املهند�س مروان الفاعوري
رمضان موسم التجديد
كام الصلوات الخمس يجدد فيهن املؤمن العهد والبيعة مع الله أن مييض ملتزماً بالحق ،مدافعاً موسم أكرب تكون فيه املراجعة وتكون عنده الوقفة .ينظر عنه ،صابراً عىل تكاليفه ،فإن شهر القرآن ٌ املؤمنون بحالهم عرب عام مىض يسددون يدققون كام اشارات الوقوف واملرور التي ترسم الطريق وتحذر من املنعطفات ،وبعدها يجدّ ون بالسري اىل الله عرب كل املسارات املتاحة ويف كل املستويات عىل صعيد الفرد -األرسة -املجتمع -الدولة -األمة :كلهم يبتغي مرضاة الله والفوز بالجنة. يراجع الفرد نفسه ،يعاتبها ،يلومها ،ينتفض منها فاراً إىل الله ،إىل رحابه ورحمته وجواره ،ينشد القرب والطأمنينة والرىض ويطلب العفو واملغفرة. وتراجع األرسة عالقاتها عرب عام :تلتقي عىل موائد اإلميان يف صالة الفجر وقراءة القرآن والذكر وصالة الرتاويح والصدقات والرتاحم وصيانة األرحام ،ينشأ الفتيان عىل دروب الطاعات التي يرون فيها رب األرسة وربتها جادين يف السري فيها (ركضاً إىل الله بغري زاد اال التقى والصرب عىل الجهاد). ويراجع املجتمع ذاته فيعطف الغني عىل الفقري ويحنو القوي عىل الكسري ويلتقي الجميع يف املساجد ،جباههم تزدان بالسجود العايل ،يصلون ما انقطع فيام بينهم بفعل مشاغل الدنيا والركض خلفها ،نقيد الشياطني كل الشياطني :انسيهم والجني ،يقيد فيه العصاة واملفسدون ويبدأ املجتمع يف السري يف اإلصالح عرب مراجعات شاملة تسهم يف التصحيح وااللتزام باملسار. وهو مناسبة للتجديد عىل مستوى الدولة تجدد فيه ذاتها وبرامجها ،وتصون عقدها مع أبناء شعبها عرب مراجعة شاملة تصحح جوانب الخلل وتعزز الخري وتعيل من قيمه وتقاوم الفساد والرش وته ِّون منه ومن اصحابه ودعاته .ورمضان هذا العام يختلف عمن سبقه من رمضانات فمن سنني مريرة طويلة كان املنحنى هابطاً عىل صعيد األمة واملجتمع والدولة ،كانت الكرامة مهدورة والحرية مفقودة ومقيدة ،والقرار والسيادة واالستقالل منقوصاً...سطا الفاسدون عىل ثرواتنا ومقدرات أمتنا فنهبوها بل وصدّ روا قرارنا خارج حدود أوطاننا. رمضان هذا العام شهد مراجعة شاملة عىل مستوى األمة كلها ومحاولة نهضة جديدة حطمت القيود واسرتجعت الحرية ،واملعركة مفتوحة يف كل الساحات جارية يف كل دار وحي وشارع وزنقة عىل كافة املستويات .ندعو الله ان تثمر محاوالت التجديد بأن تستكمل استقاللنا ويرحل عنا أعداء األمة الذين ضيقوا الخناق وحبسوا األنفاس واالحالم. انه شهر القرآن شهر املعارك شهر الفتوحات :فتوحات األرض وفتوحات السامء عرب ليلة هي اس َو َب ِّي َن ٍ ات خري من ألف شهر .وصدق الله إذ يقول﴿ :شَ ْه ُر َر َمضَ انَ الَّ ِذي أُنز َِل ِفي ِه الْ ُق ْرآنُ هُدً ى لِّل َّن ِ ِّم َن الْ ُهدَ ى َوالْ ُف ْرقَانِ ﴾ (سورة البقرة )185:
الإمام ال�صادق املهدي ال�سودان الدكتور وهبة الزحيلي �سوريا الدكتور حممد طالبي املغرب الدكتور م�صطفى عثمان ا�سماعيل ال�سودان الدكتور عبد الإله ميقاتي لبنان الأ�ستاذ منت�صر الزيات م�صر الدكتور �سعد الدين العثماين املغرب الدكتور حممود ال�سرطاوي الأردن الدكتور حممد احلاليقة الأردن الـمــهــنــد�س مــــــروان الـفــــاعــــــوري الأ�ســتـاذ الـدكتــور مـحـمـد اخلـطـيـب الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة الــدكـتـور هـايـل عبـد احلفيـظ داوود الـــدكـتـور يـــــا�ســـيــن الـمــقــــو�ســـــــي الأ�سـتـــــاذ حــ�ســيــن الــــــروا�شــــــــــدة الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة مـحـمـــد عــــزام ال�ســـلـمــــان املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع
اململكة الأردنية الها�شمية -عمان تلفون +962 - 6 - 5356329 : فاك�س +962 - 6 - 5356349 : �ص.ب 2149 :عمان 11941الأردن
Email : mod.inter@yahoo.com Moderation_assembly@yahoo.com Website : www.wasatyea.net
70
34
45
نشاطات الوسطية :
اجتماع ملمثلي فروع املنتدى العاملي للو�سطية يف العامل مبقره بعمان
70
الأمني العام بزيارة �إىل جمهورية م�صر العربية
71
الفاعوري ي�شارك مب�ؤمتر (الفكر الإ�سالمي ودوره يف مواجهة الغلو ) يف مو�سكو
71
مبنا�سبة عيد اال�ستقالل و�سطية ال�سلط وبالتعاون مع غرفة جتارة ال�سلط تنظمان حما�ضره االردن �أر�ض االنبياء واحل�ضارات
72
برعاية ال�شيخ الكيالين :و�سطية ال�سلط يخرج طالب الدورة الفقهية
73
اختتام دورة اخلرب ال�صحفي يف ملتقى القد�س الثقايف
74
وفد من الأئمة والوعائظ امل�شاركني يف دورة �شرح م�ضامني ر�سالة عمان يزور مقر املنتدى العاملي
74
ال�شيخ ال�سفرتي يحا�ضر حول تربية الأبناء يف الإ�سالم
74
الهيئة الإدارية للعاملي للو�سطية يف ال�سودان تعقد اجتماعها الأول العاملي للو�سطية يف م�صر يعقد م�ؤمتر ًا بعنوان الرئي�س الإ�سالمي وبناء الأمة
75 76
رابطة كتاب التجديد متنح جائزتها ال�سنوية ل د .النجار و د.العلواين
76
م�ؤمتر الربيع العربي والدميقراطية
77
م�ؤمتر دويل حول الو�سطية والإ�صالح باملغرب
78
شباب الوسطية :
حما�ضرة الإبداع وتروي�ض القدرات العقلية عمرو خالد يحا�ضر حول عمر بن اخلطاب هيئة �شباب الو�سطية ت�شارك بور�شة حتت املجهر هيئة �شباب الو�سطية ت�شارك بور�شة حقائق علمية
82 82 83 83
واحة القراء :
الأمة العربية وامل�شروع الغائب -خليفة الديات الإ�سالميون وال�سلطة الفر�ص والتحديات� -أ.ب�سام نا�صر
84 85
يكون كل واحد من القولني �أو الفعلني حقاً م�شروعاً» .ثم مثل له باالختالف الوارد يف �صفة الأذان والإقامة واال�ستفتاح والت�شهدات و�صالة اخلوف ،وتكبريات العيد وتكبريات اجلنازة �إىل غري ذلك مما قد �شرع جميعه، ثم قال« :و�إن كان قد يقال� :إن بع�ض �أنواعه �أف�ضل» .وعرفه بع�ضهم ب�أنه« :ما ال يكون فيه �أحد الأقوال مناق�ضا للأقوال الأخرى». ومن الباحثني من عرفه ب�أنه« :عبارة عن الآراء املتعددة التي ت�صب يف م�شرب واحد». وهذه التعريفات كلها متقاربة ،وهي تدل على �أمرين مهمني� .أولهما :عدم املناق�ضة والت�ضاد بني الأقوال يف االختالف املباح، والآخر :اكت�ساب �صفة امل�شروعية يف الأقوال كلها يف االختالف املباح ،فجميعها حق ال باطل فيها ،و�صواب ال خط�أ فيها. ويقابله :االختالف الت�ضاد وهو من امل�ضادة، وهي املخالفة واملباينة وهو :ما كانت الأقوال يف امل�س�ألة املختلف فيها مت�ضادة ،متعار�ضة، كل قول يناق�ض القول الآخر ويباينه وينافيه ،كمن يوجب �شيئاً والآخر يح ّرمه� ،أو كمن ي�ستحب �شيئاً والآخر يكرهه. ثانيا� :أ�سماء االختالف املباح: هذا النوع من االختالف الفقهي يعرب عنه الفقهاء بعدة تعبرياتٍ و�أ�سماء ،وذلك بالنظر �إىل طبيعته وحقيقته .فمنهم من ي�سميه باالختالف املباح ـ كما �س ّميناه ـ وذلك بالنظر �إىل �أن كل الأقوال تتفق على اجلواز والإباحة، في�صح العمل بها جميعا ،لأنها واقعة يف دائرة املباح .وهذا الإمام ال�شافعي رحمه اهلل و�ضع بابا يف كتابه «اختالف احلديث» فقال« :باب االختالف من جهة املباح». ومن العلماء من ي�سمي هذا االختالف: اختالف يف االختيار والأوىل ،كما قال عنه الإمام ابن القيم رحمه اهلل« :وهنا نوع �آخر من االختالف ،وهو وفاق يف احلقيقة ،وهو اختالف يف االختيار والأوىل بعد االتفاق على جواز اجلميع كاالختالف يف �أنواع الأذان. ومنهم من ي�س ّميه بـ :اختالف التنوع. يقول الإمام ابن تيمية رحمه اهلل يف بيان
�أنواع االختالف« :فهو يف الأ�صل ق�سمان: اختالف تنوع واختالف ت�ضاد» .ثم قال...« : وهذا الق�سم ـ الذي �س ّميناه :اختالف التنوع ـ كل واحد من املختلفني م�صيب فيه بال تردد. ثالثا :فيما يقع فيه هذا النوع من االختالف: و�إذا تقرر هذا ،ف�إن هذا االختالف يقع يف ثالثة �أمور من العبادة ،الأول :يقع يف �صفة العبادة كاالختالف يف �صفة �صالة اخلوف� ،أو يف �صفة احلج من حيث القران �أو الإفراد �أو التمتع ،والثاين :يقع يف هيئات العبادة كهيئة و�ضع اليدين يف ال�صالة ،وهيئة قب�ض �أ�صابع اليد اليمنى يف جلو�س الت�شهد .والثالث :يقع كذلك يف الأذكار داخل ال�صالة وخارجها .وال يقع هذا االختالف يف �أبواب الفقه الأخرى ـ غالبا ـ بل االختالف الواقع فيها هو اختالف ت�ضاد .كما ال يقع هذا االختالف يف م�سائل الأ�صول واالعتقاد. رابعا :م�شروعية االختالف املباح: هذا االختالف ـ بتعريفه ال�سابق ـ اختالف م�شروع �سائغ مقبول ،ال ُي ّ خط�أ فيه �أحد من املختلفني ،وال يلحق املدح والذم �أحدهما. لأن ما ت�ضمنه كل قول من الأقوال املختلفة حق و�صواب ،ولهذا ف�أطراف اخلالف فيه م�صيبون من غري تردد ،م�أجورون مبجرد الفعل ،وهذا بخالف اختالف الت�ضاد فالأجر فيه على الإ�صابة ـ �إن كان املجتهد م�صيبا ـ �أو على االجتهاد وحده ـ �إن كان خمطئا ـ .ومما يدل على م�شروعية هذا االختالف ما ي�أتي: -1االختالف الوارد يف القراءات ،و�إقرار النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كل من قر�أ على كاف ،و�أن �شاف ٍ حرف منها ،و�إخباره ب�أن ذلك ٍ الكل حم�سن .ففي حديث عمر ر�ضي اهلل عنه �أنه �سمع ه�شام بن حكيم. -2ومما يدل على م�شروعية االختالف املباح� :أن كل ما ثبت عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم من �أوجه العبادات و�صفاتها وهيئاتها �سواء من قوله �أو فعله� ،صح العمل به وجاز التع ّبد به �إال �أن يتعذر العمل بجميع الأحاديث للتناق�ض بينها ،وما كان من باب
االختالف املباح من �أنواع العبادة و�أذكارها فلي�س للتناق�ض �إليه �سبيل. -3ومما يدل على ذلك �أي�ضاً :ما يذكره الفقهاء من حكاية الإجماع يف بع�ض م�سائل االختالف املباح على م�شروعية الوجوه وال�صيغ كلها ،ك�إجماعهم على الت�شهد ب�أيّ �صيغة ثابتة و�صالة اخلوف ب�أيّ �صيغة ثابتة و�إيثار الإقامة و�شفعها ونحو ذلك خام�سا :احلكمة يف م�شروعية االختالف املباح: 1ـ حتقيق م�صالح العباد :ال �شك �أن ال�شريعة الإ�سالمية مبنية على حتقيق م�صالح العباد يف املعا�ش واملعاد� ،سواء ما �أمرت به من فرائ�ض و مندوبات �أو ما نهت عنه من حمرمات ومكروهات ،فهي يف كل ذلك تهدف �إىل حتقيق م�صالح ومقا�صد وحكم ،ثم هذه امل�صالح واحلكم منها ما يدركه العباد بعقولهم و�إفهامهم ،ومنها ما تق�صر العقول والإفهام عن �إدراكه .لكن حكمة ما �شرعه اهلل عز وجل لعباده من العبادات التي تعددت وجوهها وتنوعت �صيغها ظاهرة ،وامل�صلحة من ورائها مدركة ،حيث يح�صل بذلك من التي�سري والتخفيف وال�سعة والرحمة ما ال يخفى ،حيث يختار املكلف من الوجوه ما �شاء ،مما يتنا�سب مع حاله �أو وقته� ،أو فهمه وحفظه مما يندفع به احلرج وامل�شقة. وقد كان ال�سلف يحبون هذه التو�سعة على املكلف ويعدون ذلك من نعم اهلل التي توجب �شكرها .فقد روى غ�ضيف بن احلارث قال: «قلت لعائ�شة� :أر�أيت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم كان يغت�سل من اجلنابة يف �أول الليل �أو يف �آخره؟ قالت :رمبا اغت�سل يف �أول الليل ورمبا اغت�سل يف �آخره ،قلت :اهلل �أكرب، احلمد هلل الذي جعل يف الأمر �سعة ،قلت: �أر�أيت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،كان يوتر �أول الليل �أم يف �آخره؟ قالت :رمبا �أوتر يف �أول الليل ورمبا �أوتر يف �آخره ،قلت :اهلل �أكرب ،احلمد هلل الذي جعل يف الأمر �سعة، قلت� :أر�أيت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم كان يجهر بالقر�آن �أم يخفت به؟ قالت :رمبا
5
العمل بالنا�سخ .وال يكون هذا من باب االختالف املباح. � -4أن ال تكون الوجوه من قبيل التلفيق بني ال�صفات �أو بني ال�صيغ املتعددة ،كالتلفيق بني ت�شهد ابن م�سعود وحتياته و�صلواته، وبني زاكيات ت�شهد عمر ومباركات ابن عبا�س ،بحيث يقول« :التحيات هلل وال�صلوات والطيبات واملباركات والزاكيات» .ف�إن الت�شهد بهذه ال�صيغة امللفقة ال يعد وجها من وجوه االختالف املباح امل�شروع و�إن كانت مفردات هذه ال�صيغة ،وجملها ثابتة عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم. � -5أن ال يكون العمل ب�أحد الوجوه الثابتة للعبادة �سبباً حلدوث فتنة �أو ت�شوي�ش بني العامة ،فقد يكون �أداء الأذان بالرتجيع ـ مث ً ال ـ يف بيئة ال يعرف �أهلها ذلك مدعاة للت�شوي�ش عليهم ،مما قد ي�صل �إىل التباغ�ض والتهاجر وما هو �أعظم من ذلك. � -6أن ال يرتتب على ت�سويغ هذا االختالف بغي بني املختلفني ،ب�أن تعتقد كل طائفة �صواب ما ذهبت �إليه ،وخط�أ ما ذهب �إليه غريها ،ف�إن هذا ينقل هذا االختالف من دائرة االختالف املباح امل�شروع �إىل دائرة االختالف املذموم. مناذج تطبيقية من االختالف املباح الدال على الت�آلف وجمع الكلمة ووحدة ال�صف: -1عدد مرات الغ�سل يف الو�ضوء: روى الإمام ال�شافعي يف كتابه اختالف احلديث ،من حديث ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ّ و�ض�أ وجهه ويديه وم�سح بر�أ�سه مرة مرة. وروى من حديث عثمان ابن عفان ر�ضي اهلل عنه �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم تو�ض�أ ثالثاً ثالثاً .وروى من حديث عبد اهلل بن زيد �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم تو�ض�أ مرتني مرتني .ثم قال ال�شافعي« :وال يقال ل�شيء من هذه الأحاديث خمتلف مطلقا ولكن الفعل فيها يختلف من وجه �أنه مباح، ال اختالف احلالل واحلرام ،والأمر والنهي،
ولكن يقال �أقل ما يجزئ يف الو�ضوء مرة، و�أكمل ما يكون من الو�ضوء ثالث». -2االختالف يف اجلهر بالب�سملة واملخافتة بها يف ال�صالة: اختلفوا يف ذلك ،فذهب الإمام �أبو حنيفة والإمام �أحمد �إىل عدم اجلهر بها يف ال�صالةـ �أي يف ال�صالة التي يجهر بالقراءة فيها .وقد وردت �أحاديث �أخرى يف اجلهر بها عن نفر من ال�صحابة. قال ابن تيمية« :وكذلك اجلهر بالب�سملة واملخافتة بها� ،صح اجلهر بها عن طائفة من ال�صحابة ،و�صحت املخافتة بها عن �أكرثهم، وعن بع�ضهم الأمران جميعاً» .قلت� :إذاً هو من االختالف املباح فيجوز العمل بكل منهما ،يفعل هذا تارة وهذا تارة حفظاً لل�سنة ومت�سكاً بها ،فهو من كمال الديانة وبقا ًء لها ّ و�سالمة املذهب .ويتحقق به الت�آلف وجمع القلوب ووحدة ال�صف. -3االختالف يف �أنواع الت�شهد: واختلفوا يف �أنواع الت�شهد املختار منه. فاختار الإمام �أبو حنيفة والإمام �أحمد وجماعة من ال�سلف ت�شهد ابن م�سعود ر�ضي اهلل عنه .واختار الإمام مالك ت�شهد عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه .و�أما الإمام ال�شافعي فاختار ت�شهد ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما. قال ابن عبد الرب بعد �أن �ساق اخلالف يف الت�شهد« :والذي �أقول به ـ وباهلل التوفيق ـ �أن االختالف يف الت�شهد ،ويف الأذان ...وما كان مثل هذا كله ،اختالف مباح كالو�ضوء واحدة واثنتني وثالثاً ...وهلم جراً ،فدل على �أنه مباح كله �إباحة تو�سعة ورحمة ،واحلمد هلل». -4االختالف يف كيفية الأذان والإقامة: اختلف �أئمة الأم�صار يف كيفية الأذان والإقامة :فذهب احلنفية و�سفيان الثوري �إىل �أن الأذان مثنى مثنى ،والإقامة مثنى مثنى. وذهب الإمام مالك وال�شافعي و�أ�صحابهما �إىل �أن الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة �إال �أن ال�شافعي يقول يف �أول التكبري« :اهلل �أكرب» �أربع مرات.
-5االختالف يف عدد ال�صالة بعد اجلمعة: اتفقوا على �سنية ال�صالة بعد اجلمعة لثبوتها عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ولكن اختلفوا يف مقدارها .فذهب جماعة من �أهل العلم منهم ابن م�سعود وعلقمة والنخعي والثوري وابن املبارك واحلنفية ـ غري �أبي يو�سف ـ �إىل �أن ال�سنة بعد اجلمعة �أربع ركعات( ،و�ص ّرح �أكرث ه�ؤالء �أنه �إذا �صلى �أربعاً ال يف�صل بينهن ب�سالم .واحتجوا بحديث �أبي هريرة ر�ضي اهلل عنه قال :قال �صلى اهلل عليه و�سلم« :من كان منكم م�صلياً بعد اجلمعة فلي�صل �أربعاً»). وذهبت جماعة �أخرى من �أهل العلم منهم: عمر وعمران بن ح�صني والنخعي وال�شافعي �إىل �أنه ي�صلي بعد اجلمعة ركعتني وعن ال�شافعي :ي�ستحب بعدها �أربعاً. قال اخلطابي« :وهذا ـ واهلل �أعلم ـ من االختالف املباح ،وكان �أحمد بن حنبل يقول: �إن �شاء �صلى ركعتني و�إن �شاء �صلى �أربعاً .»...قال ابن قدامة« :ولنا �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كان يفعل ذلك كله بدليل ما روي من الأخبار . -6االختالف يف كيفية �صالة اخلوف: �صالة اخلوف م�شروعة يف �أثناء قتال الكفار ،وثابتة بالكتاب وال�سنة والإجماع، وقد فعلها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مرا ًرا يف �أوقات خمتلفة ويف �أ�شكال متباينة. وقال اخلطابي�« :صالة اخلوف �أنواع ،وقد �صالها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف �أيام خمتلفة وعلى �أ�شكال متباينة يتوخى يف كل ما هو �أحوط لل�صالة و�أبلغ يف احلرا�سة، وهي على اختالف �صوره م�ؤتلفة يف املعاين. (ونقل احلافظ ابن حجر عن طائفة من العلماء�« :أنه ي�ؤخذ بجميعها على ح�سب اختالف �أحوال اخلوف ،ف�إذا ا�شتد اخلوف �أخذ ب�أي�سرها م�ؤنة») .وقال الإمام ال�شافعي: «�أن هذا كله جائز ،و�أنه من االختالف املباح فكيف �صلى الإمام ومن معه على ما روي �أجز�أ ،و�إن اختار بع�ضه على بع�ض. �أ�ستاذ ق�سم الفقه والأ�صول يف اجلامعة الإ�سالمية العاملية
7
�إطار الأمة الوليدة والدولة اجلديدة وعن امل�ساواة بني الفرقاء واملتنوعني. �أما الوثيقة الد�ستورية الثانية ،فهي خا�صة بالعالقة مع الآخر الن�صراين، و�ضعها الر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم لن�صارى جنران ،عهداً لهم ولكل املتدينني بالن�صرانية عرب املكان والزمان ،وفيها ُيقر الر�سول للن�صارى بكامل احلقوق الدينية واملدنية مبا ال مييزهم يف �شيء عن عامة امل�سلمني .يقول �سبحانه وتعاىل ( َال َي ْنهَا ُك ُم ُ ِّين َو مَ ْ ين مَ ْ اهلل ع َِن ا َّلذِ َ ل ل ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ ُيخْ ر ُِجو ُكم ِّمنْ ِد َيا ِر ُكم �أَنْ َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن َ ني �إِ مَّ َ اهلل يُحِ ُّب امل ُ ْق�سِ طِ َ نا َي ْنهَا ُك ُم ُ اهلل ع َِن ا َّلذِ َ ِّين َو�أَ ْخ َر ُجو ُكم ين َقا َت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ ِّمنْ ِد َيا ِر ُكم َو َظا َه ُروا َعلَى �إِ ْخ َراجِ ُكم �أَنْ َت َو َّل ْوهُ ْم َومَن َي َت َو َّل ُه ْم َف�أُو َلئ َِك هُ ُم َّ الظالمِ ُو َن) (املمتحنة.)9-8 : الإ�سالم ر�سالة رحمة ونبذ للعنف :و�إذا كان الإ�سالم جاء على يد حممد حممد �صلى اهلل عليه و�سلم بر�سالة �إن�سانية لإي�صال الكون �إىل كماله ،فال يت�أتى له ذلك �إ ّال من خالل هذه الرحمة؛ وقد ح�صر القر�آن الكرمي بعثته حممد �صلى اهلل عليه و�سلم فيها عندما قالَ ( :ومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ اك ِ�إلاَّ َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ ني)(�سورة الأنبياء ،)107:وهناك �آيات بهذا املعنى كقوله تعاىلَ ( :ومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ ا�س بَ�شِ رياً اك �إِلاَّ َكا َّف ًة لِل َّن ِ َو َنذِ يراً)(�سورة �سب�أ )28:فالتب�شري والإنذار؛ و�إنْ كان يحمل معاين وقيم الر�سالة �إ ّال �أنه ي�ؤدي �إىل الرحمة املُو�صلة ملفردات الكون- وباخل�صو�ص الإن�سان � -إىل كماله ،ولذا، جند � ّأن الإ�سالم احلنيف عندما ي�ؤكد على � ّأن ر�سالة الإ�سالم جاءت رحمة للعاملني ،فهو يركز �أي�ضاً على نبذ العنف وي�شجب احلقد والكراهية ،ويدعو �إىل الت�سامح حتى مع املخالفني. الإ�سالم يدعو �إىل الت�سامح مع غري امل�سلم: ومل تكن نظرة الإ�سالم منح�صرة يف الت�أكيد على م�س�ألة تبادل العالقات والت�سامح بني �أهل الدين الواحد ،ويف �إطار عالقة امل�سلم
ب�أخيه امل�سلم ،لأ َّن هذا من الو�ضوح مبكان، ولكن هذه النظرة الإ�سالمية كان لها ُبعد �شمويل ي�ستوعب حتى الذين يختلف الإ�سالم معهم يف م�س�ألة العقيدة ،وهذه م�س�ألة يف غاية الأهمية باعتبار �أ َّن الإن�سان لديه تقدي�س لعقائده حتى و�إنْ كانت ال تقوم على الدليل ،وال ي�ؤيدها الربهان ،بل، و ُي َفدِ ي نف�سه يف الدفاع والذود عن عقيدته، وعلى هذا الأ�سا�س جاء الإ�سالم لي�ؤكد على �أمرين: الأول :احرتام الإن�سان الآخر الذي ال ين�ضوي حتت املفهوم العقدي مع امل�سلمني. الثاين :الدعوة �إىل التعامل الإيجابي يف تبادل اخلربات معه ،و�إقامة العدل معه و�إياه. الإ�سالم يوجب التعامل مع غري امل�سلم باحرتام وتقدير �إن�ساين متبادل� :إ َّن التعامل مع غري امل�سلم يف امل�سائل العقدية ال بد �أن يقوم على �أ�سا�س م�س�ألة االحرتام املتبادل بني امل�سلم وغري امل�سلم ،ف�إذا مل يتع َد هذا الإن�سان على امل�سلمني ،ومل ينتهك القانون يوجه �أي نحو من الإ�ساءة الإ�سالمي ،ومل َّ �إىل الأمة الإ�سالمية ،فيندرج حتت التعامل الإيجابي يف �إطاره ال�سعِي والوا�سع دون ظلم �أو تعدي على حقوقه ،بل ،يكون وفق احرتامه والت�أكيد على مبد�أ �إقامة الق�سط والعدالة .ولذا ،جند القر�آن ي�ؤكد على � ّأن الإن�سان مهما اختلف مع �أخيه الإن�سان وتعددت وجهات النظر بينهما� ،إال � ّأن كل فرد يعمل على �شاكلته وينطلق من توجهاته الداخلية .قال تعاىل( :ال َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن ِّين َو مَ ْ ين مَ ْ ا َّلذِ َ ل ُيخْ ر ُِجو ُك ْم ل ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ مِ نْ ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن اللهَّ َ يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ ني)(املمتحنة.)8: مبد�أ التعارف �أ�سا�س �إ�سالمي: ا�س ِ�إ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ قال تعاىلَ ( :يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ َذ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوباً َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِ َّن �أَ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد اللهَّ ِ �أَ ْت َقا ُك ْم)(احلجرات،)13: وهذه الآية القر�آنية الكرمية تدعو �إىل التعارف ،الذي ال يعني جمرد تعرف الإن�سان
على �أخيه الإن�سان ،و�إمنا املعرفة طريق لتبادل اخلربات والتعامل الإيجابي فالنا�س يختلفون يف توجهاتهم و�آرائهم وقدراتهم وثقافاتهم غري �أ َّن هذه االختالفات ال تدعو �إىل احلقد �أو الكراهية� ،أو �أن يقوم الإن�سان ب�إ�ضرار �أخيه الإن�سان ،و�إمنا ال ب َّد �أن يكون التعاون الإن�ساين يف �ضمن القوا�سم امل�شرتكة واملناحي الإيجابية التي تدعو �إىل اخلري والوئام وال�سالم ،وهذا هو املعنى العميق لقوله تعاىلَ (:و َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوباً َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا) ،فلم ي�ش�أ اهلل �أن يخلق الب�شر على هذه ال�شاكلة من �أجل جمرد املعرفة، بل ،املق�صود هو ما يرتتب وينبثق عن هذه املعرفة من �إيجابيات تعود باخلري على الإن�سانية جمعاء. الكرامة الإن�سانية حق �إ�سالمي: الكرامة الإن�سانية من احلقوق الأ�سا�سية لـلإنـ�سـ ــان ،م ــ�س ـ ـلـم ـ ـاً ك ـ ـ ــان �أو غ ـيـر مــ�سلم، وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ال ـم ـن ـهـ ــج الأخ ــالق ــي وال َقيمي فهمه الإن�سان امل�سلم فلـم يـشـأ اهلل أن املنتمي دينه ،واملندرج يخـلق الـبـشر عــلـى حتت ذلك التكرمي هذه الشاكلة من الـعـ ــام الـ ــذي �أ�ش ـ ـ ـ ــار أجل مجرد المعرفة، �إل ـ ـيــه قـ ــول ــه تـعــاىل :بــل ،المـقصـود هـو ( َو َل َق ْد َك َّر ْم َنا َبنِي مــا يتـرتــب ويـنبثـق �آ َد مَ)(ا لإ�سراء ،)70:عن هذه المعرفة ف ــالإن ــ�س ـ ــان مـ ـ ـك ـ ـ ــرم من إيجابيات تعود بـت ـك ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم اهلل بالخير على اإلنسانية تـعـ ـ ــالـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ــه .وقد جمعاء. �أكـ ــد النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم وال�صحابة الكرام على احرتام احلقوق والت�أكيد على الواجبات بني امل�سلم و�أخيه امل�سلم من ناحية ،وبني امل�سلم و�أخيه غري امل�سلم من ناحية �أخرى ،ومل يح�صر الإ�سالم نظرة امل�سلمني بنح ٍو �ضيق ،بحيث يجعل ه�ؤالء امل�سلمني ال يتعاملون مع غريهم وال ينفتحون على ال�شعوب والعقائد الأخرى، بل� ،أكد الإ�سالم على االنفتاح العقدي مع
11
الإعداد ,والعلم ال�شرعي ال�صحيح النافع, واملعارف احلميدة ال�صاحلة املفيدة ُتعد �أ�ص ً ال عظيماً ومهماً يف املناهج الدرا�سية. .6العمل على حت�صني البناء الفكري للجيل حت�صيناً قوياً ومنيعاً من خالل بناء ال�سياج الفكري الر�صني الذي ميكن الفرد من النقد والتمييز والفرز والتمحي�ص لكل ما يعرت�ضه من ت�أثريات ع�صرية ذات طوابع فكرية وغري فكرية �سلوكية و�أخالقية �أو غريها � ,أو �شبهات �أو توجهات �ضالة. .7ت�ضمني املناهج الدرا�سية �شرحاً وافياً لأحكام الإ�سالم ومقا�صده فيما ي�ستند �إليه دعاة االنحراف الفكري لتربير �أقوالهم و�إعمالهم ،وبيان منهج الإ�سالم العادل يف تنظيم عالقة �أفراد املجتمع امل�سلم – م�سلمني وغري م�سلمني ،-وقيم املواطنة ال�ضابطة للحقوق والواجبات واملر�سخة لقيم الوئام الديني وقبول الآخر يف املجتمع الإ�سالمي. .8تقدمي احل�ضارات الإن�سانية والثقافات املتنوعة ب�صورة �إيجابية تو�ضح فوائد االت�صال احل�ضاري والثقايف بني ال�شعوب، وتقدم يف الوقت نف�سه املعرفة ال�ضرورية بالثقافات الأخرى ،مع الرتكيز على نقاط االلتقاء ،ومناذج ا�ستفادة احل�ضارات من بع�ضها البع�ض حتى يتكون لدى الطالب ال�شعور الإيجابي نحو كل احل�ضارات الإن�سانية. .9تربية الن�شء على احرتام احل�ضارات والثقافات الأخرى ،وتنمية حب اال�ستطالع جتاه معرفة هذه احل�ضارات والثقافات ،من خالل بناء فل�سفة تربوية واجتماعية لبناء ال�شخ�صية امل�سلمة ،وت�أهيلها لالندماج يف حميطها الوطني والعاملي ،والتكيف املن�ضبط مـع خمتلف املعطيات املتجددة للع�صر وقبولها للتجدد والتنوع واالختالف. .10الرتكيز على درا�سة دور احل�ضارة والعالقات احل�ضارية يف توجيه العالقات
الدولية بني ال�شعوب ،و�إعطاء جمال للعمل احل�ضاري املمهد للتوا�صل الإن�ساين بني ال�شعوب ،وتو�ضيح الدور الإيجابي للح�ضارة يف ال�سيا�سة الدولية ويف العالقات الدولية. وكذلك العمل على عدم توظيف احل�ضارات يف خدمة ال�سيا�سة من خالل عمليات ت�سيي�س احل�ضارات وتوظيفها توظي ًفا �سلب ًيا لتخريب العالقات ال�سيا�سية بني الدول كما حدث من خالل نظريات �صراع احل�ضارات وت�أثريها ال�سلبي وال�ضار على العالقات بني ال�شعوب.
ختـامـاً:
.11ت�ضمن قيم الت�سامح الثقايف واحل�ضاري ،ف�ض ً ال عن الت�سامح الديني بني الطلبة وتعريفهم باملوقف احل�ضاري الإ�سالمي املت�سامح مع احل�ضارات الأخرى، والقبول بالتعددية الدينية والثقافية واحل�ضارية ،ون�شر قيم قبول الآخر املختلف دين ًيا وثقاف ًيا وح�ضار ًيا ،وتر�سيخ التن�شئة االجتماعية ال�سليمة لتكوين �شخ�صية الفرد امل�سلم وميوله واجتاهاته و�سلوكه ،وحتقيق قيم الوئام الديني بني الطلبة. جامعـة العلوم الإ�سالمية العاملية
يظهر لنا َّأن بناء الشخصية المسلمة القادرة على التحاور في ثقة ودون تردد ،والمزودة بالعلم الالزم واألدوات الضرورية للحوار وقبول اآلخر ،وترسيخ قيم الوئام الديني من الوظائف األساسية للمناهج التربوية. َّإن ترسيخ قيم الوئام الديني لدى الطلبة يصب في النهاية في خدمة الدعوة اإلسالمية المستنيرة ،ألن المدعو المستهدف تغيرت أوضاعه الفكرية والثقافية، وارتقت قدرته على التلقي وأصبح قاد ًرا على النقاش والجدل ،وطرح التساؤالت حول الدين .كما َّأن ثورة المعلومات وسهولة الحصول على المعلومة من خالل شبكة اإلنترنت والقنوات الفضائية أدت إلى ارتفاع معدالت الثقافة العامة والخاصة ،وارتقاء القدرة على االنتقاء والنقد ،بل المشاركة في تقديم المعلومات وتغذية الشبكة بمواد علمية على سبيل المشاركة في الحوار الدائر وبخاصة في الموضوعات الدينية، ويجب أن يستجيب القائمون على المناهج التربوية لهذا التطور الحادث على الساحة العالمية ،ووضع أسس لتعليم ديني حديث ومستنير ،وفاهم لقضايا العصر، وقادر على الحوار والمناظرة ،وقبول اآلخر ،واإلسهام الحضاري اإلنساني.
13
لوجدوا فيها ما يلبي حاجاتهم ،وما ذلك �إال لأنها ربانية امل�صدر ،ولأنها تت�ضمن بعداً �إن�سانيـاً كما �سنو�ضح يف الآتـي : �أو ًال :العقيدة الإ�سالمية وا�ضحة ، ومب�سطة ،ومقنعة ؛ فخالق الكون �إلـه واحد قادر حكيم ،خلق ف�سوى وقدّر فهدى ،وهو يعلم خائنة الأعني وماتخفي ال�صدور ،وهو يقول ملن �أ�شرك به �أن يطلب من هذا ال�شريك املزعوم �أن ي�أتي مبثل ماخلق ،بل يبني له يف حتد �أن هذا املعبود الباطل من �صفاته ال�ضعف فهو عاجز عن ا�ستنقاذ ما ي�سلبه منه �أ�ضعف املخلوقات قال تعاىل : ا�س َتمِ ُعوا َل ُه ( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ ا�س ُ�ضر َِب َم َث ٌل َف ْ �إِ َّن ا َّلذِ َ ين َت ْدعُو َن مِ ن دُونِ اللهَّ ِ َلن َي ْخ ُل ُقوا اج َت َم ُعوا َل ُه َو�إِن َي ْ�س ُل ْب ُه ُم ُّ اب الذ َب ُ ُذ َبا ًبا َو َل ِو ْ َ�ش ْي ًئا لاَّ َي ْ�س َتن ِق ُذو ُه مِ ْن ُه َ�ض ُع َف َّ الطال ُِب وب * مَا َق َد ُروا اللهَّ َ َح َّق َق ْد ِر ِه �إِ َّن اللهَّ َ َوالمْ َ ْط ُل ُ َل َقوِيٌّ َعزِي ٌز) (احلج.)74-73: �إن العقيدة الإ�سالمية تقوم على الإقتناع واليقني والثبات لأنها ت�ستند �إىل برهان وحجة ،وعطاء اهلل �سبحانه وتعاىل مطلق ال حدود له وال نفاد ،وقدرة اهلل �سبحانة وتعاىل غريمتناهية والتخ�ضع للمقايي�س الزمانية والاملكانية واليحول بينها وبني التنفيذ حائل ف�إمنا �أمره �إذا �أراد �شيئاً �أن يقول لل�شيء كن فيكون قال تعاىلَ ( :و َل ْو �أَ مَّ َ الَ ْر ِ�ض مِ ن َ�ش َج َر ٍة �أَقْلاَ ٌم َوا ْل َب ْح ُر نا فيِ ْ أ يمَ ُدُّ ُه مِ ن َب ْعدِ ِه َ�س ْب َع ُة �أَ ْب ُحرٍ َّما َن ِف َدتْ َك ِل َم ُ ات اللهَّ ِ ِ�إ َّن اللهَّ َ عَـزِي ٌز َح ِكيـ ٌم * َّما َخ ْل ُق ُك ْم َولاَ َب ْع ُث ُك ْم �إِلاَّ َك َن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة �إِ َّن اللهَّ َ َ�سمِ ي ٌع ري)(لقمان )28-27:وعقيدة الإ�سالم َب ِ�ص ٌ ال تعرف الغمو�ض كما هو نهج بع�ض
العقائد التي تقول� " :أغم�ض عينيك ثم اتبعني " وال تعرف التعقيد الذي اتبعته بع�ض النحل الو�ضعية ،فعقيدة الإ�سالم �سهلة الفهم وتتما�شى مع الفطرة الب�شرية ،ف�أ�صل التوحيد ال�شهادتان تت�ضمنه �سورة الإخال�ص مع معرفة معانيها تكفي ،بهذا الو�ضوح وعدم التعقيد ا�ستطاعت العقيدة الإ�سالمية �أن تتغلغل يف النفو�س وحتقق للذين �آمنوا بها الطم�أنينة والتما�سك والتوازن النف�سي وتعطيهم عزمية قوية يواجهون بها الرياح العوا�صف وعندما اختلط الإميان بلحمهم ودمهم وخمهم وعظمهم هانت عليهم الدنيا وقابلوا ابتالءاتها ب�صربوجلد وتوجهوا �إىل ربهم مت�ضرعني يقولون ( :واجعلنا ممن �آثر التقوى والوفاق وال�صربعلى ال�شدائد وامل�شاق رغبة يف دوام القرب والتالقي وق ّو نورنا ليهون علينا ذلك ،واجعل لنا قوة منك على حتمل ما ير�ضيك )(.)2 ثاني ًا :الإن�سان هو املخلوق املكلف ب�أمر الإ�ستخالف يف الأر�ض ولذلك كرمه اهلل وف�ضله على كثري من خلقه وجاءت تعاليم الإ�سالم حمققة مل�صاحله ومالئمة لفطرته ومتفهمة مل�شاعره ومراعية مل�ؤثراته وعوامل �ضعفه ،فاخلط�أ يتجاوز، واحل�سنات يذهنب ال�سيئات ،والتوبة الن�صوح جتب ماقبلها ،والإ�ستغفار يرفع العذاب ،ورحمة اهلل �سبقت غ�ضبه، واحل�سنة بع�شرة �أمثالها وتزيد ،وال�سيئة مبثلها وتغفر ،فالإن�سان هو املحور الذي تدور حوله الأحكام ويف النهاية ف�إن مق�صدها الأ�سمى تكرميه يف الدنيا وفالحه يف الآخرة .واليوجد خملوق
وجد تكرمياً من اهلل �سبحانه وتعاىل كما وجده الإن�سان ،فاملالئكة �أمروا بال�سجود له ،وكلف بالإ�ستخالف يف الأر�ض و�سخر الكون خلدمته ،ونزل الت�شريع مل�صلحته ،والكعبة امل�شرفة مع عظمتها وحرمتها ومكانتها الروحية وقف عندها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وقال لها : (( ما �أطيبك و�أطيب ريحك ،ما �أعظمك و�أعظم حرمتك ،والذي نف�س حممد بيده حلرمة امل�ؤمن �أعظم عند اهلل حرمة منك، ماله ودمه و�أن يظن به �إال خرياً ))(. )3 فمن ثوابت الإ�سالم تكرمي الإن�سان وكـ ـ ـفــالة ح ـق ــوق ـ ــه وحرياته ،والتكرمي من ثوابت اإلسالم يف الإ�سالم لي�س تكـــريــم اإلنـــســان خا�صاً ب�شعب �أو وكـفـالــة حــقـوقـه عرق �أو ملة بل هو وحرياته ،والتكريم في اإلسالم ليس تكرمي عام جلن�س خاصًا بشعب أو عرق الإنــ�سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان دون أو ملة بل هو تكريم التفات �إىل لونه �أو عام لجنس اإلنسان جن�سه �أو معتقده، قال تعاىلَ (:و َل َق ْد َك َّر ْمنـَا َبنِي �آ َد َم َو َح َم ْلنـَاهُ ْم فيِ ا ْلبرَ ِّ َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْق َناهُ م م َِّن َّ الط ِّيبـَاتِ ري ممِّ َّ نْ َخلَ ْق َنا َو َف َّ�ض ْل َناهُ ْم َعلَى َك ِث ٍ َت ْف ِ�ضيـ ً ال)(الإ�سراء )70:عن عمر ر�ضي اهلل عنه قال(:جاء الأقرع بن حاب�س التميمي وعيينة بن ح�صن الفزاري فوجدوا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قاعداً مع بالل وعمار و�صهيب وخباب بن الأرت يف نا�س من ال�ضعفاء من امل�ؤمنني، فلما ر�أوهم حقروهم ،ف�أتوا فخلوا به، فقالوا � :إنا نحب �أن جتعل لنا منك
23
الآخر حقوقاً مت�ساوية مع امل�سلمني ،كتب عمر بن اخلطاب �إىل عمرو بن العا�ص ـ عامله على م�صر ـ كتاباً جاء فيه ( ..واعلم يا عمرو �أن اهلل يراك ويرى عملك ف�إنه قال تبارك وتعاىل يف كتابه : ( َو ْاج َع ْل َنا ِل ْل ُم َّت ِق َ ني �إِمَـا ًمـا)(الفرقان)74: يريد �أن يقتدي بهم ،و�أن معك �أهل ذمة وعهد وقد �أو�صى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم به و�أو�صى بالقبط ،فقال : (( ا�ستو�صوا بالقبط خرياً ف�إن لهم ذمة ورحماً )) ورحمهم �أن �أم �إ�سماعيل منهم ،وقد قال �صلى اهلل عليه و�سلم (( :من ظلم معاهداً �أو كلفه فوق طاقته ف�أنا خ�صمه يوم القيامة ))( )8احذر يا عمرو �أن يكون ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم لك خ�صماً ف�إنه من خا�صمه خ�صمه ،واهلل يا عمرو لقد ابتليت بوالية هذه الأمة و�آن�ست من نف�سي �ضعفاً ،وانت�شرت رعيتي ورق عظمي ،فا�س�أل اهلل �أن يقب�ضني �إليه غري مفرط ،واهلل �إين لأخ�شى لو مات جمل ب�أق�صى عملك �ضياعاً �أن �أ�س�أل عنه يوم القيامة )( )9و�أ�شاد الإ�سالم بالعقل ودوره وجعله �شرطاً يف التكليف ،وامل�سلم مطالب �أن يعمل عقله يف فهم الن�صو�ص الإ�سالمية ،ويف التفكر يف الكون وما �أودع فيه من قوانني و�سنن ، ويف املقارنة بني احلقائق والأ�شياء لفهم �سر هذا الوجود وت�سخري منافعه لتحقيق وظيفة الإ�ستخالف قال تعاىل � ( :إِ َّن فيِ ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض َو ْاخ ِت َ ال ِف ال َّل ْيلِ َخ ْلقِ َّ َوال َّنهَا ِر َوا ْل ُف ْلكِ ا َّلتِي تجَ ْ رِي فيِ ا ْل َب ْح ِر بمِ َا ال�س َماء مِ ن َين َف ُع ال َّن َ ا�س َومَا �أَن َز َل اللهّ ُ مِ َن َّ َّماء َف�أَ ْح َيا ِب ِه الأ ْر َ �ض َب ْع َد َم ْو ِتهَا َو َب َّث فِيهَا ال�س َحابِ مِ ن ُك ِّل َد�آ َّب ٍة َو َت ْ�صرِيفِ ال ِّر َيا ِح َو َّ ال�س َماء َوالأَ ْر ِ�ض لآ َياتٍ ِّل َق ْو ٍم المْ ُ َ�س ِّخ ِر َبينْ َ َّ
َي ْع ِق ُلو َن)(البقرة )164:لقد تناولت هذه الآية الكرمية الكون ب�سمائه و�أر�ضه والآيات املبثوثة فيه ،الفتة العقول للتفكر والتدبر والإعتبار ،فا�ستنتاجات العقول هي حمل اعتبار يف الإ�سالم وتعطيل العقول ممقوت بل اعترب�سبباً يف دخول النار َ ( :و َقا ُلوا َل ْو ُك َّنا َن ْ�س َم ُع �أَ ْو َن ْع ِق ُل مَا ال�س ِعريِ)(امللك )10:كذلك ُك َّنا فيِ �أَ ْ�ص َحابِ َّ ف�إن كتاب الإ�سالم املقروء ال يتناق�ض مع الكتاب الكوين بكل ف�صوله :الفلكية والطبيعية والأحيائية والإن�سان مطالب �أن يقر�أ الكتابني ليقف على احلقائق في�ؤمن على يقني ويكت�شف �سنن املوجودات وقوانينها فيوظفها مل�صاحله ،قال تعاىل: الَ ْر ِ�ض �آ َي ٌات ِّل ْل ُمو ِق ِن َ ني * َوفيِ �أَن ُف�سِ ُك ْم ( َوفيِ ْ أ ال�س َماء ِر ْز ُق ُك ْم َومَا �أَفَلاَ ُت ْب ِ�ص ُرو َن * َوفيِ َّ الَ ْر ِ�ض �إِ َّن ُه لحَ َ ٌّق ال�س َماء َو ْ أ ُتو َعدُو َن * َف َو َر ِّب َّ ِّم ْث َل مَا �أَ َّن ُك ْم َتنطِ ُقو َن)(الذاريات)23-20: و�أكد البحث الذي قدّمه موري�س بوكاي بعنوان " الإجنيل والقر�آن والعلم " �أن القر�آن ال يتناق�ض مع احلقائق العلمية بينما الكتاب املقد�س بعهديه القدمي واجلديد مليء مبا يناق�ض احلقائق العلمية املثبتة . لقد �أقر الإ�سالم بكل م�صادر املعرفة: الروحيةوالعقلية والتجريبية والتتناق�ض تعاليمه مع العطاء الإن�ساين املفيد بل �إن عطاء الإن�سان جزء من قدر اهلل : (� ..إِ َّن اللهّ َ َال ُي َغيرِّ ُ مَا ِب َق ْو ٍم َح َّتى ُي َغيرِّ ُ واْ مَا ِب�أَ ْن ُف�سِ ِه ْم ()..الرعد)11 :فا لإ�سالم هو الدين الذي تعرتف تعاليمة بقيمة �إن�سانية للإن�سان و�إن خالفه يف املعتقد وال�شك �أن الدين الذي يحرتم الإن�سان لإن�سانيته �أوىل باخللود .
امل�صادر واملراجع ( � )1أخرجه ابن ع�ساكر يف تاريخه ( .. ) 424 / 3وابن كثري يف البداية والنهاية ( .. ) 213 / 2والبهقي يف دالئل النبوة ( ) 341 / 5 ( )2الراتب :كتاب �أدعية م�أثورة جمعها الإمام املهدى. (� )3أخرجه ابن ماجة يف ال�سنن ( ) 3932 ..وال�سيوطي يف الدر املنثور ( ) 565 / 7 (� )4أخرجه ال�سيوطي يف جامع الأ�صول ( .. ) 616والقرطبي يف تف�سريه ( / 6 ) 431 (� )5سفر الأعداد 17:31 : (� )6سفرالتثنية � .إ�صحاح 14 ، 7 ، 6:7ـ 16 ( )7حممد عمارة :الغرب والإ�سالم � ،أين اخلط�أ و�أين ال�صواب �ص ( ) 28 (�)8أخرجه �أبوداود يف ال�سنن ( )3052ويف روايته زيادة (�..أو انتق�صه �أوكلفه فوق طاقته �أو �أخذ منه �شيئا بغريطيب نف�س منه ف�أنا حجيجه يوم القيامة) (� )9أخرجه ابن �سعد يف الطبقات الكربى ( ) 299 / 3
الأمني العام لهيئة �ش�ؤون الأن�صار -ال�سودان
25
بكل دولة توفر فيها قدر من احلريات، ومنها جتمعات ال تزال تطالب بحقها يف الوجود� ،ش�أنها �ش�أن �أحزاب ي�سارية �أو قومية �أو حتى ليربالية حمرومة م ــن حق الـنـ�شــاط ال ـق ــان ــون ــي يف دول �أخرى. �إن القول ب�أن املتدينني يعتربون جزءا من املجتمع املدين يرتكز على عدد من االعتبارات ميكن الإ�شارة لبع�ضها مع ربط ذلك بالتعريف ال�سابق الذي ا�ستندت �إليه الورقة: غالباً ما يقع تعريف احلركات الدينيةباعتبارها تنظيمات �سيا�سية تتخذ من الدين مرجعية لها ،لكن بالت�أمل يت�ضح �أن الظاهرة �أكرث تعقيداً ،فهي مزيج من احلركات والتيارات والتعبريات االجتماعية والثقافية وال�سيا�سية والدينية ،وهذا يعني �أنها كتلة تاريخية متعددة الوظائف والأدوار ،وال ميكن اختزالها �أو ح�صرها يف بعد واحد دون �أن يعني ذلك بال�ضرورة �أنها متجان�سة �أو موحدة وخالية من التناق�ض واالختالف. هناك �أحزاب �إ�سالمية كثرية عبرّ ت عنا�ستعدادها للعمل ال�سيا�سي وفق القواعد الد�ستورية املعمول بها يف بلدانها، وتعهدت بتجنب العنف وعدم اعتباره �آلية م�شروعة حل�سم اخلالفات ال�سيا�سية. حتيل الظاهرة الدينية العربية �إىل�شبكة وا�سعة من اجلمعيات وامل�ؤ�س�سات اخلريية التي �أ�س�سها متدينون �أو قريبون منهم ،وتقوم هذه اجلمعيات بتقدمي خدمات �ضخمة ل�صالح قطاع وا�سع من املواطنني يف عدد من البالد العربية مثل الأردن وفل�سطني ولبنان والكويت وبقية دول اخلليج ،وقد �سبق �أن �أ�سهمت حركات معروفة خالل ال�سنوات الأوىل من ن�ش�أتها يف ت�أ�سي�س �شبكة وا�سعة من الهيئات اخلريية كادت �أن تغطي كامل �أجزاء الرتاب الوطني ،بل �إن بع�ض اجلمعيات اخلريية الإ�سالمية جنحت يف �أن تنقل دائرة خدماتها من امل�ستويات املحلية �إىل
ال�صعيد الـدولـي ،حي ــث و�صــل ن�شاطها �إىل �إفريقيا ودول �أ�سيا الو�سطى ودول البلقان ،وال ميكن يف هذا ال�سياق التقليل من �أهمية ما تقوم به احلوزات من دور مهم يف م�ساعدة الفقراء ومتويل التعليم الديني ال�شعبي امل�ستقل عن الدولة. ال ميكن ب�أي حال من الأحوال �إخراجكل هذا الزخم من اجلماعات واجلمعيات واملنظمات والهيئات الأهلية امل�ستقلة من دائرة املجتمع املدين فكل دعوة �إىل �إق�صاء هذه الكتلة االجتماعية ال عالقة لها بالتقييم العلمي ،بقدر ما تعرب عن وجهات نظر �أيديولوجية �إق�صائية ،فمن �أي منطلق ميكن �أن تعترب جهة ما بكونها املمثل "ال�شرعي والوحيد" للمجتمع املدين و�أن غريها املخالف لها يف الر�ؤية املجتمعية لي�س له مكان داخل ذلك املربع، ويف حالة القبول ب�إخراج كل هذه ال�شبكات واملنظمات من دائرة تعريف املجتمع املدين ،ففي �أي خانة ميكن ت�صنيفها هل �ستعترب تابعة للدولة �أو تابعة لقوى غريبة عن املجتمع؟. املالحظة الأخرية يف هذا ال�سياق تتعلقبلفت نظر املهتمني بهذه الإ�شكالية �إىل �أن اجلمعيات اخلريية �أو غريها التي تتخذ من الإ�سالم مرجعية نظرية �أو عملية لي�س جميعها مرتبطاً ع�ضوياً بحركات الإ�سالم ال�سيا�سي ،حتى و�إن كان بع�ضها يلتقي مع تلك احلركات يف عدد ال�شعارات �أو الأدبيات ،فكما �أنه ال ميكن اعتبار كل جمعية ثقافية تقدمية واجهة حلزب �سيا�سي ي�ساري فكذلك ال�ش�أن بالن�سبة للجمعيات الإ�سالمية. توظيف الـم�صطـلـح يف ال�صراع ال�سـيا�سـي والأيديولوجي: �أربك ظهور احلركات الدينية �أو العاملة با�سم الدين �أو ما ي�سميها ر�ضوان ال�سيد "احلركات الإحيائية" ومنوها ال�سريع املعادالت ال�سيا�سية والثقافية يف معظم البالد العربية ،وذلك بحكم �أن جمرد
احتمال والدتها من جديد مل يكن وارداً �ضمن خمتلف ال�سيناريوهات التي كان يتوقعها املثقفون ورجال ال�سيا�سة منذ ال�ستينات ،لهذا جل�أت النخب �إىل �أدواتها املعرفية معتمدة على امل�صطلحات املتوفرة لديها من �أجل تف�سري الظاهرة والت�صدي لها ،يف هذا ال�سياق ِّ وظف م�صطلح "املجتمع املدين" �ضمن ذلك ال�صراع الذي بد�أ منذ �أوا�سط ال�سبعينات وال يزال مفتوحاً على جميع االحتماالت .لهذا قام عامل االجتماع التون�سي "عبد القادر الزغل" بالربط مث ً ال بني ظهور احلركة الإ�سالمية يف تون�س وبني اال�ستعمال املكثف للم�صطلح داخل الف�ضاء ال�سيا�سي والأيدلوجي املحلي "حتى �أ�صبح كالهما نقي�ضاً للآخر"(.)2 يف مثل هذه الأجواء ال�صراعية خرج امل�صطلح من دائرة اال�ستعمال الأكادميي ال�ضيقة �إىل ف�ضاءات التنازع الأيديولوجي مبختلف اجتاهاته و�ألوانه� ،صراع قادته �أطراف من النخبة الدميقراطية �ضد طرفني ،هيمنة ال�سلطة على احلياة العامة من جهة ،وظاهرة الإ�سالم ال�سيا�سي من جهة �أخرى ،وقد الحظ الباحث االجتماعي الدكتور الطاهر لبيب يف هذا ال�سياق �أن امل�صطلح كان يف تون�س حا�ضراً يف "كل �أ�صناف اخلطاب تقريباً من �أق�صى الي�سار �إىل �أق�صى اليمني ،كما �أنه وارد يف اخلطاب الر�سمي للدولة ،وهذا يجعلنا مبا�شرة �أمام م�شكلة اال�ستعمال وتنوع املعنى الذي ي�صل �إىل حد ا�ستنزاف املعنى �أو الالمعنى"( .)3لقد "متطط املفهوم وانح ّل وا�س ُتعمل يف مقامه ويف غري مقامه ،والتجئ �إليه لرنته وللقيمة الإيجابية التي ميثلها �أكرث مما يلتج�أ �إليه ملدلوله اخلا�ص"(.)4 لقد �شكلت احلركة ذات املنحى الديني يف الآن نف�سه حتدياً �سيا�سياً و�أي�ضاً معرفياً، ففي تون�س على �سبيل املثال كان الي�سار املارك�سي الراديكايل ،منذ بداية اللجوء
31
يلغي كلياً املخاوف التي ال تزال قائمة حول مدى ح�صول اقتناع مبدئي لدى قطاع وا�سع من الإ�سالميني بهذه املقولة، وميكن تف�سري هذه املخاوف بجوانب تتعلق بنمط الدولة الإ�سالمية كما ت�ستبطنها بع�ض كتابات الإ�سالميني، وكذلك موقفهم من ا�سرتاتيجية التغيري ال�سيا�سي واالجتماعي ،ويف هذا ال�سياق ميكن الإ�شارة �إىل عدد من املالحظات الأ�سا�سية: – 1حتتل م�س�ألة �إقامة "الدولة الإ�سالمية" مكانة حمورية يف امل�شروع ال�سيا�سي ملعظم احلركات الإ�سالمية، ورغم املحاوالت التي متت لتو�ضيح خ�صائ�ص هذه الدولة و�أهدافها �إال �أن غمو�ضاً كثيفاً ال يزال يكتنف جوانب عديدة من امل�صطلح وم�ضمونه .ومما ع ّمق حالة الغمو�ض �أن التطبيقات التي متت يف بع�ض الدول الإ�سالمية ك�شفت عن تعدد �أ�شكال هذه الدولة ،بل دفعت بع�ض الإ�سالميني �إىل القول ب�أن الدولة الإ�سالمية "احلقيقية" مل تنبثق بعد. ويعود هذا الرتكيز �إىل اعتقاد �شائع ب�أن الدولة هي املدخل للتغيري االجتماعي و�أ�سلمة املجتمع بحجة �أن "اهلل يزع بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن" فال�سلطة ت�ستهوي الكثري من الإ�سالميني مثلما ا�ستهوت غريهم لأنهم يرون فيها م�صدر القوة القادرة على �ضبط اجلماهري وتوجيهها وفق مقت�ضيات امل�شروع املجتمعي الذي يحدده �سلفاً احلزب احلاكم ،وهذا الت�صور ي�صطدم مع مقولة املجتمع املدين التي تعترب �أن م�صدر ال�شرعية والقوة هو املجتمع ،و�أن ال�سلطة ال�سيا�سية لي�ست �سوى التعبري الفوقي عن جمموع القوى االجتماعية. و�إذا مل يدرك الإ�سالميون ب�أن ر�ؤيتهم للدولة ت�شبه الهرم املقلوب ،و�أن املواطنني هم البداية والنهاية يف النظام ال�سيا�سي الدميقراطي� ،سيكون م�شروعهم �شمولياً،
و�سيكررون ما قامت به الأحزاب ال�شيوعية �أو الأنظمة الدكتاتورية التي �ضخمت الدولة مقابل �إلغاء املجتمع. – 2يرتبط املجتمع املدين مبنظومة من القيم الأ�سا�سية ،مثل احلرية، والتعدد ،والتعاي�ش �ضمن االختالف، وحل اخلالف بالو�سائل ال�سلمية ،وتعميق املمار�سة الدميقراطية داخل املنظمات وهياكل املجتمع ،وبالتايل ف�إن االنخراط يف املجتمع املدين يقت�ضي الت�شبع بهذه القيم على ال�صعيدين الثقايف وال�سلوكي. فالن�ضال املدين يت�صف بروح �أخالقية عالية ،ت�ؤمن بخدمة الآخرين بقطع النظر عن �ألوانهم ودياناتهم وم�ستوياتهم الطبقية ،فقيم املجتمع املدين احلديث تتعار�ض مع كل الت�صورات القائمة على التمييز بني املواطنني �أو بني الن�ساء والرجال ،ومن هذه الزاوية فبقدر ما ميكن �أن ي�شكله انخراط الإ�سالميني يف حركية املجتمعات املدنية العربية من دعم و�إ�ضافة ،بقدر ما يفر�ض عليهم هذا االنخراط �إعادة بناء ثقايف حتى ال يح�صل تعار�ض بني القيم الدميقراطية وبع�ض مفاهيم ما قبل احلداثة التي تنت�شر يف العداد من امل�ؤلفات الرائجة وكذلك الر�سمية. – 3ورثت احلركات الإ�سالمية عن عديد الأحزاب ال�شمولية املفهوم املركزي للتنظيم احلزبي ،فالعديد من هذه احلركات عملت على �إن�شاء ع�شرات اجلمعيات واملنظمات الأهلية املخت�صة يف تقدمي اخلدمات ،وبالرغم من �أن هذه ال�شبكة من اجلمعيات التي تقوم على التطوع� ،إال �أنها تعترب مبثابة احلزام الذي يحيط بنواة احلزب� ،إنها منظمات تقوم بخدمة التنظيم ،وتخدم ا�سرتاتيجيته ال�سيا�سية واالنتخابية. فهدف هذه اجلمعيات لي�س بال�ضرورة خدمة املجتمع ،بقدر ما ميكن �أن تكون جزءاً من ا�سرتاتيجية الو�صول
�إىل احلكم ،وال يعني هذا التقليل من اجلمعيات الإ�سالمية النا�شطة يف كثري من البلدان ،ولكن الغر�ض من �إثارة هذه امل�س�ألة هو الت�أكيد على �ضرورة حماية ا�ستقاللية منظمات املجتمع املدين� ،إذ بقدر بقاء هذه اجلمعيات بعيدة عن هيمنة الأحزاب �أو احلكومات بقدر ما تقع حماية املجتمع املدين وتقوية قدراته ،وحتويله �إىل جماعة �ضغط �أو على الأقل فئات عاملة يف حماية امل�صالح وتطويرهاْ � ،إن جلهة التوعية �أو جلهة امل�صلحة ،يف وقت تزداد فيه احلاجة �إىل ت�شريك كل القوى والأفراد يف العملية التنموية مبفهومها الوا�سع. كاتب و�أكادميي من تون�س.
الهوام�ش -1راجع مقدمة د� .سعد الدين �إبراهيم لكتاب املجتمع املدين والتحول الدميقراطي يف ليبيا مل�ؤلفه د.حممد زاهي املغربي� ،إ�صدارات مركز ابن خلدون. -2راجع �إ�سهامه يف كتاب "املجتمع املدين يف الوطن العربي" ال�صادر عن مركز درا�سات الوحدة العربية. -3طاهر لبيب ،كرا�س "املجتمع املدين" الرابطة التون�سية للدفاع عن حقوق الإن�سان دار �صامد، �ص.8 � -4سليم اللغماين ،مقال "املجتمع املدين ومتطلباته" ،املجلة العربية حلقوق الإن�سان عدد ،3املعهد العربي حلقوق الإن�سان� ،سبتمرب 1996م، �ص.88 -5حممد الكيالين "املجتمع املدين كما يراه" �ص.58 -6انظر عري�ضة" :نحو جمتمع مدين يف�صل فيه الدين عن ال�سيا�سة" جملة املغرب عدد ،172 �أكتوبر 1989م� ،ص.58 -7راجع مداخلته يف ندوة قاب�س ب�صفته رئي�ساً للرابطة. -8راجع كتاب "الإ�سالميون التقدميون"� ،صالح الدين اجلور�شي ،مبادرات فكرية ،مركز القاهرة لدرا�سات حقوق الإن�سان ،عام 2000م. -9ابن عي�سى الدمني" ،بحثاً عن املجتمع املدين املن�شود" ،جملة م�ستقبل العامل الإ�سالمي ،العدد الرابع ،ال�سنة الأوىل ،خريف 1991م� ،ص.225
33
ال ميكن �أن ي�سمح بدميقراطية حقيقية �شفافة تو�صل �إىل احلكم القوى ال�شعبية احلقيقية والتجربة يف اجلزائر �أو�ضح من �أن تخفى وتنكر ،وكذا فل�سطني. �أمل يكن الغرب ي�شهد النتخابات مبارك التي يعرف كل اخللق �أنها مزورة، كان هذا الغرب ممثال يف كارتر ،وفريق مراقبيه ،ي�شهدون �شهادة الزور لها بالنزاهة وال�شفافية ،وال�شعب امل�صري يكاد ينفجر من الغيظ من �سوء التزوير و�سوء ال�شهادة! خال�صة القول� :إن الدميقراطية �أ�شبه ما تكون ب�إطار تنظيمي �إجرائي �أكرث منها �أيديولوجية فكرية تنتمي �إىل �أمة معينة �أو مذهب معني �أو دين معني ،من هذا املنطلق ميكن اعتمادها و�سيلة لتنظيم العمل ال�ســيا�ســي ع ـلـى �أن ت�ستند �إىل قانون انتخابي �سليم �سهرت عليه عقول ت�صاحلية وال يكون ق�صد القانون تهمي�ش قوى �أو ت�صعيد �أخرى... وال �ضري من الناحية ال�شرعية -يف ما �أرى -اعتمادها �أ�سلوبا لإي�صال القوى ال�سيا�سية �إىل احلكم �أو �إزاحتها عنه يف �أ�سلوب توافقي ر�ضائي ال جلوء فيه �إىل القوة �أو العنف او ال�صراع الذي ميزق ن�سيج املجتمع. �صحيح �أن بع�ض القوى الإ�سالمية تراها نظام كفر ،وهذا ر�أيها ،لكنه ال ميثل ر�أي كتلة م�ؤثرة ،و�إمنا هو ر�أي جماعة حمدودة ذات فكر – مع االحرتام- يطرح بديال �إجرائيا �أما االكتفاء بالعموميات يف ال�شعارات الإ�سالمية فهذه لي�ست كافية حلل م�شكالت املجتمع واالنتخابات وحتريك احلياة ال�سيا�سية .
فالدميقراطية كما �أ�سلفت �سابقا حتى نو�صل جتربتنا الذاتية� ،أما ال�شورى فهي قواعد وت�أ�صيل يحتاج �إىل تف�صيل وتقنني وتطبيق ،وحتى ذلك احلني ،ميكن اعتماد هذه اخلربة الإن�سانية التي لي�ست ملكا لأحد وال حكرا على احد ،فقد غدت اليوم هذه التجربة يف �إدارة �سيا�سات البالد، �أ�صبحت م�شاعا مباحا متاحا لكل احد، فال �ضري ال يف ال�شرع وال يف الوطنية ،وال يف العقل من اال�ستفادة من هذا النظام ومن هذه اخلربة الإن�سانية. وال يجوز لأحد �أن يحتج على �صعــود �أي �أحد ما دام اجلميع ارت�ضى �أ�سلوب االنــتخاب وحرية االخـتيار ،عـلى ان التجربة ك ـفـيــلة بـ�إق�صاء غـيـر اجلديــريـن باال�ســتمرار يف دورة قــادمة ،فـقـول ال�ش ـعــب ه ــو الفـي�صـل والــ�صـندوق هو الأداة وحرية التعبــري هـ ـ ــي الـ�ضـمانـة ونـزاهة االنتخاب �شرط �أ�سا�س ،بهذا ن�ضمن �سال�سة االنتقال و�سال�سة �إجراء التعديل يف احلياة ال�سيا�سية ،من دون خلخلة ومن دون جلوء �إىل عنف ال من ال�شعوب وال من الأنظمة. �إن ان�سداد الأفق �أمام التغيري هو الذي �سود �صفحة العامل العربي يف العامل، وهو الذي دفع �إىل النزول �إىل ال�شارع واالحتكام �إىل التظاهر بدل االحتكام �إىل ال�صناديق ،فجوبه كل ذلك بدموية جعلتنا يف نظر العامل �أمة خارجة من كهوف التخلف ومن غاب التوح�ش. �أما موقف الإ�سالميني من الثورات ،فال اعتقد �أن يختلف اثنان �أنهم من �أوائل امل�ستفيدين منها ،لأنهم كانوا من �أوائل املت�ضررين من الأنظمة التي كانت قائمة،
وبخا�صة يف م�صر وتون�س وليبيا ...ثم �سوريا واليمن. و�إذا كانوا ميثلون نب�ض ال�شارع �أو نب�ض ال�شعب �أو هكذا من املفرت�ض فمن الطبيعي ان تكون ا�ستجابتهم ايجابية ب�إزاء هذه الثورات ،بل هم �أحد �أهم حمركاتها. �أما ر�أي بع�ضهم الذي يرى �أن هذه الثورات من الفنت ف�أظن �أن هذا الفريق- مع االحرتام دائما -ال ميثل �إال نف�سه، فالفتنة بقاء مثل الأ�سد يفتك بالنا�س ويعبدهم لغري اهلل� ،أومل ي�سمع ه�ؤالء ما يقال للنا�س ويف يوم كتابة هذه الكلمات ا�سمع من �إحدى الإذاعات �أن بنتا يف عمر � 18سنة قد قطعت تقطيعا وف�صل ر�أ�سها وكانت قد �أخذت رهينة حتى ي�سلم �أخوها نف�سه ،وبعد �أن �سلم نف�سه وجدوا البنت على هذا احلال� ،أ فمثل هذا احلال فتنة �أو غري فتنة؟ �أظن �أن الأمر يحتاج �إىل عبقرية حتى يجاب عن مثل هذا ال�س�ؤال. هذه هي الفتنة بعينها ،ولكن التغيري ينبغي الإ�صرار على بقائه وفق املنهج ال�سلمي فال تغيري يف النهج ،فال يجاب عن الدماء بالدماء ،وال يعالج العنف بالعنف، وال يقوم الإجرام بالإجرام ،بل بااللتزام ب�أحكام الإ�سالم الذي جعل مدخل التغيري تغيري ما بالأنف�س� ":إن اهلل ال يغري ما بقوم حتى يغريوا ما ب�أنف�سهم".
�أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية
47
�إىل تكفري وتفجري ،ف�إن ثمة يف عاملنا الإ�سالمي اليوم ذوي فكر م�سموم م�أجور يدّعون الإ�سالم و يخبطون ب�أقالمهم يف ن�صو�صه املع�صومة ،ويتعدون حدود ال�شريعة البينة املعلومة ،غري مقيمي معتدّين وزن للثوابت والأ�صول ،وال ِ بالرباهني والنقول ويت�أثر بهم فئام من أزم ــة القيادة ال�شباب املثقف املتطلع �إلــى � ّ فــي بـلدانهم ،فما ه�ؤالء يف خطرهم ع ـ ـلــى الإ�س ـ ــالم �إال مثل �أولئك الغالة �أو �أ�شـ ــد، و�إن ك ـ ـ ــان ت�أثري ه�ؤالء �أخفى و�أبـ ـ ـ ـهـ ــت، ف ـ ـ ـ�إن ـ ـهــم ع ــن قـ ــ�ص ــد و�س ــوء نيــة يعـلنون احلرب على مبادئ الإ�سالم وتعاليمه، وكل �سمت ي�شعر بالتزام به ،فلماذا يغ�ض الطرف عن هذا الطرف الفكري الناخر بقوة يف ج�سم الأمة وهويتها ،وهو يبي�ض ويفرخ �أجياال ان�سلخت �إال من �أ�صل الدين الذي ال تفت�أ تدّعيه لتمكر به ال لتمكر له� .إن الغ�ض ـ ولو عن غري ق�صد ـ عن بع�ض �أدعياء املعرفة من مل ِّقبي �أنف�سهم باملفكرين الإ�سالميني ،الذين ال ه ّم لبع�ضهم �سوى اخلو�ض يف الكتاب وال�سنة باجتهادات ت�ستهدف بالأ�سا�س رفع ما ا�صطلحوا على ت�سميته "عائق القد�سية والغيبية" لي�صبح الن�ص املع�صوم و�سيلة رخوة يف �أيديهم ي�شرعنون بها ما انتهت �إليه عقولهم من �أفكار ت�صادم يف جلها م�سلمات ال ـ ــديـ ــن ومـ ـ ــوروث �أئـ ـ ـم ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ــ�سـ ـلـ ــف ال�ص ــالـ ـح ـيـ ــن ،لـهو بالإ�ضافة �إىل �آثاره العقـدي ــة والفـكرية اخلطرة �أهم عامل فـي �إغــالء العاطفة ال ــديـ ـنـ ـيـ ـ ــة ل ـ ـ ـ ـ ــدى ال�ش ـ ـبـ ــاب املت ــدي ــن ،الذي ت�ستـ ـفـز تل ــك ال ـه ــرمـ ـن ـي ــوط ـي ـقـا والأف ـ ـكـ ــار الـمــائـعة والف ـت ــاوى املم ـي ـعـة كــوامـ ـ ــن الـ ـغ ـ ـي ــرة ال ــديـ ـنـ ـي ــة ل ـ ــديه ،فتدفعه
�شرة ال�شباب واحلمية لدينه املبنية على ردة الفعل �إىل االرمتاء يف �أح�ضان الغالة والتكفرييني غري مقتنع مبا يقدمه علماء التجديد والرت�شيد من طروحات و�سطية توفيقية ،لأنها يف نظره مل تتعامل مع تيار اجلفاء والتمييع بنف�س اجلدية واالهتمام الذي تعاملت به مع تيار التنطع والغلو .ولئن كانت جماعات التكفري بفعل االهتمام العاملي بر�صدها وحماربتها ،معزولة متز ّيلة ،ف�إنه على العك�س من ذلك تن�شط يف جمتمعاتنا امل�سلمة منظمات مدعومة وجماعات ذات �أفكار م�سمومة ال تفت�أ تعمق اجلفوة بني ال�شباب وبني الدين وتغريه باالن�سالخ من �أي موروث اجتماعي يحفظ له ات�صاله بهويته احل�ضارية الإ�سالمية، فلم يعد من امل�ستغرب �أن نرى الفئام من ال�شباب امل�سلم يق�ضون الليايل احلمراء يف احلانات واملالهي خمرا ولهوا ،ومل يعد من املنكر الذي ي�ستحق التوقف عنده اختطافهم لبنات امل�سلمني يف �سياراتهم على مر�أى وم�شهد املارة و�أخذهن �إىل الفنادق وال�شقق املعدة للفح�ش واملقت يف عا�صمة بلد ظل �أهله يفاخرون ب�شيئهم الوحيد الذي هو ن�شر العلم واملحافظة على مكارم الأخالق ،ومل يعد ي�ستحق ندوة �أو منتدى �أو حتى بنت �شفه ما ميار�سه بع�ض ذوي ال�سلطة والنفوذ ـ جهارا نهارا ـ من ظلم على �ضعفة امل�سلمني يف �أقواتهم و م�آويهم وحقوقهم املتعينة واملكفولة لهم مبقت�ضى ال�شرع والقوانني والتنظيمات املر�سومة� .إن الو�سطية التي تركز على الغلو وتتغا�ضى عن اجلفاء ـ �أيا كان م�صدره ـ
لي�ست و�سطية را�شدة والو�سطية التي حتارب التكفري وت�سامل التمييع والتغريب لي�ست و�سطية عادلة والو�سطية التي ال تقول للم�ستبد الظامل�" :إنا حرب عليك حتى تفيء �إىل �أمر اهلل" لي�ست و�سطية من�صفة ،وما الو�سطية احلقة اجلامعة الرا�شدة �إال التي جتمع الأطراف املتقابلة يف منطقة العدل واالعتدال على نور وب�صرية من هدي النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ومنهج ال�صاحلني من �سلف الأمة، وفق نظام عدل ف�صل يعطي كل ذي حق حقه بكرامة و�إن�صاف .ويف �أيامنا هذه، �أيام ربيع ال�شعوب العربية املنتف�ضة �ضد اال�ستبداد والظلم والرتكيع والتجويع، يتعني على منتديات ومراكز الو�سطية املت�شكلة والتي هي يف طور الت�شكيل �أ ّال تقف يف املنت�صف �أو الو�سط القيمي� ،أحرى �أن تركن �إىل احلكام الذين ال تر�ضاهم �شعوبهم و�إن وادعتهم مكرهة �إىل حني، فالو�سطية مبعناها "اخليار و الأعدل" تقت�ضي يف هذه احلال انحيازا تاما وا�ضحا �إىل ال�شعوب تر�شيدا وت�سديدا وم�ؤازرة، وهو ـ وحده ـ �ص ّمام الأمان وال�ضامن لبلوغ الهدف الأ�سمى املتمثل يف التمكني لو�سطية الإ�سالم و�سماحته .لن ن�ضطر ـ �إن نحن عملنا مبقت�ضى الو�سطية على التوازن يف جمادلة الطرفني بحكمة واعتدال وجترد ـ �إىل جماملة املت�شددين الذين قد يحملهم زمان مائج باملفاج�آت والتغريات �إىل �سدة احلكم والقيادة، وحينها �سنبقى و�سطيني ننبذ الغلو مثلما ننبذ اجلفاء ،ال نق ُّر �أحدا على � ٍّأي منهما مهما كان حاكما �أو حمكوما.
49
املزيفة لإ�ضفاء ال�شرعية على �أنظمة ال�شرعية لها .وباملنا�سبة �شاركت م�ؤخرا يف ندوة دولية بتون�س من تنظيم كر�سي اليون�سكو الذي يرت�أ�سه الباحث التون�سي اجلاد فتحي الرتكي وكانت حماور الندوة تتعلق بالهوية الثقافية و حقوق الإن�سان والتعددية الثقافية ...وقد الحظت �أن املواطن التون�سي حترر ب�صفة نهائية يف خطابه من لغة اخلوف و �أ�صبح يعرب بطريقة حرة وبجر�أة غري معهودة يف زمن اال�ستبداد �أثناء حكم الهارب بن علي.ف�أ�صبح عاديا بتون�س �أن ترى كتبا تتحدث عن بن علي الفا�سق و امل�ستبد. �إن القطع مع ثقافة اخلوف هو املدخل الوحيد لتحرير الإن�سان .وباملنا�سبة ذاتها �أ�شري �أن امل�شروع الذي يرعاه كر�سي اليون�سكو بتون�س ب�إ�شراف فتحي تريكي خ�ص�ص العديد من لقاءاته لتعزيز فكرة الت�سامح و احلوار بني الثقافات والتعددية الثقافية وغري الثقافية .لكن باملغرب الزال االحتفال بهذا اليوم اليرقى �إىل امل�ستوى املطلوب للمكانة التي يحتلها الفكر الفل�سفي بوطننا وذلك راجع لغياب جمعيات قوية تهتم بال�ش�أن الفل�سفي . • هل ميكن احلديث عن تراجع اخلطاب الفل�سفي يف املغرب؟ احلديث عن تراجع يفرت�ض �أنه كانهناك تقدم من قبل و احلال �أنه ي�صعب احلديث عن فل�سفة باملغرب ب�صفتها تقليدا يجعلنا نتحدث عن فل�سفة مغربية كما هو الأمر يف الفل�سفة الأملانية �أو الفرن�سية واالجنليزية .يف مثل هذه التقاليد الكربى و العريقة يف التفكري الفل�سفي نتحدث عن ظهور نظريات واختفاء �أخرى وعن �سجاالت فل�سفية كربى بني رواد خمتلف هذه النظريات. كما جتد تقاليد فل�سفية عريقة بهذه اجلامعة �أو تلك .ومن منطلق متابعة التحوالت التي ميكن �أن يعرفها اخلطاب الفل�سفي بني فرتة و �أخرى ميكنك �أن
تقارن لتجزم القول بالرتاجع �أو التقدم. وال�سبب يف غياب هذه التقاليد هو غياب م�أ�س�سة البحث الفل�سفي يف �أفق خلق م�شاريع فل�سفية قد يوا�صل فيها اجليل الالحق ما �أجنزه اجليل ال�سابق�.صحيح �أن اجلابري رحمه اهلل �أ�س�س م�شروعا فل�سفيا مهما ينطلق فيه من الرتاث العربي الإ�سالمي الذي مار�س عليه منهجا نقديا جعل النقاد يعتربون املرحوم كانط العرب،لكن قل يل هل هناك من �سيوا�صل املهمة الفل�سفية التي �شرع فيها املرحوم�.أعتقد �أن الأمر �صعب التحقيق يف غياب جيل من الفال�سفة ال�شباب الذين تكونوا يف املدر�سة اجلابرية.يف املقابل �أعطيك مثال،خذ مثال النظرية النقدية ملدر�سة فرانكفورت التي ت�أ�س�ست �سنة1923 بجامعة فرانكفورت و بحكم ا�شتغالها مبنطق امل�ؤ�س�سة الفل�سفية التي قامت على فكرة م�أ�س�سة البحث الفل�سفي يف �إطار م�شاريع بحثية كربى متكنت من ال�صمود و اال�ستمرارية �إىل يومنا هذا بحيث �أن تاريخ الفكر الفل�سفي املعا�صر يتحدث عن �أجيال داخل النظرية النقدية.اجليل الأول مع هوركهامير�،أدورنو،ماكوزه،و �إريت�ش فروم و اجليل الثاين مع هابرما�س و اجليل الثالث الزال يوا�صل الطريق مع �أك�سيل هونث و كالو�س هوف والربت فيلمر ....وهو اجليل الذي الزال ي�شتغل بنف�س منطق اجليل الأول يف ما يتعلق بامل�شاريع البحثية الكربى .وهذا البد �أن ي�ساهم يف تطوير التقليد الفل�سفي املتعلق بالنظرية النقدية عموما التي �أ�صبح احلديث عنها يتم ب�صيغة اجلمع.و نف�س الأمر ينطبق على الفل�سفة الت�أويلية و النظرية الن�سقية يف العلوم االجتماعية مع نيكال�س لومان �....أعتقد حينما ن�صل �إىل مثل هذه التقاليد �آنذاك ميكننا احلديث عن تراجع و تقدم .بل و الأكرث من ذلك ففكرة التقدم و الرتاجع يف الفل�سفة والفكر عموما فيها نظر.املهم بالن�سبة يل
بعد وفاة املرحوم الذي يعد رمزا للفل�سفة املغربية �إىل جانب كل من املفكر عبد اهلل العروي وطه عبد الرحمان ميكن القول �أن الفل�سفة باملغرب �ست�ؤ�س�س ملرحلة مابعد اجلابري من حيث الق�ضايا التي تتناولها وهذا عمل نلم�سه لدى الباحثني ال�شباب اليوم يف الفل�سفة التي مل تعد من�شغلة فقط بق�ضايا الرتاث يف عالقته باحلداثة،بل الأكرث من ذلك هذا الأمر بد�أنا نلم�سه حتى عند بع�ض الباحثني الذين كر�سوا جزءا كبريا من �أبحاثهم للفل�سفة الإ�سالمية و ق�ضايا الرتاث. فالأ�ستاذ امل�صباحي على �سبل املثال �أ�صبح يكتب كتبا يف غاية الأهمية حول فل�سفة احلق و الفل�سفة االنثبولوجية و احلداثة ال�سيا�سية و الأخالقية انطالقا من م�ساءلته للن�صو�ص فال�سفة كبار مثل هابرما�س و ليوا�سرتو�س و �أمارتيا �صن. و كتابه الأخري ال�صادر عن دار الطليعة حتت عنوان"من �أجل حداثة متعددة الأ�صوات" خري دليل على ما �أقول. خال�صة القول �أن الفل�سفة يف املغرب ميكن لها �أن ت�ساير الق�ضايا التي يدور حولها النقا�ش الفل�سفي و هذا من �شانه �أن يعطينا اعالماً جدداً يقدمون �أجوبة عن �أ�سئلة املرحلة التي تختلف عن �أ�سئلة اجليل ال�سابق. • باعتباركم تزاولون مهمة تدري�س الفل�سفة باجلامعة ،كيف تقيمون �أفق التفكري الفل�سفي؟ كما تعلم �أنني مل �ألتحق باجلامعة�إال م�ؤخرا لكن متابعتي ملا يجري يف احلقل الفل�سفي ت�سمح يل بالقول �أن تدري�س الفل�سفة قد تطور كميا ب�شكل مهم� ،إذ فتحت العديد من ال�شعب ملادة الفل�سفة بالعديد من اجلامعات املغربية و قد �صاحب هذا الإ�صالح ظهور العديد من م�سالك للفل�سفة يف �سلك الإجازة ووحدات للما�سرت والدكتوراه .واملالحظ �أن العديد من هذه امل�سالك والوحدات
51
ال�سيا�سة .والقارئ لفل�سفة هابرما�س يلم�س العمق الفل�سفي لهذه املداخالت �أكرث من القارئ العادي. نالحظ ،حاليا� ،أن موجة من ال�شباب الأكادميي ،و�ضع االهتمام الفل�سفي بني مفرتق الطرق ،بني الفل�سفة القارية والفل�سفة االجنلو�سك�سونية .ماذا يعني انفتاحكم على القارة االجنلو�سك�سونية؟ االهتمام بالفكر الأجنلو�سك�سوين و الأملاين وملا ال الإ�سباين والإيطايل والأ�سيوي هو الذي من �شانه �أن ي�ساهم يف تطوير اخلطاب الفل�سفي باملغرب ولي�س االرتكان �إىل ر�ؤية فرن�سية �أحادية والتحرر من هذه املرجعية اعتربه مدخال من مداخل اال�ستقالل الفل�سفي على غرار اال�ستقالل ال�سيا�سي. وقد �سبق يل �أن قلت يف حوار �آخر ب�ضرورة فك االرتباط باملرجعية الفرانكفونية لأنها عائق �أمام الإبداع الفل�سفي بالن�سبة لنا نحن املغاربة ،املرجعية الفرن�سية الأحادية خطر على الفكر الفل�سفي املغربي يف زمن التنوع الفل�سفي وتداخل الثقافات .والأكرث من ذلك فالتقليد الفل�سفي الفرن�سي فقد بريقه مع رحيل الفال�سفة الكبار �أمثال فوكو ودريداو دولوز و�سارتر � .إن �أ�سماء مثل هرني برنار ليفي فيل�سوف ال�صهيونية عالمة على انحطاط اخلطاب الفل�سفي الفرن�سي املعا�صر�.أمام هذه الو�ضعية ال ي�سعنا �سوى �أن نقول ب�صوت مرتفع التفل�سف بالن�سبة لنا ميكن �أن يجد منطلقاته يف مرجعيات و تقاليد �أخرى على ر�أ�سها التقليدين الأملاين والأجنلو�سك�سوين الواعدين .و�أنا �شخ�صيا اختياري لهذا االنفتاح لي�س �إعالن احلرب على التقليد الفرن�سي ،بل رغبة مني يف امل�ساهمة من موقع �آخر �أرى �أن ح�ضوره ال زال باهتا.و بالرغم من امل�شاكل اللغوية التي الزالت تعرت�ضنا ك�شباب باحثني ف�إننا متفائلون بامل�ستقبل .وقد وجدت يف التقليد الأملاين والأجنلو�سك�سوين اهتماما باجلانب الفل�سفي العملي الأقرب �إىل ق�ضايا ال�ش�أن العام .وهو تقليد من �شانه �أن ي�ساهم يف بناء املجتمع احلداثي والدميقراطي الذي نن�شده دون احلديث عن التفكيك ومابعد احلداثة
وهلم جرا من الق�ضايا التي ال تالئم جمتمعات ما قبل احلداثة. • يف اخلتام نود منكم كلمة �أخرية من �أجل امل�أمول الفل�سفي باملغرب؟ املطلوب اليوم من الباحثني يف الفل�سفةباملغرب االهتمام بالبحث عن ما يجمعنا بثقافة الآخرين ومتتني العالقات بالباحثني الأجانب من خمتلف امل�شارب الثقافية لإبراز الق�ضايا التي ت�شتغل عليها الفل�سفة ببلدنا وذلك ق�صد �إبراز ال�شخ�صية املغربية. فبالرغم من �أن احلديث عن فل�سفة مغربية باملعنى الكامل للكلمة �سابق لأوانه �إال �أن هناك جمهودات تبذل باملغرب و جتد �صدى لها خا�صة يف امل�شرق العربي.كما �أن امل�أمول �أي�ضا من الفال�سفة ال�شباب حاليا بوطننا االهتمام بالق�ضايا التي لها راهنية و ارتباط بال�ش�أن العام على اعتبار �أن هذا ال�ش�أن ال يجب �أن يرتك لل�سيا�سي و التكنوقراطي وحده ،بل املقاربة الفل�سفية يجب �أن حت�ضر. لقد وىل زمن الفيل�سوف الذي يتامل يف الق�ضايا امليتافزيقية والرتن�سدنتالية البعيدة عن الواقع اليومي للنا�س�.إننا يف حاجة �إىل فل�سفة اليومي وذلك ملحاربة الفكر ال�سطحي الذي ت�ساهم فيه و�سائل الإعالم املختلفة امل�شارب.الفل�سفة وبحكم ارتباطها باملجاالت املعرفية الأخرى خا�صة العلوم الإن�سانية لديها من الو�سائل ما يجعلها تكون يف واجهة الأحداث.فالفيل�سوف اليوم لي�س جمرد منتج للأفكار داخل �أ�سوار اجلامعة كما قال فيل�سوف الف�ضاء العمومي يورغن هابرما�س،بل الفيل�سوف هو فاعل با�ستمرار يف هذا الف�ضاء العمومي من خالل تدخالته الدائمة بناء على ر�ؤية فل�سفية و لي�س ا�ستجابة لنداء ال�سيا�سي.ولهذا اليجب �أن يفهم من كالمي �أن تتحول مهمة الفيل�سوف �إىل �صحايف يومي ،بل اخللفية الفل�سفية التي ينطلق منها الفيل�سوف هي التي جتعل خطابه متميزا عن خطابات ال�سيا�سي و ال�صحفي وعامل ال�سيا�سة. فااللتزام الفيل�سوف بق�ضايا ال�ساعة �أمر �أ�صبحت له �أهميته اليوم قبل �أي وقت م�ضى. كما �أننا النريد من الفيل�سوف �أن يكون مثل
"الفيل�سوف"الفرن�سي برنار ليفي الذي يظل اليوم كله يتنقل بني و�سائل الإعالم يروج ل�سيا�سة �ساركوزي �،إذ جتده �ضد اال�ستبداد يف ليبيا و ك�أنه زعيم حزب تقدمي يف فرن�سا زمن اال�ستعمار الفرن�سي و لكن حينما يتعلق الأمــر بــالق ــ�ضـ ـي ــة الـف ـلـ�س ـ ـطـي ـن ـيـ ــة ال ي�ستطيع �أن يفتح فمه كما وقع �أثناء حرب الإبادة التي خا�ضـ ـهـ ـ ــا الـ ـكـ ـي ـ ــان ال�صـهيــون ــي �ض ـ ــد غزة.وهي احلرب التي كان يربرها ب ـ ـك ـ ــل مـ ـ ــا �أوت ـ ــي م ـ ــن مـ ـغـ ــال ـ ـط ـ ــات مـ ــن �أجـ ــل �إر�ضـ ــاء ال�صهاين ــة� .أعــتقد �أن مهمة الباحثني يف الفل�سفة يف املغرب يجب �أن تن�صب بدورها على ك�شف مظاهر اال�ستبداد يف النظم ال�سيا�سية واالجتماعية والثقافية حتى يت�سنى لنا حترير املواطن من ثقافة اخلوف�.إن املهمة الأ�سا�سية للفل�سفة والفيل�سوف اليوم باملغرب هي امل�ساهمة إن اهــــتـــمـــامــــات فـي ن ــ�ش ــر ثـ ـقـ ــاف ـ ــة الـفـلـسـفــة الـيــوم التنوير بدل اجلري بالـمـبـاحـث العملية وراء منا�صب وزارية الــمـتـمـثـلـــــة فـــي تافهة واال�صطفاف الفلسفة السياسية وراء الـ ــ�س ـ ـي ـ ــا�س ـ ـ ـ ـ ــي و األخـــالقـــيـــة و لتح ــري ـ ــر خ ـ ـط ـ ـبـ ــه الثـقـافــيــة والـحـوار الـمتكررة والفارغة .و الــتــواصــل يمـكن فاخلطاب الفل�سفي لهـا أن تساهم في يجب �أن ي�ساهم يف مـنـاقــشــة الــشـأن الت�أ�سي�س للمواطنة العـام بدون مركب الفاعلة والإيجابية نقص التي جتعل املواطن يف �صلب العملية ال�سيا�سية باعتباره م�صدر ال�سيادة ال�شعبية التي جتعله قادرا على تقرير م�صريه بيده يف ظل جمتمع يكون احلكم فيه خا�ضعاً مل�ؤ�س�سات عقالنية ودمقراطية .ف�إذا كانت ال�سيا�سة هي خدمة عمومية فالفل�سفة بدورها يجب �أن ت�ساهم يف ت�أهيل املواطن و توعيته وت�سليحه بالفكر النقدي و العقالين حتى يكون يف م�ستوى امل�س�ؤولية لتقدمي هذه اخلدمة وذلك باالبتعاد عن ثقافة الأنانية وامل�صلحة اخلا�صة واالرتقاء ب�سلوكه �إىل ثقافة الواجب وال�ضمري الأخالقيني.
53
حائراً بني التناق�ض الوا�ضح يف الإجابة، ومن هنا ظهر م�صطلح "الفتوى والفتوى امل�ضادة" ,حتى �أ�صبحنا وك�أننا يف �سوق للإفتاء تتعدد مزايا معرو�ضاته منها املت�شدد ومنها املت�ساهل ,ومنها املكفـّر ومنها مايدعو �إىل �إق�صاء الدين عن الدنيا ,ومنها ما يدعو �إىل وحدة الديانات وغريها ،مما �أحدث نزاعات وفقدان ثقة وظهور تكتالت �إ�سالمية جديدة متعددة االجتاهات كردة فعل قوية لواقع ي�شعر بالإنهزام والإنطواء و قوقعة الإتباع� ,أو االبتداع والتفلت عن الأ�صول� ,أو الإندماج والتماهي مع الآخرين. ومما زاد الأمر �سوءاً الفتاوى املبا�شرة التي تتناف�س عليها الإذاعات والف�ضائيات من �شخ�صيات يفتقد بع�ضها ل�شروط الإفتاء ال�صحيحة (فيقذفون) ب�إجابات �سريعة دون الت�أ�صيل �أواالعتماد على �أدلة �صحيحة ,ودون الرجوع الجتهادات فقهاء ال�سلف �أواملعا�صرين ,وك�أنهم بذلك ي�ؤ�س�سون ملذاهب جديدة ينق�صها �أو يعيبها فقه (ال �أدري) علماً �أن الإفتاء املبا�شر -كما هو معلوم بال�ضرورة- يتطلب الإحاطة التامة بكافة �أنواع العلوم ال�شرعية واخلربة الكافية والتجارب الفقهية الوا�سعة ,بالإ�ضافة �إىل التحلي مبلكة فقهية يف فهم الن�ص و الواقع, مع ما ي�صاحب ذلك من �ضرورة ت�أ�صيل الفتوى ,الأمر الذي ال يكون �إال بطول املرا�س وجودة الدربة والتوفيق الإلهي. وللو�صول �إىل ر�أي يف هذه الق�ضية اخلطرة على الأمة الإ�سالمية و�أحكام الدين احلنيف ال بد من �إلقاء ال�ضوء على حقيقة الفتوى ومن يت�صدى لها ،معتمد ًة املحاور التالية:
• تعريف الإفتاء الإفتاء لغ ًة كما ورد يف ل�سان العرب الإظهار والإبانة ,يقال �أفتاه بالأمر �إذا �أبان له وهي �إبانة الأحكام يف امل�سائل ال�شرعية �أو القانونية مما يتعلق ب�س�ؤال ال�سائل ,و�أفتى املفتي �إذا �أحدث حكماً, قال تعاىل":وي�ستفتونك يف الن�ساء قل اهلل يفتيكم فيهن"( ،)1ويقول عليه ال�صالة وال�سالم" :الإثم ما حاك يف �صدرك و�إن �أفتاك النا�س و�أفتوك" ,وعليه فالفتوى يف اللغة لي�ست بياناً و�إخباراً فح�سب بل هي �إعانة ور�شاد للم�ستفتي وتو�ضيح للم�سلك ال�صحيح. �أما الإفتاء �شرعاً فهو :بيان احلكم ال�شرعي يف م�س�ألة من امل�سائل م�ؤيداً بالدليل ال�شرعي� ,أو هو تبيني احلكم ال�شرعي لل�سائل عنه ,وقيل هو بيان حكم اهلل تعاىل مبقت�ضى الأدلة ال�شرعية على جهة العموم وال�شمول )2( . وقيل هو �إخبا ٌر عن حكم اهلل تعاىل يف حلكم �إلزا ٍم �أو �إباح ٍة جواباً ل�س�ؤالٍ �أو بياناً ٍ ابتداءاً. �أما املفتي فهو من يت�صدى للإفتاء والفتوى بني النا�س ليبحث عما ي�شكل من امل�سائل ال�شرعية ,وقيل هو املخرب بحكم اهلل تعاىل ملعرفته بدليله (، )3 �أو هو املتمكن من معرفة �أحكام الوقائع �شرعاً بالدليل مع حفظه لأكرث الفقه, قال تعاىل " :ف�س�ألوا �أهل الذكر �إن كنتم ال تعلمون" (.)4 ودار الإفتاء هي مكان املفتي وال ُفتيا - ب�ضم الفاء -هي :ما �أفتى به الفقيه يف امل�س�ألة امل�شكلة وهي ا�سم م�صدر من �أفتى.
• مكانة الإفتاء الإفتاء �أم ٌر �ضروري للنا�س ملعرفة �أمور دينهم لأنهم ال ميكن �أن يكونوا جميعاً علماء بالأحكام ال�شرعية ,و�إذا انقطعوا لتح�صيل ذلك حتى يبلغوا مرتبة العلم والإجتهاد لتعطل العمل وتوقفت احلياة, فكان من رحمة اهلل تعاىل بالأمة �أن جعل طلب العلم ال�شرعي (فر�ض كفاية)، و�أوجب على العامة من املقلدين �أن ي�ستفتوا العلماء يف ما يجهلونه ,قال تعاىل" :فلوال نفر من كل فرق ٍة منهم طائفة ليتفقوا يف الدين )5( "...وقال �أي�ضاً" :ف�س�ألوا �أهل الذكر �إن كنتم ال تعلمون". وللمـفـتــي مـ ـكــانـ ـ ًة عـظيمة لأنــه م ـب ـلـغ لــإلفـــتـــاء مــكــانـة عــن الر�ســول �ص ـلـى عظيمة في الدنيا اهلل عـ ـلـ ـي ــه و�سـ ـلـ ــم واآلخرة ,ففي الدنيا لــلدي ــن وت ـعــالـيمه ,توضيح لمراد الشرع الحنيف وفي اآلخرة لذا فقد حرم تعاىل إما ثواب عظيم وإما �أ�شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد التـ ـح ــري ــم وزر عـــذاب مــقـيـم. القول بغري علم �أو الفتوى بغري حق, وح ــذر مـ ـ ــن ذل ـ ـ ــك بقوله" :قل �إمنا حرم ربي الفواح�ش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغري احلق و�أن ت�شركوا باهلل مامل ُين ّزل به �سلط�أناً و�أن تقولوا على اهلل ما ال تعلمون" ( , )6وقال عليه ال�صالة وال�سالم م�ؤكداً هذه احلرمة والوعيد" :من �أفتى بغري علم كان �إثمه على من �أفتاه ,ومن �أ�شار على �أخيه ب�أمر ويعلم الر�شد يف غريه فقد خانه" (.)7 ولقد ورد يف (موافقات ال�شاطبي) –
61
يف احلوادث فذلك يختلف باختالف احلاالت ,فقد تكون الفتيا فر�ض عني وقد تكون فر�ض كفاية وقد تكون مندوبة وقد تكون مكروهة �أو حمرمة ح�سب احلالة املعرو�ضة وقوتها على ال�سائل. �أما �أركانه فهي ثالثة: امل�س�ألة الواقعة (الق�ضية املطروحة للفتيا) ,واملفتي ,وامل�ستفتي. • �ضوابط و �شروط املفتي والإفتاء واجب على كل من ت�أهل له الإفتاء ٌ وتوافرت فيه �شروطه ,التي هي ك�شروط املجتهد ي�ضاف �إليها العدالة لقبول فتواه( ,)18يقول النووي – رحمه اهلل - �( :شرط املفتي كونه م�سلماً ثقة م�أموناً متنزهاً عن �أ�سباب الف�سق ,و خوارم املروءة, فقيه النف�س� ,سليم الذهن ,ر�صني الفكر, �صحيح الت�صرف واال�ستنباط ,متيقظاً, �سواءاً فيه احلر والعبد ,واملر�أة والأعمى والأخر�س �إذا كتب �أو فهمت �إ�شارته, )19( ). يقول الإمام مالك – رحمه اهلل ( : -ال ينبغي للعامل �أن يفتي حتى يراه النا�س ال لذلك ،ويرى هو نف�سه �أنه � ٌ �أه ً أهل لذلك ،وما �أفتيت حتى �شهد يل �سبعون)، وميكن اخت�صار �أقوال العلماء يف هذه ال�شروط بعدة نقاط �أهمها: .1العلم الكايف بالقران الكرمي وعلومه و�أهمها �أ�سباب النزول وعلم النا�سخ واملن�سوخ. .2الإحاطة التامة بال�سنة النبوية ال�شريفة رواي ًة ودراي ًة وجميع علوم احلديث ,والوقوف على موا�ضع الإجماع مع الإملام ب�أ�صول الفقه وجميع الأدلة ال�شرعية الأخرى من القيا�س واال�ستح�سان وغريها.
� .3أن يكون مُل ّماً باملبادئ الكلية والقواعد العامة لل�شريعة الإ�سالمية كمبادئ ال�شورى والعدالة واحلرية والكرامة الإن�سانية ونحوها حتى ال يتجاوز يف فتواه. � .4أن يكون على دراية بفقه املقا�صد ال�شرعية مبا فيها املقا�صد واملفا�سد وكذلك فقه �سد الذرائع واملوازنة بينها. � .5أن تتوافر به �شروط املجتهد من العدالة والتقوى والورع وعدم االزدواجية بني الفعل والقول حتى يكون ذا هيبة واحرتام بني العامة واخلا�صة و�أن ال يكون مت�ساه ً ال يف الفتوى. .6لديه ملكة الفهم الدقيق التام للواقع الذي متت فيه النازلة (امل�س�ألة املعرو�ضة) ,و�أن ي�ستعني ب�أهل االخت�صا�ص يف الأمور الدنيوية ،عاملاً بكل ما �صدر يف فقه النوازل ،وعليه �أال يت�سرع يف �إعطاء الأحكام دون الدرا�سة الدقيقة ,و�أن ال يلج�أ �إىل اجلواب ال�سريع يف احلالل واحلرام. � .7أن يراعي الو�سطية بني الت�شدد والتفلت ,واالنحالل والتقوى والورع, ولديه القدرة على عدم اخل�ضوع للهوى �أو ال�سلطة وقوة العامة ,و�أن ال يتحرج من الرجوع عن فتواه �إذا ر�أى الأف�ضل, فال�شافعي – رحمه اهلل -رجع عن العديد من امل�سائل حتى �صار له فقهان القدمي واحلديث. � .8أن يكون لديه القدرة على ا�ستق�صاء فتاوى الع�صور املت�أخرة واال�ستئنا�س بها يف الق�ضايا املعا�صرة معتمداً على غزارة فقه ال�صحابة والتابعني لقربهم من العهد النبوي.
.9عاملاً باللغة العربية وعلومها وعلى دراية وا�سعة باللهجات العامية املحكية. � .10أن يدرك �أن الفتوى لي�ست ثابتة بل تتغري بتغري الأزمان والأماكن والأعراف. .11ي�ضاف �إىل ذلك �إملامه بالعادات والتقاليد ,و�أن يكون عاملاً بحال امل�ستفتي والواقع الذي ي�ستفتي فيه. وبناءاً على ذلك ف�إننا نرى �أنه ال يجوز الإفتاء �إال للفقيه العامل بكتاب اهلل و�سنة ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم وب�أقوال العلماء و�إجماعهم واختالفهم ممن ميلك امللكة الفقهية القادرة على االجتهاد� ,إذ امل�ؤهل أن أعظم المؤثرات الـع ـلـمي وحـده ال هــو غــيــاب الـعـلـم ي ـكـ ـفـ ــي للـت ــ�صـ ــدي الــشــرعـي الـصحيح لـلإفـتـ ــاء ف ـ ــال ب ـ ــد الـذي يعـتـمـد عــلـى لـ ـهــا مـ ــن �شـ ـ ــروط أصول ثابتة ألسباب عدة ال مجال للبحث م�سـ ــانـدة. فيــهــا أدى إلـــى أن • �شروط الفتوى يتصـدى للفتـوى غير من �شروط الإفتاء المؤهل وهو ما تنبأ �أن ال ي ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــون �إال به رسول اهلل صلى اهلل عــلــيــه وســلـم فـي ق ـ ــ�ض ـيـة عامة م�ستحدثة دخلت العامل الإ�سالمي نتيجة الإنفتاح والتقدم العلمي �أو يف واقعة حدثت فع ً ال وعُر�ضت على الفقيه ملعرفة حكمها عن طريق معرفة واقعة اال�ستفتاء ودرا�سة نف�سية امل�ستفتي والبيئة التي يعي�ش فيها ليعرف مدى �أثر الفتوى �سلباً و�إيجاباً حتى ال ُي ّتخذ دين اهلل هزواً ولعباً (. )20 وعليه فالفتوى �إما نتاج اجتهاد جماعي للو�صول �إىل �أحكام �شرعية لق�ضايا عامة كحكم اال�ستن�ساخ وزراعة الأع�ضاء واملعامالت املالية احلديثة� ,أو نتاج حكم
63
ثابتة لأ�سباب عدة ال جمال للبحث فيها �أدى �إىل �أن يت�صدى للفتوى غري امل�ؤهل وهو ما تنب�أ به ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بقوله�" :إن اهلل ال يقب�ض العلم انتزاعاً من �صدور الرجال ولكن يقب�ض العلم بقب�ض العلماء ،ف�إن مل يب َق عا ٌ مل ف�سئِلوا ف�أفتوا اتخذ النا�س ر�ؤ�ساءاً جها ًالُ ، علم ف�ض ّلوا و�أ�ض ّلوا" ( ، )24وقال بغري ٍ علم كان �إثم ذلك �أي�ضاً" :من �أفتى بغري ٍ على الذي �أفتاه" ( ، )25ولذلك قرر علماء ال�سلف �أن من �أفتى ولي�س ب�أهلٍ للفتوى عا�ص ومن �أقره من والة الأمر فهو �آث ٌم ٍ فهو كذلك ،وعن ابن اجلوزي( :يلزم ويل الأمر منعهم من ذلك كما فعل بنو �أمية)، وقال �أبو حنيفة( :بوجوب ا َ حلجر على املفتي اجلاهل املتالعب ب�أحكام ال�شرع) مع �أنه مل يقل بوجوبه على ال�سفيه احرتاماً لآدميته وذلك ملا له من �ضر ٍر على املجتمع الإ�سالمي. وللخروج من فتنة الفتوى والفتوى امل�ضادة ال بد �أن يكون للإفتاء الرعاية اخلا�صة لي�أخذ مكانه الالئق واملنا�سب به يف الدول الإ�سالمية ,بناءاً على �أن من ح�سنات الأمة الإ�سالمية �أنها مع�صومة وهي كما و�صفها عليه ال�صالة وال�سالم فيما رواه �أن�س -ر�ضي اهلل عنه " : -مثل �أمتي مثل املطر ,ال ُيدرى �أوله خري �أم �آخره" ( ,)26ومن هذه الع�صمة �أن اهلل تعاىل يبعث لها على ر�أ�س كل مئة �سنة من يجدد لهــا ديـ ـ ـن ـ ـه ـ ــا ,وم ـ ــن الـ ـت ـ ـجــدي ــد �ضـ ـبـ ــط الف ـت ــوى وتنـظيمها, ومـ ــن الـمـقـتـ ــرح ــات واحلـ ـ ـ ـل ـ ــول لـ ــذل ـ ــك النقاط التالية: �أو ًال� :ضرورة توافر ال�شـ ــروط ال�شــرعية
فـ ـي ـمـ ـ ــن يـ ـتـ ــ�ص ـ ــدى للإفتاء ,و�أن ي ـ ـك ــون مهتماً بجميع �ش�ؤون احلياة مما له تعلق باحلكم ال�شرعي ,وهذا ي�شمل العبادات واملعامالت والأحوال ال�شخ�صية والعقوبات وال�سيا�سة ال�شرعية (الفقه ال�سيا�سي) ,وعليه يجب على والة الأمر منع فو�ضى الإفتاء ب�إق�صاء املفتي غري امل�ؤهل املتظاهر �أو املكت�سب لأنه عظيم ال�ضرر على نف�سه وعلى غريه ,وتقليد هذا الأمر للم�ؤهلني وتزويدهم بكافة الو�سائل امل�ساندة من م�صادر ومراجع وحوا�سيب �آلية ,واال�ستفادة من �شبكة الإنرتنت لتكون الفتوى من�ضبطة �شرعاً. ثاني ًا� :إيجاد مرجعية جماعية يف الق�ضايا العامة وامل�ستجدات املعا�صرة من خالل الـمجـامــع الـفـقـهـي ــة ت ـح ـظـ ــى بـ ــالـ ــدع ـ ـ ــم الـم ــادي وال ــر�س ـم ــي التي ت�ضم الع�شرات م ــن ال ـم ـج ـت ـ ـه ــديـن والفـقـهاء مــن كــاف ــة �أنحـاء العامل ,بحيث ُتعـ ـن ــى هــذه املجامع بالق�ض ــايـ ــا ال ـع ــامـ ــة الـتـ ــي م ــن �ش ـ ـ ـ�أن ـ ـ ـهـا الت�أثري على الأمة, �سواء كانت ق�ضايا �سيــا�سي ــة كــال�ش ــورى والـ ــدي ــمقـ ــراطـ ـ ـي ــة وم�شاركة املر�أة� ,أو ق�ضايا اقت�صادية كالبور�صات والعمل يف ال�شركات الكبرية وما ي�شوب معامالتها من �أوجه الف�ساد ال�شرعية ,وامل�شاركة يف منظمات التجارة الدولية� ,أو الق�ضايا االجتماعية الطارئة ,كتحديد �سن الزواج والزواج العريف واال�ستن�ساخ واجلن�س الثالث .ومن املعلوم �أن البحث يف هذه الق�ضايا يحتاج �إىل حمددين �أ�سا�سني, الأول :الإملام بالواقع بجميع جوانبه بر�ؤية �شمولية مما يوجب على املجمع اال�ستفادة من ذوي الإخت�صا�ص من ال�سيا�سيني و
االقت�صاديني واالجتماعيني للإ�ستفادة بر�أيهم دون الإفراط يف منحهم وظيفة �إ�صدار احلكم ال�شرعي� ,أما الثاين :فهو حتلي �أع�ضاء املجامع بروح الو�سطية واالعتدال يف معاجلة الق�ضايا و�أن ي�ضعوا املقا�صد ال�شرعية الأكيدة ن�صب �أعينهم ويراعوا امل�صلحة العامة كما فعل عمر بن اخلطاب – ر�ضي اهلل عنه – يف م�س�ألة الأرا�ضي اخلراجية و�سهم امل�ؤلفة قلوبهم ,و�أن تعزز هذه املجامع بامل�ؤمترات والندوات الفقهية الدورية لبحث �أهم امل�ستجدات والق�ضايا املعا�صرة, ومن املهم �ضرورة التزام رجال العلم واملفتني مبا ي�صدر يجب على والة األمر عن هذه املجامع منع فوضى اإلفتاء من فتاوى ،خا�ص ًة بإقصاء المفتي غير المؤهل المتظاهر ب ــرام ــج الفـ ـتـ ـ ــاوى أو المكتسب ألنه املبا�شرة التي تبثها عظيم الضرر على املحطات الف�ضائية نفسه وعلى غيره. و الإذاع ـي ــة وع ـ ـ ــدم ال�شذوذ ع ـنـ ـه ــا لأن الأمة ال جتتمع على �ضاللة. ثالث ًا :العمل على �إيجاد هيئة �أو دائرة عاملية للإفتاء منتخبة من كبار علماء املجامع الفقهية واجلاليات الإ�سالمية بالعامل -ب�شروط ت�ضعها املجامع – جتتمع دورياً ملناق�شة اخر ما تو�صلت �إليه املجامع الفقهية وامل�ستجدات ,و�إيجاد احللول والأحكام ال�شرعية ،على �أن ت�ضم عدداً من الن�ساء امل�ؤهالت نتيجة كرثة الق�ضايا التي تهم املر�أة و�أن يكون لها م�ست�شارون من ذوي الإخت�صا�ص يف جميع املجاالت ال�سيا�سية والعلمية واالجتماعية وغريها.
65
واالجتماعي بفروعه ومتنع الت�ضارب يف الإفتاء وتغلق باب الفو�ضى فيه ,ومتنع املتطفل الذي ال ميلك الر�صيد الكايف لذلك ,ولكنه غري جمدٍ يف الق�ضايا اخلا�صة والأ�سئلة الفردية لأنه يح�صر أنا�س قد ال ي�صل �إليهم الفتاوى يف � ٍ العوام ومن هم بحاجة �إىل فتوى خا�صة, والأجدى من �إ�صدار هذا القانون �أن تحُ دَّد �شروط و�ضوابط وا�ضحة ملن يت�صدر للإفتاء يعلمها اجلميع ،مينع عموم الو ّعاظ ومن تظا َه َر بالعلم من الفتوى ,خا�ص ًة �أن الفتوى ثقة بني امل�ستفتي واملفتي ,وبع�ض النا�س تفقد الثقة مبن يرتبط بقانون �أو بجهات ر�سمية ,بالإ�ضافة �إىل �أن البع�ض يرغب بال�سرية يف ق�ضاياه وم�سائله املطروحة. هذا و�أن فر�ض الر�أي الواحد يف الفتوى الفردية بقانون ملزم مل يحدث يف ع�صر ال�صحابة �أو �أي ع�صر� ,إذ تعددت الآراء ووجدت املذاهب ,فلكل �شخ�ص احلرية يف �أن يجد من يطمئن قلبه �إليه ,وال ميكن �إلزامه بفتوى ما خا�صة يف الأمور العامة والعبادات ,فاالختالف ظاهرة ال ميكن حتا�شيها ,وقد تكون رحمة ,ويف ذلك يقول ابن القيم يف كتابه �إعالم املوقعني( :وقوع االختالف بني النا�س �أمر �ضروري ال بد منه ,لتفاوت �إغرا�ضهم و�إفهامهم وقوى �إدراكهم ,ولكن املذموم بغي بع�ضهم على بع�ض وعدوانهم). وهناك العديد من الآثار التي تدل على عدم الإلزام بالر�أي الواحد ,فقد �أقر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ك ً ال من املختلفني على ر�أيه اخلا�ص كما يف م�س�ألة �أمره عليه ال�سالم ب�صالة الع�صر يف بني
قريظة ,فقد �صالها بع�ضهم يف املدينة ومل ي�صلها البع�ض الآخر �إال يف وقت الع�شاء ,ومل يعنف الر�سول عليه ال�سالم �أحداً بل �أقرهم كما يف ال�صحيحني ,ويف ال�سفر كان منهم ال�صائم واملفطر وما عاب على �أحدٍ ذلك. وعليه ف�إن لالختالف �أ�سباباً مو�ضوعية م�شروعة ووجيهة يجب احرتامها ,لكن البد من �إحياء روح الت�سامح يف الأمة وبث روح الأخوة واملودة بني امل�سلمني باحرتام حرية الر�أي وعدم فر�ض قانون ي�صادر هذه احلرية ,ف�إن لكل عامل ر�أيه وال يجوز �أن ُي�صادَر ,فحرية الر�أي من حقوق الإن�سان الواجب احرتامها فكيف بالعلماء واحلكماء ,والر�سول الكرمي يقول" :من كتم علماً �أجلمه اهلل بلجا ٍم من نار يوم القيامة" ,ويجب �أال يغيب عن البال �أن الإختالف �أم ٌر واقع ,وهناك مت�سع يف ال�شريعة الإ�سالمية للآراء وال ميكن للمفتي �أن يفر�ض ر�أيه على اجلميع ,فهو بقا�ض حكمه ملزم ,فلكل م�سلم �أن لي�س ٍ يذهب يف م�س�ألته �إىل من يريد ويثق به, وي�ستفتي منه الر�أي ال�شرعي ,وغري ذلك يعد حِ جراً على حرية الر�أي والفتوى، وهو خالف مق�صد ال�شريعة الإ�سالمية. والذي �أراه �أن ي�صدر قانوناً يج ِّرم من يت�صدى للفتوى من غري امل�ؤهلني وي�أخذ على �أيدي من يتالعب ب�أحكام ال�شرع، ولي�س �إ�صدار قانون مينع امل�ؤهل و�أهل االخت�صا�ص ،و�أن يجعل الفتوى ر�سمية من جهة معينة ,فال ميكن منع العلماء من �إبداء �آراءهم حتى ولو كان خمالفاً ملا يقوله املفتي العام الر�سمي ما دام م�ستنداً �إىل دليلٍ �شرعي ,كما يجب فتح املجال
ملناق�شة الفتوى والرد عليها علمياً ف�إن ال�شقاق ميكن تفاديه باحلوار الذي من �ش�أنه تقدمي البدائل .وبذلك حتقق الأمة ري �أم ٍة �إرادة اهلل تعاىل لها بقوله" :كنتم خ َ �أُخرِجت للنا�س ت�أمرون باملعروف وتنهَون عن املنكر وت�ؤمنون باهلل" )27( .
الهوام�ش (� )1سورة الن�ساء176 / ( )2الفتاوى الإ�سالمية ( )3مقدمة �صفة الفتوى واملفتي ( )4النحل ،43 /الأنبياء7 / (� )5سورة التوبة122 / (� )6سورة الأعراف32 / ( )7املجموع ( )8رواه �أبو الداود والرتمذي ( )9متفق عليه ( )10رواه البخاري ( )11موافقات ال�شاطبي ( )12حترير الأحكام يف �أ�صول الإ�سالم (� )13سورة الن�ساء59/ (� )14سورة احل�شر7 / ( )15املجموع (� )16أعالم املوقعني (� )17سورة التوبة122 / ( )18املجموع (� )19أعالم املوقعني ( )20املجموع (� )21سورة املائدة3 / (� )22سورة الأنعام38 / ( )23املوافقات ( )24رواه ال�شيخان ( )25رواه ابن ماجة ( )26رواه �أحمد والرتمذي (� )27سورة �آل عمران110 /
67
هيئة شباب الوسطية تشارك بورشة تحت المجهر قام رئي�س هيئة �شباب الو�سطية (د.بالل �أيوب) ب�إقامة ور�شة عمل بعنوان (حتت املجهر) بدعوة من فريق و�صلة الهند�سي وذلك على م�سرح نقابة املهند�سني -ال�شمي�ساين .. حيث تناولت الور�شة عدت حماور: من �أنتم؟؟ ملاذا دخلت هند�سة.. ماذا تعني الهند�سة.. ملاذا دخلت هند�سة بالذات.. هل الهند�سة غريت يف طريقة تفكريك ..يف حياتك..
هيئة شباب الوسطية تشارك بورشة حقائق علمية دخلت هند�سة
احل�ضور يف الور�شة
قام رئي�س هيئة �شباب الو�سطية (د.بالل �أيوب) ب�إقامة ور�شة عمل بعنوان حقائق علمية بدعوة من جلنة احلا�سوب وال�شبكات- كلية الهند�سة التكنولوجية ..حيث تناولت نقا�شاً حول �أهم احلقائق العلمية التي ترتكز عليها معظم االخرتاعات من حولنا وهي العنا�صر يف الطبيعة -الألوان -ترددات الطبيعة -القوة املغناطي�سية -قانون التجاذب -انعكا�س ال�ضوء
83
اإلسالميون والسلطة .. الفرص والتحديات �أ .ب�سام نا�صر
ولوج الإ�سالميني �إىل عامل احلكم وال�سلطة �أ�صبح �أمرا واقعا ،د�شنته حركة النه�ضة التون�سية ،وتبعها حزب العدالة والتنمية املغربي ،ومن املرجح �أن يكون ثالثهما حزب احلرية والعدالة امل�صري ،ورمبا ي�شاطره حزب النور ال�سلفي (امل�صري) ،ما يعني �أن العقود القادمة هي عقود
الإ�سالميني يف ال�سلطة واحلكم، فنتائج الثورات العربية وم�آالتها، دفعت بالإ�سالميني كي يرتبعوا على كرا�سي احلكم وال�سلطة .قرار م�شاركة الإ�سالميني يف احلكم وال�سلطة ـ يف العقود ال�سابقة ـ كان يكتنفه جملة من املحاذير والتخوفات ،وكان يغلب على �أدائهم ـ مرحلة ما قبل الثورات ـ
االبتعاد عن امل�شاركة يف احلكومات، تخوفا من التعرث واالنزالق يف م�ضايق ال�سلطة ودهاليزها ،وعدم القدرة يف الوقت نف�سه على تنفيذ مبادئهم وتطلعاتهم ،و�إعاقتهم عن تنفيذ ر�ؤاهم من خالل امل�شاركة اجلزئية يف بع�ض املقاعد الوزارية .لكن دخولهم �إىل عامل احلكم وال�سلطة احلايل ،ي�أتي بعد انتخابات �أهلتهم لذلك الدخول، فلي�س لأية جهة �أن متن عليهم بذلك، �أو �أن ت�ضع لهم حمددات و�سقوف يلتزمون بها يف �أدائهم ،فما يحكمهم
85