الإمام ال�صادق املهدي ال�سودان
معايل الدكتور عبد الرحيم العكور الأردن
معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي الأردن
الدكتور وهبة الزحيلي �سوريا
الدكتور حممد طالبي املغرب
املهند�س مروان الفاعوري
التطرف بين المواجهة والتوظيف
يصدر هذا العدد بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي للمنتدى العالمي للوسطية في العاصمة األردنية ع َّمان بمشاركة واسعة من قيادات فكرية وثقافية وسياسية مرموقة تمثل أكثر من ثالثة وعشرين دولة عربية وإسالمية وتمثل عددًا كبيرًا من المنظمات والمؤسسات والهيئات العربية واإلسالمية للتعبير عن رفضها لكل أشكال التطرف وإدانتها للجرائم التي ُترتكب بحق اإلسالم والمسلمين،لمحاولة اختطاف اإلسالم وحركات أساءت لإلسالم أيّما إساءة.. فئات وادعاء ُ ٍ تمثيله من ٍ وقت تشهد فيه البشرية أسوأ موجة من التطرف على ويأتي أيضًا في ٍ شوه صورة اإلسالم والمسلمين. صعيدي الفكر والممارسة مما ّ بمساهمة فاعلة في الدفاع ويسعى المنتدى للخرج من هذا المؤتمر ٍ عن إسالمنا وأمتنا إزاء الضربات المتالحقة التي يتع ّرض لها عالمنا اإلسالمي وأن يخرج هذا المؤتمر أيضًا بندا ٍء الستنهاض األمة من فرقتها وتم ّزقها حالة الشلل التي َدبّت في أوصالها. ومن ِ لمحاربة اإلرهاب وتعزيز كما نسعى ل ُيص ِّدر هذا المؤتمر ميثاقًا إسالميًا ِ االستقرار والسلم العالمي ،وميثاقًا دوليًا وأخالقيًا ُيج ِّرم كل من يسيء إلى الديانات واألنبياء والرموز الدينية كون ذلك سببًا من األسباب التي تؤدي إلى التطرف واإلرهاب. ويمر عالمنا العربي بعد ثالث سنوات على انطالق « صحوات « الشعوب وانتفاضتها من أجل الحرية والكرامة بمرحلة صعبة من التحوالت والصراعات ،بعضها مفهوم في سياق التدافع من أجل االنتقال من
الدكتور م�صطفى عثمان ا�سماعيل ال�سودان
الدكتور عبد الإله ميقاتي لبنان
الدكتور وليد عوجان الأردن
الدكتور �سعد الدين العثماين املغرب
الدكتور حممود ال�سرطاوي الأردن
الدكتور حممد حب�ش �سوريا
الدكتور حممد الروا�شدة الأردن
الدكتور زيد املحي�سن الأردن
الـمــهــنــد�س مــــــروان الـفــــاعــــــوري الأ�سـتـــــاذ الــدكـتــور مـحـمـد الـحـــاج الأ�سـتـــــاذ الــدكـتــور خـــالـــد جــبـــر الأ�سـتاذ الدكتور �سـلـيمـان الرطروط الدكتور زهاء الدين عبيدات مـحـمـــد عــــزام ال�ســـلـمــــان املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع اململكة الأردنية الها�شمية -عمان تلفون +962 - 6 - 5356329 : فاك�س +962 - 6 - 5356349 : �ص.ب 2149 :عمان 11941الأردن
Email : mod.inter@yahoo.com Website : www.wasatyea.net
اإل
فتتاحية
2
عصور االستبداد إلى عصور االستقالل واالستقرار ، وبعضها متعمد ومقصود من قبل جهات وقوى تتغذى على التطرف واالستحواذ أو توظفهما لإلنقضاض على مجتمعاتنا وتشويه مساراتها وإجهاض تجربتها الجديدة.
خوفًا من أحكام وردود فعل اآلخر الذي يشاركنا في التجربة أو يخاصمنا إلفشالها وإنما امتحان لنا نحن الذين ً ووسيلة ،وهنا أقول إن المزاج آمنا بالوسطية منهجًا العام للشعب األردني مزاج وسطي وأن وسطية النظام السياسي هي التي ضمنت لهذا البلد أمنه من هزات وأعاصير التحوالت السياسية ،وال يكاد اإلرهاب أو التطرف ُيرى في مجتمعنا ،فالحركة اإلسالمية والصوفية واألحزاب السياسية وطبقة المثقفين تؤمن باالعتدال الذي يعني العدل والتوازن واإلستقامة ،فالوسطية التي هي قانون التعاون بين المختلفات والمتناقضات وسطية التوافق ال االقصاء والتصارع ،فالوسطية قانون يقوم عليها الكون كما يقوم تمامًا على قانون الجاذبية.
وسط هذه المناخات المسمومة برياح التطرف سواء أكان من داخلها حيث يحاول البعض أن يختطف الدين وفق مقاسات فهم متعصب بعيدًا عن روح اإلسالم ومقاصده ،أو حيث يريد آخرون من بيننا أن يعزلوا هذا الدين عن الحياة ،وأن يشككوا في صالحيته ونوايا الداعين إليه ،أو كان من خارج حدودنا حيث أصبح التطرف صناعة مطلوبة لوضع اليد على اإلسالم وشيطنة أهله، ما تسعى إليه قوى عديدة هدفها منع أي تجربة ديمقراطية من النجاح وحرمان أي تجربة إسالمية ناضجة وهنا البد أن نؤكد بعد رفض بعض المستبدين ومعتدلة من الخروج إلى الفضاء اإلنساني ،على اعتبار وظهيرهم الدولي أنسام الربيع العربي فها هم اليوم أن « المشروع اإلسالمي غير مسموح له بالمرور مهما يواجهون عواصف الخريف وزمهرير الشتاء بعد أن انبعثت روح التطرف في األمة من جديد بشكل ال نظير كان عنوانه ومهما كانت مقاصده. له في تاريخها القريب حيث باتوا يستندون إلى مقولة وفي إطار هذا االتهام للوسطية ودعاتها فإنه البد أن ٌ مكتوب عليه « ممنوع طريق مفادها أن الديمقراطية ٌ نؤكد أن الوسطية منهجية تدعو إلى التوازن في كل المرور لإلسالميين» لكن ستبقى القاعدة «إن السياسي شيء بين مكونات األمة والمجتمع توزيع المكتسبات الذي ال يدرك مواطن الخطورة سيصير هو نفسه مصدرًا على كافة الشرائح إزالة كافة أشكال التمييز بين أبناء للخطورة» ،وستظل القاعدة اإللهية( :إ ِ َّن الل َّ َه َال ُي َغيِّ ُر َما المجتمع الواحد محاربة الفساد بكل أشكاله ومشاركة بِ َق ْو ٍم َحتَّى ُي َغيِّ ُرواْ َما بَِأ ُنف ِس ِه ْم) ( .سورة الرعد اآلية )12: الناس في صنع القرار والمستقبل. لذا فإن التطرف اليعالج بمزيد من التطرف وهي ليست حالة ناعمة وادعة تميل إلى الرفق واللين في كل شيء فإذا كان األمر يتعلق بمواجهة الظلم فما أحوجنا اليوم إلى نشر ثقافة الوسطية وال واإلحتالل كانت الوسطية رأس الرمح وقوة المدفع سيما في عصرنا هذا ألن أعداء اإلسالم دأبوا على وقوة الساعة والسالح ،وإذا كان األمر وحدة األمة محاربة اإلسالم ،واتهامه بالتطرف حينًا وبالتزمت أحيانًا ومواجهة الفرقة كانت الوسطية البحث عن المشتركات وباإلرهاب دومًا ال لشيء إال لتنفير الناس منه ويا لألسف تكاد هذه الترهات تنطلي حتى على بعض المحسوبين والجوامع. على اإلسالم والمسلمين ويا لألسف مرة أخرى عندما فالتطرف يخدم الطغاة فهو الذي يعطيهم المس ِّوغ يجد أعداء اإلسالم من يتخذ من التطبيق الخاطئ للقتل واإلستفراد بالسلطة وعسكرة الدولة ألحكام لإلسالم شرعة ومنهاجًا فيتذرعون بهذه المواقف وقوانين اإلرهاب ،كما أن التطرف يعطي مس ِّوغًا للغزاة ويفتنون في إظهارها للناس في كافة وسائل اإلعالم، للتدخل والهيمنة ،إذن هناك ملف غير مكتوب بين في حين يطمسون فيه الصوت المعتدل الذي يمثل الغالة والغزاة والطغاة ضد المعتدلين والديمقراطيين. غالب المسلمين فكرًا وسلوكًا وانتشارًا. إن دعوتنا إلى الوسطية واالعتدال اليوم سواء على لقد كانت مواقف المنتدى العالمي للوسطية واضحة صعيد الخطاب أو الممارسة تواجه امتحانًا عسيرًا ليس في إدانة العنف والقتل والتحريب في المجتمعات
البشرية كلها مع التميز بين المقاومة المشروعة واإلرهاب فكان خطابنا مباشرًا في إدانة القاعدة وطالبان وداعش وبوكو حرام والحركة الحوثية واالنقالبات الدموية على صناديق اإلقتراع وعسكرة المجتمعات ،وكان خطابنا يتوجه أيضًا لدعاة العلمانية الذين ينكرون الدين ودوره في حركة المجتمع. كيف يمكن أن يسهم المنتدى وتسهم التيارات اإلسالمية في استنهاض الطاقات نحو البناء والحد من العنف انطالقًا من هذا التشخيص فنحن لن نستطيع مواجهة أزمة أمتنا وتأزم العالقة بين نظمها السياسية وتيارات اإلسالم السياسي المعتدلة ما لم نحقق اآلتي: أوالً :التفاهمات طريق االستقرار: إن الصراعات ضربت بعمق أمن واستقرار المجتمعات ؛ فخالل هذه االضطرابات والقالقل ال نستطع أن نضع لبنة فوق أختها فالتنمية في المجتمعات ال تتم إال إذا حل األمن والسالم ،فال بد من الدخول في حوار مفتوح مع كل المكونات الوطنية دون استثناء ألحد واالتفاق على التفاهمات المتبادلة من قبل الجميع لكى نتمكن من توطين االستقرار والتنمية في البلد ثان ًيا :البد من ضبط البوصلة .
فالمجتمعات المسلمة عندما رضخت لبعض الفتاوى والتصورات الفقهية ،حرمت على الناس استخدام التلفاز والمذياع ،وركوب السيارات ،وشرب القهوة ،وجرموا تجارب عباس بن فرناس للطيران إن كالم العديد من الفقهاء “بأن قراءة القرآن كافية لتحقيق النهوض والتقدم !!! أثر سلبًا على المجتمع فقد انخفضت لدينا نسب العلماء في الفيزياء والكيمياء والهندسة والطب بل بلغ األمر في بعض الكتابات الدينية إلى تحريم االنشغال بهذه العلوم ؛ وبالتالي فإن حركة المجتمع البد أن تكون جريئة وقوية ،وعلى الجميع أن ُيدرك أن فتاوى وأراء النخب الدينية ليست دي ًنًا ،فنحن نُقدس النص القرآني ،ولكن من الخطأ تقديس أقوال المفسرين واعتبارها هي األخرى دينًا واجب االتباع المتعصبين رابعًا :عون اهلل ال ينزل على ُ “ إن اهلل ال ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» ” فنحن المسلمون قسمنا أنفسنا جماعات وطوائف وفرق يقتل بعضها ً بعضًا بدم بارد ،فأصبحت طاقتنا ُمهدرة بسبب ثقافة الثأر واالنتقام و التي يحرص المتعصبون على نشرها في أرجاء األمة عبر كافة الوسائل وبحماس زائد ثم بعد كل ذلك نطلب من اهلل أن يرحمنا ويجعل السالم واالستقرار يستوطن أرضنا !!! فذلك ضرب من الخيال في ظل سنن اهلل التي يخضع لها البشر فالبد من أن نساعد أنفسنا أوالً ،وأن نتجاوز آالم الماضى وننحاز للمستقبل
ضرورة توجيه الجهود والطاقات إلى الملفات الحقيقية في المجتمعات والشعوب وهى الفقر والبطالة والجوع والجهل ،ألن االنشغال باأليديولوجيا ومحاولة الهيمنة نسأل اهلل التوفيق والسداد لنا وألمتنا وأن يجعل هذا على المجتمع وفرض أجندات ثقافية وفكرية عليه لن العمل اسهامًا منا للخروج من المأزق ونافذه لألمل يقود المجتمعات إال إلى مزيد من االحتقان والتنازع ،والحل. فالناس مع الجوع والفقر ال يمكنك أن تطلب منهم بناء الوعى ونشر الثقافة ،فنحن المسلمين صرفنا أوقاتًا وجهودا كبيرة في مصارعة طواحين الهواء عبر الدخول ً في معارك تاريخية مثل الصراع بين السنة والشيعة وغيرها من المعارك القديمة . ثال ًثا :الفتاوى لن تحل مشاكل المسلمين إن قيادة المجتمعات المسلمة والسير بها لألمام ينبغي أن ال يخضع لهيمنة فتاوى الفقهاء والوعاظ ؛
3
ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية
( هيئة عاملية �إ�سالمية )
العدد : 18ال�سنة الثامنة جمادى الأوىل 1436هـ � -آذار 2015م
12
24
اإلفتتاحية : وسطيتنا :
الأمن ...يف املنظور الإ�سالمي -د .نوال �شرار التطرف والغلو -قراءة يف م�ضامني ر�سالة عمان -د.ا�سماعيل ال�سعيدات احلوار والـتعاي�ش بني الإ�سالم وامل�سيحية � -أ.د.حممد احمد الق�ضاة النموذج الرباين للعوملة وفق ر�ؤية �إ�سالمية و�سطية جديدة -املحامي كامل �صقر الو�سطية يف الإ�سالم -حممد خري العي�سى �أثر تغري الفتوى زمان ًا ومكان ًا يف حتقيق التعاي�ش وبث الو�سطية واالعتدال � -أ .د .ا�سماء القر�شي و�سطية املنهج ال�سلوكي -الدكتور حممد املطني
6 10 12 14 16 20 24
مقاالت الوسطية :
ال�شباب امل�سلم يف براثن التطرف � -أ .ر�ضية �سليمان الفقهاء والعلوم احلديثة -د .حممد املراكبي الـقـيــادة الإداريـة فـي �ضـوء الكـتـاب وال�سـنـة � -أ.د .علي احلجاحجة منـهـجـيـة التـعـامــل مـع ظـاهـرة الر�سـوم امل�سيئة -د .حممد الكبي�سي �أ�ضوا ٌء على العا ِمل ا ِلإ�سالمي (الأقلي ــات) �أ� .صديق ال�ضو املعرفة العقلية واملنجز احل�ضاري �أ.د .عبد اللطيف الهميم وجهة نظر قانونية -د .مازن الفاعوري مدنية وتعددية الدولة الأردنية ِ ثبات الذكاء الإن�ساين وتطور املعرفة � -أ.د .خالد جرب
26 28 30 32 34 38 42 44
دراسات الوسطية :
ت�أمالت �إدارية يف �سورة يو�سف � -أ.د� .سليمان الرطروط دور املدر�سة واملعلمني يف تعزيز الأمن الفكري لدى الطالب -د .زهاء الدين عبيدات دور كليات ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم -املواطنة �أمنوذجا � -أ.د .حممد الروا�شدة دور جممع الفقه الإ�سالمي يف جماالت االجتهاد اجلماعي � -أ.د .عبد ال�سالم العبادي االنحراف الفكري و�أثره على الأفراد واملجتمعات -د .يا�سر ابو ح�سني
52 56 62 70 74
فتاوى إسالمية :
انت ت�س�أل ونحن جنيب � -أ.د .حممد احمد الق�ضاة
82
الركن الطبي :
الأ�سرار الربانية يف الر�ضاعة الطبيعية -د .ذيب عبد اهلل ( ا�ست�شاري طب الأطفال )
85
رسائل جامعية :
امل�ستجدات يف و�سائل الإثبات � -أ� .أمين حممد العمر
87
42
44
62
واحة الوسطية :
�شرفـة و�أفـق� - ...أ.د .خالد عبد الر�ؤوف اجلرب ق�صيدة (ال�شهيد) -دعاء و�صفي البياتنة /طالبة دكتواره يف اجلامعة الأردن ّية من نوادر ال�شعبي ق�صيدة مل يقم بال�سيف دين حممد -ال�شاعر حيدر حممود �شخ�صية العدد مهاتري حممد رئي�س وزراء ماليزيا الأ�سبق
88 90 91 92 93
بيانات الوسطية :
بيان حول ا�ست�شهاد معاذ الك�سا�سبة بيان ال�صحيفة الفرن�سية بيان حول �أحداث الباك�ستان بيان حول احتجاز الرهائن يف �سدين بيان حول القد�س بيان حول الإقتتال يف اليمن بيان ادانة القتل و�سفك الدماء يف ليبيا
96 96 97 97 98 99 99
نشاطات الوسطية :
زيارة وفد املنتدى العاملي للو�سطية �إىل جمهورية نيجرييا 2015/02/1م ندوة جتديد اخلطاب الديني ور�شة عمل حول » دور اخلطباء واملر�شدات يف تعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف املجتمع» ور�شة عمل حول « :تفعيل دور املناهج الرتبوية ودور املعلمني واملعلمات يف تعزيز قيم الو�سطية والتعاي�ش لدى الطلبة « دورة تكوينية للأئمة اخلطباء» دور اخلطاب الو�سطي يف وحدة االمة واملجتمع» ندوة ودورة تكوينية «التجديد يف اخلطاب الديني» دورة (املهارات الرئي�سة للتدريب) لنخبة من ال�سيدات القياديات منتدى الو�سطية يحتفل بذكرى الهجرة النبوية ويوم عا�شوراء
100 103 109 109 110 111 113 113
نشاطات الوسطية القادمة :
املنتدى العاملي للو�سطية يعقد م�ؤمتره الدويل« دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي « مسابقة العدد
114 116
وسطيتنا
6
األمن ...في المنظور اإلسالمي
الدكتورة نوال �أ�سعد �شرار
ب�إجماع رجال الفكر وال�سيا�سة وعلم االجتماع والعامة واخلا�صة يعاين العامل ب�أ�سره اليوم من العنف واال�ضطراب والفو�ضى وتف�شي ظاهرة الإرهاب بكافة �أنواعه وم�ستوياته ,فال عجب , ذلك �أن الإرهاب هو الثمرة النا�ضجة لفقدان «الأمن والأمان» �سمة العامل املعا�صر الوا�ضحة ,الأمر الذي �أدى �إىل اال�ضطراب يف جميع �ش�ؤون احلياة, وا�ستدعى العمل اجلاد من كافة الأطراف للتو�صل �إىل �أ�سباب فقدان الأمن والعمل على الق�ضاء عليها بعقد امل�ؤمترات و�إجراء الدرا�سات التي �أثبتت �أن الأمن مطلب �ضروريٌ للب�شرية ال حتيا بدونه, ٌ �إال �أن جميع املحاوالت وامل�ؤمترات باءت
بالف�شل بتوفري هذا املطلب (الأمن) �أو حتى بالإجابة عن و�سائل توفره ,فبع�ض الدرا�سات �أجابت ب�ضرورة توفري احلرية املطلقة للفرد والت�ساهل فيها مما �أدى �إىل زيادة الفو�ضى واال�ضطراب ,وبع�ضهم نادى بفتح باب احلوار وحرية الفكر التي �أدت �إىل االعتداء على حرية الآخرين وعدم �إيجاد امل�ساحة الالزمة حلرية الفكر التي متادت واعتدت على املقد�سات والرموز ,و�آخرون نادوا بت�أمني مبد�أ حقوق الإن�سان الذي �أغلق ما �سواه من حقوق ....وغريها. واحلقيقة �أن كل املحاوالت التي ُبذلت لتوفري الأمن لل�شعوب واملجتمعات مل ُتفلح ,بدليل واقع العامل اليوم مبا فيه
الدول التي متلك جميع عنا�صر القوة املادية جندها تعاين الكثري من الفو�ضى والف�ساد حتى �أن رعاياها ال ت�أمن على نف�سها �أو مالها مع كل ما فر�ضته من �أنظمة و�س ّنت من قوانني وجربت من �أفكار!!!... �إذن ما احلل ....؟ وما الأ�سباب الالزمة لتوفري الأمن الذي ي�صبو �إليه املجتمع الدويل اليوم؟ �إنه اتباع املنهج الإ�سالمي الذي �أراده اهلل تعاىل للب�شرية وجعله خامت الر�ساالت, وخري �شاهدٍ على ذلك حالة العرب خا�صة والعامل عامة قبل الإ�سالم ,وما كان يعاين من ا�ضطراب وفو�ضى وخوف ,بل كانت اجلزيرة العربية كحالنا اليوم ؛ م�سرحاً للفنت وال�سلب والنهب وفقدان الطم�أنينة على النف�س والعر�ض واملال, وعندما �أ�شرقت �شم�س الإ�سالم حتولت �إىل جمتمع الإ�سالم ي�سوده الأمن والرفاهية ,حتولت فيه العداوة �إىل حمبة والقطيعة �إىل �أخوة ,قال تعاىلَ ( :وا ْذ ُك ُر ْوا هلل َعلَ ْي ُك ْم �إِ ْذ ُك ْن ُت ْم �أَ ْعدَا ًء َف�أَ َّل َف َبينْ َ ِن ْع َم َة ا ِ ُق ُل ْو ِب ُك ْم َف�أَ ْ�ص َب ْح ُت ْم ِب ِن ْع َم ِت ِه ِ�إ ْخ َوا ًنا ) (�آل عمران.)103/ مفهوم الأمن يف الإ�سالم الأمن �ضد اخلوف ,وعدم اال�ستقرار, وزعزعة الثقة ,فهو �سكون القلب واطمئنانه وذهاب الرعب والروع والفزع, والأمن يف العرف اطمئنان وا�ستقرار النف�س وزوال اخلوف .والبلد الآمن هو الذي اطم�أن به �أهله وتوفرت فيه كافة متطلبات احلياة الأ�سا�سية كالغذاء واملاء والطم�أنينة النف�سية ,والأمن هبة اهلل التي منّ بها على عباده ملا له من �أثرٍ على اال�ستقرار والتنمية والعي�ش الكرمي ,قال تعاىل ( :ا َّلذِ ي �أَ ْط َع َم ُه ْم مِ نْ ُجو ٍع َو�آَ َم َن ُه ْم مِ نْ َخ ْو ٍف ) (قري�ش� , )4/إ�شارة �إىل
املجتمع املكي الذي ازدهر يف ظل الإ�سالم ومنت جتارته يف رحلتني عظيمتني لل�شام واليمن �صيفاً و�شتاءاً .وينق�سم الأمن يف املفهوم الإ�سالمي �إىل ق�سمني :الدنيوي الذي يتحقق على ال�صعيد الفردي واالجتماعي مبختلف جوانب احلياة االجتماعية وال�سيا�سية واالقت�صادية ... الخ ,والأمن الأخروي مبعنى االطمئنان من عذاب جهنم ,هذا و�إن بني �ألفاظ الأمن والإميان والأمانة رابطاً قوياً �إذ تنتمي �إىل �أ�صلٍ واحد ,ف�إذا قوِيَ الإميان �أدى �إىل �أداء الأمانة التي هي التزام بعهد اهلل واال�ستخالف يف الأر�ض ,قال عليه ال�صالة وال�سالم« :ال �إميان ملن ال �أمانة له»رواه �أحمد ,وهذه الأمانة ت�ضمن �أداء احلقوق بعمومها الدينية والدنيوية, في�أتي الأمن ب�صورة طبيعية �إذ ي�شعر الفرد براحة البال وطم�أنينة النف�س, فالأمن �إذن نتيجة الإميان والعمل ال�صالح فهو ثمرة من ثمرات الإميان, و�إال الفو�ضى واال�ضطراب واخلوف ,قال تعاىلَ ( :و َ�ض َر َب هَّ ُ الل َم َث ً ال َق ْر َي ًة َكا َنتْ �آَمِ َن ًة م ُْط َم ِئ َّن ًة َي ْ�أتِيهَا ِر ْز ُقهَا َر َغداً مِ نْ ُك ِّل الل َف�أَ َذا َقهَا هَّ ُ ا�س َم َكانٍ َف َك َف َرتْ ِب�أَ ْن ُع ِم هَّ ِ الل ِل َب َ الجْ ُ و ِع َوالخْ َ ْو ِف بمِ َا َكا ُنوا َي ْ�ص َن ُعو َن) ( النحل.)112/ ومن �أ�سماء اهلل احل�سنى (امل�ؤمن) الذي يعطي الأمان لعباده امل�ؤمنني حني ي�ؤمنهم من العذاب والفزع الأكرب يف الدنيا والآخرة ,قال تعاىل ( :هُ َو هَّ ُ الل ا َّلذِ ي ال�سلاَ ُم المْ ُ�ؤْمِ ُن ّو�س َّ اَل �إِ َل َه �إِ اَّل هُ َو المْ َل ُِك ا ْل ُق ُد ُ الل ب ُ�س ْب َحا َن هَّ ِ المْ ُ َه ْيمِ ُن ا ْل َعزِي ُز الجْ َ َّبا ُر المْ ُ َت َك ِرّ ُ َع َّما ُي ْ�ش ِر ُكو َن )(احل�شر.)22/ �شمولية الأمن يف الإ�سالم مفهوم الأمن يف الإ�سالم وا�س ٌع ال يقت�صر على حماية املجتمع من القتل �أو ال�سرقة �أو النهب ونحو ذلك ,بل هو
�أعم ،ي�شمل كل ما ي�ؤمن للفرد العي�ش الكرمي والرفاهية ,و�أوله احلفاظ على العقيدة و�إمكانية �إقامة ال�شرائع دون خوف �أو تقييد مما يحقق الوازع الديني ٍ – ال�ضمري الإن�ساين – الذي يحول دون املمار�سات اخلاطئة يف تطبيق التعاليم الدينية والتعامل مع الآخرين ,و ُيبنى عليه كافة �أنواع الأمن الأخرى و�أهمها الأمن الغذائي ال�ضروري ال�ستمرار حياة الإن�سان ,والأمن ال�صحي الوقائي الواجب حلماية املجتمع من الأمرا�ض ,والأمن الفكري �أ�سا�س مرتكزات حياة املجتمع وحفظ العقول من الوقوع فري�سة ال�شبه واالنحراف ,ثم الأمن الوظيفي الواجب لقيام املوظف بعمله ب�إتقان ومنها التكافل االجتماعي الذي ي�ؤدي �إىل متا�سك املجتمع و�صموده �أمام التحديات ,والأمن الإعالمي الذي يخدم ق�ضايا احلق والدعوة �إىل اهلل وتوعية الأجيال� ,إذ �أن �ضعف معظم ما ابتليت به الأمة اليوم من ٍ وت�شتتٍ يف الر�أي و�ضيا ٍع يف الهوية كان نتيجة الإعالم املنحرف املوجه ...وغريها من �أنواع الأمن. هذا وقد ورد لفظ الأمن يف القر�آن الكرمي يف خم�سة موا�ضع ثالث منها معرفاً كما يف قوله تعاىلَ ( :و�إِ َذا َجاءَهُ ْم �أَ ْم ٌر مِ َن الأَ ْم ِن �أَ ِو الخْ َ ْو ِف �أَ َذاعُوا ِب ِه ) ( الن�ساء )83/وقوله َ ( :و َك ْي َف �أَ َخ ُ اف مَا �أَ ْ�ش َر ْك ُت ْم َو اَل َت َخا ُفو َن �أَ َّن ُك ْم َ�أ ْ�ش َر ْك ُتم ِالل مَا لمَ ْ ُي َن ِّز ْل ِب ِه َعلَ ْي ُك ْم ُ�س ْل َطا ًنا َف�أَ ُّي ب هَّ ِ ِالَ ْم ِن �إِن ُكن ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن ا ْل َفرِيقَينْ ِ �أَ َح ُّق ب ْ أ ) (الأنعام ,)81/وقوله �أي�ضاً ( :ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا َولمَ ْ َي ْل ِب ُ�سوا �إِميَا َن ُه ْم ب ُِظ ْل ٍم �أُو َلئ َِك َل ُه ُم الأَ ْم ُن َوهُ ْم ُم ْه َتدُو َن ) (الأنعام,)82/ معرف بقوله تعاىلَ (:و َع َد ومرتني غري ٍ هَّ ُ الل ا َّلذِ َ ال�صالحِ َ اتِ ين �آ َم ُنوا مِ ْن ُك ْم َوعَمِ ُلوا َّ الَ ْر ِ�ض َك َما ْا�س َت ْخلَ َف َل َي ْ�س َت ْخ ِل َف َّن ُه ْم فيِ ْ أ ين مِ نْ َق ْب ِل ِه ْم َو َل ُي َم ِّك نَ َّ ا َّلذِ َ ن َل ُه ْم دِي َن ُه ُم
7
وسطيتنا ا َّلذِ ي ا ْر َت َ�ضى َل ُه ْم َو َل ُي َب ِّد َل َّن ُه ْم مِ نْ َب ْعدِ َخ ْو ِف ِه ْم �أَ ْم ًنا )(النور ,)55/والثانية يف �سورة البقرةَ ( :125/و ِ�إ ْذ َج َع ْل َنا ا ْل َب ْيتَ ا�س َو َ�أ ْم ًنا ) ,كما ورد عدة مرات َم َثا َب ًة لِل َّن ِ على غري ال�صورة الإ�سمية ك�أفعال ب�صيغة املا�ضي وامل�ضارع �أو م�شتقات اال�سم لكنه �أبداً مل يرد مقيداً بو�صف �أو �إ�ضافة, ٍ مما يعني �أنه مع �شموله ف�إنه غري قابلٍ للتبعي�ض فهو نعمة وهبة ربانية للإن�سان �إما �أن تكون جمتمعة �أو ال تكون ,فال ميكن �أن ينعم الإن�سان بنو ٍع من الأمن وال ينعم بالأنواع الأخرى. �أهمية الأمن للحياة الأمن مطلب حياتي مهم على ال�صعيدين الفردي واالجتماعي ,فهو على ال�صعيد الفردي من الدوافع الأ�سا�سية لقيام الإن�سان بحركة احلياة و�إذا انعدم وقع نتيجة اخلوف يف االنعزال واالنطوائية التي ت�شل حركته وتعطل قدراته وتدفعه �أحياناً للقيام مبا ال ير�ضى لتحقيق الأمن ويف ذلك يقول �سيدنا علي ر�ضي اهلل عنه: «حالوة الأمن تنكدها مرارة اخلوف واحلذر» �إما على ال�صعيد االجتماعي ف ُيعدُّ الأمن من �أهم مقومات و�أ�س�س ازدهار املجتمعات ودوران عجلة التنمية االجتماعية والتقدم االقت�صادي ,فالأمن مطلب �أ�سا�سي وهام جلميع �شعوب الأر�ض ,يقول عليه ال�صالة وال�سالم: (مَن �أ�صبح �آم ًنا يف �سِ ْربِه ،مُعا ًفى يف ج�سده ،عنده ُ قوت يومه ،فك�أمنا حِ ي َزتْ له ال ُدّنيا بح َذافِريها) «رواه الرتمذي , وعلى العك�س من ذلك بفقدان الأمن �أو �ضعفه ي�سود اخلوف وتعم الفو�ضى و ُتفتح منافذ الدخول للمت�سللني وتن�شط الأفراد واجلماعات املتك�سبة املتفلتة من الدين والقانون لتعيث يف الأر�ض ف�ساداً ومتار�س كافة �أنواع الرتويع والعنف والإرهاب
8 للو�صول �إىل �أهدافها ,علماً �أن من ميار�س ذلك ويزعزع الأمن العام هو يف احلقيقة يزعزع �أمن نف�سه و�أ�سرته وجمتمعه ,ثم ال يجد ملجئاً من ذلك �سوى التمادي يف غ ّييه و�أفعاله التي حت ّكم بها ال�شيطان لي�صبح معول هد ٍم لل�صروح التي بناها الأمن باالعت�صام باهلل تعاىل. ومن �أجل ذلك �ضمنت ال�شريعة الإ�سالمية حفظ الأمن بعدة عوامل ومن عظمتها �أنها مل جتعل حفظ الأمن منوطاً بفئة من الأمة كالدوريات الأمنية فقط و�إمنا �أوجب على كل فر ٍد يف الإ�سالم رج ً ال كان �أو امر�أة �أن يكون (م�س�ؤول �أمن) واجبه الأول احلفاظ على �أمن املجتمع كام ً ال, ولذلك كان الأمر باملعروف والنهي عن النكر فر�ض كفاية يقوم به ٌّ كل ح�سب طاقته وا�ستطاعته ودائرة �سلطته .ومن هنا ندرك �شمولية الأمن لي�شمل كل فر ٍد ويف جميع جماالت احلياة. موانع الأمن بينّ القر�آن الكرمي ثالثة �أمور �إن وجدت يف جمتمع �أدّت �إىل فقدان الأمن ,قال تعاىلَ ( :و َلك َِّن هَّ َ الل َح َّب َب �إِ َل ْي ُك ُم الإِميَا َن َو َز َّي َن ُه فيِ ُق ُلو ِب ُك ْم َو َك َّر َه �إِ َل ْي ُك ُم ا ْل ُك ْف َر َوا ْل ُف ُ�سو َق َوا ْلع ِْ�ص َيا َن ُ�أ ْو َلئ َِك هُ ُم ال َّرا�شِ دُو َن) (احلجرات ,)7/فهذه املوانع هي الكفر, مبا �أنزل تعاىل من تعاليم ت�ضبط الفرد واملجتمع ,والف�سوق الذي يعني اخلرق امل�ستمر لطاعة اهلل تعاىل وعدم االمتثال لأوامره ,ثم الع�صيان ب�أن ُيطاع تعاىل �أحياناً و ُيع�صى �أحياناً �أخرى ,وهذه املوانع الثالثة توجد كلها �أو بع�ضها عند معظم من يثريون الفو�ضى وميار�سون العنف والإرهاب الفردي �أو املنظم. عوامل ومقومات الأمن �ضمنت ال�شريعة الأمن يف املجتمعات الإ�سالمية بعدة عوامل �أهمها:
الإميان باهلل ومراقبته وتوحيدهوال�شعور ب�أنه مطلع على عبده يف ال�سر والعلن ,فكلما ه ّم الفرد بزعزعة الأمن تذ ّكر مراقبة اهلل تعاىل و�أوامره. �أهم مقومات الأمن يف الإ�سالم فر�ضالعبادات ومنها ال�صالة التي تنهى عن الفح�شاء واملنكر -جوهر الأمن ,و�إيتاء الزكاة ملا فيها من موا�ساة للمحتاجني وتوفري الأمن الغذائي بالإ�ضافة �إىل �أنها تزرع املحبة يف القلوب فتوجد الت�آلف والأمن. الرتبية الإ�سالمية برتبية الأبناء على�أ�س�س تربوية �صحيحة ت�ضمن التن�شئة املتوازنة الو�سطية تنبذ التخاذل وامليوعة �أو العنف والتطرف ,وحتقق ال�سكينة والطم�أنينة .الو�سطية ال�سمحة التي ترف�ض التماهي �أو التع�صب والتقوقع لكنها لي�ست و�سطية العلمانيني ال�ساعية �إىل طم�س الهوية الإ�سالمية امل�شرقة و�إ�ضاعة الرتاث الإ�سالمي اخلالد بقوانني باهتة ,وال و�سطية املنغلقني العاجزين عن الإن�سجام مع امل�ستجدات واملعا�صرة, لكنها الو�سطية التي تقدم للعامل الأف�ضل والأجمل من احللول مل�شاكل الب�شرية, الو�سطية التي ترف�ض العنف والإرهاب وتتم�سك باملبادئ والأو�صول ,و�سطية نا�صعة ذات خطاب مقنع معتدل ,قال تعاىلَ ( :و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ ول ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيدًا )(البقرة.)143/ فر�ضية الأمر باملعروف والنهي عناملنكر والأخذ على �أيدي املف�سدين منعاً من ممار�سة الإرهاب والتخويف لإر�ساء الأمن والطم�أنينة. ت�شريع احلدود والعقوبات على منيخالفون �أمر اهلل ويثريون الرعب والف�ساد ردعاً ملن يفكر يف زعزعة �أمن
املجتمع ومن ذلك حد احلرابة الذي ين�ص على قتال كل من يثري الف�ساد والفنت ,قال تعاىل� ( :إِ مَّ َ نا َج َزا ُء ا َّلذِ َ ين ُي َحا ِر ُبو َن هَّ َ َ ال ْر ِ�ض الل َو َر ُ�سو َل ُه َو َي ْ�س َع ْو َن فيِ ْ أ َف َ�سادًا �أَ ْن ُي َق َّت ُلوا �أَ ْو ُي َ�ص ّلَ ُبوا َ�أ ْو ُت َق َّط َع �أَ ْيدِ ي ِه ْم َو َ�أ ْر ُج ُل ُه ْم مِ نْ خِ لاَ ٍف �أَ ْو ُين َف ْوا مِ نْ الأَ ْر ِ�ض ) (املائدة ,)33/وكذلك قتال البغاة اخلارجني على احلاكم والنظام, ومنها حد القذف حفاظاً على الأعرا�ض وحد ال�سرقة حفاظاً على الأموال ,ولهذا غ�ضب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم على من �شفع يف حد من حدود اهلل تعاىل, الل َل ْو �أَ َّن َفاطِ َم َة ِبنْتَ محُ َ َّمدٍ فقالَ ( :وايمْ ُ هَّ ِ َ�س َر َقتْ َل َق َط ْعتُ َي َدهَا ) رواه الرترمذي, وذلك من �أجل �سد الذريعة املف�ضية �إىل التهاون امل�ؤدي �إىل فقدان الأمن وانت�شار العنف والفنت. حترمي جميع �أنواع االعتداء على الغرياملادية كالقتل وال�سرقة واالغت�صاب �أو املعنوية كال�سب واال�ستغابة وال�سخرية مما يوفر اجلو الآمن جلميع �أفراد املجتمع. الن�صح هلل ور�سوله ولكتابه ولأئمةامل�سلمني وعامتهم فالن�صح باحلكمة واملوعظة احل�سنة واملجادلة بالتي هي �أح�سن ,ذلك �أن انعدام الن�صح ي�ؤدي �إىل �سيادة الأنانية املدمرة للت�آلف والتكافل. التحذير من زعزعة الأمن و�إخافةالنا�س ,قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� ( :إِ َذا َم َّر َ�أ َح ُد ُك ْم فيِ م َْ�سجِ دِ َنا � ،أَ ْو فيِ ُ�سو ِق َنا َ ،و َم َع ُه َن ْب ٌل َ ،ف ْل ُي ْم�سِ ْك « �أَ ْو َقا َل َ « :ف ْل َي ْق ِب ْ يب �ض َعلَى ن َِ�صا ِلهَا ِب َك ِّف ِه َ�أ ْن ُي ِ�ص َ �أَ َحدًا مِ َن المْ ُ ْ�سلِمِ َ ني مِ ْنهَا َ�ش ْي ٌء ) � .أَ ْخ َر َج ُه ا ْل ُب َخار ُِّي ,ويف ال�صحيحني« :من حمل علينا ال�سالح فلي�س منا « وقال �أي�ضاً« : �سباب امل�سلم ف�سوق وقتاله كفر». -التكافل االجتماعي ب�إلزام امل�سلم حقوقاً
مادية ومعنوية للآخرين ,كالنفقة وعيادة املر�ضى وحقوق اجلوار وغريها ,قال عليه ال�صالة وال�سالم« :واهلل ال ي�ؤمن واهلل ال ي�ؤمن واهلل ال ي�ؤمن ,قيل :من يا ر�سول اهلل ؟ قال :الذي ال ي�أمن جاره بوائقه» رواه البخاري. الدعوة الدائمة �إىل ال�سالم ,فالإ�سالمدين ال�سالم ,ولقد ورد ذكره كثرياً يف القر�آن وال�سنة حتى �سميت الآخرة بدار ال�سالم ,قال تعاىلَ ( :واَ هَّلل َي ْدعُو �إِلىَ ال�سلاَ م َو َيهْدِ ي َمنْ َي َ�شاء �إِلىَ ِ�ص َراط دَار َّ م ُْ�س َتقِيم )( يون�س ,)25/ولقد رفع الإ�سالم راية ال�سالم منذ بداية الدولة الإ�سالمية ومل يعلن احلرب �إال دفاعاً �أو لإعالء كلمة اهلل تعاىل ورفع الظلم عن النا�س و�إعادة احلقوق لأ�صحابها. حرم الإ�سالم التع�صب والتطرف ودعا�إىل العفو والت�سامح والإح�سان للم�سيء ومراعاة حقوق الآخرين ,وكانت �آخر و�صايا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف خطبة الوداع حترمي الدماء والأموال والأعرا�ض� « ,إن اهلل حرم عليكم دماءكم و�أموالكم و�أعرا�ضكم كحرمة يومكم �أ�س�أل اهلل تعاىل �أن يجعل هذا البلد �آمناً هذا يف �شهركم هذا يف بلدكم هذا « رواه مطمئناً ويدمي عليه نعمة الأمن والأمان. البخاري. احلياة منهج متكامل ا�شتمل على د�ستور وقواعد هامة ت�ضمن ا�ستتباب الأمن وال�سالم والهدوء لكل من ين�ضوي حتته ,و�إذا �أردنا �أن ننعم بالأمن فال بد من العودة �أفراداً وجماعات لاللتزام مبا جاء يف القر�آن وال�سنة ,وممار�سة مهمة اال�ستخالف وحمل الأمانة ,ليبدل اهلل خوفنا �أمناً ويعم الأمن �أرجاء املجتمعات, ف�أي �أمة تريد �أن حتقق لنف�سها تقدماً ح�ضارياً البد �أن يتوفر لديها الأمن على امل�ستوى الفردي واالجتماعي لأنه �أهم حاجات الإن�سان الأ�سا�سية به يهن�أ النا�س ويكون نهارهم معا�شاً وليلهم �سباتاً, فالإ�سالم نعمة لبني الب�شر والتاريخ ي�شهد على ذلك ,ولنا يف �سرية ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أف�ضل دليل وهو ِ�ص على حتقيق يبلغ دعوته بكل جهد ,حر َ الأمن ف�أوجد جمتمعاً �آمناً مطمئناً ق�ضى على اجلرمية باقتالع م�سبباتها ,وعاقب بالأمر الإلهي العابثني بالأمن واملعتدين على احلرمات.
�إن ما يعي�شه العامل اليوم من انعدام الأمن واخلوف وتف�شي اجلرمية والإرهاب بكافة �أنواعه هو ب�سبب البعد عن الإميان وتطبيق تعاليم اهلل تعاىل يف �أمور احلياة وتطبيق نظم و�ضعية ف�شلت يف توفري الأمن ,بل �ساهمت يف فقدانه. الإ�سالم لي�س عقيدة دينية ونظاماً �أخالقياً فح�سب ,و�إمنا مبادئ و�أحكام قامت عليها �أعظم دولة عرفها التاريخ, فالإ�سالم نظام �شامل جلميع نواحي
9
وسطيتنا
10
بقلم الدكتور � :إ�سماعيل ال�سعيدات
التطرف والغلو قراءة في مضامين رسالة عمان احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف خلق اهلل واملر�سلني �سيدنا حممد وعلى �آله و�أ�صحابه �أجمعني؛ وبعد: �إن القارئ لر�سالة عمان ال�سمحة مب�ضامينها املتعددة يدرك مدى تناولها ملو�ضوع مهم برز على ال�ساحة العربية والدولية حديثاً ،و�إن كانت �أ�س�سه وقواعده قدمية ،وهو مو�ضوع التطرف والغلو ،وموقف الإ�سالم منهما ،و�ضرورة الدعوة �إىل حماربة هذا النهج املنحرف والفكر املتطرف ال�ضال فكر الغلو والتطرف ،والدعوة �إىل احلوار الهادف املت�سامح، ومواجهة الفكر ال�ضال املتطرف . فقد �أ�شارت ر�سالة عمان �إىل �أن الإ�سالم وقف موقف الراف�ض لكل �أ�شكال التطرف والغلو التي تعترب �أحد الأمثلة التي تو�ضح لنا دور هذه البيئة اخل�صبة يف التربير لت�شويه �صورة هذا الدين ال�سمح القائم على الو�سطية واالعتدال .وقد كان لر�سالة عمان دور بارز يف بيان معنى التطرف والغلو و�أ�سبابهما ،واحللول الناجعة للق�ضاء عليهما .وقد دعت ر�سالة عمان �إىل منهج الو�سطية واالعتدال ،وبيان طبيعة التطرف والغلو ب�أنها لي�ست من طباع امل�سلم احلقيقي املت�سامح ،والتي حتجب العقل ال�سليم عن �سوء التقدير واالندفاع الأعمى خارج ال�ضوابط الدينية ،والفكرية ،واخللقية.
كما �أن بيئة التطرف ت�سببت عرب التاريخ يف تدمري بنى �شاخمة ،ومدن كربى، و�أكدت ر�سالة عمان على �أن الإ�سالم دين احلق واالعتدال وال�سماحة والو�سطية، وهو دين ينبذ العنف والتطرف ،ب�شتى �أ�شكاله و�أنواعه.كما ينبذ كل املمار�سات اخلاطئة التي من �ش�أنها �إبعاد النا�س وتنفريهم من الدين .و�أكدت �أي�ضاً على �أن الإ�سالم دين الو�سطية واالعتدال وهو بريء من التطرف والغلو ،والتفريط، والتق�صري ،وقد دعت ر�سالة عمان �إىل حماربة التطرف والغلو والت�شدد ،وجاء فيها ":وهذا الدين ما كان يوماً �إ ّال حرباً ّ والتطرف والت�شدّد، على نزعات الغل ّو ذلك �أنها حجبت العقل عن تقدير �سوء العواقب واالندفاع الأعمى خارج ال�ضوابط الب�شر ّية ديناً وفكراً وخلقاً، وهي لي�ست من طباع امل�سلم احلقيقي املت�سامح املن�شرح ال�صدر ،والتطرف بكل �أ�شكاله غريب عن الإ�سالم الذي يقوم على االعتدال والت�سامح ،وال ميكن لإن�سان �أنار اهلل قلبه �أن يكون مغالياً متطرفاً " (. )1 ويف �ضوء هذا الإطار الت�شريعي ملوقف الكتاب وال�سنة من التطرف ،تعيد ر�سالة عمان تعريف العنف والتطرف يف �ضوء تداعى الأحداث ،واملمار�سات املعا�صرة التي ترتكب با�سم الإ�سالم ،والتي تنبع خطورتها من ت�شويه �صورة الإ�سالم، و�إيجاد امل�سوغات التي جتعل من الإ�سالم ديناً م�ستهدفاً ،ولعل حماوالت بع�ض و�سائل الإعالم الغربية من ت�شويه �صورة الإ�سالم كما حدث يف مو�ضوع ن�شر الر�سوم الكاريكاتورية من قبل �صحيفة دمناركيه عام 2007م �إال واحداً من الأمثلة التي تو�ضح دور بيئة التطرف والعنف يف التربير لت�شويه �صورة هذا الدين. �إن ر�سالة عمان توفر وثيقة هامة
لإعادة ت�أ�سي�س حياة امل�سلمني املعا�صرة على حقائق التعاي�ش مع الآخرين، واالبتعاد عن كل التعبريات وال�سلوكيات املتطرفة ،وحماية دينهم يف نف�س الوقت. وقد �أكدت ر�سالة عمان �أن امل�سلم احلقيقي الذي يريد البعد عن التطرف يجب �أن يطلع على الثقافات املعا�صرة؛ ليكون تعامله مع جمتمعه على وعي وب�صرية دون تقليد غري مبني على علم، وفهم ملجريات الواقع ،كما نبهت العامل �أجمع على �أن اال�ستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي �ضرورة لرد ال�شبهات التي يثريها �أعداء الإ�سالم بطريقة علمية �سليمة دون �ضعف� ،أو انفعال ،وب�أ�سلوب يجذب القارئ ،وامل�ستمع ،وامل�شاهد. كما نبهت �إىل �ضرورة تر�سيخ البناء الرتبوي للفرد امل�سلم القائم على الثوابت امل� ّؤ�س�سة للثقة يف الذات ،والعاملة على ت�شكيل ال�شخ�ص ّية املتكاملة املح�صنة �ض ّد املفا�سد ،واالهتمام بالبحث العلمي، والتعامل مع العلوم املعا�صرة على �أ�سا�س نظرة الإ�سالم املتميزة للكون ،واحلياة ، والإن�سان . كما دعت �إىل تب ّني املنهج الإ�سالمي يف حتقيق التنمية ّ ال�شاملة الذي يقوم على العناية املتوازنة باجلوانب الروح ّية، واالقت�صاد ّية ،واالجتماع ّية ،واالهتمام بحقوق الإن�سان ،وحر ّياته الأ�سا�س ّية، وت�أكيد ح ّقه يف احلياة والكرامة ،والأمن، و�ضمان حاجاته الأ�سا�س ّية ،و�إدارة �ش�ؤون املجتمعات وفق مبادئ العدل، وال�شورى ،واال�ستفادة مما قدّمه املجتمع الإن�ساين من �صيغ و�آليات لتطبيق الدميقراط ّية"(. )2 و�أكدت ر�سالة عمان على " �أن و�سائل مقاومة الظلم و�إقرار العدل يجب �أن تكون بو�سائل م�شروعة ،ودعت الأمة �إىل الأخذ ب�أ�سباب القوة واملنعة التي �أمرنا اهلل
تعاىل بها ؛ لبناء الذات ،واملحافظة على احلقوق ،و�ضمان احلاجات الأ�سا�س ّية للأفراد ،و�إدارة �ش�ؤون املجتمعات وفق مبادئ العدل ،وال�شورى ،وم�شاركة املجتمع الإن�ساين املعا�صر ،والإ�سهام يف رقيه وتقدمه ،وحتقيق التنمية الإن�سانية ال�شاملة ،ودعت املجتمع الدويل� ،إىل العمل بكل جدّية على تطبيق القانون الدويل واحرتام املواثيق والقرارات الدول ّية ال�صادرة عن الأمم املتحدة، و�إلزام كافة الأطراف القبول بها ،وو�ضعها مو�ضع التنفيذ ،دون ازدواجية يف املعايري؛ ل�ضمان عودة ّ احلق �إىل �أ�صحابه ،و�إنهاء الظلم؛ ل ّأن ذلك من �ش�أنه �أن يكون له دور وافر يف الق�ضاء على �أ�سباب العنف، والغل ّو ،والتطرف "(.)3 وتعيد ر�سالة عمان وفق هذا املق�صد ت�أ�سي�س املنهج الها�شمي املعا�صر يف الو�سطية ،باعتبارها �أحد املبادئ ال�سيا�سية ،واالجتماعية التي ميار�سها الها�شميون يف حماية الإ�سالم ،و�إعادة تعريف النا�س به ،وهذه احلكمة تنبع قيمتها من حجم التطرف الذي يحتل م�ساحات وا�سعة داخل بع�ض التيارات الإ�سالمية ولدى الأديان الأخرى. والدين الإ�سالمي كما جاء يف ر�سالة عمان يقوم على التوازن ،واالعتدال، وال�سهولة ،وال�سماحة ،ورفع احلرج وامل�شقة عن النا�س ،وهذا من �ش�أنه �أن ي�سهم يف الق�ضاء على التطرف والتزمت يف الدين� ،أو الت�ساهل يف �أحكامه ،بحجة الأخذ مبقا�صد ال�شريعة (.)4 (-)1ر�سالة عمان ال�سمحة ،اململكة الأردنية الها�شمية ،يف 26رم�ضان 1425هجري 9 ،ت�شرين الثاين من عام 2004م� ,ص. 5-2 (-)2ر�سالة عمان ال�سمحة �,ص.6 ,5 ,4 (-)3املرجع نف�سه. (-)4املرجع نف�سه � ,ص .5 ,4 ,1
11
وسطيتنا
12
الحوار والـتعايش بين اإلسالم والمسيحية
�أ.د.حممد �أحمد الق�ضاة
عا�ش امل�سلمون وامل�سيحيون ع�صورا يف وئام ،كان يجمعهم الوطن الواحد ،وامل�صالح امل�شرتكة ،يحرتمون عقائد بع�ضهم ،الدين والنف�س والعر�ض واملال و�أماكن العبادة كلها م�صونة حمرتمة ،الظامل املعتدي على حقوق الآخرين يحا�سب ،ومن �سعى لنق�ض عُرى املحبة واملودة بني الطرفني يعزل ،يجتمعون يف ال�سراء وال�ضراء ،يتوا�صلون يف املحن، يفرجون عن بع�ضهم وقت الأزمات ،عدوهم واحد هو الذي يهدد م�صالح اجلميع، وقد �ساد االحرتام املتبادل منذ بعثة الر�سول الكرمي �صلى اهلل عيه و�سلم و�إىل يومنا هذاُ ،يكلل هذا االحرتام حديث الر�سول الكرمي «من �آذى ذميا فقد �آذاين» ،مل مينع امل�سيحيون يف تاريخ الدولة الإ�سالمية من ارتياد �أماكن عباداتهم ،لأنها م�صونة ولها حرمة ،ومل ي�ضيق على فكرهم ،ومل يحجر على �آرائهم حتى ولو كانت خمالفة لر�أي امل�سلمني ،وقد �أبدع يف الدولة اال�سالمية من امل�سيحيني املواطنني ،حيث �سجل لهم التاريخ اال�سالمي هذه االبداعات العلمية والتقنية ،وكانوا بحق مواطنني �صاحلني، ي�شعرون بعزتهم وكرامتهم ،النها حممية من الد�ستور اال�سالمي العادل ،نالوا حقوقهم كاملة غري منقو�صة يف املا�ضي واحلا�ضر ،مل يجر�ؤ احد على عقابهم دون ذنب ،او النيل من اعرا�ضهم.
مل توقظ الفتنة يف يوم من االيام ،الن عقالء االمة دفنوها ،ومل يحرك احد م�س�ألة االختالف يف الدين يف احلقوق والواجبات ،وانها جوهر ال�صراع بني االديان ال�سماوية ،وكان احلوار ايجابيا حتى يف الق�ضايا اخلالفية للتفاهم على ما يجمع وال يفرق ،و�سعى امل�سلمون يف خمتلف الع�صور اىل بث روح الت�سامح، واحرتام ان�سانية االن�سان ،ونبذ التع�صب الكريه والعنف ايا كانت �صوره ،وتر�سيخ مفهوم االعتدال يف التعامل وال�سلوك� ،أكد هذه املعاين االن�سانية ال�سامية الر�سول الكرمي يف وثيقة املدينة املنورة ،عندما حدد العالقة والروابط بني امل�سلمني وغريهم من مواطني املدينة املنورة وكان فيها من اليهود وغريهم ،وقد اظهرت الوثيقة النبوية �سمو نظرة اال�سالم، وحر�صه على توطيد العالقة القائمة على االحرتام املتبادل بينه وبني اهل االديان مع مراعاة اخل�صو�صية العقدية والعبادية لكل اهل ملة ،كما �أكد هذه املعاين اخلليفة الرا�شد عمر ر�ضي اهلل عنه عندما فتح القد�س ،حيث رف�ض ال�صالة يف كني�سة القيامة احرتاما وحر�صا منه على اخل�صو�صية ،فلم يقلل من �ش�أن امل�سيحية ،او يطعن يف كتابها املقد�س ،او ي�شك يف نبوة عي�سى عليه ال�سالم ،علما بان من اركان اميان امل�سلم ان ي�ؤمن بالكتب ال�سماوية ،والر�سل الكرام الذين ورد ذكرهم يف القر�آن العظيم. وعند ا�ستقراء حوادث التاريخ هل ين�سى العامل امل�سيحي ما فعله ال�صليبيون من الغرب يف االر�ض املقد�سة ،حيث احرقوا االخ�ضر والياب�س ،واراقوا دماء امل�سلمني االبرياء ،ويف ال�صورة املقابلة تتجلى �صورة الت�سامح واالن�سانية عندما ا�سرتد القائد امل�سلم �صالح الدين االيوبي القد�س من الغا�صبني ،كيف �صفح و�سامح وعفا ،وقام
برتحيل الدخالء القتلة اىل بالدهم �آمنني .بجانب هذه ال�صور امل�شرقة التي �أكدت وعززت �صفاء العالقة بني اال�سالم وامل�سيحية من تاريخ اال�سالم وامل�سلمني يف املا�ضي واحلا�ضر ت�أتي حما�ضرة وت�صريحات بابا الفاتيكان ،والتي ا�ستقى معلوماته التي يفوح منها رائحة التحامل والكراهية من االر�شيف العتيق الذي يطوي بني �صفحاته الغث وال�سمني من االخبار واالقاويل الباطلة عن ر�سالة الر�سول الكرمي ،وعن الفتوحات اال�سالمية. لقد جاء القر�آن العظيم باحلجة ال�ساطعة ،وهو يخاطب العقل ،ويرفع من �ش�أنه� ،ألي�ست القاعدة االوىل يف اال�سالم «فكر لت�ؤمن» ولي�ست «اطفئ نور عقلك ثم �آمن» وهكذا انت�شر اال�سالم يف ا�صقاع االر�ض ،حيث قام على االقناع ،ومل ينت�شر بحد ال�سيف والعنف كما يعتقد من تلوثت افكارهم وعقائدهم باملعلومات امل�أفونة، وقد تنزل على الر�سول الكرمي «وما ار�سلناك اال رحمة للعاملني»« .ادع اىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة». «وجادلهم بالتي هي اح�سن» .قال عز وجل «وال جتادلوا اهل الكتاب اال بالتي هي اح�سن» .وقال عز وجل «قل يا اهل الكتاب تعالوا اىل كلمة �سواء». لقد افتخر امل�سيحيون يف بلدنا االردن باال�سالم دينا وح�ضارة ،وعا�ش امل�سلمون وامل�سيحيون حلمة واحدة يف ال�سراء وال�ضراء ،غلبوا امل�صالح العامة على امل�صالح ال�شخ�صية ،اطف�أوا نار العداوة والكراهية ،وفجروا �سواقي الت�سامح واملحبة واالخوة ال�صافية ،ويف اعتقادي ان ت�صريحات البابا ذهبت ادراج الرياح ،النها كانت جمافية للحقائق العلمية والتاريخية ال�صادقة ،ومل تكن �صحيحة ومقنعة حتى لالن�سان
العادي ،وقد توىل الرد عليه اكابر رجال الدين امل�سيحي الذين ينظرون مبيزان العدالة ،وباءت املحاوالت اخلبيثة التي ارادت تعكري االجواء ،وتلويث الروابط، وقطع احلوار االيجابي ،والتعاي�ش بني اال�سالم وامل�سيحية بالف�شل ،بف�ضل نظرة العقالء من امل�سلمني وامل�سيحيني علما بانه قد تعاقب على كر�سي البابوية يف الفاتيكان ا�شخا�ص نبالء عقالء ،حافظوا على البناء والتقريب ،وعلى الكني�سة الكاثوليكية ان حتافظ يف اختيارها لهذا الكر�سي املحرتم العقالء املحبني للحوار والتعاي�ش واالنفتاح املبني على قاعدة «وجادلهم بالتي هي اح�سن» دون جتريح او طعن ،او اثارة النعرات ،او ايقاظ الفنت، و�صدق اهلل العظيم «واهلل غالب على امره ولكن اكرث النا�س ال يعلمون».
13
وسطيتنا
14
بقلم املحامي :كامل �أبو �صقر
النموذج الرباني للعولمة وفق رؤية إسالمية وسطية جديدة
�إن �إبراز النموذج الرباين للعوملة وفق ر�ؤية �إ�سالمية و�سطيه جديدة ،منطلقني من �أن الإن�سان خليفة اهلل يف الأر�ض ؛ لكونه هو املركز والهدف النهائي ،وهو الذي �سخر اهلل من �أجله جميع النظم املقروءة والنظم املنظورة �سواء يف ال�سموات �أو يف الأر�ض ،وكرمه على من خلق حتى املالئكة ،فكل �شيء يجب �أن يكون خلدمة الإن�سان� ،سواء كانت النواحي املادية والتطبيقية� ،أو النواحي املعنوية والروحانية والأخالقية والإن�سانية� ،أو العوملة التجارية �أو العوملة بنماذجها املختلفة.
لهذا ف�إنه يجب �أال تكون الثقافة مبعناها الوا�سع هي ال�سبب يف �صدام احل�ضارات كما يروجون لذلك؛ لأن هناك �سمات م�شرتكة بني كل النا�س ،فهم م�شرتكون يف الأ�صل الطيني "الرتاب"، وبالنفخة الربانية ،وبالفطرة الدينية، وبالإقرار بالربوبية يف عامل الذر ،وبنظم الأ�سماء والأ�شكال التي علمت لآدم (عليه ال�سالم) ،وبنظم املعاين واملفاهيم التي علمت لنوح (عليه ال�سالم) ،و�إبراهيم الذي جمع بينهما ،والتي توارثوها عن طريق اجلينات� ،أو التواتر ،وحممد (عليه ال�صالة وال�سالم) الذي �أعاد جمع هذه النظم بعد �أن �ضل �أ�صحابها الطريق. و�إذا ما �أردنا التو�سع يف الوحدة امل�شرتكة للمعرفة والثقافة ،ف�إننا ن�ستطيع �أن مند وحدة املعرفة �إىل خملوقات �أخرى ،وهي �أمم مثلنا� ،سواء �أكانت يف الكون والطبيعة مبعناهما الوا�سع� ،أم يف احليوان �أو النبات؛ حيث الت�سبيح الذي ال نفقهه ،وال�سجود؛ �أي الطاعة للخالق الذي ي�أبى كثري من النا�س �أن ي�سجدوا له ،فهذا املد لنظرية وحدة املعرفة �إىل الكائنات الأخرى� ،أو لنقل �إىل تلك املجتمعات من احل�شرات والنمل والنحل ،وحقيقة االت�صال فيما بينها ،والتي وهب اهلل �سليمان (عليه ال�سالم) فهم مقولة تلك النملة. ف�إذا كان ذلك مع خملوقات �أخرى، فكيف �إذا ما عرفنا �أن جميع ال�شعوب والأمم ت�شرتك بتحرمي وكراهية ال�سفاح بني الأقارب والنفور منه ،وجتل ف�ضيلة الإيثار ،وم�س�ألة البحث عن الذات� ،أو احتالل موقف �أو مركز ما لي�س من حقه؟ و�إذا كان علم الأع�صاب قد �أثبت وجود جينة معينة م�س�ؤولة عن ن�شوة التدين �أو االجنذاب نحو التدين (ويل�سون وحدة املعرفة – جملة نيوزويك يوليو )1998 وهو ما يوافق قوله تعاىل يف �سورة الروم ( :فطرة اهلل التي فطر النا�س عليها ال تبديل خللق اهلل ،ذلك الدين القيم ولكن
�أكرث النا�س ال يعلمون)(�سورة الروم الآية)30 ومع ذلك ،ف�إن هناك خ�صو�صية لكل خملوق� ،إ�ضافة �إىل ذلك ف�إن ت�أثريات البيئة والتعليم والعمل ،وخربة احلياة جتعل االختالف والتنوع ال يقت�صر على ال�شعوب والأمم فقط ؛ بل على الأفراد والأ�شخا�ص يف كيان كل �أمة. وهــو مـا يجعل م�س�ألة و�ضع قانون معني ل�ضبط �سلوك الب�شر وحياتهم �أمراً م�ستحي ً ال ،وهذا �سبب �إخفاق فر�ضية فوكوياما بنهاية التاريخ وموتها ،والذي يفرت�ض �أن على الأمم �أن حتذو حذو الدميقراطية الليربالية الغربية .كما �أن �سبب التخبط يف الأفكار والفر�ضيات م�صدره البعد عن املنهج الرباين الذي ي�صلح لكل الأمم واملخلوقات؛ فاهلل يعلم ما ينا�سبها ،وقد بينّ لنا القوا�سم امل�شرتكة بني جميع ال�شعوب والأمم ،وو�ضع قانون االختالف واملدافعة ،ك�صيانة للأر�ض و�ضمان لعدم ف�سادها. فالعوملة �إمنا تعني الف�ساد ،ولأنها جتاوز لكلمة اهلل التي �سبقت على جميع اجتاهات العوملة �أو الأقلمة .فعامل ماك ،على ر�أي بنجامني ،يجب �أن يهتدي بالنموذج الرباين �أو على الأقل �أن ال يتجاوز حدوده .فعندما يقبل الليل كل منا ي�ضيء م�صابيحه -وفق حالته وظروفه ،- فهناك امل�صباح الكهربائي ،وهناك امل�صباح البدائي ،الذي يعمل بالزيت والفتيل وال�سراج ،وهناك ملبة الكاز .ولكن عندما يبزغ الفجر كل منا يطفئ م�صابيحه؛ لأن نور ال�شم�س و�ضياءها �أكرب و�أقوى من كل م�صابيحنا .وكذلك الأمر بالن�سبة لأي منهج� ،أو نظرية� ،أو �سيا�سة� ،أو قانون، �أو فكر� ،أو علم� ،أو ثقافة� ،أو معرفة� ،أو �سلوك نحو العوملة �أو نظرة كل منا التي ينظر من خاللها �إىل العامل املحيط به، ويفكر بالأمور والعالقات مع غريه من منطق فهمه ،ونظريته ،وثقافته ،وقانونه، ومعرفته ،وعلمه ،ومنهجه ،وعوملته،
ف�إذا جاء منهاج اهلل و�شريعته و�صراطه امل�ستقيم ،فعلى جميع تلك الأفكار والنظريات والأ�ساليب �أن تتوقف متاماً، كما هي احلال مع امل�صابيح والأنوار التي تتوقف عند قدوم النور وال�ضياء الذي خلقه اهلل ،والذى �ضرب مث ً ال لنف�سه به فكان وال يزال ذلك النور ( اهلل نور ال�سموات والأر�ض مثل نوره كم�شكاة فيها م�صباح امل�صباح يف زجاجـة الزجاجة ك�أنها كوكب دري يوقد من �شجرة مباركة زيتونة ال �شرقية وال غربية يكاد زيتها ي�ضيء ولو مل مت�س�سه نار ،نور على نور يهدي اهلل لنوره من ي�شاء وي�ضرب اهلل الأمثال للنا�س واهلل بكل �شيء عليم) ( �سورة النور رقم 24الآية.)35 : من �أجل هذا فان الأمنوذج الرباين ، قادر على �أن يحاور ويعلو على النماذج اخلا�صة بالعوملة و�أ�ساليبها ،وال�صعوبات التي تعرقلها وتعيقها ،وليبينّ كيفية العوملة التجارية ،وكيفية بقائها وتطويرها .ومن خالل تلك املحاورة ميكن تطوير �أمنوذج �آخر ،و�أ�ضافة ُبعد �آخر ،و�سيطفئ جميع النماذج ال�سابقة، �أو يحد من تطرفها� ،أو يجعلها تتوقف عند حدود الأمنوذج الذي ر�سمه لنا اهلل. ولكون الأمنوذج من كتاب اهلل؛ وكتاب اهلل حق و�صـدق ،ال ي�أتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه ،ف�إن جميع النماذج الأخرى �ستخبو رويداً رويداً .ومبقدار تقدم الأمنوذج الرباين املبلور ترتاجع تلك النماذج؛ فتلك النماذج ما كان لها �أن ت�سود لوال �أن امل�سلم ترك الأمنوذج الرباين وهجره ،ولكن اهلل وعد �أن يظهره على جميع النماذج الأخرى من العوملة التجارية والإدارية ،مبا فيها من النماذج والآليات والنظم ،ولكن وفق ر�ؤية �إ�سالمية و�سطيه جديدة.
15
وسطيتنا
16 بقلم الدكتور :حممد خري العي�سى
الوسطية في اإلسالم احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على �سيد املر�سلني �سيدنا حممد (�ص) وعلى �آله و�أ�صحابه �أجمعني: للإ�سالم خ�صائ�صه وميزاتة فهو رباين املنهج رباين الغاية رباين الوجهة والق�صد كما �أن هذا الإ�سالم دين احلياة الإن�سانية �إىل قيام ال�ساعة ملا ت�ضمنه من خ�صائ�ص ومميزات والتي من �أعظمها على الإطالق الو�سطية واالعتدال التي متكن الإن�سان من تطبيقه يف كل زمان ومكان ملوافقته للفطرة الإن�سانية التي جبلت على االعتدال يف املزاج وامل�شاعر والقدرات وامللكات والتكوين ولذلك ال تكلف النف�س �إال و�سعها والو�سطية من معانيها جمانبة الإفراط والتفريط والبعد عن املغاالة والتق�صري يف كل �شيء وهو الطريقة املثلى وال�سرية املر�ضية كما �أن من معانيها العدل بني الأ�شياء �أو التعادل بني طرفني متقابلني بحيث ال ينفرد �أحدهما بالت�أثري دون الآخر وبحيث الي�أخذ �أحد الطرفني �أكرث من حقه ويطغى على الطرف الآخر ويحيف عليه فال �إفراط وال تفريط وال غلو وال تق�صري قيل البن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما� :إن العرب تقول :حب التناهي �شطط ,وخري الأمور الو�سط ،فهل هذا موجود يف القران ؟ قال تعاىل :يف �أربعة موا�ضع يف كتبابه الكرمي وا�صفا بقرة مو�سى عليه ال�سالم ( َقا ُلواْ ا ْد ُع َل َنا َر َّب َك ُي َب نِّي َّل َنا َما هِ َي َقا َل �إِ َّن ُه َي ُق ُ ول �إِ َّنهَا َب َق َر ٌة َّال َفار ٌ ِ�ض َو َال ِب ْك ٌر َع َو ٌان َبينْ َ َذل َِك) (البقرة� )68/أي و�سط بني الكرب وال�صغر يف ال�سن .
ويف قوله تعاىل َ ( :و َال تجَ ْ َع ْل َيد ََك َم ْغ ُلو َل ًة ِ�إلىَ ُع ُنق َِك َو َال َت ْب ُ�س ْطهَا ُك َّل ا ْل َب ْ�س ِط ) (اال�سراء� )29/أي متو�سط بني االمرين يف االنفاق . ويف قوله تعاىل َ ( :و َال تجَ ْ َه ْر ب َِ�صالت َِك َو َال ُت َخافِتْ ِبهَا َوا ْب َت ِغ َبينْ َ َذل َِك َ�س ِبي ً ال) (اال�سراء )110/وهذا ال�سبيل هو الو�سط يف القراءة . ويف قوله تعاىل :يف مدح املعتدلني من كرماء امل�ؤمنني َ ( :وا َّلذِ َ ين ِ�إ َذا �أَن َف ُقوا لمَ ْ ُي ْ�س ِر ُفوا َولمَ ْ َيقْترُ ُ وا َو َكا َن َبينْ َ َذل َِك َق َوا ًما) (الفرقان� )67/أي و�سطاً يف املعي�شة فالو�سطية من مقومات ر�سالة الإ�سالم اخلالدة �إىل يوم القيامة القائمة على العاملية واخللود واخلامتية تتطلب املنهج الر�صني واحلكيم والنابع من منطق العقل احل�صيف �أو العقالنية ، واحلكمة واالعتدال وال�سماحة والتوازن، وم�سايرة الفطرة الإن�سانية ،والواقع املعي�شي ومراعاة اختالف الأمزجة وامليول والنزعات والرغائب ،و�إقرار الأمن وال�سالم ،واحلر�ص على تطبيق العدل وامل�ساواة واحلرية ،و�صون الكرامة الإن�سانية ،وكل ما من �ش�أنه احلفاظ على حقوق الإن�سان ،والإ�شادة بالبناء العقدي الرا�سخ والبعد عن كل عوامل الهدم وال�ضعف والأ�ساطيل واخلرافات والتعاملي والأخالقي وال�سلوكي واالقت�صادي والإن�ساين، والفقه احل�ضاري القومي القائم على التجرد واملو�ضوعية والتعادل يف التبادل، واال�ستقرار وال�شمول ،والواقعية املن�سجمة مع املثل العليا القائمة على حمبة اخلري والإح�سان ،والت�ضحية والإيثار ،والأخوة الإن�سانية ،واالعتقاد احلق ،وتر�سيخ معامل املدنية والتح�ضر ،وتوفري ال�شعور
بالطم�أنينة والإح�سا�س بال�سعادة الغامرة يف عامل الدنيا والآخرة ،وال �سيما يف ع�صرنا احلا�ضر( )1حيث يتعر�ض الإ�سالم و�أهله لتحديات خطرية ،واتهامات مغر�ضة و�إفرتاءات و�أباطيل يف مظلة ما �سموه مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف والإ�سالم منه براء .فالإ�سالم �أيها الإخوة و�سط يف كل �شيء فهو و�سط بني املادية والروحية وبني الواقعية واملثالية وبني الفردية الطاغية واجلماعية التي ت�سحق الفرد وتلغيه بني احلاجات امللحة والقيم البعيدة وبني نوازع اجل�سد ومتطلبات الروح حتى يرتقي �أتباع هذا الدين �إىل حقيقة وجودهم ودورهم يف هذا الكون ويقوم بوظيفتهم املوكولة �إليهم من اهلل عز وجل ِ ( :ل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ ول َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيداً) َعلَى ال َّن ِ (البقرة )143/فالأمة هي التي ت�شهد على النا�س جميعاً لتقيم بينهم العدل والق�سط وت�ضع لهم املوازين والقيم وهذا يقت�ضي قوة الأمة ور�سوخها لتتمكن من �أداء هذا املهمة ولذلك لي�س غريباً �أن تكون القوة من معاين الو�سطية كما يخربنا بذلك �أهل العلم لكي ين�سجم ذلك مع دور الأمة يف القيام على الب�شرية لتق ِّوم املعوج وتعدل املنحرف بالدعوة �إىل اهلل والكلمة الطيبة قال تعاىل ُ ( :كن ُت ْم َخيرْ َ �أُ َّم ٍة وف َو َت ْن َه ْو َن ا�س َت ْ�أ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ �أُ ْخر َِجتْ لِل َّن ِ ع َِن المْ ُن َك ِر َو ُت�ؤْمِ ُنو َن بِاللهَّ ِ) (�آل عمران. )110/ ق ّوموا الب�شرية بالأمر باملعروف واملعروف لي�س فقط يف معنى ما تقولون ولكن �أي�ضاً بطبيعة الأ�سلوب والكلمة الطيبة وكذلك النهي عن املنكر باال�سلوب الطيب والكلمة الطيبة ( :اد ُع �إىل �سبيل ر ِّبك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم
با َّلتي هي �أح�سن ) (النحل. )125/ ومن معاين الو�سطية التي �أرداها اهلل تعاىل لهذة الأمة �سم ًة ومنهجاً الو�سطية يف الإعتقاد والت�صور فالإ�سالم و�سط بني الغلو يف الإنغما�س يف اجلانب الروحي والإرتكا�س يف اجلانب املادي بني �إعتقاد اخلرافيني الذين ي�صدقون بكل �شيء وي�ؤمنون بكل خيال وبني املاديني الذين ينكرون كل �شيء ال يقع حتت احل�س وال ي�صغون ل�صوت الفطرة ونداء العقل الر�شيد( )2فالإ�سالم يتو�سط بني هذا كله فيعطي كل ذي حق حقه ،فالإن�سان خلقه اهلل من مادة وروح وزوده بطاقات وملكات ،و�شريعة اهلل تعطي لهذا الكيان املزودج الطاقات حقه املتكامل من كل زاد وتعمل لرتفيه احلياة ورفعها قال تعاىل ( :وابتغ تن�سى فيما �آتاك اهلل الدَّار الآخرة وال َ ن�صيبك من الدُّ نيا ) ( الق�ص�ص. )77/ والإ�سالم كذلك هو و�سط يف العبادة والطاعة دون �إفراط وال تفريط روي عن ابن امامه ( قال :قال ر�سول ) � ( :إن اهلل بعثني باحلنيفية ال�سمحة ومل �أُبعث بالرهبانية املبتدعة فكلوا اللحم و�أتوا الن�ساء و�صوموا وافطروا وقوموا وناموا ف�إين بذلك �أُمرت ) (رواه الروياين) . وال يخفى على احد معنى حديث ان�س قال ( :جاء ثالثة رهط �إىل بيوت ازواج النبي ) ي�س�ألون عن عبادته عليه ال�سالم فلما �أخربوا بها ك�أنهم ت َّقالوها ،فقالوا: (واين نحن من النبي ) قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما ت�أخر ،قال �أحدهم �أما �أنا ف�إين �أُ�صلي الليل �أبداً ،وقال �آخر �أنا �أ�صوم الدهر وال �أفطر ،وقال �آخر �أنا �أعتزل الن�ساء فال �أتزوج �أبداً ،فجاء الر�سول ) فقال �أ�أنتم قلتم كذا وكذا ،واهلل �إين لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم له لكني �أ�صوم
17
وسطيتنا
18
و�أفطر و�أ�صلي و�أرقد واتزوج الن�ساء فمن وال�سالم ودين الب�شرية �إىل قيام ال�ساعة . ومن مزايا الو�سطية وفوائدها : رغب عن �سنتي فلي�س مني. (رواه البخاري) لقد كان من حكمة اهلل تعاىل �أن اختار وكذلك ف�إن الإ�سالم و�سط يف تنظيم �أمور الو�سطية �أو التوازن �شعاراً مميزاً لهذه الأمة و�إقامة نظامها فال يدع احلياة كلها الأمة التي هي �آخر الأمم ،ولهذه الر�سالة للم�شاعر وال�ضمائر وال يدعها للت�شريع التي ختم بها الر�ساالت الإلهية ،وبعث والت�أديب و�إمنا يرفع �ضمائر الب�شر بها خامت �أنبيائه ر�سو ًال للنا�س جميعاً، بالتوجيه والتهذيب ويكفل نظام املجتمع ورحمة للعاملني ،ومن مزايا هذه الو�سطية بالت�شريع والت�أديب ويزاوج بني هذا وتلك وفوائدها: فال يدع النا�س ل�سوط ال�سلطان وال يكلهم لوحي الوجدان ولكن يزاوج بني هذا وذاك 01الو�سطية �أليق بالر�سالة اخلالدة : كما بينّ ذلك �أهل العلم ،وكذلك ف�إن فقد يجوز يف ر�سالة مرحلية حمدودة الو�سطية ت�شمل الإرتباطات والعالقات الزمن والإطار �أن تعالج بع�ض التطرف يف بني الأمة ب�أفرادها وجماعاتها وبني الأمة ق�ضية ما بتطرف م�ضاد ،ف�إذا كان هناك وغريها من الأمم حترتم ذاتها وحترتم مبالغة يف الدعوة �إىل الواقعية ُقو ِومَت عهودها ومواثيقها ( :يا �أ َّيها الذين �آمنوا مببالغة مقابلة يف الدعوة �إىل املثالية ،و�إذا كان هناك غلو يف النزعة املادية ،رد عليها �أوفوا بالعقود ) (املائدة. )1/ كما �أن الو�سطية لهذا الأمة ت�شمل بغلو معاك�س يف النزعة �إىل الروحية. الزمان واملكان يف الأر�ض بني ال�شرق ف�إذا �أدت الدعوة املرحلية دورها املوقوت، والغرب وال�شمال واجلنوب ومكة هي �أم وحدَّت من الغلو ولو ِب ُغل ٍّو مثله كان ال القرى التي خلقها اهلل ثم دحى الأر�ض بد من العودة �إىل احلد الو�سط ،و�إىل من حتتها قال تعاىل ( :لتنذر �أ َّم القرى ال�صراط ال�سوي ،فتعتدل كفتا امليزان، ومن حولها ) (ال�شورى )7/ولذلك جعل وهذا ما جاءت به ر�سالة الإ�سالم بو�صفها البيت احلرام قبلة للنا�س باعتبارها ر�سالة عاملية خالدة على �أن يف الو�سطية مركز الكون وو�سطه ،اليه تدور الر�ؤو�س معاين �أخرى متيز منهج الإ�سالم و�أمة ال لل�سيادة واخللود()3 والعيون بال�صالة وحوله تدور الأج�ساد الإ�سالم وجتعلها �أه ً والقلوب باحلج والطواف . هذا هو الإ�سالم الذي ُي ْظلَم اليوم من 0 2الو�سطية تعني العدل : فمن معاين الو�سطية التي و�صفت �أبنائه �إما ب�س�ؤ الفهم �أو ب�س�ؤ التطبيق و ُيظلم اليوم من �أعدائه �إما جلهلهم به بها الأمة يف الآية الكرمية ورتبت عليها وبغ�ض �شهادتها على الأمم كلها :العدل الذي وعدم فهمه �أي�ضاً و�إما حلقد عليه ٍ لأهله وواجب على امل�سلمني �أن يعيدوا هو �ضرورة لقبول �شهادة ال�شاهد ،فمن مل النظر يف فهم دينهم العظيم ليعرفوه يكن عدال ف�إن �شهادته مردودة مرفو�ضة ويفهموه ويطبقوه على �أنف�سهم كما �أراد �أما ال�شاهد العدل واحلاكم العدل فهو اهلل ثم بعد ذلك يعر�ضوه على النا�س املر�ضي بني كافة النا�س . ف�إن الإ�سالم دين الرحمة ودين املحبة وتف�سري الو�سط يف الآية بالعدل مروي عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ) :فقد
روى الإمام �أحمد عن �أبي �سعيد اخلدري �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ) ،ف�سر الو�سط هنا بالعدل . والعدل والتو�سط والتوازن عبارات متقاربة املعنى ،فالعدل يف احلقيقة تو�سط بني الطرفني املتنازعني �أو الأطراف املتنازعة دون ميل �أو حتيز �إىل �أحدهما �أو �أحدها ،وهو بعبارة �أخرى :موازنة بني هذه الأطراف بحيث ُيعطي كل منها حقه دون بخ�س وال جور . ومن ثم قال زهري بن �أبي �سلمى يف املدح : هُ موا و�سط ير�ضى الأنام بحكمهم �إذا نزلت �إحدى اليايل العظائم
ي�صفهم بالعدل والق�سط وعدم التحيز . وقال املف�سرون يف قوله تعاىل َ ( :قا َل �أَ ْو َ�س ُط ُه ْم َ�ألمَ ْ َ�أ ُقل َّل ُك ْم َل ْو اَل ُت َ�س ِّب ُحون) ( القلم– � . )28أي � :أعدلهم ي�ؤكد هذا املعنى الإمام الرازي يف تف�سريه بقوله � :إن �أعدل بقاع ال�شيء و�سطه ،لأن حكمه مع �سائر �أطرافه على �سواء ،وعلى اعتدال . ويقول املف�سر �أبو ال�سعود :الو�سط يف الأ�صل ا�سم ملا ت�ستوي ن�سبة اجلوانب �إليه كمركز الدائرة ،ثم ا�ستعري للخ�صال الب�شرية املحمودة لكون تلك اخل�صال �أو�ساطاً للخ�صال الذميمة املكتنفة بها من طرق الإفراط والتفريط . فالو�سط �إذاً يعني العدل واالعتدال وبعبارة �أخرى :يعني التعادل والتوازن بال جنوح �إىل الغلو �أو �إىل التق�صري )4(. 03الو�سطية تعني اال�ستقامة :
والو�سطية تعني كذلك :ا�ستقامة املنهج والبعد عن امليل واالنحراف فاملنهج امل�ستقيم وبتعبري القر�آن(ال�صراط امل�ستقيم ) هو -كما عرب �أحد املف�سرين-
الطريق ال�سوي الواقع و�سط الطرق اجلائرة عن الق�صد �إىل اجلوانب ف�إذا فر�ضنا خطوطاً كثرية وا�صلة بني نقطتني متقابلتني فاخلط امل�ستقيم �إمنا هو اخلط الواقع يف و�سط تلك اخلطوط املنحنية ومن �ضرورة كونه و�سطاً بني الطرق اجلائرة �أن تكون الأمة املهدية �إليه و�سطاً بني الأمم ال�سالكة �إىل تلك الطرق الزائفة. ومن هنا ع َّلم الإ�سالم امل�سلم �أن ي�س�أل اهلل الهداية لل�صراط امل�ستقيم كل يوم ما ال يقل عن �سبع ع�شرة مرة هي عدد ركعات ال�صلوات اخلم�س املفرو�ضة يف اليوم والليلة وذلك حني يقر�أ فاحتة الكتاب يف �صالته فيقول داعياً ربه ( :اهدِ َنا *�ص َر َ ال�صِّ َر َ اط ا َّلذِ َ ين �أَن َعمتَ اط املُ�س َتقِي َم ِ ري امل َ ُ غ�ضوبِ َعلَي ِه ْم َو َال َّ ال�ضا ِّل َ ني) َعلَي ِه ْم َغ ِ ( الفاحتة )5(. )7-6 وقد مثل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم للمغ�ضوب عليهم باليهود ولل�ضالني بالن�صارى وال �شك �أن كال من اليهود والن�صارى ميثلون الإفراط ،والإ�سالم ُيع ِّلم امل�سلم �أن يحذر من تطرف كال الفريقني �أن يلتزم املنهج الو�سط �أو امل�ستقيم الذي �سار عليه كل من ر�ضي اهلل عنهم و�أنعم عليهم من النبيني وال�صدِّيقني وال�شهداء وال�صاحلني . ِ 04الو�سطية دليل اخلريية:
والو�سطية كذلك دليل اخلريية ومظهر الف�ضل والتميز يف املاديات واملعنويات ففي الأمور املادية نرى �أف�ضل حبات العقد وا�سطته ونرى رئي�س القوم يف الو�سط والأتباع من حوله ويف الأمور املعنوية جند التو�سط دائماً خرياً من التطرف ولهذا قال العرب يف كالمهم :خري
الأمور الو�سط وقال �أر�سطو :الف�ضيلة و�سط بني رذيلتني وقال ابن كثري يف قوله تعاىل �( :أمة و�سطا) والو�سط هنا :اخليار والأجود كما يقال :قري�ش �أو�سط العرب ن�سباً وداراً �أي خريها وكان ر�سول اهلل ) و�سطا يف قومه� ،أي � :أ�شرفهم ن�سباً ومنه :ال�صالة الو�سطى التي هي �أف�ضل ال�صلوات . 05الو�سطية متثل الأمان :
والو�سطية متثل منطقة الأمان والبعد عن اخلطر فالأطراف عادة تتعر�ض للخطر والف�ساد بخالف الو�سط فهو حممي وحمرو�س مبا حوله ويف هذا قال ال�شاعر : كانت هي الو�سط املحمي فاكتنفت بها احلوادث حتى �أ�صبحت طرفا
وكذلك �ش�أن النظام الو�سط والأمة الو�سط )6( . 06الو�سطية دليل القوة:
فالو�سط هو مركز القوة �أال ترى ال�شباب الذي ميثل مرحلة القوة و�سطا بني �ضعف الطفولة و�ضعف ال�شيخوخة؟! وال�شم�س يف و�سط النهار �أقوى منها يف �أول النهار و�آخره؟! )2( .
بها الأفكار املتطرفة يف نقطة ما هي نقطة التوازن واالعتدال كما �أن التعدد واالختالف الفكري يكون حتمياً كلما وجد التطرف وتكون حدته و�شدته بقدر حدة هذا التطرف �أما التو�سط واالعتدال فهو طريق الوحدة الفكرية ومركزها ومنبعها ولهذا تثري املذاهب والأفكار املتطرفة من الفرقة واخلالف بني �أبناء الأمة الواحدة ماال تثريه املذاهب املعتدلة يف العادة . �إذاً الإ�سالم دين الرحمة والو�سطية و�أبنا�ؤه هم الذين فهموا هذا الدين على وفق ما �أراد اهلل جل وعال ف�ساروا يف ركب احل�ضارة والرقي وقادوا الأمم وال�شعوب من خالل �أخالقهم وعدالة منهجهم و�صدق ر�سالتهم ( )3و�صدق اهلل العظيم �إذ يقول َ (:و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ ول ِّل َت ُكو ُنواْ ُ�ش َهدَاء َعلَى ال َّن ِ َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيدًا َومَا َج َع ْل َنا ا ْل ِق ْبلَ َة ا َّلتِي ُكنتَ َعلَ ْيهَا �إِ َّال ِل َن ْعلَ َم مَن َي َّت ِب ُع ال َّر ُ�سو َل ممِ َّ ن ري ًة �إِ َّال َين َقل ُِب َعلَى َع ِق َب ْي ِه َو�إِن َكا َنتْ َل َك ِب َ َعلَى ا َّلذِ َ ين َهدَى اللهّ ُ َومَا َكا َن اللهّ ُ ِل ُي ِ�ضي َع ا�س َل َر�ؤُ ٌ وف َّرحِ ي ٌم) �إِميَا َن ُك ْم �إِ َّن اللهّ َ بِال َّن ِ ( البقرة� :آية)143
07الو�سطية مركز الوحدة:
الو�سطية متثل مركز الوحدة ونقطة التالقي فعلى حني تتعدد الأطراف تعدداً قد ال يتناهى يبقى الو�سط واحد، ميكن لكل الأطراف �أن تلتقي عنده فهو املنت�صف وهو املركز وهذا وا�ضح يف اجلانب املادي واجلانب الفكري واملعنوي على �سواء ومركز الدائرة يف و�سطها ميكن لكل اخلطوط الآتية من املحيط �أن تلتقي عنده والفكرة الو�سط ميكن �أن تلتقي
-1عن مقال لو�سام بن حلمي عبا�س بت�صرف . -2حممد راتب النابل�سي -3د.يو�سف القر�ضاوي مقال بعنوان مفهوم الو�سطية يف الإ�سالم . -4مقال بعنوان ثمرات الو�سطية –�شبكة ال�سنه النبوية وعلومها . -5د يو�سف القر�ضاوي – فقه الو�سطيه الإ�سالمية والتجديد -3-2-1 -6املقال ال�سابق
19
وسطيتنا
20
بقلم الأ�ستاذة الدكتورة � :أ�سماء القر�شي
أثر تغير الفتوى زمان ًا ومكان ًا
في تحقيق التعايش وبث الوسطية واالعتدال ا�س �أُ َّم ًة َواحِ َد ًة َو اَل َي َزا ُلو َن مخُ ْ َت ِل ِف َ ني� .إِ اَّل قال تعاىل ( َو َل ْو َ�شا َء َر ُّب َك لجَ َ َع َل ال َّن َ َمنْ َرحِ َم َر ُّب َك َو ِل َذل َِك َخلَ َق ُه ْمهود .) 118 اخلالف بني الب�شر �سنة �إلهية ما�ضية �إىل يوم القيامة وذلك من�ش�أه �إىل اختالف الطباع وامل�صالح و الأهواء.فما يراه �إن�سان م�صلح ًة قد يراه �إن�سان �آخر مف�سد ًة ،وما يحبه �شخ�ص قد يبغ�ضه �شخ�ص �آخرفلوال اخلالف بني النا�س لكانت الدنيا كما هي منذ �أن خلقها اهلل عز وجل ولكن اختالفالآراء و الأهواء خلق نوعاً من التباين والتنوع يف الدنيا لذلك �أر�سل اهلل الر�سل و�أنزل معهم ال�شرعة واملنهاج وحد حدودا حرم فيها احلرام و�أحل احلالل ويف هذا يقول اهلل عز وجل يف كتابه العزيز ( َف�إِن َت َنا َز ْع ُت ْم فيِ َ�ش ْي ٍء َف ُردُّو ُه �إِلىَ اللهّ ِ َوال َّر ُ�سولِ �إِن ُكن ُت ْم ُت�ؤْمِ ُنو َن بِاللهّ ِ َوا ْل َي ْو ِم الآخِ ِر َذل َِك َخيرْ ٌ َو�أَ ْح َ�س ُن َت�أْ ِوي ً ال) (الن�ساء �أيه " )59وهذا ماكان يحدث بني ال�صحابة ور�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بني �أظهرهم .
روى �أبو �سعيد اخلدرى ر�ضي اهلل عنه �أنه ":خرج رجالن يف �سفر فح�ضرت ال�صالة ولي�س معهما ماء فتيمما �صعيداَ طيباَ ف�صليا ثم وجدا املاء يف الوقت ف�أعاد �أحدهما الو�ضوء و ال�صالة و مل يعد الأخر ثم �أتيا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �سلم فذكرا ذلك له فقال للذي مل يعد �أ�صبت ال�سنة و �أجز�أتك �صالتك وقال للذي تو�ض�أ و�أعاد :لك الأجر مرتني " فلم ُيحدث اخلالف بني ال�صحابيني ال�شجار و ال�شحناء بينهما و�إمنا عادا بالأمر �إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�.سلم وحدث يف زمن الرا�شدين والتابعني ومن بعدهم وهكذا �إىل يوم الدين وهذا اخلالف يف الفروع اليف�سد للود ق�ضية كما يقال .. قال املحم�صاين يف كتابه (تراث اخللفاء) ،وهو يتكلم عن ال�صحابة الكرام، مان�صه" :وقد �أقروا مبد�أ تغري االجتهاد فتو�سع عمر الفاروق بوجه خا�ص يف االجتهاد ويف تف�سري الن�صو�ص مبا يالئم حكمة الت�شريع وفالح العباد وينا�سب تطور الزمان واملكان وتقلبات الأحوال. وتعر�ض يف ذلك مل�سائل عديدة منها امل�ؤلفة قلوبهم ،والطالق الثالثي املت�سرع، وبيع �أمهات الأوالد ،وعدم التغريب يف احلدود ،و�إعفاء ال�سارق من القطع عام املجاعة ،وتطوير عقوبة التعزير ت�أديباً وزجراً للمذنبني واملجرمني ،وحتديد عاقلة الدية يف القتل واجلراح ،وتف�صيل �أمور �ضريبة اخلراج( )46تراث اخللفاء الرا�شدين �ص.589 : ثم �إن االختالف يف الر�أي -بعيدًا ُ اختالف تنوع ال عن الأ�صول� -إمنا هو اختالف ت�ضادّ ،والتنوع دائ ًما م�صدر �إثراء وخ�صوبة ،فمن النا�س من مييل �إىل الت�شديد ،ومنهم من مييل �إىل التي�سري ،ومنهم من ي�أخذ بظاهر الن�ص، ومنهم من ي�أخذ بفحواه وروحه ،ومنهم
من ي�س�أل عن اخلري ،ومنهم من ي�س�أل على �أديان النا�س و�أبدانهم" عن ال�شر خماف َة �أن يدر َكه ،ومنهم ذو �أ�سباب تغري الفتوى الطبيعة املرحة املنب�سطة ،ومنهم ذو الطبيعة االنطوائية املنكم�شة كل ذلك يف تغري الزمان ،تغري املكان ،تغري العادات الفروع و لذلك تتغري الفتوى من زمن تغري الأحوال تغري الأحتياجات لآخر بل وتختلف من قطر �إىل قطر ومن مثال تغري الفتوى بتغري الزمان �شخ�ص �إىل �شخ�ص حديث �سلمة بن الأكوع -ر�ضي اهلل قاعدة تغري الفتوى : عنه -قال :قال النبي �-صلى اهلل عليه دين الإ�سالم ٌ دين عاملي ٌ �صالح لكل زمان و�سلم« :-من �ضحى منكم ،فال ي�صبحن ومكان؛ فهو يعالج م�شكالت كل ع�صر بعد ثالثة ويبقى يف بيته منه �شيء .فلما من الع�صور مبا ينا�سبه ،وقد �أدرك هذه كان العام املقبل قالوا :يا ر�سول اهلل ،نفعل احلقيقة فقهاء الإ�سالم – رحمهم اهلل – كما فعلنا يف العام املا�ضي؟ قال :كلوا فكانوا ي�سعون �سعياً جاداً لتجديد الفقه و�أطعموا وادخروا؛ ف�إن ذلك العام كان مبا ينا�سب الع�صر الذي هم فيه ،ويف هذا بالنا�س جهد �-أي �شدة و�أزمة -ف�أردت �أن الزمن جند الفقهاء املعا�صرين واملجامع تعينوا فيها» الفقهية يقومون بجهو ٍد مباركة يف تنزيل الفقه على امل�سائل امل�ستجدة ،والنظر يف كذلك حديث �أن�س بن مالك -ر�ضي امل�سائل االجتهادية التي قد يتغري احلكم اهلل عنه�« :-أن النبي اهلل �-صلى اهلل فيها مبا يتنا�سب مع الزمن الذي نحن عليه و�سلم -جلد يف اخلمر :باجلريد فيه ،وليقدم الفقه الإ�سالمي احللول والنعال ،ثم جلد �أبو بكر� :أربعني ،فلما مل�شكالت الع�صر احلا�ضر ،فهو جدي ٌر ب�أن كان عمر ودنا النا�س من الريف والقرى، يواكب التطور والتغري الذي حدث يف قال ما ترون يف جلد اخلمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف� :أرى �أن جتعلها ك�أخف كثري من نواحي احلياة ونظمها. احلدود ،قال :فجلد عمر ثمانني»(.)42 ويف هذا يعبرِّ بع�ض العلماء بقولهم� :أفاد هذا احلديث� :أن �شارب اخلمر جلد ال ينكر تغري الأحكام بتغري الزمان ،وهي يف زمن ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم- �إحدى القواعد املتف ِّرعة عن قاعدة :العادة باجلريد والنعال ،ويف عهد �أبي بكر -ر�ضي حمكمة. اهلل عنه -قرر العقوبة �أربعني ،ويف عهد املالكية تعترب الفقه املتجدد وتعترب عمر بن اخلطاب -ر�ضي اهلل عنه� -شاور العرف م�صدر من م�صادر الت�شريع وقد النا�س ،فجعله ثمانني� ،أما عثمان -ر�ضي ع َّلق ابن القيم على ما ذكرته املالكية يف اهلل عنه -فجلد ثمانني و�أربعني ،وعلي- اعتبارهم للعرف املتجدد ،فقال" :وهذا ر�ضي اهلل عنه -ورد عنه الأمران .وقال: ٌّ كل ُ�س َّنة. حم�ض الفقه ،ومن �أفتى النا�س مبجرد املنقول يف الكتب على اختالف عرفهم مثال تغري الفتوى بتغري العرف وعوائدهم و�أزمنتهم و�أمكنتهم و�أحوالهم ما روي عن مالك �أنه قال� :إذا تنازع وقرائن �أحوالهم فقد �ضل و�أ�ضل ،وكانت جنايته على الدين �أعظم من جناية من الزوجان يف قب�ض ال�صداق بعد الدخول، طبب النا�س كلهم على اختالف بالدهم فالقول قول الزوج ،مع �أن الأ�صل عدم وعوائدهم و�أزمنتهم وطبائعهم مبا يف القب�ض .وعلق القا�ضي �إ�سماعيل -من كتاب من كتب الطب على �أبدانهم ،بل هذا فقهاء املالكية -على ذلك بقوله :هذه الطبيب اجلاهل وهذا املفتي اجلاهل �أ�ضر كانت عادتهم باملدينة� :أن الرجل ال يدخل
21
وسطيتنا بامر�أته حتى تقب�ض جميع �صداقها، واليوم عادتهم على خالف ذلك ،فالقول قول املر�أة مع ميينها ،لأجل اختالف العادات. مثال تغري ب�سبب تغري احلاجات ومن الأمثلة كذلك :تقدير النفقات، ف�إن من امل�س َّلم به� ،أن لك ِّل جمتمع يف �أي زمان ومكان م�ستواه االقت�صادي غنى وفقراً ،وتبعا لهذا فيختلف تقدير النفقة من جمتمع �إىل جمتمع �آخر ،وال�سبب يف هذا تغري احلاجات. مثال تغري الفتوى بتغري احلال حديث عبد اهلل بن عمرو بن العا�ص ر�ضي اهلل عنهما -قال« :كنا عند النبي�صلى اهلل عليه و�سلم -فجاء �شاب ،فقال:يا ر�سول اهلل� ،أق ّبل و�أنا �صائم؟ قال :ال، فجاء �شيخ ،فقال :يا ر�سول اهلل� ،أق ّبل و�أنا �صائم؟ قال :نعم ،فنظر بع�ضنا �إىل بع�ض، فقال ر�سول اهلل" :قد علمت نظر بع�ضكم �إىل بع�ض� ،إن ال�شيخ ميلك نف�سه» هذا التجدد وهذه املراعاة �إمنا هي دليل على و�سطية هذا الدين ومراعاته مل�صلحة الإن�سان مظاهرالو�سطية يف الإ�سالم: يف العقيدة :تتجلى يف توحيد اهلل و�إفراده بالعبودية ،وتنزيهه عن ال�شرك يف الت�شريع :تتجلى يف �إباحة الطيبات وحترمي اخلبائث ،التوازن بني مطالب الروح واجل�سد والعمل للدنيا والآخرة يف العبادات :تكليف العباد مبا يطيقونه – الرتويح عن النف�س وجتديد ن�شاطها مبا �أحل اهلل كان �أ�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ور�ضي اهلل عنهم و�سط بني الغالية واجلفاة ولنذكر على �سبيل املثال �أنهم كانوا و�سطا بني الغالية الذين يغالون يف علي ر�ضي اهلل عنه ،فيف�ضلونه على �أبي
22 بكر وعمر ر�ضي اهلل عنهما ويعتقدون �أنه • خلق روح التعاي�ش بني الطالب الإمام املع�صوم دونهما ،و�أن ال�صحابة والطالبات ظلموا وف�سقوا ،وكفروا الأمة بعدهم التعاي�ش كذلك ،ورمبا جعلوه نبيا �أو �إلها ،وبني اجلافية الذين يعتقدون كفره وكفر هذا اال�صطالح القدمي اجلديد ... عثمان ر�ضي اهلل عنهما ،وي�ستحلون ال�سهل ال�صعب :الذي ي�شمل : دماءهما ودماء من توالهما ،وي�ستحبون �سب علي وعثمان ونحوهما ،ويقدحون يف تعاي�ش االن�سان مع ذاته هوتعاي�ش الفرد مع الفرد الآخريف اجلماعة الواحدة خالفة علي ر�ضي اهلل عنه و�إمامته . فهم و�سط بني ه�ؤالء و�أولئك ،فيحبون احلاجة �إىل التعاي�ش موجودة اينما�أهل بيت النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وجدت عالقة بني طرفني ،وهي م�س�ؤولية و�أ�صحابه الكرام ويوالونهم ويرت�ضون م�شرتكة يتحملها الطرفان غالبا . عنهم ،وال يغلون فيهم وال يخرجونهم تعاي�ش بني اجلماعات املختلفة يف عن منزلتهم التي هم عليها. املجتمع الواحد كالطالب يف امل�ستوى بعد �أن جتلت عظمة الإ�سالم واعتباره الواحد �أو امل�ستويات حلال االن�سان زمانا ومكانا ت�أتي امل�س�ؤلية بل وتعاي�ش بني �أفراد الأديان املختلفة املناطة بكل م�سلم معلم ... واملـذاهب والطوائف والقوميات تعاي�ش بني الأكرثية والأقلية تعاي�ش بني دور الأكادمييات الأغلبية من جهة ،والأقلية � ،أو الأقليات ت�سا�ؤ ًال هل يوجد ملعلمات اجلامعة من جهة اخرى يقول روبرت�سن يف كتابه مهمات ت�سند اليهن يف بع�ض الظروف؟ ( تاريخ �شارلكن ) : �سنتحدث عن دور املعلم اجلامعي يف ( �إن امل�سلمني وحدهم الذين جمعوا بث الو�سطية واالعتدال مما ي�سهم يف بني الغرية لدينهم وروح الت�سامح نحو ا�ستقرار الوطن وحت�صني املجتمع من �أتباع الأديان الأخرى) الغلو والتطرف �إذ �أن اهلل ميز اهلل تعاىل �أمة الإ�سالم بالو�سطية حتى ت�شهد على فاحلاجة �إىل �إر�ساء ودعم وت�شريب باقي الأمم ،وي�شهد ر�سولها عليها .وكذلك مفاهيم التعاي�ش حاجة ما�سة جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا �شهداء على و�ضرورية،وال�سيما مع حتول العامل �إىل قرية �صغرية. النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا فالغلو :ي�سبب يف �إرهاق النف�س وغالبا ما �إ�ضافة �إىل �أن التعاي�ش من �صنف الأزهار بطيئة النمو � ،سريعة الزوال . يف�ضي �إىل امللل. والتق�صري :يعطل مواهب النف�س • التعامل على �أ�سا�س امل�ساواة : الب�شرية وقدراتها الطبيعية ،ويف�ضي �إىل لإ�صالح النظرة �إىل الذات ،وبالتايل عدم ن�شاطها. �إىل الآخر يقول �سبحانه وتعاىل َ (:يا ا�س ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم ا َّلذِ ي َخلَ َق ُكم مِّن جتنباً لكل ذلك ف�إن من �أهم املهمات �أَ ُّيهَا ال َّن ُ املناطة باملعلم وبالأخ�ص املعلم اجلامعي َّن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة َو َخلَ َق مِ ْنهَا َز ْو َجهَا َو َب َّث �إذ �أنها تخت�ص عن غريها من املراحل مِ ْن ُه َما ر َِجا ًال َكثِرياً َون َِ�سا ًء َوا َّت ُقوا اللهَّ َ ا َّلذِ ي باخت�صا�صات وامتيازات كثرية من �أهم َت َ�سا َء ُلو َن بِه َوالأَ ْر َحا َم �إِ َّن اللهَّ َ َكا َن َعلَ ْي ُك ْم َرقِيبا ً) املهمات مايلي
فالكل خملوق من نف�س واحدة�،أي وحدة يف الأ�صل الإن�ساين،والنا�س �أبناء �أ�سرة وعائلة �إن�سانية واحدة ،واهلل عزوجل هو الذي ك ّرم الإن�سان دون متييز .
إن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح
ويف هذا يقول اخلليفة الرا�شد علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه(النا�س �صنفان التسامح نحو أتباع �أخوك يف الدين �أو نظريك يف اخللق ) األديان األخرى بلغني �أن هذه العبارة مكتوبة على لوحة كبرية ب�أمريكا. نف�سية واجتماعية للتكيف مع القيم •العدل امل�ستدام يف �إر�ساء �أ�س�س والآمال وتطلعات املجتمع .وذلك �سيتحقق عن طريق احلوار البناء (يار�سول اهلل التعاي�ش ائذن يل بالزنا) �إقامة العدل بني الطالب وتقيمهم على ح�سب م�ستوياتهم العلمية ال على �إن من �أخطر املخاطر اتباع منهج ح�سب توجهاتهم و�أيدلوجياتهم �إذ �إن التكفري وا�ستباحة دماء امل�سلمني عدم العدل يورث ال�شحناء والبغ�ضاء و� َ أعرا�ضهم و�أموالهَم مع انه لو حاورهم معلموهم لعدلوا عن الكثري من ذلك (دبابي�س) • التو�سط واالعتدال فى الأخالق • :اتباع منهج الو�سطية واالعتدال . الإ�سالم و�سط فى الأخالق بني غالة املثالني الذين تخيلوا الإن�سان مالكا �أو �شبه مالك ,فو�ضعوا له من القيم والآداب ما اليطيقه ,وبني غالة الواقعيني الذين ح�سبوه حيوانا �أو كاحليوان ف�أرادوا له من ال�سلوك ما ال يليق به ,ف�أولئك �أح�سنوا الظن بالفطرة الإن�سانية فاعتربوها خرياً حم�ضاً ,وه�ؤالء �أ�ساءوا الظن فعدوها �شراً خال�صاً ,وكانت نظرة الإ�سالم بني ه�ؤالء و�أولئك ,فالإن�سان فى نظر الإ�سالم خملوق مركب فيه العقل وفيه ال�شهوة قد هُ دى اىل النجدين وتهي�أ بفطرته ل�سلوك ال�سبيلني � ,إما �شاكراً و�إما كفورا ,فيه ا�ستعداد جلهادها و�سلوك طريق التقوى ( ونف�س وما �سواها* ف�ألهمها فجورها وتقواها* قد �أفلح من زكاها* • �إتاحة الفر�صة الكاملة للحوار احلر الر�شيد يف �أو�ساط الطالب : من الأهمية مبكان �أن يتعلم الطالب كيف يتحقق �أمن املجتمع ب�صفة عامة ،و�أمنه ب�صفة خا�صة ،من خالل تهيئة
هذا املنهج الذي يقدم الإ�سالم نهجاً يرتبط بالزمان واملكان والإن�سان مو�صو ًال بالواقع م�شروحاً بلغة الع�صر منفتحاً على االجتهاد والتجديد ال على اجلمود والتقليد جامعاً بني النقل ال�صحيح والعقل ال�صريح م�ستلهماً للما�ضي معاي�شاً للحا�ضر م�ست�شرفاً للم�ستقبل، ثابتاً يف الكليات مرناً يف اجلزئيات، حمافظاً يف الأهداف متطوراً يف الو�سائل، مرحباً بكل قدمي نافع ،وينتفع بكل جديد �صالح ،ينفتح على احل�ضارات بال ذوبان ويراعي اخل�صو�صية بال انغالق ،يلتم�س احلكمة من �أي وعاء خرجت ،يرتبط بالأ�صل ويت�صل بالع�صر هذا التيار الذي جاء تعبرياً �أ�صي ً ال عن حقائق الدين ولي�س ا�ستجابة ل�ضغوط طر�أت على الأمة وافدة عليها ليمنحنا الغرب �صك براءة على �أن ديننا هو دين الت�سامح، ودين املرحمة �إمنا جاء ا�ستجابة لهدي رباين ومنهج نبوي ،ذلك �أن �أمتنا اليوم ترتنح بني تيار الغزاة وتيار الغالة وتيار اجلفاة ،الغزاة الذين �أرادوا �أن يجعلوا الأمة تتحاكم �إىل ح�ضارة مركزية كونية
ال تعرتف للآخرين بحق اخل�صو�صيات احل�ضارية� ،أرادوا �أن يفر�ضوا علينا ثقافة وفنوناً و�آداباً واقت�صاداً وفكراً لي�س لنا فيه من حق يت�صل بالهوية �أو باخل�صو�صية الثقافية ،هذا التيار الوافد علينا ويف �أمتنا من الداخل تياران لأن التطرف عملة ذات وجهني� ،أحد الوجهني الغلو الالديني وهو الغلو العلماين� ،إذا كان الغلو الديني الذي بد�أ بالتكفري وانتهى بالتفجري�( ،سوبر انتحار) ف�إن (�سوبر �ستار) هو الغلو الالديني الغلو العلماين، الذي بد�أ بالتخدير وانتهى بالتدمري ،هذا الذي يريد �أن يقيم قطيعة مع موروثنا احل�ضاري ،يريد الإ�سالم عقيدة بال �شريعة يريده دعوة بال دولة ،يريده حقاً بال قوة ،يريده قوة بال جهاد ،يقابل هذا التيار تيار اال�ستالب والتغريب والتبعية والذيلية تيار التكفري والتفجري الذي مل ي�صن احلرمات وال الدماء وال الأنف�س وال الأعرا�ض فر َّوع الآمنني ،وك َّفر املخالفني وف�سق وبدّع كل من حمل ر�أياً و�ض ّلل ّ يخالف تلك الراية ،و�ضاعت الأمة بني هذين التيارين الغالة واجلفاة وبني التيار الغازي الوافد �إلينا ،ولعل تيار الو�سطية حماولة لأن يقدم هدياً يخرج لبناً خال�صاً �سائغاً لل�شاربني ،فهو لي�س بدعة ابتدعها �أهل هذا الع�صر� ،إمنا هو منهج �أ�صيل لهذا الدين املبارك�،أح�سب �أن هذا امللتقى وهذا احل�ضور �إمنا هو تكرمي لهذا املنهج وهو منهج ال يرتبط ب�شخ�ص وال مبدر�سة وال بحزب وال بجماعة وال بطائفة ،بل هو تيار دافق باحليوية ودود ولود ،اجتمع فيه رخ�ص ابن عبا�س و�شدائد ابن عمر وعزائم ابن م�سعود و�أثرية ابن حنبل وفقه �أبي حنيفة ومقا�صدية ال�شاطبي وظاهرية ابن حزم، �إنه ي�شكل هذه املدر�سة الإ�سالمية الكربى بتنوع �آفاقها ،وتعدد �أطيافها� ،إجماعهم حجة قاطعة واختالفهم رحمة وا�سعة، هذا هو التكرمي احلقيقي لهذا املنهج الذي نح�سب �أنه ي�ضرب ب�سهم وافر يف م�سرية هذه الأمة املباركة.
23
وسطيتنا
24 عندما نتحدث عن الوسطية بكل أبعادها قد يردنا إىل منظمة الفكر والروح والعلم سؤال وهو :لم لم يرد مصطلح الوسطية يف العصور المتقدمه : والجواب :إن المسلمين بعد رسول اهلل صلى اهلل يتسموا باسم يتشرفون به إال بما عليه وسلم لم ّ يدل على أنهم صاحبوا سيد المرسلين عليه الصالة والسالم (الصحابة)( . ) 1
وسطية المنهج السلوكي
الدكتور حممد املطني
وكذلك الع�صر الذي تالهم كانوا يت�شرفون بكونهم تابعوا �أ�صحاب النبي عليه ال�صالة وال�سالم. ف�سموا (تابعني)( )2وكذلك جاء �أتباع التابعني من بعدهم. فكانوا يف ذلك الزمن �أهل ورع و�أرباب قلوب مفعمة بنور اليقني وكان �سيد املر�سلني �صلى اهلل عليه و�سلم هو املثل الأوفى والأعلى يف تطبيق ماجاء به من تعاليم كليات وجزئيات ،ومل يكن هناك داعي لظهور علم القلوب لقوم هم قائمون به وعليه ،كمثل العربي الذي يعرف العربية بالتــوارث كابرا عن كابر حتى �أنه يقول �أف�صــح الأ�شعار من غري �أن يعرف �شيئا عن تنظـري القواعد العربية ونظم العرو�ض،فمثل هذا اليحتاج �إىل التعلم، لأن ما ابتغي و�صله �إليه هو حا�صل عنده . وال�س�ؤال هنا :متى ي�صبح تعلم هذه القواعد واجبة ؟()3 واجلواب عند اللحن و�ضعف العربية و�سوء املنطق والتعبري. والبد هنا �أن �أ�شري �إىل �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كان له جمل�سان جمل�س علم وجمل�س تزكية
وبعدها تقادم العهد ودخل يف حظرية الإ�سالم �أمم �شتى و�أجنا�س كثرية وات�سعت دائرة الإ�سالم ،وتقدمت العلوم فكان النبي يع ّلم ال�صحابة يف جمل�سه احلالل واحلرام ،فانتقل ذلك العلم بوا�سطة وراثه من العلماء ب�سند مت�صل مبد�أه كالم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ومنتهاه علم جليل وهو علم الفقه ،ف�صار له رجال وطالب وعلماء �أفذاذ ونا�شرون. وحيث �إن كالم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بالعربية لغة القر�آن ،فكان البد من تدوين �أ�صول وقواعد حلفظ هذه اللغة من اللحن ومداخل الأعجمية حتى نفهم بالعربية مراد اهلل �إذ هي الوا�سطة يف �إي�صال املفاهيم �إلينا ،وفعال دون هذا العلم ف�صار للنحو وال�صرف �أ�صول من�ضبطة نعرف فيها العربي من الدخيل عليها . ولدخول الأفكار الفا�سدة واملعتقدات املزيفة من جت�سيم وت�شبيه للذات العلية وذلك للت�أثر بالفل�سفات والديانات الأخرى ،فقد دعت احلاجة امللحة لتدوين الإرث املحمدي يف املعتقدات ال�صحيحة ،فانبثق علم الكالم والذي تكفل بالدفاع عن املعتقدات التي كان يدين بها �أهل اخلريية من الرعيل الأول ح�شرنا اهلل و�إياهم)4(.
وكذلك هي�أ اهلل حلديث نبيه من يحفظه ويدونه وينقحه ويالحظ فيه �أحوال الرواة الذين نقلو الأحاديث ،فولد علم احلديث وفنونه وعلم اجلرح والتعديل. وكذلك احلال يف تف�سري القران الكرمي وعلوم القر�آن و�أ�صول الفقه واملرياث . ولأهمية العقل يف الإ�سالم كان البد من ميزان للعقل لي�أمن من االنحراف عن جادة ال�صواب بالفكر فاهتم العلماء كثريا بعلم املنطق و�صار من �أهم املناهج لدى طالب العلم )5(. كذلك الأمر مع علم احلكمة ،وملعرفة �أ�صول االحتجاج و�إي�صال املعلومة ودح�ض الباطل ظهرت �آداب البحث واملناظرة ، وهكذا باقي العلوم(. )6 �أما املجل�س الثاين فهو التزكية ،وهي من �أهم و�أجل ما يرنوا �إليه امل�سلم احلق. فبعد �أن �أخذ التاثري الروحي وال�صفاء القلبي يت�ضائل �شيئا ف�شيئا و�أخذ النا�س يتباطئون يف �سريهم �إىل اهلل باملحبة والعبودية واالتباع فكان البد من علم يرجع القلوب فيه �إىل �أمثال �سابق عهدها من قلوب ال�صحابة والتابعني و�أتباعهم ممن ت�شرفوا بعهد اخلريية فظهرت بوادر الو�سطية من خالل الفعل والقول كحالة �إ�صالح حلال الب�شرية وطريقا يرقى لأ�سمى املراتب لي�ؤهله للجنة التي �أعدت للمتقني وللر�ؤية التي �سيمن اهلل بها على العباد . فبد�أت الو�سطية باملحط الأول لنظر اهلل وهو القلب ،فكان من الناحية العملية له الدور الكبري ،ولهذا يقول الإمام الغزايل �إن علم معرفة القلب و�أمرا�ضه فر�ض عني)7(. فقد علم النبي �صحابته �أن التقوى حملها القلب وهو حمط التفا�ضل والتكامل يف الإ�سالم ،فكان البد �أن يكون االعتناء به مما ي�شينه �أمرا هاما فكان علماء الذوق والو�سطية لهم الدور الفاعل يف ذلك املجال. لذلك �سطروا بعلمهم ما مفاده �أن علم الإخال�ص والعجب واحل�سد والرياء فر�ض
عني مثلها وغريها من �آفات النفو�س كالكرب وال�شح واحلقد والغ�ش والغ�ضب والعداوة والبغ�ضاء والطمع والبخل وغريها مما ال ينفك عنا ،فيلزمه �أن يتعلم منها ما يرى نف�سه حمتاجا �إليه)8(. وهذا مما يق�صده �أهل الذوق من الو�سطية الفكرية والتعاملية .. و�إن الإن�سان ي�ستقبح منظر االقبيح املغطى بغطاء مبهرج وهكذا هو مثال الإن�سان.. تط ِ َب ُب جِ ْ�س َم َك الفاين ليبقى وترتك قلبك الباقي مري�ضا وكل ذلك يعني �أن الإن�سان يجب �أن يتعلم عملية ت�صفية القلب من زوائد ال�شوائب والرذائل ليكون م�ؤهال للخري وف�ضائل اخلري . فالو�سطية ب�أرقى �أو�صافها تربي يف الإن�سان معان وجدانية( )9لريقى بها فوق �سماء العقالنيات واملاديات املجردة ، فالأمور العقالنية وحدها ماكانت لت�ؤثر يف العواطف والقلوب...ولو كان كذلك لكان امل�ست�شرقون يف مقدمة امل�ؤمنني باهلل ور�سوله . كما �إننا مل ن�سمع يف يوم من الأيام ب�أن �أحدا من علماء العقالنيات واملاديات املجردة �ضحى بروحه �إميانا منه بقاعدة ريا�ضية �أو م�س�ألة من م�سائل اجلرب �أو الهند�سة. لكن من مزج عمله بحال وجداين كاحلب والرجاء �أو حتى اخلوف ف�إنه يعمل باختالف تام عن غريه ،فذاك يرى امل�شقة يف عمله وهذا حمله حب املحبوب على حتمل ماال ت�ستطيع اجلبال �أن تتحمله ، وهو ينظر �إىل �شرف الغاية وهي خدمة املحبوب والعمل من �أجله(.)10 وقد ثبت بالتجربة �أن امل�سائل ذات الطابع الوجداين يكون تاثريها يف النف�س �أعمق و�أ�سرع و�صوال اىل ال�سامع وهذا ما �أكده يف الوقت احلا�ضر علماء النف�س والتنمية الب�شرية والربجمة اللغوية الع�صبية(..)11 لذلك نرى �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم
ا�ستعمل هذا اخلطاب يف �أماكن عدة يف حياته ،وذلك للتاثري القوي الذي يحدثه خطاب الوجدان ،فمثال يف حادثة اخل�سوف والك�سوف نرى �أن النبي خاطب النا�س بخطاب وجداين و�سن لهذه احلادثة �صالة خم�صو�صة ودعاءا وا�ستغفارا،مع �أنه يعلم بعلم من اهلل �أنه ظل كوكبا على �آخر!!. ولو خوطب ال�صحابة مبثل تلك اخلطابات العلمية اجلافة لفقدت املعنى املن�شود واملراد الأكيد وهو الو�صول بهم �إىل احلالة ال�شعورية الوجدانية والتي ما زادتهم �إال اميانا وت�سليما ...وهذا من �أبواب الو�سطية التي �إمنت اهلل بها على الأمة بكونهم وو�صفهم �أمة و�سطا ..
( )1ال�صحابي :هو من لقي النبي �صلى اهلل عليه و�سلم م�ؤمنا بهم م�سلما ومات على اال�سالم .ينظر :تدريب الراوي لالمام النووي ،دار القلم ،بريوت، لبنان .43/1 : ( )2التابعي هو من لقي �صحابيا م�سلما ومات على اال�سالم م�ؤمنا باهلل ور�سوله ،وقيل هو من �صحب ال�صحابي .تي�سري م�صطلح احلديث ،الدكتور حممود الطحان،مكتبة املعارف ،الريا�ض.202 ( )3ينظر :القول اجللي الرا�سخ لل�شيخ قا�سم نعيم الطائي .43 : (� )4إ�سناد الإعالم �إىل خري الأنام ،ال�شيخ عبد الكرمي بيارة املدر�س ،دار املعارف. 98 ، ( )5حا�شية الع�صام على موالنا اجلامي ،دار �سعادت ، طبعة عثمانية قدمية .11 ، ( )6العلوم العقلية والنقلية امنا مبد�ؤها من ر�سول اهلل والكل راجع لعلمه ،ينظر � :شرح الربدة ،للخربوتي دار العلم ،بريوت ،ط .55 :2 ( )7ينظر :احياء علوم الدين ،لالمام ابي حامد الغزايل ،دار املعرفة ،بريوت . 125/4 : ( )8ينظر :حا�شية ابن عابدين 31/1 ( )9الوجدانيات :ق�ضايا يحكم بها العقل بوا�سطة احلوا�س الباطنة ،او امور جندها اما بنفو�سنا او بالآتنا الباطنة ،كعلمنا بوجود ذواتنا وخوفنا وغ�ضبنا ولذتنا واملنا وجوعنا و�شبعنا .ينظر � :شرح املقا�صد ، للتفتازاين . 25/1:كتاب املواقف ،لاليجي . 29/1 : ( )10ينظر :فقه ال�سرية ،للدكتور حممد رم�ضان البوطي ،دار الفكر ،لبنان ،بريوت .66 : 1993 ( )11حما�ضرات يف الربجمة اللغوية الع�صبية للأ�ستاذ الدكتور �إبراهيم �ألفقي ،املركز الكندي للتنمية الب�شرية .55 ،
25
مقاال
ت ال وسطية
26 بقلم الأ�ستاذة :ر�ضية �سليمان
الشباب المسلم في براثن التطرف ال�شباب قوة بني �ضعفني � :ضعف الطفولة ،و�ضعف ال�شيخوخة ..فكم من �أمة حققت جمدها و نه�ضتها با�ستثمار طاقات �شبابها ،وكم من �أمة تقهقرت ب�إهمالها لتلك الطاقة الب�شرية ،والتي تفوق كل الرثوات واملقدرات الطبيعية�.إن وقوع كثري من �شباب �أمتنا يف براثن التطرف و الإرهاب �أمر خطري يجب �أن ت�ستنه�ض له كل الهمم و العزائم على م�ستوى الدولة ،وامل�ؤ�س�سات و الأفراد. �صحيح �إن ظاهرة التطرف �أ�صبحت منت�شرة يف كل �أ�صقاع املعمورة؛ وهي لي�ست مرتبطة بدين� ،أو عرق حمدد �أو جماعة دون �أخرى .والتطرف لغة م�شتق من "الطرف" �أي منهى ال�شيء ،و تعني جاوز االعتدال ومل يتو�سط . والتطرف م�صطلح ي�ضاد م�صطلح الو�سطية ،ويتجلى يف االنغالق والتع�صب للر�أي ورف�ض الآخر ،وازدرائه. واملتطرف غالبا ما تكون لديه نظرة �سلبية �سوداوية للمجتمع و الأفراد ،وقد ينتقل التطرف من طور الفكر و احلالة النظرية �إىل طور املمار�سة والفعل لي�أخذ �أ�شكال القتل و التفجري و التدمري وكل و�سائل العنف .) 1(. و التطرف قدمي يف تاريخ الب�شرية فقد كان التطرف
وا�ضحاً يف تقدي�س اليونان لآلهتهم ،وعند الن�صارى واليهود كذلك؛ فالن�صارى قالت امل�سيح ابن اهلل ،ف�شابهوا اليهود يف قولهم عزير ابن اهلل؛ فقد جاء يف �سورة البقرة – االية 113 (وقالت اليهود لي�ست الن�صارى على �شيئ وقالت الن�صارى لي�ست اليهود على �شيئ ) بل وو�صل بهم الأمر �إىل ا�ستباحة دماء و �أعرا�ض بع�ضهم البع�ض ،فاليهود تقر مبد�أ القتال لأنه مرتبط بوجودهم؛ ومن �صور �إرهابهم قتلهم الر�سل والأنبياء ،و�إف�سادهم يف الأر�ض .ويف الإ�سالم ن�ش�أ التطرف على يد عبد اهلل بن �سب�أ حني دعا �إىل فكرة تقدي�س علي و�آل بيته ،وال نن�سى �أنه يهودي يف الأ�صل . ولذا فالعامل عرف التطرف منذ زمن بعيد ،و�إن حماوالت الغرب لإل�صاق تهمة التطرف والإرهاب بالإ�سالم تهمة لها �أهداف وم�سوغات ي�سعون لتحقيقها .ولكن ما يعنينا هو انحراف �شبابنا امل�سلم عن جادة ال�صواب �إىل التهلكة. �أ�سباب التطرف� :إن التطرف بكل �صوره و �أ�شكاله املختلفة مل ين�ش�أ جزافا بل له �أ�سبابه و دواعيه ،و�أ�شد ما يثري القلق هو تزايد تهاوي �شبابنا يف �أح�ضان التطرف �...إن الأ�سباب كثرية ومتعددة ومت�شابكة ،بل ال ميكن ف�صل عامل عن �آخر.
الأ�سباب االجتماعية � :إن جممل جمتمعاتنا العربية تعاين من انق�سام املجتمع فيها �إىل طبقتني :الطبقة الغنية و الطبقة الفقرية ؛حيث تتوافر للأوىل كل مقومات احلياة املرتفة وكل �ألوان العي�ش الرغيد بينما تعاين الأخرى من نق�ص وا�ضح يف مقومات احلياة الأ�سا�سية ،ونق�ص يف اخلدمات ،ورمبا يف �أ�سباب احلياة .وهذا واحد من الأ�سباب التي تولد احلقد و الغ�ضب يف فكر ونف�س ال�شباب ،هذا من ناحية ،ومن ناحية �أخرى املفارقات واالزدواجية يف املجتمع بني ما يقال على ال�سنة امل�س�ؤولني يف �شا�شات التلفاز �أو يف املدار�س ،وما يطرح من قيم عليا وبني الواقع املعي�ش ،وهذا ي�ؤ�س�س �أي�ضا الختالل يف الر�ؤى والأفكار ،وير�سم �صورة مهزوزة للمجتمع الذي يعي�ش فيه ال�شاب� .إ�ضافة �إىل ما بد�أت ت�شهده كثري من جمتمعاتنا العربية؛ �أال و هو التفكك الأ�سري ،وال نق�صد بالتفكك الأ�سري حاالت الطالق� ،أو موت �أحد الأبوين ،فهذا �أمر وا�ضح جلي بل ق�صدنا هو التباعد بني �أفراد الأ�سرة الواحدة ،التباعد يف الأذهان والعواطف وامل�شاعر ،وتخلي الآباء عن م�س�ؤولياتهم جتاه الأبناء ،فغالباً ما جند �أن الأم قد تركت العناية ب�صغارها للخدم ،وان�صرفت لق�ضاء جل وقتها مع ال�صديقات ويف الت�سوق ،و�أهملت العناية بالزوج لل�سكرترية �أو لغريها ،وما عادت الأ�سرة لتجتمع �إال يف املنا�سبات ال�سعيدة كالكري�سما�س� ،أو عيد ميالد �أحد الأبناء �أو الأ�صدقاء . �أما الفراغ الذي بات يقتل �شبابنا و�شاباتنا والذي يعد الرتبة اخل�صبة للتطرف والأفكار ال�ضالة ،ف�شبابنا يعاين التهمي�ش يف املجتمعات العربية ،و�أق�صى طموحات الدولة كانت �إحداث وزارة للريا�ضة .وقد قال النبي حممد �صلوات اهلل عليه" :نعمتان مغبون فيهما كثري من النا�س؛ ال�صحة و الفراغ " .فالفراغ مف�سدة للإن�سان ،و مهلك للعقل .والفراغ يعني ا�ستعداد ال�شباب لتلقي كل الأفكار املتطرفة و ال�سلوك املنحرف .
الأ�سباب الرتبوية� :أول ما يالحظه املتتبع يف املقررات الدرا�سية؛ فقر و�ضعف مقرر الرتبية الإ�سالمية، هذه املادة التي يجب �أن تنتقى مباحثها بعناية لت�ؤدي مهمتها يف بناء هوية التلميذ ،وتطلعه على التحديات التي يتعر�ض لها يف هذا الع�صر ،و �أن حتتوي على موا�ضيع الرحمة، والت�سامح ،والرفق، ومراعاة حقوق امل�سلمني وغري امل�سلمني ،و�ضبط الغ�ضب، وا�ستثمار الوقت وفرتة ال�شباب ،و�أهمية و قد�سية العمل يف الإ�سالم وغريها من املوا�ضيع التي تعنى بال�شخ�صية املتوازنة، لكن ومع الأ�سف جند املقررات الدرا�سية تغ�ص مبا ي�ستفز �أحا�سي�سهم وعواطفهم، وي�ستويل على عقولهم ،ويحولهم �إىل ببغاوات� .إ�ضافة �إىل ما �سبق هناك �أمر يف غاية الأهمية �أال وهو �أن املقررات املدر�سية ت�ؤ�س�س�س للتطرف و الغلو �سواء عن ق�صد �أو غري ق�صد؛ فهي تكر�س مبد�أ �إما معي �أو �ضدي� ،سواء يف مادة التاريخ �أو الرتبية الوطنية� ،أو حتى يف در�س القراءة �..ألي�س هذا تطرفا فكريا ,بلى �إنه التطرف الفكري بعينه الذي يجمد العقل و يكمم الأفواه و ي�سلب الإن�سان �أعز ما ميلك �أال و هو العقل ..و ن�سينا �أن الإ�سالم هو دين االعتدال و الو�سطية ,يرف�ض و ب�شدة التطرف فقد قال تعاىل(وقل احلق من ربكم فمن �شاء فلي�ؤمن ومن �شاء فليكفر ) �سورة الكهف – الآية 29 �إلأ�سباب ال�سيا�سية � :إن �أغلب الدول العربية قد �أو�صدت الأبواب يف وجه م�شاركة ال�شباب يف العمل ال�سيا�سي فهي اكتفت با�ستغالل طاقات ال�شباب حينما احتالت عليها وجعلتها تن�ضوي يف �أحزاب �صممت على قيا�س ال�شعوب املحنطة فتحول ال�شباب �إىل ببغاوات تردد ما يقال و ت�صفق حني يطلب �إليها .هذا اال يقود
للتطرف و الغلو ؟ �إ�ضافة �إىل ما يعانيه ال�شباب و يخربه من ا�ستغالل �أ�صحاب النفوذ للموارد و املقدرات يف البالد ومن مظاهر الت�سلط و التعدي يف عدد من الدول العربية هذا كله يولد �سخطا لدى ال�شباب يتحني الفر�صة للتعبري عنه . الأ�سباب الإعالمية :لقد �أ�صبحت و�سائل الإعالم يف جانب كبري منها �أبواق تتغنى باجنازات احلاكم – حمرر القد�س – وتكر�س مبد�أ العبودية للإله احلاكم ،و جانب �آخر من و�سائل �إعالمنا املبجل ق�سم همه بني �إثارة م�شكالت خمتلقة؛ كق�ضية حقوق املر�أة ،والطفل ،و�أفرد ق�سماً ال ي�ستهان به ملوا�ضيع ،و برامج، وم�سل�سالت حتاكي الغرائز و ت�ستفزها ...فلله دركم يا �شبابنا . الأ�سباب الفكرية :اجلهل بقواعد الإ�سالم و �آدابه و �سلوكياته ،فقد غاب املجددون يف عاملنا العربي ،وتركوا �ش�أن العامة والق�ضايا امل�صريية للرويب�ضة �أو تركوها يف �أح�سن احلاالت ل�شخ�صيات امتلأت ر�ؤو�سها بالأفكار الغربية .نتمنى �أن ال نكون قد �أعطينا �صورة قامتة عن حال �شبابنا؛ لكن حر�صنا وغريتنا على �شباب �أمتنا يجعلنا ن�صرخ وب�أعلى �صوت �أن ا�ستدركوا قبل فوات الأوان ،وال بد لكل واحد منا �سواء �أكنا �أفرادا �أم م�ؤ�س�سات �أن نقوم مبهامنا وب�صورة منظمة بعيدة عن العبثية والفو�ضى .
27
مقاال
ت ال وسطية
28 بقلم الدكتور :حممد املراكبي
الفقهاء والعلوم الحديثة يف الوقت الذي كانت ترزح فيه �أوروبا يف ع�صور الظالم واجلهل ،ويف احلني الذي كانت تتم فيه �إعدامات باجلملة يف حق من يقول �إن الأر�ض تدور حول ال�شم�س� ،أو �إن الأر�ض كروية� ،أو من يقر�أ يف كتب العلم والثقافة ،يف ذلك الوقت الذي كان االعتقاد ال�سائد خالله لدى الأوروبيني �أن الدين والعلم نقي�ضان ال يجتمعان ،و�أن املعرفة هي ال�سبب الأول للف�ساد والع�صيان� ،أال يكفي للداللة على ذلك �أن �آدم �إمنا خرج من اجلنة لأن �أطماعه للمعرفة والعلم قادته لأن ي�أكل من �شجرة املعرفة ،بدال من �أن يبحث عن الكمال الروحي والنف�سي ،كما يزعم امل�سيحيون� .إن العلم واملعرفة عندهم هو انعكا�س للعامل الدنيوي عامل ال�شرور والآثام ،وهو عامل ناق�ص م�ضطرب ال قواعد له وال �سنن، فكيف يرجى منه خري �أو يطمع فيه بنفع؟ "�إن اللوح املحفوظ مكتوب فيه �إين ل�ست يف حاجة �إىل حكمة احلكماء وال �إىل فهم العقالء ،ويختار الرب احلماقات الدنيوية لكي تعطي �أولئك احلكماء املزيد من حماقاتهم" بول�س
يف ذلك الوقت مل يكن علماء الإ�سالم يحثون على التدبر يف ملكوت ال�سماوات والأر�ض ،وال على التزود من علوم الدنيا من ريا�ضيات وعلوم طبيعة وفلك الخ. ال ،بل �إن علماء امل�سلمني �أنف�سهم ،و�أعني هنا الفقهاء وعلماء الدين� ،أخذوا بطرف جليل من تلك العلوم و�صارت لهم م�ؤلفات و�صناعات عظيمة يف هذا الباب. من املعلوم �أن كثريا من الفلكيني والأطباء وعلماء الطبيعة وغريهم كانت لهم م�ساهمات يف الفقه وعلوم ال�شريعة، وهذا قد يبدو طبيعيا يف ظل �أن جل النا�س كانوا يتعلمون علوم ال�شرع يف ذلك الوقت منذ نعومة �أظافرهم ،لكن �أن يكون لعلماء ال�شريعة �أنف�سهم الذي كر�سوا حياتهم لطلب العلم ال�شرعي ،وتولوا الق�ضاء ،و�أخذوا يف الفتيا� ،أن تكون لهم �إ�سهامات عظيمة يف هذا الباب فهذا ما مل نعهده يف �أمة من قبل. والأمثلة على هذا �أكرث من �أن حت�صى، و�سنذكر هنا ترجمة لأحد امل�شايخ يف ع�صر يذكرون عنه �أنه ع�صر اجلمود الديني والتخلف العقلي ،و�أن علماء ال�شريعة يف هذا الوقت قد ح ّرموا درا�سة كتب الريا�ضيات والطبيعة ،و�أنه قد �أ�صابهم مثل ما كان قد �أ�صاب الأوروبيني يف ع�صورهم املظلمة ،وال �أدري من �أين جاءت هذه النظرة فما زلنا ن�سمع عن كبار العلماء يف تلك الع�صور مثل ال�شيخ اجلربتي الكبري وال�شيخ العطار وال�شيخ الدمنهوري وغريهم من علماء الأزهر ف�ضال عن علماء الأقطار الأخرى ممن برعوا وجادوا يف امل�سائل العلمية ،حتى �إن اجلربتي امل�ؤرخ يحكي �أن الفرن�سيني كانوا يفدون على والده قبل االحتالل الفرن�سي يدر�سون عليه علوم الريا�ضة وامليكانيكا. لكن مثالنا يف هذا املقال هو ال�شيخ �أبو الفتح الكلنبوي .قال الزركلي :هو �إ�سماعيل بن م�صطفى بن حممود� ،أبو الفتح الكلنبوي الرومي ،ويعرف ب�شيخ زاده :قا�ض حنفي عثماين .ن�سبته �إىل بلدة (كلنبة) من والية (�آيدين) ووفاته
يف ت�سالية (من يني �شهر) وكان قا�ضيا فيها. وقد ترجم ال�شيخ الكوثري يف مقاالته ترجمة وافية .فذكر �أن الكلنبوي تخرج على يد �شيخ الإ�سالم مفتي زاده الكبري والذي يقول عنه �صاحب جملة الأحكام �إنه مل يط�أ �أر�ض ا�ستنبول مثله ،يقول الكوثري و�إذا كان تخرجه على مثل هذا العامل الكبري فال غرو �إذا هو �أبدع يف مثل تلك امل�ؤلفات ،فقد ترك حا�شيته الكبرية على �شرح الع�ضدية للدواين يف �أ�صول الدين .وكان كتابه هذا يف عداد كتب الدرا�سة يعتني بدر�سه غاية االعتناء و فيه من التحقيقات ما ال تغنى عنه كتب املتقدمني ،و له �أي�ضا حا�شية على كتاب �أبي الفتح يف تهذيب املنطق ،وحا�شية على عبد احلكيم ال�سيلكوتي على �شرح ال�سعد للعقائد الن�سفية ،كما �أن له حا�شية على �أبي الفتح يف الآداب ،وتعليقا على الفوائد ال�ضيائية للجامي� ،شرحا على الأثرية يف املنطق .وكان جناح الكلبنوي يف االمتحان لاللتحاق بزمرة العلماء املدر�سني �سنة 1177ه .و مل يزل يدر�س و ي�ؤلف و يالزم �شيخه حلل ما ي�ست�شكله �إىل �أن ويل ق�ضاء يكي�شهر فنار – يف ت�ساليا – �سنة 1204و مات �سنة 1205و مكتوب على �شاهد قربه هناك ما ترجمته" :الفاحتة لروح �أف�ضل املت�أخرين و عمدة امل�صنفني �إ�سماعيل الكلنبوي قا�ضي يكي�شهر �سابقاً. وبعد �أن ذكر ال�شيخ الكوثري طرفا من علومه ال�شرعية �أخذ ي�سرد �شيئا مما يربهن على مقدار براعته يف العلوم الريا�ضية فيقول �:إنه ح�ضر مهند�س فرن�سي �إىل العا�صمة و قابل رئي�س الكتاب يقابل وزير اخلارجية الآن -مت�سائ ًال عما �إذا كان يف عا�صمة العثمانيني من يجيد العلوم الريا�ضية و يفهم هذا م�شرياً �إىل جدول قدمه يف اللوغاريتما (ول�ست �أدري ما كان مراد �أم �أن الغر�ض من الزيارة كان علميا بح ًتا؟ لكن �إن كان علميا فلم يفد �إىل الق�سطنطينية وهي يف ذلك اليوم يف �أ�سوء �أحوالها؟ �أم �أن الفرن�سي�س �أرادوا �أن يذلوا اخلليفة حني ال يجد يف
عا�صمة ال�سلطنة من ال يح�سن حل تلك امل�سائل ،خا�صة �أن امل�سلمني كانت لهم اليد الطوىل يف ن�ش�أة علم اللوغريتمات وتطوره! وغالب ظني �أنه الثاين ،و�إن مل يعلق ال�شيخ الكوثري على هذه النقطة) فما كان من رئي�س الكتاب �إال �أن �أحال ذلك املهند�س �إىل ال�شيخ الكلنبوي و بعثه �إىل بيته ،و ملا ر�أى املهند�س ال�شيخ و مالب�سه و حالة بيته اعتقد �أنه لن يلقى ما ين�شده ،و مع ذلك ترك اجلدول عند ال�شيخ و طلب منه �أن يجاوبه ليوم عينه ،و ملا ذهب �إليه يف امليعاد املحدد وجد ال�شيخ �ألف ر�سالة ممتعة يف اللغاريتمة يف مقالتني بغاية من الإجادة و التو�سع ،فتحري املهند�س غاية التحري لكون �إيجاد جداول اللغاريتمة يف �أوروبا قريب العهد �إذ ذاك ،و قال لوزير اخلارجية :لو كان هذا العامل يف بالدنا لكانت قيمته بقدر وزنه ذه ًبا ،ثم طلب من الوزير �أن ي�سمح له يف �أخذ �صورة الأ�ستاذ الكلنبوي وكان ذلك عام .1202 ثم يذكر ال�شيخ الكوثري مثاال �آخر يربهن فيه على ما و�صل �إليه ال�شيخ الكلنبوي رحمه اهلل فيقول �إنه يف عهد ال�سلطان �سليم الثالث جرى ا�ستعرا�ض للجي�ش يف كاغدخانة يف الآ�ستانة بح�ضور ال�سلطان نف�سه ،و �أجري هناك مترينات حربية ثم �أطلقت مدافع �إىل هدف معني لكن القنابل املرمية طا�شت عن املرمى و مل ت�صب الهدف فغ�ضب من ذلك و مل تكن كيفية �إطالق املدافع �إذ ذاك و�صلت �إىل ما و�صلت �إليه اليوم من التمام و الكمال فذكر عند ال�سلطان �أحد الأمناء مبلغ براعة الكلنبوي يف احل�سابات الدقيقة والأمور امليكانيكية ،ف�أُح�ضر و �أمره ال�سلطان �أن يعدل و�ضع املدافع ،فقام الكلنبوي بح�ساب قوة املدفع وثقل القنبلة و ُبعد الهدف ،و�أمت تعديل و�ضع املدفع على وفق ذلك ،ثم �أمر ب�إطالقه �إىل الهدف ف�أ�صابت الطلقات كلها على التعاقب ،و�سط ت�صفيق احل�ضور وده�شتهم" .فانظر رحمك اهلل كيف كان قول ق�ساو�ستهم يف العلم ،وكيف كان عمل م�شايخنا فيه تدرك �أين كنا و�أين كانوا.
29
مقاال
ت ال وسطية
30
يقول خبراء اإلدارة " ال يوجد فريق عمل فاشل ،ولكن يوجد قائد فاشل"
الـقـيــادة اإلداريـة فـي ضـوء الكـتـاب والسـنـة
الدكتور علي حجاحجه
يقول خرباء الإدارة " ال يوجد فريق عمل فا�شل ،ولكن يوجد قائد فا�شل" ، يف �إ�شارة منهم �إىل �أهمية دور القائد يف ا�ستنها�ض الهمم ،ورفع الروح املعنوية لأع�ضاء الفريق وحتفيزهم ،ومعاجلة نقاط �ضعفهم ،وا�ستغالل طاقاتهم الكامنة ،وت�سليحهم بالعلم واملعرفة واملهارات املختلفة ،وقادر على الت�أثري على �أتباعه لبلوغ الهدف املن�شود ،وهذه ال ميكن �أن تت�أتى �إال من خالل قيادة ف ّذة. من هنا جاء االهتمام البالغ يف اختيار وت�سمية القادة ومتابعة �أدائهم خالل توليهم ملهامهم ،فالقائد – �ش�أنه �ش�أن غريه من الب�شر -مع ّر�ض للن�سيان وال�ضعف �أمام مغريات احلياة. ولأن مدر�سة الإ�سالم الإدارية �أحاطت بكنه هذا كله وغريه ،فقد ن�ش�أ يف كنفها
�أمناط من القادة على خمتلف الأ�صعدة ويف خمتلف امليادين ،كانت م�ضرباً للمثل يف ال�شجاعة والإقدام والإيثار والت�ضحية والإبداع وبعد النظر والدقة يف ر�سم اخلطط وال�سيا�سات ،على العك�س مما �أُتبع يف الكثري من املدار�س الإدارية التي كانت وما زالت تتخبط وتتنقل بني النظريات ،فتنه�ض برهة لكنها �سرعان ما تتعرث وت�سقط ،فاملدر�سة الإ�سالمية و�ضعت تفاهمات على �أ�س�س اختيار القائد " الإداري" ال ميكن التنازل عنها بحال، كالعدل ،واجلر�أة ،واحلكمة ،وبعد النظر وغريه ،فقد جاء يف كتاب اهلل تعاىل: " َيا دَا ُو ُد �إِ َّنا َج َع ْل َن َ اك َخلِي َف ًة فيِ الأَ ْر ِ�ض ا�س ِبالحْ َ ِّق َوال َت َّت ِب ِع ا ْل َه َوى اح ُك ْم َبينْ َ ال َّن ِ َف ْ للهَّ َف ُي ِ�ض َّل َك َعنْ َ�س ِبيلِ ا ِ..الآية " (�ص،)26: ويف قوله تعاىل� " :إِ َّن اللهَّ َ َي�أْ ُم ُر ُك ْم �أَ ْن الَمَا َناتِ �إِلىَ �أَهْ ِلهَا َو ِ�إ َذا َح َك ْم ُت ْم ُت�ؤَدُّوا ْ أ
َبينْ َ ال َّن ِ ا�س �أَ ْن تحَ ْ ُك ُموا بِا ْل َعدْلِ ..الآية " -5العلم واملعرفة:
(الن�ساء .)58 :فهذا تكليف من اهلل تعاىل للقادة ب�ضرورة احلكم العادل امل�ستند على القوانني والأنظمة وعلى ر�أ�سها كتاب اهلل و�سنة نبيه. ومن �أهم ال�صفات التي يجب �أن يتحلى بها القائد : -1الإخال�ص هلل:
�إن من �أوىل �أولويات النجاح� ،أن يكون العمل خال�صاً هلل ،ال ت�شوبه �شائبة الرياء �أو �شبهة �أو �شهوة ،لأن العمل �سيحبط يف الدنيا قبل الآخرة ،وهذا ما جاء الت�أكيد عليه يف القر�آن وال�سنة غري مرة، فقد قال �سبحانه" :هُ َو ا َّلذِ ي َب َع َث فيِ ني َر ُ�س اً الُ ِّم ِّي َ ول ِّم ْن ُه ْم َي ْت ُلو َعلَ ْي ِه ْم �آ َيا ِت ِه ْأ اب َوالحْ ِ ْك َمة.. َو ُي َز ِّكي ِه ْم َو ُي َع ِّل ُم ُه ُم ا ْل ِك َت َ الآي َة "(اجلمعة .)2:وقال �أي�ضاَ " :ي ْو َم اَل َين َف ُع م ٌ َال َو اَل َب ُنو َن * �إِ اَّل َمنْ �أَ َتى اللهَّ َ ِب َق ْلبٍ ِيم" (ال�شعراء.)89-88: َ�سل ٍ -2الإميان والقناعة باملهمة :
لأن الإميان بالهدف �أو الق�ضية �أو املهمة يعطي دافعاً للقائد و�أتباعه للعمل بحما�س وقوة حتى و�إن واجهتهم العقبات، ولعل هذا يتج�سد يف قولة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم " :واهلل يا ع ّم لو و�ضعوا ال�شم�س يف مييني والقمر يف ي�ساري على �أن �أترك هذا الدين ماتركته "....وهو ما ج�سده �أبو بكر �أي�ضاً ،يوم حدّثوه عن �إ�سراء ر�سول اهلل ومعراجه فقال�" :إن كان قالها فقد �صدق"..
-9املرونة وتقبل النقد:
"�أَ َف َمنْ يمَ ْ�شِ ي ُم ِك ًّبا َعلَى َو ْج ِه ِه �أَهْ دَى وجت ّلت هذه ال�صفة ب�أبي بكر يوم تو ّ ىل �أَ َّمنْ يمَ ْ�شِ ي َ�س ِو ًّيا َعلَى ِ�ص َر ٍ اط م ُْ�س َتق ٍ ِيم" اخلالفة� ،إذا وقف خطيباً ،فكان مما قال: (امللك.)22: "�أيها النا�س� ،إين قد ُو ِّليت عليكم ول�ست التوا�ضع والقرب من النا�س: بخريكم ،ف�إن �أح�سنت ف�أعينوين ،و�إن ويج�سد ذلك اخلطاب ّ الرباين لر�سول اهلل �أ�س�أت فق ِّوموين"....، �صلى اهلل عليه و�سلمَ " :ف ِب َما َر ْح َم ٍة مِ َن الل ِلنْتَ َل ُه ْم َو َل ْو ُكنْتَ َف ّظاً َغل َ ِيظ ا ْل َق ْلبِ ومما يجدر ذكره� ،أن من النقاط الرئي�سة هَّ ِ اَل ْن َف ُّ�ضوا مِ نْ َح ْول َِك " (�آل عمران .)159يف جناح القائد ،ح�سن اختيار احلا�شية، -6احلزم وعدم الرتدد: والتي �أثبتت التجارب على مر الأزمنة لأن الرتدد ي�ضعف القائد ويربك دورها يف جناح �أو ف�شل القائد ،فجاء الفريق ،قال تعاىلَ " :ف�إِ َذا َع َز ْمتَ َف َت َو َّك ْل على ل�سان مو�سى عليه ال�سالمَ " :و ْاج َعل الل " (�آل عمران.)159: َعلَى هَّ ِ ِيّل َوزِي ًرا ِّمنْ �أَهْ لِي* هَا ُرو َن �أَخِ ي* ْا�ش ُد ْد -7التحقق وعدم �إطالق الأحكام امل�سبقةِ :ب ِه �أَ ْزرِي* َو َ�أ ْ�ش ِر ْك ُه فيِ َ �أ ْمرِي* َك ْي ُن َ�س ِّب َح َك �إذ يقول احلق �سبحانهَ " :يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ريا" (طه.)34-29 : ريا* َو َن ْذ ُك َر َك َك ِث ً ين َك ِث ً �آَ َم ُنوا �إِ ْن َجا َء ُك ْم َفا�سِ ٌق ِب َن َب ٍ�أ َف َت َب َّي ُنوا �أَ ْن ُت ِ�صي ُبوا َق ْو ًما ب َِجهَا َل ٍة َف ُت ْ�ص ِب ُحوا َعلَى مَا هذا غي�ض من في�ض املدر�سة الإدارية يف الإ�سالم م�ستقاة من وحي الكتاب وال�سنة، َف َع ْل ُت ْم َنادِمِ َ ني " (احلجرات.)6 : ويف �صناعة القائد على وجه التحديد -8ال�صرب واملحاولة: ْ الذي نحن �أحوج ما نكون اليه يف هذه " َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ا�صبرِ ُ واْ َو َ�صا ِب ُروا ين �آ َم ُنواْ ْ الأيام. َو َراب ُِطواْ َوا َّت ُقواْ اللهّ َ َل َع ّلَ ُك ْم ُت ْفل ُِحو َن" (�آل عمران.)200:
-3القوة وال�صدق والأمانة:
جت�سد يف الآية الكرميةَ " :يا وهو ما ّ ْ ْ َ َ َ َ �أَبَتِ ْا�س َت�أْجِ ْر ُه �إِ ّن خيرْ َ م َِن ْا�ست�أ َج ْر َت القو ُِّي الَمِ ُ ني" (الق�ص�ص.)26 : ْأ -4امل�شاركة يف اتخاذ القرار:
قال تعاىل خماطبا �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلمَ " :و َ�شا ِو ْرهُ ْم يف الأمر" (�آل عمران .)159 :وخطاب مماثل يف كتاب اهلل ،لك ّنه موجه هنا لعامة امل�سلمني " َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم " (ال�شورى.)38:
31
مقاال
ت ال وسطية
32
منـهـجـيـة التـعـامــل مـع ظـاهـرة الرسـوم المسيئة
الدكتور حممد الكبي�سي
�أ�صبح من �شبه املعتاد �أن تطالعنا بع�ض ال�صحف الغربية ب�إ�ساءات منكرة ومتكررة تتجاوز فيها حدود اللياقة و�أخالقيات املهنة ،وتهبط فيها �إىل م�ستوى من البذاءة ي�شبه �إىل حد ما ت�صرفات �أبناء ال�شوارع الذين ال يجدون ما يعربون به عن �أنف�سهم وطبيعة تربيتهم �إال �أنكر الأ�صوات و�أقبح الكلمات ،ف�إذا كربوا وتلقوا �شيئا من التعليم �شعروا باحلرج لأنهم مل يكونوا يف املوقع املنا�سب لل�سلوك الآدمي ،وهناك نظريات ودرا�سات كثرية حول الطريقة الأن�سب للتعامل مع هذه الظاهرة وكيفية ت�أهيلهم ليندجموا من
جديد يف املجتمعات الب�شرية .هنالك م�شكلة �أخرى وثيقة بهذه الظاهرة وهي �أدعى لالهتمام والرد ،وهي �أن بع�ض النا�س يفكرون با�ستخدام ه�ؤالء ال�سفهاء واملراهقني ال�ستفزاز خ�صومهم، وليقوموا مبا يخجلون هم عن القيام به ،كما فعل �أهل الطائف عندما �سلطوا �سفهائهم و�صبيانهم لإيذاء الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بال�سباب وال�شتائم مما يتنافى مع القيم العربية يف التعامل مع الوافد الغريب وال�ضيف الدخيل املحتاج للم�أوى والقرى ،وقد تنبه لهذا العرب فقال �شاعرهم�( :إن ال�سفيه �إذا مل ينه م�أمور).
المْ َ ْ�س ُجو ِن َ ني) �أجابه مو�سى�( :أَ َو َل ْو جِ ْئ ُت َك ب َِ�ش ْي ٍء ُم ِبنيٍ؟) �إنها احلجة والبينة حتى يف مواجهة التهديد ،لأن �أ�صل دعوة الأنبياء ما كانت ملقا�ضاة النا�س و�إقامة احلكم عليهم ،بل لإر�شادهم و�إنقاذهم وحتقيق الرحمة ال�شاملة لهم.
رمبا كان من الأف�ضل جتاهل هذه ال�صحيفة التي ال يح�ضرين ا�سمها والتي اعتادت مثل هذا ال�سلوك ال�صبياين على قاعدة القر�آن يف التعامل مع هذا اللغو ( َو�إِ َذا َم ُّروا بِال َّل ْغ ِو َم ُّروا ِك َراماً) ( َو�إِ َذا َخ َ اط َب ُه ُم الجْ َ اهِ ُلو َن َقا ُلوا َ�سلاَ ماً)� ،إال �أن كثريا من امل�سلمني تولد عندهم �شعور تراكمي �أن هناك جهات معينة يف الغرب تريد الإ�ساءة لهم ولكنها تخجل من الهبوط بنف�سها �إىل هذا الدرك الو�ضيع ف�أوحت �إىل ه�ؤالء ال�سفهاء وجر�أتهم ليلعبوا هذا الدور، و�إذا كان هذا االحتمال �صحيحا فال بد من التعامل معه بطريقة �أخرى تتجاوز دائرة الفعل امل�سيء �إىل الدائرة الأكرب بغاياتها و�أهدافها.
لي�س هناك ما ميكن �أن ينقذ ه�ؤالء �أكرث من ردات الفعل املت�سرعة واملرتبكة والتي قد تقنع �شعوب الغرب ب�أن الدين القادم �إليهم من ال�شرق ال يحمل معه �سوى (الدم) وعودة ال�صراعات الدينية والطائفية ولكن ب�أ�سماء وم�سميات جديدة ،وهذا لوحده كاف لبناء احلواجز النف�سية بني هذه ال�شعوب وبني الإ�سالم الذي بد�أ ومنذ عقود بالتغلغل يف عقولهم وقلوبهم ،وهذه ال�شعوب يف الغالب لن تكون يف و�ضع ي�ؤهلها ملقا�ضاة احلالة ب�أ�سبابها ونتائجها، فر�ؤية الدم ل�صحافيني من �أبنائهم مهما كانت �إ�ساءتهم لن ترتك عندهم �سوى االنطباع ال�سلبي عن ه�ؤالء القتلة والعقيدة التي يحملون.
�إن واحدة من الأزمات التي يعاين منها الفكر الغربي املعا�صر هي �إفال�سه يف عامل القيم الروحية وجنوحه نحو املادة اجلامدة وثقافة (الآلة ال�صماء) التي ال ميكنها �أن تلبي تلك احلاجات الفطرية املغرو�سة يف �ضمري الإن�سان ووجدانه الداخلي ،ولذلك ن�سمع عن �آالف الغربيني الذين يقدمون على الإ�سالم لإرواء هذا العط�ش الروحي، وقد تركوا وراءهم كنائ�س مهجورة وطال�سم وتراتيل �أم�ست جزءا من تراث �شعبي مت�آكل ،ولي�س �أدل على هذا من حتول ع�شرات الكنائ�س يف الغرب �إىل م�ساجد! وبع�ضها حتول �إىل م�ؤ�س�سات مدنية ال �صلة لها بالدين ،من هنا ت�أتي �أهمية �صناعة (العدو الديني) لإذكاء روح االنتماء امل�ضاد ،هذه الطريقة يف التفكري تبدو منطقية وطبيعية بيد �أن الغرب الذي ثار على (الت�سلط الكن�سي) و�أنتج (الدميقراطية) و (دولة املواطنة) ال يريد �أن يرجع �إىل الوراء ،فالرجوع يعني العودة �إىل ع�صور الظالم واحلروب الدينية الداخلية بني الطوائف امل�سيحية نف�سها ،هذا هو امل�أزق احلاد الذي �أ�صاب الغرب بالدوار وفقدان التوازن.
قبل �سنوات ويف جولة طويلة يف ال�شمال الأوروبي ر�أيت �شعوبا بال دين وال انتماء ،ورمبا ي�صل الإحلاد يف بلد مثل ال�سويد �إىل ما يزيد على ،70% وهو لي�س �إحلادا مارك�سيا عقديا ،بل هو حالة من الفراغ واحلرية ،وه�ؤالء يف الغالب يكونون �أر�ضا خ�صبة للدعوة الناجحة ،اليوم وبعد �أحداث املو�صل ما الذي ي�ضر امل�سلمني لو دعوا عرب بالذات وت�شريد امل�سيحيني �صرنا ن�سمع م�ؤ�س�ساتهم الر�سمية �أو ال�شعبية �إىل عن حرق م�ساجد واعتداءات متكررة م�ؤمتر م�شرتك مع مثقفي الغرب لإدارة على امل�سلمني. حوار علمي وقانوين مو�سع حول هذه ما الذي نريده؟ وما واجب الوقت؟ الإ�ساءات؟
لقد جنح الفرن�سيون يف حتقيق بع�ض �أهدافهم الداخلية ،واكت�سبوا تعاطفا دوليا وا�سعا حتى من بع�ض القادة امل�سلمني ،وكل هذا ب�سبب غياب التفكري املنهجي والروح الت�شاورية الهادفة لدى امل�سلمني ،لقد كان ب�إمكان امل�سلمني �إن مل يروا جتاهل هذه الإ�ساءة �أن ي�ستخدموها كدليل م�ضاف لإقناع الغربيني بخوائهم الروحي وتر�سيخ �شعورهم باحلاجة �إىل القيم الإميانية والروحية ،ويف الوقت ذاته يعمل امل�سلمون على تعزيز وحدتهم ال�شعورية ووالئهم لنبيهم وحبهم ال�شديد له وتعزيز الثقة ب�أنهم الأعلون بهذه الر�سالة املحمدية ،الر�سالة التي حتمل اخلري والرحمة للعاملني كل العاملني.
و�أين تتجه بو�صلتنا؟ هل نحن متجهون ملاذا التفكري املتناق�ض دائما �إما بالدم، لإعالن احلرب ال�شاملة و (اجلهاد و�إما بالهرولة لت�سجيل املواقف وطلب العاملي) على الغرب وعلى كل من ي�سيء �شهادات ح�سن ال�سرية وال�سلوك؟ �إلينا يف هذا العامل؟ لننظر �إىل الرتبية القر�آنية وهذا النموذج الفريد يف حماورة عبارة واحدة ينبغي �أن ت�صل �إىل مو�سى لفرعون وقومهَ ( :قا َل َر ُّب ُك ْم َو َر ُّب كل ال�شعوب الغربية ،هذه الإ�ساءات ني* َقا َل �إِ َّن َر ُ�سو َل ُك ُم ا َّلذِ ي املتكررة والو�ضيعة تعرب عن �أزمة داخلية ال َّو ِل َ �آ َبا ِئ ُك ُم َْ أ ون* َقا َل َر ُّب المْ َ ْ�شرِقِ لدى بع�ض �أبنائكم ،كما �أن ردود الفعل �أُ ْر�سِ َل ِ�إ َل ْي ُك ْم لمَ َ ْج ُن ٌ َوالمْ َ ْغرِبِ َومَا َب ْي َن ُه َما �إِ ْن ُك ْن ُت ْم َت ْع ِق ُلو َن) املجنونة تعرب عن �أزمة داخلية لدى هكذا يتجاهل مو�سى �شتيمة فرعون بع�ض �أبنائنا ،تعالوا �إىل كلمة �سواء ويتجه �إىل هدفه املبا�شر ،وحني بد�أ لنتعاون يف حل هذه الإ�شكاالت وجتاوز فرعون ينتقل من ال�شتيمة �إىل التهديد هذه العقبات جملة واحدة ومبنهجية ( َلئ ِِن ا َّت َخ ْذ َت �إِ َلهاً َغيرْ ِي َ ألَ ْج َعلَ َّن َك مِ َن واحدة
33
34
مقاال
ت ال وسطية
ون) اع ُبدُ ِ (�إِ َّن هَ ِذ ِه �أُ َّم ُت ُك ْم �أُ َّم ًة َو ِ احدَ ًة َو�أَ َنا َر ُّب ُك ْم َف ْ بقلم الأ�ستاذ �ِ :صدِّ يق محُ َ ّمد �إ ْب َراهيم َ ال�ض ْو
اإلسالمي أضواء على ٌ ِ العالم ِ (األقليـــات)
ِم َيامنـار
1,925,510مــــــن 48,137,741 تقع مِ يامنار �أو (بورما) �سابقاً يف جنوب �شرق �آ�سيا ،حتدها مِ نْ ال�شمال ال�شرقي جمهور ّية ال�صني ال�شعب ّية ، ّ الغربي ال ِه ْند وبنغالدي�ش ومِ نْ ال�شمال ّ ،و ُيحازيها من اجلنوب خليج البنغال واملحيط الهندي ،ومِ نْ اجلنوب ال�شرقي �شِ به جزيرة املياليو . وهي عبارة عن ثالثة قطاعات رئي�س ّية : � -1سل�سلة اجلِ بال ال�شرق ّية . الغربي -3 .احلزام -2احلزام اجلبلي ّ الأو�سط.
واحلزام الأو�سط عبارة عن �سل�سلة من اجلبال ت�ضم �أطول قمة جبل ّية يف ميامنار ؛ وهي قمة جبل هكاكابو حيث يبلغ طوله 5881مرتاً فوق �سطح البحر ،وهنالك تق�سيمات فرعية تتم ّثل يف املدن الكربى مثل :ميينغ يان ،مييتكايينا ،ميكتيال ،هنزادا ، موملني ،مرجي ،رانغونا ،ب�سان ،بوتاو بالإ�ضافة �إىل عا�صمة البالد وهي نايبيدا ،وهنالك القرى التي يقطنها �أغلب ال�سكان ن�سبة الحرتاف غالبيتهم مهنة الزراعة حيث الأرز
الذي يُعدُّ الغذاء الرئي�س لل�سكان ، ويف ُقراهم يتخذون من املواد املحلية املتوافرة لديهم بيوتاً لل�سكن عاد ًة ما تكون موافقة لطبيعة املنطقة التي تغمرها الفي�ضانات؛ فتكون مرتفعة قلي ً ال عن �سطح الأر�ض لتفادي احليونات املفرت�سة والهوام والرطوبة ،والقليل من ال�سكان يقطنون املدن حيث يحرتفون ال�صناعة والتجارة وبع�ضهم يعمل يف القطاعات احلكومية املختلفة .
اال�ستقـــالل : عا�شت ميامنار كغريها من ُ�شعوب العامل فرتة من تاريخها يف قيود الإ�ستعمار الربيطا ّ ين ،وقد ك ّونت جمموعة الرِفاق الثالثون عام 1940م جي�شاً نا�ض َل من �أجل اال�ستقالل �إىل � ْأن نالت ميامنار ا�ستقاللها عام 1945م فغيرّ ت احلكومة امليامنار ّية كل الرتجمات الإجنليزية ملُدن ومناطق البالد فتغيرّ تبعاً لذلك ا�سم الدولة من بورما �إىل ميامنار ونتيجة للتخفيف �أو الت�سهيل ُتنطق ميامنار ( ميامنا) كما هو احلال يف اللغة العرب ّية تحُ ذف الهمزة تخفيفاً �أحيانا حتي يف القراءات القر�آنية جند (م�ؤ�صدة) و(مو�صدة) حتقيقاً وت�سهي ً ال . التنــوع العرقــي واللغــوي والدينــي : العرقي تتميز ميامنار بالتنوع ّ
والديني واللغويّ ،فمن الناحية ّ العرق ّية هنالك البورميني الذين ي�شكلون الغالبية العظمى من ال�سكان ،وهنالك الكارين و�شان وت�شني وكا�شني ومون وناجاووا والأراكانني الذين ُيعرفون �أي�ضاً بالروهينجا وهم ينحدرون من �أ�صولٍ خمتلفة بع�ضها عرب ّية و�أخرى فار�س ّية وهند ّية وميالو ّية ومغول ّية وباتان ّية ( ، ُ يقطن �أكرثهم يف باك�ستان الباتان قوم و�أفغان�ستان والهند ،و ُيعرفون �أي�ضاً بالب�شتون) � ،أما من الناحية اللغو ّية فتتعدد الأل�سن يف ميامنار تبعاً للتعدد العرقي ،لكن غالب ّية ال�سكان يتحدثون لغة الغالب ّية العرق ّية وهي البورمية ذات الأ�صول التبيتية التي يقطن �أ�صحابها الأرا�ضي ال�صينية ،بالإ�ضافة �إىل اللغة الإجنليز ّية التي يتحدثها ال�سكان كلغة توا�صل ُم�شرتكة � ،أما من الناحية
الدينية ف�إن الغالبية العظمى من ال�سكان ُيدينون بالبوذية والهندو�سية وامل�سيحية وعدد قليل من اليهود بالإ�ضافة �إىل الدين الإ�سالمي الذي ُيدين به 1,925,510من �إجمايل عدد ال�سكان البالغ عددهم 48,137,741وفقاً لدرا�س ٍة علمي ٍة �أعدها مركز درا�سات رابطة العامل الإ�سالمي يف العام 2012م .وهذه املجموعة هي الكا�شني والروهينجا التي تقطن يف �إقليم �أراكان وقد نا�ضلت هذه املجموعات مع بقية ال�سكان �ضد االحتالل ن�ضا ًال �ضارياً مما حدا بامل�ستعمر �أن يرت�صد هذه املجموعات وقد كال لها املكائد حتى بعد ا�ستقالل البالد ،ومن تلك املكائد تع ّر�ض هذه املجموعة ملذبحة عام 1942م حيث لقي ما يقرب من مئة �ألف م�سلم يف �إقليم �أراكان حتفهم يف املقاومة .
35
مقاال
ت ال وسطية
36
الإ�ســـالم فـــي ميامنـــار: كن الإ�سالم حديثاً يف ميامنار مل َي ِ لكي ُيواجه بالعداء يف الوقت الراهن ، فقد دخل الإ�سالم �إىل ميامنار يف عهد اخلليفة العبا�سي هارون الر�شيد �سلماً عن طريق التجار العرب ،والذين كانت لهم �صلة قوية وعالقات متينة ب�إقليم �أراكان بحكم التجارة وامل�صالح
ًت�سمى ق�ضيتهم عرقية ال عالقة لها بالدين وتارة ُت�سمى دينية وتارة ُتن�سب الق�ضية بكاملها �إىل التاريخ املك ِّون للمجموعات ال�سكانية ب� ّأن الروهينجا لي�س لهم ِ�صلة بهذه الأر�ض و�إمنا هم دخالء عليها ،وبناء عليه يجب �أن يغادروها طوعاً �أو كرهاً . وم�ؤكدات هذا اال�ستنتاج �أمور عدة
احلياتية امل�شرتكة ،كما ُي�ؤكد ذلك امل�ؤرخ (�أر .بي �أ�سمان) �صاحب كتاب � Burma Gazetteerأي (معجم بورما اجلغرايف) بقوله ّ �( :إن للعرب �صلة بتلك املنطقة منذ عام 788م ) ، بالإ�ضافة �إىل ن�ضالهم ال�سابق ذكره مع بقية القوميات العرقية يف البالد ، ومع ذلك ف�إن و�ضع الأقليات امل�سلمة يف ذاك الإقليم مل تكن على ما ُيرام ،فتار ًة
:منها ر�سمية �صادرة عن اجلهات الر�سمية ،و�أخرى واقعية يعاي�شها ال�سكان هناك ،فقد متت م�صادرة الأوقاف الإ�سالمية يف ميامنار ومن �أ�شهرها الأر�ض املوقوفة على م�سجدي (ماوجندو جيم ) و ( �آكياب �إن ما تتع ّر�ض له الأقلية يف ميامنار مخُ جيم ) والأر�ض التي كانت �ص�صة يعك�س بجالءٍ( ،ف�شل النظام القائم ملقابر امل�سلمني ف�أقيمت عليها مالعب هنالك يف �إدار التنوع) القائم بالبالد ريا�ضية و�أديرة ،وقد �صدر قانون عام
1983م وقد منعت احلكومة مبوجبه اجلن�سية عن كل من مل يثبت �أن �أ�سرته عا�شت يف ميامنار قبل عام 1844م وهو العام الذي اندلعت فيه احلرب الإجنليزية البورمية الأوىل وقد عجزت �أقلية الروهينجا من �إثبات ذلك فرتتب عليه حرمانهم من كل احلقوق القانونية وال�سيا�سية واملجتمعية
والتعليمية والإن�سانية كذلك ،فيعي�ش ال�سكان هناك بال هُ وية وال �إن�سانية ي�ستظلون حتتها وقد غ�ض املجتمع الدويل ب�أ�سره الطرف عن هذه الق�ضية غ�ضاً معيباً .
واملُ�ش ِّكل لها ،و�أمة الإ�سالم عُرفة بني الأمم يتكاتفها وتعا�ضدها ون�صرتها للمظلومني و�إن كانوا على غري ملة الإ�سالم فهي �إحدى ال�سجيا واخل�صال العربية القدمية � ّأ�صلها الإ�سالم و�أطر لها �أطراً و�سندها ب�آياتٍ خالدات فقال تعاىل ( ِ�إ َّن هَذِ ِه �أُ َّم ُت ُك ْم �أُ َّم ًة َواحِ َد ًة َو�أَ َنا َر ُّب ُك ْم َف ْاع ُبدُونِ ) يف �سورتي امل�ؤمنون
والأنبياء ،ويف �سورة ا ُ حلجرات قال تعاىل � ( :إِنمَّ َ ا المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن �إِ ْخ َو ٌة) و�أخوة الإ�سالم �أبقى و�أنفع من �أخوة الرحم ، وبناء عليه ف�إن املنظمات الإ�سالمية يف العامل �أجمع مدعوة ومراكز الدرا�سات الإ�سالمية �أي�ضاً لو�ضع الن�ص القر�آين ن�صب �أعينهم يف كل حركة و�سكنة لت�أكيد مفهوم الأمة الواحدة التي
ـــــدي َ�س َ�أ ْب ُـذ ُل كــُ َّل مـــَا ِب َي ِ ـــــه َومــــ َ ْن َي ْر ُجـــو لأُ َّم ِت ِ َف َه َ ــج �أَ ْت َب ُعــــهُ ــــذا ال َّن ْه ُ َف�إِنَّا �إِخْ َو ٌة فيِ الـلَّ ـــــــــــه ِ َو�إِنَّـــا ُ�ش ْعــ َل ُ ــــة الإِخْ ـــال اه ُبنـــَا َو َمــا َعــــــا َد ْت َم َذ ِ ــه ُك ُّ ـــل َت ِقــي �أَ ِخـي ِفــي اللَّ ِ
�أرادها اهلل لنا فال �شك �أن ال�سعادة فيها والعزة فيها والقوة فيها ورفاهية املجتمعات فيها ،فكمال الدين ومتامه وارت�ضاه ال �شك يحوي ما حققه الإن�سان وما يطمح �إليه ،ولأ�صحاب الأقالم �أن يرددوا مع ال�شاعر/ م�صطفى قا�سم عبا�س:
َ ــذ ُف ْر َق َ لأ ْن ِب َ ــة النَّ�ســـ َ ِب ــــــب ال�س ُح ِ َف َخــا ًرا ِفـــي ُذ َرى ُّ ِل َي ْت َب َع ِنــي َو َيلْــحــ َ َق ِبـــي َق ْب َ ـــب ــــل �أُ ُخــــ َّو ِة الن ََّ�س ِ ــب �ص ْ ِ مــن َم ٍ ــا�ض َومـــ ِ ْن ِح َق ِ ُتفــــ َ ِّرقُ ِحزْ َم َ ــة ا َ ـب حل َط ِ �أَ ِخــي ِفـــي ال ّلـــ َ ِه ُك ُّـل �أَ ِبــي
37
مقاال
ت ال وسطية
38
المعرفة العقلية والمنجز الحضاري �أ.د .عبد اللطيف الهميم
احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على �سيدنا حممد ر�سول اهلل وعلى �آله و�صحبه ومن وااله هذه املقالة حماولة علمية جادة يف الإجابة عن �س�ؤال مهم ...وهو هل ا�ستطاع العقل العربي امل�سلم �أن يتجاوز ذلك البدوي ال�صغري الذي يعي�ش يف �أطوائه؟
وهل ا�ستطاع �أن ي�صوغ منطاً معرفيا قادرا على اال�ستجابة ملتطلبات الع�صر و�ضروراته ول�شروط الواقع وما يفر�ضه و�أن يغادر ذلك النمط املعريف الذي عا�شه يف مرحلة املراهقة الفكرية �إبان بداوته وعي�شه الطفويل يف �صحراء قاحلة �ساكنة ال حراك فيها وبالتايل
ال يجد �أمام ناظره �إال الأفق البعيد ...هل ا�ستطاع هذا العقل �أن يغادر م�ضمونه املعريف و�أن يلتقط منهجاً �آخر قادراً على التقدم متاما كما فعل العقل الغربي عندما التقط تلك الإ�شارات يف منطق (هري قليط�س) و( ديكارت) و( ال�سف�سطائيني ) قد تبدو هذه الأ�سئلة وغريها م�ستفزة مثرية للآخر لكنه ا�ستفزاز �أح�سبه �ضرورياً لتحريك ماء راكد �أو لأيقاظ نائم طالت غيبوبته فتخلف عن الع�صر ما يزيد على ع�شرة قرون ..وقد يخيل للبع�ض ولأول وهلة عدم �إدراك العالقة ال�سببية بني عنوان املقالة وبني هذه الأ�سئلة ولكن لدى التحقيق �سنجد �أن ال�صلة وثيقة بني كليهما. �إن الأ�سئلة املتقدمة مل تكن اعتباطية �أو ع�شوائية كما �أنها مل تكن عن ق�صد مق�صود ابتدا ًء لكنها جاءت يف �سياق
الإجابة عن ال�س�ؤال الأكرب والأهم وهو ب�سيا�ستها وحمبطة من نخبها املفكرة ملاذا ا�ستطاع الغرب �أن يتجاوز ذلك املثقفة التي عجزت عن �أن ت�صوغ للأمة البدوي ال�صغري الكامن فيه؟ ومن ثم منجزاً معرفياً قادراً على النهو�ض. حقق �إجنازاً كبرياً وهائ ً ال كان واحداً لقد ا�ستطاع العقل الأوروبي �أن من ثماره : يقيم نه�ضته احلديثة باالعتماد على ثورة االنتقالاجنازات العقل اليوناين عموما ومل يتوقف عند املنطق الأر�سطي فيعتربه ثروة االت�صالالقانون الذي بلغ الذروة. ثورة الطاقةوبالتايل ال ميكن �إ�ضافة اجلديد ثورة املعلومات�إليه �أو نقده وتطويره – كما كان و�صو ًال �إىل ع�صر العوملة واحلداثة ؟ احلال يف الفكر الإ�سالمي – حيث ..يف حني �أن العقل العربي امل�سلم ظل ا�ستفاد العقل الأوروبي من نتاج �سجني بدويته ..ومراهقته ..وطفولته العقل اليوناين يف املراحل التي �سبقت ..غري قادر على التقدم ومل يحقق ظهور منطق �أر�سطو فوظف النظرة �إجنازاً ذا قيمة منذ �ألف عام �أو يزيد الن�سبية للأ�شياء التي ظهرت لدى ت�سجل له �أو حت�سب يف مرمى غريه ال�سف�سطائيني كما �أن العقل الأوروبي ومن هنا ت�أتي هذه املقالة �إجابة عن وظف مفهوم ((هري قليط�س )) يف ت�سا�ؤالت �أو ا�ستجابة لهموم �أمة منكودة منهج ((للتغيري وال�صريورة )) وهذا التوجه هو الأ�سا�س للنظرة التجريبية
39
مقاال
ت ال وسطية
40
يف التعاطي مع الطبيعة ف�ض ً ال عن كون املنهج ال�سف�سطائي هو الأ�سا�س للنظرة احل�سية للأ�شياء وهذان املنطلقان هما �أ�سا�س النه�ضة الأوروبية احلديثة ودلي ً ال للمنهج العلمي الذي ا�ستند �إليه العقل الأوروبي يف تعاطيه مع الطبيعة والقوانني العلمية وكان من نتاج هذه املنهجية للعقل الأوروبي �أن ظهرت * متغرية متجددة ويف �صريورة – نظريات ( كوبرنيكو�س) و (وجاليلو) لآلية تكون املعرفة ،ومبا �أن املعرفة و(كبلر). ن�سبية م�ستمرة تقوم على الإ�ضافة لقد جاء البناء املنطقي الأر�سطي والتعديل والتطوير – ف�إن املنطق ( قوانني الفكر ) منف�صال عن البناء – وهو ال�صياغة ال�صورية للمنهج العلمي الطبيعي ( قوانني العامل املو�صل �إىل املعرفة – يجب �أن يكون املو�ضوعي) حيث �أن لن�سق املنطق ن�سبياً كذلك كي يتمكن من مواكبة ال�صوري الأر�سطي يبدو ك�أنه القوانني ال�صريورة املعرفية وتبعاً ملا تقدم النهائية للوجود والطبيعة م�صوراً ف�أن هذا املنطق ال يت�سم بالعجز �أو املوجودات باعتبارها ماهيات �أبدية الق�صور عن مواكبة �صريورة املعرفة
جمردة ثابتة ال يعرتيها التغيري �أو التبدل وك�أن �صريورة الطبيعة قد توقفت وجتمدت حركة العامل املو�ضوعي (املادي) وهذا الأمر يف�ضي بال�ضرورة �إىل �سكون العقل الإن�ساين وتقولب العلم يف قوالب متحجرة – يف حني �أنها
– فح�سب – بل �أنه ي�صبح عائقا �أمام هذه ال�صريورة ،فالأن�ساق املنطقية لي�ست وظائف �صورية للفكر بل �أنها يف ذاتها مناظرة للحقيقة ومن هنا ت�صبح الأن�ساق املنطقية يف حيوية �أو حركية دائبة ولي�ست تو�صيفاً ثابتاً ملاهية الأ�شياء واملوجودات كما ي�صور ذلك الن�سق املنطقي الذي قدمه �أر�سطو. �أن تبني هكذا توجه يف املنطق الأر�سطي قد �أفقد املعرفة القدرة احلركية الالزمة لكل بناء نظري علمي كما جرده من دميومة اجلدلية بني العقل من جهة والوجود ( الطبيعية ) من جهة �أخرى. �أن بنية املنطق الذي قدمه �أر�سطو تقوم على اليقينية والإطالق يف حني
�أن البناء املنطقي يجب �أن يقوم يف �أحد جوانبه املهمة على االفرتا�ضية. لقد كان تبني املنطق الأر�سطي – كمنهجية �أ�سا�سية يف الثقافة الإ�سالمية خل ً ال كبرياً يف بنية تلك الثقافة وجتاوزاً كبرياً لتلك الثوابت ...وهكذا كان تبني العقل العربي وامل�سلم ملنطق �أر�سطو �أثره البالغ واخلطري يف تخلف الأمة وعقلها اجلمعي والنخبوي خ�صو�صا �إذا علمنا �أن هذا املنطق قد �سيطر على كل تخ�ص�صات العلوم املختلفة �سواء ما تعلق منها باجلانب الديني مثل الفقه و�أ�صوله وعلم الكالم وغريها �أو ما تعلق منها بالفروع الدنيوية مثل الفل�سفة والفلك والطبيعة وبالتايل حتول العقل العربي وامل�سلم �إىل عقل �ساكن جامد ولعل واحدة من املف�سرات املبكرة لتبني امل�سلمني ملنطق �أر�سطو �أنه قد جاء من�سجماً مع تلك الطبيعة البدوية التي مل جتد يف بيئتها ومناخها متغريات كثرية. �أن درا�سة مت�أنية لتاريخ العلم وم�سريته لدى العرب وامل�سلمني تدلنا وبيقني �أن ما عرف من اخرتاعات كبرية و�إجنازات عظيمة على م�ستوى العلوم مثل الفلك والكيمياء والب�صريات و�أن الأ�سماء الالمعة التي برزت يف دنيا العلوم مثل ( ابن حيان) و(احل�سن بن الهيثم) و (ابن البيطار)
و (ابن الندمي) وغريهم مل يكن ذلك نتاج املنهج املعريف لأر�سطو و�إمنا نعتقد لدى التحليل العلمي �أن ذلك �أمنا كان نتاج تلك الدفقة القر�آنية واملنهج املعريف الذي �أراد القر�آن �إر�ساءه والذي لو كتب له �أن ي�أخذ مداه لو�صلت الأمة �إىل منتهى العلوم واملعارف. لقد �أر�سى القر�آن الكرمي منهجاً معرفياً غاية يف الدقة حني ع َّد الطبيعة واحدة من م�صادر املعرفة املهمة – الذين يذكرون اهلل قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون يف خلق ال�سموات والأر�ض ربنا ما خلقت هذا باط ً ال �سبحانك فقنا عذاب النار – بل ع َّد املح�سو�س امل�شاهد واحداً من م�صادر املعرفة و�أولياتها. ي�ضاف �إىل ذلك �أن القر�آن الكرمي قد قرر ويف �أكرث من منا�سبة �أن هناك جهازاً يحكم م�سرية التاريخ واملجتمع و�صريورتهما وهو ما ن�صطلح على ت�سميته بـ ( جهاز التغري التقدمي ) – فال �أق�سم بال�شفق والليل وما و�سق والقمر �إذا ات�سق لرتكنب طبقاً عن طبق – �أي �أن الإن�سان حمكوم دائماً و�أبداً جلهاز التغري التقدمي وهو االنتقال من طور وجودي �إىل طور وجودي �أرقى منه �أو بتعبري �آخر االنتقال من �صريورة كينونة �إىل �صريورة كينونة �أرقى منها وو�سيلته و�أداته يف هذا التغري قانون �آخر – �إن اهلل ال ُيغيرِّ بقوم حتى يغريوا
ما ب�أنف�سهم – وهكذا دعا القران �إىل منهج معريف يقيم عالقة جدلية وفق قواعد اال�ستخالف وقوانينه بني الطبيعة والإن�سان باعتباره �سيد هذا الكون ويدعوه �إىل النظر �إىل الأ�شياء حال حركتها وتغريها ال حال �سكونها وجمودها وهكذا ي�صبح امل�سلم يف حراك جمتمعي �صاعد �إىل �أعلى ولي�س حراكاً جمتمعياً هابطاً �إىل �أ�سفل. �إن حاجتنا �إىل �صياغة م�شروع نه�ضة تقت�ضيها �ضرورات �أننا نتوك�أ على عكازات ال ننتجها بل ُتنتج لنا ومن ثم ف�أن الأمة لي�ست م�صابة بال�شلل والعجز بل م�صابة مبا هو �أخطر من ذلك وهو عدم قدرتها على �إنتاج عكازات ت�ساعدها على التوك�أ عليها. نعتقد وبيقني �أن هذه ال�سطور هي �إ�سهام متوا�ضع يف حتريك ماء راكد طال ركوده و�صيحة لإيقاظ �أمة من غيبوبتها و�أن النخبة املفكرة مدعوة لتجاوز ن�سبياتها وموا�ضعاتها واخلروج عن مداراتها و�أن ال تنظر �إىل الأ�شياء وال يف �أي م�ستوى من م�ستويات هذه املدارات يف مراجعات جدية حتى ال تبقى تعي�ش يف الركن البائ�س اخلرب بينما يعي�ش الآخرون يف املعمور من دنيا النا�س .واهلل من وراء الق�صد.
41
مقاال
ت ال وسطية
42
مدنية وتعددية الدولة األردنية وجهة نظر قانونية ِ
املحامي الدكتور :مازن الفاعوري
تر�سخت �سيا�سة التعدد ّية واالعتدال يف الأردن منذ ت�أ�سي�سه لقد ّ و �صدور الد�ستور الأردين يف عام 1952والذي جاء لينظم العالقة بني ال�شعب الأردين الذي يعي�ش على �أر�ض اململكة الأردن ّية الها�شم ّية ،و َيتعاي�ش �أفراده على �أ�سا�س املواطنة وامل�ساواة يف احلقوق والواجبات، لتنظيم هذه احلقوق والواجبات بني املواطنني وم�ؤ�س�سة احلكم. �إنّ هذا الد�ستور ُيعَبرِّ ُ تعبري َا جلي ًا عن املظاهر املدن ّية ،واالعتدال والعدالة ،واحرتام حقوق الإن�سان للدولة الأردن ّية؛ فهذا الد�ستور ُي َع ُّد من �أقدم الد�ساتري العرب ّية التي َن ّ�صتْ على حقوق الأفراد وحرياتهم ، حيث �أفرد الد�ستور الأردين ف�صال خا�صا بحقوق الأردنيني وواجباتهم (املواد ، )23 - 5كما �أكد الد�ستور �أن الأردنيني �أمام القانون �سواء ال متييز بينهم يف احلقوق والواجبات و�إن اختلفوا يف العرق �أو اللغة �أو الدين ،وهو متطابق مع الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان من خالل جملة احلقوق التي كفلها للمواطنني دون �أي متييز ،فقد كفل الد�ستور حق امل�ساواة �أمام القانون و�ضرورة ات�سام الت�شريعات بالعدالة االجتماعية وهي الغاية املتوخاة منها ،وامل�ساواة �أمام الق�ضاء وا�ستقالله ،
وامل�ساواة يف حق تق ّلد الوظائف العامة واعتمادها على �شرطي الكفاءة وامل�ؤهالت ،كما �ضمن الد�ستور احلريات العامة املختلفة وخ�صو�صاً حرية الر�أي ّ والتعبري يف و�سائل الإعالم املختلفة ، وحرية االجتماع واملعتقد الديني وت�شكيل وحري بالإ�شارة هنا �أن نبني �إن الد�ستور الأحزاب ال�سيا�سية واجلمعيات ،وكذلك تبنى مبد�أ �أن الأمة م�صدر ال�سلطات �أ ّكد كفالة الدولة للحرية ال�شخ�صية ومبد�أ الف�صل بني ال�سلطات ،وجعل من واحرتام حرمة احلياة اخلا�صة وحرمة النظام النيابي امللكي �أ�سا�سا لإدارة الدولة امل�سكن واحلق يف التعليم واحلق يف العمل. وتنظيم �أجهزتها .وهو ما يعني �أن ال�شعب املادة ( )2من الد�ستور تعرب تعبرياً م�صدر ال�سلطات و�شرعيتها ميار�سها وا�ضحا عن التوازن يف منط الدولة باالقرتاع عرب م�ؤ�س�ساته الد�ستورية ،وان املدنية� ،إذ تن�ص على � ّأن “الإ�سالم دين ال�سيادة حلكم القانون ،مبا ي�شكل ركيزة الدولة واللغة العربية لغتها الر�سمية”� ،أ�سا�سية ل�ضمان مدنية الدولة وحماربة ومن الوا�ضح � ّأن املادة جتنبت �أي عبارات قوى التطرف والإرهاب. طابع ديني حمددة يفهم منها �إ�ضفاء ٍ وانطالقاً من مبادئ التعددية الدينية على النظام ال�سيا�سي لها ،ويظهر التوازن والإثتية واحرتاما حلقيقة متايز يف بقية مواد الد�ستور ،وما يف�سر املادة الطوائف الأخرى ف�إن الد�ستور الأردين الثانية ،ن�ص املادة ( ” )1-6الأردنيون �أمام ك ّرم املواطن امل�سيحي على �سبيل املثال القانون �سواء ال متييز بينهم يف احلقوق ليتم ّتع بكامل حريته لإقامة ال�شعائر والواجبات و�إن اختلفوا يف العرق �أو اللغة الدينية وال�صلوات واالحتفاالت بالأعياد �أو الدين” ،ما مينح اعتبار املواطنة الدينية ،و�إعالنها يوم عطلة ر�سمية ال�سمة الرئي�سة يف عالقة الدولة بالأفراد جلميع الأردنيني ،وال�سيما �أعياد امليالد واجلماعات ،كما مل يحرم الد�ستور املجيدة ،فامل�سيحون يف الأردن يعي�شون الأقليات العرقية �أو الدينية من حقوقها مع �إخوانهم امل�سلمني يف هموم م�شرتكة وامتيازاتها ،بل راعى �أن يقدم لها احلماية وعادات وتقاليد جمتمع مت�شابهة متاماً املطلوبة ،رغم عدم متييز الد�ستور يف كل املنا�سبات االجتماعية ،وقد جاءت الأردين بني املواطنني ون�صت املادة ()14 احلكومات الأردنية املتعاقبة لتحافظ التي تن�ص على ” حتمي الدولة حرية وبكل اهتمام على الأماكن امل�سيحية القيام ب�شعائر الأديان والعقائد طبقا املقد�سة يف الأردن والقد�س املحتلة ،وبنوع للعادات املرعية يف اململكة ما مل تكن خملة خا�ص املحافظة على مقام النبي مو�سى بالنظام العام �أو منافية للآداب” ،وجاءت يف جبل نبو ،وموقع موت يوحنا املعمدان املادة ( )19من الد�ستور لت�ؤكد "حق يف مكاور ،وموقع ُع ّماد ال�سيد امل�سيح. اجلماعات يف ت�أ�سي�س مدار�سها والقيام وبالقراءة املمعنة ملواد الد�ستور ف�إننا عليها لتعليم �أفرادها". ال جند يف مواده ما يدفع �إىل تغليب ثم جاء امليثاق الوطني لعام 1991ليو�ضح ال�صفة الدينية للدولة على ح�ساب الدولة ما جاء يف الد�ستور بالقول" :الأردنيون املدنية ،وال �إىل اتخاذ موقف عدائي من رجا ًال ون�سا ًء �أمام القانون �سواء ،ال متييز بينهم يف احلقوق والواجبات و�إن اختلفوا يف العرق �أو اللغة �أو الدين" ،وعاد امليثاق الوطني لعام 1991لي�ؤكد على تر�سيخ قيم الت�سامح واملو�ضوعية ،واحرتام معتقدات الغري".
الإ�سالم والت�شريعات اخلا�صة به� ،إذ حتيل املادة ( )105للمحاكم ال�شرعية وحدها حق الق�ضاء يف ال�ش�ؤون املتعلقة بالأحوال ال�شخ�صية للم�سلمني و�أمور الدية والأوقاف الإ�سالمية .فيما تن�ص املادة (ّ � " ) 106أن املحاكم ال�شرعية تطبق يف ق�ضائها �أحكام ال�شرع احلنيف. املقابل ،ين�ص الد�ستور يف املادة (" )109 تت�ألف جمال�س الطوائف الدينية وفاقا لأحكام القوانني التي ت�صدر خا�صة بها وحتدد يف هذه القوانني اخت�صا�صات املجال�س املذكورة ب�ش�أن م�سائل الأحوال ال�شخ�صية والأوقاف املن�ش�أة مل�صلحة الطائفة ذات العالقة �أما م�سائل الأحوال ال�شخ�صية لهذه الطائفة فهي م�سائل الأحوال ال�شخ�صية للم�سلمني الداخلة يف اخت�صا�ص املحاكم ال�شرعية ،فالن�ص يحيل بو�ضح م�سائل الأحوال ال�شخ�صية لأ�صحاب الديانات الأخرى من خالل جمال�س الطوائف الدينية”. ومن هذا تبدو ن�صو�ص الد�ستور وا�ضحة من حيث الت�أكيد على الطبيعة املدنية للنظام ال�سيا�سي للدولة الأردنية ،على مبد�أ املواطنة من حيث احلقوق والواجبات ،وعلى التمييز بني ال�ش�أن الديني واملدين ،وعلى احرتام الأديان املختلفة� ،سواء من حيث حرية العبادات �أو املعامالت املرتبطة بها �أو غري ذلك . �إن هذا اخلطاب الد�ستوري الو�سطي املعتدل الذي يدعو اىل التعددية ،عمل على �إخرج الأردن من دائرة العنف التي �شهدتها منطقة ال�شرق الأو�سط �إىل دائرة الأمان واال�ستقرار نتيجة مدنية الدولة و�إميانها بالتعددية الدينية الذي �أهل الأردن ليكون �أمنوذجا لل�سالم يف ال�شرق الأو�سط ومنذ ت�أ�سي�س الدولة الأردنية �إىل وقتنا احلا�ضر.
43
مقاال
ت ال وسطية
44
ثبات الذكاء اإلنساني وتطور المعرفة قراءة في َقميص َ ٌ األدلَّةِ من (سورة يوسف)
كان ذلك ُ احلك ُْم الذي �أطلقه ّ ال�شاهد من �أهل امر�أة العزيز مثارا للتفكري يدعيه بع�ض �أ�صحاب نظرية املعرفة مرارا كثرية ،وقد �أعاد �إىل الذهن ما ّ الرف�ض ،حيث يرى ه�ؤالء وتطور ذكاء الإن�سان ،ال من حيث القبول بل ّ م�ستمر ،و�أن �أهل الع�صور الغابرة مل يكونوا تنام �أن ذكاء الإن�سان يف ٍ ّ يتمتّعون من الذكاء �سوى بقدر ي�سري قيا�سا مبا عليه �أهل هذا الع�صر، ف ُهم بالتايل يحكمون على �أهل الع�صر احلا�ضر بالغباء قيا�سا مبن �سي�أتي الدكتور :خالد اجلرب
بعدهم من الب�شر .والواقع غري ذلك! ولعل يف ق�صة نبي اهلل يو�سف ولعل ذلك � ً عليه ال�سالم ما ُي ْ�سلم �إىل تلك احلقيقة ،ويقود �إليهاّ ، أي�ضا و�س َف و�إِخْ َو ِت ِه � ٌ آيات رب ال ِع َّز ِة حيث يقولْ : هو ما �أ�شار �إليه ُّ (لقد كانَ يف ُي ُ لل�سا ِئلنيَ) (يو�سف.)7 / ّ
القمي�ص دليل املوت واحلياة: مل تكن الآية التي ر�آها يو�سف و�أخربها لأبيه يعقوب عليهما ال�سالم مثا َر اخلالف بينه وبني �إخوته ،بل كان يف نفو�س �إخوته عليه من احل�سد الذي حال حقدا ما بد�أ قبل ذلك ،ويدل عليه قول يعقوب عليه ال�سالم له بعد �أن �أخربه بالر�ؤيا التي ر�آها( :يا ُب َن َّي ال َت ْق ُ�ص ْ�ص ُر� َ ؤياك على � ْإخ َوت َِك فيكِيدوا َ لك َك ْيداً �إِ َّن َّ ال�ش ْيطان للإ ْن�سانِ َع ُد ٌّو مُب ٌ ني) (يو�سف .)5/وتدل هذه الآية على �أن الأب كان يعلم متاما ما يف نفو�س �أبنائه من ح�سد لأخيهم، و�سرنى م�صداق ذلك يف ال�سطور القادمة. ولقد ز ّين ال�شيطان لهم �أعمالهم وح�سدهم وكيدهم ،فت�ص ّوروا �أن عملهم بقتل يو�سف �أو طرحه �أر�ضا �سيجعلهم حب �أبيهم قوما �صاحلني؛ �إذ تخيلوا �أن َّ ليو�سف و�أخيه هو الذي يحجزهم عن كونهم �صاحلني ،ومل يفقهوا �أن حزن �أبيهم على يو�سف عليه ال�سالم قد يفقدهم كل �شيء. وملاذا �أ�ص ّروا على يو�سف دون �أخيه� ،أو لي�س عليهما معا؟ �إن ذلك دليل على �أن و�س ُف و�أخو ُه � َأح ُّب �إىل �أبينا قولهمَ ( :ل ُي ُ ونح ُن ع ُْ�ص َب ٌة) (يو�سف )8/باطل من م ّنا ْ منطقي �أ�صله؛ فعدم ت�آمرهم عليه غري ّ يحب يو�سف �أكرث من لو مل يكن �أبوهم ُّ اجلميع ،ولذلك مل يت�آمروا على �أخيهم الأ�صغر ،لأنهم يعرفون �أن �أباهم يحب يو�سف عليه ال�سالم �أكرث من اجلميع؛ يو�س َف �أو ْ اط َرحو ُه ولهذا قالوا( :ا ْق ُتلوا ُ �أ ْر�ضاً َي ْخ ُل َل ُك ْم َو ْج ُه �أبي ُك ْم و َتكونوا مِ نْ
َب ْعدِ ِه َقوماً �صالحِ َ ني) (يو�سف)9/؛ �أي يو�سف وحده. والع ّل ُة وراء دعواهم تلك يف ما يبدو هو �أنهم �أرادوا (�أو هكذا ز ّي َن لهم ال�شيطان ف�أرادوا بعد خمامرة الفكرة لعقولهم) �أن يجعلوا لكراهتهم يو�سف �سببا مقنعا لأنف�سهم ،وكان �أن ر�أوا يف حب �أبيهم لأوالده من زوجة �أخرى غري �أمهم ذلك ال�سبب املقنع .والواقع �أنهم ناق�ضوا �أنف�سهم حني كادوا ليو�سف وحده دون �أخيه ال�صغري؛ لأن قتلهم يو�سف �أو �إخفاءه �سيجعل ذلك ال�صغري يحتل مكانته يف معاملة �أبيه لو كان ما يفرتون �صحيحا. والواقع �أن �إخوة يو�سف عليه ال�سالم قد �أظهروا �سوء نواياهم منذ البداية ،وتدل الآيات على �أنهم يف ثنايا كالمهم كانوا يعربون عن ح�سدهم لأخيهم ،وت�شري يف يعقوب عليه الوقت نف�سه �إىل �أن �أباهم َ ال�سالم كان عارفا مبا يف نفو�سهم ومبا ين ُِّم عليه كالمهم .انظر يف قولهم( :ما يو�س َف) (يو�سف)11/ َل َك ال َت�أْ َم ّنا على ُ فهو ٌّ دال على �أن �أباهم كان يخ�شاهم على �أخيهم وهم عارِفون ،وقولهم( :و�إ ّنا له لحَ اف ُِظو َن) (يو�سفٌّ )12/ دال على معرفتهم مبا يف نف�س �أبيهم من َت َخ ُّوف من �أن يهملوه ويرتكوه وحيدا؛ �أي معرفتهم ملعرفته بنواياهم ،وقد �أرادوا بطم�أنته تلك �أن يزيلوا َّ ال�شك من نف�سه.
و� ُ أخاف � ْأن ي�أ ُكلَ ُه ال ِّذ ْئ ُب و�أ ْن ُت ْم ع ْن ُه غا ٍف ُلو َن) (يو�سف� .)13/إن هذا احلوار يكاد يكون حوارا رمزيا بني يعقوب و�أبنائه؛ لأن كل طرف منهما يفهم نوايا الطرف الآخر لكنهما يتخاطبان بطريقة م�ؤدّاها (ال َعينْ ُ على ما يف القلب دليل)� .أراد يعقوب �أن يذكرهم �أنه يعرف نواياهم لعلهم يرتدعون عما ينوون جتاه �أخيهم ،وهم يحاولون التخفيف من خوفه وطر َد ما يف فكره من �شكوك حتوم حولهم .و�أظ ُّنه كان حقا حوارا م�ؤملا ليعقوب عليه ال�سالم، كابد فيه العناء وهو يحاول �إ�صالح ما يف نفو�س بنيه دون جدوى ،ومل يقدر على �أن يكا�شفهم مبا يف نف�سه لكيال ُيقي َم لهم دليال على ما كانوا يدَّعونه من تفرقته بني �أبنائه ،ولأنه كان يعلم متاما �أن اهلل كفيل برعاية يو�سف وحمايته ليحقق الر�ؤيا التي ر�آها من قبل.
ولقد ركز �إخوة يو�سف على كونهم ع�صبة ،ظا ّنني �أن العدد ميلك �أن يكون مفتاح القلوب� ،أو ميكن �أن يكون �سببا يف املحبة ،ولهذا قالوا �إن �أباهم يف �ضالل مبني لأنه يحب يو�سف و�أخاه �أكرث منهم وهم ع�صبة ،وردوا على تخوف يعقوب من �أن ي�أكل الذئب يو�سف بجواب غري منطقي ُ ونحن ع ُْ�ص َب ٌة فقالواَ ( :لئِنْ �أ َكلَ ُه الذ ْئ ُب �إ ّنا �إذاً لخَ ا�سِ رو َن) (يو�سف .)14/لقد كان الأحرى بهم �أن َيعِدوا �أباهم ب� ْأن ال يرتكوا �أخاهم حلظة واحدة ،و�أن يبقوا معه فال يفارقوه لو كانوا �صادقني يف وعدهم، و� ُّ أدل من ذلك كله ال َّت َح ُّ�س ُر الذي نطق ولكن ذلك كان بعد �أن ب َّيتوا يف نفو�سهم به يعقوب عليه ال�سالم بقوله ر ّداً على الكيد والطريقة التي �سيتخل�صون بها من طلبهم�( :إنيّ َل َي ْح ُز ُنني � ْأن ت ْذ َه ُبوا به �أخيهم!
45
مقاال
ت ال وسطية
والنظر بعد ذلك يف قوله تعاىل: (وجاءوا �أباهم عِ �شا ًء ي ْبكو َن) (يو�سف/ )16ي�ضيف �إىل ما تقدّم دليال جديدا على �أنهم قد فعلوا ما فعلوا عن �سبق وتر�صدٍ ،و�أن عذرهم الذي جا�ؤوا �إ�صرار ُّ به �أباهم كا َن �أقبح من ذنبهم الذي اقرتفوه .فذلك التوقيت مل يكن متنا�سبا مع احلدث �إطالقا؛ �إذ ملاذا عادوا جميعا يف الوقت نف�سه ،وكان الأحرى على الأقل �أن يعود بع�ضهم ليخرب �أباه مبا ح�صل؟ لقد ت� ّأخروا يف التبليغ عن وقوع احلادثة املزعومة ،وهذا يف ح ِّد ذاته دليل على �سوء طو َّيتِهم .ولو قال قائل :قد يكون ت�أخريهم يف التبليغ ناجتا عن تخوفهم من �أن يتهمهم �أبوهم� ،أو نتيجة �إح�سا�سهم بالذنب! فالقول يف ذلك مي�سور لذي ب�صرية؛ وهو �أن ت�أخرهم كان للق�ضاء على �أية فر�صة لأبيهم للبحث عن يو�سف. و ُت ْظهر الآية الالحقة �أنهم فعلوا ذلك نهارا ،وقد ادَّعوا �أن الذئب �أكله نهارا ب�آ َي ِة ذهابِهم �إىل اال�ستِباقِ (قالوا يا �أبانا �إنا يو�س َف عند مَتاعِ نا ذهبنا َن ْ�س َت ِب ُق و َت َر ْكنا ُ َف�أَ َكلَ ُه ال ِّذ ْئ ُب وما �أنتَ مب�ؤْمِ ٍن لنا ولو ُك ّنا �صادِق َ ني)(يو�سف.)17 /
46 من تخوف ووعود؟ �إنهم حتى مل ُي َك ِّلفوا �أنف�سهم عناء البحث عن ق�صة �أخرى لإقناع يعقوب عليه ال�سالم ب�أن ما حدث ليو�سف مل يكن لهم فيه ناقة وال بعري! ولعلهم فطنوا �إىل �أن حتقيق املخاوف التي �أثارها �أبوهم قبل �أن يذهبوا ب�أخيهم �سيجعل ر َّد َة فعله يف نطاق اللوم والعتب على منط�( :أ ْ مل �أَ ُق ْل لك ْم من قبل ؟)، ولعلهم ظنوا �أن يف حتقيق خماوفه �إر�ضاء نف�س يعقوب! لغرور الب�شر يف ِ و�أما قولهم ب�أنه لن ي�ؤمن لهم ولو كانوا �صادقني ،فهو دليل �آخر على كذبهم وكذب ادّعاءاتهم؛ فلقد نفوا عنه �إمكانية ت�صديقهم لأنهم يعرفون �أنه يعرف،
يمكن القول ّ إن هذه ورة بهذه ّ الس َ التفاصيل ّ
ويف الآية التالية دليل �آخر على الدقيقة دليل قاطع ّ افرتائهم لتلك الق�صة التي كان يعقوب ثبات ّ الذكاء على يعلم تفا�صيلها قبل حدوثها ،وت�ستدعي ِ اإلنساين ،أما الذي يتطور هذه الآية وحدها جمموعة من الت�سا�ؤالت ّ ِّ ّ التي لع َّلها دارت يف ذهن يعقوب عليه فهو المعارف والعلوم .ال�سالم ،وهي:
َّ َ القول ولعل هذا ينفي
بأن ّ اال�ستباق واللعب عادة يكونان نهارا ال َتماما ّ يتطور كاء َّ الذ َ
لي ً ال ،وتركهم �إياه عند متاعهم يناق�ض ما عاهدوا عليه �أباهم من �أنهم �سريعونه ويعتنون به ،فلماذا مل ي�أتوا بعد احلادثة مبا�شرة للتبليغ؟ وملاذا ابتعدوا عنه يف ا�ستباقهم �إىل الدرجة التي �أتاحت للذئب �أن ي�أكله دون �أن يتن ّبهوا ل�شيء من �صراخه؟ وملاذا جا�ؤوا لأبيهم بنف�س الق�صة التي دارت تفا�صيلها بينه وبينهم
و�أنه لن ي�صدقهم ب�سبب معرفته �أن �أد َّلتهم لي�ست منطقية وال �صحيحة ،ولو �أرادوا طم�أنته �إىل �صدقهم لقالوا( :و�إ ّنا ل�صادقون) ،وهو نف�س القول الذي قالوه عندما �أخربهم �أخوهم الأكرب مبا يجب �أن يقولوا لأبيهم عندما �أم�سك عليهم يو�سف �أخاه بع َد � ْأن م َّكن ُ ُ أر�ض، اهلل له يف ال ِ حيث قال �أخوهم الأكرب( :ا ْرجِ ُعوا �إىل �أبي ُك ْم َفقولوا يا �أبانا �إِ َّن ا ْب َن َك َق ْد َ�س َر َق وما َ�ش ِهدْنا �إِ ّال بمِ ا َع ِل ْمنا وما ُك ّنا ِل ْل َغ ْيبِ َحافِظ َ ني * َو ْا�س�أَلِ ا ْل َق ْر َي َة ا ّلتي ُك ّنا فيها ري ا َّلتي �أَ ْق َب ْلنا فِيها َو�إِ َّنا َل�صا ِد ُقو َن) وا ْل ِع َ (يو�سف .)82 -81/لقد كانوا ي�ش ِّككون يف �أنف�سهم من حيث �أرادوا ا�ستثارة عاطفة �أبيهم وتقريعه نف�سيا بقولهمَ ( :ومَا �أَنْتَ بمِ ُ �ؤْمِ ٍن َل َنا).
مر ّ مان؛ بل على ِّ الز ِ ِّ ّ أن ّ يؤكد ّ اإلنساين الذكاء ّ إنما هو كامن يف قدرة اإلنسان على ُمعالجة ِ المعلومات والبيانات المتنوعة ّ
قمي�صهُ (ثيا َبه)؟ �س .1ملاذا ا�ستب َق ْوا َ ج .1لي�أتوا بدليل على موته فال يبحث عنه يعقوب فيجده فينك�شف كذبهم. �س .2هل مزّ قوا قمي�صه؟ ج 1:2ال؛ ليظل دليال كامال على �أنه قمي�ص يو�سف ،ويف هذه احلالة لنا حق الت�سا�ؤل :كيف �أكله الذئب دون �أن مي ّزق قمي�صه ،وهكذا يكون دليل كذبهم وا�ضحا متاما.
ج 2:2نعم؛ وال ب َّد �أنهم حاولوا �أن يق ِّلدوا بح�سب ت�صورهم ما كان ميكن �أن يفعله الذئب بذلك القمي�ص .فهل ميكن �أنهم قد فعلوا ذلك ب�إتقان ال يدع جماال لل�شك؟ �س .3وملاذا جا�ؤوا بالدم على قمي�صه؟ ج .3ليكون دليال على �أن الذئب �أكله، ولكن �أمل يرتك الذئب منه �شيئا؟ �إن ذلك م�ؤكد متاما؛ فال ميكن له �أن يلتهم الر�أ�س مثال ،فلماذا مل يح�ضروا معهم �شيئا من بقاياه لتدفن ،وليكون دليال �أقوى على ادّعاءاتهم؟ الكذب؟ الدم �س .4ما هو ُ ُ ج 1:4لي�س دمه بالت�أكيد بح�سب ما �أخرب القر�آن الكرمي ،بل هو دم خملوق �آخر (�شا ٍة مثال) ،و�أيُّ �صاحب �أغنام ال ي�ستطيع التفريق بني دمها وبني دم الإن�سان يف اللون والكثافة واللزوجة والرائحة وانت�شار بقع الدم على �أماكن الإ�صابة يف اجل�سد وغري ذلك؟ والدم كذب لأنه لي�س دم يو�سف عليه الكذب ٌ وكذب �أي ال�سالم وقد ادَّعوا �أنه دمه، ٌ دليل كاذب ،مبعنى �أن يعقوب عليه ال�سالم ا�ستطاع ك�شف َز ْيفِ دليلهم هذا من وكذب الدليل داللة على الدليل نف�سه، ُ كذب مدَّعيه ،فهم كاذبون! ج 2:4ر�أى ّ �ضي يف كتابه عن ال�شريف ال ّر ّ املجازات القر�آن ّية � ّأن للآي ِة قراء ًة �أُخرى ف�سره هي ( ِب َد ِم َكدْبٍ ) ،وال َكد ُْب على ما َّ هو َّ بي بال َك ْنعان َّية .وقد ُ يكون ملا قدّمه الظ ُ ّ �ضي وج ٌه؛ من ُ ال�ش ُ حيث �إ ّنهم ال ريف ال ّر ّ
كان على ثقة من ر ّبه يف حتقيق الر�ؤيا ّ إن مشكلتنا – نحن التي ر�آها يو�سف يف منامه وهي ت�ستدعي العربّ ، رقيين الش ّ �أن يظل ح ّياً ،ولهذا قال يعقوب عليه اآلن ليست مشكل ًة يف ال�سالمْ : (بل َ�س َّو َلتْ ل ُك ْم �أ ْن ُف ُ�س ُك ْم � ْأمراً) ودليل ب�صيغة الواثق من �أن ابنه ما يزال حيا، ُ مستويات ذكائنا، ِ وهو نف�س القول الذي قاله يف احلادثة ذلك ّ أن كثيرًا من أبنائنا التي عادوا فيها من م�صر بناء على طلب يو�سف عليه ال�سالم ،وذلك عندما ذهبوا غربون وبناتنا حين ُي ِّ ف�أ�ص َّر على �أن ي�أتوه ب�أخيه ،حيث عادوا طلبًا للعمل أو الهجرة �إىل �أبيهم و�أخربوه بطلب العزيز ،فقال بد ُعون، لهم( :ه َْل �آ َم ُن ُك ْم َعلَ ْي ِه �إِ ّال َك َما �أَمِ ْن ُت ُك ْم َعلَى أو العمل ُي ِ وتظهر نتائج ذكاءاتهم �أَخِ ي ِه مِ نْ َق ْب ُل َفاللهّ ُ َخيرْ ٌ َحافِظاً َوهُ َو �أَ ْر َح ُم ُ ال ّراحِ مِ َ يو�سف عنده ني) .وعندَما �أبقا ُه يف سنين معدودات؛ ورجعوا �إىل �أبيهم و�أخربوه مبا قال لهم يعقوب عليه ال�سالم �أخوهم الأكرب قال ّ ُ إنما مشكلتنا يف مرة �أخرىَ ( :ب ْل َ�س َّو َلتْ َل ُك ْم �أَ ْن ُف ُ�س ُك ْم �أَ ْمراً السائدة العقلية ّ ّ َف َ�صبرْ ٌ َجمِ ٌ يل ع ََ�سى اللهّ ُ �أَ ْن َي�أْ ِت َينِي ِب ِه ْم ُّ والن ُظم ()Systems َجمِ يعاً �إِ َّن ُه هُ َو ا ْل َعلِي ُم الحْ َ كِي ُم) واالقتصادية (يو�سف.)83 / ياسية الس ّ ّ ّ
واالجتماعية. ّ ب َّد مل يذ َب ُحوا �شا ًة ِّ قمي�ص ليلطخوا بها َ ال�سالم ،ولو فعلوا لكا َن يف ُيو�سف عليه ّ ُنق�صانِ املا�شي ِة ٌ دليل على فعلتِهم.
ولقد �أ�شارت �آيات �أخرى �إىل �أن يعقوب عليه ال�سالم كان مت�أكدا من �أن يو�سف ما يزال حيا ير َز ُق ،ومنها قوله لأبنائه بعد � ْأن عادوا من م�صر بدون �أخيهم الأ�صغر( :يا و�س َف َو�أَخِ ي ِه َبن َِّي ا ْذ َه ُبوا َف َت َح ّ�س�سوا مِ نْ ُي ُ وال َت ْي�أَ ُ�سوا مِ ن َّر ْو ِح اللهّ ِ) (يو�سف.)87/ ولأن احلادثة كانت م�ؤملة الوقع على نف�سه ،ولأنه �سيبقى حمروما من ابنه ملدَّة اهلل يعلمها حتى تظهر احلقيقة قال: ( َف َ�صبرْ ٌ َجمِ ٌ يل واهلل امل ُ ْ�س َت ُ عان على ما َت ِ�صفو َن) (يو�سف.)18 /
وهكذا كان القمي�ص بالن�سبة �إليهم دليال على �صدق قولتهم التي حاكوها بناء على ت�صوراتهم عن مدى فهم �أبيهم لنف�س ّياتهم ،وفهمهم هم لنف�سيته فهما قا�صرا. وكان القمي�ص بالن�سبة �إىل يعقوب دليال وبعبارة �أخرى؛ فقد كان دلي ُل الإثبات على براءة الذئب من دم ولده املغدور، (على املوت) عند الطرف الأول دلي َل ودليال على حياة ابنه املظلوم ،ودليال َن ْق ٍ�ض (دليال على احلياة) عند الطرف على ظلم �أبنائه لأخيهم ،ف�ض ً ال عن �أ ّنه الثاين.
47
مقاال
ت ال وسطية
القمي�ص ُ دليل اال ِّتها ِم والرباءة: ُ
48 لكل ذي ب�صرية ،و� ُّ أقل الأدلة على ذلك قوله تعاىل يف َح ِّقه�( :إ ّن ُه من عِ بادِنا المْ ُ ْخلَ�ص َ ني) ،ومعروف متاما يف القر�آن الكرمي �أن ال�شيطان ال �سيطرة له �إطالقا على العباد امل َّت�صفني بهذه ال�صفة؛ �إذ قال �إبلي�س( :ف ِب ِع َّزت َِك لأُ ْغ ِو َي َّن ُه ْم � ْأج َمع َ ني * �إ ّال عِ باد ََك مِ ْن ُه ُم المْ ُ ْخلَ�ص َ ني) (�ص.)83/
مل تنته حكاية القمي�ص عند تلك احلدود ،بل �إن لها �سياقا جديدا �أكرث داللة على �أن �أهل ذلك الع�صر كانوا على درجة عالية من الذكاء والفطنة ،و�أنهم مل يكونوا يحكمون –دائ ًما -بح�سب �أهوائهم� ،أو �آرائهم ال�شخ�صية التي تلعب يف حتديدها العواطف وامليول اخلا�صة لكن الآيات الكرمية تخرب عن �أ�شياء دوراً مه ّماً .تلك هي الق�صة الثانية التي لها داللتها الكبرية يف �سياق تف�سري هذه توردها الآيات الكرمية من رحلة يو�سف كان القميص بالنسبة عليه ال�سالم ،وهي ق�صته مع زليخة إىل يعقوب دليال زوجة عزيز م�صر؛ تلك التي ر َّب ْت ُه يف يو�سف ُ َ يكون بيتِها بو�ص ّي ٍة من زوجِ ها لع ّل على براءة الذئب من مبثاب ِة ابن لها لأنها مل ترزق بالأبناء ،ثم دم ولده المغدور، �شب وي َف َع، �أُعجِ َبتْ به �أيمّ ا �إعجاب بعد �أن َّ و�أ�صبح �آية يف الو�سامة وا ُ حل ْ�س ِن ،واحلكمة ودليال على حياة ابنه ح�س ُب، والعلم ،لك َّنها مل تكتفِ بالإعجاب ْ ً المظلوم ،ودليال على بال�سوء �أمرا بل �س َّولتْ لها ُ نف�سها ال ّأمار ُة ّ ظلم أبنائه ألخيهم، حا َو َل ْتهُ ،فع�صمه اهلل تعاىل منها .يقول تعاىل مخُ ْ ربا عن تلك احلكايةَ ( :ولمَ ّا َبلَ َغ فضال ً عن ّ أنه كان �أَ ُ�ش َّد ُه �آ َت ْينا ُه ُح ْكماً َوعِ ْلماً َو َكذل َِك نجَ ْ زي ربه يف على ثقة من ّ امل ُ ْح�سِ ن َ ني * َورا َو َد ْت ُه التي هُ َو يف َب ْيتِها َعنْ َن ْف�سِ ِه َو َغ َّل َقتِ الأ ْب َ واب َوقا َلتْ َه ْيتَ َل َك قا َل تحقيق الرؤيا التي رآها مَعا َذ اهلل �إ َّن ُه َر ّبي � ْأح َ�س َن َم ْثوايَ �إ َّن ُه ال ُي ْف ِل ُح يوسف يف منامه وهي ّ الظالمِ و َن) (يو�سف.)23-22/ وغاي ُة القول هنا �أنه �أجابها قائال: معاذ اهللِ؛ �أي �أنه رف�ض ما دعته �إليه منذ اللحظة الأوىل ،وهذا الفهم يلغي متاما ما حاول بع�ض ال�ساذجني� ،أو المْ ُغر�ضني، �أن يتق َّوله على نبي اهلل املع�صوم من �أ ّنه أح�س لمَ ّا ه ّمت به ه َّم بها ،و�أنه ملا ر�أى �أو � َّ ما ُّ يدل على اقرتاب العزيز من موقعهما �أعر�ض عنها ،وهذا �أمر مفروغ منه
حيًا، تستدعي أن يظل ّ
الق�صة؛ ومنها �أنها هي التي راودته ،وقد اللي املثري� ،أو بغريه تكون املراودة بالكالم نِّ ِ من ال َّت َع ّري و�إظهار بع�ض مفاتن اجل�سد. ومنها �أنها هي التي غ َّلقت الأبواب ،وهذا ُّ يدل على �أنهما مل يكونا معا يف غرفة ذات باب واحد ،بل كانا يف غرفة �أو قاعة فيها
جمموعة من الأبواب ،وقد تكون قاعة من الق�صر يدخلها العزيز و�أعوانه من احلا�شية ،بدليل �أن العزيز حني جاء كان معه ُ بع�ض � ْأعوانِه؛ وفيهم ال�شاهد من �أهلها الذي �شهد باحلكم عليها ،وبدليل انت�شار اخلرب ح ّتى �أ�صبح مما حت ِّر ُك به ال ِّن�ساء يف املدينة �أل�سنتهنّ (وقال ن ِْ�س َو ٌة يف املدين ِة ْام َر�أ ُة العزي ِز ُترا ِو ُد فتاها عن َن ْف�سِ ه ق ْد َ�ش َغ َفها ُح ّباً) (يو�سف،)30/ ولو �أن العزيز وحده كان الدّاخل ،ملا كان خلروج اخلرب �إىل ن�سوة املدينة �أي �سبيل، مي�س �إذ ال ميكن �أن ُيف�شي �أيٌّ منهم �أمرا ُّ أح�ستْ ثالثتهم جمي ًعا .ومنها �أنها ملّا � َّ نفوره منها بعد الإغراء �ص َّرحتْ مبا تريده قائل ًةَ ( :ه ْيتَ َل َك). ويظهر وا�ضحا من قوله تعاىل: َ حترك باب) �أ َّنه عليه ال�سالم (وا�س َت َبقا ا ْل َ ْ هاربا منها باتجِّ اه �أحد الأبواب ،ث َّم تبع ْته لتم�سك به ،فقد كانت تلك اللحظة بالن�سبة �إليها حلظة الي�أ�س القاتلة ،لقد حلقت به ع�ساها تجُ ْ رب ُه على فعل ال�سوء، �أو ع�ساها ت�ستوقفه لكي يخفي الأمر فال يك�شفه .الفعل واحد منهما ،ولكن غر�ض كليهما من ال ّرك�ض باتجّ اه الباب خمتلف متاما ،هي تريد �إبقاءه يف الغرفة ،وهو يريد الهروب ليفتح الباب املو�صد من الداخل. �أما قوله تعاىل يف الآية نف�سها( :و َق َّدتْ مي�ص ُه مِ نْ ُد ُبرٍ) فقد كان �أمرا طبيعيا؛ َق َ ودا ّال يف الوقت نف�سه على �أنها هي التي كانت حتاول اللحاق به .وعندما (�أ ْل َفيا َز ْو َجها لدى البابِ ) مل جتد �شيئا تتذ َّر ُع به �سوى �إ�شارتها �إليه على �أنه �أراد بها
�سوءاً .ولكن ما الذي جعلها تقول ذلك؟ �أمل يكنْ ب�إمكانها �أن ت�صمتَ دون �أن تثري لنف�سها وللذي حت ُّبه �أي زوبعة قد تباعد بينها وبني �أحالمها للأبد؟ واجلواب عن َ يو�سف امل ْقدُودُ، قمي�ص ذلك بب�ساطة هو ُ ْ والو�ض ُع الذي �أ ْل ِف َيتْ عليه؛ فلوالهما ملا كان هناك دا ٍع لإثارة امل�س�ألة. َ يو�سف ويبدو من الآيات الكرمية �أن عليه ال�سالم قد �سبقها �إىل الباب املو�صد، وفتحه عندما كانت قد ق َّدتْ قمي�صه من ُد ُبر ،وحني فتح الباب كانت هي وراءه ال تزال مم�سكة بقمي�صه املقدود ،وله ْول املفاج�أة َح ِ�ص َرت بالقولِ ،فلَ ْم ت�ستط ْع �أن تقول �شيئا �سوى (ما َجزا ُء َمنْ �أرا َد َذاب �ألي ٌم) ِب�أهْ ل َِك �سوءاً �إ ّال � ْأن ُي ْ�س َج َن �أ ْو ع ٌ (يو�سف.)25 / والقول ال�سابق ٌّ دال على �أنها كانت ُتريد الإبقاء على يو�سف ح ّياً؛ لأنها حتبه، وترغب يف و�صاله وت�شتهيه ،ولوال ذلك لقالت�( :إال �أن ُي ْق َت َل �أو ُي َ�ص َّل َب) ،وهذان من �أنواع التعذيب والإعدام امل�شهورة عند �أهل ذلك الزمان ،ولي�س ال�سجن �أو التعذيب امل�ؤمل �أق�صى جزاء ميكن �أن يناله املرء يف عهدهم ،بل هما حكمان ُ الغر�ض منهما الإبقاء عليه - مخُ َ َّففان عليه ال�سالم -حياً لتحقيق ال�شهوة ولو بعد حني ،و�إيها ُم العزيز �أنها غري رفيقة بيو�سف على ما فعله (لو كانت �صادقة!). �أما قول يو�سف عليه ال�سالم( :هِ َي را َو َد ْتني عن َن ْف�سي) (يو�سف )26 /فهو دليل على �أنه دافع عن نف�سه بالقول ،وهو نبي يعرف �أنه م�ؤ ّي ٌد من ر ِّبه ،وهذا يقود ٌّ
�إىل �أن الإن�سان عليه �أن يعقل ويتوكل .كان امل ّتهم ،ويف كلتا احلالتني قدّم احل ْك َم عليها ب�إمكانه �أن يركن �إىل عدالة اهلل وحدها يف الآية لأنها املدّعية ،ولأنه راعى يف ذلك ويكتفي ،ولكنه �أدرك �أن عليه �أداء واجبه كونها امر�أة العزيز. يف دفع الأذى عن النف�س باملُتا ِح �ض ْم َن وداللة هذا القول وذلك التحليل �أن ُحدود ال�شر ِع. القوم تعاملوا مع الق�ضية على �أنها ويف قوله تعاىلَ ( :و َ�ش ِه َد �شاهِ ٌد مِ نْ جرمية يجب التحقيق فيها ،و�أن التحقيق �أهْ لِها) ٌ دليل على �أن العزيز عندما ر�أى ما الذي �أجري كان مبنيا على الأقوال التي ر�آه ،وحني قالت زليخة ما قالت ،مل ي�أخذ �أبداها كل منهما ،وعلى الأدلة املادّية بالذي ر�آه ،ومل ي�صدِّق زوجته يف ما قالته وحتليلها .وهذا من الأدلة الوا�ضحة على مدَّعي ًة ،بل �إ َّنه حاول ال َّت َث ُّبت من �أقوالها �أن الب�شرية يف خمتلف �أع�صارها كانت و�أقوال يو�سف عليه ال�سالم ،واحل�صو َل متتلك احلكمة والذكاء ،و�أن ذلك الذكاء منطقي ملا ر�آه .وقد كان من�سجما مع ما يف احلياة من تقاليد ري مقبول على تف�س ٍ ٍّ كان امل�ست�شار يف ذلك الأمر �أح َد �أهلها؛ وعادات وموجودات وتعقيدات يف كل ع�صر ك�أن يكون من �أقاربها �أو حا�شيتها ،ولك َّنه من الع�صور. بال�ضرورة كان م�ؤمتنا عند العزيز� ،أو وقد كان التحليل الذي ا�ستخدمه ْ قل قا�ضي التحقيق يف الق�ضايا ّ اخلا�صة ال�شاهد من �أهلها منطقيا متاما لمِ ا يف ب�ش�ؤون الق�صر .وكل ذلك دليل وا�ضح على منطقة اجلرمية املُدَّعا ِة من �أدلة مادية، �أن �أولئك القوم ما كانوا يتعاملون مع كالم ومعار�ضة تلك الأدلة بالأقوال التي الب�شر بح�سب مراتبهم ،ولو كان كذلك ملا قالها كل من الطرفني ،وهذا يعني �أن ا�ستدْعى الأم ُر من العزيز �أن ي�ستفتي يف تفكري الب�شر كان دائما مما ميكن �أن احلادثة ،لكنهم كانوا عقالنيني ي�أخذون ي ّت�سم باملنطقية والعقالنية واال�ستناد بالدليل املادّيِّ وحتليله ،وال يقبلون �إىل الدالئل والرباهني ،ولكنه كان ب�سيطا لأنه كان مرتبطا بب�ساطة الأ�شياء واملوا ّد الأمور بدون الربهنة على ما فيها. والعالقات .كانت اجلرائم ب�سيطة، والقول ُ مناط ال�شاهدِ يف ذلك ك ِّله هو ولذلك كانت �أد َّلتها ب�سيطة من نوعها، تلك ال�شهادة التي قدَّمها ذلك القا�ضي، ومنطقية التفكري فيها تت�سم بالب�ساطة وهو قولهْ �( :إن كا َن َق ُ ُ مي�ص ُه ق َّد مِ نْ لأنه ال تعقيد فيها وال يف �أد ّلتها .ولعل ُق ُبلٍ َف َ�ص َد َقتْ َوهُ َو مِ َن الكاذِب َ ني * َو�إِ ْن هذا من �أكرب الأدلة على ما قدّمنا ،ومثله كا َن َق ُ مي�ص ُه ُق َّد مِ نْ ُدبُرٍ َف َك َذ َبتْ َوهُ َو جرمية �إخوة يو�سف الأوىل التي كانت ال�صا ِد ِق َ مِ َن ّ ني) (�أية26/ـ .)27وقد قدَّم مك�شوفة معروفة متاما ليعقوب عليه احتمال �صدقها هي على احتمال �صدقه ال�سالم؛ لأن الأدلة التي جاء بها �أبنا�ؤه هو لأنها املدَّعية ،ولذلك ناق�ش احتمال مل تكن منطقية حني عُور َِ�ضتْ مبالب�سات �صدق قولها مبعار�ضته بالدليل املاديّ ،احلدث الزمانية واملكانية و�سياق حدوثه، ثم �أتى باالحتمال املقابل وهو �صدقه لأنه ومعار�ضة ذلك كله ب�أقوالهم.
49
مقاال
ت ال وسطية
و ُي ْ�س َتد َُّل من الآية التالية ( َفلَ ّما ر�أى مي�ص ُه ُق َّد مِ نْ ُدبُرٍ ) (�آية� )28/أ َّن القوم َق َ مل يروا قمي�ص يو�سف عليه ال�سالم مقدودا قبل ذلك ا ُ حل ْكم ،و�إمنا ر�أ ْوه بعد حكم ال�شاهد حني �أراد العزيز �أن يتث ّبتَ من ذلك احلكم ،وذلك �أدْعى لأن يكون حكمه �صادقا ودقيقا؛ لأنه حكم ُبن َِي على متييز الأقوال والتدقيق يف ال�صورة التي ُ�ض ِب َط فيها االثنان .ولكن لمِ َ لمَ ْ يتحدّث ال�شاهد من �أهلها عن قمي�صها مثال؟ يو�س َف �أَ َول ْي َ�س يف ذلك �شاه ٌد على ُج ْر ِم ُ عليه ال�سالم �أو براءته؟
50 (من ُق ُبل) ،ففي احلالتني �سيكون دليال على جترميه .و�أما الأخرى فهي لأن دهاء ُز َليخ َة الذي جعلها تخرتع تلك الق�صة عن حماولة اغت�صابها ،ال ميكن �أن يكون قد حا َل دون حماولتها تلفيق دليل �آخر ال ّتهامه؛ فهي �إما �أنها راودته عن نف�سه عارية دون قمي�ص �أو ثياب� ،أو �أ ّنها ق َّدتْ هي ثيابها عن ج�سدها لتثريه من َق ْبل� ،أو زوجها بالباب عند حلاقها به و�إدراكها �أن َ لتثبت التهمة عليه .ويبدو �أنها فعلت الثانية منهما؛ لأنها لو ُ�ض ِب َطتْ عارية ملا كان لأقوالها تلك القيمة يف التحقيق، ولهذا قال العزيز بعد ثبوت التهمة عليها: (�إ ّنه مِ نْ َك ْيدِ ُكنَّ �إ َّن َك ْي َد ُكنَّ عَظِ ي ٌم).
َط ِل َبتِها ،وعندما جمعت ن�سوة املدينة الالئي قلن يف حكايتها ما قلن ،وعر�ضته عليهن ّ وقطعن �أ�صابعهن ملّا نظرن �إليه، و�صب ْو َن �إىل جماله ،قالت زليخة( :ول َق ْد ا�س َت ْع َ�ص َم و َلئِنْ ْ مل َي ْف َع ْل را َو ْد ُت ُه َعنْ َن ْف�سِ ِه َف ْ ما �آ ُم ُر ُه َل ُي ْ�س َج نَ َّ ال�صاغِ َ رين) ن َو َل َي ُكوناً مِ َن ّ (يو�سف .)32/واختار عليه ال�سالم ال�سجن على ما دَع ْت ُه �إليه ،و�أعانه ر ُّبه ف�صرف عنه كيدهن .ولكنهم على الرغم من كل �شيء، وبعدما تبينَّ لهم من الرباهني والأدلة املادية ما تبينَّ� ،آثروا �سجنه ملدة حمدودة، وذلك بيان قوله تعاىلُ ( :ث َّم َبدا ل ُه ْم مِ نْ ب ْعدِ ما ر�أ ُوا الآياتِ َل َي ْ�س ُج ُن َّن ُه ح ّتى حنيٍ) (يو�سف.)35 /
وال�سبب يف ما نرى وا�ضح متاما؛ ويكمن يف ق�ضيتني؛ �أوالهما �أن َق َّد قمي�صها من �أي ناحية كان �سيكون دليال على ُج ْر ِم وملا ثبتت براءته عليه ال�سالم من التهمة وهكذا كان القمي�ص يف هذه الق�صة يو�سف� ،سواء �أكانت هاربة منه (من ُد ُبر) املوجهة �إليه ،جنا من العقاب الذي �أرادته �أي�ضا دلي َل �إثباتٍ ون ْق ٍ�ض؛ دلي َل ا ِّتها ٍم �أم مقبل ًة عليه وهو يحاول �صدَّها عنه له زليخة ،ولكنها مل تي�أ�س من �إدراك ليو�سف عليه ال�سالم ،ودليل براءته من املوجهة �إليه. التهمة َّ ُ و�سيلة ِّ ال�شفاء: القمي�ص ُ ويف مر ٍة �أُخرى يلعب قمي�ص يو�سف عليه ال�سالم دورا مهما ،وذلك حني فقد �أبوه الب�صر بعد �أن ا ْب َي َّ�ضتْ عيناه من احلزن ،وكان ذلك بعد عودة �أبنائه من م�صر بدون �أخيهم الأ�صغر ،وبعد �أن ا�ستمع دعواهم فيه �أنه �سرق ،فلم ي�صدقهم يف املرة الثانية كما ك َّذ َبهم يف املرة الأوىل .عندما �أخربوه بذلك ر َّد عليهم بالتكذيب ث َّم ( َت َولىَّ َع ْن ُه ْم َو َقا َل يو�س َف َوا ْب َي َّ�ضتْ َع ْينا ُه يا �أَ َ�سفا َعلَى ُ مِ َن الحْ ُ ْزنِ َف ُه َو َكظِ ي ٌم * قالوا َتاللهّ ِ و�س َف ح ّتى َت ُكو َن َح َر�ضاً �أَ ْو َت ْف َت�أُ َت ْذ ُك ُر ُي ُ َت ُكو َن مِ َن ا ْلهَا ِل ِك َ ني) .ومن اجلدير بالذكر
�أنهم كانوا يلومونه لكرثة ذكره ليو�سف وتمَ َ ِّني ِه عَودته ،وهو دليل �صادق على �أنه عليه ال�سالم كان واثقا من كذب �أبنائه عندما �أخربوه بق�صة الذئب.
وجدير بالذكر � ً أي�ضا �أن عيني يعقوب عليه ال�سالم ا ْب َي َّ�ضتا بعد فقدانه البنه الآخر؛ �أيْ بعد فقدان يو�سف مبدّة لي�ست بق�صرية ،لأن يو�سف يف ذلك الوقت كان قد �أ�صبح عزيزاً يف م�صر بعد ت�أويله لر�ؤيا الفرعون ،وهُ و كان قد ُفق َد �صغريا. ولقد �أعطى يو�سف �إخوته قمي�صا له عندما ع َّرفهم نف�سه وطم�أنهم على �أنف�سهم قائ ً ال( :ا ْذ َه ُبوا ِب َقمِ ي�صي هذا َو�أَ ْل ُقو ُه َعلَى َو ْج ِه �أَبِي َي�أْتِ َب ِ�صرياً) وح ًّقا حتقق ذلك عندما (�آيةَ .)93 / كانت القافلة التي �ض َّمتْ يعقوب عليه ال�سالم و�أهله جميعا �إىل م�صر تقرتب منها ،وحني ت َن َّ�س َم يعقوب رائحة يو�سف عليهما ال�سالم ،وك َّذ َب �أه ُله ظ َّن ُه ،حينها ري يحمل ذلك القمي�ص جاء ال َب�ش ُ الذي حمل ال�شفاء؛ يقول تعاىلَ ( :ولمَ ّا ري َقا َل �أَبُوهُ ْم ِ�إنيّ لأَجِ ُد � ْأن َف َ�صلَتِ ال ِع ُ و�س َف َل ْوال � ْأن ُت َف ِّندُونِ * َقا ُلوا رِي َح ُي ُ مي * َفلَ ّما َتاللهّ ِ �إ َّن َك َلفِي َ�ضالل َِك ا ْل َقدِ ِ ري �أَ ْلقا ُه َعلَى َو ْج ِه ِه َفا ْر َت َّد � ْأن َجا َء ا ْل َب�شِ ُ َب ِ�صرياً) (�آية!)96 -94/ هكذا كان القمي�ص الذي ا�ستعمله الأبناء دليال على موت يو�سف ،وا�ستعملته زليخة دليال على اتهامه بالفاح�شة ،دليال ليعقوب على حياة ابنه ،ودليال لل�شاهد والعزيز على براءته مما ُن�سِ َب �إليه ،وكان �أخريا �شفا ًء ل َع ْي َني �أبيه عليهما ال�سالم. ال�سور َة بهذه وميكن القول � ّإن هذه ّ
ال ّتفا�صيل الدّقيقة دليل قاطع على ثباتِ ال ّذكاء الإن�ساينِّّ � ،أما الذي يتط ّور فهو املعارف والعلوم .ولع َّل هذا ينفي القو َل تمَ اما ب� ّأن ال ّذكا َء يتط َّور على م ِّر ال ّزمانِ ؛ بل ي�ؤ ِّكد � ّأن ال ّذكاء الإن�سا ّ ين �إنمّ ا هو كامن يف قدرة الإن�سانِ على مُعاجلة املعلومات والبيانات املتن ّوعة التي مت ِّثل امل ُ َ دخالت، لتكون نتيجة ذلك مخُ رجات متنا�سب ًة ميا ِقدَم مع تلك املُد َْخالت؛ كا َن هذا قد ً ال ُوجود الإن�سا ّ ين ،و َلن يزا َل مُ�ساي ًرا لركب احلياة الإن�سان ّية على هذا الكوكب. انب ال ّنتائج ولع ّلنا من هُ نا �أي�ضا نجُ ُ تو�صل �إليها الأ�ستاذ اجلابري التي ّ حني حتدّث عن تمَ ا ُيز ال ُعقول الب�شر ّية بح�سب ا َ جلماعات العرق ّية التي تنتمي العربي بعي ٌد �إليها؛ فكالمُه على العقل ّ ال�صواب ،ولو �أ ّنه ف�ص َل يف الأمر من ّ على �أ�سا�س من (العقل ّية – ال ِّذهن ّية) لكان الأم ُر �أ ْدعَى للقبول واملناق�شةّ � .أما تف�صي ُل عُقولٍ ب�شر ّية ،وتوزي ُع ال ّنا�س على هذه الفئاتِ من (ال ُعقول) فهو �أم ٌر لي�س بعيدًا الب َّتة َع ّما �شهدنا ُه عند �آرن�ست الفرن�سي ،ال �س ّيما �أ ّنه قد رينان املتط ّرف ّ ا�ست َن َد �إىل ال ّتق�سيماتِ ال ّتورات ّية يف �إثباتِ ري بعيد �أي�ضا ِ�ص َّح ِة ُمدَّعاهُ؛ ولع ّله غ ُ عن ذلك ال ّت�صنيفِ الذي جنِ د �آثاره عند اجلاحظ للأمم ،حني �ص ّنف الب�شر ّية ِ ِ�ص ْن َفني :جع َل العرب وفار�س وال ّروم نف ،و�سائر الأمم الأُخرى والهن َد يف ِ�ص ٍ َه َم ًجا ال �س ّيما (ال ّزنوج) .ف َكما كا َنت ر�ؤية اجلاحظ ناجت ًة عن مركز ّية ح�ضار ّية عرب ّية ،وكانت ت�صنيفات رينان ناجت ًة عن مركز ّية ح�ضار ّية �أورورب ّية ،ف� ّإن ت�صنيفات اجلابريّ قابع ٌة يف منطقة ُو َ �سطى ب َ ني ها َتني :مركز ّية ح�ضار ّية غرب ّية (ما أوروبي) ،ومركز ّية بعد اال�ستعمار ال ّ
عرق ّية جغراف ّية ح َ العربي ني جعل العقل ّ (بحكم انتمائه املغاربي ُبرهان ّيا ال عرفان ّيا ُ ّ وبحكم انتِماء املغرب لأوروبا للمغرب �أ ّوالُ ، ح�ضار ّيا وثقاف ّيا). � ّإن م�شكلتنا – نحن العربّ ، ال�شرق ّيني الآن لي�ست م�شكل ًة يف م�ستوياتِ ذكائنا،ودلي ُل ذلك � ّأن كثرياً من �أبنائنا وبناتنا حني ُيغ ِّربون طل ًبا للعمل �أو الهجرة �أو العمل يُبدِ عُون ،وتظهر نتائج ذكاءاتهم يف �سنني معدودات؛ �إنمّ ا م�شكلتنا يف ال�سائدة وال ُّن ُظم ()Systems العقل ّية ّ ال�سيا�س ّية واالقت�صاد ّية واالجتماع ّية .كما ّ � ّإن م�شكلتنا لي�ست كامن ًة يف تو ّفر املعرفة �أو و�سائل املعرفة؛ لك ّنها ماثل ٌة متا ًما يف توظيف هذه املعرفة وو�سائلها من �أجل حتقيق �أهداف ُت ْر َ�سم و ُي َخ ّطط لها بد ّقة مبا يتوافق مع حقوق جمتمعاتنا وتط ّلعاتها ،وهو ما تتن ّكر له ّ الط ُ بقات ال�سيا�س ّية و ُتهمله ال ُّن ُظم االقت�صاد ّية ّ وال ّتعليم ّية والثقاف ّية واالجتماع ّية. ولع ّلنا ننهي كالمَنا هُ نا باحلديثِ ال�سائد اليو َم يف علم ال ّنف�س احلديث ّ عن � ّأن ال ّذكاء ذكاءات ،منها اللغويّ واملو�سيقي واملَكا ّ وا�صلي ين وال ّت يا�ضي ّ ّ وال ّر ّ (بني ّ خ�صي) ،و� ّأن لك ّل نو ٍع من ال�ش ّ وحقو َله �أنوا ِع ال ّذكاءاتِ هذه مَظاه َره ُ و�أ�ساليب تروي�ضه وتفعيله .ويبدو َلنا � ّأن َ بع�ض هذه الأنواع من ال ّذكاءاتِ ي�سو ُد خا�صة ،ولهذا يتقدّم يف �أمكن ٍة �أو �أزمن ٍة ّ امل ّت�صفو َن بذلك ال ّنوع �سائ َر امل ّت�صف َ ني ب�أنواع ال ّذكاءاتِ الأُخرى ،وتعلو القيم ُة االجتماع ّية له�ؤالء والقيم ُة االقت�صاد ّية تلبث ال ُ لذلك ال ّنوع ،وما ُ أحوال �أن تتح ّول، وي�سو َد نو ٌع �آخ ُر ،وتعلو القيم ُة االجتماع ّية للمتح ّلني به.
51
درا
سات إسالمية
52
تأمالت إدارية في سورة يوسف ( الجزء الثاني ) نتابع يف هذا اجلزء الثاين حول النواحي الإدارية وال�سيا�سية ،والتي �أ�شارت لها �آيات �سورة يو�سف ،لرتبية اجلماعة امل�سلمة يف مكة على �ش�ؤون الإدارة وال�سيا�سة ملجتمع �إ�سالمي كبري ووممتد ،و�سيكون خمتلف ًا عما اعتادوا عليه من �أمناط الإدارة وال�سيا�سية. .قوله تعاىل� ( :إذ قالوا ليو�سف و�أخوه �أحب �إىل �أبينا منا ونحن ع�صبة ) مبد�أ �آخر من مبادئ قيادة النا�س �أال وهو �أن املتميز من الأفراد حم�سود الدكتور �سليمان الرطروط
من �أفراد املجموعة الآخرين ،وعلى قائد املجموعة �أن يتنبه لذلك ،لذا تبد�أ املجموعة ( الع�صبة ) بتلفيق االتهامات وو�ضع العراقيل يف طريق املتميز واختالق الأكاذيب ...الخ كل ذلك لتحطيم املتميز وت�شويه �صورته �أمام القائد .و�أ�شار لذلك احلديث ( كل �صاحب نعمة حم�سود) ،فتميز �أحد �أفراد املجموعة �سبب كاف حل�سد الفا�شلني والك�ساىل العاجزين ،وبع�ض من تبلدت عقولهم ،وق�صرت همتهم.
ومبد�أ �آخر ت�شري �إليه الآية وهو �أن الع�صبة �أو اجلماعة تظن نف�سها وتعتقد �أنها �أحق من غريها للخري وجلب املنفعة ،ب�سبب الكرثة فقط، ولي�س ب�سبب التميز والكفاءة ،فهم جعلوا �أنف�سهم الأحق والأجدر بحب الأب (القائد للجماعة) لهم ب�سبب كرثتهم ولي�س لعلة تفوقهم.ويف املجال ال�سيا�سي يظن البع�ض وخا�صة يف املجتمعات العربية التي تقوم على القبلية �أن �أبناء القبيلة الأكرث عدداً، هم الأجدر باحلكم وال�سيا�سة والإدارة وا�ستالم املنا�صب العليا ،على الرغم من وجود �أفراد من قبائل �أقل عدداً على درجة من الكفاءة �أف�ضل من �أفراد القبيلة الأكرب. و�إذا كان البع�ض يرجح �أن ال�سبب الأبرز والأ�سا�سي حلب يعقوب ليو�سف هو جمال ال�صورة دون �شيء �آخر، فالذي �أظنه �أن ذلك لي�س هو ال�سبب احلقيقي ،فقد يكون اجلمال �إحدى �أ�سباب وم�سوغات احلب ،ولكن العلم والذكاء و�سرعة البديهة ،والتي على ما يبدو ظهرت على يو�سف ،واكت�شفها يعقوب؛ هي ال�سبب احلقيقي لهذا احلب ،بالإ�ضافة جلمال ال�صورة ،فلو �أن �أحد الأطفال كان جمي ً ال ،ولكنه عدمي الذكاء بليد احل�س ،فهل �سيكون والده حمباً له ك�أخيه الذي �أقل منه جما ًال ،ولكنه يفوقه ذكاء وفطنة؟ ومثل ذلك ينطبق على الن�ساء ،فلو �أن هنالك امر�أة جميلة فائقة اجلمال ولكنها يف
منتهى الغباء وانعدام الفطنة ،وقلة العقل ،فهل يعجب املرء بها ويقدمها على غريها من الن�ساء ،حتى لو كانت الأخرى �أقل منها جما ًال و�إ�شراقاً ،ولكن تفوقها ذكاء وانتباهاً وحدة ذهن؟
احلقائق والأمور ،وقد تلج�أ لأ�ساليب عنيفة وغري متوقعة لتحقيق غايتها، ويكون م�سوغهم �أنهم يريدون الإ�صالح ،و�أنهم بعد فعلهم ال�سيئ هذا �سوف يتوبون ويعودون لر�شدهم .وميكن �أن نطلق على هذا الأمر ا�ستخدام العنف للتغيري.
ف�إذا كان املر ء جميل ال�صورة ، �سليم املنطق والتفكري ،وقاد الذهن والف�ؤاد،و�سريع البديهة واجلواب ،وقد ينطبق هذا على بع�ض الأفراد عايل الهمة ،مع تربية و�أدب جم ،كان يف امل�ؤ�س�سات؛ فقد يقول بع�ضهم الأحق بحب النا�س له وتقدميه على �أنهم بحاجة لبع�ض املال حلاجتهم ال�ضرورية ،فيقومون ب�سرقته من غريه. امل�ؤ�س�سة �أو قبول الر�شوة ،ويقولون �إنها وق�ضية �أخرى ت�شري �إليها الآية،وهي مرة واحدة ..الخ �أن �إظهار حب القائد لأحد �أفراد املجموعة من �أ�سباب غرية الآخرين وبعد ذلك يعودون عن هذا الفعل من �أفراد املجموعة ،والتي تدفعهم ويتوبون �إىل اهلل ،ويكونوا �صاحلني للحقد واحل�سد لل�شخ�ص املحبوب ،ولكنهم �إن فعلوا ذلك فمن ال�صعب �أن ،مع �أن الأ�صل �أن ينظروا �إىل �سبب يعودوا بعد �أن ك�سروا احلاجز النف�سي حبه وتقريبه ،حتى يفعلوا مثله ،ال �أن للإقدام على فعلهم ،وهذا ينطبق على يتمنوا زوال النعمة عنه ،و�أن يكونوا جميع املعا�صي واملحرمات .وقد يربر هم بد ًال منه ،ولكن البع�ض يرغب مثل البع�ض فعلته �أنهم يقومون بعمل الكثري باحل�صول على الثمرة والنتيجة كبري وكثري وما يتقا�ضونه من �أجر ب�أ�سرع وقت ممكن وبجهد قليل .ولذا �أقل بكثري من قيمة عملهم ،وقد يقول على القائد �أن ي�ضبط م�شاعره ،و�أن البع�ض �إن امل�ؤ�س�سة تربح من عملهم يعامل مر�ؤو�سيه �سوا�سية ،ويعمل قدر �ضعف ما ي�أخذونه مئات املرات ،وهذا طاقته على عدم �إثارة م�شاعر الغرية حدا بالبع�ض �إىل ت�سيل ال�شيطان لهم بتكفري �أغلب النا�س وا�ستباحة �أموالهم، واحل�سد لديهم. بل �إن البع�ض من اجلهلة يبيح �أموال قوله تعاىل ( :اقتلوا يو�سف �أو الدول والأفراد غري امل�سلمني مع �أنه اطرحوه �أر�ضا) ت�شري الآية �إىل �أن يعي�ش يف تلك الدول وبت�أ�شرية �إقامة الع�صبة واجلماعة عندما ترى الأفق منها ،وهذا الأمر حمرم �شرعاً ،وهو م�سدود يف وجهها لتغيري �أمر ما ،عندئذ من تدلي�س ال�شيطان. تلج�أ لأ�ساليب عنيفة للتغيري وقلب
53
درا
سات إسالمية
و�أمر �آخر ت�شري �إليه الآية وهو � :إن يو�سف و�أخوه �أحب �إىل �أبيهم ،ولكن كان قرارهم ب�ش�أن يو�سف فقط ،فهو �أ�شد خطراً عليهم ،بالإ�ضافة �أن قتل اثنني �أعظم وقعا على �أبيهم ،ثم �أن الأكرث حبا لأبيهم هو يو�سف ،فما بينهم وبني يو�سف م�سافة بعيدة ولكنها قد تكون متقاربة نوعا ما مع �أخي يو�سف بنيامني.وت�شري الآية ملبد�أ مهم �أن الأمر الأخطر هو الأوىل بالدفع والإبعاد من اخلطر الأقل. ( قال قائل منهم ال تقتلوا يو�سف و�ألقوه يف غيابة اجلب) ت�شري الآية لعدة ق�ضايا؛ منها :ال�شورى لكل �أفراد املجموعة عند اتخاذ �أي قرار ،ف�إخوة يو�سف طرحوا امل�شكلة وهي حب �أبيهم ليو�سف و�أخوه ،وطرحوا كيفية نيل ر�ضا وحب الأب،وتو�صلوا لنتيجة �أن يو�سف هو الأحب لأبيهم ثم �أخاه بنيامني، و�أنهم لن ي�ستطيعوا اال�ستحواذ على حب �أبيهم ما دام يو�سف �أمام ناظريه، ثم درا�سة ال�سبل املمكنة لإبعاد يو�سف الأخطر يف نظرهم ،فكانت وجهة نظر �أكرثيتهم �أن يقتلوا يو�سف ،ولكن �أحدهم �أ�شار عليهم بر�أي �آخر �أقل �ضرراً ليو�سف ،وجرمه �أخف عليهم ،ويحقق ما ي�صبون �إليه ،و�شرح ر�أيه �أمامهم ،حيث �أقنعهم به. ومما ت�شري �إليه الآية �أنه عند تداول الر�أي وامل�شورة مل�شكلة ما ،فيجب طرح الر�أي من �صاحبه بحرية مطلقة
54 ودون خوف �أو وجل ،و�أن تعطى احلرية واملنفعة وحب اخلري �...إلخ( و�إنا له ل�صاحب الر�أي ب�إبداء ر�أيه �سواء كان لنا�صحون �أر�سله معنا غداً يرتع ويلعب امل�ست�شار كبريا �أم �صغريا ،فمجل�س و�إنا له حلافظون) عمر بن اخلطاب وهو جمل�س الر�أي و�أحياناً �صاحب املقرتح يطلب وال�شورى كان يجمع الكثري من النا�س الإ�شراف على تنفيذ مقرتحه ويبدي مثل �أبي �سفيان كبري قري�ش و�شيخهم احلما�سة والعاطفة ال�شديدة لذلك. ،وابن عبا�س ال�شاب �صغري ال�سن بالغ ( قال �إين ليحزنني �أن تذهبوا به الذكاء والفطنة. و�أخاف �أن ي�أكله الذئب و�أنتم عنه وت�شري الآية �إىل �أن عمل �أخف غافلون ) ت�شري الآية �إىل �أن يعقوب الأمرين و�أي�سرهما �أوىل من غريه عليه ال�سالم بينّ مقدار حبه ليو�سف �إذا حتققت الغاية وامل�صلحة والهدف بحيث �أنه ال يطيق فراقه والبعد عنه، ،فالو�صول للهدف يكون ب�أق�صر و�أنه يحزن لعدم ر�ؤيته ،ويخ�شى عليه الطرق ،و�إن كان الأمرين كلهما �شر الأخطار ،ومن �أي �أذى قد ي�صيبه ومن حم�ض ،فليكن �أخف ال�شرين �أوىل ذلك الذئب ،وهذا على ما يبدو مما بالفعل . قد زاد من حقدهم وح�سدهم وكرههم ( قالوا يا �أبانا مالك ال ت�أمنا على ليو�سف ،لأن �أوالده الآخرون يذهبوا يو�سف و�إنا له لنا�صحون ) وت�شري ويغيبوا عنه فال يحزن عليهم ،وال الآية على �أن لي�س كل ما يعر�ض على يخ�شى عليهم اخلطر ،كما هو احلال الرئي�س من �أمور قد يكون الهدف منها بالن�سبة ليو�سف ،وك�أنه قد زاد من خريا له �أو ملجموعته �أو لأحد �أفراد �إ�صرارهم وعزمهم ،و�أعطاهم دفعة تلك املجموعة ،بل عليه �أن يدقق فيما قوية لتنفيذ ما اتفقوا عليه. وراء هذا العر�ض من �أهداف حقيقية وي�ستنتج من ذلك �أن على القائد �إن ،ويت�أنى يف اتخاذ القرار .فلي�س كل كان يحب �أحد �أفراد املجموعة �أو �أحد مقرتح يكن هدفه هلل .وال يعني هذا مر�ؤ�سيه �أن اليبدي هذا احلب له �أمام �أن كل مقرتحات بع�ض �أفراد املجموعة الآخرين ،بل �أن يعاملهم �سوا�سية �صادقاً ،بل �إن بع�ضها تكون له م�آرب ك�أ�سنان امل�شط ،و�أمر �آخر ت�شري �إليه �أخرى لتحقيق منفعة للمقرتح� ،أو الآية كما ذكر بع�ض املف�سرين وهو عدم �إحلاق �ضرر بالآخرين .فلي�س كل ما �إظهار القائد للمخاطر �أمام الآخرين يطلبه الآخرون فيه خري و�إن كان املتوقع منهم الإ�ساءة للجماعة، ظاهره خرياً. فيعقوب عليه ال�سالم بذكره للذئب وهذه املقرتحات تكن مربرة بالن�صح وخوفه منه على يو�سف وك�أنه �أوحى
لهم و�أ�شار �إليهم دون �أن ي�شعر بتربير غياب يو�سف ،و�أنه �إمنا جاء ذلك الأمر املتوقع واملعقول وهو الذي ذكره ،فال يكون منه �إال اال�ست�سالم للموقف .فذكر املخاطر والأمور ال�سيئة املتوقعة تعطي تربيراً �سه ً ال ومقبو ًال للمت�آمرين على ال�سيا�سي �أو الإداري لإف�شاله ،وك�أنه يدين نف�سه بنف�سه.
وميكن �أن ن�سمي هذا الأمر باملدارة لوقت معني ،مع التدقيق والتمحي�ص يف الأدلة .وذكر بع�ض املف�سرين �سبب مدارة يعقوب لهم مع علمه اليقيني بكذبهم ،بربروا ذلك بخوف يعقوب منهم ،و�أنهم قد يعمدون لقتله. وهنا مبد�أ �آخر من مبادئ ال�سيا�سة والإدارة ينبغي لل�سيا�سي �أو الإداري التحلي به ؛وهو ال�صرب والأناة والتحكم بالعواطف وعدم �إثارة اخل�صم ،فالأب ي�صرب على �أبنائه ،واملدير ي�صرب على موظفيه ،واحلاكم ي�صرب على رعيته، وي�سو�سهم باللطف والرفق ما كان ذلك ممكناً ،ويتحمل عرثاتهم وغفلتهم، فما كان الرفق يف �شيء �إال زانه.
( وجا�ؤا �أباهم ع�شاء يبكون) وي�ستنتج من ت�صرف �إخوة يو�سف عدة �أمور �إدارية و�سيا�سية ؛ منها �أن البكاء يف هذه احلالة والت�أثر واالنفعال قد ال تدل على احلقيقة،و�أن ا�ستخدام البع�ض للعواطف اجليا�شة والنبيلة ال تعني دائماً �أن مق�صود من ي�ستخدمها احلق ،بل �أحياناً وخا�صة يف ال�سيا�سة واملق�صود بال�صرب اجلميل ؛ ال�صرب ما ت�ستخدم تلك العواطف لأغرا�ض الذي ال ت�ضجر معه ،فقد ي�صرب املرء ومقا�صد �أخرى . ولكنه يف الوقت نف�سه كثري ال�شكوى و�أمر �آخر �أنهم �أتوا بقمي�ص يو�سف والت�أمل ،وعند ذلك يجب �أن يدرك وقد غطاه الدم ،وتلك حيلة �أخرى � ،أن ت�ضجره و�شكواه و�إظهار الأمل لن للمحاولة منهم لإقناع يعقوب ب�صحة ي�أتي له بخري �أو يدفع عنه �ضراً ، كالمهم ،ولكن على ال�سيا�سي �أحياناً �أما ال�صرب اجلميل فهو كظم للظلم مدارة البع�ض والإظهار لهم بالت�صديق والغيظ ،ي�صطحبه عدم �إظهار احلزن عندما ال يكن لديه معلومات �أكيدة ،والت�أمل ،وعدم ت�أنيب للطرف الآخر، ولكن مع الإ�شارة لهم �أنه غري مقتنع حتى ت�أتي الفر�صة املنا�سبة والوقت متاماً مبا يقولون ،ولذا ورد على ل�سان املالئم لتحقيق مراده ،وك�شف الغطاء يعقوب عليه ال�سالم �أنه قال لهم :ما عن احلقيقة. �أرحم ذلك الذئب الذي مل ميزق قوله ( و�شروه بثمن بخ�س دراهم قمي�ص يو�سف!!! ومع ذلك قال لهم معدودة ) ون�ستنبط قاعدة �أخرى يف ( بل �س ّولت لكم �أنف�سكم �أمراً ف�صرب الإدارة وهي �أن تدين ثمن الأ�شياء جميل واهلل امل�ستعان على ما ت�صفون) ال يعني بال�ضرورة تدين جودتها
و�أن غالء ثمنها اليعني بال�ضرورة كرثة ميزاتها وجودتها .فيو�سف عليه ال�سالم ال ميكن تقديره بثمن ،ولكن يف ال�سوق املعقود باعوه بثمن بخ�س وكانوا فيه من الزاهدين ،وعلى مايبدو �أن لغته كانت غري لغتهم ،و�أنه ل�صغر �سنه ،واختالف لغته ،طنوا �أن منفعته قليلة،وبعيدة ،ولذا زهدوا فيه، ورمبا �أن عزيز م�صر كان يفهم لغته ، ومن خالل حديثه معه توقع منه �شيئاً كبرياً ،وعلم �أن لديه ا�ستعداداً ومواهب كامنة �ستقوده لأرفع املنا�صب و�أف�ضله، ولذا طلب من زوجته الإ�شراف عليه، لعله يكون لهم عوناً �أو �أن يجعلوه ولداً لهم.
55
درا
سات إسالمية
56
دور المدرسة والمعلمين في تعزيز األمن الفكري لدى الطالب لقد تعددت مفاهيم الأمن الفكري ،ولكنها يف النهاية ت�صب يف معني واحد َ يعي�ش �أهل الإ�سالم يف جمت َم ِعهم �آمنني مطمئنِّني :فهو عند امل�سلمني �أن املنبثقة على مك ِّونات �شخ�ص ّي ِتهم ومت ُّيز ثقاف ِتهم ومنظو َم ِتهم الفكر ّية ِ من الكتاب وال�سنة ،ويعني احلفاظ على املكونات الثقافية الأ�صيلة يف مواجهة التيارات الثقافية الوافدة � ،أو الأجنبية امل�شبوهة ،فهو ي�صب يف �صالح الدعوة لتقوية هذا البعد من �أبعاد الأمن الوطني .وهو بهذا الدكتور زهاء الدين عبيدات
يعني حماية و�صيانة ال ُهوية الثقافية من االخرتاق �أو االحتواء من اخلارج ،ويعني �أي�ضا احلفاظ على العقل من االحتواء اخلارجي و�صيانة امل�ؤ�س�سات الثقافية يف الداخل من االنحراف .وهو اطمئنان النا�س على مكونات �أ�صالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية ،
واال�ستقرار ال�سكينة ويعني واالطمئنان القلبي واختفاء م�شاعر اخلوف على م�ستوى الفرد واجلماعة يف جميع املجاالت النف�سية واالجتماعية واالقت�صادية .ويعني �صيانة عقول �أفراد املجتمع �ضد �أية انحرافات فكرية �أو عقدية خمالفة ملا تن�ص عليه تعاليم الإ�سالم احلنيف �أو �أنظمة املجتمع وتقاليده ،و�سنجيب يف هذه الورقة عن الأ�سئلة الآتية -: �أو ًال – ما هو مفهوم الأمن من منظور �إ�سالمي ؟ ثانياً -ما هي �أهمية الأمن الفكري ؟ ثالثاً -ما هي �أهداف الأمن الفكري ؟ رابعاً -ما هي �أ�سباب �ضعف الأمن الفكري؟ خام�ساً -ما هي و�سائل حماية الأمن الفكري ؟ �ساد�ساً -ما هي �أ�سباب الغزو الفكري ؟ �سابعاً -ما هي و�سائل الغزو الفكري ؟ ثامناً – ما هو دور املدر�سة واملعلمني واملناهج يف تعزيز الآمن الفكري ؟ �أو ًال -مفهوم الأمن من منظور �إ�سالمي : لعل �أكرب داللة على مفهوم الأمن يف الإ�سالم ما ورد يف كتاب اهلل �سبحانه وتعاىل ( :فليعبدوا رب هذا البيت الذي �أطعمهم من جوع و�آمنهم من خوف ) ( 3قري�ش ) .ونتيجة لذلك ف�إن الأمن هو مواجهة اخلوف ،واملق�صود به هنا ما يهدد املجتمع اقت�صاديا واجتماعيا و�سيا�سيا وفكريا ..وب�شكل عام ف�إن مفهوم الأمن هو الو�صول �إىل �أعلى درجات االطمئنان وال�شعور بال�سالم . وقوله تعاىل َ ( :و�إِ ْذ َج َع ْل َنا ا ْل َب ْيتَ َم َثا َب ًة
ا�س َو�أَ ْمناً )( 125البقرة )وقوله ِّلل َّن ِ تعاىل َ ( :و َه َذا ا ْل َبلَدِ الأَمِ نيِ) ( 3التني ). �أي �أن الأمِ ني يعني مكة وهو من الأمن . وقد بني الر�سول �أن الأمن �أعظم مطلب للم�سلم يف هذه احلياة ،و�أنه بح�صوله ك�أن امل�سلم ظفر مبا يف الدنيا من ملذات وم�شتهيات ،وكل ما يريده يف دائرة احلالل ؛ فعن �سلمه بن عبد اهلل بن محِ ْ �صن ا َ خل ْطمي عن �أبيه قال :قال : ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم " :من �أ�صبح منكم �آمناً يف �سربه ،معافى يف ج�سده ،عنده قوت يومه ،فك�أمنا حيزت له الدنيا " . وح ّرم اهلل مكة والبيت احلرام �إىل يوم القيامة ف�إليها ُت�شد الرِحال و ُت�ضاعف فيها ال�صالة و�أهلها يف �أمن و�أمان لدعوة �إبراهيم عليه ال�سالم لهذه البقعة املباركة قال تعاىلَ (:و�إِ ْذ َقا َل �إِ ْب َراهِ ي ُم َر ِّب ْاج َع ْل َه َذا ا ْل َبلَ َد �آمِ ناً َو ْاج ُن ْبنِي َو َبن َِّي �أَ ْن َن ْع ُب َد الأَ ْ�ص َنا َم ) � 35إبراهيم .ولقد اهتم الإ�سالم بتنمية الوعي الأمني ب�أمره ب�أخذ احليطة واحلذر وهو �أكرب مفهوم لل�سالمة ومن ذلك الأخذ على يد الظامل ،قال �صلى اهلل عليه و�سلم « : �إن النا�س �إذا ر�أوا الظامل فلم ي�أخذوا على يديه �أو�شك �أن يعمهم اهلل بعقاب منه » ، ويعد تفادي اخلطر والبعد عن املهالك من الواجبات الأ�سا�سية التي يح�ض عليها ديننا الإ�سالمي ومن ذلك قوله �صلى اهلل عليه و�سلم « :ال ي�شري �أحدكم �إىل �أخيه بال�سالح ف�إنه ال يدري �أحدكم لعل ال�شيطان ينزع يف يده فيقع يف حفرة من النار » .وجاء الإ�سالم ليحفظ على النا�س مقا�صد ال�شريعة اخلم�س وهي ُحرمة الدين والنف�س والعقل والعر�ض واملال ،و�أول هذه املقا�صد و�أهمها الدين فكل اعتداء على الدين قو ًال �أو فع ً ال ف�إن ال�شريعة الإ�سالمية حترمه ومتنع ذلك االعتداء على عقائد النا�س
وحماولة تغيريها والإخالل ب�أمنهم الفكري ،وال�سعي يف انحرافهم ،لذلك ُجعل م�صدر التلقي يف العقائد والعبادات والق�ضايا الكربى يف حياة امل�سلمني موحداً . ثاني ًا � -أهمية الأمن الفكري : يُعدُّ الفكر الب�شرى ركيزة هامة و�أ�سا�سية يف حياة ال�شعوب على مر الع�صور ومقيا�ساً لتقدم الأمم وح�ضارتها ،وحتتل ق�ضية الأمن الفكري مكانه مهمة وعظيمة يف �أولويات املجتمع الذي تتكاتف وتت�آزر جهود �أجهزته احلكومية واملجتمعية لتحقيق مفهوم الأمن الفكري جتنباً لت�شتت ال�شعور الوطني �أو تغلغل التيارات الفكرية املنحرفة ،وبذلك تكون احلاجة �إىل حتقيق الأمن الفكري هي حاجة ما�سة لتحقيق الأمن واال�ستقرار االجتماعي . يقول د .عبد الرحمن ال�سدي�س يف �إحدى خطبه " ومع �أ َّن ال َ أمن مبفهومِ ه ال�شامل مطلَ ٌب رئي�س لك ِّل � ّأمة �إذ أ�سا�س �أمانها هو ركي َزة ا�ستقرارِها و� ُ واطمئنانها �إ َّال �أ َّن هناك نو ًعا ُيع َد �أه َّم �أنواعِ ه و�أخط َرها ،فهو مبثاب ِة الر�أ�س اجل�سد لمِ ا له من ال�صِّ لة الوثيق ِة من َ بهو ّية ال ّأمة و�شخ�ص ّيتِها احل�ضارية ، حيث ال غِ نى لها عنه ،وال قيم َة للحياة أمن و َركيز ُته الكربى بدونه ،فهو ُل ّب ال ِ ،ذلكم هو ال ُ أمن الفكريّ .ف�إذا اطم�أ َّن النا�س على ما عندهم من �أ�صولٍ وثوابِت و�أمِ نوا على ما لدَيهم من ِق َيم وم ُثلٍ ومبادئ فقد حت َّقق لهم ال ُ أمن يف �أَ�سمى �ص َورِه و�أجلَى معانيه و�أَنبلِ مَراميه " . فالأمن الفكري ي�أتي يف الدرجة الأوىل من حيث الأهمية واخلطورة ،وت�صرفات النا�س تنطلق من قناعاتهم التي ت�ستند �إىل �أر�صدتهم الفكرية واالعتقادية ، وبهذا يكون منطلق كل عمل ميار�سه
57
درا
سات إسالمية
الإن�سان ويظهر يف �سلوكه من خري �أو �شر مركوزاً يف كيانه الفكري واالعتقادي وم�ستكناً يف داخل النف�س و�أعماقها . ثالث ًا � -أهداف الأمن الفكري : ميكن القول �إن الأمن الفكري لكل جمتمع يهدف �إىل ما ي�أتي : �أ -احلفاظ على هوية املجتمع �إذ �إن يف حياة كل جمتمع ثوابت متثل القاعدة التي تبنى عليها وتعد الرابط الذي يربط بني �أفراده وحتدد �سلوك �أفراده وتكيف ردود �أفعالهم جتاه الأحداث وجتعل للمجتمع ا�ستقالله ومتيزه وت�ضمن بقا�ؤه يف الأمم الأخرى .
58 �شبكة الإنرتنت :مبا فيها من ال�سلبيات والإيجابيات مما جعل م�صادر التلقي يف جمال الفكر والرتبية متعددة ومتنوعة، ومل تعد حم�صورة يف املدر�سة وامل�سجد والأ�سرة � ،إ�ضافة �إىل ت�سويق االنحرافات ال�سلوكية والأخالقيةالتي جعلت تيار الو�سط يفقد كثرياً من �سالكيه ل�صالح تيار اجلفاء والتفريط يف ثوابت الفكر واخللق يف �أكرث الأحيان .
االعوجاج الفكري باحلجة والإقناع ؛ لأن البديل هو تداول هذه الأفكار بطريقة �سرية غري موجهة وال ر�شيدة مما ي�ؤدي يف النهاية �إىل الإخالل ب�أمن املجتمع 4ـ االهتمام بالرتبية :يف املدار�س وامل�ساجد والبيوت ،وغريها من م�ؤ�س�سات املجتمع الأخرى . 5ـ هناك ن�سبة ال ب�أ�س بها من املنحرفني هم من الطالب ،لذا يجب �أن يح�صل تفاعل بني امل�ؤ�س�سات التعليمية وحميطها ،بحيث يجعل منها م�ؤ�س�سات مفتوحة رائدة يف تعميم الرتبية واملعرفة ،مما ي�سهل لها متابعة ر�سالتها ال�سامية يف �إيجاد املواطن ال�صالح ،بحيث يتهي�أ ذهنياً ونف�سياً للتوافق مع متطلبات احلياة االجتماعية .
4ـ حماولة البع�ض تغيري اخلطاب الديني :فبعد �أن كان التوازن هو �سمته الظاهرة �سعى البع�ض �إىل تغليب جانب ال�شحن العاطفي على ح�ساب اجلانب العلمي العقلي من اخلطاب الديني ومت الرتكيز على �أف�ضل ما يف املا�ضي و�أ�سو�أ ب -يهدف �إىل حماية العقول من الغزو ما يف احلا�ضر مما �أ�شاع جواًّ من الي�أ�س الفكري ،واالنحراف الثقايف ،والتطرف والإحباط والرغبة يف �إحداث التغيري الديني بطرق بائ�سة يائ�سة . 6ـ �إن من �أهم ما ينبغي �أن تقوم به ج – �ضرورة من ال�ضروريات الأمنية امل�ؤ�س�سات التعليمية �أن ت�ضمن براجمها خام�س ً أمن ل ا حماية و�سائل ا حلماية املكت�سبات والوقوف بحزم �ضد ف�صو ًال عن الأمن الفكري ت�صب يف قناة الفكري : كل ما ي�ؤدي �إىل الإخالل بالأمن الوطني الوقاية من االنحراف الثقايف والغزو تتطلب حماية الأمن الفكري وجود الفكري ،وذلك عن طريق ن�شر املبادئ رابع ًا � -أ�سباب �ضعف الأمن و�سائل وقائية ،و�أخرى عالجية وهي الفكرية القومية ومبادئ الف�ضيلة الفكري : على النحو الآتي : والأخالق . �إ َّن املت�أ ّم َل يف واق ِع الأمن الفكريِّ يف َ �أً ـ بع�ض الو�سائل الوقائية: 7ـ من الأهمية مبكان �أن يتعلم الطالب الأ ّمة ُي�صاب بال ّذهول وهو ي َرى كرثة الأ�سباب والعوامِ ل التي ت�س َعى �إىل 1ـ �إظهار و�سطية الإ�سالم واعتداله كيف يتحقق �أمن املجتمع ب�صفة عامة تقوي�ض بنيانِه وزع َزعة �أركانِه ولعل وتوازنه ،وتر�سيخ االنتماء لدى ال�شباب ،و�أمنه ب�صفة خا�صة ،من خالل تهيئة لهذا الدين الو�سط و�إ�شعارهم باالعتزاز نف�سية واجتماعية للتكيف مع القيم �أخط َر تلك الأ�سبابِ : والآمال وتطلعات املجتمع . بهذه الو�سطية . 1ـ التق�صري يف جوانبِ العقيدة وتطبيقِ 2ـ معرفة الأفكار املنحرفة وحت�صني 8ـ ينبغي �أال نغفل �أهمية دور املدر�سة يف ال�شريعة . ال�شباب �ضدها :فال بد من تعريفهم الك�شف عن املظاهر ذات امل�ؤ�شر االنحرايف 2ـ ترك املرجعية الدينية يف جمال بهذه الأفكار و�أخطائها قبل و�صولها الفكري �أو الأخالقي منذ بدايتها، الفتوى :ف�أ�صبحت ن�سبة ال ي�ستهان �إليهم منمقة مزخرفة فيت�أثرون بها ؛ ودرا�ستها درا�سة دقيقة ومعاجلتها عرب بها من ال�شباب عازفة عن م�شائخ البالد الكبار زاهدة فيما عندهم ووجدت �أو لأن الفكر الهدام ينتقل ب�سرعة كبرية الإر�شاد الطالبي باملدر�سة ،واالت�صال جداًّ وال جمال حلجبه عن النا�س . بويل �أمر الطالب لتنظيم التعاون مع �أوجدت فجوة بينهم وبني علمائهم يف 3ـ �إتاحة الفر�صة الكاملة للحوار احلر الإدارة املدر�سية قبل ا�ستفحال امل�شكلة ، خمالفة م�ؤذنة باخلطر . الر�شيد داخل املجتمع الواحد :وتقومي وعالجها قبل �أن ت�صبح �سلوكاً اعتيادياً . 3ـ البث الف�ضائي املرئي وامل�سموع وظهور
الفكري :الذين يريدون خرق �سفينة الق�صو ُر يف جوانبِ الرتبية والتعليم، ب ـ بع�ض الو�سائل العالجية: َ املجتمع و�إغراق �أهلها بخو�ضهم يف �آيات ووجو ُد اخلللِ يف الأ�سرة ومناهج التعليم، 1ـ دعوة املخطئ �إىل الرجوع عن خطئه اهلل وجترئهم على ال ُفتيا بغري علم . وت�ضييق النطاقِ على العلو ِم ال�شرع ّية . :وبيان احلق باملناق�شة العلمية الهادئة دون اتهام للنيات فقد تكون �صادقة ولكن 5ـ �ضرورة التفريق بني االنحراف 3ـ ال ّز َخم الهائل من و�سائلِ الغز ِو الفكريّ الفكري الذي مل يرتتب عليه فعل ،والثقا ّيف والذي يروج له ممن يح�سبون هذا ال يغني عن �صاحبها �شيئاً . َ م�سالك وبني من �أخل بفعله بالأمن يف جمتمعه على جماعة امل�سلمني ،وي�سل ُكون 2ـ جتنب الأ�ساليب غري املجدية : :فمن ظهر منه عمل تخريبي وثبت متعدِّدة يف اخل�ضو ِع للغز ِو الثقا ّيف ، فامل�صاب بهذا املر�ض ال يعالج بالرتكيز على الوعظ والتخويف من عقاب اهلل عليه �شرعاً فيجب حما�سبته على ما بدر بل ويحاولون �إخ�ضاع املجت َمع امل�سلم ،لأن هذا الأ�سلوب يف الغالب ال يجدي منه كائناً من كان ،وعقابه مبا ي�ستحقه املحافِظ لرغبتِهم وجنوحِ هم املنحرِف فجة حتت �سِ تار ح ّر ّية الر�أي معهم نفعا ،ف�أمثال ه�ؤالء يرون �أنهم �شرعاً حتى ولو كان ظاهره ال�صالح بدعا َوى ّ على �صواب ودين فكيف تعظ �إن�ساناً واال�ستقامة . وح ّر ّية التفكري . يظن �أنه على الدين احلق قبل �أن تبني �ساد�س ًا � -أ�سباب الغزو الفكري : �سابع ًا -و�سائل الغزو الفكري : له خط�أه الفكري فيما يراه حقاًّ . 1ـ لقد تعددت الأ�سباب والعوامِ ل �أوال ـ �إن من �أخطر و�سائل الغزو الفكري 3ـ وجوب الأخذ ب�أيديهم :ومنعهم التي ت�س َعى �إىل تقوي�ض بناء الأمن �أولئك الذين اتبعوا منهج التكفري من الإخالل بالأمن الفكري للمجتمع الفكري وزع َزعة �أركانِه ،ولعل �أخط َر وا�ستباحوا دماء امل�سلمني و� َ أعرا�ضهم ولو �أدى ذلك �إىل �إجبارهم على عدم تلك الأ�سبابِ الق�صو ُر يف جوانبِ العقيدة و�أموالهَم يقودهم �إىل ذلك اجله ُل خمالطة الآخرين التقاء �شرهم . وتطبيقِ ال�شريعة . بالن�صو�ص ال�شرعية الوارد ُة يف كتاب اهلل وال�سنة النبوية . �سبب م ِه ّم يف اخللَل الفكريّ ،وهو 4ـ النهي عن جمال�سة �أهل االنحراف 2ـ و َث ّم َة ٌ
59
درا
سات إسالمية
ثانيا ـ القنوات الف�ضائية وما تبثه من مواد �إعالمية لأبناء املجتمع العربي أكاذيب واال�سالمي ،وما ترو ُج له من � َ ُ الهدف منها النيلُ وادعاءات باطلة ، من الثوابتِ الوطنية وزعزع ِة الأمن واال�ستقرار ،والرغب ًة يف الإ�ضرار باالقت�صاد والق�ضاء على امل�ؤ�س�سات التنموية. ثالثا ـ �شبكات الإنرتنت :وهذه قا�صمة الظهر التي �أخذت ت�شو�ش على �أفكار النا�شئة ،وتدعوهم �إىل التطرف ،لأنه من ال�سهل جداً �أن يروج �أيُّ حاقد ملا يريده من خالل هذه ال�شبكات . ثامن ًا -دور املدر�سة واملعلمني واملناهج يف تعزيز الأمن الفكري : �أ – دور املدر�سة يف تعزيز االمن الفكري. �إن امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية من �أوىل اجلهات املعنية باحلفاظ على
60 الأمن واال�ستقرار يف املجتمعات ،و�إن ا�ستثمار عقول ال�شباب واجب ي�شرتك فيه جميع الأفراد وامل�ؤ�س�سات والهيئات يف املجتمع .ويخطئ مَن يعتقد �أن مهمة امل�ؤ�س�سات التعليمية تقت�صر على تعليم القراءة والكتابة و�إعطاء مفاتيح العلوم للطالب دون العمل على تعليم النا�س ما يحتاجون �إليه يف حياتهم العلمية والعملية ،وترجمة هذه العلوم �إىل �سلوك وواقع ملمو�س .و�أهم �شيء يحتاجونه وال حياة لهم بدونه هو الأمن يف الأوطان ،و�أ�ستطيع القول ب�أن الأمن هو م�س�ؤولية اجلميع ،ولكنه يف حق امل�ؤ�س�سات التعليمية �أهم ؛ لأن هذه امل�ؤ�س�سات جتمع كل فئات املجتمع على اختالف �أعمارهم بداي ًة من ال�سن املبكرة التي تتمثل يف املرحلة االبتدائية واملتو�سطة ،وفيها ي�ستطيع املعلم واملربي �أن ي�شكل الطالب بالكيفية التي يريدها ،ف�إذا لقي الطالب مَن يوجهه التوجيه ال�سليم ن�ش�أ ن�ش�أة طيبة يجني ثمارها
املجتمع الذي يعي�ش فيه ،و�إن كان احلا�صل غري ذلك فالعك�س هو النتيجة احلتمية ،خا�صة �أن الذين يقومون على هذه امل�ؤ�س�سات هم خال�صة مف ِّكري الأمة و َم ْعقِد ر�أيها ،وفيهم يجب �أن جتتمع ال�صفات احلميدة امل�ؤهلة لإدراك �أهمية الأمر ،وال�شعور بامل�س�ؤولية العظيمة امللقاة على عواتقهم ،و�أن يكونوا قدوة ح�سنة لأبنائهم الطالب يف جميع ت�صرفاتهم و�أعمالهم و�أقوالهم. ويجب �أن تبد�أ معاجلة االنحرافات الفكرية مبعاجلة الأ�سباب والعوامل امل�ؤدية لها والوقاية منها .فللمدر�سة دور بالغ الأهمية يف تن�شئة �شخ�صية الطالب من خالل ا�ستكمال دور الأ�سرة وامل�ؤ�س�سات االجتماعية الأخرى بتطويع �سلوكه وتوجيهه و�إك�سابه القيم واملفاهيم ال�صحيحة .وهذا �سوف يح�صن الفرد �ضد امل�ؤثرات الفكرية ال�سلبية مهما كان م�صدرها .
ب -دور املناهج يف تعزيز الأمن ،وتوجيهاته �ضرورية وملحة ؛ لذا يجب على املعلم مراعاة ما ي�أتي : الفكري : لقد حتدثنا عن دور امل�ؤ�س�سات 1ـ يجب على املعلم �أن يكون قدوة لعمل الرتبوية ب�شكل عام يف تعزيز الأمن اخلري والإ�صالح والتوبة وتبني ما الفكري ،وهنا يربز دور املناهج يف ي�سعد الب�شرية وخ�صو�صاً ما يجب على حتقيق هذا الأمن ،لذا يجب على تلك هذا املعلم جتاه وطنه وجمتمعه ف�ض ً ال امل�ؤ�س�سات و�ضع اخلطط املدرو�سة التي على �أنه معلم اخلري ويحمل م�س�ؤولية حتقق الوعي الأمني من خالل بثه يف ج�سيمة مفردات املناهج ،ومما ال�شك فيه �أن 2ـ ولكي يقوم املعلمون بدورهم يف االهتمام بتلك املبادئ يعد من الأ�س�س التوعية والوقاية من االنحراف ،فالب ّد املهمة حلماية املجتمع من االنحراف لهم �أن يقوموا بتن�شئة الطلبة تن�شئة والغزو الثقايف ،وتوفري الأمن الفكري �إ�سالمية �صحيحة . � .إن مناهج التعليم احلافلة مبا يربي ّ الطالب على التوازن والو�سطية واتباع 3ـ ومن الواجب على املعلمني �أن ي�ؤكدوا الدليل ،وترك االفرتاق والأهواء على مت ّثل الطلبة القدوة احل�سنة يف والبدع املحدثة ،لهي كفيلة �أن تنمي يف �سلوكياتهم وت�صرفاتهم ،ويف االن�سجام �أعماق ال�شباب روح الوطنية احلقيقة ،مع قيم املجتمع وقوانينه . وت�ساعدهم على متييز الثقافة الفكرية 4ـ تر�سيخ مبد�أ احلوار الهادف واال�ستماع امل�سمومة ،التي تبثها و�سائل الإعالم للآخرين واحرتام �آرائهم بق�صد امل�شبوهة �سواء عن طريق البث الف�ضائي الو�صول �إىل احلق وم�ساعدة الطالب وال�شبكة العنكبوتية � ،أو ال�صحف على ا�ستخدام التفكري بطريقة �صحيحة واملجالت امل�شبوهة الوافدة من اخلارج ليكونوا قادرين على متييز احلق من .ومن خالل ما �سبق يتحمل الطالب الباطل والنافع من ال�ضار وتنمية جزءا لي�س هينا من امل�س�ؤولية نحو الإح�سا�س بامل�س�ؤولية لدى الطالب . حتقيق الأمن الفكري لذلك تكمن �أهمية تعليمه كيف يتحقق �أمن املجتمع 5ـ االهتمام بالرتبية االجتماعية . ب�صفة عامة ،و�أمنه ب�صفة خا�صة ،من خالل تهيئته نف�سيا واجتماعيا للتكيف 6ـ االهتمام بتعليم القيم واملعايري مع القيم والآمال وتطلعات املجتمع ال�سلوكية ال�سليمة . الذي ين�شد ال�سلوكيات املثالية اجلماعية 7ـ ت�شجيع التعاون مع �أفراد الأ�سرة التي حتقق الأمن والأمان . وامل�ؤ�س�سات االجتماعية املختلفة . ج -دور املعلم يف تعزيز مفهوم الأمن 8ـ توجيه ال�شباب لطرق البحث عن الفكري. املعلومات ال�صحيحة وت�شجيعهم على �أما دور املعلم فهو عظيم ومهم ،ذلك . ويتحمل اجلزء الأكرب يف تعزيز الأمن 9ـ تفهم طبيعة تفكريهم لي�سهل عليك الفكري ،فهو القدوة واملربي ،واملوجه االت�صال بهم . واملحرك لفئة ال�شباب داخل احلرم املدر�سي وخارجه ،وكلمته م�سموعة 10ـ م�ساعدة الطالب على ا�ستيعاب عندهم ،بل يقلدونه يف كثري من مناحي املفاهيم والأفكار التي تتعلق باحلياة حياتهم ،و�سلوكهم ويعتربونه املثل وامل�ستقبل ،والبعيدة عن الأفكار الأعلى لهم ،لذا ف�إن م�س�ؤولياته كبرية املنحرفة واملتطرفة .
امل�صادر واملراجع * القر�آن الكرمي -1اجلحني،علي بن فايز ( 2004م )“ ،وظيفة الأ�سرة يف تدعيم الأمن الفكري “,جملةالفكر ال�شرطي ,جملد ( ،)12العدد( ,)4مركز بحوث ال�شارقة ,الإمارات العربية املتحدة . -2الطالع ،ر�ضوان 1420هـ ،نحو �أمن فكري �إ�سالمي ،ط ،2مطابع الع�صر ،الريا�ض. -3احلارثي ,زيد بن زايد (2008م) �“ ،إ�سهام الإعالم الرتبوي يف حتقيق الأمن الفكري لدى طالب املرحلة الثانوية مبدينة مكة املكرمة “ ,ر�سالة ماج�ستريغري من�شورة ,كلية الرتبية ,جامعة �أم القرى. - 4فار�س ،رامي( 2012م ) ،الأمن الفكري يف ال�شريعة الإ�سالمية،ر�سالة ماج�ستري غريمن�شورة، كلية ال�شريعة والقانون ،اجلامعة الإ�سالمية ،غزة .. - 5احلكيم ،نعيم متيم( 1430هـ ) ،نحو �إ�سرتاتيجية وطنية لتكري�س مفهوم الأمن الفكري يف املجتمع، امل�ؤمتر الوطني الأول للأمن الفكري 25-22 ،جماد �أول . - 6العقاد ،حممود عبا�س (ب،ت) ،التفكري فري�ضة �إ�سالمية ،دار نه�ضة م�صر .. � -7أبو ح�شي�ش ،ب�سام حممد (2010م) ،دور كليات الرتبية يف تنمية املواطنة لدي الطلبة واملعلمني مبحافظات غزة ،جملة جامعة الأق�صى ،م ،14ع.. 1 - 8ال�سليمان� ,إبراهيم �سليمان ( 2006م) ”،دور الإدارات املدر�سية يف تعزيزالأمن الفكري لدى الطالب” ،ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة ,جامعة نايف العربية للعلوم الأمنيةالريا�ض. � - 9شلدان ،فايز (2012م)،دور كليات الرتبية يف اجلامعات الفل�سطينية يف تعزيز الأمن الفكري، اجلامعة الإ�سالمية ،غزة . - 10احل�سناوي ،موفق عبد العزيز (2010م)،دور اجلامعة يف بناء �شخ�صية الطالب ،موقع منتديات نور الإ�سالم.14noon.com.www ، - 11هواري ،معراج عبد القادر ،وعدون نا�صر (2000م) ،دور اجلامعات يف تعزيزالو�سطية والأمن الفكري للطالب ،املركز اجلامعي ،غرواية . � - 12سعد ،حممود حممد (1402هـ) ،الإعالم والأمن ،الريا�ض . - 13ال�شهراين ,بندر بن علي ( 2009م)“ ،ت�صور مقرتح لتفعيل دور الإدارة املدر�سية الثانوية يف حتقيق الأمن الفكري” ,ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة ،كلية الرتبية ،جامعة �أم القرى ،مكة .
61
درا
سات إسالمية
62
دور كليات الشريعة في تصحيح المفاهيم المواطنة أنموذجا ملخ�ص: تتو�سل هذه الورقة الإجابة عن �س�ؤال: �إىل �أي مدى �ساهمت كليات ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم خدمة للمجتمع، وتعزيز ًا لقيم املواطنة ال�صاحلة. هل نحن را�ضون عن هذا الدور ،وهل ا�ستطاعت هذه الكليات ت�أدية ر�سالتهاداخل احلرم اجلامعي وخارجه ،وحققت الأهداف التي �أن�ش�أت من �أجلها. كل ذلك �ستت�ضمنه هذه الورقة من خالل حزمة من الأفكار النظرية امل�ستمدة من واقع التجربة وامل�شاهدة والتخ ّيل املعريف. �أ.د.مـحمـد الروا�شـــدة
و ُتظهر هذه الورقة كذلك الر�ضا عما تقوم به هذه الكليات ،بالنظر �إىلوجودها داخل م�ؤ�س�سات علمية لها �أنظمتها و�إداراتها ،وعدم ا�ستقاللية هذه الكليات مادي ًا. تدق هذه الورقة ناقو�س اخلطر بالقول �أن هذه الكليات يف الراهن املعا�صرحتاك �ضدها م�ؤامرات داخليا وخارجيا للحد من فاعليتها وتقدمها. وترجو هذه الورقة كذلك من الباحثني وعلماء الرتبية واالجتماع �أنيقوموا ب�إعداد درا�سات ميدانية حول هذا املو�ضوع حتى نخرج من �إطار التنظري املعريف للخلو�ص �إىل نتائج مبتّناة على �أ�س�س علمية.
وهي �أول مدر�سة متخ�ص�صة للمذاهب مقدمة الإ�سالمية ،وقد �أدت دورها ور�سالتها يف ينطلق عمل كليات ال�شريعة يف الراهن احلياة الثقافية واالجتماعية وال�سيا�سية املعا�صر من تاريخ التعليم الإ�سالمي� ،إذ والإدارية. ارتبط �إن�شاء كليات ال�شريعة مب�ؤ�س�سات التعليم الإ�سالمي عرب التاريخ ،وهذا وذكر لنا التاريخ �أن اخلليفة امل�أمون بدوره �ساهم يف تقدم كليات ال�شريعة ان�ش�أ جامعة عربية عند فجر القرن وازدهارها ومنو معارفها لت�صبح اليوم الثالث الهجري (الربع الأول من القرن على ما هي عليه من قوة ومكانة علمية التا�سع امليالدي)وكان ذلك حتت ا�سم "مدر�سة املعرفة ببغداد" ،وركزت هذه وتربوية هادفة. اجلامعة على البحث العلمي الأ�صيل لقد ظهرت منذ القدم مدار�س حملت واملتقدم يف الريا�ضيات والطب والفلك مباديء الإ�سالم وعقيدته و�أخالقه والفيزياء والكيمياء والفل�سفة� ،إ�ضافة و�أحكامه ،فكانت دار الأرقم من �أوائل �إىل تدري�س ال�شباب على ا�ستيعاب هذه امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية يف العلوم وتهيئتهم لتويل املنا�صب الرفيعة الإ�سالم ،ثم غدا امل�سجد م�ؤ�س�سة التعليم يف الدولة. الأهلية والأ�سا�سية واملعهد الأول للتعليم عند امل�سلمني ،ولقد حث الإ�سالم على وبعدها عزم اخلليفة املعت�ضد طلب العلم وارتياد مراكزه وم�ؤ�س�ساته ،باهلل(289-279هـ)على بناء مدينة للعلم و�شكل ذلك مظهرا �أولياً لن�ش�أة التعليم على النحو الذي يفكر من العديد يف يف بدايات الإ�سالم املبكر .و�أ�صبحت الدولة املتقدمة اليوم. امل�ساجد –وبخا�صة تلك التي ت�شد �إليها و�شكلت هذه امل�ساجد واملدار�س الرحال� -أف�ضل �أماكن التعليم ،كامل�سجد جمتمعة"مدر�سة العلم الإ�سالمية النبوي ال�شريف وامل�سجد احلرام املجيدة"وانق�سمت هذه املدار�س وامل�سجد الأق�صى ،ثم برز دور اجلامع (اجلامعات) ب�سعيها ل"جمهرة املعرفة" الأموي بدم�شق وم�سجد القريوان والتي حتاول اجلامعات اليوم يف الدول بتون�س وجامع املن�صور ببغداد وم�سجد املتقدمة لتحقيقها ،وات�صفت هذه قرطبة بالأندل�س وغريها. املدار�س (اجلامعات) بالعراقة يف احلفاظ
ومع ظهور احلاجة �إىل �أماكن للتعليم غري امل�ساجد ،فقد �أُتخذت بيوت العلماء لتدري�س علوم اللغة والدين ،ون�ش�أت "خزائن الكتب"لتكون رافداً للمعرفة وطلبها. ومع التقدم احل�ضاري ظهرت بع�ض اجلامعات كاجلامع الأزهر يف م�صر وهو من �أقدم اجلامعات الإ�سالمية حيث �أن�شيء عام (359هـ) بهدف علمي ديني تربوي ،وكذلك املدر�سة النظامية يف بغداد ،ثم جاءت املدر�سة امل�ستن�صرية
على ا�ستقاللية كيانها ،واملحافظة على حرمته ٍاٍ ،ورعاية علمائها ،و�إمناء مقدرة طالبها العلمية ،و�أكدت هذه املدار�س/اجلامعات على تداول املعرفة العلمية ،بني املدرب واملتدرب ،وبني املعلم واملتعلم ب�أ�سلوب دميقراطي ي�ستند �إىل احلوار ،والأخالق الإ�سالمية ال�سامية، وتفاعلت-كما يلحظ من تاريخها -فيما بينها رغم حدة و�ضراوة ال�صراعات القائمة وقتئذ. وكان حمور منو هذه املدار�س (اجلامعات العلمية)م�ستنداً �إىل حرم
جامعة متكامل ي�ضم حلقات تقرير العلوم ،والدينية منها على اخل�صو�ص، وجمال�س املناظرة ،ووفرة املكتبات، والدعم من بيت مال امل�سلمني ،وللمقارنة فقط جتدر الإ�شارة هنا �إىل �أنه عندما قرر ملك بريطانيا جورج الرابع �إن�شاء جامعة لندن خالل العقد الثالث من القرن التا�سع ع�شر امليالدي�( ،أي بعد ع�شرة قرون من �إن�شاء جامعة امل�أمون ببغداد) ُن�صح بعدم فعل ذلك ،ومن بني �أبرز تلك الن�صائح ر�سالته لإمرباطور النم�سا حملها �سفريه يف لندن �إىل امللك الربيطاين تقول باحلرف الواحد(ثمة م�س�ألة واحدة �أرجو �أن تثريها لدى اهتمام امللك قبل �أن ترحل ،وهي تتعلق ب�أمر ت�أ�سي�س جامعة لندن ،فلديك �سلطة �أيها ال�سفري كي تخرب جاللته باعتقادي املطلق ب�أن متابعة ت�أ�سي�س هذه اجلامعة �سيجلب اخلراب لربيطانيا). وظيفة اجلامعات ب�شكل عام �إذا كان العلم قلب الإن�سانية، فاجلامعات ت�شكل نب�ض هذا القلب، ويبقى هذا النب�ض قائماً ما دامت املثل الأكادميية والعربية والإ�سالمية منها خا�صة تنظم حياة احلرم اجلامعي وتزكي فيه التوق للتطور واالنفتاح ليتواءم البحث والتطوير العلمي من جهة ،وتطبيق املعرفة الأ�صلية حول م�سائل بقاء املجتمع ومناءه من جهة �أخرى .وبني هذين الأمرين تظهر �أوال وظيفة اجلامعات ،علما �أن هناك جامعات رائدة (جامعات البحوث العلمية) و"جامعات �أخرى ميكن �أن نطلق عليها "جامعات التدريب والتعليم"وظهرت الآن ما ت�سمى (باجلامعات اخلا�صة) والتي ميكن اعتبارها انتهاكاً ل"براءة اجلامعات الأ�سا�سية" حيث �أن هدفها هو التناف�س غري املحمود للح�صول على التمويل والتجارة الربحية،
63
درا
سات إسالمية
وهذا ما يطلق عليه الآن يف احلراك العلمي"بلقنة اجلامعات"التي حتاول �ضرب قواعد الإجناز العلمي ،والن�شر الأكادميي الرفيع ،وتطبيق �أخالق و�أعراف "دخيلة"ال تن�سجم مع املثل الأكادميية العاملية ،وهذا كله يقود �إىل "تدمري ذاتي" للعلم وهناك اجلامعات االفرتا�ضية (جامعات �إلكرتونية �أو التعليم عن ُبعد).
أن الخليفة المأمون انشأ جامعة عربية عند فجر القرن الثالث الهجري (الربع األول من القرن التاسع الميالدي)وكان ذلك تحت اسم «مدرسة المعرفة ببغداد»، وركزت هذه الجامعة على البحث العلمي األصيل والمتقدم بيد �أن اجلامعات اليوم يف العامل كله- ويف الأردن بخا�صة -ما زالت ت�ؤدي دوراً مهما ومتميزا يف خدمة املجتمعات كما ن�صت عليه قوانينها وتعليماتها ،وتو�سع من براجمها املختلفة حتقيقا لهذا الهدف. وتكمن �أبرز وظيفة للجامعات يف الآتي: تت�ضح ر�سالة اجلامعة يف مثلث� :إعداد الكوادر الب�شرية والبحث العلمي وخدمة
64 املجتمع وعلى النحو الآتي: ونفي االعتقاد الر�سمي امل�س�ؤول عن التنمية الوطنية ب�أن اجلامعات لي�ست �إال � .1أنها مركز �إ�شعاع ثقايف للمجتمع. م�ؤ�س�سة تعليمية حالها مثل الذي لأية .2معاجلة �أهم ق�ضايا املجتمع والتفاعل مدر�سة ثانوية تقوم بخدمة الدولة، معه داخليا وخارجيا. و�أنه لي�س للجامعات جمال تفكر فيه ب�أنها �شريك لها. .3تعميق الدميقراطية الأكادميية، وتنمية حرية التعبري عن احلقيقة � .7أن جوهر وظيفة اجلامعة هو تثقيف ون�شرها ،وتعميق الفكر ،وارتباطه املجتمع ،وتوعية املواطنني يف �شتى بالواقع. ميادين العلوم ،وبث الروح العلمية لتكون �سلوكاً للمواطنني بحيث يرف�ض .4ا�ستنها�ض همة �أع�ضاء هيئة التدري�س املواطن اخلرافة ،ويعظم دور العقل يف للبحث والتطوير وتفعيل دورهم املعرفة. يف برامج التدريب والتعليم ،وهذا اال�ستنها�ض �سيعود بالفائدة على احلرم .8ت�أهيل املواطن للعمل املنتج وت�شجيعه اجلامعي حيث �سي�ساهم يف �إيقاظ الروح على امتالك التقنية و�إظهار قدراته العلمية التي ت�شكل احلافز الرئي�سي على الإبداع والتطوير وحل املع�ضالت. لتقدم املعرفة. و�إ�شاعة جو عام من االهتمام بالثقافة والأدب والعلم والتفكري املنطقي املنظم. � .5إظهار جاهزية احلرم الأكادميي لقبول �أراء املجتمع وتلبية حاجاته .9 ،امل�ساهمة يف حفظ �أمن الوطن وهذا يتحقق من خالل حوار جامعي االقت�صادي واالجتماعي والع�سكري داخلي ينظم فكراً �أكادميياً متجدداً �إزاء وذلك بالتب�صر العلمي يف كل ذلك.وال املتغريات اخلارجية ،وباجتاه حماية يكون ذلك-من حيث حتقق الأهداف- احلرم اجلامعي كمكان �سام للمعرفة �إال با�ستخدام و�سائل �أهمها : والتدريب والتعليم ،والت�أكيد على ً �أ-حوار الأ�ستاذ-الطالب املبا�شر وذلك �أن اجلامعة ال ت�ضم جمتمعاً طفيليا من خالل ما يطلق عليه الإ�شراف م�ستورداً� ،إمنا ينطوي حرمها على جزء العلمي على البحوث والدرا�سات مميز ح�ضارياً من هذا املجتمع (وهم والر�سائل. �أع�ضاء هيئة التدري�س والطلبة). ب -حوار الطالب-الأ�ساتذة اجلماهريي .6النظر �إىل عوامل التغيري املحيطة وذلك داخل احلرم اجلامعي ويتم من باحلرم اجلامعي ومن �ضمنها املجتمع خالل التنظيمات النقابية والأكادميية. ليتمكن احلرم اجلامعي من �إيجاد �صيغ ومهام للعمل العلمي ،وتطوير ج -حوار الطالب-الطالب ،بدءا منط احلرم اجلامعي الداخلي ليتابع من احلوار الفردي وانتهاء باحلوار م�س�ؤولياته على �أف�ضل وجه ،كتطوير اجلماهريي العلمي. �صيغ جلامعات ت�أخذ �أبعادا تنموية ونحن الآن مقبلون على عتبات "جامعة (�أي جامعة تنموية)توفر بيئة منا�سبة القرن الواحد والع�شرين"وهي اجلامعة لتطوير الأجيال ال�شابة وفق نوعية التي تهتم بالبحث العلمي وا�ستغالال ته رفيعة امل�ستوى تت�سم "بالف�ضول العلمي، لفائدة املجتمع،فال بد من الت�أكيد على واالنفتاح الفكري ،واملبادرة احل�ضارية".
�أن احلرم اجلامعي البد �أن يدفع "ثمن والقدوة لباقي كليات اجلامعة،وت�ستمد التعليم"يف حتقيق ما ي�أتي: �أهميتها من خالل وظيفتها يف املعرفة ،والإ�صالح االجتماعي ،والتميز -1احلرية الأكادميية �إدارة وجودة. الأخالقي داخل احلرم اجلامعي �أو -2تنمية الأجيال الالزمة ل�صنع بقاء خارجه. املجتمع وازدهاره م�ستقبال. ولذا تهدف هذه الورقة �إىل التعرف -3تقرير �أ�صالة البحث عن احلقيقة على دور كليات ال�شريعة يف ت�صحيح العلمية. املفاهيم ال�سائدة واملق�صود باملفاهيم الت�صورات الكلية للمعارف والعلوم -4ا�ستثمار نتائج البحوث العلمية يف وال�سلوك (كمفهوم املواطنة ،احلجاب، �صنع التنمية احل�ضارية والإن�سانية الإرهاب ،التنمية ،اجلهاد ،واالختالط، للإن�سان واملجتمع. املقاومة امل�شروعة ،البيئة ،العلم/ -5توفري �إطار ح�ضاري،مدين،قادر على التكفري ،وحقوق الإن�سان ،وحقوق �إمداد املجتمع باملعرفة املنظمة. الأقليات ،وغريها من املفاهيم ال�سائدة �أو املتحركة �أو الوافدة) وهو دور ملقى -6النظر �إىل �أن �أ�ساتذة اجلامعات على عاتق �أع�ضاء الهيئة التدري�سية فيها ي�شكلون املحرك احل�ضاري الدافع وكذلك طالبها من خالل املمار�سة داخل لتقدم وجتدد وعطاء احلرم اجلامعي احلرم اجلامعي �أو يف املجتمع. �أوال،والأمة ثانيا،لأن هناك عالقة متبادلة بني (تقدم �أو تخلف) �أي جمتمع واملق�صود بكليات ال�شريعة :هي وفعالية جامعاته. الكلية الأكادميية التي تعترب �أحدى كليات اجلامعة،وتقوم بتدري�س ون�شر -7وظيفة جامعة امل�ستقبل �صناعة الوعي الديني على �أ�س�س �سليمة �شخ�صيات حرة مثقفة ،م�ستقلة قادرة من خالل ما تطرحه من م�ساقات على حتقيق �أمال جمتمعاتها ،وتنمية وبرامج وتخ�ص�صات �أكادميية (الفقه الذات الفكرية والعلمية بحكمة ال و�أ�صوله ،الدعوة و�أ�صول الدين، تنف�صم عراها عن الواقع دائم التغيري. الدرا�سات العليا)ومدة الدرا�سة فيها � -8أ�صبحت اجلامعات اليوم م�صدراً �أربع �سنوات ملرحلة البكالوريو�س وهي متجدداً لتقرير رفاه الإن�سان وحماية كلية ال�شريعة باجلامعة الأردنية،وكلية البيئة،و�صنع تقدم املجتمع وتطوير بناء ال�شريعة بجامعة م�ؤتة ،وكلية الدرا�سات الدميقراطية احلقة فيه. الفقهية والقانونية بجامعة �آل البيت، وكلية �أ�صول الدعوة بجامعة البلقاء -9اجلامعات اليوم �أ�صبحت م�ؤ�س�سات التطبيقية ،وكلية الأمري احل�سن التابعة ح�ضارية وظيفتها �إنتاج املعرفة املنظمة للقوات امل�سلحة الأردنية /مديرية وبيان ف�ضل العلم. الإفتاء. دور كليات ال�شريعة يف ت�صحيح ويق�صد باملجتمع ،جمتمع اجلامعة املفاهيم (احلرم اجلامعي)وكذلك جميع ال�سكان تعترب كلية ال�شريعة يف �أية جامعة خارج �إطار احلرم اجلامعي. من �أهم كلياتها باعتبارها متثل النموذج وقبل بيان دور كليات ال�شريعة
يف اجلامعات الأردنية على وجه اخل�صو�ص،بت�صحيح املفاهيم ال بد �أن ن�ؤكد على جملة من املقدمات التي من �ش�أنها �أن تقود �إىل النتائج ال�سليمة. �أو ًال :انه يتوقع دوماً من العلماء، وبخا�صة علماء ال�شريعة ،يف املجتمع- �أي جمتمع -امل�ساهمة بحل �إ�شكاليات حياته ،و�أن يتمكنوا من �إيجاد احللول، واالحكام بل واملبادرات واالبتكارات التي
المقصود بكليات الشريعة :هي الكلية األكاديمية التي تعتبر أحدى كليات الجامعة،وتقوم بتدريس ونشر الوعي الديني على أسس سليمة من خالل ما تطرحه من مساقات وبرامج وتخصصات أكاديمية ت�ساعد املجتمع يف النهو�ض والرقي، وبخا�صة يف الع�صر الراهن الذي ي�شهد قيماً متغرية ،ومفاهيم ملتب�سة وت�ضليل �إعالمي ماكر. ثانياً :وميكن تلخي�ص دور كليات ال�شريعة باتاحة الفر�صة امام الراغبني يف درا�سة العلوم ال�شرعية ،والتعريف بحقيقة الدين اال�سالمي وبالتفكر والثقافة اال�سالمية امل�ستنرية ،وحتقيق وحدة ثقافية م�شرتكة بني املواطنني بغ�ض النظر عن تعدد �أل�سنتهم
65
درا
سات إسالمية
وقومياتهم ،ون�شر العلوم اال�سالمية امل�ستندة اىل القران وال�سنة ،ام ً ال يف حتقيق الفهم ال�صحبح لل�سالم ،ودفعاً لالغالط املثارة حوله و�سعياً اىل ن�شر الوعي والتنوير بر�سالة الإ�سالم وتراثه. وتقوية روح االبداع واالبتكار والنقد البناء واحلوار يف العملية التعليمية والرتبوية .ومواكبة التجديد يف الفكر الإ�سالمي وت�صحيح املفاهيم والت�صورات اخلاطئة عن اال�سالم وتكوين الفهم الفقهي ال�صحيح. وتدريب الطلبة على فهم الواقع و�إنزال الأحكام عليه بطريقة �صحيحة وربط هذه الأحاكم باملقا�صد ال�شرعية.
66 �ساد�ساً :حني احلديث عن م�ساهمات كليات ال�شريعة يف خدمة املجتمع ينبغي �أن تعالج الأمور بكل حكمة ودراية وب�صرية من �أجل ردم الفجوة املفتعلة بينها وبني غريها من الكليات.
مق�صوراً على �إظهار احلقائق واملباديء الإ�سالمية فح�سب ،و�إمنا يتعدى ذلك �إىل املمار�سة والتطبيق وفقاً لأحكام ال�شريعة مما يخدم حاجات املجتمع ومنوه وازدهاره .وهذا الدور ين�صب على جمال التبليغ ون�شر مبادئ الإ�سالم، وتوظيفها لت�صبح منهج حياة.
�سابعاً :حني نتحدث اليوم عن دور كليات ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم ينبغي �أال نتوقف عند املا�ضي وما �أجنز فيه ،و�إن � -إيجاد طلبة يفكرون وال يحفظون كان هذا الأمر ح�سنا ،و�إمنا ال بد لنا من ،ينتقدون وال ي�سلمون ،يجتهدون وال التطلع �إىل م�ستقبل كليات ال�شريعة وما يقلدون ،يبتكرون وال يجرتون ،طالب هو دورها يف هكذا ظروف ومالب�سات. كليات الشريعة يف ثامناً :جتدر الإ�شارة حال احلديث عن هكذا دور لكليات ال�شريعة �أن ننبه �إىل الجامعات معنية أن ال�صعوبات املالية التي تواجه كليات تأخذ على عاتقها هدم ال�شريعة لتحقيق �أهدافها ،وتنفيذ براجمها. األسوار بين الجامعة
ثالثاً :كليات ال�شريعة –الآن -حتت املجهر-داخلياً وخارجياً -ولذا ت�أتي هذه الندوة لتدق ناقو�س اخلطر لتدارك تا�سعاً :هناك طائفة من النا�س وو�سائل التق�صري،وت�صحيح امل�سار،واالنتباه �إىل الأعالم تقوم ب "هجائية" كليات اخلطر ومعاجلته قبل وقوعه. ال�شريعة ،و ُنذكر ه�ؤالء �أن كليات ال�شريعة رابعاً :كليات ال�شريعة يف اجلامعات تخ�ضع لنظام التعليم العايل وهي لي�ست لي�ست ج�سماً غريباً يف احلرم اجلامعي م�ستقلة �إدارة ،ومتويال عن احلرم و�إمنا هي تعمل يف خط متوازن مع بقية اجلامعي (الذي هو م�ؤ�س�سة وطنية) لها الكليات،ولقد حاولت كليات ال�شريعة �أدارتها ،و�أنظمتها ،وتعليماتها ،ولذا فهي �أن تتخل�ص من تناق�ضات احلرم جزء من كل. اجلامعي،وبخا�صة الأفكار التي تبثها �أما دور كليات ال�شريعة يف ت�صحيح بع�ض الكليات اجلامعية الأخرى (على املفاهيم فيمكن �إجماله يف الآتي: �سبيل املثال:كليات الرتبية،وعلم النف�س، واالجتماع ،واالقت�صاد ،والإدارة وغريها) املتخ�ص�ص يف ال�شريعة الإ�سالمية- حول الإ�سالم وثقافته. �أ�ساتذة وطلبة -هم دعاة خري و�إ�صالح يف املجتمع الذي يعي�شون فيه ،وهم حملة خام�ساً :هناك �أ�صوات تنادي ب�إخراج الر�سالة و�سفراء العلم والنه�ضة. كليات ال�شريعة من داخل احلرم اجلامعي و�إحلاقها بكليات خارجية تابعة � -إعداد الطلبة املزودين باملعرفة للجامعة ،بل هناك �أ�صوات �أخرى تنادي والعلم واخلربة واملهارة لأن النا�س بتجميع كليات ال�شريعة يف كلية واحدة اليوم �أحوج للن�صيحة يف عامل متغري و�إحلاقها �إما بجامعة واحدة �أو جتميعها م�ضطرب ،تناط به مهمة الإ�صالح يف مكان واحد حتت عنوان "كلية �أ�صول والدعوة والتب�صري والرتغيب. الدعوة" �أو غريها من امل�سميات. -مل يعد الدور الأ�سا�سي لكليات ال�شريعة
والمجتمع (لتصبح الجامعة خادمة محيطها) وذلك ألجل المساهمة يف مد الجسور المعرفية بين الجامعة والمجتمع. جتتمع فيه الب�صرية النافذة واملعرفة اليقينية ،ومعاينة الواقع املعا�صر بدقة لتوجية الر�أي العام يف املجتمع نحو حتقيق مقا�صد ال�شريعة و�أهداف العقيدة وعدم االكتفاء بالت�صور النظري لأن الإ�سالم ال يكتفي بتوجيه الفكر دون الواقع �أو النظر دون العمل. �إحياء روح االنتماء واملواطنة ،وبيانالتحدي الذي يواجه الأمة ،وت�أ�صيل ف�ضيلة التنظيم الذاتي للفكر لدى الطالب يف اجلامعة ب�شكل عام.
امل�ساهمة يف خلق دور �إمنائي فاعل وا ٍع يحمل ر�سالة الإ�سالم فكراً و�سلوكاً م�صطلحاً (يحاكي اللفظ الذي يعربداخل احلرم اجلامعي وخارجه لإيجاد ومنهجاً ومعرفة وعم ً ال. عن هذه الفكرة). ب�ؤرة �صاحلة للبحث العلمي ومنطلق تنمية الثقافة الدينية والروحية -ت�ستند فكرة املواطنة يف الفكرللتغيري الثقايف. للمجتمع من خالل تنظيم الندوات الإ�سالمي على مفهوم اجلامعة وحرية كليات ال�شريعة يف اجلامعات معنية وامل�شاركة يف امل�ؤمترات العلمية و�إلقاء املعتقد وفقه (امل�شاركة) وعلى املبادئ�أن ت�أخذ على عاتقها هدم الأ�سوار بني املحا�ضرات الدينية يف امل�ساجد واملدار�س .الأ�سا�سية وهي: اجلامعة واملجتمع (لت�صبح اجلامعة ت�صويب �أخطاء النا�س وبخا�صة يف .1مبد�أ امل�ساواة (�إن �أكرمكم عند اهللخادمة حميطها) وذلك لأجل امل�ساهمة �أمور العقيدة ،والأحكام الفقهية. �أتقاكم). يف مد اجل�سور املعرفية بني اجلامعة واملجتمع. تو�ضيح حقوق امل�سلمني على بع�ضهم .2مبد�أ تكاف�ؤ الفر�ص لكل الأجنا�سمن حيث املحافظة على ال�ضرورات املنخرطة يف الدين الإ�سالمي (ال فرق إشاعة ثقافة التنوع اخلم�س( ،حفظ النف�س ،والدين ،بني عربي و�أعجمي �إال بالتقوى) ،وتوزيع والعر�ض ،واملال ،والعقل). امل�س�ؤولية على جميع الرعايا (كلكم راع العريف االعتقادي وكلكم م�س�ؤول عن رعيته). بيان ف�ضل علوم ال�شريعة على املجتمع(وجعلناكم شعوبا ودورها يف رقيه وحفظ هويته. .3م�شاركة امل�سلم للخالفة �أو الدولة يف
وقبائل لتعارفوا)
وأن هذا التنوع عامل خصوصية معرفية، ويحث على عدم االنكماش على الذات، وأن هذا التنوع ال يؤدي إىل الصدام. ال تقت�صر وظيفة كليات ال�شريعةعلى تعميم املعارف الإ�سالمية ون�شرها فقط للقادمني على تلقي هذه املعارف، و�إمنا �إ�ضافة لذلك متتد وظيفتها �إىل رفع قدرة كل فرد على تلقي املعارف الإ�سالمية ،واالنتقال من ح�سن تلقي هذه املعارف �إىل �إغناء هذه املعارف بالإ�ضافات الأ�صيلة واملبتكرة وبالتوجيه احل�سن. -من مهمة كليات ال�شريعة �إن�شاء جيل
مهمة �إ�صالح املجتمع وهذه هي مقا�صد 4دور كليات ال�شريعة يف تعزيز قيم ال�شريعة. املواطنة الإ�سالم �أعطى �أهمية خا�صة للوطن املواطنة ن�سبة �إىل الوطن (وهو مولد فاالنتماء للوطن يختلف عن االنتماءالإن�سان والبلد الذي هو فيه) قال للطائفة �أو القبيلة .واملواطنة يف اجلوهري :الوطن حمل الإن�سان. الإ�سالم بنيت على ن�صو�ص ثابتة ت�ؤكد وتعنى املواطنة امل�ساواة بني على حقوق الإن�سان وكرامته وحريته. املوطانني ب�صرف النظر عن االختالف � -صحيفة املدينة كانت مبثابة د�ستور يف اللون �أو اجلن�س �أو الدين فاملواطنة يج�سد مبد�أ ال�شراكة يف الوطن بني عالقة يف وطن وحالة �شعور ورابطة امل�سلمني وغري امل�سلمني ،وجت�سيداً مبد�أ االلتحام باالخر وقد و�ضعت عالقة تعاي�ش. اال�سالم باالخر بني ممار�سة وتطبيقاً وعادة ما تكون رابطة اجلن�سية معياراً و�ضمنت حرية االختالف يف املعتقدا�سا�سياً يف حتديد �أهمية املواطن وهي الديني ،واقامة هذا املعتقد املخالف تعبري عن ال�صلة التي تربط بني امل�سلم لل�سالم وذلك كله يف مقابل الوالء لدولة كفرد وعنا�صر الأمة .واملواطنة حقوق اال�سالم. وواجبات ،ومبادرة الإن�سان وم�س�ؤولياته جتاه نف�سه وجتاه اجلماعة التي ينتمي ومن هنا يربز دور كليات ال�شريعة يف تعزيز قيم املواطنة: �إليها. كليات ال�شريعة لها دور من حيث واملواطنة يف الإطار الإ�سالمي تركن الرتبية على املواطنة وتكوين الإن�سان�إىل فيم الإ�سالم التي حتدد احلقوق (املواطن) الواعي املمار�س حلقوقه والواجبات املتبادلة ولذا فهي مفهوم وواجباته يف �إطار اجلماعة التي ينتمي (املفهوم يحاكي الفكرة) ولي�ست �إليها.
67
درا
سات إسالمية
68
تعليم الطلبة ان املواطنة انفتاح الفعالة يف التنمية وتو�ضيح دوره العاملي .وا�ست�شراف م�ستقبل �أف�ضل.متوازن (باعتبارها حم�ضن للهوية تر�سيخ �أهداف املواطنة املتمثلة يف -الت�أكيد على �أن املواطنة واملحافظةوللخ�صو�صية احل�ضارية). احرتام مقومات الوطن ،االندماج مع على �أمن الوطن وا�ستقراره من �أوليات و�ضع مفهوم املواطنة يف �إطارها اجلماعة بروح الإفادة والتعاون ،قبول الإ�سالم والدولة الإ�سالمية (وذلكال�صحيح �إذ املواطنة ال تختزل يف جمرد التعدد والتعاي�ش الديني واحرتام د�ستور من خالل الهجرة ،بيعة العقبة الأوىل ال�شكل (هُ وية �أو جواز ال�سفر) و�إمنا الدولة وحب العمل والإنتاج. والثانية) و�أن املواطنة يف الإ�سالم ال يجب �أن جت�سد يف الغرية على الوطن تقوم على الدين فقط (فاملواطن غري تقوية قيم الت�سامح والتطوع والتعاونواالعتزاز باالنتماء �إليه ،وامل�شاركة امل�سلم يقدم كل الواجبات مقابل بع�ض والتكامل االجتماعي وروح الأمل احلقوق) (الر�سول�-صلى اهلل عليه و�سلم -ي�أخذ الزكاة من امل�سلمني يف الوقت الذي بع�ض اليهود من كل �شيء حتى اجلزية ومن واجب الدفاع عن املدينة). �إ�شاعة ثقافة التنوع العريف االعتقادي(وجعلناكم �شعوبا وقبائل لتعارفوا) و�أن هذا التنوع عامل خ�صو�صية معرفية، ويحث على عدم االنكما�ش على الذات، و�أن هذا التنوع ال ي�ؤدي �إىل ال�صدام. يقع العبء على كليات ال�شريعة يف بيان�أن �أ�سا�س ت�شكيل الدولة يف الإ�سالم لي�س الدين فقط و�إمنا الأ�سا�س هو اخل�ضوع للنظام العام ولذا �ضمت هذه الدولة بني رعاياها (النبي حممد –�صلى اهلل عليه و�سلم ،-وامل�سلمون من قري�ش (املهاجرون) وامل�سلمون من يرثب (الأن�صار) واليهود (لي�سوا م�سلمني) ومن دخل يف حلفهم (م�شركو يرثب الأو�س واخلزرج) وه�ؤالء كونوا �أمة واحدة ،وهذه الت�شكيل كما هو وا�ضح يف وثيقة املدينة هو يف الواقع �أ�سا�س فكرة املواطنة فالإ�سالم ودولته ي�ستوعب اجلميع (املتدين بو�صفه ديناً ،واملواطن بو�ضعه ملتزماً بالقانون) وغري امل�سلم الذي يعي�ش يف دولة الإ�سالم من خالل ثقافته.
بناء قيم املواطنة من خالل املواد التي للتعريف بالأحكام ال�شرعية واملباديء دوما �أن عملها مع هذه الكليات هو عملتطرحها كليات ال�شريعة (مادة نظام العقدية. تكاملي ولي�س تناف�سيا. الإ�سالم ،مادة الثقافة الإ�سالمية ،مادة -3امل�ساهمة يف عقد الندوات وامل�ؤمترات ولذا علينا اليوم �أن نحاول مقاومة حقوق الإن�سان يف الإ�سالم وغريها). واملهرجانات التي تهتم ببيان جوانب (ا�ضمحالل دور كليات ال�شريعة) و�أن وهذه املواد كفيلة �أن تو�ضح مفهوم الفكر الإ�سالمي يف �شتى امل�سائل. ن�ساعد هذه الكليات �أن تنجو بنف�سها املواطنة يف نفو�س الطلبة و�أن توجه كمحتوى وكوجود ،لأن هناك �أ�سئلة االجتاهات الوجدانيه للطلبة لبناء -4امل�ساهمة يف ن�شر البحوث وامل�ؤلفات تطرح بني حني و�آخر و�أهمها ما يقوله قيم املواطنة دون االنح�صار يف اجلانب للموا�ضيع امل�ستجدة التي تواجه �أفراد النا�س اليوم" هل ميكن �أن تختفي املجتمع وبيان موقف ال�شريعة منها املعريف. كليات ال�شريعة من اجلامعات بحجة (اال�ستن�ساخ ،والعوملة ،والت�أمني ،وزرع و�سائل حتقيق الأهداف عدم الإقبال على هكذا تخ�ص�ص� ،أو الأع�ضاء ،والإدمان ،واملخدرات ،والإيدز، حتت ذريعة تغذية الإرهاب �أو ال�ضغوط ثمة تفاعل دائم بني كليات ال�شريعة واملعامالت االقت�صادية املعا�صرة). الدولية" واجلامعة داخل احلرم اجلامعي من -5تقدمي الوعظ والإر�شاد من خالل جهة ،وبينها وبني املجتمع الذي تتواجد ولذا علينا �أن نتلم�س م�ستقبل هذه و�سائل الإعالم املرئية وامل�سموعة فيه من جهة �أخرى ،بل �أن هذا التفاعل الكليات يف �ضوء الأحداث اجلارية. واملقروءة. هو "االعتماد" املتبادل الذي مينح هذه الكليات ق�سيمة البقاء واال�ستمرار -6 ،اال�شرتاك يف عملية اخلطابة يوم وميثل ظاهرة �صحية ومفيدة للجامعات اجلمعة يف خمتلف امل�ساجد يف املجتمع. واملجتمع بل وللأمة .ولذا حتاول كليات -7امل�ساهمة يف �إحياء املنا�سبات الدينية ال�شريعة �أن حتقق �أهدافها ،و�أن ت�ؤدي والوطنية (الهجرة ،املولد النبوي، دورها م�ستخدمة طرقا وو�سائل �أهمها :الإ�سراء واملعراج ،ف�ضائل رم�ضان،
-1طرح مقررات �أكادميية (متطلبات اال�ستقالل ،وغريها). جامعة اختيارية و�إجبارية) تنطوي على اخلامتة ت�صحيح املفاهيم مثل مواد (الثقافة الإ�سالمية ،ونظام الإ�سالم ،ونظام لي�س املهم �أن نتحدث اليوم عن دور الأ�سرة ،حقوق الإن�سان ،املدخل �إىل كليات ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم الفقه الإ�سالمي ،علوم القر�آن ،علوم خدمة للمجتمع فهذا �أمر نه�ضت احلديث ،ال�سرية النبوية).ومن خالل به كليات ال�شريعة يف كافة اجلامعات هذه امل�ساقات ت�ستطيع كلية ال�شريعة �أن والواقع ي�شهد �أن دورها-فيما م�ضى- متكن الهوية الإ�سالمية ،وتزود طلبة متميز وملحوظ ورائد �سواء داخل احلرم اجلامعة بالتعاليم الإ�سالمية ال�صافية اجلامعي �أم خارجه ،وميكن �أن يقال �أن واحلقيقية ،وتر�سيخ مفاهيم عدم هذه الكليات هي حاملة م�شعل احلراك التبعية ( وبخا�صة جليل ال�شباب) لغري املعريف داخل احلرم اجلامعي وخارجه من حيث عقد الندوات وامل�ؤمترات، الإ�سالم. وهي بحق متقدمة على غريها من -2تقدمي درو�س وحما�ضرات يف املدار�س كليات اجلامعة يف �أداء دورها و�أنها تظهر وم�ؤ�س�سات املجتمع املدين الأخرى
69
درا
سات إسالمية
70
بقلم اال�ستاذ الدكتور عبدال�سالم العبادي
دور مجمع الفقه اإلسالمي في مجاالت االجتهاد الجماعي
ميار�س جممع الفقه اال�سالمي الدويل دورا كبريا متميزا يف الت�صدي لدرا�سة االمور اال�سا�سية الكربى التي حتتاجها االمة ،وا�ستنباط االحكام ال�شرعية للق�ضايا امل�ستجدة واحلادثة ،ومعاجلتها على ا�سا�س من االجتهاد اجلماعي ،والذي يعني التقاء جمموعة كبرية من العلماء تنظر يف امل�سائل املطروحة وفق قواعد االجتهاد املقررة يف ال�شريعة ،وعلى ا�سا�س من تعدد االنظار مما �سي�ؤدي اىل العمق يف البحث والأطمئنان اىل النتائج ،وتتخذ القرارات ب�أغلبية اع�ضاء جمل�سه ،ة الذي يتكون من علماء وفقهاء ميثلون الدول اال�سالمية ،باال�ضافة اىل ما ال يزيد عن ثلث االع�ضاء يختارهم املجل�س من كبار العلماء من الدول واجلاليات اال�سالمية يف العامل .
وقد ت�صدى املحمع منذ ت�أ�سي�سه �سنة 1983اىل اكرث من 175مو�ضوعا �شملت ق�ضايا عامة وحتديات كربى تواجه االمة باال�ضافة ق�ضايا وم�سائل فكرية و�سيا�سية واقت�صادية وم�صرفية واجتماعية وطبية .وقدم فيها معاجلات �شافية ،وقام منهجه يف ذالك على ا�ستكتاب جمموعة من املخت�صني لت�صوير امل�سائل على حقيقتها؛ فاحلكم على ال�شئ فرع عن ت�صوره ،باال�ضافة اىل ا�ستكتاب عدد من الفقهاء غري االع�ضاء كخرباء ، ويدور نقا�ش مو�سع ي�شارك فيه اع�ضاء املجمع .وعلى �ضوء البحوث املعدة واملناق�شات املو�سعة يتخذ القرار ، وين�شر كل ذلك يف جملة املجمع .والتي جاوز عدد جملداتها ال 65جملدا، والتي بحمد اهلل تعاىل غطت 21دورة .فنحن بف�ضل اهلل �سبحانه امام مكتبة ا�سالمية كربى . ومن تقاليد املجمع عقد دورته ال�سنوية يف احدى الدول اال�سالمية , وكذلك عقد الندوات املتخ�ص�صة لبحث املو�ضوعات ال�شائكة ،وقد حظينا يف اململكة االردنية الها�شمية با�ست�ضافة دورتني :الثالثة برعاية املغفور له باذن اهلل تعاىل امللك احل�سني بن طالل طيب اهلل تعاىل ثراه �سنة 1986م ،والتي بحثت فيها املو�ضوعات التالية ،واخذت فيها القرارات الالزمة � :أجوبة على ا�ستف�سارات البنك اال�سالمي للتنمية ،توظيف الزكاة يف م�شاريع ذات ريع بال متليك فردي للم�ستحق ،اطفال
االنابيب ،اجهزة االنعا�ش ،توحيد بدايات ال�شهور القمرية ،االحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة او الباخرة ،اجوبة عن ا�ستف�سارات املعهد العاملي للفكر اال�سالمي بوا�شنطن ، والتي قدم فيها( ) 35بحثا ،وال�سابعة ع�شرة برعاية جاللة امللك عبداهلل ابن احل�سني املعظم حفظه اهلل تعاىل �سنة 2006م والتي بحثت فيها املو�ضوعات التالية ،واخذت فيها القرارات الالزمة :اال�سالم واالمة الواحدة : املذاهب العقدية والفقهية ،االفتاء : �شروطه و�آدابه ،موقف اال�سالم من الغلو واتطرف ،التوفيق بني التقيد بالثوابت وبني مقت�ضيات املواطنة للم�سلمني خارج بالدهم ،ا�ستكمال النظر يف �صكوك امل�شاركة � ،أو�ضاع املر�أة ودورها االجتماعي من منظور ا�سالمي ،عالقة الدولة اال�سالمية وغريها باملواثيق الدولية ،ال�ضوابط ال�شرعية للبحوث الطبية البيولوجية ،مر�ض ال�سكري و�صيام �شهر رم�ضان . وجرى و يجري التخطيط لعقد الدورة 22للمجمع با�ست�ضافة من دولة الكويت ال�شقيقة يف ال�شهر الثالث من هذا العام . وعندما عينت امينا عاماً للمجمع �سنتي 2008و 2009نظمت الدورة التا�سعة ع�شرة للمجمع وقد ت�صدت هذه الدورة اىل مو�ضوعة عدة منها :
حرية التعبري عن الر�أي� :ضوابطها و�أحكامها ،العنف يف نطاق الأ�سرة ،البيئة واحلفاظ عليها من منظور �إ�سالمي ،دور الرقابة ال�شرعية يف �ضبط �أعمال البنوك الإ�سالمية : �أهميتها ،و�شروطها ،طريقة عملها ،وقف الأ�سهم وال�صكوك ،واحلقوق املعنوية ،املنافع ،تطبيق نظام البناء و التمليك ( )B.O.Tيف تعمري الأوقاف ،املرافق العامة ،التورق: حقيقته � ،أنواعه ( الفقهي املعروف و امل�صريف املنظم ) ال�صكوك الإ�سالمية (التوريق ) :وتطبيقلتها املعا�صرة وتداولها ،الإذن يف العمليات اجلراحية امل�ستعجلة . ويف هذه الفرتة قدمت مذكرة بتعديالت مهمة على النظام اال�سا�سي للمجمع ،ومنكرة اخرى بخطة �شاملة لتطوير العمل يف املجمع مما �سيكون مو�ضوعا للحلقة الثانية من هذا املقال. فالواقع ان جممع الفقه الإ�سالمي الدويل جهاز فرعي علمي ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي ،له �شخ�صيته االعتيارية ،ومقره الرئي�سي يف مدينة جدة ،باململكة العربية ال�سودية . واللغة العربية املعتمدة يف املجمع ، ويتوىل يف ا�ستقالل تام ،انطالقاً من القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ،بيان الأحكام ال�شرعية يف الق�ضايا التي تهم امل�سلمني.
احلرية الدينية يف ال�شريعة وقد ت�أ�س�س جممع الفقه الإ�سالمي�س الإ�سالمية� :أبعادها ،و�ضوابطها ،تنفيذاُ للقرار ال�صادر عن م�ؤمتر القمة
71
درا
سات إسالمية
72 �أو ًال :حتقيق التالقي الفكري بني تو�سيع دائرة االهتمام بالعمل الفقهي امل�سلمني يف �إطار ال�شريعة الإ�سالمية الإ�سالمي و�إعادة اعتباره مكوناً وما تتيحه مذاهبها من تنوع ثري رئي�سياً من مكونات الفكر و الثقافة وتعدد بناء . الإ�سالميني
الإ�سالمي الثالث "دورة فل�سطني والقد�س " املنعقد يف مكة املكرمة باململكة العربية ال�سعودية يف املدة كم 22-19ربيع الأول 1401هجري املوافق 28-25كانون الثاين /يناير 1981م ، ثانياً :االحتهاد اجلماعي يف ق�ضايا وقد ت�ضمن القرار مايلي : احلياة املعا�صرة وم�شكالتها وت�شجيعه �إن�شاء جممع ي�سمى (جممع الفقه لتقدمي احللول التابعة من ال�شريعة اال�سالمي ) يكون �أع�ضا�ؤه من الفقهاء الإ�سالمية ؛ وبيان االختيارات املقبولة و العلماء و املفكرين يف �شتى جماالت من بني الآراء املتعددة يف امل�س�ألة املعرفة الفقهية و الثقافية و العلمية الواحدة مراعاة مل�صلحة امل�سلمني و االقت�صادية من خمتلف �أنحاء �أفراداً وجماعات ودو ًال ،مبا يتفق مع العامل الإ�سالمي لدرا�سة م�شكالت الأدلة ويحقق املقا�صد ال�شرعية . احلياة املعا�صرة و االجتهاد فيها ثالثاً :التن�سيق بني جهات الفتوى يف ال فاع ً اجتهاداً �أ�صي ً ال ،بهدف تقدمي العامل الإ�سالمي على النحو الذي احللول التابعة من الرتاث الإ�سالمي تبينه الالئحة التنفيذية . واملنفتحة على تطور الفكر الإ�سالمي. رابعاً :مواجهة التع�صب املذهبي ، وانطالقاً من روح بالغ مكة املكرمة و الغلو يف الدين ،وتكفري املذاهب اتخذت منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي جملة الإ�سالمية و�أتباعها ،بن�شر روح من الإجراءات القانونية والتنفيذية االعتدال و الو�سطية و الت�سامح بهدف و�ضع الإطار القانوين والإداري بني �أهل املذاهب والفرق الإ�سالمية لتحقيق �إرادة القادة امل�سلمني ب�إن�شاء املختلفة . جممع الفقه الإ�سالمي ،يلتقي فيه فقهاء الأمة لتقدمي الإجابات و احللول خام�ساً :الرد على الفتاوى التي تخالف الأ�صلية و الوافية عن كل �س�ؤال تطرحه ثوابت الدين ،زقواعد االجتهاد املعتربة ،وما ا�ستقر من مذاهب العلماء بري م�ستجدت احلياة املعا�صرة . دليل �شرعي معترب. وقد بينت املادة الثالة من النظام اال�سا�سي اجلديد للمجمع � :أهداف �ساد�ساً� :إبداء الر�أي ال�شرعي يف املو�ضوعات التي تت�صل بالواقع مبا املجمع: يي�سر الإفادة منه يف تطوير الت�شريعات ي�ؤدي املجمع مهامه املن�صو�ص عليها و القوانني و الأنظمة لتكون متوافقة يف هذا النظام يف ا�ستقالل تام عن مع �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية . الدول الأع�ضاء ،ويعمل على حتقيق �سابعاً :العمل على كل ما من �ش�أنة الأهداف الآتية :
ثامناً :اعتبار املجمع مرجعية �إ�سالمية فقهية عامة من خالل اال�ستجابة املبا�شرة لدواعي �إبداء الر�أي الفقهي يف م�ستجدات احلياة ،ويف التحديات التي تواجه الأمة الإ�سالمية . تا�سعاً� :إفتاء اجلاليات امل�سلمة خارج البلدان الإ�سالمية مبا يحمي قيم الإ�سالم ،وثقافته ،وتقاليده فيها حفاظاً على هويتها الإ�سالمية يف الأجيال املتتابعة مع مراعاة ظروفها اخلا�صة . عا�شراً :التقريب بني فقهاء املذاهب الإ�سالمية املتعددة املتفقة على ماهو معلوم من الدين بال�ضرورة تعظيماً للجوامع واحرتاماً للفروق ،و�أخذ �آرائهم جميعاً باالعتبار عند �إ�صدار املجمع لفتاواه وقراراته ،احلر�ص على �ضم ممثلني لهذه املذاهب �إىل ع�ضوية املجمع . حادي ع�شر :تو�ضيح حقيقة املوقف ال�شرعي من الق�ضايا العامة . ثاين ع�شر :العمل على جتديد الفقه الإ�سالمي بتنميته من داخله ،وتطويره من خالل �ضوابط اال�ستنباط و�أ�صول الفقه ،واالعتماد على الأدلة و القواعد ال�شرعية و العمل مبقا�صد ال�شريعة .
ويف املادة الرابعة من النظام اال�سا�سي بينت :الو�سائل : وحتى ي�ستطيع املجمع النهو�ض بر�سالته ،ويتمكن من حتقيق �أهدافه ،ن�ص نظامه الأ�سل�سي يف مادته الرابعة على : يعمل املجمع لتحقيق �أهدافه املن�صو�ص عليها يف يف املادة ال�سابقة من خالل جمل�سه وهيئة مكتبه و�أمانته و�شعبه بالو�سائل املتاحة و املمكنة كافه ،ومن بيتها : �أو ًال� :إ�صدار الفتاوي يف الق�ضايا التي تهم امل�سلمني ون�شرها على �أو�سع نطاق ممكن لت�شجيع تبني منهج الو�سطية الإ�سالمية الذي يحول بني امل�سلمني وبني الغل ّو �أو الإفراط �أو التفريط �أو �إتباع الآراء ال�شاذة . ثانياً� :إ�صدار مو�سوعات فقهية �شاملة تهتم بق�ضايا الع�صر يف خمتلف جماالت احلياة ،وتعنى بامل�سائل املتداولة يف كتب الفقه ،وتكتب بلغة قريبة مي�سرة بحيث تقرب املعلومات الفقهية �إىل جمهور امل�شتغلني بالثقافة و الإعالم .
فيها ،يراعى فيها االختالف املذهبي العلمية و العملية ،لبحث املو�ضوعات ،وذكر الدليل ب�صورة خمت�صرة ،املعرو�ضة على املجمع . ون�شرها يف العامل الإ�سالمي لتي�سري عا�شراً :عقد م�ؤمترات وندوات علمية الرجوع �إليها يف تعديل الت�شريعات متخ�ص�صة ملناق�شة ق�ضايا بعينها � ،أو والقوانني و النظام القائمة . مو�ضوعات م�شكلة �أو ذات �شعب متعددة خام�ساً :ت�شجيع البحث الفقهي اجلاد تقت�ضي بحثاً ومداولة فقهية �أو�سع مما من خالل �شعب املجمع وجلانه ويف تتيحه اجتماعات جمل�س املجمع و�شعبه نطاق اجلامعات و امل�ؤ�س�سات العلمية وجلانه . الأخرى فيما يت�صل بتحديات الع�صر حادي ع�شر� :إبداء الر�أي ال�شرعي يف وم�ستجدات ق�ضاياه . الوثائق التي ت�صدر من تامنظمة ومن �ساد�ساَ� :إقامة مراكز للدرا�سات �سائر املنظمات الإ�سالمية الأخرى كلما الإ�سالمية يف بع�ض املناطق املركزية طلب منه ذلك . خارج العامل الإ�سالمي ،التعاون مع ثاين ع�شر :ن�شر جميع �أعمال املجمع، املراكز القائمة خلدمة �أهداف املجمع ، وقراراته ،وفتاواه ،و�أهم البحوث ور�صد ما ين�شر عن الإ�سالم يف املناطق املقدمة �إليه يف جملة املجمع املحكمة، التي ي�شملها عملها ودفع ما يثار من وعلى موقعه على ال�شبكة الدولية �شبهات . للمعلومات واالت�صاالت ،وو�ضعها على �سابعاً :لإحياء الرتاث الفقهي �أقرا�ص مدجمة تي�سرياً القتنهائها الإ�سالمي مع العناية بوجه خا�ص والإفادة منها ،وترجمتها �إىل اللغات بكتب �أ�صول الفقه ومقا�صد ال�شريعة املهمة �إ�سالمياً وعاملياً الإ�سالمية ،الفقه ،والفقه املقارن ، ون�شر امل�ؤلفات التي مل تن�شر يف هذه املجاالت بعد حتقييقها ،وترجمة عيون هذا الرتاث �إىل اللغات املهمة �إ�سالمياً وعاملياً .
ثالثاً :و�ضع معجم �شامل للم�صطلحات ثامناً :ح�صر املجامع وامل�ؤ�س�سات الفقهية واال�صولية يتوخى دقة والهيئات الفقهية القائمة يف العامل التعريف بكل م�صطلح ،و�ضبطه ، الإ�سالمي ،ويف مهاجر امل�سلمني خارجه و�سهولة التعبري عنه . لتحديد اجلهات التي يتم بها التعاون و رابعاً� :إعداد م�شروعات قوانني التن�سيق بينهما وبني املجمع . منوذجية يف خمتلف املجاالت التي اال�ستعانة باخلرباء تا�سعاً: حتتاج �إىل تقنني الأحكام الإ�سالمية املتخ�ص�صني يف خمتلف املجاالت
73
درا
سات إسالمية
74
قال -عليه السالم -فيما رواه زيد بن األرقم قال :قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلمّ ": - إني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب اهلل عز و جل هو حبل اهلل من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضاللة "
بقلم الدكتور يا�سر �أبو ح�سني
االنحراف الفكري وأثره على األفراد والمجتمعات �أر�سل اهلل تعاىل �سيدنا حممد -عليه ال�صالة و ال�سالم لهداية النا�س ،مميز ًا لهم احلق من الباطلّ ،وو�ضح لهم املنهج القومي الذي ي�سريون عليه املتمثل يف القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية املطهرة فقال -عليه ال�سالم -فيما رواه زيد بن الأرقم قال :قال ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم� ": -إنيّ تارك فيكم ثقلني �أحدهما كتاب اهلل عز و جل هو حبل اهلل من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على �ضاللة "(ّ ،)1 فخط القر�آن الكرمي لهم الطريق الذي �إن اتبعوه جنوا و�إن حادوا عنه هلكوا -والعياذ باهلل -يف قوله تعاىلَ ( :و َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِّل َت ُكو ُنو ْا ُ�ش َهدَ اء َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِيدً ا) البقرة،١٤٣ : َع َلى الن ِ عن عا�صم عن �أبي وائل عن عبد اهلل بن م�سعود ،قال ّ "خط ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و �سلم -خط ًا بيده : ثم قال هذا �سبيل اهلل م�ستقيم ًا ،قال ثم ّ خط عن ميينه و�شماله ثم قال هذه ال�سبل لي�س منها �سبيل �إال عليه �شيطان يدعو �إليه ثم قر�أ ( و�إن هذا �صراطي م�ستقيما فاتبعوه وال تتبعوا ال�سبل)" (.)1
التو�سط يف الفكر وال�سلوك وامل�شاعر ّ لتحث هي ما جاءت ال�شريعة الغراء النا�س عليه ،وحت ّذر من امليل عنه �سوا ًء نحو الت�شدد والتطرف والغلو� ،أو نحو االنحالل والتق�صري يف الواجبات ال�شرعية ،فاخلروج عن منهج الو�سطية واالعتدال �إىل �أيّ االجتاهني هو انحراف ي�ؤدي ب�صاحبه �إىل �سوء العاقبةّ � ،إن االنحراف الفكري يهدد �صاحبه قبل �أن يهدد املجتمع ،ف�آثاره ال تقت�صر على الفرد بل تتعداه لت�شمل حميطه االجتماعي، مهدد ًة وحدة امل�سلمني و�أمنهم الفكري واالجتماعي ،وم�ش ّوهة ل�صورة الإ�سالم احلقيقية ال�سمحة. �إ ّننا ن�شهد يف وقتنا احلا�ضر انحرافاً فكرياً خطرياً لدى بع�ض اجلماعات التي تن�سب نف�سها للإ�سالم ،متخذ ًة امليل نحو الت�شدد والغلو منهجاً لها ،وهي بذلك تخرج عن مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية القائمة على احلوار مع الآخر وتقبله خمالفة قوله -عليه ال�سالمّ � " -إن هذا الدين ي�سر ولن ي�شا ّد هذا الدين �أحد �إال غلبه ف�سددوا وقاربوا "( )3وهذه اجلماعات ينطبق عليها قوله -عليه ال�صالة وال�سالم -عن �أبي �سعيدٍ اخلدري – ر�ضي اهلل عنه -قال �سمعت ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -يقول: "يخرج فيكم قوم حتقرون �صالتكم مع �صالتهم ،و�صيامكم مع �صيامهم، و�أعمالكم مع �أعمالهم ،يقر�ؤون القر�آن وال يجاوز حناجرهم ،ميرقون من الدين مروق ال�سهم من الرميةَ ،لئِنْ �أَ َنا �أَد َرك ُته ْم لأَ ْق ُتلَ َّن ُه ْم قتل عادٍ"( ,)4وعلى فر�ض � ّأن الأمر و�صل مع املخالفني للإ�سالم �إىل ح ّد القتال ف� ّإن للحرب يف الإ�سالم �شروطاً و�أخالقاً ال نراها لدى مثل هذه اجلماعات املت�شددة ،حيث قطعهم لر�ؤو�س خمالفيهم وعر�ضها يف و�سائل الإعالم، ويف الطرف النقي�ض نرى بع�ض من ينت�سبون للإ�سالم يدعون �إىل ركوب موجة التغريب ،واتخاذ الغرب قدو ًة يف كل �شيء �سوا ًء احل�ضارة الثقافية الغربية
املخالفة لل�شرع� ،أو احل�ضارة املدنية منحرفة فكرياً ولكنها منحرفة �سلوكياً، الغربية التي �أجاز لنا ال�شرع الأخذ منها لأ�سباب خمتلفة منها طبيعة البيئة التي ب�ضوابط ،وهم بذلك ينطبق عليهم قوله تعي�ش يف حميطها والتي ت�ؤثر فيها. عليه ال�سالمَ " : -ل َت َّت ِب ُعنَّ َ�س نَ َن َمنْ �أ�سباب االنحراف الفكري َق ْبلَ ُك ْم �شِ برْ ً ا بِ�شِ برْ ٍ َو ِذ َرا ًعا بِذِ َرا ٍع َح َّتى َل ْو َ�سلَ ُكوا ُج ْح َر َ�ض ٍّب َل َ�سلَ ْك ُت ُمو ُه ُق ْل َنا َيا َر ُ�سو َل ال ب ّد لعالج �أيّ م�شكل ٍة من التعرف على هلل ا ْل َيهُو َد َوال َّن َ�صا َرى َقا َل َف َمنْ "(.)5 ا ِ �أ�سبابها ،لكي ي�سهل و�صف الدواء و�إيجاد احللول املنا�سبة لهذه امل�شكلة ،واالنحراف مفهوم االنحراف الفكري: الفكري �أم ٌر طارئ على عقول النا�س هو "عدم ات�ساق �أو تطابق الفكر فالأ�صل �أن يبقى الإن�سان على فطرته ال�شخ�صي بانطباعاته وت�صوراته و�آرائه التي فطره اهلل عليها �سليم العقل ،ولهذا مع جمموعة املبادئ والقيم العقائدية الطارئ �أ�سباب ا�ستعر�ض �أه ّمها لي�سهل والثقافية� ،أو ال�سيا�سات امل�ستقرة يف الو�صول �إىل عالج له ،و هذه الأ�سباب هي: املجتمع"(.)9 �أ� -أ�سباب دينية و ُع ّرف �أي�ضاً ب�أ ّنه " :انتهاك للمعايرياملتعارف عليها ،وحماولة اخلروج عن قيم ب� -أ�سباب تربوية و�ضوابط اجلماعة"(.)10 ج � -أ�سباب نف�سية و ُع ّرف كذلك ب�أ ّنه":ذلك الفكر الذي د� -أ�سباب اجتماعية ال يلتزم بالقواعد الدينية وبالأعراف والنظم االجتماعية ويخالف تعاليم �أ�/أ�سباب دينية الإ�سالم"(.)11 اجلهل مبقا�صد الدين من خالل عر�ض التعريفات ال�سابقة من املعلوم � ّأن ال�شارع عز وجل مل ُي�ش ّرع لالنحراف الفكري ،ميكنني تعريف الأحكام الفقهية والعقدية عبثاً ،بل جاءت االنحراف الفكري ب�أ ّنه :امليل عن الفكر مل�صلحة النا�س �أجمعني ولي�س امل�سلمني ال�سويّ �إىل فكرٍ غري �سويّ خمالف لتعاليم فقط ،فامل�صلحة العامة من �أهم مقا�صد الدين الإ�سالمي� ،إ ّما باجتاه الإفراط الت�شريع ،وينبغي مراعاتها عند النظر والت�شدد� ،أو اجتاه التفريط واالنحالل؛ �إىل الأحكام ال�شرعية ،ومن هذه امل�صالح �أو هو �أن يحيد امل�سلم عن و�سطية الإ�سالم التي راعاها ال�شرع م�صلحة درء املفا�سد �إىل الإفراط بالت�شدد يف تطبيق تعاليم عن امل�سلمني قبل جلب املنافع لهم ،فدرء الدين الإ�سالمي دون النظر �إىل مقا�صد املف�سدة �أوىل من جلب امل�صلحة ،وقد قرر الدين العامة �أو مراعاة م�صلحة العباد ،علماء �أ�صول الفقه هذه القاعدة الفقهية �أو يحيد باجتاه التفريط يف التم�سك بهذه ،يقول ال�صنعاين -رحمه اهلل ":-دفع التعاليم مبا ي�ؤثر على �شخ�صيته امل�سلمة املفا�سد �أهم عند ال�شارع من جلب امل�صالح ويهدد عقيدته. ملا عُلم من � ّأن مبنى الأحكام ال�شرعية على وينبغي الإ�شارة �إىل � ّأن معظم جلب امل�صالح ودفع املفا�سد "(،)12هذه االنحرافات ال�سلوكية ناجت ٌة عن القاعدة الأ�صولية يجهلها كثري ممن انحرافاتٍ فكرية ،فقد جند بع�ضاً من مالوا وانحرفوا عن الفكر الإ�سالمي االنحرافات ال�سلوكية لي�ست ناجت ًة عن القومي ،ف�أباحوا لأنف�سهم القيام ب�أعمال انحرافات فكرية ،ك�أن تخرج املر�أة امل�سلمة جتلب امل�صالح – ح�سبما يزعمون - كا�شف ًة �شعرها مع قناعتها التامة � ّأن ما كقتل ال�سياح يف بالد امل�سلمني وتفجري خمالف للدين ،فهي هنا لي�ست الفنادق ،مدّعني � ّأن يف هذه الأفعال انتقام ٌ تفعله
75
درا
سات إسالمية
للم�سلمني امل�ست�ضعفني يف م�شارق الأر�ض ومغاربها ،و� ّأن فيها ترويعاً للكفار، غافلون عن املفا�سد العظيمة التي �ستجلبها مثل هذه الأفعال على امل�سلمني ،من تهديدٍ لوحدتهم ،و�إ�ضرا ٍر باقت�صادهم ،بل تنا�سوا � ّأن ه�ؤالء ال�سياح هم م�ست�أمنون( )13يجب على الدولة �أن ت� ّؤمن لهم احلماية لهم ما فج ْه ُل مثل ه�ؤالء داموا على �أرا�ضيهاَ ، املغالني ملقا�صد الإ�سالم جعلهم يوغلون يف تع�صبهم ومغاالتهم ،ومن الأمثلة العملية على تطرف هذه اجلماعات ما قامت به يوم التا�سع من ت�شرين الثاين عام 2005 بتفجري ثالثة فنادق يف العا�صمة الأردنية عمان خم ّلفة �ستني قتي ً ال و�أكرث من جريح " ،يف يوم التا�سع من ت�شرين مائتي ٍ ً الثاين عام ،2005كان ليل عمان حزينا �إذ دوت فيه انفجارات ا�ستهدفت ثالثة فنادق، هي :الرادي�سون �سا�س ،وحياة عمان ،ودايز �إن ،لتوقع �ستني بريئا ومائتي م�صاب" (.)14 ب� -أ�سباب تربوية -1التق�صري يف الرتبية. � -2أ�صدقاء ال�سوء. -1التق�صري يف الرتبية عن نافع بن عمر قال :قال ر�سول اهلل - �صلى اهلل عليه و�سلم ": -كلكم را ٍع وكلكم م�سئول ،فالأمري را ٍع على النا�س وهو م�سئول ،والرجل را ٍع على �أهل بيته وهو م�سئول ،واملر�أة راعية على بيت زوجها وهي م�سئولة ،والعبد را ٍع على مال �سيده وهو م�سئول� ،أال فكلكم را ٍع ،وكلكم م�سئول"ّ � ،إن ان�شغال الآباء والأمهات عن تربية �أبنائهم وتق�صريهم يف ذلك� ،أدى �إىل �أن يقع ه�ؤالء الأبناء فري�س ًة �سهل ًة لالنحراف الفكري باجتاهيه الإفراط والتفريط ،ويخرج جي ً ال ذا �شخ�صية فكرية تبعية.
76 �إهتم القران الكرمي بو�ضع القواعد الرتبوية الكفيلة ب�إعداد جيل من امل�سلمني ت� ّأ�صلت فيهم القيم الرتبوية القر�آنية ،فانعك�ست على �أفكارهم و�أخالقهم ،يقول حممد قطب – رحمه اهلل ": -منهج الرتبية الإ�سالمية ين�شئ النا�س على الواقعية ،ال يجفف عواطفهم وال ينزع روح الود واملحبة بينهم � ،أنمّ ا يجعل ذلك متمماً وقريناً للإميان"(،)19 ولننظر يف قوله تعاىل ( َو ْاع ُبدُواْ اللهَّ َ َو َال ُت ْ�ش ِر ُكواْ ِب ِه َ�ش ْي ًئا َوبِا ْل َوا ِل َد ْي ِن �إِ ْح َ�سا ًنا ني َوالجْ َ ا ِر َوبِذِ ي ا ْل ُق ْر َبى َوا ْل َي َتامَى َوالمْ َ َ�سا ِك ِ ال�صاحِ بِ ذِي ا ْل ُق ْر َبى َوالجْ َ ا ِر الجْ ُ ُنبِ َو َّ بِا َ ال�س ِبيلِ َومَا َملَ َكتْ �أَيمْ َا ُن ُك ْم) جلنبِ َوا ْب ِن َّ الن�ساء ،٣٦ :لرنى كيف يزرع القر�آن الكرمي القيم الرتبوية يف نفو�س الن�شء، فهذه الآية ت�ضع منهجا تربوياً للأفراد ابتداء بالرتبية الروحية املتمثلة بعبادة اهلل وحده� ،إىل بيان كيفية التعامل مع الأهل واجلريان ،و�صوال �إىل النهي عن ال�صفات الذميمة املنفرة املتمثلة بالتكرب، قطب – رحمه اهلل -يف يقول �سيد تف�سريه لهذه الآية� ":إذ الأوالد يف الغالب يتجهون بكينونتهم كلها ،وبعواطفهم وم�شاعرهم واهتماماتهم �إىل اجليل الذي يخلفهم ال اجليل الذي خلفهم! وبينما هم مدفوعون يف تيار احلياة �إىل الأمام ، غافلون عن التلفت �إىل الوراء ،جتيئهم هذه التوجيهات من الرحمن الرحيم ، الذي ال يرتك والدا وال مولودا ،والذي ال ين�سى ذرية وال والدين ،والذي يعلم عباده الرحمة بع�ضهم ببع�ض ،كذلك يلحظ يف هذه الآية ويف كثري غريها � ّأن التوجيه �إىل الرب يبد�أ بذوي القربى ثم ميتد منها ويت�سع نطاقه من حمورها � ،إىل بقية املحتاجني �إىل الرعاية من الأ�سرة الإن�سانية الكبرية"(.)20
ح ّذر القر�آن الكرمي من رفاق ال�سوء لأ ّنهم �سبب يف ال�ضياع والهالك ،جاء فقال تعاىل (الأَخِ َّ الء َي ْو َمئِذٍ َب ْع ُ�ض ُه ْم ِل َب ْع ٍ�ض َع ُد ٌّو �إِ َّال المْ ُ َّت ِق َ ني) الزخرف،٦٧ : وقال تعاىل على ل�سان الأخالء النادمني على اتخاذ �صحبة �سيئةَ (:و ْيلَ َتى َل ْي َتنِي لمَ ْ �أَ َّتخِ ْذ ُفال ًنا َخلِيال)الفرقان ، ٢٨ :و�أكدّت ال�سنة النبوية �أهمية الأ�صدقاء ،قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم( :مثل اجللي�س ال�صالح واجللي�س ال�سوء ،كمثل �صاحب امل�سك وكري احلداد ،ال يعدمك من �صاحب امل�سك� :إما ت�شرتيه �أو جتد ريحه ،وكري احلداد :يحرق بدنك �أو ثوبك� ،أو جتد منه ريحا خبيثة"(ّ � ،)22إن رفيق ال�سوء ُي َع ّد من �أه ّم �أ�سباب االنحراف الفكري ،حيث طول املرافقة ،والتقارب يف العمر الذي ي�ؤدي �إىل تقارب يف التفكري وبالتايل �سهولة الت�أثري ،لذا وجب على �أولياء الأمور التنبه لهذه النقطة، واختيار الأ�صدقاء ال�صاحلني لأبنائهم، لكي ال يخ�سروا ما زرعوه من تربية �صاحلة يف نفو�سهم ب�سبب رفقة ال�سوء.
ولعل الرتبية الغربية احلديثة التي يلج�أ �إليها كثري من امل�سلمني بحجة التطور والتقدم ،والقائمة على ف�صل الدين عن احلياة� ،أثرت كثرياً يف البناء الرتبوي الفكري للطفل من حيث نظرته
وقد �أ�شارت الدرا�سات �إىل �أن متعاطي املخدرات ب�سبب �صديق ال�سوء ت�صل �إىل ( ،)%88ومن هذه الدرا�سات :الدرا�سة الإح�صائية التي �أعدتها �شرطة دبي حول ت�أثري �صديق ال�سوء ،وجاء فيها ّ � " :إن (
�إىل تعاليم الدين و�إىل القيم والأعراف، �أ�ضف �إىل ذلك ح�صر ح�ص�ص الرتبية الإ�سالمية يف املدار�س بح�صتني �أو ثالثٍ �أ�سبوعياً �أدى �إىل قلة معرفة الطفل بدينه ،يقول العواجي" : وهناك ُبعداً �آخراً ال يقل �أهمية عن ق�ضية التغريب� ،أال وهو ق�ضية التن�شئة الرتبوية على غري تقوى اهلل ،فتنموا نفو�س الن�شء م�ش ّوهة على غري �أ�صلها ،وو�صل الأمر يف بع�ض البلدان الإ�سالمية �إىل مهاوي االنحالل والإباحية"(.)21 � -2أ�صدقاء ال�سوء
)%88من تعاطي املخدرات للمرة الأوىل ،و�صو ًال �إىل الهزمية النف�سية الداخلية يعود �إىل �صديق ال�سوء ،وت�أثريه املبا�شر يف لديهم ،مما ي�سهّل ال�سيطرة على عقولهم. توريط املراهقني والنا�شئة" (.)23 جاء يف جريدة الر�أي الأردنية يف -1تقدمي الهوى على ال�شرع العدد ال�صادر يوم الأربعاء 2014/3/19 ":يحاول املراهقون تقليد من هم �أكرب الهوى هو ميل النف�س واتباعه �سبب منهم �سناً مثل جنوم ال�سينما والفنانني رئي�سي من الأ�سباب التي �أدت �إىل ً ظهور وال�شخ�صيات العامة ،ويت�ضاعف هذا الفرق ال�ضالة املنحرفة فكريا عرب الت�أثري يف ال�سلوكيات مثل التدخني ، ّ التاريخ الإ�سالمي ،فاتباع الهوى ُيزين ومن �أهم �أ�سباب انت�شار التدخني بني ل�صاحبه حرف ا ًلآيات والأحاديث عن املراهقني هو ت�أثري الأفالم والدعايات و معناها املراد �شرعا لكي توافق هواه ،لذا تقليد الفنانني واملمثلني بح�سب درا�سة جاء النهي والتحذير يف القر�آن الكرمي �سابقة �أعدتها اجلمعية الوطنية الأردنية َ َ َ تَ عن �إ ّتباع الهوى،قال تعاىل (للهَّ�أ ُف َر�أ ْي َ ملكافحة التدخني حتت عنوان (�أجيال َ َ َّ ُ َّ َ َ َ ُ م ْ َِن اتخ َذ �إِل َ َهه َه َوا ُه َو َ�أ ْ�ضله ا َ َع َلى �صاعدة بال تدخني (مت تنفيذها يف َ عِ ل ٍم َوخت َ َم َع ًلى َ َ�س ْم ِع ِه َوقل ِب ِه َو َج َعل َعلللهَّى ع�شرين مدر�سة من املدار�س احلكومية َ َب َ َ�ص ِر ِه َ َغِ َّ �شا َوة ف َمن َيهْدِ ي ِه مِ ن َب ْعدِ ا ّ ِ واخلا�صة يف حمافظة عمان ،)26(.ويقول �أفال تذك ُرون) اجلاثية ،٢٣ 2وقال مُرغبا ح�سن ال�ضامري":من العوامل امل�ؤدية امل�سلمني ب�إخ�ضاع هوى النف�س َ �إىل �إىل ظهور االنحرافات وانت�شارها الت�شبه َ لجْ َّ �ضوابط وتعاليم ال�شرع( :ف�إِن ا حِ ي َم بالكفار واتباع َ�س َننهم"(.)27 هِ َي المْ َ�أْ َوى) النازعات"،٤١ - ٣٩ :واملت�أمل حلال �أهل الأهواء واالفرتاق والبدع ،يجد د� -أ�سباب اجتماعية � ّأن من �أعظم �أ�سباب �إ�صرارهم على بدعهم هو الهوى وما متيل �إليه �أنف�سهم"( -1 .)24و�سائل الإعالم وال�شبكة العنكبوتية (االنرتنت ). فا ّتباع الهوى يز ّين ل�صاحبه �سوء عمله، قال تعاىل (�أَ َفمن َكا َن َعلَى بي َن ٍة مِّن رب ِه -2الفقر. َّ ِّ َ ِّ َ َ َّ ) م و � أ وا ع ب ت ا و ه ل م ع ء و ِ ِ َاءهُ هْ َ ُ َك َمن ُز ِّي َن َل ُه ُ�س َ َ َ ُ ْ -1و�سائل الإعالم وال�شبكة حممد ،١٤ :يقول الطربي -رحمه اهلل العنكبوتية ( االنرتنت ) – ":وا َّتبعوا ما دعتهم �إليه �أنف�سهم من مع�صية اهلل ،وعبادة الأوثان من غري �أن لو�سائل الإعالم وال�شبكة العنكبوتية يكون عندهم مبا يعملون من ذلك برهان ومواقع التوا�صل االجتماعي ر�سالة �سامية ت�ؤدّيها يف ن�شر الف�ضيلة يف املجتمعات وحجة"(.)25 امل�سلمة ،لكن �إذا حادت عن هدفها وتخلت -2الإعجاب واالغرتار بالغرب عن ر�سالتها و�ض ّلت بو�صلتها ،ف� ّإن ت�أثريها � ّإن ا�ستح�سان امل�سلمني وخا�صة ال�شباب ينعك�س �سلباً على �أفكار امل�سلمني ،وت�صبح ّ منهم لعادات وتقاليد الغرب الكافر ،ي�ش ّكل مُهددة لأخالق امل�سلمني ووحدتهم ال من عوامل االنحراف الفكري لدى وخا�صة �أ َّن هذه الو�سائل موجود ًة يف كل عام ً هذه الفئة من امل�سلمني ،وخا�ص ًة �إذا بيت وال غنى عنها ،لذا وجب مل يجدوا من يوجههم من �أويل الأمر توعية الأبناء بخطر هذه الو�سائل وير�شدهم �إىل ال�ضوابط ال�شرعية يف املنحرفة عن هدفها ،بهدف حماية الأخذ عن الغرب ،ل ّأن هذا الإعجاب قد فكرهم و�أخالقهم ،لينعك�س ذلك �إيجابا يتطور �إىل درجة االنبهار بهم مما ي�ؤدي على �سلوكياتهم ،يقول الدكتور حممد �إىل الإح�سا�س بالدونية لدى امل�سلمني الغامدي يف درا�سة له حول �أثر االنرتنت
على ال�شباب ":من م�آ�سي �شبكة الإنرتنت ما تزخر به من مواقع تروج للعقائد الباطلة والأفكار الهدامة والدعوات اخلبيثة ،ونتيج ًة ملا ي�سود مرحلة ال�شباب من ف�ضول وعدم ا�ستقرار نف�سي وفكري، وقع كثري من ال�شباب العربي يف حبائل جماعات م�شبوهة ُتعادي الدين ،ومن �أ�شنع الأمثلة على ذلك ما و�صل به احلال من بع�ض ال�شباب العربي الذين انت�سبوا �إىل جماعة ت�سمي نف�سها جماعة عبدة ال�شيطان وقد �أفادت اعرتافاتهم �أمام املحققني امل�صريني �أ ّنهم تلقوا �أفكارهم و�سعوا لبثها عن طريق الإنرتنت،و� ّإن ( )% 13,2ممن �شملتهم الدرا�سة ي�ستخدمون ال�شبكة لالطالع على مواد جن�سية"( )28 -2الفقر اهتم الإ�سالم بتقوية اجلانب االقت�صادي للدولة الإ�سالمية ،ملا لهذا اجلانب من ت�أثري على جميع جوانب احلياة للم�سلم ،فقال تعاىل (:هُ َو ا َّلذِ ي َج َع َل َل ُك ُم الأَ ْر َ �ض َذ ُلوال َف ْام ُ�شوا فيِ َم َنا ِك ِبهَا َو ُك ُلوا مِ ن ِّر ْز ِق ِه َو ِ�إ َل ْي ِه ال ُّن ُ�شو ُر) امللك،١٥ : وقال -عليه ال�سالم ":-مَا �أَ َك َل �أَ َح ٌد َط َعا ًم َق ُّط َخيرْ ً ا مِ نْ �أَ ْن َي�أْ ُك َل مِ نْ َع َملِ يَدِ ِه َو ِ�إ َّن ال�س َ ال ُم َ -كا َن َي�أْ ُك ُل َن ِب َّي ا ِ هلل دَا ُو َد َ -علَ ْي ِه َّ مِ نْ َع َملِ يَدِ هِ"(.)29 ف�إهمال اجلانب االقت�صادي ي�ؤدي �إىل م�شكالت كثرية �أهمها الفقر الذي يُعدُّ �سبباً رئي�ساً يف انحراف الأفراد فكرياً و�سلوكياً ،حيث ي�ستغل �أ�صحاب الفكر املت�شدد حاجة النا�س ل�س ّد حاجاتهم الأ�سا�سية مدخ ً ال لن�شر �أفكارهم ال�ضالة، وملا للفقر من خطورة كبرية فقد تع ّوذ الر�سول الأعظم -عليه ال�صالة وال�سالم - منه يف الدعاء ،عن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها � ّأن النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم -كان يقول( :اللهم �إنيّ �أعوذ بك من الك�سل والهرم، وامل�أثم واملغرم ،ومن فتنة القرب ،وعذاب القرب ،ومن فتنة النار وعذاب النار ،ومن
77
درا
سات إسالمية
�شر فتنة الغنى ،و�أعوذ بك من فتنة الفقر، و�أعوذ بك من فتنة امل�سيح الدجال ،اللهم اغ�سل عني خطاياي مباء الثلج والربد، ونق قلبي من اخلطايا كما نقيت الثوب الأبي�ض من الدن�س ،وباعد بيني وبني خطاياي كما باعدت بني امل�شرق واملغرب "( ،)30فالفقر ميثل �أر�ضية خ�صبة لنمو الإرهاب ،عرب ا�ستغالل القوى الإرهابية، واجلماعات املتطرفة لعوز الفقراء وتوظيفهم للعمل الإرهابي ،من خالل �إقناعهم ب�أ ّنهم م�صابون بالغنب والظلم، و�إن ال عدالة اجتماعية يف ظل الواقع الذي يعي�شون ،لذا ال ب ّد من تغيري هذا الواقع لتحقيق هذه العدالة املرجوة. يقول عدنان الأ�سمر يف بحث من�شور له يف موقع احلوار املتمدن ":الفقراء ي�ضطرون لإخراج �أبناءهم من املدار�س لكي يذهبوا ل�سوق العمل وال يتمكن �أبناءهم من �إكمال درا�ساتهم العليا ،وهذا يزيد من ن�سب اجلهل والأمية واالبتعاد عن م�صادر املعرفة ،وهذا يكون الأ�سا�س االجتماعي لع�صابات العنف والإرهاب وال�سلوك العدواين �ضد النظام العام واملجتمع" (.)31 -3الظلم واال�ستبداد � ّإن وقوع الظلم واال�ستبداد على الإن�سان ي�شعره بالقهر والأ�سى ،ويولد لديه نقمة على كل ما حوله ب�سبب �سوء الأو�ضاع التي يعي�شها ،وينمي لديه مظاهر ال�سخط والتذمر و يدفعه �إىل البحث عن �أيّ منقذ له من واقعه املرير ،هذا الواقع الذي يعي�شه املظلوم والذي ي�شعر به بالإذالل ت�ستغله اجلماعات املتطرفة لتبث �أفكارها بحجة االنت�صار له و�إخراجه من حالة اال�ستبداد والظلم والقهر� ،إىل تطبيق العدل ون�شر احلرية ،ويزداد ت�أثري هذه الأفكار املتطرفة ب�شكل كبري يف ظ ّل غياب �أهل الن�صح والإر�شاد ممن يوجهون الأمة يف كيفية التعامل ال�صحيح مع الظلم واال�ستبداد من خالل ال�صرب والتح ّمل واالحت�ساب عند اهلل.
78 وملا للظلم واال�ستبداد من خطورة والغلو هو" :الإفراط يف جماوزة كبرية على �أفكار النا�س بحرفها عن جادة املقدار املعترب �شرعاً يف �أمرٍ من �أمور ال�صواب نحو الت�شدد والنظر �إىل املجتمع الدين"(.)39 نظرة ت�شا�ؤمية ،فقد حرم اهلل تعاىل الظلم التطرف من " :طرف وهو ح ِّد ال�شيء بكافة �أ�شكاله ،كالظلم وحرفهِ"()40 َ الواقع بالل�سان فقال تعاىل ( َوا َّل َ ذِين ني والمْ ُ�ؤْمِ َناتِ ِب َغ ِ مَا ا ْك َت�سبوا وهو "جماوزة احل ّد والبعد عن التو�سط َُ ُي�ؤْ ُذو َن المْ ُ�ؤْمِ ِن َ َ يرْ َف َقدِ اح َتم ُلوا ب ْه َتا ًنا و�إ ْثما مبي ًنا) الأحزاب :واالعتدال �إفراطا �أو تفريطاّ"()41 َ ِ ً ُّ ِ ْ َ ُ أي: � ": اهلل- رحمه – كثري ،٥٨يقول ابن يظهر لنا � ّأن الغلو والتطرف قريبان ين�سبون �إليهم ما هم ُب َر�آء منه مل يعملوه من حيث املعنى ،حيث يحمالن يف ومل يفعلوه"(� ، )32أو الظلم الواقع على طياتهما البعد وامليل عن الطريق الو�سط اجل�سد كالقتل �أو االعتداء ،فقال تعاىل الذي اختطه ال�شارع – ع ّز وج ّل -للنا�س، ( َومَن َي ْق ُت ْل ُم�ؤْمِ ًنا ُّم َت َع ِّمدًا َف َج َزا�ؤُ ُه َج َه َّن ُم وقد كان موقف القر�آن الكرمي وا�ضحاً يف ذمهما والنهي عنهما. َخا ِلدًا فِيهَا َو َغ ِ�ض َب اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َل َع َن ُه َو�أَ َع َّد ّ َل ُه َع َذا ًبا عَظِ ي ًما) الن�ساء ،٩٣ :ويف ذلك ٌ انحراف يقول الطربي – رحمه اهلل ": -يعني � ّإن التطرف الفكري املنت�شر ري ومدم ٌر ال يق ّل خطور ًة عن �أيّ خطرٍ بذلك جل ثنا�ؤه :ومن يقتل م�ؤم ًنا عامدًا خط ٌ قتله ،مريدًا �إتالف نف�سه ،فجزا�ؤه عذاب خارجي يهدد ال ّأمة الإ�سالمية ،و�سببه جهنم باق ًيا فيها ،وغ�ضب اهلل عليه بقتله الرئي�س هو البعد عن و�سطية الإ�سالم ( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �إياه متعمدًا ،و�أبعده من رحمته و�أخزاه الواردة يف قوله "(� ،)33أو الظلم الواقع باالعتداء على �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا)البقرة ،١٤٣ :فالو�سطية يف املال فقال تعاىل حفاظاً على املال من الفكر ينتج عنها و�سطية يف ال�سلوك ويف ال�سا ِر َق ُة َفا ْق َط ُعواْ امل�شاعر ،والت�شدد والتطرف يف الفكر ينتج ال�سار ُِق َو َّ ال�سرقةَ ( ":و َّ �أَ ْيدِ َي ُه َما َج َزاء بمِ َا َك َ�س َبا َن َكا ًال م َِّن اللهَّ ِ َواللهَّ ُ عنه �سلوك منحرف وم�شاعر عدوانية َعزِي ٌز حكِيم) املائدة ،٣٨ :و�أكد الر�سول – لكلِ خمالف ،لذا نرى � ّأن من يتبنى �أفكاراً َ ٌ عليه ال�صالة وال�سالم -ما جاء به القر�آن منحرفة يتخذ مواقفاً متطرفة ويغلو يف من حترمي للظلم فقال عليه ال�سالم " :نظرته العدائية لكل من يخالفه حتى ال يزال امل�ؤمن يف ف�سحة من ما مل ي�صب ولو كان من �أبناء امل�سلمني ،ويبني لنا دما حراما"( ،)34واعترب الر�سول – عبد الرحمن اللويحق الأ�ستاذ يف كلية عليه ال�سالمّ � -أن الظلم يف الدنيا ظلمات ال�شريعة يف جامعة الإمام حممد بن �سعود على �صاحبه يوم القيامة فقال: ":الظلم مدى الغلو والتطرف ،حيث يعتربهما �سبباً خمرجاً من الإ�سالم ،ويف هذا الربط ظلمات يوم القيامة"(.)35 حتذير للمغالني واملتطرفني من اخلروج �آثار االنحراف الفكري من امل ّلة دون �شعور منهم ،ظا ّنني �أ ّنهم يح�سنون �صنعا ،يقول ّ � ":إن الغلو يف ح ّد -1الغلو والتطرف: ذاته مفارقة للجماعة ،مبعنى مفارقة الغلو من ":غال ،والغالء نقي�ض الرخ�ص منهج احلق وطريقه"(.)42 ِ غال ال�سعر وغريه يغ ُلو غال ًء ،وال ُغلوُ -2التكفري: الذي هو التجاوز لقدر ما يحب"(.)36 يعترب تكفري كل خمالف يف الفكر انحرافاً " َغال يف الأمر جاوز فيه احلدّ"()37 فكرياً ،ذلك �أن التكفري يف الإ�سالم حمدّد "ال ُغال ِة :جمع َغالِ وهو املُتع�صِّ ُب اخلارج ب�ضوابط ومقيد بقيود ،وال يحق لأي عن ا َ حل ِّد يف ال ُغ ُل ِّو"()38 �إن�سان �أن يعطي لنف�سه حق التكفري دون
مراعاة لهذه ال�ضوابط ،لكن ما نراه اليوم عك�س ذلك حيث ظهور جماعات مت�شددة �أعطت لنف�سها هذا احلق ،هذا نتيجة طبيعية للغلو والتطرف الفكري الذي �أ�صابها ب�سبب انحرافها الفكري وميلها عن منهج الإ�سالم يف التعامل مع ن�صبوا �أنف�سهم ق�ضاة ال دعاة، الآخر ،فهم ّ يك ّفرون كل من يخالفهم من امل�سلمني �ضاربني عر�ض احلائط ب�ضوابط التكفري التي ا�ستنبطها علماء الأمة من القر�آن وال�سنة املطهرة ،غري �آبهني مبا ينتج عن تكفريهم ملخالفيهم من �أحكام فقهية كالتفريق بني الزوجني ،ومنع املرياث، وعدم الدفن يف مقابر امل�سلمني وغريها، �أو �آثار اجتماعية كبث الفتنة بني �أبناء املجتمع الواحد ،وانت�شار الفو�ضى يف هذا املجتمع ،ومثال هذه اجلماعات جماعة التكفري والهجرة التي ظهرت يف م�صر يف الثمانينيات من القرن الع�شرين والتي حتمل فكراً مت�شدداً ،وقد �أ�شار الكثري من الك ّتاب �إىل �آثار التكفري على املجتمع ،جاء يف كتاب التن�شئة الأ�سرية ودورها يف الأمن الفكري ":التكفري يفتح الباب وا�سعاً لإحداث الفو�ضى يف املجتمع امل�سلم ،كما يفتح الطريق للي�أ�س والقنوط من رحمة اهلل، عا�ص �إىل التوبة ،بل قد يدفعه فال ي�سارع ٍ �إىل مزيد من االبتعاد عن �شرع اهلل"(.)43 -3التع�صب الفكري: هو "الت�شبث بالر�أي والإ�صرار عليه و�إن كان خط�أ"(.)44 يعدُّ التع�صب لر�أي خاطئ غري م�ستند �إىل حجة� ،أو معتمدٍ على تقليدٍ للغري دون ا�ستي�ضاح ال�صواب من اخلط�أ ،دلي ً ال على عمى �أ�صاب ب�صرية �صاحبه ،وخلل فكري ً ح ّل بعقله ،ل ّأن مقيا�س قبول الأ�شياء واحلكم عليها هو عر�ضها على ال�شرع والعقل ال على العاطفة ،والتع�صب �صف ُة �ضعف يت�صف بها قليل احلجة ،حيث ٍ جاء يف كتاب ( مقدمة يف �أ�سباب اختالف امل�سلمني وتفرقهم) ":التع�صب مظهر
من مظاهر االنحراف الفكري وهو �شيمة من �شيم ال�ضعف ،وخ ّلة من خلل اجلهل، يبتلى بها الإن�سان ،فتعمى ب�صريته، وتغ�شى على عقله ،فال يرى ح�سناً �إال ما ح�سن يف ر�أيه ،وال �صواباً �إال ما ذهب وتع�صب �إليه"(.)45 � ّإن �أيّ �إن�سانٍ مهما كان را�سخ القدم يف العلم ،ف�إ ّنه مع ّر�ض للخط�أ ،ل ّأن اخلط�أ �صفة ب�شريةٌ ، وكل ي�ؤخذ من كالمه ويرد �إال املع�صوم -عليه �أف�ضل ال�صالة وال�سالم -الذي ال ينطق عن الهوى ،هذه احلقيقة جهلها �أو تغافل عنها املتع�صبون ف ُعميت �أب�صارهم ،وطبع على قلوبهمّ � ،إن التع�صب لأي كان لر�أي �أو �شخ�ص �أو حزب �أو مذهب �أو طائفة �أو قبيلة �إذا مل يكن على حقٍ فهو يهدد وحدة املجتمع امل�سلم، لذا جاء ذ ّم ال�شرع احلنيف له ،يف قوله تعاىل (�إِ ْذ َج َع َل ا َّلذِ َ ين َك َف ُروا فيِ ُق ُلو ِب ِه ُم الحْ َ مِ َّي َة َحمِ َّي َة الجْ َ اهِ ِل َّي ِة َف�أَن َز َل اللهَّ ُ َ�سكِي َن َت ُه َعلَى َر ُ�سو ِل ِه َو َعلَى المْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني َو�أَ ْل َز َم ُه ْم َك ِل َم َة ال َّت ْق َوى َو َكا ُنوا �أَ َح َّق ِبهَا َو�أَهْ لَهَا َو َكا َن اللهَّ ُ ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ًما) الفتح ،٢٦ :حيث و�صف احلمية وهي التع�صب للقبيلة ب�أ ّنها من �أفعال اجلاهلية التي جاء الإ�سالم ليخل�ص الب�شرية منها ،ويف قول النبي - عليه ال�سالم -الذي ال يحتمل الت�أويل وال يختلف على معناه اثنان ،عن جابر قال: قال ر�سول اهلل ":ما بال دعوى اجلاهلية دعوها ،ف�إ ّنها منتنة "(.)46 -4التحلل من القيم والأخالق واتّباع الهوى امليل عن الطريق امل�ستقيم لي�س بال�ضرورة �أن يكون باجتاه الت�شدد والتطرف والتع�صب الديني ،بل قد يكون يف االجتاه املعاك�س لذلك ،حيث االنحراف نحو االنحالل ا ُ خللقي والتحلل من القيم والأخالق ،فاملنحرف فكرياً ال ت�ضبطه �أيّ �ضوابط �شرعية �أو �أخالقية �أو عُرفية لأ ّنه ٍ مال عن الطريق ،ف�ضابطه الوحيد هو هوى نف�سه املخالف لل�شرع ،و�إ�شباع نزواته ورغباته ،وهذا ما ح ّذر القر�آن الكرمي منه
فقال تعاىلَ ( :يا دَا ُوو ُد �إِ َّنا َج َع ْل َن َ اك َخلِي َف ًة ا�س ِبالحْ َ ِّق َوال اح ُكم َبينْ َ ال َّن ِ فيِ الأَ ْر ِ�ض َف ْ َت َّت ِب ِع ا ْل َه َوى َف ُي ِ�ض َّل َك عَن َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ �إِ َّن ا َّلذِ َ ين َي ِ�ض ُّلو َن عَن َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ َل ُه ْم َع َذ ٌاب َ�شدِ ي ٌد بمِ َا َن ُ�سوا َي ْو َم الحْ َِ�سابِ ) �ص ،٢٦ :بل وعد القر�آن الكرمي من يتغ ّلب على هوى نف�سه باخللود يف اجلنة يف قوله تعاىل (�إِ َّن الجْ َ حِ ي َم هِ َي المْ َ�أْ َوى َ .1و�أَ َّما َمنْ َخ َ اف َم َقا َم َر ِّب ِه َو َنهَى ال َّن ْف َ�س ع َِن ا ْل َه َوى َ .2ف�إِ َّن الجْ َ َّن َة هِ َي المْ َ�أْ َوى) النازعات: ٤١. – ٣٩ يقول �سيد قطب – رحمه اهلل ": - وهنالك حرية �إن�سانية تليق بتكرمي اللهّ للإن�سان تلك هي حرية االنت�صار على هوى النف�س واالنطالق من �أ�سر ال�شهوة، والت�صرف بها يف توازن تثبت معه حرية االختيار والتقدير الإن�ساين ،وهنالك حرية حيوانية هي هزمية الإن�سان �أمام هواه وعبوديته ل�شهوتهّ � ،إن الأول هو الذي ارتفع وارتقى وتهي�أ للحياة الرفيعة الطليقة يف جنة امل�أوىّ � ،أما الآخر فهو الذي ارتك�س وانتك�س وتهي�أ للحياة يف درك اجلحيم حيث تهدر �إن�سانيته"()47 نرى املنحرف فكرياً يبيح لنف�سه املحرمات ،فال يرى غ�ضا�ضة يف تقليد الغرب فيما يخالف ال�شرع من م�أكل �أو ملب�س �أو غريها ،وقد و�صف حبنكة امليداين( )48حال املنحرف فكرياً املتبع لهواه فقال ":فمنحرف الفكر ُتز ّين له �أهوا�ؤه و�شهواته ومطالبه �صورة من �صور الباطل ،فتجعله ينادي ب�أ ّنها حق"(،)49 لذا نرى �سلوك املنحرف فكرياً ال ي�ؤ ّثر �سلبيا عليه فقط ب�أن ي�صبغه بال�صبغة ال�سيئة ،بل ي�ؤ ّثر على املجتمع املحيط به ،من ن�ش ًر للرذيلة واجلرمية ،و�إف�سا ًد يف الأر�ض ،وهذا الت�أثري ينعك�س مبجمله على وحدة وقوة الأمة الإ�سالمية .
79
درا
سات إسالمية
80
موقف ال�شرع احلنيف من االنحراف ليِ �أَ ْن �أَ ُقو َل مَا َل ْي َ�س ليِ ب َِح ٍّق �إِن ُكنتُ ُق ْل ُت ُه َف َق ْد َع ِل ْم َت ُه َت ْعلَ ُم مَا فيِ َن ْف�سِ ي َو َال �أَ ْعلَ ُم مَا الفكري َ َ َ ْ َّ َ ُ َّ ْ فيِ نف�سِ ك �إِنك �أنتَ َعال ُم الغيُوبِ ) املائدة: نعى القر�آن الكرمي على �أهل الكتاب .١١٦ ُبعدهم عن الفكر ال�صحيح الذي جاء به ذمت �أهل الكتاب على عي�سى – عليه ال�سالم -وغل ّوهم وت�شددهم ومن الآيات التي ّ ُ ْ يف دينهم و�شططهم يف نظرتهم �إىل نبي غ ّلوهم الفكري �أي�ضاً ،قوله تعاىل( :قل َيا اهلل عي�سى – عليه ال�سالم -حيث رفعوه �أَهْ َل ا ْل ِك َتابِ َال َت ْغ ُلواْ فيِ دِي ِن ُك ْم َغيرْ َ الحْ َ ِّق �إىل مرتبة الألوهية ،قال تعاىلَ ( :يا �أَهْ َل َو َال َت َّت ِب ُعواْ �أَهْ َواء َق ْو ٍم َق ْد َ�ض ُّلواْ مِ ن َق ْب ُل ال�س ِبيلِ ) ا ْل ِك َتابِ َال َت ْغ ُلواْ فيِ دِي ِن ُك ْم َو َال َت ُقو ُلواْ َعلَى َو�أَ َ�ض ُّلواْ َك ِث ً ريا َو َ�ض ُّلواْ عَن َ�س َواء َّ ي�سى ا ْب ُن َم ْريمَ َ املائدة ،٧٧ :يقول �أبو ال�سعود – رحمه اهلل اللهَّ ِ �إِ َّال الحْ َ َّق �إِنمَّ َ ا المْ َ�سِ ي ُح عِ َ َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َو َك ِل َم ُت ُه �أَ ْل َقاهَا �إِلىَ َم ْريمَ َ َو ُرو ٌح – "( َال َت ْغ ُلواْ يف دِي ِن ُك ْم ) �أي ال تتجاوزوا للهَّ هي للن�صارى عن رفع عي�سى ِّم ْن ُه َف�آمِ ُنواْ بِا ِ َو ُر ُ�س ِل ِه َو َال َت ُقو ُلواْ َثال َث ٌة احلدّ ،وهو ُن ٌ ان َتهُواْ َخيرْ ً ا َّل ُك ْم ِ�إنمَّ َ ا اللهَّ ُ ِ�إ َل ٌه َواحِ ٌد ُ�س ْب َحا َن ُه عن رتبة الر�سالة �إىل ما تق َولوا يف حقه ال�س َما َوات َومَا فيِ من العظيمة ،ولليهود عن و�ضعهم له - �أَن َي ُكو َن َل ُه َو َل ٌد َّل ُه مَا فيِ َّ ال) الن�ساء ،١٧١ :عليه ال�سالم -عن رتبته العل ّية �إىل ما الأَ ْر ِ�ض َو َك َفى بِاللهَّ ِ َوكِي ً قال الطربي -رحمه اهلل -يف ت�أويله لهذه تق َّولوا عليه من الكلمة ال�شنعاء"(.)52 الآية ":يعني جل ثنا�ؤه بقوله :يا �أهل � -2أمر اهلل تعاىل لنبيه -عليه ال�سالم الكتاب ،يا �أهل الإجنيل من الن�صارى ،ال � -أن يلتزم الطريق القومي وال َيحيد عنه تغلوا يف دينكم ،ال جتاوزوا احلق يف دينكم اب ا�س َت ِق ْم َك َما �أُمِ ْر َت َومَن َت َ فتفرطوا فيه ،وال تقولوا يف عي�سى غري قال تعاىلَ ( :ف ْ ري) َم َع َك َو َال َت ْط َغ ْوا �إِ َّن ُه بمِ َا َت ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ ّ ّ احلق ،ف�إن قولكم يف عي�سى �إنه ابن اهلل هود،١١٢ :يقول ابن عا�شور – رحمه اهلل ٌ قول منكم على اهلل غري احلق ،ل ّأن اهلل ":-ال َج َر َم �أَ ْن َكا َنتِ اِال ْ�س ِت َقا َم ُة َحا ِئلاً مل يتخذ ولدًا فيكون عي�سى �أو غريه دُو َن َذل َِك�ِ ،إ ِذ اِال ْ�س ِت َقا َم ُة هِ َي ا ْل َع َم ُل ِب َك َمالِ من خلقه له اب ًنا .....و�أ�صل الغلو يف كل َّ ال�شرِي َع ِة ب َِح ْي ُث اَل َي ْن َحر ُِف َع ْنهَا قِي َد �شِ برْ �شي ٍء جماوزة حدّه الذي هو حدّهَ ....عن "( ،)53واال�ستقامة امل�أمور بها النبي - الربيع قال� :صاروا فريقنيٌ : فريق غلوا عليه ال�سالم -هي ا�ستقامة ناجتة عن ّ ّ يف الدين ،فكان غلوهم فيه ال�شك فيه فكر م�ستقيم ال يحيد ع ّما �أنزله اهلل تعاىل والرغبة عنه ،وفريق منهم َّ ق�صروا عنه ،ب�أيّ اجتاه. فف�سقوا عن �أمر ربهم" (ّ � ،)50أما ابن اجلوزي – رحمه اهلل -فيقول يف تف�سريه � -3إخبار النبي -عليه ال�سالم – ب�أ ّنه لهذه الآية ":جماوزة القدر يف الظلم ،ملتز ٌم مبا نزل عليه من ربه ،ولن يتجاوزه وغلو الن�صارى يف عي�سى قول بع�ضهم � :إىل زيادة �أو نق�صان ،قال تعاىل على ل�سان هو اهلل ،وقول بع�ضهم :هو ابن اهلل ،وقول نبيه – عليه ال�سالم ُ ( : -ق ْل مَا �أَ ْ�س�أَ ُل ُك ْم بع�ضهم :هو ثالث ثالثة ،وقال بع�ض َعلَ ْي ِه مِ نْ �أَ ْجرٍ َومَا �أَ َنا مِ َن المْ ُ َت َك ِّل ِف َ ني) �ص: العلماء :ال تغلوا يف دينكم بالزيادة يف ،٨٦قال ابن كثري" �أي :وما �أزيد على ما الت�شدّد فيه"( ،)51والذي ي�ؤكد انحراف �أر�سلني اهلل به ،وال �أبتغي زيادة الن�صارى ع ّما جاء به عي�سى عليه بل ما �أمرت به �أديته ال �أزيد عليه هو قول عي�سى -عليه ال�سالم -نافياً �أن وال �أنق�ص منه" ،و�إخبار النبي -عليه يكون قد ادعى الإلوهية التي �ألب�سوه �إ ّياها ال�سالم– بهذه احلقيقة هو ا�ستجابة ا�س َت ِق ْم َك َما �أُمِ ْر َت َومَن قال تعاىلَ ( :و�إِ ْذ َقا َل اللهَّ ُ َيا عِ َ ي�سى ا ْب َن لقوله تعاىل ( َف ْ اب َم َع َك َو َال َت ْط َغ ْوا ِ�إ َّن ُه بمِ َا َت ْع َم ُلو َن َم ْريمَ َ �أَ�أَنتَ ُق ْلتَ لِل َّن ِ ا�س ا َّتخِ ُذونيِ َو�أُم َِّي َت َ ِ�إ َل َهينْ ِ مِ ن دُونِ اللهَّ ِ َقا َل ُ�س ْب َحا َن َك مَا َي ُك ُ ري) هود ،١١٢ :ف�أراد -عليه ال�سالم – ون َب ِ�ص ٌ
�أن يخربنا �أ ّنه �أول امللتزمني باملنهج الذي رب العزة و�أ ّنه لن يحيد عنه ،هذا ر�سمه له ّ املنهج املذكور يف القر�آن الكرمي ع ّززته الأحاديث النبوية ال�شريفة ،الدالة على �سماحة وو�سطية الفكر يف الإ�سالم . �أد ّلة من ال�سنة النبوية على حترمي االنحراف الفكري: -1النهي عن الت�شدد يف الإ�سالم ،يروي �أبو هريرة – ر�ضي اهلل عنه – عن الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم �أ ّنه قالّ � ":إن الدين ي�سر ،ولن ي�شا ّد الدين �أحد �إال غلبه، ف�سددوا وقاربوا ،واب�شروا ،وا�ستعينوا بالغدوة والروحة و�شيء من الدجلة) " ( ،)54وقال عنه البغوي يف �شرح ال�سنة ":حديث �صحيح"(.)55 -2النعي على املت�شددين املغالني، و�إخبارهم مب�آلهم ،عن عبد اهلل بن م�سعود ر�ضي اهلل عنه – قال :قال ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم :- " َهلَ َك المْ ُ َت َن ِّط ُعو َن "( ،)3وقال النووي يف تف�سري للمتنطعني":املتعمقون املغالون املجاوزون احلدود فيِ �أَ ْق َوالهم و�أفعامل "( ،)56والتجاوز يف القول �أو الفعل ال يكون �إال ب�أوامر �أ�صدرها العقل �صاحب الفكر املنحرف. -3الأمر ب�إ ّتباع الطريق امل�ستقيم ،عن عا�صم عن �أبي وائل عن عبد اهلل بن م�سعود ،قال ّ : "خط ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و �سلم -خطاً بيده ثم قال هذا �سبيل اهلل م�ستقيماً ،قال ثم ّ خط عن ميينه و�شماله ثم قال هذه ال�سبل لي�س منها �سبيل �إال عليه �شيطان يدعو �إليه ثم قر�أ ( و�إن هذا �صراطي م�ستقيما فاتبعوه وال تتبعوا ال�سبل )"( ،)57يف هذا احلديث �إخبار من الر�سول مبا �سي�صيب � ّأمته من غلو فكري ،ف�أراد – عليه ال�سالم – �أن يح ّذر من هذا الغلو ،الذي هو انحراف ٌ �شيطان ينتظر بفارغ نحو طريقٍ عليه ال�صرب ليو�سو�س ل�صاحبه فيوغل يف انحرافه ،ويز ّين له هذا .
املراجع � -1صحيح م�سلم :م�صدر �سابق :كتاب ف�ضائل ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم ،باب ف�ضائل علي ر�ضي اهلل عنه ،حديث رقم ،2408جزء� ،4صفحة 1873 -2م�سند احمد ,م�صدر �سابق ، ،م�سند عبد اهلل بن م�سعود ،حديث رقم ،4437تعليق �شعيب الأرن�ؤوط � :إ�سناده �صحيح على �شرط ال�شيخني. � -3صحيح البخاري :كتاب الإميان ،باب الدين ي�سر ،حديث رقم ،39جزء� ،1صفحة . 16 -4امل�صدر ال�سابق ،كتاب ف�ضائل القران ،باب: �إثم من راءى بقراءة القر�آن� ،أو ت�أكل به ،حديث رقم .167/4 ،4771 -5امل�صدر ال�سابق ،كتاب االعت�صام بالكتاب وال�سنة ،باب قول النبي لتتبعن �سنن من قبلكم ،حديث رقم .126/ 9 ، 6889 -9الهما�ش :متعب بن �شديد� ،إ�سرتاتيجية تعزيز الأمن الفكري ،بحث مقدم للم�ؤمتر من للأ الوطني الأول الفكري -1430-جامعة امللك �سعود � ،ص.8 -10اجلحني :علي بن فايز ،االنحراف الفكري وم�س�ؤولية املجتمع،جملة كلية املعلمني يف �أبها ، العدد ،12جامعة امللك خالد� ،سنة � ،1429ص .63 -11القليطي� :سعيد علي ،التخطيط اال�سرتاتيجي لتحقيق الأمن الفكري باململكة العربية ال�سعودية ،بحث مقدم للم�ؤمتر الوطني الأول للأمن الفكري -1430-جامعة امللك �سعود � ،ص.5 -12ال�صنعاين :حممد بن �إ�سماعيل الأمري، �أ�صول الفقه امل�سمى �إجابة ال�سائل �شرح بغية الآمل ،م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت ،حتقيق : القا�ضي ح�سني بن �أحمد ال�سياغي ،ط.242/2 ،1 -13امل�ست�أمن هو من يقيم �إقامة م�ؤقتة يف دار الإ�سالم ،انظر الت�شريع اجلنائي الإ�سالمي مقارناً بالقانون الو�ضعي ،عبد القادر عودة ،دار الكتب العلمية � ،ص .309 -14احلالة الدينية يف االردن ،املنتدى العاملي للو�سطية �سنة� ،2011ص .421 -15قطب :حممد ،الرتبية الإ�سالمية ،609/1 ، ط ،11دار ال�شروق. -16يف ظالل القران ،م�صدر �سابق.660/2 ، -21العواجي� :إبراهيم ،بحث مقدم �إىل م�ؤمتر عاملي ملكافحة املخدرات يف فينا ،من كتاب كيف نحمي �أوالدنا من رفاق ال�سوء -خالد ال�شنتوت �ص .63 � -22صحيح البخاري ،كتاب البيوع ،باب :يف
العطار وبيع امل�سك ،حديث رقم ،2101جزء،7 �صفحة .287 -23انظر املوقع االلكرتوين للقيادة العامة ل�شرطة دبيhttp://www. ، d u b a i p o l i c e .g o v .a e /d p / magazine/index.jsp?MagIssS &1=MgtCode&4697=ubjectsId 2546=MagIssId -24العقل :نا�صر ،ر�سائل ودرا�سات يف الأهواء والفرق والبدع وموقف �أهل ال�سنة ،دار الوطن، �ص .364 -25جامع البيان للطربي،م�صدر �سابق، .48/13 -26احلميدي :طارق ،مقال يف جريدة الر�أي الأردين ،تاريخ .2014/3/19 � -27ضامري :ح�سن بن يحيى� ،إ�سهامات امل�سجد يف مواجهة االنحرافات الفكرية واخللقية من منظور الرتبية الإ�سالمية ،ر�سالة ماج�ستري مقدمة �إىل جامعة �أم القرى ،ال�سعودية� ،ص .153 -28الغامدي :حممد علي ،بحث بعنوان الآثار ال�سلبية ال�ستخدام ال�شباب االنرتنت ،مقدم اىل مركز الدرا�سات الإ�سالمية ،جامعة ام القرى، �سنة http://uqu.edu.sa/ ،2014 .56553/page/ar � -29صحيح البخاري ،كتاب البيوع ،باب :ك�سب الرجل وعمله بيده ،حديث رقم 74/3 ، 2072 � -30صحيح البخاري :م�صدر �سابق ،كتاب الدعوات ،باب التعوذ من فتنة الفقر ،حديث رقم 100/637،8 -31الأ�سمر :عدنان ،بحث من�شور يف موقع احلوار املتمدن ،حتت عنوان �آثار الفقر ،العدد: http://www. ، 2011 / 4 / 17 ، 3339 ahewar.org/debat/show.art. .255355=asp?aid -32تف�سري ابن كثري ،م�صدر �سابق.480/6 ، -33تف�سري الطربي ،م�صدر �سابق.57/9 ، -34البخاري كتاب الديات ،باب قول اهلل تعاىل{:ومن يقتل م�ؤمناً متع ِّمداً فجزا�ؤه جهنم} ،حديث رقم .2/9 ، 6468 -35البخاري ،كتاب املظامل ،باب :الظلم ظلمات يوم القيامة ،حديث رقم.169/3 ،2315 -36ل�سان العرب ،م�صدر �سابق ،باب غال، .131/15 -37خمتار ال�صحاح ،م�صدر �سابق ،باب غلي، .448/1 -38تاج العرو�س ،م�صدر �سابق ،باب غلو.265/1 ، -39ال�شبل:علي بن عبد العزيز،الغلو يف الدين
ن�ش�أته وموقف الإ�سالم� ،ص .693 -40معجم مقايي�س اللغة ،م�صدر �سابق ،باب طرف.448/3 ، -41الغلو يف الدين ن�ش�أته وموقف الإ�سالم منه، م�صدر �سابق� ،ص .19 -42اللويحق :عبد الرحمن بن املعال ،م�شكلة الغلو يف الدين ،م�ؤ�س�سة الر�سالة� ،ص .677 -43ال�شريفني :عماد عبد اهلل ،التن�شئة الأ�سرية ودورها يف الأمن الفكري ،ر�ؤية �إ�سالمية ،جملة البحوث الأمنية ،العدد ،44كلية امللك فهد الأمنية� ،1430،ص .25 � -44آل ال�شيخ :هيا بنت �إ�سماعيل ،انظر مكونات مفهوم الأمن الفكري و�أ�صوله ،بحث مقدم للم�ؤمتر الوطني الأول للأمن الفكري،1430، جامعة امللك �سعود� ،1430ص.9 -45عبده :حممد وطارق عبد احلكيم ،مقدمة يف �أ�سباب اختالف امل�سلمني وتفرقهم ،دار الأرقم، الكويت� ،ص .79 � -46صحيح البخاري :م�صدر �سابق ،كتاب املناقب ،باب :ما ينهى من دعوى اجلاهلية، حديث رقم .3330 -47يف ظالل القران ،م�صدر �سابق.819 ، -48عبد الرحمن حبنكة امليداين 1425 -1345 هـ ،ولد يف دم�شق ،در�س يف االزهر ،له العديد من امل�ؤلفات منها :العقيدة الإ�سالم َّية و�أ�س�سها،. الأخالق الإ�سالم َّية و�أ�س�سها ،قواعد التد ُّبر الأمثل لكتاب اهلل.. -49امليداين :عبد الرحمن حبنكة ،الأخالق الإ�سالمية و�أ�س�سها ،دار القلم� ،ص .651 -50جامع البيان الطربي ،م�صدر �سابق. 34/2 ، -51ابن اجلوزي :جمال الدين عبد الرحمن ، زاد امل�سري يف علم التف�سري ،157/2،دار ابن حزم. � -52إر�شاد العقل ال�سليم ،م�صدر �سابق .276/2 -53التحرير والتنوير ،م�صدر �سابق.176/ 12، -54البخاري ،م�صدر �سابق ،كتاب االميان ،باب الدين ي�سر ،حديث رقم ،39جزء� / 1صفحة 16 -55البغوي :ح�سني� ،شرح ال�سنة ،املكتب الإ�سالمي ،ط.50/4 ، 2 � -56صحيح م�سلم ،م�صدر �سابق ،كتاب العلم، باب هلك املتنطعون ،حديث رقم .58/8 ،6955 -57النووي :يحيى بن �شرف ،املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج ،دار �إحياء الرتاث العربي – بريوت ،ط.26/9 ،2 -58م�سند احمد ,م�صدر �سابق ، ،م�سند عبد اهلل بن م�سعود ،حديث رقم ،4437تعليق �شعيب الأرن�ؤوط � :إ�سناده �صحيح على �شرط ال�شيخني
81
فتاو
ي إسالمية
82
حتت �إ�شراف �أ.د .حممد �أحمد الق�ضاة
أنت تسأل ونحن نجيب
مساعدة الفقراء أوىل من نافلة الحج والعمرة السؤال األول :أيهما أفضل :حج التطوع ،أم مساعدة الفقراء والمساكين؟ الجواب :
الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل :
إغاثة الملهوف وإنقاذ المضطر في زمان الفاقة أولى وأفضل من نافلة الحج والعمرة ،فقد قال النبي عليه الصالة والسالم ( :أحب الناس إلى اهلل تعالى أنفعهم للناس ،وأحب األعمال إلى اهلل تعالى سرور تدخله على مسلم ،أو تكشف عنه كربة ،أوتقضي عنه دين ًا ،أوتطرد عنه جوع ًا، أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -،يعني مسجد المدينة وألن أمشي مع ٍ – شهر ًا ،ومن كف غضبه ستر اهلل عورته ،ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ،مأل اهلل قلبه رجاء يوم القيامة ،ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له ،أثبت اهلل قدمه يوم تزول األقدام) رواه ابن أبي الدنيا في (قضاء الحوائج) (/47رقم )26والطبراني في (المعجم الكبير) ( )453/12واللفظ له .
النذر ال ينعقد إال بعبارة فيها إلزام السؤال الثاين :شخص قال بعد أن شفى اهلل ابنه من المرض (سأذبح عد هذا من النذر ؟ ،وهل يجوز أن يأكل منه هو وعائلته ؟ خروفًا كفدو) هل ُي ُّ الجواب :الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل : ال ينعقد النذر إال بعبارة فيها صيغة إلزام ؛ مثل :نذر عليّ ،أو هلل عليّ .وأما صيغة « :سأذبح خروفا كفدو» فال تشتمل على أي إلزام ،وإنما هي إخبار في المستقبل .
ُحكم تأجير عقار لمزاولة أعمال ُم َح ّرمة السؤال :جمعية خيرية تقوم باستثمارات وتأجير عقارات ،وقد قامت إدارة الجمعية السابقة بتأجير إحدى شركات التمويل التي تتعامل بالربا بعقد لمدة خمس سنوات ،فهل يقع علينا إثم نحن الهيئة اإلدارية الجديدة؛ حيث إننا لم نكن أعضاء فيها عند إبرام العقد ،لكننا نتعامل مع هذه بحكم عملنا؟ الشركة اآلن ُ الجواب :الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل : شركات التمويل التي تتعامل بالربا شركات تمارس أنشطة محرّمة؛ فال يجوز تأجيرها عقارا ْ وَالتَّقوَى وَ َال تَعَاوَنُو ْا لمزاولة أعمالها المحرّمة ؛ لقول اهلل عز وجل ( :وَتَعَاوَنُو ْا عَ َلى ا ْلبَرِّ وَاتَّقو ْا اللهَّ َ ِإ َّن اللهَّ َ شَدِيدُ ا ْل َ ُ اب)(سورة المائدة.)2/ اإل ْث ِم وَا ْلعُدْوَانِ عِق ِ عَ َلى ِ
83
فتاو
ي إسالمية
84
ألزمته شركته بالتأمين ضد إصابات العمل السؤال :ألزمتني مؤسستي أن ُأؤمن لدى إحدى شركات التأمين للحصول على تأمين ضد إصابات العمل كشرط لاللتحاق بدورة متخصصة ،فذهبت وأم ُ نت لدى إحدى شركات التأمين ،فهل أنا آثم شرعًا ؟ ،وإذا وقعت اإلصابة ّ فهل يجوز يل أن آخذ بد التأمين ؟ الجواب :الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل : فرّق العلماء بين التأمين التجاري والتأمين واإلسالمي التكافلي ؛ فالتأمين التجاري مُحرّم في قول جمهور الفقهاء والمجامع الفقهية ؛ ألنّه من العقود المبنية على المقامرة والميسر . وَاألنصَابُ َ مَيْسرُ َ وَاألزْالمُ ِرجْسٌ قال اهلل تعالى ( :يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو ْا ِإنَّمَا ا ْلخَمْرُ وَا ْل ِ َ َ الشَّيْطانِ َفاجْتَ ِنبُوهُ َل َّ عَل ُكمْ ْ لِحُون) (سورة المائدة. )90/ تُف عَمَل مِّنْ ِ أما التأمين اإلسالمي التعاوني القائم على مبدأ التكافل والتعاون والتبرع؛ فال حرج فيه شرع ًا ، ْ اإل ْث ِم وَا ْلعُدْوَانِ) (سورة قال اهلل تعالى (وَتَعَاوَنُو ْا عَ َلى ا ْلبَرِّ وَالتَّقوَى وَ َال تَعَاوَنُو ْا عَ َلى ِ المائدة ، )2/وهذا قول عامة المجامع الفقهية ودور اإلفتاء المعاصرة. ابتداء ،وإذا تم عقد التأمين فللمؤمِّن حينئذٍ أن فإذا كان التأمين تجاري ًا لم يجز االشتراك فيه ً يستفيد من تعويض شركة التأمين بقدر ما دفعه فقط ألنه حق له ،وأما الزائد فيجب أن يتخ ّلص منه ويوزّعه على مصارف الصدقة كالفقراء والمساكين وغيرهم .
ُحكم إرسال بعثات ألداء العمرة بأقساط شهرية السؤال :أنا صاحب جمعية تعاونية ،هل يجوز يل إرسال بعثات إىل الديار المقدسة ألداء مناسك العمرة ،علمًا بأن الدفع على شكل أقساط شهرية؟ الجواب :الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل : إرسال بعثات إلى الديار المقدسة ألداء مناسك العمرة هو إجارة ذمة ؛ ألن المنفعة المعقود المؤجر ،وقد سُمّيت (إجارة الذمة) عليها – وهي حمله إلى الديار المقدسة – متع ّلقة بذمة ٍِ نظر ًا لتع ّلق المنفعة المعقود عليها بذمة المؤجر ال بعين محددة لذاتها . ولذا يجب أن تكون المنفعة منضبطة بأوصاف تميزها عن غيرها ،قال اإلمام الحصفكي رحمه اهلل تعالى « :ويعلم النفع أيضا ببيان العمل ،كالصياغة والصبغ والخياطة بما يرفع الجهالة ، فيشترط في استءجار الدابة للركوب بيان الوقت أو الموضع ،فلو خال عنهما فهي فاسدة « « الدر المختار» (.)10/6
الركن الطبي
بقلم الدكتور :ذيب عبداهلل /ا�ست�شاري (طب الأطفال)
األسرار الربانية في الرضاعة الطبيعية احلمد اهلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل يقول اهلل تعاىل :يف كتابه العزيز( َو�إِن مِّن َ�ش ْي ٍء �إِ َّال ُي َ�س ِّب ُح ب َِح ْمدِ هِ) �سورة الإ�سراء �أية 44 وحليب الأم بكل ما فيه من الأ�سرار والعجائب ي�سبح بحمد اهلل ،ولقد قر�أت يف العديد من �أمهات الكتب واملجالت الطبية عن حليب الأم والر�ضاعة الطبيعية ُ و�شاهدت الكثري خالل جتربة �إمتدت �أربعني عاماً يف طب الأطفال فخربت الكثري من العجائب والأ�سرار يف الر�ضاعة الطبيعية وكلها ت�سبح بحمد اهلل اخلالق ، الواحد الأحد و�صدق اهلل العظيم �إذ يقول( َوفيِ �أَن ُف�سِ ُك ْم �أَ َفال ُت ْب ِ�ص ُرو َن) �سورة الذاريات �أية 21 ولقد كتبت بحثاً �أتيت فيه على �شيء من هذه الأ�سرار ،وحتدثت عن بع�ض امل�سائل ال�شرعية ،وعر�ضت بع�ض الآراء اخلالفية فيها وب ّينت ر�أيي فيها . ولقد الحظت من خالل جتربتي الطويلة كم تعاين املر�أة العاملة وكم يعاين طفلها الر�ضيع جراء خروجها �إىل العمل ،وكم هو عدد الأطفال الذين يعانون
85
الر
ك ن الطبي
86
من التهاب الرئة واحل�سا�سية يف اجلهاز التنف�سي و�صعوبة التنف�س ،وكم يعاين الأطفال من الإ�سهاالت احلادة واجلفاف ب�سبب خروج املر�أة للعمل وترك الر�ضاعة الطبيعية ، ونت�سائل كم هي املاليني التي ن�ستطيع توفريها من خالل اال�ستغناء عن الر�ضاعة اال�صطناعية وم�شاكلها ،لن�ستثمر هذه املاليني يف م�شاريع نحن ب�أ�شد احلاجة �إليها يف بالد امل�سلمني!؟ وكم نحافظ على �صحة الطفل و�صحة الأم النف�سية والع�ضوية من خالل الر�ضاعة الطبيعية ؟ وكم نوفر لالثنني من �سعادة ؟ وال �أريد �أن �أذكر هنا كل ما جاء يف ذلك البحث ،لكن �أقت�صر على ذكر بع�ض ما جاء فيه من تلك الأ�سرار الربانية -: اللبا :يف ال�شهور الأخرية من احلمل يبد�أ احلليب يتكون يف ثدي املر�أة وبعد الوالدة يخرج من ثدي املر�أة ما ي�سمى باللبا (الكو ُل�سرتم) وهو �سميك ذو لون �أ�صفر ويكون عادة بعد الوالدة وملدة �أ�سبوع وهو غني بالربوتني وم�ضادات االلتهاب مبا فيها م�ضادات الفريو�سات التي ت�صيب اجلهاز التنف�سي و�ضد فريو�س �شلل الأطفال وهو غني بالفيتامينات ،وهو غذاء �سهل اله�ضم ينا�سب معدة الطفل حديث الوالدة حيث معدته مل تعتد الطعام وهو قاعدي التفاعل ولهو خا�صية م�سهله فال يجد الطفل �صعوبة يف �إخراجه. والعجيب �أن حليب الأم بعد الوالدة التي متت قبل موعدها يختلف عن حليب الأم التي ولدت يف موعدها وذالك ينا�سب
الطفل اخلداج الذي هو �أقل حيوية وقوة ومنواً من الطفل املولود يف موعده. فحليب اخلداج �أكرث �سعرات لأن اخلداج يحتاج �إىل النمو ال�سريع و�أكرث يف مادة الدهنيات لأنه يحتاج �إىل هذه الدهون لتكون حتت جلده الرقيق جداً ويحتاج �إىل ما فيها من �سعرات. ونت�س�أل هنا من الذي جعل حليب �أم الطفل اخلداج يختلف عن حليب الأم التي ولدت يف موعدها ومن الذي دبر الأمر ليتنا�سب حليب الأم الذي ولدت (خداج) مع الطفل اخلداج ، واحلليب الذي بعد الوالدة التامة لينا�سب الطفل املولود يف موعده ؟ ال�شك وال ريب �إنه اهلل �سبحانه وتعاىل. ثم �إن معدة الطفل حديث الوالدة تكرب يوما بعد يوم ويتغري �أثناء ذلك تركيب حليب الأم يف تنا�سق عجيب ليتنا�سب مع حجم معدة الطفل الذي بد�أ يكرب وبد�أ يكت�سب خربة على الطعام فمن الذي خلق هذا التنا�سق الدقيق ؟ �إنه اهلل �سبحانه وتعاىل ومن العجيب �أن الطفل حديث الوالدة ي�ستطيع �أن يتع ّرف على مكان احلليب حتى من فوق مالب�س �أمه عن طريق حا�سة ال�شم التي و�ضعها اهلل فيه. ولعل اهلل يي�سر لنا �أن نبني يف �أعداد قادمة املزيد من هذه الأ�سرار والعجائب ،والتي تنطق بل�سان احلق ( َه َذا َخ ْل ُق اللهَّ ِ َف�أَ ُرونيِ َما َذا َخلَ َق ا َّلذِ َ ين مِ ن دُو ِنهِ) �سورة لقمان الآية 11 واحلمد اهلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل
رسائل جامعية بقلم اال�ستاذ � :أمين حممد عمر العمر
المستجدات في وسائل اإلثبات رسالة دكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة األردنيّة في عام 2002 – 2001م تناولت هذه الدرا�سة مو�ضوع الأدوات التي ا�ستجدت يف الوقت احلا�ضر مما يتوقع �صالحيتها كو�سائل لثبوت بع�ض الأحكام ال�شرعية يف خمتلف املجاالت من عبادات ومعامالت وحقوق وجنايات ،هادفة �إىل بيان مدى �صالحية االعتماد على هذه الو�سائل احلديثة يف معاجلة مو�ضوع الإثبات من الناحية ال�شرعية. وحاولت الدرا�سة ا�ستق�صاء وبحث �أهم الو�سائل املعا�صرة و�أكرثها ا�ستعماال والتي ميكن االعتماد عليها يف باب الإثبات �شرعا ،وجرى تق�سيمها �إىل ثالثة �أنواع �شكلت ف�صول الدرا�سة: الأول :و�سائل لإثبات العبادات وتناولت :احل�ساب الفلكي من حيث داللته على �إثبات �أوقات ال�صالة و�إثبات الأهلة يف الأ�شهر القمرية ،ثم املرا�صد الفلكية والتل�سكوبات من حيث داللتها على �إثبات ر�ؤية الأهلة ،و�أخرياً البو�صلة من حيث داللتها على �إثبات اجتاه قبلة ال�صالة . الثاين :و�سائل لإثبات املعامالت ؛ و�شملت و�سيلتا التلك�س والفاك�س من حيث داللتهما على �إثبات املعامالت التعاقدية ،ثم املعلومات املحو�سبة من حيث داللتها على �إثبات املعامالت . و�أخرياً :و�سائل لإثبات احلقوق واحلدود واجلنايات ،و�شملت الت�صوير الآيل بنوعيه الثابت واملتح ِّرك وداللته على �إثبات الأفعال ،ثم الت�سجيل وداللته على �إثبات الأقوال ،ثم ب�صمات الأ�صابع وداللتها على �إثبات اجلرائم ،و�أخريا الطب ال�شرعي وما يندرج حتته من و�سائل مادية كتحليل الدم واملني وال�شعر ،
والب�صمة الوراثية وقوة كل منها يف الداللة على �إثبات احلقوق �أو احلدود �أو اجلنايات .ومل تغفل الدرا�سة بحث داللة هذه الو�سائل �أي�ضا على نفي الإثبات. وقبل ذلك عمدت الدرا�سة �إىل ت�أ�صيل منا�سب ملو�ضوع و�سائل الإثبات من حيث بيان مفهومه و�أدلة م�شروعيته وال�شروط الالزمة لإعمال الو�سيلة يف باب الإثبات ،ثم معاجلة م�س�ألة الإطالق والتقييد يف دالالت و�سائل الإثبات . ومن خالل املنهج اال�ستقرائي والتحليليي للن�صو�ص ال�شرعية واجتهادات الفقهاء � ،أمكن الوقوف على كثري من احلقائق يف مو�ضوع و�سائل الإثبات ،و�أهمها � :أنه ال يجوز االعتماد على �أي و�سيلة من الو�سائل يف باب الإثبات ال�شرعي �إال �إذا حتققت فيها �شروطها ال�شرعية ،و�أن املق�صود من و�سائل الإثبات هو بيان احلق و�إظهاره كي نقيم به ميزان ال�شرع والعدل ،والتقييد يف مفهوم الو�سيلة ينايف هذا املق�صد ال�شرعي ،والو�سائل احلديثة تت�سم بقوة داللتها على مق�صودها ،مما ي�ؤذن ب�صحة االعتماد عليها – يف اجلملة – وفق الأخذ باملفهوم الأعم لداللة و�سائل الإثبات .وهذا بدوره يدلنا على �أنه ال يتنافى �شرعاً بني الو�سائل امل�ستجدة يف الإثبات وبني الو�سائل التقليدية � ،إذ الكل يهدف �إىل بيان احلق وال�شرع الذي �أمر اهلل تعاىل باتباعه ،بل �إن الغالب يف الو�سائل امل�ستجدة �أنها تعمل على تقريب احلق واخت�صار الطريق املو�صل �إليه من تلك الو�سائل القدمية ،ولوال هذه امليزة ملا كانت احلاجة ما�سة �إىل ا�ستعمالها يف باب الإثبات .
87
واحة ال
وسطية
88
يكتبها الأ�ستاذ الدكتور :خالد عبد الر�ؤوف اجلرب
شرفـة ُ ٌ وأ ُفـق... كما دا َر ٌ العربي إلهي يف فكرِنا نقا�ش ومل ين َت ِه حو َل ِ العلم ال ِّ ّ إ�سالمي� ،أهُ و �إجما ٌّ ٌ ونقا�ش �آخ ُر حو َل القد ِر تف�صيلي؟ يل �أم ال ٌّ ّ والق�ضا ِء الإله َّينيِ ،وتو ّزعَت الآرا ُء بني اجلرب َّي ِة والقدر َّي ِة وب َ ني قا�ش ما ُ ني ال ّن�صِّ ّ ني ،ف�إ َّن ال ّن َ يزال دائ ًرا حو َل العالق ِة ب َ ب َ رعي ال�ش ِّ والواق ِع� ،أ ُّيهُما َي ْح ُك ُم ال َآخ َر؟ و�إذا كا َنت الهي َم َن ُة لل ّن�صِّ على الواق ِع بتنزِي ِل ِه عليه� ،أ َي ْح ُك ُمهُ� ،أم ُي ْح ِك ُمه؟ قا�ش يف هذه امل�س�أل ِة اخلطري ِة قائ ٌم يف امل�ساف ِة ومجُ َم ُل ال ّن ِ الفا�صل ِة الوا�صل ِة ب َ �ص والواقِع؛ ويف �أبعا ِد ال ّن�صِّ و�أبعا ِد ني ال ّن ّ الوا ِق ِع و�أنحائِه ومجَ االتِه ،ويف املقا َي َ�س ِة ّ ال�ضرور َّي ِة بي َنهما� :أ ُّيهما أو�س ُع من ال َآخرِ ،و�أ ُّيهما َي ْع ُلو ال َآخ َر ،و�أ ُّيهما يح َت ِك ُم �إىل ال َآخر؟ � َ ُ �ص والوا ِق ِع يف ال ُفهو ِم ك ِّلها مبا وميكن متثي ُل العالق ِة بني ال ّن ّ ال�سطح العلويّ من ّ ال�شكل، ي�أتِي من �أ�شكالٍ ،بحيث مي ّثل ال ّن ّ �ص ّ رب �ص من ِّ فلي منه ،مراعا ًة لتنزيلِ ال ّن ّ ال�سطح ُّ والواقع ّ ال�س ّ الع ّزة:
ففي ّ ال�شكل ( )1يت�ساوى ال ّن ُّ�ص والواق ُع من ُ حيث اال ّت�سا ُع واملجاالت ،ويف هذه احلال ِة ُ ُ �ص على والأنحا ُء يكون تنزي ُل ال ّن ّ ً حيث يج ُد ُّ ب�سيطا ،من ُ عن�صرٍ يف الواق ِع ريا كل ُ الواق ِع ي�س ً ُ ُ �ص، ويكون على قيا�سِ ه متا ًما بدون �أيّ ع ُ ُن�ص ًرا ُيقابله يف ال ّن ّ ن�ص ِر املقابلِ . حاج ٍة لل ّتفك ِ ري وال ّتد ُّبرِ ،الله َّم �إ ّال يف البحثِ عن ال ُع ُ ُ ُ احلكيم الفهم من �آي ال ّذكر اال�ستدالل على مثل هذا وميكن ِ ِ بقوله تعاىل" :ما ف َّر ْط َنا يف ال ِك َتابِ من �شيءٍ" ،وقوله تعاىل: "تبيا ًنا لك ّل �شيء" .ويف ّ ال�شكل ( )2يبدو ال ّن ُّ�ص �أو�س َع جما ًال من �ص �أو�س ُع من الوا ِق ِع الذي يبدو �ض ِّي ًقا جدًّا مقاي�س ًة به ،فك� ّأن ال ّن َّ َ الواق ِع الذي ُ ال�سمواتِ وال َ يعي�ش ُه ال ُ أر�ض إن�سان ،م ّت�س ًعا لي�شم َل ّ وانب وما فيهما ومَن فيهِما من الأزلِ �إىل الأبدِ ؛ �أي � ّإن في ِه َج َ قد ال يحتا ُج ال ُ خا�ص ٌة إن�سان �إليها يف حياتِه ومَعا�شِ ه� ،إنمّ ا هي َّ حمن وخل ِق ِه ال ُك ِّل ِّي على امتدا ِد الأمكن ِة وامتدا ِد الأزمن ِة بال ّر ِ ُ وتن ُّو ِع اخللقِ ،فك�أ َّن يف ال ّن�صِّ الذي �أن ِز َل ليكو َن هُ دىً لل ّنا�س ورحم ًة ُف ُ�ضو ًال عن حاجاتِهم� ،أي �إ ّنه يحتوي على عنا�ص َر �أك َ رث من العنا�ص ِر التي يحتويها الواقع .ويف ّ ال�شكل ( )3يبدو الواق ُع �ص، �أو�س َع جما ًال من ال ّن�صِّ ،وفي ِه من العنا�ص ِر ما ال ُي َ وج ُد يف ال ّن ّ وبهذا ُ يكون ال ّن ُّ�ص قا�ص ًرا عن �أن يعا ِل َج ك ّل �شي ٍء يف الواق ِع أمرين: بتفا�صيلِه الدّقيقةِ، واملقاي�س ُة هنا تقت�ضي واحدًا من � ِ َ
ُ أحدهما لآلخ ِر ،أو النص وتبقى العالقة بين ّ كم ِ والواقع في ُح ِ ِ ٌ عالقة إشكاليَّة ،وجدليَّة، المهمة .وهي إحكام أ ّولِهما لآلخر ،هي ّ ِ َ ُ الحديث سأرجئ بيان ما تق َّدم .ولهذا وتحتاج إلى مقام آخَر َ ُ ٍ بعد ِ فقه" ،إن شاء المولى. "شرفة العدد عنها إلى القادم وأُ ِ ِ ِ
ُ وانفال�ش الواق ِع؛ �أي � ّأن يف ال ّن�صِّ الكثيفِ ما � ّإما كثافة ال ّن�صِّ ُيعال ُج الواق َع وي ّت�س ُع له بك ّل ما فيه على امتدا ِد الأزمنة وتعدّد َّ َ الأمكنةِ ،لكنَّ "امل�سط ِح"، للمنفل�ش الكثيف املوج َز املُوحِ ي يكفي ِ ويحتا ُج ال ّن ُّ�ص يف هذه احلال ِة �إىل �إعمال العقلِ بالت� ّأمل وال ّتد ُّب ِر ُ بحيث يحتا ُج الواق ُع �إىل �إعمالِ ِ لال�ستنباط .و� ّإما ُق�صو ُر ال ّن�صِّ العقلِ الإن�سا ّ ريا لها ين يف معاجل ِة العنا�ص ِر التي ال يج ُد نظ ً ً مناق�ضا ملا تقدّم من �أجزاء ري يف ال ّن ّ �ص .و�إذا كا َن الت�ص ُّو ُر الأخ ُ الآيتني الكرميتني �أعالهُ ،فقد ثبتَ � ّأن الت�ص ُّو َر الأ ّول هو الدّقيق. هاب �إىل تب ّني �شكلٍ من هذه الأ�شكالِ التي مت ّثل عالقة ولع ّل ال ّذ َ �ص بالواق ِع ُي ُّ �ص ومبا يف الواق ِع � ً أي�ضا؛ خل متا ًما بمِ ا يف ال ّن ّ ال ّن ّ َ ذلك ل ّأن املت� ّأم َل يف ال ّن�صِّ يج ُد � ّأن الأ�شكا َل ال ّثالث َة �صحيح ٌة وتنطبق على َ �ص ّ ُ رعي متا ًما، تلك العالقة بني جزء من ال ّن ّ ال�ش ّ و�آخر .ف�أنتَ جت ُد �أحيا ًنا ا ُ حلك َم امل ُ ْح َك َم يف ال ّن�صِّ مبا ي ّت�ص ُل ُ وينطبق عليه انطبا ًقا مبا�ش ًرا بال بالعن�صر املناظ ِر له يف الواقع، ن�صو�ص الأحكا ِم ّ ال�شرع ّي ِة الوارد ِة زياد ٍة �أو نق�صان .وهذا ظاه ٌر يف ِ أن�صاب �ص" :العني بالعني" ،و"�إنمّ ا اخلمر واملي�سر وال ُ يف ال ّن ّ ِج�س من عمل ّ ال�شيطانِ فاجت ِن ُبوهُ" ،و"فمن �ش ِه َد والأزال ُم ر ٌ فلي�ص ْمهُ" مبا هو جت�سي ٌد ّ من ُكم ّ لل�شكلِ ( ...)1و�أحيا ًنا ال�شه َر ُ الق�ص�ص �ص �أو�س َع من الواق ِع ،ويتج ّلى هذا للقارئ يف ِ جت ُد ال ّن ّ ين املمت ِّد –على �إيجازِه ،فمث ً القر�آ ِّ نبي اهلل يو�سف ال دامت حيا ُة ّ
عقودًا ،وفيها من الأحداثِ ما ُ يفوق املذكو َر يف �سورة يو�سف� -إذ ُ �ص ،والعظ ُة والعرب ُة املطلوب ُ حتقيق العظ ِة والعرب ِة من ذلك ال ّن ّ يج�س ُد ّ � ُ ال�شك َل ( ...)2و�أحيا ًنا جت ُد � ّأن أكثف من ال ّن ّ �ص نف�سِ ه ،مبا ّ واختالف �ص ال �س ّيما على امتدا ِد الأزمن ِة ِ الواق َع �أو�س ُع من ال ّن ّ املعارف ،ولع ّل هذا ما جندُه يف الآياتِ التي ُّ ي�شتق الع�صو ِر وتط ّور ِ منها �أه ُل الفق ِه �أحكا ًما كثري ًة من الآي ِة الواحدة ،ومن ذلك � ً أي�ضا ُ ال ُ مذاهب �ش ّتى العقول فيها وتذهب آيات التي ت ّت�س ُع فيها ال ُفهو ُم َ ُ َ وكذلك تلك ال ُ ُ ميكن �أن يتط ّور فه ُمنا آيات التي تقب ُلها الآي ُة، ُ باختالف الأزمنةِ ،ال �س ّيما َ ن�ستنبط منها الآ َن تلك التي لها ِ يج�س ُد ّ ال�شكل ( .)3وواق ُع الأم ِر ما ي�س ّمى الإعجا َز العلمي ،مبا ّ ّ ال�ص َ �ص ّ رعي والواق ِع نوف ك َّلها من العالق ِة بني ال ّن ّ � ّأن هذه ّ ال�ش ّ موجو ٌد يف كال ِم اهلل تعاىل ،ويف حديثِ ر�سوله �ص ّلى اهلل عليه و�س ّلم .ونتيجة البحث يف هذه امل�س�ألة فقد ظهرت ا�صطالحات كثري ٌة يف تراثنا الفكريّ ال حكم واملت�شابه ،واملجملِ إ�سالمي ،كامل ُ ِ ّ ّ والظاهر �ص واال ّت�ساع الأكرثيّ واملخ�ص�ص واملطلق واملق ّيد وال ّن ّ ّ والأق ّل ّي وال ّت�أويل وغريها. كم �أحدِ هما للآخرِ� ،أو وتبقى العالق ُة بني ّ الن�ص والواق ِع يف ُح ِ �إحكا ِم �أ ّولِهما للآخر ،هي امله ّمة .وهي عالق ٌة �إ�شكال َّية ،وجدل َّية، وحتتا ُج �إىل مقا ٍم �آخ َر بع َد بيانِ ما تقدَّم .ولهذا �س� ُ َ احلديث أرجئ عنها �إىل "�شرف ِة العدد القاد ِم و�أُفقِه"� ،إن �شاء املوىل.
89
واحة ال
وسطية
90 دعاء و�صفي البياتنة /طالبة دكتواره يف اجلامعة الأردن ّية
قصيدة
(الشهيد) ّلما أتى خب ُر الفتى البنفسج وال ّندى صاح َ ُ َ يتون وال ّل ُ وَتلعَث َم ال ّز ُ يمون أجهش األزقة شاهقا بالسؤال ،ير ُّن في قـَ َص ِب ّ ِ هل مات حقـًا أم سيأتي الحقا ليف ّر َط الرمان ياقوتًا الوجه يل ِّو ُن حنطة في ِ خده؟! ترسم ّ هل مات ّ حقا؟؟ اسمنا أم تأ ّخر عن مواسمنا لينسى َ ِ البنفسج والندى : صاح َ ُ ٌ ٌ ُ دمعة تطوف حوله نعش هناك ُ غاريد الّتي واأل ُّم تنهض بال ّز ِ تعلو إلى ح ِّد األباتشي ،ال ُ تخاف البندقية ْ ُ اي األ ُّم تعزف َ جرحها بال ّن ِ ُ نفسها تحرق َ َّ المخض َب الوجه وتق ّب ُل َ كي ترافقـَه التح ّي ْة ُ تصرخ فجأ ًة األ ُّم َ دمع ّ أفئدة الهوا ِء شق َخ ّز ُان ٍ َ ُ ً لحظة القلب وانكسَر التج ّل ُد صوت فسال ِ يما حبيبي ال تغاد ْر ّ َ رمشك الغافي نظر ٌة من ُ جديد الوقت نظرَته لموتِ َك من يعيد ُ ٍ فلتعد ْ أنت َ لست َ ال َ اآلن لست َ َ اآلن ْ أنت ُ ُ أحمق فالموت حين يسري خ ْب َط عشوا ٍء الو ْر ْد ُّ يلم َ شال طيري عال ّنعش بِ ّدي أنوح يا ِ خليه ّ يبطئ بالمشي البكي عليه ُ ْ زغردت بالمساجد لها ك دمعاتي ْ بدي أَربِّط روحي في َغ ْف ِو ْة عينيه ّ ُ ّ ُ جال ر ال أكتاف فوق يربت عش ن ال ِ ّ ِ َ يحدده المدى: األقدام فوق لتركض األرض طب ًال ال ّ ُ ِ أحد أحد ٌ ْ بلد ٌ بلد ْ ُ دأ الص ن م الحديد من يسيل من الجدا ِر رح ُج ٌ ِ ِ ّ ْ
عش النفوس مع إيقاع يرتجُّ ُ انتظام ال ّن ِ ِ ِ ينهم ُر الصدى ّ يغرس في الهوا ِء الفضي فالسكر ُّ ُ نقاو ًة ترقى بحنجر ِة المشيِّ ِع كي يصيَر المئذنة ْ يلهب في الهوا ِء الفضي والسك ُر ُّ ّ ُ ْ ً مقبرة ! تريده حماسة تهوي بجندي لقب ٍر ال ُ ٍّ النعش يمضي واثقـًا ورد قرب مسرحه األخير نيشان ٍ يف ّز عط ًرا ُّ نفسه بالبكا ِء ككربالَء راب يسف َ وال ّت ُ شباب من أرجوان من ا د ي س يحجب فكيف ُ ًّ ٍ ٍ بنفسج من ندى؟!! من سما ٍء من َ صاح البنفسج ُ والندى ال تخش َوحدتك الجديدة يافتى اإلله وما َقلى ال لن َ يودع َك ُ َ ْ مكثت هنا دودة الق ِّز التي تعاتب ال ال ْ الكتاب من الرؤى.. ر و س من ر المخض ك ب ثو عم ًرا َ َّ لتنسج َ َُ ِ ِ الط ْ يازريف ّ تبعد ع ّنا ول ال ْ َ ْ ْ ّ عه م ل ظره ن وال ر نو طلة ْ ْ وجهك ْ الغيم بعيونه دمعه ُش ْفت اليوم ْ ْ عيونك ما شفتك أنا ُر ْحت اشوف بعيد ينمو بخا ٌر من ٍ وجه ّ هيد وصوَته يرتدي َ الش ِ ُ يخترق األنا: الصوت يعلو عال ًيا يرتجُّ ّ وأنا أنا الس ُ السماء قوط ُ السماء ،،فادفنوني في ّ الح ّر من ّ وأنا ّ وأنا التمركز في استقامة ج ّثتي وأنا صالتي وأنا أنا مع كل ٍّ الموت أحيا خط باتجا ِه ِ الشوارع أزرع ج ّثتي إسفلت فوق ِ ِ الرصاص أصي ُر فنانا نب ًّيا طائرا فوق هندسة ِ ما كان قصدي أن َ أكون كصورتي ما كان قصدي أن أكون نب ّيا َّ َ لكن فلسفة ِ اإلله حقيقة ٌ َج َعَل ْت سقوطي عبقريّا......
من نوادر الشعبي الشعبي هو عامر بن شراحيل الكوفي ،من كبار التابعين ،روى له أصحاب الصحاح الستة رضي اهلل عنهم ،وواله عمر بن عبد العزيز القضاء .
الشعبي :خللها ،قال الرجل ُ : أخاف ْأن ال تبتل المسح على اللحية ،فقال له الشعبي عن سأل رجل ُّ َّ ِ .فقال ُله الشعبي :إذًا أنقعها من أول الليل ! جاء ٌ رجل إلى الشعبي وقال :أني تزوجت امرأة فوجدتها عرجاء ،فهل لي أن أردها ؟ فقال الشعبي :إن َ كنت تريد ان تسابق بها فردها ! للمحرم أن ُيح َّ سأل ٌ ك بدنه ؟ فقال نعم يجوز . الشعبي :هل يجوز رجل َّ ِ فقال الرجل مقدار كم ؟ فقال الشعبي مقدار ان يبدو العظم ! روى الشعبي يومًا أ َّن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال ( :تسحروا ولو أن يضع أحدكم إصبعه على ثم يضعه في فيه /فمه ) فقال رجل من الحاضرين :أي األصابع ! فتناول الشعبي إبهام التراب َّ رجله وقال :هذه !
91
واحة ال
وسطية
92
شخصية العدد
مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا األسبق 93
واحة ال
وسطية
94
ولد مهاتري حممد يف عام 1925م بوالية كيداه ،وتلقى درا�سته برتكيزه على �أهم ثالثة حماور رئي�سية وهي التعليم والت�صنيع بكلية ال�سلطان عبد احلميد ،ثم در�س الطب بكلية "املاالي" يف واملجتمع �سنغافورة ،ثم در�س ال�شئون الدول ّية بجامعة هارفارد بالواليات املتحدة الأمريكية عام 1967م .ثم عمل يف مهنة الطب بعيادته ففي اجلانب التعليمي ا�شرتط �أن تكون جميع دور الريا�ض وما اخلا�صة ،كما عمل طبيباً ب�سالح اخلدمات الطبية ،وعُرف قبل املدر�سة م�سجلة لدى وزارة الرتبية ،وتلتزم مبنهج تعليمي مهاتري باهتماماته ال�سيا�سية ،فان�ضم لتنظيم احتاد املاليو مقرر من الوزارة .كما مت �إ�ضافة مواد ُتنمي املعاين الوطنية، حيث تدّرج فيه حتى �أ�صبح ع�ضو املجل�س الأعلى لتنظيم احتاد وتغرز روح االنتماء للتعليم االبتدائي� ،أي يف ال�سنة ال�ساد�سة من عمر الطفل ..ومن بداية املرحلة الثانوية ت�صبح العملية املاليو الوطني التعليمية �شاملة ،فبجانب العلوم والآداب تد َّر�س مواد خا�صة كتب يف مذكراته قائ ً ُ ال : "ولدت م�سلما ون�ش�أت كطفل م�سلم ،باملجاالت املهنية والفنية ،والتي تتيح للطالب فر�صة تنمية وتعلمت يف مرحلة مبكرة �أداء ال�صالة وال�صيام ،وعلمتني �أمي و�صقل مهاراتهم ،و�إىل جانب ذلك كان �إن�شاء الكثري من معاهد و�أحد املدَر�سني تالوة القر�آن الكرمي ،على الرغم من ذلك التدريب املهني ،التي ت�ستوعب طالب املدار�س الثانوية وت�ؤهلهم ف�إين مل �أحط علما �إال بالنزر الي�سري من تف�سري �آياته .كما لدخول �سوق العمل يف جمال الهند�سة امليكانيكية والكهربائية �أن �إمياين قوي وعقيدتي لي�ست حمل ت�شكيك ،الإ�سالم ديني وتقنية البال�ستيك ،وكان من �أ�شهر هذه املعاهد معهد التدريب والميكنني ت�ص ًور نف�سي �سوى �أنني م�سلم ،وقد تع ّرفت منذ ال�صناعي املاليزي ،والذي ترعاه وزارة املوارد الب�شرية ،وقد ال�صغر على انتماءات دينية عديدة والزمتهم لكن مالزمتي لهم �أ�صبح له ت�سعة فروع يف خمتلف الواليات املاليزية. مل ت�ضعف �إمياين ،كما �أين مل �أتباحث معهم يف الدين �أبدا، عرفت بالبداهة �أننا �سندخل يف نقا�شات قد ت�ؤثر يف عالقتي بهم، وكان الإ�سالم اليزال يف نظري دينا مت�ساحما مع وجود الأديان الأخرى و�أتباعها .وحني قر�أت الحقا تراجم معاين القر�آن الكرمي باللغتني املالوية و االجنليزية ،وجدت �سورة كاملة، وهي �سورة ” الكافرون” تثبت �أنني مل �أكن خمطئا يف افرتا�ضي املتعلق مبوقف الإ�سالم من الأديان الأخرى. الريادة يف التنمية : مل يكن مهاتري حممد جمرد رجل �سيا�سي ،بل كان ً �- أي�ضا- مفك ًرا له كتبه وم�ؤلفاته ،وكان �صاحب ر�ؤية ملا ينبغي �أن تكون عليه بالده ،وقد ا�ستفاد من كل ما حققته ماليزيا منذ اال�ستقالل من جناحات ّ موظفاً �إياها يف انطالقه ،كما ا�ستفاد وخا�صة اليابان م�ستلهماً منها ما من جتارب الدول الأخرى ّ يتوافق و�أو�ضاع بالده ،فقد �إ�ستلهم منها كيفية ر�سم ال�سيا�سة املنهج ّية يف الت�صنيع ،و�إيجاد قيادات تتمتع مب�ستوى علمي فائق، وتتميز بالتطور والإبداع ،كما َخبرِ َ كيفية �إدارته للدولة فقفز بها �إىل م�صاف الدول ال�صناع ّية املتقدِّمة � ،إ�ضافة �إىل اال�ستقرار ال�سيا�سي والأمني الذي �ش ّكل �أر�ضية خ�صبة ومهّد للنماء؛ الذي برزت معامله للعامل ؛ مت ّثلت يف قطاعي ال�صناعة واخلدمات التي بلغت نحو %90من الناجت املحلي الإجمايل ،ويف عهده بلغت ن�سبة �صادراتها من ال�سلع املُ�ص ّنعة %85من �إجمايل �صادراتها ،و�أنتجت %80من ال�سيارات التي ت�سري يف طرقاتها ،و�أ�صبحت من �أجنح البلدان يف جنوب �آ�سيا ،بل ويف العامل الإ�سالمي ب�أكمله ،وقد حقق ذلك
ويف جانب الت�صنيع فقد �أن�ش�أة ،م�صانع الأ�سمنت ،واحلديد الإ�سالم هو الهوية القومية وال�سيا�سية واالجتماعية والثقافية وال�صلب ،بل وت�صنيع ال�سيارة املاليزية الوطنية (بريتون) ،ثم ل�شعب املاليو. التو�سع يف �صناعة الن�سيج و�صناعة الإلكرتونيات ،والتي �صارت ويف كلٍ فقد و ّفر مهاتري حممد ل�شعبه الأمن واال�ستقرار ت�ساهم بثلثي القيمة امل�ضافة للقطاع ال�صناعي ،وت�ستوعب وال�سالم االجتماعي فكانت هذه �أحد عوامل النه�ضة هناك . %40من العمالة ،فكانت الت�سعينيات من القرن املا�ضي مرحلة ن�ضج الثمرة ،حيث ُو�ضعت ماليزيا يف قائمة الدول املتقدمة واملثري للإعجاب �أن مهاتري حممد كان دائ ًما ويف كل املحافل بف�ضل القدرة على التطوير واالبتكار واملناف�سة ،ومن �أبلغ ما الدولية يعتز ب�إ�سالمه ،ويرجع جناحه �إىل تطبيقه لتعاليم يبني جناح الأداء االقت�صادي ملاليزيا يف الفرتة املهاتريية ،ذلك الإ�سالم ،و�أنه ينطلق نحو النجاح بفهم عميق جلوهر الدين التو�سع الذي حدث يف ا�ستثمارات القطاع ال�صناعي ،حيث �أن�شئ الإ�سالمي الذي يعلي من قيمة العلم والتقدم ..فنجده يف �أحد �أكرث من � 15ألف م�شروع �صناعي ،ب�إجمايل ر�أ�س مال و�صل �إىل خطاباته يقول�" :إن ماليزيا واثقة ب�أن الأمة الإ�سالمية ميكنها 220مليار دوالر ،وقد �شكلت امل�شروعات الأجنبية حوايل %54من �أن تكون �أقوى قوة يف العامل �إذا توحدت ،و�أح�سنت ا�ستخدام هذه امل�شاريع ،مبا يو�ضح مدى االطمئنان الذي يحمله امل�ستثمر ثرواتها وم�صادرها املختلفة" ،وو�ضح ب�أن على هذه الأمة �أن الأجنبي ملاليزيا من ناحية الأمان ،وبالت�أكيد �ضمان الربحية تن�شط يف حت�صيل العلوم وتقتحم جمال تكنولوجيا املعلومات العالية ،بينما مثلت امل�شروعات املحلية %46من هذه امل�شاريع حتى ت�ستطيع �أن تناف�س تقدم الغرب يف هذا املجال احليوي ،وقد كان لهذه امل�شروعات عظيم الأثر والنفع على ال�شعب واملهم يف هذا الع�صر. املاليزي؛ حيث وفرت مليوين وظيفة للمواطن املاليزي� ،إىل جانب الفائدة الكربى املتمثلة يف نقل التقنية احلديثة وتطوير وبعد �أن �أح�س الدكتور مهاتري ب�أنه قد انتهى من �أداء ر�سالته أي�ضا حتققت يف فرتة والية مهاتري �أعلن ا�ستقالته من جميع من منا�صبه احلزبية يف قرار تاريخي مهارات العمالة املاليزيةً � .. حممد طفرة ملحوظة يف م�شروعات االت�صاالت واملعلومات التي ع ّز نظريه ،حتى ُع ّد ب�أنه مناورة �سيا�سية ،لكنها كانت حقيقة كانت حتظى باهتمام ودعم حكومته كعن�صر مهم من عنا�صر م ّلكها للأجيال . خطته التنموية ،وكان ي�سميه "االقت�صاد املعريف" ،وبالفعل العمق املعريف �أ�صبحت ماليزيا حمطة �إقليمية وعاملية يف جمال �صناعة يقول مهاتري حممد " :ل�سوء احلظ هناك عدد من امل�سلمني االت�صاالت واملعلومات والإنرتنت. ” املثقفني” الذين اليعجبهم الت�سامح الذي دعا �إليه القر�آن �أعلن لل�شعب بكل �شفافية خطته وا�سرتاتيجيته ،و�أطلعهم على الكرمي� .إنهم يحبون �أن يروا الإ�سالم دينا �صارما وقا�سيا وعنيفا النظام املحا�سبي الذي يحكمه مبد�أ الثواب والعقاب للو�صول �إىل جتاه الأديان الأخرى ويف الواقع ،ذكر يل مفتي عامل ذات مرة « النه�ضة ال�شاملة » ،ف�صدقه النا�س وم�شوا خلفه ليبد�أوا « �أنه اليوجد دين �سوى الإ�سالم ،ف�شعرت بارتباك �شديد� ،صحيح �أن الدين عند اهلل الإ�سالم ،لكن وردت يف القر�آن الكرمي �إ�شارات بقطاع الزراعة » ..فغر�سوا مليون �شتلة كثرية �إىل ديني مو�سى وعي�سى( عليهما ال�سالم) .ويف الواقع، « نخيل زيت » فى �أول عامني لت�صبح ماليزيا �أوىل دول العامل ورد يف �سورة “الكافرون” �إ�شارة اىل االديان التي التقبل بـ ” فى �إنتاج وت�صدير ( زيت النخيل ) !!! الدين” الذي هو الإ�سالم. ويف اجلانب االجتماعي مل تكن مهمة حما�ضر بالأمر ال�سهل، حيث ورث جمتمعاً متعدد الأعراق والثقافات �أبرزها امل�سلمون وال�صينيون والهنود ،فعمل على حتقيق التوازن ال�سكاين والعرقي خا�صة يف ظل �أكرثية من �أعراق املاليو دون قوة م�ؤثرة مما دفع رئي�س الوزراء الدكتور حما�ضر لل�سعي �إىل تعزيز نفوذهم يف كافة نواحي احلياة االقت�صادية واالجتماعية وانقاذهم من ال ـبـ ـ ـ ـ ـ�ؤ�س والفقر والتخلف ،ويف الوقت نف�سه يعتقد ب�أن هكذا �ضرب مهاتري حممد مثال يحتذا به يف جمال القيادة الرتكيبة العرقية والدينية والتزامها بالإ�سالم باعتباره الدين والريادة والثقة بالنف�س واالعتزاز بالعقيدة واالنتماء لوطنه الر�سمي للدولة تلعب الدور البارز يف فهم الت�صورات واملمار�سات و�شعبه و�أمته وعمق معرفته بتعاليم دينه وتوظيفه لها يف املاليزية يف التعامل مع الق�ضايا القومية امل�صريية ،بل يرى �أن جماالت احلياة املختلفة ،ف�صار رجل �أمة . كان امل�سلمون الأوائل �أكرث ت�ساحما ولينا مع غري امل�سلمني، وقد بلغ ت�سامح امل�سلمني مع اليهود حداً جعلهم يفرون اىل الدول ال�سالمية الواقعة يف �شمال �أفريفيا و�إىل املناطق اخلا�ضعة للحكم العثماين يف �أوروبا ال�شرقية متى ا�ضطهدهم امل�سيحيون الأوروبيون.
95
بيانات ال
وسطية
96
بيان حول استشهاد معاذ الكساسبة
ني ِر َج ٌ (مِنَ المْ ُ�ؤْ ِم ِن َ ال َ�صدَ ُقوا َما َعاهَ دُ وا اللهَّ َ َع َل ْي ِه َف ِم ْن ُه ْم َم ْن َق َ�ضى َن ْح َبهُ َو ِم ْن ُه ْم َم ْن َي ْن َت ِظ ُر َو َما بَدَّ ُلوا َت ْب ِديل (�صدق اهلل العظيم). � ّإن املنتدى العاملي للو�سطية يف الأردن ويف العاملني العربي والإ�سالمي ي�ستنكر ويدين ب�شدة تلك اجلرمية الب�شعة النكراء التي ارتكبتها ع�صابة الإجرام والقتل بحق ابن الأردن البطل ال�شهيد الطيار معاذ الك�سا�سبة ،و�إن ما قام به �أولئك القتلة ال ميت ب�أي �صلة للإ�سالم وتعاليمه ال�سمحة وهذه اجلرمية تخرجهم من ملة الإ�سالم التي بنيت على الت�سامح والرحمة والإن�سانية ويرب�أ الإ�سالم من هذه الأفعال ال�شائنة ومن ه�ؤالء القتلة وعلى الأردنيني و�أحرار و�شرفاء الأمة توحيد اجلهود �ضد ه�ؤالء الإرهابني والوقوف �صفاً واحداً �أمام �أولئك الذين يريدون �شق �صفنا ووحدتنا و�إن الأردن �سريد بحزم وقوة على هذا احلدث امل�ؤمل وبكافة الطرق والو�سائل املادية واملعنوية الذي
مزق القلوب و�أدماها علماً ب�أن التعذيب بالنار هو هلل عز وجل واليعذب بالنار �إال رب النار وندعو اهلل عز وجل �أن يلهم الأردن و�أهله وذوي معاذ و�أخوانه وزوجته و�أقاربه وكل الأردنني ال�صرب وال�سلوان. �إنا هلل و�إنا �إليه راجعون / .املنتدى العاملي للو�سطية
بيان الصحيفة الفرنسية املنتدى العاملي للو�سطيه يدين االعتداء على الأرواح واملمتلكات حتت �أي ذريعة �أو مربر و ذلك �إثر الهجوم امل�سلح على مقر اجلريدة الأ�سبوعية الفرن�سية �شاريل �إيبدو كما ندعو املجتمع الدويل و الدول الغربية �إىل �سن القوانني التي حترم ا�ستفزاز امل�شاعر الدينية جلميع الديانات ال�سماوية و الدعوة �إىل التعاي�ش ال�سلمي بني خمتلف ال�شعوب و نبذ
العنف بجميع �أ�شكاله و �صوره من �أي جهة كانت ونامل �أن تت�صدى هذه الدول �إىل الأعمال واحلمالت املوجهه والتي ت�سعى �إىل �شينه امل�سلمني وال�صدق تهمه الإرهاب بالعامل الإ�سالمي يف �إدانة ظاملة م�ضيفة تعمم وال تخ�ص�ص كما يدين املنتدى الأ�صوات التي تعالت يف �أملانيا لطرد امل�سلمني واعتبارهم غرباء ي�شكلون خطرا على �أوروبا الأمني العام :املهند�س مروان الفاعوري
بيان حول أحداث الباكستان قال تعاىلَ ( :و َم ْن َي ْقتُلْ ُم�ؤْ ِم ًنا ُم َت َع ِّمدً ا َف َج َزا�ؤُ ُه َج َهن َُّم َخا ِلدً ا ِفي َها َو َغ ِ�ض َب اللهَّ ُ َع َل ْي ِه َو َل َع َنهُ َو�أَ َعدَّ َلهُ َع َذا ًبا َع ِظي ًما) و�إذ ُيدين املنتدى هذا العبث با�سم الدين ليدعو العلماء ُيدين املنتدى العاملي للو�سطية العمل الإجرامي الب�شع الذي تبنته اجلماعات الإرهابية باقتحامها مدر�سة للأطفال الأبرياء ،والهيئات وامل�ؤ�س�سات الإ�سالمية �إىل عملٍ د�ؤوب ملحاربة هذا والذي راح �ضحيته ع�شرات القتلى واجلرحى .ذلك �إن هذا الفكر ال�ضال ودعاته يف العامل �أجمع من خالل ف�ضح �أهدافهم العمل اجلبان ُيدينه وي�ستنكره الإ�سالم احلنيف وكافة ال�شرائع وبيان زيف �أفكارهم التي ُيراد منها �شقاء الب�شرية وت�شويه �صورة ال�سماوية وي�ستفز امل�شاعر الإن�سانية ال�سوية وي�سعى مقرتفوه الإ�سالم النقية النظيفة. �إىل ت�شويه �صورة الإ�سالم ال�سمح الذي جاء رحمة للنا�س ودعوة ً نت�ضرع �إىل اهلل العلي القدير �أن يتغمد ال�ضحايا بوا�سع �إىل الوحدة والت�آلف وا�ستقرار املجتمعات ،وتنميتها بعيدا رحمته ،كما ندعوه جل �ش�أنه بال�شفاء العاجل للجرحى ولذويهم عن الفو�ضى والدمار والذي ينطلق دوماً من �سعادة الب�شرية ال�صرب وح�سن العزاء.. وتقدمها.
الأمني العام :املهند�س مروان الفاعوري
بيان حول احتجاز الرهائن في سدني ْ�س �أَ ْو َف َ�س ٍاد فيِ َْ أ �ض َف َك�أَنمَّ َ ا ال ْر ِ قال تعاىلَ ( :م ْن َق َت َل َنف ًْ�سا ِب َغيرْ ِ َنف ٍ َّا�س َجمِي ًعا ) َق َت َل الن َ َّا�س َجمِي ًعا َو َم ْن �أَ ْح َياهَ ا َف َك َ�أنمَّ َ ا �أَ ْح َيا الن َ
تابع املنتدى العاملي للو�سطية يف �إطار اهتمامه بق�ضايا امل�سلمني ال�صحيح وتنويرهم باملقا�صد ال�شرعية حلفظ الأنف�س والأموال يف العامل ب�أ�سى بالغ حادثة احتجاز الرهائن الذي وقع يف �سدين بعيداً عن لغة القتل وحجز احلريات والإرهاب للمدنيني. على يد �أئمة تنتمي جلماعات �إرهابية متطرفة ،و�إن املنتدى �إذ �إن هذا العمل ي�أتي يف �إطار الت�شويه املق�صود ل�صورة الإ�سالم يدين هذا العمل اجلبان ليدعو �إىل التم�سك بالإ�سالم احلنيف يف املجتمعات غري امل�سلمة مبا ينعك�س �سلباً على ق�ضايانا العادلة الإ�سالم املعتدل القائم على احلوار والت�سامح وحل امل�شكالت وي�ؤثر �أي�ضاً على احلريات الدينية واالجتماعية للجاليات و�إ�سعاد الب�شرية وي�شجب لغة العنف والتطرف والقتل يف العامل امل�سلمة يف هذه الأقطار. �سواء كانوا م�سلمني �أو غري م�سلمني ،وحت�صني ال�شباب بالعلم
الأمني العام :املهند�س مروان الفاعوري
97
بيانات ال
وسطية
98 بيان حول القدس
انطالقاً من املوقع وامل�صري الذي يربط اململكة بفل�سطني والقد�س درتها ،ف�إننا ن�ؤكد على ارتباطنا امل�صريي بق�ضية فل�سطني وباملدينة املقد�سة التي جتري الآن الف�صول الأخرية للم�ؤامرة الكربى على طم�س هويتها وامل�سا�س بها. �إن الرعاية الها�شمية للمقد�سات يف القد�س ال�شريف
وقفة جادة ومواقف عملية لدعم �أهلنا يف القد�س بو�سائل ال�صمود املادي واملعنوي. �إننا ن�ؤكد ا�ستعدادنا بالت�ضحية بالغايل والنفي�س من �أجل احلفاظ على القد�س وحتريرها ونحذر االحتالل الإ�سرائيلي بو�ضوح وعليه �أن يدرك �أن هذا اال�ستعداد �سيتحول �إىل مواقف فعليه و�إجراءات عملية.
هي م�س�ؤولية و�أمانة وطنية و�شرف ديني ،ومن هنا ف�إننا ن�شيد بجهود جاللته املخل�صة التي �أدت اىل وقف التحدي الإ�سرائيلي وحماوالت �إغالق امل�سجد الأق�صى والعبث مب�صريه. �إن الوقفة الأردنية الها�شمية حلماية الأق�صى و�إلغاء القرارات الإ�سرائيلية ب�إغالقه القت تقديراً عالياً و�إ�شادة كبرية لي�س من جانب املقد�سني والفل�سطينيني فح�سب بل من جانب جميع امل�سلمني وال�شرفاء يف العامل. واملنتدى العاملي للو�سطية �إذ يطالب بالتفاف الدول الإ�سالمية مع املوقف الأردين وتعزيزه وذلك من خالل
كما ندعو اجلميع ال�سا�سة ورجال الفكر والر�أي والإعالم ب�أن يعطوا مقد�ساتنا الأولوية واالهتمام الذي يليق بها ال �أن توجه الأنظار �إىل ومعارك جانبية ا�ستنزفت جهودنا ومقدراتنا لأن ذلك ي�شكل م�سا�ساً وطعناً يف ق�ضيتنا الأوىل يف فل�سطني. �إن الوقت قد حان لتفعيل قرارات امل�ؤمترات العربية والإ�سالمية بخ�صو�ص مدينة القد�س و�أن الت�أخر يف تنفيذ قرارات الدعم هذه ُيعد ت�شجيعاً لالحتالل ال�صهيوين لال�ستمرار يف حتديه وا�ستخفافه بهذه الأمة و�إمكاناتها. الأمني العام :املهند�س مروان الفاعوري
بيان حول اإلقتتال في اليمن ب�سم اهلل الرحمن الرحيم قال تعاىل�( :إِنمَّ َ ا المْ ُ�ؤْ ِمنُونَ �إِخْ َو ٌة َف�أَ ْ�ص ِل ُحوا بَينْ َ �أَ َخ َو ْي ُك ْم * َوا َّتقُوا اللهَّ َ َل َعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمونَ )(�سورة احلجرات) 10: �إن املنتدى العاملي للو�سطية تابع ما حدث يوم الأحد املا�ضي .4يعرب املنتدى عن احلزن ال�شديد للأرواح التي �أزهقت والدماء املوافق 2014/09/21م من اقتتال واعت�صامات على �أر�ض اليمن التي �سالت يف العا�صمة �صنعاء وغريها من مدن �صنعاء. احلبيب لذا ف�إنه: .5يطالب جميع الأطراف بالتوقف مبو�ضوعية وم�س�ؤولية �أمام
.1ينا�شد جميع الأطراف املت�صارعة على �أر�ض اليمن و�ضبط كافة املتغريات ال�سيا�سية واالقت�صادية والأمنية والعمل على النف�س وتغليب لغة احلوار والعقالنية واحلكمة على لغة ال�سالح .تطويق كافة التداعيات باملزيد من العمل ال�سيا�سي والتوا�صل بني كافة الأطراف ومناق�شة ق�ضايا اخلالف مبا يحقق م�صلحة .2وقف الإعالم التحري�ضي وكافة �أ�شكال الإثارة الطائفية اليمن احلبيب. واحلزبية وغريها ،واحلفاظ على وحدة اليمن وا�ستقراره. .6كما ويدعو قادة الدول العربية والإ�سالمية يتحمل .3الت�أكيد على حق اجلميع يف التعبري عن �آرائهم �سلمياً وفقاً م�س�ؤوليتهم نحو اليمن وغريه من البلدان العربية والإ�سالمية. للقانون وبعيداً عن جماالت العنف.
الأمني العام :املهند�س مروان الفاعوري
بيان ادانة القتل وسفك الدماء في ليبيا هزت العامل العربي والإ�سالمي جرائم القتل و�سفك الدماء من ع�صابة داع�ش املوجودة على �أرا�ضي ليبيا بقتل ( )21قبطياً م�صرياً من �أهل الكتاب عُزل ال حول لهم وال طوال ،يعي�شون جنباً اىل جنب مع اخوتهم من �شعب ليبيا الذي ي�سعى ال�سرتداد حريته وكرامته من �أهل الفنت العمياء �أمثال ع�صابة الإجرام داع�ش ،وقد �أقدمت هذه الطغمة الفاجرة التي ال ترقب يف م�ؤمن اال وال ذمة على ذبح وقتل ه�ؤالء الأبرياء منطلقني يف �إجرامهم باتباع منهج منحرف ،فكري وعقائدي منحرف وهو فكر داع�ش الذي يخالف القيم الإ�سالمية العالية ،وحتريف للحق وال�صدق واللجوء اىل القتل والذبح واحلرق. �إن املنتدى العاملي للو�سطية يدين وب�شدة هذه اجلرائم الب�شعة التي تتكرر كل يوم ،ويطالب �أهل احلل والعقد وقادة الر�أي و�أ�صحاب القرار يف �أمتنا العربية والإ�سالمية الوقوف والت�صدي املادي واملعنوي لهذه الع�صابة املجرمة لتعديها وكبح جماحها بقوة الفكر وال�سالح حتى ال تتنامى يف بالد العرب وامل�سلمني، ويتم الق�ضاء النهائي على �أوكار املخربني والإرهابيني �أياً كان جن�سهم �أو موطنهم و�صدق اهلل العظيم " ( َو َ�س َي ْعلَ ُم ا َّلذِ َ ين َظلَ ُموا �أَيَّ مُن َقلَبٍ َين َق ِل ُبو َن)
99
نشاط ا ت ا ل و سطية
100
زيارة وفد المنتدى العالمي للوسطية إلى جمهورية نيجيريا 2015/02/1م
حممد -مدير املركز النيجريي للبحوث العربية يف نيجرييا لزيارة نيجرييا بهدف افتتاح فرع للمنتدى العاملي للو�سطية وللإطالع على واقع حال امل�ؤ�س�سات العربية التعليمية واملدار�س الدينية واجلامعات و�أق�سام اللغة العربية فيها و�إمكانية قيام املنتدى ب�إجراء عمليات �شراكة �أو تعاون مع هذه الأطراف منفردة �أو جمتمعة من خالل فتح فرع
حوايل ( )20مليون ن�سمة ا�س ُتقبل الوفد من قبل كل من الدكتور حامد جمعة والدكتور عز الدين وعدد من الأخوة القادمني من مدينة �إيوو والية �أو�سن من املركز النيجريي للبحوث العربية -حيث مت نقل الوفد اىل فندق( )intercontinentalيف جزيرة فكتوريا ،حيث " الغو�س املدينة " جزء منها بري واجلزء الآخر بحري ،وقد
للمنتدى يف الواليات النيجريية املتعددة ،فقد قام وفد مكون ترك الوفد لال�سرتاحة من عناء ال�سفر والرحلة الطويلة من املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى يرافقه التي امتدت �إىل �أكرث من � 10ساعات طريان من عمان عرب الدكتور زيد �أحمد املحي�سن من�سق العالقات اخلارجية القاهرة �إىل مدينة الغو�س. والتعاون الدويل يف املنتدى العاملي للو�سطية بزيارة �إىل ويف اليوم الثاين للزيارة قام الوفد بزيارة �إىل :مدر�سة نيجرييا خالل الفرتة �أعــاله . التعليم العربي الإ�سالمي يف والية الغو�س ،حيث التقى الوفد باال�ساتذة والعميد والأكادميي للمدر�سة و�أطلع تفا�صيل الزيارة: الوفد على طريقة تدري�س اللغة العربية للطلبة والعلوم يف اليوم الأول :لدى و�صول وفد املنتدى �إىل مطار الإ�سالمية للنيجرييني ،وقام الوفد بجولة �شملت غرف الغو�س العا�صمة ال�سابقة لنيجرييا والبالغ عدد �سكانها الدرا�سة وامل�سجد واملرافق الإدارية يف املدر�سة وللوهلة
الأوىل يبدو للزائر ال�ضعف املادي لهذه املدر�سة من خالل قدم البناء وعدم توفر الأثاث املنا�سب وعدم �إجراءات �صيانة دورية لهذه املدر�سة وملرافقها الأخرى �أمام هذا الواقع الأليم حلال املدر�سة فقد تربع الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري( بجهاز كمبيوتر عدد )2للمدر�سة ،بعد ذلك غادر وفد املنتدى الزائر �إىل زيارة مركز ال�سالم للتعليم العربي والإ�سالمي والتقى الوفد مع ويف اليوم الثالث قام الوفد بزيارة �إىل جامعة والية م�ؤ�س�س هذا املركز ال�شيخ اجلليل الإمام م�شهود رم�ضان الغو�س والتقى الوفد مع رئي�س اجلامعة وامل�ساعدين ،حيث جربيل الأمري الكيتوي ،وعدد من الأ�ساتذة يف املركز. حتدث الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س وجرى خالل اللقاء حفل خطابي يف �صالة امل�سجد حيث مروان الفاعوري عن الغاية من زيارة اجلامعة و�أهمية �إقامة قدم املهند�س مروان الفاعوري عر�ضاً موجزاً عن املنتدى نوع من التعاون يف جمال ن�شر الثقافة والفكر الو�سطي العاملي للو�سطية والغاية من ان�شائه والغاية من هذه الزيارة بني الطلبة وذلك من خالل عقد ور�ش عمل وحما�ضرات والرتكيز على امل�شاكل التي تعاين منها الأمة من �إرهاب وم�ؤمترات ما بني اجلامعة واملنتدى ويف نف�س الوقت وتكفري وتفجري ،هذه امل�شاكل التي �أ�صبحت ال�شغل ال�شاغل الت�أ�سي�س لعمل م�ؤ�س�سي يف هذا املجال خلدمة الطرفني، للعامل والذي تعاين منه الدول العربية والإ�سالمي ،مبا وكان رئي�س اجلامعة قد رحب بالوفد ال�ضيف و�أثنى على فيها نيجرييا وخا�صة من تنظيم ما ي�سمى(بوكو حرام) جهود املنتدى يف هذا املجال وحاجة العامل �إىل مبادرات واملمار�سات التي يقوم بها هذا التنظيم يف ت�شويه �صورة خا�صة للت�صدي للعنف والإرهاب الذي يتعر�ض له العامل، الإ�سالم وقتل الأبرياء با�سم الإ�سالم "والإ�سالم براء منهم بعد ذلك التقى وفد املنتدى بعميد كلية الآداب يف اجلامعة اىل يوم الدين". الدكتور حامد ومت ترتيب لقاء مع الطلبة الدار�سني للغة كما �ألقى الدكتور زيد املحي�سن كلمة بني فيها �أهمية �إقامة العربية يف م�سجد اجلامعة حيث حتدث املهند�س مروان تعاون ما بني املنتدى واملركز و�أثنى على جهود العاملني يف الفاعوري عن �أهمية املنهج الو�سطي يف الإ�سالم و�ضرورة املركز وعلى ح�سن ال�ضيافة والإ�ستقبال الذي قوبل به وفد تعميمه ون�شره بني الطلبة حفاظاً عليهم من �أفكار التطرف املنتدى منذ دخوله اىل �أر�ض املركز وحتى مغادرته و�أثناء والتي بد�أت تنت�شر يف املجتمعات. اللقاء طلب بع�ض املتحدثني م�ساعدة املركز يف احل�صول بعد ذلك التقى وفد املنتدى مع �أ�ساتذة اللغة العربية بعد على منح درا�سية لإكمال درا�ستهم اجلامعية البكالوريو�س �أن جال يف ق�سم اللغة العربية واطلع على املكتبة واملرافق واملاج�ستري والدكتوراه يف اجلامعات العربية والإ�سالمية ،التعليمية الأخرى من خمتربات لغة وقاعات للدرا�سة... وقد وعد الأمني العام للمنتدى بالتربع مبقعدين من �إلخ ،وخالل االجتماع بالأ�ساتذة ن ّوه البع�ض �إىل احلاجة �إىل املقاعد املمنوحة للمنتدى من اجلامعة الإ�سالمية العاملية بعثات درا�سية للطلبة النيجريين لإكمال تعليمهم اجلامعي يف �إ�سالم �أباد للمركز. يف املعاهد واجلامعات العربية والإ�سالمية تكون هذه البعثات مروان الفاعوري حما�ضرة عن الو�سطية يف الإ�سالم وعن دور املنتدى يف تعزيز هذا النهج وبني �أهمية الو�سطية يف هذا الوقت الذي يتعر�ض له الإ�سالم اىل ت�شويه �صورته من قبل �أتباعه من خالل �أعمال القتل والعنف با�سم الإ�سالم، والإ�سالم براء مما يفعلون وقد ح�ضر اللقاء عدد كبري من املواطنني من اجلن�سني وعلى ر�أ�سهم ال�شيخ �سراج الدين.
كما جرى االتفاق على توقيع مذكرة تفاهم بني املنتدى واملركز من �أجل افتتاح فرع للمنتدى يف مقر مركز ال�سالم للتعليم العربي والإ�سالمي ،بعد ذلك قام الوفد بزيارة �إىل م�سجد نور الهدى و�ألقى الأمني العام للمنتدى املهند�س
ملدة �أ�شهر حتى ميار�س الطالب النيجريي الدار�س للغة العربية ممار�سة عملية من متحدثي اللغة الأ�صليني وقد وعد املهند�س مروان الفاعوري بدرا�سة الو�ضع لدى عودته للأردن وتقدمي امل�ساعدة املمكنة له�ؤالء الطلبة.
101
نشاط ا ت ا ل و سطية
102
ويف اليوم الرابع للزيارة غادر الوفد �إىل مدينة (�إيوو) ويف اليوم اخلام�س غادر الوفد مدينة الغو�س جتاه عمان يف والية �أو�سن حل�ضور املهرجان اخلطابي الذي �أعدته عرب القاهرة حيث �أم�ضى الوفد ليلة يف القاهرة ثم و�صل �أكادميية عناية اهلل العاملية ،حيث مت ا�ستقبال الوفد من عمان �صباح اجلمعة ال�ساعة التا�سعة والن�صف بتوقيت ع ّمان. قبل الأ�ساتذة يف االكادميية والق�ضاة ال�شرعيني وخطباء اخلال�صة :لقد حققت الزيارة الأهداف املر�سومة لها امل�ساجد والطالبات والطلبة وح�شد من امل�س�ؤولني الر�سميني ،ذلك من خالل: وال�شعبيني ،وقد رحب املتحدثون بوفد املنتدى العاملي للو�سطية وعلى هذه اللفتة الكرمية من قبل املنتدى .1الإطالع على واقع امل�ؤ�س�سات التعليمية العربية لزيارة نيجرييا وزيارة الأكادميية ،وطالبوا بتكرار التوا�صل والإ�سالمية يف نيجرييا. والزيارات بني املنتدى والأكادميية ملا فيه �صالح الطرفني� .2 ،إلتقاء �أ�ساتذة و�شيوخ وعلماء نيجرييني من �أجل التوا�صل وقد �ألقى املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى وتعزيز روابط الأخوة الإ�سالمية وبناء عالقات قوية لدعاة كلمة �شكر فيها القائمني على هذا الإحتفال وبني �أهمية الو�سطية من خمتلف ال�شرائح. النهج الو�سطي والغاية من هذه الزيارة وهي فتح �آفاق من التعاون وال�شراكة �أو فتح فرع للمنتدى العاملي للو�سطية .3افتتاح فرعني للمنتدى يف كل من مدينة الغو�س و�إيوو يف يف الوالية ،يكون مبثابة حلقة و�صل بني القائمني عليه والية �أو�سن. واملواطنني للتوعية باملنهج الو�سطي من خالل �إقامة .4تعريف النا�س باملنهج الو�سطي وخطورة التطرف والغلو الندوات والن�شاطات الفكرية الإ�سالمية ،كما �ألقى الدكتور على �أمن وا�ستقرار املجتمع. زيد املحي�سن كلمة حيا فيها اجلموع الكبرية التي جاءت اىل املكان من رجال ون�ساء و�أ�ساتذة وطلبة وممثلني للفعاليات .5مت التعرف على حركة بوكو حرام والقاعدة وداع�ش الر�سمية وال�شعبية وبني تاريخية العالقة القائمة بني دولة وبيان خطورة هذه الع�صابات على الأجيال القادمة و�ضرورة نيجرييا والعامل العربي والإ�سالمي ،بعد ذلك غادر الوفد مواجهتها فكرياً. متوجهاً �إىل املركز النيجريي للبحوث العربية حيث جرى � .6شرح �أفكار املنتدى وتقدميها للنا�س ب�شكل �سهل وبلغاتهم ا�ستقبال للوفد من قبل �أع�ضاء املركز وجرى بحث افتتاح ومن �أبنائهم. فرع للمنتدى العاملي للو�سطية يف مبنى املركز النيجريي للبحوث العربية والعمل على توقيع مذكرة تفاهم بهذا ال�ش�أن وقد القت هذه اخلطوة الرتحيب واال�ستح�سان من قبل القائمني على املركز ،وخالل اللقاء بني الفاعوري �أهمية وجود فرع للمنتدى يف هذه الوالية و�ضرورة العمل على تفعيل الن�شاطات الثقافية والفكرية الإ�سالمية لدى �سكان الوالية ،و�أبدى ا�ستعداد املنتدى العاملي للو�سطية لتقدمي الدعم وامل�ساندة لن�شاطات الفرع من خالل �إقامة الندوات واملحا�ضرات ودورات التدريب للأئمة وخطباء امل�ساجد والواعظات وللطلبة يف املدار�س للتوعية باملنهج الو�سطي والإعتدال وتعميق قيم الت�سامح واحلوار يف املجتمع النيجريي ،وبعد ذلك عاد الوفد �إىل مدينة الغو�س و�أبدى احل�ضور حما�ساً �شديداً لذلك الطرح .
ندوة تجديد الخطاب الديني تقرير عن دورة جتديد اخلطاب الدينيي املنعقدة يف ا�سالم �آباد – باك�ستان
اكتملت بحمد اهلل اعمال الدورة التي نظمها املنتدى العاملي للو�سطية بالتع�أون مع �أكادميية ال�شريعة يف اجلامعة الإ�سالمية العاملية با�سالم اباد بعنوان جتديد اخلطاب الديني يف الفرتة مابني 8-7من يناير 2015م والذي �شارك فيها �أكرث من 120عاملاً من خطباء امل�ساجد والأئمة والوعاظ واملر�شدين ومعلمي الرتبية الإ�سالمية من خمتلف املذاهب
الذي جعل من العامل قرية م�صغرة ت�أتينا �أخبارها ب�سرعة قيا�سية .وزاد على ذلك �سعادة الدكتور ب�أن ما �سريد يف هذه الدورة �سيكون يف نطاق ما جاءت عليه الن�صو�ص بالقران وال�سنة و�أن الآراء التي تناق�ض �أ�س�س الإ�سالم لن ُتقبل �أ�سا�سا و�أن الدورة �ستبني و�سطية هذا الدين والذي ينفي الإرهاب والغلو وكذلك فهو دين ينتقد التفريط والغو�ص يف �أعماق
واملدن الباك�ستانية ،حيث افتتحت الدورة ب�آيات من الذكر احلكيم تاله كلمة افتتاحية قدمها الدكتور �سهيل ح�سن مدير عام �أكادميية ال�شريعة ،والتي رحب فيها ال�ضيوف الكرام ،وامل�شاركني يف الدورة و�أكد على �أنه من خالل هذه الدورة ال ُيق�صد تقدمي دين جديد �أو خمالفة ما جاء الإ�سالم به و�إمنا الق�صد من هذه الدورة هو حل م�شاكل الع�صر احلا�ضر بطريقة مطابقة للواقع ولي�س بالطرق القدمية؛ فنحن نعي�ش ع�صر االت�صاالت احلديثة والإعالم االلكرتوين
ملذات الدنيا دون الإهتمام باجلانب الروحي و�أكد ب�أن على العلماء �أن يواكبوا الع�صر و�أن تكون معلوماتهم معا�صرة حتى ي�ستطيعوا �أن يحوزوا على �أذان من�صتة لهم وتكون �آرائهم مقبولة لدى املجتمع املعا�صر لذا ف�سرتكز الدورة على بيان امل�سائل الفقهية املعا�صرة التي حتوز على اهتمام املجتمع وكذلك بيان اجتهادات و�آراء العلماء املعا�صرين يف كثري من امل�سائل حتى يتعرف امل�شاركون على طرق جديدة لالجتهاد وحتى ي�ستطيع امل�شاركون التباحث مع املحا�ضرين
103
نشاط ا ت ا ل و سطية
104
يف الدورة وتبادل الآراء معهم حول الق�ضايا املعا�صرة وما من عمليات �إرهابية يف بلدان �أخرى من العامل كالعراق يخ�ص و�سطية الإ�سالم. و�سوريا وليبيا واليمن وغريها والتي ال ميكن لنا �أن نتغا�ضى عنها لأننا نحن نذوق مرارتها وويالتها منذ �سنوات عديدة وبعد ذلك �ألقى الدكتور حممد طاهر من�صوري رئي�س ولذلك فالكل يجب �أن يتحمل م�سئوليته ملواجهة التطرف الفرع الباك�ستاين للمنتدى العاملي للو�سطية ونائب رئي�س وذلك بناء على قدرته وم�ستواه. اجلامعة الإ�سالمية العاملية للدرا�سات العليا والبحوث كلمته التي عرف فيها احلا�ضرين باملنتدى وماي�ؤديه من دور يف و�أتبع القا�ضي فداء كلمته بالت�أكيد على �أن مامن �أمور تعريف العامل بحقيقة الإ�سالم وو�سطيته وبعده عن الغلو �سلبية �صغرية �أو كبرية ت�ؤثر على منطقة ما �أو على العامل والتطرف كما عرف مب�ؤ�س�سي املنتدى ومن بينهم ال�شيخ ب�أ�سره �إال وي�شار فيه الإ�سالم بالبنان ويتهم بها على الرغم الدكتور يو�سف القر�ضاوي ومنهجه الو�سطي يف �أبحاثه من �أنه يف كثري من الأحيان ال يكون للم�سلمني �صلة بها ودرا�ساته وكتبه وو�ضح ب�أن الدورة �سرتكز على بحث امل�سائل كما يحدث باك�ستان فعقب كل عملية �إرهابية تتهم طالبان الفقهية املعا�صرة وحلها بطرق جديدة دون م�سا�س �أ�س�س بالأمر؛ وطالبان ا�سم جامع لطالب املدار�س الدينية فيقع وثوابت الدين الإ�سالمي ثم تطرق الدكتور من�صوري �إىل جميع طالب املدار�س الدينية حتت طائلة ال�شك و�إن كان من مو�ضوع الو�سطية وما قيل عن هذا املو�ضوع من قبل العلماء قام مبثل هذه العمليات ال ميثلون �إال القلة. املعا�صرين وال�سابقني وحتذيرهم من الغلو والتفريط يف و�أكد على �أن امل�سلمني مل يعرفوا بعد قوتهم الذاتية فهم الدين .ثم بني الدكتور �أهداف هذا اللقاء املبارك� ،أال وهي: مازالوا حتت ت�أثري و�سائل االعالم التي ت�صفهم بال�ضعف تو�ضيح مفاهيم اخلطاب الديني؛ التوافق مع احلداثة وقلة احليلة وعدم القدرة على جماراة العامل �إذ �أنهم مل ومتطلبات الع�صر والتم�سك بالعقيدة الإ�سالمية الداعية ينف�ضوا الغبار عن قواهم الداخلية النابعة من الإميان للو�سطية واالعتدال ،واحل�ض على احلوار املبني على حرية باهلل عز وجل �صاحب القوة والطاقة العظمى الذي يذكره التعبري والر�أي ..كما �شكر الدكتور من�صورى الأمانة العامة مليار م�سلم يوميا خم�سة مرات حيث �أن الرجوع هلل وطريق للمنتدى على اهتمامها ب�أحوال امل�سلمني خ�صو�صاً امل�سلمني احلق �سيزيد من قوة الإ�سالم وجماراة غريه من احل�ضارات يف باك�ستان وعلى دعمها املادي واملعنوي لتنظيم مثل هذه و�أكد على �أهمية امل�ساجد لتو�صيل ر�سالة الإ�سالم الو�سطية الدورات. بناء على الثوابت يف القران وال�سنة وجماراة مل�سائل الع�صر وبعد ذلك قدم �ضيف �شرف اجلل�سة االفتتاحية معايل وم�شاكله ففي عهد �أبي بكر كانت م�س�ألة جمع القران جديدة قا�ضي املحكمة ال�شرعية الفيدرالية الباك�ستانية الأ�ستاذ وتردد �أبو بكر ر�ضي اهلل عنه يف تنفيذها بداي ًة �إىل �أن ر�أى الدكتور فداء حممد خان كلمته التي امتدح فيها القائمني ب�أنه من م�صلحة امل�سلمني وحفظاً للقران من ال�ضياع �أن يتم على الدورة من منتدى الو�سطية و�أكادميية ال�شريعة على جمعه وقد مت ،ومن ثم قام عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه اختيارهم لهذا املو�ضوع الذي اعتربه مهما جدا لع�صرنا بن�سخه وتوزيعه على ا�أهم�صار .و�أعطى القا�ضي تفا�صيل احلا�ضر خا�صة يف ظل الظروف التي تعي�شها باك�ستان ب�شكل عن م�سائل معا�صرة يجب حلها ك�إيجار الرحم واال�ستن�ساخ خا�ص وبالد امل�سلمني ب�شكل عام. وغريها من الأمور الع�صرية. و�أكد على �أن احلدود وامل�سافات بني الدول قد تقل�صت فبمجرد �ضغطة زر واحدة ميكنك �أن ت�شاهد وتتكلم مع �أ�شخا�ص يف بالد عديدة كانت يف ال�سابق بعيدة املنال و�أنه بالرغم من تقارب النا�س تقنيا �إال �أنهم قد تباعدوا قلبيا فظهرت وتكاثرت العداوة وال�شحناء وكرث القتل والتطرف وما عملية املدر�سة بب�شاور ببعيدة عن خميلتنا �إذ ا�ستهدف فيها الإرهابيون �أطفاال �أبرياء بالإ�ضافة �إىل مان�سمع عنه
ويف نهاية كلمته دعا القا�ضي فداء حممد خان امل�شاركني يف الدورة لرتتيب �أولوياتهم وتنظيمها حتى ال يقعوا يف فخ الإهتمام مبا هو �أقل نفعاً خا�صة العلماء والأئمة الذين يتحملون م�سئولية كبرية على عاتقهم يف ن�شر الوعي الديني داخل جمتمعاتهم. وقد ُقدمت جمموعة من املحا�ضرات التي ركزت على
�إبراز الوجه احلقيقي للإ�سالم يف تعبري ن�صو�صه واتباعه الباك�ستاين م�شارك يف عر�ض الدورال�سلبي واملظلم لبع�ض يت�سم بالو�سطية والإعتدال والت�سامح بعيداً عن الغلو امل�سلمني الذي ال ميثل الإ�سالم ب�أي حال بينما ال يهتم والذي ّ والإفراط .وركزت كذلك مو�ضوعات الدورة حول مفاهيم بعر�ض اجلانب الإيجابي من ديننا احلنيف. اال�ستقامة واالعتدال والو�سطية والت�سامح يف فهم اخلطاب ونوه الدكتور حبيب ب�أن هناك �أ�سباب دينية للتطرف وهو الإ�سالمي املعا�صر .وو�ضحت موقف الإ�سالم من احرتام الفهم اخلاطئ واملت�شدد للقران وال�سنة النبوية فالبع�ض النف�س الب�شرية و�إن كانت خمتلفة يف الدين والعقيدة ي�أخد من رواية منفردة ظاهرها الت�شدد لكي يربر تطرفه واملذهب ،ودعت �إىل قبول االختالف الفقهي واتباع منهج بينما ت ُعج كتب احلديث بروايات �صحيحة ومتعددة تخالف االعتدال ومكافحة ظاهرة التطرف الفكري والديني وبيان احلديث املنفرد .وا�ستطرد الدكتور ببيان �أ�سباب التطرف، �آثار التطرف على الأمن والإقت�صاد يف املجتمعات امل�سلمة كما ومنها الأ�سباب ال�سيا�سية املعروفة تاريخيا خا�صة يف حقبة تناولت �أهمية احلوار باعتباره �أداة للتفاهم مع الآخرين. اال�ستعمار والتي هي م�ستمرة ليومنا هذا بالإ�ضافة للأ�سباب وقد بد�أت اجلل�سة الأوىل مبحا�ضرة الأ�ستاذ الدكتور الإجتماعية التي متيز قبيلة �أو فئة عن �أخرى مما جتعل حممد طاهر من�صوري والتي و�ضح فيها مفهوم دار الدعوة الفئة الأقل �أهمية ت�سلك �سبل التطرف وكذلك الأ�سباب ودار الإجابة و�أكد ب�أنه ال ينبغي تق�سيم املعمورة �إىل "دار الإقت�صادية كالبطالة التي تزيد من احتقان ال�شباب على حرب ودار �إ�سالم ودار عهد" ،وهذا م�أخوذ من �آراء الإمام حكوماتهم وبالتايل يلتج�ؤون طريق املتطرفني ،وغري ذلك ال�شافعي الذي ا�ستنكر فيه تق�سيم املعمورة �إىل دار ا�سالم من اال�سباب... ودار حرب -التي جاء بها الإمام ال�شيباين -لعدم تطابقها ويرى الدكتور حبيب ب�أن تدارك م�شكلة التطرف يكون مع مقا�صد ال�شريعة الكربى؛ وذلك لأن الإ�سالم دين �أمن بالإهتمام بفقه الأولويات التي ترى ب�أنه يجب �أن يهتم و�سالمة ودين يدعو �إىل الدعوة باحلكمة واملوعظة احل�سنة امل�سلم �أوال بفرائ�ضه وواجباته قبل الإهتمام بامل�ستحبات ولو اعتربت العالقات بني الدولة الإ�سالمية والدول الكافرة وال�سنن التي يغايل فيها البع�ض ويو�صلها لدرجة الواجب قائمة على �أ�سا�س احلرب والعداوة ف�إننا �سنفقد فر�صة دعوة و�أكد على �أن الآمر باملعروف والناهي عن املنكر يجب �أن غري امل�سلمني �إىل الإ�سالم يف بالدهم ،لذا مل ُي�ؤذن باحلرب يكون عاملاً باحلالل واحلرام حتى يتم له �أمر الن�صيحة و�أنه �إال يف حالة عدم قبول الدعوة بجميع و�سائلها وعند �إظهار يجب احرتام املذاهب الأخرى وعدم �إجبار �أ�صحابها على العداوة مع الإ�سالم .وبهذا �سوف ي�سهل �إقامة �شعائر الإ�سالم اتباع مذهب معني مادام � ّأن لهم �أدلتهم ال�شرعية و�أنه عند يف جميع البلدان على املعمورة بغ�ض النظر عن كونها دار نقدمي الن�صيحة يجب معرفة �أن درء املفا�سد مقدم على �إجابة �أو دار دعوة. جلب امل�صالح فال يجوز لنا �أن نن�صح ونحن على يقني ب�أنه و�أتبع ذلك حما�ضرة الدكتور حبيب الرحمن التي بد�أ فيها �سينتج عن الن�صيحة مفا�سد �أكرب من امل�صالح. بالإعرتاف بدور املدار�س الدينية واملنرب يف �إر�شاد النا�س �إىل ثم تطرق الدكتور عبد احلي �أبرو �إىل بيان مقا�صد الطريق ال�سديد ثم حتدث عن �أ�سباب الغلو والتطرف يف ال�شريعة يف �ضوء الفكر الو�سطي و�أكد فيها �أن الإن�سان قد املجتمع الإ�سالمي و�آثاره كما بني بع�ض احللول .واعترب ابتاله اهلل و�أنه ب�سبب هذا االبتالء فقد جعله خمرياً يبحث ب�أن التطرف كارثة يف جميع املجتمعات فلي�س امل�سلمون عن الطريق احلق ولو كان م�سريا ملا ابتاله اهلل؛ ولذلك هم املتورطون فقط و�إمنا يوجد هناك متطرفون من �أتباع ت�شكلت ديانات متعددة يف هذ االر�ض .ثم بني �أولويات غريهم من الديانات و�إن كان الإعالم يربز التطرف الديني املقا�صد ال�شرعية وقاعدة ال�ضرورة. عند امل�سلمني بهدف اال�ساءة للإ�سالم .كما يرى الدكتور ب�أن كيان ما ي�سمى ب�إ�سرائيل متطرف ال�ستخدامه جميع و�سائل وهكذا فقد ا�ستعر�ض الدكتور �أبرو خالل حديثه الأمثلة العنف والإرهاب �ضد الفل�سطينيني ولكن يتم التغا�ضي التي ميكن فيها التخلي �أو الت�ساهل فيها عن مق�صد من �أجل عن �أفعاله الإجرامية .واعترب الدكتور حبيب �أن الإعالم م�صلحة �أكرب وخا�صة فيما يتعلق بحقوق الإن�سان كفتوى
105
نشاط ا ت ا ل و سطية
106
ال�شيخ القر�ضاوي بجواز �سفر املر�أة من غري حمرم ما دام �أن هناك �ضرورة وخا�صة يف هذا الع�صر الذي �سهل فيه ال�سفر وقربت من خاللها امل�سافات. وهكذا انتهت فعاليات اليوم الأول من الندوة بعد عدد من املداخالت والت�سا�ؤالت التي طرحها احلا�ضرين.
ال�سمحاء فمثال عندما وقعت الأزمة االقت�صادية العاملية املن�صرمة والتي نتجت عنه انهيار و�إفال�س العديد من البنوك الغربية الكربى ب�سبب النظام الربوي ف�إن الإ�سالم عالج امل�شكلة بنظامه الذي يدعو لتدوير الأموال وعدم تكدي�سها واحتكارها ملا يف ذلك من خري للعامل وال�شعوب. و�أكد على �أن امل�ساجد باقية �إىل يوم الدين و�أن الإعالم لن ي�ستطيع الإ�ساءة للإ�سالم ما دامت املنابر ت�صدح باحلق فالأئمة لي�سوا مبوظفني ر�سميني وهم يبتغون مر�ضات اهلل بينما يح�صل غريهم على عوائد مالية مقابل خدماتهم.
بد�أت فعاليات اليوم الثاين من الندوة بحلقة نقا�ش حول املوا�ضيع التي طرحت يف اليوم الأول ،و�أبدى فيها كل ر�أيه. حيث لوحظ من خالل هذا النقا�ش احرتام الآراء املختلفة، والتحدث مع الإ�ستدالل من الأدلة ال�شرعية ،وترجيح مذهب وتطرق الدكتور �سهيل بعد ذلك �إىل عوائق تعرقل عملية الغري ب�سبب االقتناع بالدليل وما �إىل ذلك من التغريات يف الدعوة � ،أهمها كالتايل: �سلوك امل�شاركني. -١تع�صب الداعي ملذهب معني فهذا يعني �أن الداعية ال بد�أت اجلل�سة الأوىل من اليوم الثاين مبحا�ضرة الدكتور �سهيل ح�سن والتي دارت حول "م�سئولية ودور العلماء يف يبتغى مر�ضات اهلل بل مر�ضات �أهل مذهبه.
بث ثقافة الت�سامح" والتي �أكد فيها ب�أن الإ�سالم دين و�سط -٢اتباع طريقة رتيبة ومملة للدعوة والتي تنفر النا�س خايل من الغلو والتطرف .وبني الدكتور �شروطا يجب �أن خا�صة ال�شباب عن الدين فهم يرغبون ب�أن تتم الدعوة يتحلي الداعي امل�سلم بها� ،أهمها كالتايل: بطرق جديدة وطريفة. -١العلم :فبالعلم ي�صبح الإن�سان و�سطيا بينما اجلهل يجعله -٣اتباع �أ�سلوب الرتغيب والرتهيب فيمكن الإ�ستعا�ضة مف ّرطاً �أو مغالياً. بالتحدث عن �أ�شياء معا�صرة ك�أداب ا�ستخدام الإنرتنت -٢الدعوة احل�سنة بالكلمة الطيبة جتذب املخالف بينما وغريها من و�سائل االت�صال احلديثة. الإ�ساءة تنفر النا�س من الداعية. -٤ترك الدعوة ب�سبب ظهور عوائق تثنيه عن مهمته. -٣ال�صرب والتحمل على التكاليف املتولدة من �آرائه �إذ �أنه -٥االكتفاء بو�سيلة واحدة للدعوة كامل�ساجد فقط بل يجب �سيتلقى الإ�ساءة فعليه ال�صرب �أ�سوة بر�سولنا الكرمي الذي على الداعية ا�ستخدام الو�سائل الأخرى كالإعالم واملواقع كان م�ضرب املثل يف ال�صرب. االجتماعية -٤التغا�ضي عن �أخطاء الطرف الأخر حتى اقتناعه باحلق -٦تقليد علماء متقدمني يف طريقة الدعوة بل على الداعية وعدم احلكم على �شخ�ص من خالل فعل واحد فالداعية �أن يتبع �شخ�صيته يف الدعوة عليه �أال يكون قا�ضياً وق�صة الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم حني �أتاه جربيل عقب رحلته من الطائف لهي �صورة -٧الدعوة بطريقة انهزامية فعلي الداعية �أن يفتخر بدينه حقيقية لعدم حكمه على �أهلها بال�سوء بل �إنه دعا ب�أن يخرج وكمثال على ذلك مو�ضوع تن�أول الطعام باليد مبا�شرة حيث يراه البع�ض ب�أنه مثري لال�شمئزاز بينما هو �سنة ولذلك من �صلبهم من ي�ؤمن بر�سالته. فعلى الداعية �أن يتبع ال�سنة دون اخلجل من �آراء النا�س. -٥على الداعية �أن يكون قدوة لغريه وعليه �أن يعلم ب�أنه �سيكون حتت مراقبة النا�س و�أن النا�س ال تقبل ممن مل يعمل -٨انتقاد النا�س يف ت�صرفاتهم و�أ�سلوب حياتهم وهذا ينفر ال�سامعني من الداعي. مبا يقوله. ونوه الدكتور �سهيل ب�أن العامل بحاجة �إىل تعاليم الإ�سالم -٩مدح الداعي لنف�سه .
-١٠الت�سرع يف الدعوة واحل�صول على النتائج والأوىل �أن يتم الأمر بحكمة وبطء وتدرج لكي اليرتتب على ذلك ح�صول مف�سدة عظيمة.
معهم .و�أكد على �إقامة العدل بينهم وعدم ظلمهم حتى ولو كان خما�صميهم من امل�سلمني وا�ست�شهد مبعاقبة عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه البن عمرو بن العا�ص ر�ضي اهلل عنه وايل م�صر �آنذاك ل�ضربه قبطياً لأنه ا�ستطاع هزميته يف �سباق للخيول .وكذلك ف�إن الدكتور �أكد على �أن احلكومة الإ�سالمية م�سئولة عن حماية �أرواح وممتلكات و�شرف �أهل الذمة املقيمني بالدولة الإ�سالمية و�أن على بيت املال م�سئولية حتمل تكاليف م�صاريف �أهل الذمة من املعوزين والعفو وال�صفح عن �أخطائهم لهدف �أ�سمى وهو جذبهم وحتبيبهم للإ�سالم.
و�أكد الدكتور على �أن الإ�سالم دين الإن�سانية و�أنه ال �إكراه �أو جرب للدخول يف هذا الدين م�ست�شهداً بذلك من القران وال�سنة وافعال ال�صحابة حيث �سكن الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم باملدينة ومعه اليهود فلم يكرههم على الإ�سالم ومل يقاتلهم �إال عندما انك�شف غدرهم .ونوه الدكتور ب�أن الإ�سالم منع من �إقامة عالقات مع الكفار من منظور عاطفي ولكنه مل مينع من عالقات اقت�صادية وجتارية �أو غريها من العالقات الدنيوية .و�أكد على �أن الإ�سالم والدعوة له باقية حتى يوم الدين كما �أن الكفر باقٍ ولذلك فلي�س من امل�سموح قتال الكفار ملجرد كفرهم و�إمنا يجب �أن يكونوا حماربني. واعترب ب�أنه يجب جمادلة الكافر باحل�سنى وا�ست�شهد ب�إ�سالم �أهل �أندوني�سيا ملجرد �أنهم ر�أوا ح�سن تعامل التجار امل�سلمني
تبع ذلك جل�سة حوار دارت بني امل�شاركني حول مو�ضوع "قواعد �شرعية يف التكفري" �أبدى فيها امل�شاركون جتاوباً مع مو�ضوع احلوار حيث �أدلوا ب�آرائهم و�أفكارهم م�ستدلني من القر�آن وال�سنة كما تناول احلوار عدة حماور �أهمها: بيان خطر التكفري وحقيقته ،وكارثة الت�ساهل يف احلكم على امل�سلمني بالكفر خ�صو�صاً على احلكام واال�ستدالل بذلك للخروج عليهم و�إثارة املواطنني امل�سلمني �ضدهم.، وخرج امل�شاركون بنتائج بينوا فيها القواعد واملوانع ال�شرعية للتكفري و�أكدوا على عزمهم بعدم احلكم بالتكفري على كل من نطق بال�شهادة �إال بعد معرفة جميع احلقائق وزوال ال�شبهات واملوانع �إ�ضاف ًة �إىل �أن حق التكفري يقت�صر على الق�ضاة بعد فح�ص ومتحي�ص.
�أتبع ذلك الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر حكيم بعنوان" عالقات امل�سملني مع غريهم يف الإ�سالم" اعترب الدكتور طاهر ب�أن امل�سلمني يف هذا الع�صر بني افراط وتفريط يف عالقتهم مع غري امل�سلمني فهناك من يت�أ�سى بهم يف حما�سنهم وم�ساوئهم بينما نرى طرفاً �أخر ال يرغب يف التعامل معهم البتة
107
نشاط ا ت ا ل و سطية
108
ويف �إطار الدورة مت االحتفال بتد�شني م�ؤلف الأ�ستاذ الدكتور ع�صمت اهلل القيم بعنوان "قواعد �شرعية يف التكفري: قراءات لأفكار ا�إ مام ابن تيمية" والتي ح�ضرها امل�شاركون يف الدورة ولفيف من �أ�ساتذة اجلامعات حيث ُوزعت عليهم ن�سخ من الكتاب ،وقد قام كل من ا�أئ�ستاذ الدكتور �سليم اهلم خان – �أ�ستاذ يف كلية �أ�صول الدين -والدكتور حافظ مداب �أنور – خطيب اجلامع الكويتي ب�إ�سالم �آباد و�أ�ستاذ كلية ال�شريعة -والدكتور �صالح الدين ب�إلقاء كلمات �أ�شادوا فيها بالكتاب وم�ؤلفه وبينوا �أهميته يف ظل هذه الظروف التي تواجهها ال�شعوب امل�سلمة .ويف �آخر احلفل وجه احل�ضور �أ�سئلة وا�ستف�سارات يف نطاق مو�ضوع الكتاب و�أجاب عنها امل�ؤلف �إجاب ًة وافية. و�أخرياً �أقيمت اجلل�سة االختتامية بح�ضور مع�إىل رئي�س اجلامعة الإ�سالمية العاملية ب�إ�سالم �آباد الأ�ستاذ الدكتور �أحمد يو�سف الدريوي�ش ك�ضيف �شرف ،حيث بد�أت بتالوة عطرة من كتاب اهلل الكرمي تالها �إلقاء كلمات �شكر للقائمني على هذه الدورة من قبل امل�شاركني �أكد فيها املفتي عبد الوكيل – �أحد امل�شاركني -ب�أن الدورة حققت له فائدة عظيمة �إذ �أنها ناق�شت موا�ضيع ع�صرية مهمة �ستجعلهم يحملون هم حلها بطريقة ح�سنة وجتعلهم يخططون ملواجهة ما هو قادم من �أحداث فكرية متطرفة .واعرتف بدور املنتدى يف ن�شر ثقافة الو�سطية بني �أبناء الأمة الإ�سالمية واقرتح على املنتدى ب�أن ت�ستمر مثل هذه الن�شاطات الداعية للو�سطية يف امل�ستقبل بالتعاون مع احلكومة.
منهج الو�سطية يف املقررات الدرا�سية بامل�ؤ�س�سات التعليمية وذلك ب�أن تبادر اجلامعة الإ�سالمية العاملية باقرتاح هذا الأمر لوزارة الرتبية والتعليم خا�ص ًة و�أن هناك كتباً كثرية ميكن ترجمتها للغة الأردية �أو الإجنليزية والتي تتحدث عن املنهج الو�سطي. ويف ختام هذه الدورة �ألقى معايل رئي�س اجلامعة الإ�سالمية العاملية كلمته التي بني فيها ر�سالة اجلامعة ودورها يف خدمة الإ�سالم وامل�سلمني واملجتمع وذلك بالتكاتف مع �أ�ساتذة اجلامعة و�أهل العلم والعلماء من خارج اجلامعة من خالل �إقامة دورات تدريبية وجل�سات حوارية وندوات وور�شات عمل و�أكد على �أن هذه الن�شاطات ت�ؤتي ثمارها يف بناء املجتمع الو�سطي .و�أ�ضاف ب�أن باك�ستان يف �أحوج مايكون ملثل هذه الدورات خا�ص ًة و�أنها ذاقت ويالت التكفري والتطرف م�ست�شهداً بالعملية الإرهابية التي ا�ستهدفت مدر�سة واقعة يف مدينة ب�شاور حيث قتل فيها الإرهابيون �أطفا ًال �أبرياء. واعترب ب�أن الغلو �أمر لي�س له عالقة بال�شرع وال ميكن عالج هذا الأمر �إال بالعودة لكتاب اهلل و�سنة نبيه و�أخذ �آراء العلماء الكرام من ال�سلف واملعا�صرين .وحث معايل رئي�س اجلامعة العلماء امل�شاركني على تب�صري املجتمع مبختلف الو�سائل و�أن يكافحوا م�س�ألة التكفري بالأدلة ال�شرعية و�أن عليهم �أن يبينوا � ّأن املعا�صي ال تخرج امل�سلم عن دائرة دينه و�إمنا يعاقب مرتكبه على قدر ذنبه و�أنه بعد �إقامة هذه الدورة فقد قامة احلجة على امل�شاركني بها لن�صيحة امل�سلمني.
و�أخرياً قام معايل رئي�س اجلامعة الإ�سالمية العاملية ً تال ذلك كلمة �شكر وجهها ال�شيخ �شاه جهان ممثال بتوجيه ال�شكر للمنتدى العاملي للو�سطية على دعمها لهذه للم�شاركني حيث وجه فيها �شكره للمنتدى واعرتف فيه الدورة. ب�أنه قد ا�ستفاد من خالل هذه الدورة مامل ي�ستفد منه طوال �سنوات درا�سته واقرتح ب�أن يقوم املنتدى بعمل دورات ويف نهاية اجلل�سة مت توزيع �شهادات م�شاركة مرفقة بهدايا يف حماور الو�سطية واالعتدال بامل�ستقبل لل�شخ�صيات وكتب من قبل املنتدى العاملي للو�سطية تعرب عن املفهوم ال�سيا�سية .كما �أو�صى بتمديد مدة هذه الدورات يف امل�ستقبل .الو�سطي لال�سالم. وبعد ذلك حتدث الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري ن�س�أل اهلل �سبحانه وتع�إىل �أن يوفقنا جميعاً ملا فيه اخلري عن مفهوم الو�سطية واملفاهيم امل�ضادة لها واقرتح تدري�س للإ�سالم
ورشة عمل حول » دور الخطباء والمرشدات في تعزيز الوسطية والتعايش في المجتمع» المنتدى العالمي للوسطية فرع اليمن برعاية من رئي�س الوزراء اليمني �أقام املنتدى العاملي للو�سطية /اليمن ور�شة عمل حول: "دور اخلطباء واملر�شدات يف تعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف املجتمع" لعدد ( )40خطيب م�سجد ومُر�شِ دة من حمتلف املذاهب الفقهية (الزيدية) و(ال�شافعية) و(ال�سلفية) و(ال�صوفية) ومن خمتلف التيارات ال�سيا�سية (احلوثية) و(الإ�صالحية) و(الر�شادية) و(جمعية احلكمة) و(امل�ؤمترية) و(امل�ستقلني) -3مهددات الو�سطية والتعاي�ش يف اليمن. وغريهم.وذلك �صباح اخلمي�س 19 :يونيو ، 2014يف فندق �إيجل -4ا�سرتاتيجيات و�أفكار لتعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف اليمن. ب�صنعاء. -5دور اخلطباء واملر�شدات يف تعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف اليمن. كانت حماور نقا�ش الور�شة كالتايل: -6مناذج من الو�سطية والتعاي�ش يف اليمن (وهو الأ�صل). � -1أهمية الور�شة ،والتعريف باملنتدى ،والتعارف. -7مقت�ضى التعاي�ش احلقوقي والقانوين وال�سيا�سي. -2مربرات تعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف اليمن.
ورشة عمل حول « :تفعيل دور المناهج التربوية ودور المعلمين والمعلمات في تعزيز قيم الوسطية والتعايش لدى الطلبة « المنتدى العالمي للوسطية فرع اليمن من �أجل مناق�شة مفهوم الو�سطية و دور املعلمني و املناهج الرتبوية يف تن�شئة الأجيال على هذا املفهوم و ن�شره وتو�ضيح �سبب �أهميته خا�صة ً يف ظل الظروف الراهنة التي تعي�شها �أمتنا .
�أقام املنتدى العاملي للو�سطية -فرع اليمن ور�شة عمل بعنوان: "تفعيل دور املناهج الرتبوية ودور املعلمني واملعلمات يف تعزيز قيم الو�سطية والتعاي�ش لدى الطلبة " .و التي عقدت مبحافظة �صنعاء-جامعة العلوم والتكنولوجيا يوم االربعاء املوافق 2014/3/26مب�شاركة العديد من ال�شخ�صيات البارزة و من بني امل�شاركني �أ.د� .أحمد �إ�سماعيل مقبل ال�شرعبي" رئي�س فريق ت�أليف مناهج الرتبية الإ�سالمية يف وزارة الرتبية والتعليم" و فريق ت�أليف مناهج الرتبية الإ�سالمية يف وزارة الرتبية والتعليم اليمنية �إ�ضاف ًة �إىل عدد من املدار�س و املعلمني.
ومت خالل الور�شة مناق�شة عدة حماور رئي�سية : • مفهوم القيم� ،أهم القيم التي ينبغي تعزيزها يف العملية الرتبوية والتعليمية. • مفهوم و�أهمية قيمتي "الو�سطية ،التعاي�ش" يف البناء االجتماعي و الت�صدي لظواهر العنف. • مربرات ودواعي تعزيز قيم الو�سطية والتعاي�ش يف العملية التعليمية وبيئتها. • تعزيز قيم الو�سطية والتعاي�ش يف املناهج واملقررات الدرا�سية. • �آليات وو�سائل و�أ�ساليب املعلمني واملعلمات لتعزيز قيم الو�سطية والتعاي�ش. واختتمت الور�شة بعدد من املداخالت حول �أهمية الو�سطية واحلاجة �إىل تعزيزه الو�سطية والتعاي�ش يف املجتمع بني خمتلف الأفراد و الديانات . و قد ح�ضر افتتاح الور�شة وكيل وزارة الرتبية والتعليم الأ�ستاذ علي احليمي.
109
نشاط ا ت ا ل و سطية
110
دورة تكوينية لألئمة الخطباء» دور الخطاب الوسطي في وحدة االمة والمجتمع» المنتدى العالمي للوسطية فرع تونس
االمة واملجتمع" تقرير ندوة " دور اخلطاب الو�سطي يف وحدة ّ 27دي�سمرب 2014مبدينة العالية تون�س نظم املنتدى العاملي للو�سطية -فرع تون�س دورة تكوينية لالئمة اخلطباء واملر�شدات بعنوان ":دور اخلطاب الو�سطي يف وحدة االمة واملجتمع " وذلك يوم 5ربيع االول 1436للهجرة املوافق ل 27دي�سمرب .2014وقائع الدورة الثالثة للرابعة للمنتدى ،كانت مبدينة العالية بال�شمال التون�سي حا�ضر فيها مدرب التنمية الب�شرية ال�سيد عمار الرتيكي وح�ضرها 50اماما ومر�شدة تربوية من اربع معتمديات من والية بنزرت وهي العالية ومنزل بورقيبة ورفراف وباجة ونفزة تناول فيها املكون طرق وا�ساليب التوا�صل مع جمهور اخلطباء يف م�ساجد البالد وعوائق التلقي لدى امل�ستمعني مبينا ا�سباب الفر�ص ال�ضائعة لبناء وعي حقيقي بفكر و�سطي ومنهج تربوي ميكن ان يقطع الطريق على التطرف واالرهاب والمباالة املن�صتني يوم اجلمعة حني احل�ضور للخطبة .مهارات التوا�صل كانت هي حمور الدورة مع تدريب لالئمة يف الوقفة والتعامل مع امل�ضمون وال�شكل يف نقا�ش مع اجلمهور الذي تكون اغلبه من اخلطباء واملر�شدين الدينيني .عر�ض املدرب مادّته عرب جهاز االر�سال وكان التفاعل ايجابيا طلب اثره احلا�ضرون من ادارة املنتدى تكثيف هذا النمط من الن�شاط كما تبينه بيانات اال�ستمارة.اثر الدورة وفر املنتدى غداء ل � 60شخ�صا ،بينما تكفلت اجلمعية امل�شاركة "جمعية �سعد بن معاذ" بتوفري و�سيلة العر�ض والقاعة وفطور ال�صباح للجميع ودعوة االئمة باجلهة الذين متلك عناوينهم. ا�سماء امل�شاركون املو ّقعون على اال�ستمارات:
احلبيب الغامني -حممد الزغواين -من�صف كعوانة-مه ّند الوكيل -ال ّتهامي الفالح �-سليم النابلي -وحيد بوزواتي- منجي حويجي حمفوظ -احلبيب نبيل -طليبة عبد املجيد الكوكي -مراد املحمدي -مراد مو�سى -اجلربي العويني -عبد العزيز �سعيد -معز اجلوادي �-سنية الق�صوري -هاجر احلبيب كلثوم بن مو�سى -لطيفة �شورية-نورالدين اجلربي -الهاديفرايحية -بديع ت�شفون�ش -يا�سني الو�شرين -احمد اجلواين حممد املنذر الدوكايل -حممد املحفوظ الفقري -مرمي زيدانغالب احلبيب -زهري بن �سعيد -حممد احلبيب –عواطفليمام -حممد املومني-عارف مراد –جمال بوعجاجة -من�صف بوخري�ص -احلبيب الغامني –ميالد عرابي – منري ريان رجب. ح�صيلة اال�ستمارة واملالحظات كانت يف اغلبها مبالحظة ممتاز وجيد جدا وجيد لال�سئلة الع�شرة املوجهة للم�شاركني ومتو�سط يف بع�ض اال�ستمارات يف الدورة وبامكان املنتدى ان ير�سلها اليكم عرب الربيد الورقي يف ظرف بريدي وهي اال�سئلة التالية: رايك يف م�ضمون الدورة --تنظيم الدورة -التوافق بني عنوان وم�ضمون الدورة– م�ستوى املكون – الندوة ر�سخت فيك الرغبة يف حت�سني ملكة اخلطابة .عززت احل�ضور لديك لدور املنتدى العاملي للو�سطية يف وحدة االمة – الدورة بينت لك نقائ�ص يف ادائك يف اخلطابة �شكال – الدورة بينت لك نقائ�ص يف ادائك م�ضمونا� -ضرورة العناية باخلطاب الو�سطي وجعله منهجا دائما -االنطباع العام عن الدورة؟ حاز م�ستوى املكون على مالحظة ممتاز يف اغلبها وجيد جدا يف البقية .املنتدى مب�شاركة اجلمعية و ّفر �شهادة م�شاركة يف الدورة كما تو�ضحه ال�صورة اجلماعية وال�صور الثنائية التي ت�صلكم .
ندوة ودورة تكوينية «التجديد في الخطاب الديني» المنتدى العالمي للوسطية فرع تونس نظم املنتدى العاملي للو�سطية فرع تون�س يوم � 27سبتمرب 2014 املوافق ل 3ذو احلجة 1435ب�سو�سة ندوة علمية هي التا�سعة يف تون�س� .صحب الندوة ور�شات درا�سية لالئمة اخلطباء يف بيت القر�آن ب�سو�سة ،الندوة كانت باال�شرتاك مع اجلمعية التون�سية الئمة امل�ساجد واجلمعية القر�آنية ب�سو�سة و كانت ت�ستهدف�سبل جتديد اخلطاب الديني لدى الأئمة اخلطباء لتاليف النق�ص يف اخلطاب والأ�سلوب والأداء � .شارك يف الندوة � 140إماما من والية �سو�سة واملهدية والقريوان .وحا�ضر فيها كل من الدكتور ح�سام �شاكر من فل�سطني مبداخلة بعنوان "اخلطاب الديني يف الت�أثري الإعالمي واخلطاب اجلماهريي " .والدكتور احمد جاب اهلل من فرن�سا يف مداخلة بعنوان " اخلطاب الإ�سالمي
التوا�صل يف الوقت نف�سه يف الع�صر احلايل .ال�صوت الذي يحتل 50باملائة من �أداء الإمام يف امل�سجد والق�سمات وحركات الإمام واللغة التي تنفذ �إىل ال�سامع م�شروطة بكونها ال بد �أن تنفذ �إىل القلوب قبل العقول لتتقبل اخلطبة .بني املحا�ضر فظاعة الأخطاء يف اخلطب وقلة التح�ضري و�ضياع فر�ص هامة للتاثري والإقناع بامل�شاريع الكربى احل�ضارية .ثم بني الدكتور �إمكانية طرح فكرة ا�ستثمار فر�صة عيد الأ�ضحى لن�صرة غزة والتخلي عن ثمنها ل�صالح �ضحايا العدوان ال�صهيوين يف غزة .واعتربها جتديدا يتماهى مع واقع الأمة الإ�سالمية .ثم بني املحا�ضر ان كتاب عبد الرحمان خليف ال�شيخ الزيتوين ،يعد مرجعا هاما للخطيب .ففيه ر�صد املدة الزمنية التي ت�ستوجبها اخلطبة
ومتطلبات املرحلة املعا�صرة " .والدكتور حممد ّ ال�شتيوي من جامعة الزيتونة مبداخلة بعنوان" :تنزيل القر�آن الكرمي على الوقائع الب�شرية" .والدكتور احمد الأبي�ض من تون�س مبداخلة بعنوان " التجديد من خالل القيم واملقا�صد " � .أ ّكد املحا�ضرون ف�ضل الأ�سلوب يف قبول الأداء لدى امل�ستمع وقد بني ال�سيد احمد جاب اهلل 10نقاط امة ال بد �أن يتحلى بها اخلطاب الإ�سالمي التوجه للجمهور .فقد بني ان الن�ص القر�آين �س ّبق ال�شكل حني ّ على امل�ضمون يف قوله تعاىل ":وال جتادلهم بالتي هي �أح�سن " .مبينا ان خطبة جعفر يف احلب�شة كان فيها الأ�سلوب حا�سما يف خماطبة النا�س وق ّلب الأمر ل�صالح امل�ساملني املهاجرين يف لقائهم بال ّنجا�شي يف احلب�شة زمن الهجرة الأوىل .بني الدّكتور احمد جاب اهلل ان املفارقة تكمن يف تعدد و�سائل االت�صال وقلة
ا�ستقاها ال�شيخ عبد الرحمان من خطب النبي وانتهى اىل ان اخلطبة ال تتجاوز ن�صف �ساعة يف �أق�صى تقدير .ثم حا�ضر الدكتور حممد ال�شتوي مبداخلة بعنوان " :القر�آن بني التنزيل منجما وال بد �أن يتنزل اي�ضا والتنزل" .حيث بني ان القر�آن نزل ّ منجما يف الواقع .والو�سطية يف الإ�سالم تعني اخلريية ،مبينا ّ �أن الن�ص القر�آين ال يفهم يف زمن واحد وهو يعطي بال نفاذ مبينا ان الفقهاء فهموا الن�ص القراين يف حدود ال�سقف العلمي لع�صرهم .منبها اىل التدرج يف الت�شريع ويف تطبيق الت�شريع. فمعنى "وال يكلف اهلل نف�سا �إال و�سعها" يعني ما ي�سعه الواقع وما يطيقه .معتربا ان من يقدر الو�سع هو الإن�سان .م�شريا �إىل علم تنجيم الداللة مبينا �إىل تغري الع�صر فنحن ل�سنا يف ع�صر بني �إ�سرائيل بل يف ع�صر ال�صهيونية واحلداثة والعوملة.
111
نشاط ا ت ا ل و سطية
112
مبينا ان الكثري من اخلطباء مل يفهموا النزول ومل يفهموا ما نزل .مداخلة الدكتور ال�شتيوي واحمد جاب اهلل كانتا االبرز يف الندوة .اما مداخلة الدكتور ح�سام �شاكر فكانت حول ت�أثري ال�صورة يف امل�شهد الإ�سالمي مبينا اننا مل نتقن معنى ال�صورة لدى النا�س عموما والغرب يتقن ال�صورة والإخراج واملظهر والأ�سلوب وهو ما ي�صنع الفروق بني املخاطبني .م�ؤكدا �أننا يف ح�ضارة النب�إ .مبينا ان الواقع يف وادي وخطب اخلطباء يف وادي �آخر .كما �أكد الدكتور احمد الأبي�ض ف�شل اخلطاب الإ�سالمي ال�سلفي يف �إقناع النا�س ويف ووقوف الكثري من اخلطابات على ّ فقه القدامى يريدون ان يفر�ضوه على ع�صر غري ع�صرهم حيث ال زال خطاب الكثري متخلفا عن الع�صر يقبع يف الزوايا ويردد ترهات قدمية ال تقدر على تغيري الواقع تغيريا ل�صالح الأمة بل تعود بها القهقرى اىل الوراء .ر ّكز املحا�ضر على ال�شباب واملثالية مبينا ان اخلطبة ال بد ان تقرا الواقع واجلمهور يف حلظة واحدة ،مبينا ان القر�آن لي�س ن�صا تاريخيا .بعد ملحا�ضرا اعطى املحا�ضرون لكل املتدخلني دون ا�ستثناء و حتى �أف�صحوا عن ت�سا�ؤالتهم ونقدهم وثنائهم على ما ارت�أوه ي�ستحق الثناء . ت�ساءل اخلطباء عن �إمكانية احلديث عن االنتخابات يف تون�س ودور اخلطيب يف توجيه الر�أي العام النتخاب الأ�صلح .وعن الأ�سباب التي حفت بوجود "داع�ش" وبني املحا�ضرون ان تنظيم "داع�ش" هي يف احد الوجوه من نتاج تخلف اخلطاب الإ�سالمي الذي �سمح بوجود الفراغات الفكرية وامل�ساحات التي متدد فيها
خطاب �آخر �سلفي تكفريي .ح�ضر �ضيوف من �شباب حزب التحرير الإ�سالمي واحتجوا على م�صطلحات الدميقراطية ومفاهيم الو�سطية .ح�ضرت � 6أخوات من بيت القر�آن من املر�شدات تدخلت واحدة منهن مداخلة �أنيقة وطلبت احلا�ضرات االنخراط يف منتدانا .كل الذين ح�ضروا متت دعوتهم �شخ�صيا وبالهاتف و�سهل املنتدى تنقلهم بتوفري م�ساهمة يف مالية يف تن ّقل البع�ض منهم وذلك بتوفري �سيارات االخوة من اجلمعية القر�آنية للخطباء الذين يبعدون عن املدينة .الغداء �شمل تقريبا 145فردا من احلا�ضرين يف �أجواء كربى .افتتح الندوة وايل �سو�سة نيابة عن وزارة ال�ش�ؤون الدينية التي ميثلها الوزير ال�سيد منري التليلي يف احلج .فتعذر عليه احل�ضور وكلف وايل �سو�سة باملهمة .ندوة " التجديد يف اخلطاب الديني " من�شورة �أي�ضا على �صفحة اجلامع الكبري ب�سو�سة ،وعلى �صفحة والية �سو�سة �أي�ضا .وال�شباب الإ�سالمي جلمعية القران هو من نظم و�ساهم م�ساهمة فعالة يف الرتتيب والتعليق والعناية بال�ضيوف .املنتدى العاملي للو�سطية بتون�س ربط عالقات طيبة للغاية مع اجلمعية التون�سية الئمة امل�ساجد ب�سو�سة. .الندوة ح�ضرتها اذاعة جوهرة اف ام من �سو�سة وهي �إذاعة داخلية ومت الإ�شهار لها يف ربع �صفحة كاملة بالألوان يف �صحيفة ال�ضمري اليومية . و لأول مرة يجمع فيها املنتدى هذا العدد ّ ال�ضخم من الأئمة .يف نهاية الندوة جمع املنتدى املقرتحات ومنها تنظيم ندوة كربى ل�شباب الوالية يف ندوة حول " ال�شباب والفكر الو�سطي.
المنتدى العالمي للوسطية يعقد دورة (المهارات الرئيسة للتدريب) لنخبة من السيدات القياديات قام بالتدريب املدرب الدويل – �شوقي القا�ضي -من جمهورية اليمن ال�شقيق والذي تناول فيها مهارات �إدارة التعارف والت�آلف وقام بتدريب احل�ضور على �صياغة الأهداف وم�ستوياتها و�أركانها ومراحلها . ويف اليوم الثاين قام بالتدريب الدكتور خالد ح�سنني من الأردن الذي حتدث عن التخطيط والتدريب والتوجيه و�أ�ساليبه للمر�أة دور مهم يف العمل التوعوي ويف �صياغة خطاب ن�سوي وو�سائله امل�ؤثرة ،ثم �شارك احل�ضور يف جتارب ومتارين عملية و�سطي يت�صدى للتطرف بكافة �أ�شكاله ،كان ذلك يف الكلمة �أثرت املادة النظرية املطروحة . التوجيهية التي �ألقاها املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يف �إفتتاحية دورة "املهارات الرئي�سة انتهت الدورة بتوزيع ال�شهادات على امل�شاركات اللواتي �أ�شدن للتدريب" التي عقدها املنتدى يف مقره – عمان – يومي الأربعاء باخلربات اجلديدة والأفكار الإبداعية التي �إكت�سبنها من الدورة واخلمي�س املوافق 13-12ت�شرين الثاين 2014والتي �شارك وطالنب باملزيد من هذه الدورات التنويرية التي ت�ساهم يف رفع فيها نخبة من القيادات الن�سائية يف جمال العمل االجتماعي م�ستوى الأداء لديهن . والتطوعي والدعوي.
منتدى الوسطية يحتفل بذكرى الهجرة النبوية ويوم عاشوراء
�أقامت جلنة املر�أة �إحتفا ًال بذكرى الهجرة النبوية ويوم عا�شوراء ع�صر الإثنني 10حمرم املوافق ،2014/11/3ح�ضره عدد كبري من ال�سيدات� ،إفتتحته الدكتورة ي�سرى اليربودي – م�شرفة املركز القر�آين -بتالوة عطرة من القر�آن الكرمي، تلتها الدكتورة نوال �شرار – امل�ست�شارة القانونية يف مركز الأمان للتوافق الأ�سري -حيث حتدثت عن الدرو�س والعرب امل�ستفادة من حادثة الهجرة ،كما نوهت �إىل �أن الهجرة النبوية حدثت يف �شهر ربيع الثاين ولي�س حمرم وهو ال�شهر الذي اعتمده اخلليفة عمر بن اخلطاب لبدء ال�سنة الهجرية� ،أما الدكتورة فايزة ال�سكر – ع�ضو الهيئة الإدارية يف منتدى الو�سطية وع�ضو جلنة املر�أة -فقد حتدثت عن عا�شوراء والن�صر و�أنه يوم ن�صر اهلل فيه �سيدنا مو�سى -عليه ال�سالم -والفئة امل�ست�ضعفة امل�ؤمنة على �أعتى جبابرة الأر�ض فرعون وجنوده ،وهي ر�سالة �أمل باهلل جلميع امل�ؤمنني امل�ست�ضعفني يف الأر�ض بن�صر قريب ب�إذن اهلل؛
�أعقبها حديث لل�سيدة ماجدة عكوب – امل�ست�شارة الأ�سرية يف مركز الأمان للتوافق الأ�سري -حول منهجية القر�آن الو�سطي يف الفكر وال�سلوك والتي ت�شمل مناحي احلياة كافة بعنوان" وال ت�سرفوا ". وكان م�سك اخلتام مع الواعظة والداعية ال�سيدة "زينب العكايلة" حيث �أكدت على �إ�ستح�ضار النية اخلال�صة لوجه اهلل ك�شرط لقبول الأعمال . تخلل احلفل الذي �أدارته الدكتورة �إميان غزاوي–ع�ضو جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية– والذي انتهى ب�صالة املغرب جماعة وبتناول طعام الإفطار ،ت�سابيح و�أذكار و�أنا�شيد جماعية قدمتها ال�سيدة �سحر نعمة – �إحدى معلمات التالوة يف املركز القر�آين يف املنتدى .
من نشاطات قطاع المرأة • يعقد املركز القر�آين يف منتدى الو�سطية ب�إ�شراف جلنة املر�أة دورات يف تف�سري وحفظ القر�آن الكرمي لأكرث من م�ستوى لل�سيدات؛ بالإ�ضافة �إىل دورة يف حفظ القر�آن للنا�شئة. • تقوم جلنة املر�أة بتقدمي خدمات الإ�ست�شارات الأ�سرية وذلك بتقدمي احللول الناجعة والتي ت�ساهم يف بناء الأ�سرة؛ من قبل �سيدات خمت�صات يف هذا املجال من خالل مركز الأمان للتوافق الأ�سري .
113
ال
نشاطات ا ل ق ا د م ة
114
المنتدى العالمي للوسطية يعقد مؤتمره الدولي « دور الوسطية في مواجهة اإلرهاب وتحقيق االستقرار والسلم العالمي «
يف ظل الظروف احلرجة التي متر بها �أمتنا الإ�سالميه والعربيه وانت�شار الفكر املتطرف الإرهابي واالحرتاب الداخلي والعنف املجتمعي ؛ب�سبب االختالل يف فهم وتطبيق مبادئ الدين الإ�سالمي املعتدل �أ�صبحت �أمتنا يف �أزمه كربى على �صعيد الوجود والهُوية.
ويف �إطار ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية وحتقيقاً لأهدافه ي�أتي تنظيم هذا امل�ؤمتر الدويل حتت عنوان " دور الو�سطيه يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي" من 2015/03/15-14م يف املركز الثقايف امللكي -اململكة الأردنية الها�شمية ،متوخياً من ذلك حتقيق جمموعة من الأهداف منها:
.1ابراز ال�صورة امل�شرفة للإ�سالم احلنيف -دين الإعتدال مع الأديان ال�سماوية وحماربته لكل �أ�شكال االنحراف والإرهاب والو�سطية. الفكري واملادي ،وتقدمي الر�ؤى والتطلعات الإ�سالمية بواقعية ومو�ضوعية انطالقاً من عامليته و�إن�سانيته. .2بيان الدور املنوط بالعلماء واملثقفني واملفكرين يف تبني منهجية الإعتدال والو�سطية وحماربة التطرف والغلو ومن بني العلماء واملفكرين الذين ي�شرف بهم املنتدى والإرهاب. العاملي للو�سطية: � .3ضرورة بناء ا�سرتاتيجية عاملية لبناء تيار الإعتدال وت�أكيد • دولة الإمام ال�صادق املهدي -ال�سودان . حقيقة �أن جميع الأديان ترف�ض التطرف والغلو و�أعمال العنف • د .عبد الفتاح مورو -تون�س. با�سم الدين. • د .علي القرة داغي -قطر. .4حتديد م�س�ؤوليات املجتمع كله �أفراداً و�أ�سراً وم�ؤ�س�سات ر�سمية و�أهلية و�شعبية يف الت�صدي لظاهرة التطرف والإرهاب والتوعية • �سعد الدين العثماين -املغرب. بخطورة هذه الظاهرة على الن�سيج الوطني وبنية الأوطان. • د .حممد حب�ش� -سوريا. �أمتنا اليوم بحاجة �إىل جيل وا ٍع لدوره يف ظل هذه الظروف • د� .أمني العثماين -الهند ال�صعبة ي�شخ�ص الداء وي�صف الدواء والرتياق ال�شايف رائده طهر النف�س ورجاحة العقل ،ومن �ضمن ر�سائل امل�ؤمتر حث • د .حممد يتيم -املغرب املجتمع على الإح�سان يف فهم الدين وح�سن تطبيقه وعر�ضه • معايل الدكتور منري التليلي -وزير الأوقاف التون�سي الأ�سبق. لإبراز جوهر الدين ال�سمح فال �إفراط وتفريط وال غلو وال تق�صري وال طغيان ،وليعلم العامل �أن الإ�سالم يوازن بني احلاجات • د .جمدان اليا�س -ماليزيا. املادية والأ�شواق الروحية ،يبني الواقعية واملثالية لبناء �شخ�صية • �سماحة ال�سيد علي ف�ضل اهلل -لبنان. الإن�سان القومي ،حتى تقدم للإن�سانية الدين النظيف واملنهج • د .زكية نا�صر -ليبيا العاملي حلياة الفرد واجلماعة. • �أ.د .عبد اللطيف الهميم -العراق ويكت�سب هذا امل�ؤمتر �أهميته الكربى من خالل عدة �أركان الركن الأول الظروف التي يعقد فيها امل�ؤمتر وما �سيقدم فيه • ف�ضيلة ال�شيخ عبد اللطيف دريان -لبنان من �أوراق عمل ونتائج وتو�صيات. والركن الثاين الأبحاث و�أوراق العمل العلمية التي تعالج حالة الأمة. والركن الثالث :م�شاركة نخبة من العلماء املتخ�ص�صني الذين ت�ؤرقهم �أحوال الأمة العربية والإ�سالمية يف حا�ضرها، وقد د�أب املنتدى العاملي للو�سطية الجناح م�ؤمتراته �أن تكون اللجان التح�ضريية والعلمية وجلان الدعم الفني والعالقات العامة واللجان الإعالمية ،قامت هذه اللجان خالل الأ�شهر املا�ضية با�ستكتاب ومرا�سلة قادة الفكر الإ�سالمي يف الأمة لبلورة حماور امل�ؤمتر لتظهر بجدية �سماحة الإ�سالم وتعاي�شه
115
مساب
قة العدد
116
مسابقة العدد �إعداد :د .علي خلف حجاحجة و د .زهاء الدين عبيدات تت�ضمن امل�سابقة �ستة �أ�سئلة متنوعة ،يتطلب الأمر الإجابة عنها كاملة ملن �أراد امل�شاركة ،وتر�سل الإجابات بعد تعبئتها على الكوبون املخ�ص�ص يف �أ�سفل ال�صفحة ،و�إر�سالها �إىل عنوان املجلة ( �ص.ب 2149:الرمز الربيدي11941عمان-الأردن) وذلك قبل تاريخ 2015 / / • يتم ال�سحب على الإجابات الفائزة بثالثة م�ستويات ،حيث مينح الفائز الأول 150دوالر ًا ،الفائز الثاين 100 دوالر ًا ،الفائز الثالث 50دوالر ًا. ال�ســ�ؤال الأول: ال�سورة القر�آنية الكرمية التي ت�سمى �أخت ْ الطوال : �أ .ال�شورى
ج .ال�شعراء
ب .الأعراف ال�س�ؤال الثاين:
اجلزء الوحيد من ج�سم الإن�سان الذي ال ي�صله الدم هو: ج .قرنية العني
�أ� .شحمة الأذن ب .طرف الأنف ال�س�ؤال الثالث:
�أكرب بلد �إ�سالمي من حيث عدد ال�سكان: �أ� .أندوني�سيا ب .ال�سودان ج .ماليزيا ال�س�ؤال الرابع: املر�أة التي تزوجها الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ،ب�أمر من اهلل: �أ .خديجة بنت خويلد ب .زينب بنت جح�ش ج .عائ�شة بنت �أبي بكر ال�س�ؤال اخلام�س: �أول مدينة بناها امل�سلمون خارج اجلزيرة العربية ،هي: �أ .دم�شق ب .الب�صرة
ج .بغداد
ال�س�ؤال ال�ساد�س : من املعامل الأثرية يف الأردن ؛ مدينة حمفورة يف ال�صخور يعرفها زائرها با�سم املدينة الوردية هي : �أ.ع ّمان
ب.البرتاء
ج.م�أدبا
ال�س�ؤال ال�سابع : �إن وادي الأردن يحت�ضن عدد من مقامات ال�صحابة الأجالء منهم : �أ.عامر بن اجلراح (�أبو عبيدة) ب.عبداهلل بن رواحة ج.خالد بن الوليد ال�س�ؤال الثامن : معركة وقعت يف �شمال الأردن ،انت�صر فيها امل�سلمون بقيادة خالد بن الوليد على الروم وا�سمها : �أ.الريموك
ب.حطني
ج.عني جالوت
ال�س�ؤال التا�سع : من ق�صور الأمويني يف الأردن ق�صر بناه الوليد بن عبد امللك يقع على ُبعد ميال �شرق عمان هو : �أ.ق�صر احلالبات
ب.ق�صر عمرة ج.ق�صر امل�شتى ال�س�ؤال العا�شر:
جمع كلمة �شكوى ،هو .................................................:
إجابات مسابقة العدد • رمز �إجابة ال�س�ؤال الأول • ) ( :رمز �إجابة ال�س�ؤال الثاين • ) (:رمز �إجابة ال�س�ؤال الثالث) (: • رمز �إجابة ال�س�ؤال الرابع • ) ( :رمز �إجابة ال�س�ؤال اخلام�س • ) ( :رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�ساد�س) (: • رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�سابع • ) ( :رمز �إجابة ال�س�ؤال الثامن • ) ( :رمز �إجابة ال�س�ؤال التا�سع) ( : �إجابة ال�س�ؤال العا�شر هي.......................................................................... :
معلومات المتسابق ا�سم املت�سابق من �أربعة مقاطع............................................................................... : رقم الهاتف مع رمز الدولة والبلد........................................................................... : العنوان الربيدي........................................................................................... : ** بعد الإجابة على هذا النموذج نرجو تعبئة املعلومات اخلا�صة باملت�سابق كاملة وق�ص النموذج و�إر�ساله �إىل العنوان املبني.
117