العدد 18 للسنة الثامنة

Page 1

‫الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫ال�سودان‬

‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‬ ‫الأردن‬

‫معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‬ ‫الأردن‬

‫الدكتور وهبة الزحيلي‬ ‫�سوريا‬

‫الدكتور حممد طالبي‬ ‫املغرب‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫التطرف بين المواجهة‬ ‫والتوظيف‬

‫يصدر هذا العدد بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي للمنتدى العالمي‬ ‫للوسطية في العاصمة األردنية ع َّمان بمشاركة واسعة من قيادات‬ ‫فكرية وثقافية وسياسية مرموقة تمثل أكثر من ثالثة وعشرين دولة‬ ‫عربية وإسالمية وتمثل عددًا كبيرًا من المنظمات والمؤسسات والهيئات‬ ‫العربية واإلسالمية للتعبير عن رفضها لكل أشكال التطرف وإدانتها‬ ‫للجرائم التي ُترتكب بحق اإلسالم والمسلمين‪،‬لمحاولة اختطاف اإلسالم‬ ‫وحركات أساءت لإلسالم أيّما إساءة‪..‬‬ ‫فئات‬ ‫وادعاء‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫تمثيله من ٍ‬ ‫وقت تشهد فيه البشرية أسوأ موجة من التطرف على‬ ‫ويأتي أيضًا في ٍ‬ ‫شوه صورة اإلسالم والمسلمين‪.‬‬ ‫صعيدي الفكر والممارسة مما ّ‬ ‫بمساهمة فاعلة في الدفاع‬ ‫ويسعى المنتدى للخرج من هذا المؤتمر‬ ‫ٍ‬ ‫عن إسالمنا وأمتنا إزاء الضربات المتالحقة التي يتع ّرض لها عالمنا اإلسالمي‬ ‫وأن يخرج هذا المؤتمر أيضًا بندا ٍء الستنهاض األمة من فرقتها وتم ّزقها‬ ‫حالة الشلل التي َدبّت في أوصالها‪.‬‬ ‫ومن ِ‬ ‫لمحاربة اإلرهاب وتعزيز‬ ‫كما نسعى ل ُيص ِّدر هذا المؤتمر ميثاقًا إسالميًا‬ ‫ِ‬ ‫االستقرار والسلم العالمي‪ ،‬وميثاقًا دوليًا وأخالقيًا ُيج ِّرم كل من يسيء إلى‬ ‫الديانات واألنبياء والرموز الدينية كون ذلك سببًا من األسباب التي تؤدي‬ ‫إلى التطرف واإلرهاب‪.‬‬ ‫ويمر عالمنا العربي بعد ثالث سنوات على انطالق « صحوات « الشعوب‬ ‫وانتفاضتها من أجل الحرية والكرامة بمرحلة صعبة من التحوالت‬ ‫والصراعات‪ ،‬بعضها مفهوم في سياق التدافع من أجل االنتقال من‬

‫الدكتور م�صطفى عثمان ا�سماعيل‬ ‫ال�سودان‬

‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‬ ‫لبنان‬

‫الدكتور وليد عوجان‬ ‫الأردن‬

‫الدكتور �سعد الدين العثماين‬ ‫املغرب‬

‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‬ ‫الأردن‬

‫الدكتور حممد حب�ش‬ ‫�سوريا‬

‫الدكتور حممد الروا�شدة‬ ‫الأردن‬

‫الدكتور زيد املحي�سن‬ ‫الأردن‬

‫الـمــهــنــد�س مــــــروان الـفــــاعــــــوري‬ ‫الأ�سـتـــــاذ الــدكـتــور مـحـمـد الـحـــاج‬ ‫الأ�سـتـــــاذ الــدكـتــور خـــالـــد جــبـــر‬ ‫الأ�سـتاذ الدكتور �سـلـيمـان الرطروط‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫مـحـمـــد عــــزام ال�ســـلـمــــان‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة‬ ‫عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫وحق الرد مكفول للجميع‬ ‫اململكة الأردنية الها�شمية ‪ -‬عمان‬ ‫تلفون ‪+962 - 6 - 5356329 :‬‬ ‫فاك�س ‪+962 - 6 - 5356349 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب ‪ 2149 :‬عمان ‪ 11941‬الأردن‬

‫‪Email : mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪Website : www.wasatyea.net‬‬


‫اإل‬

‫فتتاحية‬

‫‪2‬‬

‫عصور االستبداد إلى عصور االستقالل واالستقرار ‪،‬‬ ‫وبعضها متعمد ومقصود من قبل جهات وقوى تتغذى‬ ‫على التطرف واالستحواذ أو توظفهما لإلنقضاض على‬ ‫مجتمعاتنا وتشويه مساراتها وإجهاض تجربتها الجديدة‪.‬‬

‫خوفًا من أحكام وردود فعل اآلخر الذي يشاركنا في‬ ‫التجربة أو يخاصمنا إلفشالها وإنما امتحان لنا نحن الذين‬ ‫ً‬ ‫ووسيلة ‪ ،‬وهنا أقول إن المزاج‬ ‫آمنا بالوسطية منهجًا‬ ‫العام للشعب األردني مزاج وسطي وأن وسطية النظام‬ ‫السياسي هي التي ضمنت لهذا البلد أمنه من هزات‬ ‫وأعاصير التحوالت السياسية ‪ ،‬وال يكاد اإلرهاب أو التطرف‬ ‫ُيرى في مجتمعنا‪ ،‬فالحركة اإلسالمية والصوفية واألحزاب‬ ‫السياسية وطبقة المثقفين تؤمن باالعتدال الذي يعني‬ ‫العدل والتوازن واإلستقامة‪ ،‬فالوسطية التي هي قانون‬ ‫التعاون بين المختلفات والمتناقضات وسطية التوافق ال‬ ‫االقصاء والتصارع ‪ ،‬فالوسطية قانون يقوم عليها الكون‬ ‫كما يقوم تمامًا على قانون الجاذبية‪.‬‬

‫وسط هذه المناخات المسمومة برياح التطرف سواء‬ ‫أكان من داخلها حيث يحاول البعض أن يختطف الدين‬ ‫وفق مقاسات فهم متعصب بعيدًا عن روح اإلسالم‬ ‫ومقاصده‪ ،‬أو حيث يريد آخرون من بيننا أن يعزلوا هذا‬ ‫الدين عن الحياة‪ ،‬وأن يشككوا في صالحيته ونوايا‬ ‫الداعين إليه‪ ،‬أو كان من خارج حدودنا حيث أصبح التطرف‬ ‫صناعة مطلوبة لوضع اليد على اإلسالم وشيطنة أهله‪،‬‬ ‫ما تسعى إليه قوى عديدة هدفها منع أي تجربة‬ ‫ديمقراطية من النجاح وحرمان أي تجربة إسالمية ناضجة وهنا البد أن نؤكد بعد رفض بعض المستبدين‬ ‫ومعتدلة من الخروج إلى الفضاء اإلنساني‪ ،‬على اعتبار وظهيرهم الدولي أنسام الربيع العربي فها هم اليوم‬ ‫أن « المشروع اإلسالمي غير مسموح له بالمرور مهما يواجهون عواصف الخريف وزمهرير الشتاء بعد أن‬ ‫انبعثت روح التطرف في األمة من جديد بشكل ال نظير‬ ‫كان عنوانه ومهما كانت مقاصده‪.‬‬ ‫له في تاريخها القريب حيث باتوا يستندون إلى مقولة‬ ‫وفي إطار هذا االتهام للوسطية ودعاتها فإنه البد أن‬ ‫ٌ‬ ‫مكتوب عليه « ممنوع‬ ‫طريق‬ ‫مفادها أن الديمقراطية‬ ‫ٌ‬ ‫نؤكد أن الوسطية منهجية تدعو إلى التوازن في كل‬ ‫المرور لإلسالميين» لكن ستبقى القاعدة «إن السياسي‬ ‫شيء بين مكونات األمة والمجتمع توزيع المكتسبات‬ ‫الذي ال يدرك مواطن الخطورة سيصير هو نفسه مصدرًا‬ ‫على كافة الشرائح إزالة كافة أشكال التمييز بين أبناء‬ ‫للخطورة»‪ ،‬وستظل القاعدة اإللهية‪( :‬إ ِ َّن الل َّ َه َال ُي َغيِّ ُر َما‬ ‫المجتمع الواحد محاربة الفساد بكل أشكاله ومشاركة‬ ‫بِ َق ْو ٍم َحتَّى ُي َغيِّ ُرواْ َما بَِأ ُنف ِس ِه ْم) ‪ ( .‬سورة الرعد اآلية ‪)12:‬‬ ‫الناس في صنع القرار والمستقبل‪.‬‬ ‫لذا فإن التطرف اليعالج بمزيد من التطرف‬ ‫وهي ليست حالة ناعمة وادعة تميل إلى الرفق واللين‬ ‫في كل شيء فإذا كان األمر يتعلق بمواجهة الظلم فما أحوجنا اليوم إلى نشر ثقافة الوسطية وال‬ ‫واإلحتالل كانت الوسطية رأس الرمح وقوة المدفع سيما في عصرنا هذا ألن أعداء اإلسالم دأبوا على‬ ‫وقوة الساعة والسالح‪ ،‬وإذا كان األمر وحدة األمة محاربة اإلسالم‪ ،‬واتهامه بالتطرف حينًا وبالتزمت أحيانًا‬ ‫ومواجهة الفرقة كانت الوسطية البحث عن المشتركات وباإلرهاب دومًا ال لشيء إال لتنفير الناس منه ويا لألسف‬ ‫تكاد هذه الترهات تنطلي حتى على بعض المحسوبين‬ ‫والجوامع‪.‬‬ ‫على اإلسالم والمسلمين ويا لألسف مرة أخرى عندما‬ ‫فالتطرف يخدم الطغاة فهو الذي يعطيهم المس ِّوغ‬ ‫يجد أعداء اإلسالم من يتخذ من التطبيق الخاطئ‬ ‫للقتل واإلستفراد بالسلطة وعسكرة الدولة ألحكام‬ ‫لإلسالم شرعة ومنهاجًا فيتذرعون بهذه المواقف‬ ‫وقوانين اإلرهاب‪ ،‬كما أن التطرف يعطي مس ِّوغًا للغزاة‬ ‫ويفتنون في إظهارها للناس في كافة وسائل اإلعالم‪،‬‬ ‫للتدخل والهيمنة‪ ،‬إذن هناك ملف غير مكتوب بين‬ ‫في حين يطمسون فيه الصوت المعتدل الذي يمثل‬ ‫الغالة والغزاة والطغاة ضد المعتدلين والديمقراطيين‪.‬‬ ‫غالب المسلمين فكرًا وسلوكًا وانتشارًا‪.‬‬ ‫إن دعوتنا إلى الوسطية واالعتدال اليوم سواء على‬ ‫لقد كانت مواقف المنتدى العالمي للوسطية واضحة‬ ‫صعيد الخطاب أو الممارسة تواجه امتحانًا عسيرًا ليس‬ ‫في إدانة العنف والقتل والتحريب في المجتمعات‬


‫البشرية كلها مع التميز بين المقاومة المشروعة واإلرهاب‬ ‫فكان خطابنا مباشرًا في إدانة القاعدة وطالبان وداعش‬ ‫وبوكو حرام والحركة الحوثية واالنقالبات الدموية على‬ ‫صناديق اإلقتراع وعسكرة المجتمعات‪ ،‬وكان خطابنا‬ ‫يتوجه أيضًا لدعاة العلمانية الذين ينكرون الدين ودوره‬ ‫في حركة المجتمع‪.‬‬ ‫كيف يمكن أن يسهم المنتدى وتسهم التيارات‬ ‫اإلسالمية في استنهاض الطاقات نحو البناء والحد من‬ ‫العنف‬ ‫انطالقًا من هذا التشخيص فنحن لن نستطيع مواجهة‬ ‫أزمة أمتنا وتأزم العالقة بين نظمها السياسية وتيارات‬ ‫اإلسالم السياسي المعتدلة ما لم نحقق اآلتي‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬التفاهمات طريق االستقرار‪:‬‬ ‫إن الصراعات ضربت بعمق أمن واستقرار المجتمعات‬ ‫؛ فخالل هذه االضطرابات والقالقل ال نستطع أن نضع‬ ‫لبنة فوق أختها فالتنمية في المجتمعات ال تتم إال إذا‬ ‫حل األمن والسالم ‪ ،‬فال بد من الدخول في حوار مفتوح‬ ‫مع كل المكونات الوطنية دون استثناء ألحد واالتفاق‬ ‫على التفاهمات المتبادلة من قبل الجميع لكى نتمكن‬ ‫من توطين االستقرار والتنمية في البلد‬ ‫ثان ًيا ‪ :‬البد من ضبط البوصلة ‪.‬‬

‫فالمجتمعات المسلمة عندما رضخت لبعض الفتاوى‬ ‫والتصورات الفقهية‪ ،‬حرمت على الناس استخدام التلفاز‬ ‫والمذياع‪ ،‬وركوب السيارات ‪ ،‬وشرب القهوة ‪ ،‬وجرموا‬ ‫تجارب عباس بن فرناس للطيران‬ ‫إن كالم العديد من الفقهاء “بأن قراءة القرآن كافية‬ ‫لتحقيق النهوض والتقدم !!! أثر سلبًا على المجتمع‬ ‫فقد انخفضت لدينا نسب العلماء في الفيزياء والكيمياء‬ ‫والهندسة والطب بل بلغ األمر في بعض الكتابات‬ ‫الدينية إلى تحريم االنشغال بهذه العلوم ؛ وبالتالي‬ ‫فإن حركة المجتمع البد أن تكون جريئة وقوية ‪ ،‬وعلى‬ ‫الجميع أن ُيدرك أن فتاوى وأراء النخب الدينية ليست دي ًنًا‬ ‫‪ ،‬فنحن نُقدس النص القرآني‪ ،‬ولكن من الخطأ تقديس‬ ‫أقوال المفسرين واعتبارها هي األخرى دينًا واجب االتباع‬ ‫المتعصبين‬ ‫رابعًا ‪ :‬عون اهلل ال ينزل على ُ‬ ‫“ إن اهلل ال ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» ”‬ ‫فنحن المسلمون قسمنا أنفسنا جماعات وطوائف وفرق‬ ‫يقتل بعضها ً‬ ‫بعضًا بدم بارد ‪ ،‬فأصبحت طاقتنا ُمهدرة‬ ‫بسبب ثقافة الثأر واالنتقام و التي يحرص المتعصبون‬ ‫على نشرها في أرجاء األمة عبر كافة الوسائل وبحماس‬ ‫زائد ثم بعد كل ذلك نطلب من اهلل أن يرحمنا ويجعل‬ ‫السالم واالستقرار يستوطن أرضنا !!! فذلك ضرب من‬ ‫الخيال في ظل سنن اهلل التي يخضع لها البشر فالبد من‬ ‫أن نساعد أنفسنا أوالً ‪ ،‬وأن نتجاوز آالم الماضى وننحاز‬ ‫للمستقبل‬

‫ضرورة توجيه الجهود والطاقات إلى الملفات الحقيقية‬ ‫في المجتمعات والشعوب وهى الفقر والبطالة والجوع‬ ‫والجهل ‪ ،‬ألن االنشغال باأليديولوجيا ومحاولة الهيمنة نسأل اهلل التوفيق والسداد لنا وألمتنا وأن يجعل هذا‬ ‫على المجتمع وفرض أجندات ثقافية وفكرية عليه لن العمل اسهامًا منا للخروج من المأزق ونافذه لألمل‬ ‫يقود المجتمعات إال إلى مزيد من االحتقان والتنازع ‪ ،‬والحل‪.‬‬ ‫فالناس مع الجوع والفقر ال يمكنك أن تطلب منهم‬ ‫بناء الوعى ونشر الثقافة ‪ ،‬فنحن المسلمين صرفنا أوقاتًا‬ ‫وجهودا كبيرة في مصارعة طواحين الهواء عبر الدخول‬ ‫ً‬ ‫في معارك تاريخية مثل الصراع بين السنة والشيعة‬ ‫وغيرها من المعارك القديمة ‪.‬‬ ‫ثال ًثا ‪ :‬الفتاوى لن تحل مشاكل المسلمين‬ ‫إن قيادة المجتمعات المسلمة والسير بها لألمام‬ ‫ينبغي أن ال يخضع لهيمنة فتاوى الفقهاء والوعاظ ؛‬

‫‪3‬‬


‫ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫( هيئة عاملية �إ�سالمية )‬

‫العدد ‪ : 18‬ال�سنة الثامنة‬ ‫جمادى الأوىل ‪ 1436‬هـ ‪� -‬آذار ‪ 2015‬م‬

‫‪12‬‬

‫‪24‬‬

‫اإلفتتاحية ‪:‬‬ ‫وسطيتنا ‪:‬‬

‫الأمن ‪ ...‬يف املنظور الإ�سالمي ‪ -‬د‪ .‬نوال �شرار‬ ‫التطرف والغلو ‪ -‬قراءة يف م�ضامني ر�سالة عمان ‪ -‬د‪.‬ا�سماعيل ال�سعيدات‬ ‫احلوار والـتعاي�ش بني الإ�سالم وامل�سيحية ‪� -‬أ‪.‬د‪.‬حممد احمد الق�ضاة‬ ‫النموذج الرباين للعوملة وفق ر�ؤية �إ�سالمية و�سطية جديدة ‪ -‬املحامي كامل �صقر‬ ‫الو�سطية يف الإ�سالم ‪ -‬حممد خري العي�سى‬ ‫�أثر تغري الفتوى زمان ًا ومكان ًا يف حتقيق التعاي�ش وبث الو�سطية واالعتدال ‪� -‬أ‪ .‬د‪ .‬ا�سماء القر�شي‬ ‫و�سطية املنهج ال�سلوكي ‪ -‬الدكتور حممد املطني‬

‫‪6‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪24‬‬

‫مقاالت الوسطية ‪:‬‬

‫ال�شباب امل�سلم يف براثن التطرف ‪� -‬أ‪ .‬ر�ضية �سليمان‬ ‫الفقهاء والعلوم احلديثة ‪ -‬د‪ .‬حممد املراكبي‬ ‫الـقـيــادة الإداريـة فـي �ضـوء الكـتـاب وال�سـنـة ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬علي احلجاحجة‬ ‫منـهـجـيـة التـعـامــل مـع ظـاهـرة الر�سـوم امل�سيئة ‪ -‬د‪ .‬حممد الكبي�سي‬ ‫�أ�ضوا ٌء على العا ِمل ا ِلإ�سالمي (الأقلي ــات) �أ‪� .‬صديق ال�ضو‬ ‫املعرفة العقلية واملنجز احل�ضاري �أ‪.‬د‪ .‬عبد اللطيف الهميم‬ ‫وجهة نظر قانونية ‪ -‬د‪ .‬مازن الفاعوري‬ ‫مدنية وتعددية الدولة الأردنية ِ‬ ‫ثبات الذكاء الإن�ساين وتطور املعرفة ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬خالد جرب‬

‫‪26‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪44‬‬

‫دراسات الوسطية ‪:‬‬

‫ت�أمالت �إدارية يف �سورة يو�سف ‪� -‬أ‪.‬د‪� .‬سليمان الرطروط‬ ‫دور املدر�سة واملعلمني يف تعزيز الأمن الفكري لدى الطالب ‪ -‬د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬ ‫دور كليات ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم ‪ -‬املواطنة �أمنوذجا ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬حممد الروا�شدة‬ ‫دور جممع الفقه الإ�سالمي يف جماالت االجتهاد اجلماعي ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬عبد ال�سالم العبادي‬ ‫االنحراف الفكري و�أثره على الأفراد واملجتمعات ‪ -‬د‪ .‬يا�سر ابو ح�سني‬

‫‪52‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪74‬‬

‫فتاوى إسالمية ‪:‬‬

‫انت ت�س�أل ونحن جنيب ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬حممد احمد الق�ضاة‬

‫‪82‬‬

‫الركن الطبي ‪:‬‬

‫الأ�سرار الربانية يف الر�ضاعة الطبيعية ‪ -‬د‪ .‬ذيب عبد اهلل ( ا�ست�شاري طب الأطفال )‬

‫‪85‬‬

‫رسائل جامعية ‪:‬‬

‫امل�ستجدات يف و�سائل الإثبات ‪� -‬أ‪� .‬أمين حممد العمر‬

‫‪87‬‬


‫‪42‬‬

‫‪44‬‬

‫‪62‬‬

‫واحة الوسطية ‪:‬‬

‫�شرفـة و�أفـق‪� - ...‬أ‪.‬د‪ .‬خالد عبد الر�ؤوف اجلرب‬ ‫ق�صيدة (ال�شهيد) ‪ -‬دعاء و�صفي البياتنة ‪ /‬طالبة دكتواره يف اجلامعة الأردن ّية‬ ‫من نوادر ال�شعبي‬ ‫ق�صيدة مل يقم بال�سيف دين حممد ‪ -‬ال�شاعر حيدر حممود‬ ‫�شخ�صية العدد مهاتري حممد رئي�س وزراء ماليزيا الأ�سبق‬

‫‪88‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪93‬‬

‫بيانات الوسطية ‪:‬‬

‫بيان حول ا�ست�شهاد معاذ الك�سا�سبة‬ ‫بيان ال�صحيفة الفرن�سية‬ ‫بيان حول �أحداث الباك�ستان‬ ‫بيان حول احتجاز الرهائن يف �سدين‬ ‫بيان حول القد�س‬ ‫بيان حول الإقتتال يف اليمن‬ ‫بيان ادانة القتل و�سفك الدماء يف ليبيا‬

‫‪96‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪99‬‬

‫نشاطات الوسطية ‪:‬‬

‫زيارة وفد املنتدى العاملي للو�سطية �إىل جمهورية نيجرييا ‪2015/02/1‬م‬ ‫ندوة جتديد اخلطاب الديني‬ ‫ور�شة عمل حول » دور اخلطباء واملر�شدات يف تعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف املجتمع»‬ ‫ور�شة عمل حول ‪« :‬تفعيل دور املناهج الرتبوية ودور املعلمني واملعلمات يف تعزيز قيم الو�سطية والتعاي�ش لدى الطلبة «‬ ‫دورة تكوينية للأئمة اخلطباء» دور اخلطاب الو�سطي يف وحدة االمة واملجتمع»‬ ‫ندوة ودورة تكوينية «التجديد يف اخلطاب الديني»‬ ‫دورة (املهارات الرئي�سة للتدريب) لنخبة من ال�سيدات القياديات‬ ‫منتدى الو�سطية يحتفل بذكرى الهجرة النبوية ويوم عا�شوراء‬

‫‪100‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪113‬‬

‫نشاطات الوسطية القادمة ‪:‬‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية يعقد م�ؤمتره الدويل« دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي «‬ ‫مسابقة العدد‬

‫‪114‬‬ ‫‪116‬‬


‫وسطيتنا‬

‫‪6‬‬

‫األمن ‪ ...‬في المنظور‬ ‫اإلسالمي‬

‫الدكتورة نوال �أ�سعد �شرار‬

‫ب�إجماع رجال الفكر وال�سيا�سة وعلم‬ ‫االجتماع والعامة واخلا�صة يعاين العامل‬ ‫ب�أ�سره اليوم من العنف واال�ضطراب‬ ‫والفو�ضى وتف�شي ظاهرة الإرهاب‬ ‫بكافة �أنواعه وم�ستوياته‪ ,‬فال عجب ‪,‬‬ ‫ذلك �أن الإرهاب هو الثمرة النا�ضجة‬ ‫لفقدان «الأمن والأمان» �سمة العامل‬ ‫املعا�صر الوا�ضحة‪ ,‬الأمر الذي �أدى‬ ‫�إىل اال�ضطراب يف جميع �ش�ؤون احلياة‪,‬‬ ‫وا�ستدعى العمل اجلاد من كافة الأطراف‬ ‫للتو�صل �إىل �أ�سباب فقدان الأمن والعمل‬ ‫على الق�ضاء عليها بعقد امل�ؤمترات‬ ‫و�إجراء الدرا�سات التي �أثبتت �أن الأمن‬ ‫مطلب �ضروريٌ للب�شرية ال حتيا بدونه‪,‬‬ ‫ٌ‬ ‫�إال �أن جميع املحاوالت وامل�ؤمترات باءت‬

‫بالف�شل بتوفري هذا املطلب (الأمن) �أو‬ ‫حتى بالإجابة عن و�سائل توفره‪ ,‬فبع�ض‬ ‫الدرا�سات �أجابت ب�ضرورة توفري احلرية‬ ‫املطلقة للفرد والت�ساهل فيها مما �أدى‬ ‫�إىل زيادة الفو�ضى واال�ضطراب‪ ,‬وبع�ضهم‬ ‫نادى بفتح باب احلوار وحرية الفكر التي‬ ‫�أدت �إىل االعتداء على حرية الآخرين‬ ‫وعدم �إيجاد امل�ساحة الالزمة حلرية‬ ‫الفكر التي متادت واعتدت على املقد�سات‬ ‫والرموز‪ ,‬و�آخرون نادوا بت�أمني مبد�أ‬ ‫حقوق الإن�سان الذي �أغلق ما �سواه من‬ ‫حقوق ‪ ....‬وغريها‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أن كل املحاوالت التي ُبذلت‬ ‫لتوفري الأمن لل�شعوب واملجتمعات مل‬ ‫ُتفلح‪ ,‬بدليل واقع العامل اليوم مبا فيه‬


‫الدول التي متلك جميع عنا�صر القوة‬ ‫املادية جندها تعاين الكثري من الفو�ضى‬ ‫والف�ساد حتى �أن رعاياها ال ت�أمن على‬ ‫نف�سها �أو مالها مع كل ما فر�ضته من‬ ‫�أنظمة و�س ّنت من قوانني وجربت من‬ ‫�أفكار‪!!!...‬‬ ‫�إذن ما احلل ‪....‬؟ وما الأ�سباب الالزمة‬ ‫لتوفري الأمن الذي ي�صبو �إليه املجتمع‬ ‫الدويل اليوم؟‬ ‫�إنه اتباع املنهج الإ�سالمي الذي �أراده اهلل‬ ‫تعاىل للب�شرية وجعله خامت الر�ساالت‪,‬‬ ‫وخري �شاهدٍ على ذلك حالة العرب خا�صة‬ ‫والعامل عامة قبل الإ�سالم‪ ,‬وما كان‬ ‫يعاين من ا�ضطراب وفو�ضى وخوف‪ ,‬بل‬ ‫كانت اجلزيرة العربية كحالنا اليوم ؛‬ ‫م�سرحاً للفنت وال�سلب والنهب وفقدان‬ ‫الطم�أنينة على النف�س والعر�ض واملال‪,‬‬ ‫وعندما �أ�شرقت �شم�س الإ�سالم حتولت‬ ‫�إىل جمتمع الإ�سالم ي�سوده الأمن‬ ‫والرفاهية‪ ,‬حتولت فيه العداوة �إىل حمبة‬ ‫والقطيعة �إىل �أخوة‪ ,‬قال تعاىل‪َ ( :‬وا ْذ ُك ُر ْوا‬ ‫هلل َعلَ ْي ُك ْم �إِ ْذ ُك ْن ُت ْم �أَ ْعدَا ًء َف�أَ َّل َف َبينْ َ‬ ‫ِن ْع َم َة ا ِ‬ ‫ُق ُل ْو ِب ُك ْم َف�أَ ْ�ص َب ْح ُت ْم ِب ِن ْع َم ِت ِه ِ�إ ْخ َوا ًنا )‬ ‫(�آل عمران‪.)103/‬‬ ‫مفهوم الأمن يف الإ�سالم‬ ‫الأمن �ضد اخلوف‪ ,‬وعدم اال�ستقرار‪,‬‬ ‫وزعزعة الثقة‪ ,‬فهو �سكون القلب‬ ‫واطمئنانه وذهاب الرعب والروع والفزع‪,‬‬ ‫والأمن يف العرف اطمئنان وا�ستقرار‬ ‫النف�س وزوال اخلوف‪ .‬والبلد الآمن هو‬ ‫الذي اطم�أن به �أهله وتوفرت فيه كافة‬ ‫متطلبات احلياة الأ�سا�سية كالغذاء واملاء‬ ‫والطم�أنينة النف�سية‪ ,‬والأمن هبة اهلل‬ ‫التي منّ بها على عباده ملا له من �أثرٍ على‬ ‫اال�ستقرار والتنمية والعي�ش الكرمي‪ ,‬قال‬ ‫تعاىل‪ ( :‬ا َّلذِ ي �أَ ْط َع َم ُه ْم مِ نْ ُجو ٍع َو�آَ َم َن ُه ْم‬ ‫مِ نْ َخ ْو ٍف ) (قري�ش‪� , )4/‬إ�شارة �إىل‬

‫املجتمع املكي الذي ازدهر يف ظل الإ�سالم‬ ‫ومنت جتارته يف رحلتني عظيمتني لل�شام‬ ‫واليمن �صيفاً و�شتاءاً‪ .‬وينق�سم الأمن يف‬ ‫املفهوم الإ�سالمي �إىل ق�سمني‪ :‬الدنيوي‬ ‫الذي يتحقق على ال�صعيد الفردي‬ ‫واالجتماعي مبختلف جوانب احلياة‬ ‫االجتماعية وال�سيا�سية واالقت�صادية ‪...‬‬ ‫الخ‪ ,‬والأمن الأخروي مبعنى االطمئنان‬ ‫من عذاب جهنم‪ ,‬هذا و�إن بني �ألفاظ‬ ‫الأمن والإميان والأمانة رابطاً قوياً �إذ‬ ‫تنتمي �إىل �أ�صلٍ واحد‪ ,‬ف�إذا قوِيَ الإميان‬ ‫�أدى �إىل �أداء الأمانة التي هي التزام بعهد‬ ‫اهلل واال�ستخالف يف الأر�ض ‪ ,‬قال عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪« :‬ال �إميان ملن ال �أمانة‬ ‫له»رواه �أحمد‪ ,‬وهذه الأمانة ت�ضمن �أداء‬ ‫احلقوق بعمومها الدينية والدنيوية‪,‬‬ ‫في�أتي الأمن ب�صورة طبيعية �إذ ي�شعر‬ ‫الفرد براحة البال وطم�أنينة النف�س‪,‬‬ ‫فالأمن �إذن نتيجة الإميان والعمل‬ ‫ال�صالح فهو ثمرة من ثمرات الإميان‪,‬‬ ‫و�إال الفو�ضى واال�ضطراب واخلوف‪ ,‬قال‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬و َ�ض َر َب هَّ ُ‬ ‫الل َم َث ً‬ ‫ال َق ْر َي ًة َكا َنتْ‬ ‫�آَمِ َن ًة م ُْط َم ِئ َّن ًة َي ْ�أتِيهَا ِر ْز ُقهَا َر َغداً مِ نْ ُك ِّل‬ ‫الل َف�أَ َذا َقهَا هَّ ُ‬ ‫ا�س‬ ‫َم َكانٍ َف َك َف َرتْ ِب�أَ ْن ُع ِم هَّ ِ‬ ‫الل ِل َب َ‬ ‫الجْ ُ و ِع َوالخْ َ ْو ِف بمِ َا َكا ُنوا َي ْ�ص َن ُعو َن)‬ ‫( النحل‪.)112/‬‬ ‫ومن �أ�سماء اهلل احل�سنى (امل�ؤمن)‬ ‫الذي يعطي الأمان لعباده امل�ؤمنني حني‬ ‫ي�ؤمنهم من العذاب والفزع الأكرب يف‬ ‫الدنيا والآخرة‪ ,‬قال تعاىل‪ ( :‬هُ َو هَّ ُ‬ ‫الل ا َّلذِ ي‬ ‫ال�سلاَ ُم المْ ُ�ؤْمِ ُن‬ ‫ّو�س َّ‬ ‫اَل �إِ َل َه �إِ اَّل هُ َو المْ َل ُِك ا ْل ُق ُد ُ‬ ‫الل‬ ‫ب ُ�س ْب َحا َن هَّ ِ‬ ‫المْ ُ َه ْيمِ ُن ا ْل َعزِي ُز الجْ َ َّبا ُر المْ ُ َت َك ِرّ ُ‬ ‫َع َّما ُي ْ�ش ِر ُكو َن )(احل�شر‪.)22/‬‬ ‫�شمولية الأمن يف الإ�سالم‬ ‫مفهوم الأمن يف الإ�سالم وا�س ٌع ال‬ ‫يقت�صر على حماية املجتمع من القتل‬ ‫�أو ال�سرقة �أو النهب ونحو ذلك‪ ,‬بل هو‬

‫�أعم ‪ ،‬ي�شمل كل ما ي�ؤمن للفرد العي�ش‬ ‫الكرمي والرفاهية‪ ,‬و�أوله احلفاظ على‬ ‫العقيدة و�إمكانية �إقامة ال�شرائع دون‬ ‫خوف �أو تقييد مما يحقق الوازع الديني‬ ‫ٍ‬ ‫– ال�ضمري الإن�ساين – الذي يحول دون‬ ‫املمار�سات اخلاطئة يف تطبيق التعاليم‬ ‫الدينية والتعامل مع الآخرين‪ ,‬و ُيبنى‬ ‫عليه كافة �أنواع الأمن الأخرى و�أهمها‬ ‫الأمن الغذائي ال�ضروري ال�ستمرار حياة‬ ‫الإن�سان‪ ,‬والأمن ال�صحي الوقائي الواجب‬ ‫حلماية املجتمع من الأمرا�ض‪ ,‬والأمن‬ ‫الفكري �أ�سا�س مرتكزات حياة املجتمع‬ ‫وحفظ العقول من الوقوع فري�سة ال�شبه‬ ‫واالنحراف‪ ,‬ثم الأمن الوظيفي الواجب‬ ‫لقيام املوظف بعمله ب�إتقان ومنها التكافل‬ ‫االجتماعي الذي ي�ؤدي �إىل متا�سك‬ ‫املجتمع و�صموده �أمام التحديات‪ ,‬والأمن‬ ‫الإعالمي الذي يخدم ق�ضايا احلق‬ ‫والدعوة �إىل اهلل وتوعية الأجيال‪� ,‬إذ �أن‬ ‫�ضعف‬ ‫معظم ما ابتليت به الأمة اليوم من ٍ‬ ‫وت�شتتٍ يف الر�أي و�ضيا ٍع يف الهوية كان‬ ‫نتيجة الإعالم املنحرف املوجه‪ ...‬وغريها‬ ‫من �أنواع الأمن‪.‬‬ ‫هذا وقد ورد لفظ الأمن يف القر�آن‬ ‫الكرمي يف خم�سة موا�ضع ثالث منها‬ ‫معرفاً كما يف قوله تعاىل‪َ ( :‬و�إِ َذا َجاءَهُ ْم‬ ‫�أَ ْم ٌر مِ َن الأَ ْم ِن �أَ ِو الخْ َ ْو ِف �أَ َذاعُوا ِب ِه )‬ ‫( الن�ساء‪ )83/‬وقوله ‪َ ( :‬و َك ْي َف �أَ َخ ُ‬ ‫اف‬ ‫مَا �أَ ْ�ش َر ْك ُت ْم َو اَل َت َخا ُفو َن �أَ َّن ُك ْم َ�أ ْ�ش َر ْك ُتم‬ ‫ِالل مَا لمَ ْ ُي َن ِّز ْل ِب ِه َعلَ ْي ُك ْم ُ�س ْل َطا ًنا َف�أَ ُّي‬ ‫ب هَّ ِ‬ ‫ِالَ ْم ِن �إِن ُكن ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن‬ ‫ا ْل َفرِيقَينْ ِ �أَ َح ُّق ب ْ أ‬ ‫) (الأنعام‪ ,)81/‬وقوله �أي�ضاً‪ ( :‬ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫�آ َم ُنوا َولمَ ْ َي ْل ِب ُ�سوا �إِميَا َن ُه ْم ب ُِظ ْل ٍم �أُو َلئ َِك‬ ‫َل ُه ُم الأَ ْم ُن َوهُ ْم ُم ْه َتدُو َن ) (الأنعام‪,)82/‬‬ ‫معرف بقوله تعاىل‪َ (:‬و َع َد‬ ‫ومرتني غري‬ ‫ٍ‬ ‫هَّ ُ‬ ‫الل ا َّلذِ َ‬ ‫ال�صالحِ َ اتِ‬ ‫ين �آ َم ُنوا مِ ْن ُك ْم َوعَمِ ُلوا َّ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َك َما ْا�س َت ْخلَ َف‬ ‫َل َي ْ�س َت ْخ ِل َف َّن ُه ْم فيِ ْ أ‬ ‫ين مِ نْ َق ْب ِل ِه ْم َو َل ُي َم ِّك نَ َّ‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ن َل ُه ْم دِي َن ُه ُم‬

‫‪7‬‬


‫وسطيتنا‬ ‫ا َّلذِ ي ا ْر َت َ�ضى َل ُه ْم َو َل ُي َب ِّد َل َّن ُه ْم مِ نْ َب ْعدِ‬ ‫َخ ْو ِف ِه ْم �أَ ْم ًنا )(النور‪ ,)55/‬والثانية يف‬ ‫�سورة البقرة‪َ ( :125/‬و ِ�إ ْذ َج َع ْل َنا ا ْل َب ْيتَ‬ ‫ا�س َو َ�أ ْم ًنا )‪ ,‬كما ورد عدة مرات‬ ‫َم َثا َب ًة لِل َّن ِ‬ ‫على غري ال�صورة الإ�سمية ك�أفعال ب�صيغة‬ ‫املا�ضي وامل�ضارع �أو م�شتقات اال�سم لكنه‬ ‫�أبداً مل يرد مقيداً‬ ‫بو�صف �أو �إ�ضافة‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫مما يعني �أنه مع �شموله ف�إنه غري قابلٍ‬ ‫للتبعي�ض فهو نعمة وهبة ربانية للإن�سان‬ ‫�إما �أن تكون جمتمعة �أو ال تكون‪ ,‬فال‬ ‫ميكن �أن ينعم الإن�سان بنو ٍع من الأمن وال‬ ‫ينعم بالأنواع الأخرى‪.‬‬ ‫�أهمية الأمن للحياة‬ ‫الأمن مطلب حياتي مهم على ال�صعيدين‬ ‫الفردي واالجتماعي‪ ,‬فهو على ال�صعيد‬ ‫الفردي من الدوافع الأ�سا�سية لقيام‬ ‫الإن�سان بحركة احلياة و�إذا انعدم وقع‬ ‫نتيجة اخلوف يف االنعزال واالنطوائية‬ ‫التي ت�شل حركته وتعطل قدراته وتدفعه‬ ‫�أحياناً للقيام مبا ال ير�ضى لتحقيق الأمن‬ ‫ويف ذلك يقول �سيدنا علي ر�ضي اهلل عنه‪:‬‬ ‫«حالوة الأمن تنكدها مرارة اخلوف‬ ‫واحلذر» �إما على ال�صعيد االجتماعي‬ ‫ف ُيعدُّ الأمن من �أهم مقومات و�أ�س�س‬ ‫ازدهار املجتمعات ودوران عجلة التنمية‬ ‫االجتماعية والتقدم االقت�صادي‪ ,‬فالأمن‬ ‫مطلب �أ�سا�سي وهام جلميع �شعوب‬ ‫الأر�ض‪ ,‬يقول عليه ال�صالة وال�سالم‪:‬‬ ‫(مَن �أ�صبح �آم ًنا يف �سِ ْربِه‪ ،‬مُعا ًفى يف‬ ‫ج�سده‪ ،‬عنده ُ‬ ‫قوت يومه‪ ،‬فك�أمنا حِ ي َزتْ‬ ‫له ال ُدّنيا بح َذافِريها) «رواه الرتمذي ‪,‬‬ ‫وعلى العك�س من ذلك بفقدان الأمن �أو‬ ‫�ضعفه ي�سود اخلوف وتعم الفو�ضى و ُتفتح‬ ‫منافذ الدخول للمت�سللني وتن�شط الأفراد‬ ‫واجلماعات املتك�سبة املتفلتة من الدين‬ ‫والقانون لتعيث يف الأر�ض ف�ساداً ومتار�س‬ ‫كافة �أنواع الرتويع والعنف والإرهاب‬

‫‪8‬‬ ‫للو�صول �إىل �أهدافها‪ ,‬علماً �أن من ميار�س‬ ‫ذلك ويزعزع الأمن العام هو يف احلقيقة‬ ‫يزعزع �أمن نف�سه و�أ�سرته وجمتمعه‪ ,‬ثم‬ ‫ال يجد ملجئاً من ذلك �سوى التمادي يف‬ ‫غ ّييه و�أفعاله التي حت ّكم بها ال�شيطان‬ ‫لي�صبح معول هد ٍم لل�صروح التي بناها‬ ‫الأمن باالعت�صام باهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ومن �أجل ذلك �ضمنت ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫حفظ الأمن بعدة عوامل ومن عظمتها‬ ‫�أنها مل جتعل حفظ الأمن منوطاً بفئة‬ ‫من الأمة كالدوريات الأمنية فقط و�إمنا‬ ‫�أوجب على كل فر ٍد يف الإ�سالم رج ً‬ ‫ال كان‬ ‫�أو امر�أة �أن يكون (م�س�ؤول �أمن) واجبه‬ ‫الأول احلفاظ على �أمن املجتمع كام ً‬ ‫ال‪,‬‬ ‫ولذلك كان الأمر باملعروف والنهي عن‬ ‫النكر فر�ض كفاية يقوم به ٌّ‬ ‫كل ح�سب‬ ‫طاقته وا�ستطاعته ودائرة �سلطته‪ .‬ومن‬ ‫هنا ندرك �شمولية الأمن لي�شمل كل فر ٍد‬ ‫ويف جميع جماالت احلياة‪.‬‬ ‫موانع الأمن‬ ‫بينّ القر�آن الكرمي ثالثة �أمور �إن وجدت‬ ‫يف جمتمع �أدّت �إىل فقدان الأمن‪ ,‬قال‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬و َلك َِّن هَّ َ‬ ‫الل َح َّب َب �إِ َل ْي ُك ُم الإِميَا َن‬ ‫َو َز َّي َن ُه فيِ ُق ُلو ِب ُك ْم َو َك َّر َه �إِ َل ْي ُك ُم ا ْل ُك ْف َر‬ ‫َوا ْل ُف ُ�سو َق َوا ْلع ِْ�ص َيا َن ُ�أ ْو َلئ َِك هُ ُم ال َّرا�شِ دُو َن)‬ ‫(احلجرات‪ ,)7/‬فهذه املوانع هي الكفر‪,‬‬ ‫مبا �أنزل تعاىل من تعاليم ت�ضبط الفرد‬ ‫واملجتمع‪ ,‬والف�سوق الذي يعني اخلرق‬ ‫امل�ستمر لطاعة اهلل تعاىل وعدم االمتثال‬ ‫لأوامره‪ ,‬ثم الع�صيان ب�أن ُيطاع تعاىل‬ ‫�أحياناً و ُيع�صى �أحياناً �أخرى‪ ,‬وهذه املوانع‬ ‫الثالثة توجد كلها �أو بع�ضها عند معظم‬ ‫من يثريون الفو�ضى وميار�سون العنف‬ ‫والإرهاب الفردي �أو املنظم‪.‬‬ ‫عوامل ومقومات الأمن‬ ‫�ضمنت ال�شريعة الأمن يف املجتمعات‬ ‫الإ�سالمية بعدة عوامل �أهمها‪:‬‬

‫ الإميان باهلل ومراقبته وتوحيده‬‫وال�شعور ب�أنه مطلع على عبده يف ال�سر‬ ‫والعلن‪ ,‬فكلما ه ّم الفرد بزعزعة الأمن‬ ‫تذ ّكر مراقبة اهلل تعاىل و�أوامره‪.‬‬ ‫ �أهم مقومات الأمن يف الإ�سالم فر�ض‬‫العبادات ومنها ال�صالة التي تنهى عن‬ ‫الفح�شاء واملنكر ‪ -‬جوهر الأمن‪ ,‬و�إيتاء‬ ‫الزكاة ملا فيها من موا�ساة للمحتاجني‬ ‫وتوفري الأمن الغذائي بالإ�ضافة �إىل‬ ‫�أنها تزرع املحبة يف القلوب فتوجد الت�آلف‬ ‫والأمن‪.‬‬ ‫ الرتبية الإ�سالمية برتبية الأبناء على‬‫�أ�س�س تربوية �صحيحة ت�ضمن التن�شئة‬ ‫املتوازنة الو�سطية تنبذ التخاذل وامليوعة‬ ‫�أو العنف والتطرف‪ ,‬وحتقق ال�سكينة‬ ‫والطم�أنينة‪ .‬الو�سطية ال�سمحة التي‬ ‫ترف�ض التماهي �أو التع�صب والتقوقع‬ ‫لكنها لي�ست و�سطية العلمانيني ال�ساعية‬ ‫�إىل طم�س الهوية الإ�سالمية امل�شرقة‬ ‫و�إ�ضاعة الرتاث الإ�سالمي اخلالد بقوانني‬ ‫باهتة‪ ,‬وال و�سطية املنغلقني العاجزين‬ ‫عن الإن�سجام مع امل�ستجدات واملعا�صرة‪,‬‬ ‫لكنها الو�سطية التي تقدم للعامل الأف�ضل‬ ‫والأجمل من احللول مل�شاكل الب�شرية‪,‬‬ ‫الو�سطية التي ترف�ض العنف والإرهاب‬ ‫وتتم�سك باملبادئ والأو�صول‪ ,‬و�سطية‬ ‫نا�صعة ذات خطاب مقنع معتدل‪ ,‬قال‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول‬ ‫ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيدًا )(البقرة‪.)143/‬‬ ‫ فر�ضية الأمر باملعروف والنهي عن‬‫املنكر والأخذ على �أيدي املف�سدين منعاً‬ ‫من ممار�سة الإرهاب والتخويف لإر�ساء‬ ‫الأمن والطم�أنينة‪.‬‬ ‫ ت�شريع احلدود والعقوبات على من‬‫يخالفون �أمر اهلل ويثريون الرعب‬ ‫والف�ساد ردعاً ملن يفكر يف زعزعة �أمن‬


‫املجتمع ومن ذلك حد احلرابة الذي‬ ‫ين�ص على قتال كل من يثري الف�ساد‬ ‫والفنت‪ ,‬قال تعاىل‪� ( :‬إِ مَّ َ‬ ‫نا َج َزا ُء ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫ُي َحا ِر ُبو َن هَّ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْر ِ�ض‬ ‫الل َو َر ُ�سو َل ُه َو َي ْ�س َع ْو َن فيِ ْ أ‬ ‫َف َ�سادًا �أَ ْن ُي َق َّت ُلوا �أَ ْو ُي َ�ص ّلَ ُبوا َ�أ ْو ُت َق َّط َع‬ ‫�أَ ْيدِ ي ِه ْم َو َ�أ ْر ُج ُل ُه ْم مِ نْ خِ لاَ ٍف �أَ ْو ُين َف ْوا‬ ‫مِ نْ الأَ ْر ِ�ض ) (املائدة‪ ,)33/‬وكذلك قتال‬ ‫البغاة اخلارجني على احلاكم والنظام‪,‬‬ ‫ومنها حد القذف حفاظاً على الأعرا�ض‬ ‫وحد ال�سرقة حفاظاً على الأموال‪ ,‬ولهذا‬ ‫غ�ضب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫على من �شفع يف حد من حدود اهلل تعاىل‪,‬‬ ‫الل َل ْو �أَ َّن َفاطِ َم َة ِبنْتَ محُ َ َّمدٍ‬ ‫فقال‪َ ( :‬وايمْ ُ هَّ ِ‬ ‫َ�س َر َقتْ َل َق َط ْعتُ َي َدهَا ) رواه الرترمذي‪,‬‬ ‫وذلك من �أجل �سد الذريعة املف�ضية �إىل‬ ‫التهاون امل�ؤدي �إىل فقدان الأمن وانت�شار‬ ‫العنف والفنت‪.‬‬ ‫ حترمي جميع �أنواع االعتداء على الغري‬‫املادية كالقتل وال�سرقة واالغت�صاب �أو‬ ‫املعنوية كال�سب واال�ستغابة وال�سخرية‬ ‫مما يوفر اجلو الآمن جلميع �أفراد‬ ‫املجتمع‪.‬‬ ‫ الن�صح هلل ور�سوله ولكتابه ولأئمة‬‫امل�سلمني وعامتهم فالن�صح باحلكمة‬ ‫واملوعظة احل�سنة واملجادلة بالتي هي‬ ‫�أح�سن‪ ,‬ذلك �أن انعدام الن�صح ي�ؤدي �إىل‬ ‫�سيادة الأنانية املدمرة للت�آلف والتكافل‪.‬‬ ‫ التحذير من زعزعة الأمن و�إخافة‬‫النا�س‪ ,‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪� ( :‬إِ َذا َم َّر َ�أ َح ُد ُك ْم فيِ م َْ�سجِ دِ َنا ‪� ،‬أَ ْو‬ ‫فيِ ُ�سو ِق َنا ‪َ ،‬و َم َع ُه َن ْب ٌل ‪َ ،‬ف ْل ُي ْم�سِ ْك « �أَ ْو َقا َل‬ ‫‪َ « :‬ف ْل َي ْق ِب ْ‬ ‫يب‬ ‫�ض َعلَى ن َِ�صا ِلهَا ِب َك ِّف ِه َ�أ ْن ُي ِ�ص َ‬ ‫�أَ َحدًا مِ َن المْ ُ ْ�سلِمِ َ‬ ‫ني مِ ْنهَا َ�ش ْي ٌء ) ‪� .‬أَ ْخ َر َج ُه‬ ‫ا ْل ُب َخار ُِّي‪ ,‬ويف ال�صحيحني‪« :‬من حمل‬ ‫علينا ال�سالح فلي�س منا « وقال �أي�ضاً‪« :‬‬ ‫�سباب امل�سلم ف�سوق وقتاله كفر»‪.‬‬ ‫‪ -‬التكافل االجتماعي ب�إلزام امل�سلم حقوقاً‬

‫مادية ومعنوية للآخرين‪ ,‬كالنفقة وعيادة‬ ‫املر�ضى وحقوق اجلوار وغريها‪ ,‬قال عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪« :‬واهلل ال ي�ؤمن واهلل ال‬ ‫ي�ؤمن واهلل ال ي�ؤمن‪ ,‬قيل‪ :‬من يا ر�سول‬ ‫اهلل ؟ قال‪ :‬الذي ال ي�أمن جاره بوائقه»‬ ‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫ الدعوة الدائمة �إىل ال�سالم‪ ,‬فالإ�سالم‬‫دين ال�سالم‪ ,‬ولقد ورد ذكره كثرياً يف‬ ‫القر�آن وال�سنة حتى �سميت الآخرة بدار‬ ‫ال�سالم‪ ,‬قال تعاىل‪َ ( :‬واَ هَّلل َي ْدعُو �إِلىَ‬ ‫ال�سلاَ م َو َيهْدِ ي َمنْ َي َ�شاء �إِلىَ ِ�ص َراط‬ ‫دَار َّ‬ ‫م ُْ�س َتقِيم )( يون�س‪ ,)25/‬ولقد رفع‬ ‫الإ�سالم راية ال�سالم منذ بداية الدولة‬ ‫الإ�سالمية ومل يعلن احلرب �إال دفاعاً �أو‬ ‫لإعالء كلمة اهلل تعاىل ورفع الظلم عن‬ ‫النا�س و�إعادة احلقوق لأ�صحابها‪.‬‬ ‫ حرم الإ�سالم التع�صب والتطرف ودعا‬‫�إىل العفو والت�سامح والإح�سان للم�سيء‬ ‫ومراعاة حقوق الآخرين‪ ,‬وكانت �آخر‬ ‫و�صايا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫يف خطبة الوداع حترمي الدماء والأموال‬ ‫والأعرا�ض‪� « ,‬إن اهلل حرم عليكم دماءكم‬ ‫و�أموالكم و�أعرا�ضكم كحرمة يومكم �أ�س�أل اهلل تعاىل �أن يجعل هذا البلد �آمناً‬ ‫هذا يف �شهركم هذا يف بلدكم هذا « رواه مطمئناً ويدمي عليه نعمة الأمن والأمان‪.‬‬ ‫البخاري‪.‬‬ ‫احلياة منهج متكامل ا�شتمل على د�ستور‬ ‫وقواعد هامة ت�ضمن ا�ستتباب الأمن‬ ‫وال�سالم والهدوء لكل من ين�ضوي‬ ‫حتته‪ ,‬و�إذا �أردنا �أن ننعم بالأمن فال بد‬ ‫من العودة �أفراداً وجماعات لاللتزام مبا‬ ‫جاء يف القر�آن وال�سنة‪ ,‬وممار�سة مهمة‬ ‫اال�ستخالف وحمل الأمانة‪ ,‬ليبدل اهلل‬ ‫خوفنا �أمناً ويعم الأمن �أرجاء املجتمعات‪,‬‬ ‫ف�أي �أمة تريد �أن حتقق لنف�سها تقدماً‬ ‫ح�ضارياً البد �أن يتوفر لديها الأمن على‬ ‫امل�ستوى الفردي واالجتماعي لأنه �أهم‬ ‫حاجات الإن�سان الأ�سا�سية به يهن�أ النا�س‬ ‫ويكون نهارهم معا�شاً وليلهم �سباتاً‪,‬‬ ‫فالإ�سالم نعمة لبني الب�شر والتاريخ‬ ‫ي�شهد على ذلك‪ ,‬ولنا يف �سرية ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم �أف�ضل دليل وهو‬ ‫ِ�ص على حتقيق‬ ‫يبلغ دعوته بكل جهد‪ ,‬حر َ‬ ‫الأمن ف�أوجد جمتمعاً �آمناً مطمئناً ق�ضى‬ ‫على اجلرمية باقتالع م�سبباتها‪ ,‬وعاقب‬ ‫بالأمر الإلهي العابثني بالأمن واملعتدين‬ ‫على احلرمات‪.‬‬

‫�إن ما يعي�شه العامل اليوم من انعدام‬ ‫الأمن واخلوف وتف�شي اجلرمية والإرهاب‬ ‫بكافة �أنواعه هو ب�سبب البعد عن الإميان‬ ‫وتطبيق تعاليم اهلل تعاىل يف �أمور احلياة‬ ‫وتطبيق نظم و�ضعية ف�شلت يف توفري‬ ‫الأمن‪ ,‬بل �ساهمت يف فقدانه‪.‬‬ ‫الإ�سالم لي�س عقيدة دينية ونظاماً‬ ‫�أخالقياً فح�سب‪ ,‬و�إمنا مبادئ و�أحكام‬ ‫قامت عليها �أعظم دولة عرفها التاريخ‪,‬‬ ‫فالإ�سالم نظام �شامل جلميع نواحي‬

‫‪9‬‬


‫وسطيتنا‬

‫‪10‬‬

‫بقلم الدكتور ‪� :‬إ�سماعيل ال�سعيدات‬

‫التطرف والغلو‬ ‫قراءة في مضامين رسالة عمان‬ ‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف خلق اهلل واملر�سلني �سيدنا حممد‬ ‫وعلى �آله و�أ�صحابه �أجمعني؛ وبعد‪:‬‬ ‫�إن القارئ لر�سالة عمان ال�سمحة مب�ضامينها املتعددة يدرك مدى تناولها ملو�ضوع مهم‬ ‫برز على ال�ساحة العربية والدولية حديثاً ‪ ،‬و�إن كانت �أ�س�سه وقواعده قدمية ‪ ،‬وهو مو�ضوع‬ ‫التطرف والغلو‪ ،‬وموقف الإ�سالم منهما‪ ،‬و�ضرورة الدعوة �إىل حماربة هذا النهج املنحرف‬ ‫والفكر املتطرف ال�ضال فكر الغلو والتطرف‪ ،‬والدعوة �إىل احلوار الهادف املت�سامح‪،‬‬ ‫ومواجهة الفكر ال�ضال املتطرف ‪.‬‬ ‫فقد �أ�شارت ر�سالة عمان �إىل �أن الإ�سالم وقف موقف الراف�ض لكل �أ�شكال التطرف والغلو‬ ‫التي تعترب �أحد الأمثلة التي تو�ضح لنا دور هذه البيئة اخل�صبة يف التربير لت�شويه �صورة‬ ‫هذا الدين ال�سمح القائم على الو�سطية واالعتدال‪ .‬وقد كان لر�سالة عمان دور بارز يف بيان‬ ‫معنى التطرف والغلو و�أ�سبابهما‪ ،‬واحللول الناجعة للق�ضاء عليهما‪ .‬وقد دعت ر�سالة‬ ‫عمان �إىل منهج الو�سطية واالعتدال‪ ،‬وبيان طبيعة التطرف والغلو ب�أنها لي�ست من طباع‬ ‫امل�سلم احلقيقي املت�سامح ‪ ،‬والتي حتجب العقل ال�سليم عن �سوء التقدير واالندفاع الأعمى‬ ‫خارج ال�ضوابط الدينية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬واخللقية‪.‬‬


‫كما �أن بيئة التطرف ت�سببت عرب التاريخ‬ ‫يف تدمري بنى �شاخمة‪ ،‬ومدن كربى‪،‬‬ ‫و�أكدت ر�سالة عمان على �أن الإ�سالم دين‬ ‫احلق واالعتدال وال�سماحة والو�سطية‪،‬‬ ‫وهو دين ينبذ العنف والتطرف‪ ،‬ب�شتى‬ ‫�أ�شكاله و�أنواعه‪.‬كما ينبذ كل املمار�سات‬ ‫اخلاطئة التي من �ش�أنها �إبعاد النا�س‬ ‫وتنفريهم من الدين ‪ .‬و�أكدت �أي�ضاً على‬ ‫�أن الإ�سالم دين الو�سطية واالعتدال وهو‬ ‫بريء من التطرف والغلو‪ ،‬والتفريط‪،‬‬ ‫والتق�صري‪ ،‬وقد دعت ر�سالة عمان �إىل‬ ‫حماربة التطرف والغلو والت�شدد‪ ،‬وجاء‬ ‫فيها ‪ ":‬وهذا الدين ما كان يوماً �إ ّال حرباً‬ ‫ّ‬ ‫والتطرف والت�شدّد‪،‬‬ ‫على نزعات الغل ّو‬ ‫ذلك �أنها حجبت العقل عن تقدير‬ ‫�سوء العواقب واالندفاع الأعمى خارج‬ ‫ال�ضوابط الب�شر ّية ديناً وفكراً وخلقاً‪،‬‬ ‫وهي لي�ست من طباع امل�سلم احلقيقي‬ ‫املت�سامح املن�شرح ال�صدر‪ ،‬والتطرف بكل‬ ‫�أ�شكاله غريب عن الإ�سالم الذي يقوم‬ ‫على االعتدال والت�سامح ‪ ،‬وال ميكن‬ ‫لإن�سان �أنار اهلل قلبه �أن يكون مغالياً‬ ‫متطرفاً " (‪. )1‬‬ ‫ويف �ضوء هذا الإطار الت�شريعي ملوقف‬ ‫الكتاب وال�سنة من التطرف ‪ ،‬تعيد ر�سالة‬ ‫عمان تعريف العنف والتطرف يف �ضوء‬ ‫تداعى الأحداث‪ ،‬واملمار�سات املعا�صرة‬ ‫التي ترتكب با�سم الإ�سالم‪ ،‬والتي تنبع‬ ‫خطورتها من ت�شويه �صورة الإ�سالم‪،‬‬ ‫و�إيجاد امل�سوغات التي جتعل من الإ�سالم‬ ‫ديناً م�ستهدفاً‪ ،‬ولعل حماوالت بع�ض‬ ‫و�سائل الإعالم الغربية من ت�شويه‬ ‫�صورة الإ�سالم كما حدث يف مو�ضوع ن�شر‬ ‫الر�سوم الكاريكاتورية من قبل �صحيفة‬ ‫دمناركيه عام ‪2007‬م �إال واحداً من الأمثلة‬ ‫التي تو�ضح دور بيئة التطرف والعنف يف‬ ‫التربير لت�شويه �صورة هذا الدين‪.‬‬ ‫�إن ر�سالة عمان توفر وثيقة هامة‬

‫لإعادة ت�أ�سي�س حياة امل�سلمني املعا�صرة‬ ‫على حقائق التعاي�ش مع الآخرين‪،‬‬ ‫واالبتعاد عن كل التعبريات وال�سلوكيات‬ ‫املتطرفة ‪ ،‬وحماية دينهم يف نف�س الوقت‪.‬‬ ‫وقد �أكدت ر�سالة عمان �أن امل�سلم‬ ‫احلقيقي الذي يريد البعد عن التطرف‬ ‫يجب �أن يطلع على الثقافات املعا�صرة؛‬ ‫ليكون تعامله مع جمتمعه على وعي‬ ‫وب�صرية دون تقليد غري مبني على علم‪،‬‬ ‫وفهم ملجريات الواقع‪ ،‬كما نبهت العامل‬ ‫�أجمع على �أن اال�ستفادة من التقدم العلمي‬ ‫والتكنولوجي �ضرورة لرد ال�شبهات التي‬ ‫يثريها �أعداء الإ�سالم بطريقة علمية‬ ‫�سليمة دون �ضعف‪� ،‬أو انفعال‪ ،‬وب�أ�سلوب‬ ‫يجذب القارئ‪ ،‬وامل�ستمع‪ ،‬وامل�شاهد‪.‬‬ ‫كما نبهت �إىل �ضرورة تر�سيخ البناء‬ ‫الرتبوي للفرد امل�سلم القائم على الثوابت‬ ‫امل� ّؤ�س�سة للثقة يف الذات‪ ،‬والعاملة على‬ ‫ت�شكيل ال�شخ�ص ّية املتكاملة املح�صنة‬ ‫�ض ّد املفا�سد ‪ ،‬واالهتمام بالبحث العلمي‪،‬‬ ‫والتعامل مع العلوم املعا�صرة على �أ�سا�س‬ ‫نظرة الإ�سالم املتميزة للكون‪ ،‬واحلياة ‪،‬‬ ‫والإن�سان ‪.‬‬ ‫كما دعت �إىل تب ّني املنهج الإ�سالمي يف‬ ‫حتقيق التنمية ّ‬ ‫ال�شاملة الذي يقوم على‬ ‫العناية املتوازنة باجلوانب الروح ّية‪،‬‬ ‫واالقت�صاد ّية ‪ ،‬واالجتماع ّية‪ ،‬واالهتمام‬ ‫بحقوق الإن�سان‪ ،‬وحر ّياته الأ�سا�س ّية‪،‬‬ ‫وت�أكيد ح ّقه يف احلياة والكرامة‪ ،‬والأمن‪،‬‬ ‫و�ضمان حاجاته الأ�سا�س ّية‪ ،‬و�إدارة‬ ‫�ش�ؤون املجتمعات وفق مبادئ العدل‪،‬‬ ‫وال�شورى‪ ،‬واال�ستفادة مما قدّمه املجتمع‬ ‫الإن�ساين من �صيغ و�آليات لتطبيق‬ ‫الدميقراط ّية"(‪. )2‬‬ ‫و�أكدت ر�سالة عمان على " �أن و�سائل‬ ‫مقاومة الظلم و�إقرار العدل يجب �أن‬ ‫تكون بو�سائل م�شروعة‪ ،‬ودعت الأمة �إىل‬ ‫الأخذ ب�أ�سباب القوة واملنعة التي �أمرنا اهلل‬

‫تعاىل بها ؛ لبناء الذات‪ ،‬واملحافظة على‬ ‫احلقوق ‪ ،‬و�ضمان احلاجات الأ�سا�س ّية‬ ‫للأفراد ‪ ،‬و�إدارة �ش�ؤون املجتمعات وفق‬ ‫مبادئ العدل‪ ،‬وال�شورى‪ ،‬وم�شاركة‬ ‫املجتمع الإن�ساين املعا�صر‪ ،‬والإ�سهام يف‬ ‫رقيه وتقدمه‪ ،‬وحتقيق التنمية الإن�سانية‬ ‫ال�شاملة‪ ،‬ودعت املجتمع الدويل‪� ،‬إىل‬ ‫العمل بكل جدّية على تطبيق القانون‬ ‫الدويل واحرتام املواثيق والقرارات‬ ‫الدول ّية ال�صادرة عن الأمم املتحدة‪،‬‬ ‫و�إلزام كافة الأطراف القبول بها‪ ،‬وو�ضعها‬ ‫مو�ضع التنفيذ‪ ،‬دون ازدواجية يف املعايري؛‬ ‫ل�ضمان عودة ّ‬ ‫احلق �إىل �أ�صحابه‪ ،‬و�إنهاء‬ ‫الظلم؛ ل ّأن ذلك من �ش�أنه �أن يكون له‬ ‫دور وافر يف الق�ضاء على �أ�سباب العنف‪،‬‬ ‫والغل ّو‪ ،‬والتطرف "(‪.)3‬‬ ‫وتعيد ر�سالة عمان وفق هذا املق�صد‬ ‫ت�أ�سي�س املنهج الها�شمي املعا�صر يف‬ ‫الو�سطية‪ ،‬باعتبارها �أحد املبادئ‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬واالجتماعية التي ميار�سها‬ ‫الها�شميون يف حماية الإ�سالم‪ ،‬و�إعادة‬ ‫تعريف النا�س به‪ ،‬وهذه احلكمة تنبع‬ ‫قيمتها من حجم التطرف الذي يحتل‬ ‫م�ساحات وا�سعة داخل بع�ض التيارات‬ ‫الإ�سالمية ولدى الأديان الأخرى‪.‬‬ ‫والدين الإ�سالمي كما جاء يف ر�سالة‬ ‫عمان يقوم على التوازن‪ ،‬واالعتدال‪،‬‬ ‫وال�سهولة‪ ،‬وال�سماحة‪ ،‬ورفع احلرج‬ ‫وامل�شقة عن النا�س‪ ،‬وهذا من �ش�أنه �أن‬ ‫ي�سهم يف الق�ضاء على التطرف والتزمت‬ ‫يف الدين‪� ،‬أو الت�ساهل يف �أحكامه ‪ ،‬بحجة‬ ‫الأخذ مبقا�صد ال�شريعة (‪.)4‬‬ ‫(‪-)1‬ر�سالة عمان ال�سمحة‪ ،‬اململكة الأردنية‬ ‫الها�شمية‪ ،‬يف ‪ 26‬رم�ضان ‪1425‬هجري ‪ 9 ،‬ت�شرين‬ ‫الثاين من عام ‪2004‬م‪� ,‬ص‪. 5-2‬‬ ‫(‪-)2‬ر�سالة عمان ال�سمحة ‪�,‬ص‪.6 ,5 ,4‬‬ ‫(‪-)3‬املرجع نف�سه‪.‬‬ ‫(‪-)4‬املرجع نف�سه ‪� ,‬ص ‪.5 ,4 ,1‬‬

‫‪11‬‬


‫وسطيتنا‬

‫‪12‬‬

‫الحوار والـتعايش‬ ‫بين اإلسالم والمسيحية‬

‫�أ‪.‬د‪.‬حممد �أحمد الق�ضاة‬

‫عا�ش امل�سلمون وامل�سيحيون ع�صورا يف وئام‪ ،‬كان يجمعهم الوطن الواحد‪ ،‬وامل�صالح‬ ‫امل�شرتكة‪ ،‬يحرتمون عقائد بع�ضهم‪ ،‬الدين والنف�س والعر�ض واملال و�أماكن العبادة كلها‬ ‫م�صونة حمرتمة‪ ،‬الظامل املعتدي على حقوق الآخرين يحا�سب‪ ،‬ومن �سعى لنق�ض عُرى‬ ‫املحبة واملودة بني الطرفني يعزل‪ ،‬يجتمعون يف ال�سراء وال�ضراء‪ ،‬يتوا�صلون يف املحن‪،‬‬ ‫يفرجون عن بع�ضهم وقت الأزمات‪ ،‬عدوهم واحد هو الذي يهدد م�صالح اجلميع‪،‬‬ ‫وقد �ساد االحرتام املتبادل منذ بعثة الر�سول الكرمي �صلى اهلل عيه و�سلم و�إىل يومنا‬ ‫هذا‪ُ ،‬يكلل هذا االحرتام حديث الر�سول الكرمي «من �آذى ذميا فقد �آذاين»‪ ،‬مل مينع‬ ‫امل�سيحيون يف تاريخ الدولة الإ�سالمية من ارتياد �أماكن عباداتهم‪ ،‬لأنها م�صونة ولها‬ ‫حرمة‪ ،‬ومل ي�ضيق على فكرهم‪ ،‬ومل يحجر على �آرائهم حتى ولو كانت خمالفة لر�أي‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬وقد �أبدع يف الدولة اال�سالمية من امل�سيحيني املواطنني‪ ،‬حيث �سجل لهم‬ ‫التاريخ اال�سالمي هذه االبداعات العلمية والتقنية‪ ،‬وكانوا بحق مواطنني �صاحلني‪،‬‬ ‫ي�شعرون بعزتهم وكرامتهم‪ ،‬النها حممية من الد�ستور اال�سالمي العادل‪ ،‬نالوا حقوقهم‬ ‫كاملة غري منقو�صة يف املا�ضي واحلا�ضر‪ ،‬مل يجر�ؤ احد على عقابهم دون ذنب‪ ،‬او النيل‬ ‫من اعرا�ضهم‪.‬‬


‫مل توقظ الفتنة يف يوم من االيام‪ ،‬الن‬ ‫عقالء االمة دفنوها‪ ،‬ومل يحرك احد‬ ‫م�س�ألة االختالف يف الدين يف احلقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬وانها جوهر ال�صراع بني‬ ‫االديان ال�سماوية‪ ،‬وكان احلوار ايجابيا‬ ‫حتى يف الق�ضايا اخلالفية للتفاهم على‬ ‫ما يجمع وال يفرق‪ ،‬و�سعى امل�سلمون يف‬ ‫خمتلف الع�صور اىل بث روح الت�سامح‪،‬‬ ‫واحرتام ان�سانية االن�سان‪ ،‬ونبذ التع�صب‬ ‫الكريه والعنف ايا كانت �صوره‪ ،‬وتر�سيخ‬ ‫مفهوم االعتدال يف التعامل وال�سلوك‪� ،‬أكد‬ ‫هذه املعاين االن�سانية ال�سامية الر�سول‬ ‫الكرمي يف وثيقة املدينة املنورة‪ ،‬عندما‬ ‫حدد العالقة والروابط بني امل�سلمني‬ ‫وغريهم من مواطني املدينة املنورة وكان‬ ‫فيها من اليهود وغريهم‪ ،‬وقد اظهرت‬ ‫الوثيقة النبوية �سمو نظرة اال�سالم‪،‬‬ ‫وحر�صه على توطيد العالقة القائمة‬ ‫على االحرتام املتبادل بينه وبني اهل‬ ‫االديان مع مراعاة اخل�صو�صية العقدية‬ ‫والعبادية لكل اهل ملة‪ ،‬كما �أكد هذه‬ ‫املعاين اخلليفة الرا�شد عمر ر�ضي اهلل عنه‬ ‫عندما فتح القد�س‪ ،‬حيث رف�ض ال�صالة‬ ‫يف كني�سة القيامة احرتاما وحر�صا منه‬ ‫على اخل�صو�صية‪ ،‬فلم يقلل من �ش�أن‬ ‫امل�سيحية‪ ،‬او يطعن يف كتابها املقد�س‪ ،‬او‬ ‫ي�شك يف نبوة عي�سى عليه ال�سالم‪ ،‬علما‬ ‫بان من اركان اميان امل�سلم ان ي�ؤمن‬ ‫بالكتب ال�سماوية‪ ،‬والر�سل الكرام الذين‬ ‫ورد ذكرهم يف القر�آن العظيم‪.‬‬ ‫وعند ا�ستقراء حوادث التاريخ هل ين�سى‬ ‫العامل امل�سيحي ما فعله ال�صليبيون من‬ ‫الغرب يف االر�ض املقد�سة‪ ،‬حيث احرقوا‬ ‫االخ�ضر والياب�س‪ ،‬واراقوا دماء امل�سلمني‬ ‫االبرياء‪ ،‬ويف ال�صورة املقابلة تتجلى �صورة‬ ‫الت�سامح واالن�سانية عندما ا�سرتد القائد‬ ‫امل�سلم �صالح الدين االيوبي القد�س من‬ ‫الغا�صبني‪ ،‬كيف �صفح و�سامح وعفا‪ ،‬وقام‬

‫برتحيل الدخالء القتلة اىل بالدهم‬ ‫�آمنني‪ .‬بجانب هذه ال�صور امل�شرقة التي‬ ‫�أكدت وعززت �صفاء العالقة بني اال�سالم‬ ‫وامل�سيحية من تاريخ اال�سالم وامل�سلمني‬ ‫يف املا�ضي واحلا�ضر ت�أتي حما�ضرة‬ ‫وت�صريحات بابا الفاتيكان‪ ،‬والتي ا�ستقى‬ ‫معلوماته التي يفوح منها رائحة التحامل‬ ‫والكراهية من االر�شيف العتيق الذي‬ ‫يطوي بني �صفحاته الغث وال�سمني‬ ‫من االخبار واالقاويل الباطلة عن‬ ‫ر�سالة الر�سول الكرمي‪ ،‬وعن الفتوحات‬ ‫اال�سالمية‪.‬‬ ‫لقد جاء القر�آن العظيم باحلجة‬ ‫ال�ساطعة‪ ،‬وهو يخاطب العقل‪ ،‬ويرفع من‬ ‫�ش�أنه‪� ،‬ألي�ست القاعدة االوىل يف اال�سالم‬ ‫«فكر لت�ؤمن» ولي�ست «اطفئ نور عقلك‬ ‫ثم �آمن» وهكذا انت�شر اال�سالم يف ا�صقاع‬ ‫االر�ض‪ ،‬حيث قام على االقناع‪ ،‬ومل ينت�شر‬ ‫بحد ال�سيف والعنف كما يعتقد من تلوثت‬ ‫افكارهم وعقائدهم باملعلومات امل�أفونة‪،‬‬ ‫وقد تنزل على الر�سول الكرمي «وما‬ ‫ار�سلناك اال رحمة للعاملني»‪« .‬ادع اىل‬ ‫�سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة»‪.‬‬ ‫«وجادلهم بالتي هي اح�سن»‪ .‬قال عز وجل‬ ‫«وال جتادلوا اهل الكتاب اال بالتي هي‬ ‫اح�سن»‪ .‬وقال عز وجل «قل يا اهل الكتاب‬ ‫تعالوا اىل كلمة �سواء»‪.‬‬ ‫لقد افتخر امل�سيحيون يف بلدنا‬ ‫االردن باال�سالم دينا وح�ضارة‪ ،‬وعا�ش‬ ‫امل�سلمون وامل�سيحيون حلمة واحدة يف‬ ‫ال�سراء وال�ضراء‪ ،‬غلبوا امل�صالح العامة‬ ‫على امل�صالح ال�شخ�صية‪ ،‬اطف�أوا نار‬ ‫العداوة والكراهية‪ ،‬وفجروا �سواقي‬ ‫الت�سامح واملحبة واالخوة ال�صافية‪ ،‬ويف‬ ‫اعتقادي ان ت�صريحات البابا ذهبت ادراج‬ ‫الرياح‪ ،‬النها كانت جمافية للحقائق‬ ‫العلمية والتاريخية ال�صادقة‪ ،‬ومل‬ ‫تكن �صحيحة ومقنعة حتى لالن�سان‬

‫العادي‪ ،‬وقد توىل الرد عليه اكابر رجال‬ ‫الدين امل�سيحي الذين ينظرون مبيزان‬ ‫العدالة‪ ،‬وباءت املحاوالت اخلبيثة التي‬ ‫ارادت تعكري االجواء‪ ،‬وتلويث الروابط‪،‬‬ ‫وقطع احلوار االيجابي‪ ،‬والتعاي�ش بني‬ ‫اال�سالم وامل�سيحية بالف�شل‪ ،‬بف�ضل نظرة‬ ‫العقالء من امل�سلمني وامل�سيحيني علما‬ ‫بانه قد تعاقب على كر�سي البابوية يف‬ ‫الفاتيكان ا�شخا�ص نبالء عقالء‪ ،‬حافظوا‬ ‫على البناء والتقريب‪ ،‬وعلى الكني�سة‬ ‫الكاثوليكية ان حتافظ يف اختيارها لهذا‬ ‫الكر�سي املحرتم العقالء املحبني للحوار‬ ‫والتعاي�ش واالنفتاح املبني على قاعدة‬ ‫«وجادلهم بالتي هي اح�سن» دون جتريح‬ ‫او طعن‪ ،‬او اثارة النعرات‪ ،‬او ايقاظ الفنت‪،‬‬ ‫و�صدق اهلل العظيم «واهلل غالب على امره‬ ‫ولكن اكرث النا�س ال يعلمون»‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫وسطيتنا‬

‫‪14‬‬

‫بقلم املحامي‪ :‬كامل �أبو �صقر‬

‫النموذج الرباني‬ ‫للعولمة‬ ‫وفق رؤية إسالمية‬ ‫وسطية جديدة‬

‫�إن �إبراز النموذج الرباين للعوملة وفق ر�ؤية �إ�سالمية‬ ‫و�سطيه جديدة ‪ ،‬منطلقني من �أن الإن�سان خليفة اهلل‬ ‫يف الأر�ض ؛ لكونه هو املركز والهدف النهائي‪ ،‬وهو‬ ‫الذي �سخر اهلل من �أجله جميع النظم املقروءة والنظم‬ ‫املنظورة �سواء يف ال�سموات �أو يف الأر�ض‪ ،‬وكرمه على من‬ ‫خلق حتى املالئكة‪ ،‬فكل �شيء يجب �أن يكون خلدمة‬ ‫الإن�سان‪� ،‬سواء كانت النواحي املادية والتطبيقية‪� ،‬أو‬ ‫النواحي املعنوية والروحانية والأخالقية والإن�سانية‪� ،‬أو‬ ‫العوملة التجارية �أو العوملة بنماذجها املختلفة‪.‬‬


‫لهذا ف�إنه يجب �أال تكون الثقافة‬ ‫مبعناها الوا�سع هي ال�سبب يف �صدام‬ ‫احل�ضارات كما يروجون لذلك؛ لأن‬ ‫هناك �سمات م�شرتكة بني كل النا�س‪ ،‬فهم‬ ‫م�شرتكون يف الأ�صل الطيني "الرتاب"‪،‬‬ ‫وبالنفخة الربانية‪ ،‬وبالفطرة الدينية‪،‬‬ ‫وبالإقرار بالربوبية يف عامل الذر‪ ،‬وبنظم‬ ‫الأ�سماء والأ�شكال التي علمت لآدم (عليه‬ ‫ال�سالم)‪ ،‬وبنظم املعاين واملفاهيم التي‬ ‫علمت لنوح (عليه ال�سالم)‪ ،‬و�إبراهيم‬ ‫الذي جمع بينهما‪ ،‬والتي توارثوها عن‬ ‫طريق اجلينات‪� ،‬أو التواتر‪ ،‬وحممد (عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم) الذي �أعاد جمع هذه‬ ‫النظم بعد �أن �ضل �أ�صحابها الطريق‪.‬‬ ‫و�إذا ما �أردنا التو�سع يف الوحدة امل�شرتكة‬ ‫للمعرفة والثقافة‪ ،‬ف�إننا ن�ستطيع �أن مند‬ ‫وحدة املعرفة �إىل خملوقات �أخرى‪ ،‬وهي‬ ‫�أمم مثلنا‪� ،‬سواء �أكانت يف الكون والطبيعة‬ ‫مبعناهما الوا�سع‪� ،‬أم يف احليوان �أو النبات؛‬ ‫حيث الت�سبيح الذي ال نفقهه‪ ،‬وال�سجود؛‬ ‫�أي الطاعة للخالق الذي ي�أبى كثري من‬ ‫النا�س �أن ي�سجدوا له‪ ،‬فهذا املد لنظرية‬ ‫وحدة املعرفة �إىل الكائنات الأخرى‪� ،‬أو‬ ‫لنقل �إىل تلك املجتمعات من احل�شرات‬ ‫والنمل والنحل‪ ،‬وحقيقة االت�صال فيما‬ ‫بينها‪ ،‬والتي وهب اهلل �سليمان (عليه‬ ‫ال�سالم) فهم مقولة تلك النملة‪.‬‬ ‫ف�إذا كان ذلك مع خملوقات �أخرى‪،‬‬ ‫فكيف �إذا ما عرفنا �أن جميع ال�شعوب‬ ‫والأمم ت�شرتك بتحرمي وكراهية ال�سفاح‬ ‫بني الأقارب والنفور منه‪ ،‬وجتل ف�ضيلة‬ ‫الإيثار‪ ،‬وم�س�ألة البحث عن الذات‪� ،‬أو‬ ‫احتالل موقف �أو مركز ما لي�س من حقه؟‬ ‫و�إذا كان علم الأع�صاب قد �أثبت وجود‬ ‫جينة معينة م�س�ؤولة عن ن�شوة التدين‬ ‫�أو االجنذاب نحو التدين (ويل�سون وحدة‬ ‫املعرفة – جملة نيوزويك يوليو ‪)1998‬‬ ‫وهو ما يوافق قوله تعاىل يف �سورة الروم‬ ‫‪( :‬فطرة اهلل التي فطر النا�س عليها ال‬ ‫تبديل خللق اهلل‪ ،‬ذلك الدين القيم ولكن‬

‫�أكرث النا�س ال يعلمون)(�سورة الروم الآية‪)30‬‬ ‫ومع ذلك ‪ ،‬ف�إن هناك خ�صو�صية لكل‬ ‫خملوق‪� ،‬إ�ضافة �إىل ذلك ف�إن ت�أثريات‬ ‫البيئة والتعليم والعمل‪ ،‬وخربة احلياة‬ ‫جتعل االختالف والتنوع ال يقت�صر على‬ ‫ال�شعوب والأمم فقط ؛ بل على الأفراد‬ ‫والأ�شخا�ص يف كيان كل �أمة‪.‬‬ ‫وهــو مـا يجعل م�س�ألة و�ضع قانون‬ ‫معني ل�ضبط �سلوك الب�شر وحياتهم �أمراً‬ ‫م�ستحي ً‬ ‫ال‪ ،‬وهذا �سبب �إخفاق فر�ضية‬ ‫فوكوياما بنهاية التاريخ وموتها‪ ،‬والذي‬ ‫يفرت�ض �أن على الأمم �أن حتذو حذو‬ ‫الدميقراطية الليربالية الغربية‪ .‬كما‬ ‫�أن �سبب التخبط يف الأفكار والفر�ضيات‬ ‫م�صدره البعد عن املنهج الرباين الذي‬ ‫ي�صلح لكل الأمم واملخلوقات؛ فاهلل يعلم‬ ‫ما ينا�سبها‪ ،‬وقد بينّ لنا القوا�سم امل�شرتكة‬ ‫بني جميع ال�شعوب والأمم‪ ،‬وو�ضع قانون‬ ‫االختالف واملدافعة‪ ،‬ك�صيانة للأر�ض‬ ‫و�ضمان لعدم ف�سادها‪.‬‬ ‫فالعوملة �إمنا تعني الف�ساد ‪ ،‬ولأنها جتاوز‬ ‫لكلمة اهلل التي �سبقت على جميع اجتاهات‬ ‫العوملة �أو الأقلمة‪ .‬فعامل ماك‪ ،‬على ر�أي‬ ‫بنجامني‪ ،‬يجب �أن يهتدي بالنموذج‬ ‫الرباين �أو على الأقل �أن ال يتجاوز‬ ‫حدوده‪ .‬فعندما يقبل الليل كل منا ي�ضيء‬ ‫م�صابيحه ‪ -‬وفق حالته وظروفه ‪،-‬‬ ‫فهناك امل�صباح الكهربائي‪ ،‬وهناك امل�صباح‬ ‫البدائي‪ ،‬الذي يعمل بالزيت والفتيل‬ ‫وال�سراج‪ ،‬وهناك ملبة الكاز‪ .‬ولكن عندما‬ ‫يبزغ الفجر كل منا يطفئ م�صابيحه؛‬ ‫لأن نور ال�شم�س و�ضياءها �أكرب و�أقوى‬ ‫من كل م�صابيحنا‪ .‬وكذلك الأمر بالن�سبة‬ ‫لأي منهج‪� ،‬أو نظرية‪� ،‬أو �سيا�سة‪� ،‬أو قانون‪،‬‬ ‫�أو فكر‪� ،‬أو علم‪� ،‬أو ثقافة‪� ،‬أو معرفة‪� ،‬أو‬ ‫�سلوك نحو العوملة �أو نظرة كل منا التي‬ ‫ينظر من خاللها �إىل العامل املحيط به‪،‬‬ ‫ويفكر بالأمور والعالقات مع غريه من‬ ‫منطق فهمه‪ ،‬ونظريته‪ ،‬وثقافته‪ ،‬وقانونه‪،‬‬ ‫ومعرفته‪ ،‬وعلمه‪ ،‬ومنهجه‪ ،‬وعوملته‪،‬‬

‫ف�إذا جاء منهاج اهلل و�شريعته و�صراطه‬ ‫امل�ستقيم‪ ،‬فعلى جميع تلك الأفكار‬ ‫والنظريات والأ�ساليب �أن تتوقف متاماً‪،‬‬ ‫كما هي احلال مع امل�صابيح والأنوار التي‬ ‫تتوقف عند قدوم النور وال�ضياء الذي‬ ‫خلقه اهلل‪ ،‬والذى �ضرب مث ً‬ ‫ال لنف�سه‬ ‫به فكان وال يزال ذلك النور ( اهلل نور‬ ‫ال�سموات والأر�ض مثل نوره كم�شكاة‬ ‫فيها م�صباح امل�صباح يف زجاجـة الزجاجة‬ ‫ك�أنها كوكب دري يوقد من �شجرة مباركة‬ ‫زيتونة ال �شرقية وال غربية يكاد زيتها‬ ‫ي�ضيء ولو مل مت�س�سه نار‪ ،‬نور على نور‬ ‫يهدي اهلل لنوره من ي�شاء وي�ضرب اهلل‬ ‫الأمثال للنا�س واهلل بكل �شيء عليم)‬ ‫( �سورة النور رقم ‪ 24‬الآية‪.)35 :‬‬ ‫من �أجل هذا فان الأمنوذج الرباين ‪،‬‬ ‫قادر على �أن يحاور ويعلو على النماذج‬ ‫اخلا�صة بالعوملة و�أ�ساليبها‪ ،‬وال�صعوبات‬ ‫التي تعرقلها وتعيقها‪ ،‬وليبينّ كيفية‬ ‫العوملة التجارية‪ ،‬وكيفية بقائها‬ ‫وتطويرها‪ .‬ومن خالل تلك املحاورة‬ ‫ميكن تطوير �أمنوذج �آخر‪ ،‬و�أ�ضافة ُبعد‬ ‫�آخر‪ ،‬و�سيطفئ جميع النماذج ال�سابقة‪،‬‬ ‫�أو يحد من تطرفها‪� ،‬أو يجعلها تتوقف‬ ‫عند حدود الأمنوذج الذي ر�سمه لنا اهلل‪.‬‬ ‫ولكون الأمنوذج من كتاب اهلل؛ وكتاب‬ ‫اهلل حق و�صـدق‪ ،‬ال ي�أتيه الباطل من بني‬ ‫يديه وال من خلفه‪ ،‬ف�إن جميع النماذج‬ ‫الأخرى �ستخبو رويداً رويداً‪ .‬ومبقدار‬ ‫تقدم الأمنوذج الرباين املبلور ترتاجع‬ ‫تلك النماذج؛ فتلك النماذج ما كان لها‬ ‫�أن ت�سود لوال �أن امل�سلم ترك الأمنوذج‬ ‫الرباين وهجره‪ ،‬ولكن اهلل وعد �أن‬ ‫يظهره على جميع النماذج الأخرى من‬ ‫العوملة التجارية والإدارية‪ ،‬مبا فيها من‬ ‫النماذج والآليات والنظم‪ ،‬ولكن وفق ر�ؤية‬ ‫�إ�سالمية و�سطيه جديدة‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫وسطيتنا‬

‫‪16‬‬ ‫بقلم الدكتور ‪ :‬حممد خري العي�سى‬

‫الوسطية في اإلسالم‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على �سيد املر�سلني �سيدنا حممد (�ص) وعلى‬ ‫�آله و�أ�صحابه �أجمعني‪:‬‬ ‫للإ�سالم خ�صائ�صه وميزاتة فهو رباين املنهج رباين الغاية رباين الوجهة والق�صد كما‬ ‫�أن هذا الإ�سالم دين احلياة الإن�سانية �إىل قيام ال�ساعة ملا ت�ضمنه من خ�صائ�ص ومميزات‬ ‫والتي من �أعظمها على الإطالق الو�سطية واالعتدال التي متكن الإن�سان من تطبيقه يف‬ ‫كل زمان ومكان ملوافقته للفطرة الإن�سانية التي جبلت على االعتدال يف املزاج وامل�شاعر‬ ‫والقدرات وامللكات والتكوين ولذلك ال تكلف النف�س �إال و�سعها والو�سطية من معانيها‬ ‫جمانبة الإفراط والتفريط والبعد عن املغاالة والتق�صري يف كل �شيء وهو الطريقة‬ ‫املثلى وال�سرية املر�ضية كما �أن من معانيها العدل بني الأ�شياء �أو التعادل بني طرفني‬ ‫متقابلني بحيث ال ينفرد �أحدهما بالت�أثري دون الآخر وبحيث الي�أخذ �أحد الطرفني‬ ‫�أكرث من حقه ويطغى على الطرف الآخر ويحيف عليه فال �إفراط وال تفريط وال غلو‬ ‫وال تق�صري قيل البن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما‪� :‬إن العرب تقول ‪:‬حب التناهي �شطط‬ ‫‪ ,‬وخري الأمور الو�سط ‪ ،‬فهل هذا موجود يف القران ؟ قال تعاىل‪ :‬يف �أربعة موا�ضع يف‬ ‫كتبابه الكرمي وا�صفا بقرة مو�سى عليه ال�سالم ( َقا ُلواْ ا ْد ُع َل َنا َر َّب َك ُي َب نِّي َّل َنا َما هِ َي َقا َل‬ ‫�إِ َّن ُه َي ُق ُ‬ ‫ول �إِ َّنهَا َب َق َر ٌة َّال َفار ٌ‬ ‫ِ�ض َو َال ِب ْك ٌر َع َو ٌان َبينْ َ َذل َِك) (البقرة‪� )68/‬أي و�سط بني الكرب‬ ‫وال�صغر يف ال�سن ‪.‬‬


‫ويف قوله تعاىل ‪َ ( :‬و َال تجَ ْ َع ْل َيد َ​َك َم ْغ ُلو َل ًة‬ ‫ِ�إلىَ ُع ُنق َِك َو َال َت ْب ُ�س ْطهَا ُك َّل ا ْل َب ْ�س ِط )‬ ‫(اال�سراء‪� )29/‬أي متو�سط بني االمرين‬ ‫يف االنفاق ‪.‬‬ ‫ويف قوله تعاىل ‪َ ( :‬و َال تجَ ْ َه ْر ب َِ�صالت َِك‬ ‫َو َال ُت َخافِتْ ِبهَا َوا ْب َت ِغ َبينْ َ َذل َِك َ�س ِبي ً‬ ‫ال)‬ ‫(اال�سراء‪ )110/‬وهذا ال�سبيل هو الو�سط‬ ‫يف القراءة ‪.‬‬ ‫ويف قوله تعاىل ‪ :‬يف مدح املعتدلني من‬ ‫كرماء امل�ؤمنني ‪َ ( :‬وا َّلذِ َ‬ ‫ين ِ�إ َذا �أَن َف ُقوا‬ ‫لمَ ْ ُي ْ�س ِر ُفوا َولمَ ْ َيقْترُ ُ وا َو َكا َن َبينْ َ َذل َِك‬ ‫َق َوا ًما) (الفرقان‪� )67/‬أي و�سطاً يف‬ ‫املعي�شة فالو�سطية من مقومات ر�سالة‬ ‫الإ�سالم اخلالدة �إىل يوم القيامة القائمة‬ ‫على العاملية واخللود واخلامتية تتطلب‬ ‫املنهج الر�صني واحلكيم والنابع من‬ ‫منطق العقل احل�صيف �أو العقالنية ‪،‬‬ ‫واحلكمة واالعتدال وال�سماحة والتوازن‪،‬‬ ‫وم�سايرة الفطرة الإن�سانية‪ ،‬والواقع‬ ‫املعي�شي ومراعاة اختالف الأمزجة‬ ‫وامليول والنزعات والرغائب‪ ،‬و�إقرار‬ ‫الأمن وال�سالم ‪ ،‬واحلر�ص على تطبيق‬ ‫العدل وامل�ساواة واحلرية ‪ ،‬و�صون‬ ‫الكرامة الإن�سانية ‪ ،‬وكل ما من �ش�أنه‬ ‫احلفاظ على حقوق الإن�سان‪ ،‬والإ�شادة‬ ‫بالبناء العقدي الرا�سخ والبعد عن كل‬ ‫عوامل الهدم وال�ضعف والأ�ساطيل‬ ‫واخلرافات والتعاملي والأخالقي‬ ‫وال�سلوكي واالقت�صادي والإن�ساين‪،‬‬ ‫والفقه احل�ضاري القومي القائم على‬ ‫التجرد واملو�ضوعية والتعادل يف التبادل‪،‬‬ ‫واال�ستقرار وال�شمول‪ ،‬والواقعية املن�سجمة‬ ‫مع املثل العليا القائمة على حمبة اخلري‬ ‫والإح�سان ‪ ،‬والت�ضحية والإيثار ‪ ،‬والأخوة‬ ‫الإن�سانية ‪ ،‬واالعتقاد احلق ‪ ،‬وتر�سيخ‬ ‫معامل املدنية والتح�ضر‪ ،‬وتوفري ال�شعور‬

‫بالطم�أنينة والإح�سا�س بال�سعادة الغامرة‬ ‫يف عامل الدنيا والآخرة ‪ ،‬وال �سيما يف‬ ‫ع�صرنا احلا�ضر(‪ )1‬حيث يتعر�ض الإ�سالم‬ ‫و�أهله لتحديات خطرية‪ ،‬واتهامات‬ ‫مغر�ضة و�إفرتاءات و�أباطيل يف مظلة ما‬ ‫�سموه مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف‬ ‫والإ�سالم منه براء ‪ .‬فالإ�سالم �أيها‬ ‫الإخوة و�سط يف كل �شيء فهو و�سط بني‬ ‫املادية والروحية وبني الواقعية واملثالية‬ ‫وبني الفردية الطاغية واجلماعية‬ ‫التي ت�سحق الفرد وتلغيه بني احلاجات‬ ‫امللحة والقيم البعيدة وبني نوازع اجل�سد‬ ‫ومتطلبات الروح حتى يرتقي �أتباع هذا‬ ‫الدين �إىل حقيقة وجودهم ودورهم يف‬ ‫هذا الكون ويقوم بوظيفتهم املوكولة‬ ‫�إليهم من اهلل عز وجل ‪ِ ( :‬ل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيداً)‬ ‫َعلَى ال َّن ِ‬ ‫(البقرة‪ )143/‬فالأمة هي التي ت�شهد على‬ ‫النا�س جميعاً لتقيم بينهم العدل والق�سط‬ ‫وت�ضع لهم املوازين والقيم وهذا يقت�ضي‬ ‫قوة الأمة ور�سوخها لتتمكن من �أداء هذا‬ ‫املهمة ولذلك لي�س غريباً �أن تكون القوة‬ ‫من معاين الو�سطية كما يخربنا بذلك‬ ‫�أهل العلم لكي ين�سجم ذلك مع دور‬ ‫الأمة يف القيام على الب�شرية لتق ِّوم املعوج‬ ‫وتعدل املنحرف بالدعوة �إىل اهلل والكلمة‬ ‫الطيبة قال تعاىل ‪ُ ( :‬كن ُت ْم َخيرْ َ �أُ َّم ٍة‬ ‫وف َو َت ْن َه ْو َن‬ ‫ا�س َت ْ�أ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫�أُ ْخر َِجتْ لِل َّن ِ‬ ‫ع َِن المْ ُن َك ِر َو ُت�ؤْمِ ُنو َن بِاللهَّ ِ)‬ ‫(�آل عمران‪. )110/‬‬ ‫ق ّوموا الب�شرية بالأمر باملعروف‬ ‫واملعروف لي�س فقط يف معنى ما تقولون‬ ‫ولكن �أي�ضاً بطبيعة الأ�سلوب والكلمة‬ ‫الطيبة وكذلك النهي عن املنكر باال�سلوب‬ ‫الطيب والكلمة الطيبة ‪ ( :‬اد ُع �إىل �سبيل‬ ‫ر ِّبك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم‬

‫با َّلتي هي �أح�سن ) (النحل‪. )125/‬‬ ‫ومن معاين الو�سطية التي �أرداها اهلل‬ ‫تعاىل لهذة الأمة �سم ًة ومنهجاً الو�سطية‬ ‫يف الإعتقاد والت�صور فالإ�سالم و�سط بني‬ ‫الغلو يف الإنغما�س يف اجلانب الروحي‬ ‫والإرتكا�س يف اجلانب املادي بني �إعتقاد‬ ‫اخلرافيني الذين ي�صدقون بكل �شيء‬ ‫وي�ؤمنون بكل خيال وبني املاديني الذين‬ ‫ينكرون كل �شيء ال يقع حتت احل�س وال‬ ‫ي�صغون ل�صوت الفطرة ونداء العقل‬ ‫الر�شيد(‪ )2‬فالإ�سالم يتو�سط بني هذا كله‬ ‫فيعطي كل ذي حق حقه ‪ ،‬فالإن�سان خلقه‬ ‫اهلل من مادة وروح وزوده بطاقات وملكات‬ ‫‪ ،‬و�شريعة اهلل تعطي لهذا الكيان املزودج‬ ‫الطاقات حقه املتكامل من كل زاد وتعمل‬ ‫لرتفيه احلياة ورفعها قال تعاىل ‪ ( :‬وابتغ‬ ‫تن�سى‬ ‫فيما �آتاك اهلل الدَّار الآخرة وال‬ ‫َ‬ ‫ن�صيبك من الدُّ نيا ) ( الق�ص�ص‪. )77/‬‬ ‫والإ�سالم كذلك هو و�سط يف العبادة‬ ‫والطاعة دون �إفراط وال تفريط روي عن‬ ‫ابن امامه ( قال ‪ :‬قال ر�سول ) ‪� ( :‬إن‬ ‫اهلل بعثني باحلنيفية ال�سمحة ومل �أُبعث‬ ‫بالرهبانية املبتدعة فكلوا اللحم و�أتوا‬ ‫الن�ساء و�صوموا وافطروا وقوموا وناموا‬ ‫ف�إين بذلك �أُمرت ) (رواه الروياين) ‪.‬‬ ‫وال يخفى على احد معنى حديث ان�س‬ ‫قال ‪ ( :‬جاء ثالثة رهط �إىل بيوت ازواج‬ ‫النبي ) ي�س�ألون عن عبادته عليه ال�سالم‬ ‫فلما �أخربوا بها ك�أنهم ت َّقالوها‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫(واين نحن من النبي ) قد غفر له ما‬ ‫تقدم من ذنبه وما ت�أخر ‪ ،‬قال �أحدهم‬ ‫�أما �أنا ف�إين �أُ�صلي الليل �أبداً ‪ ،‬وقال �آخر‬ ‫�أنا �أ�صوم الدهر وال �أفطر‪ ،‬وقال �آخر‬ ‫�أنا �أعتزل الن�ساء فال �أتزوج �أبداً ‪ ،‬فجاء‬ ‫الر�سول ) فقال �أ�أنتم قلتم كذا وكذا ‪ ،‬واهلل‬ ‫�إين لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم له لكني �أ�صوم‬

‫‪17‬‬


‫وسطيتنا‬

‫‪18‬‬

‫و�أفطر و�أ�صلي و�أرقد واتزوج الن�ساء فمن وال�سالم ودين الب�شرية �إىل قيام ال�ساعة ‪.‬‬ ‫ومن مزايا الو�سطية وفوائدها ‪:‬‬ ‫رغب عن �سنتي فلي�س مني‪.‬‬ ‫(رواه البخاري)‬ ‫لقد كان من حكمة اهلل تعاىل �أن اختار‬ ‫وكذلك ف�إن الإ�سالم و�سط يف تنظيم �أمور‬ ‫الو�سطية �أو التوازن �شعاراً مميزاً لهذه‬ ‫الأمة و�إقامة نظامها فال يدع احلياة كلها‬ ‫الأمة التي هي �آخر الأمم‪ ،‬ولهذه الر�سالة‬ ‫للم�شاعر وال�ضمائر وال يدعها للت�شريع‬ ‫التي ختم بها الر�ساالت الإلهية‪ ،‬وبعث‬ ‫والت�أديب و�إمنا يرفع �ضمائر الب�شر‬ ‫بها خامت �أنبيائه ر�سو ًال للنا�س جميعاً‪،‬‬ ‫بالتوجيه والتهذيب ويكفل نظام املجتمع‬ ‫ورحمة للعاملني ‪،‬ومن مزايا هذه الو�سطية‬ ‫بالت�شريع والت�أديب ويزاوج بني هذا وتلك‬ ‫وفوائدها‪:‬‬ ‫فال يدع النا�س ل�سوط ال�سلطان وال يكلهم‬ ‫لوحي الوجدان ولكن يزاوج بني هذا وذاك ‪ 01‬الو�سطية �أليق بالر�سالة اخلالدة ‪:‬‬ ‫كما بينّ ذلك �أهل العلم ‪ ،‬وكذلك ف�إن فقد يجوز يف ر�سالة مرحلية حمدودة‬ ‫الو�سطية ت�شمل الإرتباطات والعالقات الزمن والإطار �أن تعالج بع�ض التطرف يف‬ ‫بني الأمة ب�أفرادها وجماعاتها وبني الأمة ق�ضية ما بتطرف م�ضاد‪ ،‬ف�إذا كان هناك‬ ‫وغريها من الأمم حترتم ذاتها وحترتم مبالغة يف الدعوة �إىل الواقعية ُقو ِومَت‬ ‫عهودها ومواثيقها ‪ ( :‬يا �أ َّيها الذين �آمنوا مببالغة مقابلة يف الدعوة �إىل املثالية‪ ،‬و�إذا‬ ‫كان هناك غلو يف النزعة املادية‪ ،‬رد عليها‬ ‫�أوفوا بالعقود ) (املائدة‪. )1/‬‬ ‫كما �أن الو�سطية لهذا الأمة ت�شمل بغلو معاك�س يف النزعة �إىل الروحية‪.‬‬ ‫الزمان واملكان يف الأر�ض بني ال�شرق ف�إذا �أدت الدعوة املرحلية دورها املوقوت‪،‬‬ ‫والغرب وال�شمال واجلنوب ومكة هي �أم وحدَّت من الغلو ولو ِب ُغل ٍّو مثله كان ال‬ ‫القرى التي خلقها اهلل ثم دحى الأر�ض بد من العودة �إىل احلد الو�سط‪ ،‬و�إىل‬ ‫من حتتها قال تعاىل ‪ ( :‬لتنذر �أ َّم القرى ال�صراط ال�سوي‪ ،‬فتعتدل كفتا امليزان‪،‬‬ ‫ومن حولها ) (ال�شورى‪ )7/‬ولذلك جعل وهذا ما جاءت به ر�سالة الإ�سالم بو�صفها‬ ‫البيت احلرام قبلة للنا�س باعتبارها ر�سالة عاملية خالدة على �أن يف الو�سطية‬ ‫مركز الكون وو�سطه ‪ ،‬اليه تدور الر�ؤو�س معاين �أخرى متيز منهج الإ�سالم و�أمة‬ ‫ال لل�سيادة واخللود(‪)3‬‬ ‫والعيون بال�صالة وحوله تدور الأج�ساد الإ�سالم وجتعلها �أه ً‬ ‫والقلوب باحلج والطواف ‪.‬‬ ‫هذا هو الإ�سالم الذي ُي ْظلَم اليوم من ‪ 0 2‬الو�سطية تعني العدل ‪:‬‬ ‫فمن معاين الو�سطية التي و�صفت‬ ‫�أبنائه �إما ب�س�ؤ الفهم �أو ب�س�ؤ التطبيق‬ ‫و ُيظلم اليوم من �أعدائه �إما جلهلهم به بها الأمة يف الآية الكرمية ورتبت عليها‬ ‫وبغ�ض �شهادتها على الأمم كلها ‪ :‬العدل الذي‬ ‫وعدم فهمه �أي�ضاً و�إما حلقد عليه ٍ‬ ‫لأهله وواجب على امل�سلمني �أن يعيدوا هو �ضرورة لقبول �شهادة ال�شاهد‪ ،‬فمن مل‬ ‫النظر يف فهم دينهم العظيم ليعرفوه يكن عدال ف�إن �شهادته مردودة مرفو�ضة‬ ‫ويفهموه ويطبقوه على �أنف�سهم كما �أراد �أما ال�شاهد العدل واحلاكم العدل فهو‬ ‫اهلل ثم بعد ذلك يعر�ضوه على النا�س املر�ضي بني كافة النا�س ‪.‬‬ ‫ف�إن الإ�سالم دين الرحمة ودين املحبة وتف�سري الو�سط يف الآية بالعدل مروي‬ ‫عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ) ‪ :‬فقد‬

‫روى الإمام �أحمد عن �أبي �سعيد اخلدري‬ ‫�أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ) ‪ ،‬ف�سر‬ ‫الو�سط هنا بالعدل ‪.‬‬ ‫والعدل والتو�سط والتوازن عبارات‬ ‫متقاربة املعنى‪ ،‬فالعدل يف احلقيقة تو�سط‬ ‫بني الطرفني املتنازعني �أو الأطراف‬ ‫املتنازعة دون ميل �أو حتيز �إىل �أحدهما‬ ‫�أو �أحدها‪ ،‬وهو بعبارة �أخرى‪ :‬موازنة بني‬ ‫هذه الأطراف بحيث ُيعطي كل منها حقه‬ ‫دون بخ�س وال جور ‪.‬‬ ‫ومن ثم قال زهري بن �أبي �سلمى يف املدح ‪:‬‬ ‫هُ موا و�سط ير�ضى الأنام بحكمهم‬ ‫�إذا نزلت �إحدى اليايل العظائم‬

‫ي�صفهم بالعدل والق�سط وعدم التحيز ‪.‬‬ ‫وقال املف�سرون يف قوله تعاىل ‪َ ( :‬قا َل‬ ‫�أَ ْو َ�س ُط ُه ْم َ�ألمَ ْ َ�أ ُقل َّل ُك ْم َل ْو اَل ُت َ�س ِّب ُحون)‬ ‫( القلم– ‪� . )28‬أي ‪� :‬أعدلهم‬ ‫ي�ؤكد هذا املعنى الإمام الرازي يف تف�سريه‬ ‫بقوله ‪� :‬إن �أعدل بقاع ال�شيء و�سطه‪ ،‬لأن‬ ‫حكمه مع �سائر �أطرافه على �سواء‪ ،‬وعلى‬ ‫اعتدال ‪.‬‬ ‫ويقول املف�سر �أبو ال�سعود‪ :‬الو�سط يف‬ ‫الأ�صل ا�سم ملا ت�ستوي ن�سبة اجلوانب‬ ‫�إليه كمركز الدائرة‪ ،‬ثم ا�ستعري للخ�صال‬ ‫الب�شرية املحمودة لكون تلك اخل�صال‬ ‫�أو�ساطاً للخ�صال الذميمة املكتنفة بها من‬ ‫طرق الإفراط والتفريط ‪.‬‬ ‫فالو�سط �إذاً يعني العدل واالعتدال‬ ‫وبعبارة �أخرى‪ :‬يعني التعادل والتوازن‬ ‫بال جنوح �إىل الغلو �أو �إىل التق�صري ‪)4(.‬‬ ‫‪ 03‬الو�سطية تعني اال�ستقامة ‪:‬‬

‫والو�سطية تعني كذلك‪ :‬ا�ستقامة املنهج‬ ‫والبعد عن امليل واالنحراف فاملنهج‬ ‫امل�ستقيم وبتعبري القر�آن(ال�صراط‬ ‫امل�ستقيم ) هو ‪ -‬كما عرب �أحد املف�سرين‪-‬‬


‫الطريق ال�سوي الواقع و�سط الطرق‬ ‫اجلائرة عن الق�صد �إىل اجلوانب ف�إذا‬ ‫فر�ضنا خطوطاً كثرية وا�صلة بني‬ ‫نقطتني متقابلتني فاخلط امل�ستقيم �إمنا‬ ‫هو اخلط الواقع يف و�سط تلك اخلطوط‬ ‫املنحنية ومن �ضرورة كونه و�سطاً بني‬ ‫الطرق اجلائرة �أن تكون الأمة املهدية‬ ‫�إليه و�سطاً بني الأمم ال�سالكة �إىل تلك‬ ‫الطرق الزائفة‪.‬‬ ‫ومن هنا ع َّلم الإ�سالم امل�سلم �أن ي�س�أل‬ ‫اهلل الهداية لل�صراط امل�ستقيم كل يوم ما‬ ‫ال يقل عن �سبع ع�شرة مرة هي عدد ركعات‬ ‫ال�صلوات اخلم�س املفرو�ضة يف اليوم‬ ‫والليلة وذلك حني يقر�أ فاحتة الكتاب‬ ‫يف �صالته فيقول داعياً ربه ‪( :‬اهدِ َنا‬ ‫*�ص َر َ‬ ‫ال�صِّ َر َ‬ ‫اط ا َّلذِ َ‬ ‫ين �أَن َعمتَ‬ ‫اط املُ�س َتقِي َم ِ‬ ‫ري امل َ ُ‬ ‫غ�ضوبِ َعلَي ِه ْم َو َال َّ‬ ‫ال�ضا ِّل َ‬ ‫ني)‬ ‫َعلَي ِه ْم َغ ِ‬ ‫( الفاحتة ‪)5(. )7-6‬‬ ‫وقد مثل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫للمغ�ضوب عليهم باليهود ولل�ضالني‬ ‫بالن�صارى وال �شك �أن كال من اليهود‬ ‫والن�صارى ميثلون الإفراط‪ ،‬والإ�سالم‬ ‫ُيع ِّلم امل�سلم �أن يحذر من تطرف كال‬ ‫الفريقني �أن يلتزم املنهج الو�سط �أو‬ ‫امل�ستقيم الذي �سار عليه كل من ر�ضي‬ ‫اهلل عنهم و�أنعم عليهم من النبيني‬ ‫وال�صدِّيقني وال�شهداء وال�صاحلني ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ 04‬الو�سطية دليل اخلريية‪:‬‬

‫والو�سطية كذلك دليل اخلريية ومظهر‬ ‫الف�ضل والتميز يف املاديات واملعنويات ففي‬ ‫الأمور املادية نرى �أف�ضل حبات العقد‬ ‫وا�سطته ونرى رئي�س القوم يف الو�سط‬ ‫والأتباع من حوله ويف الأمور املعنوية‬ ‫جند التو�سط دائماً خرياً من التطرف‬ ‫ولهذا قال العرب يف كالمهم ‪ :‬خري‬

‫الأمور الو�سط وقال �أر�سطو‪ :‬الف�ضيلة‬ ‫و�سط بني رذيلتني وقال ابن كثري يف‬ ‫قوله تعاىل ‪�( :‬أمة و�سطا) والو�سط هنا‬ ‫‪ :‬اخليار والأجود كما يقال‪ :‬قري�ش �أو�سط‬ ‫العرب ن�سباً وداراً �أي خريها وكان ر�سول‬ ‫اهلل ) و�سطا يف قومه‪� ،‬أي ‪� :‬أ�شرفهم ن�سباً‬ ‫ومنه‪ :‬ال�صالة الو�سطى التي هي �أف�ضل‬ ‫ال�صلوات ‪.‬‬ ‫‪ 05‬الو�سطية متثل الأمان ‪:‬‬

‫والو�سطية متثل منطقة الأمان والبعد‬ ‫عن اخلطر فالأطراف عادة تتعر�ض‬ ‫للخطر والف�ساد بخالف الو�سط فهو‬ ‫حممي وحمرو�س مبا حوله ويف هذا قال‬ ‫ال�شاعر ‪:‬‬ ‫كانت هي الو�سط املحمي فاكتنفت‬ ‫بها احلوادث حتى �أ�صبحت طرفا‬

‫وكذلك �ش�أن النظام الو�سط والأمة‬ ‫الو�سط ‪)6( .‬‬ ‫‪ 06‬الو�سطية دليل القوة‪:‬‬

‫فالو�سط هو مركز القوة �أال ترى ال�شباب‬ ‫الذي ميثل مرحلة القوة و�سطا بني �ضعف‬ ‫الطفولة و�ضعف ال�شيخوخة؟! وال�شم�س‬ ‫يف و�سط النهار �أقوى منها يف �أول النهار‬ ‫و�آخره؟! ‪)2( .‬‬

‫بها الأفكار املتطرفة يف نقطة ما هي‬ ‫نقطة التوازن واالعتدال كما �أن التعدد‬ ‫واالختالف الفكري يكون حتمياً كلما‬ ‫وجد التطرف وتكون حدته و�شدته بقدر‬ ‫حدة هذا التطرف �أما التو�سط واالعتدال‬ ‫فهو طريق الوحدة الفكرية ومركزها‬ ‫ومنبعها ولهذا تثري املذاهب والأفكار‬ ‫املتطرفة من الفرقة واخلالف بني �أبناء‬ ‫الأمة الواحدة ماال تثريه املذاهب املعتدلة‬ ‫يف العادة ‪.‬‬ ‫�إذاً الإ�سالم دين الرحمة والو�سطية‬ ‫و�أبنا�ؤه هم الذين فهموا هذا الدين على‬ ‫وفق ما �أراد اهلل جل وعال ف�ساروا يف ركب‬ ‫احل�ضارة والرقي وقادوا الأمم وال�شعوب‬ ‫من خالل �أخالقهم وعدالة منهجهم‬ ‫و�صدق ر�سالتهم (‪ )3‬و�صدق اهلل العظيم‬ ‫�إذ يقول ‪َ (:‬و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول‬ ‫ِّل َت ُكو ُنواْ ُ�ش َهدَاء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم َ�شهِيدًا َومَا َج َع ْل َنا ا ْل ِق ْبلَ َة ا َّلتِي ُكنتَ‬ ‫َعلَ ْيهَا �إِ َّال ِل َن ْعلَ َم مَن َي َّت ِب ُع ال َّر ُ�سو َل ممِ َّ ن‬ ‫ري ًة �إِ َّال‬ ‫َين َقل ُِب َعلَى َع ِق َب ْي ِه َو�إِن َكا َنتْ َل َك ِب َ‬ ‫َعلَى ا َّلذِ َ‬ ‫ين َهدَى اللهّ ُ َومَا َكا َن اللهّ ُ ِل ُي ِ�ضي َع‬ ‫ا�س َل َر�ؤُ ٌ‬ ‫وف َّرحِ ي ٌم)‬ ‫�إِميَا َن ُك ْم �إِ َّن اللهّ َ بِال َّن ِ‬ ‫( البقرة‪� :‬آية‪)143‬‬

‫‪ 07‬الو�سطية مركز الوحدة‪:‬‬

‫الو�سطية متثل مركز الوحدة ونقطة‬ ‫التالقي فعلى حني تتعدد الأطراف‬ ‫تعدداً قد ال يتناهى يبقى الو�سط واحد‪،‬‬ ‫ميكن لكل الأطراف �أن تلتقي عنده‬ ‫فهو املنت�صف وهو املركز وهذا وا�ضح يف‬ ‫اجلانب املادي واجلانب الفكري واملعنوي‬ ‫على �سواء ومركز الدائرة يف و�سطها ميكن‬ ‫لكل اخلطوط الآتية من املحيط �أن تلتقي‬ ‫عنده والفكرة الو�سط ميكن �أن تلتقي‬

‫‪-1‬عن مقال لو�سام بن حلمي عبا�س بت�صرف ‪.‬‬ ‫‪ -2‬حممد راتب النابل�سي‬ ‫‪ -3‬د‪.‬يو�سف القر�ضاوي مقال بعنوان مفهوم‬ ‫الو�سطية يف الإ�سالم ‪.‬‬ ‫‪ -4‬مقال بعنوان ثمرات الو�سطية –�شبكة ال�سنه‬ ‫النبوية وعلومها ‪.‬‬ ‫‪ -5‬د يو�سف القر�ضاوي – فقه الو�سطيه الإ�سالمية‬ ‫والتجديد‬ ‫‪ -3-2-1 -6‬املقال ال�سابق‬

‫‪19‬‬


‫وسطيتنا‬

‫‪20‬‬

‫بقلم الأ�ستاذة الدكتورة ‪� :‬أ�سماء القر�شي‬

‫أثر تغير الفتوى‬ ‫زمان ًا ومكان ًا‬

‫في تحقيق التعايش وبث الوسطية‬ ‫واالعتدال‬ ‫ا�س �أُ َّم ًة َواحِ َد ًة َو اَل َي َزا ُلو َن مخُ ْ َت ِل ِف َ‬ ‫ني‪� .‬إِ اَّل‬ ‫قال تعاىل ( َو َل ْو َ�شا َء َر ُّب َك لجَ َ َع َل ال َّن َ‬ ‫َمنْ َرحِ َم َر ُّب َك َو ِل َذل َِك َخلَ َق ُه ْمهود ‪.) 118‬‬ ‫اخلالف بني الب�شر �سنة �إلهية ما�ضية �إىل يوم القيامة وذلك من�ش�أه �إىل‬ ‫اختالف الطباع وامل�صالح و الأهواء‪.‬فما يراه �إن�سان م�صلح ًة قد يراه �إن�سان‬ ‫�آخر مف�سد ًة‪ ،‬وما يحبه �شخ�ص قد يبغ�ضه �شخ�ص �آخرفلوال اخلالف بني‬ ‫النا�س لكانت الدنيا كما هي منذ �أن خلقها اهلل عز وجل ولكن اختالفالآراء‬ ‫و الأهواء خلق نوعاً من التباين والتنوع يف الدنيا لذلك �أر�سل اهلل الر�سل‬ ‫و�أنزل معهم ال�شرعة واملنهاج وحد حدودا حرم فيها احلرام و�أحل احلالل‬ ‫ويف هذا يقول اهلل عز وجل يف كتابه العزيز ( َف�إِن َت َنا َز ْع ُت ْم فيِ َ�ش ْي ٍء َف ُردُّو ُه �إِلىَ‬ ‫اللهّ ِ َوال َّر ُ�سولِ �إِن ُكن ُت ْم ُت�ؤْمِ ُنو َن بِاللهّ ِ َوا ْل َي ْو ِم الآخِ ِر َذل َِك َخيرْ ٌ َو�أَ ْح َ�س ُن َت�أْ ِوي ً‬ ‫ال)‬ ‫(الن�ساء �أيه ‪ " )59‬وهذا ماكان يحدث بني ال�صحابة ور�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم بني �أظهرهم ‪.‬‬


‫روى �أبو �سعيد اخلدرى ر�ضي اهلل عنه‬ ‫�أنه ‪":‬خرج رجالن يف �سفر فح�ضرت‬ ‫ال�صالة ولي�س معهما ماء فتيمما �صعيداَ‬ ‫طيباَ ف�صليا ثم وجدا املاء يف الوقت ف�أعاد‬ ‫�أحدهما الو�ضوء و ال�صالة و مل يعد‬ ‫الأخر ثم �أتيا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و �سلم فذكرا ذلك له فقال للذي مل يعد‬ ‫�أ�صبت ال�سنة و �أجز�أتك �صالتك وقال‬ ‫للذي تو�ض�أ و�أعاد‪ :‬لك الأجر مرتني "‬ ‫فلم ُيحدث اخلالف بني ال�صحابيني‬ ‫ال�شجار و ال�شحناء بينهما و�إمنا عادا‬ ‫بالأمر �إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و‪�.‬سلم‬ ‫وحدث يف زمن الرا�شدين والتابعني‬ ‫ومن بعدهم وهكذا �إىل يوم الدين وهذا‬ ‫اخلالف يف الفروع اليف�سد للود ق�ضية‬ ‫كما يقال ‪..‬‬ ‫قال املحم�صاين يف كتابه (تراث‬ ‫اخللفاء)‪ ،‬وهو يتكلم عن ال�صحابة الكرام‪،‬‬ ‫مان�صه‪" :‬وقد �أقروا مبد�أ تغري االجتهاد‬ ‫فتو�سع عمر الفاروق بوجه خا�ص يف‬ ‫االجتهاد ويف تف�سري الن�صو�ص مبا يالئم‬ ‫حكمة الت�شريع وفالح العباد وينا�سب‬ ‫تطور الزمان واملكان وتقلبات الأحوال‪.‬‬ ‫وتعر�ض يف ذلك مل�سائل عديدة منها‬ ‫امل�ؤلفة قلوبهم‪ ،‬والطالق الثالثي املت�سرع‪،‬‬ ‫وبيع �أمهات الأوالد‪ ،‬وعدم التغريب يف‬ ‫احلدود‪ ،‬و�إعفاء ال�سارق من القطع عام‬ ‫املجاعة‪ ،‬وتطوير عقوبة التعزير ت�أديباً‬ ‫وزجراً للمذنبني واملجرمني‪ ،‬وحتديد‬ ‫عاقلة الدية يف القتل واجلراح‪ ،‬وتف�صيل‬ ‫�أمور �ضريبة اخلراج(‪ )46‬تراث اخللفاء‬ ‫الرا�شدين �ص‪.589 :‬‬ ‫ثم �إن االختالف يف الر�أي‪ -‬بعيدًا‬ ‫ُ‬ ‫اختالف تنوع ال‬ ‫عن الأ�صول‪� -‬إمنا هو‬ ‫اختالف ت�ضادّ‪ ،‬والتنوع دائ ًما م�صدر‬ ‫�إثراء وخ�صوبة‪ ،‬فمن النا�س من مييل‬ ‫�إىل الت�شديد‪ ،‬ومنهم من مييل �إىل‬ ‫التي�سري‪ ،‬ومنهم من ي�أخذ بظاهر الن�ص‪،‬‬ ‫ومنهم من ي�أخذ بفحواه وروحه‪ ،‬ومنهم‬

‫من ي�س�أل عن اخلري‪ ،‬ومنهم من ي�س�أل على �أديان النا�س و�أبدانهم"‬ ‫عن ال�شر خماف َة �أن يدر َكه‪ ،‬ومنهم ذو‬ ‫�أ�سباب تغري الفتوى‬ ‫الطبيعة املرحة املنب�سطة‪ ،‬ومنهم ذو‬ ‫الطبيعة االنطوائية املنكم�شة كل ذلك يف تغري الزمان ‪،‬تغري املكان ‪ ،‬تغري العادات‬ ‫الفروع و لذلك تتغري الفتوى من زمن تغري الأحوال تغري الأحتياجات‬ ‫لآخر بل وتختلف من قطر �إىل قطر ومن‬ ‫مثال تغري الفتوى بتغري الزمان‬ ‫�شخ�ص �إىل �شخ�ص‬ ‫حديث �سلمة بن الأكوع ‪-‬ر�ضي اهلل‬ ‫قاعدة تغري الفتوى ‪:‬‬ ‫عنه‪ -‬قال‪ :‬قال النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫دين الإ�سالم ٌ‬ ‫دين عاملي ٌ‬ ‫�صالح لكل زمان و�سلم‪« :-‬من �ضحى منكم‪ ،‬فال ي�صبحن‬ ‫ومكان؛ فهو يعالج م�شكالت كل ع�صر بعد ثالثة ويبقى يف بيته منه �شيء‪ .‬فلما‬ ‫من الع�صور مبا ينا�سبه‪ ،‬وقد �أدرك هذه كان العام املقبل قالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬نفعل‬ ‫احلقيقة فقهاء الإ�سالم – رحمهم اهلل – كما فعلنا يف العام املا�ضي؟ قال‪ :‬كلوا‬ ‫فكانوا ي�سعون �سعياً جاداً لتجديد الفقه و�أطعموا وادخروا؛ ف�إن ذلك العام كان‬ ‫مبا ينا�سب الع�صر الذي هم فيه‪ ،‬ويف هذا بالنا�س جهد ‪�-‬أي �شدة و�أزمة‪ -‬ف�أردت �أن‬ ‫الزمن جند الفقهاء املعا�صرين واملجامع تعينوا فيها»‬ ‫الفقهية يقومون بجهو ٍد مباركة يف تنزيل‬ ‫الفقه على امل�سائل امل�ستجدة‪ ،‬والنظر يف كذلك حديث �أن�س بن مالك ‪-‬ر�ضي‬ ‫امل�سائل االجتهادية التي قد يتغري احلكم اهلل عنه‪�« :-‬أن النبي اهلل ‪�-‬صلى اهلل‬ ‫فيها مبا يتنا�سب مع الزمن الذي نحن عليه و�سلم‪ -‬جلد يف اخلمر‪ :‬باجلريد‬ ‫فيه‪ ،‬وليقدم الفقه الإ�سالمي احللول والنعال‪ ،‬ثم جلد �أبو بكر‪� :‬أربعني‪ ،‬فلما‬ ‫مل�شكالت الع�صر احلا�ضر‪ ،‬فهو جدي ٌر ب�أن كان عمر ودنا النا�س من الريف والقرى‪،‬‬ ‫يواكب التطور والتغري الذي حدث يف قال ما ترون يف جلد اخلمر؟ فقال عبد‬ ‫الرحمن بن عوف‪� :‬أرى �أن جتعلها ك�أخف‬ ‫كثري من نواحي احلياة ونظمها‪.‬‬ ‫احلدود‪ ،‬قال‪ :‬فجلد عمر ثمانني»(‪.)42‬‬ ‫ويف هذا يعبرِّ بع�ض العلماء بقولهم‪� :‬أفاد هذا احلديث‪� :‬أن �شارب اخلمر جلد‬ ‫ال ينكر تغري الأحكام بتغري الزمان‪ ،‬وهي يف زمن ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬ ‫�إحدى القواعد املتف ِّرعة عن قاعدة‪ :‬العادة باجلريد والنعال‪ ،‬ويف عهد �أبي بكر ‪-‬ر�ضي‬ ‫حمكمة‪.‬‬ ‫اهلل عنه‪ -‬قرر العقوبة �أربعني‪ ،‬ويف عهد‬ ‫املالكية تعترب الفقه املتجدد وتعترب عمر بن اخلطاب ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪� -‬شاور‬ ‫العرف م�صدر من م�صادر الت�شريع وقد النا�س‪ ،‬فجعله ثمانني‪� ،‬أما عثمان ‪-‬ر�ضي‬ ‫ع َّلق ابن القيم على ما ذكرته املالكية يف اهلل عنه‪ -‬فجلد ثمانني و�أربعني‪ ،‬وعلي‪-‬‬ ‫اعتبارهم للعرف املتجدد‪ ،‬فقال‪" :‬وهذا ر�ضي اهلل عنه‪ -‬ورد عنه الأمران‪ .‬وقال‪:‬‬ ‫ٌّ‬ ‫كل ُ�س َّنة‪.‬‬ ‫حم�ض الفقه‪ ،‬ومن �أفتى النا�س مبجرد‬ ‫املنقول يف الكتب على اختالف عرفهم‬ ‫مثال تغري الفتوى بتغري العرف‬ ‫وعوائدهم و�أزمنتهم و�أمكنتهم و�أحوالهم‬ ‫ما روي عن مالك �أنه قال‪� :‬إذا تنازع‬ ‫وقرائن �أحوالهم فقد �ضل و�أ�ضل‪ ،‬وكانت‬ ‫جنايته على الدين �أعظم من جناية من الزوجان يف قب�ض ال�صداق بعد الدخول‪،‬‬ ‫طبب النا�س كلهم على اختالف بالدهم فالقول قول الزوج‪ ،‬مع �أن الأ�صل عدم‬ ‫وعوائدهم و�أزمنتهم وطبائعهم مبا يف القب�ض‪ .‬وعلق القا�ضي �إ�سماعيل ‪-‬من‬ ‫كتاب من كتب الطب على �أبدانهم‪ ،‬بل هذا فقهاء املالكية‪ -‬على ذلك بقوله‪ :‬هذه‬ ‫الطبيب اجلاهل وهذا املفتي اجلاهل �أ�ضر كانت عادتهم باملدينة‪� :‬أن الرجل ال يدخل‬

‫‪21‬‬


‫وسطيتنا‬ ‫بامر�أته حتى تقب�ض جميع �صداقها‪،‬‬ ‫واليوم عادتهم على خالف ذلك‪ ،‬فالقول‬ ‫قول املر�أة مع ميينها‪ ،‬لأجل اختالف‬ ‫العادات‪.‬‬ ‫مثال تغري ب�سبب تغري احلاجات‬ ‫ومن الأمثلة كذلك‪ :‬تقدير النفقات‪،‬‬ ‫ف�إن من امل�س َّلم به‪� ،‬أن لك ِّل جمتمع يف �أي‬ ‫زمان ومكان م�ستواه االقت�صادي غنى‬ ‫وفقراً‪ ،‬وتبعا لهذا فيختلف تقدير النفقة‬ ‫من جمتمع �إىل جمتمع �آخر‪ ،‬وال�سبب يف‬ ‫هذا تغري احلاجات‪.‬‬ ‫مثال تغري الفتوى بتغري احلال‬ ‫حديث عبد اهلل بن عمرو بن العا�ص‬ ‫ر�ضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪« :‬كنا عند النبي‬‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فجاء �شاب‪ ،‬فقال‪:‬‬‫يا ر�سول اهلل‪� ،‬أق ّبل و�أنا �صائم؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬ ‫فجاء �شيخ‪ ،‬فقال‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬أق ّبل و�أنا‬ ‫�صائم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فنظر بع�ضنا �إىل بع�ض‪،‬‬ ‫فقال ر�سول اهلل‪" :‬قد علمت نظر بع�ضكم‬ ‫�إىل بع�ض‪� ،‬إن ال�شيخ ميلك نف�سه»‬ ‫هذا التجدد وهذه املراعاة �إمنا هي دليل‬ ‫على و�سطية هذا الدين ومراعاته مل�صلحة‬ ‫الإن�سان‬ ‫مظاهرالو�سطية يف الإ�سالم‪:‬‬ ‫يف العقيدة‪ :‬تتجلى يف توحيد اهلل‬ ‫و�إفراده بالعبودية‪ ،‬وتنزيهه عن ال�شرك‬ ‫يف الت�شريع‪ :‬تتجلى يف �إباحة الطيبات‬ ‫وحترمي اخلبائث‪ ،‬التوازن بني مطالب‬ ‫الروح واجل�سد والعمل للدنيا والآخرة‬ ‫يف العبادات‪ :‬تكليف العباد مبا يطيقونه‬ ‫– الرتويح عن النف�س وجتديد ن�شاطها‬ ‫مبا �أحل اهلل‬ ‫كان �أ�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ور�ضي اهلل عنهم و�سط بني الغالية‬ ‫واجلفاة ولنذكر على �سبيل املثال �أنهم‬ ‫كانوا و�سطا بني الغالية الذين يغالون يف‬ ‫علي ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬فيف�ضلونه على �أبي‬

‫‪22‬‬ ‫بكر وعمر ر�ضي اهلل عنهما ويعتقدون �أنه • خلق روح التعاي�ش بني الطالب‬ ‫الإمام املع�صوم دونهما ‪ ،‬و�أن ال�صحابة والطالبات‬ ‫ظلموا وف�سقوا ‪ ،‬وكفروا الأمة بعدهم‬ ‫التعاي�ش‬ ‫كذلك ‪ ،‬ورمبا جعلوه نبيا �أو �إلها ‪ ،‬وبني‬ ‫اجلافية الذين يعتقدون كفره وكفر هذا اال�صطالح القدمي اجلديد ‪...‬‬ ‫عثمان ر�ضي اهلل عنهما ‪ ،‬وي�ستحلون ال�سهل ال�صعب ‪ :‬الذي ي�شمل ‪:‬‬ ‫دماءهما ودماء من توالهما ‪ ،‬وي�ستحبون‬ ‫�سب علي وعثمان ونحوهما ‪ ،‬ويقدحون يف تعاي�ش االن�سان مع ذاته هوتعاي�ش‬ ‫الفرد مع الفرد الآخريف اجلماعة الواحدة‬ ‫خالفة علي ر�ضي اهلل عنه و�إمامته ‪.‬‬ ‫ فهم و�سط بني ه�ؤالء و�أولئك ‪ ،‬فيحبون احلاجة �إىل التعاي�ش موجودة اينما‬‫�أهل بيت النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وجدت عالقة بني طرفني ‪،‬وهي م�س�ؤولية‬ ‫و�أ�صحابه الكرام ويوالونهم ويرت�ضون م�شرتكة يتحملها الطرفان غالبا ‪.‬‬ ‫عنهم ‪ ،‬وال يغلون فيهم وال يخرجونهم تعاي�ش بني اجلماعات املختلفة يف‬ ‫عن منزلتهم التي هم عليها‪.‬‬ ‫املجتمع الواحد كالطالب يف امل�ستوى‬ ‫بعد �أن جتلت عظمة الإ�سالم واعتباره الواحد �أو امل�ستويات‬ ‫حلال االن�سان زمانا ومكانا ت�أتي امل�س�ؤلية‬ ‫بل وتعاي�ش بني �أفراد الأديان املختلفة‬ ‫املناطة بكل م�سلم معلم ‪...‬‬ ‫واملـذاهب والطوائف والقوميات تعاي�ش‬ ‫بني الأكرثية والأقلية تعاي�ش بني‬ ‫دور الأكادمييات‬ ‫الأغلبية من جهة ‪،‬والأقلية ‪� ،‬أو الأقليات‬ ‫ت�سا�ؤ ًال هل يوجد ملعلمات اجلامعة من جهة اخرى يقول روبرت�سن يف كتابه‬ ‫مهمات ت�سند اليهن يف بع�ض الظروف؟ ( تاريخ �شارلكن ) ‪:‬‬ ‫�سنتحدث عن دور املعلم اجلامعي يف ( �إن امل�سلمني وحدهم الذين جمعوا‬ ‫بث الو�سطية واالعتدال مما ي�سهم يف بني الغرية لدينهم وروح الت�سامح نحو‬ ‫ا�ستقرار الوطن وحت�صني املجتمع من �أتباع الأديان الأخرى)‬ ‫الغلو والتطرف �إذ �أن اهلل ميز اهلل تعاىل‬ ‫�أمة الإ�سالم بالو�سطية حتى ت�شهد على فاحلاجة �إىل �إر�ساء ودعم وت�شريب‬ ‫باقي الأمم‪ ،‬وي�شهد ر�سولها عليها‪ .‬وكذلك مفاهيم التعاي�ش حاجة ما�سة‬ ‫جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا �شهداء على و�ضرورية‪،‬وال�سيما مع حتول العامل �إىل‬ ‫قرية �صغرية‪.‬‬ ‫النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا‬ ‫فالغلو‪ :‬ي�سبب يف �إرهاق النف�س وغالبا ما �إ�ضافة �إىل �أن التعاي�ش من �صنف‬ ‫الأزهار بطيئة النمو ‪� ،‬سريعة الزوال ‪.‬‬ ‫يف�ضي �إىل امللل‪.‬‬ ‫والتق�صري‪ :‬يعطل مواهب النف�س • التعامل على �أ�سا�س امل�ساواة ‪:‬‬ ‫الب�شرية وقدراتها الطبيعية‪ ،‬ويف�ضي �إىل لإ�صالح النظرة �إىل الذات ‪ ،‬وبالتايل‬ ‫عدم ن�شاطها‪.‬‬ ‫�إىل الآخر يقول �سبحانه وتعاىل ‪َ (:‬يا‬ ‫ا�س ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم ا َّلذِ ي َخلَ َق ُكم مِّن‬ ‫جتنباً لكل ذلك ف�إن من �أهم املهمات �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫املناطة باملعلم وبالأخ�ص املعلم اجلامعي َّن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة َو َخلَ َق مِ ْنهَا َز ْو َجهَا َو َب َّث‬ ‫�إذ �أنها تخت�ص عن غريها من املراحل مِ ْن ُه َما ر َِجا ًال َكثِرياً َون َِ�سا ًء َوا َّت ُقوا اللهَّ َ ا َّلذِ ي‬ ‫باخت�صا�صات وامتيازات كثرية من �أهم َت َ�سا َء ُلو َن بِه َوالأَ ْر َحا َم �إِ َّن اللهَّ َ َكا َن َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫َرقِيبا ً)‬ ‫املهمات مايلي‬


‫فالكل خملوق من نف�س واحدة‪�،‬أي‬ ‫وحدة يف الأ�صل الإن�ساين‪،‬والنا�س �أبناء‬ ‫�أ�سرة وعائلة �إن�سانية واحدة ‪ ،‬واهلل عزوجل‬ ‫هو الذي ك ّرم الإن�سان دون متييز ‪.‬‬

‫إن المسلمين وحدهم‬ ‫الذين جمعوا بين‬ ‫الغيرة لدينهم وروح‬

‫ويف هذا يقول اخلليفة الرا�شد علي بن‬ ‫�أبي طالب ر�ضي اهلل عنه(النا�س �صنفان‬ ‫التسامح نحو أتباع‬ ‫�أخوك يف الدين �أو نظريك يف اخللق )‬ ‫األديان األخرى‬ ‫بلغني �أن هذه العبارة مكتوبة على لوحة‬ ‫كبرية ب�أمريكا‪.‬‬ ‫نف�سية واجتماعية للتكيف مع القيم‬ ‫•العدل امل�ستدام يف �إر�ساء �أ�س�س والآمال وتطلعات املجتمع ‪.‬وذلك �سيتحقق‬ ‫عن طريق احلوار البناء (يار�سول اهلل‬ ‫التعاي�ش‬ ‫ائذن يل بالزنا)‬ ‫�إقامة العدل بني الطالب وتقيمهم‬ ‫على ح�سب م�ستوياتهم العلمية ال على �إن من �أخطر املخاطر اتباع منهج‬ ‫ح�سب توجهاتهم و�أيدلوجياتهم �إذ �إن التكفري وا�ستباحة دماء امل�سلمني‬ ‫عدم العدل يورث ال�شحناء والبغ�ضاء و� َ‬ ‫أعرا�ضهم و�أموالهَم مع انه لو حاورهم‬ ‫معلموهم لعدلوا عن الكثري من ذلك‬ ‫(دبابي�س)‬ ‫• التو�سط واالعتدال فى الأخالق ‪ • :‬اتباع منهج الو�سطية واالعتدال ‪.‬‬ ‫الإ�سالم و�سط فى الأخالق بني غالة‬ ‫املثالني الذين تخيلوا الإن�سان مالكا �أو‬ ‫�شبه مالك ‪ ,‬فو�ضعوا له من القيم والآداب‬ ‫ما اليطيقه‪ ,‬وبني غالة الواقعيني الذين‬ ‫ح�سبوه حيوانا �أو كاحليوان ف�أرادوا له من‬ ‫ال�سلوك ما ال يليق به ‪ ,‬ف�أولئك �أح�سنوا‬ ‫الظن بالفطرة الإن�سانية فاعتربوها خرياً‬ ‫حم�ضاً ‪ ,‬وه�ؤالء �أ�ساءوا الظن فعدوها �شراً‬ ‫خال�صاً ‪ ,‬وكانت نظرة الإ�سالم بني ه�ؤالء‬ ‫و�أولئك ‪ ,‬فالإن�سان فى نظر الإ�سالم‬ ‫خملوق مركب فيه العقل وفيه ال�شهوة قد‬ ‫هُ دى اىل النجدين وتهي�أ بفطرته ل�سلوك‬ ‫ال�سبيلني ‪� ,‬إما �شاكراً و�إما كفورا ‪ ,‬فيه‬ ‫ا�ستعداد جلهادها و�سلوك طريق التقوى‬ ‫( ونف�س وما �سواها* ف�ألهمها فجورها‬ ‫وتقواها* قد �أفلح من زكاها*‬ ‫• �إتاحة الفر�صة الكاملة للحوار‬ ‫احلر الر�شيد يف �أو�ساط الطالب ‪:‬‬ ‫من الأهمية مبكان �أن يتعلم الطالب‬ ‫كيف يتحقق �أمن املجتمع ب�صفة عامة‬ ‫‪ ،‬و�أمنه ب�صفة خا�صة‪ ،‬من خالل تهيئة‬

‫هذا املنهج الذي يقدم الإ�سالم نهجاً‬ ‫يرتبط بالزمان واملكان والإن�سان مو�صو ًال‬ ‫بالواقع م�شروحاً بلغة الع�صر منفتحاً‬ ‫على االجتهاد والتجديد ال على اجلمود‬ ‫والتقليد جامعاً بني النقل ال�صحيح‬ ‫والعقل ال�صريح م�ستلهماً للما�ضي‬ ‫معاي�شاً للحا�ضر م�ست�شرفاً للم�ستقبل‪،‬‬ ‫ثابتاً يف الكليات مرناً يف اجلزئيات‪،‬‬ ‫حمافظاً يف الأهداف متطوراً يف الو�سائل‪،‬‬ ‫مرحباً بكل قدمي نافع‪ ،‬وينتفع بكل جديد‬ ‫�صالح‪ ،‬ينفتح على احل�ضارات بال ذوبان‬ ‫ويراعي اخل�صو�صية بال انغالق‪ ،‬يلتم�س‬ ‫احلكمة من �أي وعاء خرجت‪ ،‬يرتبط‬ ‫بالأ�صل ويت�صل بالع�صر هذا التيار الذي‬ ‫جاء تعبرياً �أ�صي ً‬ ‫ال عن حقائق الدين‬ ‫ولي�س ا�ستجابة ل�ضغوط طر�أت على‬ ‫الأمة وافدة عليها ليمنحنا الغرب �صك‬ ‫براءة على �أن ديننا هو دين الت�سامح‪،‬‬ ‫ودين املرحمة �إمنا جاء ا�ستجابة لهدي‬ ‫رباين ومنهج نبوي‪ ،‬ذلك �أن �أمتنا اليوم‬ ‫ترتنح بني تيار الغزاة وتيار الغالة وتيار‬ ‫اجلفاة‪ ،‬الغزاة الذين �أرادوا �أن يجعلوا‬ ‫الأمة تتحاكم �إىل ح�ضارة مركزية كونية‬

‫ال تعرتف للآخرين بحق اخل�صو�صيات‬ ‫احل�ضارية‪� ،‬أرادوا �أن يفر�ضوا علينا ثقافة‬ ‫وفنوناً و�آداباً واقت�صاداً وفكراً لي�س لنا فيه‬ ‫من حق يت�صل بالهوية �أو باخل�صو�صية‬ ‫الثقافية‪ ،‬هذا التيار الوافد علينا ويف‬ ‫�أمتنا من الداخل تياران لأن التطرف‬ ‫عملة ذات وجهني‪� ،‬أحد الوجهني الغلو‬ ‫الالديني وهو الغلو العلماين‪� ،‬إذا كان‬ ‫الغلو الديني الذي بد�أ بالتكفري وانتهى‬ ‫بالتفجري‪�( ،‬سوبر انتحار) ف�إن (�سوبر‬ ‫�ستار) هو الغلو الالديني الغلو العلماين‪،‬‬ ‫الذي بد�أ بالتخدير وانتهى بالتدمري‪ ،‬هذا‬ ‫الذي يريد �أن يقيم قطيعة مع موروثنا‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬يريد الإ�سالم عقيدة بال‬ ‫�شريعة يريده دعوة بال دولة‪ ،‬يريده حقاً‬ ‫بال قوة‪ ،‬يريده قوة بال جهاد‪ ،‬يقابل هذا‬ ‫التيار تيار اال�ستالب والتغريب والتبعية‬ ‫والذيلية تيار التكفري والتفجري الذي مل‬ ‫ي�صن احلرمات وال الدماء وال الأنف�س وال‬ ‫الأعرا�ض فر َّوع الآمنني‪ ،‬وك َّفر املخالفني‬ ‫وف�سق وبدّع كل من حمل ر�أياً‬ ‫و�ض ّلل ّ‬ ‫يخالف تلك الراية‪ ،‬و�ضاعت الأمة بني‬ ‫هذين التيارين الغالة واجلفاة وبني‬ ‫التيار الغازي الوافد �إلينا‪ ،‬ولعل تيار‬ ‫الو�سطية حماولة لأن يقدم هدياً يخرج‬ ‫لبناً خال�صاً �سائغاً لل�شاربني‪ ،‬فهو لي�س‬ ‫بدعة ابتدعها �أهل هذا الع�صر‪� ،‬إمنا هو‬ ‫منهج �أ�صيل لهذا الدين املبارك‪�،‬أح�سب‬ ‫�أن هذا امللتقى وهذا احل�ضور �إمنا هو‬ ‫تكرمي لهذا املنهج وهو منهج ال يرتبط‬ ‫ب�شخ�ص وال مبدر�سة وال بحزب وال‬ ‫بجماعة وال بطائفة‪ ،‬بل هو تيار دافق‬ ‫باحليوية ودود ولود‪ ،‬اجتمع فيه رخ�ص‬ ‫ابن عبا�س و�شدائد ابن عمر وعزائم ابن‬ ‫م�سعود و�أثرية ابن حنبل وفقه �أبي حنيفة‬ ‫ومقا�صدية ال�شاطبي وظاهرية ابن حزم‪،‬‬ ‫�إنه ي�شكل هذه املدر�سة الإ�سالمية الكربى‬ ‫بتنوع �آفاقها‪ ،‬وتعدد �أطيافها‪� ،‬إجماعهم‬ ‫حجة قاطعة واختالفهم رحمة وا�سعة‪،‬‬ ‫هذا هو التكرمي احلقيقي لهذا املنهج‬ ‫الذي نح�سب �أنه ي�ضرب ب�سهم وافر يف‬ ‫م�سرية هذه الأمة املباركة‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫وسطيتنا‬

‫‪24‬‬ ‫عندما نتحدث عن الوسطية بكل أبعادها قد يردنا إىل‬ ‫منظمة الفكر والروح والعلم سؤال وهو ‪ :‬لم لم يرد‬ ‫مصطلح الوسطية يف العصور المتقدمه ‪:‬‬ ‫والجواب‪ :‬إن المسلمين بعد رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫يتسموا باسم يتشرفون به إال بما‬ ‫عليه وسلم لم‬ ‫ّ‬ ‫يدل على أنهم صاحبوا سيد المرسلين عليه الصالة‬ ‫والسالم (الصحابة)( ‪. ) 1‬‬

‫وسطية المنهج السلوكي‬

‫الدكتور حممد املطني‬

‫وكذلك الع�صر الذي تالهم كانوا‬ ‫يت�شرفون بكونهم تابعوا �أ�صحاب النبي‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم‪.‬‬ ‫ف�سموا (تابعني)(‪ )2‬وكذلك جاء �أتباع‬ ‫التابعني من بعدهم‪.‬‬ ‫فكانوا يف ذلك الزمن �أهل ورع و�أرباب‬ ‫قلوب مفعمة بنور اليقني وكان �سيد‬ ‫املر�سلني �صلى اهلل عليه و�سلم هو املثل‬ ‫الأوفى والأعلى يف تطبيق ماجاء به من‬ ‫تعاليم كليات وجزئيات ‪ ،‬ومل يكن هناك‬ ‫داعي لظهور علم القلوب لقوم هم قائمون‬ ‫به وعليه ‪ ،‬كمثل العربي الذي يعرف‬ ‫العربية بالتــوارث كابرا عن كابر حتى �أنه‬ ‫يقول �أف�صــح الأ�شعار من غري �أن يعرف‬ ‫�شيئا عن تنظـري القواعد العربية ونظم‬ ‫العرو�ض‪،‬فمثل هذا اليحتاج �إىل التعلم‪،‬‬ ‫لأن ما ابتغي و�صله �إليه هو حا�صل عنده ‪.‬‬ ‫وال�س�ؤال هنا ‪ :‬متى ي�صبح تعلم هذه‬ ‫القواعد واجبة ؟(‪)3‬‬ ‫واجلواب عند اللحن و�ضعف العربية‬ ‫و�سوء املنطق والتعبري‪.‬‬ ‫والبد هنا �أن �أ�شري �إىل �أن النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم كان له جمل�سان جمل�س‬ ‫علم وجمل�س تزكية‬

‫وبعدها تقادم العهد ودخل يف حظرية‬ ‫الإ�سالم �أمم �شتى و�أجنا�س كثرية وات�سعت‬ ‫دائرة الإ�سالم ‪،‬وتقدمت العلوم فكان‬ ‫النبي يع ّلم ال�صحابة يف جمل�سه احلالل‬ ‫واحلرام‪ ،‬فانتقل ذلك العلم بوا�سطة وراثه‬ ‫من العلماء ب�سند مت�صل مبد�أه كالم‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ومنتهاه‬ ‫علم جليل وهو علم الفقه ‪ ،‬ف�صار له رجال‬ ‫وطالب وعلماء �أفذاذ ونا�شرون‪.‬‬ ‫وحيث �إن كالم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم بالعربية لغة القر�آن ‪ ،‬فكان البد‬ ‫من تدوين �أ�صول وقواعد حلفظ هذه‬ ‫اللغة من اللحن ومداخل الأعجمية حتى‬ ‫نفهم بالعربية مراد اهلل �إذ هي الوا�سطة يف‬ ‫�إي�صال املفاهيم �إلينا ‪ ،‬وفعال دون هذا العلم‬ ‫ف�صار للنحو وال�صرف �أ�صول من�ضبطة‬ ‫نعرف فيها العربي من الدخيل عليها ‪.‬‬ ‫ولدخول الأفكار الفا�سدة واملعتقدات‬ ‫املزيفة من جت�سيم وت�شبيه للذات العلية‬ ‫وذلك للت�أثر بالفل�سفات والديانات الأخرى‬ ‫‪ ،‬فقد دعت احلاجة امللحة لتدوين الإرث‬ ‫املحمدي يف املعتقدات ال�صحيحة ‪ ،‬فانبثق‬ ‫علم الكالم والذي تكفل بالدفاع عن‬ ‫املعتقدات التي كان يدين بها �أهل اخلريية‬ ‫من الرعيل الأول ح�شرنا اهلل و�إياهم‪)4(.‬‬


‫وكذلك هي�أ اهلل حلديث نبيه من يحفظه‬ ‫ويدونه وينقحه ويالحظ فيه �أحوال‬ ‫الرواة الذين نقلو الأحاديث ‪ ،‬فولد علم‬ ‫احلديث وفنونه وعلم اجلرح والتعديل‪.‬‬ ‫وكذلك احلال يف تف�سري القران الكرمي‬ ‫وعلوم القر�آن و�أ�صول الفقه واملرياث ‪.‬‬ ‫ولأهمية العقل يف الإ�سالم كان البد من‬ ‫ميزان للعقل لي�أمن من االنحراف عن‬ ‫جادة ال�صواب بالفكر فاهتم العلماء كثريا‬ ‫بعلم املنطق و�صار من �أهم املناهج لدى‬ ‫طالب العلم ‪)5(.‬‬ ‫كذلك الأمر مع علم احلكمة ‪ ،‬وملعرفة‬ ‫�أ�صول االحتجاج و�إي�صال املعلومة ودح�ض‬ ‫الباطل ظهرت �آداب البحث واملناظرة ‪،‬‬ ‫وهكذا باقي العلوم(‪. )6‬‬ ‫�أما املجل�س الثاين فهو التزكية ‪ ،‬وهي‬ ‫من �أهم و�أجل ما يرنوا �إليه امل�سلم احلق‪.‬‬ ‫فبعد �أن �أخذ التاثري الروحي وال�صفاء‬ ‫القلبي يت�ضائل �شيئا ف�شيئا و�أخذ النا�س‬ ‫يتباطئون يف �سريهم �إىل اهلل باملحبة‬ ‫والعبودية واالتباع‬ ‫فكان البد من علم يرجع القلوب فيه‬ ‫�إىل �أمثال �سابق عهدها من قلوب ال�صحابة‬ ‫والتابعني و�أتباعهم ممن ت�شرفوا بعهد‬ ‫اخلريية فظهرت بوادر الو�سطية من‬ ‫خالل الفعل والقول كحالة �إ�صالح حلال‬ ‫الب�شرية وطريقا يرقى لأ�سمى املراتب‬ ‫لي�ؤهله للجنة التي �أعدت للمتقني وللر�ؤية‬ ‫التي �سيمن اهلل بها على العباد ‪.‬‬ ‫فبد�أت الو�سطية باملحط الأول لنظر‬ ‫اهلل وهو القلب ‪ ،‬فكان من الناحية العملية‬ ‫له الدور الكبري ‪ ،‬ولهذا يقول الإمام‬ ‫الغزايل �إن علم معرفة القلب و�أمرا�ضه‬ ‫فر�ض عني‪)7(.‬‬ ‫فقد علم النبي �صحابته �أن التقوى‬ ‫حملها القلب وهو حمط التفا�ضل‬ ‫والتكامل يف الإ�سالم ‪ ،‬فكان البد �أن يكون‬ ‫االعتناء به مما ي�شينه �أمرا هاما فكان‬ ‫علماء الذوق والو�سطية لهم الدور الفاعل‬ ‫يف ذلك املجال‪.‬‬ ‫لذلك �سطروا بعلمهم ما مفاده �أن علم‬ ‫الإخال�ص والعجب واحل�سد والرياء فر�ض‬

‫عني مثلها وغريها من �آفات النفو�س‬ ‫كالكرب وال�شح واحلقد والغ�ش والغ�ضب‬ ‫والعداوة والبغ�ضاء والطمع والبخل‬ ‫وغريها مما ال ينفك عنا ‪ ،‬فيلزمه �أن يتعلم‬ ‫منها ما يرى نف�سه حمتاجا �إليه‪)8(.‬‬ ‫وهذا مما يق�صده �أهل الذوق من‬ ‫الو�سطية الفكرية والتعاملية ‪..‬‬ ‫و�إن الإن�سان ي�ستقبح منظر االقبيح‬ ‫املغطى بغطاء مبهرج وهكذا هو مثال‬ ‫الإن�سان‪..‬‬ ‫تط ِ َب ُب جِ ْ�س َم َك الفاين ليبقى وترتك‬ ‫قلبك الباقي مري�ضا‬ ‫وكل ذلك يعني �أن الإن�سان يجب �أن‬ ‫يتعلم عملية ت�صفية القلب من زوائد‬ ‫ال�شوائب والرذائل ليكون م�ؤهال للخري‬ ‫وف�ضائل اخلري ‪.‬‬ ‫فالو�سطية ب�أرقى �أو�صافها تربي يف‬ ‫الإن�سان معان وجدانية(‪ )9‬لريقى بها‬ ‫فوق �سماء العقالنيات واملاديات املجردة ‪،‬‬ ‫فالأمور العقالنية وحدها ماكانت لت�ؤثر‬ ‫يف العواطف والقلوب‪...‬ولو كان كذلك‬ ‫لكان امل�ست�شرقون يف مقدمة امل�ؤمنني باهلل‬ ‫ور�سوله ‪.‬‬ ‫كما �إننا مل ن�سمع يف يوم من الأيام‬ ‫ب�أن �أحدا من علماء العقالنيات واملاديات‬ ‫املجردة �ضحى بروحه �إميانا منه بقاعدة‬ ‫ريا�ضية �أو م�س�ألة من م�سائل اجلرب �أو‬ ‫الهند�سة‪.‬‬ ‫لكن من مزج عمله بحال وجداين‬ ‫كاحلب والرجاء �أو حتى اخلوف ف�إنه يعمل‬ ‫باختالف تام عن غريه ‪ ،‬فذاك يرى امل�شقة‬ ‫يف عمله وهذا حمله حب املحبوب على‬ ‫حتمل ماال ت�ستطيع اجلبال �أن تتحمله ‪،‬‬ ‫وهو ينظر �إىل �شرف الغاية وهي خدمة‬ ‫املحبوب والعمل من �أجله(‪.)10‬‬ ‫وقد ثبت بالتجربة �أن امل�سائل ذات‬ ‫الطابع الوجداين يكون تاثريها يف النف�س‬ ‫�أعمق و�أ�سرع و�صوال اىل ال�سامع وهذا‬ ‫ما �أكده يف الوقت احلا�ضر علماء النف�س‬ ‫والتنمية الب�شرية والربجمة اللغوية‬ ‫الع�صبية(‪..)11‬‬ ‫لذلك نرى �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬

‫ا�ستعمل هذا اخلطاب يف �أماكن عدة يف‬ ‫حياته ‪ ،‬وذلك للتاثري القوي الذي يحدثه‬ ‫خطاب الوجدان‪ ،‬فمثال يف حادثة اخل�سوف‬ ‫والك�سوف نرى �أن النبي خاطب النا�س‬ ‫بخطاب وجداين و�سن لهذه احلادثة �صالة‬ ‫خم�صو�صة ودعاءا وا�ستغفارا‪،‬مع �أنه يعلم‬ ‫بعلم من اهلل �أنه ظل كوكبا على �آخر!!‪.‬‬ ‫ولو خوطب ال�صحابة مبثل تلك‬ ‫اخلطابات العلمية اجلافة لفقدت املعنى‬ ‫املن�شود واملراد الأكيد وهو الو�صول بهم‬ ‫�إىل احلالة ال�شعورية الوجدانية والتي‬ ‫ما زادتهم �إال اميانا وت�سليما‪ ...‬وهذا من‬ ‫�أبواب الو�سطية التي �إمنت اهلل بها على‬ ‫الأمة بكونهم وو�صفهم �أمة و�سطا ‪..‬‬

‫(‪ )1‬ال�صحابي ‪ :‬هو من لقي النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم م�ؤمنا بهم م�سلما ومات على اال�سالم ‪ .‬ينظر‬ ‫‪ :‬تدريب الراوي لالمام النووي ‪ ،‬دار القلم ‪،‬بريوت‪،‬‬ ‫لبنان ‪.43/1 :‬‬ ‫( ‪ )2‬التابعي هو من لقي �صحابيا م�سلما ومات على‬ ‫اال�سالم م�ؤمنا باهلل ور�سوله ‪ ،‬وقيل هو من �صحب‬ ‫ال�صحابي ‪ .‬تي�سري م�صطلح احلديث‪ ،‬الدكتور حممود‬ ‫الطحان‪،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الريا�ض‪.202‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر ‪ :‬القول اجللي الرا�سخ لل�شيخ قا�سم نعيم‬ ‫الطائي ‪.43 :‬‬ ‫(‪� )4‬إ�سناد الإعالم �إىل خري الأنام ‪،‬ال�شيخ عبد الكرمي‬ ‫بيارة املدر�س‪ ،‬دار املعارف‪. 98 ،‬‬ ‫(‪ )5‬حا�شية الع�صام على موالنا اجلامي‪ ،‬دار �سعادت ‪،‬‬ ‫طبعة عثمانية قدمية ‪.11 ،‬‬ ‫(‪ )6‬العلوم العقلية والنقلية امنا مبد�ؤها من ر�سول اهلل‬ ‫والكل راجع لعلمه ‪ ،‬ينظر ‪� :‬شرح الربدة ‪ ،‬للخربوتي دار‬ ‫العلم ‪ ،‬بريوت ‪،‬ط ‪.55 :2‬‬ ‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬احياء علوم الدين ‪ ،‬لالمام ابي حامد‬ ‫الغزايل ‪ ،‬دار املعرفة ‪،‬بريوت ‪. 125/4 :‬‬ ‫(‪ )8‬ينظر ‪:‬حا�شية ابن عابدين ‪31/1‬‬ ‫(‪ )9‬الوجدانيات‪ :‬ق�ضايا يحكم بها العقل بوا�سطة‬ ‫احلوا�س الباطنة ‪،‬او امور جندها اما بنفو�سنا او‬ ‫بالآتنا الباطنة ‪ ،‬كعلمنا بوجود ذواتنا وخوفنا وغ�ضبنا‬ ‫ولذتنا واملنا وجوعنا و�شبعنا ‪ .‬ينظر ‪� :‬شرح املقا�صد ‪،‬‬ ‫للتفتازاين ‪. 25/1:‬كتاب املواقف ‪،‬لاليجي ‪. 29/1 :‬‬ ‫(‪ )10‬ينظر ‪:‬فقه ال�سرية ‪،‬للدكتور حممد رم�ضان‬ ‫البوطي ‪،‬دار الفكر ‪،‬لبنان ‪،‬بريوت ‪.66 : 1993‬‬ ‫(‪ )11‬حما�ضرات يف الربجمة اللغوية الع�صبية‬ ‫للأ�ستاذ الدكتور �إبراهيم �ألفقي ‪ ،‬املركز الكندي‬ ‫للتنمية الب�شرية ‪.55 ،‬‬

‫‪25‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫‪26‬‬ ‫بقلم الأ�ستاذة ‪ :‬ر�ضية �سليمان‬

‫الشباب المسلم‬ ‫في براثن التطرف‬ ‫ال�شباب قوة بني �ضعفني ‪� :‬ضعف الطفولة‪ ،‬و�ضعف‬ ‫ال�شيخوخة ‪..‬فكم من �أمة حققت جمدها و نه�ضتها‬ ‫با�ستثمار طاقات �شبابها‪ ،‬وكم من �أمة تقهقرت ب�إهمالها‬ ‫لتلك الطاقة الب�شرية‪ ،‬والتي تفوق كل الرثوات واملقدرات‬ ‫الطبيعية‪�.‬إن وقوع كثري من �شباب �أمتنا يف براثن التطرف‬ ‫و الإرهاب �أمر خطري يجب �أن ت�ستنه�ض له كل الهمم و‬ ‫العزائم على م�ستوى الدولة‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات و الأفراد‪.‬‬ ‫�صحيح �إن ظاهرة التطرف �أ�صبحت منت�شرة يف كل �أ�صقاع‬ ‫املعمورة؛ وهي لي�ست مرتبطة بدين‪� ،‬أو عرق حمدد �أو‬ ‫جماعة دون �أخرى‪ .‬والتطرف لغة م�شتق من "الطرف"‬ ‫�أي منهى ال�شيء‪ ،‬و تعني جاوز االعتدال ومل يتو�سط ‪.‬‬ ‫والتطرف م�صطلح ي�ضاد م�صطلح الو�سطية ‪ ،‬ويتجلى يف‬ ‫االنغالق والتع�صب للر�أي ورف�ض الآخر‪ ،‬وازدرائه‪.‬‬ ‫واملتطرف غالبا ما تكون لديه نظرة �سلبية �سوداوية‬ ‫للمجتمع و الأفراد‪ ،‬وقد ينتقل التطرف من طور الفكر‬ ‫و احلالة النظرية �إىل طور املمار�سة والفعل لي�أخذ �أ�شكال‬ ‫القتل و التفجري و التدمري وكل و�سائل العنف ‪.) 1(.‬‬ ‫و التطرف قدمي يف تاريخ الب�شرية فقد كان التطرف‬

‫وا�ضحاً يف تقدي�س اليونان لآلهتهم‪ ،‬وعند الن�صارى واليهود‬ ‫كذلك؛ فالن�صارى قالت امل�سيح ابن اهلل‪ ،‬ف�شابهوا اليهود يف‬ ‫قولهم عزير ابن اهلل؛ فقد جاء يف �سورة البقرة – االية ‪113‬‬ ‫(وقالت اليهود لي�ست الن�صارى على �شيئ وقالت الن�صارى‬ ‫لي�ست اليهود على �شيئ ) بل وو�صل بهم الأمر �إىل ا�ستباحة‬ ‫دماء و �أعرا�ض بع�ضهم البع�ض ‪ ،‬فاليهود تقر مبد�أ القتال‬ ‫لأنه مرتبط بوجودهم؛ ومن �صور �إرهابهم قتلهم الر�سل‬ ‫والأنبياء‪ ،‬و�إف�سادهم يف الأر�ض ‪ .‬ويف الإ�سالم ن�ش�أ التطرف‬ ‫على يد عبد اهلل بن �سب�أ حني دعا �إىل فكرة تقدي�س علي و�آل‬ ‫بيته‪ ،‬وال نن�سى �أنه يهودي يف الأ�صل ‪.‬‬ ‫ولذا فالعامل عرف التطرف منذ زمن بعيد‪ ،‬و�إن حماوالت‬ ‫الغرب لإل�صاق تهمة التطرف والإرهاب بالإ�سالم تهمة لها‬ ‫�أهداف وم�سوغات ي�سعون لتحقيقها ‪ .‬ولكن ما يعنينا هو‬ ‫انحراف �شبابنا امل�سلم عن جادة ال�صواب �إىل التهلكة‪.‬‬ ‫�أ�سباب التطرف‪� :‬إن التطرف بكل �صوره و �أ�شكاله املختلفة‬ ‫مل ين�ش�أ جزافا بل له �أ�سبابه و دواعيه ‪ ،‬و�أ�شد ما يثري القلق‬ ‫هو تزايد تهاوي �شبابنا يف �أح�ضان التطرف ‪�...‬إن الأ�سباب‬ ‫كثرية ومتعددة ومت�شابكة‪ ،‬بل ال ميكن ف�صل عامل عن �آخر‪.‬‬


‫الأ�سباب االجتماعية ‪� :‬إن جممل‬ ‫جمتمعاتنا العربية تعاين من انق�سام‬ ‫املجتمع فيها �إىل طبقتني ‪ :‬الطبقة‬ ‫الغنية و الطبقة الفقرية ؛حيث تتوافر‬ ‫للأوىل كل مقومات احلياة املرتفة وكل‬ ‫�ألوان العي�ش الرغيد بينما تعاين الأخرى‬ ‫من نق�ص وا�ضح يف مقومات احلياة‬ ‫الأ�سا�سية‪ ،‬ونق�ص يف اخلدمات‪ ،‬ورمبا يف‬ ‫�أ�سباب احلياة ‪.‬وهذا واحد من الأ�سباب‬ ‫التي تولد احلقد و الغ�ضب يف فكر ونف�س‬ ‫ال�شباب‪ ،‬هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية �أخرى‬ ‫املفارقات واالزدواجية يف املجتمع بني ما‬ ‫يقال على ال�سنة امل�س�ؤولني يف �شا�شات‬ ‫التلفاز �أو يف املدار�س‪ ،‬وما يطرح من قيم‬ ‫عليا وبني الواقع املعي�ش‪ ،‬وهذا ي�ؤ�س�س‬ ‫�أي�ضا الختالل يف الر�ؤى والأفكار‪ ،‬وير�سم‬ ‫�صورة مهزوزة للمجتمع الذي يعي�ش فيه‬ ‫ال�شاب‪� .‬إ�ضافة �إىل ما بد�أت ت�شهده كثري‬ ‫من جمتمعاتنا العربية؛ �أال و هو التفكك‬ ‫الأ�سري‪ ،‬وال نق�صد بالتفكك الأ�سري‬ ‫حاالت الطالق‪� ،‬أو موت �أحد الأبوين‪ ،‬فهذا‬ ‫�أمر وا�ضح جلي بل ق�صدنا هو التباعد بني‬ ‫�أفراد الأ�سرة الواحدة ‪ ،‬التباعد يف الأذهان‬ ‫والعواطف وامل�شاعر‪ ،‬وتخلي الآباء عن‬ ‫م�س�ؤولياتهم جتاه الأبناء‪ ،‬فغالباً ما‬ ‫جند �أن الأم قد تركت العناية ب�صغارها‬ ‫للخدم‪ ،‬وان�صرفت لق�ضاء جل وقتها مع‬ ‫ال�صديقات ويف الت�سوق‪ ،‬و�أهملت العناية‬ ‫بالزوج لل�سكرترية �أو لغريها‪ ،‬وما عادت‬ ‫الأ�سرة لتجتمع �إال يف املنا�سبات ال�سعيدة‬ ‫كالكري�سما�س‪� ،‬أو عيد ميالد �أحد الأبناء‬ ‫�أو الأ�صدقاء ‪.‬‬ ‫�أما الفراغ الذي بات يقتل �شبابنا‬ ‫و�شاباتنا والذي يعد الرتبة اخل�صبة‬ ‫للتطرف والأفكار ال�ضالة‪ ،‬ف�شبابنا يعاين‬ ‫التهمي�ش يف املجتمعات العربية‪ ،‬و�أق�صى‬ ‫طموحات الدولة كانت �إحداث وزارة‬ ‫للريا�ضة ‪ .‬وقد قال النبي حممد �صلوات‬ ‫اهلل عليه‪" :‬نعمتان مغبون فيهما كثري‬ ‫من النا�س؛ ال�صحة و الفراغ " ‪ .‬فالفراغ‬ ‫مف�سدة للإن�سان‪ ،‬و مهلك للعقل‪ .‬والفراغ‬ ‫يعني ا�ستعداد ال�شباب لتلقي كل الأفكار‬ ‫املتطرفة و ال�سلوك املنحرف ‪.‬‬

‫الأ�سباب الرتبوية‪� :‬أول ما‬ ‫يالحظه املتتبع يف املقررات‬ ‫الدرا�سية؛ فقر و�ضعف‬ ‫مقرر الرتبية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫هذه املادة التي يجب �أن‬ ‫تنتقى مباحثها بعناية‬ ‫لت�ؤدي مهمتها يف بناء‬ ‫هوية التلميذ‪ ،‬وتطلعه‬ ‫على التحديات التي‬ ‫يتعر�ض لها يف هذا‬ ‫الع�صر‪ ،‬و �أن حتتوي‬ ‫على موا�ضيع الرحمة‪،‬‬ ‫والت�سامح‪ ،‬والرفق‪،‬‬ ‫ومراعاة حقوق امل�سلمني‬ ‫وغري امل�سلمني‪ ،‬و�ضبط الغ�ضب‪،‬‬ ‫وا�ستثمار الوقت وفرتة ال�شباب‪ ،‬و�أهمية‬ ‫و قد�سية العمل يف الإ�سالم وغريها من‬ ‫املوا�ضيع التي تعنى بال�شخ�صية املتوازنة‪،‬‬ ‫لكن ومع الأ�سف جند املقررات الدرا�سية‬ ‫تغ�ص مبا ي�ستفز �أحا�سي�سهم وعواطفهم‪،‬‬ ‫وي�ستويل على عقولهم‪ ،‬ويحولهم �إىل‬ ‫ببغاوات‪� .‬إ�ضافة �إىل ما �سبق هناك �أمر يف‬ ‫غاية الأهمية �أال وهو �أن املقررات املدر�سية‬ ‫ت�ؤ�س�س�س للتطرف و الغلو �سواء عن ق�صد‬ ‫�أو غري ق�صد؛ فهي تكر�س مبد�أ �إما معي‬ ‫�أو �ضدي‪� ،‬سواء يف مادة التاريخ �أو الرتبية‬ ‫الوطنية‪� ،‬أو حتى يف در�س القراءة ‪�..‬ألي�س‬ ‫هذا تطرفا فكريا ‪ ,‬بلى �إنه التطرف‬ ‫الفكري بعينه الذي يجمد العقل و يكمم‬ ‫الأفواه و ي�سلب الإن�سان �أعز ما ميلك �أال‬ ‫و هو العقل ‪..‬و ن�سينا �أن الإ�سالم هو دين‬ ‫االعتدال و الو�سطية ‪ ,‬يرف�ض و ب�شدة‬ ‫التطرف فقد قال تعاىل(وقل احلق من‬ ‫ربكم فمن �شاء فلي�ؤمن ومن �شاء فليكفر‬ ‫) �سورة الكهف – الآية ‪29‬‬ ‫�إلأ�سباب ال�سيا�سية ‪� :‬إن �أغلب الدول‬ ‫العربية قد �أو�صدت الأبواب يف وجه‬ ‫م�شاركة ال�شباب يف العمل ال�سيا�سي فهي‬ ‫اكتفت با�ستغالل طاقات ال�شباب حينما‬ ‫احتالت عليها وجعلتها تن�ضوي يف �أحزاب‬ ‫�صممت على قيا�س ال�شعوب املحنطة‬ ‫فتحول ال�شباب �إىل ببغاوات تردد ما يقال‬ ‫و ت�صفق حني يطلب �إليها ‪.‬هذا اال يقود‬

‫للتطرف و الغلو ؟ �إ�ضافة �إىل ما يعانيه‬ ‫ال�شباب و يخربه من ا�ستغالل �أ�صحاب‬ ‫النفوذ للموارد و املقدرات يف البالد ومن‬ ‫مظاهر الت�سلط و التعدي يف عدد من‬ ‫الدول العربية هذا كله يولد �سخطا لدى‬ ‫ال�شباب يتحني الفر�صة للتعبري عنه ‪.‬‬ ‫الأ�سباب الإعالمية ‪:‬لقد �أ�صبحت و�سائل‬ ‫الإعالم يف جانب كبري منها �أبواق تتغنى‬ ‫باجنازات احلاكم – حمرر القد�س –‬ ‫وتكر�س مبد�أ العبودية للإله احلاكم‪ ،‬و‬ ‫جانب �آخر من و�سائل �إعالمنا املبجل‬ ‫ق�سم همه بني �إثارة م�شكالت خمتلقة؛‬ ‫كق�ضية حقوق املر�أة‪ ،‬والطفل‪ ،‬و�أفرد‬ ‫ق�سماً ال ي�ستهان به ملوا�ضيع‪ ،‬و برامج‪،‬‬ ‫وم�سل�سالت حتاكي الغرائز و ت�ستفزها‬ ‫‪...‬فلله دركم يا �شبابنا ‪.‬‬ ‫الأ�سباب الفكرية‪ :‬اجلهل بقواعد الإ�سالم‬ ‫و �آدابه و �سلوكياته‪ ،‬فقد غاب املجددون‬ ‫يف عاملنا العربي‪ ،‬وتركوا �ش�أن العامة‬ ‫والق�ضايا امل�صريية للرويب�ضة �أو تركوها‬ ‫يف �أح�سن احلاالت ل�شخ�صيات امتلأت‬ ‫ر�ؤو�سها بالأفكار الغربية ‪ .‬نتمنى �أن ال‬ ‫نكون قد �أعطينا �صورة قامتة عن حال‬ ‫�شبابنا؛ لكن حر�صنا وغريتنا على �شباب‬ ‫�أمتنا يجعلنا ن�صرخ وب�أعلى �صوت �أن‬ ‫ا�ستدركوا قبل فوات الأوان‪ ،‬وال بد لكل‬ ‫واحد منا �سواء �أكنا �أفرادا �أم م�ؤ�س�سات �أن‬ ‫نقوم مبهامنا وب�صورة منظمة بعيدة عن‬ ‫العبثية والفو�ضى ‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫‪28‬‬ ‫بقلم الدكتور ‪ :‬حممد املراكبي‬

‫الفقهاء والعلوم‬ ‫الحديثة‬ ‫يف الوقت الذي كانت ترزح فيه �أوروبا يف ع�صور الظالم واجلهل‪ ،‬ويف احلني الذي‬ ‫كانت تتم فيه �إعدامات باجلملة يف حق من يقول �إن الأر�ض تدور حول ال�شم�س‪� ،‬أو �إن‬ ‫الأر�ض كروية‪� ،‬أو من يقر�أ يف كتب العلم والثقافة‪ ،‬يف ذلك الوقت الذي كان االعتقاد‬ ‫ال�سائد خالله لدى الأوروبيني �أن الدين والعلم نقي�ضان ال يجتمعان‪ ،‬و�أن املعرفة هي‬ ‫ال�سبب الأول للف�ساد والع�صيان‪� ،‬أال يكفي للداللة على ذلك �أن �آدم �إمنا خرج من اجلنة‬ ‫لأن �أطماعه للمعرفة والعلم قادته لأن ي�أكل من �شجرة املعرفة‪ ،‬بدال من �أن يبحث عن‬ ‫الكمال الروحي والنف�سي‪ ،‬كما يزعم امل�سيحيون‪� .‬إن العلم واملعرفة عندهم هو انعكا�س‬ ‫للعامل الدنيوي عامل ال�شرور والآثام‪ ،‬وهو عامل ناق�ص م�ضطرب ال قواعد له وال �سنن‪،‬‬ ‫فكيف يرجى منه خري �أو يطمع فيه بنفع؟ "�إن اللوح املحفوظ مكتوب فيه �إين ل�ست يف‬ ‫حاجة �إىل حكمة احلكماء وال �إىل فهم العقالء‪ ،‬ويختار الرب احلماقات الدنيوية لكي‬ ‫تعطي �أولئك احلكماء املزيد من حماقاتهم" بول�س‬


‫يف ذلك الوقت مل يكن علماء الإ�سالم‬ ‫يحثون على التدبر يف ملكوت ال�سماوات‬ ‫والأر�ض‪ ،‬وال على التزود من علوم الدنيا‬ ‫من ريا�ضيات وعلوم طبيعة وفلك الخ‪.‬‬ ‫ال‪ ،‬بل �إن علماء امل�سلمني �أنف�سهم‪ ،‬و�أعني‬ ‫هنا الفقهاء وعلماء الدين‪� ،‬أخذوا بطرف‬ ‫جليل من تلك العلوم و�صارت لهم م�ؤلفات‬ ‫و�صناعات عظيمة يف هذا الباب‪.‬‬ ‫من املعلوم �أن كثريا من الفلكيني‬ ‫والأطباء وعلماء الطبيعة وغريهم كانت‬ ‫لهم م�ساهمات يف الفقه وعلوم ال�شريعة‪،‬‬ ‫وهذا قد يبدو طبيعيا يف ظل �أن جل‬ ‫النا�س كانوا يتعلمون علوم ال�شرع يف ذلك‬ ‫الوقت منذ نعومة �أظافرهم‪ ،‬لكن �أن يكون‬ ‫لعلماء ال�شريعة �أنف�سهم الذي كر�سوا‬ ‫حياتهم لطلب العلم ال�شرعي‪ ،‬وتولوا‬ ‫الق�ضاء‪ ،‬و�أخذوا يف الفتيا‪� ،‬أن تكون لهم‬ ‫�إ�سهامات عظيمة يف هذا الباب فهذا ما مل‬ ‫نعهده يف �أمة من قبل‪.‬‬ ‫والأمثلة على هذا �أكرث من �أن حت�صى‪،‬‬ ‫و�سنذكر هنا ترجمة لأحد امل�شايخ يف‬ ‫ع�صر يذكرون عنه �أنه ع�صر اجلمود‬ ‫الديني والتخلف العقلي‪ ،‬و�أن علماء‬ ‫ال�شريعة يف هذا الوقت قد ح ّرموا درا�سة‬ ‫كتب الريا�ضيات والطبيعة‪ ،‬و�أنه قد‬ ‫�أ�صابهم مثل ما كان قد �أ�صاب الأوروبيني‬ ‫يف ع�صورهم املظلمة‪ ،‬وال �أدري من �أين‬ ‫جاءت هذه النظرة فما زلنا ن�سمع عن‬ ‫كبار العلماء يف تلك الع�صور مثل ال�شيخ‬ ‫اجلربتي الكبري وال�شيخ العطار وال�شيخ‬ ‫الدمنهوري وغريهم من علماء الأزهر‬ ‫ف�ضال عن علماء الأقطار الأخرى ممن‬ ‫برعوا وجادوا يف امل�سائل العلمية‪ ،‬حتى �إن‬ ‫اجلربتي امل�ؤرخ يحكي �أن الفرن�سيني كانوا‬ ‫يفدون على والده قبل االحتالل الفرن�سي‬ ‫يدر�سون عليه علوم الريا�ضة وامليكانيكا‪.‬‬ ‫لكن مثالنا يف هذا املقال هو ال�شيخ‬ ‫�أبو الفتح الكلنبوي‪ .‬قال الزركلي‪ :‬هو‬ ‫�إ�سماعيل بن م�صطفى بن حممود‪� ،‬أبو‬ ‫الفتح الكلنبوي الرومي‪ ،‬ويعرف ب�شيخ‬ ‫زاده‪ :‬قا�ض حنفي عثماين‪ .‬ن�سبته �إىل‬ ‫بلدة (كلنبة) من والية (�آيدين) ووفاته‬

‫يف ت�سالية (من يني �شهر) وكان قا�ضيا‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫وقد ترجم ال�شيخ الكوثري يف مقاالته‬ ‫ترجمة وافية‪ .‬فذكر �أن الكلنبوي تخرج‬ ‫على يد �شيخ الإ�سالم مفتي زاده الكبري‬ ‫والذي يقول عنه �صاحب جملة الأحكام‬ ‫�إنه مل يط�أ �أر�ض ا�ستنبول مثله‪ ،‬يقول‬ ‫الكوثري و�إذا كان تخرجه على مثل هذا‬ ‫العامل الكبري فال غرو �إذا هو �أبدع يف مثل‬ ‫تلك امل�ؤلفات‪ ،‬فقد ترك حا�شيته الكبرية‬ ‫على �شرح الع�ضدية للدواين يف �أ�صول‬ ‫الدين ‪.‬وكان كتابه هذا يف عداد كتب‬ ‫الدرا�سة يعتني بدر�سه غاية االعتناء و‬ ‫فيه من التحقيقات ما ال تغنى عنه كتب‬ ‫املتقدمني‪ ،‬و له �أي�ضا حا�شية على كتاب‬ ‫�أبي الفتح يف تهذيب املنطق‪ ،‬وحا�شية على‬ ‫عبد احلكيم ال�سيلكوتي على �شرح ال�سعد‬ ‫للعقائد الن�سفية‪ ،‬كما �أن له حا�شية على‬ ‫�أبي الفتح يف الآداب‪ ،‬وتعليقا على الفوائد‬ ‫ال�ضيائية للجامي‪� ،‬شرحا على الأثرية يف‬ ‫املنطق‪ .‬وكان جناح الكلبنوي يف االمتحان‬ ‫لاللتحاق بزمرة العلماء املدر�سني �سنة‬ ‫‪ 1177‬ه‪ .‬و مل يزل يدر�س و ي�ؤلف و يالزم‬ ‫�شيخه حلل ما ي�ست�شكله �إىل �أن ويل ق�ضاء‬ ‫يكي�شهر فنار – يف ت�ساليا – �سنة ‪ 1204‬و‬ ‫مات �سنة ‪ 1205‬و مكتوب على �شاهد قربه‬ ‫هناك ما ترجمته‪" :‬الفاحتة لروح �أف�ضل‬ ‫املت�أخرين و عمدة امل�صنفني �إ�سماعيل‬ ‫الكلنبوي قا�ضي يكي�شهر �سابقاً‪.‬‬ ‫وبعد �أن ذكر ال�شيخ الكوثري طرفا‬ ‫من علومه ال�شرعية �أخذ ي�سرد �شيئا‬ ‫مما يربهن على مقدار براعته يف العلوم‬ ‫الريا�ضية فيقول ‪�:‬إنه ح�ضر مهند�س‬ ‫فرن�سي �إىل العا�صمة و قابل رئي�س الكتاب‬ ‫يقابل وزير اخلارجية الآن ‪ -‬مت�سائ ً‬‫ال‬ ‫عما �إذا كان يف عا�صمة العثمانيني من‬ ‫يجيد العلوم الريا�ضية و يفهم هذا م�شرياً‬ ‫�إىل جدول قدمه يف اللوغاريتما (ول�ست‬ ‫�أدري ما كان مراد �أم �أن الغر�ض من‬ ‫الزيارة كان علميا بح ًتا؟ لكن �إن كان علميا‬ ‫فلم يفد �إىل الق�سطنطينية وهي يف ذلك‬ ‫اليوم يف �أ�سوء �أحوالها؟ �أم �أن الفرن�سي�س‬ ‫�أرادوا �أن يذلوا اخلليفة حني ال يجد يف‬

‫عا�صمة ال�سلطنة من ال يح�سن حل تلك‬ ‫امل�سائل‪ ،‬خا�صة �أن امل�سلمني كانت لهم‬ ‫اليد الطوىل يف ن�ش�أة علم اللوغريتمات‬ ‫وتطوره! وغالب ظني �أنه الثاين‪ ،‬و�إن مل‬ ‫يعلق ال�شيخ الكوثري على هذه النقطة)‬ ‫فما كان من رئي�س الكتاب �إال �أن �أحال ذلك‬ ‫املهند�س �إىل ال�شيخ الكلنبوي و بعثه �إىل‬ ‫بيته‪ ،‬و ملا ر�أى املهند�س ال�شيخ و مالب�سه و‬ ‫حالة بيته اعتقد �أنه لن يلقى ما ين�شده‪ ،‬و‬ ‫مع ذلك ترك اجلدول عند ال�شيخ و طلب‬ ‫منه �أن يجاوبه ليوم عينه‪ ،‬و ملا ذهب �إليه‬ ‫يف امليعاد املحدد وجد ال�شيخ �ألف ر�سالة‬ ‫ممتعة يف اللغاريتمة يف مقالتني بغاية من‬ ‫الإجادة و التو�سع‪ ،‬فتحري املهند�س غاية‬ ‫التحري لكون �إيجاد جداول اللغاريتمة يف‬ ‫�أوروبا قريب العهد �إذ ذاك‪ ،‬و قال لوزير‬ ‫اخلارجية‪ :‬لو كان هذا العامل يف بالدنا‬ ‫لكانت قيمته بقدر وزنه ذه ًبا‪ ،‬ثم طلب من‬ ‫الوزير �أن ي�سمح له يف �أخذ �صورة الأ�ستاذ‬ ‫الكلنبوي وكان ذلك عام ‪.1202‬‬ ‫ثم يذكر ال�شيخ الكوثري مثاال �آخر‬ ‫يربهن فيه على ما و�صل �إليه ال�شيخ‬ ‫الكلنبوي رحمه اهلل فيقول �إنه يف عهد‬ ‫ال�سلطان �سليم الثالث جرى ا�ستعرا�ض‬ ‫للجي�ش يف كاغدخانة يف الآ�ستانة بح�ضور‬ ‫ال�سلطان نف�سه‪ ،‬و �أجري هناك مترينات‬ ‫حربية ثم �أطلقت مدافع �إىل هدف معني‬ ‫لكن القنابل املرمية طا�شت عن املرمى و‬ ‫مل ت�صب الهدف فغ�ضب من ذلك و مل‬ ‫تكن كيفية �إطالق املدافع �إذ ذاك و�صلت‬ ‫�إىل ما و�صلت �إليه اليوم من التمام و‬ ‫الكمال فذكر عند ال�سلطان �أحد الأمناء‬ ‫مبلغ براعة الكلنبوي يف احل�سابات‬ ‫الدقيقة والأمور امليكانيكية‪ ،‬ف�أُح�ضر‬ ‫و �أمره ال�سلطان �أن يعدل و�ضع املدافع‬ ‫‪،‬فقام الكلنبوي بح�ساب قوة املدفع وثقل‬ ‫القنبلة و ُبعد الهدف‪ ،‬و�أمت تعديل و�ضع‬ ‫املدفع على وفق ذلك‪ ،‬ثم �أمر ب�إطالقه‬ ‫�إىل الهدف ف�أ�صابت الطلقات كلها‬ ‫على التعاقب‪ ،‬و�سط ت�صفيق احل�ضور‬ ‫وده�شتهم‪" .‬فانظر رحمك اهلل كيف كان‬ ‫قول ق�ساو�ستهم يف العلم‪ ،‬وكيف كان عمل‬ ‫م�شايخنا فيه تدرك �أين كنا و�أين كانوا‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫‪30‬‬

‫يقول خبراء اإلدارة " ال يوجد فريق عمل فاشل‪ ،‬ولكن يوجد قائد فاشل"‬

‫الـقـيــادة اإلداريـة فـي‬ ‫ضـوء الكـتـاب والسـنـة‬

‫الدكتور علي حجاحجه‬

‫يقول خرباء الإدارة " ال يوجد فريق‬ ‫عمل فا�شل‪ ،‬ولكن يوجد قائد فا�شل" ‪،‬‬ ‫يف �إ�شارة منهم �إىل �أهمية دور القائد يف‬ ‫ا�ستنها�ض الهمم‪ ،‬ورفع الروح املعنوية‬ ‫لأع�ضاء الفريق وحتفيزهم‪ ،‬ومعاجلة‬ ‫نقاط �ضعفهم‪ ،‬وا�ستغالل طاقاتهم‬ ‫الكامنة‪ ،‬وت�سليحهم بالعلم واملعرفة‬ ‫واملهارات املختلفة‪ ،‬وقادر على الت�أثري‬ ‫على �أتباعه لبلوغ الهدف املن�شود‪ ،‬وهذه ال‬ ‫ميكن �أن تت�أتى �إال من خالل قيادة ف ّذة‪.‬‬ ‫من هنا جاء االهتمام البالغ يف اختيار‬ ‫وت�سمية القادة ومتابعة �أدائهم خالل‬ ‫توليهم ملهامهم‪ ،‬فالقائد – �ش�أنه �ش�أن‬ ‫غريه من الب�شر‪ -‬مع ّر�ض للن�سيان‬ ‫وال�ضعف �أمام مغريات احلياة‪.‬‬ ‫ولأن مدر�سة الإ�سالم الإدارية �أحاطت‬ ‫بكنه هذا كله وغريه‪ ،‬فقد ن�ش�أ يف كنفها‬

‫�أمناط من القادة على خمتلف الأ�صعدة‬ ‫ويف خمتلف امليادين‪ ،‬كانت م�ضرباً للمثل‬ ‫يف ال�شجاعة والإقدام والإيثار والت�ضحية‬ ‫والإبداع وبعد النظر والدقة يف ر�سم‬ ‫اخلطط وال�سيا�سات‪ ،‬على العك�س مما‬ ‫�أُتبع يف الكثري من املدار�س الإدارية‬ ‫التي كانت وما زالت تتخبط وتتنقل بني‬ ‫النظريات‪ ،‬فتنه�ض برهة لكنها �سرعان‬ ‫ما تتعرث وت�سقط‪ ،‬فاملدر�سة الإ�سالمية‬ ‫و�ضعت تفاهمات على �أ�س�س اختيار القائد‬ ‫" الإداري" ال ميكن التنازل عنها بحال‪،‬‬ ‫كالعدل‪ ،‬واجلر�أة‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬وبعد النظر‬ ‫وغريه‪ ،‬فقد جاء يف كتاب اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫" َيا دَا ُو ُد �إِ َّنا َج َع ْل َن َ‬ ‫اك َخلِي َف ًة فيِ الأَ ْر ِ�ض‬ ‫ا�س ِبالحْ َ ِّق َوال َت َّت ِب ِع ا ْل َه َوى‬ ‫اح ُك ْم َبينْ َ ال َّن ِ‬ ‫َف ْ‬ ‫للهَّ‬ ‫َف ُي ِ�ض َّل َك َعنْ َ�س ِبيلِ ا ِ‪..‬الآية " (�ص‪،)26:‬‬ ‫ويف قوله تعاىل‪� " :‬إِ َّن اللهَّ َ َي�أْ ُم ُر ُك ْم �أَ ْن‬ ‫الَمَا َناتِ �إِلىَ �أَهْ ِلهَا َو ِ�إ َذا َح َك ْم ُت ْم‬ ‫ُت�ؤَدُّوا ْ أ‬


‫َبينْ َ ال َّن ِ‬ ‫ا�س �أَ ْن تحَ ْ ُك ُموا بِا ْل َعدْلِ ‪ ..‬الآية " ‪ -5‬العلم واملعرفة‪:‬‬

‫(الن�ساء‪ .)58 :‬فهذا تكليف من اهلل تعاىل‬ ‫للقادة ب�ضرورة احلكم العادل امل�ستند على‬ ‫القوانني والأنظمة وعلى ر�أ�سها كتاب اهلل‬ ‫و�سنة نبيه‪.‬‬ ‫ومن �أهم ال�صفات التي يجب �أن يتحلى‬ ‫بها القائد ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الإخال�ص هلل‪:‬‬

‫�إن من �أوىل �أولويات النجاح‪� ،‬أن يكون‬ ‫العمل خال�صاً هلل‪ ،‬ال ت�شوبه �شائبة الرياء‬ ‫�أو �شبهة �أو �شهوة‪ ،‬لأن العمل �سيحبط‬ ‫يف الدنيا قبل الآخرة‪ ،‬وهذا ما جاء‬ ‫الت�أكيد عليه يف القر�آن وال�سنة غري مرة‪،‬‬ ‫فقد قال �سبحانه‪" :‬هُ َو ا َّلذِ ي َب َع َث فيِ‬ ‫ني َر ُ�س اً‬ ‫الُ ِّم ِّي َ‬ ‫ول ِّم ْن ُه ْم َي ْت ُلو َعلَ ْي ِه ْم �آ َيا ِت ِه‬ ‫ْأ‬ ‫اب َوالحْ ِ ْك َمة‪..‬‬ ‫َو ُي َز ِّكي ِه ْم َو ُي َع ِّل ُم ُه ُم ا ْل ِك َت َ‬ ‫الآي َة "(اجلمعة‪ .)2:‬وقال �أي�ضا‪َ " :‬ي ْو َم اَل‬ ‫َين َف ُع م ٌ‬ ‫َال َو اَل َب ُنو َن * �إِ اَّل َمنْ �أَ َتى اللهَّ َ ِب َق ْلبٍ‬ ‫ِيم" (ال�شعراء‪.)89-88:‬‬ ‫َ�سل ٍ‬ ‫‪ -2‬الإميان والقناعة باملهمة ‪:‬‬

‫لأن الإميان بالهدف �أو الق�ضية �أو‬ ‫املهمة يعطي دافعاً للقائد و�أتباعه للعمل‬ ‫بحما�س وقوة حتى و�إن واجهتهم العقبات‪،‬‬ ‫ولعل هذا يتج�سد يف قولة النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ " :‬واهلل يا ع ّم لو و�ضعوا‬ ‫ال�شم�س يف مييني والقمر يف ي�ساري على‬ ‫�أن �أترك هذا الدين ماتركته‪ "....‬وهو‬ ‫ما ج�سده �أبو بكر �أي�ضاً‪ ،‬يوم حدّثوه عن‬ ‫�إ�سراء ر�سول اهلل ومعراجه فقال‪�" :‬إن كان‬ ‫قالها فقد �صدق‪"..‬‬

‫‪ -9‬املرونة وتقبل النقد‪:‬‬

‫"�أَ َف َمنْ يمَ ْ�شِ ي ُم ِك ًّبا َعلَى َو ْج ِه ِه �أَهْ دَى وجت ّلت هذه ال�صفة ب�أبي بكر يوم تو ّ‬ ‫ىل‬ ‫�أَ َّمنْ يمَ ْ�شِ ي َ�س ِو ًّيا َعلَى ِ�ص َر ٍ‬ ‫اط م ُْ�س َتق ٍ‬ ‫ِيم" اخلالفة‪� ،‬إذا وقف خطيباً‪ ،‬فكان مما قال‪:‬‬ ‫(امللك‪.)22:‬‬ ‫"�أيها النا�س‪� ،‬إين قد ُو ِّليت عليكم ول�ست‬ ‫التوا�ضع والقرب من النا�س‪:‬‬ ‫بخريكم‪ ،‬ف�إن �أح�سنت ف�أعينوين‪ ،‬و�إن‬ ‫ويج�سد ذلك اخلطاب‬ ‫ّ‬ ‫الرباين لر�سول اهلل �أ�س�أت فق ِّوموين‪"....،‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪َ " :‬ف ِب َما َر ْح َم ٍة مِ َن‬ ‫الل ِلنْتَ َل ُه ْم َو َل ْو ُكنْتَ َف ّظاً َغل َ‬ ‫ِيظ ا ْل َق ْلبِ ومما يجدر ذكره‪� ،‬أن من النقاط الرئي�سة‬ ‫هَّ ِ‬ ‫اَل ْن َف ُّ�ضوا مِ نْ َح ْول َِك " (�آل عمران ‪ .)159‬يف جناح القائد‪ ،‬ح�سن اختيار احلا�شية‪،‬‬ ‫‪ -6‬احلزم وعدم الرتدد‪:‬‬ ‫والتي �أثبتت التجارب على مر الأزمنة‬ ‫لأن الرتدد ي�ضعف القائد ويربك دورها يف جناح �أو ف�شل القائد‪ ،‬فجاء‬ ‫الفريق‪ ،‬قال تعاىل‪َ " :‬ف�إِ َذا َع َز ْمتَ َف َت َو َّك ْل على ل�سان مو�سى عليه ال�سالم‪َ " :‬و ْاج َعل‬ ‫الل " (�آل عمران‪.)159:‬‬ ‫َعلَى هَّ ِ‬ ‫ِيّل َوزِي ًرا ِّمنْ �أَهْ لِي* هَا ُرو َن �أَخِ ي* ْا�ش ُد ْد‬ ‫‪ -7‬التحقق وعدم �إطالق الأحكام امل�سبقة‪ِ :‬ب ِه �أَ ْزرِي* َو َ�أ ْ�ش ِر ْك ُه فيِ َ �أ ْمرِي* َك ْي ُن َ�س ِّب َح َك‬ ‫�إذ يقول احلق �سبحانه‪َ " :‬يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ريا" (طه‪.)34-29 :‬‬ ‫ريا* َو َن ْذ ُك َر َك َك ِث ً‬ ‫ين َك ِث ً‬ ‫�آَ َم ُنوا �إِ ْن َجا َء ُك ْم َفا�سِ ٌق ِب َن َب ٍ�أ َف َت َب َّي ُنوا �أَ ْن‬ ‫ُت ِ�صي ُبوا َق ْو ًما ب َِجهَا َل ٍة َف ُت ْ�ص ِب ُحوا َعلَى مَا هذا غي�ض من في�ض املدر�سة الإدارية يف‬ ‫الإ�سالم م�ستقاة من وحي الكتاب وال�سنة‪،‬‬ ‫َف َع ْل ُت ْم َنادِمِ َ‬ ‫ني " (احلجرات‪.)6 :‬‬ ‫ويف �صناعة القائد على وجه التحديد‬ ‫‪ -8‬ال�صرب واملحاولة‪:‬‬ ‫ْ الذي نحن �أحوج ما نكون اليه يف هذه‬ ‫" َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ا�صبرِ ُ واْ َو َ�صا ِب ُروا‬ ‫ين �آ َم ُنواْ ْ‬ ‫الأيام‪.‬‬ ‫َو َراب ُِطواْ َوا َّت ُقواْ اللهّ َ َل َع ّلَ ُك ْم ُت ْفل ُِحو َن"‬ ‫(�آل عمران‪.)200:‬‬

‫‪ -3‬القوة وال�صدق والأمانة‪:‬‬

‫جت�سد يف الآية الكرمية‪َ " :‬يا‬ ‫وهو ما ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫�أَبَتِ ْا�س َت�أْجِ ْر ُه �إِ ّن خيرْ َ م َِن ْا�ست�أ َج ْر َت القو ُِّي‬ ‫الَمِ ُ‬ ‫ني" (الق�ص�ص‪.)26 :‬‬ ‫ْأ‬ ‫‪ -4‬امل�شاركة يف اتخاذ القرار‪:‬‬

‫قال تعاىل خماطبا �سيدنا حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪َ " :‬و َ�شا ِو ْرهُ ْم يف الأمر"‬ ‫(�آل عمران‪ .)159 :‬وخطاب مماثل يف‬ ‫كتاب اهلل‪ ،‬لك ّنه موجه هنا لعامة امل�سلمني‬ ‫" َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم " (ال�شورى‪.)38:‬‬

‫‪31‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫‪32‬‬

‫منـهـجـيـة التـعـامــل مـع‬ ‫ظـاهـرة الرسـوم المسيئة‬

‫الدكتور حممد الكبي�سي‬

‫�أ�صبح من �شبه املعتاد �أن تطالعنا‬ ‫بع�ض ال�صحف الغربية ب�إ�ساءات منكرة‬ ‫ومتكررة تتجاوز فيها حدود اللياقة‬ ‫و�أخالقيات املهنة‪ ،‬وتهبط فيها �إىل‬ ‫م�ستوى من البذاءة ي�شبه �إىل حد‬ ‫ما ت�صرفات �أبناء ال�شوارع الذين ال‬ ‫يجدون ما يعربون به عن �أنف�سهم‬ ‫وطبيعة تربيتهم �إال �أنكر الأ�صوات‬ ‫و�أقبح الكلمات‪ ،‬ف�إذا كربوا وتلقوا‬ ‫�شيئا من التعليم �شعروا باحلرج لأنهم‬ ‫مل يكونوا يف املوقع املنا�سب لل�سلوك‬ ‫الآدمي‪ ،‬وهناك نظريات ودرا�سات كثرية‬ ‫حول الطريقة الأن�سب للتعامل مع هذه‬ ‫الظاهرة وكيفية ت�أهيلهم ليندجموا من‬

‫جديد يف املجتمعات الب�شرية‪ .‬هنالك‬ ‫م�شكلة �أخرى وثيقة بهذه الظاهرة‬ ‫وهي �أدعى لالهتمام والرد‪ ،‬وهي �أن‬ ‫بع�ض النا�س يفكرون با�ستخدام ه�ؤالء‬ ‫ال�سفهاء واملراهقني ال�ستفزاز خ�صومهم‪،‬‬ ‫وليقوموا مبا يخجلون هم عن القيام‬ ‫به‪ ،‬كما فعل �أهل الطائف عندما �سلطوا‬ ‫�سفهائهم و�صبيانهم لإيذاء الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم بال�سباب وال�شتائم‬ ‫مما يتنافى مع القيم العربية يف التعامل‬ ‫مع الوافد الغريب وال�ضيف الدخيل‬ ‫املحتاج للم�أوى والقرى‪ ،‬وقد تنبه لهذا‬ ‫العرب فقال �شاعرهم‪�( :‬إن ال�سفيه �إذا مل‬ ‫ينه م�أمور)‪.‬‬


‫المْ َ ْ�س ُجو ِن َ‬ ‫ني) �أجابه مو�سى‪�( :‬أَ َو َل ْو جِ ْئ ُت َك‬ ‫ب َِ�ش ْي ٍء ُم ِبنيٍ؟) �إنها احلجة والبينة حتى‬ ‫يف مواجهة التهديد‪ ،‬لأن �أ�صل دعوة‬ ‫الأنبياء ما كانت ملقا�ضاة النا�س و�إقامة‬ ‫احلكم عليهم‪ ،‬بل لإر�شادهم و�إنقاذهم‬ ‫وحتقيق الرحمة ال�شاملة لهم‪.‬‬

‫رمبا كان من الأف�ضل جتاهل هذه‬ ‫ال�صحيفة التي ال يح�ضرين ا�سمها‬ ‫والتي اعتادت مثل هذا ال�سلوك‬ ‫ال�صبياين على قاعدة القر�آن يف التعامل‬ ‫مع هذا اللغو ( َو�إِ َذا َم ُّروا بِال َّل ْغ ِو َم ُّروا‬ ‫ِك َراماً) ( َو�إِ َذا َخ َ‬ ‫اط َب ُه ُم الجْ َ اهِ ُلو َن َقا ُلوا‬ ‫َ�سلاَ ماً)‪� ،‬إال �أن كثريا من امل�سلمني تولد‬ ‫عندهم �شعور تراكمي �أن هناك جهات‬ ‫معينة يف الغرب تريد الإ�ساءة لهم‬ ‫ولكنها تخجل من الهبوط بنف�سها �إىل‬ ‫هذا الدرك الو�ضيع ف�أوحت �إىل ه�ؤالء‬ ‫ال�سفهاء وجر�أتهم ليلعبوا هذا الدور‪،‬‬ ‫و�إذا كان هذا االحتمال �صحيحا فال بد‬ ‫من التعامل معه بطريقة �أخرى تتجاوز‬ ‫دائرة الفعل امل�سيء �إىل الدائرة الأكرب‬ ‫بغاياتها و�أهدافها‪.‬‬

‫لي�س هناك ما ميكن �أن ينقذ ه�ؤالء‬ ‫�أكرث من ردات الفعل املت�سرعة واملرتبكة‬ ‫والتي قد تقنع �شعوب الغرب ب�أن الدين‬ ‫القادم �إليهم من ال�شرق ال يحمل معه‬ ‫�سوى (الدم) وعودة ال�صراعات الدينية‬ ‫والطائفية ولكن ب�أ�سماء وم�سميات‬ ‫جديدة‪ ،‬وهذا لوحده كاف لبناء‬ ‫احلواجز النف�سية بني هذه ال�شعوب وبني‬ ‫الإ�سالم الذي بد�أ ومنذ عقود بالتغلغل‬ ‫يف عقولهم وقلوبهم‪ ،‬وهذه ال�شعوب‬ ‫يف الغالب لن تكون يف و�ضع ي�ؤهلها‬ ‫ملقا�ضاة احلالة ب�أ�سبابها ونتائجها‪،‬‬ ‫فر�ؤية الدم ل�صحافيني من �أبنائهم‬ ‫مهما كانت �إ�ساءتهم لن ترتك عندهم‬ ‫�سوى االنطباع ال�سلبي عن ه�ؤالء القتلة‬ ‫والعقيدة التي يحملون‪.‬‬

‫�إن واحدة من الأزمات التي يعاين‬ ‫منها الفكر الغربي املعا�صر هي �إفال�سه‬ ‫يف عامل القيم الروحية وجنوحه نحو‬ ‫املادة اجلامدة وثقافة (الآلة ال�صماء)‬ ‫التي ال ميكنها �أن تلبي تلك احلاجات‬ ‫الفطرية املغرو�سة يف �ضمري الإن�سان‬ ‫ووجدانه الداخلي‪ ،‬ولذلك ن�سمع عن‬ ‫�آالف الغربيني الذين يقدمون على‬ ‫الإ�سالم لإرواء هذا العط�ش الروحي‪،‬‬ ‫وقد تركوا وراءهم كنائ�س مهجورة‬ ‫وطال�سم وتراتيل �أم�ست جزءا من تراث‬ ‫�شعبي مت�آكل‪ ،‬ولي�س �أدل على هذا من‬ ‫حتول ع�شرات الكنائ�س يف الغرب �إىل‬ ‫م�ساجد! وبع�ضها حتول �إىل م�ؤ�س�سات‬ ‫مدنية ال �صلة لها بالدين‪ ،‬من هنا ت�أتي‬ ‫�أهمية �صناعة (العدو الديني) لإذكاء‬ ‫روح االنتماء امل�ضاد‪ ،‬هذه الطريقة يف‬ ‫التفكري تبدو منطقية وطبيعية بيد �أن‬ ‫الغرب الذي ثار على (الت�سلط الكن�سي)‬ ‫و�أنتج (الدميقراطية) و (دولة املواطنة)‬ ‫ال يريد �أن يرجع �إىل الوراء‪ ،‬فالرجوع‬ ‫يعني العودة �إىل ع�صور الظالم واحلروب‬ ‫الدينية الداخلية بني الطوائف امل�سيحية‬ ‫نف�سها‪ ،‬هذا هو امل�أزق احلاد الذي �أ�صاب‬ ‫الغرب بالدوار وفقدان التوازن‪.‬‬

‫قبل �سنوات ويف جولة طويلة يف‬ ‫ال�شمال الأوروبي ر�أيت �شعوبا بال دين‬ ‫وال انتماء‪ ،‬ورمبا ي�صل الإحلاد يف بلد‬ ‫مثل ال�سويد �إىل ما يزيد على ‪،70%‬‬ ‫وهو لي�س �إحلادا مارك�سيا عقديا‪ ،‬بل‬ ‫هو حالة من الفراغ واحلرية‪ ،‬وه�ؤالء‬ ‫يف الغالب يكونون �أر�ضا خ�صبة للدعوة‬ ‫الناجحة‪ ،‬اليوم وبعد �أحداث املو�صل ما الذي ي�ضر امل�سلمني لو دعوا عرب‬ ‫بالذات وت�شريد امل�سيحيني �صرنا ن�سمع م�ؤ�س�ساتهم الر�سمية �أو ال�شعبية �إىل‬ ‫عن حرق م�ساجد واعتداءات متكررة م�ؤمتر م�شرتك مع مثقفي الغرب لإدارة‬ ‫على امل�سلمني‪.‬‬ ‫حوار علمي وقانوين مو�سع حول هذه‬ ‫ما الذي نريده؟ وما واجب الوقت؟ الإ�ساءات؟‬

‫لقد جنح الفرن�سيون يف حتقيق بع�ض‬ ‫�أهدافهم الداخلية‪ ،‬واكت�سبوا تعاطفا‬ ‫دوليا وا�سعا حتى من بع�ض القادة‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬وكل هذا ب�سبب غياب التفكري‬ ‫املنهجي والروح الت�شاورية الهادفة لدى‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬لقد كان ب�إمكان امل�سلمني �إن مل‬ ‫يروا جتاهل هذه الإ�ساءة �أن ي�ستخدموها‬ ‫كدليل م�ضاف لإقناع الغربيني بخوائهم‬ ‫الروحي وتر�سيخ �شعورهم باحلاجة �إىل‬ ‫القيم الإميانية والروحية‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫ذاته يعمل امل�سلمون على تعزيز وحدتهم‬ ‫ال�شعورية ووالئهم لنبيهم وحبهم‬ ‫ال�شديد له وتعزيز الثقة ب�أنهم الأعلون‬ ‫بهذه الر�سالة املحمدية‪ ،‬الر�سالة التي‬ ‫حتمل اخلري والرحمة للعاملني كل‬ ‫العاملني‪.‬‬

‫و�أين تتجه بو�صلتنا؟ هل نحن متجهون ملاذا التفكري املتناق�ض دائما �إما بالدم‪،‬‬ ‫لإعالن احلرب ال�شاملة و (اجلهاد و�إما بالهرولة لت�سجيل املواقف وطلب‬ ‫العاملي) على الغرب وعلى كل من ي�سيء �شهادات ح�سن ال�سرية وال�سلوك؟‬ ‫�إلينا يف هذا العامل؟ لننظر �إىل الرتبية‬ ‫القر�آنية وهذا النموذج الفريد يف حماورة عبارة واحدة ينبغي �أن ت�صل �إىل‬ ‫مو�سى لفرعون وقومه‪َ ( :‬قا َل َر ُّب ُك ْم َو َر ُّب كل ال�شعوب الغربية‪ ،‬هذه الإ�ساءات‬ ‫ني* َقا َل �إِ َّن َر ُ�سو َل ُك ُم ا َّلذِ ي املتكررة والو�ضيعة تعرب عن �أزمة داخلية‬ ‫ال َّو ِل َ‬ ‫�آ َبا ِئ ُك ُم َْ أ‬ ‫ون* َقا َل َر ُّب المْ َ ْ�شرِقِ لدى بع�ض �أبنائكم‪ ،‬كما �أن ردود الفعل‬ ‫�أُ ْر�سِ َل ِ�إ َل ْي ُك ْم لمَ َ ْج ُن ٌ‬ ‫َوالمْ َ ْغرِبِ َومَا َب ْي َن ُه َما �إِ ْن ُك ْن ُت ْم َت ْع ِق ُلو َن) املجنونة تعرب عن �أزمة داخلية لدى‬ ‫هكذا يتجاهل مو�سى �شتيمة فرعون بع�ض �أبنائنا‪ ،‬تعالوا �إىل كلمة �سواء‬ ‫ويتجه �إىل هدفه املبا�شر‪ ،‬وحني بد�أ لنتعاون يف حل هذه الإ�شكاالت وجتاوز‬ ‫فرعون ينتقل من ال�شتيمة �إىل التهديد هذه العقبات جملة واحدة ومبنهجية‬ ‫( َلئ ِ​ِن ا َّت َخ ْذ َت �إِ َلهاً َغيرْ ِي َ ألَ ْج َعلَ َّن َك مِ َن واحدة‬

‫‪33‬‬


‫‪34‬‬

‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫ون)‬ ‫اع ُبدُ ِ‬ ‫(�إِ َّن هَ ِذ ِه �أُ َّم ُت ُك ْم �أُ َّم ًة َو ِ‬ ‫احدَ ًة َو�أَ َنا َر ُّب ُك ْم َف ْ‬ ‫بقلم الأ�ستاذ ‪�ِ :‬صدِّ يق محُ َ ّمد �إ ْب َراهيم َ‬ ‫ال�ض ْو‬

‫اإلسالمي‬ ‫أضواء على‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫العالم ِ‬ ‫(األقليـــات)‬

‫ِم َيامنـار‬

‫‪ 1,925,510‬مــــــن ‪48,137,741‬‬ ‫تقع مِ يامنار �أو (بورما) �سابقاً يف‬ ‫جنوب �شرق �آ�سيا ‪ ،‬حتدها مِ نْ ال�شمال‬ ‫ال�شرقي جمهور ّية ال�صني ال�شعب ّية ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الغربي ال ِه ْند وبنغالدي�ش‬ ‫ومِ نْ ال�شمال‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬و ُيحازيها من اجلنوب خليج البنغال‬ ‫واملحيط الهندي ‪ ،‬ومِ نْ اجلنوب‬ ‫ال�شرقي �شِ به جزيرة املياليو ‪.‬‬ ‫وهي عبارة عن ثالثة قطاعات‬ ‫رئي�س ّية ‪:‬‬ ‫‪� -1‬سل�سلة اجلِ بال ال�شرق ّية ‪.‬‬ ‫الغربي ‪ -3 .‬احلزام‬ ‫‪ -2‬احلزام اجلبلي‬ ‫ّ‬ ‫الأو�سط‪.‬‬

‫واحلزام الأو�سط عبارة عن �سل�سلة‬ ‫من اجلبال ت�ضم �أطول قمة جبل ّية‬ ‫يف ميامنار ؛ وهي قمة جبل هكاكابو‬ ‫حيث يبلغ طوله ‪ 5881‬مرتاً فوق �سطح‬ ‫البحر ‪ ،‬وهنالك تق�سيمات فرعية‬ ‫تتم ّثل يف املدن الكربى مثل ‪ :‬ميينغ‬ ‫يان ‪ ،‬مييتكايينا ‪ ،‬ميكتيال ‪ ،‬هنزادا ‪،‬‬ ‫موملني ‪ ،‬مرجي ‪ ،‬رانغونا ‪ ،‬ب�سان ‪ ،‬بوتاو‬ ‫بالإ�ضافة �إىل عا�صمة البالد وهي‬ ‫نايبيدا ‪ ،‬وهنالك القرى التي يقطنها‬ ‫�أغلب ال�سكان ن�سبة الحرتاف غالبيتهم‬ ‫مهنة الزراعة حيث الأرز‬

‫الذي يُعدُّ الغذاء الرئي�س لل�سكان ‪،‬‬ ‫ويف ُقراهم يتخذون من املواد املحلية‬ ‫املتوافرة لديهم بيوتاً لل�سكن عاد ًة ما‬ ‫تكون موافقة لطبيعة املنطقة التي‬ ‫تغمرها الفي�ضانات؛ فتكون مرتفعة‬ ‫قلي ً‬ ‫ال عن �سطح الأر�ض لتفادي‬ ‫احليونات املفرت�سة والهوام والرطوبة‬ ‫‪ ،‬والقليل من ال�سكان يقطنون املدن‬ ‫حيث يحرتفون ال�صناعة والتجارة‬ ‫وبع�ضهم يعمل يف القطاعات احلكومية‬ ‫املختلفة ‪.‬‬


‫اال�ستقـــالل ‪:‬‬ ‫عا�شت ميامنار كغريها من ُ�شعوب‬ ‫العامل فرتة من تاريخها يف قيود‬ ‫الإ�ستعمار الربيطا ّ‬ ‫ين ‪ ،‬وقد ك ّونت‬ ‫جمموعة الرِفاق الثالثون عام ‪1940‬م‬ ‫جي�شاً نا�ض َل من �أجل اال�ستقالل �إىل‬ ‫� ْأن نالت ميامنار ا�ستقاللها عام‬ ‫‪1945‬م فغيرّ ت احلكومة امليامنار ّية كل‬ ‫الرتجمات الإجنليزية ملُدن ومناطق‬ ‫البالد فتغيرّ تبعاً لذلك ا�سم الدولة من‬ ‫بورما �إىل ميامنار ونتيجة للتخفيف‬ ‫�أو الت�سهيل ُتنطق ميامنار ( ميامنا)‬ ‫كما هو احلال يف اللغة العرب ّية تحُ ذف‬ ‫الهمزة تخفيفاً �أحيانا حتي يف القراءات‬ ‫القر�آنية جند (م�ؤ�صدة) و(مو�صدة)‬ ‫حتقيقاً وت�سهي ً‬ ‫ال ‪.‬‬ ‫التنــوع العرقــي واللغــوي‬ ‫والدينــي ‪:‬‬ ‫العرقي‬ ‫تتميز ميامنار بالتنوع‬ ‫ّ‬

‫والديني واللغويّ ‪ ،‬فمن الناحية‬ ‫ّ‬ ‫العرق ّية هنالك البورميني الذين‬ ‫ي�شكلون الغالبية العظمى من ال�سكان‬ ‫‪ ،‬وهنالك الكارين و�شان وت�شني‬ ‫وكا�شني ومون وناجاووا والأراكانني‬ ‫الذين ُيعرفون �أي�ضاً بالروهينجا‬ ‫وهم ينحدرون من �أ�صولٍ خمتلفة‬ ‫بع�ضها عرب ّية و�أخرى فار�س ّية وهند ّية‬ ‫وميالو ّية ومغول ّية وباتان ّية ‪( ،‬‬ ‫ُ‬ ‫يقطن �أكرثهم يف باك�ستان‬ ‫الباتان قوم‬ ‫و�أفغان�ستان والهند ‪ ،‬و ُيعرفون �أي�ضاً‬ ‫بالب�شتون) ‪� ،‬أما من الناحية اللغو ّية‬ ‫فتتعدد الأل�سن يف ميامنار تبعاً للتعدد‬ ‫العرقي ‪ ،‬لكن غالب ّية ال�سكان يتحدثون‬ ‫لغة الغالب ّية العرق ّية وهي البورمية ذات‬ ‫الأ�صول التبيتية التي يقطن �أ�صحابها‬ ‫الأرا�ضي ال�صينية ‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل اللغة‬ ‫الإجنليز ّية التي يتحدثها ال�سكان‬ ‫كلغة توا�صل ُم�شرتكة ‪� ،‬أما من الناحية‬

‫الدينية ف�إن الغالبية العظمى من‬ ‫ال�سكان ُيدينون بالبوذية والهندو�سية‬ ‫وامل�سيحية وعدد قليل من اليهود‬ ‫بالإ�ضافة �إىل الدين الإ�سالمي الذي‬ ‫ُيدين به ‪ 1,925,510‬من �إجمايل عدد‬ ‫ال�سكان البالغ عددهم ‪48,137,741‬وفقاً‬ ‫لدرا�س ٍة علمي ٍة �أعدها مركز درا�سات‬ ‫رابطة العامل الإ�سالمي يف العام‬ ‫‪2012‬م ‪ .‬وهذه املجموعة هي الكا�شني‬ ‫والروهينجا التي تقطن يف �إقليم‬ ‫�أراكان وقد نا�ضلت هذه املجموعات‬ ‫مع بقية ال�سكان �ضد االحتالل ن�ضا ًال‬ ‫�ضارياً مما حدا بامل�ستعمر �أن يرت�صد‬ ‫هذه املجموعات وقد كال لها املكائد‬ ‫حتى بعد ا�ستقالل البالد ‪ ،‬ومن تلك‬ ‫املكائد تع ّر�ض هذه املجموعة ملذبحة‬ ‫عام ‪1942‬م حيث لقي ما يقرب من مئة‬ ‫�ألف م�سلم يف �إقليم �أراكان حتفهم يف‬ ‫املقاومة ‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫‪36‬‬

‫الإ�ســـالم فـــي ميامنـــار‪:‬‬ ‫كن الإ�سالم حديثاً يف ميامنار‬ ‫مل َي ِ‬ ‫لكي ُيواجه بالعداء يف الوقت الراهن ‪،‬‬ ‫فقد دخل الإ�سالم �إىل ميامنار يف عهد‬ ‫اخلليفة العبا�سي هارون الر�شيد �سلماً‬ ‫عن طريق التجار العرب ‪ ،‬والذين‬ ‫كانت لهم �صلة قوية وعالقات متينة‬ ‫ب�إقليم �أراكان بحكم التجارة وامل�صالح‬

‫ًت�سمى ق�ضيتهم عرقية ال عالقة لها‬ ‫بالدين وتارة ُت�سمى دينية وتارة ُتن�سب‬ ‫الق�ضية بكاملها �إىل التاريخ املك ِّون‬ ‫للمجموعات ال�سكانية ب� ّأن الروهينجا‬ ‫لي�س لهم ِ�صلة بهذه الأر�ض و�إمنا هم‬ ‫دخالء عليها ‪ ،‬وبناء عليه يجب �أن‬ ‫يغادروها طوعاً �أو كرهاً ‪.‬‬ ‫وم�ؤكدات هذا اال�ستنتاج �أمور عدة‬

‫احلياتية امل�شرتكة ‪ ،‬كما ُي�ؤكد ذلك‬ ‫امل�ؤرخ (�أر ‪ .‬بي �أ�سمان) �صاحب كتاب‬ ‫‪� Burma Gazetteer‬أي (معجم‬ ‫بورما اجلغرايف) بقوله ‪ّ �( :‬إن للعرب‬ ‫�صلة بتلك املنطقة منذ عام ‪788‬م ) ‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل ن�ضالهم ال�سابق ذكره‬ ‫مع بقية القوميات العرقية يف البالد ‪،‬‬ ‫ومع ذلك ف�إن و�ضع الأقليات امل�سلمة يف‬ ‫ذاك الإقليم مل تكن على ما ُيرام ‪ ،‬فتار ًة‬

‫‪ :‬منها ر�سمية �صادرة عن اجلهات‬ ‫الر�سمية ‪ ،‬و�أخرى واقعية يعاي�شها‬ ‫ال�سكان هناك ‪ ،‬فقد متت م�صادرة‬ ‫الأوقاف الإ�سالمية يف ميامنار‬ ‫ومن �أ�شهرها الأر�ض املوقوفة على‬ ‫م�سجدي (ماوجندو جيم ) و ( �آكياب‬ ‫�إن ما تتع ّر�ض له الأقلية يف ميامنار‬ ‫مخُ‬ ‫جيم ) والأر�ض التي كانت �ص�صة يعك�س بجالءٍ‪( ،‬ف�شل النظام القائم‬ ‫ملقابر امل�سلمني ف�أقيمت عليها مالعب هنالك يف �إدار التنوع) القائم بالبالد‬ ‫ريا�ضية و�أديرة ‪ ،‬وقد �صدر قانون عام‬

‫‪1983‬م وقد منعت احلكومة مبوجبه‬ ‫اجلن�سية عن كل من مل يثبت �أن �أ�سرته‬ ‫عا�شت يف ميامنار قبل عام ‪1844‬م‬ ‫وهو العام الذي اندلعت فيه احلرب‬ ‫الإجنليزية البورمية الأوىل وقد‬ ‫عجزت �أقلية الروهينجا من �إثبات ذلك‬ ‫فرتتب عليه حرمانهم من كل احلقوق‬ ‫القانونية وال�سيا�سية واملجتمعية‬

‫والتعليمية والإن�سانية كذلك ‪ ،‬فيعي�ش‬ ‫ال�سكان هناك بال هُ وية وال �إن�سانية‬ ‫ي�ستظلون حتتها وقد غ�ض املجتمع‬ ‫الدويل ب�أ�سره الطرف عن هذه الق�ضية‬ ‫غ�ضاً معيباً ‪.‬‬


‫واملُ�ش ِّكل لها ‪ ،‬و�أمة الإ�سالم عُرفة بني‬ ‫الأمم يتكاتفها وتعا�ضدها ون�صرتها‬ ‫للمظلومني و�إن كانوا على غري ملة‬ ‫الإ�سالم فهي �إحدى ال�سجيا واخل�صال‬ ‫العربية القدمية � ّأ�صلها الإ�سالم و�أطر‬ ‫لها �أطراً و�سندها ب�آياتٍ خالدات فقال‬ ‫تعاىل ( ِ�إ َّن هَذِ ِه �أُ َّم ُت ُك ْم �أُ َّم ًة َواحِ َد ًة َو�أَ َنا‬ ‫َر ُّب ُك ْم َف ْاع ُبدُونِ ) يف �سورتي امل�ؤمنون‬

‫والأنبياء ‪ ،‬ويف �سورة ا ُ‬ ‫حلجرات قال‬ ‫تعاىل ‪� ( :‬إِنمَّ َ ا المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن �إِ ْخ َو ٌة) و�أخوة‬ ‫الإ�سالم �أبقى و�أنفع من �أخوة الرحم ‪،‬‬ ‫وبناء عليه ف�إن املنظمات الإ�سالمية يف‬ ‫العامل �أجمع مدعوة ومراكز الدرا�سات‬ ‫الإ�سالمية �أي�ضاً لو�ضع الن�ص القر�آين‬ ‫ن�صب �أعينهم يف كل حركة و�سكنة‬ ‫لت�أكيد مفهوم الأمة الواحدة التي‬

‫ـــــدي‬ ‫َ�س َ�أ ْب ُـذ ُل كــُ َّل مـــَا ِب َي ِ‬ ‫ـــــه‬ ‫َومــــ َ ْن َي ْر ُجـــو لأُ َّم ِت ِ‬ ‫َف َه َ‬ ‫ــج �أَ ْت َب ُعــــهُ‬ ‫ــــذا ال َّن ْه ُ‬ ‫َف�إِنَّا �إِخْ َو ٌة فيِ الـلَّ‬ ‫ـــــــــــه‬ ‫ِ‬ ‫َو�إِنَّـــا ُ�ش ْعــ َل ُ‬ ‫ــــة الإِخْ ـــال‬ ‫اه ُبنـــَا‬ ‫َو َمــا َعــــــا َد ْت َم َذ ِ‬ ‫ــه ُك ُّ‬ ‫ـــل َت ِقــي‬ ‫�أَ ِخـي ِفــي اللَّ ِ‬

‫�أرادها اهلل لنا فال �شك �أن ال�سعادة‬ ‫فيها والعزة فيها والقوة فيها ورفاهية‬ ‫املجتمعات فيها ‪ ،‬فكمال الدين ومتامه‬ ‫وارت�ضاه ال �شك يحوي ما حققه‬ ‫الإن�سان وما يطمح �إليه ‪ ،‬ولأ�صحاب‬ ‫الأقالم �أن يرددوا مع ال�شاعر‪/‬‬ ‫م�صطفى قا�سم عبا�س‪:‬‬

‫َ‬ ‫ــذ ُف ْر َق َ‬ ‫لأ ْن ِب َ‬ ‫ــة النَّ�ســـ َ ِب‬ ‫ــــــب‬ ‫ال�س ُح ِ‬ ‫َف َخــا ًرا ِفـــي ُذ َرى ُّ‬ ‫ِل َي ْت َب َع ِنــي َو َيلْــحــ َ َق ِبـــي‬ ‫َق ْب َ‬ ‫ـــب‬ ‫ــــل �أُ ُخــــ َّو ِة الن َ​َّ�س ِ‬ ‫ــب‬ ‫�ص ْ‬ ‫ِ‬ ‫مــن َم ٍ‬ ‫ــا�ض َومـــ ِ ْن ِح َق ِ‬ ‫ُتفــــ َ ِّرقُ ِحزْ َم َ‬ ‫ــة ا َ‬ ‫ـب‬ ‫حل َط ِ‬ ‫�أَ ِخــي ِفـــي ال ّلـــ َ ِه ُك ُّـل �أَ ِبــي‬

‫‪37‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫‪38‬‬

‫المعرفة العقلية‬ ‫والمنجز الحضاري‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬عبد اللطيف الهميم‬

‫احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على‬ ‫�سيدنا حممد ر�سول اهلل وعلى �آله‬ ‫و�صحبه ومن وااله‬ ‫هذه املقالة حماولة علمية جادة يف‬ ‫الإجابة عن �س�ؤال مهم ‪ ...‬وهو هل‬ ‫ا�ستطاع العقل العربي امل�سلم �أن يتجاوز‬ ‫ذلك البدوي ال�صغري الذي يعي�ش يف‬ ‫�أطوائه؟‬

‫وهل ا�ستطاع �أن ي�صوغ منطاً معرفيا‬ ‫قادرا على اال�ستجابة ملتطلبات الع�صر‬ ‫و�ضروراته ول�شروط الواقع وما‬ ‫يفر�ضه و�أن يغادر ذلك النمط املعريف‬ ‫الذي عا�شه يف مرحلة املراهقة الفكرية‬ ‫�إبان بداوته وعي�شه الطفويل يف �صحراء‬ ‫قاحلة �ساكنة ال حراك فيها وبالتايل‬


‫ال يجد �أمام ناظره �إال الأفق البعيد‬ ‫‪ ...‬هل ا�ستطاع هذا العقل �أن يغادر‬ ‫م�ضمونه املعريف و�أن يلتقط منهجاً �آخر‬ ‫قادراً على التقدم متاما كما فعل العقل‬ ‫الغربي عندما التقط تلك الإ�شارات يف‬ ‫منطق (هري قليط�س) و( ديكارت) و(‬ ‫ال�سف�سطائيني ) قد تبدو هذه الأ�سئلة‬ ‫وغريها م�ستفزة مثرية للآخر لكنه‬ ‫ا�ستفزاز �أح�سبه �ضرورياً لتحريك ماء‬ ‫راكد �أو لأيقاظ نائم طالت غيبوبته‬ ‫فتخلف عن الع�صر ما يزيد على ع�شرة‬ ‫قرون ‪ ..‬وقد يخيل للبع�ض ولأول وهلة‬ ‫عدم �إدراك العالقة ال�سببية بني عنوان‬ ‫املقالة وبني هذه الأ�سئلة ولكن لدى‬ ‫التحقيق �سنجد �أن ال�صلة وثيقة بني‬ ‫كليهما‪.‬‬ ‫�إن الأ�سئلة املتقدمة مل تكن اعتباطية‬ ‫�أو ع�شوائية كما �أنها مل تكن عن ق�صد‬ ‫مق�صود ابتدا ًء لكنها جاءت يف �سياق‬

‫الإجابة عن ال�س�ؤال الأكرب والأهم وهو ب�سيا�ستها وحمبطة من نخبها املفكرة‬ ‫ملاذا ا�ستطاع الغرب �أن يتجاوز ذلك املثقفة التي عجزت عن �أن ت�صوغ للأمة‬ ‫البدوي ال�صغري الكامن فيه؟ ومن ثم منجزاً معرفياً قادراً على النهو�ض‪.‬‬ ‫حقق �إجنازاً كبرياً وهائ ً‬ ‫ال كان واحداً‬ ‫لقد ا�ستطاع العقل الأوروبي �أن‬ ‫من ثماره ‪:‬‬ ‫يقيم نه�ضته احلديثة باالعتماد على‬ ‫ ثورة االنتقال‬‫اجنازات العقل اليوناين عموما ومل‬ ‫يتوقف عند املنطق الأر�سطي فيعتربه‬ ‫ ثروة االت�صال‬‫القانون الذي بلغ الذروة‪.‬‬ ‫ ثورة الطاقة‬‫وبالتايل ال ميكن �إ�ضافة اجلديد‬ ‫ ثورة املعلومات‬‫�إليه �أو نقده وتطويره – كما كان‬ ‫و�صو ًال �إىل ع�صر العوملة واحلداثة ؟ احلال يف الفكر الإ�سالمي – حيث‬ ‫‪ ..‬يف حني �أن العقل العربي امل�سلم ظل ا�ستفاد العقل الأوروبي من نتاج‬ ‫�سجني بدويته ‪ ..‬ومراهقته ‪ ..‬وطفولته العقل اليوناين يف املراحل التي �سبقت‬ ‫‪ ..‬غري قادر على التقدم ومل يحقق ظهور منطق �أر�سطو فوظف النظرة‬ ‫�إجنازاً ذا قيمة منذ �ألف عام �أو يزيد الن�سبية للأ�شياء التي ظهرت لدى‬ ‫ت�سجل له �أو حت�سب يف مرمى غريه ال�سف�سطائيني كما �أن العقل الأوروبي‬ ‫ومن هنا ت�أتي هذه املقالة �إجابة عن وظف مفهوم ((هري قليط�س )) يف‬ ‫ت�سا�ؤالت �أو ا�ستجابة لهموم �أمة منكودة منهج ((للتغيري وال�صريورة )) وهذا‬ ‫التوجه هو الأ�سا�س للنظرة التجريبية‬

‫‪39‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫‪40‬‬

‫يف التعاطي مع الطبيعة ف�ض ً‬ ‫ال عن كون‬ ‫املنهج ال�سف�سطائي هو الأ�سا�س للنظرة‬ ‫احل�سية للأ�شياء وهذان املنطلقان هما‬ ‫�أ�سا�س النه�ضة الأوروبية احلديثة‬ ‫ودلي ً‬ ‫ال للمنهج العلمي الذي ا�ستند �إليه‬ ‫العقل الأوروبي يف تعاطيه مع الطبيعة‬ ‫والقوانني العلمية وكان من نتاج هذه‬ ‫املنهجية للعقل الأوروبي �أن ظهرت‬ ‫* متغرية متجددة ويف �صريورة –‬ ‫نظريات ( كوبرنيكو�س) و (وجاليلو)‬ ‫لآلية تكون املعرفة‪ ،‬ومبا �أن املعرفة‬ ‫و(كبلر)‪.‬‬ ‫ن�سبية م�ستمرة تقوم على الإ�ضافة‬ ‫لقد جاء البناء املنطقي الأر�سطي والتعديل والتطوير – ف�إن املنطق‬ ‫( قوانني الفكر ) منف�صال عن البناء – وهو ال�صياغة ال�صورية للمنهج‬ ‫العلمي الطبيعي ( قوانني العامل املو�صل �إىل املعرفة – يجب �أن يكون‬ ‫املو�ضوعي) حيث �أن لن�سق املنطق ن�سبياً كذلك كي يتمكن من مواكبة‬ ‫ال�صوري الأر�سطي يبدو ك�أنه القوانني ال�صريورة املعرفية وتبعاً ملا تقدم‬ ‫النهائية للوجود والطبيعة م�صوراً ف�أن هذا املنطق ال يت�سم بالعجز �أو‬ ‫املوجودات باعتبارها ماهيات �أبدية الق�صور عن مواكبة �صريورة املعرفة‬

‫جمردة ثابتة ال يعرتيها التغيري‬ ‫�أو التبدل وك�أن �صريورة الطبيعة‬ ‫قد توقفت وجتمدت حركة العامل‬ ‫املو�ضوعي (املادي) وهذا الأمر يف�ضي‬ ‫بال�ضرورة �إىل �سكون العقل الإن�ساين‬ ‫وتقولب العلم يف قوالب متحجرة – يف‬ ‫حني �أنها‬

‫– فح�سب – بل �أنه ي�صبح عائقا �أمام‬ ‫هذه ال�صريورة‪ ،‬فالأن�ساق املنطقية‬ ‫لي�ست وظائف �صورية للفكر بل �أنها يف‬ ‫ذاتها مناظرة للحقيقة ومن هنا ت�صبح‬ ‫الأن�ساق املنطقية يف حيوية �أو حركية‬ ‫دائبة ولي�ست تو�صيفاً ثابتاً ملاهية‬ ‫الأ�شياء واملوجودات كما ي�صور ذلك‬ ‫الن�سق املنطقي الذي قدمه �أر�سطو‪.‬‬ ‫�أن تبني هكذا توجه يف املنطق‬ ‫الأر�سطي قد �أفقد املعرفة القدرة‬ ‫احلركية الالزمة لكل بناء نظري علمي‬ ‫كما جرده من دميومة اجلدلية بني‬ ‫العقل من جهة والوجود ( الطبيعية )‬ ‫من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫�أن بنية املنطق الذي قدمه �أر�سطو‬ ‫تقوم على اليقينية والإطالق يف حني‬


‫�أن البناء املنطقي يجب �أن يقوم يف �أحد‬ ‫جوانبه املهمة على االفرتا�ضية‪.‬‬ ‫لقد كان تبني املنطق الأر�سطي –‬ ‫كمنهجية �أ�سا�سية يف الثقافة الإ�سالمية‬ ‫خل ً‬ ‫ال كبرياً يف بنية تلك الثقافة وجتاوزاً‬ ‫كبرياً لتلك الثوابت ‪ ...‬وهكذا كان تبني‬ ‫العقل العربي وامل�سلم ملنطق �أر�سطو‬ ‫�أثره البالغ واخلطري يف تخلف الأمة‬ ‫وعقلها اجلمعي والنخبوي خ�صو�صا‬ ‫�إذا علمنا �أن هذا املنطق قد �سيطر على‬ ‫كل تخ�ص�صات العلوم املختلفة �سواء‬ ‫ما تعلق منها باجلانب الديني مثل‬ ‫الفقه و�أ�صوله وعلم الكالم وغريها‬ ‫�أو ما تعلق منها بالفروع الدنيوية مثل‬ ‫الفل�سفة والفلك والطبيعة وبالتايل‬ ‫حتول العقل العربي وامل�سلم �إىل عقل‬ ‫�ساكن جامد ولعل واحدة من املف�سرات‬ ‫املبكرة لتبني امل�سلمني ملنطق �أر�سطو‬ ‫�أنه قد جاء من�سجماً مع تلك الطبيعة‬ ‫البدوية التي مل جتد يف بيئتها ومناخها‬ ‫متغريات كثرية‪.‬‬ ‫�أن درا�سة مت�أنية لتاريخ العلم‬ ‫وم�سريته لدى العرب وامل�سلمني تدلنا‬ ‫وبيقني �أن ما عرف من اخرتاعات‬ ‫كبرية و�إجنازات عظيمة على‬ ‫م�ستوى العلوم مثل الفلك والكيمياء‬ ‫والب�صريات و�أن الأ�سماء الالمعة التي‬ ‫برزت يف دنيا العلوم مثل ( ابن حيان)‬ ‫و(احل�سن بن الهيثم) و (ابن البيطار)‬

‫و (ابن الندمي) وغريهم مل يكن ذلك‬ ‫نتاج املنهج املعريف لأر�سطو و�إمنا نعتقد‬ ‫لدى التحليل العلمي �أن ذلك �أمنا‬ ‫كان نتاج تلك الدفقة القر�آنية واملنهج‬ ‫املعريف الذي �أراد القر�آن �إر�ساءه والذي‬ ‫لو كتب له �أن ي�أخذ مداه لو�صلت الأمة‬ ‫�إىل منتهى العلوم واملعارف‪.‬‬ ‫لقد �أر�سى القر�آن الكرمي منهجاً‬ ‫معرفياً غاية يف الدقة حني ع َّد‬ ‫الطبيعة واحدة من م�صادر املعرفة‬ ‫املهمة – الذين يذكرون اهلل قياماً‬ ‫وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون يف‬ ‫خلق ال�سموات والأر�ض ربنا ما خلقت‬ ‫هذا باط ً‬ ‫ال �سبحانك فقنا عذاب النار‬ ‫– بل ع َّد املح�سو�س امل�شاهد واحداً من‬ ‫م�صادر املعرفة و�أولياتها‪.‬‬ ‫ي�ضاف �إىل ذلك �أن القر�آن الكرمي‬ ‫قد قرر ويف �أكرث من منا�سبة �أن هناك‬ ‫جهازاً يحكم م�سرية التاريخ واملجتمع‬ ‫و�صريورتهما وهو ما ن�صطلح على‬ ‫ت�سميته بـ ( جهاز التغري التقدمي )‬ ‫– فال �أق�سم بال�شفق والليل وما و�سق‬ ‫والقمر �إذا ات�سق لرتكنب طبقاً عن طبق‬ ‫– �أي �أن الإن�سان حمكوم دائماً و�أبداً‬ ‫جلهاز التغري التقدمي وهو االنتقال‬ ‫من طور وجودي �إىل طور وجودي �أرقى‬ ‫منه �أو بتعبري �آخر االنتقال من �صريورة‬ ‫كينونة �إىل �صريورة كينونة �أرقى منها‬ ‫وو�سيلته و�أداته يف هذا التغري قانون‬ ‫�آخر – �إن اهلل ال ُيغيرِّ بقوم حتى يغريوا‬

‫ما ب�أنف�سهم – وهكذا دعا القران �إىل‬ ‫منهج معريف يقيم عالقة جدلية وفق‬ ‫قواعد اال�ستخالف وقوانينه بني‬ ‫الطبيعة والإن�سان باعتباره �سيد هذا‬ ‫الكون ويدعوه �إىل النظر �إىل الأ�شياء‬ ‫حال حركتها وتغريها ال حال �سكونها‬ ‫وجمودها وهكذا ي�صبح امل�سلم يف حراك‬ ‫جمتمعي �صاعد �إىل �أعلى ولي�س حراكاً‬ ‫جمتمعياً هابطاً �إىل �أ�سفل‪.‬‬ ‫�إن حاجتنا �إىل �صياغة م�شروع نه�ضة‬ ‫تقت�ضيها �ضرورات �أننا نتوك�أ على‬ ‫عكازات ال ننتجها بل ُتنتج لنا ومن‬ ‫ثم ف�أن الأمة لي�ست م�صابة بال�شلل‬ ‫والعجز بل م�صابة مبا هو �أخطر من‬ ‫ذلك وهو عدم قدرتها على �إنتاج عكازات‬ ‫ت�ساعدها على التوك�أ عليها‪.‬‬ ‫نعتقد وبيقني �أن هذه ال�سطور هي‬ ‫�إ�سهام متوا�ضع يف حتريك ماء راكد‬ ‫طال ركوده و�صيحة لإيقاظ �أمة من‬ ‫غيبوبتها و�أن النخبة املفكرة مدعوة‬ ‫لتجاوز ن�سبياتها وموا�ضعاتها واخلروج‬ ‫عن مداراتها و�أن ال تنظر �إىل الأ�شياء‬ ‫وال يف �أي م�ستوى من م�ستويات هذه‬ ‫املدارات يف مراجعات جدية حتى ال‬ ‫تبقى تعي�ش يف الركن البائ�س اخلرب‬ ‫بينما يعي�ش الآخرون يف املعمور من‬ ‫دنيا النا�س‪ .‬واهلل من وراء الق�صد‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫‪42‬‬

‫مدنية وتعددية الدولة األردنية‬ ‫وجهة نظر قانونية‬ ‫ِ‬

‫املحامي الدكتور‪ :‬مازن الفاعوري‬

‫تر�سخت �سيا�سة التعدد ّية واالعتدال يف الأردن منذ ت�أ�سي�سه‬ ‫لقد ّ‬ ‫و �صدور الد�ستور الأردين يف عام ‪ 1952‬والذي جاء لينظم العالقة‬ ‫بني ال�شعب الأردين الذي يعي�ش على �أر�ض اململكة الأردن ّية الها�شم ّية‬ ‫‪ ،‬و َيتعاي�ش �أفراده على �أ�سا�س املواطنة وامل�ساواة يف احلقوق والواجبات‪،‬‬ ‫لتنظيم هذه احلقوق والواجبات بني املواطنني وم�ؤ�س�سة احلكم‪.‬‬ ‫�إنّ هذا الد�ستور ُيعَبرِّ ُ تعبري َا جلي ًا عن املظاهر املدن ّية‪ ،‬واالعتدال‬ ‫والعدالة‪ ،‬واحرتام حقوق الإن�سان للدولة الأردن ّية؛ فهذا الد�ستور ُي َع ُّد‬ ‫من �أقدم الد�ساتري العرب ّية التي َن ّ�صتْ على حقوق الأفراد وحرياتهم ‪،‬‬ ‫حيث �أفرد الد�ستور الأردين ف�صال خا�صا بحقوق الأردنيني وواجباتهم‬ ‫(املواد ‪ ، )23 - 5‬كما �أكد الد�ستور �أن الأردنيني �أمام القانون �سواء ال‬ ‫متييز بينهم يف احلقوق والواجبات و�إن اختلفوا يف العرق �أو اللغة �أو‬ ‫الدين‪ ،‬وهو متطابق مع الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان من خالل جملة‬ ‫احلقوق التي كفلها للمواطنني دون �أي متييز‪ ،‬فقد كفل الد�ستور حق‬ ‫امل�ساواة �أمام القانون و�ضرورة ات�سام الت�شريعات بالعدالة االجتماعية‬ ‫وهي الغاية املتوخاة منها‪ ،‬وامل�ساواة �أمام الق�ضاء وا�ستقالله ‪،‬‬


‫وامل�ساواة يف حق تق ّلد الوظائف‬ ‫العامة واعتمادها على �شرطي الكفاءة‬ ‫وامل�ؤهالت‪ ،‬كما �ضمن الد�ستور احلريات‬ ‫العامة املختلفة وخ�صو�صاً حرية الر�أي‬ ‫ّ‬ ‫والتعبري يف و�سائل الإعالم املختلفة ‪،‬‬ ‫وحرية االجتماع واملعتقد الديني وت�شكيل‬ ‫وحري بالإ�شارة هنا �أن نبني �إن الد�ستور‬ ‫الأحزاب ال�سيا�سية واجلمعيات‪ ،‬وكذلك‬ ‫تبنى مبد�أ �أن الأمة م�صدر ال�سلطات‬ ‫�أ ّكد كفالة الدولة للحرية ال�شخ�صية‬ ‫ومبد�أ الف�صل بني ال�سلطات ‪ ،‬وجعل من‬ ‫واحرتام حرمة احلياة اخلا�صة وحرمة‬ ‫النظام النيابي امللكي �أ�سا�سا لإدارة الدولة‬ ‫امل�سكن واحلق يف التعليم واحلق يف العمل‪.‬‬ ‫وتنظيم �أجهزتها‪ .‬وهو ما يعني �أن ال�شعب‬ ‫املادة (‪ )2‬من الد�ستور تعرب تعبرياً م�صدر ال�سلطات و�شرعيتها ميار�سها‬ ‫وا�ضحا عن التوازن يف منط الدولة باالقرتاع عرب م�ؤ�س�ساته الد�ستورية ‪ ،‬وان‬ ‫املدنية‪� ،‬إذ تن�ص على � ّأن “الإ�سالم دين ال�سيادة حلكم القانون ‪ ،‬مبا ي�شكل ركيزة‬ ‫الدولة واللغة العربية لغتها الر�سمية”‪� ،‬أ�سا�سية ل�ضمان مدنية الدولة وحماربة‬ ‫ومن الوا�ضح � ّأن املادة جتنبت �أي عبارات قوى التطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫طابع ديني‬ ‫حمددة يفهم منها �إ�ضفاء‬ ‫ٍ‬ ‫وانطالقاً من مبادئ التعددية الدينية‬ ‫على النظام ال�سيا�سي لها‪ ،‬ويظهر التوازن‬ ‫والإثتية واحرتاما حلقيقة متايز‬ ‫يف بقية مواد الد�ستور‪ ،‬وما يف�سر املادة‬ ‫الطوائف الأخرى ف�إن الد�ستور الأردين‬ ‫الثانية‪ ،‬ن�ص املادة (‪ ” )1-6‬الأردنيون �أمام‬ ‫ك ّرم املواطن امل�سيحي على �سبيل املثال‬ ‫القانون �سواء ال متييز بينهم يف احلقوق‬ ‫ليتم ّتع بكامل حريته لإقامة ال�شعائر‬ ‫والواجبات و�إن اختلفوا يف العرق �أو اللغة‬ ‫الدينية وال�صلوات واالحتفاالت بالأعياد‬ ‫�أو الدين”‪ ،‬ما مينح اعتبار املواطنة‬ ‫الدينية‪ ،‬و�إعالنها يوم عطلة ر�سمية‬ ‫ال�سمة الرئي�سة يف عالقة الدولة بالأفراد‬ ‫جلميع الأردنيني‪ ،‬وال�سيما �أعياد امليالد‬ ‫واجلماعات‪ ،‬كما مل يحرم الد�ستور‬ ‫املجيدة ‪ ،‬فامل�سيحون يف الأردن يعي�شون‬ ‫الأقليات العرقية �أو الدينية من حقوقها‬ ‫مع �إخوانهم امل�سلمني يف هموم م�شرتكة‬ ‫وامتيازاتها‪ ،‬بل راعى �أن يقدم لها احلماية وعادات وتقاليد جمتمع مت�شابهة متاماً‬ ‫املطلوبة‪ ،‬رغم عدم متييز الد�ستور‬ ‫يف كل املنا�سبات االجتماعية‪ ،‬وقد جاءت‬ ‫الأردين بني املواطنني ون�صت املادة (‪)14‬‬ ‫احلكومات الأردنية املتعاقبة لتحافظ‬ ‫التي تن�ص على ” حتمي الدولة حرية‬ ‫وبكل اهتمام على الأماكن امل�سيحية‬ ‫القيام ب�شعائر الأديان والعقائد طبقا‬ ‫املقد�سة يف الأردن والقد�س املحتلة ‪ ،‬وبنوع‬ ‫للعادات املرعية يف اململكة ما مل تكن خملة‬ ‫خا�ص املحافظة على مقام النبي مو�سى‬ ‫بالنظام العام �أو منافية للآداب”‪ ،‬وجاءت‬ ‫يف جبل نبو ‪ ،‬وموقع موت يوحنا املعمدان‬ ‫املادة (‪ )19‬من الد�ستور لت�ؤكد "حق‬ ‫يف مكاور‪ ،‬وموقع ُع ّماد ال�سيد امل�سيح‪.‬‬ ‫اجلماعات يف ت�أ�سي�س مدار�سها والقيام‬ ‫وبالقراءة املمعنة ملواد الد�ستور ف�إننا‬ ‫عليها لتعليم �أفرادها"‪.‬‬ ‫ال جند يف مواده ما يدفع �إىل تغليب‬ ‫ثم جاء امليثاق الوطني لعام ‪ 1991‬ليو�ضح‬ ‫ال�صفة الدينية للدولة على ح�ساب الدولة‬ ‫ما جاء يف الد�ستور بالقول‪" :‬الأردنيون‬ ‫املدنية‪ ،‬وال �إىل اتخاذ موقف عدائي من‬ ‫رجا ًال ون�سا ًء �أمام القانون �سواء‪ ،‬ال متييز‬ ‫بينهم يف احلقوق والواجبات و�إن اختلفوا‬ ‫يف العرق �أو اللغة �أو الدين" ‪،‬وعاد امليثاق‬ ‫الوطني لعام ‪ 1991‬لي�ؤكد على تر�سيخ قيم‬ ‫الت�سامح واملو�ضوعية‪ ،‬واحرتام معتقدات‬ ‫الغري"‪.‬‬

‫الإ�سالم والت�شريعات اخلا�صة به‪� ،‬إذ‬ ‫حتيل املادة (‪ )105‬للمحاكم ال�شرعية‬ ‫وحدها حق الق�ضاء يف ال�ش�ؤون املتعلقة‬ ‫بالأحوال ال�شخ�صية للم�سلمني و�أمور‬ ‫الدية والأوقاف الإ�سالمية‪ .‬فيما تن�ص‬ ‫املادة (‪ّ � " ) 106‬أن املحاكم ال�شرعية‬ ‫تطبق يف ق�ضائها �أحكام ال�شرع احلنيف‪.‬‬ ‫املقابل‪ ،‬ين�ص الد�ستور يف املادة (‪" )109‬‬ ‫تت�ألف جمال�س الطوائف الدينية وفاقا‬ ‫لأحكام القوانني التي ت�صدر خا�صة بها‬ ‫وحتدد يف هذه القوانني اخت�صا�صات‬ ‫املجال�س املذكورة ب�ش�أن م�سائل الأحوال‬ ‫ال�شخ�صية والأوقاف املن�ش�أة مل�صلحة‬ ‫الطائفة ذات العالقة �أما م�سائل الأحوال‬ ‫ال�شخ�صية لهذه الطائفة فهي م�سائل‬ ‫الأحوال ال�شخ�صية للم�سلمني الداخلة‬ ‫يف اخت�صا�ص املحاكم ال�شرعية‪ ،‬فالن�ص‬ ‫يحيل بو�ضح م�سائل الأحوال ال�شخ�صية‬ ‫لأ�صحاب الديانات الأخرى من خالل‬ ‫جمال�س الطوائف الدينية”‪.‬‬ ‫ومن هذا تبدو ن�صو�ص الد�ستور‬ ‫وا�ضحة من حيث الت�أكيد على الطبيعة‬ ‫املدنية للنظام ال�سيا�سي للدولة الأردنية‬ ‫‪ ،‬على مبد�أ املواطنة من حيث احلقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬وعلى التمييز بني ال�ش�أن‬ ‫الديني واملدين ‪ ،‬وعلى احرتام الأديان‬ ‫املختلفة‪� ،‬سواء من حيث حرية العبادات �أو‬ ‫املعامالت املرتبطة بها �أو غري ذلك ‪.‬‬ ‫�إن هذا اخلطاب الد�ستوري الو�سطي‬ ‫املعتدل الذي يدعو اىل التعددية‪ ،‬عمل‬ ‫على �إخرج الأردن من دائرة العنف التي‬ ‫�شهدتها منطقة ال�شرق الأو�سط �إىل دائرة‬ ‫الأمان واال�ستقرار نتيجة مدنية الدولة‬ ‫و�إميانها بالتعددية الدينية الذي �أهل‬ ‫الأردن ليكون �أمنوذجا لل�سالم يف ال�شرق‬ ‫الأو�سط ومنذ ت�أ�سي�س الدولة الأردنية‬ ‫�إىل وقتنا احلا�ضر‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫‪44‬‬

‫ثبات الذكاء اإلنساني وتطور‬ ‫المعرفة‬ ‫قراءة في َقميص َ‬ ‫ٌ‬ ‫األدلَّةِ من (سورة يوسف)‬

‫كان ذلك ُ‬ ‫احلك ُْم الذي �أطلقه ّ‬ ‫ال�شاهد من �أهل امر�أة العزيز مثارا للتفكري‬ ‫يدعيه بع�ض �أ�صحاب نظرية املعرفة‬ ‫مرارا كثرية‪ ،‬وقد �أعاد �إىل الذهن ما ّ‬ ‫الرف�ض‪ ،‬حيث يرى ه�ؤالء‬ ‫وتطور ذكاء الإن�سان‪ ،‬ال من حيث القبول بل ّ‬ ‫م�ستمر‪ ،‬و�أن �أهل الع�صور الغابرة مل يكونوا‬ ‫تنام‬ ‫�أن ذكاء الإن�سان يف ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يتمتّعون من الذكاء �سوى بقدر ي�سري قيا�سا مبا عليه �أهل هذا الع�صر‪،‬‬ ‫ف ُهم بالتايل يحكمون على �أهل الع�صر احلا�ضر بالغباء قيا�سا مبن �سي�أتي‬ ‫الدكتور‪ :‬خالد اجلرب‬

‫بعدهم من الب�شر‪ .‬والواقع غري ذلك! ولعل يف ق�صة نبي اهلل يو�سف‬ ‫ولعل ذلك � ً‬ ‫عليه ال�سالم ما ُي ْ�سلم �إىل تلك احلقيقة‪ ،‬ويقود �إليها‪ّ ،‬‬ ‫أي�ضا‬ ‫و�س َف و�إِخْ َو ِت ِه � ٌ‬ ‫آيات‬ ‫رب ال ِع َّز ِة حيث يقول‪ْ :‬‬ ‫هو ما �أ�شار �إليه ُّ‬ ‫(لقد كانَ يف ُي ُ‬ ‫لل�سا ِئلنيَ) (يو�سف‪.)7 /‬‬ ‫ّ‬


‫القمي�ص دليل املوت واحلياة‪:‬‬ ‫مل تكن الآية التي ر�آها يو�سف و�أخربها‬ ‫لأبيه يعقوب عليهما ال�سالم مثا َر اخلالف‬ ‫بينه وبني �إخوته‪ ،‬بل كان يف نفو�س �إخوته‬ ‫عليه من احل�سد الذي حال حقدا ما بد�أ‬ ‫قبل ذلك‪ ،‬ويدل عليه قول يعقوب عليه‬ ‫ال�سالم له بعد �أن �أخربه بالر�ؤيا التي‬ ‫ر�آها‪( :‬يا ُب َن َّي ال َت ْق ُ�ص ْ�ص ُر� َ‬ ‫ؤياك على‬ ‫� ْإخ َوت َِك فيكِيدوا َ‬ ‫لك َك ْيداً �إِ َّن َّ‬ ‫ال�ش ْيطان‬ ‫للإ ْن�سانِ َع ُد ٌّو مُب ٌ‬ ‫ني) (يو�سف‪ .)5/‬وتدل‬ ‫هذه الآية على �أن الأب كان يعلم متاما‬ ‫ما يف نفو�س �أبنائه من ح�سد لأخيهم‪،‬‬ ‫و�سرنى م�صداق ذلك يف ال�سطور القادمة‪.‬‬ ‫ولقد ز ّين ال�شيطان لهم �أعمالهم‬ ‫وح�سدهم وكيدهم‪ ،‬فت�ص ّوروا �أن عملهم‬ ‫بقتل يو�سف �أو طرحه �أر�ضا �سيجعلهم‬ ‫حب �أبيهم‬ ‫قوما �صاحلني؛ �إذ تخيلوا �أن َّ‬ ‫ليو�سف و�أخيه هو الذي يحجزهم عن‬ ‫كونهم �صاحلني‪ ،‬ومل يفقهوا �أن حزن‬ ‫�أبيهم على يو�سف عليه ال�سالم قد‬ ‫يفقدهم كل �شيء‪.‬‬ ‫وملاذا �أ�ص ّروا على يو�سف دون �أخيه‪� ،‬أو‬ ‫لي�س عليهما معا؟ �إن ذلك دليل على �أن‬ ‫و�س ُف و�أخو ُه � َأح ُّب �إىل �أبينا‬ ‫قولهم‪َ ( :‬ل ُي ُ‬ ‫ونح ُن ع ُْ�ص َب ٌة) (يو�سف‪ )8/‬باطل من‬ ‫م ّنا ْ‬ ‫منطقي‬ ‫�أ�صله؛ فعدم ت�آمرهم عليه غري‬ ‫ّ‬ ‫يحب يو�سف �أكرث من‬ ‫لو مل يكن �أبوهم ُّ‬ ‫اجلميع‪ ،‬ولذلك مل يت�آمروا على �أخيهم‬ ‫الأ�صغر‪ ،‬لأنهم يعرفون �أن �أباهم يحب‬ ‫يو�سف عليه ال�سالم �أكرث من اجلميع؛‬ ‫يو�س َف �أو ْ‬ ‫اط َرحو ُه‬ ‫ولهذا قالوا‪( :‬ا ْق ُتلوا ُ‬ ‫�أ ْر�ضاً َي ْخ ُل َل ُك ْم َو ْج ُه �أبي ُك ْم و َتكونوا مِ نْ‬

‫َب ْعدِ ِه َقوماً �صالحِ َ‬ ‫ني) (يو�سف‪)9/‬؛ �أي‬ ‫يو�سف وحده‪.‬‬ ‫والع ّل ُة وراء دعواهم تلك يف ما يبدو هو‬ ‫�أنهم �أرادوا (�أو هكذا ز ّي َن لهم ال�شيطان‬ ‫ف�أرادوا بعد خمامرة الفكرة لعقولهم)‬ ‫�أن يجعلوا لكراهتهم يو�سف �سببا مقنعا‬ ‫لأنف�سهم‪ ،‬وكان �أن ر�أوا يف حب �أبيهم‬ ‫لأوالده من زوجة �أخرى غري �أمهم ذلك‬ ‫ال�سبب املقنع‪ .‬والواقع �أنهم ناق�ضوا‬ ‫�أنف�سهم حني كادوا ليو�سف وحده دون‬ ‫�أخيه ال�صغري؛ لأن قتلهم يو�سف �أو‬ ‫�إخفاءه �سيجعل ذلك ال�صغري يحتل‬ ‫مكانته يف معاملة �أبيه لو كان ما يفرتون‬ ‫�صحيحا‪.‬‬ ‫والواقع �أن �إخوة يو�سف عليه ال�سالم قد‬ ‫�أظهروا �سوء نواياهم منذ البداية‪ ،‬وتدل‬ ‫الآيات على �أنهم يف ثنايا كالمهم كانوا‬ ‫يعربون عن ح�سدهم لأخيهم‪ ،‬وت�شري يف‬ ‫يعقوب عليه‬ ‫الوقت نف�سه �إىل �أن �أباهم‬ ‫َ‬ ‫ال�سالم كان عارفا مبا يف نفو�سهم ومبا‬ ‫ين ُِّم عليه كالمهم‪ .‬انظر يف قولهم‪( :‬ما‬ ‫يو�س َف) (يو�سف‪)11/‬‬ ‫َل َك ال َت�أْ َم ّنا على ُ‬ ‫فهو ٌّ‬ ‫دال على �أن �أباهم كان يخ�شاهم‬ ‫على �أخيهم وهم عارِفون‪ ،‬وقولهم‪( :‬و�إ ّنا‬ ‫له لحَ اف ُِظو َن) (يو�سف‪ٌّ )12/‬‬ ‫دال على‬ ‫معرفتهم مبا يف نف�س �أبيهم من َت َخ ُّوف‬ ‫من �أن يهملوه ويرتكوه وحيدا؛ �أي‬ ‫معرفتهم ملعرفته بنواياهم‪ ،‬وقد �أرادوا‬ ‫بطم�أنته تلك �أن يزيلوا َّ‬ ‫ال�شك من نف�سه‪.‬‬

‫و� ُ‬ ‫أخاف � ْأن ي�أ ُكلَ ُه ال ِّذ ْئ ُب و�أ ْن ُت ْم ع ْن ُه غا ٍف ُلو َن)‬ ‫(يو�سف‪� .)13/‬إن هذا احلوار يكاد يكون‬ ‫حوارا رمزيا بني يعقوب و�أبنائه؛ لأن كل‬ ‫طرف منهما يفهم نوايا الطرف الآخر‬ ‫لكنهما يتخاطبان بطريقة م�ؤدّاها (ال َعينْ ُ‬ ‫على ما يف القلب دليل)‪� .‬أراد يعقوب‬ ‫�أن يذكرهم �أنه يعرف نواياهم لعلهم‬ ‫يرتدعون عما ينوون جتاه �أخيهم‪ ،‬وهم‬ ‫يحاولون التخفيف من خوفه وطر َد ما‬ ‫يف فكره من �شكوك حتوم حولهم‪ .‬و�أظ ُّنه‬ ‫كان حقا حوارا م�ؤملا ليعقوب عليه ال�سالم‪،‬‬ ‫كابد فيه العناء وهو يحاول �إ�صالح ما يف‬ ‫نفو�س بنيه دون جدوى‪ ،‬ومل يقدر على‬ ‫�أن يكا�شفهم مبا يف نف�سه لكيال ُيقي َم لهم‬ ‫دليال على ما كانوا يدَّعونه من تفرقته‬ ‫بني �أبنائه‪ ،‬ولأنه كان يعلم متاما �أن اهلل‬ ‫كفيل برعاية يو�سف وحمايته ليحقق‬ ‫الر�ؤيا التي ر�آها من قبل‪.‬‬

‫ولقد ركز �إخوة يو�سف على كونهم‬ ‫ع�صبة‪ ،‬ظا ّنني �أن العدد ميلك �أن يكون‬ ‫مفتاح القلوب‪� ،‬أو ميكن �أن يكون �سببا يف‬ ‫املحبة‪ ،‬ولهذا قالوا �إن �أباهم يف �ضالل‬ ‫مبني لأنه يحب يو�سف و�أخاه �أكرث منهم‬ ‫وهم ع�صبة‪ ،‬وردوا على تخوف يعقوب من‬ ‫�أن ي�أكل الذئب يو�سف بجواب غري منطقي‬ ‫ُ‬ ‫ونحن ع ُْ�ص َب ٌة‬ ‫فقالوا‪َ ( :‬لئِنْ �أ َكلَ ُه الذ ْئ ُب‬ ‫�إ ّنا �إذاً لخَ ا�سِ رو َن) (يو�سف‪ .)14/‬لقد كان‬ ‫الأحرى بهم �أن َيعِدوا �أباهم ب� ْأن ال يرتكوا‬ ‫�أخاهم حلظة واحدة‪ ،‬و�أن يبقوا معه فال‬ ‫يفارقوه لو كانوا �صادقني يف وعدهم‪،‬‬ ‫و� ُّ‬ ‫أدل من ذلك كله ال َّت َح ُّ�س ُر الذي نطق ولكن ذلك كان بعد �أن ب َّيتوا يف نفو�سهم‬ ‫به يعقوب عليه ال�سالم بقوله ر ّداً على الكيد والطريقة التي �سيتخل�صون بها من‬ ‫طلبهم‪�( :‬إنيّ َل َي ْح ُز ُنني � ْأن ت ْذ َه ُبوا به �أخيهم!‬

‫‪45‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫والنظر بعد ذلك يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫(وجاءوا �أباهم عِ �شا ًء ي ْبكو َن) (يو�سف‪/‬‬ ‫‪ )16‬ي�ضيف �إىل ما تقدّم دليال جديدا‬ ‫على �أنهم قد فعلوا ما فعلوا عن �سبق‬ ‫وتر�صدٍ ‪ ،‬و�أن عذرهم الذي جا�ؤوا‬ ‫�إ�صرار‬ ‫ُّ‬ ‫به �أباهم كا َن �أقبح من ذنبهم الذي‬ ‫اقرتفوه‪ .‬فذلك التوقيت مل يكن متنا�سبا‬ ‫مع احلدث �إطالقا؛ �إذ ملاذا عادوا جميعا‬ ‫يف الوقت نف�سه‪ ،‬وكان الأحرى على الأقل‬ ‫�أن يعود بع�ضهم ليخرب �أباه مبا ح�صل؟‬ ‫لقد ت� ّأخروا يف التبليغ عن وقوع احلادثة‬ ‫املزعومة‪ ،‬وهذا يف ح ِّد ذاته دليل على‬ ‫�سوء طو َّيتِهم‪ .‬ولو قال قائل‪ :‬قد يكون‬ ‫ت�أخريهم يف التبليغ ناجتا عن تخوفهم‬ ‫من �أن يتهمهم �أبوهم‪� ،‬أو نتيجة �إح�سا�سهم‬ ‫بالذنب! فالقول يف ذلك مي�سور لذي‬ ‫ب�صرية؛ وهو �أن ت�أخرهم كان للق�ضاء‬ ‫على �أية فر�صة لأبيهم للبحث عن يو�سف‪.‬‬ ‫و ُت ْظهر الآية الالحقة �أنهم فعلوا ذلك‬ ‫نهارا‪ ،‬وقد ادَّعوا �أن الذئب �أكله نهارا ب�آ َي ِة‬ ‫ذهابِهم �إىل اال�ستِباقِ (قالوا يا �أبانا �إنا‬ ‫يو�س َف عند مَتاعِ نا‬ ‫ذهبنا َن ْ�س َت ِب ُق و َت َر ْكنا ُ‬ ‫َف�أَ َكلَ ُه ال ِّذ ْئ ُب وما �أنتَ مب�ؤْمِ ٍن لنا ولو ُك ّنا‬ ‫�صادِق َ‬ ‫ني)(يو�سف‪.)17 /‬‬

‫‪46‬‬ ‫من تخوف ووعود؟ �إنهم حتى مل ُي َك ِّلفوا‬ ‫�أنف�سهم عناء البحث عن ق�صة �أخرى‬ ‫لإقناع يعقوب عليه ال�سالم ب�أن ما حدث‬ ‫ليو�سف مل يكن لهم فيه ناقة وال بعري!‬ ‫ولعلهم فطنوا �إىل �أن حتقيق املخاوف‬ ‫التي �أثارها �أبوهم قبل �أن يذهبوا ب�أخيهم‬ ‫�سيجعل ر َّد َة فعله يف نطاق اللوم والعتب‬ ‫على منط‪�( :‬أ ْ‬ ‫مل �أَ ُق ْل لك ْم من قبل ؟)‪،‬‬ ‫ولعلهم ظنوا �أن يف حتقيق خماوفه �إر�ضاء‬ ‫نف�س يعقوب!‬ ‫لغرور الب�شر يف ِ‬ ‫و�أما قولهم ب�أنه لن ي�ؤمن لهم ولو‬ ‫كانوا �صادقني‪ ،‬فهو دليل �آخر على كذبهم‬ ‫وكذب ادّعاءاتهم؛ فلقد نفوا عنه �إمكانية‬ ‫ت�صديقهم لأنهم يعرفون �أنه يعرف‪،‬‬

‫يمكن القول ّ‬ ‫إن هذه‬ ‫ورة بهذه ّ‬ ‫الس َ‬ ‫التفاصيل‬ ‫ّ‬

‫ويف الآية التالية دليل �آخر على‬ ‫الدقيقة دليل قاطع‬ ‫ّ‬ ‫افرتائهم لتلك الق�صة التي كان يعقوب‬ ‫ثبات ّ‬ ‫الذكاء‬ ‫على‬ ‫يعلم تفا�صيلها قبل حدوثها‪ ،‬وت�ستدعي‬ ‫ِ‬ ‫اإلنساين‪ ،‬أما الذي يتطور هذه الآية وحدها جمموعة من الت�سا�ؤالت‬ ‫ّ‬ ‫ِّ ّ‬ ‫التي لع َّلها دارت يف ذهن يعقوب عليه‬ ‫فهو المعارف والعلوم‪ .‬ال�سالم‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫َّ‬ ‫َ‬ ‫القول‬ ‫ولعل هذا ينفي‬

‫بأن ّ‬ ‫اال�ستباق واللعب عادة يكونان نهارا ال َتماما ّ‬ ‫يتطور‬ ‫كاء‬ ‫َّ‬ ‫الذ َ‬

‫لي ً‬ ‫ال‪ ،‬وتركهم �إياه عند متاعهم يناق�ض‬ ‫ما عاهدوا عليه �أباهم من �أنهم �سريعونه‬ ‫ويعتنون به‪ ،‬فلماذا مل ي�أتوا بعد احلادثة‬ ‫مبا�شرة للتبليغ؟ وملاذا ابتعدوا عنه‬ ‫يف ا�ستباقهم �إىل الدرجة التي �أتاحت‬ ‫للذئب �أن ي�أكله دون �أن يتن ّبهوا ل�شيء‬ ‫من �صراخه؟ وملاذا جا�ؤوا لأبيهم بنف�س‬ ‫الق�صة التي دارت تفا�صيلها بينه وبينهم‬

‫و�أنه لن ي�صدقهم ب�سبب معرفته �أن‬ ‫�أد َّلتهم لي�ست منطقية وال �صحيحة‪ ،‬ولو‬ ‫�أرادوا طم�أنته �إىل �صدقهم لقالوا‪( :‬و�إ ّنا‬ ‫ل�صادقون)‪ ،‬وهو نف�س القول الذي قالوه‬ ‫عندما �أخربهم �أخوهم الأكرب مبا يجب‬ ‫�أن يقولوا لأبيهم عندما �أم�سك عليهم‬ ‫يو�سف �أخاه بع َد � ْأن م َّكن ُ‬ ‫ُ‬ ‫أر�ض‪،‬‬ ‫اهلل له يف ال ِ‬ ‫حيث قال �أخوهم الأكرب‪( :‬ا ْرجِ ُعوا �إىل‬ ‫�أبي ُك ْم َفقولوا يا �أبانا �إِ َّن ا ْب َن َك َق ْد َ�س َر َق‬ ‫وما َ�ش ِهدْنا �إِ ّال بمِ ا َع ِل ْمنا وما ُك ّنا ِل ْل َغ ْيبِ‬ ‫َحافِظ َ‬ ‫ني * َو ْا�س�أَلِ ا ْل َق ْر َي َة ا ّلتي ُك ّنا فيها‬ ‫ري ا َّلتي �أَ ْق َب ْلنا فِيها َو�إِ َّنا َل�صا ِد ُقو َن)‬ ‫وا ْل ِع َ‬ ‫(يو�سف‪ .)82 -81/‬لقد كانوا ي�ش ِّككون يف‬ ‫�أنف�سهم من حيث �أرادوا ا�ستثارة عاطفة‬ ‫�أبيهم وتقريعه نف�سيا بقولهم‪َ ( :‬ومَا �أَنْتَ‬ ‫بمِ ُ �ؤْمِ ٍن َل َنا)‪.‬‬

‫مر ّ‬ ‫مان؛ بل‬ ‫على ِّ‬ ‫الز ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫يؤكد ّ‬ ‫اإلنساين‬ ‫الذكاء‬ ‫ّ‬ ‫إنما هو كامن يف قدرة‬ ‫اإلنسان على ُمعالجة‬ ‫ِ‬ ‫المعلومات والبيانات‬ ‫المتنوعة‬ ‫ّ‬

‫قمي�صهُ (ثيا َبه)؟‬ ‫�س‪ .1‬ملاذا ا�ستب َق ْوا‬ ‫َ‬ ‫ج‪ .1‬لي�أتوا بدليل على موته فال يبحث‬ ‫عنه يعقوب فيجده فينك�شف كذبهم‪.‬‬ ‫�س‪ .2‬هل مزّ قوا قمي�صه؟‬ ‫ج‪ 1:2‬ال؛ ليظل دليال كامال على �أنه‬ ‫قمي�ص يو�سف‪ ،‬ويف هذه احلالة لنا حق‬ ‫الت�سا�ؤل‪ :‬كيف �أكله الذئب دون �أن مي ّزق‬ ‫قمي�صه‪ ،‬وهكذا يكون دليل كذبهم وا�ضحا‬ ‫متاما‪.‬‬


‫ج‪ 2:2‬نعم؛ وال ب َّد �أنهم حاولوا �أن‬ ‫يق ِّلدوا بح�سب ت�صورهم ما كان ميكن �أن‬ ‫يفعله الذئب بذلك القمي�ص‪ .‬فهل ميكن‬ ‫�أنهم قد فعلوا ذلك ب�إتقان ال يدع جماال‬ ‫لل�شك؟‬ ‫�س‪ .3‬وملاذا جا�ؤوا بالدم على‬ ‫قمي�صه؟‬ ‫ج‪ .3‬ليكون دليال على �أن الذئب �أكله‪،‬‬ ‫ولكن �أمل يرتك الذئب منه �شيئا؟ �إن‬ ‫ذلك م�ؤكد متاما؛ فال ميكن له �أن يلتهم‬ ‫الر�أ�س مثال‪ ،‬فلماذا مل يح�ضروا معهم‬ ‫�شيئا من بقاياه لتدفن‪ ،‬وليكون دليال‬ ‫�أقوى على ادّعاءاتهم؟‬ ‫الكذب؟‬ ‫الدم‬ ‫�س‪ .4‬ما هو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ج‪ 1:4‬لي�س دمه بالت�أكيد بح�سب ما‬ ‫�أخرب القر�آن الكرمي‪ ،‬بل هو دم خملوق‬ ‫�آخر (�شا ٍة مثال)‪ ،‬و�أيُّ �صاحب �أغنام ال‬ ‫ي�ستطيع التفريق بني دمها وبني دم‬ ‫الإن�سان يف اللون والكثافة واللزوجة‬ ‫والرائحة وانت�شار بقع الدم على �أماكن‬ ‫الإ�صابة يف اجل�سد وغري ذلك؟ والدم‬ ‫كذب لأنه لي�س دم يو�سف عليه‬ ‫الكذب ٌ‬ ‫وكذب �أي‬ ‫ال�سالم وقد ادَّعوا �أنه دمه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫دليل كاذب‪ ،‬مبعنى �أن يعقوب عليه ال�سالم‬ ‫ا�ستطاع ك�شف َز ْيفِ دليلهم هذا من‬ ‫وكذب الدليل داللة على‬ ‫الدليل نف�سه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كذب مدَّعيه‪ ،‬فهم كاذبون!‬ ‫ج‪ 2:4‬ر�أى ّ‬ ‫�ضي يف كتابه عن‬ ‫ال�شريف ال ّر ّ‬ ‫املجازات القر�آن ّية � ّأن للآي ِة قراء ًة �أُخرى‬ ‫ف�سره‬ ‫هي ( ِب َد ِم َكدْبٍ )‪ ،‬وال َكد ُْب على ما َّ‬ ‫هو َّ‬ ‫بي بال َك ْنعان َّية‪ .‬وقد ُ‬ ‫يكون ملا قدّمه‬ ‫الظ ُ‬ ‫ّ‬ ‫�ضي وج ٌه؛ من ُ‬ ‫ال�ش ُ‬ ‫حيث �إ ّنهم ال‬ ‫ريف ال ّر ّ‬

‫كان على ثقة من ر ّبه يف حتقيق الر�ؤيا‬ ‫ّ‬ ‫إن مشكلتنا – نحن‬ ‫التي ر�آها يو�سف يف منامه وهي ت�ستدعي‬ ‫العرب‪ّ ،‬‬ ‫رقيين‬ ‫الش ّ‬ ‫�أن يظل ح ّياً‪ ،‬ولهذا قال يعقوب عليه‬ ‫اآلن ليست مشكل ًة يف‬ ‫ال�سالم‪ْ :‬‬ ‫(بل َ�س َّو َلتْ ل ُك ْم �أ ْن ُف ُ�س ُك ْم � ْأمراً)‬ ‫ودليل ب�صيغة الواثق من �أن ابنه ما يزال حيا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مستويات ذكائنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وهو نف�س القول الذي قاله يف احلادثة‬ ‫ذلك ّ‬ ‫أن كثيرًا من أبنائنا التي عادوا فيها من م�صر بناء على طلب‬ ‫يو�سف عليه ال�سالم‪ ،‬وذلك عندما ذهبوا‬ ‫غربون‬ ‫وبناتنا حين ُي ِّ‬ ‫ف�أ�ص َّر على �أن ي�أتوه ب�أخيه‪ ،‬حيث عادوا‬ ‫طلبًا للعمل أو الهجرة‬ ‫�إىل �أبيهم و�أخربوه بطلب العزيز‪ ،‬فقال‬ ‫بد ُعون‪،‬‬ ‫لهم‪( :‬ه َْل �آ َم ُن ُك ْم َعلَ ْي ِه �إِ ّال َك َما �أَمِ ْن ُت ُك ْم َعلَى‬ ‫أو العمل ُي ِ‬ ‫وتظهر نتائج ذكاءاتهم �أَخِ ي ِه مِ نْ َق ْب ُل َفاللهّ ُ َخيرْ ٌ َحافِظاً َوهُ َو �أَ ْر َح ُم‬ ‫ُ‬ ‫ال ّراحِ مِ َ‬ ‫يو�سف عنده‬ ‫ني)‪ .‬وعندَما �أبقا ُه‬ ‫يف سنين معدودات؛‬ ‫ورجعوا �إىل �أبيهم و�أخربوه مبا قال لهم‬ ‫يعقوب عليه ال�سالم‬ ‫�أخوهم الأكرب قال‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫إنما مشكلتنا يف‬ ‫مرة �أخرى‪َ ( :‬ب ْل َ�س َّو َلتْ َل ُك ْم �أَ ْن ُف ُ�س ُك ْم �أَ ْمراً‬ ‫السائدة‬ ‫العقلية ّ‬ ‫ّ‬ ‫َف َ�صبرْ ٌ َجمِ ٌ‬ ‫يل ع َ​َ�سى اللهّ ُ �أَ ْن َي�أْ ِت َينِي ِب ِه ْم‬ ‫ُّ‬ ‫والن ُظم (‪)Systems‬‬ ‫َجمِ يعاً �إِ َّن ُه هُ َو ا ْل َعلِي ُم الحْ َ كِي ُم)‬ ‫واالقتصادية (يو�سف‪.)83 /‬‬ ‫ياسية‬ ‫الس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ب َّد مل يذ َب ُحوا �شا ًة ِّ‬ ‫قمي�ص‬ ‫ليلطخوا بها‬ ‫َ‬ ‫ال�سالم‪ ،‬ولو فعلوا لكا َن يف‬ ‫ُيو�سف عليه ّ‬ ‫ُنق�صانِ املا�شي ِة ٌ‬ ‫دليل على فعلتِهم‪.‬‬

‫ولقد �أ�شارت �آيات �أخرى �إىل �أن يعقوب‬ ‫عليه ال�سالم كان مت�أكدا من �أن يو�سف ما‬ ‫يزال حيا ير َز ُق‪ ،‬ومنها قوله لأبنائه بعد � ْأن‬ ‫عادوا من م�صر بدون �أخيهم الأ�صغر‪( :‬يا‬ ‫و�س َف َو�أَخِ ي ِه‬ ‫َبن َِّي ا ْذ َه ُبوا َف َت َح ّ�س�سوا مِ نْ ُي ُ‬ ‫وال َت ْي�أَ ُ�سوا مِ ن َّر ْو ِح اللهّ ِ) (يو�سف‪.)87/‬‬ ‫ولأن احلادثة كانت م�ؤملة الوقع على‬ ‫نف�سه‪ ،‬ولأنه �سيبقى حمروما من ابنه‬ ‫ملدَّة اهلل يعلمها حتى تظهر احلقيقة قال‪:‬‬ ‫( َف َ�صبرْ ٌ َجمِ ٌ‬ ‫يل واهلل امل ُ ْ�س َت ُ‬ ‫عان على ما‬ ‫َت ِ�صفو َن) (يو�سف‪.)18 /‬‬

‫وهكذا كان القمي�ص بالن�سبة �إليهم‬ ‫دليال على �صدق قولتهم التي حاكوها‬ ‫بناء على ت�صوراتهم عن مدى فهم �أبيهم‬ ‫لنف�س ّياتهم‪ ،‬وفهمهم هم لنف�سيته فهما‬ ‫قا�صرا‪.‬‬ ‫وكان القمي�ص بالن�سبة �إىل يعقوب دليال‬ ‫وبعبارة �أخرى؛ فقد كان دلي ُل الإثبات‬ ‫على براءة الذئب من دم ولده املغدور‪،‬‬ ‫(على املوت) عند الطرف الأول دلي َل‬ ‫ودليال على حياة ابنه املظلوم‪ ،‬ودليال َن ْق ٍ�ض (دليال على احلياة) عند الطرف‬ ‫على ظلم �أبنائه لأخيهم‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن �أ ّنه الثاين‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫القمي�ص ُ‬ ‫دليل اال ِّتها ِم والرباءة‪:‬‬ ‫ُ‬

‫‪48‬‬ ‫لكل ذي ب�صرية‪ ،‬و� ُّ‬ ‫أقل الأدلة على ذلك‬ ‫قوله تعاىل يف َح ِّقه‪�( :‬إ ّن ُه من عِ بادِنا‬ ‫المْ ُ ْخلَ�ص َ‬ ‫ني)‪ ،‬ومعروف متاما يف القر�آن‬ ‫الكرمي �أن ال�شيطان ال �سيطرة له �إطالقا‬ ‫على العباد امل َّت�صفني بهذه ال�صفة؛ �إذ قال‬ ‫�إبلي�س‪( :‬ف ِب ِع َّزت َِك لأُ ْغ ِو َي َّن ُه ْم � ْأج َمع َ‬ ‫ني * �إ ّال‬ ‫عِ باد َ​َك مِ ْن ُه ُم المْ ُ ْخلَ�ص َ‬ ‫ني) (�ص‪.)83/‬‬

‫مل تنته حكاية القمي�ص عند تلك‬ ‫احلدود‪ ،‬بل �إن لها �سياقا جديدا �أكرث‬ ‫داللة على �أن �أهل ذلك الع�صر كانوا على‬ ‫درجة عالية من الذكاء والفطنة‪ ،‬و�أنهم‬ ‫مل يكونوا يحكمون –دائ ًما‪ -‬بح�سب‬ ‫�أهوائهم‪� ،‬أو �آرائهم ال�شخ�صية التي تلعب‬ ‫يف حتديدها العواطف وامليول اخلا�صة لكن الآيات الكرمية تخرب عن �أ�شياء‬ ‫دوراً مه ّماً‪ .‬تلك هي الق�صة الثانية التي لها داللتها الكبرية يف �سياق تف�سري هذه‬ ‫توردها الآيات الكرمية من رحلة يو�سف‬ ‫كان القميص بالنسبة‬ ‫عليه ال�سالم‪ ،‬وهي ق�صته مع زليخة‬ ‫إىل يعقوب دليال‬ ‫زوجة عزيز م�صر؛ تلك التي ر َّب ْت ُه يف‬ ‫يو�سف ُ‬ ‫َ‬ ‫يكون‬ ‫بيتِها بو�ص ّي ٍة من زوجِ ها لع ّل‬ ‫على براءة الذئب من‬ ‫مبثاب ِة ابن لها لأنها مل ترزق بالأبناء‪ ،‬ثم‬ ‫دم ولده المغدور‪،‬‬ ‫�شب وي َف َع‪،‬‬ ‫�أُعجِ َبتْ به �أيمّ ا �إعجاب بعد �أن َّ‬ ‫و�أ�صبح �آية يف الو�سامة وا ُ‬ ‫حل ْ�س ِن‪ ،‬واحلكمة ودليال على حياة ابنه‬ ‫ح�س ُب‪،‬‬ ‫والعلم‪ ،‬لك َّنها مل تكتفِ بالإعجاب ْ‬ ‫ً المظلوم‪ ،‬ودليال على‬ ‫بال�سوء �أمرا‬ ‫بل �س َّولتْ لها ُ‬ ‫نف�سها ال ّأمار ُة ّ‬ ‫ظلم أبنائه ألخيهم‪،‬‬ ‫حا َو َل ْتهُ‪ ،‬فع�صمه اهلل تعاىل منها‪ .‬يقول‬ ‫تعاىل مخُ ْ ربا عن تلك احلكاية‪َ ( :‬ولمَ ّا َبلَ َغ‬ ‫فضال ً عن ّ‬ ‫أنه كان‬ ‫�أَ ُ�ش َّد ُه �آ َت ْينا ُه ُح ْكماً َوعِ ْلماً َو َكذل َِك نجَ ْ زي‬ ‫ربه يف‬ ‫على ثقة من ّ‬ ‫امل ُ ْح�سِ ن َ‬ ‫ني * َورا َو َد ْت ُه التي هُ َو يف َب ْيتِها َعنْ‬ ‫َن ْف�سِ ِه َو َغ َّل َقتِ الأ ْب َ‬ ‫واب َوقا َلتْ َه ْيتَ َل َك قا َل تحقيق الرؤيا التي رآها‬ ‫مَعا َذ اهلل �إ َّن ُه َر ّبي � ْأح َ�س َن َم ْثوايَ �إ َّن ُه ال ُي ْف ِل ُح‬ ‫يوسف يف منامه وهي‬ ‫ّ‬ ‫الظالمِ و َن) (يو�سف‪.)23-22/‬‬ ‫وغاي ُة القول هنا �أنه �أجابها قائال‪:‬‬ ‫معاذ اهللِ؛ �أي �أنه رف�ض ما دعته �إليه منذ‬ ‫اللحظة الأوىل‪ ،‬وهذا الفهم يلغي متاما‬ ‫ما حاول بع�ض ال�ساذجني‪� ،‬أو المْ ُغر�ضني‪،‬‬ ‫�أن يتق َّوله على نبي اهلل املع�صوم من �أ ّنه‬ ‫أح�س‬ ‫لمَ ّا ه ّمت به ه َّم بها‪ ،‬و�أنه ملا ر�أى �أو � َّ‬ ‫ما ُّ‬ ‫يدل على اقرتاب العزيز من موقعهما‬ ‫�أعر�ض عنها‪ ،‬وهذا �أمر مفروغ منه‬

‫حيًا‪،‬‬ ‫تستدعي أن يظل ّ‬

‫الق�صة؛ ومنها �أنها هي التي راودته‪ ،‬وقد‬ ‫اللي املثري‪� ،‬أو بغريه‬ ‫تكون املراودة بالكالم نِّ ِ‬ ‫من ال َّت َع ّري و�إظهار بع�ض مفاتن اجل�سد‪.‬‬ ‫ومنها �أنها هي التي غ َّلقت الأبواب‪ ،‬وهذا‬ ‫ُّ‬ ‫يدل على �أنهما مل يكونا معا يف غرفة ذات‬ ‫باب واحد‪ ،‬بل كانا يف غرفة �أو قاعة فيها‬

‫جمموعة من الأبواب‪ ،‬وقد تكون قاعة‬ ‫من الق�صر يدخلها العزيز و�أعوانه من‬ ‫احلا�شية‪ ،‬بدليل �أن العزيز حني جاء كان‬ ‫معه ُ‬ ‫بع�ض � ْأعوانِه؛ وفيهم ال�شاهد من‬ ‫�أهلها الذي �شهد باحلكم عليها‪ ،‬وبدليل‬ ‫انت�شار اخلرب ح ّتى �أ�صبح مما حت ِّر ُك به‬ ‫ال ِّن�ساء يف املدينة �أل�سنتهنّ (وقال ن ِْ�س َو ٌة‬ ‫يف املدين ِة ْام َر�أ ُة العزي ِز ُترا ِو ُد فتاها عن‬ ‫َن ْف�سِ ه ق ْد َ�ش َغ َفها ُح ّباً) (يو�سف‪،)30/‬‬ ‫ولو �أن العزيز وحده كان الدّاخل‪ ،‬ملا كان‬ ‫خلروج اخلرب �إىل ن�سوة املدينة �أي �سبيل‪،‬‬ ‫مي�س‬ ‫�إذ ال ميكن �أن ُيف�شي �أيٌّ منهم �أمرا ُّ‬ ‫أح�ستْ‬ ‫ثالثتهم جمي ًعا‪ .‬ومنها �أنها ملّا � َّ‬ ‫نفوره منها بعد الإغراء �ص َّرحتْ مبا‬ ‫تريده قائل ًة‪َ ( :‬ه ْيتَ َل َك)‪.‬‬ ‫ويظهر وا�ضحا من قوله تعاىل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫حترك‬ ‫باب) �أ َّنه عليه ال�سالم‬ ‫(وا�س َت َبقا ا ْل َ‬ ‫ْ‬ ‫هاربا منها باتجِّ اه �أحد الأبواب‪ ،‬ث َّم تبع ْته‬ ‫لتم�سك به‪ ،‬فقد كانت تلك اللحظة‬ ‫بالن�سبة �إليها حلظة الي�أ�س القاتلة‪ ،‬لقد‬ ‫حلقت به ع�ساها تجُ ْ رب ُه على فعل ال�سوء‪،‬‬ ‫�أو ع�ساها ت�ستوقفه لكي يخفي الأمر فال‬ ‫يك�شفه‪ .‬الفعل واحد منهما‪ ،‬ولكن غر�ض‬ ‫كليهما من ال ّرك�ض باتجّ اه الباب خمتلف‬ ‫متاما‪ ،‬هي تريد �إبقاءه يف الغرفة‪ ،‬وهو‬ ‫يريد الهروب ليفتح الباب املو�صد من‬ ‫الداخل‪.‬‬ ‫�أما قوله تعاىل يف الآية نف�سها‪( :‬و َق َّدتْ‬ ‫مي�ص ُه مِ نْ ُد ُبرٍ) فقد كان �أمرا طبيعيا؛‬ ‫َق َ‬ ‫ودا ّال يف الوقت نف�سه على �أنها هي التي‬ ‫كانت حتاول اللحاق به‪ .‬وعندما (�أ ْل َفيا‬ ‫َز ْو َجها لدى البابِ ) مل جتد �شيئا تتذ َّر ُع‬ ‫به �سوى �إ�شارتها �إليه على �أنه �أراد بها‬


‫�سوءاً‪ .‬ولكن ما الذي جعلها تقول ذلك؟‬ ‫�أمل يكنْ ب�إمكانها �أن ت�صمتَ دون �أن تثري‬ ‫لنف�سها وللذي حت ُّبه �أي زوبعة قد تباعد‬ ‫بينها وبني �أحالمها للأبد؟ واجلواب عن‬ ‫َ‬ ‫يو�سف امل ْقدُودُ‪،‬‬ ‫قمي�ص‬ ‫ذلك بب�ساطة هو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫والو�ض ُع الذي �أ ْل ِف َيتْ عليه؛ فلوالهما ملا‬ ‫كان هناك دا ٍع لإثارة امل�س�ألة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يو�سف‬ ‫ويبدو من الآيات الكرمية �أن‬ ‫عليه ال�سالم قد �سبقها �إىل الباب املو�صد‪،‬‬ ‫وفتحه عندما كانت قد ق َّدتْ قمي�صه من‬ ‫ُد ُبر‪ ،‬وحني فتح الباب كانت هي وراءه ال‬ ‫تزال مم�سكة بقمي�صه املقدود‪ ،‬وله ْول‬ ‫املفاج�أة َح ِ�ص َرت بالقولِ ‪ ،‬فلَ ْم ت�ستط ْع‬ ‫�أن تقول �شيئا �سوى (ما َجزا ُء َمنْ �أرا َد‬ ‫َذاب �ألي ٌم)‬ ‫ِب�أهْ ل َِك �سوءاً �إ ّال � ْأن ُي ْ�س َج َن �أ ْو ع ٌ‬ ‫(يو�سف‪.)25 /‬‬ ‫والقول ال�سابق ٌّ‬ ‫دال على �أنها كانت ُتريد‬ ‫الإبقاء على يو�سف ح ّياً؛ لأنها حتبه‪،‬‬ ‫وترغب يف و�صاله وت�شتهيه‪ ،‬ولوال ذلك‬ ‫لقالت‪�( :‬إال �أن ُي ْق َت َل �أو ُي َ�ص َّل َب)‪ ،‬وهذان‬ ‫من �أنواع التعذيب والإعدام امل�شهورة‬ ‫عند �أهل ذلك الزمان‪ ،‬ولي�س ال�سجن �أو‬ ‫التعذيب امل�ؤمل �أق�صى جزاء ميكن �أن‬ ‫يناله املرء يف عهدهم‪ ،‬بل هما حكمان‬ ‫ُ‬ ‫الغر�ض منهما الإبقاء عليه ‪-‬‬ ‫مخُ َ َّففان‬ ‫عليه ال�سالم ‪ -‬حياً لتحقيق ال�شهوة ولو‬ ‫بعد حني‪ ،‬و�إيها ُم العزيز �أنها غري رفيقة‬ ‫بيو�سف على ما فعله (لو كانت �صادقة!)‪.‬‬ ‫�أما قول يو�سف عليه ال�سالم‪( :‬هِ َي‬ ‫را َو َد ْتني عن َن ْف�سي) (يو�سف‪ )26 /‬فهو‬ ‫دليل على �أنه دافع عن نف�سه بالقول‪ ،‬وهو‬ ‫نبي يعرف �أنه م�ؤ ّي ٌد من ر ِّبه‪ ،‬وهذا يقود‬ ‫ٌّ‬

‫�إىل �أن الإن�سان عليه �أن يعقل ويتوكل‪ .‬كان امل ّتهم‪ ،‬ويف كلتا احلالتني قدّم احل ْك َم عليها‬ ‫ب�إمكانه �أن يركن �إىل عدالة اهلل وحدها يف الآية لأنها املدّعية‪ ،‬ولأنه راعى يف ذلك‬ ‫ويكتفي‪ ،‬ولكنه �أدرك �أن عليه �أداء واجبه كونها امر�أة العزيز‪.‬‬ ‫يف دفع الأذى عن النف�س باملُتا ِح �ض ْم َن‬ ‫وداللة هذا القول وذلك التحليل �أن‬ ‫ُحدود ال�شر ِع‪.‬‬ ‫القوم تعاملوا مع الق�ضية على �أنها‬ ‫ويف قوله تعاىل‪َ ( :‬و َ�ش ِه َد �شاهِ ٌد مِ نْ جرمية يجب التحقيق فيها‪ ،‬و�أن التحقيق‬ ‫�أهْ لِها) ٌ‬ ‫دليل على �أن العزيز عندما ر�أى ما الذي �أجري كان مبنيا على الأقوال التي‬ ‫ر�آه‪ ،‬وحني قالت زليخة ما قالت‪ ،‬مل ي�أخذ �أبداها كل منهما‪ ،‬وعلى الأدلة املادّية‬ ‫بالذي ر�آه‪ ،‬ومل ي�صدِّق زوجته يف ما قالته وحتليلها‪ .‬وهذا من الأدلة الوا�ضحة على‬ ‫مدَّعي ًة‪ ،‬بل �إ َّنه حاول ال َّت َث ُّبت من �أقوالها �أن الب�شرية يف خمتلف �أع�صارها كانت‬ ‫و�أقوال يو�سف عليه ال�سالم‪ ،‬واحل�صو َل متتلك احلكمة والذكاء‪ ،‬و�أن ذلك الذكاء‬ ‫منطقي ملا ر�آه‪ .‬وقد كان من�سجما مع ما يف احلياة من تقاليد‬ ‫ري مقبول‬ ‫على تف�س ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫كان امل�ست�شار يف ذلك الأمر �أح َد �أهلها؛ وعادات وموجودات وتعقيدات يف كل ع�صر‬ ‫ك�أن يكون من �أقاربها �أو حا�شيتها‪ ،‬ولك َّنه من الع�صور‪.‬‬ ‫بال�ضرورة كان م�ؤمتنا عند العزيز‪� ،‬أو وقد كان التحليل الذي ا�ستخدمه‬ ‫ْ‬ ‫قل قا�ضي التحقيق يف الق�ضايا‬ ‫ّ‬ ‫اخلا�صة ال�شاهد من �أهلها منطقيا متاما لمِ ا يف‬ ‫ب�ش�ؤون الق�صر‪ .‬وكل ذلك دليل وا�ضح على منطقة اجلرمية املُدَّعا ِة من �أدلة مادية‪،‬‬ ‫�أن �أولئك القوم ما كانوا يتعاملون مع كالم ومعار�ضة تلك الأدلة بالأقوال التي‬ ‫الب�شر بح�سب مراتبهم‪ ،‬ولو كان كذلك ملا قالها كل من الطرفني‪ ،‬وهذا يعني �أن‬ ‫ا�ستدْعى الأم ُر من العزيز �أن ي�ستفتي يف تفكري الب�شر كان دائما مما ميكن �أن‬ ‫احلادثة‪ ،‬لكنهم كانوا عقالنيني ي�أخذون ي ّت�سم باملنطقية والعقالنية واال�ستناد‬ ‫بالدليل املادّيِّ وحتليله‪ ،‬وال يقبلون �إىل الدالئل والرباهني‪ ،‬ولكنه كان ب�سيطا‬ ‫لأنه كان مرتبطا بب�ساطة الأ�شياء واملوا ّد‬ ‫الأمور بدون الربهنة على ما فيها‪.‬‬ ‫والعالقات‪ .‬كانت اجلرائم ب�سيطة‪،‬‬ ‫والقول ُ‬ ‫مناط ال�شاهدِ يف ذلك ك ِّله هو‬ ‫ولذلك كانت �أد َّلتها ب�سيطة من نوعها‪،‬‬ ‫تلك ال�شهادة التي قدَّمها ذلك القا�ضي‪،‬‬ ‫ومنطقية التفكري فيها تت�سم بالب�ساطة‬ ‫وهو قوله‪ْ �( :‬إن كا َن َق ُ ُ‬ ‫مي�ص ُه ق َّد مِ نْ لأنه ال تعقيد فيها وال يف �أد ّلتها‪ .‬ولعل‬ ‫ُق ُبلٍ َف َ�ص َد َقتْ َوهُ َو مِ َن الكاذِب َ‬ ‫ني * َو�إِ ْن هذا من �أكرب الأدلة على ما قدّمنا‪ ،‬ومثله‬ ‫كا َن َق ُ‬ ‫مي�ص ُه ُق َّد مِ نْ ُدبُرٍ َف َك َذ َبتْ َوهُ َو جرمية �إخوة يو�سف الأوىل التي كانت‬ ‫ال�صا ِد ِق َ‬ ‫مِ َن ّ‬ ‫ني) (�أية‪26/‬ـ‪ .)27‬وقد قدَّم مك�شوفة معروفة متاما ليعقوب عليه‬ ‫احتمال �صدقها هي على احتمال �صدقه ال�سالم؛ لأن الأدلة التي جاء بها �أبنا�ؤه‬ ‫هو لأنها املدَّعية‪ ،‬ولذلك ناق�ش احتمال مل تكن منطقية حني عُور َِ�ضتْ مبالب�سات‬ ‫�صدق قولها مبعار�ضته بالدليل املاديّ ‪ ،‬احلدث الزمانية واملكانية و�سياق حدوثه‪،‬‬ ‫ثم �أتى باالحتمال املقابل وهو �صدقه لأنه ومعار�ضة ذلك كله ب�أقوالهم‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫مقاال‬

‫ت ال‬ ‫وسطية‬

‫و ُي ْ�س َتد َُّل من الآية التالية ( َفلَ ّما ر�أى‬ ‫مي�ص ُه ُق َّد مِ نْ ُدبُرٍ ) (�آية‪� )28/‬أ َّن القوم‬ ‫َق َ‬ ‫مل يروا قمي�ص يو�سف عليه ال�سالم‬ ‫مقدودا قبل ذلك ا ُ‬ ‫حل ْكم‪ ،‬و�إمنا ر�أ ْوه بعد‬ ‫حكم ال�شاهد حني �أراد العزيز �أن يتث ّبتَ‬ ‫من ذلك احلكم‪ ،‬وذلك �أدْعى لأن يكون‬ ‫حكمه �صادقا ودقيقا؛ لأنه حكم ُبن َِي على‬ ‫متييز الأقوال والتدقيق يف ال�صورة التي‬ ‫ُ�ض ِب َط فيها االثنان‪ .‬ولكن لمِ َ لمَ ْ يتحدّث‬ ‫ال�شاهد من �أهلها عن قمي�صها مثال؟‬ ‫يو�س َف‬ ‫�أَ َول ْي َ�س يف ذلك �شاه ٌد على ُج ْر ِم ُ‬ ‫عليه ال�سالم �أو براءته؟‬

‫‪50‬‬ ‫(من ُق ُبل)‪ ،‬ففي احلالتني �سيكون دليال‬ ‫على جترميه‪ .‬و�أما الأخرى فهي لأن دهاء‬ ‫ُز َليخ َة الذي جعلها تخرتع تلك الق�صة‬ ‫عن حماولة اغت�صابها‪ ،‬ال ميكن �أن يكون‬ ‫قد حا َل دون حماولتها تلفيق دليل �آخر‬ ‫ال ّتهامه؛ فهي �إما �أنها راودته عن نف�سه‬ ‫عارية دون قمي�ص �أو ثياب‪� ،‬أو �أ ّنها ق َّدتْ‬ ‫هي ثيابها عن ج�سدها لتثريه من َق ْبل‪� ،‬أو‬ ‫زوجها بالباب‬ ‫عند حلاقها به و�إدراكها �أن َ‬ ‫لتثبت التهمة عليه‪ .‬ويبدو �أنها فعلت‬ ‫الثانية منهما؛ لأنها لو ُ�ض ِب َطتْ عارية‬ ‫ملا كان لأقوالها تلك القيمة يف التحقيق‪،‬‬ ‫ولهذا قال العزيز بعد ثبوت التهمة عليها‪:‬‬ ‫(�إ ّنه مِ نْ َك ْيدِ ُكنَّ �إ َّن َك ْي َد ُكنَّ عَظِ ي ٌم)‪.‬‬

‫َط ِل َبتِها‪ ،‬وعندما جمعت ن�سوة املدينة‬ ‫الالئي قلن يف حكايتها ما قلن‪ ،‬وعر�ضته‬ ‫عليهن ّ‬ ‫وقطعن �أ�صابعهن ملّا نظرن �إليه‪،‬‬ ‫و�صب ْو َن �إىل جماله‪ ،‬قالت زليخة‪( :‬ول َق ْد‬ ‫ا�س َت ْع َ�ص َم و َلئِنْ ْ‬ ‫مل َي ْف َع ْل‬ ‫را َو ْد ُت ُه َعنْ َن ْف�سِ ِه َف ْ‬ ‫ما �آ ُم ُر ُه َل ُي ْ�س َج نَ َّ‬ ‫ال�صاغِ َ‬ ‫رين)‬ ‫ن َو َل َي ُكوناً مِ َن ّ‬ ‫(يو�سف‪ .)32/‬واختار عليه ال�سالم ال�سجن‬ ‫على ما دَع ْت ُه �إليه‪ ،‬و�أعانه ر ُّبه ف�صرف عنه‬ ‫كيدهن‪ .‬ولكنهم على الرغم من كل �شيء‪،‬‬ ‫وبعدما تبينَّ لهم من الرباهني والأدلة‬ ‫املادية ما تبينَّ‪� ،‬آثروا �سجنه ملدة حمدودة‪،‬‬ ‫وذلك بيان قوله تعاىل‪ُ ( :‬ث َّم َبدا ل ُه ْم مِ نْ‬ ‫ب ْعدِ ما ر�أ ُوا الآياتِ َل َي ْ�س ُج ُن َّن ُه ح ّتى حنيٍ)‬ ‫(يو�سف‪.)35 /‬‬

‫وال�سبب يف ما نرى وا�ضح متاما؛ ويكمن‬ ‫يف ق�ضيتني؛ �أوالهما �أن َق َّد قمي�صها من‬ ‫�أي ناحية كان �سيكون دليال على ُج ْر ِم وملا ثبتت براءته عليه ال�سالم من التهمة وهكذا كان القمي�ص يف هذه الق�صة‬ ‫يو�سف‪� ،‬سواء �أكانت هاربة منه (من ُد ُبر) املوجهة �إليه‪ ،‬جنا من العقاب الذي �أرادته �أي�ضا دلي َل �إثباتٍ ون ْق ٍ�ض؛ دلي َل ا ِّتها ٍم‬ ‫�أم مقبل ًة عليه وهو يحاول �صدَّها عنه له زليخة‪ ،‬ولكنها مل تي�أ�س من �إدراك ليو�سف عليه ال�سالم‪ ،‬ودليل براءته من‬ ‫املوجهة �إليه‪.‬‬ ‫التهمة َّ‬ ‫ُ‬ ‫و�سيلة ِّ‬ ‫ال�شفاء‪:‬‬ ‫القمي�ص‬ ‫ُ‬ ‫ويف مر ٍة �أُخرى يلعب قمي�ص يو�سف‬ ‫عليه ال�سالم دورا مهما‪ ،‬وذلك حني‬ ‫فقد �أبوه الب�صر بعد �أن ا ْب َي َّ�ضتْ عيناه‬ ‫من احلزن‪ ،‬وكان ذلك بعد عودة �أبنائه‬ ‫من م�صر بدون �أخيهم الأ�صغر‪ ،‬وبعد‬ ‫�أن ا�ستمع دعواهم فيه �أنه �سرق‪ ،‬فلم‬ ‫ي�صدقهم يف املرة الثانية كما‬ ‫ك َّذ َبهم يف املرة الأوىل‪ .‬عندما‬ ‫�أخربوه بذلك ر َّد عليهم‬ ‫بالتكذيب ث َّم ( َت َولىَّ َع ْن ُه ْم َو َقا َل‬ ‫يو�س َف َوا ْب َي َّ�ضتْ َع ْينا ُه‬ ‫يا �أَ َ�سفا َعلَى ُ‬ ‫مِ َن الحْ ُ ْزنِ َف ُه َو َكظِ ي ٌم * قالوا َتاللهّ ِ‬ ‫و�س َف ح ّتى َت ُكو َن َح َر�ضاً �أَ ْو‬ ‫َت ْف َت�أُ َت ْذ ُك ُر ُي ُ‬ ‫َت ُكو َن مِ َن ا ْلهَا ِل ِك َ‬ ‫ني)‪ .‬ومن اجلدير بالذكر‬


‫�أنهم كانوا يلومونه لكرثة ذكره ليو�سف‬ ‫وتمَ َ ِّني ِه عَودته‪ ،‬وهو دليل �صادق على �أنه‬ ‫عليه ال�سالم كان واثقا من كذب �أبنائه‬ ‫عندما �أخربوه بق�صة الذئب‪.‬‬

‫وجدير بالذكر � ً‬ ‫أي�ضا �أن عيني يعقوب‬ ‫عليه ال�سالم ا ْب َي َّ�ضتا بعد فقدانه البنه‬ ‫الآخر؛ �أيْ بعد فقدان يو�سف مبدّة‬ ‫لي�ست بق�صرية‪ ،‬لأن يو�سف يف ذلك‬ ‫الوقت كان قد �أ�صبح عزيزاً يف م�صر‬ ‫بعد ت�أويله لر�ؤيا الفرعون‪ ،‬وهُ و كان قد‬ ‫ُفق َد �صغريا‪.‬‬ ‫ولقد �أعطى يو�سف �إخوته قمي�صا له‬ ‫عندما ع َّرفهم نف�سه وطم�أنهم على‬ ‫�أنف�سهم قائ ً‬ ‫ال‪( :‬ا ْذ َه ُبوا ِب َقمِ ي�صي هذا‬ ‫َو�أَ ْل ُقو ُه َعلَى َو ْج ِه �أَبِي َي�أْتِ َب ِ�صرياً)‬ ‫وح ًّقا حتقق ذلك عندما‬ ‫(�آية‪َ .)93 /‬‬ ‫كانت القافلة التي �ض َّمتْ يعقوب عليه‬ ‫ال�سالم و�أهله جميعا �إىل م�صر تقرتب‬ ‫منها‪ ،‬وحني ت َن َّ�س َم يعقوب رائحة يو�سف‬ ‫عليهما ال�سالم‪ ،‬وك َّذ َب �أه ُله ظ َّن ُه‪ ،‬حينها‬ ‫ري يحمل ذلك القمي�ص‬ ‫جاء ال َب�ش ُ‬ ‫الذي حمل ال�شفاء‍؛ يقول تعاىل‪َ ( :‬ولمَ ّا‬ ‫ري َقا َل �أَبُوهُ ْم ِ�إنيّ لأَجِ ُد‬ ‫� ْأن َف َ�صلَتِ ال ِع ُ‬ ‫و�س َف َل ْوال � ْأن ُت َف ِّندُونِ * َقا ُلوا‬ ‫رِي َح ُي ُ‬ ‫مي * َفلَ ّما‬ ‫َتاللهّ ِ �إ َّن َك َلفِي َ�ضالل َِك ا ْل َقدِ ِ‬ ‫ري �أَ ْلقا ُه َعلَى َو ْج ِه ِه َفا ْر َت َّد‬ ‫� ْأن َجا َء ا ْل َب�شِ ُ‬ ‫َب ِ�صرياً) (�آية‪!)96 -94/‬‬ ‫هكذا كان القمي�ص الذي ا�ستعمله‬ ‫الأبناء دليال على موت يو�سف‪ ،‬وا�ستعملته‬ ‫زليخة دليال على اتهامه بالفاح�شة‪ ،‬دليال‬ ‫ليعقوب على حياة ابنه‪ ،‬ودليال لل�شاهد‬ ‫والعزيز على براءته مما ُن�سِ َب �إليه‪ ،‬وكان‬ ‫�أخريا �شفا ًء ل َع ْي َني �أبيه عليهما ال�سالم‪.‬‬ ‫ال�سور َة بهذه‬ ‫وميكن القول � ّإن هذه ّ‬

‫ال ّتفا�صيل الدّقيقة دليل قاطع على ثباتِ‬ ‫ال ّذكاء الإن�ساينِّ‪ّ � ،‬أما الذي يتط ّور فهو‬ ‫املعارف والعلوم‪ .‬ولع َّل هذا ينفي القو َل‬ ‫تمَ اما ب� ّأن ال ّذكا َء يتط َّور على م ِّر ال ّزمانِ ؛‬ ‫بل ي�ؤ ِّكد � ّأن ال ّذكاء الإن�سا ّ‬ ‫ين �إنمّ ا هو كامن‬ ‫يف قدرة الإن�سانِ على مُعاجلة املعلومات‬ ‫والبيانات املتن ّوعة التي مت ِّثل امل ُ َ‬ ‫دخالت‪،‬‬ ‫لتكون نتيجة ذلك مخُ رجات متنا�سب ًة‬ ‫ميا ِقدَم‬ ‫مع تلك املُد َْخالت؛ كا َن هذا قد ً‬ ‫ال ُوجود الإن�سا ّ‬ ‫ين‪ ،‬و َلن يزا َل مُ�ساي ًرا‬ ‫لركب احلياة الإن�سان ّية على هذا الكوكب‪.‬‬ ‫انب ال ّنتائج‬ ‫ولع ّلنا من هُ نا �أي�ضا نجُ ُ‬ ‫تو�صل �إليها الأ�ستاذ اجلابري‬ ‫التي‬ ‫ّ‬ ‫حني حتدّث عن تمَ ا ُيز ال ُعقول الب�شر ّية‬ ‫بح�سب ا َ‬ ‫جلماعات العرق ّية التي تنتمي‬ ‫العربي بعي ٌد‬ ‫�إليها؛ فكالمُه على العقل‬ ‫ّ‬ ‫ال�صواب‪ ،‬ولو �أ ّنه ف�ص َل يف الأمر‬ ‫من ّ‬ ‫على �أ�سا�س من (العقل ّية – ال ِّذهن ّية)‬ ‫لكان الأم ُر �أ ْدعَى للقبول واملناق�شة‪ّ � .‬أما‬ ‫تف�صي ُل عُقولٍ ب�شر ّية‪ ،‬وتوزي ُع ال ّنا�س‬ ‫على هذه الفئاتِ من (ال ُعقول) فهو �أم ٌر‬ ‫لي�س بعيدًا الب َّتة َع ّما �شهدنا ُه عند �آرن�ست‬ ‫الفرن�سي‪ ،‬ال �س ّيما �أ ّنه قد‬ ‫رينان املتط ّرف‬ ‫ّ‬ ‫ا�ست َن َد �إىل ال ّتق�سيماتِ ال ّتورات ّية يف �إثباتِ‬ ‫ري بعيد �أي�ضا‬ ‫ِ�ص َّح ِة ُمدَّعاهُ؛ ولع ّله غ ُ‬ ‫عن ذلك ال ّت�صنيفِ الذي جنِ د �آثاره عند‬ ‫اجلاحظ للأمم‪ ،‬حني �ص ّنف الب�شر ّية‬ ‫ِ‬ ‫ِ�ص ْن َفني‪ :‬جع َل العرب وفار�س وال ّروم‬ ‫نف‪ ،‬و�سائر الأمم الأُخرى‬ ‫والهن َد يف ِ�ص ٍ‬ ‫َه َم ًجا ال �س ّيما (ال ّزنوج)‪ .‬ف َكما كا َنت ر�ؤية‬ ‫اجلاحظ ناجت ًة عن مركز ّية ح�ضار ّية‬ ‫عرب ّية‪ ،‬وكانت ت�صنيفات رينان ناجت ًة عن‬ ‫مركز ّية ح�ضار ّية �أورورب ّية‪ ،‬ف� ّإن ت�صنيفات‬ ‫اجلابريّ قابع ٌة يف منطقة ُو َ‬ ‫�سطى ب َ‬ ‫ني‬ ‫ها َتني‪ :‬مركز ّية ح�ضار ّية غرب ّية (ما‬ ‫أوروبي)‪ ،‬ومركز ّية‬ ‫بعد اال�ستعمار ال ّ‬

‫عرق ّية جغراف ّية ح َ‬ ‫العربي‬ ‫ني جعل العقل‬ ‫ّ‬ ‫(بحكم انتمائه‬ ‫املغاربي ُبرهان ّيا ال عرفان ّيا ُ‬ ‫ّ‬ ‫وبحكم انتِماء املغرب لأوروبا‬ ‫للمغرب �أ ّوال‪ُ ،‬‬ ‫ح�ضار ّيا وثقاف ّيا)‪.‬‬ ‫� ّإن م�شكلتنا – نحن العرب‪ّ ،‬‬ ‫ال�شرق ّيني‬ ‫ الآن لي�ست م�شكل ًة يف م�ستوياتِ ذكائنا‪،‬‬‫ودلي ُل ذلك � ّأن كثرياً من �أبنائنا وبناتنا‬ ‫حني ُيغ ِّربون طل ًبا للعمل �أو الهجرة �أو‬ ‫العمل يُبدِ عُون‪ ،‬وتظهر نتائج ذكاءاتهم‬ ‫يف �سنني معدودات؛ �إنمّ ا م�شكلتنا يف‬ ‫ال�سائدة وال ُّن ُظم (‪)Systems‬‬ ‫العقل ّية ّ‬ ‫ال�سيا�س ّية واالقت�صاد ّية واالجتماع ّية‪ .‬كما‬ ‫ّ‬ ‫� ّإن م�شكلتنا لي�ست كامن ًة يف تو ّفر املعرفة‬ ‫�أو و�سائل املعرفة؛ لك ّنها ماثل ٌة متا ًما‬ ‫يف توظيف هذه املعرفة وو�سائلها من‬ ‫�أجل حتقيق �أهداف ُت ْر َ�سم و ُي َخ ّطط لها‬ ‫بد ّقة مبا يتوافق مع حقوق جمتمعاتنا‬ ‫وتط ّلعاتها‪ ،‬وهو ما تتن ّكر له ّ‬ ‫الط ُ‬ ‫بقات‬ ‫ال�سيا�س ّية و ُتهمله ال ُّن ُظم االقت�صاد ّية‬ ‫ّ‬ ‫وال ّتعليم ّية والثقاف ّية واالجتماع ّية‪.‬‬ ‫ولع ّلنا ننهي كالمَنا هُ نا باحلديثِ‬ ‫ال�سائد اليو َم يف علم ال ّنف�س احلديث‬ ‫ّ‬ ‫عن � ّأن ال ّذكاء ذكاءات‪ ،‬منها اللغويّ‬ ‫واملو�سيقي واملَكا ّ‬ ‫وا�صلي‬ ‫ين وال ّت‬ ‫يا�ضي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وال ّر ّ‬ ‫(بني ّ‬ ‫خ�صي)‪ ،‬و� ّأن لك ّل نو ٍع من‬ ‫ال�ش ّ‬ ‫وحقو َله‬ ‫�أنوا ِع ال ّذكاءاتِ هذه مَظاه َره ُ‬ ‫و�أ�ساليب تروي�ضه وتفعيله‪ .‬ويبدو َلنا‬ ‫� ّأن َ‬ ‫بع�ض هذه الأنواع من ال ّذكاءاتِ ي�سو ُد‬ ‫خا�صة‪ ،‬ولهذا يتقدّم‬ ‫يف �أمكن ٍة �أو �أزمن ٍة ّ‬ ‫امل ّت�صفو َن بذلك ال ّنوع �سائ َر امل ّت�صف َ‬ ‫ني‬ ‫ب�أنواع ال ّذكاءاتِ الأُخرى‪ ،‬وتعلو القيم ُة‬ ‫االجتماع ّية له�ؤالء والقيم ُة االقت�صاد ّية‬ ‫تلبث ال ُ‬ ‫لذلك ال ّنوع‪ ،‬وما ُ‬ ‫أحوال �أن تتح ّول‪،‬‬ ‫وي�سو َد نو ٌع �آخ ُر‪ ،‬وتعلو القيم ُة االجتماع ّية‬ ‫للمتح ّلني به‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫‪52‬‬

‫تأمالت إدارية في‬ ‫سورة يوسف‬ ‫( الجزء الثاني )‬ ‫نتابع يف هذا اجلزء الثاين حول النواحي الإدارية وال�سيا�سية‪ ،‬والتي‬ ‫�أ�شارت لها �آيات �سورة يو�سف‪ ،‬لرتبية اجلماعة امل�سلمة يف مكة على �ش�ؤون‬ ‫الإدارة وال�سيا�سة ملجتمع �إ�سالمي كبري ووممتد ‪ ،‬و�سيكون خمتلف ًا عما‬ ‫اعتادوا عليه من �أمناط الإدارة وال�سيا�سية‪.‬‬ ‫‪ .‬قوله تعاىل‪� ( :‬إذ قالوا ليو�سف و�أخوه �أحب �إىل �أبينا منا ونحن ع�صبة‬ ‫) مبد�أ �آخر من مبادئ قيادة النا�س �أال وهو �أن املتميز من الأفراد حم�سود‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬

‫من �أفراد املجموعة الآخرين‪ ،‬وعلى قائد املجموعة �أن يتنبه لذلك ‪ ،‬لذا‬ ‫تبد�أ املجموعة ( الع�صبة ) بتلفيق االتهامات وو�ضع العراقيل يف طريق‬ ‫املتميز واختالق الأكاذيب ‪...‬الخ كل ذلك لتحطيم املتميز وت�شويه‬ ‫�صورته �أمام القائد ‪.‬و�أ�شار لذلك احلديث ( كل �صاحب نعمة حم�سود)‬ ‫‪ ،‬فتميز �أحد �أفراد املجموعة �سبب كاف حل�سد الفا�شلني والك�ساىل‬ ‫العاجزين ‪ ،‬وبع�ض من تبلدت عقولهم ‪ ،‬وق�صرت همتهم‪.‬‬


‫ومبد�أ �آخر ت�شري �إليه الآية وهو‬ ‫�أن الع�صبة �أو اجلماعة تظن نف�سها‬ ‫وتعتقد �أنها �أحق من غريها للخري‬ ‫وجلب املنفعة‪ ،‬ب�سبب الكرثة فقط‪،‬‬ ‫ولي�س ب�سبب التميز والكفاءة ‪ ،‬فهم‬ ‫جعلوا �أنف�سهم الأحق والأجدر بحب‬ ‫الأب (القائد للجماعة) لهم ب�سبب‬ ‫كرثتهم ولي�س لعلة تفوقهم‪.‬ويف‬ ‫املجال ال�سيا�سي يظن البع�ض وخا�صة‬ ‫يف املجتمعات العربية التي تقوم على‬ ‫القبلية �أن �أبناء القبيلة الأكرث عدداً‪،‬‬ ‫هم الأجدر باحلكم وال�سيا�سة والإدارة‬ ‫وا�ستالم املنا�صب العليا‪ ،‬على الرغم‬ ‫من وجود �أفراد من قبائل �أقل عدداً‬ ‫على درجة من الكفاءة �أف�ضل من �أفراد‬ ‫القبيلة الأكرب‪.‬‬ ‫و�إذا كان البع�ض يرجح �أن ال�سبب‬ ‫الأبرز والأ�سا�سي حلب يعقوب ليو�سف‬ ‫هو جمال ال�صورة دون �شيء �آخر‪،‬‬ ‫فالذي �أظنه �أن ذلك لي�س هو ال�سبب‬ ‫احلقيقي ‪ ،‬فقد يكون اجلمال �إحدى‬ ‫�أ�سباب وم�سوغات احلب ‪ ،‬ولكن العلم‬ ‫والذكاء و�سرعة البديهة‪ ،‬والتي على‬ ‫ما يبدو ظهرت على يو�سف‪ ،‬واكت�شفها‬ ‫يعقوب؛ هي ال�سبب احلقيقي لهذا‬ ‫احلب‪ ،‬بالإ�ضافة جلمال ال�صورة‪ ،‬فلو �أن‬ ‫�أحد الأطفال كان جمي ً‬ ‫ال‪ ،‬ولكنه عدمي‬ ‫الذكاء بليد احل�س‪ ،‬فهل �سيكون والده‬ ‫حمباً له ك�أخيه الذي �أقل منه جما ًال‬ ‫‪،‬ولكنه يفوقه ذكاء وفطنة؟ ومثل ذلك‬ ‫ينطبق على الن�ساء ‪ ،‬فلو �أن هنالك‬ ‫امر�أة جميلة فائقة اجلمال ولكنها يف‬

‫منتهى الغباء وانعدام الفطنة‪ ،‬وقلة‬ ‫العقل ‪،‬فهل يعجب املرء بها ويقدمها‬ ‫على غريها من الن�ساء‪ ،‬حتى لو كانت‬ ‫الأخرى �أقل منها جما ًال و�إ�شراقاً‪ ،‬ولكن‬ ‫تفوقها ذكاء وانتباهاً وحدة ذهن؟‬

‫احلقائق والأمور‪ ،‬وقد تلج�أ لأ�ساليب‬ ‫عنيفة وغري متوقعة لتحقيق غايتها‪،‬‬ ‫ويكون م�سوغهم �أنهم يريدون الإ�صالح‬ ‫‪ ،‬و�أنهم بعد فعلهم ال�سيئ هذا �سوف‬ ‫يتوبون ويعودون لر�شدهم‪ .‬وميكن �أن‬ ‫نطلق على هذا الأمر ا�ستخدام العنف‬ ‫للتغيري‪.‬‬

‫ف�إذا كان املر ء جميل ال�صورة ‪،‬‬ ‫�سليم املنطق والتفكري‪ ،‬وقاد الذهن‬ ‫والف�ؤاد‪،‬و�سريع البديهة واجلواب‪ ،‬وقد ينطبق هذا على بع�ض الأفراد‬ ‫عايل الهمة‪ ،‬مع تربية و�أدب جم‪ ،‬كان يف امل�ؤ�س�سات؛ فقد يقول بع�ضهم‬ ‫الأحق بحب النا�س له وتقدميه على �أنهم بحاجة لبع�ض املال حلاجتهم‬ ‫ال�ضرورية ‪ ،‬فيقومون ب�سرقته من‬ ‫غريه‪.‬‬ ‫امل�ؤ�س�سة �أو قبول الر�شوة‪ ،‬ويقولون �إنها‬ ‫وق�ضية �أخرى ت�شري �إليها الآية‪،‬وهي‬ ‫مرة واحدة ‪..‬الخ‬ ‫�أن �إظهار حب القائد لأحد �أفراد‬ ‫املجموعة من �أ�سباب غرية الآخرين وبعد ذلك يعودون عن هذا الفعل‬ ‫من �أفراد املجموعة ‪ ،‬والتي تدفعهم ويتوبون �إىل اهلل ‪ ،‬ويكونوا �صاحلني‬ ‫للحقد واحل�سد لل�شخ�ص املحبوب ‪،‬ولكنهم �إن فعلوا ذلك فمن ال�صعب �أن‬ ‫‪ ،‬مع �أن الأ�صل �أن ينظروا �إىل �سبب يعودوا بعد �أن ك�سروا احلاجز النف�سي‬ ‫حبه وتقريبه ‪،‬حتى يفعلوا مثله ‪،‬ال �أن للإقدام على فعلهم‪ ،‬وهذا ينطبق على‬ ‫يتمنوا زوال النعمة عنه‪ ،‬و�أن يكونوا جميع املعا�صي واملحرمات‪ .‬وقد يربر‬ ‫هم بد ًال منه‪ ،‬ولكن البع�ض يرغب مثل البع�ض فعلته �أنهم يقومون بعمل‬ ‫الكثري باحل�صول على الثمرة والنتيجة كبري وكثري وما يتقا�ضونه من �أجر‬ ‫ب�أ�سرع وقت ممكن وبجهد قليل‪ .‬ولذا �أقل بكثري من قيمة عملهم‪ ،‬وقد يقول‬ ‫على القائد �أن ي�ضبط م�شاعره‪ ،‬و�أن البع�ض �إن امل�ؤ�س�سة تربح من عملهم‬ ‫يعامل مر�ؤو�سيه �سوا�سية‪ ،‬ويعمل قدر �ضعف ما ي�أخذونه مئات املرات‪ ،‬وهذا‬ ‫طاقته على عدم �إثارة م�شاعر الغرية حدا بالبع�ض �إىل ت�سيل ال�شيطان لهم‬ ‫بتكفري �أغلب النا�س وا�ستباحة �أموالهم‪،‬‬ ‫واحل�سد لديهم‪.‬‬ ‫بل �إن البع�ض من اجلهلة يبيح �أموال‬ ‫قوله تعاىل‪ ( :‬اقتلوا يو�سف �أو‬ ‫الدول والأفراد غري امل�سلمني مع �أنه‬ ‫اطرحوه �أر�ضا) ت�شري الآية �إىل �أن‬ ‫يعي�ش يف تلك الدول وبت�أ�شرية �إقامة‬ ‫الع�صبة واجلماعة عندما ترى الأفق‬ ‫منها‪ ،‬وهذا الأمر حمرم �شرعاً ‪ ،‬وهو‬ ‫م�سدود يف وجهها لتغيري �أمر ما‪ ،‬عندئذ‬ ‫من تدلي�س ال�شيطان‪.‬‬ ‫تلج�أ لأ�ساليب عنيفة للتغيري وقلب‬

‫‪53‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫و�أمر �آخر ت�شري �إليه الآية وهو ‪� :‬إن‬ ‫يو�سف و�أخوه �أحب �إىل �أبيهم ‪ ،‬ولكن‬ ‫كان قرارهم ب�ش�أن يو�سف فقط ‪ ،‬فهو‬ ‫�أ�شد خطراً عليهم‪ ،‬بالإ�ضافة �أن قتل‬ ‫اثنني �أعظم وقعا على �أبيهم‪ ،‬ثم �أن‬ ‫الأكرث حبا لأبيهم هو يو�سف ‪ ،‬فما‬ ‫بينهم وبني يو�سف م�سافة بعيدة ولكنها‬ ‫قد تكون متقاربة نوعا ما مع �أخي‬ ‫يو�سف بنيامني‪.‬وت�شري الآية ملبد�أ مهم‬ ‫�أن الأمر الأخطر هو الأوىل بالدفع‬ ‫والإبعاد من اخلطر الأقل‪.‬‬ ‫( قال قائل منهم ال تقتلوا يو�سف‬ ‫و�ألقوه يف غيابة اجلب) ت�شري الآية‬ ‫لعدة ق�ضايا؛ منها‪ :‬ال�شورى لكل �أفراد‬ ‫املجموعة عند اتخاذ �أي قرار ‪ ،‬ف�إخوة‬ ‫يو�سف طرحوا امل�شكلة وهي حب �أبيهم‬ ‫ليو�سف و�أخوه ‪،‬وطرحوا كيفية نيل ر�ضا‬ ‫وحب الأب‪،‬وتو�صلوا لنتيجة �أن يو�سف‬ ‫هو الأحب لأبيهم ثم �أخاه بنيامني‪،‬‬ ‫و�أنهم لن ي�ستطيعوا اال�ستحواذ على‬ ‫حب �أبيهم ما دام يو�سف �أمام ناظريه‪،‬‬ ‫ثم درا�سة ال�سبل املمكنة لإبعاد يو�سف‬ ‫الأخطر يف نظرهم‪ ،‬فكانت وجهة نظر‬ ‫�أكرثيتهم �أن يقتلوا يو�سف ‪ ،‬ولكن‬ ‫�أحدهم �أ�شار عليهم بر�أي �آخر �أقل‬ ‫�ضرراً ليو�سف‪ ،‬وجرمه �أخف عليهم‬ ‫‪ ،‬ويحقق ما ي�صبون �إليه‪ ،‬و�شرح ر�أيه‬ ‫�أمامهم ‪ ،‬حيث �أقنعهم به‪.‬‬ ‫ومما ت�شري �إليه الآية �أنه عند تداول‬ ‫الر�أي وامل�شورة مل�شكلة ما‪ ،‬فيجب طرح‬ ‫الر�أي من �صاحبه بحرية مطلقة‬

‫‪54‬‬ ‫ودون خوف �أو وجل‪ ،‬و�أن تعطى احلرية واملنفعة وحب اخلري ‪�...‬إلخ( و�إنا له‬ ‫ل�صاحب الر�أي ب�إبداء ر�أيه �سواء كان لنا�صحون �أر�سله معنا غداً يرتع ويلعب‬ ‫امل�ست�شار كبريا �أم �صغريا‪ ،‬فمجل�س و�إنا له حلافظون)‬ ‫عمر بن اخلطاب وهو جمل�س الر�أي‬ ‫و�أحياناً �صاحب املقرتح يطلب‬ ‫وال�شورى كان يجمع الكثري من النا�س‬ ‫الإ�شراف على تنفيذ مقرتحه ويبدي‬ ‫مثل �أبي �سفيان كبري قري�ش و�شيخهم‬ ‫احلما�سة والعاطفة ال�شديدة لذلك‪.‬‬ ‫‪ ،‬وابن عبا�س ال�شاب �صغري ال�سن بالغ‬ ‫( قال �إين ليحزنني �أن تذهبوا به‬ ‫الذكاء والفطنة‪.‬‬ ‫و�أخاف �أن ي�أكله الذئب و�أنتم عنه‬ ‫وت�شري الآية �إىل �أن عمل �أخف‬ ‫غافلون ) ت�شري الآية �إىل �أن يعقوب‬ ‫الأمرين و�أي�سرهما �أوىل من غريه‬ ‫عليه ال�سالم بينّ مقدار حبه ليو�سف‬ ‫�إذا حتققت الغاية وامل�صلحة والهدف‬ ‫بحيث �أنه ال يطيق فراقه والبعد عنه‪،‬‬ ‫‪،‬فالو�صول للهدف يكون ب�أق�صر‬ ‫و�أنه يحزن لعدم ر�ؤيته ‪،‬ويخ�شى عليه‬ ‫الطرق‪ ،‬و�إن كان الأمرين كلهما �شر‬ ‫الأخطار‪ ،‬ومن �أي �أذى قد ي�صيبه ومن‬ ‫حم�ض ‪ ،‬فليكن �أخف ال�شرين �أوىل‬ ‫ذلك الذئب‪ ،‬وهذا على ما يبدو مما‬ ‫بالفعل ‪.‬‬ ‫قد زاد من حقدهم وح�سدهم وكرههم‬ ‫( قالوا يا �أبانا مالك ال ت�أمنا على ليو�سف‪ ،‬لأن �أوالده الآخرون يذهبوا‬ ‫يو�سف و�إنا له لنا�صحون ) وت�شري ويغيبوا عنه فال يحزن عليهم ‪ ،‬وال‬ ‫الآية على �أن لي�س كل ما يعر�ض على يخ�شى عليهم اخلطر‪ ،‬كما هو احلال‬ ‫الرئي�س من �أمور قد يكون الهدف منها بالن�سبة ليو�سف ‪،‬وك�أنه قد زاد من‬ ‫خريا له �أو ملجموعته �أو لأحد �أفراد �إ�صرارهم وعزمهم‪ ،‬و�أعطاهم دفعة‬ ‫تلك املجموعة‪ ،‬بل عليه �أن يدقق فيما قوية لتنفيذ ما اتفقوا عليه‪.‬‬ ‫وراء هذا العر�ض من �أهداف حقيقية‬ ‫وي�ستنتج من ذلك �أن على القائد �إن‬ ‫‪ ،‬ويت�أنى يف اتخاذ القرار ‪ .‬فلي�س كل‬ ‫كان يحب �أحد �أفراد املجموعة �أو �أحد‬ ‫مقرتح يكن هدفه هلل‪ .‬وال يعني هذا‬ ‫مر�ؤ�سيه �أن اليبدي هذا احلب له �أمام‬ ‫�أن كل مقرتحات بع�ض �أفراد املجموعة‬ ‫الآخرين ‪ ،‬بل �أن يعاملهم �سوا�سية‬ ‫�صادقاً‪ ،‬بل �إن بع�ضها تكون له م�آرب‬ ‫ك�أ�سنان امل�شط‪ ،‬و�أمر �آخر ت�شري �إليه‬ ‫�أخرى لتحقيق منفعة للمقرتح‪� ،‬أو‬ ‫الآية كما ذكر بع�ض املف�سرين وهو عدم‬ ‫�إحلاق �ضرر بالآخرين‪ .‬فلي�س كل ما‬ ‫�إظهار القائد للمخاطر �أمام الآخرين‬ ‫يطلبه الآخرون فيه خري و�إن كان‬ ‫املتوقع منهم الإ�ساءة للجماعة‪،‬‬ ‫ظاهره خرياً‪.‬‬ ‫فيعقوب عليه ال�سالم بذكره للذئب‬ ‫وهذه املقرتحات تكن مربرة بالن�صح وخوفه منه على يو�سف وك�أنه �أوحى‬


‫لهم و�أ�شار �إليهم دون �أن ي�شعر بتربير‬ ‫غياب يو�سف ‪ ،‬و�أنه �إمنا جاء ذلك الأمر‬ ‫املتوقع واملعقول وهو الذي ذكره‪ ،‬فال‬ ‫يكون منه �إال اال�ست�سالم للموقف‪ .‬فذكر‬ ‫املخاطر والأمور ال�سيئة املتوقعة تعطي‬ ‫تربيراً �سه ً‬ ‫ال ومقبو ًال للمت�آمرين على‬ ‫ال�سيا�سي �أو الإداري لإف�شاله‪ ،‬وك�أنه‬ ‫يدين نف�سه بنف�سه‪.‬‬

‫وميكن �أن ن�سمي هذا الأمر باملدارة‬ ‫لوقت معني‪ ،‬مع التدقيق والتمحي�ص‬ ‫يف الأدلة‪ .‬وذكر بع�ض املف�سرين �سبب‬ ‫مدارة يعقوب لهم مع علمه اليقيني‬ ‫بكذبهم‪ ،‬بربروا ذلك بخوف يعقوب‬ ‫منهم‪ ،‬و�أنهم قد يعمدون لقتله‪.‬‬ ‫وهنا مبد�أ �آخر من مبادئ ال�سيا�سة‬ ‫والإدارة ينبغي لل�سيا�سي �أو الإداري‬ ‫التحلي به ؛وهو ال�صرب والأناة والتحكم‬ ‫بالعواطف وعدم �إثارة اخل�صم‪ ،‬فالأب‬ ‫ي�صرب على �أبنائه ‪ ،‬واملدير ي�صرب على‬ ‫موظفيه‪ ،‬واحلاكم ي�صرب على رعيته‪،‬‬ ‫وي�سو�سهم باللطف والرفق ما كان ذلك‬ ‫ممكناً‪ ،‬ويتحمل عرثاتهم وغفلتهم‪،‬‬ ‫فما كان الرفق يف �شيء �إال زانه‪.‬‬

‫( وجا�ؤا �أباهم ع�شاء يبكون) وي�ستنتج‬ ‫من ت�صرف �إخوة يو�سف عدة �أمور‬ ‫�إدارية و�سيا�سية ؛ منها �أن البكاء يف‬ ‫هذه احلالة والت�أثر واالنفعال قد‬ ‫ال تدل على احلقيقة‪،‬و�أن ا�ستخدام‬ ‫البع�ض للعواطف اجليا�شة والنبيلة ال‬ ‫تعني دائماً �أن مق�صود من ي�ستخدمها‬ ‫احلق‪ ،‬بل �أحياناً وخا�صة يف ال�سيا�سة‬ ‫واملق�صود بال�صرب اجلميل ؛ ال�صرب‬ ‫ما ت�ستخدم تلك العواطف لأغرا�ض‬ ‫الذي ال ت�ضجر معه ‪ ،‬فقد ي�صرب املرء‬ ‫ومقا�صد �أخرى ‪.‬‬ ‫ولكنه يف الوقت نف�سه كثري ال�شكوى‬ ‫و�أمر �آخر �أنهم �أتوا بقمي�ص يو�سف والت�أمل‪ ،‬وعند ذلك يجب �أن يدرك‬ ‫وقد غطاه الدم ‪ ،‬وتلك حيلة �أخرى ‪� ،‬أن ت�ضجره و�شكواه و�إظهار الأمل لن‬ ‫للمحاولة منهم لإقناع يعقوب ب�صحة ي�أتي له بخري �أو يدفع عنه �ضراً ‪،‬‬ ‫كالمهم ‪ ،‬ولكن على ال�سيا�سي �أحياناً �أما ال�صرب اجلميل فهو كظم للظلم‬ ‫مدارة البع�ض والإظهار لهم بالت�صديق والغيظ‪ ،‬ي�صطحبه عدم �إظهار احلزن‬ ‫عندما ال يكن لديه معلومات �أكيدة‪ ،‬والت�أمل‪ ،‬وعدم ت�أنيب للطرف الآخر‪،‬‬ ‫ولكن مع الإ�شارة لهم �أنه غري مقتنع حتى ت�أتي الفر�صة املنا�سبة والوقت‬ ‫متاماً مبا يقولون‪ ،‬ولذا ورد على ل�سان املالئم لتحقيق مراده‪ ،‬وك�شف الغطاء‬ ‫يعقوب عليه ال�سالم �أنه قال لهم ‪:‬ما عن احلقيقة‪.‬‬ ‫�أرحم ذلك الذئب الذي مل ميزق‬ ‫قوله ( و�شروه بثمن بخ�س دراهم‬ ‫قمي�ص يو�سف!!! ومع ذلك قال لهم‬ ‫معدودة ) ون�ستنبط قاعدة �أخرى يف‬ ‫( بل �س ّولت لكم �أنف�سكم �أمراً ف�صرب‬ ‫الإدارة وهي �أن تدين ثمن الأ�شياء‬ ‫جميل واهلل امل�ستعان على ما ت�صفون)‬ ‫ال يعني بال�ضرورة تدين جودتها‬

‫و�أن غالء ثمنها اليعني بال�ضرورة‬ ‫كرثة ميزاتها وجودتها‪ .‬فيو�سف‬ ‫عليه ال�سالم ال ميكن تقديره بثمن‬ ‫‪ ،‬ولكن يف ال�سوق املعقود باعوه بثمن‬ ‫بخ�س وكانوا فيه من الزاهدين‪ ،‬وعلى‬ ‫مايبدو �أن لغته كانت غري لغتهم‪ ،‬و�أنه‬ ‫ل�صغر �سنه‪ ،‬واختالف لغته ‪ ،‬طنوا �أن‬ ‫منفعته قليلة‪،‬وبعيدة‪ ،‬ولذا زهدوا فيه‪،‬‬ ‫ورمبا �أن عزيز م�صر كان يفهم لغته ‪،‬‬ ‫ومن خالل حديثه معه توقع منه �شيئاً‬ ‫كبرياً‪ ،‬وعلم �أن لديه ا�ستعداداً ومواهب‬ ‫كامنة �ستقوده لأرفع املنا�صب و�أف�ضله‪،‬‬ ‫ولذا طلب من زوجته الإ�شراف عليه‪،‬‬ ‫لعله يكون لهم عوناً �أو �أن يجعلوه ولداً‬ ‫لهم‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫‪56‬‬

‫دور المدرسة والمعلمين‬ ‫في تعزيز األمن الفكري‬ ‫لدى الطالب‬ ‫لقد تعددت مفاهيم الأمن الفكري ‪ ،‬ولكنها يف النهاية ت�صب يف معني واحد‬ ‫َ‬ ‫يعي�ش �أهل الإ�سالم يف جمت َم ِعهم �آمنني مطمئنِّني‬ ‫‪ :‬فهو عند امل�سلمني �أن‬ ‫املنبثقة‬ ‫على مك ِّونات �شخ�ص ّي ِتهم ومت ُّيز ثقاف ِتهم ومنظو َم ِتهم الفكر ّية‬ ‫ِ‬ ‫من الكتاب وال�سنة ‪ ،‬ويعني احلفاظ على املكونات الثقافية الأ�صيلة يف‬ ‫مواجهة التيارات الثقافية الوافدة ‪� ،‬أو الأجنبية امل�شبوهة ‪ ،‬فهو ي�صب‬ ‫يف �صالح الدعوة لتقوية هذا البعد من �أبعاد الأمن الوطني ‪ .‬وهو بهذا‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬

‫يعني حماية و�صيانة ال ُهوية الثقافية من االخرتاق �أو االحتواء من‬ ‫اخلارج ‪ ،‬ويعني �أي�ضا احلفاظ على العقل من االحتواء اخلارجي و�صيانة‬ ‫امل�ؤ�س�سات الثقافية يف الداخل من االنحراف ‪ .‬وهو اطمئنان النا�س على‬ ‫مكونات �أ�صالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية ‪،‬‬


‫واال�ستقرار‬ ‫ال�سكينة‬ ‫ويعني‬ ‫واالطمئنان القلبي واختفاء م�شاعر‬ ‫اخلوف على م�ستوى الفرد واجلماعة‬ ‫يف جميع املجاالت النف�سية واالجتماعية‬ ‫واالقت�صادية ‪ .‬ويعني �صيانة عقول‬ ‫�أفراد املجتمع �ضد �أية انحرافات فكرية‬ ‫�أو عقدية خمالفة ملا تن�ص عليه تعاليم‬ ‫الإ�سالم احلنيف �أو �أنظمة املجتمع‬ ‫وتقاليده ‪ ،‬و�سنجيب يف هذه الورقة عن‬ ‫الأ�سئلة الآتية ‪-:‬‬ ‫�أو ًال – ما هو مفهوم الأمن من منظور‬ ‫�إ�سالمي ؟‬ ‫ثانياً ‪ -‬ما هي �أهمية الأمن الفكري ؟‬ ‫ثالثاً ‪ -‬ما هي �أهداف الأمن الفكري ؟‬ ‫رابعاً ‪ -‬ما هي �أ�سباب �ضعف الأمن‬ ‫الفكري؟‬ ‫خام�ساً ‪ -‬ما هي و�سائل حماية الأمن‬ ‫الفكري ؟‬ ‫�ساد�ساً ‪ -‬ما هي �أ�سباب الغزو الفكري ؟‬ ‫�سابعاً ‪ -‬ما هي و�سائل الغزو الفكري ؟‬ ‫ثامناً – ما هو دور املدر�سة واملعلمني‬ ‫واملناهج يف تعزيز الآمن الفكري ؟‬ ‫�أو ًال ‪ -‬مفهوم الأمن من منظور‬ ‫�إ�سالمي ‪:‬‬ ‫لعل �أكرب داللة على مفهوم الأمن‬ ‫يف الإ�سالم ما ورد يف كتاب اهلل �سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ ( :‬فليعبدوا رب هذا البيت الذي‬ ‫�أطعمهم من جوع و�آمنهم من خوف )‬ ‫( ‪ 3‬قري�ش )‪ .‬ونتيجة لذلك ف�إن الأمن‬ ‫هو مواجهة اخلوف ‪ ،‬واملق�صود به هنا‬ ‫ما يهدد املجتمع اقت�صاديا واجتماعيا‬ ‫و�سيا�سيا وفكريا ‪ ..‬وب�شكل عام ف�إن‬ ‫مفهوم الأمن هو الو�صول �إىل �أعلى‬ ‫درجات االطمئنان وال�شعور بال�سالم ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ ( :‬و�إِ ْذ َج َع ْل َنا ا ْل َب ْيتَ َم َثا َب ًة‬

‫ا�س َو�أَ ْمناً )( ‪ 125‬البقرة )وقوله‬ ‫ِّلل َّن ِ‬ ‫تعاىل ‪َ ( :‬و َه َذا ا ْل َبلَدِ الأَمِ نيِ) (‪ 3‬التني )‪.‬‬ ‫�أي �أن الأمِ ني يعني مكة وهو من الأمن ‪.‬‬ ‫وقد بني الر�سول �أن الأمن �أعظم مطلب‬ ‫للم�سلم يف هذه احلياة ‪ ،‬و�أنه بح�صوله‬ ‫ك�أن امل�سلم ظفر مبا يف الدنيا من ملذات‬ ‫وم�شتهيات ‪ ،‬وكل ما يريده يف دائرة‬ ‫احلالل ؛ فعن �سلمه بن عبد اهلل بن‬ ‫محِ ْ �صن ا َ‬ ‫خل ْطمي عن �أبيه قال ‪ :‬قال ‪:‬‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ‪" :‬من‬ ‫�أ�صبح منكم �آمناً يف �سربه ‪ ،‬معافى يف‬ ‫ج�سده ‪ ،‬عنده قوت يومه ‪ ،‬فك�أمنا حيزت‬ ‫له الدنيا " ‪.‬‬ ‫وح ّرم اهلل مكة والبيت احلرام �إىل يوم‬ ‫القيامة ف�إليها ُت�شد الرِحال و ُت�ضاعف‬ ‫فيها ال�صالة و�أهلها يف �أمن و�أمان‬ ‫لدعوة �إبراهيم عليه ال�سالم لهذه البقعة‬ ‫املباركة قال تعاىل‪َ (:‬و�إِ ْذ َقا َل �إِ ْب َراهِ ي ُم‬ ‫َر ِّب ْاج َع ْل َه َذا ا ْل َبلَ َد �آمِ ناً َو ْاج ُن ْبنِي َو َبن َِّي‬ ‫�أَ ْن َن ْع ُب َد الأَ ْ�ص َنا َم ) ‪� 35‬إبراهيم ‪ .‬ولقد‬ ‫اهتم الإ�سالم بتنمية الوعي الأمني‬ ‫ب�أمره ب�أخذ احليطة واحلذر وهو �أكرب‬ ‫مفهوم لل�سالمة ومن ذلك الأخذ على‬ ‫يد الظامل‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم ‪« :‬‬ ‫�إن النا�س �إذا ر�أوا الظامل فلم ي�أخذوا على‬ ‫يديه �أو�شك �أن يعمهم اهلل بعقاب منه » ‪،‬‬ ‫ويعد تفادي اخلطر والبعد عن املهالك‬ ‫من الواجبات الأ�سا�سية التي يح�ض‬ ‫عليها ديننا الإ�سالمي ومن ذلك قوله‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ‪« :‬ال ي�شري �أحدكم‬ ‫�إىل �أخيه بال�سالح ف�إنه ال يدري �أحدكم‬ ‫لعل ال�شيطان ينزع يف يده فيقع يف حفرة‬ ‫من النار » ‪ .‬وجاء الإ�سالم ليحفظ على‬ ‫النا�س مقا�صد ال�شريعة اخلم�س وهي‬ ‫ُحرمة الدين والنف�س والعقل والعر�ض‬ ‫واملال ‪ ،‬و�أول هذه املقا�صد و�أهمها‬ ‫الدين فكل اعتداء على الدين قو ًال �أو‬ ‫فع ً‬ ‫ال ف�إن ال�شريعة الإ�سالمية حترمه‬ ‫ومتنع ذلك االعتداء على عقائد النا�س‬

‫وحماولة تغيريها والإخالل ب�أمنهم‬ ‫الفكري ‪ ،‬وال�سعي يف انحرافهم ‪ ،‬لذلك‬ ‫ُجعل م�صدر التلقي يف العقائد والعبادات‬ ‫والق�ضايا الكربى يف حياة امل�سلمني‬ ‫موحداً ‪.‬‬ ‫ثاني ًا ‪� -‬أهمية الأمن الفكري ‪:‬‬ ‫يُعدُّ الفكر الب�شرى ركيزة هامة‬ ‫و�أ�سا�سية يف حياة ال�شعوب على‬ ‫مر الع�صور ومقيا�ساً لتقدم الأمم‬ ‫وح�ضارتها‪ ،‬وحتتل ق�ضية الأمن الفكري‬ ‫مكانه مهمة وعظيمة يف �أولويات املجتمع‬ ‫الذي تتكاتف وتت�آزر جهود �أجهزته‬ ‫احلكومية واملجتمعية لتحقيق مفهوم‬ ‫الأمن الفكري جتنباً لت�شتت ال�شعور‬ ‫الوطني �أو تغلغل التيارات الفكرية‬ ‫املنحرفة ‪ ،‬وبذلك تكون احلاجة �إىل‬ ‫حتقيق الأمن الفكري هي حاجة ما�سة‬ ‫لتحقيق الأمن واال�ستقرار االجتماعي ‪.‬‬ ‫يقول د ‪ .‬عبد الرحمن ال�سدي�س يف‬ ‫�إحدى خطبه " ومع �أ َّن ال َ‬ ‫أمن مبفهومِ ه‬ ‫ال�شامل مطلَ ٌب رئي�س لك ِّل � ّأمة �إذ‬ ‫أ�سا�س �أمانها‬ ‫هو ركي َزة ا�ستقرارِها و� ُ‬ ‫واطمئنانها �إ َّال �أ َّن هناك نو ًعا ُيع َد �أه َّم‬ ‫�أنواعِ ه و�أخط َرها ‪ ،‬فهو مبثاب ِة الر�أ�س‬ ‫اجل�سد لمِ ا له من ال�صِّ لة الوثيق ِة‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫بهو ّية ال ّأمة و�شخ�ص ّيتِها احل�ضارية ‪،‬‬ ‫حيث ال غِ نى لها عنه‪ ،‬وال قيم َة للحياة‬ ‫أمن و َركيز ُته الكربى‬ ‫بدونه‪ ،‬فهو ُل ّب ال ِ‬ ‫‪ ،‬ذلكم هو ال ُ‬ ‫أمن الفكريّ ‪ .‬ف�إذا اطم�أ َّن‬ ‫النا�س على ما عندهم من �أ�صولٍ وثوابِت‬ ‫و�أمِ نوا على ما لدَيهم من ِق َيم وم ُثلٍ‬ ‫ومبادئ فقد حت َّقق لهم ال ُ‬ ‫أمن يف �أَ�سمى‬ ‫�ص َورِه و�أجلَى معانيه و�أَنبلِ مَراميه " ‪.‬‬ ‫فالأمن الفكري ي�أتي يف الدرجة الأوىل‬ ‫من حيث الأهمية واخلطورة ‪ ،‬وت�صرفات‬ ‫النا�س تنطلق من قناعاتهم التي ت�ستند‬ ‫�إىل �أر�صدتهم الفكرية واالعتقادية ‪،‬‬ ‫وبهذا يكون منطلق كل عمل ميار�سه‬

‫‪57‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫الإن�سان ويظهر يف �سلوكه من خري �أو‬ ‫�شر مركوزاً يف كيانه الفكري واالعتقادي‬ ‫وم�ستكناً يف داخل النف�س و�أعماقها ‪.‬‬ ‫ثالث ًا ‪� -‬أهداف الأمن الفكري ‪:‬‬ ‫ميكن القول �إن الأمن الفكري لكل‬ ‫جمتمع يهدف �إىل ما ي�أتي ‪:‬‬ ‫�أ‌‪ -‬احلفاظ على هوية املجتمع �إذ �إن يف‬ ‫حياة كل جمتمع ثوابت متثل القاعدة‬ ‫التي تبنى عليها وتعد الرابط الذي‬ ‫يربط بني �أفراده وحتدد �سلوك �أفراده‬ ‫وتكيف ردود �أفعالهم جتاه الأحداث‬ ‫وجتعل للمجتمع ا�ستقالله ومتيزه‬ ‫وت�ضمن بقا�ؤه يف الأمم الأخرى ‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫�شبكة الإنرتنت ‪ :‬مبا فيها من ال�سلبيات‬ ‫والإيجابيات مما جعل م�صادر التلقي يف‬ ‫جمال الفكر والرتبية متعددة ومتنوعة‪،‬‬ ‫ومل تعد حم�صورة يف املدر�سة وامل�سجد‬ ‫والأ�سرة ‪� ،‬إ�ضافة �إىل ت�سويق االنحرافات‬ ‫ال�سلوكية والأخالقيةالتي جعلت تيار‬ ‫الو�سط يفقد كثرياً من �سالكيه ل�صالح‬ ‫تيار اجلفاء والتفريط يف ثوابت الفكر‬ ‫واخللق يف �أكرث الأحيان ‪.‬‬

‫االعوجاج الفكري باحلجة والإقناع ؛ لأن‬ ‫البديل هو تداول هذه الأفكار بطريقة‬ ‫�سرية غري موجهة وال ر�شيدة مما ي�ؤدي‬ ‫يف النهاية �إىل الإخالل ب�أمن املجتمع‬ ‫‪ 4‬ـ االهتمام بالرتبية ‪ :‬يف املدار�س‬ ‫وامل�ساجد والبيوت ‪ ،‬وغريها من‬ ‫م�ؤ�س�سات املجتمع الأخرى ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ هناك ن�سبة ال ب�أ�س بها من املنحرفني‬ ‫هم من الطالب ‪ ،‬لذا يجب �أن يح�صل‬ ‫تفاعل بني امل�ؤ�س�سات التعليمية‬ ‫وحميطها ‪ ،‬بحيث يجعل منها م�ؤ�س�سات‬ ‫مفتوحة رائدة يف تعميم الرتبية واملعرفة‬ ‫‪ ،‬مما ي�سهل لها متابعة ر�سالتها ال�سامية‬ ‫يف �إيجاد املواطن ال�صالح ‪ ،‬بحيث يتهي�أ‬ ‫ذهنياً ونف�سياً للتوافق مع متطلبات‬ ‫احلياة االجتماعية ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ حماولة البع�ض تغيري اخلطاب‬ ‫الديني ‪ :‬فبعد �أن كان التوازن هو �سمته‬ ‫الظاهرة �سعى البع�ض �إىل تغليب جانب‬ ‫ال�شحن العاطفي على ح�ساب اجلانب‬ ‫العلمي العقلي من اخلطاب الديني ومت‬ ‫الرتكيز على �أف�ضل ما يف املا�ضي و�أ�سو�أ‬ ‫ب ‪ -‬يهدف �إىل حماية العقول من الغزو‬ ‫ما يف احلا�ضر مما �أ�شاع جواًّ من الي�أ�س‬ ‫الفكري ‪ ،‬واالنحراف الثقايف ‪ ،‬والتطرف‬ ‫والإحباط والرغبة يف �إحداث التغيري‬ ‫الديني‬ ‫بطرق بائ�سة يائ�سة ‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ �إن من �أهم ما ينبغي �أن تقوم به‬ ‫ج – �ضرورة من ال�ضروريات الأمنية‬ ‫امل�ؤ�س�سات التعليمية �أن ت�ضمن براجمها‬ ‫خام�س ً‬ ‫أمن‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫حماية‬ ‫و�سائل‬ ‫‬‫ا‬ ‫حلماية املكت�سبات والوقوف بحزم �ضد‬ ‫ف�صو ًال عن الأمن الفكري ت�صب يف قناة‬ ‫الفكري ‪:‬‬ ‫كل ما ي�ؤدي �إىل الإخالل بالأمن الوطني‬ ‫الوقاية من االنحراف الثقايف والغزو‬ ‫تتطلب حماية الأمن الفكري وجود الفكري ‪ ،‬وذلك عن طريق ن�شر املبادئ‬ ‫رابع ًا ‪� -‬أ�سباب �ضعف الأمن‬ ‫و�سائل وقائية ‪ ،‬و�أخرى عالجية وهي الفكرية القومية ومبادئ الف�ضيلة‬ ‫الفكري ‪:‬‬ ‫على النحو الآتي ‪:‬‬ ‫والأخالق ‪.‬‬ ‫�إ َّن املت�أ ّم َل يف واق ِع الأمن الفكريِّ يف‬ ‫َ �أً ـ بع�ض الو�سائل الوقائية‪:‬‬ ‫‪ 7‬ـ من الأهمية مبكان �أن يتعلم الطالب‬ ‫الأ ّمة ُي�صاب بال ّذهول وهو ي َرى كرثة‬ ‫الأ�سباب والعوامِ ل التي ت�س َعى �إىل ‪ 1‬ـ �إظهار و�سطية الإ�سالم واعتداله كيف يتحقق �أمن املجتمع ب�صفة عامة‬ ‫تقوي�ض بنيانِه وزع َزعة �أركانِه ولعل وتوازنه ‪ ،‬وتر�سيخ االنتماء لدى ال�شباب ‪ ،‬و�أمنه ب�صفة خا�صة‪ ،‬من خالل تهيئة‬ ‫لهذا الدين الو�سط و�إ�شعارهم باالعتزاز نف�سية واجتماعية للتكيف مع القيم‬ ‫�أخط َر تلك الأ�سبابِ ‪:‬‬ ‫والآمال وتطلعات املجتمع ‪.‬‬ ‫بهذه الو�سطية ‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ التق�صري يف جوانبِ العقيدة وتطبيقِ‬ ‫‪ 2‬ـ معرفة الأفكار املنحرفة وحت�صني ‪ 8‬ـ ينبغي �أال نغفل �أهمية دور املدر�سة يف‬ ‫ال�شريعة ‪.‬‬ ‫ال�شباب �ضدها ‪ :‬فال بد من تعريفهم الك�شف عن املظاهر ذات امل�ؤ�شر االنحرايف‬ ‫‪ 2‬ـ ترك املرجعية الدينية يف جمال‬ ‫بهذه الأفكار و�أخطائها قبل و�صولها الفكري �أو الأخالقي منذ بدايتها‪،‬‬ ‫الفتوى ‪ :‬ف�أ�صبحت ن�سبة ال ي�ستهان‬ ‫�إليهم منمقة مزخرفة فيت�أثرون بها ؛ ودرا�ستها درا�سة دقيقة ومعاجلتها عرب‬ ‫بها من ال�شباب عازفة عن م�شائخ البالد‬ ‫الكبار زاهدة فيما عندهم ووجدت �أو لأن الفكر الهدام ينتقل ب�سرعة كبرية الإر�شاد الطالبي باملدر�سة ‪ ،‬واالت�صال‬ ‫جداًّ وال جمال حلجبه عن النا�س ‪.‬‬ ‫بويل �أمر الطالب لتنظيم التعاون مع‬ ‫�أوجدت فجوة بينهم وبني علمائهم يف‬ ‫‪ 3‬ـ �إتاحة الفر�صة الكاملة للحوار احلر الإدارة املدر�سية قبل ا�ستفحال امل�شكلة ‪،‬‬ ‫خمالفة م�ؤذنة باخلطر ‪.‬‬ ‫الر�شيد داخل املجتمع الواحد ‪ :‬وتقومي وعالجها قبل �أن ت�صبح �سلوكاً اعتيادياً ‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ البث الف�ضائي املرئي وامل�سموع وظهور‬


‫الفكري ‪ :‬الذين يريدون خرق �سفينة الق�صو ُر يف جوانبِ الرتبية والتعليم‪،‬‬ ‫ب ـ بع�ض الو�سائل العالجية‪:‬‬ ‫َ‬ ‫املجتمع و�إغراق �أهلها بخو�ضهم يف �آيات ووجو ُد اخلللِ يف الأ�سرة ومناهج التعليم‪،‬‬ ‫‪ 1‬ـ دعوة املخطئ �إىل الرجوع عن خطئه اهلل وجترئهم على ال ُفتيا بغري علم ‪.‬‬ ‫وت�ضييق النطاقِ على العلو ِم ال�شرع ّية ‪.‬‬ ‫‪ :‬وبيان احلق باملناق�شة العلمية الهادئة‬ ‫دون اتهام للنيات فقد تكون �صادقة ولكن ‪ 5‬ـ �ضرورة التفريق بني االنحراف ‪ 3‬ـ ال ّز َخم الهائل من و�سائلِ الغز ِو الفكريّ‬ ‫الفكري الذي مل يرتتب عليه فعل ‪ ،‬والثقا ّيف والذي يروج له ممن يح�سبون‬ ‫هذا ال يغني عن �صاحبها �شيئاً ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫م�سالك‬ ‫وبني من �أخل بفعله بالأمن يف جمتمعه على جماعة امل�سلمني ‪ ،‬وي�سل ُكون‬ ‫‪ 2‬ـ جتنب الأ�ساليب غري املجدية ‪:‬‬ ‫‪ :‬فمن ظهر منه عمل تخريبي وثبت متعدِّدة يف اخل�ضو ِع للغز ِو الثقا ّيف ‪،‬‬ ‫فامل�صاب بهذا املر�ض ال يعالج بالرتكيز‬ ‫على الوعظ والتخويف من عقاب اهلل عليه �شرعاً فيجب حما�سبته على ما بدر بل ويحاولون �إخ�ضاع املجت َمع امل�سلم‬ ‫‪ ،‬لأن هذا الأ�سلوب يف الغالب ال يجدي منه كائناً من كان ‪ ،‬وعقابه مبا ي�ستحقه املحافِظ لرغبتِهم وجنوحِ هم املنحرِف‬ ‫فجة حتت �سِ تار ح ّر ّية الر�أي‬ ‫معهم نفعا ‪ ،‬ف�أمثال ه�ؤالء يرون �أنهم �شرعاً حتى ولو كان ظاهره ال�صالح بدعا َوى ّ‬ ‫على �صواب ودين فكيف تعظ �إن�ساناً واال�ستقامة ‪.‬‬ ‫وح ّر ّية التفكري ‪.‬‬ ‫يظن �أنه على الدين احلق قبل �أن تبني �ساد�س ًا ‪� -‬أ�سباب الغزو الفكري ‪:‬‬ ‫�سابع ًا ‪ -‬و�سائل الغزو الفكري ‪:‬‬ ‫له خط�أه الفكري فيما يراه حقاًّ ‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ لقد تعددت الأ�سباب والعوامِ ل �أوال ـ �إن من �أخطر و�سائل الغزو الفكري‬ ‫‪ 3‬ـ وجوب الأخذ ب�أيديهم ‪ :‬ومنعهم التي ت�س َعى �إىل تقوي�ض بناء الأمن �أولئك الذين اتبعوا منهج التكفري‬ ‫من الإخالل بالأمن الفكري للمجتمع الفكري وزع َزعة �أركانِه ‪ ،‬ولعل �أخط َر وا�ستباحوا دماء امل�سلمني و� َ‬ ‫أعرا�ضهم‬ ‫ولو �أدى ذلك �إىل �إجبارهم على عدم تلك الأ�سبابِ الق�صو ُر يف جوانبِ العقيدة و�أموالهَم يقودهم �إىل ذلك اجله ُل‬ ‫خمالطة الآخرين التقاء �شرهم ‪.‬‬ ‫وتطبيقِ ال�شريعة ‪.‬‬ ‫بالن�صو�ص ال�شرعية الوارد ُة يف كتاب اهلل‬ ‫وال�سنة النبوية ‪.‬‬ ‫�سبب م ِه ّم يف اخللَل الفكريّ ‪ ،‬وهو‬ ‫‪ 4‬ـ النهي عن جمال�سة �أهل االنحراف ‪ 2‬ـ و َث ّم َة ٌ‬

‫‪59‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫ثانيا ـ القنوات الف�ضائية وما تبثه من‬ ‫مواد �إعالمية لأبناء املجتمع العربي‬ ‫أكاذيب‬ ‫واال�سالمي ‪ ،‬وما ترو ُج له من � َ‬ ‫ُ‬ ‫الهدف منها النيلُ‬ ‫وادعاءات باطلة ‪،‬‬ ‫من الثوابتِ الوطنية وزعزع ِة الأمن‬ ‫واال�ستقرار ‪ ،‬والرغب ًة يف الإ�ضرار‬ ‫باالقت�صاد والق�ضاء على امل�ؤ�س�سات‬ ‫التنموية‪.‬‬ ‫ثالثا ـ �شبكات الإنرتنت ‪ :‬وهذه قا�صمة‬ ‫الظهر التي �أخذت ت�شو�ش على �أفكار‬ ‫النا�شئة ‪ ،‬وتدعوهم �إىل التطرف ‪ ،‬لأنه‬ ‫من ال�سهل جداً �أن يروج �أيُّ حاقد ملا‬ ‫يريده من خالل هذه ال�شبكات ‪.‬‬ ‫ثامن ًا ‪ -‬دور املدر�سة واملعلمني‬ ‫واملناهج يف تعزيز الأمن الفكري ‪:‬‬ ‫�أ – دور املدر�سة يف تعزيز االمن‬ ‫الفكري‪.‬‬ ‫�إن امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية‬ ‫من �أوىل اجلهات املعنية باحلفاظ على‬

‫‪60‬‬ ‫الأمن واال�ستقرار يف املجتمعات ‪ ،‬و�إن‬ ‫ا�ستثمار عقول ال�شباب واجب ي�شرتك‬ ‫فيه جميع الأفراد وامل�ؤ�س�سات والهيئات‬ ‫يف املجتمع ‪ .‬ويخطئ مَن يعتقد �أن‬ ‫مهمة امل�ؤ�س�سات التعليمية تقت�صر على‬ ‫تعليم القراءة والكتابة و�إعطاء مفاتيح‬ ‫العلوم للطالب دون العمل على تعليم‬ ‫النا�س ما يحتاجون �إليه يف حياتهم‬ ‫العلمية والعملية ‪ ،‬وترجمة هذه العلوم‬ ‫�إىل �سلوك وواقع ملمو�س ‪ .‬و�أهم �شيء‬ ‫يحتاجونه وال حياة لهم بدونه هو‬ ‫الأمن يف الأوطان ‪ ،‬و�أ�ستطيع القول‬ ‫ب�أن الأمن هو م�س�ؤولية اجلميع‪ ،‬ولكنه‬ ‫يف حق امل�ؤ�س�سات التعليمية �أهم ؛ لأن‬ ‫هذه امل�ؤ�س�سات جتمع كل فئات املجتمع‬ ‫على اختالف �أعمارهم بداي ًة من ال�سن‬ ‫املبكرة التي تتمثل يف املرحلة االبتدائية‬ ‫واملتو�سطة ‪ ،‬وفيها ي�ستطيع املعلم واملربي‬ ‫�أن ي�شكل الطالب بالكيفية التي يريدها‬ ‫‪ ،‬ف�إذا لقي الطالب مَن يوجهه التوجيه‬ ‫ال�سليم ن�ش�أ ن�ش�أة طيبة يجني ثمارها‬

‫املجتمع الذي يعي�ش فيه‪ ،‬و�إن كان‬ ‫احلا�صل غري ذلك فالعك�س هو النتيجة‬ ‫احلتمية ‪ ،‬خا�صة �أن الذين يقومون على‬ ‫هذه امل�ؤ�س�سات هم خال�صة مف ِّكري الأمة‬ ‫و َم ْعقِد ر�أيها‪ ،‬وفيهم يجب �أن جتتمع‬ ‫ال�صفات احلميدة امل�ؤهلة لإدراك �أهمية‬ ‫الأمر ‪ ،‬وال�شعور بامل�س�ؤولية العظيمة‬ ‫امللقاة على عواتقهم ‪ ،‬و�أن يكونوا قدوة‬ ‫ح�سنة لأبنائهم الطالب يف جميع‬ ‫ت�صرفاتهم و�أعمالهم و�أقوالهم‪.‬‬ ‫ويجب �أن تبد�أ معاجلة االنحرافات‬ ‫الفكرية مبعاجلة الأ�سباب والعوامل‬ ‫امل�ؤدية لها والوقاية منها ‪ .‬فللمدر�سة‬ ‫دور بالغ الأهمية يف تن�شئة �شخ�صية‬ ‫الطالب من خالل ا�ستكمال دور الأ�سرة‬ ‫وامل�ؤ�س�سات االجتماعية الأخرى بتطويع‬ ‫�سلوكه وتوجيهه و�إك�سابه القيم واملفاهيم‬ ‫ال�صحيحة‪ .‬وهذا �سوف يح�صن الفرد‬ ‫�ضد امل�ؤثرات الفكرية ال�سلبية مهما كان‬ ‫م�صدرها ‪.‬‬


‫ب ‪ -‬دور املناهج يف تعزيز الأمن ‪ ،‬وتوجيهاته �ضرورية وملحة ؛ لذا يجب‬ ‫على املعلم مراعاة ما ي�أتي ‪:‬‬ ‫الفكري ‪:‬‬ ‫لقد حتدثنا عن دور امل�ؤ�س�سات ‪ 1‬ـ يجب على املعلم �أن يكون قدوة لعمل‬ ‫الرتبوية ب�شكل عام يف تعزيز الأمن اخلري والإ�صالح والتوبة وتبني ما‬ ‫الفكري ‪ ،‬وهنا يربز دور املناهج يف ي�سعد الب�شرية وخ�صو�صاً ما يجب على‬ ‫حتقيق هذا الأمن ‪ ،‬لذا يجب على تلك هذا املعلم جتاه وطنه وجمتمعه ف�ض ً‬ ‫ال‬ ‫امل�ؤ�س�سات و�ضع اخلطط املدرو�سة التي على �أنه معلم اخلري ويحمل م�س�ؤولية‬ ‫حتقق الوعي الأمني من خالل بثه يف ج�سيمة‬ ‫مفردات املناهج ‪ ،‬ومما ال�شك فيه �أن ‪ 2‬ـ ولكي يقوم املعلمون بدورهم يف‬ ‫االهتمام بتلك املبادئ يعد من الأ�س�س التوعية والوقاية من االنحراف ‪ ،‬فالب ّد‬ ‫املهمة حلماية املجتمع من االنحراف لهم �أن يقوموا بتن�شئة الطلبة تن�شئة‬ ‫والغزو الثقايف ‪ ،‬وتوفري الأمن الفكري �إ�سالمية �صحيحة ‪.‬‬ ‫‪� .‬إن مناهج التعليم احلافلة مبا يربي‬ ‫ّ‬ ‫الطالب على التوازن والو�سطية واتباع ‪ 3‬ـ ومن الواجب على املعلمني �أن ي�ؤكدوا‬ ‫الدليل ‪ ،‬وترك االفرتاق والأهواء على مت ّثل الطلبة القدوة احل�سنة يف‬ ‫والبدع املحدثة ‪ ،‬لهي كفيلة �أن تنمي يف �سلوكياتهم وت�صرفاتهم ‪ ،‬ويف االن�سجام‬ ‫�أعماق ال�شباب روح الوطنية احلقيقة ‪ ،‬مع قيم املجتمع وقوانينه ‪.‬‬ ‫وت�ساعدهم على متييز الثقافة الفكرية‬ ‫‪ 4‬ـ تر�سيخ مبد�أ احلوار الهادف واال�ستماع‬ ‫امل�سمومة ‪ ،‬التي تبثها و�سائل الإعالم‬ ‫للآخرين واحرتام �آرائهم بق�صد‬ ‫امل�شبوهة �سواء عن طريق البث الف�ضائي‬ ‫الو�صول �إىل احلق وم�ساعدة الطالب‬ ‫وال�شبكة العنكبوتية ‪� ،‬أو ال�صحف‬ ‫على ا�ستخدام التفكري بطريقة �صحيحة‬ ‫واملجالت امل�شبوهة الوافدة من اخلارج‬ ‫ليكونوا قادرين على متييز احلق من‬ ‫‪ .‬ومن خالل ما �سبق يتحمل الطالب‬ ‫الباطل والنافع من ال�ضار وتنمية‬ ‫جزءا لي�س هينا من امل�س�ؤولية نحو‬ ‫الإح�سا�س بامل�س�ؤولية لدى الطالب ‪.‬‬ ‫حتقيق الأمن الفكري لذلك تكمن‬ ‫�أهمية تعليمه كيف يتحقق �أمن املجتمع ‪ 5‬ـ االهتمام بالرتبية االجتماعية ‪.‬‬ ‫ب�صفة عامة ‪ ،‬و�أمنه ب�صفة خا�صة ‪ ،‬من‬ ‫خالل تهيئته نف�سيا واجتماعيا للتكيف ‪ 6‬ـ االهتمام بتعليم القيم واملعايري‬ ‫مع القيم والآمال وتطلعات املجتمع ال�سلوكية ال�سليمة ‪.‬‬ ‫الذي ين�شد ال�سلوكيات املثالية اجلماعية ‪ 7‬ـ ت�شجيع التعاون مع �أفراد الأ�سرة‬ ‫التي حتقق الأمن والأمان ‪.‬‬ ‫وامل�ؤ�س�سات االجتماعية املختلفة ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬دور املعلم يف تعزيز مفهوم الأمن ‪ 8‬ـ توجيه ال�شباب لطرق البحث عن‬ ‫الفكري‪.‬‬ ‫املعلومات ال�صحيحة وت�شجيعهم على‬ ‫�أما دور املعلم فهو عظيم ومهم ‪ ،‬ذلك ‪.‬‬ ‫ويتحمل اجلزء الأكرب يف تعزيز الأمن ‪ 9‬ـ تفهم طبيعة تفكريهم لي�سهل عليك‬ ‫الفكري ‪ ،‬فهو القدوة واملربي ‪ ،‬واملوجه االت�صال بهم ‪.‬‬ ‫واملحرك لفئة ال�شباب داخل احلرم‬ ‫املدر�سي وخارجه ‪ ،‬وكلمته م�سموعة ‪ 10‬ـ م�ساعدة الطالب على ا�ستيعاب‬ ‫عندهم ‪ ،‬بل يقلدونه يف كثري من مناحي املفاهيم والأفكار التي تتعلق باحلياة‬ ‫حياتهم ‪ ،‬و�سلوكهم ويعتربونه املثل وامل�ستقبل ‪ ،‬والبعيدة عن الأفكار‬ ‫الأعلى لهم ‪ ،‬لذا ف�إن م�س�ؤولياته كبرية املنحرفة واملتطرفة ‪.‬‬

‫امل�صادر واملراجع‬ ‫* القر�آن الكرمي‬ ‫‪ -1‬اجلحني‪،‬علي بن فايز ( ‪2004‬م )‪“ ،‬وظيفة‬ ‫الأ�سرة يف تدعيم الأمن الفكري “‪,‬جملةالفكر‬ ‫ال�شرطي‪ ,‬جملد (‪ ،)12‬العدد(‪ ,)4‬مركز بحوث‬ ‫ال�شارقة‪ ,‬الإمارات العربية املتحدة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬الطالع‪ ،‬ر�ضوان ‪ 1420‬هـ‪ ،‬نحو �أمن فكري‬ ‫�إ�سالمي‪ ،‬ط‪ ،2‬مطابع الع�صر‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬ ‫‪ -3‬احلارثي‪ ,‬زيد بن زايد (‪2008‬م) ‪�“ ،‬إ�سهام الإعالم‬ ‫الرتبوي يف حتقيق الأمن الفكري لدى طالب‬ ‫املرحلة الثانوية مبدينة مكة املكرمة “‪ ,‬ر�سالة‬ ‫ماج�ستريغري من�شورة‪ ,‬كلية الرتبية ‪,‬جامعة �أم‬ ‫القرى‪.‬‬ ‫‪ - 4‬فار�س‪ ،‬رامي( ‪2012‬م )‪ ،‬الأمن الفكري يف‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية‪،‬ر�سالة ماج�ستري غريمن�شورة‪،‬‬ ‫كلية ال�شريعة والقانون‪ ،‬اجلامعة الإ�سالمية‪ ،‬غزة ‪..‬‬ ‫‪ - 5‬احلكيم‪ ،‬نعيم متيم( ‪1430‬هـ )‪ ،‬نحو �إ�سرتاتيجية‬ ‫وطنية لتكري�س مفهوم الأمن الفكري يف املجتمع‪،‬‬ ‫امل�ؤمتر الوطني الأول للأمن الفكري‪ 25-22 ،‬جماد‬ ‫�أول ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬العقاد‪ ،‬حممود عبا�س (ب‪،‬ت)‪ ،‬التفكري فري�ضة‬ ‫�إ�سالمية ‪ ،‬دار نه�ضة م�صر ‪..‬‬ ‫‪� -7‬أبو ح�شي�ش‪ ،‬ب�سام حممد (‪2010‬م)‪ ،‬دور كليات‬ ‫الرتبية يف تنمية املواطنة لدي الطلبة واملعلمني‬ ‫مبحافظات غزة‪ ،‬جملة جامعة الأق�صى‪ ،‬م ‪ ،14‬ع‪.. 1‬‬ ‫‪- 8‬ال�سليمان‪� ,‬إبراهيم �سليمان (‪ 2006‬م)‪ ”،‬دور‬ ‫الإدارات املدر�سية يف تعزيزالأمن الفكري لدى‬ ‫الطالب”‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة‪ ,‬جامعة‬ ‫نايف العربية للعلوم الأمنيةالريا�ض‪.‬‬ ‫‪� - 9‬شلدان‪ ،‬فايز (‪2012‬م)‪،‬دور كليات الرتبية يف‬ ‫اجلامعات الفل�سطينية يف تعزيز الأمن الفكري‪،‬‬ ‫اجلامعة الإ�سالمية‪ ،‬غزة ‪.‬‬ ‫‪ - 10‬احل�سناوي‪ ،‬موفق عبد العزيز (‪2010‬م)‪،‬دور‬ ‫اجلامعة يف بناء �شخ�صية الطالب‪ ،‬موقع منتديات‬ ‫نور الإ�سالم‪.14noon.com.www ،‬‬ ‫‪ - 11‬هواري‪ ،‬معراج عبد القادر‪ ،‬وعدون نا�صر‬ ‫(‪2000‬م)‪ ،‬دور اجلامعات يف تعزيزالو�سطية والأمن‬ ‫الفكري للطالب‪ ،‬املركز اجلامعي‪ ،‬غرواية ‪.‬‬ ‫‪� - 12‬سعد‪ ،‬حممود حممد (‪1402‬هـ)‪ ،‬الإعالم‬ ‫والأمن‪ ،‬الريا�ض ‪.‬‬ ‫‪ - 13‬ال�شهراين‪ ,‬بندر بن علي (‪ 2009‬م)‪“ ،‬ت�صور‬ ‫مقرتح لتفعيل دور الإدارة املدر�سية الثانوية يف‬ ‫حتقيق الأمن الفكري”‪ ,‬ر�سالة ماج�ستري غري‬ ‫من�شورة‪ ،‬كلية الرتبية‪ ،‬جامعة �أم القرى‪ ،‬مكة ‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫‪62‬‬

‫دور كليات الشريعة في‬ ‫تصحيح المفاهيم‬ ‫المواطنة أنموذجا‬ ‫ملخ�ص‪:‬‬ ‫تتو�سل هذه الورقة الإجابة عن �س�ؤال‪:‬‬ ‫�إىل �أي مدى �ساهمت كليات ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم خدمة للمجتمع‪،‬‬ ‫وتعزيز ًا لقيم املواطنة ال�صاحلة‪.‬‬ ‫ هل نحن را�ضون عن هذا الدور‪ ،‬وهل ا�ستطاعت هذه الكليات ت�أدية ر�سالتها‬‫داخل احلرم اجلامعي وخارجه‪ ،‬وحققت الأهداف التي �أن�ش�أت من �أجلها‪.‬‬ ‫كل ذلك �ستت�ضمنه هذه الورقة من خالل حزمة من الأفكار النظرية امل�ستمدة‬ ‫من واقع التجربة وامل�شاهدة والتخ ّيل املعريف‪.‬‬ ‫�أ‌‪.‬د‪.‬مـحمـد الروا�شـــدة‬

‫ و ُتظهر هذه الورقة كذلك الر�ضا عما تقوم به هذه الكليات ‪،‬بالنظر �إىل‬‫وجودها داخل م�ؤ�س�سات علمية لها �أنظمتها و�إداراتها‪ ،‬وعدم ا�ستقاللية هذه‬ ‫الكليات مادي ًا‪.‬‬ ‫ تدق هذه الورقة ناقو�س اخلطر بالقول �أن هذه الكليات يف الراهن املعا�صر‬‫حتاك �ضدها م�ؤامرات داخليا وخارجيا للحد من فاعليتها وتقدمها‪.‬‬ ‫ وترجو هذه الورقة كذلك من الباحثني وعلماء الرتبية واالجتماع �أن‬‫يقوموا ب�إعداد درا�سات ميدانية حول هذا املو�ضوع حتى نخرج من �إطار‬ ‫التنظري املعريف للخلو�ص �إىل نتائج مبتّناة على �أ�س�س علمية‪.‬‬


‫وهي �أول مدر�سة متخ�ص�صة للمذاهب‬ ‫مقدمة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وقد �أدت دورها ور�سالتها يف‬ ‫ينطلق عمل كليات ال�شريعة يف الراهن احلياة الثقافية واالجتماعية وال�سيا�سية‬ ‫املعا�صر من تاريخ التعليم الإ�سالمي‪� ،‬إذ والإدارية‪.‬‬ ‫ارتبط �إن�شاء كليات ال�شريعة مب�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم الإ�سالمي عرب التاريخ‪ ،‬وهذا وذكر لنا التاريخ �أن اخلليفة امل�أمون‬ ‫بدوره �ساهم يف تقدم كليات ال�شريعة ان�ش�أ جامعة عربية عند فجر القرن‬ ‫وازدهارها ومنو معارفها لت�صبح اليوم الثالث الهجري (الربع الأول من القرن‬ ‫على ما هي عليه من قوة ومكانة علمية التا�سع امليالدي)وكان ذلك حتت ا�سم‬ ‫"مدر�سة املعرفة ببغداد"‪ ،‬وركزت هذه‬ ‫وتربوية هادفة‪.‬‬ ‫اجلامعة على البحث العلمي الأ�صيل‬ ‫لقد ظهرت منذ القدم مدار�س حملت واملتقدم يف الريا�ضيات والطب والفلك‬ ‫مباديء الإ�سالم وعقيدته و�أخالقه والفيزياء والكيمياء والفل�سفة‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫و�أحكامه‪ ،‬فكانت دار الأرقم من �أوائل �إىل تدري�س ال�شباب على ا�ستيعاب هذه‬ ‫امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية يف العلوم وتهيئتهم لتويل املنا�صب الرفيعة‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬ثم غدا امل�سجد م�ؤ�س�سة التعليم يف الدولة‪.‬‬ ‫الأهلية والأ�سا�سية واملعهد الأول للتعليم‬ ‫عند امل�سلمني‪ ،‬ولقد حث الإ�سالم على وبعدها عزم اخلليفة املعت�ضد‬ ‫طلب العلم وارتياد مراكزه وم�ؤ�س�ساته‪ ،‬باهلل(‪289-279‬هـ)على بناء مدينة للعلم‬ ‫و�شكل ذلك مظهرا �أولياً لن�ش�أة التعليم على النحو الذي يفكر من العديد يف‬ ‫يف بدايات الإ�سالم املبكر‪ .‬و�أ�صبحت الدولة املتقدمة اليوم‪.‬‬ ‫امل�ساجد –وبخا�صة تلك التي ت�شد �إليها و�شكلت هذه امل�ساجد واملدار�س‬ ‫الرحال‪� -‬أف�ضل �أماكن التعليم‪ ،‬كامل�سجد جمتمعة"مدر�سة العلم الإ�سالمية‬ ‫النبوي ال�شريف وامل�سجد احلرام املجيدة"وانق�سمت هذه املدار�س‬ ‫وامل�سجد الأق�صى‪ ،‬ثم برز دور اجلامع (اجلامعات) ب�سعيها ل"جمهرة املعرفة"‬ ‫الأموي بدم�شق وم�سجد القريوان والتي حتاول اجلامعات اليوم يف الدول‬ ‫بتون�س وجامع املن�صور ببغداد وم�سجد املتقدمة لتحقيقها‪ ،‬وات�صفت هذه‬ ‫قرطبة بالأندل�س وغريها‪.‬‬ ‫املدار�س (اجلامعات) بالعراقة يف احلفاظ‬

‫ومع ظهور احلاجة �إىل �أماكن للتعليم‬ ‫غري امل�ساجد‪ ،‬فقد �أُتخذت بيوت العلماء‬ ‫لتدري�س علوم اللغة والدين‪ ،‬ون�ش�أت‬ ‫"خزائن الكتب"لتكون رافداً للمعرفة‬ ‫وطلبها‪.‬‬ ‫ومع التقدم احل�ضاري ظهرت بع�ض‬ ‫اجلامعات كاجلامع الأزهر يف م�صر‬ ‫وهو من �أقدم اجلامعات الإ�سالمية‬ ‫حيث �أن�شيء عام (‪359‬هـ) بهدف علمي‬ ‫ديني تربوي‪ ،‬وكذلك املدر�سة النظامية‬ ‫يف بغداد‪ ،‬ثم جاءت املدر�سة امل�ستن�صرية‬

‫على ا�ستقاللية كيانها‪ ،‬واملحافظة‬ ‫على حرمته ٍاٍ‪ ،‬ورعاية علمائها‪ ،‬و�إمناء‬ ‫مقدرة طالبها العلمية‪ ،‬و�أكدت هذه‬ ‫املدار�س‪/‬اجلامعات على تداول املعرفة‬ ‫العلمية‪ ،‬بني املدرب واملتدرب‪ ،‬وبني املعلم‬ ‫واملتعلم ب�أ�سلوب دميقراطي ي�ستند �إىل‬ ‫احلوار‪ ،‬والأخالق الإ�سالمية ال�سامية‪،‬‬ ‫وتفاعلت‪-‬كما يلحظ من تاريخها‪ -‬فيما‬ ‫بينها رغم حدة و�ضراوة ال�صراعات‬ ‫القائمة وقتئذ‪.‬‬ ‫وكان حمور منو هذه املدار�س‬ ‫(اجلامعات العلمية)م�ستنداً �إىل حرم‬

‫جامعة متكامل ي�ضم حلقات تقرير‬ ‫العلوم‪ ،‬والدينية منها على اخل�صو�ص‪،‬‬ ‫وجمال�س املناظرة‪ ،‬ووفرة املكتبات‪،‬‬ ‫والدعم من بيت مال امل�سلمني‪ ،‬وللمقارنة‬ ‫فقط جتدر الإ�شارة هنا �إىل �أنه عندما‬ ‫قرر ملك بريطانيا جورج الرابع �إن�شاء‬ ‫جامعة لندن خالل العقد الثالث من‬ ‫القرن التا�سع ع�شر امليالدي‪�( ،‬أي بعد‬ ‫ع�شرة قرون من �إن�شاء جامعة امل�أمون‬ ‫ببغداد) ُن�صح بعدم فعل ذلك ‪ ،‬ومن بني‬ ‫�أبرز تلك الن�صائح ر�سالته لإمرباطور‬ ‫النم�سا حملها �سفريه يف لندن �إىل امللك‬ ‫الربيطاين تقول باحلرف الواحد(ثمة‬ ‫م�س�ألة واحدة �أرجو �أن تثريها لدى‬ ‫اهتمام امللك قبل �أن ترحل‪ ،‬وهي تتعلق‬ ‫ب�أمر ت�أ�سي�س جامعة لندن‪ ،‬فلديك‬ ‫�سلطة �أيها ال�سفري كي تخرب جاللته‬ ‫باعتقادي املطلق ب�أن متابعة ت�أ�سي�س هذه‬ ‫اجلامعة �سيجلب اخلراب لربيطانيا)‪.‬‬ ‫وظيفة اجلامعات ب�شكل عام‬ ‫�إذا كان العلم قلب الإن�سانية‪،‬‬ ‫فاجلامعات ت�شكل نب�ض هذا القلب‪،‬‬ ‫ويبقى هذا النب�ض قائماً ما دامت املثل‬ ‫الأكادميية والعربية والإ�سالمية منها‬ ‫خا�صة تنظم حياة احلرم اجلامعي‬ ‫وتزكي فيه التوق للتطور واالنفتاح‬ ‫ليتواءم البحث والتطوير العلمي من‬ ‫جهة‪ ،‬وتطبيق املعرفة الأ�صلية حول‬ ‫م�سائل بقاء املجتمع ومناءه من جهة‬ ‫�أخرى‪ .‬وبني هذين الأمرين تظهر �أوال‬ ‫وظيفة اجلامعات‪ ،‬علما �أن هناك جامعات‬ ‫رائدة (جامعات البحوث العلمية)‬ ‫و"جامعات �أخرى ميكن �أن نطلق عليها‬ ‫"جامعات التدريب والتعليم"وظهرت‬ ‫الآن ما ت�سمى (باجلامعات اخلا�صة)‬ ‫والتي ميكن اعتبارها انتهاكاً ل"براءة‬ ‫اجلامعات الأ�سا�سية" حيث �أن هدفها‬ ‫هو التناف�س غري املحمود للح�صول‬ ‫على التمويل والتجارة الربحية‪،‬‬

‫‪63‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫وهذا ما يطلق عليه الآن يف احلراك‬ ‫العلمي"بلقنة اجلامعات"التي حتاول‬ ‫�ضرب قواعد الإجناز العلمي‪ ،‬والن�شر‬ ‫الأكادميي الرفيع‪ ،‬وتطبيق �أخالق‬ ‫و�أعراف "دخيلة"ال تن�سجم مع املثل‬ ‫الأكادميية العاملية‪ ،‬وهذا كله يقود �إىل‬ ‫"تدمري ذاتي" للعلم وهناك اجلامعات‬ ‫االفرتا�ضية (جامعات �إلكرتونية �أو‬ ‫التعليم عن ُبعد)‪.‬‬

‫أن الخليفة المأمون‬ ‫انشأ جامعة عربية‬ ‫عند فجر القرن الثالث‬ ‫الهجري (الربع األول‬ ‫من القرن التاسع‬ ‫الميالدي)وكان ذلك‬ ‫تحت اسم «مدرسة‬ ‫المعرفة ببغداد»‪،‬‬ ‫وركزت هذه الجامعة‬ ‫على البحث العلمي‬ ‫األصيل والمتقدم‬ ‫بيد �أن اجلامعات اليوم يف العامل كله‪-‬‬ ‫ويف الأردن بخا�صة‪ -‬ما زالت ت�ؤدي دوراً‬ ‫مهما ومتميزا يف خدمة املجتمعات كما‬ ‫ن�صت عليه قوانينها وتعليماتها‪ ،‬وتو�سع‬ ‫من براجمها املختلفة حتقيقا لهذا‬ ‫الهدف‪.‬‬ ‫وتكمن �أبرز وظيفة للجامعات يف‬ ‫الآتي‪:‬‬ ‫تت�ضح ر�سالة اجلامعة يف مثلث‪� :‬إعداد‬ ‫الكوادر الب�شرية والبحث العلمي وخدمة‬

‫‪64‬‬ ‫املجتمع وعلى النحو الآتي‪:‬‬ ‫ونفي االعتقاد الر�سمي امل�س�ؤول عن‬ ‫التنمية الوطنية ب�أن اجلامعات لي�ست �إال‬ ‫‪� .1‬أنها مركز �إ�شعاع ثقايف للمجتمع‪.‬‬ ‫م�ؤ�س�سة تعليمية حالها مثل الذي لأية‬ ‫‪ .2‬معاجلة �أهم ق�ضايا املجتمع والتفاعل مدر�سة ثانوية تقوم بخدمة الدولة‪،‬‬ ‫معه داخليا وخارجيا‪.‬‬ ‫و�أنه لي�س للجامعات جمال تفكر فيه‬ ‫ب�أنها �شريك لها‪.‬‬ ‫‪ .3‬تعميق الدميقراطية الأكادميية‪،‬‬ ‫وتنمية حرية التعبري عن احلقيقة ‪� .7‬أن جوهر وظيفة اجلامعة هو تثقيف‬ ‫ون�شرها‪ ،‬وتعميق الفكر‪ ،‬وارتباطه املجتمع‪ ،‬وتوعية املواطنني يف �شتى‬ ‫بالواقع‪.‬‬ ‫ميادين العلوم‪ ،‬وبث الروح العلمية‬ ‫لتكون �سلوكاً للمواطنني بحيث يرف�ض‬ ‫‪ .4‬ا�ستنها�ض همة �أع�ضاء هيئة التدري�س‬ ‫املواطن اخلرافة‪ ،‬ويعظم دور العقل يف‬ ‫للبحث والتطوير وتفعيل دورهم‬ ‫املعرفة‪.‬‬ ‫يف برامج التدريب والتعليم‪ ،‬وهذا‬ ‫اال�ستنها�ض �سيعود بالفائدة على احلرم ‪ .8‬ت�أهيل املواطن للعمل املنتج وت�شجيعه‬ ‫اجلامعي حيث �سي�ساهم يف �إيقاظ الروح على امتالك التقنية و�إظهار قدراته‬ ‫العلمية التي ت�شكل احلافز الرئي�سي على الإبداع والتطوير وحل املع�ضالت‪.‬‬ ‫لتقدم املعرفة‪.‬‬ ‫و�إ�شاعة جو عام من االهتمام بالثقافة‬ ‫والأدب والعلم والتفكري املنطقي املنظم‪.‬‬ ‫‪� .5‬إظهار جاهزية احلرم الأكادميي‬ ‫لقبول �أراء املجتمع وتلبية حاجاته‪ .9 ،‬امل�ساهمة يف حفظ �أمن الوطن‬ ‫وهذا يتحقق من خالل حوار جامعي االقت�صادي واالجتماعي والع�سكري‬ ‫داخلي ينظم فكراً �أكادميياً متجدداً �إزاء وذلك بالتب�صر العلمي يف كل ذلك‪.‬وال‬ ‫املتغريات اخلارجية‪ ،‬وباجتاه حماية يكون ذلك‪-‬من حيث حتقق الأهداف‪-‬‬ ‫احلرم اجلامعي كمكان �سام للمعرفة �إال با�ستخدام و�سائل �أهمها ‪:‬‬ ‫والتدريب والتعليم‪ ،‬والت�أكيد على‬ ‫ً �أ‪-‬حوار الأ�ستاذ‪-‬الطالب املبا�شر وذلك‬ ‫�أن اجلامعة ال ت�ضم جمتمعاً طفيليا‬ ‫من خالل ما يطلق عليه الإ�شراف‬ ‫م�ستورداً‪� ،‬إمنا ينطوي حرمها على جزء‬ ‫العلمي على البحوث والدرا�سات‬ ‫مميز ح�ضارياً من هذا املجتمع (وهم‬ ‫والر�سائل‪.‬‬ ‫�أع�ضاء هيئة التدري�س والطلبة)‪.‬‬ ‫ب‪ -‬حوار الطالب‪-‬الأ�ساتذة اجلماهريي‬ ‫‪ .6‬النظر �إىل عوامل التغيري املحيطة‬ ‫وذلك داخل احلرم اجلامعي ويتم من‬ ‫باحلرم اجلامعي ومن �ضمنها املجتمع‬ ‫خالل التنظيمات النقابية والأكادميية‪.‬‬ ‫ليتمكن احلرم اجلامعي من �إيجاد‬ ‫�صيغ ومهام للعمل العلمي‪ ،‬وتطوير ج‪ -‬حوار الطالب‪-‬الطالب‪ ،‬بدءا‬ ‫منط احلرم اجلامعي الداخلي ليتابع من احلوار الفردي وانتهاء باحلوار‬ ‫م�س�ؤولياته على �أف�ضل وجه‪ ،‬كتطوير اجلماهريي العلمي‪.‬‬ ‫�صيغ جلامعات ت�أخذ �أبعادا تنموية‬ ‫ونحن الآن مقبلون على عتبات "جامعة‬ ‫(�أي جامعة تنموية)توفر بيئة منا�سبة‬ ‫القرن الواحد والع�شرين"وهي اجلامعة‬ ‫لتطوير الأجيال ال�شابة وفق نوعية‬ ‫التي تهتم بالبحث العلمي وا�ستغالال ته‬ ‫رفيعة امل�ستوى تت�سم "بالف�ضول العلمي‪،‬‬ ‫لفائدة املجتمع‪،‬فال بد من الت�أكيد على‬ ‫واالنفتاح الفكري‪ ،‬واملبادرة احل�ضارية"‪.‬‬


‫�أن احلرم اجلامعي البد �أن يدفع "ثمن والقدوة لباقي كليات اجلامعة‪،‬وت�ستمد‬ ‫التعليم"يف حتقيق ما ي�أتي‪:‬‬ ‫�أهميتها من خالل وظيفتها يف املعرفة‬ ‫‪،‬والإ�صالح االجتماعي ‪،‬والتميز‬ ‫‪ -1‬احلرية الأكادميية �إدارة وجودة‪.‬‬ ‫الأخالقي داخل احلرم اجلامعي �أو‬ ‫‪ -2‬تنمية الأجيال الالزمة ل�صنع بقاء خارجه‪.‬‬ ‫املجتمع وازدهاره م�ستقبال‪.‬‬ ‫ولذا تهدف هذه الورقة �إىل التعرف‬ ‫‪ -3‬تقرير �أ�صالة البحث عن احلقيقة على دور كليات ال�شريعة يف ت�صحيح‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫املفاهيم ال�سائدة واملق�صود باملفاهيم‬ ‫الت�صورات الكلية للمعارف والعلوم‬ ‫‪ -4‬ا�ستثمار نتائج البحوث العلمية يف‬ ‫وال�سلوك (كمفهوم املواطنة‪ ،‬احلجاب‪،‬‬ ‫�صنع التنمية احل�ضارية والإن�سانية‬ ‫الإرهاب‪ ،‬التنمية‪ ،‬اجلهاد‪ ،‬واالختالط‪،‬‬ ‫للإن�سان واملجتمع‪.‬‬ ‫املقاومة امل�شروعة‪ ،‬البيئة‪ ،‬العلم‪/‬‬ ‫‪ -5‬توفري �إطار ح�ضاري‪،‬مدين‪،‬قادر على التكفري‪ ،‬وحقوق الإن�سان‪ ،‬وحقوق‬ ‫�إمداد املجتمع باملعرفة املنظمة‪.‬‬ ‫الأقليات‪ ،‬وغريها من املفاهيم ال�سائدة‬ ‫�أو املتحركة �أو الوافدة) وهو دور ملقى‬ ‫‪ -6‬النظر �إىل �أن �أ�ساتذة اجلامعات‬ ‫على عاتق �أع�ضاء الهيئة التدري�سية فيها‬ ‫ي�شكلون املحرك احل�ضاري الدافع‬ ‫وكذلك طالبها من خالل املمار�سة داخل‬ ‫لتقدم وجتدد وعطاء احلرم اجلامعي‬ ‫احلرم اجلامعي �أو يف املجتمع‪.‬‬ ‫�أوال‪،‬والأمة ثانيا‪،‬لأن هناك عالقة‬ ‫متبادلة بني (تقدم �أو تخلف) �أي جمتمع واملق�صود بكليات ال�شريعة‪ :‬هي‬ ‫وفعالية جامعاته‪.‬‬ ‫الكلية الأكادميية التي تعترب �أحدى‬ ‫كليات اجلامعة‪،‬وتقوم بتدري�س ون�شر‬ ‫‪ -7‬وظيفة جامعة امل�ستقبل �صناعة‬ ‫الوعي الديني على �أ�س�س �سليمة‬ ‫�شخ�صيات حرة مثقفة‪ ،‬م�ستقلة قادرة‬ ‫من خالل ما تطرحه من م�ساقات‬ ‫على حتقيق �أمال جمتمعاتها‪ ،‬وتنمية‬ ‫وبرامج وتخ�ص�صات �أكادميية (الفقه‬ ‫الذات الفكرية والعلمية بحكمة ال‬ ‫و�أ�صوله‪ ،‬الدعوة و�أ�صول الدين‪،‬‬ ‫تنف�صم عراها عن الواقع دائم التغيري‪.‬‬ ‫الدرا�سات العليا)ومدة الدرا�سة فيها‬ ‫‪� -8‬أ�صبحت اجلامعات اليوم م�صدراً �أربع �سنوات ملرحلة البكالوريو�س وهي‬ ‫متجدداً لتقرير رفاه الإن�سان وحماية كلية ال�شريعة باجلامعة الأردنية‪،‬وكلية‬ ‫البيئة‪،‬و�صنع تقدم املجتمع وتطوير بناء ال�شريعة بجامعة م�ؤتة‪ ،‬وكلية الدرا�سات‬ ‫الدميقراطية احلقة فيه‪.‬‬ ‫الفقهية والقانونية بجامعة �آل البيت‪،‬‬ ‫وكلية �أ�صول الدعوة بجامعة البلقاء‬ ‫‪ -9‬اجلامعات اليوم �أ�صبحت م�ؤ�س�سات‬ ‫التطبيقية‪ ،‬وكلية الأمري احل�سن التابعة‬ ‫ح�ضارية وظيفتها �إنتاج املعرفة املنظمة‬ ‫للقوات امل�سلحة الأردنية‪ /‬مديرية‬ ‫وبيان ف�ضل العلم‪.‬‬ ‫الإفتاء‪.‬‬ ‫دور كليات ال�شريعة يف ت�صحيح‬ ‫ويق�صد باملجتمع‪ ،‬جمتمع اجلامعة‬ ‫املفاهيم‬ ‫(احلرم اجلامعي)وكذلك جميع ال�سكان‬ ‫تعترب كلية ال�شريعة يف �أية جامعة خارج �إطار احلرم اجلامعي‪.‬‬ ‫من �أهم كلياتها باعتبارها متثل النموذج‬ ‫وقبل بيان دور كليات ال�شريعة‬

‫يف اجلامعات الأردنية على وجه‬ ‫اخل�صو�ص‪،‬بت�صحيح املفاهيم ال بد �أن‬ ‫ن�ؤكد على جملة من املقدمات التي من‬ ‫�ش�أنها �أن تقود �إىل النتائج ال�سليمة‪.‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬انه يتوقع دوماً من العلماء‪،‬‬ ‫وبخا�صة علماء ال�شريعة‪ ،‬يف املجتمع‪-‬‬ ‫�أي جمتمع‪ -‬امل�ساهمة بحل �إ�شكاليات‬ ‫حياته‪ ،‬و�أن يتمكنوا من �إيجاد احللول‪،‬‬ ‫واالحكام بل واملبادرات واالبتكارات التي‬

‫المقصود بكليات‬ ‫الشريعة‪ :‬هي الكلية‬ ‫األكاديمية التي‬ ‫تعتبر أحدى كليات‬ ‫الجامعة‪،‬وتقوم‬ ‫بتدريس ونشر الوعي‬ ‫الديني على أسس‬ ‫سليمة من خالل ما‬ ‫تطرحه من مساقات‬ ‫وبرامج وتخصصات‬ ‫أكاديمية‬ ‫ت�ساعد املجتمع يف النهو�ض والرقي‪،‬‬ ‫وبخا�صة يف الع�صر الراهن الذي ي�شهد‬ ‫قيماً متغرية‪ ،‬ومفاهيم ملتب�سة وت�ضليل‬ ‫�إعالمي ماكر‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬وميكن تلخي�ص دور كليات‬ ‫ال�شريعة باتاحة الفر�صة امام الراغبني‬ ‫يف درا�سة العلوم ال�شرعية‪ ،‬والتعريف‬ ‫بحقيقة الدين اال�سالمي وبالتفكر‬ ‫والثقافة اال�سالمية امل�ستنرية‪ ،‬وحتقيق‬ ‫وحدة ثقافية م�شرتكة بني املواطنني‬ ‫بغ�ض النظر عن تعدد �أل�سنتهم‬

‫‪65‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫وقومياتهم‪ ،‬ون�شر العلوم اال�سالمية‬ ‫امل�ستندة اىل القران وال�سنة‪ ،‬ام ً‬ ‫ال يف‬ ‫حتقيق الفهم ال�صحبح لل�سالم‪ ،‬ودفعاً‬ ‫لالغالط املثارة حوله و�سعياً اىل ن�شر‬ ‫الوعي والتنوير بر�سالة الإ�سالم وتراثه‪.‬‬ ‫وتقوية روح االبداع واالبتكار والنقد‬ ‫البناء واحلوار يف العملية التعليمية‬ ‫والرتبوية‪ .‬ومواكبة التجديد يف الفكر‬ ‫الإ�سالمي وت�صحيح املفاهيم والت�صورات‬ ‫اخلاطئة عن اال�سالم وتكوين الفهم‬ ‫الفقهي ال�صحيح‪.‬‬ ‫وتدريب الطلبة على فهم الواقع و�إنزال‬ ‫الأحكام عليه بطريقة �صحيحة وربط‬ ‫هذه الأحاكم باملقا�صد ال�شرعية‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫�ساد�ساً‪ :‬حني احلديث عن م�ساهمات‬ ‫كليات ال�شريعة يف خدمة املجتمع ينبغي‬ ‫�أن تعالج الأمور بكل حكمة ودراية‬ ‫وب�صرية من �أجل ردم الفجوة املفتعلة‬ ‫بينها وبني غريها من الكليات‪.‬‬

‫مق�صوراً على �إظهار احلقائق واملباديء‬ ‫الإ�سالمية فح�سب‪ ،‬و�إمنا يتعدى ذلك‬ ‫�إىل املمار�سة والتطبيق وفقاً لأحكام‬ ‫ال�شريعة مما يخدم حاجات املجتمع‬ ‫ومنوه وازدهاره‪ .‬وهذا الدور ين�صب على‬ ‫جمال التبليغ ون�شر مبادئ الإ�سالم‪،‬‬ ‫وتوظيفها لت�صبح منهج حياة‪.‬‬

‫�سابعاً‪ :‬حني نتحدث اليوم عن دور كليات‬ ‫ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم ينبغي �أال‬ ‫نتوقف عند املا�ضي وما �أجنز فيه‪ ،‬و�إن ‪� -‬إيجاد طلبة يفكرون وال يحفظون‬ ‫كان هذا الأمر ح�سنا‪ ،‬و�إمنا ال بد لنا من ‪،‬ينتقدون وال ي�سلمون‪ ،‬يجتهدون وال‬ ‫التطلع �إىل م�ستقبل كليات ال�شريعة وما يقلدون‪ ،‬يبتكرون وال يجرتون‪ ،‬طالب‬ ‫هو دورها يف هكذا ظروف ومالب�سات‪.‬‬ ‫كليات الشريعة يف‬ ‫ثامناً‪ :‬جتدر الإ�شارة حال احلديث عن‬ ‫هكذا دور لكليات ال�شريعة �أن ننبه �إىل الجامعات معنية أن‬ ‫ال�صعوبات املالية التي تواجه كليات تأخذ على عاتقها هدم‬ ‫ال�شريعة لتحقيق �أهدافها‪ ،‬وتنفيذ‬ ‫براجمها‪.‬‬ ‫األسوار بين الجامعة‬

‫ثالثاً‪ :‬كليات ال�شريعة –الآن‪ -‬حتت‬ ‫املجهر‪-‬داخلياً وخارجياً‪ -‬ولذا ت�أتي هذه‬ ‫الندوة لتدق ناقو�س اخلطر لتدارك‬ ‫تا�سعاً‪ :‬هناك طائفة من النا�س وو�سائل‬ ‫التق�صري‪،‬وت�صحيح امل�سار‪،‬واالنتباه �إىل‬ ‫الأعالم تقوم ب "هجائية" كليات‬ ‫اخلطر ومعاجلته قبل وقوعه‪.‬‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬و ُنذكر ه�ؤالء �أن كليات ال�شريعة‬ ‫رابعاً‪ :‬كليات ال�شريعة يف اجلامعات تخ�ضع لنظام التعليم العايل وهي لي�ست‬ ‫لي�ست ج�سماً غريباً يف احلرم اجلامعي م�ستقلة �إدارة‪ ،‬ومتويال عن احلرم‬ ‫و�إمنا هي تعمل يف خط متوازن مع بقية اجلامعي (الذي هو م�ؤ�س�سة وطنية) لها‬ ‫الكليات‪،‬ولقد حاولت كليات ال�شريعة �أدارتها‪ ،‬و�أنظمتها‪ ،‬وتعليماتها‪ ،‬ولذا فهي‬ ‫�أن تتخل�ص من تناق�ضات احلرم جزء من كل‪.‬‬ ‫اجلامعي‪،‬وبخا�صة الأفكار التي تبثها‬ ‫�أما دور كليات ال�شريعة يف ت�صحيح‬ ‫بع�ض الكليات اجلامعية الأخرى (على‬ ‫املفاهيم فيمكن �إجماله يف الآتي‪:‬‬ ‫�سبيل املثال‪:‬كليات الرتبية‪،‬وعلم النف�س‪،‬‬ ‫واالجتماع‪ ،‬واالقت�صاد‪ ،‬والإدارة وغريها) املتخ�ص�ص يف ال�شريعة الإ�سالمية‪-‬‬ ‫حول الإ�سالم وثقافته‪.‬‬ ‫�أ�ساتذة وطلبة‪ -‬هم دعاة خري و�إ�صالح يف‬ ‫املجتمع الذي يعي�شون فيه‪ ،‬وهم حملة‬ ‫خام�ساً‪ :‬هناك �أ�صوات تنادي ب�إخراج‬ ‫الر�سالة و�سفراء العلم والنه�ضة‪.‬‬ ‫كليات ال�شريعة من داخل احلرم‬ ‫اجلامعي و�إحلاقها بكليات خارجية تابعة ‪� -‬إعداد الطلبة املزودين باملعرفة‬ ‫للجامعة‪ ،‬بل هناك �أ�صوات �أخرى تنادي والعلم واخلربة واملهارة لأن النا�س‬ ‫بتجميع كليات ال�شريعة يف كلية واحدة اليوم �أحوج للن�صيحة يف عامل متغري‬ ‫و�إحلاقها �إما بجامعة واحدة �أو جتميعها م�ضطرب‪ ،‬تناط به مهمة الإ�صالح‬ ‫يف مكان واحد حتت عنوان "كلية �أ�صول والدعوة والتب�صري والرتغيب‪.‬‬ ‫الدعوة" �أو غريها من امل�سميات‪.‬‬ ‫‪ -‬مل يعد الدور الأ�سا�سي لكليات ال�شريعة‬

‫والمجتمع (لتصبح‬ ‫الجامعة خادمة‬ ‫محيطها) وذلك ألجل‬ ‫المساهمة يف مد‬ ‫الجسور المعرفية بين‬ ‫الجامعة والمجتمع‪.‬‬ ‫جتتمع فيه الب�صرية النافذة واملعرفة‬ ‫اليقينية‪ ،‬ومعاينة الواقع املعا�صر‬ ‫بدقة لتوجية الر�أي العام يف املجتمع‬ ‫نحو حتقيق مقا�صد ال�شريعة و�أهداف‬ ‫العقيدة وعدم االكتفاء بالت�صور النظري‬ ‫لأن الإ�سالم ال يكتفي بتوجيه الفكر دون‬ ‫الواقع �أو النظر دون العمل‪.‬‬ ‫ �إحياء روح االنتماء واملواطنة‪ ،‬وبيان‬‫التحدي الذي يواجه الأمة‪ ،‬وت�أ�صيل‬ ‫ف�ضيلة التنظيم الذاتي للفكر لدى‬ ‫الطالب يف اجلامعة ب�شكل عام‪.‬‬


‫ امل�ساهمة يف خلق دور �إمنائي فاعل وا ٍع يحمل ر�سالة الإ�سالم فكراً و�سلوكاً م�صطلحاً (يحاكي اللفظ الذي يعرب‬‫داخل احلرم اجلامعي وخارجه لإيجاد ومنهجاً ومعرفة وعم ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫عن هذه الفكرة)‪.‬‬ ‫ب�ؤرة �صاحلة للبحث العلمي ومنطلق‬ ‫ تنمية الثقافة الدينية والروحية ‪ -‬ت�ستند فكرة املواطنة يف الفكر‬‫للتغيري الثقايف‪.‬‬ ‫للمجتمع من خالل تنظيم الندوات الإ�سالمي على مفهوم اجلامعة وحرية‬ ‫ كليات ال�شريعة يف اجلامعات معنية وامل�شاركة يف امل�ؤمترات العلمية و�إلقاء املعتقد وفقه (امل�شاركة) وعلى املبادئ‬‫�أن ت�أخذ على عاتقها هدم الأ�سوار بني املحا�ضرات الدينية يف امل�ساجد واملدار�س‪ .‬الأ�سا�سية وهي‪:‬‬ ‫اجلامعة واملجتمع (لت�صبح اجلامعة‬ ‫ ت�صويب �أخطاء النا�س وبخا�صة يف ‪ .1‬مبد�أ امل�ساواة (�إن �أكرمكم عند اهلل‬‫خادمة حميطها) وذلك لأجل امل�ساهمة‬ ‫�أمور العقيدة‪ ،‬والأحكام الفقهية‪.‬‬ ‫�أتقاكم)‪.‬‬ ‫يف مد اجل�سور املعرفية بني اجلامعة‬ ‫واملجتمع‪.‬‬ ‫ تو�ضيح حقوق امل�سلمني على بع�ضهم ‪ .2‬مبد�أ تكاف�ؤ الفر�ص لكل الأجنا�س‬‫من حيث املحافظة على ال�ضرورات املنخرطة يف الدين الإ�سالمي (ال فرق‬ ‫إشاعة ثقافة التنوع‬ ‫اخلم�س‪( ،‬حفظ النف�س‪ ،‬والدين‪ ،‬بني عربي و�أعجمي �إال بالتقوى)‪ ،‬وتوزيع‬ ‫والعر�ض‪ ،‬واملال‪ ،‬والعقل‪).‬‬ ‫امل�س�ؤولية على جميع الرعايا (كلكم راع‬ ‫العريف االعتقادي‬ ‫وكلكم م�س�ؤول عن رعيته)‪.‬‬ ‫ بيان ف�ضل علوم ال�شريعة على املجتمع‬‫(وجعلناكم شعوبا‬ ‫ودورها يف رقيه وحفظ هويته‪.‬‬ ‫‪ .3‬م�شاركة امل�سلم للخالفة �أو الدولة يف‬

‫وقبائل لتعارفوا)‬

‫وأن هذا التنوع عامل‬ ‫خصوصية معرفية‪،‬‬ ‫ويحث على عدم‬ ‫االنكماش على الذات‪،‬‬ ‫وأن هذا التنوع ال يؤدي‬ ‫إىل الصدام‪.‬‬ ‫ ال تقت�صر وظيفة كليات ال�شريعة‬‫على تعميم املعارف الإ�سالمية ون�شرها‬ ‫فقط للقادمني على تلقي هذه املعارف‪،‬‬ ‫و�إمنا �إ�ضافة لذلك متتد وظيفتها �إىل‬ ‫رفع قدرة كل فرد على تلقي املعارف‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬واالنتقال من ح�سن تلقي‬ ‫هذه املعارف �إىل �إغناء هذه املعارف‬ ‫بالإ�ضافات الأ�صيلة واملبتكرة وبالتوجيه‬ ‫احل�سن‪.‬‬ ‫‪ -‬من مهمة كليات ال�شريعة �إن�شاء جيل‬

‫مهمة �إ�صالح املجتمع وهذه هي مقا�صد‬ ‫‪4‬دور كليات ال�شريعة يف تعزيز قيم‬ ‫ال�شريعة‪.‬‬ ‫املواطنة‬ ‫ الإ�سالم �أعطى �أهمية خا�صة للوطن‬‫ املواطنة ن�سبة �إىل الوطن (وهو مولد فاالنتماء للوطن يختلف عن االنتماء‬‫الإن�سان والبلد الذي هو فيه) قال للطائفة �أو القبيلة‪ .‬واملواطنة يف‬ ‫اجلوهري‪ :‬الوطن حمل الإن�سان‪.‬‬ ‫الإ�سالم بنيت على ن�صو�ص ثابتة ت�ؤكد‬ ‫وتعنى املواطنة امل�ساواة بني على حقوق الإن�سان وكرامته وحريته‪.‬‬ ‫ ‬‫املوطانني ب�صرف النظر عن االختالف ‪� -‬صحيفة املدينة كانت مبثابة د�ستور‬ ‫يف اللون �أو اجلن�س �أو الدين فاملواطنة يج�سد مبد�أ ال�شراكة يف الوطن بني‬ ‫عالقة يف وطن وحالة �شعور ورابطة امل�سلمني وغري امل�سلمني‪ ،‬وجت�سيداً مبد�أ‬ ‫االلتحام باالخر وقد و�ضعت عالقة‬ ‫تعاي�ش‪.‬‬ ‫اال�سالم باالخر بني ممار�سة وتطبيقاً‬ ‫ وعادة ما تكون رابطة اجلن�سية معياراً و�ضمنت حرية االختالف يف املعتقد‬‫ا�سا�سياً يف حتديد �أهمية املواطن وهي الديني‪ ،‬واقامة هذا املعتقد املخالف‬ ‫تعبري عن ال�صلة التي تربط بني امل�سلم لل�سالم وذلك كله يف مقابل الوالء لدولة‬ ‫كفرد وعنا�صر الأمة‪ .‬واملواطنة حقوق اال�سالم‪.‬‬ ‫وواجبات‪ ،‬ومبادرة الإن�سان وم�س�ؤولياته‬ ‫جتاه نف�سه وجتاه اجلماعة التي ينتمي ومن هنا يربز دور كليات ال�شريعة‬ ‫يف تعزيز قيم املواطنة‪:‬‬ ‫�إليها‪.‬‬ ‫ كليات ال�شريعة لها دور من حيث‬‫ واملواطنة يف الإطار الإ�سالمي تركن الرتبية على املواطنة وتكوين الإن�سان‬‫�إىل فيم الإ�سالم التي حتدد احلقوق (املواطن) الواعي املمار�س حلقوقه‬ ‫والواجبات املتبادلة ولذا فهي مفهوم وواجباته يف �إطار اجلماعة التي ينتمي‬ ‫(املفهوم يحاكي الفكرة) ولي�ست �إليها‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫‪68‬‬

‫ تعليم الطلبة ان املواطنة انفتاح الفعالة يف التنمية وتو�ضيح دوره العاملي‪ .‬وا�ست�شراف م�ستقبل �أف�ضل‪.‬‬‫متوازن (باعتبارها حم�ضن للهوية‬ ‫ تر�سيخ �أهداف املواطنة املتمثلة يف ‪ -‬الت�أكيد على �أن املواطنة واملحافظة‬‫وللخ�صو�صية احل�ضارية)‪.‬‬ ‫احرتام مقومات الوطن‪ ،‬االندماج مع على �أمن الوطن وا�ستقراره من �أوليات‬ ‫ و�ضع مفهوم املواطنة يف �إطارها اجلماعة بروح الإفادة والتعاون‪ ،‬قبول الإ�سالم والدولة الإ�سالمية (وذلك‬‫ال�صحيح �إذ املواطنة ال تختزل يف جمرد التعدد والتعاي�ش الديني واحرتام د�ستور من خالل الهجرة‪ ،‬بيعة العقبة الأوىل‬ ‫ال�شكل (هُ وية �أو جواز ال�سفر) و�إمنا الدولة وحب العمل والإنتاج‪.‬‬ ‫والثانية) و�أن املواطنة يف الإ�سالم ال‬ ‫يجب �أن جت�سد يف الغرية على الوطن‬ ‫تقوم على الدين فقط (فاملواطن غري‬ ‫ تقوية قيم الت�سامح والتطوع والتعاون‬‫واالعتزاز باالنتماء �إليه‪ ،‬وامل�شاركة‬ ‫امل�سلم يقدم كل الواجبات مقابل بع�ض‬ ‫والتكامل االجتماعي وروح الأمل‬ ‫احلقوق) (الر�سول‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ -‬ي�أخذ الزكاة من امل�سلمني يف‬ ‫الوقت الذي بع�ض اليهود من كل �شيء‬ ‫حتى اجلزية ومن واجب الدفاع عن‬ ‫املدينة)‪.‬‬ ‫ �إ�شاعة ثقافة التنوع العريف االعتقادي‬‫(وجعلناكم �شعوبا وقبائل لتعارفوا) و�أن‬ ‫هذا التنوع عامل خ�صو�صية معرفية‪،‬‬ ‫ويحث على عدم االنكما�ش على الذات‪،‬‬ ‫و�أن هذا التنوع ال ي�ؤدي �إىل ال�صدام‪.‬‬ ‫ يقع العبء على كليات ال�شريعة يف بيان‬‫�أن �أ�سا�س ت�شكيل الدولة يف الإ�سالم لي�س‬ ‫الدين فقط و�إمنا الأ�سا�س هو اخل�ضوع‬ ‫للنظام العام ولذا �ضمت هذه الدولة‬ ‫بني رعاياها (النبي حممد –�صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،-‬وامل�سلمون من قري�ش‬ ‫(املهاجرون) وامل�سلمون من يرثب‬ ‫(الأن�صار) واليهود (لي�سوا م�سلمني)‬ ‫ومن دخل يف حلفهم (م�شركو يرثب‬ ‫الأو�س واخلزرج) وه�ؤالء كونوا �أمة‬ ‫واحدة‪ ،‬وهذه الت�شكيل كما هو وا�ضح يف‬ ‫وثيقة املدينة هو يف الواقع �أ�سا�س فكرة‬ ‫املواطنة فالإ�سالم ودولته ي�ستوعب‬ ‫اجلميع (املتدين بو�صفه ديناً‪ ،‬واملواطن‬ ‫بو�ضعه ملتزماً بالقانون) وغري امل�سلم‬ ‫الذي يعي�ش يف دولة الإ�سالم من خالل‬ ‫ثقافته‪.‬‬


‫ بناء قيم املواطنة من خالل املواد التي للتعريف بالأحكام ال�شرعية واملباديء دوما �أن عملها مع هذه الكليات هو عمل‬‫تطرحها كليات ال�شريعة (مادة نظام العقدية‪.‬‬ ‫تكاملي ولي�س تناف�سيا‪.‬‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬مادة الثقافة الإ�سالمية‪ ،‬مادة‬ ‫‪ -3‬امل�ساهمة يف عقد الندوات وامل�ؤمترات ولذا علينا اليوم �أن نحاول مقاومة‬ ‫حقوق الإن�سان يف الإ�سالم وغريها)‪.‬‬ ‫واملهرجانات التي تهتم ببيان جوانب (ا�ضمحالل دور كليات ال�شريعة) و�أن‬ ‫وهذه املواد كفيلة �أن تو�ضح مفهوم‬ ‫الفكر الإ�سالمي يف �شتى امل�سائل‪.‬‬ ‫ن�ساعد هذه الكليات �أن تنجو بنف�سها‬ ‫املواطنة يف نفو�س الطلبة و�أن توجه‬ ‫كمحتوى وكوجود‪ ،‬لأن هناك �أ�سئلة‬ ‫االجتاهات الوجدانيه للطلبة لبناء ‪ -4‬امل�ساهمة يف ن�شر البحوث وامل�ؤلفات‬ ‫تطرح بني حني و�آخر و�أهمها ما يقوله‬ ‫قيم املواطنة دون االنح�صار يف اجلانب للموا�ضيع امل�ستجدة التي تواجه �أفراد‬ ‫النا�س اليوم" هل ميكن �أن تختفي‬ ‫املجتمع وبيان موقف ال�شريعة منها‬ ‫املعريف‪.‬‬ ‫كليات ال�شريعة من اجلامعات بحجة‬ ‫(اال�ستن�ساخ‪ ،‬والعوملة‪ ،‬والت�أمني‪ ،‬وزرع‬ ‫و�سائل حتقيق الأهداف‬ ‫عدم الإقبال على هكذا تخ�ص�ص‪� ،‬أو‬ ‫الأع�ضاء‪ ،‬والإدمان‪ ،‬واملخدرات‪ ،‬والإيدز‪،‬‬ ‫حتت ذريعة تغذية الإرهاب �أو ال�ضغوط‬ ‫ثمة تفاعل دائم بني كليات ال�شريعة واملعامالت االقت�صادية املعا�صرة)‪.‬‬ ‫الدولية"‬ ‫واجلامعة داخل احلرم اجلامعي من‬ ‫‪ -5‬تقدمي الوعظ والإر�شاد من خالل‬ ‫جهة‪ ،‬وبينها وبني املجتمع الذي تتواجد‬ ‫ولذا علينا �أن نتلم�س م�ستقبل هذه‬ ‫و�سائل الإعالم املرئية وامل�سموعة‬ ‫فيه من جهة �أخرى‪ ،‬بل �أن هذا التفاعل‬ ‫الكليات يف �ضوء الأحداث اجلارية‪.‬‬ ‫واملقروءة‪.‬‬ ‫هو "االعتماد" املتبادل الذي مينح هذه‬ ‫الكليات ق�سيمة البقاء واال�ستمرار‪ -6 ،‬اال�شرتاك يف عملية اخلطابة يوم‬ ‫وميثل ظاهرة �صحية ومفيدة للجامعات اجلمعة يف خمتلف امل�ساجد يف املجتمع‪.‬‬ ‫واملجتمع بل وللأمة‪ .‬ولذا حتاول كليات ‪ -7‬امل�ساهمة يف �إحياء املنا�سبات الدينية‬ ‫ال�شريعة �أن حتقق �أهدافها‪ ،‬و�أن ت�ؤدي والوطنية (الهجرة‪ ،‬املولد النبوي‪،‬‬ ‫دورها م�ستخدمة طرقا وو�سائل �أهمها‪ :‬الإ�سراء واملعراج‪ ،‬ف�ضائل رم�ضان‪،‬‬

‫‪ -1‬طرح مقررات �أكادميية (متطلبات اال�ستقالل‪ ،‬وغريها)‪.‬‬ ‫جامعة اختيارية و�إجبارية) تنطوي على‬ ‫اخلامتة‬ ‫ت�صحيح املفاهيم مثل مواد (الثقافة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬ونظام الإ�سالم‪ ،‬ونظام لي�س املهم �أن نتحدث اليوم عن دور‬ ‫الأ�سرة‪ ،‬حقوق الإن�سان‪ ،‬املدخل �إىل كليات ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم‬ ‫الفقه الإ�سالمي‪ ،‬علوم القر�آن‪ ،‬علوم خدمة للمجتمع فهذا �أمر نه�ضت‬ ‫احلديث‪ ،‬ال�سرية النبوية)‪.‬ومن خالل به كليات ال�شريعة يف كافة اجلامعات‬ ‫هذه امل�ساقات ت�ستطيع كلية ال�شريعة �أن والواقع ي�شهد �أن دورها‪-‬فيما م�ضى‪-‬‬ ‫متكن الهوية الإ�سالمية‪ ،‬وتزود طلبة متميز وملحوظ ورائد �سواء داخل احلرم‬ ‫اجلامعة بالتعاليم الإ�سالمية ال�صافية اجلامعي �أم خارجه‪ ،‬وميكن �أن يقال �أن‬ ‫واحلقيقية‪ ،‬وتر�سيخ مفاهيم عدم هذه الكليات هي حاملة م�شعل احلراك‬ ‫التبعية ( وبخا�صة جليل ال�شباب) لغري املعريف داخل احلرم اجلامعي وخارجه‬ ‫من حيث عقد الندوات وامل�ؤمترات‪،‬‬ ‫الإ�سالم‪.‬‬ ‫وهي بحق متقدمة على غريها من‬ ‫‪ -2‬تقدمي درو�س وحما�ضرات يف املدار�س كليات اجلامعة يف �أداء دورها و�أنها تظهر‬ ‫وم�ؤ�س�سات املجتمع املدين الأخرى‬

‫‪69‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫‪70‬‬

‫بقلم اال�ستاذ الدكتور عبدال�سالم العبادي‬

‫دور مجمع الفقه اإلسالمي في‬ ‫مجاالت االجتهاد الجماعي‬

‫ميار�س جممع الفقه اال�سالمي الدويل دورا كبريا متميزا يف الت�صدي لدرا�سة االمور‬ ‫اال�سا�سية الكربى التي حتتاجها االمة ‪ ،‬وا�ستنباط االحكام ال�شرعية للق�ضايا امل�ستجدة‬ ‫واحلادثة ‪ ،‬ومعاجلتها على ا�سا�س من االجتهاد اجلماعي ‪ ،‬والذي يعني التقاء جمموعة كبرية‬ ‫من العلماء تنظر يف امل�سائل املطروحة وفق قواعد االجتهاد املقررة يف ال�شريعة ‪ ،‬وعلى ا�سا�س‬ ‫من تعدد االنظار مما �سي�ؤدي اىل العمق يف البحث والأطمئنان اىل النتائج ‪ ،‬وتتخذ القرارات‬ ‫ب�أغلبية اع�ضاء جمل�سه ‪،‬ة الذي يتكون من علماء وفقهاء ميثلون الدول اال�سالمية ‪ ،‬باال�ضافة‬ ‫اىل ما ال يزيد عن ثلث االع�ضاء يختارهم املجل�س من كبار العلماء من الدول واجلاليات‬ ‫اال�سالمية يف العامل ‪.‬‬


‫وقد ت�صدى املحمع منذ ت�أ�سي�سه‬ ‫�سنة ‪1983‬اىل اكرث من ‪ 175‬مو�ضوعا‬ ‫�شملت ق�ضايا عامة وحتديات كربى‬ ‫تواجه االمة باال�ضافة ق�ضايا‬ ‫وم�سائل فكرية و�سيا�سية واقت�صادية‬ ‫وم�صرفية واجتماعية وطبية ‪.‬وقدم‬ ‫فيها معاجلات �شافية ‪ ،‬وقام منهجه‬ ‫يف ذالك على ا�ستكتاب جمموعة من‬ ‫املخت�صني لت�صوير امل�سائل على‬ ‫حقيقتها؛ فاحلكم على ال�شئ فرع عن‬ ‫ت�صوره ‪ ،‬باال�ضافة اىل ا�ستكتاب عدد‬ ‫من الفقهاء غري االع�ضاء كخرباء ‪،‬‬ ‫ويدور نقا�ش مو�سع ي�شارك فيه اع�ضاء‬ ‫املجمع ‪ .‬وعلى �ضوء البحوث املعدة‬ ‫واملناق�شات املو�سعة يتخذ القرار ‪،‬‬ ‫وين�شر كل ذلك يف جملة املجمع ‪.‬والتي‬ ‫جاوز عدد جملداتها ال ‪ 65‬جملدا‪،‬‬ ‫والتي بحمد اهلل تعاىل غطت ‪ 21‬دورة‬ ‫‪ .‬فنحن بف�ضل اهلل �سبحانه امام مكتبة‬ ‫ا�سالمية كربى ‪.‬‬ ‫ومن تقاليد املجمع عقد دورته‬ ‫ال�سنوية يف احدى الدول اال�سالمية ‪,‬‬ ‫وكذلك عقد الندوات املتخ�ص�صة لبحث‬ ‫املو�ضوعات ال�شائكة ‪ ،‬وقد حظينا يف‬ ‫اململكة االردنية الها�شمية با�ست�ضافة‬ ‫دورتني ‪ :‬الثالثة برعاية املغفور له‬ ‫باذن اهلل تعاىل امللك احل�سني بن طالل‬ ‫طيب اهلل تعاىل ثراه �سنة ‪1986‬م ‪ ،‬والتي‬ ‫بحثت فيها املو�ضوعات التالية ‪ ،‬واخذت‬ ‫فيها القرارات الالزمة ‪� :‬أجوبة على‬ ‫ا�ستف�سارات البنك اال�سالمي للتنمية‬ ‫‪ ،‬توظيف الزكاة يف م�شاريع ذات ريع‬ ‫بال متليك فردي للم�ستحق‪ ،‬اطفال‬

‫االنابيب ‪ ،‬اجهزة االنعا�ش ‪ ،‬توحيد‬ ‫بدايات ال�شهور القمرية‪ ،‬االحرام‬ ‫للقادم للحج والعمرة بالطائرة او‬ ‫الباخرة ‪ ،‬اجوبة عن ا�ستف�سارات املعهد‬ ‫العاملي للفكر اال�سالمي بوا�شنطن ‪،‬‬ ‫والتي قدم فيها( ‪ ) 35‬بحثا‪ ،‬وال�سابعة‬ ‫ع�شرة برعاية جاللة امللك عبداهلل ابن‬ ‫احل�سني املعظم حفظه اهلل تعاىل �سنة‬ ‫‪ 2006‬م والتي بحثت فيها املو�ضوعات‬ ‫التالية ‪ ،‬واخذت فيها القرارات‬ ‫الالزمة ‪ :‬اال�سالم واالمة الواحدة ‪:‬‬ ‫املذاهب العقدية والفقهية ‪ ،‬االفتاء ‪:‬‬ ‫�شروطه و�آدابه ‪ ،‬موقف اال�سالم من‬ ‫الغلو واتطرف ‪ ،‬التوفيق بني التقيد‬ ‫بالثوابت وبني مقت�ضيات املواطنة‬ ‫للم�سلمني خارج بالدهم ‪ ،‬ا�ستكمال‬ ‫النظر يف �صكوك امل�شاركة ‪� ،‬أو�ضاع املر�أة‬ ‫ودورها االجتماعي من منظور ا�سالمي‬ ‫‪ ،‬عالقة الدولة اال�سالمية وغريها‬ ‫باملواثيق الدولية ‪ ،‬ال�ضوابط ال�شرعية‬ ‫للبحوث الطبية البيولوجية ‪ ،‬مر�ض‬ ‫ال�سكري و�صيام �شهر رم�ضان ‪.‬‬ ‫وجرى و يجري التخطيط لعقد‬ ‫الدورة ‪ 22‬للمجمع با�ست�ضافة من‬ ‫دولة الكويت ال�شقيقة يف ال�شهر الثالث‬ ‫من هذا العام ‪.‬‬ ‫وعندما عينت امينا عاماً للمجمع‬ ‫�سنتي ‪2008‬و‪ 2009‬نظمت الدورة‬ ‫التا�سعة ع�شرة للمجمع وقد ت�صدت‬ ‫هذه الدورة اىل مو�ضوعة عدة منها ‪:‬‬

‫حرية التعبري عن الر�أي‪� :‬ضوابطها‬ ‫و�أحكامها ‪ ،‬العنف يف نطاق الأ�سرة‬ ‫‪ ،‬البيئة واحلفاظ عليها من منظور‬ ‫�إ�سالمي ‪ ،‬دور الرقابة ال�شرعية يف‬ ‫�ضبط �أعمال البنوك الإ�سالمية ‪:‬‬ ‫�أهميتها‪ ،‬و�شروطها ‪ ،‬طريقة عملها‬ ‫‪ ،‬وقف الأ�سهم وال�صكوك ‪ ،‬واحلقوق‬ ‫املعنوية ‪ ،‬املنافع ‪ ،‬تطبيق نظام البناء‬ ‫و التمليك (‪ )B.O.T‬يف تعمري‬ ‫الأوقاف ‪ ،‬املرافق العامة ‪ ،‬التورق‪:‬‬ ‫حقيقته ‪� ،‬أنواعه ( الفقهي املعروف و‬ ‫امل�صريف املنظم ) ال�صكوك الإ�سالمية‬ ‫(التوريق ) ‪ :‬وتطبيقلتها املعا�صرة‬ ‫وتداولها ‪ ،‬الإذن يف العمليات اجلراحية‬ ‫امل�ستعجلة ‪.‬‬ ‫ويف هذه الفرتة قدمت مذكرة‬ ‫بتعديالت مهمة على النظام اال�سا�سي‬ ‫للمجمع ‪ ،‬ومنكرة اخرى بخطة �شاملة‬ ‫لتطوير العمل يف املجمع مما �سيكون‬ ‫مو�ضوعا للحلقة الثانية من هذا املقال‪.‬‬ ‫فالواقع ان جممع الفقه الإ�سالمي‬ ‫الدويل جهاز فرعي علمي ملنظمة‬ ‫امل�ؤمتر الإ�سالمي ‪ ،‬له �شخ�صيته‬ ‫االعتيارية ‪ ،‬ومقره الرئي�سي يف مدينة‬ ‫جدة ‪ ،‬باململكة العربية ال�سودية ‪.‬‬ ‫واللغة العربية املعتمدة يف املجمع ‪،‬‬ ‫ويتوىل يف ا�ستقالل تام ‪ ،‬انطالقاً من‬ ‫القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ‪ ،‬بيان‬ ‫الأحكام ال�شرعية يف الق�ضايا التي تهم‬ ‫امل�سلمني‪.‬‬

‫احلرية الدينية يف ال�شريعة وقد ت�أ�س�س جممع الفقه الإ�سالمي�س‬ ‫الإ�سالمية‪� :‬أبعادها ‪ ،‬و�ضوابطها ‪ ،‬تنفيذاُ للقرار ال�صادر عن م�ؤمتر القمة‬

‫‪71‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫‪72‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬حتقيق التالقي الفكري بني تو�سيع دائرة االهتمام بالعمل الفقهي‬ ‫امل�سلمني يف �إطار ال�شريعة الإ�سالمية الإ�سالمي و�إعادة اعتباره مكوناً‬ ‫وما تتيحه مذاهبها من تنوع ثري رئي�سياً من مكونات الفكر و الثقافة‬ ‫وتعدد بناء ‪.‬‬ ‫الإ�سالميني‬

‫الإ�سالمي الثالث "دورة فل�سطني‬ ‫والقد�س " املنعقد يف مكة املكرمة‬ ‫باململكة العربية ال�سعودية يف املدة كم‬ ‫‪ 22-19‬ربيع الأول ‪ 1401‬هجري املوافق‬ ‫‪ 28-25‬كانون الثاين ‪ /‬يناير ‪1981‬م ‪،‬‬ ‫ثانياً‪ :‬االحتهاد اجلماعي يف ق�ضايا‬ ‫وقد ت�ضمن القرار مايلي ‪:‬‬ ‫احلياة املعا�صرة وم�شكالتها وت�شجيعه‬ ‫�إن�شاء جممع ي�سمى (جممع الفقه لتقدمي احللول التابعة من ال�شريعة‬ ‫اال�سالمي ) يكون �أع�ضا�ؤه من الفقهاء الإ�سالمية ؛ وبيان االختيارات املقبولة‬ ‫و العلماء و املفكرين يف �شتى جماالت من بني الآراء املتعددة يف امل�س�ألة‬ ‫املعرفة الفقهية و الثقافية و العلمية الواحدة مراعاة مل�صلحة امل�سلمني‬ ‫و االقت�صادية من خمتلف �أنحاء �أفراداً وجماعات ودو ًال ‪ ،‬مبا يتفق مع‬ ‫العامل الإ�سالمي لدرا�سة م�شكالت الأدلة ويحقق املقا�صد ال�شرعية ‪.‬‬ ‫احلياة املعا�صرة و االجتهاد فيها‬ ‫ثالثاً‪ :‬التن�سيق بني جهات الفتوى يف‬ ‫ال فاع ً‬ ‫اجتهاداً �أ�صي ً‬ ‫ال ‪ ،‬بهدف تقدمي‬ ‫العامل الإ�سالمي على النحو الذي‬ ‫احللول التابعة من الرتاث الإ�سالمي‬ ‫تبينه الالئحة التنفيذية ‪.‬‬ ‫واملنفتحة على تطور الفكر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬مواجهة التع�صب املذهبي ‪،‬‬ ‫وانطالقاً من روح بالغ مكة املكرمة‬ ‫و الغلو يف الدين ‪ ،‬وتكفري املذاهب‬ ‫اتخذت منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي جملة‬ ‫الإ�سالمية و�أتباعها‪ ،‬بن�شر روح‬ ‫من الإجراءات القانونية والتنفيذية‬ ‫االعتدال و الو�سطية و الت�سامح‬ ‫بهدف و�ضع الإطار القانوين والإداري‬ ‫بني �أهل املذاهب والفرق الإ�سالمية‬ ‫لتحقيق �إرادة القادة امل�سلمني ب�إن�شاء‬ ‫املختلفة ‪.‬‬ ‫جممع الفقه الإ�سالمي ‪ ،‬يلتقي فيه‬ ‫فقهاء الأمة لتقدمي الإجابات و احللول خام�ساً‪ :‬الرد على الفتاوى التي تخالف‬ ‫الأ�صلية و الوافية عن كل �س�ؤال تطرحه ثوابت الدين ‪ ،‬زقواعد االجتهاد املعتربة‬ ‫‪ ،‬وما ا�ستقر من مذاهب العلماء بري‬ ‫م�ستجدت احلياة املعا�صرة ‪.‬‬ ‫دليل �شرعي معترب‪.‬‬ ‫وقد بينت املادة الثالة من النظام‬ ‫اال�سا�سي اجلديد للمجمع ‪� :‬أهداف �ساد�ساً‪� :‬إبداء الر�أي ال�شرعي يف‬ ‫املو�ضوعات التي تت�صل بالواقع مبا‬ ‫املجمع‪:‬‬ ‫يي�سر الإفادة منه يف تطوير الت�شريعات‬ ‫ي�ؤدي املجمع مهامه املن�صو�ص عليها‬ ‫و القوانني و الأنظمة لتكون متوافقة‬ ‫يف هذا النظام يف ا�ستقالل تام عن‬ ‫مع �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫الدول الأع�ضاء ‪ ،‬ويعمل على حتقيق‬ ‫�سابعاً‪ :‬العمل على كل ما من �ش�أنة‬ ‫الأهداف الآتية ‪:‬‬

‫ثامناً‪ :‬اعتبار املجمع مرجعية �إ�سالمية‬ ‫فقهية عامة من خالل اال�ستجابة‬ ‫املبا�شرة لدواعي �إبداء الر�أي الفقهي يف‬ ‫م�ستجدات احلياة ‪ ،‬ويف التحديات التي‬ ‫تواجه الأمة الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫تا�سعاً‪� :‬إفتاء اجلاليات امل�سلمة خارج‬ ‫البلدان الإ�سالمية مبا يحمي قيم‬ ‫الإ�سالم ‪ ،‬وثقافته ‪ ،‬وتقاليده فيها‬ ‫حفاظاً على هويتها الإ�سالمية يف‬ ‫الأجيال املتتابعة مع مراعاة ظروفها‬ ‫اخلا�صة ‪.‬‬ ‫عا�شراً‪ :‬التقريب بني فقهاء املذاهب‬ ‫الإ�سالمية املتعددة املتفقة على ماهو‬ ‫معلوم من الدين بال�ضرورة تعظيماً‬ ‫للجوامع واحرتاماً للفروق ‪ ،‬و�أخذ‬ ‫�آرائهم جميعاً باالعتبار عند �إ�صدار‬ ‫املجمع لفتاواه وقراراته ‪ ،‬احلر�ص على‬ ‫�ضم ممثلني لهذه املذاهب �إىل ع�ضوية‬ ‫املجمع ‪.‬‬ ‫حادي ع�شر‪ :‬تو�ضيح حقيقة املوقف‬ ‫ال�شرعي من الق�ضايا العامة ‪.‬‬ ‫ثاين ع�شر‪ :‬العمل على جتديد الفقه‬ ‫الإ�سالمي بتنميته من داخله ‪ ،‬وتطويره‬ ‫من خالل �ضوابط اال�ستنباط و�أ�صول‬ ‫الفقه ‪ ،‬واالعتماد على الأدلة و القواعد‬ ‫ال�شرعية و العمل مبقا�صد ال�شريعة ‪.‬‬


‫ويف املادة الرابعة من النظام اال�سا�سي‬ ‫بينت ‪ :‬الو�سائل ‪:‬‬ ‫وحتى ي�ستطيع املجمع النهو�ض‬ ‫بر�سالته ‪ ،‬ويتمكن من حتقيق �أهدافه‬ ‫‪ ،‬ن�ص نظامه الأ�سل�سي يف مادته الرابعة‬ ‫على ‪:‬‬ ‫يعمل املجمع لتحقيق �أهدافه‬ ‫املن�صو�ص عليها يف يف املادة ال�سابقة من‬ ‫خالل جمل�سه وهيئة مكتبه و�أمانته‬ ‫و�شعبه بالو�سائل املتاحة و املمكنة كافه‬ ‫‪ ،‬ومن بيتها ‪:‬‬ ‫�أو ًال‪� :‬إ�صدار الفتاوي يف الق�ضايا التي‬ ‫تهم امل�سلمني ون�شرها على �أو�سع نطاق‬ ‫ممكن لت�شجيع تبني منهج الو�سطية‬ ‫الإ�سالمية الذي يحول بني امل�سلمني‬ ‫وبني الغل ّو �أو الإفراط �أو التفريط �أو‬ ‫�إتباع الآراء ال�شاذة ‪.‬‬ ‫ثانياً‪� :‬إ�صدار مو�سوعات فقهية �شاملة‬ ‫تهتم بق�ضايا الع�صر يف خمتلف‬ ‫جماالت احلياة ‪ ،‬وتعنى بامل�سائل‬ ‫املتداولة يف كتب الفقه ‪ ،‬وتكتب بلغة‬ ‫قريبة مي�سرة بحيث تقرب املعلومات‬ ‫الفقهية �إىل جمهور امل�شتغلني بالثقافة‬ ‫و الإعالم ‪.‬‬

‫فيها ‪ ،‬يراعى فيها االختالف املذهبي العلمية و العملية ‪ ،‬لبحث املو�ضوعات‬ ‫‪ ،‬وذكر الدليل ب�صورة خمت�صرة ‪ ،‬املعرو�ضة على املجمع ‪.‬‬ ‫ون�شرها يف العامل الإ�سالمي لتي�سري‬ ‫عا�شراً‪ :‬عقد م�ؤمترات وندوات علمية‬ ‫الرجوع �إليها يف تعديل الت�شريعات‬ ‫متخ�ص�صة ملناق�شة ق�ضايا بعينها ‪� ،‬أو‬ ‫والقوانني و النظام القائمة ‪.‬‬ ‫مو�ضوعات م�شكلة �أو ذات �شعب متعددة‬ ‫خام�ساً‪ :‬ت�شجيع البحث الفقهي اجلاد تقت�ضي بحثاً ومداولة فقهية �أو�سع مما‬ ‫من خالل �شعب املجمع وجلانه ويف تتيحه اجتماعات جمل�س املجمع و�شعبه‬ ‫نطاق اجلامعات و امل�ؤ�س�سات العلمية وجلانه ‪.‬‬ ‫الأخرى فيما يت�صل بتحديات الع�صر‬ ‫حادي ع�شر‪� :‬إبداء الر�أي ال�شرعي يف‬ ‫وم�ستجدات ق�ضاياه ‪.‬‬ ‫الوثائق التي ت�صدر من تامنظمة ومن‬ ‫�ساد�ساَ‪� :‬إقامة مراكز للدرا�سات �سائر املنظمات الإ�سالمية الأخرى كلما‬ ‫الإ�سالمية يف بع�ض املناطق املركزية طلب منه ذلك ‪.‬‬ ‫خارج العامل الإ�سالمي ‪ ،‬التعاون مع‬ ‫ثاين ع�شر ‪ :‬ن�شر جميع �أعمال املجمع‪،‬‬ ‫املراكز القائمة خلدمة �أهداف املجمع ‪،‬‬ ‫وقراراته ‪ ،‬وفتاواه ‪ ،‬و�أهم البحوث‬ ‫ور�صد ما ين�شر عن الإ�سالم يف املناطق‬ ‫املقدمة �إليه يف جملة املجمع املحكمة‪،‬‬ ‫التي ي�شملها عملها ودفع ما يثار من‬ ‫وعلى موقعه على ال�شبكة الدولية‬ ‫�شبهات ‪.‬‬ ‫للمعلومات واالت�صاالت ‪ ،‬وو�ضعها على‬ ‫�سابعاً‪ :‬لإحياء الرتاث الفقهي �أقرا�ص مدجمة تي�سرياً القتنهائها‬ ‫الإ�سالمي مع العناية بوجه خا�ص والإفادة منها ‪ ،‬وترجمتها �إىل اللغات‬ ‫بكتب �أ�صول الفقه ومقا�صد ال�شريعة املهمة �إ�سالمياً وعاملياً‬ ‫الإ�سالمية ‪ ،‬الفقه ‪،‬والفقه املقارن ‪،‬‬ ‫ون�شر امل�ؤلفات التي مل تن�شر يف هذه‬ ‫املجاالت بعد حتقييقها ‪ ،‬وترجمة عيون‬ ‫هذا الرتاث �إىل اللغات املهمة �إ�سالمياً‬ ‫وعاملياً ‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬و�ضع معجم �شامل للم�صطلحات‬ ‫ثامناً‪ :‬ح�صر املجامع وامل�ؤ�س�سات‬ ‫الفقهية واال�صولية يتوخى دقة‬ ‫والهيئات الفقهية القائمة يف العامل‬ ‫التعريف بكل م�صطلح ‪ ،‬و�ضبطه ‪،‬‬ ‫الإ�سالمي ‪ ،‬ويف مهاجر امل�سلمني خارجه‬ ‫و�سهولة التعبري عنه ‪.‬‬ ‫لتحديد اجلهات التي يتم بها التعاون و‬ ‫رابعاً‪� :‬إعداد م�شروعات قوانني التن�سيق بينهما وبني املجمع ‪.‬‬ ‫منوذجية يف خمتلف املجاالت التي‬ ‫اال�ستعانة باخلرباء‬ ‫تا�سعاً‪:‬‬ ‫حتتاج �إىل تقنني الأحكام الإ�سالمية‬ ‫املتخ�ص�صني يف خمتلف املجاالت‬

‫‪73‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫‪74‬‬

‫قال ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬فيما رواه زيد بن األرقم قال‪ :‬قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم‪ّ ": -‬‬ ‫إني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب اهلل عز و جل هو حبل اهلل من اتبعه كان‬ ‫على الهدى ومن تركه كان على ضاللة "‬

‫بقلم الدكتور يا�سر �أبو ح�سني‬

‫االنحراف الفكري وأثره على األفراد‬ ‫والمجتمعات‬ ‫�أر�سل اهلل تعاىل �سيدنا حممد ‪ -‬عليه ال�صالة و ال�سالم‬ ‫ لهداية النا�س‪ ،‬مميز ًا لهم احلق من الباطل‪ّ ،‬‬‫وو�ضح لهم‬ ‫املنهج القومي الذي ي�سريون عليه املتمثل يف القر�آن الكرمي‬ ‫وال�سنة النبوية املطهرة فقال ‪ -‬عليه ال�سالم ‪ -‬فيما رواه‬ ‫زيد بن الأرقم قال‪ :‬قال ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪� ": -‬إنيّ تارك فيكم ثقلني �أحدهما كتاب اهلل عز و‬ ‫جل هو حبل اهلل من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان‬ ‫على �ضاللة "(‪ّ ،)1‬‬ ‫فخط القر�آن الكرمي لهم الطريق الذي‬ ‫�إن اتبعوه جنوا و�إن حادوا عنه هلكوا ‪ -‬والعياذ باهلل‪ -‬يف‬ ‫قوله تعاىل‪َ ( :‬و َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِّل َت ُكو ُنو ْا ُ�ش َهدَ اء‬ ‫َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِيدً ا) البقرة‪،١٤٣ :‬‬ ‫َع َلى الن ِ‬ ‫عن عا�صم عن �أبي وائل عن عبد اهلل بن م�سعود‪ ،‬قال‬ ‫ّ‬ ‫"خط ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و �سلم ‪ -‬خط ًا بيده‬ ‫‪:‬‬ ‫ثم قال هذا �سبيل اهلل م�ستقيم ًا‪ ،‬قال ثم ّ‬ ‫خط عن ميينه‬ ‫و�شماله ثم قال هذه ال�سبل لي�س منها �سبيل �إال عليه‬ ‫�شيطان يدعو �إليه ثم قر�أ ( و�إن هذا �صراطي م�ستقيما‬ ‫فاتبعوه وال تتبعوا ال�سبل)" (‪.)1‬‬


‫التو�سط يف الفكر وال�سلوك وامل�شاعر‬ ‫ّ‬ ‫لتحث‬ ‫هي ما جاءت ال�شريعة الغراء‬ ‫النا�س عليه‪ ،‬وحت ّذر من امليل عنه �سوا ًء‬ ‫نحو الت�شدد والتطرف والغلو‪� ،‬أو نحو‬ ‫االنحالل والتق�صري يف الواجبات‬ ‫ال�شرعية‪ ،‬فاخلروج عن منهج الو�سطية‬ ‫واالعتدال �إىل �أيّ االجتاهني هو انحراف‬ ‫ي�ؤدي ب�صاحبه �إىل �سوء العاقبة‪ّ � ،‬إن‬ ‫االنحراف الفكري يهدد �صاحبه قبل �أن‬ ‫يهدد املجتمع‪ ،‬ف�آثاره ال تقت�صر على الفرد‬ ‫بل تتعداه لت�شمل حميطه االجتماعي‪،‬‬ ‫مهدد ًة وحدة امل�سلمني و�أمنهم الفكري‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬وم�ش ّوهة ل�صورة الإ�سالم‬ ‫احلقيقية ال�سمحة‪.‬‬ ‫�إ ّننا ن�شهد يف وقتنا احلا�ضر انحرافاً‬ ‫فكرياً خطرياً لدى بع�ض اجلماعات التي‬ ‫تن�سب نف�سها للإ�سالم‪ ،‬متخذ ًة امليل نحو‬ ‫الت�شدد والغلو منهجاً لها‪ ،‬وهي بذلك‬ ‫تخرج عن مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫القائمة على احلوار مع الآخر وتقبله‬ ‫خمالفة قوله ‪ -‬عليه ال�سالم‪ّ � " -‬إن هذا‬ ‫الدين ي�سر ولن ي�شا ّد هذا الدين �أحد‬ ‫�إال غلبه ف�سددوا وقاربوا "(‪ )3‬وهذه‬ ‫اجلماعات ينطبق عليها قوله ‪ -‬عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم ‪ -‬عن �أبي �سعيدٍ اخلدري‬ ‫– ر�ضي اهلل عنه‪ -‬قال �سمعت ر�سول‬ ‫اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬يقول‪:‬‬ ‫"يخرج فيكم قوم حتقرون �صالتكم‬ ‫مع �صالتهم‪ ،‬و�صيامكم مع �صيامهم‪،‬‬ ‫و�أعمالكم مع �أعمالهم‪ ،‬يقر�ؤون القر�آن‬ ‫وال يجاوز حناجرهم‪ ،‬ميرقون من الدين‬ ‫مروق ال�سهم من الرمية‪َ ،‬لئِنْ �أَ َنا �أَد َرك ُته ْم‬ ‫لأَ ْق ُتلَ َّن ُه ْم قتل عادٍ"(‪ ,)4‬وعلى فر�ض‬ ‫� ّأن الأمر و�صل مع املخالفني للإ�سالم‬ ‫�إىل ح ّد القتال ف� ّإن للحرب يف الإ�سالم‬ ‫�شروطاً و�أخالقاً ال نراها لدى مثل هذه‬ ‫اجلماعات املت�شددة‪ ،‬حيث قطعهم لر�ؤو�س‬ ‫خمالفيهم وعر�ضها يف و�سائل الإعالم‪،‬‬ ‫ويف الطرف النقي�ض نرى بع�ض من‬ ‫ينت�سبون للإ�سالم يدعون �إىل ركوب‬ ‫موجة التغريب‪ ،‬واتخاذ الغرب قدو ًة يف‬ ‫كل �شيء �سوا ًء احل�ضارة الثقافية الغربية‬

‫املخالفة لل�شرع‪� ،‬أو احل�ضارة املدنية منحرفة فكرياً ولكنها منحرفة �سلوكياً‪،‬‬ ‫الغربية التي �أجاز لنا ال�شرع الأخذ منها لأ�سباب خمتلفة منها طبيعة البيئة التي‬ ‫ب�ضوابط‪ ،‬وهم بذلك ينطبق عليهم قوله تعي�ش يف حميطها والتي ت�ؤثر فيها‪.‬‬ ‫ عليه ال�سالم‪َ " : -‬ل َت َّت ِب ُعنَّ َ�س نَ َ‬‫ن َمنْ‬ ‫�أ�سباب االنحراف الفكري‬ ‫َق ْبلَ ُك ْم �شِ برْ ً ا بِ�شِ برْ ٍ َو ِذ َرا ًعا بِذِ َرا ٍع َح َّتى َل ْو‬ ‫َ�سلَ ُكوا ُج ْح َر َ�ض ٍّب َل َ�سلَ ْك ُت ُمو ُه ُق ْل َنا َيا َر ُ�سو َل ال ب ّد لعالج �أيّ م�شكل ٍة من التعرف على‬ ‫هلل ا ْل َيهُو َد َوال َّن َ�صا َرى َقا َل َف َمنْ "(‪.)5‬‬ ‫ا ِ‬ ‫�أ�سبابها‪ ،‬لكي ي�سهل و�صف الدواء و�إيجاد‬ ‫احللول املنا�سبة لهذه امل�شكلة‪ ،‬واالنحراف‬ ‫مفهوم االنحراف الفكري‪:‬‬ ‫الفكري �أم ٌر طارئ على عقول النا�س‬ ‫هو "عدم ات�ساق �أو تطابق الفكر فالأ�صل �أن يبقى الإن�سان على فطرته‬ ‫ال�شخ�صي بانطباعاته وت�صوراته و�آرائه التي فطره اهلل عليها �سليم العقل‪ ،‬ولهذا‬ ‫مع جمموعة املبادئ والقيم العقائدية الطارئ �أ�سباب ا�ستعر�ض �أه ّمها لي�سهل‬ ‫والثقافية‪� ،‬أو ال�سيا�سات امل�ستقرة يف الو�صول �إىل عالج له‪ ،‬و هذه الأ�سباب هي‪:‬‬ ‫املجتمع"(‪.)9‬‬ ‫ ‬ ‫�أ‌‪� -‬أ�سباب دينية‬ ‫ و ُع ّرف �أي�ضاً ب�أ ّنه‪ " :‬انتهاك للمعايري‬‫املتعارف عليها‪ ،‬وحماولة اخلروج عن قيم ب‌‪� -‬أ�سباب تربوية‬ ‫و�ضوابط اجلماعة"(‪.)10‬‬ ‫ج ‪� -‬أ�سباب نف�سية ‬ ‫و ُع ّرف كذلك ب�أ ّنه‪":‬ذلك الفكر الذي د‪� -‬أ�سباب اجتماعية‬ ‫ال يلتزم بالقواعد الدينية وبالأعراف‬ ‫والنظم االجتماعية ويخالف تعاليم �أ‪�/‬أ�سباب دينية‬ ‫الإ�سالم"(‪.)11‬‬ ‫اجلهل مبقا�صد الدين‬ ‫من خالل عر�ض التعريفات ال�سابقة من املعلوم � ّأن ال�شارع عز وجل مل ُي�ش ّرع‬ ‫لالنحراف الفكري‪ ،‬ميكنني تعريف الأحكام الفقهية والعقدية عبثاً‪ ،‬بل جاءت‬ ‫االنحراف الفكري ب�أ ّنه‪ :‬امليل عن الفكر مل�صلحة النا�س �أجمعني ولي�س امل�سلمني‬ ‫ال�سويّ �إىل فكرٍ غري �سويّ خمالف لتعاليم فقط‪ ،‬فامل�صلحة العامة من �أهم مقا�صد‬ ‫الدين الإ�سالمي‪� ،‬إ ّما باجتاه الإفراط الت�شريع‪ ،‬وينبغي مراعاتها عند النظر‬ ‫والت�شدد‪� ،‬أو اجتاه التفريط واالنحالل؛ �إىل الأحكام ال�شرعية‪ ،‬ومن هذه امل�صالح‬ ‫�أو هو �أن يحيد امل�سلم عن و�سطية الإ�سالم التي راعاها ال�شرع م�صلحة درء املفا�سد‬ ‫�إىل الإفراط بالت�شدد يف تطبيق تعاليم عن امل�سلمني قبل جلب املنافع لهم‪ ،‬فدرء‬ ‫الدين الإ�سالمي دون النظر �إىل مقا�صد املف�سدة �أوىل من جلب امل�صلحة‪ ،‬وقد قرر‬ ‫الدين العامة �أو مراعاة م�صلحة العباد‪ ،‬علماء �أ�صول الفقه هذه القاعدة الفقهية‬ ‫�أو يحيد باجتاه التفريط يف التم�سك بهذه ‪ ،‬يقول ال�صنعاين‪ -‬رحمه اهلل ‪ ":-‬دفع‬ ‫التعاليم مبا ي�ؤثر على �شخ�صيته امل�سلمة املفا�سد �أهم عند ال�شارع من جلب امل�صالح‬ ‫ويهدد عقيدته‪.‬‬ ‫ملا عُلم من � ّأن مبنى الأحكام ال�شرعية على‬ ‫وينبغي الإ�شارة �إىل � ّأن معظم جلب امل�صالح ودفع املفا�سد "(‪،)12‬هذه‬ ‫االنحرافات ال�سلوكية ناجت ٌة عن القاعدة الأ�صولية يجهلها كثري ممن‬ ‫انحرافاتٍ فكرية‪ ،‬فقد جند بع�ضاً من مالوا وانحرفوا عن الفكر الإ�سالمي‬ ‫االنحرافات ال�سلوكية لي�ست ناجت ًة عن القومي‪ ،‬ف�أباحوا لأنف�سهم القيام ب�أعمال‬ ‫انحرافات فكرية‪ ،‬ك�أن تخرج املر�أة امل�سلمة جتلب امل�صالح – ح�سبما يزعمون ‪-‬‬ ‫كا�شف ًة �شعرها مع قناعتها التامة � ّأن ما كقتل ال�سياح يف بالد امل�سلمني وتفجري‬ ‫خمالف للدين‪ ،‬فهي هنا لي�ست الفنادق‪ ،‬مدّعني � ّأن يف هذه الأفعال انتقام‬ ‫ٌ‬ ‫تفعله‬

‫‪75‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫للم�سلمني امل�ست�ضعفني يف م�شارق الأر�ض‬ ‫ومغاربها‪ ،‬و� ّأن فيها ترويعاً للكفار‪،‬‬ ‫غافلون عن املفا�سد العظيمة التي‬ ‫�ستجلبها مثل هذه‬ ‫الأفعال على امل�سلمني‪ ،‬من تهديدٍ‬ ‫لوحدتهم‪ ،‬و�إ�ضرا ٍر باقت�صادهم‪ ،‬بل تنا�سوا‬ ‫� ّأن ه�ؤالء‬ ‫ال�سياح هم م�ست�أمنون(‪ )13‬يجب على‬ ‫الدولة �أن ت� ّؤمن لهم احلماية لهم ما‬ ‫فج ْه ُل مثل ه�ؤالء‬ ‫داموا على �أرا�ضيها‪َ ،‬‬ ‫املغالني ملقا�صد الإ�سالم جعلهم يوغلون يف‬ ‫تع�صبهم ومغاالتهم‪ ،‬ومن الأمثلة العملية‬ ‫على تطرف هذه اجلماعات ما قامت به‬ ‫يوم التا�سع من ت�شرين الثاين عام ‪2005‬‬ ‫بتفجري ثالثة فنادق يف العا�صمة الأردنية‬ ‫عمان خم ّلفة �ستني قتي ً‬ ‫ال و�أكرث من‬ ‫جريح‪ " ،‬يف يوم التا�سع من ت�شرين‬ ‫مائتي‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫الثاين عام ‪ ،2005‬كان ليل عمان حزينا �إذ‬ ‫دوت فيه انفجارات ا�ستهدفت ثالثة فنادق‪،‬‬ ‫هي‪ :‬الرادي�سون �سا�س ‪ ،‬وحياة عمان‪ ،‬ودايز‬ ‫�إن‪ ،‬لتوقع �ستني بريئا ومائتي م�صاب"‬ ‫(‪.)14‬‬ ‫ب‪� -‬أ�سباب تربوية‬ ‫‪ -1‬التق�صري يف الرتبية‪.‬‬ ‫‪� -2‬أ�صدقاء ال�سوء‪.‬‬ ‫‪ -1‬التق�صري يف الرتبية‬ ‫عن نافع بن عمر قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪-‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ‪": -‬كلكم را ٍع وكلكم‬ ‫م�سئول‪ ،‬فالأمري را ٍع على النا�س وهو‬ ‫م�سئول‪ ،‬والرجل را ٍع على �أهل بيته وهو‬ ‫م�سئول‪ ،‬واملر�أة راعية على بيت زوجها وهي‬ ‫م�سئولة‪ ،‬والعبد را ٍع على مال �سيده وهو‬ ‫م�سئول‪� ،‬أال فكلكم را ٍع‪ ،‬وكلكم م�سئول"‪ّ � ،‬إن‬ ‫ان�شغال الآباء والأمهات عن تربية �أبنائهم‬ ‫وتق�صريهم يف ذلك‪� ،‬أدى �إىل �أن يقع ه�ؤالء‬ ‫الأبناء فري�س ًة �سهل ًة لالنحراف الفكري‬ ‫باجتاهيه الإفراط والتفريط‪ ،‬ويخرج‬ ‫جي ً‬ ‫ال ذا �شخ�صية فكرية تبعية‪.‬‬

‫‪76‬‬ ‫�إهتم القران الكرمي بو�ضع القواعد‬ ‫الرتبوية الكفيلة ب�إعداد جيل من‬ ‫امل�سلمني ت� ّأ�صلت فيهم القيم الرتبوية‬ ‫القر�آنية‪ ،‬فانعك�ست على �أفكارهم‬ ‫و�أخالقهم‪ ،‬يقول حممد قطب – رحمه‬ ‫اهلل ‪ ": -‬منهج الرتبية الإ�سالمية ين�شئ‬ ‫النا�س على الواقعية ‪ ،‬ال يجفف عواطفهم‬ ‫وال ينزع روح الود واملحبة بينهم ‪� ،‬أنمّ ا‬ ‫يجعل ذلك متمماً وقريناً للإميان"(‪،)19‬‬ ‫ولننظر يف قوله تعاىل ( َو ْاع ُبدُواْ اللهَّ َ‬ ‫َو َال ُت ْ�ش ِر ُكواْ ِب ِه َ�ش ْي ًئا َوبِا ْل َوا ِل َد ْي ِن �إِ ْح َ�سا ًنا‬ ‫ني َوالجْ َ ا ِر‬ ‫َوبِذِ ي ا ْل ُق ْر َبى َوا ْل َي َتامَى َوالمْ َ َ�سا ِك ِ‬ ‫ال�صاحِ بِ‬ ‫ذِي ا ْل ُق ْر َبى َوالجْ َ ا ِر الجْ ُ ُنبِ َو َّ‬ ‫بِا َ‬ ‫ال�س ِبيلِ َومَا َملَ َكتْ �أَيمْ َا ُن ُك ْم)‬ ‫جلنبِ َوا ْب ِن َّ‬ ‫الن�ساء‪ ،٣٦ :‬لرنى كيف يزرع القر�آن‬ ‫الكرمي القيم الرتبوية يف نفو�س الن�شء‪،‬‬ ‫فهذه الآية ت�ضع منهجا تربوياً للأفراد‬ ‫ابتداء بالرتبية الروحية املتمثلة بعبادة‬ ‫اهلل وحده‪� ،‬إىل بيان كيفية التعامل مع‬ ‫الأهل واجلريان‪ ،‬و�صوال �إىل النهي عن‬ ‫ال�صفات الذميمة املنفرة املتمثلة بالتكرب‪،‬‬ ‫قطب – رحمه اهلل‪ -‬يف‬ ‫يقول �سيد‬ ‫تف�سريه لهذه الآية‪� ":‬إذ الأوالد يف الغالب‬ ‫يتجهون بكينونتهم كلها ‪ ،‬وبعواطفهم‬ ‫وم�شاعرهم واهتماماتهم �إىل اجليل الذي‬ ‫يخلفهم ال اجليل الذي خلفهم! وبينما‬ ‫هم مدفوعون يف تيار احلياة �إىل الأمام ‪،‬‬ ‫غافلون عن التلفت �إىل الوراء ‪ ،‬جتيئهم‬ ‫هذه التوجيهات من الرحمن الرحيم ‪،‬‬ ‫الذي ال يرتك والدا وال مولودا ‪ ،‬والذي ال‬ ‫ين�سى ذرية وال والدين‪ ،‬والذي يعلم عباده‬ ‫الرحمة بع�ضهم ببع�ض‪ ،‬كذلك يلحظ يف‬ ‫هذه الآية ويف كثري غريها � ّأن التوجيه‬ ‫�إىل الرب يبد�أ بذوي القربى ثم ميتد‬ ‫منها ويت�سع نطاقه من حمورها ‪� ،‬إىل‬ ‫بقية املحتاجني �إىل الرعاية من الأ�سرة‬ ‫الإن�سانية الكبرية"(‪.)20‬‬

‫ح ّذر القر�آن الكرمي من رفاق ال�سوء‬ ‫لأ ّنهم �سبب يف ال�ضياع والهالك‪ ،‬جاء‬ ‫فقال تعاىل (الأَخِ َّ‬ ‫الء َي ْو َمئِذٍ َب ْع ُ�ض ُه ْم‬ ‫ِل َب ْع ٍ�ض َع ُد ٌّو �إِ َّال المْ ُ َّت ِق َ‬ ‫ني) الزخرف‪،٦٧ :‬‬ ‫وقال تعاىل على ل�سان الأخالء النادمني‬ ‫على اتخاذ �صحبة �سيئة‪َ (:‬و ْيلَ َتى َل ْي َتنِي لمَ ْ‬ ‫�أَ َّتخِ ْذ ُفال ًنا َخلِيال)الفرقان‪ ، ٢٨ :‬و�أكدّت‬ ‫ال�سنة النبوية �أهمية الأ�صدقاء‪ ،‬قال‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬مثل‬ ‫اجللي�س ال�صالح واجللي�س ال�سوء‪ ،‬كمثل‬ ‫�صاحب امل�سك وكري احلداد‪ ،‬ال يعدمك‬ ‫من �صاحب امل�سك‪� :‬إما ت�شرتيه �أو جتد‬ ‫ريحه‪ ،‬وكري احلداد‪ :‬يحرق بدنك �أو‬ ‫ثوبك‪� ،‬أو جتد منه ريحا خبيثة"(‪ّ � ،)22‬إن‬ ‫رفيق ال�سوء ُي َع ّد من �أه ّم �أ�سباب االنحراف‬ ‫الفكري‪ ،‬حيث طول املرافقة‪ ،‬والتقارب يف‬ ‫العمر الذي ي�ؤدي �إىل تقارب يف التفكري‬ ‫وبالتايل �سهولة الت�أثري‪ ،‬لذا وجب‬ ‫على �أولياء الأمور التنبه لهذه النقطة‪،‬‬ ‫واختيار الأ�صدقاء ال�صاحلني لأبنائهم‪،‬‬ ‫لكي ال يخ�سروا ما زرعوه من تربية‬ ‫�صاحلة يف نفو�سهم ب�سبب رفقة ال�سوء‪.‬‬

‫ولعل الرتبية الغربية احلديثة التي‬ ‫يلج�أ �إليها كثري من امل�سلمني بحجة‬ ‫التطور والتقدم‪ ،‬والقائمة على ف�صل‬ ‫الدين عن احلياة‪� ،‬أثرت كثرياً يف البناء‬ ‫الرتبوي الفكري للطفل من حيث نظرته‬

‫وقد �أ�شارت الدرا�سات �إىل �أن متعاطي‬ ‫املخدرات ب�سبب �صديق ال�سوء ت�صل �إىل‬ ‫(‪ ،)%88‬ومن هذه الدرا�سات‪ :‬الدرا�سة‬ ‫الإح�صائية التي �أعدتها �شرطة دبي حول‬ ‫ت�أثري �صديق ال�سوء‪ ،‬وجاء فيها ‪ّ � " :‬إن (‬

‫�إىل تعاليم الدين و�إىل القيم والأعراف‪،‬‬ ‫�أ�ضف �إىل ذلك ح�صر ح�ص�ص الرتبية‬ ‫الإ�سالمية يف املدار�س بح�صتني �أو ثالثٍ‬ ‫�أ�سبوعياً �أدى �إىل قلة معرفة‬ ‫الطفل بدينه‪ ،‬يقول العواجي‪" :‬‬ ‫وهناك ُبعداً �آخراً ال يقل �أهمية عن ق�ضية‬ ‫التغريب‪� ،‬أال‬ ‫وهو ق�ضية التن�شئة الرتبوية على غري‬ ‫تقوى اهلل‪ ،‬فتنموا نفو�س الن�شء م�ش ّوهة‬ ‫على غري �أ�صلها‪ ،‬وو�صل الأمر يف بع�ض‬ ‫البلدان الإ�سالمية �إىل مهاوي االنحالل‬ ‫والإباحية"(‪.)21‬‬ ‫‪� -2‬أ�صدقاء ال�سوء‬


‫‪ )%88‬من تعاطي املخدرات للمرة الأوىل‪ ،‬و�صو ًال �إىل الهزمية النف�سية الداخلية‬ ‫يعود �إىل �صديق ال�سوء‪ ،‬وت�أثريه املبا�شر يف لديهم‪ ،‬مما ي�سهّل ال�سيطرة على عقولهم‪.‬‬ ‫توريط املراهقني والنا�شئة" (‪.)23‬‬ ‫جاء يف جريدة الر�أي الأردنية يف‬ ‫‪ -1‬تقدمي الهوى على ال�شرع‬ ‫العدد ال�صادر يوم الأربعاء ‪2014/3/19‬‬ ‫‪ ":‬يحاول املراهقون تقليد من هم �أكرب‬ ‫الهوى هو ميل النف�س واتباعه �سبب منهم �سناً مثل جنوم ال�سينما والفنانني‬ ‫رئي�سي من الأ�سباب التي �أدت �إىل ً ظهور وال�شخ�صيات العامة‪ ،‬ويت�ضاعف هذا‬ ‫الفرق ال�ضالة املنحرفة فكريا عرب الت�أثري يف ال�سلوكيات مثل التدخني ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التاريخ الإ�سالمي‪ ،‬فاتباع الهوى ُيزين ومن �أهم �أ�سباب انت�شار التدخني بني‬ ‫ل�صاحبه حرف ا ًلآيات والأحاديث عن املراهقني هو ت�أثري الأفالم والدعايات و‬ ‫معناها املراد �شرعا لكي توافق هواه‪ ،‬لذا تقليد الفنانني واملمثلني بح�سب درا�سة‬ ‫جاء النهي والتحذير يف القر�آن‬ ‫الكرمي �سابقة �أعدتها اجلمعية الوطنية الأردنية‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ تَ‬ ‫عن �إ ّتباع الهوى‪،‬قال‬ ‫تعاىل (للهَّ�أ ُف َر�أ ْي َ ملكافحة التدخني حتت عنوان (�أجيال‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َّ َ َ َ ُ‬ ‫م ْ َِن اتخ َذ �إِل َ َهه َه َوا ُه َو َ�أ ْ�ضله ا َ َع َلى �صاعدة بال تدخني (مت تنفيذها يف‬ ‫َ‬ ‫عِ ل ٍم َوخت َ َم َع ًلى َ َ�س ْم ِع ِه َوقل ِب ِه َو َج َعل َعلللهَّى ع�شرين مدر�سة من املدار�س احلكومية‬ ‫َ َب َ َ�ص ِر ِه َ َغِ َّ �شا َوة ف َمن َيهْدِ ي ِه مِ ن َب ْعدِ ا ّ ِ واخلا�صة يف حمافظة عمان‪ ،)26(.‬ويقول‬ ‫�أفال تذك ُرون) اجلاثية‪ ،٢٣ 2‬وقال مُرغبا ح�سن ال�ضامري‪":‬من العوامل امل�ؤدية‬ ‫امل�سلمني ب�إخ�ضاع هوى‬ ‫النف�س َ �إىل �إىل ظهور االنحرافات وانت�شارها الت�شبه‬ ‫َ‬ ‫لجْ‬ ‫َّ‬ ‫�ضوابط وتعاليم ال�شرع‪( :‬ف�إِن ا حِ ي َم بالكفار واتباع َ�س َننهم"(‪.)27‬‬ ‫هِ َي المْ َ�أْ َوى) النازعات‪"،٤١ - ٣٩ :‬واملت�أمل‬ ‫حلال �أهل الأهواء واالفرتاق والبدع‪ ،‬يجد‬ ‫د‪� -‬أ�سباب اجتماعية‬ ‫� ّأن من �أعظم �أ�سباب �إ�صرارهم على بدعهم‬ ‫هو الهوى وما متيل �إليه �أنف�سهم"(‪ -1 .)24‬و�سائل الإعالم وال�شبكة العنكبوتية‬ ‫(االنرتنت )‪.‬‬ ‫فا ّتباع الهوى يز ّين ل�صاحبه �سوء عمله‪،‬‬ ‫قال تعاىل (�أَ َفمن َكا َن َعلَى بي َن ٍة مِّن رب ِه ‪-2‬الفقر‪.‬‬ ‫َّ ِّ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫وا‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ء‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َاءهُ‬ ‫هْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َك َمن ُز ِّي َن َل ُه ُ�س َ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -1‬و�سائل الإعالم وال�شبكة‬ ‫حممد‪ ،١٤ :‬يقول الطربي ‪ -‬رحمه اهلل‬ ‫العنكبوتية ( االنرتنت )‬ ‫– ‪ ":‬وا َّتبعوا ما دعتهم �إليه �أنف�سهم من‬ ‫مع�صية اهلل‪ ،‬وعبادة الأوثان من غري �أن لو�سائل الإعالم وال�شبكة العنكبوتية‬ ‫يكون عندهم مبا يعملون من ذلك برهان ومواقع التوا�صل االجتماعي ر�سالة �سامية‬ ‫ت�ؤدّيها يف ن�شر الف�ضيلة يف املجتمعات‬ ‫وحجة"(‪.)25‬‬ ‫امل�سلمة‪ ،‬لكن �إذا حادت عن هدفها وتخلت‬ ‫‪ -2‬الإعجاب واالغرتار بالغرب‬ ‫عن ر�سالتها و�ض ّلت بو�صلتها‪ ،‬ف� ّإن ت�أثريها‬ ‫� ّإن ا�ستح�سان امل�سلمني وخا�صة ال�شباب ينعك�س �سلباً على �أفكار امل�سلمني‪ ،‬وت�صبح‬ ‫ّ‬ ‫منهم لعادات وتقاليد الغرب الكافر‪ ،‬ي�ش ّكل مُهددة لأخالق امل�سلمني ووحدتهم‬ ‫ال من عوامل االنحراف الفكري لدى وخا�صة �أ َّن هذه الو�سائل موجود ًة يف كل‬ ‫عام ً‬ ‫هذه الفئة من امل�سلمني‪ ،‬وخا�ص ًة �إذا بيت وال غنى عنها‪ ،‬لذا وجب‬ ‫مل يجدوا من يوجههم من �أويل الأمر توعية الأبناء بخطر هذه الو�سائل‬ ‫وير�شدهم �إىل ال�ضوابط ال�شرعية يف املنحرفة عن هدفها‪ ،‬بهدف حماية‬ ‫الأخذ عن الغرب‪ ،‬ل ّأن هذا الإعجاب قد فكرهم و�أخالقهم‪ ،‬لينعك�س ذلك �إيجابا‬ ‫يتطور �إىل درجة االنبهار بهم مما ي�ؤدي على �سلوكياتهم‪ ،‬يقول الدكتور حممد‬ ‫�إىل الإح�سا�س بالدونية لدى امل�سلمني الغامدي يف درا�سة له حول �أثر االنرتنت‬

‫على ال�شباب‪ ":‬من م�آ�سي �شبكة الإنرتنت‬ ‫ما تزخر به من مواقع تروج للعقائد‬ ‫الباطلة والأفكار الهدامة والدعوات‬ ‫اخلبيثة‪ ،‬ونتيج ًة ملا ي�سود مرحلة ال�شباب‬ ‫من ف�ضول وعدم ا�ستقرار نف�سي وفكري‪،‬‬ ‫وقع كثري من ال�شباب العربي يف حبائل‬ ‫جماعات م�شبوهة ُتعادي الدين‪ ،‬ومن‬ ‫�أ�شنع الأمثلة على ذلك ما و�صل به احلال‬ ‫من بع�ض ال�شباب العربي الذين انت�سبوا‬ ‫�إىل جماعة ت�سمي نف�سها جماعة عبدة‬ ‫ال�شيطان وقد �أفادت اعرتافاتهم �أمام‬ ‫املحققني امل�صريني �أ ّنهم تلقوا �أفكارهم‬ ‫و�سعوا لبثها عن طريق الإنرتنت‪،‬و� ّإن‬ ‫(‪ )% 13,2‬ممن �شملتهم الدرا�سة‬ ‫ي�ستخدمون ال�شبكة لالطالع على مواد‬ ‫جن�سية"( ‪)28‬‬ ‫‪ -2‬الفقر‬ ‫اهتم الإ�سالم بتقوية اجلانب‬ ‫االقت�صادي للدولة الإ�سالمية‪ ،‬ملا لهذا‬ ‫اجلانب من ت�أثري على جميع جوانب‬ ‫احلياة للم�سلم‪ ،‬فقال تعاىل‪ (:‬هُ َو ا َّلذِ ي‬ ‫َج َع َل َل ُك ُم الأَ ْر َ‬ ‫�ض َذ ُلوال َف ْام ُ�شوا فيِ َم َنا ِك ِبهَا‬ ‫َو ُك ُلوا مِ ن ِّر ْز ِق ِه َو ِ�إ َل ْي ِه ال ُّن ُ�شو ُر) امللك‪،١٥ :‬‬ ‫وقال ‪ -‬عليه ال�سالم ‪":-‬مَا �أَ َك َل �أَ َح ٌد َط َعا ًم‬ ‫َق ُّط َخيرْ ً ا مِ نْ �أَ ْن َي�أْ ُك َل مِ نْ َع َملِ يَدِ ِه َو ِ�إ َّن‬ ‫ال�س َ‬ ‫ال ُم ‪َ -‬كا َن َي�أْ ُك ُل‬ ‫َن ِب َّي ا ِ‬ ‫هلل دَا ُو َد ‪َ -‬علَ ْي ِه َّ‬ ‫مِ نْ َع َملِ يَدِ هِ"(‪.)29‬‬ ‫ف�إهمال اجلانب االقت�صادي ي�ؤدي �إىل‬ ‫م�شكالت كثرية �أهمها الفقر الذي يُعدُّ‬ ‫�سبباً رئي�ساً يف انحراف الأفراد فكرياً‬ ‫و�سلوكياً‪ ،‬حيث ي�ستغل �أ�صحاب الفكر‬ ‫املت�شدد حاجة النا�س ل�س ّد حاجاتهم‬ ‫الأ�سا�سية مدخ ً‬ ‫ال لن�شر �أفكارهم ال�ضالة‪،‬‬ ‫وملا للفقر من خطورة كبرية فقد تع ّوذ‬ ‫الر�سول الأعظم ‪-‬عليه ال�صالة وال�سالم ‪-‬‬ ‫منه يف الدعاء‪ ،‬عن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‬ ‫� ّأن النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬كان‬ ‫يقول‪( :‬اللهم �إنيّ �أعوذ بك من الك�سل‬ ‫والهرم‪،‬‬ ‫وامل�أثم واملغرم‪ ،‬ومن فتنة القرب‪ ،‬وعذاب‬ ‫القرب‪ ،‬ومن فتنة النار وعذاب النار‪ ،‬ومن‬

‫‪77‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫�شر فتنة الغنى‪ ،‬و�أعوذ بك من فتنة الفقر‪،‬‬ ‫و�أعوذ بك من فتنة امل�سيح الدجال‪ ،‬اللهم‬ ‫اغ�سل عني خطاياي مباء الثلج والربد‪،‬‬ ‫ونق قلبي من اخلطايا كما نقيت الثوب‬ ‫الأبي�ض من الدن�س‪ ،‬وباعد بيني وبني‬ ‫خطاياي كما باعدت بني امل�شرق واملغرب‬ ‫"(‪ ،)30‬فالفقر ميثل �أر�ضية خ�صبة لنمو‬ ‫الإرهاب‪ ،‬عرب ا�ستغالل القوى الإرهابية‪،‬‬ ‫واجلماعات املتطرفة لعوز الفقراء‬ ‫وتوظيفهم للعمل الإرهابي‪ ،‬من خالل‬ ‫�إقناعهم ب�أ ّنهم م�صابون بالغنب والظلم‪،‬‬ ‫و�إن ال عدالة اجتماعية يف ظل الواقع‬ ‫الذي يعي�شون‪ ،‬لذا ال ب ّد من تغيري هذا‬ ‫الواقع لتحقيق هذه العدالة املرجوة‪.‬‬ ‫يقول عدنان الأ�سمر يف بحث من�شور‬ ‫له يف موقع احلوار املتمدن‪ ":‬الفقراء‬ ‫ي�ضطرون لإخراج �أبناءهم من املدار�س‬ ‫لكي يذهبوا ل�سوق العمل وال يتمكن‬ ‫�أبناءهم من �إكمال درا�ساتهم العليا‪ ،‬وهذا‬ ‫يزيد من ن�سب اجلهل والأمية واالبتعاد‬ ‫عن م�صادر املعرفة‪ ،‬وهذا يكون الأ�سا�س‬ ‫االجتماعي لع�صابات العنف والإرهاب‬ ‫وال�سلوك العدواين �ضد النظام العام‬ ‫واملجتمع" (‪.)31‬‬ ‫‪ -3‬الظلم واال�ستبداد‬ ‫� ّإن وقوع الظلم واال�ستبداد على الإن�سان‬ ‫ي�شعره بالقهر والأ�سى‪ ،‬ويولد لديه نقمة‬ ‫على كل ما حوله ب�سبب �سوء الأو�ضاع التي‬ ‫يعي�شها‪ ،‬وينمي لديه مظاهر ال�سخط‬ ‫والتذمر و يدفعه �إىل البحث عن �أيّ منقذ‬ ‫له من واقعه املرير‪ ،‬هذا الواقع الذي‬ ‫يعي�شه املظلوم والذي ي�شعر به بالإذالل‬ ‫ت�ستغله اجلماعات املتطرفة لتبث �أفكارها‬ ‫بحجة االنت�صار له و�إخراجه من حالة‬ ‫اال�ستبداد والظلم والقهر‪� ،‬إىل تطبيق‬ ‫العدل ون�شر احلرية‪ ،‬ويزداد ت�أثري هذه‬ ‫الأفكار املتطرفة ب�شكل كبري يف ظ ّل غياب‬ ‫�أهل الن�صح والإر�شاد ممن يوجهون الأمة‬ ‫يف كيفية التعامل ال�صحيح مع الظلم‬ ‫واال�ستبداد من خالل ال�صرب والتح ّمل‬ ‫واالحت�ساب عند اهلل‪.‬‬

‫‪78‬‬ ‫وملا للظلم واال�ستبداد من خطورة والغلو هو‪" :‬الإفراط يف جماوزة‬ ‫كبرية على �أفكار النا�س بحرفها عن جادة املقدار املعترب �شرعاً يف �أمرٍ من �أمور‬ ‫ال�صواب نحو الت�شدد والنظر �إىل املجتمع الدين"(‪.)39‬‬ ‫نظرة ت�شا�ؤمية‪ ،‬فقد حرم اهلل تعاىل الظلم‬ ‫التطرف من ‪" :‬طرف وهو ح ِّد ال�شيء‬ ‫بكافة �أ�شكاله‪ ،‬كالظلم‬ ‫وحرفهِ"(‪)40‬‬ ‫َ‬ ‫الواقع بالل�سان فقال تعاىل ( َوا َّل َ‬ ‫ذِين‬ ‫ني والمْ ُ�ؤْمِ َناتِ ِب َغ ِ مَا ا ْك َت�سبوا وهو "جماوزة احل ّد والبعد عن التو�سط‬ ‫َُ‬ ‫ُي�ؤْ ُذو َن المْ ُ�ؤْمِ ِن َ َ‬ ‫يرْ‬ ‫َف َقدِ اح َتم ُلوا ب ْه َتا ًنا و�إ ْثما مبي ًنا) الأحزاب‪ :‬واالعتدال �إفراطا �أو تفريطاّ"(‪)41‬‬ ‫َ ِ ً ُّ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫أي‪:‬‬ ‫�‬ ‫‪":‬‬ ‫اهلل‪-‬‬ ‫رحمه‬ ‫–‬ ‫كثري‬ ‫‪ ،٥٨‬يقول ابن‬ ‫يظهر لنا � ّأن الغلو والتطرف قريبان‬ ‫ين�سبون �إليهم ما هم ُب َر�آء منه مل يعملوه من حيث املعنى‪ ،‬حيث يحمالن يف‬ ‫ومل يفعلوه"(‪� ، )32‬أو الظلم الواقع على طياتهما البعد وامليل عن الطريق الو�سط‬ ‫اجل�سد كالقتل �أو االعتداء ‪ ،‬فقال تعاىل الذي اختطه ال�شارع – ع ّز وج ّل ‪ -‬للنا�س‪،‬‬ ‫( َومَن َي ْق ُت ْل ُم�ؤْمِ ًنا ُّم َت َع ِّمدًا َف َج َزا�ؤُ ُه َج َه َّن ُم وقد كان موقف القر�آن الكرمي وا�ضحاً يف‬ ‫ذمهما والنهي عنهما‪.‬‬ ‫َخا ِلدًا فِيهَا َو َغ ِ�ض َب اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َل َع َن ُه َو�أَ َع َّد ّ‬ ‫َل ُه َع َذا ًبا عَظِ ي ًما) الن�ساء‪ ،٩٣ :‬ويف ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫انحراف‬ ‫يقول الطربي – رحمه اهلل ‪ ": -‬يعني � ّإن التطرف الفكري املنت�شر‬ ‫ري ومدم ٌر ال يق ّل خطور ًة عن �أيّ خطرٍ‬ ‫بذلك جل ثنا�ؤه‪ :‬ومن يقتل م�ؤم ًنا عامدًا خط ٌ‬ ‫قتله‪ ،‬مريدًا �إتالف نف�سه‪ ،‬فجزا�ؤه عذاب خارجي يهدد ال ّأمة الإ�سالمية‪ ،‬و�سببه‬ ‫جهنم باق ًيا فيها‪ ،‬وغ�ضب اهلل عليه بقتله الرئي�س هو البعد عن و�سطية الإ�سالم‬ ‫( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم‬ ‫�إياه متعمدًا‪ ،‬و�أبعده من رحمته و�أخزاه الواردة يف قوله‬ ‫"(‪� ،)33‬أو الظلم الواقع باالعتداء على �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا)البقرة‪ ،١٤٣ :‬فالو�سطية يف‬ ‫املال فقال تعاىل حفاظاً على املال من الفكر ينتج عنها و�سطية يف ال�سلوك ويف‬ ‫ال�سا ِر َق ُة َفا ْق َط ُعواْ امل�شاعر‪ ،‬والت�شدد والتطرف يف الفكر ينتج‬ ‫ال�سار ُِق َو َّ‬ ‫ال�سرقة‪َ ( ":‬و َّ‬ ‫�أَ ْيدِ َي ُه َما َج َزاء بمِ َا َك َ�س َبا َن َكا ًال م َِّن اللهَّ ِ َواللهَّ ُ عنه �سلوك منحرف وم�شاعر عدوانية‬ ‫َعزِي ٌز حكِيم) املائدة‪ ،٣٨ :‬و�أكد الر�سول – لكلِ خمالف‪ ،‬لذا نرى � ّأن من يتبنى �أفكاراً‬ ‫َ ٌ‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم‪ -‬ما جاء به القر�آن منحرفة يتخذ مواقفاً متطرفة ويغلو يف‬ ‫من حترمي للظلم فقال عليه ال�سالم ‪ " :‬نظرته العدائية لكل من يخالفه حتى‬ ‫ال يزال امل�ؤمن يف ف�سحة من ما مل ي�صب ولو كان من �أبناء امل�سلمني‪ ،‬ويبني لنا‬ ‫دما حراما"(‪ ،)34‬واعترب الر�سول – عبد الرحمن اللويحق الأ�ستاذ يف كلية‬ ‫عليه ال�سالم‪ّ � -‬أن الظلم يف الدنيا ظلمات ال�شريعة يف جامعة الإمام حممد بن �سعود‬ ‫على �صاحبه يوم القيامة فقال‪: ":‬الظلم مدى الغلو والتطرف ‪ ،‬حيث يعتربهما‬ ‫�سبباً خمرجاً من الإ�سالم‪ ،‬ويف هذا الربط‬ ‫ظلمات يوم القيامة"(‪.)35‬‬ ‫حتذير للمغالني واملتطرفني من اخلروج‬ ‫�آثار االنحراف الفكري‬ ‫من امل ّلة دون �شعور منهم‪ ،‬ظا ّنني �أ ّنهم‬ ‫يح�سنون �صنعا‪ ،‬يقول ‪ّ � ":‬إن الغلو يف ح ّد‬ ‫‪ -1‬الغلو والتطرف‪:‬‬ ‫ذاته مفارقة للجماعة‪ ،‬مبعنى مفارقة‬ ‫الغلو من ‪ ":‬غال‪ ،‬والغالء نقي�ض‬ ‫الرخ�ص منهج احلق وطريقه"(‪.)42‬‬ ‫ِ‬ ‫غال ال�سعر وغريه يغ ُلو غال ًء‪ ،‬وال ُغلوُ‬ ‫‪ -2‬التكفري‪:‬‬ ‫الذي هو التجاوز لقدر ما يحب"(‪.)36‬‬ ‫يعترب تكفري كل خمالف يف الفكر انحرافاً‬ ‫" َغال يف الأمر جاوز فيه احلدّ"(‪)37‬‬ ‫فكرياً‪ ،‬ذلك �أن التكفري يف الإ�سالم حمدّد‬ ‫"ال ُغال ِة ‪ :‬جمع َغالِ وهو املُتع�صِّ ُب اخلارج ب�ضوابط ومقيد بقيود‪ ،‬وال يحق لأي‬ ‫عن ا َ‬ ‫حل ِّد يف ال ُغ ُل ِّو"(‪)38‬‬ ‫�إن�سان �أن يعطي لنف�سه حق التكفري دون‬


‫مراعاة لهذه ال�ضوابط‪ ،‬لكن ما نراه‬ ‫اليوم عك�س ذلك حيث ظهور جماعات‬ ‫مت�شددة �أعطت لنف�سها هذا احلق‪ ،‬هذا‬ ‫نتيجة طبيعية للغلو والتطرف الفكري‬ ‫الذي �أ�صابها ب�سبب انحرافها الفكري‬ ‫وميلها عن منهج الإ�سالم يف التعامل مع‬ ‫ن�صبوا �أنف�سهم ق�ضاة ال دعاة‪،‬‬ ‫الآخر‪ ،‬فهم ّ‬ ‫يك ّفرون كل من يخالفهم من امل�سلمني‬ ‫�ضاربني عر�ض احلائط ب�ضوابط التكفري‬ ‫التي ا�ستنبطها علماء الأمة من القر�آن‬ ‫وال�سنة املطهرة‪ ،‬غري �آبهني مبا ينتج عن‬ ‫تكفريهم ملخالفيهم من �أحكام فقهية‬ ‫كالتفريق بني الزوجني‪ ،‬ومنع املرياث‪،‬‬ ‫وعدم الدفن يف مقابر امل�سلمني وغريها‪،‬‬ ‫�أو �آثار اجتماعية كبث الفتنة بني �أبناء‬ ‫املجتمع الواحد‪ ،‬وانت�شار الفو�ضى يف هذا‬ ‫املجتمع‪ ،‬ومثال هذه اجلماعات جماعة‬ ‫التكفري والهجرة التي ظهرت يف م�صر‬ ‫يف الثمانينيات من القرن الع�شرين والتي‬ ‫حتمل فكراً مت�شدداً‪ ،‬وقد �أ�شار الكثري من‬ ‫الك ّتاب �إىل �آثار التكفري على املجتمع‪ ،‬جاء‬ ‫يف كتاب التن�شئة الأ�سرية ودورها يف الأمن‬ ‫الفكري‪ ":‬التكفري يفتح الباب وا�سعاً‬ ‫لإحداث‬ ‫الفو�ضى يف املجتمع امل�سلم‪ ،‬كما يفتح‬ ‫الطريق للي�أ�س والقنوط من رحمة اهلل‪،‬‬ ‫عا�ص �إىل التوبة‪ ،‬بل قد يدفعه‬ ‫فال ي�سارع ٍ‬ ‫�إىل مزيد من االبتعاد عن �شرع اهلل"(‪.)43‬‬ ‫‪ -3‬التع�صب الفكري‪:‬‬ ‫هو "الت�شبث بالر�أي والإ�صرار عليه‬ ‫و�إن كان خط�أ"(‪.)44‬‬ ‫يعدُّ التع�صب لر�أي خاطئ غري م�ستند‬ ‫�إىل حجة‪� ،‬أو معتمدٍ على تقليدٍ للغري دون‬ ‫ا�ستي�ضاح ال�صواب من اخلط�أ‪ ،‬دلي ً‬ ‫ال على‬ ‫عمى �أ�صاب ب�صرية �صاحبه‪ ،‬وخلل فكري‬ ‫ً‬ ‫ح ّل بعقله‪ ،‬ل ّأن مقيا�س قبول الأ�شياء‬ ‫واحلكم عليها هو عر�ضها على ال�شرع‬ ‫والعقل ال على العاطفة‪ ،‬والتع�صب �صف ُة‬ ‫�ضعف يت�صف بها قليل احلجة‪ ،‬حيث‬ ‫ٍ‬ ‫جاء يف كتاب ( مقدمة يف �أ�سباب اختالف‬ ‫امل�سلمني وتفرقهم)‪ ":‬التع�صب مظهر‬

‫من مظاهر االنحراف الفكري وهو �شيمة‬ ‫من �شيم ال�ضعف‪ ،‬وخ ّلة من خلل اجلهل‪،‬‬ ‫يبتلى بها الإن�سان‪ ،‬فتعمى ب�صريته‪،‬‬ ‫وتغ�شى على عقله‪ ،‬فال يرى ح�سناً �إال‬ ‫ما ح�سن يف ر�أيه‪ ،‬وال �صواباً �إال ما ذهب‬ ‫وتع�صب �إليه"(‪.)45‬‬ ‫� ّإن �أيّ �إن�سانٍ مهما كان را�سخ القدم يف‬ ‫العلم‪ ،‬ف�إ ّنه مع ّر�ض للخط�أ‪ ،‬ل ّأن اخلط�أ‬ ‫�صفة ب�شرية‪ٌ ،‬‬ ‫وكل ي�ؤخذ من كالمه‬ ‫ويرد �إال املع�صوم ‪ -‬عليه �أف�ضل ال�صالة‬ ‫وال�سالم‪ -‬الذي ال ينطق عن الهوى‪ ،‬هذه‬ ‫احلقيقة جهلها �أو تغافل عنها املتع�صبون‬ ‫ف ُعميت �أب�صارهم‪ ،‬وطبع على قلوبهم‪ّ � ،‬إن‬ ‫التع�صب لأي كان لر�أي �أو �شخ�ص �أو حزب‬ ‫�أو مذهب �أو طائفة �أو قبيلة �إذا مل يكن‬ ‫على حقٍ فهو يهدد وحدة املجتمع امل�سلم‪،‬‬ ‫لذا جاء ذ ّم ال�شرع احلنيف له‪ ،‬يف قوله‬ ‫تعاىل (�إِ ْذ َج َع َل ا َّلذِ َ‬ ‫ين َك َف ُروا فيِ ُق ُلو ِب ِه ُم‬ ‫الحْ َ مِ َّي َة َحمِ َّي َة الجْ َ اهِ ِل َّي ِة َف�أَن َز َل اللهَّ ُ َ�سكِي َن َت ُه‬ ‫َعلَى َر ُ�سو ِل ِه َو َعلَى المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني َو�أَ ْل َز َم ُه ْم َك ِل َم َة‬ ‫ال َّت ْق َوى َو َكا ُنوا �أَ َح َّق ِبهَا َو�أَهْ لَهَا َو َكا َن اللهَّ ُ‬ ‫ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ًما) الفتح‪ ،٢٦ :‬حيث و�صف‬ ‫احلمية وهي التع�صب للقبيلة ب�أ ّنها‬ ‫من �أفعال اجلاهلية التي جاء الإ�سالم‬ ‫ليخل�ص الب�شرية منها‪ ،‬ويف قول النبي ‪-‬‬ ‫عليه ال�سالم‪ -‬الذي ال يحتمل الت�أويل وال‬ ‫يختلف على معناه اثنان‪ ،‬عن جابر قال‪:‬‬ ‫قال ر�سول اهلل ‪ ":‬ما بال دعوى اجلاهلية‬ ‫دعوها‪ ،‬ف�إ ّنها منتنة "(‪.)46‬‬ ‫‪ -4‬التحلل من القيم والأخالق‬ ‫واتّباع الهوى‬ ‫امليل عن الطريق امل�ستقيم لي�س‬ ‫بال�ضرورة �أن يكون باجتاه الت�شدد‬ ‫والتطرف والتع�صب الديني‪ ،‬بل قد يكون‬ ‫يف االجتاه املعاك�س لذلك‪ ،‬حيث االنحراف‬ ‫نحو االنحالل ا ُ‬ ‫خللقي والتحلل من القيم‬ ‫والأخالق‪ ،‬فاملنحرف فكرياً ال ت�ضبطه �أيّ‬ ‫�ضوابط �شرعية �أو �أخالقية �أو عُرفية لأ ّنه‬ ‫ٍ‬ ‫مال عن الطريق‪ ،‬ف�ضابطه الوحيد هو‬ ‫هوى نف�سه املخالف لل�شرع‪ ،‬و�إ�شباع نزواته‬ ‫ورغباته‪ ،‬وهذا ما ح ّذر القر�آن الكرمي منه‬

‫فقال تعاىل‪َ ( :‬يا دَا ُوو ُد �إِ َّنا َج َع ْل َن َ‬ ‫اك َخلِي َف ًة‬ ‫ا�س ِبالحْ َ ِّق َوال‬ ‫اح ُكم َبينْ َ ال َّن ِ‬ ‫فيِ الأَ ْر ِ�ض َف ْ‬ ‫َت َّت ِب ِع ا ْل َه َوى َف ُي ِ�ض َّل َك عَن َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ �إِ َّن‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي ِ�ض ُّلو َن عَن َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ َل ُه ْم َع َذ ٌاب‬ ‫َ�شدِ ي ٌد بمِ َا َن ُ�سوا َي ْو َم الحْ َِ�سابِ ) �ص‪ ،٢٦ :‬بل‬ ‫وعد القر�آن الكرمي من يتغ ّلب على هوى‬ ‫نف�سه باخللود يف اجلنة يف قوله تعاىل (�إِ َّن‬ ‫الجْ َ حِ ي َم هِ َي المْ َ�أْ َوى‬ ‫‪َ .1‬و�أَ َّما َمنْ َخ َ‬ ‫اف َم َقا َم َر ِّب ِه َو َنهَى ال َّن ْف َ�س‬ ‫ع َِن ا ْل َه َوى‬ ‫‪َ .2‬ف�إِ َّن الجْ َ َّن َة هِ َي المْ َ�أْ َوى) النازعات‪:‬‬ ‫‪٤١. – ٣٩‬‬ ‫يقول �سيد قطب – رحمه اهلل ‪": -‬‬ ‫وهنالك حرية �إن�سانية تليق بتكرمي اللهّ‬ ‫للإن�سان تلك هي حرية االنت�صار على‬ ‫هوى النف�س واالنطالق من �أ�سر ال�شهوة‪،‬‬ ‫والت�صرف بها يف توازن تثبت معه حرية‬ ‫االختيار والتقدير الإن�ساين‪ ،‬وهنالك‬ ‫حرية حيوانية هي هزمية الإن�سان �أمام‬ ‫هواه وعبوديته ل�شهوته‪ّ � ،‬إن الأول هو‬ ‫الذي ارتفع وارتقى وتهي�أ للحياة الرفيعة‬ ‫الطليقة يف جنة امل�أوى‪ّ � ،‬أما الآخر فهو‬ ‫الذي ارتك�س وانتك�س وتهي�أ للحياة يف درك‬ ‫اجلحيم حيث تهدر �إن�سانيته"(‪)47‬‬ ‫نرى املنحرف فكرياً يبيح لنف�سه‬ ‫املحرمات‪ ،‬فال يرى غ�ضا�ضة يف تقليد‬ ‫الغرب فيما يخالف ال�شرع من م�أكل‬ ‫�أو ملب�س �أو غريها‪ ،‬وقد و�صف حبنكة‬ ‫امليداين(‪ )48‬حال املنحرف فكرياً املتبع‬ ‫لهواه فقال‪ ":‬فمنحرف الفكر ُتز ّين له‬ ‫�أهوا�ؤه و�شهواته ومطالبه �صورة من �صور‬ ‫الباطل‪ ،‬فتجعله ينادي ب�أ ّنها حق"(‪،)49‬‬ ‫لذا نرى �سلوك املنحرف فكرياً ال ي�ؤ ّثر‬ ‫�سلبيا عليه فقط ب�أن ي�صبغه بال�صبغة‬ ‫ال�سيئة‪ ،‬بل ي�ؤ ّثر على املجتمع املحيط‬ ‫به‪ ،‬من ن�ش ًر للرذيلة واجلرمية‪ ،‬و�إف�سا ًد‬ ‫يف الأر�ض‪ ،‬وهذا الت�أثري ينعك�س مبجمله‬ ‫على وحدة وقوة الأمة الإ�سالمية ‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫درا‬

‫سات‬ ‫إسالمية‬

‫‪80‬‬

‫موقف ال�شرع احلنيف من االنحراف ليِ �أَ ْن �أَ ُقو َل مَا َل ْي َ�س ليِ ب َِح ٍّق �إِن ُكنتُ ُق ْل ُت ُه‬ ‫َف َق ْد َع ِل ْم َت ُه َت ْعلَ ُم مَا فيِ َن ْف�سِ ي َو َال �أَ ْعلَ ُم مَا‬ ‫الفكري‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫فيِ نف�سِ ك �إِنك �أنتَ َعال ُم الغيُوبِ ) املائدة‪:‬‬ ‫نعى القر�آن الكرمي على �أهل الكتاب ‪.١١٦‬‬ ‫ُبعدهم عن الفكر ال�صحيح الذي جاء به‬ ‫ذمت �أهل الكتاب على‬ ‫عي�سى – عليه ال�سالم‪ -‬وغل ّوهم وت�شددهم ومن الآيات التي ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫يف دينهم و�شططهم يف نظرتهم �إىل نبي غ ّلوهم الفكري �أي�ضاً‪ ،‬قوله تعاىل‪( :‬قل َيا‬ ‫اهلل عي�سى – عليه ال�سالم‪ -‬حيث رفعوه �أَهْ َل ا ْل ِك َتابِ َال َت ْغ ُلواْ فيِ دِي ِن ُك ْم َغيرْ َ الحْ َ ِّق‬ ‫�إىل مرتبة الألوهية‪ ،‬قال تعاىل‪َ ( :‬يا �أَهْ َل َو َال َت َّت ِب ُعواْ �أَهْ َواء َق ْو ٍم َق ْد َ�ض ُّلواْ مِ ن َق ْب ُل‬ ‫ال�س ِبيلِ )‬ ‫ا ْل ِك َتابِ َال َت ْغ ُلواْ فيِ دِي ِن ُك ْم َو َال َت ُقو ُلواْ َعلَى َو�أَ َ�ض ُّلواْ َك ِث ً‬ ‫ريا َو َ�ض ُّلواْ عَن َ�س َواء َّ‬ ‫ي�سى ا ْب ُن َم ْريمَ َ املائدة‪ ،٧٧ :‬يقول �أبو ال�سعود – رحمه اهلل‬ ‫اللهَّ ِ �إِ َّال الحْ َ َّق �إِنمَّ َ ا المْ َ�سِ ي ُح عِ َ‬ ‫َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َو َك ِل َم ُت ُه �أَ ْل َقاهَا �إِلىَ َم ْريمَ َ َو ُرو ٌح – "( َال َت ْغ ُلواْ يف دِي ِن ُك ْم ) �أي ال تتجاوزوا‬ ‫للهَّ‬ ‫هي للن�صارى عن رفع عي�سى‬ ‫ِّم ْن ُه َف�آمِ ُنواْ بِا ِ َو ُر ُ�س ِل ِه َو َال َت ُقو ُلواْ َثال َث ٌة احلدّ‪ ،‬وهو ُن ٌ‬ ‫ان َتهُواْ َخيرْ ً ا َّل ُك ْم ِ�إنمَّ َ ا اللهَّ ُ ِ�إ َل ٌه َواحِ ٌد ُ�س ْب َحا َن ُه عن رتبة الر�سالة �إىل ما تق َولوا يف حقه‬ ‫ال�س َما َوات َومَا فيِ من العظيمة‪ ،‬ولليهود عن و�ضعهم له ‪-‬‬ ‫�أَن َي ُكو َن َل ُه َو َل ٌد َّل ُه مَا فيِ َّ‬ ‫ال) الن�ساء‪ ،١٧١ :‬عليه ال�سالم ‪ -‬عن رتبته العل ّية �إىل ما‬ ‫الأَ ْر ِ�ض َو َك َفى بِاللهَّ ِ َوكِي ً‬ ‫قال الطربي‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يف ت�أويله لهذه تق َّولوا عليه من الكلمة ال�شنعاء"(‪.)52‬‬ ‫الآية‪ ":‬يعني جل ثنا�ؤه بقوله‪ :‬يا �أهل ‪� -2‬أمر اهلل تعاىل لنبيه ‪ -‬عليه ال�سالم‬ ‫الكتاب‪ ،‬يا �أهل الإجنيل من الن�صارى‪ ،‬ال ‪� -‬أن يلتزم الطريق القومي وال َيحيد عنه‬ ‫تغلوا يف دينكم‪ ،‬ال جتاوزوا احلق يف دينكم‬ ‫اب‬ ‫ا�س َت ِق ْم َك َما �أُمِ ْر َت َومَن َت َ‬ ‫فتفرطوا فيه‪ ،‬وال تقولوا يف عي�سى غري قال تعاىل‪َ ( :‬ف ْ‬ ‫ري)‬ ‫َم َع َك َو َال َت ْط َغ ْوا �إِ َّن ُه بمِ َا َت ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫احلق‪ ،‬ف�إن قولكم يف عي�سى �إنه ابن اهلل هود‪،١١٢ :‬يقول ابن عا�شور – رحمه اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫قول منكم على اهلل غري احلق‪ ،‬ل ّأن اهلل ‪ ":-‬ال َج َر َم �أَ ْن َكا َنتِ اِال ْ�س ِت َقا َم ُة َحا ِئلاً‬ ‫مل يتخذ ولدًا فيكون عي�سى �أو غريه دُو َن َذل َِك‪�ِ ،‬إ ِذ اِال ْ�س ِت َقا َم ُة هِ َي ا ْل َع َم ُل ِب َك َمالِ‬ ‫من خلقه له اب ًنا‪ .....‬و�أ�صل الغلو يف كل‬ ‫َّ‬ ‫ال�شرِي َع ِة ب َِح ْي ُث اَل َي ْن َحر ُِف َع ْنهَا قِي َد �شِ برْ‬ ‫�شي ٍء جماوزة حدّه الذي هو حدّه‪َ ....‬عن "(‪ ،)53‬واال�ستقامة امل�أمور بها النبي ‪-‬‬ ‫الربيع قال‪� :‬صاروا فريقني‪ٌ :‬‬ ‫فريق غلوا عليه ال�سالم ‪ -‬هي ا�ستقامة ناجتة عن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف الدين‪ ،‬فكان غلوهم فيه ال�شك فيه فكر م�ستقيم ال يحيد ع ّما �أنزله اهلل تعاىل‬ ‫والرغبة عنه‪ ،‬وفريق منهم َّ‬ ‫ق�صروا عنه‪ ،‬ب�أيّ اجتاه‪.‬‬ ‫فف�سقوا عن �أمر ربهم" (‪ّ � ،)50‬أما ابن‬ ‫اجلوزي – رحمه اهلل ‪ -‬فيقول يف تف�سريه ‪� -3‬إخبار النبي ‪ -‬عليه ال�سالم – ب�أ ّنه‬ ‫لهذه الآية‪ ":‬جماوزة القدر يف الظلم‪ ،‬ملتز ٌم مبا نزل عليه من ربه‪ ،‬ولن يتجاوزه‬ ‫وغلو الن�صارى يف عي�سى قول بع�ضهم ‪� :‬إىل زيادة �أو نق�صان‪ ،‬قال تعاىل على ل�سان‬ ‫هو اهلل‪ ،‬وقول بع�ضهم ‪ :‬هو ابن اهلل‪ ،‬وقول نبيه – عليه ال�سالم ‪ُ ( : -‬ق ْل مَا �أَ ْ�س�أَ ُل ُك ْم‬ ‫بع�ضهم ‪ :‬هو ثالث ثالثة‪ ،‬وقال بع�ض َعلَ ْي ِه مِ نْ �أَ ْجرٍ َومَا �أَ َنا مِ َن المْ ُ َت َك ِّل ِف َ‬ ‫ني) �ص‪:‬‬ ‫العلماء ‪ :‬ال تغلوا يف دينكم بالزيادة يف ‪ ،٨٦‬قال ابن كثري" �أي‪ :‬وما �أزيد على ما‬ ‫الت�شدّد فيه"(‪ ،)51‬والذي ي�ؤكد انحراف �أر�سلني اهلل به‪ ،‬وال �أبتغي زيادة‬ ‫الن�صارى ع ّما جاء به عي�سى‬ ‫عليه بل ما �أمرت به �أديته ال �أزيد عليه‬ ‫هو قول عي�سى ‪ -‬عليه ال�سالم ‪ -‬نافياً �أن وال �أنق�ص منه"‪ ،‬و�إخبار النبي ‪-‬عليه‬ ‫يكون قد ادعى الإلوهية التي �ألب�سوه �إ ّياها ال�سالم– بهذه احلقيقة هو ا�ستجابة‬ ‫ا�س َت ِق ْم َك َما �أُمِ ْر َت َومَن‬ ‫قال تعاىل‪َ ( :‬و�إِ ْذ َقا َل اللهَّ ُ َيا عِ َ‬ ‫ي�سى ا ْب َن لقوله تعاىل ( َف ْ‬ ‫اب َم َع َك َو َال َت ْط َغ ْوا ِ�إ َّن ُه بمِ َا َت ْع َم ُلو َن‬ ‫َم ْريمَ َ �أَ�أَنتَ ُق ْلتَ لِل َّن ِ‬ ‫ا�س ا َّتخِ ُذونيِ َو�أُم َِّي َت َ‬ ‫ِ�إ َل َهينْ ِ مِ ن دُونِ اللهَّ ِ َقا َل ُ�س ْب َحا َن َك مَا َي ُك ُ‬ ‫ري) هود‪ ،١١٢ :‬ف�أراد ‪ -‬عليه ال�سالم –‬ ‫ون َب ِ�ص ٌ‬

‫�أن يخربنا �أ ّنه �أول امللتزمني باملنهج الذي‬ ‫رب العزة و�أ ّنه لن يحيد عنه‪ ،‬هذا‬ ‫ر�سمه له ّ‬ ‫املنهج املذكور يف القر�آن الكرمي ع ّززته‬ ‫الأحاديث النبوية ال�شريفة‪ ،‬الدالة على‬ ‫�سماحة وو�سطية الفكر يف الإ�سالم ‪.‬‬ ‫�أد ّلة من ال�سنة النبوية على حترمي‬ ‫االنحراف الفكري‪:‬‬ ‫‪ -1‬النهي عن الت�شدد يف الإ�سالم‪ ،‬يروي‬ ‫�أبو هريرة – ر�ضي اهلل عنه – عن الر�سول‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم �أ ّنه قال‪ّ � ":‬إن الدين‬ ‫ي�سر‪ ،‬ولن ي�شا ّد الدين �أحد �إال غلبه‪،‬‬ ‫ف�سددوا وقاربوا‪ ،‬واب�شروا‪ ،‬وا�ستعينوا‬ ‫بالغدوة والروحة و�شيء من الدجلة) "‬ ‫(‪ ،)54‬وقال عنه البغوي يف �شرح ال�سنة‬ ‫‪":‬حديث �صحيح"(‪.)55‬‬ ‫‪ -2‬النعي على املت�شددين املغالني‪،‬‬ ‫و�إخبارهم مب�آلهم ‪ ،‬عن عبد اهلل بن‬ ‫م�سعود ر�ضي اهلل عنه – قال‪ :‬قال‬ ‫ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪:-‬‬ ‫" َهلَ َك المْ ُ َت َن ِّط ُعو َن "(‪ ،)3‬وقال النووي يف‬ ‫تف�سري للمتنطعني‪":‬املتعمقون املغالون‬ ‫املجاوزون احلدود فيِ �أَ ْق َوالهم و�أفعامل‬ ‫"(‪ ،)56‬والتجاوز يف القول �أو الفعل ال‬ ‫يكون �إال ب�أوامر �أ�صدرها العقل �صاحب‬ ‫الفكر املنحرف‪.‬‬ ‫‪ -3‬الأمر ب�إ ّتباع الطريق امل�ستقيم‪ ،‬عن‬ ‫عا�صم عن �أبي وائل عن عبد اهلل بن‬ ‫م�سعود‪ ،‬قال ‪ّ :‬‬ ‫"خط ر�سول اهلل ‪� -‬صلى‬ ‫اهلل عليه و �سلم ‪ -‬خطاً بيده ثم قال هذا‬ ‫�سبيل اهلل م�ستقيماً‪ ،‬قال ثم ّ‬ ‫خط عن‬ ‫ميينه و�شماله ثم قال هذه ال�سبل لي�س‬ ‫منها �سبيل �إال عليه �شيطان يدعو �إليه ثم‬ ‫قر�أ ( و�إن هذا �صراطي م�ستقيما فاتبعوه‬ ‫وال تتبعوا ال�سبل )"(‪ ،)57‬يف هذا احلديث‬ ‫�إخبار من الر�سول مبا �سي�صيب � ّأمته من‬ ‫غلو فكري‪ ،‬ف�أراد – عليه ال�سالم – �أن‬ ‫يح ّذر من هذا الغلو‪ ،‬الذي هو انحراف‬ ‫ٌ‬ ‫�شيطان ينتظر بفارغ‬ ‫نحو طريقٍ عليه‬ ‫ال�صرب ليو�سو�س ل�صاحبه فيوغل يف‬ ‫انحرافه‪ ،‬ويز ّين له هذا ‪.‬‬


‫املراجع‬ ‫‪� -1‬صحيح م�سلم ‪ :‬م�صدر �سابق‪ :‬كتاب ف�ضائل‬ ‫ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم‪ ،‬باب ف�ضائل علي‬ ‫ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬حديث رقم ‪ ،2408‬جزء‪� ،4‬صفحة‬ ‫‪1873‬‬ ‫‪ -2‬م�سند احمد ‪ ,‬م�صدر �سابق‪ ، ،‬م�سند عبد اهلل‬ ‫بن م�سعود‪ ،‬حديث رقم ‪ ،4437‬تعليق �شعيب ‬ ‫الأرن�ؤوط ‪� :‬إ�سناده �صحيح على �شرط ال�شيخني‪.‬‬ ‫‪� -3‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب الإميان‪ ،‬باب الدين‬ ‫ي�سر‪ ،‬حديث رقم ‪ ،39‬جزء‪� ،1‬صفحة ‪. 16‬‬ ‫‪ -4‬امل�صدر ال�سابق ‪ ،‬كتاب ف�ضائل القران ‪ ،‬باب‪:‬‬ ‫�إثم من راءى بقراءة القر�آن‪� ،‬أو ت�أكل به‪ ،‬حديث‬ ‫رقم ‪.167/4 ،4771‬‬ ‫‪ -5‬امل�صدر ال�سابق‪ ،‬كتاب االعت�صام بالكتاب‬ ‫وال�سنة‪ ،‬باب قول النبي لتتبعن �سنن من قبلكم‬ ‫‪،‬حديث رقم ‪.126/ 9 ، 6889‬‬ ‫‪ -9‬الهما�ش ‪ :‬متعب بن �شديد‪� ،‬إ�سرتاتيجية‬ ‫تعزيز الأمن الفكري‪ ،‬بحث مقدم للم�ؤمتر‬ ‫من‬ ‫للأ‬ ‫ ‬ ‫الوطني الأول‬ ‫الفكري‪ -1430-‬جامعة امللك �سعود ‪� ،‬ص‪.8‬‬ ‫‪ -10‬اجلحني‪ :‬علي بن فايز‪ ،‬االنحراف الفكري‬ ‫وم�س�ؤولية املجتمع‪،‬جملة كلية املعلمني يف �أبها‪ ،‬‬ ‫العدد ‪ ،12‬جامعة امللك خالد‪� ،‬سنة ‪� ،1429‬ص ‪.63‬‬ ‫‪ -11‬القليطي‪� :‬سعيد علي‪ ،‬التخطيط‬ ‫اال�سرتاتيجي لتحقيق الأمن الفكري باململكة‬ ‫العربية ال�سعودية‪ ،‬بحث مقدم للم�ؤمتر‬ ‫الوطني الأول للأمن الفكري‪ -1430-‬جامعة‬ ‫امللك �سعود ‪� ،‬ص‪.5‬‬ ‫‪-12‬ال�صنعاين ‪ :‬حممد بن �إ�سماعيل الأمري‪،‬‬ ‫�أ�صول الفقه امل�سمى �إجابة ال�سائل �شرح بغية‬ ‫الآمل‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة – بريوت‪ ،‬حتقيق ‪:‬‬ ‫القا�ضي ح�سني بن �أحمد ال�سياغي‪ ،‬ط‪.242/2 ،1‬‬ ‫‪ -13‬امل�ست�أمن هو من يقيم �إقامة م�ؤقتة يف دار‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬انظر الت�شريع اجلنائي الإ�سالمي‬ ‫مقارناً بالقانون الو�ضعي‪ ،‬عبد القادر عودة‪ ،‬دار‬ ‫الكتب العلمية ‪� ،‬ص ‪.309‬‬ ‫‪ -14‬احلالة الدينية يف االردن‪ ،‬املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية �سنة‪� ،2011‬ص ‪.421‬‬ ‫‪ -15‬قطب‪ :‬حممد‪ ،‬الرتبية الإ�سالمية ‪،609/1 ،‬‬ ‫ط‪ ،11‬دار ال�شروق‪.‬‬ ‫‪ -16‬يف ظالل القران‪ ،‬م�صدر �سابق‪.660/2 ،‬‬ ‫‪ -21‬العواجي‪� :‬إبراهيم‪ ،‬بحث مقدم �إىل م�ؤمتر‬ ‫عاملي ملكافحة املخدرات يف فينا‪ ،‬من كتاب كيف‬ ‫نحمي �أوالدنا من رفاق ال�سوء‪ -‬خالد ال�شنتوت‬ ‫�ص ‪.63‬‬ ‫‪� -22‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب‪ :‬يف‬

‫العطار وبيع امل�سك‪ ،‬حديث رقم ‪ ،2101‬جزء‪،7‬‬ ‫�صفحة ‪.287‬‬ ‫‪ -23‬انظر املوقع االلكرتوين للقيادة‬ ‫العامة ل�شرطة دبي‪http://www. ،‬‬ ‫‪d u b a i p o l i c e .g o v .a e /d p /‬‬ ‫‪magazine/index.jsp?MagIssS‬‬ ‫‪&1=MgtCode&4697=ubjectsId‬‬ ‫‪2546=MagIssId‬‬ ‫‪ -24‬العقل ‪ :‬نا�صر ‪ ،‬ر�سائل ودرا�سات يف الأهواء‬ ‫والفرق والبدع وموقف �أهل ال�سنة‪ ،‬دار الوطن‪،‬‬ ‫�ص ‪.364‬‬ ‫‪ -25‬جامع البيان للطربي‪،‬م�صدر �سابق‪،‬‬ ‫‪.48/13‬‬ ‫‪ -26‬احلميدي‪ :‬طارق‪ ،‬مقال يف جريدة الر�أي‬ ‫الأردين‪ ،‬تاريخ ‪.2014/3/19‬‬ ‫‪� -27‬ضامري ‪ :‬ح�سن بن يحيى‪� ،‬إ�سهامات امل�سجد‬ ‫يف مواجهة االنحرافات الفكرية واخللقية من‬ ‫منظور الرتبية الإ�سالمية‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‬ ‫مقدمة �إىل جامعة �أم القرى‪ ،‬ال�سعودية‪� ،‬ص‬ ‫‪.153‬‬ ‫‪ -28‬الغامدي‪ :‬حممد علي‪ ،‬بحث بعنوان الآثار‬ ‫ال�سلبية ال�ستخدام ال�شباب االنرتنت‪ ،‬مقدم اىل‬ ‫مركز الدرا�سات الإ�سالمية ‪ ،‬جامعة ام القرى‪،‬‬ ‫�سنة ‪http://uqu.edu.sa/ ،2014‬‬ ‫‪.56553/page/ar‬‬ ‫‪� -29‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب‪ :‬ك�سب‬ ‫الرجل وعمله بيده‪ ،‬حديث رقم ‪74/3 ، 2072‬‬ ‫‪� -30‬صحيح البخاري‪ :‬م�صدر �سابق‪ ،‬كتاب‬ ‫الدعوات‪ ،‬باب التعوذ من فتنة الفقر‪ ،‬حديث رقم‬ ‫‪100/637،8‬‬ ‫‪ -31‬الأ�سمر‪ :‬عدنان‪ ،‬بحث من�شور يف موقع‬ ‫احلوار املتمدن‪ ،‬حتت عنوان �آثار الفقر‪ ،‬العدد‪:‬‬ ‫‪http://www. ، 2011 / 4 / 17 ، 3339‬‬ ‫‪ahewar.org/debat/show.art.‬‬ ‫‪.255355=asp?aid‬‬ ‫‪ -32‬تف�سري ابن كثري‪ ،‬م�صدر �سابق‪.480/6 ،‬‬ ‫‪ -33‬تف�سري الطربي‪ ،‬م�صدر �سابق‪.57/9 ،‬‬ ‫‪ -34‬البخاري كتاب الديات ‪ ،‬باب قول اهلل‬ ‫تعاىل‪{:‬ومن يقتل م�ؤمناً متع ِّمداً فجزا�ؤه‬ ‫جهنم} ‪ ،‬حديث رقم ‪.2/9 ، 6468‬‬ ‫‪ -35‬البخاري ‪ ،‬كتاب املظامل‪ ،‬باب‪ :‬الظلم ظلمات‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬حديث رقم‪.169/3 ،2315‬‬ ‫‪ -36‬ل�سان العرب‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬باب غال‪،‬‬ ‫‪.131/15‬‬ ‫‪ -37‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬باب غلي‪،‬‬ ‫‪.448/1‬‬ ‫‪ -38‬تاج العرو�س‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬باب غلو‪.265/1 ،‬‬ ‫‪ -39‬ال�شبل‪:‬علي بن عبد العزيز‪،‬الغلو يف الدين‬

‫ن�ش�أته وموقف الإ�سالم‪� ،‬ص ‪.693‬‬ ‫‪ -40‬معجم مقايي�س اللغة ‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬باب‬ ‫طرف‪.448/3 ،‬‬ ‫‪ -41‬الغلو يف الدين ن�ش�أته وموقف الإ�سالم منه‪،‬‬ ‫م�صدر �سابق‪� ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪ -42‬اللويحق ‪:‬عبد الرحمن بن املعال‪ ،‬م�شكلة‬ ‫الغلو يف الدين‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪� ،‬ص ‪.677‬‬ ‫‪ -43‬ال�شريفني ‪ :‬عماد عبد اهلل‪ ،‬التن�شئة الأ�سرية‬ ‫ودورها يف الأمن الفكري‪ ،‬ر�ؤية �إ�سالمية‪ ،‬جملة‬ ‫البحوث الأمنية‪ ،‬العدد‪ ،44‬كلية امللك فهد‬ ‫الأمنية‪� ،1430،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪� -44‬آل ال�شيخ‪ :‬هيا بنت �إ�سماعيل‪ ،‬انظر مكونات‬ ‫مفهوم الأمن الفكري و�أ�صوله‪ ،‬بحث مقدم‬ ‫للم�ؤمتر الوطني الأول للأمن الفكري‪،1430،‬‬ ‫جامعة امللك �سعود‪� ،1430‬ص‪.9‬‬ ‫‪ -45‬عبده ‪ :‬حممد وطارق عبد احلكيم‪ ،‬مقدمة‬ ‫يف �أ�سباب اختالف امل�سلمني وتفرقهم‪ ،‬دار الأرقم‪،‬‬ ‫الكويت‪� ،‬ص ‪.79‬‬ ‫‪� -46‬صحيح البخاري‪ :‬م�صدر �سابق‪ ،‬كتاب‬ ‫املناقب‪ ،‬باب‪ :‬ما ينهى من دعوى اجلاهلية‪،‬‬ ‫حديث رقم ‪.3330‬‬ ‫‪ -47‬يف ظالل القران‪ ،‬م�صدر �سابق‪.819 ،‬‬ ‫‪ -48‬عبد الرحمن حبنكة امليداين ‪1425 -1345‬‬ ‫هـ ‪ ،‬ولد يف دم�شق‪ ،‬در�س يف االزهر‪ ،‬له العديد من‬ ‫امل�ؤلفات منها‪ :‬العقيدة الإ�سالم َّية و�أ�س�سها‪،.‬‬ ‫الأخالق الإ�سالم َّية و�أ�س�سها‪ ،‬قواعد التد ُّبر‬ ‫الأمثل لكتاب اهلل‪..‬‬ ‫‪ -49‬امليداين‪ :‬عبد الرحمن حبنكة‪ ،‬الأخالق‬ ‫الإ�سالمية و�أ�س�سها‪ ،‬دار القلم‪� ،‬ص ‪.651‬‬ ‫‪ -50‬جامع البيان الطربي‪ ،‬م�صدر �سابق‪. 34/2 ،‬‬ ‫‪ -51‬ابن اجلوزي ‪:‬جمال الدين عبد الرحمن ‪،‬‬ ‫زاد امل�سري يف علم التف�سري‪ ،157/2،‬دار ابن حزم‪.‬‬ ‫‪� -52‬إر�شاد العقل ال�سليم‪ ،‬م�صدر �سابق ‪.276/2‬‬ ‫‪ -53‬التحرير والتنوير ‪ ،‬م�صدر �سابق‪.176/ 12،‬‬ ‫‪ -54‬البخاري‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬كتاب االميان‪ ،‬باب‬ ‫الدين ي�سر ‪ ،‬حديث رقم ‪ ،39‬جزء‪� / 1‬صفحة ‪16‬‬ ‫‪ -55‬البغوي ‪ :‬ح�سني‪� ،‬شرح ال�سنة‪ ،‬املكتب‬ ‫الإ�سالمي ‪ ،‬ط‪.50/4 ، 2‬‬ ‫‪� -56‬صحيح م�سلم‪ ،‬م�صدر �سابق ‪ ،‬كتاب العلم‪،‬‬ ‫باب هلك املتنطعون‪ ،‬حديث رقم ‪.58/8 ،6955‬‬ ‫‪ -57‬النووي ‪:‬يحيى بن �شرف‪ ،‬املنهاج �شرح‬ ‫�صحيح م�سلم بن احلجاج‪ ،‬دار �إحياء الرتاث‬ ‫العربي – بريوت‪ ،‬ط‪.26/9 ،2‬‬ ‫‪ -58‬م�سند احمد ‪ ,‬م�صدر �سابق‪ ، ،‬م�سند عبد‬ ‫اهلل بن م�سعود‪ ،‬حديث رقم ‪ ،4437‬تعليق �شعيب‬ ‫الأرن�ؤوط ‪� :‬إ�سناده �صحيح على �شرط ال�شيخني‬

‫‪81‬‬


‫فتاو‬

‫ي‬ ‫إسالمية‬

‫‪82‬‬

‫حتت �إ�شراف �أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد الق�ضاة‬

‫أنت تسأل‬ ‫ونحن نجيب‬


‫مساعدة الفقراء أوىل من نافلة الحج والعمرة‬ ‫السؤال األول ‪ :‬أيهما أفضل ‪ :‬حج التطوع‪ ،‬أم مساعدة الفقراء والمساكين؟‬ ‫الجواب ‪:‬‬

‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل ‪:‬‬

‫إغاثة الملهوف وإنقاذ المضطر في زمان الفاقة أولى وأفضل من نافلة الحج والعمرة ‪ ،‬فقد‬ ‫قال النبي عليه الصالة والسالم‪ ( :‬أحب الناس إلى اهلل تعالى أنفعهم للناس ‪ ،‬وأحب األعمال إلى‬ ‫اهلل تعالى سرور تدخله على مسلم‪ ،‬أو تكشف عنه كربة‪ ،‬أوتقضي عنه دين ًا‪ ،‬أوتطرد عنه جوع ًا‪،‬‬ ‫أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد‪ -،‬يعني مسجد المدينة‬ ‫وألن أمشي مع ٍ‬ ‫– شهر ًا ‪ ،‬ومن كف غضبه ستر اهلل عورته‪ ،‬ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه‪ ،‬مأل اهلل‬ ‫قلبه رجاء يوم القيامة ‪ ،‬ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له‪ ،‬أثبت اهلل قدمه يوم تزول‬ ‫األقدام) رواه ابن أبي الدنيا في (قضاء الحوائج) (‪/47‬رقم‪ )26‬والطبراني في (المعجم الكبير)‬ ‫(‪ )453/12‬واللفظ له ‪.‬‬

‫النذر ال ينعقد إال بعبارة فيها إلزام‬ ‫السؤال الثاين ‪ :‬شخص قال بعد أن شفى اهلل ابنه من المرض (سأذبح‬ ‫عد هذا من النذر ؟‪ ،‬وهل يجوز أن يأكل منه هو وعائلته ؟‬ ‫خروفًا كفدو) هل ُي ُّ‬ ‫الجواب ‪ :‬الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل ‪:‬‬ ‫ال ينعقد النذر إال بعبارة فيها صيغة إلزام ؛ مثل ‪ :‬نذر عليّ ‪ ،‬أو هلل عليّ ‪ .‬وأما صيغة ‪ « :‬سأذبح‬ ‫خروفا كفدو» فال تشتمل على أي إلزام ‪ ،‬وإنما هي إخبار في المستقبل ‪.‬‬

‫ُحكم تأجير عقار لمزاولة أعمال ُم َح ّرمة‬ ‫السؤال ‪ :‬جمعية خيرية تقوم باستثمارات وتأجير عقارات ‪ ،‬وقد قامت إدارة‬ ‫الجمعية السابقة بتأجير إحدى شركات التمويل التي تتعامل بالربا بعقد‬ ‫لمدة خمس سنوات ‪ ،‬فهل يقع علينا إثم نحن الهيئة اإلدارية الجديدة؛‬ ‫حيث إننا لم نكن أعضاء فيها عند إبرام العقد ‪ ،‬لكننا نتعامل مع هذه‬ ‫بحكم عملنا؟‬ ‫الشركة اآلن ُ‬ ‫الجواب‪ :‬الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل ‪:‬‬ ‫شركات التمويل التي تتعامل بالربا شركات تمارس أنشطة محرّمة؛ فال يجوز تأجيرها عقارا‬ ‫ْ‬ ‫وَالتَّقوَى وَ َال تَعَاوَنُو ْا‬ ‫لمزاولة أعمالها المحرّمة ؛ لقول اهلل عز وجل ‪( :‬وَتَعَاوَنُو ْا عَ َلى ا ْلبَرِّ‬ ‫وَاتَّقو ْا اللهَّ َ ِإ َّن اللهَّ َ شَدِيدُ ا ْل َ‬ ‫ُ‬ ‫اب)(سورة المائدة‪.)2/‬‬ ‫اإل ْث ِم وَا ْلعُدْوَانِ‬ ‫عِق ِ‬ ‫عَ َلى ِ‬

‫‪83‬‬


‫فتاو‬

‫ي‬ ‫إسالمية‬

‫‪84‬‬

‫ألزمته شركته بالتأمين ضد إصابات العمل‬ ‫السؤال‪ :‬ألزمتني مؤسستي أن ُأؤمن لدى إحدى شركات التأمين للحصول‬ ‫على تأمين ضد إصابات العمل كشرط لاللتحاق بدورة متخصصة ‪ ،‬فذهبت‬ ‫وأم ُ‬ ‫نت لدى إحدى شركات التأمين ‪ ،‬فهل أنا آثم شرعًا ؟ ‪ ،‬وإذا وقعت اإلصابة‬ ‫ّ‬ ‫فهل يجوز يل أن آخذ بد التأمين ؟‬ ‫الجواب ‪ :‬الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل ‪:‬‬ ‫فرّق العلماء بين التأمين التجاري والتأمين واإلسالمي التكافلي ؛ فالتأمين التجاري مُحرّم في‬ ‫قول جمهور الفقهاء والمجامع الفقهية ؛ ألنّه من العقود المبنية على المقامرة والميسر ‪.‬‬ ‫وَاألنصَابُ َ‬ ‫مَيْسرُ َ‬ ‫وَاألزْالمُ ِرجْسٌ‬ ‫قال اهلل تعالى ‪( :‬يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو ْا ِإنَّمَا ا ْلخَمْرُ وَا ْل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الشَّيْطانِ َفاجْتَ ِنبُوهُ َل َّ‬ ‫عَل ُكمْ ْ‬ ‫لِحُون) (سورة المائدة‪. )90/‬‬ ‫تُف‬ ‫عَمَل‬ ‫مِّنْ‬ ‫ِ‬ ‫أما التأمين اإلسالمي التعاوني القائم على مبدأ التكافل والتعاون والتبرع؛ فال حرج فيه شرع ًا ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫اإل ْث ِم وَا ْلعُدْوَانِ) (سورة‬ ‫قال اهلل تعالى (وَتَعَاوَنُو ْا عَ َلى ا ْلبَرِّ‬ ‫وَالتَّقوَى وَ َال تَعَاوَنُو ْا عَ َلى ِ‬ ‫المائدة‪ ، )2/‬وهذا قول عامة المجامع الفقهية ودور اإلفتاء المعاصرة‪.‬‬ ‫ابتداء‪ ،‬وإذا تم عقد التأمين فللمؤمِّن حينئذٍ أن‬ ‫فإذا كان التأمين تجاري ًا لم يجز االشتراك فيه‬ ‫ً‬ ‫يستفيد من تعويض شركة التأمين بقدر ما دفعه فقط ألنه حق له ‪ ،‬وأما الزائد فيجب أن يتخ ّلص‬ ‫منه ويوزّعه على مصارف الصدقة كالفقراء والمساكين وغيرهم ‪.‬‬

‫ُحكم إرسال بعثات ألداء العمرة بأقساط شهرية‬ ‫السؤال ‪ :‬أنا صاحب جمعية تعاونية ‪ ،‬هل يجوز يل إرسال بعثات إىل الديار‬ ‫المقدسة ألداء مناسك العمرة ‪ ،‬علمًا بأن الدفع على شكل أقساط‬ ‫شهرية؟‬ ‫الجواب‪ :‬الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل ‪:‬‬ ‫إرسال بعثات إلى الديار المقدسة ألداء مناسك العمرة هو إجارة ذمة ؛ ألن المنفعة المعقود‬ ‫المؤجر ‪ ،‬وقد سُمّيت (إجارة الذمة)‬ ‫عليها – وهي حمله إلى الديار المقدسة – متع ّلقة بذمة‬ ‫ٍِ‬ ‫نظر ًا لتع ّلق المنفعة المعقود عليها بذمة المؤجر ال بعين محددة لذاتها ‪.‬‬ ‫ولذا يجب أن تكون المنفعة منضبطة بأوصاف تميزها عن غيرها‪ ،‬قال اإلمام الحصفكي رحمه‬ ‫اهلل تعالى ‪ « :‬ويعلم النفع أيضا ببيان العمل ‪ ،‬كالصياغة والصبغ والخياطة بما يرفع الجهالة ‪،‬‬ ‫فيشترط في استءجار الدابة للركوب بيان الوقت أو الموضع ‪ ،‬فلو خال عنهما فهي فاسدة « «‬ ‫الدر المختار» (‪.)10/6‬‬


‫الركن الطبي‬

‫بقلم الدكتور ‪:‬ذيب عبداهلل ‪/‬ا�ست�شاري (طب الأطفال)‬

‫األسرار الربانية في‬ ‫الرضاعة الطبيعية‬ ‫احلمد اهلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل‬ ‫يقول اهلل تعاىل ‪ :‬يف كتابه العزيز( َو�إِن مِّن َ�ش ْي ٍء �إِ َّال ُي َ�س ِّب ُح ب َِح ْمدِ هِ)‬ ‫�سورة الإ�سراء �أية ‪44‬‬ ‫وحليب الأم بكل ما فيه من الأ�سرار والعجائب ي�سبح بحمد اهلل ‪ ،‬ولقد قر�أت يف‬ ‫العديد من �أمهات الكتب واملجالت الطبية عن حليب الأم والر�ضاعة الطبيعية‬ ‫ُ‬ ‫و�شاهدت الكثري خالل جتربة �إمتدت �أربعني عاماً يف طب الأطفال فخربت الكثري‬ ‫من العجائب والأ�سرار يف الر�ضاعة الطبيعية وكلها ت�سبح بحمد اهلل اخلالق ‪،‬‬ ‫الواحد الأحد و�صدق اهلل العظيم �إذ يقول( َوفيِ �أَن ُف�سِ ُك ْم �أَ َفال ُت ْب ِ�ص ُرو َن)‬ ‫�سورة الذاريات �أية ‪21‬‬ ‫ولقد كتبت بحثاً �أتيت فيه على �شيء من هذه الأ�سرار ‪ ،‬وحتدثت عن بع�ض‬ ‫امل�سائل ال�شرعية‪ ،‬وعر�ضت بع�ض الآراء اخلالفية فيها وب ّينت ر�أيي فيها ‪.‬‬ ‫ولقد الحظت من خالل جتربتي الطويلة كم تعاين املر�أة العاملة وكم يعاين‬ ‫طفلها الر�ضيع جراء خروجها �إىل العمل ‪ ،‬وكم هو عدد الأطفال الذين يعانون‬

‫‪85‬‬


‫الر‬

‫ك‬ ‫ن الطبي‬

‫‪86‬‬

‫من التهاب الرئة واحل�سا�سية يف اجلهاز التنف�سي و�صعوبة‬ ‫التنف�س‪ ،‬وكم يعاين الأطفال من الإ�سهاالت احلادة واجلفاف‬ ‫ب�سبب خروج املر�أة للعمل وترك الر�ضاعة الطبيعية ‪،‬‬ ‫ونت�سائل كم هي املاليني التي ن�ستطيع توفريها من خالل‬ ‫اال�ستغناء عن الر�ضاعة اال�صطناعية وم�شاكلها ‪ ،‬لن�ستثمر‬ ‫هذه املاليني يف م�شاريع نحن ب�أ�شد احلاجة �إليها يف بالد‬ ‫امل�سلمني!؟‬ ‫وكم نحافظ على �صحة الطفل و�صحة الأم النف�سية‬ ‫والع�ضوية من خالل الر�ضاعة الطبيعية ؟ وكم نوفر‬ ‫لالثنني من �سعادة ؟‬ ‫وال �أريد �أن �أذكر هنا كل ما جاء يف ذلك البحث ‪ ،‬لكن �أقت�صر‬ ‫على ذكر بع�ض ما جاء فيه من تلك الأ�سرار الربانية ‪-:‬‬ ‫اللبا‪ :‬يف ال�شهور الأخرية من احلمل يبد�أ احلليب يتكون يف‬ ‫ثدي املر�أة وبعد الوالدة يخرج من ثدي املر�أة ما ي�سمى باللبا‬ ‫(الكو ُل�سرتم) وهو �سميك ذو لون �أ�صفر ويكون عادة بعد‬ ‫الوالدة وملدة �أ�سبوع وهو غني بالربوتني وم�ضادات االلتهاب‬ ‫مبا فيها م�ضادات الفريو�سات التي ت�صيب اجلهاز التنف�سي‬ ‫و�ضد فريو�س �شلل الأطفال وهو غني بالفيتامينات ‪ ،‬وهو‬ ‫غذاء �سهل اله�ضم ينا�سب معدة الطفل حديث الوالدة حيث‬ ‫معدته مل تعتد الطعام وهو قاعدي التفاعل ولهو خا�صية‬ ‫م�سهله فال يجد الطفل �صعوبة يف �إخراجه‪.‬‬ ‫والعجيب �أن حليب الأم بعد الوالدة التي متت قبل موعدها‬ ‫يختلف عن حليب الأم التي ولدت يف موعدها وذالك ينا�سب‬

‫الطفل اخلداج الذي هو �أقل حيوية وقوة ومنواً من الطفل‬ ‫املولود يف موعده‪.‬‬ ‫فحليب اخلداج �أكرث �سعرات لأن اخلداج يحتاج �إىل النمو‬ ‫ال�سريع و�أكرث يف مادة الدهنيات لأنه يحتاج �إىل هذه الدهون‬ ‫لتكون حتت جلده الرقيق جداً ويحتاج �إىل ما فيها من‬ ‫�سعرات‪.‬‬ ‫ونت�س�أل هنا من الذي جعل حليب �أم الطفل اخلداج يختلف‬ ‫عن حليب الأم التي ولدت يف موعدها ومن الذي دبر الأمر‬ ‫ليتنا�سب حليب الأم الذي ولدت (خداج) مع الطفل اخلداج ‪،‬‬ ‫واحلليب الذي بعد الوالدة التامة لينا�سب الطفل املولود يف‬ ‫موعده ؟ ال�شك وال ريب �إنه اهلل �سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫ثم �إن معدة الطفل حديث الوالدة تكرب يوما بعد يوم ويتغري‬ ‫�أثناء ذلك تركيب حليب الأم يف تنا�سق عجيب ليتنا�سب مع‬ ‫حجم معدة الطفل الذي بد�أ يكرب وبد�أ يكت�سب خربة على‬ ‫الطعام فمن الذي خلق هذا التنا�سق الدقيق ؟ �إنه اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل‬ ‫ومن العجيب �أن الطفل حديث الوالدة ي�ستطيع �أن يتع ّرف‬ ‫على مكان احلليب حتى من فوق مالب�س �أمه عن طريق‬ ‫حا�سة ال�شم التي و�ضعها اهلل فيه‪.‬‬ ‫ولعل اهلل يي�سر لنا �أن نبني يف �أعداد قادمة املزيد من هذه‬ ‫الأ�سرار والعجائب ‪ ،‬والتي تنطق بل�سان احلق ( َه َذا َخ ْل ُق اللهَّ ِ‬ ‫َف�أَ ُرونيِ َما َذا َخلَ َق ا َّلذِ َ‬ ‫ين مِ ن دُو ِنهِ) �سورة لقمان الآية ‪11‬‬ ‫واحلمد اهلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل‬


‫رسائل جامعية‬ ‫بقلم اال�ستاذ ‪� :‬أمين حممد عمر العمر‬

‫المستجدات في وسائل اإلثبات‬ ‫رسالة دكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة األردنيّة في عام‬ ‫‪2002 – 2001‬م‬ ‫تناولت هذه الدرا�سة مو�ضوع الأدوات التي ا�ستجدت يف الوقت‬ ‫احلا�ضر مما يتوقع �صالحيتها كو�سائل لثبوت بع�ض الأحكام‬ ‫ال�شرعية يف خمتلف املجاالت من عبادات ومعامالت وحقوق‬ ‫وجنايات ‪ ،‬هادفة �إىل بيان مدى �صالحية االعتماد على هذه‬ ‫الو�سائل احلديثة يف معاجلة مو�ضوع الإثبات من الناحية‬ ‫ال�شرعية‪.‬‬ ‫وحاولت الدرا�سة ا�ستق�صاء وبحث �أهم الو�سائل املعا�صرة‬ ‫و�أكرثها ا�ستعماال والتي ميكن االعتماد عليها يف باب الإثبات‬ ‫�شرعا ‪ ،‬وجرى تق�سيمها �إىل ثالثة �أنواع �شكلت ف�صول الدرا�سة‪:‬‬ ‫الأول ‪ :‬و�سائل لإثبات العبادات وتناولت ‪ :‬احل�ساب الفلكي من‬ ‫حيث داللته على �إثبات �أوقات ال�صالة و�إثبات الأهلة يف الأ�شهر‬ ‫القمرية ‪ ،‬ثم املرا�صد الفلكية والتل�سكوبات من حيث داللتها على‬ ‫�إثبات ر�ؤية الأهلة ‪ ،‬و�أخرياً البو�صلة من حيث داللتها على �إثبات‬ ‫اجتاه قبلة ال�صالة ‪.‬‬ ‫الثاين ‪ :‬و�سائل لإثبات املعامالت ؛ و�شملت و�سيلتا التلك�س‬ ‫والفاك�س من حيث داللتهما على �إثبات املعامالت التعاقدية ‪ ،‬ثم‬ ‫املعلومات املحو�سبة من حيث داللتها على �إثبات املعامالت ‪.‬‬ ‫و�أخرياً ‪ :‬و�سائل لإثبات احلقوق واحلدود واجلنايات ‪ ،‬و�شملت‬ ‫الت�صوير الآيل بنوعيه الثابت واملتح ِّرك وداللته على �إثبات‬ ‫الأفعال ‪ ،‬ثم الت�سجيل وداللته على �إثبات الأقوال ‪ ،‬ثم ب�صمات‬ ‫الأ�صابع وداللتها على �إثبات اجلرائم ‪ ،‬و�أخريا الطب ال�شرعي‬ ‫وما يندرج حتته من و�سائل مادية كتحليل الدم واملني وال�شعر ‪،‬‬

‫والب�صمة الوراثية وقوة كل منها يف الداللة على �إثبات احلقوق‬ ‫�أو احلدود �أو اجلنايات ‪ .‬ومل تغفل الدرا�سة بحث داللة هذه‬ ‫الو�سائل �أي�ضا على نفي الإثبات‪.‬‬ ‫وقبل ذلك عمدت الدرا�سة �إىل ت�أ�صيل منا�سب ملو�ضوع و�سائل‬ ‫الإثبات من حيث بيان مفهومه و�أدلة م�شروعيته وال�شروط‬ ‫الالزمة لإعمال الو�سيلة يف باب الإثبات ‪ ،‬ثم معاجلة م�س�ألة‬ ‫الإطالق والتقييد يف دالالت و�سائل الإثبات ‪.‬‬ ‫ومن خالل املنهج اال�ستقرائي والتحليليي للن�صو�ص ال�شرعية‬ ‫واجتهادات الفقهاء ‪� ،‬أمكن الوقوف على كثري من احلقائق يف‬ ‫مو�ضوع و�سائل الإثبات ‪ ،‬و�أهمها ‪� :‬أنه ال يجوز االعتماد على �أي‬ ‫و�سيلة من الو�سائل يف باب الإثبات ال�شرعي �إال �إذا حتققت فيها‬ ‫�شروطها ال�شرعية ‪ ،‬و�أن املق�صود من و�سائل الإثبات هو بيان‬ ‫احلق و�إظهاره كي نقيم به ميزان ال�شرع والعدل ‪ ،‬والتقييد يف‬ ‫مفهوم الو�سيلة ينايف هذا املق�صد ال�شرعي ‪ ،‬والو�سائل احلديثة‬ ‫تت�سم بقوة داللتها على مق�صودها ‪ ،‬مما ي�ؤذن ب�صحة االعتماد‬ ‫عليها – يف اجلملة – وفق الأخذ باملفهوم الأعم لداللة و�سائل‬ ‫الإثبات ‪ .‬وهذا بدوره يدلنا على �أنه ال يتنافى �شرعاً بني الو�سائل‬ ‫امل�ستجدة يف الإثبات وبني الو�سائل التقليدية ‪� ،‬إذ الكل يهدف �إىل‬ ‫بيان احلق وال�شرع الذي �أمر اهلل تعاىل باتباعه ‪ ،‬بل �إن الغالب يف‬ ‫الو�سائل امل�ستجدة �أنها تعمل على تقريب احلق واخت�صار الطريق‬ ‫املو�صل �إليه من تلك الو�سائل القدمية ‪ ،‬ولوال هذه امليزة ملا كانت‬ ‫احلاجة ما�سة �إىل ا�ستعمالها يف باب الإثبات ‪.‬‬

‫‪87‬‬


‫واحة ال‬

‫وسطية‬

‫‪88‬‬

‫يكتبها الأ�ستاذ الدكتور ‪ :‬خالد عبد الر�ؤوف اجلرب‬

‫شرفـة ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وأ ُفـق‪...‬‬ ‫كما دا َر ٌ‬ ‫العربي‬ ‫إلهي يف فكرِنا‬ ‫نقا�ش ومل ين َت ِه حو َل ِ‬ ‫العلم ال ِّ‬ ‫ّ‬ ‫إ�سالمي‪� ،‬أهُ و �إجما ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ونقا�ش �آخ ُر حو َل القد ِر‬ ‫تف�صيلي؟‬ ‫يل �أم‬ ‫ال‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫والق�ضا ِء الإله َّينيِ‪ ،‬وتو ّزعَت الآرا ُء بني اجلرب َّي ِة والقدر َّي ِة وب َ‬ ‫ني‬ ‫قا�ش ما ُ‬ ‫ني ال ّن�صِّ ّ‬ ‫ني‪ ،‬ف�إ َّن ال ّن َ‬ ‫يزال دائ ًرا حو َل العالق ِة ب َ‬ ‫ب َ‬ ‫رعي‬ ‫ال�ش ِّ‬ ‫والواق ِع‪� ،‬أ ُّيهُما َي ْح ُك ُم ال َآخ َر؟ و�إذا كا َنت الهي َم َن ُة لل ّن�صِّ على‬ ‫الواق ِع بتنزِي ِل ِه عليه‪� ،‬أ َي ْح ُك ُمهُ‪� ،‬أم ُي ْح ِك ُمه؟‬ ‫قا�ش يف هذه امل�س�أل ِة اخلطري ِة قائ ٌم يف امل�ساف ِة‬ ‫ومجُ َم ُل ال ّن ِ‬ ‫الفا�صل ِة الوا�صل ِة ب َ‬ ‫�ص والواقِع؛ ويف �أبعا ِد ال ّن�صِّ و�أبعا ِد‬ ‫ني ال ّن ّ‬ ‫الوا ِق ِع و�أنحائِه ومجَ االتِه‪ ،‬ويف املقا َي َ�س ِة ّ‬ ‫ال�ضرور َّي ِة بي َنهما‪� :‬أ ُّيهما‬ ‫أو�س ُع من ال َآخرِ‪ ،‬و�أ ُّيهما َي ْع ُلو ال َآخ َر‪ ،‬و�أ ُّيهما يح َت ِك ُم �إىل ال َآخر؟‬ ‫� َ‬ ‫ُ‬ ‫�ص والوا ِق ِع يف ال ُفهو ِم ك ِّلها مبا‬ ‫وميكن متثي ُل العالق ِة بني ال ّن ّ‬ ‫ال�سطح العلويّ من ّ‬ ‫ال�شكل‪،‬‬ ‫ي�أتِي من �أ�شكالٍ ‪ ،‬بحيث مي ّثل ال ّن ّ‬ ‫�ص ّ‬ ‫رب‬ ‫�ص من ِّ‬ ‫فلي منه‪ ،‬مراعا ًة لتنزيلِ ال ّن ّ‬ ‫ال�سطح ُّ‬ ‫والواقع ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫الع ّزة‪:‬‬

‫ففي ّ‬ ‫ال�شكل (‪ )1‬يت�ساوى ال ّن ُّ�ص والواق ُع من ُ‬ ‫حيث اال ّت�سا ُع‬ ‫واملجاالت‪ ،‬ويف هذه احلال ِة ُ‬ ‫ُ‬ ‫�ص على‬ ‫والأنحا ُء‬ ‫يكون تنزي ُل ال ّن ّ‬ ‫ً‬ ‫حيث يج ُد ُّ‬ ‫ب�سيطا‪ ،‬من ُ‬ ‫عن�صرٍ يف الواق ِع‬ ‫ريا‬ ‫كل ُ‬ ‫الواق ِع ي�س ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫�ص‪،‬‬ ‫ويكون على قيا�سِ ه متا ًما بدون �أيّ‬ ‫ع ُ‬ ‫ُن�ص ًرا ُيقابله يف ال ّن ّ‬ ‫ن�ص ِر املقابلِ ‪.‬‬ ‫حاج ٍة لل ّتفك ِ‬ ‫ري وال ّتد ُّبرِ‪ ،‬الله َّم �إ ّال يف البحثِ عن ال ُع ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫احلكيم‬ ‫الفهم من �آي ال ّذكر‬ ‫اال�ستدالل على مثل هذا‬ ‫وميكن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بقوله تعاىل‪" :‬ما ف َّر ْط َنا يف ال ِك َتابِ من �شيءٍ"‪ ،‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫"تبيا ًنا لك ّل �شيء"‪ .‬ويف ّ‬ ‫ال�شكل (‪ )2‬يبدو ال ّن ُّ�ص �أو�س َع جما ًال من‬ ‫�ص �أو�س ُع من‬ ‫الوا ِق ِع الذي يبدو �ض ِّي ًقا جدًّا‬ ‫مقاي�س ًة به‪ ،‬فك� ّأن ال ّن َّ‬ ‫َ‬ ‫الواق ِع الذي ُ‬ ‫ال�سمواتِ وال َ‬ ‫يعي�ش ُه ال ُ‬ ‫أر�ض‬ ‫إن�سان‪ ،‬م ّت�س ًعا لي�شم َل ّ‬ ‫وانب‬ ‫وما فيهما ومَن فيهِما من الأزلِ �إىل الأبدِ ؛ �أي � ّإن في ِه َج َ‬ ‫قد ال يحتا ُج ال ُ‬ ‫خا�ص ٌة‬ ‫إن�سان �إليها يف حياتِه ومَعا�شِ ه‪� ،‬إنمّ ا هي َّ‬ ‫حمن وخل ِق ِه ال ُك ِّل ِّي على امتدا ِد الأمكن ِة وامتدا ِد الأزمن ِة‬ ‫بال ّر ِ‬ ‫ُ‬ ‫وتن ُّو ِع اخللقِ ‪ ،‬فك�أ َّن يف ال ّن�صِّ الذي �أن ِز َل ليكو َن هُ دىً لل ّنا�س‬ ‫ورحم ًة ُف ُ�ضو ًال عن حاجاتِهم‪� ،‬أي �إ ّنه يحتوي على عنا�ص َر �أك َ‬ ‫رث‬ ‫من العنا�ص ِر التي يحتويها الواقع‪ .‬ويف ّ‬ ‫ال�شكل (‪ )3‬يبدو الواق ُع‬ ‫�ص‪،‬‬ ‫�أو�س َع جما ًال من ال ّن�صِّ‪ ،‬وفي ِه من العنا�ص ِر ما ال ُي َ‬ ‫وج ُد يف ال ّن ّ‬ ‫وبهذا ُ‬ ‫يكون ال ّن ُّ�ص قا�ص ًرا عن �أن يعا ِل َج ك ّل �شي ٍء يف الواق ِع‬ ‫أمرين‪:‬‬ ‫بتفا�صيلِه الدّقيقةِ‪،‬‬ ‫واملقاي�س ُة هنا تقت�ضي واحدًا من � ِ‬ ‫َ‬


‫ُ‬ ‫أحدهما لآلخ ِر‪ ،‬أو‬ ‫النص‬ ‫وتبقى‬ ‫العالقة بين ّ‬ ‫كم ِ‬ ‫والواقع في ُح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫عالقة إشكاليَّة‪ ،‬وجدليَّة‪،‬‬ ‫المهمة‪ .‬وهي‬ ‫إحكام أ ّولِهما لآلخر‪ ،‬هي‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الحديث‬ ‫سأرجئ‬ ‫بيان ما تق َّدم‪ .‬ولهذا‬ ‫وتحتاج إلى‬ ‫مقام آخَر َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بعد ِ‬ ‫فقه"‪ ،‬إن شاء المولى‪.‬‬ ‫"شرفة العدد‬ ‫عنها إلى‬ ‫القادم وأُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ُ‬ ‫وانفال�ش الواق ِع؛ �أي � ّأن يف ال ّن�صِّ الكثيفِ ما‬ ‫� ّإما كثافة ال ّن�صِّ‬ ‫ُيعال ُج الواق َع وي ّت�س ُع له بك ّل ما فيه على امتدا ِد الأزمنة وتعدّد‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الأمكنةِ‪ ،‬لكنَّ‬ ‫"امل�سط ِح"‪،‬‬ ‫للمنفل�ش‬ ‫الكثيف املوج َز املُوحِ ي يكفي‬ ‫ِ‬ ‫ويحتا ُج ال ّن ُّ�ص يف هذه احلال ِة �إىل �إعمال العقلِ بالت� ّأمل وال ّتد ُّب ِر‬ ‫ُ‬ ‫بحيث يحتا ُج الواق ُع �إىل �إعمالِ‬ ‫ِ‬ ‫لال�ستنباط‪ .‬و� ّإما ُق�صو ُر ال ّن�صِّ‬ ‫العقلِ الإن�سا ّ‬ ‫ريا لها‬ ‫ين يف معاجل ِة العنا�ص ِر التي ال يج ُد نظ ً‬ ‫ً‬ ‫مناق�ضا ملا تقدّم من �أجزاء‬ ‫ري‬ ‫يف ال ّن ّ‬ ‫�ص‪ .‬و�إذا كا َن الت�ص ُّو ُر الأخ ُ‬ ‫الآيتني الكرميتني �أعالهُ‪ ،‬فقد ثبتَ � ّأن الت�ص ُّو َر الأ ّول هو الدّقيق‪.‬‬ ‫هاب �إىل تب ّني �شكلٍ من هذه الأ�شكالِ التي مت ّثل عالقة‬ ‫ولع ّل ال ّذ َ‬ ‫�ص بالواق ِع ُي ُّ‬ ‫�ص ومبا يف الواق ِع � ً‬ ‫أي�ضا؛‬ ‫خل متا ًما بمِ ا يف ال ّن ّ‬ ‫ال ّن ّ‬ ‫َ‬ ‫ذلك ل ّأن املت� ّأم َل يف ال ّن�صِّ يج ُد � ّأن الأ�شكا َل ال ّثالث َة �صحيح ٌة‬ ‫وتنطبق على َ‬ ‫�ص ّ‬ ‫ُ‬ ‫رعي‬ ‫متا ًما‪،‬‬ ‫تلك العالقة بني جزء من ال ّن ّ‬ ‫ال�ش ّ‬ ‫و�آخر‪ .‬ف�أنتَ جت ُد �أحيا ًنا ا ُ‬ ‫حلك َم امل ُ ْح َك َم يف ال ّن�صِّ مبا ي ّت�ص ُل‬ ‫ُ‬ ‫وينطبق عليه انطبا ًقا مبا�ش ًرا بال‬ ‫بالعن�صر املناظ ِر له يف الواقع‪،‬‬ ‫ن�صو�ص الأحكا ِم ّ‬ ‫ال�شرع ّي ِة الوارد ِة‬ ‫زياد ٍة �أو نق�صان‪ .‬وهذا ظاه ٌر يف‬ ‫ِ‬ ‫أن�صاب‬ ‫�ص‪" :‬العني بالعني"‪ ،‬و"�إنمّ ا اخلمر واملي�سر وال ُ‬ ‫يف ال ّن ّ‬ ‫ِج�س من عمل ّ‬ ‫ال�شيطانِ فاجت ِن ُبوهُ"‪ ،‬و"فمن �ش ِه َد‬ ‫والأزال ُم ر ٌ‬ ‫فلي�ص ْمهُ" مبا هو جت�سي ٌد ّ‬ ‫من ُكم ّ‬ ‫لل�شكلِ (‪ ...)1‬و�أحيا ًنا‬ ‫ال�شه َر ُ‬ ‫الق�ص�ص‬ ‫�ص �أو�س َع من الواق ِع‪ ،‬ويتج ّلى هذا للقارئ يف‬ ‫ِ‬ ‫جت ُد ال ّن ّ‬ ‫ين املمت ِّد –على �إيجازِه‪ ،‬فمث ً‬ ‫القر�آ ِّ‬ ‫نبي اهلل يو�سف‬ ‫ال دامت حيا ُة ّ‬

‫عقودًا‪ ،‬وفيها من الأحداثِ ما ُ‬ ‫يفوق املذكو َر يف �سورة يو�سف‪� -‬إذ‬ ‫ُ‬ ‫�ص‪ ،‬والعظ ُة والعرب ُة‬ ‫املطلوب‬ ‫ُ‬ ‫حتقيق العظ ِة والعرب ِة من ذلك ال ّن ّ‬ ‫يج�س ُد ّ‬ ‫� ُ‬ ‫ال�شك َل (‪ ...)2‬و�أحيا ًنا جت ُد � ّأن‬ ‫أكثف من ال ّن ّ‬ ‫�ص نف�سِ ه‪ ،‬مبا ّ‬ ‫واختالف‬ ‫�ص ال �س ّيما على امتدا ِد الأزمن ِة‬ ‫ِ‬ ‫الواق َع �أو�س ُع من ال ّن ّ‬ ‫املعارف‪ ،‬ولع ّل هذا ما جندُه يف الآياتِ التي ُّ‬ ‫ي�شتق‬ ‫الع�صو ِر وتط ّور‬ ‫ِ‬ ‫منها �أه ُل الفق ِه �أحكا ًما كثري ًة من الآي ِة الواحدة‪ ،‬ومن ذلك � ً‬ ‫أي�ضا‬ ‫ُ‬ ‫ال ُ‬ ‫مذاهب �ش ّتى‬ ‫العقول فيها‬ ‫وتذهب‬ ‫آيات التي ت ّت�س ُع فيها ال ُفهو ُم‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وكذلك تلك ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ميكن �أن يتط ّور فه ُمنا‬ ‫آيات التي‬ ‫تقب ُلها الآي ُة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫باختالف الأزمنةِ‪ ،‬ال �س ّيما َ‬ ‫ن�ستنبط منها الآ َن‬ ‫تلك التي‬ ‫لها‬ ‫ِ‬ ‫يج�س ُد ّ‬ ‫ال�شكل (‪ .)3‬وواق ُع الأم ِر‬ ‫ما ي�س ّمى الإعجا َز‬ ‫العلمي‪ ،‬مبا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�ص َ‬ ‫�ص ّ‬ ‫رعي والواق ِع‬ ‫نوف ك َّلها من العالق ِة بني ال ّن ّ‬ ‫� ّأن هذه ّ‬ ‫ال�ش ّ‬ ‫موجو ٌد يف كال ِم اهلل تعاىل‪ ،‬ويف حديثِ ر�سوله �ص ّلى اهلل عليه‬ ‫و�س ّلم‪ .‬ونتيجة البحث يف هذه امل�س�ألة فقد ظهرت ا�صطالحات‬ ‫كثري ٌة يف تراثنا الفكريّ ال‬ ‫حكم واملت�شابه‪ ،‬واملجملِ‬ ‫إ�سالمي‪ ،‬كامل ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والظاهر‬ ‫�ص واال ّت�ساع الأكرثيّ‬ ‫واملخ�ص�ص واملطلق واملق ّيد وال ّن ّ‬ ‫ّ‬ ‫والأق ّل ّي وال ّت�أويل وغريها‪.‬‬ ‫كم �أحدِ هما للآخرِ‪� ،‬أو‬ ‫وتبقى العالق ُة بني ّ‬ ‫الن�ص والواق ِع يف ُح ِ‬ ‫�إحكا ِم �أ ّولِهما للآخر‪ ،‬هي امله ّمة‪ .‬وهي عالق ٌة �إ�شكال َّية‪ ،‬وجدل َّية‪،‬‬ ‫وحتتا ُج �إىل مقا ٍم �آخ َر بع َد بيانِ ما تقدَّم‪ .‬ولهذا �س� ُ‬ ‫َ‬ ‫احلديث‬ ‫أرجئ‬ ‫عنها �إىل "�شرف ِة العدد القاد ِم و�أُفقِه"‪� ،‬إن �شاء املوىل‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫واحة ال‬

‫وسطية‬

‫‪90‬‬ ‫دعاء و�صفي البياتنة ‪ /‬طالبة دكتواره يف اجلامعة الأردن ّية‬

‫قصيدة‬

‫(الشهيد)‬ ‫ّلما أتى خب ُر الفتى‬ ‫البنفسج وال ّندى‬ ‫صاح‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يتون وال ّل ُ‬ ‫وَتلعَث َم ال ّز ُ‬ ‫يمون أجهش‬ ‫األزقة شاهقا‬ ‫بالسؤال ‪،‬ير ُّن في قـَ َص ِب‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫هل مات حقـًا أم سيأتي الحقا ليف ّر َط الرمان ياقوتًا‬ ‫الوجه‬ ‫يل ِّو ُن حنطة في‬ ‫ِ‬ ‫خده؟!‬ ‫ترسم ّ‬ ‫هل مات ّ‬ ‫حقا؟؟‬ ‫اسمنا‬ ‫أم تأ ّخر عن‬ ‫مواسمنا لينسى َ‬ ‫ِ‬ ‫البنفسج والندى ‪:‬‬ ‫صاح‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫دمعة‬ ‫تطوف حوله‬ ‫نعش هناك‬ ‫ُ‬ ‫غاريد الّتي‬ ‫واأل ُّم‬ ‫تنهض بال ّز ِ‬ ‫تعلو إلى ح ِّد األباتشي‪ ،‬ال ُ‬ ‫تخاف البندقية ْ‬ ‫ُ‬ ‫اي‬ ‫األ ُّم‬ ‫تعزف َ‬ ‫جرحها بال ّن ِ‬ ‫ُ‬ ‫نفسها‬ ‫تحرق َ‬ ‫َّ‬ ‫المخض َب‬ ‫الوجه‬ ‫وتق ّب ُل َ‬ ‫كي ترافقـَه التح ّي ْة‬ ‫ُ‬ ‫تصرخ فجأ ًة‬ ‫األ ُّم‬ ‫َ‬ ‫دمع ّ‬ ‫أفئدة الهوا ِء‬ ‫شق‬ ‫َخ ّز ُان ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫لحظة‬ ‫القلب وانكسَر التج ّل ُد‬ ‫صوت‬ ‫فسال‬ ‫ِ‬ ‫يما حبيبي ال تغاد ْر‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫رمشك الغافي‬ ‫نظر ٌة من‬ ‫ُ‬ ‫جديد‬ ‫الوقت نظرَته لموتِ َك من‬ ‫يعيد‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫فلتعد‬ ‫ْ‬ ‫أنت َ‬ ‫لست َ‬ ‫ال َ‬ ‫اآلن‬ ‫لست َ‬ ‫َ‬ ‫اآلن ْ‬ ‫أنت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أحمق‬ ‫فالموت‬ ‫حين يسري خ ْب َط عشوا ٍء‬ ‫الو ْر ْد‬ ‫ُّ‬ ‫يلم َ‬ ‫شال طيري عال ّنعش بِ ّدي أنوح‬ ‫يا ِ‬ ‫خليه ّ‬ ‫يبطئ بالمشي البكي عليه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫زغردت‬ ‫بالمساجد‬ ‫لها‬ ‫ك‬ ‫دمعاتي‬ ‫ْ‬ ‫بدي أَربِّط روحي في َغ ْف ِو ْة عينيه‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫جال‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫أكتاف‬ ‫فوق‬ ‫يربت‬ ‫عش‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ِ ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫يحدده المدى‪:‬‬ ‫األقدام فوق‬ ‫لتركض‬ ‫األرض طب ًال ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أحد‬ ‫أحد‬ ‫ٌ ْ‬ ‫بلد‬ ‫ٌ‬ ‫بلد ْ‬ ‫ُ‬ ‫دأ‬ ‫الص‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫الحديد‬ ‫من‬ ‫يسيل من الجدا ِر‬ ‫رح‬ ‫ُج ٌ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ّ ْ‬

‫عش‬ ‫النفوس مع‬ ‫إيقاع‬ ‫يرتجُّ‬ ‫ُ‬ ‫انتظام ال ّن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ينهم ُر الصدى‬ ‫ّ‬ ‫يغرس في الهوا ِء‬ ‫الفضي‬ ‫فالسكر‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫نقاو ًة ترقى بحنجر ِة المشيِّ ِع‬ ‫كي يصيَر المئذنة ْ‬ ‫يلهب في الهوا ِء‬ ‫الفضي‬ ‫والسك ُر‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫مقبرة !‬ ‫تريده‬ ‫حماسة تهوي‬ ‫بجندي لقب ٍر ال ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫النعش يمضي واثقـًا‬ ‫ورد قرب مسرحه األخير‬ ‫نيشان ٍ‬ ‫يف ّز عط ًرا‬ ‫ُّ‬ ‫نفسه بالبكا ِء ككربالَء‬ ‫راب‬ ‫يسف َ‬ ‫وال ّت ُ‬ ‫شباب‬ ‫من‬ ‫أرجوان‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫يحجب‬ ‫فكيف‬ ‫ُ ًّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بنفسج من ندى؟!!‬ ‫من سما ٍء من‬ ‫َ‬ ‫صاح البنفسج ُ والندى‬ ‫ال تخش َوحدتك الجديدة يافتى‬ ‫اإلله وما َقلى‬ ‫ال لن َ‬ ‫يودع َك ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مكثت هنا‬ ‫دودة الق ِّز التي‬ ‫تعاتب‬ ‫ال ال‬ ‫ْ‬ ‫الكتاب من الرؤى‪..‬‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫من‬ ‫ر‬ ‫المخض‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ثو‬ ‫عم ًرا‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫لتنسج َ‬ ‫َُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الط ْ‬ ‫يازريف ّ‬ ‫تبعد ع ّنا‬ ‫ول ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫عه‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ظره‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ر‬ ‫نو‬ ‫طلة‬ ‫ْ ْ‬ ‫وجهك ْ‬ ‫الغيم بعيونه دمعه‬ ‫ُش ْفت اليوم‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫عيونك ما شفتك أنا‬ ‫ُر ْحت اشوف‬ ‫بعيد‬ ‫ينمو بخا ٌر من ٍ‬ ‫وجه ّ‬ ‫هيد وصوَته‬ ‫يرتدي َ‬ ‫الش ِ‬ ‫ُ‬ ‫يخترق األنا‪:‬‬ ‫الصوت يعلو عال ًيا يرتجُّ‬ ‫ّ‬ ‫وأنا أنا‬ ‫الس ُ‬ ‫السماء‬ ‫قوط ُ‬ ‫السماء‪ ،،‬فادفنوني في ّ‬ ‫الح ّر من ّ‬ ‫وأنا ّ‬ ‫وأنا التمركز في استقامة ج ّثتي‬ ‫وأنا صالتي‬ ‫وأنا أنا‬ ‫مع كل ٍّ‬ ‫الموت أحيا‬ ‫خط باتجا ِه‬ ‫ِ‬ ‫الشوارع أزرع ج ّثتي‬ ‫إسفلت‬ ‫فوق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرصاص أصي ُر فنانا نب ًّيا طائرا‬ ‫فوق هندسة‬ ‫ِ‬ ‫ما كان قصدي أن َ‬ ‫أكون كصورتي‬ ‫ما كان قصدي أن أكون نب ّيا‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫لكن‬ ‫فلسفة ِ‬ ‫اإلله حقيقة ٌ‬ ‫َج َعَل ْت سقوطي‬ ‫عبقريّا‪......‬‬


‫من نوادر الشعبي‬ ‫الشعبي هو عامر بن شراحيل الكوفي ‪ ،‬من كبار التابعين‬ ‫‪ ،‬روى له أصحاب الصحاح الستة رضي اهلل عنهم ‪ ،‬وواله‬ ‫عمر بن عبد العزيز القضاء ‪.‬‬

‫الشعبي ‪ :‬خللها ‪ ،‬قال الرجل ‪ُ :‬‬ ‫أخاف ْأن ال تبتل‬ ‫المسح على اللحية ‪ ،‬فقال له‬ ‫الشعبي عن‬ ‫سأل رجل‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫‪ .‬فقال ُله الشعبي ‪ :‬إذًا أنقعها من أول الليل !‬ ‫جاء ٌ‬ ‫رجل إلى الشعبي وقال ‪ :‬أني تزوجت امرأة فوجدتها عرجاء ‪ ،‬فهل لي أن أردها ؟‬ ‫فقال الشعبي ‪ :‬إن َ‬ ‫كنت تريد ان تسابق بها فردها !‬ ‫للمحرم أن ُيح َّ‬ ‫سأل ٌ‬ ‫ك بدنه ؟ فقال نعم يجوز ‪.‬‬ ‫الشعبي ‪ :‬هل يجوز‬ ‫رجل‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫فقال الرجل مقدار كم ؟ فقال الشعبي مقدار ان يبدو العظم !‬ ‫روى الشعبي يومًا أ َّن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬تسحروا ولو أن يضع أحدكم إصبعه على‬ ‫ثم يضعه في فيه ‪ /‬فمه ) فقال رجل من الحاضرين ‪ :‬أي األصابع ! فتناول الشعبي إبهام‬ ‫التراب َّ‬ ‫رجله وقال ‪ :‬هذه !‬

‫‪91‬‬


‫واحة ال‬

‫وسطية‬

‫‪92‬‬


‫شخصية العدد‬

‫مهاتير محمد‬ ‫رئيس وزراء ماليزيا األسبق‬ ‫‪93‬‬


‫واحة ال‬

‫وسطية‬

‫‪94‬‬

‫ولد مهاتري حممد يف عام ‪1925‬م بوالية كيداه ‪ ،‬وتلقى درا�سته برتكيزه على �أهم ثالثة حماور رئي�سية وهي التعليم والت�صنيع‬ ‫بكلية ال�سلطان عبد احلميد‪ ،‬ثم در�س الطب بكلية "املاالي" يف واملجتمع‬ ‫�سنغافورة‪ ،‬ثم در�س ال�شئون الدول ّية بجامعة هارفارد بالواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية عام ‪1967‬م‪ .‬ثم عمل يف مهنة الطب بعيادته ففي اجلانب التعليمي ا�شرتط �أن تكون جميع دور الريا�ض وما‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬كما عمل طبيباً ب�سالح اخلدمات الطبية‪ ،‬وعُرف قبل املدر�سة م�سجلة لدى وزارة الرتبية‪ ،‬وتلتزم مبنهج تعليمي‬ ‫مهاتري باهتماماته ال�سيا�سية‪ ،‬فان�ضم لتنظيم احتاد املاليو مقرر من الوزارة‪ .‬كما مت �إ�ضافة مواد ُتنمي املعاين الوطنية‪،‬‬ ‫حيث تدّرج فيه حتى �أ�صبح ع�ضو املجل�س الأعلى لتنظيم احتاد وتغرز روح االنتماء للتعليم االبتدائي‪� ،‬أي يف ال�سنة ال�ساد�سة‬ ‫من عمر الطفل‪ ..‬ومن بداية املرحلة الثانوية ت�صبح العملية‬ ‫املاليو الوطني‬ ‫التعليمية �شاملة‪ ،‬فبجانب العلوم والآداب تد َّر�س مواد خا�صة‬ ‫كتب يف مذكراته قائ ً‬ ‫ُ‬ ‫ال ‪:‬‬ ‫"ولدت م�سلما ون�ش�أت كطفل م�سلم‪ ،‬باملجاالت املهنية والفنية‪ ،‬والتي تتيح للطالب فر�صة تنمية‬ ‫وتعلمت يف مرحلة مبكرة �أداء ال�صالة وال�صيام ‪ ،‬وعلمتني �أمي و�صقل مهاراتهم ‪ ،‬و�إىل جانب ذلك كان �إن�شاء الكثري من معاهد‬ ‫و�أحد املدَر�سني تالوة القر�آن الكرمي ‪ ،‬على الرغم من ذلك التدريب املهني‪ ،‬التي ت�ستوعب طالب املدار�س الثانوية وت�ؤهلهم‬ ‫ف�إين مل �أحط علما �إال بالنزر الي�سري من تف�سري �آياته‪ .‬كما لدخول �سوق العمل يف جمال الهند�سة امليكانيكية والكهربائية‬ ‫�أن �إمياين قوي وعقيدتي لي�ست حمل ت�شكيك ‪ ،‬الإ�سالم ديني وتقنية البال�ستيك‪ ،‬وكان من �أ�شهر هذه املعاهد معهد التدريب‬ ‫والميكنني ت�ص ًور نف�سي �سوى �أنني م�سلم ‪ ،‬وقد تع ّرفت منذ ال�صناعي املاليزي‪ ،‬والذي ترعاه وزارة املوارد الب�شرية‪ ،‬وقد‬ ‫ال�صغر على انتماءات دينية عديدة والزمتهم لكن مالزمتي لهم �أ�صبح له ت�سعة فروع يف خمتلف الواليات املاليزية‪.‬‬ ‫مل ت�ضعف �إمياين ‪ ،‬كما �أين مل �أتباحث معهم يف الدين �أبدا‪،‬‬ ‫عرفت بالبداهة �أننا �سندخل يف نقا�شات قد ت�ؤثر يف عالقتي بهم‪،‬‬ ‫وكان الإ�سالم اليزال يف نظري دينا مت�ساحما مع وجود الأديان‬ ‫الأخرى و�أتباعها‪ .‬وحني قر�أت الحقا تراجم معاين القر�آن‬ ‫الكرمي باللغتني املالوية و االجنليزية ‪ ،‬وجدت �سورة كاملة‪،‬‬ ‫وهي �سورة ” الكافرون” تثبت �أنني مل �أكن خمطئا يف افرتا�ضي‬ ‫املتعلق مبوقف الإ�سالم من الأديان الأخرى‪.‬‬ ‫الريادة يف التنمية ‪:‬‬ ‫مل يكن مهاتري حممد جمرد رجل �سيا�سي‪ ،‬بل كان ‪ً �-‬‬ ‫أي�ضا‪-‬‬ ‫مفك ًرا له كتبه وم�ؤلفاته‪ ،‬وكان �صاحب ر�ؤية ملا ينبغي �أن‬ ‫تكون عليه بالده‪ ،‬وقد ا�ستفاد من كل ما حققته ماليزيا منذ‬ ‫اال�ستقالل من جناحات ّ‬ ‫موظفاً �إياها يف انطالقه‪ ،‬كما ا�ستفاد‬ ‫وخا�صة اليابان م�ستلهماً منها ما‬ ‫من جتارب الدول الأخرى‬ ‫ّ‬ ‫يتوافق و�أو�ضاع بالده ‪ ،‬فقد �إ�ستلهم منها كيفية ر�سم ال�سيا�سة‬ ‫املنهج ّية يف الت�صنيع‪ ،‬و�إيجاد قيادات تتمتع مب�ستوى علمي فائق‪،‬‬ ‫وتتميز بالتطور والإبداع‪ ،‬كما َخبرِ َ كيفية �إدارته للدولة فقفز‬ ‫بها �إىل م�صاف الدول ال�صناع ّية املتقدِّمة ‪� ،‬إ�ضافة �إىل اال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�سي والأمني الذي �ش ّكل �أر�ضية خ�صبة ومهّد للنماء؛ الذي‬ ‫برزت معامله للعامل ؛ مت ّثلت يف قطاعي ال�صناعة واخلدمات التي‬ ‫بلغت نحو ‪ %90‬من الناجت املحلي الإجمايل‪ ،‬ويف عهده بلغت‬ ‫ن�سبة �صادراتها من ال�سلع املُ�ص ّنعة ‪ %85‬من �إجمايل‬ ‫�صادراتها‪ ،‬و�أنتجت ‪ %80‬من ال�سيارات التي‬ ‫ت�سري يف طرقاتها‪ ،‬و�أ�صبحت من �أجنح‬ ‫البلدان يف جنوب �آ�سيا‪ ،‬بل ويف العامل‬ ‫الإ�سالمي ب�أكمله‪ ،‬وقد حقق ذلك‬


‫ويف جانب الت�صنيع فقد �أن�ش�أة ‪،‬م�صانع الأ�سمنت ‪ ،‬واحلديد الإ�سالم هو الهوية القومية وال�سيا�سية واالجتماعية والثقافية‬ ‫وال�صلب‪ ،‬بل وت�صنيع ال�سيارة املاليزية الوطنية (بريتون)‪ ،‬ثم ل�شعب املاليو‪.‬‬ ‫التو�سع يف �صناعة الن�سيج و�صناعة الإلكرتونيات‪ ،‬والتي �صارت‬ ‫ويف كلٍ فقد و ّفر مهاتري حممد ل�شعبه الأمن واال�ستقرار‬ ‫ت�ساهم بثلثي القيمة امل�ضافة للقطاع ال�صناعي‪ ،‬وت�ستوعب‬ ‫وال�سالم االجتماعي فكانت هذه �أحد عوامل النه�ضة هناك ‪.‬‬ ‫‪ %40‬من العمالة ‪ ،‬فكانت الت�سعينيات من القرن املا�ضي مرحلة‬ ‫ن�ضج الثمرة‪ ،‬حيث ُو�ضعت ماليزيا يف قائمة الدول املتقدمة واملثري للإعجاب �أن مهاتري حممد كان دائ ًما ويف كل املحافل‬ ‫بف�ضل القدرة على التطوير واالبتكار واملناف�سة ‪ ،‬ومن �أبلغ ما الدولية يعتز ب�إ�سالمه‪ ،‬ويرجع جناحه �إىل تطبيقه لتعاليم‬ ‫يبني جناح الأداء االقت�صادي ملاليزيا يف الفرتة املهاتريية‪ ،‬ذلك الإ�سالم‪ ،‬و�أنه ينطلق نحو النجاح بفهم عميق جلوهر الدين‬ ‫التو�سع الذي حدث يف ا�ستثمارات القطاع ال�صناعي‪ ،‬حيث �أن�شئ الإ�سالمي الذي يعلي من قيمة العلم والتقدم‪ ..‬فنجده يف �أحد‬ ‫�أكرث من ‪� 15‬ألف م�شروع �صناعي‪ ،‬ب�إجمايل ر�أ�س مال و�صل �إىل خطاباته يقول‪�" :‬إن ماليزيا واثقة ب�أن الأمة الإ�سالمية ميكنها‬ ‫‪ 220‬مليار دوالر‪ ،‬وقد �شكلت امل�شروعات الأجنبية حوايل ‪ %54‬من �أن تكون �أقوى قوة يف العامل �إذا توحدت‪ ،‬و�أح�سنت ا�ستخدام‬ ‫هذه امل�شاريع‪ ،‬مبا يو�ضح مدى االطمئنان الذي يحمله امل�ستثمر ثرواتها وم�صادرها املختلفة"‪ ،‬وو�ضح ب�أن على هذه الأمة �أن‬ ‫الأجنبي ملاليزيا من ناحية الأمان‪ ،‬وبالت�أكيد �ضمان الربحية تن�شط يف حت�صيل العلوم وتقتحم جمال تكنولوجيا املعلومات‬ ‫العالية‪ ،‬بينما مثلت امل�شروعات املحلية ‪ %46‬من هذه امل�شاريع حتى ت�ستطيع �أن تناف�س تقدم الغرب يف هذا املجال احليوي‬ ‫‪ ،‬وقد كان لهذه امل�شروعات عظيم الأثر والنفع على ال�شعب واملهم يف هذا الع�صر‪.‬‬ ‫املاليزي؛ حيث وفرت مليوين وظيفة للمواطن املاليزي‪� ،‬إىل‬ ‫جانب الفائدة الكربى املتمثلة يف نقل التقنية احلديثة وتطوير وبعد �أن �أح�س الدكتور مهاتري ب�أنه قد انتهى من �أداء ر�سالته‬ ‫أي�ضا حتققت يف فرتة والية مهاتري �أعلن ا�ستقالته من جميع من منا�صبه احلزبية يف قرار تاريخي‬ ‫مهارات العمالة املاليزية‪ً � ..‬‬ ‫حممد طفرة ملحوظة يف م�شروعات االت�صاالت واملعلومات التي ع ّز نظريه ‪ ،‬حتى ُع ّد ب�أنه مناورة �سيا�سية ‪ ،‬لكنها كانت حقيقة‬ ‫كانت حتظى باهتمام ودعم حكومته كعن�صر مهم من عنا�صر م ّلكها للأجيال ‪.‬‬ ‫خطته التنموية‪ ،‬وكان ي�سميه "االقت�صاد املعريف"‪ ،‬وبالفعل‬ ‫العمق املعريف‬ ‫�أ�صبحت ماليزيا حمطة �إقليمية وعاملية يف جمال �صناعة‬ ‫يقول مهاتري حممد ‪" :‬ل�سوء احلظ هناك عدد من امل�سلمني‬ ‫االت�صاالت واملعلومات والإنرتنت‪.‬‬ ‫” املثقفني” الذين اليعجبهم الت�سامح الذي دعا �إليه القر�آن‬ ‫�أعلن لل�شعب بكل �شفافية خطته وا�سرتاتيجيته ‪ ،‬و�أطلعهم على الكرمي‪� .‬إنهم يحبون �أن يروا الإ�سالم دينا �صارما وقا�سيا وعنيفا‬ ‫النظام املحا�سبي الذي يحكمه مبد�أ الثواب والعقاب للو�صول �إىل جتاه الأديان الأخرى ويف الواقع‪ ،‬ذكر يل مفتي عامل ذات مرة‬ ‫« النه�ضة ال�شاملة » ‪ ،‬ف�صدقه النا�س وم�شوا خلفه ليبد�أوا « �أنه اليوجد دين �سوى الإ�سالم‪ ،‬ف�شعرت بارتباك �شديد‪� ،‬صحيح‬ ‫�أن الدين عند اهلل الإ�سالم‪ ،‬لكن وردت يف القر�آن الكرمي �إ�شارات‬ ‫بقطاع الزراعة » ‪ ..‬فغر�سوا مليون �شتلة‬ ‫كثرية �إىل ديني مو�سى وعي�سى( عليهما ال�سالم)‪ .‬ويف الواقع‪،‬‬ ‫« نخيل زيت » فى �أول عامني لت�صبح ماليزيا �أوىل دول العامل ورد يف �سورة “الكافرون” �إ�شارة اىل االديان التي التقبل بـ ”‬ ‫فى �إنتاج وت�صدير ( زيت النخيل ) !!!‬ ‫الدين” الذي هو الإ�سالم‪.‬‬ ‫ويف اجلانب االجتماعي مل تكن مهمة حما�ضر بالأمر ال�سهل‪،‬‬ ‫حيث ورث جمتمعاً متعدد الأعراق والثقافات �أبرزها امل�سلمون‬ ‫وال�صينيون والهنود‪ ،‬فعمل على حتقيق التوازن ال�سكاين والعرقي‬ ‫خا�صة يف ظل �أكرثية من �أعراق املاليو دون قوة م�ؤثرة مما‬ ‫دفع رئي�س الوزراء الدكتور حما�ضر لل�سعي �إىل تعزيز نفوذهم‬ ‫يف كافة نواحي احلياة االقت�صادية واالجتماعية وانقاذهم‬ ‫من ال ـبـ ـ ـ ـ ـ�ؤ�س والفقر والتخلف‪ ،‬ويف الوقت نف�سه يعتقد ب�أن هكذا �ضرب مهاتري حممد مثال يحتذا به يف جمال القيادة‬ ‫الرتكيبة العرقية والدينية والتزامها بالإ�سالم باعتباره الدين والريادة والثقة بالنف�س واالعتزاز بالعقيدة واالنتماء لوطنه‬ ‫الر�سمي للدولة تلعب الدور البارز يف فهم الت�صورات واملمار�سات و�شعبه و�أمته وعمق معرفته بتعاليم دينه وتوظيفه لها يف‬ ‫املاليزية يف التعامل مع الق�ضايا القومية امل�صريية‪ ،‬بل يرى �أن جماالت احلياة املختلفة ‪ ،‬ف�صار رجل �أمة ‪.‬‬ ‫كان امل�سلمون الأوائل �أكرث ت�ساحما ولينا مع غري امل�سلمني‪،‬‬ ‫وقد بلغ ت�سامح امل�سلمني مع اليهود حداً جعلهم يفرون اىل‬ ‫الدول ال�سالمية الواقعة يف �شمال �أفريفيا و�إىل املناطق اخلا�ضعة‬ ‫للحكم العثماين يف �أوروبا ال�شرقية متى ا�ضطهدهم امل�سيحيون‬ ‫الأوروبيون‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫بيانات ال‬

‫وسطية‬

‫‪96‬‬

‫بيان حول استشهاد‬ ‫معاذ الكساسبة‬

‫ني ِر َج ٌ‬ ‫(مِنَ المْ ُ�ؤْ ِم ِن َ‬ ‫ال َ�صدَ ُقوا َما َعاهَ دُ وا اللهَّ َ َع َل ْي ِه َف ِم ْن ُه ْم‬ ‫َم ْن َق َ�ضى َن ْح َبهُ َو ِم ْن ُه ْم َم ْن َي ْن َت ِظ ُر َو َما بَدَّ ُلوا َت ْب ِديل‬ ‫(�صدق اهلل العظيم)‪.‬‬ ‫� ّإن املنتدى العاملي للو�سطية يف الأردن ويف العاملني العربي‬ ‫والإ�سالمي ي�ستنكر ويدين ب�شدة تلك اجلرمية الب�شعة النكراء‬ ‫التي ارتكبتها ع�صابة الإجرام والقتل بحق ابن الأردن البطل‬ ‫ال�شهيد الطيار معاذ الك�سا�سبة‪ ،‬و�إن ما قام به �أولئك القتلة‬ ‫ال ميت ب�أي �صلة للإ�سالم وتعاليمه ال�سمحة وهذه اجلرمية‬ ‫تخرجهم من ملة الإ�سالم التي بنيت على الت�سامح والرحمة‬ ‫والإن�سانية ويرب�أ الإ�سالم من هذه الأفعال ال�شائنة ومن ه�ؤالء‬ ‫القتلة وعلى الأردنيني و�أحرار و�شرفاء الأمة توحيد اجلهود‬ ‫�ضد ه�ؤالء الإرهابني والوقوف �صفاً واحداً �أمام �أولئك الذين‬ ‫يريدون �شق �صفنا ووحدتنا و�إن الأردن �سريد بحزم وقوة على‬ ‫هذا احلدث امل�ؤمل وبكافة الطرق والو�سائل املادية واملعنوية الذي‬

‫مزق القلوب و�أدماها علماً ب�أن التعذيب بالنار هو هلل عز وجل‬ ‫واليعذب بالنار �إال رب النار وندعو اهلل عز وجل �أن يلهم الأردن‬ ‫و�أهله وذوي معاذ و�أخوانه وزوجته و�أقاربه وكل الأردنني ال�صرب‬ ‫وال�سلوان‪.‬‬ ‫�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون‪ / .‬املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫بيان الصحيفة الفرنسية‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطيه يدين االعتداء على الأرواح‬ ‫واملمتلكات حتت �أي ذريعة �أو مربر و ذلك �إثر الهجوم امل�سلح‬ ‫على مقر اجلريدة الأ�سبوعية الفرن�سية �شاريل �إيبدو كما‬ ‫ندعو املجتمع الدويل و الدول الغربية �إىل �سن القوانني التي‬ ‫حترم ا�ستفزاز امل�شاعر الدينية جلميع الديانات ال�سماوية و‬ ‫الدعوة �إىل التعاي�ش ال�سلمي بني خمتلف ال�شعوب و نبذ‬

‫العنف بجميع �أ�شكاله و �صوره من �أي جهة كانت ونامل �أن‬ ‫تت�صدى هذه الدول �إىل الأعمال واحلمالت املوجهه والتي‬ ‫ت�سعى �إىل �شينه امل�سلمني وال�صدق تهمه الإرهاب بالعامل‬ ‫الإ�سالمي يف �إدانة ظاملة م�ضيفة تعمم وال تخ�ص�ص كما‬ ‫يدين املنتدى الأ�صوات التي تعالت يف �أملانيا لطرد امل�سلمني‬ ‫واعتبارهم غرباء ي�شكلون خطرا على �أوروبا‬ ‫الأمني العام ‪ :‬املهند�س مروان الفاعوري‬


‫بيان حول أحداث الباكستان‬ ‫قال تعاىل‪َ ( :‬و َم ْن َي ْقتُلْ ُم�ؤْ ِم ًنا ُم َت َع ِّمدً ا َف َج َزا�ؤُ ُه َج َهن َُّم َخا ِلدً ا‬ ‫ِفي َها َو َغ ِ�ض َب اللهَّ ُ َع َل ْي ِه َو َل َع َنهُ َو�أَ َعدَّ َلهُ َع َذا ًبا َع ِظي ًما)‬ ‫و�إذ ُيدين املنتدى هذا العبث با�سم الدين ليدعو العلماء‬ ‫ُيدين املنتدى العاملي للو�سطية العمل الإجرامي الب�شع الذي‬ ‫تبنته اجلماعات الإرهابية باقتحامها مدر�سة للأطفال الأبرياء‪ ،‬والهيئات وامل�ؤ�س�سات الإ�سالمية �إىل عملٍ د�ؤوب ملحاربة هذا‬ ‫والذي راح �ضحيته ع�شرات القتلى واجلرحى‪ .‬ذلك �إن هذا الفكر ال�ضال ودعاته يف العامل �أجمع من خالل ف�ضح �أهدافهم‬ ‫العمل اجلبان ُيدينه وي�ستنكره الإ�سالم احلنيف وكافة ال�شرائع وبيان زيف �أفكارهم التي ُيراد منها �شقاء الب�شرية وت�شويه �صورة‬ ‫ال�سماوية وي�ستفز امل�شاعر الإن�سانية ال�سوية وي�سعى مقرتفوه الإ�سالم النقية النظيفة‪.‬‬ ‫�إىل ت�شويه �صورة الإ�سالم ال�سمح الذي جاء رحمة للنا�س ودعوة‬ ‫ً نت�ضرع �إىل اهلل العلي القدير �أن يتغمد ال�ضحايا بوا�سع‬ ‫�إىل الوحدة والت�آلف وا�ستقرار املجتمعات‪ ،‬وتنميتها بعيدا‬ ‫رحمته‪ ،‬كما ندعوه جل �ش�أنه بال�شفاء العاجل للجرحى ولذويهم‬ ‫عن الفو�ضى والدمار والذي ينطلق دوماً من �سعادة الب�شرية‬ ‫ال�صرب وح�سن العزاء‪..‬‬ ‫وتقدمها‪.‬‬

‫الأمني العام ‪ :‬املهند�س مروان الفاعوري‬

‫بيان حول احتجاز الرهائن في سدني‬ ‫ْ�س �أَ ْو َف َ�س ٍاد فيِ َْ أ‬ ‫�ض َف َك�أَنمَّ َ ا‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫قال تعاىل‪َ ( :‬م ْن َق َت َل َنف ًْ�سا ِب َغيرْ ِ َنف ٍ‬ ‫َّا�س َجمِي ًعا )‬ ‫َق َت َل الن َ‬ ‫َّا�س َجمِي ًعا َو َم ْن �أَ ْح َياهَ ا َف َك َ�أنمَّ َ ا �أَ ْح َيا الن َ‬

‫تابع املنتدى العاملي للو�سطية يف �إطار اهتمامه بق�ضايا امل�سلمني ال�صحيح وتنويرهم باملقا�صد ال�شرعية حلفظ الأنف�س والأموال‬ ‫يف العامل ب�أ�سى بالغ حادثة احتجاز الرهائن الذي وقع يف �سدين بعيداً عن لغة القتل وحجز احلريات والإرهاب للمدنيني‪.‬‬ ‫على يد �أئمة تنتمي جلماعات �إرهابية متطرفة‪ ،‬و�إن املنتدى �إذ‬ ‫�إن هذا العمل ي�أتي يف �إطار الت�شويه املق�صود ل�صورة الإ�سالم‬ ‫يدين هذا العمل اجلبان ليدعو �إىل التم�سك بالإ�سالم احلنيف‬ ‫يف املجتمعات غري امل�سلمة مبا ينعك�س �سلباً على ق�ضايانا العادلة‬ ‫الإ�سالم املعتدل القائم على احلوار والت�سامح وحل امل�شكالت‬ ‫وي�ؤثر �أي�ضاً على احلريات الدينية واالجتماعية للجاليات‬ ‫و�إ�سعاد الب�شرية وي�شجب لغة العنف والتطرف والقتل يف العامل‬ ‫امل�سلمة يف هذه الأقطار‪.‬‬ ‫�سواء كانوا م�سلمني �أو غري م�سلمني‪ ،‬وحت�صني ال�شباب بالعلم‬

‫الأمني العام ‪ :‬املهند�س مروان الفاعوري‬

‫‪97‬‬


‫بيانات ال‬

‫وسطية‬

‫‪98‬‬ ‫بيان حول القدس‬

‫انطالقاً من املوقع وامل�صري الذي يربط اململكة بفل�سطني‬ ‫والقد�س درتها‪ ،‬ف�إننا ن�ؤكد على ارتباطنا امل�صريي بق�ضية‬ ‫فل�سطني وباملدينة املقد�سة التي جتري الآن الف�صول‬ ‫الأخرية للم�ؤامرة الكربى على طم�س هويتها وامل�سا�س بها‪.‬‬ ‫�إن الرعاية الها�شمية للمقد�سات يف القد�س ال�شريف‬

‫وقفة جادة ومواقف عملية لدعم �أهلنا يف القد�س بو�سائل‬ ‫ال�صمود املادي واملعنوي‪.‬‬ ‫�إننا ن�ؤكد ا�ستعدادنا بالت�ضحية بالغايل والنفي�س من �أجل‬ ‫احلفاظ على القد�س وحتريرها ونحذر االحتالل الإ�سرائيلي‬ ‫بو�ضوح وعليه �أن يدرك �أن هذا اال�ستعداد �سيتحول �إىل‬ ‫مواقف فعليه و�إجراءات عملية‪.‬‬

‫هي م�س�ؤولية و�أمانة وطنية و�شرف ديني‪ ،‬ومن هنا ف�إننا‬ ‫ن�شيد بجهود جاللته املخل�صة التي �أدت اىل وقف التحدي‬ ‫الإ�سرائيلي وحماوالت �إغالق امل�سجد الأق�صى والعبث‬ ‫مب�صريه‪.‬‬ ‫�إن الوقفة الأردنية الها�شمية حلماية الأق�صى و�إلغاء‬ ‫القرارات الإ�سرائيلية ب�إغالقه القت تقديراً عالياً و�إ�شادة‬ ‫كبرية لي�س من جانب املقد�سني والفل�سطينيني فح�سب بل‬ ‫من جانب جميع امل�سلمني وال�شرفاء يف العامل‪.‬‬ ‫واملنتدى العاملي للو�سطية �إذ يطالب بالتفاف الدول‬ ‫الإ�سالمية مع املوقف الأردين وتعزيزه وذلك من خالل‬

‫كما ندعو اجلميع ال�سا�سة ورجال الفكر والر�أي والإعالم‬ ‫ب�أن يعطوا مقد�ساتنا الأولوية واالهتمام الذي يليق بها ال‬ ‫�أن توجه الأنظار �إىل ومعارك جانبية ا�ستنزفت جهودنا‬ ‫ومقدراتنا لأن ذلك ي�شكل م�سا�ساً وطعناً يف ق�ضيتنا الأوىل‬ ‫يف فل�سطني‪.‬‬ ‫�إن الوقت قد حان لتفعيل قرارات امل�ؤمترات العربية‬ ‫والإ�سالمية بخ�صو�ص مدينة القد�س و�أن الت�أخر يف تنفيذ‬ ‫قرارات الدعم هذه ُيعد ت�شجيعاً لالحتالل ال�صهيوين‬ ‫لال�ستمرار يف حتديه وا�ستخفافه بهذه الأمة و�إمكاناتها‪.‬‬ ‫الأمني العام ‪ :‬املهند�س مروان الفاعوري‬


‫بيان حول اإلقتتال في اليمن‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫قال تعاىل‪�( :‬إِنمَّ َ ا المْ ُ�ؤْ ِمنُونَ �إِخْ َو ٌة َف�أَ ْ�ص ِل ُحوا بَينْ َ �أَ َخ َو ْي ُك ْم * َوا َّتقُوا اللهَّ َ َل َعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمونَ )(�سورة احلجرات‪) 10:‬‬ ‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية تابع ما حدث يوم الأحد املا�ضي ‪ .4‬يعرب املنتدى عن احلزن ال�شديد للأرواح التي �أزهقت والدماء‬ ‫املوافق ‪2014/09/21‬م من اقتتال واعت�صامات على �أر�ض اليمن التي �سالت يف العا�صمة �صنعاء وغريها من مدن �صنعاء‪.‬‬ ‫احلبيب لذا ف�إنه‪:‬‬ ‫‪ .5‬يطالب جميع الأطراف بالتوقف مبو�ضوعية وم�س�ؤولية �أمام‬

‫‪ .1‬ينا�شد جميع الأطراف املت�صارعة على �أر�ض اليمن و�ضبط كافة املتغريات ال�سيا�سية واالقت�صادية والأمنية والعمل على‬ ‫النف�س وتغليب لغة احلوار والعقالنية واحلكمة على لغة ال�سالح‪ .‬تطويق كافة التداعيات باملزيد من العمل ال�سيا�سي والتوا�صل‬ ‫بني كافة الأطراف ومناق�شة ق�ضايا اخلالف مبا يحقق م�صلحة‬ ‫‪ .2‬وقف الإعالم التحري�ضي وكافة �أ�شكال الإثارة الطائفية اليمن احلبيب‪.‬‬ ‫واحلزبية وغريها‪ ،‬واحلفاظ على وحدة اليمن وا�ستقراره‪.‬‬ ‫‪ .6‬كما ويدعو قادة الدول العربية والإ�سالمية يتحمل‬ ‫‪ .3‬الت�أكيد على حق اجلميع يف التعبري عن �آرائهم �سلمياً وفقاً م�س�ؤوليتهم نحو اليمن وغريه من البلدان العربية والإ�سالمية‪.‬‬ ‫للقانون وبعيداً عن جماالت العنف‪.‬‬

‫الأمني العام ‪ :‬املهند�س مروان الفاعوري‬

‫بيان ادانة القتل وسفك الدماء في ليبيا‬ ‫هزت العامل العربي والإ�سالمي جرائم القتل و�سفك الدماء‬ ‫من ع�صابة داع�ش املوجودة على �أرا�ضي ليبيا بقتل (‪ )21‬قبطياً‬ ‫م�صرياً من �أهل الكتاب عُزل ال حول لهم وال طوال‪ ،‬يعي�شون‬ ‫جنباً اىل جنب مع اخوتهم من �شعب ليبيا الذي ي�سعى ال�سرتداد‬ ‫حريته وكرامته من �أهل الفنت العمياء �أمثال ع�صابة الإجرام‬ ‫داع�ش‪ ،‬وقد �أقدمت هذه الطغمة الفاجرة التي ال ترقب يف م�ؤمن‬ ‫اال وال ذمة على ذبح وقتل ه�ؤالء الأبرياء منطلقني يف �إجرامهم‬ ‫باتباع منهج منحرف‪ ،‬فكري وعقائدي منحرف وهو فكر داع�ش‬ ‫الذي يخالف القيم الإ�سالمية العالية‪ ،‬وحتريف للحق وال�صدق‬ ‫واللجوء اىل القتل والذبح واحلرق‪.‬‬ ‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية يدين وب�شدة هذه اجلرائم الب�شعة‬ ‫التي تتكرر كل يوم‪ ،‬ويطالب �أهل احلل والعقد وقادة الر�أي‬ ‫و�أ�صحاب القرار يف �أمتنا العربية والإ�سالمية الوقوف والت�صدي‬ ‫املادي واملعنوي لهذه الع�صابة املجرمة لتعديها وكبح جماحها‬ ‫بقوة الفكر وال�سالح حتى ال تتنامى يف بالد العرب وامل�سلمني‪،‬‬ ‫ويتم الق�ضاء النهائي على �أوكار املخربني والإرهابيني �أياً كان‬ ‫جن�سهم �أو موطنهم و�صدق اهلل العظيم " ( َو َ�س َي ْعلَ ُم ا َّلذِ َ‬ ‫ين َظلَ ُموا‬ ‫�أَيَّ مُن َقلَبٍ َين َق ِل ُبو َن)‬

‫‪99‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪100‬‬

‫زيارة وفد المنتدى العالمي للوسطية إلى‬ ‫جمهورية نيجيريا ‪2015/02/1‬م‬

‫حممد ‪ -‬مدير املركز النيجريي للبحوث العربية يف‬ ‫نيجرييا لزيارة نيجرييا بهدف افتتاح فرع للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية وللإطالع على واقع حال امل�ؤ�س�سات العربية‬ ‫التعليمية واملدار�س الدينية واجلامعات و�أق�سام اللغة العربية‬ ‫فيها و�إمكانية قيام املنتدى ب�إجراء عمليات �شراكة �أو تعاون‬ ‫مع هذه الأطراف منفردة �أو جمتمعة من خالل فتح فرع‬

‫حوايل (‪ )20‬مليون ن�سمة ا�س ُتقبل الوفد من قبل كل‬ ‫من الدكتور حامد جمعة والدكتور عز الدين وعدد من‬ ‫الأخوة القادمني من مدينة �إيوو والية �أو�سن من املركز‬ ‫النيجريي للبحوث العربية‪ -‬حيث مت نقل الوفد اىل‬ ‫فندق(‪ )intercontinental‬يف جزيرة فكتوريا‪ ،‬حيث‬ ‫" الغو�س املدينة " جزء منها بري واجلزء الآخر بحري‪ ،‬وقد‬

‫للمنتدى يف الواليات النيجريية املتعددة‪ ،‬فقد قام وفد مكون ترك الوفد لال�سرتاحة من عناء ال�سفر والرحلة الطويلة‬ ‫من املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى يرافقه التي امتدت �إىل �أكرث من ‪� 10‬ساعات طريان من عمان عرب‬ ‫الدكتور زيد �أحمد املحي�سن من�سق العالقات اخلارجية القاهرة �إىل مدينة الغو�س‪.‬‬ ‫والتعاون الدويل يف املنتدى العاملي للو�سطية بزيارة �إىل‬ ‫ويف اليوم الثاين للزيارة قام الوفد بزيارة �إىل ‪ :‬مدر�سة‬ ‫نيجرييا خالل الفرتة �أعــاله ‪.‬‬ ‫التعليم العربي الإ�سالمي يف والية الغو�س‪ ،‬حيث التقى‬ ‫الوفد باال�ساتذة والعميد والأكادميي للمدر�سة و�أطلع‬ ‫تفا�صيل الزيارة‪:‬‬ ‫الوفد على طريقة تدري�س اللغة العربية للطلبة والعلوم‬ ‫يف اليوم الأول‪ :‬لدى و�صول وفد املنتدى �إىل مطار‬ ‫الإ�سالمية للنيجرييني ‪ ،‬وقام الوفد بجولة �شملت غرف‬ ‫الغو�س العا�صمة ال�سابقة لنيجرييا والبالغ عدد �سكانها‬ ‫الدرا�سة وامل�سجد واملرافق الإدارية يف املدر�سة وللوهلة‬


‫الأوىل يبدو للزائر ال�ضعف املادي لهذه املدر�سة من خالل‬ ‫قدم البناء وعدم توفر الأثاث املنا�سب وعدم �إجراءات �صيانة‬ ‫دورية لهذه املدر�سة وملرافقها الأخرى �أمام هذا الواقع‬ ‫الأليم حلال املدر�سة فقد تربع الأمني العام للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري( بجهاز كمبيوتر عدد‬ ‫‪ )2‬للمدر�سة‪ ،‬بعد ذلك غادر وفد املنتدى الزائر �إىل زيارة‬ ‫مركز ال�سالم للتعليم العربي والإ�سالمي والتقى الوفد مع‬ ‫ويف اليوم الثالث قام الوفد بزيارة �إىل جامعة والية‬ ‫م�ؤ�س�س هذا املركز ال�شيخ اجلليل الإمام م�شهود رم�ضان‬ ‫الغو�س والتقى الوفد مع رئي�س اجلامعة وامل�ساعدين‪ ،‬حيث‬ ‫جربيل الأمري الكيتوي‪ ،‬وعدد من الأ�ساتذة يف املركز‪.‬‬ ‫حتدث الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س‬ ‫وجرى خالل اللقاء حفل خطابي يف �صالة امل�سجد حيث مروان الفاعوري عن الغاية من زيارة اجلامعة و�أهمية �إقامة‬ ‫قدم املهند�س مروان الفاعوري عر�ضاً موجزاً عن املنتدى نوع من التعاون يف جمال ن�شر الثقافة والفكر الو�سطي‬ ‫العاملي للو�سطية والغاية من ان�شائه والغاية من هذه الزيارة بني الطلبة وذلك من خالل عقد ور�ش عمل وحما�ضرات‬ ‫والرتكيز على امل�شاكل التي تعاين منها الأمة من �إرهاب وم�ؤمترات ما بني اجلامعة واملنتدى ويف نف�س الوقت‬ ‫وتكفري وتفجري‪ ،‬هذه امل�شاكل التي �أ�صبحت ال�شغل ال�شاغل الت�أ�سي�س لعمل م�ؤ�س�سي يف هذا املجال خلدمة الطرفني‪،‬‬ ‫للعامل والذي تعاين منه الدول العربية والإ�سالمي‪ ،‬مبا وكان رئي�س اجلامعة قد رحب بالوفد ال�ضيف و�أثنى على‬ ‫فيها نيجرييا وخا�صة من تنظيم ما ي�سمى(بوكو حرام) جهود املنتدى يف هذا املجال وحاجة العامل �إىل مبادرات‬ ‫واملمار�سات التي يقوم بها هذا التنظيم يف ت�شويه �صورة خا�صة للت�صدي للعنف والإرهاب الذي يتعر�ض له العامل‪،‬‬ ‫الإ�سالم وقتل الأبرياء با�سم الإ�سالم "والإ�سالم براء منهم بعد ذلك التقى وفد املنتدى بعميد كلية الآداب يف اجلامعة‬ ‫اىل يوم الدين"‪.‬‬ ‫الدكتور حامد ومت ترتيب لقاء مع الطلبة الدار�سني للغة‬ ‫كما �ألقى الدكتور زيد املحي�سن كلمة بني فيها �أهمية �إقامة العربية يف م�سجد اجلامعة حيث حتدث املهند�س مروان‬ ‫تعاون ما بني املنتدى واملركز و�أثنى على جهود العاملني يف الفاعوري عن �أهمية املنهج الو�سطي يف الإ�سالم و�ضرورة‬ ‫املركز وعلى ح�سن ال�ضيافة والإ�ستقبال الذي قوبل به وفد تعميمه ون�شره بني الطلبة حفاظاً عليهم من �أفكار التطرف‬ ‫املنتدى منذ دخوله اىل �أر�ض املركز وحتى مغادرته و�أثناء والتي بد�أت تنت�شر يف املجتمعات‪.‬‬ ‫اللقاء طلب بع�ض املتحدثني م�ساعدة املركز يف احل�صول بعد ذلك التقى وفد املنتدى مع �أ�ساتذة اللغة العربية بعد‬ ‫على منح درا�سية لإكمال درا�ستهم اجلامعية البكالوريو�س �أن جال يف ق�سم اللغة العربية واطلع على املكتبة واملرافق‬ ‫واملاج�ستري والدكتوراه يف اجلامعات العربية والإ�سالمية‪ ،‬التعليمية الأخرى من خمتربات لغة وقاعات للدرا�سة‪...‬‬ ‫وقد وعد الأمني العام للمنتدى بالتربع مبقعدين من �إلخ ‪ ،‬وخالل االجتماع بالأ�ساتذة ن ّوه البع�ض �إىل احلاجة �إىل‬ ‫املقاعد املمنوحة للمنتدى من اجلامعة الإ�سالمية العاملية بعثات درا�سية للطلبة النيجريين لإكمال تعليمهم اجلامعي‬ ‫يف �إ�سالم �أباد للمركز‪.‬‬ ‫يف املعاهد واجلامعات العربية والإ�سالمية تكون هذه البعثات‬ ‫مروان الفاعوري حما�ضرة عن الو�سطية يف الإ�سالم وعن‬ ‫دور املنتدى يف تعزيز هذا النهج وبني �أهمية الو�سطية يف‬ ‫هذا الوقت الذي يتعر�ض له الإ�سالم اىل ت�شويه �صورته من‬ ‫قبل �أتباعه من خالل �أعمال القتل والعنف با�سم الإ�سالم‪،‬‬ ‫والإ�سالم براء مما يفعلون وقد ح�ضر اللقاء عدد كبري من‬ ‫املواطنني من اجلن�سني وعلى ر�أ�سهم ال�شيخ �سراج الدين‪.‬‬

‫كما جرى االتفاق على توقيع مذكرة تفاهم بني املنتدى‬ ‫واملركز من �أجل افتتاح فرع للمنتدى يف مقر مركز ال�سالم‬ ‫للتعليم العربي والإ�سالمي‪ ،‬بعد ذلك قام الوفد بزيارة �إىل‬ ‫م�سجد نور الهدى و�ألقى الأمني العام للمنتدى املهند�س‬

‫ملدة �أ�شهر حتى ميار�س الطالب النيجريي الدار�س للغة‬ ‫العربية ممار�سة عملية من متحدثي اللغة الأ�صليني وقد‬ ‫وعد املهند�س مروان الفاعوري بدرا�سة الو�ضع لدى عودته‬ ‫للأردن وتقدمي امل�ساعدة املمكنة له�ؤالء الطلبة‪.‬‬

‫‪101‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪102‬‬

‫ويف اليوم الرابع للزيارة غادر الوفد �إىل مدينة (�إيوو) ويف اليوم اخلام�س غادر الوفد مدينة الغو�س جتاه عمان‬ ‫يف والية �أو�سن حل�ضور املهرجان اخلطابي الذي �أعدته عرب القاهرة حيث �أم�ضى الوفد ليلة يف القاهرة ثم و�صل‬ ‫�أكادميية عناية اهلل العاملية‪ ،‬حيث مت ا�ستقبال الوفد من عمان �صباح اجلمعة ال�ساعة التا�سعة والن�صف بتوقيت ع ّمان‪.‬‬ ‫قبل الأ�ساتذة يف االكادميية والق�ضاة ال�شرعيني وخطباء‬ ‫اخلال�صة‪ :‬لقد حققت الزيارة الأهداف املر�سومة لها‬ ‫امل�ساجد والطالبات والطلبة وح�شد من امل�س�ؤولني الر�سميني‬ ‫‪ ،‬ذلك من خالل‪:‬‬ ‫وال�شعبيني‪ ،‬وقد رحب املتحدثون بوفد املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية وعلى هذه اللفتة الكرمية من قبل املنتدى ‪ .1‬الإطالع على واقع امل�ؤ�س�سات التعليمية العربية‬ ‫لزيارة نيجرييا وزيارة الأكادميية‪ ،‬وطالبوا بتكرار التوا�صل والإ�سالمية يف نيجرييا‪.‬‬ ‫والزيارات بني املنتدى والأكادميية ملا فيه �صالح الطرفني‪� .2 ،‬إلتقاء �أ�ساتذة و�شيوخ وعلماء نيجرييني من �أجل التوا�صل‬ ‫وقد �ألقى املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى وتعزيز روابط الأخوة الإ�سالمية وبناء عالقات قوية لدعاة‬ ‫كلمة �شكر فيها القائمني على هذا الإحتفال وبني �أهمية الو�سطية من خمتلف ال�شرائح‪.‬‬ ‫النهج الو�سطي والغاية من هذه الزيارة وهي فتح �آفاق من‬ ‫التعاون وال�شراكة �أو فتح فرع للمنتدى العاملي للو�سطية ‪ .3‬افتتاح فرعني للمنتدى يف كل من مدينة الغو�س و�إيوو يف‬ ‫يف الوالية‪ ،‬يكون مبثابة حلقة و�صل بني القائمني عليه والية �أو�سن‪.‬‬ ‫واملواطنني للتوعية باملنهج الو�سطي من خالل �إقامة ‪ .4‬تعريف النا�س باملنهج الو�سطي وخطورة التطرف والغلو‬ ‫الندوات والن�شاطات الفكرية الإ�سالمية‪ ،‬كما �ألقى الدكتور على �أمن وا�ستقرار املجتمع‪.‬‬ ‫زيد املحي�سن كلمة حيا فيها اجلموع الكبرية التي جاءت اىل‬ ‫املكان من رجال ون�ساء و�أ�ساتذة وطلبة وممثلني للفعاليات ‪ .5‬مت التعرف على حركة بوكو حرام والقاعدة وداع�ش‬ ‫الر�سمية وال�شعبية وبني تاريخية العالقة القائمة بني دولة وبيان خطورة هذه الع�صابات على الأجيال القادمة و�ضرورة‬ ‫نيجرييا والعامل العربي والإ�سالمي‪ ،‬بعد ذلك غادر الوفد مواجهتها فكرياً‪.‬‬ ‫متوجهاً �إىل املركز النيجريي للبحوث العربية حيث جرى ‪� .6‬شرح �أفكار املنتدى وتقدميها للنا�س ب�شكل �سهل وبلغاتهم‬ ‫ا�ستقبال للوفد من قبل �أع�ضاء املركز وجرى بحث افتتاح ومن �أبنائهم‪.‬‬ ‫فرع للمنتدى العاملي للو�سطية يف مبنى املركز النيجريي‬ ‫للبحوث العربية والعمل على توقيع مذكرة تفاهم بهذا‬ ‫ال�ش�أن وقد القت هذه اخلطوة الرتحيب واال�ستح�سان من‬ ‫قبل القائمني على املركز‪ ،‬وخالل اللقاء بني الفاعوري �أهمية‬ ‫وجود فرع للمنتدى يف هذه الوالية و�ضرورة العمل على‬ ‫تفعيل الن�شاطات الثقافية والفكرية الإ�سالمية لدى �سكان‬ ‫الوالية‪ ،‬و�أبدى ا�ستعداد املنتدى العاملي للو�سطية لتقدمي‬ ‫الدعم وامل�ساندة لن�شاطات الفرع من خالل �إقامة الندوات‬ ‫واملحا�ضرات ودورات التدريب للأئمة وخطباء امل�ساجد‬ ‫والواعظات وللطلبة يف املدار�س للتوعية باملنهج الو�سطي‬ ‫والإعتدال وتعميق قيم الت�سامح واحلوار يف املجتمع‬ ‫النيجريي‪ ،‬وبعد ذلك عاد الوفد �إىل مدينة الغو�س و�أبدى‬ ‫احل�ضور حما�ساً �شديداً لذلك الطرح ‪.‬‬


‫ندوة تجديد الخطاب الديني‬ ‫تقرير عن دورة جتديد اخلطاب الدينيي املنعقدة يف ا�سالم �آباد – باك�ستان‬

‫اكتملت بحمد اهلل اعمال الدورة التي نظمها املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية بالتع�أون مع �أكادميية ال�شريعة يف اجلامعة‬ ‫الإ�سالمية العاملية با�سالم اباد بعنوان جتديد اخلطاب‬ ‫الديني يف الفرتة مابني ‪ 8-7‬من يناير ‪2015‬م والذي �شارك‬ ‫فيها �أكرث من ‪ 120‬عاملاً من خطباء امل�ساجد والأئمة والوعاظ‬ ‫واملر�شدين ومعلمي الرتبية الإ�سالمية من خمتلف املذاهب‬

‫الذي جعل من العامل قرية م�صغرة ت�أتينا �أخبارها ب�سرعة‬ ‫قيا�سية‪ .‬وزاد على ذلك �سعادة الدكتور ب�أن ما �سريد يف هذه‬ ‫الدورة �سيكون يف نطاق ما جاءت عليه الن�صو�ص بالقران‬ ‫وال�سنة و�أن الآراء التي تناق�ض �أ�س�س الإ�سالم لن ُتقبل �أ�سا�سا‬ ‫و�أن الدورة �ستبني و�سطية هذا الدين والذي ينفي الإرهاب‬ ‫والغلو وكذلك فهو دين ينتقد التفريط والغو�ص يف �أعماق‬

‫واملدن الباك�ستانية‪ ،‬حيث افتتحت الدورة ب�آيات من الذكر‬ ‫احلكيم تاله كلمة افتتاحية قدمها الدكتور �سهيل ح�سن‬ ‫مدير عام �أكادميية ال�شريعة‪ ،‬والتي رحب فيها ال�ضيوف‬ ‫الكرام‪ ،‬وامل�شاركني يف الدورة و�أكد على �أنه من خالل هذه‬ ‫الدورة ال ُيق�صد تقدمي دين جديد �أو خمالفة ما جاء الإ�سالم‬ ‫به و�إمنا الق�صد من هذه الدورة هو حل م�شاكل الع�صر‬ ‫احلا�ضر بطريقة مطابقة للواقع ولي�س بالطرق القدمية؛‬ ‫فنحن نعي�ش ع�صر االت�صاالت احلديثة والإعالم االلكرتوين‬

‫ملذات الدنيا دون الإهتمام باجلانب الروحي و�أكد ب�أن على‬ ‫العلماء �أن يواكبوا الع�صر و�أن تكون معلوماتهم معا�صرة‬ ‫حتى ي�ستطيعوا �أن يحوزوا على �أذان من�صتة لهم وتكون‬ ‫�آرائهم مقبولة لدى املجتمع املعا�صر لذا ف�سرتكز الدورة‬ ‫على بيان امل�سائل الفقهية املعا�صرة التي حتوز على اهتمام‬ ‫املجتمع وكذلك بيان اجتهادات و�آراء العلماء املعا�صرين يف‬ ‫كثري من امل�سائل حتى يتعرف امل�شاركون على طرق جديدة‬ ‫لالجتهاد وحتى ي�ستطيع امل�شاركون التباحث مع املحا�ضرين‬

‫‪103‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪104‬‬

‫يف الدورة وتبادل الآراء معهم حول الق�ضايا املعا�صرة وما من عمليات �إرهابية يف بلدان �أخرى من العامل كالعراق‬ ‫يخ�ص و�سطية الإ�سالم‪.‬‬ ‫و�سوريا وليبيا واليمن وغريها والتي ال ميكن لنا �أن نتغا�ضى‬ ‫عنها لأننا نحن نذوق مرارتها وويالتها منذ �سنوات عديدة‬ ‫وبعد ذلك �ألقى الدكتور حممد طاهر من�صوري رئي�س‬ ‫ولذلك فالكل يجب �أن يتحمل م�سئوليته ملواجهة التطرف‬ ‫الفرع الباك�ستاين للمنتدى العاملي للو�سطية ونائب رئي�س‬ ‫وذلك بناء على قدرته وم�ستواه‪.‬‬ ‫اجلامعة الإ�سالمية العاملية للدرا�سات العليا والبحوث كلمته‬ ‫التي عرف فيها احلا�ضرين باملنتدى وماي�ؤديه من دور يف و�أتبع القا�ضي فداء كلمته بالت�أكيد على �أن مامن �أمور‬ ‫تعريف العامل بحقيقة الإ�سالم وو�سطيته وبعده عن الغلو �سلبية �صغرية �أو كبرية ت�ؤثر على منطقة ما �أو على العامل‬ ‫والتطرف كما عرف مب�ؤ�س�سي املنتدى ومن بينهم ال�شيخ ب�أ�سره �إال وي�شار فيه الإ�سالم بالبنان ويتهم بها على الرغم‬ ‫الدكتور يو�سف القر�ضاوي ومنهجه الو�سطي يف �أبحاثه من �أنه يف كثري من الأحيان ال يكون للم�سلمني �صلة بها‬ ‫ودرا�ساته وكتبه وو�ضح ب�أن الدورة �سرتكز على بحث امل�سائل كما يحدث باك�ستان فعقب كل عملية �إرهابية تتهم طالبان‬ ‫الفقهية املعا�صرة وحلها بطرق جديدة دون م�سا�س �أ�س�س بالأمر؛ وطالبان ا�سم جامع لطالب املدار�س الدينية فيقع‬ ‫وثوابت الدين الإ�سالمي ثم تطرق الدكتور من�صوري �إىل جميع طالب املدار�س الدينية حتت طائلة ال�شك و�إن كان من‬ ‫مو�ضوع الو�سطية وما قيل عن هذا املو�ضوع من قبل العلماء قام مبثل هذه العمليات ال ميثلون �إال القلة‪.‬‬ ‫املعا�صرين وال�سابقني وحتذيرهم من الغلو والتفريط يف‬ ‫و�أكد على �أن امل�سلمني مل يعرفوا بعد قوتهم الذاتية فهم‬ ‫الدين‪ .‬ثم بني الدكتور �أهداف هذا اللقاء املبارك‪� ،‬أال وهي‪:‬‬ ‫مازالوا حتت ت�أثري و�سائل االعالم التي ت�صفهم بال�ضعف‬ ‫تو�ضيح مفاهيم اخلطاب الديني؛ التوافق مع احلداثة‬ ‫وقلة احليلة وعدم القدرة على جماراة العامل �إذ �أنهم مل‬ ‫ومتطلبات الع�صر والتم�سك بالعقيدة الإ�سالمية الداعية‬ ‫ينف�ضوا الغبار عن قواهم الداخلية النابعة من الإميان‬ ‫للو�سطية واالعتدال‪ ،‬واحل�ض على احلوار املبني على حرية‬ ‫باهلل عز وجل �صاحب القوة والطاقة العظمى الذي يذكره‬ ‫التعبري والر�أي‪ ..‬كما �شكر الدكتور من�صورى الأمانة العامة‬ ‫مليار م�سلم يوميا خم�سة مرات حيث �أن الرجوع هلل وطريق‬ ‫للمنتدى على اهتمامها ب�أحوال امل�سلمني خ�صو�صاً امل�سلمني‬ ‫احلق �سيزيد من قوة الإ�سالم وجماراة غريه من احل�ضارات‬ ‫يف باك�ستان وعلى دعمها املادي واملعنوي لتنظيم مثل هذه‬ ‫و�أكد على �أهمية امل�ساجد لتو�صيل ر�سالة الإ�سالم الو�سطية‬ ‫الدورات‪.‬‬ ‫بناء على الثوابت يف القران وال�سنة وجماراة مل�سائل الع�صر‬ ‫وبعد ذلك قدم �ضيف �شرف اجلل�سة االفتتاحية معايل وم�شاكله ففي عهد �أبي بكر كانت م�س�ألة جمع القران جديدة‬ ‫قا�ضي املحكمة ال�شرعية الفيدرالية الباك�ستانية الأ�ستاذ وتردد �أبو بكر ر�ضي اهلل عنه يف تنفيذها بداي ًة �إىل �أن ر�أى‬ ‫الدكتور فداء حممد خان كلمته التي امتدح فيها القائمني ب�أنه من م�صلحة امل�سلمني وحفظاً للقران من ال�ضياع �أن يتم‬ ‫على الدورة من منتدى الو�سطية و�أكادميية ال�شريعة على جمعه وقد مت‪ ،‬ومن ثم قام عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه‬ ‫اختيارهم لهذا املو�ضوع الذي اعتربه مهما جدا لع�صرنا بن�سخه وتوزيعه على ا�أهم�صار‪ .‬و�أعطى القا�ضي تفا�صيل‬ ‫احلا�ضر خا�صة يف ظل الظروف التي تعي�شها باك�ستان ب�شكل عن م�سائل معا�صرة يجب حلها ك�إيجار الرحم واال�ستن�ساخ‬ ‫خا�ص وبالد امل�سلمني ب�شكل عام‪.‬‬ ‫وغريها من الأمور الع�صرية‪.‬‬ ‫و�أكد على �أن احلدود وامل�سافات بني الدول قد تقل�صت‬ ‫فبمجرد �ضغطة زر واحدة ميكنك �أن ت�شاهد وتتكلم مع‬ ‫�أ�شخا�ص يف بالد عديدة كانت يف ال�سابق بعيدة املنال و�أنه‬ ‫بالرغم من تقارب النا�س تقنيا �إال �أنهم قد تباعدوا قلبيا‬ ‫فظهرت وتكاثرت العداوة وال�شحناء وكرث القتل والتطرف‬ ‫وما عملية املدر�سة بب�شاور ببعيدة عن خميلتنا �إذ ا�ستهدف‬ ‫فيها الإرهابيون �أطفاال �أبرياء بالإ�ضافة �إىل مان�سمع عنه‬

‫ويف نهاية كلمته دعا القا�ضي فداء حممد خان امل�شاركني‬ ‫يف الدورة لرتتيب �أولوياتهم وتنظيمها حتى ال يقعوا يف‬ ‫فخ الإهتمام مبا هو �أقل نفعاً خا�صة العلماء والأئمة الذين‬ ‫يتحملون م�سئولية كبرية على عاتقهم يف ن�شر الوعي الديني‬ ‫داخل جمتمعاتهم‪.‬‬ ‫وقد ُقدمت جمموعة من املحا�ضرات التي ركزت على‬


‫�إبراز الوجه احلقيقي للإ�سالم يف تعبري ن�صو�صه واتباعه الباك�ستاين م�شارك يف عر�ض الدورال�سلبي واملظلم لبع�ض‬ ‫يت�سم بالو�سطية والإعتدال والت�سامح بعيداً عن الغلو امل�سلمني الذي ال ميثل الإ�سالم ب�أي حال بينما ال يهتم‬ ‫والذي ّ‬ ‫والإفراط‪ .‬وركزت كذلك مو�ضوعات الدورة حول مفاهيم بعر�ض اجلانب الإيجابي من ديننا احلنيف‪.‬‬ ‫اال�ستقامة واالعتدال والو�سطية والت�سامح يف فهم اخلطاب‬ ‫ونوه الدكتور حبيب ب�أن هناك �أ�سباب دينية للتطرف وهو‬ ‫الإ�سالمي املعا�صر‪ .‬وو�ضحت موقف الإ�سالم من احرتام‬ ‫الفهم اخلاطئ واملت�شدد للقران وال�سنة النبوية فالبع�ض‬ ‫النف�س الب�شرية و�إن كانت خمتلفة يف الدين والعقيدة‬ ‫ي�أخد من رواية منفردة ظاهرها الت�شدد لكي يربر تطرفه‬ ‫واملذهب‪ ،‬ودعت �إىل قبول االختالف الفقهي واتباع منهج‬ ‫بينما ت ُعج كتب احلديث بروايات �صحيحة ومتعددة تخالف‬ ‫االعتدال ومكافحة ظاهرة التطرف الفكري والديني وبيان‬ ‫احلديث املنفرد‪ .‬وا�ستطرد الدكتور ببيان �أ�سباب التطرف‪،‬‬ ‫�آثار التطرف على الأمن والإقت�صاد يف املجتمعات امل�سلمة كما‬ ‫ومنها الأ�سباب ال�سيا�سية املعروفة تاريخيا خا�صة يف حقبة‬ ‫تناولت �أهمية احلوار باعتباره �أداة للتفاهم مع الآخرين‪.‬‬ ‫اال�ستعمار والتي هي م�ستمرة ليومنا هذا بالإ�ضافة للأ�سباب‬ ‫وقد بد�أت اجلل�سة الأوىل مبحا�ضرة الأ�ستاذ الدكتور الإجتماعية التي متيز قبيلة �أو فئة عن �أخرى مما جتعل‬ ‫حممد طاهر من�صوري والتي و�ضح فيها مفهوم دار الدعوة الفئة الأقل �أهمية ت�سلك �سبل التطرف وكذلك الأ�سباب‬ ‫ودار الإجابة و�أكد ب�أنه ال ينبغي تق�سيم املعمورة �إىل "دار الإقت�صادية كالبطالة التي تزيد من احتقان ال�شباب على‬ ‫حرب ودار �إ�سالم ودار عهد"‪ ،‬وهذا م�أخوذ من �آراء الإمام حكوماتهم وبالتايل يلتج�ؤون طريق املتطرفني‪ ،‬وغري ذلك‬ ‫ال�شافعي الذي ا�ستنكر فيه تق�سيم املعمورة �إىل دار ا�سالم من اال�سباب‪...‬‬ ‫ودار حرب ‪-‬التي جاء بها الإمام ال�شيباين‪ -‬لعدم تطابقها‬ ‫ويرى الدكتور حبيب ب�أن تدارك م�شكلة التطرف يكون‬ ‫مع مقا�صد ال�شريعة الكربى؛ وذلك لأن الإ�سالم دين �أمن‬ ‫بالإهتمام بفقه الأولويات التي ترى ب�أنه يجب �أن يهتم‬ ‫و�سالمة ودين يدعو �إىل الدعوة باحلكمة واملوعظة احل�سنة‬ ‫امل�سلم �أوال بفرائ�ضه وواجباته قبل الإهتمام بامل�ستحبات‬ ‫ولو اعتربت العالقات بني الدولة الإ�سالمية والدول الكافرة‬ ‫وال�سنن التي يغايل فيها البع�ض ويو�صلها لدرجة الواجب‬ ‫قائمة على �أ�سا�س احلرب والعداوة ف�إننا �سنفقد فر�صة دعوة‬ ‫و�أكد على �أن الآمر باملعروف والناهي عن املنكر يجب �أن‬ ‫غري امل�سلمني �إىل الإ�سالم يف بالدهم‪ ،‬لذا مل ُي�ؤذن باحلرب‬ ‫يكون عاملاً باحلالل واحلرام حتى يتم له �أمر الن�صيحة و�أنه‬ ‫�إال يف حالة عدم قبول الدعوة بجميع و�سائلها وعند �إظهار‬ ‫يجب احرتام املذاهب الأخرى وعدم �إجبار �أ�صحابها على‬ ‫العداوة مع الإ�سالم‪ .‬وبهذا �سوف ي�سهل �إقامة �شعائر الإ�سالم‬ ‫اتباع مذهب معني مادام � ّأن لهم �أدلتهم ال�شرعية و�أنه عند‬ ‫يف جميع البلدان على املعمورة بغ�ض النظر عن كونها دار‬ ‫نقدمي الن�صيحة يجب معرفة �أن درء املفا�سد مقدم على‬ ‫�إجابة �أو دار دعوة‪.‬‬ ‫جلب امل�صالح فال يجوز لنا �أن نن�صح ونحن على يقني ب�أنه‬ ‫و�أتبع ذلك حما�ضرة الدكتور حبيب الرحمن التي بد�أ فيها �سينتج عن الن�صيحة مفا�سد �أكرب من امل�صالح‪.‬‬ ‫بالإعرتاف بدور املدار�س الدينية واملنرب يف �إر�شاد النا�س �إىل‬ ‫ثم تطرق الدكتور عبد احلي �أبرو �إىل بيان مقا�صد‬ ‫الطريق ال�سديد ثم حتدث عن �أ�سباب الغلو والتطرف يف‬ ‫ال�شريعة يف �ضوء الفكر الو�سطي و�أكد فيها �أن الإن�سان قد‬ ‫املجتمع الإ�سالمي و�آثاره كما بني بع�ض احللول‪ .‬واعترب‬ ‫ابتاله اهلل و�أنه ب�سبب هذا االبتالء فقد جعله خمرياً يبحث‬ ‫ب�أن التطرف كارثة يف جميع املجتمعات فلي�س امل�سلمون‬ ‫عن الطريق احلق ولو كان م�سريا ملا ابتاله اهلل؛ ولذلك‬ ‫هم املتورطون فقط و�إمنا يوجد هناك متطرفون من �أتباع‬ ‫ت�شكلت ديانات متعددة يف هذ االر�ض‪ .‬ثم بني �أولويات‬ ‫غريهم من الديانات و�إن كان الإعالم يربز التطرف الديني‬ ‫املقا�صد ال�شرعية وقاعدة ال�ضرورة‪.‬‬ ‫عند امل�سلمني بهدف اال�ساءة للإ�سالم‪ .‬كما يرى الدكتور ب�أن‬ ‫كيان ما ي�سمى ب�إ�سرائيل متطرف ال�ستخدامه جميع و�سائل وهكذا فقد ا�ستعر�ض الدكتور �أبرو خالل حديثه الأمثلة‬ ‫العنف والإرهاب �ضد الفل�سطينيني ولكن يتم التغا�ضي التي ميكن فيها التخلي �أو الت�ساهل فيها عن مق�صد من �أجل‬ ‫عن �أفعاله الإجرامية‪ .‬واعترب الدكتور حبيب �أن الإعالم م�صلحة �أكرب وخا�صة فيما يتعلق بحقوق الإن�سان كفتوى‬

‫‪105‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪106‬‬

‫ال�شيخ القر�ضاوي بجواز �سفر املر�أة من غري حمرم ما دام �أن‬ ‫هناك �ضرورة وخا�صة يف هذا الع�صر الذي �سهل فيه ال�سفر‬ ‫وقربت من خاللها امل�سافات‪.‬‬ ‫وهكذا انتهت فعاليات اليوم الأول من الندوة بعد عدد من‬ ‫املداخالت والت�سا�ؤالت التي طرحها احلا�ضرين‪.‬‬

‫ال�سمحاء فمثال عندما وقعت الأزمة االقت�صادية العاملية‬ ‫املن�صرمة والتي نتجت عنه انهيار و�إفال�س العديد من‬ ‫البنوك الغربية الكربى ب�سبب النظام الربوي ف�إن الإ�سالم‬ ‫عالج امل�شكلة بنظامه الذي يدعو لتدوير الأموال وعدم‬ ‫تكدي�سها واحتكارها ملا يف ذلك من خري للعامل وال�شعوب‪.‬‬ ‫و�أكد على �أن امل�ساجد باقية �إىل يوم الدين و�أن الإعالم لن‬ ‫ي�ستطيع الإ�ساءة للإ�سالم ما دامت املنابر ت�صدح باحلق‬ ‫فالأئمة لي�سوا مبوظفني ر�سميني وهم يبتغون مر�ضات اهلل‬ ‫بينما يح�صل غريهم على عوائد مالية مقابل خدماتهم‪.‬‬

‫بد�أت فعاليات اليوم الثاين من الندوة بحلقة نقا�ش حول‬ ‫املوا�ضيع التي طرحت يف اليوم الأول‪ ،‬و�أبدى فيها كل ر�أيه‪.‬‬ ‫حيث لوحظ من خالل هذا النقا�ش احرتام الآراء املختلفة‪،‬‬ ‫والتحدث مع الإ�ستدالل من الأدلة ال�شرعية‪ ،‬وترجيح مذهب‬ ‫وتطرق الدكتور �سهيل بعد ذلك �إىل عوائق تعرقل عملية‬ ‫الغري ب�سبب االقتناع بالدليل وما �إىل ذلك من التغريات يف‬ ‫الدعوة ‪� ،‬أهمها كالتايل‪:‬‬ ‫�سلوك امل�شاركني‪.‬‬ ‫‪ -١‬تع�صب الداعي ملذهب معني فهذا يعني �أن الداعية ال‬ ‫بد�أت اجلل�سة الأوىل من اليوم الثاين مبحا�ضرة الدكتور‬ ‫�سهيل ح�سن والتي دارت حول "م�سئولية ودور العلماء يف يبتغى مر�ضات اهلل بل مر�ضات �أهل مذهبه‪.‬‬

‫بث ثقافة الت�سامح" والتي �أكد فيها ب�أن الإ�سالم دين و�سط ‪ -٢‬اتباع طريقة رتيبة ومملة للدعوة والتي تنفر النا�س‬ ‫خايل من الغلو والتطرف‪ .‬وبني الدكتور �شروطا يجب �أن خا�صة ال�شباب عن الدين فهم يرغبون ب�أن تتم الدعوة‬ ‫يتحلي الداعي امل�سلم بها‪� ،‬أهمها كالتايل‪:‬‬ ‫بطرق جديدة وطريفة‪.‬‬ ‫‪ -١‬العلم‪ :‬فبالعلم ي�صبح الإن�سان و�سطيا بينما اجلهل يجعله ‪ -٣‬اتباع �أ�سلوب الرتغيب والرتهيب فيمكن الإ�ستعا�ضة‬ ‫مف ّرطاً �أو مغالياً‪.‬‬ ‫بالتحدث عن �أ�شياء معا�صرة ك�أداب ا�ستخدام الإنرتنت‬ ‫‪ -٢‬الدعوة احل�سنة بالكلمة الطيبة جتذب املخالف بينما وغريها من و�سائل االت�صال احلديثة‪.‬‬ ‫الإ�ساءة تنفر النا�س من الداعية‪.‬‬ ‫‪ -٤‬ترك الدعوة ب�سبب ظهور عوائق تثنيه عن مهمته‪.‬‬ ‫‪ -٣‬ال�صرب والتحمل على التكاليف املتولدة من �آرائه �إذ �أنه ‪ -٥‬االكتفاء بو�سيلة واحدة للدعوة كامل�ساجد فقط بل يجب‬ ‫�سيتلقى الإ�ساءة فعليه ال�صرب �أ�سوة بر�سولنا الكرمي الذي على الداعية ا�ستخدام الو�سائل الأخرى كالإعالم واملواقع‬ ‫كان م�ضرب املثل يف ال�صرب‪.‬‬ ‫االجتماعية‬ ‫‪ -٤‬التغا�ضي عن �أخطاء الطرف الأخر حتى اقتناعه باحلق ‪ -٦‬تقليد علماء متقدمني يف طريقة الدعوة بل على الداعية‬ ‫وعدم احلكم على �شخ�ص من خالل فعل واحد فالداعية �أن يتبع �شخ�صيته يف الدعوة‬ ‫عليه �أال يكون قا�ضياً وق�صة الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫حني �أتاه جربيل عقب رحلته من الطائف لهي �صورة ‪ -٧‬الدعوة بطريقة انهزامية فعلي الداعية �أن يفتخر بدينه‬ ‫حقيقية لعدم حكمه على �أهلها بال�سوء بل �إنه دعا ب�أن يخرج وكمثال على ذلك مو�ضوع تن�أول الطعام باليد مبا�شرة حيث‬ ‫يراه البع�ض ب�أنه مثري لال�شمئزاز بينما هو �سنة ولذلك‬ ‫من �صلبهم من ي�ؤمن بر�سالته‪.‬‬ ‫فعلى الداعية �أن يتبع ال�سنة دون اخلجل من �آراء النا�س‪.‬‬ ‫‪ -٥‬على الداعية �أن يكون قدوة لغريه وعليه �أن يعلم ب�أنه‬ ‫�سيكون حتت مراقبة النا�س و�أن النا�س ال تقبل ممن مل يعمل ‪ -٨‬انتقاد النا�س يف ت�صرفاتهم و�أ�سلوب حياتهم وهذا ينفر‬ ‫ال�سامعني من الداعي‪.‬‬ ‫مبا يقوله‪.‬‬ ‫ونوه الدكتور �سهيل ب�أن العامل بحاجة �إىل تعاليم الإ�سالم ‪ -٩‬مدح الداعي لنف�سه ‪.‬‬


‫‪ -١٠‬الت�سرع يف الدعوة واحل�صول على النتائج والأوىل �أن يتم‬ ‫الأمر بحكمة وبطء وتدرج لكي اليرتتب على ذلك ح�صول‬ ‫مف�سدة عظيمة‪.‬‬

‫معهم ‪ .‬و�أكد على �إقامة العدل بينهم وعدم ظلمهم حتى‬ ‫ولو كان خما�صميهم من امل�سلمني وا�ست�شهد مبعاقبة عمر‬ ‫بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه البن عمرو بن العا�ص ر�ضي اهلل‬ ‫عنه وايل م�صر �آنذاك ل�ضربه قبطياً لأنه ا�ستطاع هزميته‬ ‫يف �سباق للخيول‪ .‬وكذلك ف�إن الدكتور �أكد على �أن احلكومة‬ ‫الإ�سالمية م�سئولة عن حماية �أرواح وممتلكات و�شرف‬ ‫�أهل الذمة املقيمني بالدولة الإ�سالمية و�أن على بيت املال‬ ‫م�سئولية حتمل تكاليف م�صاريف �أهل الذمة من املعوزين‬ ‫والعفو وال�صفح عن �أخطائهم لهدف �أ�سمى وهو جذبهم‬ ‫وحتبيبهم للإ�سالم‪.‬‬

‫و�أكد الدكتور على �أن الإ�سالم دين الإن�سانية و�أنه ال �إكراه‬ ‫�أو جرب للدخول يف هذا الدين م�ست�شهداً بذلك من القران‬ ‫وال�سنة وافعال ال�صحابة حيث �سكن الر�سول عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم باملدينة ومعه اليهود فلم يكرههم على الإ�سالم ومل‬ ‫يقاتلهم �إال عندما انك�شف غدرهم‪ .‬ونوه الدكتور ب�أن الإ�سالم‬ ‫منع من �إقامة عالقات مع الكفار من منظور عاطفي ولكنه‬ ‫مل مينع من عالقات اقت�صادية وجتارية �أو غريها من‬ ‫العالقات الدنيوية‪ .‬و�أكد على �أن الإ�سالم والدعوة له باقية‬ ‫حتى يوم الدين كما �أن الكفر باقٍ ولذلك فلي�س من امل�سموح‬ ‫قتال الكفار ملجرد كفرهم و�إمنا يجب �أن يكونوا حماربني‪.‬‬ ‫واعترب ب�أنه يجب جمادلة الكافر باحل�سنى وا�ست�شهد ب�إ�سالم‬ ‫�أهل �أندوني�سيا ملجرد �أنهم ر�أوا ح�سن تعامل التجار امل�سلمني‬

‫تبع ذلك جل�سة حوار دارت بني امل�شاركني حول مو�ضوع‬ ‫"قواعد �شرعية يف التكفري" �أبدى فيها امل�شاركون جتاوباً‬ ‫مع مو�ضوع احلوار حيث �أدلوا ب�آرائهم و�أفكارهم م�ستدلني‬ ‫من القر�آن وال�سنة كما تناول احلوار عدة حماور �أهمها‪:‬‬ ‫بيان خطر التكفري وحقيقته‪ ،‬وكارثة الت�ساهل يف احلكم‬ ‫على امل�سلمني بالكفر خ�صو�صاً على احلكام واال�ستدالل‬ ‫بذلك للخروج عليهم و�إثارة املواطنني امل�سلمني �ضدهم‪.،‬‬ ‫وخرج امل�شاركون بنتائج بينوا فيها القواعد واملوانع ال�شرعية‬ ‫للتكفري و�أكدوا على عزمهم بعدم احلكم بالتكفري على كل‬ ‫من نطق بال�شهادة �إال بعد معرفة جميع احلقائق وزوال‬ ‫ال�شبهات واملوانع �إ�ضاف ًة �إىل �أن حق التكفري يقت�صر على‬ ‫الق�ضاة بعد فح�ص ومتحي�ص‪.‬‬

‫�أتبع ذلك الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر حكيم بعنوان"‬ ‫عالقات امل�سملني مع غريهم يف الإ�سالم"‬ ‫اعترب الدكتور طاهر ب�أن امل�سلمني يف هذا الع�صر بني‬ ‫افراط وتفريط يف عالقتهم مع غري امل�سلمني فهناك من‬ ‫يت�أ�سى بهم يف حما�سنهم وم�ساوئهم بينما نرى طرفاً �أخر ال‬ ‫يرغب يف التعامل معهم البتة‬

‫‪107‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪108‬‬

‫ويف �إطار الدورة مت االحتفال بتد�شني م�ؤلف الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور ع�صمت اهلل القيم بعنوان "قواعد �شرعية يف التكفري‪:‬‬ ‫قراءات لأفكار ا�إ مام ابن تيمية" والتي ح�ضرها امل�شاركون‬ ‫يف الدورة ولفيف من �أ�ساتذة اجلامعات حيث ُوزعت عليهم‬ ‫ن�سخ من الكتاب‪ ،‬وقد قام كل من ا�أئ�ستاذ الدكتور �سليم اهلم‬ ‫خان – �أ�ستاذ يف كلية �أ�صول الدين‪ -‬والدكتور حافظ مداب‬ ‫�أنور – خطيب اجلامع الكويتي ب�إ�سالم �آباد و�أ�ستاذ كلية‬ ‫ال�شريعة‪ -‬والدكتور �صالح الدين ب�إلقاء كلمات �أ�شادوا فيها‬ ‫بالكتاب وم�ؤلفه وبينوا �أهميته يف ظل هذه الظروف التي‬ ‫تواجهها ال�شعوب امل�سلمة‪ .‬ويف �آخر احلفل وجه احل�ضور‬ ‫�أ�سئلة وا�ستف�سارات يف نطاق مو�ضوع الكتاب و�أجاب عنها‬ ‫امل�ؤلف �إجاب ًة وافية‪.‬‬ ‫و�أخرياً �أقيمت اجلل�سة االختتامية بح�ضور مع�إىل رئي�س‬ ‫اجلامعة الإ�سالمية العاملية ب�إ�سالم �آباد الأ�ستاذ الدكتور �أحمد‬ ‫يو�سف الدريوي�ش ك�ضيف �شرف‪ ،‬حيث بد�أت بتالوة عطرة‬ ‫من كتاب اهلل الكرمي تالها �إلقاء كلمات �شكر للقائمني على‬ ‫هذه الدورة من قبل امل�شاركني �أكد فيها املفتي عبد الوكيل‬ ‫– �أحد امل�شاركني‪ -‬ب�أن الدورة حققت له فائدة عظيمة �إذ �أنها‬ ‫ناق�شت موا�ضيع ع�صرية مهمة �ستجعلهم يحملون هم حلها‬ ‫بطريقة ح�سنة وجتعلهم يخططون ملواجهة ما هو قادم من‬ ‫�أحداث فكرية متطرفة‪ .‬واعرتف بدور املنتدى يف ن�شر ثقافة‬ ‫الو�سطية بني �أبناء الأمة الإ�سالمية واقرتح على املنتدى ب�أن‬ ‫ت�ستمر مثل هذه الن�شاطات الداعية للو�سطية يف امل�ستقبل‬ ‫بالتعاون مع احلكومة‪.‬‬

‫منهج الو�سطية يف املقررات الدرا�سية بامل�ؤ�س�سات التعليمية‬ ‫وذلك ب�أن تبادر اجلامعة الإ�سالمية العاملية باقرتاح هذا‬ ‫الأمر لوزارة الرتبية والتعليم خا�ص ًة و�أن هناك كتباً كثرية‬ ‫ميكن ترجمتها للغة الأردية �أو الإجنليزية والتي تتحدث عن‬ ‫املنهج الو�سطي‪.‬‬ ‫ويف ختام هذه الدورة �ألقى معايل رئي�س اجلامعة الإ�سالمية‬ ‫العاملية كلمته التي بني فيها ر�سالة اجلامعة ودورها يف خدمة‬ ‫الإ�سالم وامل�سلمني واملجتمع وذلك بالتكاتف مع �أ�ساتذة‬ ‫اجلامعة و�أهل العلم والعلماء من خارج اجلامعة من خالل‬ ‫�إقامة دورات تدريبية وجل�سات حوارية وندوات وور�شات‬ ‫عمل و�أكد على �أن هذه الن�شاطات ت�ؤتي ثمارها يف بناء‬ ‫املجتمع الو�سطي‪ .‬و�أ�ضاف ب�أن باك�ستان يف �أحوج مايكون ملثل‬ ‫هذه الدورات خا�ص ًة و�أنها ذاقت ويالت التكفري والتطرف‬ ‫م�ست�شهداً بالعملية الإرهابية التي ا�ستهدفت مدر�سة واقعة‬ ‫يف مدينة ب�شاور حيث قتل فيها الإرهابيون �أطفا ًال �أبرياء‪.‬‬ ‫واعترب ب�أن الغلو �أمر لي�س له عالقة بال�شرع وال ميكن عالج‬ ‫هذا الأمر �إال بالعودة لكتاب اهلل و�سنة نبيه و�أخذ �آراء العلماء‬ ‫الكرام من ال�سلف واملعا�صرين‪ .‬وحث معايل رئي�س اجلامعة‬ ‫العلماء امل�شاركني على تب�صري املجتمع مبختلف الو�سائل‬ ‫و�أن يكافحوا م�س�ألة التكفري بالأدلة ال�شرعية و�أن عليهم �أن‬ ‫يبينوا � ّأن املعا�صي ال تخرج امل�سلم عن دائرة دينه و�إمنا يعاقب‬ ‫مرتكبه على قدر ذنبه و�أنه بعد �إقامة هذه الدورة فقد قامة‬ ‫احلجة على امل�شاركني بها لن�صيحة امل�سلمني‪.‬‬

‫و�أخرياً قام معايل رئي�س اجلامعة الإ�سالمية العاملية‬ ‫ً‬ ‫تال ذلك كلمة �شكر وجهها ال�شيخ �شاه جهان ممثال بتوجيه ال�شكر للمنتدى العاملي للو�سطية على دعمها لهذه‬ ‫للم�شاركني حيث وجه فيها �شكره للمنتدى واعرتف فيه الدورة‪.‬‬ ‫ب�أنه قد ا�ستفاد من خالل هذه الدورة مامل ي�ستفد منه‬ ‫طوال �سنوات درا�سته واقرتح ب�أن يقوم املنتدى بعمل دورات ويف نهاية اجلل�سة مت توزيع �شهادات م�شاركة مرفقة بهدايا‬ ‫يف حماور الو�سطية واالعتدال بامل�ستقبل لل�شخ�صيات وكتب من قبل املنتدى العاملي للو�سطية تعرب عن املفهوم‬ ‫ال�سيا�سية‪ .‬كما �أو�صى بتمديد مدة هذه الدورات يف امل�ستقبل‪ .‬الو�سطي لال�سالم‪.‬‬ ‫وبعد ذلك حتدث الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري ن�س�أل اهلل �سبحانه وتع�إىل �أن يوفقنا جميعاً ملا فيه اخلري‬ ‫عن مفهوم الو�سطية واملفاهيم امل�ضادة لها واقرتح تدري�س للإ�سالم‬


‫ورشة عمل حول » دور الخطباء والمرشدات في تعزيز الوسطية والتعايش في‬ ‫المجتمع» المنتدى العالمي للوسطية فرع اليمن‬ ‫برعاية من رئي�س الوزراء اليمني �أقام املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية ‪ /‬اليمن ور�شة عمل حول‪:‬‬ ‫"دور اخلطباء واملر�شدات يف تعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف‬ ‫املجتمع"‬ ‫لعدد (‪ )40‬خطيب م�سجد ومُر�شِ دة من حمتلف املذاهب‬ ‫الفقهية (الزيدية) و(ال�شافعية) و(ال�سلفية) و(ال�صوفية)‬ ‫ومن خمتلف التيارات ال�سيا�سية (احلوثية) و(الإ�صالحية)‬ ‫و(الر�شادية) و(جمعية احلكمة) و(امل�ؤمترية) و(امل�ستقلني)‬ ‫‪ -3‬مهددات الو�سطية والتعاي�ش يف اليمن‪.‬‬ ‫وغريهم‪.‬وذلك �صباح اخلمي�س‪ 19 :‬يونيو ‪ ، 2014‬يف فندق �إيجل‬ ‫‪ -4‬ا�سرتاتيجيات و�أفكار لتعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف اليمن‪.‬‬ ‫ب�صنعاء‪.‬‬ ‫‪ -5‬دور اخلطباء واملر�شدات يف تعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف‬ ‫اليمن‪.‬‬ ‫كانت حماور نقا�ش الور�شة كالتايل‪:‬‬ ‫‪ -6‬مناذج من الو�سطية والتعاي�ش يف اليمن (وهو الأ�صل)‪.‬‬ ‫‪� -1‬أهمية الور�شة ‪ ،‬والتعريف باملنتدى ‪ ،‬والتعارف‪.‬‬ ‫‪ -7‬مقت�ضى التعاي�ش احلقوقي والقانوين وال�سيا�سي‪.‬‬ ‫‪ -2‬مربرات تعزيز الو�سطية والتعاي�ش يف اليمن‪.‬‬

‫ورشة عمل حول ‪« :‬تفعيل دور المناهج التربوية ودور المعلمين والمعلمات‬ ‫في تعزيز قيم الوسطية والتعايش لدى الطلبة «‬ ‫المنتدى العالمي للوسطية فرع اليمن‬ ‫من �أجل مناق�شة مفهوم الو�سطية و دور املعلمني و املناهج‬ ‫الرتبوية يف تن�شئة الأجيال على هذا املفهوم و ن�شره وتو�ضيح‬ ‫�سبب �أهميته خا�صة ً يف ظل الظروف الراهنة التي تعي�شها �أمتنا ‪.‬‬

‫�أقام املنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬فرع اليمن ور�شة عمل بعنوان‪:‬‬ ‫"تفعيل دور املناهج الرتبوية ودور املعلمني واملعلمات يف‬ ‫تعزيز قيم الو�سطية والتعاي�ش لدى الطلبة "‪ .‬و التي عقدت‬ ‫مبحافظة �صنعاء‪-‬جامعة العلوم والتكنولوجيا يوم االربعاء‬ ‫املوافق ‪ 2014/3/26‬مب�شاركة العديد من ال�شخ�صيات البارزة‬ ‫و من بني امل�شاركني �أ‪.‬د‪� .‬أحمد �إ�سماعيل مقبل ال�شرعبي"‬ ‫رئي�س فريق ت�أليف مناهج الرتبية الإ�سالمية يف وزارة الرتبية‬ ‫والتعليم" و فريق ت�أليف مناهج الرتبية الإ�سالمية يف وزارة‬ ‫الرتبية والتعليم اليمنية �إ�ضاف ًة �إىل عدد من املدار�س و املعلمني‪.‬‬

‫ومت خالل الور�شة مناق�شة عدة حماور رئي�سية ‪:‬‬ ‫• مفهوم القيم‪� ،‬أهم القيم التي ينبغي تعزيزها يف العملية‬ ‫الرتبوية والتعليمية‪.‬‬ ‫• مفهوم و�أهمية قيمتي "الو�سطية‪ ،‬التعاي�ش" يف البناء‬ ‫االجتماعي و الت�صدي لظواهر العنف‪.‬‬ ‫• مربرات ودواعي تعزيز قيم الو�سطية والتعاي�ش يف العملية‬ ‫التعليمية وبيئتها‪.‬‬ ‫• تعزيز قيم الو�سطية والتعاي�ش يف املناهج واملقررات الدرا�سية‪.‬‬ ‫• �آليات وو�سائل و�أ�ساليب املعلمني واملعلمات لتعزيز قيم‬ ‫الو�سطية والتعاي�ش‪.‬‬ ‫واختتمت الور�شة بعدد من املداخالت حول �أهمية الو�سطية‬ ‫واحلاجة �إىل تعزيزه الو�سطية والتعاي�ش يف املجتمع بني خمتلف‬ ‫الأفراد و الديانات ‪.‬‬ ‫و قد ح�ضر افتتاح الور�شة وكيل وزارة الرتبية والتعليم الأ�ستاذ‬ ‫علي احليمي‪.‬‬

‫‪109‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪110‬‬

‫دورة تكوينية لألئمة الخطباء» دور الخطاب الوسطي في وحدة االمة‬ ‫والمجتمع» المنتدى العالمي للوسطية فرع تونس‬

‫االمة واملجتمع"‬ ‫تقرير ندوة " دور اخلطاب الو�سطي يف وحدة ّ‬ ‫‪ 27‬دي�سمرب ‪ 2014‬مبدينة العالية تون�س‬ ‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬فرع تون�س دورة تكوينية‬ ‫لالئمة اخلطباء واملر�شدات بعنوان‪ ":‬دور اخلطاب الو�سطي يف‬ ‫وحدة االمة واملجتمع " وذلك يوم ‪ 5‬ربيع االول ‪ 1436‬للهجرة‬ ‫املوافق ل‪ 27‬دي�سمرب ‪ .2014‬وقائع الدورة الثالثة للرابعة‬ ‫للمنتدى ‪،‬كانت مبدينة العالية بال�شمال التون�سي حا�ضر فيها‬ ‫مدرب التنمية الب�شرية ال�سيد عمار الرتيكي وح�ضرها ‪50‬اماما‬ ‫ومر�شدة تربوية من اربع معتمديات من والية بنزرت وهي‬ ‫العالية ومنزل بورقيبة ورفراف وباجة ونفزة تناول فيها املكون‬ ‫طرق وا�ساليب التوا�صل مع جمهور اخلطباء يف م�ساجد البالد‬ ‫وعوائق التلقي لدى امل�ستمعني مبينا ا�سباب الفر�ص ال�ضائعة‬ ‫لبناء وعي حقيقي بفكر و�سطي ومنهج تربوي ميكن ان يقطع‬ ‫الطريق على التطرف واالرهاب والمباالة املن�صتني يوم اجلمعة‬ ‫حني احل�ضور للخطبة‪ .‬مهارات التوا�صل كانت هي حمور الدورة‬ ‫مع تدريب لالئمة يف الوقفة والتعامل مع امل�ضمون وال�شكل يف‬ ‫نقا�ش مع اجلمهور الذي تكون اغلبه من اخلطباء واملر�شدين‬ ‫الدينيني‪ .‬عر�ض املدرب مادّته عرب جهاز االر�سال وكان التفاعل‬ ‫ايجابيا طلب اثره احلا�ضرون من ادارة املنتدى تكثيف هذا‬ ‫النمط من الن�شاط كما تبينه بيانات اال�ستمارة‪.‬اثر الدورة‬ ‫وفر املنتدى غداء ل ‪� 60‬شخ�صا‪ ،‬بينما تكفلت اجلمعية امل�شاركة‬ ‫"جمعية �سعد بن معاذ" بتوفري و�سيلة العر�ض والقاعة وفطور‬ ‫ال�صباح للجميع ودعوة االئمة باجلهة الذين متلك عناوينهم‪.‬‬ ‫ا�سماء امل�شاركون املو ّقعون على اال�ستمارات‪:‬‬

‫احلبيب الغامني‪ -‬حممد الزغواين ‪-‬من�صف كعوانة‪-‬مه ّند‬ ‫الوكيل ‪ -‬ال ّتهامي الفالح ‪�-‬سليم النابلي ‪-‬وحيد بوزواتي‪-‬‬ ‫منجي حويجي حمفوظ ‪-‬احلبيب نبيل‪ -‬طليبة عبد املجيد‬ ‫الكوكي ‪-‬مراد املحمدي ‪ -‬مراد مو�سى ‪ -‬اجلربي العويني ‪ -‬عبد‬ ‫العزيز �سعيد ‪-‬معز اجلوادي ‪�-‬سنية الق�صوري ‪-‬هاجر احلبيب‬ ‫كلثوم بن مو�سى ‪-‬لطيفة �شورية‪-‬نورالدين اجلربي ‪-‬الهادي‬‫فرايحية ‪-‬بديع ت�شفون�ش ‪-‬يا�سني الو�شرين ‪-‬احمد اجلواين‬ ‫حممد املنذر الدوكايل ‪-‬حممد املحفوظ الفقري ‪-‬مرمي زيدان‬‫غالب احلبيب ‪-‬زهري بن �سعيد‪ -‬حممد احلبيب –عواطف‬‫ليمام‪ -‬حممد املومني‪-‬عارف مراد –جمال بوعجاجة‪ -‬من�صف‬ ‫بوخري�ص‪ -‬احلبيب الغامني –ميالد عرابي – منري ريان رجب‪.‬‬ ‫ح�صيلة اال�ستمارة واملالحظات كانت يف اغلبها مبالحظة ممتاز‬ ‫وجيد جدا وجيد لال�سئلة الع�شرة املوجهة للم�شاركني ومتو�سط‬ ‫يف بع�ض اال�ستمارات يف الدورة وبامكان املنتدى ان ير�سلها اليكم‬ ‫عرب الربيد الورقي يف ظرف بريدي وهي اال�سئلة التالية‪:‬‬ ‫رايك يف م�ضمون الدورة‪ --‬تنظيم الدورة ‪ -‬التوافق بني عنوان‬ ‫وم�ضمون الدورة– م�ستوى املكون – الندوة ر�سخت فيك الرغبة‬ ‫يف حت�سني ملكة اخلطابة ‪ .‬عززت احل�ضور لديك لدور املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية يف وحدة االمة – الدورة بينت لك نقائ�ص يف‬ ‫ادائك يف اخلطابة �شكال – الدورة بينت لك نقائ�ص يف ادائك‬ ‫م�ضمونا‪� -‬ضرورة العناية باخلطاب الو�سطي وجعله منهجا‬ ‫دائما‪ -‬االنطباع العام عن الدورة؟ حاز م�ستوى املكون على‬ ‫مالحظة ممتاز يف اغلبها وجيد جدا يف البقية‪ .‬املنتدى مب�شاركة‬ ‫اجلمعية و ّفر �شهادة م�شاركة يف الدورة كما تو�ضحه ال�صورة‬ ‫اجلماعية وال�صور الثنائية التي ت�صلكم ‪.‬‬


‫ندوة ودورة تكوينية «التجديد في الخطاب الديني»‬ ‫المنتدى العالمي للوسطية فرع تونس‬ ‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية فرع تون�س يوم ‪� 27‬سبتمرب ‪2014‬‬ ‫املوافق ل‪ 3‬ذو احلجة ‪ 1435‬ب�سو�سة ندوة علمية هي التا�سعة يف‬ ‫تون�س‪� .‬صحب الندوة ور�شات درا�سية لالئمة اخلطباء يف بيت‬ ‫القر�آن ب�سو�سة ‪ ،‬الندوة كانت باال�شرتاك مع اجلمعية التون�سية‬ ‫الئمة امل�ساجد واجلمعية القر�آنية ب�سو�سة و كانت ت�ستهدف�سبل‬ ‫جتديد اخلطاب الديني لدى الأئمة اخلطباء لتاليف النق�ص‬ ‫يف اخلطاب والأ�سلوب والأداء ‪� .‬شارك يف الندوة ‪� 140‬إماما من‬ ‫والية �سو�سة واملهدية والقريوان ‪.‬وحا�ضر فيها كل من الدكتور‬ ‫ح�سام �شاكر من فل�سطني مبداخلة بعنوان "اخلطاب الديني‬ ‫يف الت�أثري الإعالمي واخلطاب اجلماهريي "‪ .‬والدكتور احمد‬ ‫جاب اهلل من فرن�سا يف مداخلة بعنوان " اخلطاب الإ�سالمي‬

‫التوا�صل يف الوقت نف�سه يف الع�صر احلايل ‪ .‬ال�صوت الذي يحتل‬ ‫‪ 50‬باملائة من �أداء الإمام يف امل�سجد والق�سمات وحركات الإمام‬ ‫واللغة التي تنفذ �إىل ال�سامع م�شروطة بكونها ال بد �أن تنفذ‬ ‫�إىل القلوب قبل العقول لتتقبل اخلطبة ‪ .‬بني املحا�ضر فظاعة‬ ‫الأخطاء يف اخلطب وقلة التح�ضري و�ضياع فر�ص هامة للتاثري‬ ‫والإقناع بامل�شاريع الكربى احل�ضارية ‪ .‬ثم بني الدكتور �إمكانية‬ ‫طرح فكرة ا�ستثمار فر�صة عيد الأ�ضحى لن�صرة غزة والتخلي‬ ‫عن ثمنها ل�صالح �ضحايا العدوان ال�صهيوين يف غزة ‪ .‬واعتربها‬ ‫جتديدا يتماهى مع واقع الأمة الإ�سالمية ‪ .‬ثم بني املحا�ضر ان‬ ‫كتاب عبد الرحمان خليف ال�شيخ الزيتوين‪ ،‬يعد مرجعا هاما‬ ‫للخطيب‪ .‬ففيه ر�صد املدة الزمنية التي ت�ستوجبها اخلطبة‬

‫ومتطلبات املرحلة املعا�صرة "‪ .‬والدكتور حممد ّ‬ ‫ال�شتيوي من‬ ‫جامعة الزيتونة مبداخلة بعنوان‪" :‬تنزيل القر�آن الكرمي على‬ ‫الوقائع الب�شرية"‪ .‬والدكتور احمد الأبي�ض من تون�س مبداخلة‬ ‫بعنوان " التجديد من خالل القيم واملقا�صد " ‪� .‬أ ّكد املحا�ضرون‬ ‫ف�ضل الأ�سلوب يف قبول الأداء لدى امل�ستمع وقد بني ال�سيد احمد‬ ‫جاب اهلل ‪ 10‬نقاط امة ال بد �أن يتحلى بها اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫التوجه للجمهور ‪ .‬فقد بني ان الن�ص القر�آين �س ّبق ال�شكل‬ ‫حني ّ‬ ‫على امل�ضمون يف قوله تعاىل ‪":‬وال جتادلهم بالتي هي �أح�سن‬ ‫"‪ .‬مبينا ان خطبة جعفر يف احلب�شة كان فيها الأ�سلوب حا�سما‬ ‫يف خماطبة النا�س وق ّلب الأمر ل�صالح امل�ساملني املهاجرين يف‬ ‫لقائهم بال ّنجا�شي يف احلب�شة زمن الهجرة الأوىل ‪ .‬بني الدّكتور‬ ‫احمد جاب اهلل ان املفارقة تكمن يف تعدد و�سائل االت�صال وقلة‬

‫ا�ستقاها ال�شيخ عبد الرحمان من خطب النبي وانتهى اىل ان‬ ‫اخلطبة ال تتجاوز ن�صف �ساعة يف �أق�صى تقدير ‪ .‬ثم حا�ضر‬ ‫الدكتور حممد ال�شتوي مبداخلة بعنوان ‪" :‬القر�آن بني التنزيل‬ ‫منجما وال بد �أن يتنزل اي�ضا‬ ‫والتنزل" ‪ .‬حيث بني ان القر�آن نزل ّ‬ ‫منجما يف الواقع ‪ .‬والو�سطية يف الإ�سالم تعني اخلريية‪ ،‬مبينا‬ ‫ّ‬ ‫�أن الن�ص القر�آين ال يفهم يف زمن واحد وهو يعطي بال نفاذ‬ ‫مبينا ان الفقهاء فهموا الن�ص القراين يف حدود ال�سقف العلمي‬ ‫لع�صرهم ‪ .‬منبها اىل التدرج يف الت�شريع ويف تطبيق الت�شريع‪.‬‬ ‫فمعنى "وال يكلف اهلل نف�سا �إال و�سعها" يعني ما ي�سعه الواقع‬ ‫وما يطيقه ‪ .‬معتربا ان من يقدر الو�سع هو الإن�سان ‪ .‬م�شريا‬ ‫�إىل علم تنجيم الداللة مبينا �إىل تغري الع�صر فنحن ل�سنا يف‬ ‫ع�صر بني �إ�سرائيل بل يف ع�صر ال�صهيونية واحلداثة والعوملة‪.‬‬

‫‪111‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪112‬‬

‫مبينا ان الكثري من اخلطباء مل يفهموا النزول ومل يفهموا ما‬ ‫نزل‪ .‬مداخلة الدكتور ال�شتيوي واحمد جاب اهلل كانتا االبرز‬ ‫يف الندوة ‪ .‬اما مداخلة الدكتور ح�سام �شاكر فكانت حول ت�أثري‬ ‫ال�صورة يف امل�شهد الإ�سالمي مبينا اننا مل نتقن معنى ال�صورة‬ ‫لدى النا�س عموما والغرب يتقن ال�صورة والإخراج واملظهر‬ ‫والأ�سلوب وهو ما ي�صنع الفروق بني املخاطبني ‪ .‬م�ؤكدا �أننا يف‬ ‫ح�ضارة النب�إ‪ .‬مبينا ان الواقع يف وادي وخطب اخلطباء يف وادي‬ ‫�آخر ‪ .‬كما �أكد الدكتور احمد الأبي�ض ف�شل اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫ال�سلفي يف �إقناع النا�س ويف ووقوف الكثري من اخلطابات على‬ ‫ّ‬ ‫فقه القدامى يريدون ان يفر�ضوه على ع�صر غري ع�صرهم حيث‬ ‫ال زال خطاب الكثري متخلفا عن الع�صر يقبع يف الزوايا ويردد‬ ‫ترهات قدمية ال تقدر على تغيري الواقع تغيريا ل�صالح الأمة‬ ‫بل تعود بها القهقرى اىل الوراء ‪ .‬ر ّكز املحا�ضر على ال�شباب‬ ‫واملثالية مبينا ان اخلطبة ال بد ان تقرا الواقع واجلمهور يف‬ ‫حلظة واحدة ‪ ،‬مبينا ان القر�آن لي�س ن�صا تاريخيا ‪ .‬بعد ملحا�ضرا‬ ‫اعطى املحا�ضرون لكل املتدخلني دون ا�ستثناء و حتى �أف�صحوا‬ ‫عن ت�سا�ؤالتهم ونقدهم وثنائهم على ما ارت�أوه ي�ستحق الثناء ‪.‬‬ ‫ت�ساءل اخلطباء عن �إمكانية احلديث عن االنتخابات يف تون�س‬ ‫ودور اخلطيب يف توجيه الر�أي العام النتخاب الأ�صلح ‪ .‬وعن‬ ‫الأ�سباب التي حفت بوجود "داع�ش" وبني املحا�ضرون ان تنظيم‬ ‫"داع�ش" هي يف احد الوجوه من نتاج تخلف اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫الذي �سمح بوجود الفراغات الفكرية وامل�ساحات التي متدد فيها‬

‫خطاب �آخر �سلفي تكفريي ‪ .‬ح�ضر �ضيوف من �شباب حزب‬ ‫التحرير الإ�سالمي واحتجوا على م�صطلحات الدميقراطية‬ ‫ومفاهيم الو�سطية ‪ .‬ح�ضرت ‪� 6‬أخوات من بيت القر�آن من‬ ‫املر�شدات تدخلت واحدة منهن مداخلة �أنيقة وطلبت احلا�ضرات‬ ‫االنخراط يف منتدانا ‪ .‬كل الذين ح�ضروا متت دعوتهم �شخ�صيا‬ ‫وبالهاتف و�سهل املنتدى تنقلهم بتوفري م�ساهمة يف مالية يف‬ ‫تن ّقل البع�ض منهم وذلك بتوفري �سيارات االخوة من اجلمعية‬ ‫القر�آنية للخطباء الذين يبعدون عن املدينة ‪ .‬الغداء �شمل‬ ‫تقريبا ‪ 145‬فردا من احلا�ضرين يف �أجواء كربى ‪ .‬افتتح الندوة‬ ‫وايل �سو�سة نيابة عن وزارة ال�ش�ؤون الدينية التي ميثلها الوزير‬ ‫ال�سيد منري التليلي يف احلج‪ .‬فتعذر عليه احل�ضور وكلف وايل‬ ‫�سو�سة باملهمة ‪ .‬ندوة " التجديد يف اخلطاب الديني " من�شورة‬ ‫�أي�ضا على �صفحة اجلامع الكبري ب�سو�سة‪ ،‬وعلى �صفحة والية‬ ‫�سو�سة �أي�ضا ‪ .‬وال�شباب الإ�سالمي جلمعية القران هو من نظم‬ ‫و�ساهم م�ساهمة فعالة يف الرتتيب والتعليق والعناية بال�ضيوف‬ ‫‪ .‬املنتدى العاملي للو�سطية بتون�س ربط عالقات طيبة للغاية‬ ‫مع اجلمعية التون�سية الئمة امل�ساجد ب�سو�سة‪. .‬الندوة ح�ضرتها‬ ‫اذاعة جوهرة اف ام من �سو�سة وهي �إذاعة داخلية ومت الإ�شهار‬ ‫لها يف ربع �صفحة كاملة بالألوان يف �صحيفة ال�ضمري اليومية ‪.‬‬ ‫و لأول مرة يجمع فيها املنتدى هذا العدد ّ‬ ‫ال�ضخم من الأئمة‪ .‬يف‬ ‫نهاية الندوة جمع املنتدى املقرتحات ومنها تنظيم ندوة كربى‬ ‫ل�شباب الوالية يف ندوة حول " ال�شباب والفكر الو�سطي‪.‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية يعقد دورة‬ ‫(المهارات الرئيسة للتدريب) لنخبة من السيدات القياديات‬ ‫قام بالتدريب املدرب الدويل – �شوقي القا�ضي‪ -‬من جمهورية‬ ‫اليمن ال�شقيق والذي تناول فيها مهارات �إدارة التعارف والت�آلف‬ ‫وقام بتدريب احل�ضور على �صياغة الأهداف وم�ستوياتها‬ ‫و�أركانها ومراحلها ‪.‬‬ ‫ويف اليوم الثاين قام بالتدريب الدكتور خالد ح�سنني من‬ ‫الأردن الذي حتدث عن التخطيط والتدريب والتوجيه و�أ�ساليبه‬ ‫للمر�أة دور مهم يف العمل التوعوي ويف �صياغة خطاب ن�سوي وو�سائله امل�ؤثرة‪ ،‬ثم �شارك احل�ضور يف جتارب ومتارين عملية‬ ‫و�سطي يت�صدى للتطرف بكافة �أ�شكاله‪ ،‬كان ذلك يف الكلمة �أثرت املادة النظرية املطروحة ‪.‬‬ ‫التوجيهية التي �ألقاها املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام‬ ‫للمنتدى العاملي للو�سطية يف �إفتتاحية دورة "املهارات الرئي�سة انتهت الدورة بتوزيع ال�شهادات على امل�شاركات اللواتي �أ�شدن‬ ‫للتدريب" التي عقدها املنتدى يف مقره – عمان – يومي الأربعاء باخلربات اجلديدة والأفكار الإبداعية التي �إكت�سبنها من الدورة‬ ‫واخلمي�س املوافق ‪ 13-12‬ت�شرين الثاين ‪ 2014‬والتي �شارك‬ ‫وطالنب باملزيد من هذه الدورات التنويرية التي ت�ساهم يف رفع‬ ‫فيها نخبة من القيادات الن�سائية يف جمال العمل االجتماعي‬ ‫م�ستوى الأداء لديهن‪ .‬‬ ‫والتطوعي والدعوي‪.‬‬


‫منتدى الوسطية يحتفل‬ ‫بذكرى الهجرة النبوية ويوم عاشوراء‬

‫�أقامت جلنة املر�أة �إحتفا ًال بذكرى الهجرة النبوية ويوم‬ ‫عا�شوراء ع�صر الإثنني ‪ 10‬حمرم املوافق ‪ ،2014/11/3‬ح�ضره‬ ‫عدد كبري من ال�سيدات‪� ،‬إفتتحته الدكتورة ي�سرى اليربودي‬ ‫– م�شرفة املركز القر�آين ‪ -‬بتالوة عطرة من القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫تلتها الدكتورة نوال �شرار – امل�ست�شارة القانونية يف مركز الأمان‬ ‫للتوافق الأ�سري ‪ -‬حيث حتدثت عن الدرو�س والعرب امل�ستفادة‬ ‫من حادثة الهجرة‪ ،‬كما نوهت �إىل �أن الهجرة النبوية حدثت‬ ‫يف �شهر ربيع الثاين ولي�س حمرم وهو ال�شهر الذي اعتمده‬ ‫اخلليفة عمر بن اخلطاب لبدء ال�سنة الهجرية‪� ،‬أما الدكتورة‬ ‫فايزة ال�سكر – ع�ضو الهيئة الإدارية يف منتدى الو�سطية وع�ضو‬ ‫جلنة املر�أة ‪ -‬فقد حتدثت عن عا�شوراء والن�صر و�أنه يوم ن�صر‬ ‫اهلل فيه �سيدنا مو�سى ‪-‬عليه ال�سالم‪ -‬والفئة امل�ست�ضعفة امل�ؤمنة‬ ‫على �أعتى جبابرة الأر�ض فرعون وجنوده‪ ،‬وهي ر�سالة �أمل باهلل‬ ‫جلميع امل�ؤمنني امل�ست�ضعفني يف الأر�ض بن�صر قريب ب�إذن اهلل؛‬

‫�أعقبها حديث لل�سيدة ماجدة عكوب – امل�ست�شارة الأ�سرية يف‬ ‫مركز الأمان للتوافق الأ�سري ‪ -‬حول منهجية القر�آن الو�سطي‬ ‫يف الفكر وال�سلوك والتي ت�شمل مناحي احلياة كافة بعنوان" وال‬ ‫ت�سرفوا "‪.‬‬ ‫وكان م�سك اخلتام مع الواعظة والداعية ال�سيدة "زينب‬ ‫العكايلة" حيث �أكدت على �إ�ستح�ضار النية اخلال�صة لوجه اهلل‬ ‫ك�شرط لقبول الأعمال ‪.‬‬ ‫تخلل احلفل الذي �أدارته الدكتورة �إميان غزاوي–ع�ضو جلنة‬ ‫املر�أة يف منتدى الو�سطية– والذي انتهى ب�صالة املغرب جماعة‬ ‫وبتناول طعام الإفطار‪ ،‬ت�سابيح و�أذكار و�أنا�شيد جماعية قدمتها‬ ‫ال�سيدة �سحر نعمة – �إحدى معلمات التالوة يف املركز القر�آين‬ ‫يف املنتدى ‪.‬‬

‫من نشاطات قطاع المرأة‬ ‫• يعقد املركز القر�آين يف منتدى الو�سطية ب�إ�شراف جلنة املر�أة دورات يف تف�سري وحفظ القر�آن الكرمي‬ ‫لأكرث من م�ستوى لل�سيدات؛ بالإ�ضافة �إىل دورة يف حفظ القر�آن للنا�شئة‪.‬‬ ‫• تقوم جلنة املر�أة بتقدمي خدمات الإ�ست�شارات الأ�سرية وذلك بتقدمي احللول الناجعة والتي ت�ساهم‬ ‫يف بناء الأ�سرة؛ من قبل �سيدات خمت�صات يف هذا املجال من خالل مركز الأمان للتوافق الأ�سري ‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫ال‬

‫نشاطات‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ة‬

‫‪114‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية يعقد مؤتمره الدولي‬ ‫« دور الوسطية في مواجهة اإلرهاب وتحقيق االستقرار‬ ‫والسلم العالمي «‬

‫يف ظل الظروف احلرجة التي متر بها �أمتنا الإ�سالميه‬ ‫والعربيه وانت�شار الفكر املتطرف الإرهابي واالحرتاب الداخلي‬ ‫والعنف املجتمعي ؛ب�سبب االختالل يف فهم وتطبيق مبادئ‬ ‫الدين الإ�سالمي املعتدل �أ�صبحت �أمتنا يف �أزمه كربى على‬ ‫�صعيد الوجود والهُوية‪.‬‬

‫ويف �إطار ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية وحتقيقاً لأهدافه‬ ‫ي�أتي تنظيم هذا امل�ؤمتر الدويل حتت عنوان " دور الو�سطيه‬ ‫يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي" من‬ ‫‪2015/03/15-14‬م يف املركز الثقايف امللكي‪ -‬اململكة الأردنية‬ ‫الها�شمية‪ ،‬متوخياً من ذلك حتقيق جمموعة من الأهداف منها‪:‬‬


‫‪ .1‬ابراز ال�صورة امل�شرفة للإ�سالم احلنيف‪ -‬دين الإعتدال مع الأديان ال�سماوية وحماربته لكل �أ�شكال االنحراف والإرهاب‬ ‫والو�سطية‪.‬‬ ‫الفكري واملادي‪ ،‬وتقدمي الر�ؤى والتطلعات الإ�سالمية بواقعية‬ ‫ومو�ضوعية انطالقاً من عامليته و�إن�سانيته‪.‬‬ ‫‪ .2‬بيان الدور املنوط بالعلماء واملثقفني واملفكرين يف تبني‬ ‫منهجية الإعتدال والو�سطية وحماربة التطرف والغلو ومن بني العلماء واملفكرين الذين ي�شرف بهم املنتدى‬ ‫والإرهاب‪.‬‬ ‫العاملي للو�سطية‪:‬‬ ‫‪� .3‬ضرورة بناء ا�سرتاتيجية عاملية لبناء تيار الإعتدال وت�أكيد • دولة الإمام ال�صادق املهدي‪ -‬ال�سودان ‪.‬‬ ‫حقيقة �أن جميع الأديان ترف�ض التطرف والغلو و�أعمال العنف‬ ‫• د‪ .‬عبد الفتاح مورو‪ -‬تون�س‪.‬‬ ‫با�سم الدين‪.‬‬ ‫• د‪ .‬علي القرة داغي‪ -‬قطر‪.‬‬ ‫‪ .4‬حتديد م�س�ؤوليات املجتمع كله �أفراداً و�أ�سراً وم�ؤ�س�سات ر�سمية‬ ‫و�أهلية و�شعبية يف الت�صدي لظاهرة التطرف والإرهاب والتوعية • �سعد الدين العثماين‪ -‬املغرب‪.‬‬ ‫بخطورة هذه الظاهرة على الن�سيج الوطني وبنية الأوطان‪.‬‬ ‫• د‪ .‬حممد حب�ش‪� -‬سوريا‪.‬‬ ‫�أمتنا اليوم بحاجة �إىل جيل وا ٍع لدوره يف ظل هذه الظروف • د‪� .‬أمني العثماين‪ -‬الهند‬ ‫ال�صعبة ي�شخ�ص الداء وي�صف الدواء والرتياق ال�شايف رائده‬ ‫طهر النف�س ورجاحة العقل‪ ،‬ومن �ضمن ر�سائل امل�ؤمتر حث • د‪ .‬حممد يتيم‪ -‬املغرب‬ ‫املجتمع على الإح�سان يف فهم الدين وح�سن تطبيقه وعر�ضه • معايل الدكتور منري التليلي‪ -‬وزير الأوقاف التون�سي الأ�سبق‪.‬‬ ‫لإبراز جوهر الدين ال�سمح فال �إفراط وتفريط وال غلو وال‬ ‫تق�صري وال طغيان‪ ،‬وليعلم العامل �أن الإ�سالم يوازن بني احلاجات • د‪ .‬جمدان اليا�س‪ -‬ماليزيا‪.‬‬ ‫املادية والأ�شواق الروحية‪ ،‬يبني الواقعية واملثالية لبناء �شخ�صية • �سماحة ال�سيد علي ف�ضل اهلل‪ -‬لبنان‪.‬‬ ‫الإن�سان القومي‪ ،‬حتى تقدم للإن�سانية الدين النظيف واملنهج‬ ‫• د‪ .‬زكية نا�صر‪ -‬ليبيا‬ ‫العاملي حلياة الفرد واجلماعة‪.‬‬ ‫• �أ‪.‬د‪ .‬عبد اللطيف الهميم‪ -‬العراق‬ ‫ويكت�سب هذا امل�ؤمتر �أهميته الكربى من خالل عدة �أركان‬ ‫الركن الأول الظروف التي يعقد فيها امل�ؤمتر وما �سيقدم فيه • ف�ضيلة ال�شيخ عبد اللطيف دريان‪ -‬لبنان‬ ‫من �أوراق عمل ونتائج وتو�صيات‪.‬‬ ‫والركن الثاين الأبحاث و�أوراق العمل العلمية التي تعالج حالة‬ ‫الأمة‪.‬‬ ‫والركن الثالث‪ :‬م�شاركة نخبة من العلماء املتخ�ص�صني‬ ‫الذين ت�ؤرقهم �أحوال الأمة العربية والإ�سالمية يف حا�ضرها‪،‬‬ ‫وقد د�أب املنتدى العاملي للو�سطية الجناح م�ؤمتراته �أن تكون‬ ‫اللجان التح�ضريية والعلمية وجلان الدعم الفني والعالقات‬ ‫العامة واللجان الإعالمية ‪ ،‬قامت هذه اللجان خالل الأ�شهر‬ ‫املا�ضية با�ستكتاب ومرا�سلة قادة الفكر الإ�سالمي يف الأمة‬ ‫لبلورة حماور امل�ؤمتر لتظهر بجدية �سماحة الإ�سالم وتعاي�شه‬

‫‪115‬‬


‫مساب‬

‫قة العدد‬

‫‪116‬‬

‫مسابقة‬ ‫العدد‬ ‫�إعداد ‪ :‬د‪ .‬علي خلف حجاحجة و د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬ ‫تت�ضمن امل�سابقة �ستة �أ�سئلة متنوعة‪ ،‬يتطلب الأمر الإجابة عنها كاملة ملن �أراد امل�شاركة‪ ،‬وتر�سل الإجابات بعد تعبئتها على الكوبون‬ ‫املخ�ص�ص يف �أ�سفل ال�صفحة‪ ،‬و�إر�سالها �إىل عنوان املجلة ( �ص‪.‬ب ‪ 2149:‬الرمز الربيدي‪11941‬عمان‪-‬الأردن) وذلك قبل تاريخ‬ ‫‪2015 / /‬‬ ‫• يتم ال�سحب على الإجابات الفائزة بثالثة م�ستويات‪ ،‬حيث مينح الفائز الأول ‪ 150‬دوالر ًا‪ ،‬الفائز الثاين ‪100‬‬ ‫دوالر ًا‪ ،‬الفائز الثالث ‪ 50‬دوالر ًا‪.‬‬ ‫ال�ســ�ؤال الأول‪:‬‬ ‫ال�سورة القر�آنية الكرمية التي ت�سمى �أخت ْ‬ ‫الطوال ‪:‬‬ ‫�أ‌‪ .‬ال�شورى‬

‫ج‪ .‬ال�شعراء‬

‫ب‪ .‬الأعراف‬ ‫ال�س�ؤال الثاين‪:‬‬

‫اجلزء الوحيد من ج�سم الإن�سان الذي ال ي�صله الدم هو‪:‬‬ ‫ج‪ .‬قرنية العني‬

‫�أ‌‪� .‬شحمة الأذن ب‪ .‬طرف الأنف‬ ‫ال�س�ؤال الثالث‪:‬‬

‫�أكرب بلد �إ�سالمي من حيث عدد ال�سكان‪:‬‬ ‫�أ‌‪� .‬أندوني�سيا ب‪ .‬ال�سودان ج‪ .‬ماليزيا‬ ‫ال�س�ؤال الرابع‪:‬‬ ‫املر�أة التي تزوجها الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ب�أمر من اهلل‪:‬‬ ‫�أ‌‪ .‬خديجة بنت خويلد ب‪ .‬زينب بنت جح�ش ج‪ .‬عائ�شة بنت �أبي بكر‬ ‫ال�س�ؤال اخلام�س‪:‬‬ ‫�أول مدينة بناها امل�سلمون خارج اجلزيرة العربية‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫�أ‌‪ .‬دم�شق ب‪ .‬الب�صرة‬

‫ج‪ .‬بغداد‬


‫ال�س�ؤال ال�ساد�س ‪:‬‬ ‫من املعامل الأثرية يف الأردن ؛ مدينة حمفورة يف ال�صخور يعرفها زائرها با�سم املدينة الوردية هي ‪:‬‬ ‫�أ‪.‬ع ّمان‬

‫ب‪.‬البرتاء‬

‫ج‪.‬م�أدبا‬

‫ال�س�ؤال ال�سابع ‪:‬‬ ‫�إن وادي الأردن يحت�ضن عدد من مقامات ال�صحابة الأجالء منهم ‪:‬‬ ‫�أ‪.‬عامر بن اجلراح (�أبو عبيدة) ب‪.‬عبداهلل بن رواحة ج‪.‬خالد بن الوليد‬ ‫ال�س�ؤال الثامن ‪:‬‬ ‫معركة وقعت يف �شمال الأردن ‪ ،‬انت�صر فيها امل�سلمون بقيادة خالد بن الوليد على الروم وا�سمها ‪:‬‬ ‫�أ‪.‬الريموك‬

‫ب‪.‬حطني‬

‫ج‪.‬عني جالوت‬

‫ال�س�ؤال التا�سع ‪:‬‬ ‫من ق�صور الأمويني يف الأردن ق�صر بناه الوليد بن عبد امللك يقع على ُبعد ميال �شرق عمان هو ‪:‬‬ ‫�أ‪.‬ق�صر احلالبات‬

‫ب‪.‬ق�صر عمرة ج‪.‬ق�صر امل�شتى‬ ‫ال�س�ؤال العا�شر‪:‬‬

‫جمع كلمة �شكوى‪ ،‬هو ‪.................................................:‬‬

‫إجابات مسابقة العدد‬ ‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال الأول‪ • ) ( :‬رمز �إجابة ال�س�ؤال الثاين‪ • ) (:‬رمز �إجابة ال�س�ؤال الثالث‪) (:‬‬ ‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال الرابع‪ • ) ( :‬رمز �إجابة ال�س�ؤال اخلام�س‪ • ) ( :‬رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�ساد�س‪) (:‬‬ ‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�سابع‪ • ) ( :‬رمز �إجابة ال�س�ؤال الثامن‪ • ) ( :‬رمز �إجابة ال�س�ؤال التا�سع‪) ( :‬‬ ‫�إجابة ال�س�ؤال العا�شر هي‪.......................................................................... :‬‬

‫معلومات المتسابق‬ ‫ا�سم املت�سابق من �أربعة مقاطع‪............................................................................... :‬‬ ‫رقم الهاتف مع رمز الدولة والبلد‪........................................................................... :‬‬ ‫العنوان الربيدي‪........................................................................................... :‬‬ ‫** بعد الإجابة على هذا النموذج نرجو تعبئة املعلومات اخلا�صة باملت�سابق كاملة وق�ص النموذج و�إر�ساله �إىل العنوان املبني‪.‬‬

‫‪117‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.