�ؤهالً لأي عمل‬ ‫طالب يف مدر�سته �أو‬ ‫م ��ؤ ٍذ‪ ،‬واحل��ال نف�سه عندما ُيعام ُل‬ ‫ٌ‬ ‫�أي موقع تعليمي بق�سوة‪ ،‬ويتم تعنيفه واتهامه بالك�سل‬ ‫وال�غ�ب��اء فيجد نف�سه م�ن�ب��وذاً فتتلقفه اجل�ه��ات نف�سها‬ ‫وبتو�سع �أهمية‬ ‫وت�ؤهله لأعمال م�ؤذية " وبينَّ املحا�ضر‬ ‫ٍ‬ ‫تغيري نهج التعامل يف البيوت ويف املدار�س وغريها وبناء‬ ‫ُج�سور من احلوار املتبادل والتفاهم والإحرتام داعياً �إلى‬ ‫�إن�سجا ٍم عا ٍم ال متيي َز فيه"‪.‬‬ ‫ومي �� �ض��ي ال��دك �ت��ور امل�ب�ي���ض�ين يف حم��ا� �ض��رت��ه وم��ن‬ ‫قريحته ال�صافية ‪ ،‬ف ُي�سلط ال���ض��وء ع�ل��ى َدور و�سائل‬ ‫إيجابي َب�ن��ا ٍء وا ٍع‪ ،‬فالإعالم‬ ‫الإع�ل�ام " يف تقدمي �إع�ل�ا ٍم � ٍ‬ ‫ال�سلبي التحري�ضي املُ�س َّي�س ُيراد منه تدمري الأمة‪ ،‬وقد‬ ‫� ْأ�س َهم هذا النوع من الإعالم يف جذب الكثريين ليكونوا‬ ‫�أدوات بيد جهات �إرهابية "‪ .‬كما تطرق �إلى جهود اململكة‬ ‫املتوا�صلة يف مكافحة الإره��اب والت�صدي له ‪ ،‬ولمِ ا قامت‬ ‫ب��ه م��ن م���ش��اري��ع للتوعية ال�ف�ك��ري��ة م�ث��ل ر��س��ال��ة عمان‬ ‫وم �� �ش��روع "كلمة �سواء" وغ�ي�ر ذل ��ك‪ .‬ك�م��ا ت��وق��ف عند‬ ‫�اب يدمر‬ ‫محَ ��اور خمتلفة منها ه��ذه العناوين‪ " :‬الإره � ُ‬ ‫الإن�سان والبيت واملجتمع و ُيهرب الإ�ستثمارات و ُيعطل‬ ‫احلركة الإقت�صادية والتجارية " ‪" ،‬تفقد الدول املليارات‬ ‫فا�شل ٍ‬ ‫�شخ�ص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جاهل خرج من حار ٍة فتبنَّا ُه �أ�شخا�ص‬ ‫بفعل‬ ‫�سلحوه وجعلوه �أداة ٍ‬ ‫قتل وه��د ٍم "‪ "،‬ال��رو ُح هب ٌة من اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫�شخ�ص �أن ي�ؤذي نف�سه ويدمرها وي�ؤذي‬ ‫فكيف يقبل �أي‬ ‫غ�ي�ره وي�ت�ح�ك��م مب�صريه"‪" ،‬لإيجا ِد جم�ت�م��ع �إن���س��اين‬ ‫ٍ‬ ‫متكامل بكافة الأدي��ان والأط�ي��اف علينا �إ�ستيعاب وجود‬ ‫الآخ��ر يف حياتنا و�أن نحافظ على كرامته وحقوقه كما‬ ‫نعمل لأنف�سنا‪ ،‬و�أن نبحث عن الأُخ� � َّوة الإن�سانية التي‬ ‫جتمعنا به " وغري ذلك من عناوين ‪ .‬وما يلفت االنتباه‬ ‫تركيز الطالبات و�إ�صغائ ُهن على َ�سيرْ املحا�ضرة وذلك‬ ‫التفاعل واحل ��وار الإي�ج��اب��ي ال��ذي جتلى ب���ص��ورة تبعث‬ ‫الإرتياح يف النف�س َما ُيد ِّل ُل على جناح املُحا�ضر يف �إي�صال‬ ‫�شك �سيكون لها نتائج �إيجابية‪ِ .‬‬ ‫ر�سال ٍة ال َّ‬ ‫ومن احل ِّق هنا‬ ‫ٌ�سجل للهيئة الإداري��ة واملعلمات الفُ�ضليات التقدير‬ ‫�أن ن ِّ‬ ‫والثناء على ُح ْ�سنِ تنظيم هذا اللقاء الإر�شادي ومتابعته‬ ‫‪ ،‬كما نثني على جهودهن للإرتقاء باحلركة الرتبوية‬ ‫والتعليمية يف �أردننا العزيز ‪.‬‬ ‫بقي �أن نقول‪ ،‬لقد �س َّرنا �أن نرى على جدران املدر�سة‬ ‫ال��راق�ي��ة التي ي�ستظل بفيئها نحو ثمامنائة وخم�سني‬ ‫طالبة ‪ ،‬لوحات ويافطات ِمنها ما ُيذكي الروح الوطنية‬ ‫ال�ضوء على تاريخ الأردن‬ ‫بني الطالبات‪ ،‬ومنها ما ي�سلط َّ‬ ‫و ُب �ن��ا ِت � ِه‪ ،‬ومنها م��ا يتعلق ب��الإر��ش��اد ال�صحي والتوعية‬ ‫البيئية وغ�ي�ر ذل ��ك‪ ،‬ه��ذا �إل ��ى ج��ان��ب ��ص��ال��ة الأن���ش�ط��ة‬ ‫حيث معر�ض �أنيق تتوزع يف �أرج��ائ��ه �أع�م��ال فنية قامت‬ ‫بها الطالبات نراها تجُ ِّ�سد مدى وعمق �إنتمائهم لرثى‬ ‫الأردن وتاريخه ‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪77‬‬


‫مقام التصرفات النبوية‬ ‫و تعزيز الوسطية واإلعتدال‬ ‫مقاالت‬ ‫عند كتاب ال�سيرَ ‪ ،‬هو ن��وع �آخ��ر مل يلق االهتمام الكايف‬ ‫عرب تاريخ العلوم اال�سالمية �سوى من �شخ�صني ‪ ،‬االول‬ ‫هو �شهاب الدين القرايف رحمه اهلل يف كتابيه ( االحكام‬ ‫يف التمييز بني الفتاوى عن االحكام وت�صرفات القا�ضي‬ ‫والإمام)و ( الفروق) ‪ ،‬والثاين هو مفكر مغربي معا�صر‬ ‫�سعد الدين العثماين‪...‬‬

‫شيروان الشميراني‬

‫‪78‬‬

‫الت�صرفات النبوية هي كل ما �صدر عن الر�سول عليه‬ ‫ال�صالة و ال�سالم دينا و دنيا �سنة وغ�ير �سنة‪ ،‬و عدم‬ ‫التفريق بني هذه الت�صرفات �سبب خلطا كبريا �أدى الى‬ ‫ارباك الفهم ملحمد بن عبداهلل الب�شر الر�سول‪ ،‬من حث‬ ‫قوة االفعال ال�صادرة عنه‪ ،‬و موقع كل ما قاله او فعله او‬ ‫تركه من عمل او اكل �أو �شرب‪..‬‬ ‫فمنها ماهو �صادر مبقام الر�سالة و التبليغ ومنها ما‬ ‫�صدرت عنه بحكم القا�ضي و منها مبوقع املفتي و منها‬ ‫مبوقعه الرئا�سي يف قيادة الدولة و املجتمع‪ ،‬ومنها بحكم‬ ‫ب�شريته‪ ،‬وكل نوع من هذه االنواع خمتلفةيف مكانتها و‬ ‫قوة الزاميتها عن االخ��ر‪ ،‬و فهما على وجهها هو �أ�صل‬ ‫من ا�صول ال�شريعة على حد قول االم��ام �شهاب الدين‬ ‫القرايف ‪..‬‬ ‫هذا العلم بالت�صرفات النبوية لي�ست هي ال�سنة كما‬ ‫ورد عند الأ�صوليني او املحدثني و لي�س هو ال�سرية كما‬

‫‪ -1‬يح�سب ل�ل��دك�ت��ور �سعد ال�ع��دي��ن ال�ث�م��اين �إ� �ص��راره‬ ‫لن�شر هلذ العلم يف كتاباته و مقاالته دون كلل او‬ ‫ملل‪ ،‬و دون اخلوف من االتهام ب�أنه يكرر نف�سه‪ ،‬لأن‬ ‫الق�صد ه��و تر�سيخ ه��ذا ال�ن��وع م��ن العلم ال��ذي مل‬ ‫يجد ما ي�ستحقه من اهتمام يف مدار�سنا ال�شرعية‬ ‫بل �إن منهج القر�آن هو هذا‪ ،‬التكرار ح�سب احلاجة‬ ‫و يف الوقت املنا�سب حتى ولو كان يف جزئية متعلقة‬ ‫بال�سياق املحدد‪ ،‬كما هو احلال مع الق�ص�ص الواردة‬ ‫يف القر�آن الكرمي‪ ..‬بحيث جعل اال�ستاذ �سعدالدين‬ ‫ه��ذا ال�ع�ل��م اي احل��دي��ث ع��ن ال�ت���ص��رف��ات النبوية‬ ‫حمور �أفكاره و منطلق ما يقول او يكتب‪ ،‬ك�أنه �أ�صل‬ ‫تفكريه ومنه يتحرك‪ ،‬تقريبا كل ما كتبه مل يخرج‬ ‫ع��ن ه��ذا االط��ار ال��ى ان توجه ب��اروع م��ا كتب و هو‬ ‫( الت�صرفات النبوية ال�سيا�سية‪...‬درا�سة ا�صولية‬ ‫للت�صرفات النبوية باالمامة)‪..‬‬ ‫‪ -2‬الكتاب كما هو معلوم يف كتب االق��دم�ين املهتمني‬ ‫بهذا ال�شان اي�ضا‪ ،‬يتحدث عن الت�صرفات النبوية‬ ‫يف تق�سيم علمي دقيق‪ ،‬هذا النوع من التق�سيم البد‬ ‫منه بالن�سبة للعلماء و �أهل االخت�صا�ص‪ ،‬لكن نحن‬ ‫بحاجة ال��ى حت��ول ه��ذا العلم ال��ى ثقافة ع��ام��ة‪ ،‬ملا‬ ‫له من ت�أثري على الفهم اال�سالمي الو�سطي لدى‬ ‫عامة الأم��ة‪ ،‬ولي�س مطلوبا من العلماء لوحدهم‬ ‫ان ي �ك��ون��وا م�ع�ت��دل�ين ب��ل ان اع �ت��دال ال �ع��ام��ة اه��م‬ ‫م��ن ال�ع�ل�م��اء‪ ،‬فهم ي�شكلون ح��رك��ة االم ��ة‪ ،‬و االم��ة‬ ‫كلها مو�صوفة يف ال�ق��ر�آن بالو�سطية و االع�ت��دال‪،‬‬


‫– م�شوياً ابتعد و مل ي�أكله‪ ،‬فلما �س�أله خالد بن الوليد‪،‬‬ ‫اهو حرام يا ر�سول اهلل قال ال‪ ،‬لكنه مل ي�أكله لأن قومه مل‬ ‫يكونوا ي�أكلوه فهو عافاه‪ ،‬اي مل يرغب به‪..‬فهنا ت�صرف‬ ‫الر�سول ك�أي ب�شر له نف�س فيما ي�أكل وما ال ي�أكل‪ ،‬مبعنى‬ ‫ان �أك��ل ال�ضب لي�س خ�لاف لل�سنة وكذلك االمتناع عن‬ ‫�أكله لي�س من ال�سنة او لي�س من االوامر الدينية‪..‬‬

‫ولي�س العلماء ل��وح��ده��م‪ ،‬لكن المي�ك��ن للعامة او‬ ‫حتى املثقفني الى حد ما‪ ،‬ان يتمكنوا من ا�ستيعاب‬ ‫العلم بهذا ال�شكل التخ�ص�صي‪ ،‬و م��ن هنا ان��ا ارى‬ ‫�أن يتم احلديث او ينح�صر يف كلمتني وهما (ديني)‬ ‫و(دن�ي��وي)‪ ،‬ه��ذه ت�صرفات دينية ال جم��ال للوقوف‬ ‫ام��ام�ه��ا‪ ،‬و ه��ذه متعلقة بتدبري ال���ش��أن ال�ع��ام نحن‬ ‫احرار يف التعامل معها وان نبتكر ما يفيدنا حتقيقا‬ ‫وه��ذا مينع الت�شدد �أي���ض�اً‪ ،‬و التنطع‪ ،‬و التنطع اي‬ ‫للم�صلحة املرجوة‪ ،‬م�ستلهمني منهج الر�سول عليه‬ ‫التعمق منهي عنه يف اال�سالم‪ ،‬يف العديد من االحاديث‬ ‫ال�صالة و ال�سالم‪..‬‬ ‫نهى الر�سول عنه التنطق فهلك املتنطعون كما ق��ال –‬ ‫ و الديني والدنيوي‪ ،‬متوافق مع حديث ر�سول اهلل – عليه ال�صالة وال�سالم ‪ ، -‬ذهب رجل الى ابن عبا�س –‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ‪ (: -‬ماكان من امر دينكم ف�إيل ر�ضي اهلل عنه – قال يزعم قومك ان الر�سول طاف حول‬ ‫‪ ،‬وما كان من امر دنياكم فهذا �ش�أنكم )‪..‬حتويل هذا البيت على داب��ة و ه��و �سنة‪ ،‬فقال اب��ن عبا�س ‪� :‬صدقوا‬ ‫العلم الى ثقافة عامة قدر املمكن هو جتديد للدين وك��ذب��وا‪ ،‬ق��ال ك�ي��ف ��ص��دق��وا و ك��ذب��وا‪ ،‬ق��ال ��ص��دق��وا ف��ان‬ ‫مبعنى حقيقي ‪..‬‬ ‫الر�سول طاف بالبيت و هو راك��ب‪ ،‬وكذبوا �أن ذلك لي�س‬ ‫‪ -3‬ه��ذا التوزيع العلمي ملقام الت�صرفات النبوية لها ب�سنة‪ ،‬هنا فرق ابن عبا�س بني ال�سنة و احلياة الطبيعية‬ ‫فوائد جمة‪..‬كلها تدل على ان هذا الدين هو دين التي املتها ظ��روف حم��ددة على الر�سول – �صلى اهلل‬ ‫الي�سر و الواقعية‪ ،‬و تعزز الفهم و النهج الو�سطي عليه و�سلم ‪ ،-‬ف�صحح للرجل الفهم‪ ،‬النه ت�صور لو كان‬ ‫امل�ع�ت��دل يف التعامل م��ع الن�صو�ص‪..‬فال يجعل ما ذلك �سنة‪ ،‬و ر�أوا احلجاج االتباع ل�سنته ماذا كان يحدث‬ ‫هو دنيوي من الديني‪ ،‬بل يبقى الديني دينيا بحكم الآن من م�شقة للم�سلمني و هم يطوفون ؟‬ ‫ال��وح��ي االل�ه��ي يكون االن�سان امل�سلم ملتزما ب��ه‪ ،‬و‬ ‫هنا يقع الكثري من امل�سلمني يف اخلط�أ‪ ،‬جعل العادة‬ ‫الدنيوي يكون حرا يف التعامل معه‪ ،‬و هذا ما ي�ساعد‬ ‫يف العثور على مبد�أ �شرعي يحظر الزام امل�سلمني مبا ع �ب��ادة‪ ،‬اي ال�ب��ا���س ال��دي��ن ال�ث��وب التقليدي ملجتمع من‬ ‫لي�س من الدين دعوة و حما�سبة بحجة انها �صادرة جمتمعات امل�سلمني و من ثم حتنيطه يف دائ��رة جامدة‬ ‫جم�ت�م�ع�ي��ة و ع�ق�ل�ي��ة‪ ،‬و ه ��ذا ي�ع�ط��ي � �ص��ورة كال�سيكية‬ ‫من الر�سول‪� -‬صلى اهلل عليه و �سلم‪ ،-‬فمثالً ‪-:‬‬ ‫ت�أريخية للمجتمع‪ ،‬عك�س روح الدين احليوي املتحرك‬ ‫كان – �صلى اهلل عليه و�سلم – ملا قدم اليه –‬ ‫ال�ضب ال��ذي ق��رر ان يحتوي جميع ال��وان و�صنوف املجتمعات‬ ‫ّ‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪79‬‬


‫والعادات املتنوعة يف �إطار �ضوابط حمددة معينة ‪..‬كلبا�س ال�صحابة و مراجعاتهم له و مراجعة اخللفاء الرا�شدين‬ ‫املر�أة مثال‪ ،‬ف�إذا كانت عادة جمتمع ما فر�ضت ذلك بحكم كذلك‪ ،‬الندخل نحن يف التفا�صيل لكن �أقول �إن ‪...‬‬ ‫العرف اليعني انه هو من يج�سد الوجه ال�شرعي للزي‬ ‫هذا يعني من �ضمن ما يعني‪-:‬‬ ‫املر�أة امل�سلمة و خالفه خالف لل�شرع او ال�سنة‪..‬‬ ‫و يف اجلانب ال�سيا�سي املخت�ص بادارة ال�ش�أن العام هو ‪ -1‬ان �أراءه يف التدبري العام لي�ست ديناً بحيث جتاوزها‬ ‫�أو نق�ضها ي�ستوجب العقاب‪..‬فمن ب��اب �أول��ى �آراء‬ ‫ام��ور اجتهادية دنيوية من اجل امل�صلحة العامة‪ ،‬و من‬ ‫غريه من هم دونه يف قوة االت�صال باهلل تعالى ‪..‬‬ ‫هنا ف��إن ممار�سة الر�سول لل�سيا�سة تدين و لي�س ديناً‪،‬‬ ‫الأ�صل فيها االجتهاد يف اط��ار ال�ضوابط او ا�ست�صحاب ‪� -2‬إن احلكم على نتائج االمور ال�سيا�سية يكون بال�صواب‬ ‫القيم االن�سانية اال�سالمية العليا‪ ،‬من دون النظر الى‬ ‫و اخلط�أ‪ ،‬مبا ان املجتهد يف ال�سيا�سة قابل ان ي�صيب‬ ‫ت�صرفات الر�سول ال�سيا�سية ك�أمر ديني ملزم من حيث‬ ‫�أو يخطيء‪ ،‬يكون احلكم هو ال�صواب واخلط�أ‪ ،‬ولي�ست‬ ‫النوع و التنفيذ‪ ،‬و �إمن��ا املنهج النبوي العام لي�س �أكرث‪،‬‬ ‫االحكام الدينية من الكفر و الف�سوق و البدعة على‬ ‫والر�سول هنا لي�س مع�صوما كما االمور الدينية‪..‬‬ ‫�آرائه واعماله ‪..‬‬

‫‪80‬‬

‫‪ - 4‬ل�ه��ذا ال�ف�ه��م او الت�صنيف وحت��دي��د م��وق��ع مقام ‪ -3‬ال �إتهام لدين الرئي�س امللتزم او القائد ال�سيا�سي �إذا‬ ‫�أجتهد و مل ي�صب‪ ،‬ال �إت�ه��ام ل��ه يف دينه واخال�صه‬ ‫املمار�سة النبوية يف امليدان ال�سيا�سي االقت�صادي‪ ،‬له‬ ‫و اميانه و اخ�لاق��ه‪ ،‬بل احلكم يكون مب��دى قدرته‬ ‫فوائد كثري نذكرواحدة منها ب�إجمال ‪-:‬‬ ‫العقلية و ق��درت��ه يف التفكري و التخطيط‪ ،‬و �سعة‬ ‫يحدد الأ�ستاذ �سعدالدين العثماين‪� ،‬سمات الت�صرفات‬ ‫اطالعه وقوة �إرادته‪..‬‬ ‫النبوية ال�سيا�سية باربع‪...‬و هي ‪-:‬‬ ‫‪� -4‬إن �إجتهادية ال�سيا�سة تعني ان ال قدا�سة للر�أي‪ ،‬نزع‬ ‫ �إنها ت�شريعية خا�صة ‪..‬‬‫القدا�سة ع��ن ك��ل ممار�سة ان�سانية تتعلق بق�ضايا‬ ‫ دنيوية‪..‬‬‫ال�ش�أن العام‪ ،‬فال احد حجة هلل على خلقه‪ ،‬الن حتى‬ ‫الر�سول الذي ي�أتيه الوحي من اهلل يف �أمور الدين‪،‬‬ ‫ اجتهادية‪..‬‬‫فهو غ�ير مع�صوم يف �أم ��ور ال��دن�ي��ا‪ ،‬فكيف ب�غ�يره ؟‬ ‫ لتحقيق امل�صلحة العامة‪..‬‬‫وبالتايل �إذا كان ال�صحابة يراجعونه يف �سيا�سته يف‬ ‫حياته‪ ،‬او يتجاوزونها بعد مماته‪ ،‬فال اح��د ميكنه‬ ‫فهي دنيوية غ�ير متعلقة ب��أم��ور ال��دي��ن‪ ،‬واجتهادية‬ ‫القول بان ال معقب حلكمي و اجتهاداتي ‪..‬‬ ‫مبعنى ال ينزل فيها الوحي القاطع‪..‬‬ ‫عمل الرئي�س ال�سيا�سي هو يف تدبري ال�ش�أن العام‪ ،‬بعقله‬ ‫و عقل اهل امل�شورة يف م�صالح الدنيا‪ ،‬يجتهد بكل ما لديه‬ ‫من قدرة ذهنية وما امامه من جتارب ب�شرية ومعلومات‬ ‫متوفرة للو�صول الى امل�صلحة العامة و هذه االجتهادات‬ ‫تتغري ح�سب الزمان واملكان واحلال‪..‬مبعنى ( ان الر�سول‬ ‫– �صلى اهلل عليه و �سلم – ت�صرفاته التي �صدرت عنه‬ ‫بحكم ال�سيا�سة ال�شرعية اقت�ضتها م�صالح جزئية ملا‬ ‫تغريت تلك امل�صالح تغريت االحكام املرتبطة بها‪� ،‬سواء‬ ‫كان ذلك يف حياته او من قبل اخللفاء بعد وفاته)‪..‬و قد‬ ‫�ضرب امثلة كثرية لهذا �أث�ن��اء حياته م��ن نف�سه او من‬

‫لقد عوتب ‪..‬فكيف بغريه �أن ال يعاتب ؟‪....‬‬ ‫‪ -5‬ع��دم ا�ستخدام م�ؤ�س�سات ال��دول��ة و ق��وة ال�سلطة يف‬ ‫فر�ض �آراء دينية‪ ،‬كما فعل امل��أم��ون قدميا ويفعله‬ ‫�آخ��رون حديثاً‪ ،‬و ع��دم ا�ستخدام القهر ال��روح��ي يف‬ ‫م�سائل �سيا�سية ‪...‬‬ ‫�سلطة الدين على القلوب ينبغي عدم توظيفها يف‬ ‫مترير �آراء �سيا�سية غري قابلة للمراجعة‪..‬كما يحدث‬ ‫عندنا‪ ،‬ك�أن حكم املعرت�ض يف ال�سيا�سة هو حكم املعرت�ض‬ ‫يف الدين‪..‬‬


‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪81‬‬


‫المولد النبوي‬ ‫في منظور الشريعة اإلسالمية‬ ‫مقاالت‬

‫الدكتور تيسير الفتياني‬ ‫يكن جميع امل�سلمني يف �صدورهم حمبة لر�سولنا الكرمي‪،‬‬ ‫وحبيبنا العظيم وقدوتنا‪ ،‬و�إمامنا �صلى اهلل عليه و�سلم وعلى‬ ‫�آله و�صحبه ومن عمل ب�سنته واهتدى بهديه �إلى يوم الدين‪،‬‬ ‫و�إن هذه املحبة تعترب من �أ�صول الدين‪ ،‬ومن ال يحب النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ف�إنه كافر‪ ،‬و نتقرب �إل��ى اهلل ببغ�ضه‪،‬‬ ‫لأن ذل��ك م��ن �صفات امل�ن��اف�ق�ين؛ ال��ذي��ن ق��ال اهلل فيهم �إنهم‬ ‫يف‪(:‬الدرك الأ�سفل من النار)‪.‬‬ ‫‪82‬‬

‫ففي كل �سنة هجرية ويف الثاين ع�شر من �شهر ربيع الأول‬ ‫تطل على امل�سلمني ذكرى مولد خري ولد �آدم �سيد الب�شر وخامت‬ ‫الأن�ب�ي��اء واملر�سلني‪ ،‬النبي ال�ك��رمي حممد ب��ن عبد اهلل عليه‬ ‫�أف�ضل ال�صالة والت�سليم‪ ،‬فيقوم البع�ض �إحياء لهذه املنا�سبة‬ ‫الطيبة املباركة بتنظيم االحتفاالت ورعاية املنا�سبات ب�أعمال‬ ‫اخلري املختلفة‪ ،‬والتي تكلف مبالغ مالية كبرية‪ ،‬لو �أنفقت يف‬ ‫جوانب الدعوة املرتبطة بن�شر دينه و�سريته �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم العطرة البهية‪ ،‬ففي ذلك جت�سيد للمحبة التي �أمرنا‬ ‫بها اهلل ور�سوله‪ ،‬والتي تك�سب الأجر ور�ضا الرحمن وحت�صيل‬ ‫الدرجات العلى يف اجلنان‪ ،‬بعيداً عن املمار�سات البدعية التي‬ ‫مل ترد يف الكتاب وال�سنة وال يف �إجماع �أهل ال�سنة واجلماعة‬ ‫من العلماء والفقهاء‪.‬‬ ‫لذلك ف�إننا ننتهز هذه املنا�سبة العظيمة لتذكري امل�ؤمنني‬ ‫يف �أقا�صي الأر���ض ومغاربها �أن يلتزموا ب�أوامر ونواهي خري‬ ‫الأن� ��ام‪ ،‬عليه ال���ص�لاة وال���س�لام‪ ،‬ويف ذل��ك تعبري ��ص��ادق عن‬ ‫حمبته والنجاة من النار‪،‬‬

‫فن�سب الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم؛ مما ثبت يف ال�صحيح‪،‬‬ ‫هو حممد بن عبد اهلل بن عبد املطلب بن ها�شم بن عبد مناف‬ ‫بن ق�صي بن كالب بن مرة بن كعب بن ل�ؤي بن غالب بن فهد‬ ‫بن مالك بن الن�ضر ابن كنانة بن خزمية بن مدركة بن اليا�س‬ ‫بن م�ضر بن نزار بن �سعد بن عدنان‪� ،‬إلى هنا جممع عليه بني‬ ‫العلماء �أما ما ورد يف بع�ض الكتب من ذكر الن�سب �إلى �آدم فهو‬ ‫�أمر خمتلف فيه كثريا وقد �أجمع العلماء على �أن عدنان من‬ ‫ن�سل �إ�سماعيل بن �إبراهيم (عليهما ال�سالم)‪.‬‬ ‫�أما �أخواله فمن بني زهرة وبذلك يكون الر�سول الكرمي‬ ‫قد حاز ال�شرف كله يف املخلوقات ثم ال�شعوب ثم القبائل ثم‬ ‫البيوت ثم النفو�س فهو �أ�شرف خملوق يف هذا الوجود‪.‬‬ ‫ق��ال ر�سول اهلل‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪�( :‬إن اهلل �أ�صطفى‬ ‫كنانة من ولد �إ�سماعيل‪ ،‬و�أ�صطفى قري�شا من كنانة‪ ،‬و�أ�صطفى‬ ‫م��ن ق��ري����ش ب�ن��ي ه��ا��ش��م وا��ص�ط�ف��اين م��ن ب�ن��ي ه��ا��ش��م) م�سلم‬ ‫‪ ،2276‬وق��ال �أي�ضاً‪�( :‬إن اهلل عز وجل يوم خلق اخللق جعلني‬ ‫يف خريهم‪ ،‬ثم حني فرقهم جعلني يف خري الفريقني‪ ،‬ثم حني‬ ‫جعل القبائل جعلني يف خ�ير قبيلة‪ ،‬ث��م ح�ين جعل البيوت‬ ‫جعلني يف خ�ير بيوتهم‪ ،‬ف��أن��ا خ�يره��م ن�سبا‪ ،‬وخ�يره��م بيتا)‬ ‫الرتمذي ‪.3758‬‬ ‫احلكمة من هذا اال�صطفاء‪ ،‬لأن العامل ال ي�سمع �إال لذوي‬ ‫الأن�ساب العالية فكان عليه ال�صالة وال�سالم من �أعلى الب�شر‬ ‫ن�سبا‪ ،‬وحتى ال يتوهم �أحد ب�أنه عليه ال�صالة وال�سالم �أدعى‬ ‫النبوة من �أجل تغيري و�ضعه االجتماعي‪.‬‬ ‫�أما اختياره عليه ال�صالة وال�سالم من العرب‪ ،‬فهذا دليل‬ ‫حب اهلل تعالى للعرب ولهذا ينبغي على كل م�سلم �أن يحب‬ ‫العرب من حيث اجلن�س ال من حيث الأف��راد‪ ،‬ف��إذا كان الفرد‬ ‫العربي م�سلما تقيا فيجب حبه‪� ،‬أم��ا �إذا كان منحرفا فيجب‬ ‫كره فعله املنحرف ال جن�سه العربي‪.‬‬ ‫ور�سولنا الكرمي ابن الذبيحني‬ ‫فقد ورد يف كتب ال�سرية �أن عبد املطلب ملا �أراد �أن يحفر‬ ‫زمزم �أخرج منها كنز جرهم‪ ،‬فنازعته قري�ش‪ ،‬وطلبت منه �أن‬ ‫تتقا�سم معه الكنز وت�شاركه يف املاء‪،‬و كان وحيدا ولي�س له ولد‬ ‫�سوى ابنه احل��ارث فنذر لئن رزق ع�شرة من الولد؛ ليذبحن‬ ‫واحدا منهم‪ ،‬فا�ستجاب اهلل دعاءه‪ ،‬ووفى هو بنذره‪ ،‬وخرجت‬ ‫ال�ق��رع��ة ع�ل��ى ول ��ده ع�ب��د اهلل‪ ،‬ف ��أخ��ذه ع�ب��د امل�ط�ل��ب ي��ري��د �أن‬ ‫يذبحه‪ ،‬فمنعته قري�ش‪ ،‬فقال كيف ا�صنع بنذري؛ ف�أ�شاروا عليه‬ ‫�أن ي�أتي عرافة في�ست�أمرها ف�أتاها ف�أمرت �أن ي�ضرب بالأقداح‬ ‫على عبد اهلل وعلى ع�شر من الإبل ف�إن خرجت على عبد اهلل‬ ‫يزيد ع�شرا من الإبل‪ ،‬وا�ستمر على ذلك حتى بلغت الإبل مائة‬ ‫فوقعت القرعة عليها‪ ،‬فنحرت عنه‪ ،‬وكانت الدية يف قري�ش‬ ‫ويف العرب ع�شرا من الإبل‪ ،‬فجرت بعد هذه الواقعة مائة من‬


‫الإبل‪ ،‬و�أقرها الإ�سالم وهذا م�صداقا‪ ،‬ملا روى عن النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم �أنه قال‪�(:‬أنا ابن الذبيحني) يعني �إ�سماعيل بن‬ ‫�إبراهيم وعبد اهلل بن عبد املطلب‪ :‬ابن ه�شام ‪ .151/1‬وعندما‬ ‫�شب عبد اهلل عن الطوق زوجه والده ب�أمنة بنت وهب‬ ‫ومو�ضوع الزواج وعالمات الن�سب من الأمور امل�ستفي�ضة يف‬ ‫كتب ال�سرية وال حتتاج �إلى �سند موثق‪ ،‬فقد اختار عبد املطلب‬ ‫لولده عبد اهلل بعد جناته من حادثة الذبح تلك الزوجه التي‬ ‫تنت�سب الى وهب بن عبد مناف بن زهرة ابن كالب‪ ،‬وهي �أف�ضل‬ ‫امر�أة يف قري�ش ن�سبا و�صهرا‪ ،‬و�أبوها �سيد بني زهرة‪ ،‬فتزوج عبد‬ ‫اهلل �آمنة يف مكة وبعد الزواج بقليل �أر�سل عبد املطلب ولده �إلى‬ ‫املدينة كي ميتار لهم ‪� -‬أي ي�شرتي مترا من املدينة من �أخواله‬ ‫ فمات هناك وحممد �صلى اهلل عليه و�سلم جنني يف بطن �أمه‪،‬‬‫كما تذكر ذل��ك �أ�صح ال��رواي��ات‪ ،‬ودف��ن يف دار النابغة اجلعدي‪،‬‬ ‫وكان عمره خم�سا وع�شرين �سنة‪ ،‬وبذلك يكون الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ولد يتيما‪ ،‬كما ورد ذلك يف القر�آن الكرمي ( َ�ألمَ ْ‬ ‫َيجِ د َْك َي ِتيماً َف��آ َوى) ال�ضحى‪ ،6 :‬وعندما مات �أبوه كفله جده‬ ‫عبد املطلب وهو حتت رعاية �أمه �آمنة‪ .‬وكان مولده �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم يف عام الفيل والتي تتلخ�ص ق�صة الفيل‪ ،‬ب�أن �أهل‬ ‫الكتاب ح�سدوا العرب وحقدوا على �أهل مكة لأنهم يعظمون بيت‬ ‫اهلل احلرام‪ ،‬ف�أراد �أبرهة الأ�شرم – احلب�شي ‪� -‬أن ي�صرف النا�س‬ ‫عن تعظيم ذل��ك البيت فبنى كني�سة عظيمة تدعى “القلي�س‬ ‫“و�أمر العرب �أن يحجوا �إليها‪ ،‬فما كان من �أحد الأعراب �إال‬ ‫�أن جن�س الكني�سة‪ ،‬فعزم �أبرهة الأ�شرم على هدم الكعبة لإجبار‬ ‫العرب على احلج �إلى كني�سته فكانت حادثة الفيل‪ ،‬وي�ستفاد من‬ ‫هذه الق�صة ما يلي‪:‬‬ ‫�أوال‪ :‬منزلة الكعبة التي بناها �إبراهيم و�إ�سماعيل عليهما ال�سالم‪.‬‬ ‫ثانيا‪� :‬إن م��ن ال�ع��رب م��ن وق��ف يف وج��ه �أب��ره��ة ملنعه م��ن هدم‬ ‫الكعبة فمنهم من قتل ومنهم من �أ�سر دفاعا وت�ضحية يف‬ ‫�سبيل ذلك‪.‬‬ ‫ثالثا‪� :‬أن من العرب من تعاون مع �أبرهة و�صار عينا وجا�سو�سا‬ ‫ل��ه‪ ،‬ينقل ل��ه الأخ �ب��ار وي��ر��ش��ده �إل��ى مكة ليهدم بيت اهلل‬ ‫العتيق ف�أخذهم اهلل خليانتهم وت�آمرهم على بيته‪ ،‬ولعنوا‬ ‫يف الدنيا والآخ��رة‪ ،‬ومنهم �أب��و رغ��ال‪ ،‬وال��ذي �أ�صبح قربه‬

‫رمزا للخيانة والعمالة‪ ،‬و�أ�صبح م�ضربا للمثل يف التاريخ‬ ‫وكلما مر واحد على قربه رجمه باحلجارة‪.‬‬ ‫راب�ع��ا‪� :‬إن ال��ر��س��ول ال�ك��رمي �صلوات اهلل تعالى عليه ول��د بعد‬ ‫خم�سني يوما من حادثة الفيل؛ فكانت هذه احلادثة لأجل‬ ‫بيته ولأج��ل نبيه وه��ذا من دالئ��ل نبوته �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ .‬وهناك �إ��ش��ارات ودالئ��ل �صاحبت والدت��ه �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‬ ‫معظمها ا��ش��ارات �صحيحة متفق عليها وبع�ضها �إ��ش��ارات‬ ‫خمتلف فيها �صاحبت والدة الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪� ،‬أم��ا املتفق عليها فمنها ما ورد يف قوله �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم (�أن��ا دع��وة �أب��ي �إبراهيم‪ ،‬وب�شرى عي�سى‪ ،‬ور�أت �أم��ي حني‬ ‫حملت ب��ي‪ ،‬ك��أن ن��ورا خ��رج منها �أ��ض��اءت له ق�صور ب�صرى من‬ ‫ار�ض ال�شام) �أحمد ‪.127/4‬‬ ‫�أم � ��ا دع � ��وة �إب ��راه� �ي ��م ع �ل �ي��ه ال �� �س�ل�ام ف �ه��ي ق��ول��ه ت �ع��ال��ى‪:‬‬ ‫} َر َّب َنا َوا ْب َع ْث ِفي ِه ْم َر ُ�سوالً ِّم ْن ُه ْم َي ْت ُلو َعلَ ْي ِه ْم �آ َيا ِت َك َو ُي َع ِّل ُم ُه ُم‬ ‫ا ْل ِك َت َاب َوالحْ ِ ْك َم َة َو ُي َز ِّكي ِه ْم �إِ َّن َك �أَنتَ ال َعزِي ُز ا َ‬ ‫حل ِكي ُم{ البقرة‪129:‬‬ ‫و�أم��ا ب�شارة عي�سى عليه ال�سالم‪ ،‬فهي يف قوله تعالى‪} :‬‬ ‫ي�سى ا ْب ُن َم ْريمَ َ َيا َب ِني �إ ِْ�س َرا ِئي َل �إِنيِّ َر ُ�سو ُل اللهَّ ِ �إِ َل ْي ُكم‬ ‫َو�إِ ْذ َقا َل ِع َ‬ ‫ُّم َ�صدِّقاً لمِّ َا َبينْ َ َيدَيَّ ِم َن ال َّت ْو َرا ِة َو ُم َب ِّ�شراً ِب َر ُ�سولٍ َي�أْ ِتي ِمن َب ْع ِدي‬ ‫ْا�س ُم ُه �أَ ْح� َم� ُد َفلَ َّما َج��اء ُه��م بِا ْل َب ِّي َن ِات َق��ا ُل��وا َه � َذا ِ�س ْح ٌر ُّم ِب ٌ‬ ‫ني{‬ ‫ال�صف‪.6 :‬‬ ‫و�أم��ا ر�ؤي��ا �أمه عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬ففيها �إ�شارة �إلى ما‬ ‫ي�ج��يء ب��ه م��ن ال�ن��ور ال��ذي اه�ت��دى ب��ه �أه��ل الأر� ��ض‪ ،‬وزال ��ت به‬ ‫ظلمة ال�شرك منها‪ ،‬وتخ�صي�ص ال�شام بظهور النور‪� ،‬إ�شارة �إلى‬ ‫ا�ستقرار دينه‪ ،‬وثبوته ببالد ال�شام‪ ،‬ولهذا تكون ال�شام يف �آخر‬ ‫الزمان معقال للإ�سالم و�أهله‪ ،‬و�أما الإ�شارات التي اختلف فيها‬ ‫ووق�ع��ت عند م�ي�لاده‪ ،‬قيل ان��ه ح�ين ول��د‪ ،‬تهدمت �أرب��ع ع�شرة‬ ‫�شرفة من �إي��وان ك�سرى‪ ،‬وخمدت النار التي يعبدها املجو�س‪،‬‬ ‫وانهدمت الكنائ�س حول بحرية �ساوه‪ .‬واهلل اعلم بال�صواب‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪83‬‬


‫كشمير‪:‬‬

‫مشكلة في الجنة‬

‫مقاالت‬

‫جيالين ومرويز عمر فاروق وحممد يا�سني مالك الذين‬ ‫اُحتجزوا من قبل ال�شرطة ومل يتمكنوا من اخلروج من‬ ‫منازلهم‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك متكن مرويز عمر فاروق‬ ‫من �إ�صدار بيان قال فيه‪�" :‬إن ق�ضية ك�شمري ال تتعلق‬ ‫باحلكم �أو بالق�ضايا الإقت�صادية �أو احلوافز االقت�صادية‪،‬‬ ‫وعلينا �أن نفهم حقيقة �أن �شباب ك�شمري ميوتون اليوم يف‬ ‫ال�شوارع وال يطلبون وظائف وكتباً‪.‬‬

‫الدكتور غالم نبي فاي‬ ‫األمين العام للمنتدى العالمي‬ ‫للتوعية بكشمير‬

‫‪84‬‬

‫ل�ق��د � �س��ارت الأم ��م امل�ت�ح��دة ب�ع�ي��داً ع��ن امل��ذاب��ح يف‬ ‫ك���ش�م�ير وغ���س�ل��ت �أي��دي �ه��ا م�ن�ه��ا وت�خ�ل��ت ع�ن�ه��ا‪ ،‬وق��ال��ت‬ ‫املنظمة العاملية للهند‪�" :‬إنها م�شكلتك" حتى املتحدث‬ ‫الأ�سبق با�سم وزارة اخلارجية الأمريكية ج��ون كريي‬ ‫�أرج � ��أ جميع الإ��س�ت�ف���س��ارات ح��ول " �أع �م��ال ال�ق�ت��ل " يف‬ ‫ك�شمري �إلى احلكومة الهندية علماً ب�أنها م�صدر �إراقة‬ ‫كل هذه الدماء‪ ،‬وهذا ي�شبه �إحالة م�شكلة الثعالب يف قن‬ ‫الدجاج �إلى رئي�س وزراء – ثعلب‪.‬‬ ‫ويتهم رئي�س ال ��وزراء "مهبوبا مفتي" ال��ذي يبدو‬ ‫�أنه كان يف خندقها‪ ،‬م�صدر امل�شكلة حول "العنا�صر" يف‬ ‫حني يطالب مئات الآالف من الك�شمرييني يف ال�شوارع‬ ‫بالتحرير والهند ب��اخل��روج من �أر�ضهم‪ ،‬و�أ��ض��اف �أنهم‬ ‫"�أي ال�شباب" غا�ضبون‪ ،‬وميكنني فهم غ�ضبهم‪ ،‬ونحن‬ ‫نتطلع �إل��ى م�ستقبل �أف�ضل لهم م��ن خ�لال ا�ستك�شاف‬ ‫�سبل وو�سائل توفري الأعمال املنتجة لهم‪ ،‬وقالت ال�سيدة‬ ‫املفتي‪ ،‬رمبا يجب �أن تزيل احلجاب عن عينيها‪ ،‬موجهة‬ ‫هذا الكالم للقيادة امل�ؤيدة للحرية مبن فيهم �سيد علي‬

‫ما هي امل�شكلة الفعلية؟‬ ‫�إنها ق�ضية ال�شعب – وحقه يف تقرير امل�صري‪.‬‬ ‫لقد نا�شد �سيد علي جيالين ال�شعب للحفاظ على‬ ‫الإن�ضباط والإن�سجام الطائفي وعدم الإ�ضرار مبراكز‬ ‫ال�شرطة و�سيارات الإ�سعاف‪ ،‬وطلب حممد يا�سني مالك‬ ‫م��ن املتعاطفني وغ�يره��م م��ن ال�ن��ا���س ت�ع��زي��ز جهودهم‬ ‫وتقدمي امل�ساعدة والإغاثة ل�ضحايا العنف الذي ترعاه‬ ‫الدولة‪� ،‬إذ قتل "برهان واين" الذي مل يطلق النار على‬ ‫�أي �شخ�ص‪ ،‬ولكنه �أ�صبح رمزاً لل�شباب‪ ،‬لأنه طلب تقرير‬ ‫امل�صري من خالل �صوته ال�شجاع‪ ،‬فهذا �أقل �شيء ميكن‬ ‫�أن تفعله الهند‪� ،‬إذا كانت تريد ال�سالم مع ك�شمري‪ ،‬كما‬ ‫�أن ال�شعار �أ�صبح الآن على و�سائل الإعالم الإجتماعية‪:‬‬ ‫نحن نريد احلرية وال �شيء �سوى احلرية‪ ،‬لقد �أ�صبحت‬ ‫الهند �أ�سو�أ عدو لأهل ك�شمري‪.‬‬ ‫ويف الوقت نف�سه ف�إن الواليات املتحدة‪ ،‬القوة العظمى‬ ‫الوحيدة يف العامل التي يجب �أن تتحمل امل�س�ؤولية عن‬ ‫حتديد النربة الأخالقية من خالل القيادة املن�ضبطة‬ ‫واحلق‪ ،‬جتل�س وال تفعل �شيئاً‪ ،‬هذا ال�سلوك يخفف من‬ ‫هذه احلوافز املالية التي فتحت الهند حتى ‪ 500‬مليار‬ ‫دوالر �أم��ري �ك��ي يف ال��س�ت�ث�م��ارات ام��ري�ك�ي��ة ت�صل خ�لال‬ ‫ال�سنوات اخلم�س املقبلة‪.‬‬


‫هل ميكن للدول الكربى �أن ت�ضحي حتى بدوالر‬ ‫واحد حلياة ك�شمريي؟‬ ‫وي�ت�ج�ل��ى ع ��دم الإه �ت �م ��ام ب �ه��ذه امل �� �ش��اك��ل يف ت�ق��ري��ر‬ ‫اخلارجية الأمريكية حلقوق الإن�سان ال��ذي مل يحتفظ‬ ‫ب�سجالت ر�سمية عن عمليات القتل التي تقوم بها القوات‬ ‫الهندية يف ك�شمري مب��وج��ب ق��ان��ون احل�م��اي��ة اخلا�صة‬ ‫للقوات امل�سلحة وال يحتفظ بها‪ ،‬ومع ذلك ف�إن موقعها‬ ‫على ال�شبكة اخلا�صة‪� ،‬إذ يلمح �إلى الإعالن العاملي حلقوق‬ ‫الإن�سان عن ذل��ك ب�صراحة‪� ،‬إننا ن��رى �أن��ه من الأ�سا�س‬ ‫مل�صاحلنا �أن ن�ؤيد ال�سالم العادل يف جميع �أنحاء العامل‬ ‫– وه��و م�ب��د�أ مينح فيه الأف ��راد ولي�س جم��رد الأم��م‪،‬‬ ‫احلقوق الأ�سيا�سية التي ي�ستحقونها‪ ،‬وم��ن خ�لال هذا‬ ‫اخليار املعتمد‪ ،‬ف�إن الواليات املتحدة تعلن يف الواقع �أن‬ ‫الك�شمرييني لي�س لهم حقوق ا�سا�سية وال ي�ستحقونها‪،‬‬ ‫وبح�سب �آخ��ر ع��دد قدمته و�سائل الإع�ل�ام املحلية قتل‬ ‫‪� 37‬شخ�صاً من الأبرياء‪ ،‬و�أ�صيب �أكرث من ‪� 1500‬آخرين‬ ‫ب��إط�لاق ال�ن��ار الع�شوائي م��ن جانب ال�ق��وات الهندية يف‬ ‫وادي ك�شمري يف ث�لاث��ة �أي ��ام ف�ق��ط‪ ،‬عندما ك��ان��ت مئات‬ ‫الآالف من النا�س يحتجون �سلمياً يف ال�شوارع املختلفة يف‬ ‫مدن وادي ك�شمري‪ ،‬هذه جرمية قتل بدم بارد‪ ،‬وقد حتولت‬ ‫ك�شمري التي تعرف با�سم اجلنة �إلى جهنم من قبل قوات‬ ‫الإحتالل‪ ،‬واملفارقة هي �أن هذه القوات حم�صنة من �أي‬ ‫حماكمة حتت قوانني خا�صة �صارمة مثل قانون القوى‬ ‫اخلا�صة للقوات امل�سلحة " �أف�سبا"‪.‬‬ ‫�إن �شباب ك�شمري لي�س لديهم �إال القليل من الإميان‬ ‫�أو الإحرتام ملا ي�سمى بالدميقراطية الهندية ولي�س لدى‬ ‫الهند �أي فكرة عن كيفية ك�سبها‪.‬‬ ‫�إن معاجلة غ�ضب النا�س الذين يبكون من �أجل احلرية‬ ‫ وبالرغم – من �إرهاب ‪� 700‬ألف جندي على الأقل هو �أن‬‫ي�صمدوا ‪ ، -‬ولكن النا�س خرجوا الى ال�شوارع ‪ ...‬من خطر‬ ‫التجوال وقدموا احتجاجات �سلمية �ضد قتل الأبرياء‪،‬‬

‫وتعود ك�شمري الى نف�س املربع حيث عمليات القتل وحظر‬ ‫التجوال والفو�ضى والإرتباك والإ�ضطراب وعدم اليقني‬ ‫وال�ل�ي��ايل ال��داك �ن��ة‪ ،‬وه �ن��اك م�ع��ان��اة يف ك��ل م �ك��ان‪ ،‬هناك‬ ‫الظالم يف كل مكان‪ ،‬ولكن الو�ضع يف عام ‪2016‬م يختلف‬ ‫متاماً عن املا�ضي بل هو حركة جماهريية مدفوعة من‬ ‫ال�شباب مع و�سائل الإع�لام والتوا�صل الإجتماعي وهم‬ ‫متعلمون ومتحم�سون لتحقيق حقهم يف تقرير امل�صري‪-‬‬ ‫احلق يف �أن تقرر ذلك من قبل الهند وباك�ستان واملجتمع‬ ‫ال ��دويل‪ ،‬ول�ل�أ��س��ف مل تتحقق ه��ذه ال��وع��ود حتى اليوم‬ ‫والرغبة يف تقرير امل�صري هي العن�صر الكبري جداً الذي‬ ‫ينبغي �أن ت�شعر به الهند‪ ،‬ومع ذلك التزال تتطلع للعامل‬ ‫ب��أن�ه��ا غ�ير م��وج��ودة‪ ،‬ب�ي��د �أن ال�ه�ن��د رف���ض��ت الإع�ت�راف‬ ‫ب �ه��ا‪ ،‬اال �أن احل��رك��ة ال �ت��ي ا� �س �ت �م��رت ع �ق��ود يف ك�شمري‬ ‫لن متوت "‪" ....‬‬ ‫حكومة " مودي" متعجرفة وكان رئي�س الوزراء الذي‬ ‫عقد يف ‪ 12‬يوليو ‪ 2016‬اجتماعاً خا�صاً مع الوزراء الهنود‬ ‫وم�س�ؤولني �آخ��ري��ن ال�ستعرا�ض الو�ضع " غ�ير �سعيد"‬ ‫والقي بالالئمة على و�سائل الإع�لام لتحويل " برهان‬ ‫واين" ال��ى بطل وه��و ��ش��اب‪ ،‬ق��ال �إن��ه م��ذن��ب يف �أن�شطة‬ ‫�إرهابية وحماولة زعزعة وتفكيك البالد هذا يوم �سيئ‬ ‫" لناريندرا" مودي قد اليقر�أ �صحيفة نيويورك تاميز‬ ‫يف ‪ 10‬ي��ول�ي��و ‪ /‬مت��وز ‪ 2016‬ال �ت��ي ن�ق�ل��ت ع��ن ��س�ي��د عطا‬ ‫ح�سنني وهو جرنال متقاعد من اجلي�ش الهندي ق�ضى‬ ‫�أك�ثر من عقدين من الزمان يف ك�شمري وق��ال ‪ :‬مل يكن‬ ‫(برهان واين) مرتبطاً �شخ�صياً بالعنف الكثري ولكن كان‬ ‫مرتبطاً بالقيادة‪ ،‬وقال �سيد عطا ح�سنني �أي�ضاً �إن ال�سيد‬ ‫واين نقل ر�سالة احلرية وهي كلمة كانت �صرخة معركة‬ ‫من ك�شمري لعقود ‪.‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪85‬‬


‫قراءة في ندوة‬

‫أثر التصوف‬ ‫في حفظ روح األمة اإلسالمية‬

‫‪86‬‬

‫والإ� �س�لام كدين �سماوي �آخ��ر الأدي ��ان‪ ،‬ج��اء ليعالج‬ ‫مقاالت‬ ‫م�شاكل الإن�سان بجانبيها امل��ادي وال��روح��ي‪ ،‬لأن �إغفال‬ ‫اجل��ان��ب ال��روح��ي يف البنية الإن���س��ان�ي��ة �إغ �ف��ال لن�صف‬ ‫الإن�سان وال ينبغي �أن يتكلم عن �إن�سان كامل ب��دون �أن‬ ‫نتعر�ض للجانب الروحي والإ�ستعداد الروحي يف داخل‬ ‫البنية الإن�سانية‪ ،‬هذا اجلانب الروحي القر�آن الكرمي‬ ‫حدثنا عن من��اذج ب�شرية متنوعة حتى تكاد اخلالفات‬ ‫الواقعة ب�ين ه��ذا التنوع وه��ذا التعدد ت�شمل الأنفا�س‬ ‫لبني �آدم‪ ،‬ف��ال�ق��ر�آن ال�ك��رمي يحدثنا ع��ن من��اذج ب�شرية‬ ‫�إذا �سمعت القر�آن الكرمي بكت وذرفت عيناها }�إذا تتلى‬ ‫عليهم �آيات الرحمن خ ّروا �سجداً و ُبكيا{ وهنالك الآية‬ ‫الكرمية }اهلل نزّل �أح�سن احلديث كتاباً مت�شابهاً مثاين‬ ‫تق�شعر منه جلود الذين يخ�شون ربهم{ وهناك }وعباد‬ ‫الرحمن الذين مي�شون على الأر���ض هوناً{ هذه مناذج‬ ‫د‪ .‬رشاد الكيالني‬ ‫تتمتع بح�س روحي قوي �إذا �سمعت �آيات الرحمن انفعلت‬ ‫ب�ه��ا‪ ،‬منها يبكي ومنها م��ا م��ن يخر ��س��اج��داً ومنها ما‬ ‫�إن التحدث ع��ن الفكر ال�صويف يف �أ�صله يف الوقت من تق�شعر �أج�سادهم‪ ،‬هذا اللون كان موجوداً يف ع�صر‬ ‫ال ��ذي �أ��ص�ب��ح ال�ف�ك��ر ف�ي��ه ط��رق �اً ومم��ار� �س��ات وع� ��ادات ‪ ..‬ال�صحابة وال يخلو منه جيل م��ن الأم��ة‪ ،‬ال��ذي ينفعل‬ ‫واحياناً ت�صاحبه بع�ض البدع‪ ،‬يقودنا �إلى ت�أ�صيل ق�ضية ب�آيات القر�آن خا�صة‪� ،‬آيات الرتغيب والرتهيب‪.‬‬ ‫الت�صوف وف�ض الإ�شتباكات ب�ين املعار�ضني للت�صوف‬ ‫�إن ال�صوفية كانت حتى الوقت القريب متثل �أكرث‬ ‫والراف�ضني له رف�ضاً مطلقاً‪ ،‬و�أق��ول هنا مبلء الفم �أن امل�ج��االت �أث ��راً يف ال�صناعة الدينية ل�ل��وج��دان ال�شعبي‬ ‫م��ن يرف�ضون الت�صوف ويعار�ضونه يرف�ضون ن�صف وك ��ان ال�ت���ص��وف ي�ق��وم ب�ن�ظ��رات��ه الإن���س��ان�ي��ة م�ق��ام علوم‬ ‫الإن�سان‪ ،‬والقر�آن الكرمي حدثنا عن هذه النماذج التي النف�س الآن‪ ،‬كما كان يقوم يف ت�شكيله للوجدان ال�شعبي‬ ‫تنفعل ب��الآي��ات ال�ق��ر�آن�ي��ة والأح��ادي��ث ال�ن�ب��وي��ة‪ ،‬و�آي��ات مبا تقوم به فنون الأدب والق�صة وامل�سرحية وله نتاجه‬ ‫القر�آن ال ي�أبه بها وال ينفعل بها‪ ،‬بل هناك من القلوب الأدبي يف ال�شعر واحلكم والدعاء‪.‬‬ ‫من و�صفها القر�آن كاحلجارة }فهي كاحلجارة �أو �أ�شد‬ ‫وال���ص��وف�ي��ة مب��ا مت�ل�ك��ه م��ن ط��اق��ة روح �ي��ة ب ��د�أت يف‬ ‫ق�سوة و�إن من احلجارة ملا يتفجر منه الأنهار و�إن منها‬ ‫ملا ي�شقق فيخرج منه املاء و�إن منها ملا يهبط من خ�شية ال�سنوات الأخ�ي�رة ت�شهد ح�ضوراً الف�ت�اً ل��دى امل�سلمني‬ ‫اهلل{‪ ،‬عك�س بع�ض ال�ق�ل��وب‪ ،‬فقلوب بني �آدم متنوعة‪ ،‬الغربيني حتى الحظ بع�ض الفرن�سيني �أن الكثري من‬ ‫فالذين يرف�ضون الت�صوف م��ن منطلق ال�ب��دع عليهم معتنقي الإ�سالم يف فرن�سا ج��ا�ؤوا عن طريق ال�صوفية‪،‬‬ ‫�أن يفرقوا بني �سلوك املت�صوفة وبني املبادئ والقواعد بل �إن بع�ضاً منهم اعترب ال�صوفية احلل‪ ،‬غري �أن املراقب‬ ‫والأ�س�س القر�آنية التي قام عليها الت�صوف‪.‬‬ ‫ي�أخذ باحل�سبان ال�سياق الغربي ال��ذي يغ�ص باملاديات‬


‫ويبحث ع��ن املعنى ال��ذي يجده يف ال�ت�راث ال�صويف مبا املجتمعات وكل املجتمعات وكذلك ت�أثريه على الأ�سرة والفرد‪.‬‬ ‫يحققه له من وجدان روحاين ومبا يختزنه من خمزون‬ ‫�إن �أهم الإ�شكاليات هي التي ينتج عنها الغلو والتطرف‬ ‫�إن���س��اين‪ ،‬وك��ذل��ك ال يخفى على بع�ض ه ��ؤالء ال�ق��ول‪�:‬إن‬ ‫احلل ال�صويف ي�أتي يف �سياق حماربة ما ي�سمى بالإ�سالم والإرهاب‪.‬‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬لكن يبقى الت�صوف يثري الكثري من الأ�سئلة‬ ‫مثل غياب م�شروع ا�سرتاتيجي ناجح للمعاجلة‪ ،‬وغياب‬ ‫وامل�شكالت يف جماالت �شتى لعل �أ�شهرها تداوالً هو اجلانب الر�ؤية (التكتيكية) للتنفيذ وعد توحيد ال�صفوف حول‬ ‫الإعتقادي والذي يركز عليه كثرياً بع�ض خ�صومها‪.‬‬ ‫املرجعيات حول املذهب ‪ -‬مذهب �أهل ال�سنة واجلماعة‬ ‫– حول العقيدة والتزكية وعدم قيام امل�ساجد بدورها‬ ‫وتناولت هذا الندوة القيم الكامنة يف ال�صوفية و�أهمية احلقيقي بحيث �أ�صبحت جماالً لن�شر التبديع والت�شكيك‬ ‫اجلانب الروحي يف الإ�سالم و�إيجابيات املعرفة كال�صوفية والت�ضليل وال�شحن املذهبي والطائفي وال�سيا�سي ومن‬ ‫وبع�ض �سلبياتها‪ ،‬ثم العالقة بني الت�صوف وال�سيا�سة‪ ،‬بع�ضها �صدرت دعوات للقتل‪ ،‬وحني يغيب �صوت الإ�صالح‬ ‫فعند احلديث عن ال�صوفية كمنهج عقدي تربوي فكري والإعتدال والتزكية والرتبية الروحية ال�سليمة والعقيدة‬ ‫ال ميكننا �إغ �ف��ال �أو جت ��اوز احل��دي��ث ع��ن امل���ص�ط�ل��ح ‪ ..‬ال�صحيحة عن امل�ساجد‪ ،‬ف�إن ذلك ال�صوت باب لكل �أنواع‬ ‫م�صطلح هذا املنهج ال�صوفية �أ�صله الإ�شتقاقي من �أين الكوارث والنوازل‪.‬‬ ‫ي�أتي هذا امل�صطلح؟‬ ‫الت�صحر الديني مم��ا �أع�ط��ى جم��االً لت�أثري الأف�ك��ار‬ ‫لو تخطينا عقبة امل�صطلح و�أوغلنا قليالً يف �أ�صوله املتع�صبة والعقائد املنحرفة‪.‬‬ ‫الفكرية‪� ،‬أ��ص��ول املنهج تاريخياً‪ ،‬ه��ل هناك م��ا يثبت يف‬ ‫الفو�ضى التي �أدت �إلى �إ�ضعاف الدول‪ ،‬مما جعل بع�ض‬ ‫ال�سرية النبوية‪ ،‬يف ال�ق��ر�آن الكرمي‪ ،‬يف �سرية ال�صحابة التيارات تتغول وتتمول وتن�شر الكثري من الإرباكات يف‬ ‫وجود هذا الفكر يف عهد الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪ .‬بع�ض املجتمعات‪.‬‬ ‫و�أق ��ول �إن الت�صوف لي�س مذهباً وال�صوفية لي�ست‬ ‫احلرب املعلنة التي ي�شنها املت�شددون على عقائد �أبناء‬ ‫فرقة بل هي عقيدة امل�سلم يف م�شارق الأر�ض ومغاربها‪ .‬الإ�سالم و�أهله‪.‬‬ ‫وظيفة الت�صوف العمارة وب�ن��اء احل�ضارة وال��دف��اع عن‬ ‫وحني نعلم �أن الت�صوف يتعلق بالذوق ومقام الإح�سان‬ ‫املقد�سات‪ ،‬واملطالبة بتجديد اخلطاب ال�صويف �إلى كل العامل‪.‬‬ ‫وبعلو الرتبية وم��رات��ب ال�سلوك‪ ،‬ف ��إن �أول خطوة لهزم‬ ‫ويجب على ال�صوفيني الإنتقال من الكالم النظري الفكرة الإرهابية التي تتخذ الإ�سالم قناعاً وخداعاً‪ ،‬يكون‬ ‫�إل��ى ال��واق��ع العملي والتنفيذي وع��دم اخ �ت��زال العبادة بزرع الفكرة ال�صوفية‪.‬‬ ‫يف ال��ذك��ر‪ ،‬ل�ي�ك��ون ل�ه��م ال ��دور امل�ن���ش��ود يف ن�شر الإ� �س�لام‬ ‫�إن ال�ترب�ي��ة ال�صوفية � �ص��ارت الآن يف ب� ��ؤرة اهتمام‬ ‫واملحافظة عليه‪.‬‬ ‫امل��دار���س الفل�سفية والإجتماعية والدينية‪ ،‬خا�صة بعد‬ ‫والبحث يف �آل�ي��ات �إ��ص�لاح الت�صوف وت��أث�ير الت�صوف يف الإفال�س الفكري الذي يعي�شه البع�ض‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪87‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫كتابات في ‪...‬‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫}و َمنْ ُي�ؤْتَ ا ِ‬ ‫رياً{‬ ‫حل ْك َمة َف َق ْد �أُ ُو ِت َي خَ يرْ اً َك ِث َ‬ ‫(البقرة‪) 269:‬‬

‫‪88‬‬

‫اللواء الركن م عدنان عبيدات‬

‫�ض ِمنْ خَ َو ِ‬ ‫ِتل َْك ِم َّن ٌة و َف ْ�ض ٌل ِمنَ ا ِ‬ ‫هلل َعلَ َّي‪ ،‬وهي َب ْع ٌ‬ ‫اطرِي‬ ‫و�شَ ي ٌء ِمنْ خُ لاَ َ�ص ِة تجَ َارِبي يف ا َ‬ ‫حل َياة‪� ،‬أَ َر ْدتُ �أَنْ ال �أَ ْ�س َت ْب ِقيها‬ ‫ِي�سة الأنفا�س‪َ ،‬ف�أَ ْح َب ْبتُ َ�أنْ َيطا َلها‬ ‫َر ِهي َن َة ال ِق ْر َطا�س‪َ ،‬حب َ‬ ‫الإِ ْف � � َرا ُج و�أَنْ ُت��خْ � َر َج ِم��نَ ا َلأ ْد َراج‪َ ،‬ف ُت ْب َ�سط ِم��ن غَ�ْي رْ ِ ِع َّل ٍة‬ ‫على َب ِ‬ ‫َاحة َف ُربمَّ ا‬ ‫ع�ض َ�صف َ​َح ِات امل َ َج َّل ِة‪ِ ،‬ل َتكُو َن لمِ َنْ َي َ�شا ُء ُمت َ‬ ‫احة �أَو ا ِ‬ ‫الحة‪:‬‬ ‫ْاح َت َوتْ َق ْدراً ِمنَ َّ‬ ‫حل ْك َم ِة وامل َ َ‬ ‫ال�ص َر َ‬ ‫ري ِمنّا ُيخْ ِطى ُء‪َ ،‬ل ِكنَّ القَلي َل ِمنّا َي ْعت َِذ ُر‪َ ،‬ف ُكنْ ِمنَ‬ ‫‪" .1‬الكث ُ‬ ‫َ‬ ‫يل امل ُ َهذَّبِ امل ُ َت َو ِ‬ ‫ال َق ِل ِ‬ ‫ا�ض ِع‪ ،‬وال َت ُكنْ ِمنَ ال َك ِث ِ‬ ‫ري الأ ْر َع��نِ‬ ‫امل ُ َت َع ْجر ِ​ِف"‪.‬‬ ‫"ال�ض ِعيفُ َين ِْ�س ُج ِل َنف ِْ�س ِه ِ م��نَ ال� َو ْه� ِ�م ِر َداءً ِم��نَ ال� ُق� َّو ِة‪،‬‬ ‫‪َّ .2‬‬ ‫وال َب ِخي ُل ال َي� َرى َنف َْ�س ُه َ �أ َق � َّل ِم��نَ ال ُك َر َما ِء‪ ،‬وال َو ِ�ضي ُع‬ ‫ال�سا َد ِة"‪.‬‬ ‫َيتَخَ َّي ُل �أَ َّن َل ُه َم ْن ِز َلةً َبينْ َ َّ‬ ‫‪ِ " .3‬ن ْع َم َق ْو ٌم َق ْو ُل ُهم ِ�ص ْدقُ ‪ ،‬و�إِميا ُن ُهم حقُّ ‪َ ،‬و ُجو ُد ُهم َ�س ْبقُ "‪.‬‬ ‫َا�س محِ ْ َرا ُبهم ِق ْر ُ�ش‪ ،‬و َه ُّم ُهم َك ْر ُ�ش‪ ،‬و�شَ ْيخُ هم‬ ‫‪ِ " .4‬بئ َْ�س �أُن ٌ‬ ‫خَ ْي ُ�ش"‪.‬‬ ‫‪" .5‬ال ُع ْر ُي َح َ�ضا َر ٌة وال َّن ْه ُب �شَ َطا َر ٌة"‪.‬‬


‫ال�ضيقِ‬ ‫وحا ُل ُه َو ْك ُ�س ‪" .24‬يف � ْإ�س َعا ِد الوا ِل َد ْين ُل �زُو ُم ال َّت ْو ِفيقِ و َز َو ُال ِّ‬ ‫‪َ " .6‬عجِ ْبتُ لمِ َنْ َل ْي ُل ُه ُع ْر ُ�س‪ ،‬و َم ْي َدا ُن ُه َر ْق ُ‬ ‫�ص‪َ ،‬‬ ‫�أَ َل ْي َ�س َله ُ ُق ْد ُ�س!"‪.‬‬ ‫و َف ْت ُح َّ‬ ‫الطرِيقِ و ُح ُل ُ‬ ‫ياب‬ ‫ول ال َف َر ِج‪ ،‬ويف �إِغْ َ�ضا ِبهِما ِغ ُ‬ ‫ال�ضيقِ وان ِْ�س َدا ُد َّ‬ ‫الب ِّ‬ ‫الطرِيقِ و َد َوا ُم‬ ‫الء"‪.‬‬ ‫واج ِت ُ‬ ‫ال َّت ْو ِفيقِ ْ‬ ‫‪�" .7‬إِ َذا َف َ�س َد الق َ​َ�ضا ُء و َت ِب َع ُه الإَ ْفتَا ُء َف َق ْد َع َّم ال َب ُ‬ ‫ا َ‬ ‫حل َر ِج"‪.‬‬ ‫‪�" .8‬إذا ر�أيتَ َت َر َف الأَغْ ِنيا ِء و ِف ْ�س َق ُهم راجِ حاً يف َك َّف ٍة و ُب�ؤ َْ�س‬ ‫ال� ُف� َق� َرا ِء و َت ْع َ�س ُهم َم ْر ُجوحًاً يف الأُخْ � � َرى ْ َ َ‬ ‫فاعل ُن ْمزُو�أ ََّنل ‪َ " .25‬منْ ا ْفتَق َد ِع َّزاً يف َب ْي ِت ِه ِمنَ ال َع ِ�س ِ‬ ‫ري َعلَ ْي ِه �أَنْ َيجِ َد ُه يف‬ ‫الأُ َّم َة َقد ْا�س َت ْو َج َب ْت غ َ‬ ‫وا�ست َ​َحق َّْت‬ ‫َ�ض َب َّ‬ ‫ال�س َما ِء ْ‬ ‫َب ْي ٍت َغيرْ ِ ِه"‪.‬‬ ‫ال َبلاَ ِء"‪.‬‬ ‫م"‪.‬‬ ‫"احترِ َا ُم َمنْ ال َي ْ�ست َِحقُّ الإ ِْح�ِتررِ َا َم َي ِغ ُّل َعلَى َغيرْ ِ َما‬ ‫‪ْ .26‬‬ ‫‪�" .9‬إِ َذا َملَ ْكتَ فَلاَ ت َْظ ِل ْم و�إِنْ ُظ ِل ْمتَ فَلاَ َت ْن ِق ْ‬ ‫ُي َرا ُم"‪.‬‬ ‫‪�" .10‬إِذا تجَ َ ��ا َوز َِت ال�غَ�ْيررْ َ ُة يف َم ْو ِط ِن َها َح� َّد الإ ِْع�ت��دال عند‬ ‫ال ِّر ِ‬ ‫جال �أَ ْ�ض َح ْت َع َمىً يف القُلوب"‪.‬‬ ‫َا�صبِ َبال ٌء َو ِ‬ ‫‪َ " .27‬ت ْورِيثُ املَن ِ‬ ‫ا�ص ٌب"‪.‬‬ ‫‪َ " 11‬ك َما �أَ َّن ُه ال َم ْع ِر َف َة بِال ِعل ٍْم َفال َو ْع َي بِال �إ ِْعالمٍ"‪.‬‬ ‫‪َ " .28‬ك ْم ِمنْ �سارِقٍ اتَّخَ َذ من ال ُع ْذ ِر جِ ْ�سراً‪ ،‬و َق َ�ص َد ما ِع ْن َد‬ ‫‪" .12‬ال َوا ِق ُع َم � ْي��دانُ ا َ‬ ‫حل� ِق�ي� َق� ِة‪ ،‬وال � َو ْه � ُم َط�ْي�رْ ٌ يف َ�سما ِء‬ ‫ِ‬ ‫و�سنَّ عليهم الأَ ْم َر َق ْ�سراً"‪.‬‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫�ص‬ ‫ح‬ ‫َّا�س‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ا َ‬ ‫خل َيال"‪.‬‬ ‫ا�س" ‪ " .29 .‬امل َ ْ�س�أَ َل ُة (الت َ​َّ�س ُّو ُل) ُذ ٌل ِ‬ ‫ظاه ٌر‪ ،‬و الإ ِْ�س ِتدا َن ُة َه � َوانٌ‬ ‫ا�س وال َع ْق ُل ِميزَانُ ا َ‬ ‫‪ " .13‬ال َقل ُْب ِم ْر�آ ُة الإ ِْح َ�س ِ‬ ‫حل َو ّ‬ ‫خفي "‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫�اب ُم� ْك� َت� ِه� ٍ�ل و َك� ْه� ٍ�ل َف��ا ِق� ِ�د‬ ‫‪َ " .14‬ث َّم َة َب� � ْونٌ ���شَ ��ا��ِ�س� ٌع َب�ْيَنْ َ ���شَ � ٍّ‬ ‫الإِ ِّتزَان"‪.‬‬ ‫‪ِ .30‬‬ ‫َّا�س َمنْ �إِذا �أَ َح َّ�س بال َّنق ِ‬ ‫"منَ الن ِ‬ ‫ْ�ص يف َذا ِت��ه ع َّو�ضَ ها‬ ‫لي�س َث َّمة �أَ َح� ٌد َ � ْأ�ض َي َع ِمنْ َ�سا ٍع �إِلى �إ ِْع �زَا ِز ال ِفل ِْ�س‬ ‫ِب ِك�سا ٍء ِمنَ ال ِكبرْ ِ"‪.‬‬ ‫‪َ " .15‬‬ ‫ِب�إِذ ِ‬ ‫ْالل ال َّنف ِْ�س"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّا�س ِمنْ َح ْو ِلها تمَ ُو ُر"‪.‬‬ ‫ي�ض العبو ِدي ِة ف��إِ َّن الإِ�س ِتقْال َل ‪" .31‬امل َ ْر�أ ُة ُق ْط ٌب َي ُدو ُر والن ُ‬ ‫‪َ " .16‬ك َما �أَ َّن ا ُ‬ ‫حل� ِّر َّي� َة َن ِق ُ ُ ُ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َن ِق ُ‬ ‫ي�ض ال َّت َب ِع َّية ِ"‪.‬‬ ‫احترَ َ َمها ا ْبنُ �آ َد َم و َكبرُ َ ت ْيف َع ْي َن ْي ِه‬ ‫‪�" .32‬إذا َق َّل ِت ال ِّن ْع َمة ُّ َف ْ‬ ‫‪�" .17‬إ َِ�صا َب ُة الغَا َي ِة ُت ْغ ِني َعنْ َ�س ْر ِد ا ِ‬ ‫و َف َح ِف َظهاَ كانت خَ يرْ اً ِ�سي َق �إِ َل ْي ِه‪ ،‬و�إِنْ كَثرُ َ تْ ال ِّن ْع َم ُة‬ ‫حلكَا َي ِة"‪.‬‬ ‫و�ص ُغ َرت َل َد ْي ِه َف َب َّد َد َها‬ ‫فا�ستَخَ فَّ َق ْد َر َها َ‬ ‫َب�ْي�نْ َ َي َد ْي ِه ْ‬ ‫"�صال ُح الأَ ْم ِر يف ال َّت َد ُّبر و َف َ�سا ُد ُه يف ال َّت َه ُّورِ"‪.‬‬ ‫‪َ .18‬‬ ‫ِ‬ ‫َكان َْت َو َب اَالًعلَ ْيه"‪.‬‬ ‫‪�" .19‬إِ َذا �أَغْ َف ْلتَ ال َع َوا ِق َب َفا ْنت َِظر املَت َِاع َب"‪.‬‬ ‫‪" .20‬النَّخْ و ُة الهوجاء �ضَ رب ِمنَ ال�شُّ رو ِد امل ُ ْن َف ِل ِت ِمنْ �إ َِطا ِر ‪�" .33‬شَ ُّر َق ْو ٍم َمنْ �إِذا �أَخْ َط�أُوا لمَ ْ َي َر ْوا �أَ ْنف َُ�س ُهم مخُ ْ ِط ِئنيَ‪،‬‬ ‫َ َْ َ ُ ْ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫و َت َر ُاهم ُع ْ�صبةً يف ال َب ِ‬ ‫اط ِل ُمتَناَ ِ�صرِينَ "‪.‬‬ ‫ا ِ‬ ‫حل ْك َم ِة"‪.‬‬ ‫‪َ " .21‬بينْ َ َ �أَ ْب�ن��ا ِء ال ُع ُمو ُم ِة َب َ�س َ‬ ‫اط ٌة بِ�لا َت َك ُّل ٍف و َم� � َو َّد ٌة بِال ‪" .34‬املُقَا َر َف ُة ِلل َّنف ِْ�س َع � َن��ا ٌء‪ ،‬واملَ� َ�ح� َّب� ُة ِلل ِّر�ضَ ى ِو َعا ٌء" ‪.‬‬ ‫َت َز ُّل ٍف"‪.‬‬ ‫املُقَا َر َف ُة‪ :‬ال َتكُونُ �إ اِّل فيِ الأَ�شْ َيا ِء ال َّد ِن َّية‪.‬‬ ‫‪َ " .22‬ي�شْ ترَ ُِك ُعقَال ُء الن ِ‬ ‫َّا�س و ُكبرَ َ ا�ؤ ُ​ُهم ِب�أَ ْر ِ�ض َّي ٍة محَ ْ ُمو َد ٍة‬ ‫وح�سنِ الت َ​َّ�ص ُّر ِف وال َّر ِو َّي ِة " ‪" .35‬ال َف ْر ُع ُت ْر ُج َماُن َال ْأ�ص ِل َ‬ ‫وال ْأ�ص ُل ِم ْر�آ ُة ال َف ْر ِع"‪.‬‬ ‫ِمنَ الت َّْ�سه ِ‬ ‫ِيل وال َوا ِق ِع َّي ِة ُ‬ ‫‪�" .36‬إِنْ لمَ ْ ت َْ�س َت ْعبِد ال ِّد ْر َه َم َف َ‬ ‫‪ُّ " .23‬ك َّل َما َح َك ْكتَ ال َّذ َه َب ُك َّل َما ا ْز َدا َد لمَ َ َعا َناً و َج َم اَالً"‪.‬‬ ‫ال َت َد ْع ُه َي ْ�س َت ْع ِب ُد َك"‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪89‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫الشاعر عدنان الصمادي‬

‫‪90‬‬

‫خلق آدم عليه السالم‬

‫�إذ ق ��ال رب ��ك ل�ل�م�لائ�ك��ة ا��س�م�ع��وا‬ ‫ف� � ��إذا ت �� �س � ّوى ق ��د ن�ف�خ��ت ب�ج��وف��ه‬ ‫� �س �ج��د امل�ل�ائ� �ك ��ة ال � �ك� ��رام وك �ل �ه��م‬ ‫�إب�ل�ي����س �أي � �ص��وارف م�ن�ع�ت��ك من‬ ‫ب� �ي ��دي خُ � � ِّل ��ق ه ��ل �أب� �ي ��ت م �ك��اب��راً‬ ‫ف � ��أج� ��اب� ��ه �إين لأف� ��� �ض ��ل م� �ن ��ه يف‬ ‫مل � � ��ا ت� � �ك �ب��ر ق � � � ��ال رب ال � �ع� ��امل �ي�ن‬ ‫ف �ع �ل �ي ��ك ل �ع �ن �ت �ن��ا ل � �ي� ��وم ق �ي��ام��ة‬ ‫ف� ��أج ��اب ��ه رب ال �� �س �م��اء مم�ح���ص�اً‬ ‫ق � � ��ال ال� ��� �ش� �ق ��ي ل� ��رب� ��ه ف �ب �ع��زت��ك‬ ‫ولأت� � �خ � ��ذ م �ن �ه��م ع� � �ب � ��اداً ق �� �س �م �ةً‬ ‫ب ��الإم� �ن� �ي ��ات و�آم� � � ��ر ك� ��ي ي �ب �ت �ك��وا‬ ‫والأم � � ��ر م �ن��ي �أن ي �غ�ير بع�ضهم‬

‫�إين � �س ��أخ �ل��ق �آدم� � �ي� � �اً ك � ��ان ط�ين‬ ‫من روح ُملكي فلتخ ّروا �ساجدين‬ ‫طاعوا �سوى �إبلي�س من متكربين‬ ‫�أم� � �رٍ ل�ت���س�ج��د‪ ،‬ق ��ال رب ال�ع��امل�ين‬ ‫�أم ك �ن��ت م ��ن ق � ��و ٍم ُع �ل��ا ٍة راف �ع�ين‬ ‫خلقي ف �ن��ا ٌر لي�س م��ن م ��ا ٍء َمهني‬ ‫�أخ��رج م��ن اجل�ن��ات مرجوماً لعني‬ ‫ق��ال ال�شقي فخلني من ُمنظرين‬ ‫ب���ش��راً ب��ه ي���س��ري ل��وق� ِ�ت حم��ددي��ن‬ ‫ف �� �س ��أغ��و ّي��ن ال �ن��ا���س ك�ل ًّ�ا �أج�م�ع�ين‬ ‫ف��ر� �ض��ت �إيل م �غ��رري��ن م���ض� َّل�ل�ين‬ ‫�آذان �أن� � � �ع � � ��ام ُق� � ��� � �س � ��اة ظ ��امل�ي�ن‬ ‫خ �ل �ق �اً مب �ع �� �ص �ي � ٍة ل � ��رب ال �ع��امل�ي�ن‬

‫�إال ع �ب��ادك م��ن ت�خ�ل����ص ب��ال�ه��دى‬ ‫احل� � ��ق ق� � ��ال ف ��و�� �ص� �ف ��ه ح � ��ق وم ��ا‬ ‫ك��احل��ق � �س �ب �ح��ان ال �ع �ظ �ي��م ب�ق��ول��ه‬ ‫ل � ��ك‪ ،‬م �ن��ك �إين م ��ال � ٌ�ئ �أرك ��ان� �ه ��ا‬

‫م��ن � �س��وء ن ��ز ٍغ م��ن ع �ب��ا ٍد طائعني‬ ‫ق ��ال احل�ق�ي�ق��ة م�ث��ل ح��ق باليقني‬ ‫ف� ��� �س� ��أم�ل�انّ ج �ه �ن �م �اً ب��ال �ت��اب �ع�ين‬ ‫مم��ن مت ��ادوا يف �ضاللك �أجمعني‬


‫((تاج الذكر))‬ ‫ف�إنه ﻻ يغفر الذنوب �إﻻ �أنت ‪(( ..‬تاج التح�صني)) ‪ :‬ب�سم‬ ‫اهلل الذي ال ي�ضر مع ا�سمه �شئ يف االر�ض وال يف ال�سماء‬ ‫وهو ال�سميع العليم ‪ ((..‬تاج تفريج الكرب)) ‪ :‬ال �إله �إال‬ ‫�أنت �سبحانك �إين كنت من الظاملني ‪(( ..‬تاج راحة البال))‬ ‫‪ :‬ال حول وال قوة اال باهلل العلي العظيم ‪..‬‬

‫‪ :‬ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له له امللك وله احلمد‬ ‫و هو على كل �شيء قدير ‪ ((..‬تاج الت�سبيح)) ‪� :‬سبحان‬ ‫اهلل و بحمده عدد خلقه ور�ضا نف�سه وزنة عر�شه و مداد‬ ‫كلماته ‪ ((..‬تاج الدعاء)) ‪ :‬ربنا �آتنا يف الدنيا ح�سنة ويف‬ ‫الآخ��رة ح�سنة و قنا ع��ذاب النار ‪(( ..‬ت��اج الإ�ستغفار ))‪:‬‬ ‫اللهم �أنت ربي ﻻ �إله �إﻻ �أنت ‪ ،‬خلقتني و�أنا عبدك ‪ ،‬و �أنا‬ ‫��س�ب�ح��ان رب ��ك رب ال �ع��زة ع�م��ا ي���ص�ف��ون و� �س�لام على‬ ‫على عهدك ووع��دك ما ا�ستطعت ‪� ،‬أع��وذ بك من �شر ما‬ ‫علي ‪ ،‬و �أبوء بذنبي ‪ ،‬فاغفر يل املر�سلني واحلمد هلل رب العاملني‬ ‫�صنعت ‪� ،‬أبوء لك بنعمتك ّ‬

‫من بريد المجلة ‪...‬‬ ‫االخوة هيئة التحرير ملجلة الو�سطية املحرتمون‪:‬‬ ‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬بعد اطالعي‬ ‫ع �ل��ى م��وا� �ض �ي��ع امل �ج �ل��ة ع � � � ��دد‪ )2017-28‬ا��س�ت��وق�ف�ن��ي‬ ‫مو�ضوع الدكتورة الفا�ضلة ان�صاف املومني(هي‪-‬هو)‬ ‫حيث ذك��رت االن��وث��ة و�سقاطتها يف جمتمعنا امل�سلم‬ ‫املعا�صر وو�ضحت بكل �صراحة متناهية الفرق بني‬ ‫االن��وث��ة املتهالكة واالن��وث��ة ال�ت��ي فطرها اهلل تعالى‬ ‫على الطهارة والنقاء وبينت �أن ان�سالخ املر�أة يف وقتنا‬ ‫احلا�ضر بالكامل عن انوثتها التي فطرها اهلل عليها‬ ‫مبطالبتها ومناداتها وم�ساواتها بالرجل يف وظائفه‬ ‫التي فطره اهلل عزجل عليها‪ ،‬قال اهلل تعالى (ولي�س‬ ‫الذكر كاالنثى)جتري وتلهث وراء امل�ل��ذات الدنيوية‬ ‫الدنيئة املعقدة ال�ساقطة املزيفة من ع��ري واخ�لاق‬ ‫فا�سدة دون حياء وا�ستحياء فاقدة العفة والطهارة‬ ‫تلهث وراء ملذات و�شهوات وعواطف اق�صائية نا�سية‬ ‫دوره��ا اال�سا�سي ووظيفتها التي خلقها اهلل عز وجل‬ ‫من اجلها مبا يتنا�سب مع فطرتها وق��واه��ا العقلية‬ ‫والنف�سية واجل�سدية من اج��ل تربية و�صناعة جيل‬ ‫م�ؤمن �صاحب ر�سالة �سامية كجيل ال�صحابة ر�ضوان‬ ‫اهلل ع�ل�ي�ه��م ون���س�ي��ت امل �ث��ل ق��ائ��ل (ان وراء ك��ل رج��ل‬ ‫عظيم ام��ر�أة) وتكون ام��ر�أة فا�ضلة ت�سمو ب�أن�سانيتها‬ ‫وحتفظ كرامتها راف�ضة مفا�سد جاهلية هذا الع�صر‬

‫ب�شرى �سعدي ها�شم اخلطاط ‪/‬االمارات ‪/‬‬ ‫كلية الرتبية والعلوم االن�سانية‪ /‬جامعة‬ ‫العني للعلوم والتكنولوجيا‬

‫بكل ماتعني هذه الكلمة �إذ يجب على امل��ر�أة الفا�ضلة‬ ‫ان ت��رت�ق��ي بوظيفتها يف ه��ذه احل �ي��اة ل�ت�ك��ون مكملة‬ ‫للرجل وعوناً ال ن��داً له بر�سالة تكتنز القيم‪ ،‬ر�سالة‬ ‫خ�ير وحم�ب��ة ق��دوة لكل ن�ساء ال��دن�ي��ا متمثلة بقوله‬ ‫ت�ع��ال��ى} َو ُق��ل ِّل � ْل � ُم ��ؤ ِْم � َن� ِ‬ ‫�ات َيغ ُْ�ض ْ�ضنَ ِم��نْ َ�أ ْب �� َ��ص��ار ِ​ِه��نَّ‬ ‫وج ُهنَّ َو اَل ُي ْب ِدينَ زِي َن َت ُهنَّ �إ اَِّل َما َظ َه َر‬ ‫َو َي ْحف َْظنَ ُف ُر َ‬ ‫ِم ْن َها َو ْل َي ْ�ض ِر ْبنَ بِخُ ُمر ِ​ِهنَّ َعلَى ُج ُيو ِب ِهنَّ َو اَل ُي ْب ِدينَ‬ ‫زِي َن َت ُهنَّ �إ اَِّل ِل ُب ُعو َل ِت ِهنَّ �أَ ْو �آ َبا ِئ ِهنَّ �أَ ْو �آ َب��ا ِء ُب ُعو َل ِت ِهنَّ �أَ ْو‬ ‫�أَ ْبنَا ِئ ِهنَّ �أَ ْو �أَ ْبنَا ِء ُب ُعو َل ِت ِهنَّ �أَ ْو �إِخْ َوا ِن ِهنَّ َ�أ ْو َب ِني �إِخْ َوا ِن ِهنَّ‬ ‫�أَ ْو َب ِني �أَخَ َوا ِت ِهنَّ �أَ ْو ِن َ�سا ِئ ِهنَّ َ�أ ْو َما َملَك َْت �أَيمْ َ ا ُن ُهنَّ َ�أ ِو‬ ‫ال ْر َب ِة ِمنَ ال ِّر َج ِال �أَ ِو ِّ‬ ‫ني َغيرْ ِ �أُوليِ ْ إِ‬ ‫الطف ِْل ا َّل ِذينَ‬ ‫التَّا ِب ِع َ‬ ‫لمَ ْ َي ْظ َه ُروا َعلَى َع ْو َر ِات الن َِّ�سا ِء َو اَل َي ْ�ض ِر ْبنَ ِب�أَ ْر ُج ِل ِهنَّ‬ ‫ني ِمن زِي َن ِت ِهنَّ َوتُو ُبوا �إِ َلى اللهَّ ِ َج ِميعًا �أَ ُّي َه‬ ‫ِل ُي ْعلَ َم َما ُيخْ ِف َ‬ ‫المْ ُ�ؤ ِْمنُو َن َل َع َّل ُك ْم ُت ْف ِل ُحونَ{ (‪)31‬النور‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪91‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫مجلة الوسطية‬

‫ف���ي اس��ط��ن��ب��ول‬

‫‪92‬‬

‫ت�شرفت �أ�سرة جملة الو�سطية بح�ضور املعر�ض الدويل العالقة حملياً وعربياً و�إ�سالمياً من �أجل الإ�ستفادة منها‬ ‫لإحتاد املنظمات الأهلية يف العامل الإ�سالمي والذي ُعقد يف حت�سني الواقع التنموي يف ت�شاد‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪ 2017/12/8‬يف مدينة ا�ستانبول الرتكية بدعوة‬ ‫كرمية من رئي�س الإحت��اد العاملي للمنظمات الأهلية يف‬ ‫�أما (جمعية حماية الرتاث العثماين يف بيت املقد�س)‬ ‫ال�ع��امل الإ��س�لام��ي امل�ح��ام��ي الأ��س�ت��اذ علي ك��ورت – وقد فهي جمعية تركية ت�سعى للبحث عن املعامل العثمانية‬ ‫�سعدت �أ�سرة املجلة �إذ �أتيح لها فر�صة اللقاء بعدد‬ ‫كبري ال�تراث�ي��ة ال�ق��دمي��ة يف ب�ي��ت امل�ق��د���س م��ن �أج ��ل ترميمها‬ ‫من املنظمات الأهلية الإ�سالمية املمتدة احل�ضور يف �‬ ‫آ�سيا و�صيانتها وحت��دي��د معاملها واحل �ف��اظ عليها م��ن خطر‬ ‫و�أفريقيا و�أوروبا وخمتلف قارات العامل ودوله‪ ،‬حيث مت‬ ‫التهويد ال��ذي و��ص��ل �إل��ى م�ستويات ك�ب�يرة يف القد�س‬ ‫زيارة املعار�ض اخلا�صة بكل منظمة‪.‬‬ ‫وغريها‪.‬‬ ‫وكان من اجلمعيات التي �شاركت يف املعر�ض (جمعية‬ ‫اخل��وذ البي�ضاء) ال���س��وري��ة‪ ،‬وال�ت��ي ت�ق��وم ب��دور الرعاية‬ ‫�أم ��ا (ال�ق��د���س للثقافة) ف�ه��ي جمعية ت��رك�ي��ة ت�سعى‬ ‫الإن�سانية للم�صابني واجلرحى الذين �ضاقت بهم ال�سبل لإبراز املنتج الثقايف املتعلق مبدينة القد�س من �أجل �إبراز‬ ‫ومل جدوا من يقف �إلى جانبهم يف حمنتهم هذا ف�ضالً ق�ضيتها على ال�ساحة الثقافية وال�سيا�سية وحتى تبقى‬ ‫عن تقدمي العون لهم من طعام و�شراب وم�سكن‬ ‫وحدود حا�ضرة يف �أذهان النا�س‪ ،‬وتقدم يف �سبيل ذلك مطبوعات‬ ‫العمل لهذه اجلمعية متتد لت�شمل �أجزاء الوطن ال�سوري‬ ‫وم�ن���ش��ورات و� �ص��ور تتعلق مب��دي�ن��ة ال�ق��د���س يف م��راح��ل‬ ‫كافة‪.‬‬ ‫تاريخية خمتلفة‪.‬‬ ‫� ّأما (م�ؤ�س�سة الربكة التنموية اخلريية) فهي م�ؤ�س�سة‬ ‫مينية عا�شت مع ال�شعب اليمني التفا�صيل امل�أ�ساوية لكل‬ ‫يذكر ب�أن عدد امل�شاركني يف هذا املعر�ض الدويل من‬ ‫وما‬ ‫ال�شعب اليمني خالل �سنوات املحنة التي ع�صفت به‬ ‫اجلمعيات واملنتديات والهيئات واملنظمات الأهلية قد‬ ‫زال��ت ت�شرد الآالف م��ن �أه�ل��ه ك��ل ي��وم‪ ،‬فتقدم للفقراء جتاوز (‪ )150‬منظمة وجمعية من خمتلف �أقطار العامل‪.‬‬ ‫واملحتاجني ما يلزمهم للتغلب على حياة الفقر واحلاجة‬ ‫واحلرمان‪.‬‬ ‫ومما يجدر ذك��ره �أن �إدارة الإحت��اد ت�سعى ل�ضم �أكرب‬ ‫�أما مركز (نون للبحوث والدرا�سات والتنموية) فهو عدد ممكن م�ستقبالً من تلك اجلمعيات والهيئات لتقدم‬ ‫مركز يف ت�شاد �أ�س�س ليكون م��رك��زاً ثقافياً فكرياً ق��ادراً خ��دم��ة تنموية وف�ك��ري��ة وثقافية ودع��وي��ة على �إم �ت��داد‬ ‫على تقدمي البحوث والدرا�سات التنموية للجهات ذات العامل وفق ر�ؤية �إ�سالمية معا�صرة‪.‬‬


‫المنتدى يشارك في معرض اتحاد المنظمات األهلية‬ ‫في العالم االسالمي في اسطنبول‬

‫��ش��ارك امل�ن�ت��دى ال�ع��امل��ي للو�سطية يف معر�ض احت��اد‬ ‫املنظمات االهليه يف العامل اال�سالمي ‪،‬وال��ذي افتتح يف‬ ‫قاعة املعر�ض ال��دويل يف مدينة ا�سطنبول ي��وم ال�سبت‬ ‫املوافق ‪.2017/12/9-8‬‬ ‫وقد جرى افتتاح ر�سمي كبري للمعر�ض ح�ضره وفد‬ ‫ميثل املنتدى برئا�سة املهند�س مروان الفاعوري االمني‬ ‫العام للمنتدى ‪.‬‬ ‫وق��د ب��دء االفتتاح ب�آيات من الذكر احلكيم ثم القى‬ ‫امل�ح��ام��ي على ك��ورت رئي�س االحت ��اد ال�ع��امل��ي للمنظمات‬ ‫االهليه كلمة االحت��اد باعتباره اجلهة املنظمه للمعر�ض‬ ‫ثم حتدث فيه عدد كبري من قادة العمل االهلي واملنظمات‬ ‫اخلرييه اال�سالمية على امل�ستوى العاملي ومنهم ممثل‬

‫عن دول��ة ماليزيا ونائبة ا�ستنبول فاطمة بلي ورئي�سة‬ ‫القطاع الن�سائي يف حزب العدالة والتنمية‪ ،‬وقد ا�شادوا‬ ‫جميعهم بجهود االحت��اد يف ا اللقاء العاملي مثلما ا�شارو‬ ‫ال��ى ق�ضية االم ��ة الأول ��ى وه��ي ال�ق��د���س ال�شريف ودور‬ ‫املنظمات بالدفاع عنها‪.‬‬ ‫وق��د ��ض��م امل�ع��ر���ض امل �ئ��ات م��ن اجل�م�ع�ي��ات واملنظمات‬ ‫االهلية العاملة يف املجال االن�ساين واخلريي اينما وجد‬ ‫وخا�صة الالجئني ال�سوريني والفل�سطينني والفقراء يف‬ ‫�آ�سيا وافريقيا وبقية دول العامل‪.‬‬ ‫ي�شار الى ان املعر�ض يقام �سنويا بتنظيم من االحتاد‬ ‫العاملي للمنظمات االهليه وبالتعاون مع بلدية ا�ستنبول ‪.‬‬

‫األمين العام يلتقي وفد ًا عراقي ًا‬ ‫ا�ستقبل امل�ه�ن��د���س م ��روان ال�ف��اع��وري‬ ‫االم�ين العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫وفداً من هيئة علماء امل�سلمني يف العراق‬ ‫‪ ،‬وجرى خالل اللقاء بحث �سبل التعاون‬ ‫يف امل�ج��االت الفكرية والثقافية ويف عقد‬ ‫امل � ��ؤمت� ��رات وت ��دري ��ب االئ� �م ��ة وحم��ارب��ة‬ ‫ال �ت �ط��رف واالره � ��اب ‪ ،‬ويف ب��داي��ة ال�ل�ق��اء‬ ‫قدم الفاعوري ايجازاً عن اعمال املنتدى‬ ‫وامل�ه��ام التي يقوم بها ‪ ،‬وذل��ك من خالل‬ ‫ن�شر منهج االعتدال والو�سطية وت�صويب‬ ‫املفاهيم اخلاطئة حول اال�سالم ‪ ،‬وتعزيز‬ ‫منظومة القيم يف حياة النا�شئة ‪.‬‬ ‫وح �� �ض��ر ال �ل �ق��اء ال��دك �ت��ور زي ��د اح�م��د‬ ‫املحي�سن املن�سق العام للعالقات اخلارجية‬ ‫والتعاون الدويل يف املنتدى ‪.‬‬ ‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪93‬‬


‫من أخبار المنتدى‪...‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬

‫يشارك في ملتقى تاسكا الدولي الثالث ‪ -‬تركيا‬

‫‪� ‬شــارك املنتدى العاملي للو�سطية يف م�ؤمتر ملتقى‬ ‫تا�سكـــا ال��دويل الثالث لل�شراكة والتنمية وال��ذي عقد‬ ‫يف م��دي �ن��ة �أزم �ي ��ر‪ -‬ت��رك�ي�ـ�ـ�ـ��ا خ �ل�ال ال� �ف�ت�رة م ��ن‪-20 ‬‬ ‫‪2017/12/24‬م حيث تر�أ�س الدكتور زيد �أحمد املحي�سن‬ ‫حم��ور "مناهج التعليم يف ال �ع��امل الإ� �س�لام��ي يف بناء‬ ‫الإن���س��ان ونه�ضة الأوطان" و�أك��د على ��ض��رورة ت�أ�صيل‬ ‫مناهج التعليم يف ثقافة وفكر الو�سطية‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫‪ ‬و� �ش��ارك يف ال �ن��دوة �أ��س��ات��ذة م��ن اجل��زائ��ر وامل�غ��رب‬ ‫والعراق وليبيا‪.‬‬

‫‪ ‬وع �ل��ى ه��ام ����ش امل� ��ؤمت ��ر ال �ت �ق��ى امل �ح �ي �� �س��ن ب�ع��دد‬ ‫م��ن ر�ؤ�� �س ��اء ال��وف��ود م��ن اجل��ام �ع��ات وم��راك��ز ال�ب�ح��وث‬ ‫والدرا�سات‪ ،‬وجرى خالل اللقاءات التعريف بالن�شاطات‬ ‫والفعاليات التي يقيمها املنتدى وكذلك �سبل �إقامة‪� ‬آفاق‬ ‫تعاون م�شرتك مع هذه امل�ؤ�س�سات‪ ،‬و�شارك يف هذا امل�ؤمتر‬ ‫ح��وايل ‪� 300‬شخ�صية ميثلون جامعات ومراكز درا�سات‬ ‫وممثلني عن القطاع الر�سمي واخل��ا���ص‪ ،‬وه��ذا امللتقى‬ ‫يعقد �سنوياً وحت��ت عناوين خمتلفة جتمع ب�ين الفكر‬ ‫والثقافة والأمور الإقت�صادية والتنموية‪.‬‬

‫الفاعوري يستقبل ممثلة اإلتحاد النسائي للسالم العالمي‬ ‫ا�ستقبل امل�ه�ن��د���س م ��روان ال �ف��اع��وري الأم�ي�ن ال�ع��ام‬ ‫للمنتدى العاملي للو�سطية يف مكتبه �صباح ال�سبت املوافق‬ ‫‪ 2017/12/30‬ال�سيدة فو�سايو �أري �ك��ورا ممثلة الإحت��اد‬ ‫الن�سائي لل�سالم العاملي‪.‬‬ ‫وج��رى خالل اللقاء بحث �سبل التعاون يف املجاالت‬ ‫الثقافية والإجتماعية و�إقامة الن�شاطات امل�شرتكة بني‬ ‫اجلانبني‪ ،‬وقدم لها �إيجازاً عن الأعمال التي يقوم بها ال�سالم واحلوار يف املجتمعات الإن�سانية‪.‬‬ ‫وقد ح�ضر اللقاء الدكتور زيد �أحمد املحي�سن املن�سق‬ ‫املنتدى يف داخل الأردن وخارجه من خالل ن�شر ر�سالة‬ ‫الإع �ت ��دال وحم��ارب��ة ال�ت�ط��رف والإره � ��اب وت�ع��زي��ز قيم العام للعالقات اخلارجية والتعاون الدويل يف املنتدى‪.‬‬


‫من بيانات المنتدى‪...‬‬

‫بيان حول الهجوم على كنيسة حلوان‬

‫تلقى املنتدى مبزيد من الأ�سى والأ�سف خرب حادثة‬ ‫االعتداء الإجرامي على كني�سة مار مينا بحلوان والتي‬ ‫�أ�سفرت عن وقوع قتلى وجرحى ومما يزيد من الأ�سف‬ ‫تكرار تلك احلوادث يف منا�سبات الأعياد القبطية ما ي�ؤكد‬ ‫انعدام الإن�سانية ومتكن احلقد والكراهية من مرتكبيها‪ .‬‬ ‫‪ ‬كما نطالب ق��وى املجمتع بالبحث عن حلول دائمة‬ ‫لرت�سيخ قواعد جمتمع �آمن يقوم على العدل وامل�ساواة‬ ‫واملواطنة وحماية التعددية الدينية وحق الإن�سان يف احلياة‬ ‫للخروج من دائرة العنف ولوقف نزيف دماء كل امل�صريني‬ ‫التي رخ�صت بعد حالة الفو�ضى التي ت�سود املنطقة الآن ‪.‬‬

‫‪� ‬إن الإ� �ص��رار على متابعة حتقيقات النيابة العامة‬ ‫يف ه�ج�م��ات �سابقة ع�ل��ى الكنائ�س وامل���س��اج��د والإ� �س��اءة‬ ‫ال��ى وح ��دة الن�سيج ال��وط�ن��ي للمجتمعات الإ��س�لام�ي��ة‬ ‫يعترب �أم��راً �ضروريا وبالغ الأث��ر و�إهماله �أم��ر خطري‪،‬‬ ‫ول ��ذا ن ��ؤك��د ع�ل��ى �أه �م �ي��ة ع ��دم ت�سيي�س ه ��ذه اجل��رائ��م‬ ‫والق�ضايا التي ت�سببت بقتل الأبرياء مما ي�شجع اجلناة‬ ‫الإره��اب�ي�ين على تكرار جرائمهم امل��دان��ة وامل�ستنكرة‪ .‬‬ ‫‪ ‬خال�ص العزاء لأهايل ال�ضحايا وامل�صابني ‪ ‬وحفظ اهلل‬ ‫م�صر و�شعبها من كل مكروه و�سوء‪.‬‬

‫بيان حول حادثة انفجار في نيجيريا‬ ‫�أعلنت و�سائل �إعالم عن مقتل وا�ست�شهاد ‪� 11‬شخ�صا‬ ‫على الأق��ل يف تفجري انتحاري يف �أح��د امل�ساجد يف بلدة‬ ‫غ��ام�ب��ورو‪� ,‬شمال نيجرييا ال�ي��وم الأرب �ع��اء‪ .‬وذكرت ان‬ ‫انتحاريا ت�سلل بني امل�صلني يف �أثناء �أدائهم �صالة الفجر‬ ‫بامل�سجد قبل قيامه بتفجري القنبلة‪ ,‬يف املنطقة القريبة‬ ‫مع احلدود بني نيجرييا والكامريون‪ ..‬واملنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية ‪-‬مكتب نيجرييا ‪�-‬إذ يتلقى هذا اخلرب امل�ؤ�سف‬ ‫وامل�ؤمل ليعلن ا�ستنكاره وادانتة لهذا العمل الإجرامي‪.,‬‬ ‫ال��ذي يقتل النف�س الربيئة التي ح��رم اهلل قتلها‪ ,‬كما‬ ‫ي�ؤكد وقوفه مع اجلهود التي تبذلهااحلكومة النيجريية‬ ‫وب��اق��ي امل�ؤ�س�سات يف حم��ارب��ة الإره ��اب والعنف بجميع‬ ‫� �ص��وره و�أ� �ش �ك��ال��ه‪ ,‬وي�ع�ل��ن �أن الإ� �س�ل�ام ‪ ‬ديانة �سماوية‬ ‫اعلت واب��رزت ‪� ‬أهمية احلفاظ على الأرواح الربيئة بكل‬

‫توجيهاته و�إمكانياته و�شرائعه‪ ,‬قال تعالى ‪} :‬من �أجل‬ ‫ذلك كتبنا على بني �إ�سرائيل �أنه من قتل نف�سا بغري نف�س‬ ‫�أو ف�ساد يف الأر�ض فك�أمنا قتل النا�س جميعاً ومن �أحياها‬ ‫فك�أمنا �أحيا النا�س جميعا{ املائدة ‪32 :‬‬

‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪95‬‬


‫بيان المنتدى العالمي للوسطيه‬

‫حول القدس‬

‫تعالى}�س ْب َحا َن ا َّل � ِذي �أَ�� ْ�س� َرى ِب� َع� ْب� ِد ِه َل ْيلًا‬ ‫ق��ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ْق�� َ��ص��ى ا َّل � ِذي‬ ‫ِّم � َن المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ � � َرا ِم �إِ َل��ى المْ َ ْ�سجِ ِد ْ أ‬ ‫ال�س ِمي ُع‬ ‫َب��ا َر ْك� َن��ا َح � ْو َل � ُه ِل�ُن�رُ ِ َي � ُه ِم� ْ�ن �آ َي��ا ِت� َن��ا �إِ َّن� � ُه ُه � َو َّ‬ ‫ا ْل َب ِ�ص ُري{�صدق اهلل العظيم ‪.‬‬ ‫ينطلق الفعل املتعلق بالقد�س من هذه‬ ‫االية الكرمية ‪،‬كما �أن ردة الفعل لكل فعل‬ ‫ي�ستهدف من ه��ذه االي��ة الكرمية كذلك ‪،‬‬ ‫مما يجعل د�ستوراً ربانياً قذ�سياً ال ميكن‬ ‫لأي كان �أن يتجاوزه ‪.‬‬

‫املتزايد حول ما ميكن �أن يفرزه هذا القرار‬ ‫ال�ظ��امل غ�ير امل��درو���س م��ن زيادة‪ ‬يف ن�سبة‬ ‫املت�ضررين من ال�سيا�سة االمريكية احلالية‬ ‫التي ميثلها ترامب ‪ ،‬وما يرافق ذلك من‬ ‫نزوع للأعمال االرهابية لي�س كردة فع ٍللما‬ ‫� �ص��در ‪ ،‬وامن ��ا ا��س�ت�غ�لاالً حل��ال��ة اال��س�ت�ي��اء‬ ‫ال�شعبي العام من هكذا ق��رار ‪ ،‬وا�ستثماره‬ ‫يف �سبيل تبني املزيد من الأعمال الأرهابية‬ ‫حتت ذريعة االنت�صار للقد�س وفل�سطني ‪.‬‬

‫�إن ال�شعب الأم��ري�ك��ي يحكمه القانون‬ ‫�أن ما �أ�صدره الرئي�س الأمريكي ترامب وامل�ؤ�س�سات الفاعلة وامل�صالح امل�شرتكة وهو‬ ‫م ��ن ق � ��رار جت ��اه ال �ق��د���س وف�ل���س�ط�ين هو مطالب �أن يقف �إل��ى جانب العدل واحلق‬ ‫تعد ��ص��ارخ لل�شرعية ال��دول�ي��ة ال�ت��ي ظلت وامل�صالح التي يعمل جاهداً على حتقيقها ‪،‬‬ ‫لعقود ترى �أمر القد�س �شائكاً ويحتاج �إلى‬ ‫تفاهمات دولية للخروج من م�أزقه ‪،‬بحيث الأم � ��ر ال� ��ذي ي��دع��و اجل �م �ي��ع مل��راج�ع��ة‬ ‫تتفق ح��ول�ه��ا ال���ش�ع��وب ق�ب��ل الأن�ظ�م��ة ‪� ،‬إذ ه��ذا ال�ق��رار مراجعةً دقيقة للوقوف على‬ ‫�أن ملكية القد�س هي ملكية مقد�سية ‪ ،‬ال خماطره وتداعياته لي�س على الفل�سطينني‬ ‫ميلك زع�ي��م �أو ن�ظ��ام �أن يتفاو�ض حولها فح�سب ‪ ،‬وامن��ا على بقية �شعوب املنطقة‬ ‫مب �ف��ردة ‪ ،‬او يتبنى ق�ضيتها مب �ع��زل عن التي ترى القد�س وقفاً و�إرثاً دينياً وثقافياً‬ ‫النظام العربي �أو اال�سالمي �أو ال��دويل �أو وح �� �ض��اري �اً وا� �س�ل�ام �ي �اً الي �ق �ب��ل ال �ب �ي��ع �أو‬ ‫االن���س��اين ع�م��وم�اً الأم ��ر ال��ذي ي�ضع هذا االهداء من طرف لطرف ‪.‬‬ ‫القرار مو�ضع االهمال وعدم االعرتاف به‬ ‫من قبل ال�شعوب والأنظمة املحبة للقانون وه �ن��ا ي��دع��و امل �ن �ت��دى ال �ع��امل املتح�ضر‬ ‫ال� ��وق� ��وف �إل� � ��ى ج ��ان ��ب ال� �ق ��د� ��س الأر�� � ��ض‬ ‫والعدل والت�سامح وال�سالم ‪.‬‬ ‫واالن�سان واملقد�سات والهوية ‪ ،‬ويعمل من‬ ‫�أم��ا املحنة ال�ت��ي �سي�ضع ت��رام��ب نف�سه �أجل ن�صرتها ‪ ،‬مبا ميلك من �أدوات �سلمية‬ ‫�أمامها ‪ ،‬هي ابطال مفعول الأنظمة احلليفة و قانونية وفكرية وثقافية ‪ ،‬مثلما يدعو‬ ‫له يف املنطقة ‪ ،‬فكثرياً منها المتلك �أم��ام ال��دول املرتبطة بعالقات دبلوما�سية مع‬ ‫�شعوبها م��ا يقنعها با�ستمرارها ‪ ،‬فهو يف ا�سرائيل �إل��ى ع��دم االع�ت�راف بهذا القرار‬ ‫ق��راره هذا �أبعد كل �شريك يعمل معه من ‪ ،‬منعاً للتداعيات غري املح�سوبة املر�شحة‬ ‫�آجل ال�سالم ‪.‬‬ ‫للحدوث ب�سبب ه��ذا القرار الظامل وغري‬ ‫ال �ع ��ادل وامل �ت �ح �ي��ز ل��دول��ة االح� �ت�ل�ال على‬ ‫�إن املنتدى العاملي للو�سطيه وهو يتبنى ا� �ص �ح��اب احل� �ق ��وق واالر� � � ��ض ال���ش��رع�ي�ين‬ ‫النهج الفكري والثقايف ملحاربة االره��ارب ومنايف للقيم واالعراف واالخالق واملواثيق‬ ‫والتطرف والغلو ي�شعر مبا يزيد من القلق الدولية ‪.‬‬


‫ال�سنة التا�سعة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬


98


‫ال�سنة العا�شرة‪ :‬العدد التا�سع والع�شرون ‪ -‬ربيع الثاين ‪1439‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١7‬م‬

‫‪99‬‬


100


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.