العددالثاني السنة الخامسة

Page 1

‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫رمضان موسم التجديد‬

‫كام الصلوات الخمس يجدد فيهن املؤمن العهد والبيعة مع الله أن مييض ملتزماً بالحق‪ ،‬مدافعاً‬ ‫موسم أكرب تكون فيه املراجعة وتكون عنده الوقفة‪ .‬ينظر‬ ‫عنه‪ ،‬صابراً عىل تكاليفه‪ ،‬فإن شهر القرآن‬ ‫ٌ‬ ‫املؤمنون بحالهم عرب عام مىض يسددون يدققون كام اشارات الوقوف واملرور التي ترسم الطريق‬ ‫وتحذر من املنعطفات‪ ،‬وبعدها يجدّ ون بالسري اىل الله عرب كل املسارات املتاحة ويف كل املستويات‬ ‫عىل صعيد الفرد‪ -‬األرسة‪ -‬املجتمع‪ -‬الدولة‪ -‬األمة‪ :‬كلهم يبتغي مرضاة الله والفوز بالجنة‪.‬‬ ‫يراجع الفرد نفسه‪ ،‬يعاتبها‪ ،‬يلومها‪ ،‬ينتفض منها فاراً إىل الله‪ ،‬إىل رحابه ورحمته وجواره‪ ،‬ينشد‬ ‫القرب والطأمنينة والرىض ويطلب العفو واملغفرة‪.‬‬ ‫وتراجع األرسة عالقاتها عرب عام‪ :‬تلتقي عىل موائد اإلميان يف صالة الفجر وقراءة القرآن والذكر‬ ‫وصالة الرتاويح والصدقات والرتاحم وصيانة األرحام‪ ،‬ينشأ الفتيان عىل دروب الطاعات التي يرون‬ ‫فيها رب األرسة وربتها جادين يف السري فيها (ركضاً إىل الله بغري زاد اال التقى والصرب عىل الجهاد)‪.‬‬ ‫ويراجع املجتمع ذاته فيعطف الغني عىل الفقري ويحنو القوي عىل الكسري ويلتقي الجميع يف‬ ‫املساجد‪ ،‬جباههم تزدان بالسجود العايل‪ ،‬يصلون ما انقطع فيام بينهم بفعل مشاغل الدنيا والركض‬ ‫خلفها‪ ،‬نقيد الشياطني كل الشياطني‪ :‬انسيهم والجني‪ ،‬يقيد فيه العصاة واملفسدون ويبدأ املجتمع‬ ‫يف السري يف اإلصالح عرب مراجعات شاملة تسهم يف التصحيح وااللتزام باملسار‪.‬‬ ‫وهو مناسبة للتجديد عىل مستوى الدولة تجدد فيه ذاتها وبرامجها‪ ،‬وتصون عقدها مع أبناء‬ ‫شعبها عرب مراجعة شاملة تصحح جوانب الخلل وتعزز الخري وتعيل من قيمه وتقاوم الفساد والرش‬ ‫وته ِّون منه ومن اصحابه ودعاته‪ .‬ورمضان هذا العام يختلف عمن سبقه من رمضانات فمن سنني‬ ‫مريرة طويلة كان املنحنى هابطاً عىل صعيد األمة واملجتمع والدولة‪ ،‬كانت الكرامة مهدورة والحرية‬ ‫مفقودة ومقيدة‪ ،‬والقرار والسيادة واالستقالل منقوصاً‪...‬سطا الفاسدون عىل ثرواتنا ومقدرات أمتنا‬ ‫فنهبوها بل وصدّ روا قرارنا خارج حدود أوطاننا‪.‬‬ ‫رمضان هذا العام شهد مراجعة شاملة عىل مستوى األمة كلها ومحاولة نهضة جديدة حطمت‬ ‫القيود واسرتجعت الحرية‪ ،‬واملعركة مفتوحة يف كل الساحات جارية يف كل دار وحي وشارع وزنقة‬ ‫عىل كافة املستويات‪ .‬ندعو الله ان تثمر محاوالت التجديد بأن تستكمل استقاللنا ويرحل عنا أعداء‬ ‫األمة الذين ضيقوا الخناق وحبسوا األنفاس واالحالم‪.‬‬ ‫انه شهر القرآن شهر املعارك شهر الفتوحات‪ :‬فتوحات األرض وفتوحات السامء عرب ليلة هي‬ ‫اس َو َب ِّي َن ٍ‬ ‫ات‬ ‫خري من ألف شهر‪ .‬وصدق الله إذ يقول‪﴿ :‬شَ ْه ُر َر َمضَ انَ الَّ ِذي أُنز َِل ِفي ِه الْ ُق ْرآنُ هُدً ى لِّل َّن ِ‬ ‫ِّم َن الْ ُهدَ ى َوالْ ُف ْرقَانِ ﴾ (سورة البقرة ‪)185:‬‬

‫الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫ال�سودان‬ ‫الدكتور وهبة الزحيلي‬ ‫�سوريا‬ ‫الدكتور حممد طالبي‬ ‫املغرب‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان ا�سماعيل‬ ‫ال�سودان‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‬ ‫لبنان‬ ‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‬ ‫م�صر‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‬ ‫املغرب‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‬ ‫الأردن‬ ‫الدكتور حممد احلاليقة‬ ‫الأردن‬ ‫الـمــهــنــد�س مــــــروان الـفــــاعــــــوري‬ ‫الأ�ســتـاذ الـدكتــور مـحـمـد اخلـطـيـب‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫الــدكـتـور هـايـل عبـد احلفيـظ داوود‬ ‫الـــدكـتـور يـــــا�ســـيــن الـمــقــــو�ســـــــي‬ ‫الأ�سـتـــــاذ حــ�ســيــن الــــــروا�شــــــــــدة‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫مـحـمـــد عــــزام ال�ســـلـمــــان‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة‬ ‫عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫وحق الرد مكفول للجميع‬

‫اململكة الأردنية الها�شمية ‪ -‬عمان‬ ‫تلفون ‪+962 - 6 - 5356329 :‬‬ ‫فاك�س ‪+962 - 6 - 5356349 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب ‪ 2149 :‬عمان ‪ 11941‬الأردن‬

‫‪Email : mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪Moderation_assembly@yahoo.com‬‬ ‫‪Website : www.wasatyea.net‬‬



‫‪70‬‬

‫‪34‬‬

‫‪45‬‬

‫نشاطات الوسطية ‪:‬‬

‫اجتماع ملمثلي فروع املنتدى العاملي للو�سطية يف العامل مبقره بعمان‬

‫‪70‬‬

‫الأمني العام بزيارة �إىل جمهورية م�صر العربية‬

‫‪71‬‬

‫الفاعوري ي�شارك مب�ؤمتر (الفكر الإ�سالمي ودوره يف مواجهة الغلو ) يف مو�سكو‬

‫‪71‬‬

‫مبنا�سبة عيد اال�ستقالل و�سطية ال�سلط وبالتعاون مع غرفة جتارة ال�سلط تنظمان حما�ضره االردن �أر�ض االنبياء واحل�ضارات‬

‫‪72‬‬

‫برعاية ال�شيخ الكيالين‪ :‬و�سطية ال�سلط يخرج طالب الدورة الفقهية‬

‫‪73‬‬

‫اختتام دورة اخلرب ال�صحفي يف ملتقى القد�س الثقايف‬

‫‪74‬‬

‫وفد من الأئمة والوعائظ امل�شاركني يف دورة �شرح م�ضامني ر�سالة عمان يزور مقر املنتدى العاملي‬

‫‪74‬‬

‫ال�شيخ ال�سفرتي يحا�ضر حول تربية الأبناء يف الإ�سالم‬

‫‪74‬‬

‫الهيئة الإدارية للعاملي للو�سطية يف ال�سودان تعقد اجتماعها الأول‬ ‫العاملي للو�سطية يف م�صر يعقد م�ؤمتر ًا بعنوان الرئي�س الإ�سالمي وبناء الأمة‬

‫‪75‬‬ ‫‪76‬‬

‫رابطة كتاب التجديد متنح جائزتها ال�سنوية ل د‪ .‬النجار و د‪.‬العلواين‬

‫‪76‬‬

‫م�ؤمتر الربيع العربي والدميقراطية‬

‫‪77‬‬

‫م�ؤمتر دويل حول الو�سطية والإ�صالح باملغرب‬

‫‪78‬‬

‫شباب الوسطية ‪:‬‬

‫حما�ضرة الإبداع وتروي�ض القدرات العقلية‬ ‫عمرو خالد يحا�ضر حول عمر بن اخلطاب‬ ‫هيئة �شباب الو�سطية ت�شارك بور�شة حتت املجهر‬ ‫هيئة �شباب الو�سطية ت�شارك بور�شة حقائق علمية‬

‫‪82‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪83‬‬

‫واحة القراء ‪:‬‬

‫الأمة العربية وامل�شروع الغائب ‪ -‬خليفة الديات‬ ‫الإ�سالميون وال�سلطة الفر�ص والتحديات‪� -‬أ‪.‬ب�سام نا�صر‬

‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬



‫يكون كل واحد من القولني �أو الفعلني حقاً‬ ‫م�شروعاً»‪ .‬ثم مثل له باالختالف الوارد يف‬ ‫�صفة الأذان والإقامة واال�ستفتاح والت�شهدات‬ ‫و�صالة اخلوف‪ ،‬وتكبريات العيد وتكبريات‬ ‫اجلنازة �إىل غري ذلك مما قد �شرع جميعه‪،‬‬ ‫ثم قال‪« :‬و�إن كان قد يقال‪� :‬إن بع�ض �أنواعه‬ ‫�أف�ضل»‪ .‬وعرفه بع�ضهم ب�أنه‪« :‬ما ال يكون‬ ‫فيه �أحد الأقوال مناق�ضا للأقوال الأخرى»‪.‬‬ ‫ومن الباحثني من عرفه ب�أنه‪« :‬عبارة عن‬ ‫الآراء املتعددة التي ت�صب يف م�شرب واحد»‪.‬‬ ‫وهذه التعريفات كلها متقاربة‪ ،‬وهي تدل‬ ‫على �أمرين مهمني‪� .‬أولهما‪ :‬عدم املناق�ضة‬ ‫والت�ضاد بني الأقوال يف االختالف املباح‪،‬‬ ‫والآخر‪ :‬اكت�ساب �صفة امل�شروعية يف الأقوال‬ ‫كلها يف االختالف املباح‪ ،‬فجميعها حق ال‬ ‫باطل فيها‪ ،‬و�صواب ال خط�أ فيها‪.‬‬ ‫ويقابله‪ :‬االختالف الت�ضاد وهو من امل�ضادة‪،‬‬ ‫وهي املخالفة واملباينة وهو‪ :‬ما كانت الأقوال‬ ‫يف امل�س�ألة املختلف فيها مت�ضادة‪ ،‬متعار�ضة‪،‬‬ ‫كل قول يناق�ض القول الآخر ويباينه‬ ‫وينافيه‪ ،‬كمن يوجب �شيئاً والآخر يح ّرمه‪� ،‬أو‬ ‫كمن ي�ستحب �شيئاً والآخر يكرهه‪.‬‬ ‫ثانيا‪� :‬أ�سماء االختالف املباح‪:‬‬ ‫هذا النوع من االختالف الفقهي يعرب عنه‬ ‫الفقهاء بعدة تعبرياتٍ و�أ�سماء‪ ،‬وذلك بالنظر‬ ‫�إىل طبيعته وحقيقته‪ .‬فمنهم من ي�سميه‬ ‫باالختالف املباح ـ كما �س ّميناه ـ وذلك بالنظر‬ ‫�إىل �أن كل الأقوال تتفق على اجلواز والإباحة‪،‬‬ ‫في�صح العمل بها جميعا‪ ،‬لأنها واقعة يف دائرة‬ ‫املباح‪ .‬وهذا الإمام ال�شافعي رحمه اهلل و�ضع‬ ‫بابا يف كتابه «اختالف احلديث» فقال‪« :‬باب‬ ‫االختالف من جهة املباح»‪.‬‬ ‫ومن العلماء من ي�سمي هذا االختالف‪:‬‬ ‫اختالف يف االختيار والأوىل‪ ،‬كما قال عنه‬ ‫الإمام ابن القيم رحمه اهلل‪« :‬وهنا نوع �آخر‬ ‫من االختالف‪ ،‬وهو وفاق يف احلقيقة‪ ،‬وهو‬ ‫اختالف يف االختيار والأوىل بعد االتفاق على‬ ‫جواز اجلميع كاالختالف يف �أنواع الأذان‪.‬‬ ‫ومنهم من ي�س ّميه بـ‪ :‬اختالف التنوع‪.‬‬ ‫يقول الإمام ابن تيمية رحمه اهلل يف بيان‬

‫�أنواع االختالف‪« :‬فهو يف الأ�صل ق�سمان‪:‬‬ ‫اختالف تنوع واختالف ت�ضاد»‪ .‬ثم قال‪...« :‬‬ ‫وهذا الق�سم ـ الذي �س ّميناه‪ :‬اختالف التنوع ـ‬ ‫كل واحد من املختلفني م�صيب فيه بال تردد‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬فيما يقع فيه هذا النوع من‬ ‫االختالف‪:‬‬ ‫و�إذا تقرر هذا‪ ،‬ف�إن هذا االختالف يقع يف‬ ‫ثالثة �أمور من العبادة‪ ،‬الأول‪ :‬يقع يف �صفة‬ ‫العبادة كاالختالف يف �صفة �صالة اخلوف‪� ،‬أو‬ ‫يف �صفة احلج من حيث القران �أو الإفراد �أو‬ ‫التمتع‪ ،‬والثاين‪ :‬يقع يف هيئات العبادة كهيئة‬ ‫و�ضع اليدين يف ال�صالة‪ ،‬وهيئة قب�ض �أ�صابع‬ ‫اليد اليمنى يف جلو�س الت�شهد‪ .‬والثالث‪ :‬يقع‬ ‫كذلك يف الأذكار داخل ال�صالة وخارجها‪ .‬وال‬ ‫يقع هذا االختالف يف �أبواب الفقه الأخرى ـ‬ ‫غالبا ـ بل االختالف الواقع فيها هو اختالف‬ ‫ت�ضاد‪ .‬كما ال يقع هذا االختالف يف م�سائل‬ ‫الأ�صول واالعتقاد‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬م�شروعية االختالف املباح‪:‬‬ ‫هذا االختالف ـ بتعريفه ال�سابق ـ اختالف‬ ‫م�شروع �سائغ مقبول‪ ،‬ال ُي ّ‬ ‫خط�أ فيه �أحد من‬ ‫املختلفني‪ ،‬وال يلحق املدح والذم �أحدهما‪.‬‬ ‫لأن ما ت�ضمنه كل قول من الأقوال املختلفة‬ ‫حق و�صواب‪ ،‬ولهذا ف�أطراف اخلالف فيه‬ ‫م�صيبون من غري تردد‪ ،‬م�أجورون مبجرد‬ ‫الفعل‪ ،‬وهذا بخالف اختالف الت�ضاد فالأجر‬ ‫فيه على الإ�صابة ـ �إن كان املجتهد م�صيبا ـ �أو‬ ‫على االجتهاد وحده ـ �إن كان خمطئا ـ‪ .‬ومما‬ ‫يدل على م�شروعية هذا االختالف ما ي�أتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬االختالف الوارد يف القراءات‪ ،‬و�إقرار‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كل من قر�أ على‬ ‫كاف‪ ،‬و�أن‬ ‫�شاف ٍ‬ ‫حرف منها‪ ،‬و�إخباره ب�أن ذلك ٍ‬ ‫الكل حم�سن‪ .‬ففي حديث عمر ر�ضي اهلل‬ ‫عنه �أنه �سمع ه�شام بن حكيم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ومما يدل على م�شروعية االختالف‬ ‫املباح‪� :‬أن كل ما ثبت عن النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم من �أوجه العبادات و�صفاتها‬ ‫وهيئاتها �سواء من قوله �أو فعله‪� ،‬صح العمل‬ ‫به وجاز التع ّبد به �إال �أن يتعذر العمل بجميع‬ ‫الأحاديث للتناق�ض بينها‪ ،‬وما كان من باب‬

‫االختالف املباح من �أنواع العبادة و�أذكارها‬ ‫فلي�س للتناق�ض �إليه �سبيل‪.‬‬ ‫‪ -3‬ومما يدل على ذلك �أي�ضاً‪ :‬ما يذكره‬ ‫الفقهاء من حكاية الإجماع يف بع�ض م�سائل‬ ‫االختالف املباح على م�شروعية الوجوه‬ ‫وال�صيغ كلها‪ ،‬ك�إجماعهم على الت�شهد ب�أيّ‬ ‫�صيغة ثابتة و�صالة اخلوف ب�أيّ �صيغة ثابتة‬ ‫و�إيثار الإقامة و�شفعها ونحو ذلك‬ ‫خام�سا‪ :‬احلكمة يف م�شروعية االختالف‬ ‫املباح‪:‬‬ ‫‪1‬ـ حتقيق م�صالح العباد‪ :‬ال �شك �أن ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية مبنية على حتقيق م�صالح‬ ‫العباد يف املعا�ش واملعاد‪� ،‬سواء ما �أمرت به‬ ‫من فرائ�ض و مندوبات �أو ما نهت عنه من‬ ‫حمرمات ومكروهات‪ ،‬فهي يف كل ذلك تهدف‬ ‫�إىل حتقيق م�صالح ومقا�صد وحكم‪ ،‬ثم‬ ‫هذه امل�صالح واحلكم منها ما يدركه العباد‬ ‫بعقولهم و�إفهامهم‪ ،‬ومنها ما تق�صر العقول‬ ‫والإفهام عن �إدراكه‪ .‬لكن حكمة ما �شرعه اهلل‬ ‫عز وجل لعباده من العبادات التي تعددت‬ ‫وجوهها وتنوعت �صيغها ظاهرة‪ ،‬وامل�صلحة‬ ‫من ورائها مدركة‪ ،‬حيث يح�صل بذلك من‬ ‫التي�سري والتخفيف وال�سعة والرحمة ما ال‬ ‫يخفى‪ ،‬حيث يختار املكلف من الوجوه ما‬ ‫�شاء‪ ،‬مما يتنا�سب مع حاله �أو وقته‪� ،‬أو فهمه‬ ‫وحفظه مما يندفع به احلرج وامل�شقة‪.‬‬ ‫وقد كان ال�سلف يحبون هذه التو�سعة على‬ ‫املكلف ويعدون ذلك من نعم اهلل التي توجب‬ ‫�شكرها‪ .‬فقد روى غ�ضيف بن احلارث قال‪:‬‬ ‫«قلت لعائ�شة‪� :‬أر�أيت ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم كان يغت�سل من اجلنابة يف �أول‬ ‫الليل �أو يف �آخره؟ قالت‪ :‬رمبا اغت�سل يف �أول‬ ‫الليل ورمبا اغت�سل يف �آخره‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل �أكرب‪،‬‬ ‫احلمد هلل الذي جعل يف الأمر �سعة‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫�أر�أيت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كان‬ ‫يوتر �أول الليل �أم يف �آخره؟ قالت‪ :‬رمبا �أوتر‬ ‫يف �أول الليل ورمبا �أوتر يف �آخره‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل‬ ‫�أكرب‪ ،‬احلمد هلل الذي جعل يف الأمر �سعة‪،‬‬ ‫قلت‪� :‬أر�أيت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫كان يجهر بالقر�آن �أم يخفت به؟ قالت‪ :‬رمبا‬

‫‪5‬‬



‫العمل بالنا�سخ‪ .‬وال يكون هذا من باب‬ ‫االختالف املباح‪.‬‬ ‫‪� -4‬أن ال تكون الوجوه من قبيل التلفيق بني‬ ‫ال�صفات �أو بني ال�صيغ املتعددة‪ ،‬كالتلفيق‬ ‫بني ت�شهد ابن م�سعود وحتياته و�صلواته‪،‬‬ ‫وبني زاكيات ت�شهد عمر ومباركات ابن‬ ‫عبا�س‪ ،‬بحيث يقول‪« :‬التحيات هلل وال�صلوات‬ ‫والطيبات واملباركات والزاكيات»‪ .‬ف�إن الت�شهد‬ ‫بهذه ال�صيغة امللفقة ال يعد وجها من وجوه‬ ‫االختالف املباح امل�شروع و�إن كانت مفردات‬ ‫هذه ال�صيغة‪ ،‬وجملها ثابتة عن النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫‪� -5‬أن ال يكون العمل ب�أحد الوجوه الثابتة‬ ‫للعبادة �سبباً حلدوث فتنة �أو ت�شوي�ش بني‬ ‫العامة‪ ،‬فقد يكون �أداء الأذان بالرتجيع ـ مث ً‬ ‫ال‬ ‫ـ يف بيئة ال يعرف �أهلها ذلك مدعاة للت�شوي�ش‬ ‫عليهم‪ ،‬مما قد ي�صل �إىل التباغ�ض والتهاجر‬ ‫وما هو �أعظم من ذلك‪.‬‬ ‫‪� -6‬أن ال يرتتب على ت�سويغ هذا االختالف‬ ‫بغي بني املختلفني‪ ،‬ب�أن تعتقد كل طائفة‬ ‫�صواب ما ذهبت �إليه‪ ،‬وخط�أ ما ذهب �إليه‬ ‫غريها‪ ،‬ف�إن هذا ينقل هذا االختالف من‬ ‫دائرة االختالف املباح امل�شروع �إىل دائرة‬ ‫االختالف املذموم‪.‬‬ ‫مناذج تطبيقية من االختالف املباح‬ ‫الدال على الت�آلف وجمع الكلمة ووحدة‬ ‫ال�صف‪:‬‬ ‫‪-1‬عدد مرات الغ�سل يف الو�ضوء‪:‬‬ ‫روى الإمام ال�شافعي يف كتابه اختالف‬ ‫احلديث‪ ،‬من حديث ابن عبا�س ر�ضي اهلل‬ ‫عنهما �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ّ‬ ‫و�ض�أ وجهه ويديه وم�سح بر�أ�سه مرة مرة‪.‬‬ ‫وروى من حديث عثمان ابن عفان ر�ضي‬ ‫اهلل عنه �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم تو�ض�أ‬ ‫ثالثاً ثالثاً‪ .‬وروى من حديث عبد اهلل بن‬ ‫زيد �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم تو�ض�أ‬ ‫مرتني مرتني‪ .‬ثم قال ال�شافعي‪« :‬وال يقال‬ ‫ل�شيء من هذه الأحاديث خمتلف مطلقا‬ ‫ولكن الفعل فيها يختلف من وجه �أنه مباح‪،‬‬ ‫ال اختالف احلالل واحلرام‪ ،‬والأمر والنهي‪،‬‬

‫ولكن يقال �أقل ما يجزئ يف الو�ضوء مرة‪،‬‬ ‫و�أكمل ما يكون من الو�ضوء ثالث»‪.‬‬ ‫‪-2‬االختالف يف اجلهر بالب�سملة‬ ‫واملخافتة بها يف ال�صالة‪:‬‬ ‫اختلفوا يف ذلك‪ ،‬فذهب الإمام �أبو حنيفة‬ ‫والإمام �أحمد �إىل عدم اجلهر بها يف ال�صالةـ‬ ‫�أي يف ال�صالة التي يجهر بالقراءة فيها‪ .‬وقد‬ ‫وردت �أحاديث �أخرى يف اجلهر بها عن نفر‬ ‫من ال�صحابة‪.‬‬ ‫قال ابن تيمية‪« :‬وكذلك اجلهر بالب�سملة‬ ‫واملخافتة بها‪� ،‬صح اجلهر بها عن طائفة من‬ ‫ال�صحابة‪ ،‬و�صحت املخافتة بها عن �أكرثهم‪،‬‬ ‫وعن بع�ضهم الأمران جميعاً»‪ .‬قلت‪� :‬إذاً‬ ‫هو من االختالف املباح فيجوز العمل بكل‬ ‫منهما‪ ،‬يفعل هذا تارة وهذا تارة حفظاً لل�سنة‬ ‫ومت�سكاً بها‪ ،‬فهو من كمال الديانة‬ ‫وبقا ًء لها ّ‬ ‫و�سالمة املذهب‪ .‬ويتحقق به الت�آلف وجمع‬ ‫القلوب ووحدة ال�صف‪.‬‬ ‫‪-3‬االختالف يف �أنواع الت�شهد‪:‬‬ ‫واختلفوا يف �أنواع الت�شهد املختار منه‪.‬‬ ‫فاختار الإمام �أبو حنيفة والإمام �أحمد‬ ‫وجماعة من ال�سلف ت�شهد ابن م�سعود ر�ضي‬ ‫اهلل عنه‪ .‬واختار الإمام مالك ت�شهد عمر بن‬ ‫اخلطاب ر�ضي اهلل عنه‪ .‬و�أما الإمام ال�شافعي‬ ‫فاختار ت�شهد ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما‪.‬‬ ‫قال ابن عبد الرب بعد �أن �ساق اخلالف يف‬ ‫الت�شهد‪« :‬والذي �أقول به ـ وباهلل التوفيق ـ �أن‬ ‫االختالف يف الت�شهد‪ ،‬ويف الأذان ‪ ...‬وما كان‬ ‫مثل هذا كله‪ ،‬اختالف مباح كالو�ضوء واحدة‬ ‫واثنتني وثالثاً ‪ ...‬وهلم جراً‪ ،‬فدل على �أنه‬ ‫مباح كله �إباحة تو�سعة ورحمة‪ ،‬واحلمد هلل»‪.‬‬ ‫‪-4‬االختالف يف كيفية الأذان والإقامة‪:‬‬ ‫اختلف �أئمة الأم�صار يف كيفية الأذان‬ ‫والإقامة‪ :‬فذهب احلنفية و�سفيان الثوري‬ ‫�إىل �أن الأذان مثنى مثنى‪ ،‬والإقامة مثنى‬ ‫مثنى‪.‬‬ ‫وذهب الإمام مالك وال�شافعي و�أ�صحابهما‬ ‫�إىل �أن الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة‬ ‫�إال �أن ال�شافعي يقول يف �أول التكبري‪« :‬اهلل‬ ‫�أكرب» �أربع مرات‪.‬‬

‫‪-5‬االختالف يف عدد ال�صالة بعد‬ ‫اجلمعة‪:‬‬ ‫اتفقوا على �سنية ال�صالة بعد اجلمعة‬ ‫لثبوتها عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ولكن اختلفوا يف مقدارها‪ .‬فذهب جماعة‬ ‫من �أهل العلم منهم ابن م�سعود وعلقمة‬ ‫والنخعي والثوري وابن املبارك واحلنفية ـ‬ ‫غري �أبي يو�سف ـ �إىل �أن ال�سنة بعد اجلمعة‬ ‫�أربع ركعات‪( ،‬و�ص ّرح �أكرث ه�ؤالء �أنه �إذا �صلى‬ ‫�أربعاً ال يف�صل بينهن ب�سالم‪ .‬واحتجوا‬ ‫بحديث �أبي هريرة ر�ضي اهلل عنه قال‪ :‬قال‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪« :‬من كان منكم م�صلياً‬ ‫بعد اجلمعة فلي�صل �أربعاً»)‪.‬‬ ‫وذهبت جماعة �أخرى من �أهل العلم منهم‪:‬‬ ‫عمر وعمران بن ح�صني والنخعي وال�شافعي‬ ‫�إىل �أنه ي�صلي بعد اجلمعة ركعتني وعن‬ ‫ال�شافعي‪ :‬ي�ستحب بعدها �أربعاً‪.‬‬ ‫قال اخلطابي‪« :‬وهذا ـ واهلل �أعلم ـ من‬ ‫االختالف املباح‪ ،‬وكان �أحمد بن حنبل يقول‪:‬‬ ‫�إن �شاء �صلى ركعتني و�إن �شاء �صلى �أربعاً‬ ‫‪ .»...‬قال ابن قدامة‪« :‬ولنا �أن النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم كان يفعل ذلك كله بدليل ما‬ ‫روي من الأخبار ‪.‬‬ ‫‪-6‬االختالف يف كيفية �صالة اخلوف‪:‬‬ ‫�صالة اخلوف م�شروعة يف �أثناء قتال‬ ‫الكفار‪ ،‬وثابتة بالكتاب وال�سنة والإجماع‪،‬‬ ‫وقد فعلها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مرا ًرا‬ ‫يف �أوقات خمتلفة ويف �أ�شكال متباينة‪.‬‬ ‫وقال اخلطابي‪�« :‬صالة اخلوف �أنواع‪ ،‬وقد‬ ‫�صالها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف‬ ‫�أيام خمتلفة وعلى �أ�شكال متباينة يتوخى يف‬ ‫كل ما هو �أحوط لل�صالة و�أبلغ يف احلرا�سة‪،‬‬ ‫وهي على اختالف �صوره م�ؤتلفة يف املعاين‪.‬‬ ‫(ونقل احلافظ ابن حجر عن طائفة من‬ ‫العلماء‪�« :‬أنه ي�ؤخذ بجميعها على ح�سب‬ ‫اختالف �أحوال اخلوف‪ ،‬ف�إذا ا�شتد اخلوف‬ ‫�أخذ ب�أي�سرها م�ؤنة»)‪ .‬وقال الإمام ال�شافعي‪:‬‬ ‫«�أن هذا كله جائز‪ ،‬و�أنه من االختالف املباح‬ ‫فكيف �صلى الإمام ومن معه على ما روي‬ ‫�أجز�أ‪ ،‬و�إن اختار بع�ضه على بع�ض‪.‬‬ ‫�أ�ستاذ ق�سم الفقه والأ�صول يف اجلامعة‬ ‫الإ�سالمية العاملية‬

‫‪7‬‬





‫�إطار الأمة الوليدة والدولة اجلديدة وعن‬ ‫امل�ساواة بني الفرقاء واملتنوعني‪.‬‬ ‫�أما الوثيقة الد�ستورية الثانية‪ ،‬فهي‬ ‫خا�صة بالعالقة مع الآخر الن�صراين‪،‬‬ ‫و�ضعها الر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫لن�صارى جنران‪ ،‬عهداً لهم ولكل املتدينني‬ ‫بالن�صرانية عرب املكان والزمان‪ ،‬وفيها ُيقر‬ ‫الر�سول للن�صارى بكامل احلقوق الدينية‬ ‫واملدنية مبا ال مييزهم يف �شيء عن عامة‬ ‫امل�سلمني‪ .‬يقول �سبحانه وتعاىل ( َال َي ْنهَا ُك ُم‬ ‫ُ‬ ‫ِّين َو مَ ْ‬ ‫ين مَ ْ‬ ‫اهلل ع َِن ا َّلذِ َ‬ ‫ل‬ ‫ل ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫ُيخْ ر ُِجو ُكم ِّمنْ ِد َيا ِر ُكم �أَنْ َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا‬ ‫�إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن َ‬ ‫ني �إِ مَّ َ‬ ‫اهلل يُحِ ُّب امل ُ ْق�سِ طِ َ‬ ‫نا َي ْنهَا ُك ُم‬ ‫ُ‬ ‫اهلل ع َِن ا َّلذِ َ‬ ‫ِّين َو�أَ ْخ َر ُجو ُكم‬ ‫ين َقا َت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫ِّمنْ ِد َيا ِر ُكم َو َظا َه ُروا َعلَى �إِ ْخ َراجِ ُكم �أَنْ‬ ‫َت َو َّل ْوهُ ْم َومَن َي َت َو َّل ُه ْم َف�أُو َلئ َِك هُ ُم َّ‬ ‫الظالمِ ُو َن)‬ ‫(املمتحنة‪.)9-8 :‬‬ ‫الإ�سالم ر�سالة رحمة ونبذ للعنف‪ :‬و�إذا كان‬ ‫الإ�سالم جاء على يد حممد حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم بر�سالة �إن�سانية لإي�صال الكون‬ ‫�إىل كماله‪ ،‬فال يت�أتى له ذلك �إ ّال من خالل‬ ‫هذه الرحمة؛ وقد ح�صر القر�آن الكرمي‬ ‫بعثته حممد �صلى اهلل عليه و�سلم فيها عندما‬ ‫قال‪َ ( :‬ومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك ِ�إلاَّ َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫ني)(�سورة‬ ‫الأنبياء‪ ،)107:‬وهناك �آيات بهذا املعنى كقوله‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬ومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫ا�س بَ�شِ رياً‬ ‫اك �إِلاَّ َكا َّف ًة لِل َّن ِ‬ ‫َو َنذِ يراً)(�سورة �سب�أ‪ )28:‬فالتب�شري والإنذار؛‬ ‫و�إنْ كان يحمل معاين وقيم الر�سالة �إ ّال �أنه‬ ‫ي�ؤدي �إىل الرحمة املُو�صلة ملفردات الكون‪-‬‬ ‫وباخل�صو�ص الإن�سان ‪� -‬إىل كماله‪ ،‬ولذا‪،‬‬ ‫جند � ّأن الإ�سالم احلنيف عندما ي�ؤكد على‬ ‫� ّأن ر�سالة الإ�سالم جاءت رحمة للعاملني‪ ،‬فهو‬ ‫يركز �أي�ضاً على نبذ العنف وي�شجب احلقد‬ ‫والكراهية‪ ،‬ويدعو �إىل الت�سامح حتى مع‬ ‫املخالفني‪.‬‬ ‫الإ�سالم يدعو �إىل الت�سامح مع غري‬ ‫امل�سلم‪:‬‬ ‫ومل تكن نظرة الإ�سالم منح�صرة يف الت�أكيد‬ ‫على م�س�ألة تبادل العالقات والت�سامح بني‬ ‫�أهل الدين الواحد‪ ،‬ويف �إطار عالقة امل�سلم‬

‫ب�أخيه امل�سلم‪ ،‬لأ َّن هذا من الو�ضوح مبكان‪،‬‬ ‫ولكن هذه النظرة الإ�سالمية كان لها‬ ‫ُبعد �شمويل ي�ستوعب حتى الذين يختلف‬ ‫الإ�سالم معهم يف م�س�ألة العقيدة‪ ،‬وهذه‬ ‫م�س�ألة يف غاية الأهمية باعتبار �أ َّن الإن�سان‬ ‫لديه تقدي�س لعقائده حتى و�إنْ كانت ال‬ ‫تقوم على الدليل‪ ،‬وال ي�ؤيدها الربهان‪ ،‬بل‪،‬‬ ‫و ُي َفدِ ي نف�سه يف الدفاع والذود عن عقيدته‪،‬‬ ‫وعلى هذا الأ�سا�س جاء الإ�سالم لي�ؤكد على‬ ‫�أمرين‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬احرتام الإن�سان الآخر الذي ال‬ ‫ين�ضوي حتت املفهوم العقدي مع امل�سلمني‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬الدعوة �إىل التعامل الإيجابي يف‬ ‫تبادل اخلربات معه‪ ،‬و�إقامة العدل معه‬ ‫و�إياه‪.‬‬ ‫الإ�سالم يوجب التعامل مع غري امل�سلم‬ ‫باحرتام وتقدير �إن�ساين متبادل‪� :‬إ َّن التعامل‬ ‫مع غري امل�سلم يف امل�سائل العقدية ال بد �أن‬ ‫يقوم على �أ�سا�س م�س�ألة االحرتام املتبادل‬ ‫بني امل�سلم وغري امل�سلم‪ ،‬ف�إذا مل يتع َد هذا‬ ‫الإن�سان على امل�سلمني‪ ،‬ومل ينتهك القانون‬ ‫يوجه �أي نحو من الإ�ساءة‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬ومل َّ‬ ‫�إىل الأمة الإ�سالمية‪ ،‬فيندرج حتت التعامل‬ ‫الإيجابي يف �إطاره ال�سعِي والوا�سع دون‬ ‫ظلم �أو تعدي على حقوقه‪ ،‬بل‪ ،‬يكون وفق‬ ‫احرتامه والت�أكيد على مبد�أ �إقامة الق�سط‬ ‫والعدالة‪ .‬ولذا‪ ،‬جند القر�آن ي�ؤكد على � ّأن‬ ‫الإن�سان مهما اختلف مع �أخيه الإن�سان‬ ‫وتعددت وجهات النظر بينهما‪� ،‬إال � ّأن كل‬ ‫فرد يعمل على �شاكلته وينطلق من توجهاته‬ ‫الداخلية‪ .‬قال تعاىل‪( :‬ال َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن‬ ‫ِّين َو مَ ْ‬ ‫ين مَ ْ‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ل ُيخْ ر ُِجو ُك ْم‬ ‫ل ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫مِ نْ ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن‬ ‫اللهَّ َ يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ‬ ‫ني)(املمتحنة‪.)8:‬‬ ‫مبد�أ التعارف �أ�سا�س �إ�سالمي‪:‬‬ ‫ا�س ِ�إ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ‬ ‫قال تعاىل‪َ ( :‬يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫َذ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوباً َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا‬ ‫�إِ َّن �أَ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد اللهَّ ِ �أَ ْت َقا ُك ْم)(احلجرات‪،)13:‬‬ ‫وهذه الآية القر�آنية الكرمية تدعو �إىل‬ ‫التعارف‪ ،‬الذي ال يعني جمرد تعرف الإن�سان‬

‫على �أخيه الإن�سان‪ ،‬و�إمنا املعرفة طريق‬ ‫لتبادل اخلربات والتعامل الإيجابي فالنا�س‬ ‫يختلفون يف توجهاتهم و�آرائهم وقدراتهم‬ ‫وثقافاتهم غري �أ َّن هذه االختالفات ال تدعو‬ ‫�إىل احلقد �أو الكراهية‪� ،‬أو �أن يقوم الإن�سان‬ ‫ب�إ�ضرار �أخيه الإن�سان‪ ،‬و�إمنا ال ب َّد �أن يكون‬ ‫التعاون الإن�ساين يف �ضمن القوا�سم امل�شرتكة‬ ‫واملناحي الإيجابية التي تدعو �إىل اخلري‬ ‫والوئام وال�سالم‪ ،‬وهذا هو املعنى العميق‬ ‫لقوله تعاىل‪َ (:‬و َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوباً َو َق َبا ِئ َل‬ ‫ِل َت َعا َر ُفوا)‪ ،‬فلم ي�ش�أ اهلل �أن يخلق الب�شر‬ ‫على هذه ال�شاكلة من �أجل جمرد املعرفة‪،‬‬ ‫بل‪ ،‬املق�صود هو ما يرتتب وينبثق عن هذه‬ ‫املعرفة من �إيجابيات تعود باخلري على‬ ‫الإن�سانية جمعاء‪.‬‬ ‫الكرامة الإن�سانية حق �إ�سالمي‪:‬‬ ‫الكرامة الإن�سانية من احلقوق الأ�سا�سية‬ ‫لـلإنـ�سـ ــان‪ ،‬م ــ�س ـ ـلـم ـ ـاً ك ـ ـ ــان �أو غ ـيـر مــ�سلم‪،‬‬ ‫وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ال ـم ـن ـهـ ــج‬ ‫الأخ ــالق ــي وال َقيمي‬ ‫فهمه الإن�سان امل�سلم فلـم يـشـأ اهلل أن‬ ‫املنتمي دينه‪ ،‬واملندرج يخـلق الـبـشر عــلـى‬ ‫حتت ذلك التكرمي هذه الشاكلة من‬ ‫الـعـ ــام الـ ــذي �أ�ش ـ ـ ـ ــار أجل مجرد المعرفة‪،‬‬ ‫�إل ـ ـيــه قـ ــول ــه تـعــاىل‪ :‬بــل‪ ،‬المـقصـود هـو‬ ‫( َو َل َق ْد َك َّر ْم َنا َبنِي مــا يتـرتــب ويـنبثـق‬ ‫�آ َد مَ)(ا لإ�سراء‪ ،)70:‬عن هذه المعرفة‬ ‫ف ــالإن ــ�س ـ ــان مـ ـ ـك ـ ـ ــرم من إيجابيات تعود‬ ‫بـت ـك ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم اهلل بالخير على اإلنسانية‬ ‫تـعـ ـ ــالـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ــه‪ .‬وقد جمعاء‪.‬‬ ‫�أكـ ــد النبي حممد‬ ‫�صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم وال�صحابة الكرام على احرتام احلقوق‬ ‫والت�أكيد على الواجبات بني امل�سلم و�أخيه‬ ‫امل�سلم من ناحية‪ ،‬وبني امل�سلم و�أخيه غري‬ ‫امل�سلم من ناحية �أخرى‪ ،‬ومل يح�صر الإ�سالم‬ ‫نظرة امل�سلمني بنح ٍو �ضيق‪ ،‬بحيث يجعل‬ ‫ه�ؤالء امل�سلمني ال يتعاملون مع غريهم وال‬ ‫ينفتحون على ال�شعوب والعقائد الأخرى‪،‬‬ ‫بل‪� ،‬أكد الإ�سالم على االنفتاح العقدي مع‬

‫‪11‬‬



‫الإعداد‪ ,‬والعلم ال�شرعي ال�صحيح النافع‪,‬‬ ‫واملعارف احلميدة ال�صاحلة املفيدة ُتعد‬ ‫�أ�ص ً‬ ‫ال عظيماً ومهماً يف املناهج الدرا�سية‪.‬‬ ‫‪ .6‬العمل على حت�صني البناء الفكري للجيل‬ ‫حت�صيناً قوياً ومنيعاً من خالل بناء ال�سياج‬ ‫الفكري الر�صني الذي ميكن الفرد من‬ ‫النقد والتمييز والفرز والتمحي�ص لكل ما‬ ‫يعرت�ضه من ت�أثريات ع�صرية ذات طوابع‬ ‫فكرية وغري فكرية �سلوكية و�أخالقية �أو‬ ‫غريها ‪� ,‬أو �شبهات �أو توجهات �ضالة‪.‬‬ ‫‪ .7‬ت�ضمني املناهج الدرا�سية �شرحاً وافياً‬ ‫لأحكام الإ�سالم ومقا�صده فيما ي�ستند �إليه‬ ‫دعاة االنحراف الفكري لتربير �أقوالهم‬ ‫و�إعمالهم‪ ،‬وبيان منهج الإ�سالم العادل‬ ‫يف تنظيم عالقة �أفراد املجتمع امل�سلم –‬ ‫م�سلمني وغري م�سلمني‪ ،-‬وقيم املواطنة‬ ‫ال�ضابطة للحقوق والواجبات واملر�سخة‬ ‫لقيم الوئام الديني وقبول الآخر يف املجتمع‬ ‫الإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪ .8‬تقدمي احل�ضارات الإن�سانية والثقافات‬ ‫املتنوعة ب�صورة �إيجابية تو�ضح فوائد‬ ‫االت�صال احل�ضاري والثقايف بني ال�شعوب‪،‬‬ ‫وتقدم يف الوقت نف�سه املعرفة ال�ضرورية‬ ‫بالثقافات الأخرى‪ ،‬مع الرتكيز على نقاط‬ ‫االلتقاء‪ ،‬ومناذج ا�ستفادة احل�ضارات من‬ ‫بع�ضها البع�ض حتى يتكون لدى الطالب‬ ‫ال�شعور الإيجابي نحو كل احل�ضارات‬ ‫الإن�سانية‪.‬‬ ‫‪ .9‬تربية الن�شء على احرتام احل�ضارات‬ ‫والثقافات الأخرى‪ ،‬وتنمية حب اال�ستطالع‬ ‫جتاه معرفة هذه احل�ضارات والثقافات‪ ،‬من‬ ‫خالل بناء فل�سفة تربوية واجتماعية لبناء‬ ‫ال�شخ�صية امل�سلمة‪ ،‬وت�أهيلها لالندماج يف‬ ‫حميطها الوطني والعاملي‪ ،‬والتكيف املن�ضبط‬ ‫مـع خمتلف املعطيات املتجددة للع�صر‬ ‫وقبولها للتجدد والتنوع واالختالف‪.‬‬ ‫‪ .10‬الرتكيز على درا�سة دور احل�ضارة‬ ‫والعالقات احل�ضارية يف توجيه العالقات‬

‫الدولية بني ال�شعوب‪ ،‬و�إعطاء جمال للعمل‬ ‫احل�ضاري املمهد للتوا�صل الإن�ساين بني‬ ‫ال�شعوب‪ ،‬وتو�ضيح الدور الإيجابي للح�ضارة‬ ‫يف ال�سيا�سة الدولية ويف العالقات الدولية‪.‬‬ ‫وكذلك العمل على عدم توظيف احل�ضارات‬ ‫يف خدمة ال�سيا�سة من خالل عمليات ت�سيي�س‬ ‫احل�ضارات وتوظيفها توظي ًفا �سلب ًيا لتخريب‬ ‫العالقات ال�سيا�سية بني الدول كما حدث من‬ ‫خالل نظريات �صراع احل�ضارات وت�أثريها‬ ‫ال�سلبي وال�ضار على العالقات بني ال�شعوب‪.‬‬

‫ختـامـاً‪:‬‬

‫‪ .11‬ت�ضمن قيم الت�سامح الثقايف‬ ‫واحل�ضاري‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن الت�سامح الديني‬ ‫بني الطلبة وتعريفهم باملوقف احل�ضاري‬ ‫الإ�سالمي املت�سامح مع احل�ضارات الأخرى‪،‬‬ ‫والقبول بالتعددية الدينية والثقافية‬ ‫واحل�ضارية‪ ،‬ون�شر قيم قبول الآخر املختلف‬ ‫دين ًيا وثقاف ًيا وح�ضار ًيا‪ ،‬وتر�سيخ التن�شئة‬ ‫االجتماعية ال�سليمة لتكوين �شخ�صية الفرد‬ ‫امل�سلم وميوله واجتاهاته و�سلوكه‪ ،‬وحتقيق‬ ‫قيم الوئام الديني بني الطلبة‪.‬‬ ‫جامعـة العلوم الإ�سالمية العاملية‬

‫يظهر لنا َّأن بناء الشخصية المسلمة القادرة على‬ ‫التحاور في ثقة ودون تردد‪ ،‬والمزودة بالعلم الالزم‬ ‫واألدوات الضرورية للحوار وقبول اآلخر‪ ،‬وترسيخ قيم‬ ‫الوئام الديني من الوظائف األساسية للمناهج التربوية‪.‬‬ ‫َّإن ترسيخ قيم الوئام الديني لدى الطلبة يصب في‬ ‫النهاية في خدمة الدعوة اإلسالمية المستنيرة‪ ،‬ألن‬ ‫المدعو المستهدف تغيرت أوضاعه الفكرية والثقافية‪،‬‬ ‫وارتقت قدرته على التلقي وأصبح قاد ًرا على النقاش‬ ‫والجدل‪ ،‬وطرح التساؤالت حول الدين‪ .‬كما َّأن ثورة‬ ‫المعلومات وسهولة الحصول على المعلومة من‬ ‫خالل شبكة اإلنترنت والقنوات الفضائية أدت إلى ارتفاع‬ ‫معدالت الثقافة العامة والخاصة‪ ،‬وارتقاء القدرة على‬ ‫االنتقاء والنقد‪ ،‬بل المشاركة في تقديم المعلومات‬ ‫وتغذية الشبكة بمواد علمية على سبيل المشاركة‬ ‫في الحوار الدائر وبخاصة في الموضوعات الدينية‪،‬‬ ‫ويجب أن يستجيب القائمون على المناهج التربوية لهذا‬ ‫التطور الحادث على الساحة العالمية‪ ،‬ووضع أسس‬ ‫لتعليم ديني حديث ومستنير‪ ،‬وفاهم لقضايا العصر‪،‬‬ ‫وقادر على الحوار والمناظرة‪ ،‬وقبول اآلخر‪ ،‬واإلسهام‬ ‫الحضاري اإلنساني‪.‬‬

‫‪13‬‬











‫لوجدوا فيها ما يلبي حاجاتهم‪ ،‬وما ذلك‬ ‫�إال لأنها ربانية امل�صدر‪ ،‬ولأنها تت�ضمن‬ ‫بعداً �إن�سانيـاً كما �سنو�ضح يف الآتـي ‪:‬‬ ‫�أو ًال ‪ :‬العقيدة الإ�سالمية وا�ضحة ‪،‬‬ ‫ومب�سطة ‪ ،‬ومقنعة ؛ فخالق الكون �إلـه‬ ‫واحد قادر حكيم ‪ ،‬خلق ف�سوى وقدّر‬ ‫فهدى ‪ ،‬وهو يعلم خائنة الأعني وماتخفي‬ ‫ال�صدور‪ ،‬وهو يقول ملن �أ�شرك به �أن يطلب‬ ‫من هذا ال�شريك املزعوم �أن ي�أتي مبثل‬ ‫ماخلق ‪ ،‬بل يبني له يف حتد �أن هذا املعبود‬ ‫الباطل من �صفاته ال�ضعف فهو عاجز عن‬ ‫ا�ستنقاذ ما ي�سلبه منه �أ�ضعف املخلوقات‬ ‫قال تعاىل ‪:‬‬ ‫ا�س َتمِ ُعوا َل ُه‬ ‫( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫ا�س ُ�ضر َِب َم َث ٌل َف ْ‬ ‫�إِ َّن ا َّلذِ َ‬ ‫ين َت ْدعُو َن مِ ن دُونِ اللهَّ ِ َلن َي ْخ ُل ُقوا‬ ‫اج َت َم ُعوا َل ُه َو�إِن َي ْ�س ُل ْب ُه ُم ُّ‬ ‫اب‬ ‫الذ َب ُ‬ ‫ُذ َبا ًبا َو َل ِو ْ‬ ‫َ�ش ْي ًئا لاَّ َي ْ�س َتن ِق ُذو ُه مِ ْن ُه َ�ض ُع َف َّ‬ ‫الطال ُِب‬ ‫وب * مَا َق َد ُروا اللهَّ َ َح َّق َق ْد ِر ِه �إِ َّن اللهَّ َ‬ ‫َوالمْ َ ْط ُل ُ‬ ‫َل َقوِيٌّ َعزِي ٌز) (احلج‪.)74-73:‬‬ ‫�إن العقيدة الإ�سالمية تقوم على الإقتناع‬ ‫واليقني والثبات لأنها ت�ستند �إىل برهان‬ ‫وحجة ‪ ،‬وعطاء اهلل �سبحانه وتعاىل مطلق‬ ‫ال حدود له وال نفاد‪ ،‬وقدرة اهلل �سبحانة‬ ‫وتعاىل غريمتناهية والتخ�ضع للمقايي�س‬ ‫الزمانية والاملكانية واليحول بينها وبني‬ ‫التنفيذ حائل ف�إمنا �أمره �إذا �أراد �شيئاً �أن‬ ‫يقول لل�شيء كن فيكون قال تعاىل‪َ ( :‬و َل ْو‬ ‫�أَ مَّ َ‬ ‫الَ ْر ِ�ض مِ ن َ�ش َج َر ٍة �أَقْلاَ ٌم َوا ْل َب ْح ُر‬ ‫نا فيِ ْ أ‬ ‫يمَ ُدُّ ُه مِ ن َب ْعدِ ِه َ�س ْب َع ُة �أَ ْب ُحرٍ َّما َن ِف َدتْ‬ ‫َك ِل َم ُ‬ ‫ات اللهَّ ِ ِ�إ َّن اللهَّ َ عَـزِي ٌز َح ِكيـ ٌم * َّما َخ ْل ُق ُك ْم‬ ‫َولاَ َب ْع ُث ُك ْم �إِلاَّ َك َن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة �إِ َّن اللهَّ َ َ�سمِ ي ٌع‬ ‫ري)(لقمان‪ )28-27:‬وعقيدة الإ�سالم‬ ‫َب ِ�ص ٌ‬ ‫ال تعرف الغمو�ض كما هو نهج بع�ض‬

‫العقائد التي تقول‪� " :‬أغم�ض عينيك ثم‬ ‫اتبعني " وال تعرف التعقيد الذي اتبعته‬ ‫بع�ض النحل الو�ضعية ‪ ،‬فعقيدة الإ�سالم‬ ‫�سهلة الفهم وتتما�شى مع الفطرة الب�شرية‬ ‫‪،‬ف�أ�صل التوحيد ال�شهادتان تت�ضمنه �سورة‬ ‫الإخال�ص مع معرفة معانيها تكفي ‪ ،‬بهذا‬ ‫الو�ضوح وعدم التعقيد ا�ستطاعت العقيدة‬ ‫الإ�سالمية �أن تتغلغل يف النفو�س وحتقق‬ ‫للذين �آمنوا بها الطم�أنينة والتما�سك‬ ‫والتوازن النف�سي وتعطيهم عزمية قوية‬ ‫يواجهون بها الرياح العوا�صف وعندما‬ ‫اختلط الإميان بلحمهم ودمهم وخمهم‬ ‫وعظمهم هانت عليهم الدنيا وقابلوا‬ ‫ابتالءاتها ب�صربوجلد وتوجهوا �إىل ربهم‬ ‫مت�ضرعني يقولون ‪ ( :‬واجعلنا ممن �آثر‬ ‫التقوى والوفاق وال�صربعلى ال�شدائد‬ ‫وامل�شاق رغبة يف دوام القرب والتالقي وق ّو‬ ‫نورنا ليهون علينا ذلك ‪ ،‬واجعل لنا قوة‬ ‫منك على حتمل ما ير�ضيك )(‪.)2‬‬ ‫ثاني ًا ‪ :‬الإن�سان هو املخلوق املكلف ب�أمر‬ ‫الإ�ستخالف يف الأر�ض ولذلك كرمه‬ ‫اهلل وف�ضله على كثري من خلقه وجاءت‬ ‫تعاليم الإ�سالم حمققة مل�صاحله ومالئمة‬ ‫لفطرته ومتفهمة مل�شاعره ومراعية‬ ‫مل�ؤثراته وعوامل �ضعفه ‪،‬فاخلط�أ يتجاوز‪،‬‬ ‫واحل�سنات يذهنب ال�سيئات‪ ،‬والتوبة‬ ‫الن�صوح جتب ماقبلها ‪ ،‬والإ�ستغفار‬ ‫يرفع العذاب ‪ ،‬ورحمة اهلل �سبقت غ�ضبه‪،‬‬ ‫واحل�سنة بع�شرة �أمثالها وتزيد‪ ،‬وال�سيئة‬ ‫مبثلها وتغفر‪ ،‬فالإن�سان هو املحور‬ ‫الذي تدور حوله الأحكام ويف النهاية‬ ‫ف�إن مق�صدها الأ�سمى تكرميه يف الدنيا‬ ‫وفالحه يف الآخرة ‪ .‬واليوجد خملوق‬

‫وجد تكرمياً من اهلل �سبحانه وتعاىل كما‬ ‫وجده الإن�سان ‪ ،‬فاملالئكة �أمروا بال�سجود‬ ‫له ‪ ،‬وكلف بالإ�ستخالف يف الأر�ض و�سخر‬ ‫الكون خلدمته ‪ ،‬ونزل الت�شريع مل�صلحته‬ ‫‪ ،‬والكعبة امل�شرفة مع عظمتها وحرمتها‬ ‫ومكانتها الروحية وقف عندها ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم وقال لها ‪:‬‬ ‫(( ما �أطيبك و�أطيب ريحك ‪ ،‬ما �أعظمك‬ ‫و�أعظم حرمتك ‪ ،‬والذي نف�س حممد بيده‬ ‫حلرمة امل�ؤمن �أعظم عند اهلل حرمة منك‪،‬‬ ‫ماله ودمه و�أن يظن به �إال خرياً ))(‪. )3‬‬ ‫فمن ثوابت الإ�سالم تكرمي الإن�سان‬ ‫وكـ ـ ـفــالة ح ـق ــوق ـ ــه‬ ‫وحرياته‪ ،‬والتكرمي من ثوابت اإلسالم‬ ‫يف الإ�سالم لي�س تكـــريــم اإلنـــســان‬ ‫خا�صاً ب�شعب �أو وكـفـالــة حــقـوقـه‬ ‫عرق �أو ملة بل هو وحرياته ‪ ،‬والتكريم‬ ‫في اإلسالم ليس‬ ‫تكرمي عام جلن�س‬ ‫خاصًا بشعب أو عرق‬ ‫الإنــ�سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان دون‬ ‫أو ملة بل هو تكريم‬ ‫التفات �إىل لونه �أو عام لجنس اإلنسان‬ ‫جن�سه �أو معتقده‪،‬‬ ‫قال تعاىل‪َ (:‬و َل َق ْد َك َّر ْمنـَا َبنِي �آ َد َم َو َح َم ْلنـَاهُ ْم‬ ‫فيِ ا ْلبرَ ِّ َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْق َناهُ م م َِّن َّ‬ ‫الط ِّيبـَاتِ‬ ‫ري ممِّ َّ نْ َخلَ ْق َنا‬ ‫َو َف َّ�ض ْل َناهُ ْم َعلَى َك ِث ٍ‬ ‫َت ْف ِ�ضيـ ً‬ ‫ال)(الإ�سراء‪ )70:‬عن عمر ر�ضي‬ ‫اهلل عنه قال‪(:‬جاء الأقرع بن حاب�س‬ ‫التميمي وعيينة بن ح�صن الفزاري‬ ‫فوجدوا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫قاعداً مع بالل وعمار و�صهيب وخباب بن‬ ‫الأرت يف نا�س من ال�ضعفاء من امل�ؤمنني‪،‬‬ ‫فلما ر�أوهم حقروهم ‪ ،‬ف�أتوا فخلوا به‪،‬‬ ‫فقالوا ‪� :‬إنا نحب �أن جتعل لنا منك‬

‫‪23‬‬



‫الآخر حقوقاً مت�ساوية مع امل�سلمني ‪ ،‬كتب‬ ‫عمر بن اخلطاب �إىل عمرو بن العا�ص ـ‬ ‫عامله على م�صر ـ كتاباً جاء فيه (‪ ..‬واعلم‬ ‫يا عمرو �أن اهلل يراك ويرى عملك ف�إنه‬ ‫قال تبارك وتعاىل يف كتابه ‪:‬‬ ‫( َو ْاج َع ْل َنا ِل ْل ُم َّت ِق َ‬ ‫ني �إِمَـا ًمـا)(الفرقان‪)74:‬‬ ‫يريد �أن يقتدي بهم ‪ ،‬و�أن معك �أهل ذمة‬ ‫وعهد وقد �أو�صى ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم به و�أو�صى بالقبط ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫(( ا�ستو�صوا بالقبط خرياً ف�إن لهم ذمة‬ ‫ورحماً )) ورحمهم �أن �أم �إ�سماعيل منهم‬ ‫‪ ،‬وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ (( :‬من‬ ‫ظلم معاهداً �أو كلفه فوق طاقته ف�أنا‬ ‫خ�صمه يوم القيامة ))(‪ )8‬احذر يا عمرو‬ ‫�أن يكون ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫لك خ�صماً ف�إنه من خا�صمه خ�صمه ‪ ،‬واهلل‬ ‫يا عمرو لقد ابتليت بوالية هذه الأمة‬ ‫و�آن�ست من نف�سي �ضعفاً ‪ ،‬وانت�شرت رعيتي‬ ‫ورق عظمي ‪ ،‬فا�س�أل اهلل �أن يقب�ضني‬ ‫�إليه غري مفرط ‪ ،‬واهلل �إين لأخ�شى لو‬ ‫مات جمل ب�أق�صى عملك �ضياعاً �أن �أ�س�أل‬ ‫عنه يوم القيامة )(‪ )9‬و�أ�شاد الإ�سالم‬ ‫بالعقل ودوره وجعله �شرطاً يف التكليف‬ ‫‪ ،‬وامل�سلم مطالب �أن يعمل عقله يف فهم‬ ‫الن�صو�ص الإ�سالمية‪ ،‬ويف التفكر يف‬ ‫الكون وما �أودع فيه من قوانني و�سنن ‪،‬‬ ‫ويف املقارنة بني احلقائق والأ�شياء لفهم‬ ‫�سر هذا الوجود وت�سخري منافعه لتحقيق‬ ‫وظيفة الإ�ستخالف قال تعاىل ‪� ( :‬إِ َّن فيِ‬ ‫ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض َو ْاخ ِت َ‬ ‫ال ِف ال َّل ْيلِ‬ ‫َخ ْلقِ َّ‬ ‫َوال َّنهَا ِر َوا ْل ُف ْلكِ ا َّلتِي تجَ ْ رِي فيِ ا ْل َب ْح ِر بمِ َا‬ ‫ال�س َماء مِ ن‬ ‫َين َف ُع ال َّن َ‬ ‫ا�س َومَا �أَن َز َل اللهّ ُ مِ َن َّ‬ ‫َّماء َف�أَ ْح َيا ِب ِه الأ ْر َ‬ ‫�ض َب ْع َد َم ْو ِتهَا َو َب َّث فِيهَا‬ ‫ال�س َحابِ‬ ‫مِ ن ُك ِّل َد�آ َّب ٍة َو َت ْ�صرِيفِ ال ِّر َيا ِح َو َّ‬ ‫ال�س َماء َوالأَ ْر ِ�ض لآ َياتٍ ِّل َق ْو ٍم‬ ‫المْ ُ َ�س ِّخ ِر َبينْ َ َّ‬

‫َي ْع ِق ُلو َن)(البقرة‪ )164:‬لقد تناولت هذه‬ ‫الآية الكرمية الكون ب�سمائه و�أر�ضه‬ ‫والآيات املبثوثة فيه ‪،‬الفتة العقول للتفكر‬ ‫والتدبر والإعتبار ‪ ،‬فا�ستنتاجات العقول‬ ‫هي حمل اعتبار يف الإ�سالم وتعطيل‬ ‫العقول ممقوت بل اعترب�سبباً يف دخول‬ ‫النار ‪َ ( :‬و َقا ُلوا َل ْو ُك َّنا َن ْ�س َم ُع �أَ ْو َن ْع ِق ُل مَا‬ ‫ال�س ِعريِ)(امللك‪ )10:‬كذلك‬ ‫ُك َّنا فيِ �أَ ْ�ص َحابِ َّ‬ ‫ف�إن كتاب الإ�سالم املقروء ال يتناق�ض‬ ‫مع الكتاب الكوين بكل ف�صوله ‪ :‬الفلكية‬ ‫والطبيعية والأحيائية والإن�سان مطالب‬ ‫�أن يقر�أ الكتابني ليقف على احلقائق‬ ‫في�ؤمن على يقني ويكت�شف �سنن املوجودات‬ ‫وقوانينها فيوظفها مل�صاحله‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫الَ ْر ِ�ض �آ َي ٌات ِّل ْل ُمو ِق ِن َ‬ ‫ني * َوفيِ �أَن ُف�سِ ُك ْم‬ ‫( َوفيِ ْ أ‬ ‫ال�س َماء ِر ْز ُق ُك ْم َومَا‬ ‫�أَفَلاَ ُت ْب ِ�ص ُرو َن * َوفيِ َّ‬ ‫الَ ْر ِ�ض �إِ َّن ُه لحَ َ ٌّق‬ ‫ال�س َماء َو ْ أ‬ ‫ُتو َعدُو َن * َف َو َر ِّب َّ‬ ‫ِّم ْث َل مَا �أَ َّن ُك ْم َتنطِ ُقو َن)(الذاريات‪)23-20:‬‬ ‫و�أكد البحث الذي قدّمه موري�س بوكاي‬ ‫بعنوان " الإجنيل والقر�آن والعلم " �أن‬ ‫القر�آن ال يتناق�ض مع احلقائق العلمية‬ ‫بينما الكتاب املقد�س بعهديه القدمي‬ ‫واجلديد مليء مبا يناق�ض احلقائق‬ ‫العلمية املثبتة ‪.‬‬ ‫لقد �أقر الإ�سالم بكل م�صادر املعرفة‪:‬‬ ‫الروحيةوالعقلية والتجريبية والتتناق�ض‬ ‫تعاليمه مع العطاء الإن�ساين املفيد بل‬ ‫�إن عطاء الإن�سان جزء من قدر اهلل ‪:‬‬ ‫(‪� ..‬إِ َّن اللهّ َ َال ُي َغيرِّ ُ مَا ِب َق ْو ٍم َح َّتى ُي َغيرِّ ُ واْ‬ ‫مَا ِب�أَ ْن ُف�سِ ِه ْم ‪()..‬الرعد‪)11 :‬فا لإ�سالم‬ ‫هو الدين الذي تعرتف تعاليمة بقيمة‬ ‫�إن�سانية للإن�سان و�إن خالفه يف املعتقد‬ ‫وال�شك �أن الدين الذي يحرتم الإن�سان‬ ‫لإن�سانيته �أوىل باخللود ‪.‬‬

‫امل�صادر واملراجع‬ ‫( ‪� )1‬أخرجه ابن ع�ساكر يف تاريخه‬ ‫( ‪ .. ) 424 / 3‬وابن كثري يف البداية‬ ‫والنهاية‬ ‫( ‪ .. ) 213 / 2‬والبهقي يف دالئل النبوة‬ ‫( ‪) 341 / 5‬‬ ‫(‪ )2‬الراتب ‪ :‬كتاب �أدعية م�أثورة جمعها‬ ‫الإمام املهدى‪.‬‬ ‫(‪� )3‬أخرجه ابن ماجة يف ال�سنن ( ‪) 3932‬‬ ‫‪ ..‬وال�سيوطي يف الدر املنثور ( ‪) 565 / 7‬‬ ‫(‪� )4‬أخرجه ال�سيوطي يف جامع الأ�صول‬ ‫( ‪ .. ) 616‬والقرطبي يف تف�سريه ( ‪/ 6‬‬ ‫‪) 431‬‬ ‫(‪� )5‬سفر الأعداد ‪17:31 :‬‬ ‫(‪� )6‬سفرالتثنية ‪� .‬إ�صحاح ‪ 14 ، 7 ، 6:7‬ـ ‪16‬‬ ‫(‪ )7‬حممد عمارة ‪ :‬الغرب والإ�سالم ‪� ،‬أين‬ ‫اخلط�أ و�أين ال�صواب �ص ( ‪) 28‬‬ ‫(‪�)8‬أخرجه �أبوداود يف ال�سنن (‪ )3052‬ويف‬ ‫روايته زيادة (‪�..‬أو انتق�صه �أوكلفه فوق‬ ‫طاقته �أو �أخذ منه �شيئا بغريطيب نف�س‬ ‫منه ف�أنا حجيجه يوم القيامة)‬ ‫(‪� )9‬أخرجه ابن �سعد يف الطبقات الكربى‬ ‫( ‪) 299 / 3‬‬

‫الأمني العام لهيئة �ش�ؤون الأن�صار‪ -‬ال�سودان‬

‫‪25‬‬







‫بكل دولة توفر فيها قدر من احلريات‪،‬‬ ‫ومنها جتمعات ال تزال تطالب بحقها‬ ‫يف الوجود‪� ،‬ش�أنها �ش�أن �أحزاب ي�سارية �أو‬ ‫قومية �أو حتى ليربالية حمرومة م ــن‬ ‫حق الـنـ�شــاط ال ـق ــان ــون ــي يف دول �أخرى‪.‬‬ ‫�إن القول ب�أن املتدينني يعتربون جزءا‬ ‫من املجتمع املدين يرتكز على عدد من‬ ‫االعتبارات ميكن الإ�شارة لبع�ضها مع‬ ‫ربط ذلك بالتعريف ال�سابق الذي ا�ستندت‬ ‫�إليه الورقة‪:‬‬ ‫ غالباً ما يقع تعريف احلركات الدينية‬‫باعتبارها تنظيمات �سيا�سية تتخذ من‬ ‫الدين مرجعية لها‪ ،‬لكن بالت�أمل يت�ضح‬ ‫�أن الظاهرة �أكرث تعقيداً‪ ،‬فهي مزيج‬ ‫من احلركات والتيارات والتعبريات‬ ‫االجتماعية والثقافية وال�سيا�سية‬ ‫والدينية‪ ،‬وهذا يعني �أنها كتلة تاريخية‬ ‫متعددة الوظائف والأدوار‪ ،‬وال ميكن‬ ‫اختزالها �أو ح�صرها يف بعد واحد دون‬ ‫�أن يعني ذلك بال�ضرورة �أنها متجان�سة �أو‬ ‫موحدة وخالية من التناق�ض واالختالف‪.‬‬ ‫ هناك �أحزاب �إ�سالمية كثرية عبرّ ت عن‬‫ا�ستعدادها للعمل ال�سيا�سي وفق القواعد‬ ‫الد�ستورية املعمول بها يف بلدانها‪،‬‬ ‫وتعهدت بتجنب العنف وعدم اعتباره �آلية‬ ‫م�شروعة حل�سم اخلالفات ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫ حتيل الظاهرة الدينية العربية �إىل‬‫�شبكة وا�سعة من اجلمعيات وامل�ؤ�س�سات‬ ‫اخلريية التي �أ�س�سها متدينون �أو قريبون‬ ‫منهم‪ ،‬وتقوم هذه اجلمعيات بتقدمي‬ ‫خدمات �ضخمة ل�صالح قطاع وا�سع من‬ ‫املواطنني يف عدد من البالد العربية مثل‬ ‫الأردن وفل�سطني ولبنان والكويت وبقية‬ ‫دول اخلليج‪ ،‬وقد �سبق �أن �أ�سهمت حركات‬ ‫معروفة خالل ال�سنوات الأوىل من ن�ش�أتها‬ ‫يف ت�أ�سي�س �شبكة وا�سعة من الهيئات‬ ‫اخلريية كادت �أن تغطي كامل �أجزاء‬ ‫الرتاب الوطني‪ ،‬بل �إن بع�ض اجلمعيات‬ ‫اخلريية الإ�سالمية جنحت يف �أن تنقل‬ ‫دائرة خدماتها من امل�ستويات املحلية �إىل‬

‫ال�صعيد الـدولـي‪ ،‬حي ــث و�صــل ن�شاطها‬ ‫�إىل �إفريقيا ودول �أ�سيا الو�سطى ودول‬ ‫البلقان‪ ،‬وال ميكن يف هذا ال�سياق التقليل‬ ‫من �أهمية ما تقوم به احلوزات من دور‬ ‫مهم يف م�ساعدة الفقراء ومتويل التعليم‬ ‫الديني ال�شعبي امل�ستقل عن الدولة‪.‬‬ ‫ ال ميكن ب�أي حال من الأحوال �إخراج‬‫كل هذا الزخم من اجلماعات واجلمعيات‬ ‫واملنظمات والهيئات الأهلية امل�ستقلة‬ ‫من دائرة املجتمع املدين فكل دعوة �إىل‬ ‫�إق�صاء هذه الكتلة االجتماعية ال عالقة‬ ‫لها بالتقييم العلمي‪ ،‬بقدر ما تعرب عن‬ ‫وجهات نظر �أيديولوجية �إق�صائية‪ ،‬فمن‬ ‫�أي منطلق ميكن �أن تعترب جهة ما بكونها‬ ‫املمثل "ال�شرعي والوحيد" للمجتمع‬ ‫املدين و�أن غريها املخالف لها يف الر�ؤية‬ ‫املجتمعية لي�س له مكان داخل ذلك املربع‪،‬‬ ‫ويف حالة القبول ب�إخراج كل هذه ال�شبكات‬ ‫واملنظمات من دائرة تعريف املجتمع‬ ‫املدين‪ ،‬ففي �أي خانة ميكن ت�صنيفها‬ ‫هل �ستعترب تابعة للدولة �أو تابعة لقوى‬ ‫غريبة عن املجتمع؟‪.‬‬ ‫ املالحظة الأخرية يف هذا ال�سياق تتعلق‬‫بلفت نظر املهتمني بهذه الإ�شكالية �إىل �أن‬ ‫اجلمعيات اخلريية �أو غريها التي تتخذ‬ ‫من الإ�سالم مرجعية نظرية �أو عملية‬ ‫لي�س جميعها مرتبطاً ع�ضوياً بحركات‬ ‫الإ�سالم ال�سيا�سي‪ ،‬حتى و�إن كان بع�ضها‬ ‫يلتقي مع تلك احلركات يف عدد ال�شعارات‬ ‫�أو الأدبيات‪ ،‬فكما �أنه ال ميكن اعتبار كل‬ ‫جمعية ثقافية تقدمية واجهة حلزب‬ ‫�سيا�سي ي�ساري فكذلك ال�ش�أن بالن�سبة‬ ‫للجمعيات الإ�سالمية‪.‬‬ ‫توظيف الـم�صطـلـح يف ال�صراع‬ ‫ال�سـيا�سـي والأيديولوجي‪:‬‬ ‫�أربك ظهور احلركات الدينية �أو العاملة‬ ‫با�سم الدين �أو ما ي�سميها ر�ضوان ال�سيد‬ ‫"احلركات الإحيائية" ومنوها ال�سريع‬ ‫املعادالت ال�سيا�سية والثقافية يف معظم‬ ‫البالد العربية‪ ،‬وذلك بحكم �أن جمرد‬

‫احتمال والدتها من جديد مل يكن وارداً‬ ‫�ضمن خمتلف ال�سيناريوهات التي كان‬ ‫يتوقعها املثقفون ورجال ال�سيا�سة منذ‬ ‫ال�ستينات‪ ،‬لهذا جل�أت النخب �إىل �أدواتها‬ ‫املعرفية معتمدة على امل�صطلحات املتوفرة‬ ‫لديها من �أجل تف�سري الظاهرة والت�صدي‬ ‫لها‪ ،‬يف هذا ال�سياق ِّ‬ ‫وظف م�صطلح‬ ‫"املجتمع املدين" �ضمن ذلك ال�صراع‬ ‫الذي بد�أ منذ �أوا�سط ال�سبعينات وال يزال‬ ‫مفتوحاً على جميع االحتماالت‪ .‬لهذا‬ ‫قام عامل االجتماع التون�سي "عبد القادر‬ ‫الزغل" بالربط مث ً‬ ‫ال بني ظهور احلركة‬ ‫الإ�سالمية يف تون�س وبني اال�ستعمال‬ ‫املكثف للم�صطلح داخل الف�ضاء ال�سيا�سي‬ ‫والأيدلوجي املحلي "حتى �أ�صبح كالهما‬ ‫نقي�ضاً للآخر"(‪.)2‬‬ ‫يف مثل هذه الأجواء ال�صراعية خرج‬ ‫امل�صطلح من دائرة اال�ستعمال الأكادميي‬ ‫ال�ضيقة �إىل ف�ضاءات التنازع الأيديولوجي‬ ‫مبختلف اجتاهاته و�ألوانه‪� ،‬صراع قادته‬ ‫�أطراف من النخبة الدميقراطية �ضد‬ ‫طرفني‪ ،‬هيمنة ال�سلطة على احلياة‬ ‫العامة من جهة‪ ،‬وظاهرة الإ�سالم‬ ‫ال�سيا�سي من جهة �أخرى‪ ،‬وقد الحظ‬ ‫الباحث االجتماعي الدكتور الطاهر لبيب‬ ‫يف هذا ال�سياق �أن امل�صطلح كان يف تون�س‬ ‫حا�ضراً يف "كل �أ�صناف اخلطاب تقريباً‬ ‫من �أق�صى الي�سار �إىل �أق�صى اليمني‪ ،‬كما‬ ‫�أنه وارد يف اخلطاب الر�سمي للدولة‪ ،‬وهذا‬ ‫يجعلنا مبا�شرة �أمام م�شكلة اال�ستعمال‬ ‫وتنوع املعنى الذي ي�صل �إىل حد ا�ستنزاف‬ ‫املعنى �أو الالمعنى"(‪ .)3‬لقد "متطط‬ ‫املفهوم وانح ّل وا�س ُتعمل يف مقامه ويف‬ ‫غري مقامه‪ ،‬والتجئ �إليه لرنته وللقيمة‬ ‫الإيجابية التي ميثلها �أكرث مما يلتج�أ‬ ‫�إليه ملدلوله اخلا�ص"(‪.)4‬‬ ‫لقد �شكلت احلركة ذات املنحى الديني يف‬ ‫الآن نف�سه حتدياً �سيا�سياً و�أي�ضاً معرفياً‪،‬‬ ‫ففي تون�س على �سبيل املثال كان الي�سار‬ ‫املارك�سي الراديكايل‪ ،‬منذ بداية اللجوء‬

‫‪31‬‬



‫يلغي كلياً املخاوف التي ال تزال قائمة‬ ‫حول مدى ح�صول اقتناع مبدئي لدى‬ ‫قطاع وا�سع من الإ�سالميني بهذه املقولة‪،‬‬ ‫وميكن تف�سري هذه املخاوف بجوانب‬ ‫تتعلق بنمط الدولة الإ�سالمية كما‬ ‫ت�ستبطنها بع�ض كتابات الإ�سالميني‪،‬‬ ‫وكذلك موقفهم من ا�سرتاتيجية التغيري‬ ‫ال�سيا�سي واالجتماعي‪ ،‬ويف هذا ال�سياق‬ ‫ميكن الإ�شارة �إىل عدد من املالحظات‬ ‫الأ�سا�سية‪:‬‬ ‫‪ – 1‬حتتل م�س�ألة �إقامة "الدولة‬ ‫الإ�سالمية" مكانة حمورية يف امل�شروع‬ ‫ال�سيا�سي ملعظم احلركات الإ�سالمية‪،‬‬ ‫ورغم املحاوالت التي متت لتو�ضيح‬ ‫خ�صائ�ص هذه الدولة و�أهدافها �إال �أن‬ ‫غمو�ضاً كثيفاً ال يزال يكتنف جوانب‬ ‫عديدة من امل�صطلح وم�ضمونه‪ .‬ومما‬ ‫ع ّمق حالة الغمو�ض �أن التطبيقات التي‬ ‫متت يف بع�ض الدول الإ�سالمية ك�شفت‬ ‫عن تعدد �أ�شكال هذه الدولة‪ ،‬بل دفعت‬ ‫بع�ض الإ�سالميني �إىل القول ب�أن الدولة‬ ‫الإ�سالمية "احلقيقية" مل تنبثق بعد‪.‬‬ ‫ويعود هذا الرتكيز �إىل اعتقاد �شائع ب�أن‬ ‫الدولة هي املدخل للتغيري االجتماعي‬ ‫و�أ�سلمة املجتمع بحجة �أن "اهلل يزع‬ ‫بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن" فال�سلطة‬ ‫ت�ستهوي الكثري من الإ�سالميني‬ ‫مثلما ا�ستهوت غريهم لأنهم يرون‬ ‫فيها م�صدر القوة القادرة على �ضبط‬ ‫اجلماهري وتوجيهها وفق مقت�ضيات‬ ‫امل�شروع املجتمعي الذي يحدده �سلفاً‬ ‫احلزب احلاكم‪ ،‬وهذا الت�صور ي�صطدم‬ ‫مع مقولة املجتمع املدين التي تعترب �أن‬ ‫م�صدر ال�شرعية والقوة هو املجتمع‪ ،‬و�أن‬ ‫ال�سلطة ال�سيا�سية لي�ست �سوى التعبري‬ ‫الفوقي عن جمموع القوى االجتماعية‪.‬‬ ‫و�إذا مل يدرك الإ�سالميون ب�أن ر�ؤيتهم‬ ‫للدولة ت�شبه الهرم املقلوب‪ ،‬و�أن املواطنني‬ ‫هم البداية والنهاية يف النظام ال�سيا�سي‬ ‫الدميقراطي‪� ،‬سيكون م�شروعهم �شمولياً‪،‬‬

‫و�سيكررون ما قامت به الأحزاب ال�شيوعية‬ ‫�أو الأنظمة الدكتاتورية التي �ضخمت‬ ‫الدولة مقابل �إلغاء املجتمع‪.‬‬ ‫‪ – 2‬يرتبط املجتمع املدين مبنظومة‬ ‫من القيم الأ�سا�سية‪ ،‬مثل احلرية‪،‬‬ ‫والتعدد‪ ،‬والتعاي�ش �ضمن االختالف‪،‬‬ ‫وحل اخلالف بالو�سائل ال�سلمية‪ ،‬وتعميق‬ ‫املمار�سة الدميقراطية داخل املنظمات‬ ‫وهياكل املجتمع‪ ،‬وبالتايل ف�إن االنخراط‬ ‫يف املجتمع املدين يقت�ضي الت�شبع بهذه‬ ‫القيم على ال�صعيدين الثقايف وال�سلوكي‪.‬‬ ‫فالن�ضال املدين يت�صف بروح �أخالقية‬ ‫عالية‪ ،‬ت�ؤمن بخدمة الآخرين بقطع‬ ‫النظر عن �ألوانهم ودياناتهم وم�ستوياتهم‬ ‫الطبقية‪ ،‬فقيم املجتمع املدين احلديث‬ ‫تتعار�ض مع كل الت�صورات القائمة على‬ ‫التمييز بني املواطنني �أو بني الن�ساء‬ ‫والرجال‪ ،‬ومن هذه الزاوية فبقدر ما‬ ‫ميكن �أن ي�شكله انخراط الإ�سالميني‬ ‫يف حركية املجتمعات املدنية العربية من‬ ‫دعم و�إ�ضافة‪ ،‬بقدر ما يفر�ض عليهم هذا‬ ‫االنخراط �إعادة بناء ثقايف حتى ال يح�صل‬ ‫تعار�ض بني القيم الدميقراطية وبع�ض‬ ‫مفاهيم ما قبل احلداثة التي تنت�شر‬ ‫يف العداد من امل�ؤلفات الرائجة وكذلك‬ ‫الر�سمية‪.‬‬ ‫‪ – 3‬ورثت احلركات الإ�سالمية عن‬ ‫عديد الأحزاب ال�شمولية املفهوم املركزي‬ ‫للتنظيم احلزبي‪ ،‬فالعديد من هذه‬ ‫احلركات عملت على �إن�شاء ع�شرات‬ ‫اجلمعيات واملنظمات الأهلية املخت�صة‬ ‫يف تقدمي اخلدمات‪ ،‬وبالرغم من �أن‬ ‫هذه ال�شبكة من اجلمعيات التي تقوم‬ ‫على التطوع‪� ،‬إال �أنها تعترب مبثابة‬ ‫احلزام الذي يحيط بنواة احلزب‪� ،‬إنها‬ ‫منظمات تقوم بخدمة التنظيم‪ ،‬وتخدم‬ ‫ا�سرتاتيجيته ال�سيا�سية واالنتخابية‪.‬‬ ‫فهدف هذه اجلمعيات لي�س بال�ضرورة‬ ‫خدمة املجتمع‪ ،‬بقدر ما ميكن �أن‬ ‫تكون جزءاً من ا�سرتاتيجية الو�صول‬

‫�إىل احلكم‪ ،‬وال يعني هذا التقليل من‬ ‫اجلمعيات الإ�سالمية النا�شطة يف كثري‬ ‫من البلدان‪ ،‬ولكن الغر�ض من �إثارة هذه‬ ‫امل�س�ألة هو الت�أكيد على �ضرورة حماية‬ ‫ا�ستقاللية منظمات املجتمع املدين‪� ،‬إذ‬ ‫بقدر بقاء هذه اجلمعيات بعيدة عن هيمنة‬ ‫الأحزاب �أو احلكومات بقدر ما تقع حماية‬ ‫املجتمع املدين وتقوية قدراته‪ ،‬وحتويله‬ ‫�إىل جماعة �ضغط �أو على الأقل فئات‬ ‫عاملة يف حماية امل�صالح وتطويرها‪ْ � ،‬إن‬ ‫جلهة التوعية �أو جلهة امل�صلحة‪ ،‬يف وقت‬ ‫تزداد فيه احلاجة �إىل ت�شريك كل القوى‬ ‫والأفراد يف العملية التنموية مبفهومها‬ ‫الوا�سع‪.‬‬ ‫كاتب و�أكادميي من تون�س‪.‬‬

‫الهوام�ش‬ ‫‪ -1‬راجع مقدمة د‪� .‬سعد الدين �إبراهيم لكتاب‬ ‫املجتمع املدين والتحول الدميقراطي يف ليبيا‬ ‫مل�ؤلفه د‪.‬حممد زاهي املغربي‪� ،‬إ�صدارات مركز ابن‬ ‫خلدون‪.‬‬ ‫‪ -2‬راجع �إ�سهامه يف كتاب "املجتمع املدين يف‬ ‫الوطن العربي" ال�صادر عن مركز درا�سات الوحدة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫‪ -3‬طاهر لبيب‪ ،‬كرا�س "املجتمع املدين" الرابطة‬ ‫التون�سية للدفاع عن حقوق الإن�سان دار �صامد‪،‬‬ ‫�ص‪.8‬‬ ‫‪� -4‬سليم اللغماين‪ ،‬مقال "املجتمع املدين‬ ‫ومتطلباته"‪ ،‬املجلة العربية حلقوق الإن�سان عدد‬ ‫‪ ،3‬املعهد العربي حلقوق الإن�سان‪� ،‬سبتمرب ‪1996‬م‪،‬‬ ‫�ص‪.88‬‬ ‫‪ -5‬حممد الكيالين "املجتمع املدين كما يراه"‬ ‫�ص‪.58‬‬ ‫‪ -6‬انظر عري�ضة‪" :‬نحو جمتمع مدين يف�صل‬ ‫فيه الدين عن ال�سيا�سة" جملة املغرب عدد ‪،172‬‬ ‫�أكتوبر ‪1989‬م‪� ،‬ص‪.58‬‬ ‫‪ -7‬راجع مداخلته يف ندوة قاب�س ب�صفته رئي�ساً‬ ‫للرابطة‪.‬‬ ‫‪ -8‬راجع كتاب "الإ�سالميون التقدميون"‪� ،‬صالح‬ ‫الدين اجلور�شي‪ ،‬مبادرات فكرية‪ ،‬مركز القاهرة‬ ‫لدرا�سات حقوق الإن�سان‪ ،‬عام ‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪ -9‬ابن عي�سى الدمني‪" ،‬بحثاً عن املجتمع املدين‬ ‫املن�شود"‪ ،‬جملة م�ستقبل العامل الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬ ‫الرابع‪ ،‬ال�سنة الأوىل‪ ،‬خريف ‪1991‬م‪� ،‬ص‪.225‬‬

‫‪33‬‬















‫ال ميكن �أن ي�سمح بدميقراطية حقيقية‬ ‫�شفافة تو�صل �إىل احلكم القوى ال�شعبية‬ ‫احلقيقية والتجربة يف اجلزائر �أو�ضح من‬ ‫�أن تخفى وتنكر ‪ ،‬وكذا فل�سطني‪.‬‬ ‫�أمل يكن الغرب ي�شهد النتخابات‬ ‫مبارك التي يعرف كل اخللق �أنها مزورة‪،‬‬ ‫كان هذا الغرب ممثال يف كارتر‪ ،‬وفريق‬ ‫مراقبيه‪ ،‬ي�شهدون �شهادة الزور لها‬ ‫بالنزاهة وال�شفافية‪ ،‬وال�شعب امل�صري‬ ‫يكاد ينفجر من الغيظ من �سوء التزوير‬ ‫و�سوء ال�شهادة! خال�صة القول‪� :‬إن‬ ‫الدميقراطية �أ�شبه ما تكون ب�إطار‬ ‫تنظيمي �إجرائي �أكرث منها �أيديولوجية‬ ‫فكرية تنتمي �إىل �أمة معينة �أو مذهب‬ ‫معني �أو دين معني‪ ،‬من هذا املنطلق ميكن‬ ‫اعتمادها و�سيلة لتنظيم العمل ال�ســيا�ســي‬ ‫ع ـلـى �أن‬ ‫ت�ستند �إىل قانون انتخابي �سليم �سهرت‬ ‫عليه عقول ت�صاحلية وال يكون ق�صد‬ ‫القانون تهمي�ش قوى �أو ت�صعيد �أخرى‪...‬‬ ‫وال �ضري من الناحية ال�شرعية‪ -‬يف ما‬ ‫�أرى‪ -‬اعتمادها �أ�سلوبا لإي�صال القوى‬ ‫ال�سيا�سية �إىل احلكم �أو �إزاحتها عنه يف‬ ‫�أ�سلوب توافقي ر�ضائي ال جلوء فيه �إىل‬ ‫القوة �أو العنف او ال�صراع الذي ميزق‬ ‫ن�سيج املجتمع‪.‬‬ ‫�صحيح �أن بع�ض القوى الإ�سالمية‬ ‫تراها نظام كفر‪ ،‬وهذا ر�أيها‪ ،‬لكنه ال ميثل‬ ‫ر�أي كتلة م�ؤثرة‪ ،‬و�إمنا هو ر�أي جماعة‬ ‫حمدودة ذات فكر – مع االحرتام‪-‬‬ ‫يطرح بديال �إجرائيا �أما االكتفاء‬ ‫بالعموميات يف ال�شعارات الإ�سالمية‬ ‫فهذه لي�ست كافية حلل م�شكالت املجتمع‬ ‫واالنتخابات وحتريك احلياة ال�سيا�سية ‪.‬‬

‫فالدميقراطية كما �أ�سلفت �سابقا حتى‬ ‫نو�صل جتربتنا الذاتية‪� ،‬أما ال�شورى فهي‬ ‫قواعد وت�أ�صيل يحتاج �إىل تف�صيل وتقنني‬ ‫وتطبيق‪ ،‬وحتى ذلك احلني‪ ،‬ميكن اعتماد‬ ‫هذه اخلربة الإن�سانية التي لي�ست ملكا‬ ‫لأحد وال حكرا على احد‪ ،‬فقد غدت اليوم‬ ‫هذه التجربة يف �إدارة �سيا�سات البالد‪،‬‬ ‫�أ�صبحت م�شاعا مباحا متاحا لكل احد‪،‬‬ ‫فال �ضري ال يف ال�شرع وال يف الوطنية‪ ،‬وال‬ ‫يف العقل من اال�ستفادة من هذا النظام‬ ‫ومن هذه اخلربة الإن�سانية‪.‬‬ ‫وال يجوز لأحد �أن يحتج على �صعــود‬ ‫�أي �أحد ما دام اجلميع ارت�ضى �أ�سلوب‬ ‫االنــتخاب وحرية االخـتيار‪ ،‬عـلى ان‬ ‫التجربة ك ـفـيــلة بـ�إق�صاء غـيـر اجلديــريـن‬ ‫باال�ســتمرار يف دورة قــادمة‪ ،‬فـقـول‬ ‫ال�ش ـعــب ه ــو الفـي�صـل والــ�صـندوق هو‬ ‫الأداة وحرية التعبــري هـ ـ ــي الـ�ضـمانـة‬ ‫ونـزاهة االنتخاب �شرط �أ�سا�س‪ ،‬بهذا‬ ‫ن�ضمن �سال�سة االنتقال و�سال�سة �إجراء‬ ‫التعديل يف احلياة ال�سيا�سية‪ ،‬من دون‬ ‫خلخلة ومن دون جلوء �إىل عنف ال من‬ ‫ال�شعوب وال من الأنظمة‪.‬‬ ‫�إن ان�سداد الأفق �أمام التغيري هو الذي‬ ‫�سود �صفحة العامل العربي يف العامل‪،‬‬ ‫وهو الذي دفع �إىل النزول �إىل ال�شارع‬ ‫واالحتكام �إىل التظاهر بدل االحتكام‬ ‫�إىل ال�صناديق‪ ،‬فجوبه كل ذلك بدموية‬ ‫جعلتنا يف نظر العامل �أمة خارجة من‬ ‫كهوف التخلف ومن غاب التوح�ش‪.‬‬ ‫�أما موقف الإ�سالميني من الثورات‪ ،‬فال‬ ‫اعتقد �أن يختلف اثنان �أنهم من �أوائل‬ ‫امل�ستفيدين منها‪ ،‬لأنهم كانوا من �أوائل‬ ‫املت�ضررين من الأنظمة التي كانت قائمة‪،‬‬

‫وبخا�صة يف م�صر وتون�س وليبيا ‪...‬ثم‬ ‫�سوريا واليمن‪.‬‬ ‫و�إذا كانوا ميثلون نب�ض ال�شارع �أو‬ ‫نب�ض ال�شعب �أو هكذا من املفرت�ض فمن‬ ‫الطبيعي ان تكون ا�ستجابتهم ايجابية‬ ‫ب�إزاء هذه الثورات‪ ،‬بل هم �أحد �أهم‬ ‫حمركاتها‪.‬‬ ‫�أما ر�أي بع�ضهم الذي يرى �أن هذه‬ ‫الثورات من الفنت ف�أظن �أن هذا الفريق‪-‬‬ ‫مع االحرتام دائما‪ -‬ال ميثل �إال نف�سه‪،‬‬ ‫فالفتنة بقاء مثل الأ�سد يفتك بالنا�س‬ ‫ويعبدهم لغري اهلل‪� ،‬أومل ي�سمع ه�ؤالء ما‬ ‫يقال للنا�س ويف يوم كتابة هذه الكلمات‬ ‫ا�سمع من �إحدى الإذاعات �أن بنتا يف عمر‬ ‫‪� 18‬سنة قد قطعت تقطيعا وف�صل ر�أ�سها‬ ‫وكانت قد �أخذت رهينة حتى ي�سلم �أخوها‬ ‫نف�سه‪ ،‬وبعد �أن �سلم نف�سه وجدوا البنت‬ ‫على هذا احلال‪� ،‬أ فمثل هذا احلال فتنة‬ ‫�أو غري فتنة؟ �أظن �أن الأمر يحتاج �إىل‬ ‫عبقرية حتى يجاب عن مثل هذا ال�س�ؤال‪.‬‬ ‫هذه هي الفتنة بعينها‪ ،‬ولكن التغيري‬ ‫ينبغي الإ�صرار على بقائه وفق املنهج‬ ‫ال�سلمي فال تغيري يف النهج‪ ،‬فال يجاب عن‬ ‫الدماء بالدماء‪ ،‬وال يعالج العنف بالعنف‪،‬‬ ‫وال يقوم الإجرام بالإجرام‪ ،‬بل بااللتزام‬ ‫ب�أحكام الإ�سالم الذي جعل مدخل التغيري‬ ‫تغيري ما بالأنف�س‪� ":‬إن اهلل ال يغري ما‬ ‫بقوم حتى يغريوا ما ب�أنف�سهم"‪.‬‬

‫�أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية‬

‫‪47‬‬



‫�إىل تكفري وتفجري‪ ،‬ف�إن ثمة يف عاملنا‬ ‫الإ�سالمي اليوم ذوي فكر م�سموم م�أجور‬ ‫يدّعون الإ�سالم و يخبطون ب�أقالمهم‬ ‫يف ن�صو�صه املع�صومة‪ ،‬ويتعدون حدود‬ ‫ال�شريعة البينة املعلومة‪ ،‬غري مقيمي‬ ‫معتدّين‬ ‫وزن للثوابت والأ�صول‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫بالرباهني والنقول ويت�أثر بهم فئام من‬ ‫أزم ــة القيادة‬ ‫ال�شباب املثقف املتطلع �إلــى � ّ‬ ‫فــي بـلدانهم‪ ،‬فما ه�ؤالء يف خطرهم ع ـ ـلــى‬ ‫الإ�س ـ ــالم �إال مثل �أولئك الغالة �أو �أ�شـ ــد‪،‬‬ ‫و�إن ك ـ ـ ــان ت�أثري ه�ؤالء �أخفى و�أبـ ـ ـ ـهـ ــت‪،‬‬ ‫ف ـ ـ ـ�إن ـ ـهــم ع ــن قـ ــ�ص ــد و�س ــوء نيــة يعـلنون‬ ‫احلرب على مبادئ الإ�سالم وتعاليمه‪،‬‬ ‫وكل �سمت ي�شعر بالتزام به‪ ،‬فلماذا يغ�ض‬ ‫الطرف عن هذا الطرف الفكري الناخر‬ ‫بقوة يف ج�سم الأمة وهويتها‪ ،‬وهو يبي�ض‬ ‫ويفرخ �أجياال ان�سلخت �إال من �أ�صل الدين‬ ‫الذي ال تفت�أ تدّعيه لتمكر به ال لتمكر‬ ‫له‪� .‬إن الغ�ض ـ ولو عن غري ق�صد ـ عن‬ ‫بع�ض �أدعياء املعرفة من مل ِّقبي �أنف�سهم‬ ‫باملفكرين الإ�سالميني‪ ،‬الذين ال ه ّم‬ ‫لبع�ضهم �سوى اخلو�ض يف الكتاب وال�سنة‬ ‫باجتهادات ت�ستهدف بالأ�سا�س رفع ما‬ ‫ا�صطلحوا على ت�سميته "عائق القد�سية‬ ‫والغيبية" لي�صبح الن�ص املع�صوم و�سيلة‬ ‫رخوة يف �أيديهم ي�شرعنون بها ما انتهت‬ ‫�إليه عقولهم من �أفكار ت�صادم يف جلها‬ ‫م�سلمات ال ـ ــديـ ــن ومـ ـ ــوروث �أئـ ـ ـم ـ ـ ـ ــة‬ ‫ال ـ ـ ـ ــ�سـ ـلـ ــف ال�ص ــالـ ـح ـيـ ــن‪ ،‬لـهو بالإ�ضافة‬ ‫�إىل �آثاره العقـدي ــة والفـكرية اخلطرة‬ ‫�أهم عامل فـي �إغــالء العاطفة ال ــديـ ـنـ ـيـ ـ ــة‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ــدى ال�ش ـ ـبـ ــاب املت ــدي ــن‪ ،‬الذي ت�ستـ ـفـز‬ ‫تل ــك ال ـه ــرمـ ـن ـي ــوط ـي ـقـا والأف ـ ـكـ ــار‬ ‫الـمــائـعة والف ـت ــاوى املم ـي ـعـة كــوامـ ـ ــن‬ ‫الـ ـغ ـ ـي ــرة ال ــديـ ـنـ ـي ــة ل ـ ــديه‪ ،‬فتدفعه‬

‫�شرة ال�شباب واحلمية لدينه املبنية على‬ ‫ردة الفعل �إىل االرمتاء يف �أح�ضان الغالة‬ ‫والتكفرييني غري مقتنع مبا يقدمه‬ ‫علماء التجديد والرت�شيد من طروحات‬ ‫و�سطية توفيقية‪ ،‬لأنها يف نظره مل‬ ‫تتعامل مع تيار اجلفاء والتمييع بنف�س‬ ‫اجلدية واالهتمام الذي تعاملت به مع‬ ‫تيار التنطع والغلو‪ .‬ولئن كانت جماعات‬ ‫التكفري بفعل االهتمام العاملي بر�صدها‬ ‫وحماربتها‪ ،‬معزولة متز ّيلة‪ ،‬ف�إنه على‬ ‫العك�س من ذلك تن�شط يف جمتمعاتنا‬ ‫امل�سلمة منظمات مدعومة وجماعات ذات‬ ‫�أفكار م�سمومة ال تفت�أ تعمق اجلفوة بني‬ ‫ال�شباب وبني الدين وتغريه باالن�سالخ‬ ‫من �أي موروث اجتماعي يحفظ له‬ ‫ات�صاله بهويته احل�ضارية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫فلم يعد من امل�ستغرب �أن نرى الفئام من‬ ‫ال�شباب امل�سلم يق�ضون الليايل احلمراء يف‬ ‫احلانات واملالهي خمرا ولهوا‪ ،‬ومل يعد‬ ‫من املنكر الذي ي�ستحق التوقف عنده‬ ‫اختطافهم لبنات امل�سلمني يف �سياراتهم‬ ‫على مر�أى وم�شهد املارة و�أخذهن �إىل‬ ‫الفنادق وال�شقق املعدة للفح�ش واملقت يف‬ ‫عا�صمة بلد ظل �أهله يفاخرون ب�شيئهم‬ ‫الوحيد الذي هو ن�شر العلم واملحافظة‬ ‫على مكارم الأخالق‪ ،‬ومل يعد ي�ستحق‬ ‫ندوة �أو منتدى �أو حتى بنت �شفه ما‬ ‫ميار�سه بع�ض ذوي ال�سلطة والنفوذ ـ‬ ‫جهارا نهارا ـ من ظلم على �ضعفة امل�سلمني‬ ‫يف �أقواتهم و م�آويهم وحقوقهم املتعينة‬ ‫واملكفولة لهم مبقت�ضى ال�شرع والقوانني‬ ‫والتنظيمات املر�سومة‪� .‬إن الو�سطية‬ ‫التي تركز على الغلو وتتغا�ضى عن اجلفاء‬ ‫ـ �أيا كان م�صدره ـ‬

‫لي�ست و�سطية را�شدة والو�سطية التي‬ ‫حتارب التكفري وت�سامل التمييع والتغريب‬ ‫لي�ست و�سطية عادلة والو�سطية التي ال‬ ‫تقول للم�ستبد الظامل‪�" :‬إنا حرب عليك‬ ‫حتى تفيء �إىل �أمر اهلل" لي�ست و�سطية‬ ‫من�صفة‪ ،‬وما الو�سطية احلقة اجلامعة‬ ‫الرا�شدة �إال التي جتمع الأطراف املتقابلة‬ ‫يف منطقة العدل واالعتدال على نور‬ ‫وب�صرية من هدي النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ومنهج ال�صاحلني من �سلف الأمة‪،‬‬ ‫وفق نظام عدل ف�صل يعطي كل ذي حق‬ ‫حقه بكرامة و�إن�صاف‪ .‬ويف �أيامنا هذه‪،‬‬ ‫�أيام ربيع ال�شعوب العربية املنتف�ضة �ضد‬ ‫اال�ستبداد والظلم والرتكيع والتجويع‪،‬‬ ‫يتعني على منتديات ومراكز الو�سطية‬ ‫املت�شكلة والتي هي يف طور الت�شكيل �أ ّال‬ ‫تقف يف املنت�صف �أو الو�سط القيمي‪� ،‬أحرى‬ ‫�أن تركن �إىل احلكام الذين ال تر�ضاهم‬ ‫�شعوبهم و�إن وادعتهم مكرهة �إىل حني‪،‬‬ ‫فالو�سطية مبعناها "اخليار و الأعدل"‬ ‫تقت�ضي يف هذه احلال انحيازا تاما وا�ضحا‬ ‫�إىل ال�شعوب تر�شيدا وت�سديدا وم�ؤازرة‪،‬‬ ‫وهو ـ وحده ـ �ص ّمام الأمان وال�ضامن‬ ‫لبلوغ الهدف الأ�سمى املتمثل يف التمكني‬ ‫لو�سطية الإ�سالم و�سماحته‪ .‬لن ن�ضطر‬ ‫ـ �إن نحن عملنا مبقت�ضى الو�سطية على‬ ‫التوازن يف جمادلة الطرفني بحكمة‬ ‫واعتدال وجترد ـ �إىل جماملة املت�شددين‬ ‫الذين قد يحملهم زمان مائج باملفاج�آت‬ ‫والتغريات �إىل �سدة احلكم والقيادة‪،‬‬ ‫وحينها �سنبقى و�سطيني ننبذ الغلو مثلما‬ ‫ننبذ اجلفاء‪ ،‬ال نق ُّر �أحدا على � ٍّأي منهما‬ ‫مهما كان حاكما �أو حمكوما‪.‬‬

‫‪49‬‬



‫املزيفة لإ�ضفاء ال�شرعية على �أنظمة‬ ‫ال�شرعية لها‪ .‬وباملنا�سبة �شاركت م�ؤخرا‬ ‫يف ندوة دولية بتون�س من تنظيم كر�سي‬ ‫اليون�سكو الذي يرت�أ�سه الباحث التون�سي‬ ‫اجلاد فتحي الرتكي وكانت حماور الندوة‬ ‫تتعلق بالهوية الثقافية و حقوق الإن�سان‬ ‫والتعددية الثقافية‪ ...‬وقد الحظت �أن‬ ‫املواطن التون�سي حترر ب�صفة نهائية‬ ‫يف خطابه من لغة اخلوف و �أ�صبح يعرب‬ ‫بطريقة حرة وبجر�أة غري معهودة يف‬ ‫زمن اال�ستبداد �أثناء حكم الهارب بن‬ ‫علي‪.‬ف�أ�صبح عاديا بتون�س �أن ترى كتبا‬ ‫تتحدث عن بن علي الفا�سق و امل�ستبد‪.‬‬ ‫�إن القطع مع ثقافة اخلوف هو املدخل‬ ‫الوحيد لتحرير الإن�سان‪ .‬وباملنا�سبة‬ ‫ذاتها �أ�شري �أن امل�شروع الذي يرعاه كر�سي‬ ‫اليون�سكو بتون�س ب�إ�شراف فتحي تريكي‬ ‫خ�ص�ص العديد من لقاءاته لتعزيز فكرة‬ ‫الت�سامح و احلوار بني الثقافات والتعددية‬ ‫الثقافية وغري الثقافية‪ .‬لكن باملغرب‬ ‫الزال االحتفال بهذا اليوم اليرقى �إىل‬ ‫امل�ستوى املطلوب للمكانة التي يحتلها‬ ‫الفكر الفل�سفي بوطننا وذلك راجع لغياب‬ ‫جمعيات قوية تهتم بال�ش�أن الفل�سفي ‪.‬‬ ‫• هل ميكن احلديث عن تراجع‬ ‫اخلطاب الفل�سفي يف املغرب؟‬ ‫ احلديث عن تراجع يفرت�ض �أنه كان‬‫هناك تقدم من قبل و احلال �أنه ي�صعب‬ ‫احلديث عن فل�سفة باملغرب ب�صفتها‬ ‫تقليدا يجعلنا نتحدث عن فل�سفة مغربية‬ ‫كما هو الأمر يف الفل�سفة الأملانية �أو‬ ‫الفرن�سية واالجنليزية‪ .‬يف مثل هذه‬ ‫التقاليد الكربى و العريقة يف التفكري‬ ‫الفل�سفي نتحدث عن ظهور نظريات‬ ‫واختفاء �أخرى وعن �سجاالت فل�سفية‬ ‫كربى بني رواد خمتلف هذه النظريات‪.‬‬ ‫كما جتد تقاليد فل�سفية عريقة بهذه‬ ‫اجلامعة �أو تلك‪ .‬ومن منطلق متابعة‬ ‫التحوالت التي ميكن �أن يعرفها اخلطاب‬ ‫الفل�سفي بني فرتة و �أخرى ميكنك �أن‬

‫تقارن لتجزم القول بالرتاجع �أو التقدم‪.‬‬ ‫وال�سبب يف غياب هذه التقاليد هو غياب‬ ‫م�أ�س�سة البحث الفل�سفي يف �أفق خلق‬ ‫م�شاريع فل�سفية قد يوا�صل فيها اجليل‬ ‫الالحق ما �أجنزه اجليل ال�سابق‪�.‬صحيح‬ ‫�أن اجلابري رحمه اهلل �أ�س�س م�شروعا‬ ‫فل�سفيا مهما ينطلق فيه من الرتاث‬ ‫العربي الإ�سالمي الذي مار�س عليه‬ ‫منهجا نقديا جعل النقاد يعتربون املرحوم‬ ‫كانط العرب‪،‬لكن قل يل هل هناك من‬ ‫�سيوا�صل املهمة الفل�سفية التي �شرع فيها‬ ‫املرحوم‪�.‬أعتقد �أن الأمر �صعب التحقيق يف‬ ‫غياب جيل من الفال�سفة ال�شباب الذين‬ ‫تكونوا يف املدر�سة اجلابرية‪.‬يف املقابل‬ ‫�أعطيك مثال‪،‬خذ مثال النظرية النقدية‬ ‫ملدر�سة فرانكفورت التي ت�أ�س�ست �سنة‪1923‬‬ ‫بجامعة فرانكفورت و بحكم ا�شتغالها‬ ‫مبنطق امل�ؤ�س�سة الفل�سفية التي قامت على‬ ‫فكرة م�أ�س�سة البحث الفل�سفي يف �إطار‬ ‫م�شاريع بحثية كربى متكنت من ال�صمود‬ ‫و اال�ستمرارية �إىل يومنا هذا بحيث �أن‬ ‫تاريخ الفكر الفل�سفي املعا�صر يتحدث‬ ‫عن �أجيال داخل النظرية النقدية‪.‬اجليل‬ ‫الأول مع هوركهامير‪�،‬أدورنو‪،‬ماكوزه‪،‬و‬ ‫�إريت�ش فروم و اجليل الثاين مع هابرما�س‬ ‫و اجليل الثالث الزال يوا�صل الطريق‬ ‫مع �أك�سيل هونث و كالو�س هوف والربت‬ ‫فيلمر‪ ....‬وهو اجليل الذي الزال ي�شتغل‬ ‫بنف�س منطق اجليل الأول يف ما يتعلق‬ ‫بامل�شاريع البحثية الكربى‪ .‬وهذا البد �أن‬ ‫ي�ساهم يف تطوير التقليد الفل�سفي املتعلق‬ ‫بالنظرية النقدية عموما التي �أ�صبح‬ ‫احلديث عنها يتم ب�صيغة اجلمع‪.‬و نف�س‬ ‫الأمر ينطبق على الفل�سفة الت�أويلية و‬ ‫النظرية الن�سقية يف العلوم االجتماعية مع‬ ‫نيكال�س لومان ‪�....‬أعتقد حينما ن�صل �إىل‬ ‫مثل هذه التقاليد �آنذاك ميكننا احلديث‬ ‫عن تراجع و تقدم ‪ .‬بل و الأكرث من ذلك‬ ‫ففكرة التقدم و الرتاجع يف الفل�سفة‬ ‫والفكر عموما فيها نظر‪.‬املهم بالن�سبة يل‬

‫بعد وفاة املرحوم الذي يعد رمزا للفل�سفة‬ ‫املغربية �إىل جانب كل من املفكر عبد اهلل‬ ‫العروي وطه عبد الرحمان ميكن القول‬ ‫�أن الفل�سفة باملغرب �ست�ؤ�س�س ملرحلة‬ ‫مابعد اجلابري من حيث الق�ضايا التي‬ ‫تتناولها وهذا عمل نلم�سه لدى الباحثني‬ ‫ال�شباب اليوم يف الفل�سفة التي مل تعد‬ ‫من�شغلة فقط بق�ضايا الرتاث يف عالقته‬ ‫باحلداثة‪،‬بل الأكرث من ذلك هذا الأمر‬ ‫بد�أنا نلم�سه حتى عند بع�ض الباحثني‬ ‫الذين كر�سوا جزءا كبريا من �أبحاثهم‬ ‫للفل�سفة الإ�سالمية و ق�ضايا الرتاث‪.‬‬ ‫فالأ�ستاذ امل�صباحي على �سبل املثال �أ�صبح‬ ‫يكتب كتبا يف غاية الأهمية حول فل�سفة‬ ‫احلق و الفل�سفة االنثبولوجية و احلداثة‬ ‫ال�سيا�سية و الأخالقية انطالقا من‬ ‫م�ساءلته للن�صو�ص فال�سفة كبار مثل‬ ‫هابرما�س و ليوا�سرتو�س و �أمارتيا �صن‪.‬‬ ‫و كتابه الأخري ال�صادر عن دار الطليعة‬ ‫حتت عنوان"من �أجل حداثة متعددة‬ ‫الأ�صوات" خري دليل على ما �أقول‪.‬‬ ‫خال�صة القول �أن الفل�سفة يف املغرب‬ ‫ميكن لها �أن ت�ساير الق�ضايا التي يدور‬ ‫حولها النقا�ش الفل�سفي و هذا من �شانه‬ ‫�أن يعطينا اعالماً جدداً يقدمون �أجوبة‬ ‫عن �أ�سئلة املرحلة التي تختلف عن �أ�سئلة‬ ‫اجليل ال�سابق‪.‬‬ ‫• باعتباركم تزاولون مهمة تدري�س‬ ‫الفل�سفة باجلامعة‪ ،‬كيف تقيمون‬ ‫�أفق التفكري الفل�سفي؟‬ ‫ كما تعلم �أنني مل �ألتحق باجلامعة‬‫�إال م�ؤخرا لكن متابعتي ملا يجري يف‬ ‫احلقل الفل�سفي ت�سمح يل بالقول �أن‬ ‫تدري�س الفل�سفة قد تطور كميا ب�شكل‬ ‫مهم‪� ،‬إذ فتحت العديد من ال�شعب ملادة‬ ‫الفل�سفة بالعديد من اجلامعات املغربية‬ ‫و قد �صاحب هذا الإ�صالح ظهور العديد‬ ‫من م�سالك للفل�سفة يف �سلك الإجازة‬ ‫ووحدات للما�سرت والدكتوراه‪ .‬واملالحظ‬ ‫�أن العديد من هذه امل�سالك والوحدات‬

‫‪51‬‬



‫ال�سيا�سة ‪ .‬والقارئ لفل�سفة هابرما�س يلم�س‬ ‫العمق الفل�سفي لهذه املداخالت �أكرث من‬ ‫القارئ العادي‪.‬‬ ‫نالحظ‪ ،‬حاليا‪� ،‬أن موجة من ال�شباب‬ ‫الأكادميي‪ ،‬و�ضع االهتمام الفل�سفي بني‬ ‫مفرتق الطرق‪ ،‬بني الفل�سفة القارية‬ ‫والفل�سفة االجنلو�سك�سونية‪ .‬ماذا يعني‬ ‫انفتاحكم على القارة االجنلو�سك�سونية؟‬ ‫االهتمام بالفكر الأجنلو�سك�سوين و الأملاين‬ ‫وملا ال الإ�سباين والإيطايل والأ�سيوي هو‬ ‫الذي من �شانه �أن ي�ساهم يف تطوير اخلطاب‬ ‫الفل�سفي باملغرب ولي�س االرتكان �إىل ر�ؤية‬ ‫فرن�سية �أحادية والتحرر من هذه املرجعية‬ ‫اعتربه مدخال من مداخل اال�ستقالل‬ ‫الفل�سفي على غرار اال�ستقالل ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫وقد �سبق يل �أن قلت يف حوار �آخر ب�ضرورة‬ ‫فك االرتباط باملرجعية الفرانكفونية لأنها‬ ‫عائق �أمام الإبداع الفل�سفي بالن�سبة لنا‬ ‫نحن املغاربة‪ ،‬املرجعية الفرن�سية الأحادية‬ ‫خطر على الفكر الفل�سفي املغربي يف زمن‬ ‫التنوع الفل�سفي وتداخل الثقافات‪ .‬والأكرث‬ ‫من ذلك فالتقليد الفل�سفي الفرن�سي فقد‬ ‫بريقه مع رحيل الفال�سفة الكبار �أمثال فوكو‬ ‫ودريداو دولوز و�سارتر ‪� .‬إن �أ�سماء مثل هرني‬ ‫برنار ليفي فيل�سوف ال�صهيونية عالمة‬ ‫على انحطاط اخلطاب الفل�سفي الفرن�سي‬ ‫املعا�صر‪�.‬أمام هذه الو�ضعية ال ي�سعنا �سوى‬ ‫�أن نقول ب�صوت مرتفع التفل�سف بالن�سبة‬ ‫لنا ميكن �أن يجد منطلقاته يف مرجعيات و‬ ‫تقاليد �أخرى على ر�أ�سها التقليدين الأملاين‬ ‫والأجنلو�سك�سوين الواعدين‪ .‬و�أنا �شخ�صيا‬ ‫اختياري لهذا االنفتاح لي�س �إعالن احلرب‬ ‫على التقليد الفرن�سي‪ ،‬بل رغبة مني يف‬ ‫امل�ساهمة من موقع �آخر �أرى �أن ح�ضوره‬ ‫ال زال باهتا‪.‬و بالرغم من امل�شاكل اللغوية‬ ‫التي الزالت تعرت�ضنا ك�شباب باحثني ف�إننا‬ ‫متفائلون بامل�ستقبل‪ .‬وقد وجدت يف التقليد‬ ‫الأملاين والأجنلو�سك�سوين اهتماما باجلانب‬ ‫الفل�سفي العملي الأقرب �إىل ق�ضايا ال�ش�أن‬ ‫العام‪ .‬وهو تقليد من �شانه �أن ي�ساهم يف بناء‬ ‫املجتمع احلداثي والدميقراطي الذي نن�شده‬ ‫دون احلديث عن التفكيك ومابعد احلداثة‬

‫وهلم جرا من الق�ضايا التي ال تالئم‬ ‫جمتمعات ما قبل احلداثة‪.‬‬ ‫• يف اخلتام نود منكم كلمة �أخرية من‬ ‫�أجل امل�أمول الفل�سفي باملغرب؟‬ ‫ املطلوب اليوم من الباحثني يف الفل�سفة‬‫باملغرب االهتمام بالبحث عن ما يجمعنا‬ ‫بثقافة الآخرين ومتتني العالقات بالباحثني‬ ‫الأجانب من خمتلف امل�شارب الثقافية‬ ‫لإبراز الق�ضايا التي ت�شتغل عليها الفل�سفة‬ ‫ببلدنا وذلك ق�صد �إبراز ال�شخ�صية املغربية‪.‬‬ ‫فبالرغم من �أن احلديث عن فل�سفة مغربية‬ ‫باملعنى الكامل للكلمة �سابق لأوانه �إال �أن‬ ‫هناك جمهودات تبذل باملغرب و جتد �صدى‬ ‫لها خا�صة يف امل�شرق العربي‪.‬كما �أن امل�أمول‬ ‫�أي�ضا من الفال�سفة ال�شباب حاليا بوطننا‬ ‫االهتمام بالق�ضايا التي لها راهنية و ارتباط‬ ‫بال�ش�أن العام على اعتبار �أن هذا ال�ش�أن ال‬ ‫يجب �أن يرتك لل�سيا�سي و التكنوقراطي‬ ‫وحده‪ ،‬بل املقاربة الفل�سفية يجب �أن حت�ضر‪.‬‬ ‫لقد وىل زمن الفيل�سوف الذي يتامل يف‬ ‫الق�ضايا امليتافزيقية والرتن�سدنتالية‬ ‫البعيدة عن الواقع اليومي للنا�س‪�.‬إننا يف‬ ‫حاجة �إىل فل�سفة اليومي وذلك ملحاربة‬ ‫الفكر ال�سطحي الذي ت�ساهم فيه و�سائل‬ ‫الإعالم املختلفة امل�شارب‪.‬الفل�سفة وبحكم‬ ‫ارتباطها باملجاالت املعرفية الأخرى خا�صة‬ ‫العلوم الإن�سانية لديها من الو�سائل ما‬ ‫يجعلها تكون يف واجهة الأحداث‪.‬فالفيل�سوف‬ ‫اليوم لي�س جمرد منتج للأفكار داخل �أ�سوار‬ ‫اجلامعة كما قال فيل�سوف الف�ضاء العمومي‬ ‫يورغن هابرما�س‪،‬بل الفيل�سوف هو فاعل‬ ‫با�ستمرار يف هذا الف�ضاء العمومي من خالل‬ ‫تدخالته الدائمة بناء على ر�ؤية فل�سفية‬ ‫و لي�س ا�ستجابة لنداء ال�سيا�سي‪.‬ولهذا‬ ‫اليجب �أن يفهم من كالمي �أن تتحول مهمة‬ ‫الفيل�سوف �إىل �صحايف يومي‪ ،‬بل اخللفية‬ ‫الفل�سفية التي ينطلق منها الفيل�سوف هي‬ ‫التي جتعل خطابه متميزا عن خطابات‬ ‫ال�سيا�سي و ال�صحفي وعامل ال�سيا�سة‪.‬‬ ‫فااللتزام الفيل�سوف بق�ضايا ال�ساعة �أمر‬ ‫�أ�صبحت له �أهميته اليوم قبل �أي وقت م�ضى‪.‬‬ ‫كما �أننا النريد من الفيل�سوف �أن يكون مثل‬

‫"الفيل�سوف"الفرن�سي برنار ليفي الذي يظل‬ ‫اليوم كله يتنقل بني و�سائل الإعالم يروج‬ ‫ل�سيا�سة �ساركوزي ‪�،‬إذ جتده �ضد اال�ستبداد‬ ‫يف ليبيا و ك�أنه زعيم حزب تقدمي يف فرن�سا‬ ‫زمن اال�ستعمار الفرن�سي و لكن حينما‬ ‫يتعلق الأمــر بــالق ــ�ضـ ـي ــة الـف ـلـ�س ـ ـطـي ـن ـيـ ــة‬ ‫ال ي�ستطيع �أن يفتح فمه كما وقع �أثناء حرب‬ ‫الإبادة التي خا�ضـ ـهـ ـ ــا الـ ـكـ ـي ـ ــان ال�صـهيــون ــي‬ ‫�ض ـ ــد غزة‪.‬وهي احلرب التي كان يربرها‬ ‫ب ـ ـك ـ ــل مـ ـ ــا �أوت ـ ــي م ـ ــن مـ ـغـ ــال ـ ـط ـ ــات مـ ــن‬ ‫�أجـ ــل �إر�ضـ ــاء ال�صهاين ــة‪� .‬أعــتقد �أن مهمة‬ ‫الباحثني يف الفل�سفة يف املغرب يجب �أن‬ ‫تن�صب بدورها على ك�شف مظاهر اال�ستبداد‬ ‫يف النظم ال�سيا�سية واالجتماعية والثقافية‬ ‫حتى يت�سنى لنا حترير املواطن من ثقافة‬ ‫اخلوف‪�.‬إن املهمة الأ�سا�سية للفل�سفة‬ ‫والفيل�سوف اليوم‬ ‫باملغرب هي امل�ساهمة إن اهــــتـــمـــامــــات‬ ‫فـي ن ــ�ش ــر ثـ ـقـ ــاف ـ ــة الـفـلـسـفــة الـيــوم‬ ‫التنوير بدل اجلري بالـمـبـاحـث العملية‬ ‫وراء منا�صب وزارية الــمـتـمـثـلـــــة فـــي‬ ‫تافهة واال�صطفاف الفلسفة السياسية‬ ‫وراء الـ ــ�س ـ ـي ـ ــا�س ـ ـ ـ ـ ــي و األخـــالقـــيـــة و‬ ‫لتح ــري ـ ــر خ ـ ـط ـ ـبـ ــه الثـقـافــيــة والـحـوار‬ ‫الـمتكررة والفارغة‪ .‬و الــتــواصــل يمـكن‬ ‫فاخلطاب الفل�سفي لهـا أن تساهم في‬ ‫يجب �أن ي�ساهم يف‬ ‫مـنـاقــشــة الــشـأن‬ ‫الت�أ�سي�س للمواطنة‬ ‫العـام بدون مركب‬ ‫الفاعلة والإيجابية‬ ‫نقص‬ ‫التي جتعل املواطن‬ ‫يف �صلب العملية‬ ‫ال�سيا�سية باعتباره م�صدر ال�سيادة ال�شعبية‬ ‫التي جتعله قادرا على تقرير م�صريه بيده‬ ‫يف ظل جمتمع يكون احلكم فيه خا�ضعاً‬ ‫مل�ؤ�س�سات عقالنية ودمقراطية‪ .‬ف�إذا كانت‬ ‫ال�سيا�سة هي خدمة عمومية فالفل�سفة‬ ‫بدورها يجب �أن ت�ساهم يف ت�أهيل املواطن و‬ ‫توعيته وت�سليحه بالفكر النقدي و العقالين‬ ‫حتى يكون يف م�ستوى امل�س�ؤولية لتقدمي هذه‬ ‫اخلدمة وذلك باالبتعاد عن ثقافة الأنانية‬ ‫وامل�صلحة اخلا�صة واالرتقاء ب�سلوكه �إىل‬ ‫ثقافة الواجب وال�ضمري الأخالقيني‪.‬‬

‫‪53‬‬









‫حائراً بني التناق�ض الوا�ضح يف الإجابة‪،‬‬ ‫ومن هنا ظهر م�صطلح "الفتوى والفتوى‬ ‫امل�ضادة"‪ ,‬حتى �أ�صبحنا وك�أننا يف �سوق‬ ‫للإفتاء تتعدد مزايا معرو�ضاته منها‬ ‫املت�شدد ومنها املت�ساهل‪ ,‬ومنها املكفـّر‬ ‫ومنها مايدعو �إىل �إق�صاء الدين عن‬ ‫الدنيا‪ ,‬ومنها ما يدعو �إىل وحدة الديانات‬ ‫وغريها‪ ،‬مما �أحدث نزاعات وفقدان ثقة‬ ‫وظهور تكتالت �إ�سالمية جديدة متعددة‬ ‫االجتاهات كردة فعل قوية لواقع ي�شعر‬ ‫بالإنهزام والإنطواء و قوقعة الإتباع‪� ,‬أو‬ ‫االبتداع والتفلت عن الأ�صول‪� ,‬أو الإندماج‬ ‫والتماهي مع الآخرين‪.‬‬ ‫ومما زاد الأمر �سوءاً الفتاوى املبا�شرة‬ ‫التي تتناف�س عليها الإذاعات والف�ضائيات‬ ‫من �شخ�صيات يفتقد بع�ضها ل�شروط‬ ‫الإفتاء ال�صحيحة (فيقذفون) ب�إجابات‬ ‫�سريعة دون الت�أ�صيل �أواالعتماد على‬ ‫�أدلة �صحيحة‪ ,‬ودون الرجوع الجتهادات‬ ‫فقهاء ال�سلف �أواملعا�صرين‪ ,‬وك�أنهم‬ ‫بذلك ي�ؤ�س�سون ملذاهب جديدة ينق�صها‬ ‫�أو يعيبها فقه (ال �أدري) علماً �أن الإفتاء‬ ‫املبا�شر‪ -‬كما هو معلوم بال�ضرورة‪-‬‬ ‫يتطلب الإحاطة التامة بكافة �أنواع العلوم‬ ‫ال�شرعية واخلربة الكافية والتجارب‬ ‫الفقهية الوا�سعة‪ ,‬بالإ�ضافة �إىل التحلي‬ ‫مبلكة فقهية يف فهم الن�ص و الواقع‪,‬‬ ‫مع ما ي�صاحب ذلك من �ضرورة ت�أ�صيل‬ ‫الفتوى‪ ,‬الأمر الذي ال يكون �إال بطول‬ ‫املرا�س وجودة الدربة والتوفيق الإلهي‪.‬‬ ‫وللو�صول �إىل ر�أي يف هذه الق�ضية‬ ‫اخلطرة على الأمة الإ�سالمية و�أحكام‬ ‫الدين احلنيف ال بد من �إلقاء ال�ضوء على‬ ‫حقيقة الفتوى ومن يت�صدى لها‪ ،‬معتمد ًة‬ ‫املحاور التالية‪:‬‬

‫• تعريف الإفتاء‬ ‫الإفتاء لغ ًة كما ورد يف ل�سان العرب‬ ‫الإظهار والإبانة‪ ,‬يقال �أفتاه بالأمر �إذا‬ ‫�أبان له وهي �إبانة الأحكام يف امل�سائل‬ ‫ال�شرعية �أو القانونية مما يتعلق ب�س�ؤال‬ ‫ال�سائل‪ ,‬و�أفتى املفتي �إذا �أحدث حكماً‪,‬‬ ‫قال تعاىل‪":‬وي�ستفتونك يف الن�ساء قل اهلل‬ ‫يفتيكم فيهن"(‪ ،)1‬ويقول عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم‪" :‬الإثم ما حاك يف �صدرك و�إن‬ ‫�أفتاك النا�س و�أفتوك"‪ ,‬وعليه فالفتوى يف‬ ‫اللغة لي�ست بياناً و�إخباراً فح�سب بل هي‬ ‫�إعانة ور�شاد للم�ستفتي وتو�ضيح للم�سلك‬ ‫ال�صحيح‪.‬‬ ‫�أما الإفتاء �شرعاً فهو‪ :‬بيان احلكم‬ ‫ال�شرعي يف م�س�ألة من امل�سائل م�ؤيداً‬ ‫بالدليل ال�شرعي‪� ,‬أو هو تبيني احلكم‬ ‫ال�شرعي لل�سائل عنه‪ ,‬وقيل هو بيان حكم‬ ‫اهلل تعاىل مبقت�ضى الأدلة ال�شرعية على‬ ‫جهة العموم وال�شمول ‪)2( .‬‬ ‫وقيل هو �إخبا ٌر عن حكم اهلل تعاىل يف‬ ‫حلكم‬ ‫�إلزا ٍم �أو �إباح ٍة جواباً ل�س�ؤالٍ �أو بياناً ٍ‬ ‫ابتداءاً‪.‬‬ ‫�أما املفتي فهو من يت�صدى للإفتاء‬ ‫والفتوى بني النا�س ليبحث عما ي�شكل‬ ‫من امل�سائل ال�شرعية‪ ,‬وقيل هو املخرب‬ ‫بحكم اهلل تعاىل ملعرفته بدليله (‪، )3‬‬ ‫�أو هو املتمكن من معرفة �أحكام الوقائع‬ ‫�شرعاً بالدليل مع حفظه لأكرث الفقه‪,‬‬ ‫قال تعاىل‪ " :‬ف�س�ألوا �أهل الذكر �إن كنتم‬ ‫ال تعلمون" (‪.)4‬‬ ‫ودار الإفتاء هي مكان املفتي وال ُفتيا ‪-‬‬ ‫ب�ضم الفاء ‪ -‬هي‪ :‬ما �أفتى به الفقيه يف‬ ‫امل�س�ألة امل�شكلة وهي ا�سم م�صدر من �أفتى‪.‬‬

‫• مكانة الإفتاء‬ ‫الإفتاء �أم ٌر �ضروري للنا�س ملعرفة �أمور‬ ‫دينهم لأنهم ال ميكن �أن يكونوا جميعاً‬ ‫علماء بالأحكام ال�شرعية‪ ,‬و�إذا انقطعوا‬ ‫لتح�صيل ذلك حتى يبلغوا مرتبة العلم‬ ‫والإجتهاد لتعطل العمل وتوقفت احلياة‪,‬‬ ‫فكان من رحمة اهلل تعاىل بالأمة �أن جعل‬ ‫طلب العلم ال�شرعي (فر�ض كفاية)‪،‬‬ ‫و�أوجب على العامة من املقلدين �أن‬ ‫ي�ستفتوا العلماء يف ما يجهلونه‪ ,‬قال‬ ‫تعاىل‪" :‬فلوال نفر من كل فرق ٍة منهم‬ ‫طائفة ليتفقوا يف الدين‪ )5( "...‬وقال‬ ‫�أي�ضاً‪" :‬ف�س�ألوا �أهل الذكر �إن كنتم ال‬ ‫تعلمون"‪.‬‬ ‫وللمـفـتــي مـ ـكــانـ ـ ًة‬ ‫عـظيمة لأنــه م ـب ـلـغ لــإلفـــتـــاء مــكــانـة‬ ‫عــن الر�ســول �ص ـلـى عظيمة في الدنيا‬ ‫اهلل عـ ـلـ ـي ــه و�سـ ـلـ ــم واآلخرة‪ ,‬ففي الدنيا‬ ‫لــلدي ــن وت ـعــالـيمه‪ ,‬توضيح لمراد الشرع‬ ‫الحنيف وفي اآلخرة‬ ‫لذا فقد حرم تعاىل‬ ‫إما ثواب عظيم وإما‬ ‫�أ�شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد التـ ـح ــري ــم‬ ‫وزر عـــذاب مــقـيـم‪.‬‬ ‫القول بغري علم �أو‬ ‫الفتوى بغري حق‪,‬‬ ‫وح ــذر مـ ـ ــن ذل ـ ـ ــك‬ ‫بقوله‪" :‬قل �إمنا حرم ربي الفواح�ش‬ ‫ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي‬ ‫بغري احلق و�أن ت�شركوا باهلل مامل ُين ّزل به‬ ‫�سلط�أناً و�أن تقولوا على اهلل ما ال تعلمون"‬ ‫(‪ , )6‬وقال عليه ال�صالة وال�سالم م�ؤكداً‬ ‫هذه احلرمة والوعيد‪" :‬من �أفتى بغري‬ ‫علم كان �إثمه على من �أفتاه‪ ,‬ومن �أ�شار‬ ‫على �أخيه ب�أمر ويعلم الر�شد يف غريه فقد‬ ‫خانه" (‪.)7‬‬ ‫ولقد ورد يف (موافقات ال�شاطبي) –‬

‫‪61‬‬



‫يف احلوادث فذلك يختلف باختالف‬ ‫احلاالت‪ ,‬فقد تكون الفتيا فر�ض عني وقد‬ ‫تكون فر�ض كفاية وقد تكون مندوبة وقد‬ ‫تكون مكروهة �أو حمرمة ح�سب احلالة‬ ‫املعرو�ضة وقوتها على ال�سائل‪.‬‬ ‫�أما �أركانه فهي ثالثة‪:‬‬ ‫امل�س�ألة الواقعة (الق�ضية املطروحة‬ ‫للفتيا)‪ ,‬واملفتي‪ ,‬وامل�ستفتي‪.‬‬ ‫• �ضوابط و �شروط املفتي والإفتاء‬ ‫واجب على كل من ت�أهل له‬ ‫الإفتاء‬ ‫ٌ‬ ‫وتوافرت فيه �شروطه‪ ,‬التي هي ك�شروط‬ ‫املجتهد ي�ضاف �إليها العدالة لقبول‬ ‫فتواه(‪ ,)18‬يقول النووي – رحمه اهلل ‪-‬‬ ‫‪�( :‬شرط املفتي كونه م�سلماً ثقة م�أموناً‬ ‫متنزهاً عن �أ�سباب الف�سق‪ ,‬و خوارم املروءة‪,‬‬ ‫فقيه النف�س‪� ,‬سليم الذهن‪ ,‬ر�صني الفكر‪,‬‬ ‫�صحيح الت�صرف واال�ستنباط‪ ,‬متيقظاً‪,‬‬ ‫�سواءاً فيه احلر والعبد‪ ,‬واملر�أة والأعمى‬ ‫والأخر�س �إذا كتب �أو فهمت �إ�شارته‪, )19( ).‬‬ ‫يقول الإمام مالك – رحمه اهلل ‪( : -‬ال‬ ‫ينبغي للعامل �أن يفتي حتى يراه النا�س‬ ‫ال لذلك‪ ،‬ويرى هو نف�سه �أنه � ٌ‬ ‫�أه ً‬ ‫أهل‬ ‫لذلك‪ ،‬وما �أفتيت حتى �شهد يل �سبعون)‪،‬‬ ‫وميكن اخت�صار �أقوال العلماء يف هذه‬ ‫ال�شروط بعدة نقاط �أهمها‪:‬‬ ‫‪ .1‬العلم الكايف بالقران الكرمي وعلومه‬ ‫و�أهمها �أ�سباب النزول وعلم النا�سخ‬ ‫واملن�سوخ‪.‬‬ ‫‪ .2‬الإحاطة التامة بال�سنة النبوية‬ ‫ال�شريفة رواي ًة ودراي ًة وجميع علوم‬ ‫احلديث‪ ,‬والوقوف على موا�ضع‬ ‫الإجماع مع الإملام ب�أ�صول الفقه وجميع‬ ‫الأدلة ال�شرعية الأخرى من القيا�س‬ ‫واال�ستح�سان وغريها‪.‬‬

‫‪� .3‬أن يكون مُل ّماً باملبادئ الكلية والقواعد‬ ‫العامة لل�شريعة الإ�سالمية كمبادئ‬ ‫ال�شورى والعدالة واحلرية والكرامة‬ ‫الإن�سانية ونحوها حتى ال يتجاوز يف‬ ‫فتواه‪.‬‬ ‫‪� .4‬أن يكون على دراية بفقه املقا�صد‬ ‫ال�شرعية مبا فيها املقا�صد واملفا�سد‬ ‫وكذلك فقه �سد الذرائع واملوازنة بينها‪.‬‬ ‫‪� .5‬أن تتوافر به �شروط املجتهد من‬ ‫العدالة والتقوى والورع وعدم االزدواجية‬ ‫بني الفعل والقول حتى يكون ذا هيبة‬ ‫واحرتام بني العامة واخلا�صة و�أن ال‬ ‫يكون مت�ساه ً‬ ‫ال يف الفتوى‪.‬‬ ‫‪ .6‬لديه ملكة الفهم الدقيق التام‬ ‫للواقع الذي متت فيه النازلة (امل�س�ألة‬ ‫املعرو�ضة)‪ ,‬و�أن ي�ستعني ب�أهل االخت�صا�ص‬ ‫يف الأمور الدنيوية‪ ،‬عاملاً بكل ما �صدر يف‬ ‫فقه النوازل‪ ،‬وعليه �أال يت�سرع يف �إعطاء‬ ‫الأحكام دون الدرا�سة الدقيقة‪ ,‬و�أن ال‬ ‫يلج�أ �إىل اجلواب ال�سريع يف احلالل‬ ‫واحلرام‪.‬‬ ‫‪� .7‬أن يراعي الو�سطية بني الت�شدد‬ ‫والتفلت‪ ,‬واالنحالل والتقوى والورع‪,‬‬ ‫ولديه القدرة على عدم اخل�ضوع للهوى‬ ‫�أو ال�سلطة وقوة العامة‪ ,‬و�أن ال يتحرج‬ ‫من الرجوع عن فتواه �إذا ر�أى الأف�ضل‪,‬‬ ‫فال�شافعي – رحمه اهلل ‪ -‬رجع عن العديد‬ ‫من امل�سائل حتى �صار له فقهان القدمي‬ ‫واحلديث‪.‬‬ ‫‪� .8‬أن يكون لديه القدرة على ا�ستق�صاء‬ ‫فتاوى الع�صور املت�أخرة واال�ستئنا�س بها‬ ‫يف الق�ضايا املعا�صرة معتمداً على غزارة‬ ‫فقه ال�صحابة والتابعني لقربهم من‬ ‫العهد النبوي‪.‬‬

‫‪ .9‬عاملاً باللغة العربية وعلومها وعلى‬ ‫دراية وا�سعة باللهجات العامية املحكية‪.‬‬ ‫‪� .10‬أن يدرك �أن الفتوى لي�ست ثابتة بل‬ ‫تتغري بتغري الأزمان والأماكن والأعراف‪.‬‬ ‫‪ .11‬ي�ضاف �إىل ذلك �إملامه بالعادات‬ ‫والتقاليد‪ ,‬و�أن يكون عاملاً بحال امل�ستفتي‬ ‫والواقع الذي ي�ستفتي فيه‪.‬‬ ‫وبناءاً على ذلك ف�إننا نرى �أنه ال‬ ‫يجوز الإفتاء �إال للفقيه العامل بكتاب‬ ‫اهلل و�سنة ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫وب�أقوال العلماء و�إجماعهم واختالفهم‬ ‫ممن ميلك امللكة الفقهية القادرة على‬ ‫االجتهاد‪� ,‬إذ امل�ؤهل‬ ‫أن أعظم المؤثرات‬ ‫الـع ـلـمي وحـده ال‬ ‫هــو غــيــاب الـعـلـم‬ ‫ي ـكـ ـفـ ــي للـت ــ�صـ ــدي الــشــرعـي الـصحيح‬ ‫لـلإفـتـ ــاء ف ـ ــال ب ـ ــد الـذي يعـتـمـد عــلـى‬ ‫لـ ـهــا مـ ــن �شـ ـ ــروط أصول ثابتة ألسباب‬ ‫عدة ال مجال للبحث‬ ‫م�سـ ــانـدة‪.‬‬ ‫فيــهــا أدى إلـــى أن‬ ‫• �شروط الفتوى يتصـدى للفتـوى غير‬ ‫من �شروط الإفتاء المؤهل وهو ما تنبأ‬ ‫�أن ال ي ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــون �إال به رسول اهلل صلى‬ ‫اهلل عــلــيــه وســلـم‬ ‫فـي ق ـ ــ�ض ـيـة عامة‬ ‫م�ستحدثة دخلت العامل الإ�سالمي نتيجة‬ ‫الإنفتاح والتقدم العلمي �أو يف واقعة‬ ‫حدثت فع ً‬ ‫ال وعُر�ضت على الفقيه ملعرفة‬ ‫حكمها عن طريق معرفة واقعة اال�ستفتاء‬ ‫ودرا�سة نف�سية امل�ستفتي والبيئة التي‬ ‫يعي�ش فيها ليعرف مدى �أثر الفتوى �سلباً‬ ‫و�إيجاباً حتى ال ُي ّتخذ دين اهلل هزواً ولعباً‬ ‫(‪. )20‬‬ ‫وعليه فالفتوى �إما نتاج اجتهاد جماعي‬ ‫للو�صول �إىل �أحكام �شرعية لق�ضايا‬ ‫عامة كحكم اال�ستن�ساخ وزراعة الأع�ضاء‬ ‫واملعامالت املالية احلديثة‪� ,‬أو نتاج حكم‬

‫‪63‬‬



‫ثابتة لأ�سباب عدة ال جمال للبحث فيها‬ ‫�أدى �إىل �أن يت�صدى للفتوى غري امل�ؤهل‬ ‫وهو ما تنب�أ به ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم بقوله‪�" :‬إن اهلل ال يقب�ض العلم‬ ‫انتزاعاً من �صدور الرجال ولكن يقب�ض‬ ‫العلم بقب�ض العلماء‪ ،‬ف�إن مل يب َق عا ٌ‬ ‫مل‬ ‫ف�سئِلوا ف�أفتوا‬ ‫اتخذ النا�س ر�ؤ�ساءاً جها ًال‪ُ ،‬‬ ‫علم ف�ض ّلوا و�أ�ض ّلوا" (‪ ، )24‬وقال‬ ‫بغري ٍ‬ ‫علم كان �إثم ذلك‬ ‫�أي�ضاً‪" :‬من �أفتى بغري ٍ‬ ‫على الذي �أفتاه" (‪ ، )25‬ولذلك قرر علماء‬ ‫ال�سلف �أن من �أفتى ولي�س ب�أهلٍ للفتوى‬ ‫عا�ص ومن �أقره من والة الأمر‬ ‫فهو �آث ٌم ٍ‬ ‫فهو كذلك‪ ،‬وعن ابن اجلوزي‪( :‬يلزم ويل‬ ‫الأمر منعهم من ذلك كما فعل بنو �أمية)‪،‬‬ ‫وقال �أبو حنيفة‪( :‬بوجوب ا َ‬ ‫حلجر على‬ ‫املفتي اجلاهل املتالعب ب�أحكام ال�شرع) مع‬ ‫�أنه مل يقل بوجوبه على ال�سفيه احرتاماً‬ ‫لآدميته وذلك ملا له من �ضر ٍر على املجتمع‬ ‫الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وللخروج من فتنة الفتوى والفتوى‬ ‫امل�ضادة ال بد �أن يكون للإفتاء الرعاية‬ ‫اخلا�صة لي�أخذ مكانه الالئق واملنا�سب‬ ‫به يف الدول الإ�سالمية‪ ,‬بناءاً على �أن من‬ ‫ح�سنات الأمة الإ�سالمية �أنها مع�صومة‬ ‫وهي كما و�صفها عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫فيما رواه �أن�س ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه ‪" : -‬مثل‬ ‫�أمتي مثل املطر‪ ,‬ال ُيدرى �أوله خري‬ ‫�أم �آخره" (‪ ,)26‬ومن هذه الع�صمة �أن‬ ‫اهلل تعاىل يبعث لها على ر�أ�س كل مئة‬ ‫�سنة من يجدد لهــا ديـ ـ ـن ـ ـه ـ ــا‪ ,‬وم ـ ــن‬ ‫الـ ـت ـ ـجــدي ــد �ضـ ـبـ ــط الف ـت ــوى وتنـظيمها‪,‬‬ ‫ومـ ــن الـمـقـتـ ــرح ــات واحلـ ـ ـ ـل ـ ــول لـ ــذل ـ ــك‬ ‫النقاط التالية‪:‬‬ ‫�أو ًال‪� :‬ضرورة توافر ال�شـ ــروط ال�شــرعية‬

‫فـ ـي ـمـ ـ ــن يـ ـتـ ــ�ص ـ ــدى للإفتاء‪ ,‬و�أن‬ ‫ي ـ ـك ــون مهتماً بجميع �ش�ؤون احلياة مما‬ ‫له تعلق باحلكم ال�شرعي‪ ,‬وهذا ي�شمل‬ ‫العبادات واملعامالت والأحوال ال�شخ�صية‬ ‫والعقوبات وال�سيا�سة ال�شرعية (الفقه‬ ‫ال�سيا�سي)‪ ,‬وعليه يجب على والة الأمر‬ ‫منع فو�ضى الإفتاء ب�إق�صاء املفتي غري‬ ‫امل�ؤهل املتظاهر �أو املكت�سب لأنه عظيم‬ ‫ال�ضرر على نف�سه وعلى غريه‪ ,‬وتقليد‬ ‫هذا الأمر للم�ؤهلني وتزويدهم بكافة‬ ‫الو�سائل امل�ساندة من م�صادر ومراجع‬ ‫وحوا�سيب �آلية‪ ,‬واال�ستفادة من �شبكة‬ ‫الإنرتنت لتكون الفتوى من�ضبطة �شرعاً‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪� :‬إيجاد مرجعية جماعية يف‬ ‫الق�ضايا العامة وامل�ستجدات املعا�صرة‬ ‫من خالل الـمجـامــع الـفـقـهـي ــة ت ـح ـظـ ــى‬ ‫بـ ــالـ ــدع ـ ـ ــم الـم ــادي وال ــر�س ـم ــي التي‬ ‫ت�ضم الع�شرات م ــن ال ـم ـج ـت ـ ـه ــديـن‬ ‫والفـقـهاء مــن كــاف ــة �أنحـاء العامل‪ ,‬بحيث‬ ‫ُتعـ ـن ــى هــذه املجامع بالق�ض ــايـ ــا ال ـع ــامـ ــة‬ ‫الـتـ ــي م ــن �ش ـ ـ ـ�أن ـ ـ ـهـا الت�أثري على الأمة‪,‬‬ ‫�سواء كانت ق�ضايا �سيــا�سي ــة كــال�ش ــورى‬ ‫والـ ــدي ــمقـ ــراطـ ـ ـي ــة وم�شاركة املر�أة‪� ,‬أو‬ ‫ق�ضايا اقت�صادية كالبور�صات والعمل يف‬ ‫ال�شركات الكبرية وما ي�شوب معامالتها‬ ‫من �أوجه الف�ساد ال�شرعية‪ ,‬وامل�شاركة يف‬ ‫منظمات التجارة الدولية‪� ,‬أو الق�ضايا‬ ‫االجتماعية الطارئة‪ ,‬كتحديد �سن الزواج‬ ‫والزواج العريف واال�ستن�ساخ واجلن�س‬ ‫الثالث‪ .‬ومن املعلوم �أن البحث يف هذه‬ ‫الق�ضايا يحتاج �إىل حمددين �أ�سا�سني‪,‬‬ ‫الأول‪ :‬الإملام بالواقع بجميع جوانبه بر�ؤية‬ ‫�شمولية مما يوجب على املجمع اال�ستفادة‬ ‫من ذوي الإخت�صا�ص من ال�سيا�سيني و‬

‫االقت�صاديني واالجتماعيني للإ�ستفادة‬ ‫بر�أيهم دون الإفراط يف منحهم وظيفة‬ ‫�إ�صدار احلكم ال�شرعي‪� ,‬أما الثاين‪ :‬فهو‬ ‫حتلي �أع�ضاء املجامع بروح الو�سطية‬ ‫واالعتدال يف معاجلة الق�ضايا و�أن‬ ‫ي�ضعوا املقا�صد ال�شرعية الأكيدة ن�صب‬ ‫�أعينهم ويراعوا امل�صلحة العامة كما‬ ‫فعل عمر بن اخلطاب – ر�ضي اهلل عنه‬ ‫– يف م�س�ألة الأرا�ضي اخلراجية و�سهم‬ ‫امل�ؤلفة قلوبهم‪ ,‬و�أن تعزز هذه املجامع‬ ‫بامل�ؤمترات والندوات الفقهية الدورية‬ ‫لبحث �أهم امل�ستجدات والق�ضايا املعا�صرة‪,‬‬ ‫ومن املهم �ضرورة‬ ‫التزام رجال العلم‬ ‫واملفتني مبا ي�صدر يجب على والة األمر‬ ‫عن هذه املجامع منع فوضى اإلفتاء‬ ‫من فتاوى‪ ،‬خا�ص ًة بإقصاء المفتي غير‬ ‫المؤهل المتظاهر‬ ‫ب ــرام ــج الفـ ـتـ ـ ــاوى‬ ‫أو المكتسب ألنه‬ ‫املبا�شرة التي تبثها‬ ‫عظيم الضرر على‬ ‫املحطات الف�ضائية‬ ‫نفسه وعلى غيره‪.‬‬ ‫و الإذاع ـي ــة وع ـ ـ ــدم‬ ‫ال�شذوذ ع ـنـ ـه ــا لأن‬ ‫الأمة ال جتتمع على �ضاللة‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬العمل على �إيجاد هيئة �أو دائرة‬ ‫عاملية للإفتاء منتخبة من كبار علماء‬ ‫املجامع الفقهية واجلاليات الإ�سالمية‬ ‫بالعامل ‪ -‬ب�شروط ت�ضعها املجامع – جتتمع‬ ‫دورياً ملناق�شة اخر ما تو�صلت �إليه املجامع‬ ‫الفقهية وامل�ستجدات‪ ,‬و�إيجاد احللول‬ ‫والأحكام ال�شرعية‪ ،‬على �أن ت�ضم عدداً من‬ ‫الن�ساء امل�ؤهالت نتيجة كرثة الق�ضايا التي‬ ‫تهم املر�أة و�أن يكون لها م�ست�شارون من ذوي‬ ‫الإخت�صا�ص يف جميع املجاالت ال�سيا�سية‬ ‫والعلمية واالجتماعية وغريها‪.‬‬

‫‪65‬‬



‫واالجتماعي بفروعه ومتنع الت�ضارب يف‬ ‫الإفتاء وتغلق باب الفو�ضى فيه‪ ,‬ومتنع‬ ‫املتطفل الذي ال ميلك الر�صيد الكايف‬ ‫لذلك‪ ,‬ولكنه غري جمدٍ يف الق�ضايا‬ ‫اخلا�صة والأ�سئلة الفردية لأنه يح�صر‬ ‫أنا�س قد ال ي�صل �إليهم‬ ‫الفتاوى يف � ٍ‬ ‫العوام ومن هم بحاجة �إىل فتوى خا�صة‪,‬‬ ‫والأجدى من �إ�صدار هذا القانون �أن‬ ‫تحُ دَّد �شروط و�ضوابط وا�ضحة ملن‬ ‫يت�صدر للإفتاء يعلمها اجلميع‪ ،‬مينع‬ ‫عموم الو ّعاظ ومن تظا َه َر بالعلم من‬ ‫الفتوى‪ ,‬خا�ص ًة �أن الفتوى ثقة بني‬ ‫امل�ستفتي واملفتي‪ ,‬وبع�ض النا�س تفقد‬ ‫الثقة مبن يرتبط بقانون �أو بجهات‬ ‫ر�سمية‪ ,‬بالإ�ضافة �إىل �أن البع�ض يرغب‬ ‫بال�سرية يف ق�ضاياه وم�سائله املطروحة‪.‬‬ ‫هذا و�أن فر�ض الر�أي الواحد يف الفتوى‬ ‫الفردية بقانون ملزم مل يحدث يف ع�صر‬ ‫ال�صحابة �أو �أي ع�صر‪� ,‬إذ تعددت الآراء‬ ‫ووجدت املذاهب‪ ,‬فلكل �شخ�ص احلرية يف‬ ‫�أن يجد من يطمئن قلبه �إليه‪ ,‬وال ميكن‬ ‫�إلزامه بفتوى ما خا�صة يف الأمور العامة‬ ‫والعبادات‪ ,‬فاالختالف ظاهرة ال ميكن‬ ‫حتا�شيها‪ ,‬وقد تكون رحمة‪ ,‬ويف ذلك يقول‬ ‫ابن القيم يف كتابه �إعالم املوقعني‪( :‬وقوع‬ ‫االختالف بني النا�س �أمر �ضروري ال بد‬ ‫منه‪ ,‬لتفاوت �إغرا�ضهم و�إفهامهم وقوى‬ ‫�إدراكهم‪ ,‬ولكن املذموم بغي بع�ضهم على‬ ‫بع�ض وعدوانهم)‪.‬‬ ‫وهناك العديد من الآثار التي تدل‬ ‫على عدم الإلزام بالر�أي الواحد‪ ,‬فقد‬ ‫�أقر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ك ً‬ ‫ال من‬ ‫املختلفني على ر�أيه اخلا�ص كما يف م�س�ألة‬ ‫�أمره عليه ال�سالم ب�صالة الع�صر يف بني‬

‫قريظة‪ ,‬فقد �صالها بع�ضهم يف املدينة‬ ‫ومل ي�صلها البع�ض الآخر �إال يف وقت‬ ‫الع�شاء‪ ,‬ومل يعنف الر�سول عليه ال�سالم‬ ‫�أحداً بل �أقرهم كما يف ال�صحيحني‪ ,‬ويف‬ ‫ال�سفر كان منهم ال�صائم واملفطر وما‬ ‫عاب على �أحدٍ ذلك‪.‬‬ ‫وعليه ف�إن لالختالف �أ�سباباً مو�ضوعية‬ ‫م�شروعة ووجيهة يجب احرتامها‪ ,‬لكن‬ ‫البد من �إحياء روح الت�سامح يف الأمة وبث‬ ‫روح الأخوة واملودة بني امل�سلمني باحرتام‬ ‫حرية الر�أي وعدم فر�ض قانون ي�صادر‬ ‫هذه احلرية‪ ,‬ف�إن لكل عامل ر�أيه وال‬ ‫يجوز �أن ُي�صادَر‪ ,‬فحرية الر�أي من حقوق‬ ‫الإن�سان الواجب احرتامها فكيف بالعلماء‬ ‫واحلكماء‪ ,‬والر�سول الكرمي يقول‪" :‬من‬ ‫كتم علماً �أجلمه اهلل بلجا ٍم من نار يوم‬ ‫القيامة"‪ ,‬ويجب �أال يغيب عن البال �أن‬ ‫الإختالف �أم ٌر واقع‪ ,‬وهناك مت�سع يف‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية للآراء وال ميكن‬ ‫للمفتي �أن يفر�ض ر�أيه على اجلميع‪ ,‬فهو‬ ‫بقا�ض حكمه ملزم‪ ,‬فلكل م�سلم �أن‬ ‫لي�س ٍ‬ ‫يذهب يف م�س�ألته �إىل من يريد ويثق به‪,‬‬ ‫وي�ستفتي منه الر�أي ال�شرعي‪ ,‬وغري ذلك‬ ‫يعد حِ جراً على حرية الر�أي والفتوى‪،‬‬ ‫وهو خالف مق�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫والذي �أراه �أن ي�صدر قانوناً يج ِّرم من‬ ‫يت�صدى للفتوى من غري امل�ؤهلني وي�أخذ‬ ‫على �أيدي من يتالعب ب�أحكام ال�شرع‪،‬‬ ‫ولي�س �إ�صدار قانون مينع امل�ؤهل و�أهل‬ ‫االخت�صا�ص‪ ،‬و�أن يجعل الفتوى ر�سمية‬ ‫من جهة معينة‪ ,‬فال ميكن منع العلماء‬ ‫من �إبداء �آراءهم حتى ولو كان خمالفاً ملا‬ ‫يقوله املفتي العام الر�سمي ما دام م�ستنداً‬ ‫�إىل دليلٍ �شرعي‪ ,‬كما يجب فتح املجال‬

‫ملناق�شة الفتوى والرد عليها علمياً ف�إن‬ ‫ال�شقاق ميكن تفاديه باحلوار الذي من‬ ‫�ش�أنه تقدمي البدائل‪ .‬وبذلك حتقق الأمة‬ ‫ري �أم ٍة‬ ‫�إرادة اهلل تعاىل لها بقوله‪" :‬كنتم خ َ‬ ‫�أُخرِجت للنا�س ت�أمرون باملعروف وتنهَون‬ ‫عن املنكر وت�ؤمنون باهلل" ‪)27( .‬‬

‫الهوام�ش‬ ‫(‪� )1‬سورة الن�ساء‪176 /‬‬ ‫(‪ )2‬الفتاوى الإ�سالمية‬ ‫(‪ )3‬مقدمة �صفة الفتوى واملفتي‬ ‫(‪ )4‬النحل‪ ،43 /‬الأنبياء‪7 /‬‬ ‫(‪� )5‬سورة التوبة‪122 /‬‬ ‫(‪� )6‬سورة الأعراف‪32 /‬‬ ‫(‪ )7‬املجموع‬ ‫(‪ )8‬رواه �أبو الداود والرتمذي‬ ‫(‪ )9‬متفق عليه‬ ‫(‪ )10‬رواه البخاري‬ ‫(‪ )11‬موافقات ال�شاطبي‬ ‫(‪ )12‬حترير الأحكام يف �أ�صول الإ�سالم‬ ‫(‪� )13‬سورة الن�ساء‪59/‬‬ ‫(‪� )14‬سورة احل�شر‪7 /‬‬ ‫(‪ )15‬املجموع‬ ‫(‪� )16‬أعالم املوقعني‬ ‫(‪� )17‬سورة التوبة‪122 /‬‬ ‫(‪ )18‬املجموع‬ ‫(‪� )19‬أعالم املوقعني‬ ‫(‪ )20‬املجموع‬ ‫(‪� )21‬سورة املائدة‪3 /‬‬ ‫(‪� )22‬سورة الأنعام‪38 /‬‬ ‫(‪ )23‬املوافقات‬ ‫(‪ )24‬رواه ال�شيخان‬ ‫(‪ )25‬رواه ابن ماجة‬ ‫(‪ )26‬رواه �أحمد والرتمذي‬ ‫(‪� )27‬سورة �آل عمران‪110 /‬‬

‫‪67‬‬

















‫هيئة شباب الوسطية تشارك‬ ‫بورشة تحت المجهر‬ ‫قام رئي�س هيئة �شباب الو�سطية (د‪.‬بالل �أيوب) ب�إقامة ور�شة عمل بعنوان (حتت املجهر)‬ ‫بدعوة من فريق و�صلة الهند�سي وذلك على م�سرح نقابة املهند�سني‪ -‬ال�شمي�ساين ‪..‬‬ ‫حيث تناولت الور�شة عدت حماور‪:‬‬ ‫من �أنتم؟؟‬ ‫ملاذا دخلت هند�سة‪..‬‬ ‫ماذا تعني الهند�سة‪..‬‬ ‫ملاذا دخلت هند�سة بالذات‪..‬‬ ‫هل الهند�سة غريت يف طريقة تفكريك‪ ..‬يف حياتك‪..‬‬

‫هيئة شباب الوسطية تشارك بورشة حقائق علمية‬ ‫دخلت هند�سة‬

‫احل�ضور يف الور�شة‬

‫قام رئي�س هيئة �شباب الو�سطية (د‪.‬بالل �أيوب) ب�إقامة ور�شة عمل بعنوان حقائق علمية بدعوة من جلنة احلا�سوب وال�شبكات‪-‬‬ ‫كلية الهند�سة التكنولوجية‪ ..‬حيث تناولت نقا�شاً حول �أهم احلقائق العلمية التي ترتكز عليها معظم االخرتاعات من حولنا وهي‬ ‫العنا�صر يف الطبيعة ‪ -‬الألوان ‪ -‬ترددات الطبيعة ‪ -‬القوة املغناطي�سية ‪ -‬قانون التجاذب ‪ -‬انعكا�س ال�ضوء‬

‫‪83‬‬



‫اإلسالميون والسلطة ‪..‬‬ ‫الفرص والتحديات‬ ‫�أ‪ .‬ب�سام نا�صر‬

‫ولوج الإ�سالميني �إىل عامل احلكم‬ ‫وال�سلطة �أ�صبح �أمرا واقعا‪ ،‬د�شنته‬ ‫حركة النه�ضة التون�سية‪ ،‬وتبعها‬ ‫حزب العدالة والتنمية املغربي‪ ،‬ومن‬ ‫املرجح �أن يكون ثالثهما حزب احلرية‬ ‫والعدالة امل�صري‪ ،‬ورمبا ي�شاطره‬ ‫حزب النور ال�سلفي (امل�صري)‪ ،‬ما‬ ‫يعني �أن العقود القادمة هي عقود‬

‫الإ�سالميني يف ال�سلطة واحلكم‪،‬‬ ‫فنتائج الثورات العربية وم�آالتها‪،‬‬ ‫دفعت بالإ�سالميني كي يرتبعوا على‬ ‫كرا�سي احلكم وال�سلطة‪ .‬قرار م�شاركة‬ ‫الإ�سالميني يف احلكم وال�سلطة ـ يف‬ ‫العقود ال�سابقة ـ كان يكتنفه جملة‬ ‫من املحاذير والتخوفات‪ ،‬وكان يغلب‬ ‫على �أدائهم ـ مرحلة ما قبل الثورات ـ‬

‫االبتعاد عن امل�شاركة يف احلكومات‪،‬‬ ‫تخوفا من التعرث واالنزالق يف م�ضايق‬ ‫ال�سلطة ودهاليزها‪ ،‬وعدم القدرة‬ ‫يف الوقت نف�سه على تنفيذ مبادئهم‬ ‫وتطلعاتهم‪ ،‬و�إعاقتهم عن تنفيذ ر�ؤاهم‬ ‫من خالل امل�شاركة اجلزئية يف بع�ض‬ ‫املقاعد الوزارية‪ .‬لكن دخولهم �إىل‬ ‫عامل احلكم وال�سلطة احلايل‪ ،‬ي�أتي‬ ‫بعد انتخابات �أهلتهم لذلك الدخول‪،‬‬ ‫فلي�س لأية جهة �أن متن عليهم بذلك‪،‬‬ ‫�أو �أن ت�ضع لهم حمددات و�سقوف‬ ‫يلتزمون بها يف �أدائهم‪ ،‬فما يحكمهم‬

‫‪85‬‬





Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.