العددالثاني السنة الثانية

Page 1

٤ ٨ ١٠ ١٣ ١٨ ٢٢ ٣٠ ٣٨ ٥٠ ٥٣ ٥٤ ٥٦ ٦٢ ٦٦ ٦٩ ٧٦ ٩٠ ٩٨ ١٠٢ ١٠٤ ١٠٦ ١٠٧ ١٠٩ ١١٢ ١١٥ ١١٦ ١٢٠ ١٢١ ١٢٢ ١٢٣ ١٢٤ ١٢٥ ١٢٦


( ٰ


"

"

"

"

" "

×

"

ً

"

"

"

"

"


‫اﻓتتاﺣية العدد‬

‫بناء األسرة المسلمة طريقنا إلى القدس‬ ‫بقلم‪ :‬م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫زاد احلنني اإىل القد�س وعال أانينها مع وقع الظلم الرازح‬ ‫و�سط ركام الزحف الهمجي ال�ستيطاين‪ ،‬حتى ليخيل‬ ‫لك و أانت تراها و�سط امل�ستعمرات التي أاحكمت �سرها‬ ‫وانت�سرت حولها أان عودتها م�ستحيلة و أالف م�ستحيلة من‬ ‫خالل �سراب الوعود أاو تنازل يهود‪ ،‬واإمنا �ستكون باإذن‬ ‫اهلل ب�سواعد رجال تربوا يف مدر�سة �سالح الدين ع�سقوا‬ ‫دينهم وم�سوا يرددون‪:‬‬ ‫حالةفـيالقد�ست�ستـذريالعـيون‬ ‫يا�سالحالدينقموانظراإىل‬ ‫ٍ‬ ‫أاُبـدل العـز الـذي تعرفـه ذلة و أا�سفـ ًا وا�ست أا�سد امل�ست�سعفـون‬ ‫المهندس مروان الفاعوري‬

‫ويعلو منهم النداء‪:‬‬ ‫قم �سالح الدين جدد عهدنا‬

‫فال�سليبيون عادوا من جديد‬

‫ومهما احتفل العرب وامل�سلمون بالقد�س‪ ،‬وقد اختاروها‬ ‫يف اخليال وهي حا�سرة يف الوجدان عا�سمة للثقافة‬ ‫العربية‪ ،‬ف�ستبقى با�سمها الطاهر ومكانتها ت ؤورخ وت�سجل‬ ‫أ‬ ‫لالمه مراحل الن�سر والعزة‪ ،‬أاو أازمان ال�سعف والهزمية‪،‬‬ ‫فاذا عزت ماآذنها عزت أ‬ ‫المة‪ ،‬وكانت ناه�سة مت أالقة‪،‬‬ ‫وفا�ست منها معاين الفرح والب�سر على أابناء أ‬ ‫المة‬ ‫جمعاء‪ ،‬واإذا انك�سرت وبكت كانت احلال غري احلال‪،‬‬ ‫وكان الرجال غري الرجال‪...‬‬ ‫الر�س وحترير القد�س عناوين لعزة أ‬ ‫ولن حترير أ‬ ‫أ‬ ‫المة‪،‬‬ ‫فقد ا�ستوقفني ال�ساعر ف ؤواد اخلطيب وهو يتلفت راجي ًا‬ ‫عون أ‬ ‫المة وغوثها‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫جامعـة وما للقـد�س فيهـا‬ ‫أا‬

‫�سـوى الذيل املعلق بالبـنود‬

‫وما معنى العروبة يف حماها‬

‫ويف قلب احلمى وطن اليهود‬

‫‪4‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية‬

‫(اإن حترير القد�س يبد أا بتحرير ذواتنا‪ ،‬وحترير أانف�سنا‬ ‫ال�سالم‪ ،‬خا�سةحني‬ ‫بال�سالم ل حتريرنا من إ‬ ‫و أا�سرنا إ‬ ‫ا�ستكملت الهجمة على أ‬ ‫المة حلقاتها بعد أان جنحت‬ ‫يف حلقتها أ‬ ‫الوىل باحتالل ديار امل�سلمني ثم بتفكيكهم‬ ‫وتق�سيم ديارهم أاقاليم ودو ًل‪ ،‬وفككت اخللية ال�سيا�سية‬ ‫أ‬ ‫لالمة وهي الدولة القطرية للم�سلمني التي رف�س فيها‬ ‫ال�سلطان عبد احلميد رحمه اهلل‪ ،‬طلب هرتزل‪ ،‬وعندما‬ ‫قال له اإن فل�سطني لي�ست ملك ًا يل اإنها ملك للم�سلمني‪،‬‬ ‫أاقول بعد هذا؟؟‬ ‫اإن هذه القوى اخلفية تعمل اليوم وبكل جد لتفكيك‬ ‫اخللية الجتماعية وهي أ‬ ‫ال�سرة التي تعد مدر�سة‬ ‫ال�سالمي الرتبوي أ‬ ‫لالمة كلها‪ ،‬بو�سفها أاداة‬ ‫النتاج إ‬ ‫إ‬ ‫حفظ الن�سل والعر�س‪.‬‬


‫تفكيك أ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ال�سرة امل�سلمة عن طريق‬ ‫فالعداء عازمون اليوم‬ ‫مزيد من التغيريات على البنى االجتماعية والثقافية‬ ‫والت�شريعية عرب الت�سلل �إىل �ساحات أ‬ ‫المة و أ�فنيتها‬ ‫باحلديث عن حترير املر أ�ة‪ ،‬و�إحداث الفتنة أ‬ ‫ال�سرية‬ ‫الكربى‪ ،‬با�سم اتفاقية �سيداو وبكني وغريها بعد حمالت‬ ‫نابليون ومونتغمري و�شارون و�شوار�سكوف‪...‬‬ ‫�إن حمالتهم ال�سابقة قد جنحت يف �سلب مقدراتنا‬ ‫وتهجري �صناعة قرارنا نحو اخلارج‪ ،‬وها هم أ�والء يعملون‬ ‫جهدهم آ‬ ‫للجهاز على ن�سيج أ‬ ‫ال�سرة امل�سلمة وتعطيل‬ ‫الن إ‬ ‫وظيفتها يف �إنتاج أ‬ ‫الجيال امل ؤ�منة بدينها واملخل�صة‬ ‫لوطنها‪ ،‬ومبظلة املواثيق واالتفاقيات الدولية‪ ،‬يريدون‬ ‫�إلغاء تراث الب�شرية احل�ضاري عرب آ�الف ال�سنني ‪ ،‬وهم‬ ‫بذلك عازمون �صب َغنا بالنموذج أ‬ ‫ال�سري الغربي البديل‬ ‫من منوذجنا أ‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬حتى يعمموا علينا‬ ‫ال�سري إ‬ ‫ثقافة االنحالل واال�ستهالك وعبادة ال�شهوة لتعطيل‬ ‫آ�لية البناء القيمي والروحي ل�شباب أ‬ ‫المة‪.‬‬ ‫ولـ َّما كانت الفردية ت�شكل املبد أ� الفل�سفي الناظم للبناء‬ ‫االجتماعي الغربي أ‬ ‫وال�سا�س واللبنة يف ذلك املجتمع‬ ‫الذي انتج أ‬ ‫ال�سر الالمنطية املكونة من رجلني أ�و امر أ�تني‪،‬‬ ‫ال�سرة هو أ‬ ‫فالفرد ولي�س أ‬ ‫ال�سا�س‪.‬‬ ‫ويف ذلك تغيري ل�سنن اهلل يف خلقه التي قامت على مبد أ�‬ ‫الزوجية يف كل �شيء من الذرة �إىل املجرة‪َ ( ،‬و ِم ْن ُك ِّل‬ ‫َ�ش ْيءٍ َخ َل ْق َنا َز ْو َجينْ ِ َل َعلَّ ُك ْم َت َذ َّك ُرونَ )(الذاريات‪،)49:‬‬ ‫ما ُت ْن ِبتُ ْ َأ‬ ‫(�س ْب َحانَ ا َّل ِذي َخ َل َق ْ َأ‬ ‫ال ْر ُ‬ ‫�ض َو ِم ْن‬ ‫ال ْز َو َ‬ ‫اج ُكلَّ َها مِ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ما اَل َي ْع َل ُمونَ )(ي�س‪.)36:‬‬ ‫َأ�نْفُ ِ�س ِه ْم َو مِ َّ‬ ‫�إن أ‬ ‫ال�سرة يف الغرب ت�سري نحو الدمار املعنوي واملادي ‪.‬‬ ‫ألنها جتاوزت �سنن اهلل‪ ،‬وتعدت على مبد أ� الزوجية‬ ‫(رجل يعاي�ش رج ًال وامر أ�ة تعاي�ش امر أ�ة)‪� ،‬إن هذا‬ ‫ي�شكل عدوان ًا على قوانني اهلل و�سننه احلاكمة للكون‬ ‫وت�ستوجب عقاب اهلل �سبحانه وتعاىل كماعوقب قوم‬

‫لوط عندما ُ�صدع الكون كله يف ال�صدع الكوين ال�شهري‬ ‫املعروف الذي �ضرب الكرة أ‬ ‫الر�ضية من العقبة �إىل‬ ‫ال�شام و أ�نزل مدنهم �سدوم وعمورة �إىل أ�خف�ض نقطة‬ ‫على وجه أ‬ ‫الر�ض ‪ ،‬ألنهم انحدروا �إىل أ��سفل ما ميكن أ�ن‬ ‫الطالق‪.‬‬ ‫تنحدر �إليه الب�شرية على إ‬ ‫�إننا نحذر من خطورة ا�سترياد منظومة القيم الغربية‬ ‫وتطبيقها يف ديار امل�سلمني ‪.‬‬ ‫ألن هذه املنظومة ال ت�صلح لنا بل ت�صادم موروثنا الثقايف‬ ‫وتقتحم خ�صو�صياتنا الدينية والثقافية‬ ‫واالجتماعية ‪ ،‬و�إذا كان واقع املر أ�ة يعاين ‪ ،‬أ‬ ‫فالمة‬ ‫كلها تعاين واحلل النه�ضوي يكون بتجديد اخلطاب‬ ‫الن�سوي وتخلي�صه من التقاليد اجلامدة التي لي�ست من‬ ‫الدين يف �شيء‪ ،‬وبعيد ًا به عن حماكاة النموذج الغربي‬ ‫املتهالك‪،‬لذا ف�إن املطلوب منا حترير واقعنا من الثقافة‬ ‫الراكدة والثقافة الوافدة با�ستقاللية �إ�صالحنا‬ ‫ب أ�جندتنا الداخلية الذاتية ويكون ذلك ب أ�ن نحرر‬ ‫أ‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫بال�سالم ال أ�ن نحررها من إ‬ ‫ال�سرة إ‬ ‫ال�سرة امل�سلمة يقلق أ�عداء أ‬ ‫�إن دوام أ‬ ‫المة‪ ،‬وي�ساعد على‬ ‫معاجلة العقم والعطب واجلرح والتغلب على الفو�ضى‬ ‫الدور‬ ‫ال�سالمي ‪ ،‬وا�ستمرار ّ‬ ‫والفنت التي اجتاحت العامل إ‬ ‫ال�سالم هو ال�ضامن ب�إذن اهلل تعاىل لنماء‬ ‫احليوي ألمة إ‬ ‫الب�شرية وبقائها ورخائها وهو احلافز لها للن�صر وحترير‬ ‫الغربي لال�سره فم ؤ�ذن‬ ‫املقد�سات‪ ،‬و أ�ما انت�صار النموذج‬ ‫ّ‬ ‫بدمار الكون وانهياره‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪َ ( :‬و َل َق ْد َك َت ْب َنا فيِ ال َّز ُبو ِر ِم ْن َب ْع ِد ِّ‬ ‫الذ ْك ِر َأ�نَّ‬ ‫أ‬ ‫ْ َأ‬ ‫ال ْر َ‬ ‫)(النبياء‪.)105:‬‬ ‫ال�صالحِ ُ ونَ‬ ‫�ض َي ِر ُث َها ِع َبادِيَ َّ‬ ‫وبهذا ميكن لنا أ�ن نحرر أ�وطاننا ونحرر مقد�ساتنا من‬ ‫رج�س ال�صهاينة بعد أ�ن نحرر أ�نف�سنا ونبني جمتمعاتنا‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫بالميان وعقيدة إ‬ ‫إ‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫ ‬



‫ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ‬ ‫ﺑﺪﻳﻊ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ ﺭﺟﻞ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ‪ /‬ﺣﺴﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺭﻱ‬ ‫ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻋﻤﺎﻥ ﺃﺩﺍﺓ ﺣﻀﺎﺭﻳﺔ ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮ ‪ /‬ﻭﺭﻗﺔ ﻋﻤﻞ ﻣﻦ ﺇﻋﺪﺍﺩ ‪:‬‬ ‫ﺩ‪ .‬ﻫﺎﻳﻞ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻔﻴﻆ ﺩﺍﻭﺩ‬ ‫ﻣﻮﻗﻒ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﺿﺪ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ‪ /‬ﺯﻛﻲ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ‬ ‫ﺭﺋﻴﺲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ‪ /‬ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ‬

‫ﺍﻟﻔﺘﻮﻯ ﻭﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‬ ‫ﺳﻤﺎﺣﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ ‪ /‬ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺷﻮﻳﺎﺕ‪ /‬ﻣﻔﺘﻲ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻷﺳﺒﻖ‬ ‫ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻭﻓﻲ ﺷﺮﻳﻌﺘﻨﺎ ‪ /‬ﺩ‪َ .‬ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪﻭ‬

‫ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻐﺮﺑﻲ‬

‫ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻋﻲ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺰﻡ ﺍﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ) ﻣﺆﺳﺲ ﻋﻠﻢ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻥ (‬

‫ﺩ‪.‬ﺃﺳﺎﻣﺔ ﻳﻮﺳﻒ ﺷﻬﺎﺏ‬

‫ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﻲ ﺭﻓﺪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬ ‫) ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺑﻨﺎﺀ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ (‬

‫ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﻭﻟﺪ ﺃﺑﺎﻩ ‪ /‬ﺍﻟﺴﻨﻐﺎﻝ‬


‫دراسات إسالمية‬

‫بديع الزمان سعيد النورسي‬ ‫رجل الحكمة وااليمان‬ ‫حسين الحياري‬

‫اليام الذكرى التا�سعة أ‬ ‫متر يف هذه أ‬ ‫والربعون لوفاة العالمة‬ ‫ال�شيخ بديع الزمان �سعيد النور�سي م ؤ��س�س حركة النور يف‬ ‫تركيا وم ؤ�لف ر�سائل النور امل�شهورة ‪ ،‬ويعرف النور�سي عند‬ ‫بال�ستاذ‪ ،‬فمن هو هذا أ‬ ‫طالبه ومريديه وحمبيه أ‬ ‫ال�ستاذ؟‬ ‫وما هي حركته؟‬ ‫أ‬ ‫�إن قلة من النا�س يف عاملنا العربي من يعرف ال�ستاذ‬ ‫النور�سي ولعل ال�سبب يف ذلك أ�ن العالقات الرتكية العربية‬ ‫قد مرت بفرتة من الفتور والنفور بعد احلرب العاملية‬ ‫االوىل ونتائجها الوبيلة على أ‬ ‫المة والتي فرقت بني‬ ‫الخوة‪ ،‬فرتكيا اجلمهورية توجهت نحو الغرب قاطعة كل‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وال�سالم ‪ ،‬ظانة �نها من املمكن �ن ت�صبح‬ ‫�صالتها بالعرب إ‬ ‫دولة علمانية غربية يقبلها الغرب‪ ،‬والعرب أ�ي�ضا ابتعدوا‬ ‫ب�شعاراتهم القومية والوطنية التي رفعوها بعد احلرب‬ ‫العاملية عن اخوانهم أ‬ ‫ال�سالم دور ًا يف‬ ‫التراك ولعل ألعداء إ‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولد ال�ستاذ �سعيد النور�سي يف قرية نور�س ق�ضاء جيزان‬ ‫�شرقي أ‬ ‫النا�ضول عام‬ ‫جنوبي‬ ‫يف والية بتالي�س الواقعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‪ ،1876‬كان أ�بواه كرديني متدينني عرف النا�س عنهما‬ ‫ال�صالح والتقوى‪ ،‬فوالده ال�سيد مريزا كان رجال تقي ًا ربى‬ ‫ال�سالم وحفظهم‬ ‫أ�والده جميعا ذكورا و�إناثا على تعاليم إ‬ ‫القر آ�ن وهم �صغار‪ ،‬وكان يعمل يف الزراعة والرعي ‪ ،‬ويروى‬ ‫عنه أ�نه كان اذا عاد من احلقل �إىل البيت مع أ�بقاره ربط‬ ‫أ�فواهها بقطع من قما�ش حتى ال ت أ�كل من زرع آ‬ ‫الخرين‪،‬‬ ‫وكانت والدته ال�سيدة نورية هامن على درجة كبرية من‬ ‫التقوى وال�صالح أ�ي�ضا‪ ،‬وروى أ‬ ‫ال�ستاذ عنها أ�نها ما أ�ر�ضعت‬ ‫ولدا لها �إال وهي طاهرة وعلى و�ضوء‪.‬‬ ‫يف هذا اجلو العائلي املتدين ن� أش� وترعرع أ‬ ‫ال�ستاذ النور�سي‬ ‫وحفظ القر آ�ن وهو طفل �صغري وذهب �إىل كتاتيب القرية‬ ‫واملدار�س يف النواحي القريبة من قريته ‪ ،‬وكان ي�ستوعب كل‬ ‫ما ي�سمع ويقر أ� ويحفظه بطريقة عجيبة‪ ،‬وكان أ�خوه املال‬ ‫عبداهلل يراجع له ما تعلمه عندما يعود �إىل القرية‪ .‬أ�بدى‬ ‫أ‬ ‫ال�ستاذ نبوغا خارقا أ�ده�ش كل الذين حوله من �شيوخه‬ ‫ومعلميه الذين أ�طلقوا عليه لقب بديع الزمان وا�شتهر بهذا‬ ‫اللقب طوال حياته و أ��صبح مقرونا با�سمه‪.‬‬ ‫ ‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫در�س أ‬ ‫ال�ستاذ العلوم الدينية كافة من علوم القر آ�ن‬ ‫واحلديث وال�سرية والفقه وعلم الكالم‪ ،‬واطلع أ�ي�ضا على‬ ‫العلوم احلياتية فدر�س الكيمياء والفلك واجلغرافيا وكان‬ ‫يقول‪�« :‬ضياء القلب هو العلوم الدينية‪ ،‬ونور العقل هو‬ ‫العلوم احلديثة»‪.‬‬ ‫�شرقي أ‬ ‫ذاع �صيت أ‬ ‫النا�ضول‬ ‫ال�ستاذ وا�شتهر يف كافة مناطق‬ ‫ّ‬ ‫وجل�س ملناظرة كبار العلماء وهو يف اخلام�سة ع�شرة من‬ ‫عمره‪ ،‬وا�ستطاع أ�ن يظهر عليهم جميعا رغم فارق ال�سن بينه‬ ‫وبينهم‪ ،‬ويف الع�شرين من عمره ذهب أ‬ ‫ال�ستاذ اىل �إ�ستانبول‬ ‫عا�صمة اخلالفة العثمانية وهو يحمل م�شروع �إن�شاء جامعة‬ ‫الزهراء يف �شرق أ‬ ‫النا�ضول‪� ،‬إذ كان يرى أ�ن �سبب التخلف‬ ‫الذي يعي�شه النا�س هناك هو اجلهل أ‬ ‫والمية‪ ،‬لذلك ال‬ ‫بد من �إن�شاء هذه اجلامعة وعلى غرار اجلامع االزهر يف‬ ‫م�صر لتكون املنارة التي تنري الطريق ألهايل هذه املنطقة‬ ‫مما هم فيه من تخلف‪ ،‬ولكن مهمته يف العا�صمة‬ ‫وتخرجهم ّ‬ ‫ف�شلت �إذ مل يجد أ�حد ًا من امل�س ؤ�ولني يف العا�صمة ي�ستمع‬ ‫�شرقي أ‬ ‫النا�ضول وا�ستقر يف مدينة(وان)‬ ‫�إليه فعاد اىل‬ ‫ّ‬ ‫حيث أ�ن� أش� فيها مدر�سة �س َّماها مدر�سة (خور خور) التي‬ ‫كانت تدر�س العلوم الدينية �إىل جانب العلوم احلديثة‪،‬‬ ‫وتدرب التالميذ على ال�سالح وه َّي أ�هم للجهاد‪ ،‬وعندما ن�شبت‬ ‫الوىل عام ‪ ،1914‬هب أ‬ ‫احلرب العاملية أ‬ ‫ال�ستاذ وتالميذه‬ ‫�إىل اجلهاد ومقاومة اجلي�ش الرو�سي الذي غزا �شرق‬ ‫أ‬ ‫النا�ضول ف أ�لف فيلق ًا من الفدائيني املتطوعني الذين أ�بلوا‬ ‫بالء ح�سنا يف القتال وا�ستطاعوا الوقوف يف وجه اجلي�ش‬ ‫الرو�سي ل�شهور عديدة‪� ،‬إال أ�ن قلة ال�سالح والعتاد وكرثة‬ ‫أ‬ ‫ري من تالميذه‬ ‫العداء وتفوقهم أ�مو ٌر أ�دت اىل ا�ست�شهاد كث ٍ‬ ‫ووقوع أ‬ ‫ري يف أ�يدي الرو�س عام ‪ ،1916‬وبقي يف‬ ‫ال�ستاذ ا�س ً‬ ‫أ‬ ‫ال�سر يف �سيبرييه حتى قيام الثورة ال�شيوعية يف رو�سيا‬ ‫عام ‪�،1917‬إذ �إ�ستطاع الفرار والعودة �إىل �إ�ستانبول التي‬ ‫ا�إ�ستقبلته �إ�ستقبال أ‬ ‫البطال ر�سميا و�شعبيا‪ ،‬وعني مدر�س ًا يف‬ ‫ال�سالمية تقدير ًا لت�ضحياته ولغزارة علمه‪،‬‬ ‫دار احلكمة إ‬ ‫أ‬ ‫ويف هذه أ‬ ‫ؤ‬ ‫الثناء ن�شر ال�ستاذ م�لفاته القيمة (�إ�شارات‬ ‫اليجاز) و(املثنوي العربي النوري)‪.‬‬ ‫العجاز يف مظان إ‬ ‫إ‬ ‫وبعد انتهاء احلرب وا�ست�سالم الدولة العثمانية ودخول‬ ‫قوات احللفاء �إىل �إ�ستانبول‪ ،‬أ�ح�س أ‬ ‫ال�ستاذ النور�سي‬ ‫ال�سالمي من أ‬ ‫العداء‪،‬‬ ‫ب�صفعة كبرية وجهت �إىل العامل إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫فكان همه أ�ن يت�صدى للهزمية التي حلت بالمة‪ ،‬ف�لف كتاب‬ ‫(اخلطوات ال�ست)‪ ،‬الذي حرك به همة ال�شعب ملقاومة‬ ‫الحتالل أ‬ ‫الجنبي‪ ،‬وبعد قيام حرب اال�ستقالل يف تركيا‬ ‫إ‬ ‫وطرد املحتلني من البالد‪ ،‬قامت اجلمهورية الرتكية التي‬ ‫اتخذت قرارات خطرية �ضد الدين‪ ،‬و�سعت �إىل ا�ستئ�صاله‬


‫الميان يف قلب أ‬ ‫المة‬ ‫من حياه النا�س‪ ،‬و�إىل �إخماد جذوة إ‬ ‫امل�سلمة‪ ،‬ف أ�لغت اخلالفة ومنعت تدري�س الدين باملدار�س‬ ‫وبدلت احلروف العربية �إىل التينية وحرم أ‬ ‫الذان باللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وحظر طبع الكتب اال�سالمية و أ�رغم النا�س على‬ ‫تغيري الزي �إىل الزي أ‬ ‫الحلاد‬ ‫الوروبي‪ ،‬و�إنت�شرت كتب إ‬ ‫العالم بالدين و�شكلت املحاكم‬ ‫و�صحفه و�إ�ستهز أ�ت و�سائل إ‬ ‫ملحاكمة كل من يخالف قوانني الدولة اجلديدة‪ ،‬و�ساد جو‬ ‫والرهاب يف أ�رجاء البالد كافة‪.‬‬ ‫الرعب إ‬ ‫وبعد ثورة ‪ ،1925‬التي قامت بها ع�شائر املنطقة ال�شرقية‬ ‫نفي أ‬ ‫من أ‬ ‫ال�ستاذ على الرغم من عدم م�شاركته‬ ‫النا�ضول‪ّ ،‬‬ ‫بالثورة‪ ،‬بل ون�صح من قام فيها بعدم حمل ال�سالح يف وجه‬ ‫غربي أ‬ ‫النا�ضول حيث عا�ش‬ ‫قوات احلكومة‪ ،‬ونفي اىل‬ ‫ّ‬ ‫القامة اجلربية ل�سنوات طويلة‪.‬‬ ‫وحيدا حتت إ‬ ‫أ‬ ‫يف عام ‪ ،1926‬بد أ� ال�ستاذ كتابة ر�سائل النور التي كانت‬ ‫ال�سالح الفعال حلمل هموم أ‬ ‫المة والقيام ب أ�عباء �إنقاذ‬ ‫الحلاد التي أ�رادت‬ ‫الميان‪ ،‬والوقوف يف وجه موجات إ‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ال�سالم من جذوره‪ ،‬ونذر ال�ستاذ نف�سه لهذا‬ ‫�إ�ستئ�صال إ‬ ‫الغر�ض‪ ،‬ورغم كل ال�صعوبات التي واجهها من �سجن ونفي‬ ‫و أ�ذى ومالحقات واقامة جربية‪ ،‬ف�إن كل ذلك مل يقلل ه ّمة‬ ‫أ‬ ‫ال�ستاذ يف أ�داء ما نذر نف�سه من أ�جله‪.‬‬ ‫أ�درك أ‬ ‫ال�سالم‬ ‫ال�ستاذ عظم حجم امل ؤ�امرة التي حتاك �ضد إ‬ ‫وقوة املنفذين لهذه امل ؤ�امرة‪ ،‬فال�سلطة ب أ�يديهم ووراءهم‬ ‫بال�سالم‬ ‫الغرب احلاقد واملا�سونية اليهودية املرتب�صة إ‬ ‫الطالق‪ ،‬و أ�نه‬ ‫و أ�هله‪ ،‬و أ�درك أ�ن املعركة غري متكافئة على إ‬ ‫لي�س من احلكمة املواجهة املبا�شرة‪ ،‬فهو وحيد ال ميلك �شيئا‬ ‫من القوة‪ ،‬وكل ال�سبل مغلقة يف وجهه‪ ،‬لذلك قرر املقاومة‬ ‫ال�سلمية‪ ،‬وبد أ�ها ب�سالح الكلمة الطيبة املخل�صة التي‬ ‫زرع بذورها بني طبقات أ‬ ‫المة‪ ،‬ومل ي�ستعجل قطع الثمار‪،‬‬ ‫فانت�شرت هذه الكلمة ب�سرعة عجيبة رغم كل ال�صعوبات‪،‬‬ ‫و أ��صبحت ر�سائل النور تن�سخ يف كثري من البيوت وتتداولها‬ ‫اليدي أ‬ ‫أ‬ ‫المينة‪ ،‬وهذا ما غاظ ال�سلطة‪ ،‬وجعلها تنفي‬ ‫أ‬ ‫ال�ستاذ من مكان �إىل مكان وتنقله من �سجن �إىل �سجن طيلة‬ ‫ثمانية وع�شرين عاما‪ ،‬وهو ال ي أ�به لذلك‪ ،‬بل بالعك�س فكلما‬ ‫ذهب �إىل منطقة جديدة انت�شرت الر�سائل أ�كرث ف أ�كرث‪،‬‬ ‫وكلما دخل �سجن ًا والذي �سماه «املدر�سة اليو�سفية» ازداد‬ ‫طالب ر�سائل النور من داخل ال�سجون‪ ،‬ويقول عن هذه‬ ‫الر�سائل «�إنها �إنبعثت حقا من نور القر آ�ن الكرمي‪ ،‬لذا نبع‬ ‫هذا اال�سم من �صميم وجداين ‪،‬ف أ�نا على قناعة تامة ويقني‬ ‫جازم أ�ن هذه الر�سائل لي�ست مما م�ضغته أ�فكاري ‪ ،‬و�إمنا �إلهام‬ ‫�إلهي أ�فا�ضه اهلل �سبحانه على قلبي من نور القر آ�ن الكرمي»‪.‬‬ ‫ويقول أ�ي�ضا‪�« :‬إن ر�سائل النور برهان باهر للقر آ�ن الكرمي‬

‫وتف�سري قيم له‪ ،‬وهي ملعة براقة من ملعات �إعجازه املعنوي‬ ‫ور�شحة من ر�شحات ذلك البحر و�شعاع من تلك ال�شم�س ‪،‬‬ ‫وحقيقة ملهمة من كنز علم احلقيقة وترجمة معنوية‬ ‫نابعة من فيو�ضاته»‪.‬‬ ‫�إن ر�سائل النور لي�ست طريقة �صوفية بل حقيقة‪ ،‬وهي نور‬ ‫مفا�ض من آ‬ ‫اليات الربانية ومل ت�ست�سق من علوم ال�شرق‬ ‫وال من فنون الغرب‪ ،‬بل هي معجزة معنوية للقر آ�ن الكرمي‬ ‫خا�صة لهذا الزمان»‪.‬ويف آ�ذار ‪� ،1960‬إنتقل أ‬ ‫ال�ستاذ النور�سي‬ ‫اىل الرفيق أ‬ ‫العلى بعد ما ر أ�ى واطم أ�نَّ �إىل أ�ن ما بناه قد بد أ�‬ ‫ي ؤ�تي أ�ُكله ‪ ،‬فغادر م�سرورا ألن مهمته قد جنحت ور�سالته قد‬ ‫أ�ديت‪.‬‬ ‫�إن أ‬ ‫لل�ستاذ النور�سي ف�ض ًال كبري ًا بعد ف�ضل اهلل تعاىل‬ ‫ال�سالم‪،‬‬ ‫على ما ن�شهده اليوم من عودة ال�شعب الرتكي �إىل إ‬ ‫فب�صموده وت�ضحياته وتفانيه و�إخال�صه �إ�ستطاعت ر�سائل‬ ‫النور ان تقف كالطود ال�شامخ يف وجه دعاة التغريب‬ ‫والحلاد والكفر‪ ،‬فقبل وفاته جمعت ر�سائل النور وطبعت‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫وعددها �كرث من مئة وثالثني ر�سالة من تالميذه املخل�صني‬ ‫و أ��صبحت هذه الر�سائل تقر أ� يف كل حي ومدينة وقرية يف‬ ‫تركيا‪ ،‬وكان الق�صد الرئي�سي لها �إنقاذ �إميان النا�س يف هذا‬ ‫الع�صر الع�صيب‪ ،‬وب�إحياء معاين القر آ�ن ومقا�صده يف النفو�س‬ ‫والعقول أ‬ ‫والرواح‪ ،‬فو�ضع بف�ضل اهلل تعاىل بيد اجليل‬ ‫اجلديد منهال ثريا ونبعا قر آ�نيا �صافيا‪ ،‬يحفظ عليهم دينهم‬ ‫و�إميانهم ويطهر قلوبهم وعقولهم مما قد علق بها من أ�باطيل‬ ‫امللحدين‪.‬وانت�شرت ر�سائل النور بعد ترجمتها يف كثري من‬ ‫دول العامل‪ ،‬فلقد ترجمت �إىل لغات كثرية مثل العربية‬ ‫والجنليزية والرو�سية والفرن�سية أ‬ ‫والملانية‬ ‫والفار�سية إ‬ ‫وال�سبانية والكردية والبو�سنية واملاالوية‪ ،‬و أ��صبحت تقر�أ‬ ‫إ‬ ‫يف كثري من دول العامل‪ ،‬وانت�شرت املدار�س النورية يف جميع‬ ‫أ�رجاء املعمورة وبد أ�ت امل ؤ�مترات يف هذه الر�سائل تعقد يف‬ ‫كثري من البلدان‪.‬‬ ‫ال�سالمية‬ ‫واحلقيقة أ�ن حركة النور هي أ�وىل احلركات إ‬ ‫تعد أ�ُم‬ ‫التي ن� أش�ت يف تركيا بعد �سقوط اخلالفة ‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫احلركات أ‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬ولها الف�ضل الكبري على‬ ‫والحزاب إ‬ ‫ال�سالمي‬ ‫كثري من املفكرين واملثقفني والعاملني يف احلقل إ‬ ‫يف تركيا‪ ،‬وجميع ه ؤ�الء ال ينكرون دور أ‬ ‫ال�ستاذ النور�سي‬ ‫يعد من أ��صعب ما‬ ‫وال�سالم يف وقت ّ‬ ‫الميان‪ ،‬إ‬ ‫الكبري يف خدمة إ‬ ‫ال�سالم يف تركيا‪ ،‬وال ين�سون له ت�ضحياته اجلليلة‬ ‫مر على إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يف هذا ال�ش�ن‪ ،‬ولعل لنا كتابات �خرى نتحدث فيها عن ر�سائل‬ ‫النور بالتف�صيل ب�إذن اهلل‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫ ‬


‫دراسات إسالمية‬

‫رسالة عمان أداة حضارية‬ ‫لتعزيز قيم الحوار مع اآلخر‬ ‫ورقة عمل من إعداد ‪ :‬د‪ .‬هايل عبد الحفيظ داود‬

‫مقدمة لمؤتمر‬

‫ت أ��صيل الفكر التنويري عند ال�شباب أ‬ ‫الردين‪« :‬ال�شباب‬ ‫واحلوار مع آ‬ ‫الخر» �إنّ من التحديات الكبرية التي تواجه‬ ‫الب�شرية اليوم االعرتاف بالتعددية الدينية والثقافية‪،‬‬ ‫واحلاجة للتعاون والتعاي�ش بني النا�س جميعا‪ ،‬على اختالف‬ ‫توجهاتهم وطوائفهم‪� ،‬إن التعدد �سنة �إلهية‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬ ‫(لكل جعلنا منكم �شرعة ومنهاجا‪ ،‬ولو �شاء اهلل جلعلكم‬ ‫أ�مة واحدة ولكن ليبلوكم يف ما آ�تاكم فا�ستبقوا اخلريات‪،‬‬ ‫�إىل اهلل مرجعكم جميعا‪ ،‬فينبئكم مبا كنتم فيه تختلفون)‬ ‫(�سورة املائدة‪.)48:‬‬ ‫ال�سالم ي ؤ�من باالعرتاف املتبادل‪ ،‬حتى �إن اهلل عز وجل‬ ‫�إن إ‬ ‫أ‬ ‫أ�خرب ر�سوله �ن يقول للم�شركني «لكم دينكم ويل دين»‬ ‫و أ�مره أ�ن يقول ألهل الكتاب «قل يا أ�هل الكتاب تعالوا �إىل‬ ‫كلمة �سواء بيننا وبينكم‪ ،‬أ�ال نعبد �إال اهلل‪ ،‬وال ن�شرك به‬ ‫�شيئ ًا‪ ،‬وال يتخذ بع�ضنا بع�ضا أ�ربابا من دون اهلل»‪.‬‬ ‫واحلوار مع آ‬ ‫ال�سالمي م�سلمة من امل�سلمات‪،‬‬ ‫الخر يف الفكر إ‬ ‫وقاعدة من القواعد القر آ�نية أ‬ ‫ال�سا�سية‪ ،‬وقيمة من‬ ‫القيم احل�ضارية يف تاريخ أ‬ ‫المة‪ ،‬فهو أ�مر ثابت يف القر آ�ن‬ ‫ال�سا�سية‪،‬وقيمة من القيم احل�ضارية يف تاريخ أ‬ ‫أ‬ ‫المة‪ ،‬فهو‬ ‫أ�مر ثابت من القر آ�ن‪ ،‬و�سنة م ؤ�كدة يف ال�سرية النبوية‪،‬‬ ‫ال�سالمي‪.‬‬ ‫وتقليد متداول يف الفكر إ‬ ‫�إن للم ؤ��س�سات الرتبوية وال�شبابية والدينية دور ًا كبري ًا يف‬ ‫ت أ��صيل الفكر التنويري لل�شباب‪ ،‬وحماربة الغلو والتطرف‪،‬‬ ‫ودعوتهم لالنخراط يف تيار الو�سطية واالعتدال‪ ،‬و�إقناعهم‬ ‫ب أ�همية احلوار مع آ‬ ‫الخر‪ ،‬باعتباره الو�سيلة املجدية يف‬ ‫التعرف على القيم واملبادئ واالجتاهات والتي انطلقت منها‬ ‫ر�سالة عمان‪ ،‬والتي كان أ�حد أ�هم حماورها و أ�هدافها‪ ،‬بيان‬ ‫أ�همية احلوار‪ ،‬واالعرتاف أ‬ ‫بالخر‪ ،‬والقدرة على التعاي�ش‬ ‫معه‪ ،‬وتفهمه‪.‬‬ ‫تعريف خمت�صر بر�سالة عمان‬ ‫يف �شهر رم�ضان املبارك من العام ‪ 1425‬هـ‪ ،‬املوافق للعام‬ ‫‪2004‬م‪ ،‬أ�علن أ‬ ‫الردن ر�سالة عمان‪ ،‬بهدف تو�ضيح ر�سالة‬ ‫ال�سالم ب�صورته النقية‪ ،‬رد ًا على من حاولوا ت�شويه هذه‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ال�صورة جهال بها‪� ،‬و كيد ًا لها‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫وقد تبنت اململكة أ‬ ‫الردنية الها�شمية دوم ًا نهج ًا يحر�ص على‬ ‫لل�سالم‪ ،‬ووقف التجني‬ ‫�إبراز ال�صورة احلقيقية امل�شرفة إ‬ ‫عليه‪ ،‬ورد الهجمات عنه‪ ،‬وكان ذلك انطالق ًا من ا�ست�شعار‬ ‫القيادة الها�شمية للم�س ؤ�ولية التاريخية التي حتملها‪ ،‬بحكم‬ ‫ات�صالها ب�صاحب الر�سالة ‪ ،‬وخدمة لهذا الدين‪ ،‬ودفاع ًا‬ ‫عن حيا�ض هذه أ‬ ‫المة التي تتعر�ض لغارات اجلاهلني أ�و‬ ‫املغر�ضني‪.‬‬ ‫وقد عقدت بعد ذلك م ؤ�مترات عدة تبنت ر�سالة عمان‪ ،‬منها‬ ‫ال�سالمي الدويل أ‬ ‫الول الذي عقد يف عمان يف عام‬ ‫امل ؤ�متر إ‬ ‫‪ ،2005‬برعاية ملكية �سامية‪ ،‬ح�ضره أ�كرث من مئتينْ من كبار‬ ‫علماء امل�سلمني من خم�سني دولة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫بالجماع ر�سالة عمان‪ ،‬كما ��صدر‬ ‫وقد تبنى امل ؤ�مترون إ‬ ‫بالجماع بيان ًا ت�ضمن االعرتاف باملذاهب‬ ‫ه ؤ�الء العلماء إ‬ ‫ال�سالمية الثمانية‪ ،‬وعدم تكفري امل�سلمني لبع�ضهم ممن ال‬ ‫إ‬ ‫ينكرون معلوم ًا من الدين بال�ضرورة‪ ،‬و أ�ن االختالف يف بع�ض‬ ‫الفروع ال ي�سوغ النزاع‪ ،‬و�ضرورة التزام أ��صول االجتهاد‬ ‫والفتوى‪.‬‬ ‫ؤ‬ ‫كما تبنى امل�متر الدويل الثاين ملنتدى الو�سطية للفكر‬ ‫والثقافة الذي عقد يف عمان عام ‪ 2006‬قرارات هذا امل ؤ�متر‬ ‫مبا فيها تبني ر�سالة عمان‪.‬‬ ‫أ�هم النقاط والق�ضايا واملبادئ التي احتوتها ر�سالة عمان‬ ‫مما يعد قاعدة أ��سا�سية يف تبني مبد أ� احلوار‪.‬‬ ‫أ�و ًال‪ :‬أ�ن ر�سالة عمان من حيث الفكرة أ‬ ‫وال�سا�س والدافع �إىل‬ ‫ال�سالم أ�مام غلو الغالني‪ ،‬وانحراف‬ ‫�إعالنها‪ ،‬وهو الدفاع عن إ‬ ‫أ‬ ‫املفرطني‪ ،‬ورد كيد و�شكوك املعادين‪� ،‬إمنا هي ت�كيد من حيث‬ ‫املبد أ� على تبني منهج احلوار والفكر‪ ،‬كطريق أ��سا�سي يف‬ ‫الفكار والتعامل معها‪ ،‬ويف التعامل مع آ‬ ‫مواجهة أ‬ ‫الخر أ�يا‬ ‫كان‪� ،‬سواء أ�كان آ‬ ‫الخر من أ�بناء جلدتنا‪ ،‬ممن حمل فكرا‬ ‫انحرفوا به عن جادة ال�صواب‪ ،‬أ�م كان من غرينا‪ ،‬ممن قادهم‬ ‫اجلهل بحقيقة هذا الدين لعداوتنا‪ ،‬فهي �إقرار ملبد أ� احلوار‬ ‫الداخلي واخلارجي‪ ،‬بعيد ًا عن احللول أ‬ ‫المنية أ�و العنفية‬ ‫التي ينتهجها بع�ضهم‪ ،‬والتي ال ت ؤ�دي النتيجة املرجوة منها‪،‬‬ ‫يف مواجهة الفكر املنحرف أ�و تقوميه‪ ،‬بل تزيد أ��صحابه‬ ‫مت�سك ًا به‪ ،‬و�إ�صرار ًا عليه‪ ،‬وقد أ�كدت كثري من التجارب‪ ،‬أ�ن‬ ‫العنف ال يولد �إال العنف امل�ضاد‪ ،‬واملزيد من الت�شدد‪.‬‬ ‫وهذا املنهج هو منهج �إ�سالمي أ��صيل‪ ،‬وهو منهج النبي يف‬ ‫تبليغ دعوته والتعامل مع الغري‪ ،‬وقد طبق هذا املنهج مع‬ ‫اجلميع وهو يبلغ ر�سالة ربه‪ ،‬فقد حاور امل�شركني يف �شركهم‬ ‫وعقائدهم‪ ،‬وحاور ر�سول اهلل ن�صارى جنران ملدة أ��سبوع‬ ‫كامل‪ ،‬وهم يقيمون يف م�سجده‪ ،‬بل و أ�قاموا �صالتهم يف‬ ‫م�سجده كما ذكر ابن القيم يف كتابه «زاد املعاد يف هدى خري‬


‫العباد» كما حاور اليهود‪ ،‬وقد وردت مئات آ‬ ‫اليات القر آ�نية‬ ‫يف حوارهم ونقا�شهم‪ ،‬مما ي ؤ�كد أ�ن هذا الدين هو دين العقل‬ ‫والكراه والع�سف‪.‬‬ ‫واحلوار واملنطق‪ ،‬ال العنف إ‬ ‫�إن احلوار أ�مر �ضروري‪ ،‬مار�سه كل أ‬ ‫النبياء وامل�صلحني‪ ،‬ألن‬ ‫التغيري االجتماعي ال يتم دون حوار‪ ،‬وتغيري أ‬ ‫الفكار ال يتم‬ ‫دون حوار‪ ،‬وقد ذكر لنا القر آ�ن الكرمي مناذج عدة من احلوار‬ ‫مع الغري لتكون أ�منوذج ًا لنا‪.‬‬ ‫�إن ا�ستجابتنا للتحدي الغربي أ�خذت ثالث �صور‪:‬‬ ‫ االنغالق الذي أ�ثمر التخلف عن ركب املدنية واحل�ضارة‬‫أ�و الغ�ضب والرد بالعنف ولذي ا�ستفادت منه قوى الهيمنة‬ ‫واال�ستكبار يف فر�ض هيمنتها واتخاذه ذريعة لفر�ض �سيطرتها‬ ‫و�إظهار امل�سلمني كوح�ش يهدد الب�شرية‪ ،‬وعززت ظاهرة ما‬ ‫بال�سالم فوبيا‪ ،‬أ�و املنهج الو�سطي الذي يحافظ على‬ ‫ي�سمى إ‬ ‫آ‬ ‫الذات ويفيد مما عند الخر‪ ،‬وينطلق من التم�سك بالهوية‬ ‫الزدهار‬ ‫واالنحياز �إليها‪ ،‬وهذا ما فعله امل�سلمون يف ع�صور إ‬ ‫أ‬ ‫ال�شعاع احل�ضاري الغربي ال يعني‬ ‫الفادة من إ‬ ‫الوىل‪� ،‬إن إ‬ ‫بال�ضرورة أ�ن نكون تبع ًا لهم‪ ،‬و�إمنا يعني كيف نفيد منهم يف‬ ‫نهو�ضنا‪ ،‬فالدولة لهم اليوم‪ ،‬ألنهم أ�ح�سنوا أ‬ ‫الخذ بال�سنن‬ ‫الكونية قال تعاىل‪َ ( :‬و ِتل َْك ْ َأ‬ ‫َّا�س )‬ ‫ال َّيا ُم ُندَ ا ِو ُل َها بَينْ َ الن ِ‬ ‫( آ�ل عمران ‪.)140‬‬ ‫ثانيا‪ :‬بد أ�ت ر�سالة عمان بت أ�كيد على قاعدة أ��سا�سية من‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬ويبدو‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وهي �إن�سانية الت�شريع إ‬ ‫قواعد إ‬ ‫أ‬ ‫ذلك من حر�ض ال�شريعة على ت�كيد ما يلي‪:‬‬ ‫‪ .1‬وحدة اجلن�س الب�شري و أ�ن أ��صلهم واحد‪.‬‬ ‫‪� .2‬إلغاء جميع الفوارق القائمة بني النا�س على أ��سا�س اجلن�س‬ ‫أ�و العرق أ�و اللون أ�و النوع أ�و ما �شابه ذلك‪.‬‬ ‫‪� .3‬إلغاء نظام الطبقات وت أ�كيد ت�ساوي اجلميع يف احلقوق‬ ‫والواجبات‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫‪ .4‬اال�ستقامة وح�سن الداء والتعامل هي ال�س�س املقررة‬ ‫للتفا�ضل بني النا�س‪ ،‬وقد تبدو هذه امل�سائل واملبادئ ألول‬ ‫وهلة من امل�سلمات التي ال يختلف عليها النا�س اليوم‪ ،‬ولكن‬ ‫عند التدقيق نلحظ ما يلي‪:‬‬ ‫أ�‌‪ .‬أ�ن هذه املبادئ �إذا أ��صبحت اليوم تعد من امل�سلمات‪ ،‬فقد‬ ‫كانت عند نزول القر آ�ن من امل�سائل امل�ستنكرة‪ ،‬يف عامل ذلك‬ ‫الزمان الذي كان يقوم على الطبقية‪ ،‬و أ�ن النا�س لي�سوا‬ ‫من ن�سل آ‬ ‫اللهة‪ ،‬وبع�ضهم من الرج�س والقذارة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ال ت�ساوي يف احلقوق والواجبات‪ ،‬ومل ت�ستطع الب�شرية أ�ن‬ ‫تتخل�ص من هذه القيم �إال يف وقت مت أ�خر‪ ،‬وما زالت ترن‬ ‫يف م�سامع النا�س �شعارات النازية والفا�شية و�شعب اهلل‬ ‫املختار‪.‬‬ ‫آ‬ ‫ب‌‪ .‬أ�ن النا�س اليوم و �إن �منوا بهذه املبادئ ب�شكل نظري‬

‫ينتهكونها �صباح م�ساء يف واقعهم‪ ،‬وما املمار�سات التي جتري‬ ‫يف عامل اليوم من القوى الكربى‪� ،‬إال أ��صدق دليل على ذلك‪،‬‬ ‫الن�سان‪ ،‬واالنتقائية‬ ‫فاملكاييل املزدوجة‪ ،‬وامتهان كرامة إ‬ ‫يف تطبيق القوانني الدولية‪ ،‬ال حتتاج �إىل كبري برهان وهي‬ ‫بادية للعيان‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫�إن �إقرار هذا املبد� له �ثر كبري يف ت�شجيع احلوار على �و�سع‬ ‫نطاق‪ ،‬وعلى كل امل�ستويات‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ال�سالمي القطعي وال�صيل‬ ‫ثالثاً‪ :‬أ�كدت ر�سالة عمان املبد أ� إ‬ ‫اللهية واحد‪ ،‬وامل�سلم ي ؤ�من بجميع‬ ‫وهو « أ�ن أ��صل الديانات إ‬ ‫الر�سل‪ ،‬وال يفرق بني أ�حد منهم‪ ،‬و�إن �إنكار ر�سالة أ�ي واحد‬ ‫ال�سالم‪ ،‬مما ي ؤ��س�س �إيجاد قاعدة وا�سعة‬ ‫منهم خروج عن إ‬ ‫أ‬ ‫لاللتقاء مع امل ؤ�منني بالديانات الخرى على �صعد م�شرتكة‬ ‫الن�ساين‪.‬‬ ‫يف خدمة املجتمع إ‬ ‫وحا َوا َّل ِذي‬ ‫يقول تعاىل‪�َ ( :‬ش َر َع َل ُك ْم مِنَ الدِّ ِ‬ ‫ين َما َو َّ�صى ِب ِه ُن ً‬ ‫ي�سى أ� َْن‬ ‫َأ� ْو َح ْي َنا ِ�إ َل ْي َك َو َما َو َّ�ص ْي َنا ِب ِه ِ�إ ْب َر ِ‬ ‫اه َ‬ ‫يم َو ُم َ‬ ‫و�سى َو ِع َ‬ ‫يه) (�سورة ال�شورى‪.)13:‬‬ ‫يموا الدِّ ينَ َو اَل َت َت َف َّر ُقوا ِف ِ‬ ‫أ� َِق ُ‬ ‫�إن القوا�سم امل�شرتكة بني أ�تباع الديانات‪ ،‬هي منطلق للحوار‬ ‫والتقارب من أ�جل الو�صول �إل تفاهم مثمر ال مي�س اال�ستقالل‬ ‫الفكري أ�و التميز العقدي لكل منهم‪.‬‬ ‫�إن املهم جتنب اخللط بني خ�صو�صية الهوية وبني االنعزال‬ ‫فالح�سا�س بالهوية أ�مر مطلوب‪ ،‬ألنه يحافظ‬ ‫والقوقعة‪ ،‬إ‬ ‫على الذات من الذوبان‪ ،‬وعلى التنوع ‪،‬وهو أ�مر �ضروري‬ ‫لتطور احلياة‪ ،‬ولكن �إذا متت املبالغة لن�صل �إىل التقوقع‪،‬‬ ‫والفادة‬ ‫فهذا أ�مر مرفو�ض‪ ،‬ألنه مينع من التعاي�ش والتفاهم إ‬ ‫الن�سانية‪ ،‬و�إن كثري ًا من اخلطاب‬ ‫من الغري وبناء احل�ضارة إ‬ ‫ال�سائد اليوم ي�صور االنفتاح على الغري وك أ�نه تنازل عن‬ ‫الدين ومتييع له‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬أ�كدت ر�سالة عمان‪ :‬أ�ن منهج الدعوة �إىل اهلل يقوم‬ ‫يل َر ِّب َك‬ ‫على الرفق واللني‪ ،‬قال تعاىل‪ ( :‬ا ْد ُع ِ�إلىَ َ�س ِب ِ‬ ‫أ‬ ‫ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة ۖ َو َجا ِد ْل ُه ْم ِبا َّل ِتي ِه َي � َْح َ�سنُ )‬ ‫(�سورة النحل‪.)125:‬‬ ‫ال�سالمية التي أ�كدتها ر�سالة عمان الدعوة �إىل‬ ‫ومن املبادئ إ‬ ‫الت�سامح والعفو‪ ،‬وهي قواعد أ��سا�سية يف بناء احلوار الناجح‬ ‫ال�سالم �إىل‬ ‫املثمر‪� ،‬إذ جاء فيها «ويف الوقت الذي دعا فيه إ‬ ‫معاملة آ‬ ‫الخرين باملثل‪ ،‬حث على الت�سامح والعفو اللذين‬ ‫اء َ�س ِّي َئ ٍة َ�س ِّي َئ ٌة ِم ْث ُل َها ۖ َف َم ْن‬ ‫يعربان عن �سمو النف�س ( َو َج َز ُ‬ ‫َع َفا َو أ� َْ�ص َل َح َف َأ� ْج ُر ُه َع َلى اللهَّ ِ )(ال�شورى‪َ ( ،)40:‬و اَل َت ْ�س َت ِوي‬ ‫ال�س ِّي َئ ُة ا ْد َف ْع ِبا َّل ِتي ِه َي أ� َْح َ�سنُ َف ِ�إ َذا ا َّل ِذي َب ْي َن َك‬ ‫الحْ َ َ�س َن ُة َو اَل َّ‬ ‫ِيم )(ف�صلت‪.)34:‬‬ ‫َو َب ْي َنهُ َعدَ ا َو ٌة َك َأ�نَّهُ َوليِ ٌّ َحم ٌ‬ ‫خامساً‪ :‬أ�كدت ر�سالة عمان مبد أ� القبول آ‬ ‫فال�سالم‬ ‫بالخر‪ ،‬إ‬ ‫الن�ساين كله‪،‬‬ ‫كما ذكرت الر�سالة دين «ي�ستوعب الن�شاط إ‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪11‬‬


‫وي�صدع باحلق وي أ�مر باملعروف وينهى عن املنكر‪ ،‬ويكرم‬ ‫الن�سان‪ ،‬ويقبل آ‬ ‫الخر»‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ال�سالم للعلم والتدبر والتفكري مما مكن من �إيجاد‬ ‫لقد أ��س�س إ‬ ‫ال�سالمية الرا�سخة التي كانت حلقة مهمة‬ ‫تلك احل�ضارة إ‬ ‫انتقل بها الغرب �إىل أ�بواب العلم احلديث‪ ،‬والتي �شارك يف‬ ‫�إجنازاتها غري امل�سلمني باعتبارها ح�ضارة �إن�سانية �شاملة‪،‬‬ ‫وقد أ�خذ امل�سلمون من غريهم و أ�فادوا مما عندهم‪ ،‬وقاموا‬ ‫بتطويره‪ ،‬ومن قبول آ‬ ‫الخر‪ ،‬قبول مبد أ� احلوار معه‪،‬‬ ‫واالعرتاف مبا عنده من حق أ�و خري‪.‬‬ ‫لقد طلبت ر�سالة عمان من امل�سلمني م�شاركة املجتمع‬ ‫الن�ساين يف العمل والنه�ضة والرقي‪ ،‬ذلك أ�ن هدي هذا‬ ‫إ‬ ‫ال�سالم العظيم الذي نت�شرف باالنت�ساب �إليه يدعونا �إىل‬ ‫إ‬ ‫وال�سهام‬ ‫الن�ساين املعا�صر إ‬ ‫االنخراط وامل�شاركة يف املجتمع إ‬ ‫يف رقيه وتقدمه‪ ،‬متعاونني مع كل قوى اخلري والتعقل وحمبي‬ ‫العدل عند ال�شعوب كافة‪� ،‬إبراز ًا أ�مين ًا لتحقيقنا وتعبري ًا‬ ‫�صادق ًا عن �سالمة �إمياننا وعقائدنا املبنية على دعوة احلق‬ ‫�سبحانه وتعاىل للت�آلف والتقوى‪.‬‬ ‫ال�سالم قد أ�عطى للحياة‬ ‫سادساً‪ :‬أ�كدت الر�سالة أ�ن إ‬ ‫منزلتها ال�سامية فال قتال لغري املقاتلني‪ ،‬وال اعتداء على‬ ‫املدنيني امل�ساملني وممتلكاتهم‪ ،‬أ�طفا ًال يف أ�ح�ضان أ�مهاتهم أ�و‬ ‫ون�ساء‪ ،‬فاالعتداء‬ ‫تالميذ على مقاعد الدرا�سة‪ ،‬أ�و �شيوخ ًا‬ ‫ً‬ ‫اليذاء أ�و التهديد اعتداء‬ ‫على حياة �إن�سان بالقتل أ�و إ‬ ‫على حق احلياة لكل النا�س وهو من أ�كرب آ‬ ‫الثام؛ ألن حياة‬ ‫ال ن�سان هي أ� �سا�س العمران الب�شري‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫اد فيِ ْ َ‬ ‫�ض َف َك َ�نمَّ َ ا َق َت َل‬ ‫ْ�س َ� ْو َف َ�س ٍ‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫( َم ْن َق َت َل َنف ًْ�سا ِب َغيرْ ِ َنف ٍ‬ ‫َّا�س َجمِي ًعا)‬ ‫َّا�س َجمِي ًعا َو َم ْن أ� َْح َياهَ ا َف َك َأ�نمَّ َ ا أ� َْح َيا الن َ‬ ‫الن َ‬ ‫(املائدة‪.)32 :‬‬ ‫لقد أ�كدت ر�سالة عمان أ�ن هذا الدين كان دوم ًا حرب ًا على‬ ‫نزعات الغلو والتطرف والت�شدد‪ ،‬ذلك أ�نها حجب العقل عن‬ ‫تقدير �سوء العواقب واالندفاع أ‬ ‫العمى خارج ال�ضوابط‬ ‫الب�شرية دين ًا وفكر ًا وخلق ًا‪ ،‬وهي لي�ست من طباع امل�سلم‬ ‫وال�سالم يرف�ضها مثلما‬ ‫احلقيقي املت�سامح املن�شرح ال�صدر‪ ،‬إ‬ ‫ترف�ضها الديانات ال�سماوية ال�سمحة جميعها‪ ،‬باعتبارها‬ ‫حاالت نا�شزة و�ضروب ًا من البغي‪.‬‬ ‫سابعاً‪ :‬دعت ر�سالة عمان �إىل» تطوير مناهج �إعداد الدعاة‬ ‫ال�سالم ومنهجه يف بناء‬ ‫بهدف التحقّق من �إدراكهم لروح إ‬ ‫بال�ضافة �إىل �إطالعهم على الثقافات‬ ‫الن�سانية‪ ،‬إ‬ ‫احلياة إ‬ ‫املعا�صرة‪ ،‬ليكون تعاملهم يف جمتمعاتهم عن وعي وب�صرية‪،‬‬ ‫قال تعاىل‪ « :‬قل هذا �سبيلي أ�دعو �إىل اهلل على ب�صرية أ�نا‬ ‫ومن اتبعني» (يو�سف‪.)108 :‬‬ ‫الفادة من ثورة‬ ‫ثامناً‪ :‬حثت الر�سالة امل�سلمني على إ‬ ‫‪12‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ال�سالم‬ ‫االت�صاالت لرد ال�شبهات التي يثريها أ�عداء إ‬ ‫بطريقة علمية دون �ضعف أ�و انفعال‪ ،‬و أ�ي�ض ًا يف هذا‬ ‫خماطبة آ‬ ‫الخر بلغته‪.‬‬ ‫تاسعاً‪ :‬نبهت الر�سالة علماء امل�سلمني �إىل أ�همية تنوير‬ ‫ال�سالم ونهجه املتوازن القائم على‬ ‫ال�شباب بحقائق إ‬ ‫احلوار‪ ،‬حيث جاء فيها» أ‬ ‫والمل معقود على علماء أ�متنا أ�ن‬ ‫ال�سالم وقيمه العظيمة عقول أ�جيالنا‬ ‫ينريوا بحقيقة إ‬ ‫ال�شابة‪ ،‬زينة حا�ضرنا وعدة م�ستقبلنا‪ ،‬بحيث جتنبهم‬ ‫خماطر االنزالق يف م�سالك اجلهل والف�ساد واالنغالق‬ ‫والتبعية‪ ،‬وتنري دروبهم بال�سماحة واالعتدال والو�سطية‬ ‫واخلري‪ ،‬وتبعدهم عن مهاوي التطرف والت�شنج املدمرة‬ ‫للروح واجل�سد»‪.‬‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫و أ�خري ًا نقول �إنه �إذا �ردنا التعاي�ش مع الخرين‪ ،‬ف�إن هذا‬ ‫التعاي�ش له قواعد أ��سا�سية ال يتم دونها‪ ،‬وهذه القواعد‬ ‫هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬التعارف‪.‬‬ ‫‪ .2‬التكامل‪.‬‬ ‫‪ .3‬التبادل‪.‬‬ ‫‪ .4‬التناف�س امل�شروع‪.‬‬ ‫‪ .5‬الرتاحم‪.‬‬ ‫وكل هذا ال ينجح �إال على قاعدة احلوار امللتزم ب أ��س�سه‬ ‫وقواعده‪ ،‬وهذا ما أ��س�ست له ر�سالة عمان‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬‬

‫‪ .1‬اعتماد ر�سالة عمان منهج ًا رئي�س ًا يف اجلامعات واملدار�س‬ ‫وخمتلف امل ؤ��س�سات التعليمية ملا احتوته من قيم ومبادئ‬ ‫ال�سالمي الو�سطي املعتدل‪.‬‬ ‫متثل الفكر إ‬ ‫‪ .2‬ت�شجيع ال�شباب على احلوار والتفاعل‪ ،‬وتوفري اللقاءات‬ ‫واملجاالت املنا�سبة للحوار‪.‬‬ ‫ؤ‬ ‫‪ .3‬ن�شر ثقافة احلوار يف املجتمع‪ ،‬يف كل امل��س�سات واملجاالت‪،‬‬ ‫والمالء‪.‬‬ ‫والبعد عن أ��ساليب التلقني إ‬ ‫العالم‪ ،‬خا�صة‬ ‫الكثار من الربامج احلوارية يف و�سائل إ‬ ‫‪ .4‬إ‬ ‫الربامج املوجهة لل�شباب‪ ،‬و أ�ن يكون ال�شباب طرف ًا رئي�س ًا‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫‪ .5‬تر�سيخ الدميقراطية يف احلياة ال�سيا�سية‪ ،‬ويف خمتلف‬ ‫مرافق الدولة واملجتمع‪� ،‬إذ ال حوار دون توفر أ�جواء‬ ‫احلرية‪.‬‬ ‫‪ .6‬ن�شر الكتب والدرا�سات العلمية التي تبني حقيقة الفكر‬ ‫ال�سالمي املعتدل‪ ،‬القائم على قبول آ‬ ‫الخر واحرتامه‪،‬‬ ‫إ‬ ‫واحلوار معه‪ ،‬بعيد ًا عن الت�شنج والتطرف‪.‬‬ ‫الفادة من و�سائل االت�صال احلديثة يف نقل ر�سالة‬ ‫‪ .7‬إ‬ ‫آ‬ ‫ال�سالم و�إي�صال �صوته‪ ،‬واحلوار مع الخر‪.‬‬ ‫إ‬


‫دراسات إسالمية‬

‫موقف أخالقي ضد الكراهية‬ ‫والكراهية الدينية‬ ‫زكي الميالد ‪ /‬رئيس تحرير مجلة الكلمة ‪/‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬

‫ـ‪1‬ـ‬

‫الكراهية‪ ..‬املعنى واملفهوم‬ ‫من املالحظ أ�ن املجال التداويل ملفهوم الكراهية يف الدرا�سات‬ ‫الفكرية وال�سيا�سية والتاريخية ب�صورة عامة‪ ,‬يعد حديث ًا‪,‬‬ ‫الغلب �إىل العقد أ‬ ‫ويرجع االهتمام الوا�سع به على أ‬ ‫الخري‬ ‫من القرن الع�شرين‪ ,‬وقبل ذلك كان تداوله يكاد يتحدد‬ ‫وينح�صر يف نطاق خا�ص‪ ,‬هو نطاق احلياة الزوجية والعالقة‬ ‫بني الزوجني‪.‬‬ ‫وحني حاولت البحث عن تعريف علمي وا�صطالحي لهذا‬ ‫املفهوم يف كتب املعاجم‪ ,‬كاملعجم الفل�سفي لع�ضو جممع اللغة‬ ‫العربية بدم�شق الدكتور جميل �صليبا مل أ�جد ذكر ًا له‪ ,‬وهو‬ ‫ما نعده اليوم نق�ص ًا فيه بحاجة �إىل ا�ستدراك‪.‬‬ ‫وبالعودة �إىل بع�ض الدرا�سات النف�سية‪ ,‬بو�صف أ�ن هذا‬ ‫املفهوم ينتمي يف أ‬ ‫ال�سا�س �إىل حقل علم النف�س‪ ,‬مل أ�جد‬ ‫أ�ي�ض ًا التعريف الذي أ�بحث عنه‪ ,‬حيث مل تدرج الكراهية‬ ‫كمفهوم م�ستقل �ضمن قائمة التعريفات املت�صلة بهذا احلقل‪,‬‬ ‫والقريبة منه‪ ,‬كالعدائية والعدوانية والغ�ضب والعنف‬ ‫وت أ�كيد الذات وغريها‪ ,‬وجاء البع�ض على ذكره وب�شكل عابر‬ ‫يف �إطار احلديث عن مفهوم العدائية‪.‬‬ ‫وهكذا حني حاولت البحث عن تعريف لغوي لهذا املفهوم‪,‬‬ ‫وجدت أ�ن معاجم اللغة القدمية على ثرائها وغناها اللغوي‬ ‫واال�شتقاقي‪ ,‬كـ(ل�سان العرب) البن منظور‪ ,‬و(معجم مقايي�س‬ ‫اللغة) ألحمد بن زكريا‪ ,‬و( أ��سا�س البالغة) للزخم�شري‪,‬‬ ‫و(التعريفات) لل�شريف اجلرجاين‪ ,‬وجدت أ�نها ال ت�سعفنا‬ ‫ب�شيء‪ ,‬وال تقدم لنا �إ�ضافة مهمة‪ ,‬حيث عرفت امل�صدر (كره)‬ ‫با�شتقاقات عديدة‪ ,‬ال تكاد تقرتب من مفهوم الكراهية �إال‬ ‫بقدر ب�سيط للغاية‪ ,‬كالقول ب أ�نه يدل على خالف الر�ضا‬ ‫واملحبة‪.‬‬ ‫و أ�ما املعاجم احلديثة‪ ,‬كـ(املعجم الو�سيط) ملجمع اللغة‬ ‫العربية بالقاهرة‪ ,‬فهو أ�ف�ضل حا ًال من املعاجم القدمية‬ ‫ن�سبي ًا ب� أش�ن هذه املفردة‪ ,‬لكنه هو آ‬ ‫الخر ال ي�ضيف �شيئ ًا‬ ‫مهم ًا ي�ضيء يف تعريف الكلمة‪ ,‬وما ورد فيه من تعريف هو‬ ‫( َك ِر َه ال�شيء ُكره ًا و َك َراهة و َك َراهية‪ :‬خالف أ�حبه‪ ,‬فهو‬ ‫وكره أ‬ ‫المر واملنظر كراهة وكراهية‪ :‬قبح‬ ‫كريه ومكروه‪ُ .‬‬

‫فهو كريه)(‪.)1‬‬ ‫أ�ما املفاج أ�ة املده�شة فكانت يف النق�ص الفادح أ�و الغياب‬ ‫الفادح‪ ,‬للدرا�سات وامل ؤ�لفات التي تناولت فكرة الكراهية‬ ‫يف املجال العربي‪ ,‬والكتاب الذي وجدته يبحث حول هذه‬ ‫الفكرة بهذا امل�سمى هو كتاب (فل�سفة الكراهية) للدكتور‬ ‫را�شد املبارك ال�صادر �سنة ‪2001‬م‪ ,‬وال أ�دري �إن كان هو‬ ‫الكتاب الوحيد يف هذا ال� أش�ن باللغة العربية أ�م ال! فالدكتور‬ ‫عز الدين مو�سى يف تقدميه لهذا الكتاب اعتربه الفريد يف‬ ‫بابه‪ ,‬و أ��شار الدكتور املبارك �إىل ذلك أ�ي�ض ًا حني ت�ساءل‬ ‫هل الكراهية خلل طبع؟ ور أ�ى أ�ن ما يحمل على الده�شة أ�ن‬ ‫يفاج أ� الباحث ح�سب قوله بتلك احلقيقة املتمثلة يف أ�ن هذا‬ ‫الن�سانية مل يول ما يتنا�سب مع‬ ‫اجلانب من طبيعة النف�س إ‬ ‫مكانته وخطره من عناية‪ ,‬وي�ضيف أ�ن الباحث ي�ضنيه البحث‬ ‫يف العثور على كتب و أ�بحاث أ�فردت لدرا�سة هذا اجلانب بحث ًا‬ ‫عن جذوره‪ ,‬و�شرح ًا لطبيعته‪ ,‬وتعريف ًا مبعاجلته(‪.)2‬‬ ‫وتت أ�كد مالحظة الدكتور املبارك حيث مل ي أ�ت على ذكر‬ ‫أ�ي كتاب عربي آ�خر حتدث عن هذه الق�ضية‪ ,‬وهذا ما‬ ‫حاولت تق�صيه يف كتابه‪ ,‬لكنه أ��شار �إىل كتابني �صدرا‬ ‫الجنليزية‪ ,‬رجع �إليهما وا�ستفاد منهما‪ ,‬وهما كتاب‬ ‫باللغة إ‬ ‫(�سجناء الكراهية) ال�صادر �سنة ‪2000‬م مل ؤ�لفه آ�رونت بيك‪,‬‬ ‫وكتاب (مولد الكراهية) الذي يحتوي ح�سب و�صف الدكتور‬ ‫املبارك على أ�حدث درا�سات �صدرت يف هذا ال� أش�ن‪ ,‬قام بها‬ ‫فريق من علماء النف�س البارزين وامل�شتغلني بالطب النف�سي‪,‬‬ ‫وقدمت على �شكل أ�وراق بحثية لندوة م ؤ��س�سة مارغريت‪.‬‬ ‫�إ�س مالر أ‬ ‫للبحاث النف�سية‪ ,‬مبدينة فيالدلفيا بوالية‬ ‫نيوجر�سي‪ ,‬وعقدت �سنة ‪1994‬م‪ ,‬و�صدرت الحق ًا يف كتاب‬ ‫بالعنوان املذكور‪.‬‬ ‫ومن النتائج املهمة التي وردت يف هذين الكتابني‪ ,‬وامل�ضيئة‬ ‫ملعنى الكراهية ومفهومها‪ ,‬ما أ��شار �إليه آ�رونت بيك يف كتابه‬ ‫(�سجناء الكراهية)‪ ,‬حيث اعترب أ�ن الكراهية تعمل بقانون‬ ‫واحد �سواء أ�كانت بني أ�ل�صق أ‬ ‫القارب مثل الزوج وزوجته‪ ,‬أ�م‬ ‫بني املتواجهني يف �ساحة احلرب‪ ,‬أ�م املتنافرين يف معتقد‪.‬‬ ‫ومن هذه النتائج كذلك ما جاء يف كتاب (مولد الكراهية)‪,‬‬ ‫حيث أ��شارت �إحدى الدرا�سات �إىل أ�ن الكراهية ال ترجع �إىل‬ ‫عامل واحد بل هي حالة معقدة‪ ,‬وت�شتد با�شتداد ال�شعور‬ ‫أ‬ ‫بالنانية‪ ,‬أ�و ال�شعور باخلوف‪ ,‬أ�و باال�ضطراب النف�سي‪.‬‬ ‫وما ننتهي �إليه أ�ن الكراهية هي امتزاج موقف فكري مع‬ ‫حالة نف�سية‪ ,‬وبعبارة أ�خرى هي موقف فكري يتلب�س بحالة‬ ‫نف�سية وتتجلى بهذا املظهر النف�سي‪ ,‬الذي يغلب عليه التوتر‬ ‫واالنفعال‪ ,‬وب�شكل يحدث تنافر ًا بني طريف العالقة‪.‬‬ ‫والنتيجة أ�ن الكراهية يف كل �صورها وجتلياتها ال تعرب‬ ‫عن موقف يرت�ضيه العقل والعقالء‪ ,‬أ�و تقبل به احلكمة‬ ‫واحلكماء‪.‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪13‬‬


‫ـ‪2‬ـ‬

‫الكراهية الدينية‪ ..‬و أ�مناطها‬ ‫الكراهية الدينية هي من أ��شد أ�مناط الكراهية ح�سا�سية‬ ‫وخطورة‪ ,‬وهذا ب�صورة عامة هو من طبيعة كل أ�مر له عالقة‬ ‫بالدين أ�ثر ًا وتراث ًا‪ ,‬تف�سري ًا وت أ�وي ًال‪ ,‬وذلك ألن الدين له‬ ‫عالقة ممتدة يف التاريخ‪ ،‬فهو أ�قدم �شيء بد أ� فيه وبقي‬ ‫الن�ساين يف جميع أ�زمنته‬ ‫م�ستمر ًا معه‪ ,‬وت أ�ثر به الرتاث إ‬ ‫وع�صوره القدمية واحلديثة‪ ,‬وعلى تعدد هويته و�إختالف‬ ‫الن�سان وتفاعل معه بطريقة تكاد مت�س‬ ‫وطبيعته‪ ,‬وات�صل به إ‬ ‫جميع جوانب حياته‪ ,‬ويف أ�دق تفا�صيلها اجلزئية واليومية‪,‬‬ ‫ومازال يحتفظ بت أ�ثريه الت أ�ثري الذي لي�س من املرجح قطع ًا‬ ‫أ�ن ينقطع أ�و يتوقف‪.‬‬ ‫واملق�صود بالكراهية الدينية‪ ,‬ذلك النمط من الكراهية‬ ‫الذي يت�صل باملجال الديني ويتحدد به‪ ,‬من جهة الباعث‬ ‫واملنطلق‪ ,‬أ�و من جهة املعنى والتف�سري‪ ,‬أ�و من جهة الر ؤ�ية‬ ‫واملوقف‪ .‬هذه ثالث جهات قد تت�صل أ�و تنف�صل‪ ,‬وبات�صالها‬ ‫أ�و انف�صالها ف�إنها ت�ساهم يف هذه احلالة بتوليد كراهية‪,‬‬ ‫ي�صطلح عليها من حيث الو�صف والطبيعة واملجال بالكراهية‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫ويف الغالب تن� أش� الكراهية الدينية مت أ�ثرة باالختالفات‬ ‫التي لها عالقة بالدين‪ ,‬وذلك حني تتحول االختالفات‬ ‫�إىل كراهية‪ ,‬أ�و دافع نحو الكراهية‪ ,‬على م�ستوى النظر أ�و‬ ‫الخر الديني‪ ,‬أ�و مع آ‬ ‫التعامل مع آ‬ ‫الخر غري الديني ب�سبب‬ ‫له عالقة بالدين‪.‬‬ ‫ويف هذا ال� أش�ن ميكن احلديث عن ثالثة أ�مناط من الكراهية‬ ‫الدينية‪ ,‬هي‪:‬‬ ‫النمط أ‬ ‫الول‪ :‬الكراهية الدينية التي تن� أش� ب�سبب‬ ‫الديان‪ ,‬ومنها أ‬ ‫االختالف بني أ‬ ‫الديان ال�سماوية الثالثة‬ ‫وال�سالم التي �شهدت فيما‬ ‫الكربى اليهودية وامل�سيحية إ‬ ‫بينها اختالفات نقلها لنا التاريخ‪ ,‬وما زالت موجودة �إىل‬ ‫اليوم‪ .‬وال�شعور بهذا النمط من الكراهية قائم وموجود‬ ‫بني أ��صحاب هذه الديانات جميع ًا‪ ,‬وهذا يعني أ�ن الكراهية‬ ‫الدينية ظهرت يف �إطار هذه الديانات الثالث‪ ,‬وبني معتنقيها‬ ‫واملنت�سبني �إليها‪ ,‬وقد ت�ضرر اجلميع من هذه الكراهية‪,‬‬ ‫وا�شتكى وي�شتكي منها‪ ,‬ويكفي معرفة ما بني أ�تباع اليهودية‬ ‫و أ�تباع امل�سيحية من كراهية متوارثة من التاريخ القدمي‪,‬‬ ‫ترجع �إىل االتهام الذي وجهه امل�سيحيون �إىل اليهود ب�صلب‬ ‫ال�سيد امل�سيح وقتلة ح�سب الرواية امل�سيحية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫النمط الثاين‪ :‬الكراهية الدينية التي تن�ش� ب�سبب‬ ‫االختالف بني املذاهب الدينية يف �إطار الدين الواحد‪ ,‬وهذا‬ ‫النمط من الكراهية ظهر يف جميع الديانات ال�سماوية‪ ,‬التي‬ ‫‪14‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ح�صل يف جميعها انق�سامات وتعدديات مذهبية‪ ,‬تولد منها‬ ‫ما ن�سميه بالكراهية الدينية‪ ,‬وقد مرت على بع�ض هذه‬ ‫املذاهب يف فرتات تاريخية �سابقة نزاعات وحروب دامية‬ ‫وقا�سية‪ ,‬كالذي حدث يف داخل امل�سيحية بني الكاثوليك‬ ‫والربوت�ستانت يف أ�ملانيا خالل الن�صف أ‬ ‫الول من القرن‬ ‫ال�سابع ع�شر امليالدي‪ ,‬وكانت من أ��شد احلروب الدينية التي‬ ‫ح�صلت يف أ�وروبا‪ ,‬وعرفت هناك بحرب الثالثني عام ًا حيث‬ ‫دامت ما بني عام ‪1618‬م �إىل عام ‪1648‬م‪ ,‬وعدت �سبب ًا يف‬ ‫انطالقة حركة التنوير يف أ�ملانيا‪.‬‬ ‫وال�شعور بهذا النمط من الكراهية موجود ب�صور خمتلفة‪,‬‬ ‫ويف أ�زمنة خمتلفة‪ ,‬وعند �شرائح وفئات خمتلفة‪ ,‬بني أ��صحاب‬ ‫هذه املذاهب‪ ,‬وعلى م�ستوى الديانات ال�سماوية الثالث‪ ,‬مبا‬ ‫ال�سالمي‪.‬‬ ‫يف ذلك أ��صحاب املذاهب يف �إطار الدين إ‬ ‫النمط الثالث‪ :‬الكراهية الدينية التي تن� أش� ب�سبب‬ ‫االختالف بني اجلماعات والفئات يف �إطار املذهب الديني‬ ‫الواحد‪ ,‬باعتبار أ�ن التنوع واالختالف �سنة طبيعية‬ ‫الن�ساين جارية حتى يف �إطار‬ ‫وتاريخية يف االجتماع إ‬ ‫اجتماعيات املذهب الديني الواحد‪ .‬وهذا النمط من‬ ‫الكراهية يتحدد يف �صورتني‪ ,‬يف �صورة ما يحدث بني بع�ض‬ ‫الطار العام يف املرجعية‬ ‫اجلماعات التي ت�شرتك من جهة إ‬ ‫الدينية‪ ,‬وتختلف يف نظم العمل ومناهج ال�سلوك‪.‬‬ ‫ويف �صورة ما يحدث بني بع�ض الفئات الدينية وغري الدينية‬ ‫ب�سبب اختالفات فكرية أ�و اجتماعية لها عالقة بالدين أ�و‬ ‫باملجال االجتماعي الديني‪ ,‬على طريقة ما يحدث بني بع�ض‬ ‫ال�سالميني وبع�ض العلمانيني‪.‬‬ ‫إ‬ ‫وحقيقة أ‬ ‫المر أ�ن امل�شكلة لي�ست يف االختالف‪ ,‬و�إمنا يف‬ ‫حتول االختالف �إىل كراهية و�إعطائه ت�سويغات دينية‬ ‫حتر�ض على التنافر والتباعد والتباغ�ض‪ ,‬وقد يتطور‬ ‫أ‬ ‫المر وي�صل احلال �إىل الدعوة لعدم جمال�سة املختلف معه‪,‬‬ ‫واالبتعاد عن جماورته‪ ,‬وترك توقريه ومكاملته وجمادلته‪,‬‬ ‫وعدم ب�سط الوجه له‪ ,‬وحتى ال�سالم عليه‪.‬‬ ‫ويالم�س الدكتور را�شد املبارك منبع امل�شكلة يف كتابه‬ ‫(فل�سفة الكراهية)‪ ,‬بقوله (توجد فئة من النا�س حترتف‬ ‫الكراهية‪ ,‬تزرعها وت�سقيها وتنميها‪ ,‬وتدعو �إليها‪ ,‬وتب�شر‬ ‫بها‪ ,‬لقد �صارت الكراهية يف بع�ض النفو�س نوع ًا من العقيدة‪,‬‬ ‫لها جالل العقائد التي جتب حمايتها و�صيانتها و�إحاطتها‬ ‫ب�سياج مينع أ�ن مت�س أ�و تناق�ش أ�و تو�ضع مو�ضع امل�ساءلة‬ ‫واال�ست�شكال)(‪.)3‬‬ ‫وهذه الفئة من النا�س قد توجد‪ ,‬ووجدت كما نعلم ويعلم‬ ‫اجلميع يف خمتلف الديانات واملذاهب واجلماعات والفئات‪,‬‬ ‫وهي ت�شرتك مع اختالفها يف طباعها الذهنية والنف�سية‪,‬‬ ‫والتي تت�سم يف العادة بالتع�صب واالنغالق واجلمود‪.‬‬


‫ـ‪3‬ـ‬

‫الكراهية الدينية‪ ..‬وع�صر العوملة‬ ‫منذ أ�ن التفت العامل �إىل هذه الظاهرة‪ ,‬أ�خذ احلديث عنها‬ ‫يتزايد ويرتاكم بني خمتلف الثقافات واملجتمعات‪ ,‬ب�صورة‬ ‫تلفت االنتباه ب�شدة �إىل هذه الظاهرة‪ ,‬ويك�شف عن تنامي‬ ‫والدراك بخطورة تداعياتها وح�سا�سيتها‪ ,‬يف ظل‬ ‫الوعي إ‬ ‫جمتمعات تتميز بتعدديات متنوعة‪ ,‬دينية ومذهبية‪,‬‬ ‫عرقية وقومية‪ ,‬لغوية ول�سانية‪ ,‬وهي ال�سمة التي تطبع‬ ‫الن�سانية أ�و جميعها‪ ,‬فال يكاد يوجد يف‬ ‫معظم املجتمعات إ‬ ‫جمتمعات العامل اليوم جمتمع خال من تلك التعدديات‬ ‫املذكورة‪� ,‬سواء كانت تعدديات أ��صيلة من داخل الن�سيج‬ ‫املجتمعي‪ ,‬أ�م تعدديات وافدة جاءت من جمتمعات أ�خرى‬ ‫قريبة أ�و بعيدة‪ ,‬خ�صو�ص ًا مع الهجرة املتزايدة والعابرة‬ ‫بني املجتمعات والقارات بحث ًا عن الرزق أ�و أ‬ ‫المن أ�و املعرفة‪,‬‬ ‫وبعد التقدم الكبري يف تكنولوجيا املوا�صالت التي �سهلت‬ ‫�إنتقال النا�س من مكان آلخر رغم امل�سافات البعيدة التي‬ ‫تف�صل بني الدول والقارات‪ ,‬وبعد التطور املذهل يف �شبكات‬ ‫العالم وتقنيات االت�صال التي فجرت معها ما عرف بثورة‬ ‫إ‬ ‫بالمكان الو�صول �إىل املعلومات واملعارف‬ ‫املعلومات‪� ,‬إذ جعلت إ‬ ‫أ‬ ‫ملعظم النا�س وبطرق �سريعة يف �ي بقعة كانوا من بقاع العامل‬ ‫الطراف‪ ,‬وازدادت معها حركة أ‬ ‫املرتامي أ‬ ‫الفكار العابرة بني‬ ‫الثقافات واملجتمعات‪.‬‬ ‫ويف ع�صر العوملة ت�ضاعف الوعي وا�شتد االهتمام بهذه‬ ‫الظاهرة‪ ,‬حيث أ��صبح العامل بكل مكونات التعدد فيه مبثابة‬ ‫وطن جلميع النا�س‪ ,‬أ�و هكذا يفرت�ض من الناحية املجازية‪,‬‬ ‫أ‬ ‫ولول مرة يدرك فيها النا�س مثل هذا االنطباع‪ ,‬ويتعاملون‬ ‫على أ��سا�سه‪ ,‬ويتبادلون احلديث عنه مبختلف لغات العامل‬ ‫بو�سائط مثل أ‬ ‫القمار اال�صطناعية‪ ,‬وال�شبكة العاملية‬ ‫النرتنت‪ ,‬أ�و بدون و�سائط‪.‬‬ ‫للمعلومات إ‬ ‫أ‬ ‫أ�ما العامل البرز الذي حرك بقوة‪ ,‬وفتح وعي العامل على‬ ‫هذه الظاهرة‪ ,‬هو االنبعاث الوا�سع واملخيف ألفكار التع�صب‬ ‫ونزعات التطرف التي ال تقبل التعاي�ش مع آ‬ ‫الخر مهما كانت‬ ‫طبيعة هذا آ‬ ‫الخر وهويته‪ ,‬وال التوا�صل معه أ�و االنفتاح‬ ‫والق�صاء‪ ,‬ومبنطق‬ ‫اللغاء إ‬ ‫عليه‪ ,‬وال تتعامل �إال بذهنية إ‬ ‫الق�سوة وال�صدام‪ ,‬ومبنهج أ‬ ‫الحادية واحتكار احلقيقة‬ ‫املطلقة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وقد أ�طلقت هذه الفكار والنزعات موجة من الكراهية‬ ‫الدينية أ�ثارت معها حفيظة العامل‪ ,‬ويف مقدمتهم العقالء‬ ‫واحلكماء يف كل أ‬ ‫الديان واملذاهب واجلماعات‪ ,‬الذين أ�خذوا‬ ‫يحذرون من خطورة تف�شي مثل هذه الظاهرة‪ ,‬وعبورها‬ ‫الن�سانية‪ ,‬ويطالبون بت�ضامن‬ ‫وامتدادها بني املجتمعات إ‬

‫والعالن عن‬ ‫�إن�ساين وعاملي للوقوف بوجه هذه الظاهرة‪ ,‬إ‬ ‫رف�ضها ومقتها والت�شنيع بها‪.‬‬

‫ـ‪4‬ـ‬

‫الكراهية الدينية‪ ..‬و أ�مناط التعامل‬ ‫من املالحظ أ�ن هذه الظاهرة ظلت تت أ�ثر هبوط ًا وارتفاع ًا‬ ‫والرهاب التي �ضربت جمتمعات عديدة‪,‬‬ ‫بحوادث العنف إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وال�سالمي �إىل �وروبا و�مريكا‪,‬‬ ‫وامتدت من العامل العربي إ‬ ‫و�إىل الهند وا�سرتاليا‪ ,‬وبح�سب م�ستويات هذه احلوادث قوة‬ ‫و�ضعف ًا‪ ،‬حيث يالحظ أ�ن وترية الكراهية ترتفع كلما كانت‬ ‫والرهاب قوية و�شديدة‪ ,‬وتكون أ�قل ارتفاع ًا‬ ‫حوادث العنف إ‬ ‫كلما كانت هذه احلوادث ا�ضعف و أ�خف‪.‬‬ ‫وهذا ما برهنت عليه أ�حداث احلادي ع�شر من �سبتمرب‬ ‫‪2001‬م يف أ�مريكا‪ ,‬فقوة هذه أ‬ ‫الحداث التي راح �ضحيتها‬ ‫ما يزيد على ثالثة آ�الف �شخ�ص‪ ,‬ولدت معها ردة فعل‬ ‫قوية و�شديدة من الكراهية جتاه امل�سلمني‪ ,‬وب�شكل ألول‬ ‫ال�سالمي هناك‪ ,‬حيث عمت الكراهية‬ ‫مرة يح�صل للوجود إ‬ ‫ب�صورها املختلفة معظم الواليات‪ ,‬وب�شكل مرعب وخميف‪,‬‬ ‫و�ضعت أ�من امل�سلمني يف خطر حمدق‪ ,‬و أ�جربت الكثريين على‬ ‫البقاء يف منازلهم‪ ,‬واملكوث فيها لفرتات غري ق�صرية‪.‬‬ ‫وتكرر احلال ولكن ب�صورة أ�قل مع تفجريات لندن الدامية‬ ‫�سنة ‪2005‬م‪ ,‬حيث ذكرت ال�شرطة الربيطانية أ�ن جرائم‬ ‫الكراهية ت�ضاعفت �ست مرات يف لندن أ�عقاب تلك التفجريات‬ ‫التي راح �ضحيتها خم�سون قتي ًال‪ ,‬و أ�و�ضحت ال�شرطة يف بيان‬ ‫لها أ�ن نحو ‪ 270‬حادثة وقعت يف ذلك احلني‪ ,‬متثل معظمها‬ ‫بال�ضافة �إىل اعتداءات و�صفت‬ ‫يف �شكل �إ�ساءات �شفهية‪ ,‬إ‬ ‫بالب�سيطة‪ ,‬وهجمات على ممتلكات للم�سلمني‪.‬‬ ‫و أ�مام تف�شي هذه الظاهرة‪ ,‬تعددت �صور التعامل معها يف‬ ‫النطاق العاملي‪ ,‬ومن هذه ال�صور‪ ,‬حماولة ر�صد هذه الظاهرة‬ ‫على م�ستوى العامل‪ ,‬وتقدمي تقارير ودرا�سات و�صفية‬ ‫وحتليلية حولها‪ ,‬على طريقة ما أ�جنزه مركز بيو لل�سلوكيات‬ ‫العاملية بوا�شنطن يف تقريره الذي أ��صدره منت�صف عام‬ ‫‪2007‬م‪ ,‬وجاء يف (‪� )168‬صفحة مع بيانات البحث امللحقة‪,‬‬ ‫و أ��شار �إىل انخفا�ض يف ن�سبة الكراهية الدينية والعرقية‬ ‫على م�ستوى العامل مقارنة مبا كان عليه الو�ضع عام ‪2002‬م‪,‬‬ ‫ا�ستناد ًا �إىل ا�ستطالعات ر أ�ي أ�جريت يف خمتلف أ�نحاء‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫ومن هذه ال�صور أ‬ ‫والمناط أ�ي�ض ًا‪ ,‬ظهور هيئات ومنظمات‬ ‫تعنى بهذه الظاهرة‪ ,‬كمنظمة �سفراء ال�سالم التي أ�علنت عن‬ ‫وجودها يف الواليات املتحدة أ‬ ‫المريكية‪ ,‬وحملت على عاتقها‬ ‫ح�سب خطابها اخلال�ص من الكراهية الدينية‪ ,‬وت أ�كيد‬ ‫الت�سامح بني أ�تباع الديانات‪ ,‬ولهذا الغر�ض قام وفد منها‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪15‬‬


‫يف �إبريل عام ‪ 2005‬بزيارة أ‬ ‫الزهر بالقاهرة للتوقيع على‬ ‫وثيقة و�ضعتها املنظمة بعنوان (وثيقة احلقوق الدينية)‪,‬‬ ‫وكانت قد أ�ر�سلتها من قبل �إىل �شيخ أ‬ ‫الزهر الدكتور حممد‬ ‫�سيد طنطاوي مع دعوة للتوقيع عليها‪ ,‬ويف نهاية الزيارة‬ ‫قيل �إن ال�شيخ طنطاوي �صادق على الوثيقة بكل ما جاء‬ ‫فيها‪ ,‬وطلب من نائبه ال�شيخ فوزي الزفزاف التوقيع عليها‬ ‫ب�صفته رئي�س جلنة احلوار بني أ‬ ‫الديان‪.‬‬ ‫وتقرر الوثيقة أ�ن اللجوء �إىل العنف لت أ�كيد وجهة نظر‬ ‫دينية‪ ,‬أ�و إلجبار آ�خرين على اعتناقها هو أ�مر مرفو�ض‬ ‫بتات ًا‪ ,‬كما تقرر أ�ن لكل �إن�سان بغ�ض النظر عن انتمائه‬ ‫الديني أ�و العرقي أ�و الوطني احلق يف أ�ن يعي�ش ب�سالم مع‬ ‫جريانه مهما كان معتقدهم‪.‬‬ ‫وقد انطلقت الوثيقة من خلفية أ�ن اجلواب الوحيد‬ ‫للخالفات الدينية يكمن يف احلوار املبني على االحرتام‬ ‫املتبادل بني أ�تباعها‪ ,‬ولي�س يف اللجوء �إىل العنف‪.‬‬ ‫ومن هذه ال�صور أ‬ ‫والمناط كذلك‪ ,‬جلوء بع�ض الدول‬ ‫واحلكومات �إىل و�ضع قوانني وت�شريعات جتعل من الكراهية‬ ‫الدينية جرمية يعاقب عليها القانون‪ ,‬وهذا ما أ�قدمت عليه‬ ‫بريطانيا يف يونيو ‪2005‬م‪ ,‬بعد تفجريات لندن‪ ,‬و أ�ثارت بها‬ ‫آ�نذاك جد ًال ولغط ًا بني الربيطانيني أ�نف�سهم‪ ,‬كما أ�قدمت على‬ ‫مثل هذه اخلطوة جمهورية أ�وزبك�ستان يف يونيو ‪2006‬م‪.‬‬ ‫هذه بع�ض �صور التعامل مع ظاهرة الكراهية الدينية‪,‬‬ ‫بق�صد احلد منها ومواجهتها والق�ضاء عليها‪ ,‬ومع كل ذلك‬ ‫يبقى أ�ن أ�م�ضى �سالح ملواجهة هذه الظاهرة هي الديانات‬ ‫نف�سها‪ ,‬وبالذات الديانات ال�سماوية التي جاءت أ��سا�س ًا‬ ‫الن�سان وتزكيته وتعليمه‪ ,‬واقتالع جذور ال�شر منه‬ ‫لتهذيب إ‬ ‫وتنمية جذور اخلري‪ ,‬ولتخرجه من الظلمات �إىل النور وهذه‬ ‫هي املفارقة‪.‬‬

‫ـ‪5‬ـ‬

‫بيان أ�خالقي �ضد الكراهية‬ ‫الن�سان مثله‪ ,‬الذي هو أ�خ له يف الدين‪,‬‬ ‫الن�سان إ‬ ‫ملاذا يكره إ‬ ‫أ‬ ‫الن�سان‪,‬‬ ‫أ�و نظري له يف اخللق‪� ,‬خ له يف الدين فلماذا يكره إ‬ ‫الن�سان مثله ب�سبب الطائفة واملذهب‪ ,‬أ�و ب�سبب القوم‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫والع�شرية‪� ,‬و ب�سبب الن�سب واحل�سب‪ .‬ونظري له يف اخللق‬ ‫الن�سان مثله ب�سبب الدين والعقيدة‪,‬‬ ‫الن�سان‪ ,‬إ‬ ‫فلماذا يكره إ‬ ‫أ�و ب�سبب العرق واللون‪ ,‬أ�و ب�سبب اللغة والل�سان‪.‬‬ ‫الن�سان مثله‪ ,‬واخللق كلهم عيال اهلل‪,‬‬ ‫الن�سان إ‬ ‫وملاذا يكره إ‬ ‫خلقهم من نف�س واحدة ذكر ًا و أ�نثى‪ ,‬وجعلهم �شعوب ًا وقبائل‪,‬‬ ‫جماعات وجمتمعات‪ ,‬ليتعارفوا‪ ,‬ال ليتنازعوا أ�و يتكارهوا‪,‬‬ ‫و أ�كرمهم عند اهلل بالتقوى‪ ,‬ال باحل�سب والن�سب‪ ,‬وال بالعرق‬ ‫واللون‪ ,‬وال باللغة والل�سان‪ ,‬وال باجلاه والرفاه‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الن�سان مثله‪ ,‬على أ��سا�س الدين أ�و‬ ‫الن�سان إ‬ ‫وملاذا يكره إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫املذهب‪ ,‬والدين املعاملة‪ ,‬واهلل �مرنا �ن نقول للنا�س ح�سن ًا‪,‬‬ ‫والح�سان‪,‬‬ ‫مهما كانت ديانتهم ومذاهبهم‪ ,‬كما أ�مرنا بالعدل إ‬ ‫ال�ساءة لكل‬ ‫وجعل من الكلمة الطيبة �صدقة‪ ,‬ونهانا عن إ‬ ‫النا�س‪ ,‬وب أ�ي �صورة كانت‪ ,‬وحتت أ�ي ظرف كان‪.‬‬ ‫الن�سان مثله‪ ,‬على أ��سا�س العرق واللون‪,‬‬ ‫الن�سان إ‬ ‫وملاذا يكره إ‬ ‫أ�و اللغة والل�سان‪ ,‬واجلميع خلق اهلل الذي أ�ح�سن كل �شيء‬ ‫الن�سان يف أ�ح�سن تقومي‪ ,‬وهو الذي �صورنا‬ ‫خلقه‪ ,‬وخلق إ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ف أ�ح�سن �صورنا‪ ,‬وجعل من �ياته خلق ال�سماوات والر�ض‬ ‫واختالف أ�ل�سنتكم و أ�لوانكم‪.‬‬ ‫الن�سان حتى يكره غريه‪ ,‬فهل ينظر مم خلق‪ ,‬خلق‬ ‫ومن هو إ‬ ‫من تراب‪ ,‬ثم من نطفة‪ ,‬ثم من علقة‪ ,‬ثم أ�خرجه اهلل طف ًال‬ ‫ليبلغ أ��شده‪ ,‬ثم ليكون �شيخ ًا‪ ,‬ومنهم من يتوفى من قبل‪,‬‬ ‫الن�سان‬ ‫وليبلغ أ�ج ًال م�سمى ولعلكم تعقلون‪ ,‬واهلل الذي خلق إ‬ ‫من �صل�صال من حم�إ م�سنون كيف له أ�ن يكره غريه‪.‬‬ ‫الن�سان حتى يكره غريه‪ ,‬وهو الذي أ�وله نطفة‪,‬‬ ‫ومن هو إ‬ ‫و آ�خره جيفة‪ ,‬وهو فيما بني ذلك ال يدري ما ي�صنع به‪.‬‬ ‫يذكر يف التاريخ أ�نه وقع بني �سلمان الفار�سي وبني رجل‬ ‫كالم وخ�صومة‪ ,‬فقال له الرجل من أ�نت يا �سلمان؟ فقال له‬ ‫�سلمان‪ :‬أ�ما أ�ويل و أ�ولك فنطفة قذرة‪ ,‬و أ�ما آ�خري و آ�خرك‬ ‫فجيفة منتنة‪ ,‬ف�إذا كان يوم القيامة وو�ضعت املوازين‪ ,‬فمن‬ ‫ثقل ميزانه فهو الكرمي‪ ,‬ومن خف ميزانه فهو اللئيم‪.‬‬ ‫الن�سان حتى يكره غريه‪ ,‬وهو امل�سكني ـ كما يقول‬ ‫ومن هو إ‬ ‫أ‬ ‫المام علي عليه ال�سالم ـ مكتوم الجل‪ ,‬مكنون العلل‪,‬‬ ‫إ‬ ‫ؤ‬ ‫حمفوظ العمل‪ ,‬ت�مله البقة‪ ,‬وتقتله ال�شرقة‪ ,‬وتنتنه‬ ‫فالن�سان الذي هذا هو حاله كيف له أ�ن يكره‬ ‫العرقة‪ ,‬إ‬ ‫الن�سان مثله‪.‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الن�سان �إىل غريه عليه أ�ن ينظر �إىل نف�سه‪,‬‬ ‫ينظر‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫وبدل‬ ‫إ‬ ‫الن�سان على نف�سه ب�صرية‪,‬‬ ‫بل‬ ‫غريه‪,‬‬ ‫من‬ ‫بنف�سه‬ ‫فهو أ�عرف‬ ‫إ‬ ‫فالذي يعرف نف�سه ومن هو؟ هل يحق له أ�ن يكره غريه‪.‬‬ ‫ومن كره غريه فك أ�منا كره نف�سه وكره النا�س جميع ًا‪ ,‬ألن من‬ ‫كره نف�س ًا فك أ�منا كره النا�س جميع ًا‪ ,‬ومن أ�حب نف�س ًا فك أ�منا‬ ‫أ�حب النا�س جميع ًا‪ ,‬فاهلل خلق النا�س من نف�س واحدة‪.‬‬ ‫ومن يكره غريه البعيد‪ ,‬ف�سوف يكره الحق ًا غريه القريب‪,‬‬ ‫القرب أ‬ ‫ومن ثم أ‬ ‫فالقرب‪ ,‬ألن الكراهية ال حدود لها وال‬ ‫ح�صون‪ ,‬ومن يكره ف�سوف ُي ْب َت َل بالكراهية‪ ,‬ومن ُي ْب َت َل بها‬ ‫ميكن أ�ن يكره حتى أ�قرب النا�س �إليه‪.‬‬ ‫ومن يكره غريه ف�سوف يكرهه آ‬ ‫الخرون القريب منهم‬ ‫والبعيد‪ ,‬ألن النا�س بطبعهم ال يحبون الكراهية‪ ,‬وينفرون‬ ‫من الذي ت�صدر منه مثل هذه الكراهية‪.‬‬ ‫ومن يكره غريه ف�سوف يجلب على نف�سه الكراهية‪ ,‬فالذين‬


‫تكرههم �سوف يكرهونك‪ ,‬ولن يبادلوك املحبة قطع ًا‪� ,‬إال‬ ‫الذي يدفع بالتي هي أ�ح�سن‪ ,‬وه ؤ�الء هم قلة نادرة من‬ ‫النا�س‪ ,‬ولعل هناك من يبادل الكراهية‪ ,‬بكراهية أ��شد‬ ‫الن�سان نف�سه‬ ‫و أ�عنف و أ�قبح و أ�كرث ما يت�صور‪ ,‬فلماذا يو�ضع إ‬ ‫يف مو�ضع كراهية آ‬ ‫الخرين‪ ,‬وما هو مك�سبه من هذا الفعل‪,‬‬ ‫فال �شك أ�ن مك�سبه هو رد فعل آ‬ ‫الخرين بكراهية مثلها‪.‬‬ ‫الن�سان أ�ن يكرهه آ‬ ‫الخرون حتى يكره غريه‪,‬‬ ‫وهل يقبل إ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫فالذي ال يريد �ن يكرهه الخرون عليه � اّل يكره غريه‪.‬‬

‫ـ‪6‬ـ‬

‫لنتحد �ضد الكراهية‬ ‫الكراهية هي أ��شد بالء من أ‬ ‫الن�سان يف‬ ‫المرا�ض التي ت�صيب إ‬ ‫الن�سان يف نف�سه وعقله وقلبه‬ ‫بدنه وج�سمه‪ ,‬ألنها ت�صيب إ‬ ‫ووجدانه و�شعوره‪ ,‬ومتت�ص منه جمالية القيم‪ ,‬ومكارم‬ ‫أ‬ ‫الخالق‪ ,‬وتطفئ فيه �شعلة ال�ضمري‪ ,‬وجذوة الروح‪ ,‬وقب�س‬ ‫الن�ساين‬ ‫النور‪ ,‬و�صفاء النف�س‪ ,‬وجتفف فيه منابع الفي�ض إ‬ ‫الن�سانية ال�سيالة يف العامل الداخلي‬ ‫اخلالق‪ ,‬و أ�نهار امل�شاعر إ‬ ‫للن�سان‪ .‬وهذا بخالف أ‬ ‫الن�سان‬ ‫المرا�ض التي ت�صيب بدن إ‬ ‫إ‬ ‫وج�سمه‪ ,‬والتي ميكن لها أ�ن ت�ساهم يف يقظة النف�س والعقل‬ ‫والقلب والوجدان وال�شعور‪.‬‬ ‫والكراهية هي أ��شد بالء من الزالزل أ‬ ‫والعا�صري والرباكني‬ ‫التي تقتلع أ‬ ‫ال�شجار‪ ,‬وتقطع الكهرباء‪ ,‬وتخرب ال�شوارع‬ ‫والطرقات‪ ,‬وتدمر امل�ساكن واملمتلكات‪ ,‬وتزهق النفو�س‬ ‫أ‬ ‫والرواح‪ ,‬لكنها توحد امل�شاعر‪ ,‬وتقرب القلوب‪ ,‬وجتلب‬ ‫عون آ‬ ‫الخرين وعطفهم‪ .‬وهذا بخالف الكراهية التي تفرق‬ ‫امل�شاعر‪ ,‬وتباعد القلوب‪ ,‬وجتلب العداوات‪ ,‬ونقمة آ‬ ‫الخرين‬ ‫و�سخطهم‪.‬‬ ‫والكراهية هي أ��شد بالء من التلوث املنبعث من عوادم‬ ‫ال�سيارات والطائرات والباخرات يف الرب واجلو والبحر‪,‬‬ ‫ومن أ‬ ‫الدخنة املنبعثة من امل�صانع واملعامل‪ ,‬و أ��شد بالء من‬ ‫االحتبا�س احلراري النا�شئ من ارتفاع ن�سبة الغازات يف‬ ‫اجلو‪ ,‬و�إذا كان التلوث واالحتبا�س احلراري ي ؤ�ثران على‬ ‫املناخ اخلارجي‪ ,‬وطبقة الغالف اجلوي‪ ,‬وي ؤ�ديان �إىل ارتفاع‬ ‫احلرارة‪ ,‬وي ؤ�ثران على ال�صحة العامة للنا�س‪ ,‬ف�إن الكراهية‬ ‫تن�شر تلوث ًا أ��شد بالء‪ ,‬ألنه يلوث النفو�س والقلوب والعقول‬ ‫وامل�شاعر والوجدان‪ ,‬ويخرب ج�سور التوا�صل‪ ,‬والعالقات‬ ‫بني النا�س‪ ,‬وبني أ‬ ‫المم وال�شعوب‪.‬‬ ‫والكراهية هي أ��شد بالء من الوباء‪ ,‬و أ�كرث هو ًال من احلريق‪,‬‬ ‫و أ�عظم تخريب ًا من ال�سيل‪ ,‬و أ�خطر وبا ًال من اجلوع‪ ,‬ألن‬ ‫الكراهية ظالم تعمي أ‬ ‫الب�صار والقلوب التي يف ال�صدور‪,‬‬ ‫الن�سان أ��سود داكن ًا ينفث العداوة والبغ�ضاء‬ ‫ويجعل قلب إ‬

‫بني النا�س‪.‬‬ ‫والكراهية هي مبثابة دخان أ��سود أ��شد �سواد ًا من الدخان‬ ‫املنت�شر يف الهواء‪ ,‬وهي مبثابة رائحة نتنة أ��شد نتانة من‬ ‫الرائحة املنبعثة من امل�ستنقعات املائية‪ ,‬أ�و من اجليفة‬ ‫امليتة‪ ,‬أ�و من أ‬ ‫الطعمة الفا�سدة‪ ,‬أ�و من الروائح الكريهة‪.‬‬ ‫والكراهية هي ذلك الفعل البغي�ض الذي ينبذه النا�س كافة‪,‬‬ ‫الثر عن الر�سول أ‬ ‫وجاء يف أ‬ ‫الكرم (�صلى اهلل عليه و آ�له‬ ‫و�سلم) أ�نه قال ( أ�ال أ�نبئكم ب�شر النا�س؟ قالوا بلى يا ر�سول‬ ‫اهلل‪ ,‬قال‪ :‬من أ�بغ�ض النا�س و أ�بغ�ضوه)‪.‬‬ ‫ولو كانت الكراهية �شجرة‪ ,‬لكان جذرها البغ�ض‪ ,‬و�ساقها‬ ‫احلقد‪ ,‬و أ�غ�صانها احلمق‪ ,‬وورقها القبح‪ ,‬وثمرها العداوة‬ ‫واخل�صومة‪.‬‬ ‫ولو كانت الكراهية رج ًال لكان ر أ��سه ال�سفه‪ ,‬وقلبه اجلهل‪,‬‬ ‫وروحه اخل�سة‪ ,‬ورجاله ال�سخط‪ ,‬ويداه ال�ضعة‪ ,‬وعيناه‬ ‫الرزالة‪ ,‬وفمه الكذب‪ ,‬ول�سانه الفح�شاء‪ ,‬و أ�ذناه ال�شماتة‪.‬‬ ‫ولو كانت الكراهية جب ًال لكان ح�صاه من �سوء اخللق‪ ,‬ولو‬ ‫كانت بحر ًا لكانت قطراته من الل ؤ�م‪ ,‬ولو كانت بر ًا لكان رمله‬ ‫من التع�صب‪.‬‬ ‫لقد تق�صدت ت�صوير الكراهية بهذه الطريقة التي ال تخلو‬ ‫من مبالغة وتهويل‪ ,‬وا�ستفدت من بع�ض ت�صويرات عبد‬ ‫الرحمن الكواكبي وهو يتحدث عن طبائع اال�ستبداد يف‬ ‫كتابه الذي قدم فيه أ�عظم خطاب يف كراهية اال�ستبداد‪,‬‬ ‫وذلك ألننا بحاجة �إىل خطاب �صارم �ضد الكراهية‪ ,‬ميقتها‬ ‫ويجرمها وي�شنع عليها‪ ,‬ومن ميار�سها أ�و ت�صدر منه يكون‬ ‫منبوذ ًا‪ ,‬أ‬ ‫ولننا بحاجة ألن يرفع اجلميع �صوته عالي ًا ومدوي ًا‬ ‫�ضد الكراهية هذا الفعل البغي�ض‪ ,‬ولنقلها بكل لغات العامل‬ ‫ال�شارة والرموز كفى كراهية‪ ,‬ولنتحد �ضد‬ ‫ولهجاته‪ ,‬وبلغة إ‬ ‫الكراهية‪.‬‬ ‫الهوام�ش‬

‫‪1‬ـ �إبراهيم م�صطفى و�آخرون‪ .‬املعجم الو�سيط‪ ,‬القاهرة‪ :‬جممع اللغة‬ ‫العربية‪� ,‬ص ‪.785‬‬ ‫‪2‬ـ را�شد املبارك‪ .‬فل�سفة الكراهية‪ ,‬بريوت‪ :‬دار �صادر‪2001 ,‬م‪� ,‬ص ‪.33‬‬ ‫‪3‬ـ را�شد املبارك‪ .‬امل�صدر نف�سه‪� ,‬ص ‪.27‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪17‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫الفتوى وأهميتها في الشريعة‬ ‫اإلسالمية‬ ‫سماحة الشيخ ‪ /‬محمود سليمان شويات‪ /‬مفتي‬ ‫القوات المسلحة األسبق‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬و�صلى اهلل على �سيدنا حممد وعلى‬ ‫آ�له الطيبني الطاهرين‪ ،‬و�صحابته الغر امليامني وبعد‪:‬‬ ‫فقد كلفني املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬جزاهم اهلل تعاىل‬ ‫خري اجلزاء وجعلها يف ميزان ح�سناتهم‪ .‬بكتابة بحث عن‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬مت�ضمن ًا‪ :‬حقيقة‬ ‫الفتوى و أ�هميتها يف ال�شريعة إ‬ ‫ال�سالمي‪،‬‬ ‫الفتوى وجماالتها‪ ،‬وعظم � أش�ن الفتوى يف ال�شرع إ‬ ‫الفتاء و�صفاته‪.‬‬ ‫و�شروط من له إ‬ ‫وقد ا�ستعنت باهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬ونفذت ما طلب مني‪،‬‬ ‫وقد جاء البحث م�شتم ًال على املطالب التالية‪:‬‬ ‫املطلب أ‬ ‫الول‪ :‬تعريفها لغة وا�صطالحا‪.‬‬ ‫امل�س أ�لة أ‬ ‫الوىل‪ :‬تعريفها لغة‪.‬‬ ‫امل�س أ�لة الثانية‪ :‬تعريفها ا�صطالح ًا‪.‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬يف أ‬ ‫اللفاظ ذات ال�صلة بالفتوى‪.‬‬ ‫أ�و ًال‪ :‬الق�ضاء‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬االجتهاد‪.‬‬ ‫ال�سالمي‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬عظم � أش�ن الفتوى يف ال�شرع إ‬ ‫الفتاء و�صفاته‪ ،‬و آ�دابه‪.‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬يف �شروط من له إ‬ ‫امل�س أ�لة أ‬ ‫الفتاء و�صفاته‪.‬‬ ‫الوىل‪ :‬يف �شروط من له إ‬ ‫امل�س أ�لة الثانية‪ :‬يف آ�داب املفتي‪.‬‬ ‫املطلب أ‬ ‫الول‬ ‫تعريفها لغة وا�صطالح ًا‪.‬‬ ‫امل�س أ�لة أ‬ ‫الوىل‪ :‬تعريفها لغة‪.‬‬ ‫الفتاء‪ ،‬نقول‪ :‬أ�فتى يفتي‬ ‫الفتوى لغة‪ :‬ا�سم م�صدر مبعنى إ‬ ‫�إفتاء‪ ،‬والفُتيا‪ ،‬والفتوى‪ ،‬والفُتوى‪ ،‬ما أ�فتى به الفقيه‪.‬‬ ‫تقول‪ :‬أ�فتيته‪� :‬إذا أ�جبته عن م�س أ�لته‪ ،‬وبينت امل�شكل من‬ ‫أ‬ ‫الحكام‪ ،‬وتقول‪ :‬تفاتوا �إىل فالن‪ :‬أ�ي حتاكموا �إليه‪،‬‬ ‫وارتفعوا �إليه يف الفتيا وتقول‪ :‬أ�فتيت فالن ًا ر ؤ�يا ر آ�ها‪:‬‬ ‫�إذا عربتها له‪ ،‬ومن هذا القبيل قوله تعاىل‪َ ( :‬يا َأ� ُّي َها المْ َ َ ُأل‬ ‫َأ� ْف ُتونيِ فيِ ُر ْ ؤ�يَايَ ِ�إ ْن ُك ْن ُت ْم ِل ُّلر ْ ؤ� َيا َتعْبرُ ُ ونَ ) (يو�سف‪.)43:‬‬ ‫واال�ستفتاء لغة‪ :‬طلب اجلواب عن أ‬ ‫المر امل�شكل من‬ ‫أ‬ ‫الحكام‪ ،‬ومن هذا القبيل قوله تعاىل‪َ ( :‬و اَل َت ْ�س َتف ِْت ِفيه ِْم‬ ‫ِم ْن ُه ْم أ� َ​َحدً ا) (الكهف‪ )22:‬وقد يكون املراد‪ :‬جمرد �س ؤ�ال‪،‬‬ ‫‪18‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ا�س َت ْف ِته ِْم َأ�هُ ْم أ� َ​َ�ش ُّد َخ ْل ًقا َأ� ْم َم ْن َخ َل ْق َنا)‬ ‫ومنه قوله تعاىل‪َ ( :‬ف ْ‬ ‫(ال�صافات‪.)11:‬‬ ‫وال�س ؤ�ال هنا هو �س ؤ�ال تقرير‪ ،‬قال املف�سرون‪ ،‬أ�ي ا�س أ�لهم‪.‬‬ ‫امل�سالة الثانية‪ :‬تعريفها ا�صطالح ًا‪.‬‬ ‫والفتوى ا�صطالح ًا هي‪ :‬تبيني احلكم ال�شرعي عن دليل ملن‬ ‫�س أ�ل عنه‪ ،‬وهذا التعريف ي�شمل أ‬ ‫المور الواقعة وغريها‪.‬‬ ‫واملفتي لغة‪ :‬ا�سم فاعل‪ ،‬من أ�فتى يفتي‪ ،‬فمن أ�فتى مرة فهو‬ ‫مفت لغة‪ ،‬ولكنه يطلق يف العرف ال�شرعي على معنى أ�خ�ص‬ ‫من ذلك‪.‬‬ ‫المام الزرك�شي املفتي ب أ�نه هو الفقيه‪ ،‬وهو من‬ ‫وقد جعل إ‬ ‫أ�وتي ملكة يقتدر بها على ا�ستنتاج أ‬ ‫الحكام ال�شرعية من‬ ‫م�آخذها على وفق ال�شروط ال�شرعية املذكورة يف كتب‬ ‫العلماء للمجتهد‪ ،‬وما يجتهد فيه‪ ،‬ومن قامت به �صفة جاز‬ ‫أ�ن ي�شتق له منها ا�سم فاعل‪.‬‬ ‫قال ال�صرييف‪« :‬مو�ضوع هذا اال�سم ملن قام للنا�س ب أ�مر‬ ‫دينهم‪ ،‬وعلم ُجمل عموم القر آ�ن الكرمي وخ�صو�صه‪ ،‬ونا�سخه‬ ‫ومن�سوخه‪ ،‬وكذلك يف ال�سنن واال�ستنباط‪ ،‬ومل يو�ضع ملن علم‬ ‫م�س أ�لة حقيقتها‪ ،‬فمن بلغ هذه املرتبة �سموه هذا اال�سم‪ ،‬ومن‬ ‫ا�ستحقه أ�فتى فيما ا�ستفتي»‪.‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬يف أ‬ ‫اللفاظ ذات ال�صلة بالفتوى‪.‬‬ ‫أ�و ًال‪ :‬الق�ضاء‪.‬‬ ‫الق�ضاء‪ :‬هو ف�صل القا�ضي بني اخل�صوم‪ ،‬وي�سمى أ�ي�ض ًا‪:‬‬ ‫احلكم‪ ،‬والق�ضاء له �صلة قوية بالفتوى �إال أ�ن بينهما فروق ًا‬ ‫هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬أ�نّ الفتوى �إخبار عن احلكم ال�شرعي يف الواقعة وما‬ ‫مياثلها ممن هو أ�هل للفتوى على ما �سي أ�تي‪ ،‬والق�ضاء‪� :‬إن�شاء‬ ‫للحكم بني املخت�صمني ممن هو أ�هل لذلك أ�ي�ض ًا‪.‬‬ ‫‪ .2‬أ�نّ الفتوى غري ملزمة للم�ستفتي‪ ،‬وال لغريه‪ ،‬بل له أ�ن‬ ‫ي أ�خذ بها �إن ر آ�ها �صواب ًا‪ ،‬وكذلك له أ�ن يرتكها وي أ�خذ بقول‬ ‫مفت آ�خر‪ ،‬أ�ما الق�ضاء فاحلكم فيه ملزم للطرفني‪.‬‬ ‫وبناء على ما تقدم‪� ،‬إذا دعي أ�حد املتخا�صمني �إىل فتاوى‬ ‫ً‬ ‫الجابة‪ ،‬و�إذا دعي �إىل الق�ضاء وجبت‬ ‫املفتني‪ ،‬مل يجرب على إ‬ ‫الجابة‪ ،‬و أ�جرب على ذلك �إن امتنع‪� ،‬إن القا�ضي �إمنا‬ ‫عليه إ‬ ‫ن�صب لف�ض اخلالفات‪ ،‬وقطع اخل�صومات و�إنهائها‪ ،‬ومن هنا‬ ‫يتبني أ�ن الق�ضاء �إفتاء وزيادة أ�ي يفتي بالواقعة‪ ،‬ويلزم بها‬ ‫للخ�صوم‪.‬‬ ‫‪ .3‬ورد يف الفتاوي البزازية أ�نّ املفتي يفتي باحلكم ديانة‪،‬‬ ‫مبعنى يعطي حكمه ال�شرعي كما هو يف باطن أ‬ ‫المر‪ ،‬بينما‬ ‫القا�ضي يق�ضي على الظاهر‪ ،‬و�ضرب لذلك ابن عابدين مث ًال‪:‬‬


‫وذلك �إذ قال رجل للمفتي‪ :‬قلت لزوجتي أ�نت طالق قا�صد ًا‬ ‫الخبار عما م�ضى‪ ،‬وكان كاذب ًا يف ذلك ففي هذه احلالة‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫يفتيه املفتي بعدم وقوع الطالق‪� ،‬ما القا�ضي فال دخل له‬ ‫يف النوايا هنا‪ ،‬ألن اللفظ �صريح يف �إفادة الطالق‪ ،‬فيحكم‬ ‫عليه بالوقوع‪.‬‬ ‫‪ .4‬قال أ�بو عمرو‪ :‬قال أ�بو عثمان احلداد‪ :‬القا�ضي أ�ي�سر‬ ‫م أ�ثم ًا‪ ،‬و أ�قرب �إىل ال�سالمة من الفقيه‪ .‬يريد املفتي ـ ألنّ‬ ‫الفقيه من � أش�نه �إ�صدار ما يرد عليه من �ساعته مبا ح�ضره‬ ‫من القول‪ ،‬والقا�ضي � أش�نه أ‬ ‫الناة والتثبيت‪ ،‬ومن ت أ�نى تهي أ� له‬ ‫من ال�صواب ما ال يتهي أ� ل�صاحب البديهة‪.‬‬ ‫وقال غريه‪ :‬املفتي أ�قرب �إىل ال�سالمة من القا�ضي‪ ،‬وذلك‬ ‫باعتبار أ�نّ املفتي ال يلزم بفتواه‪ ،‬والقا�ضي يلزم بحكمه‪،‬‬ ‫الرجح أ‬ ‫وهو أ‬ ‫وال�صوب العتبارات كثرية مع هذا التعليل ال‬ ‫جمال هنا لذكرها‪ ،‬وهي معلومة عند العلماء‪.‬‬ ‫‪ .5‬أ�نّ حكم القا�ضي جزئي خا�ص لواقعة معينة‪ ،‬ال يتعدى‬ ‫�إىل غري املتخا�صمني‪ ،‬واملفتي يفتي حكم ًا عام ًا كلي ًا أ�ن من‬ ‫فبناء‬ ‫فعل كذا ترتب عليه كذا‪ ،‬ومن قال كذا‪ ،‬لزمه كذا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ق�ضاء معين ًا على �شخ�ص معني‪،‬‬ ‫عليه جند أ�نّ القا�ضي يق�ضي‬ ‫ً‬ ‫فق�ضا ؤ�ه خا�ص ملزم‪ ،‬وفتوى املفتي عامة غري ملزمة‪ ،‬فكالهما‬ ‫ولكن خطره كبري‪.‬‬ ‫أ�جره عظيم ّ‬ ‫‪ .6‬الق�ضاء ال يكون �إال بلفظ منطوق‪ ،‬بينما الفتوى تكون‬ ‫وال�شارة‪.‬‬ ‫منطق ًا وتكون أ�ي�ض ًا بالكتابة‪ ،‬والفعل إ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬االجتهاد‪.‬‬ ‫االجتهاد‪ :‬هو أ�ن يبذل الفقيه و�سعه يف ا�ستنباط أ‬ ‫الحكام‬ ‫المام ال�شاطبي‬ ‫ال�شرعية الظنية (وهو ما ي�سميه إ‬ ‫بالعمليات) من أ‬ ‫الدلة املعتربة �شرع ًا‪.‬‬ ‫الفتاء‬ ‫الفتاء واالجتهاد هو‪ :‬أ�ن إ‬ ‫والفرق اجلوهري بني إ‬ ‫�إمنا يكون فيما علم قطع ًا أ�و ظن ًا‪ ،‬بينما االجتهاد ال يكون يف‬ ‫أ‬ ‫المور القطعية‪ ،‬ومنها ما علم من الدين بال�ضرورة‪ ،‬وكذلك‬ ‫الن�صو�ص قطعية الثبوت‪ ،‬قطعية الداللة‪.‬‬ ‫واي�ض ًا‪ :‬ف�إن االجتهاد يتح�صل مبجرد ا�ستباط الفقيه‬ ‫الفتاء �إال بتبليغ احلكم‬ ‫احلكم يف نف�سه‪ ،‬وال تتم عملية إ‬ ‫لل�سائل‪ ،‬والذين �شرطوا‪ :‬أ�نّ املفتي ال يكون �إال جمتهد ًا‪،‬‬ ‫�إمنا أ�رادوا بيان أ�ن غري املجتهد ال يجوز أ�ن يتقلد من�صب‬ ‫الفتاء خلطورته‪ ،‬وعظم � أش�نه عند اهلل تعاىل‪ ،‬ولذلك ال‬ ‫إ‬ ‫يكون املفتي �إال جمتهد ًا‪ ،‬ولكم بذلك مل يريدوا الت�سوية بني‬ ‫والفتاء من حيث املفهوم واملعنى‪ ،‬فلينتبه له‪.‬‬ ‫االجتهاد إ‬ ‫الفتاء يكون يف أ�مور‬ ‫مما �سبق بيانه يت�ضح لنا جلي ًا أ�ن إ‬ ‫ال�شريعة كلها‪ ،‬فيكون يف أ‬ ‫كالميان باهلل‬ ‫الحكام االعتقادية إ‬

‫والميان باليوم آ‬ ‫الخر‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪ ،‬وم�سائل النبوات‪ ،‬إ‬ ‫مما ورد يف كتاب اهلل َّ‬ ‫�صح‬ ‫جل وعال أ�و يف �سنة امل�صطفى مما ّ‬ ‫الميان‪.‬‬ ‫عنه وكذلك تكون الفتوى يف �سائر أ�ركان إ‬ ‫الفتاء أ‬ ‫الحكام العملية من عبادات‪،‬‬ ‫وكذلك يدخل يف جمال إ‬ ‫ومعامالت وعقوبات‪ ،‬و أ�نكحة وكذلك تدخل أ‬ ‫الحكام‬ ‫التكليفية كلها من واجبات وحمرمات ومندوبات ومكروهات‬ ‫ومباحات‪ ،‬وكذلك أ‬ ‫الحكام الو�ضعية كلها من �سبب و�شرط‬ ‫الفتاء ب�صحة العبادة‪ ،‬واملعاملة وغريها أ�و‬ ‫ومانع‪ ،‬وكذلك إ‬ ‫الفتاء‬ ‫بطالنها‪ ،‬وكذلك العزمية والرخ�صة فات�سعت دائرة إ‬ ‫�إىل أ�مور ال�شريعة كلها‪ ،‬ألنها �إخبار عن حكم اهلل �سبحانه‬ ‫وتعاىل يف الوقائع واحلادثات‪ ،‬وال ح�صر لذلك البته‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‬ ‫ال�سالمي‬ ‫عظم � أش�ن الفتوى يف ال�شرع إ‬ ‫الفتاء منزلة �شريفة ومرتبة رفيعة‪ ،‬وهي من‬ ‫‪ .1‬أ�ن منزلة إ‬ ‫باب الدعوة �إىل اخلري‪ ،‬أ‬ ‫والمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬ ‫وقد رتب اهلل �سبحانه وتعاىل الفالح يف الدنيا آ‬ ‫والخرة‬ ‫على فعل ذلك قال تعاىل‪َ ( :‬و ْل َت ُك ْن ِم ْن ُك ْم ُأ� َّم ٌة َي ْد ُعونَ ِ�إلىَ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْونَ َع ِن المْ ُ ْن َك ِر َو أ�ُو َل ِئ َك هُ ُم‬ ‫الخْ َ يرْ ِ َو َي ْأ� ُم ُرونَ ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫المْ ُ ْف ِل ُحونَ )( آ�ل عمران‪.)104:‬‬ ‫المام ال�شاطبي رحمه اهلل تعاىل املفتي قائم ًا يف‬ ‫وقد جعل إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المة مقام النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ملا ورد يف الحاديث‬ ‫ال�شريفة‪ :‬منها‪ :‬قوله ‪�( :‬إن العلماء ورثة أ‬ ‫النبياء‪ ،‬و�إن‬ ‫أ‬ ‫النبياء مل يورثوا دينار ًا‪ ،‬وال درهم ًا‪ ،‬و�إمنا ورثوا العلم‪ ،‬فمن‬ ‫أ�خذ به فقد أ�خذ بحظ وافر)‪.‬‬ ‫وما رواه البخاري وم�سلم أ�ن ر�سول اهلل قال‪( :‬بينما أ�نا‬ ‫نائم أ�تيت بقدح من لنب ف�شربت حتى �إين ألرى الري يخرج‬ ‫من أ�ظفاري‪ ،‬ثم أ�عطيت ف�ضلي عمر بن اخلطاب‪ ،‬قالوا‪ :‬فما‬ ‫أ�ولته يا ر�سول اهلل؟ قال‪ :‬العلم)‪ ،‬وقد بعث اهلل �سبحانه‬ ‫وتعاىل حممد ًا �صلى اهلل عليه و�سلم نذير ًا فقال‪:‬‬ ‫ير) (هود‪ ،)12:‬و أ�مثال ذلك كثري من آ‬ ‫اليات‬ ‫( ِ�إنمَّ َ ا َأ�نْتَ َن ِذ ٌ‬ ‫الكرمية أ‬ ‫والحاديث ال�شريفة‪.‬‬ ‫وكذلك ملا أ�ن املفتي نائب عن امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫يف تبليغ أ‬ ‫الحكام لقوله ‪( :‬ليبلغ منكم ال�شاهد الغائب)‪.‬‬ ‫وقوله (ت�سمعون‪ ،‬و ُي�سمع منكم‪ ،‬و ُي�سمع ممن ي�سمع منكم)‪.‬‬ ‫وكذلك يكون املفتي كا�شف ًا عن �شرع اهلل �سبحانه وتعاىل‬ ‫بت أ�مل وفكر ودقة نظر‪ ،‬وا�ستنباط من الن�صو�ص ال�شرعية‪،‬‬ ‫لكل هذه املعاين كان نائب ًا وقائم ًا مقام ر�سول اهلل ‪.‬‬ ‫المام ال�شاطبي رحمه اهلل تعاىل‪( :‬وعلى اجلملة‬ ‫يقول إ‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪19‬‬


‫فاملفتي خمرب عن اهلل كالنبي‪ ،‬وموقع لل�شريعة على أ�فعال‬ ‫املكلفني بح�سب نظره كالنبي‪ ،‬ونافذ أ�مره يف أ‬ ‫المة مبن�شور‬ ‫اخلالفة كالنبي‪ ،‬ولذلك �سمو أ�ويل أ‬ ‫المر‪ ،‬وقرنت طاعتهم‬ ‫بطاعة اهلل ور�سوله يف قوله تعاىل‪َ ( :‬يا َأ� ُّي َها ا َّل ِذينَ‬ ‫ول َو ُأ�وليِ ْ َأ‬ ‫آ� َمنُوا أ� َِطي ُعوا اللهَّ َ َو أ� َِطي ُعوا ال َّر ُ�س َ‬ ‫ال ْم ِر ِم ْن ُك ْم ۖ )‬ ‫(الن�ساء‪ ،)59:‬أ‬ ‫والدلة على هذا املعنى كثرية‪.‬‬ ‫ويقول ال�شيخ عبد اهلل دراز يف تعليقه على آ‬ ‫اليات‬ ‫والحاديث الدالة على خالفة العلماء أ‬ ‫أ‬ ‫للنبياء ما ن�صه‪:‬‬ ‫(القيام مقامه �صلى اهلل عليه و�سلم يكون بجملة أ�مور‪ ،‬منها‬ ‫الوراثة يف علم ال�شريعة بوجه عام‪ ،‬ومنها �إبالغها للنا�س‪،‬‬ ‫والنذار بها كذلك‪ ،‬ومنها بذل الو�سع‬ ‫وتعليمها للجاهل بها‪ ،‬إ‬ ‫يف ا�ستنباط أ‬ ‫الحكام يف مواطن اال�ستنباط املعروفة‪ ،‬فكل‬ ‫مرتبة من هذه املراتب أ�على مما قبلها)‪.‬‬ ‫‪ . 2‬أ�ن اهلل �سبحانه وتعاىل أ�فتى عباده قال تعاىل‪:‬‬ ‫( َو َي ْ�س َت ْف ُتو َن َك فيِ الن َِّ�ساءِ ۖ ُق ِل اهلل ُي ْف ِتي ُك ْم ِفيه َِّن)‬ ‫ُ‬ ‫(الن�ساء‪ ،)127:‬وقال أ�ي�ض ًا‪َ ( :‬ي ْ�س َت ْف ُتو َن َك ُق ِل اللهَّ ُي ْف ِتي ُك ْم‬ ‫فيِ ا ْلكَلاَ َل ِة) (الن�ساء‪.)176:‬‬ ‫‪ . 3‬أ�ول من قام بهذا املن�صب ال�شريف �سيد املر�سلني‪ ،‬و�إمام‬ ‫املتقني‪ ،‬وخامت النبيني عبد اهلل ور�سوله و أ�مينه على وحيه‪،‬‬ ‫و�سفريه بينه وبني عباده‪ ،‬فكان يفتي عن اهلل حال حياته‪،‬‬ ‫وكان ذلك من متطلبات ر�سالته‪ ،‬وقد كلفه اهلل تعاىل بذلك‬ ‫حيث قال‪َ ( :‬و َأ�ن َْز ْل َنا ِ�إ َل ْي َك ِّ‬ ‫َّا�س َما نُزِّ َل ِ�إ َل ْيه ِْم‬ ‫الذ ْك َر ِل ُت َبينِّ َ ِللن ِ‬ ‫َو َل َعلَّ ُه ْم َي َت َفك َُّرونَ ) (النحل‪ ،)44:‬فقد كان �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ر�سو ًال نبي ًا‪ ،‬ومار�س احلكم بو�صفه حاكم ًا‪ ،‬وق�ضى بني‬ ‫اخل�صوم بو�صفه قا�ضي ًا‪ ،‬و أ�فتى لهم بو�صفه مفتي ًا‪.‬‬ ‫واملفتي يف الواقع هو خليفة ر�سول اهلل يف أ�داء وظيفة‬ ‫البيان‪ ،‬وقد توىل هذه الوظيفة بعده أ� �صحابه الكرام‬ ‫ر�ضوان اهلل تعاىل عليهم‪ ،‬ثم أ� هل العلم والف�ضل من‬ ‫بعدهم‪.‬‬ ‫الفتاء هو بيان أ�حكام اهلل تعاىل‪ ,‬وتنزيلها‬ ‫‪ .4‬أ�ن مو�ضوع إ‬ ‫على أ�فعال العباد يف واقع أ‬ ‫المر‪ ،‬فهي �إذن قول على اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪ ,‬حيث �إن املفتي يقول للم�ستفتي‪ :‬واجب‬ ‫عليك فعل كذا‪ ,,‬وحرام عليك فعل كذا‪ ,,‬او يحرم عليك كذا‪,‬‬ ‫ويحل لك كذا‪ ,‬فك أ�نه يقول‪ :‬قال اهلل تعاىل يف هذه امل�سالة‬ ‫�إنها فر�ض‪ ,‬ويف غريها �إنها حرام ‪ ,‬وهكذا‪.‬‬ ‫المام القرايف املفتي بالرتجمان عن مراد اهلل‬ ‫ومن هنا �شبه إ‬ ‫جل وعال(‪ ,)18‬وجعل ابن القيم اجلوزية رحمه اهلل تعاىل‬ ‫املفتي مبنزلة الوزيرالذي يوقع عن امللك حيث قال‪�(:‬إذا‬ ‫كان من�صب التوقيع عن امللوك باملحل الذي ال ينكر ف�ضله‪,‬‬ ‫‪20‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ال�سنيات‪ ,‬فكيف‬ ‫وال يجهل قدره‪ ,‬وهو من أ�على املراتب ّ‬ ‫مبن�صب التوقيع عن رب أ‬ ‫الر�ض وال�سماوات‪.‬‬ ‫المام النووي عليه رحمة اهلل املفتي موق ًعا‬ ‫وقد اعترب إ‬ ‫عن رب العاملني‪ ,‬ونقل عن ابن املنكدر أ�نه قال‪ :‬العامل بني‬ ‫اهلل وبني خلقه‪ ,‬فلينظر كيف يدخل بينهم‪ ,‬ونقل ذلك عن‬ ‫معظم العلماء و أ�رباب القلوب‪ ,‬ولذلك ينبغي للمفتي أ�ن يعلم‬ ‫علم اليقني عمن ينوب يف فتواه‪ ,‬وليوقن أ�نه م�سو ؤ�ل غد ًا‪,‬‬ ‫وموقوف بني يدي اهلل‪.‬‬ ‫التهيب من االفتاء‪:‬‬ ‫ملا �سبق وغريه كان ال�صحابة الكرام ر�ضوان اهلل تعاىل عليهم‬ ‫الفتاء‪ ,‬لقوله ( أ�جر ؤ�كم على الفتيا أ�جر ؤ�كم‬ ‫يتهيبون من إ‬ ‫على النار) قال عبد الرحمن بن أ�بي ليلى‪ :‬أ�دركت ع�شرين‬ ‫ومئة من أ‬ ‫الن�صار من أ��صحاب ر�سول اهلل ي�س أ�ل أ�حدهم عن‬ ‫امل�س أ�لة فريدها هذا �إىل هذا‪ ,‬حتى ترجح �إىل أ‬ ‫الول‪ ,‬ويف‬ ‫رواية ما منهم من يحدث بحديث �إال و ّد أ�ن أ�خاه كفاه �إياه‪,‬‬ ‫وال ي�ستفتي عن �شيء �إال ود أ�ن أ�خاه كفاه الفتيا)‪.‬‬ ‫ولقد ورد عن ال�سلف ومن بعدهم من التوقف عن الفتيا أ�مور‬ ‫كثرية منها‪:‬‬ ‫ما ورد عن ابن عبا�س‪ ،‬وابن م�سعود ر�ضي اهلل عنهما قولهم‬ ‫من أ�فتى عن كل ما ي�س أ�ل فهو جمنون‪ ،‬وعن ال�شعبي واحل�سن‬ ‫و أ�بي ح�صني من كبار التابعني‪ ،‬وذلك ملا ر أ�وا بع�ض النا�س‬ ‫يهجمون على الفتوى قالوا‪� :‬إن أ�حدكم ليفتي يف امل�س أ�لة لو‬ ‫وردت على عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه جلمع لها أ�هل‬ ‫بدر‪.‬‬ ‫جاء يف مقدمة املجموع ما ن�صه وعن عطاء بن ال�سائب‬ ‫التابعي‪ :‬أ�دركت قوم ًا ي�س أ�ل أ�حدهم عن ال�شيء فيتكلم‪ ،‬وهو‬ ‫رعد‪ ،‬وعن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنه وحممد بن عجالن‪،‬‬ ‫ُي َ‬ ‫�إذا أ�غفل العامل ال أ�دري أ��صيبت مقاتلة‪ ،‬وعن �سفيان ابن‬ ‫عيينة و�سحنون‪ :‬أ�ج�سر النا�س على الفتيا أ�قلهم علم ًا‪.‬‬ ‫وعن ال�شافعي وقد �سئل عن م�س أ�لة فلم يجب فقيل له‪ :‬فقال‪:‬‬ ‫حتى أ�دري أ�ن الف�ضل يف ال�سكوت أ�و يف اجلواب‪ ،‬وعن أ‬ ‫الثرم‪:‬‬ ‫�سمعت أ�حمد بن حنبل يكرث أ�ن يقول ال أ�دري‪ ،‬وذلك فيما‬ ‫عرف أ‬ ‫القاويل فيه‪ ،‬وعن الهيثم بن جميل‪� ،‬شهدت مالك ًا �سئل‬ ‫عن ثمانٍ و أ�ربعني م�س أ�لة‪ ،‬فقال يف اثنتني وثالثني منها‪ :‬ال‬ ‫أ�دري‪ ،‬وعن مالك أ�ي�ض ًا أ�نه رمبا كان ُي�س أ�ل عن خم�سني م�س أ�لة‬ ‫فال يجيب يف واحدة منها‪ ،‬وكان يقول‪ :‬من أ�جاب يف م�س أ�لة‬ ‫فينبغي قبل اجلواب أ�ن يعر�ض نف�سه على اجلنة والنار‪،‬‬ ‫و�سئل عن م�س أ�لة فقال‪ ،‬ال أ�دري‪ ،‬فقيل‪ :‬هي م�س أ�لة خفيفة‬ ‫�سهلة فغ�ضب‪ ،‬وقال‪ :‬لي�س يف العلم �شيء خفيف‪.‬‬


‫وقال ال�شافعي‪ :‬ما ر أ�يت أ�حد ًا جمع اهلل تعاىل فيه من آ�لة‬ ‫الفتيا ما جمع يف ابن عيينة ا�سكت من الفتيا‪.‬‬ ‫وقال أ�بو حنيفة‪ :‬لوال الفرق من اهلل تعاىل أ�ن ي�ضيع العلم‬ ‫وعلي الوزر‪ ،‬و أ�قوالهم يف هذا كثرية‬ ‫ما أ�فتيت‪ ،‬يكون لهم املهن أ� َ‬ ‫معروفة‪ ،‬قال ال�صيمري‪ ،‬واخلطيب‪َ :‬‬ ‫قل من حر�ص على‬ ‫الفتيا‪ ،‬و�سابق �إليها‪ ،‬وثابر عليها �إال وقل توفيقه‪ ،‬وا�ضطرب‬ ‫يف أ�موره‪ ،‬و�إن كان كاره ًا لذلك‪ ،‬غري م ؤ�ثر له ما وجد عنه‬ ‫مندوحة و أ�حال أ‬ ‫المر فيه على غريه‪ ،‬كانت املعونة له من‬ ‫وال�صالح يف جوابه أ�غلب‪ ،‬وا�ستد ًال بقوله يف‬ ‫اهلل أ�كرث‪ ،‬إ‬ ‫المارة ف�إنك �إن أ�ُعطيتها‬ ‫احلديث ال�صحيح (ال ت�س أ�ل إ‬ ‫عن م�س أ�لة وكلت �إليها‪ ،‬و�إن أ�ُعطيتها عن غري م�س أ�لة أ�ُعنت‬ ‫عليها)‪.‬‬ ‫الفتاء بغري علم حرام ًا‪ ،‬ومن أ�كرب الكبائر عند‬ ‫ومن هنا كان إ‬ ‫اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬ألنه يت�ضمن الكذب على اهلل تعاىل‬ ‫ور�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وفيه �إ�ضالل للنا�س عن هدي‬ ‫اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬و أ� ُي �ضالل!!!‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪ُ :‬‬ ‫اح َ�ش َما َظ َه َر ِم ْن َها َو َما‬ ‫(قلْ ِ�إنمَّ َ ا َح َّر َم َر ِّب َي ا ْل َف َو ِ‬ ‫للهَّ‬ ‫ال ْث َم َوا ْل َبغ َْي ِب َغيرْ ِ الحْ َ قِّ َو أ� َْن ُت ْ�ش ِر ُكوا ِبا ِ َما لمَ ْ ُينَزِّ لْ‬ ‫َب َطنَ َو ْ ِ إ‬ ‫للهَّ‬ ‫ِب ِه ُ�سل َْطا ًنا َو أ� َْن َتقُو ُلوا َع َلى ا ِ َما اَل َت ْع َل ُمونَ )‬ ‫(االعراف‪.)33:‬‬ ‫ويقول ر�سول اهلل ‪�( :‬إن اهلل ال يقب�ض العلم انتزاع ًا ينتزعه‬ ‫من �صدور العلماء‪ ،‬ولكن يقب�ض العلم بقب�ض العلماء‪ ،‬حتى‬ ‫بق عامل ًا‪ ،‬اتخذ النا�س ر ؤ�و�س ًا جها ًال‪ ،‬ف�سئلوا ف أ�فتوا‬ ‫�إذا مل ُي ِ‬ ‫أ‬ ‫بغري علم‪ ،‬ف�ضلوا و��ضلوا)‪.‬‬ ‫بناء على‬ ‫ولذلك �إذا أ�فتى أ�حدهم بغري علم‪ ،‬ففعل امل�ستفتي ً‬ ‫ذلك أ�مر ًا حمرم ًا‪ ،‬أ�و أ�تى بالعبادة على وجه فا�سد‪ ،‬كان �إثمه‬ ‫على من أ�فتاه‪� ،‬إن مل يكن امل�ستفتي قد ق�صر يف البحث عمن‬ ‫الثم عليهما جميع ًا‪.‬‬ ‫هو أ�هل للفتوى‪ ،‬و�إال كان إ‬ ‫قال ‪( :‬من أ�فتي بغري علم كان �إثمه على من أ�فتاه)‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وقد ابتلينا بزمان كرث فيه املفتون‪ ،‬وهجم النا�س فيه‬ ‫على الفتوى بغري علم‪ ،‬ف�ضلوا‪ ،‬و أ��ضلوا كما أ�خرب امل�صطفى‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و أ�حلوا ب�سبب ذلك احلرام‪ ،‬ومنه أ�نهم‬ ‫أ�حلوا دماء امل�سلمني‪ ،‬ودماء النا�س بغري دليل‪ ،‬وال عندهم فيه‬ ‫من اهلل برهان‪ ،‬وقد �شكا ابن قيم اجلوزية رحمه اهلل وغفر‬ ‫له من ه ؤ�الء‪ ،‬هذا يف زمانه‪ ،‬فما بالك يف زماننا‪ ،‬زمن الفنت‪،‬‬ ‫فيم ُقتل‪ ،‬وال‬ ‫وكرثة الهرج‪ ،‬وهوالقتل‪ ،‬حيث ال يدري املقتول َ‬ ‫القاتل فيم َق َتل كما أ�خرب امل�صطفى ‪ ،‬واهلل امل�ستعان‪.‬‬ ‫قال ابن القيم اجلوزية‪( :‬وقد أ�قام اهلل �سبحانه لك عامل‬ ‫ورئي�س‪ ،‬وفا�ضل من يظهر مماثلته‪ ،‬ويرى اجلهال وهم‬

‫أ‬ ‫الكرثون م�ساجلته‪ ،‬وم�شاكلته‪ ،‬و�إنه يجري معه يف امليدان‪،‬‬ ‫و أ�نهما عند امل�سابقة كفر�سي رهان‪ ،‬وال �سيما �إذا طول‬ ‫الردان‪ ،‬و أ�رخى الذوائب الطويلة وراءه كذنب أ‬ ‫أ‬ ‫التان‪ ،‬وهدر‬ ‫بالل�سان‪ ،‬وخال له امليدان الطويل من الفر�سان‪.‬‬ ‫خز لقال النا�س‪( :‬يا لك من حمار)‪،‬‬ ‫فلو لب�س احلمار ثياب ٍ‬ ‫وهذا ال�ضرب �إمنا ي�ستفتون بال�شكل ال بالف�ضل‪ ،‬وباملنا�صب‬ ‫ال أ‬ ‫بالهلية‪ ،‬قد غرهم عكوف من ال علم عنده عليهم‪،‬‬ ‫وم�سارعة أ�جهل منهم �إليهم‪ ،‬تعج منهم احلقوق �إىل اهلل‬ ‫تعاىل عجيج ًا‪ ،‬وت�ضج منهم أ‬ ‫الحكام �إىل من أ�نزلها �ضجيج ًا‪،‬‬ ‫فمن أ�قدم باجلر أ�ة على ما لي�س له ب أ�هل من فتيا أ�و ق�ضاء‬ ‫أ�و تدري�س‪ ،‬ا�ستحق ا�سم الذل‪ ،‬ومل يحل قبول فتواه وال‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫ق�ضائه‪ ،‬هذا حكم دين إ‬ ‫كيف يعمل املفتي؟‪:‬‬ ‫الفتاء عبارة عن تبيني احلكم ال�شرعي عن دليل ملن‬ ‫ملا كان إ‬ ‫�س أ�ل عنه‪ ،‬ا�ستلزم ذلك أ�مور ًا عدة‪:‬‬ ‫أ�و ًال‪ :‬كان ال بد من حت�صيل احلكم ال�شرعي للواقعة يف ذهن‬ ‫املفتي‪ ،‬ولو ب�إجتهاد‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬معرفة الواقعة امل�س ؤ�ول عنها معرفة تامة‪ ،‬ومعرفة‬ ‫ظروفها‪ ،‬ومالب�ساتها‪ ،‬و�سوابقها ولواحقها‪� ،‬إذ الظروف‬ ‫واملالب�سات لها أ�كرث كبري يف ت�شكيل علة احلكم‪ ،‬كما هو مقرر‬ ‫ال�سالمي‪.‬‬ ‫عند علماء أ��صول الفقه إ‬ ‫وعلى املفتي أ�ن يكون يقظ ًا متنبه ًا لل�سائل وامل�س ؤ�ول عنه‪،‬‬ ‫بحيث يعرف ق�صد ال�سائل‪ ،‬وي�ستف�صل عن امل�س أ�لة الواردة‬ ‫عليه من جميع جوانبها‪ ،‬كما كان يفعل ر�سول اهلل ‪.‬‬ ‫يقول ابن قيم اجلوزية رحمه اهلل تعاىل ما ن�صه‪( :‬وتارة‬ ‫تورد عليه امل�س أ�لة جمملة حتتها عدة أ�نواع‪ ،‬فيذهب وهمه‬ ‫�إىل واحد منها‪ ،‬ويذهل عن امل�س ؤ�ول عنه منها‪ ،‬فيجيب بغري‬ ‫ال�صواب‪ ،‬وتارة تورد امل�س أ�لة الباطلة يف دين اهلل يف قالب‬ ‫مزخرف‪ ،‬ولفظ ح�سن‪ ،‬فيتبادر �إىل ت�سويقها‪ ،‬وهي من أ�بطل‬ ‫الباطل‪ ،‬وتارة بالعك�س‪ ،‬فال �إله �إال اهلل‪ ،‬كم ههنا من مزلة‬ ‫أ�قدام‪ ،‬وجمال أ�وهام‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬أ�ن يت أ�كد من انطباق احلكم ال�شرعي على الواقعة‬ ‫امل�س ؤ�ول عنها‪ ،‬وذلك ب أ�ن يتحقق من وجود مناط احلكم‬ ‫ال�شرعي الذي حت�صل يف ذهنه‪ ،‬يف الواقعة امل�س ؤ�ول عنها‪،‬‬ ‫حتى ي�ستطيع أ�ن ينزل احلكم عليها‪ ،‬وهذا أ�مر ال بد منه‬ ‫لكل قا�ض‪ ،‬ومفت حتى يخرج من العهدة‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪21‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫المقاصد الخمسة في الشرائع‬ ‫السابقة وفي شريعتنا‬ ‫د‪َ .‬محمد عبدو ‪ /‬باحث مغربي‬

‫نك�شف الغطاء عن هذه امل�س أ�لة يف مقامني‪ ،‬نبني يف أ�حدهما‪ :‬أ�ن‬ ‫ال�شرائع كافة هل هي متفقة على حفظ املقا�صد ال�ضرورية‬ ‫اخلم�سة أ�م ال؟ ونبني يف الثاين‪ :‬أ�نها �إذا كانت مطبقة على‬ ‫ذلك‪ ،‬فبماذا اخت�صت �شريعتنا حتى �صارت أ�ف�ضل ال�شرائع‬ ‫و أ�متها؟‬ ‫املقام أ‬ ‫الول‪ :‬يف أ�ن ال�شرائع كافة‪ ،‬هل هي متفقة على حفظ‬ ‫املقا�صد الكلية اخلم�سة أ�م ال ؟‬ ‫للمام الغزايل ق�صب ال�سبق يف‬ ‫من القواعد املهمة التي كان إ‬ ‫�إبرازها والتنبيه عليها؛ أ�ن ال�شرائع وامللل كافة قد أ�طبقت‬ ‫على حفظ ال�ضروريات اخلم�س( ‪ .)1‬وقد قال يف هذا املعنى‬ ‫ما ن�صه‪« :‬وحترمي تفويت هذه أ‬ ‫ال�صول اخلم�سة والزجر‬ ‫عنها‪ ،‬ي�ستحيل أ�ن أ� ّال ت�شتمل عليه ملة من امللل‪ ،‬و�شريعة‬ ‫من ال�شرائع التي أ�ريد بها �إ�صالح اخللق‪ .‬ولذلك مل تختلف‬ ‫ال�شرائع يف حترمي الكفر والقتل والزنا وال�سـرقة و�شرب‬ ‫امل�سكر «(‪.) 2‬‬ ‫وقد تكررت القاعدة نف�سها يف كتاب «�إحياء علوم الدين»‬ ‫حيث قال الغزايل‪« :‬فحفظ املعرفة على القلوب‪ ،‬واحلياة‬ ‫والموال على أ‬ ‫البدان‪ ،‬أ‬ ‫على أ‬ ‫ال�شخا�ص‪� ،‬ضروري يف مق�صود‬ ‫ال�شرائع كلها‪ .‬وهذه ثالثة أ�مور ال يت�صور أ�ن تختلف فيها‬ ‫امللل‪ ،‬فال يجوز أ�ن اهلل تعاىل يبعث نبيا يريد ببعثه �إ�صالح‬ ‫اخللق يف دينهم ودنياهم‪ ،‬ثم ي أ�مرهم مبا مينعهم عن معرفته‬ ‫ومعرفة ر�سله‪ ،‬أ�و ي أ�مرهم ب�إهالك النفو�س(‪ ) 3‬و�إهالك‬ ‫أ‬ ‫الموال»( ‪.)4‬‬ ‫وهذه القاعدة مل أ��صادفها عند أ�حد من قبله‪ ،‬و�إن وجدت‬ ‫لها �صدى عند من أ�تى بعده من العلماء‪ ،‬كاملدقق آ‬ ‫المدي(‪،)5‬‬ ‫والعالمة ابن احلاجب(‪ ،)6‬واملحقق ال�شاطبي(‪ ،)7‬وغريهم‬ ‫من أ‬ ‫العالم(‪.) 8‬‬ ‫غري أ�ن الذي ي�سري �إليه كالم بع�ض أ‬ ‫ال�صوليني يقت�ضي �إبطالها‬ ‫المام الزرك�شي؛ فبعدما حكى‬ ‫وعدم �صحتها‪ .‬من ه ؤ�الء إ‬ ‫القول ب أ�ن ال�شرائع مطبقة على حفظ املقا�صد اخلم�سة‪،‬‬ ‫‪22‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫وبعد ذكره لهذه املقا�صد وو�سائل حفظها‪ ،‬على نحو ما يوجد‬ ‫عند الغزايل يف «امل�ست�صفى»«و�شفاء الغليل»(‪ ،)9‬قال ما‬ ‫ن�صه‪« :‬هذا ما أ�طبق عليه أ‬ ‫ال�صوليون؛ وهو ال يخلو من نزاع‪،‬‬ ‫فدعواهم �إطباق ال�شرائع على ذلك ممنوع‪:‬‬ ‫أ�ما من حيث اجلملة؛ أ‬ ‫فلنه مبني على أ�نه ما خال �شرع عن‬ ‫ا�ست�صالح وفيه خالف ‪ ...‬أ‬ ‫والقرب فيه الوقف‪.‬‬ ‫و أ�ما من حيث التف�صيل؛ ف أ�ما ما ذكروه من الق�صا�ص‪،‬‬ ‫فريده أ�ن الق�صا�ص �إمنا علم وجوبه يف �شريعة مو�سى عليه‬ ‫ال�سالم بدليل قوله تعاىل‪( :‬وكتبنا عليهم فيهما أ�ن النف�س‬ ‫بالنف�س)‪ ،‬وذلك ال يـوافق قولهم‪ :‬يلزم من عدم م�شروعية‬ ‫الق�صا�ص بطالن العامل‪.‬‬ ‫ف أ�ما ما ذكروه يف اخلمر‪ ،‬فلي�س كذلك‪ ،‬ف�إنها كانت مباحة‬ ‫ال�سالم‪ ،‬ثم حرمت يف ال�سنة الثالثة بعد غزوة‬ ‫يف �صدر إ‬ ‫أ�حد‪ .‬وقيل ‪ :‬بل كان املباح �شرب القليل الذي ال ي�سكر‪ ،‬ال ما‬ ‫ينتهي �إىل ال�سكر املزيل للعقل؛ ف�إنه يحرم يف كل ملة‪ ،‬قاله‬ ‫الغزايل يف «�شفاء الغليل»‪ ،‬وحكاه ابن الق�شريي يف «تف�سريه»‬ ‫عن القفال ال�شا�شي‪ ،‬ثم نازعه وقال‪ :‬تواتر اخلرب حيث‬ ‫الباحة كانت �إىل حد‬ ‫بالطالق‪ ،‬ومل يثبت أ�ن إ‬ ‫كانت مباحة إ‬ ‫ال يزيل العقل‪ .‬وكذا قال النـووي يف «�شرح م�سلم»‪ :‬ف أ�ما ما‬ ‫يقوله بع�ض من ال حت�صيل عنده أ�ن ال�سكر مل يـزل حمـرما‬ ‫فباطل ال أ��صل له»(‪.) 10‬‬ ‫المام الزرك�شي‪.‬‬ ‫هذا ما قاله إ‬ ‫المام ال�شوكاين؛ ف�إنه أ�طلق �صريح املنع �إطالقا‪،‬‬ ‫وقد تابعه إ‬ ‫والجنيل فلم أ�جد فيهما �إال‬ ‫وزاد‪« :‬وقد ت أ�ملت التوراة إ‬ ‫�إباحة اخلمر مطلقا من غري تقييد بعدم ال�سكر‪ ،‬بل فيهما‬ ‫الت�صريح مبا يتعقب اخلمر من ال�سكر و�إباحة ذلك‪ ،‬فلم‬ ‫يتم دعوى اتفاق امللل على التحرمي‪ ،‬وهكذا ت أ�ملت كتب‬ ‫أ�نبياء بني �إ�سرائيل فلم أ�جد فيها ما يدل على التقييد‬ ‫أ��صال»(‪.)11‬‬ ‫وكذا قال �صاحب «فواحت الرحموت»‪�« :‬إن اخلمر كان مباحا‬ ‫يف أ‬ ‫المم ال�سابقة بل يف ابتداء هذه ال�شريعة الغراء»(‪.)12‬‬ ‫المام‬ ‫ويتبني مما ذكره ه ؤ�الء ال�شيوخ –وخا�صة مما أ�ورده إ‬ ‫الزرك�شي‪ -‬أ�ن الدليل الذي مت�سكوا به يف طعنهم يف دعوى‬ ‫اتفاق ال�شرائع على رعاية اخلم�سة املذكورة؛ اخلالف يف‬ ‫م�س أ�لة مراعاة ال�شرائع ال�سابقة مل�صالح العباد‪ ،‬و أ�ن اخلمر‬ ‫كانت مباحة فيها‪ ،‬و أ�ن الق�صا�ص مل يعلم ت�شريعه �إال يف‬ ‫�شريعة مو�سى عليه ال�سالم‪ ،‬مما يقت�ضي القول معه ب أ�ن‬


‫ال�شرائع ال�سابقة مل يكن الق�صا�ص م�شروعا فيها‪.‬‬ ‫وقبل ال�شروع يف الرد على ما ذكروه بخ�صو�ص اخلمر‬ ‫والق�صا�ص‪ ،‬يتعني أ�وال‪� ،‬إثبات أ‬ ‫ال�صل‪ ،‬و�إقامة الربهان على‬ ‫�صحته‪ ،‬وهو أ�ن رعاية م�صالح العباد أ�مر مق�صود يف ال�شرائع‬ ‫كلها‪ ،‬والنظر أ�وال يف أ�دلة الكتاب العزيز؛ �إذ فيه آ�يات مبينات‬ ‫�صرحت بحقيقة هذا املقام‪.‬‬ ‫منها قوله تعاىل « َو َما َأ� ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك ِ�إ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫ني »‬ ‫أ‬ ‫(النبياء‪.)13()107:‬‬ ‫وهذه آ‬ ‫الية؛ و�إن كان الذي خوطب بها هو نبينا �صلى اهلل‬ ‫عليه و آ�له و�سلم؛ �إال أ�نه �صلوات اهلل عليه مل يكن بدعا من‬ ‫الر�سل‪ ،‬فما أ�وحي �إليه �إال كما قد أ�وحي للنَّب ّيني من قبله‪ .‬وما‬ ‫أ�ر�سل �إال على طريقة أ‬ ‫ال�شارة بقوله تعاىل‪:‬‬ ‫الولني‪ ،‬و�إليه إ‬ ‫وحا َوا َّل ِذي َأ� ْو َح ْي َنا ِ�إ َل ْي َك‬ ‫« َ�ش َر َع َل ُك ْم مِنَ الدِّ ِ‬ ‫ين َما َو َّ�صى ِب ِه ُن ً‬ ‫يموا الدِّ ينَ َو اَل‬ ‫َو َما َو َّ�ص ْي َنا ِب ِه ِ�إ ْب َر ِ‬ ‫اه َ‬ ‫يم َو ُم َ‬ ‫و�سى َو ِع َ‬ ‫ي�سى أ� َْن أ� َِق ُ‬ ‫يه » (ال�شورى‪.)14 ()13:‬‬ ‫َت َت َف َّر ُقوا ِف ِ‬ ‫اللهية‪ ،‬التي اختتمت بالر�سالة‬ ‫و�إذن؛ ف�إن جميع الر�ساالت إ‬ ‫املحمدية ما هي �إال رحمة للعاملني‪ ،‬وما من ر�سول؛ �إال وكانت‬ ‫ر�سالته من أ�جل الرحمة وبهدف ن�شر احلق والعدل بني‬ ‫و�سى ِ�إ َما ًما‬ ‫العباد‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪َ « :‬و ِم ْن َق ْب ِل ِه ِك َت ُ‬ ‫اب ُم َ‬ ‫َو َر ْح َمة ً» (االحقاق‪.)15()12:‬‬ ‫وهذا أ�دل دليل على أ�ن �شريعة مو�سى عليه ال�سالم قد راعت‬ ‫م�صالح اخللق‪ ،‬وعليها انبنت‪.‬‬ ‫ومنها قوله عز وجل‪َ « :‬ما َكانَ َع َلى ال َّن ِب ِّي ِم ْن َح َر ٍج ِفي َما‬ ‫َف َر َ‬ ‫�ض اللهَّ ُ َلهُ ۖ ُ�سن َ​َّة اللهَّ ِ فيِ ا َّل ِذينَ َخ َل ْوا ِم ْن َق ْب ُل َو َكانَ َأ� ْم ُر‬ ‫اللهَّ ِ َقدَ ًرا َمقْدُ و ًرا » أ‬ ‫(الحزاب‪.)16( )38:‬‬ ‫فبني اهلل تعاىل بهذه آ‬ ‫الية؛ أ�ن احلرج مرفوع يف ال�شرائع‬ ‫ال�سابقة مثلما هو مرفوع يف �شريعتنا‪ ،‬ورفع احلرج فيما‬ ‫فر�ضه اهلل �سبحانه على عباده هو عني الرحمة والعطف‬ ‫وامل�صلحة‪ ،‬فظهر بهذا أ�ن ال�شرائع قد راعت م�صالح العباد‪،‬‬ ‫و أ�نها �سنة اهلل يف أ‬ ‫المم اخلالية‪ ،‬ولن جتد ل�سنة اهلل تبديال‬ ‫وال حتويال‪.‬‬ ‫ات َو َأ�ن َْز ْل َنا‬ ‫ومنها قوله تعاىل‪َ « :‬ل َق ْد َأ� ْر َ�س ْل َنا ُر ُ�س َل َنا ِبا ْل َب ِّي َن ِ‬ ‫اب َوالمْ َ‬ ‫َّا�س ِبا ْل ِق ْ�س ِط ۖ َو َأ�ن َْز ْل َنا الحْ َ ِديدَ‬ ‫َم َع ُه ُم ا ْل ِك َت َ‬ ‫ِيزانَ ِل َيقُو َم الن ُ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫َّا�س َو ِل َي ْع َل َم ا َم ْن َين ُْ�ص ُر ُه َو ُر ُ�س َلهُ‬ ‫ِف ِ‬ ‫يه َب أ� ٌْ�س َ�ش ِديدٌ َو َم َنا ِف ُع ِللن ِ‬

‫ِبا ْل َغ ْي ِب �إِنَّ اللهَّ َ َق ِو ٌّي َع ِز ٌ‬ ‫يم‬ ‫وحا َو ِ�إ ْب َر ِ‬ ‫اه َ‬ ‫يز * َو َل َق ْد َأ� ْر َ�س ْل َنا ُن ً‬ ‫ري ِم ْن ُه ْم‬ ‫َو َج َع ْل َنا فيِ ُذ ِّر َّي ِت ِه َما ال ُّن ُب َّو َة َوا ْل ِك َت َ‬ ‫اب ۖ َف ِم ْن ُه ْم ُم ْه َت ٍد ۖ َو َك ِث ٌ‬ ‫ي�سى ا ْب ِن‬ ‫َف ِ‬ ‫ا�س ُقونَ * ُث َّم َق َّف ْي َنا َع َلى آ� َثا ِر ِه ْم ِب ُر ُ�س ِل َنا َو َق َّف ْي َنا ِب ِع َ‬ ‫النجْ ِ َ‬ ‫وب ا َّل ِذينَ ا َّت َب ُعو ُه َر ْأ� َف ًة‬ ‫يل َو َج َع ْل َنا فيِ ُق ُل ِ‬ ‫َم ْريمَ َ َو آ� َت ْي َنا ُه ْ ِ إ‬ ‫َو َر ْح َم ًة » (احلديد‪.)17()26-25-24:‬‬ ‫وهذا أ�ي�ضا دليل جلي‪ ،‬لن يدع وليجة‪ ،‬وبرهان قوي‪ ،‬لن‬ ‫يرتك خليجة؛ يف كون احلق �سبحانه قد راعى م�صالح عباده‬ ‫يف جميع ال�شرائع‪ ،‬و أ�نزل لهم ما فيه منفعتهم وخريهم‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل‪« :‬وجعلنا يف قلوب الذين اتبعوه ر أ�فة ورحمة»‬ ‫يف � أش�ن عي�سى عليه ال�سالم‪ ،‬على غرار قوله عز وجل‪ ،‬يف حق‬ ‫اء ُك ْم َر ُ�س ٌ‬ ‫ول ِم ْن‬ ‫نبينا امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم‪َ « :‬ل َق ْد َج َ‬ ‫ني َر ُء ٌ‬ ‫ْفُ�س ُك ْم َع ِز ٌ‬ ‫ي�ص َع َل ْي ُك ْم ِبالمْ ُ ْ ؤ� ِم ِن َ‬ ‫وف‬ ‫َأ�ن ِ‬ ‫يز َع َل ْي ِه َما َع ِنت ُّْم َح ِر ٌ‬ ‫يم » (التوبة‪.)18 ()128:‬‬ ‫َر ِح ٌ‬ ‫ويف آ‬ ‫الية أ‬ ‫الوىل ت�صريح‪ ،‬ويف الثانية تلويح؛ �إىل أ�ن الر أ�فة‬ ‫والرحمة �إمنا حت�صالن للم ؤ�منني التابعني أ‬ ‫للنبياء عليهم‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫ال�شارة بقول الغزايل‪ ،‬مبنا�سبة آ‬ ‫الية‬ ‫و�إىل هذا املعنى إ‬ ‫الكرمية‪َ ( :‬و َما َأ� ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك ِ�إ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِنيَ)‬ ‫(�سورة االنبياء‪)107:‬‬ ‫ما ن�صه‪« :‬فمن قبل �شرعه واتبع دينه و أ�طاع أ�مره‪ ،‬فهو‬ ‫الخرة م�سعود مكرم أ�بد آ‬ ‫يف الدنيا مرحـوم‪ ،‬ويف آ‬ ‫البدين‬ ‫برحمة رب العاملني » ( ‪.)19‬‬ ‫ال�شكال من جهة القر آ�ن‪،‬‬ ‫ف�إذا ات�ضح احلق وح�صح�ص‪ ،‬وزال إ‬ ‫فلننظر آ‬ ‫الن؛ يف أ�قوال أ�هل العلم‪ ،‬الذين أ�جمعوا على أ�ن‬ ‫مراعاة م�صالح اخللق أ�مر واقع يف ال�شرائع ال�سابقة قطعا‪،‬‬ ‫وحا�صل يقينا‪.‬‬ ‫ال�صفهاين يف «�شرح املح�صول»‪« :‬ندعي �شرعية أ‬ ‫قال أ‬ ‫الحكام‬ ‫مل�صالح العباد ‪...‬وندعي �إجماع أ‬ ‫المة‪ ،‬ولو ادعى مدع �إجماع‬ ‫النبياء على ذلك‪ ،‬مبعنى أ�نا نعلم قطعا أ�ن أ‬ ‫أ‬ ‫النبياء �صلوات‬ ‫اهلل عليهم بلغوا أ‬ ‫الحكام على وجه يظهر بها غاية الظهور‬ ‫مطابقتها مل�صالح العباد يف املعا�ش واملعاد‪.) 20( »...‬‬ ‫وهكذا ذكر الهروي أ�ن رعاية امل�صالح مل تخ�ص �شريعتنا‪ ،‬بل‬ ‫كان معهودا يف ال�شرائع املتقدمة وعليها انبنت(‪.)21‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪23‬‬


‫اللهية وقواعدها الكلية‬ ‫وجريا على ما علم من ال�شرائع إ‬ ‫الرا�سخة أ�نها و�ضعت مل�صالح العباد؛ قرر الغزايل يف «�إحياء‬ ‫والجنيل والزبور والفرقان‬ ‫علوم الدين» أ�ن «التوراة إ‬ ‫و�صحف مو�سى و�إبراهيم وكل كتاب منزل‪ ،‬ما أ�نزل �إال‬ ‫لدعوة اخللق �إىل امللك الدائم املخلد‪ ،‬واملراد منهم أ�ن يكونوا‬ ‫ملوكا يف الدنيا ملوكا يف آ‬ ‫الخرة‪ ،‬أ�ما ملك الدنيا فالزهد فيها‬ ‫والقناعة بالي�سري منها‪ .‬و أ�ما ملك آ‬ ‫الخرة فبالقرب من اهلل‬ ‫تعاىل يدرك بقاء ال فناء فيه‪ ،‬وعزا ال ذل فيه‪ ،‬وقرة عني‬ ‫أ�خفيت يف هذا العامل ال تعلمها نف�س من النفو�س»( ‪.)22‬‬ ‫المام فخر الدين الرازي‬ ‫وهذا هو الذي ا�ستقر عليه ر أ�ي إ‬ ‫«الجماع منعقد على أ�ن ال�شرائع‬ ‫يف»املح�صـول»‪ ،‬وعبارته‪ :‬إ‬ ‫م�صالح ‪) 23( »...‬‬ ‫المام ال�شاطبي يف «املوافقات» يقت�ضيه‪ ،‬ومن عباراته‪:‬‬ ‫وكالم إ‬ ‫آ‬ ‫« أ�ن و�ضع ال�شرائع �إمنا هو مل�صالح العباد يف العاجل والجل‬ ‫معا»(‪.) 24‬‬ ‫القوال؛ ف�إن كتب أ‬ ‫و أ�كتفي بهذه الطائفة من أ‬ ‫الئمة الثقات‪،‬‬ ‫و أ�هل أ‬ ‫الثبات حم�شوة من هذا‪.‬‬ ‫وهكذا؛ وكما يظهر من أ‬ ‫للثبات‪،‬‬ ‫الدلة القر آ�نية امل�سوقة إ‬ ‫ومن مقاالت العلماء الثقات‪ ،‬أ�ن رعاية م�صالح العباد لي�س‬ ‫من اخت�صا�ص �شريعتنا‪ ،‬و�إمنا هي م�س أ�لة �شائعة يف ال�شرائع‬ ‫كلها‪.‬‬ ‫و�إذا كان املراد للعباد هو م�صلحتهم يف الدنيا و�سوقهم �إىل‬ ‫ال�سعادة أ‬ ‫البدية يف العقبى؛ ف�إن هذا ي�ستدعي من ال�شارع‬ ‫–بال بد– �سد أ�بواب الف�ساد املف�ضية �إىل تفويت دينهم‬ ‫ونف�سهم وعقلهم ون�سلهم ومالهم التي بها قوامهم ومعا�شهم‬ ‫وبها يتو�صلون �إىل النعيم املقيم‪.‬‬ ‫المام الغزايل هذا أ‬ ‫المر تبيينا بليغا ال مزيد على‬ ‫وقد بني إ‬ ‫أ‬ ‫ح�سنه‪ ،‬وهو‪« :‬فال يجوز �ن اهلل تعاىل يبعث نبيا يريد ببعثه‬ ‫�إ�صالح اخللق يف دينهم ودنياهم‪ ،‬ثم ي أ�مرهم مبا مينعهم عن‬ ‫معرفته ومعرفة ر�سله‪ ،‬أ�و ي أ�مرهم ب�إهالك النفو�س و�إهالك‬ ‫أ‬ ‫الموال»(‪.)25‬‬ ‫ومن هذا املنطلق؛ ف�إن الذين ينكرون �إطباق ال�شرائع على‬ ‫هذا أ‬ ‫ال�صل‪� ،‬إمنا ينكرون ما هو �ضروري وحق‪ ،‬و�إن الذين‬ ‫يتوقفون يف احلكم فيه‪� ،‬إمنا يتوقفون يف أ�مر ظاهر ال مرية‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫و�إذا تقرر هذا أ‬ ‫ال�شكال باق من جهة ما ذكروه‬ ‫ال�صل؛ ف�إن إ‬ ‫يف الق�صا�ص واخلمر‪.‬‬ ‫أ� – الق�صا�ص‪:‬‬ ‫ف أ�ما ما ذكروه من الق�صا�ص من أ�نه �إمنا علم وجوبه يف‬ ‫�شريعة مو�سى عليه ال�سالم؛ بدليل قوله تعاىل‪َ « :‬و َك َت ْب َنا‬ ‫ْ�س » (املائدة‪ ،)26 ()45:‬وذلك‬ ‫ْ�س ِبال َّنف ِ‬ ‫َع َل ْيه ِْم ِفي َها َأ�نَّ ال َّنف َ‬ ‫ال يوافق قول أ‬ ‫ال�صوليني‪ :‬يلزم من عدم م�شروعية الق�صا�ص‬ ‫بطالن العامل‪ ،‬فاجلواب عنه من جهات‪:‬‬ ‫النبياء يف أ‬ ‫�إحداها‪ :‬أ�ن قوانني أ‬ ‫بال�ضافة‬ ‫الع�صار اختلفت إ‬ ‫�إىل التف�صيل‪ ،‬ومل تختلف يف أ‬ ‫ال�صول والقواعد والكليات‪.‬‬ ‫وحفظ النفو�س ب�شرعية الق�صا�ص أ��صل كلي‪ ،‬فال يت�صور‬ ‫اختالف �شرائع أ‬ ‫النبياء فيه‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أ�ن قوام ال�شرائع بالعدل‪ ،‬وخلو بع�ض ال�شرائع عن‬ ‫ت�شريع الق�صا�ص يعني أ�نها مل تراع يف ت�شريعاتها هذا املبد أ�‬ ‫العظيم‪ ،‬وحا�شا �شرائع أ‬ ‫النبياء من ذلك‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬أ�ن ما ذهب �إليه أ‬ ‫ال�صوليون من أ�نه يلزم من عدم‬ ‫م�شروعية الق�صا�ص بطالن العامل‪ ،‬مذهب �صحيح ي�شهد‬ ‫له قول الكتاب العزيز‪َ « :‬و َل ُك ْم فيِ ا ْل ِق َ�ص ِ‬ ‫ا�ص َح َي ٌاة َيا ُأ�وليِ‬ ‫ْ َأ‬ ‫اب َل َعلَّ ُك ْم َت َّت ُقونَ » (البقرة‪ ،)27()179:‬فالعدوان على‬ ‫ال ْل َب ِ‬ ‫النا�س يف دمائهم يف�ضي �إىل اخللل والف�ساد‪ ،‬وينتق�ض العامل‪،‬‬ ‫مبا ين� أش� عنه من الهرج املف�ضي �إىل االنتقا�ض‪ ،‬ومن أ�جل هذه‬ ‫املفا�سد كان يف الق�صا�ص حياة للنا�س‪.‬‬ ‫الرابعة‪ :‬أ�نه تعاىل علل م�شروعية الق�صا�ص ب أ�ن فيه حياة‬ ‫للنا�س‪ ،‬وهذه العلة حا�صلة يف أ‬ ‫المم ال�سابقة‪.‬‬ ‫اخلام�سة‪ :‬على الرغم من أ�ن الق�صا�ص مل يعلم وجوبه �إال‬ ‫يف �شريعة مو�سى عليه ال�سالم؛ ف�إن هذا ال ينته�ض دليال‬ ‫للقول بخلو ال�شرائع ال�سابقة من الق�صا�ص؛ ألن اهلل تعاىل‬ ‫مل يق�ص�ص علينا أ�خبار جميع الر�سل‪ ،‬بدليل قوله تعاىل‪:‬‬ ‫« َو ُر ُ�سلاً َق ْد َق َ�ص ْ�ص َناهُ ْم َع َل ْي َك ِم ْن َق ْب ُل َو ُر ُ�سلاً لمَ ْ َنق ُْ�ص ْ�ص ُه ْم‬ ‫َع َل ْي َك» (الن�ساء‪.)28()164:‬‬ ‫و�إذن؛ ف�إنه مل يطلعنا على جميع أ�حكام ال�شرائع املنقر�ضة‪،‬‬ ‫فال يبعد أ�ن يكون الق�صا�ص م�شروعا فيها‪.‬‬ ‫اجلهة ال�ساد�سة‪ :‬ما �صرح به املحققون من هذه أ‬ ‫المة؛ من أ�ن‬


‫الق�صا�ص مل يزل م�شروعا يف أ‬ ‫المم ال�سابقة‪ ،‬وح�سبك منهم‬ ‫القا�ضي ابن العربي؛ ف�إنه قال يف «تف�سريه»‪« :‬ومل يخل زمان‬ ‫آ�دم وال زمن بعده من �شرع‪ ،‬و أ�هم قواعد ال�شرائع حماية‬ ‫الدماء من االعتداء‪ ،‬وحياطته بالق�صا�ص كفا وردعا‬ ‫للظاملني واجلائرين‪ ،‬وهذا من القواعد التي ال تخلو عنها‬ ‫ال�شرائع‪ ،‬أ‬ ‫وال�صول التي ال تختلف فيها امللل»(‪.)29‬‬ ‫ب – اخلمر‪:‬‬ ‫و أ�ما ما ذكروه يف اخلمر من أ�نه كان مباحا يف أ‬ ‫المم ال�سابقة‬ ‫بل يف ابتداء �شريعتنا‪ ،‬و أ�ن التحرمي مل يقع �إال يف ال�سنة‬ ‫الثالثة بعد غزوة أ�حد؛ فاجلواب عنه ب أ�مور‪:‬‬ ‫أ�حدها‪ :‬أ�ن �إباحة اخلمر مع العلم مبا ينطوي عليه من املفا�سد‪،‬‬ ‫يناق�ض القاعدة ال�شرعية التي انبنت عليها ال�شرائع كافة‬ ‫وهي جلبها للم�صالح ودر ؤ�ها للمفا�سد‪ ،‬ولذا فالواجب يحتم‬ ‫حترمي اخلمر يف كل �شريعة‪ ،‬ملا فيه من عظيم املف�سدة‪ .‬وقد‬ ‫نبه عليه تعاىل بقوله‪�ِ « :‬إنمَّ َ ا ُي ِريدُ َّ‬ ‫وق َع َب ْي َن ُك ُم‬ ‫ال�ش ْي َطانُ أ� َْن ُي ِ‬ ‫للهَّ‬ ‫اء فيِ الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي ِ�س ِر َو َي ُ�صدَّ ُك ْم َع ْن ِذ ْك ِر ا ِ‬ ‫ا ْل َعدَ ا َو َة َوا ْل َبغ َْ�ض َ‬ ‫أ‬ ‫ال�صلاَ ِة ۖ َف َهلْ َ� ْن ُت ْم ُم ْن َت ُهونَ » (املائدة‪.)30()91:‬‬ ‫َو َع ِن َّ‬ ‫وقال الغزايل يبني علة حترمي اخلمر‪( :‬حرم �شرب اخلمر‬ ‫ألنه يزيل العقل‪ ،‬وبقاء العقل مق�صود لل�شرع؛ ألنه آ�لة الفهم‪،‬‬ ‫وحامل أ‬ ‫المانة‪ ،‬وحمل اخلطاب والتكليف‪ ،‬فالعقل مالك‬ ‫أ�مور الدنيا والدين‪ ،‬فبقا ؤ�ه مق�صود وتفويته مف�سدة)(‪.)31‬‬ ‫وي�شاكل هذا املعنى ما ذكره أ‬ ‫اللو�سي‪« :‬لو مل يكن فيها �سوى‬ ‫�إزالة العقل واخلروج عن حد اال�ستقامة لكفى؛ ف�إنه �إذا‬ ‫اختل العقل ح�صلت اخلبائث ب أ��سرها»(‪.)32‬‬ ‫ونظرا لهذه املفا�سد التي قد ال تقت�صر على �ضرورة العقل‪،‬‬ ‫بل تتعداها لت�شمل �ضرورات الدين والنف�س واملال والن�سل‪،‬‬ ‫فقد ر أ�ى غري واحد من أ‬ ‫الئمة وجوب حترمي اخلمر يف جميع‬ ‫والمام‬ ‫كالمام الغزايل يف كتابه «امل�ست�صفى»( ‪ .)33‬إ‬ ‫امللل‪ ،‬إ‬ ‫أ‬ ‫ابن عبد ال�سالم الذي �صرح ب�ن املف�سدة �إذا عظمت وجب‬ ‫در ؤ�ها يف كل �شريعة‪ ،‬وذكر من �ضمنها �إف�ساد العقول( ‪.)34‬‬ ‫وبه جزم القرطبي يف «تف�سريه» فقال‪�« :‬إن ال�سكر حرام يف‬ ‫كل �شريعة؛ ألن ال�شرائع م�صالح العباد ال مفا�سدهم‪ .‬و أ��صل‬ ‫امل�صالح العقل‪ ،‬كما أ�ن أ��صل املفا�سد ذهابه‪ ،‬فيجب املنع من‬ ‫كل ما يذهبه أ�و ي�شو�شه»(‪.) 35‬‬

‫وبه قطع العالمة ويل اهلل الدهلوي‪ ،‬وقال بعد كالم بني‬ ‫فيه مفا�سد اخلمر‪« :‬ولذلك اتفقت جميع امللل والنحل على‬ ‫قبحه»(‪.)36‬‬ ‫أ‬ ‫المر الثاين‪ :‬أ�ن ما ذكروه من أ�ن اخلمر كانت مباحة يف‬ ‫ابتداء �شريعتنا ف�صحيح‪ ،‬لكن هذا ال يعني أ�نها يف نف�سها‬ ‫كانت مباحة‪ ،‬أ‬ ‫فال�صل فيها هو التحرمي‪ ،‬و�إمنا أ�بيحت‬ ‫ومل حترم يف بادئ أ‬ ‫المر ل�سر وحكمة يعرفها ذوو الك�شف‬ ‫والب�صائر‪ ،‬وهو أ�نه �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم كان من�صرفا‬ ‫�إىل الدعوة �إىل عبادة اهلل تعاىل‪ ،‬وهي أ�هم و أ�وىل من حفظ‬ ‫العقل بتحرمي امل�سكر‪ .‬وذلك ان�سجاما أ�ي�ضا مع مبد�إ التدرج‬ ‫يف ت�شريع أ‬ ‫الحكام‪.‬‬ ‫وثم دليل آ�خر على أ�ن اخلمر يف أ��صلها مل تكن مباحة؛ وهو‬ ‫المام ال�شاطبي يف «املوافقات» من أ�ن مقا�صد‬ ‫ما نبه عليه إ‬ ‫ال�شريعة العامة و أ��صولها الكلية اخلم�سة‪ ،‬قد ت أ��صلت يف‬ ‫القر آ�ن املكي‪ ،‬وو�ضع لها من الت�شريعات ما يكفل لها احلفظ‪.‬‬ ‫وبهذا النظر فالعقل باعتباره أ��صال كليا‪ ،‬قد مت حفظه‬ ‫مبكة بالنهي عما يف�سده‪� ،‬إن مل يكن ذلك ت�صريحا ف�إ�شارة‬ ‫المام ال�شاطبي يف تقرير ذلك‪« :‬و أ�ما العقل‬ ‫وتلميحا‪ .‬قال إ‬ ‫فهـو و�إن مل يـرد حترمي ما يف�سده وهو اخلمر �إال باملدينة‪،‬‬ ‫فقد ورد يف املكيات جممال‪� ،‬إذ هو داخل يف حرمة حفظ النف�س‬ ‫ك�سائر أ‬ ‫الع�ضاء ومنافعها من ال�سمع والب�صر وغريهما‪،‬‬ ‫وكذلك منافعها‪ .‬فالعقل حمفوظ �شرعا يف أ‬ ‫ال�صول املكية‬ ‫عما يزيله ر أ��سا ك�سائر أ‬ ‫الع�ضاء �ساعة أ�و حلظة‪ ،‬ثم يعود‬ ‫ك أ�نه غطي ثم ك�شف عنه‪ ،‬و أ�ي�ضا ف�إن حفظه على هذا الوجه‬ ‫من املكمالت‪)37(»...‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المام ال�شوكاين من �نه قد‬ ‫المر الثالث‪ :‬يبقى مما ذكره إ‬ ‫والجنيل؛ فلم يجد �إال �إباحة اخلمر مطلقا‬ ‫ت أ�مل التوراة إ‬ ‫من غري تقييد بعدم ال�سكر(‪) 38‬؛ فكالمه هذا غري م�سلـم من‬ ‫وجهني‪:‬‬ ‫أ�حدهما‪ :‬فقدان الثقة بهذه الكتب‪ ،‬لتعر�ضها للتحريف‪،‬‬ ‫وتغيري الكلم عن موا�ضعه كما نبه عليه الكتاب العزيز‬ ‫اب ِل َت ْح َ�س ُبو ُه‬ ‫بقوله‪َ « :‬و�إِنَّ ِم ْن ُه ْم َل َف ِري ًقا َي ْل ُوونَ َأ�ل ِْ�س َن َت ُه ْم ِبا ْل ِك َت ِ‬ ‫للهَّ‬ ‫اب َو َيقُو ُلونَ هُ َو ِم ْن ِعن ِْد ا ِ َو َما‬ ‫اب َو َما هُ َو مِنَ ا ْل ِك َت ِ‬ ‫مِنَ ا ْل ِك َت ِ‬ ‫للهَّ‬ ‫للهَّ‬ ‫هُ َو ِم ْن ِعن ِْد ا ِ َو َيقُو ُلونَ َع َلى ا ِ ا ْل َك ِذ َب َوهُ ْم َي ْع َل ُمونَ »‬ ‫اعونَ‬ ‫( آ�ل عمران‪ ،)39()78:‬وقوله‪َ « :‬ومِنَ ا َّل ِذينَ هَ ا ُدوا َ�س َّم ُ‬ ‫اعونَ ِل َق ْو ٍم آ� َخ ِرينَ لمَ ْ َي ْأ� ُت َ‬ ‫وك ۖ ُي َح ِّر ُفونَ ا ْل َك ِل َم ِم ْن‬ ‫ِل ْل َك ِذ ِب َ�س َّم ُ‬ ‫ا�ض ِع ِه » (املائدة‪.) 40()41:‬‬ ‫َب ْع ِد َم َو ِ‬ ‫ونظائر هذا يف القر آ�ن كثرية‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪25‬‬


‫وه ؤ�الء قد �ضيعوا عقيدة التوحيد‪ ،‬فهم ملا �سواها أ��ضيع‪،‬‬ ‫المام ال�شوكاين‪ ،‬مع أ�نه‬ ‫ول�ست أ�دري كيف غاب هذا عن ذهن إ‬ ‫فطن ملثل هذه أ‬ ‫المور‪.‬‬ ‫المام ال�شوكاين ومل‬ ‫وثانيهما‪ :‬أ�ن هذا الذي حترى عنه إ‬ ‫الجنيل‬ ‫يظفر فيه بنقل‪ ،‬قد وجدت النقل فيه‪ ،‬فقد ورد يف إ‬ ‫العبارة التالية‪« :‬فقد كتبت �إليكم ب أ�ن ال تعا�شروا من ي�سمى‬ ‫أ�خا �إن كان زانيا أ�و طماعا أ�و عابد أ��صنام أ�و �شتاما أ�و �سكريا‬ ‫أ�و �سراقا»(‪.)41‬‬ ‫الجنيل‪ ،‬وهو ي�شتمل �إىل‬ ‫وهذا من بع�ض احلق املوجود يف إ‬ ‫جانب النهي عن ال�سكر‪ ،‬النهي عما يف�سد باقي ال�ضروريات‬ ‫أ�ي�ضا‪ ،‬مما ي ؤ�يد ما ذكرت من �إطباق ال�شرائع على حفظ‬ ‫أ‬ ‫ال�صول اخلم�سة‪.‬‬ ‫وجملة أ‬ ‫المر؛ أ�ن جميع الدالئل ت�شري �إىل أ�نه ما خال �شرع‬ ‫عن ا�ست�صالح‪ ،‬و أ�ن كل �شريعة قد حفظت أ‬ ‫ال�صول اخلم�سة‪،‬‬ ‫فمن زعم أ�ن ال�شرائع مل تراع م�صالح العباد‪ ،‬و أ�نها غري‬ ‫مطبقة على حفظ ال�ضروريات اخلم�س فقد أ�كرب القول‪.‬‬ ‫خيال وتنبيه‪:‬‬ ‫قال بع�ض اجلدليني‪�« :‬إن جميع الديانات حتى الالئكية‬ ‫وال�شيوعية واال�شرتاكية والكافرة امللحدة واملتزندقة‬ ‫والفا�سقة‪ ،‬كل هذه الديانات حترتم ال�ضروريات وت�صونها‬ ‫وتعمل للمحافظة عليها‪ ،‬وت�شرع لها ت�شريعات وقوانني‬ ‫إلر�سائها يف خمتلف املجتمعات املعتنقة لها ثم ل�صيانتها»‬ ‫انتهى ( ‪.)42‬‬

‫وهذا حتكم من قائله؛ واعتقاد فا�سد ال بد من الت�صدي‬ ‫إلبطاله‪ ،‬ف أ�قول وباهلل أ�هتدي‪� :‬إن ال�شرائع وامللل التي‬ ‫عملت على �صيانة ال�ضروريات اخلم�س‪ ،‬وحر�صت على حفظ‬ ‫مقا�صد ال�شارع يف اخللق‪ ،‬هي �شرائع أ‬ ‫النبياء عليهم ال�سالم‪.‬‬ ‫وعلماء أ‬ ‫المة حينما ن�صوا على أ�ن حفظ ال�ضروريات اخلم�س‬ ‫مل تخل منه �شريعة وال ملة؛ ف�إنهم كانوا يق�صدون بذلك‬ ‫اللهية وامللل الربانية‪.‬‬ ‫ال�شرائع إ‬ ‫ال�سالم الذي ن�ص‬ ‫وهنا أ�نوه مرة أ�خرى بفكر حجة إ‬ ‫يف»امل�ست�صفى» على أ�ن حترمي تفويت ال�ضروريات اخلم�س‬ ‫«ي�ستحيل أ� ّال ت�شتمل عليه ملة من امللل‪ ،‬و�شريعة من ال�شرائع‬ ‫التي أ�ريد بها �إ�صالح اخللق»(‪.)43‬‬ ‫‪26‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫المام الغزايل قد‬ ‫وكما يالحظ من خالل هذا الن�ص؛ ف�إن إ‬ ‫ا�ستعمل عبارة يف غاية الدقة‪ ،‬وهي قوله‪« :‬ال�شرائع التي‬ ‫اللهية هي‬ ‫أ�ريد بها �إ�صالح اخللق»‪� ،‬إ�شارة �إىل أ�ن ال�شرائع إ‬ ‫التي أ�رادت �إ�صالح اخللق‪ .‬وقد ت أ�ملت عبارات أ‬ ‫ال�صوليني‪،‬‬ ‫فلم أ�جد منهم من يقيد أ��صال‪� ،‬إال أ�نهم رحمهم اهلل مل يريدوا‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫�إال ما أ�راده حجة إ‬ ‫اللهية هي ال�شرائع الكاملة‪ ،‬التي ال يلحقها‬ ‫فال�شرائع إ‬ ‫نق�ص وال ي�شوبها ق�صور‪ ،‬والوافية مب�صالح اخللق كلها دينية‬ ‫ودنيوية‪� ،‬ضرورية وحاجية وحت�سينية‪ ،‬وغريها من ال�شرائع‬ ‫الب�شرية ال تفي �إال ببع�ض امل�صالح‪ ،‬و�إذا أ�حاطت بجهة‬ ‫واحدة ق�صرت يف اجلهة أ‬ ‫الخرى‪ ،‬عالوة على ما تقوم عليه‬ ‫من قوانني جائرة‪ ،‬فالنق�صان والق�صور �شامل جلميعها‪.‬‬ ‫«الحياء»‪« :‬فاجلمع‬ ‫ال�سالم وقال يف إ‬ ‫ومن هاهنا نظر حجة إ‬ ‫بني كمال اال�ستب�صار يف م�صالح الدنيا والدين‪ ،‬ال يكاد يتي�سر‬ ‫�إال ملن ر�سخه اهلل لتدبري عباده يف معا�شهم ومعادهم وهم‬ ‫أ‬ ‫اللهية‬ ‫النبياء امل ؤ�يدون بروح القد�س‪ ،‬امل�ستمدون من القوة إ‬ ‫التي تت�سع جلميع أ‬ ‫المور وال ت�ضيق عنها»(‪.)44‬‬ ‫فت أ�مل هذا ما أ�ح�سنه !‬ ‫أ‬ ‫اللهية هي التي راعت م�صالح اخللق‪ ،‬جاء‬ ‫ولن ال�شرائع إ‬ ‫العالمة ابن خلدون وقال‪« :‬و أ�حكام اهلل يف خلقه وعباده‬ ‫�إمنا هي باخلري ومراعاة امل�صالح‪ ،‬كما ت�شهد به ال�شرائع ‪،‬‬ ‫و أ�حكام الب�شر �إمنا هي من اجلهل وال�شيطان‪.)45(»...‬‬ ‫و أ�زيد على هذا ف أ�قول‪� :‬إن القول ب أ�ن ال�شرائع الو�ضعية قد‬ ‫حفظت ال�ضروريات اخلم�س مثلما حفظتها �شرائع أ‬ ‫النبياء‪،‬‬ ‫قدح يف هذه أ‬ ‫الخرية‪ ،‬وهبوط بها �إىل أ��سفل �سافلني‪ .‬وقد‬ ‫نطق الكتاب العزيز يف موا�ضع ال حت�صى كرثة ب أ�ف�ضلية‬ ‫ال�سالم و أ�نه احلق‪ ،‬و أ�ن غريه الباطل‪ ،‬وقوله تعاىل‪َ « :‬ل ْي َ�س‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َك ِم ْث ِل ِه �ش ْي ٌء»(ال�شورى‪� ،)46()11:‬صريح يف منع املماثلة‪،‬‬ ‫�سواء يف ذاته �سبحانه‪ ،‬أ�و يف ت�شريعه‪ .‬و أ�ي�ضا قوله عز وجل‪:‬‬ ‫«فَلاَ تجَ ْ َع ُلوا للِهَّ ِ َأ�نْدَ ا ًدا َو َأ� ْن ُت ْم َت ْع َل ُمونَ » (البقرة‪،)47()22:‬‬ ‫مينع من ذلك‪.‬‬ ‫فليت أ�مل هذا القائـل كتـاب اهلل قبـل �إ�صدار أ‬ ‫الحكام‪َ « ،‬أ�فَلاَ‬ ‫وب أ� َْق َفا ُل َها » (حممد‪.)48()24:‬‬ ‫َي َتدَ َّب ُرونَ ا ْلق ُْر آ�نَ َأ� ْم َع َلى ُق ُل ٍ‬ ‫ثم أ�قول أ�ي�ضا؛ من ذا الذي ينكر أ�ن ال�شرائع الب�شرية‬ ‫والقوانني الو�ضعية قد تعاملت بالربا و أ�قرته يف معامالتها‪،‬‬


‫وكفى بهذا �إف�سادا أ‬ ‫للموال‪ ،‬و أ�باحت اخلمر يف جمتمعاتها‬ ‫ويف ذلك جناية على العقول‪ ،‬و�شجعت على الزنا وفيه من‬ ‫الف�ساد ما قد عرفت‪ ،‬وكفرت ب أ�نعم اهلل و أ��شركت به و أ�هدرت‬ ‫حفظ الدين‪.‬‬

‫ ‬

‫ف أ�يـن هذا من احلفـظ؟ وعن أ�ي حفـظ يتحدثـون؟ « َو ِ�إ َّن ُه ْم‬ ‫َل َيقُو ُلونَ ُم ْن َك ًرا مِنَ ا ْل َق ْو ِل َو ُزو ًرا » (املجادلة‪.)49()2:‬‬

‫و�إذن؛ فقد ثبت وحتقق بالرباهني ال�سواطع‪ ،‬واحلجج‬ ‫اللهية هي الوافية مب�صالح اخللق‪،‬‬ ‫القواطع‪ ،‬أ�ن ال�شرائع إ‬ ‫ويف مقدمة هذه امل�صالح ‪ :‬املقا�صد اخلم�سة‪ ،‬و أ�ن الق�صور‬ ‫�شامل لغريها من أ�حكام الب�شر‪ .‬فال يو�ضعان يف ميزان واحد‪،‬‬ ‫وال يقرن بينهما يف كفة واحدة‪.‬‬ ‫و�إذا كان كذلك؛ فال جرم أ�ن ما يدعيه ذلك القائل ويدعو‬ ‫�إليه‪ ،‬لي�س له ن�صيب من احلق؛ « َو َما َل ُه ْم ِب ِه ِم ْن ِعل ٍْم ۖ‬ ‫الظ َّن ۖ َو�إِنَّ َّ‬ ‫ِ�إ ْن َي َّت ِب ُعونَ ِ�إ اَّل َّ‬ ‫الظ َّن اَل ُي ْغ ِني مِنَ الحْ َ قِّ َ�ش ْي ًئا »‬ ‫(النجم‪.)50()28:‬‬ ‫املقام الثاين‪ :‬يف أ�ن ال�شرائع �إذا كانت كلها انبنت على م�صالح‬ ‫اخللق �إذ ذاك‪ ،‬فبماذا اخت�صت �شريعتنا حتى �صارت أ�ف�ضل‬ ‫ال�شرائع و أ�متها؟‬ ‫المام بدر الدين يف «البحر املحيط» لهذه‬ ‫هكذا ترجم إ‬ ‫امل�س أ�لة‪.‬وقال يف اجلواب عنها‪« :‬قلت‪ :‬بخ�صائ�ص عديدة؛‬ ‫منها‪ :‬ن�سبتها �إىل ر�سولها وهو أ�ف�ضل الر�سل‪ ،‬ومنها‪ :‬ن�سبتها‬ ‫�إىل كتابها وهو أ�ف�ضل الكتب‪ ،‬ومنها‪ :‬ا�ستجماعها ملهمات‬ ‫امل�صالح وتتماتها‪ ،‬ولعل ال�شرائع قبلها �إمنا انبنت على‬ ‫املهمات(‪ .) 51‬وهذه جمعت املهمات والتتمات‪ ،‬ولهذا قال‬ ‫الخالق) و(مثل أ‬ ‫عليه ال�سالم‪( :‬بعثت ألمتم مكارم أ‬ ‫النبياء‬ ‫كمثل رجل بنى دارا) �إىل قوله‪:‬‬ ‫أ‬ ‫( فكنت أ�نا تلك اللبنة)‪ ،‬يريد عليه ال�سالم‪� ،‬ن اهلل عز وجل‬ ‫أ�جرى على يده و�صف الكمال ونكتة التمام‪ ،‬ويلزم من ح�صول‬ ‫نكتة الكمال ح�صول ما قبلها من أ‬ ‫ال�صل دون العك�س»(‪.)52‬‬ ‫المام بدر الدين هنا؛ ت�صديق لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫وما ذكره إ‬ ‫اب‬ ‫« َو َأ�ن َْز ْل َنا ِ�إ َل ْي َك ا ْل ِك َت َ‬ ‫اب ِبالحْ َ قِّ ُم َ�صدِّ ًقا لمِ َا بَينْ َ َيدَ ْي ِه مِنَ ا ْل ِك َت ِ‬ ‫َو ُم َه ْي ِم ًنا َع َل ْي ِه » (املائدة‪.)53()48:‬‬ ‫الحاطة بكل �شيء وحت�صل له‬ ‫فلكي تتم للكتاب العزيز إ‬ ‫ال�شارة �إىل‬ ‫الهيمنة على الكتب ال�سابقة‪ ،‬ال بد أ�ن يقع فيه إ‬

‫أ��صول ال�شرائع املتقدمة‪ ،‬وتقريرها يف �شريعتنا‪ .‬عالوة على‬ ‫اخت�صا�صه بف�ضائل وم�صالح اكتمل بو�ساطتها البناء الذي‬ ‫تعترب النبوة اخلامتة متممة له‪.‬‬ ‫المام‬ ‫وهذا الذي قاله الزرك�شي رحمه اهلل يوافقه ما قاله إ‬ ‫الغزايل؛ ف�إنه قال‪« :‬اعلم أ�ن مق�صود فطرة آ‬ ‫الدميني �إدراكهم‬ ‫اللهية‪ ،‬ومل يكن ذلك �إال بتعريف‬ ‫�سعادة القرب من احل�ضرة إ‬ ‫أ‬ ‫باليجاد‪ ،‬واملق�صود كمالها‬ ‫النبياء‪ ،‬وكانت النبوة مق�صودة إ‬ ‫وغايتها ال أ�ولها‪ ،‬و�إمنا تكمل بح�سب �سنة اهلل بالتدريج‪ ،‬كما‬ ‫تكمل عمارة الدار بالتدريج‪ ،‬لتمهد أ��صل النبوة ب�آدم عليه‬ ‫ال�سالم‪ ،‬ومل يزل ينمو ويكمل حتى بلغ الكمال مبحمد عليه‬ ‫ال�سالم‪ .‬وكان املق�صود كمال النبوة وغايتها‪ ،‬ومتهيد أ�وائلها‬ ‫و�سيلة �إليها»(‪.)54‬‬ ‫هذا كالم الغزايل؛ و�إمنا قلت �إنه يوافق كالم الزرك�شي‪ ،‬ألن‬ ‫مراد أ�بي حامد مما قاله‪ ،‬أ�ن اهلل تعاىل ختم أ��صل النبوة‬ ‫بنبوته �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وكمله بها‪ ،‬وهذا يقت�ضي‬ ‫�إحاطة �شريعته �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم ب أ��صول النبوات‬ ‫ال�سابقة وم�صالح ال�شرائع املا�ضية‪ ،‬كما يقت�ضي اخت�صا�صها‬ ‫ب أ�حكام وم�صالح زائدة حتى يكتمل أ��صل النبوة‪ .‬وهذا املعنى‬ ‫حا�صل يف كالم الزرك�شي‪.‬‬ ‫ومن امل�سائل اجلوهرية التي ميكن ا�ستنباطها من خالل ن�ص‬ ‫أ�بي حامد‪ :‬أ�ن النبوة يف أ��صلها واحدة‪ ،‬و أ�نها خا�ضعة لقانون‬ ‫التدرج يف الت�شريع‪ ،‬ذلك أ�ن كل �شريعة تكمل ال�شريعة التي‬ ‫�سبقتها‪ ،‬وتع�ضدها‪ ،‬وت�شد أ�زرها‪ ،‬وجميع ال�شرائع ال�سابقة؛‬ ‫�إمنا هي مقدمات وممهدات لل�شريعة اخلامتة‪ ،‬حيث اكتمل‬ ‫ال�سالم وكلياته و أ��صوله‬ ‫أ��صل النبوة لتكتمل بكماله قواعد إ‬ ‫ومقا�صده‪.‬‬ ‫وهذا أ�ول ما يظهر من معاين قوله تعاىل‪ « :‬ا ْل َي ْو َم َأ� ْك َملْتُ‬ ‫ال ْ�سلاَ َم‬ ‫َل ُك ْم ِدي َن ُك ْم َو أ�َتمْ َ ْمتُ َع َل ْي ُك ْم ِن ْع َم ِتي َو َر ِ�ضيتُ َل ُك ُم ْ ِ إ‬ ‫ِدي ًنا»(املائدة‪.) 55()3:‬‬ ‫ال�شارة أ�ي�ضا بقوله �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم‪« :‬مثلي‬ ‫و�إليه إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا ف�ح�سنه‬ ‫و أ�جمله‪� ،‬إال مو�ضع لبنة من زاوية من زواياه‪ ،‬فجعل النا�س‬ ‫يطـوفون به‪ ،‬ويعجبـون به‪ ،‬ويقولـون هـال و�ضعت هذه‬ ‫اللبنة؟ ف أ�نا اللبنة و أ�نا خامت النبيني» (‪.)56‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪27‬‬


‫ويزيد هذه امل�س أ�لة و�ضوحا ويك�شف عنها غاية الك�شف؛ ما‬ ‫المام الغزايل يف كتابه «معارج القد�س»‪ ،‬حيث قال‬ ‫أ�ورده إ‬ ‫يف معر�ض �شرحه حلديث‪ « :‬أ�نا أ�ول أ‬ ‫النبياء خلقا و آ�خرهم‬ ‫بعثا» ما ن�صه‪« :‬كما ابتد أ� الدين وال�شريعة من آ�دم عليه‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وا�ستكمل نوع كمال بنوح عليه ال�سالم‪ ،‬ونوع كمال‬ ‫ب�إبراهيم عليه ال�سالم‪ ،‬ونوع كمال مبو�سى عليه ال�سالم‪،‬‬ ‫ونوع كمال بعي�سى عليه ال�سالم‪ ،‬ونوع كمال بامل�صطفى عليه‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وابتد أ� العود من امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم يف‬ ‫دار اجلزاء»( ‪.)57‬‬ ‫هذا ما قاله‪ ،‬وفيه دليل على أ�ن النبوة يف أ��صلها واحدة‪ ،‬و أ�ن‬ ‫كل نبي يكمل �شريعة النبي الذي قبله‪ .‬وفيه دليل أ�ي�ضا‪،‬‬ ‫على أ�نه �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم أ�ف�ضل أ‬ ‫النبياء الختتام‬ ‫أ��صل النبوة ببعثته‪ ،‬كما نبه عليه بقوله‪ « :‬أ�نا أ�ول أ‬ ‫النبياء‬ ‫خلقا و آ�خرهم بعثا»‪ .‬فتكون �شريعته �صلى اهلل عليه و آ�له‬ ‫و�سلم أ�ف�ضل ال�شرائع لن�سبتها �إليه‪.‬‬ ‫بيد أ�نه ال ينبغي أ�ن يتبادر �إىل أ‬ ‫الذهان‪ ،‬أ�ن ال�شرائع ال�سابقة‬ ‫كانت ناق�صة ‪-‬باملعنى القدحي للنق�ص– ألن ال�شارع احلكيم‬ ‫هو الذي �شرع تلك ال�شرائع‪ ،‬وهو أ�علم مب�صالح عباده‪ ،‬و أ�علم‬ ‫مبا ي�صلحهم وينفعهم‪ ،‬في�ضع لكل �شريعة م�صالح تالئمها‪،‬‬ ‫ولكل طائفة من أ‬ ‫المم املتعاقبة نوعا من املنافع ال يوافقها‬ ‫غريه‪.‬‬ ‫وهذا الكالم؛ وهو أ�نه تعاىل ي�ضع أ‬ ‫الحكام بح�سب كل �شريعة‪،‬‬ ‫ويخ�ص بع�ضها مب�صالح دون بع�ض –ي�ستثنى من هذا أ‬ ‫ال�صول‬ ‫والكليات فهي يف كل �شريعة كما تقدم– وال يعد ذلك نق�صا‬ ‫يف بع�ضها‪ ،‬قد وجدت له �سلفا‪ ،‬فقد ر أ�يت يف كتاب «الغنية‬ ‫يف أ‬ ‫المام أ�بي �صالح من�صور ال�سج�ستاين‬ ‫ال�صول» ت�صنيف إ‬ ‫املتوفى �سنة ‪ 290‬هـ ما ن�صه‪�« :‬إن اهلل تعاىل ملا خلق أ‬ ‫المم‬ ‫على �سري �شتى‪ ،‬يجوز أ�ن يكون جواز بع�ض أ‬ ‫ال�شياء وحلها‬ ‫م�صلحة يف حق البع�ض على وجه ال يتمكن منه الف�ساد‪،‬‬ ‫وال يكون م�صلحة يف حق أ�مة أ�خرى فال ي�شرع ذلك يف حق‬ ‫بع�ضهم»(‪.)58‬‬ ‫وهذا من أ��سرار اهلل تعاىل يف الت�شريع واال�ستعباد‪ ،‬التي‬ ‫يوقف عليها أ‬ ‫النبياء عليهم ال�سالم‪ ،‬ويطلع عليها بو�ساطتهم‬ ‫الرا�سخون يف العلم‪.‬‬ ‫بال�ضافة �إىل زمانها ومكانها‪،‬‬ ‫و�إذن؛ ف�إن كل �شريعة كاملة إ‬ ‫وكل �شريعة اخت�صت ب أ�حكام وم�صالح وحما�سن زائدة عن‬ ‫‪28‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ال�شريعة ال�سابقة‪ ،‬حتى ي�صل أ‬ ‫المر �إىل �شريعته �صلى اهلل‬ ‫عليه و آ�له و�سلم‪ ،‬حيث اكتملت النبوة �شكال ومو�ضوعا‪ ،‬أ��صوال‬ ‫وفروعا‪ ،‬وا�ستجمعت مهمات امل�صالح واملحا�سن‪ ،‬وا�ستكملت‬ ‫أ�مهات الف�ضائل واملحامد‪ .‬فهي بحق؛ اخلال�صة وال�صفوة‪،‬‬ ‫والكمال والغاية‪ ،‬و�سدرة املنتهى‪.‬‬ ‫الهوام�ش‬ ‫‪ )1‬أ�عني حفظ الدين والنف�س والعقل والن�سل واملال‬ ‫‪ )2‬امل�ست�صفى ‪288/1 :‬‬ ‫أ‬ ‫‪ )3‬ال يخفى أ�ن حفظ الن�سل وحفظ العقل يدخالن دخوال �وليا يف حفظ النف�س‪،‬‬ ‫فاالعتداء عليهما وتفويتهما‪ ،‬تفويت للنف�س‪.‬‬ ‫‪ )4‬كتاب التوبة من ا إلحياء‪27/4:‬‬ ‫‪ )5‬ا إلحكام يف أ��صول أالحكام ‪300/3:‬‬ ‫‪ )6‬منتهى الو�صول‪182 :‬‬ ‫‪ )7‬املوافقات‪8/2:‬‬ ‫‪ )8‬ك�شهاب الدين الزجناين يف كتابه تخريج الفروع على أال�صول ‪ ،249:‬وابن ال�سبكي‬ ‫يف ا إلبهاج‪ ، 55/3:‬وابن خلدون يف مقدمته‪288 :‬‬ ‫‪� )9‬شفاء الغليل‪ ،161-160 :‬امل�ست�صفى‪287/1:‬‬ ‫‪ )10‬البحر املحيط ‪210-209/5 :‬‬ ‫‪� )11‬إر�شاد الفحول ‪ 189:‬وهذا الكتاب ‪�-‬إ�ضافة �إىل كتاب ح�صول امل أ�مول ملحمد �صديق‬ ‫ح�سن بهادر‪ ،-‬يكاد يكون م أ�خوذا باحلرف من البحر املحيط للزرك�شي‪.‬‬ ‫‪ )12‬فواحت الرحموت ب�شرح م�سلم الثبوت‪ ،‬البن نظام الدين أالن�صاري‪262/2 :‬‬ ‫‪�)13‬سورة أالنبياء‪107 :‬‬ ‫‪� )14‬سورة ال�شورى‪11 :‬‬ ‫‪� )15‬سورة أالحقاف‪11:‬‬ ‫‪� )16‬سورة أالحزاب‪38 :‬‬ ‫‪� )17‬سورة احلديد ‪26-25-24:‬‬ ‫‪� )18‬سورة التوبة‪128 :‬‬ ‫‪ )19‬كتاب املعارف العقلية‪84 :‬‬ ‫‪ )20‬أ�ورد هذا الن�ص ا إلمام الزرك�شي يف «البحر املحيط «‪123/5 :‬‬ ‫‪ )21‬املرجع ال�سابق‪ :‬نف�س املكان‬ ‫‪ )22‬كتاب ال�صرب وال�شكر من ا إلحياء‪10221/4 :‬‬ ‫للمام الرازي‪291-2-2 :‬‬ ‫‪ )23‬املح�صول إ‬ ‫‪ )24‬املوافقات لل�شاطبي ‪4/2:‬‬ ‫‪ )25‬كتاب التوبة من ا إلحياء ‪27/4:‬‬ ‫‪� )26‬سورة املائدة ‪41 :‬‬ ‫‪� )27‬سورة البقرة ‪179 :‬‬ ‫‪� )28‬سورة الن�ساء ‪164:‬‬ ‫‪ )29‬أ�حكام القر�آن البن العربي ‪588/2:‬‬ ‫‪� )30‬سورة املائدة ‪91 :‬‬ ‫‪� )31‬شفاء الغليل ‪146:‬‬


‫‪ )32‬تف�سري أاللو�سي ‪92/2 :‬‬ ‫‪ )33‬وانظر امل�ست�صفى ‪288/1:‬‬ ‫‪ )34‬قواعد أالحكام ‪37/1:‬‬ ‫‪ )35‬اجلامع ألحكام القر�آن ‪287/6 :‬‬ ‫‪ )36‬حجة اهلل البالغة ‪4/2:‬‬ ‫‪ )37‬املوافقات لل�شاطبي ‪34-33/3 :‬‬ ‫‪� )38‬إر�شاد الفحول لل�شوكاين ‪189 :‬‬ ‫‪�)39‬سورة �آل عمران ‪78 :‬‬ ‫‪� )40‬سورة املائدة ‪43 :‬‬ ‫‪ )41‬ا إلجنيل ‪ :‬الف�صل ‪ 5‬رقم ‪� 11‬ص ‪247 :‬‬ ‫‪� )42‬صاحب هذا الكالم هو أ�حمد احلبابي ‪ ،‬أ�ورده يف كتاب له �سماه‪ :‬مناهج الفقهاء يف‬ ‫ا�ستنباط أالحكام ‪35 :‬‬ ‫‪ )43‬امل�ست�صفى ‪288/1 :‬‬ ‫‪� )44‬شرح عجائب القلب من ا إلحياء ‪24/3 :‬‬ ‫‪ )45‬مقدمة ابن خلدون ‪143 :‬‬ ‫‪� )46‬سورة ال�شورى ‪11 :‬‬ ‫‪� )47‬سورة البقرة ‪22:‬‬ ‫‪� )48‬سورة حممد ‪24 :‬‬ ‫‪� )49‬سورة املجادلة ‪2 :‬‬ ‫‪� )50‬سورة النجم ‪28 :‬‬ ‫‪ )51‬ويف هذه العبارة دعم ملا تقرر يف املقام ال�سابق من أ�ن ال�شرائع قد أ�طبقت على‬ ‫حفظ أال�صول اخلم�سة‪ ،‬ألن حفظ النفو�س ب�شرعية الق�صا�ص وحفظ العقول بتحرمي‬ ‫امل�سكر ‪ ،‬من املهمات‪.‬‬ ‫‪ )52‬البحر املحيط للزرك�شي ‪123/5 :‬‬ ‫‪� )53‬سورة املائدة ‪48 :‬‬ ‫أ‬ ‫‪ )54‬أالجوبة الغزالية يف امل�سائل الخروية ‪80 :‬‬ ‫‪� )55‬سورة املائدة ‪3 :‬‬ ‫‪ )56‬احلديث أ�خرجه م�سلم‬ ‫‪ )57‬معارج القد�س ‪119 :‬‬ ‫‪ )58‬الغنية يف أال�صول‪179 :‬‬

‫مراجع البحث‬

‫‪-1‬ا إلبهاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬البن ال�سبكي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬طبعة أ�وىل‪:‬‬ ‫‪1980-1404‬‬ ‫‪ -2‬أالجوبة الغزالية يف امل�سائل أالخروية‪ ،‬للغزايل‪ ،‬جمموعة ر�سائل ا إلمام الغزايل ( ‪4‬‬ ‫)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪1986-1406 :‬‬ ‫‪ -3‬أ�حكام القر�آن‪ ،‬ألبي بكر بن العربي‪ ،‬طبعة عي�سى البابي احللبي‪ ،‬م�صر‪ ،‬طبعة ثالثة‪:‬‬ ‫‪1972-1387‬‬ ‫‪ -4‬ا إلحكام يف أ��صول أالحكام‪ ،‬آ‬ ‫للمدي‪ ،‬حتقيق �سيد اجلميلي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬ ‫الطبعة الثانية‪1986-1406 :‬‬ ‫‪� -5‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزايل‪ ،‬مطبعة املكتبة الع�صرية‪ ،‬بريوت‪1992 :‬‬ ‫‪� -6‬إر�شاد الفحول �إىل حتقيق احلق من علم أال�صول‪ ،‬لل�شوكاين‪ ،‬مطبعة حممد علي‬

‫�صبيح و أ�والده‪ ،‬م�صر‪1349:‬‬ ‫‪ -7‬البحر املحيط يف أ��صول الفقه‪ ،‬للزرك�شي‪ ،‬دار ال�صفوة الغردقة‪ ،‬م�صر‪ ،‬طبعة ثانية‪:‬‬ ‫‪1992-1413‬‬ ‫ؤ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫‪ -8‬تخريج الفروع على ال�صول‪ ،‬للزجناين‪ ،‬حتقيق حممد �ديب �صالح‪ ،‬م��س�سة الر�سالة‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬طبعة ثالثة‪1979-1399 :‬‬ ‫‪ -9‬اجلامع ألحكام القر�آن‪ ،‬للقرطبي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‪1387 :‬‬ ‫‪ -10‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬لويل اهلل الدهلوي‪ ،‬طبعة دار �إحياء العلوم‪ ،‬بريوت‪ ،‬طبعة أ�وىل‪:‬‬ ‫‪1990-1410‬‬ ‫أ‬ ‫‪ -11‬ح�صول امل�مول من علم أال�صول‪ ،‬ملحمد بهادر‪ ،‬مطبعة اجلوائب يف الق�سطنطينية‪:‬‬ ‫‪1296‬‬ ‫‪� -12‬شفاء الغليل يف بيان ال�شبه واملخيل وم�سالك التعليل‪ ،‬للغزايل‪ ،‬حتقيق حمد‬ ‫الكبي�سي‪ ،‬مطبعة دار ا إلر�شاد‪ ،‬بغداد‪1971 :‬‬ ‫أ‬ ‫‪ -13‬روح املعاين يف تف�سري القر�آن العظيم وال�سبع املثاين‪ ،‬ل�شهاب الدين اللو�سي‪ ،‬طبعة‬ ‫املنريية‪ ،‬م�صر‪1353 :‬‬ ‫‪ -14‬فواحت الرحموت ب�شرح م�سلم الثبوت‪ ،‬ملحمد أالن�صاري‪ ،‬مطبوع بهام�ش امل�ست�صفى‪،‬‬ ‫دار العلوم احلديثة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‬ ‫أ‬ ‫‪ -15‬قواعد أالحكام يف م�صالح النام‪ ،‬البن عبد ال�سالم‪ ،‬دار املعرفة بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‬ ‫‪ -16‬املح�صول يف علم أ��صول الفقه‪ ،‬للرازي‪ ،‬حتقيق حممد جابر فيا�ض العلواين‪،‬‬ ‫مطبوعات جامعة ا إلمام حممد بن �سعود ا إل�سالمية‪ ،‬طبعة أ�وىل‪1981-1980 :‬‬ ‫‪ -17‬امل�ست�صفى من علم أال�صول‪ ،‬للغزايل‪ ،‬دار العلوم احلديثة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‬ ‫‪ -18‬معارج القد�س يف مدارج معرفة النف�س‪ ،‬للغزايل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬طبعة‬ ‫أ�وىل‪1988-1409 :‬‬ ‫‪ -19‬املعارف العقلية‪ ،‬للغزايل‪ ،‬حتقيق عبد الكرمي عثمان‪ ،‬طبعة أ�وىل‪1963 :‬‬ ‫‪ -20‬املوافقات‪ ،‬ألبي �إ�سحاق ال�شاطبي‪ ،‬حتقيق عبد اهلل دراز‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬طبعة أ�وىل‪1991-1411 :‬‬ ‫‪ -21‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬لعبد الرحمن بن خلدون‪ ،‬مطبعة دار القلم‪ ،‬بريوت‪ ،‬طبعة‬ ‫رابعة‪1981 :‬‬ ‫‪ -22‬مناهج الفقهاء يف ا�ستنباط أالحكام‪ ،‬ألحمد احلبابي‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪،‬‬ ‫الدار البي�ضاء‪ ،‬طبعة أ�وىل ‪1992-1413 :‬‬ ‫‪ -23‬منتهى الو�صول أ‬ ‫والمل يف علمي أال�صول واجلدل‪ ،‬البن احلاجب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬الطبعة أالوىل‪1985-1405 :‬‬ ‫‪ -24‬الغنية يف أال�صول‪ ،‬ألبي �صالح من�صور ال�سج�ستاين‪ ،‬حتقيق حممد �صدقي بن أ�حمد‬ ‫البورنو‪ ،‬من�شورات جامعة ا إلمام حممد بن �سعود ا إل�سالمية‪ ،‬طبعة أ�وىل‪1989-1410 :‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪29‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫العالم الموسوعي أبو محمد بن‬ ‫حزم األندلسي‬ ‫مؤسس علم األديان المقارن‬ ‫د‪.‬أسامة يوسف شهاب‬

‫يا جزر الوادي الكبري‬ ‫حيث رحل العرب وما �شا ؤ�وا الرحيل»(‪)1‬‬

‫توطئة‬

‫«الحكام يف أ��صول أ‬ ‫الحكام‬ ‫كتب ابن حزم كتب ًا متعددة منها‪ :‬إ‬ ‫وجوامع ال�سرية وخم�س ر�سائل أ�خرى‪ .‬واملحلى‪ ،‬وطوق‬ ‫والالف‪ ،‬ور�سائل ابن حزم أ‬ ‫اللفة أ‬ ‫احلمامة يف أ‬ ‫الندل�سي‪،‬‬ ‫والرد على ابن النغريلة اليهودي‪ ،‬وملخ�ص �إبطال القيا�س‬ ‫حلد‬ ‫والر أ�ي واال�ستح�سان‪ ،‬والتقليد والتعليل‪ ،‬والتقريب ّ‬ ‫املنطق واملدخل �إليه أ‬ ‫والخالق وال�سري يف مداواة النفو�س‬ ‫والف�صل يف امللل أ‬ ‫والهواء والنحل … ور�سالة التلخي�ص‬ ‫لوجوه التخلي�ص … وغريها كثري مما ذكره املحققون‬ ‫والباحثون‪ ،‬وقد وقف املجتمع أ‬ ‫الندل�سي ُجله �ضد هذا‬ ‫العامل اجلليل والعلم املبرَ ّ ز‪ ،‬ا�ضطهد ابن حزم و أ�حرقت كتبه‬ ‫و�شرد تالمذته و أ�تباعه و أ�رغم على اعتزال النا�س‬ ‫وم ؤ�لفاته‪ِّ ،‬‬ ‫واملوت يف العراء دون أ�ن يعرف بوفاته أ�حد‪.‬‬ ‫مل يكن ابن حزم يبغي زعامة وال قيادة وال رئا�سة‪ ،‬و�إمنا‬ ‫توجه بعد أ�ن اكتهل واكتمل ن�ضجه نحو مطلبني جليلني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫و�إليهما �صرف كل همه واهتمامه‪ ،‬أ�ولهما ت�صحيح التفكري‪،‬‬ ‫وثانيهما تقومي أ‬ ‫الخالق‪.‬‬ ‫أ�ما مقدرته العلمية و�سعة اطالعه وا�ستقالله الفكري فتلك‬ ‫أ�مور انعقد على �إثباتها �إجماع امل ؤ�رخني الذين تعر�ضوا‬ ‫لذكره يف املغرب وامل�شرق على ال�سواء‪ .‬قال القا�ضي أ�بو‬ ‫القا�سم �صاعد أ‬ ‫الندل�سي‪« :‬كان ابن حزم من أ�جمع أ�هل‬ ‫أ‬ ‫ال�سالم و أ�و�سعهم معرفة مع تو�سعه‬ ‫الندل�س قاطبة لعلوم إ‬ ‫يف علم الل�سان والبالغة وال�شعر وال�سري أ‬ ‫والخبار‪ »..‬وقال‬ ‫ابن حيان‪ …« :‬ويا لبدائع هذا احلرب علي بن حزم وغرره!‬ ‫ما أ�و�ضحها على كرثة الدافنني لها والطام�سني ملحا�سنها!‬ ‫وعلى ذلك‪ ،‬فلي�س ببدع فيما أ��ضيع منه‪ ،‬ف أ�زهد النا�س يف‬ ‫عامل أ�هله‪ ،‬وقبله أ�ردى العلماء تربيزهم على من يق�صر‬ ‫عنهم‪ ،‬واحل�سد داء ال دواء له»(‪.)2‬‬ ‫نحن أ�مام رجل عا�ش للفكر وا�ضطهد ب�سببه‪ ،‬ومات حني مات‬ ‫‪30‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫يف �سبيل الفكر‪� .‬إن رج ًال يبلغ من الت أ�ثري الفكري هذا املدى‪،‬‬ ‫لقمني ب أ�ن يدر�س‪ ،‬و أ�ن ن�سلط ال�ضوء على حياته و أ�دبه‬ ‫و آ�ثاره‪.‬‬

‫حياته و�شخ�صيته‪:‬‬

‫يقول �صاعد أ‬ ‫الندل�سي‪« :‬كتب �إ ّ‬ ‫يل بخط يده أ�نه ُولِدَ بعد‬ ‫�صالة ال�صبح‪ ،‬وقبل طلوع ال�شم�س آ�خر يوم من �شهر رم�ضان‬ ‫من �سنة أ�ربع وثمانني وثلثمائة (‪ ،)3‬بعد أ� ٍخ له يدعى أ�با‬ ‫بكر �سبقه �إىل الوجود بخم�س �سنني‪ ،‬أ�ي �إنه كان قد ولد‬ ‫�سنة ‪379‬هـ(‪.)4‬‬ ‫ت�ضاربت الروايات يف ن�سب علي بن حزم ت�ضارب ًا ي�صعب‬ ‫معه حتديد ما نبغي �إليه‪ ،‬فذهب دوزي وجولد ت�سهري‬ ‫ونيكل�سون(‪ )5‬و�سايرهم يف ذلك احلاجري �إذ يقول‪�« :‬إن ابن‬ ‫حزم خرج من أ��سرة من أ�هل �إ�سبانيا الغربية‪ ،‬كانت تقيم يف‬ ‫لبلة‪ ،‬وكانت تدين بالن�صرانية‪ ،‬وظلت على ن�صرانيتها بعد‬ ‫ال�سالمي أ�مد ًا غري ق�صري‪ ،‬حتى اعتنق حزم‪ ،‬الذي‬ ‫الفتح إ‬ ‫ال�سالم يف منت�صف‬ ‫يحمل ا�سمه وينت�سب �إليه �صاحبنا‪ ،‬إ‬ ‫نقدر»‪.‬‬ ‫القرن الثالث الهجري فيما ّ‬ ‫وهذا �صاعد ير ّده �إىل الفر�س ويقف «ن�سبه عند يزيد‬ ‫الفار�سي موىل يزيد بن أ�بي �سفيان أ‬ ‫الموي‪ ،‬وابن ح ّيان‬ ‫م ؤ�رخ أ‬ ‫الندل�س ال�شهري الذي اعتمد على تاريخه ابن ب�سام‬ ‫ال�شنرتيني يف كتاب الذخرية أ�ثار ال�شك يف هذا الن�سب‪� ،‬إذ‬ ‫قال‪ …« :‬كان من غرائبه انتما ؤ�ه لفار�س واتباع أ�هل بيته‬ ‫له يف ذلك بعد حقبة من الدهر‪ ،‬ت ّوىل فيها أ�بوه الوزير‬ ‫املعقّل يف زمانه‪ ،‬الراجح يف ميزانه أ�حمد بن �سعيد بن حزم‬ ‫لبني أ�م ّية أ�ولياء نعمته‪ ،‬ال عن �صحة والية لهم عليه‪ ،‬فقد‬ ‫البوة‪ ،‬مولد أ‬ ‫عهده النا�س خامل أ‬ ‫الرومة من عجم لبلة‪ ،‬جده‬ ‫أ‬ ‫بال�سالم مل يتقدم ل�سلفه نباهة‪ ،‬ف أ�بوه‬ ‫الدنى حديث عهد إ‬ ‫أ�حمد على احلقيقة‪ ،‬هو الذي بنى بيت نف�سه يف آ�خر الدهر‬ ‫علي‬ ‫بر أ��س رابية‪ ،‬وع ّمده باخلالل الفا�ضلة … حتى تخطى ّ‬ ‫هذا رابية (لبلة) فارتقى قلعة �إ�صطخر من أ�ر�ض فار�س‪،‬‬ ‫فاهلل أ�علم كيف ترقاها»(‪.)6‬‬ ‫ومييل أ‬ ‫ال�ستاذ حممد أ�بو زهرة يف كتاب ابن حزم‪:‬‬ ‫حياته وع�صره آ�را ؤ�ه وفقهه �إىل أ�نه فار�سي أ‬ ‫ال�صل‪ ،‬يف حني‬ ‫جند أ�ن أ‬ ‫ال�ستاذ عبد الكرمي خليفة يف كتابه «ابن حزم‬ ‫أ‬ ‫الندل�سي حياته و أ�دبه» يطرح ت�سا ؤ�الت كثرية تثور حول‬ ‫الن�ص الوحيد الذي ارتكز عليه من قال بجذور ابن حزم‬ ‫بال�سالم‪ ،‬وهذه ت�سا ؤ�الت‬ ‫ال�سبانية‬ ‫ويقرب عهد أ��سرته إ‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫حب درا�سة حياة هذا املفكر‬ ‫�‬ ‫كباحث‬ ‫بها‬ ‫قتنع‬ ‫�‬ ‫مة‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫قّ‬ ‫العامل و أ�دبه‪ ،‬ويعي�ش يف ظالله‪ ،‬هذه اللهجة العدائية التي‬ ‫ّ‬ ‫ا�ستهل‬ ‫يبديها ابن ح ّيان يف أ�ثناء حديثه عن أ�بي حممد فقد‬


‫روايته بذكر غرائب ابن حزم فكان منها ن�سبه الفار�سي ‪..‬‬ ‫ونحن نت�ساءل عن م�صدر ابن حيان يف �إ�شارته هذه‪ ،‬وعمن‬ ‫أ�خذ هذا الن�سب و�إن قوله من عجم (لبلة) ال تعني �شيئ ًا‬ ‫يف تبيان حديثه أ�كان �إ�سباين أ‬ ‫ال�صل أ�م فار�سيه‪ .‬ورمبا دافع‬ ‫«وجد ُه‬ ‫اخل�صومة هو الذي حدا بابن حيان لكي يقول‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫بال�سالم وبذلك ينق�ض قول احلميدي‪،‬‬ ‫الدنى حديث العهد إ‬ ‫تلميذ ابن حزم الوثيق الرواية‪ ،‬وجده أ‬ ‫ال�سالم‬ ‫الق�صى يف إ‬ ‫… يزيد»‪.‬‬ ‫ومما جتدر مالحظته أ�ن جميع امل ؤ�رخني القدامى الذين‬ ‫ترجموا البن حزم مل يهتموا برواية ابن حيان‪ ،‬و�إن كان‬ ‫بع�ضهم يدرجها يف أ�ثناء روايته عن ابن ح ّيان‪ ،‬فهذا ابن‬ ‫ب�شكوال ين�سبه فيقول‪« :‬علي بن أ�حمد بن �سعيد بن حزم بن‬ ‫غالب الفار�سي …»(‪.)7‬‬ ‫ويذكره ياقوت قائ ًال هو‪« :‬علي بن أ�حمد بن �سعيد بن حزم‬ ‫بن غالب بن �صالح بن خلف بن �سفيان بن يزيد الفار�سي‬ ‫موىل يزيد بن أ�بي �سفيان بن حرب بن أ�مية بن عبد �شم�س‬ ‫القر�شي أ‬ ‫المام الع ّالمة يكنى أ�با حممد»(‪.)8‬‬ ‫الندل�سي إ‬ ‫وهكذا م�ضى ابن خلكان‪ ،‬و�صاحب كتاب «املغرب»‪ ،‬والذهبي‬ ‫يف كتابه «تذكرة احلفاظ» واملقري يف «نفح الطيب» وابن‬ ‫العماد يف «�شذرات الذهب» وغريهم … �إىل �إثبات اجلذور‬ ‫ال�سالمية الرا�سخة لعائلة ابن حزم و�إظهارها‪ .‬ولي�س‬ ‫إ‬ ‫هنالك ما يدعو ه ؤ�الء امل ؤ�رخني الثقات للتحيز للن�سب‬ ‫ال�سالم بني أ‬ ‫المم‬ ‫ال�سباين وقد �ساوى إ‬ ‫الفار�سي �ضد الن�سب إ‬ ‫جميع ًا «�إن أ�كرمكم عند اهلل أ�تقاكم»‪ ،‬وهذه الروايات كلها‬ ‫تنتهي مب�صدر رئي�سي ثقة هو العامل الفقيه (احلميدي)‬ ‫تلميذ ابن حزم وقد أ�خذه عن أ��ستاذه و أ�ثبته يف كتابه‬ ‫جذوة املقتب�س‪ .‬وهذا ابن حزم يف ق�صيدة له يقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫والعنابـ�س‬ ‫قري�ش العلى أ�عيا�صها‬ ‫�سما بـي �سا�سانٌ ودارا وبعدهـم‬ ‫ُ‬ ‫فار�س‬ ‫خرت ٌ‬ ‫حرب مراتب �س ؤ�ددي وال قعدتْ بني ذرى املجد ُ‬ ‫فما أ� ّ‬

‫وهو �إذ يتحدث عن ن�سبه هذا ويفخر به‪ ،‬ف�إنه ليتطلع �إليه‬ ‫ال�سالم وهدايته وهو بذلك يقرر حقيقة‬ ‫من خالل نور إ‬ ‫واقعة دون أ�ية حماولة لتكلف ن�سب مزعوم‪.‬‬

‫نواك�س‬ ‫�صعـد ال‬ ‫موا�ض‬ ‫فروعـهُ فهـن‬ ‫الدهر طالت‬ ‫هنالك جمدُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫واكـ�س‬ ‫جانب فحد مناوينا احلـدود ال‬ ‫ملكنا ملوك الر�ض يف كل‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فار�س‬ ‫احلرب العوان فب أ��سـنا لكل مني ِع النيل يف‬ ‫�إذا ّ�شبت‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫النا�س ُ‬ ‫بيوت النا ِر كـل ذخيـرة حمتها �شياطني الردى أ‬ ‫َ‬ ‫بالـ�س‬ ‫أ�باحوا‬ ‫وال ُ‬ ‫ال�سالم باحلق والهـدى أ�قروا لنـو ٍر ح ّولتـه أ‬ ‫حامـ�س‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫فلما أ�تى إ‬ ‫مـدار�س‬ ‫ال�سالم فيها وعطلّت ب أ��سيافهـم للم�شـركني‬ ‫ُ‬ ‫ف�سدّ ت عرى إ‬ ‫(‪)9‬‬

‫ولي�س هنالك ما يدعو ابن حزم لالنت�ساب يف الفر�س دون‬ ‫اال�سبان‪ ،‬فهما جميع ًا من العجم ولي�سوا عرب ًا‪ ،‬وكان أ‬ ‫الولون‬ ‫وثنيني يعبدون النار بينما كان الثانون م�سيحيني‪ ،‬ومعروف‬ ‫أ�ن ابن حزم هاجم مهاجمة عنيفة الديانة امل�سيحية‪ ،‬وكل‬ ‫ذلك ي ؤ�كد من بع�ض الوجوه أ�نه مل يكن يف آ�بائه م�سيحيون‬ ‫وال أ�نه كان م�سيحي أ‬ ‫ال�صل(‪.) 0‬‬ ‫يجب ما قبله … وهو‬ ‫ال�سالم ُّ‬ ‫ولو كان �صاحبنا كذلك‪ ،‬ف�إن إ‬ ‫ال�سالم‪،‬‬ ‫نا�سخ لكل الديانات ال�سابقة ‪� ..‬إن الدين عند اهلل إ‬ ‫ال�سالم حتت جناحيه �سلمان الفار�سي و�صهيب ًا‬ ‫وقد ّ‬ ‫�ضم إ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫الرومي وبالال احلب�شي‪ ،‬و�صالح الدين اليوبي‪ ،‬وطارق بن‬ ‫زياد الرببري وغريهم كثري … وال ف�ضل لعربي على أ�عجمي‬ ‫�إال بالتقوى!‬ ‫ونرتبع يف كبد احلقيقة �إذا تركنا هذه الروايات املختلفة‬ ‫وقلنا‪�« :‬إنَّ ابن حزم عامل عربي أ�ندل�سي م�سلم ‪ ،‬أ�ما‬ ‫عروبته فقد أ�و�ضحها الدكتور طه ح�سني بقوله‪ … :‬وقد‬ ‫ذكرت آ�نف ًا أ�نَّ ابن حزم عربي م�سلم … قد يقال‪� :‬إن ابن‬ ‫حزم مل يكن عربي ًا �صليبة‪ ،‬و�إمنا أ�ردت أ�ن هذه العروبة‬ ‫التي تت�صل بالثقافة وال�سيا�سة والدين واللغة والن� أش�ة‪،‬‬ ‫وهذه اخل�صال التي هي أ�هم أ�لف مرة ومرة من اجلن�سية‬ ‫والعن�صرية»(‪)11‬‬ ‫أ‬ ‫حتدث فيها عن‬ ‫وقد �صنّف ابن حزم ر�سالة يف ف�ضل الندل�س ّ‬ ‫أ‬ ‫علمائها و أ�دبائها و�شعرائها كما تغنى يف �شعره ب�ندل�سيته‬ ‫تغن ال يزيد عن تغني‬ ‫هذه‪ :‬فيا جوهر ال�صني �سحق ًا … وهو ٍ‬ ‫أ�ي �شاعر بوطنه‪.‬‬ ‫ويرى أ‬ ‫ال�ستاذ الدكتور خليفة أ�ن ابن حزم ينزع يف أ�ندل�سيته‬ ‫هذه منزع ًا ناجت ًا من فل�سفة معينة ينظر من خاللها �إىل‬ ‫ال�سالمي على أ��سا�س وحدته التي ال تتجز أ�‪ ،‬تلك‬ ‫املجتمع إ‬ ‫الوحدة ال�سيا�سية التي مل تفارق تفكريه طوال حياته‪.‬‬ ‫أ�ما ر�سالته يف ف�ضل أ‬ ‫الندل�س فهي لي�ست أ�كرث من مناظرات‬ ‫كتلك التي كانت تقوم يف امل�شرق بني أ��صحاب أ‬ ‫الوطان‬ ‫املختلفة من قبل الب�صريني والكوفيني �إذ يتناظرون يف‬ ‫ف�ضائل بلديهما‪ ،‬مع �إح�سا�سهما العميق ب أ�نهما جميع ًا من أ�مة‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫عربية واحدة طابعها إ‬ ‫«وقد التفت ابن حزم �إىل ق�ضية ن�سب ال�شخ�ص �إىل وطنه‬ ‫الذي ن� أش� فيه أ�و هاجر �إليه‪ ،‬دون النظر �إىل أ��صله اجلن�سي‬ ‫ال�سالمية‬ ‫�إح�سا�س ًا منهم بن�سبته �إىل ال�شجرة العربية إ‬ ‫الكربى‪ ،‬فقال‪�« :‬إن جميع امل ؤ�رخني من أ�ئمتنا ال�سالفني‬ ‫والباقني‪ ،‬دون مما�شاة أ�حد‪ ،‬بل قد تيقّنا �إجماعهم على‬ ‫ذلك‪ ،‬متفقون على أ�ن ين�سبوا الرجل �إىل مكان هجرته‬ ‫ا�ستقر بها ومل يرحل عنها رحيل ترك ل�سكناها‬ ‫التي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫�إىل �ن مات‪ ،‬ف�إن ذكروا الكوفيني من ال�صحابة ر�ضي اهلل‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪31‬‬


‫تعاىل عنهم �صدروا بعلي وابن م�سعود وحذيفة ر�ضي‬ ‫اهلل عنهم …»(‪.)2‬‬ ‫«�إن حزم ًا أ� ّدى دور ًا مرموق ًا يف تاريخ أ‬ ‫ال�سرة ومل يكن رج ًال‬ ‫مغمور ًا بطبيعة احلال‪ ،‬بالقيا�س �إىل رجال الدولة يف ذلك‬ ‫املجتمع القرطبي‪ ،‬بل كان فيما نح�سب رج ًال مذكور ًا بني‬ ‫النا�س‪ ،‬جدير ًا بذلك أ�ن ينت�سب �إليه ويعرف به‪ ،‬ويحمل‬ ‫ا�سمه حتى هنا أ�بنا ؤ�ه و أ�حفاده و�ساللته»( ‪.)1‬‬ ‫�إن حزم ًا‪ :‬هو الذي غيرّ جمرى حياة أ‬ ‫ال�سرة فانتقل بها من‬ ‫(لبلة) �إىل (قرطبة) حيث عرف أ�بنا ؤ�ه و أ�حفاده فيما بعد‬ ‫با�سمه‪ ،‬ويعتقد احلاجري أ�ن هذا االنتقال مت يف عهد حممد‬ ‫ابن عبد الرحمن الثاين (‪273-238‬هـ)‪ .‬وقد أ�خذت أ��سرة‬ ‫ابن حزم مكانها البارز املمتاز يف احلياة ال�سيا�سية‪ ،‬عندما‬ ‫المام أ�بي حممد أ�حد‬ ‫توىل أ�حمد بن �سعيد بن حزم‪-‬والد إ‬ ‫املنا�صب الوزارية يف الدولة العامرية‪� ،‬إذ ا�ستوزره حممد بن‬ ‫عبد اهلل ابن أ�بي عامر»(‪. ) 4‬‬ ‫وال يخفى على الدار�س حلياة ابن حزم أ�ن يرى أ�ثر تكوين‬ ‫أ‬ ‫ال�سرة وما ُطبعت به مقومات �شخ�صيتها من أ�ثر بعيد يف‬ ‫هذا العامل ويف توجيهه الوجهة ال�سيا�سية والفكرية التي‬ ‫اختطها لنف�سه‪.‬‬ ‫ن� أش� �إذن أ�بو حممد بن حزم يف أ��سرة مرتفة‪ ،‬مثقفة‪ ،‬وتلقى‬ ‫درو�سه أ‬ ‫الوىل على أ�يدي الن�ساء‪ ،‬وهن ع ّلمنه‪ ،‬كما تلقى عن‬ ‫القبال على احلياة بروح أ�دبية عالية وكان أ�بوه يقول‬ ‫أ�بيه إ‬ ‫له يف و�صاياه‪:‬‬ ‫تكن‬ ‫�إذا �شئت أ�ن حتيا غني ًا فال ْ‬ ‫حالة �إال ر�ضيتَ بدو ِنها(‪)51‬‬ ‫على‬ ‫ٍ‬ ‫و�إىل جانب هذا كان حموط ًا بكثري مما يرقق احل�س ويرهف‬ ‫العواطف ويقوي فيه هذه الناحية الفنية‪ ،‬ففي و�سط‬ ‫مظاهر الرتف و أ�لوان اجلمال التي كان يعبق بها اجلو حوله‪،‬‬ ‫تعر�ض منذ �صباه لفنون من احلب‪ ،‬ثم ما يتبعه من أ�لوان‬ ‫ّ‬ ‫امل�شاعر و�صنوف اخلوالج‪ .‬وهو يحدثنا يف غري مو�ضع عن‬ ‫تعر�ض له يف �صباه �إذ يقول مث ًال‪« :‬دعني‬ ‫هذا احلب الذي ّ‬ ‫أ�خربك أ�ين أ�حببت يف �صباي جارية يل �شقراء ال�شعر‪ ،‬فما‬ ‫ا�ستح�سنت من ذلك الوقت �سوداء ال�شعر‪ ،‬ولو أ�نه على ال�شم�س‬ ‫أ�و على �صورة القمر نف�سه و�إين ألجد هذا يف أ��صل تركيبي‬ ‫من ذلك الوقت‪ ،‬ال ت ؤ�اتيني نف�سي على �سواه وال حتب غريه‬ ‫البتة»(‪.)61‬‬ ‫ويف مو�ضع آ�خر يعر�ض لنا �صورة من هذه احلياة العاطفية‬ ‫التي كان يحياها يف �صباه‪ ،‬وهي �صورة جيدة وا�ضحة‬ ‫الق�سمات‪ ،‬ن�ستطيع أ�ن نتعرف بها تعرف ًا دقيق ًا مف�ص ًال هذا‬ ‫اللون من أ�لوان حياته قال‪« :‬و�إين ألخربك عني أ�ين أ�لفت‬ ‫‪32‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫يف أ�يام �صباي أ�لفة املحبة جارية ن� أش�ت يف دارنا‪ ،‬وكانت‬ ‫يف ذلك الوقت بنت �ستة ع�شر عام ًا‪ .‬وكانت غاية يف ح�سن‬ ‫وجهها وعقلها‪ ،‬وعفافها وطهارتها‪ ،‬وخفرها ودماثتها‪،‬‬ ‫عدمية الهزل‪ ،‬منيعة البذل‪ ،‬بديعة الب�شر‪ ،‬م�سبلة ال�سرت‪،‬‬ ‫فقيدة الذام‪ ،‬قليلة الكالم‪ ،‬مغ�ضو�ضة الب�صر‪� ،‬شديدة احلذر‪،‬‬ ‫العرا�ض‪ ،‬مطبوعة‬ ‫نقية من العيوب‪ ،‬دائمة القطوب حلوة إ‬ ‫االنقبا�ض‪ ،‬مليحة ال�صدود‪ ،‬رزينة القعود‪ ،‬كثرية الوقار‪،‬‬ ‫توجه أ‬ ‫الراجي نحوها‪ ،‬وال تقف املطامع‬ ‫م�ستلذة النفار؛ ال َّ‬ ‫معر�س أ‬ ‫للمل لديها‪ ،‬فوجهها جالب كل القلوب‪،‬‬ ‫عليها وال ِّ‬ ‫وحالها طارد من أ�مها‪ ،‬تزدان يف املنع والبخل‪ ،‬ما ال يزدان‬ ‫غريها بال�سماحة والبذل‪ ،‬موقوفة على اجلد يف أ�مرها‪ ،‬غري‬ ‫راغبة يف اللهو‪ ،‬على أ�نها كانت حت�سن العود �إح�سان ًا جيد ًا؛‬ ‫فجنحت �إليها و أ�حببتها حب ًا مفرط ًا �شديد ًا‪ ،‬ف�سعيت عامني‬ ‫أ�و نحوهما أ�ن جتيبني بكلمة‪ ،‬و أ��سمع من فيها لفظة‪-‬غري‬ ‫ما يقع يف احلديث الظاهر �إىل كل �سامع‪-‬ب أ�بلغ ال�سعي‪ ،‬فما‬ ‫و�صلت من ذلك �إىل �شيء البتة»(‪… )71‬‬ ‫هذه �صورة من حياة ابن حزم يف ق�صر أ�بيه يف عهد �صباه‪،‬‬ ‫وهذا الن�ص ُيبينّ لنا تلك البيئة املق�صورة التي كان يحياها‬ ‫ذلك ال�صبي فيها‪ ،‬م�شحونة ب أ�لوان املغريات التي ترهف احل�س‬ ‫وتفنت النف�س وحتفز امل�شاعر وتثري الرغبات‪ ،‬ومع ذلك نرى‬ ‫أ�ن هذه البيئة عينها ت�سيطر عليها أ�وا�صر الدين وتعاليم‬ ‫أ‬ ‫الخالق واخللق و�ضوابط الرتفع والتعفف‪� ،‬إذ كان بيت ابن‬ ‫حزم من البيوت املحافظة آ‬ ‫والخذة‪ ،‬بتقاليد الت�صون …‬ ‫كيف ال و�صاحبه الوزير أ�حمد بن �سعيد ‪ ..‬فكان رج ًال متزن ًا‬ ‫بعيد ًا عن اال�ستهتار واال�ستخفاف بالرغم من ذلك الرتف‬ ‫البالغ‪ ،‬فما هو جزء من طبيعة احلياة يف مثل هذه الق�صور‬ ‫يف ذلك الوقت ال انفكاك له(‪.) 8‬‬ ‫ولكننا نرى ابن حزم �شديد احلذر يف الدفاع عن نف�سه‪،‬‬ ‫و�صون ذاته عن كل ما يرميه به ُح ّ�ساده‪ ،‬وما ميكن للنقاد‬ ‫قدمي ًا وحديث ًا من قذفه به فهو يقول‪« :‬ومع هذا يعلم اهلل‪،‬‬ ‫وكفى به عليم ًا‪ ،‬أ�نيّ بريء ال�ساحة �سليم أ‬ ‫الدمي‪� ،‬صحيح‬ ‫جل أ‬ ‫الب�شرة‪ ،‬نقي احلجرة‪ ،‬و�إين أ�ق�سم باهلل أ� َّ‬ ‫الق�سام �إين ما‬ ‫حللت مئزري على فرج حرام قط‪ ،‬وال يحا�سبني ربي بكبرية‬ ‫الزنا منذ عقلت �إىل يومي هذا»(‪.)91‬‬ ‫لقد كان ابن حزم مغرم ًا بتعقب الن�ساء يف الق�صر‪ ،‬وتتبع‬ ‫أ�خبارهن‪-‬كما يتحدث هو عن نف�سه‪-‬وكن هن ي أ�ن�سن �إليه‬ ‫وال يجدن يف أ�نف�سهن حرج ًا أ�ن يف�ضني �إليه ب أ�حاديثهن‬ ‫وما ت�ضطرب به قلوبهن وما يدور بينهن … يقول يف كتابه‬ ‫«طوق احلمامة» فلم أ�زل باحث ًا عن أ�خبارهن‪ ،‬كا�شف ًا عن‬ ‫أ��سرارهن وكن قد أ�ن�سن مني بكتمان‪ ،‬فكن يطلعنني على‬


‫غوام�ض أ�مورهن»(‪ … )0‬وقد كان هذا م�سرب ًا ميخر عبابه‪،‬‬ ‫ولوال هذا امل�سرب ما ا�ستطاع أ�ن ي�ضع كتابه «طوق احلمامة»‬ ‫بذلك أ‬ ‫ال�سلوب اخلا�ص الذي ال يعتمد على النقل وال ي�صدر‬ ‫عن الرواية كما كان ال� أش�ن الغالب يف أ��شباهه من الكتب‪،‬‬ ‫و�إمنا ي�صدر يف معظمه عن جتاربه اخلا�صة وم�شاهداته‬ ‫ال�شخ�صية‪ ،‬ثم ما يجري به احلديث بينه وبني الثقات من‬ ‫أ�هل زمانه‪.‬‬ ‫ناهيك عن ذلك الن�شاط الذي ير َّوح به عقله وقلبه‬ ‫وعواطفه اجليا�شة‪ ،‬وهو ال�شعر الذي أ�خذ ي�شغل به نف�سه‪،‬‬ ‫ويرى فيه أ�هواءه ونوازعه وخوالج نف�سه و أ�حاديث جواه‪،‬‬ ‫وك أ�ن يف كتابته ال�شعر متنف�س ًا له عما يف داخله و�إ�سقاط ًا ملا‬ ‫ال�سالمية أ‬ ‫ال�صيلة‬ ‫يود فعله ولكن الدين والقيم والعادات إ‬ ‫متنعه وتردعه(‪.)12‬‬ ‫بني أ�مواج الفنت وال�سيا�سة‪:‬‬ ‫ما كاد علي بن حزم ي�شارف �سن ال�شباب‪ ،‬حتى اجتاحت‬ ‫أ‬ ‫الندل�س موجة عارمة من اال�ضطرابات والفنت‪ ،‬و�إذا البالد‬ ‫تتنازعها قوى ثالث تتقاتل فيما بينها‪ ،‬ت�ستعني كل منها‬ ‫ميد جميع أ‬ ‫الطراف املتنازعة‪.‬‬ ‫بالعدو الذي كان غالب ًا ما ُّ‬ ‫وب�إيجاز �شديد تتمثل هذه القوى ب�صورة �شاملة يف احلزب‬ ‫أ‬ ‫الندل�سي‪ ،‬وال�صقالبة الذين أ� ّدوا دور ًا كبري ًا يف هذه الفنت‪.‬‬ ‫و�شهدت طفولة �صاحبنا ابن حزم أ�يام اخلليفة أ‬ ‫الموي‬ ‫ه�شام الثاين امللقب بامل ؤ�يد وقد حجب يف ق�صره ولي�س له من‬ ‫اخلالفة �سوى اللقب(‪.)22‬‬ ‫وخ�صت‬ ‫وعا�ش ابن حزم بعد تلك الفتنة التي ع ّمت النا�س‬ ‫ّ‬ ‫أ��سرته م�شرد ًا ال يجد �إىل الطم أ�نينة �سبي ًال‪ ،‬فرتك قرطبة‬ ‫أ�ول املحرم �سنة ‪404‬هـ �إىل «املرية» املدينة القائمة على‬ ‫�ساحل البحر‪ ،‬وكانت آ�نذاك معروفة بوالئها للعامريني‬ ‫(حزب املن�صور بن أ�بي عامر)‪ ،‬هذا امللج أ� كان ي�ضاهي‬ ‫قرطبة يف عمرانه وجماله‪ ،‬ولكن اجتاهه ال�سيا�سي‪-‬مواالة‬ ‫أ‬ ‫المويني‪-‬كان يثري له املتاعب‪ ،‬ويخلق حوله جو ًا من الريبة‬ ‫يحول دون راحة باله‪ ،‬ي�سجن �صاحبنا ويطلق �سراحه بعد‬ ‫قليل من اعتقاله‪.‬‬ ‫ويذهب �إىل قرطبة حيث ي�شهد ال�صراع بني بني حمود‪،‬‬ ‫و�شارك يف حتري�ض ال�شعب على االنتفا�ض وعندما ا�ستتب‬ ‫المر للقا�سم بن حمود نفى نف�سه أ�و توارى عن أ‬ ‫أ‬ ‫النظار وظل‬ ‫على �صلة خفية باحلوادث ير�صدها ويوجهها �سر ًا‪ ،‬حتى �إذا‬ ‫ا�ستقر أ‬ ‫المر لعبد الرحمن اخلام�س (امل�ستظهر) وزر له ومل‬ ‫تدم وزارة ابن حزم أ�كرث من أ��سابيع معدودة‪.‬‬ ‫ر أ�ى ابن حزم اخللل يف العقول والنفو�س وال بد من �إ�صالح‬ ‫هذه العقول وهذه النفو�س …‪ ،‬حيث جرت الرياح مبا ال‬

‫ت�شتهي �سفن ابن حزم يف ال�سيا�سة‪ ،‬وراح يتنقل هذه املرة ال‬ ‫خدمة لهدف �سيا�سي‪ ،‬و�إن ّ‬ ‫ظل يمُ نّي النف�س بعوده ال�سلطة‬ ‫أ‬ ‫الموية وحتولت تنقالته �إىل الدر�س والتح�صيل وخمالطة‬ ‫علماء الع�صر وفقهائه ومفكريه و أ�دبائه و�شعرائه‪-‬وما‬ ‫أ�كرثهم‪ -‬وكان قد بد أ� درو�سه هذه يف قرطبة قبل الت�شرد‬ ‫والتغريب‪ ،‬وعني أ�كرث ما ُعني بال�شعر‪ ،‬ثم أ‬ ‫بالحاديث‬ ‫النبوية والتف�سري‪ … ،‬نظم آ�الف أ‬ ‫البيات ومئات الق�صائد‬ ‫وع�شرات املقطعات وكلها يف اخلواطر احلكمية والغزلية‪،‬‬ ‫ثم انتقل �إىل الكتابة النرثية‪ ،‬حتى �إذا ا�ستقرت به النوى‬ ‫يف �شاطبة‪ ،‬بعد رحلة قام بها �إىل القريوان‪ ،‬و�ضع هناك‬ ‫�سفره ال�شهري عن احلب وفل�سفته «طوق احلمامة يف أ‬ ‫اللفة‬ ‫أ‬ ‫والالف»(‪.)23‬‬ ‫أ�يقن ابن حزم أ�ن القوة التي كانت توجه ال�سيا�سة أ‬ ‫الندل�سية‬ ‫لع�صر بني أ�مية زالت �إىل غري رجعة فتوىل أ��سف ًا يقول‪:‬‬ ‫ثياب امل�ست�ضا ِم‬ ‫لب�س‬ ‫جعلت الي أ� َ�س يل ح�صن ًا ودرع ًا‬ ‫َ‬ ‫فلم أ� ْ‬ ‫ي�سري �صانني دونَ أ‬ ‫النـا ِم‬ ‫النا�س عندي‬ ‫و أ�كرث من جمي ِع‬ ‫ِ‬ ‫فل�ستُ ملا توىل ذا اهتما ِم‬ ‫�صح يل ديني وعر�ضي‬ ‫�إذا ما َّ‬ ‫توىل أ‬ ‫ففيـم ذا اغتنـا ِم(‪)42‬‬ ‫م�س والغد ل�ستُ أ�دري أ� أ�دركه‬ ‫َ‬ ‫ال َ‬

‫ان�سحب ابن حزم من هذا الكفاح ال�سيا�سي ومل يجد زاده فيه‪،‬‬ ‫و ان�صرف للعلم والدين كما أ�و�ضحت آ�نف ًا‪ ،‬و�ص ّور الذهبي هذه‬ ‫املرحلة من حياته فقال‪« :‬ثم نبذ الوزارة و أ�قبل على العلم‬ ‫ال�سالم‬ ‫وبرع يف املنطق ثم أ�عر�ض عنه و أ�قبل على علوم إ‬ ‫فنال ما مل ينله أ�حد»(‪)52‬‬ ‫مل يكن ي�سعى للوزارة طلب ًا ملجد دنيوي‪ ،‬و�إمنا كان ي�سعى‬ ‫�إليها يف كل مرة من أ�جل حتقيق فكرته يف املحافظة على‬ ‫وحدة أ‬ ‫المة ولعل هذا ما جعل الفتح بن خاقان يقول‪:‬‬ ‫«نبذ الدنيا وقد ق�صدت له ب أ�فنت حميا‪ ،‬و أ�هدت �إليه أ�عبق‬ ‫عرف وريا وخلع الوزارة وقد ك�سته بالها‪ ،‬و أ�لب�سته حالها‪،‬‬ ‫وجد يف اقتناء نخبه وله ت�آليف كثرية‬ ‫وجترد للعلم وطلبه‪ّ ،‬‬ ‫وت�صانيف أ�ثرية …»(‪.)62‬‬ ‫وكان ابن حزم طيلة حياته‪ ،‬ويف خمتلف الظروف أ‬ ‫والحوال‬ ‫يعي�ش فل�سفة خا�صة به كانت تكمن وراء مواقفه يف احلياة‪.‬‬ ‫انظر �إليه وهو يقول‪« :‬ال تبذل نف�سك �إال فيما هو أ�على‬ ‫منها‪ .‬ولي�س ذلك �إال يف ذات اهلل عز وجل‪ ،‬ويف دعاء �إىل‬ ‫حق‪ ،‬ويف حماية احلرمي‪ ،‬ويف دفع هوان مل يوجبه عليك‬ ‫خالقك تعاىل‪ ،‬ويف ن�صر مظلوم‪ ،‬وباذل نف�سه يف عر�ض دنيا‪،‬‬ ‫كبائع الياقوت باحل�صا»(‪.)27‬‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫ومع هذا كله ظل ابن حزم «يزيد يف �شن�نه وت�شيعه لمراء‬ ‫بني أ�مية‪ ،‬ما�ضيهم وباقيهم بامل�شرق أ‬ ‫والندل�س‪ ،‬واعتقاده‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪33‬‬


‫ب�صحة �إمامتهم‪ ،‬وانحرافه عمن �سواهم من قري�ش حتى‬ ‫ن�سب �إىل الن�سب لغريهم»(‪.)28‬‬ ‫المامة فر�ض الزم‪ ،‬و أ�ن أ‬ ‫ال�سالمية واجب‬ ‫المة إ‬ ‫وهو يقرر أ�ن إ‬ ‫عليها االنقياد إلمام عادل يقيم فيهم أ�حكام اهلل وي�سو�سهم‬ ‫ب أ�حكام ال�شريعة التي أ�تى بها ر�سول اهلل(‪.)29‬‬ ‫ومن املهم أ�ن نعرف أ�نّ ابن حزم �شغف بالعلم منذ �صباه و أ�نَّ‬ ‫كوارث احلياة ال�سيا�سية مل تعقه عن متابعة التح�صيل‬ ‫والدرا�سة والرتدد على حلقات العلماء‪ ،‬وقد أ�كب منذ عودته‬ ‫�إىل قرطبة يف املرة الثانية على مناهل العلم أ‬ ‫والدب(‪.)30‬‬ ‫وهذا ابن حزم نراه بعد مدة يف (بلن�سية) يح�ضر حلقات‬ ‫الفقهاء‪ ،‬ويحدثنا عنه (عمر بن واجب) يقول‪« :‬و�إذا ب أ�بي‬ ‫حممد بن حزم ي�سمعنا ويتعجب ثم ي�س أ�ل احلا�ضرين عن‬ ‫�شيء من الفقه جووب عليه فاعرت�ض فيه‪ ،‬فقال له بع�ض‬ ‫احل�ضار‪ :‬هذا العلم لي�س من متمثالتك‪ ،‬فقام وقعد ودخل‬ ‫منزله فعكف ووكف منه ٌ‬ ‫وابل فما ّ‬ ‫كف‪ ،‬وما كان بعد أ��شهر‬ ‫قريبة حتى ق�صدنا �إىل ذلك املو�ضع فناظر أ�ح�سن مناظرة‬ ‫قال فيها‪ :‬أ�نا أ�تبع احلق و أ�جتهد وال أ�تقيد مبذهب»( ‪.)3‬‬ ‫وعلى أ‬ ‫مر ب�إ�شبيلية قبل أ�ن يق�صد‬ ‫الغلب أ�ن ابن حزم قد ّ‬ ‫الطواد( ‪ )3‬ويذكر أ‬ ‫بلن�سية وبها املظفر أ�حد أ‬ ‫ال�ستاذ‬ ‫احلاجري رواية تدلل على ما ذهب �إليه نقلها عن املقري‬ ‫حيث أ�ننا ال نطعن يف رواية املقري مع أ�ن هذا الن�ص غري‬ ‫موجود يف بع�ض ن�سخ الطوق‪« .‬وغادر ابن حزم ا�شبيلية �إىل‬ ‫بادية لبلة موطن أ�جداده حيث توجد �ضيعته التي ورثها‬ ‫عن آ�بائه»(‪.) 3‬‬ ‫كان ال يخ�شى يف اهلل لومة الئم ‪ ..‬يناظر الفقهاء‪ ،‬ويجادل‬ ‫أ�هل الديانات أ‬ ‫الخرى‪ ،‬و ُي ّ�سفه أ�حالم كثري من العلماء وكانت‬ ‫حجته يف هذا كله أ�نه «ال �سر يف الدين عند أ�حد‪ ،‬قال اهلل‬ ‫عزوجل‪�( :‬إنّ الذين يكتمون ما أ�نزلنا من البينّات والهدى‪،‬‬ ‫من بعد ما بينّاه للنا�س يف الكتاب‪ ،‬أ�ولئك يلعنهم اهلل‪،‬‬ ‫ويلعنهم الالعنون؛ �إال الذين تابوا و أ��صلحوا وبينوا) وقال‬ ‫تعاىل‪( :‬لتب ِّي ُن ًنه للنا�س وال تكتمونه)( ‪.)3‬‬ ‫كان �صاحبنا يف أ�ول منزلة غني ًا باملعنى املادي للغنى‪� ،‬صلب ًا‬ ‫يف ا�ستقالله الفكري‪ ،‬وحترره املعنوي‪ ،‬ال يرى م�سوغ ًا‬ ‫يحب‬ ‫لطاعة أ�حد �سوى نف�سه يف ر أ�ي‪ ،‬جدلي ًا من طراز غريب ُّ‬ ‫النداد‪ ،‬كلُّ هذه أ‬ ‫أ�ن يقارع أ‬ ‫المور جعلته بغي�ض ًا �إىل غريه من‬ ‫العلماء‪ .‬مثري ًا للنقمة على �شخ�صه‪ ،‬موغر ًا لل�صدور ‪ ..‬كلهم‬ ‫يح�سدونه!‬ ‫أ�ُحرقت كتبه ولكنه مل يهن أ�و ينزل عن �صرامته‪ ،‬وقد‬ ‫و�ضع بعد هذه احلادثة بع�ض الكتب منها كتابه أ‬ ‫«الخالق‬ ‫وال�سري يف مداواة النفو�س» وهو عبارة عن خواطر وذكريات‬ ‫تظللها الك�آبة وي�سيطر عليها الت�شا ؤ�م‪ ،‬على أ�ن ابن حزم مل‬ ‫‪34‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫يكن يف أ�واخر أ�يامه «وحيد ًا»‪� ،‬إذ كان قد تزوج ورزق عدد ًا‬ ‫من أ‬ ‫الوالد‪ ،‬عرف منهم ابنه الف�ضل أ�بو رافع الذي أ��صبح‬ ‫وزير ًا من بعد ألبي القا�سم بن عباد املعتمد‪ ،‬وكان من أ�خل�ص‬ ‫املخل�صني أللد أ�عداء أ�بيه‪ .‬و أ�بو �سليمان امل�صعب‪ ،‬و أ�بو‬ ‫أ��سامة يعقوب وه ؤ�الء الثالثة عملوا على ن�شر أ�فكار أ�بيهم‪،‬‬ ‫والرتويج لها(‪.)35‬‬

‫وفاتـــه‪:‬‬

‫عا�ش ابن حزم حياة زاخرة باملحن وامل�صائب فما هادنها‬ ‫وال هادنته‪ ،‬حتداها يف خمتلف الظروف بال�سيف أ�و ًال‪،‬‬ ‫كما ر أ�يناه على أ�بواب غرناطة‪ ،‬وبالقلم والفكر بعد ذلك‪.‬‬ ‫وا�ستمر يف ن�ضاله الفكري مدة أ�كرث من أ�ربعني عام ًا‪ ،‬كرهه‬ ‫أ‬ ‫فتمالوا على بغ�ضه ورمبا كان ل�سالطة ل�سانه‬ ‫فقهاء ع�صره‪،‬‬ ‫أ�ثر يف ذلك‪� ،‬إذ أ��صبح م�ضرب املثل فيقال «نعوذ باهلل من‬ ‫�سيف احلجاج ول�سان ابن حزم ولعل كلم الل�سان أ�قوى من‬ ‫كلم ال�سنان! (‪.)36‬‬ ‫آ‬ ‫ويف الثامن والع�شرين من �شعبان �سنة ‪456‬هـ (‪�15‬ب‬ ‫‪1064‬م) ق�ضى نحبه‪ ،‬عن اثنتني و�سبعني �سنة‪ ،‬وانتهى من‬ ‫هموم الدنيا تارك ًا من آ�ثاره و�سريته ه ّم ًا لغريه من الباحثني‬ ‫قرر يف بع�ض كتبه «… واعلم أ�نك‬ ‫والدار�سني‪ ،‬وكان قد ّ‬ ‫أ‬ ‫ال تورث العلم �إال من يك�سبك احل�سنات و�نت ميت‪ ،‬والذكر‬ ‫الطيب و أ�نت رميم»(‪ ..)37‬رحمه اهلل‪.‬‬

‫آ�ثاره و أ�هم م�صنفاته‪:‬‬

‫لن أ��ستطيع أ�ن أ�در�س أ�و أ�حلل أ�ي كتاب من كتبه يف هذه‬ ‫العجالة ال�سريعة‪ ،‬وكل كتاب ي�ستحق الدرا�سة والتحليل‪،‬‬ ‫ولكنني �س أ�مر مرور ًا على بع�ض م ؤ�لفات �صاحبنا‪.‬‬ ‫هذا �صاعد بن أ�حمد اجلياين عن ابنه رافع يقول‪�« :‬إن مبلغ‬ ‫تواليفه يف الفقه واحلديث أ‬ ‫وال�صول والنحل وامللل وغري‬ ‫ذلك من التاريخ والن�سب وكتب أ‬ ‫الدب‪ ،‬والرد على املعار�ض‬ ‫نحو أ�ربعمائة جملد ت�شتمل على قريب من ثمانني أ�لف‬ ‫ورقة»(‪.)38‬‬ ‫ويعلق �صاعد على رواية الف�ضل فيقول‪« :‬وهذا �شيء ما‬ ‫ال�سالم قبله‪� ،‬إال ألبي جعفر‬ ‫علمناه ألحد من كان يف دولة إ‬ ‫حممد ابن جرير الطربي(‪ )39‬وقد ن�شر عدد من م ؤ�لفاته‪،‬‬ ‫وال يزال ق�سم كبري منها مطوي ًا‪ ،‬مل تهتد �إليه أ�يدي املحققني‬ ‫… كتب ما زالت �صفراء علتها غربة فهل من متبرّ ع لها؟‍!‬ ‫ومن أ�هم آ�ثاره العلمية‪:‬‬ ‫‪� -1‬إبطال القيا�س والر أ�ي واال�ستح�سان والتقليد‪.‬‬ ‫الجماع وم�سائله على أ�بواب الفقه‪.‬‬ ‫‪ -2‬إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الحكام يف ��صول الحكام‪.‬‬ ‫‪ -3‬إ‬


‫‪ -4‬أ‬ ‫الخالق وال�سري يف مداواة النفو�س‪.‬‬ ‫المامة وال�سيا�سة يف ق�سم �سري اخللفاء ومراتبها‪،‬‬ ‫‪ -5‬إ‬ ‫والندب والواجب منها‪.‬‬ ‫المامة واملفا�ضلة‪.‬‬ ‫‪ -6‬إ‬ ‫‪ -7‬حجة الوداع‪.‬‬ ‫أ‬ ‫‪ -8‬الف�صل يف امللل والهواء والنحل‪.‬‬ ‫آ‬ ‫‪ -9‬القراءات امل�شهورة يف أ‬ ‫الم�صار‪ ،‬التية‪ ،‬جميء التواتر‪.‬‬ ‫ولعل من املفيد أ�ن نقف عند كتاب ابن حزم يف تاريخ‬ ‫أ‬ ‫ال�سبانية‪،‬‬ ‫الديان امل�سمى با�سم «الف�صل» وقد ترجم �إىل إ‬ ‫واحتل مكانة كبرية عند أ‬ ‫الوروبيني �إذ لقبوا م ؤ�لفه بلقب‬ ‫م ؤ��س�س علم أ‬ ‫الديان املقارن‪ ،‬وهو ال يتناول فيه نحلة �إال‬ ‫عرف دقائقها‪ ،‬وحاور فيه ك أ�ح�سن ما يحاور فيل�سوف‪ ،‬وقد‬ ‫جادل جدا ًال ا�ست أ�ثر بكل ما فيه من ذكاء وعمق‪ .‬وهو ال‬ ‫يبارى يف نقد تلك أ‬ ‫الديان‪ ،‬وكذلك ال� أش�ن يف نقد الفرق‬ ‫ال�سالمية‪ :‬املعتزلة واخلوارج‪ ،‬وال�شيعة واملرجئة‪ ،‬ونراه‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يخ�ص�ص معظم اجلز�ين الول والثاين من كتابه «الف�صل»‬ ‫ملناق�شة أ�قوال الفال�سفة‪ ،‬والبحث بطريقته اجلدلية يف‬ ‫مادة التوراة واالجنيل‪ ،‬لكي يظهر ما فيها من تناق�ضات‬ ‫وحتريف وتبديل‪ ،‬و أ�نها غري الذي أ�نزل اهلل عز وجل(‪.)40‬‬ ‫وهو يعتمد يف ذلك على مبد أ�ين اتخذهما أ��سا�س ًا يف كل بحث‪،‬‬ ‫وقاعدة يف كل جدال‪ ،‬وهما الن�ص والعقل‪ ،‬ونلمح مو�ضوعية‬ ‫ابن حزم يف عر�ضه لهذه الق�ضايا وذلك بعر�ض وجهة نظر‬ ‫خ�صمه بن�صها ولفظها‪ .‬وعلى هذا النحو يناق�ش ابن حزم‬ ‫الن�ص فيقلب أ�لفاظه وينفذ �إىل معانيه‪ ،‬ويف نف�س الوقت‬ ‫يحتكم �إىل بديهة العقل‪.‬‬ ‫أ‬ ‫لقد بد أ� �صاحبنا قراءة التوراة والكتب الدينية الخرى يف‬ ‫�سن مبكرة‪ ،‬ويبدو أ�ن كتاب (الف�صل) كما تدل عليه ت�سميته‬ ‫هو جمموعة من الر�سائل كتبها ابن حزم يف أ�وقات خمتلفة‪،‬‬ ‫وال ي�ستطيع امل ؤ�لف كتابة مثل هذا الكتاب قبل أ�ن يطلع‬ ‫اطالع ًا وا�سع ًا على كثري من امل�صادر الدينية والتاريخية‬ ‫والفل�سفية‪ ،‬وابن حزم نف�سه يحدثنا عن ذلك فيقول‪« :‬وقد‬ ‫�شاهدنا النا�س‪ ،‬وبلغتنا أ�خبار أ�هل البالد البعيدة وكرث بحثنا‬ ‫عما غاب عنا منها‪ ،‬وو�صلت �إلينا التواريخ الكثرية املجموعة‬ ‫يف أ�خبار من �سلف من عرب وعجم يف كثري من أ‬ ‫المم»( ‪.)4‬‬ ‫وخال�صة القول أ�ن كتاب الف�صل جمموعة ر�سائل كتبها ابن‬ ‫حزم‪ ،‬وكل ر�سالة يف جملتها بحث قائم بذاته‪ ،‬كما يت�ضح‬ ‫مث ًال من «ر�سالة املفا�ضلة بني ال�صحابة»( ‪ …)4‬لع ّله ر أ�ى‬ ‫أ�ن يجمعها يف �سفر واحد و أ�عطاها ذلك اال�سم حتى يدل‬ ‫القارئ على أ�نها كانت مفرقة تعميم ًا للفائدة وحفظ ًا لها من‬ ‫ال�ضياع(‪.)43‬‬

‫الر�سائل‪:‬‬

‫والبن حزم جمموعة ر�سائل‪ ،‬عالج يف كل واحدة منها مو�ضوع ًا‬ ‫م�ستق ًال وهي مو�ضوعات تتناول جميع أ�لوان املعرفة‪ ،‬فمنها ما‬ ‫والدب أ‬ ‫يبحث يف الفقه أ‬ ‫والخالق والفل�سفة‪ ،‬ومنها ما يبحث‬ ‫يف أ�خالق النف�س أ‬ ‫والمامة وال�سيا�سة‪ ،‬واملنطق‬ ‫وال�صول‪ ،‬إ‬ ‫والجماع والتاريخ �إىل غري ذلك‪.‬‬ ‫ال�سالمية إ‬ ‫والفرق إ‬ ‫�إن جمموعة ر�سائل ابن حزم تعالج مو�ضوعات أ��سا�سية‬ ‫الن�ساين‪،‬‬ ‫تهدف �إىل تقدم املعرفة‪ ،‬وخدمة املجتمع إ‬ ‫وتطمني ال�سعادة الدائمة للفرد يف دنياه و آ�خرته‪ ،‬وبعبارة‬ ‫أ�خرى كان ابن حزم ميثل ثورة فكرية انبثقت من املجتمع‬ ‫أ‬ ‫ال�سالمي تهدف �إىل �إ�صالح الف�ساد ومداواة‬ ‫الندل�سي إ‬ ‫النفو�س‪ ،‬وتقومي الت�شريع بالرجوع �إىل منابعه أ‬ ‫ال�صيلة يف‬ ‫القر آ�ن واحلديث‪ ،‬وهو ميثل ثورة فكرية يف عامل الفل�سفة‪،‬‬ ‫ثورة علمية يف عامل تقدم املعرفة‪ ،‬وميثل ثورة تعليمية‬ ‫تت�صل بالتعليم واملراحل الثقافية التي يجب أ�ن مير بها‬ ‫املواطن أ‬ ‫الندل�سي يف عرف ابن حزم‪ ،‬وهو كذلك ميثل ثورة‬ ‫يف عامل أ‬ ‫الدب والنقد املو�ضوعي احلر ال النقد ألجل النقد!‬ ‫وما أ�حوجنا آ‬ ‫الن �إىل علماء مثل ابن حزم … وفكر ابن‬ ‫حزم!! (‪.)44‬‬ ‫هو عامل ومفكر وفقيه و�إمام … وكذلك هو نحوي‪ ،‬فقد‬ ‫أ�ثار يف كتابه «التقريب» عدة ق�ضايا نحوية‪ ،‬وله ملحظ‬ ‫لطيف يف ق�ضية «العامل» يف النحو‪ ،‬وما تركه هذا الر أ�ي من‬ ‫أ�ثر فيما بعد(‪ .)45‬وقد ت أ�ثر ابن م�ضاء �إىل أ�بعد احلدود‬ ‫بنظرية ابن حزم يف النحو‪ ،‬وب�صورة خا�صة بنظريته يف‬ ‫العلة واملعلول‪.‬‬ ‫وله ر�سالة الرد على ابن النغريلة اليهودي‪ :‬وهي متثل جانب ًا‬ ‫من ال�صراع العقائدي وما داخله من عوامل اال�ضمحالل التي‬ ‫وال�سالمي يف أ‬ ‫الندل�س قاطبة‪ ،‬أ�ما‬ ‫باتت تهدد الوجود العربي إ‬ ‫أ‬ ‫الن�سانية‪،‬‬ ‫فكر يف �نواع املعرفة إ‬ ‫ر�سالته مراتب العلوم‪ :‬فقد ّ‬ ‫من خالل وحدتها املتكاملة‪ ،‬ودائم ًا ف�إن الفكرة الدينية‬ ‫الطار العام لنتاج تفكريه وفل�سفته‪.‬‬ ‫ال�سالمية هي إ‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫�إن ر�سالته هذه تتميز مبا ن�ستطيع �ن ن�سميه بوادر نظرية‬ ‫علم االجتماع التي اكت�شفها ابن خلدون و أ�طلق على هذا‬ ‫العلم (علم العمران) وبذا يكون ابن خلدون قد �سبق‬ ‫( أ�وج�ست كونت) يف هذا املجال ‪ -‬وهذا من ف�ضلة القول ‪� -‬إذ‬ ‫نرى ابن حزم ي ؤ�كد فكرة التعاون يف عالقات النا�س بع�ضهم‬ ‫ببع�ض وما يقومون به من خدمات اجتماعية‪ ،‬يقول‪ :‬وليكن‬ ‫النا�س فيها يف تعاونهم على �إقامة الواجب من ذلك عليهم‬ ‫كاملجتمعني إلقامة منزل‪ ،‬ف�إنه ال بد من بناء و أ�جراء ينقلون‬ ‫احلجر وينقلون الطني‪ ،‬ومن �صناع القرمد وقطاعي اخل�شب‬ ‫و�صناعي أ‬ ‫البواب وامل�سامري حتى يتم البناء …(‪.)46‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪35‬‬


‫وله ر�سالة يف ف�ضل أ‬ ‫الندل�س وذكر رجالها … تدل مقدمتها‬ ‫على أ�ن أ�با حممد خاطب بها أ�با بكر بن �إ�سحق �صديقه‬ ‫احلميم‪ ،‬و أ�نه كتبها أ�ي�ض ًا بطلب من حممد بن عبد اهلل الفهري‬ ‫عن الدولة رئي�س قلعة (البونت) من أ�عمال بلن�سية‪.‬‬ ‫وهذه «ر�سالة يف مداواة النفو�س وتهذيب أ‬ ‫الخالق والزهد‬ ‫يف الرذائل» و أ�نا أ�تفق مع من ذهب �إىل أ�ن ابن حزم كتب‬ ‫هذه الر�سالة يف أ�خريات حياته‪ ،‬فهي ثمرة �سني ن�ضجه‬ ‫وخال�صة جتاربة القا�سية‪ ،‬وقد كتبها ب أ��سلوب هادئ عميق‬ ‫بعيد عما أ�لفناه يف جداله العنيف ولهجته الثائرة م�ضمن ًا‬ ‫�إياها نتائج درا�ساته الفل�سفية العميقة ومالحظته ل� ؤ‬ ‫ش�ون‬ ‫النا�س و أ�خالقهم من أ�جل غايات تعليمية وا�ضحة ن�ص عليها‬ ‫يف مقدمته(‪)47‬‬ ‫اللفة أ‬ ‫«طوق احلمامة يف أ‬ ‫والالف»‪.‬‬ ‫كنت قد أ��شرت �إىل هذا الكتاب آ�نف ًا و أ�ف�صحت فيه القول‪،‬‬ ‫حيث يعد من أ�وائل ت�صانيف ابن حزم‪� ،‬صنّفه يف �شاطبة‪،‬‬ ‫والت�صنيف يف مو�ضوع احلب الذي طرقه أ�بو حممد يف هذا‬ ‫الكتاب قدمي يف أ‬ ‫الدب العربي‪ ،‬فقد كتب اجلاحظ ر�سالة يف‬ ‫«الع�شق والن�ساء» وعر�ض له كتاب «ر�سائل اخوان ال�صفا»‪،‬‬ ‫وكتاب «الزهرة» ألبي بكر حممد بن أ�بي �سليمان أ‬ ‫ال�صفهاين‬ ‫(ت �سنة ‪ 297‬هـ)‪ ،‬وهذا ابن دراج الق�سطلي ي ؤ�لف كتاب‬ ‫«احلدائق» يعار�ض فيه كتاب «الزهرة» أ‬ ‫لل�صفهاين‪ .‬ويعد‬ ‫(ما�سنيون) كتاب (الزهرة) أ�ول حماولة لو�ضع منهج �شعري‬ ‫للحب أ‬ ‫الفالطوين‪ ،‬هذا احلب الطاهر الذي يجده بع�ض‬ ‫الباحثني وكانوا يطلقون عليه احلب العذري عو�ض ًا عن‬ ‫اللهي الذي كانوا ينكرونه‪ ،‬وال َّ‬ ‫كتاب (طوق‬ ‫�شك أ�نَّ‬ ‫َ‬ ‫احلب إ‬ ‫أ‬ ‫احلمامة) من ثمرات املذهب الظاهري يف الدب العربي‬ ‫لذلك الع�صر‪ ،‬وقد وجدت الدعوة �إىل احلب العذري �صدى يف‬ ‫نفو�س النا�س يف امل�شرق واملغرب وال �سيما يف نف�س ابن حزم‪.‬‬ ‫وعلى أ‬ ‫الغلب أ�ن ابن حزم قد اطلع على كتاب (الزهرة)‬ ‫وت أ�ثر به �إىل حد بعيد وا�ستوحى منه املو�ضوع والعنوان‪،‬‬ ‫وذلك من الباب الثالث والثالثني من كتاب الزهرة‪( :‬يف نوح‬ ‫احلمام أ�ن�س للمنفرد امل�ستهام) حيث يحكي امل ؤ�لف كثري ًا من‬ ‫الق�ص�ص ويورد بعدها أ��شعار ًا منتخبة‪.‬‬ ‫ال�سالمي املبدع يحدثنا يف الطوق عن احلب‬ ‫هذا الفيل�سوف إ‬ ‫و أ�لوانه حديث العا�شق املتيم‪ ،‬الذي يظل عدة أ��شهر ال يغري‬ ‫ثيابه حزن ًا على جارية علق بها ف ؤ�اده‪ ،‬ولعل أ�جمل ما يف‬ ‫الكتاب أ�نه حتول �إىل اعرتافات �صريحة لعلها كانت أ�هم‬ ‫ال�سباب التي أ�ذاعت �شهرته يف آ‬ ‫أ‬ ‫الداب العاملية‪ ،‬وال �سيما‬ ‫أ�نها �صادرة عن �شخ�صية يبلغ بها الورع حد الن�سك ولكنه‬ ‫حرمه اهلل على العلماء‬ ‫لي�س ن�سك ًا أ�عجمي ًا‪ ،‬وهل احلب قد ّ‬ ‫والفقهاء والفال�سفة أ‬ ‫والدباء؟ كيف ال وهم أ�كرث النا�س‬ ‫‪36‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ح�سا�سية و�إرهاف ًا و أ��شدهم عاطفة! (‪)48‬‬ ‫و أ�نا ال أ�رى ما ذهب �إليه الدكتور طه ح�سني من أ�ن �صاحبنا‬ ‫ق�صد �إىل ت�صوير احلب والتعبري عنه‪ ،‬وك أ�منا أ�لف كتابه يف‬ ‫البالغة‪ ،‬وق�صد به �إىل أ�ن يعلمه ال�شعراء والكتاب‪ ،‬كيف‬ ‫يت�صورون احلب‪ ،‬وكيف ي�صورونه وكيف ي�صفونه يف ال�شعر‬ ‫والنرث(‪ .)49‬فهذا الكتاب –كما عرفنا‪-‬كان نتاج مالحظات‬ ‫دقيقة وم�شاهدات وخربات �شخ�صية وفيه اعرتافات‬ ‫�صريحة من ابن حزم‪ ،‬ويذكر ابن حزم مناذج �شعرية بثها يف‬ ‫كل ف�صل من ف�صول الكتاب‪ ،‬وهي مناذج ين�شئها هو وال ينقلها‬ ‫عن غريه‪ ،‬و أ��س أ�ل كل من يتفق مع عميد أ‬ ‫الدب العربي وهل‬ ‫احلب ُيع ّلم؟ وهل هو ق�صة أ�و ق�صيدة نقر أ�ها فنحب!‬ ‫ولعل أ�هم ميزة متيز كتاب الطوق هي‪ :‬عذرية احلب و�صلتها‬ ‫بالنظرة أ‬ ‫الفالطونية حيث يب�سط ابن حزم يف ر�سالته هذه‬ ‫نظريته املثالية يف الع�شق‪ ،‬ومل تكن هذه النظرية بال�شيء‬ ‫�سجلت احلجاز بطولة احلب العذري فكان‬ ‫اجلديد فقد ّ‬ ‫جمنون ليلى وكان جميل بثينة وكان كثري عزة وغريهم‪،‬‬ ‫وهذا العبا�س ابن أ‬ ‫الحنف يف العراق‪ ،‬وي�ست�شهد ابن حزم‬ ‫يف موا�ضع كثرية على �سماحة ال�شريعة وتقبلها لهذا اللون‬ ‫من احلب‪ ،‬وقد ت أ�ثر ابن داود بالفل�سفة اليونانية وخا�صة‬ ‫ب أ�ر�سطو طالي�س و أ�فالطون وجالينو�س وبطليمو�س(‪.)50‬‬ ‫ورد يف كتاب الزهرة «وحكي عن أ�فالطون أ�نه قال ما أ�دري ما‬ ‫الهوى غري أ�ين أ�علم أ�نه جنون �إلهي ال حممود وال مذموم»‬ ‫(‪.)5‬‬ ‫لقد غذى ابن حزم جتاربه بالنظرة أ‬ ‫الفالطونية وبكثري‬ ‫من آ‬ ‫اليات القر آ�نية أ‬ ‫والحاديث النبوية ‪ ..‬فكانت ال تبعث‬ ‫على املالل …‪ ،‬وبعد أ�ن ي�ستطرد يف �سرد احلوادث الواقعية‬ ‫والتجاريب اخلا�صة نراه ي�ستدرك ويعود �إىل نظرته‬ ‫املثالية فيقول «وال يظن ظان وال يتوهم متوهم أ�ن كل هذا‬ ‫خمالف لقويل امل�سطر يف �صدر الر�سالة‪� ،‬إن احلب ات�صال بني‬ ‫النفو�س يف أ��صل عاملها العلوي‪ ،‬بل هو م ؤ�كد له»(‪ )5‬ت�سا ؤ�ل‬ ‫�إن من يقر أ� طوق احلمامة أ�و بع�ض أ�جزاء هذا الكتاب‪ ،‬ال‬ ‫يخيل �إليه وال يف أ�ية حال من أ‬ ‫الحوال أ�ن �صاحبه «معلم»‬ ‫يود تدري�س احلب‪ ،‬ولكنه عا�شق ‪ ..‬عا�شق بكل ما حتوي هذه‬ ‫الكلمة من معنى! وهذا جمرد ر أ�ي أ�طرحه و أ�حرتم ّ‬ ‫كل ر أ�ي‬ ‫ولو كان نقي�ضي متام ًا!‬ ‫الهوام�ش‬

‫(‪)1‬مقطع من ق�صيدة لل�شاعر أال�سباين (فرناندو بيالون)‪ ،‬وهو �شاعر متعاطف مع‬ ‫العرب يف �شعره‪ ،‬انظر ماجد غنما‪ ،‬يوميات أ�ندل�سية‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪� ،1978 ،‬ص‪.69‬‬ ‫(‪)2‬انظر «طبقات أالمم» للقا�ضي أ�بي القا�سم �صاعد‪ ،‬ن�شر أالب لوي�س �شيخو بريوت‪،‬‬ ‫‪� ،1912‬ص‪.77-75 :‬‬


‫(‪ )3‬انظر عبد اللطيف �شرارة‪ :‬ابن حزم رائد الفكر العلمي‪ ،‬املكتب التجاري للطبع‬ ‫والن�شر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪� ،‬ص‪.8‬‬ ‫(‪)4‬طوق احلمامة �ص‪.116‬‬ ‫(‪ )5‬نيكل�سون‪� ،‬ص‪.426‬‬ ‫(‪ )6‬الذخرية‪� ،‬ص‪.143‬‬ ‫(‪ )7‬ال�صلة جـ‪� :2‬ص‪.295‬‬ ‫(‪ )8‬معجم أالدباء‪ ،‬جـ‪� ،12‬ص‪.236-235‬‬ ‫(‪ )9‬تاريخ أالدب أالند�سي‪ ،‬ع�صر �سيادة قرطبة‪� :‬ص‪.331-246‬‬ ‫(‪ )10‬ابن حزم أالندل�سي ‪ /‬حياته و أ�دبه‪ ،‬الدكتورعبدالكرمي خليفة‪� ،‬ص‪.15‬‬ ‫(‪ ) 1‬امل�صدر ال�سابق‪� ،‬ص‪ ،29‬وانظر أ�لوان‪� :‬ص‪.102‬‬ ‫(‪ ) 2‬النفح‪-‬ط‪ ،1‬حميي الدين‪ ،‬ج‪� ،4‬ص‪.159-158‬‬ ‫(‪ ) 3‬د‪ .‬طه احلاجري‪ :‬ابن حزم �صورة أ�ندل�سية‪� ،‬ص‪.42‬‬ ‫(‪ ) 4‬احللة ال�سرياء‪� :‬ص‪.104‬‬ ‫(‪� ) 5‬شرارة‪� ،‬ص‪.79‬‬ ‫(‪ ) 6‬طوق احلمامة‪� ،‬ص‪.25‬‬ ‫(‪ ) 7‬طوق احلمامة‪� ،‬ص‪.109-108‬‬ ‫(‪ ) 8‬انظر‪ :‬ابن حزم �صورة أ�ندل�سية ‪ /‬احلاجري‪� ،‬ص‪.43-41‬‬ ‫(‪ ) 9‬طوق احلمامة‪� ،‬ص‪.125‬‬ ‫(‪ )20‬طوق احلمامة‪� ،‬ص‪124‬‬ ‫( ‪ )2‬امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص‪.49‬‬ ‫(‪ )22‬للمزيد انظر‪ :‬املغرب جـ‪� ،1‬ص‪ ،198-194‬ابن عذارى‪� :‬ص‪ ( 445-373‬أ�خبار‬ ‫املن�صور بن أ�بي عامر)‪ ،‬وابن حزم حياته و أ�دبه ‪ /‬د‪ .‬خليفة‪� ،‬ص‪.42-41‬‬ ‫(‪ )23‬انظر‪ :‬ابن حزم رائد الفكر العلمي ‪� /‬شرارة �ص‪.47-44‬‬ ‫(‪ )24‬الطوق‪� :‬ص‪.155‬‬ ‫(‪ )25‬الطوق‪� ،‬ص‪.55‬‬ ‫(‪ )26‬الذهبي‪ :‬جـ‪� / 3‬ص‪.148‬‬ ‫(‪ )27‬أالخالق وال�سري‪� ،‬ص‪.15‬‬ ‫(‪ )28‬الذخرية‪� ،‬ص‪.142‬‬ ‫(‪ )29‬الف�صل‪ :‬جـ‪� /4‬ص‪.72‬‬ ‫(‪ )30‬امل�صدر ال�سابق‪� ،‬ص‪.65‬‬ ‫( ‪ )3‬الذهبي‪ :‬جـ‪�/3‬ص‪.1148‬‬ ‫(‪ )32‬احلاجري‪�/‬ص‪.119‬‬ ‫(‪ )33‬أال�ستاذ خليفة‪� /‬ص‪.72‬‬ ‫(‪� )34‬شرارة‪ /‬ابن حزم رائد الفكر العلمي �ص‪.47‬‬ ‫(‪ )35‬انظر �شرارة‪� ،‬ص‪.51-45‬‬ ‫(‪ )36‬انظر أال�ستاذ خليفة ‪� /‬ص‪.87/86‬‬ ‫(‪� )37‬شرارة �ص‪.51‬‬ ‫(‪ )38‬معجم أالدباء‪ :‬جـ‪� ،12‬ص‪.238‬‬ ‫(‪ )39‬امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص‪.240‬‬ ‫(‪ )40‬للمزيد‪ :‬الف�صل‪ :‬ج‪.163-93 / 1 :‬‬

‫( ‪ )4‬الف�صل‪ :‬جـ‪� ،1‬ص‪.133‬‬ ‫(‪ )42‬الف�صل‪ :‬جـ‪� /4‬ص‪.111‬‬ ‫(‪ )43‬أال�ستاذ خليفة ‪� /‬ص‪.138-136‬‬ ‫(‪ )44‬امل�صدر نف�سه ‪.141-140‬‬ ‫(‪ )45‬للمزيد «التقريب»‪� ،‬ص‪.168‬‬ ‫(‪ )46‬للمزيد الر�سائل‪� :‬ص‪.83-82‬‬ ‫(‪ )47‬انظر خليفة �ص‪ ،185-180‬الطوق‪�-‬ص‪.1‬‬ ‫(‪ )48‬انظر امل�صدر ال�سابق‪� ،‬ص‪.204-187‬‬ ‫(‪ )49‬أ�لوان‪� ،‬ص‪.117‬‬ ‫(‪ )50‬الزهرة‪� :‬ص‪.18-1‬‬ ‫( ‪ )5‬الزهرة‪� :‬ص‪.15‬‬

‫امل�صادر واملراجع‬

‫‪ -1‬ابن ب�سام‪ -‬أ�بو احل�سن علي بن ب�سام ال�شنرتيني‪ ،‬الذخرية يف حما�سن أ�هل اجلزيرة‪،‬‬ ‫الق�سم أالول‪ ،‬املجلد أالول‪ ،‬القاهرة‪1358 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪ -2‬ابن ب�شكوال‪ ،‬أ�بو القا�سم خلف عبد امللك‪ ،‬ال�صلة‪ ،‬جـ‪1374 2-1‬هـ‪1955-‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬ابن حزم‪ ،‬أ�بو حممد علي بن أ�حمد بن حزم‪ ،‬أالخالق وال�سري يف مداواة النفو�س‪،‬‬ ‫بريوت‪1961 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬أ�بن حزم‪ ،‬أ�بو حممد علي بن حزم أالندل�سي‪ ،‬ر�سائل ابن حزم أالندل�سي‪ ،‬م�صر‪،‬‬ ‫دون تاريخ‪.‬‬ ‫‪ -5‬ابن حزم‪ ،‬أ�بو حممد علي بن حزم أالندل�سي‪ ،‬طوق احلمامة يف أاللفة أ‬ ‫والالف‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬ ‫‪ -6‬ابن حزم‪ ،‬أ�بو حممد علي بن حزم أالندل�سي‪ ،‬الف�صل يف امللل أ‬ ‫والهواء والنحل‪،5-1 ،‬‬ ‫م�صر‪1347 ،‬هـ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫‪ -7‬ابن حزم‪� ،‬بو حممد علي بن حزم الندل�سي‪ ،‬املحلى‪ ،‬جـ‪ ،1‬جـ‪ ،2‬جـ‪،3‬‬ ‫م�صر‪1352،‬هـ‪.‬‬ ‫‪ -8‬أ�بو القا�سم �صاعد أالندل�سي‪ :‬طبقات أالمم‪ ،‬ن�شر أالب لوي�س �شيخو‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪.1912‬‬ ‫‪ -9‬أ�حمد املقري‪ ،‬نفح الطيب من غ�صن أالندل�س الرطيب‪ ،‬وذكر وزيرها ل�سان الدين‬ ‫بن اخلطيب‪ ،‬جـ‪ ،20-1‬م�صر‪1936 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -10‬الدكتور �إح�سان عبا�س‪ ،‬تاريخ أالدب أالندل�سي (ع�صر �سيادة قرطبة)‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪1960‬م‪.‬‬ ‫‪� -11‬سعيد أالفغاين‪ ،‬نظرات يف اللغة عند ابن حزم‪ ،‬دم�شق‪1382 ،‬هـ‪1963 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -12‬الدكتور طه احلاجري‪ ،‬ابن حزم �صورة أ�ندل�سية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬ ‫‪ -13‬الدكتور طه ح�سني‪ ،‬أ�لوان‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬م�صر‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬ ‫‪ -14‬الدكتور عبد الكرمي خليفة‪ ،‬ابن حزم أالندل�سي حياته و أ�دبه‪ ،‬دار العربية‪ /‬بريوت‪،‬‬ ‫مكتبة أالق�صى‪/‬عمان‪.1969 ،‬‬ ‫‪ -15‬عبد اللطيف �شرارة‪ ،‬ابن حزم رائد الفكر العلمي‪ ،‬املكتب التجاري للطباعة والن�شر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬ ‫ؤ‬ ‫آ‬ ‫‪ -16‬حممد أ�بو زهرة‪ ،‬ابن حزم‪ ،‬حياته وع�صره‪� ،‬را�ه وفقه‪ ،‬ط‪ ،2‬م�صر‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪37‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫دور الحوار مع اآلخر في رفد‬ ‫المشروع اإلسالمي لبناء الحضارة‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬ ‫إشكاليات حول بناء ثقافة الحوار عند الجماهير‬ ‫محمد سعيد ولد باه ‪ /‬السنغال ‬

‫ال�سالمية ال�سديدة‪ ،‬لي�س جمرد جل�سات‬ ‫«احلوار‪ ،‬يف الر ؤ�ية إ‬ ‫مطارحة بني مرتيف التفكري ومن يت�شدقون أ‬ ‫بالحاجي املنمقة‬ ‫وال حلقات تنعقد ق�صد �إفحام املقارع ودحر املناوئ‪ ،‬و�إمنا هو‬ ‫جهد خري يعب أ� ويبذل مع خلو�ص النية وجتريد الق�صد بغية‬ ‫مطاردة أ�حقاد فكرية م�ستوطنة تتقطع بها أ�و�صال الرحم‬ ‫الن�سانية‪ ،‬وكفكفة ت�صرفات حمقاء تتحول بها أ‬ ‫الخوة‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الميانية �إىل غابة كثيفة من ال�ضغان �و �صحراء جرداء‬ ‫إ‬ ‫من اجلفوة احلادة»‬ ‫احلوار‪ :‬أ�جواء بعثه و�سياقاته حول مفردات العنوان‬ ‫م�شروعية أ��سئلة اجلماهري امل�سلمة‪ ،‬احلوار وظيفة‪،‬‬ ‫ومرام‪ ،‬املقدمات ال�ضرورية‪ ،‬ركائزاحلوار‬ ‫احلوار منطلقات‬ ‫ٍ‬ ‫و�ضوابطه‬ ‫بني أ�خالقيات �ضابطة وقيم حامية‪ ،‬املوانع واملعوقات‪،‬‬ ‫بدائل تغييب احلوار‬

‫اخلال�صة‬

‫احلوار‪ :‬أ�جواء بعثه و�سياقاته‬ ‫حني نقوم بفرز ما تلفظه املطابع وميجه أ‬ ‫الثري هذه‬ ‫أ‬ ‫ال�سالمي و�ضواحيه‪ ،‬نلحظ‬ ‫اليام الداكنة يف قلب العامل إ‬ ‫ارتفاع حظ أ�لفاظ بعينها يف الورود مع ت�شابه يف امل�ضامني‬ ‫وا�شرتاك يف التعلق‪ ،‬باملعنى الذي ي�ستخدم فيه النحويون‬ ‫هذا اللفظ‪ ،‬ومن أ�كرث تلك أ‬ ‫اللفاظ رواجا ذلك الرباعي‬ ‫الرهاب»‪.‬‬ ‫ال�شهري‪« :‬احلوار‪ ،‬االنفتاح‪ ،‬التطرف‪ ،‬إ‬ ‫ثمة عالقة‪ ،‬وال �شك‪ ،‬بني هاتيك امل�صطلحات يفقهها من‬ ‫يحملون هم �إعادة ر�سم دوائر العالئق مع الغري وهم ي�صطلون‬ ‫بحرارة ما تطرحه أ‬ ‫الحداث العا�صفة التي ت�شهدها‬ ‫ال�سالمية بقطاعيها الداخلي واخلارجي من ق�ضايا‬ ‫ال�ساحة إ‬ ‫أ‬ ‫وحتديات تت�سم بال�شرا�سة حينا وبالتفجر �حايني كثرية‪،‬‬ ‫‪38‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫وي�سلمنا هذا �إىل حماولة تبني الدوافع التي �س ّوغت �إعادة‬ ‫ّو�سع‪.‬‬ ‫ت�سويق هذه امل�صطلحات ورديفاتها بكل هذا الت ّ‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬من د ّكا �إىل داكار‪ ،‬العقود املنق�ضية‬ ‫عرب العامل إ‬ ‫وهو يعي�ش حالة حتوالت حادة على �صعد عدة لكن ج ؤ�ار‬ ‫املعرتك الفكري كان أ��شد؛ جاءت هذه التحوالت بعد‪ ،‬ورمبا‬ ‫ب�سبب‪ ،‬أ�نه قد رزح ردحا من الزمن حتت ذلك الثقل الذي‬ ‫قال عنه �شيخ حامد كان‪:‬‬ ‫ال�سالمي حتت �ضغط كبري» (‪)1‬‬ ‫«عا�ش العامل إ‬ ‫ال�سالم‬ ‫كان الرهان على أ�ن تكون هذه ال�ضغطة جمهزة‪ ،‬لكن إ‬ ‫الفالت من �إ�سار تلك القب�ضة احلديدية‪،‬‬ ‫ا�ستطاع‪ ،‬كعادته‪ ،‬إ‬ ‫و�إن كان ثمة قطاع عري�ض من أ�تباعه من ال يزالون ير�سفون‬ ‫يف قيد أ‬ ‫ال�سالم العامل باالنتقال �إىل و�ضع‬ ‫ال�سر‪ ،‬كما فاج أ� إ‬ ‫اتخاذ املبادرة يف زمن ي�سري مبقيا�س أ�عمار ال�شعوب وم�سريات‬ ‫املبادئ والتحوالت الفكرية‪.‬‬ ‫أ�ذهلت هذه القومة‪ ،‬بل باغتت ثم أ�ربكت‪ ،‬خطط خ�صوم‬ ‫ال�سالمي يف الداخل واخلارج‪ ،‬ثم طفقوا يتلم�سون‬ ‫امل�شروع إ‬ ‫أ‬ ‫ال�سباب والعلل التي يف�سرون أ�و ي�س ّوغون بها ما حدث مع‬ ‫اجلنوح �إىل ا�ستبعاد العامل احلقيقي أ‬ ‫وال�سا�سي « البعد‬ ‫المياين احل�ضاري»‪ ،‬وم�س ّوغ هذا امل�سلك منطقي‪ ،‬ألن القبول‬ ‫إ‬ ‫ال�سالم‬ ‫به يقود �إىل نتيجة خطرية هي القول ب�صالحية إ‬ ‫وقدرتة على اال�ستجابة ملتطلبات احلياة الب�شرية �إزاء‬ ‫النحبا�س يف قاع‬ ‫ف�شل امل�شاريع احل�ضارية املناف�سة‪ ،‬بدل إ‬ ‫أ‬ ‫بعيد عن رعاية الحياء و�إغناء‬ ‫تاريخي عميق الغور‬ ‫ٍ‬ ‫احلياة‪ ،‬أ‬ ‫ولل�سف قاد الو�ضع النا�شئ �إىل عودة العالقة مع‬ ‫الغري �إىل مربع التوتر احلاد من جديد‪.‬‬ ‫ومن العوامل التي �صعبت على آ‬ ‫الخر ق�ضية ح�سن التعاطي‬ ‫مع ظاهرة التحول طبيعة الظاهرة نف�سها حيث جمعت‬ ‫بني الهدير ال�شعبي والرزانة الفكرية‪ ،‬فكان العن�صر أ‬ ‫الول‬ ‫ظهريا للثاين بينما تولت قيادة اخلط الفكري مقارعة‬ ‫التيار املقتحم العاتي‪.‬‬ ‫ف�إذا ق�سنا اليوم امل�سافة الفا�صلة بني حلظة ال�سقوط التي‬ ‫حتدث عنها الندوي (‪ )2‬وو�صفها حممد قطب ببداية‬ ‫خط االنحراف‪ ،‬وبني املحطة التي تقف عليها أ‬ ‫المة اليوم‪،‬‬ ‫ف�سنالحظ حتما أ�ن تبدال عميقا يتم على مهل‪ ،‬و�سنالحظ‬ ‫كذلك أ�ن هذا التبدل‪ � ،‬أش�نه يف ذلك � أش�ن أ�ي حتول جدي‬ ‫وجذري‪� ،‬سيم�س أ��س�س قيام املجتمعات الب�شرية وموقعها‪.‬‬ ‫تباينت املواقف‪ ،‬ألن �صوت التحول كان من االرتفاع والعمق‬ ‫بحيث مل يكن من ال�سهل التعامل معه على وترية واحدة‪،‬‬ ‫ويهمنا هنا أ�ن ن�شخ�ص موقف امل�سلمني الذين واجهوا هنا‬


‫مع�ضلتني داخليتني‪:‬‬ ‫كيف ميكن �إجناح م�شروع التحول الداخلي مع املحافظة‬ ‫على ا�ستقرار الكيان العام أ‬ ‫للمة و وجود تلك االختالالت‬ ‫ال�صالح؟‬ ‫اخلطرية التي �س ّوغت أ��صال طرح م�شروع إ‬ ‫أ�دى تباين طرق اال�ستجابة والتفاعل مع امل�شروع �إىل‬ ‫ال�صالحي فولدت من رحمه‬ ‫حدوث ان�شقاقات داخل التيار إ‬ ‫أ�طروحات جاحمة كان أ�كرثها �شغبا تلك التي تبنت العنف‬ ‫لل�صالح؛ ومن خلف العنف التطبيقي الذي‬ ‫فيما بعد خيارا إ‬ ‫اعتمد �سلوكا وممار�سة‪ ،‬كان يقبع العنف الفكري واخلطابي‬ ‫مع مالحظة دقة احلد الفا�صل بني العنفني مما ي�سهل العبور‬ ‫من �ضفة �إىل أ�خرى‪.‬‬ ‫الخرى‪ ،‬فتتمثل يف انعكا�س هذه أ‬ ‫أ�ما املع�ضلة أ‬ ‫الطروحات‬ ‫ومواقف من يتبناها على اجلزء اخلا�ص بنقل �صورة �صادقة‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬وعلى تلك اجلهود‬ ‫وجالبة للغري �إىل امل�شروع إ‬ ‫احلثيثة التي تبذل الخرتاق احل�صار امل�ضروب على أ‬ ‫المة‬ ‫عرب العامل ويف القطاع الغربي منه خا�صة‪.‬‬ ‫وحيال هذا الو�ضع املت أ�زم‪� ،‬شهدت أ��سواق الفكر يف العامل‬ ‫والفكار واملبادرات‪ ،‬أ‬ ‫ال�سالمي الكثري من ال�صياغات أ‬ ‫الغلب‬ ‫إ‬ ‫كان رزينا جادا من النوع الذي مي�سك املاء وينبت الكلأ‬ ‫وينفع النا�س‪ ،‬ف�إىل جانب ذلك وجد الن�شاز الذي يطيب يل‬ ‫أ�ن أ�نعته بـ»الفتّان» الذي يدفع �إىل التقوقع ويب�شر بف�ضائل‬ ‫االنكفاء على الذات بدال من اخلطو نحو اخلارج بثبات‬ ‫واقتدار القتحام العقبات بجر أ�ة وذكاء يليقان بحملة‬ ‫ال�سالمية املتطلع �إىل ا�ستنقاذ‬ ‫امل�شروع النه�ضوي ذي املالمح إ‬ ‫الب�شرية من التهلكة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املم�ض عن ميالد م�صطلحات متباينة يف‬ ‫وقد تفتق هذا الهم‬ ‫االجتاهات امل�سلوكة لكنها تلتقي عند الغاية املتوخاة‪ ،‬وهي‬ ‫التوفيق بني مطلبني ‪:‬‬ ‫ال�سالم كما هو بال زخرفة ودومنا تنازل أ�و ر�ضوخ‬ ‫‪ -1‬تقدمي إ‬ ‫ال�سالمية ‪.‬‬ ‫لل�ضغط النازل على املنابر إ‬ ‫‪ -2‬تطمني آ‬ ‫ال�سالم باعتباره‬ ‫الخر الذي ظل يتعامل مع إ‬ ‫خطرا ماحقا يجب الت�صدي له بكل الو�سائل‪ ،‬فجعل ذلك‬ ‫هذا آ‬ ‫الرعاب الذي اخرتع له أ�لف ا�سم‬ ‫الخر يركب ح�صان إ‬ ‫وا�سم ‪ ( :‬اخلطر أ‬ ‫الخ�ضر‪ ،‬حمور ال�شر‪ ،‬جمانني الرب‪ ،‬حتى‬ ‫ال�سالمي ) ‪.‬‬ ‫الرهاب إ‬ ‫ر�سا على البعبع اجلديد « إ‬ ‫ويف هذه ال�سياقات اململوءة بكل عوامل التوتر والقلق احلبلى‬ ‫بكل نذر االنفجار ‪ ،‬متت �إعادة توليد « م�صطلح احلوار»‬ ‫ورديفاته ونحن نقف يف تلك التخوم الواقعة بني ح�صوننا‬ ‫املهددة وديار اخل�صم التي يعكف أ�هلها على التّمرت�س ح�سا‬

‫ومعنى على طريقة أ�ولئك أ‬ ‫القوام الذي عرث عليهم العبد‬ ‫ال�صالح ‪:‬‬ ‫( فهل جنعل لك خرجا على أ�ن جتعل بيننا وبينهم �سدا)‬ ‫(الكهف ‪.) 94 /‬‬ ‫نعم ! ف أ�بناء الغرب اليوم منهمكون يف رفع ال�سدود ون�صب‬ ‫ال�سالمي املتغلغل‬ ‫الرهاب إ‬ ‫احلواجز للحيلولة دون ت�سلل إ‬ ‫يف أ�ظافر وجواربه كل م�سلم يرف�ض االن�صياع لعملية‬ ‫اال�ستن�ساخ‪.‬‬ ‫ويف ال�ضفة املقابلة يعمل أ�ولئك الذين يب�صرون يف الظالم‬ ‫(‪ )3‬وي�ستطيعون الثبات يف زمن املنحدرات‪ ،‬إلعادة �صقل‬ ‫أ�دواتنا حتى تعود فت�صلح للتوا�صل مع آ‬ ‫الخر ق�صد الت أ�ثري‬ ‫اجللي والت�صور احل�سن ‪.‬‬ ‫ويف ظل هذه أ‬ ‫الو�ضاع ميكن فهم خطورة �إعادة توليد طرح‬ ‫احلوار نهجا �صاحلا ميكن التعامل به مع آ‬ ‫الخر باعتباره‬ ‫لللهاء‪ ،‬بعقلية متفتحة‪ ،‬على‬ ‫قيمة أ��سا�سية ولي�س �شعار ًا إ‬ ‫خالف عادتنا التي تقوم على مطاردة كل جديد دومنا‬ ‫فح�ص أ�و متحي�ص لكن كونه جديدا يكفي أ�ن ن�ضعه يف ال�سلة‬ ‫أ‬ ‫الخرى ألنه من املهمالت ا ّلتي لن تكون ذات نفع ‪.‬‬ ‫حول مفردات العنوان ‪:‬‬ ‫أ‬ ‫وقبل أ�ن نعطف على حماور البحث‪ ،‬لنجلي �ن مناداة املنهج‬ ‫والحلاح يف املطالبة باعتماده منهجا‬ ‫ال�سالمي باحلوار إ‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫للحياة وثقافة للتعاي�ش و��سلوبا را�سخا للداء العايل جتاه‬ ‫الغري‪ ،‬مطلب م�شروع ي�ستحق التبني �إىل حد االحتفاء‪،‬‬ ‫ويح�سن التوقف هنا حيال املفردات التي مت تخريها لرتكيب‬ ‫حد لالجتاهات‬ ‫عنوان البحث‪ ،‬ألن ذلك قد ينتج ر ؤ�ية أ� ّ‬ ‫املر�سومة آ‬ ‫والفاق التي نتطلع �إليها يف نهاية التطواف حول‬ ‫ال�شكالية‪ ،‬التخاذها معابر للو�صول �إىل ذلك املفهوم العايل‬ ‫إ‬ ‫الذي ن أ�مل أ�ن يت�شكل يف نهاية امل�شوار عن مطلب التحاور‬ ‫وا�ستنبات ثقافته يف �صفوف جماهرينا امل�سلمة‪. .‬‬ ‫وانطالقا من أ�ننا نرف�ض اعتبار احلوار‪ ،‬منا ومن غرينا‪ ،‬جمرد‬ ‫�شيك على البيا�ض نوقع عليه مع�صوبي أ‬ ‫ال�صرار‬ ‫العني‪ ،‬مع إ‬ ‫على اعتباره ق�ضية جوهرية ت�ستحق العناء‪ ،‬جننح �إىل‬ ‫ربط كل �شيء يتعلق ب�إ�شكالية احلوار‪ ،‬داخليا وخارجيا‪،‬‬ ‫ال�سالمي احل�ضاري الذي نب�شر به العامل اليوم‪،‬‬ ‫بامل�شروع إ‬ ‫أ‬ ‫وبالخ�ص يف ميداين القدرة على فهم مكتنفات هذا امل�شروع‬ ‫أ‬ ‫والمانة يف تبليغه و�شرح حقائقه وف�ضائله‪.‬‬ ‫فبعد ان�سحاب امل�سلمني من مواقع التحكم بنقاط تعانق‬ ‫احل�ضارات ور�سم م�صائر أ‬ ‫المم وا�ضطرارهم �إىل الركون‬ ‫يف ذلك الركن املنزوي حينا من الدهر ركع يف أ�ثنائه بع�ض‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪39‬‬


‫ذراريهم فعال‪ ،‬ارتفعت النربات من جديد « منددة مب�شرة «‬ ‫ف أ�خذت ال�شعوب ال�شاردة تثوب نحو هتاف الرائد اجلديد‪،‬‬ ‫وهنا هال أ�قوامنا حجم الدمار الذي حل بالديار والنك�سات‬ ‫التي أ��صابت النفو�س والعقول‪ ،‬فانطلقت حملة ت�صحيحية‬ ‫رحبة‪ ،‬قلما عرف التاريخ لها مثيال �إال يف ظالل النبوات‪،‬‬ ‫تبتغي �إعادة �إر�ساء تلك القواعد ال�صلبة التي نه�ضت عليها‬ ‫ال�سالمية الزاهرة عدة قرون قبل أ�ن تطولها‬ ‫احل�ضارة إ‬ ‫معاول حماوالت التهدمي ‪.‬‬ ‫فمجمل هذا اجلهد اخلري الذي ي�صرف عرب املعمورة إلعادة‬ ‫بناء احلياة �سلوكا نظيفا يحلي الفرد وعالقة حميمة‬ ‫لدى االجتماع وقيمة عالية يف االقت�صاد ومبد أ� ثابتا يف‬ ‫ال�سيا�سة و�ضمريا �ضابطا يف توظيف املعرفة وخلقا ح�سنا‬ ‫و�إح�سانا يتجلى حني التوا�صل مع أ�ولئك الواقفني خارج‬ ‫المياين أ‬ ‫للمة‪ ،‬جتمع كل ذلك لي�شكل توجها‬ ‫دائرة االنتماء إ‬ ‫جديدا ال�ستعادة زمام املبادرة‪.‬‬ ‫ف�إذا أ�معنا النظر يف هذا ال�سياق أ�مكن أ�ن نلمح خم�سة حماور‬ ‫يتجلى فيها ال�سعي نحو ا�ستئناف أ‬ ‫ال�سالمية مل�سريتها‬ ‫المة إ‬ ‫احل�ضارية وهي يف حالة من الوعي حادة ‪:‬‬ ‫‪ -1‬املقاومة ال�ضارية واالبتالءات املتوالية التي خا�ضتها‬ ‫طليعة أ‬ ‫المالءات احل�ضارية التي‬ ‫المة بهدف �إنهاء مرحلة إ‬ ‫رزحنا حتتها ردحا من الزمن‪ ،‬فخرجنا بذلك احل�صاد الذي‬ ‫�شخ�صه ال�شيخ الغزايل وو�صفه‪ ،‬آ��سفا‪ ،‬ب أ�نه مر‪.‬‬ ‫‪ -2‬العمل املخطط والهادف �إىل �إعادة ت أ��صيل كربى الق�ضايا‬ ‫ال�سالمي وذلك من خالل م�شروع �ضاف‬ ‫على �ضوء املنهج إ‬ ‫أ‬ ‫ال�سالمية التي ��صابها كثري من العطب‬ ‫لرتميم العقلية إ‬ ‫ف أ�فقدها كثريا من القدرة على الفرز والتقرير حلقب‬ ‫تطاولت‪.‬‬ ‫الذعان وتلقي ال�ضربات‪ ،‬وبالتايل‬ ‫‪ -3‬التحول من و�ضع إ‬ ‫انتهاج �إ�سرتاتيجية االحتماء ورد الفعل‪� ،‬إىل و�ضع الفعل‬ ‫واملبادرة‪ ،‬ويتجلى هذا البعد من امل�س أ�لة‪ ،‬يف أ‬ ‫النظمة‬ ‫املوازية التي ظلت تفرزها املجتمعات امل�سلمة‪ ،‬خالل العقود‬ ‫النتاج الفكري‪ ،‬أ‬ ‫أ‬ ‫النظمة‬ ‫الخرية ويف قطاعات حيوية مثل إ‬ ‫االقت�صادية وم ؤ��س�ساتها‪ ،‬ويف ميادين املجتمع املدين‬ ‫والرتبية والتعليم ‪...‬‬ ‫‪� -4‬إرها�صات هبوب رياح �إعادة الت أ�ثري يف جمريات أ‬ ‫الحداث‬ ‫ال�سالمية‬ ‫العاملية على �ضوء الر ؤ�ية املت�شكلة من املنطلقات إ‬ ‫ووفقا ملا يخدم أ‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫المة إ‬ ‫ال�شكاالت‬ ‫‪ -5‬ال�شروع يف �صوغ البدائل احل�ضارية حيال تلك إ‬ ‫التي تق�ض م�ضجع الب�شرية مثل ا�ستتباب ال�سلم العاملي‪،‬‬ ‫‪40‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫مع�ضلة البيئة الكونية‪ ،‬أ�نظمة احلكم وطبيعة ال�سلطة‪،‬‬ ‫الن�سيج أ‬ ‫ال�سري‪ ...‬فثمة تفريعات جديدة بد أ�ت ت�شق‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫طريقها عرب ال�شعوب لت�سويق الر ؤ�ية إ‬

‫م�شروعية أ��سئلة اجلماهري امل�سلمة‪:‬‬

‫و أ�ما الن�سق العام للعنوان الذي نحتناه ل�ضبط املو�ضوع‬ ‫وتقييد أ�وابده فق�صدنا أ�ن جنلي أ�ن �إ�شكالية احلوار التي‬ ‫تق�ض م�ضجع كثري ممن يحملون هم �إنها�ض أ‬ ‫المة ويتوقون‬ ‫�إىل أ�ن يوجدوا لها خمرجا‪ ،‬لي�ست جمرد م�س أ�لة فكرية ميكن‬ ‫حذفها أ�و �إ�ضافتها كيفما اتفق دون أ�ن يتغري �شيء البتة أ�و‬ ‫ق�ضية هام�شية ميكن تناولها على عجل بال�شرح والتفريع‬ ‫ثم تكون الق�ضية قد ح�سمت ودومنا كلفة‪.‬‬ ‫فم�س أ�لة احلوار بقدر من اجلدية واخلطورة بحيث ال يت أ�تى‬ ‫أ�ن تعالج �إال بقدر عال من الت ؤ�دة وال ُته ّي ؤ� النف�سي‪ ،‬فمن هذه‬ ‫احلقيقة ينبع ذلك الهلع امل�شروع الذي ينتاب قطاعا عري�ضا‬ ‫من �شعوبنا‪ ،‬فولد هذا الو�ضع تلك املع�ضلة الداخلية حتى‬ ‫قبل اخلطو نحو اخلارج حيث �ستتعقد امل�س أ�لة أ�كرث‪.‬‬ ‫ال�سالمي احل�ضاري الذي نب�شر اليوم بطالئعه‬ ‫فامل�شروع إ‬ ‫يحتاج �إىل مدعمات ت�سنده تكون له رديفا وظهريا حتى‬ ‫يتكامل وي�ستوي على �سوقه‪ ،‬ومن ناحية أ�خرى ف�إن هذه‬ ‫الطبيعة حتتم أ�خذ حرية أ‬ ‫المة وقلقها على حممل اجلد‬ ‫الجابة عن تلك الت�سا ؤ�الت ‪:‬‬ ‫بال�صرار على إ‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ؤ‬ ‫من ه�الء الذين ُن ْدعي �إىل �ن نحاورهم وعالم ؟ �ين هم‬ ‫يف خريطة الب�شرية ؟ ومن نحن يف ميزانهم ؟ أ�و آ�ثار جناح‬ ‫م�شروعنا احل�ضاري على ح�ضارتهم‪ ،‬وبعبارة أ�خرى ما انعكا�س‬ ‫ال�سالمي على احل�ضارات أ‬ ‫الخرى والغربية‬ ‫نفاذ امل�شروع إ‬ ‫باخل�صو�ص ؟‬ ‫اليجابية علينا ؟‬ ‫و أ�هم من كل هذا ما عائدات احلوار إ‬ ‫فهذه أ‬ ‫ال�سئلة وغريها فروعا و أ��صوال‪ ،‬يجب أ�ن يتلقى‬ ‫طارحوها أ�جوبة �صحيحة دقيقة وقاطعة قبل االنطالق‬ ‫جلوب آ�فاق احلوار‪.‬‬

‫احلوار وظيفة‪:‬‬

‫ومن النقاط اجلوهرية التي تتطلب التو�ضيح يف هذا املقام‬ ‫وتتعلق مبوقفنا من توظيف احلوار‪ ،‬أ�ننا متى ا�ستطعنا أ�ن‬ ‫جنعله ين�ساب يف م�ساره ال�صحيح لن يعود جمرد �سفينة‬ ‫طارق ن�ستقلها للعبور �إىل ال�ضفة أ‬ ‫الخرى ثم نقوم بتحطيمها‬ ‫تعمدا وتخطيطا‪ ،‬بل �سيكون مبنزلة مد اجل�سور مع الرياح‬ ‫أ‬ ‫الربعة ثم ن�صر �إ�صرارا على تعدد امل�سارات‪ ،‬وهنا يكون‬ ‫مبنزلة عامل �إخ�صاب وعن�صر �إغناء نوظفه للو�صول �إىل‬ ‫الن�ساين واالرتفاع احل�ضاري أ�مام ازدياد‬ ‫النقاذ إ‬ ‫هدف إ‬


‫م ؤ��شرات االنزالق و�ضوحا‪.‬‬ ‫يداعبنا هذا أ‬ ‫المل العري�ض لقناعتنا ب أ�نه لي�س مثل احلوار‪،‬‬ ‫ونحن نعي�ش يف هذه أ‬ ‫الجواء املكفهرة احلبلى بكل خطري‬ ‫مدمر‪ ،‬من نهج ر�شيد ي�سلكه ال�صاحلون امل�صلحون‪ ،‬مهما حتملوا‬ ‫من عنت وتكبدوا من ع�سف‪ ،‬للو�صول �إىل �شط�آن ال�سالمة‬ ‫التي ظلت تبتعد منذ ذلك الزمن الكئيب الذي �ضاعت فيه‬ ‫البو�صلة الهادية فتاهت معامل القبلة ال�صحيحة ‪.‬‬

‫احلوار يف امل�صطلح القر آ�ين‪:‬‬

‫يف أ‬ ‫ال�سطر التالية نحوم حول لفظ « احلوار «‪ ،‬يف حماولة‬ ‫متطلعة �إىل �ضبطه أ�و ح�صر ا�ستخدامه من خالل حتديد‬ ‫املعنى الذي �سيتم �إيراده فيه خوف التورط يف م�صيدة‬ ‫ال�سقاط أ�و التفريغ التي قد تواجهنا يف مثل هذه املواطن‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫التي تتوتر فيها الفكار نتيجة تناول مو�ضوع من هذا النوع‬ ‫املتفجر‪.‬‬ ‫يف باب «حور» أ�ورد �صاحب خمتار ال�صحاح املحاورة وف�سرها‬ ‫باملجاملة وقال التحاور التجاوب (‪)4‬‬ ‫أ�ما يف القامو�س املحيط فقد قال �صاحبه ب أ�ن من معاين‬ ‫اللفظ «القعر والعمق والتجاوب» (‪)5‬‬ ‫ويف القر آ�ن الكرمي ورد لفظ احلوار ‪ ،‬ثالث مرات ب�صيغتني‬ ‫يف �سورة الكهف مرتني (‪ )6‬بينما جاء اال�ستخدام الثالث يف‬ ‫�سورة املجادلة (‪)7‬‬ ‫وبا�ستقراء امل�صادر أ‬ ‫الخرى نلحظ جعل كثري من العلماء‬ ‫واملف�سرين احلوار رديفا للفظ اجلدل كما جند ذلك عند‬ ‫حممد حممود جمازي « يحاوره ويجادله « (‪ )8‬جتادلك ‪...‬‬ ‫حتاوركما !» ‪.‬‬ ‫أ�ما الرديف املعنوي « اجلدال « فهو أ�وفر حظا من حيث الورود‬ ‫يف القر آ�ن فقد أ�ح�صى ال�شيخ ف�ضل اهلل (‪ »27 « )9‬مرة بينما‬ ‫رفع حممد ف ؤ�اد عبد الباقي العدد �إىل « ‪ »29‬مرة‪)10(.‬‬ ‫ومن حيث التوظيف فقد �سلك القر آ�ن الكرمي دربا واحدا‬ ‫فقط حني تعلق آ‬ ‫الخر بلفظ احلوار مبعنى تداول يجري‬ ‫بني طرفني حول ق�ضية تباينت وجهات النظر حولها وكل‬ ‫جانب ي�سعى �إىل تثبيت ر ؤ�يته واالنت�صار الختياره‪ ،‬بينما‬ ‫تختلف طريقة التناول حني يتعلق أ‬ ‫المر بلفظ اجلدال‬ ‫الذي نتج من كرثة وروده تعدد معاين ا�ستخدامه تبعا‬ ‫للمو�ضوع وال�سياق ‪.‬‬ ‫ويف احلاالت الثالث التي ورد فيها لفظ احلوار (يحاور‪،‬‬ ‫حتاور) نلحظ جدية الق�ضايا املطروحة على ب�ساط البحث‪،‬‬ ‫متثل أ‬ ‫الوىل قمة الق�ضايا وهي العقيدة يف اهلل و�إثبات‬ ‫الميان بوجود اخلالق الرازق‪ ،‬وال خالف هنا يف‬ ‫مفهوم إ‬

‫أ�ن �إيراد القر آ�ن الكرمي هذا احلوار ال�صاخب الدائر حول‬ ‫ق�ضية بهذه اجلدية ثم يقبل �إعادة ال�شريط بهذه الدقة‬ ‫وذلك التف�صيل‪ ،‬يجعل أ‬ ‫المر يحمل دالالت خطرية أ�همها‬ ‫رف�ض القر آ�ن الكرمي و�ضع احلواجز على ما ميكن التحاور‬ ‫عليه بعد �إر�ساء مبد�إ م�شروعية التحاور من أ‬ ‫ال�سا�س‪ ،‬وذلك‬ ‫حني قبل القر آ�ن �سلوك امل ؤ�من نهج التحاور مع حملة « الفكر‬ ‫امل�ضاد»‪.‬‬ ‫ال حظ ال�شيخ ف�ضل اهلل‪ ،‬يف درا�سته ا�ستخدامات القر آ�ن‬ ‫الكرمي للفظي احلوار واجلدال‪ ،‬ب أ�ن لفظ اجلدال يوحي‬ ‫مبعنى احلوار الذي يعي�ش يف أ�جواء يطبعها اخلالف الفكري‬ ‫والت�شاحن العقدي ال�شر�س‪ ،‬بينما يوحي م�صطلح احلوار‬ ‫ب أ�نه أ�و�سع �إطارا و أ�رحب جماال (‪)11‬‬ ‫ونخل�ص من هذا الب�سط �إىل نقطة حمورية يف هذه العجالة‬ ‫وهي �ضرورة تو�سعة دائرة مفهوم لفظ احلوار تبعا للمنهج‬ ‫القر آ�ين‪ ،‬ونحن ن�ستخدمه يف م�سعى للخروج بر ؤ�ية جديدة‬ ‫ن�صقل من خاللها طروحات التوا�صل يف جمايل « ترميم‬ ‫الو�ضع « يف الداخل و»�إعادة مد اجل�سور» املقطوعة مع‬ ‫املحيط اخلارجي‪.‬‬ ‫فتو�سعة دائرة امل�صطلح تعني‪ ،‬من بني ما تعني‪ ،‬أ�ن نرف�ض‬ ‫ح�صر م�ضامني احلوار يف جمرد املطارحة الفكرية عرب‬ ‫املنتديات التي تنعقد هنا وهناك مع تباين يف الدوافع‬ ‫والغايات واختالف ال�سياقات التي تدار من خاللها تلك‬ ‫املنتديات‪ ،‬فالو�ضع ال�صحيح أ�ن يت�سع لكل ن�شاط وفعل حيوي‬ ‫هادف ن�ستطيع من خالله التعبري وت�شكيل الر ؤ�ى و�صقل‬ ‫ال�سالم التي نب�شر بها العامل ‪.‬‬ ‫امل�ضامني التي تعك�س روح إ‬ ‫وبهذا الت�صور‪ ،‬لن يبقى احلوار حم�صورا يف ذلك الركن‬ ‫ال�ضيق بل �سينف�سح املجال وتتو�سع الر ؤ�ية ونتخل�ص من‬ ‫ورطتنا ال�شهرية يف ح�صر احلوار داخل تلك أ‬ ‫الطر التي‬ ‫جتعلنا ن�ست�شعر احلراجة وال نتحدث عن احلوار مع آ‬ ‫الخر‬ ‫�إال على ا�ستحياء وجلني من ردود أ�فعال أ�قوامنا (تهمة‬ ‫اخليانة العظمى) وا�ستقواء خ�صومنا علينا باحلوار كما هي‬ ‫احلال يف كثري من تلك املواطن التي دخل فيها امل�سلمون أ�تون‬ ‫احلوار مرغمني ومل يكادوا يخرجون وجلودهم �ساملة من‬ ‫�سياط أ�عدائهم قبل أ�ن يتلقفهم أ‬ ‫الولياء لت�سلقهم ب أ�ل�سنة‬ ‫حداد‪.‬‬ ‫وهنا ن�شدد على أ�همية �ضبط م�صطلح احلوار وحتريره حتى‬ ‫اليجابي �إىل لفظ‬ ‫نحول دون حتول هذا امل�صطلح املن�ضبط إ‬ ‫وجراح ال يحمل معنى وال يتجدد له مفهوم في�ستطيع من‬ ‫ي�شاء أ�ن ي�شحنه مبا ي�شاء فين�ضاف �إىل تلك امل�صطلحات‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪41‬‬


‫واملفاهيم امل�شحونة‪ ،‬مثل‪ :‬أ‬ ‫ال�صولية واالعتدال والتطرف‬ ‫الن�سانية‪.‬‬ ‫وامل�شروبات الروحية والقيم إ‬ ‫وبهذا ال�ضبط ال�صارم القائم على مفهوم حمدد املعامل بني‬ ‫أ‬ ‫الفق‪ ،‬ن�ستطيع أ�ن نخو�ض غمار وغى احلوار ونحن مطمئنون‬ ‫�إىل أ�ننا �سننتهي �إىل منجز‪ ،‬و�إال وقعنا يف ذلك املطب الذي‬ ‫�شخ�صه ال�شاعر العربي ال�ضاحك ‪:‬‬ ‫ويكتبه بكرا ويقر ؤ�ه بدرا‬ ‫أ�قول له زيدا في�سمعه عمرا‬ ‫نركز هنا على هذه النقطة على �ضوء املع�ضلة التي نواجهها‬ ‫اليوم نحن امل�سلمني‪ ،‬مع�ضلة حرب امل�صطلحات التي جل أ�‬ ‫�إليها اخل�صم بذكاء وهو نهج قدمي طارد القر آ�ن اليهود‬ ‫يوم جل أ�وا �إليها فقالوا (�صلى اهلل عليه و�سلم) « راعنا «‪،‬‬ ‫وامل ؤ��سف أ�ن اخل�صم ا�ستطاع أ�ن ميرر كثريا من التفاهات‬ ‫التي ابتلعها الكثري منا‪ ،‬نثري هذه الق�ضية هنا وعلى م�سامعنا‬ ‫تطن ع�شرات بل مئات امل�صطلحات واملفاهيم التي نتخري‬ ‫والرهاب « منوذجا حيث تالعب بهما‬ ‫عنها لفظي « املقاومة إ‬ ‫آ‬ ‫الخر بخبث واقتدار فتحولنا يف أ‬ ‫الول �إىل دفاع م�ستميت‬ ‫بينما ال نزال يف الثاين نلهث وراء تعريف جامع ولو غري مانع‬ ‫لكن دون جدوى‪.‬‬

‫ومرام‪:‬‬ ‫احلوار منطلقات‬ ‫ٍ‬

‫بعد ذلك العر�ض املمهد الذي ارت أ�ينا �إطالته بع�ض ال�شيء‬ ‫وعلى ذلك النحو لغاية أ�ن تن�ضبط امل�سارات ون�ستطيع‬ ‫بالتايل ا�صطحاب القارئ وقد و�ضحت وجهتنا ثم ال نتيه عن‬ ‫الول من تلك أ‬ ‫الق�صد‪ ،‬نتناول املرتكز أ‬ ‫ال�س�س التي يجب أ�ن‬ ‫تنت�صب ليت�شكل ت�صورنا عن احلوار ت�صورا �صحيحا‪ ،‬ونحول‬ ‫بالتايل دون انف�ضا�ض النا�س من حولنا وهم يلعنون كل من‬ ‫ينادي به أ�و يت�شاءمون مبن يب�شر به ولو كان على بينة من‬ ‫أ�مره‪.‬‬ ‫فنحن ال نخادع أ�نف�سنا‪ ،‬بل ن�صارحها القول فنعرتف ب أ�ننا‬ ‫نلقى �صعابا يف أ�كرث من م�ستوى من م�س أ�لة احلوار مع أ�قوامنا‬ ‫تفوق أ�و توازي تلك التي يثريها اخل�صوم‪ ،‬ولنتجاوز بع�ض‬ ‫تلك ال�صعوبات‪ ،‬فقد يفيد أ�ن نحدد حتديد ًا دقيق ًا تلك‬ ‫املنطلقات والركائز التي يجب أ�ن يبني عليها احلوار وينطلق‬ ‫منها أ�ولئك الذين �سيبا�شرون احلوار بالنيابة عن أ‬ ‫المة‪،‬‬ ‫ويتحركون والثقة متل ؤ�هم ب أ�ن أ‬ ‫الر�ضية التي يقفون عليها‬ ‫�صلبة ‪.‬‬ ‫فبعد أ�ن تت�ضح وتثبت املرتكزات التي يجب اال�ستناد �إليها‪،‬‬ ‫يتم االنتقال �إىل ال�شق الثاين املتمثل يف ر�سم الغايات‬ ‫التي نتوق �إىل أ�ن ينتهي �إليها احلوار متى مت دخوله عرب‬ ‫‪42‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫امل�سالك القومية التي ي�سمح بها الت أ��صيل ال�شرعي ويقويه‬ ‫ال�سناد الفكري‪ ،‬وبعبارة أ�خرى تخري املنهجية املن�ضبطة‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫التي �ستحكم عملية احلوار‪ ،‬لن تخلف مثل هذه املنهجية‬ ‫قد يقود �إىل اعتبار مناخ احلوار منطقة موبوءة يحظر‬ ‫ارتيادها �إىل حني ان�صالح اخللل‪.‬‬

‫املقدمات ال�ضرورية ‪:‬‬

‫وحتى نبد أ� احلوار‪ ،‬ونحن موقنون ب أ�ن أ�قدامنا لن تزل يف‬ ‫أ�ثناء امل�سري‪ ،‬علينا الوفاء مبقدمات احلوار الالزمة التي‬ ‫ميكن �إدراجها يف العنا�صر التالية ‪:‬‬ ‫أ�وال ‪ :‬تر�سخ القناعة باجلدوى ‪:‬‬ ‫فعلى �ضوء أ‬ ‫ال�سالمية‬ ‫الدبيات التي تروج يف ال�ساحات إ‬ ‫زارعة ال�شك يف نفع احلوار مع آ‬ ‫الخر‪ ،‬الذي لي�س �إال جمرد‬ ‫عبث أ�و فتح الباب ليتوغل آ‬ ‫الخر يف حمانا ولي�ستبيح حرمنا‬ ‫آ‬ ‫المن‪ ،‬و�إال فهو جمرد م�ضيعة للوقت وهدر للجهد ألنه‬ ‫ي�صرف بال طائل‪.‬‬ ‫الطالق ألنه لي�س‬ ‫و أ�ما احلوار مع الذات فلي�س واردا على إ‬ ‫ثمة ما ي�س ّوغه‪ ،‬أ‬ ‫والف�ضل اللجوء �إىل احلل ال�سهل (اخلطري)‬ ‫الحكام وت�صنيف أ‬ ‫املتمثل يف �إ�صدار أ‬ ‫الفراد واجلماعات‬ ‫املخالفة انطالقا من االختيارات ال�شخ�صية والرتجيحات‬ ‫ال�صاعقة‪.‬‬ ‫ف أ��صحاب هذا الطرح املنغلق‪ ،‬الذين ال يرون طريقة للتعاطي‬ ‫مع الذات �إال بال�شطب ومع آ‬ ‫الخر ب�إدخاله احلظرية ف�إن أ�بى‬ ‫حمل �إثم أ‬ ‫الري�سيني‪ ،‬يحتاجون �إىل عمل جاد إلقناعهم‬ ‫بجدوى التحاور ومبردوديته الهائلة‪.‬‬ ‫وللو�صول �إىل تر�سيخ هذه القناعة نرتئي بذل اجلهد ال ّالزم‬ ‫من أ�جل الوفاء بال�شروط آ‬ ‫التية ‪:‬‬ ‫‪ -1‬لي�س احلوار ن�شاطا ترفيهيا أ�و ممار�سة تبتدع‪ ،‬بل هو‬ ‫ر�سالة وله أ��صل �شرعي را�سخ ميكن الرجوع �إليه يف امل�صادر‬ ‫املعتمدة لدى أ‬ ‫المة‪.‬‬ ‫‪ -2‬أ�ن احلوار‪ ،‬حني يدور يف الداخل‪ ،‬فهو وجه من أ�وجه‬ ‫التنا�صح ف�إذا اجتهنا به �إىل آ‬ ‫الخر جاء باعتباره طريقة‬ ‫البالغ‪ ،‬مع ت أ�كيد أ�همية الوفاء ب�شرط تو�سعة‬ ‫من طرق إ‬ ‫مفهوم البالغ حتى نبعده عن مفهوم احل�سبة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ثمة م�صلحة راجحة تعود بالفائدة على أ‬ ‫المة ور�سالتها‬ ‫متى ما مور�س احلوار ممار�سة �صحيحة �صادقة « هادئة « و»‬ ‫م ؤ��صلة «‪.‬‬ ‫‪ -4‬أ�ن اخلطر يكمن يف �إي�صاد باب احلوار ولي�س يف ولوجه‬ ‫بثقة واقتدار ور ؤ�ية مت�ضحة‪.‬‬ ‫‪ -5‬وبخالف ما وقر لدى الكثري من أ�بناء جلدتنا‪ ،‬لي�س آ‬ ‫الخر‬


‫وحده يف حاجة �إلينا ونحن أ�ي�ضا نبتغي أ��شياء من عندياته‬ ‫وذلك انطالقا من قاعدتي ‪ « :‬اتخاذ ال�سخرية القر آ�نية‬ ‫« واجلري وراء احلكمة النبوية «‪.‬‬ ‫‪ -6‬أ�ن اخلري واحلق لي�سا ب�ضاعة قابلة لالحتكار‪ ،‬قد‬ ‫يكون آ‬ ‫للخر ن�صيب وافر من ذلك‪ ،‬ولن يتعار�ض هذا املفهوم‬ ‫الطالق مع االحتفاظ بخا�صية «اخلريية» املن�صو�ص‬ ‫على إ‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫‪� -7‬ضيق جمال املناورة أ�مامنا بحيث ال منلك أ�ن نرف�ض آ‬ ‫الخر‬ ‫ثم تبقى حدودنا آ�منة‪ ،‬ف�إذا مل نحت�ضنه بحنان ونراقبه‬ ‫بيقظة فر�ض علينا ظله بخيله ورجله و�شاركنا يف كل �شيء‪،‬‬ ‫الراية‬ ‫ويف النهاية جترعنا ك أ��س الهزمية املنكرة ورفعنا ّ‬ ‫البي�ضاء بدل اخل�ضراء‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فرت�سيخ هذه املعاين يف روع جماهري المة ميكن أ�ن ي�سهم يف‬ ‫ت�شكل القناعة بجدوى احلوار عموما ومع آ‬ ‫الخر خ�صو�صا‪،‬‬ ‫و أ�نه من اخلطر اعتباره دربا من دروب العبث أ�و �إهدارا‬ ‫للوقت‪ ،‬ثم يتولد فهم أ��سد على أ�ن احلوار جمال رحب للحمة‬ ‫ال�صف ومطاردة دوافع التناحر الداخلي وفتل حبال اجلوار‬ ‫اجلميل‪.‬‬ ‫أ�ما ال�شيخ القر�ضاوي‪ ،‬فقد ذهب �إىل مدى أ�بعد فاعترب‬ ‫حماورة آ‬ ‫الخر فري�ضة و�ضرورة (‪)12‬‬ ‫ثانيا‪ :‬معرفة الذات واالنتهاء من حماورته بجدية و أ�مانة‬ ‫ال�سالم وحذق طرق تكييفها‬ ‫تبد أ� هذه املعرفة بفقه كليات إ‬ ‫مع حركة احلياة وانعكا�س ذلك على العالقة مع آ‬ ‫الخرين‪،‬‬ ‫ونلم�س أ�همية هذه املعرفة إلجناح احلوار يف املوقف‬ ‫التحاوري الذي وقفه جعفر بن أ�بي طالب أ�مام النجا�شي‬ ‫ومثله حاطب أ�مام املقوق�س فحققا كالهما الهدف‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬ح�سن االطالع على ما عند آ‬ ‫الخر ‪ ،‬مع ميلنا �إىل أ�ن‬ ‫م�شكلتنا مع آ‬ ‫الخر ال تكمن يف جهلنا به بقدر ما تكمن يف‬ ‫�سوء توظيف تلك املعرفة‪ ،‬ن�صر على أ�همية تلك املعرفة‬ ‫باعتبارها مقدمة من مقدمات احلوار‪.‬‬ ‫لي�س املق�صود تلك املعرفة املجردة‪ ،‬بل يجب أ�ن تكون منهجية‬ ‫�صادقة ت ؤ�خذ من داخل عقليات اخل�صم ودياره‪ ،‬وهو املنهج‬ ‫الذي اتبعه �سليمان عليه ال�سالم‪:‬‬ ‫(اذهب بكتابي هذا ف أ�لقه �إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا‬ ‫يرجعون) (‪.)13‬‬ ‫لوحظ انزالق أ�قدام كثري من املحاورين ب�سبب �ضحالة‬ ‫معارفهم عن اخل�صم‪ ،‬ونف�سياته‪ ،‬ومكوناته الفكرية‪ ،‬و أ�مناطه‬ ‫االجتماعية‪)14(...‬‬

‫هذا مطلب �ضروري على �ضوء التعريف الذي تعارفه بع�ض‬ ‫املهتمني بامل�س أ�لة‪:‬‬ ‫«حديث يجري بني طرفينْ ي�سوق كل منهما ما يراه ويقتنع‬ ‫به ويراجع الطرف آ‬ ‫الخر يف منطقه وفكره بنية �إظهار‬ ‫احلق وتقريره»(‪)15‬‬ ‫رابعا‪� :‬إن�ضاج فقه احلوار‬ ‫ننطلق هنا من قاعدة «احلوار مبد أ� يقوم على فن» لكن‬ ‫امل ؤ��سف اختزال احلوار يف ذلك النمط البيزنطي العقيم‪،‬‬ ‫ال�سالمي ق�ضية جادة جدية‪.‬‬ ‫فهو يف املنهج إ‬ ‫أ�هدافه ومراميه‪.‬‬ ‫أ�ما فقه احلوار‪ ،‬فف�ضال عن كونه م�شتقا من م�شتقات الفقه‬ ‫الكبري الذي أ�خذ ي�ستعيد عافيته وحجمه ووزنه‪ ،‬فهو يعني‪،‬‬ ‫من بني أ��شياء أ�خرى‪ ،‬قدرة القائمني على احلوار على ترتيب‬ ‫ق�ضاياه وت�صنيف م�سائله و أ�بوابه ت�صنيف ًا �صحيح ًا ووفق‬ ‫أ�ن�ساق م�ضبوطة وم�ستويات وا�ضحة‪ ،‬أ�و هو متلك الر ؤ�ية‬ ‫امل�شعة املتكاملة عن كل أ�بعاد احلوار وعوامل �إجناحه أ�و‬ ‫�إف�شاله‪.‬‬ ‫هذا الفقه يرتب بالبابني القريبني منه‪« :‬فقه املوازنات‬ ‫أ‬ ‫والولويات»‪:‬‬ ‫«فعندما منلك هذين الفقهني جند �سبيال و�سطا كي نقارن‬ ‫بني و�ضع وو�ضع ونفا�ضل بني حال وحال ونوازن بني الك�سب‬ ‫واخل�سارة يف أ‬ ‫الجلني الق�صري أ�و البعيد وعلى امل�ستوى‬ ‫الفردي أ�و اجلماعي ثم نتخري أ‬ ‫الدنى �إىل حتقيق امل�صلحة‬ ‫ودرء املف�سدة‪.)13( »....‬‬

‫ركائز احلوار و�ضوابطه‪:‬‬

‫رغم تباين وجهات النظر حيال امل�س أ�لة جنمل العوامل‬ ‫اجلوهرية يف‪:‬‬ ‫أ�‪ -‬ح�سم املوقف الداخلي مبا فيه من تعقيدات وعوائق مبا‬ ‫يف ذلك‪:‬‬ ‫ تكري�س مبد أ�‪ :‬لي�س احلوار ملجرد تنفي�س أ�و ت�صريف‬‫آ�ين‪.‬‬ ‫الجماع االعتباري حول جملة من أ�مهات‬ ‫ الو�صول �إىل إ‬‫الق�ضايا‪.‬‬ ‫ حتديد هوية املقارع واحرتامه‪ ،‬أ‬‫ولننا نرف�ض أ�ن ينتحل‬ ‫لنا أ�حد ن�سبا فكذلك ي أ�بى آ‬ ‫الخرون �إال أ�ن يحددوا هويتهم‬ ‫ب أ�نف�سهم‪ ،‬ويتطلب هذا التخل�ص من جانبنا من أ‬ ‫الحكام‬ ‫امل�سبقة ور�سم ال�صور النمطية آ‬ ‫للخر والتي تنتجها املوروثات‬ ‫امل�شحونة‪ ،‬قبل أ�ن نطالب غرينا بذلك‪.‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪43‬‬


‫ب‪ -‬قوة و امتالك ال�شرعية و�ضوحها ‪.‬‬ ‫نالحظ أ�ن كثريا من �صور الق�صور التي ظهرت يف أ�دائنا‬ ‫احلواري مع آ‬ ‫مردها االفتقار �إىل أ‬ ‫ال�صل ال�شرعي غري‬ ‫الخر‬ ‫ّ‬ ‫املزيف‪ ،‬كما وقع من بع�ض من تورط يف ب�ض حلقات احلوار‬ ‫ال�سالمي ‪ -‬امل�سيحي‪.‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وهذه امل�س�لة تكت�سي �همية بالغة على �ضوء وجود درجة‬ ‫عالية من احل�سا�سية تطبع النظرة العامة التي ال تزال‬ ‫عالقة يف العقل اجلماعي لدى قطاع عري�ض من ال�شعوب‬ ‫حيال احلوار‪ ،‬وهذه احل�سا�سية املفرطة تعترب بوجه من‬ ‫المياين العا�صم‪ ،‬و�إن بدا‬ ‫الوجوه من عالمات حيوية ال�شعور إ‬ ‫يف بع�ض املنا�سبات احلرجة التي ت�ضطر فيها ال�شعوب �إىل‬ ‫االحتكاك بالغري يف ظروف غري مواتية أ�كرث حدة‪ ،‬ونعرث‬ ‫على مثال جيد على هذه الو�ضعية عندما بلغت احل�سا�سية‬ ‫ذروتها ع�شية زيارة البابا ال�سابق ملنطقة غرب �إفريقية‬ ‫فهدد أ�حد أ�برز زعماء امل�سلمني يف ال�سنغال باحتالل مدرج‬ ‫هبوط طائرة زعيم الكني�سة الكاثوليكية‪.‬‬ ‫ج‪� -‬صحة و أ��صالته التمثيل‬ ‫احلوار ق�ضية خطرية وجوهرية‪ ،‬هذه م�س أ�لة يجب توكيدها‪،‬‬ ‫ثم �إنه يتم با�سم ال�شعوب وهو أ‬ ‫المر الذي يقت�ضي بداهة‬ ‫�صحة التمثيل وح�سنه؛ فمتى جرى يف الربوج العاجية‪،‬‬ ‫كانت النتيجة ان�صراف اجلماهري ول�سان حالها يقول‪ :‬نحن‬ ‫ال نح�سن دندنتكم وال دندنة‪...‬‬ ‫يف كثري من منتديات احلوار ال ميثل من يحاور با�سمنا �إال‬ ‫نف�سه‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي جعل بع�ض من �ساءهم هذا الت�صرف‬ ‫ي�صف هذا اللون من احلوار مع املجتمع الكن�سي ب أ�ن الكني�سة‬ ‫جعلت من هذه احلوارات « أ‬ ‫القنوم الرابع» (‪.)15‬‬ ‫ففي غزوة احلديبية در�س بليغ يف جمال �صحة التمثيل‬ ‫حلظة حاول النبي (�صلى اهلل عليه �سلم) تر�ضية بع�ض‬ ‫احللفاء مقابل ثمن‪ ،‬فكان جواب ممثلي أ‬ ‫الن�صار حازما‪:‬‬ ‫«يا ر�سول اهلل �إن كان اهلل أ�مرك بهذا ف�سمعا وطاعة‪ ،‬و�إن‬ ‫كان �شيء ت�صنعه لنا فال حاجة لنا فيه»(‪)16‬‬ ‫لن�ستخل�ص هنا بع�ض اللبنات‪:‬‬ ‫ الت�شريع للحوار وتوكيده يف حلظات احلرج‬‫(حتت احل�صار) ‪.‬‬ ‫ يجب أ�ن ي�سبق احلوار مع الذات احلوار مع آ‬‫الخر(مع‬ ‫ال�سعدين قبل غطفان)‪.‬‬ ‫ أ� ن يكون جادا عمليا و وا�ضحا ومو�ص ًال �إىل نتيجة‬‫(عر�ض �إعطاء الثمار)‬ ‫ �صحة التمثيل وذلك با�ستح�ضار مطلب اجلماعة املوكلة‬‫‪44‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫( �شيء ت�صنعه لنا)‬ ‫د‪ -‬ا�ستمرارية احلوار‬ ‫ال�شكاالت التي‬ ‫هنا يواجهنا ال�س ؤ�ال الذي يختزن كثريا من إ‬ ‫تتعلق باحلوار‪:‬‬ ‫أ�نلج أ� �إىل احلوار أ�م نتوجه را�ضني خمتارين؟‬ ‫ن�ستعري هنا ما كتبناه‪ ،‬ونحن نعالج �إ�شكالية قريبة‪ ،‬وهي‬ ‫انفتاح ال�شباب على آ‬ ‫الخر مع حتوير طفيف يف أ‬ ‫اللفاظ‪:‬‬ ‫فاحلوار وال�صدام لي�سا‪ ،‬كما يرى بع�ض الباحثني‪ ،‬خيارين‬ ‫يت�ساوقان وي�ستع�صي اجلمع بينهما‪ ،‬لنم�سك بهذا ال بد من‬ ‫�إفالت آ‬ ‫الخر(‪)17‬‬ ‫بني أ�خالقيات �ضابطة وقيم حامية‪:‬‬ ‫نذكر أ�وال ببديهية وهي أ�ن احلوار من أ�وجه البالغ باملعيار‬ ‫املق�صدي للفظ‪ ،‬لكن هذا البعد مل يحظ بعد بالعناية‬ ‫وال�ضبط يف املجال الت أ��صيلي بالقدر الكايف‪.‬‬ ‫ومرادنا أ‬ ‫بالخالقيات هنا جملة موا�صفات يت�صف بها‬ ‫املحاور التزاما وقناعة ويق ّيم من خاللها الق�ضايا أ‬ ‫والحداث‬ ‫أ‬ ‫وال�شخا�ص حموال قيمه و أ�خالقياته �إىل ممار�سات تتجلى‬ ‫فيه ويف طريقة عر�ضه يلم�سها اخل�صم وينفعل بها‪.‬‬ ‫ف�إذا تقرر هذا انتقلنا �إىل احلديث عن أ‬ ‫الخالقيات والقيم‬ ‫تلك ‪:‬‬ ‫‪ -1‬امل�صداقية اجلامعة‪ ،‬كثريا ما تختزل هذه القيمة العزيزة‬ ‫يف ب�ضع �إيجابيات فردية غري ملزمة‪ ،‬لكنها يف احلقيقة‬ ‫رحبة رحابة ف�ضاء احلياة أ‬ ‫وبالخ�ص حينما تكون املقابلة‬ ‫يف اخلارج‪ ،‬فوكال ؤ�نا املتحاورون يف اخلارج تثبت أ�قدامهم‬ ‫بقدر ما ميلكون من هذه امل�صداقية اجلامعة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ن�شدان احلق وحده‪ ،‬من أ‬ ‫المرا�ض امل�ستفحلة يف املنتديات‬ ‫احلوارية افتقاد هذه اخل�صي�صة اخلرية مبعنى ال�سعي‬ ‫احلثيث للو�صول �إىل احلق أ‬ ‫البلج‪ ،‬ولي�س حتقيق انت�صار‬ ‫فردي‪ ،‬فامتالك احلق ال يعني أ�ن نحاور وقد ر�سخت لدينا‬ ‫قناعة جاحمة ب أ�ن كل ما لدى اخل�صم تالل من الباطل يجب‬ ‫ن�سفها ن�سفا و أ�ن ر�صيدنا من احلق ال يتطرق �إليه �شك‪.‬‬ ‫وهنا يجب أ�ن منعن بدقة يف‪:‬‬ ‫لل�سالم والت�صورات اخلا�صة التي ن�صدر عنها ال‬ ‫ أ�ن فهمنا إ‬‫ال�سالم نف�سه يف القوة واالعتبار قد يقرتب ورمبا‬ ‫ت�ساوي إ‬ ‫يبتعد ‪.‬‬ ‫ أ�ن عدم حلظنا للفارق البني بني احلق و�إحقاقه وبني آ�ليات‬‫توظيفه جانبنا فيها ال�صواب‪.‬‬ ‫ال�شكاالت نعاود قراءة احلديث العمدة يف‬ ‫ويف ظالل هذه إ‬ ‫جمال الفقه احل�ضاري « احلكمة �ضالة امل ؤ�من « ف�إذا تخطينا‬


‫القراءة ال�سطحية الرائجة ف�ستتك�شف لنا حقائق جوهرية‬ ‫منها أ�نه ال يكفي العثور على احلكمة عر�ضا‪ ،‬لكن احلكمة‬ ‫النبوية تدفعنا �إىل أ�فق أ��سنى �إىل التنقيب عن هذه احلكمة‬ ‫اليقان بوجودها لدى آ‬ ‫الخر‪ ،‬هذا احلث‪ ،‬بل‬ ‫ال�ضائعة مع إ‬ ‫الحلاح نوع راق جدا للدفع نحو املالقاة والوقوف يف مفارق‬ ‫إ‬ ‫الطرق حيث مير اجلميع غدوا وع�شيا ونحن ن�ستم�سك بالذي‬ ‫أ�وحي �إلينا بقوة حتى ال نخطئ حلظة االقتبا�س ‪.‬‬ ‫هذه أ‬ ‫الخالقية يجب أ�ن ترت�سخ لدى املتحاور قناعة نف�سية‬ ‫وتعبريا و�سلوكا عند املمار�سة وموقفا �صارما عند التقرير‬ ‫وح�سنا يف أ‬ ‫الداء قبل ذلك وبعده‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق يندرج ذلك النموذج الالمع الذي طرحه‬ ‫القر آ�ن الكرمي يوم وجه النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) �إىل‬ ‫�إحدى أ��سمى طرق احلوار مع املخالف ولو كان معار�ضا (وكيف‬ ‫وال�صرار على‬ ‫مع الذات!)‪ ،‬بنربة حتمل أ�على معاين التجرد إ‬ ‫الو�صول �إىل احلق الذي يجب التحاكم �إليه وحده ‪:‬‬ ‫( َو ِ�إنَّا َأ� ْو ِ�إ َّي ُ‬ ‫ني )‬ ‫اك ْم َل َع َلى هُ دً ى َأ� ْو فيِ َ�ضلاَ ٍل ُم ِب ٍ‬ ‫(�سورة �سب أ�‪) 24 :‬‬ ‫ومن وراء معان كثرية كامنة يف هذا املبد أ� احلواري‪ ،‬نلمح‬ ‫مطلب تطمني اخل�صم‪ .‬ومن أ�عجب ما نعرث عليها يف تراثنا‬ ‫المام القر�شي‬ ‫احلواري هذا الدعاء الغريب الذي كان إ‬ ‫يرفعه عند مقارعة اخل�صم‪« ،‬ما ناظرت أ�حدا �إال و�س أ�لت‬ ‫اهلل أ�ن يظهر احلق على ل�سانه» (‪. )18‬‬ ‫المالق يلهث وراء حلظة اندحار اخل�صم ولو‬ ‫مل يكن هذا إ‬ ‫جلوءا �إىل أ‬ ‫الحاجي وانتحال احلجج بقدر ما كان يتوق �إىل‬ ‫ات�ضاح احلق ولو جاء على ح�سابه ال�شخ�صي‪ ،‬ومبثل هذا‬ ‫املنطق املتوهج كان يتم�سك ال�شيخ الغزايل الذي كان كثريا‬ ‫ما يزجمر بهذه احلكمة أ‬ ‫املتللئة الذي ين�سبها �إىل احلكيم‬ ‫العربي الذي �سئل عن لذته يف احلياة ف أ�جاب‪« :‬حجة‬ ‫تتباهي ات�ضاحها وباطل يتهاوى افت�ضاحها»‪.‬‬ ‫وال ي�ستغرب أ�ن تت�شكل هذه العقلية املتعط�شة �إىل طلعة‬ ‫احلق يف بيئة ن�سجت خيوطها من تلك آ‬ ‫الية التي و�صلت �إىل‬ ‫ذرى تتقا�صر عنها املثل والر ؤ�ى‪َ ۖ ( :‬و ِ�إنَّا َأ� ْو ِ�إ َّي ُاك ْم َل َع َلى هُ دً ى‬ ‫ني )‬ ‫َأ� ْو فيِ َ�ضلاَ ٍل ُم ِب ٍ‬ ‫‪ -3‬االعرتاف آ‬ ‫بالخر كما هو ‪:‬‬ ‫هنا مبد أ� يجب احرتامه «احلوار يعني االعرتاف» ألنه‬ ‫بب�ساطة يف غيبة آ‬ ‫الخر ال تنعقد للحوار أ�لوية‪ ،‬فاالعرتاف‬ ‫آ‬ ‫بالخر كما هو ولي�س كما نريد أ�ن يكون هو‪ ،‬واملرفو�ض الزعم‬ ‫بوجود فئران املعامل جنري عليها التجارب قد ت�ستجيب‬ ‫وقد ال تتفاعل ح�سب أ‬ ‫الحوال‪.‬‬

‫فمن مواطن اخللل عندنا و�ضع بند اعرتاف آ‬ ‫الخر بنا مطلبا‬ ‫أ�ول يف أ‬ ‫الجابة عن �س ؤ�ال‬ ‫الجندة دون أ�ن نكلف أ�نف�سنا إ‬ ‫جوهري ‪ :‬ما موقفنا نحن حيال هوية آ‬ ‫الخر ؟ أ�نعرتف له‬ ‫بوجود خارج ت�صورنا له ؟‬ ‫�إذا فالقبول آ‬ ‫بالخر واالعرتاف به كما هو‪ ،‬ولي�س كما يطيب‬ ‫لنا‪� ،‬سيقود �إىل أ�ن نزن ر أ�يه بحيدة ونحمي حقه بنزاهة‪.‬‬ ‫فاالعرتاف آ‬ ‫بالخر كما هو ون�شدان احلق قبل ذلك هو‬ ‫المام ال�شافعي �إىل �صوغ تلك اخلطة ذات القيمة‬ ‫الذي قاد إ‬ ‫احل�ضارية‪« :‬ر أ�يي �صواب يحتمل اخلط أ� ور أ�ي غريي خط أ�‬ ‫يحتمل ال�صواب» فهذا الطرح الفكري أ‬ ‫الخاذ طوره مفكر‬ ‫فرن�سي مت أ�خر بقوله‪ « :‬أ�خالفك يف الر أ�ي لكنني م�ستعد‬ ‫للموت دفاعا عن ر أ�يك»‬ ‫‪ - 4‬بني احل�سن أ‬ ‫والح�سن‪:‬‬ ‫حتقيقا لهذا الهدف أ‬ ‫ال�سمى ي�صر القر آ�ن الكرمي‪ ،‬وهو يوجه‬ ‫املحاور‪ ،‬على أ�ن يختط لنف�سه ال�سبيل أ‬ ‫القوم عند املحاورة‬ ‫داخليا(احل�سن) وخارجيا أ‬ ‫(الح�سن)‪ ،‬وقد �سجل ال�شيخ‬ ‫القر�ضاوي هذه املالحظة املهمة‪ :‬املوعظة التي ت�ستهدف‬ ‫املوافق الذي نتاج �إىل �إيقاظ قلبه وحتريك عاطفته حتى‬ ‫الميان‪ ،‬هذه املوعظة ت�شرتط‬ ‫تعود حركته �إىل قلب دائرة إ‬ ‫أ‬ ‫«احل�سن» بينما يوظف اجلدال بالـ» الح�سن» مع ذلك‬ ‫املخالف الذي نتطلع �إىل ا�صطياد عقله واال�ستحواذ على‬ ‫قلبه ليقتنع وي�ستجيب‪)19( .‬‬ ‫وهناك جملة من القيم أ‬ ‫والخالق مثل‪ :‬عدم اخل�ضوع يف‬ ‫القول‪ ،‬الثقة بالنف�س والو�ضوح‪ ،‬النف�س الطويل‪ ،‬اجلر أ�ة‬ ‫احلكيمة‪ ،‬جدية الر�سالة و�صدقها‪ ،‬جندها متجمعة يف‬ ‫موقف ربعي بن عامر أ�مام ر�ستم حني أ�جاب عن ال�س ؤ�ال‬ ‫املباغت املزلزل‪« :‬ما الذي أ�خرجكم»؟‬ ‫ال�سالم‬ ‫أ�ن�ستطيع اجلزم ب أ�ن من يحاورون اليوم با�سم إ‬ ‫يحملون هذا الطموح‪ :‬حترير ال�شعوب‪� ،‬إ�سعاد الب�شر؟‬ ‫وي ؤ��سف اليوم ب أ�ن بع�ض ال�سفراء املعاقني يعطون االنطباع‬ ‫ال�سيئ آ‬ ‫للخر‪ :‬أ�ننا نريد عك�س التيار ونحمل م�شروع �إجالء‬ ‫�صفادال�سالم‬ ‫النا�س(الغرب) من رحابة احلياة �إىل أ�‬ ‫إ‬ ‫و أ�غالله‪ ،‬وخطة �سرية لك�سر متثال احلرية يف �شواطئ‬ ‫نيويورك لن�شيد ب أ�طالله معتقال أ‬ ‫للفكار واجل�سوم بحجم‬ ‫الياب�سة و�شرا�سة «غوانتنامو»‪.‬‬ ‫مهمتان �ضخمتان على املحاور اليوم أ�ن ي�ضطلع بهما‪:‬‬ ‫ال�سالم!‬ ‫�إخراج النا�س من �ضيق الدنيا �إىل �سعة إ‬‫ حترير النا�س من أ�غالل أ‬‫ال�سالم!‬ ‫الديان �إىل عدل إ‬ ‫�إنها مهمة �شاقة تنتظرنا‪ ،‬أ�لدينا ا�ستعداد وجلد على عك�س‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪45‬‬


‫التيار الذي يجتاح العامل اليوم‪ ،‬أ�نقدر على �إعادة تركيب‬ ‫ال�صورة امله�شمة؟‬ ‫ت�سا ؤ�الت عوي�صة وم�شروعة تقت�ضي أ�جوبة حا�سمة بحجم‬ ‫تلك أ‬ ‫ال�سئلة وو�ضوحها‪.‬‬ ‫( َو ِ�إ ْذ ُي ِري ُك ُموهُ ْم ِ�إ ِذ ا ْل َت َق ْي ُت ْم فيِ أ� َْع ُي ِن ُك ْم َق ِليلاً َو ُي َق ِّل ُل ُك ْم فيِ‬ ‫أ� َْع ُي ِنه ِْم) (�سورة أ‬ ‫النفال‪)25 :‬‬

‫بدائل تغييب احلوار‬

‫ال�سالمي لي�س لتنفي�س‬ ‫قلنا‪ ،‬ونكرر‪ ،‬ب أ�ن احلوار من املنطلق إ‬ ‫و�ضع حمتقن أ�و معاجلة ملع�ضلة م�ستع�صية‪ ،‬و�إن كان من‬ ‫املمكن أ�ن ي ؤ�دي هذا الدور بنجاح وفاعلية‪ ،‬لكن ذلك يبقى يف‬ ‫الحوال مهمة ثانوية‪ ،‬أ� ّما املهمة أ‬ ‫كل أ‬ ‫ال�صيلة فهي أ�ن يظل‬ ‫الن�سانية و�إغناء احلياة‬ ‫احلوار نهجا ثابتا إلدارة العالقات إ‬ ‫الب�شرية‪ ،‬هذه ق�ضية يجب أ�ن ن ؤ�كدها يف م�سعانا �إيل توطني‬ ‫ثقافة احلوار وتو�سيع دارته‪.‬‬ ‫فلنناق�ش هذه النقطة من خالل هذا الت�سا ؤ�ل‪ :‬أ�ال تكون‬ ‫النتيجة‪ ،‬حني يغيب احلوار أ�و يغيب‪ ,‬وبالتايل التعويل على‬ ‫النهج اخل�شن‪ ،‬ال�صدام احلتمي الذي ُي َب ّ�شر به مع اخلارج‬ ‫و�سوء اجلوار وت�آكل أ‬ ‫الخوة يف الداخل؟‬ ‫ففي تاريخنا الفكري ما يدعم هذه الفكرة من خالل ما عرف‬ ‫بظاهرة �سد باب االجتهاد الذي كان من أ�رقى أ�نواع احلوار‬ ‫ال�سالمي يوم كان ال‬ ‫يف ظل البناء الفكري الذي �شاده العقل إ‬ ‫يزال هذا العقل يحتفظ باحليوية واحلركية‪.‬‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬بح�سب تركيبه الوا�سع واملتعدد‬ ‫�سيبقى املجتمع إ‬ ‫أ‬ ‫الطياف‪ ،‬يف حاجة‪ ،‬رغم تنوع و�شائج التوحد ومتانتها‪ ،‬يف‬ ‫تعهد م�ستمر لتلك الروابط الداخلية على جميع امل�ستويات‪:‬‬ ‫العلمية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واملجتمعية‪ ،‬واالنتمائية اجلزئية‪...‬‬ ‫فهذا احلوار امل�ستمر الذي‪ ،‬عربنا عنه بالتعهد امل�ستمر‪ ،‬هو‬ ‫الذي يحول دون تكد�س عوامل اجلفوة‪ ،‬كما يثبت تاريخ‬ ‫أ‬ ‫المة عرب تلك املراحل احلرجة التي مرت بها‪.‬‬ ‫فمتى جفت ينابيع احلوار مع الذات وزحزح مبد أ� التوا�صل‪،‬‬ ‫لن يكون البديل �إ اّل منو ثقافة االحرتاب وجمادلة كل فرقة‬ ‫بالباطل لتدح�ض به ر ؤ�ى الطائفة أ‬ ‫الخرى‪ ،‬ألن تغييب‬ ‫احلوار لن ينتج �سوى العقلية الفئوية املنحب�سة التي تنتع�ش‬ ‫يف أ�جواء ان�سداد املنافذ وتتغذى مبخلفات ال ّالفكر الناجت من‬ ‫ت�آكل الوعي وانكما�ش الفكر اجلماعي امل ؤ��س�س على اجلوامع‬ ‫امل�شرتكة‪.‬‬ ‫وقد حدد بع�ض املفكرين عوامل أ�ربعة تعرقل منو ثقافة‬ ‫ال�سالمية‪:‬‬ ‫احلوار يف الديار إ‬ ‫ �ضيق أ‬‫الفق لدى بع�ض العاملني‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ اجلهل مبا لدى آ‬‫الخرين والظروف التي متلي عليهم‬ ‫خيارات معينة‪.‬‬ ‫الطار ينكم�ش ويقلل من‬ ‫الدوافع ال�سيا�سية التي جتعل إ‬ ‫اال�ستقاللية‪.‬‬ ‫ال�سالم داخل دائرة‬ ‫ التع�صب والتمذهب ال�ضيق الذي يرى إ‬‫االنتماء‪)20(.‬‬ ‫ومبثل هذه العوامل مت تدمري ثقافة احلوار التي كانت نامية‬ ‫يوما ما عندنا‪ ،‬ثم حل حملها تيار وا�سع من حماوالت �شطب‬ ‫آ‬ ‫الخر �سواء أ�كان قريبا أ�م بعيدا‪.‬‬ ‫ال�سالمية ذات طبيعة حوارية التي‬ ‫وملا كانت احل�ضارة إ‬ ‫أ‬ ‫تتج�سد يف تلك العنا�صر ال�سا�سية التي عدها أ�حد‬ ‫الباحثني‪:‬‬ ‫«ال�شعاع‪ ،‬واال�ستقبال‪ ،‬والنقل‪ ،‬والرتجمة‪ ،‬واحلفظ»‬ ‫إ‬ ‫(‪ ،)21‬ف�إنها ت�ستعمل هذه العوامل ذاتها حني تتوجه �إىل‬ ‫آ‬ ‫اليجابية املعهودة لديها‪ ،‬وباملقابل ف�إن تلك‬ ‫الخرين بتلك إ‬ ‫اليجابية ال ميكن تفعيلها �إال يف مناخ حواري هادئ‬ ‫العوامل إ‬ ‫وخم�صب‪.‬‬ ‫ ومن النتائج املرتتبة على تغييب احلوار كذلك‪ :‬ا�ستثقال‬‫العمل الر�سايل على م�ستوى أ‬ ‫المة‪.‬‬ ‫ �إتاحة الفر�صة لالمتداد يف الفراغ الذي �سين� أش� وال‬‫الزمنة أ‬ ‫حمالة‪ ،‬وحدث يف أ‬ ‫الخرية‪ ،‬وف�ضال عن االمتداد يف‬ ‫داخلنا كان االمتداد يف ذلك الفراغ العاملي الذي أ�وجدناه‬ ‫الفريقية والبوذية‬ ‫يف �إفريقية و آ��سية وانتع�شت الوثنية إ‬ ‫ال�سالم‬ ‫ال�شرقية يف أ�وروبه مع حماولة و�ضع املتاري�س أ�مام إ‬ ‫الذي كان حا�ضرا بالقرب من قرون‪.‬‬ ‫ �سوء الظن املتبادل الذي أ��صبح القاعدة ‪ ،‬وما يتبع ذلك من‬‫البعد عن االعرتاف آ‬ ‫للخر مبا له و�إن�صافه‪ ،‬وهو اجلو الذي‬ ‫ال تطيب فيه املقاي�سة النزيهة واملفا�ضلة الهادفة‪.‬‬ ‫ويف أ�جواء تغييب احلوار كان ميالد ذلك اجلنني امل�شوه‬ ‫الرهاب الذي أ��صبح أ��ضخم بند‬ ‫الذي يعرف اليوم بظاهرة إ‬ ‫يف أ�جندة العالقة مع اجلار الغربي‪ ،‬ورغم ات�ساع املجال‬ ‫للمرافعة لتحديد اجلاين يف هذا التوجه املميت‪ ،‬ف�إننا ال‬ ‫ن�ستطيع التمل�ص من قطنا من التبعية على أ‬ ‫القل يف ال�شق‬ ‫بالرهاب الداخلي‪.‬‬ ‫املتعلق إ‬ ‫يجمع من عالج الظاهرة على ت�صنيفها �إحدى جتليات تغييب‬ ‫احلوار مع الذات وجمابهة الواقع املائل بجر أ�ة و�صرامة؛‬ ‫فبدال من ذلك أ�م�ضينا عقودا يف دغدغة العواطف املائجة‬ ‫وتلميع الواقع اخل�شن نا�سني‪ ،‬أ�و متنا�سني أ�ن هذا الواقع يعمل‬ ‫وفق قوانني �صارمة ال بد من اخل�ضوع لها عاجال أ�م آ�جال‪.‬‬


‫ونختتم هذا ال�سرد ب أ�حد أ�خطر خملفات تغييب احلوار‪،‬‬ ‫أ�ال وهو اعتناق النا�س املذهب الذي عابه القر آ�ن وطارد‬ ‫معتنقيه بال هوادة‪ ،‬مذهب فر�ض الر أ�ي وم�صادرة فكر آ‬ ‫الخر‬ ‫ثم اختزاله يف‪:‬‬ ‫( ما أ�ريكم �إال ما أ�رى ) �سورة غافر‪ ،‬آ‬ ‫الية ‪29‬‬ ‫احلجاجية التي �شطبت‬ ‫ويف غيبة احلوار تفتك تلك البط�شة ّ‬ ‫م�صطلحات �إيجابية من قامو�س أ‬ ‫المة الفكري منها احلوار‪،‬‬ ‫وجعل هذا اجلنوح أ�حد أ�برز رواد �إيقاظ أ‬ ‫المة يحتج على‬ ‫هذا النحو احلازم‪:‬‬ ‫«كال!‪...‬فال�سالم مل يجعل ا�ستعباد النا�س(فكريا) ركنا‬ ‫إ‬ ‫�ساد�سا مع أ‬ ‫الركان اخلم�سة‪ ،‬ولكنه يريد أ�ن يطهر الدنيا‬ ‫من أ�دران اال�ستبداد و أ�ن يدع تيارات الفكر احلر تقتحم كل‬ ‫جمال‪ ،‬وتن�ساب يف كل ميدان‪.‬‬ ‫أ�جل نحن نريد ذلك‪ ...‬ونود من غرينا أ�ن يوافقنا‪ ،‬فهذه‬ ‫خطة ال غنب فيها وال �إجحاف» (‪)22‬‬ ‫فاحلوار �إغناء وحماية واقتبا�س �إيجابي �شريطة أ�ن نعاجله‬ ‫على الطريقة التي ارت�آها أ�حد الرواد املعا�صرين‪:‬‬ ‫«ومن حق احلياة علينا‪ ،‬ومن حقنا على أ�نف�سنا أ�ن نقتب�س‬ ‫ون�ستفيد ممن أ�ح�سنوا حيث أ��س أ�نا وممن متر�سوا بعلوم‬ ‫الطبيعة وتفقهوا يف أ��سرار الوجود يف الوقت الذي ا�شتغلنا‬ ‫فيه بعلوم اجلدل و أ�مثالها‪)23( »...‬‬

‫اخلال�صة‪:‬‬

‫ال�شكاالت الكربى مل�س أ�لة‬ ‫يبدو يل‪ ،‬والعلم عند اهلل‪ ،‬أ�ن إ‬ ‫احلوار قد ح�سمت يف هذه آ‬ ‫اليات البينات‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اب َت َعا َل ْوا ِ�إلىَ َك ِل َم ٍة َ�س َواءٍ َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم‬ ‫(قلْ َيا أ� َْه َل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫أ� اََّل َن ْع ُبدَ ِ�إ اَّل ا َو اَل ُن ْ�ش ِر َك ِب ِه َ�ش ْي ًئا َو اَل َيت َِّخ َذ َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا‬ ‫َأ� ْر َبا ًبا ِم ْن دُونِ اللهَّ ِ َف ِ�إ ْن َت َو َّل ْوا َفقُو ُلوا ْ‬ ‫ا�ش َهدُ وا ِب َأ�نَّا ُم ْ�س ِل ُمونَ‬ ‫يم َو َما ُأ�ن ِْز َل ِت ال َّت ْو َرا ُة‬ ‫اجونَ فيِ ِ�إ ْب َر ِ‬ ‫اه َ‬ ‫َيا أ� َْه َل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫اب لمِ َ تحُ َ ُّ‬ ‫النجْ ِ ُ‬ ‫اج ْج ُت ْم‬ ‫يل ِ�إ اَّل ِم ْن َب ْع ِد ِه َأ�فَلاَ َت ْع ِق ُلونَ هَ ا َأ� ْن ُت ْم هَ ُ ؤ� اَلءِ َح َ‬ ‫َو ْ ِ إ‬ ‫اجونَ ِفي َما َل ْي َ�س َل ُك ْم ِب ِه ِعل ٌْم‬ ‫ِفي َما َل ُك ْم ِب ِه ِعل ٌْم َف ِل َم تحُ َ ُّ‬ ‫يم َي ُهو ِد ًّيا َو اَل‬ ‫َواللهَّ ُ َي ْع َل ُم َو َأ� ْن ُت ْم اَل َت ْع َل ُمونَ َما َكانَ ِ�إ ْب َر ِ‬ ‫اه ُ‬ ‫َن ْ�ص َرا ِن ًّيا َو َل ِك ْن َكانَ َح ِني ًفا ُم ْ�س ِل ًما َو َما َكانَ مِنَ المْ ُ ْ�ش ِر ِكنيَ)‬ ‫آ‬ ‫عمران‪:‬اليات‪.)67-64:‬‬ ‫(�سورة آ�ل‬ ‫ففيهن �إقرار مبد أ� احلوار املطلق‪ ،‬ق�ضية املرجعية‪ ،‬مطالب‬ ‫احلوار الكربى‪ ،‬أ�خالقيات املتحاورين‪ ،‬حتديد الهوية و�إبراز‬ ‫أ�هميتها‪ ،‬منوذج املحاور الفا�سد ذي املرجعية املزيفة‪ ،‬و�ضوح‬ ‫الق�ضية املطروحة‪...‬‬

‫الهوام�ش‪:‬‬

‫‪� -1‬شيخ حامد كان مفكر ًا �سنغالي ًا م�سلم ًا له رواية املغامرة الغام�ضة ال�شهرية عامليا وقد‬ ‫ترجمها الكاتب �إىل العربية‪.‬‬ ‫‪ -2‬يراجع كتابه ماذا خ�سر العامل بانحطاط امل�سلمني‪.‬‬ ‫‪ -3‬تعبري كان ال�شيخ حممد الغزايل (رحمه اهلل) ي�ستخدمه كثريا للتعبري عن امل�صلحني‬ ‫الواعني‪.‬‬ ‫‪ -4‬حممد بن أ�بي بكر عبد القادر الرازي‪ ،‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬ترتيب حممود خاطر‪ ،‬دار‬ ‫املعارف ‪ ،‬م�صر‪.1973 ،‬‬ ‫‪ -5‬جمد الدين حممد بن يعقوب الفريوز �آبادي ن القامو�س املحيط‪ ،‬م ؤ��س�سة الر�سالة‪،‬‬ ‫دم‪1419 ،‬هـ ‪1998 /‬م‪.‬‬ ‫‪� -6‬سورة الكهف ‪ ،‬ا آليتني‪34:‬و‪.37‬‬ ‫‪� -7‬سورة املجادلة‪ ،‬ا آلية‪.1 :‬‬ ‫‪ -8‬حممد ح�سني ف�ضل اهلل‪ ،‬احلوار يف القر�آن‪ ،‬ج‪ ،1‬دار املن�صوري للن�شر‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬ ‫دت‪.‬‬ ‫‪ -9‬حممد حممود حجازي‪ ،‬التف�سري الوا�ضح ‪ ،‬املجلد الثاين‪ ،‬جزء‪.15‬‬ ‫‪ -10‬حممد ف ؤ�اد عبد الباقي‪ ،‬املعجم املفهر�س أللفاظ القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫‪ -11‬ف�ضل اهلل‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫‪ -12‬يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬أ�ولويات احلركة ا إل�سالمية يف املرحلة القادمة‪ ،‬مكتبة وهبة‪،‬‬ ‫القاهرة‪1421 ،‬هـ ‪2001 /‬م‪.‬‬ ‫‪ -13‬القر�ضاوي‪ ،‬أ�ولويات احلركة ا إل�سالمية‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫‪ -14‬حممد �سعيد ولد أ�باه‪ ،‬ال�شباب امل�سلم مطلب االنفتاح‪ :‬مناذج من غرب �إفريقية‪،‬‬ ‫بحث حمكم قدم يف امل ؤ�متر الرابع للندوة العاملية لل�شباب ا إل�سالمي‪ ،‬الريا�ض‪2002،‬م‪.‬‬ ‫‪ -15‬ح�سن �سيك‪ ،‬االنت�صار لدين النبي أالمي عرب احلوار ا إل�سالمي امل�سيحي‪،‬‬ ‫‪� -16‬صفي الرحمن املباركفوري‪ ،‬الرحيق املختوم‪ ،‬دار الذخائر‪1414 ،‬هت‪1994/‬م‪،‬‬ ‫الدمام‪.‬‬ ‫‪ -17‬حممد �سعيد ولد أ�باه‪ ،‬ال�شباب امل�سلم ومطلب االنفتاح‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫‪ -18‬حممد اخل�ضري بك‪ ،‬تاريخ الت�شريع ا إل�سالمي‪ ،‬من من�شورات كلية الدعوة‬ ‫ا إل�سالمية‪ ،‬طرابل�س‪ ،‬دت‪.‬‬ ‫‪ -19‬يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬أ�ولويات احلركة ا إل�سالمية‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫‪ -20‬حممد على الت�سخريي‪ ،‬ت�شجيع أالن�شطة امل�شرتكة وتبادل اخلربات يف عمل الدعوة‬ ‫منعا لالزدواجية‪ ،‬كتاب العمل ا إل�سالمي امل�شرتك‪ ،‬الهدى للن�شر ولتوزيع‪1420 ،‬هـ‪/‬‬ ‫‪2000‬م‪ ،‬دت‪.‬‬ ‫‪ -21‬رغد كامل‪ /‬منار ا إل�سالم‪ ،‬عدد‪� ،‬ص‪.49 :‬‬ ‫‪ -22‬حممد الغزايل‪ ،‬اال�ستبداد ال�سيا�سي‪ ،‬دار القلم‪1424 ،‬هـ‪ ،2003 /‬دم�شق‪.‬‬ ‫‪ -23‬عمر عبيد ح�سنة‪ ،‬التفكري املق�صدي‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪47‬‬



‫ﻭﺳــــــﻄـﻴـﺘـﻨــﺎ‬ ‫ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ‪ /‬ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ‪ /‬ﻋﺎﺩﻝ ﺍﻟﻤﺎﺟﺪ‬ ‫»ﻣﻦ ﺁﻓﺎﻕ ﻭﺳﻄﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ«‬ ‫ﺃ‪.‬ﺩ‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ ﺃﺣﻤﺪ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺓ ‪ /‬ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻷﺭﺩﻧﻴﺔ‪ /‬ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻭﺣﻠﺤﻠﺔ ﻋﻘﺪﺓ )ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ(‬ ‫ﺍﻟﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ‪ /‬ﻧﺒﻴﻞ ﺷﺒﻴﺐ‬ ‫ﻣـﺴـﺘـﻘـﺒـﻞ ﺍﻹﻧـﺴـﺎﻥ ﻓـﻲ ﺍﻟـﻮﺳـﻄـﻴـﺔ ﻭﺍﻻﻋـﺘــــﺪﺍﻝ ‪ /‬ﺃﺣـﻤـﺪ ﺍﻟـﺘـﻮﻓـﻴـﻖ‬ ‫ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ‬ ‫ﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺱ ﻣﺮﻭﺍﻥ ﺍﻟﻔﺎﻋﻮﺭﻱ ‪ /‬ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﻤﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫ﺛﻼﺛﻴﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻹﻧﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺯﻥ‬ ‫ﻭﺍﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ‪ /‬ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻭﺳﻴﻢ ﻗﻠﻌﺠﻴﺔ ‪ /‬ﻣﻨﺴﻖ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎﻥ‬

‫ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ‪ /‬ﺇﻋﺪﺍﺩ ‪ /‬ﺃ‪.‬ﺩ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺨﻄﻴﺐ‬ ‫ﺃﺩﻟﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ‪ /‬ﻟﻠﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﺎﺯﻣﻮﻝ‬


‫وسطيتنا‬ ‫اإلعالم وثقافة الوسطية‬ ‫األستاذ‪ /‬عادل الماجد‬

‫احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم وبعد‪:‬‬ ‫ف�إن احلديث عن الو�سطية وثقافة الو�سط هو حديث عن‬ ‫مو�ضوع ال عد ّو له ومن هنا ت أ�تي �صعوبة وامتناعه هذا‬ ‫امل�صطلح‪ ،‬وقد حاولت كثري ًا أ�ن أ�قر أ� ملن يرف�ض الو�سطية‬ ‫ألطلع على ر أ�يه‪ ،‬فلم أ�جد لها عدو ًا‪ ،‬وكل من تكلم عن‬ ‫الو�سطية بالغ يف الثناء عليها؛ فهذا الذي يكفّر جميع‬ ‫حكام امل�سلمني والوزراء يف كتابه يدعو للو�سطية وعدم‬ ‫التطرف بتكفري املجتمع كله‪ ،‬ويحذ ّر من التطرف‪ ،‬و آ�خر‬ ‫ال�سالم جاء‬ ‫ال�سالم واملعا�صرة ال يجتمعان‪ ،‬و أ�ن إ‬ ‫يرى أ�ن إ‬ ‫حلل م�شكالت حمددة لزمان ومكان‪ ،‬وال ين�سى أ�ن يحذر‬ ‫من التطرف ويدعو للو�سطية كما يقول‪( :‬ومن التطرف‬ ‫ما يدعو له بع�ض املثقفني يف املهجر من وجوب �إغالق دور‬ ‫العبادة (امل�ساجد)‪ ،‬ومنع الزواج غري القانوين ‪ ،‬و أ�نا أ�دعو‬ ‫للو�سطية يف حرية اتباع أ�ي دين ‪ ،‬ولو أ�قام الزواج بطقو�س‬ ‫معينة)‪.‬‬ ‫العالم �إن دعا �إىل الو�سطية فهو يدعو لق�ضية ال‬ ‫�إن إ‬ ‫العالم املفرت�ض هو جتلية‬ ‫ينازع فيها أ�حد ًا لذا ف�إن دور إ‬ ‫مفهوم (ثقافة الو�سط) و�صناعة بيئة هذه الو�سطية‪ ،‬ألن‬ ‫الو�سطية م�صطلح يكمن غمو�ضه يف و�ضوحه‪.‬‬ ‫يقول أ�حد امل�شاركني يف ندوة (الو�سطية بني التنظري‬ ‫والتطبيق) التي عقدت يف املنامة من أ�عمال منتدى الفكر‬ ‫العربي‪ ( :‬أ��شار العديدون من امل�شاركني أ�ثناء املداوالت �إىل‬ ‫أ�نهم و�صلوا �إىل البحرين وهم يعتقدون أ�ن الو�سطية مفهوم‬ ‫وا�ضح متام ًا‪ ،‬و أ�نهم يفهمونه‪ ،‬و أ�ن مهمة امل ؤ�متر أ‬ ‫ال�سا�سية هي‬ ‫البحث عن أ��سباب غياب الو�سطية عن مواقف وبع�ض النا�س‬ ‫�إال أ�ن أ�غلبية امل�شاركني‪ ،‬وبعد يومني من املداوالت و أ�حيان ًا‬ ‫امل�شادات الكالمية‪ ،‬خرجت وقد تبخر ما لديها من قناعات‬ ‫تتعلق مبفهوم الو�سطية‪� ،‬إذ �ساهمت آ‬ ‫الراء املتعددة التي‬ ‫ت�شعبت كثري ًا يف �إحالل الغمو�ض ‪ ،‬فكان الو�ضوح واالرتباك‬ ‫َّ‬ ‫حمل الثقة (�صحيفة البيان)‪.‬‬ ‫ويقول د‪ .‬حممد ربيع‪( :‬ور أ�ى أ�غلبية امل�شاركني‬ ‫أ�ن(الو�سطية) منارة تهدي ال�سفن ال�ضالة حني الو�صول �إىل‬ ‫البحرين‪ ،‬وتركت البحرين امل�ضياف‪ ،‬وهي على قناعة ب أ�ن‬ ‫‪50‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الو�سطية لي�ست �إال �سفينة تائهة يف خ�ضم بحر كبري تع�صف‬ ‫به أ�مواج عاتية)‪.‬‬ ‫ف�إذا التب�س املفهوم على نخبة املثقفني و أ�حدث فيما بينهم‬ ‫وم�شادات‪ ،‬فكيف هو حال اجلمهور العربي يف هذا‬ ‫�صراع ًا‬ ‫ٍ‬ ‫الوقت الذي تباينت فيه آ‬ ‫الراء‪ ،‬و أ��صبح ما تراه تطرف ًا‬ ‫ً‬ ‫و�سطية حممودة ؟‬ ‫�شديد ًا يراه آ�خر‬ ‫العالم يف بناء ثقافة الو�سط هو يف �صناعة‬ ‫�إن جناح إ‬ ‫املفهوم‪ ،‬وحماولة و�ضع أ��س�س وقنوات ت ؤ�دي �إىل (الو�سطية)‬ ‫على امل�ستوى الفردي واجلماعي‪ ،‬وعلى امل�ستوى ال�سيا�سي‬ ‫والثقايف‪ ،‬ويف ثقافة النخبة ويف وعي اجلمهور‪.‬‬ ‫�إن من أ��سباب ارتباك املفهوم هذا التداخل الوا�ضح بني‬ ‫مفهوم الو�سطية ومفاهيم أ�خرى ‪ ،‬فخذ على �سبيل املثال‪:‬‬ ‫مفهوم الو�سط واملنت�صف‪ ،‬فهل الو�سط هو املنت�صف ألن‬ ‫الن�صف مفهوم ريا�ضي هند�سي يعني حيز ًا يت�ساوى ما قبله‬ ‫مبا بعده‪ ،‬وعلى هذا تكون الو�سطية يف أ‬ ‫الخالق هي حالة يف‬ ‫الن�صف لي�ست ب أ�ح�سن اخللق وال رديئه‪ ،‬وكذا هي (الو�سطية‬ ‫يف االقت�صاد‪� ،‬إذا �إنها حالة جتعل امل�شروع االقت�صادي ال‬ ‫رابح ًا وال خا�سر ًا لذلك ينكر د‪ .‬حممد ربيع الو�سطية يف غري‬ ‫الن�سان‬ ‫الدين واملجتمع كما يقول‪� :‬إن من اخلط أ� أ�ن يكون إ‬ ‫و�سطي ًا فيما يتعلق يف االقت�صاد مث ًال)‪.‬‬ ‫ويذكر آ�خر أ�نه ال ميكن أ�ن ندعو �إىل الو�سطية يف ال�صدق‪،‬‬ ‫فتكون �صادق ًا حين ًا وكاذب ًا حين ًا آ�خر‪.‬‬ ‫و�سبب التبا�س الفهم يف تف�سري الو�سطية باملنت�صف ‪ ،‬ألن‬ ‫كثري ًا من خ�صال اخلري هي بني خ�صلتني من ال�شر ‪ ،‬كالكرم‬ ‫وال�سراف وال�شجاعة بني اجلنب والتهور ‪ ،‬وحتى‬ ‫بني البخل إ‬ ‫اخل�صال اخللقية ‪ :‬فالطويل جد ًا والق�صري جد ًا وبينهما‬ ‫الو�سط‪.‬‬ ‫�إن مفهوم الو�سطية هي اخلريية وهي حما�سن أ‬ ‫المور ‪،‬‬ ‫{وكذلك جعلناكم أ�مة و�سط ًا}يعني أ�مة اخلريية ‪ ،‬وقو ُله‬ ‫تعاىل‪{ :‬قال أ�و�سطهم} يعني خريهم و أ�عقلهم ‪ ،‬والر�سل من‬ ‫أ�و�سط أ�قوامهم ن�سب ًا‪ :‬أ�ي خريهم و أ�ف�ضلهم ن�سب ًا‪.‬‬ ‫العالم ت أ�كيد أ�ن (الو�سطية) هي اخلريية دائم ًا‪،‬‬ ‫�إن على إ‬ ‫الخالق مث ًال هي خري أ‬ ‫و أ�ن الو�سطية يف أ‬ ‫الخالق‪.‬‬ ‫واخللط آ‬ ‫الخر بني التطرف والعنف‪ ،‬واملراد بهما‪ ،‬وموقفيهما‬ ‫من الو�سطية‪ ،‬أ�ن العنف ممار�سة عملية ميكن الق�ضاء عليها‬ ‫أ�مني ًا أ�و فكري ًا ‪ ،‬أ� ّما التطرف ف أ��سلوب يف التفكري يجب أ�ن‬ ‫المكان‪ ،‬ألن التطرف �صفة ثابتة عرب الزمان‬ ‫يحا�صر قدر إ‬ ‫واملكان يف كل جمتمع وكل ح�ضارة‪.‬‬ ‫و يقول‪ :‬د‪ .‬حممد عمارة يف كتاب (الغلو الديني والالديني)‪:‬‬


‫(وكذلك يجب أ�ال نطمح �إىل خلو جمتمعاتنا من أ�ية آ�ثار‬ ‫ملقوالت الغلو الديني التي مت ر�صدها‪ ،‬و�إمنا يجب أ�ن نطمح‬ ‫�إىل حتجيم هذه الظاهرة ومن ثم تهمي�شها كي ال تكون مركز‬ ‫ال�سالمي الو�سطي‬ ‫جذب ل�شبابنا وال عائق ًا أ�مام امل�شروع إ‬ ‫للتقدم والنهو�ض)‪ .‬فال�صراع احلقيقي حول (الق�ضاء على‬ ‫العنف وحتجيم التطرف)‪.‬‬ ‫وميكن حتجيم التطرف بتو�سيع دائرة (الو�سطية)‪ ،‬ألن‬ ‫هناك حماوالت متطرفة يف تعريف (الو�سطية) حتى‬ ‫أ��صبحت الو�سطية عملية �صعبة ب�سبب التعنت يف و�ضع‬ ‫ً‬ ‫ممار�سة‬ ‫فلعالم معني ب أ�ن يجعل من الو�سطية‬ ‫حـدود لها‪ ،‬إ‬ ‫ً‬ ‫�سهلة وفق أ�طر مفتوحة وب أ�بعاد كثرية‪ ،‬و أ�ن يجعل من‬ ‫التطرف م�صطلح ًا ين�سجم مع ا�سمه وال يتجاوز حدود‬ ‫أ�طرافه‪.‬‬ ‫والو�سطية أ�ي�ض ًا لي�ست �إجماع ًا‪� ،‬إنها �سعة حتتمل التناق�ض‬ ‫واخلالف‪ ،‬وحتى ال�صراع‪� ،‬إذ �إنه ال ميكن أ�ن نقول �إن كل‬ ‫�صراع فيه أ�طراف متطرفة‪.‬‬ ‫�إن (الو�سطية) تختلف باختالف املجتمعات وتنوعها ‪،‬‬ ‫فالو�سطية يف املجتمع ال�سعودي ال تتطابق مع الو�سطية يف‬ ‫ال�سالمي لي�س‬ ‫املجتمع الفرن�سي مث ًال‪ ،‬والو�سطية يف التيار إ‬ ‫فالعالم‬ ‫هي ذاتها الو�سطية يف التيار القومي أ�و التغريبي‪ ،‬إ‬ ‫حينما ي�صحح مفاهيم الو�سطية البد أ�ن يدر�س اجلمهور‬ ‫املخاطب‪ ،‬وكيف يفهم الو�سطية وما هي الو�سطية املرادة‬ ‫منه‪.‬‬ ‫والعالم ينبغي أ�ن يدرك أ�ن الو�سطية هي تغيري لعادات‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫و�سلوك و�فكار‪ ،‬تتم مبرحلة بطيئة‪ ،‬ويكون جناح التغيري‬ ‫العالم يف جزء من‬ ‫ن�سبي ًا يف املجتمع املتطرف‪� .‬إن أ� َّثر إ‬ ‫عاداته و أ�فكاره فهو جناح‪ ،‬و�إن بقي يف حيز التطرف‪ ،‬ومن‬ ‫العالم يف بناء الو�سطية يف تغيري‬ ‫التعنت أ�ن نقي�س جناح إ‬ ‫اجلميع نحو الو�سطية ب أ��سلوب واحد ور ؤ�ية عامة ويف وقت‬ ‫ق�صري‪.‬‬ ‫العالم الناجح عندما ي ؤ�دي ر�سالته ب�شكل �صحيح‪ ،‬ف�إنه‬ ‫�إن إ‬ ‫يدر�س املجتمع املخاطب ويعرف بيئته كي ينطلق من مفردات‬ ‫والعالم هو (الر�سالة) �إذ‬ ‫املجتمع ومن قوا�سمه امل�شرتكة‪ ،‬إ‬ ‫�إن القنوات الف�ضائية وال�صحف واملجالت وال�شريط ومواقع‬ ‫النرتنت هي و�سائل �إعالمية ولي�ست �إعالم ًا‪ .‬فاحلملة‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫العالمية إلقناع اجلمهور بالو�سطية ال تكون ب�ضخ �كرب‬ ‫إ‬ ‫معلومات عن الو�سطية و أ�كرب قدر ممكن من �شتم التطرف‬ ‫والرهابيني �إمنا احلملة هي ر�سائل‬ ‫والرهاب إ‬ ‫واملتطرفني إ‬

‫مدرو�سة ومعدة من متخ�ص�صني ي�سعون نحو أ�هداف معلومة‬ ‫والرهاب‬ ‫املراحل‪ ،‬وينظرون �إىل ظاهرة العنف والتطرف إ‬ ‫نظر ًة �شمولية‪.‬‬ ‫ومن هنا ف�إن غري املتخ�ص�ص ت�ستغرقه زاوية واحدة ‪،‬‬ ‫ت ؤ�ثر �سلب ًا على زوايا أ�خرى وتنعك�س �سلب ًا على معاجلة‬ ‫الرهاب وهو ال يعلم‬ ‫والرهاب‪ ،‬بل رمبا نفع إ‬ ‫ظاهرة العنف إ‬ ‫‪ ،‬لذا البد من أ�ن يجري احلديث �إعالمي ًا عن هذا املو�ضوع‬ ‫احل�سا�س بالتحليل والنقد والت�صويب والتخطئة على أ�ل�سنة‬ ‫متخ�ص�صني يف هذه ال� ؤ‬ ‫ش�ون‪ ،‬ويقت�صر تعليق غري املتخ�ص�صني‬ ‫النكار فقط‪ ،‬وهناك أ�مثلة كثرية على خدمات جمانية‬ ‫على إ‬ ‫للرهاب والتطرف قام بها �إعالميون غري متخ�ص�صني‪.‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الرهابي مبفكرين متميزين‪ ،‬و�إن‬ ‫ومن اخلط� أ�ي�ض ًا ربط الفكر إ‬ ‫والرهاب‬ ‫خالفناهم ‪ ،‬ف أ�ي هدية أ�عظم من أ�ن ُيهدى التطرف إ‬ ‫أ�ر�ضية فكرية حينما يعزى �إىل فكر �سيد قطب وفكر أ�بي‬ ‫أ‬ ‫العلى املودودي‪ ،‬و أ�حيان ًا فكر عاملي يف مواجهة م ؤ��س�سات‬ ‫الدولة‪ ،‬كالفكر الفو�ضوي أ�و غريه‪� ،‬إن هذا الربط يوحي أ�ن‬ ‫الرهاب والتطرف له قراءة فكرية فاح�صة‪ ،‬وينطلق من‬ ‫إ‬ ‫الرهاب هو �شباب �ضعيف التعليم‬ ‫أ��س�س مرجعية‪ ،‬لكّن واقع إ‬ ‫�صغري ال�سن لو قر أ� �صفحة يف كتاب (معامل يف الطريق) أ�و‬ ‫غريه ما ا�ستطاع أ�ن ينطق كلماتها نطق ًا �صحيح ًا ف�ض ًال عن‬ ‫فهمها أ�و ت�شربها والعمل مبوجبها‪.‬‬ ‫والرهاب‬ ‫العالمية �ضد التطرف إ‬ ‫وعلى م�ستوى احلمالت إ‬ ‫هناك ممار�سات كثرية ال تخدم الق�ضية‪ ،‬و أ�حيان ًا ت ؤ�ثر‬ ‫بنتائج عك�سية‪.‬‬ ‫الغراق يف مواجهة نوع من التطرف دون غريه‪ ،‬يجري يف‬ ‫�إن إ‬ ‫نطاق خدمة تطرف آ�خر ملحا�صرة أ‬ ‫الول‪.‬‬ ‫فعندما كانت املواجهة �ضد ال�شيوعية كان احلديث عن‬ ‫اجلهاد يف أ�فغان�ستان غري متزن‪ ،‬ويتحدث عن املوقف من‬ ‫�شرعيي ‪ ،‬وهذا ما جعل التطرف‬ ‫ال�شيوعي حديث ًا غري‬ ‫ّ‬ ‫يتوالد بيننا ون�سكت عنه على الرغم من علمنا به‪ ،‬ب�سبب‬ ‫معركتنا مع ال�شيوعية واالحتاد ال�سوفيتي �سابق ًا على وجه‬ ‫التحديد‪.‬‬ ‫الرهاب والتطرف‪ ،‬ولكنه‬ ‫العالم حرب ًا على إ‬ ‫واليوم ي�ضخ إ‬ ‫أ‬ ‫ال يتوازن مرة �خرى‪ ،‬فهو يلوذ بال�صمت حيال االنحالل‬ ‫أ‬ ‫الخالقي والتطرف الفكري يف التبعية للغرب‪ ،‬بل يحاول أ�ن‬ ‫يطم�س مفهوم القوة واحلرب والعدو‪ ،‬والتي ت�شكل أ��صو ًال يف‬ ‫أ�ي ح�ضارة أ�و دولة‪� ،‬إذ حتتاج أ‬ ‫المة لروح التحدي واملقاومة‬ ‫ولكن وفق أ��س�س ونظام وقانون‪.‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪51‬‬


‫العالمي النا�ضج ال ت�ستغرقه اللحظة الزمانية‬ ‫�إن الفكر إ‬ ‫و�إمنا يعالج الق�ضايا بتوازن ب أ�بعاد زمانية ومكانية‬ ‫مدرو�سة‪.‬‬ ‫العالم متطرفون ي�ستغلون الو�سطية لبث تطرفهم‬ ‫ويقتحم إ‬ ‫العالمية ‪.‬‬ ‫م�ستفيدين من حالة عدم االتزان إ‬ ‫ال�سالمي والقومي وال�شعوبي والعلماين هو‬ ‫�إن املتطرف إ‬ ‫متطرف ال ميكن أ�ن ي�سهم يف �صناعة الو�سطية‪ ،‬وال م�صلحة‬ ‫العالم لرجل متطرف �سواء أ�كان ذلك‬ ‫البتة يف ا�ستخدام إ‬ ‫عرب مقاالته أ�م أ�قواله‪ ،‬لكي ن أ�تي به للرد على تطرف آ�خر‪،‬‬ ‫معطني بذلك اجلمهور م�س ّوغ ًا للتطرف‪.‬‬ ‫�إن تعزيز أ�حد الطرفني هو متكني وتر�سيخ آ‬ ‫للخر‪ ،‬و أ�قوى‬ ‫�سالح �ضد التطرف هو الو�سطية‪ ،‬فوجود (القاعدة) مث ًال‬ ‫وعملياتها امل�شينة هي أ�كرب �إعانة ملمار�سة الفكر امل�سيحي‬ ‫املت�صهني أ�جندته يف املنطقة‪ ،‬وكذلك تزداد فاعلية القاعدة‬ ‫ومن نحا نحوها فكري ًا وع�سكري ًا كلما ازداد تع�صب احلزب‬ ‫املت�صهني وبالغ يف ممار�سة أ�جندته‪.‬‬ ‫العالمي الكبري يف بناء الو�سطية أ�ن يفتح املجال‬ ‫فمن اخلط أ� إ‬ ‫ملتطرف لكي ينتقم من خ�صمه با�سم (الو�سطية)‪.‬‬ ‫ومما ي�ضر بالو�سطية أ�ي�ض ًا عر�ضها عر�ض ًا بدائي ًا باهت ًا‪،‬‬ ‫�إذ جتد أ�ن التطرف يعر�ض فكره بالرباهني والدالئل‪،‬‬ ‫العالم ال يعتني ب أ��صول النقا�ش ال�صحيح‪ ،‬بدعوى‬ ‫وجتد إ‬ ‫أ�نه �إعالم ينتمي للدولة أ�و يعرب عن عموم املجتمع أ�و أ�ن‬ ‫املتطرف والتطرف ال ي�ستحق جهد ًا‪ ،‬و أ�ن الو�سطية هي احلق‬ ‫والعدل‪.‬‬ ‫العالم ال ي ؤ�ثر حتى ي أ�خذ معطيات التطرف بكل جد‬ ‫�إن إ‬ ‫واهتمام‪.‬و(الو�سطية) أ�حوج ما تكون أ�ن تعر�ض بو�سطية‬ ‫واعتدال ومنطقية‪ ،‬و أ�ن تكون الر�سالة غري متوترة وال‬ ‫منحازة‪ ،‬و أ�ال يعالج التطرف بتطرف مثله‪.‬‬ ‫�إن بناء (الو�سطية) يف املجتمع هو بناء أ�فكار ور ؤ�ى‪ ،‬ومتى‬ ‫العالم ميثل الو�سطية بذوات ويخدمهم‪ ،‬ف�إن فكر‬ ‫�صار إ‬ ‫(الو�سطية) يتج�سد بذوات فقط وي�صبح غري م ؤ�ثر‪ ،‬وكذلك‬ ‫التطرف والعنف يجب أ�ن تن�صب على أ‬ ‫الفكار ال‬ ‫معاجلة‬ ‫ّ‬ ‫الذوات‪.‬‬ ‫�إن ا�ستخدام الذوات يف الو�سطية هو متثيل فقط على‬ ‫املمار�سة ولي�س ت�سويق ًا �شخ�صي ًا ألحد‪ ،‬فاملوقف من أ‬ ‫ال�شخا�ص‬ ‫متذبذب أ� ّما أ‬ ‫الفكار فمعاملها وا�ضحة‪.‬‬ ‫للعالم هو ارتباط (الو�سطية)‬ ‫والتحدي الكبري يف ر أ�يي إ‬ ‫فالر أ�ي يف (اجلهاد)‬ ‫مبتغريات التاريخ وال�سيا�سة والفكر ‪ّ ،‬‬ ‫‪52‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫اليوم لي�س هو ذات الر أ�ي خالل الثمانينات على امل�ستوى‬ ‫الفكري وال�سيا�سي واالجتماعي وعلى م�ستوى الفتوى‬ ‫أ�ي�ض ًا‪.‬‬ ‫العالم‬ ‫فخالل اخلم�سينيات وال�ستينيات مث ًال‪ :‬ما موقف إ‬ ‫العالم‬ ‫ممن يرى حق (�إ�سرائيل) يف الوجود ؟ وما موقف إ‬ ‫اليوم ممن يرى (فل�سطني) من البحر �إىل النهر وق�ضايا‬ ‫كثرية جد ًا؟‬ ‫العالم بحاجة �إىل فكر قوي و�صريح يناق�ش املتغريات‬ ‫�إن إ‬ ‫مناق�شة �شفافة تبني يف أ‬ ‫المة مفهوم (املقا�صد‪ ،‬وامل�صالح‬ ‫واملفا�سد ‪ ،‬واملمكن وغري املمكن)‪.‬‬ ‫�إن أ�ف�ضل عالج حل�سا�سية هذه امل�صطلحات هو اقتحامها‬ ‫وعالجها ب�شفافية وتقبل الر أ�ي املعار�ض فيها ب أ�ريحية‬ ‫عالية‪.‬‬ ‫يقول املفكر الفرن�سي (ا�سبنيوزا) (احلقيقة ما قبل جبال‬ ‫البريينيه تعد خط أ� فيما بعدها)‪.‬‬ ‫(الو�سطية) لي�ست منهجية القطار وال�سكة‪ ،‬أ�ي لي�ست أ�فكار ًا‬ ‫على خط وا�ضح ثم تنطلق‪� ،‬إنها عملية م�ستمرة ومتتابعة‬ ‫حتتاج �إىل تعزيز دائم‪� ،‬إنها ال�صراط امل�ستقيم الذي‬ ‫أ�ُمرنا أ�ن ندعو اهلل أ�ن يهدينا �إليه ع�شرات املرات يومي ًا‪،‬‬ ‫والدعاء الدائم بالتوفيق ملا اختلف فيه‪ ،‬و أ�ن يرينا احلق‬ ‫حق ًا ويرزقنا اتباعه‪� ،‬إنها جهود متوالية ودائمة حتث على‬ ‫م�سلك الو�سطية وتقلل من حجم التطرف يوم ًا بعد يوم‪.‬‬ ‫العالم هم‬ ‫ونختم املبحث ب أ�ن من يحمل لواء الو�سطية يف إ‬ ‫أ��شخا�ص‪ ،‬لذا يجب اختيارهم بعناية لكي مي ّثلوا الو�سطية‬ ‫ب�سريتهم وطبيعتهم‪ ،‬ولي�س من املنا�سب أ�بد ًا أ�ن ت�سند هذه‬ ‫امللفات املهمة ملن يعرف باخلبث وال�سوء‪ ،‬أ�و أ�ن تاريخه مليء‬ ‫بال�صفحات ال�سوداء‪.‬‬ ‫�إن كثري ًا ممن أ��سلم من ال�صحابة يقول‪ :‬نظرت �إىل وجه‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فعلمت أ�ن وجهه لي�س بوجه‬ ‫كذاب‪ ،‬وكان عليه ال�صالة وال�سالم يعتني بالر�سل للملوك‬ ‫والقبائل‪ ،‬ألن الر�سالة والر�سل فيهما تداخل كبري‪.‬‬ ‫�إن (الو�سطية) م�صطلح جذاب وهو حق وعدل‪ ،‬ومن الظلم‬ ‫أ�ن ن�ضع بني يدي هذا احلق ر�س ًال ال متثله ‪.‬‬ ‫العالم (الو�سطية) ب�صدق و�إخال�ص وعمل‬ ‫وعندما يتمثل إ‬ ‫أ‬ ‫د ؤ�وب‪ ،‬ف�إنه �سي ؤ�ثر قطع ًا‪ ،‬و�سيكون �شاهد ًا على املجتمع‪ ،‬لن‬ ‫ٌ‬ ‫مرتبطة بال�شهادة امل ؤ�ثرة ‪.‬‬ ‫الو�سطية ال�صادقة‬ ‫(وكذلك جعلناكم أ�مة و�سط ًا لتكونوا �شهداء على النا�س)‪.‬‬


‫وسطيتنا‬ ‫«من آفاق وسطية اإلسالم التركيز‬ ‫على المبادئ قبل الجزئيات»‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬محمد أحمد حسن القضاة ‪ /‬الجامعة األردنية‪ /‬كلية الشريعة‬

‫يخطئ املربون آ�باء و أ�مهات ومعلمني وغريهم عندما ي�سرفون‬ ‫يف ح�شو أ�ذهان أ‬ ‫البناء والتالميذ باملعلومات اجلزئية‬ ‫النظرية‪ ،‬ظانني أ�نّ الذكاء والنماء الفكري والرتبوي‬ ‫مرهون با�ستيعاب تلك املعلومات على كرثتها‪ ،‬ويخرج‬ ‫النا�شئ �إىل ف�ضاء الواقع االجتماعي بعد ذلك‪ ،‬فال يكون‬ ‫لتلك املعلومات الب�سيطة أ�ثر يف واقعه احلياتي‪ ،‬فتتال�شى‬ ‫كل تلك اجلزئيات ال�صطدامها بواقع مغاير الجتاهها ال‬ ‫تقوى على مواجهته‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولو أ�ن مناهجنا �سلكت م�سلك غر�س املفاهيم والفكار العامة‬ ‫واملبادئ الكربى لكانت أ�فكار و�سلوكاتهم النا�شئة يف جمتمعهم‬ ‫غري ما هي عليه اليوم‪ ،‬خ�صو�صا �إذا عا�شت هذه املبادئ‬ ‫والقيم الفا�ضلة ال�سليمة يف ظل واقع ي�سمح لها بالتحرك‬ ‫الخال�ص والعدل‬ ‫والنماء والعطاء‪ ،‬فلو فهم النا�شئة مبد أ� إ‬ ‫والعزة والكرامة من النبع ال�صايف لهذا الدين العظيم لعلموا‬ ‫كم تبنى يف أ‬ ‫البناء من معان �سامية �إذا رافقتها همة تربوية‬ ‫ن�شطة عالية يت�سع �صدرها لبناء هذه املفاهيم واملبادئ‬ ‫جمردة غري مت أ�ثرة بالواقع‪.‬‬ ‫و�إذا كان من ال�سهل ت أ��صيل هذه املفاهيم وبلورتها‪ ،‬ف�إن من‬ ‫ال�صعوبة �إعطاء املفاهيم واملبادئ نظريات ال �صلة لها بواقع‬ ‫النا�س وحياتهم اليومية اجتماعية واقت�صادية و�إدارية‬ ‫وثقافية و�سيا�سية‪� ،‬إنّ هذه املفاهيم واملبادئ حتتاج �إىل‬ ‫مناخ �إجتماعي يتالءم و أ�بعادها‪ ،‬مناخ ُتزاول فيه الطاعة‬ ‫الخال�ص والعدل‬ ‫مثال أ�ق�صى مداها وحدودها‪َ ،‬و ُيزاول إ‬ ‫والكرامة وغريها أ�بعادها و أ�ق�صى آ�مادها‪ ،‬ولي�س �شرطا أ�ن‬ ‫الجتماعي �سليما ال عوج فيه حتى تعي�ش هذه‬ ‫يكون املناخ إ‬ ‫املفاهيم وتنمو‪ ،‬بل املطلوب أ� ْن ُي�سمح لهذه املبادئ واملفاهيم‬ ‫أ�ن تعمل‪ ،‬ولو كان املجتمع فا�سدا �إىل أ�ق�صى درجات الف�ساد‪،‬‬ ‫ف�إن هذه املبادئ واملفاهيم ال�صاحلة ال�سوية �سـت أ�خذ طريقها‬ ‫�ضد هذا التيار املنحرف الطارئ على حياة أ‬ ‫المة‪ ،‬و�ستلوي‬ ‫عنقه ل ّي ًا يف نهاية املطاف‪ ،‬كي يتم�شى وين�سجم وموازين‬ ‫املبادئ ال�صاحلة؛ ألنها مفاهيم ومبادئ غالبة ال حمالة‪،‬‬ ‫فالفطرة النقية ومعطيات العقل ال�سليم‪ ،‬وما جاءت به‬ ‫اللهية‪ ،‬ت ؤ�كد خلودها وغلبتها‪ ،‬فالظلم ال يقوى‬ ‫ال�شرائع إ‬ ‫الخال�ص‪ ،‬والذل ال‬ ‫على العدل‪ ،‬والغ�ش ال يقاوم طويال إ‬

‫ي�صرع العزة والكرامة ‪.‬‬ ‫�إن املجتمعات املعا�صرة تريد من هذه املبادئ واملفاهيم �نأ‬ ‫حتمي الواقع اخلاطئ مل�ساراتها االجتماعية وال�سيا�سية‬ ‫والدارية واالقت�صادية والثقافية وغريها‪ ،‬و�سيكون‬ ‫إ‬ ‫لتلك املبادئ واملفاهيم يف ظل هذه النظرة نف�س قوتها‬ ‫الفعالة ال�سابقة‪ ،‬ولكنها قوة يف جانب ال�سلب‪ ،‬ومع التيار‬ ‫االجتماعي اخلاطئ ال �ضده‪ ،‬فالطاعة حني تقطع من أ��صلها‬ ‫أ‬ ‫الول ت�صبح طاعة عمياء حمدودة مبتذلة تعني التملق‬ ‫واملح�سوبية‪ ،‬وتنمي يف الفرد الذل واخلذالن وتقتل همة‬ ‫الرتقي‪ ،‬وت�صبح الت�ضحية ت�ضحية لتعميق الواقع آ‬ ‫الثم‪،‬‬ ‫وكذلك جتهز العدالة على بقية العدالة؛ ألنها �ست�ضفي على‬ ‫الباطل أ��صباغ العدالة الزائفة‪ ،‬وهكذا �ست�صبح العزة نذالة‬ ‫وذال ومهانة؛ ألنها �ستكون عزة مبقدار القرب من القائمني‬ ‫على هذا الواقع اخلاطئ‪.‬‬ ‫و�إذا أ�ردنا تعديل امل�سار الرتبوي‪ ،‬فال بد من بناء النا�شئة وفق‬ ‫املبادئ واملوازين امل�ستقاة من نبع عقيدتنا‪ ،‬وال بد ثانيا من‬ ‫ترك تلك املبادئ واملوازين تعالج عن طريق ه ؤ�الء النا�شئة‬ ‫الواقع االجتماعي‪ ،‬و�سرنى التغيري االيجابي الذي يثري‬ ‫العجاب والده�شة‪ ،‬لقد حقق مربي الب�شرية ور�سولها حممد‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم النتائج اخلريية املثمرة عندما �ر�سى هذا‬ ‫املنهج يف الرتبية بوحي اهلل‪ ،‬وتوجيه القر آ�ن العظيم‪ ،‬ف�سلك‬ ‫أ��سلوب الرتبية يف غر�س املبادئ واملفاهيم الكلية‪ ،‬والتغا�ضي‬ ‫أ�و �إهدار اجلزئيات‪ ،‬ثم ترك لتلك البناءات الرتبوية من‬ ‫الرجال والن�ساء تقوم بعملها وفق تلك املبادئ �ضد تيار‬ ‫املجتمع يف جميع م�ساراته‪ ،‬وا�ستطاع الر�سول الكرمي بهذا‬ ‫املنهج ال�سليم أ�ن ُيربي ال أ�طفاال يتعهدهم منذ ال�صغر‪ ،‬بل‬ ‫رجا ًال اعتادوا حياة اجلاهلية ومنت يف وجدانهم‪ ،‬و�سرت يف‬ ‫دمائهم‪ ،‬و�إذا كان من ال�صعب أ�ن تغري عادة ما يف املجتمع‪ ،‬فما‬ ‫بالك بتغيري حياة اجتماعية بكاملها‪ ،‬بعاداتها‪ ،‬وتقاليدها‪،‬‬ ‫و أ�و�ضاعها و أ�فكارها واعتقاداتها‪ ،‬لقد ا�ستطاع النبي الكرمي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم بهذا املنهج الرباين ال�سليم ان ُيغري‬ ‫ذلك الواقع كله‪ ،‬بل يغري وجدانهم‪ ،‬ويجدد دماءهم‪ ،‬وي�صنع‬ ‫منهم أ�مة ُتذكر باخلري‪ ،‬على مر التاريخ �صنعها بف�ضل اهلل‬ ‫ورعايته يف حقبة زمنية وجيزة‪ ،‬وبغري هذا أ‬ ‫ال�سلوب حتتاج‬ ‫أ‬ ‫المم �إىل قرون كي يكتمل لها البناء ولن يكتمل‪ ،‬فال بد من‬ ‫وقفة تربوية جادة لواقع مناهجنا و أ��ساليبها‪ ،‬كي ُتعدل‬ ‫وفق غر�س املبادئ واملوازين واملفاهيم أ�وال وت أ�خري النظر‬ ‫يف اجلزئيات؛ ألنها �ست أ�تي تباعا لتكمل املنظومة الرتبوية‬ ‫أ‬ ‫الخالقية الهادية للتي هي أ�قوم‪ ،‬م�صداقا لقوله عز وجل‬ ‫((�إنّ هذا القر آ�ن يهدي للتي هي أ�قوم))‪.‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪53‬‬


‫وسطيتنا‬ ‫المسلمون في أوروبا وحلحلة عقدة‬ ‫(اإلرهاب)‬ ‫الربط بين الوجود اإلسالمي في‬ ‫الغرب وأعمال العنف غير المشروع‬ ‫نبيل شبيب‬

‫بعد يوم واحد من حلول الذكرى ال�سنوية اخلام�سة‬ ‫لتفجريات حمطة قطارات مدريد (‪2004/3/11‬م) أ�علنت‬ ‫ال�سلطات الهولندية اعتقال �سبعة من امل�شتبه ب أ�نهم كانوا‬ ‫يعدون لعمليات تفجري يف العا�صمة الهولندية أ�م�سرتدام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وذكرت ال�سلطات امل�س ؤ�ولة أ�نهم جميعا من امل�سلمني‪ ،‬من‬ ‫حملة اجلن�سية الهولندية ذوي أ‬ ‫ال�صول املغربية‪ .‬وال يزال‬ ‫من املبكر �ساعة كتابة هذه ال�سطور اجلزم بحقيقة اال�شتباه‬ ‫ومداه وباملعلومات التف�صيلية‪� ،‬إمنا يطرح احلدث جمددا ما‬ ‫�سبق طرحه مع عمليات التفجري يف مدريد ويف لندن خالل‬ ‫الرهاب‬ ‫ال�سنوات القليلة املا�ضية‪ ،‬و أ��صبح منطلقا للربط بني إ‬ ‫من جهة‪ ،‬مبعنى ارتكاب العنف غري امل�شروع بعيدا عن معاين‬ ‫املقاومة امل�شروعة يف أ�ر�ض حمتلة‪ ،‬وبعيدا عن أ��شكال‬ ‫ال�صراع بالو�سائل امل�شروعة بني احلق والباطل على جميع‬ ‫ال�سالمي الب�شري‬ ‫امل�ستويات ويف كل مكان‪ ،‬وبني الوجود إ‬ ‫يف البلدان أ‬ ‫الوروبية من جهة أ�خرى‪ ،‬وعلى وجه التحديد‬ ‫أ‬ ‫الجيال ال�شابة التي ولدت الن�سبة العظمى منها يف هذه‬ ‫البلدان‪ ،‬فهي مواطنها واقعيا‪ ،‬و�إن كان أ‬ ‫الجداد قد قدموا‬ ‫يف حقبة ما�ضية من بع�ض أ‬ ‫ال�سالمية‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫القطار إ‬ ‫ال�سالم من ذوي‬ ‫ن�سبة متزايدة من ال�شبيبة الذين يعتنقون إ‬ ‫ال�صول أ‬ ‫أ‬ ‫الوروبية‪.‬‬ ‫يجب فك هذا الربط النكد واخلطري‪:‬‬ ‫ لي�س انطالقا من منظور م�صلحة الدول أ‬‫الوروبية حتديدا‪،‬‬ ‫هذا مع وجوب التمييز الدقيق بني م�صالح أ�وروبية م�شروعة‬ ‫ميكن االنطالق منها و أ�خرى مطامع غري م�شروعة ت�صل �إىل‬ ‫م�ستوى تر�سيخ الهيمنة واال�ستغالل على ح�ساب آ‬ ‫الخرين‬ ‫وهذه مرفو�ضة‪ ،‬بغ�ض النظر عن موقع املرء وانتماءاته‪..‬‬ ‫ بل انطالقا على وجه التحديد من منظور م�صلحة الوجود‬‫ال�سالمي يف أ�وروبا والغرب عموما‪ ،‬وقد أ��صبح ميثل قطعة‬ ‫إ‬ ‫‪54‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫اليجابي املتنامي‪ ،‬يف‬ ‫من املجتمعات الغربية‪ ،‬وله مفعوله إ‬ ‫الوقت احلا�ضر‪ ،‬وميكن أ�ن يكون له م�ستقبال مفعول أ�كرب‬ ‫و أ�و�سع نطاقا مبا ي�شمل �صناعة القرار على �صعيد ق�ضايا‬ ‫ال�سالمية نف�سها‪.‬‬ ‫البلدان إ‬ ‫يجب حلحلة هذا الربط وفكه ب�صورة قاطعة ونهائية‪ ،‬مع‬ ‫التمييز الدقيق بني ثالث فئات‪:‬‬ ‫(‪ )1‬من يعملون لذلك من امل�سلمني يف أ�وروبا‪ ،‬وينطلقون من‬ ‫ال�سالم عقيدة وتطبيقا‪ ،‬ويعي�شون يف جمتمعاتهم أ‬ ‫الوروبية‬ ‫إ‬ ‫ملتزمني ب�إ�سالمهم‪ ،‬وما يوجبه عليهم يف بلدان ال ميثلون‬ ‫فيها غالبية �سكانية‪ ،‬وه ؤ�الء هم الغالبية بني امل�سلمني يف‬ ‫أ�وروبا‪)2(..‬‬ ‫من يعملون على تر�سيخ هذا الربط من بع�ض اجلهات غري‬ ‫امل�س ؤ�ولة‪ ،‬من غري امل�سلمني ومن امل�سلمني على ال�سواء‪)3(..‬‬ ‫ال�سالم‬ ‫من ميار�سون تفكريا وتعبريا و�سلوكا ما يتناق�ض مع إ‬ ‫( أ�وال)‪ ،‬ويتناق�ض مع م�صلحة امل�سلمني يف الغرب ويف‬ ‫ال�سالمية (ثانيا)‪ ،‬ومع م�صلحة الدول الغربية‬ ‫البلدان إ‬ ‫وجمتمعاتها (ثالثا)‪ ،‬وي�سري عليه ما يطلق عليه الغربيون‬ ‫الرهاب‪ ،‬وهذا ما منيزه متييزا دقيقا عندما ن�ستخدم‬ ‫و�صف إ‬ ‫ال�سالمي و�صف العنف غري امل�شروع‪ ،‬غري غافلني‬ ‫من املنطلق إ‬ ‫عن املعنى الذي تقرره آ‬ ‫الية الكرمية (ترهبون به عدو‬ ‫اهلل وعدوكم و آ�خرين من دونهم) والتي ال ي أ�تي �سياقها‬ ‫وفق آ‬ ‫اليات ال�سابقة لها والتي تليها‪ ،‬مبعر�ض الدعوة �إىل‬ ‫القتال‪ ،‬بل على النقي�ض من ذلك ي أ�تي مبعر�ض احلديث عن‬ ‫تثبيت ال�سلم امل�شروع‪ ،‬وعن «�إرهاب» العدو أ�ن ينق�ض العقود‬ ‫واملواثيق في�سبب قتاال‪ ،‬ومن �شاء فلريجع �إىل تلك آ‬ ‫اليات يف‬ ‫�سورة أ‬ ‫النفال‪.‬‬ ‫الرهابي غري امل�شروع‪ ،‬أ�و‬ ‫�إن الذين يرتكبون أ�عمال العنف إ‬ ‫يدعون �إليها‪ ،‬أ�و ي ؤ�يدونها‪ ،‬أ�و ي�س ّوغونها مب�سوغات مرفو�ضة‬ ‫تتجاوز التف�سري املطلوب لها ولدوافعها و أ��سبابها من أ�جل فهم‬ ‫ال�سلوب أ‬ ‫الظاهرة ليمكن حتديد أ‬ ‫الجدى للتعامل معها‪..‬‬ ‫ه ؤ�الء ال يلحقون ال�ضرر فقط بفهم الب�شر من م�سلمني وغري‬ ‫لل�سالم على حقيقته‪ ،‬وهو دين احلق والعدالة‬ ‫م�سلمني إ‬ ‫واخلري والرحمة وال�سماحة وحترير العباد‪ ،‬جميع عباد‬ ‫اهلل‪ ،‬من خمتلف أ��شكال الرق والعبودية واال�ستبداد‬ ‫واال�ستغالل‪ ..‬ودين توظيف القوة يف خدمة ذلك كله‪ ،‬ولي�س‬ ‫توظيفها فيما يتناق�ض معه‪ ،‬بل يلحقون ال�ضرر أ�ي�ضا على‬


‫أ�ر�ض الواقع‪ ،‬بامل�سلمني وق�ضاياهم يف كل مكان‪ ،‬و�إن زعموا‬ ‫نقي�ض ذلك‪.‬‬ ‫ال�سالمي يف‬ ‫لي�ست الق�ضية هنا ق�ضية دفاع عن «الوجود إ‬ ‫الغرب» وال�سعي أ�ن يكون م�ساملا آ�منا بعيدا عن املواجهات‬ ‫مع ال�سلطات أ�و مع حكومات ت�شارك يف أ�عمال عدوانية‬ ‫�ضد �شعوب م�سلمة وق�ضايا �إ�سالمية‪ ..‬وذاك أ�و ما ي�شابهه‬ ‫بع�ض ما تردده أ�قالم ال يريد أ��صحابها فهم الكالم كما هو‪،‬‬ ‫في ؤ�ولونه على ح�سب أ�هوائهم ليوزعوا االتهامات ذات اليمني‬ ‫وذات ال�شمال �ضد كل من ال يتبع أ�هواءهم‪.‬‬ ‫وبكل و�ضوح‪:‬‬ ‫�إن رف�ض العنف غري امل�شروع الذي ُيرتكب داخل حدود‬ ‫البلدان أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬أ�و يف الغرب عموما‪ ،‬ال يكون قوميا و�سليما‬ ‫ما مل ي�شمل (‪ )1‬رف�ض العنف غري امل�شروع خارج تلك احلدود‬ ‫أ�ي�ضا‪ ،‬وما مل ي�شمل (‪ )2‬رف�ض العنف غري امل�شروع الذي‬ ‫متار�سه تلك الدول أ�و �سواها‪ ،‬يف أ�ي مكان‪ ،‬وما مل ي�شمل (‪)3‬‬ ‫الن�سان عموما‪ ،‬من‬ ‫رف�ض العنف غري امل�شروع الذي ي�ستهدف إ‬ ‫امل�سلمني وغري امل�سلمني‪ ،‬وما مل ي�شمل (‪ )4‬رف�ض العنف غري‬ ‫امل�شروع من جانب اال�ستبداد املحلي واال�ستبداد العاملي‪ ..‬وما‬ ‫مل ي�شمل أ�ي�ضا (‪ )5‬الت أ�ييد دون حتفظ ال�ستخدام القوة‬ ‫امل�شروعة بالو�سائل امل�شروعة‪ ،‬للدفاع عن النف�س‪ ،‬أ‬ ‫والر�ض‪،‬‬ ‫الن�سان وكرامته وحرياته أ‬ ‫ال�سا�سية‪،‬‬ ‫واحلقوق‪ ،‬وعن جن�س إ‬ ‫�ضد من ميار�س العدوان‪ ،‬واالغت�صاب‪ ،‬واال�ستغالل‪ ،‬مبختلف‬ ‫أ‬ ‫ال�شكال ويف أ�ي مكان‪.‬‬ ‫مما ينبغي ال�سعي �إليه‬ ‫هذا الرف�ض ال�شامل املتكامل هو ّ‬ ‫يف حلحلة الربط بني امل�سلمني يف أ�وروبا و أ�عمال العنف‬ ‫الرهابي غري امل�شروع‪.‬‬ ‫إ‬ ‫�إن هذا الربط نا�شئ عن حتالف «غري مقد�س» ‪-‬كما يقال‪-‬‬ ‫و�إن مل يكن مق�صودا‪ ،‬ما بني دعاة العنف غري امل�شروع من‬ ‫ال�سالم‪ ،‬فهم يوجدون‬ ‫جهة‪ّ ،‬‬ ‫ممن يزعمون الدفاع عن إ‬ ‫لل�سالم‬ ‫الذرائع لهذا الربط‪ ،‬وبني جهات و أ�و�ساط معادية إ‬ ‫عموما ولوجوده يف الغرب تخ�صي�صا‪ ،‬من جهة أ�خرى‪ ،‬فهي‬ ‫تعمل على تثبيت هذا الربط والرتويج له‪ ،‬لت أ�ليب املجتمعات‬ ‫أ‬ ‫الوروبية على امل�سلمني فيها‪.‬‬ ‫و�إن هذا الربط اخلطري يعني فيما يعنيه‪:‬‬ ‫ال�سالم احلقيقية والتنفري منه‪.‬‬ ‫‪ -1‬ت�شويه �صورة إ‬ ‫‪ -2‬ت�شويه �صورة امل�سلمني وعالقاتهم ب�سواهم ودعم ذرائع‬ ‫من يعمل على التخويف منهم وعلى معاداتهم‪.‬‬

‫‪ -3‬ن�شر اخلوف يف أ�و�ساط امل�سلمني ال �سيما جيل ال�شبيبة‬ ‫لل�سالم والدعوة �إليه داخل املجتمعات الغربية‬ ‫من العمل إ‬ ‫ال�سالمية‬ ‫خ�شية أ�ن تلحق بهم و�صمة الربط بني أ�ن�شطتهم إ‬ ‫امل�شروعة وبني املروجني للعنف غري امل�شروع ومرتكبيه‪.‬‬ ‫ال�سالمية‬ ‫‪ -4‬ت أ�ليب غري امل�سلمني �ضدهم‪ ،‬و�ضد الق�ضايا إ‬ ‫تعميما‪ ،‬وت�شويه حقيقة أ�نها قائمة على احلق والعدالة‬ ‫الن�سان وحترير أ‬ ‫الوطان‪ ،‬ودعم القوى التي ت ؤ�ثر‬ ‫وكرامة إ‬ ‫يف أ�و�ساط غري امل�سلمني ل�صناعة قرارات ارتكاب أ‬ ‫العمال‬ ‫وال�سيا�سات العدوانية جتاه امل�سلمني وبالدهم يف العامل‬ ‫ال�سالمي نف�سه‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬النا�شطة وغري‬ ‫‪� -5‬إ�ضعاف مواقع اجلهات إ‬ ‫النا�شطة‪ ،‬وجهات نا�شطة أ�خرى من غري امل�سلمني‪ ،‬تعززت‬ ‫يوما بعد يوم من خالل متابعة أ‬ ‫الحداث اجلارية على‬ ‫ح�ساب امل�سلمني وق�ضاياهم العادلة‪ ،‬واحليلولة دون تنامي‬ ‫ت أ�ثريها داخل املجتمعات الغربية لتقومي االنحرافات فيما‬ ‫ت�ساهم به على �صعيد �صناعة القرارات الدولية اجلائرة‬ ‫وتنفيذها‪.‬‬ ‫يجب أ�ن يو�ضع حد نهائي لهذا الربط اخلطري بذاته‬ ‫واخلطري بنتائجه و أ�بعاده‪ ،‬وتقع امل�س ؤ�ولية أ�وال على عموم‬ ‫امل�سلمني أ�نف�سهم يف أ�وروبا‪ ،‬فهم املطالبون بتعامل �إ�سالمي‬ ‫قومي هادف را�سخ مع أ‬ ‫الحداث‪ ،‬ينطوي على الرف�ض القاطع‬ ‫الوا�ضح للدعوات التي يروج لها مرتكبو العنف غري امل�شروع‬ ‫وم ؤ�يدوه‪.‬‬ ‫ولكن دعاة هذا العنف أ�نف�سهم مدعوون أ�ي�ضا �إىل حمل‬ ‫ق�سط من هذه امل�س ؤ�ولية‪ ،‬ف�إن �صح ما يقال �إنهم أ�خط أ�وا‬ ‫الو�سيلة نحو هدف م�شروع يتطلعون �إليه‪ ،‬وهو رفع � أش�ن‬ ‫ال�سالم وامل�سلمني‪ ،‬ف�إن‬ ‫ال�سالم وامل�سلمني وخدمة ق�ضايا إ‬ ‫إ‬ ‫هذا الهدف بالذات يحتم عليهم �إن �صدقوا مع أ�نف�سهم‬ ‫و�إ�سالمهم‪ ،‬أ�ن يتخلوا عن الو�سائل التي ال تتناق�ض مع‬ ‫ال�سالم فح�سب‪ ،‬بل ي�ستحيل أ��صال أ�ن حتقق هذا الهدف‪،‬‬ ‫إ‬ ‫�إمنا ي�صنعون بها عقبة أ�خرى من العقبات يف وجه امل�سلمني‬ ‫ال�صادقني املخل�صني امللتزمني ب أ�حكام دينهم وبالدعوة �إليه‬ ‫والعمل من أ�جله‪ ،‬وه ؤ�الء �سيم�ضون على هذا الطريق‪� ،‬سواء‬ ‫أ�وجدت تلك الفئات أ�م مل توجد‪ ،‬و�سوف يتحقق ذلك الهدف‬ ‫على أ�يدي أ�ولئك املخل�صني‪ ،‬رغم العقبات الكبرية والعراقيل‬ ‫ال�سالم وخ�صومه وي�صنعها‬ ‫ال�ضخمة‪ ،‬التي ي�صنعها أ�عداء إ‬ ‫امل�سيئون �إليه و�إن رفعوا عنوانه فوق �إ�ساءاتهم له‪.‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪55‬‬


‫وسطيتنا‬ ‫مستقبل اإلنـسـان في الوسـطية‬ ‫واالعـتــــدال‬ ‫أحـمـد الـتـوفـيـق‬

‫‪ -1‬لو �سئل عامل بالقر آ�ن الكرمي واحلديث النبوي ال�شريف‪،‬‬ ‫عن مواقع ت أ��صيل االعتدال يف هذين أ‬ ‫ال�صلني‪ ،‬الكتاب‬ ‫وال�سنة‪ ،‬الحتج بن�صو�ص �صريحة عديدة تدعو �إىل عدم‬ ‫ال�سراف وعدم التطرف وال�سيما يف العبادة واملعي�شة‪.‬‬ ‫إ‬ ‫لكن‪ ،‬من حق كل قارئ متدبر للقر آ�ن أ�ن يفرت�ض وجود آ�يات‬ ‫قر آ�نية تتناول املو�ضوع متناو ًال توجيهي َا �شمولي ًا‪ُ ،‬تتخذ‬ ‫مدخال ملو�ضوع االعتدال يف �سياقه القر آ�ين كما هو موجه‬ ‫للنا�س كافة‪ ،‬ثم للم�سلمني خا�صة‪.‬‬ ‫ولعل من تلك آ‬ ‫الرحمن‬ ‫اليات املباركات ما جاء يف أ�وائل �سورة ّ‬ ‫�إذ يقول عز وجل‪:‬‬ ‫الن َْ�سانَ * َعلَّ َمهُ ا ْل َب َيانَ‬ ‫(ال َّر ْح َمنُ * َعلَّ َم ا ْلق ُْر آ�نَ * َخ َل َق ْ ِ إ‬ ‫ال�ش ْم ُ�س َوا ْل َق َم ُر ِب ُح ْ�س َبانٍ * َوالن َّْج ُم َو َّ‬ ‫* َّ‬ ‫ال�ش َج ُر َي ْ�س ُجدَ انِ‬ ‫ِيزانَ * أ� اََّل َتطْ َغ ْوا فيِ المْ َ‬ ‫اء َر َف َع َها َو َو َ�ض َع المْ َ‬ ‫ِيزانِ‬ ‫ال�س َم َ‬ ‫* َو َّ‬ ‫يموا ا ْل َوزْنَ ِبا ْل ِق ْ�س ِط َو اَل ُتخْ ِ�س ُروا المْ َ‬ ‫ِيزانَ )‪�(.‬سورة‬ ‫* َو أ� َِق ُ‬ ‫الرح ّمن‪)9-1 :‬‬ ‫للن�سان‬ ‫تلك آ�يات ت�سع عظيمة‪ ،‬جاءت يف البعد الكوين إ‬ ‫من حيث هو خملوق هلل تعاىل وبقطع النظر عن تدينه‬ ‫ب أ�ي دين من أ‬ ‫الديان‪ ،‬آ� ٌ‬ ‫يات ُي�سفر تدبرها عن بنية قوية‪،‬‬ ‫ودائرة من دوائر الكمال التي يحفل بها القر آ�ن الكرمي‪.‬‬ ‫الجمال‪ ،‬فاهلل تعاىل‬ ‫فهي تذكر اخللق ونظامه على �سبيل إ‬ ‫قدم ا�سمه الكرمي فيها با�سمه الرحمن‪ ،‬لتغمر رحمته‬ ‫الن�سان أ‬ ‫والكوان‪� ،‬إن�سان ًا مل يخلق لي�شقى بالقر آ�ن‪ ،‬ألن‬ ‫إ‬ ‫الن�سان ُع ِّلم‬ ‫القر آ�ن هو الت�صور الكامل مل�شروعه‪ .‬ومع خلق إ‬ ‫والدراك‪ ،‬لكي يكون قادرا‬ ‫البيان‪ ،‬أ�ي أ�عطي املعرفة املميزة إ‬ ‫على أ�ن يعرف أ�مورا من نف�سه‪ ،‬و أ�مورا تت�صل بربه‪ ،‬وبالكون‬ ‫الن�سان ُ�سخرت الطبيعة من �شم�س وقمر‬ ‫املحيط به‪ .‬ولهذا إ‬ ‫ٌ‬ ‫خملوقات جمبولة على ال�سجود‪ ،‬لها‬ ‫وجنم و�شجر‪ ،‬لكنها‬ ‫الن�سان في�ستطيع أ�ن‬ ‫برنامج دورانها وحيا ُتها املح�سوبة‪ ،‬أ�ما إ‬ ‫يزيد وينق�ص يف برناجمه أ‬ ‫ال�صلي‪ ،‬أ�ي يف العمل بالقر آ�ن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫درجة املطابقة أ�و املخالفة يف التطبيق‪ ،‬ال ل�شيء‬ ‫من حيث‬ ‫�إال ألنه خملوق ُركب على احلرية التي بها عد من أ�رقى‬ ‫املخلوقات‪ .‬وقد غابت حكمة هذه احلرية عن املالئكة‬ ‫‪56‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الن�سان ُ‬ ‫وك�شفوا بجانب من‬ ‫عندما علموا مب�شروع خلق إ‬ ‫َ‬ ‫((قا ُلوا َأ�تجَ ْ َع ُل ِفي َها َم ْن ُيف ِْ�سدُ ِفي َها َو َي ْ�س ِف ُك‬ ‫طبيعته‪،‬‬ ‫اء َو َن ْحنُ ُن َ�س ِّب ُح ِب َح ْم ِد َك َو ُن َقدِّ ُ�س َل َك ۖ َق َ‬ ‫ال ِ�إنيِّ أ� َْع َل ُم َما‬ ‫الدِّ َم َ‬ ‫اَل َت ْع َل ُمونَ )(البقرة‪)30:‬‬ ‫ي�ستخل�ص من كالم املف�سرين لبع�ض أ�لفاظ آ‬ ‫اليات التي أ�تينا‬ ‫بها من �سورة الرحمن أ�ن امليزان هو العدل أ�و و�سيلته احلكم‪،‬‬ ‫و أ�ن الطغيان فيه ا َ‬ ‫ت�ضييع العدل‪،‬‬ ‫جل ْو ُر والظلم‪ ،‬و�إخ�سا َره‬ ‫ُ‬ ‫فيت�ساوى يف العواقب الظلم مع ترك املجال للفو�ضى‪.‬‬ ‫الن�سان باحلرية‪ُ ،‬دعي �إىل �إقامة امليزان‬ ‫وهكذا‪ ،‬فمع متتيع إ‬ ‫بالعدل‪ :‬أ�ن يعدل يف حق ربه فال يطغى‪ ،‬ويعدل يف حق‬ ‫نف�سه فال يظلمها بامليل مع الهوى‪ ،‬ويعدل يف حق بني جن�سه‬ ‫فال يه�ضم حقوقهم‪ .‬وقد يكون العدل يف املكاييل من جملة‬ ‫العدل املطلوب هنا يف املعامالت‪ ،‬ولكن الوا�ضح أ�ن امليزان‬ ‫الذي ينا�سب مقام هذه آ‬ ‫اليات ال ميكن أ�ن يقت�صر فهمه يف‬ ‫�سياق ما ي�سمى اليوم بقاعدة احرتام الزبون‪ ،‬أ‬ ‫والوىل أ�ن‬ ‫يفهم منه ميزان املحا�سبة وامل�سئوول ّية الكربى الذي َين�صبه‬ ‫الن�سان يف أ�عماقه فردا كان أ�و جماعة‪ ،‬معيا ُره العمل‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بالقانون و�صفته االعتدال‪� ،‬ي و�ضع المور يف موا�ضعها‪.‬‬ ‫يف هذا ال�صدد ذهب الربوفي�سور ف�ضل الرحمن‪ ،‬رحمه اهلل‪،‬‬ ‫ال�سالم لي�ست طريقا لالختيار‬ ‫�إىل القول ب أ�ن الو�سطية يف إ‬ ‫بني عدة طرق‪ ،‬بل هي الطريق أ‬ ‫الوحد‪ ،‬ألنها طريق الوقوف‬ ‫مع احلق الذي جنتهد با�ستمرار يف الو�صول �إليه يف كل‬ ‫أ‬ ‫المور‪ ،‬ولي�ست الوقوف يف نقطة بني احلق والباطل‪.‬‬ ‫فالعدل لي�س عمال حياديا بل هو التزام وميل �إىل جهة‬ ‫احلق‪ ،‬كما يقول ابن عربي يف <الفتوحات> ‪ ،‬ومادة َعدَ َل‬ ‫يف العربية ت ؤ�يد ذلك‪.‬‬ ‫ال�سالم �إنه دين امليزان‪،‬‬ ‫وبهذا املعنى ميكن أ�ن يقال اليوم عن إ‬ ‫الن�سان‬ ‫كما نقول �إنه دين الو�سطية واالعتدال‪ ،‬و�إمنا ُدعي إ‬ ‫�إىل ا�ستعمال هذا امليزان ل�سبب ولغاية‪.‬‬ ‫ف أ�ما ال�سبب أ‬ ‫فلن خلقه جاء على ِفطرة ارتبطت فيها حريته‬ ‫الخ�سار‬ ‫بثمنها‪ ،‬وهو تعر�ضه لهوى الطغيان من جهة‪ ،‬وهوى إ‬ ‫واخل�سران من جهة أ�خرى‪ ،‬و أ�ما الغاية فهي حتقيق برناجمه‬ ‫ال�صالح يف أ‬ ‫الف�ساد فيها‪.‬‬ ‫الر�ض وعدم إ‬ ‫القر آ�ين الذي هو إ‬ ‫الن�سان م ؤ�هل لهذا امل�شروع‬ ‫‪ -2‬وهنا ال بد أ�ن نت�ساءل‪ :‬هل إ‬ ‫ال�صالح ورمزه الفالح ومنهجه �إقامة ميزان‬ ‫الذي عنوانه إ‬ ‫العدل واالعتدال ؟ نعم هو م ؤ�هل بحكم ما ت�ضمنه الربنامج‬ ‫أ‬ ‫ال�صلي املبينَّ يف قوله تعاىل‪َ (( :‬و ِ�إ َذ ا َ​َخ َذ َر ُّبك ِم ْن َب ِني آ� َد َم‬ ‫ِمن ُظ ُهو ِر ِه ْم ُذ ِّر َّيا ِته ِْم َو أ� َْ�ش َهدَ هُ ْم َع َلى َأ� ْن ُف ِ�سه ُِم‪َ :‬أ� َل ْ�ستُ ِب َر ِّب ُك ْم ؟‬ ‫َقا ُلوا َب َلى )) (�سورة أ‬ ‫الن�سان معرتف‬ ‫العراف‪ )172:‬أ�ي �إن إ‬ ‫يف جوهره بربوبية خالقه وبارئه‪.‬‬


‫القرار بهذا امليثاق أ‬ ‫ال�صلي خ�ضع ملقت�ضيات احلرية‬ ‫لكن إ‬ ‫وما تقت�ضيه من االجتهاد والتفا�ضل‪ .‬فعندما نبحث يف أ��صل‬ ‫الن�سان من‬ ‫الفطرة جنده يف ذلك النفخ الذي نفخه اهلل يف إ‬ ‫المانة التي حمله �إياها ب أ�ن جعله يف أ‬ ‫روحه‪ ،‬ثم يف أ‬ ‫الر�ض‬ ‫خليفة‪ ،‬ثم �إنه �سبحانه وتعاىل أ�لهمه فجوره وتقواه‪ ،‬وهداه‬ ‫النجدين‪ ،‬وجعله على نف�سه ب�صرية ولو أ�لقى معاذيره‪،‬‬ ‫و أ�عطاه علما خالقا ومتييزا‪ .‬بيد أ�ن من �ضمن حرية‬ ‫الن�سان خيا َره يف أ�ن ي�ستمع �إىل فطرته أ�و ال ي�ستمع �إليها‪،‬‬ ‫إ‬ ‫((�س ُنق ِْر ُئ َك َف َال َتن َْ�سى‬ ‫لذلك أ�ر�شده اهلل �إىل الذكر بقوله‪َ :‬‬ ‫اء اهلل))(�سورة أ‬ ‫ِ�إ َّ‬ ‫العلى‪ ،)7-6:‬و أ�علمه عز وجل‬ ‫ال َما َ�ش َ‬ ‫اليجابي يف حريته‪ :‬بقوله تعاىل‪:‬‬ ‫بتدخله إ‬ ‫(( َو ُن َي ِّ�س ُر َك ِل ْل ُي ْ�س َرى)) (�سورة أ‬ ‫العلى‪.)8:‬‬ ‫الن�سان‪ُ ،‬خلق �ضعيفا هلوعا‬ ‫ومع ما ُو�ضع من خري يف فطرة إ‬ ‫جزوعا منوعا عجوال‪ ،‬وهذا َّ‬ ‫ال�ض ُ‬ ‫عف هو الذي يجعله يرتخي‬ ‫عن اليقظة الدائمة فيقع يف الظلم ويخرج عن االعتدال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ذاتية‬ ‫فلي�س له �إال االجتها َد وال َك ْد َح ليوقظ يف نف�سه دواف َع‬ ‫ً‬ ‫وطاقة ترقى به حتى ال مييل و ُيخ�سر امليزان‪.‬‬ ‫حتميه‪،‬‬ ‫أ‬ ‫�إن الكالم عن الفطرة التي لها عالقة بالت�هل لالعتدال‬ ‫على م�ستوى الفرد‪ ،‬يقابله الكالم على القوانني التي حتكم‬ ‫الن�سان على م�ستوى اجلماعة‪ .‬اعتدال ي�ضمنه‬ ‫�سلوك إ‬ ‫االجتهاد الد ؤ�وب لعدم امليل عن اجلادة‪ ،‬هذا يتطلب يقظة‬ ‫وتوترا م�ستمرا عند من يخاف مقام ربه وينهى‬ ‫دائمة‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫النف�س عن الهوى‪.‬‬ ‫فالتوجيهات القر آ�نية التي جاءت لتجاوز االختالالت على‬ ‫�صعيد املجتمع تراعي أ�ن أ�مر اجلماعة أ�مر م�شرتك معقد‪،‬‬ ‫يثري بال�ضرورة كثريا من أ�وجه اخلالف‪ ،‬لذلك تلج أ� اجلماعة‬ ‫�إىل تنظيمه بامل ؤ��س�سات‪ ،‬ورمبا كان هذا هو ال�سبب الذي نفهم‬ ‫على �ضوئه ت�شدد القر آ�ن يف رف�ض انحراف اجلماعات أ�كرث‬ ‫من ت�شدده يف رف�ض انحراف أ‬ ‫الفراد‪ ،‬ألن انحراف اجلماعة‬ ‫قد يت�سبب يف انحطاط ح�ضارات ب أ�كملها َ‬ ‫مثل تلك التي‬ ‫ذكر القر آ�ن أ�نها ا�ضمحلت لتف�سخ أ�خالقها وفقدها حلرارة‬ ‫التقوى ال�ضرورية حل�سن اال�ستمرار‪.‬‬ ‫ال�سالم �إيديولوجية ل�ضمان االعتدال يف �سلوك‬ ‫وقد و�ضع إ‬ ‫أ‬ ‫اجلماعة �سماها بالمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وغاية‬ ‫هذه أ‬ ‫يديولوجية هي التقومي الدائب من أ�جل االعتدال‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ففكرة االعتدال من هذا املنظور فكرة تربوية ت�شمل كل‬ ‫موا�ضيع أ‬ ‫الخالق‪ ،‬تلتقي فيها م�صلحة الدين مب�صلحة النا�س‬ ‫يف الدنيا‪.‬‬

‫ومن هنا نفهم أ�ن االعتدال لي�س ممكنا فح�سب‪ ،‬بل ينبغي‬ ‫ال�سعي �إىل تنظيمه تنظيما قانونيا و�سيا�سيا‪ ،‬والقر آ�ن‬ ‫يف�سره لنا يف مواطن متعددة بتطبيقات من خالل ق�ص�ص‬ ‫مناذج ب�شرية‪ ،‬وهم الر�سل أ‬ ‫والنبياء‪ ،‬ومن على هديهم من‬ ‫�صاحلي أ‬ ‫ُ‬ ‫مكانات الفطرية‬ ‫ال‬ ‫المم‪ ،‬ممن تقاربت يف حياتهم إ‬ ‫ُ‬ ‫واملنجزات الفعلية التي حققوها‪.‬‬ ‫و�إذا بحثنا عن الظواهر الكربى للطغيان واخل�سران يف تاريخ‬ ‫الب�شرية قدميه و و�سيطه وحديثه‪ ،‬وجدناها باخل�صو�ص‬ ‫تتمثل يف ا�ستغالل أ‬ ‫القوياء لل�ضعفاء أ�فرادا وجماعات‬ ‫و�شعوبا‪ ،‬ويف التفكك االجتماعي ب�سبب ف�ساد أ‬ ‫الخالق التي‬ ‫ت�ضر اجلماعة �إىل حد تهديدها باالنحطاط‪.‬‬ ‫غري أ�ن ال�س ؤ�ال اجلوهري الذي ينبغي طرحه بعد ما قدمناه‬ ‫من متهيد‪ ،‬يتعلق مبعرفة ال�سريورة التي ي أ�تي عن طريقها‬ ‫التعديل على م�ستوى املجتمع‪ .‬فبالن�سبة للفرد يتوقف‬ ‫تعديل امليزان‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬على تربيته تربية روحية كما يف‬ ‫قوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫((ق ْد أ� ْف َل َح َمن َز َّكاهَ ا)) (�سورة ال�شم�س‪،)9:‬‬ ‫وقد �سمى �صوفية امل�سلمني طريقهم طريق التزكية‪ ،‬ا�ستنادا‬ ‫�إىل هذه آ‬ ‫الية ومثيالتها‪ ،‬فالتزكية جمهود يغذيه �شعور‬ ‫مالزم لل�شخ�ص يتجلى يف مراقبة اهلل يف ال�سر والعالنية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جربيل عليه ال�سالم‪ :‬أ�ن‬ ‫يلتقي باحلالة املو�صوفة يف حديث‬ ‫تعبد اهلل ك أ�نك تراه‪ ،‬ف�إن مل تكن تراه ف�إنه يراك‪.‬‬ ‫أ�ما بالن�سبة للجماعة‪ ،‬ف�إن امليكانيزم املت�ساءل عنه قد ورد‬ ‫بيانه يف قوله تعاىل‪َ (( :‬و َل ْو َ‬ ‫َّا�س َب ْع َ�ض ُهم‬ ‫ال ِد َفا ُع اهلل الن َ‬ ‫�ض َّل َف َ�سدَ ِت ا َ‬ ‫ال ْر ُ‬ ‫�ض)) (�سورة البقرة‪ ،)251:‬فهذه آ�ية‬ ‫ِب َب ْع ِ‬ ‫من آ�يات �ضبط �سنة اهلل يف اخللق عن طريق ما نعرب عنه‬ ‫اليوم بالدينامية االجتماعية‪ .‬وقد أ�تى الفخر الرازي يف‬ ‫تف�سريه لهذه آ‬ ‫الية مب�سائل واحتماالت خل�ص فيها �إىل أ�ن‬ ‫املق�صود هو دفع جميع أ�نواع املف�سدة بجميع أ�نواع الدفع‬ ‫المارة أ�ي الدولة‪.‬‬ ‫و أ�نواع الدافعني‪ ،‬وعلى ر أ��سهم إ‬ ‫لو عر�ض امل�سلمون تاريخ الب�شرية على هذه آ‬ ‫الية‬ ‫ال�ستنبطوا منها نظرية يف االقت�صاد ال�سيا�سي قبل قول‬ ‫القائلني ب�شرح التاريخ على �ضوء �صراع الطبقات‪ .‬لكن بع�ض‬ ‫امل�سلمني يفوتهم الفهم ال�شامل ألنهم يف�سرون القر آ�ن وك أ�ن‬ ‫ما جاء فيه �إمنا يهم عهد تنزله و حياة أ‬ ‫المم التي أ�خرب بها‬ ‫يف العهود القدمية‪ ،‬ثم �إن بع�ضهم أ�ي�ضا فوتوا على أ�نف�سهم‬ ‫ال�شمل عندما غلبوا جانب أ‬ ‫الفهم أ‬ ‫الحكام يف القر آ�ن‬ ‫وتعاملوا معه‪ ،‬ك أ�نه جمرد مدونة قانونية‪ ،‬يف حني أ�نة كتاب‬ ‫الن�سان من مبدئه �إىل معاده‪.‬‬ ‫دين �شامل مل�شروع إ‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪57‬‬


‫�إن الكلمة الرئي�سية يف هذه آ‬ ‫الية هي كلمة «دفاع»‪ ،‬ح�سب‬ ‫قراءة ور�ش عن نافع‪ ،‬أ�و «دفع» ح�سب بع�ض القراءات‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ ،‬فنفهم منها أ�ن امليكانيزم امل�شار �إليه يتمثل يف أ�ن‬ ‫هناك ميوال جماعية �إىل الطغيان ا�ستجابة مل�صالح حملية‬ ‫�ضيقة أ�و وطنية أ�و �إقليمية أ�و أ�مبرييالية أ�و غريها‪ ،‬ونفهم‬ ‫من آ‬ ‫الية الكرمية أ�ن اجلماعة أ‬ ‫الخرى التي تنطلق من‬ ‫فكرة خمالفة‪ ،‬تدافع اجلماعة الباغية لتوقفها عند حدها‬ ‫بال�ضغط املعنوي أ�و املادي فتكبحها عن طغيانها‪ .‬وهكذا‬ ‫ُي�ستبعد الف�ساد يف أ‬ ‫الر�ض‪ .‬وتاريخ الب�شرية مليء بهذه‬ ‫ال�سلبية يقابلها مث ُلها من املحاوالت التعديلية‪.‬‬ ‫املحاوالت‬ ‫ِ‬ ‫الن�سان اجلماعية‪ ،‬كما بر أ�ها‬ ‫فهذا الدفاع �سنة حياة إ‬ ‫اهلل‪ ،‬وقد وقعت بع�ض جتلياتها حتى على �شكل حروب أ�و‬ ‫ثورات‪.‬‬ ‫�إن امل�ست أ�ن�س بتاريخ الفل�سفة قد يجد لـما ذكرناه نظريا فيما‬ ‫ُعرف باجلدلية الهيجلية‪ ،‬غري أ�ن ال�سنة الربانية املذكورة‬ ‫يف القر آ�ن لي�ست هي عقل التاريخ املجرد‪ ،‬بل هي �سنة‬ ‫مو�صولة باخلالق املعلوم أ‬ ‫للعمال‪ ،‬وهي �سنة ذات ق�صدية‬ ‫ال�صالح يف أ‬ ‫الر�ض‪ ،‬وفق ما‬ ‫معرب عنها بو�ضوح‪ ،‬أ�ال وهي إ‬ ‫الن�سان من م�صلحته‪.‬‬ ‫قرره الوحي ُ‬ ‫وع ِّلمه إ‬ ‫الن�سانية يف هذا امليدان‪ ،‬وكان يف‬ ‫‪ -3‬تراكمت جتربة إ‬ ‫خلفية دفع الف�ساد ما نزل من الوحي يف خمتلف الع�صور‪،‬‬ ‫وما قام به الر�سل أ‬ ‫والنبياء وال�صاحلون من �إر�شاد اخللق‬ ‫وهدايتهم‪ ،‬وما تقدم به رواد الفكر الديني والفل�سفي من‬ ‫مذاهب يف احلكم والتعاي�ش‬ ‫نظريات‪ ،‬وما ت أ��س�س عليها من‬ ‫َ‬ ‫داخل املجتمع الواحد أ�و بني أ‬ ‫المم وال�شعوب‪.‬‬ ‫ولكن املالحظة القوية التي يتوجب �إبدا ؤ�ها هنا‪ ،‬والتي‬ ‫ُ‬ ‫التعامل مع التاريخ‬ ‫�إذا ا�ستح�ضرها امل�سلمون �س ُهل عليهم‬ ‫ٌ‬ ‫مالحظة تتعلق بكون تدافع اجلماعات من أ�جل‬ ‫الكوين‪،‬‬ ‫�إجراء �سنة اهلل يف جتنيب أ‬ ‫الر�ض الف�ساد‪ ،‬تدافعا جرى‬ ‫معظمه خارج تاريخ امل�سلمني‪ ،‬وجرى بوترية مت�سارعة يف‬ ‫الربعة أ‬ ‫القرون أ‬ ‫الخرية‪ ،‬ف أ�ثمر تقدما ماديا ارتبط به‬ ‫تقدم فكري و�صاحبه تقدم �سيا�سي واجتماعي ُيلخ�صه‬ ‫اليوم نظام الدميقراطية‪ ،‬وهي كلمة يونانية تعني حكم‬ ‫ال�شعب كما هو معلوم‪ .‬ومما ي�ستحق االلتفات بهذا ال�صدد أ�ن‬ ‫كلمة الق�سط التي وردت يف �سورة الرحمن‪ٌ ،‬‬ ‫كلمة التينية‪،‬‬ ‫و أ��صلها ‪ ،Justitia‬ومنها ا�ش ُتقت كلمات العدل يف اللغات‬ ‫الغربية مثل ‪ Juste‬و ‪ ،Justice‬وم�ضمون م�صطلح العدل‬ ‫يف هذا أ‬ ‫ال�صل هو اال�ستقامة وال�صالح وااللتزام بتطبيق‬ ‫‪58‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫القانون‪ .‬وربانية القر آ�ن وكونيته جتعلنا نفهم ا�ستعماله‬ ‫للدخيل بالن�سبة لللغة العربية‪ .‬وال ب أ��س يف أ�ن نقارن هذا‬ ‫االنفتاح بردود فعل متحجرة ن�صادفها عند بع�ض من يذهب‬ ‫يف وقتنا هذا �إىل التحرج من أ�لفاظ يعتربها دخيلة مثل‬ ‫لفظ الدميقراطية‪.‬‬ ‫�إن الفهم ال�شمويل للقر آ�ن الكرمي يف �ضوء ما ُيظهره اهلل‬ ‫الن�سانية هو الذي ي�سمح لنا باتخاذ آ�يات �سورة‬ ‫يف م�سرية إ‬ ‫الرحمن‪ ،‬كما ا�ست�شهدنا بها‪ ،‬أ��سا�سا للو�سطية واالعتدال‪،‬‬ ‫وهو الذي ميكِّن يف م�ستوى أ�على من ربط الو�سطية القر آ�نية‬ ‫باالعتدال ال�سيا�سي املطروح بو�صفة �إطار ًا تنظيمي ًا عام ًا‬ ‫الن�سان‪ ،‬يف �صورة ن�سق الدميقراطية‪ .‬ولي�س يف أ‬ ‫المر‬ ‫حلياة إ‬ ‫أ�ي ق�سر وال تع�سف‪ ،‬وكيف ال وهذا النظام على م�ستوى‬ ‫الن�سانية‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬خال�صة تدافع تواىل آ�الف‬ ‫إ‬ ‫ال�سنني‪ ،‬حتقق عرب اقرتاحات وتعديالت متوالية‪ .‬وهو‬ ‫�إرث �إن�ساين م�شرتك لي�س موقوفا على أ�حد‪ ،‬أ��سهم امل�سلمون‬ ‫يف أ��س�سه القيمية بحظ م�شهود‪ ،‬بف�ضل ما جاءهم من نور‬ ‫القر آ�ن‪ ،‬وما أ�قاموه من م ؤ��س�سات‪ ،‬و أ�بدعوه من علوم نظرية‬ ‫وتطبيقية‪ .‬و أ�ما ما جتاوزه التاريخ الب�شري من اقرتاحات‬ ‫نظرية وعملية في�صدق عليه قول احلق عز وجل‪(( :‬ف أ� َّما‬ ‫َّا�س َف َي ْم ُك ُث فيِ‬ ‫اء‪َ ،‬و َأ� َّما َما َي ْن َف ُع الن َ‬ ‫ال َّز َبدُ َف َيذْ هَ ُب ُج َف ً‬ ‫ا َ‬ ‫�ض))‪�(.‬سورة الرعد‪)17:‬‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫ومثا ًال لتو�ضيح التدافع على امل�ستوى العاملي ال�شامل‪ ،‬نذكر‬ ‫ما وقع يف احلرب العاملية الثانية يف القرن الع�شرين‪ ،‬فقد‬ ‫أ��شعلها مع�سكر على أ��سا�س فكرة التفوق التي لو أ�نها انت�صرت‬ ‫ألف�سدت أ‬ ‫الر�ض‪ ،‬مبعنى لعطلت مبد أ� الق�سط واالعتدال يف‬ ‫ميزان القيم كلها‪.‬‬ ‫واملع�سكر الذي تغلب يف احلرب رفع �شعار العامل احلر غرية‬ ‫على قيم يدبرها أ‬ ‫بال�سلوب الدميقراطي‪.‬‬ ‫�إن تاريخ الب�شرية ك ِّلها جرى على هذا املنوال حتى انتهى‬ ‫�إىل �صياغة فكرة الدميوقراطية وت�ص َّور نظا َمها‪ ،‬انطالقا‬ ‫وبناء على‬ ‫من تفاعل أ�فكار دينية مثالية وقيم فل�سفية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وجتارب‬ ‫جتارب التدافع التاريخي بني أ�طراف املجتمعات‬ ‫ِ‬ ‫املطالبة بني احلاكمني واملحكومني‪ .‬والنتيجة هي هذا‬ ‫النظام الذي ميكن تلخي�ص مالحمه �إجماال يف أ�مور ثالثة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وتتمثل‬ ‫‪ )1‬قيا ِم م ؤ��س�سات م�شتقة من مبد�إ �سيادة ال�شعب‪،‬‬ ‫يف اختيار هيئة ت�شريعية بانتخاب قانوين‪ ،‬ويف وجود هيئة‬ ‫تنفيذية منتخبة من طرف ال�شعب أ�و خمتارة من طرف‬ ‫الربملان ؛‬


‫‪ )2‬قيا ِم �شروط ال�شرعية ال�سيا�سية التي ي�ستند �إليها هذا‬ ‫النظام‪ ،‬وتتمثل على اخل�صو�ص يف حق االقرتاع وامل�ساواة‬ ‫امل�شاركة‬ ‫فيه‪ ،‬ويف حق اجلميع يف الولوج �إىل الوظائف ويف‬ ‫ِ‬ ‫حرية التعبري والعبادة والتجمع ؛‬ ‫ال�سيا�سية ويف‬ ‫ِ‬ ‫‪ )3‬قيا ِم م ؤ��س�سات مت أ��صلة يف مبد أ� �سيادة القانون وامل�ساواة‬ ‫حمددة لكل‬ ‫أ�مامه‪ ،‬ووجود ق�ضاء م�ستقل نزيه وم�صادر‬ ‫ٍ‬ ‫آ‬ ‫الليات القانونية‪.‬‬ ‫ف أ�ين موقع امل�سلمني اليوم من هذه املكت�سبات الب�شرية ؟‬ ‫‪� - 4‬إن تاريخ امل�سلمني يف ع�صرنا هذا يلتقي مبا ال خيار فيه‬ ‫ُ‬ ‫ثمرات‬ ‫بتاريخ كوين حتكمه‪ ،‬يف الفكر وتدبري الت�ساكن‪،‬‬ ‫ال�صالح والتعديل‪،‬‬ ‫حركات التدافع املت�سارعة من أ�جل إ‬ ‫الن�سان ‪ -‬أ�ينما كان‪ -‬يعرف طريقه العملي �إىل‬ ‫بحيث �صار إ‬ ‫احلرية والعدل‪ .‬وقد أ�دت املالب�سات التاريخية �إىل اختالف‬ ‫ح�صرها �إجماال‬ ‫مواقف امل�سلمني يف هذا امل�شروع بحيث ميكن‬ ‫ُ‬ ‫يف ثالثة أ�وجه‪:‬‬ ‫موقف قبول يقول أ��صحابه �إن ثمرات هذا النظام فيما‬ ‫‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫يتوخاه من العدل واحلرية تلتقي مبقا�صد الدين يف كثري‬ ‫من جوانبها ‪.‬‬ ‫موقف حتفظ ب�سبب عدد من املظاهر الثانوية ‪.‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫بناء على فهم �ضيق للدين أ�و للدميقراطية‪،‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫ِ‬ ‫موقف رف�ض‪ً ،‬‬ ‫بناء على مالب�سات تاريخية تزرع االلتبا�س حول هذا‬ ‫أ�و ً‬ ‫املو�ضوع‪.‬‬ ‫ولعل كل املتحفظني يقتنعون بهذا النظام ويرتاح �ضمريهم‬ ‫�إليه �إذا عرفوا أ�نهم ي�ستطيعون أ�ن ُي�سهموا يف تعديل توجهه‬ ‫الكوين احلايل‪ .‬وقبل التعر�ض لهذا اجلانب نرى من املنا�سب‬ ‫أ�ن نت�ساءل‪ :‬يف أ�ي �شيء يحتاج امل�سلمون �إىل الدميقراطية‬ ‫بو�صفها ً‬ ‫�سنة جماعية إلقامة الوزن بالق�سط ؟ فنقول �إن‬ ‫َ‬ ‫�سابقة عن هذا االقتناع‪:‬‬ ‫�سا�سية‬ ‫ثالثة �شروط أ�‬ ‫هناك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ربا‬ ‫‪ )1‬اعتبا ُر وقائع التاريخ الب�شري كله ملكا للم�سلمني وع ً‬ ‫لهم ‪.‬‬ ‫اجتهاد ب�شري‬ ‫‪� )2‬إقرا ٌر ب أ�ن تاريخ امل�سلمني من حيث هو‬ ‫ٌ‬ ‫حمكوم بظروفه التاريخية‪ ،‬مل ي�صل �إىل النتيجة املرجوة‬ ‫ٌ‬ ‫يف كثري من جوانب حتقيق املقا�صد ال�سيا�سية واالجتماعية‬ ‫لهذا الدين ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫قراءة �سليمة لعواقب بقاء امل�سلمني �إذا رف�ضوا‬ ‫‪)3‬‬ ‫الدميقراطية على هام�ش حركة التاريخ الكوين دون �إ�سهام‬ ‫م�شهود‪.‬‬

‫والعالم يف بلدان‬ ‫�إن املت أ�مل يف امل�ضامني الرتبوية للتعليم إ‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬يجد أ�نها يف معظمها ال ت ؤ�هل الكبار وال النا�شئة‬ ‫لهذا الفهم‪ ،‬بل يجدها تنطلق من فهوم فئات متيل �إىل‬ ‫اجلمود و أ�خرى متيل �إىل اجلحود‪.‬‬ ‫َ‬ ‫رب‬ ‫واعتبارا لكون هذا النظام‬ ‫نتيجة ُ�سنَّة كونية قررها ُّ‬ ‫رب العاملني يف املدافعة بني احلق والباطل‪ ،‬ي�س ُهل على‬ ‫النا�س ُّ‬ ‫املت�شككني التخل�ص من عدد من العقد الفكرية والنف�سية‬ ‫الخذ اجلدي ال�صادق به‪ ،‬مل�صلحة أ‬ ‫من أ�جل أ‬ ‫المة ولتحقيق‬ ‫أ�هداف مرجوة‪ ،‬ن�شري �إىل ع�شرة أ�هداف منها باقت�ضاب‪:‬‬ ‫‪ )1‬و�ضع مبد أ� ال�شورى مو�ضع التنفيذ‪ .‬فقد جاء القر آ�ن‬ ‫وعطل؛ ألن قواعده مل تو�ضع‪ ،‬أ‬ ‫ولن‬ ‫بهذا املبد أ� العظيم ُ‬ ‫امل�سلمني مل يهتموا بق�ضايا رئي�سية من هذا القبيل حتى قد َر‬ ‫اهتمامهم ببع�ض جزئيات العبادات على م�ستوى أ‬ ‫الفراد‪.‬‬ ‫والواقع أ�ن هذا أ‬ ‫ال�سلوب التطبيقي لل�شورى بهذا التعقيد ما‬ ‫كان ليخرج جاهزا من فكرة جمتهد واحد أ�و عدة جمتهدين‪،‬‬ ‫بل كان لزاما أ�ن يخرج من �سنة التاريخ كما تداولتها خمتلف‬ ‫أ‬ ‫المم‪ ،‬أ�ي من تدافع اجتماعي و�صراع مديد‪.‬‬ ‫‪ )2‬أ�ما �شكل احلكم الذي تتحقق به هذه أ‬ ‫الهداف فيقول‬ ‫عنه م ؤ�لف كتاب دولة القر آ�ن منذ خم�سني عاما‪:‬‬ ‫«والوهم الثاين الذي ورثناه من التاريخ البعيد‪ ،‬وكرب يف‬ ‫الميان ب أ�ن احلكم‬ ‫�صدورنا حتى طم�س كل احلقائق‪ ،‬هو إ‬ ‫ال�سالمي هو عودة اخلالفة بنظامها ومبادئها وهيكلها‬ ‫إ‬ ‫التاريخي القدمي‪ ،‬باعتبار أ�ن قيامها بني امل�سلمني فري�ضة‬ ‫مقد�سة ال حمي�ص عنها وال حياة بدونها‪.‬‬ ‫وهو تفكري و�إميان مبعثه اجلمود اللفظي‪ ،‬والتعلق الغريب‬ ‫بكل قدمي �ضارب يف أ�عماق املا�ضي‪ ،‬وحماولة إل�ضفاء‬ ‫ال�صبغة الدينية على �صور احلياة و أ�لوانها بحق وبغري حق‪.‬‬ ‫ال�سالم �صريحا مبني اللحن‪ ،‬وهو ير�سم أ‬ ‫الفق العام‬ ‫لقد كان إ‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬فقرر فيما قرر‪ ،‬أ�ن من �سنن اهلل يف عباده‪،‬‬ ‫للحياة إ‬ ‫أ�ن ال تقوم دولة وال تنه�ض أ�مة �إال بحكومة عادلة ونظام‬ ‫حمكم‪ ،‬فواجب امل�سلمني أ� ّال يبيتوا ليلة �إال ولهم حكومة‬ ‫قائمة‪ ،‬وعلى ر أ��س هذه احلكومة �إمام أ�و حاكم أ�على ي�سو�س‬ ‫أ�مورهم بالعدل‪ ،‬ويحكم بينهم بال�شورى‪ ،‬وينفذ بينهم‬ ‫�شرائع اهلل‪.‬‬ ‫هذه هي ال ُك ِّلية العامة‪ ،‬وعلى امل�سلمني أ�ن يطبقوا روح هذه‬ ‫ال ُك ِّلية بال�صورة التي يرت�ضونها وباال�سم الذي يحبونه‪،‬‬ ‫وبالتطور املالئم للتقدم الب�شري‪ ،‬املت�سق مع معارف الزمان‬ ‫واملكان و�سنن العرف والعادة»‪.‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪59‬‬


‫‪ )3‬العمل مب ؤ��س�سات ي�شارك اجلميع يف اختيارها على أ��سا�س‬ ‫اعتقاد اخلري يف اجلميع‪ ،‬وهو الذي يحرر امل�سلمني من الفكر‬ ‫النخبوي املبني على أ�نواع من التمييز التي تعود �إىل الثقافة‬ ‫ولكنها تلب�س لبا�س الدين‪.‬‬ ‫‪ )4‬تنظيم القرار اجلماعي املبني على الفتوى يف ال� أش�ن‬ ‫العام‪ ،‬وهو الذي ي�ضفي ال�شرعية على كل القوانني املنظمة‬ ‫للم�صلحة العامة‪ ،‬وهذا هو فتح باب االجتهاد الذي حتري‬ ‫فيه امل�سلمون عدة قرون‪ ،‬حتفظا منهم على الثقة باملراجع‬ ‫أ‬ ‫الفراد‪ ،‬وهو الذي ما يزال يطرح م�شكلة �إىل يومنا هذا‪،‬‬ ‫للفتاء ال‬ ‫بحيث ال يت�صور أ�ن يت�صدى �شخ�ص فرد واحد إ‬ ‫على م�ستوى بلد واحد وال على م�ستوى عدة بلدان من أ�ر�ض‬ ‫امل�سلمني‪ .‬وم ؤ��س�سة العلماء‪ ،‬أ�ي م�شيختهم املخت�صة باخلربة‬ ‫يف ال� أش�ن الديني على م�ستوى كل بلد‪ ،‬هي امل ؤ�هلة لهذا‬ ‫الفتاء‪ ،‬وهي التي حتر�ص على أ� ّال تقع حالة يتناق�ض فيها‬ ‫إ‬ ‫القانون مع ن�ص �شرعي �صريح مقطوع به وجممع على حكمه‪،‬‬ ‫وهو ما ال ميكن أ�ن يت�صور وقوعه يف بلد �إمارة امل ؤ�منني‪.‬‬ ‫اللحتكام �إىل العقالنية امل�ستنرية بال�شرع والتح�صن من‬ ‫‪ )5‬إ‬ ‫أ‬ ‫النزعات واحلركات ال�شاذة عن �إجماع المة‪ ،‬مثل امتدادات‬ ‫فكرة اخلوارج ومثل أ�دعياء املهدوية‪ .‬فقد أ�دى الكبت‬ ‫يف تاريخ امل�سلمني يف املا�ضي �إىل قيام أ��شخا�ص بادعاء‬ ‫امتالك احلل العادل بناء على اعتقادهم ال�صالح يف أ�نف�سهم‬ ‫واتهامهم املتطرف لغريهم‪ .‬ولذلك ف�إن انخراط أ�مة يف‬ ‫التدبري الدميقراطي ال يرتك جماال ملثل هذا ال�سلوك الذي‬ ‫ال ت�ست�سيغه �ضوابط ال�شرع وال معايري العقل‪.‬‬ ‫‪ )6‬تنظيم العمل ال�صالح‪ ،‬أ�مرا ونهيا‪ ،‬يف �إطاراته القانونية‬ ‫يف جو يتناف�س فيه النا�س يف اخلريات لنفع النا�س‪ ،‬ويتفرغ‬ ‫فيه امل ؤ�من �إىل عبادة ربه يف اطمئنان‪ ،‬بعيدا عن أ�ي فتنة أ�و‬ ‫ت�شوي�ش با�سم الدين والتدين‪.‬‬ ‫‪� )7‬ضمان تلبية الدولة للحاجات الدينية باعتبارها‬ ‫حاجات اجتماعية‪ .‬وملا كان أ�مري امل ؤ�منني يف بلدنا �ساهرا‬ ‫على توفري تلك احلاجات‪ ،‬فال حمل للمزايدة فيها حتى‬ ‫با�سم املطالبة الدميقراطية‪.‬‬ ‫‪ )8‬جتنّب فتنة الت أ�ويل الفردي أ�و اجلماعي للن�صو�ص‬ ‫الدينية‪ ،‬وجتنب قيام فئات دينية أ�و اجتماعية أ�و �سيا�سية‬ ‫بادعاء الو�صاية على � ؤ‬ ‫ش�ون الدين‪ ،‬فالدميقراطية من‬ ‫هذه الزاوية من � أش�نها تنظيم حماية الدين‪ .‬و يف �إطارها‬ ‫تنت�صب لغة النقا�ش واحلوار امل�سئول‪ ،‬بعيدا عن االلتبا�س‬ ‫والغمو�ض‪ ،‬وال يبقى مكان جلعل الن�صو�ص املقد�سة عر�ضة‬ ‫‪60‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫للجدال والف�سوق‪� ،‬إذ �إن الكالم عن املقا�صد ب أ��سلوب �سيا�سي‬ ‫عملي عقالين ُتبتكر لغته مع املمار�سة يكفي للو�صول �إىل‬ ‫الغايات ال�سيا�سية املطلوبة‪.‬‬ ‫والن�صاف يف جمتمع معقد‪ ،‬فقد كان �إجراء‬ ‫‪� )9‬ضمان العدل إ‬ ‫العدل حلم امل�سلمني مع توايل ع�صور تاريخهم‪ ،‬وكان تعذر‬ ‫�ضمانه يف كثري من احلاالت أ��صل �شقاقهم و�شقائهم‪.‬‬ ‫‪ )10‬تن�شيط أ�نواع احل�سبة �ضد أ�نواع الف�ساد‪ ،‬وال�سيما فيما‬ ‫يتعلق بت�صريف املال‪ ،‬ح�سبة تكون نتيجتها من َع أ�كل احلرام‬ ‫و أ� َ‬ ‫كل أ�موال النا�س بالباطل‪.‬‬ ‫‪ -5‬فهذه بع�ض أ�وجه ا�ستفادة امل�سلمني املحتملة من‬ ‫االنخراط يف الدميقراطية‪ .‬فهل ال�صيغة املتو�صل �إليها يف‬ ‫هذا النظام بلغت نهاية الن�ضج واالكتمال ؟‬ ‫�إن قولنا عن التدافع التعديلي ب أ�نه �سريورة دينامية ولي�س‬ ‫و�سطية �ستاتيكية ي ؤ�دي �إىل القول ب أ�ن التطور الذي‬ ‫بلغه التاريخ الب�شري املت�سارع تفاوت يف حتقيق ثمرات‬ ‫وال�صالح‪ ،‬ولكن أ�ح�سن ثمراته‪ ،‬وهي‬ ‫الف�ساد إ‬ ‫التدافع بني إ‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬لي�ست نهاية الكمال‪� ،‬إذ �إنها ت�شكو نزعة‬ ‫فكرية �إق�صائية‪ ،‬فهي كما تقدم نف�سها‪ ،‬لي�ست جمرد أ��سلوب‬ ‫لالقرتاع وفرز أ‬ ‫الغلبية و�إن�شاء م ؤ��س�سات للنقا�ش حول‬ ‫ال� أش�ن العام‪ ،‬بل هي كما يراها أ�حد منظريها الكبار‪ ،‬وهو‬ ‫جورج بريدو ‪ ،G. Burdeau‬أ�عمق من ذلك‪� ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫«الدميقراطية اليوم فل�سفة‪ ،‬وطريقة حياة‪ ،‬بل هي دين‪،‬‬ ‫فم�ضمونها مبثل ما هو عليه من الغنى ي أ�تي من كون النا�س‬ ‫يرون فيها أ�ملهم يف حياة أ�ف�ضل» ‪( .‬انتهى كالم بريدو)‬ ‫فالدميقراطية تبدو من خالل مثل هذا الو�صف وك أ�نها‬ ‫تريد أ�ن تهم�ش ما ي�ساكنها من أ‬ ‫الديان‪ ،‬وهو موقف من‬ ‫جميع أ‬ ‫الديان‪ ،‬نتفهمه �إذا عرفنا أ�ن الدميقراطية جاءت‬ ‫يف �سياقها التاريخي احلديث رد فعل �ضد أ�نواع من الظلم‬ ‫واال�ستبداد والطغيان‪ ،‬ا�ستعمل فيها الدين يف كل احل�ضارات‬ ‫لت�سويغ بع�ض امل�ساوئ واملفا�سد والتطرفات‪ ،‬لذلك اقرتنت‬ ‫بتمجيد العقل كما لو أ�نه م�ضاد للدين‪ ،‬على غرار ما ب�شرت‬ ‫به فل�سفة أ‬ ‫النوار يف أ�وروبا و أ�كدتة بيانات �صادرة عن‬ ‫عدد من الثورات‪ .‬وكانت النتيجة هي التحفظ‪ ،‬وال�سيما‬ ‫من �إقحام الدين يف ال� أش�ن ال�سيا�سي العام‪ .‬ومن الناحية‬ ‫الق�صاء يف النزوع �إىل �إغالق الباب على‬ ‫الفكرية متثل ِ إ‬ ‫كل ما يهم أ‬ ‫والن�سان‬ ‫ال�سئلة الكربى املتعلقة باهلل وبالعامل إ‬ ‫والقيم والغايات والدالالت والتاريخ والوجود واخللود‬ ‫وامل�صري‪ .‬وهذا االنغالق يعرب عن جانب مما �سمي ب أ�زمة‬


‫زمة ناجتة من فهم �ضيق للعقل ُيلغي كل أ�فق‬ ‫احلداثة‪ ،‬أ� ٍ‬ ‫غري مبني على املح�سو�س‪ ،‬وك أ�ن العالئق بني النا�س كالعطاء‬ ‫واملحبة ال معنى لها �إال فيما هو �ضروري ونفعي من تدبري‬ ‫أ�حوال العي�ش والت�ساكن‪.‬‬ ‫وال يت�صور أ�حد أ�ن مثل هذا احلرج واالرتياب بني‬ ‫الدميقراطية والدين تفر�ضه طبيعة أ‬ ‫المور يف بالد‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬بل �إن الذي ينبغي التب�شري به هو �إمكانية تدخل‬ ‫ال�سالم يف �إغناء النظام الدميقراطي بعد أ‬ ‫الخذ به‬ ‫قيم إ‬ ‫بجميع مقت�ضياته‪ ،‬وال يتعلق أ‬ ‫المر بنق�ض �شيء مما قلناه من‬ ‫وجوب جتنب االلتبا�س على م�ستوى النقا�ش واخلطاب بني‬ ‫ما هو �سيا�سي وما هو ديني‪ ،‬بل يتعلق بفر�ص الدميقراطية‬ ‫الميان‬ ‫لال�ستفادة على م�ستوى الفرد واملجتمع من قيم إ‬ ‫أ‬ ‫والخالق التي هي ر�صيد التدين وطاقة ذاتية عند‬ ‫ال�سالم يف اعتدال‬ ‫املتدين‪ ،‬ومن هذا املنظور ميكن أ�ن ي�سهم إ‬ ‫الدميقراطية ب أ�مور منها‪:‬‬ ‫‪ )1‬يعطيها املعنى الذي يجعلها تخدم غاية اهلل يف النا�س‪.‬‬ ‫ف�إذا كانت الدميقراطية ت�ستند �إىل حق طبيعي يف امل�ساواة‪،‬‬ ‫ف�إن امل�سلمني ميكن أ�ن يبنوا نظرية ا�ستحقاق احلقوق‬ ‫الن�سان من التكرمي‬ ‫ك ِّلها على أ��سا�س ما خ�ص اهلل به إ‬ ‫واال�ستخالف‪.‬‬ ‫‪ )2‬يخ ِّلقها �سيا�سيا واجتماعيا على أ��سا�س م ُثل �سامية‬ ‫ورعاية أ�وا�صر املودة يف القربى‬ ‫الت�ضامن لوجه اهلل‬ ‫مثل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدمية وحمبة آ‬ ‫الخوة يف آ‬ ‫ورعاية أ‬ ‫الخرين‪ .‬هذا الدور‬ ‫ِ‬ ‫التخليقي هو دور العلماء‪ ،‬وهو أ�عظم أ‬ ‫الدوار ؛ ألنهم يف‬ ‫�سياق الدميقراطية يرتفعون فوق اخلالفات‪ ،‬وير�شدون �إىل‬ ‫ال�سلوك ال�سوي وميثلون ب أ��شخا�صهم النماذج احلية للتقوى‬ ‫واالعتدال‪.‬‬ ‫‪ )3‬يجعل لها حدودا و�ضوابط حتول دون انفتاحها على‬ ‫املجهول والدخول يف طريق م�سدود ُيوهم ب أ�ن الدميقراطية‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫خال�صها بقبول‬ ‫مكتفية مبرجعيتها‪ ،‬يتحقق‬ ‫غاية يف ذاتها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫روحانية ربانية‪.‬‬ ‫مرجعية من خارجها‪ ،‬ال ميكن أ�ن تكون �إال‬ ‫‪ )4‬يجعلها ت�سعى دوما �إىل املرور من حكم الكم �إىل حكم‬ ‫الكم والكيف معا‪ ،‬أ�ي من حكم أ‬ ‫الغلبية العددية‪� ،‬إىل حكم‬ ‫الغلبية العددية اخلرية‪ ،‬ومن فوائد َت َ�صدر أ‬ ‫أ‬ ‫الغلبية‬ ‫تقلي�ص أ�نواع اتباع الهوى عند امل�شاركني‪.‬‬ ‫اخلرية‬ ‫ُ‬ ‫‪ )5‬يجعل امل�شاركة فيها واجبا �شرعيا‪ ،‬بل يوجب تتبعها‬

‫وامل�س ؤ�ولية عن جناحها ا�ستجابة لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫(( َو َ‬ ‫ال َت ْك ُت ُم ْوا َّ‬ ‫ال�ش َها َد َة‪َ ،‬و َم ْن َي ْك ُت ْم َها َف ِ�إنَّهُ آ� ِث ٌم َق ْل َبهُ ))‪.‬‬ ‫(�سورة البقرة‪)283:‬‬ ‫‪ )6‬يخفف من ُغ َلواء نزعتها الفردية‪ ،‬ألن أ��سو أ� ما يف النزعة‬ ‫الفردية للحرية هو الرتكيز على ال�سعادة ال�شخ�صية‪ ،‬واهلل‬ ‫يم))‪.‬‬ ‫تعاىل يقول‪ُ ((:‬ث َّم َل ُت ْ�س َأ� ُل َّن َي ْو َم ِئ ٍذ َع ِن ال َّن ِع ِ‬ ‫(�سورة التكاثر‪)8:‬‬ ‫ً‬ ‫حرية تزن‬ ‫‪ )7‬يجعل احلرية املرتبطة بالدميقراطية‬ ‫أ‬ ‫العمال بح�سب عواقبها‪ ،‬بالن�سبة للفرد وللجماعة والكون‪.‬‬ ‫ال�سالم مفهوما للحرية باعتبارها ثمرة‬ ‫وقد رقى �صوفية إ‬ ‫تربية على حما�سبة الذات‪ ،‬بحيث يتخل�ص محُ َ ِّققُها من‬ ‫ا�ستعباد التملك وا�ستعباد الرغبة يف الت�سلط‪.‬‬ ‫الن�سان مب�س ؤ�ول ّيته عن آ‬ ‫الخرين وعن‬ ‫‪ )8‬يقوي �إح�سا�س إ‬ ‫خريات أ‬ ‫الر�ض‪ ،‬مع ما يرتتب على ذلك من جمانبة الوقوع‬ ‫حتت وط أ�ة عجلة التكاثر‪ ،‬وال�سيما يف وجهها اال�ستهالكي‪،‬‬ ‫الكراهات الكربى‬ ‫وملا كان النظام االقت�صادي هو م�صدر إ‬ ‫ال�سالم يف تخليق‬ ‫على تدبري الدميقراطية‪ ،‬ف�إن �شعا َر إ‬ ‫االقت�صاد أ�مران‪ :‬ف�ضائل ال�سعي‪ ،‬أ�ي �إن لكل مبادرة أ�جرا‪،‬‬ ‫ومالزمة ال�شكر هلل يف النتائج‪.‬‬ ‫‪َ )9‬يح َف ُظ لها حميمية أ‬ ‫الوا�صر الوطنية التي حتول‬ ‫دون اختناق أ��صحابها حتت عوملة ماحقة ي�صنعها النظام‬ ‫االقت�صادي املفتوح‪.‬‬ ‫ال�سالمي �إليها‬ ‫‪ )10‬يعطيها بعدا كونيا بان�ضمام العامل إ‬ ‫مبدئيا وفعليا و�إ�سها ِم ِه يف جتربتها يف �سياق من التنوع‬ ‫واالبتكار‪.‬‬ ‫�إن اللقاء الكامل للم�سلمني بهذا النظام ميكن ت�صوره يف‬ ‫مرحلة اال�ستفادة من الدميقراطية كما هي‪ ،‬من‬ ‫مرحلتني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أ�جل جتاوز تاريخي فكري وعملي‪ ،‬وهذا التجاوز مبنزلة‬ ‫فك ح�صار تاريخي أ�قامه امل�سلمون على أ�نف�سهم‪ ،‬وعندما‬ ‫يتحققون بهذه املرحلة على وجه تام‪ ،‬ميكن لهم أ�ن يدخلوا‬ ‫يف مرحلة ثانية هي مرحلة �إ�سهامهم يف ترقية الدميقراطية‬ ‫الن�سانية جمعاء‪.‬‬ ‫ومعها ترقية م�صري إ‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪61‬‬


‫وسطيتنا‬ ‫دور المؤسسات الفكرية والثقافية‬ ‫في تعزيز قيم الحوار‬ ‫المهندس مروان الفاعوري‬ ‫األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫احلوار قيمة �إن�سانية جميلة ت ؤ�كد ح�ضارة الب�شرية ورق ّيها‪،‬‬ ‫وقد �سطرها كتاب اهلل تعاىل يف أ��شكال و�صور يعجز اخليال‬ ‫الب�شري أ�ن ير�سمها أ�و يحيط بجمالها وروعتها وتنوعها‪ ،‬فها‬ ‫هو ذا حوار اهلل تعاىل مع أ‬ ‫الر�ض وال�سماء‪.‬‬ ‫ال�س َماءِ َو ِه َي ُد َخانٌ َف َق َ‬ ‫�ض ا ْئ ِت َيا‬ ‫ال َل َها َو ِل ْ َأل ْر ِ‬ ‫ا�س َت َوى ِ�إلىَ َّ‬ ‫(( ُث َّم ْ‬ ‫َط ْو ًعا َأ� ْو َك ْرهً ا َقا َل َتا َأ� َت ْي َنا َطا ِئ ِعنيَ))(�سورة ف�صلت‪.)11:‬‬ ‫وحوار أ‬ ‫ال�صحاب املختلفني يف العقيدة واملبد أ�‬ ‫(( َو َكانَ َلهُ َث َم ٌر َف َق َ‬ ‫اح ِب ِه َوهُ َو ُي َحا ِو ُر ُه َأ� َنا َأ� ْكثرَ ُ ِمن َْك‬ ‫ال ِل َ�ص ِ‬ ‫َم اًال َو أ� َ​َعزُّ َن َف ًرا)) (�سورة الكهف‪ ..)34:‬وحوار املخلوقات‬ ‫((حتَّى ِ�إ َذا َأ� َت ْوا َع َلى َوا ِد ال َّن ْم ِل َقا َلتْ نمَ ْ َل ٌة َيا َأ� ُّي َها‬ ‫والدواب َ‬ ‫ال َّن ْم ُل ا ْد ُخ ُلوا َم َ�سا ِك َن ُك ْم اَل َي ْح ِط َم َّن ُك ْم ُ�س َل ْي َمانُ َو ُجنُو ُد ُه َوهُ ْم‬ ‫اَل َي ْ�ش ُع ُرونَ )) (�سورة النمل‪.)18:‬‬ ‫و�إذا كان تعريف آ‬ ‫الخر كما هو معلوم هو املختلف �سواء على‬ ‫�صعيد الفرد أ�م اجلماعة أ�م الدولة أ�م أ‬ ‫المة أ�م على �صعيد‬ ‫الدين أ�م الفكر أ�م املعتقد‪ ،‬ف�إن من �ضرورات التعاي�ش والتقدم‬ ‫والن�سجام‬ ‫واحل�ضارة �إ�ستمرار احلوار للو�صول �إىل التوافق إ‬ ‫الجناز والتقدم‬ ‫واجلوامع امل�شرتكة التي ت�ضمن �سري ًا ب�إجتاه إ‬ ‫والرفعة على ال�صعد كافة‪.‬‬ ‫كما أ�نَّ م أ��س�سة احلوار تعظم من نتائجه وثماره‪ ،‬فقد ارتفعت‬ ‫املدنية احلديثة من خالل تطوير الفعل الفردي �إىل‬ ‫امل ؤ��س�سي‪ ،‬فقامت م ؤ��س�سات خمتلفة متنوعة تعنى باحلوار‬ ‫والت�ضامن والتنا�ضل الفكري وجعلت ر�سالتها يف احلياة‬ ‫غناءها باحلوار حول ق�ضايا حيوية أ��سا�سية مت�س حياة‬ ‫�إ َ‬ ‫الن�سان �شك ًال وم�ضمون ًا‪...‬‬ ‫إ‬ ‫ال�سالمي‪.‬‬ ‫• رابطة العامل إ‬ ‫• وم ؤ��س�سة آ�ل البيت يف أ‬ ‫الردن‪.‬‬ ‫• وتال ذلك مبادرات كثرية فكانت ر�سالة عمان‪.‬‬ ‫• وكذلك ( �إعالن عمان للحوار احل�ضاري ) عام ‪2007‬م‪.‬‬ ‫ونظر ًا ملا تعنيه الثقافة يف املجتمعات عموم ًا ولدى ال�شباب‬ ‫خ�صو�ص ًا باعتبارها �سالح ًا ناعم ًا و�صناعة ثقيلة‪ ،‬وت�شكل‬ ‫جهاز املناعة والعافية يف ج�سد أ�ي جمتمع والدافع دائم ًا‬ ‫�إىل النمو والبناء واحلركة‪ ،‬ف�إنه يقع على عاتق امل ؤ��س�سات‬ ‫‪62‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الكرب يف الت�صدي أ‬ ‫الثقافية العبء أ‬ ‫للخطار أ�و ًال‪ ،‬وا�ست�شراف‬ ‫طريق النه�ضة والبناء العلمي واملعريف ثاني ًا ال�ستيفاء‬ ‫�شروط الريادة واال�ستخالف‪ ...‬فما التحديات و�إ�شكالياتها‬ ‫التي تواجه أ‬ ‫ال�سالمية يف وقتنا املعا�صر؟‬ ‫المة إ‬ ‫التحديات التي تواجهها أ‬ ‫ال�سالمية ‪:‬‬ ‫المة إ‬ ‫التحدي أ‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫الول‪ :‬احلفاظ على الوحدة إ‬ ‫التحدي الثاين‪ :‬احلفاظ على و�سطية أ‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫المة إ‬ ‫ال�سالم‬ ‫التحدي الثالث‪:‬ت�صحيح ال�صورة املغلوطة عن إ‬ ‫بالرهاب‪.‬‬ ‫ب�إرتباطه إ‬ ‫التحدي الرابع‪ :‬التجديد يف � ؤ‬ ‫ش�ون حياة امل�سلم‪.‬‬ ‫التحدي اخلام�س‪ :‬احلفاظ على أ�من أ‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫المة إ‬ ‫ال�سالمي امل�شرتك‪.‬‬ ‫التحدي ال�ساد�س‪ :‬العمل إ‬ ‫التحدي ال�سابع‪ :‬التنمية و�صناعة جمتمع املعرفة وتوطني‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫التكنولوجيا يف املجتمعات إ‬ ‫الن�سان ون�شر الدميقراطية وثقافة‬ ‫التحدي التا�سع‪ :‬حقوق إ‬ ‫املواطنة‪.‬‬ ‫التحدي العا�شر‪ :‬التحديات االجتماعية‪.‬‬ ‫ال�سالمية يف مواجهة‬ ‫دور املراكز الثقافية والفكرية إ‬ ‫التحديات املعا�صرة ‪:‬‬ ‫‪ .1‬الت�صدي لظواهر الغلو والتطرف الفكري والعملي على‬ ‫�صعيد أ‬ ‫الفراد واجلماعات والدول بجميع جوانبه‪.‬‬ ‫‪ .2‬دفع احلركة الفكرية والثقافية للرتكيز على معاجلة‬ ‫ال�سالمي (الثقافية‬ ‫الق�ضايا وامل�شكالت التي تواجه العامل إ‬ ‫واالجتماعية وغريها)‪.‬‬ ‫‪ .3‬الت�صدي ملواجهة آ‬ ‫الثار ال�سلبية للعوملة‪.‬‬ ‫‪ .4‬جت�سري الهوة بني أ‬ ‫النظمة احلاكمة واحلركات ال�سيا�سية‬ ‫والدعوية‪.‬‬ ‫‪ .5‬االنتقال بال�شباب من حالة االنبهار باملنجز الغربي �إىل‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫حالة الهوية احلقيق ّية إ‬ ‫‪ .6‬تعظيم قيم احلوار و أ�دواته بني ال�شباب باعتبارهم‬ ‫العمود الفقري للمجتمعات‪.‬‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫‪ .7‬ت أ�كيد أ�همية تن�شيط دور و�سائل إ‬ ‫‪ .8‬اال�ستمرار يف حركة �إ�صالح أ‬ ‫الئمة وتوعيتهم‪.‬‬ ‫‪ .9‬ن�شر ثقافة احلوار بني أ�فراد املجتمع‪.‬‬ ‫دور تيار الو�سطية يف تعزيز قيم احلوار‬ ‫و�إذا كان القلم يعجز عن ح�صر هذه امل ؤ��س�سات املنت�شرة‬ ‫واملوزعة على م�ساحات العامل كله‪ ,‬ف�إنه يهمنا أ�ن نركز‬ ‫ال�ضوء على م ؤ��س�سة فتية ن� أش�ت يف أ‬ ‫الردن‪ ,‬واتخذت من‬ ‫عمان مقر ًا لها وجعلت م�شروعها التجديدي ممحور ًا حول‬ ‫العتدال والتو�سط على �صعيد الفرد أ‬ ‫والمة‪ ،‬ملا‬ ‫�إحياء منهج إ‬


‫لذلك من أ�ثر ودور يف �إنتظام الفعل و�إعتدال احلال والعودة‬ ‫النطالق والنه�ضة ‪.....‬‬ ‫�إىل التوازن والدافع نحو إ‬ ‫أ‬ ‫�إن م�شروع الو�سطية و�إن كان قد تركز فعله و أ�ثره يف الردن‬ ‫من خالل منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‪ ,‬واملنتدى العاملي‬ ‫ال�سالمي أ‬ ‫الردين‪ ,‬جاء متناغم ًا‬ ‫للو�سطية‪ ,‬وحزب الو�سط إ‬ ‫أ‬ ‫مع حالة من الر�شد والن�ضج ت�سود المة وتر�شد ظاهرة‬ ‫ال�صحوة على �صعيد أ‬ ‫المة كلها‪� ,‬إذ أ��ضحى احلديث عن‬ ‫والنطالق مببادئها �شام ًال ال�ساحات‬ ‫الو�سطية امل�ستنرية إ‬ ‫وال�سالمية كلها على �صعيد العمل الفكري �وأ‬ ‫العربية إ‬ ‫ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫فها هو ذا منتدى الو�سطية ال�سعودي‪ ،‬وم ؤ��س�سه (حم�سن‬ ‫العواجي)‪ ،‬واملركز العاملي للو�سطية يف (الكويت)‪ ،‬ومنتدى‬ ‫الو�سطية يف م�صر وال�سودان والهند والعراق و�سوريا ولبنان‪..‬‬ ‫وها هي ذي أ�حزاب الو�سط تتقدم يف م�صر وال�سودان‪,‬‬ ‫أ‬ ‫والردن والعراق واملغرب‪ ،‬وكذلك العدالة والتنمية يف‬ ‫تركيا واملغرب‪.‬‬ ‫تدفع هذه التيارات ب أ�لوانها و أ��شكالها حالة التوافق داخل‬ ‫وال�سالمية‪ ،‬وجتمع طاقات العلماء‬ ‫املجتمعات العربية إ‬ ‫واملفكرين وال�سا�سة واحلكام باجتاه النه�ضة‪ ،‬وال ُبعد عن‬ ‫�إ�ستنزاف الطاقات بال�صراع والكراهية‪.‬‬ ‫ال�سالمي‬ ‫وتواجه قوى الغلو والتطرف الفكري داخل العامل إ‬ ‫وخارجه‪ ،‬وت�سحب من أ‬ ‫النظمة هاج�س خوفها من الدعاة‬ ‫ال�سالمية‪ ,‬الذي يدفع �إىل ال�صدام وفر�ض‬ ‫واحلركات إ‬ ‫أ‬ ‫الحكام العرفية وقوانني الطوارئ‪ ,‬ويعطي القوى الغربية‬ ‫والحتالل وال�سعي مل�صادرة‬ ‫وال�ستعمارية م�س ّوغات التدخل إ‬ ‫إ‬ ‫القت�صادية‪.‬‬ ‫قرارنا ال�سيا�سي ونهب مقدراتنا إ‬ ‫وميكن القول ب أ�ن ثمة تغريات جدية أ�دخلها دعاة الو�سطية‬ ‫ال�سالمي املعا�صر‪ ،‬بحيث‬ ‫ال�سالمية على خريطة الفكر إ‬ ‫إ‬ ‫ميكن النظر لهذه املدر�سة باعتبارها «الطرح الثالث»‬ ‫ال�سالمي التي عرفها العامل العربي طيلة‬ ‫لتجربة العمل إ‬ ‫القرن املا�ضي‪.‬‬ ‫�إنَّ منهج تيار الو�سطية يعبرّ عن درجة متقدمة من الوعي‬ ‫«ال�سالمي»‪ ،‬طاملا افتقدته ال�ساحة العربية منذ‬ ‫ال�سيا�سي إ‬ ‫ن� أش�ة الدولة الوطنية قبل ن�صف قرن ونيف‪ ،‬وهو الذي‬ ‫تعر�ض لقدر كبري من الت�شويه بفعل ال�صراع ال�ضاري بني‬ ‫ال�سالمية وتيارات التطرف الذي‬ ‫الدولة وبع�ض احلركات إ‬ ‫ا�ستمر قرابة عقود ثالثة (من ال�سبعينات وحتى نهاية‬ ‫الت�سعينات)‪ ،‬وهذا ما أ�ثار ال�شكوك حول فر�ص «�إن�ضاج»‬ ‫جتربة �سيا�سية «�إ�سالمية» مدنية‪.‬‬ ‫ومن جهة ثانية متثل هذه التيارات خروج ًا عن الت�صنيف‬

‫ال�سالم ال�سيا�سي بني مهادن وعنيف‪،‬‬ ‫التقليدي لتيارات إ‬ ‫ومن جهة أ�خرى‪ ،‬تقدم هذه املدر�سة ر ؤ�ية متميزة لطبيعة‬ ‫العالقة بني الدولة واملجتمع‪.‬‬ ‫�إن املدر�سة الو�سطية تتمتع بدرجة عالية من املرونة‬ ‫الفكرية‪ ،‬ت�سمح لها بتطوير أ�فكارها و آ�لياتها‪ ،‬وجتعلها يف‬ ‫حالة تقدم دائمة و�إ�شتباك جمدد ومتجدد مع ق�ضايا‬ ‫الع�صر‪ ،‬وذلك مقارنة مبثيالتها «املتقوقعة» داخل جدران‬ ‫«املا�ضوية»‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي أ�دى �إىل جمودها ال�سيا�سي والفكري‪،‬‬ ‫وقلل فر�ص �إدماجها يف احلياة املدنية‪.‬‬ ‫ال�سالمية احلديثة‬ ‫وميكن القول ب أ�ن املدر�سة الو�سطية إ‬ ‫«الحياء» الديني‪ ،‬ولكن يف �صورته‬ ‫تعد أ�حدى أ��شكال إ‬ ‫التجديدية‪ ،‬بيد أ�ن أ�برز ما مييز هذه التيارات‪ ،‬عما‬ ‫طرحه مفكرو النه�ضة أ‬ ‫«الوائل» أ�نها �صهرت وقدمت ولو‬ ‫ن�سبي ًا‪ ،‬كثري ًا من الثنائيات التوفيقية‪ ،‬التي تراوحت بني‬ ‫أ‬ ‫ال�صالة واملعا�صرة‪ ،‬الرتاث والتحديث‪ ،‬التقليد والتجديد‪،‬‬ ‫و�ساعدها على ذلك االنطالق من أ�ر�ضية واقعية‪ ،‬ر�سختها‬ ‫عقود «احل�صاد املر» وتفجر العالقات داخلي ًا وخارجي ًا بني‬ ‫أ‬ ‫ال�سالمية والدور الريادي لتيار‬ ‫النظمة وبع�ض التيارات إ‬ ‫الو�سطية يف تعزيز احلوار‪.‬‬ ‫وهنا تتجدد احلاجة �إىل تكوين تيار و�سطي ي ؤ�من بثوابت‬ ‫ال�سالم الكربى‪ ،‬ويطلق ر�سالة التجديد والتنوير على أ��سا�س‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫امل�صالح العليا للمة إ‬ ‫ومن أ�جل ذلك كانت مبادرة املنتدى العاملي للو�سطية‪،‬‬ ‫والهادفة �إىل البحث يف ت أ��سي�س هذه احلا�ضنة الفكرية‬ ‫الن�سان وتنتهج احلوار‬ ‫ال�سالمية الرائدة‪ ،‬التي ت ؤ�من بكفاح إ‬ ‫إ‬ ‫والتكامل مع كل �سعي نبيل يهدف �إىل بناء عالقة �صحيحة‬ ‫ال�سالم واحلياة‪.‬‬ ‫بني إ‬ ‫�شروط جناح احلوار مع تيار الو�سطية يف املجال ال�سيا�سي‬ ‫النفتاح ال�سيا�سي لدى أ‬ ‫النظمة‬ ‫‪.1‬وجود حد أ�دنى من إ‬ ‫احلاكمة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الجتاهات مببد� التداول ال�سلمي لل�سلطة‪.‬‬ ‫‪ .2‬أ�ن تقبل تلك إ‬ ‫ال�سالمية التي تن�ص د�ساتريها على أ�ن‬ ‫‪�.3‬إقرار الدول إ‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫دينها الر�سمي هو إ‬ ‫احلل بالو�سطية واالعتدال‬ ‫مو�ضوع الو�سطية‪ ،‬والتوازن‪ ،‬واالعتدال من املو�ضوعات التي‬ ‫ينبغي أ�ن يعنى بها ال�سيا�سيون والعلماء واملربون‪ ،‬ال�ضطراب‬ ‫غال مت�شدد‬ ‫املوازين عند الكثريين من أ�بناء امل�سلمني بني ٍ‬ ‫وجاف مفرط‪.‬‬ ‫ومنهج الو�سطية واالعتدال ميثل نهج ًا ح�ضاري ًا‪ ،‬و�إطار ًا‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪63‬‬


‫ولمياننا العميق يف‬ ‫فكري ًا و أ�منوذج ًا يحتذى‪ ،‬ومثا ًال يقتدى‪ .‬إ‬ ‫منتدى الو�سطية ب أ�ن �إعادة �إحياء منهج االعتدال يتطلب‬ ‫ال�سالم‬ ‫ت أ�كيد على أ�همية املنهج الو�سطي بني أ�بناء أ�مة إ‬ ‫الن�سانية لدى �شعوب‬ ‫بال�سالم وقيمه إ‬ ‫ذاتها‪ ،‬والتعريف إ‬ ‫ً‬ ‫كافة‪ ،‬والتوا�صل احلثيث القائم على قيم احلوار‬ ‫العامل‬ ‫والت�سامح ونبذ العنف لر�سم منظومة فكرية متكاملة تعتمد‬ ‫الر ؤ�ية الو�سطية فكر ًا وارتكاز َا �إ�سرتاتيجي ًا م�ستدمي ًا‪ ،‬ولي�س‬ ‫تكتيك ًا مرحلي ًا‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ال�سهام‬ ‫ولنَّ تيار الو�سطية واالعتدال يحمل على عاتقه إ‬ ‫يف م�سرية �إ�صالح أ‬ ‫المة من خالل املراجعات الفكرية‪ ،‬التي‬ ‫يت�صدى لها العلماء واملفكرون وقادة الر أ�ي الذين يعربون‬ ‫عن أ��صالة الفكر املعتدل املتزن‪ ،‬لتعميق التوا�صل بدل‬ ‫التقاطع والتدابري‪ ،‬و�إحالل االئتالف مكان االختالف‪،‬‬ ‫وتعميق معاين احلب والت�آلف والتعاي�ش‪ ،‬ليكون هذا التيار‬ ‫تيار ًا جامع ًا موحد ًا لها على طريق النه�ضة‪ ،‬بتوحيد قادتها‬ ‫ونخبها الفكرية على قاعدة خيارات ال�شعوب و�ضرورات‬ ‫احلكام‪.‬‬ ‫الجناز والتخطيط‬ ‫�إنَّ ظهور تيار الو�سطية يعني إ‬ ‫ال�سرتاتيجي البعيد عن االرجتال يف امل�شروع النه�ضة‬ ‫إ‬ ‫احل�ضارية أ‬ ‫للمة وخروجها من م أ�زقها ومواجهة أ�عدائها‪.‬‬ ‫وعليه ف�إن من أ�برز و�سائل بناء الفكر الو�سطي‪:‬‬ ‫‪.1‬تقرير املعنى ال�صحيح للو�سطية‪ ,‬و أ�نها التعني التنازل عن‬ ‫ثوابت أ‬ ‫المة وعقيدتها‪.‬‬ ‫‪.2‬مناق�شة أ‬ ‫المور والق�ضايا املثارة يف الوقت احلا�ضر التي‬ ‫�سببت االختالف والفرقة‪ ,‬وطرحها الطرح ال�شرعي امل ؤ��صل‬ ‫بالطرق املقنعة واحلوار الهادف‪.‬‬ ‫والفراط على أ‬ ‫المة‪ ,‬و أ�ن ذلك ال‬ ‫‪.3‬تبني خماطر الغلو إ‬ ‫ينبع �إال من قلة العلم‪ ,‬واجلهل‪ ,‬و�ضعف الت أ��صيل‪ ,‬وغياب‬ ‫املرجعية‪.‬‬ ‫والفراط‬ ‫‪ .4‬مناق�شة حال الفرق التي �ض ّلت ب�سبب الغل ّو إ‬ ‫وتكليف طالب العلم الق ّيام ببحوث يف ذلك‪ ,‬مع مراعاة‬ ‫القدرة واملناق�شة ودح�ض ال�شبه واالفرتاءات‪.‬‬ ‫‪ .5‬املمار�سة العلمية الواقعية ملنهج الو�سطية من العلماء‬ ‫وطالب العلم والدعاة‪ ,‬ليرّ ى الطلبة القدوة ال�صاحلة التي‬ ‫هم يف أ�م�س احلاجة �إليها‪.‬‬ ‫‪ .6‬تربية النّ�شئ على هذا املنهج تربية عملية �شاملة‪ ,‬يق�ضي‬ ‫على اخللل املوجود يف حميط املجتمع امل�سلم‪� ،‬سواء أ�كان‬ ‫�إفراط ًا أ�م تفريط ًا‪.‬‬ ‫‪ .7‬تر�سيخ حرية التعبري وممار�ستها‪.‬‬ ‫القليمية‬ ‫‪� .8‬ضرورة �إعداد النا�س إل�ستيعاب الظروف إ‬ ‫‪64‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫والدولية ومراعتها واتباع امل�صالح‪.‬‬ ‫ولذلك كله يحمل املنتدى العاملي للو�سطية على عاتقه‬ ‫م�س ؤ�ولية الربط بني التوا�صل والتكامل بني احلركات‬ ‫وال�شخ�صيات الفكرية وال�سيا�سية املعتدلة يف البالد العربية‬ ‫ال�سالمي امل�ستنري‪ ،‬وال ترى‬ ‫وال�سالمية التي تتبنى اخلطاب إ‬ ‫إ‬ ‫الن�سان يف �سعيه احل�ضاري‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فيه نقي�ض ًا ملا أ�جنزه إ‬ ‫لبناء �شبكة عالقات تكاملية لتعزيز �صوت االعتدال‬ ‫والت�سامح ليعي�ش النا�س ب أ�من و�سالم‪.‬‬ ‫ويهدف املنتدى العاملي للو�سطية ح�سب نظامه �إىل حتقيق‬ ‫أ‬ ‫الهداف التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬بناء مرجعية فكرية ومنظومة من العلماء املوثوقني‬ ‫الذين ي�شكلون هيئة عاملية ومنتدى دول ًيا للو�سطية‪,‬‬ ‫ال�سالمية بني‬ ‫يت�صدون ملهمة تو�ضيح مفاهيم الو�سطية إ‬ ‫المة وم ؤ��س�ساتها‪ ،‬وتعزيز قدرة أ‬ ‫أ�بناء أ‬ ‫المة على القيام‬ ‫بدورها احل�ضاري من خالل و�سيطيتّها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫‪ .2‬ن�شر ر�سالة أ‬ ‫المة الو�سطية والتعريف بها بني المم‬ ‫وال�شعوب‪.‬‬ ‫‪.3‬الت�صدي مل�شكالت أ‬ ‫المة وتقدمي الت�صورات والربامج‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫واحللول لتجاوزها من خالل الر ؤ�ية الو�سطية إ‬ ‫الن�سان كافة‬ ‫‪ .4‬تعزيز قيم احلرية والعدالة وحقوق إ‬ ‫والدفاع عنها‪ ،‬و باعتبارها من أ��س�س ر�سالة الو�سطية‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫إ‬ ‫‪ .5‬تعزيز دور املر أ�ة امل�سلمة يف بناء املجتمع وتعزيز‬ ‫م�ساهمتها يف الن�شاط الفكري والثقايف‪.‬‬ ‫‪ .6‬بناء منطومة فكرية متكاملة تعتمد الر ؤ�ية الو�سطية‬ ‫الن�سانية كافة‪.‬‬ ‫وت�شمل مناحي احلياة إ‬ ‫اللتقاء وجوامع اال�شرتاك بني أ‬ ‫المم‬ ‫‪ .7‬تعزيز نقاط إ‬ ‫والدول واجلماعات وامل ؤ��س�سات والنظريات مبا يحقق الوئام‬ ‫وال�سالم يف االر�ض‪.‬‬ ‫‪� .8‬إقامة آ��صرة تعاون والتقاء وت�شاور وتكامل بني القوى‬ ‫ال�سالمية احلاملة للواء الو�سطية عرب‬ ‫وال�شخ�صيات إ‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ال�سالمية للمة‬ ‫‪ .9‬يعمل املنتدى على احلفاظ على الهوية إ‬ ‫لتبقى دائم ًا أ�مة و�سط ًا‪� ,‬شهيدة على النا�س‪ ,‬آ�مرة باملعروف‪,‬‬ ‫ناهية عن املنكر‪.‬‬ ‫‪ .10‬يعمل املنتدى بجميع الو�سائل امل�شروعة ‪ ,‬ملواجهة‬ ‫لل�سالم‪ ,‬أ‬ ‫والخطار‬ ‫التيارات الهدامة والدعوات املعادية إ‬ ‫ال�سالمي‬ ‫الثقافية‪ ,‬داخلية كانت أ�م خارجية‪ ,‬بن�شر الفكر إ‬ ‫الو�سطي‪.‬‬ ‫دور املنتدى العاملي للو�سطية يف تعزيز قيم احلوار‬


‫يقول أ‬ ‫ال�ستاذ حممد طالبي ع�ضو املكتب التنفيذي للمنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية‪ :‬لقد ا�ستخل�صت من قراءتي للوثيقة‬ ‫التوجيهية للمنتدى العاملي للو�سطية أ�ن َمها ّمه متعددة‪،‬‬ ‫أ�ذكر منها أ�رب َع م َهام كربى و�صعبة هي‪:‬‬ ‫املهمة أ‬ ‫الوىل‪ :‬امل�ساهمة يف احلوار احل�ضاري‬ ‫هي امل�ساهمة على املديني املتو�سط و البعيد‪ ،‬يف فتح أ�بواب‬ ‫ال�سالمية واحل�ضارة‬ ‫احلوار والتعارف بني احل�ضارة إ‬ ‫الغربية‪ .‬وبتعبري آ�خر‪ :‬امل�ساهمة يف تخفيف ال�صدام‬ ‫احل�ضاري اجلاري اليوم بني الثقافتني واحل�ضارتني‪ .‬و احلوار‬ ‫حماجة وتبادل‪.‬‬ ‫يف تقديري هو‬ ‫ّ‬ ‫لي�س احلوار هو اجللو�س �إىل طاولة م�ستديرة أ�و يف م ؤ�متر‪،‬‬ ‫احلجة والربهان فح�سب‪ ،‬بل �إنَّ احلوار أ‬ ‫ال�سا�سي‬ ‫لتبادل‬ ‫ّ‬ ‫هو اقتناء املنتجات احل�ضارية ال�صاحلة لنه�ضة أ‬ ‫المم‪،‬‬ ‫كالدميقراطية الغربية بالن�سبة �إىل امل�سلمني الغارقني‬ ‫يف اال�ستبداد‪ ،‬والقيم أ‬ ‫ال�سالمية بالن�سبة �إىل‬ ‫الخالقية إ‬ ‫الغرب الغارق يف املجاعة الروحية‪.‬‬ ‫امله ّمة الثانية‪ :‬امل�ساهمة يف حتقيق الت�صالح مع الذات‬ ‫ال�سالمي بع�ضهم مع بع�ض‪،‬‬ ‫ت�صالح أ�بناء احلو�ض احل�ضاري إ‬ ‫فنحن أ� ّمة واحدة بالعقيدة أ�و بالثقافة‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫تعدد املذاهب الفقهية عند امل�سلمني‪ ،‬جتمعهم قبلة واحدة‬ ‫وحج واحد‪ .‬وعلى الرغم من تعدد‬ ‫ونبي واحد ّ‬ ‫وقر آ�ن واحد ّ‬ ‫ديانات هذه أ‬ ‫المة من م�سلمني و أ�هل كتاب‪ ،‬فكلنّا م�سلمون‬ ‫بالثقافة‪ .‬فالوحدة قائمة بالعقيدة والثقافة وامل�صري‬ ‫التاريخي لهذه أ‬ ‫المة‪ّ ،‬‬ ‫كل هذا يدعونا �إىل �ضرورة امل�صاحلة‬ ‫ال�شاملة داخلي ًا وخارجي ًا‪.‬‬ ‫�إنَّ املنتدى العاملي للو�سطية يريد امل�ساهمة ولو بذ ّرة يف‬ ‫�صياغة اجلواب عن هذا التحدي أ�و التهديد احل�ضاري‬ ‫ال�ضخم‪ .‬قال تعاىل (( َو َ‬ ‫يح ُك ْم‬ ‫ال َت َنا َز ُعو ْا َف َتف َْ�ش ُلو ْا َو َتذْ هَ َب ِر ُ‬ ‫ال�صا ِب ِرينَ )) (�سورة أ‬ ‫النفال‪.)46:‬‬ ‫ا�صبرِ ُ و ْا �إِنَّ اللهّ َ َم َع َّ‬ ‫َو ْ‬ ‫ويف تقديري أ�نّ الت�صالح الرا�شد والتاريخي هو ت�سوية‬ ‫يتم فيها‬ ‫وال�سالم‪ ،‬ت�سوية ّ‬ ‫تاريخية بني احلداثة امل�ستنرية إ‬ ‫ال�سالم وخمزونه التاريخي واحلداثة‬ ‫الرتكيب املحكم بني إ‬ ‫امل�ستنرية وخمزونها الدميقراطي‪ ،‬تركيب يتح ّول �إىل أ��سلوب‬ ‫عي�ش ومنط حياة للدولة أ‬ ‫والمة م ًعا‪.‬‬ ‫امله ّمة الثالثة‪ :‬امل�ساهمة يف احلوار بتجفيف م�صادر‬ ‫ال�سالمي و العلما ّ‬ ‫ين‬ ‫الغل ّو إ‬ ‫ال�سالمية يف ثالثة تهديدات كربى‪ :‬غزاة من‬ ‫تعي�ش أ�متنا إ‬

‫اخلارج‪ ،‬وطغاة يف الداخل‪ ،‬وغالة يف الداخل واخلارج‪.‬‬ ‫�إنَّ العالقة بني هذه املدار�س أ‬ ‫الربع‪ ،‬على امل�ستوى العقائدي‬ ‫أ‬ ‫لكن عالقتها على م�ستويينْ‬ ‫واليديولوجي تبدو مت�صادمة‪ّ ،‬‬ ‫آ�خرين هي عالقة حتالف �إ�سرتاتيجي‪ .‬فعلى امل�ستوى‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬املدر�سة الغربية الغازية‪ ،‬ومدر�سة اال�ستبداد‬ ‫التطرف‬ ‫املح ّلية‪ ،‬ومدر�سة اال�ستئ�صال العلمانية‪ ،‬ومدر�سة‬ ‫ّ‬ ‫�سلمي‬ ‫ال�سالمية أ�جمعت ‪ ،‬على تكفري الدميقراطية ك أ��سلوب‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سالمي‬ ‫ومدين لتداول ال�سلطة يف بالد امل�سلمني‪ ،‬رف�ضها إ‬ ‫املتطرف‪ ،‬زاعم ًا حر�صه على ال�شريعة‪ ،‬ورف�ضها العلماين‬ ‫ّ‬ ‫اال�ستئ�صايل أ‬ ‫الجنبي واملحلي‪ ،‬زاع َمني‪ ،‬كذبا ً‪ ،‬أ�نهما حار�سا‬ ‫الدميقراطية احلقيقيان‪.‬‬ ‫وما دامت الدميقراطية مدخ ًال من مداخل التنمية‬ ‫والنه�ضة‪ ،‬ف�إنّ رف�ضها يعني رف�ض التنمية املعتربة أ‬ ‫للمة وهو‬ ‫امل�ستوى الثاين من هذا التحالف ال�ضمني‪ ،‬بني هذه أ‬ ‫الطراف‬ ‫أ‬ ‫الربعة‪� ..‬إن ال�صفوة املثقفة التي حتمل فكر الو�سطية يف‬ ‫بالت�صدي الفكري والعلمي‬ ‫ال�سالمي ملزمة‪ ،‬اليوم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عاملنا إ‬ ‫ال�سالمي والعلماين‪ ،‬وباملثابرة على‬ ‫ملدار�س الغل ّو ب�شقيه إ‬ ‫النخراط يف املقاربة‬ ‫ذلك‪ّ .‬‬ ‫لكن الو�سطية ُتلزمنا عدم إ‬ ‫أ‬ ‫التطرف والغلو‪ ،‬القتناعنا ب أ�نّ ذلك‬ ‫المنية لتجفيف منابع‬ ‫ّ‬ ‫ويفجر ينابيع جديدة له ولي�س العك�س‪.‬‬ ‫يفرخ الغل ّو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املهمة الرابعة‪ :‬امل�ساهمة يف التنمية ال�شاملة يف بالد‬ ‫امل�سلمني وت�صحيح م�سار ح�ضارة الغرب‬ ‫وحتى ن�ضمن لنا موقع ًا يف اخلريطة التاريخية لنهاية‬ ‫هذا القرن وما يليه‪ .‬ف�إنّ مدر�سة الو�سطية معن ّية ب�إ�صالح‬ ‫ح�ضارة الغرب‪ ،‬والتعاون مع الغرب لعالج نف�سه من كل خلل‬ ‫قد يت�س ّبب يف �سقوط هذا العمران املا ّدي الهائل‪ ،‬فخلل‬ ‫مادي‪ ،‬وقد ت�ساعد و�سطية‬ ‫ح�ضارة الغرب العميق‬ ‫روحي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�صالح البنيوي حل�ضارة الغرب‪ ،‬فالتقدم‬ ‫ال�سالم على ذلك إ‬ ‫إ‬ ‫املادي املتوازن للب�شرية م�صلحة �إن�سانية مر�سلة‪ ،‬لذلك أ� ّكد‬ ‫م ؤ��س�سو املنتدى العاملي للو�سطية كونه نادي ًا فكري ًا ذا طبيعة‬ ‫�إ�سرتاتيجية ال منظمة �سيا�سية أ�و حزبية دولية أ�ن جوهر‬ ‫منهج الو�سطية هو احلكمة وامل�س ؤ�ولية ال العبث والتهور‪ ،‬ألنَّ‬ ‫وال�سالمية ي ؤ�كد أ�ن هذه أ‬ ‫تاريخ أ‬ ‫المة كانت‬ ‫المة العربية إ‬ ‫منار ًة للتعاي�ش ال�سلمي بني ال�شعوب واحل�ضارات‪ ،‬عن طريق‬ ‫التوا�صل الثقايف واحل�ضاري بني ال�شعوب املختلفة‪ ،‬واحرتام‬ ‫الن�سان وكرامته أ�ي ًا كان دينه أ�و لونه أ�و جن�سه‪.‬‬ ‫حقوق إ‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪65‬‬


‫وسطيتنا‬ ‫ثالثية الوسطية اإلقتصادية‬ ‫في تحقيق التنمية اإلنسانية واإلنماء‬ ‫المتوازن والتطوير اإلجتماعي‬ ‫الدكتور وسيم قلعجية‬ ‫منسق أعمال منتدى الوسطية في لبنان‬

‫القت�صاد يف حقيقته لي�س �سوى �إ�سقاط البعد ال�سيا�سي‬ ‫إ‬ ‫على ن�شاط �إن�ساين معني ‪ ،‬فبقدر ما تبقى ال�سيا�سة‬ ‫القت�صاد وفي ًا‬ ‫مرتبطة مببادئ أ�خالقية معينة ‪ ،‬يبقى إ‬ ‫للمبادئ ذاتها‪ ،‬فالرتابط بني اجلهد والفكر ي ؤ��س�س لبناء‬ ‫�سيا�سة �إقت�صادية هي مرتكز النه�ضة واحل�ضارة «‪.‬‬ ‫املفكر اجلزائري مالك بن نبي‬ ‫القت�صادية‬ ‫التنمية إ‬ ‫القت�صادية هو حتقيق امل�ساواة‬ ‫�إن جوهر فكرة الو�سطية إ‬ ‫الن�سان‬ ‫يف فر�ص احلياة وتكاف ؤ� هذه الفر�ص و أ�ن يح�صل إ‬ ‫على ما ت ؤ�هله له قدراته وكفاءته‏‪،‬‏ وهي ت�ضمن أ�ن ت�شارك‬ ‫القت�صاد‬ ‫النتاج ودعم إ‬ ‫أ�غلبية املواطنني يف عملية إ‬ ‫الوطني �سعي ًا لتوفري حياة كرمية ّ‬ ‫لكل املواطنني‏‪.‬‏‬ ‫الن�سانية من وجهة نظر‬ ‫املفهوم ال�شامل والعام للتنمية إ‬ ‫القت�صادية هو تنمية املجتمع عرب تنمية‬ ‫الو�سطية إ‬ ‫الفرد‪.‬‬ ‫فمن خالل تنمية الفرد تتوجه التنمية نحو البناء‬ ‫أ‬ ‫المثل للقدرات الب�شرية‪ ،‬من خالل تنمية املوارد واملهارات‬ ‫الن�سانية‪ ،‬واملهم يف تنمية الفرد واملجتمع هو �ضرورة‬ ‫إ‬ ‫القت�صادي على نوعية حياة‬ ‫�إنعكا�س فوائد هذا التقدم إ‬ ‫الن�سان و واقعه املعي�شي‪ ،‬عرب الت أ�ثري ب�شكل فاعل وم ؤ�ثر‬ ‫إ‬ ‫الجراءات التي ت�صوغ حياة النا�س نحو واقع‬ ‫على إ‬ ‫أ�ف�ضل‪.‬‬ ‫واجلزء أ‬ ‫الن�سان‬ ‫الكرب من اجلهود املبذولة ألجل تنمية إ‬ ‫يتوقف على قدرته على �إحداث التوازن املطلوب بني‬ ‫والقت�صادية وال�سيا�سية‪ ،‬واحلر�ص‬ ‫الن�سانية إ‬ ‫املتطلبات إ‬ ‫على تفعيل �إ�ستمرارية هذا التوازن عرب م�شروعات منتجة‬ ‫تتعاون فيما بينها إلحداث جناحات �إجتماعية ت ؤ�ثر على‬ ‫املدى القريب أ�و ًال وعلى املدى البعيد ثاني ًا‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫النتقال من‬ ‫كل هذا من � أش�نه زيادة قدرة املجتمع على إ‬ ‫جمتمع الفقر والتخلف واحلرمان �إىل جمتمع منتج ومبدع‪،‬‬ ‫القت�صادي والثقايف والعلمي‪ ،‬عن طريق‬ ‫قادر على التقدم إ‬ ‫�إ�ستغالل املوارد الطبيعية املتاحة التي يتميز بها املجتمع‪.‬‬ ‫الحتياجات أ‬ ‫والدوات امل�ساعدة التي‬ ‫�إ�ضافة �إىل توفري إ‬ ‫والرتقاء‪ ،‬وبالتايل رفع امل�ستوي املعي�شي‪.‬‬ ‫ت�سهل التقدم إ‬ ‫الن�سانية‬ ‫و�سطية التنمية إ‬ ‫الن�سانية �إىل‬ ‫القت�صادية تهدف التنمية إ‬ ‫يف الو�سطية إ‬ ‫زيادة اخليارات املتاحة أ�مام النا�س‪ .‬وتركز تلك اخليارات‬ ‫ب�شكل أ��سا�سي على أ�ن يحيا النا�س حياة مديدة خالية‬ ‫من العلل و أ�ن يكت�سبوا املعرفة و أ�ن يح�صلوا على املوارد‬ ‫الالزمة لتحقيق م�ستوى حياة كرمية‪.‬‬ ‫الن�سانية جانبني‪:‬‬ ‫من هذا املنطلق ف�إن للتنمية إ‬ ‫أ‬ ‫الول يتمثل يف ت�شكيل القدرات التي يحتاج �إليها النا�س‬ ‫مثل حت�سني ال�صحة واملعرفة واملهارات‪.‬‬ ‫الثاين يتمثل يف �إنتفاع النا�س بقدراتهم املكت�سبة‬ ‫النتاجية أ�و الثقافية أ�و‬ ‫يف املجاالت ال�شخ�صية أ�و إ‬ ‫الجتماعية أ�و ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫إ‬ ‫الن�سانية ناجحة‪ ،‬ف�إنه ال بد من‬ ‫ولكي تكون التنمية إ‬ ‫وجود توازن دقيق بني هذين اجلانبني‪.‬‬ ‫الدارية لتطبيق خطط‬ ‫ال�سرتاتيجيات إ‬ ‫من املالحظ أ�ن إ‬ ‫الن�سانية قد ركزت خالل اخلم�سينيات على م�سائل‬ ‫التنمية إ‬ ‫الجتماعي و�إعتربته يف ال�ستينيات العن�صر املتبقي‬ ‫الرفاه إ‬ ‫للتنمية‪ ،‬أ�ما يف ال�سبعينيات فقد مت الرتكيز على تخفيف‬ ‫وط أ�ة الفقر وتوفري احلاجات‪ ،‬و�شهدت الثمانينيات جتاه ًال‬ ‫وا�ضح ًا لهذا اجلانب‪ ،‬ويف مطلع الت�سعينيات مت الرتكيز‬ ‫على مفهوم امل�شاركة ال�شعبية‪ ،‬ومت تعريفها بكونها تنمية‬ ‫النا�س من أ�جل النا�س بوا�سطة النا�س‪.‬‬ ‫ال�ستثمار يف تطوير قدرات النا�س‬ ‫أ�‪ -‬تنمية النا�س معناها إ‬ ‫يف التعليم أ�و ال�صحة أ�و املهارات حتى ميكن العمل على‬ ‫منتج خالق‪.‬‬ ‫ب‪ -‬التنمية من أ�جل النا�س تعني كفالة توزيع النمو‬ ‫القت�صادي الذي يحققونه توزيع ًا عاد ًال وا�سع النطاق‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ج‪ -‬التنمية بو�ساطة النا�س تهدف �إىل �إعطاء كل �إن�سان‬ ‫فر�صة امل�شاركة يف التنمية و من خالل الرتكيز على‬


‫امل�شاركة ال�شعبية‪.‬‬ ‫الن�سانية هي تنمية النا�س ومن‬ ‫ومن هنا‪ ،‬ف�إن التنمية إ‬ ‫أ�جل النا�س ومن ِق َبل النا�س‪ ،‬لذلك كان يتعني أ�ن يكون النا�س‬ ‫هم حمور التنمية‪ ،‬فالبد �إذن أ�ن يكون مل�شاركة النا�س دور‬ ‫رئي�سي يف تطورها‪ .‬هنا يربز دور املنظمات غري احلكومية‬ ‫والجتماعية‬ ‫املتمثلة يف كثري من اجلمعيات اخلريية إ‬ ‫كطرف أ��سا�سي يف م�سرية التنمية مبختلف جوانبها عرب‬ ‫الرتقاء مب�ستوى العي�ش للمحتاجني وتخفيف مواجهتهم‬ ‫إ‬ ‫للمعاناة واملخاطر‪.‬‬ ‫القت�صادية ال يقومان �إال من‬ ‫والمناء املتوازن والو�سطية إ‬ ‫إ‬ ‫خالل �إمناء متوازن جلميع املناطق داخل نطاق الدولة‪،‬‬ ‫وهذه التنمية املتوازنة يجب أ�ن تكون على جميع ال�صعد‬ ‫والجتماعية‪.‬‬ ‫القت�صادية والثقافية إ‬ ‫إ‬ ‫المناء‬ ‫العتماد يف ال�سيا�سات احلكومية على إ‬ ‫وي ؤ�دي إ‬ ‫املتوازن �إىل احلد من الهجرة الداخلية من الريف باجتاه‬ ‫املدن‪،‬‬ ‫ولفراغ القرى وتراجع جودة احلياة يف املدن كما ي ؤ�دي �إىل‬ ‫إ‬ ‫هجرة خارجية وخ�صو�ص ًا من قبل ال�شباب بحث ًا عن فر�ص‬ ‫ح�سنة لبناء حياة كرمية وم�صونة لهم أ‬ ‫ولوالدهم‪.‬‬ ‫الجتماعي‪:‬‬ ‫ق�ضايا ومرتكزات �سيا�سة التطوير إ‬ ‫الجتماعي ركن ًا أ��سا�سي ًا يف مفهوم‬ ‫ت�شكل �سيا�سة التطوير إ‬ ‫القت�صادية‪.‬‬ ‫الو�سطية إ‬ ‫الجتماعي على مفهوم النمو‬ ‫ويقوم فكر التطوير إ‬ ‫القت�صادي مع عدالة التوزيع‪ ،‬أ�ي حتقيق النمو‬ ‫إ‬ ‫القت�صادي واتباع �سيا�سات توزيعية عادلة ت�ضمن و�صول‬ ‫إ‬ ‫عائدات هذا النمو �إىل خمتلف طبقات ال�شعب‏‪.‬‏‬ ‫الجتماعي أ�نه ال يوجد‬ ‫لقد بينت �سيا�سات التطوير إ‬ ‫القت�صادي وعدالة توزيع‏ عائدات هذا‬ ‫تعار�ض بني النمو إ‬ ‫النمو‪ ،‬بل �إن ك ًال منهما يدعم آ‬ ‫الخر‏‪.‬‏ �إن حتقيق العدالة‬ ‫القت�صادي يو�سع ال�سوق ويوجد‬ ‫يف توزيع عائدات النمو إ‬ ‫قوة �شرائية لدى أ�عداد كبرية من امل�ستهلكني‏‪،‬‏ وم ؤ�دى ذلك‬ ‫القت�صادية‬ ‫أ�نه ال يوجد تعار�ض بني متطلبات الكفاءة إ‬ ‫الجتماعي تدعم‬ ‫وعدالة التوزيع و أ�ن �سيا�سات التطوير إ‬ ‫ال�ستقرار ال�سيا�سي‬ ‫القت�صادي‏ ‏‪ ،‬كما توفر مناخ إ‬ ‫النمو إ‬ ‫المر يف �صالح أ‬ ‫والجتماعي و أ�نها ت�صب يف نهاية أ‬ ‫الغنياء‬ ‫إ‬ ‫والفقراء على ال�سواء‏‪.‬‏‬

‫الجتماعي التي تعمل دول عديدة على‬ ‫�إن �سيا�سة التطوير إ‬ ‫ال�سكندينافية مث ًال ) لتح�سني م�ستوى‬ ‫�إنتهاجها( الدول إ‬ ‫نوعية حياة �شعوبها تعترب جتربة عاملية رائدة أ�ثبتت‬ ‫جناحها و أ��صبحت جزء ًا من مفهوم احل�ضارة املتقدمة‪،‬‬ ‫وهي ال�سبيل الوحيد لكل الدول ال�ساعية للتطور‪.‬‬ ‫الجتماعي‬ ‫ق�ضايا حتقيق �سيا�سة التطوير إ‬ ‫الجتماعي ينبغي أ�ن يتناول الق�ضايا‬ ‫�إن حتقيق التطوير إ‬ ‫أ‬ ‫الربع التالية‏‪:‬‏‬ ‫الق�ضية أ‬ ‫الوىل‪ :‬هي ت أ�كيد العالقة الوثيقة بني النمو‬ ‫والتوزيع‏‪،‬‏ و أ�نه ال تطوير �إجتماعي ًا بدون منو �إقت�صادي‏‪.‬‏‬ ‫القت�صادي وت�سرع من‬ ‫فال�سيا�سات التي ت�شجع النمو إ‬ ‫معدالته هي أ��سا�س تكوين الرثوة أ�و العائد الذي تقوم‬ ‫ال�سيا�سات التوزيعية على �ضمان و�صوله �إىل أ�كرب عدد من‬ ‫النا�س‏‪.‬‏‬ ‫ويعني هذا أ�ن املطلوب هو اجلمع بني نوعني من ال�سيا�سات‏‪:‬‏‬ ‫أ‬ ‫الول هدفه �إيجاد الرثوة والثاين ح�سن توزيعها‏‪.‬‏‬ ‫ولكن ذلك اليعني وجود فجوة زمنية بني تنفيذ ال�سيا�ستني‬ ‫الجتماعية الناجحة أ�ن‬ ‫فقد أ�و�ضحت جتارب التنمية إ‬ ‫كليهما مرتبط آ‬ ‫بالخر‪ ،‬و أ�ن هدف التوزيع ينبغي أ�ن يكون‬ ‫القت�صادي‏‪.‬‏‬ ‫عن�صر ًا يف تخطيط �سيا�سات النمو إ‬ ‫النتباه �إىل نوع النمو‬ ‫ولكي يتحقق ذلك‏‪،‬‏ فمن ال�ضروري إ‬ ‫الذي يتحقق وطبيعة القطاعات االقت�صادية التي يتم‬ ‫فيها النمو‪ ،‬وكذلك توازن توزيع اال�ستثمارات �ضمن املناطق‬ ‫اجلغرافية‏‪.‬‏‬ ‫وتتطلب �سيا�سات التطوير االجتماعي الرتكيز على‬ ‫القطاعات التي توجد فر�ص عمل وت ؤ�من ت�شغيل أ�كرب‬ ‫عدد ممكن من الكفاءات العلمية واملهنية‪ ،‬دون أ�ن ي ؤ�دي‬ ‫لل�ستثمارات بني املحافظات‏‬ ‫ذلك �إىل خلل التوزيع العادل إ‬ ‫المناء املتوازن‪.‬‏‬ ‫و�إفتقاد إ‬ ‫الق�ضية الثانية‪ :‬هي عدالة توزيع اخلدمات أ‬ ‫ال�سا�سية‬ ‫و�إتاحتها للمواطنني‏‪،‬‏ بغ�ض النظر عن م�ستوي دخلهم‬ ‫ومناطق �إقامتهم‏‪،‬‏ ف�سيا�سات اخلدمات أ‬ ‫ال�سا�سية والعناية‬ ‫الولية هي �إحدى آ‬ ‫الليات أ‬ ‫ال�صحية أ‬ ‫ال�سا�سية لتحقيق‬ ‫التطوير‏‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪67‬‬


‫‏وتك�شف الدرا�سات التي تتعلق بق�ضايا الفقر عن فجوات‬ ‫وتفاوتات كبرية بني املناطق يف لبنان‪ .‬و أ��سا�س هذا‬ ‫التفاوت يقوم على عدم امل�ساواة يف احل�صول على اخلدمات‬ ‫أ‬ ‫ال�سا�سية وفر�ص احلياة والعمل خ�صو�ص ًا بني املدينة‬

‫املرتكز الثاين‪ :‬هو ن�شر العلم والق�ضاء على أ‬ ‫المية وتهيئة‬ ‫و�سائل التعلم والتعليم يف مراحله كافة‪ ،‬وتهيئة الفر�ص‬ ‫ال�ضرورية لهم يف ذلك‪ ،‬ويجب ان يكون التعليم جماني ًا‪،‬‬ ‫ألن العلم نور والثقافة ح�ضارة وتقدم‪.‬‬

‫والريف‪.‬‬ ‫الق�ضية الثالثة‪ :‬تتعلق ب�سيا�سات الت أ�مني ال�صحي‬ ‫الجتماعية للفئات الفقرية‪ ،‬التي ت�شمل نظم‬ ‫واحلماية إ‬ ‫الجتماعي‪ ،‬ونظم الت أ�مني‬ ‫املعا�شات والت أ�مينات وال�ضمان إ‬ ‫ال�ست�شفائي‏ ‏‪ .‬وتهدف هذه ال�سيا�سات �إىل‬ ‫ال�صحي والدعم إ‬ ‫م�ساعدة الفقراء والفئات أ‬ ‫الكرث احتياج ًا ومتكينهم يف‬ ‫الجتماعية املتكاملة التي‬ ‫�إطار منظومة من ال�سيا�سات إ‬ ‫ت�ستهدف فئات ومناطق جغرافية دون غريها‏‪.‬‏‬ ‫الق�ضية الرابعة‪ :‬تتعلق بعدالة توزيع أ‬ ‫العباء وتوفري‬ ‫املوارد املالية التي يتطلبها تنفيذ �سيا�سات التطوير‬ ‫الجتماعي‪.‬‬ ‫إ‬ ‫وهنا بيت الق�صيد‪� ..‬إذ بدون موارد مالية حقيقية ف�إن‬ ‫الجتماعي �سوف ت�صبح هدف ًا نبي ًال ولكنه‬ ‫أ�هداف التطوير إ‬ ‫�صعب املنال‏‪.‬‏‬ ‫ال�شك أ�ن ذلك �سيتطلب حتقيق أ�مور عدة أ�همها‪� :‬إعادة‬ ‫النظر يف ت�سعري اخلدمات وال�سلع التي ي�ستخدمها‬ ‫وي�ستهلكها أ‬ ‫الغنياء‏‪.‬‏‬ ‫وبذلك ي�شارك أ‬ ‫الغنياء من خالل ال�ضرائب بن�سبة كربى‬ ‫الجور واملداخيل أ‬ ‫تتنا�سب مع أ‬ ‫والرباح التي يح�صلون‬ ‫عليها‪ ،‬وحتقق الدول ذلك عادة من خالل نظم لل�ضرائب‬ ‫الت�صاعدية‏‪.‬‏‬ ‫الجتماعي‬ ‫مرتكزات حتقيق �سيا�سة التطوير إ‬ ‫املرتكز االول‪ :‬هو الق�ضاء على عوامل الفقر أ�و ًال وقبل‬ ‫كل �شيء‪ ،‬بتوفري فر�ص العمل للمواطنني القادرين على‬ ‫النتاجية والعمرانية والثقافية‪،‬‬ ‫العمل ب�إقامة امل�شاريع إ‬ ‫كامل�صانع واملزارع‪ ،‬وبذلك ميكن الق�ضاء على البطالة‪،‬‬ ‫وت�شجيع أ��صحاب ر ؤ�و�س أ‬ ‫الموال وحثهم على ا�ستخدام‬ ‫النتاجية التي حتتاج �إليها‬ ‫أ�موالهم يف �إقامة امل�شاريع إ‬ ‫البالد‪.‬‬

‫املرتكز الثالث‪ :‬هو ال�ضمان ال�صحي ال�شامل للمواطنني‬ ‫وال�ست�شفائي‪،‬‬ ‫الذي يقوم على أ��سا�س جمانية العالج الطبي إ‬ ‫عرب توفري امل ؤ��س�سات ال�صحية والو�سائل العالجية ملختلف‬ ‫أ‬ ‫المرا�ض‪ .‬ويدخل �ضمن مفهوم ال�ضمان ال�صحي ال�شامل‬

‫‪68‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الجتماعية لل�شيوخ والعاجزين واملعوقني‪،‬‬ ‫كذلك الرعاية إ‬ ‫وذلك بتوفري أ�ماكن الراحة لهم‪ ،‬مع العناية ال�صحية‬ ‫والرتفيهية والتثقيفية خ�صو�ص ًا عند الكرب أ�و عند العجز‬ ‫عن العمل‪.‬‬ ‫املرتكز الرابع‪ :‬هو �ضمان حقوق العمال و�إن�صافهم‪ ،‬بتحديد‬ ‫�ساعات العمل اليومي‪ ،‬و أ�يام العطل أ‬ ‫ال�سبوعية وال�سنوية‬ ‫و�ضمان حق التقاعد واملعا�ش التقاعدي املنا�سب‪.‬‬ ‫الجتماعي يقود �إىل‬ ‫�إن ال�شعور بعدم امل�ساواة والتهمي�ش إ‬ ‫خمتلف أ��شكال الت�شدد يف الفكر ويف ال�سلوك‏ ‏‪ ،‬ويف أ�غلب‬ ‫أ‬ ‫والنحراف‬ ‫الحيان‪ ،‬ف�إنه يوفر املناخ امل ؤ�اتي للف�ساد إ‬ ‫الداري واحلكومي‪ ،‬لذلك ف�إن �سيا�سات التطوير‬ ‫إ‬ ‫الجتماعي غالب ًا ما ترتبط ب�سيا�سات حماربة الف�ساد‏‪.‬‏‬ ‫إ‬ ‫بتحقيق هذه الق�ضايا واملرتكزات‪ ،‬يتحقق التطوير‬ ‫الجتماعي الذي يتطلب ت�ضافر اجلهود اخلال�صة من‬ ‫إ‬ ‫كل أ�طراف املجتمع‪� .‬إال أ�ن �ضمان �إ�ستمرار هذه الهيكلية‬ ‫القت�صادية وتطورها يتطلب توافر احلريات الفكرية‬ ‫إ‬ ‫العامة يف البالد‪ ،‬حرية الر أ�ي وحرية القول‪ ،‬وحرية‬ ‫املعتقد‪ ...‬وبفقدان أ�ي واحدة من هذه احلريات‪ ،‬يفقد‬ ‫الجتماعي م�صداقيته‪.‬‬ ‫التطوير إ‬ ‫ومن هنا ف�إنه من خالل �إحرتام احلريات العامة‪ ،‬و�إحرتام‬ ‫�سيادة القانون وحتقيق العدل وامل�ساواة‪ ،‬و�إعتماد مبد أ�‬ ‫املواطنة والت�سامح والو�سطية وعدم رف�ض آ‬ ‫الخر و�إتباع‬ ‫�سيا�سة االنفتاح‪ ،‬واملبادئ ال�سامية امل�ستمدة من مفاهيم‬ ‫الجتماعية يتحقق مبد أ� التطوير‬ ‫الدميقراطية إ‬ ‫الجتماعي‪.‬‬ ‫إ‬


‫وسطيتنا‬

‫العوامل اإلعالمية المعيقة في‬ ‫تعزيز ثقافة الوسطية‬ ‫إعداد ‪ /‬أ‪.‬د محمد الخطيب‬

‫الـمـقـدمـة‬

‫رب العاملني ال�صالة وال�سالم على �سيد املر�سلني‬ ‫احلمد هلل ّ‬ ‫وعلى آ�له و�صحبه ومن تبعه �إىل يوم الدين‪،،،‬‬ ‫مل تعد احلاجة �إىل ت أ�كيد أ‬ ‫الهمية البالغة واملكانة‬ ‫العالم يف املجتمع املعا�صر‪ ،‬بعد‬ ‫الكبرية التي يحتلها إ‬ ‫العالمي جزء ًا رئي�س ًا من احلياة يف‬ ‫أ�ن أ��صبح الن�شاط إ‬ ‫املجتمع الب�شري‪.‬‬ ‫الت�صال مع غريه‬ ‫فلم يعد املرء ي�ستطيع احلياة دون إ‬ ‫من النا�س‪ ،‬خا�صة �إذا عرفنا أ�ن احلوار احل�ضاري‪ ،‬أ�و‬ ‫العالم‪ ،‬و�سالحه أ‬ ‫الول‬ ‫ال�صراع احل�ضاري‪ ،‬أ��صبح ميدانه إ‬ ‫العالم‪ ،‬الذي بد أ� يحتل ال�سماء أ‬ ‫والر�ض‪ ،‬وير�سل �شبكته‬ ‫إ‬ ‫بالن�سان وحتا�صره من‬ ‫(النرتنت) لتحيط إ‬ ‫العنكبوتية إ‬ ‫كل جانب‪.‬‬ ‫العالم قوة ت أ�ثري كبرية يف الع�صر‬ ‫لذا فقد أ��صبح لو�سائل إ‬ ‫الن�سان يف كل يوم‪ ،‬ويف كل مكان‪� ،‬سواء‬ ‫احلديث‪ ،‬و أ��صبح إ‬ ‫يف العمل أ�م يف املنزل أ�م يف ال�شارع‪ ،‬يعتمد عليها كم�صادر‬ ‫رئي�سة للح�صول على املعلومات‪.‬‬ ‫العالمية‬ ‫الت�صال املعا�صرة الو�سائل إ‬ ‫لقد مكنت ثورة إ‬ ‫من الو�صول �إىل ماليني النا�س يف اللحظة الواحدة‪،‬‬ ‫و أ��صبح اخلرب يطوف املعمورة كلها يف الوقت نف�سه‪ ،‬ومل‬ ‫العالم يقت�صر على فئة معينة‪ ،‬أ�و ينحو �إىل تقدمي‬ ‫يعد إ‬ ‫معلومات خا�صة‪ ،‬ولكنه أ��صبح قادر ًا على التوجه �إىل‬ ‫الن�سان أ�ي ًا كان وحيث يكون‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ويف الوقت الذي ك�شفت فيه البحوث والدرا�سات املختلفة‬ ‫ب أ�ن هذه الو�سائل أ��صبحت من أ�قوى أ��سلحة الع�صر‪ ،‬وتتفوق‬ ‫على كل روافد الفكر وم�صادر املعرفة‪ ،‬ف�إنه البد من‬ ‫�إ�ستك�شاف كيفية �إ�ستثمار معطيات هذه الو�سائل‪ ،‬وتاليف‬

‫ال�سلبيات التي تنجم عنها والتي قد ت�ضعف من �إيجابيتها‬ ‫الرادة‬ ‫العالم �إىل و�سيلة ل�سلب إ‬ ‫خا�صة‪� ،‬إذا حتول إ‬ ‫العالمية والثقافية‪ ،‬فتقود‬ ‫والدخول يف لون من اجلربية إ‬ ‫الن�سان من عاطفته أ�و �شهوته أ�و غريزته‪.‬‬ ‫إ‬ ‫�إن امل�شكلة أ‬ ‫العالم يف‬ ‫ال�سا�سية تكمن يف أ�ن بع�ض و�سائل إ‬ ‫وال�سالمي‪ ،‬حتولت �إىل و�سائل‬ ‫بع�ض بلدان العامل العربي إ‬ ‫لهز الثوابت وتوهني القيم‪ ،‬وك�سر املوازين‪ ،‬و�إغتيال مواثيق‬ ‫أ‬ ‫والعتداء على حرماتها وتقاليدها‬ ‫المة و أ�عرا�ضها‪ ،‬إ‬ ‫با�سم حرية الر أ�ي‪.‬‬ ‫النحراف املغايل ميين ًا أ�و �شما ًال‬ ‫وهذا بال �شك قد أ�دى �إىل إ‬ ‫عند ال�شباب العربي‪ ،‬حيث أ�و�صلهم �إىل الفكر املغايل‬ ‫والن�سياق وراء ال�شهوات‬ ‫املتطرف‪ ،‬أ�و التفريط بكل القيم‪ ،‬إ‬ ‫والغرائز‪.‬‬ ‫العالم يف دول العامل‬ ‫ومن هنا البد أ�ن متار�س و�سائل إ‬ ‫وال�سالمي يف ر�سالتها التح�صن الثقايف والوعي‬ ‫العربي إ‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬وتقدم النماذج التي تبني ال�شخ�صية وحتمل‬ ‫الر�سالة‪ ،‬وت�شعر أ‬ ‫المة بالتحدي الذي يجمع طاقاتها‪،‬‬ ‫ويب�صرها بطريقها وي�ساهم ب�صمودها‪.‬‬ ‫العالمية التي‬ ‫وهذه الدرا�سة حماولة لتحديد املعيقات إ‬ ‫تقف أ�مام ن�شر الفكر الو�سطي؛ ألن الو�سطية يف الفكر‬ ‫واملمار�سة ال ميكن أ�ن جتد طريقها بني ال�شباب �إال �إذا‬ ‫العالمية‪ ،‬لتقوم و�سائل‬ ‫�إجتزنا هذه املعيقات يف الو�سائل إ‬ ‫العالم مبهمتها اخلطرية يف حت�صني ال�شباب و�إبعادهم عن‬ ‫إ‬ ‫الفراط والتفريط‪.‬‬ ‫إ‬ ‫راجي ًا اهلل أ�ن تكون هذه الدرا�سة �شمعة ت�ضيء بداية‬ ‫العالم ووجوب العمل‬ ‫الطريق يف ت أ�كيد خطورة و�سائل إ‬ ‫الدائب لتكون �سالح ًا فعا ًال للدفاع عن أ‬ ‫المة وقيمها‪.‬‬ ‫العالمية العربية يجد أ�ن هناك عوامل‬ ‫�إن املتتبع للو�سائل إ‬ ‫العتدال يف املجتمعات العربية‬ ‫�إعالمية معيقة أ�مام ن�شر إ‬ ‫ب�شكل عام‪ ،‬ويف فكر ال�شباب العربي ب�شكل خا�ص‪.‬‬ ‫العالم العربي‬ ‫وهذه املعيقات عندما ينظر الباحث يف إ‬ ‫يجدها كثرية جد ًا ولكني حاولت أ�ن أ�خل�صها يف النقاط‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪69‬‬


‫‪ .1‬أ�زمة الهوية‪ ،‬و�إختالل القيم واملعايري يف و�سائل‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫إ‬ ‫العالم ي ؤ�كد‬ ‫�إن متابعة دقيقة ملا ن�سمعه ونراه يف و�سائل إ‬ ‫حقيقة ال لب�س فيها وال غمو�ض وهي طم�س الهوية وهدم‬ ‫القيم يف الكثري مما يبث يف هذه الو�سائل‪.‬‬ ‫العالمية �صارت ت�صور املجتمع‬ ‫و أ�عني أ�ن بع�ض الو�سائل إ‬ ‫مفتقر ًا �إىل القيم واملعايري الوا�ضحة وال�ضرورية يف بقائه‬ ‫و�إ�ستمراره‪ ،‬وهذا ما جعلها تو�صل امل�ستمع أ�و امل�شاهد �إىل‬ ‫الالمباالة وال�سلبية حيال كل م�شكالت أ‬ ‫المة واملجتمع‪.‬‬ ‫العالم‬ ‫�إن التكاثر والتنوع الكثيف واملفاجئ لو�سائل إ‬ ‫العربي املختلفة ال �سيما القنوات الف�ضائية وما ترتب‬ ‫على ذلك من تخبط �إعالمي وا�ضح‪ ،‬ف�شل يف جانب كبري‬ ‫منه يف احلفاظ على هويتنا‪ ،‬ال �سيما اخلطاب املوجه‬ ‫�إىل ال�شباب العربي‪ ،‬كونه ال�شريحة أ‬ ‫الكرث ت أ�ثر ًا بهذا‬ ‫العالم العربي يف مواجهة‬ ‫بال�ضافة �إىل ف�شل إ‬ ‫اخلطاب‪ ،‬إ‬ ‫العالمي املناق�ض لهويتنا وم�صاحلنا‪ ،‬كل ذلك‬ ‫اخلطاب إ‬ ‫ّ‬ ‫ت�شكل معامل أ�زمة هوية ُنعانيها‪.‬‬ ‫أ�دى �إىل‬ ‫ومبا أ�ن الغرائز وامل�شاعر‪ ،‬ال �سيما غريزة اجلن�س هي من‬ ‫أ�هم ال�ضغوط التي يعانيها ال�شباب املراهق‪ ،‬ف�إن و�سائل‬ ‫العالم �ساهمت م�ساهمة فعالة يف �إثارة ذلك عن طريق‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الغراء‪ ،‬وعن طريق الق�ص�ص‬ ‫الفالم وال�صور التي جت�سد إ‬ ‫الغرامية أ‬ ‫والدب والثقافة‪ ،‬كما �ساهمت أ�فالم الع�صابات‬ ‫والجرام يف �إنحراف الكثري من املراهقني وتدريبهم على‬ ‫إ‬ ‫�إقرتاف اجلرمية‪.‬‬ ‫وقد جتاوزت بع�ض الف�ضائيات مبادئ هويتنا العربية‬ ‫وال�سالمية‪ ،‬و أ�رتكبت الكثري من ال�سلبيات‪ ،‬التي تهدد‬ ‫إ‬ ‫وال�سالمية‪ ،‬فبع�ضها يبث‬ ‫الهوية واحل�ضارة العربية إ‬ ‫أ‬ ‫الغاين ملدة (‪� )24‬ساعة‪ ،‬أ�و يبث برامج بعيدة عن قيم‬ ‫جمتمعنا‪ ،‬أ�و يتناول ق�ضايا ال�شباب أ‬ ‫وال�سرة العربية‬ ‫مبفهوم �سطحي غري هادف‪ ،‬ف أ��صبح ال�شباب العربي يعي�ش‬ ‫هموم ًا‪ ،‬وحياة منافية متام ًا للواقع العربي‪ ،‬لتوجد‬ ‫�إزدواجية فكرية و�شعورية بني عاداته وقيمه وم�ضامني‬ ‫العالمي‪.‬‬ ‫اخلطاب إ‬ ‫‪70‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ومل تراع بع�ض القنوات الف�ضائية ح�صانة ال�شباب العربي‬ ‫امل�سلم وال خ�صو�صيتة‪ ،‬ومل ت أ�به مبا لديه من قيم و أ�خالق‬ ‫ومبادئ و�سلوكيات‪ ،‬حتى أ��صبح ال�شباب العربي تائه ًا بني‬ ‫تلك القنوات‪ ،‬و�صار بع�ض ه ؤ�الء يفقد هويته احل�ضارية‪،‬‬ ‫والكثري من القيم أ‬ ‫والخالقيات الفا�ضلة التي تربوا‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫بل �إن الكثري من هذه القنوات �صارت ت�سعى �سعي ًا الفت ًا‬ ‫للنظر �إىل �إدخال ثقافات جديدة �إىل جمتمعنا وزرعها يف‬ ‫نفو�س أ�بنائنا بكل الو�سائل والطرق‪.‬‬ ‫ومما ال �شك فيه أ�ن هذه الربامج أ‬ ‫والفالم التي تبث �سوف‬ ‫ت ؤ�ثر على نف�سية اجلماهري و�شخ�صياتهم من خالل �إنت�شار‬ ‫الجتماعية وال�سلوكية الغريبة‪ ،‬و�سيكون هذا‬ ‫املفاهيم إ‬ ‫الت أ�ثري كبري ًا على أ‬ ‫الطفال وال�شباب ال�صغار املراهقني‪.‬‬ ‫وال�سالمية مل‬ ‫و أ��ستطيع هنا أ�ن أ� ؤ�كد أ�ن الدول العربية إ‬ ‫تنجح حتى آ‬ ‫الن يف و�ضع �سيا�سة �إعالمية ترتجم هويتنا‬ ‫الثقافية‪ ،‬ومعطياتنا احل�ضارية‪ ،‬وتوجهاتنا الرتبوية‪،‬‬ ‫على أ��س�س من عقيدتنا وقيمنا و أ�مالنا‪.‬‬ ‫العالم ومفهموم أ‬ ‫المن‪،‬‬ ‫وهذا يقودنا �إىل احلديث عن إ‬ ‫أ‬ ‫فالمن يف املجتمعات احلديثة مل يعد ق�ضية �شرط ّية يف‬ ‫املقام أ‬ ‫العالم‬ ‫الول‪ ،‬ولكنه أ��صبح ق�ضية مت�شابكة يتبو أ� إ‬ ‫أ�برز ركائزها‪.‬‬ ‫�إن مواجهة أ�زمة الهوية لن يكتب لها النجاح �إال خالل‬ ‫حت�صني اجلماهري �ضد هذا الغزوالذي يهدد الهوية‪،‬‬ ‫وال�سالمي‪،‬‬ ‫العالم يف العامل العربي إ‬ ‫و�إ�صالح أ�جهزة إ‬ ‫لتكون يف الو�ضع الذي ميكنها من الوقوف يف مواجهة‬ ‫البهار واجلذب ال�شديد ايل متار�سه قنوات البث‬ ‫عمليات إ‬ ‫الف�ضائية‪.‬‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫‪ .2‬غياب أ�جندة مدرو�سة موحدة لو�سائل إ‬ ‫العالم العربي يف غياب أ‬ ‫الجندة املدرو�سة‬ ‫تكمن �إ�شكالية إ‬ ‫النطالق‬ ‫التي ت ؤ�دي �إىل أ�ر�ضية منطقية مو�ضوعية ميكن إ‬ ‫الجراءات والت�صورات جمرد‬ ‫منها والتي بدونها تغدو كل إ‬ ‫متنيات وديباجات‪.‬‬ ‫العالم العربية أ�دى بتلك‬ ‫�إن غياب التن�سيق بني و�سائل إ‬


‫العالمية الغربية‪،‬‬ ‫الو�سائل �إىل جمرد تابع ومقلد للو�سائل إ‬ ‫ونا�شرة للثقافة الغربية يف امل أ�كل وامللب�س ال�سلوك‪ ،‬بل أ�دى‬ ‫ببع�ضها �إىل تبني الكثري من وجهات نظر آ‬ ‫الخر يف الكثري‬ ‫وال�سالمي‪،‬‬ ‫من الق�ضايا امل�صريية بالن�سبة لعاملنا العربي إ‬ ‫و�صاغتها يف قالب عربي ال�شكل واملظهر لتمررها �إلينا من‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫لقد أ�دى هذا الق�صور يف أ‬ ‫الجندة املدرو�سة �إىل حتويل‬ ‫العالم‬ ‫العالمية �إىل ن�سخة م�شوهة من إ‬ ‫بع�ض أ�جهزتنا إ‬ ‫الغربي بكل ما فيه �سموم و�إجتاهات م�شبوهة‪ ،‬دون أ‬ ‫الخذ‬ ‫العتبار م�س ؤ�ولية التفريق بني ظروف املجتمعات‬ ‫بعني إ‬ ‫الغربية وعاداتها وتقاليدها و�إختالفها عن ظروف‬ ‫وال�سالمية وعاداتها وتقاليدها‪.‬‬ ‫جمتمعاتنا العربية إ‬ ‫العالمية‬ ‫العالم العربي يف �شكل التغطيات إ‬ ‫�إن تذبذب إ‬ ‫و أ��سلوبه دليل وا�ضح عل غياب أ‬ ‫الجندة املدرو�سة الهادفة‪،‬‬ ‫العالمية‬ ‫العالم ما زال يت�شرب خال�صات امل ؤ��س�سات إ‬ ‫فهذا إ‬ ‫الكربى‪ ،‬وما زال ب�صفة خا�صة منقاد ًا �إىل تغطياتها واجد ًا‬ ‫نف�سه يف م أ�زق‪.‬‬ ‫العالم العربي �صار‬ ‫وغري بعيد عن هذا الذي قلناه‪ ،‬ف�إن إ‬ ‫العالمي الغربي بكل ما يحمله من �سموم‬ ‫ي�ستخدم امل�صطلح إ‬ ‫وت�شويهات‪ ،‬ومن ذلك على �سبيل املثال ت�سمية العمليات‬ ‫القتالية أ�مام أ‬ ‫العداء أ�نها �إنتحارية أ�و �إرهابية‪.‬‬ ‫العالم العربي أ��صبحت بوق ًا يردد‬ ‫�إن بع�ض و�سائل إ‬ ‫فالعالم‬ ‫العالم العربي‪ ،‬إ‬ ‫كالببغاء ما ين�شره ويب ّثه �إلينا إ‬ ‫الغربي مث ًال يعلق على أ�ي عمل �إرهابي متطرف �صفة‬ ‫(ال�سالمي) ويجعلها ألزمة يف كل أ�خباره وتعليقاته‪ ،‬وبكل‬ ‫إ‬ ‫العالم العربي يردد هذه الت�سمية‪ ،‬حتى ر�سخ‬ ‫أ��سف ف�إن إ‬ ‫يف أ‬ ‫الذهان حتى العربية وامل�سلمة أ�ن كل ما هو �إ�سالمي‬ ‫�إرهابي ومتوح�ش يقتل النا�س ويدمرهم ويرهبهم‪.‬‬ ‫المر أ�ي�ض ًا على ت�سميات أ�خرى مثل أ‬ ‫ونطبق أ‬ ‫ال�صولية‬ ‫العالم العربي‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬وعندما ي�ستخدم إ‬ ‫والتطرف إ‬ ‫وال�سالمي نف�س أ‬ ‫ال�سلوب ال ي�س أ�ل أ�حد نف�سه عن الفرق‬ ‫إ‬ ‫بال�سالم‪.‬‬ ‫بني هذه الت�سميات وخطر ربطها إ‬ ‫العالمية‪.‬‬ ‫‪ .3‬ظاهرة النفاق يف بع�ض الو�سائل إ‬

‫�إن من أ��سباب تقدم العامل الغربي تلك احلرية املعطاة‬ ‫العالم يف نقد جميع أ��سباب الظلم والقهر‪،‬‬ ‫لو�سائل إ‬ ‫وقد أ�دى هذا �إىل خوف احلكام وامل�س ؤ�ولني من الو�سيلة‬ ‫العالمية‪.‬‬ ‫إ‬ ‫العالمية التي‬ ‫العالم العربي كان نقي�ض ًا للر�سالة إ‬ ‫ولكن إ‬ ‫ت�سعت‬ ‫ّيجب أ�ن يحملها‪� ،‬إذ أ��صبح بوق ًا لل�سلطة أ�و امل�س ؤ�ول ف أ� ّ‬ ‫العالمية العربية‪.‬‬ ‫ظاهرة النفاق يف الو�سائل إ‬ ‫و�إذا كانت آ�فة النفاق متثل خطر ًا حقيقي ًا على حا�ضر‬ ‫أ‬ ‫المة وم�ستقبلها‪ ،‬ف�إن خطرها ميتد‪ ،‬و�سلبيتها تتفاقم‪،‬‬ ‫ومردودها يت�ضاعف �إذا �إ�ست�شرب يف أ�جهزة �صناع الفكر‬ ‫العالم‪ ،‬ف�إن‬ ‫والر أ�ي‪ ،‬وحني ي�سيطر املنافقون على أ�جهزة إ‬ ‫هذه أ‬ ‫الجهزة ال ت�ستطيع أ�ن ت�ضطلع باملهمة التي قامت من‬ ‫أ�جلها‪ ،‬وهي التعبري احلقيقي عن �إرادة اجلماهري ومعاجلة‬ ‫م�شاكلهم‪ ،‬وتناول ق�ضاياهم‪ ،‬وترجمة أ�حا�سي�سهم و آ�المهم‪،‬‬ ‫بل على العك�س من ذلك ‪ ،‬ف�إنها تعمل على ت�ضليل هذه‬ ‫اجلماهري وخداعهم لقبول أ‬ ‫المر الواقع‪.‬‬ ‫العالم ب�سبب �إنت�شارها‬ ‫وت أ�تي خطورة النفاق يف و�سائل إ‬ ‫الوا�سع‪ ،‬وت أ�ثريها الهائل على الغالبية العظمى من النا�س‪،‬‬ ‫نظر ًا ألن هذه الو�سائل أ��صبحت متلك آ‬ ‫الن من قوة اجلذب‬ ‫الغراء ما ميكنها من غر�س مفاهيم خاطئة‬ ‫وعوامل إ‬ ‫و أ�فكار م�شوهة يف أ�ذهان النا�س‪.‬‬ ‫‪� .4‬إلتبا�س الفهم يف تف�سري الو�سطية‪.‬‬ ‫و�سبب �إلتبا�س الفهم هو يف تف�سري الو�سطية (مب�سك الع�صا‬ ‫من الو�سط) مع أ�ن مفهوم الو�سطية هي اخلريية‪ ،‬وهي‬ ‫حما�سن أ‬ ‫المور‪.‬‬ ‫العالمية ت أ�كيد أ�ن (الو�سطية) هي‬ ‫�إن على الو�سائل إ‬ ‫اخلريية دائم ًا‪ ،‬و أ�ن الو�سطية يف أ‬ ‫الخالق مث ًال هي خري‬ ‫أ‬ ‫الخالق‪.‬‬ ‫فالعالم معني ب أ�ن يجعل من الو�سطية ممار�سة �سهلة وفق‬ ‫إ‬ ‫أ�طر مفتوحة وب أ�بعاد كثرية‪.‬‬ ‫والعالم حينما ي�صحح مفاهيم الو�سطية البد أ�ن يدر�س‬ ‫إ‬ ‫اجلمهور املخاطب‪ ،‬وكيف يفهم الو�سطية‪.‬‬ ‫�إننا يجب أ�ن ندرك أ�ن الو�سطية هي تغيري لعادات و�سلوك‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪71‬‬


‫فالعالم الناجح ي ؤ�دي ر�سالته‬ ‫و أ�فكار‪ ،‬تتم مبرحلة بطيئة‪ ،‬إ‬ ‫ب�شكل �صحيح �إذا در�س املجتمع املخاطب وعرف بيئته كي‬ ‫ينطلق من مفردات املجتمع ومن قوا�سمه امل�شرتكة‪.‬‬ ‫العالمية إلقناع اجلمهور بالو�سطية ال تكون‬ ‫فاحلملة إ‬ ‫�ضخ أ�كرب معلومات عن الو�سطية‪ ،‬و أ�كرب قدر ممكن من‬ ‫�شتم التطرف واملتطرفني‪� ،‬إمنا احلملة هي ر�سائل مدرو�سة‬ ‫ومعدة من قبل متخ�ص�صني ي�سعون نحو أ�هداف معلومة‬ ‫املراحل‪ ،‬وينظرون �إىل ظاهرة املغاالة والتطرف نظرة‬ ‫�شمولية‪.‬‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫الفتقار �إىل النموذج القدوة يف إ‬ ‫‪ .5‬إ‬ ‫تكمن فاعلية القدوة يف أ�نها تقوم على غريزة التقليد‬ ‫واملحاكاة‪ ،‬وهي من أ�قوى الغرائز الب�شرية؛ ألنها تر�سخ‬ ‫امل�ضمون أ�و الفكرة امل�ستهدفة أ�و ال�سلوك املطلوب يف عقول‬ ‫العالمية‬ ‫اجلماهري ونفو�سهم‪ ،‬من خالل �صياغة الر�سالة إ‬ ‫بالفعال ولي�س أ‬ ‫�صياغة عملية مدعومة أ‬ ‫بالقوال وحدها‪،‬‬ ‫َّا�س ِبا ْلبرِ ِّ َو َتن َْ�س ْونَ‬ ‫ويف ذلك قوله تعاىل ( َأ� َت ْأ� ُم ُرونَ الن َ‬ ‫اب َأ�فَلاَ َت ْع ِق ُلونَ )‬ ‫َأ� ْنف َُ�س ُك ْم َو َأ� ْن ُت ْم َت ْت ُلونَ ا ْل ِك َت َ‬ ‫(�سورة البقرة‪.)44:‬‬ ‫العالم‪،‬‬ ‫ومن هنا ي�صبح على كل من يت�صدى للعمل يف حقل إ‬ ‫أ�ن يدرك أ�ن عدم �إن�سجام القبول مع العمل ينذر بردود‬ ‫فعل عك�سية‪ ،‬وب�آثار �سلبية‪.‬‬ ‫فالكثري من أ‬ ‫الفالم وامل�سل�سالت يفتقر �إىل املثال القدوة‬ ‫الذي نرجو من �شبابنا أ�ن يقلدوه‪ ،‬و�إحرتام ال�شباب من‬ ‫اجلن�سني و�إحتار أ‬ ‫الطفال‪ ،‬فمن القدوة الذي ميكن أ�ن‬ ‫يعجبوا به ويتطلعوا �إليه؟‬ ‫هل هو تاجر املخدرات؟ هل هو املزور؟ هل هو املرت�شي؟‬ ‫هل هي الراق�صة اللعوب؟ هل هي املر أ�ة �صائدة الرجال؟‬ ‫ت�سا ؤ�الت عديدة تفر�ض نف�سها على ال�شباب وهم يتابعون‬ ‫ما ي�سمعونه وما ي�شاهدونه‪ ،‬يف مناخ فيه متجيد ملهن‬ ‫وممار�سات منحرفة‪ ،‬وحتقري ملهن �شريفة؟!‬ ‫فمث ًال‪� ،‬إن كثري ًا مما يعر�ض يف ال�سينما والتلفزيون يقوم‬ ‫على مهاجمة ال�سلوك الديني وال�سخرية من علماء الدين‪،‬‬ ‫فمن �سخرية لالب�س العمامة كامل أ�ذون ال�شرعي‪ ،‬أ�و �سخرية‬ ‫‪72‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫من مدر�س اللغة العربية‪.‬‬ ‫فهما يقدمان ب�صورة غري جيدة‪ ،‬كحركة يف اجل�سم والوجه‪،‬‬ ‫أ�و ال�شراهة بالطعام أ�و يف حب الن�ساء‪ ،‬أ�و خادم ًا للبا�شا أ�و‬ ‫القطاعي يعاونه على الظلم‪ ،‬أ�و أ�نه منافق يظهر غري ما‬ ‫إ‬ ‫(الرهاب والكباب) خري‬ ‫يبطن‪� ..‬إىل غري ذلك‪ ،‬ولعل فيلم إ‬ ‫مثال على ذلك‪.‬‬ ‫�إن هذه ال�سخرية يف بع�ض امل�سل�سالت أ‬ ‫والفالم جعلت‬ ‫الطفل أ�و ال�شاب ي�شمئز من كل ما له عالقة بالدين‪ ،‬بل‬ ‫يعترب هذه املهنة مثار �إ�ستنكار بالن�سبة �إليه‪.‬‬ ‫العالم العربي بحاجة �إىل أ�ن يت�سلح ب�صفات‬ ‫�إذن‪ ،‬ف�إن إ‬ ‫والهاجة‬ ‫الثارة إ‬ ‫علمية وعملية و أ�خالقية‪ ،‬ب أ�ن يتجنب إ‬ ‫وال�ساءة‪ ،‬و أ�ن يعالج ق�ضايا املجتمع يف هدوء و�إتزان ودون‬ ‫إ‬ ‫�إ�ساءة �إىل أ�ي فئة من فئات املجتمع‪.‬‬ ‫العالميةاملوجهة�ضدالعربوامل�سلمني‪.‬‬ ‫‪.6‬احلربالنف�سية إ‬ ‫الجراءات‬ ‫تعرف احلرب النف�سية ب أ�نها‪ :‬ن�سيج من إ‬ ‫والتداخالت ت�صب يف �شيء حمدد‪ ،‬وهو �إي�صال اخل�صم‬ ‫ال�ست�سالم والي أ��س والقنوط‪.‬‬ ‫�إىل حالة من إ‬ ‫واحلرب النف�سية هي أ�خطر أ�نواع احلروب املعا�صرة‪ ،‬ألنها‬ ‫تزلزل العقول‪ ،‬وتبلبل أ‬ ‫الفكار‪ ،‬فهي حرب أ�ع�صاب‪ ،‬تقوم‬ ‫على ت�شويه احلقائق‪ ،‬واملبالغة يف القول‪ ،‬من أ�جل حتطيم‬ ‫الروح املعنوية‪ ،‬عن طريق غزو أ‬ ‫الفكار‪ ،‬وتغيري ال�سلوك‪،‬‬ ‫الرادة‪ ،‬وزرع الهزمية‪.‬‬ ‫و�إغت�صاب العقول‪ ،‬و�شل إ‬ ‫ومن أ�هم أ��ساليب احلرب النف�سية‪ :‬ن�شر ال�شائعات‪ ،‬و�إثارة‬ ‫القلق‪ ،‬وبث الفنت‪ ،‬والرعب والهلع يف �صفوف اجلماهري‪،‬‬ ‫و�إفتعال أ‬ ‫الزمات‪ ،‬لتفتيت وحدة املجتمع‪ ،‬والت�شكيك يف‬ ‫�صالحية أ‬ ‫المة وقدراتها‪ ،‬والعمل على ك�سب العنا�صر‬ ‫النهزامية منها‪ ،‬بهدف زرع الي أ��س من الن�صر عن طريق‬ ‫إ‬ ‫املبالغة يف و�صف الهزائم‪ ،‬والتلويح بالتفوق العلمي‬ ‫والع�سكري‪ ،‬حتى ت�شعر امل�ستهدف أ�نه أ�مام قوة ال تقهر‪.‬‬ ‫ومع أ‬ ‫العالم العربي‬ ‫ال�سف ال�شديد ف�إن بع�ض و�سائل إ‬ ‫وقعت يف فخ احلرب النف�سية التي يطلقها أ�عداء أ‬ ‫المة‪،‬‬ ‫ف�صاروا أ�بواق ًا لكل ما يقال عن قوة أ�مريكا أ�و قوة �إ�سرئيل‬ ‫التي ال تقهر وغري ذلك‪.‬‬


‫العالم الواعي الوطني أ�ن يتحمل م�س ؤ�ولية‬ ‫لذا ف�إن على إ‬ ‫�ضد احلرب النف�سية‪.‬‬ ‫ولن تتحقق له القدرة على املواجهة �إال بالعمل على تاليف‬ ‫العالم‪ ،‬والتخطيط‬ ‫ال�سلبيات‪ ،‬و أ�والها �إطالق حرية إ‬ ‫العلمي الهادف �إىل الوقوف أ�مام هذه الهجمة‪ ،‬وال ميكن أ�ن‬ ‫ال�ستفادة من‬ ‫يتّم ذلك �إال بالعمل الذي ي أ�خذ يف �إعتباره إ‬ ‫كل معطيات الع�صر‪ ،‬و�إ�ستثمار متغريات احلياة احلديثة يف‬ ‫هذا ال�صدد‪.‬‬ ‫‪ .7‬ربط الفكر املتطرف مبفكرين كبار‪.‬‬ ‫ومن اخلط أ� اجل�سيم أ�ن يتم ربط الفكر املتطرف مبفكرين‬ ‫متميزين‪ ،‬و�إن خالفناهم‪ ،‬ف أ�ي هدية أ�عظم من أ�ن ُيهدى‬ ‫التطرف أ�ر�ضية فكرية حينما يعزى فكرهم �إىل فكر‬ ‫(�سيد قطب) أ�و ( أ�بو أ‬ ‫العلى املودودى)‪.‬‬ ‫العالم‪ ،‬يوحي‬ ‫�إن هذا الربط الذي جنده يف بع�ض و�سائل إ‬ ‫أ�ن التطرف واملغاالة له قراءة فكرية فاح�صة‪ ،‬وينطلق من‬ ‫أ��س�س مرجعية‪ ،‬أ� ّما واقع املغالني فهو �شباب �ضعيف التعليم‬ ‫�صغري ال�سن‪ ،‬لو قر أ� �صفحة من كتاب (معامل يف الطريق)‬ ‫ال�سالم) ما �إ�ستطاع أ�ن ينطق كلماتها ب�شكل‬ ‫أ�و (مبادئ إ‬ ‫�صحيح‪ ،‬ف�ض ًال عن فهمها أ�و ت�شربها والعمل مبوجبها‪.‬‬ ‫العالم للر أ�ي آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫‪ .8‬عدم �إف�ساح املجال يف و�سائل إ‬ ‫العالم تقت�ضي �إف�ساح املجال لعر�ض خمتلف‬ ‫�إن و�سطية إ‬ ‫العالم وجهة نظر‬ ‫والجتهادات‪ ،‬فحني يتبنى إ‬ ‫الر ؤ�ى إ‬ ‫واحدة‪ ،‬أ�و يكون منري ًا لتوجه �سيا�سي أ�و فكري بذاته‪ ،‬ف�إن‬ ‫العالمية �شرط احلياء والنزاهة‪.‬‬ ‫ذلك يفقد الو�سيلة إ‬ ‫العالم أ�ن تتيح فر�صة احلوار‬ ‫لذا يتعني على و�سائل إ‬ ‫بني خمتلف آ‬ ‫الراء‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي ي�سهم يف تنوير الر أ�ي العام‬ ‫و�إغنّاء �إدراك امل�شاهد‪ ،‬ف�ض ًال عن أ�ن �إ�ستمرار ذلك احلوار‬ ‫من � أش�نه أ�ن يعلم النا�س كيف يتحاورون باحلجة‪ ،‬ولي�س‬ ‫بالرتا�شق أ�و ال�سالح‪.‬‬ ‫العالم‬ ‫وتقت�ضي تلك الو�سطية أ�ي�ض ًا أ�ن تتبنى و�سائل إ‬ ‫موقع ًا متوازن ًا يف دوائر �إنتماء اجلماهري‪ ،‬فال يغذى �إنتماء‬ ‫على ح�ساب آ�خر‪ ،‬وال حتر�ض دائرة على أ�خرى‪ ،‬و�إمنا‬ ‫تتوازى تلك الدوائر على نحو ي�سهم يف تكوين ال�شخ�صية‬

‫العربية ال�سوية‪.‬‬ ‫العالمية‬ ‫الغراق يف مواجهة التطرف بالو�سائل إ‬ ‫‪ .9‬إ‬ ‫بتطرف آ�خر‪.‬‬ ‫الغراق يف مواجهة التطرف أ�دى بالكثري من الو�سائل‬ ‫�إن إ‬ ‫العالمية �إىل عدم التوازن‪ ،‬وهذا أ�دى �إىل نتائج‬ ‫إ‬ ‫عك�سية‪.‬‬ ‫العالم يف هذه أ‬ ‫الرهاب‬ ‫اليام حرب ًا على إ‬ ‫فعندما ي�ضخ إ‬ ‫والتطرف‪ ،‬ف�إنه يف أ�غلب أ‬ ‫الحيان ال يكون متوازن ًا‪ ،‬فهو يلوذ‬ ‫النحالل أ‬ ‫الخالقي والتطرف الفكري يف‬ ‫بال�صمت حيال إ‬ ‫التبعية للغرب‪ ،‬بل يحاول أ�ن يطم�س وي�شوه مفهوم القوة‬ ‫واحلرب والعدو واملقاومة‪ ،‬التي ت�شكل أ��صو ًال يف أ�ي ح�ضارة‬ ‫أ�و دولة‪� ،‬إذ حتتاج أ‬ ‫المم دوم ًا لروح التحدي واملقاومة‪،‬‬ ‫ولكن وفق أ��س�س ونظام وقانون‪.‬‬ ‫العالمي النا �ضج ال ت�ستغرقه اللحظة‬ ‫�إن الفكر إ‬ ‫الزمانية‪ ،‬و�إمنا يعالج الق�ضايا بتوازن وب أ�بعاد زمانية‬ ‫ومكانية مدرو�سة‪.‬‬ ‫‪� .10‬إ�شكالية العلمانية والتغريب‪.‬‬ ‫وال�سالمية املعا�صرة عدد ًا من‬ ‫أ�فرزت ال�ساحة العربية إ‬ ‫الذين تعلموا يف اخلارج‪ ،‬وانبهروا بالنمط الغربي يف أ��سلوب‬ ‫العمل واحلياة‪ ،‬وبد ًال من أ�ن يعملوا على م�ساعدة بالدهم‬ ‫وحتديث احلياة فيها‪ ،‬وينه�ضوا باملجتمعات التي علمتهم‬ ‫و أ�نفقت عليهم‪ ،‬نراهم قد متلكهم الغرور‪ ،‬وارتدوا قبعات‬ ‫الغرب‪ ،‬ولب�سوا أ�قنعته‪ ،‬وتعالوا على أ�هلهم وذويهم‪.‬‬ ‫ومل يكتف ه ؤ�الء بالتعايل‪ ،‬بل �سولت لهم أ�نف�سهم التطاول‬ ‫على ثوابت الدين والعقيدة‪ ،‬وراحوا ينادون عرب و�سائل‬ ‫العالم بتطويرها كي تتوافق مع متغريات الع�صر‪،‬‬ ‫إ‬ ‫ويطالبون بع�صرنة الدين‪ ،‬وتهمي�ش علومه باملدار�س‬ ‫واملعاهد واجلامعات‪.‬‬ ‫العالم‪،‬‬ ‫وقد فتحت لبع�ض ه ؤ�الء الكثري من و�سائل إ‬ ‫و أ��صبحوا حمور الكثري من الندوات واملحاورات يف‬ ‫الف�ضائيات‪ ،‬وهذا كله أ�دى ببع�ض ال�شباب �إىل التطرف‬ ‫واملغاالة يف الر أ�ي رد ًا على هذا الفكر الذي تتاح له و�سائل‬ ‫العالم وال يتاح لغريه‪.‬‬ ‫إ‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪73‬‬


‫العالم ملتطرفني ي�ستغلون الو�سطية لبث‬ ‫‪� .11‬إقتحام إ‬ ‫تطرفهم‪.‬‬ ‫العالم يف هذه أ‬ ‫اليام متطرفون ي�ستغلون الو�سطية‬ ‫يقتحم إ‬ ‫العالمي‪،‬‬ ‫لبث تطرفهم م�ستفيدين من حالة عدم التوازن إ‬ ‫واملتطرف القومي وال�شعوبي والعلماين هو متطرف ال‬ ‫ميكن أ�ن ي�سهم يف �صناعة الو�سطية‪ ،‬وال م�صلحة البتة يف‬ ‫العالم لرجل متطرف‪ ،‬لكي ن أ�تي به للرد على‬ ‫�إ�ستخدام إ‬ ‫تطرف آ�خر‪ ،‬معطني بذلك اجلمهور م�س ّوغ ًا للتطرف‪.‬‬ ‫‪ .12‬عر�ض الو�سطية بطريقة باهتة بدائية‪.‬‬ ‫ومما ي�ضر بالو�سطية عر�ضها بطريقة بدائية باهته‪،‬‬ ‫�إذ جتد أ�ن بع�ض املتطرفني يعر�ض فكره بالرباهني‬ ‫والدالئل‪.‬‬ ‫العالم ال ي ؤ�ثر حتى ي أ�خذ معطيات التطرف بكل جد‬ ‫�إن إ‬ ‫و�إهتمام‪ ،‬فالو�سطية أ�حوج ما تكون �إىل عر�ضها بو�سطية‬ ‫و�إعتدال ومنطق‪ ،‬و أ�ن تكون الر�سالة غري متوترة وال‬ ‫منحازة‪ ،‬و أ�ال يعالج التطرف بتطرف مثله‪.‬‬ ‫�إن بناء الو�سطية يف املجتمع هو بناء أ�فكار ور ؤ�ى البناء‬ ‫العالم ميثل الو�سطية‬ ‫لذوات أ��شخا�ص‪ ،‬ألنه عندما ي�صري إ‬ ‫بذوات‪ ،‬ف�إن فكر الو�سطية ي�صبح جم�سد ًا بذوات فقط‪،‬‬ ‫وهذا �سي ؤ�دي �إىل عدم الت أ�ثري ؛ ألن املواقف من أ‬ ‫ال�شخا�ص‬ ‫متذبذبة‪ ،‬أ�ما أ‬ ‫الفكار فمعاملها واحدة‪.‬‬ ‫ال�شارة يف هذا املقام �إىل أ�همية الذوات‬ ‫ولكن ال بد من إ‬ ‫أ‬ ‫وال�شخا�ص الذين يحملون الفكر الو�سطي‪ ،‬لذا يجب‬ ‫�إختيارهم بعناية لكي مي ّثلوا الو�سطية يف الو�سائل‬ ‫العالمية‪� ،‬إذ لي�س من املنا�سب أ�ن ت�سند ملفات الو�سطية يف‬ ‫إ‬ ‫العالم أل�شخا�ص عرفوا بال�سرية ال�سيئة‪ ،‬أ�و أ�ن تاريخهم‬ ‫إ‬ ‫مليئ بال�صفحات ال�سوداء‪.‬‬ ‫�إن الو�سطية م�صطلح جذاب وهو حق وعدل‪ ،‬ومن الظلم أ�ن‬ ‫ن�ضع بني يدي هذا احلق ذوات ًا ال متثله‪.‬‬ ‫ال�سالم بطريقة تقليدية‪.‬‬ ‫العالم مع إ‬ ‫‪.13‬تعامل و�سائل إ‬ ‫ال�سالم وفق أ��ساليب تقليدية‬ ‫العالم يتعامل مع إ‬ ‫ما زال إ‬ ‫قدمية‪ ،‬أ�و ملجرد (حت�صيل حا�صل) أ�و (�سد خانة أ�و فراغ)‬ ‫أ�و رمبا كو�سيلة (رفع العتب) و�إ�ست�سهال أ‬ ‫المور ما دمنا نبد أ�‬ ‫‪74‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ونختم ب�آيات بينات من القر آ�ن الكرمي‪ ،‬ونخ�ص�ص �صفحات‬ ‫دينية ليوم اجلمعة‪ ،‬وننقل وقائع �صالة اجلمعة أ‬ ‫والعياد‪،‬‬ ‫ون�شري �إىل مواعيد أ‬ ‫الذان‪ ،‬ونقدم أ�حاديث دينية يومية ما‬ ‫زالت تتبع أ‬ ‫ال�سلوب اخلطابي القدمي‪.‬‬ ‫والبداع والتجديد‬ ‫البتكار إ‬ ‫ولكن روح الع�صر تفر�ض علينا إ‬ ‫و�إيجاد و�سائل الت�شويق وجذب امل�شاهدين وامل�ستمعني‪ ،‬وال‬ ‫النطالق �إىل الف�ضاء أ‬ ‫�سيما أ‬ ‫الرحب‬ ‫الطفال وال�شباب‪ ،‬ثم إ‬ ‫لل�سالم‪ ،‬ولو‬ ‫إلي�صال ال�صورة احلقيقية‪ ،‬والوجه ال�سمح إ‬ ‫ب�شكل غري مبا�شر‪.‬‬ ‫وبكل أ��سف ف�إن عدد أ‬ ‫العمال العربية ال�ضخمة التي‬ ‫حققت الهدف ال�سامي ال يتجاوز أ��صابع اليدين‪ ،‬أ�ذكر منها‬ ‫على �سبيل املثال فيلم الر�سالة للمخرج العربي (م�صطفى‬ ‫العقاد)‪ .‬رحمه اهلل‬ ‫ولو ركز العرب على مثل هذه أ‬ ‫العالم‬ ‫العمال يف جماالت إ‬ ‫المكانات والطاقات يف مناف�سات من‬ ‫كافة‪ ،‬بد ًال من هدر إ‬ ‫أ�جل الك�سب الرخي�ص ال�ضيق والنقل أ‬ ‫العمى ملا ينتجه‬ ‫العالم الغربي‪.‬‬ ‫إ‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫‪.14‬م�شاهد العنف يف و�سائل إ‬ ‫العالم‬ ‫�إ�ست أ�ثرت الدرا�سات عن ت أ�ثري العنف يف و�سائل إ‬ ‫على اجلمهور على حيز كبري من �إهتمام الباحثني يف جمال‬ ‫العالم واملجتمع‪.‬‬ ‫و�سائل إ‬ ‫وترى هذه الدرا�سات أ�ن تنامي ظاهرة العنف وال�سلوك‬ ‫العالم‪ ،‬وبخا�صة أ‬ ‫الطفال‬ ‫العدواين بني جمهور و�سائل إ‬ ‫يرجع ب�شكل أ��سا�سي �إىل تعر�ض ذلك اجلمهور �إىل و�سائل‬ ‫�إعالمية تت�ضمن كثري ًا من العنف اللفظي واجل�سدي‪ ،‬وهذه‬ ‫العالم‪،‬‬ ‫الدرا�سات خرجت بنتائج عن العنف يف و�سائل إ‬ ‫خال�صتها‪:‬‬ ‫أ�‌‪ .‬أ�ن أ‬ ‫الطفال يتعلمون العنف من خالل مالحظة أ��شخا�ص‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫يقومون بالعنف يف و�سائل إ‬ ‫العالم غالب ًا‬ ‫ب‌‪ .‬أ�ن اجلمهور الذي يتعر�ض لو�سائل إ‬ ‫ما يقلدون العنف الواقعي ولي�س العنف اخليايل‪ ،‬وهو‬ ‫الذي ميكن أ�ن يقع يف حياة النا�س اليومية (كامل�شاجرات‬ ‫و�إ�ستخدام أ‬ ‫ال�سلحة‪.)...‬‬


‫العالم‪ ،‬لكنه ال يعمد‬ ‫ج‪ .‬أ�ن الفرد يتعلم العنف من و�سائل إ‬ ‫الحباط النف�سي‪،‬‬ ‫�إىل حماكاته وتقليده �إال يف حاالت إ‬ ‫وحينما ت�ستثار عواطفه وم�شاعر ال�سخط والغ�ضب‬ ‫لديه‪.‬‬ ‫العالم‬ ‫د‪ .‬أ�ن تكرار التعر�ض مل�شاهد العنف يف و�سائل إ‬ ‫ي ؤ�دي �إىل تبلد أ�حا�سي�س النا�س جتاه العنف وال�سلوك‬ ‫الح�سا�س‪.‬‬ ‫العدواين وعدم املباالة و�إنعدام إ‬ ‫‪ .15‬الهم التجاري والك�سب املادي‪.‬‬ ‫العالمية مراكز جتارية أ�كرث‬ ‫أ��صبحت بع�ض امل ؤ��س�سات إ‬ ‫منها �صاحبة ر�سالة‪:‬‬ ‫العالمية الق�ضية‬ ‫فقد غلبت على بع�ض امل ؤ��س�سات إ‬ ‫التجارية‪ ،‬ف أ�ختفى الهدف الر�سايل يف هذه امل ؤ��س�سات‪،‬‬ ‫و أ��صبح هدف الربح املادي هو الغالب عليها‪ ،‬بل و�صارت‬ ‫ت�س ّوغ لنف�سها �إبتعادها عن القيم والثوابت ب أ�ن اجلمهور‬ ‫يريد ذلك‪.‬‬ ‫العالم تهتم بالرتويح والت�سلية‬ ‫وهذا ما جعل و�سائل إ‬ ‫الغاين والتمثيليات حتظى بالن�صيب أ‬ ‫و�صارت أ‬ ‫الوفى‪،‬‬ ‫الغاين الهابطة أ‬ ‫خا�صة تلك أ‬ ‫والفالم والتمثيليات التي‬ ‫تثري الغرائز‪.‬‬ ‫ومما ال �شك فيه أ�ن هذا قد جعل بع�ض النا�س ي�ستغل‬ ‫العالمية لي�شكك يف وطنيتها‬ ‫�إجتاه بع�ض امل ؤ��س�سات إ‬ ‫ور�سالتها‪ ،‬وهذا ما أ�بعد جمهور ًا عري�ض ًا من ال�شباب عنها‬ ‫وعن م�شاهدتها‪ ،‬و أ�دى �إىل زيادة املغاالة والت�شدد عند‬ ‫ه ؤ�الء‪.‬‬

‫أالمة‪ /‬قطر‪.‬‬ ‫نحو م�شروع جملة رائدة أ‬ ‫للطفال‪ /‬د‪ .‬مالك �إبراهيم أالحمد‪ /‬كتاب‬ ‫أالمة‪ /‬قطر‪.‬‬ ‫التعددية الفكرية واحلوار يف املجتمع امل�سلم‪ /‬د‪ .‬حممد عبد الغفار‬ ‫�شريف‪ /‬املركز العاملي للو�سطية‪ /‬الكويت‪.‬‬ ‫ا إلعالم و أ�ثره يف ن�شر القيم ا إل�سالمية‪ /‬د‪ .‬حممد �إبراهيم ن�صر‪/‬‬ ‫دار اللواء‪ /‬الريا�ض‪.‬‬ ‫ر ؤ�ية �إ�سالمية يف ق�ضايا معا�صرة‪ /‬د‪ .‬عماد الدين خليل‪ /‬كتاب أالمة‪/‬‬ ‫قطر‪.‬‬ ‫ا إلعالم وثقافة الو�سطية‪ /‬فهمي الهويدي‪ /‬املركز العاملي للو�سطية‪/‬‬ ‫الكويت‪.‬‬ ‫جتديد اخلطاب الديني‪ /‬ناجح �إبراهيم عبد اهلل‪ /‬مكتبة العبيكان‪/‬‬ ‫الريا�ض‪.‬‬ ‫حرية الر أ�ي يف ا إل�سالم‪ /‬د‪ .‬حممد عبد الفتاح اخلطيب‪ /‬كتاب‬ ‫أالمة‪ /‬قطر‪.‬‬ ‫مدخل �إىل ا إلعالم ا إل�سالمي‪ /‬د‪� .‬سعيد �صيني‪ /‬دار احلقيقة‪/‬‬ ‫القاهرة‪.‬‬ ‫ا إلعالم ا إل�سالمي (الواقع والتحديات)‪ /‬عبد املجيد �شكري‪ /‬العربي‬ ‫للن�شر والتوزيع‪ /‬القاهرة‪.‬‬ ‫أ��صول ا إلعالم ا إل�سالمي‪ /‬د‪� .‬إبراهيم �إمام‪ /‬دار الفكر العربي‪/‬‬ ‫القاهرة‪.‬‬ ‫مقال بعنوان (ا إلعالم وثقافة الو�سطية)‪ /‬عادل املاجد‪.‬‬

‫الـمـراجـع والـمـ�صـادر‬ ‫كيف ت ؤ�ثر و�سائل ا إلعالم‪ /‬مكتبة عبد الرحمن احلظيف‪ /‬مكتبة‬ ‫العبيكان‪ /‬الريا�ض‪.‬‬ ‫ا إلعالم احلديث وال�شباب يف العامل العربي‪ /‬د‪ .‬مو�سى �شتيوي‪،‬‬ ‫د‪�.‬إبت�سام العطيات‪ /‬املركز أالردين للبحوث ا إلجتماعية‪.‬‬ ‫ا إلعالم وا إل�سالم‪ /‬عرفان نظام الدين‪ /‬بيت القر�آن‪ /‬البحرين‪.‬‬ ‫�إ�شكاليات العمل ا إلعالمي‪ /‬د‪ .‬حميي الدين عبد احلليم‪ /‬كتاب‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪75‬‬


‫وسطيتنا‬

‫أدلة الوسطية في القرآن والسنة‬ ‫للدكتور ‪ /‬محمد بن عمر بازمول‬

‫مقدمة‬

‫�إن احلمد هلل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ون�ستعينه‪ ،‬ون�ستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل‬ ‫من �شرور أ�نف�سنا‪ ،‬ومن �سيئات أ�عمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال‬ ‫م�ضل له‪ ،‬ومن ي�ضلل فال هادي له‪.‬‬ ‫و أ��شهد أ�ن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له‪ .‬و أ��شهد أ�ن‬ ‫حممدا عبده ور�سوله ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫( َيا َأ� ُّي َها ا َّل ِذينَ آ� َمنُوا ا َّتقُوا ا َحقَّ ُت َقا ِت ِه َو اَل تمَ ُ و ُت َّن ِ�إ اَّل‬ ‫َو َأ� ْن ُت ْم ُم ْ�س ِل ُمونَ ) (‪�()1‬سورة آ�ل عمران‪.)102 :‬‬ ‫احدَ ٍة‬ ‫ْ�س َو ِ‬ ‫َّا�س ا َّتقُوا َر َّب ُك ُم ا َّل ِذي َخ َل َق ُك ْم ِم ْن َنف ٍ‬ ‫( يا َأ� ُّي َها الن ُ‬ ‫اء َوا َّتقُوا اللهَّ َ‬ ‫َو َخ َل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّث ِم ْن ُه َما ِر َج اًال َك ِث ً‬ ‫ريا َو ِن َ�س ً‬ ‫اء ُلونَ ِب ِه َو ْ َأ‬ ‫ال ْر َحا َم �إِنَّ اللهَّ َ َكانَ َع َل ْي ُك ْم َر ِقي ًبا)(‪)2‬‬ ‫ا َّل ِذي َت َ�س َ‬ ‫( �سورة الن�ساء‪.)1 :‬‬ ‫( َيا َأ� ُّي َها ا َّل ِذينَ آ� َمنُوا ا َّتقُوا اللهَّ َ َو ُقو ُلوا َق ْو اًل َ�س ِديدً ا *‬ ‫ُي�ص ِل ْح َل ُك ْم أ� ْع َما َل ُك ْم َو َي ْغ ِفر َل ُك ْم ُذ ُنو َب ُك ْم َو َم ْن ُي ِطع اللهَّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َو َر ُ�سو َلهُ َف َق ْد َفا َز َف ْو ًزا َع ِظي ًما ) (‪)3‬‬ ‫(�سورة أ‬ ‫الحزاب‪.)71 -70 :‬‬

‫أ�ما بعد‪:‬‬

‫ف�إن أ��صدق الكالم كالم اهلل‪ ،‬وخري الهدي هدي حممد‪ ،‬و�شر‬ ‫أ‬ ‫المور حمدثاتها‪ ،‬وكل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة �ضاللة‪،‬‬ ‫وكل �ضاللة يف النار‪.‬‬ ‫أ�ما بعد‪ :‬فهذه ورقات أ�فردتها يف تقرير بع�ض من أ�دلة‬ ‫الو�سطية من القر آ�ن العظيم وال�سنة النبوية‪ ،‬أ�تقدم بها يف‬ ‫ندوة « أ�ثر القر آ�ن الكرمي يف حتقيق الو�سطية ودفع الغلو‬ ‫«‪ ،‬التي �ستنعقد يف مكة املكرمة‪� ،‬ضمن فعاليات م�سابقة‬ ‫امللك عبد العزيز الدولية حلفظ القر آ�ن الكرمي وتالوته‪،‬‬ ‫وتف�سريه يف ‪ 1424 / 8 / 11 - 3‬هـ‪.‬‬ ‫�سائال اهلل املزيد من التوفيق والهدى والر�شاد للقائمني‬ ‫على هذه الندوة‪ ،‬و أ�ن يجعل �سبحانه وتعاىل جهودهم يف‬ ‫موازين ح�سناتهم‪� ،‬إنه �سميع جميب‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ال�سالم و�سط بني أ‬ ‫الديان‬ ‫مدخل‪ :‬إ‬ ‫ال�سالم الو�سطية والتوازن (‪.)4‬‬ ‫من خ�صائ�ص إ‬ ‫ال�سالم ابن تيمية (ت ‪ 728‬هـ) رحمه اهلل‪:‬‬ ‫يقول �شيخ إ‬ ‫« قد خ�ص اهلل تبارك وتعاىل حممدا (�ص) بخ�صائ�ص‬ ‫ميزه اهلل بها على جميع أ‬ ‫النبياء واملر�سلني‪ ،‬وجعل له‬ ‫�شرعة ومنهاجا أ�ف�ضل �شرعة‪ ،‬و أ�كمل منهاج مبني‪.‬‬ ‫كما جعل أ�مته خري أ�مة أ�خرجت للنا�س؛ فهم يوفون �سبعني‬ ‫أ�مة هم خريها‪ ،‬و أ�كرمها على اهلل من جميع أ‬ ‫الجنا�س‪.‬‬ ‫هداهم اهلل بكتابه ور�سوله ملا اختلفوا فيه من احلق‬ ‫قبلهم‪ .‬وجعلهم و�سطا عدال خيارا؛ فهم و�سط يف توحيد‬ ‫الميان بر�سله‪ ،‬وكتبه‪ ،‬و�شرائع‬ ‫اهلل و أ��سمائه و�صفاته‪ ،‬ويف إ‬ ‫دينه من أ‬ ‫المر والنهي واحلالل واحلرام‪.‬‬ ‫ف أ�مرهم باملعروف‪ ،‬ونهاهم عن املنكر‪ ،‬و أ�حل لهم الطيبات‪،‬‬ ‫وحرم عليهم اخلبائث‪ ،‬مل يحرم عليهم �شيئا من الطيبات‬ ‫كما حرم على اليهود‪ ،‬ومل يحل لهم �شيئا من اخلبائث كما‬ ‫ا�ستحلتها الن�صارى‪.‬‬ ‫ومل ي�ضيق عليهم باب الطهارة والنجا�سة كما �ضيق على‬ ‫اليهود‪ ،‬ومل يرفع عنهم طهارة احلدث واخلبث كما رفعته‬ ‫الن�صارى‪ ،‬فال يوجبون الطهارة من اجلنابة‪ ،‬وال الو�ضوء‬ ‫لل�صالة‪ ،‬وال اجتناب النجا�سة يف ال�صالة‪ ،‬بل يعد كثري من‬ ‫عبادهم مبا�شرة النجا�سات من أ�نواع القرب والطاعات‪،‬‬ ‫حتى يقال يف ف�ضائل الراهب‪ « :‬له أ�ربعون �سنة ما م�س‬ ‫املاء! « ولهذا تركوا اخلتان‪ ،‬مع أ�نه �شرع �إبراهيم اخلليل‬ ‫عليه ال�سالم و أ�تباعه‪.‬‬ ‫واليهود �إذا حا�ضت املر أ�ة عندهم‪ ،‬ال ي ؤ�اكلونها وال‬ ‫ي�شاربونها‪ ،‬وال يقعدون معها يف بيت واحد‪ ،‬والن�صارى‬ ‫ال يحرمون وطء احلائ�ض‪ ،‬وكان اليهود ال يرون �إزالة‬ ‫النجا�سة‪ ،‬بل �إذا أ��صاب ثوب أ�حدهم قر�ضه باملقرا�ض‪،‬‬ ‫والن�صارى لي�س عندهم �شيء جن�س يحرم أ�كله‪ ،‬أ�و حترم‬ ‫ال�صالة معه‪.‬‬ ‫وكذلك امل�سلمون و�سط يف ال�شريعة فلم يجحدوا �شرعه‬ ‫النا�سخ ألجل �شرعه املن�سوخ‪ ،‬كما فعلت اليهود‪ .‬وال غريوا‬ ‫�شيئا من �شرعه املحكم وال ابتدعوا �شرعا مل ي أ�ذن به اهلل‪،‬‬ ‫كما فعلت الن�صارى‪.‬‬ ‫وال غلوا يف أ‬ ‫النبياء وال�صاحلني كغلو الن�صارى‪ ،‬وال‬ ‫بخ�سوهم حقوقهم كفعل اليهود‪.‬‬


‫وال جعلوا اخلالق �سبحانه مت�صفا بخ�صائ�ص املخلوق‪،‬‬ ‫ونقائ�صه‪ ،‬ومعايبه من الفقر والبخل والعجز كفعل اليهود‪،‬‬ ‫وال املخلوق مت�صفا بخ�صائ�ص اخلالق �سبحانه التي لي�س‬ ‫كمثله فيها �شيء كفعل الن�صارى‪.‬‬ ‫ومل ي�ستكربوا عن عبادته كفعل اليهود‪.‬‬ ‫وال أ��شركوا بعبادته أ�حدا كفعل الن�صارى‪.‬‬ ‫ال�سالم يف أ�هل‬ ‫ال�سالم ك أ�هل إ‬ ‫و أ�هل ال�سنة واجلماعة يف إ‬ ‫امللل‪ ،‬فهم و�سط يف باب �صفات اهلل ( بني أ�هل اجلحد‬ ‫والتعطيل‪ ،‬وبني أ�هل الت�شبيه والتمثيل‪ ،‬ي�صفون اهلل مبا‬ ‫و�صف به نف�سه ومبا و�صفه به ر�سله من غري تعطيل وال‬ ‫متثيل‪� ،‬إثباتا ل�صفات الكمال‪ ،‬وتنزيها له عن أ�ن يكون له‬ ‫فيها أ�نداد و أ�مثال‪� ،‬إثبات ًا بال متثيل‪ ،‬وتنزيه ًا بال تعطيل‪،‬‬ ‫كما قال تعاىل‪َ ( :‬ل ْي َ�س َك ِم ْث ِل ِه َ�ش ْي ٌء )(‪)5‬‬ ‫(�سورة ال�شورى‪].)11 :‬‬ ‫ري ) (‪)6‬‬ ‫ال�سم ُ‬ ‫ِيع ا ْل َب ِ�ص ُ‬ ‫رد على املمثلة‪َ ( ،‬وهُ َو َّ‬ ‫(�سورة ال�شورى‪ ،)11 :‬رد على املعطلة‪.‬‬ ‫ال�ص َمدُ ‪ -‬لمَ ْ َي ِل ْد َولمَ ْ‬ ‫وقال تعاىل‪ُ ( :‬قلْ هُ َو اللهَّ ُ َأ� َحدٌ ‪ -‬اللهَّ ُ َّ‬ ‫ُيو َل ْد ‪َ -‬ولمَ ْ َي ُك ْن َلهُ ُكفُ ًوا َأ� َحدٌ ) (‪)7‬‬ ‫الخال�ص‪.)4 - 1 :‬‬ ‫(�سورة إ‬ ‫فال�صمد‪ :‬ال�سيد امل�ستوجب ل�صفات الكمال‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والحد‪ :‬الذي لي�س له كف ؤ� وال مثال‪.‬‬ ‫وهم و�سط يف باب أ�فعال اهلل بني املعتزلة املكذبني للقدر‪،‬‬ ‫واجلربية النافني حلكمة اهلل ورحمته وعدله‪ ،‬واملعار�ضني‬ ‫بالقدر أ�مر اهلل ونهيه وثوابه وعقابه‪.‬‬ ‫ويف باب الوعد والوعيد‪ ،‬بني الوعيدية الذين يقولون‬ ‫بتخليد ع�صاة امل�سلمني يف النار‪ ،‬وبني املرجئة الذين‬ ‫يجحدون بع�ض الوعيد وما ف�ضل اهلل به أ‬ ‫البرار على‬ ‫الفجار‪.‬‬ ‫وهم و�سط يف أ��صحاب ر�سول اهلل (�ص) بني الغايل يف‬ ‫بع�ضهم الذي يقول فيه ب�إلهية أ�و نبوة أ�و ع�صمة‪ ،‬واجلايف‬ ‫فيهم الذي يكفر بع�ضهم أ�و يف�سقه وهم خيار هذه أ‬ ‫المة «‬ ‫اهـ(‪.)8‬‬ ‫وقال ‪ -‬رحمه اهلل ‪ « :-‬وكذلك يف �سائر أ�بواب ال�سنة‪ ،‬هم‬ ‫و�سط؛ ألنهم متم�سكون بكتاب اهلل و�سنة ر�سوله (�ص)‬ ‫الولون من املهاجرين أ‬ ‫وما اتفق عليه ال�سابقون أ‬ ‫والن�صار‪،‬‬ ‫والذين اتبعوهم ب�إح�سان « اهـ (‪.)9‬‬

‫أ�دلة الو�سطية من القر آ�ن العظيم وال�سنة النبوية‬ ‫أ‬ ‫ال�سالم فال �إفراط وال تفريط‪ ،‬ال‬ ‫الدلة على و�سطية أ�مة إ‬ ‫غلو وال جفاء‪ ،‬كثرية من القر آ�ن العظيم‪ ،‬وال�سنة النبوية‪،‬‬ ‫أ�ذكر منها أ‬ ‫الدلة التالية‪:‬‬ ‫أ�وال‪ :‬أ‬ ‫الدلة من القر آ�ن العظيم‪:‬‬ ‫ال�ص َر َ‬ ‫يم ‪-‬‬ ‫(‪ )1‬قول اهلل تبارك وتعاىل‪ْ ( :‬‬ ‫اط المْ ُ ْ�س َت ِق َ‬ ‫اه ِد َنا ِّ‬ ‫ِ�ص َر َ‬ ‫وب َع َل ْيه ِْم َو اَل َّ‬ ‫ال�ضا ِّلنيَ)‬ ‫اط ا َّل ِذينَ َأ� ْن َع ْمتَ َع َل ْيه ِْم َغيرْ ِ المْ َغ ُْ�ض ِ‬ ‫(‪( )10‬الفاحتة‪.)7 - 6 :‬‬ ‫ووجه داللة آ‬ ‫الية‪ :‬أ�نه �سبحانه و�صف ال�صراط امل�ستقيم‬ ‫ب أ�نه غري �صراط املغ�ضوب عليهم‪ ،‬وهم اليهود أ�هل الغلو يف‬ ‫الدين‪ ،‬وغري �صراط الن�صارى‪ ،‬وهم أ�هل الغلو يف الرهبانية‬ ‫والتعبد‪ ،‬حتى خرجوا عن حدود ال�شرع‪ ،‬لي�س فقط يف‬ ‫العبادة بل حتى يف االعتقاد‪ ،‬يقول تبارك وتعاىل‪:‬‬ ‫للهَّ‬ ‫اب ال َت ْغ ُلوا فيِ ِدي ِن ُك ْم َوال َتقُو ُلوا َع َلى ا ِ ِ�إال‬ ‫( َيا َأ� ْه َل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫ي�سى ا ْبنُ َم ْريمَ َ َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َو َك ِل َم ُتهُ َأ� ْل َقاهَ ا‬ ‫الحْ َ قَّ ِ�إنمَّ َ ا المْ َ ِ�س ُ‬ ‫يح ِع َ‬ ‫وح ِمنْهُ َف�آ ِمنُوا ِباللهَّ ِ َو ُر ُ�س ِل ِه َوال َتقُو ُلوا َثال َث ٌة‬ ‫ِ�إلىَ َم ْريمَ َ َو ُر ٌ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫احدٌ ُ�س ْب َحا َنهُ َأ� ْن َي ُكونَ َلهُ‬ ‫ا ْن َت ُهوا َخيرْ ً ا َل ُك ْم ِ�إنمَّ َ ا ا ِ�إ َلهٌ َو ِ‬ ‫للهَّ‬ ‫ات َو َما فيِ َأ‬ ‫�ض َو َك َفى ِبا ِ َو ِكيال )‬ ‫ال�س َما َو ِ‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫َو َلدٌ َلهُ َما فيِ َّ‬ ‫(‪( )11‬الن�ساء‪.)171 :‬‬ ‫ف�إذا كان ال�صراط امل�ستقيم غري �صراط اليهود والن�صارى‪،‬‬ ‫وكان �صراط اليهود والن�صارى �صراط غلو يف الدين‪ ،‬دل‬ ‫ذلك على أ�ن ال�صراط امل�ستقيم �صراط ال غلو فيه‪ ،‬فهو بني‬ ‫طرفني‪� :‬إفراط وتفريط‪ ،‬وهذا هو معنى الو�سطية التي‬ ‫ال�سالمي‪.‬‬ ‫هي منهاج الدين إ‬ ‫احدَ ًة‬ ‫َّا�س ُأ� َّم ًة َو ِ‬ ‫(‪ )2‬قال اهلل تبارك وتعاىل‪َ ( :‬كانَ الن ُ‬ ‫َف َب َع َث اللهَّ ُ ال َّن ِب ِّي َ‬ ‫اب‬ ‫ني ُم َب ِّ�ش ِرينَ َو ُمن ِْذ ِرينَ َو َأ�ن َْز َل َم َع ُه ُم ا ْل ِك َت َ‬ ‫يه َو َما اخْ َت َل َف‬ ‫َّا�س ِفي َما اخْ َت َلفُ وا ِف ِ‬ ‫ِبالحْ َ قِّ ِل َي ْح ُك َم بَينْ َ الن ِ‬ ‫اء ْت ُه ُم ا ْل َب ِّي َن ُ‬ ‫ات َب ْغ ًيا‬ ‫ِف ِ‬ ‫يه ِ�إ اَّل ا َّل ِذينَ أ�ُو ُتو ُه ِم ْن َب ْع ِد َما َج َ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫يه مِنَ الحْ َ قِّ‬ ‫َب ْي َن ُه ْم َف َهدَ ى ا ا َّل ِذينَ آ� َمنُوا لمِ َا اخْ َت َلفُ وا ِف ِ‬ ‫يم ) (‪)12‬‬ ‫اء ِ�إلىَ ِ�ص َر ٍ‬ ‫اط ُم ْ�س َت ِق ٍ‬ ‫ِب ِ�إ ْذ ِن ِه َواللهَّ ُ َي ْه ِدي َم ْن َي َ�ش ُ‬ ‫(�سورة البقرة‪.)213 :‬‬ ‫مينت اهلل �سبحانه على عباده امل ؤ�منني أ�ن هداهم �إىل‬ ‫ال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬الذي هو �سبيل الر�سول (�ص) ومن‬ ‫اطي ُم ْ�س َت ِقي ًما َفا َّت ِب ُعو ُه‬ ‫يتبعه‪ ،‬قال تعاىل‪َ ( :‬و َأ�نَّ هَ َذا ِ�ص َر ِ‬ ‫ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َع ْن َ�س ِبي ِل ِه َذ ِل ُك ْم َو َّ�ص ُاك ْم ِب ِه‬ ‫َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ‬ ‫َل َعلَّ ُك ْم َت َّت ُقونَ ) ( ‪�( )13‬سورة أ‬ ‫النعام‪.)153 :‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪77‬‬


‫وللغواية وال�ضالل �سبل‪ ،‬كما قال تبارك وتعاىل‪َ ( :‬و اَل‬ ‫الل َم ْن‬ ‫وعدُ ونَ َو َت ُ�ص ُّدونَ َع ْن َ�س ِب ِ‬ ‫يل هَّ ِ‬ ‫اط ُت ِ‬ ‫َت ْق ُعدُ وا ِب ُك ِّل ِ�ص َر ٍ‬ ‫آ� َمنَ ِب ِه َو َت ْب ُغو َن َها ِع َو ًجا َواذ ُْك ُروا ِ�إ ْذ ُك ْن ُت ْم َق ِل اً‬ ‫يل َف َك رََّ‬ ‫ث ُك ْم‬ ‫اق َب ُة المْ ُف ِْ�س ِدينَ ) (‪)14‬‬ ‫َوان ُْظ ُروا َك ْي َف َكانَ َع ِ‬ ‫(�سورة أ‬ ‫العراف‪.)86 :‬‬ ‫وكل �سبيل غري �سبيل احلق فهو معوج‪ ،‬كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫اب مَِ‬ ‫الل َم ْن آ� َمنَ‬ ‫ل َت ُ�ص ُّدونَ َع ْن َ�س ِب ِ‬ ‫يل هَّ ِ‬ ‫( ُقلْ َيا َأ� ْه َل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫اء َو َما هَّ ُ‬ ‫الل ِب َغا ِف ٍل َع َّما َت ْع َم ُلونَ )‬ ‫َت ْب ُغو َن َها ِع َو ًجا و َأَ� ْن ُت ْم ُ�ش َهدَ ُ‬ ‫(‪�( )15‬سورة آ�ل عمران‪ ،)99 :‬وقال تعاىل‪ ( :‬ا َّل ِذينَ‬ ‫الل َو َي ْب ُغو َن َها ِع َو ًجا َوهُ ْم ِب ْ آ‬ ‫ال ِخ َر ِة‬ ‫َي ُ�ص ُّدونَ َع ْن َ�س ِب ِ‬ ‫يل هَّ ِ‬ ‫َكا ِف ُرونَ ) (‪�( )16‬سورة أ‬ ‫العراف‪.)45 :‬‬ ‫و�سبيل احلق هو �سبيل الر�شد‪ ،‬وهو ال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬كما‬ ‫بونَ يِف ْ َأ‬ ‫�ض‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫قال تعاىل‪� ( :‬س َأَ� ْ�ص ِر ُف َع ْن آ� َيا ِت َي ا َّل ِذينَ َي َت َك رَّ ُ‬ ‫ِبغَيرْ ِ الحَْ قِّ و َِ�إ ْن َي َر ْوا ُك َّل آ� َي ٍة اَل ُي ْ ؤ� ِمنُوا ِب َها و َِ�إ ْن َي َر ْوا َ�س ِب َ‬ ‫يل‬ ‫الر ْ�ش ِد اَل َيت َِّخ ُذو ُه َ�س ِب اً‬ ‫يل و َِ�إ ْن َي َر ْوا َ�س ِب َ‬ ‫يل ا ْل َغ ِّي َيت َِّخ ُذو ُه‬ ‫ُّ‬ ‫آ‬ ‫َ�س ِب اً‬ ‫يل َذ ِل َك ِب َأ� َّن ُه ْم َك َّذ ُبوا ِب� َيا ِت َنا َو َكا ُنوا َع ْن َها َغا ِف ِل َ‬ ‫ني )‬ ‫(‪�() 17‬سورة أ‬ ‫العراف‪ ،)146 :‬وقال تعاىل‪َ ( :‬و َق َ‬ ‫ال ا َّل ِذي‬ ‫آ� َمنَ َيا َق ْو ِم ا َّت ِب ُعونِ َأ� ْه ِد ُك ْم َ�س ِب َ‬ ‫يل ال َّر�شَ ا ِد ) (‪)18‬‬ ‫(�سورة غافر‪.)38 :‬‬ ‫فال�صراط امل�ستقيم و�سط بني ال�سبل‪ ،‬التي أ��شارت �إليها‬ ‫آ‬ ‫المة و�سط بني أ‬ ‫اليات ال�سابقات‪ ،‬وعليه ف�إن هذه أ‬ ‫المم‪.‬‬ ‫فو�صف أ‬ ‫المة بكونها هديت �إىل �صراط م�ستقيم‪ ،‬و أ�نها على‬ ‫�صراط م�ستقيم‪ ،‬و�صف يقت�ضي الو�سطية لها يف دينها‪ ،‬بني‬ ‫ال�سبل املعوجة‪ ،‬ذات اليمني وذات ال�شمال‪.‬‬ ‫(‪ )3‬قال اهلل تبارك وتعاىل‪َ ( :‬و َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم ُأ� َّم ًة‬ ‫َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم‬ ‫اء َع َلى الن ِ‬ ‫َو َ�س ًطا ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ‬ ‫�شَ هِيدً ا ) (‪�( )19‬سورة البقرة‪.)143 :‬‬ ‫وقد تتابعت كلمة املف�سرين يف أ�ن و�صف أ‬ ‫المة بالو�سط‪،‬‬ ‫يراد به كونهم عدوال خيارا‪ ،‬ويدل عليه أ‬ ‫المور التالية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬أ�ن اهلل �سبحانه وتعاىل و�صف هذه أ‬ ‫المة يف مو�ضع‬ ‫آ�خر باخلريية‪ ،‬فقال تعاىل‪ُ (:‬ك ْن ُت ْم خَيرَْ ُأ� َّم ٍة أ�ُخْ ِر َجتْ‬ ‫وف َو َت ْن َه ْونَ َع ِن المْ ُ ْن َك ِر َو ُت ْ ؤ� ِمنُونَ‬ ‫َّا�س ت ْأَ� ُم ُرونَ ِبالمَْ ْع ُر ِ‬ ‫ِللن ِ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫اب َل َكانَ خَيرًْ ا َل ُه ْم ِم ْن ُه ُم المْ ُ ْ ؤ� ِمنُونَ‬ ‫ِب هَّ ِ‬ ‫الل َو َل ْو � َمنَ َ� ْه ُل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫و َأَ� ْك رَ ُ‬ ‫ا�س ُقونَ ) (‪�( ) 20‬سورة آ�ل عمران‪.)110 :‬‬ ‫ثهُ ُم ا ْل َف ِ‬ ‫‪ - 2‬أ�ن هذا التف�سري جاء فيه حديث �صحيح مرفوع عن‬ ‫ر�سول اهلل (�ص) عن أ�بي �سعيد اخلدري قال‪َ :‬ق َ‬ ‫ال َر ُ�س ُ‬ ‫ول‬ ‫ُوح َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة‪َ ،‬ف ُي َق ُ‬ ‫ال َلهُ ‪ :‬هَ لْ َبلَّغْتَ ؟‬ ‫هَّ ِ‬ ‫الل ‪ُ « 0‬ي َج ُ‬ ‫اء ِبن ٍ‬ ‫‪78‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫َف َيق ُ‬ ‫ُول‪َ :‬ن َع ْم َيا َر ِّب‪َ .‬ف ُت ْ�س َأ� ُل ُأ� َّم ُتهُ ‪ :‬هَ لْ َبلَّ َغ ُك ْم؟ َف َيقُو ُلونَ ‪:‬‬ ‫ُول‪َ :‬م ْن ُ�ش ُهو ُد َك؟ َف َيق ُ‬ ‫ير‪َ .‬ف َيق ُ‬ ‫م َّمدٌ‬ ‫اء َنا ِم ْن َن ِذ ٍ‬ ‫ُول‪ :‬حَُ‬ ‫َما َج َ‬ ‫هَّ‬ ‫اء ِب ُك ْم َف َت ْ�ش َهدُ ونَ ‪ُ ،‬ث َّم َقر َأَ� َر ُ�س ُ‬ ‫الل ( َو َك َذ ِل َك‬ ‫ول ِ‬ ‫و ُأَ� َّم ُتهُ ‪َ ،‬ف ُي َج ُ‬ ‫اء‬ ‫َج َع ْل َن ُاك ْم ُأ� َّم ًة َو َ�س ًطا) (‪ )21‬قال‪ :‬عدال ( ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ‬ ‫َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم �شَ هِيدً ا ) ( ‪. » )22‬‬ ‫َع َلى الن ِ‬ ‫‪ - 3‬أ�ن هذا التف�سري هو الذي يطابق ال�سياق‪ ،‬ف�إن اهلل‬ ‫َّا�س ) (‪،) 23‬‬ ‫اء َع َلى الن ِ‬ ‫تعاىل يقول‪ِ ( :‬ل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ‬ ‫فاملنا�سب لكونهم �شهداء على النا�س أ�ن يثبت لهم و�صف‬ ‫اخلريية والعدالة‪.‬‬ ‫ال�سالم جعلت أ�مة و�سطا‪ :‬عدال خيارا؛ والعدل اخليار‬ ‫ف أ�مة إ‬ ‫الفراط والتفريط‪.‬‬ ‫يت�ضمن الداللة على كونهم بني إ‬ ‫قال الطربي (ت ‪ 310‬هـ) رحمه اهلل‪ « :‬و أ�رى أ�ن اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل �إمنا و�صفهم ب أ�نهم و�سط؛ لتو�سطهم يف الدين فال هم‬ ‫أ�هل غلو فيه ‪ -‬غلو الن�صارى الذين غلوا بالرتهب‪ ،‬وقيلهم‬ ‫يف عي�سى ما قالوا فيه ‪ -‬وال هم أ�هل تق�صري فيه ‪ -‬تق�صري‬ ‫اليهود الذين بدلوا كتاب اهلل‪ ،‬وقتلوا أ�نبياءهم‪ ،‬وكذبوا‬ ‫على ربهم‪ ،‬وكفروا به ‪ -‬ولكنهم أ�هل تو�سط واعتدال فيه‪،‬‬ ‫فو�صفهم اهلل بذلك‪� ،‬إذ كان أ�حب أ‬ ‫المور �إىل اهلل أ�و�سطها‬ ‫« اهـ ( ‪.)24‬‬ ‫واملعنيان متداخالن‪ ،‬وال متانع بينهما‪ ،‬فال مغايرة بني‬ ‫احلديث وبني ما دل عليه معنى آ‬ ‫الية (‪)25‬؛ وذلك أ�ن‬ ‫الو�سط يف أ‬ ‫ال�صل ا�سم ملا ت�ستوي ن�سبة اجلوانب �إليه كمركز‬ ‫الدائرة‪ ،‬ثم ا�ستعري للخ�صال املحمودة الب�شرية‪ ،‬لكن ال‬ ‫والعواز أ‬ ‫ألن أ‬ ‫والو�ساط‬ ‫الطراف يت�سارع �إليها اخللل إ‬ ‫حممية حموطة؛ ف�إن تلك العالقة مبعزل من االعتبار‬ ‫يف هذا املقام‪� ،‬إذ ال مالب�سة بينها وبني أ�هلية ال�شهادة‬ ‫التي جعلت غاية للجعل املذكور‪ ،‬بل لكون تلك اخل�صال‬ ‫الفراط‬ ‫أ�و�ساطا للخ�صال الذميمة املكتنفة بها من طريف إ‬ ‫والتفريط؛ كالعفة التي طرفاها الفجور واخلمود‪.‬‬ ‫وكال�شجاعة التي طرفاها الظهور واجلنب‪ ،‬وكاحلكمة‬ ‫التي طرفاها اجلربزة(‪ )26‬والبالدة‪ .‬وكالعدالة التي‬ ‫هي كيفية مت�شابهة حا�صلة من اجتماع تلك أ‬ ‫الو�ساط‬ ‫املحفوفة ب أ�طرافها‪ ،‬ثم أ�طلق على املت�صف بها مبالغة ك أ�نه‬ ‫نف�سها‪ ،‬و�سوى فيه بني املفرد واجلمع‪ ،‬واملذكر وا ؤ‬ ‫مل�نث رعاية‬ ‫ال�صل كد أ�ب �سائر أ‬ ‫جلانب أ‬ ‫ال�سماء التي يو�صف بها‪.‬‬ ‫وقد روعيت هاهنا نكتة رائقة‪ :‬هي أ�ن اجلعل امل�شار �إليه‬


‫عبارة عما تقدم ذكره من هدايته تعاىل �إىل احلق الذي‬ ‫عرب عنه بال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬والذي هو الطريق ال�سوي‬ ‫الواقع يف و�سط الطرق اجلائرة عن الق�صد �إىل اجلوانب‪،‬‬ ‫ف�إنا �إذا فر�ضنا خطوطا كثرية وا�صلة بني نقطتني‬ ‫متقابلتني‪ ،‬فاخلط امل�ستقيم �إمنا هو اخلط الواقع يف و�سط‬ ‫تلك اخلطوط املنحنية‪.‬‬ ‫ومن �ضرورة كونه و�سطا بني الطرق اجلائرة كون أ‬ ‫المة‬ ‫املهدية �إليه أ�مة و�سطا بني أ‬ ‫المم ال�سالكة �إىل تلك الطرق‬ ‫الزائغة أ�ي مت�صفة باخل�صال احلميدة خيارا وعدوال‬ ‫مزكني بالعلم والعمل (‪ .)27‬واهلل أ�علم ‪.‬‬ ‫ومن فوائد هذه آ‬ ‫الر�شاد �إىل أ�ن كل خري ينفع النا�س‪،‬‬ ‫الية إ‬ ‫فقد أ�مر اهلل به‪ ،‬ودعا �إليه‪ ،‬وكل �شر وف�ساد فقد نهى اهلل‬ ‫عنه و أ�مر برتكه‪ ،‬وهذا �ضرورة كون هذه أ‬ ‫المة مو�صوفة‬ ‫باخلريية‪ ،‬و أ�نها هديت �إىل ال�صراط امل�ستقيم‪.‬‬ ‫وهذا الو�صف بالو�سطية ثبت يف ن�صو�ص عديدة‪ ،‬ت ؤ�كد‬ ‫معنى التو�سط وعدم الغلو يف مظاهر الدين‪ ،‬من ذلك‪:‬‬ ‫(‪ )4‬نهيه عن الغلو يف احلكم بني النا�س‪ ،‬حيث أ�مر بالعدل‪،‬‬ ‫والظلم خالف العدل‪ ،‬وهو ميل �إىل أ�حد الطرفني على‬ ‫ح�ساب آ‬ ‫الخر‪ ،‬قال اهلل تبارك وتعاىل‪� ( :‬إِنَّ اللهَّ َ َي ْأ� ُم ُر ُك ْم‬ ‫َأ� ْن ُت َ ؤ� ُّدوا ْ َأ‬ ‫َّا�س‬ ‫ال َما َن ِ‬ ‫ات ِ�إلىَ َأ� ْه ِل َها َو ِ�إ َذا َح َك ْم ُت ْم بَينْ َ الن ِ‬ ‫َأ� ْن تحَ ْ ُك ُموا ِبا ْل َع ْد ِل �إِنَّ اللهَّ َ ِن ِع َّما َي ِع ُظ ُك ْم ِب ِه �إِنَّ اللهَّ َ َكانَ‬ ‫ريا ) (‪�( )28‬سورة الن�ساء‪ ،)58 :‬وقوله تبارك‬ ‫َ�سمِي ًعا َب ِ�ص ً‬ ‫وتعاىل‪:‬‬ ‫( َيا َأ� ُّي َها ا َّل ِذينَ آ� َمنُوا ُكو ُنوا َق َّوا ِم َ‬ ‫اء ِبا ْل ِق ْ�س ِط‬ ‫ني للِهَّ ِ ُ�ش َهدَ َ‬ ‫اع ِد ُلوا هُ َو َأ� ْق َر ُب‬ ‫َو اَل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن�آنُ َق ْو ٍم َع َلى َأ� اَّل َت ْع ِد ُلوا ْ‬ ‫ري بمِ َ ا َت ْع َم ُلونَ ) ( ‪)29‬‬ ‫ِلل َّت ْق َوى َوا َّتقُوا اللهَّ َ �إِنَّ اللهَّ َ َخ ِب ٌ‬ ‫(�سورة املائدة‪.)8 :‬‬ ‫آ‬ ‫واليتان دليل على أ�مر اهلل تبارك وتعاىل مبا هو مقت�ض‬ ‫خلريية هذه أ‬ ‫المة‪ ،‬وكون أ�هلها عدوال؛ ف أ�مر باحلكم‬ ‫بالعدل؛ لي�س فقط يف حكمهم بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬بل حتى‬ ‫يف حكمهم على أ�عدائهم‪.‬‬ ‫والعدل يف احلكم مع أ‬ ‫العداء من مظاهر هذه اخلريية‬ ‫التي خ�ص اهلل بها هذه أ‬ ‫المة‪.‬‬ ‫(‪ )5‬نهيه عن الغلو يف دعاء اهلل و « « الدعاء هو العبادة »‬ ‫(‪ ،) 30‬حيث أ�مر بالتو�سط فيه دون اجلهر وفوق املخافتة‪،‬‬ ‫فقال اهلل تبارك وتعاىل‪ُ ( :‬ق ِل ا ْد ُعوا اللهَّ َ َأ� ِو ا ْد ُعوا‬

‫ال َّر ْح َمنَ َأ� ًّيا َما َت ْد ُعوا َف َلهُ ْ َأ‬ ‫اء الحْ ُ ْ�س َنى َو اَل تجَ ْ َه ْر‬ ‫ال ْ�س َم ُ‬ ‫ِب َ�صلاَ ِت َك َو اَل ُت َخافِتْ ِب َها َوا ْب َت ِغ بَينْ َ َذ ِل َك َ�س ِبيلاً )(‪) 31‬‬ ‫ال�سراء‪.)110 :‬‬ ‫(�سورة إ‬ ‫أ‬ ‫والمر بابتغاء ال�سبيل بني ذلك يعني أ�ن يكون الدعاء‬ ‫ت�ضرعا دون اجلهر وفوق ال�سر‪ ،‬فهذا مظهر من مظاهر‬ ‫أ‬ ‫المر بالتو�سط يف العبادة‪ ،‬التي هي الدعاء‪.‬‬ ‫(‪ )6‬نهيه عن الغلو يف طلب الدنيا‪ ،‬فلم ي أ�مر برتك الدنيا‪،‬‬ ‫واخلروج �إىل الفيايف‪ ،‬كما مل ي أ�مر باال�ستغراق فيها‪،‬‬ ‫الن�سان ال حمل له �إال هذه احلياة الدنيا‪� ،‬إمنا أ�مر‬ ‫وك أ�ن إ‬ ‫الن�سان آ‬ ‫للخرة‪ ،‬ي أ�خذ‬ ‫بالتو�سط‪ ،‬فالدنيا بلغة يتبلغ بها إ‬ ‫منها مبا أ�حله اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويعي�ش فيها فيما‬ ‫أ�باحه اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬وي�ستعد بذلك آ‬ ‫للخرة‪ ،‬قال‬ ‫اك اللهَّ ُ الدَّ ا َر ْ آ‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل‪َ ( :‬وا ْب َت ِغ ِفي َما آ� َت َ‬ ‫ال ِخ َر َة‬ ‫الد ْن َيا ۖ َو َأ� ْح ِ�س ْن َك َما َأ� ْح َ�سنَ اللهَّ ُ ِ�إ َل ْي َك‬ ‫ْ�س َن ِ�صي َب َك مِنَ ُّ‬ ‫ۖ َو اَل َتن َ‬ ‫ۖ َو اَل َت ْب ِغ ا ْل َف َ�سا َد فيِ ْ َأ‬ ‫�ض ۖ �إِنَّ اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب المْ ُف ِْ�س ِدينَ )‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫( ‪�( )32‬سورة الق�ص�ص‪.)77 :‬‬ ‫وهذه آ‬ ‫الية فيها دليل على أ�ن ترك التو�سط واالعتدال‬ ‫ف�ساد يف أ‬ ‫الر�ض‪ ،‬أ�ال تراه يقول‪َ ( :‬و َأ� ْح ِ�س ْن َك َما َأ� ْح َ�سنَ‬ ‫اهلل ِ�إ َل ْي َك َو اَل َت ْب ِغ ا ْل َف َ�سا َد فيِ ْ َأ‬ ‫�ض �إِنَّ اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫المْ ُف ِْ�س ِدينَ )(‪ ،)33‬ف�إذا كان العمل يف الدنيا وترك ال�سعي‬ ‫آ‬ ‫للخرة ف�سادا يف أ‬ ‫الر�ض‪ ،‬فمن باب أ�وىل ترك أ�مور‬ ‫ال�صراط امل�ستقيم ‪ -‬وعنوانها متام �صالح أ‬ ‫الخالق ‪ -‬ف�ساد‬ ‫يف أ‬ ‫الر�ض‪.‬‬ ‫(‪ )7‬نهيه عن الغلو يف النفقة باملال‪ ،‬حيث يقول تبارك‬ ‫وتعاىل‪َ ( :‬وا َّل ِذينَ ِ�إ َذا َأ� ْن َفقُوا لمَ ْ ُي ْ�س ِر ُفوا َولمَ ْ َي ْقترُ ُ وا‬ ‫َو َكانَ بَينْ َ َذ ِل َك َق َوا ًما) (‪�( )34‬سورة الفرقان‪ ،)67:‬وقوله‬ ‫تبارك وتعاىل‪َ ( :‬و اَل تجَ ْ َعلْ َيدَ َك َم ْغ ُلو َل ًة ِ�إلىَ ُع ُن ِق َك َو اَل‬ ‫َت ْب ُ�سطْ َها ُك َّل ا ْل َب ْ�س ِط َف َت ْق ُعدَ َم ُلو ًما محَ ْ ُ�سو ًرا ) (‪)35‬‬ ‫ال�سراء‪.)29 :‬‬ ‫(�سورة إ‬ ‫قال ابن قيم اجلوزية (ت ‪ 751‬هـ) رحمه اهلل‪ « :‬والفرق‬ ‫بني االقت�صاد والتق�صري أ�ن االقت�صاد هو التو�سط بني‬ ‫الفراط والتفريط‪.‬‬ ‫طريف إ‬ ‫وله طرفان هما �ضدان له‪ :‬تق�صري وجماوزة‪.‬‬ ‫فاملقت�صد قد أ�خذ بالو�سط وعدل عن الطرفني‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫( َوا َّل ِذينَ ِ�إ َذا َأ� ْن َفقُوا لمَ ْ ُي ْ�س ِر ُفوا َولمَ ْ َي ْقترُ ُ وا َو َكانَ بَينْ َ َذ ِل َك‬ ‫َق َوا ًما ) (‪�()36‬سورة الفرقان‪ ،)67 :‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪79‬‬


‫( َو اَل تجَ ْ َعلْ َيدَ َك َم ْغ ُلو َل ًة ِ�إلىَ ُع ُن ِق َك َو اَل َت ْب ُ�سطْ َها ُك َّل‬ ‫(�سورةال�سراء‪ ،)29 :‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ا ْل َب ْ�س ِط)(‪)37‬‬ ‫إ‬ ‫( َو ُك ُلوا َو ْ‬ ‫ا�ش َر ُبوا َو اَل ُت ْ�س ِر ُفوا ) (‪.)38‬‬ ‫(�سورة أ‬ ‫العراف‪ ،)31 :‬والدين كله بني هذين الطرفني‪.‬‬ ‫ال�سالم ق�صد بني امللل‪.‬‬ ‫بل إ‬ ‫وال�سنة ق�صد بني البدع‪.‬‬ ‫ودين اهلل بني الغايل فيه واجلايف عنه‪.‬‬ ‫وكذلك االجتهاد هو بذل اجلهد يف موافقة أ‬ ‫المر‪ ،‬والغلو‬ ‫جماوزته وتعديه‪.‬‬ ‫وما أ�مر اهلل ب أ�مر �إال ولل�شيطان فيه نزغتان‪:‬‬ ‫ف�إما �إىل غلو وجماوزة‪.‬‬ ‫و�إما �إىل تفريط وتق�صري‪.‬‬ ‫وهما آ�فتان ال يخل�ص منهما يف االعتقاد والق�صد والعمل‬ ‫�إال من م�شى خلف ر�سول اهلل وترك أ�قوال النا�س و آ�راءهم‬ ‫ملا جاء به‪ ،‬ال من ترك ما جاء به ألقوالهم و آ�رائهم‪.‬‬ ‫وهذان املر�ضان اخلطران قد ا�ستوليا على أ�كرث بني آ�دم‪،‬‬ ‫ولهذا حذر ال�سلف منهما أ��شد التحذير‪ ،‬وخوفوا من بلي‬ ‫ب أ�حدهما بالهالك‪.‬‬ ‫وقد يجتمعان يف ال�شخ�ص الواحد‪ ،‬كما هو حال أ�كرث‬ ‫اخللق‪� ،‬إذ يكون مق�صرا مفرطا يف بع�ض دينه غاليا متجاوزا‬ ‫يف بع�ضه‪ .‬واملهدي من هداه اهلل « اهـ ( ‪.)39‬‬ ‫نهيه عن حترمي الطيبات‪.‬‬ ‫ال�سراف‪ ،‬وهو من الغلو‬ ‫وهو من الغلو يف التزهد‪ ،‬ونهيه عن إ‬ ‫يف اال�ستغراق يف الدنيا وملذاتها‪ ،‬وال�صراط امل�ستقيم‬ ‫بينهما‪ ،‬يقول تبارك وتعاىل‪َ ( :‬يا َب ِني آ� َد َم ُخ ُذوا ِزي َن َت ُك ْم‬ ‫ِعنْدَ ُك ِّل َم ْ�س ِج ٍد َو ُك ُلوا َو ْ‬ ‫ا�ش َر ُبوا َو اَل ُت ْ�س ِر ُفوا ِ�إنَّهُ اَل ُي ِح ُّب‬ ‫للهَّ‬ ‫المْ ُ ْ�س ِر ِف َ‬ ‫ني * ُقلْ َم ْن َح َّر َم ِزي َن َة ا ِ ا َّل ِتي أ�َخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه‬ ‫َو َّ‬ ‫الد ْن َيا‬ ‫الرز ِْق ُقلْ ِه َي ِللَّ ِذينَ آ� َمنُوا فيِ الحْ َ َيا ِة ُّ‬ ‫الط ِّي َب ِ‬ ‫ات مِنَ ِّ‬ ‫آ‬ ‫ات ِل َق ْو ٍم َي ْع َل ُمونَ *‬ ‫َخا ِل َ�ص ًة َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َك َذ ِل َك ُن َف ِّ�ص ُل ْال َي ِ‬ ‫ال ْث َم‬ ‫ُقلْ ِ�إنمَّ َ ا َح َّر َم َر ِّب َي ا ْل َف َو ِ‬ ‫اح َ�ش َما َظ َه َر ِم ْن َها َو َما َب َطنَ َو ْ ِ إ‬ ‫للهَّ‬ ‫َوا ْل َبغ َْي ِب َغيرْ ِ الحْ َ قِّ َو َأ� ْن ُت ْ�ش ِر ُكوا ِبا ِ َما لمَ ْ ُينَزِّ لْ ِب ِه ُ�سل َْطا ًنا‬ ‫َو َأ� ْن َتقُو ُلوا َع َلى اللهَّ ِ َما اَل َت ْع َل ُمونَ )( ‪)40‬‬ ‫(�سورة أ‬ ‫العراف‪.)33 - 31 :‬‬ ‫ومن أ‬ ‫الدلة على و�سطية الدين و�سماحته‪ ،‬قوله تبارك‬ ‫وتعاىل‪َ ( :‬ما ُي ِريدُ اهلل ِل َي ْج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِم ْن َح َر ٍج َو َل ِك ْن ُي ِريدُ‬ ‫ِل ُي َط ِّه َر ُك ْم َو ِل ُي ِت َّم ِن ْع َم َتهُ َع َل ْي ُك ْم َل َعلَّ ُك ْم َت ْ�ش ُك ُرونَ )(‪)42‬‬ ‫(�سورة املائدة‪ ،)6 :‬ويقول تعاىل‪ُ ( :‬ي ِريدُ ُ‬ ‫اهلل ِب ُك ُم ا ْل ُي ْ�س َر‬ ‫َو اَل ُي ِريدُ ِب ُك ُم ا ْل ُع ْ�س َر ) (‪�()43‬سورة البقرة من آ‬ ‫الية ‪)185‬‬ ‫‪ ،‬ويقول تعاىل‪ُ ( :‬ي ِريدُ اللهَّ ُ َأ� ْن ُي َخف َ‬ ‫ِّف َع ْن ُك ْم ) ( ‪)44‬‬ ‫(�سورة الن�ساء من آ‬ ‫الية ‪.)28‬‬ ‫‪80‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫هلل َحقَّ ِج َها ِد ِه هُ َو‬ ‫اهدُ وا فيِ ا ِ‬ ‫ويقول تبارك وتعاىل‪َ ( :‬و َج ِ‬ ‫ين ِم ْن َح َر ٍج ِملَّ َة َأ� ِبي ُك ْم‬ ‫اج َت َب ُاك ْم َو َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فيِ الدِّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ني ِم ْن َق ْب ُل وَفيِ هَ َذا ِل َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫يم هُ َو َ�س َّم ُاك ُم المْ ُ ْ�س ِل ِم َ‬ ‫ول‬ ‫ِ�إ ْب َر ِ‬ ‫اه َ‬ ‫ال�صلاَ َة‬ ‫اء َع َلى الن ِ‬ ‫َ�شهِيدً ا َع َل ْي ُك ْم َو َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ‬ ‫َّا�س َف َأ� ِق ُ‬ ‫يموا َّ‬ ‫اع َت ِ�ص ُموا ِباللهَّ ِ هُ َو َم ْو اَل ُك ْم َف ِن ْع َم المْ َ ْولىَ َو ِن ْع َم‬ ‫َو آ� ُتوا ال َّز َكا َة َو ْ‬ ‫ري ) (‪�( ) 45‬سورة احلج‪.)78 :‬‬ ‫الن َِّ�ص ُ‬ ‫ووجه الداللة‪ :‬أ�ن و�صف اهلل �سبحانه وتعاىل الدين‬ ‫ب أ�نه ي�سر‪ ،‬وب أ�ن اهلل ما جعل علينا فيه من حرج‪ ،‬و أ�ن اهلل‬ ‫يريد أ�ن يخفف عنا‪ ،‬كل هذا يدل على أ�ن الغلو يف الدين‬ ‫غري مطلوب‪ ،‬بل لي�س هو من الدين‪ ،‬و أ�ن التو�سط هو �سمة‬ ‫الدين ومنهاجه‪ ،‬والو�سطية بني طرفني‪ :‬ت�شدد وت�ساهل‪.‬‬ ‫وهل ي ؤ�خذ عند االختالف ب أ�خف القولني أ�و ب أ�ثقلهما؟‬ ‫(‪.) 46‬‬ ‫ذهب بع�ض النا�س �إىل أ‬ ‫الخذ ب أ�خف القولني و أ�ي�سرهما‬ ‫ا�ستدالال بهذه أ‬ ‫الدلة‪.‬‬ ‫الخذ أ‬ ‫وذهب آ�خرون �إىل أ‬ ‫بال�شد‪.‬‬ ‫والذي يظهر أ�ن املراد بهذه الن�صو�ص هو أ�ن الدين ي�سر‪،‬‬ ‫أ�ي‪ :‬ما جاء وثبت يف ال�شرع‪ ،‬فهو ي�سر‪ ،‬ولي�س املراد أ�ن‬ ‫الي�سر هو الدين‪.‬‬ ‫و أ�ن �سماحة ال�شريعة وي�سرها �إمنا جاءت مقيدة مبا هو‬ ‫جار على أ��صولها‪ ،‬والقول باتباع أ‬ ‫الي�سر مطلقا �إمنا هو‬ ‫اتباع هوى النف�س وما ت�شتهيه‪ ،‬دون الرجوع �إىل الدليل‪،‬‬ ‫وذلك ينايف أ��صول ال�شريعة (‪ .) 47‬وهو م ؤ�د �إىل �إ�سقاط‬ ‫التكاليف جملة؛ ألن التكاليف كلها فيها ما ي�شق على‬ ‫النف�س‪ ،‬ف�إذا كانت امل�شقة حيث حلقت يف التكليف تقت�ضي‬ ‫الرفع بهذه أ‬ ‫الدلة؛ لزم ذلك يف جميع التكاليف‪ ،‬فلم يبق‬ ‫للعبد تكليف‪ ،‬وهذا حمال‪ ،‬فما أ�دى �إليه مثله‪ ،‬ف�إن رفع‬ ‫ال�شريعة مع فر�ض و�ضعها حمال ( ‪.)48‬‬ ‫بال�شد؛ ذهبوا �إليه ألنه أ‬ ‫والذين قالوا‪ :‬ن أ�خذ أ‬ ‫الحوط‪،‬‬ ‫وه ؤ�الء خالفوا أ�دلة أ��صحاب القول أ‬ ‫الول‪ ،‬ثم االحتياط‬ ‫هو‪ « :‬اال�ستق�صاء واملبالغة يف اتباع ال�سنة‪ ،‬وما كان عليه‬ ‫ر�سول اهلل و أ��صحابه‪ ،‬من غري غلو وجماوزة‪ ،‬وال تق�صري وال‬ ‫تفريط‪ ،‬فهذا هو االحتياط الذي ير�ضاه اهلل ور�سوله «‬ ‫( ‪.)49‬‬ ‫وعليه ف�إن االحتياط هو الرتجيح عند االختالف‪،‬‬ ‫فاملجتهد واملتبع والعامي ي�سلكون م�سلك الرتجيح عند‬


‫االختالف لكل واحد منهم بح�سبه‪ ،‬فال يرجح أ‬ ‫الي�سر‪ ،‬وال‬ ‫يرجح أ‬ ‫الثقل‪ ،‬و�إمنا يرجح ما جاء به الدليل‪ ،‬ف�إن مل يتبني‬ ‫الدليل رجعوا جميعا �إىل ا�ستفتاء النف�س والقلب (‪.) 50‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أ‬ ‫الدلة من ال�سنة‪:‬‬ ‫ود َق َ‬ ‫ال‪َ « :‬خ َّط َل َنا َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َخ ًّطا‬ ‫َع ْن َع ْب ِد اللهَّ ِ ْب ِن َم ْ�س ُع ٍ‬ ‫يل اللهَّ ِ ‪ُ .‬ث َّم َخ َّط ُخ ُط ً‬ ‫ُث َّم َق َ‬ ‫ال‪ :‬هَ َذا َ�س ِب ُ‬ ‫وطا َع ْن يمَ ِ ي ِن ِه َو َع ْن‬ ‫ِ�ش َما ِل ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َ‬ ‫يل ِم ْن َها‬ ‫ال‪ :‬هَ ِذ ِه ُ�س ُب ٌل ُم َت َف ِّر َق ٌة َع َلى ُك ِّل َ�س ِب ٍ‬ ‫اطي ُم ْ�س َت ِقي ًما‬ ‫َ�ش ْي َطانٌ َي ْد ُعو ِ�إ َل ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ�‪َ ( :‬و َأ�نَّ هَ َذا ِ�ص َر ِ‬ ‫ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َع ْن َ�س ِبي ِل ِه ) (‪) 51‬‬ ‫َفا َّت ِب ُعو ُه َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ‬ ‫(�سورة أ‬ ‫النعام‪.)153 :‬‬ ‫وتقدم تقرير داللة و�صف ما كان عليه ب أ�نه ال�صراط‬ ‫امل�ستقيم‪ ،‬و أ�نه يقت�ضي معنى الو�سطية واخلريية‪ ،‬التي بني‬ ‫والفراط‪.‬‬ ‫طريف التفريط إ‬ ‫قال ابن تيمية رحمه اهلل‪ « :‬أ��صل الدين أ�ن احلالل ما‬ ‫أ�حله اهلل ور�سوله‪ ،‬واحلرام ما حرمه اهلل ور�سوله‪ ،‬والدين‬ ‫ما �شرعه اهلل ور�سوله‪ ،‬لي�س ألحد أ�ن يخرج عن ال�صراط‬ ‫امل�ستقيم‪ ،‬الذي بعث اهلل به ر�سوله‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َأ�نَّ‬ ‫ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق‬ ‫هَ َذا ِ�ص َر ِ‬ ‫اطي ُم ْ�س َت ِقي ًما َفا َّت ِب ُعو ُه َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ‬ ‫ِب ُك ْم َع ْن َ�س ِبي ِل ِه َذ ِل ُك ْم َو َّ�ص ُاك ْم ِب ِه َل َعلَّ ُك ْم َت َّت ُقونَ )(‪)52‬‬ ‫(�سورة أ‬ ‫النعام‪ ،)153 :‬ويف حديث عبد اهلل بن م�سعود‬ ‫عن النبي أ�نه خط خطا وخط خطوطا عن ميينه و�شماله‪،‬‬ ‫ثم قال‪ :‬هذه �سبيل اهلل‪ ،‬وهذه �سبل على كل �سبيل منها‬ ‫اطي ُم ْ�س َت ِقي ًما‬ ‫�شيطان يدعو �إليه‪ ،‬ثم قر أ�‪َ ( :‬و َأ�نَّ هَ َذا ِ�ص َر ِ‬ ‫ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َع ْن َ�س ِبي ِل ِه ) (‪.)53‬‬ ‫َفا َّت ِب ُعو ُه َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ‬ ‫النعام أ‬ ‫وقد ذكر اهلل تعاىل يف �سورة أ‬ ‫والعراف وغريهما‬ ‫ما ذم به امل�شركني‪ ،‬حيث حرموا ما مل يحرمه اهلل تعاىل‬ ‫كالبحرية وال�سائبة‪ ،‬وا�ستحلوا ما حرمه اهلل كقتل‬ ‫أ�والدهم و�شرعوا دينا مل ي أ�ذن به اهلل‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬ ‫ين َما لمَ ْ َي ْأ� َذ ْن ِب ِه ُ‬ ‫اهلل)‬ ‫اء َ�ش َر ُعوا َل ُه ْم مِنَ الدِّ ِ‬ ‫( َأ� ْم َل ُه ْم ُ�ش َر َك ُ‬ ‫(‪�()54‬سورة ال�شورى‪ :‬من آ‬ ‫الية ‪ ،)21‬ومنه أ��شياء حمرمة‬ ‫جعلوها عبادات كال�شرك والفواح�ش مثل الطواف بالبيت‬ ‫عراة وغري ذلك «‪ .‬اهـ (‪.) 55‬‬ ‫للهَّ‬ ‫ال‪َ :‬ق َ‬ ‫َع ْن َأ� ِبي هُ َر ْي َر َة َق َ‬ ‫ال َر ُ�س ُ‬ ‫ول ا ِ « ِ�إنمَّ َ ا ُب ِعثْتُ ِ ُألتمَ ِّ َم‬ ‫َ�صا ِل َح ْ َأ‬ ‫الخْ لاَ ِق » ( ‪. )56‬‬ ‫ووجه الداللة يف هذا احلديث‪ :‬أ�ن الو�سطية هي اخلريية‪،‬‬ ‫وحما�سن أ‬ ‫الخالق ومكارمها هي الو�سط بني طرفني؛‬

‫وكل ما يدعو �إليه الدين هو من مكارم أ‬ ‫الخالق التي هي‬ ‫الفراط‬ ‫أ�و�ساط للخ�صال الذميمة املكتنفة بها من طريف إ‬ ‫والتفريط (‪.)57‬‬ ‫وال ينازع يف أ�ن الغلو خلق لي�س من مكارم أ‬ ‫الخالق‪ ،‬ف�صح‬ ‫أ�ن الدين مل ي أ�ت به‪ ،‬ألنه �إمنا جاء ل�صالح أ‬ ‫الخالق‬ ‫ومكارمها‪.‬‬ ‫َع ْن َأ� َن ِ�س ْب ِن َما ِل ٍك َيق ُ‬ ‫وت‬ ‫اء ثَلاَ َث ُة َر ْه ٍط ِ�إلىَ ُب ُي ِ‬ ‫ُول «‪َ :‬ج َ‬ ‫اج ال َّن ِب ِّي َي ْ�س َأ� ُلونَ َع ْن ِع َبا َد ِة ال َّن ِب ِّي َف َل َّما أ�ُخْ برِ ُ وا َك َأ� َّن ُه ْم‬ ‫َأ� ْز َو ِ‬ ‫َت َقا ُّلوهَ ا‪َ .‬ف َقا ُلوا‪َ :‬و َأ� ْينَ َن ْحنُ مِنَ ال َّن ِب ِّي َق ْد ُغ ِف َر َلهُ َما َت َقدَّ َم‬ ‫ِم ْن َذ ْن ِب ِه َو َما َت َأ�خَّ َر‪.‬‬ ‫َق َ‬ ‫ال َأ� َحدُ هُ ْم‪َ :‬أ� َّما َأ� َنا َف ِ�إنيِّ أ� َُ�ص ِّلي اللَّ ْي َل َأ� َبدً ا‪.‬‬ ‫َو َق َ‬ ‫الد ْه َر َو اَل ُأ� ْف ِط ُر‪.‬‬ ‫ال آ� َخ ُر‪َ :‬أ� َنا َأ� ُ�صو ُم ُّ‬ ‫َو َق َ‬ ‫اء فَلاَ َأ� َت َز َّو ُج َأ� َبدً ا‪.‬‬ ‫ال آ� َخ ُر‪َ :‬أ� َنا َأ� ْع َت ِز ُل الن َِّ�س َ‬ ‫ول اللهَّ ِ ِ�إ َل ْي ِه ْم‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫اء َر ُ�س ُ‬ ‫ال‪َ :‬أ� ْن ُت ُم ا َّل ِذينَ ُق ْل ُت ْم َك َذا َو َك َذا‪،‬‬ ‫َف َج َ‬ ‫َأ� َما َواللهَّ ِ ِ�إنيِّ َ َألخْ َ�ش ُاك ْم للِهَّ ِ َو َأ� ْت َق ُاك ْم َلهُ ‪َ ،‬ل ِكنِّي َأ� ُ�صو ُم َو ُأ� ْف ِط ُر‬ ‫اء‪َ ،‬ف َم ْن َر ِغ َب َع ْن ُ�س َّن ِتي َف َل ْي َ�س‬ ‫َو أ� َُ�ص ِّلي َو َأ� ْر ُقدُ َو َأ� َت َز َّو ُج الن َِّ�س َ‬ ‫ِمنِّي » (‪.)58‬‬ ‫ووجه الداللة‪ :‬أ�ن الر�سول بني أ�ن الت�شدد يف العبادة لي�س‬ ‫من �سنته؛ ف�إذا كان الت�شدد يف العبادة لي�س من �سنته‪ ،‬فمن‬ ‫المور أ‬ ‫باب أ�وىل الت�شدد واملبالغة والغلو يف أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫قال ابن حجر الع�سقالين (ت ‪ 852‬هـ) رحمه اهلل‪« :‬‬ ‫َق ْو ُلهُ ‪َ « :‬ف َم ْن َر ِغ َب َع ْن ُ�س َّن ِتي َف َل ْي َ�س ِمنِّي » (‪ )59‬املراد‬ ‫بال�سنة‪ :‬الطريقة‪ ،‬ال التي تقابل الفر�ض‪ .‬والرغبة عن‬ ‫العرا�ض عنه �إىل غريه‪.‬‬ ‫ال�شيء إ‬ ‫واملراد‪ :‬من ترك طريقتي و أ�خذ بطريقة غريي فلي�س‬ ‫مني‪ ،‬وملح بذلك �إىل طريق الرهبانية ف�إنهم الذين ابتدعوا‬ ‫الت�شديد كما و�صفهم اهلل تعاىل‪ ،‬وقد عابهم ب أ�نهم ما وفوه‬ ‫مبا التزموه‪ ،‬وطريقة النبي احلنيفية ال�سمحة‪ ،‬فيفطر‬ ‫ليتقوى على ال�صوم‪ ،‬وينام ليتقوى على القيام‪ ،‬ويتزوج‬ ‫لك�سر ال�شهوة و�إعفاف النف�س وتكثري الن�سل‪.‬‬ ‫وقوله‪َ « :‬ف َل ْي َ�س ِمنِّي « �إن كانت الرغبة ب�ضرب من الت أ�ويل‬ ‫يعذر �صاحبه فيه‪ ،‬فمعنى‪َ « :‬ف َل ْي َ�س ِمنِّي « أ�ي‪ :‬على‬ ‫طريقتي‪ ،‬وال يلزم أ�ن يخرج عن امللة‪ ،‬و�إن كان �إعرا�ضا‬ ‫وتنطعا يف�ضي �إىل اعتقاد أ�رجحية عمله‪ ،‬فمعنى‪َ « :‬ف َل ْي َ�س‬ ‫ِمنِّي «‪ :‬لي�س على ملتي؛ ألن اعتقاد ذلك نوع من الكفر‪.‬‬ ‫وقال الطربي‪ :‬فيه الرد على من منع ا�ستعمال احلالل من‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪81‬‬


‫أ‬ ‫الطعمة واملالب�س‪ ،‬و�إثاره غليظ الثياب وخ�شن امل أ�كل‪.‬‬ ‫قال عيا�ض‪ :‬هذا مما اختلف فيه ال�سلف‪ :‬فمنهم من‬ ‫نحا �إىل ما قال الطربي‪ ،‬ومنهم من عك�س واحتج بقوله‬ ‫تعاىل‪:‬‬ ‫الد ْن َيا )(‪)60‬‬ ‫( َأ� ْذهَ ْب ُت ْم َط ِّي َبا ِت ُك ْم فيِ َح َيا ِت ُك ُم ُّ‬ ‫(�سورة أ‬ ‫الحقاف‪.)20 :‬‬ ‫قال‪ :‬واحلق أ�ن هذه آ‬ ‫الية يف الكفار‪ ،‬وقد أ�خذ النبي‬ ‫أ‬ ‫بالمرين‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ال يدل ذلك ألحد الفريقني �إن كان املراد املداومة‬ ‫على �إحدى ال�صفتني‪ ،‬واحلق أ�ن مالزمة ا�ستعمال الطيبات‬ ‫تف�ضي �إىل الترّ ف والبطر‪ ،‬وال ي أ�من من الوقوع يف ال�شبهات؛‬ ‫ألن من اعتاد ذلك قد ال يجده أ�حيانا‪ ،‬فال ي�ستطيع االنتقال‬ ‫عنه فيقع يف املحظور كما أ�ن منع تناول ذلك أ�حيانا يف�ضي‬ ‫�إىل التنطع املنهي عنه‪ ،‬ويرد عليه �صريح قوله تعاىل‬ ‫( ُقلْ َم ْن َح َّر َم ِزي َن َة اللهَّ ِ ا َّل ِتي أ�َخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َو َّ‬ ‫ات مِنَ‬ ‫الط ِّي َب ِ‬ ‫الرز ِْق ) (‪�( ) 61‬سورة أ‬ ‫العراف‪.)32 :‬‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫كما �ن الخذ بالت�شديد يف العبادة يف�ضي �إىل امللل القاطع‬ ‫أل�صلها‪ ،‬ومالزمة االقت�صار على الفرائ�ض مثال‪ ،‬وترك‬ ‫التنفل يف�ضي �إىل �إيثار البطالة وعدم الن�شاط �إىل‬ ‫العبادة وخري أ‬ ‫المور الو�سط «‪.‬اهـ ( ‪.)62‬‬ ‫ال‪َ :‬ق َ‬ ‫ود َق َ‬ ‫ال َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ « هَ َل َك‬ ‫َع ْن َع ْب ِد ا ِ‬ ‫هلل ْب ِن َم ْ�س ُع ٍ‬ ‫المْ ُ َت َن ِّط ُعونَ ‪ .‬هَ َل َك المْ ُ َت َن ِّط ُعونَ ‪ .‬هَ َل َك المْ ُ َت َن ِّط ُعونَ » ( ‪. )63‬‬ ‫واملتنطعون هم ‪ -‬كما قال �شراح احلديث ‪ -‬املتعمقون‬ ‫الغالون املجاوزون احلدود يف أ�قوالهم و أ�فعالهم‪.‬‬ ‫واحلديث ظاهره خرب عن حال املتنطعني‪� ،‬إال أ�نه يف معنى‬ ‫النهي عن التنطع وهو دليل على أ�ن التو�سط واالعتدال‬ ‫يف أ‬ ‫المور هو �سبيل النجاة من الهالك؛ ف�إنه �إذ ذم التنطع‬ ‫القوال أ‬ ‫وهو املغاالة واملجافاة وجتاوز احلد يف أ‬ ‫والفعال‪،‬‬ ‫فقد دل على أ�ن املطلوب هو التو�سط‪ ،‬وذلك مت�صور يف‬ ‫الطرفني؛ فمثال � أش�ن الدنيا من ت�شدد يف طلبه وال�سعي‬ ‫وراءه دون آ‬ ‫الخرة‪ ،‬فقد تنطع يف طلبها‪ ،‬وهلك‪ ،‬ومن ت�شدد‬ ‫يف جمافاتها والغلو يف تركها والبعد عنها‪ ،‬فقد تنطع‪،‬‬ ‫وهلك‪ ،‬والتو�سط بينهما هو املطلوب‪.‬‬ ‫وذكر أ�ن الغلو يف التعبد من �سمات طائفة مترق من الدين‬ ‫كما ميرق ال�سهم من الرمية‪.‬‬ ‫يد الخْ ُ ْد ِر ِّي َق َ‬ ‫ال ‪َ « :‬ب ْي َن َما َن ْحنُ ِعنْدَ َر ُ�س ِ‬ ‫ول اللهَّ ِ‬ ‫َع ْن َأ� ِبي َ�س ِع ٍ‬ ‫‪82‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫َوهُ َو َيق ِْ�س ُم َق ْ�س ًما َأ� َتا ُه ُذو الخْ ُ َو ْي ِ�ص َر ِة َوهُ َو َر ُج ٌل ِم ْن َب ِني‬ ‫ال‪َ :‬يا َر ُ�س َ‬ ‫ِيم‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫اع ِدلْ !‬ ‫ول اللهَّ ِ ْ‬ ‫تمَ ٍ‬ ‫َف َق َ‬ ‫ال‪َ :‬و ْي َل َك َو َم ْن َي ْع ِد ُل ِ�إ َذا لمَ ْ َأ� ْع ِدلْ ‪َ ،‬ق ْد ِخ ْبتُ َو َخ ِ�س ْر ُت ِ�إ ْن‬ ‫لمَ ْ َأ� ُك ْن َأ� ْع ِد ُل‪.‬‬ ‫ال ُع َم ُر‪َ :‬يا َر ُ�س َ‬ ‫َف َق َ‬ ‫يه َف َأ� ْ�ض ِر َب ُع ُن َقهُ !‬ ‫ول اللهَّ ِ ائ َْذ ْن ليِ ِف ِ‬ ‫َف َق َ‬ ‫ال‪َ :‬د ْعهُ َف�إِنَّ َلهُ َأ� ْ�ص َحا ًبا َي ْح ِق ُر َأ� َحدُ ُك ْم َ�صلاَ َتهُ َم َع‬ ‫َ�صلاَ ِت ِه ْم‪َ ،‬و ِ�ص َيا َمهُ َم َع ِ�ص َيا ِم ِه ْم‪َ ،‬يق َْر ُءونَ ا ْلق ُْر آ�نَ اَل ُي َجا ِو ُز‬ ‫ال�س ْه ُم مِنَ ال َّر ِم َّي ِة‪،‬‬ ‫َت َر ِ‬ ‫اق َي ُه ْم‪ ،‬يمَ ْ ُر ُقونَ مِنَ الدِّ ِ‬ ‫ين َك َما يمَ ْ ُرقُ َّ‬ ‫يه َ�ش ْي ٌء‪ُ ،‬ث َّم ُين َْظ ُر ِ�إلىَ ِر َ�صا ِف ِه‬ ‫وجدُ ِف ِ‬ ‫ُين َْظ ُر ِ�إلىَ َن ْ�ص ِل ِه فَلاَ ُي َ‬ ‫يه َ�ش ْي ٌء‪ُ ،‬ث َّم ُين َْظ ُر ِ�إلىَ َن ِ�ض ِّي ِه َوهُ َو ِق ْد ُحهُ فَلاَ‬ ‫وجدُ ِف ِ‬ ‫َف َما ُي َ‬ ‫يه َ�ش ْي ٌء‪،‬‬ ‫وجدُ ِف ِ‬ ‫وجدُ ِف ِ‬ ‫يه َ�ش ْي ٌء‪ُ ،‬ث َّم ُين َْظ ُر ِ�إلىَ ُق َذ ِذ ِه فَلاَ ُي َ‬ ‫ُي َ‬ ‫َق ْد َ�س َب َق ا ْل َف ْر َث َوالدَّ َم‪ ،‬آ� َي ُت ُه ْم َر ُج ٌل َأ� ْ�س َو ُد ِ�إ ْحدَ ى َع ُ�ضدَ ْي ِه‬ ‫ِم ْث ُل َث ْد ِي المْ َ ْر َأ� ِة َأ� ْو ِم ْث ُل ا ْل َب ْ�ض َع ِة َتدَ ْر َد ُر‪َ ،‬و َيخْ ُر ُجونَ َع َلى‬ ‫َّا�س »‪.‬‬ ‫ني ُف ْر َق ٍة مِنَ الن ِ‬ ‫ِح ِ‬ ‫يد‪َ :‬ف َأ� ْ�ش َهدُ َأ�نيِّ َ�س ِم ْعتُ هَ َذا الحْ َ ِد َ‬ ‫َق َ‬ ‫ول‬ ‫يث ِم ْن َر ُ�س ِ‬ ‫ال َأ� ُبو َ�س ِع ٍ‬ ‫اللهَّ ِ َو َأ� ْ�ش َهدُ َأ�نَّ َع ِل َّي ْبنَ َأ� ِبي َطا ِل ٍب َقا َت َل ُه ْم‪َ ،‬و َأ� َنا َم َعهُ َف َأ� َم َر‬ ‫ِ�س‪َ ،‬ف ُأ� ِت َي ِب ِه َحتَّى َن َظ ْر ُت ِ�إ َل ْي ِه َع َلى َن ْع ِت‬ ‫ِب َذ ِل َك ال َّر ُج ِل َفا ْل ُتم َ‬ ‫ال َّن ِب ِّي ا َّل ِذي َن َع َتهُ (‪.)64‬‬ ‫فه ؤ�الء غلوا يف العبادات ‪ -‬والعبادات الدينية أ��صولها‬ ‫ال�صالة وال�صيام والقراءة ‪ -‬بال فقه؛ ف�آل أ‬ ‫المر بهم �إىل‬ ‫ال�س ْه ُم‬ ‫ال ْ�سلاَ ِم َك َما يمَ ْ ُرقُ َّ‬ ‫البدعة‪ ،‬فقال‪ « :‬يمَ ْ ُر ُقونَ مِنَ ْ ِ إ‬ ‫مِنَ ال َّر ِم َّي ِة » ( ‪ ،)65‬و أ�مر بقتلهم‪ ،‬ف�إنهم قد ا�ستحلوا دماء‬ ‫امل�سلمني وكفروا من خالفهم‪ ،‬وجاءت فيهم أ‬ ‫الحاديث‬ ‫ال�صحيحة ( ‪.)67‬‬ ‫(‪َ )6‬ع ْن َأ� ِبي هُ َر ْي َر َة َع ِن ال َّن ِب ِّي َق َ‬ ‫ال‪� « :‬إِنَّ الدِّ ينَ ُي ْ�س ٌر َو َل ْن‬ ‫ُي َ�شا َّد الدِّ ينَ َأ� َحدٌ ِ�إ اَّل َغ َل َبهُ ‪َ ،‬ف َ�سدِّ ُدوا‪َ ،‬و َقا ِر ُبوا َو َأ� ْب ِ�ش ُروا‪،‬‬ ‫الدلجْ َ ِة » (‪.) 68‬‬ ‫ا�س َت ِعينُوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة‪َ ،‬و َ�ش ْيءٍ مِنَ ُّ‬ ‫َو ْ‬ ‫واملُ َ�شا َّد ُة بالت�شديد‪ :‬املغالبة‪ ،‬يقال‪�َ :‬شا َّد ُه ُي َ�شا ُّد ُه ُم َ�شا َّد ًة �إذا‬ ‫َقا َوا ُه‪ ،‬واملعنى ال يتعمق أ�حد يف أ‬ ‫العمال الدينية ويرتك‬ ‫الرفق �إال عجز وانقطع فيغلب‪.‬‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َ�سدِّ ُدوا « أ�ي‪ :‬الزموا ال�سداد‪ ،‬وهو ال�صواب من‬ ‫غري �إفراط‪ ،‬وال تفريط‪ ،‬قال أ�هل اللغة‪ :‬ال�سداد التو�سط‬ ‫يف العمل‪.‬‬ ‫الخذ أ‬ ‫قوله‪َ « :‬و َقا ِر ُبوا « أ�ي‪� :‬إن مل ت�ستطيعوا أ‬ ‫بالكمل‬ ‫فاعملوا مبا يقرب منه‪.‬‬ ‫قوله‪َ « :‬و َأ� ْب ِ�ش ُروا « أ�ي‪ :‬بالثواب على العمل الدائم و�إن قل‪،‬‬


‫واملراد‪ :‬تب�شري من عجز عن العمل أ‬ ‫بالكمل‪ ،‬ألن العجز �إذا‬ ‫مل يكن من �صنيعه ال ي�ستلزم نق�ص أ�جره‪ ،‬و أ�بهم المْ ُ َب َّ�ش َر به‬ ‫تعظيما له وتفخيما‪.‬‬ ‫ا�س َت ِعينُوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة « أ�ي‪ :‬ا�ستعينوا على مداومة‬ ‫قوله‪َ « :‬و ْ‬ ‫العبادة إليقاعها يف أ‬ ‫الوقات املن�شطة‪.‬‬ ‫َوا ْل َغ ْد َو ُة بالفتح‪� :‬سري أ�ول النهار‪ ،‬وقال اجلوهري‪ :‬ما بني‬ ‫�صالة الغداة‪ ،‬وطلوع ال�شم�س‪.‬‬ ‫َوال َّر ْو َح ُة بالفتح‪ :‬ال�سري بعد الزوال‪.‬‬ ‫الدلجْ َ ُة‪ :‬ب�ضم أ�وله وفتحه و�إ�سكان الالم‪� :‬سري آ�خر‬ ‫َو ُّ‬ ‫الليل‪ ،‬وقيل‪� :‬سري الليل كله‪ ،‬ولهذا عرب فيه بالتبعي�ض؛‬ ‫ولن عمل الليل أ��شق من عمل النهار‪ .‬وهذه أ‬ ‫أ‬ ‫الوقات أ�طيب‬ ‫أ�وقات امل�سافر‪ ،‬وك أ�نه خاطب م�سافرا �إىل مق�صد فنبهه على‬ ‫أ�وقات ن�شاطه‪ ،‬ألن امل�سافر �إذا �سافر الليل والنهار جميعا‬ ‫عجز وانقطع‪ ،‬و�إذا حترى ال�سري يف هذه أ‬ ‫الوقات املن�شطة‬ ‫أ�مكنته املداومة من غري م�شقة‪ .‬وح�سن هذه اال�ستعارة أ�ن‬ ‫الدنيا يف احلقيقة دار نقلة �إىل آ‬ ‫الخرة‪ ،‬و أ�ن هذه أ‬ ‫الوقات‬ ‫بخ�صو�صها أ�روح ما يكون فيها البدن للعبادة(‪.)69‬‬ ‫واحلديث ن�ص أ�ن الدين ي�سر‪ ،‬و أ�ن الدين ق�صد و أ�خذ أ‬ ‫بالمر‬ ‫الو�سط‪ ،‬فال يفرط املرء على نف�سه‪ ،‬وال يفرط‪.‬‬ ‫ول اللهَّ ِ َأ� ُّي ْ َأ‬ ‫ال ‪ِ « :‬ق َ‬ ‫ا�س َق َ‬ ‫ال ْديَانِ َأ� َح ُّب‬ ‫يل ِل َر ُ�س ِ‬ ‫َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫ِ�إلىَ اللهَّ ِ ؟ َق َ‬ ‫ال�س ْم َح ُة » (‪.)70‬‬ ‫ال‪ :‬الحْ َ ِني ِف َّي ُة َّ‬ ‫ال�سالم حنيفية �سمحة‪ ،‬وال�سماحة‬ ‫واحلديث ن�ص أ�ن إ‬ ‫تتنافى مع الغلو والت�شدد فيه‪.‬‬ ‫َع ْن َأ� َن ِ�س ْب ِن َما ِل ٍك َع ِن ال َّن ِب ِّي َق َ‬ ‫ال‪َ « :‬ي ِّ�س ُروا َو اَل ُت َع ِّ�س ُروا‬ ‫َو َب ِّ�ش ُروا َو اَل ُت َنف ُِّروا ِ�إنمَّ َ ا ُب ِع ْث ُت ْم ُم َي ِّ�س ِرينَ َولمَ ْ ُت ْب َع ُثوا‬ ‫ُم َع ِّ�س ِرينَ » (‪. ) 71‬‬ ‫واحلديث ي أ�مر بالتي�سري وترك التنفري والتع�سري‪،‬‬ ‫وي�ستلزم ترك الغلو وطلب الو�سط‪� ،‬إذ الي�سر هو ال�سماحة‬ ‫وترك الت�شدد‪ ،‬وخري أ‬ ‫المور الو�سط‪ .‬وقد بوب البخاري‬ ‫على احلديث يف كتاب أ‬ ‫الدب « باب قول النبي « ي�سروا‬ ‫وال تع�سروا» (‪ ،)72‬وكان يحب التخفيف والي�سر على‬ ‫النا�س«‪.‬‬ ‫وقد أ�خذ العلماء بهذا أ‬ ‫المر‪ ،‬فقعدوا قاعدة فقهية هي‬ ‫من قواعد الفقه الكربى (‪ )73‬والتي عليها مدار الفقه‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬وهي قاعدة‪ « :‬امل�شقة جتلب التي�سري‪ ،‬ومن‬ ‫إ‬ ‫فروعها‪:‬‬

‫« ال�ضرورة تبيح املحظورة «‪ « ،‬الر�ضى ب أ�هون ال�ضررين‬ ‫لدفع أ�عالهما �إذا مل يكن من أ�حدهما بد « ( ‪.)74‬‬ ‫ال‪َ :‬ق َ‬ ‫ا�س َق َ‬ ‫ال ليِ َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َغدَ ا َة ا ْل َع َق َب ِة‬ ‫(‪َ )9‬ع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫اح َل ِت ِه‪ « :‬هَ ِات ا ْلق ْ‬ ‫ات هُ َّن‬ ‫َوهُ َو َع َلى َر ِ‬ ‫ُط ليِ ‪َ ،‬ف َلقَطْ تُ َلهُ َح َ�ص َي ٍ‬ ‫َح َ�صى الخْ َ ذْ ِف‪َ ،‬ف َل َّما َو َ�ض ْع ُت ُه َّن فيِ َي ِد ِه َق َ‬ ‫ال هَ ُ ؤ� اَلءِ‬ ‫ال‪ِ :‬ب َأ� ْم َث ِ‬ ‫ين‪َ ،‬ف ِ�إنمَّ َ ا َأ� ْه َل َك َم ْن َكانَ َق ْب َل ُك ُم ا ْل ُغ ُل ُّو فيِ‬ ‫َو ِ�إ َّي ُاك ْم َوا ْل ُغ ُل َّو فيِ الدِّ ِ‬ ‫ين » (‪. )75‬‬ ‫الدِّ ِ‬ ‫ا ْل ُغ ُل ُّو هُ َو المْ ُ َبا َل َغ ُة فيِ َّ‬ ‫يه ِب َت َجا ُو ِز الحْ َ دِّ ‪،‬‬ ‫ال�ش ْيءِ َوالت َّْ�ش ِديدُ ِف ِ‬ ‫يه َم ْع َنى ال َّت َع ُّم ِق (‪ )76‬يقال‪َ :‬غلاَ فيِ َّ‬ ‫ال�ش ْيءِ َي ْغ ُلو ُغ ُل ًّوا‪،‬‬ ‫َو ِف ِ‬ ‫ال�س ْه ُم َي ْغ ُلو َغ ْل ًوا‪،‬‬ ‫ال�س ْع ُر َي ْغ ُلو َغلاَ ًء ِ�إ َذا َجا َو َز ا ْل َعا َد َة‪َ ،‬و َّ‬ ‫َو َغلاَ ِّ‬ ‫ِب َفت ٍْح ُث َّم ُ�س ُكونٍ ‪�ِ ،‬إ َذا َب َل َغ َغا َي َة َما ُي ْر َمى‪.‬‬ ‫واحلديث ن�ص �صريح يف النهي عن الغلو يف الدين‪ ،‬فمنهاج‬ ‫الدين و�سبيله ال�سماحة والتي�سري وترك الت�شدد يف حدود‬ ‫ما جاء يف ال�شرع‪.‬‬ ‫ومن فوائد احلديث تنبيهه على ق�ضية خطرية جدا‪ ،‬وهي‬ ‫أ�ن الغلو يف الدين من أ��سباب هالك أ‬ ‫المم قبلنا‪ ،‬فالق�صد‬ ‫الق�صد‪.‬‬ ‫وتعظيم أ‬ ‫المر والنهي من الدين‪ ،‬ومن التعظيم لهما ترك‬ ‫الغلو فيهما‪.‬‬ ‫قال �صاحب منازل ال�سائرين رحمه اهلل‪ :‬تعظيم أ‬ ‫المر‬ ‫والنهي‪ :‬وهو أ� اّل يعار�ضا برتخ�ص جاف‪ ،‬وال يعر�ضا لت�شدد‬ ‫غال‪ ،‬وال يحمال على علة توهن االنقياد «‪.‬‬ ‫قال ابن قيم اجلوزية رحمه اهلل‪ « :‬هاهنا ثالثة أ��شياء‬ ‫تنايف تعظيم أ‬ ‫المر والنهي‪:‬‬ ‫أ�حدها‪ :‬الرتخ�ص الذي يجفو ب�صاحبه عن كمال‬ ‫االمتثال‪.‬‬ ‫والثاين‪ :‬الغلو الذي يتجاوز ب�صاحبه حدود أ‬ ‫المر‬ ‫والنهي‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فالول تفريط والثاين �إفراط‪.‬‬ ‫ومن عالمات تعظيم أ‬ ‫المر والنهي أ� اّل ي�سرت�سل مع الرخ�صة‬ ‫�إىل حد يكون �صاحبه جافيا غري م�ستقيم على املنهج‬ ‫الو�سط‪.‬‬ ‫بالبراد بالظهر يف �شدة احلر‪،‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬أ�ن ال�سنة وردت إ‬ ‫فالرتخي�ص اجلايف أ�ن يربد �إىل فوات الوقت أ�و مقاربة‬ ‫خروجه فيكون مرتخ�صا جافيا‪ ،‬وحكمة هذه الرخ�صة أ�ن‬ ‫ال�صالة يف �شدة احلر متنع �صاحبها من اخل�شوع واحل�ضور‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪83‬‬


‫ويفعل العبادة بتكره و�ضجر‪ ،‬فمن حكمة ال�شارع أ�ن أ�مرهم‬ ‫بت أ�خريها حتى ينك�سر احلر في�صلي العبد بقلب حا�ضر‬ ‫والقبال على اهلل‬ ‫ويح�صل له مق�صود ال�صالة من اخل�شوع إ‬ ‫تعاىل‪.‬‬ ‫ومن هذا نهيه أ�ن ي�صلي بح�ضرة الطعام أ�و عند مدافعة‬ ‫البول والغائط‪ ،‬لتعلق قلبه من ذلك مبا ي�شو�ش عليه‬ ‫مق�صود ال�صالة‪ ،‬وال يح�صل املراد منها‪ ،‬فمن فقه الرجل يف‬ ‫عبادته أ�ن يقبل على �شغله فيعمله ثم يفرغ قلبه لل�صالة‪،‬‬ ‫فيقوم فيها وقد فرغ قلبه هلل تعاىل ون�صب وجهه له و أ�قبل‬ ‫بكليته عليه‪ ،‬فركعتان من هذه ال�صالة يغفر للم�صلي بهما‬ ‫ما تقدم من ذنبه‪.‬‬ ‫واملق�صود أ� اّل يرتخ�ص ترخ�صا جافيا‪.‬‬ ‫ومن ذلك أ�نه أ�رخ�ص للم�سافر اجلمع بني ال�صالتني عند‬ ‫العذر‪ ،‬وتعذر فعل كل �صالة يف وقتها ملوا�صلة ال�سري وتعذر‬ ‫النزول أ�و تع�سريه عليه‪ ،‬ف�إذا أ�قام يف املنزل اليومني‬ ‫والثالثة أ�و أ�قام اليوم فجمعه بني ال�صالتني ال موجب له‬ ‫لتمكنه من فعل كل �صالة يف وقتها من غري م�شقة‪ ،‬فاجلمع‬ ‫لي�س �سنة راتبة كما يعتقد أ�كرث امل�سافرين أ�ن �سنة ال�سفر‬ ‫اجلمع �سواء أ�وجد عذر أ�م مل يوجد‪ ،‬بل اجلمع رخ�صة‪،‬‬ ‫والق�صر �سنة راتبة‪ ،‬ف�سنة امل�سافر ق�صر الرباعية‪� ،‬سواء‬ ‫أ�كان له عذر أ�م مل يكن‪ ،‬و أ�ما جمعه بني ال�صالتني فحاجة‬ ‫ورخ�صة‪ ،‬فهذا لون وهذا لون‪.‬‬ ‫ومن هذا أ�ن ال�شبع يف أ‬ ‫الكل رخ�صة غري حمرمة‪ ،‬فال ينبغي‬ ‫أ�ن يجفو العبد فيها حتى ي�صل به ال�شبع �إىل حد التخمة‬ ‫واالمتالء‪ ،‬فيتطلب ما ي�صرف به الطعام فيكون همه بطنه‬ ‫قبل أ‬ ‫الكل وبعده‪ ،‬بل ينبغي للعبد أ�ن يجوع وي�شبع ويدع‬ ‫الطعام وهو ي�شتهيه‪ ،‬وميزان ذلك قول النبي (�ص)‬ ‫« ُث ُل ٌث ِل َط َعا ِم ِه َو ُث ُل ٌث ِل َ�ش َرا ِب ِه َو ُث ُل ٌث ِل َن َف ِ�س ِه » (‪ )77‬وال يجعل‬ ‫الثالثة أ‬ ‫الثالث كلها للطعام وحده‪.‬‬ ‫و أ�ما تعري�ض أ‬ ‫المر والنهي للت�شديد الغايل؛ فهو كمن‬ ‫يتو�سو�س الو�ضوء متغاليا فيه حتى يفوت الوقت أ�و يردد‬ ‫المام قراءة الفاحتة‬ ‫الحرام �إىل أ�ن تفوته مع إ‬ ‫تكبرية إ‬ ‫أ�و يكاد تفوته الركعة‪ .‬أ�و يت�شدد يف الورع حتى ال ي أ�كل‬ ‫�شيئا من طعام عامة امل�سلمني خ�شية دخول ال�شبهات عليه‪،‬‬ ‫ولقد دخل هذا الورع الفا�سد على بع�ض العباد الذين‬ ‫نق�ص حظهم من العلم حتى امتنع أ�ن ي أ�كل �شيئا من بالد‬ ‫‪84‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ال�سالم‪ ،‬وكان يتقوت مبا يحمل �إليه من بالد الن�صارى‪،‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ويبعث بالق�صد لتح�صيل ذلك ف�وقعه اجلهل املفرط والغلو‬ ‫الزائد يف �إ�ساءة الظن بامل�سلمني‪ ،‬وح�سن الظن بالن�صارى‪،‬‬ ‫نعوذ باهلل من اخلذالن‪.‬‬ ‫فحقيقة التعظيم أ‬ ‫للمر والنهي أ� اّل يعار�ضا برتخ�ص جاف‪،‬‬ ‫وال يعر�ضا لت�شديد غال‪ ،‬ف�إن املق�صود هو ال�صراط امل�ستقيم‬ ‫املو�صل �إىل اهلل ب�سالكه(‪.)78‬‬ ‫وما أ�مر اهلل ب أ�مر �إال ولل�شيطان فيه نزغتان‪:‬‬ ‫�إما �إىل تفريط و�إ�ضاعة‪.‬‬ ‫و�إما �إىل �إفراط وغلو‪.‬‬ ‫فال يبايل مبا ظفر من العبد من اخلطيئتني؛ ف�إنه ي أ�تي‬ ‫�إىل قلب العبد في�ستامه‪ ،‬ف�إن وجد فيه فتورا وتوانيا‬ ‫وترخي�صا أ�خذه من هذه اخلطة فثبطه و أ�قعده و�ضربه‬ ‫بالك�سل والتواين والفتور وفتح له باب الت أ�ويالت والرجاء‬ ‫وغري ذلك‪ ،‬حتى رمبا ترك العبد امل أ�مور جملة‪.‬‬ ‫و�إن وجد عنده حذرا وجدا وت�شمريا ونه�ضة و أ�ي�س أ�ن‬ ‫ي أ�خذه من هذا الباب أ�مره باالجتهاد الزائد و�سول له‪:‬‬ ‫�إن هذا ال يكفيك وهمتك فوق هذا‪ ،‬وينبغي لك أ�ن تزيد‬ ‫على العاملني‪ ،‬و أ� اّل ترقد �إذا رقدوا‪ ،‬وال تفطر �إذا أ�فطروا‪،‬‬ ‫و أ� اّل تفرت �إذا فرتوا‪ ،‬و�إذا غ�سل أ�حدهم يديه ووجهه ثالث‬ ‫مرات فاغ�سل أ�نت �سبعا‪ ،‬و�إذا تو� أض� لل�صالة فاغت�سل أ�نت‬ ‫الفراط والتعدي‪ ،‬فيحمله على الغلو‬ ‫لها‪ ،‬ونحو ذلك من إ‬ ‫واملجاوزة وتعدي ال�صراط امل�ستقيم كما يحمل أ‬ ‫الول‬ ‫على التق�صري دونه‪ ،‬و أ� اّل يقربه‪ ،‬ومق�صوده من الرجلني‬ ‫�إخراجهما عن ال�صراط امل�ستقيم هذا ب أ� اّل يقربه‪ ،‬وال‬ ‫يدنو منه‪ ،‬وهذا ب أ�ن يجاوزه ويتعداه‪.‬‬ ‫وقد فنت بهذا أ�كرث اخللق‪ ،‬وال ينجو من ذلك �إال علم‬ ‫را�سخ و�إميان وقوة على حماربته ولزوم الو�سط‪ ،‬واهلل‬ ‫امل�ستعان(‪.)79‬‬ ‫ودين اهلل و�سط بني اجلايف عنه والغايل فيه‪ ،‬كالوادي بني‬ ‫جبلني‪ ،‬والهدى بني �ضاللتني‪ ،‬والو�سط بني طرفني ذميمني‪،‬‬ ‫فكما أ�ن اجلايف عن أ‬ ‫المر م�ضيع له‪ ،‬فالغايل فيه م�ضيع له؛‬ ‫هذا بتق�صريه عن احلد‪ ،‬وهذا بتجاوزه احلد‪.‬‬ ‫اب اَل‬ ‫وقد نهى اهلل عن الغلو بقوله‪ُ ( :‬قلْ َيا َأ� ْه َل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫َت ْغ ُلوا فيِ ِدي ِن ُك ْم َغيرْ َ الحْ َ قِّ )(‪)80‬‬ ‫(�سورة املائدة‪ :‬من آ‬ ‫الية ‪.)77‬‬


‫والغلو نوعان‪:‬‬ ‫نوع يخرجه عن كونه مطيعا‪ ،‬كمن زاد يف ال�صالة ركعة‬ ‫أ�و �صام الدهر مع أ�يام النهي أ�و رمى اجلمرات بال�صخرات‬ ‫الكبار التي يرمى بها يف املنجنيق أ�و �سعى بني ال�صفا واملروة‬ ‫ع�شرا أ�و نحو ذلك عمدا‪.‬‬ ‫وغلو يخاف منه االنقطاع واال�ستح�سار‪ ،‬كقيام الليل كله‪،‬‬ ‫و�صيام الدهر أ�جمع دون �صوم أ�يام النهي‪ ،‬واجلور على‬ ‫النفو�س يف العبادات أ‬ ‫والوراد الذي قال فيه النبي « �إِنَّ‬ ‫هَ َذا الدِّ ينَ ُي ْ�س ٌر َو َل ْن ُي َ�شا َّد الدِّ ينَ َأ� َحدٌ ِ�إ اَّل َغ َل َبهُ َف َ�سدِّ ُدوا‬ ‫ا�س َت ِعينُوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة َو َ�ش ْيءٍ مِنَ‬ ‫َو َقا ِر ُبوا َو َأ� ْب ِ�ش ُروا َو ْ‬ ‫الدلجْ َ ِة » ( ‪. )81‬‬ ‫ُّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يعني ا�ستعينوا على طاعة اهلل بالعمال يف هذه الوقات‬ ‫الثالثة‪ ،‬ف�إن امل�سافر ي�ستعني على قطع م�سافة ال�سفر‬ ‫بال�سري فيها‪.‬‬ ‫وقال‪ِ « :‬ل ُي َ�ص ِّل َأ� َحدُ ُك ْم َن َ�ش َ‬ ‫اطهُ َف ِ�إ َذا فَترَ َ َف ْل َي ْق ُع ْد »‬ ‫(‪ ) 82‬رواهما البخاري‪.‬‬ ‫ويف �صحيح م�سلم عنه أ�نه قال‪ « :‬هَ َل َك المْ ُ َت َن ِّط ُعونَ َقا َل َها‬ ‫ثَلاَ ًثا» ( ‪ )83‬وهم املتعمقون املت�شددون‪.‬‬ ‫ويف �صحيح البخاري عنه‪َ « :‬ع َل ْي ُك ْم مِنَ ْ َأ‬ ‫ال َما ُت ِطي ُقونَ ‪،‬‬ ‫ال ْع َم ِ‬ ‫َف َواللهَّ ِ اَل يمَ َ ُّل اللهَّ ُ َحتَّى تمَ َ ُّلوا » (‪.)84‬‬ ‫ويف ال�سنن عنه أ�نه قال‪� « :‬إِنَّ هَ َذا الدِّ ينَ َم ِت ٌ‬ ‫يه‬ ‫ني َف َأ� ْو ِغلْ ِف ِ‬ ‫ِب ِر ْف ٍق َو اَل ُت َب ِّغ َ�ض َّن ِ�إلىَ َنف ِْ�س َك ِع َبا َد َة اللهَّ ِ » (‪)85‬‬ ‫أ�و كما قال‪.‬‬ ‫وهنُ اِال ْن ِق َيا َد‪.‬‬ ‫وقوله‪َ :‬و اَل ُي ْح َملاَ َع َلى ِعلَّ ٍة ُت ِ‬ ‫يريد‪ :‬أ� اّل يت أ�ول يف أ‬ ‫المر والنهي علة تعود عليهما‬ ‫بالبطال‪ ،‬كما ت أ�ول بع�ضهم حترمي اخلمر ب أ�نه معلل‬ ‫إ‬ ‫ب�إيقاع العداوة والبغ�ضاء والتعر�ض للف�ساد ف�إذا أ�من من‬ ‫هذا املحذور منه جاز �شربه‪.‬‬ ‫وقد بلغ هذا ب أ�قوام �إىل االن�سالخ من الدين جملة‪.‬‬ ‫وقد حمل طائفة من العلماء أ�ن جعلوا حترمي ما عدا‬ ‫بال�سكار‪ ،‬فله أ�ن ي�شرب منه ما‬ ‫�شراب خمر العنب معلال إ‬ ‫�شاء ما مل ي�سكر‪.‬‬ ‫ومن العلل التي توهن االنقياد‪ :‬أ�ن يعلل احلكم بعلة‬ ‫�ضعيفة مل تكن هي الباعثة عليه يف نف�س أ‬ ‫المر؛ في�ضعف‬ ‫انقياد العبد �إذا قام عنده أ�ن هذه هي علة احلكم‪ ،‬ولهذا‬ ‫كانت طريقة القوم عدم التعر�ض لعلل التكاليف خ�شية‬

‫هذا املحذور‪.‬‬ ‫ويف بع�ض آ‬ ‫الثار القدمية‪َ « « :‬يا َب ِني ِ�إ ْ�س َرا ِئ َ‬ ‫يل اَل َتقُو ُلوا‪:‬‬ ‫ب َأ� َم َر َر ُّب َنا؟ »‪.‬‬ ‫لمِ َ َأ� َم َر َر ُّب َنا؟ َو َل ِك ْن ُقو ُلوا‪ :‬مِ َ‬ ‫و أ�ي�ضا ف�إنه �إذا مل ميتثل أ‬ ‫المر حتى تظهر له علته مل يكن‬ ‫منقادا أ‬ ‫للمر‪ ،‬و أ�قل درجاته أ�ن ي�ضعف انقياده له‪.‬‬ ‫و أ�ي�ضا ف�إنه �إذا نظر �إىل حكم العبادات والتكاليف مثال‪،‬‬ ‫والقبال به على اهلل‬ ‫وجعل العلة فيها هي جمعية القلب إ‬ ‫فقال‪ :‬أ�نا أ��شتغل باملق�صود عن الو�سيلة‪ ،‬فا�شتغل بجمعيته‬ ‫وخلوته عن أ�وراد العبادات فعطلها‪ ،‬وترك االنقياد بحمله‬ ‫أ‬ ‫المر على العلة التي أ�ذهبت انقياده‪.‬‬ ‫وكل هذا من ترك تعظيم أ‬ ‫المر والنهي‪ ،‬وقد دخل من هذا‬ ‫الف�ساد على كثري من الطوائف ما ال يعلمه �إال اهلل‪ ،‬فما‬ ‫يدري ما أ�وهنت العلل الفا�سدة من االنقياد �إال اهلل‪ ،‬فكم‬ ‫عطلت هلل من أ�مر‪ ،‬و أ�باحت من نهي‪ ،‬وحرمت من مباح‪ ،‬وهي‬ ‫التي اتفقت كلمة ال�سلف على ذمها « اهـ (‪.)86‬‬

‫اخلامتة‬

‫�إن كل أ�مور ال�شرع تدل بو�ضوح أ�نه دين احلنيفية ال�سمحة‪،‬‬ ‫دين الي�سر؛ فال غلو يف الدين‪.‬‬ ‫�إال أ�ن هاهنا ق�ضية مهمة يح�سن أ�ن أ�ذكر بها يف ختام هذه‬ ‫الر�سالة‪ ،‬وهي‪ :‬أ�ن هذه أ‬ ‫الدلة تقرر �سماحة الدين وي�سره‬ ‫وو�سطيته‪ ،‬و أ�نه دين ينايف الغلو والت�شدد‪ ،‬مبعنى أ�ن ما‬ ‫ثبت كونه من الدين فهذه �صفته‪ ،‬ال مبعنى أ�ن ي أ�تي �شخ�ص‬ ‫ما بعقله وتفكريه فما ر آ�ه و�سطا قال‪ :‬هو الدين !‬ ‫فالو�سطية يف الدين‪ ،‬أ�ي ما ثبت أ�نه دين فهو ي�سر‪.‬‬ ‫ين‪َ ،‬ف ِ�إنمَّ َ ا َأ� ْه َل َك َم ْن‬ ‫والر�سول يقول‪�ِ « :‬إ َّي ُاك ْم َوا ْل ُغ ُل َّو فيِ الدِّ ِ‬ ‫ين » (‪ ،)87‬فما ثبت أ�نه من الدين‬ ‫َكانَ َق ْب َل ُك ُم ا ْل ُغ ُل ُّو فيِ الدِّ ِ‬ ‫فهو الي�سر وهو احلنيفية ال�سمحة‪ ،‬وهو الذي ال ت�شدد يف‬ ‫أ�خذه‪ ،‬وال غلو فيه‪ ،‬وال ع�سر فيه‪.‬‬ ‫وقال « �إِنَّ الدِّ ينَ ُي ْ�س ٌر َو َل ْن ُي َ�شا َّد الدِّ ينَ َأ� َحدٌ ِ�إ اَّل َغ َل َبهُ‬ ‫ا�س َت ِعينُوا ِبا َل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة‬ ‫َف َ�سدِّ ُدوا َو َقا ِر ُبوا َو َأ� ْب ِ�ش ُروا َو ْ‬ ‫الدلجْ َ ِة » (‪ ،)88‬فقال‪ :‬الدِّ ينُ ُي ْ�س ٌر فما ثبت أ�نه‬ ‫َو َ�ش ْيءٍ مِنَ ُّ‬ ‫من الدين فهو ي�سر‪.‬‬ ‫و�صل اللهم على حممد وعلى آ�ل حممد‪ ،‬وبارك على حممد‬ ‫وعلى آ�ل حممد‪ ،‬كما �صليت وباركت على �إبراهيم وعلى آ�ل‬ ‫�إبراهيم‪� ،‬إنك حميد جميد‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪85‬‬


‫الهوام�ش‬ ‫(‪� )1‬سورة �آل عمران �آية‪.102 :‬‬ ‫( ‪� )2‬سورة الن�ساء �آية‪.1 :‬‬ ‫(‪� ) 3‬سورة أالحزاب ا آليتان ‪.71 ، 70 :‬‬ ‫(‪ ) 4‬انظر‪ :‬ا إل�سالم مقا�صده وخ�صائ�صه د‪ .‬حممد العقلة �ص ‪.50‬‬ ‫( ‪� )5‬سورة ال�شورى �آية‪.11 :‬‬ ‫(‪� ) 6‬سورة ال�شورى �آية‪.11 :‬‬ ‫(‪� ) 7‬سورة ا إلخال�ص كاملة ‪.‬‬ ‫(‪ ) 8‬اجلواب ال�صحيح (‪.)8 - 6 / 1‬‬ ‫(‪ ) 9‬جمموع الفتاوى (‪.)375 / 3‬‬ ‫(‪� ) 10‬سورة الفاحتة ا آليتان ‪.7 ،6 :‬‬ ‫(‪� ) 11‬سورة الن�ساء �آية‪.171 :‬‬ ‫(‪� ) 12‬سورة البقرة �آية‪.213 :‬‬ ‫(‪� ) 13‬سورة أالنعام �آية‪.153 :‬‬ ‫(‪� ) 14‬سورة أالعراف �آية‪.86 :‬‬

‫( ‪� )32‬سورة املائدة �آية‪.8 :‬‬ ‫( ‪ )33‬الرتمذي تف�سري القر�آن (‪ ، )2969‬ابن ماجه الدعاء (‪.)3828‬‬ ‫( ‪� )34‬سورة ا إل�سراء �آية‪.110 :‬‬ ‫( ‪� )35‬سورة الق�ص�ص �آية‪.77 :‬‬ ‫( ‪� )36‬سورة الق�ص�ص �آية‪.77 :‬‬ ‫( ‪� )37‬سورة الفرقان �آية‪.67 :‬‬ ‫( ‪� )38‬سورة ا إل�سراء �آية‪.29 :‬‬ ‫( ‪� )39‬سورة الفرقان �آية‪.67 :‬‬ ‫( ‪� )40‬سورة ا إل�سراء �آية‪.29 :‬‬ ‫( ‪� )41‬سورة أالعراف �آية‪.31 :‬‬ ‫( ‪ )42‬الروح �ص ‪.347‬‬ ‫( ‪� )43‬سورة أالعراف ا آليات‪.33 -31 :‬‬ ‫( ‪� )44‬سورة املائدة �آية‪.6 :‬‬ ‫( ‪� )45‬سورة البقرة �آية‪.185 :‬‬ ‫( ‪� )46‬سورة الن�ساء �آية‪.28 :‬‬

‫(‪� ) 15‬سورة �آل عمران �آية‪.99 :‬‬

‫( ‪� )47‬سورة احلج �آية‪.78 :‬‬

‫(‪� ) 16‬سورة أالعراف �آية‪.45 :‬‬

‫( ‪ )48‬املوافقات لل�شاطبي (‪.)148 / 4‬‬

‫(‪� ) 17‬سورة أالعراف �آية‪.146 :‬‬

‫( ‪ )49‬املوافقات (‪.)134 - 131 ، 133 / 4‬‬

‫(‪� ) 18‬سورة غافر �آية‪.38 :‬‬

‫( ‪ )50‬املوافقات (‪ ، )193 / 4‬وانظر منه (‪.)134 ، 141 / 4‬‬

‫(‪� ) 19‬سورة البقرة �آية‪.143 :‬‬

‫( ‪ )51‬الروح البن القيم �ص ‪ ، 346‬وانظر �إغاثة اللهفان (‪.)163 - 162 / 1‬‬

‫(‪� ) 20‬سورة �آل عمران �آية‪.110 :‬‬

‫( ‪ )52‬االختالف وما �إليه ملحمد بازمول �ص ‪.104 - 103‬‬

‫(‪ ) 21‬أ��ضواء البيان املدين (‪.)75 / 1‬‬ ‫(‪� ) 22‬سورة البقرة �آية‪.143 :‬‬ ‫(‪� ) 23‬سورة البقرة �آية‪.143 :‬‬

‫( ‪� )53‬سورة أالنعام �آية‪.153 :‬‬ ‫( ‪ )54‬أ�خرجه أ�حمد يف امل�سند (‪ ، )435 ، 465 / 1‬و أ�خرجه الدارمي يف �سننه يف املقدمة ‪ ،‬باب‬ ‫يف كراهة أ�خذ الر أ�ي ‪ ،‬وابن أ�بي عا�صم يف كتاب ال�سنة (‪ ، )13 / 1‬وابن حبان (ا إلح�سان) ‪/ 1‬‬

‫(‪ ) 24‬أ�خرجه البخاري يف كتاب االعت�صام بالكتاب وال�سنة ‪ ،‬باب (وكذلك جعلناكم أ�مة و�سطا)‬

‫‪ 181 - 180‬حتت رقم (‪ ، )7 - 6‬واحلاكم يف امل�ستدرك (‪ .)318 / 2‬و أ�خرجه عن جابر بن عبد‬

‫‪ ،‬احلديث رقم (‪.)7349‬‬

‫اهلل ر�ضي اهلل عنهما ‪ ،‬ابن ماجة يف املقدمة ‪ ،‬باب اتباع �سنة ر�سول اهلل احلديث (‪ ، )11‬وابن‬

‫( ‪� )25‬سورة البقرة �آية‪.143 :‬‬ ‫( ‪ )26‬تف�سري الطربي هجر (‪.)627 - 626 / 3‬‬ ‫( ‪ )27‬وهذا ما قرره ابن حجر يف فتح الباري‪ ،‬ال�سلفية (‪.)173 / 8‬‬ ‫( ‪ )28‬اخلبث واملكر‪.‬‬ ‫( ‪ )29‬من كالم أ�بي ال�سعود ‪ ،‬يف تف�سريه �إر�شاد العقل ال�سليم دار �إحياء الرتاث (‪.)172 / 1‬‬ ‫( ‪ )30‬وبالتقرير ال�سابق تعلم أ�ن اال�ست�شهاد ب آ�ية (وكذلك جعلناكم أ�مة و�سطا) على معنى‬ ‫و�سطية ا إل�سالم ‪ ،‬ا�ستدالل �صحيح ‪ ،‬خالفا ملن منع اال�ستدالل بها على معنى و�سطية ا إل�سالم‪.‬‬ ‫انظر أ�حكام القر�آن البن العربي (‪ ، )50 / 1‬وتابعه �صاحب ر�سالة و�سطية ا إل�سالم لعبد‬ ‫الرحمن حبنكة امليداين م ؤ��س�سة الريان �ص ‪.10 - 9‬‬ ‫( ‪� )31‬سورة الن�ساء �آية‪.58 :‬‬

‫‪86‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫أ�بي عا�صم يف كتاب ال�سنة (‪ .)13 / 1‬واحلديث �صححه ابن حبان ‪ ،‬واحلاكم ‪ ،‬وح�سن �إ�سناده‬ ‫حمقق ا إلح�سان ‪ ،‬و�صححه لغريه أاللباين يف ظالل اجلنة (‪.)13 / 1‬‬ ‫( ‪� )55‬سورة أالنعام �آية‪.153 :‬‬ ‫( ‪� )56‬سورة أالنعام �آية‪.153 :‬‬ ‫( ‪� )57‬سورة ال�شورى �آية‪.21 :‬‬ ‫( ‪ )58‬جمموع الفتاوى (‪.)389- 388 / 10‬‬ ‫( ‪ )59‬أ�حمد (‪.)381/2‬‬ ‫( ‪ )60‬أ�خرجه أ�حمد (الر�سالة ‪ ، 513 - 512 / 14‬حتت رقم ‪ ، )8952‬والبخاري يف أالدب‬ ‫املفرد (�صحيح أالدب املفرد ‪ ، 118‬حتت رقم ‪ ، )273 / 207‬والبيهقي يف ال�سنن الكربى (‪10‬‬ ‫‪ ، )192 - 191 /‬واحلاكم (‪ .)613 / 2‬واحلديث �صححه احلاكم ‪ ،‬وحمققو م�سند أ�حمد ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫واللباين يف �صحيح أالدب املفرد ‪ ،‬ويف �سل�سلة أالحاديث ال�صحيحة احلديث (‪.)45‬‬


‫( ‪ )61‬وقد تو�سع ابن قيم اجلوزية يف كتاب الروح دار الفكر ‪ -‬أالردن �ص ‪� 314‬إىل �آخر الكتاب‬

‫( ‪ )78‬انظر‪ :‬أال�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ‪ ، 76‬الوجيز يف �إي�ضاح قواعد الفقه الكلية �ص‬

‫‪ ،‬يف بيان جملة من الفروق بني أالمور ‪ ،‬يتبني الناظر فيها حقيقة كون احلق واخلري بني طرفني‬

‫‪ ، 157‬القواعد الفقهية اخلم�س الكربى ‪ ،‬والقواعد املندرجة حتتها ‪ ،‬من جمموع الفتاوى ل�شيخ‬

‫�إفراط وتفريط‪.‬‬

‫ا إل�سالم ابن تيمية �ص ‪.239 - 233‬‬

‫( ‪ )62‬أ�خرجه البخاري يف كتاب النكاح ‪ ،‬باب الرتغيب يف النكاح ‪ ،‬احلديث (‪ ، )5063‬وم�سلم‬

‫( ‪ )79‬فتح الباري (‪ .)525 / 10‬وهذه القاعدة الفرعية معدودة يف كتب القواعد الفقهية �ضمن‬

‫يف كتاب النكاح ‪ ،‬باب ا�ستحباب النكاح ملن تاقت نف�سه �إليه ‪ ،‬احلديث (‪.)1401‬‬

‫فروع قاعدة‪ :‬ال �ضرر وال �ضرار ‪ ،‬أ�و ال�ضرر يزال ‪ ،‬وال متانع فهي تدخل حتت القاعدتني ‪ ،‬ف�إن‬

‫( ‪ )63‬البخاري النكاح (‪ ، )4776‬م�سلم النكاح (‪ ، )1401‬الن�سائي النكاح (‪ ، )3217‬أ�حمد‬

‫من التي�سري الر�ضى ب أ�هون ال�ضررين �إذا مل يكن من �إحداهما بد ‪ ،‬ومن ال�ضرر الذي يزال‪ :‬دفع‬

‫(‪.)285/3‬‬

‫ال�ضرر أالعلى أ‬ ‫بالدنى ‪ ،‬ويدل على ما ذكرت أ�نه جاء يف احلديث الذي أ�خرجه البخاري يف كتاب‬

‫(‪� ) 64‬سورة أالحقاف �آية‪.20 :‬‬

‫الو�ضوء ‪ ،‬باب �صب املاء على البول ‪ ،‬احلديث (‪ ، )220‬عن أ�بي هريرة قال‪ :‬قام أ�عرابي فبال يف‬

‫(‪� ) 65‬سورة أالعراف �آية‪.32 :‬‬

‫امل�سجد فتناوله النا�س ‪ ،‬فقال لهم النبي دعوه وهريقوا على بوله �سجال من ماء ‪ ،‬أ�و ذنوبا من ماء‬

‫(‪ ) 66‬فتح الباري (‪.)106 - 105 / 9‬‬

‫‪ ،‬ف�إمنا بعثتم مي�سرين ومل تبعثوا مع�سرين ‪ ،‬وقد أ��شار �إىل ذلك ابن حجر‪ .‬واهلل املوفق‪.‬‬

‫(‪ ) 67‬م�سلم العلم (‪ ، )2670‬أ�بو داود ال�سنة (‪ ، )4608‬أ�حمد (‪.)386/1‬‬

‫( ‪ )80‬الن�سائي منا�سك احلج (‪.)3057‬‬

‫(‪ ) 68‬أ�خرجه م�سلم يف كتاب العلم ‪ ،‬باب هلك املتنطعون ‪ ،‬حديث رقم (‪.)2670‬‬

‫( ‪ )81‬أ�خرجه أ�حمد يف امل�سند (الر�سالة ‪ ، 351 / 3‬حتت رقم ‪ ، )1851‬والن�سائي يف كتاب‬

‫(‪ ) 69‬أ�خرجه البخاري يف كتاب املناقب ‪ ،‬باب عالمات النبوة ‪ ،‬حديث رقم (‪ ، )3610‬وم�سلم‬

‫منا�سك احلج ‪ ،‬باب التقاط احل�صى ‪ ،‬احلديث (‪ ، )3057‬وابن ماجه يف كتاب املنا�سك ‪ ،‬باب‬

‫يف كتاب الزكاة ‪ ،‬باب ذكر اخلوارج و�صفاتهم ‪ ،‬احلديث (‪.)1064‬‬

‫قدر ح�صى الرمي ‪ ،‬احلديث (‪ ، )3029‬وابن خزمية (‪ ، 274 / 4‬حتت رقم ‪ ، )2867‬وابن‬

‫( ‪ )70‬البخاري املناقب (‪ ، )3415‬م�سلم الزكاة (‪ ، )1066‬الن�سائي حترمي الدم (‪ ، )4102‬أ�بو‬

‫حبان (ا إلح�سان (‪ ، 183 / 9‬حتت رقم ‪ ، )3871‬واحلاكم (‪ .)466 / 1‬واحلديث �صححه ابن‬

‫داود ال�سنة (‪ ، )4767‬أ�حمد (‪.)88/1‬‬

‫خزمية وابن حبان واحلاكم ‪ ،‬و�صحح �إ�سناده حمققو م�سند أ�حمد ‪ ،‬وحمقق ا إلح�سان‪.‬‬

‫( ‪ )71‬انظر جمموع الفتاوى (‪.)393 - 392 / 10‬‬

‫( ‪ )82‬التعمق هو باملهملة وبت�شديد امليم ثم قاف ‪ ،‬ومعناه‪ :‬الت�شديد يف أالمر حتى يتجاوز احلد‬

‫( ‪ )72‬البخاري ا إلميان (‪ ، )39‬الن�سائي ا إلميان و�شرائعه (‪.)5034‬‬

‫فيه‪ .‬فتح الباري (‪.)278 / 13‬‬

‫( ‪ )73‬أ�خرجه البخاري يف كتاب ا إلميان ‪ ،‬باب الدين ي�سر ‪ ،‬احلديث (‪ ، )39‬وم�سلم يف كتاب‬

‫( ‪ )83‬الرتمذي الزهد (‪ ، )2380‬ابن ماجه أالطعمة (‪ ، )3349‬أ�حمد (‪.)132/4‬‬

‫�صفة القيامة واجلنة والنار ‪ ،‬احلديث (‪.)2816‬‬

‫( ‪ )84‬أ�خرجه الرتمذي يف كتاب الزهد ‪ ،‬باب ما جاء يف كراهية كرثة أالكل ‪ ،‬احلديث (‪)2380‬‬

‫( ‪ )74‬من فتح الباري (‪ ، )95 - 94 / 1‬وفيه‪ :‬قال ابن املنري‪ :‬يف هذا احلديث علم من أ�عالم‬

‫‪ ،‬وابن ماجه يف كتاب أالطعمة ‪ ،‬باب االقت�صاد يف أالكل وكراهة ال�شبع ‪ ،‬احلديث (‪.)3392‬‬ ‫الل َي ُق ُ‬ ‫ولفظ احلديث عند الرتمذي‪َ « :‬عنْ مِ ْقدَ ِام ْب ِن َم ْعدِ ي َك ِر َب َق َال‪�َ :‬سمِ ْعتُ َر ُ�س َ‬ ‫ول‪َ :‬ما َم َ َأل‬ ‫ول هَّ ِ‬ ‫�آدَمِ ٌّي ِو َعا ًء َ�ش ًّرا مِ نْ َب ْط ٍن ِب َح ْ�س ِب ا ْب ِن �آد َ​َم َأ�كَلاَ تٌ ُي ِق ْمنَ ُ�ص ْل َب ُه َف�إِنْ َكانَ لاَ محَ َ ا َل َة َف ُث ُلثٌ ل َِطعَامِ ِه‬

‫التطوع املف�ضي �إىل ترك أالف�ضل ‪ ،‬أ�و �إخراج الفر�ض عن وقته كمن بات ي�صلي الليل كله ويغالب‬

‫َو ُث ُلثٌ ل َِ�ش َرا ِب ِه َو ُث ُلثٌ ِل َن َف�سِ ِه «‪ .‬قال أ�بو عي�سى الرتمذي‪ :‬هدا حديث ح�سن �صحيح اهـ‪.‬‬

‫النوم �إىل أ�ن غلبته عيناه يف �آخر الليل فنام عن �صالة ال�صبح يف اجلماعة ‪ ،‬أ�و �إىل أ�ن خرج‬

‫( ‪ )85‬ما بني معقوفتني من كالم ابن القيم يف كتابه الوابل ال�صيب �ص ‪.24 - 22‬‬

‫الوقت املختار ‪ ،‬أ�و �إىل أ�ن طلعت ال�شم�س فخرج وقت الفري�ضة « اهـ‪.‬‬ ‫( ‪ )75‬أ�خرجه أ�حمد يف امل�سند (الر�سالة ‪ ، 17 / 4‬حتت رقم ‪ ، )2107‬والبخاري يف أالدب‬

‫( ‪ )86‬ما بني معقوفتني من كالم ابن القيم يف كتابه الوابل ال�صيب �ص ‪.25‬‬ ‫( ‪� )87‬سورة املائدة �آية‪.77 :‬‬

‫املفرد (�صحيح أالدب املفرد �ص ‪ ، 122‬حتت رقم ‪ ، )287 / 220‬وعبد بن حميد يف م�سنده‬

‫( ‪ )88‬البخاري ا إلميان (‪ ، )39‬الن�سائي ا إلميان و�شرائعه (‪.)5034‬‬

‫النبوة ‪ ،‬فقد ر أ�ينا ور أ�ى النا�س قبلنا أ�ن كل متنطع يف الدين ينقطع‪ .‬ولي�س املراد منها طلب‬ ‫أالكمل يف العبادة ‪ ،‬ف�إنه من أالمور املحمودة ‪ ،‬بل منع ا إلفراط امل ؤ�دي �إىل املالل ‪ ،‬أ�و املبالغة يف‬

‫(املنتخب ‪ ، 497 / 1‬حتت رقم ‪ ، )567‬وعلقه البخاري يف كتاب ا إلميان ‪ ،‬باب الدين ي�سر وقول‬ ‫النبي « أ�حب الدين �إىل اهلل احلنيفية ال�سمحة «‪ ..‬واحلديث ح�سن �إ�سناده ابن حجر يف فتح‬ ‫الباري (‪ ، )94 / 1‬وح�سنه لغريه أاللباين يف �صحيح أالدب املفرد ‪ ،‬وكذا يف �سل�سلة أالحاديث‬ ‫ال�صحيحة احلديث (‪ ، )881‬وكذا حمقق املنتخب ‪ ،‬و�صححه لغريه حمققو امل�سند‪.‬‬ ‫( ‪ )75‬البخاري العلم (‪ ، )69‬م�سلم اجلهاد وال�سري (‪ ، )1734‬أ�حمد (‪.)209/3‬‬ ‫( ‪ )76‬أ�خرجه البخاري يف كتاب العلم ‪ ،‬باب ما كان النبي يتخولهم ‪ ،‬احلديث (‪ ، )69‬وم�سلم يف‬ ‫كتاب اجلهاد وال�سري ‪ ،‬باب يف أالمر بالتي�سري وترك التنفري ‪ ،‬احلديث (‪.)1734‬‬ ‫( ‪ )77‬البخاري العلم (‪ ، )69‬م�سلم اجلهاد وال�سري (‪ ، )1734‬أ�حمد (‪.)209/3‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪87‬‬



‫ﻣﻠـﻒ ﺍﻟـﻌـﺪﺩ‬ ‫ﺭﺅﻳﺔ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬ ‫ﺣﻮﻝ ﺇﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺳﻴﺪﺍﻭ‬ ‫ﺇﻋﺪﺍﺩ ‪:‬ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬


‫ملف العدد‬

‫رؤية منتدى الوسطية للفكر‬ ‫العدد‬ ‫ملف‬ ‫حول إتفاقية سيداو‬ ‫والثقافة‬ ‫إعداد ‪ :‬منتدى الوسطية للفكر والثقافة‬

‫�إ�شتدت ال�ضغوط يف آ‬ ‫الونة أ‬ ‫الخرية على البالد العربية‬ ‫وال�سالمية لرفع حتفظاتها التي أ�خذتها على بع�ض بنود‬ ‫إ‬ ‫ال�سالمية‪،‬‬ ‫اتفاقية �سيداو ‪ ،‬ملخالفتها إلحكام ال�شريعة إ‬ ‫ال�سالمية ‪ ،‬أ‬ ‫ولنها تعرب‬ ‫وللتقاليد الرا�سخة يف املجتمعات إ‬ ‫فقط عن قيم ومبادئ وا�ضعي هذه االتفاقية ‪ ،‬ممن يريدون‬ ‫فر�ضها على العامل ‪ ،‬لتعميم ر ؤ�يتهم الثقافية‪ ،‬و أ�منوذجهم‬ ‫احل�ضاري ‪ ،‬دون مراعاة خل�صو�صيات آ‬ ‫الخرين‪ ،‬واختالف‬ ‫ثقافاتهم ‪.‬‬ ‫ولتو�ضيح هذه االتفاقية ومراميها ومقا�صدها و أ�خطارها‬ ‫على أ‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬بل والب�شرية‪،‬‬ ‫ال�سرة وعلى املجتمعات إ‬ ‫نقدم هذه الدرا�سة املوجزة‪.‬‬ ‫أ�وال‪ :‬ملاذا هذه االتفاقية ؟‬ ‫لقد عانت املر أ�ة يف الغرب عقود ًا طويلة من الظلم‬ ‫واال�ضطهاد واالزدراء‪ ،‬وحرمت من أ�كرث حقوقها‬ ‫االجتماعية وال�سيا�سية واملالية‪ ،‬ونظر �إليها يف كثري من‬ ‫أ‬ ‫الحيان نظرة غري �سوية ‪ ،‬نالت من كرامتها وحطت من‬ ‫الن�سانية‬ ‫قدرها و�إن�سانيتها‪ ،‬فلم ينظر �إليها ك�إن�سان كامل إ‬ ‫‪ ،‬بل جمرد متاع وتابع للرجل ‪.‬‬ ‫وقد تعاقبت ال�سنوات على املر أ�ة وهي يف ذلك احلال‬ ‫املزري‪ ،‬حاولت خاللها جاهدة كي حت�صل ولو على أ�قل‬ ‫الن�ساين‪ ،‬وخا�ضت �صراعا‬ ‫القليل من حقوقها واعتبارها إ‬ ‫�شديدا لنيل حقوقها ‪.‬‬ ‫لقد بد أ�ت هيئة أ‬ ‫المم املتحدة يف القرن املا�ضي ت�سعى‬ ‫إلر�ساء وتعميم قواعد دولية تنظم ال�سلوك الب�شري من‬ ‫وجهة نظر وا�ضعيها ‪ ،‬ومبا يتفق مع ثقافاتهم وم�صاحلهم‬ ‫‪ ،‬وتعمل على فر�ضها على كافة ال�شعوب والدول با�سم‬ ‫القانون الدويل‪ ،‬من غري اكرتاث لتعار�ض ذلك مع‬ ‫اخل�صو�صيات الدينية أ�و الثقافية أ�و االجتماعية‬ ‫للمجتمعات الب�شرية‪.‬‬ ‫ومن �ضمن هذه االتفاقيات التي قامت أ‬ ‫المم املتحدة ب�سنها‬ ‫‪90‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫االتفاقية التي عرفت بـ(اتفاقية �إلغاء كافة أ��شكال‬ ‫التمييز �ضد املر أ�ة) وهي ما ي�سمى اخت�صارا بـ(�سيداو)‬ ‫(‪ ، )CEDAW‬وطلبت من جميع الدول أ‬ ‫الع�ضاء يف‬ ‫المم املتحدة التوقيع عليها وتنفيذ بنودها دون أ‬ ‫أ‬ ‫الخذ‬ ‫بعني االعتبار مدى مالءمتها وتوافقها مع مبادئ الدول‬ ‫وحاجاتها ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬تعريف باتفاقية �سيداو‪:‬‬ ‫تعترب االتفاقية بيان ًا عاملي ًا بحقوق املر أ�ة ‪ ،‬أ�قرتها أ‬ ‫المم‬ ‫املتحدة عام ‪ ، 1980‬وتتكون من ثالثني مادة ‪ ،‬وهي تدعو‬ ‫�إىل امل�ساواة املطلقة بني املر أ�ة والرجل يف جميع امليادين‬ ‫‪ ،‬مع ت أ�كيدها على مبد أ� الفردية‪ ،‬مبعنى النظر �إىل املر أ�ة‬ ‫كفرد ولي�س كع�ضو يف أ��سرة‪ ،‬وبغ�ض النظر عن حالتها‬ ‫االجتماعية �سواء كانت عزباء أ�و متزوجة أ�و مطلقة‬ ‫أ�و أ�رملة‪ ،‬و�إلغاء مفهوم التمييز وما ت�سميه االتفاقية‬ ‫أ‬ ‫بالدوار النمطية للجن�سني أ�و (اجلندر)‪ ،‬مع الدعوة �إىل‬ ‫تغيري معنى أ‬ ‫ال�سرة (القائم على الزوج والزوجة) إلعطاء‬ ‫ال�شرعية لتقنني أ��سر ال�شاذين وال�شاذات جن�سي ًا‪ ،‬و�إ�سباغ‬ ‫ال�شرعية على أ‬ ‫ال�سر غري ال�شرعية ‪ ،‬القائمة على‬ ‫االلتقاء احلر بني الذكر أ‬ ‫والنثى بعيد ًا عن الزواج‬ ‫ال�شرعي‪.‬‬ ‫وت ؤ�كد االتفاقية كذلك على توفري �سبل الرعاية ال�صحية‬ ‫مع الرتكيز على ال�صحة اجلن�سية من املنظور الغربي ‪،‬‬ ‫املتمثلة بتوفري الرفاهية اجلن�سية امل أ�مونة أ‬ ‫للفراد‪ ،‬ولي�س‬ ‫ال�شرعية ‪ ،‬واعتماد تدري�س مناهج الثقافة اجلن�سية‪،‬‬ ‫الجها�ض‪ ،‬وتعميم ا�ستخدام و�سائل منع احلمل‪.‬‬ ‫و�إباحة إ‬ ‫كما تتعر�ض االتفاقية لقوانني أ‬ ‫الحوال ال�شخ�صية‪،‬‬ ‫القامة وال�سفر وتغيري مكان‬ ‫خا�صة فيما يتعلق بحرية إ‬ ‫ال�سكن والزواج وغري ذلك‪.‬‬ ‫وقد وقعت على االتفاقية ثمانية ع�شرة دولة عربية مع‬ ‫بع�ض التحفظات التي �سجلتها عليها‪ ،‬والتي تركزت على‬ ‫املواد( ‪)29 ،16 ،15 ،9 ،2‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬أ�هم مواد االتفاقية التي تتعار�ض مع أ�حكام‬ ‫ال�شريعة‪:‬‬ ‫املادة ‪: 1‬‬ ‫حيث و�ضحت مفهوم التمييز �ضد املر أ�ة ب أ�نه‬ ‫« أ�ي تفرقة أ�و ا�ستبعاد أ�و تقييد يتم على أ��سا�س اجلن�س‬


‫ويكون من آ�ثاره أ�و أ�غرا�ضه النيل من االعرتاف للمر أ�ة‬ ‫الن�سان‬ ‫على أ��سا�س ت�ساوي الرجل واملر أ�ة بحقوق إ‬ ‫واحلريات أ‬ ‫ال�سا�سية يف امليادين ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية واملدنية أ�و يف أ�ي ميدان آ�خر أ�و‬ ‫�إبطال االعرتاف للمر أ�ة بهذه احلقوق بغ�ض النظر عن‬ ‫حالتها الزوجية «‬ ‫�إن هذه املادة حتدد أ‬ ‫ال�سا�س الذي تنطلق منه االتفاقية‬ ‫وهو امل�ساواة التامة بني الرجل واملر أ�ة ‪،‬دون نظر للفروق‬ ‫البيولوجية بينهما ‪ ،‬ودون نظر للت�شريعات الدينية ‪ ،‬وهي‬ ‫فكرة مرفو�ضة من حيث أ‬ ‫ال�سالمي الذي‬ ‫ال�صل يف الت�صور إ‬ ‫ينطلق من فكرة التكامل يف أ‬ ‫الدوار بني الطرفني ‪ ،‬ولي�س‬ ‫امل�ساواة ‪ ،‬فلكل منهما أ�دوا ًرا معينة عليه القيام بها‪ ،‬دون‬ ‫أ�ف�ضلية ألحد على أ�حد ‪.‬‬ ‫ال�سالم يقرر للمر أ�ة حقوقا لي�ست للرجل‬ ‫ومن هنا وجدنا إ‬ ‫مثل حق النفقة وح�ضانة ال�صغار واملهر‪ ،‬ويقرر للرجل‬ ‫حقوقا لي�ست للمر أ�ة مثل القوامة والطالق والتعدد‪.‬‬ ‫ال�سالمية أ�ن تعيد‬ ‫ويف �ضوء هذه املادة يجب على الدول إ‬ ‫�صياغة قوانني أ‬ ‫الحوال ال�شخ�صية ‪ ،‬وتعديل كل بند فيها‬ ‫يت�ضمن متييزا بني اجلن�سني كحق الطالق أ�و ال�سكنى أ�و‬ ‫الوالية ‪ ،‬أ�و عدم جواز زواج امل�سلمة من غري امل�سلم ‪ ،‬أ�و‬ ‫التعدد‪ ،‬أ�و اختالف ح�صة الزوجة عن الزوج يف املرياث ‪،‬‬ ‫وح�صة الذكر عن أ‬ ‫النثى ‪ ،‬وغريها ‪.‬‬ ‫وهذه املادة خطرية‪ ،‬وهي ن�سف لكل املبادئ ال�شرعية املتفق‬ ‫عليها لدى امل�سلمني‪.‬‬ ‫فالروح التي ت�ستقي منها �إتفاقية �سيداو وفل�سفتها تقوم‬ ‫ّ‬ ‫ال�سالمية‪،‬‬ ‫على مبادئ و أ� ّ�س�س‬ ‫مناق�ضة متام ًا للت�شريعات إ‬ ‫وتهدف �إىل عوملة أ‬ ‫ال�سرة و�إبعداها عن هويتها وح�ضارتها‬ ‫لتدور يف فكر وثقافة الغرب ‪ ،‬وهذا وا�ضح يف املادة أ‬ ‫الوىل‬ ‫التفاقية ‪.‬‬ ‫من إ‬ ‫وهذة املادة‪ ،‬ت ؤ�كد تناق�ض هذة الفل�سفة وما تقوم عليها‬ ‫�تفاقية �سيداو مع قوله تعاىل ‪َ (:‬و اَل َت َت َم َّن ْوا َما َف َّ�ض َل هَّ ُ‬ ‫الل‬ ‫إ‬ ‫ما ا ْك َت َ�س ُبوا ۖ َو ِلل ِن َّ�ساءِ‬ ‫�ض ِل ِّلر َج ِ‬ ‫ِب ِه َب ْع َ�ض ُك ْم َع َلى َب ْع ٍ‬ ‫يب مِ َّ‬ ‫ال َن ِ�ص ٌ‬ ‫الل ِم ْن َف ْ�ض ِل ِه ِ� َّن هَّ َ‬ ‫ما ا ْك َت َ�سبنْ َ َوا�س َأ� ُلوا هَّ َ‬ ‫الل َكانَ ِب ُك ِّل‬ ‫يب مِ َّ‬ ‫َن ِ�ص ٌ‬ ‫ْ‬ ‫إ‬ ‫َ�ش ْيءٍ َع ِلي ًما )(�سورة الن�ساء‪)32:‬‬ ‫نهي م ّلزم من اهلل عز وجل لكل أ�مرئ أ�ن يتمنى ما‬ ‫وهذا ّ‬ ‫كان يف يد غريه أ�و ما كان عند غريه مما اخت�صه اهلل عز‬

‫وجل به‪.‬‬ ‫فالرجل واملر أ�ة عن�صران أ��سا�س ّيان ‪ ،‬فالرجل بن�ص هذه‬ ‫آ‬ ‫الية يف�ضل املر أ�ة يف أ��شياء ‪ ،‬واملر أ�ة أ�ي�ضا تف�ضل الرجل‬ ‫يف أ��شياء‪،‬واهلل ي أ�مرنا ب أ�ن نقتنع مبا ّ‬ ‫ف�ضل اهلل به بع�ضنا‬ ‫على بع�ض‪.‬‬ ‫فمع أ�ن أ‬ ‫ال�سالم هو مبد أ�‬ ‫ال�صل العام الذي ينطلق منه إ‬ ‫امل�ساواة يف احلقوق والواجبات بني الرجل واملر أ�ة ولكن‬ ‫التفاقية وهو التماثل‪ ،‬ففكرة‬ ‫لي�س باملعنى الذي أ�رادته إ‬ ‫امل�ساواة مرفو�ضة باملعنى الذي أ�رادته �إتفاقية �سيداو‪،‬‬ ‫العرتاف بالفروق البيولوجية‬ ‫والتي تهدف �إىل عدم إ‬ ‫بني املر أ�ة والرجل‪ ،‬بل ت ؤ�كد على أ�ن هذا أ‬ ‫المر �إمنا هو‬ ‫من أ‬ ‫المور املنطقية يف املجتمعات ميكن تغيريها وتبديلها‬ ‫‪ ،‬بحيث يكون للرجل أ�ن ي أ�خذ دور املر أ�ة ‪ ،‬وللمر أ�ة أ�ن ت أ�خذ‬ ‫دور الرجل‪.‬‬ ‫املادة ‪:2‬‬ ‫حيث أ�كدت على أ�ن من واجب الدول « �شجب جميع أ��شكال‬ ‫التمييز �ضد املر أ�ة ‪ ،‬وتوافق على أ�ن تنتهج بكل الو�سائل‬ ‫املنا�سبة ودون �إبطاء �سيا�سة الق�ضاء على التمييز �ضد‬ ‫املر أ�ة‪.‬‬ ‫ثم ذكرت املادة أ�مورا عدة يجب على الدول املوقعة أ�ن‬ ‫تتعهد القيام بها وهي ‪:‬‬ ‫ البند أ� ‪ « :‬جت�سيد مبد أ� امل�ساواة بني الرجل واملر أ�ة‬‫يف د�ساتريها الوطنية أ�و ت�شريعاتها املنا�سبة أ‬ ‫الخرى‪،‬‬ ‫وكفالة التحقيق العملي لهذا املبد أ� من خالل القانون‬ ‫والو�سائل املنا�سبة أ‬ ‫الخرى «‪.‬‬ ‫وهذا دعوة �صريحة إللغاء كافة الت�شريعات مبا فيها قانون‬ ‫أ‬ ‫الحوال ال�شخ�صية مما فيه متييز بني الرجل واملر أ�ة‪.‬‬ ‫ البند ب‪ « :‬اتخاذ املنا�سب من التدابري الت�شريعية‬‫وغريها مبا يف ذلك ما يقت�ضيه أ‬ ‫المر من جزاءات حلظر‬ ‫كل متييز �ضد املر أ�ة « ‪.‬‬ ‫ البند ج‪� « :‬إقرار احلماية القانونية حلقوق املر أ�ة على‬‫قدم امل�ساواة مع الرجل‪ ،‬و�ضمان احلماية الفعالة للمر أ�ة‬ ‫عن طريق املحاكم الوطنية ذات االخت�صا�ص وامل ؤ��س�سات‬ ‫العامة أ‬ ‫الخرى من أ�ي عمل متييزي «‬ ‫ البند د ‪ « :‬االمتناع عن اال�ضطالع ب أ�ي عمل أ�و ممار�سة‬‫متييزية �ضد املر أ�ة وكفالة ت�صرف ال�سلطات وامل ؤ��س�سات‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪91‬‬


‫العامة مبا يتفق مع هذا االلتزام « ‪.‬‬ ‫ البند ه ‪ « :‬اتخاذ جميع التدابري املنا�سبة للق�ضاء على‬‫التمييز �ضد املر أ�ة من جانب أ�ي �شخ�ص أ�و منظمة أ�و‬ ‫م ؤ��س�سة«‬ ‫ البند و ‪ « :‬اتخاذ جميع التدابري املنا�سبة مبا يف ذلك‬‫والنظمة أ‬ ‫الت�شريع لتعديل أ�و �إلغاء القوانني أ‬ ‫والعراف‬ ‫واملمار�سات القائمة التي ت�شكل متييزا �ضد املر أ�ة « ‪.‬‬ ‫ البند ز‪� « :‬إلغاء جميع أ�حكام العقوبات الوطنية التي‬‫ت�شكل متييزا �ضد املر أ�ة «‪.‬‬ ‫وهي متعلقة بالتفريق الذي ت ّبديه بع�ض قوانني العقوبات‬ ‫بني الرجل واملر أ�ة يف ما ي�سمى بجرائم ال�شرف‪.‬‬ ‫وهذه املادة م ؤ�كدة ملا ورد يف املادة ال�سابقة من الدعوة‬ ‫لتعديل كافة الت�شريعات التي ت�شكل متييزا بني الرجل‬ ‫واملر أ�ة ‪ ،‬و�سن ت�شريعات ت�سوي بينهما يف كافة أ‬ ‫المور ‪.‬‬ ‫املادة ‪ : 5‬حيث جاء فيها أ�ن على الدول أ�ن تتخذ جميع‬ ‫التدابري املنا�سبة لتحقيق تعديل أ‬ ‫المناط االجتماعية‬ ‫والثقافية بهدف الق�ضاء على التحيزات والعادات العرفية‬ ‫وكل املمار�سات القائمة على أ�دوار منطية للرجل واملر أ�ة ‪.‬‬ ‫وهذه املادة ت ؤ�كد على أ�ن كال من الرجل واملر أ�ة يجب أ�ن‬ ‫الدوار أ‬ ‫يقوما بنف�س أ‬ ‫والعمال دون مراعاة ألية فوارق‬ ‫بيولوجية أ�و ف�سيولوجية بينهما‪ ،‬وهي دعوة �صريحة‬ ‫لرف�ض قيام املر أ�ة بدور أ‬ ‫المومة والرتبية باعتبارها‬ ‫أ�دوارا منطية أ�ملتها أ‬ ‫العراف ‪ ،‬ولي�ست مرتبطة بجن�س ‪.‬‬ ‫املادة ‪ : 10‬حيث جاء يف البند ج منها أ�ن على الدول العمل‬ ‫على « الق�ضاء على أ�ي مفهوم منطي عن دور الرجل واملر أ�ة‬ ‫على جميع م�ستويات التعليم ويف جميع أ��شكاله عن طريق‬ ‫ت�شجيع التعليم املختلط وغريه من أ�نواع التعليم التي‬ ‫ت�ساعد على حتقيق هذا الهدف وال�سيما عن طريق تنقيح‬ ‫كتب الدرا�سة والربامج الدرا�سية « ‪.‬‬ ‫العرتاف بالفوارق البيولوجية وكذلك‬ ‫وهي دعوة لعدم إ‬ ‫دعوة للتعليم املختلط وما يجره ذلك من مفا�سد وفنت على‬ ‫أ‬ ‫الجيال ‪.‬‬ ‫املادة ‪ : 15‬حيث جاء يف البند ‪ 3‬منها « توافق الدول‬ ‫أ‬ ‫الطراف على اعتبار جميع العقود و�سائر أ�نواع ال�صكوك‬ ‫اخلا�صة التي لها أ�ثر قانوين ي�ستهدف تقييد أ‬ ‫الهلية‬ ‫القانونية للمر أ�ة باطلة والغيه ‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫أ�ما البند ‪ 4‬فقد جاء فيه « متنح الدول أ‬ ‫الطراف الرجل‬ ‫واملر أ�ة نف�س احلقوق فيما يتعلق بالقانون املت�صل بحركة‬ ‫أ‬ ‫ال�شخا�ص وحرية اختيار حمل �سكناهم و�إقامتهم «‬ ‫ويالحظ على هذين البندين ما يلي ‪:‬‬ ‫‪ – 1‬البند ‪ 3‬يتعار�ض مع قوانني أ‬ ‫الحوال ال�شخ�صية التي‬ ‫ت�شرتط موافقة الويل ل�صحة زواج املر أ�ة خ�صو�صا البكر‬ ‫‪ ،‬وال تعرتف مب�شروعية الزواج الذي يتم دون موافقته ‪،‬‬ ‫وكذلك ما تقرره هذه القوانني من حق الويل يف املطالبة‬ ‫بف�سخ عقد الزواج �إذا تزوجت املر أ�ة بغري كفء لها ‪.‬‬ ‫أ�ما البند ‪ 4‬ففيه داللة على أ�ن‪:‬‬ ‫أ�‌‪ -‬للمر أ�ة اختيار حمل �سكنها �سواء كانت متزوجة أ�م غري‬ ‫متزوجة‪.‬‬ ‫القامة فيه �سواء‬ ‫ب‌‪ -‬للمر أ�ة أ�ن تقيم يف أ�ي بلد ترغب يف إ‬ ‫أ�كانت متزوجة أ�م غري متزوجة‪.‬‬ ‫ت‌‪ -‬للمر أ�ة أ�ن تنتقل وت�سافر دون �إذن من أ�ب أ�و أ�خ أ�و‬ ‫زوج‪.‬‬ ‫وهذه املادة عليها املالحظات ال�شرعية التالية‪:‬‬ ‫‪� )1‬إن خروج املر أ�ة املتزوجة و�سفرها وتنقلها دون �إذن‬ ‫زوجها يتنافى مع مق�صد �شرعي يف الزواج وهو حتقيق‬ ‫ال�سكن واملودة والرحمة‪ ،‬فكيف تتحقق املودة ويتحقق‬ ‫ال�سكن واحلياة أ‬ ‫ال�سرية الطيبة �إذا خرجت املر أ�ة دون‬ ‫�إذن زوجها وعلمه‪ ،‬ف�ض ًال عما �إذا كان ذلك رغم ًا عنه‪ ،‬مع‬ ‫مالحظة أ�ن ال�شرع ي�سمى ذلك ن�شوز ًا!؟‬ ‫‪� )2‬إن ا�ستقالل املر أ�ة ا�ستقال ًال تام ًا باخلروج وال�سفر‬ ‫والرتحال دون �إذن ذويها �إن كانت غري متزوجة‪ ،‬أ�و دون �إذن‬ ‫زوجها �إن كانت متزوجة‪ ،‬خمالف للن�صو�ص ال�شرعية‪.‬‬ ‫‪� )3‬إن حمل �سكن املر أ�ة املتزوجة حمدد �شرعا مبحل‬ ‫�سكن الزوج‪ ،‬قال تعاىل‪َ (:‬أ� ْ�س ِك ُنوهُ َّن ِم ْن َح ْي ُث َ�س َك ْن ُت ْم ِم ْن‬ ‫ُو ْج ِد ُك ْم)(الطالق‪ ،)9:‬آ‬ ‫فالية تخاطب أ‬ ‫الزواج بوجوب‬ ‫توفري ال�سكن للزوجة ‪ ،‬وهو حق ي ؤ�ديه الرجل للمر أ�ة‪،‬‬ ‫ف�إذا �صار للمر أ�ة حق يف ال�سكن حيث تريد‪ ،‬أ�دى هذا �إىل‬ ‫انهيار منظومة العالقة االجتماعية وال�شرعية التي‬ ‫تربط الرجل باملر أ�ة يف عقد الزواج املقد�س‪ ،‬و�إىل انحالل‬ ‫يف العالقات االجتماعية بال�ضرورة‪.‬‬ ‫�إن هذه املادة م�آلها �إلغاء قوامة الرجل على املر أ�ة‪ ،‬مما يعني‬ ‫هدم ًا للن�صو�ص ال�شرعية الواردة يف مو�ضوع القوامة‪ ،‬قال‬


‫ال َق َّوا ُمونَ َع َلى ال ِن َّ�ساءِ بمِ َ ا َف َّ�ض َل هَّ ُ‬ ‫(الر َج ُ‬ ‫الل َب ْع َ�ض ُه ْم‬ ‫تعاىل‪ِّ :‬‬ ‫�ض وَبمِ َ ا َأ� ْن َفقُوا ِم ْن َأ� ْم َوا ِل ِه ْم ) (الن�ساء ‪.)34‬‬ ‫َع َلى َب ْع ٍ‬ ‫ومن جهة أ�خرى ف�إن املادة تعار�ض قانون أ‬ ‫الحوال‬ ‫ال�شخ�صية أ‬ ‫الردين يف مادته( ‪ )36‬التي تن�ص «يهيئ‬ ‫الزوج امل�سكن املحتوي على اللوازم ال�شرعية ح�سب حاله‬ ‫القامة‬ ‫ويف حمل �إقامته وعمله‪� ,‬إن ا�ستقالل املر أ�ة مبكان إ‬ ‫والتنقل حيث ت�شاء‪ ،‬بعيد ًا عن مظلة أ‬ ‫الهل والزوج فيه‬ ‫ف�ساد للمجتمع وانهيار أ‬ ‫لل�سرة‪.‬‬ ‫‪� )4‬إن اختيار املر أ�ة مكان ال�سكن يجب أ�ن يكون يف حالة‬ ‫ال�ضرار بها أ�و بزوجها‪،‬‬ ‫التوافق بني املر أ�ة وزوجها‪ ،‬من غري إ‬ ‫و�إذا وافق الزوج ابتداء على �شرطها وجب عليه احرتامه‪،‬‬ ‫فللمر أ�ة مبوجب ذلك أ�ن ت�شرتط على الزوج ما تراه من‬ ‫�شروط تتعلق مبكان �سكنها أ�و بهيئته أ�و مبكوناته‪.‬‬ ‫والقامة حيث ت�شاء املر أ�ة من غري‬ ‫‪� )5‬إن ال�سكن والتنقل إ‬ ‫موافقة �شريكها الزوج‪ ،‬جترد العالقة الزوجية أ‬ ‫وال�سرية‬ ‫من مبد أ� الت�شارك �إىل طبيعة الت�شابك والت�صادم بني‬ ‫وال�سالم يجعل هذه أ‬ ‫المور حق ًا م�شرتك ًا‬ ‫الرجل واملر أ�ة‪ ،‬إ‬ ‫بني املر أ�ة وذويها رعاية ورحمه وقوامة‪ ،‬أ�ما من ناحية‬ ‫أ‬ ‫ال�ضرار النف�سية واالجتماعية التي تعود على املر أ�ة‬ ‫أ‬ ‫وال�سرة ففيما يلي ا�ستعرا�ض ألهمها‪:‬‬ ‫وفق املراجعة ملطالب النمو يف مرحلتي املراهقة والر�شد‪،‬‬ ‫�سنجد أ�ن أ‬ ‫ال�سرة ت�شكل للمر أ�ة عام ًال أ��سا�سي ًا يف احلفاظ‬ ‫على توازنها النف�سي و�شعورها أ‬ ‫بالمن‪ ،‬فمن خالل عالقة‬ ‫الهل والزوج أ‬ ‫املر أ�ة ب أ�فراد أ��سرتها أ‬ ‫والبناء ت�شعر باحلب‬ ‫واالهتمام واالنتماء ومتار�س العطاء والتفاعل‪ ،‬وكل هذا‬ ‫ال يتحقق �إال باحل�ضور الفعلي والقرب احلقيقي الذي‬ ‫ي�ضمنه �إطار أ‬ ‫ال�سرة الواحدة والبيت الواحد‪.‬‬ ‫يحتج كثري من م ؤ�يدي هذه الفقرة ب أ�ن ال�سماح للمر أ�ة‬ ‫بحرية التنقل وال�سكن مينحها ثقة بنف�سها ويزيد �شعورها‬ ‫باال�ستقاللية‪ ،‬وهذه الفقرة جذابة يف مظهرها فهي تعطي‬ ‫والم�ساك بزمام حياتها‪،‬‬ ‫املر أ�ة �شعور ًا زائف ًا باحلرية إ‬ ‫لكنها يف واقع أ‬ ‫المر وعلى املدى البعيد �ستوجد جمتمع ًا من‬ ‫الن�ساء الوحيدات املثقالت أ‬ ‫بالعباء العاجزات عن ال�شعور‬ ‫بال�سعادة والر�ضا أ�و ال�شعور ب أ�ن حلياتهن معنى أ�و امتداد‪.‬‬ ‫الناظر �إىل واقع الن�ساء الالئي ي�سكن وحدهن يف الغرب‬ ‫ني من خمتلف امل�شكالت والهموم‪ ،‬بل ومن‬ ‫يدرك ما بعان ّ‬

‫أ‬ ‫المرا�ض النف�سية التي تبد أ� بالقلق ومتر باالكتئاب‪،‬‬ ‫ورمبا تنتهي �إىل االنتحار‪ ،‬وتواجه كثري من ه ؤ�الء الن�سوة‬ ‫اعتداءات عليهن بالقتل واالغت�صاب وال�سطو على منازلهن‬ ‫ني من عدم ا�ستقرار يف‬ ‫أ�و االغت�صاب‪� ،‬إىل جانب ما بعان ّ‬ ‫حياتهن العاطفية و�شعورهن بالف�شل يف تكوين عالقات‬ ‫ناجحة �سليمة م�ستقرة‪� ،‬إننا يجب أ�ن ال نغفل ما نراه‬ ‫من �سعي املر أ�ة والرجل يف الغرب وب�شكل حمموم لتكوين‬ ‫عالقة تبعد عن كل منهما �شبح الوحدة‪.‬‬ ‫املادة ‪ 16‬ومما جاء فيها ‪:‬‬ ‫‪ .1‬تتخذ الدول أ‬ ‫الطراف جميع التدابري املنا�سبة للق�ضاء‬ ‫على التمييز �ضد املر أ�ة يف كافة أ‬ ‫المور املتعلقة بالزواج‬ ‫والعالقات أ‬ ‫ال�سرية‪ ،‬وبوجه خا�ص ت�ضمن‪ ،‬على أ��سا�س‬ ‫ت�ساوي الرجل واملر أ�ة‪.‬‬ ‫أ�‪ .‬نف�س احلق يف عقد الزواج‪.‬‬ ‫ب‪ .‬نف�س احلق يف حرية اختيار الزوج‪.‬‬ ‫ج‪ .‬نف�س احلقوق وامل�س ؤ�وليات أ�ثناء الزواج وعند ف�سخه‪.‬‬ ‫د‪ .‬نف�س احلقوق وامل�س ؤ�وليات كوالدة‪ ،‬بغ�ض النظر عن‬ ‫حالتها الزوجية يف أ‬ ‫المور املتعلقة ب أ�طفالها‪،‬‬ ‫و‪ .‬نف�س احلقوق وامل�س ؤ�وليات فيما يتعلق بالوالية‬ ‫والقوامة والو�صاية على أ‬ ‫الطفال وتبنيهم‪ .‬أ�و ما �شابه‬ ‫ذلك من أ‬ ‫النظمة امل ؤ��س�سية االجتماعية حني توجد هذه‬ ‫املفاهيم يف الت�شريع الوطني‪.‬‬ ‫مالحظات على هذه املادة‪:‬‬ ‫هذه املادة خا�صة أ‬ ‫بال�سرة وهي من أ�خطر مواد االتفاقية‬ ‫الطالق‪ .‬فهي متثل حزمة بنود تعمل على هدم قانون‬ ‫على إ‬ ‫أ‬ ‫الحوال ال�شخ�صية ب أ�هم فقراته من زواج وطالق وقوامة‬ ‫وو�صاية ووالية وحقوق وواجبات الزوجني أ‬ ‫والبناء‪.‬‬ ‫باخت�صار ف�إن هذه املادة مت�س بقوة كل ما مي�س أ‬ ‫ال�سرة‬ ‫كم ؤ��س�سة ونظام وقيم وهي متثل منط احلياة الغربية‪.‬‬ ‫وتتجاهل معتقداتنا وقيمنا‪� .‬إنها تتجاهل وتدعو‬ ‫بكل �صراحة و�صرامة �إىل جتاوز �شرع اهلل فيما يخت�ص‬ ‫بحدود حقوق الرجل وواجباته‪ .‬وحقوق املر أ�ة ونظام‬ ‫الطالق‪ ،‬والقوامة‪ ،‬والوالية على أ‬ ‫البناء‪� .‬إنها تدعو �إىل‬ ‫أ�ن نتجاوز ديننا و�إبداله ب أ�نظمة خربت فعلي ًا حياة الغرب‬ ‫و أ��سره لنطبقها نحن بدورنا لنخرب حياتنا و أ�نظمتنا‪.‬‬ ‫ويالحظ على هذه املادة ما يلي‪:‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪93‬‬


‫‪� -1‬إن مقدمة املادة تطلب من الدول أ‬ ‫الطراف اتخاذ‬ ‫جميع التدابري للق�ضاء على التمييز �ضد املر أ�ة يف كافة‬ ‫المور املتعلقة بالزواج والعالقات أ‬ ‫أ‬ ‫ال�سرية ‪ ،‬ومن املعلوم‬ ‫بداهة لكل م�سلم أ�ن احلقوق والواجبات املرتتبة على عقد‬ ‫ال�سالمية‬ ‫الزواج خمتلفة بني الرجل واملر أ�ة يف ال�شريعة إ‬ ‫‪ ،‬لي�س على أ��سا�س متييزي ‪ ،‬و�إمنا على أ��سا�س تكامل أ‬ ‫الدوار‬ ‫وامل�س ؤ�وليات ‪ ،‬فمن واجبات الزوجة أ�ن تطيع زوجها‬ ‫باملعروف ‪ ،‬و أ�ن ال تخرج من بيت الزوجية �إال ب�إذنه ‪ ،‬و أ�ن‬ ‫حت�ضن أ�طفالها ‪ ،‬ومن واجبات الزوج أ�ن ينفق على الزوجة‪،‬‬ ‫و أ�ن يقدم لها مهرا ‪ ،‬و أ�ن ي ؤ�من لها م�سكنا ‪.‬‬ ‫‪� -2‬إن البند ( أ�) من املادة يتجاهل م�سالة الوالية على‬ ‫املر أ�ة التي مل ي�سبق لها زواج‪ ،‬مع أ�ن جمهور علماء امل�سلمني‬ ‫ي�شرتطون موافقة الويل لزواج البكر التي مل ي�سبق لها‬ ‫الزواج بناء على قول النبي ‪« :‬الزواج �إال بويل و�شاهدي‬ ‫عدل» حتى يكون �شرعي ًا �صحيح ًا‪.‬‬ ‫‪ -3‬البند (ب) تبع ًا للبند ال�سابق يطلق حرية املر أ�ة يف‬ ‫اختيار من تر�ضاه من أ‬ ‫الزواج من غري �إ�شراك وليها يف‬ ‫تلك امل�س ؤ�ولية‪ .‬وعلى ما يبدو ف�إن االتفاقية ومن و�ضعها‬ ‫مل يفهم دور الويل يف زواج املر أ�ة من أ�نه يقوم على مبد أ�‬ ‫حمايتها والدفاع عنها يف حال ح�صول جور أ�و ظلم عليها‬ ‫من زوجها‪� .‬إن هذه املادة توكل املر أ�ة �إىل نف�سها‪ .‬وتقطعها‬ ‫من �سند وليها ‪ .‬وحترمها من وقوفه �إىل جانبها عندما‬ ‫حتتاجه‪ .‬فالزواج يف ديننا حم�صلة توافق ر أ�ي املر أ�ة مع‬ ‫ال�سالمية تفرق بني البكر والثيب‬ ‫وليها‪ .‬كما �إن الر ؤ�ية إ‬ ‫يف م�س ؤ�ولية اختيار الزوج وعقد الزواج‪.‬‬ ‫فالثيب التي �سبق أ�ن تزوجت ثم أ�رادت أ�ن تتزوج من جديد‬ ‫منحها ال�شرع حق تزويج نف�سها مرة أ�خرى من غري موافقة‬ ‫وليها ملا حت�صل عندها من خربة ودراية يف � ؤ‬ ‫ش�ونها‪ .‬و أ�ما‬ ‫البكر ف�إنها ما زالت بحاجة �إىل من يرعى � أش�نها ويدبر‬ ‫أ�مرها ويعينها عليه خ�صو�ص ًا و أ�نها تخو�ض جتربة الزواج‬ ‫للمرة أ‬ ‫الوىل‪ ،‬وهذه املادة تبيح للمر أ�ة امل�سلمة أ�ن تتزوج‬ ‫من غري م�سلم وهذا خمالف للن�ص القر آ�ين الوا�ضح‪.‬‬ ‫ال�سالم موافقة ويل زواجها عون ًا لها‬ ‫ولذلك ا�شرتط إ‬ ‫وم�شاركة لها يف حتمل نتائج هذا الزواج على أ�ن تزويجها‬ ‫ال ي�صح �إال مبوافقتها أ�ي�ض ًا‪ ،‬فقد قال النبي ‪« :‬ال تنكح‬ ‫البكر حتى ت�ست أ�ذن»‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ال�سالم على الزوج من‬ ‫‪ -4‬البند (ج) ي�سقط ما يفر�ضه إ‬ ‫عدل» حتى يكون �شرعي ًا �صحيح ًا‪.‬‬ ‫‪ -3‬البند (ب) تبع ًا للبند ال�سابق يطلق حرية املر أ�ة يف‬ ‫اختيار من تر�ضاه من أ‬ ‫الزواج من غري �إ�شراك وليها يف‬ ‫تلك امل�س ؤ�ولية‪ .‬وعلى ما يبدو ف�إن االتفاقية ومن و�ضعها‬ ‫مل يفهم دور الويل يف زواج املر أ�ة من أ�نه يقوم على مبد أ�‬ ‫حمايتها والدفاع عنها يف حال ح�صول جور أ�و ظلم عليها‬ ‫من زوجها‪� .‬إن هذه املادة توكل املر أ�ة �إىل نف�سها‪ .‬وتقطعها‬ ‫من �سند وليها ‪ .‬وحترمها من وقوفه �إىل جانبها عندما‬ ‫حتتاجه‪ .‬فالزواج يف ديننا حم�صلة توافق ر أ�ي املر أ�ة مع‬ ‫ال�سالمية تفرق بني البكر والثيب‬ ‫وليها‪ .‬كما �إن الر ؤ�ية إ‬ ‫يف م�س ؤ�ولية اختيار الزوج وعقد الزواج‪.‬‬ ‫فالثيب التي �سبق أ�ن تزوجت ثم أ�رادت أ�ن تتزوج من جديد‬ ‫منحها ال�شرع حق تزويج نف�سها مرة أ�خرى من غري موافقة‬ ‫وليها ملا حت�صل عندها من خربة ودراية يف � ؤ‬ ‫ش�ونها‪ .‬و أ�ما‬ ‫البكر ف�إنها ما زالت بحاجة �إىل من يرعى � أش�نها ويدبر‬ ‫أ�مرها ويعينها عليه خ�صو�ص ًا و أ�نها تخو�ض جتربة الزواج‬ ‫للمرة أ‬ ‫الوىل‪ ،‬وهذه املادة تبيح للمر أ�ة امل�سلمة أ�ن تتزوج‬ ‫من غري م�سلم وهذا خمالف للن�ص القر آ�ين الوا�ضح‪.‬‬ ‫ال�سالم موافقة ويل زواجها عون ًا لها‬ ‫ولذلك ا�شرتط إ‬ ‫وم�شاركة لها يف حتمل نتائج هذا الزواج على أ�ن تزويجها‬ ‫ال ي�صح �إال مبوافقتها أ�ي�ض ًا‪ ،‬فقد قال النبي ‪« :‬ال تنكح‬ ‫البكر حتى ت�ست أ�ذن»‪.‬‬ ‫ال�سالم على الزوج من‬ ‫‪ -4‬البند (ج) ي�سقط ما يفر�ضه إ‬ ‫حقوق للمر أ�ة‪ ،‬وهي ما تتمثل باملهر‪ ،‬وجتهيز م�سكن يليق‬ ‫النفاق‬ ‫بها‪ ،‬وت أ�ثيثه‪ ،‬وتوفري خادمة لها أ�ن ا�ستطاع‪ ،‬وكذلك إ‬ ‫عليها يف ما حتتاجه يف حياتها‪ ،‬فاملادة مل حتل ذلك �إىل‬ ‫الزوج‪ ،‬بل جعلته أ�مر ًا م�ستوي ًا بينهما‪ ،‬وهو ما ي ؤ�دي �إىل‬ ‫جعل املر أ�ة كالرجل يف توفري احتياجاتها ونفقاتها‪ ،‬ومبا‬ ‫يجربها على اخلروج �إىل �سوق العمل من أ�جل ك�سب املال‬ ‫للوفاء باحتياجاتها وذلك ومبا ال �شك فيه �سي ؤ�دي �إىل‬ ‫حتميل املر أ�ة أ�حما ًال زائدة فوق أ�حمالها‪ ،‬ويجعل العمل‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬و�إذا‬ ‫واجب ًا عليها ال حق ًا لها كما هو يف الت�صور إ‬ ‫النفاق أ‬ ‫والمور املالية‬ ‫التفاقية أ�ن جتعل إ‬ ‫ا�ستطاعت هذه إ‬ ‫أ�مر ًا مت�ساوي ًا بني الرجل واملر أ�ة فكيف �ستجعل احلمل‬ ‫والر�ضاع أ�مر ًا م�ستوي ًا‪ ،‬أ�لي�س يف هذا �إجحاف‬ ‫والوالدة إ‬


‫وظلم مغلف بدعوة احلق والن�صرة!‬ ‫‪ -5‬البند د فهو ي�شجع على العالقات غري امل�شروعة عندما‬ ‫يتحدث عن حق املر أ�ة كوالدة بغ�ض النظر عن حالتها‬ ‫الزوجية‬ ‫‪ -6‬البند و الذي يطالب ب�إعطاء نف�س احلقوق والواجبات‬ ‫يف الوالية والقوامة ‪ ،‬ومعروف أ�ن القوامة يف الفقه‬ ‫ال�سالمي هي للرجل ‪ ،‬بعيدا عن ال�صراع بني الزوجني ‪،‬‬ ‫إ‬ ‫ش�ون أ‬ ‫و�إمنا ل�ضبط � ؤ‬ ‫ال�سرة قال تعاىل « الرجال قوامون‬ ‫على الن�ساء «‬ ‫املادة ‪ : 28‬حيث جاء يف البند ‪ 2‬منها « ال يجوز �إبداء أ�ي‬ ‫حتفظ يكون منافيا ملو�ضوع االتفاقية وغر�ضها ‪.‬‬ ‫وعليه ف أ�ي حتفظ يكون فيه متييز بني الرجل واملر أ�ة ال‬ ‫يعتد به ويكون الغيا‪ ،‬وبالتايل فالتحفظ ال قيمة له‪.‬‬ ‫موقفنا من االتفاقية ‪:‬‬ ‫ال�سالم بامل�ساواة بني الرجل واملر أ�ة يف التكاليف‬ ‫لقد جاء إ‬ ‫من اعتقاد وعمل و آ�داب ومعامالت‪ ،‬قال تعاىل‪َ ( :‬م ْن‬ ‫َعم َِل َ�صالحِ ً ا ِم ْن َذ َك ٍر َأ� ْو ُأ� ْن َثى َوهُ َو ُم ْ ؤ� ِمنٌ َف َلن ُْح ِي َي َنّهُ َح َيا ًة‬ ‫َط ِّي َب ًة ۖ َو َل َن ْج ِز َي َّن ُه ْم َأ� ْج َرهُ ْم ِب َأ� ْح َ�س ِن َما َكا ُنوا َي ْع َم ُلونَ )‬ ‫(النحل‪.)97:‬‬ ‫وكذلك يف احلقوق والواجبات ب�شكل عام ‪.‬‬ ‫ال�سالم يف الوقت نف�سه أ�كد على الفروق البيولوجية‬ ‫ولكن إ‬ ‫ال�سرة تكتمل أ‬ ‫والنثى ‪ ،‬والتي من خالل أ‬ ‫بني الذكر أ‬ ‫الدوار‬ ‫فيما بينهما ‪ ،‬فالذكر لي�س أ‬ ‫كالنثى وكذلك العك�س‪ ،‬وهذا‬ ‫يعني أ�ن مفهوم امل�ساواة املطلقة التي تنادي به هذه‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وباملقابل ينادي ب أ�ن لكل من‬ ‫االتفاقية يرف�ضه إ‬ ‫الرجل واملر أ�ة حقوقا وواجبات متكاملة‪.‬‬ ‫�إن املوافقة على هذه االتفاقية بكل بنودها دون حتفظ ‪،‬‬ ‫�سي ؤ�دي �إىل تفكيك أ‬ ‫ال�سرة واعتماد الفردية البعيدة عن‬ ‫ال�سالم يف بناء املجتمعات‪ ،‬ألن الفردية التي تنطلق‬ ‫روح إ‬ ‫منها االتفاقية ‪ ،‬هي اللبنة أ‬ ‫ال�سا�سية يف بناء املجتمع‬ ‫الغربي ولي�ست أ‬ ‫ال�سرة ‪ ،‬وقد ولد هذا املفهوم يف املجتمع‬ ‫ال�سرة الغربية‪ ،‬ألن أ‬ ‫الغربي آ�ثار ًا مدمرة على أ‬ ‫ال�سرة‬ ‫الغربية �صارت تدار بر أ��سني ال بر أ��س واحد ‪ ،‬وهو �سي ؤ�دي‬ ‫حتم ًا �إىل القبول ب أ��سرة تتكون من رجلني أ�و �إمر أ�تني ‪.‬‬ ‫�إن أ‬ ‫ال�سرة احلقيقية التي ت ؤ�دي �إىل بناء املجتمع هي التي‬ ‫ت�شرتط مبد أ� الزوجية أ�ي ح�ضور املر أ�ة والرجل وبينهما‬

‫رابطة �شرعية ‪ -‬ل�ضمان النظام الالزم لتدفق احلياة‬ ‫والن�شاط‪.‬‬ ‫�إن امل�ساواة يف نظام أ‬ ‫ال�سرة تعبري ي ؤ�دي �إىل الفردية‬ ‫واال�ستقاللية‪ ،‬و�شعار التكامل املتبادل بني الرجل واملر أ�ة‪،‬‬ ‫هو التعبري ال�صحيح عن مبد أ� الزوجية والتكامل بني‬ ‫الرجل واملر أ�ة يف نظام أ‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫ال�سرة بال�شريعة إ‬ ‫�إن تطبيق هذه البنود التي حتفّظت عليها الدول‬ ‫والرغام الذي‬ ‫الجبار إ‬ ‫ال�سالمية �سيكون نوع ًا من أ�نواع إ‬ ‫إ‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬من أ�جل �إرغامها‬ ‫ميار�سه الغرب على الدول إ‬ ‫على اعتماد النموذج أ‬ ‫ال�سري الغربي كبديل عن النموذج‬ ‫أ‬ ‫ال�سالمي‪.‬‬ ‫ال�سري إ‬ ‫معنى م�صطلح اجلندر‪:‬‬ ‫الجنليزية» ‪ ،»Gender‬وتعرف‬ ‫أ��صل امل�صطلح هو الكلمة إ‬ ‫املو�سوعة الربيطانية الهوية اجلندرية «‪Identity‬‬ ‫الن�سان بنف�سه كذكر أ�و أ�نثى‪،‬‬ ‫‪ »Gender‬ب أ�نها‪� :‬شعور إ‬ ‫العم أ‬ ‫ويف أ‬ ‫الغلب ف�إن الهوية اجلندرية تطابق اخل�صائ�ص‬ ‫الن�سان‬ ‫الع�ضوية‪ ،‬لكن هناك حاالت ال يرتبط فيها �شعور إ‬ ‫بخ�صائ�صه الع�ضوية‪ ،‬وال يكون هناك توافق بني ال�صفات‬ ‫الع�ضوية وهويته اجلندرية‬ ‫( أ�ي �شعوره ال�شخ�صي بالذكورة أ‬ ‫والنوثة)‪ ...‬وتوا�صل‬ ‫التعريف بقولها‪� « :‬إن الهوية اجلندرية لي�ست ثابتة‬ ‫بالوالدة_ ذكر أ�و أ�نثى_ بل ت ؤ�ثر فيه العوامل النف�سية‬ ‫واالجتماعية بت�شكيل نواة الهوية اجلندرية‪ ،‬وهي تتغري‬ ‫وتتو�سع بت أ�ثري العوامل االجتماعية كلما منا الطفل‪.‬‬ ‫هذا يعني أ�ن الفرد من الذكور �إذا ت أ�ثر يف ن� أش�ته‬ ‫ب أ�حد ال�شواذ جن�سي ًا ف�إنه قد مييل �إىل جن�س الذكور‬ ‫الناث‪ ،‬لي�س على أ��سا�س ع�ضوي‬ ‫لتكوين أ��سرة بعيد ًا عن إ‬ ‫ف�سيولوجي‪ ،‬و�إمنا على أ��سا�س التطور االجتماعي لدوره‬ ‫اجلن�سي واالجتماعي‪ ،‬وكذلك أ‬ ‫المر بالن�سبة للفرد من‬ ‫الناث؟!‬ ‫إ‬ ‫وتوا�صل املو�سوعة الربيطانية تعريفها للجندر‪ « :‬كما‬ ‫أ�نه من املمكن أ�ن تتكون هوية جندرية الحقة أ�و ثانوية‬ ‫لتتطور وتطغى على الهوية اجلندرية أ‬ ‫ال�سا�سية_‬ ‫الذكورة أ�و أ‬ ‫النوثة_ حيث يتم اكت�ساب أ�مناط من‬ ‫ال�سلوك اجلن�سي يف وقت الحق من احلياة‪� ،‬إذ �إن أ�مناط‬ ‫ال�سلوك اجلن�سي وغري النمطية منها أ�ي�ض ًا تتطور الحق ًا‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪95‬‬


‫حتى بني اجلن�سني» !!‪.‬‬ ‫أ�ما منظمة « ال�صحة العاملية» فتعرفه ب أ�نه‪ « :‬امل�صطلح‬ ‫الذي يفيد ا�ستعماله و�صف اخل�صائ�ص التي يحملها‬ ‫الرجل واملر أ�ة ك�صفات مركبة اجتماعية‪ ،‬ال عالقة لها‬ ‫باالختالفات الع�ضوية» ‪ ،‬مبعنى أ�ن كونك ذكر ًا أ�و أ�نثى‬ ‫ع�ضوي ًا لي�س له عالقة باختيارك ألي ن�شاط جن�سي قد‬ ‫متار�سه‪ ،‬فاملر أ�ة لي�ست امر أ�ة �إال ألن املجتمع أ�عطاها ذلك‬ ‫الدور‪ ،‬وميكن ح�سب هذا التعريف أ�ن يكون الرجل امر أ�ة‪..‬‬ ‫و أ�ن تكون املر أ�ة زوج ًا تتزوج امر أ�ة من نف�س جن�سها‪ ،‬وبهذا‬ ‫تكون قد غريت �صفاتها االجتماعية وهذا أ‬ ‫المر ينطبق‬ ‫على الرجل أ�ي�ض ًا‪.‬‬ ‫أ�ين هذا التعريف مما يقدمه لنا دعاة اجلندرة؟! �إنهم‬ ‫يقدمون امل�صطلح مبعنى حترير املر أ�ة وترقية دورها يف‬ ‫التنمية‪ ،‬ومبعنى ال�سعي ألجل �إدخال �إ�صالحات لزيادة‬ ‫م�ساهمة املر أ�ة يف العمل وزيادة دخلها‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وان‬ ‫الن�صاف عرفوا امل�صطلح تعريف ًا غام�ض ًا مبت�سر ًا‪،‬‬ ‫زادوا يف إ‬ ‫وذلك بقولهم(‪ ...‬م�صطلح اجلندر يعني الفروق بني‬ ‫اجلن�سني على أ��س�س ثقافية واجتماعية‪ ،‬ولي�س على أ��سا�س‬ ‫بيولوجي ف�سيولوجي‪ )..‬وترجمة امل�صطلح للعربية‬ ‫تختلف من مكان آلخر‪ ،‬فبع�ضهم برتجمة بـ» النوع‬ ‫االجتماعي» والبع�ض آ‬ ‫الخر يجعله مرادف ًا لكلمة ‪sex‬‬ ‫والغلب أ‬ ‫أ�ي‪ :‬جن�س‪ ،‬أ‬ ‫العم يكتفي من ترجمة الكلمة‬ ‫الحرف أ‬ ‫بتحويل أ‬ ‫الجنليزية �إىل مقابالتها‬ ‫البجدية إ‬ ‫يف العربية!‬ ‫هذا الغمو�ض لرتجمة م�صطلح اجلندر للغة العربية كان‬ ‫وا�ضح ًا يف كل وثائق م ؤ�مترات أ‬ ‫المم املتحدة واملنظمات‬ ‫الجنليزية مل ؤ�متر بكني الدويل‬ ‫التابعة لها‪ ،‬بل �إن الن�سخة إ‬ ‫ذكرت امل�صطلح ‪ 254‬مرة دون أ�ن تعرفه!! وحتت �ضغط‬ ‫الدول املحافظة مت ت�شكيل فريق عمل لتعريفه وخرجت‬ ‫جلنة التعريف بعدم تعريف امل�صطلح!‬ ‫والدعوة بعد مطروحة لدعاة اجلندرة لدعاة أ�ن يعرفوها‬ ‫لنا �إن كان لهم تعريف يخالف ما ذكرته املو�سوعات اللغوية‬ ‫واملنظمات ال�صحية‪.‬‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬أ�دركوا أ�م مل يدركوا‪،‬‬ ‫�إن دعاة اجلندرة يف عاملنا إ‬ ‫يروجون ألفكار خطرية أ�همها‪:‬‬ ‫أ�و ًال‪ :‬رف�ض ان اختالف الذكر أ‬ ‫والنثى هو من �صنع اهلل‬ ‫‪96‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الذ َك َر َو ْ ُأ‬ ‫الز ْو َجينْ ِ َّ‬ ‫( َو َأ� َنّهُ َخ َل َق َّ‬ ‫ال ْن َثى* ِم ْن نُطْ َف ٍة ِ�إ َذا تمُ ْ َنى)‬ ‫(�سورة النجم‪.)45:‬‬ ‫الن�سان يف تغيري هويته اجلن�سيه‬ ‫ثاني ًا‪ :‬فر�ض فكرة حق إ‬ ‫و أ�دواره املرتتبة عليها‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬العمل على �إ�ضعاف أ‬ ‫ال�سرة ال�شرعية التي هي لبنة‬ ‫بناء املجتمع ال�سليم املرتابط وحم�صن الرتبية ال�صاحلة‬ ‫ومركز القوة الروحية ومفخرة ال�شعوب امل�سلمة يف ع�صر‬ ‫االنحطاط املادي‪.‬‬ ‫التفاقية يف اجلريدة الر�سمية ال‬ ‫و أ�خري ًا ف�إ َّن ‪ -‬ن�شر إ‬ ‫اللزام‪ ،‬وم�صادقة ال�سلطة التنفيذية على‬ ‫يعطيها �صفة إ‬ ‫املعاهدات الدولية ال يعني �إلزام ال�سلطة الق�ضائية بها‪،‬‬ ‫بد من �إ�صدار قانون للم�صادقة على هذه االتفاقية‪،‬‬ ‫وال َّ‬ ‫وهذا ما مل يح�صل بالن�سبة التفاقية �سيداو‪.‬‬ ‫ �إنّ هذه االتفاقية مل ي�صادق عليها جمل�س أ‬‫المة‪ ،‬وهذه‬ ‫خمالفة �صريحة للبند (‪ )2‬من املادة (‪ )33‬من د�ستور‬ ‫اململكة أ‬ ‫الردنية الها�شمية‪.‬‬ ‫املادة (‪ )33‬د�ستور اململكة أ‬ ‫الردنية الها�شمية‬ ‫‪ -1‬امللك هو الذي يعلن احلرب ويعقد ال�صلح ويربم‬ ‫املعاهدات واالتفاقات‪.‬‬ ‫‪ -2‬املعاهدات واالتفاقات التي يرتتب عليها حتميل خزانة‬ ‫الدولة �شيئا من النفقات أ�و م�سا�س ًا يف حقوق أ‬ ‫الردنيني‬ ‫العامة أ�و اخلا�صة ال تكون نافذة �إال �إذا وافق عليها جمل�س‬ ‫أ‬ ‫المة ‪ ،‬وال يجوز يف أ�ي حال أ�ن تكون ال�شروط ال�سرية يف‬ ‫معاهدة أ�و اتفاق ما مناق�ضة لل�شروط العلنية ‪.‬‬ ‫م�سا�س بحقوق أ‬ ‫الردنيني ال يجوز‬ ‫التفاقية ّ‬ ‫وهذه إ‬ ‫امل�صادقة عليها �إال بعد �إقرارها بال�سلطة الت�شريعية ‪.‬‬


‫ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻌﺪﺩ‬ ‫ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‬ ‫» ﺩﻭﺭ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ«‬ ‫‪/٢١-٢٠‬ﺷﺒﺎﻁ‪٢٠٠٩/‬ﻡ‬


‫مؤتمر العدد‬ ‫المؤتمر الدولي الثاني‬ ‫« دور اإلعالم في الثقافة الوسطية»‬ ‫‪/21-20‬شباط‪2009/‬م‬

‫نظم «منتدى الو�سطية يف لبنان» امل ؤ�متر الدويل الثاين‬ ‫العالم يف تعزيز‬ ‫للو�سطية يف لبنان بعنوان‪« :‬دور و�سائل إ‬ ‫ثقافة الو�سطية» يف طرابل�س‪ ،‬برعاية رئي�س الوزراء‬ ‫ال�سبق أ‬ ‫اللبناين أ‬ ‫ال�ستاذ جنيب ميقاتي‪ ،‬وبح�ضور ر�سمي‬ ‫العالمية والنقابية أ‬ ‫والهلية‬ ‫وح�شد من ال�شخ�صيات إ‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية والرتبوية والدينية وفاعليات‬ ‫�شمالية‪.‬‬ ‫دعا الرئي�س جنيب ميقاتي �إىل «تعزيز �إعالم املواطنة‪،‬‬ ‫ألننا نرى يف �إعالم الطوائف واملذاهب خطر ًا على هذه‬ ‫الطوائف وتلك املذاهب‪ ،‬ال ت�ست�سيغ الغالبية الكربى من‬ ‫أ�هله التطرف‪ ،‬بل تدعو اىل احرتام االقتناعات واخليارات‬ ‫ومناق�شتها باحلجج واملنطق واملو�ضوعية»‪ .‬ور أ�ى يف «»تعزيز‬ ‫العالمية وحمايتها‪،‬‬ ‫ثقافة الو�سطية تعزيز ًا للحرية إ‬ ‫و�صون ًا للدميوقراطية والتعددية‪ ،‬وحفظ ًا للتوازن يف‬ ‫املمار�سة والتعبري»‪.‬‬ ‫الله ميقاتي كلمة با�سم املنتدى‬ ‫و أ�لقى الدكتور عبد إ‬ ‫العالم الو�سطي جامعة‪ ،‬ألنها لغة‬ ‫قال فيها �إن «لغة إ‬ ‫احلوار الهادئ واملناق�شة املتزنة‪ ،‬وهي لغة وا�سعة تتحمل‬ ‫االختالف‪ ،‬ألن االختالف يف الر أ�ي ال يف�سد للود ق�ضية‪.‬‬ ‫العيان أ‬ ‫وقالت ع�ضو جمل�س أ‬ ‫الردين ليلى �شرف �إننا نحتاج‬ ‫اليوم �إىل حركة تنموية نه�ضوية �شاملة ملجتمعاتنا‬ ‫العربية‪ ،‬حركة �إ�صالحية جذرية متعددة اجلوانب‪،‬‬ ‫قوامها الو�سطية يف الفكر والعمل والتعامل مع مرجعياتنا‬ ‫احل�ضارية»‪.‬‬ ‫العالم امل�صري ال�سابق الدكتور‬ ‫ومن جهته اعترب وزير إ‬ ‫أ�حمد أ�بو املجد أ�ن «الو�سطية نهج فكري وعلمي تعالج‬ ‫ال�سالمي والعربي‪ ،‬وهي ظاهرة‬ ‫مع�ضلة ال يتفرد بها عاملنا إ‬ ‫أ‬ ‫الحادية والظهور يف املواجهات والغلو التي أ�خذت ت�شكل‬ ‫خطر ًا على جمتمعاتنا»‪.‬‬ ‫اجلل�سة أ‬ ‫الوىل‬ ‫‪98‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الول من امل ؤ�متر �شهد جل�ستني‪ ،‬أ‬ ‫وكان اليوم أ‬ ‫الوىل بعنوان‪:‬‬ ‫العالم يف فكر الو�سطية»‪ ،‬وتر أ��ستها وزيرة االعالم‬ ‫«موقع إ‬ ‫أ‬ ‫الردنية ال�سابقة ليلى عبد احلميد �شرف‪ ،‬وتكلم فيها رئي�س‬ ‫النوار» البنانية أ‬ ‫حترير جريدة « أ‬ ‫ال�ستاذ رفيق خوري‬ ‫«العالميني‬ ‫العالم»‪ .‬ور أ�ى ان إ‬ ‫على «املو�ضوعية و�شخ�صنة إ‬ ‫جزء من حيوية املجتمع‪ .‬و�إذا فقد أ‬ ‫الخري حيويته‪ ،‬فهذا‬ ‫العالم �سيعاين �ضيق أ�فق»‪.‬‬ ‫يعني أ�ن إ‬ ‫وتطرق أ‬ ‫ال�ستاذ يف اجلامعة اللبنانية الدكتور �سا�سني‬ ‫«العالم وثقافة التغيري»‪ ،‬فحذر من أ�ن «احلرية‬ ‫ع�ساف �إىل إ‬ ‫العالمية يف أ‬ ‫النظمة الدميوقراطية قد ت�ستغل أ�حيان ًا‬ ‫إ‬ ‫لتكون غالف ًا ملا يناق�ض جوهرها ووظيفتها التغيريية عرب‬ ‫العالن فيها»‪.‬‬ ‫حتكم ر أ��س املال او إ‬ ‫وتناول أ‬ ‫ال�ستاذ رمزي النجار( لبنان ) « مو�ضوع «من هو‬ ‫جمهور الو�سطية؟ وما هي حاجاته الفكرية؟»‪ ،‬معترب ًا أ�ن‬ ‫«الو�سطية املتحررة من قيود امل�صطلح الظامل تعاين �إلقاء‬ ‫التهم عليها جزاف ًا‪.‬‬ ‫و أ�نهى نا�شر جريدة «التمدن» أ‬ ‫ال�ستاذ فايز ال�سنكري‬ ‫العالم ك�سلطة رابعة يف تعزيز‬ ‫اجلل�سة باحلديث عن «دور إ‬ ‫ثقافة الو�سطية»‪ .‬وقال‪« :‬على رغم التداعي الكبري الذي‬ ‫أ��صاب هيكل الدولة يف مراحل حرجة عدة‪ ،‬مل ي�سقط‬ ‫العالم الو�سطي يف فخ �إثارة الغرائز‪ ،‬وبقي ع�صي ًا على‬ ‫إ‬ ‫التطويع‪ ،‬و أ�ن «الو�سطية ال تعني عدم االنحياز �إىل احلق‪،‬‬ ‫أ�خالقي ًا و�إن�ساني ًا‪.‬‬ ‫اجلل�سة الثانية‬ ‫وكانت اجلل�سة الثانية بعنوان «املفاهيم والدالالت‬ ‫املعززة لثقافة الو�سطية»‪ ،‬وتر أ��سها رئي�س حترير جريدة‬ ‫«اللواء» اللبنانية أ‬ ‫ال�ستاذ �صالح �سالم الذي ر أ�ى أ�ن « فكر‬ ‫الو�سطية قادر على التعاي�ش والتفاعل مع ما يحيطه من‬ ‫تنوع ثقايف وديني وح�ضاري بي�سر وايجابية ال تتوافر‬ ‫عند أ�هل التطرف يف طروحاتهم‪ ،‬وال عند أ�هل التع�صب يف‬ ‫ممار�ساتهم»‪.‬‬ ‫وتناول رئي�س حترير جملة « التبيان» الدكتورعبد احلليم‬ ‫عوي�س ( م�صر) أ‬ ‫العالمية املعززة‬ ‫«ال�س�س واملفاهيم إ‬ ‫لثقافة الو�سطية»‪ ،‬فقال �إن «املنهزم واليائ�س ال ميكن أ�ن‬ ‫ال�سالمي‬ ‫ي�صنع ح�ضارة أ�و و�سطية»‪ .‬و أ�ن «خ�صي�صة املنهج إ‬ ‫ال�سالمي هي خ�صي�صة الو�سطية التي ت�شكل‬ ‫والعالم إ‬ ‫إ‬


‫الن�سان»‪.‬‬ ‫الطريق الوا�ضح الفطري املنقذ حل�ضارة إ‬ ‫وناق�ش رئي�س حترير جملة «الكلمة» املفكر زكي امليالد‬ ‫ال�سالمي‬ ‫( ال�سعودية ) «جتدد مفهوم الو�سطية يف اخلطاب إ‬ ‫بالطار‬ ‫املعا�صر»‪ ،‬م�شري ًا �إىل ارتباطه «بثالث م�سائل مت�صلة إ‬ ‫ال�سالمي املعا�صر‪ ،‬أ‬ ‫الوىل تتعلق بتطور اخلطاب املعا�صر‬ ‫إ‬ ‫ال�سالمي حول مفهوم الو�سطية‪ ،...‬والثانية‬ ‫داخل التيار إ‬ ‫تتعلق بالتطور احلا�صل يف مفهوم النظر �إىل الو�سطية من‬ ‫خالل التخاطب مع الذات‪ .‬اما امل�س أ�لة الثالثة‪ ،‬فتتعلق‬ ‫بفح�ص مفهوم الو�سطية لتحديده وك�شف أ�بعاده وتبيان‬ ‫معامله و�إزالة ما ي�شوبه من �ضبابية وغمو�ض‪.‬‬ ‫أ‬ ‫(الردن) «العوامل‬ ‫وعالج الدكتور حممد اخلطيب‬ ‫العالمية املعيقة يف تعزيز ثقافة الو�سطية»‪ ،‬جمم ًال �إياها‬ ‫إ‬ ‫«مبعوقات رئي�سية ال ميكن العمل على ن�شر الو�سطية من‬ ‫دون اجتيازها‪ ،‬ومنها أ�زمة الهوية واختالل القيم واملعايري‬ ‫العالم التي عملت على طم�س الهوية‬ ‫يف العديد من و�سائل إ‬ ‫وهدم القيم يف الكثري مما تبث‪.‬‬ ‫وتناول الدكتور هايل داود أ‬ ‫العالمية‬ ‫(الردن) «العوامل إ‬ ‫«العالم‬ ‫امل�ساعدة يف تعزيز ثقافة الو�سطية»‪ ،‬فاعترب أ�ن إ‬ ‫ميار�س دور ًا حيويا يف �صياغة العقول والر أ�ي العام‬ ‫والتحوالت ال�سيا�سية واالجتماعية‪ ،‬وخ�صو�ص ًا بعد انت�شار‬ ‫العالم ي�ستخدم يف الدعوة‬ ‫والنرتنت‪ ،‬علما ان إ‬ ‫الف�ضائيات إ‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬مما يجعل أ‬ ‫ال�سالمية أ�مة �إعالمية يف‬ ‫المة إ‬ ‫إ‬ ‫أ��صلها»‪.‬‬ ‫واختتم الدكتور عبد احلميد أ‬ ‫الن�صاري (قطر) اجلل�سة‬ ‫العالمي للو�سطية‪ :‬كيف يجب أ�ن‬ ‫بتناول «اخلطاب إ‬ ‫يكون؟»‪ ،‬فقال‪« :‬نواجه حتدي ًا خارجي ًا متمث ًال يف العدو‬ ‫ال�صهيوين‪ ،‬وحتدي ًا داخلي ًا متمث ًال يف التخلف»‪ .‬ودعا �إىل‬ ‫«التمييز بني الو�سطية كفكر ومبد أ� وقيمة من جهة‪ ،‬وبني‬ ‫ممار�سات و�سلوك وخطاب يروج له يف ال�ساحة على أ�نه‬ ‫خطاب و�سطي»‪.‬‬ ‫اليوم الثاين‬ ‫وت�ضمن اليوم الثاين من امل ؤ�متر جل�ستني‪ ،‬حملت أ‬ ‫الوىل‬ ‫عنوان « تطوير خطاب الو�سطية يف مواجهة التحديات‬ ‫امل�ستقبلية «‪ ،‬ورئ�سها املهند�س مروان فاعوري أ‬ ‫المني العام‬ ‫للمنتدى العاملي للو�سطية ورئي�س منتدى الو�سطية للفكر‬ ‫والثقافة يف أ‬ ‫الردن‪ ،‬و أ�لقيت فيها خم�س أ�وراق‪ ،‬تقدمتهم‬

‫ورقة املفكر حممد طالبي ( املغرب) حتت عنوان‪« :‬قيم‬ ‫ال�سرتاتيجية أ‬ ‫والهداف»‪ ،‬أ� ّكد من خاللها‬ ‫الو�سطية‪ :‬إ‬ ‫أ�نّ الو�سطية �ستبقى �س ؤ�ا ًال و�ست�ستمر‪ ،‬لكننا نريدها أ�ن‬ ‫تكون أ��سلوب حياة‪ ،‬الفت ًا �إىل أ�نّ منهج الو�سطية كطريقة‬ ‫من طرائق التفكري تعمل على حتديد مفاهيم الرتكيب‪،‬‬ ‫والزوجية‪ ،‬واملقدار‪.‬‬ ‫ثم أ�لقى املهند�س أ�بو العال ما�ضي (م�صر) ورقته عن‬ ‫«تطوير اخلطاب ال�سيا�سي لفكر الو�سطية»‪ ،‬م ؤ�كد ًا أ�نّ‬ ‫مفهوم ٌ‬ ‫را�سخ ‪،‬‬ ‫الو�سطية لي�ست أ�مر ًا طارئ ًا يف حد ذاته‪ ،‬بل‬ ‫ٌ‬ ‫تنعك�س يف أ��شكال عديدة ال ميكن احتكارها أ�و ح�صرها من‬ ‫قبل أ��شخا�ص أ�و جمموعة أ�و حتى حزب‪.‬‬ ‫ثم تناول الدكتور جا�سم �سلطان (قطر) يف ورقته «تطوير‬ ‫البعد النه�ضوي خلطاب الو�سطية» متحدث ًا عن حتديات‬ ‫النه�ضة املعا�صر‪ ،‬داعي ًا �إىل ا�ستعادة الثقة بالقدرة الذاتية‬ ‫البداع‪ ،‬والق�ضاء على أ‬ ‫الفكار االنق�سامية من‬ ‫وحترير إ‬ ‫جذورها‪ ،‬م ؤ�كد ًا أ�نّ م�شروع النه�ضة والو�سطية لن يظل يف‬ ‫ف�ضائه النظري وهو انتقل فعلي ًا �إىل املجال العملي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وحتدث الدكتور عمرو ال�شوبكي (م�صر) يف ورقته عن‬ ‫«التحول ال�سيا�سي يف فكر الو�سطية‪ :‬كيف ُي�صنع �إعالمي ًا؟»‬ ‫م ؤ�كد ًا أ�ن تكون الو�سطية مرجعية ن�ستمد من خاللها القوة‬ ‫وامل�صداقية‪ ،‬وتكون التجربة حمكومة على أ�دائنا ولي�س‬ ‫على فكر الو�سطية‪ ،‬من ّوها باخلربة الرتكية ذات التوجه‬ ‫الو�سطي‪.‬‬ ‫واختتمت اجلل�سة بورقة للدكتور �سعد الدين عثماين‬ ‫(املغرب)‪ ،‬تناول فيها «م�ستقبل فكر الو�سطية يف منظومة‬ ‫أ‬ ‫معرف ًا الو�سطية على أ�نها لي�ست مذهب ًا أ�و‬ ‫الفكار العاملية»‪ّ ،‬‬ ‫طائفة‪ ،‬فهي منهج وتوجه را�سخ وثابت لدى أ‬ ‫المة‪ ،‬م�شري ًا‬ ‫�إىل أ�نّ من �سمات الو�سطية االعرتاف آ‬ ‫بالخر واالعتدال‬ ‫واال�ستفادة من الغري والتفاعل امل�ستمر واحلوار املفتوح مع‬ ‫احل�ضارات والثقافات والديانات املختلفة‪.‬‬ ‫أ� ّما اجلل�سة الرابعة أ‬ ‫والخرية من امل ؤ�متر فقد حملت‬ ‫العالم و�سيط ًا؟» ورئ�سها أ‬ ‫ال�ستاذ‬ ‫عنوان «كيف يكون إ‬ ‫طالل �سلمان نا�شر ورئي�س حترير جريدة ال�سفري اللبنانية‬ ‫تقدمتهم ورقة أ‬ ‫الب طوين‬ ‫‪ ،‬و أ�لقيت فيها خم�س أ�وراق‪ّ ،‬‬ ‫خ�ضرة (لبنان)‪ ،‬حتت عنوان «العامل ال�سيا�سي يف اخلطاب‬ ‫الديني‪ :‬امل�شكالت واحللول»‪ ،‬معترب ًا أ�نّ الو�سطية مبفهومها‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪99‬‬


‫هي التو�سط إليجاد م�ساحة من احلوار ولي�س للتقريب‬ ‫بني احلق والباطل‪ ،‬فالو�سطية لي�ست التقاء بني طرفني‬ ‫متطرفني‪.‬‬ ‫العالمية مارلني خليفة (لبنان) عن «املعاجلة‬ ‫وحتدثت إ‬ ‫العالمية للتطرف والعنف ال�سيا�سي»‪ ،‬م�شرية �إىل أ�نّ‬ ‫إ‬ ‫العالم خيار ونهج و�سلوك يبتعد عن التحري�ض‬ ‫الو�سطية يف إ‬ ‫ويحلل أ‬ ‫المور بهدوء وروية ور�صانة‪.‬‬ ‫ثم دعت الدكتورة مرمي آ�ية أ�حمد (املغرب) يف ورقتها �إىل‬ ‫�ضرورة أ‬ ‫الخذ ب�سبل بناء الثقافة الو�سطية‪ ،‬و�إعادة بناء‬ ‫موقع الو�سطية بن ًاء حقيقي ًا عملي ًا وتفاعلي ًا بحيث حتدث‬ ‫منعطف ًا حقيقي ًا يف واقع امل�سلمني‪ ،‬و أ�ن نر ّكز على ما نريد أ�ن‬ ‫نكون عليه ون�صري �إليه»‪.‬‬ ‫تو�صيات امل ؤ�متر الدويل الثاين للو�سطية يف لبنان‬ ‫وبعد أ�ن تداول امل ؤ�مترون حماور امل ؤ�متر‪ ،‬اتفقوا على �إ�صدار‬ ‫التو�صيات التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬توجيه ال�شكر �إىل منتدى الو�سطية يف لبنان و�إىل‬ ‫راعي امل ؤ�متر دولة الرئي�س أ‬ ‫ال�ستاذ جنيب ميقاتي على‬ ‫اجلهود التي بذلت من أ�جل انعقاد امل ؤ�متر و�إجناح أ�عماله‪،‬‬ ‫واعتبار كلمة راعي امل ؤ�متر جزءا ال يتجز أ� من التو�صيات‪،‬‬ ‫ال �سيما منها ما يتعلق ب�ضرورة �إيالء هموم النا�س احلياتية‬ ‫والن�سانية والرتبوية والثقافية والبيئية‬ ‫واالجتماعية إ‬ ‫وال�صحية ‪ ،‬أ‬ ‫العالم‬ ‫الهمية التي ت�ستحقها يف و�سائل إ‬ ‫كافة؛ ألن ثقافة الو�سطية تفر�ض مقاربة حاجات النا�س‬ ‫ب�شكل دائم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ت أ�كيد أ�نّ مفهوم «الو�سطية» هو امل�سار الطبيعي الذي ال‬ ‫بديل منه حلماية كيان الوطن‪.‬‬ ‫العالم عموم ًا اعتبار امل�سائل‬ ‫‪ -3‬الطلب �إىل و�سائل إ‬ ‫املرتبطة بـ «الو�سطية» أ�ولوية ثقافية ينبغي تعميمها‬ ‫من خالل تنظيم ندوات تلفزيونية و�صحافية من جانب‬ ‫والعالم وطرح مناق�شة فكرة‬ ‫جمموعة من رجاالت الفكر إ‬ ‫الو�سطية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تكليف منتدى الو�سطية يف لبنان على التعاونَ مع‬ ‫املنتديات أ‬ ‫الخرى للو�سطية يف العامل العربي �إعداد دليل‬ ‫العالمية املعربة عن» ثقافة الو�سطية» يف‬ ‫للم�صطلحات إ‬ ‫مواجهة امل�صطلحات املبتورة التي ال تعك�س حقيقة الواقع‬ ‫الو�سطي وماهيته ‪.‬‬ ‫‪100‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫العالم كافة‪ ،‬مبا متثله من دور يف‬ ‫‪ – 5‬دعوة و�سائل إ‬ ‫املجتمع‪� ،‬إىل تغليب امل�صلحة الوطنية العليا على امل�صالح‬ ‫الفئوية ال�ضيقة واحل�سابات ال�سيا�سية آ‬ ‫النية واملذهبية‪،‬‬ ‫وتعزيز �إعالم املواطنة عرب ت�سليط ال�ضوء على أ�همية‬ ‫املواطنة يف املجتمع من دون �إغفال القيمة امل�ضافة التي‬ ‫متيز لبنان ك أ�ر�ض لتفاعل احل�ضارات والثقافات‪.‬‬ ‫العالم‬ ‫العالمية �إىل �إر�ساء مفهوم إ‬ ‫‪ – 6‬دعوة الو�سائل إ‬ ‫الذي يهتم بق�ضايا املجتمع واملمار�سات الدميوقراطية‬ ‫ومفهوم احلرية بكل أ�بعادها والدفاع عن امل�صلحة‬ ‫العامة حلماية الر أ�ي العام ورف�ض حتول و�سائل االعالم‬ ‫�إىل جمرد و�سيلة تركز فقط على الرتفيه والت�سويق‬ ‫االعالمي‪ ،‬أ�و تنزلق �إىل التجيي�ش الطائفي واملذهبي الذي‬ ‫يرتك مفاعيل �سلبية على نهج االعتدال الذي ي�شكل �سمة‬ ‫اخليارات الو�سطية‪.‬‬ ‫‪ -7‬دعوة أ‬ ‫العالمية �إىل ميثاق‬ ‫الو�ساط املعنية وامل ؤ��س�سات إ‬ ‫�شرف �إعالمي مهني منبثق من منهج الو�سطية العقالين‬ ‫وغري متطرف يهدف �إىل نقل الواقع بكل حرية و أ�مانة‬ ‫ً‬ ‫حماولة ر�صينة من أ�جل �إر�ساء ميثاق �شرعة‬ ‫وجترد‪ ،‬ليكون‬ ‫العالمية‪.‬‬ ‫�إعالمية و�سطية‪ ،‬كرافد ايجابي للثقافة إ‬ ‫‪ -8‬دعوة امل ؤ��س�سات الو�سطية �إىل �إن�شاء مراكز بحثية‬ ‫العالمية ت ؤ�من االت�صال مع و�سائل‬ ‫متخ�ص�صة للدرا�سات إ‬ ‫العالم كافة و ترفدها بامل�ستلزمات ال�ضرورية لن�شر‬ ‫إ‬ ‫ثقافة الو�سطية‪ ،‬ويكون من �ضمن مهمات هذا املركز �إنتاج‬ ‫برامج ووثائقيات داعمة لتوجه « فكر الو�سطية» وتذليل‬ ‫العقبات التي تعيق ذلك‪.‬‬ ‫‪� -9‬إطالق جائزة �صحافية خا�صة متنح �سنويا ألف�ضل‬ ‫أ‬ ‫العمال املكتوبة وامل�سموعة واملرئية يف لبنان والعامل‬ ‫العربي التي تربز قيم الو�سطية وتعمل على تر�سيخ فكرها‬ ‫و ثقافتها‪.‬‬ ‫‪ -10‬ت أ�كيد تو�صيات امل ؤ�متر أ‬ ‫الول يف جعل هذا املتلقى‬ ‫حدثا �سنويا يقام يف مدينة االعتدال يف لبنان‪ ،‬طرابل�س‬ ‫الفيحاء‪ ،‬ويلتقي فيه املفكرون والباحثون ملناق�شة «فكر‬ ‫الو�سطية»‪ ،‬وتعميمه وت أ��صيله يف نفو�س النا�س على‬ ‫أ‬ ‫ال�صعدة وامل�ستويات كافة‪.‬‬


‫ﺑﻴــﺎﻧـﺎﺕ ﺍﻟﻤـﻨﺘـﺪﻯ‬ ‫ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻓﻲ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻘﻤﺔ‬ ‫ﺍﻟﺪﻭﺣﺔ‬ ‫ﻡ‪ .‬ﻣﺮﻭﺍﻥ ﺍﻟﻔﺎﻋﻮﺭﻱ ‪ /‬ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ‬ ‫ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ‪ /‬ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ‬

‫ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺘﺤﻔﻈﺎﺕ ﺍﻷﺭﺩﻧﻴﺔ ﻋﻦ ﻣﺎﺩﺓ )‪ (١٦‬ﻣﻦ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ‬ ‫ﺳﻴﺪﺍﻭ‪.‬‬


‫بيانات المنتدى‬ ‫رسالة إلى حكام العرب في مؤتمر‬ ‫القمة ‪ /‬الدوحة‬ ‫م‪ .‬مروان الفاعوري ‪ /‬األمين العام‬ ‫اإلمام الصادق المهدي ‪ /‬رئيس المنتدى‬

‫م�شروع ًا نه�ضوي ًا ألمتنا ننطلق منه للم�ساهمة يف حل‬ ‫أ�زمة عاملنا فنحن ال نعي�ش يف جزيرة معزولة بل ن ؤ�ثر‬ ‫يف عاملنا ونت أ�ثر به‪.‬‬ ‫ونحن نعي جيدا أ�ن العامل العربي عا�ش م�شروعات‬ ‫نه�ضوية متعددة‪ ،‬ولكن تلك امل�شروعات أ�خفقت يف �إ�شباع‬

‫أ��صحاب الفخامة واجلاللة وال�سيادة وال�سمو‪ ،‬ملوك‬ ‫مراءها الدول العربية‪،‬‬ ‫�ساءها و أ� َ‬ ‫ور ؤ� َ‬

‫تطلعات ال�شعوب‪ ،‬بل أ�خفقت يف أ�هم مطالب التعبري‬ ‫عن الهوية‪ ،‬و�إدارة ال� أش�ن العام بالدرجة املطلوبة من‬

‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته وبعد‪،‬‬

‫امل�شاركة‪ ،‬وحتقيق التنمية مبا يوفر حاجات املعي�شة‬

‫لقد تابعنا باهتمام بالغ اجلهود التي بذلت خالل ال�شهور‬ ‫املن�صرمة من العام احلايل لتنقية أ‬ ‫الجواء بني العوا�صم‬

‫ويكفل العدالة االجتماعية يف توزيع ثمار التنمية‪،‬‬ ‫المن القومي وحماية أ‬ ‫كما أ�خفقت يف حتقيق أ‬ ‫الر�ض‬

‫العربية يف خطوة نتطلع أ�ن تتوج مب�صاحلة حقيقة بني‬ ‫المة نتجاوز فيها التحديات التي تواجه أ‬ ‫أ�قطار أ‬ ‫المة‬

‫والعر�ض‪ ،‬وجتلى ذلك يف العدوان على غزة واحتالل‬

‫مع تنامي املخاطر املحيطة بنا منذ انهيار منظومة‬

‫العراق والتدخل يف � ؤ‬ ‫ش�ون ال�سودان الداخلية ‪.‬‬ ‫�إنَّ �إخفاق أ‬ ‫ال�سالمي‬ ‫ال�صولية العلمانية‪ ،‬واالنكفاء إ‬ ‫امل�ستند �إىل حالة مذهبية دالئل قاطعة على أ�ن‬ ‫احلاجة املو�ضوعية هي الت أ��صيل بال انكفاء‪ ،‬والتحديث‬

‫التوازن الدويل ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولنَّ أ�متنا تواجه اليوم أ�زمة متعددة اجلوانب يف‬ ‫عامل م أ�زوم حتى النخاع ‪ ،‬وانطالق ًا من واجبنا يف‬ ‫امل�صارحة واملكا�شفة وامل�شاركة مع زعماء أ‬ ‫المة يف حل‬

‫بال ا�ستالب‪ ،‬يف م�شروع نه�ضوي ي ؤ�دي لبناء نه�ضة أ‬ ‫المة‬ ‫على أ��سا�س يوفق توفيق ًا مثمر ًا بني الت أ��صيل والتحديث‪،‬‬

‫أ�زماتناوق�ضايانا ومواجهة أ�زمات العامل‪ ،‬ف�إننا ندعوكم‬ ‫�إىل بلورة ر ؤ�ية حقيقية تخرج أ‬ ‫المة من حالة الوهن‬

‫هذا هو املطلب امللح الذي ي ؤ�دي القعود عنه �إىل خلق‬ ‫فراغ �سوف تهب مللئه تيارات الغلو الديني املتحفزة‪ ،‬أ�و‬

‫التي تعي�شها و�صياغة م�سار جديد للعالقات بني أ�قطار‬ ‫النظام العربي يجعل يف مقدمة أ‬ ‫الولويات �إجناز ت�ضامن‬

‫م�شروعات الهيمنة أ‬ ‫الجنبية املرتب�صة‪ ،‬فكالهما م�ستعد‬ ‫الختطاف م�صري أ‬ ‫المة نحو ا�ستالب وافد من املا�ضي‪ ،‬أ�و‬

‫حقيقي يرتجم طموحات اجلماهري العربية يف وقف‬

‫ا�ستالب وافد من اخلارج‪.‬‬

‫حالة الرتاجع التي و�صلت بنا �إىل مرحلة نكون فيها‬

‫ال�سالمي هذا هو احل�صن احل�صني‬ ‫امل�شروع النه�ضوي إ‬

‫لقمة �سائغة يف املعادالت الدولية ‪.‬‬ ‫و�إدراكا من املنتدى العاملي للو�سطيةبج�سامة التحديات‪،‬‬

‫للوقاية من م�شروعات الهيمنة الدولية املختلفة‪ ،‬وهو‬ ‫وحده الرتياق الواقي من أ�جندة الغالة‪ .‬والفهم القا�صر‬

‫نقدم بني يدي م ؤ�متر القمة العربي املنعقد يف الدوحة‬

‫لل�سالم الذي ينطلق من الن�صو�ص وحدها ويعتمد‬ ‫إ‬

‫‪102‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫على املنطق ال�صوري من قيا�س و�إجماع هو الذي حب�س‬

‫اال�ضطهاد للمر أ�ة وي�ستوعب ال�شباب يف ال� أش�ن العام مبا‬ ‫يحقق توا�صل أ‬ ‫الجيال‪.‬‬

‫وو�ضعت الدين يف مواجهة مع حركة الفكر واملجتمع‬ ‫ال�سالم يقيم وزن ًا لرباهني‬ ‫وتنوع الزمان واملكان‪ ،‬مع أ�ن إ‬

‫• �إ�صالح يف نهج العالقات اخلارجية مبا يحقق الت�ضامن‬

‫احلا�ضر وامل�ستقبل يف املا�ضي ‪ ..‬ذهنية �ضيقت وا�سع ًا‬

‫العقل‪ ،‬ومقت�ضيات امل�صلحة‪ ،‬ومقايي�س املقا�صد‪ ،‬وتدابري‬ ‫اللهام‪ ،‬و�ضرورات ال�سيا�سة‬ ‫احلكمة‪ ،‬و�إ�شراقات إ‬ ‫ال�شرعية‪.‬‬ ‫لل�صالح‪،‬‬ ‫دولنا العربية لقد أ��ضحت يف حاجة ما�سة إ‬ ‫ألن تيارات كثرية غري حكومية �صارت تتحداها‬ ‫بو�سائل عنيفة وو�سائل مدنية‪ ،‬أ‬ ‫ولن امل�شاكل �صارت‬ ‫أ�كرب من قدراتها أ‬ ‫بال�صالح �صارت‬ ‫ولن أ��صوات املطالبة إ‬ ‫عاليةوتتقاطع مع مناخات دولية لها أ�جندتها مبا‬

‫وال�سالمي‬ ‫يف جماالت االنتماء امل�شرتك العربي‬ ‫إ‬ ‫والفريقي آ‬ ‫وال�سيوي واملتو�سطي‪ ،‬والتعامل الندي مع‬ ‫إ‬

‫القوى الدولية أ‬ ‫الخرى بال تبعية وال عداء‪� ،‬إال رد ًا‬ ‫للعدوان وكف ًا للهيمنة‪.‬‬ ‫• �صياغة قراءة واقعية مل�سار ال�سالم مع الكيان‬

‫ال�صهيوين وا�ستنباط الدرو�س والعرب ‪.‬‬ ‫• جت�سري الفجوة بني احلاكمني واملحكومني و�إجناز‬ ‫م�صاحلة تاريخية بني أ‬ ‫النظمة وال�شعوب ‪.‬‬ ‫• اتخاذ موقف عربي موحد يف مواجهة أ‬ ‫الزمة‬

‫يدفع بحتمية االنطالق نحو خيار اال�صالح بعيدا عن‬

‫العاملية الراهنة‪ ،‬واعتماد طريق اقت�صاد عربي م�ستقل‬

‫اال�ستحقاقات الدولية‬ ‫ال�صالح املطلوب �صارت وا�ضحة لكل من أ�لقى‬ ‫أ�جندة إ‬

‫ومت�ضامن ومتكامل وتعاون اقت�صادي �إ�سالمي للخروج من‬ ‫هيمنة العوملة الكارثية‪.‬‬

‫ال�سمع وهو �شهيد‪ ،‬تقوم على‪:‬‬

‫هذا امل�شروع النه�ضوي ال يرجى جناحه �إال �إذا تبنته‬

‫• �إ�صالح فكري ثقايف يوفق بني الت أ��صيل والتحديث‪.‬‬ ‫• �إ�صالح �سيا�سي يحقق مقت�ضيات احلكم الرا�شد من‬ ‫م�شاركة وم�ساءلة و�شفافية و�سيادة حكم القانون‪.‬‬ ‫• �إ�صالح اقت�صادي يحقق التنمية ويوزع عائدها‬ ‫بالعدل االجتماعي‪.‬‬ ‫• �إ�صالح ع�سكري عقيدة ور ؤ�ية و أ�هداف ًا دون فر�ض‬ ‫الو�صاية على املجتمع‪.‬‬ ‫• �إ�صالح أ�مني يوفر أ�من املواطن والوطن ويحد من‬ ‫تغول ال�سلطات‬ ‫الن�سان ويزيل عوامل‬ ‫• �إ�صالح اجتماعي يوفر حقوق إ‬

‫قوى اجتماعية فاعلة وقادرة على التحرك والت�ضحية‬ ‫من أ�جله‪ ،‬حترك ًا يرجى جناحه �إذا واكب قدراته‬ ‫الذاتية مناخ دويل م�ستنري‪.‬‬ ‫وختاما نتطلع أ�ن تخرج قمة الدوحة بقرارات تواكب‬ ‫أ‬ ‫الحداث وتعمق الفهم الر�سمي وال�شعبي على قاعدة‬ ‫امل�صالح وحقوق االمة ودورها املن�شود‪ ،‬وفق مقاربة‬ ‫�صحيحة بعيدة عن االنخراط يف أ‬ ‫الحالف واملحاور التي‬ ‫متزق طموحات أ‬ ‫المة وجتعل من احل�سابات القطرية‬ ‫ّ‬ ‫بغ�ض النظر عن الثمن الذي تدفعه‬ ‫أ�ولوية مطلقة‪،‬‬ ‫�شعوب أ‬ ‫المة حا�ضرا وم�ستقبال ‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪103‬‬


‫بيانات المنتدى‬

‫رفع التحفظات األردنية عن مادة (‪ )16‬من اتفاقية‬ ‫سيداو‪.‬‬ ‫الردن يف آ‬ ‫الونة أ‬ ‫ا�شتدت ال�ضغوط على أ‬ ‫الخرية من أ�جل رفع التحفظات على �إتفاقية �سيداو‪ ،‬وهي التحفظات التي‬ ‫أ�خذها أ‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬والقوانني ال�سارية‪،‬‬ ‫التفاقية يف بع�ض بنودها التي تتعار�ض مع أ�حكام ال�شريعة إ‬ ‫الردن على هذه إ‬ ‫والعراف التي ي ؤ�من بها ال�شعب أ‬ ‫والقيم والتقاليد أ‬ ‫الردين‪.‬‬ ‫�إننا ن�ساء أ‬ ‫الردن ن ؤ�من بحقوق املر أ�ة ‪ ،‬والعمل على أ�ن ت أ�خذ املر أ�ة مكانها ال�صحيح يف املجتمع‪ ،‬و أ�خذها لدورها احلقيقي‬ ‫والقت�صادية‪ ،‬و أ�ن‬ ‫والجتماعية إ‬ ‫وال�صالح‪ ،‬و أ�ن متار�س حقها يف العمل يف كافة املجاالت ال�سيا�سية إ‬ ‫يف العمل والبناء إ‬ ‫فال�سالم ال ي ؤ�من مببد أ� ال�صراع بني الرجال والن�ساء‪،‬‬ ‫ت أ�خذ حقوقها ال�صحية والتعليمية‪� ،‬سواء ب�سواء مع الرجل‪ ،‬إ‬ ‫و�إمنا التعاون والتكامل دون أ�ف�ضلية ألحد على أ�حد‪ ،‬يقول تعاىل‪� ( :‬إن أ�كرمكم عند اهلل أ�تقاكم)‪.‬‬ ‫�إن هذا البلد العربي الها�شمي �سيكون ب�إذن اهلل مع دين اهلل وثوابت هذه الدين وقيم أ‬ ‫المة‪ ،‬لن يحيد عنها‪ ،‬و�إننا‬ ‫الردنية وجمل�س أ‬ ‫ندعو احلكومة أ‬ ‫التفاقية فنحن أ�مة لها‬ ‫المة �إىل عدم املوافقة على رفع التحفظات على هذه إ‬ ‫خ�صو�صية‪ ،‬وال نقبل أ�ن جنري وراء أ�قوام يجرون وراء الغرب وقيمه ولو خالفت قيمنا وديننا‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫ﺍﻟﻠــﻘـﺎﺀﺍﺕ‬ ‫ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻬــﺮﻓــﻲ ‪ /‬ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ‬ ‫ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺟﺎﺳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ‪ /‬ﻗﻄﺮ‬ ‫ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﻤﺮﻭ ﺧﺎﻟﺪ ‪ /‬ﻣﺼﺮ‬


‫اللـقـــاءات‬

‫الدكتور محمد علي الهــرفــي‬ ‫السعودية‬ ‫ما تعريف الو�سطية؟ وهل يتغري هذا التعريف بتغري‬ ‫الزمان؟‬ ‫الو�سطية يف الغالب ت أ�خذ عدة معانٍ ‪ ،‬لكن يف املفهوم‬ ‫ال�سالمي وكما وردت يف القر آ�ن الكرمي هي أ‬ ‫الف�ضلية‪ ،‬قال‬ ‫إ‬ ‫تعاىل‪« :‬وكذلك جعلناكم أ�مة و�سطا» أ�ي من أ�ف�ضل أ‬ ‫المم‪،‬‬ ‫فهي اختيار ال�شيء أ‬ ‫الف�ضل با�ستمرار‪.‬‬ ‫هل يتغري هذا املعنى من وقت آلخر؟ نعم قد يتغري‪ ،‬ما هو‬ ‫ال�شيء أ‬ ‫الف�ضل يف هذا الوقت؟ لكن الذي ال يتغري هو أ�ن‬ ‫الو�سطية هي أ‬ ‫الف�ضل با�ستمرار‪.‬‬ ‫هل ن�ستطيع �إن نقول أ�ن الو�سطية لي�ست معن ًا �إ�سالمي ًا بحت ًا‬

‫و أ�نها ت أ�خذ منحى �إن�ساني ًا؟‬

‫بدون �شك‪ ،‬فالو�سطية مطلوبة يف كل املجاالت االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية‪ ...‬واملطلوب أ�ن نختار أ‬ ‫الف�ضل يف كل هذه‬ ‫ال�سالم ال تقت�صر على العبادات فهي‬ ‫الق�ضايا‪ ،‬فدائرة إ‬ ‫ت�شمل كل جماالت احلياة‪.‬‬

‫أ�ين نحن من م�شروع النه�ضة؟ ‪ ،‬وكيف يكون الطريق‬ ‫�إىل هذا امل�شروع؟‬

‫أ‬ ‫لل�سف نحن مت أ�خرون جد ًا يف م�شروعات النه�ضة‪ ،‬وال أ�ريد‬ ‫أ�ن أ�حتدث عن املا�ضي فنحن نتكلم على الوقت الذي نعي�شه‬ ‫آ‬ ‫ون�ساء‬ ‫الن‪ ،‬لكن ما يفرحنا أ�حيان ًا ظهور جمموعات رجا ًال‬ ‫ً‬ ‫مقتنعة ب�ضرورة التغيري‪ ،‬و أ�نا أ�عتقد أ�ننا �إذا �شعرنا أ�ن هنالك‬ ‫م�شكلة ف�سنبد أ� بالتحرك‪� ،‬إذ �إننا م�ضت علينا �سنوات طويلة‬

‫فالح�سا�س بامل�شكلة يدفعنا �إىل‬ ‫الح�سا�س‪ ،‬إ‬ ‫دون وجود هذا إ‬ ‫التغيري‪ ،‬والتغيري هو بداية الطريق‪.‬‬ ‫وامل�س أ�لة طويلة بالن�سبة لنا يف املجتمعات العربية ب�سبب أ�ن‬ ‫معظم القيادات العربية غري حكيمة وغري ر�شيدة‪ ،‬و�إال ما‬ ‫كانت مقاومة للتغيري‪ ،‬فنحن لدينا الكثري يف اجلانب املايل‬ ‫‪106‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ويف اجلانب العقلي ويف اجلانب الب�شري‪ ،‬ف أ��س�س احل�ضارة‬ ‫موجودة لدينا‪ ،‬فالذي ينق�صنا هو القرار ال�سيا�سي‪.‬‬

‫هل ترى أ�ن التغيري يبد أ� من املجتمع نف�سه؟ أ�و أ�ننا‬ ‫بحاجة �إىل تغيري القيادة؟‬

‫أ�نا عندي قناعة أ�نه من أ‬ ‫الف�ضل أ�ن يبد أ� التغيري من القواعد‬ ‫ل�سبب ب�سيط أ�ن القيادة ي�صعب أ�ن تتغري ب�سبب امل�صالح‪ ،‬ف�إذا‬ ‫بد أ� التغيري من القواعد وبد أ� ينمو ويزيد‪ ،‬ف�إنه بدون �شك‬ ‫�سي�شكل �ضغوط ًا قوية جد ًا على القيادات «كيفما تكونوا‬ ‫ُي َو َّل عليكم» ف أ�هداف احلاكم أ�ن يبقى حاكم ًا‪ ،‬ف�إذا �شعر أ�ن‬ ‫القاعدة العري�ضة من النا�س تريد التغيري لوجد أ�ن هذا‬ ‫من م�صلحته‪ ،‬فهدفنا أ�ن نبث الفكر اخليرّ النيرّ يف نفو�س‬ ‫النا�س‪.‬‬

‫ال�سالمية؟ أ�و أ�نها‬ ‫هل تعترب العوملة معيقة للنه�ضة إ‬ ‫تخدم هذه النه�ضة؟‬

‫تعترب العوملة معيقة من الناحية ال�سيا�سية‪ ،‬كذلك أ‬ ‫المر‬ ‫بالن�سبة للف�ساد أ‬ ‫الخالقي وانت�شاره‪ ،‬أ�ما اجلانب املفيد فهو‬ ‫انت�شار الثقافة بني ال�شعوب‪ ،‬ف أ�نا �إذا ا�ستوعبت ثقافة العوملة‬ ‫علي من الناحية الفكرية ب�سبب وجود ح�صانة‬ ‫ومل ت�سيطر ّ‬ ‫لدي‪ ،‬ف�س أ�خذ منها ما يفيدين و أ�ترك �سواه‪.‬‬ ‫اليجابيات أ�ن احلكام آ‬ ‫الن ال ي�ستطيعون �إخفاء‬ ‫كذلك من إ‬ ‫الكثري من أ‬ ‫المور على �شعوبهم فهو �صريح جمرب ًا‪ ،‬و أ�قول �إننا‬ ‫بثقافتنا ن�ستطيع أ�ن نواجه العوملة‪.‬‬

‫هل امل�ستوى الثقايف احلايل ي�ستطيع أ�ن يواجه‬ ‫العوملة؟‬

‫هنالك �شباب مثقف‪ ،‬لكنهم ال يزالون أ�قلية بالن�سبة‬ ‫للعموم‪.‬‬


‫اللـقـــاءات‬

‫الدكتور جاسم السلطان‬ ‫قـطـــر‬ ‫ماذا بعد م ؤ�متر الو�سطية ؟‬

‫أ‬ ‫الفكار والت�صورات توحي أ�ن هناك ع�صر ًا جديد ًا بد أ�‬

‫امل ؤ�مترات هي ملتقيات أ�كرث منها برناجم ًا عملي ًا‪ ،‬امل ؤ�مترات‬

‫ينفتح‪ ،‬و أ�ن النا�س بد أ�ت تتقبل أ�نه لي�س بال�ضرورة أ�ن‬

‫تفتح موا�ضيع لكنها غالب ًا تنتهي بتو�صيات جلهات أ�خرى‬

‫يكون �شخ�ص ما معي أ�و �ضدي ‪ ،‬و أ�ن النا�س املوجودين يف‬

‫لتنفيذها‪ ،‬فهي ال متتلك قدرة حتويل امل�شاريع �إىل وقائع‬

‫ف�ضاء واحد ولديهم هموم م�شرتكة ميكن أ�ن يلتقوا دون‬

‫و أ�نا يف تقدريري بـ «ماذا بعد» ميكن أ�ن حتدث أ��شياء‬

‫ان يكونوا جزء ًا من حزب أ�و تنظيم أ�و م ؤ� ّ�س�سي واحدة‪،‬‬

‫كثرية يف امل�ستقبل تغطي جوانب مهمة من تلك التي‬

‫هذا تطور مهم واملهم يعك�س هذا ب�شكل جيد‪.‬‬

‫مت احلديث عنها‪ ،‬فهل �ستتم مثال بتخطيط مركزي من‬

‫�إذن ما مفهوم النه�ضة والو�سطية بر أ�يك ؟‬

‫منتدى الو�سطية أ�و النا�س املوجودين ب�سبب هذا املنتدى‬

‫كل النا�س الذي يتكلمون على النه�ضة ميكن أ�ن يتكلموا‬

‫واالت�صال فيما بينهم �سيحدث هناك م�شاريع‪ ،‬فالبد أ�نّه‬

‫عنها بتعريف حدي مثلما يقولون‪ ،‬و أ�نا لن أ�تكلم عليها‬

‫�سينتج �شيء لكن لي�س بال�ضروروة أ�ن يكون �شيئ ًا خمططا‬

‫بتعريف حدي‪ ،‬النه�ضة بر أ�يي يكون لها �صورة أ�و حالة‪،‬‬

‫له عرب تخطيط مركزي بقولنا �سنفعل هذه ال�سنة كذا‬

‫وحالة املجتمع الذي ي�شهد نه�ضة أ�ن عنده أ�ربعة‬

‫وال�سنة التي بعدها كذا لن�صل �إىل النتيجة‪ ،‬ال لي�س هو‬

‫مكت�سبات‪ ،‬املكت�سب أ‬ ‫الول جانب الهوية الوا�ضحة‪،‬‬

‫هكذا‪.‬‬

‫واملكت�سب الثاين جوانب العمران يف ال�سيا�سة واالقت�صاد‬

‫أ�عتقد أ�ننا يجب أ�ن نغري منظرونا لفكرة النه�ضة‪ ،‬فهي‬

‫واالجتماع واملباين وال�شوارع وغريه‪ ،‬والثالث املعرفة‬

‫لن يحدثها جماعة وال حزب وال غريه‪ ،‬فهي عبارة‪ ،‬عن‬

‫واملحافظة عليها‪ ،‬واملعرفة لي�ست عابرة له بل ت�ستقر فيه‬

‫جمموعة جهود كبرية جدا و�سي�سهم فيها أ�طراف كثرية‬

‫وتولد نتائج ‪ ،‬مبعنى أ�ننا �سننتج العلم ولن ن�ستهلكه فقط‪،‬‬

‫جد ًا و�سينتج نهر النه�ضة هذا‪ ..‬الذي ن�سميه التحول‬

‫واملكت�سب الرابع هو أ�ننا مهمومون بكيفية املحافظة على‬

‫املطلوب‪ ،‬وهذا امل ؤ�متر واملنتدى هو حمطة وم�ساهمة يف‬

‫هذه املكت�سبات وامتالك القوة للدفاع عنها‪.‬‬

‫هذا امل�شروع الكبري‪ ،‬وتقابلها م�ساهمات �ضخمة جدا من‬

‫واملجتمعات التي ت�شهد هذه املكت�سبات أ‬ ‫الربعة جمتمعات‬

‫أ�فراد وم ؤ��س�سات ودول‪.‬‬

‫فيها معامل نه�ضة‪ ،‬وتلك التي تقل فيها هذه الظواهر أ�و‬

‫لكن نوعية املبادرة نف�سها التي هي جمع أ�نا�س من خمتلف‬

‫�إحداها ينق�صها النه�ضة‪.‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪107‬‬


‫أ�ما م�صطلح الو�سطية �إن �صح التعبري فهو ف�ضفا�ض‪ ،‬فهي‬

‫وقوانني‪ ،‬م�شكلتنا أ�ن القيم تظل قيم ًا وال تتحول �إىل‬ ‫�إجراءات وحتديدات‪ ،‬فممكن أ�ن يطلقها أ�ي �إن�سان على‬

‫باخلريية‪ ،‬ف أ�و�سط حبة يف العقد هي اف�ضل حبة فيه‪،‬‬

‫نف�سه‪ :‬ويقول عن نف�سه أ�نا و�سطي‪ .‬ولذلك‪ ،‬نحن يف‬

‫ووا�سطة اجلبل أ�على جزء فيه‪ ،‬وهذا املفهوم املتداول‬

‫حاجة اىل حتديدات أ�كرث ‪ ،‬ويف ر أ�يي أ�نّ جملة ال�شريعة‬

‫لغة‪ ،‬ويف ع�صرنا بد أ�ت تتم ترجمة امل�صطلح أ�نه‬

‫ال�سالمية وما و�ضعته من �ضوابط مثل «�إن اهلل ي أ�مر‬ ‫إ‬

‫موقف من ق�ضايا ال يت�سم بالغلو وال بالتفريط‪ ،‬وحتى‬

‫والح�سان و�إيتان ذي القربى وينهى عن الفح�شاء‬ ‫بالعدل إ‬

‫هذا التعريف مراوغ ألن من �سيقول �إن هذا تفريط‬ ‫أ�و هذا غلو؟ هل هو املنطق العادي أ�و أ�ن هناك حدود‬

‫واملنكر البغي » فالق�ضايا الكربى التي حتددها ال�شريعة‬ ‫ال�سالمية هي التي حتدد معنى الو�سطية وتعطيها املعنى‬ ‫إ‬

‫للمو�ضوع؟‪.‬‬

‫وامل�ضمون ‪،‬واملجتمعات التي تو�صف ب أ�نها عادلة ورحيمة‬

‫ولذلك �سننتقل لتعريف آ�خر‪ /‬فرب أ�يي الو�سطية هي ‪:‬‬

‫ومن�صفة هي جمتمعات و�سطية‪ ،‬والعك�س املجتمعات التي‬

‫العمل مبقت�ضى احلكمة‪ ،‬يعني و�ضع ال�شيء يف مو�ضعه‪،‬‬

‫الن�سان أ�نه مظلوم ومقهور وحقوقه م�ستلبة‬ ‫يح�س فيها إ‬

‫فعندما يتعلق املو�ضوع أ�ن نقاتل‪ ...‬نقاتل‪ ،‬وعندما ميد‬

‫هي جمتمعات متطرفة‪ ،‬فمفهوم الو�سطية ال يتحدد‬

‫أ�حد يده لنا لن�صافح ن�صافحه‪ ،‬و�إذا كانت م�صلحتنا أ�ن‬

‫بحد ذاته ويظل قاب ًال لتف�سريات متعددة‪ ،‬لكن �إذا �ضبط‬

‫نبيع‪ ..‬نبيع‪ ..‬وهكذا‪ ..‬أ�و ن�شرتي ن�شرتي‪� ،‬إذن هو موقف‬

‫ال�سالمية وما تفرت�ضه ي�صبح له‬ ‫بجملة الت�شريعات إ‬

‫يت�سم باحلكمة‪.‬‬

‫معنى حمدد وهناك �شيء معياري نحتكم �إليه‪.‬‬

‫يف التعريف امل�شهور تاريخيا اخلريية وجمتمع يت�صف‬

‫�إذن أ�ين ت أ�تي الو�سطية من عالقتنا آ‬ ‫بالخر بعد هذا‬

‫ما ر أ�يك بامل ؤ�متر وما طرح فيه؟‬

‫التعريف؟‬

‫جممل أ‬ ‫الفكار التي طرحت كانت جيدة‪ ،‬وطرحت‬

‫ال�سالمية مك ّلفون بالعدل‪ ،‬ف�إذن ماذا‬ ‫نحن يف ال�شريعة إ‬ ‫يعني العدل مع آ‬ ‫الخرين ؟‪ ،‬فهو أ�ي�ضا العمل مبقت�ضى‬

‫ق�ضية املواطنة وباعتقادي هي من أ�هم الق�ضايا التي‬

‫احلكمة‪.‬‬

‫ال�سالمي‪ ،‬كما‬ ‫حتتاج للبحث والتطوير خا�صة يف الفكر إ‬ ‫طرحت ق�ضية العالقة مع آ‬ ‫الخر ومع العامل‪ ،‬لكن ألن‬

‫فالعدل أ�نهم �إن كانوا ي أ��سرون أ�فرادا من عندنا يكون‬

‫الوقت �ضيق فلم ي�سمح بعطاء أ‬ ‫المور حقها وبالتايل‬

‫العدل باملجازاة باملثل‪ ،‬ولو كان القانون الدويل يحمي‬

‫و�صلنا �إىل عناوين أ�كرث مما و�صلنا �إىل لباب موا�ضيع‪،‬‬

‫أ‬ ‫ال�سرى من الرق ونحن موقعون عليه‪ ،‬فنحن ملزمون‬

‫وهاتان الق�ض ّيتان من أ�برز ما جذبني‪.‬‬

‫مبا اتفقنا عليه‪ ،‬فالعدل يف أ�ي ق�ضية من الق�ضايا هو‬ ‫هذا ال�سلوك الذي يت�سم بالو�سطية‪ ،‬ألن الو�سطية بحد‬ ‫ذاتها ال تعني كثري ًا �إال �إذا بد أ�نا نحولها �إىل �إجراءات‬ ‫‪108‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫اللـقـــاءات‬

‫الدكتور عمــرو خـالــد‬ ‫مـصــر‬ ‫ما دور ال�شباب يف م�شروع النه�ضة؟‬ ‫نحن جئنا لنعر�ض م�شاريع عملية ولي�س جمرد كالم‪ ،‬م�شاريع عملية يف توجيه ال�شباب مل�شروعات تنموية تخدم‬ ‫فكرة النه�ضة‪ ،‬على �سبيل املثال ‪ :‬م�شروعات عن كيفية �إعانة أ‬ ‫ال�سر الفقرية عن طريق عمل م�شروعات �صغرية لهم‪،‬‬ ‫كيف ن�ساعد يف م�شكلة الت�سرب من التعليم وي�شارك ال�شباب يف حل مثل هذه امل�شاكل؟ كيف ن�ستطيع أ�ن نثبت أ�ن‬ ‫ال�شباب العربي لو أ�تيحت له الفر�صة من تدريب و�إمكانيات مادية ي�ستطيع أ�ن ي�ساهم يف �إزالة وجه الب ؤ��س عن العامل‬ ‫العربي‪ ،‬من خالل م�شاريع تنموية نه�ضوية بحق ولي�س جمرد كلمات تلقى أ�و جمرد أ�فكار تلقى‪ ،‬لكن؛ م�شروعات‬ ‫عملية ولي�س م�شروعات خريية أ�و دينية‪ ،‬بل م�شروعات دينية نه�ضوية؟‬

‫بالميان؟‬ ‫ما تعريفك مل�صطلح التنمية إ‬ ‫الميان دافع �إىل‬ ‫الميان �إذا مل يوجه إل�صالح حياة النا�س نخ�شى أ�ن يوجه النا�س �إىل التطرف‪ ،‬فما نقوله هو أ�ن إ‬ ‫إ‬ ‫الميان دافع �إىل م�شروعات تنموية‪ ،‬أ�حاديث الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم والقر آ�ن‬ ‫الميان دافع �إىل تنمية‪ ،‬إ‬ ‫النجاح‪ ،‬إ‬ ‫الكرمي تدفع النا�س دفع ًا �شديد ًا للنجاح‪ ،‬على �سبيل املثال ‪ « :‬من م�شى يف حاجة أ�خيه خري له من أ�ن يعتكف يف‬ ‫م�سجدي هذا أ�ربعني يوم ًا «‪ .‬ماذا يعني من م�شى يف حاجة أ�خيه؟ يعني عمل م�شروع �صغري‪ ،‬ويعني م�ساعدة أ�والدة‪،‬‬ ‫ويعني تعلم أ��سرة فقرية لت أ�كل وتعي�ش‪.‬‬ ‫بالميان‪ ،‬نريد تنمية لهذه املنطقة من العامل‪ ،‬والدافع واحلافز هو �إمياننا‪.‬‬ ‫هذا هو مفهومنا لق�ضية التنمية إ‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪109‬‬



‫ﻧﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ‬ ‫ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻋﻦ ﻣﺤﺎﺿﺮﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺤﻤﺪ ﺭﺍﺗﺐ ﺍﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺩﻥ‬ ‫ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﺍﻟﻘﺎﺩﻡ‬ ‫»ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ« ﻭﻓﻠﺴﻔﺘﺔ‬ ‫ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻋﻦ ﺇﻧﺠﺎﺯﺍﺕ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻋﻦ ﺷﻬﺮ ﺷﺒﺎﻁ ‪٢٠٠٩‬‬


‫نشاطات المنتدى‬

‫تقرير عن محاضرات الداعية الدكتور محمد راتب‬ ‫النابلسي في األردن‬

‫حما�ضرة اربد‪:‬‬

‫بدعوة من املنتدى العاملي للو�سطية أ�لقى الداعية‬ ‫الدكتور حممد راتب النابل�سي حما�ضرة يف حمافظة‬ ‫�إربد بعنوان «ال�شباب ودورهم يف النه�ضة» �ضمن �سل�سلة‬ ‫املحا�ضرات التي يلقيها الداعية النابل�سي يف حمافظات‬ ‫اململكة يوم أ‬ ‫الربعاء املوافق ‪2009/4/8‬م يف مدينة‬ ‫احل�سن لل�شباب‪.‬‬ ‫ويف بداية االحتفال رحب الدكتور حممد الق�ضاة ب�ضيف‬ ‫أ‬ ‫الردن منوه ًا بدوره الكبري يف ن�شر مفاهيم الو�سطية‬ ‫واالعتدال‪ ،‬عرب ر�سائله املتوا�صلة يف الف�ضائيات‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫مبينا دور املنتدى العاملي للو�سطية و�إميانه ب�همية تالقي‬ ‫أ�بناء أ‬ ‫المة على كلمة �سواء‪ ،‬ونبذ كل مظاهر التطرف‬ ‫والفراط والتفريط‪ ،‬و أ�ن املنتدى يحر�ص على‬ ‫والغلو إ‬ ‫أ‬ ‫حتقيق امل�صاحلة ال�شاملة بني مكونات المة‪ ،‬ويحمل‬ ‫على عاتقه امل�ساهمة الفاعلة يف �صياغة �إجابات را�شدة‬ ‫ملواجهة التحديات احل�ضارية املعا�صرة‪.‬‬ ‫ؤ‬ ‫ال�س ّيد عبد الر�وف التل‬ ‫وقد رحب رئي�س بلدية اربد ّ‬ ‫أ‬ ‫و�سعادة النائب ر�سمي املالح ب�ضيف الردن‪.‬‬ ‫وبد أ� العالمة الداعية حما�ضرته بتوجيه ال�شكر �إىل‬ ‫اململكة أ‬ ‫وخ�ص بال�شكر‬ ‫الردنية الها�شمية قيادة و�شعب ًا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫القائمني على املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬منوه ًا بدوره‬ ‫الكبري يف م�سرية نه�ضة أ‬ ‫المة املعا�صرة‪ ،‬ون�شر مفاهيم‬ ‫‪112‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الو�سطية واالعتدال بني أ�بناء أ‬ ‫ً‬ ‫تقوية‬ ‫ال�سالمية‬ ‫المة إ‬ ‫لتيار الو�سطية كتيا ٍر ثابت يف أ‬ ‫المة‪.‬‬ ‫وقال الدكتور النابل�سي �إنَّ اهلل عز وجل يف آ�يات كثرية‬ ‫جد ًا نهانا عن املع�صية‪ ،‬وعن التق�صري‪ ،‬والك�سل وحب‬ ‫الدنيا‪ ،‬لكن يف آ�يات أ�خرى نهانا عن الغلو يف الدين‪ ،‬ومعنى‬ ‫(ال�سالم و�سطي) أ�ي يبتعد عن التطرف‪ ،‬ال‬ ‫ذلك أ�ن‪ :‬إ‬ ‫الفراط‪ ،‬وال‬ ‫�إىل اليمني‪ ،‬وال �إىل الي�سار‪ ،‬ال �إىل جهة إ‬ ‫الميان و�سطي‪ ،‬يعتمد على التوازن‬ ‫�إىل جهة التفريط‪ ،‬إ‬ ‫الن�سان له جانب ج�سمي‪ ،‬فالعناية‬ ‫الن�سان‪ ،‬إ‬ ‫بني جوانب إ‬ ‫باجل�سم‪ ،‬والعناية بال�صحة‪ ،‬واالنتباه ملا يدخل يف الفم‬ ‫هذا من الدين‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولن ج�سدك يحمل نف�سك‪ ،‬وهذا اجل�سد‪ ،‬وهذه النف�س‬ ‫تعي�ش يف الدنيا ملهمة خطرية‪ ،‬ف أ��سا�س الدين التوازن‬ ‫من الناحية اجل�سمية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬والنف�سية‪ ،‬فكما أ�ن‬ ‫العقل غذا ؤ�ه العلم‪ ،‬فالقلب غذا ؤ�ه احلب‪� ،‬إن�سان ال ي�شعر‬ ‫بحاجة �إىل أ�ن يكون حمبوب ًا! وال ي�شعر بحاجة �إىل‬ ‫أ�ن يحب اهلل عز وجل! فهو �إن�سان ال ينتمي �إىل جن�س‬ ‫الب�شرية‪ ،‬فال بدَّ من التوازن بني مطالب اجل�سم‪ ،‬ومطالب‬ ‫ال�سالم و�سطي‪ ،‬فقد وازن بني مطالب‬ ‫الروح‪ ،‬والعقل‪ ... .‬إ‬ ‫اجل�سد‪ ،‬ومطالب النف�س‪ ،‬ومطالب العقل‪ ،‬فالعقل غذا ؤ�ه‬ ‫العلم‪ ،‬والقلب والنف�س غذا ؤ�هما احلب والقيم‪ ،‬واجل�سد‬ ‫غذا ؤ�ه الطعام وال�شراب‪.‬‬ ‫وبينّ الداعية النابل�سي أ�نَّ أ��شد أ�نواع الغلو‪ ،‬أ�ن ت أ�خذ‬


‫كلية من كليات الدين‪ ،‬وجتعلها الدين كله‪ ،‬هذا غلو ال‬ ‫�شك فيه‪ ،‬أ�ما أ�ن ت أ�خذ فرع ًا �صغري ًا من فروع الدين‪،‬‬ ‫وجتعله الدين كله فهذا غلو‪ ،‬و أ� ُّي غلو‪ ،‬نحن مطلوب منا‬ ‫التوازن‪ ،‬عندما ترجح جانب ًا على جانب‪ ،‬وت�ضخم جانب ًا‪،‬‬ ‫وت�صغر جانب ًا فقد وقعت يف الغلو‪ ،‬و أ�نت ال تدري‪.‬‬ ‫ونوه النابل�سي ب أ�هم ّية دور ال�شباب يف نه�ضة أ‬ ‫المة‪ ،‬فهم‬ ‫امل�ستقبل الذي تنتظره أ‬ ‫المة‪ ،‬م�صداق ًا للهدي النبوي‬ ‫ال�شريف الذي ب�شر بال�شباب‪ ،‬و أ�نَّ الن�صر والتغيري يقع على‬ ‫عاتقهم‪ ،‬وه ؤ�الء ال�شباب طالئع أ‬ ‫المة يجب حت�صينهم‬ ‫ال�سالم و�سماحتة‬ ‫من الغلو والتطرف عرب غر�س قيم إ‬ ‫يف عقولهم وقلوبهم‪ ،‬فالو�سطية واالعتدال هما ال�ضمان‬ ‫الكيد للقيام بواجب نه�ضة أ‬ ‫أ‬ ‫المة وتقدمها‪.‬‬ ‫وبي النابل�سي يف جزء من حما�ضرته وجوه ًا متعددة من‬ ‫نّ‬ ‫آ‬ ‫العجاز العلمي يف القر�ن الكرمي‪.‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫قدر بـ‬ ‫وبلغ عدد احل�ضور من �بناء حمافظة �إربد ما ُي ّ‬ ‫(‪ ،)7000‬وكان من بني احل�ضور كبار م� ؤ‬ ‫س�ويل املحافظة‬ ‫على ر أ��سهم حمافظ �إربد ومدير �شرطتها‪ ،‬وعدد من‬ ‫نواب املحافظة و أ�عيانها ومن الوزراء ال�سابقني‪ ،‬ووجهاء‬ ‫املحافظة‪ ،‬وال�شخ�صيات الفكرية و أ��ساتذة اجلامعات‪.‬‬

‫القطاع الن�سائي‪:‬‬

‫لقاء خا�ص ًا مع الدكتور حممد‬ ‫وقد نظم القطاع الن�سائي ً‬ ‫راتب النابل�سي يوم اخلمي�س املوافق ‪209/4/9‬م يف مقر‬ ‫املنتدى على هام�ش زيارته أ‬ ‫للردن بدعوة من املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية‪ ،‬و يف �إطار حر�ص القطاع الن�سائي على‬ ‫المة أ‬ ‫االلتقاء بعلماء أ‬ ‫الجالء ملحاورتهم يف � ؤ‬ ‫ش�ون املر أ�ة‬ ‫ال�سالم الو�سطية للمر أ�ة من‬ ‫من أ�جل تعزيز و نظرة إ‬ ‫حيث مكانتها و دورها‪.‬‬ ‫و أ�كد النابل�سي أ�ن دور الرجل و املر أ�ة مرتبط بخ�صائ�ص‬ ‫كل منهما البيولوجية و النف�سية و االجتماعية بحيث‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫فال�سالم دين العدالة لن من‬ ‫يحقق التكامل املطلق‪ ،‬إ‬ ‫ال�سالم بالتطرف و التمييز ‪ ،‬اتهامه باطل‪ ،‬حيث‬ ‫يتهم إ‬ ‫أ‬ ‫�إن ديننا احلنيف �ساوى بني الرجل و املر�ة يف ثالثة‬ ‫أ��شياء‪:‬الت�شريف و التكليف و امل� ؤ‬ ‫س�ولية‪ ،‬و أ�و�ضح الدكتور‬ ‫قد�سية العالقة الزوجية و أ�نها آ�ية من آ�يات اهلل كما أ�ن‬ ‫خلق ال�سماوات و أ‬ ‫الر�ض آ�ية من آ�ياته‪ ،‬فمن ال�ضروري‬ ‫أ�ن يقوم كل فرد من أ�فراد أ‬ ‫ال�سرة بواجبه بحيث �إن هذا‬ ‫الواجب ال ينتق�ص منه �شيئا بل هو عبادة يتقرب بها هلل‬ ‫�سبحانه و تعاىل‪.‬‬ ‫وتناول النابل�سي مو�ضوع امل�ساواة بني الرجل واملر أ�ة‬ ‫َحيث �إن املهمة العظيمة للمر أ�ة تكمن يف تربية أ�والدها‬ ‫واحلفاظ على البيت كمكان �سكن للزوج أ‬ ‫والوالد‪ ،‬و أ�نه‬ ‫ال حرج من م�ساعدة الرجل للمر أ�ة يف البيت‪ ،‬م� ؤ‬ ‫س�ولية‬

‫البيت م� ؤ‬ ‫س�ولية م�شرتكة‪.‬‬ ‫و أ�دارت احلوار رئي�سة القطاع الن�سائي ال�سيدة �سو�سن‬ ‫املومني وح�ضره جمموعة من �سيدات املجتمع النا�شطات‬ ‫يف جمال املر أ�ة واجلامعات ونقابيات وداعيات و طالبات‬ ‫جامعيات‪.‬‬

‫حما�ضرة عمان‪:‬‬

‫و أ�لقى الداعية الدكتور حممد راتب النابل�سي حما�ضرة‬ ‫جماهريية يف حمافظة العا�صمة بعنوان» الو�سطية‬ ‫واالعتدال منهج أ‬ ‫المة»‪� ،‬ضمن �سل�سلة املحا�ضرات التي‬ ‫يلقيها الداعية النابل�سي يف حمافظات اململكة‪.‬‬ ‫ويف بداية االحتفال رحب �سعادة املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري أ‬ ‫المني العام للمنتدى بال�ضيف الكرمي منوه ًا‬ ‫بدوره الكبري يف ن�شر مفاهيم الو�سطية واالعتدال‪،‬‬ ‫وربط ذلك بدور العلماء امل�سلمني يف �سورية خا�صة وبالد‬ ‫ال�شام عامة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫و أ�كد ال�سيد الفاعوري �ننا يف املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫نلتقي مع �سماحة ال�شيخ الدكتور يف حمل املنهج الو�سطي‬ ‫روح ًا وفكر ًا ومنهج ًا‪.‬‬ ‫وبني الداعية النابل�سي أ�ن الو�سطية واالعتدال منهج‬ ‫حياة‪ ،‬وهي بذلك منهج أ�مة‪ ،‬و أ�كد أ�همية العلم وطالب‬ ‫بن�شر املنهج الو�سطي وبعثه يف نفو�س امل�سلمني‪.‬‬ ‫وبني أ�ن التطور والتجديد ال يعنيان �إ�ضافة �شيء �إىل‬ ‫الدين أ�و حذف �شيء منه‪ ،‬ولكن التجديد يف الدين‬ ‫يعني أ�ن ننزع عن الدين كل ما علق به‪ ،‬فهو دين احلق ال‬ ‫ي أ�تيه الباطل من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬وحيثما أ��ضيف‬ ‫عليه ما لي�س منه اختلفنا وتقاتلنا‪ ،‬وحينما حذفنا ما‬ ‫كان منه �ضعفنا‪ ،‬فالتجديد هو العودة �إىل روح الدين‬ ‫و �صفائه‪ ،‬قال تعال‪(:‬ا ْل َي ْو َم َأ� ْك َملْتُ َل ُك ْم ِدي َن ُك ْم َو َأ� مْ َ‬ ‫ت ْمتُ‬ ‫ال ْ�سلاَ َم ِدي ًنا)‪.‬‬ ‫َع َل ْي ُك ْم ِن ْع َم ِتي َو َر ِ�ضيتُ َل ُك ُم ْ ِ إ‬ ‫و أ��ضاف أ�ن امل�شكلة أ�ننا ابتدعنا يف الدين وقلدنا يف‬ ‫الدنيا‪ ،‬أ‬ ‫وال�صل أ�ن نقلد يف الدين ونبتدع يف الدنيا‪.‬‬ ‫و أ�كد أ�ن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لطاملا حذر وقال‪:‬‬ ‫�إياكم والغلو يف الدين والغلو هو جماوزة الن�ص ال�شرعي‪،‬‬ ‫والتعدي �إىل أ‬ ‫الحاديث املو�ضوعة واملكذوبة أ�و االخذ‬ ‫بظاهر الن�ص بعيد ًا عن روحه‪ ،‬و أ�ن ت أ�خذ فرع ًا من‬ ‫فروع الدين وجتعله الدين كله‪ ،‬فهذا غلو اعتقادي يف‬ ‫الدين‪ ،‬وقال‪� :‬إن كنت ناق ًال فال�صحة‪ ،‬و�إن كنت مدعي ًا‬ ‫فالدليل‪ ،‬فما أ�هلك أ‬ ‫المة �إال الغلو‪ ،‬وقال‪ :‬الو�سطية‬ ‫تعني االعتدال‪ ،‬العدل‪ ،‬القوة‪ ،‬الو�سط‪.‬‬ ‫العجاز العلمي يف عدد من الظواهر‬ ‫وبني أ�مثلة من إ‬ ‫الطبيعية يف هذا الكون مثل الهالل الذي له دور نفعي‬ ‫ودور �إر�شادي‪ ،‬ومن خالل هذا الكون العظيم ن�ستدل على‬ ‫عظمة اخلالق‪.‬‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪113‬‬


‫وزاد عدد احل�ضور على(‪ )7000‬من أ�بناء املنتدى حما�ضرة العقبة‪:‬‬

‫وجماهري خمتلفة من النا�س‪.‬‬

‫حما�ضرة ال�سلط‪:‬‬

‫ثم أ�لقى الداعية الدكتور حممد راتب النابل�سي حما�ضرة‬ ‫يف مدينة ال�سلط بعنوان «املبعوث رحمة للعاملني»‬ ‫�ضمن جمموعة املحا�ضرات التي أ�لقاها يف حمافظات‬ ‫اململكة بدعوة من املنتدى العاملي للو�سطية يوم اخلمي�س‬ ‫‪209/4/9‬م يف مركز ال�سلط الثقايف‪.‬‬ ‫ويف بداية احلفل رحب الدكتور هايل داود بال�ضيف‬ ‫وبي دوره الرائد يف ن�شر الكلمة الطيبة عرب‬ ‫الكبري نّ‬ ‫ر�سائله وحما�ضراته املتوا�صلة على م�ستوى بالد ال�شام‬ ‫والعامل العربي‪.‬‬ ‫وبد أ� العالمة الكبري بتوجيه ال�شكر العميق للقائمني‬ ‫على أ�عمال املنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫وبي الدكتور يف حما�ضرته أ�ن اهلل عز وجل ق�ص علينا‬ ‫نّ‬ ‫أ‬ ‫ق�ص�ص النبياء واملر�سلني جميع ًا‪ ،‬وخ�ص باحلديث ق�صة‬ ‫�سيد الب�شر وخامت املر�سلني �سيدنا حممد ًا‪ ،‬حيث حتدث‬ ‫يف �سريته وحياته وت�صرفاته و أ�عماله ودعوته لهداية‬ ‫بني الب�شر‪.‬‬ ‫العجاز العلمي الذي بينه اهلل‬ ‫وتطرق متحدث ًا عن إ‬ ‫آ‬ ‫�سبحانه وتعاىل يف مواطن كثرية من القر�ن الكرمي وهي‬ ‫معجزة �سيدنا حممد ‪.‬‬ ‫وبي كذلك أ�همية التعرف على �سرية الر�سول الكرمي‬ ‫نّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لالقتداء بها كمنهج حياة؛ لنّ يف اتباعها �صالح ًا للمة‬ ‫و�صالح ًا ألهلها‪ ،‬والبعد عنها هالك هذه أ‬ ‫المة وهالك‬ ‫أ�هلها‪.‬‬ ‫و أ�كد النابل�سي يف حما�ضرته �ضرورة االعتناء واالهتمام‬ ‫باملر أ�ة حيث أ�و�صانا بها اهلل جل وعال يف مواطن كثرية‪،‬‬ ‫وكذلك النبي الذي أ�و�صانا ب�ضرورة التعامل معها‬ ‫باملعروف واللني من أ�جل �إ�صالحها باعتبارها اللبنة‬ ‫ال�سا�سية يف هذه أ‬ ‫أ‬ ‫وبي يف جزء من حديثه واقع‬ ‫المة‪ ،‬نّ‬ ‫تعامل الر�سول مع امل�سلمني عامة وتعامله مع أ�مهات‬ ‫امل ؤ�منني خا�صة بالرحمة وال�صرب‪.‬‬ ‫العجاز العلمي احلا�صل يف‬ ‫كما و�ضح الدكتور النابل�سي إ‬ ‫ج�سم الكائنات احلية وخملوقات هذا الكون كدليل على‬ ‫قدرة اخلالق �سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫ويف نهاية املحا�ضرة �شكر النابل�سي احل�ضور والقائمني‬ ‫على املنتدى على احلفاوة التي حظي بها يف أ�ثناء زيارته‬ ‫ملدينة ال�سلط العريقة و أ�هلها‪.‬‬

‫‪114‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫و �ضمن �سل�سلة املحا�ضرات التي يلقيها الداعية‬ ‫النابل�سي يف حمافظات اململكة‪ ،‬بدعوة من املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية‪.‬‬ ‫أ�لقى ف�ضيلة الدكتور حممد راتب النابل�سي حما�ضرة‬ ‫يف نادي أ‬ ‫المري را�شد البحري يف مدينة العقبة‬ ‫بعنوان» االعتدال طريق النه�ضة» يوم اجلمعة املوافق‬ ‫جمع غفري من أ�هايل‬ ‫‪2009/4/10‬م‪ ،‬حيث ح�ضر اللقاء ٌ‬ ‫حمافظات اجلنوب و�سائر حمافظات اململكة‪.‬‬ ‫ويف بداية االحتفال أ�لقى ال�سيد عبد اهلل ال�شهبان كلمة‬ ‫ترحيبية عرب فيها عن ال�سرور الكبري بزيارة ال�ضيف‬ ‫الكرمي �إىل العقبة‪ ،‬ورحب به بني أ�هله ويف وطنه‪.‬‬ ‫ال�سالم الو�سطي ي�سهم يف‬ ‫ثم بني الدكتور النابل�سي أ�ن إ‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬وكي ينجح يف �إ�سهامه أ‬ ‫بناء أ‬ ‫للمة يجب‬ ‫المة إ‬ ‫الن�ساين والرباين‪ ،‬و أ�نه واقعي‬ ‫أ�ن يكون وفق ًا للمنهج إ‬ ‫يعالج كل واقعيات احلياة‪.‬‬ ‫ال�سالم ال �إفراط فيه وال تفريط و أ�نه و�سطي‬ ‫وبني أ�ن إ‬ ‫بني املادية املقيتة والروحانية احلاكمة‪ ،‬لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫(وجعلناكم أ�مة و�سطا‪ ،)...‬وبني أ�ن الدين الو�سطي‬ ‫املعتدل ي�سهم يف بناء أ‬ ‫المة وقوتها‪.‬‬ ‫بي الدكتور النابل�سي حقوق املر أ�ة والرجل‬ ‫ثم نّ‬ ‫ال�سالم‪ ،‬و أ��شار �إىل أ�همية تكامل أ‬ ‫الدوار‬ ‫وواجباتهما يف إ‬ ‫بينهما من أ�جل بناء أ��سرة قوية متما�سكة أ�مام الهجمات‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫ال�شر�سة �ضد إ‬ ‫و أ��ضاف الدكتور النابل�سي أ�ن العبادات تق�سم �إىل أ�ق�سام‬ ‫خم�سة وهي‪ :‬عبادة ال�شعائر من ال�صالة وال�صيام‬ ‫والزكاة‪ ،‬وعبادة أ‬ ‫العمال‪ ،‬وهي املتعلقة باملعامالت‬ ‫بني النا�س و أ��ضاف أ�ن عبادة ال�شعائر ال تقبل بدون‬ ‫أ‬ ‫العمال‪.‬‬ ‫والق�سم الثالث عبادة الهوية‪ ،‬وهي التي تتعلق بعمل‬ ‫الن�سان ووظيفته‪ ،‬ف�إن كان طبيب ًا فيجب أ�ن يكون‬ ‫إ‬ ‫خمل�ص ًا مبدع ًا يف مهنته‪ ،‬و�إن كان مهند�س ًا فهو كذلك‬ ‫خمل�ص مبد ٌع‪.‬‬ ‫أ�ما الق�سم الرابع فهو عبادة الظرف‪ ،‬واملتعلقة بالظرف‬ ‫بالن�سان‪ ،‬والعبادة‬ ‫الزماين واملكاين الذي يحيط إ‬ ‫اخلام�سة العبادة املتعلقة بالواقع‪ ،‬وهي املرتبطة‬ ‫بالواقع واملتغريات التي تقع فيه‪.‬‬ ‫ويف نهاية املحا�ضرة قدم املهند�س مروان الفاعوري كلمة‬ ‫ختامية حتدث فيها عن منتدى الو�سطية وم�ساهمته‬ ‫يف �إ�صالح أ‬ ‫المة‪ ،‬وقدم ال�سيد عبد اهلل ال�شهبان �شكره‬ ‫للدكتور حممد راتب النابل�سي على ح�ضوره و�إلقائه‬ ‫هذه املحا�ضرة التي أ�فادت حمافظات اململكة عامة وثغر‬ ‫أ‬ ‫الردن (العقبة) خا�صة‪.‬‬


‫نشاطات المنتدى‬

‫رؤية المؤتمر الدولي الخامس القادم وفلسفتة‬

‫«قضايا المرأة في المجتمعات اإلسالمية والتحديات‬ ‫المعاصرة»‬ ‫�ضمن �سل�سة امل ؤ�مترات الدولية التي يقيمها املنتدى العاملي للو�سطية �س ُي ْع َقدُ ب�إذن اهلل م ؤ�متر دويل عنوانه‬ ‫ال�سالمية والتحديات املعا�صرة»‪ ،‬بني ‪ 2009/7/26-25‬وي أ�تي هذا امل ؤ�متر لي ؤ�كد أ�همية‬ ‫«ق�ضايا املر أ�ة يف املجتمعات إ‬ ‫الن�سان (رج ًال وامر أ�ة) من كل قيود اال�ستبداد واجلهل من عادات وتقاليد أ�بعدته‬ ‫ال�سالم ليحرر إ‬ ‫املر أ�ة‪ ،‬فقد جاء إ‬ ‫عن �إن�سانيته‪.‬‬ ‫الن�سان ذكر ًا كان أ�م أ�نثى ((يا أ�يها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر‬ ‫فكان ثورة عن تلك العادات والتقاليد ليعلن �إن�سانية إ‬ ‫و أ�نثى وجعلناكم �شعوب ًا وقبائل لتعارفوا �إن أ�كرمكم عند اهلل أ�تقاكم))‪ ،‬وي ؤ�كد م�ساواة املر أ�ة بالرجل ((�إين ال أ��ضيع‬ ‫ال�سالمية يف ذلك‬ ‫عمل عامل منكم من ذكر أ�و أ�نثى بع�ضكم من بع�ض)) ((الن�ساء �شقائق الرجال)) وت�ستند الر ؤ�ية إ‬ ‫�إىل قراءة و�سطية تقوم على رف�ض الظلم للمر أ�ة وتهمي�شها ومعاملتها بالدونية‪ ،‬والتننقي�ص‪ ،‬ورف�ض حتويلها �إىل‬ ‫ال�سالمية املختلفة‬ ‫والثارة‪ .‬يف �إطار بناء منوذج �إ�سالمي للمر أ�ة املعا�صرة مماثل ملا كان يف الع�صور إ‬ ‫للغراء إ‬ ‫�صورة إ‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫من ن�ساء �ضاهني الرجال يف فكرهن وفقههن وجهادهن يف �سبيل اهلل‪ ،‬وكان لهن دور ريادي يف املجتمعات إ‬ ‫ولكن امل�سلمني يف الع�صور أ‬ ‫الخرية ت�سربت �إىل عقولهم أ�فكار قامتة عن املر أ�ة أ��صبحت فيما بعد عادات وتقاليد‬ ‫أ�ل�صقت بالدين من خالل فهم خاطئ لبع�ض الن�صو�ص‪ ،‬أ�و اعتماد ًا على أ�حاديث من�سوبة �إىل النبي ال أ��صل لها‪ ،‬أ�و يف‬ ‫أ�طار أ�فهام وت أ�ويالت ال حتتملها آ‬ ‫اليات أ‬ ‫والحاديث الكرمية‪.‬‬ ‫ويف ظل الظروف الدقيقة التي متر بها أ�متنا‪ ،‬خا�صة بعد امل ؤ�مترات العاملية اخلا�صة باملر أ�ة‪ ،‬التي ت�ستهدف املر أ�ة‬ ‫أ‬ ‫وال�سرة‪ ،‬كان البد من مراجعة �شاملة لر ؤ�يتنا فيما يتعلق باملر أ�ة تقوم على �إعادة قراءة الن�صو�ص وتو�ضيحها‬ ‫وجتديد فقه املر أ�ة ح�سب �شروط االجتهاد و�ضوابطه‪.‬‬ ‫ال�سالمية وحتديات الع�صر»‬ ‫لكل هذا فقد ر أ�ى املنتدى عقد م ؤ�متر خا�ص باملر أ�ة عنوانه «ق�ضايا املر أ�ة يف املجتمعات إ‬ ‫ويهدف �إىل أ�ن يكون‪:‬‬ ‫ال�سالمية املتعلقة باملر أ�ة‪.‬‬ ‫‪ .1‬ر�سالة امل�سلمني ب أ�ن يتعرفوا أ�حكام ال�شريعة إ‬ ‫‪ .2‬التفريق بني أ‬ ‫الحكام ال�شرعية املتعلقة باملر أ�ة وما ت�ضمنته من عدل وم�ساواة وبني ممار�سات امل�سلمني يف حق‬ ‫املر أ�ة‪.‬‬ ‫ال�سالمية‪.‬‬ ‫‪ .3‬الوقوف على القوانني والت�شريعات العاملية اخلا�صة باملر أ�ة وميزانها من خالل أ�حكام ال�شريعة إ‬ ‫‪ .4‬ر�سم معامل دور املر أ�ة يف النهو�ض باملجتمع‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪115‬‬


‫نشاطات المنتدى‬

‫تقرير عن إنجازات منتدى الوسطية‬ ‫في شهر شباط ‪2009‬‬ ‫نشاطات‪:‬‬

‫ا�ست�ضاف املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع منتدى‬ ‫الو�سطية للفكر والثقافة الدكتور �سليم احل�ص رئي�س‬ ‫وزراء لبنان أ‬ ‫ال�سبق ورئي�س اللجنة العربية لرفع‬ ‫احل�صار عن غزة يف �سياق براجمه لدعم أ‬ ‫الهل يف غزة‬ ‫ال�صمود إللقاء حما�ضرة يوم أ‬ ‫الحد ‪2009/2/8‬م‬ ‫م�ساء يف قاعة املركز الثقايف امللكي يف‬ ‫ال�ساعة ال�ساد�سة‬ ‫ً‬ ‫ع ّمان‪.‬‬ ‫ؤ‬ ‫وقد ح�ضر املحا�ضرة عدد من ر��ساء الوزارات ال�سابقني‬ ‫والوزراء أ‬ ‫والعيان وال�شخ�صيات ال�سيا�سية والنيابية‬ ‫والنقابية واحلزبية وامل�س ؤ�ولني واملهتمني ‪،‬الذين أ�غنوا‬ ‫احلوار‪.‬‬ ‫و يف احتفال جرى يوم أ‬ ‫الحد ‪2009/2/8‬م‪� ،‬س ّلم املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري أ‬ ‫المني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫عطوفة ال�سيد حممد ماجد العيطان رئي�س هيئة‬ ‫الغاثة الها�شمية مفاتيح �سيارتي �إ�سعاف جمهزتني‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جتهيزا كامال باللوازم الطبية‪ ،‬وي�تي هذا التربع‬ ‫ح�صيلة حملة املنتدى التي قام بها يف احلقبة املا�ضية‬ ‫خالل العدوان الغا�شم على أ�هلنا يف غزة مل�ساندتهم‬ ‫و أ�غاثتهم‪ ،‬وقد ح�ضر االحتفال عدد من ر ؤ��ساء الوزراء‬ ‫ال�سابقني وجمع غفري من املواطنني و�سيتم �إر�سال هاتني‬ ‫الغاثة الها�شمية �إىل قطاع‬ ‫ال�سيارتني من خالل هيئة إ‬ ‫غزة يف أ‬ ‫اليام القادمة‪.‬‬ ‫وقد �شارك املنتدى يف الندوة التي عقدها مركز الر أ�ي‬ ‫ال�صالح ال�سيا�سي‬ ‫للدرا�سات عن «�إ�شكاليات منهاجية يف إ‬ ‫أ‬ ‫الردين» ‪،‬يوم ال�سبت ‪2009/2/7‬م يف قاعة مركز الر أ�ي‬ ‫للدرا�سات‪ /‬جريدة الر أ�ي‪.‬‬ ‫وعقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع �إربد دورة‬ ‫الن�سان ألع�ضاء املنتدى من‬ ‫تثقيفية يف جمال حقوق إ‬ ‫تاريخ ‪2009/2/24-22‬م ‪،‬يف مقر املنتدى بالتعاون مع‬ ‫الن�سان ‪.‬‬ ‫مركز عمان لدرا�سات حقوق إ‬ ‫‪116‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫و أ�قام منتدى الو�سطية فرع جر�ش احتفا ًال بذكرى املولد‬ ‫النبوي ال�شريف يوم ال�سبت ‪2009/3/27‬م بح�ضور‬ ‫م�ساعد حمافظ جر�ش وحتدث يف اللقاء ف�ضيلة ال�شيخ‬ ‫حممد العيا�صرة وال�شيخ جمال ال�سفرتي‪ ،‬بعد ذلك‬ ‫جرى تكرمي عدد من ال�شخ�صيات الداعمة للمنتدى‪،‬‬ ‫وح�ضر احلفل أ�ع�ضاء املنتدى و أ�هايل مدينة جر�ش‪.‬‬ ‫وعقد منتدى الو�سطية فرع ال�سلط احتفا ًال مبنا�سبة‬ ‫ذكرى املولد النبوي ال�شريف ‪،‬حتدث يف االحتفال‬ ‫الدكتور عبد الكرمي الوريكات والدكتورة مناء البنا‬ ‫وح�ضر اللقاء عدد كبري من أ�بناء مدينة ال�سلط‪.‬‬ ‫و أ�قام منتدى الو�سطية فرع الكرك احتفا ًال بذكرى‬ ‫املولد النبوي ال�شريف يوم ال�سبت ‪2009/3/14‬م‪،‬‬ ‫وحتدث يف اللقاء الدكتور حممد الروا�شدة املدر�س يف‬ ‫كلية ال�شريعة – جامعة م ؤ�تة وال�شيخ جمال ال�سفرتي‬ ‫ع�ضو املنتدى‪ /‬فرع عمان والدكتور ر�شاد الكيالين ع�ضو‬ ‫املنتدى ‪/‬فرع عمان والدكتور يا�سني املقو�سي‪ /‬جامعة‬ ‫ال�سالمية العاملية‪.‬‬ ‫العلوم إ‬ ‫و أ�قام منتدى الو�سطية فرع مادبا حما�ضرة بعنوان‬ ‫«حتديات أ‬ ‫ال�سالمية يف ذكرى املولد النبوي»‬ ‫المة إ‬ ‫‪ ،‬أ�لقاها الدكتور هايل عبد احلفيظ يوم اخلمي�س‬ ‫‪2009/3/12‬م‪.‬‬ ‫برعاية عطوفة ال�سيد �صالح الق�ضاة مت�صرف لواء‬ ‫ذيبان و�سعادة العني حممد أ�بو ربيحة أ�قام منتدى‬ ‫الو�سطية فرع مادبا ندوة بعنوان «املخدرات و آ�ثارها‬ ‫على التفكك أ‬ ‫ال�سري» يف قاعة بلدية ذيبان يوم االثنني‬ ‫‪2009/3/23‬م حتدث فيها الدكتور حممد امل�ساندة‬ ‫وال�سيد حكمت احلالملة وال�شيخ جمال ال�سفرتي وال�سيد‬ ‫�سامل الهواو�شة ‪،‬وح�ضر الندوة عدد كبري من أ�هايل‬ ‫حمافظة مادبا‪.‬‬


‫و أ�قام املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع جمعية‬ ‫�صناع احلياة‪ ,‬حف ًال �إن�شاديا مبنا�سبة ذكرى املولد‬ ‫النبوي ال�شريف يف حمافظة الزرقاء يوم الثالثاء‬ ‫ال�سالمية‪ ،‬وقد‬ ‫‪ ,2009/3/17‬قدمته فرقة الرباءة إ‬ ‫تخلل احلفل الذي أ�قيم يف جممع النقابات املهنية‪ ,‬كلمة‬ ‫للنائب يف الربملان أ‬ ‫الردين د‪.‬حممد احلاج (ع�ضو املنتّدى‬ ‫العاملي للو�سطية)‪ ,‬ود‪.‬هايل داود أ��ستاذ كلية ال�شريعة‬ ‫(ع�ضو املنتّدى العاملي للو�سطية)‬

‫عميدة كلية توليدو اجلامعية يف �إربد عن م ؤ�متر بكني‬ ‫وحتدثت عن أ‬ ‫ال�سباب التي دعت �إىل عقد امل ؤ�مترات‬ ‫الن�سائية يف العامل‪ ،‬ودار النقا�ش حول بع�ض القرارات‬ ‫التي حتفظت عليها بع�ض الدول كاجلندر أ‬ ‫وال�سرة‬ ‫والجها�ض وامل�ساواة الريا�ضية‬ ‫الجناب ّية إ‬ ‫والثقافة إ‬ ‫بني الرجل واملر أ�ة واملرياث وغريها ‪،‬و أ�قر احل�ضور ب�نأ‬ ‫الوثيقة ال تخلو من �صياغات جيدة عاجلت هموم املر أ�ة‬ ‫ال�سالمي‬ ‫وم�شكالتها يف جميع أ�نحاء العامل ومنها العامل إ‬ ‫جراء املمار�سات اخلاطئة لتطبيق تعاليمه يف بع�ض‬ ‫اجلوانب االجتماعية‪.‬‬ ‫يف �إطار االهتمام باملر أ�ة واحلر�ص على رفع م�ستوى‬ ‫الوعي عندها وامل�ساهمة يف تعزيز املفهوم الو�سطي‬ ‫لل�سالم يف الق�ضايا التي تتعلق بها ‪،‬نظم القطاع الن�سائي‬ ‫إ‬ ‫يف منتدى الو�سطية ندوة عن «تفنيد �شبهات حول املر أ�ة‬ ‫ال�سالم» يف مقر املنتدى حا�ضر فيها ف�ضيلة أ‬ ‫ال�ستاذ‬ ‫يف إ‬ ‫أ‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي ��ستاذ الفقه يف كلية‬ ‫ال�شريعة‪ /‬اجلامعة أ‬ ‫الردنية وعميد كلية ال�شريعة‬ ‫ال�سبق‪ ،‬وف�ضيلة أ‬ ‫أ‬ ‫ال�ستاذ الدكتور حممد عقلة أ��ستاذ‬ ‫الفقه يف كلية ال�شريعة يف جامعة الريموك عميد كلية‬ ‫ال�شريعة يف جامعة الريموك �سابق ًَا يوم ال�سبت املوافق‬ ‫‪2009/3/28‬م‪.‬‬

‫و�شارك أ‬ ‫المني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‪ ,‬املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري بامل ؤ�متر الدويل الثاين لكلية ال�شريعة‬ ‫الذي عقدته جامعة م ؤ�تة‪ ,‬بعنوان (( املواطنة ال�صاحلة‬ ‫بني الواقع والطموح ودورها يف نه�ضة أ‬ ‫المة)) ‪ ,‬وذلك من‬ ‫‪ ,2009/4/16-14‬و أ�لقى أ‬ ‫المني العام ورقة بعنوان‬ ‫( املواطنة ال�صاحلة ودورها يف نه�ضة أ‬ ‫المة)‪.‬‬

‫مبنا�سبة االحتفاالت بيوم املر أ�ة العاملي‪ ,‬وانطالقا من‬ ‫خطة أ‬ ‫الن�شطة ال�سنوية لقطاع املر أ�ة يف املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية ‪،‬عقد يف مقر املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان‬ ‫يوم الثالثاء ‪ 2009/3/10‬حما�ضرة بعنوان (الرجل‬ ‫ال�سالمية)‪ ,‬و أ�لقى املحا�ضرة الدكتور‬ ‫واملر أ�ة يف ال�شريعة إ‬ ‫(ال�ستاذ يف اجلامعة أ‬ ‫عودة أ�بو عودة أ‬ ‫الردنية)‪ ،‬وحتدث‬ ‫الدكتور أ�بو عودة يف بداية املحا�ضرة عن م�صطلح الرجل‬ ‫ال�سالمي‪ ,‬وملاذا خلق كل منهم؟ وما‬ ‫واملر أ�ة يف املفهوم إ‬ ‫حقيقة العالقة بينهما‪ ,‬وما يرتتب على هذه العالقة‬ ‫من مناهج و أ��ساليب للتفكري واحلياة‪ ،‬وانتقد الدكتور‬ ‫أ�بو عودة بع�ض الذين يتحدثون عن الرجل واملر أ�ة‪,‬‬ ‫ويتجاوزون املنهج ال�صحيح يف تناول هذا املو�ضوع‪،‬‬ ‫وتناول الدكتور أ�بو عودة العديد من آ‬ ‫اليات القر آ�نية‬ ‫التي ذكرت هذا املو�ضوع ب�شكل لغوي‪ ,‬وا�ستنتج منها‬ ‫مبد أ� العالقة احلقيقية بني الرجل واملر أ�ة يف ظل القران‬ ‫الكرمي‪ ,‬وهي العالقة التي تقوم على مبد أ� الزوجية‬ ‫التي تنظم الوجود كله‪ ,‬والعالقة املتكاملة املرتابطة‪,‬‬ ‫وقد ح�ضر املحا�ضرة عدد من املثقفني واملثقفات املهتمني‬ ‫بال�ضافة �إىل أ�ع�ضاء‬ ‫مبو�ضوع املر أ�ة وق�ضاياها املعا�صرة إ‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬

‫مشاركات‪:‬‬

‫�شارك وفد من املنتدى العاملي للو�سطية برئا�سة املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري أ‬ ‫المني العام للمنتدى والدكتور حممد‬ ‫اخلطيب والدكتور هايل داود يف أ�عمال م ؤ�متر بعنوان‬ ‫العالم يف تعزيز ثقافة الو�سطية» الذي‬ ‫«دور و�سائل إ‬ ‫عقدت أ�عماله يف مدينة طرابل�س يف لبنان‪.‬‬ ‫و�شارك املنتدى يف امللتقى الرابع الذي عقده مركز‬ ‫احل�ضارة للدرا�سات ال�سيا�سية عن (القيم وال�سيا�سات‬ ‫العامة) وحتدثت فيه الدكتورة ب�سمة عبد الغفار‬ ‫ال�سالمية‬ ‫أ��ستاذة ال�سيا�سات العامة بكلية الدرا�سات إ‬ ‫– قطر يوم أ‬ ‫الربعاء ‪2009/3/25‬م‪.‬‬

‫و�شارك املهند�س مروان الفاعوري أ‬ ‫المني العام للمنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية‪ ,‬والدكتور هايل داوود ( ع�ضو املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية) يف امل ؤ�متر الذي نظمه املجل�س أ‬ ‫العلى‬ ‫لل�شباب يوم ‪ ,2009/3/22 - 21‬بعنوان ((امل ؤ�متر‬ ‫الوطني الثاين لت أ��صيل الفكر التنويري عند ال�شباب‬ ‫الردين‪ :‬ال�شباب واحلوار مع آ‬ ‫أ‬ ‫الخر»))‪.‬‬ ‫و�شارك املنتدى يف أ�عمال م ؤ�متر الدميقراطية املحلية‬ ‫الردن الذي عقده مركز أ‬ ‫يف أ‬ ‫الردن اجلديد للدرا�سات‪،‬‬ ‫‪2009/3/11‬م يف فندق هوليدي �إن – عمان‪.‬‬

‫نشاطات لجنة المرأة‪:‬‬

‫نظم القطاع الن�سائي يف منتدى الو�سطية ور�شة عمل‬ ‫بعنوان (قراءة يف م ؤ�متر بكني و مابعده) يوم ال�سبت‬ ‫املوافق ‪ 2009/2/14‬حا�ضرت فيها الدكتورة نوال �شرار‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪117‬‬



‫ﺇﺻﺪﺍﺭﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ‬ ‫ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠـﺎﻝ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴـﺔ ‪ /‬ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺳﻌﺎﺩ ﻳﻠﺪﺭﻡ‬

‫ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﻨﻬﻀﻮﻱ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬ ‫ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺳﻬﻴﺮ ﻋﺒﺪﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﺤﻤﺪ ﻳﻮﺳﻒ‬ ‫ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﺎﺋﻘ ًﺎ ﻟﻠﻨﻬﻀﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ‪ /‬ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ ﺍﻟﻨﺠﺎﺭ‬

‫ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺰﺋﺔ ﺇﺣﺪﻯ ﻣﻌﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻨﻬﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﻟﻌﺮﺑﻲ‬ ‫ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻭﻫﺒﺔ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺍﻟﺰﺣﻴﻠﻲ‬ ‫ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻭﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ‪ /‬ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻠﻴﻢ ﻋﻮﻳﺲ‬ ‫ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ‪ ...‬ﻭﻧﻔﺴﻴﺔ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ‪ /‬ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺳﻌﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ‬ ‫َّ‬ ‫ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺷﺮﺍﻛﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﺍﻹﺳﻬﺎﻡ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ )ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ(‬ ‫ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺤﺎﺝ ‪ /‬ﺭﺋﻴﺲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻟﻺﺑﺪﺍﻉ ‪ -‬ﻣﺎﻟﻴﺰﻳﺎ‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫التجربة التركية في مجـال الوسطيـة‬ ‫األستاذ الدكتور سعاد يلدرم‬

‫تناول هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ(التجربة الرتكية يف جمال الو�سطية) أ‬ ‫لل�ستاذ الدكتور �سعاد يلدرم‪ ،‬احلركة‬ ‫التاريخية أ‬ ‫للتراك منذ دخولهم يف دين اهلل أ�فواج ًا وعن طواعية‪،‬‬ ‫بال�سالم ب�صدق و�إخال�ص‪ ،‬حيث انت�شر بينهم ب�سرعة‬ ‫وكيف مت�سكوا إ‬ ‫�إىل درجة مل يبق معها يف ربع القرن الذي يلي عام (‪924‬م) �إال عدد‬ ‫قليل من أ‬ ‫التراك ينت�سب �إىل دين غري �إ�سالمي‪ ،‬ثم تطرق الباحث �إىل‬ ‫جتربة أ‬ ‫التراك االجتماعية وال�سيا�سية يف عهد اجلمهورية الرتكية‬ ‫وما تعر�ضت له من �شدائد وحمن كانت ال تزيدها �إال �صالبة و�إ�صرار ًا‬ ‫على امل�ضي يف حمل هذه الر�سالة‪.‬‬ ‫و�سعى الكتاب �إىل تبيان املراحل أ‬ ‫الوىل ملحاولة �إن�شاء أ�ول حزب �إ�سالمي وما رافق ذلك من عقبات وعرثات‪.‬‬ ‫وختم البحث باحلديث عن جتربة أ‬ ‫ويبني الكتاب التجربة الرائعة أ‬ ‫للتراك يف �ساحة التعليم والرتبية‪ُ ،‬‬ ‫التراك‬ ‫املتميزة يف احلوار مع آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫وقد ت�ضمن الكتاب املو�ضوعات التالية‪:‬‬ ‫ مكانة أ‬‫ال�سالمي‪.‬‬ ‫التراك يف التاريخ إ‬ ‫ جتربة أ‬‫التراك االجتماعية وال�سيا�سية يف عهد اجلمهورية الرتكية‪.‬‬ ‫ جتربة أ‬‫التراك يف �ساحة التعليم والرتبية‪.‬‬ ‫ جتربة أ‬‫التراك يف احلوار‪.‬‬

‫‪120‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫دور المرأة في المشروع النهضوي اإلسالمي‬ ‫األستاذ الدكتور سهير عبدالعزيز محمد يوسف‬

‫ال�سالمي) أ‬ ‫لل�ستاذة الدكتورة �سهري عبد العزيز‬ ‫جاء هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ (دور املر أ�ة يف امل�شروع النه�ضوي إ‬ ‫حممد يو�سف‪ ،‬مديرة املركز الدويل لدرا�سات أ‬ ‫ال�سرة والتنمية‪ -‬جامعة‬ ‫أ‬ ‫للن�سان ت�شرتك فيه‬ ‫الزهر‪ ،‬انطالق ًا من حقيقة أ�ن تكرمي إ‬ ‫ال�سالم إ‬ ‫املر أ�ه والرجل على حد �سواء‪ ،‬فهما أ�مام أ�حكام اهلل يف هذه الدنيا �سواء‪،‬‬ ‫كما أ�نهما أ�مام ثوابه وجزائه يف الدار آ‬ ‫الخره �سواء‪.‬‬ ‫ال�سالمي‪،‬‬ ‫ويركز الكتاب على الدور الفعال للمر أ�ه يف امل�شروع النه�ضوي إ‬ ‫ال�سالم املجال أ�مامها لت ؤ�دي دورها على أ�كمل وجه‪ ،‬كما‬ ‫وكيف ف�سح إ‬ ‫حاول الكتاب أ�ن يبني املعوقات التي حرمت املر أ�ه أ�داء دورها النه�ضوي‬ ‫من خالل انحراف بع�ض امل�سلمني عن تعاليم دينهم يف معاملة الن�ساء‪،‬‬ ‫حيث �شاعت بينهم روايات مظلمة انتهت باملر أ�ة امل�سلمة �إىل اجلهل‬ ‫الطام�س و�إىل العزلة‪.‬‬ ‫ال�سالمية‬ ‫و أ�كد الكتاب أ�ن معرفة املر أ�ة حلقوقها التي كفلتها لها ال�شريعة إ‬ ‫ال�سهام الكامل يف تنمية‬ ‫والتي كفلتها لها الت�شريعات‪ُ ،‬يعني املر أ�ه على إ‬ ‫جمتمعها و أ�داء دورها بكل كفاية وجناح‪.‬‬ ‫ال�سالم‪،‬‬ ‫ال�سالم‪ ،‬والثوابت من ق�ضايا املر أ�ة و أ�حكامها يف إ‬ ‫وتناولت الكاتبة حمددات الثابت واملتغري يف ق�ضايا املر أ�ة يف إ‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وتطرق الكتاب �إىل قبول آ‬ ‫الخر من حيث‬ ‫الن�سانية حقيقية وواقعية كما �شرعها إ‬ ‫وف�صلت مو�ضوع امل�ساواة إ‬ ‫ال�شكاليات‬ ‫ال�سالم و أ�دا ؤ�ها ألدوارها‪ ،‬واملعوقات التي حرمت املر أ�ة من أ�داء دورها النه�ضوي‪ .‬وبحث الكتاب إ‬ ‫املر أ�ة يف إ‬ ‫املثارة حول ‪ gender‬واحلركة الن�سوية‪.‬‬ ‫وقد ت�ضمن الكتاب املو�ضوعات التالية‪:‬‬ ‫ال�سالم‬ ‫ حمددات الثابت واملتغري يف ق�ضايا املر أ�ة يف إ‬‫ال�سالم‬ ‫ الثوابت من ق�ضايا و أ�حكام املر أ�ة يف إ‬‫الن�سانية حقيقية وواقعية‬ ‫ امل�ساواة إ‬‫ قبول آ‬‫ال�سالم و أ�دا ؤ�ها ألدوارها‬ ‫الخر‪ :‬املر أ�ة يف إ‬ ‫ املعوقات التي حرمت املر أ�ة من أ�داء دورها النه�ضوي‬‫– ‪ ... gender‬واحلركة الن�سوية‬ ‫ أ‬‫الم – الطفل – قاعدة االنطالق‬ ‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪121‬‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫الهيمنة الثقافية عائقاً للنهضة اإلسالمية‬ ‫األستاذ الدكتور عبد المجيد النجار‬

‫ال�سالمية) أ‬ ‫لل�ستاذ الدكتور عبد املجيد النجار‬ ‫جاء هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ(الهيمنة الثقافية عائق ًا للنه�ضة إ‬ ‫المني العام امل�ساعد للمجل�س أ‬‫أ‬ ‫للفتاء والبحوث‪ ،‬لدرا�سة‬ ‫الوروبي إ‬ ‫حالة االنحدار احل�ضاري الطويل املدى‪ ،‬وبعد أ�ن فاقت أ‬ ‫ال�سالمية‬ ‫ال ّمة إ‬ ‫ّ‬ ‫حتتل‬ ‫منذ ما يقارب قرنني على و�ضع عاملي جديد‪ ،‬وجدت نف�سها فيه‬ ‫ّ‬ ‫التح�ضر‪� ،‬سواء من حيث التعمري يف‬ ‫موقع ًا يف آ�خر الدرجات على �س ّلم‬ ‫أ‬ ‫الن�سان فرد ًا وجمتمع ًا‪ ،‬كما وجدت نف�سها‬ ‫الر�ض‪ ،‬أ�م من حيث ترقية إ‬ ‫ب�سبب ذلك عر�ضة للنهب من أ‬ ‫القوياء على أ��صعدة خمتلفة‪ ،‬اقت�صادية‬ ‫وثقافية واجتماعية‪ ،‬ومبا أ�نّ ج�سمها احل�ضاري كان علي ًال‪ ،‬وجهاز‬ ‫املناعة فيه كان كلي ًال ف�إنّ م�ساعي النهب من أ�ولئك أ‬ ‫القوياء كان لها أ�ثر‬ ‫املد اال�ستعماري املبا�شر الذي دام زمن ًا ف أ�رهق‬ ‫بالغ فيها‪ ،‬مت ّثل يف ذلك ّ‬ ‫أ‬ ‫ال ّمة مب�صادرة �إرادتها وهي مرهقة أ��ص ًال ب�سبب تخلفها‪.‬‬ ‫وتناول الكتاب مفهوم الهيمنة الغربية‪ ،‬و أ��سبابها املتعددة‪ :‬التاريخية‬ ‫وال�سيا�سية واالقت�صادية والثقافية‪ ،‬ومن خالل جملة من املظاهر‬ ‫واحلقائق تو�صل الكاتب �إىل أ�نَّ الهيمنة الثقافية عائق خطري أ�مام‬ ‫ال�سالمي املعا�صر؛ ألنَّ الهيمنة الثقافية تعني أ�ن‬ ‫امل�شروع النه�ضوي إ‬ ‫تت�س ّلط أ�مة من أ‬ ‫المم على أ�خرى من أ�جل أ�ن ُتغيرّ ما ا�ستقرت عليه من‬ ‫منهجية يف الفكر وال�سلوك ل ُت ّ‬ ‫حل حم ّلها منهجيتها هي ‪ ،‬مع ما يتبع ذلك من تغيري يف ال�سبب ال�صانع للثقافة متمث ًال يف‬ ‫املعتقدات املوجهة‪ ،‬من خالل مظاهر الهيمنة الثقافية ب�صورتيها العلمنة والعوملة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولنّ ثقافة العلمانية التي �صيغت بها م�شاريع النه�ضة مل يكن لها يف النفو�س قبول‪ ،‬ومل يكن لها بها انفعال يف�ضي �إىل‬ ‫ال�سالمية ال�شاملة‪ ،‬فكان‬ ‫حتريك �إرادتها للفعل احل�ضاري‪ ،‬فهي م�صوغة �صياغة ثقافية �شاذة عن �صياغة الثقافة إ‬ ‫موقف النفو�س من هذه امل�شاريع النه�ضوية العلمانية موقف امل�ستهرت بها أ�حيان ًا‪ ،‬واملناه�ض لها مناه�ضة �صامتة أ�و‬ ‫�صاخبة أ�حيان ًا أ�خرى‪ ،‬فكانت هذه الثقافة الوافدة عائق ًا دون النّه�ضة من حيث أ�ُريد أ�ن تكون دافع ًا من دوافعها‪.‬‬ ‫وقد ت�ضمن الكتاب املو�ضوعات التالية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الهيمنة الغربية‪ :‬املفهوم أ‬ ‫وال�سباب‬ ‫ �سبب تاريخي‪.‬‬‫ �سبب �سيا�سي‪.‬‬‫ �سبب اقت�صادي‪.‬‬‫ �سبب ثقايف‪.‬‬‫ال�سالمية‬ ‫‪ - 2‬الهيمنة الثقافية عائق ًا للنه�ضة إ‬ ‫أ� ‪ -‬مظاهر الهيمنة الثقافية‬ ‫ب‪ -‬الهيمنة الثقافية عائق ًا للنه�ضة‬ ‫‪122‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫الفرقة والتجزئة إحدى معوقات النهوض في العالم‬ ‫اإلسالمي والعربي‬ ‫األستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي‬

‫ال�سالمي والعربي ) لف�ضيلة‬ ‫جاء هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ ( الفرقة والتجزئة �إحدى معوقات النهو�ض يف العامل إ‬ ‫أ‬ ‫ال�ستاذ الدكتور وهبة م�صطفى الزحيلي‪ -‬عميد كلية ال�شريعة بجامعة‬ ‫ال�صحيح يف مفهوم احل�ضارة‬ ‫الميان ّ‬ ‫دم�شق �سابق ًا ‪ -‬مبين ًا حقيقة إ‬ ‫ال�سالم ّية‪ ،‬فهو ا ّلذي يحمي أ‬ ‫ال ّمة من االنق�سام والتفرقة‪ ،‬وهو ا ّلذي‬ ‫إ‬ ‫يق ِّوم االعوجاج واالنحراف يف ّ‬ ‫كل �شيء‪ ،‬وهو ا ّلذي ي�صحح م�سرية‬ ‫الرديئة‪،‬‬ ‫ال�سالم ّية‪ ،‬ومي ّيز عنا�صرها ّ‬ ‫احل�ضارة إ‬ ‫ال�صاحلة من عنا�صرها ّ‬ ‫وينفخ فيها احلياة القو ّية‪ ،‬ويهبها من ذاتية املجد‪ ،‬ويرعاها �صغرية يف‬ ‫بداية النّم ّو‪ ،‬ويراقبها كبرية ذات ظالل وارفة‪ ،‬ويدفع عنها ّ‬ ‫كل عوامل‬ ‫ال�ضعف ّ‬ ‫ّ‬ ‫وال�شيخوخة واالنحطاط‪ ،‬ويحميها من غوائل الهدم والتّخ ّلف‬ ‫ّ‬ ‫وال�ضياع‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ال�سالمي والعربي يعاين تخلف ًا عن مواكبة ركب العامل‬ ‫ولن العامل إ‬ ‫املعا�صر يف النه�ضة والتقدم وبناء حياة قوية متطورة‪� ،‬إذا قورن ذلك‬ ‫مبا ن�شاهده يف دول الغرب وال�شرق املعا�صرة‪ ،‬التي تتجه اجتاه ًا قوي ًا‬ ‫وحيوي ًا نحو حتقيق متطلبات النه�ضة منذ القرن ال�ساد�س ع�شر‪ ،‬ثم التفوق يف القرنني التا�سع ع�شر والع�شرين‪،‬‬ ‫والو�صول �إىل القمة يف الن�صف الثاين من القرن الع�شرين و�إىل وقتنا احلا�ضر‪ ،‬و�إح�سا�س ًا منهم ب�ضرورات التفوق‬ ‫العلمي النظري والتطبيقي‪ ،‬و أ�داته ما يعرف بالتقنية أ�و التكنولوجيا‪ ،‬كان جدير ًا بنا أ�ن نكون �س َّباقني �إىل هذا‬ ‫التطور يف جميع جماالت احلياة ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية أ‬ ‫والعالمية‪.‬‬ ‫والمنية والع�سكرية إ‬ ‫وجاء هذا الكتاب �إجابة حلالة الت�سا ؤ�ل امل�ستمر‪� ،‬إذ �إننا ما زلنا بعيدين عن التقدم والنه�ضة يف أ‬ ‫ال�صول الكربى‪،‬‬ ‫ال�سالمي املقررة يف أ��صول القر آ�ن الكرمي وال�سنة‬ ‫فينبغي معرفة أ��سباب التخلف والنه�ضة من خالل أ��س�س الت�شريع إ‬ ‫النبوية ال�صحيحة‪ ،‬ور�صد كل املعوقات الداخلية واخلارجية ملعرفة الداء وو�صف الدواء‪ ،‬ومن أ�همها ظاهرة الفرقة‬ ‫والتجزئة الفعلية املريرة واخلطرية‪ ،‬وذلك من خالل املحاور آ‬ ‫التية‪:‬‬ ‫‪-1‬الفرقة والتجزئة العقائدية ( العقدية )‪.‬‬ ‫‪-2‬الفرقة والتجزئة القطرية‪.‬‬ ‫‪-3‬الفرقة والتجزئة االثنية والعرقية‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪123‬‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫التراث والمرجعية اإلسالمية بين النقل والعقل‬ ‫األستاذ الدكتور عبد الحليم عويس‬

‫ال�سالمية بني النقل والعقل ) أ‬ ‫لل�ستاذ الدكتور عبد احلليم‬ ‫جاء هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ ( الرتاث واملرجعية إ‬ ‫ال�سالمية ورئي�س حترير جملة التبيان‪/‬م�صر‪ -‬انطالق ًا من واجب أ‬ ‫تعرف‬ ‫عوي�س ‪ -‬أ��ستاذ التاريخ واحل�ضارة إ‬ ‫المة يف ّ‬ ‫تراثها‪ ،‬و أ�ن تغو�ص يف أ�عماقه‪ ،‬لتكت�شف آ�فاقه‪ ،‬ولتتعرف ذاتها من خالله‪ ،‬و أ�ي�ض ًا لكي ُتق ِّوم هذا الرتاث؛ فت أ�خذ ما‬ ‫فيه من �إيجابيات تن�سجها مع خيوط واقعها وم�ستقبلها يف ظل ما حتمله‬ ‫من أ�عباء وما تواجهه من حتديات ‪.‬‬ ‫�إن الرتاث هو الوعاء الذي ي�ضم جوانب م�سريتنا الفكرية‪ ،‬وحركتنا‬ ‫العملية التي تت�ضمن فعلنا احل�ضاري و�إبداعاتنا الفكرية والفنية‬ ‫والتطبيقية‪ .‬وتراث أ‬ ‫المة هو جمموعة املاديات والروحانيات التي‬ ‫المة على مدار تاريخها‪ ،‬ومن املعلوم أ�ن أ‬ ‫ت�صاحب أ‬ ‫المة قد تقوم نف�سها‬ ‫بغربلة بع�ض معتقداتها أ�و عاداتها وفق ًا لقاعدة «البقاء أ‬ ‫لل�صلح»‬ ‫ومل�ستوى تطورها ورقيها الفكري‪ ..‬لكن هذه الغربلة املعقولة التي تنطلق‬ ‫من داخل أ‬ ‫المة وتطورها التلقائي والذاتي‪ ،‬لي�ست هي ما يريده بع�ض‬ ‫ال�ضافة دائم ًا‪،‬‬ ‫النا�س من �ضرورة تنحية الرتاث‪ ..‬والرتاث احلي يقبل إ‬ ‫ال�ضافة للرتاث ال تكون �إال باقتالع جذور‬ ‫وما يزعمه بع�ضهم من أ�ن إ‬ ‫الرتاث‪� ،‬إمنا يعك�س عجزهم وق�صورهم ال�شخ�صي‪ ,‬ورغبتهم ال�ساذجة‬ ‫اليجابي ال�صعب‪.‬‬ ‫يف العمل �إىل جانب الهدم ال�سهل‪ ،‬بدل البناء إ‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬وتناول بالبحث العلمي‬ ‫وبد أ� الكاتب مبدخل عن م�صادر تراثنا ( وحي ًا وعق ًال) ‪َّ ،‬‬ ‫ثم مفهوم الرتاث والرتاث إ‬ ‫ال�سالمي وق�ضية النزاع بني الوحي والعلم‪ ،‬وتراثنا‬ ‫ال�سالمي من الرتاث‪ ،‬و�إ�شكالية تراثنا إ‬ ‫منوذجية موقفنا إ‬ ‫آ‬ ‫ال�سالمية و أ�عباء امل�ستقبل‪.‬‬ ‫والخر‪ّ ،‬‬ ‫ال�سالمي والتحديات املعا�صرة‪ ،‬ومرجعيتنا إ‬ ‫ثم م�ستقبل الرتاث إ‬ ‫وقد ت�ضمن الكتاب املو�ضوعات التالية‪:‬‬ ‫ مدخل‪ :‬حول م�صادر تراثنا ( وحي ًا وعق ًال )‪.‬‬‫ مفهوم الرتاث‪.‬‬‫ال�سالمي‪.‬‬ ‫ مفهوم الرتاث إ‬‫ال�سالمي من الرتاث‪.‬‬ ‫ منوذجية موقفنا إ‬‫ تراثنا وق�ضية النزاع بني الوحي والعلم‪.‬‬‫ تراثنا آ‬‫والخر‪.‬‬ ‫ نحن والرتاث والتحديات‪.‬‬‫ لكن ما ّ‬‫احلل‪ ..‬لهذا التطور الفقهي ال�سلبي؟‬ ‫ال�سالمية و أ�عباء امل�ستقبل‪.‬‬ ‫ مرجعيتنا إ‬‫‪124‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫قضية المرأة ‪ ...‬ونفسية االستبداد‬ ‫الدكتور سعد الدين العثماني‬ ‫الملخص ‪:‬‬

‫جاء هذا الكتاب القيم « ق�ضية املر أ�ة ونف�سية اال�ستبداد « أ‬ ‫لل�ستاذ الدكتور �سعد الدين العثماين‪.‬‬ ‫ألنَّ االهتمام مب�س أ�لة النظرة �إىل املر أ�ة ودورها يف جمتمعنا‪ ،‬ومواجهة‬ ‫العوائق النف�سية والثقافية واالجتماعية التي حتول دون تزايد ذلك‬ ‫الدور‪ ،‬مهمة يجب أ�ن ي�ضطلع بها اجلميع‪ ،‬وتعب أ� لها اجلهود‪ ،‬واملو�ضوع‬ ‫ح�سا�س‪ ،‬يحتاج �إىل أ�ن ُيبنى على ر ؤ�ية �إ�سالمية ح�ضارية خمل�صة من‬ ‫�شوائب القرون‪ ،‬ومن �إباحية التغريب‪� ،‬إن أ‬ ‫المر جد؛ ألنه يتعلق بن�صف‬ ‫املجتمع‪ ،‬فبدون حياته فال حياة للمجتمع‪ ،‬وبدون حيويته فال حيوية‬ ‫يف املجتمع‪.‬‬ ‫وجاءت احل�ضارة املادية احلديثة للتنتقل باملر أ�ة من مادية �إىل مادية‪،‬‬ ‫ومن ا�ستغالل �إىل ا�ستغالل ومل تخرج مع أ‬ ‫ال�سف ال�شديد يف �سلوكها العام‬ ‫عن الرتكيز على ج�سد املر أ�ة ومفاتنها‪ ،‬لكن بوجه أ�ب�شع و أ�ف�ضع‪ ،‬ول�سنا‬ ‫ننكر أ�ن املر أ�ة ا�ستفادت من هذه احل�ضارة التي تعي�شها الب�شرية اليوم‪،‬‬ ‫ح�ضور ًا يف �ساحات املجتمع أ�كرب مما حتقق من قبل‪ ،‬لكن وقع يف املقابل ا�ستغالل ج�سد املر أ�ة ألهداف عدة ب�صورة مل‬ ‫ي�شهد لها التاريخ مثي ًال‪.‬‬ ‫ال�سالمي و�سط بني الطرفني‪ :‬رف�ض لظلم املر أ�ة وتهمي�شها ومعاملتها بالدونية والتنقي�ص‪ ،‬ورف�ض لتحويلها‬ ‫والطرح إ‬ ‫والثارة‪� .‬إنه بتعبري القر آ�ن «تكرمي» بكل ما حتمله الكلمة من معنى‪:‬‬ ‫للغراء إ‬ ‫�إىل م�شروع جن�س و�صورة إ‬

‫(ال�سراء‪.) 70:‬‬ ‫( َو َل َق ْد َك َّر ْم َنا َب ِني آ� َد َم ) إ‬ ‫وتناول الكاتب دور املر أ�ة بني الت�شدد والت�شييء‪ ،‬وموقف احل�ضارة املادية احلديثة من املر أ�ة من ت�شييء �إىل ت�شييء‪،‬‬ ‫ال�سالم أ�عظم حركة حترير‬ ‫ال�سالمية ال�صافية من امل�صادر‪ ،‬و أ�ن إ‬ ‫وق�ضية املر أ�ة بني اخل�صو�صية والكونية‪ ،‬والر ؤ�ية إ‬ ‫ودفاع عن املر أ�ة يف تاريخ الب�شرية‪ ،‬ي�شهد لذلك أ�ن أ�غلب آ�يات القر آ�ن و أ�حاديث الر�سول ‪�-‬صلى اهلل وعليه و�سلم‪-‬‬ ‫املتحدثة عن املر أ�ة �إمنا أ�تت رافعة للظلم عنها وملغية لكثري من أ‬ ‫العراف‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪125‬‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫َّ‬ ‫الوسطية وإعادة بناء الفكر الديني في سياق البحث‬ ‫عن شراكة في اإلسهام الحضاري (مقاربة نقدية)‬ ‫عبد الرحمن الحاج ‪ /‬رئيس تحرير الملتقى الفكري لإلبداع ‪ -‬ماليزيا‬

‫الملخص‪:‬‬ ‫يتناول هذا الكتاب احلركة التاريخية ملحاوالت �إعادة بناء الفكر الديني وظروفها التاريخية‪ ،‬وعالقتها مب�ساعي‬ ‫النهو�ض و أ��سئلتها‪ ،‬وكيف ولد من هذه املحاوالت النهج الو�سطي‪ ،‬وي ؤ�كد‬ ‫الكتاب أ�ن الفكر الو�سطي هو وليد جمموعة من املبادئ التي آ�من بها‬ ‫امل�صلحون‪� ،‬إال أ�ن عدم و�ضوح بع�ض تلك املبادئ أ�دى �إىل انق�سام تيار‬ ‫الو�سطية بني نزعة ميينية �سلفية و أ�خرى حتديثية‪ ،‬ومع تطورات‬ ‫أ‬ ‫الحداث ف�إن تيار الو�سطية بد أ� أ�هميته تنتقل من العمل الفكري‬ ‫(ال�سالمي) �إىل العمل االجتماعي‬ ‫وحماولة �إعادة بناء الفكر الديني إ‬ ‫ال�سالمية من التطرف‪ ،‬مع موجة العنف التي‬ ‫وحماية املجتمعات إ‬ ‫جتتاح املنطقة بعد أ�حداث أ�يلول �سبتمرب وما �سمي أ�مريكي ًا باحلرب‬ ‫الرهاب‪.‬‬ ‫على إ‬ ‫كما حاول الكتاب نقد بنية الفكر الو�سطي‪ ،‬وبيان حدود الرهان عليه‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬و أ�ن الفكر الو�سطي ميثل‬ ‫يف حتقيق النه�ضة املزمنة للعامل إ‬ ‫قنطرة عبور لوالدة تيارات واجتاهات فكرية فل�سفية تقوم تلك بدورها بعد ذلك ب�إعادة البناء وبناء أ�ن�ساق فكرية‬ ‫جديدة ميكن أ�ن نعقد عليها آ‬ ‫وال�سهام احل�ضاري الحق ًا‪.‬‬ ‫المال يف النهو�ض إ‬ ‫ويركز الكتاب أ�ي�ض ًا على أ�ن بقاء الو�سطية بعيد ًا عن املعرفة الغربية احلديثة وفل�سفتها يقلل �إمكاناتها على اخللق‬ ‫والبداع‪ ،‬و أ�ن احل�سا�سية من الغرب ال�سيا�سي والع�سكري املتفوق عدة وعتاد ًا يجب أ� اّل متنعنا من ا�ستثمار معارفه‬ ‫إ‬ ‫الن�سانية أ�و ًال‪ ،‬والتكنولوجية‬ ‫بحجة احلفاظ على الهوية؛ ألن بوابة الدخول �إىل الع�صر هي املعرفة‪ ،‬واملعرفة إ‬

‫ثاني ًا‪.‬‬ ‫�إن حماية الهوية ـ كما ينتهي �إليه الكتاب ـ نقت�ضي الدخول مع الع�صر واال�شتباك مبعارفه واالنفتاح عليه يف �إطار‬ ‫قيم �إ�سالمية وا�ضحة‪ ،‬ودون ذلك ف�إن حماية الهوية واخلوف الذي ي�صل �إىل حد الو�سوا�س القهري �سيجعل من‬ ‫خطاب الهوية (احلفاظ على الهوية) عائق ًا أ�مام نهو�ضنا‪.‬‬ ‫‪126‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫قواعد و�شروط الن�شر يف جملة الو�سطية‬ ‫ي�سر أ��سرة حترير جملة الو�سطية والتي ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية أ�ن ت�ستقبل م�ساهمات أ��صحاب القلم‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫والجتماعية وال�سيا�سية والفكرية‬ ‫الن�سانية إ‬ ‫ال�سالمي والعلوم إ‬ ‫من ال ُكتاب واملثقفني والباحثني يف �ق�سام الفكر إ‬ ‫ال�سالمي الراهن‪ ،‬وكل ما له �صلة بق�ضايا و� ؤ‬ ‫ش�ون ال�ساحة‬ ‫والرتبوية‪ ،‬واملو�ضوعات ذات ال�صلة بامل�شروع احل�ضاري إ‬ ‫ال�سالمية املعا�صرة على وجه العموم‪...‬‬ ‫الثقافية إ‬ ‫وترى أ��سرة التحرير أ�ن تكون املواد املر�سلة وفق ال�شروط التالية‪:‬‬ ‫تراعى يف املادة املر�سلة القواعد املتعارفة يف البحث العلمي من نواحي توثيق امل�صادر واملراجع والن�صو�ص‪ ،‬واملو�ضوعية‬ ‫والبتعاد عن أ‬ ‫ال�سلوب اخلطابي‪.‬‬ ‫واملنهجية يف الكتابة‪ ،‬إ‬ ‫اللتزام بالبحث املو�ضوعي احلر والهادئ‪ ،‬البعيد عن كل أ��شكال التهجم أ�و امل�سا�س بال�شخ�صيات‪.‬‬ ‫ت ؤ�كد املجلة على إ‬ ‫�ضرورة و�ضوح لغة البحث وجتنب اتباع أ‬ ‫واللتزام بعمق املعنى‪ ،‬مع مراعاة‬ ‫ال�سلوب املعقد وامل�صطلحات الغام�ضة إ‬ ‫اجلوانب أ‬ ‫الدبية واجلمالية يف الكتابة‪.‬‬ ‫تقرتح املجلة أ�ن تدور الكتابات والبحوث حول املحاور التالية‪:‬‬ ‫والرهاب‪ ،‬العنف والالعنف‪ ،‬احرتام الر أ�ي آ‬ ‫الن�سان‪،‬‬ ‫الخر‪ ،‬حقوق إ‬ ‫والعتدال‪ ،‬التطرف إ‬ ‫درا�سات �إ�سالمية‪ ،‬الو�سطية إ‬ ‫ال�سالم وال�سيا�سة‪.....‬‬ ‫ال�سالم‪ ،‬علوم قر آ�نية‪ ،‬إ‬ ‫العالم يف إ‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬إ‬ ‫العوملة‪ ،‬الفكر والفكر إ‬

‫آ‬ ‫الراء الواردة يف املجلة متثل وجهة نظر أ��صحابها‪ ،‬وال تعرب بال�ضرورة عن ر أ�ي هيئة التحرير‪.‬‬ ‫تر�سل أ‬ ‫العمال �إىل امل�شرف العام على املجلة على العنوان التايل‪:‬‬ ‫أ‬ ‫الردن ـ عمان ـ �شارع اجلمعية العلمية امللكية ـ تلفون ‪ 5356329‬ـ فاك�س ‪+962 – 6 – 5356349‬‬ ‫�ص ب ‪ 2149‬رمز بريدي ‪11941‬‬ ‫‪Fax- 5356349- jordan tel-+962-6-5356329- .o.box: 11941- 2149‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪info@wasatyea.org‬‬ ‫‪moderation_assembly@yahoo.com‬‬ ‫‪www.wasatyea.org:website‬‬

‫ترحب املجلة مب�ساهمات وم�شاركات أ‬ ‫الخوة الكتاب والعلماء واملفكرين‪.‬‬ ‫ما ين�شر يف هذا العدد يعرب عن آ�راء الكتاب أ�نف�سهم وال يعك�س بال�ضرورة آ�راء هيئة التحرير‬ ‫أ�و �سيا�سة املنتدى‪.‬‬ ‫ت�صدر مبوجب املادة ال�ساد�سة من النظام أ‬ ‫ال�سا�سي للمنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الثاني ‪ -‬جمادى األولى ‪ / 1430‬أيار ‪ 2009‬م‬

‫‪127‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.