٤ ٨ ١٠ ١٣ ١٨ ٢٢ ٣٠ ٣٨ ٥٠ ٥٣ ٥٤ ٥٦ ٦٢ ٦٦ ٦٩ ٧٦ ٩٠ ٩٨ ١٠٢ ١٠٤ ١٠٦ ١٠٧ ١٠٩ ١١٢ ١١٥ ١١٦ ١٢٠ ١٢١ ١٢٢ ١٢٣ ١٢٤ ١٢٥ ١٢٦
( ٰ
"
"
"
"
" "
×
"
ً
"
"
"
"
"
اﻓتتاﺣية العدد
بناء األسرة المسلمة طريقنا إلى القدس بقلم :م .مروان الفاعوري
زاد احلنني اإىل القد�س وعال أانينها مع وقع الظلم الرازح و�سط ركام الزحف الهمجي ال�ستيطاين ،حتى ليخيل لك و أانت تراها و�سط امل�ستعمرات التي أاحكمت �سرها وانت�سرت حولها أان عودتها م�ستحيلة و أالف م�ستحيلة من خالل �سراب الوعود أاو تنازل يهود ،واإمنا �ستكون باإذن اهلل ب�سواعد رجال تربوا يف مدر�سة �سالح الدين ع�سقوا دينهم وم�سوا يرددون: حالةفـيالقد�ست�ستـذريالعـيون يا�سالحالدينقموانظراإىل ٍ أاُبـدل العـز الـذي تعرفـه ذلة و أا�سفـ ًا وا�ست أا�سد امل�ست�سعفـون المهندس مروان الفاعوري
ويعلو منهم النداء: قم �سالح الدين جدد عهدنا
فال�سليبيون عادوا من جديد
ومهما احتفل العرب وامل�سلمون بالقد�س ،وقد اختاروها يف اخليال وهي حا�سرة يف الوجدان عا�سمة للثقافة العربية ،ف�ستبقى با�سمها الطاهر ومكانتها ت ؤورخ وت�سجل أ لالمه مراحل الن�سر والعزة ،أاو أازمان ال�سعف والهزمية، فاذا عزت ماآذنها عزت أ المة ،وكانت ناه�سة مت أالقة، وفا�ست منها معاين الفرح والب�سر على أابناء أ المة جمعاء ،واإذا انك�سرت وبكت كانت احلال غري احلال، وكان الرجال غري الرجال... الر�س وحترير القد�س عناوين لعزة أ ولن حترير أ أ المة، فقد ا�ستوقفني ال�ساعر ف ؤواد اخلطيب وهو يتلفت راجي ًا عون أ المة وغوثها: ٌ جامعـة وما للقـد�س فيهـا أا
�سـوى الذيل املعلق بالبـنود
وما معنى العروبة يف حماها
ويف قلب احلمى وطن اليهود
4
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية
(اإن حترير القد�س يبد أا بتحرير ذواتنا ،وحترير أانف�سنا ال�سالم ،خا�سةحني بال�سالم ل حتريرنا من إ و أا�سرنا إ ا�ستكملت الهجمة على أ المة حلقاتها بعد أان جنحت يف حلقتها أ الوىل باحتالل ديار امل�سلمني ثم بتفكيكهم وتق�سيم ديارهم أاقاليم ودو ًل ،وفككت اخللية ال�سيا�سية أ لالمة وهي الدولة القطرية للم�سلمني التي رف�س فيها ال�سلطان عبد احلميد رحمه اهلل ،طلب هرتزل ،وعندما قال له اإن فل�سطني لي�ست ملك ًا يل اإنها ملك للم�سلمني، أاقول بعد هذا؟؟ اإن هذه القوى اخلفية تعمل اليوم وبكل جد لتفكيك اخللية الجتماعية وهي أ ال�سرة التي تعد مدر�سة ال�سالمي الرتبوي أ لالمة كلها ،بو�سفها أاداة النتاج إ إ حفظ الن�سل والعر�س.
تفكيك أ أ َ ال�سرة امل�سلمة عن طريق فالعداء عازمون اليوم مزيد من التغيريات على البنى االجتماعية والثقافية والت�شريعية عرب الت�سلل �إىل �ساحات أ المة و أ�فنيتها باحلديث عن حترير املر أ�ة ،و�إحداث الفتنة أ ال�سرية الكربى ،با�سم اتفاقية �سيداو وبكني وغريها بعد حمالت نابليون ومونتغمري و�شارون و�شوار�سكوف... �إن حمالتهم ال�سابقة قد جنحت يف �سلب مقدراتنا وتهجري �صناعة قرارنا نحو اخلارج ،وها هم أ�والء يعملون جهدهم آ للجهاز على ن�سيج أ ال�سرة امل�سلمة وتعطيل الن إ وظيفتها يف �إنتاج أ الجيال امل ؤ�منة بدينها واملخل�صة لوطنها ،ومبظلة املواثيق واالتفاقيات الدولية ،يريدون �إلغاء تراث الب�شرية احل�ضاري عرب آ�الف ال�سنني ،وهم بذلك عازمون �صب َغنا بالنموذج أ ال�سري الغربي البديل من منوذجنا أ ال�سالمي ،حتى يعمموا علينا ال�سري إ ثقافة االنحالل واال�ستهالك وعبادة ال�شهوة لتعطيل آ�لية البناء القيمي والروحي ل�شباب أ المة. ولـ َّما كانت الفردية ت�شكل املبد أ� الفل�سفي الناظم للبناء االجتماعي الغربي أ وال�سا�س واللبنة يف ذلك املجتمع الذي انتج أ ال�سر الالمنطية املكونة من رجلني أ�و امر أ�تني، ال�سرة هو أ فالفرد ولي�س أ ال�سا�س. ويف ذلك تغيري ل�سنن اهلل يف خلقه التي قامت على مبد أ� الزوجية يف كل �شيء من الذرة �إىل املجرةَ ( ،و ِم ْن ُك ِّل َ�ش ْيءٍ َخ َل ْق َنا َز ْو َجينْ ِ َل َعلَّ ُك ْم َت َذ َّك ُرونَ )(الذاريات،)49: ما ُت ْن ِبتُ ْ َأ (�س ْب َحانَ ا َّل ِذي َخ َل َق ْ َأ ال ْر ُ �ض َو ِم ْن ال ْز َو َ اج ُكلَّ َها مِ َّ ُ ما اَل َي ْع َل ُمونَ )(ي�س.)36: َأ�نْفُ ِ�س ِه ْم َو مِ َّ �إن أ ال�سرة يف الغرب ت�سري نحو الدمار املعنوي واملادي . ألنها جتاوزت �سنن اهلل ،وتعدت على مبد أ� الزوجية (رجل يعاي�ش رج ًال وامر أ�ة تعاي�ش امر أ�ة)� ،إن هذا ي�شكل عدوان ًا على قوانني اهلل و�سننه احلاكمة للكون وت�ستوجب عقاب اهلل �سبحانه وتعاىل كماعوقب قوم
لوط عندما ُ�صدع الكون كله يف ال�صدع الكوين ال�شهري املعروف الذي �ضرب الكرة أ الر�ضية من العقبة �إىل ال�شام و أ�نزل مدنهم �سدوم وعمورة �إىل أ�خف�ض نقطة على وجه أ الر�ض ،ألنهم انحدروا �إىل أ��سفل ما ميكن أ�ن الطالق. تنحدر �إليه الب�شرية على إ �إننا نحذر من خطورة ا�سترياد منظومة القيم الغربية وتطبيقها يف ديار امل�سلمني . ألن هذه املنظومة ال ت�صلح لنا بل ت�صادم موروثنا الثقايف وتقتحم خ�صو�صياتنا الدينية والثقافية واالجتماعية ،و�إذا كان واقع املر أ�ة يعاين ،أ فالمة كلها تعاين واحلل النه�ضوي يكون بتجديد اخلطاب الن�سوي وتخلي�صه من التقاليد اجلامدة التي لي�ست من الدين يف �شيء ،وبعيد ًا به عن حماكاة النموذج الغربي املتهالك،لذا ف�إن املطلوب منا حترير واقعنا من الثقافة الراكدة والثقافة الوافدة با�ستقاللية �إ�صالحنا ب أ�جندتنا الداخلية الذاتية ويكون ذلك ب أ�ن نحرر أ ال�سالم. بال�سالم ال أ�ن نحررها من إ ال�سرة إ ال�سرة امل�سلمة يقلق أ�عداء أ �إن دوام أ المة ،وي�ساعد على معاجلة العقم والعطب واجلرح والتغلب على الفو�ضى الدور ال�سالمي ،وا�ستمرار ّ والفنت التي اجتاحت العامل إ ال�سالم هو ال�ضامن ب�إذن اهلل تعاىل لنماء احليوي ألمة إ الب�شرية وبقائها ورخائها وهو احلافز لها للن�صر وحترير الغربي لال�سره فم ؤ�ذن املقد�سات ،و أ�ما انت�صار النموذج ّ بدمار الكون وانهياره. قال تعاىلَ ( :و َل َق ْد َك َت ْب َنا فيِ ال َّز ُبو ِر ِم ْن َب ْع ِد ِّ الذ ْك ِر َأ�نَّ أ ْ َأ ال ْر َ )(النبياء.)105: ال�صالحِ ُ ونَ �ض َي ِر ُث َها ِع َبادِيَ َّ وبهذا ميكن لنا أ�ن نحرر أ�وطاننا ونحرر مقد�ساتنا من رج�س ال�صهاينة بعد أ�ن نحرر أ�نف�سنا ونبني جمتمعاتنا ال�سالم. بالميان وعقيدة إ إ
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺪﻳﻊ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ ﺭﺟﻞ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ /ﺣﺴﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺭﻱ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻋﻤﺎﻥ ﺃﺩﺍﺓ ﺣﻀﺎﺭﻳﺔ ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮ /ﻭﺭﻗﺔ ﻋﻤﻞ ﻣﻦ ﺇﻋﺪﺍﺩ : ﺩ .ﻫﺎﻳﻞ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻔﻴﻆ ﺩﺍﻭﺩ ﻣﻮﻗﻒ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﺿﺪ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ /ﺯﻛﻲ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﺭﺋﻴﺲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ /ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ
ﺍﻟﻔﺘﻮﻯ ﻭﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺳﻤﺎﺣﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ /ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺷﻮﻳﺎﺕ /ﻣﻔﺘﻲ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻷﺳﺒﻖ ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻭﻓﻲ ﺷﺮﻳﻌﺘﻨﺎ /ﺩَ .ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪﻭ
ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻐﺮﺑﻲ
ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻋﻲ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺰﻡ ﺍﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ) ﻣﺆﺳﺲ ﻋﻠﻢ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻥ (
ﺩ.ﺃﺳﺎﻣﺔ ﻳﻮﺳﻒ ﺷﻬﺎﺏ
ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﻲ ﺭﻓﺪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. ) ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺑﻨﺎﺀ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ (
ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﻭﻟﺪ ﺃﺑﺎﻩ /ﺍﻟﺴﻨﻐﺎﻝ
دراسات إسالمية
بديع الزمان سعيد النورسي رجل الحكمة وااليمان حسين الحياري
اليام الذكرى التا�سعة أ متر يف هذه أ والربعون لوفاة العالمة ال�شيخ بديع الزمان �سعيد النور�سي م ؤ��س�س حركة النور يف تركيا وم ؤ�لف ر�سائل النور امل�شهورة ،ويعرف النور�سي عند بال�ستاذ ،فمن هو هذا أ طالبه ومريديه وحمبيه أ ال�ستاذ؟ وما هي حركته؟ أ �إن قلة من النا�س يف عاملنا العربي من يعرف ال�ستاذ النور�سي ولعل ال�سبب يف ذلك أ�ن العالقات الرتكية العربية قد مرت بفرتة من الفتور والنفور بعد احلرب العاملية االوىل ونتائجها الوبيلة على أ المة والتي فرقت بني الخوة ،فرتكيا اجلمهورية توجهت نحو الغرب قاطعة كل إ أ أ وال�سالم ،ظانة �نها من املمكن �ن ت�صبح �صالتها بالعرب إ دولة علمانية غربية يقبلها الغرب ،والعرب أ�ي�ضا ابتعدوا ب�شعاراتهم القومية والوطنية التي رفعوها بعد احلرب العاملية عن اخوانهم أ ال�سالم دور ًا يف التراك ولعل ألعداء إ ذلك. أ ولد ال�ستاذ �سعيد النور�سي يف قرية نور�س ق�ضاء جيزان �شرقي أ النا�ضول عام جنوبي يف والية بتالي�س الواقعة ّ ّ م ،1876كان أ�بواه كرديني متدينني عرف النا�س عنهما ال�صالح والتقوى ،فوالده ال�سيد مريزا كان رجال تقي ًا ربى ال�سالم وحفظهم أ�والده جميعا ذكورا و�إناثا على تعاليم إ القر آ�ن وهم �صغار ،وكان يعمل يف الزراعة والرعي ،ويروى عنه أ�نه كان اذا عاد من احلقل �إىل البيت مع أ�بقاره ربط أ�فواهها بقطع من قما�ش حتى ال ت أ�كل من زرع آ الخرين، وكانت والدته ال�سيدة نورية هامن على درجة كبرية من التقوى وال�صالح أ�ي�ضا ،وروى أ ال�ستاذ عنها أ�نها ما أ�ر�ضعت ولدا لها �إال وهي طاهرة وعلى و�ضوء. يف هذا اجلو العائلي املتدين ن� أش� وترعرع أ ال�ستاذ النور�سي وحفظ القر آ�ن وهو طفل �صغري وذهب �إىل كتاتيب القرية واملدار�س يف النواحي القريبة من قريته ،وكان ي�ستوعب كل ما ي�سمع ويقر أ� ويحفظه بطريقة عجيبة ،وكان أ�خوه املال عبداهلل يراجع له ما تعلمه عندما يعود �إىل القرية .أ�بدى أ ال�ستاذ نبوغا خارقا أ�ده�ش كل الذين حوله من �شيوخه ومعلميه الذين أ�طلقوا عليه لقب بديع الزمان وا�شتهر بهذا اللقب طوال حياته و أ��صبح مقرونا با�سمه.
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
در�س أ ال�ستاذ العلوم الدينية كافة من علوم القر آ�ن واحلديث وال�سرية والفقه وعلم الكالم ،واطلع أ�ي�ضا على العلوم احلياتية فدر�س الكيمياء والفلك واجلغرافيا وكان يقول�« :ضياء القلب هو العلوم الدينية ،ونور العقل هو العلوم احلديثة». �شرقي أ ذاع �صيت أ النا�ضول ال�ستاذ وا�شتهر يف كافة مناطق ّ وجل�س ملناظرة كبار العلماء وهو يف اخلام�سة ع�شرة من عمره ،وا�ستطاع أ�ن يظهر عليهم جميعا رغم فارق ال�سن بينه وبينهم ،ويف الع�شرين من عمره ذهب أ ال�ستاذ اىل �إ�ستانبول عا�صمة اخلالفة العثمانية وهو يحمل م�شروع �إن�شاء جامعة الزهراء يف �شرق أ النا�ضول� ،إذ كان يرى أ�ن �سبب التخلف الذي يعي�شه النا�س هناك هو اجلهل أ والمية ،لذلك ال بد من �إن�شاء هذه اجلامعة وعلى غرار اجلامع االزهر يف م�صر لتكون املنارة التي تنري الطريق ألهايل هذه املنطقة مما هم فيه من تخلف ،ولكن مهمته يف العا�صمة وتخرجهم ّ ف�شلت �إذ مل يجد أ�حد ًا من امل�س ؤ�ولني يف العا�صمة ي�ستمع �شرقي أ النا�ضول وا�ستقر يف مدينة(وان) �إليه فعاد اىل ّ حيث أ�ن� أش� فيها مدر�سة �س َّماها مدر�سة (خور خور) التي كانت تدر�س العلوم الدينية �إىل جانب العلوم احلديثة، وتدرب التالميذ على ال�سالح وه َّي أ�هم للجهاد ،وعندما ن�شبت الوىل عام ،1914هب أ احلرب العاملية أ ال�ستاذ وتالميذه �إىل اجلهاد ومقاومة اجلي�ش الرو�سي الذي غزا �شرق أ النا�ضول ف أ�لف فيلق ًا من الفدائيني املتطوعني الذين أ�بلوا بالء ح�سنا يف القتال وا�ستطاعوا الوقوف يف وجه اجلي�ش الرو�سي ل�شهور عديدة� ،إال أ�ن قلة ال�سالح والعتاد وكرثة أ ري من تالميذه العداء وتفوقهم أ�مو ٌر أ�دت اىل ا�ست�شهاد كث ٍ ووقوع أ ري يف أ�يدي الرو�س عام ،1916وبقي يف ال�ستاذ ا�س ً أ ال�سر يف �سيبرييه حتى قيام الثورة ال�شيوعية يف رو�سيا عام �،1917إذ �إ�ستطاع الفرار والعودة �إىل �إ�ستانبول التي ا�إ�ستقبلته �إ�ستقبال أ البطال ر�سميا و�شعبيا ،وعني مدر�س ًا يف ال�سالمية تقدير ًا لت�ضحياته ولغزارة علمه، دار احلكمة إ أ ويف هذه أ ؤ الثناء ن�شر ال�ستاذ م�لفاته القيمة (�إ�شارات اليجاز) و(املثنوي العربي النوري). العجاز يف مظان إ إ وبعد انتهاء احلرب وا�ست�سالم الدولة العثمانية ودخول قوات احللفاء �إىل �إ�ستانبول ،أ�ح�س أ ال�ستاذ النور�سي ال�سالمي من أ العداء، ب�صفعة كبرية وجهت �إىل العامل إ أ أ فكان همه أ�ن يت�صدى للهزمية التي حلت بالمة ،ف�لف كتاب (اخلطوات ال�ست) ،الذي حرك به همة ال�شعب ملقاومة الحتالل أ الجنبي ،وبعد قيام حرب اال�ستقالل يف تركيا إ وطرد املحتلني من البالد ،قامت اجلمهورية الرتكية التي اتخذت قرارات خطرية �ضد الدين ،و�سعت �إىل ا�ستئ�صاله
الميان يف قلب أ المة من حياه النا�س ،و�إىل �إخماد جذوة إ امل�سلمة ،ف أ�لغت اخلالفة ومنعت تدري�س الدين باملدار�س وبدلت احلروف العربية �إىل التينية وحرم أ الذان باللغة العربية ،وحظر طبع الكتب اال�سالمية و أ�رغم النا�س على تغيري الزي �إىل الزي أ الحلاد الوروبي ،و�إنت�شرت كتب إ العالم بالدين و�شكلت املحاكم و�صحفه و�إ�ستهز أ�ت و�سائل إ ملحاكمة كل من يخالف قوانني الدولة اجلديدة ،و�ساد جو والرهاب يف أ�رجاء البالد كافة. الرعب إ وبعد ثورة ،1925التي قامت بها ع�شائر املنطقة ال�شرقية نفي أ من أ ال�ستاذ على الرغم من عدم م�شاركته النا�ضولّ ، بالثورة ،بل ون�صح من قام فيها بعدم حمل ال�سالح يف وجه غربي أ النا�ضول حيث عا�ش قوات احلكومة ،ونفي اىل ّ القامة اجلربية ل�سنوات طويلة. وحيدا حتت إ أ يف عام ،1926بد أ� ال�ستاذ كتابة ر�سائل النور التي كانت ال�سالح الفعال حلمل هموم أ المة والقيام ب أ�عباء �إنقاذ الحلاد التي أ�رادت الميان ،والوقوف يف وجه موجات إ إ أ ال�سالم من جذوره ،ونذر ال�ستاذ نف�سه لهذا �إ�ستئ�صال إ الغر�ض ،ورغم كل ال�صعوبات التي واجهها من �سجن ونفي و أ�ذى ومالحقات واقامة جربية ،ف�إن كل ذلك مل يقلل ه ّمة أ ال�ستاذ يف أ�داء ما نذر نف�سه من أ�جله. أ�درك أ ال�سالم ال�ستاذ عظم حجم امل ؤ�امرة التي حتاك �ضد إ وقوة املنفذين لهذه امل ؤ�امرة ،فال�سلطة ب أ�يديهم ووراءهم بال�سالم الغرب احلاقد واملا�سونية اليهودية املرتب�صة إ الطالق ،و أ�نه و أ�هله ،و أ�درك أ�ن املعركة غري متكافئة على إ لي�س من احلكمة املواجهة املبا�شرة ،فهو وحيد ال ميلك �شيئا من القوة ،وكل ال�سبل مغلقة يف وجهه ،لذلك قرر املقاومة ال�سلمية ،وبد أ�ها ب�سالح الكلمة الطيبة املخل�صة التي زرع بذورها بني طبقات أ المة ،ومل ي�ستعجل قطع الثمار، فانت�شرت هذه الكلمة ب�سرعة عجيبة رغم كل ال�صعوبات، و أ��صبحت ر�سائل النور تن�سخ يف كثري من البيوت وتتداولها اليدي أ أ المينة ،وهذا ما غاظ ال�سلطة ،وجعلها تنفي أ ال�ستاذ من مكان �إىل مكان وتنقله من �سجن �إىل �سجن طيلة ثمانية وع�شرين عاما ،وهو ال ي أ�به لذلك ،بل بالعك�س فكلما ذهب �إىل منطقة جديدة انت�شرت الر�سائل أ�كرث ف أ�كرث، وكلما دخل �سجن ًا والذي �سماه «املدر�سة اليو�سفية» ازداد طالب ر�سائل النور من داخل ال�سجون ،ويقول عن هذه الر�سائل «�إنها �إنبعثت حقا من نور القر آ�ن الكرمي ،لذا نبع هذا اال�سم من �صميم وجداين ،ف أ�نا على قناعة تامة ويقني جازم أ�ن هذه الر�سائل لي�ست مما م�ضغته أ�فكاري ،و�إمنا �إلهام �إلهي أ�فا�ضه اهلل �سبحانه على قلبي من نور القر آ�ن الكرمي». ويقول أ�ي�ضا�« :إن ر�سائل النور برهان باهر للقر آ�ن الكرمي
وتف�سري قيم له ،وهي ملعة براقة من ملعات �إعجازه املعنوي ور�شحة من ر�شحات ذلك البحر و�شعاع من تلك ال�شم�س ، وحقيقة ملهمة من كنز علم احلقيقة وترجمة معنوية نابعة من فيو�ضاته». �إن ر�سائل النور لي�ست طريقة �صوفية بل حقيقة ،وهي نور مفا�ض من آ اليات الربانية ومل ت�ست�سق من علوم ال�شرق وال من فنون الغرب ،بل هي معجزة معنوية للقر آ�ن الكرمي خا�صة لهذا الزمان».ويف آ�ذار � ،1960إنتقل أ ال�ستاذ النور�سي اىل الرفيق أ العلى بعد ما ر أ�ى واطم أ�نَّ �إىل أ�ن ما بناه قد بد أ� ي ؤ�تي أ�ُكله ،فغادر م�سرورا ألن مهمته قد جنحت ور�سالته قد أ�ديت. �إن أ لل�ستاذ النور�سي ف�ض ًال كبري ًا بعد ف�ضل اهلل تعاىل ال�سالم، على ما ن�شهده اليوم من عودة ال�شعب الرتكي �إىل إ فب�صموده وت�ضحياته وتفانيه و�إخال�صه �إ�ستطاعت ر�سائل النور ان تقف كالطود ال�شامخ يف وجه دعاة التغريب والحلاد والكفر ،فقبل وفاته جمعت ر�سائل النور وطبعت إ أ وعددها �كرث من مئة وثالثني ر�سالة من تالميذه املخل�صني و أ��صبحت هذه الر�سائل تقر أ� يف كل حي ومدينة وقرية يف تركيا ،وكان الق�صد الرئي�سي لها �إنقاذ �إميان النا�س يف هذا الع�صر الع�صيب ،وب�إحياء معاين القر آ�ن ومقا�صده يف النفو�س والعقول أ والرواح ،فو�ضع بف�ضل اهلل تعاىل بيد اجليل اجلديد منهال ثريا ونبعا قر آ�نيا �صافيا ،يحفظ عليهم دينهم و�إميانهم ويطهر قلوبهم وعقولهم مما قد علق بها من أ�باطيل امللحدين.وانت�شرت ر�سائل النور بعد ترجمتها يف كثري من دول العامل ،فلقد ترجمت �إىل لغات كثرية مثل العربية والجنليزية والرو�سية والفرن�سية أ والملانية والفار�سية إ وال�سبانية والكردية والبو�سنية واملاالوية ،و أ��صبحت تقر�أ إ يف كثري من دول العامل ،وانت�شرت املدار�س النورية يف جميع أ�رجاء املعمورة وبد أ�ت امل ؤ�مترات يف هذه الر�سائل تعقد يف كثري من البلدان. ال�سالمية واحلقيقة أ�ن حركة النور هي أ�وىل احلركات إ تعد أ�ُم التي ن� أش�ت يف تركيا بعد �سقوط اخلالفة ،لذلك ّ احلركات أ ال�سالمية ،ولها الف�ضل الكبري على والحزاب إ ال�سالمي كثري من املفكرين واملثقفني والعاملني يف احلقل إ يف تركيا ،وجميع ه ؤ�الء ال ينكرون دور أ ال�ستاذ النور�سي يعد من أ��صعب ما وال�سالم يف وقت ّ الميان ،إ الكبري يف خدمة إ ال�سالم يف تركيا ،وال ين�سون له ت�ضحياته اجلليلة مر على إ أ أ يف هذا ال�ش�ن ،ولعل لنا كتابات �خرى نتحدث فيها عن ر�سائل النور بالتف�صيل ب�إذن اهلل.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
دراسات إسالمية
رسالة عمان أداة حضارية لتعزيز قيم الحوار مع اآلخر ورقة عمل من إعداد :د .هايل عبد الحفيظ داود
مقدمة لمؤتمر
ت أ��صيل الفكر التنويري عند ال�شباب أ الردين« :ال�شباب واحلوار مع آ الخر» �إنّ من التحديات الكبرية التي تواجه الب�شرية اليوم االعرتاف بالتعددية الدينية والثقافية، واحلاجة للتعاون والتعاي�ش بني النا�س جميعا ،على اختالف توجهاتهم وطوائفهم� ،إن التعدد �سنة �إلهية ،يقول تعاىل: (لكل جعلنا منكم �شرعة ومنهاجا ،ولو �شاء اهلل جلعلكم أ�مة واحدة ولكن ليبلوكم يف ما آ�تاكم فا�ستبقوا اخلريات، �إىل اهلل مرجعكم جميعا ،فينبئكم مبا كنتم فيه تختلفون) (�سورة املائدة.)48: ال�سالم ي ؤ�من باالعرتاف املتبادل ،حتى �إن اهلل عز وجل �إن إ أ أ�خرب ر�سوله �ن يقول للم�شركني «لكم دينكم ويل دين» و أ�مره أ�ن يقول ألهل الكتاب «قل يا أ�هل الكتاب تعالوا �إىل كلمة �سواء بيننا وبينكم ،أ�ال نعبد �إال اهلل ،وال ن�شرك به �شيئ ًا ،وال يتخذ بع�ضنا بع�ضا أ�ربابا من دون اهلل». واحلوار مع آ ال�سالمي م�سلمة من امل�سلمات، الخر يف الفكر إ وقاعدة من القواعد القر آ�نية أ ال�سا�سية ،وقيمة من القيم احل�ضارية يف تاريخ أ المة ،فهو أ�مر ثابت يف القر آ�ن ال�سا�سية،وقيمة من القيم احل�ضارية يف تاريخ أ أ المة ،فهو أ�مر ثابت من القر آ�ن ،و�سنة م ؤ�كدة يف ال�سرية النبوية، ال�سالمي. وتقليد متداول يف الفكر إ �إن للم ؤ��س�سات الرتبوية وال�شبابية والدينية دور ًا كبري ًا يف ت أ��صيل الفكر التنويري لل�شباب ،وحماربة الغلو والتطرف، ودعوتهم لالنخراط يف تيار الو�سطية واالعتدال ،و�إقناعهم ب أ�همية احلوار مع آ الخر ،باعتباره الو�سيلة املجدية يف التعرف على القيم واملبادئ واالجتاهات والتي انطلقت منها ر�سالة عمان ،والتي كان أ�حد أ�هم حماورها و أ�هدافها ،بيان أ�همية احلوار ،واالعرتاف أ بالخر ،والقدرة على التعاي�ش معه ،وتفهمه. تعريف خمت�صر بر�سالة عمان يف �شهر رم�ضان املبارك من العام 1425هـ ،املوافق للعام 2004م ،أ�علن أ الردن ر�سالة عمان ،بهدف تو�ضيح ر�سالة ال�سالم ب�صورته النقية ،رد ًا على من حاولوا ت�شويه هذه إ أ ال�صورة جهال بها� ،و كيد ًا لها. 10
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
وقد تبنت اململكة أ الردنية الها�شمية دوم ًا نهج ًا يحر�ص على لل�سالم ،ووقف التجني �إبراز ال�صورة احلقيقية امل�شرفة إ عليه ،ورد الهجمات عنه ،وكان ذلك انطالق ًا من ا�ست�شعار القيادة الها�شمية للم�س ؤ�ولية التاريخية التي حتملها ،بحكم ات�صالها ب�صاحب الر�سالة ،وخدمة لهذا الدين ،ودفاع ًا عن حيا�ض هذه أ المة التي تتعر�ض لغارات اجلاهلني أ�و املغر�ضني. وقد عقدت بعد ذلك م ؤ�مترات عدة تبنت ر�سالة عمان ،منها ال�سالمي الدويل أ الول الذي عقد يف عمان يف عام امل ؤ�متر إ ،2005برعاية ملكية �سامية ،ح�ضره أ�كرث من مئتينْ من كبار علماء امل�سلمني من خم�سني دولة. أ بالجماع ر�سالة عمان ،كما ��صدر وقد تبنى امل ؤ�مترون إ بالجماع بيان ًا ت�ضمن االعرتاف باملذاهب ه ؤ�الء العلماء إ ال�سالمية الثمانية ،وعدم تكفري امل�سلمني لبع�ضهم ممن ال إ ينكرون معلوم ًا من الدين بال�ضرورة ،و أ�ن االختالف يف بع�ض الفروع ال ي�سوغ النزاع ،و�ضرورة التزام أ��صول االجتهاد والفتوى. ؤ كما تبنى امل�متر الدويل الثاين ملنتدى الو�سطية للفكر والثقافة الذي عقد يف عمان عام 2006قرارات هذا امل ؤ�متر مبا فيها تبني ر�سالة عمان. أ�هم النقاط والق�ضايا واملبادئ التي احتوتها ر�سالة عمان مما يعد قاعدة أ��سا�سية يف تبني مبد أ� احلوار. أ�و ًال :أ�ن ر�سالة عمان من حيث الفكرة أ وال�سا�س والدافع �إىل ال�سالم أ�مام غلو الغالني ،وانحراف �إعالنها ،وهو الدفاع عن إ أ املفرطني ،ورد كيد و�شكوك املعادين� ،إمنا هي ت�كيد من حيث املبد أ� على تبني منهج احلوار والفكر ،كطريق أ��سا�سي يف الفكار والتعامل معها ،ويف التعامل مع آ مواجهة أ الخر أ�يا كان� ،سواء أ�كان آ الخر من أ�بناء جلدتنا ،ممن حمل فكرا انحرفوا به عن جادة ال�صواب ،أ�م كان من غرينا ،ممن قادهم اجلهل بحقيقة هذا الدين لعداوتنا ،فهي �إقرار ملبد أ� احلوار الداخلي واخلارجي ،بعيد ًا عن احللول أ المنية أ�و العنفية التي ينتهجها بع�ضهم ،والتي ال ت ؤ�دي النتيجة املرجوة منها، يف مواجهة الفكر املنحرف أ�و تقوميه ،بل تزيد أ��صحابه مت�سك ًا به ،و�إ�صرار ًا عليه ،وقد أ�كدت كثري من التجارب ،أ�ن العنف ال يولد �إال العنف امل�ضاد ،واملزيد من الت�شدد. وهذا املنهج هو منهج �إ�سالمي أ��صيل ،وهو منهج النبي يف تبليغ دعوته والتعامل مع الغري ،وقد طبق هذا املنهج مع اجلميع وهو يبلغ ر�سالة ربه ،فقد حاور امل�شركني يف �شركهم وعقائدهم ،وحاور ر�سول اهلل ن�صارى جنران ملدة أ��سبوع كامل ،وهم يقيمون يف م�سجده ،بل و أ�قاموا �صالتهم يف م�سجده كما ذكر ابن القيم يف كتابه «زاد املعاد يف هدى خري
العباد» كما حاور اليهود ،وقد وردت مئات آ اليات القر آ�نية يف حوارهم ونقا�شهم ،مما ي ؤ�كد أ�ن هذا الدين هو دين العقل والكراه والع�سف. واحلوار واملنطق ،ال العنف إ �إن احلوار أ�مر �ضروري ،مار�سه كل أ النبياء وامل�صلحني ،ألن التغيري االجتماعي ال يتم دون حوار ،وتغيري أ الفكار ال يتم دون حوار ،وقد ذكر لنا القر آ�ن الكرمي مناذج عدة من احلوار مع الغري لتكون أ�منوذج ًا لنا. �إن ا�ستجابتنا للتحدي الغربي أ�خذت ثالث �صور: االنغالق الذي أ�ثمر التخلف عن ركب املدنية واحل�ضارةأ�و الغ�ضب والرد بالعنف ولذي ا�ستفادت منه قوى الهيمنة واال�ستكبار يف فر�ض هيمنتها واتخاذه ذريعة لفر�ض �سيطرتها و�إظهار امل�سلمني كوح�ش يهدد الب�شرية ،وعززت ظاهرة ما بال�سالم فوبيا ،أ�و املنهج الو�سطي الذي يحافظ على ي�سمى إ آ الذات ويفيد مما عند الخر ،وينطلق من التم�سك بالهوية الزدهار واالنحياز �إليها ،وهذا ما فعله امل�سلمون يف ع�صور إ أ ال�شعاع احل�ضاري الغربي ال يعني الفادة من إ الوىل� ،إن إ بال�ضرورة أ�ن نكون تبع ًا لهم ،و�إمنا يعني كيف نفيد منهم يف نهو�ضنا ،فالدولة لهم اليوم ،ألنهم أ�ح�سنوا أ الخذ بال�سنن الكونية قال تعاىلَ ( :و ِتل َْك ْ َأ َّا�س ) ال َّيا ُم ُندَ ا ِو ُل َها بَينْ َ الن ِ ( آ�ل عمران .)140 ثانيا :بد أ�ت ر�سالة عمان بت أ�كيد على قاعدة أ��سا�سية من ال�سالمي ،ويبدو ال�سالم ،وهي �إن�سانية الت�شريع إ قواعد إ أ ذلك من حر�ض ال�شريعة على ت�كيد ما يلي: .1وحدة اجلن�س الب�شري و أ�ن أ��صلهم واحد. � .2إلغاء جميع الفوارق القائمة بني النا�س على أ��سا�س اجلن�س أ�و العرق أ�و اللون أ�و النوع أ�و ما �شابه ذلك. � .3إلغاء نظام الطبقات وت أ�كيد ت�ساوي اجلميع يف احلقوق والواجبات. أ أ .4اال�ستقامة وح�سن الداء والتعامل هي ال�س�س املقررة للتفا�ضل بني النا�س ،وقد تبدو هذه امل�سائل واملبادئ ألول وهلة من امل�سلمات التي ال يختلف عليها النا�س اليوم ،ولكن عند التدقيق نلحظ ما يلي: أ� .أ�ن هذه املبادئ �إذا أ��صبحت اليوم تعد من امل�سلمات ،فقد كانت عند نزول القر آ�ن من امل�سائل امل�ستنكرة ،يف عامل ذلك الزمان الذي كان يقوم على الطبقية ،و أ�ن النا�س لي�سوا من ن�سل آ اللهة ،وبع�ضهم من الرج�س والقذارة ،وبالتايل ال ت�ساوي يف احلقوق والواجبات ،ومل ت�ستطع الب�شرية أ�ن تتخل�ص من هذه القيم �إال يف وقت مت أ�خر ،وما زالت ترن يف م�سامع النا�س �شعارات النازية والفا�شية و�شعب اهلل املختار. آ ب .أ�ن النا�س اليوم و �إن �منوا بهذه املبادئ ب�شكل نظري
ينتهكونها �صباح م�ساء يف واقعهم ،وما املمار�سات التي جتري يف عامل اليوم من القوى الكربى� ،إال أ��صدق دليل على ذلك، الن�سان ،واالنتقائية فاملكاييل املزدوجة ،وامتهان كرامة إ يف تطبيق القوانني الدولية ،ال حتتاج �إىل كبري برهان وهي بادية للعيان. أ أ أ �إن �إقرار هذا املبد� له �ثر كبري يف ت�شجيع احلوار على �و�سع نطاق ،وعلى كل امل�ستويات. أ ال�سالمي القطعي وال�صيل ثالثاً :أ�كدت ر�سالة عمان املبد أ� إ اللهية واحد ،وامل�سلم ي ؤ�من بجميع وهو « أ�ن أ��صل الديانات إ الر�سل ،وال يفرق بني أ�حد منهم ،و�إن �إنكار ر�سالة أ�ي واحد ال�سالم ،مما ي ؤ��س�س �إيجاد قاعدة وا�سعة منهم خروج عن إ أ لاللتقاء مع امل ؤ�منني بالديانات الخرى على �صعد م�شرتكة الن�ساين. يف خدمة املجتمع إ وحا َوا َّل ِذي يقول تعاىل�َ ( :ش َر َع َل ُك ْم مِنَ الدِّ ِ ين َما َو َّ�صى ِب ِه ُن ً ي�سى أ� َْن َأ� ْو َح ْي َنا ِ�إ َل ْي َك َو َما َو َّ�ص ْي َنا ِب ِه ِ�إ ْب َر ِ اه َ يم َو ُم َ و�سى َو ِع َ يه) (�سورة ال�شورى.)13: يموا الدِّ ينَ َو اَل َت َت َف َّر ُقوا ِف ِ أ� َِق ُ �إن القوا�سم امل�شرتكة بني أ�تباع الديانات ،هي منطلق للحوار والتقارب من أ�جل الو�صول �إل تفاهم مثمر ال مي�س اال�ستقالل الفكري أ�و التميز العقدي لكل منهم. �إن املهم جتنب اخللط بني خ�صو�صية الهوية وبني االنعزال فالح�سا�س بالهوية أ�مر مطلوب ،ألنه يحافظ والقوقعة ،إ على الذات من الذوبان ،وعلى التنوع ،وهو أ�مر �ضروري لتطور احلياة ،ولكن �إذا متت املبالغة لن�صل �إىل التقوقع، والفادة فهذا أ�مر مرفو�ض ،ألنه مينع من التعاي�ش والتفاهم إ الن�سانية ،و�إن كثري ًا من اخلطاب من الغري وبناء احل�ضارة إ ال�سائد اليوم ي�صور االنفتاح على الغري وك أ�نه تنازل عن الدين ومتييع له. رابعاً :أ�كدت ر�سالة عمان :أ�ن منهج الدعوة �إىل اهلل يقوم يل َر ِّب َك على الرفق واللني ،قال تعاىل ( :ا ْد ُع ِ�إلىَ َ�س ِب ِ أ ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة ۖ َو َجا ِد ْل ُه ْم ِبا َّل ِتي ِه َي � َْح َ�سنُ ) (�سورة النحل.)125: ال�سالمية التي أ�كدتها ر�سالة عمان الدعوة �إىل ومن املبادئ إ الت�سامح والعفو ،وهي قواعد أ��سا�سية يف بناء احلوار الناجح ال�سالم �إىل املثمر� ،إذ جاء فيها «ويف الوقت الذي دعا فيه إ معاملة آ الخرين باملثل ،حث على الت�سامح والعفو اللذين اء َ�س ِّي َئ ٍة َ�س ِّي َئ ٌة ِم ْث ُل َها ۖ َف َم ْن يعربان عن �سمو النف�س ( َو َج َز ُ َع َفا َو أ� َْ�ص َل َح َف َأ� ْج ُر ُه َع َلى اللهَّ ِ )(ال�شورىَ ( ،)40:و اَل َت ْ�س َت ِوي ال�س ِّي َئ ُة ا ْد َف ْع ِبا َّل ِتي ِه َي أ� َْح َ�سنُ َف ِ�إ َذا ا َّل ِذي َب ْي َن َك الحْ َ َ�س َن ُة َو اَل َّ ِيم )(ف�صلت.)34: َو َب ْي َنهُ َعدَ ا َو ٌة َك َأ�نَّهُ َوليِ ٌّ َحم ٌ خامساً :أ�كدت ر�سالة عمان مبد أ� القبول آ فال�سالم بالخر ،إ الن�ساين كله، كما ذكرت الر�سالة دين «ي�ستوعب الن�شاط إ السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
11
وي�صدع باحلق وي أ�مر باملعروف وينهى عن املنكر ،ويكرم الن�سان ،ويقبل آ الخر». إ ال�سالم للعلم والتدبر والتفكري مما مكن من �إيجاد لقد أ��س�س إ ال�سالمية الرا�سخة التي كانت حلقة مهمة تلك احل�ضارة إ انتقل بها الغرب �إىل أ�بواب العلم احلديث ،والتي �شارك يف �إجنازاتها غري امل�سلمني باعتبارها ح�ضارة �إن�سانية �شاملة، وقد أ�خذ امل�سلمون من غريهم و أ�فادوا مما عندهم ،وقاموا بتطويره ،ومن قبول آ الخر ،قبول مبد أ� احلوار معه، واالعرتاف مبا عنده من حق أ�و خري. لقد طلبت ر�سالة عمان من امل�سلمني م�شاركة املجتمع الن�ساين يف العمل والنه�ضة والرقي ،ذلك أ�ن هدي هذا إ ال�سالم العظيم الذي نت�شرف باالنت�ساب �إليه يدعونا �إىل إ وال�سهام الن�ساين املعا�صر إ االنخراط وامل�شاركة يف املجتمع إ يف رقيه وتقدمه ،متعاونني مع كل قوى اخلري والتعقل وحمبي العدل عند ال�شعوب كافة� ،إبراز ًا أ�مين ًا لتحقيقنا وتعبري ًا �صادق ًا عن �سالمة �إمياننا وعقائدنا املبنية على دعوة احلق �سبحانه وتعاىل للت�آلف والتقوى. ال�سالم قد أ�عطى للحياة سادساً :أ�كدت الر�سالة أ�ن إ منزلتها ال�سامية فال قتال لغري املقاتلني ،وال اعتداء على املدنيني امل�ساملني وممتلكاتهم ،أ�طفا ًال يف أ�ح�ضان أ�مهاتهم أ�و ون�ساء ،فاالعتداء تالميذ على مقاعد الدرا�سة ،أ�و �شيوخ ًا ً اليذاء أ�و التهديد اعتداء على حياة �إن�سان بالقتل أ�و إ على حق احلياة لكل النا�س وهو من أ�كرب آ الثام؛ ألن حياة ال ن�سان هي أ� �سا�س العمران الب�شري ،قال تعاىل: إ أ أ أ اد فيِ ْ َ �ض َف َك َ�نمَّ َ ا َق َت َل ْ�س َ� ْو َف َ�س ٍ ال ْر ِ ( َم ْن َق َت َل َنف ًْ�سا ِب َغيرْ ِ َنف ٍ َّا�س َجمِي ًعا) َّا�س َجمِي ًعا َو َم ْن أ� َْح َياهَ ا َف َك َأ�نمَّ َ ا أ� َْح َيا الن َ الن َ (املائدة.)32 : لقد أ�كدت ر�سالة عمان أ�ن هذا الدين كان دوم ًا حرب ًا على نزعات الغلو والتطرف والت�شدد ،ذلك أ�نها حجب العقل عن تقدير �سوء العواقب واالندفاع أ العمى خارج ال�ضوابط الب�شرية دين ًا وفكر ًا وخلق ًا ،وهي لي�ست من طباع امل�سلم وال�سالم يرف�ضها مثلما احلقيقي املت�سامح املن�شرح ال�صدر ،إ ترف�ضها الديانات ال�سماوية ال�سمحة جميعها ،باعتبارها حاالت نا�شزة و�ضروب ًا من البغي. سابعاً :دعت ر�سالة عمان �إىل» تطوير مناهج �إعداد الدعاة ال�سالم ومنهجه يف بناء بهدف التحقّق من �إدراكهم لروح إ بال�ضافة �إىل �إطالعهم على الثقافات الن�سانية ،إ احلياة إ املعا�صرة ،ليكون تعاملهم يف جمتمعاتهم عن وعي وب�صرية، قال تعاىل « :قل هذا �سبيلي أ�دعو �إىل اهلل على ب�صرية أ�نا ومن اتبعني» (يو�سف.)108 : الفادة من ثورة ثامناً :حثت الر�سالة امل�سلمني على إ 12
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ال�سالم االت�صاالت لرد ال�شبهات التي يثريها أ�عداء إ بطريقة علمية دون �ضعف أ�و انفعال ،و أ�ي�ض ًا يف هذا خماطبة آ الخر بلغته. تاسعاً :نبهت الر�سالة علماء امل�سلمني �إىل أ�همية تنوير ال�سالم ونهجه املتوازن القائم على ال�شباب بحقائق إ احلوار ،حيث جاء فيها» أ والمل معقود على علماء أ�متنا أ�ن ال�سالم وقيمه العظيمة عقول أ�جيالنا ينريوا بحقيقة إ ال�شابة ،زينة حا�ضرنا وعدة م�ستقبلنا ،بحيث جتنبهم خماطر االنزالق يف م�سالك اجلهل والف�ساد واالنغالق والتبعية ،وتنري دروبهم بال�سماحة واالعتدال والو�سطية واخلري ،وتبعدهم عن مهاوي التطرف والت�شنج املدمرة للروح واجل�سد». آ أ و أ�خري ًا نقول �إنه �إذا �ردنا التعاي�ش مع الخرين ،ف�إن هذا التعاي�ش له قواعد أ��سا�سية ال يتم دونها ،وهذه القواعد هي: .1التعارف. .2التكامل. .3التبادل. .4التناف�س امل�شروع. .5الرتاحم. وكل هذا ال ينجح �إال على قاعدة احلوار امللتزم ب أ��س�سه وقواعده ،وهذا ما أ��س�ست له ر�سالة عمان.
التوصيات:
.1اعتماد ر�سالة عمان منهج ًا رئي�س ًا يف اجلامعات واملدار�س وخمتلف امل ؤ��س�سات التعليمية ملا احتوته من قيم ومبادئ ال�سالمي الو�سطي املعتدل. متثل الفكر إ .2ت�شجيع ال�شباب على احلوار والتفاعل ،وتوفري اللقاءات واملجاالت املنا�سبة للحوار. ؤ .3ن�شر ثقافة احلوار يف املجتمع ،يف كل امل��س�سات واملجاالت، والمالء. والبعد عن أ��ساليب التلقني إ العالم ،خا�صة الكثار من الربامج احلوارية يف و�سائل إ .4إ الربامج املوجهة لل�شباب ،و أ�ن يكون ال�شباب طرف ًا رئي�س ًا فيها. .5تر�سيخ الدميقراطية يف احلياة ال�سيا�سية ،ويف خمتلف مرافق الدولة واملجتمع� ،إذ ال حوار دون توفر أ�جواء احلرية. .6ن�شر الكتب والدرا�سات العلمية التي تبني حقيقة الفكر ال�سالمي املعتدل ،القائم على قبول آ الخر واحرتامه، إ واحلوار معه ،بعيد ًا عن الت�شنج والتطرف. الفادة من و�سائل االت�صال احلديثة يف نقل ر�سالة .7إ آ ال�سالم و�إي�صال �صوته ،واحلوار مع الخر. إ
دراسات إسالمية
موقف أخالقي ضد الكراهية والكراهية الدينية زكي الميالد /رئيس تحرير مجلة الكلمة / المملكة العربية السعودية
ـ1ـ
الكراهية ..املعنى واملفهوم من املالحظ أ�ن املجال التداويل ملفهوم الكراهية يف الدرا�سات الفكرية وال�سيا�سية والتاريخية ب�صورة عامة ,يعد حديث ًا, الغلب �إىل العقد أ ويرجع االهتمام الوا�سع به على أ الخري من القرن الع�شرين ,وقبل ذلك كان تداوله يكاد يتحدد وينح�صر يف نطاق خا�ص ,هو نطاق احلياة الزوجية والعالقة بني الزوجني. وحني حاولت البحث عن تعريف علمي وا�صطالحي لهذا املفهوم يف كتب املعاجم ,كاملعجم الفل�سفي لع�ضو جممع اللغة العربية بدم�شق الدكتور جميل �صليبا مل أ�جد ذكر ًا له ,وهو ما نعده اليوم نق�ص ًا فيه بحاجة �إىل ا�ستدراك. وبالعودة �إىل بع�ض الدرا�سات النف�سية ,بو�صف أ�ن هذا املفهوم ينتمي يف أ ال�سا�س �إىل حقل علم النف�س ,مل أ�جد أ�ي�ض ًا التعريف الذي أ�بحث عنه ,حيث مل تدرج الكراهية كمفهوم م�ستقل �ضمن قائمة التعريفات املت�صلة بهذا احلقل, والقريبة منه ,كالعدائية والعدوانية والغ�ضب والعنف وت أ�كيد الذات وغريها ,وجاء البع�ض على ذكره وب�شكل عابر يف �إطار احلديث عن مفهوم العدائية. وهكذا حني حاولت البحث عن تعريف لغوي لهذا املفهوم, وجدت أ�ن معاجم اللغة القدمية على ثرائها وغناها اللغوي واال�شتقاقي ,كـ(ل�سان العرب) البن منظور ,و(معجم مقايي�س اللغة) ألحمد بن زكريا ,و( أ��سا�س البالغة) للزخم�شري, و(التعريفات) لل�شريف اجلرجاين ,وجدت أ�نها ال ت�سعفنا ب�شيء ,وال تقدم لنا �إ�ضافة مهمة ,حيث عرفت امل�صدر (كره) با�شتقاقات عديدة ,ال تكاد تقرتب من مفهوم الكراهية �إال بقدر ب�سيط للغاية ,كالقول ب أ�نه يدل على خالف الر�ضا واملحبة. و أ�ما املعاجم احلديثة ,كـ(املعجم الو�سيط) ملجمع اللغة العربية بالقاهرة ,فهو أ�ف�ضل حا ًال من املعاجم القدمية ن�سبي ًا ب� أش�ن هذه املفردة ,لكنه هو آ الخر ال ي�ضيف �شيئ ًا مهم ًا ي�ضيء يف تعريف الكلمة ,وما ورد فيه من تعريف هو ( َك ِر َه ال�شيء ُكره ًا و َك َراهة و َك َراهية :خالف أ�حبه ,فهو وكره أ المر واملنظر كراهة وكراهية :قبح كريه ومكروهُ .
فهو كريه)(.)1 أ�ما املفاج أ�ة املده�شة فكانت يف النق�ص الفادح أ�و الغياب الفادح ,للدرا�سات وامل ؤ�لفات التي تناولت فكرة الكراهية يف املجال العربي ,والكتاب الذي وجدته يبحث حول هذه الفكرة بهذا امل�سمى هو كتاب (فل�سفة الكراهية) للدكتور را�شد املبارك ال�صادر �سنة 2001م ,وال أ�دري �إن كان هو الكتاب الوحيد يف هذا ال� أش�ن باللغة العربية أ�م ال! فالدكتور عز الدين مو�سى يف تقدميه لهذا الكتاب اعتربه الفريد يف بابه ,و أ��شار الدكتور املبارك �إىل ذلك أ�ي�ض ًا حني ت�ساءل هل الكراهية خلل طبع؟ ور أ�ى أ�ن ما يحمل على الده�شة أ�ن يفاج أ� الباحث ح�سب قوله بتلك احلقيقة املتمثلة يف أ�ن هذا الن�سانية مل يول ما يتنا�سب مع اجلانب من طبيعة النف�س إ مكانته وخطره من عناية ,وي�ضيف أ�ن الباحث ي�ضنيه البحث يف العثور على كتب و أ�بحاث أ�فردت لدرا�سة هذا اجلانب بحث ًا عن جذوره ,و�شرح ًا لطبيعته ,وتعريف ًا مبعاجلته(.)2 وتت أ�كد مالحظة الدكتور املبارك حيث مل ي أ�ت على ذكر أ�ي كتاب عربي آ�خر حتدث عن هذه الق�ضية ,وهذا ما حاولت تق�صيه يف كتابه ,لكنه أ��شار �إىل كتابني �صدرا الجنليزية ,رجع �إليهما وا�ستفاد منهما ,وهما كتاب باللغة إ (�سجناء الكراهية) ال�صادر �سنة 2000م مل ؤ�لفه آ�رونت بيك, وكتاب (مولد الكراهية) الذي يحتوي ح�سب و�صف الدكتور املبارك على أ�حدث درا�سات �صدرت يف هذا ال� أش�ن ,قام بها فريق من علماء النف�س البارزين وامل�شتغلني بالطب النف�سي, وقدمت على �شكل أ�وراق بحثية لندوة م ؤ��س�سة مارغريت. �إ�س مالر أ للبحاث النف�سية ,مبدينة فيالدلفيا بوالية نيوجر�سي ,وعقدت �سنة 1994م ,و�صدرت الحق ًا يف كتاب بالعنوان املذكور. ومن النتائج املهمة التي وردت يف هذين الكتابني ,وامل�ضيئة ملعنى الكراهية ومفهومها ,ما أ��شار �إليه آ�رونت بيك يف كتابه (�سجناء الكراهية) ,حيث اعترب أ�ن الكراهية تعمل بقانون واحد �سواء أ�كانت بني أ�ل�صق أ القارب مثل الزوج وزوجته ,أ�م بني املتواجهني يف �ساحة احلرب ,أ�م املتنافرين يف معتقد. ومن هذه النتائج كذلك ما جاء يف كتاب (مولد الكراهية), حيث أ��شارت �إحدى الدرا�سات �إىل أ�ن الكراهية ال ترجع �إىل عامل واحد بل هي حالة معقدة ,وت�شتد با�شتداد ال�شعور أ بالنانية ,أ�و ال�شعور باخلوف ,أ�و باال�ضطراب النف�سي. وما ننتهي �إليه أ�ن الكراهية هي امتزاج موقف فكري مع حالة نف�سية ,وبعبارة أ�خرى هي موقف فكري يتلب�س بحالة نف�سية وتتجلى بهذا املظهر النف�سي ,الذي يغلب عليه التوتر واالنفعال ,وب�شكل يحدث تنافر ًا بني طريف العالقة. والنتيجة أ�ن الكراهية يف كل �صورها وجتلياتها ال تعرب عن موقف يرت�ضيه العقل والعقالء ,أ�و تقبل به احلكمة واحلكماء. السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
13
ـ2ـ
الكراهية الدينية ..و أ�مناطها الكراهية الدينية هي من أ��شد أ�مناط الكراهية ح�سا�سية وخطورة ,وهذا ب�صورة عامة هو من طبيعة كل أ�مر له عالقة بالدين أ�ثر ًا وتراث ًا ,تف�سري ًا وت أ�وي ًال ,وذلك ألن الدين له عالقة ممتدة يف التاريخ ،فهو أ�قدم �شيء بد أ� فيه وبقي الن�ساين يف جميع أ�زمنته م�ستمر ًا معه ,وت أ�ثر به الرتاث إ وع�صوره القدمية واحلديثة ,وعلى تعدد هويته و�إختالف الن�سان وتفاعل معه بطريقة تكاد مت�س وطبيعته ,وات�صل به إ جميع جوانب حياته ,ويف أ�دق تفا�صيلها اجلزئية واليومية, ومازال يحتفظ بت أ�ثريه الت أ�ثري الذي لي�س من املرجح قطع ًا أ�ن ينقطع أ�و يتوقف. واملق�صود بالكراهية الدينية ,ذلك النمط من الكراهية الذي يت�صل باملجال الديني ويتحدد به ,من جهة الباعث واملنطلق ,أ�و من جهة املعنى والتف�سري ,أ�و من جهة الر ؤ�ية واملوقف .هذه ثالث جهات قد تت�صل أ�و تنف�صل ,وبات�صالها أ�و انف�صالها ف�إنها ت�ساهم يف هذه احلالة بتوليد كراهية, ي�صطلح عليها من حيث الو�صف والطبيعة واملجال بالكراهية الدينية. ويف الغالب تن� أش� الكراهية الدينية مت أ�ثرة باالختالفات التي لها عالقة بالدين ,وذلك حني تتحول االختالفات �إىل كراهية ,أ�و دافع نحو الكراهية ,على م�ستوى النظر أ�و الخر الديني ,أ�و مع آ التعامل مع آ الخر غري الديني ب�سبب له عالقة بالدين. ويف هذا ال� أش�ن ميكن احلديث عن ثالثة أ�مناط من الكراهية الدينية ,هي: النمط أ الول :الكراهية الدينية التي تن� أش� ب�سبب الديان ,ومنها أ االختالف بني أ الديان ال�سماوية الثالثة وال�سالم التي �شهدت فيما الكربى اليهودية وامل�سيحية إ بينها اختالفات نقلها لنا التاريخ ,وما زالت موجودة �إىل اليوم .وال�شعور بهذا النمط من الكراهية قائم وموجود بني أ��صحاب هذه الديانات جميع ًا ,وهذا يعني أ�ن الكراهية الدينية ظهرت يف �إطار هذه الديانات الثالث ,وبني معتنقيها واملنت�سبني �إليها ,وقد ت�ضرر اجلميع من هذه الكراهية, وا�شتكى وي�شتكي منها ,ويكفي معرفة ما بني أ�تباع اليهودية و أ�تباع امل�سيحية من كراهية متوارثة من التاريخ القدمي, ترجع �إىل االتهام الذي وجهه امل�سيحيون �إىل اليهود ب�صلب ال�سيد امل�سيح وقتلة ح�سب الرواية امل�سيحية. أ النمط الثاين :الكراهية الدينية التي تن�ش� ب�سبب االختالف بني املذاهب الدينية يف �إطار الدين الواحد ,وهذا النمط من الكراهية ظهر يف جميع الديانات ال�سماوية ,التي 14
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ح�صل يف جميعها انق�سامات وتعدديات مذهبية ,تولد منها ما ن�سميه بالكراهية الدينية ,وقد مرت على بع�ض هذه املذاهب يف فرتات تاريخية �سابقة نزاعات وحروب دامية وقا�سية ,كالذي حدث يف داخل امل�سيحية بني الكاثوليك والربوت�ستانت يف أ�ملانيا خالل الن�صف أ الول من القرن ال�سابع ع�شر امليالدي ,وكانت من أ��شد احلروب الدينية التي ح�صلت يف أ�وروبا ,وعرفت هناك بحرب الثالثني عام ًا حيث دامت ما بني عام 1618م �إىل عام 1648م ,وعدت �سبب ًا يف انطالقة حركة التنوير يف أ�ملانيا. وال�شعور بهذا النمط من الكراهية موجود ب�صور خمتلفة, ويف أ�زمنة خمتلفة ,وعند �شرائح وفئات خمتلفة ,بني أ��صحاب هذه املذاهب ,وعلى م�ستوى الديانات ال�سماوية الثالث ,مبا ال�سالمي. يف ذلك أ��صحاب املذاهب يف �إطار الدين إ النمط الثالث :الكراهية الدينية التي تن� أش� ب�سبب االختالف بني اجلماعات والفئات يف �إطار املذهب الديني الواحد ,باعتبار أ�ن التنوع واالختالف �سنة طبيعية الن�ساين جارية حتى يف �إطار وتاريخية يف االجتماع إ اجتماعيات املذهب الديني الواحد .وهذا النمط من الكراهية يتحدد يف �صورتني ,يف �صورة ما يحدث بني بع�ض الطار العام يف املرجعية اجلماعات التي ت�شرتك من جهة إ الدينية ,وتختلف يف نظم العمل ومناهج ال�سلوك. ويف �صورة ما يحدث بني بع�ض الفئات الدينية وغري الدينية ب�سبب اختالفات فكرية أ�و اجتماعية لها عالقة بالدين أ�و باملجال االجتماعي الديني ,على طريقة ما يحدث بني بع�ض ال�سالميني وبع�ض العلمانيني. إ وحقيقة أ المر أ�ن امل�شكلة لي�ست يف االختالف ,و�إمنا يف حتول االختالف �إىل كراهية و�إعطائه ت�سويغات دينية حتر�ض على التنافر والتباعد والتباغ�ض ,وقد يتطور أ المر وي�صل احلال �إىل الدعوة لعدم جمال�سة املختلف معه, واالبتعاد عن جماورته ,وترك توقريه ومكاملته وجمادلته, وعدم ب�سط الوجه له ,وحتى ال�سالم عليه. ويالم�س الدكتور را�شد املبارك منبع امل�شكلة يف كتابه (فل�سفة الكراهية) ,بقوله (توجد فئة من النا�س حترتف الكراهية ,تزرعها وت�سقيها وتنميها ,وتدعو �إليها ,وتب�شر بها ,لقد �صارت الكراهية يف بع�ض النفو�س نوع ًا من العقيدة, لها جالل العقائد التي جتب حمايتها و�صيانتها و�إحاطتها ب�سياج مينع أ�ن مت�س أ�و تناق�ش أ�و تو�ضع مو�ضع امل�ساءلة واال�ست�شكال)(.)3 وهذه الفئة من النا�س قد توجد ,ووجدت كما نعلم ويعلم اجلميع يف خمتلف الديانات واملذاهب واجلماعات والفئات, وهي ت�شرتك مع اختالفها يف طباعها الذهنية والنف�سية, والتي تت�سم يف العادة بالتع�صب واالنغالق واجلمود.
ـ3ـ
الكراهية الدينية ..وع�صر العوملة منذ أ�ن التفت العامل �إىل هذه الظاهرة ,أ�خذ احلديث عنها يتزايد ويرتاكم بني خمتلف الثقافات واملجتمعات ,ب�صورة تلفت االنتباه ب�شدة �إىل هذه الظاهرة ,ويك�شف عن تنامي والدراك بخطورة تداعياتها وح�سا�سيتها ,يف ظل الوعي إ جمتمعات تتميز بتعدديات متنوعة ,دينية ومذهبية, عرقية وقومية ,لغوية ول�سانية ,وهي ال�سمة التي تطبع الن�سانية أ�و جميعها ,فال يكاد يوجد يف معظم املجتمعات إ جمتمعات العامل اليوم جمتمع خال من تلك التعدديات املذكورة� ,سواء كانت تعدديات أ��صيلة من داخل الن�سيج املجتمعي ,أ�م تعدديات وافدة جاءت من جمتمعات أ�خرى قريبة أ�و بعيدة ,خ�صو�ص ًا مع الهجرة املتزايدة والعابرة بني املجتمعات والقارات بحث ًا عن الرزق أ�و أ المن أ�و املعرفة, وبعد التقدم الكبري يف تكنولوجيا املوا�صالت التي �سهلت �إنتقال النا�س من مكان آلخر رغم امل�سافات البعيدة التي تف�صل بني الدول والقارات ,وبعد التطور املذهل يف �شبكات العالم وتقنيات االت�صال التي فجرت معها ما عرف بثورة إ بالمكان الو�صول �إىل املعلومات واملعارف املعلومات� ,إذ جعلت إ أ ملعظم النا�س وبطرق �سريعة يف �ي بقعة كانوا من بقاع العامل الطراف ,وازدادت معها حركة أ املرتامي أ الفكار العابرة بني الثقافات واملجتمعات. ويف ع�صر العوملة ت�ضاعف الوعي وا�شتد االهتمام بهذه الظاهرة ,حيث أ��صبح العامل بكل مكونات التعدد فيه مبثابة وطن جلميع النا�س ,أ�و هكذا يفرت�ض من الناحية املجازية, أ ولول مرة يدرك فيها النا�س مثل هذا االنطباع ,ويتعاملون على أ��سا�سه ,ويتبادلون احلديث عنه مبختلف لغات العامل بو�سائط مثل أ القمار اال�صطناعية ,وال�شبكة العاملية النرتنت ,أ�و بدون و�سائط. للمعلومات إ أ أ�ما العامل البرز الذي حرك بقوة ,وفتح وعي العامل على هذه الظاهرة ,هو االنبعاث الوا�سع واملخيف ألفكار التع�صب ونزعات التطرف التي ال تقبل التعاي�ش مع آ الخر مهما كانت طبيعة هذا آ الخر وهويته ,وال التوا�صل معه أ�و االنفتاح والق�صاء ,ومبنطق اللغاء إ عليه ,وال تتعامل �إال بذهنية إ الق�سوة وال�صدام ,ومبنهج أ الحادية واحتكار احلقيقة املطلقة. أ وقد أ�طلقت هذه الفكار والنزعات موجة من الكراهية الدينية أ�ثارت معها حفيظة العامل ,ويف مقدمتهم العقالء واحلكماء يف كل أ الديان واملذاهب واجلماعات ,الذين أ�خذوا يحذرون من خطورة تف�شي مثل هذه الظاهرة ,وعبورها الن�سانية ,ويطالبون بت�ضامن وامتدادها بني املجتمعات إ
والعالن عن �إن�ساين وعاملي للوقوف بوجه هذه الظاهرة ,إ رف�ضها ومقتها والت�شنيع بها.
ـ4ـ
الكراهية الدينية ..و أ�مناط التعامل من املالحظ أ�ن هذه الظاهرة ظلت تت أ�ثر هبوط ًا وارتفاع ًا والرهاب التي �ضربت جمتمعات عديدة, بحوادث العنف إ أ أ وال�سالمي �إىل �وروبا و�مريكا, وامتدت من العامل العربي إ و�إىل الهند وا�سرتاليا ,وبح�سب م�ستويات هذه احلوادث قوة و�ضعف ًا ،حيث يالحظ أ�ن وترية الكراهية ترتفع كلما كانت والرهاب قوية و�شديدة ,وتكون أ�قل ارتفاع ًا حوادث العنف إ كلما كانت هذه احلوادث ا�ضعف و أ�خف. وهذا ما برهنت عليه أ�حداث احلادي ع�شر من �سبتمرب 2001م يف أ�مريكا ,فقوة هذه أ الحداث التي راح �ضحيتها ما يزيد على ثالثة آ�الف �شخ�ص ,ولدت معها ردة فعل قوية و�شديدة من الكراهية جتاه امل�سلمني ,وب�شكل ألول ال�سالمي هناك ,حيث عمت الكراهية مرة يح�صل للوجود إ ب�صورها املختلفة معظم الواليات ,وب�شكل مرعب وخميف, و�ضعت أ�من امل�سلمني يف خطر حمدق ,و أ�جربت الكثريين على البقاء يف منازلهم ,واملكوث فيها لفرتات غري ق�صرية. وتكرر احلال ولكن ب�صورة أ�قل مع تفجريات لندن الدامية �سنة 2005م ,حيث ذكرت ال�شرطة الربيطانية أ�ن جرائم الكراهية ت�ضاعفت �ست مرات يف لندن أ�عقاب تلك التفجريات التي راح �ضحيتها خم�سون قتي ًال ,و أ�و�ضحت ال�شرطة يف بيان لها أ�ن نحو 270حادثة وقعت يف ذلك احلني ,متثل معظمها بال�ضافة �إىل اعتداءات و�صفت يف �شكل �إ�ساءات �شفهية ,إ بالب�سيطة ,وهجمات على ممتلكات للم�سلمني. و أ�مام تف�شي هذه الظاهرة ,تعددت �صور التعامل معها يف النطاق العاملي ,ومن هذه ال�صور ,حماولة ر�صد هذه الظاهرة على م�ستوى العامل ,وتقدمي تقارير ودرا�سات و�صفية وحتليلية حولها ,على طريقة ما أ�جنزه مركز بيو لل�سلوكيات العاملية بوا�شنطن يف تقريره الذي أ��صدره منت�صف عام 2007م ,وجاء يف (� )168صفحة مع بيانات البحث امللحقة, و أ��شار �إىل انخفا�ض يف ن�سبة الكراهية الدينية والعرقية على م�ستوى العامل مقارنة مبا كان عليه الو�ضع عام 2002م, ا�ستناد ًا �إىل ا�ستطالعات ر أ�ي أ�جريت يف خمتلف أ�نحاء العامل. ومن هذه ال�صور أ والمناط أ�ي�ض ًا ,ظهور هيئات ومنظمات تعنى بهذه الظاهرة ,كمنظمة �سفراء ال�سالم التي أ�علنت عن وجودها يف الواليات املتحدة أ المريكية ,وحملت على عاتقها ح�سب خطابها اخلال�ص من الكراهية الدينية ,وت أ�كيد الت�سامح بني أ�تباع الديانات ,ولهذا الغر�ض قام وفد منها
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
15
يف �إبريل عام 2005بزيارة أ الزهر بالقاهرة للتوقيع على وثيقة و�ضعتها املنظمة بعنوان (وثيقة احلقوق الدينية), وكانت قد أ�ر�سلتها من قبل �إىل �شيخ أ الزهر الدكتور حممد �سيد طنطاوي مع دعوة للتوقيع عليها ,ويف نهاية الزيارة قيل �إن ال�شيخ طنطاوي �صادق على الوثيقة بكل ما جاء فيها ,وطلب من نائبه ال�شيخ فوزي الزفزاف التوقيع عليها ب�صفته رئي�س جلنة احلوار بني أ الديان. وتقرر الوثيقة أ�ن اللجوء �إىل العنف لت أ�كيد وجهة نظر دينية ,أ�و إلجبار آ�خرين على اعتناقها هو أ�مر مرفو�ض بتات ًا ,كما تقرر أ�ن لكل �إن�سان بغ�ض النظر عن انتمائه الديني أ�و العرقي أ�و الوطني احلق يف أ�ن يعي�ش ب�سالم مع جريانه مهما كان معتقدهم. وقد انطلقت الوثيقة من خلفية أ�ن اجلواب الوحيد للخالفات الدينية يكمن يف احلوار املبني على االحرتام املتبادل بني أ�تباعها ,ولي�س يف اللجوء �إىل العنف. ومن هذه ال�صور أ والمناط كذلك ,جلوء بع�ض الدول واحلكومات �إىل و�ضع قوانني وت�شريعات جتعل من الكراهية الدينية جرمية يعاقب عليها القانون ,وهذا ما أ�قدمت عليه بريطانيا يف يونيو 2005م ,بعد تفجريات لندن ,و أ�ثارت بها آ�نذاك جد ًال ولغط ًا بني الربيطانيني أ�نف�سهم ,كما أ�قدمت على مثل هذه اخلطوة جمهورية أ�وزبك�ستان يف يونيو 2006م. هذه بع�ض �صور التعامل مع ظاهرة الكراهية الدينية, بق�صد احلد منها ومواجهتها والق�ضاء عليها ,ومع كل ذلك يبقى أ�ن أ�م�ضى �سالح ملواجهة هذه الظاهرة هي الديانات نف�سها ,وبالذات الديانات ال�سماوية التي جاءت أ��سا�س ًا الن�سان وتزكيته وتعليمه ,واقتالع جذور ال�شر منه لتهذيب إ وتنمية جذور اخلري ,ولتخرجه من الظلمات �إىل النور وهذه هي املفارقة.
ـ5ـ
بيان أ�خالقي �ضد الكراهية الن�سان مثله ,الذي هو أ�خ له يف الدين, الن�سان إ ملاذا يكره إ أ الن�سان, أ�و نظري له يف اخللق� ,خ له يف الدين فلماذا يكره إ الن�سان مثله ب�سبب الطائفة واملذهب ,أ�و ب�سبب القوم إ أ والع�شرية� ,و ب�سبب الن�سب واحل�سب .ونظري له يف اخللق الن�سان مثله ب�سبب الدين والعقيدة, الن�سان ,إ فلماذا يكره إ أ�و ب�سبب العرق واللون ,أ�و ب�سبب اللغة والل�سان. الن�سان مثله ,واخللق كلهم عيال اهلل, الن�سان إ وملاذا يكره إ خلقهم من نف�س واحدة ذكر ًا و أ�نثى ,وجعلهم �شعوب ًا وقبائل, جماعات وجمتمعات ,ليتعارفوا ,ال ليتنازعوا أ�و يتكارهوا, و أ�كرمهم عند اهلل بالتقوى ,ال باحل�سب والن�سب ,وال بالعرق واللون ,وال باللغة والل�سان ,وال باجلاه والرفاه. 16
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الن�سان مثله ,على أ��سا�س الدين أ�و الن�سان إ وملاذا يكره إ أ أ املذهب ,والدين املعاملة ,واهلل �مرنا �ن نقول للنا�س ح�سن ًا, والح�سان, مهما كانت ديانتهم ومذاهبهم ,كما أ�مرنا بالعدل إ ال�ساءة لكل وجعل من الكلمة الطيبة �صدقة ,ونهانا عن إ النا�س ,وب أ�ي �صورة كانت ,وحتت أ�ي ظرف كان. الن�سان مثله ,على أ��سا�س العرق واللون, الن�سان إ وملاذا يكره إ أ�و اللغة والل�سان ,واجلميع خلق اهلل الذي أ�ح�سن كل �شيء الن�سان يف أ�ح�سن تقومي ,وهو الذي �صورنا خلقه ,وخلق إ أ آ ف أ�ح�سن �صورنا ,وجعل من �ياته خلق ال�سماوات والر�ض واختالف أ�ل�سنتكم و أ�لوانكم. الن�سان حتى يكره غريه ,فهل ينظر مم خلق ,خلق ومن هو إ من تراب ,ثم من نطفة ,ثم من علقة ,ثم أ�خرجه اهلل طف ًال ليبلغ أ��شده ,ثم ليكون �شيخ ًا ,ومنهم من يتوفى من قبل, الن�سان وليبلغ أ�ج ًال م�سمى ولعلكم تعقلون ,واهلل الذي خلق إ من �صل�صال من حم�إ م�سنون كيف له أ�ن يكره غريه. الن�سان حتى يكره غريه ,وهو الذي أ�وله نطفة, ومن هو إ و آ�خره جيفة ,وهو فيما بني ذلك ال يدري ما ي�صنع به. يذكر يف التاريخ أ�نه وقع بني �سلمان الفار�سي وبني رجل كالم وخ�صومة ,فقال له الرجل من أ�نت يا �سلمان؟ فقال له �سلمان :أ�ما أ�ويل و أ�ولك فنطفة قذرة ,و أ�ما آ�خري و آ�خرك فجيفة منتنة ,ف�إذا كان يوم القيامة وو�ضعت املوازين ,فمن ثقل ميزانه فهو الكرمي ,ومن خف ميزانه فهو اللئيم. الن�سان حتى يكره غريه ,وهو امل�سكني ـ كما يقول ومن هو إ أ المام علي عليه ال�سالم ـ مكتوم الجل ,مكنون العلل, إ ؤ حمفوظ العمل ,ت�مله البقة ,وتقتله ال�شرقة ,وتنتنه فالن�سان الذي هذا هو حاله كيف له أ�ن يكره العرقة ,إ الن�سان مثله. إ أ الن�سان �إىل غريه عليه أ�ن ينظر �إىل نف�سه, ينظر ن � وبدل إ الن�سان على نف�سه ب�صرية, بل غريه, من بنف�سه فهو أ�عرف إ فالذي يعرف نف�سه ومن هو؟ هل يحق له أ�ن يكره غريه. ومن كره غريه فك أ�منا كره نف�سه وكره النا�س جميع ًا ,ألن من كره نف�س ًا فك أ�منا كره النا�س جميع ًا ,ومن أ�حب نف�س ًا فك أ�منا أ�حب النا�س جميع ًا ,فاهلل خلق النا�س من نف�س واحدة. ومن يكره غريه البعيد ,ف�سوف يكره الحق ًا غريه القريب, القرب أ ومن ثم أ فالقرب ,ألن الكراهية ال حدود لها وال ح�صون ,ومن يكره ف�سوف ُي ْب َت َل بالكراهية ,ومن ُي ْب َت َل بها ميكن أ�ن يكره حتى أ�قرب النا�س �إليه. ومن يكره غريه ف�سوف يكرهه آ الخرون القريب منهم والبعيد ,ألن النا�س بطبعهم ال يحبون الكراهية ,وينفرون من الذي ت�صدر منه مثل هذه الكراهية. ومن يكره غريه ف�سوف يجلب على نف�سه الكراهية ,فالذين
تكرههم �سوف يكرهونك ,ولن يبادلوك املحبة قطع ًا� ,إال الذي يدفع بالتي هي أ�ح�سن ,وه ؤ�الء هم قلة نادرة من النا�س ,ولعل هناك من يبادل الكراهية ,بكراهية أ��شد الن�سان نف�سه و أ�عنف و أ�قبح و أ�كرث ما يت�صور ,فلماذا يو�ضع إ يف مو�ضع كراهية آ الخرين ,وما هو مك�سبه من هذا الفعل, فال �شك أ�ن مك�سبه هو رد فعل آ الخرين بكراهية مثلها. الن�سان أ�ن يكرهه آ الخرون حتى يكره غريه, وهل يقبل إ آ أ أ فالذي ال يريد �ن يكرهه الخرون عليه � اّل يكره غريه.
ـ6ـ
لنتحد �ضد الكراهية الكراهية هي أ��شد بالء من أ الن�سان يف المرا�ض التي ت�صيب إ الن�سان يف نف�سه وعقله وقلبه بدنه وج�سمه ,ألنها ت�صيب إ ووجدانه و�شعوره ,ومتت�ص منه جمالية القيم ,ومكارم أ الخالق ,وتطفئ فيه �شعلة ال�ضمري ,وجذوة الروح ,وقب�س الن�ساين النور ,و�صفاء النف�س ,وجتفف فيه منابع الفي�ض إ الن�سانية ال�سيالة يف العامل الداخلي اخلالق ,و أ�نهار امل�شاعر إ للن�سان .وهذا بخالف أ الن�سان المرا�ض التي ت�صيب بدن إ إ وج�سمه ,والتي ميكن لها أ�ن ت�ساهم يف يقظة النف�س والعقل والقلب والوجدان وال�شعور. والكراهية هي أ��شد بالء من الزالزل أ والعا�صري والرباكني التي تقتلع أ ال�شجار ,وتقطع الكهرباء ,وتخرب ال�شوارع والطرقات ,وتدمر امل�ساكن واملمتلكات ,وتزهق النفو�س أ والرواح ,لكنها توحد امل�شاعر ,وتقرب القلوب ,وجتلب عون آ الخرين وعطفهم .وهذا بخالف الكراهية التي تفرق امل�شاعر ,وتباعد القلوب ,وجتلب العداوات ,ونقمة آ الخرين و�سخطهم. والكراهية هي أ��شد بالء من التلوث املنبعث من عوادم ال�سيارات والطائرات والباخرات يف الرب واجلو والبحر, ومن أ الدخنة املنبعثة من امل�صانع واملعامل ,و أ��شد بالء من االحتبا�س احلراري النا�شئ من ارتفاع ن�سبة الغازات يف اجلو ,و�إذا كان التلوث واالحتبا�س احلراري ي ؤ�ثران على املناخ اخلارجي ,وطبقة الغالف اجلوي ,وي ؤ�ديان �إىل ارتفاع احلرارة ,وي ؤ�ثران على ال�صحة العامة للنا�س ,ف�إن الكراهية تن�شر تلوث ًا أ��شد بالء ,ألنه يلوث النفو�س والقلوب والعقول وامل�شاعر والوجدان ,ويخرب ج�سور التوا�صل ,والعالقات بني النا�س ,وبني أ المم وال�شعوب. والكراهية هي أ��شد بالء من الوباء ,و أ�كرث هو ًال من احلريق, و أ�عظم تخريب ًا من ال�سيل ,و أ�خطر وبا ًال من اجلوع ,ألن الكراهية ظالم تعمي أ الب�صار والقلوب التي يف ال�صدور, الن�سان أ��سود داكن ًا ينفث العداوة والبغ�ضاء ويجعل قلب إ
بني النا�س. والكراهية هي مبثابة دخان أ��سود أ��شد �سواد ًا من الدخان املنت�شر يف الهواء ,وهي مبثابة رائحة نتنة أ��شد نتانة من الرائحة املنبعثة من امل�ستنقعات املائية ,أ�و من اجليفة امليتة ,أ�و من أ الطعمة الفا�سدة ,أ�و من الروائح الكريهة. والكراهية هي ذلك الفعل البغي�ض الذي ينبذه النا�س كافة, الثر عن الر�سول أ وجاء يف أ الكرم (�صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم) أ�نه قال ( أ�ال أ�نبئكم ب�شر النا�س؟ قالوا بلى يا ر�سول اهلل ,قال :من أ�بغ�ض النا�س و أ�بغ�ضوه). ولو كانت الكراهية �شجرة ,لكان جذرها البغ�ض ,و�ساقها احلقد ,و أ�غ�صانها احلمق ,وورقها القبح ,وثمرها العداوة واخل�صومة. ولو كانت الكراهية رج ًال لكان ر أ��سه ال�سفه ,وقلبه اجلهل, وروحه اخل�سة ,ورجاله ال�سخط ,ويداه ال�ضعة ,وعيناه الرزالة ,وفمه الكذب ,ول�سانه الفح�شاء ,و أ�ذناه ال�شماتة. ولو كانت الكراهية جب ًال لكان ح�صاه من �سوء اخللق ,ولو كانت بحر ًا لكانت قطراته من الل ؤ�م ,ولو كانت بر ًا لكان رمله من التع�صب. لقد تق�صدت ت�صوير الكراهية بهذه الطريقة التي ال تخلو من مبالغة وتهويل ,وا�ستفدت من بع�ض ت�صويرات عبد الرحمن الكواكبي وهو يتحدث عن طبائع اال�ستبداد يف كتابه الذي قدم فيه أ�عظم خطاب يف كراهية اال�ستبداد, وذلك ألننا بحاجة �إىل خطاب �صارم �ضد الكراهية ,ميقتها ويجرمها وي�شنع عليها ,ومن ميار�سها أ�و ت�صدر منه يكون منبوذ ًا ,أ ولننا بحاجة ألن يرفع اجلميع �صوته عالي ًا ومدوي ًا �ضد الكراهية هذا الفعل البغي�ض ,ولنقلها بكل لغات العامل ال�شارة والرموز كفى كراهية ,ولنتحد �ضد ولهجاته ,وبلغة إ الكراهية. الهوام�ش
1ـ �إبراهيم م�صطفى و�آخرون .املعجم الو�سيط ,القاهرة :جممع اللغة العربية� ,ص .785 2ـ را�شد املبارك .فل�سفة الكراهية ,بريوت :دار �صادر2001 ,م� ,ص .33 3ـ را�شد املبارك .امل�صدر نف�سه� ,ص .27
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
17
دراسات إسالمية
الفتوى وأهميتها في الشريعة اإلسالمية سماحة الشيخ /محمود سليمان شويات /مفتي القوات المسلحة األسبق
احلمد هلل رب العاملني ،و�صلى اهلل على �سيدنا حممد وعلى آ�له الطيبني الطاهرين ،و�صحابته الغر امليامني وبعد: فقد كلفني املنتدى العاملي للو�سطية ،جزاهم اهلل تعاىل خري اجلزاء وجعلها يف ميزان ح�سناتهم .بكتابة بحث عن ال�سالمية ،مت�ضمن ًا :حقيقة الفتوى و أ�هميتها يف ال�شريعة إ ال�سالمي، الفتوى وجماالتها ،وعظم � أش�ن الفتوى يف ال�شرع إ الفتاء و�صفاته. و�شروط من له إ وقد ا�ستعنت باهلل �سبحانه وتعاىل ،ونفذت ما طلب مني، وقد جاء البحث م�شتم ًال على املطالب التالية: املطلب أ الول :تعريفها لغة وا�صطالحا. امل�س أ�لة أ الوىل :تعريفها لغة. امل�س أ�لة الثانية :تعريفها ا�صطالح ًا. املطلب الثاين :يف أ اللفاظ ذات ال�صلة بالفتوى. أ�و ًال :الق�ضاء. ثاني ًا :االجتهاد. ال�سالمي. املطلب الثالث :عظم � أش�ن الفتوى يف ال�شرع إ الفتاء و�صفاته ،و آ�دابه. املطلب الرابع :يف �شروط من له إ امل�س أ�لة أ الفتاء و�صفاته. الوىل :يف �شروط من له إ امل�س أ�لة الثانية :يف آ�داب املفتي. املطلب أ الول تعريفها لغة وا�صطالح ًا. امل�س أ�لة أ الوىل :تعريفها لغة. الفتاء ،نقول :أ�فتى يفتي الفتوى لغة :ا�سم م�صدر مبعنى إ �إفتاء ،والفُتيا ،والفتوى ،والفُتوى ،ما أ�فتى به الفقيه. تقول :أ�فتيته� :إذا أ�جبته عن م�س أ�لته ،وبينت امل�شكل من أ الحكام ،وتقول :تفاتوا �إىل فالن :أ�ي حتاكموا �إليه، وارتفعوا �إليه يف الفتيا وتقول :أ�فتيت فالن ًا ر ؤ�يا ر آ�ها: �إذا عربتها له ،ومن هذا القبيل قوله تعاىلَ ( :يا َأ� ُّي َها المْ َ َ ُأل َأ� ْف ُتونيِ فيِ ُر ْ ؤ�يَايَ ِ�إ ْن ُك ْن ُت ْم ِل ُّلر ْ ؤ� َيا َتعْبرُ ُ ونَ ) (يو�سف.)43: واال�ستفتاء لغة :طلب اجلواب عن أ المر امل�شكل من أ الحكام ،ومن هذا القبيل قوله تعاىلَ ( :و اَل َت ْ�س َتف ِْت ِفيه ِْم ِم ْن ُه ْم أ� ََحدً ا) (الكهف )22:وقد يكون املراد :جمرد �س ؤ�ال، 18
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ا�س َت ْف ِته ِْم َأ�هُ ْم أ� ََ�ش ُّد َخ ْل ًقا َأ� ْم َم ْن َخ َل ْق َنا) ومنه قوله تعاىلَ ( :ف ْ (ال�صافات.)11: وال�س ؤ�ال هنا هو �س ؤ�ال تقرير ،قال املف�سرون ،أ�ي ا�س أ�لهم. امل�سالة الثانية :تعريفها ا�صطالح ًا. والفتوى ا�صطالح ًا هي :تبيني احلكم ال�شرعي عن دليل ملن �س أ�ل عنه ،وهذا التعريف ي�شمل أ المور الواقعة وغريها. واملفتي لغة :ا�سم فاعل ،من أ�فتى يفتي ،فمن أ�فتى مرة فهو مفت لغة ،ولكنه يطلق يف العرف ال�شرعي على معنى أ�خ�ص من ذلك. المام الزرك�شي املفتي ب أ�نه هو الفقيه ،وهو من وقد جعل إ أ�وتي ملكة يقتدر بها على ا�ستنتاج أ الحكام ال�شرعية من م�آخذها على وفق ال�شروط ال�شرعية املذكورة يف كتب العلماء للمجتهد ،وما يجتهد فيه ،ومن قامت به �صفة جاز أ�ن ي�شتق له منها ا�سم فاعل. قال ال�صرييف« :مو�ضوع هذا اال�سم ملن قام للنا�س ب أ�مر دينهم ،وعلم ُجمل عموم القر آ�ن الكرمي وخ�صو�صه ،ونا�سخه ومن�سوخه ،وكذلك يف ال�سنن واال�ستنباط ،ومل يو�ضع ملن علم م�س أ�لة حقيقتها ،فمن بلغ هذه املرتبة �سموه هذا اال�سم ،ومن ا�ستحقه أ�فتى فيما ا�ستفتي». املطلب الثاين :يف أ اللفاظ ذات ال�صلة بالفتوى. أ�و ًال :الق�ضاء. الق�ضاء :هو ف�صل القا�ضي بني اخل�صوم ،وي�سمى أ�ي�ض ًا: احلكم ،والق�ضاء له �صلة قوية بالفتوى �إال أ�ن بينهما فروق ًا هي: .1أ�نّ الفتوى �إخبار عن احلكم ال�شرعي يف الواقعة وما مياثلها ممن هو أ�هل للفتوى على ما �سي أ�تي ،والق�ضاء� :إن�شاء للحكم بني املخت�صمني ممن هو أ�هل لذلك أ�ي�ض ًا. .2أ�نّ الفتوى غري ملزمة للم�ستفتي ،وال لغريه ،بل له أ�ن ي أ�خذ بها �إن ر آ�ها �صواب ًا ،وكذلك له أ�ن يرتكها وي أ�خذ بقول مفت آ�خر ،أ�ما الق�ضاء فاحلكم فيه ملزم للطرفني. وبناء على ما تقدم� ،إذا دعي أ�حد املتخا�صمني �إىل فتاوى ً الجابة ،و�إذا دعي �إىل الق�ضاء وجبت املفتني ،مل يجرب على إ الجابة ،و أ�جرب على ذلك �إن امتنع� ،إن القا�ضي �إمنا عليه إ ن�صب لف�ض اخلالفات ،وقطع اخل�صومات و�إنهائها ،ومن هنا يتبني أ�ن الق�ضاء �إفتاء وزيادة أ�ي يفتي بالواقعة ،ويلزم بها للخ�صوم. .3ورد يف الفتاوي البزازية أ�نّ املفتي يفتي باحلكم ديانة، مبعنى يعطي حكمه ال�شرعي كما هو يف باطن أ المر ،بينما القا�ضي يق�ضي على الظاهر ،و�ضرب لذلك ابن عابدين مث ًال:
وذلك �إذ قال رجل للمفتي :قلت لزوجتي أ�نت طالق قا�صد ًا الخبار عما م�ضى ،وكان كاذب ًا يف ذلك ففي هذه احلالة إ أ يفتيه املفتي بعدم وقوع الطالق� ،ما القا�ضي فال دخل له يف النوايا هنا ،ألن اللفظ �صريح يف �إفادة الطالق ،فيحكم عليه بالوقوع. .4قال أ�بو عمرو :قال أ�بو عثمان احلداد :القا�ضي أ�ي�سر م أ�ثم ًا ،و أ�قرب �إىل ال�سالمة من الفقيه .يريد املفتي ـ ألنّ الفقيه من � أش�نه �إ�صدار ما يرد عليه من �ساعته مبا ح�ضره من القول ،والقا�ضي � أش�نه أ الناة والتثبيت ،ومن ت أ�نى تهي أ� له من ال�صواب ما ال يتهي أ� ل�صاحب البديهة. وقال غريه :املفتي أ�قرب �إىل ال�سالمة من القا�ضي ،وذلك باعتبار أ�نّ املفتي ال يلزم بفتواه ،والقا�ضي يلزم بحكمه، الرجح أ وهو أ وال�صوب العتبارات كثرية مع هذا التعليل ال جمال هنا لذكرها ،وهي معلومة عند العلماء. .5أ�نّ حكم القا�ضي جزئي خا�ص لواقعة معينة ،ال يتعدى �إىل غري املتخا�صمني ،واملفتي يفتي حكم ًا عام ًا كلي ًا أ�ن من فبناء فعل كذا ترتب عليه كذا ،ومن قال كذا ،لزمه كذا، ً ق�ضاء معين ًا على �شخ�ص معني، عليه جند أ�نّ القا�ضي يق�ضي ً فق�ضا ؤ�ه خا�ص ملزم ،وفتوى املفتي عامة غري ملزمة ،فكالهما ولكن خطره كبري. أ�جره عظيم ّ .6الق�ضاء ال يكون �إال بلفظ منطوق ،بينما الفتوى تكون وال�شارة. منطق ًا وتكون أ�ي�ض ًا بالكتابة ،والفعل إ ثاني ًا :االجتهاد. االجتهاد :هو أ�ن يبذل الفقيه و�سعه يف ا�ستنباط أ الحكام المام ال�شاطبي ال�شرعية الظنية (وهو ما ي�سميه إ بالعمليات) من أ الدلة املعتربة �شرع ًا. الفتاء الفتاء واالجتهاد هو :أ�ن إ والفرق اجلوهري بني إ �إمنا يكون فيما علم قطع ًا أ�و ظن ًا ،بينما االجتهاد ال يكون يف أ المور القطعية ،ومنها ما علم من الدين بال�ضرورة ،وكذلك الن�صو�ص قطعية الثبوت ،قطعية الداللة. واي�ض ًا :ف�إن االجتهاد يتح�صل مبجرد ا�ستباط الفقيه الفتاء �إال بتبليغ احلكم احلكم يف نف�سه ،وال تتم عملية إ لل�سائل ،والذين �شرطوا :أ�نّ املفتي ال يكون �إال جمتهد ًا، �إمنا أ�رادوا بيان أ�ن غري املجتهد ال يجوز أ�ن يتقلد من�صب الفتاء خلطورته ،وعظم � أش�نه عند اهلل تعاىل ،ولذلك ال إ يكون املفتي �إال جمتهد ًا ،ولكم بذلك مل يريدوا الت�سوية بني والفتاء من حيث املفهوم واملعنى ،فلينتبه له. االجتهاد إ الفتاء يكون يف أ�مور مما �سبق بيانه يت�ضح لنا جلي ًا أ�ن إ ال�شريعة كلها ،فيكون يف أ كالميان باهلل الحكام االعتقادية إ
والميان باليوم آ الخر �سبحانه وتعاىل ،وم�سائل النبوات ،إ مما ورد يف كتاب اهلل َّ �صح جل وعال أ�و يف �سنة امل�صطفى مما ّ الميان. عنه وكذلك تكون الفتوى يف �سائر أ�ركان إ الفتاء أ الحكام العملية من عبادات، وكذلك يدخل يف جمال إ ومعامالت وعقوبات ،و أ�نكحة وكذلك تدخل أ الحكام التكليفية كلها من واجبات وحمرمات ومندوبات ومكروهات ومباحات ،وكذلك أ الحكام الو�ضعية كلها من �سبب و�شرط الفتاء ب�صحة العبادة ،واملعاملة وغريها أ�و ومانع ،وكذلك إ الفتاء بطالنها ،وكذلك العزمية والرخ�صة فات�سعت دائرة إ �إىل أ�مور ال�شريعة كلها ،ألنها �إخبار عن حكم اهلل �سبحانه وتعاىل يف الوقائع واحلادثات ،وال ح�صر لذلك البته. املطلب الثالث ال�سالمي عظم � أش�ن الفتوى يف ال�شرع إ الفتاء منزلة �شريفة ومرتبة رفيعة ،وهي من .1أ�ن منزلة إ باب الدعوة �إىل اخلري ،أ والمر باملعروف والنهي عن املنكر، وقد رتب اهلل �سبحانه وتعاىل الفالح يف الدنيا آ والخرة على فعل ذلك قال تعاىلَ ( :و ْل َت ُك ْن ِم ْن ُك ْم ُأ� َّم ٌة َي ْد ُعونَ ِ�إلىَ وف َو َي ْن َه ْونَ َع ِن المْ ُ ْن َك ِر َو أ�ُو َل ِئ َك هُ ُم الخْ َ يرْ ِ َو َي ْأ� ُم ُرونَ ِبالمْ َ ْع ُر ِ المْ ُ ْف ِل ُحونَ )( آ�ل عمران.)104: المام ال�شاطبي رحمه اهلل تعاىل املفتي قائم ًا يف وقد جعل إ أ أ المة مقام النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ملا ورد يف الحاديث ال�شريفة :منها :قوله �( :إن العلماء ورثة أ النبياء ،و�إن أ النبياء مل يورثوا دينار ًا ،وال درهم ًا ،و�إمنا ورثوا العلم ،فمن أ�خذ به فقد أ�خذ بحظ وافر). وما رواه البخاري وم�سلم أ�ن ر�سول اهلل قال( :بينما أ�نا نائم أ�تيت بقدح من لنب ف�شربت حتى �إين ألرى الري يخرج من أ�ظفاري ،ثم أ�عطيت ف�ضلي عمر بن اخلطاب ،قالوا :فما أ�ولته يا ر�سول اهلل؟ قال :العلم) ،وقد بعث اهلل �سبحانه وتعاىل حممد ًا �صلى اهلل عليه و�سلم نذير ًا فقال: ير) (هود ،)12:و أ�مثال ذلك كثري من آ اليات ( ِ�إنمَّ َ ا َأ�نْتَ َن ِذ ٌ الكرمية أ والحاديث ال�شريفة. وكذلك ملا أ�ن املفتي نائب عن امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم يف تبليغ أ الحكام لقوله ( :ليبلغ منكم ال�شاهد الغائب). وقوله (ت�سمعون ،و ُي�سمع منكم ،و ُي�سمع ممن ي�سمع منكم). وكذلك يكون املفتي كا�شف ًا عن �شرع اهلل �سبحانه وتعاىل بت أ�مل وفكر ودقة نظر ،وا�ستنباط من الن�صو�ص ال�شرعية، لكل هذه املعاين كان نائب ًا وقائم ًا مقام ر�سول اهلل . المام ال�شاطبي رحمه اهلل تعاىل( :وعلى اجلملة يقول إ السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
19
فاملفتي خمرب عن اهلل كالنبي ،وموقع لل�شريعة على أ�فعال املكلفني بح�سب نظره كالنبي ،ونافذ أ�مره يف أ المة مبن�شور اخلالفة كالنبي ،ولذلك �سمو أ�ويل أ المر ،وقرنت طاعتهم بطاعة اهلل ور�سوله يف قوله تعاىلَ ( :يا َأ� ُّي َها ا َّل ِذينَ ول َو ُأ�وليِ ْ َأ آ� َمنُوا أ� َِطي ُعوا اللهَّ َ َو أ� َِطي ُعوا ال َّر ُ�س َ ال ْم ِر ِم ْن ُك ْم ۖ ) (الن�ساء ،)59:أ والدلة على هذا املعنى كثرية. ويقول ال�شيخ عبد اهلل دراز يف تعليقه على آ اليات والحاديث الدالة على خالفة العلماء أ أ للنبياء ما ن�صه: (القيام مقامه �صلى اهلل عليه و�سلم يكون بجملة أ�مور ،منها الوراثة يف علم ال�شريعة بوجه عام ،ومنها �إبالغها للنا�س، والنذار بها كذلك ،ومنها بذل الو�سع وتعليمها للجاهل بها ،إ يف ا�ستنباط أ الحكام يف مواطن اال�ستنباط املعروفة ،فكل مرتبة من هذه املراتب أ�على مما قبلها). . 2أ�ن اهلل �سبحانه وتعاىل أ�فتى عباده قال تعاىل: ( َو َي ْ�س َت ْف ُتو َن َك فيِ الن َِّ�ساءِ ۖ ُق ِل اهلل ُي ْف ِتي ُك ْم ِفيه َِّن) ُ (الن�ساء ،)127:وقال أ�ي�ض ًاَ ( :ي ْ�س َت ْف ُتو َن َك ُق ِل اللهَّ ُي ْف ِتي ُك ْم فيِ ا ْلكَلاَ َل ِة) (الن�ساء.)176: . 3أ�ول من قام بهذا املن�صب ال�شريف �سيد املر�سلني ،و�إمام املتقني ،وخامت النبيني عبد اهلل ور�سوله و أ�مينه على وحيه، و�سفريه بينه وبني عباده ،فكان يفتي عن اهلل حال حياته، وكان ذلك من متطلبات ر�سالته ،وقد كلفه اهلل تعاىل بذلك حيث قالَ ( :و َأ�ن َْز ْل َنا ِ�إ َل ْي َك ِّ َّا�س َما نُزِّ َل ِ�إ َل ْيه ِْم الذ ْك َر ِل ُت َبينِّ َ ِللن ِ َو َل َعلَّ ُه ْم َي َت َفك َُّرونَ ) (النحل ،)44:فقد كان �صلى اهلل عليه و�سلم ر�سو ًال نبي ًا ،ومار�س احلكم بو�صفه حاكم ًا ،وق�ضى بني اخل�صوم بو�صفه قا�ضي ًا ،و أ�فتى لهم بو�صفه مفتي ًا. واملفتي يف الواقع هو خليفة ر�سول اهلل يف أ�داء وظيفة البيان ،وقد توىل هذه الوظيفة بعده أ� �صحابه الكرام ر�ضوان اهلل تعاىل عليهم ،ثم أ� هل العلم والف�ضل من بعدهم. الفتاء هو بيان أ�حكام اهلل تعاىل ,وتنزيلها .4أ�ن مو�ضوع إ على أ�فعال العباد يف واقع أ المر ،فهي �إذن قول على اهلل �سبحانه وتعاىل ,حيث �إن املفتي يقول للم�ستفتي :واجب عليك فعل كذا ,,وحرام عليك فعل كذا ,,او يحرم عليك كذا, ويحل لك كذا ,فك أ�نه يقول :قال اهلل تعاىل يف هذه امل�سالة �إنها فر�ض ,ويف غريها �إنها حرام ,وهكذا. المام القرايف املفتي بالرتجمان عن مراد اهلل ومن هنا �شبه إ جل وعال( ,)18وجعل ابن القيم اجلوزية رحمه اهلل تعاىل املفتي مبنزلة الوزيرالذي يوقع عن امللك حيث قال�(:إذا كان من�صب التوقيع عن امللوك باملحل الذي ال ينكر ف�ضله, 20
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ال�سنيات ,فكيف وال يجهل قدره ,وهو من أ�على املراتب ّ مبن�صب التوقيع عن رب أ الر�ض وال�سماوات. المام النووي عليه رحمة اهلل املفتي موق ًعا وقد اعترب إ عن رب العاملني ,ونقل عن ابن املنكدر أ�نه قال :العامل بني اهلل وبني خلقه ,فلينظر كيف يدخل بينهم ,ونقل ذلك عن معظم العلماء و أ�رباب القلوب ,ولذلك ينبغي للمفتي أ�ن يعلم علم اليقني عمن ينوب يف فتواه ,وليوقن أ�نه م�سو ؤ�ل غد ًا, وموقوف بني يدي اهلل. التهيب من االفتاء: ملا �سبق وغريه كان ال�صحابة الكرام ر�ضوان اهلل تعاىل عليهم الفتاء ,لقوله ( أ�جر ؤ�كم على الفتيا أ�جر ؤ�كم يتهيبون من إ على النار) قال عبد الرحمن بن أ�بي ليلى :أ�دركت ع�شرين ومئة من أ الن�صار من أ��صحاب ر�سول اهلل ي�س أ�ل أ�حدهم عن امل�س أ�لة فريدها هذا �إىل هذا ,حتى ترجح �إىل أ الول ,ويف رواية ما منهم من يحدث بحديث �إال و ّد أ�ن أ�خاه كفاه �إياه, وال ي�ستفتي عن �شيء �إال ود أ�ن أ�خاه كفاه الفتيا). ولقد ورد عن ال�سلف ومن بعدهم من التوقف عن الفتيا أ�مور كثرية منها: ما ورد عن ابن عبا�س ،وابن م�سعود ر�ضي اهلل عنهما قولهم من أ�فتى عن كل ما ي�س أ�ل فهو جمنون ،وعن ال�شعبي واحل�سن و أ�بي ح�صني من كبار التابعني ،وذلك ملا ر أ�وا بع�ض النا�س يهجمون على الفتوى قالوا� :إن أ�حدكم ليفتي يف امل�س أ�لة لو وردت على عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه جلمع لها أ�هل بدر. جاء يف مقدمة املجموع ما ن�صه وعن عطاء بن ال�سائب التابعي :أ�دركت قوم ًا ي�س أ�ل أ�حدهم عن ال�شيء فيتكلم ،وهو رعد ،وعن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنه وحممد بن عجالن، ُي َ �إذا أ�غفل العامل ال أ�دري أ��صيبت مقاتلة ،وعن �سفيان ابن عيينة و�سحنون :أ�ج�سر النا�س على الفتيا أ�قلهم علم ًا. وعن ال�شافعي وقد �سئل عن م�س أ�لة فلم يجب فقيل له :فقال: حتى أ�دري أ�ن الف�ضل يف ال�سكوت أ�و يف اجلواب ،وعن أ الثرم: �سمعت أ�حمد بن حنبل يكرث أ�ن يقول ال أ�دري ،وذلك فيما عرف أ القاويل فيه ،وعن الهيثم بن جميل� ،شهدت مالك ًا �سئل عن ثمانٍ و أ�ربعني م�س أ�لة ،فقال يف اثنتني وثالثني منها :ال أ�دري ،وعن مالك أ�ي�ض ًا أ�نه رمبا كان ُي�س أ�ل عن خم�سني م�س أ�لة فال يجيب يف واحدة منها ،وكان يقول :من أ�جاب يف م�س أ�لة فينبغي قبل اجلواب أ�ن يعر�ض نف�سه على اجلنة والنار، و�سئل عن م�س أ�لة فقال ،ال أ�دري ،فقيل :هي م�س أ�لة خفيفة �سهلة فغ�ضب ،وقال :لي�س يف العلم �شيء خفيف.
وقال ال�شافعي :ما ر أ�يت أ�حد ًا جمع اهلل تعاىل فيه من آ�لة الفتيا ما جمع يف ابن عيينة ا�سكت من الفتيا. وقال أ�بو حنيفة :لوال الفرق من اهلل تعاىل أ�ن ي�ضيع العلم وعلي الوزر ،و أ�قوالهم يف هذا كثرية ما أ�فتيت ،يكون لهم املهن أ� َ معروفة ،قال ال�صيمري ،واخلطيبَ : قل من حر�ص على الفتيا ،و�سابق �إليها ،وثابر عليها �إال وقل توفيقه ،وا�ضطرب يف أ�موره ،و�إن كان كاره ًا لذلك ،غري م ؤ�ثر له ما وجد عنه مندوحة و أ�حال أ المر فيه على غريه ،كانت املعونة له من وال�صالح يف جوابه أ�غلب ،وا�ستد ًال بقوله يف اهلل أ�كرث ،إ المارة ف�إنك �إن أ�ُعطيتها احلديث ال�صحيح (ال ت�س أ�ل إ عن م�س أ�لة وكلت �إليها ،و�إن أ�ُعطيتها عن غري م�س أ�لة أ�ُعنت عليها). الفتاء بغري علم حرام ًا ،ومن أ�كرب الكبائر عند ومن هنا كان إ اهلل �سبحانه وتعاىل ،ألنه يت�ضمن الكذب على اهلل تعاىل ور�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم ،وفيه �إ�ضالل للنا�س عن هدي اهلل �سبحانه وتعاىل ،و أ� ُي �ضالل!!!. قال تعاىلُ : اح َ�ش َما َظ َه َر ِم ْن َها َو َما (قلْ ِ�إنمَّ َ ا َح َّر َم َر ِّب َي ا ْل َف َو ِ للهَّ ال ْث َم َوا ْل َبغ َْي ِب َغيرْ ِ الحْ َ قِّ َو أ� َْن ُت ْ�ش ِر ُكوا ِبا ِ َما لمَ ْ ُينَزِّ لْ َب َطنَ َو ْ ِ إ للهَّ ِب ِه ُ�سل َْطا ًنا َو أ� َْن َتقُو ُلوا َع َلى ا ِ َما اَل َت ْع َل ُمونَ ) (االعراف.)33: ويقول ر�سول اهلل �( :إن اهلل ال يقب�ض العلم انتزاع ًا ينتزعه من �صدور العلماء ،ولكن يقب�ض العلم بقب�ض العلماء ،حتى بق عامل ًا ،اتخذ النا�س ر ؤ�و�س ًا جها ًال ،ف�سئلوا ف أ�فتوا �إذا مل ُي ِ أ بغري علم ،ف�ضلوا و��ضلوا). بناء على ولذلك �إذا أ�فتى أ�حدهم بغري علم ،ففعل امل�ستفتي ً ذلك أ�مر ًا حمرم ًا ،أ�و أ�تى بالعبادة على وجه فا�سد ،كان �إثمه على من أ�فتاه� ،إن مل يكن امل�ستفتي قد ق�صر يف البحث عمن الثم عليهما جميع ًا. هو أ�هل للفتوى ،و�إال كان إ قال ( :من أ�فتي بغري علم كان �إثمه على من أ�فتاه). هذا ،وقد ابتلينا بزمان كرث فيه املفتون ،وهجم النا�س فيه على الفتوى بغري علم ،ف�ضلوا ،و أ��ضلوا كما أ�خرب امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم ،و أ�حلوا ب�سبب ذلك احلرام ،ومنه أ�نهم أ�حلوا دماء امل�سلمني ،ودماء النا�س بغري دليل ،وال عندهم فيه من اهلل برهان ،وقد �شكا ابن قيم اجلوزية رحمه اهلل وغفر له من ه ؤ�الء ،هذا يف زمانه ،فما بالك يف زماننا ،زمن الفنت، فيم ُقتل ،وال وكرثة الهرج ،وهوالقتل ،حيث ال يدري املقتول َ القاتل فيم َق َتل كما أ�خرب امل�صطفى ،واهلل امل�ستعان. قال ابن القيم اجلوزية( :وقد أ�قام اهلل �سبحانه لك عامل ورئي�س ،وفا�ضل من يظهر مماثلته ،ويرى اجلهال وهم
أ الكرثون م�ساجلته ،وم�شاكلته ،و�إنه يجري معه يف امليدان، و أ�نهما عند امل�سابقة كفر�سي رهان ،وال �سيما �إذا طول الردان ،و أ�رخى الذوائب الطويلة وراءه كذنب أ أ التان ،وهدر بالل�سان ،وخال له امليدان الطويل من الفر�سان. خز لقال النا�س( :يا لك من حمار)، فلو لب�س احلمار ثياب ٍ وهذا ال�ضرب �إمنا ي�ستفتون بال�شكل ال بالف�ضل ،وباملنا�صب ال أ بالهلية ،قد غرهم عكوف من ال علم عنده عليهم، وم�سارعة أ�جهل منهم �إليهم ،تعج منهم احلقوق �إىل اهلل تعاىل عجيج ًا ،وت�ضج منهم أ الحكام �إىل من أ�نزلها �ضجيج ًا، فمن أ�قدم باجلر أ�ة على ما لي�س له ب أ�هل من فتيا أ�و ق�ضاء أ�و تدري�س ،ا�ستحق ا�سم الذل ،ومل يحل قبول فتواه وال ال�سالم. ق�ضائه ،هذا حكم دين إ كيف يعمل املفتي؟: الفتاء عبارة عن تبيني احلكم ال�شرعي عن دليل ملن ملا كان إ �س أ�ل عنه ،ا�ستلزم ذلك أ�مور ًا عدة: أ�و ًال :كان ال بد من حت�صيل احلكم ال�شرعي للواقعة يف ذهن املفتي ،ولو ب�إجتهاد. ثاني ًا :معرفة الواقعة امل�س ؤ�ول عنها معرفة تامة ،ومعرفة ظروفها ،ومالب�ساتها ،و�سوابقها ولواحقها� ،إذ الظروف واملالب�سات لها أ�كرث كبري يف ت�شكيل علة احلكم ،كما هو مقرر ال�سالمي. عند علماء أ��صول الفقه إ وعلى املفتي أ�ن يكون يقظ ًا متنبه ًا لل�سائل وامل�س ؤ�ول عنه، بحيث يعرف ق�صد ال�سائل ،وي�ستف�صل عن امل�س أ�لة الواردة عليه من جميع جوانبها ،كما كان يفعل ر�سول اهلل . يقول ابن قيم اجلوزية رحمه اهلل تعاىل ما ن�صه( :وتارة تورد عليه امل�س أ�لة جمملة حتتها عدة أ�نواع ،فيذهب وهمه �إىل واحد منها ،ويذهل عن امل�س ؤ�ول عنه منها ،فيجيب بغري ال�صواب ،وتارة تورد امل�س أ�لة الباطلة يف دين اهلل يف قالب مزخرف ،ولفظ ح�سن ،فيتبادر �إىل ت�سويقها ،وهي من أ�بطل الباطل ،وتارة بالعك�س ،فال �إله �إال اهلل ،كم ههنا من مزلة أ�قدام ،وجمال أ�وهام. ثالث ًا :أ�ن يت أ�كد من انطباق احلكم ال�شرعي على الواقعة امل�س ؤ�ول عنها ،وذلك ب أ�ن يتحقق من وجود مناط احلكم ال�شرعي الذي حت�صل يف ذهنه ،يف الواقعة امل�س ؤ�ول عنها، حتى ي�ستطيع أ�ن ينزل احلكم عليها ،وهذا أ�مر ال بد منه لكل قا�ض ،ومفت حتى يخرج من العهدة.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
21
دراسات إسالمية
المقاصد الخمسة في الشرائع السابقة وفي شريعتنا دَ .محمد عبدو /باحث مغربي
نك�شف الغطاء عن هذه امل�س أ�لة يف مقامني ،نبني يف أ�حدهما :أ�ن ال�شرائع كافة هل هي متفقة على حفظ املقا�صد ال�ضرورية اخلم�سة أ�م ال؟ ونبني يف الثاين :أ�نها �إذا كانت مطبقة على ذلك ،فبماذا اخت�صت �شريعتنا حتى �صارت أ�ف�ضل ال�شرائع و أ�متها؟ املقام أ الول :يف أ�ن ال�شرائع كافة ،هل هي متفقة على حفظ املقا�صد الكلية اخلم�سة أ�م ال ؟ للمام الغزايل ق�صب ال�سبق يف من القواعد املهمة التي كان إ �إبرازها والتنبيه عليها؛ أ�ن ال�شرائع وامللل كافة قد أ�طبقت على حفظ ال�ضروريات اخلم�س( .)1وقد قال يف هذا املعنى ما ن�صه« :وحترمي تفويت هذه أ ال�صول اخلم�سة والزجر عنها ،ي�ستحيل أ�ن أ� ّال ت�شتمل عليه ملة من امللل ،و�شريعة من ال�شرائع التي أ�ريد بها �إ�صالح اخللق .ولذلك مل تختلف ال�شرائع يف حترمي الكفر والقتل والزنا وال�سـرقة و�شرب امل�سكر «(.) 2 وقد تكررت القاعدة نف�سها يف كتاب «�إحياء علوم الدين» حيث قال الغزايل« :فحفظ املعرفة على القلوب ،واحلياة والموال على أ البدان ،أ على أ ال�شخا�ص� ،ضروري يف مق�صود ال�شرائع كلها .وهذه ثالثة أ�مور ال يت�صور أ�ن تختلف فيها امللل ،فال يجوز أ�ن اهلل تعاىل يبعث نبيا يريد ببعثه �إ�صالح اخللق يف دينهم ودنياهم ،ثم ي أ�مرهم مبا مينعهم عن معرفته ومعرفة ر�سله ،أ�و ي أ�مرهم ب�إهالك النفو�س( ) 3و�إهالك أ الموال»( .)4 وهذه القاعدة مل أ��صادفها عند أ�حد من قبله ،و�إن وجدت لها �صدى عند من أ�تى بعده من العلماء ،كاملدقق آ المدي(،)5 والعالمة ابن احلاجب( ،)6واملحقق ال�شاطبي( ،)7وغريهم من أ العالم(.) 8 غري أ�ن الذي ي�سري �إليه كالم بع�ض أ ال�صوليني يقت�ضي �إبطالها المام الزرك�شي؛ فبعدما حكى وعدم �صحتها .من ه ؤ�الء إ القول ب أ�ن ال�شرائع مطبقة على حفظ املقا�صد اخلم�سة، 22
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
وبعد ذكره لهذه املقا�صد وو�سائل حفظها ،على نحو ما يوجد عند الغزايل يف «امل�ست�صفى»«و�شفاء الغليل»( ،)9قال ما ن�صه« :هذا ما أ�طبق عليه أ ال�صوليون؛ وهو ال يخلو من نزاع، فدعواهم �إطباق ال�شرائع على ذلك ممنوع: أ�ما من حيث اجلملة؛ أ فلنه مبني على أ�نه ما خال �شرع عن ا�ست�صالح وفيه خالف ...أ والقرب فيه الوقف. و أ�ما من حيث التف�صيل؛ ف أ�ما ما ذكروه من الق�صا�ص، فريده أ�ن الق�صا�ص �إمنا علم وجوبه يف �شريعة مو�سى عليه ال�سالم بدليل قوله تعاىل( :وكتبنا عليهم فيهما أ�ن النف�س بالنف�س) ،وذلك ال يـوافق قولهم :يلزم من عدم م�شروعية الق�صا�ص بطالن العامل. ف أ�ما ما ذكروه يف اخلمر ،فلي�س كذلك ،ف�إنها كانت مباحة ال�سالم ،ثم حرمت يف ال�سنة الثالثة بعد غزوة يف �صدر إ أ�حد .وقيل :بل كان املباح �شرب القليل الذي ال ي�سكر ،ال ما ينتهي �إىل ال�سكر املزيل للعقل؛ ف�إنه يحرم يف كل ملة ،قاله الغزايل يف «�شفاء الغليل» ،وحكاه ابن الق�شريي يف «تف�سريه» عن القفال ال�شا�شي ،ثم نازعه وقال :تواتر اخلرب حيث الباحة كانت �إىل حد بالطالق ،ومل يثبت أ�ن إ كانت مباحة إ ال يزيل العقل .وكذا قال النـووي يف «�شرح م�سلم» :ف أ�ما ما يقوله بع�ض من ال حت�صيل عنده أ�ن ال�سكر مل يـزل حمـرما فباطل ال أ��صل له»(.) 10 المام الزرك�شي. هذا ما قاله إ المام ال�شوكاين؛ ف�إنه أ�طلق �صريح املنع �إطالقا، وقد تابعه إ والجنيل فلم أ�جد فيهما �إال وزاد« :وقد ت أ�ملت التوراة إ �إباحة اخلمر مطلقا من غري تقييد بعدم ال�سكر ،بل فيهما الت�صريح مبا يتعقب اخلمر من ال�سكر و�إباحة ذلك ،فلم يتم دعوى اتفاق امللل على التحرمي ،وهكذا ت أ�ملت كتب أ�نبياء بني �إ�سرائيل فلم أ�جد فيها ما يدل على التقييد أ��صال»(.)11 وكذا قال �صاحب «فواحت الرحموت»�« :إن اخلمر كان مباحا يف أ المم ال�سابقة بل يف ابتداء هذه ال�شريعة الغراء»(.)12 المام ويتبني مما ذكره ه ؤ�الء ال�شيوخ –وخا�صة مما أ�ورده إ الزرك�شي -أ�ن الدليل الذي مت�سكوا به يف طعنهم يف دعوى اتفاق ال�شرائع على رعاية اخلم�سة املذكورة؛ اخلالف يف م�س أ�لة مراعاة ال�شرائع ال�سابقة مل�صالح العباد ،و أ�ن اخلمر كانت مباحة فيها ،و أ�ن الق�صا�ص مل يعلم ت�شريعه �إال يف �شريعة مو�سى عليه ال�سالم ،مما يقت�ضي القول معه ب أ�ن
ال�شرائع ال�سابقة مل يكن الق�صا�ص م�شروعا فيها. وقبل ال�شروع يف الرد على ما ذكروه بخ�صو�ص اخلمر والق�صا�ص ،يتعني أ�وال� ،إثبات أ ال�صل ،و�إقامة الربهان على �صحته ،وهو أ�ن رعاية م�صالح العباد أ�مر مق�صود يف ال�شرائع كلها ،والنظر أ�وال يف أ�دلة الكتاب العزيز؛ �إذ فيه آ�يات مبينات �صرحت بحقيقة هذا املقام. منها قوله تعاىل « َو َما َأ� ْر َ�س ْل َن َ اك ِ�إ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ ني » أ (النبياء.)13()107: وهذه آ الية؛ و�إن كان الذي خوطب بها هو نبينا �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم؛ �إال أ�نه �صلوات اهلل عليه مل يكن بدعا من الر�سل ،فما أ�وحي �إليه �إال كما قد أ�وحي للنَّب ّيني من قبله .وما أ�ر�سل �إال على طريقة أ ال�شارة بقوله تعاىل: الولني ،و�إليه إ وحا َوا َّل ِذي َأ� ْو َح ْي َنا ِ�إ َل ْي َك « َ�ش َر َع َل ُك ْم مِنَ الدِّ ِ ين َما َو َّ�صى ِب ِه ُن ً يموا الدِّ ينَ َو اَل َو َما َو َّ�ص ْي َنا ِب ِه ِ�إ ْب َر ِ اه َ يم َو ُم َ و�سى َو ِع َ ي�سى أ� َْن أ� َِق ُ يه » (ال�شورى.)14 ()13: َت َت َف َّر ُقوا ِف ِ اللهية ،التي اختتمت بالر�سالة و�إذن؛ ف�إن جميع الر�ساالت إ املحمدية ما هي �إال رحمة للعاملني ،وما من ر�سول؛ �إال وكانت ر�سالته من أ�جل الرحمة وبهدف ن�شر احلق والعدل بني و�سى ِ�إ َما ًما العباد ،كما يف قوله تعاىلَ « :و ِم ْن َق ْب ِل ِه ِك َت ُ اب ُم َ َو َر ْح َمة ً» (االحقاق.)15()12: وهذا أ�دل دليل على أ�ن �شريعة مو�سى عليه ال�سالم قد راعت م�صالح اخللق ،وعليها انبنت. ومنها قوله عز وجلَ « :ما َكانَ َع َلى ال َّن ِب ِّي ِم ْن َح َر ٍج ِفي َما َف َر َ �ض اللهَّ ُ َلهُ ۖ ُ�سن ََّة اللهَّ ِ فيِ ا َّل ِذينَ َخ َل ْوا ِم ْن َق ْب ُل َو َكانَ َأ� ْم ُر اللهَّ ِ َقدَ ًرا َمقْدُ و ًرا » أ (الحزاب.)16( )38: فبني اهلل تعاىل بهذه آ الية؛ أ�ن احلرج مرفوع يف ال�شرائع ال�سابقة مثلما هو مرفوع يف �شريعتنا ،ورفع احلرج فيما فر�ضه اهلل �سبحانه على عباده هو عني الرحمة والعطف وامل�صلحة ،فظهر بهذا أ�ن ال�شرائع قد راعت م�صالح العباد، و أ�نها �سنة اهلل يف أ المم اخلالية ،ولن جتد ل�سنة اهلل تبديال وال حتويال. ات َو َأ�ن َْز ْل َنا ومنها قوله تعاىلَ « :ل َق ْد َأ� ْر َ�س ْل َنا ُر ُ�س َل َنا ِبا ْل َب ِّي َن ِ اب َوالمْ َ َّا�س ِبا ْل ِق ْ�س ِط ۖ َو َأ�ن َْز ْل َنا الحْ َ ِديدَ َم َع ُه ُم ا ْل ِك َت َ ِيزانَ ِل َيقُو َم الن ُ ُ للهَّ َّا�س َو ِل َي ْع َل َم ا َم ْن َين ُْ�ص ُر ُه َو ُر ُ�س َلهُ ِف ِ يه َب أ� ٌْ�س َ�ش ِديدٌ َو َم َنا ِف ُع ِللن ِ
ِبا ْل َغ ْي ِب �إِنَّ اللهَّ َ َق ِو ٌّي َع ِز ٌ يم وحا َو ِ�إ ْب َر ِ اه َ يز * َو َل َق ْد َأ� ْر َ�س ْل َنا ُن ً ري ِم ْن ُه ْم َو َج َع ْل َنا فيِ ُذ ِّر َّي ِت ِه َما ال ُّن ُب َّو َة َوا ْل ِك َت َ اب ۖ َف ِم ْن ُه ْم ُم ْه َت ٍد ۖ َو َك ِث ٌ ي�سى ا ْب ِن َف ِ ا�س ُقونَ * ُث َّم َق َّف ْي َنا َع َلى آ� َثا ِر ِه ْم ِب ُر ُ�س ِل َنا َو َق َّف ْي َنا ِب ِع َ النجْ ِ َ وب ا َّل ِذينَ ا َّت َب ُعو ُه َر ْأ� َف ًة يل َو َج َع ْل َنا فيِ ُق ُل ِ َم ْريمَ َ َو آ� َت ْي َنا ُه ْ ِ إ َو َر ْح َم ًة » (احلديد.)17()26-25-24: وهذا أ�ي�ضا دليل جلي ،لن يدع وليجة ،وبرهان قوي ،لن يرتك خليجة؛ يف كون احلق �سبحانه قد راعى م�صالح عباده يف جميع ال�شرائع ،و أ�نزل لهم ما فيه منفعتهم وخريهم. وقوله تعاىل« :وجعلنا يف قلوب الذين اتبعوه ر أ�فة ورحمة» يف � أش�ن عي�سى عليه ال�سالم ،على غرار قوله عز وجل ،يف حق اء ُك ْم َر ُ�س ٌ ول ِم ْن نبينا امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلمَ « :ل َق ْد َج َ ني َر ُء ٌ ْفُ�س ُك ْم َع ِز ٌ ي�ص َع َل ْي ُك ْم ِبالمْ ُ ْ ؤ� ِم ِن َ وف َأ�ن ِ يز َع َل ْي ِه َما َع ِنت ُّْم َح ِر ٌ يم » (التوبة.)18 ()128: َر ِح ٌ ويف آ الية أ الوىل ت�صريح ،ويف الثانية تلويح؛ �إىل أ�ن الر أ�فة والرحمة �إمنا حت�صالن للم ؤ�منني التابعني أ للنبياء عليهم ال�سالم. ال�شارة بقول الغزايل ،مبنا�سبة آ الية و�إىل هذا املعنى إ الكرميةَ ( :و َما َأ� ْر َ�س ْل َن َ اك ِ�إ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِنيَ) (�سورة االنبياء)107: ما ن�صه« :فمن قبل �شرعه واتبع دينه و أ�طاع أ�مره ،فهو الخرة م�سعود مكرم أ�بد آ يف الدنيا مرحـوم ،ويف آ البدين برحمة رب العاملني » ( .)19 ال�شكال من جهة القر آ�ن، ف�إذا ات�ضح احلق وح�صح�ص ،وزال إ فلننظر آ الن؛ يف أ�قوال أ�هل العلم ،الذين أ�جمعوا على أ�ن مراعاة م�صالح اخللق أ�مر واقع يف ال�شرائع ال�سابقة قطعا، وحا�صل يقينا. ال�صفهاين يف «�شرح املح�صول»« :ندعي �شرعية أ قال أ الحكام مل�صالح العباد ...وندعي �إجماع أ المة ،ولو ادعى مدع �إجماع النبياء على ذلك ،مبعنى أ�نا نعلم قطعا أ�ن أ أ النبياء �صلوات اهلل عليهم بلغوا أ الحكام على وجه يظهر بها غاية الظهور مطابقتها مل�صالح العباد يف املعا�ش واملعاد.) 20( »... وهكذا ذكر الهروي أ�ن رعاية امل�صالح مل تخ�ص �شريعتنا ،بل كان معهودا يف ال�شرائع املتقدمة وعليها انبنت(.)21
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
23
اللهية وقواعدها الكلية وجريا على ما علم من ال�شرائع إ الرا�سخة أ�نها و�ضعت مل�صالح العباد؛ قرر الغزايل يف «�إحياء والجنيل والزبور والفرقان علوم الدين» أ�ن «التوراة إ و�صحف مو�سى و�إبراهيم وكل كتاب منزل ،ما أ�نزل �إال لدعوة اخللق �إىل امللك الدائم املخلد ،واملراد منهم أ�ن يكونوا ملوكا يف الدنيا ملوكا يف آ الخرة ،أ�ما ملك الدنيا فالزهد فيها والقناعة بالي�سري منها .و أ�ما ملك آ الخرة فبالقرب من اهلل تعاىل يدرك بقاء ال فناء فيه ،وعزا ال ذل فيه ،وقرة عني أ�خفيت يف هذا العامل ال تعلمها نف�س من النفو�س»( .)22 المام فخر الدين الرازي وهذا هو الذي ا�ستقر عليه ر أ�ي إ «الجماع منعقد على أ�ن ال�شرائع يف»املح�صـول» ،وعبارته :إ م�صالح ) 23( »... المام ال�شاطبي يف «املوافقات» يقت�ضيه ،ومن عباراته: وكالم إ آ « أ�ن و�ضع ال�شرائع �إمنا هو مل�صالح العباد يف العاجل والجل معا»(.) 24 القوال؛ ف�إن كتب أ و أ�كتفي بهذه الطائفة من أ الئمة الثقات، و أ�هل أ الثبات حم�شوة من هذا. وهكذا؛ وكما يظهر من أ للثبات، الدلة القر آ�نية امل�سوقة إ ومن مقاالت العلماء الثقات ،أ�ن رعاية م�صالح العباد لي�س من اخت�صا�ص �شريعتنا ،و�إمنا هي م�س أ�لة �شائعة يف ال�شرائع كلها. و�إذا كان املراد للعباد هو م�صلحتهم يف الدنيا و�سوقهم �إىل ال�سعادة أ البدية يف العقبى؛ ف�إن هذا ي�ستدعي من ال�شارع –بال بد– �سد أ�بواب الف�ساد املف�ضية �إىل تفويت دينهم ونف�سهم وعقلهم ون�سلهم ومالهم التي بها قوامهم ومعا�شهم وبها يتو�صلون �إىل النعيم املقيم. المام الغزايل هذا أ المر تبيينا بليغا ال مزيد على وقد بني إ أ ح�سنه ،وهو« :فال يجوز �ن اهلل تعاىل يبعث نبيا يريد ببعثه �إ�صالح اخللق يف دينهم ودنياهم ،ثم ي أ�مرهم مبا مينعهم عن معرفته ومعرفة ر�سله ،أ�و ي أ�مرهم ب�إهالك النفو�س و�إهالك أ الموال»(.)25 ومن هذا املنطلق؛ ف�إن الذين ينكرون �إطباق ال�شرائع على هذا أ ال�صل� ،إمنا ينكرون ما هو �ضروري وحق ،و�إن الذين يتوقفون يف احلكم فيه� ،إمنا يتوقفون يف أ�مر ظاهر ال مرية فيه. 24
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
و�إذا تقرر هذا أ ال�شكال باق من جهة ما ذكروه ال�صل؛ ف�إن إ يف الق�صا�ص واخلمر. أ� – الق�صا�ص: ف أ�ما ما ذكروه من الق�صا�ص من أ�نه �إمنا علم وجوبه يف �شريعة مو�سى عليه ال�سالم؛ بدليل قوله تعاىلَ « :و َك َت ْب َنا ْ�س » (املائدة ،)26 ()45:وذلك ْ�س ِبال َّنف ِ َع َل ْيه ِْم ِفي َها َأ�نَّ ال َّنف َ ال يوافق قول أ ال�صوليني :يلزم من عدم م�شروعية الق�صا�ص بطالن العامل ،فاجلواب عنه من جهات: النبياء يف أ �إحداها :أ�ن قوانني أ بال�ضافة الع�صار اختلفت إ �إىل التف�صيل ،ومل تختلف يف أ ال�صول والقواعد والكليات. وحفظ النفو�س ب�شرعية الق�صا�ص أ��صل كلي ،فال يت�صور اختالف �شرائع أ النبياء فيه. الثانية :أ�ن قوام ال�شرائع بالعدل ،وخلو بع�ض ال�شرائع عن ت�شريع الق�صا�ص يعني أ�نها مل تراع يف ت�شريعاتها هذا املبد أ� العظيم ،وحا�شا �شرائع أ النبياء من ذلك. الثالثة :أ�ن ما ذهب �إليه أ ال�صوليون من أ�نه يلزم من عدم م�شروعية الق�صا�ص بطالن العامل ،مذهب �صحيح ي�شهد له قول الكتاب العزيزَ « :و َل ُك ْم فيِ ا ْل ِق َ�ص ِ ا�ص َح َي ٌاة َيا ُأ�وليِ ْ َأ اب َل َعلَّ ُك ْم َت َّت ُقونَ » (البقرة ،)27()179:فالعدوان على ال ْل َب ِ النا�س يف دمائهم يف�ضي �إىل اخللل والف�ساد ،وينتق�ض العامل، مبا ين� أش� عنه من الهرج املف�ضي �إىل االنتقا�ض ،ومن أ�جل هذه املفا�سد كان يف الق�صا�ص حياة للنا�س. الرابعة :أ�نه تعاىل علل م�شروعية الق�صا�ص ب أ�ن فيه حياة للنا�س ،وهذه العلة حا�صلة يف أ المم ال�سابقة. اخلام�سة :على الرغم من أ�ن الق�صا�ص مل يعلم وجوبه �إال يف �شريعة مو�سى عليه ال�سالم؛ ف�إن هذا ال ينته�ض دليال للقول بخلو ال�شرائع ال�سابقة من الق�صا�ص؛ ألن اهلل تعاىل مل يق�ص�ص علينا أ�خبار جميع الر�سل ،بدليل قوله تعاىل: « َو ُر ُ�سلاً َق ْد َق َ�ص ْ�ص َناهُ ْم َع َل ْي َك ِم ْن َق ْب ُل َو ُر ُ�سلاً لمَ ْ َنق ُْ�ص ْ�ص ُه ْم َع َل ْي َك» (الن�ساء.)28()164: و�إذن؛ ف�إنه مل يطلعنا على جميع أ�حكام ال�شرائع املنقر�ضة، فال يبعد أ�ن يكون الق�صا�ص م�شروعا فيها. اجلهة ال�ساد�سة :ما �صرح به املحققون من هذه أ المة؛ من أ�ن
الق�صا�ص مل يزل م�شروعا يف أ المم ال�سابقة ،وح�سبك منهم القا�ضي ابن العربي؛ ف�إنه قال يف «تف�سريه»« :ومل يخل زمان آ�دم وال زمن بعده من �شرع ،و أ�هم قواعد ال�شرائع حماية الدماء من االعتداء ،وحياطته بالق�صا�ص كفا وردعا للظاملني واجلائرين ،وهذا من القواعد التي ال تخلو عنها ال�شرائع ،أ وال�صول التي ال تختلف فيها امللل»(.)29 ب – اخلمر: و أ�ما ما ذكروه يف اخلمر من أ�نه كان مباحا يف أ المم ال�سابقة بل يف ابتداء �شريعتنا ،و أ�ن التحرمي مل يقع �إال يف ال�سنة الثالثة بعد غزوة أ�حد؛ فاجلواب عنه ب أ�مور: أ�حدها :أ�ن �إباحة اخلمر مع العلم مبا ينطوي عليه من املفا�سد، يناق�ض القاعدة ال�شرعية التي انبنت عليها ال�شرائع كافة وهي جلبها للم�صالح ودر ؤ�ها للمفا�سد ،ولذا فالواجب يحتم حترمي اخلمر يف كل �شريعة ،ملا فيه من عظيم املف�سدة .وقد نبه عليه تعاىل بقوله�ِ « :إنمَّ َ ا ُي ِريدُ َّ وق َع َب ْي َن ُك ُم ال�ش ْي َطانُ أ� َْن ُي ِ للهَّ اء فيِ الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي ِ�س ِر َو َي ُ�صدَّ ُك ْم َع ْن ِذ ْك ِر ا ِ ا ْل َعدَ ا َو َة َوا ْل َبغ َْ�ض َ أ ال�صلاَ ِة ۖ َف َهلْ َ� ْن ُت ْم ُم ْن َت ُهونَ » (املائدة.)30()91: َو َع ِن َّ وقال الغزايل يبني علة حترمي اخلمر( :حرم �شرب اخلمر ألنه يزيل العقل ،وبقاء العقل مق�صود لل�شرع؛ ألنه آ�لة الفهم، وحامل أ المانة ،وحمل اخلطاب والتكليف ،فالعقل مالك أ�مور الدنيا والدين ،فبقا ؤ�ه مق�صود وتفويته مف�سدة)(.)31 وي�شاكل هذا املعنى ما ذكره أ اللو�سي« :لو مل يكن فيها �سوى �إزالة العقل واخلروج عن حد اال�ستقامة لكفى؛ ف�إنه �إذا اختل العقل ح�صلت اخلبائث ب أ��سرها»(.)32 ونظرا لهذه املفا�سد التي قد ال تقت�صر على �ضرورة العقل، بل تتعداها لت�شمل �ضرورات الدين والنف�س واملال والن�سل، فقد ر أ�ى غري واحد من أ الئمة وجوب حترمي اخلمر يف جميع والمام كالمام الغزايل يف كتابه «امل�ست�صفى»( .)33إ امللل ،إ أ ابن عبد ال�سالم الذي �صرح ب�ن املف�سدة �إذا عظمت وجب در ؤ�ها يف كل �شريعة ،وذكر من �ضمنها �إف�ساد العقول( .)34 وبه جزم القرطبي يف «تف�سريه» فقال�« :إن ال�سكر حرام يف كل �شريعة؛ ألن ال�شرائع م�صالح العباد ال مفا�سدهم .و أ��صل امل�صالح العقل ،كما أ�ن أ��صل املفا�سد ذهابه ،فيجب املنع من كل ما يذهبه أ�و ي�شو�شه»(.) 35
وبه قطع العالمة ويل اهلل الدهلوي ،وقال بعد كالم بني فيه مفا�سد اخلمر« :ولذلك اتفقت جميع امللل والنحل على قبحه»(.)36 أ المر الثاين :أ�ن ما ذكروه من أ�ن اخلمر كانت مباحة يف ابتداء �شريعتنا ف�صحيح ،لكن هذا ال يعني أ�نها يف نف�سها كانت مباحة ،أ فال�صل فيها هو التحرمي ،و�إمنا أ�بيحت ومل حترم يف بادئ أ المر ل�سر وحكمة يعرفها ذوو الك�شف والب�صائر ،وهو أ�نه �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم كان من�صرفا �إىل الدعوة �إىل عبادة اهلل تعاىل ،وهي أ�هم و أ�وىل من حفظ العقل بتحرمي امل�سكر .وذلك ان�سجاما أ�ي�ضا مع مبد�إ التدرج يف ت�شريع أ الحكام. وثم دليل آ�خر على أ�ن اخلمر يف أ��صلها مل تكن مباحة؛ وهو المام ال�شاطبي يف «املوافقات» من أ�ن مقا�صد ما نبه عليه إ ال�شريعة العامة و أ��صولها الكلية اخلم�سة ،قد ت أ��صلت يف القر آ�ن املكي ،وو�ضع لها من الت�شريعات ما يكفل لها احلفظ. وبهذا النظر فالعقل باعتباره أ��صال كليا ،قد مت حفظه مبكة بالنهي عما يف�سده� ،إن مل يكن ذلك ت�صريحا ف�إ�شارة المام ال�شاطبي يف تقرير ذلك« :و أ�ما العقل وتلميحا .قال إ فهـو و�إن مل يـرد حترمي ما يف�سده وهو اخلمر �إال باملدينة، فقد ورد يف املكيات جممال� ،إذ هو داخل يف حرمة حفظ النف�س ك�سائر أ الع�ضاء ومنافعها من ال�سمع والب�صر وغريهما، وكذلك منافعها .فالعقل حمفوظ �شرعا يف أ ال�صول املكية عما يزيله ر أ��سا ك�سائر أ الع�ضاء �ساعة أ�و حلظة ،ثم يعود ك أ�نه غطي ثم ك�شف عنه ،و أ�ي�ضا ف�إن حفظه على هذا الوجه من املكمالت)37(»... أ أ المام ال�شوكاين من �نه قد المر الثالث :يبقى مما ذكره إ والجنيل؛ فلم يجد �إال �إباحة اخلمر مطلقا ت أ�مل التوراة إ من غري تقييد بعدم ال�سكر() 38؛ فكالمه هذا غري م�سلـم من وجهني: أ�حدهما :فقدان الثقة بهذه الكتب ،لتعر�ضها للتحريف، وتغيري الكلم عن موا�ضعه كما نبه عليه الكتاب العزيز اب ِل َت ْح َ�س ُبو ُه بقولهَ « :و�إِنَّ ِم ْن ُه ْم َل َف ِري ًقا َي ْل ُوونَ َأ�ل ِْ�س َن َت ُه ْم ِبا ْل ِك َت ِ للهَّ اب َو َيقُو ُلونَ هُ َو ِم ْن ِعن ِْد ا ِ َو َما اب َو َما هُ َو مِنَ ا ْل ِك َت ِ مِنَ ا ْل ِك َت ِ للهَّ للهَّ هُ َو ِم ْن ِعن ِْد ا ِ َو َيقُو ُلونَ َع َلى ا ِ ا ْل َك ِذ َب َوهُ ْم َي ْع َل ُمونَ » اعونَ ( آ�ل عمران ،)39()78:وقولهَ « :ومِنَ ا َّل ِذينَ هَ ا ُدوا َ�س َّم ُ اعونَ ِل َق ْو ٍم آ� َخ ِرينَ لمَ ْ َي ْأ� ُت َ وك ۖ ُي َح ِّر ُفونَ ا ْل َك ِل َم ِم ْن ِل ْل َك ِذ ِب َ�س َّم ُ ا�ض ِع ِه » (املائدة.) 40()41: َب ْع ِد َم َو ِ ونظائر هذا يف القر آ�ن كثرية.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
25
وه ؤ�الء قد �ضيعوا عقيدة التوحيد ،فهم ملا �سواها أ��ضيع، المام ال�شوكاين ،مع أ�نه ول�ست أ�دري كيف غاب هذا عن ذهن إ فطن ملثل هذه أ المور. المام ال�شوكاين ومل وثانيهما :أ�ن هذا الذي حترى عنه إ الجنيل يظفر فيه بنقل ،قد وجدت النقل فيه ،فقد ورد يف إ العبارة التالية« :فقد كتبت �إليكم ب أ�ن ال تعا�شروا من ي�سمى أ�خا �إن كان زانيا أ�و طماعا أ�و عابد أ��صنام أ�و �شتاما أ�و �سكريا أ�و �سراقا»(.)41 الجنيل ،وهو ي�شتمل �إىل وهذا من بع�ض احلق املوجود يف إ جانب النهي عن ال�سكر ،النهي عما يف�سد باقي ال�ضروريات أ�ي�ضا ،مما ي ؤ�يد ما ذكرت من �إطباق ال�شرائع على حفظ أ ال�صول اخلم�سة. وجملة أ المر؛ أ�ن جميع الدالئل ت�شري �إىل أ�نه ما خال �شرع عن ا�ست�صالح ،و أ�ن كل �شريعة قد حفظت أ ال�صول اخلم�سة، فمن زعم أ�ن ال�شرائع مل تراع م�صالح العباد ،و أ�نها غري مطبقة على حفظ ال�ضروريات اخلم�س فقد أ�كرب القول. خيال وتنبيه: قال بع�ض اجلدليني�« :إن جميع الديانات حتى الالئكية وال�شيوعية واال�شرتاكية والكافرة امللحدة واملتزندقة والفا�سقة ،كل هذه الديانات حترتم ال�ضروريات وت�صونها وتعمل للمحافظة عليها ،وت�شرع لها ت�شريعات وقوانني إلر�سائها يف خمتلف املجتمعات املعتنقة لها ثم ل�صيانتها» انتهى ( .)42
وهذا حتكم من قائله؛ واعتقاد فا�سد ال بد من الت�صدي إلبطاله ،ف أ�قول وباهلل أ�هتدي� :إن ال�شرائع وامللل التي عملت على �صيانة ال�ضروريات اخلم�س ،وحر�صت على حفظ مقا�صد ال�شارع يف اخللق ،هي �شرائع أ النبياء عليهم ال�سالم. وعلماء أ المة حينما ن�صوا على أ�ن حفظ ال�ضروريات اخلم�س مل تخل منه �شريعة وال ملة؛ ف�إنهم كانوا يق�صدون بذلك اللهية وامللل الربانية. ال�شرائع إ ال�سالم الذي ن�ص وهنا أ�نوه مرة أ�خرى بفكر حجة إ يف»امل�ست�صفى» على أ�ن حترمي تفويت ال�ضروريات اخلم�س «ي�ستحيل أ� ّال ت�شتمل عليه ملة من امللل ،و�شريعة من ال�شرائع التي أ�ريد بها �إ�صالح اخللق»(.)43 26
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
المام الغزايل قد وكما يالحظ من خالل هذا الن�ص؛ ف�إن إ ا�ستعمل عبارة يف غاية الدقة ،وهي قوله« :ال�شرائع التي اللهية هي أ�ريد بها �إ�صالح اخللق»� ،إ�شارة �إىل أ�ن ال�شرائع إ التي أ�رادت �إ�صالح اخللق .وقد ت أ�ملت عبارات أ ال�صوليني، فلم أ�جد منهم من يقيد أ��صال� ،إال أ�نهم رحمهم اهلل مل يريدوا ال�سالم. �إال ما أ�راده حجة إ اللهية هي ال�شرائع الكاملة ،التي ال يلحقها فال�شرائع إ نق�ص وال ي�شوبها ق�صور ،والوافية مب�صالح اخللق كلها دينية ودنيوية� ،ضرورية وحاجية وحت�سينية ،وغريها من ال�شرائع الب�شرية ال تفي �إال ببع�ض امل�صالح ،و�إذا أ�حاطت بجهة واحدة ق�صرت يف اجلهة أ الخرى ،عالوة على ما تقوم عليه من قوانني جائرة ،فالنق�صان والق�صور �شامل جلميعها. «الحياء»« :فاجلمع ال�سالم وقال يف إ ومن هاهنا نظر حجة إ بني كمال اال�ستب�صار يف م�صالح الدنيا والدين ،ال يكاد يتي�سر �إال ملن ر�سخه اهلل لتدبري عباده يف معا�شهم ومعادهم وهم أ اللهية النبياء امل ؤ�يدون بروح القد�س ،امل�ستمدون من القوة إ التي تت�سع جلميع أ المور وال ت�ضيق عنها»(.)44 فت أ�مل هذا ما أ�ح�سنه ! أ اللهية هي التي راعت م�صالح اخللق ،جاء ولن ال�شرائع إ العالمة ابن خلدون وقال« :و أ�حكام اهلل يف خلقه وعباده �إمنا هي باخلري ومراعاة امل�صالح ،كما ت�شهد به ال�شرائع ، و أ�حكام الب�شر �إمنا هي من اجلهل وال�شيطان.)45(»... و أ�زيد على هذا ف أ�قول� :إن القول ب أ�ن ال�شرائع الو�ضعية قد حفظت ال�ضروريات اخلم�س مثلما حفظتها �شرائع أ النبياء، قدح يف هذه أ الخرية ،وهبوط بها �إىل أ��سفل �سافلني .وقد نطق الكتاب العزيز يف موا�ضع ال حت�صى كرثة ب أ�ف�ضلية ال�سالم و أ�نه احلق ،و أ�ن غريه الباطل ،وقوله تعاىلَ « :ل ْي َ�س إ َ َك ِم ْث ِل ِه �ش ْي ٌء»(ال�شورى� ،)46()11:صريح يف منع املماثلة، �سواء يف ذاته �سبحانه ،أ�و يف ت�شريعه .و أ�ي�ضا قوله عز وجل: «فَلاَ تجَ ْ َع ُلوا للِهَّ ِ َأ�نْدَ ا ًدا َو َأ� ْن ُت ْم َت ْع َل ُمونَ » (البقرة،)47()22: مينع من ذلك. فليت أ�مل هذا القائـل كتـاب اهلل قبـل �إ�صدار أ الحكامَ « ،أ�فَلاَ وب أ� َْق َفا ُل َها » (حممد.)48()24: َي َتدَ َّب ُرونَ ا ْلق ُْر آ�نَ َأ� ْم َع َلى ُق ُل ٍ ثم أ�قول أ�ي�ضا؛ من ذا الذي ينكر أ�ن ال�شرائع الب�شرية والقوانني الو�ضعية قد تعاملت بالربا و أ�قرته يف معامالتها،
وكفى بهذا �إف�سادا أ للموال ،و أ�باحت اخلمر يف جمتمعاتها ويف ذلك جناية على العقول ،و�شجعت على الزنا وفيه من الف�ساد ما قد عرفت ،وكفرت ب أ�نعم اهلل و أ��شركت به و أ�هدرت حفظ الدين.
ف أ�يـن هذا من احلفـظ؟ وعن أ�ي حفـظ يتحدثـون؟ « َو ِ�إ َّن ُه ْم َل َيقُو ُلونَ ُم ْن َك ًرا مِنَ ا ْل َق ْو ِل َو ُزو ًرا » (املجادلة.)49()2:
و�إذن؛ فقد ثبت وحتقق بالرباهني ال�سواطع ،واحلجج اللهية هي الوافية مب�صالح اخللق، القواطع ،أ�ن ال�شرائع إ ويف مقدمة هذه امل�صالح :املقا�صد اخلم�سة ،و أ�ن الق�صور �شامل لغريها من أ�حكام الب�شر .فال يو�ضعان يف ميزان واحد، وال يقرن بينهما يف كفة واحدة. و�إذا كان كذلك؛ فال جرم أ�ن ما يدعيه ذلك القائل ويدعو �إليه ،لي�س له ن�صيب من احلق؛ « َو َما َل ُه ْم ِب ِه ِم ْن ِعل ٍْم ۖ الظ َّن ۖ َو�إِنَّ َّ ِ�إ ْن َي َّت ِب ُعونَ ِ�إ اَّل َّ الظ َّن اَل ُي ْغ ِني مِنَ الحْ َ قِّ َ�ش ْي ًئا » (النجم.)50()28: املقام الثاين :يف أ�ن ال�شرائع �إذا كانت كلها انبنت على م�صالح اخللق �إذ ذاك ،فبماذا اخت�صت �شريعتنا حتى �صارت أ�ف�ضل ال�شرائع و أ�متها؟ المام بدر الدين يف «البحر املحيط» لهذه هكذا ترجم إ امل�س أ�لة.وقال يف اجلواب عنها« :قلت :بخ�صائ�ص عديدة؛ منها :ن�سبتها �إىل ر�سولها وهو أ�ف�ضل الر�سل ،ومنها :ن�سبتها �إىل كتابها وهو أ�ف�ضل الكتب ،ومنها :ا�ستجماعها ملهمات امل�صالح وتتماتها ،ولعل ال�شرائع قبلها �إمنا انبنت على املهمات( .) 51وهذه جمعت املهمات والتتمات ،ولهذا قال الخالق) و(مثل أ عليه ال�سالم( :بعثت ألمتم مكارم أ النبياء كمثل رجل بنى دارا) �إىل قوله: أ ( فكنت أ�نا تلك اللبنة) ،يريد عليه ال�سالم� ،ن اهلل عز وجل أ�جرى على يده و�صف الكمال ونكتة التمام ،ويلزم من ح�صول نكتة الكمال ح�صول ما قبلها من أ ال�صل دون العك�س»(.)52 المام بدر الدين هنا؛ ت�صديق لقوله تعاىل: وما ذكره إ اب « َو َأ�ن َْز ْل َنا ِ�إ َل ْي َك ا ْل ِك َت َ اب ِبالحْ َ قِّ ُم َ�صدِّ ًقا لمِ َا بَينْ َ َيدَ ْي ِه مِنَ ا ْل ِك َت ِ َو ُم َه ْي ِم ًنا َع َل ْي ِه » (املائدة.)53()48: الحاطة بكل �شيء وحت�صل له فلكي تتم للكتاب العزيز إ ال�شارة �إىل الهيمنة على الكتب ال�سابقة ،ال بد أ�ن يقع فيه إ
أ��صول ال�شرائع املتقدمة ،وتقريرها يف �شريعتنا .عالوة على اخت�صا�صه بف�ضائل وم�صالح اكتمل بو�ساطتها البناء الذي تعترب النبوة اخلامتة متممة له. المام وهذا الذي قاله الزرك�شي رحمه اهلل يوافقه ما قاله إ الغزايل؛ ف�إنه قال« :اعلم أ�ن مق�صود فطرة آ الدميني �إدراكهم اللهية ،ومل يكن ذلك �إال بتعريف �سعادة القرب من احل�ضرة إ أ باليجاد ،واملق�صود كمالها النبياء ،وكانت النبوة مق�صودة إ وغايتها ال أ�ولها ،و�إمنا تكمل بح�سب �سنة اهلل بالتدريج ،كما تكمل عمارة الدار بالتدريج ،لتمهد أ��صل النبوة ب�آدم عليه ال�سالم ،ومل يزل ينمو ويكمل حتى بلغ الكمال مبحمد عليه ال�سالم .وكان املق�صود كمال النبوة وغايتها ،ومتهيد أ�وائلها و�سيلة �إليها»(.)54 هذا كالم الغزايل؛ و�إمنا قلت �إنه يوافق كالم الزرك�شي ،ألن مراد أ�بي حامد مما قاله ،أ�ن اهلل تعاىل ختم أ��صل النبوة بنبوته �صلى اهلل عليه و�سلم ،وكمله بها ،وهذا يقت�ضي �إحاطة �شريعته �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم ب أ��صول النبوات ال�سابقة وم�صالح ال�شرائع املا�ضية ،كما يقت�ضي اخت�صا�صها ب أ�حكام وم�صالح زائدة حتى يكتمل أ��صل النبوة .وهذا املعنى حا�صل يف كالم الزرك�شي. ومن امل�سائل اجلوهرية التي ميكن ا�ستنباطها من خالل ن�ص أ�بي حامد :أ�ن النبوة يف أ��صلها واحدة ،و أ�نها خا�ضعة لقانون التدرج يف الت�شريع ،ذلك أ�ن كل �شريعة تكمل ال�شريعة التي �سبقتها ،وتع�ضدها ،وت�شد أ�زرها ،وجميع ال�شرائع ال�سابقة؛ �إمنا هي مقدمات وممهدات لل�شريعة اخلامتة ،حيث اكتمل ال�سالم وكلياته و أ��صوله أ��صل النبوة لتكتمل بكماله قواعد إ ومقا�صده. وهذا أ�ول ما يظهر من معاين قوله تعاىل « :ا ْل َي ْو َم َأ� ْك َملْتُ ال ْ�سلاَ َم َل ُك ْم ِدي َن ُك ْم َو أ�َتمْ َ ْمتُ َع َل ْي ُك ْم ِن ْع َم ِتي َو َر ِ�ضيتُ َل ُك ُم ْ ِ إ ِدي ًنا»(املائدة.) 55()3: ال�شارة أ�ي�ضا بقوله �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم« :مثلي و�إليه إ أ أ ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا ف�ح�سنه و أ�جمله� ،إال مو�ضع لبنة من زاوية من زواياه ،فجعل النا�س يطـوفون به ،ويعجبـون به ،ويقولـون هـال و�ضعت هذه اللبنة؟ ف أ�نا اللبنة و أ�نا خامت النبيني» (.)56
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
27
ويزيد هذه امل�س أ�لة و�ضوحا ويك�شف عنها غاية الك�شف؛ ما المام الغزايل يف كتابه «معارج القد�س» ،حيث قال أ�ورده إ يف معر�ض �شرحه حلديث « :أ�نا أ�ول أ النبياء خلقا و آ�خرهم بعثا» ما ن�صه« :كما ابتد أ� الدين وال�شريعة من آ�دم عليه ال�سالم ،وا�ستكمل نوع كمال بنوح عليه ال�سالم ،ونوع كمال ب�إبراهيم عليه ال�سالم ،ونوع كمال مبو�سى عليه ال�سالم، ونوع كمال بعي�سى عليه ال�سالم ،ونوع كمال بامل�صطفى عليه ال�سالم ،وابتد أ� العود من امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم يف دار اجلزاء»( .)57 هذا ما قاله ،وفيه دليل على أ�ن النبوة يف أ��صلها واحدة ،و أ�ن كل نبي يكمل �شريعة النبي الذي قبله .وفيه دليل أ�ي�ضا، على أ�نه �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم أ�ف�ضل أ النبياء الختتام أ��صل النبوة ببعثته ،كما نبه عليه بقوله « :أ�نا أ�ول أ النبياء خلقا و آ�خرهم بعثا» .فتكون �شريعته �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم أ�ف�ضل ال�شرائع لن�سبتها �إليه. بيد أ�نه ال ينبغي أ�ن يتبادر �إىل أ الذهان ،أ�ن ال�شرائع ال�سابقة كانت ناق�صة -باملعنى القدحي للنق�ص– ألن ال�شارع احلكيم هو الذي �شرع تلك ال�شرائع ،وهو أ�علم مب�صالح عباده ،و أ�علم مبا ي�صلحهم وينفعهم ،في�ضع لكل �شريعة م�صالح تالئمها، ولكل طائفة من أ المم املتعاقبة نوعا من املنافع ال يوافقها غريه. وهذا الكالم؛ وهو أ�نه تعاىل ي�ضع أ الحكام بح�سب كل �شريعة، ويخ�ص بع�ضها مب�صالح دون بع�ض –ي�ستثنى من هذا أ ال�صول والكليات فهي يف كل �شريعة كما تقدم– وال يعد ذلك نق�صا يف بع�ضها ،قد وجدت له �سلفا ،فقد ر أ�يت يف كتاب «الغنية يف أ المام أ�بي �صالح من�صور ال�سج�ستاين ال�صول» ت�صنيف إ املتوفى �سنة 290هـ ما ن�صه�« :إن اهلل تعاىل ملا خلق أ المم على �سري �شتى ،يجوز أ�ن يكون جواز بع�ض أ ال�شياء وحلها م�صلحة يف حق البع�ض على وجه ال يتمكن منه الف�ساد، وال يكون م�صلحة يف حق أ�مة أ�خرى فال ي�شرع ذلك يف حق بع�ضهم»(.)58 وهذا من أ��سرار اهلل تعاىل يف الت�شريع واال�ستعباد ،التي يوقف عليها أ النبياء عليهم ال�سالم ،ويطلع عليها بو�ساطتهم الرا�سخون يف العلم. بال�ضافة �إىل زمانها ومكانها، و�إذن؛ ف�إن كل �شريعة كاملة إ وكل �شريعة اخت�صت ب أ�حكام وم�صالح وحما�سن زائدة عن 28
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ال�شريعة ال�سابقة ،حتى ي�صل أ المر �إىل �شريعته �صلى اهلل عليه و آ�له و�سلم ،حيث اكتملت النبوة �شكال ومو�ضوعا ،أ��صوال وفروعا ،وا�ستجمعت مهمات امل�صالح واملحا�سن ،وا�ستكملت أ�مهات الف�ضائل واملحامد .فهي بحق؛ اخلال�صة وال�صفوة، والكمال والغاية ،و�سدرة املنتهى. الهوام�ش )1أ�عني حفظ الدين والنف�س والعقل والن�سل واملال )2امل�ست�صفى 288/1 : أ )3ال يخفى أ�ن حفظ الن�سل وحفظ العقل يدخالن دخوال �وليا يف حفظ النف�س، فاالعتداء عليهما وتفويتهما ،تفويت للنف�س. )4كتاب التوبة من ا إلحياء27/4: )5ا إلحكام يف أ��صول أالحكام 300/3: )6منتهى الو�صول182 : )7املوافقات8/2: )8ك�شهاب الدين الزجناين يف كتابه تخريج الفروع على أال�صول ،249:وابن ال�سبكي يف ا إلبهاج ، 55/3:وابن خلدون يف مقدمته288 : � )9شفاء الغليل ،161-160 :امل�ست�صفى287/1: )10البحر املحيط 210-209/5 : � )11إر�شاد الفحول 189:وهذا الكتاب �-إ�ضافة �إىل كتاب ح�صول امل أ�مول ملحمد �صديق ح�سن بهادر ،-يكاد يكون م أ�خوذا باحلرف من البحر املحيط للزرك�شي. )12فواحت الرحموت ب�شرح م�سلم الثبوت ،البن نظام الدين أالن�صاري262/2 : �)13سورة أالنبياء107 : � )14سورة ال�شورى11 : � )15سورة أالحقاف11: � )16سورة أالحزاب38 : � )17سورة احلديد 26-25-24: � )18سورة التوبة128 : )19كتاب املعارف العقلية84 : )20أ�ورد هذا الن�ص ا إلمام الزرك�شي يف «البحر املحيط «123/5 : )21املرجع ال�سابق :نف�س املكان )22كتاب ال�صرب وال�شكر من ا إلحياء10221/4 : للمام الرازي291-2-2 : )23املح�صول إ )24املوافقات لل�شاطبي 4/2: )25كتاب التوبة من ا إلحياء 27/4: � )26سورة املائدة 41 : � )27سورة البقرة 179 : � )28سورة الن�ساء 164: )29أ�حكام القر�آن البن العربي 588/2: � )30سورة املائدة 91 : � )31شفاء الغليل 146:
)32تف�سري أاللو�سي 92/2 : )33وانظر امل�ست�صفى 288/1: )34قواعد أالحكام 37/1: )35اجلامع ألحكام القر�آن 287/6 : )36حجة اهلل البالغة 4/2: )37املوافقات لل�شاطبي 34-33/3 : � )38إر�شاد الفحول لل�شوكاين 189 : �)39سورة �آل عمران 78 : � )40سورة املائدة 43 : )41ا إلجنيل :الف�صل 5رقم � 11ص 247 : � )42صاحب هذا الكالم هو أ�حمد احلبابي ،أ�ورده يف كتاب له �سماه :مناهج الفقهاء يف ا�ستنباط أالحكام 35 : )43امل�ست�صفى 288/1 : � )44شرح عجائب القلب من ا إلحياء 24/3 : )45مقدمة ابن خلدون 143 : � )46سورة ال�شورى 11 : � )47سورة البقرة 22: � )48سورة حممد 24 : � )49سورة املجادلة 2 : � )50سورة النجم 28 : )51ويف هذه العبارة دعم ملا تقرر يف املقام ال�سابق من أ�ن ال�شرائع قد أ�طبقت على حفظ أال�صول اخلم�سة ،ألن حفظ النفو�س ب�شرعية الق�صا�ص وحفظ العقول بتحرمي امل�سكر ،من املهمات. )52البحر املحيط للزرك�شي 123/5 : � )53سورة املائدة 48 : أ )54أالجوبة الغزالية يف امل�سائل الخروية 80 : � )55سورة املائدة 3 : )56احلديث أ�خرجه م�سلم )57معارج القد�س 119 : )58الغنية يف أال�صول179 :
مراجع البحث
-1ا إلبهاج يف �شرح املنهاج ،البن ال�سبكي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،طبعة أ�وىل: 1980-1404 -2أالجوبة الغزالية يف امل�سائل أالخروية ،للغزايل ،جمموعة ر�سائل ا إلمام الغزايل ( 4 ) ،دار الكتب العلمية ،بريوت 1986-1406 : -3أ�حكام القر�آن ،ألبي بكر بن العربي ،طبعة عي�سى البابي احللبي ،م�صر ،طبعة ثالثة: 1972-1387 -4ا إلحكام يف أ��صول أالحكام ،آ للمدي ،حتقيق �سيد اجلميلي ،دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية1986-1406 : � -5إحياء علوم الدين ،للغزايل ،مطبعة املكتبة الع�صرية ،بريوت1992 : � -6إر�شاد الفحول �إىل حتقيق احلق من علم أال�صول ،لل�شوكاين ،مطبعة حممد علي
�صبيح و أ�والده ،م�صر1349: -7البحر املحيط يف أ��صول الفقه ،للزرك�شي ،دار ال�صفوة الغردقة ،م�صر ،طبعة ثانية: 1992-1413 ؤ أ أ -8تخريج الفروع على ال�صول ،للزجناين ،حتقيق حممد �ديب �صالح ،م��س�سة الر�سالة، بريوت ،طبعة ثالثة1979-1399 : -9اجلامع ألحكام القر�آن ،للقرطبي ،دار الكتاب العربي ،بريوت1387 : -10حجة اهلل البالغة ،لويل اهلل الدهلوي ،طبعة دار �إحياء العلوم ،بريوت ،طبعة أ�وىل: 1990-1410 أ -11ح�صول امل�مول من علم أال�صول ،ملحمد بهادر ،مطبعة اجلوائب يف الق�سطنطينية: 1296 � -12شفاء الغليل يف بيان ال�شبه واملخيل وم�سالك التعليل ،للغزايل ،حتقيق حمد الكبي�سي ،مطبعة دار ا إلر�شاد ،بغداد1971 : أ -13روح املعاين يف تف�سري القر�آن العظيم وال�سبع املثاين ،ل�شهاب الدين اللو�سي ،طبعة املنريية ،م�صر1353 : -14فواحت الرحموت ب�شرح م�سلم الثبوت ،ملحمد أالن�صاري ،مطبوع بهام�ش امل�ست�صفى، دار العلوم احلديثة ،بريوت ،د.ت أ -15قواعد أالحكام يف م�صالح النام ،البن عبد ال�سالم ،دار املعرفة بريوت ،د.ت -16املح�صول يف علم أ��صول الفقه ،للرازي ،حتقيق حممد جابر فيا�ض العلواين، مطبوعات جامعة ا إلمام حممد بن �سعود ا إل�سالمية ،طبعة أ�وىل1981-1980 : -17امل�ست�صفى من علم أال�صول ،للغزايل ،دار العلوم احلديثة ،بريوت ،د.ت -18معارج القد�س يف مدارج معرفة النف�س ،للغزايل ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،طبعة أ�وىل1988-1409 : -19املعارف العقلية ،للغزايل ،حتقيق عبد الكرمي عثمان ،طبعة أ�وىل1963 : -20املوافقات ،ألبي �إ�سحاق ال�شاطبي ،حتقيق عبد اهلل دراز ،دار الكتب العلمية، بريوت ،طبعة أ�وىل1991-1411 : -21مقدمة ابن خلدون ،لعبد الرحمن بن خلدون ،مطبعة دار القلم ،بريوت ،طبعة رابعة1981 : -22مناهج الفقهاء يف ا�ستنباط أالحكام ،ألحمد احلبابي ،مطبعة النجاح اجلديدة، الدار البي�ضاء ،طبعة أ�وىل 1992-1413 : -23منتهى الو�صول أ والمل يف علمي أال�صول واجلدل ،البن احلاجب ،دار الكتب العلمية، بريوت ،الطبعة أالوىل1985-1405 : -24الغنية يف أال�صول ،ألبي �صالح من�صور ال�سج�ستاين ،حتقيق حممد �صدقي بن أ�حمد البورنو ،من�شورات جامعة ا إلمام حممد بن �سعود ا إل�سالمية ،طبعة أ�وىل1989-1410 :
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
29
دراسات إسالمية
العالم الموسوعي أبو محمد بن حزم األندلسي مؤسس علم األديان المقارن د.أسامة يوسف شهاب
يا جزر الوادي الكبري حيث رحل العرب وما �شا ؤ�وا الرحيل»()1
توطئة
«الحكام يف أ��صول أ الحكام كتب ابن حزم كتب ًا متعددة منها :إ وجوامع ال�سرية وخم�س ر�سائل أ�خرى .واملحلى ،وطوق والالف ،ور�سائل ابن حزم أ اللفة أ احلمامة يف أ الندل�سي، والرد على ابن النغريلة اليهودي ،وملخ�ص �إبطال القيا�س حلد والر أ�ي واال�ستح�سان ،والتقليد والتعليل ،والتقريب ّ املنطق واملدخل �إليه أ والخالق وال�سري يف مداواة النفو�س والف�صل يف امللل أ والهواء والنحل … ور�سالة التلخي�ص لوجوه التخلي�ص … وغريها كثري مما ذكره املحققون والباحثون ،وقد وقف املجتمع أ الندل�سي ُجله �ضد هذا العامل اجلليل والعلم املبرَ ّ ز ،ا�ضطهد ابن حزم و أ�حرقت كتبه و�شرد تالمذته و أ�تباعه و أ�رغم على اعتزال النا�س وم ؤ�لفاتهِّ ، واملوت يف العراء دون أ�ن يعرف بوفاته أ�حد. مل يكن ابن حزم يبغي زعامة وال قيادة وال رئا�سة ،و�إمنا توجه بعد أ�ن اكتهل واكتمل ن�ضجه نحو مطلبني جليلني، ّ و�إليهما �صرف كل همه واهتمامه ،أ�ولهما ت�صحيح التفكري، وثانيهما تقومي أ الخالق. أ�ما مقدرته العلمية و�سعة اطالعه وا�ستقالله الفكري فتلك أ�مور انعقد على �إثباتها �إجماع امل ؤ�رخني الذين تعر�ضوا لذكره يف املغرب وامل�شرق على ال�سواء .قال القا�ضي أ�بو القا�سم �صاعد أ الندل�سي« :كان ابن حزم من أ�جمع أ�هل أ ال�سالم و أ�و�سعهم معرفة مع تو�سعه الندل�س قاطبة لعلوم إ يف علم الل�سان والبالغة وال�شعر وال�سري أ والخبار »..وقال ابن حيان …« :ويا لبدائع هذا احلرب علي بن حزم وغرره! ما أ�و�ضحها على كرثة الدافنني لها والطام�سني ملحا�سنها! وعلى ذلك ،فلي�س ببدع فيما أ��ضيع منه ،ف أ�زهد النا�س يف عامل أ�هله ،وقبله أ�ردى العلماء تربيزهم على من يق�صر عنهم ،واحل�سد داء ال دواء له»(.)2 نحن أ�مام رجل عا�ش للفكر وا�ضطهد ب�سببه ،ومات حني مات 30
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
يف �سبيل الفكر� .إن رج ًال يبلغ من الت أ�ثري الفكري هذا املدى، لقمني ب أ�ن يدر�س ،و أ�ن ن�سلط ال�ضوء على حياته و أ�دبه و آ�ثاره.
حياته و�شخ�صيته:
يقول �صاعد أ الندل�سي« :كتب �إ ّ يل بخط يده أ�نه ُولِدَ بعد �صالة ال�صبح ،وقبل طلوع ال�شم�س آ�خر يوم من �شهر رم�ضان من �سنة أ�ربع وثمانني وثلثمائة ( ،)3بعد أ� ٍخ له يدعى أ�با بكر �سبقه �إىل الوجود بخم�س �سنني ،أ�ي �إنه كان قد ولد �سنة 379هـ(.)4 ت�ضاربت الروايات يف ن�سب علي بن حزم ت�ضارب ًا ي�صعب معه حتديد ما نبغي �إليه ،فذهب دوزي وجولد ت�سهري ونيكل�سون( )5و�سايرهم يف ذلك احلاجري �إذ يقول�« :إن ابن حزم خرج من أ��سرة من أ�هل �إ�سبانيا الغربية ،كانت تقيم يف لبلة ،وكانت تدين بالن�صرانية ،وظلت على ن�صرانيتها بعد ال�سالمي أ�مد ًا غري ق�صري ،حتى اعتنق حزم ،الذي الفتح إ ال�سالم يف منت�صف يحمل ا�سمه وينت�سب �إليه �صاحبنا ،إ نقدر». القرن الثالث الهجري فيما ّ وهذا �صاعد ير ّده �إىل الفر�س ويقف «ن�سبه عند يزيد الفار�سي موىل يزيد بن أ�بي �سفيان أ الموي ،وابن ح ّيان م ؤ�رخ أ الندل�س ال�شهري الذي اعتمد على تاريخه ابن ب�سام ال�شنرتيني يف كتاب الذخرية أ�ثار ال�شك يف هذا الن�سب� ،إذ قال …« :كان من غرائبه انتما ؤ�ه لفار�س واتباع أ�هل بيته له يف ذلك بعد حقبة من الدهر ،ت ّوىل فيها أ�بوه الوزير املعقّل يف زمانه ،الراجح يف ميزانه أ�حمد بن �سعيد بن حزم لبني أ�م ّية أ�ولياء نعمته ،ال عن �صحة والية لهم عليه ،فقد البوة ،مولد أ عهده النا�س خامل أ الرومة من عجم لبلة ،جده أ بال�سالم مل يتقدم ل�سلفه نباهة ،ف أ�بوه الدنى حديث عهد إ أ�حمد على احلقيقة ،هو الذي بنى بيت نف�سه يف آ�خر الدهر علي بر أ��س رابية ،وع ّمده باخلالل الفا�ضلة … حتى تخطى ّ هذا رابية (لبلة) فارتقى قلعة �إ�صطخر من أ�ر�ض فار�س، فاهلل أ�علم كيف ترقاها»(.)6 ومييل أ ال�ستاذ حممد أ�بو زهرة يف كتاب ابن حزم: حياته وع�صره آ�را ؤ�ه وفقهه �إىل أ�نه فار�سي أ ال�صل ،يف حني جند أ�ن أ ال�ستاذ عبد الكرمي خليفة يف كتابه «ابن حزم أ الندل�سي حياته و أ�دبه» يطرح ت�سا ؤ�الت كثرية تثور حول الن�ص الوحيد الذي ارتكز عليه من قال بجذور ابن حزم بال�سالم ،وهذه ت�سا ؤ�الت ال�سبانية ويقرب عهد أ��سرته إ إ ّ أ أ حب درا�سة حياة هذا املفكر � كباحث بها قتنع � مة ي َّ قّ العامل و أ�دبه ،ويعي�ش يف ظالله ،هذه اللهجة العدائية التي ّ ا�ستهل يبديها ابن ح ّيان يف أ�ثناء حديثه عن أ�بي حممد فقد
روايته بذكر غرائب ابن حزم فكان منها ن�سبه الفار�سي .. ونحن نت�ساءل عن م�صدر ابن حيان يف �إ�شارته هذه ،وعمن أ�خذ هذا الن�سب و�إن قوله من عجم (لبلة) ال تعني �شيئ ًا يف تبيان حديثه أ�كان �إ�سباين أ ال�صل أ�م فار�سيه .ورمبا دافع «وجد ُه اخل�صومة هو الذي حدا بابن حيان لكي يقول: ّ أ بال�سالم وبذلك ينق�ض قول احلميدي، الدنى حديث العهد إ تلميذ ابن حزم الوثيق الرواية ،وجده أ ال�سالم الق�صى يف إ … يزيد». ومما جتدر مالحظته أ�ن جميع امل ؤ�رخني القدامى الذين ترجموا البن حزم مل يهتموا برواية ابن حيان ،و�إن كان بع�ضهم يدرجها يف أ�ثناء روايته عن ابن ح ّيان ،فهذا ابن ب�شكوال ين�سبه فيقول« :علي بن أ�حمد بن �سعيد بن حزم بن غالب الفار�سي …»(.)7 ويذكره ياقوت قائ ًال هو« :علي بن أ�حمد بن �سعيد بن حزم بن غالب بن �صالح بن خلف بن �سفيان بن يزيد الفار�سي موىل يزيد بن أ�بي �سفيان بن حرب بن أ�مية بن عبد �شم�س القر�شي أ المام الع ّالمة يكنى أ�با حممد»(.)8 الندل�سي إ وهكذا م�ضى ابن خلكان ،و�صاحب كتاب «املغرب» ،والذهبي يف كتابه «تذكرة احلفاظ» واملقري يف «نفح الطيب» وابن العماد يف «�شذرات الذهب» وغريهم … �إىل �إثبات اجلذور ال�سالمية الرا�سخة لعائلة ابن حزم و�إظهارها .ولي�س إ هنالك ما يدعو ه ؤ�الء امل ؤ�رخني الثقات للتحيز للن�سب ال�سالم بني أ المم ال�سباين وقد �ساوى إ الفار�سي �ضد الن�سب إ جميع ًا «�إن أ�كرمكم عند اهلل أ�تقاكم» ،وهذه الروايات كلها تنتهي مب�صدر رئي�سي ثقة هو العامل الفقيه (احلميدي) تلميذ ابن حزم وقد أ�خذه عن أ��ستاذه و أ�ثبته يف كتابه جذوة املقتب�س .وهذا ابن حزم يف ق�صيدة له يقول: ُ والعنابـ�س قري�ش العلى أ�عيا�صها �سما بـي �سا�سانٌ ودارا وبعدهـم ُ فار�س خرت ٌ حرب مراتب �س ؤ�ددي وال قعدتْ بني ذرى املجد ُ فما أ� ّ
وهو �إذ يتحدث عن ن�سبه هذا ويفخر به ،ف�إنه ليتطلع �إليه ال�سالم وهدايته وهو بذلك يقرر حقيقة من خالل نور إ واقعة دون أ�ية حماولة لتكلف ن�سب مزعوم.
نواك�س �صعـد ال موا�ض فروعـهُ فهـن الدهر طالت هنالك جمدُ ٍ ِ ٍ ُ ُ أ أ واكـ�س جانب فحد مناوينا احلـدود ال ملكنا ملوك الر�ض يف كل ٍ ُ فار�س احلرب العوان فب أ��سـنا لكل مني ِع النيل يف �إذا ّ�شبت ِ ُ النا�س ُ بيوت النا ِر كـل ذخيـرة حمتها �شياطني الردى أ َ بالـ�س أ�باحوا وال ُ ال�سالم باحلق والهـدى أ�قروا لنـو ٍر ح ّولتـه أ حامـ�س ال ُ فلما أ�تى إ مـدار�س ال�سالم فيها وعطلّت ب أ��سيافهـم للم�شـركني ُ ف�سدّ ت عرى إ ()9
ولي�س هنالك ما يدعو ابن حزم لالنت�ساب يف الفر�س دون اال�سبان ،فهما جميع ًا من العجم ولي�سوا عرب ًا ،وكان أ الولون وثنيني يعبدون النار بينما كان الثانون م�سيحيني ،ومعروف أ�ن ابن حزم هاجم مهاجمة عنيفة الديانة امل�سيحية ،وكل ذلك ي ؤ�كد من بع�ض الوجوه أ�نه مل يكن يف آ�بائه م�سيحيون وال أ�نه كان م�سيحي أ ال�صل(.) 0 يجب ما قبله … وهو ال�سالم ُّ ولو كان �صاحبنا كذلك ،ف�إن إ ال�سالم، نا�سخ لكل الديانات ال�سابقة � ..إن الدين عند اهلل إ ال�سالم حتت جناحيه �سلمان الفار�سي و�صهيب ًا وقد ّ �ضم إ أ ً الرومي وبالال احلب�شي ،و�صالح الدين اليوبي ،وطارق بن زياد الرببري وغريهم كثري … وال ف�ضل لعربي على أ�عجمي �إال بالتقوى! ونرتبع يف كبد احلقيقة �إذا تركنا هذه الروايات املختلفة وقلنا�« :إنَّ ابن حزم عامل عربي أ�ندل�سي م�سلم ،أ�ما عروبته فقد أ�و�ضحها الدكتور طه ح�سني بقوله … :وقد ذكرت آ�نف ًا أ�نَّ ابن حزم عربي م�سلم … قد يقال� :إن ابن حزم مل يكن عربي ًا �صليبة ،و�إمنا أ�ردت أ�ن هذه العروبة التي تت�صل بالثقافة وال�سيا�سة والدين واللغة والن� أش�ة، وهذه اخل�صال التي هي أ�هم أ�لف مرة ومرة من اجلن�سية والعن�صرية»()11 أ حتدث فيها عن وقد �صنّف ابن حزم ر�سالة يف ف�ضل الندل�س ّ أ علمائها و أ�دبائها و�شعرائها كما تغنى يف �شعره ب�ندل�سيته تغن ال يزيد عن تغني هذه :فيا جوهر ال�صني �سحق ًا … وهو ٍ أ�ي �شاعر بوطنه. ويرى أ ال�ستاذ الدكتور خليفة أ�ن ابن حزم ينزع يف أ�ندل�سيته هذه منزع ًا ناجت ًا من فل�سفة معينة ينظر من خاللها �إىل ال�سالمي على أ��سا�س وحدته التي ال تتجز أ� ،تلك املجتمع إ الوحدة ال�سيا�سية التي مل تفارق تفكريه طوال حياته. أ�ما ر�سالته يف ف�ضل أ الندل�س فهي لي�ست أ�كرث من مناظرات كتلك التي كانت تقوم يف امل�شرق بني أ��صحاب أ الوطان املختلفة من قبل الب�صريني والكوفيني �إذ يتناظرون يف ف�ضائل بلديهما ،مع �إح�سا�سهما العميق ب أ�نهما جميع ًا من أ�مة ال�سالم. عربية واحدة طابعها إ «وقد التفت ابن حزم �إىل ق�ضية ن�سب ال�شخ�ص �إىل وطنه الذي ن� أش� فيه أ�و هاجر �إليه ،دون النظر �إىل أ��صله اجلن�سي ال�سالمية �إح�سا�س ًا منهم بن�سبته �إىل ال�شجرة العربية إ الكربى ،فقال�« :إن جميع امل ؤ�رخني من أ�ئمتنا ال�سالفني والباقني ،دون مما�شاة أ�حد ،بل قد تيقّنا �إجماعهم على ذلك ،متفقون على أ�ن ين�سبوا الرجل �إىل مكان هجرته ا�ستقر بها ومل يرحل عنها رحيل ترك ل�سكناها التي ّ أ �إىل �ن مات ،ف�إن ذكروا الكوفيني من ال�صحابة ر�ضي اهلل السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
31
تعاىل عنهم �صدروا بعلي وابن م�سعود وحذيفة ر�ضي اهلل عنهم …»(.)2 «�إن حزم ًا أ� ّدى دور ًا مرموق ًا يف تاريخ أ ال�سرة ومل يكن رج ًال مغمور ًا بطبيعة احلال ،بالقيا�س �إىل رجال الدولة يف ذلك املجتمع القرطبي ،بل كان فيما نح�سب رج ًال مذكور ًا بني النا�س ،جدير ًا بذلك أ�ن ينت�سب �إليه ويعرف به ،ويحمل ا�سمه حتى هنا أ�بنا ؤ�ه و أ�حفاده و�ساللته»( .)1 �إن حزم ًا :هو الذي غيرّ جمرى حياة أ ال�سرة فانتقل بها من (لبلة) �إىل (قرطبة) حيث عرف أ�بنا ؤ�ه و أ�حفاده فيما بعد با�سمه ،ويعتقد احلاجري أ�ن هذا االنتقال مت يف عهد حممد ابن عبد الرحمن الثاين (273-238هـ) .وقد أ�خذت أ��سرة ابن حزم مكانها البارز املمتاز يف احلياة ال�سيا�سية ،عندما المام أ�بي حممد أ�حد توىل أ�حمد بن �سعيد بن حزم-والد إ املنا�صب الوزارية يف الدولة العامرية� ،إذ ا�ستوزره حممد بن عبد اهلل ابن أ�بي عامر»(. ) 4 وال يخفى على الدار�س حلياة ابن حزم أ�ن يرى أ�ثر تكوين أ ال�سرة وما ُطبعت به مقومات �شخ�صيتها من أ�ثر بعيد يف هذا العامل ويف توجيهه الوجهة ال�سيا�سية والفكرية التي اختطها لنف�سه. ن� أش� �إذن أ�بو حممد بن حزم يف أ��سرة مرتفة ،مثقفة ،وتلقى درو�سه أ الوىل على أ�يدي الن�ساء ،وهن ع ّلمنه ،كما تلقى عن القبال على احلياة بروح أ�دبية عالية وكان أ�بوه يقول أ�بيه إ له يف و�صاياه: تكن �إذا �شئت أ�ن حتيا غني ًا فال ْ حالة �إال ر�ضيتَ بدو ِنها()51 على ٍ و�إىل جانب هذا كان حموط ًا بكثري مما يرقق احل�س ويرهف العواطف ويقوي فيه هذه الناحية الفنية ،ففي و�سط مظاهر الرتف و أ�لوان اجلمال التي كان يعبق بها اجلو حوله، تعر�ض منذ �صباه لفنون من احلب ،ثم ما يتبعه من أ�لوان ّ امل�شاعر و�صنوف اخلوالج .وهو يحدثنا يف غري مو�ضع عن تعر�ض له يف �صباه �إذ يقول مث ًال« :دعني هذا احلب الذي ّ أ�خربك أ�ين أ�حببت يف �صباي جارية يل �شقراء ال�شعر ،فما ا�ستح�سنت من ذلك الوقت �سوداء ال�شعر ،ولو أ�نه على ال�شم�س أ�و على �صورة القمر نف�سه و�إين ألجد هذا يف أ��صل تركيبي من ذلك الوقت ،ال ت ؤ�اتيني نف�سي على �سواه وال حتب غريه البتة»(.)61 ويف مو�ضع آ�خر يعر�ض لنا �صورة من هذه احلياة العاطفية التي كان يحياها يف �صباه ،وهي �صورة جيدة وا�ضحة الق�سمات ،ن�ستطيع أ�ن نتعرف بها تعرف ًا دقيق ًا مف�ص ًال هذا اللون من أ�لوان حياته قال« :و�إين ألخربك عني أ�ين أ�لفت 32
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
يف أ�يام �صباي أ�لفة املحبة جارية ن� أش�ت يف دارنا ،وكانت يف ذلك الوقت بنت �ستة ع�شر عام ًا .وكانت غاية يف ح�سن وجهها وعقلها ،وعفافها وطهارتها ،وخفرها ودماثتها، عدمية الهزل ،منيعة البذل ،بديعة الب�شر ،م�سبلة ال�سرت، فقيدة الذام ،قليلة الكالم ،مغ�ضو�ضة الب�صر� ،شديدة احلذر، العرا�ض ،مطبوعة نقية من العيوب ،دائمة القطوب حلوة إ االنقبا�ض ،مليحة ال�صدود ،رزينة القعود ،كثرية الوقار، توجه أ الراجي نحوها ،وال تقف املطامع م�ستلذة النفار؛ ال َّ معر�س أ للمل لديها ،فوجهها جالب كل القلوب، عليها وال ِّ وحالها طارد من أ�مها ،تزدان يف املنع والبخل ،ما ال يزدان غريها بال�سماحة والبذل ،موقوفة على اجلد يف أ�مرها ،غري راغبة يف اللهو ،على أ�نها كانت حت�سن العود �إح�سان ًا جيد ًا؛ فجنحت �إليها و أ�حببتها حب ًا مفرط ًا �شديد ًا ،ف�سعيت عامني أ�و نحوهما أ�ن جتيبني بكلمة ،و أ��سمع من فيها لفظة-غري ما يقع يف احلديث الظاهر �إىل كل �سامع-ب أ�بلغ ال�سعي ،فما و�صلت من ذلك �إىل �شيء البتة»(… )71 هذه �صورة من حياة ابن حزم يف ق�صر أ�بيه يف عهد �صباه، وهذا الن�ص ُيبينّ لنا تلك البيئة املق�صورة التي كان يحياها ذلك ال�صبي فيها ،م�شحونة ب أ�لوان املغريات التي ترهف احل�س وتفنت النف�س وحتفز امل�شاعر وتثري الرغبات ،ومع ذلك نرى أ�ن هذه البيئة عينها ت�سيطر عليها أ�وا�صر الدين وتعاليم أ الخالق واخللق و�ضوابط الرتفع والتعفف� ،إذ كان بيت ابن حزم من البيوت املحافظة آ والخذة ،بتقاليد الت�صون … كيف ال و�صاحبه الوزير أ�حمد بن �سعيد ..فكان رج ًال متزن ًا بعيد ًا عن اال�ستهتار واال�ستخفاف بالرغم من ذلك الرتف البالغ ،فما هو جزء من طبيعة احلياة يف مثل هذه الق�صور يف ذلك الوقت ال انفكاك له(.) 8 ولكننا نرى ابن حزم �شديد احلذر يف الدفاع عن نف�سه، و�صون ذاته عن كل ما يرميه به ُح ّ�ساده ،وما ميكن للنقاد قدمي ًا وحديث ًا من قذفه به فهو يقول« :ومع هذا يعلم اهلل، وكفى به عليم ًا ،أ�نيّ بريء ال�ساحة �سليم أ الدمي� ،صحيح جل أ الب�شرة ،نقي احلجرة ،و�إين أ�ق�سم باهلل أ� َّ الق�سام �إين ما حللت مئزري على فرج حرام قط ،وال يحا�سبني ربي بكبرية الزنا منذ عقلت �إىل يومي هذا»(.)91 لقد كان ابن حزم مغرم ًا بتعقب الن�ساء يف الق�صر ،وتتبع أ�خبارهن-كما يتحدث هو عن نف�سه-وكن هن ي أ�ن�سن �إليه وال يجدن يف أ�نف�سهن حرج ًا أ�ن يف�ضني �إليه ب أ�حاديثهن وما ت�ضطرب به قلوبهن وما يدور بينهن … يقول يف كتابه «طوق احلمامة» فلم أ�زل باحث ًا عن أ�خبارهن ،كا�شف ًا عن أ��سرارهن وكن قد أ�ن�سن مني بكتمان ،فكن يطلعنني على
غوام�ض أ�مورهن»( … )0وقد كان هذا م�سرب ًا ميخر عبابه، ولوال هذا امل�سرب ما ا�ستطاع أ�ن ي�ضع كتابه «طوق احلمامة» بذلك أ ال�سلوب اخلا�ص الذي ال يعتمد على النقل وال ي�صدر عن الرواية كما كان ال� أش�ن الغالب يف أ��شباهه من الكتب، و�إمنا ي�صدر يف معظمه عن جتاربه اخلا�صة وم�شاهداته ال�شخ�صية ،ثم ما يجري به احلديث بينه وبني الثقات من أ�هل زمانه. ناهيك عن ذلك الن�شاط الذي ير َّوح به عقله وقلبه وعواطفه اجليا�شة ،وهو ال�شعر الذي أ�خذ ي�شغل به نف�سه، ويرى فيه أ�هواءه ونوازعه وخوالج نف�سه و أ�حاديث جواه، وك أ�ن يف كتابته ال�شعر متنف�س ًا له عما يف داخله و�إ�سقاط ًا ملا ال�سالمية أ ال�صيلة يود فعله ولكن الدين والقيم والعادات إ متنعه وتردعه(.)12 بني أ�مواج الفنت وال�سيا�سة: ما كاد علي بن حزم ي�شارف �سن ال�شباب ،حتى اجتاحت أ الندل�س موجة عارمة من اال�ضطرابات والفنت ،و�إذا البالد تتنازعها قوى ثالث تتقاتل فيما بينها ،ت�ستعني كل منها ميد جميع أ الطراف املتنازعة. بالعدو الذي كان غالب ًا ما ُّ وب�إيجاز �شديد تتمثل هذه القوى ب�صورة �شاملة يف احلزب أ الندل�سي ،وال�صقالبة الذين أ� ّدوا دور ًا كبري ًا يف هذه الفنت. و�شهدت طفولة �صاحبنا ابن حزم أ�يام اخلليفة أ الموي ه�شام الثاين امللقب بامل ؤ�يد وقد حجب يف ق�صره ولي�س له من اخلالفة �سوى اللقب(.)22 وخ�صت وعا�ش ابن حزم بعد تلك الفتنة التي ع ّمت النا�س ّ أ��سرته م�شرد ًا ال يجد �إىل الطم أ�نينة �سبي ًال ،فرتك قرطبة أ�ول املحرم �سنة 404هـ �إىل «املرية» املدينة القائمة على �ساحل البحر ،وكانت آ�نذاك معروفة بوالئها للعامريني (حزب املن�صور بن أ�بي عامر) ،هذا امللج أ� كان ي�ضاهي قرطبة يف عمرانه وجماله ،ولكن اجتاهه ال�سيا�سي-مواالة أ المويني-كان يثري له املتاعب ،ويخلق حوله جو ًا من الريبة يحول دون راحة باله ،ي�سجن �صاحبنا ويطلق �سراحه بعد قليل من اعتقاله. ويذهب �إىل قرطبة حيث ي�شهد ال�صراع بني بني حمود، و�شارك يف حتري�ض ال�شعب على االنتفا�ض وعندما ا�ستتب المر للقا�سم بن حمود نفى نف�سه أ�و توارى عن أ أ النظار وظل على �صلة خفية باحلوادث ير�صدها ويوجهها �سر ًا ،حتى �إذا ا�ستقر أ المر لعبد الرحمن اخلام�س (امل�ستظهر) وزر له ومل تدم وزارة ابن حزم أ�كرث من أ��سابيع معدودة. ر أ�ى ابن حزم اخللل يف العقول والنفو�س وال بد من �إ�صالح هذه العقول وهذه النفو�س … ،حيث جرت الرياح مبا ال
ت�شتهي �سفن ابن حزم يف ال�سيا�سة ،وراح يتنقل هذه املرة ال خدمة لهدف �سيا�سي ،و�إن ّ ظل يمُ نّي النف�س بعوده ال�سلطة أ الموية وحتولت تنقالته �إىل الدر�س والتح�صيل وخمالطة علماء الع�صر وفقهائه ومفكريه و أ�دبائه و�شعرائه-وما أ�كرثهم -وكان قد بد أ� درو�سه هذه يف قرطبة قبل الت�شرد والتغريب ،وعني أ�كرث ما ُعني بال�شعر ،ثم أ بالحاديث النبوية والتف�سري … ،نظم آ�الف أ البيات ومئات الق�صائد وع�شرات املقطعات وكلها يف اخلواطر احلكمية والغزلية، ثم انتقل �إىل الكتابة النرثية ،حتى �إذا ا�ستقرت به النوى يف �شاطبة ،بعد رحلة قام بها �إىل القريوان ،و�ضع هناك �سفره ال�شهري عن احلب وفل�سفته «طوق احلمامة يف أ اللفة أ والالف»(.)23 أ�يقن ابن حزم أ�ن القوة التي كانت توجه ال�سيا�سة أ الندل�سية لع�صر بني أ�مية زالت �إىل غري رجعة فتوىل أ��سف ًا يقول: ثياب امل�ست�ضا ِم لب�س جعلت الي أ� َ�س يل ح�صن ًا ودرع ًا َ فلم أ� ْ ي�سري �صانني دونَ أ النـا ِم النا�س عندي و أ�كرث من جمي ِع ِ فل�ستُ ملا توىل ذا اهتما ِم �صح يل ديني وعر�ضي �إذا ما َّ توىل أ ففيـم ذا اغتنـا ِم()42 م�س والغد ل�ستُ أ�دري أ� أ�دركه َ ال َ
ان�سحب ابن حزم من هذا الكفاح ال�سيا�سي ومل يجد زاده فيه، و ان�صرف للعلم والدين كما أ�و�ضحت آ�نف ًا ،و�ص ّور الذهبي هذه املرحلة من حياته فقال« :ثم نبذ الوزارة و أ�قبل على العلم ال�سالم وبرع يف املنطق ثم أ�عر�ض عنه و أ�قبل على علوم إ فنال ما مل ينله أ�حد»()52 مل يكن ي�سعى للوزارة طلب ًا ملجد دنيوي ،و�إمنا كان ي�سعى �إليها يف كل مرة من أ�جل حتقيق فكرته يف املحافظة على وحدة أ المة ولعل هذا ما جعل الفتح بن خاقان يقول: «نبذ الدنيا وقد ق�صدت له ب أ�فنت حميا ،و أ�هدت �إليه أ�عبق عرف وريا وخلع الوزارة وقد ك�سته بالها ،و أ�لب�سته حالها، وجد يف اقتناء نخبه وله ت�آليف كثرية وجترد للعلم وطلبهّ ، وت�صانيف أ�ثرية …»(.)62 وكان ابن حزم طيلة حياته ،ويف خمتلف الظروف أ والحوال يعي�ش فل�سفة خا�صة به كانت تكمن وراء مواقفه يف احلياة. انظر �إليه وهو يقول« :ال تبذل نف�سك �إال فيما هو أ�على منها .ولي�س ذلك �إال يف ذات اهلل عز وجل ،ويف دعاء �إىل حق ،ويف حماية احلرمي ،ويف دفع هوان مل يوجبه عليك خالقك تعاىل ،ويف ن�صر مظلوم ،وباذل نف�سه يف عر�ض دنيا، كبائع الياقوت باحل�صا»(.)27 آ أ ومع هذا كله ظل ابن حزم «يزيد يف �شن�نه وت�شيعه لمراء بني أ�مية ،ما�ضيهم وباقيهم بامل�شرق أ والندل�س ،واعتقاده السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
33
ب�صحة �إمامتهم ،وانحرافه عمن �سواهم من قري�ش حتى ن�سب �إىل الن�سب لغريهم»(.)28 المامة فر�ض الزم ،و أ�ن أ ال�سالمية واجب المة إ وهو يقرر أ�ن إ عليها االنقياد إلمام عادل يقيم فيهم أ�حكام اهلل وي�سو�سهم ب أ�حكام ال�شريعة التي أ�تى بها ر�سول اهلل(.)29 ومن املهم أ�ن نعرف أ�نّ ابن حزم �شغف بالعلم منذ �صباه و أ�نَّ كوارث احلياة ال�سيا�سية مل تعقه عن متابعة التح�صيل والدرا�سة والرتدد على حلقات العلماء ،وقد أ�كب منذ عودته �إىل قرطبة يف املرة الثانية على مناهل العلم أ والدب(.)30 وهذا ابن حزم نراه بعد مدة يف (بلن�سية) يح�ضر حلقات الفقهاء ،ويحدثنا عنه (عمر بن واجب) يقول« :و�إذا ب أ�بي حممد بن حزم ي�سمعنا ويتعجب ثم ي�س أ�ل احلا�ضرين عن �شيء من الفقه جووب عليه فاعرت�ض فيه ،فقال له بع�ض احل�ضار :هذا العلم لي�س من متمثالتك ،فقام وقعد ودخل منزله فعكف ووكف منه ٌ وابل فما ّ كف ،وما كان بعد أ��شهر قريبة حتى ق�صدنا �إىل ذلك املو�ضع فناظر أ�ح�سن مناظرة قال فيها :أ�نا أ�تبع احلق و أ�جتهد وال أ�تقيد مبذهب»( .)3 وعلى أ مر ب�إ�شبيلية قبل أ�ن يق�صد الغلب أ�ن ابن حزم قد ّ الطواد( )3ويذكر أ بلن�سية وبها املظفر أ�حد أ ال�ستاذ احلاجري رواية تدلل على ما ذهب �إليه نقلها عن املقري حيث أ�ننا ال نطعن يف رواية املقري مع أ�ن هذا الن�ص غري موجود يف بع�ض ن�سخ الطوق« .وغادر ابن حزم ا�شبيلية �إىل بادية لبلة موطن أ�جداده حيث توجد �ضيعته التي ورثها عن آ�بائه»(.) 3 كان ال يخ�شى يف اهلل لومة الئم ..يناظر الفقهاء ،ويجادل أ�هل الديانات أ الخرى ،و ُي ّ�سفه أ�حالم كثري من العلماء وكانت حجته يف هذا كله أ�نه «ال �سر يف الدين عند أ�حد ،قال اهلل عزوجل�( :إنّ الذين يكتمون ما أ�نزلنا من البينّات والهدى، من بعد ما بينّاه للنا�س يف الكتاب ،أ�ولئك يلعنهم اهلل، ويلعنهم الالعنون؛ �إال الذين تابوا و أ��صلحوا وبينوا) وقال تعاىل( :لتب ِّي ُن ًنه للنا�س وال تكتمونه)( .)3 كان �صاحبنا يف أ�ول منزلة غني ًا باملعنى املادي للغنى� ،صلب ًا يف ا�ستقالله الفكري ،وحترره املعنوي ،ال يرى م�سوغ ًا يحب لطاعة أ�حد �سوى نف�سه يف ر أ�ي ،جدلي ًا من طراز غريب ُّ النداد ،كلُّ هذه أ أ�ن يقارع أ المور جعلته بغي�ض ًا �إىل غريه من العلماء .مثري ًا للنقمة على �شخ�صه ،موغر ًا لل�صدور ..كلهم يح�سدونه! أ�ُحرقت كتبه ولكنه مل يهن أ�و ينزل عن �صرامته ،وقد و�ضع بعد هذه احلادثة بع�ض الكتب منها كتابه أ «الخالق وال�سري يف مداواة النفو�س» وهو عبارة عن خواطر وذكريات تظللها الك�آبة وي�سيطر عليها الت�شا ؤ�م ،على أ�ن ابن حزم مل 34
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
يكن يف أ�واخر أ�يامه «وحيد ًا»� ،إذ كان قد تزوج ورزق عدد ًا من أ الوالد ،عرف منهم ابنه الف�ضل أ�بو رافع الذي أ��صبح وزير ًا من بعد ألبي القا�سم بن عباد املعتمد ،وكان من أ�خل�ص املخل�صني أللد أ�عداء أ�بيه .و أ�بو �سليمان امل�صعب ،و أ�بو أ��سامة يعقوب وه ؤ�الء الثالثة عملوا على ن�شر أ�فكار أ�بيهم، والرتويج لها(.)35
وفاتـــه:
عا�ش ابن حزم حياة زاخرة باملحن وامل�صائب فما هادنها وال هادنته ،حتداها يف خمتلف الظروف بال�سيف أ�و ًال، كما ر أ�يناه على أ�بواب غرناطة ،وبالقلم والفكر بعد ذلك. وا�ستمر يف ن�ضاله الفكري مدة أ�كرث من أ�ربعني عام ًا ،كرهه أ فتمالوا على بغ�ضه ورمبا كان ل�سالطة ل�سانه فقهاء ع�صره، أ�ثر يف ذلك� ،إذ أ��صبح م�ضرب املثل فيقال «نعوذ باهلل من �سيف احلجاج ول�سان ابن حزم ولعل كلم الل�سان أ�قوى من كلم ال�سنان! (.)36 آ ويف الثامن والع�شرين من �شعبان �سنة 456هـ (�15ب 1064م) ق�ضى نحبه ،عن اثنتني و�سبعني �سنة ،وانتهى من هموم الدنيا تارك ًا من آ�ثاره و�سريته ه ّم ًا لغريه من الباحثني قرر يف بع�ض كتبه «… واعلم أ�نك والدار�سني ،وكان قد ّ أ ال تورث العلم �إال من يك�سبك احل�سنات و�نت ميت ،والذكر الطيب و أ�نت رميم»( ..)37رحمه اهلل.
آ�ثاره و أ�هم م�صنفاته:
لن أ��ستطيع أ�ن أ�در�س أ�و أ�حلل أ�ي كتاب من كتبه يف هذه العجالة ال�سريعة ،وكل كتاب ي�ستحق الدرا�سة والتحليل، ولكنني �س أ�مر مرور ًا على بع�ض م ؤ�لفات �صاحبنا. هذا �صاعد بن أ�حمد اجلياين عن ابنه رافع يقول�« :إن مبلغ تواليفه يف الفقه واحلديث أ وال�صول والنحل وامللل وغري ذلك من التاريخ والن�سب وكتب أ الدب ،والرد على املعار�ض نحو أ�ربعمائة جملد ت�شتمل على قريب من ثمانني أ�لف ورقة»(.)38 ويعلق �صاعد على رواية الف�ضل فيقول« :وهذا �شيء ما ال�سالم قبله� ،إال ألبي جعفر علمناه ألحد من كان يف دولة إ حممد ابن جرير الطربي( )39وقد ن�شر عدد من م ؤ�لفاته، وال يزال ق�سم كبري منها مطوي ًا ،مل تهتد �إليه أ�يدي املحققني … كتب ما زالت �صفراء علتها غربة فهل من متبرّ ع لها؟! ومن أ�هم آ�ثاره العلمية: � -1إبطال القيا�س والر أ�ي واال�ستح�سان والتقليد. الجماع وم�سائله على أ�بواب الفقه. -2إ أ أ الحكام يف ��صول الحكام. -3إ
-4أ الخالق وال�سري يف مداواة النفو�س. المامة وال�سيا�سة يف ق�سم �سري اخللفاء ومراتبها، -5إ والندب والواجب منها. المامة واملفا�ضلة. -6إ -7حجة الوداع. أ -8الف�صل يف امللل والهواء والنحل. آ -9القراءات امل�شهورة يف أ الم�صار ،التية ،جميء التواتر. ولعل من املفيد أ�ن نقف عند كتاب ابن حزم يف تاريخ أ ال�سبانية، الديان امل�سمى با�سم «الف�صل» وقد ترجم �إىل إ واحتل مكانة كبرية عند أ الوروبيني �إذ لقبوا م ؤ�لفه بلقب م ؤ��س�س علم أ الديان املقارن ،وهو ال يتناول فيه نحلة �إال عرف دقائقها ،وحاور فيه ك أ�ح�سن ما يحاور فيل�سوف ،وقد جادل جدا ًال ا�ست أ�ثر بكل ما فيه من ذكاء وعمق .وهو ال يبارى يف نقد تلك أ الديان ،وكذلك ال� أش�ن يف نقد الفرق ال�سالمية :املعتزلة واخلوارج ،وال�شيعة واملرجئة ،ونراه إ أ أ يخ�ص�ص معظم اجلز�ين الول والثاين من كتابه «الف�صل» ملناق�شة أ�قوال الفال�سفة ،والبحث بطريقته اجلدلية يف مادة التوراة واالجنيل ،لكي يظهر ما فيها من تناق�ضات وحتريف وتبديل ،و أ�نها غري الذي أ�نزل اهلل عز وجل(.)40 وهو يعتمد يف ذلك على مبد أ�ين اتخذهما أ��سا�س ًا يف كل بحث، وقاعدة يف كل جدال ،وهما الن�ص والعقل ،ونلمح مو�ضوعية ابن حزم يف عر�ضه لهذه الق�ضايا وذلك بعر�ض وجهة نظر خ�صمه بن�صها ولفظها .وعلى هذا النحو يناق�ش ابن حزم الن�ص فيقلب أ�لفاظه وينفذ �إىل معانيه ،ويف نف�س الوقت يحتكم �إىل بديهة العقل. أ لقد بد أ� �صاحبنا قراءة التوراة والكتب الدينية الخرى يف �سن مبكرة ،ويبدو أ�ن كتاب (الف�صل) كما تدل عليه ت�سميته هو جمموعة من الر�سائل كتبها ابن حزم يف أ�وقات خمتلفة، وال ي�ستطيع امل ؤ�لف كتابة مثل هذا الكتاب قبل أ�ن يطلع اطالع ًا وا�سع ًا على كثري من امل�صادر الدينية والتاريخية والفل�سفية ،وابن حزم نف�سه يحدثنا عن ذلك فيقول« :وقد �شاهدنا النا�س ،وبلغتنا أ�خبار أ�هل البالد البعيدة وكرث بحثنا عما غاب عنا منها ،وو�صلت �إلينا التواريخ الكثرية املجموعة يف أ�خبار من �سلف من عرب وعجم يف كثري من أ المم»( .)4 وخال�صة القول أ�ن كتاب الف�صل جمموعة ر�سائل كتبها ابن حزم ،وكل ر�سالة يف جملتها بحث قائم بذاته ،كما يت�ضح مث ًال من «ر�سالة املفا�ضلة بني ال�صحابة»( …)4لع ّله ر أ�ى أ�ن يجمعها يف �سفر واحد و أ�عطاها ذلك اال�سم حتى يدل القارئ على أ�نها كانت مفرقة تعميم ًا للفائدة وحفظ ًا لها من ال�ضياع(.)43
الر�سائل:
والبن حزم جمموعة ر�سائل ،عالج يف كل واحدة منها مو�ضوع ًا م�ستق ًال وهي مو�ضوعات تتناول جميع أ�لوان املعرفة ،فمنها ما والدب أ يبحث يف الفقه أ والخالق والفل�سفة ،ومنها ما يبحث يف أ�خالق النف�س أ والمامة وال�سيا�سة ،واملنطق وال�صول ،إ والجماع والتاريخ �إىل غري ذلك. ال�سالمية إ والفرق إ �إن جمموعة ر�سائل ابن حزم تعالج مو�ضوعات أ��سا�سية الن�ساين، تهدف �إىل تقدم املعرفة ،وخدمة املجتمع إ وتطمني ال�سعادة الدائمة للفرد يف دنياه و آ�خرته ،وبعبارة أ�خرى كان ابن حزم ميثل ثورة فكرية انبثقت من املجتمع أ ال�سالمي تهدف �إىل �إ�صالح الف�ساد ومداواة الندل�سي إ النفو�س ،وتقومي الت�شريع بالرجوع �إىل منابعه أ ال�صيلة يف القر آ�ن واحلديث ،وهو ميثل ثورة فكرية يف عامل الفل�سفة، ثورة علمية يف عامل تقدم املعرفة ،وميثل ثورة تعليمية تت�صل بالتعليم واملراحل الثقافية التي يجب أ�ن مير بها املواطن أ الندل�سي يف عرف ابن حزم ،وهو كذلك ميثل ثورة يف عامل أ الدب والنقد املو�ضوعي احلر ال النقد ألجل النقد! وما أ�حوجنا آ الن �إىل علماء مثل ابن حزم … وفكر ابن حزم!! (.)44 هو عامل ومفكر وفقيه و�إمام … وكذلك هو نحوي ،فقد أ�ثار يف كتابه «التقريب» عدة ق�ضايا نحوية ،وله ملحظ لطيف يف ق�ضية «العامل» يف النحو ،وما تركه هذا الر أ�ي من أ�ثر فيما بعد( .)45وقد ت أ�ثر ابن م�ضاء �إىل أ�بعد احلدود بنظرية ابن حزم يف النحو ،وب�صورة خا�صة بنظريته يف العلة واملعلول. وله ر�سالة الرد على ابن النغريلة اليهودي :وهي متثل جانب ًا من ال�صراع العقائدي وما داخله من عوامل اال�ضمحالل التي وال�سالمي يف أ الندل�س قاطبة ،أ�ما باتت تهدد الوجود العربي إ أ الن�سانية، فكر يف �نواع املعرفة إ ر�سالته مراتب العلوم :فقد ّ من خالل وحدتها املتكاملة ،ودائم ًا ف�إن الفكرة الدينية الطار العام لنتاج تفكريه وفل�سفته. ال�سالمية هي إ إ أ �إن ر�سالته هذه تتميز مبا ن�ستطيع �ن ن�سميه بوادر نظرية علم االجتماع التي اكت�شفها ابن خلدون و أ�طلق على هذا العلم (علم العمران) وبذا يكون ابن خلدون قد �سبق ( أ�وج�ست كونت) يف هذا املجال -وهذا من ف�ضلة القول � -إذ نرى ابن حزم ي ؤ�كد فكرة التعاون يف عالقات النا�س بع�ضهم ببع�ض وما يقومون به من خدمات اجتماعية ،يقول :وليكن النا�س فيها يف تعاونهم على �إقامة الواجب من ذلك عليهم كاملجتمعني إلقامة منزل ،ف�إنه ال بد من بناء و أ�جراء ينقلون احلجر وينقلون الطني ،ومن �صناع القرمد وقطاعي اخل�شب و�صناعي أ البواب وامل�سامري حتى يتم البناء …(.)46 السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
35
وله ر�سالة يف ف�ضل أ الندل�س وذكر رجالها … تدل مقدمتها على أ�ن أ�با حممد خاطب بها أ�با بكر بن �إ�سحق �صديقه احلميم ،و أ�نه كتبها أ�ي�ض ًا بطلب من حممد بن عبد اهلل الفهري عن الدولة رئي�س قلعة (البونت) من أ�عمال بلن�سية. وهذه «ر�سالة يف مداواة النفو�س وتهذيب أ الخالق والزهد يف الرذائل» و أ�نا أ�تفق مع من ذهب �إىل أ�ن ابن حزم كتب هذه الر�سالة يف أ�خريات حياته ،فهي ثمرة �سني ن�ضجه وخال�صة جتاربة القا�سية ،وقد كتبها ب أ��سلوب هادئ عميق بعيد عما أ�لفناه يف جداله العنيف ولهجته الثائرة م�ضمن ًا �إياها نتائج درا�ساته الفل�سفية العميقة ومالحظته ل� ؤ ش�ون النا�س و أ�خالقهم من أ�جل غايات تعليمية وا�ضحة ن�ص عليها يف مقدمته()47 اللفة أ «طوق احلمامة يف أ والالف». كنت قد أ��شرت �إىل هذا الكتاب آ�نف ًا و أ�ف�صحت فيه القول، حيث يعد من أ�وائل ت�صانيف ابن حزم� ،صنّفه يف �شاطبة، والت�صنيف يف مو�ضوع احلب الذي طرقه أ�بو حممد يف هذا الكتاب قدمي يف أ الدب العربي ،فقد كتب اجلاحظ ر�سالة يف «الع�شق والن�ساء» وعر�ض له كتاب «ر�سائل اخوان ال�صفا»، وكتاب «الزهرة» ألبي بكر حممد بن أ�بي �سليمان أ ال�صفهاين (ت �سنة 297هـ) ،وهذا ابن دراج الق�سطلي ي ؤ�لف كتاب «احلدائق» يعار�ض فيه كتاب «الزهرة» أ لل�صفهاين .ويعد (ما�سنيون) كتاب (الزهرة) أ�ول حماولة لو�ضع منهج �شعري للحب أ الفالطوين ،هذا احلب الطاهر الذي يجده بع�ض الباحثني وكانوا يطلقون عليه احلب العذري عو�ض ًا عن اللهي الذي كانوا ينكرونه ،وال َّ كتاب (طوق �شك أ�نَّ َ احلب إ أ احلمامة) من ثمرات املذهب الظاهري يف الدب العربي لذلك الع�صر ،وقد وجدت الدعوة �إىل احلب العذري �صدى يف نفو�س النا�س يف امل�شرق واملغرب وال �سيما يف نف�س ابن حزم. وعلى أ الغلب أ�ن ابن حزم قد اطلع على كتاب (الزهرة) وت أ�ثر به �إىل حد بعيد وا�ستوحى منه املو�ضوع والعنوان، وذلك من الباب الثالث والثالثني من كتاب الزهرة( :يف نوح احلمام أ�ن�س للمنفرد امل�ستهام) حيث يحكي امل ؤ�لف كثري ًا من الق�ص�ص ويورد بعدها أ��شعار ًا منتخبة. ال�سالمي املبدع يحدثنا يف الطوق عن احلب هذا الفيل�سوف إ و أ�لوانه حديث العا�شق املتيم ،الذي يظل عدة أ��شهر ال يغري ثيابه حزن ًا على جارية علق بها ف ؤ�اده ،ولعل أ�جمل ما يف الكتاب أ�نه حتول �إىل اعرتافات �صريحة لعلها كانت أ�هم ال�سباب التي أ�ذاعت �شهرته يف آ أ الداب العاملية ،وال �سيما أ�نها �صادرة عن �شخ�صية يبلغ بها الورع حد الن�سك ولكنه حرمه اهلل على العلماء لي�س ن�سك ًا أ�عجمي ًا ،وهل احلب قد ّ والفقهاء والفال�سفة أ والدباء؟ كيف ال وهم أ�كرث النا�س 36
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ح�سا�سية و�إرهاف ًا و أ��شدهم عاطفة! ()48 و أ�نا ال أ�رى ما ذهب �إليه الدكتور طه ح�سني من أ�ن �صاحبنا ق�صد �إىل ت�صوير احلب والتعبري عنه ،وك أ�منا أ�لف كتابه يف البالغة ،وق�صد به �إىل أ�ن يعلمه ال�شعراء والكتاب ،كيف يت�صورون احلب ،وكيف ي�صورونه وكيف ي�صفونه يف ال�شعر والنرث( .)49فهذا الكتاب –كما عرفنا-كان نتاج مالحظات دقيقة وم�شاهدات وخربات �شخ�صية وفيه اعرتافات �صريحة من ابن حزم ،ويذكر ابن حزم مناذج �شعرية بثها يف كل ف�صل من ف�صول الكتاب ،وهي مناذج ين�شئها هو وال ينقلها عن غريه ،و أ��س أ�ل كل من يتفق مع عميد أ الدب العربي وهل احلب ُيع ّلم؟ وهل هو ق�صة أ�و ق�صيدة نقر أ�ها فنحب! ولعل أ�هم ميزة متيز كتاب الطوق هي :عذرية احلب و�صلتها بالنظرة أ الفالطونية حيث يب�سط ابن حزم يف ر�سالته هذه نظريته املثالية يف الع�شق ،ومل تكن هذه النظرية بال�شيء �سجلت احلجاز بطولة احلب العذري فكان اجلديد فقد ّ جمنون ليلى وكان جميل بثينة وكان كثري عزة وغريهم، وهذا العبا�س ابن أ الحنف يف العراق ،وي�ست�شهد ابن حزم يف موا�ضع كثرية على �سماحة ال�شريعة وتقبلها لهذا اللون من احلب ،وقد ت أ�ثر ابن داود بالفل�سفة اليونانية وخا�صة ب أ�ر�سطو طالي�س و أ�فالطون وجالينو�س وبطليمو�س(.)50 ورد يف كتاب الزهرة «وحكي عن أ�فالطون أ�نه قال ما أ�دري ما الهوى غري أ�ين أ�علم أ�نه جنون �إلهي ال حممود وال مذموم» (.)5 لقد غذى ابن حزم جتاربه بالنظرة أ الفالطونية وبكثري من آ اليات القر آ�نية أ والحاديث النبوية ..فكانت ال تبعث على املالل … ،وبعد أ�ن ي�ستطرد يف �سرد احلوادث الواقعية والتجاريب اخلا�صة نراه ي�ستدرك ويعود �إىل نظرته املثالية فيقول «وال يظن ظان وال يتوهم متوهم أ�ن كل هذا خمالف لقويل امل�سطر يف �صدر الر�سالة� ،إن احلب ات�صال بني النفو�س يف أ��صل عاملها العلوي ،بل هو م ؤ�كد له»( )5ت�سا ؤ�ل �إن من يقر أ� طوق احلمامة أ�و بع�ض أ�جزاء هذا الكتاب ،ال يخيل �إليه وال يف أ�ية حال من أ الحوال أ�ن �صاحبه «معلم» يود تدري�س احلب ،ولكنه عا�شق ..عا�شق بكل ما حتوي هذه الكلمة من معنى! وهذا جمرد ر أ�ي أ�طرحه و أ�حرتم ّ كل ر أ�ي ولو كان نقي�ضي متام ًا! الهوام�ش
()1مقطع من ق�صيدة لل�شاعر أال�سباين (فرناندو بيالون) ،وهو �شاعر متعاطف مع العرب يف �شعره ،انظر ماجد غنما ،يوميات أ�ندل�سية ،ط ،1عمان� ،1978 ،ص.69 ()2انظر «طبقات أالمم» للقا�ضي أ�بي القا�سم �صاعد ،ن�شر أالب لوي�س �شيخو بريوت، � ،1912ص.77-75 :
( )3انظر عبد اللطيف �شرارة :ابن حزم رائد الفكر العلمي ،املكتب التجاري للطبع والن�شر والتوزيع ،بريوت� ،ص.8 ()4طوق احلمامة �ص.116 ( )5نيكل�سون� ،ص.426 ( )6الذخرية� ،ص.143 ( )7ال�صلة جـ� :2ص.295 ( )8معجم أالدباء ،جـ� ،12ص.236-235 ( )9تاريخ أالدب أالند�سي ،ع�صر �سيادة قرطبة� :ص.331-246 ( )10ابن حزم أالندل�سي /حياته و أ�دبه ،الدكتورعبدالكرمي خليفة� ،ص.15 ( ) 1امل�صدر ال�سابق� ،ص ،29وانظر أ�لوان� :ص.102 ( ) 2النفح-ط ،1حميي الدين ،ج� ،4ص.159-158 ( ) 3د .طه احلاجري :ابن حزم �صورة أ�ندل�سية� ،ص.42 ( ) 4احللة ال�سرياء� :ص.104 (� ) 5شرارة� ،ص.79 ( ) 6طوق احلمامة� ،ص.25 ( ) 7طوق احلمامة� ،ص.109-108 ( ) 8انظر :ابن حزم �صورة أ�ندل�سية /احلاجري� ،ص.43-41 ( ) 9طوق احلمامة� ،ص.125 ( )20طوق احلمامة� ،ص124 ( )2امل�صدر نف�سه� ،ص.49 ( )22للمزيد انظر :املغرب جـ� ،1ص ،198-194ابن عذارى� :ص ( 445-373أ�خبار املن�صور بن أ�بي عامر) ،وابن حزم حياته و أ�دبه /د .خليفة� ،ص.42-41 ( )23انظر :ابن حزم رائد الفكر العلمي � /شرارة �ص.47-44 ( )24الطوق� :ص.155 ( )25الطوق� ،ص.55 ( )26الذهبي :جـ� / 3ص.148 ( )27أالخالق وال�سري� ،ص.15 ( )28الذخرية� ،ص.142 ( )29الف�صل :جـ� /4ص.72 ( )30امل�صدر ال�سابق� ،ص.65 ( )3الذهبي :جـ�/3ص.1148 ( )32احلاجري�/ص.119 ( )33أال�ستاذ خليفة� /ص.72 (� )34شرارة /ابن حزم رائد الفكر العلمي �ص.47 ( )35انظر �شرارة� ،ص.51-45 ( )36انظر أال�ستاذ خليفة � /ص.87/86 (� )37شرارة �ص.51 ( )38معجم أالدباء :جـ� ،12ص.238 ( )39امل�صدر نف�سه� ،ص.240 ( )40للمزيد :الف�صل :ج.163-93 / 1 :
( )4الف�صل :جـ� ،1ص.133 ( )42الف�صل :جـ� /4ص.111 ( )43أال�ستاذ خليفة � /ص.138-136 ( )44امل�صدر نف�سه .141-140 ( )45للمزيد «التقريب»� ،ص.168 ( )46للمزيد الر�سائل� :ص.83-82 ( )47انظر خليفة �ص ،185-180الطوق�-ص.1 ( )48انظر امل�صدر ال�سابق� ،ص.204-187 ( )49أ�لوان� ،ص.117 ( )50الزهرة� :ص.18-1 ( )5الزهرة� :ص.15
امل�صادر واملراجع
-1ابن ب�سام -أ�بو احل�سن علي بن ب�سام ال�شنرتيني ،الذخرية يف حما�سن أ�هل اجلزيرة، الق�سم أالول ،املجلد أالول ،القاهرة1358 ،هـ. -2ابن ب�شكوال ،أ�بو القا�سم خلف عبد امللك ،ال�صلة ،جـ1374 2-1هـ1955-م. -3ابن حزم ،أ�بو حممد علي بن أ�حمد بن حزم ،أالخالق وال�سري يف مداواة النفو�س، بريوت1961 ،م. -4أ�بن حزم ،أ�بو حممد علي بن حزم أالندل�سي ،ر�سائل ابن حزم أالندل�سي ،م�صر، دون تاريخ. -5ابن حزم ،أ�بو حممد علي بن حزم أالندل�سي ،طوق احلمامة يف أاللفة أ والالف، القاهرة ،دون تاريخ. -6ابن حزم ،أ�بو حممد علي بن حزم أالندل�سي ،الف�صل يف امللل أ والهواء والنحل،5-1 ، م�صر1347 ،هـ. أ أ -7ابن حزم� ،بو حممد علي بن حزم الندل�سي ،املحلى ،جـ ،1جـ ،2جـ،3 م�صر1352،هـ. -8أ�بو القا�سم �صاعد أالندل�سي :طبقات أالمم ،ن�شر أالب لوي�س �شيخو ،بريوت، .1912 -9أ�حمد املقري ،نفح الطيب من غ�صن أالندل�س الرطيب ،وذكر وزيرها ل�سان الدين بن اخلطيب ،جـ ،20-1م�صر1936 ،م. -10الدكتور �إح�سان عبا�س ،تاريخ أالدب أالندل�سي (ع�صر �سيادة قرطبة) ،بريوت، 1960م. � -11سعيد أالفغاين ،نظرات يف اللغة عند ابن حزم ،دم�شق1382 ،هـ1963 ،م. -12الدكتور طه احلاجري ،ابن حزم �صورة أ�ندل�سية ،دار الفكر العربي ،دون تاريخ. -13الدكتور طه ح�سني ،أ�لوان ،دار املعارف ،م�صر ،دون تاريخ. -14الدكتور عبد الكرمي خليفة ،ابن حزم أالندل�سي حياته و أ�دبه ،دار العربية /بريوت، مكتبة أالق�صى/عمان.1969 ، -15عبد اللطيف �شرارة ،ابن حزم رائد الفكر العلمي ،املكتب التجاري للطباعة والن�شر والتوزيع ،بريوت ،دون تاريخ. ؤ آ -16حممد أ�بو زهرة ،ابن حزم ،حياته وع�صره� ،را�ه وفقه ،ط ،2م�صر ،دون تاريخ.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
37
دراسات إسالمية
دور الحوار مع اآلخر في رفد المشروع اإلسالمي لبناء الحضارة اإلنسانية. إشكاليات حول بناء ثقافة الحوار عند الجماهير محمد سعيد ولد باه /السنغال
ال�سالمية ال�سديدة ،لي�س جمرد جل�سات «احلوار ،يف الر ؤ�ية إ مطارحة بني مرتيف التفكري ومن يت�شدقون أ بالحاجي املنمقة وال حلقات تنعقد ق�صد �إفحام املقارع ودحر املناوئ ،و�إمنا هو جهد خري يعب أ� ويبذل مع خلو�ص النية وجتريد الق�صد بغية مطاردة أ�حقاد فكرية م�ستوطنة تتقطع بها أ�و�صال الرحم الن�سانية ،وكفكفة ت�صرفات حمقاء تتحول بها أ الخوة إ أ أ الميانية �إىل غابة كثيفة من ال�ضغان �و �صحراء جرداء إ من اجلفوة احلادة» احلوار :أ�جواء بعثه و�سياقاته حول مفردات العنوان م�شروعية أ��سئلة اجلماهري امل�سلمة ،احلوار وظيفة، ومرام ،املقدمات ال�ضرورية ،ركائزاحلوار احلوار منطلقات ٍ و�ضوابطه بني أ�خالقيات �ضابطة وقيم حامية ،املوانع واملعوقات، بدائل تغييب احلوار
اخلال�صة
احلوار :أ�جواء بعثه و�سياقاته حني نقوم بفرز ما تلفظه املطابع وميجه أ الثري هذه أ ال�سالمي و�ضواحيه ،نلحظ اليام الداكنة يف قلب العامل إ ارتفاع حظ أ�لفاظ بعينها يف الورود مع ت�شابه يف امل�ضامني وا�شرتاك يف التعلق ،باملعنى الذي ي�ستخدم فيه النحويون هذا اللفظ ،ومن أ�كرث تلك أ اللفاظ رواجا ذلك الرباعي الرهاب». ال�شهري« :احلوار ،االنفتاح ،التطرف ،إ ثمة عالقة ،وال �شك ،بني هاتيك امل�صطلحات يفقهها من يحملون هم �إعادة ر�سم دوائر العالئق مع الغري وهم ي�صطلون بحرارة ما تطرحه أ الحداث العا�صفة التي ت�شهدها ال�سالمية بقطاعيها الداخلي واخلارجي من ق�ضايا ال�ساحة إ أ وحتديات تت�سم بال�شرا�سة حينا وبالتفجر �حايني كثرية، 38
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
وي�سلمنا هذا �إىل حماولة تبني الدوافع التي �س ّوغت �إعادة ّو�سع. ت�سويق هذه امل�صطلحات ورديفاتها بكل هذا الت ّ ال�سالمي ،من د ّكا �إىل داكار ،العقود املنق�ضية عرب العامل إ وهو يعي�ش حالة حتوالت حادة على �صعد عدة لكن ج ؤ�ار املعرتك الفكري كان أ��شد؛ جاءت هذه التحوالت بعد ،ورمبا ب�سبب ،أ�نه قد رزح ردحا من الزمن حتت ذلك الثقل الذي قال عنه �شيخ حامد كان: ال�سالمي حتت �ضغط كبري» ()1 «عا�ش العامل إ ال�سالم كان الرهان على أ�ن تكون هذه ال�ضغطة جمهزة ،لكن إ الفالت من �إ�سار تلك القب�ضة احلديدية، ا�ستطاع ،كعادته ،إ و�إن كان ثمة قطاع عري�ض من أ�تباعه من ال يزالون ير�سفون يف قيد أ ال�سالم العامل باالنتقال �إىل و�ضع ال�سر ،كما فاج أ� إ اتخاذ املبادرة يف زمن ي�سري مبقيا�س أ�عمار ال�شعوب وم�سريات املبادئ والتحوالت الفكرية. أ�ذهلت هذه القومة ،بل باغتت ثم أ�ربكت ،خطط خ�صوم ال�سالمي يف الداخل واخلارج ،ثم طفقوا يتلم�سون امل�شروع إ أ ال�سباب والعلل التي يف�سرون أ�و ي�س ّوغون بها ما حدث مع اجلنوح �إىل ا�ستبعاد العامل احلقيقي أ وال�سا�سي « البعد المياين احل�ضاري» ،وم�س ّوغ هذا امل�سلك منطقي ،ألن القبول إ ال�سالم به يقود �إىل نتيجة خطرية هي القول ب�صالحية إ وقدرتة على اال�ستجابة ملتطلبات احلياة الب�شرية �إزاء النحبا�س يف قاع ف�شل امل�شاريع احل�ضارية املناف�سة ،بدل إ أ بعيد عن رعاية الحياء و�إغناء تاريخي عميق الغور ٍ احلياة ،أ ولل�سف قاد الو�ضع النا�شئ �إىل عودة العالقة مع الغري �إىل مربع التوتر احلاد من جديد. ومن العوامل التي �صعبت على آ الخر ق�ضية ح�سن التعاطي مع ظاهرة التحول طبيعة الظاهرة نف�سها حيث جمعت بني الهدير ال�شعبي والرزانة الفكرية ،فكان العن�صر أ الول ظهريا للثاين بينما تولت قيادة اخلط الفكري مقارعة التيار املقتحم العاتي. ف�إذا ق�سنا اليوم امل�سافة الفا�صلة بني حلظة ال�سقوط التي حتدث عنها الندوي ( )2وو�صفها حممد قطب ببداية خط االنحراف ،وبني املحطة التي تقف عليها أ المة اليوم، ف�سنالحظ حتما أ�ن تبدال عميقا يتم على مهل ،و�سنالحظ كذلك أ�ن هذا التبدل � ،أش�نه يف ذلك � أش�ن أ�ي حتول جدي وجذري� ،سيم�س أ��س�س قيام املجتمعات الب�شرية وموقعها. تباينت املواقف ،ألن �صوت التحول كان من االرتفاع والعمق بحيث مل يكن من ال�سهل التعامل معه على وترية واحدة، ويهمنا هنا أ�ن ن�شخ�ص موقف امل�سلمني الذين واجهوا هنا
مع�ضلتني داخليتني: كيف ميكن �إجناح م�شروع التحول الداخلي مع املحافظة على ا�ستقرار الكيان العام أ للمة و وجود تلك االختالالت ال�صالح؟ اخلطرية التي �س ّوغت أ��صال طرح م�شروع إ أ�دى تباين طرق اال�ستجابة والتفاعل مع امل�شروع �إىل ال�صالحي فولدت من رحمه حدوث ان�شقاقات داخل التيار إ أ�طروحات جاحمة كان أ�كرثها �شغبا تلك التي تبنت العنف لل�صالح؛ ومن خلف العنف التطبيقي الذي فيما بعد خيارا إ اعتمد �سلوكا وممار�سة ،كان يقبع العنف الفكري واخلطابي مع مالحظة دقة احلد الفا�صل بني العنفني مما ي�سهل العبور من �ضفة �إىل أ�خرى. الخرى ،فتتمثل يف انعكا�س هذه أ أ�ما املع�ضلة أ الطروحات ومواقف من يتبناها على اجلزء اخلا�ص بنقل �صورة �صادقة ال�سالمي ،وعلى تلك اجلهود وجالبة للغري �إىل امل�شروع إ احلثيثة التي تبذل الخرتاق احل�صار امل�ضروب على أ المة عرب العامل ويف القطاع الغربي منه خا�صة. وحيال هذا الو�ضع املت أ�زم� ،شهدت أ��سواق الفكر يف العامل والفكار واملبادرات ،أ ال�سالمي الكثري من ال�صياغات أ الغلب إ كان رزينا جادا من النوع الذي مي�سك املاء وينبت الكلأ وينفع النا�س ،ف�إىل جانب ذلك وجد الن�شاز الذي يطيب يل أ�ن أ�نعته بـ»الفتّان» الذي يدفع �إىل التقوقع ويب�شر بف�ضائل االنكفاء على الذات بدال من اخلطو نحو اخلارج بثبات واقتدار القتحام العقبات بجر أ�ة وذكاء يليقان بحملة ال�سالمية املتطلع �إىل ا�ستنقاذ امل�شروع النه�ضوي ذي املالمح إ الب�شرية من التهلكة. ّ املم�ض عن ميالد م�صطلحات متباينة يف وقد تفتق هذا الهم االجتاهات امل�سلوكة لكنها تلتقي عند الغاية املتوخاة ،وهي التوفيق بني مطلبني : ال�سالم كما هو بال زخرفة ودومنا تنازل أ�و ر�ضوخ -1تقدمي إ ال�سالمية . لل�ضغط النازل على املنابر إ -2تطمني آ ال�سالم باعتباره الخر الذي ظل يتعامل مع إ خطرا ماحقا يجب الت�صدي له بكل الو�سائل ،فجعل ذلك هذا آ الرعاب الذي اخرتع له أ�لف ا�سم الخر يركب ح�صان إ وا�سم ( :اخلطر أ الخ�ضر ،حمور ال�شر ،جمانني الرب ،حتى ال�سالمي ) . الرهاب إ ر�سا على البعبع اجلديد « إ ويف هذه ال�سياقات اململوءة بكل عوامل التوتر والقلق احلبلى بكل نذر االنفجار ،متت �إعادة توليد « م�صطلح احلوار» ورديفاته ونحن نقف يف تلك التخوم الواقعة بني ح�صوننا املهددة وديار اخل�صم التي يعكف أ�هلها على التّمرت�س ح�سا
ومعنى على طريقة أ�ولئك أ القوام الذي عرث عليهم العبد ال�صالح : ( فهل جنعل لك خرجا على أ�ن جتعل بيننا وبينهم �سدا) (الكهف .) 94 / نعم ! ف أ�بناء الغرب اليوم منهمكون يف رفع ال�سدود ون�صب ال�سالمي املتغلغل الرهاب إ احلواجز للحيلولة دون ت�سلل إ يف أ�ظافر وجواربه كل م�سلم يرف�ض االن�صياع لعملية اال�ستن�ساخ. ويف ال�ضفة املقابلة يعمل أ�ولئك الذين يب�صرون يف الظالم ( )3وي�ستطيعون الثبات يف زمن املنحدرات ،إلعادة �صقل أ�دواتنا حتى تعود فت�صلح للتوا�صل مع آ الخر ق�صد الت أ�ثري اجللي والت�صور احل�سن . ويف ظل هذه أ الو�ضاع ميكن فهم خطورة �إعادة توليد طرح احلوار نهجا �صاحلا ميكن التعامل به مع آ الخر باعتباره لللهاء ،بعقلية متفتحة ،على قيمة أ��سا�سية ولي�س �شعار ًا إ خالف عادتنا التي تقوم على مطاردة كل جديد دومنا فح�ص أ�و متحي�ص لكن كونه جديدا يكفي أ�ن ن�ضعه يف ال�سلة أ الخرى ألنه من املهمالت ا ّلتي لن تكون ذات نفع . حول مفردات العنوان : أ وقبل أ�ن نعطف على حماور البحث ،لنجلي �ن مناداة املنهج والحلاح يف املطالبة باعتماده منهجا ال�سالمي باحلوار إ إ أ أ للحياة وثقافة للتعاي�ش و��سلوبا را�سخا للداء العايل جتاه الغري ،مطلب م�شروع ي�ستحق التبني �إىل حد االحتفاء، ويح�سن التوقف هنا حيال املفردات التي مت تخريها لرتكيب حد لالجتاهات عنوان البحث ،ألن ذلك قد ينتج ر ؤ�ية أ� ّ املر�سومة آ والفاق التي نتطلع �إليها يف نهاية التطواف حول ال�شكالية ،التخاذها معابر للو�صول �إىل ذلك املفهوم العايل إ الذي ن أ�مل أ�ن يت�شكل يف نهاية امل�شوار عن مطلب التحاور وا�ستنبات ثقافته يف �صفوف جماهرينا امل�سلمة. . وانطالقا من أ�ننا نرف�ض اعتبار احلوار ،منا ومن غرينا ،جمرد �شيك على البيا�ض نوقع عليه مع�صوبي أ ال�صرار العني ،مع إ على اعتباره ق�ضية جوهرية ت�ستحق العناء ،جننح �إىل ربط كل �شيء يتعلق ب�إ�شكالية احلوار ،داخليا وخارجيا، ال�سالمي احل�ضاري الذي نب�شر به العامل اليوم، بامل�شروع إ أ وبالخ�ص يف ميداين القدرة على فهم مكتنفات هذا امل�شروع أ والمانة يف تبليغه و�شرح حقائقه وف�ضائله. فبعد ان�سحاب امل�سلمني من مواقع التحكم بنقاط تعانق احل�ضارات ور�سم م�صائر أ المم وا�ضطرارهم �إىل الركون يف ذلك الركن املنزوي حينا من الدهر ركع يف أ�ثنائه بع�ض السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
39
ذراريهم فعال ،ارتفعت النربات من جديد « منددة مب�شرة « ف أ�خذت ال�شعوب ال�شاردة تثوب نحو هتاف الرائد اجلديد، وهنا هال أ�قوامنا حجم الدمار الذي حل بالديار والنك�سات التي أ��صابت النفو�س والعقول ،فانطلقت حملة ت�صحيحية رحبة ،قلما عرف التاريخ لها مثيال �إال يف ظالل النبوات، تبتغي �إعادة �إر�ساء تلك القواعد ال�صلبة التي نه�ضت عليها ال�سالمية الزاهرة عدة قرون قبل أ�ن تطولها احل�ضارة إ معاول حماوالت التهدمي . فمجمل هذا اجلهد اخلري الذي ي�صرف عرب املعمورة إلعادة بناء احلياة �سلوكا نظيفا يحلي الفرد وعالقة حميمة لدى االجتماع وقيمة عالية يف االقت�صاد ومبد أ� ثابتا يف ال�سيا�سة و�ضمريا �ضابطا يف توظيف املعرفة وخلقا ح�سنا و�إح�سانا يتجلى حني التوا�صل مع أ�ولئك الواقفني خارج المياين أ للمة ،جتمع كل ذلك لي�شكل توجها دائرة االنتماء إ جديدا ال�ستعادة زمام املبادرة. ف�إذا أ�معنا النظر يف هذا ال�سياق أ�مكن أ�ن نلمح خم�سة حماور يتجلى فيها ال�سعي نحو ا�ستئناف أ ال�سالمية مل�سريتها المة إ احل�ضارية وهي يف حالة من الوعي حادة : -1املقاومة ال�ضارية واالبتالءات املتوالية التي خا�ضتها طليعة أ المالءات احل�ضارية التي المة بهدف �إنهاء مرحلة إ رزحنا حتتها ردحا من الزمن ،فخرجنا بذلك احل�صاد الذي �شخ�صه ال�شيخ الغزايل وو�صفه ،آ��سفا ،ب أ�نه مر. -2العمل املخطط والهادف �إىل �إعادة ت أ��صيل كربى الق�ضايا ال�سالمي وذلك من خالل م�شروع �ضاف على �ضوء املنهج إ أ ال�سالمية التي ��صابها كثري من العطب لرتميم العقلية إ ف أ�فقدها كثريا من القدرة على الفرز والتقرير حلقب تطاولت. الذعان وتلقي ال�ضربات ،وبالتايل -3التحول من و�ضع إ انتهاج �إ�سرتاتيجية االحتماء ورد الفعل� ،إىل و�ضع الفعل واملبادرة ،ويتجلى هذا البعد من امل�س أ�لة ،يف أ النظمة املوازية التي ظلت تفرزها املجتمعات امل�سلمة ،خالل العقود النتاج الفكري ،أ أ النظمة الخرية ويف قطاعات حيوية مثل إ االقت�صادية وم ؤ��س�ساتها ،ويف ميادين املجتمع املدين والرتبية والتعليم ... � -4إرها�صات هبوب رياح �إعادة الت أ�ثري يف جمريات أ الحداث ال�سالمية العاملية على �ضوء الر ؤ�ية املت�شكلة من املنطلقات إ ووفقا ملا يخدم أ ال�سالمية. المة إ ال�شكاالت -5ال�شروع يف �صوغ البدائل احل�ضارية حيال تلك إ التي تق�ض م�ضجع الب�شرية مثل ا�ستتباب ال�سلم العاملي، 40
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
مع�ضلة البيئة الكونية ،أ�نظمة احلكم وطبيعة ال�سلطة، الن�سيج أ ال�سري ...فثمة تفريعات جديدة بد أ�ت ت�شق ال�سالمية. طريقها عرب ال�شعوب لت�سويق الر ؤ�ية إ
م�شروعية أ��سئلة اجلماهري امل�سلمة:
و أ�ما الن�سق العام للعنوان الذي نحتناه ل�ضبط املو�ضوع وتقييد أ�وابده فق�صدنا أ�ن جنلي أ�ن �إ�شكالية احلوار التي تق�ض م�ضجع كثري ممن يحملون هم �إنها�ض أ المة ويتوقون �إىل أ�ن يوجدوا لها خمرجا ،لي�ست جمرد م�س أ�لة فكرية ميكن حذفها أ�و �إ�ضافتها كيفما اتفق دون أ�ن يتغري �شيء البتة أ�و ق�ضية هام�شية ميكن تناولها على عجل بال�شرح والتفريع ثم تكون الق�ضية قد ح�سمت ودومنا كلفة. فم�س أ�لة احلوار بقدر من اجلدية واخلطورة بحيث ال يت أ�تى أ�ن تعالج �إال بقدر عال من الت ؤ�دة وال ُته ّي ؤ� النف�سي ،فمن هذه احلقيقة ينبع ذلك الهلع امل�شروع الذي ينتاب قطاعا عري�ضا من �شعوبنا ،فولد هذا الو�ضع تلك املع�ضلة الداخلية حتى قبل اخلطو نحو اخلارج حيث �ستتعقد امل�س أ�لة أ�كرث. ال�سالمي احل�ضاري الذي نب�شر اليوم بطالئعه فامل�شروع إ يحتاج �إىل مدعمات ت�سنده تكون له رديفا وظهريا حتى يتكامل وي�ستوي على �سوقه ،ومن ناحية أ�خرى ف�إن هذه الطبيعة حتتم أ�خذ حرية أ المة وقلقها على حممل اجلد الجابة عن تلك الت�سا ؤ�الت : بال�صرار على إ إ أ أ ؤ من ه�الء الذين ُن ْدعي �إىل �ن نحاورهم وعالم ؟ �ين هم يف خريطة الب�شرية ؟ ومن نحن يف ميزانهم ؟ أ�و آ�ثار جناح م�شروعنا احل�ضاري على ح�ضارتهم ،وبعبارة أ�خرى ما انعكا�س ال�سالمي على احل�ضارات أ الخرى والغربية نفاذ امل�شروع إ باخل�صو�ص ؟ اليجابية علينا ؟ و أ�هم من كل هذا ما عائدات احلوار إ فهذه أ ال�سئلة وغريها فروعا و أ��صوال ،يجب أ�ن يتلقى طارحوها أ�جوبة �صحيحة دقيقة وقاطعة قبل االنطالق جلوب آ�فاق احلوار.
احلوار وظيفة:
ومن النقاط اجلوهرية التي تتطلب التو�ضيح يف هذا املقام وتتعلق مبوقفنا من توظيف احلوار ،أ�ننا متى ا�ستطعنا أ�ن جنعله ين�ساب يف م�ساره ال�صحيح لن يعود جمرد �سفينة طارق ن�ستقلها للعبور �إىل ال�ضفة أ الخرى ثم نقوم بتحطيمها تعمدا وتخطيطا ،بل �سيكون مبنزلة مد اجل�سور مع الرياح أ الربعة ثم ن�صر �إ�صرارا على تعدد امل�سارات ،وهنا يكون مبنزلة عامل �إخ�صاب وعن�صر �إغناء نوظفه للو�صول �إىل الن�ساين واالرتفاع احل�ضاري أ�مام ازدياد النقاذ إ هدف إ
م ؤ��شرات االنزالق و�ضوحا. يداعبنا هذا أ المل العري�ض لقناعتنا ب أ�نه لي�س مثل احلوار، ونحن نعي�ش يف هذه أ الجواء املكفهرة احلبلى بكل خطري مدمر ،من نهج ر�شيد ي�سلكه ال�صاحلون امل�صلحون ،مهما حتملوا من عنت وتكبدوا من ع�سف ،للو�صول �إىل �شط�آن ال�سالمة التي ظلت تبتعد منذ ذلك الزمن الكئيب الذي �ضاعت فيه البو�صلة الهادية فتاهت معامل القبلة ال�صحيحة .
احلوار يف امل�صطلح القر آ�ين:
يف أ ال�سطر التالية نحوم حول لفظ « احلوار « ،يف حماولة متطلعة �إىل �ضبطه أ�و ح�صر ا�ستخدامه من خالل حتديد املعنى الذي �سيتم �إيراده فيه خوف التورط يف م�صيدة ال�سقاط أ�و التفريغ التي قد تواجهنا يف مثل هذه املواطن إ أ التي تتوتر فيها الفكار نتيجة تناول مو�ضوع من هذا النوع املتفجر. يف باب «حور» أ�ورد �صاحب خمتار ال�صحاح املحاورة وف�سرها باملجاملة وقال التحاور التجاوب ()4 أ�ما يف القامو�س املحيط فقد قال �صاحبه ب أ�ن من معاين اللفظ «القعر والعمق والتجاوب» ()5 ويف القر آ�ن الكرمي ورد لفظ احلوار ،ثالث مرات ب�صيغتني يف �سورة الكهف مرتني ( )6بينما جاء اال�ستخدام الثالث يف �سورة املجادلة ()7 وبا�ستقراء امل�صادر أ الخرى نلحظ جعل كثري من العلماء واملف�سرين احلوار رديفا للفظ اجلدل كما جند ذلك عند حممد حممود جمازي « يحاوره ويجادله « ( )8جتادلك ... حتاوركما !» . أ�ما الرديف املعنوي « اجلدال « فهو أ�وفر حظا من حيث الورود يف القر آ�ن فقد أ�ح�صى ال�شيخ ف�ضل اهلل ( »27 « )9مرة بينما رفع حممد ف ؤ�اد عبد الباقي العدد �إىل « »29مرة)10(. ومن حيث التوظيف فقد �سلك القر آ�ن الكرمي دربا واحدا فقط حني تعلق آ الخر بلفظ احلوار مبعنى تداول يجري بني طرفني حول ق�ضية تباينت وجهات النظر حولها وكل جانب ي�سعى �إىل تثبيت ر ؤ�يته واالنت�صار الختياره ،بينما تختلف طريقة التناول حني يتعلق أ المر بلفظ اجلدال الذي نتج من كرثة وروده تعدد معاين ا�ستخدامه تبعا للمو�ضوع وال�سياق . ويف احلاالت الثالث التي ورد فيها لفظ احلوار (يحاور، حتاور) نلحظ جدية الق�ضايا املطروحة على ب�ساط البحث، متثل أ الوىل قمة الق�ضايا وهي العقيدة يف اهلل و�إثبات الميان بوجود اخلالق الرازق ،وال خالف هنا يف مفهوم إ
أ�ن �إيراد القر آ�ن الكرمي هذا احلوار ال�صاخب الدائر حول ق�ضية بهذه اجلدية ثم يقبل �إعادة ال�شريط بهذه الدقة وذلك التف�صيل ،يجعل أ المر يحمل دالالت خطرية أ�همها رف�ض القر آ�ن الكرمي و�ضع احلواجز على ما ميكن التحاور عليه بعد �إر�ساء مبد�إ م�شروعية التحاور من أ ال�سا�س ،وذلك حني قبل القر آ�ن �سلوك امل ؤ�من نهج التحاور مع حملة « الفكر امل�ضاد». ال حظ ال�شيخ ف�ضل اهلل ،يف درا�سته ا�ستخدامات القر آ�ن الكرمي للفظي احلوار واجلدال ،ب أ�ن لفظ اجلدال يوحي مبعنى احلوار الذي يعي�ش يف أ�جواء يطبعها اخلالف الفكري والت�شاحن العقدي ال�شر�س ،بينما يوحي م�صطلح احلوار ب أ�نه أ�و�سع �إطارا و أ�رحب جماال ()11 ونخل�ص من هذا الب�سط �إىل نقطة حمورية يف هذه العجالة وهي �ضرورة تو�سعة دائرة مفهوم لفظ احلوار تبعا للمنهج القر آ�ين ،ونحن ن�ستخدمه يف م�سعى للخروج بر ؤ�ية جديدة ن�صقل من خاللها طروحات التوا�صل يف جمايل « ترميم الو�ضع « يف الداخل و»�إعادة مد اجل�سور» املقطوعة مع املحيط اخلارجي. فتو�سعة دائرة امل�صطلح تعني ،من بني ما تعني ،أ�ن نرف�ض ح�صر م�ضامني احلوار يف جمرد املطارحة الفكرية عرب املنتديات التي تنعقد هنا وهناك مع تباين يف الدوافع والغايات واختالف ال�سياقات التي تدار من خاللها تلك املنتديات ،فالو�ضع ال�صحيح أ�ن يت�سع لكل ن�شاط وفعل حيوي هادف ن�ستطيع من خالله التعبري وت�شكيل الر ؤ�ى و�صقل ال�سالم التي نب�شر بها العامل . امل�ضامني التي تعك�س روح إ وبهذا الت�صور ،لن يبقى احلوار حم�صورا يف ذلك الركن ال�ضيق بل �سينف�سح املجال وتتو�سع الر ؤ�ية ونتخل�ص من ورطتنا ال�شهرية يف ح�صر احلوار داخل تلك أ الطر التي جتعلنا ن�ست�شعر احلراجة وال نتحدث عن احلوار مع آ الخر �إال على ا�ستحياء وجلني من ردود أ�فعال أ�قوامنا (تهمة اخليانة العظمى) وا�ستقواء خ�صومنا علينا باحلوار كما هي احلال يف كثري من تلك املواطن التي دخل فيها امل�سلمون أ�تون احلوار مرغمني ومل يكادوا يخرجون وجلودهم �ساملة من �سياط أ�عدائهم قبل أ�ن يتلقفهم أ الولياء لت�سلقهم ب أ�ل�سنة حداد. وهنا ن�شدد على أ�همية �ضبط م�صطلح احلوار وحتريره حتى اليجابي �إىل لفظ نحول دون حتول هذا امل�صطلح املن�ضبط إ وجراح ال يحمل معنى وال يتجدد له مفهوم في�ستطيع من ي�شاء أ�ن ي�شحنه مبا ي�شاء فين�ضاف �إىل تلك امل�صطلحات السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
41
واملفاهيم امل�شحونة ،مثل :أ ال�صولية واالعتدال والتطرف الن�سانية. وامل�شروبات الروحية والقيم إ وبهذا ال�ضبط ال�صارم القائم على مفهوم حمدد املعامل بني أ الفق ،ن�ستطيع أ�ن نخو�ض غمار وغى احلوار ونحن مطمئنون �إىل أ�ننا �سننتهي �إىل منجز ،و�إال وقعنا يف ذلك املطب الذي �شخ�صه ال�شاعر العربي ال�ضاحك : ويكتبه بكرا ويقر ؤ�ه بدرا أ�قول له زيدا في�سمعه عمرا نركز هنا على هذه النقطة على �ضوء املع�ضلة التي نواجهها اليوم نحن امل�سلمني ،مع�ضلة حرب امل�صطلحات التي جل أ� �إليها اخل�صم بذكاء وهو نهج قدمي طارد القر آ�ن اليهود يوم جل أ�وا �إليها فقالوا (�صلى اهلل عليه و�سلم) « راعنا «، وامل ؤ��سف أ�ن اخل�صم ا�ستطاع أ�ن ميرر كثريا من التفاهات التي ابتلعها الكثري منا ،نثري هذه الق�ضية هنا وعلى م�سامعنا تطن ع�شرات بل مئات امل�صطلحات واملفاهيم التي نتخري والرهاب « منوذجا حيث تالعب بهما عنها لفظي « املقاومة إ آ الخر بخبث واقتدار فتحولنا يف أ الول �إىل دفاع م�ستميت بينما ال نزال يف الثاين نلهث وراء تعريف جامع ولو غري مانع لكن دون جدوى.
ومرام: احلوار منطلقات ٍ
بعد ذلك العر�ض املمهد الذي ارت أ�ينا �إطالته بع�ض ال�شيء وعلى ذلك النحو لغاية أ�ن تن�ضبط امل�سارات ون�ستطيع بالتايل ا�صطحاب القارئ وقد و�ضحت وجهتنا ثم ال نتيه عن الول من تلك أ الق�صد ،نتناول املرتكز أ ال�س�س التي يجب أ�ن تنت�صب ليت�شكل ت�صورنا عن احلوار ت�صورا �صحيحا ،ونحول بالتايل دون انف�ضا�ض النا�س من حولنا وهم يلعنون كل من ينادي به أ�و يت�شاءمون مبن يب�شر به ولو كان على بينة من أ�مره. فنحن ال نخادع أ�نف�سنا ،بل ن�صارحها القول فنعرتف ب أ�ننا نلقى �صعابا يف أ�كرث من م�ستوى من م�س أ�لة احلوار مع أ�قوامنا تفوق أ�و توازي تلك التي يثريها اخل�صوم ،ولنتجاوز بع�ض تلك ال�صعوبات ،فقد يفيد أ�ن نحدد حتديد ًا دقيق ًا تلك املنطلقات والركائز التي يجب أ�ن يبني عليها احلوار وينطلق منها أ�ولئك الذين �سيبا�شرون احلوار بالنيابة عن أ المة، ويتحركون والثقة متل ؤ�هم ب أ�ن أ الر�ضية التي يقفون عليها �صلبة . فبعد أ�ن تت�ضح وتثبت املرتكزات التي يجب اال�ستناد �إليها، يتم االنتقال �إىل ال�شق الثاين املتمثل يف ر�سم الغايات التي نتوق �إىل أ�ن ينتهي �إليها احلوار متى مت دخوله عرب 42
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
امل�سالك القومية التي ي�سمح بها الت أ��صيل ال�شرعي ويقويه ال�سناد الفكري ،وبعبارة أ�خرى تخري املنهجية املن�ضبطة إ أ التي �ستحكم عملية احلوار ،لن تخلف مثل هذه املنهجية قد يقود �إىل اعتبار مناخ احلوار منطقة موبوءة يحظر ارتيادها �إىل حني ان�صالح اخللل.
املقدمات ال�ضرورية :
وحتى نبد أ� احلوار ،ونحن موقنون ب أ�ن أ�قدامنا لن تزل يف أ�ثناء امل�سري ،علينا الوفاء مبقدمات احلوار الالزمة التي ميكن �إدراجها يف العنا�صر التالية : أ�وال :تر�سخ القناعة باجلدوى : فعلى �ضوء أ ال�سالمية الدبيات التي تروج يف ال�ساحات إ زارعة ال�شك يف نفع احلوار مع آ الخر ،الذي لي�س �إال جمرد عبث أ�و فتح الباب ليتوغل آ الخر يف حمانا ولي�ستبيح حرمنا آ المن ،و�إال فهو جمرد م�ضيعة للوقت وهدر للجهد ألنه ي�صرف بال طائل. الطالق ألنه لي�س و أ�ما احلوار مع الذات فلي�س واردا على إ ثمة ما ي�س ّوغه ،أ والف�ضل اللجوء �إىل احلل ال�سهل (اخلطري) الحكام وت�صنيف أ املتمثل يف �إ�صدار أ الفراد واجلماعات املخالفة انطالقا من االختيارات ال�شخ�صية والرتجيحات ال�صاعقة. ف أ��صحاب هذا الطرح املنغلق ،الذين ال يرون طريقة للتعاطي مع الذات �إال بال�شطب ومع آ الخر ب�إدخاله احلظرية ف�إن أ�بى حمل �إثم أ الري�سيني ،يحتاجون �إىل عمل جاد إلقناعهم بجدوى التحاور ومبردوديته الهائلة. وللو�صول �إىل تر�سيخ هذه القناعة نرتئي بذل اجلهد ال ّالزم من أ�جل الوفاء بال�شروط آ التية : -1لي�س احلوار ن�شاطا ترفيهيا أ�و ممار�سة تبتدع ،بل هو ر�سالة وله أ��صل �شرعي را�سخ ميكن الرجوع �إليه يف امل�صادر املعتمدة لدى أ المة. -2أ�ن احلوار ،حني يدور يف الداخل ،فهو وجه من أ�وجه التنا�صح ف�إذا اجتهنا به �إىل آ الخر جاء باعتباره طريقة البالغ ،مع ت أ�كيد أ�همية الوفاء ب�شرط تو�سعة من طرق إ مفهوم البالغ حتى نبعده عن مفهوم احل�سبة. -3ثمة م�صلحة راجحة تعود بالفائدة على أ المة ور�سالتها متى ما مور�س احلوار ممار�سة �صحيحة �صادقة « هادئة « و» م ؤ��صلة «. -4أ�ن اخلطر يكمن يف �إي�صاد باب احلوار ولي�س يف ولوجه بثقة واقتدار ور ؤ�ية مت�ضحة. -5وبخالف ما وقر لدى الكثري من أ�بناء جلدتنا ،لي�س آ الخر
وحده يف حاجة �إلينا ونحن أ�ي�ضا نبتغي أ��شياء من عندياته وذلك انطالقا من قاعدتي « :اتخاذ ال�سخرية القر آ�نية « واجلري وراء احلكمة النبوية «. -6أ�ن اخلري واحلق لي�سا ب�ضاعة قابلة لالحتكار ،قد يكون آ للخر ن�صيب وافر من ذلك ،ولن يتعار�ض هذا املفهوم الطالق مع االحتفاظ بخا�صية «اخلريية» املن�صو�ص على إ عليها. � -7ضيق جمال املناورة أ�مامنا بحيث ال منلك أ�ن نرف�ض آ الخر ثم تبقى حدودنا آ�منة ،ف�إذا مل نحت�ضنه بحنان ونراقبه بيقظة فر�ض علينا ظله بخيله ورجله و�شاركنا يف كل �شيء، الراية ويف النهاية جترعنا ك أ��س الهزمية املنكرة ورفعنا ّ البي�ضاء بدل اخل�ضراء. أ فرت�سيخ هذه املعاين يف روع جماهري المة ميكن أ�ن ي�سهم يف ت�شكل القناعة بجدوى احلوار عموما ومع آ الخر خ�صو�صا، و أ�نه من اخلطر اعتباره دربا من دروب العبث أ�و �إهدارا للوقت ،ثم يتولد فهم أ��سد على أ�ن احلوار جمال رحب للحمة ال�صف ومطاردة دوافع التناحر الداخلي وفتل حبال اجلوار اجلميل. أ�ما ال�شيخ القر�ضاوي ،فقد ذهب �إىل مدى أ�بعد فاعترب حماورة آ الخر فري�ضة و�ضرورة ()12 ثانيا :معرفة الذات واالنتهاء من حماورته بجدية و أ�مانة ال�سالم وحذق طرق تكييفها تبد أ� هذه املعرفة بفقه كليات إ مع حركة احلياة وانعكا�س ذلك على العالقة مع آ الخرين، ونلم�س أ�همية هذه املعرفة إلجناح احلوار يف املوقف التحاوري الذي وقفه جعفر بن أ�بي طالب أ�مام النجا�شي ومثله حاطب أ�مام املقوق�س فحققا كالهما الهدف. ثالثا :ح�سن االطالع على ما عند آ الخر ،مع ميلنا �إىل أ�ن م�شكلتنا مع آ الخر ال تكمن يف جهلنا به بقدر ما تكمن يف �سوء توظيف تلك املعرفة ،ن�صر على أ�همية تلك املعرفة باعتبارها مقدمة من مقدمات احلوار. لي�س املق�صود تلك املعرفة املجردة ،بل يجب أ�ن تكون منهجية �صادقة ت ؤ�خذ من داخل عقليات اخل�صم ودياره ،وهو املنهج الذي اتبعه �سليمان عليه ال�سالم: (اذهب بكتابي هذا ف أ�لقه �إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون) (.)13 لوحظ انزالق أ�قدام كثري من املحاورين ب�سبب �ضحالة معارفهم عن اخل�صم ،ونف�سياته ،ومكوناته الفكرية ،و أ�مناطه االجتماعية)14(...
هذا مطلب �ضروري على �ضوء التعريف الذي تعارفه بع�ض املهتمني بامل�س أ�لة: «حديث يجري بني طرفينْ ي�سوق كل منهما ما يراه ويقتنع به ويراجع الطرف آ الخر يف منطقه وفكره بنية �إظهار احلق وتقريره»()15 رابعا� :إن�ضاج فقه احلوار ننطلق هنا من قاعدة «احلوار مبد أ� يقوم على فن» لكن امل ؤ��سف اختزال احلوار يف ذلك النمط البيزنطي العقيم، ال�سالمي ق�ضية جادة جدية. فهو يف املنهج إ أ�هدافه ومراميه. أ�ما فقه احلوار ،فف�ضال عن كونه م�شتقا من م�شتقات الفقه الكبري الذي أ�خذ ي�ستعيد عافيته وحجمه ووزنه ،فهو يعني، من بني أ��شياء أ�خرى ،قدرة القائمني على احلوار على ترتيب ق�ضاياه وت�صنيف م�سائله و أ�بوابه ت�صنيف ًا �صحيح ًا ووفق أ�ن�ساق م�ضبوطة وم�ستويات وا�ضحة ،أ�و هو متلك الر ؤ�ية امل�شعة املتكاملة عن كل أ�بعاد احلوار وعوامل �إجناحه أ�و �إف�شاله. هذا الفقه يرتب بالبابني القريبني منه« :فقه املوازنات أ والولويات»: «فعندما منلك هذين الفقهني جند �سبيال و�سطا كي نقارن بني و�ضع وو�ضع ونفا�ضل بني حال وحال ونوازن بني الك�سب واخل�سارة يف أ الجلني الق�صري أ�و البعيد وعلى امل�ستوى الفردي أ�و اجلماعي ثم نتخري أ الدنى �إىل حتقيق امل�صلحة ودرء املف�سدة.)13( »....
ركائز احلوار و�ضوابطه:
رغم تباين وجهات النظر حيال امل�س أ�لة جنمل العوامل اجلوهرية يف: أ� -ح�سم املوقف الداخلي مبا فيه من تعقيدات وعوائق مبا يف ذلك: تكري�س مبد أ� :لي�س احلوار ملجرد تنفي�س أ�و ت�صريفآ�ين. الجماع االعتباري حول جملة من أ�مهات الو�صول �إىل إالق�ضايا. حتديد هوية املقارع واحرتامه ،أولننا نرف�ض أ�ن ينتحل لنا أ�حد ن�سبا فكذلك ي أ�بى آ الخرون �إال أ�ن يحددوا هويتهم ب أ�نف�سهم ،ويتطلب هذا التخل�ص من جانبنا من أ الحكام امل�سبقة ور�سم ال�صور النمطية آ للخر والتي تنتجها املوروثات امل�شحونة ،قبل أ�ن نطالب غرينا بذلك. السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
43
ب -قوة و امتالك ال�شرعية و�ضوحها . نالحظ أ�ن كثريا من �صور الق�صور التي ظهرت يف أ�دائنا احلواري مع آ مردها االفتقار �إىل أ ال�صل ال�شرعي غري الخر ّ املزيف ،كما وقع من بع�ض من تورط يف ب�ض حلقات احلوار ال�سالمي -امل�سيحي. إ أ أ وهذه امل�س�لة تكت�سي �همية بالغة على �ضوء وجود درجة عالية من احل�سا�سية تطبع النظرة العامة التي ال تزال عالقة يف العقل اجلماعي لدى قطاع عري�ض من ال�شعوب حيال احلوار ،وهذه احل�سا�سية املفرطة تعترب بوجه من المياين العا�صم ،و�إن بدا الوجوه من عالمات حيوية ال�شعور إ يف بع�ض املنا�سبات احلرجة التي ت�ضطر فيها ال�شعوب �إىل االحتكاك بالغري يف ظروف غري مواتية أ�كرث حدة ،ونعرث على مثال جيد على هذه الو�ضعية عندما بلغت احل�سا�سية ذروتها ع�شية زيارة البابا ال�سابق ملنطقة غرب �إفريقية فهدد أ�حد أ�برز زعماء امل�سلمني يف ال�سنغال باحتالل مدرج هبوط طائرة زعيم الكني�سة الكاثوليكية. ج� -صحة و أ��صالته التمثيل احلوار ق�ضية خطرية وجوهرية ،هذه م�س أ�لة يجب توكيدها، ثم �إنه يتم با�سم ال�شعوب وهو أ المر الذي يقت�ضي بداهة �صحة التمثيل وح�سنه؛ فمتى جرى يف الربوج العاجية، كانت النتيجة ان�صراف اجلماهري ول�سان حالها يقول :نحن ال نح�سن دندنتكم وال دندنة... يف كثري من منتديات احلوار ال ميثل من يحاور با�سمنا �إال نف�سه ،أ المر الذي جعل بع�ض من �ساءهم هذا الت�صرف ي�صف هذا اللون من احلوار مع املجتمع الكن�سي ب أ�ن الكني�سة جعلت من هذه احلوارات « أ القنوم الرابع» (.)15 ففي غزوة احلديبية در�س بليغ يف جمال �صحة التمثيل حلظة حاول النبي (�صلى اهلل عليه �سلم) تر�ضية بع�ض احللفاء مقابل ثمن ،فكان جواب ممثلي أ الن�صار حازما: «يا ر�سول اهلل �إن كان اهلل أ�مرك بهذا ف�سمعا وطاعة ،و�إن كان �شيء ت�صنعه لنا فال حاجة لنا فيه»()16 لن�ستخل�ص هنا بع�ض اللبنات: الت�شريع للحوار وتوكيده يف حلظات احلرج(حتت احل�صار) . يجب أ�ن ي�سبق احلوار مع الذات احلوار مع آالخر(مع ال�سعدين قبل غطفان). أ� ن يكون جادا عمليا و وا�ضحا ومو�ص ًال �إىل نتيجة(عر�ض �إعطاء الثمار) �صحة التمثيل وذلك با�ستح�ضار مطلب اجلماعة املوكلة44
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
( �شيء ت�صنعه لنا) د -ا�ستمرارية احلوار ال�شكاالت التي هنا يواجهنا ال�س ؤ�ال الذي يختزن كثريا من إ تتعلق باحلوار: أ�نلج أ� �إىل احلوار أ�م نتوجه را�ضني خمتارين؟ ن�ستعري هنا ما كتبناه ،ونحن نعالج �إ�شكالية قريبة ،وهي انفتاح ال�شباب على آ الخر مع حتوير طفيف يف أ اللفاظ: فاحلوار وال�صدام لي�سا ،كما يرى بع�ض الباحثني ،خيارين يت�ساوقان وي�ستع�صي اجلمع بينهما ،لنم�سك بهذا ال بد من �إفالت آ الخر()17 بني أ�خالقيات �ضابطة وقيم حامية: نذكر أ�وال ببديهية وهي أ�ن احلوار من أ�وجه البالغ باملعيار املق�صدي للفظ ،لكن هذا البعد مل يحظ بعد بالعناية وال�ضبط يف املجال الت أ��صيلي بالقدر الكايف. ومرادنا أ بالخالقيات هنا جملة موا�صفات يت�صف بها املحاور التزاما وقناعة ويق ّيم من خاللها الق�ضايا أ والحداث أ وال�شخا�ص حموال قيمه و أ�خالقياته �إىل ممار�سات تتجلى فيه ويف طريقة عر�ضه يلم�سها اخل�صم وينفعل بها. ف�إذا تقرر هذا انتقلنا �إىل احلديث عن أ الخالقيات والقيم تلك : -1امل�صداقية اجلامعة ،كثريا ما تختزل هذه القيمة العزيزة يف ب�ضع �إيجابيات فردية غري ملزمة ،لكنها يف احلقيقة رحبة رحابة ف�ضاء احلياة أ وبالخ�ص حينما تكون املقابلة يف اخلارج ،فوكال ؤ�نا املتحاورون يف اخلارج تثبت أ�قدامهم بقدر ما ميلكون من هذه امل�صداقية اجلامعة. -2ن�شدان احلق وحده ،من أ المرا�ض امل�ستفحلة يف املنتديات احلوارية افتقاد هذه اخل�صي�صة اخلرية مبعنى ال�سعي احلثيث للو�صول �إىل احلق أ البلج ،ولي�س حتقيق انت�صار فردي ،فامتالك احلق ال يعني أ�ن نحاور وقد ر�سخت لدينا قناعة جاحمة ب أ�ن كل ما لدى اخل�صم تالل من الباطل يجب ن�سفها ن�سفا و أ�ن ر�صيدنا من احلق ال يتطرق �إليه �شك. وهنا يجب أ�ن منعن بدقة يف: لل�سالم والت�صورات اخلا�صة التي ن�صدر عنها ال أ�ن فهمنا إال�سالم نف�سه يف القوة واالعتبار قد يقرتب ورمبا ت�ساوي إ يبتعد . أ�ن عدم حلظنا للفارق البني بني احلق و�إحقاقه وبني آ�لياتتوظيفه جانبنا فيها ال�صواب. ال�شكاالت نعاود قراءة احلديث العمدة يف ويف ظالل هذه إ جمال الفقه احل�ضاري « احلكمة �ضالة امل ؤ�من « ف�إذا تخطينا
القراءة ال�سطحية الرائجة ف�ستتك�شف لنا حقائق جوهرية منها أ�نه ال يكفي العثور على احلكمة عر�ضا ،لكن احلكمة النبوية تدفعنا �إىل أ�فق أ��سنى �إىل التنقيب عن هذه احلكمة اليقان بوجودها لدى آ الخر ،هذا احلث ،بل ال�ضائعة مع إ الحلاح نوع راق جدا للدفع نحو املالقاة والوقوف يف مفارق إ الطرق حيث مير اجلميع غدوا وع�شيا ونحن ن�ستم�سك بالذي أ�وحي �إلينا بقوة حتى ال نخطئ حلظة االقتبا�س . هذه أ الخالقية يجب أ�ن ترت�سخ لدى املتحاور قناعة نف�سية وتعبريا و�سلوكا عند املمار�سة وموقفا �صارما عند التقرير وح�سنا يف أ الداء قبل ذلك وبعده. ويف هذا ال�سياق يندرج ذلك النموذج الالمع الذي طرحه القر آ�ن الكرمي يوم وجه النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم) �إىل �إحدى أ��سمى طرق احلوار مع املخالف ولو كان معار�ضا (وكيف وال�صرار على مع الذات!) ،بنربة حتمل أ�على معاين التجرد إ الو�صول �إىل احلق الذي يجب التحاكم �إليه وحده : ( َو ِ�إنَّا َأ� ْو ِ�إ َّي ُ ني ) اك ْم َل َع َلى هُ دً ى َأ� ْو فيِ َ�ضلاَ ٍل ُم ِب ٍ (�سورة �سب أ�) 24 : ومن وراء معان كثرية كامنة يف هذا املبد أ� احلواري ،نلمح مطلب تطمني اخل�صم .ومن أ�عجب ما نعرث عليها يف تراثنا المام القر�شي احلواري هذا الدعاء الغريب الذي كان إ يرفعه عند مقارعة اخل�صم« ،ما ناظرت أ�حدا �إال و�س أ�لت اهلل أ�ن يظهر احلق على ل�سانه» (. )18 المالق يلهث وراء حلظة اندحار اخل�صم ولو مل يكن هذا إ جلوءا �إىل أ الحاجي وانتحال احلجج بقدر ما كان يتوق �إىل ات�ضاح احلق ولو جاء على ح�سابه ال�شخ�صي ،ومبثل هذا املنطق املتوهج كان يتم�سك ال�شيخ الغزايل الذي كان كثريا ما يزجمر بهذه احلكمة أ املتللئة الذي ين�سبها �إىل احلكيم العربي الذي �سئل عن لذته يف احلياة ف أ�جاب« :حجة تتباهي ات�ضاحها وباطل يتهاوى افت�ضاحها». وال ي�ستغرب أ�ن تت�شكل هذه العقلية املتعط�شة �إىل طلعة احلق يف بيئة ن�سجت خيوطها من تلك آ الية التي و�صلت �إىل ذرى تتقا�صر عنها املثل والر ؤ�ىَ ۖ ( :و ِ�إنَّا َأ� ْو ِ�إ َّي ُاك ْم َل َع َلى هُ دً ى ني ) َأ� ْو فيِ َ�ضلاَ ٍل ُم ِب ٍ -3االعرتاف آ بالخر كما هو : هنا مبد أ� يجب احرتامه «احلوار يعني االعرتاف» ألنه بب�ساطة يف غيبة آ الخر ال تنعقد للحوار أ�لوية ،فاالعرتاف آ بالخر كما هو ولي�س كما نريد أ�ن يكون هو ،واملرفو�ض الزعم بوجود فئران املعامل جنري عليها التجارب قد ت�ستجيب وقد ال تتفاعل ح�سب أ الحوال.
فمن مواطن اخللل عندنا و�ضع بند اعرتاف آ الخر بنا مطلبا أ�ول يف أ الجابة عن �س ؤ�ال الجندة دون أ�ن نكلف أ�نف�سنا إ جوهري :ما موقفنا نحن حيال هوية آ الخر ؟ أ�نعرتف له بوجود خارج ت�صورنا له ؟ �إذا فالقبول آ بالخر واالعرتاف به كما هو ،ولي�س كما يطيب لنا� ،سيقود �إىل أ�ن نزن ر أ�يه بحيدة ونحمي حقه بنزاهة. فاالعرتاف آ بالخر كما هو ون�شدان احلق قبل ذلك هو المام ال�شافعي �إىل �صوغ تلك اخلطة ذات القيمة الذي قاد إ احل�ضارية« :ر أ�يي �صواب يحتمل اخلط أ� ور أ�ي غريي خط أ� يحتمل ال�صواب» فهذا الطرح الفكري أ الخاذ طوره مفكر فرن�سي مت أ�خر بقوله « :أ�خالفك يف الر أ�ي لكنني م�ستعد للموت دفاعا عن ر أ�يك» - 4بني احل�سن أ والح�سن: حتقيقا لهذا الهدف أ ال�سمى ي�صر القر آ�ن الكرمي ،وهو يوجه املحاور ،على أ�ن يختط لنف�سه ال�سبيل أ القوم عند املحاورة داخليا(احل�سن) وخارجيا أ (الح�سن) ،وقد �سجل ال�شيخ القر�ضاوي هذه املالحظة املهمة :املوعظة التي ت�ستهدف املوافق الذي نتاج �إىل �إيقاظ قلبه وحتريك عاطفته حتى الميان ،هذه املوعظة ت�شرتط تعود حركته �إىل قلب دائرة إ أ «احل�سن» بينما يوظف اجلدال بالـ» الح�سن» مع ذلك املخالف الذي نتطلع �إىل ا�صطياد عقله واال�ستحواذ على قلبه ليقتنع وي�ستجيب)19( . وهناك جملة من القيم أ والخالق مثل :عدم اخل�ضوع يف القول ،الثقة بالنف�س والو�ضوح ،النف�س الطويل ،اجلر أ�ة احلكيمة ،جدية الر�سالة و�صدقها ،جندها متجمعة يف موقف ربعي بن عامر أ�مام ر�ستم حني أ�جاب عن ال�س ؤ�ال املباغت املزلزل« :ما الذي أ�خرجكم»؟ ال�سالم أ�ن�ستطيع اجلزم ب أ�ن من يحاورون اليوم با�سم إ يحملون هذا الطموح :حترير ال�شعوب� ،إ�سعاد الب�شر؟ وي ؤ��سف اليوم ب أ�ن بع�ض ال�سفراء املعاقني يعطون االنطباع ال�سيئ آ للخر :أ�ننا نريد عك�س التيار ونحمل م�شروع �إجالء �صفادال�سالم النا�س(الغرب) من رحابة احلياة �إىل أ� إ و أ�غالله ،وخطة �سرية لك�سر متثال احلرية يف �شواطئ نيويورك لن�شيد ب أ�طالله معتقال أ للفكار واجل�سوم بحجم الياب�سة و�شرا�سة «غوانتنامو». مهمتان �ضخمتان على املحاور اليوم أ�ن ي�ضطلع بهما: ال�سالم! �إخراج النا�س من �ضيق الدنيا �إىل �سعة إ حترير النا�س من أ�غالل أال�سالم! الديان �إىل عدل إ �إنها مهمة �شاقة تنتظرنا ،أ�لدينا ا�ستعداد وجلد على عك�س السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
45
التيار الذي يجتاح العامل اليوم ،أ�نقدر على �إعادة تركيب ال�صورة امله�شمة؟ ت�سا ؤ�الت عوي�صة وم�شروعة تقت�ضي أ�جوبة حا�سمة بحجم تلك أ ال�سئلة وو�ضوحها. ( َو ِ�إ ْذ ُي ِري ُك ُموهُ ْم ِ�إ ِذ ا ْل َت َق ْي ُت ْم فيِ أ� َْع ُي ِن ُك ْم َق ِليلاً َو ُي َق ِّل ُل ُك ْم فيِ أ� َْع ُي ِنه ِْم) (�سورة أ النفال)25 :
بدائل تغييب احلوار
ال�سالمي لي�س لتنفي�س قلنا ،ونكرر ،ب أ�ن احلوار من املنطلق إ و�ضع حمتقن أ�و معاجلة ملع�ضلة م�ستع�صية ،و�إن كان من املمكن أ�ن ي ؤ�دي هذا الدور بنجاح وفاعلية ،لكن ذلك يبقى يف الحوال مهمة ثانوية ،أ� ّما املهمة أ كل أ ال�صيلة فهي أ�ن يظل الن�سانية و�إغناء احلياة احلوار نهجا ثابتا إلدارة العالقات إ الب�شرية ،هذه ق�ضية يجب أ�ن ن ؤ�كدها يف م�سعانا �إيل توطني ثقافة احلوار وتو�سيع دارته. فلنناق�ش هذه النقطة من خالل هذا الت�سا ؤ�ل :أ�ال تكون النتيجة ،حني يغيب احلوار أ�و يغيب ,وبالتايل التعويل على النهج اخل�شن ،ال�صدام احلتمي الذي ُي َب ّ�شر به مع اخلارج و�سوء اجلوار وت�آكل أ الخوة يف الداخل؟ ففي تاريخنا الفكري ما يدعم هذه الفكرة من خالل ما عرف بظاهرة �سد باب االجتهاد الذي كان من أ�رقى أ�نواع احلوار ال�سالمي يوم كان ال يف ظل البناء الفكري الذي �شاده العقل إ يزال هذا العقل يحتفظ باحليوية واحلركية. ال�سالمي ،بح�سب تركيبه الوا�سع واملتعدد �سيبقى املجتمع إ أ الطياف ،يف حاجة ،رغم تنوع و�شائج التوحد ومتانتها ،يف تعهد م�ستمر لتلك الروابط الداخلية على جميع امل�ستويات: العلمية ،والثقافية ،واملجتمعية ،واالنتمائية اجلزئية... فهذا احلوار امل�ستمر الذي ،عربنا عنه بالتعهد امل�ستمر ،هو الذي يحول دون تكد�س عوامل اجلفوة ،كما يثبت تاريخ أ المة عرب تلك املراحل احلرجة التي مرت بها. فمتى جفت ينابيع احلوار مع الذات وزحزح مبد أ� التوا�صل، لن يكون البديل �إ اّل منو ثقافة االحرتاب وجمادلة كل فرقة بالباطل لتدح�ض به ر ؤ�ى الطائفة أ الخرى ،ألن تغييب احلوار لن ينتج �سوى العقلية الفئوية املنحب�سة التي تنتع�ش يف أ�جواء ان�سداد املنافذ وتتغذى مبخلفات ال ّالفكر الناجت من ت�آكل الوعي وانكما�ش الفكر اجلماعي امل ؤ��س�س على اجلوامع امل�شرتكة. وقد حدد بع�ض املفكرين عوامل أ�ربعة تعرقل منو ثقافة ال�سالمية: احلوار يف الديار إ �ضيق أالفق لدى بع�ض العاملني. 46
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
اجلهل مبا لدى آالخرين والظروف التي متلي عليهم خيارات معينة. الطار ينكم�ش ويقلل من الدوافع ال�سيا�سية التي جتعل إ اال�ستقاللية. ال�سالم داخل دائرة التع�صب والتمذهب ال�ضيق الذي يرى إاالنتماء)20(. ومبثل هذه العوامل مت تدمري ثقافة احلوار التي كانت نامية يوما ما عندنا ،ثم حل حملها تيار وا�سع من حماوالت �شطب آ الخر �سواء أ�كان قريبا أ�م بعيدا. ال�سالمية ذات طبيعة حوارية التي وملا كانت احل�ضارة إ أ تتج�سد يف تلك العنا�صر ال�سا�سية التي عدها أ�حد الباحثني: «ال�شعاع ،واال�ستقبال ،والنقل ،والرتجمة ،واحلفظ» إ ( ،)21ف�إنها ت�ستعمل هذه العوامل ذاتها حني تتوجه �إىل آ اليجابية املعهودة لديها ،وباملقابل ف�إن تلك الخرين بتلك إ اليجابية ال ميكن تفعيلها �إال يف مناخ حواري هادئ العوامل إ وخم�صب. ومن النتائج املرتتبة على تغييب احلوار كذلك :ا�ستثقالالعمل الر�سايل على م�ستوى أ المة. �إتاحة الفر�صة لالمتداد يف الفراغ الذي �سين� أش� والالزمنة أ حمالة ،وحدث يف أ الخرية ،وف�ضال عن االمتداد يف داخلنا كان االمتداد يف ذلك الفراغ العاملي الذي أ�وجدناه الفريقية والبوذية يف �إفريقية و آ��سية وانتع�شت الوثنية إ ال�سالم ال�شرقية يف أ�وروبه مع حماولة و�ضع املتاري�س أ�مام إ الذي كان حا�ضرا بالقرب من قرون. �سوء الظن املتبادل الذي أ��صبح القاعدة ،وما يتبع ذلك منالبعد عن االعرتاف آ للخر مبا له و�إن�صافه ،وهو اجلو الذي ال تطيب فيه املقاي�سة النزيهة واملفا�ضلة الهادفة. ويف أ�جواء تغييب احلوار كان ميالد ذلك اجلنني امل�شوه الرهاب الذي أ��صبح أ��ضخم بند الذي يعرف اليوم بظاهرة إ يف أ�جندة العالقة مع اجلار الغربي ،ورغم ات�ساع املجال للمرافعة لتحديد اجلاين يف هذا التوجه املميت ،ف�إننا ال ن�ستطيع التمل�ص من قطنا من التبعية على أ القل يف ال�شق بالرهاب الداخلي. املتعلق إ يجمع من عالج الظاهرة على ت�صنيفها �إحدى جتليات تغييب احلوار مع الذات وجمابهة الواقع املائل بجر أ�ة و�صرامة؛ فبدال من ذلك أ�م�ضينا عقودا يف دغدغة العواطف املائجة وتلميع الواقع اخل�شن نا�سني ،أ�و متنا�سني أ�ن هذا الواقع يعمل وفق قوانني �صارمة ال بد من اخل�ضوع لها عاجال أ�م آ�جال.
ونختتم هذا ال�سرد ب أ�حد أ�خطر خملفات تغييب احلوار، أ�ال وهو اعتناق النا�س املذهب الذي عابه القر آ�ن وطارد معتنقيه بال هوادة ،مذهب فر�ض الر أ�ي وم�صادرة فكر آ الخر ثم اختزاله يف: ( ما أ�ريكم �إال ما أ�رى ) �سورة غافر ،آ الية 29 احلجاجية التي �شطبت ويف غيبة احلوار تفتك تلك البط�شة ّ م�صطلحات �إيجابية من قامو�س أ المة الفكري منها احلوار، وجعل هذا اجلنوح أ�حد أ�برز رواد �إيقاظ أ المة يحتج على هذا النحو احلازم: «كال!...فال�سالم مل يجعل ا�ستعباد النا�س(فكريا) ركنا إ �ساد�سا مع أ الركان اخلم�سة ،ولكنه يريد أ�ن يطهر الدنيا من أ�دران اال�ستبداد و أ�ن يدع تيارات الفكر احلر تقتحم كل جمال ،وتن�ساب يف كل ميدان. أ�جل نحن نريد ذلك ...ونود من غرينا أ�ن يوافقنا ،فهذه خطة ال غنب فيها وال �إجحاف» ()22 فاحلوار �إغناء وحماية واقتبا�س �إيجابي �شريطة أ�ن نعاجله على الطريقة التي ارت�آها أ�حد الرواد املعا�صرين: «ومن حق احلياة علينا ،ومن حقنا على أ�نف�سنا أ�ن نقتب�س ون�ستفيد ممن أ�ح�سنوا حيث أ��س أ�نا وممن متر�سوا بعلوم الطبيعة وتفقهوا يف أ��سرار الوجود يف الوقت الذي ا�شتغلنا فيه بعلوم اجلدل و أ�مثالها)23( »...
اخلال�صة:
ال�شكاالت الكربى مل�س أ�لة يبدو يل ،والعلم عند اهلل ،أ�ن إ احلوار قد ح�سمت يف هذه آ اليات البينات: ُ اب َت َعا َل ْوا ِ�إلىَ َك ِل َم ٍة َ�س َواءٍ َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم (قلْ َيا أ� َْه َل ا ْل ِك َت ِ َ للهَّ أ� اََّل َن ْع ُبدَ ِ�إ اَّل ا َو اَل ُن ْ�ش ِر َك ِب ِه َ�ش ْي ًئا َو اَل َيت َِّخ َذ َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا َأ� ْر َبا ًبا ِم ْن دُونِ اللهَّ ِ َف ِ�إ ْن َت َو َّل ْوا َفقُو ُلوا ْ ا�ش َهدُ وا ِب َأ�نَّا ُم ْ�س ِل ُمونَ يم َو َما ُأ�ن ِْز َل ِت ال َّت ْو َرا ُة اجونَ فيِ ِ�إ ْب َر ِ اه َ َيا أ� َْه َل ا ْل ِك َت ِ اب لمِ َ تحُ َ ُّ النجْ ِ ُ اج ْج ُت ْم يل ِ�إ اَّل ِم ْن َب ْع ِد ِه َأ�فَلاَ َت ْع ِق ُلونَ هَ ا َأ� ْن ُت ْم هَ ُ ؤ� اَلءِ َح َ َو ْ ِ إ اجونَ ِفي َما َل ْي َ�س َل ُك ْم ِب ِه ِعل ٌْم ِفي َما َل ُك ْم ِب ِه ِعل ٌْم َف ِل َم تحُ َ ُّ يم َي ُهو ِد ًّيا َو اَل َواللهَّ ُ َي ْع َل ُم َو َأ� ْن ُت ْم اَل َت ْع َل ُمونَ َما َكانَ ِ�إ ْب َر ِ اه ُ َن ْ�ص َرا ِن ًّيا َو َل ِك ْن َكانَ َح ِني ًفا ُم ْ�س ِل ًما َو َما َكانَ مِنَ المْ ُ ْ�ش ِر ِكنيَ) آ عمران:اليات.)67-64: (�سورة آ�ل ففيهن �إقرار مبد أ� احلوار املطلق ،ق�ضية املرجعية ،مطالب احلوار الكربى ،أ�خالقيات املتحاورين ،حتديد الهوية و�إبراز أ�هميتها ،منوذج املحاور الفا�سد ذي املرجعية املزيفة ،و�ضوح الق�ضية املطروحة...
الهوام�ش:
� -1شيخ حامد كان مفكر ًا �سنغالي ًا م�سلم ًا له رواية املغامرة الغام�ضة ال�شهرية عامليا وقد ترجمها الكاتب �إىل العربية. -2يراجع كتابه ماذا خ�سر العامل بانحطاط امل�سلمني. -3تعبري كان ال�شيخ حممد الغزايل (رحمه اهلل) ي�ستخدمه كثريا للتعبري عن امل�صلحني الواعني. -4حممد بن أ�بي بكر عبد القادر الرازي ،خمتار ال�صحاح ،ترتيب حممود خاطر ،دار املعارف ،م�صر.1973 ، -5جمد الدين حممد بن يعقوب الفريوز �آبادي ن القامو�س املحيط ،م ؤ��س�سة الر�سالة، دم1419 ،هـ 1998 /م. � -6سورة الكهف ،ا آليتني34:و.37 � -7سورة املجادلة ،ا آلية.1 : -8حممد ح�سني ف�ضل اهلل ،احلوار يف القر�آن ،ج ،1دار املن�صوري للن�شر ،اجلزائر، دت. -9حممد حممود حجازي ،التف�سري الوا�ضح ،املجلد الثاين ،جزء.15 -10حممد ف ؤ�اد عبد الباقي ،املعجم املفهر�س أللفاظ القر�آن الكرمي، -11ف�ضل اهلل ،م�صدر �سابق. -12يو�سف القر�ضاوي ،أ�ولويات احلركة ا إل�سالمية يف املرحلة القادمة ،مكتبة وهبة، القاهرة1421 ،هـ 2001 /م. -13القر�ضاوي ،أ�ولويات احلركة ا إل�سالمية ،م�صدر �سابق. -14حممد �سعيد ولد أ�باه ،ال�شباب امل�سلم مطلب االنفتاح :مناذج من غرب �إفريقية، بحث حمكم قدم يف امل ؤ�متر الرابع للندوة العاملية لل�شباب ا إل�سالمي ،الريا�ض2002،م. -15ح�سن �سيك ،االنت�صار لدين النبي أالمي عرب احلوار ا إل�سالمي امل�سيحي، � -16صفي الرحمن املباركفوري ،الرحيق املختوم ،دار الذخائر1414 ،هت1994/م، الدمام. -17حممد �سعيد ولد أ�باه ،ال�شباب امل�سلم ومطلب االنفتاح ،م�صدر �سابق. -18حممد اخل�ضري بك ،تاريخ الت�شريع ا إل�سالمي ،من من�شورات كلية الدعوة ا إل�سالمية ،طرابل�س ،دت. -19يو�سف القر�ضاوي ،أ�ولويات احلركة ا إل�سالمية ،م�صدر �سابق. -20حممد على الت�سخريي ،ت�شجيع أالن�شطة امل�شرتكة وتبادل اخلربات يف عمل الدعوة منعا لالزدواجية ،كتاب العمل ا إل�سالمي امل�شرتك ،الهدى للن�شر ولتوزيع1420 ،هـ/ 2000م ،دت. -21رغد كامل /منار ا إل�سالم ،عدد� ،ص.49 : -22حممد الغزايل ،اال�ستبداد ال�سيا�سي ،دار القلم1424 ،هـ ،2003 /دم�شق. -23عمر عبيد ح�سنة ،التفكري املق�صدي ،م�صدر �سابق.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
47
ﻭﺳــــــﻄـﻴـﺘـﻨــﺎ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ /ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ /ﻋﺎﺩﻝ ﺍﻟﻤﺎﺟﺪ »ﻣﻦ ﺁﻓﺎﻕ ﻭﺳﻄﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ« ﺃ.ﺩ .ﻣﺤﻤﺪ ﺃﺣﻤﺪ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺓ /ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻷﺭﺩﻧﻴﺔ /ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻭﺣﻠﺤﻠﺔ ﻋﻘﺪﺓ )ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ( ﺍﻟﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ /ﻧﺒﻴﻞ ﺷﺒﻴﺐ ﻣـﺴـﺘـﻘـﺒـﻞ ﺍﻹﻧـﺴـﺎﻥ ﻓـﻲ ﺍﻟـﻮﺳـﻄـﻴـﺔ ﻭﺍﻻﻋـﺘــــﺪﺍﻝ /ﺃﺣـﻤـﺪ ﺍﻟـﺘـﻮﻓـﻴـﻖ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺱ ﻣﺮﻭﺍﻥ ﺍﻟﻔﺎﻋﻮﺭﻱ /ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﻤﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﺛﻼﺛﻴﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻹﻧﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺯﻥ ﻭﺍﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ /ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻭﺳﻴﻢ ﻗﻠﻌﺠﻴﺔ /ﻣﻨﺴﻖ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎﻥ
ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ /ﺇﻋﺪﺍﺩ /ﺃ.ﺩ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺨﻄﻴﺐ ﺃﺩﻟﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ /ﻟﻠﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﺎﺯﻣﻮﻝ
وسطيتنا اإلعالم وثقافة الوسطية األستاذ /عادل الماجد
احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وبعد: ف�إن احلديث عن الو�سطية وثقافة الو�سط هو حديث عن مو�ضوع ال عد ّو له ومن هنا ت أ�تي �صعوبة وامتناعه هذا امل�صطلح ،وقد حاولت كثري ًا أ�ن أ�قر أ� ملن يرف�ض الو�سطية ألطلع على ر أ�يه ،فلم أ�جد لها عدو ًا ،وكل من تكلم عن الو�سطية بالغ يف الثناء عليها؛ فهذا الذي يكفّر جميع حكام امل�سلمني والوزراء يف كتابه يدعو للو�سطية وعدم التطرف بتكفري املجتمع كله ،ويحذ ّر من التطرف ،و آ�خر ال�سالم جاء ال�سالم واملعا�صرة ال يجتمعان ،و أ�ن إ يرى أ�ن إ حلل م�شكالت حمددة لزمان ومكان ،وال ين�سى أ�ن يحذر من التطرف ويدعو للو�سطية كما يقول( :ومن التطرف ما يدعو له بع�ض املثقفني يف املهجر من وجوب �إغالق دور العبادة (امل�ساجد) ،ومنع الزواج غري القانوين ،و أ�نا أ�دعو للو�سطية يف حرية اتباع أ�ي دين ،ولو أ�قام الزواج بطقو�س معينة). العالم �إن دعا �إىل الو�سطية فهو يدعو لق�ضية ال �إن إ العالم املفرت�ض هو جتلية ينازع فيها أ�حد ًا لذا ف�إن دور إ مفهوم (ثقافة الو�سط) و�صناعة بيئة هذه الو�سطية ،ألن الو�سطية م�صطلح يكمن غمو�ضه يف و�ضوحه. يقول أ�حد امل�شاركني يف ندوة (الو�سطية بني التنظري والتطبيق) التي عقدت يف املنامة من أ�عمال منتدى الفكر العربي ( :أ��شار العديدون من امل�شاركني أ�ثناء املداوالت �إىل أ�نهم و�صلوا �إىل البحرين وهم يعتقدون أ�ن الو�سطية مفهوم وا�ضح متام ًا ،و أ�نهم يفهمونه ،و أ�ن مهمة امل ؤ�متر أ ال�سا�سية هي البحث عن أ��سباب غياب الو�سطية عن مواقف وبع�ض النا�س �إال أ�ن أ�غلبية امل�شاركني ،وبعد يومني من املداوالت و أ�حيان ًا امل�شادات الكالمية ،خرجت وقد تبخر ما لديها من قناعات تتعلق مبفهوم الو�سطية� ،إذ �ساهمت آ الراء املتعددة التي ت�شعبت كثري ًا يف �إحالل الغمو�ض ،فكان الو�ضوح واالرتباك َّ حمل الثقة (�صحيفة البيان). ويقول د .حممد ربيع( :ور أ�ى أ�غلبية امل�شاركني أ�ن(الو�سطية) منارة تهدي ال�سفن ال�ضالة حني الو�صول �إىل البحرين ،وتركت البحرين امل�ضياف ،وهي على قناعة ب أ�ن 50
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الو�سطية لي�ست �إال �سفينة تائهة يف خ�ضم بحر كبري تع�صف به أ�مواج عاتية). ف�إذا التب�س املفهوم على نخبة املثقفني و أ�حدث فيما بينهم وم�شادات ،فكيف هو حال اجلمهور العربي يف هذا �صراع ًا ٍ الوقت الذي تباينت فيه آ الراء ،و أ��صبح ما تراه تطرف ًا ً و�سطية حممودة ؟ �شديد ًا يراه آ�خر العالم يف بناء ثقافة الو�سط هو يف �صناعة �إن جناح إ املفهوم ،وحماولة و�ضع أ��س�س وقنوات ت ؤ�دي �إىل (الو�سطية) على امل�ستوى الفردي واجلماعي ،وعلى امل�ستوى ال�سيا�سي والثقايف ،ويف ثقافة النخبة ويف وعي اجلمهور. �إن من أ��سباب ارتباك املفهوم هذا التداخل الوا�ضح بني مفهوم الو�سطية ومفاهيم أ�خرى ،فخذ على �سبيل املثال: مفهوم الو�سط واملنت�صف ،فهل الو�سط هو املنت�صف ألن الن�صف مفهوم ريا�ضي هند�سي يعني حيز ًا يت�ساوى ما قبله مبا بعده ،وعلى هذا تكون الو�سطية يف أ الخالق هي حالة يف الن�صف لي�ست ب أ�ح�سن اخللق وال رديئه ،وكذا هي (الو�سطية يف االقت�صاد� ،إذا �إنها حالة جتعل امل�شروع االقت�صادي ال رابح ًا وال خا�سر ًا لذلك ينكر د .حممد ربيع الو�سطية يف غري الن�سان الدين واملجتمع كما يقول� :إن من اخلط أ� أ�ن يكون إ و�سطي ًا فيما يتعلق يف االقت�صاد مث ًال). ويذكر آ�خر أ�نه ال ميكن أ�ن ندعو �إىل الو�سطية يف ال�صدق، فتكون �صادق ًا حين ًا وكاذب ًا حين ًا آ�خر. و�سبب التبا�س الفهم يف تف�سري الو�سطية باملنت�صف ،ألن كثري ًا من خ�صال اخلري هي بني خ�صلتني من ال�شر ،كالكرم وال�سراف وال�شجاعة بني اجلنب والتهور ،وحتى بني البخل إ اخل�صال اخللقية :فالطويل جد ًا والق�صري جد ًا وبينهما الو�سط. �إن مفهوم الو�سطية هي اخلريية وهي حما�سن أ المور ، {وكذلك جعلناكم أ�مة و�سط ًا}يعني أ�مة اخلريية ،وقو ُله تعاىل{ :قال أ�و�سطهم} يعني خريهم و أ�عقلهم ،والر�سل من أ�و�سط أ�قوامهم ن�سب ًا :أ�ي خريهم و أ�ف�ضلهم ن�سب ًا. العالم ت أ�كيد أ�ن (الو�سطية) هي اخلريية دائم ًا، �إن على إ الخالق مث ًال هي خري أ و أ�ن الو�سطية يف أ الخالق. واخللط آ الخر بني التطرف والعنف ،واملراد بهما ،وموقفيهما من الو�سطية ،أ�ن العنف ممار�سة عملية ميكن الق�ضاء عليها أ�مني ًا أ�و فكري ًا ،أ� ّما التطرف ف أ��سلوب يف التفكري يجب أ�ن المكان ،ألن التطرف �صفة ثابتة عرب الزمان يحا�صر قدر إ واملكان يف كل جمتمع وكل ح�ضارة. و يقول :د .حممد عمارة يف كتاب (الغلو الديني والالديني):
(وكذلك يجب أ�ال نطمح �إىل خلو جمتمعاتنا من أ�ية آ�ثار ملقوالت الغلو الديني التي مت ر�صدها ،و�إمنا يجب أ�ن نطمح �إىل حتجيم هذه الظاهرة ومن ثم تهمي�شها كي ال تكون مركز ال�سالمي الو�سطي جذب ل�شبابنا وال عائق ًا أ�مام امل�شروع إ للتقدم والنهو�ض) .فال�صراع احلقيقي حول (الق�ضاء على العنف وحتجيم التطرف). وميكن حتجيم التطرف بتو�سيع دائرة (الو�سطية) ،ألن هناك حماوالت متطرفة يف تعريف (الو�سطية) حتى أ��صبحت الو�سطية عملية �صعبة ب�سبب التعنت يف و�ضع ً ممار�سة فلعالم معني ب أ�ن يجعل من الو�سطية حـدود لها ،إ ً �سهلة وفق أ�طر مفتوحة وب أ�بعاد كثرية ،و أ�ن يجعل من التطرف م�صطلح ًا ين�سجم مع ا�سمه وال يتجاوز حدود أ�طرافه. والو�سطية أ�ي�ض ًا لي�ست �إجماع ًا� ،إنها �سعة حتتمل التناق�ض واخلالف ،وحتى ال�صراع� ،إذ �إنه ال ميكن أ�ن نقول �إن كل �صراع فيه أ�طراف متطرفة. �إن (الو�سطية) تختلف باختالف املجتمعات وتنوعها ، فالو�سطية يف املجتمع ال�سعودي ال تتطابق مع الو�سطية يف ال�سالمي لي�س املجتمع الفرن�سي مث ًال ،والو�سطية يف التيار إ فالعالم هي ذاتها الو�سطية يف التيار القومي أ�و التغريبي ،إ حينما ي�صحح مفاهيم الو�سطية البد أ�ن يدر�س اجلمهور املخاطب ،وكيف يفهم الو�سطية وما هي الو�سطية املرادة منه. والعالم ينبغي أ�ن يدرك أ�ن الو�سطية هي تغيري لعادات إ أ و�سلوك و�فكار ،تتم مبرحلة بطيئة ،ويكون جناح التغيري العالم يف جزء من ن�سبي ًا يف املجتمع املتطرف� .إن أ� َّثر إ عاداته و أ�فكاره فهو جناح ،و�إن بقي يف حيز التطرف ،ومن العالم يف بناء الو�سطية يف تغيري التعنت أ�ن نقي�س جناح إ اجلميع نحو الو�سطية ب أ��سلوب واحد ور ؤ�ية عامة ويف وقت ق�صري. العالم الناجح عندما ي ؤ�دي ر�سالته ب�شكل �صحيح ،ف�إنه �إن إ يدر�س املجتمع املخاطب ويعرف بيئته كي ينطلق من مفردات والعالم هو (الر�سالة) �إذ املجتمع ومن قوا�سمه امل�شرتكة ،إ �إن القنوات الف�ضائية وال�صحف واملجالت وال�شريط ومواقع النرتنت هي و�سائل �إعالمية ولي�ست �إعالم ًا .فاحلملة إ أ العالمية إلقناع اجلمهور بالو�سطية ال تكون ب�ضخ �كرب إ معلومات عن الو�سطية و أ�كرب قدر ممكن من �شتم التطرف والرهابيني �إمنا احلملة هي ر�سائل والرهاب إ واملتطرفني إ
مدرو�سة ومعدة من متخ�ص�صني ي�سعون نحو أ�هداف معلومة والرهاب املراحل ،وينظرون �إىل ظاهرة العنف والتطرف إ نظر ًة �شمولية. ومن هنا ف�إن غري املتخ�ص�ص ت�ستغرقه زاوية واحدة ، ت ؤ�ثر �سلب ًا على زوايا أ�خرى وتنعك�س �سلب ًا على معاجلة الرهاب وهو ال يعلم والرهاب ،بل رمبا نفع إ ظاهرة العنف إ ،لذا البد من أ�ن يجري احلديث �إعالمي ًا عن هذا املو�ضوع احل�سا�س بالتحليل والنقد والت�صويب والتخطئة على أ�ل�سنة متخ�ص�صني يف هذه ال� ؤ ش�ون ،ويقت�صر تعليق غري املتخ�ص�صني النكار فقط ،وهناك أ�مثلة كثرية على خدمات جمانية على إ للرهاب والتطرف قام بها �إعالميون غري متخ�ص�صني. إ أ الرهابي مبفكرين متميزين ،و�إن ومن اخلط� أ�ي�ض ًا ربط الفكر إ والرهاب خالفناهم ،ف أ�ي هدية أ�عظم من أ�ن ُيهدى التطرف إ أ�ر�ضية فكرية حينما يعزى �إىل فكر �سيد قطب وفكر أ�بي أ العلى املودودي ،و أ�حيان ًا فكر عاملي يف مواجهة م ؤ��س�سات الدولة ،كالفكر الفو�ضوي أ�و غريه� ،إن هذا الربط يوحي أ�ن الرهاب والتطرف له قراءة فكرية فاح�صة ،وينطلق من إ الرهاب هو �شباب �ضعيف التعليم أ��س�س مرجعية ،لكّن واقع إ �صغري ال�سن لو قر أ� �صفحة يف كتاب (معامل يف الطريق) أ�و غريه ما ا�ستطاع أ�ن ينطق كلماتها نطق ًا �صحيح ًا ف�ض ًال عن فهمها أ�و ت�شربها والعمل مبوجبها. والرهاب العالمية �ضد التطرف إ وعلى م�ستوى احلمالت إ هناك ممار�سات كثرية ال تخدم الق�ضية ،و أ�حيان ًا ت ؤ�ثر بنتائج عك�سية. الغراق يف مواجهة نوع من التطرف دون غريه ،يجري يف �إن إ نطاق خدمة تطرف آ�خر ملحا�صرة أ الول. فعندما كانت املواجهة �ضد ال�شيوعية كان احلديث عن اجلهاد يف أ�فغان�ستان غري متزن ،ويتحدث عن املوقف من �شرعيي ،وهذا ما جعل التطرف ال�شيوعي حديث ًا غري ّ يتوالد بيننا ون�سكت عنه على الرغم من علمنا به ،ب�سبب معركتنا مع ال�شيوعية واالحتاد ال�سوفيتي �سابق ًا على وجه التحديد. الرهاب والتطرف ،ولكنه العالم حرب ًا على إ واليوم ي�ضخ إ أ ال يتوازن مرة �خرى ،فهو يلوذ بال�صمت حيال االنحالل أ الخالقي والتطرف الفكري يف التبعية للغرب ،بل يحاول أ�ن يطم�س مفهوم القوة واحلرب والعدو ،والتي ت�شكل أ��صو ًال يف أ�ي ح�ضارة أ�و دولة� ،إذ حتتاج أ المة لروح التحدي واملقاومة ولكن وفق أ��س�س ونظام وقانون. السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
51
العالمي النا�ضج ال ت�ستغرقه اللحظة الزمانية �إن الفكر إ و�إمنا يعالج الق�ضايا بتوازن ب أ�بعاد زمانية ومكانية مدرو�سة. العالم متطرفون ي�ستغلون الو�سطية لبث تطرفهم ويقتحم إ العالمية . م�ستفيدين من حالة عدم االتزان إ ال�سالمي والقومي وال�شعوبي والعلماين هو �إن املتطرف إ متطرف ال ميكن أ�ن ي�سهم يف �صناعة الو�سطية ،وال م�صلحة العالم لرجل متطرف �سواء أ�كان ذلك البتة يف ا�ستخدام إ عرب مقاالته أ�م أ�قواله ،لكي ن أ�تي به للرد على تطرف آ�خر، معطني بذلك اجلمهور م�س ّوغ ًا للتطرف. �إن تعزيز أ�حد الطرفني هو متكني وتر�سيخ آ للخر ،و أ�قوى �سالح �ضد التطرف هو الو�سطية ،فوجود (القاعدة) مث ًال وعملياتها امل�شينة هي أ�كرب �إعانة ملمار�سة الفكر امل�سيحي املت�صهني أ�جندته يف املنطقة ،وكذلك تزداد فاعلية القاعدة ومن نحا نحوها فكري ًا وع�سكري ًا كلما ازداد تع�صب احلزب املت�صهني وبالغ يف ممار�سة أ�جندته. العالمي الكبري يف بناء الو�سطية أ�ن يفتح املجال فمن اخلط أ� إ ملتطرف لكي ينتقم من خ�صمه با�سم (الو�سطية). ومما ي�ضر بالو�سطية أ�ي�ض ًا عر�ضها عر�ض ًا بدائي ًا باهت ًا، �إذ جتد أ�ن التطرف يعر�ض فكره بالرباهني والدالئل، العالم ال يعتني ب أ��صول النقا�ش ال�صحيح ،بدعوى وجتد إ أ�نه �إعالم ينتمي للدولة أ�و يعرب عن عموم املجتمع أ�و أ�ن املتطرف والتطرف ال ي�ستحق جهد ًا ،و أ�ن الو�سطية هي احلق والعدل. العالم ال ي ؤ�ثر حتى ي أ�خذ معطيات التطرف بكل جد �إن إ واهتمام.و(الو�سطية) أ�حوج ما تكون أ�ن تعر�ض بو�سطية واعتدال ومنطقية ،و أ�ن تكون الر�سالة غري متوترة وال منحازة ،و أ�ال يعالج التطرف بتطرف مثله. �إن بناء (الو�سطية) يف املجتمع هو بناء أ�فكار ور ؤ�ى ،ومتى العالم ميثل الو�سطية بذوات ويخدمهم ،ف�إن فكر �صار إ (الو�سطية) يتج�سد بذوات فقط وي�صبح غري م ؤ�ثر ،وكذلك التطرف والعنف يجب أ�ن تن�صب على أ الفكار ال معاجلة ّ الذوات. �إن ا�ستخدام الذوات يف الو�سطية هو متثيل فقط على املمار�سة ولي�س ت�سويق ًا �شخ�صي ًا ألحد ،فاملوقف من أ ال�شخا�ص متذبذب أ� ّما أ الفكار فمعاملها وا�ضحة. للعالم هو ارتباط (الو�سطية) والتحدي الكبري يف ر أ�يي إ فالر أ�ي يف (اجلهاد) مبتغريات التاريخ وال�سيا�سة والفكر ّ ، 52
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
اليوم لي�س هو ذات الر أ�ي خالل الثمانينات على امل�ستوى الفكري وال�سيا�سي واالجتماعي وعلى م�ستوى الفتوى أ�ي�ض ًا. العالم فخالل اخلم�سينيات وال�ستينيات مث ًال :ما موقف إ العالم ممن يرى حق (�إ�سرائيل) يف الوجود ؟ وما موقف إ اليوم ممن يرى (فل�سطني) من البحر �إىل النهر وق�ضايا كثرية جد ًا؟ العالم بحاجة �إىل فكر قوي و�صريح يناق�ش املتغريات �إن إ مناق�شة �شفافة تبني يف أ المة مفهوم (املقا�صد ،وامل�صالح واملفا�سد ،واملمكن وغري املمكن). �إن أ�ف�ضل عالج حل�سا�سية هذه امل�صطلحات هو اقتحامها وعالجها ب�شفافية وتقبل الر أ�ي املعار�ض فيها ب أ�ريحية عالية. يقول املفكر الفرن�سي (ا�سبنيوزا) (احلقيقة ما قبل جبال البريينيه تعد خط أ� فيما بعدها). (الو�سطية) لي�ست منهجية القطار وال�سكة ،أ�ي لي�ست أ�فكار ًا على خط وا�ضح ثم تنطلق� ،إنها عملية م�ستمرة ومتتابعة حتتاج �إىل تعزيز دائم� ،إنها ال�صراط امل�ستقيم الذي أ�ُمرنا أ�ن ندعو اهلل أ�ن يهدينا �إليه ع�شرات املرات يومي ًا، والدعاء الدائم بالتوفيق ملا اختلف فيه ،و أ�ن يرينا احلق حق ًا ويرزقنا اتباعه� ،إنها جهود متوالية ودائمة حتث على م�سلك الو�سطية وتقلل من حجم التطرف يوم ًا بعد يوم. العالم هم ونختم املبحث ب أ�ن من يحمل لواء الو�سطية يف إ أ��شخا�ص ،لذا يجب اختيارهم بعناية لكي مي ّثلوا الو�سطية ب�سريتهم وطبيعتهم ،ولي�س من املنا�سب أ�بد ًا أ�ن ت�سند هذه امللفات املهمة ملن يعرف باخلبث وال�سوء ،أ�و أ�ن تاريخه مليء بال�صفحات ال�سوداء. �إن كثري ًا ممن أ��سلم من ال�صحابة يقول :نظرت �إىل وجه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فعلمت أ�ن وجهه لي�س بوجه كذاب ،وكان عليه ال�صالة وال�سالم يعتني بالر�سل للملوك والقبائل ،ألن الر�سالة والر�سل فيهما تداخل كبري. �إن (الو�سطية) م�صطلح جذاب وهو حق وعدل ،ومن الظلم أ�ن ن�ضع بني يدي هذا احلق ر�س ًال ال متثله . العالم (الو�سطية) ب�صدق و�إخال�ص وعمل وعندما يتمثل إ أ د ؤ�وب ،ف�إنه �سي ؤ�ثر قطع ًا ،و�سيكون �شاهد ًا على املجتمع ،لن ٌ مرتبطة بال�شهادة امل ؤ�ثرة . الو�سطية ال�صادقة (وكذلك جعلناكم أ�مة و�سط ًا لتكونوا �شهداء على النا�س).
وسطيتنا «من آفاق وسطية اإلسالم التركيز على المبادئ قبل الجزئيات» أ.د .محمد أحمد حسن القضاة /الجامعة األردنية /كلية الشريعة
يخطئ املربون آ�باء و أ�مهات ومعلمني وغريهم عندما ي�سرفون يف ح�شو أ�ذهان أ البناء والتالميذ باملعلومات اجلزئية النظرية ،ظانني أ�نّ الذكاء والنماء الفكري والرتبوي مرهون با�ستيعاب تلك املعلومات على كرثتها ،ويخرج النا�شئ �إىل ف�ضاء الواقع االجتماعي بعد ذلك ،فال يكون لتلك املعلومات الب�سيطة أ�ثر يف واقعه احلياتي ،فتتال�شى كل تلك اجلزئيات ال�صطدامها بواقع مغاير الجتاهها ال تقوى على مواجهته. أ ولو أ�ن مناهجنا �سلكت م�سلك غر�س املفاهيم والفكار العامة واملبادئ الكربى لكانت أ�فكار و�سلوكاتهم النا�شئة يف جمتمعهم غري ما هي عليه اليوم ،خ�صو�صا �إذا عا�شت هذه املبادئ والقيم الفا�ضلة ال�سليمة يف ظل واقع ي�سمح لها بالتحرك الخال�ص والعدل والنماء والعطاء ،فلو فهم النا�شئة مبد أ� إ والعزة والكرامة من النبع ال�صايف لهذا الدين العظيم لعلموا كم تبنى يف أ البناء من معان �سامية �إذا رافقتها همة تربوية ن�شطة عالية يت�سع �صدرها لبناء هذه املفاهيم واملبادئ جمردة غري مت أ�ثرة بالواقع. و�إذا كان من ال�سهل ت أ��صيل هذه املفاهيم وبلورتها ،ف�إن من ال�صعوبة �إعطاء املفاهيم واملبادئ نظريات ال �صلة لها بواقع النا�س وحياتهم اليومية اجتماعية واقت�صادية و�إدارية وثقافية و�سيا�سية� ،إنّ هذه املفاهيم واملبادئ حتتاج �إىل مناخ �إجتماعي يتالءم و أ�بعادها ،مناخ ُتزاول فيه الطاعة الخال�ص والعدل مثال أ�ق�صى مداها وحدودهاَ ،و ُيزاول إ والكرامة وغريها أ�بعادها و أ�ق�صى آ�مادها ،ولي�س �شرطا أ�ن الجتماعي �سليما ال عوج فيه حتى تعي�ش هذه يكون املناخ إ املفاهيم وتنمو ،بل املطلوب أ� ْن ُي�سمح لهذه املبادئ واملفاهيم أ�ن تعمل ،ولو كان املجتمع فا�سدا �إىل أ�ق�صى درجات الف�ساد، ف�إن هذه املبادئ واملفاهيم ال�صاحلة ال�سوية �سـت أ�خذ طريقها �ضد هذا التيار املنحرف الطارئ على حياة أ المة ،و�ستلوي عنقه ل ّي ًا يف نهاية املطاف ،كي يتم�شى وين�سجم وموازين املبادئ ال�صاحلة؛ ألنها مفاهيم ومبادئ غالبة ال حمالة، فالفطرة النقية ومعطيات العقل ال�سليم ،وما جاءت به اللهية ،ت ؤ�كد خلودها وغلبتها ،فالظلم ال يقوى ال�شرائع إ الخال�ص ،والذل ال على العدل ،والغ�ش ال يقاوم طويال إ
ي�صرع العزة والكرامة . �إن املجتمعات املعا�صرة تريد من هذه املبادئ واملفاهيم �نأ حتمي الواقع اخلاطئ مل�ساراتها االجتماعية وال�سيا�سية والدارية واالقت�صادية والثقافية وغريها ،و�سيكون إ لتلك املبادئ واملفاهيم يف ظل هذه النظرة نف�س قوتها الفعالة ال�سابقة ،ولكنها قوة يف جانب ال�سلب ،ومع التيار االجتماعي اخلاطئ ال �ضده ،فالطاعة حني تقطع من أ��صلها أ الول ت�صبح طاعة عمياء حمدودة مبتذلة تعني التملق واملح�سوبية ،وتنمي يف الفرد الذل واخلذالن وتقتل همة الرتقي ،وت�صبح الت�ضحية ت�ضحية لتعميق الواقع آ الثم، وكذلك جتهز العدالة على بقية العدالة؛ ألنها �ست�ضفي على الباطل أ��صباغ العدالة الزائفة ،وهكذا �ست�صبح العزة نذالة وذال ومهانة؛ ألنها �ستكون عزة مبقدار القرب من القائمني على هذا الواقع اخلاطئ. و�إذا أ�ردنا تعديل امل�سار الرتبوي ،فال بد من بناء النا�شئة وفق املبادئ واملوازين امل�ستقاة من نبع عقيدتنا ،وال بد ثانيا من ترك تلك املبادئ واملوازين تعالج عن طريق ه ؤ�الء النا�شئة الواقع االجتماعي ،و�سرنى التغيري االيجابي الذي يثري العجاب والده�شة ،لقد حقق مربي الب�شرية ور�سولها حممد إ أ �صلى اهلل عليه و�سلم النتائج اخلريية املثمرة عندما �ر�سى هذا املنهج يف الرتبية بوحي اهلل ،وتوجيه القر آ�ن العظيم ،ف�سلك أ��سلوب الرتبية يف غر�س املبادئ واملفاهيم الكلية ،والتغا�ضي أ�و �إهدار اجلزئيات ،ثم ترك لتلك البناءات الرتبوية من الرجال والن�ساء تقوم بعملها وفق تلك املبادئ �ضد تيار املجتمع يف جميع م�ساراته ،وا�ستطاع الر�سول الكرمي بهذا املنهج ال�سليم أ�ن ُيربي ال أ�طفاال يتعهدهم منذ ال�صغر ،بل رجا ًال اعتادوا حياة اجلاهلية ومنت يف وجدانهم ،و�سرت يف دمائهم ،و�إذا كان من ال�صعب أ�ن تغري عادة ما يف املجتمع ،فما بالك بتغيري حياة اجتماعية بكاملها ،بعاداتها ،وتقاليدها، و أ�و�ضاعها و أ�فكارها واعتقاداتها ،لقد ا�ستطاع النبي الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم بهذا املنهج الرباين ال�سليم ان ُيغري ذلك الواقع كله ،بل يغري وجدانهم ،ويجدد دماءهم ،وي�صنع منهم أ�مة ُتذكر باخلري ،على مر التاريخ �صنعها بف�ضل اهلل ورعايته يف حقبة زمنية وجيزة ،وبغري هذا أ ال�سلوب حتتاج أ المم �إىل قرون كي يكتمل لها البناء ولن يكتمل ،فال بد من وقفة تربوية جادة لواقع مناهجنا و أ��ساليبها ،كي ُتعدل وفق غر�س املبادئ واملوازين واملفاهيم أ�وال وت أ�خري النظر يف اجلزئيات؛ ألنها �ست أ�تي تباعا لتكمل املنظومة الرتبوية أ الخالقية الهادية للتي هي أ�قوم ،م�صداقا لقوله عز وجل ((�إنّ هذا القر آ�ن يهدي للتي هي أ�قوم)). السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
53
وسطيتنا المسلمون في أوروبا وحلحلة عقدة (اإلرهاب) الربط بين الوجود اإلسالمي في الغرب وأعمال العنف غير المشروع نبيل شبيب
بعد يوم واحد من حلول الذكرى ال�سنوية اخلام�سة لتفجريات حمطة قطارات مدريد (2004/3/11م) أ�علنت ال�سلطات الهولندية اعتقال �سبعة من امل�شتبه ب أ�نهم كانوا يعدون لعمليات تفجري يف العا�صمة الهولندية أ�م�سرتدام، ّ وذكرت ال�سلطات امل�س ؤ�ولة أ�نهم جميعا من امل�سلمني ،من حملة اجلن�سية الهولندية ذوي أ ال�صول املغربية .وال يزال من املبكر �ساعة كتابة هذه ال�سطور اجلزم بحقيقة اال�شتباه ومداه وباملعلومات التف�صيلية� ،إمنا يطرح احلدث جمددا ما �سبق طرحه مع عمليات التفجري يف مدريد ويف لندن خالل الرهاب ال�سنوات القليلة املا�ضية ،و أ��صبح منطلقا للربط بني إ من جهة ،مبعنى ارتكاب العنف غري امل�شروع بعيدا عن معاين املقاومة امل�شروعة يف أ�ر�ض حمتلة ،وبعيدا عن أ��شكال ال�صراع بالو�سائل امل�شروعة بني احلق والباطل على جميع ال�سالمي الب�شري امل�ستويات ويف كل مكان ،وبني الوجود إ يف البلدان أ الوروبية من جهة أ�خرى ،وعلى وجه التحديد أ الجيال ال�شابة التي ولدت الن�سبة العظمى منها يف هذه البلدان ،فهي مواطنها واقعيا ،و�إن كان أ الجداد قد قدموا يف حقبة ما�ضية من بع�ض أ ال�سالمية� ،إ�ضافة �إىل القطار إ ال�سالم من ذوي ن�سبة متزايدة من ال�شبيبة الذين يعتنقون إ ال�صول أ أ الوروبية. يجب فك هذا الربط النكد واخلطري: لي�س انطالقا من منظور م�صلحة الدول أالوروبية حتديدا، هذا مع وجوب التمييز الدقيق بني م�صالح أ�وروبية م�شروعة ميكن االنطالق منها و أ�خرى مطامع غري م�شروعة ت�صل �إىل م�ستوى تر�سيخ الهيمنة واال�ستغالل على ح�ساب آ الخرين وهذه مرفو�ضة ،بغ�ض النظر عن موقع املرء وانتماءاته.. بل انطالقا على وجه التحديد من منظور م�صلحة الوجودال�سالمي يف أ�وروبا والغرب عموما ،وقد أ��صبح ميثل قطعة إ 54
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
اليجابي املتنامي ،يف من املجتمعات الغربية ،وله مفعوله إ الوقت احلا�ضر ،وميكن أ�ن يكون له م�ستقبال مفعول أ�كرب و أ�و�سع نطاقا مبا ي�شمل �صناعة القرار على �صعيد ق�ضايا ال�سالمية نف�سها. البلدان إ يجب حلحلة هذا الربط وفكه ب�صورة قاطعة ونهائية ،مع التمييز الدقيق بني ثالث فئات: ( )1من يعملون لذلك من امل�سلمني يف أ�وروبا ،وينطلقون من ال�سالم عقيدة وتطبيقا ،ويعي�شون يف جمتمعاتهم أ الوروبية إ ملتزمني ب�إ�سالمهم ،وما يوجبه عليهم يف بلدان ال ميثلون فيها غالبية �سكانية ،وه ؤ�الء هم الغالبية بني امل�سلمني يف أ�وروبا)2(.. من يعملون على تر�سيخ هذا الربط من بع�ض اجلهات غري امل�س ؤ�ولة ،من غري امل�سلمني ومن امل�سلمني على ال�سواء)3(.. ال�سالم من ميار�سون تفكريا وتعبريا و�سلوكا ما يتناق�ض مع إ ( أ�وال) ،ويتناق�ض مع م�صلحة امل�سلمني يف الغرب ويف ال�سالمية (ثانيا) ،ومع م�صلحة الدول الغربية البلدان إ وجمتمعاتها (ثالثا) ،وي�سري عليه ما يطلق عليه الغربيون الرهاب ،وهذا ما منيزه متييزا دقيقا عندما ن�ستخدم و�صف إ ال�سالمي و�صف العنف غري امل�شروع ،غري غافلني من املنطلق إ عن املعنى الذي تقرره آ الية الكرمية (ترهبون به عدو اهلل وعدوكم و آ�خرين من دونهم) والتي ال ي أ�تي �سياقها وفق آ اليات ال�سابقة لها والتي تليها ،مبعر�ض الدعوة �إىل القتال ،بل على النقي�ض من ذلك ي أ�تي مبعر�ض احلديث عن تثبيت ال�سلم امل�شروع ،وعن «�إرهاب» العدو أ�ن ينق�ض العقود واملواثيق في�سبب قتاال ،ومن �شاء فلريجع �إىل تلك آ اليات يف �سورة أ النفال. الرهابي غري امل�شروع ،أ�و �إن الذين يرتكبون أ�عمال العنف إ يدعون �إليها ،أ�و ي ؤ�يدونها ،أ�و ي�س ّوغونها مب�سوغات مرفو�ضة تتجاوز التف�سري املطلوب لها ولدوافعها و أ��سبابها من أ�جل فهم ال�سلوب أ الظاهرة ليمكن حتديد أ الجدى للتعامل معها.. ه ؤ�الء ال يلحقون ال�ضرر فقط بفهم الب�شر من م�سلمني وغري لل�سالم على حقيقته ،وهو دين احلق والعدالة م�سلمني إ واخلري والرحمة وال�سماحة وحترير العباد ،جميع عباد اهلل ،من خمتلف أ��شكال الرق والعبودية واال�ستبداد واال�ستغالل ..ودين توظيف القوة يف خدمة ذلك كله ،ولي�س توظيفها فيما يتناق�ض معه ،بل يلحقون ال�ضرر أ�ي�ضا على
أ�ر�ض الواقع ،بامل�سلمني وق�ضاياهم يف كل مكان ،و�إن زعموا نقي�ض ذلك. ال�سالمي يف لي�ست الق�ضية هنا ق�ضية دفاع عن «الوجود إ الغرب» وال�سعي أ�ن يكون م�ساملا آ�منا بعيدا عن املواجهات مع ال�سلطات أ�و مع حكومات ت�شارك يف أ�عمال عدوانية �ضد �شعوب م�سلمة وق�ضايا �إ�سالمية ..وذاك أ�و ما ي�شابهه بع�ض ما تردده أ�قالم ال يريد أ��صحابها فهم الكالم كما هو، في ؤ�ولونه على ح�سب أ�هوائهم ليوزعوا االتهامات ذات اليمني وذات ال�شمال �ضد كل من ال يتبع أ�هواءهم. وبكل و�ضوح: �إن رف�ض العنف غري امل�شروع الذي ُيرتكب داخل حدود البلدان أ الوروبية ،أ�و يف الغرب عموما ،ال يكون قوميا و�سليما ما مل ي�شمل ( )1رف�ض العنف غري امل�شروع خارج تلك احلدود أ�ي�ضا ،وما مل ي�شمل ( )2رف�ض العنف غري امل�شروع الذي متار�سه تلك الدول أ�و �سواها ،يف أ�ي مكان ،وما مل ي�شمل ()3 الن�سان عموما ،من رف�ض العنف غري امل�شروع الذي ي�ستهدف إ امل�سلمني وغري امل�سلمني ،وما مل ي�شمل ( )4رف�ض العنف غري امل�شروع من جانب اال�ستبداد املحلي واال�ستبداد العاملي ..وما مل ي�شمل أ�ي�ضا ( )5الت أ�ييد دون حتفظ ال�ستخدام القوة امل�شروعة بالو�سائل امل�شروعة ،للدفاع عن النف�س ،أ والر�ض، الن�سان وكرامته وحرياته أ ال�سا�سية، واحلقوق ،وعن جن�س إ �ضد من ميار�س العدوان ،واالغت�صاب ،واال�ستغالل ،مبختلف أ ال�شكال ويف أ�ي مكان. مما ينبغي ال�سعي �إليه هذا الرف�ض ال�شامل املتكامل هو ّ يف حلحلة الربط بني امل�سلمني يف أ�وروبا و أ�عمال العنف الرهابي غري امل�شروع. إ �إن هذا الربط نا�شئ عن حتالف «غري مقد�س» -كما يقال- و�إن مل يكن مق�صودا ،ما بني دعاة العنف غري امل�شروع من ال�سالم ،فهم يوجدون جهةّ ، ممن يزعمون الدفاع عن إ لل�سالم الذرائع لهذا الربط ،وبني جهات و أ�و�ساط معادية إ عموما ولوجوده يف الغرب تخ�صي�صا ،من جهة أ�خرى ،فهي تعمل على تثبيت هذا الربط والرتويج له ،لت أ�ليب املجتمعات أ الوروبية على امل�سلمني فيها. و�إن هذا الربط اخلطري يعني فيما يعنيه: ال�سالم احلقيقية والتنفري منه. -1ت�شويه �صورة إ -2ت�شويه �صورة امل�سلمني وعالقاتهم ب�سواهم ودعم ذرائع من يعمل على التخويف منهم وعلى معاداتهم.
-3ن�شر اخلوف يف أ�و�ساط امل�سلمني ال �سيما جيل ال�شبيبة لل�سالم والدعوة �إليه داخل املجتمعات الغربية من العمل إ ال�سالمية خ�شية أ�ن تلحق بهم و�صمة الربط بني أ�ن�شطتهم إ امل�شروعة وبني املروجني للعنف غري امل�شروع ومرتكبيه. ال�سالمية -4ت أ�ليب غري امل�سلمني �ضدهم ،و�ضد الق�ضايا إ تعميما ،وت�شويه حقيقة أ�نها قائمة على احلق والعدالة الن�سان وحترير أ الوطان ،ودعم القوى التي ت ؤ�ثر وكرامة إ يف أ�و�ساط غري امل�سلمني ل�صناعة قرارات ارتكاب أ العمال وال�سيا�سات العدوانية جتاه امل�سلمني وبالدهم يف العامل ال�سالمي نف�سه. إ ال�سالمية ،النا�شطة وغري � -5إ�ضعاف مواقع اجلهات إ النا�شطة ،وجهات نا�شطة أ�خرى من غري امل�سلمني ،تعززت يوما بعد يوم من خالل متابعة أ الحداث اجلارية على ح�ساب امل�سلمني وق�ضاياهم العادلة ،واحليلولة دون تنامي ت أ�ثريها داخل املجتمعات الغربية لتقومي االنحرافات فيما ت�ساهم به على �صعيد �صناعة القرارات الدولية اجلائرة وتنفيذها. يجب أ�ن يو�ضع حد نهائي لهذا الربط اخلطري بذاته واخلطري بنتائجه و أ�بعاده ،وتقع امل�س ؤ�ولية أ�وال على عموم امل�سلمني أ�نف�سهم يف أ�وروبا ،فهم املطالبون بتعامل �إ�سالمي قومي هادف را�سخ مع أ الحداث ،ينطوي على الرف�ض القاطع الوا�ضح للدعوات التي يروج لها مرتكبو العنف غري امل�شروع وم ؤ�يدوه. ولكن دعاة هذا العنف أ�نف�سهم مدعوون أ�ي�ضا �إىل حمل ق�سط من هذه امل�س ؤ�ولية ،ف�إن �صح ما يقال �إنهم أ�خط أ�وا الو�سيلة نحو هدف م�شروع يتطلعون �إليه ،وهو رفع � أش�ن ال�سالم وامل�سلمني ،ف�إن ال�سالم وامل�سلمني وخدمة ق�ضايا إ إ هذا الهدف بالذات يحتم عليهم �إن �صدقوا مع أ�نف�سهم و�إ�سالمهم ،أ�ن يتخلوا عن الو�سائل التي ال تتناق�ض مع ال�سالم فح�سب ،بل ي�ستحيل أ��صال أ�ن حتقق هذا الهدف، إ �إمنا ي�صنعون بها عقبة أ�خرى من العقبات يف وجه امل�سلمني ال�صادقني املخل�صني امللتزمني ب أ�حكام دينهم وبالدعوة �إليه والعمل من أ�جله ،وه ؤ�الء �سيم�ضون على هذا الطريق� ،سواء أ�وجدت تلك الفئات أ�م مل توجد ،و�سوف يتحقق ذلك الهدف على أ�يدي أ�ولئك املخل�صني ،رغم العقبات الكبرية والعراقيل ال�سالم وخ�صومه وي�صنعها ال�ضخمة ،التي ي�صنعها أ�عداء إ امل�سيئون �إليه و�إن رفعوا عنوانه فوق �إ�ساءاتهم له. السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
55
وسطيتنا مستقبل اإلنـسـان في الوسـطية واالعـتــــدال أحـمـد الـتـوفـيـق
-1لو �سئل عامل بالقر آ�ن الكرمي واحلديث النبوي ال�شريف، عن مواقع ت أ��صيل االعتدال يف هذين أ ال�صلني ،الكتاب وال�سنة ،الحتج بن�صو�ص �صريحة عديدة تدعو �إىل عدم ال�سراف وعدم التطرف وال�سيما يف العبادة واملعي�شة. إ لكن ،من حق كل قارئ متدبر للقر آ�ن أ�ن يفرت�ض وجود آ�يات قر آ�نية تتناول املو�ضوع متناو ًال توجيهي َا �شمولي ًاُ ،تتخذ مدخال ملو�ضوع االعتدال يف �سياقه القر آ�ين كما هو موجه للنا�س كافة ،ثم للم�سلمني خا�صة. ولعل من تلك آ الرحمن اليات املباركات ما جاء يف أ�وائل �سورة ّ �إذ يقول عز وجل: الن َْ�سانَ * َعلَّ َمهُ ا ْل َب َيانَ (ال َّر ْح َمنُ * َعلَّ َم ا ْلق ُْر آ�نَ * َخ َل َق ْ ِ إ ال�ش ْم ُ�س َوا ْل َق َم ُر ِب ُح ْ�س َبانٍ * َوالن َّْج ُم َو َّ * َّ ال�ش َج ُر َي ْ�س ُجدَ انِ ِيزانَ * أ� اََّل َتطْ َغ ْوا فيِ المْ َ اء َر َف َع َها َو َو َ�ض َع المْ َ ِيزانِ ال�س َم َ * َو َّ يموا ا ْل َوزْنَ ِبا ْل ِق ْ�س ِط َو اَل ُتخْ ِ�س ُروا المْ َ ِيزانَ )�(.سورة * َو أ� َِق ُ الرح ّمن)9-1 : للن�سان تلك آ�يات ت�سع عظيمة ،جاءت يف البعد الكوين إ من حيث هو خملوق هلل تعاىل وبقطع النظر عن تدينه ب أ�ي دين من أ الديان ،آ� ٌ يات ُي�سفر تدبرها عن بنية قوية، ودائرة من دوائر الكمال التي يحفل بها القر آ�ن الكرمي. الجمال ،فاهلل تعاىل فهي تذكر اخللق ونظامه على �سبيل إ قدم ا�سمه الكرمي فيها با�سمه الرحمن ،لتغمر رحمته الن�سان أ والكوان� ،إن�سان ًا مل يخلق لي�شقى بالقر آ�ن ،ألن إ الن�سان ُع ِّلم القر آ�ن هو الت�صور الكامل مل�شروعه .ومع خلق إ والدراك ،لكي يكون قادرا البيان ،أ�ي أ�عطي املعرفة املميزة إ على أ�ن يعرف أ�مورا من نف�سه ،و أ�مورا تت�صل بربه ،وبالكون الن�سان ُ�سخرت الطبيعة من �شم�س وقمر املحيط به .ولهذا إ ٌ خملوقات جمبولة على ال�سجود ،لها وجنم و�شجر ،لكنها الن�سان في�ستطيع أ�ن برنامج دورانها وحيا ُتها املح�سوبة ،أ�ما إ يزيد وينق�ص يف برناجمه أ ال�صلي ،أ�ي يف العمل بالقر آ�ن، ُ درجة املطابقة أ�و املخالفة يف التطبيق ،ال ل�شيء من حيث �إال ألنه خملوق ُركب على احلرية التي بها عد من أ�رقى املخلوقات .وقد غابت حكمة هذه احلرية عن املالئكة 56
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الن�سان ُ وك�شفوا بجانب من عندما علموا مب�شروع خلق إ َ ((قا ُلوا َأ�تجَ ْ َع ُل ِفي َها َم ْن ُيف ِْ�سدُ ِفي َها َو َي ْ�س ِف ُك طبيعته، اء َو َن ْحنُ ُن َ�س ِّب ُح ِب َح ْم ِد َك َو ُن َقدِّ ُ�س َل َك ۖ َق َ ال ِ�إنيِّ أ� َْع َل ُم َما الدِّ َم َ اَل َت ْع َل ُمونَ )(البقرة)30: ي�ستخل�ص من كالم املف�سرين لبع�ض أ�لفاظ آ اليات التي أ�تينا بها من �سورة الرحمن أ�ن امليزان هو العدل أ�و و�سيلته احلكم، و أ�ن الطغيان فيه ا َ ت�ضييع العدل، جل ْو ُر والظلم ،و�إخ�سا َره ُ فيت�ساوى يف العواقب الظلم مع ترك املجال للفو�ضى. الن�سان باحلريةُ ،دعي �إىل �إقامة امليزان وهكذا ،فمع متتيع إ بالعدل :أ�ن يعدل يف حق ربه فال يطغى ،ويعدل يف حق نف�سه فال يظلمها بامليل مع الهوى ،ويعدل يف حق بني جن�سه فال يه�ضم حقوقهم .وقد يكون العدل يف املكاييل من جملة العدل املطلوب هنا يف املعامالت ،ولكن الوا�ضح أ�ن امليزان الذي ينا�سب مقام هذه آ اليات ال ميكن أ�ن يقت�صر فهمه يف �سياق ما ي�سمى اليوم بقاعدة احرتام الزبون ،أ والوىل أ�ن يفهم منه ميزان املحا�سبة وامل�سئوول ّية الكربى الذي َين�صبه الن�سان يف أ�عماقه فردا كان أ�و جماعة ،معيا ُره العمل إ أ أ بالقانون و�صفته االعتدال� ،ي و�ضع المور يف موا�ضعها. يف هذا ال�صدد ذهب الربوفي�سور ف�ضل الرحمن ،رحمه اهلل، ال�سالم لي�ست طريقا لالختيار �إىل القول ب أ�ن الو�سطية يف إ بني عدة طرق ،بل هي الطريق أ الوحد ،ألنها طريق الوقوف مع احلق الذي جنتهد با�ستمرار يف الو�صول �إليه يف كل أ المور ،ولي�ست الوقوف يف نقطة بني احلق والباطل. فالعدل لي�س عمال حياديا بل هو التزام وميل �إىل جهة احلق ،كما يقول ابن عربي يف <الفتوحات> ،ومادة َعدَ َل يف العربية ت ؤ�يد ذلك. ال�سالم �إنه دين امليزان، وبهذا املعنى ميكن أ�ن يقال اليوم عن إ الن�سان كما نقول �إنه دين الو�سطية واالعتدال ،و�إمنا ُدعي إ �إىل ا�ستعمال هذا امليزان ل�سبب ولغاية. ف أ�ما ال�سبب أ فلن خلقه جاء على ِفطرة ارتبطت فيها حريته الخ�سار بثمنها ،وهو تعر�ضه لهوى الطغيان من جهة ،وهوى إ واخل�سران من جهة أ�خرى ،و أ�ما الغاية فهي حتقيق برناجمه ال�صالح يف أ الف�ساد فيها. الر�ض وعدم إ القر آ�ين الذي هو إ الن�سان م ؤ�هل لهذا امل�شروع -2وهنا ال بد أ�ن نت�ساءل :هل إ ال�صالح ورمزه الفالح ومنهجه �إقامة ميزان الذي عنوانه إ العدل واالعتدال ؟ نعم هو م ؤ�هل بحكم ما ت�ضمنه الربنامج أ ال�صلي املبينَّ يف قوله تعاىلَ (( :و ِ�إ َذ ا ََخ َذ َر ُّبك ِم ْن َب ِني آ� َد َم ِمن ُظ ُهو ِر ِه ْم ُذ ِّر َّيا ِته ِْم َو أ� َْ�ش َهدَ هُ ْم َع َلى َأ� ْن ُف ِ�سه ُِمَ :أ� َل ْ�ستُ ِب َر ِّب ُك ْم ؟ َقا ُلوا َب َلى )) (�سورة أ الن�سان معرتف العراف )172:أ�ي �إن إ يف جوهره بربوبية خالقه وبارئه.
القرار بهذا امليثاق أ ال�صلي خ�ضع ملقت�ضيات احلرية لكن إ وما تقت�ضيه من االجتهاد والتفا�ضل .فعندما نبحث يف أ��صل الن�سان من الفطرة جنده يف ذلك النفخ الذي نفخه اهلل يف إ المانة التي حمله �إياها ب أ�ن جعله يف أ روحه ،ثم يف أ الر�ض خليفة ،ثم �إنه �سبحانه وتعاىل أ�لهمه فجوره وتقواه ،وهداه النجدين ،وجعله على نف�سه ب�صرية ولو أ�لقى معاذيره، و أ�عطاه علما خالقا ومتييزا .بيد أ�ن من �ضمن حرية الن�سان خيا َره يف أ�ن ي�ستمع �إىل فطرته أ�و ال ي�ستمع �إليها، إ ((�س ُنق ِْر ُئ َك َف َال َتن َْ�سى لذلك أ�ر�شده اهلل �إىل الذكر بقولهَ : اء اهلل))(�سورة أ ِ�إ َّ العلى ،)7-6:و أ�علمه عز وجل ال َما َ�ش َ اليجابي يف حريته :بقوله تعاىل: بتدخله إ (( َو ُن َي ِّ�س ُر َك ِل ْل ُي ْ�س َرى)) (�سورة أ العلى.)8: الن�سانُ ،خلق �ضعيفا هلوعا ومع ما ُو�ضع من خري يف فطرة إ جزوعا منوعا عجوال ،وهذا َّ ال�ض ُ عف هو الذي يجعله يرتخي عن اليقظة الدائمة فيقع يف الظلم ويخرج عن االعتدال. ً ذاتية فلي�س له �إال االجتها َد وال َك ْد َح ليوقظ يف نف�سه دواف َع ً وطاقة ترقى به حتى ال مييل و ُيخ�سر امليزان. حتميه، أ �إن الكالم عن الفطرة التي لها عالقة بالت�هل لالعتدال على م�ستوى الفرد ،يقابله الكالم على القوانني التي حتكم الن�سان على م�ستوى اجلماعة .اعتدال ي�ضمنه �سلوك إ االجتهاد الد ؤ�وب لعدم امليل عن اجلادة ،هذا يتطلب يقظة وتوترا م�ستمرا عند من يخاف مقام ربه وينهى دائمة ،بل ً النف�س عن الهوى. فالتوجيهات القر آ�نية التي جاءت لتجاوز االختالالت على �صعيد املجتمع تراعي أ�ن أ�مر اجلماعة أ�مر م�شرتك معقد، يثري بال�ضرورة كثريا من أ�وجه اخلالف ،لذلك تلج أ� اجلماعة �إىل تنظيمه بامل ؤ��س�سات ،ورمبا كان هذا هو ال�سبب الذي نفهم على �ضوئه ت�شدد القر آ�ن يف رف�ض انحراف اجلماعات أ�كرث من ت�شدده يف رف�ض انحراف أ الفراد ،ألن انحراف اجلماعة قد يت�سبب يف انحطاط ح�ضارات ب أ�كملها َ مثل تلك التي ذكر القر آ�ن أ�نها ا�ضمحلت لتف�سخ أ�خالقها وفقدها حلرارة التقوى ال�ضرورية حل�سن اال�ستمرار. ال�سالم �إيديولوجية ل�ضمان االعتدال يف �سلوك وقد و�ضع إ أ اجلماعة �سماها بالمر باملعروف والنهي عن املنكر ،وغاية هذه أ يديولوجية هي التقومي الدائب من أ�جل االعتدال، ال ِ ففكرة االعتدال من هذا املنظور فكرة تربوية ت�شمل كل موا�ضيع أ الخالق ،تلتقي فيها م�صلحة الدين مب�صلحة النا�س يف الدنيا.
ومن هنا نفهم أ�ن االعتدال لي�س ممكنا فح�سب ،بل ينبغي ال�سعي �إىل تنظيمه تنظيما قانونيا و�سيا�سيا ،والقر آ�ن يف�سره لنا يف مواطن متعددة بتطبيقات من خالل ق�ص�ص مناذج ب�شرية ،وهم الر�سل أ والنبياء ،ومن على هديهم من �صاحلي أ ُ مكانات الفطرية ال المم ،ممن تقاربت يف حياتهم إ ُ واملنجزات الفعلية التي حققوها. و�إذا بحثنا عن الظواهر الكربى للطغيان واخل�سران يف تاريخ الب�شرية قدميه و و�سيطه وحديثه ،وجدناها باخل�صو�ص تتمثل يف ا�ستغالل أ القوياء لل�ضعفاء أ�فرادا وجماعات و�شعوبا ،ويف التفكك االجتماعي ب�سبب ف�ساد أ الخالق التي ت�ضر اجلماعة �إىل حد تهديدها باالنحطاط. غري أ�ن ال�س ؤ�ال اجلوهري الذي ينبغي طرحه بعد ما قدمناه من متهيد ،يتعلق مبعرفة ال�سريورة التي ي أ�تي عن طريقها التعديل على م�ستوى املجتمع .فبالن�سبة للفرد يتوقف تعديل امليزان ،كما قلنا ،على تربيته تربية روحية كما يف قوله تعاىلَ : ((ق ْد أ� ْف َل َح َمن َز َّكاهَ ا)) (�سورة ال�شم�س،)9: وقد �سمى �صوفية امل�سلمني طريقهم طريق التزكية ،ا�ستنادا �إىل هذه آ الية ومثيالتها ،فالتزكية جمهود يغذيه �شعور مالزم لل�شخ�ص يتجلى يف مراقبة اهلل يف ال�سر والعالنية، َ جربيل عليه ال�سالم :أ�ن يلتقي باحلالة املو�صوفة يف حديث تعبد اهلل ك أ�نك تراه ،ف�إن مل تكن تراه ف�إنه يراك. أ�ما بالن�سبة للجماعة ،ف�إن امليكانيزم املت�ساءل عنه قد ورد بيانه يف قوله تعاىلَ (( :و َل ْو َ َّا�س َب ْع َ�ض ُهم ال ِد َفا ُع اهلل الن َ �ض َّل َف َ�سدَ ِت ا َ ال ْر ُ �ض)) (�سورة البقرة ،)251:فهذه آ�ية ِب َب ْع ِ من آ�يات �ضبط �سنة اهلل يف اخللق عن طريق ما نعرب عنه اليوم بالدينامية االجتماعية .وقد أ�تى الفخر الرازي يف تف�سريه لهذه آ الية مب�سائل واحتماالت خل�ص فيها �إىل أ�ن املق�صود هو دفع جميع أ�نواع املف�سدة بجميع أ�نواع الدفع المارة أ�ي الدولة. و أ�نواع الدافعني ،وعلى ر أ��سهم إ لو عر�ض امل�سلمون تاريخ الب�شرية على هذه آ الية ال�ستنبطوا منها نظرية يف االقت�صاد ال�سيا�سي قبل قول القائلني ب�شرح التاريخ على �ضوء �صراع الطبقات .لكن بع�ض امل�سلمني يفوتهم الفهم ال�شامل ألنهم يف�سرون القر آ�ن وك أ�ن ما جاء فيه �إمنا يهم عهد تنزله و حياة أ المم التي أ�خرب بها يف العهود القدمية ،ثم �إن بع�ضهم أ�ي�ضا فوتوا على أ�نف�سهم ال�شمل عندما غلبوا جانب أ الفهم أ الحكام يف القر آ�ن وتعاملوا معه ،ك أ�نه جمرد مدونة قانونية ،يف حني أ�نة كتاب الن�سان من مبدئه �إىل معاده. دين �شامل مل�شروع إ السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
57
�إن الكلمة الرئي�سية يف هذه آ الية هي كلمة «دفاع» ،ح�سب قراءة ور�ش عن نافع ،أ�و «دفع» ح�سب بع�ض القراءات أ الخرى ،فنفهم منها أ�ن امليكانيزم امل�شار �إليه يتمثل يف أ�ن هناك ميوال جماعية �إىل الطغيان ا�ستجابة مل�صالح حملية �ضيقة أ�و وطنية أ�و �إقليمية أ�و أ�مبرييالية أ�و غريها ،ونفهم من آ الية الكرمية أ�ن اجلماعة أ الخرى التي تنطلق من فكرة خمالفة ،تدافع اجلماعة الباغية لتوقفها عند حدها بال�ضغط املعنوي أ�و املادي فتكبحها عن طغيانها .وهكذا ُي�ستبعد الف�ساد يف أ الر�ض .وتاريخ الب�شرية مليء بهذه ال�سلبية يقابلها مث ُلها من املحاوالت التعديلية. املحاوالت ِ الن�سان اجلماعية ،كما بر أ�ها فهذا الدفاع �سنة حياة إ اهلل ،وقد وقعت بع�ض جتلياتها حتى على �شكل حروب أ�و ثورات. �إن امل�ست أ�ن�س بتاريخ الفل�سفة قد يجد لـما ذكرناه نظريا فيما ُعرف باجلدلية الهيجلية ،غري أ�ن ال�سنة الربانية املذكورة يف القر آ�ن لي�ست هي عقل التاريخ املجرد ،بل هي �سنة مو�صولة باخلالق املعلوم أ للعمال ،وهي �سنة ذات ق�صدية ال�صالح يف أ الر�ض ،وفق ما معرب عنها بو�ضوح ،أ�ال وهي إ الن�سان من م�صلحته. قرره الوحي ُ وع ِّلمه إ الن�سانية يف هذا امليدان ،وكان يف -3تراكمت جتربة إ خلفية دفع الف�ساد ما نزل من الوحي يف خمتلف الع�صور، وما قام به الر�سل أ والنبياء وال�صاحلون من �إر�شاد اخللق وهدايتهم ،وما تقدم به رواد الفكر الديني والفل�سفي من مذاهب يف احلكم والتعاي�ش نظريات ،وما ت أ��س�س عليها من َ داخل املجتمع الواحد أ�و بني أ المم وال�شعوب. ولكن املالحظة القوية التي يتوجب �إبدا ؤ�ها هنا ،والتي ُ التعامل مع التاريخ �إذا ا�ستح�ضرها امل�سلمون �س ُهل عليهم ٌ مالحظة تتعلق بكون تدافع اجلماعات من أ�جل الكوين، �إجراء �سنة اهلل يف جتنيب أ الر�ض الف�ساد ،تدافعا جرى معظمه خارج تاريخ امل�سلمني ،وجرى بوترية مت�سارعة يف الربعة أ القرون أ الخرية ،ف أ�ثمر تقدما ماديا ارتبط به تقدم فكري و�صاحبه تقدم �سيا�سي واجتماعي ُيلخ�صه اليوم نظام الدميقراطية ،وهي كلمة يونانية تعني حكم ال�شعب كما هو معلوم .ومما ي�ستحق االلتفات بهذا ال�صدد أ�ن كلمة الق�سط التي وردت يف �سورة الرحمنٌ ، كلمة التينية، و أ��صلها ،Justitiaومنها ا�ش ُتقت كلمات العدل يف اللغات الغربية مثل Justeو ،Justiceوم�ضمون م�صطلح العدل يف هذا أ ال�صل هو اال�ستقامة وال�صالح وااللتزام بتطبيق 58
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
القانون .وربانية القر آ�ن وكونيته جتعلنا نفهم ا�ستعماله للدخيل بالن�سبة لللغة العربية .وال ب أ��س يف أ�ن نقارن هذا االنفتاح بردود فعل متحجرة ن�صادفها عند بع�ض من يذهب يف وقتنا هذا �إىل التحرج من أ�لفاظ يعتربها دخيلة مثل لفظ الدميقراطية. �إن الفهم ال�شمويل للقر آ�ن الكرمي يف �ضوء ما ُيظهره اهلل الن�سانية هو الذي ي�سمح لنا باتخاذ آ�يات �سورة يف م�سرية إ الرحمن ،كما ا�ست�شهدنا بها ،أ��سا�سا للو�سطية واالعتدال، وهو الذي ميكِّن يف م�ستوى أ�على من ربط الو�سطية القر آ�نية باالعتدال ال�سيا�سي املطروح بو�صفة �إطار ًا تنظيمي ًا عام ًا الن�سان ،يف �صورة ن�سق الدميقراطية .ولي�س يف أ المر حلياة إ أ�ي ق�سر وال تع�سف ،وكيف ال وهذا النظام على م�ستوى الن�سانية ،كما هو معروف ،خال�صة تدافع تواىل آ�الف إ ال�سنني ،حتقق عرب اقرتاحات وتعديالت متوالية .وهو �إرث �إن�ساين م�شرتك لي�س موقوفا على أ�حد ،أ��سهم امل�سلمون يف أ��س�سه القيمية بحظ م�شهود ،بف�ضل ما جاءهم من نور القر آ�ن ،وما أ�قاموه من م ؤ��س�سات ،و أ�بدعوه من علوم نظرية وتطبيقية .و أ�ما ما جتاوزه التاريخ الب�شري من اقرتاحات نظرية وعملية في�صدق عليه قول احلق عز وجل(( :ف أ� َّما َّا�س َف َي ْم ُك ُث فيِ اءَ ،و َأ� َّما َما َي ْن َف ُع الن َ ال َّز َبدُ َف َيذْ هَ ُب ُج َف ً ا َ �ض))�(.سورة الرعد)17: ال ْر ِ ومثا ًال لتو�ضيح التدافع على امل�ستوى العاملي ال�شامل ،نذكر ما وقع يف احلرب العاملية الثانية يف القرن الع�شرين ،فقد أ��شعلها مع�سكر على أ��سا�س فكرة التفوق التي لو أ�نها انت�صرت ألف�سدت أ الر�ض ،مبعنى لعطلت مبد أ� الق�سط واالعتدال يف ميزان القيم كلها. واملع�سكر الذي تغلب يف احلرب رفع �شعار العامل احلر غرية على قيم يدبرها أ بال�سلوب الدميقراطي. �إن تاريخ الب�شرية ك ِّلها جرى على هذا املنوال حتى انتهى �إىل �صياغة فكرة الدميوقراطية وت�ص َّور نظا َمها ،انطالقا وبناء على من تفاعل أ�فكار دينية مثالية وقيم فل�سفية، ً وجتارب جتارب التدافع التاريخي بني أ�طراف املجتمعات ِ املطالبة بني احلاكمني واملحكومني .والنتيجة هي هذا النظام الذي ميكن تلخي�ص مالحمه �إجماال يف أ�مور ثالثة: ُ وتتمثل )1قيا ِم م ؤ��س�سات م�شتقة من مبد�إ �سيادة ال�شعب، يف اختيار هيئة ت�شريعية بانتخاب قانوين ،ويف وجود هيئة تنفيذية منتخبة من طرف ال�شعب أ�و خمتارة من طرف الربملان ؛
)2قيا ِم �شروط ال�شرعية ال�سيا�سية التي ي�ستند �إليها هذا النظام ،وتتمثل على اخل�صو�ص يف حق االقرتاع وامل�ساواة امل�شاركة فيه ،ويف حق اجلميع يف الولوج �إىل الوظائف ويف ِ حرية التعبري والعبادة والتجمع ؛ ال�سيا�سية ويف ِ )3قيا ِم م ؤ��س�سات مت أ��صلة يف مبد أ� �سيادة القانون وامل�ساواة حمددة لكل أ�مامه ،ووجود ق�ضاء م�ستقل نزيه وم�صادر ٍ آ الليات القانونية. ف أ�ين موقع امل�سلمني اليوم من هذه املكت�سبات الب�شرية ؟ � - 4إن تاريخ امل�سلمني يف ع�صرنا هذا يلتقي مبا ال خيار فيه ُ ثمرات بتاريخ كوين حتكمه ،يف الفكر وتدبري الت�ساكن، ال�صالح والتعديل، حركات التدافع املت�سارعة من أ�جل إ الن�سان -أ�ينما كان -يعرف طريقه العملي �إىل بحيث �صار إ احلرية والعدل .وقد أ�دت املالب�سات التاريخية �إىل اختالف ح�صرها �إجماال مواقف امل�سلمني يف هذا امل�شروع بحيث ميكن ُ يف ثالثة أ�وجه: موقف قبول يقول أ��صحابه �إن ثمرات هذا النظام فيما )1 ِ يتوخاه من العدل واحلرية تلتقي مبقا�صد الدين يف كثري من جوانبها . موقف حتفظ ب�سبب عدد من املظاهر الثانوية . )2 ِ بناء على فهم �ضيق للدين أ�و للدميقراطية، )3 ِ موقف رف�ضً ، بناء على مالب�سات تاريخية تزرع االلتبا�س حول هذا أ�و ً املو�ضوع. ولعل كل املتحفظني يقتنعون بهذا النظام ويرتاح �ضمريهم �إليه �إذا عرفوا أ�نهم ي�ستطيعون أ�ن ُي�سهموا يف تعديل توجهه الكوين احلايل .وقبل التعر�ض لهذا اجلانب نرى من املنا�سب أ�ن نت�ساءل :يف أ�ي �شيء يحتاج امل�سلمون �إىل الدميقراطية بو�صفها ً �سنة جماعية إلقامة الوزن بالق�سط ؟ فنقول �إن َ �سابقة عن هذا االقتناع: �سا�سية ثالثة �شروط أ� هناك ٍ ٍ ربا )1اعتبا ُر وقائع التاريخ الب�شري كله ملكا للم�سلمني وع ً لهم . اجتهاد ب�شري � )2إقرا ٌر ب أ�ن تاريخ امل�سلمني من حيث هو ٌ حمكوم بظروفه التاريخية ،مل ي�صل �إىل النتيجة املرجوة ٌ يف كثري من جوانب حتقيق املقا�صد ال�سيا�سية واالجتماعية لهذا الدين . ٌ قراءة �سليمة لعواقب بقاء امل�سلمني �إذا رف�ضوا )3 الدميقراطية على هام�ش حركة التاريخ الكوين دون �إ�سهام م�شهود.
والعالم يف بلدان �إن املت أ�مل يف امل�ضامني الرتبوية للتعليم إ امل�سلمني ،يجد أ�نها يف معظمها ال ت ؤ�هل الكبار وال النا�شئة لهذا الفهم ،بل يجدها تنطلق من فهوم فئات متيل �إىل اجلمود و أ�خرى متيل �إىل اجلحود. َ رب واعتبارا لكون هذا النظام نتيجة ُ�سنَّة كونية قررها ُّ رب العاملني يف املدافعة بني احلق والباطل ،ي�س ُهل على النا�س ُّ املت�شككني التخل�ص من عدد من العقد الفكرية والنف�سية الخذ اجلدي ال�صادق به ،مل�صلحة أ من أ�جل أ المة ولتحقيق أ�هداف مرجوة ،ن�شري �إىل ع�شرة أ�هداف منها باقت�ضاب: )1و�ضع مبد أ� ال�شورى مو�ضع التنفيذ .فقد جاء القر آ�ن وعطل؛ ألن قواعده مل تو�ضع ،أ ولن بهذا املبد أ� العظيم ُ امل�سلمني مل يهتموا بق�ضايا رئي�سية من هذا القبيل حتى قد َر اهتمامهم ببع�ض جزئيات العبادات على م�ستوى أ الفراد. والواقع أ�ن هذا أ ال�سلوب التطبيقي لل�شورى بهذا التعقيد ما كان ليخرج جاهزا من فكرة جمتهد واحد أ�و عدة جمتهدين، بل كان لزاما أ�ن يخرج من �سنة التاريخ كما تداولتها خمتلف أ المم ،أ�ي من تدافع اجتماعي و�صراع مديد. )2أ�ما �شكل احلكم الذي تتحقق به هذه أ الهداف فيقول عنه م ؤ�لف كتاب دولة القر آ�ن منذ خم�سني عاما: «والوهم الثاين الذي ورثناه من التاريخ البعيد ،وكرب يف الميان ب أ�ن احلكم �صدورنا حتى طم�س كل احلقائق ،هو إ ال�سالمي هو عودة اخلالفة بنظامها ومبادئها وهيكلها إ التاريخي القدمي ،باعتبار أ�ن قيامها بني امل�سلمني فري�ضة مقد�سة ال حمي�ص عنها وال حياة بدونها. وهو تفكري و�إميان مبعثه اجلمود اللفظي ،والتعلق الغريب بكل قدمي �ضارب يف أ�عماق املا�ضي ،وحماولة إل�ضفاء ال�صبغة الدينية على �صور احلياة و أ�لوانها بحق وبغري حق. ال�سالم �صريحا مبني اللحن ،وهو ير�سم أ الفق العام لقد كان إ ال�سالمية ،فقرر فيما قرر ،أ�ن من �سنن اهلل يف عباده، للحياة إ أ�ن ال تقوم دولة وال تنه�ض أ�مة �إال بحكومة عادلة ونظام حمكم ،فواجب امل�سلمني أ� ّال يبيتوا ليلة �إال ولهم حكومة قائمة ،وعلى ر أ��س هذه احلكومة �إمام أ�و حاكم أ�على ي�سو�س أ�مورهم بالعدل ،ويحكم بينهم بال�شورى ،وينفذ بينهم �شرائع اهلل. هذه هي ال ُك ِّلية العامة ،وعلى امل�سلمني أ�ن يطبقوا روح هذه ال ُك ِّلية بال�صورة التي يرت�ضونها وباال�سم الذي يحبونه، وبالتطور املالئم للتقدم الب�شري ،املت�سق مع معارف الزمان واملكان و�سنن العرف والعادة». السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
59
)3العمل مب ؤ��س�سات ي�شارك اجلميع يف اختيارها على أ��سا�س اعتقاد اخلري يف اجلميع ،وهو الذي يحرر امل�سلمني من الفكر النخبوي املبني على أ�نواع من التمييز التي تعود �إىل الثقافة ولكنها تلب�س لبا�س الدين. )4تنظيم القرار اجلماعي املبني على الفتوى يف ال� أش�ن العام ،وهو الذي ي�ضفي ال�شرعية على كل القوانني املنظمة للم�صلحة العامة ،وهذا هو فتح باب االجتهاد الذي حتري فيه امل�سلمون عدة قرون ،حتفظا منهم على الثقة باملراجع أ الفراد ،وهو الذي ما يزال يطرح م�شكلة �إىل يومنا هذا، للفتاء ال بحيث ال يت�صور أ�ن يت�صدى �شخ�ص فرد واحد إ على م�ستوى بلد واحد وال على م�ستوى عدة بلدان من أ�ر�ض امل�سلمني .وم ؤ��س�سة العلماء ،أ�ي م�شيختهم املخت�صة باخلربة يف ال� أش�ن الديني على م�ستوى كل بلد ،هي امل ؤ�هلة لهذا الفتاء ،وهي التي حتر�ص على أ� ّال تقع حالة يتناق�ض فيها إ القانون مع ن�ص �شرعي �صريح مقطوع به وجممع على حكمه، وهو ما ال ميكن أ�ن يت�صور وقوعه يف بلد �إمارة امل ؤ�منني. اللحتكام �إىل العقالنية امل�ستنرية بال�شرع والتح�صن من )5إ أ النزعات واحلركات ال�شاذة عن �إجماع المة ،مثل امتدادات فكرة اخلوارج ومثل أ�دعياء املهدوية .فقد أ�دى الكبت يف تاريخ امل�سلمني يف املا�ضي �إىل قيام أ��شخا�ص بادعاء امتالك احلل العادل بناء على اعتقادهم ال�صالح يف أ�نف�سهم واتهامهم املتطرف لغريهم .ولذلك ف�إن انخراط أ�مة يف التدبري الدميقراطي ال يرتك جماال ملثل هذا ال�سلوك الذي ال ت�ست�سيغه �ضوابط ال�شرع وال معايري العقل. )6تنظيم العمل ال�صالح ،أ�مرا ونهيا ،يف �إطاراته القانونية يف جو يتناف�س فيه النا�س يف اخلريات لنفع النا�س ،ويتفرغ فيه امل ؤ�من �إىل عبادة ربه يف اطمئنان ،بعيدا عن أ�ي فتنة أ�و ت�شوي�ش با�سم الدين والتدين. � )7ضمان تلبية الدولة للحاجات الدينية باعتبارها حاجات اجتماعية .وملا كان أ�مري امل ؤ�منني يف بلدنا �ساهرا على توفري تلك احلاجات ،فال حمل للمزايدة فيها حتى با�سم املطالبة الدميقراطية. )8جتنّب فتنة الت أ�ويل الفردي أ�و اجلماعي للن�صو�ص الدينية ،وجتنب قيام فئات دينية أ�و اجتماعية أ�و �سيا�سية بادعاء الو�صاية على � ؤ ش�ون الدين ،فالدميقراطية من هذه الزاوية من � أش�نها تنظيم حماية الدين .و يف �إطارها تنت�صب لغة النقا�ش واحلوار امل�سئول ،بعيدا عن االلتبا�س والغمو�ض ،وال يبقى مكان جلعل الن�صو�ص املقد�سة عر�ضة 60
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
للجدال والف�سوق� ،إذ �إن الكالم عن املقا�صد ب أ��سلوب �سيا�سي عملي عقالين ُتبتكر لغته مع املمار�سة يكفي للو�صول �إىل الغايات ال�سيا�سية املطلوبة. والن�صاف يف جمتمع معقد ،فقد كان �إجراء � )9ضمان العدل إ العدل حلم امل�سلمني مع توايل ع�صور تاريخهم ،وكان تعذر �ضمانه يف كثري من احلاالت أ��صل �شقاقهم و�شقائهم. )10تن�شيط أ�نواع احل�سبة �ضد أ�نواع الف�ساد ،وال�سيما فيما يتعلق بت�صريف املال ،ح�سبة تكون نتيجتها من َع أ�كل احلرام و أ� َ كل أ�موال النا�س بالباطل. -5فهذه بع�ض أ�وجه ا�ستفادة امل�سلمني املحتملة من االنخراط يف الدميقراطية .فهل ال�صيغة املتو�صل �إليها يف هذا النظام بلغت نهاية الن�ضج واالكتمال ؟ �إن قولنا عن التدافع التعديلي ب أ�نه �سريورة دينامية ولي�س و�سطية �ستاتيكية ي ؤ�دي �إىل القول ب أ�ن التطور الذي بلغه التاريخ الب�شري املت�سارع تفاوت يف حتقيق ثمرات وال�صالح ،ولكن أ�ح�سن ثمراته ،وهي الف�ساد إ التدافع بني إ الدميقراطية ،لي�ست نهاية الكمال� ،إذ �إنها ت�شكو نزعة فكرية �إق�صائية ،فهي كما تقدم نف�سها ،لي�ست جمرد أ��سلوب لالقرتاع وفرز أ الغلبية و�إن�شاء م ؤ��س�سات للنقا�ش حول ال� أش�ن العام ،بل هي كما يراها أ�حد منظريها الكبار ،وهو جورج بريدو ،G. Burdeauأ�عمق من ذلك� ،إذ يقول: «الدميقراطية اليوم فل�سفة ،وطريقة حياة ،بل هي دين، فم�ضمونها مبثل ما هو عليه من الغنى ي أ�تي من كون النا�س يرون فيها أ�ملهم يف حياة أ�ف�ضل» ( .انتهى كالم بريدو) فالدميقراطية تبدو من خالل مثل هذا الو�صف وك أ�نها تريد أ�ن تهم�ش ما ي�ساكنها من أ الديان ،وهو موقف من جميع أ الديان ،نتفهمه �إذا عرفنا أ�ن الدميقراطية جاءت يف �سياقها التاريخي احلديث رد فعل �ضد أ�نواع من الظلم واال�ستبداد والطغيان ،ا�ستعمل فيها الدين يف كل احل�ضارات لت�سويغ بع�ض امل�ساوئ واملفا�سد والتطرفات ،لذلك اقرتنت بتمجيد العقل كما لو أ�نه م�ضاد للدين ،على غرار ما ب�شرت به فل�سفة أ النوار يف أ�وروبا و أ�كدتة بيانات �صادرة عن عدد من الثورات .وكانت النتيجة هي التحفظ ،وال�سيما من �إقحام الدين يف ال� أش�ن ال�سيا�سي العام .ومن الناحية الق�صاء يف النزوع �إىل �إغالق الباب على الفكرية متثل ِ إ كل ما يهم أ والن�سان ال�سئلة الكربى املتعلقة باهلل وبالعامل إ والقيم والغايات والدالالت والتاريخ والوجود واخللود وامل�صري .وهذا االنغالق يعرب عن جانب مما �سمي ب أ�زمة
زمة ناجتة من فهم �ضيق للعقل ُيلغي كل أ�فق احلداثة ،أ� ٍ غري مبني على املح�سو�س ،وك أ�ن العالئق بني النا�س كالعطاء واملحبة ال معنى لها �إال فيما هو �ضروري ونفعي من تدبري أ�حوال العي�ش والت�ساكن. وال يت�صور أ�حد أ�ن مثل هذا احلرج واالرتياب بني الدميقراطية والدين تفر�ضه طبيعة أ المور يف بالد امل�سلمني ،بل �إن الذي ينبغي التب�شري به هو �إمكانية تدخل ال�سالم يف �إغناء النظام الدميقراطي بعد أ الخذ به قيم إ بجميع مقت�ضياته ،وال يتعلق أ المر بنق�ض �شيء مما قلناه من وجوب جتنب االلتبا�س على م�ستوى النقا�ش واخلطاب بني ما هو �سيا�سي وما هو ديني ،بل يتعلق بفر�ص الدميقراطية الميان لال�ستفادة على م�ستوى الفرد واملجتمع من قيم إ أ والخالق التي هي ر�صيد التدين وطاقة ذاتية عند ال�سالم يف اعتدال املتدين ،ومن هذا املنظور ميكن أ�ن ي�سهم إ الدميقراطية ب أ�مور منها: )1يعطيها املعنى الذي يجعلها تخدم غاية اهلل يف النا�س. ف�إذا كانت الدميقراطية ت�ستند �إىل حق طبيعي يف امل�ساواة، ف�إن امل�سلمني ميكن أ�ن يبنوا نظرية ا�ستحقاق احلقوق الن�سان من التكرمي ك ِّلها على أ��سا�س ما خ�ص اهلل به إ واال�ستخالف. )2يخ ِّلقها �سيا�سيا واجتماعيا على أ��سا�س م ُثل �سامية ورعاية أ�وا�صر املودة يف القربى الت�ضامن لوجه اهلل مثل ِ ِ الدمية وحمبة آ الخوة يف آ ورعاية أ الخرين .هذا الدور ِ التخليقي هو دور العلماء ،وهو أ�عظم أ الدوار ؛ ألنهم يف �سياق الدميقراطية يرتفعون فوق اخلالفات ،وير�شدون �إىل ال�سلوك ال�سوي وميثلون ب أ��شخا�صهم النماذج احلية للتقوى واالعتدال. )3يجعل لها حدودا و�ضوابط حتول دون انفتاحها على املجهول والدخول يف طريق م�سدود ُيوهم ب أ�ن الدميقراطية ٌ ٌ خال�صها بقبول مكتفية مبرجعيتها ،يتحقق غاية يف ذاتها، ُ ً روحانية ربانية. مرجعية من خارجها ،ال ميكن أ�ن تكون �إال )4يجعلها ت�سعى دوما �إىل املرور من حكم الكم �إىل حكم الكم والكيف معا ،أ�ي من حكم أ الغلبية العددية� ،إىل حكم الغلبية العددية اخلرية ،ومن فوائد َت َ�صدر أ أ الغلبية تقلي�ص أ�نواع اتباع الهوى عند امل�شاركني. اخلرية ُ )5يجعل امل�شاركة فيها واجبا �شرعيا ،بل يوجب تتبعها
وامل�س ؤ�ولية عن جناحها ا�ستجابة لقوله تعاىل: (( َو َ ال َت ْك ُت ُم ْوا َّ ال�ش َها َد َةَ ،و َم ْن َي ْك ُت ْم َها َف ِ�إنَّهُ آ� ِث ٌم َق ْل َبهُ )). (�سورة البقرة)283: )6يخفف من ُغ َلواء نزعتها الفردية ،ألن أ��سو أ� ما يف النزعة الفردية للحرية هو الرتكيز على ال�سعادة ال�شخ�صية ،واهلل يم)). تعاىل يقولُ ((:ث َّم َل ُت ْ�س َأ� ُل َّن َي ْو َم ِئ ٍذ َع ِن ال َّن ِع ِ (�سورة التكاثر)8: ً حرية تزن )7يجعل احلرية املرتبطة بالدميقراطية أ العمال بح�سب عواقبها ،بالن�سبة للفرد وللجماعة والكون. ال�سالم مفهوما للحرية باعتبارها ثمرة وقد رقى �صوفية إ تربية على حما�سبة الذات ،بحيث يتخل�ص محُ َ ِّققُها من ا�ستعباد التملك وا�ستعباد الرغبة يف الت�سلط. الن�سان مب�س ؤ�ول ّيته عن آ الخرين وعن )8يقوي �إح�سا�س إ خريات أ الر�ض ،مع ما يرتتب على ذلك من جمانبة الوقوع حتت وط أ�ة عجلة التكاثر ،وال�سيما يف وجهها اال�ستهالكي، الكراهات الكربى وملا كان النظام االقت�صادي هو م�صدر إ ال�سالم يف تخليق على تدبري الدميقراطية ،ف�إن �شعا َر إ االقت�صاد أ�مران :ف�ضائل ال�سعي ،أ�ي �إن لكل مبادرة أ�جرا، ومالزمة ال�شكر هلل يف النتائج. َ )9يح َف ُظ لها حميمية أ الوا�صر الوطنية التي حتول دون اختناق أ��صحابها حتت عوملة ماحقة ي�صنعها النظام االقت�صادي املفتوح. ال�سالمي �إليها )10يعطيها بعدا كونيا بان�ضمام العامل إ مبدئيا وفعليا و�إ�سها ِم ِه يف جتربتها يف �سياق من التنوع واالبتكار. �إن اللقاء الكامل للم�سلمني بهذا النظام ميكن ت�صوره يف مرحلة اال�ستفادة من الدميقراطية كما هي ،من مرحلتني، ِ أ�جل جتاوز تاريخي فكري وعملي ،وهذا التجاوز مبنزلة فك ح�صار تاريخي أ�قامه امل�سلمون على أ�نف�سهم ،وعندما يتحققون بهذه املرحلة على وجه تام ،ميكن لهم أ�ن يدخلوا يف مرحلة ثانية هي مرحلة �إ�سهامهم يف ترقية الدميقراطية الن�سانية جمعاء. ومعها ترقية م�صري إ
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
61
وسطيتنا دور المؤسسات الفكرية والثقافية في تعزيز قيم الحوار المهندس مروان الفاعوري األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية
مقدمة:
احلوار قيمة �إن�سانية جميلة ت ؤ�كد ح�ضارة الب�شرية ورق ّيها، وقد �سطرها كتاب اهلل تعاىل يف أ��شكال و�صور يعجز اخليال الب�شري أ�ن ير�سمها أ�و يحيط بجمالها وروعتها وتنوعها ،فها هو ذا حوار اهلل تعاىل مع أ الر�ض وال�سماء. ال�س َماءِ َو ِه َي ُد َخانٌ َف َق َ �ض ا ْئ ِت َيا ال َل َها َو ِل ْ َأل ْر ِ ا�س َت َوى ِ�إلىَ َّ (( ُث َّم ْ َط ْو ًعا َأ� ْو َك ْرهً ا َقا َل َتا َأ� َت ْي َنا َطا ِئ ِعنيَ))(�سورة ف�صلت.)11: وحوار أ ال�صحاب املختلفني يف العقيدة واملبد أ� (( َو َكانَ َلهُ َث َم ٌر َف َق َ اح ِب ِه َوهُ َو ُي َحا ِو ُر ُه َأ� َنا َأ� ْكثرَ ُ ِمن َْك ال ِل َ�ص ِ َم اًال َو أ� ََعزُّ َن َف ًرا)) (�سورة الكهف ..)34:وحوار املخلوقات ((حتَّى ِ�إ َذا َأ� َت ْوا َع َلى َوا ِد ال َّن ْم ِل َقا َلتْ نمَ ْ َل ٌة َيا َأ� ُّي َها والدواب َ ال َّن ْم ُل ا ْد ُخ ُلوا َم َ�سا ِك َن ُك ْم اَل َي ْح ِط َم َّن ُك ْم ُ�س َل ْي َمانُ َو ُجنُو ُد ُه َوهُ ْم اَل َي ْ�ش ُع ُرونَ )) (�سورة النمل.)18: و�إذا كان تعريف آ الخر كما هو معلوم هو املختلف �سواء على �صعيد الفرد أ�م اجلماعة أ�م الدولة أ�م أ المة أ�م على �صعيد الدين أ�م الفكر أ�م املعتقد ،ف�إن من �ضرورات التعاي�ش والتقدم والن�سجام واحل�ضارة �إ�ستمرار احلوار للو�صول �إىل التوافق إ الجناز والتقدم واجلوامع امل�شرتكة التي ت�ضمن �سري ًا ب�إجتاه إ والرفعة على ال�صعد كافة. كما أ�نَّ م أ��س�سة احلوار تعظم من نتائجه وثماره ،فقد ارتفعت املدنية احلديثة من خالل تطوير الفعل الفردي �إىل امل ؤ��س�سي ،فقامت م ؤ��س�سات خمتلفة متنوعة تعنى باحلوار والت�ضامن والتنا�ضل الفكري وجعلت ر�سالتها يف احلياة غناءها باحلوار حول ق�ضايا حيوية أ��سا�سية مت�س حياة �إ َ الن�سان �شك ًال وم�ضمون ًا... إ ال�سالمي. • رابطة العامل إ • وم ؤ��س�سة آ�ل البيت يف أ الردن. • وتال ذلك مبادرات كثرية فكانت ر�سالة عمان. • وكذلك ( �إعالن عمان للحوار احل�ضاري ) عام 2007م. ونظر ًا ملا تعنيه الثقافة يف املجتمعات عموم ًا ولدى ال�شباب خ�صو�ص ًا باعتبارها �سالح ًا ناعم ًا و�صناعة ثقيلة ،وت�شكل جهاز املناعة والعافية يف ج�سد أ�ي جمتمع والدافع دائم ًا �إىل النمو والبناء واحلركة ،ف�إنه يقع على عاتق امل ؤ��س�سات 62
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الكرب يف الت�صدي أ الثقافية العبء أ للخطار أ�و ًال ،وا�ست�شراف طريق النه�ضة والبناء العلمي واملعريف ثاني ًا ال�ستيفاء �شروط الريادة واال�ستخالف ...فما التحديات و�إ�شكالياتها التي تواجه أ ال�سالمية يف وقتنا املعا�صر؟ المة إ التحديات التي تواجهها أ ال�سالمية : المة إ التحدي أ ال�سالمية. الول :احلفاظ على الوحدة إ التحدي الثاين :احلفاظ على و�سطية أ ال�سالمية. المة إ ال�سالم التحدي الثالث:ت�صحيح ال�صورة املغلوطة عن إ بالرهاب. ب�إرتباطه إ التحدي الرابع :التجديد يف � ؤ ش�ون حياة امل�سلم. التحدي اخلام�س :احلفاظ على أ�من أ ال�سالمية. المة إ ال�سالمي امل�شرتك. التحدي ال�ساد�س :العمل إ التحدي ال�سابع :التنمية و�صناعة جمتمع املعرفة وتوطني ال�سالمية. التكنولوجيا يف املجتمعات إ الن�سان ون�شر الدميقراطية وثقافة التحدي التا�سع :حقوق إ املواطنة. التحدي العا�شر :التحديات االجتماعية. ال�سالمية يف مواجهة دور املراكز الثقافية والفكرية إ التحديات املعا�صرة : .1الت�صدي لظواهر الغلو والتطرف الفكري والعملي على �صعيد أ الفراد واجلماعات والدول بجميع جوانبه. .2دفع احلركة الفكرية والثقافية للرتكيز على معاجلة ال�سالمي (الثقافية الق�ضايا وامل�شكالت التي تواجه العامل إ واالجتماعية وغريها). .3الت�صدي ملواجهة آ الثار ال�سلبية للعوملة. .4جت�سري الهوة بني أ النظمة احلاكمة واحلركات ال�سيا�سية والدعوية. .5االنتقال بال�شباب من حالة االنبهار باملنجز الغربي �إىل ال�سالمية. حالة الهوية احلقيق ّية إ .6تعظيم قيم احلوار و أ�دواته بني ال�شباب باعتبارهم العمود الفقري للمجتمعات. العالم. .7ت أ�كيد أ�همية تن�شيط دور و�سائل إ .8اال�ستمرار يف حركة �إ�صالح أ الئمة وتوعيتهم. .9ن�شر ثقافة احلوار بني أ�فراد املجتمع. دور تيار الو�سطية يف تعزيز قيم احلوار و�إذا كان القلم يعجز عن ح�صر هذه امل ؤ��س�سات املنت�شرة واملوزعة على م�ساحات العامل كله ,ف�إنه يهمنا أ�ن نركز ال�ضوء على م ؤ��س�سة فتية ن� أش�ت يف أ الردن ,واتخذت من عمان مقر ًا لها وجعلت م�شروعها التجديدي ممحور ًا حول العتدال والتو�سط على �صعيد الفرد أ والمة ،ملا �إحياء منهج إ
لذلك من أ�ثر ودور يف �إنتظام الفعل و�إعتدال احلال والعودة النطالق والنه�ضة ..... �إىل التوازن والدافع نحو إ أ �إن م�شروع الو�سطية و�إن كان قد تركز فعله و أ�ثره يف الردن من خالل منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ,واملنتدى العاملي ال�سالمي أ الردين ,جاء متناغم ًا للو�سطية ,وحزب الو�سط إ أ مع حالة من الر�شد والن�ضج ت�سود المة وتر�شد ظاهرة ال�صحوة على �صعيد أ المة كلها� ,إذ أ��ضحى احلديث عن والنطالق مببادئها �شام ًال ال�ساحات الو�سطية امل�ستنرية إ وال�سالمية كلها على �صعيد العمل الفكري �وأ العربية إ ال�سيا�سي. فها هو ذا منتدى الو�سطية ال�سعودي ،وم ؤ��س�سه (حم�سن العواجي) ،واملركز العاملي للو�سطية يف (الكويت) ،ومنتدى الو�سطية يف م�صر وال�سودان والهند والعراق و�سوريا ولبنان.. وها هي ذي أ�حزاب الو�سط تتقدم يف م�صر وال�سودان, أ والردن والعراق واملغرب ،وكذلك العدالة والتنمية يف تركيا واملغرب. تدفع هذه التيارات ب أ�لوانها و أ��شكالها حالة التوافق داخل وال�سالمية ،وجتمع طاقات العلماء املجتمعات العربية إ واملفكرين وال�سا�سة واحلكام باجتاه النه�ضة ،وال ُبعد عن �إ�ستنزاف الطاقات بال�صراع والكراهية. ال�سالمي وتواجه قوى الغلو والتطرف الفكري داخل العامل إ وخارجه ،وت�سحب من أ النظمة هاج�س خوفها من الدعاة ال�سالمية ,الذي يدفع �إىل ال�صدام وفر�ض واحلركات إ أ الحكام العرفية وقوانني الطوارئ ,ويعطي القوى الغربية والحتالل وال�سعي مل�صادرة وال�ستعمارية م�س ّوغات التدخل إ إ القت�صادية. قرارنا ال�سيا�سي ونهب مقدراتنا إ وميكن القول ب أ�ن ثمة تغريات جدية أ�دخلها دعاة الو�سطية ال�سالمي املعا�صر ،بحيث ال�سالمية على خريطة الفكر إ إ ميكن النظر لهذه املدر�سة باعتبارها «الطرح الثالث» ال�سالمي التي عرفها العامل العربي طيلة لتجربة العمل إ القرن املا�ضي. �إنَّ منهج تيار الو�سطية يعبرّ عن درجة متقدمة من الوعي «ال�سالمي» ،طاملا افتقدته ال�ساحة العربية منذ ال�سيا�سي إ ن� أش�ة الدولة الوطنية قبل ن�صف قرن ونيف ،وهو الذي تعر�ض لقدر كبري من الت�شويه بفعل ال�صراع ال�ضاري بني ال�سالمية وتيارات التطرف الذي الدولة وبع�ض احلركات إ ا�ستمر قرابة عقود ثالثة (من ال�سبعينات وحتى نهاية الت�سعينات) ،وهذا ما أ�ثار ال�شكوك حول فر�ص «�إن�ضاج» جتربة �سيا�سية «�إ�سالمية» مدنية. ومن جهة ثانية متثل هذه التيارات خروج ًا عن الت�صنيف
ال�سالم ال�سيا�سي بني مهادن وعنيف، التقليدي لتيارات إ ومن جهة أ�خرى ،تقدم هذه املدر�سة ر ؤ�ية متميزة لطبيعة العالقة بني الدولة واملجتمع. �إن املدر�سة الو�سطية تتمتع بدرجة عالية من املرونة الفكرية ،ت�سمح لها بتطوير أ�فكارها و آ�لياتها ،وجتعلها يف حالة تقدم دائمة و�إ�شتباك جمدد ومتجدد مع ق�ضايا الع�صر ،وذلك مقارنة مبثيالتها «املتقوقعة» داخل جدران «املا�ضوية» ،أ المر الذي أ�دى �إىل جمودها ال�سيا�سي والفكري، وقلل فر�ص �إدماجها يف احلياة املدنية. ال�سالمية احلديثة وميكن القول ب أ�ن املدر�سة الو�سطية إ «الحياء» الديني ،ولكن يف �صورته تعد أ�حدى أ��شكال إ التجديدية ،بيد أ�ن أ�برز ما مييز هذه التيارات ،عما طرحه مفكرو النه�ضة أ «الوائل» أ�نها �صهرت وقدمت ولو ن�سبي ًا ،كثري ًا من الثنائيات التوفيقية ،التي تراوحت بني أ ال�صالة واملعا�صرة ،الرتاث والتحديث ،التقليد والتجديد، و�ساعدها على ذلك االنطالق من أ�ر�ضية واقعية ،ر�سختها عقود «احل�صاد املر» وتفجر العالقات داخلي ًا وخارجي ًا بني أ ال�سالمية والدور الريادي لتيار النظمة وبع�ض التيارات إ الو�سطية يف تعزيز احلوار. وهنا تتجدد احلاجة �إىل تكوين تيار و�سطي ي ؤ�من بثوابت ال�سالم الكربى ،ويطلق ر�سالة التجديد والتنوير على أ��سا�س إ أ ال�سالمية. امل�صالح العليا للمة إ ومن أ�جل ذلك كانت مبادرة املنتدى العاملي للو�سطية، والهادفة �إىل البحث يف ت أ��سي�س هذه احلا�ضنة الفكرية الن�سان وتنتهج احلوار ال�سالمية الرائدة ،التي ت ؤ�من بكفاح إ إ والتكامل مع كل �سعي نبيل يهدف �إىل بناء عالقة �صحيحة ال�سالم واحلياة. بني إ �شروط جناح احلوار مع تيار الو�سطية يف املجال ال�سيا�سي النفتاح ال�سيا�سي لدى أ النظمة .1وجود حد أ�دنى من إ احلاكمة. أ الجتاهات مببد� التداول ال�سلمي لل�سلطة. .2أ�ن تقبل تلك إ ال�سالمية التي تن�ص د�ساتريها على أ�ن �.3إقرار الدول إ ال�سالم. دينها الر�سمي هو إ احلل بالو�سطية واالعتدال مو�ضوع الو�سطية ،والتوازن ،واالعتدال من املو�ضوعات التي ينبغي أ�ن يعنى بها ال�سيا�سيون والعلماء واملربون ،ال�ضطراب غال مت�شدد املوازين عند الكثريين من أ�بناء امل�سلمني بني ٍ وجاف مفرط. ومنهج الو�سطية واالعتدال ميثل نهج ًا ح�ضاري ًا ،و�إطار ًا السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
63
ولمياننا العميق يف فكري ًا و أ�منوذج ًا يحتذى ،ومثا ًال يقتدى .إ منتدى الو�سطية ب أ�ن �إعادة �إحياء منهج االعتدال يتطلب ال�سالم ت أ�كيد على أ�همية املنهج الو�سطي بني أ�بناء أ�مة إ الن�سانية لدى �شعوب بال�سالم وقيمه إ ذاتها ،والتعريف إ ً كافة ،والتوا�صل احلثيث القائم على قيم احلوار العامل والت�سامح ونبذ العنف لر�سم منظومة فكرية متكاملة تعتمد الر ؤ�ية الو�سطية فكر ًا وارتكاز َا �إ�سرتاتيجي ًا م�ستدمي ًا ،ولي�س تكتيك ًا مرحلي ًا. أ ال�سهام ولنَّ تيار الو�سطية واالعتدال يحمل على عاتقه إ يف م�سرية �إ�صالح أ المة من خالل املراجعات الفكرية ،التي يت�صدى لها العلماء واملفكرون وقادة الر أ�ي الذين يعربون عن أ��صالة الفكر املعتدل املتزن ،لتعميق التوا�صل بدل التقاطع والتدابري ،و�إحالل االئتالف مكان االختالف، وتعميق معاين احلب والت�آلف والتعاي�ش ،ليكون هذا التيار تيار ًا جامع ًا موحد ًا لها على طريق النه�ضة ،بتوحيد قادتها ونخبها الفكرية على قاعدة خيارات ال�شعوب و�ضرورات احلكام. الجناز والتخطيط �إنَّ ظهور تيار الو�سطية يعني إ ال�سرتاتيجي البعيد عن االرجتال يف امل�شروع النه�ضة إ احل�ضارية أ للمة وخروجها من م أ�زقها ومواجهة أ�عدائها. وعليه ف�إن من أ�برز و�سائل بناء الفكر الو�سطي: .1تقرير املعنى ال�صحيح للو�سطية ,و أ�نها التعني التنازل عن ثوابت أ المة وعقيدتها. .2مناق�شة أ المور والق�ضايا املثارة يف الوقت احلا�ضر التي �سببت االختالف والفرقة ,وطرحها الطرح ال�شرعي امل ؤ��صل بالطرق املقنعة واحلوار الهادف. والفراط على أ المة ,و أ�ن ذلك ال .3تبني خماطر الغلو إ ينبع �إال من قلة العلم ,واجلهل ,و�ضعف الت أ��صيل ,وغياب املرجعية. والفراط .4مناق�شة حال الفرق التي �ض ّلت ب�سبب الغل ّو إ وتكليف طالب العلم الق ّيام ببحوث يف ذلك ,مع مراعاة القدرة واملناق�شة ودح�ض ال�شبه واالفرتاءات. .5املمار�سة العلمية الواقعية ملنهج الو�سطية من العلماء وطالب العلم والدعاة ,ليرّ ى الطلبة القدوة ال�صاحلة التي هم يف أ�م�س احلاجة �إليها. .6تربية النّ�شئ على هذا املنهج تربية عملية �شاملة ,يق�ضي على اخللل املوجود يف حميط املجتمع امل�سلم� ،سواء أ�كان �إفراط ًا أ�م تفريط ًا. .7تر�سيخ حرية التعبري وممار�ستها. القليمية � .8ضرورة �إعداد النا�س إل�ستيعاب الظروف إ 64
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
والدولية ومراعتها واتباع امل�صالح. ولذلك كله يحمل املنتدى العاملي للو�سطية على عاتقه م�س ؤ�ولية الربط بني التوا�صل والتكامل بني احلركات وال�شخ�صيات الفكرية وال�سيا�سية املعتدلة يف البالد العربية ال�سالمي امل�ستنري ،وال ترى وال�سالمية التي تتبنى اخلطاب إ إ الن�سان يف �سعيه احل�ضاري ،وبالتايل فيه نقي�ض ًا ملا أ�جنزه إ لبناء �شبكة عالقات تكاملية لتعزيز �صوت االعتدال والت�سامح ليعي�ش النا�س ب أ�من و�سالم. ويهدف املنتدى العاملي للو�سطية ح�سب نظامه �إىل حتقيق أ الهداف التالية: .1بناء مرجعية فكرية ومنظومة من العلماء املوثوقني الذين ي�شكلون هيئة عاملية ومنتدى دول ًيا للو�سطية, ال�سالمية بني يت�صدون ملهمة تو�ضيح مفاهيم الو�سطية إ المة وم ؤ��س�ساتها ،وتعزيز قدرة أ أ�بناء أ المة على القيام بدورها احل�ضاري من خالل و�سيطيتّها. أ .2ن�شر ر�سالة أ المة الو�سطية والتعريف بها بني المم وال�شعوب. .3الت�صدي مل�شكالت أ المة وتقدمي الت�صورات والربامج ال�سالمية. واحللول لتجاوزها من خالل الر ؤ�ية الو�سطية إ الن�سان كافة .4تعزيز قيم احلرية والعدالة وحقوق إ والدفاع عنها ،و باعتبارها من أ��س�س ر�سالة الو�سطية ال�سالمية. إ .5تعزيز دور املر أ�ة امل�سلمة يف بناء املجتمع وتعزيز م�ساهمتها يف الن�شاط الفكري والثقايف. .6بناء منطومة فكرية متكاملة تعتمد الر ؤ�ية الو�سطية الن�سانية كافة. وت�شمل مناحي احلياة إ اللتقاء وجوامع اال�شرتاك بني أ المم .7تعزيز نقاط إ والدول واجلماعات وامل ؤ��س�سات والنظريات مبا يحقق الوئام وال�سالم يف االر�ض. � .8إقامة آ��صرة تعاون والتقاء وت�شاور وتكامل بني القوى ال�سالمية احلاملة للواء الو�سطية عرب وال�شخ�صيات إ العامل. أ ال�سالمية للمة .9يعمل املنتدى على احلفاظ على الهوية إ لتبقى دائم ًا أ�مة و�سط ًا� ,شهيدة على النا�س ,آ�مرة باملعروف, ناهية عن املنكر. .10يعمل املنتدى بجميع الو�سائل امل�شروعة ,ملواجهة لل�سالم ,أ والخطار التيارات الهدامة والدعوات املعادية إ ال�سالمي الثقافية ,داخلية كانت أ�م خارجية ,بن�شر الفكر إ الو�سطي. دور املنتدى العاملي للو�سطية يف تعزيز قيم احلوار
يقول أ ال�ستاذ حممد طالبي ع�ضو املكتب التنفيذي للمنتدى العاملي للو�سطية :لقد ا�ستخل�صت من قراءتي للوثيقة التوجيهية للمنتدى العاملي للو�سطية أ�ن َمها ّمه متعددة، أ�ذكر منها أ�رب َع م َهام كربى و�صعبة هي: املهمة أ الوىل :امل�ساهمة يف احلوار احل�ضاري هي امل�ساهمة على املديني املتو�سط و البعيد ،يف فتح أ�بواب ال�سالمية واحل�ضارة احلوار والتعارف بني احل�ضارة إ الغربية .وبتعبري آ�خر :امل�ساهمة يف تخفيف ال�صدام احل�ضاري اجلاري اليوم بني الثقافتني واحل�ضارتني .و احلوار حماجة وتبادل. يف تقديري هو ّ لي�س احلوار هو اجللو�س �إىل طاولة م�ستديرة أ�و يف م ؤ�متر، احلجة والربهان فح�سب ،بل �إنَّ احلوار أ ال�سا�سي لتبادل ّ هو اقتناء املنتجات احل�ضارية ال�صاحلة لنه�ضة أ المم، كالدميقراطية الغربية بالن�سبة �إىل امل�سلمني الغارقني يف اال�ستبداد ،والقيم أ ال�سالمية بالن�سبة �إىل الخالقية إ الغرب الغارق يف املجاعة الروحية. امله ّمة الثانية :امل�ساهمة يف حتقيق الت�صالح مع الذات ال�سالمي بع�ضهم مع بع�ض، ت�صالح أ�بناء احلو�ض احل�ضاري إ فنحن أ� ّمة واحدة بالعقيدة أ�و بالثقافة ،وعلى الرغم من تعدد املذاهب الفقهية عند امل�سلمني ،جتمعهم قبلة واحدة وحج واحد .وعلى الرغم من تعدد ونبي واحد ّ وقر آ�ن واحد ّ ديانات هذه أ المة من م�سلمني و أ�هل كتاب ،فكلنّا م�سلمون بالثقافة .فالوحدة قائمة بالعقيدة والثقافة وامل�صري التاريخي لهذه أ المةّ ، كل هذا يدعونا �إىل �ضرورة امل�صاحلة ال�شاملة داخلي ًا وخارجي ًا. �إنَّ املنتدى العاملي للو�سطية يريد امل�ساهمة ولو بذ ّرة يف �صياغة اجلواب عن هذا التحدي أ�و التهديد احل�ضاري ال�ضخم .قال تعاىل (( َو َ يح ُك ْم ال َت َنا َز ُعو ْا َف َتف َْ�ش ُلو ْا َو َتذْ هَ َب ِر ُ ال�صا ِب ِرينَ )) (�سورة أ النفال.)46: ا�صبرِ ُ و ْا �إِنَّ اللهّ َ َم َع َّ َو ْ ويف تقديري أ�نّ الت�صالح الرا�شد والتاريخي هو ت�سوية يتم فيها وال�سالم ،ت�سوية ّ تاريخية بني احلداثة امل�ستنرية إ ال�سالم وخمزونه التاريخي واحلداثة الرتكيب املحكم بني إ امل�ستنرية وخمزونها الدميقراطي ،تركيب يتح ّول �إىل أ��سلوب عي�ش ومنط حياة للدولة أ والمة م ًعا. امله ّمة الثالثة :امل�ساهمة يف احلوار بتجفيف م�صادر ال�سالمي و العلما ّ ين الغل ّو إ ال�سالمية يف ثالثة تهديدات كربى :غزاة من تعي�ش أ�متنا إ
اخلارج ،وطغاة يف الداخل ،وغالة يف الداخل واخلارج. �إنَّ العالقة بني هذه املدار�س أ الربع ،على امل�ستوى العقائدي أ لكن عالقتها على م�ستويينْ واليديولوجي تبدو مت�صادمةّ ، آ�خرين هي عالقة حتالف �إ�سرتاتيجي .فعلى امل�ستوى ال�سيا�سي ،املدر�سة الغربية الغازية ،ومدر�سة اال�ستبداد التطرف املح ّلية ،ومدر�سة اال�ستئ�صال العلمانية ،ومدر�سة ّ �سلمي ال�سالمية أ�جمعت ،على تكفري الدميقراطية ك أ��سلوب إ ّ ال�سالمي ومدين لتداول ال�سلطة يف بالد امل�سلمني ،رف�ضها إ املتطرف ،زاعم ًا حر�صه على ال�شريعة ،ورف�ضها العلماين ّ اال�ستئ�صايل أ الجنبي واملحلي ،زاع َمني ،كذبا ً ،أ�نهما حار�سا الدميقراطية احلقيقيان. وما دامت الدميقراطية مدخ ًال من مداخل التنمية والنه�ضة ،ف�إنّ رف�ضها يعني رف�ض التنمية املعتربة أ للمة وهو امل�ستوى الثاين من هذا التحالف ال�ضمني ،بني هذه أ الطراف أ الربعة� ..إن ال�صفوة املثقفة التي حتمل فكر الو�سطية يف بالت�صدي الفكري والعلمي ال�سالمي ملزمة ،اليوم، ّ عاملنا إ ال�سالمي والعلماين ،وباملثابرة على ملدار�س الغل ّو ب�شقيه إ النخراط يف املقاربة ذلكّ . لكن الو�سطية ُتلزمنا عدم إ أ التطرف والغلو ،القتناعنا ب أ�نّ ذلك المنية لتجفيف منابع ّ ويفجر ينابيع جديدة له ولي�س العك�س. يفرخ الغل ّو ّ ّ املهمة الرابعة :امل�ساهمة يف التنمية ال�شاملة يف بالد امل�سلمني وت�صحيح م�سار ح�ضارة الغرب وحتى ن�ضمن لنا موقع ًا يف اخلريطة التاريخية لنهاية هذا القرن وما يليه .ف�إنّ مدر�سة الو�سطية معن ّية ب�إ�صالح ح�ضارة الغرب ،والتعاون مع الغرب لعالج نف�سه من كل خلل قد يت�س ّبب يف �سقوط هذا العمران املا ّدي الهائل ،فخلل مادي ،وقد ت�ساعد و�سطية ح�ضارة الغرب العميق روحي ال ّ ّ ال�صالح البنيوي حل�ضارة الغرب ،فالتقدم ال�سالم على ذلك إ إ املادي املتوازن للب�شرية م�صلحة �إن�سانية مر�سلة ،لذلك أ� ّكد م ؤ��س�سو املنتدى العاملي للو�سطية كونه نادي ًا فكري ًا ذا طبيعة �إ�سرتاتيجية ال منظمة �سيا�سية أ�و حزبية دولية أ�ن جوهر منهج الو�سطية هو احلكمة وامل�س ؤ�ولية ال العبث والتهور ،ألنَّ وال�سالمية ي ؤ�كد أ�ن هذه أ تاريخ أ المة كانت المة العربية إ منار ًة للتعاي�ش ال�سلمي بني ال�شعوب واحل�ضارات ،عن طريق التوا�صل الثقايف واحل�ضاري بني ال�شعوب املختلفة ،واحرتام الن�سان وكرامته أ�ي ًا كان دينه أ�و لونه أ�و جن�سه. حقوق إ
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
65
وسطيتنا ثالثية الوسطية اإلقتصادية في تحقيق التنمية اإلنسانية واإلنماء المتوازن والتطوير اإلجتماعي الدكتور وسيم قلعجية منسق أعمال منتدى الوسطية في لبنان
القت�صاد يف حقيقته لي�س �سوى �إ�سقاط البعد ال�سيا�سي إ على ن�شاط �إن�ساين معني ،فبقدر ما تبقى ال�سيا�سة القت�صاد وفي ًا مرتبطة مببادئ أ�خالقية معينة ،يبقى إ للمبادئ ذاتها ،فالرتابط بني اجلهد والفكر ي ؤ��س�س لبناء �سيا�سة �إقت�صادية هي مرتكز النه�ضة واحل�ضارة «. املفكر اجلزائري مالك بن نبي القت�صادية التنمية إ القت�صادية هو حتقيق امل�ساواة �إن جوهر فكرة الو�سطية إ الن�سان يف فر�ص احلياة وتكاف ؤ� هذه الفر�ص و أ�ن يح�صل إ على ما ت ؤ�هله له قدراته وكفاءته، وهي ت�ضمن أ�ن ت�شارك القت�صاد النتاج ودعم إ أ�غلبية املواطنني يف عملية إ الوطني �سعي ًا لتوفري حياة كرمية ّ لكل املواطنني. الن�سانية من وجهة نظر املفهوم ال�شامل والعام للتنمية إ القت�صادية هو تنمية املجتمع عرب تنمية الو�سطية إ الفرد. فمن خالل تنمية الفرد تتوجه التنمية نحو البناء أ المثل للقدرات الب�شرية ،من خالل تنمية املوارد واملهارات الن�سانية ،واملهم يف تنمية الفرد واملجتمع هو �ضرورة إ القت�صادي على نوعية حياة �إنعكا�س فوائد هذا التقدم إ الن�سان و واقعه املعي�شي ،عرب الت أ�ثري ب�شكل فاعل وم ؤ�ثر إ الجراءات التي ت�صوغ حياة النا�س نحو واقع على إ أ�ف�ضل. واجلزء أ الن�سان الكرب من اجلهود املبذولة ألجل تنمية إ يتوقف على قدرته على �إحداث التوازن املطلوب بني والقت�صادية وال�سيا�سية ،واحلر�ص الن�سانية إ املتطلبات إ على تفعيل �إ�ستمرارية هذا التوازن عرب م�شروعات منتجة تتعاون فيما بينها إلحداث جناحات �إجتماعية ت ؤ�ثر على املدى القريب أ�و ًال وعلى املدى البعيد ثاني ًا. 66
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
النتقال من كل هذا من � أش�نه زيادة قدرة املجتمع على إ جمتمع الفقر والتخلف واحلرمان �إىل جمتمع منتج ومبدع، القت�صادي والثقايف والعلمي ،عن طريق قادر على التقدم إ �إ�ستغالل املوارد الطبيعية املتاحة التي يتميز بها املجتمع. الحتياجات أ والدوات امل�ساعدة التي �إ�ضافة �إىل توفري إ والرتقاء ،وبالتايل رفع امل�ستوي املعي�شي. ت�سهل التقدم إ الن�سانية و�سطية التنمية إ الن�سانية �إىل القت�صادية تهدف التنمية إ يف الو�سطية إ زيادة اخليارات املتاحة أ�مام النا�س .وتركز تلك اخليارات ب�شكل أ��سا�سي على أ�ن يحيا النا�س حياة مديدة خالية من العلل و أ�ن يكت�سبوا املعرفة و أ�ن يح�صلوا على املوارد الالزمة لتحقيق م�ستوى حياة كرمية. الن�سانية جانبني: من هذا املنطلق ف�إن للتنمية إ أ الول يتمثل يف ت�شكيل القدرات التي يحتاج �إليها النا�س مثل حت�سني ال�صحة واملعرفة واملهارات. الثاين يتمثل يف �إنتفاع النا�س بقدراتهم املكت�سبة النتاجية أ�و الثقافية أ�و يف املجاالت ال�شخ�صية أ�و إ الجتماعية أ�و ال�سيا�سية. إ الن�سانية ناجحة ،ف�إنه ال بد من ولكي تكون التنمية إ وجود توازن دقيق بني هذين اجلانبني. الدارية لتطبيق خطط ال�سرتاتيجيات إ من املالحظ أ�ن إ الن�سانية قد ركزت خالل اخلم�سينيات على م�سائل التنمية إ الجتماعي و�إعتربته يف ال�ستينيات العن�صر املتبقي الرفاه إ للتنمية ،أ�ما يف ال�سبعينيات فقد مت الرتكيز على تخفيف وط أ�ة الفقر وتوفري احلاجات ،و�شهدت الثمانينيات جتاه ًال وا�ضح ًا لهذا اجلانب ،ويف مطلع الت�سعينيات مت الرتكيز على مفهوم امل�شاركة ال�شعبية ،ومت تعريفها بكونها تنمية النا�س من أ�جل النا�س بوا�سطة النا�س. ال�ستثمار يف تطوير قدرات النا�س أ� -تنمية النا�س معناها إ يف التعليم أ�و ال�صحة أ�و املهارات حتى ميكن العمل على منتج خالق. ب -التنمية من أ�جل النا�س تعني كفالة توزيع النمو القت�صادي الذي يحققونه توزيع ًا عاد ًال وا�سع النطاق. إ ج -التنمية بو�ساطة النا�س تهدف �إىل �إعطاء كل �إن�سان فر�صة امل�شاركة يف التنمية و من خالل الرتكيز على
امل�شاركة ال�شعبية. الن�سانية هي تنمية النا�س ومن ومن هنا ،ف�إن التنمية إ أ�جل النا�س ومن ِق َبل النا�س ،لذلك كان يتعني أ�ن يكون النا�س هم حمور التنمية ،فالبد �إذن أ�ن يكون مل�شاركة النا�س دور رئي�سي يف تطورها .هنا يربز دور املنظمات غري احلكومية والجتماعية املتمثلة يف كثري من اجلمعيات اخلريية إ كطرف أ��سا�سي يف م�سرية التنمية مبختلف جوانبها عرب الرتقاء مب�ستوى العي�ش للمحتاجني وتخفيف مواجهتهم إ للمعاناة واملخاطر. القت�صادية ال يقومان �إال من والمناء املتوازن والو�سطية إ إ خالل �إمناء متوازن جلميع املناطق داخل نطاق الدولة، وهذه التنمية املتوازنة يجب أ�ن تكون على جميع ال�صعد والجتماعية. القت�صادية والثقافية إ إ المناء العتماد يف ال�سيا�سات احلكومية على إ وي ؤ�دي إ املتوازن �إىل احلد من الهجرة الداخلية من الريف باجتاه املدن، ولفراغ القرى وتراجع جودة احلياة يف املدن كما ي ؤ�دي �إىل إ هجرة خارجية وخ�صو�ص ًا من قبل ال�شباب بحث ًا عن فر�ص ح�سنة لبناء حياة كرمية وم�صونة لهم أ ولوالدهم. الجتماعي: ق�ضايا ومرتكزات �سيا�سة التطوير إ الجتماعي ركن ًا أ��سا�سي ًا يف مفهوم ت�شكل �سيا�سة التطوير إ القت�صادية. الو�سطية إ الجتماعي على مفهوم النمو ويقوم فكر التطوير إ القت�صادي مع عدالة التوزيع ،أ�ي حتقيق النمو إ القت�صادي واتباع �سيا�سات توزيعية عادلة ت�ضمن و�صول إ عائدات هذا النمو �إىل خمتلف طبقات ال�شعب. الجتماعي أ�نه ال يوجد لقد بينت �سيا�سات التطوير إ القت�صادي وعدالة توزيع عائدات هذا تعار�ض بني النمو إ النمو ،بل �إن ك ًال منهما يدعم آ الخر. �إن حتقيق العدالة القت�صادي يو�سع ال�سوق ويوجد يف توزيع عائدات النمو إ قوة �شرائية لدى أ�عداد كبرية من امل�ستهلكني، وم ؤ�دى ذلك القت�صادية أ�نه ال يوجد تعار�ض بني متطلبات الكفاءة إ الجتماعي تدعم وعدالة التوزيع و أ�ن �سيا�سات التطوير إ ال�ستقرار ال�سيا�سي القت�صادي ،كما توفر مناخ إ النمو إ المر يف �صالح أ والجتماعي و أ�نها ت�صب يف نهاية أ الغنياء إ والفقراء على ال�سواء.
الجتماعي التي تعمل دول عديدة على �إن �سيا�سة التطوير إ ال�سكندينافية مث ًال ) لتح�سني م�ستوى �إنتهاجها( الدول إ نوعية حياة �شعوبها تعترب جتربة عاملية رائدة أ�ثبتت جناحها و أ��صبحت جزء ًا من مفهوم احل�ضارة املتقدمة، وهي ال�سبيل الوحيد لكل الدول ال�ساعية للتطور. الجتماعي ق�ضايا حتقيق �سيا�سة التطوير إ الجتماعي ينبغي أ�ن يتناول الق�ضايا �إن حتقيق التطوير إ أ الربع التالية: الق�ضية أ الوىل :هي ت أ�كيد العالقة الوثيقة بني النمو والتوزيع، و أ�نه ال تطوير �إجتماعي ًا بدون منو �إقت�صادي. القت�صادي وت�سرع من فال�سيا�سات التي ت�شجع النمو إ معدالته هي أ��سا�س تكوين الرثوة أ�و العائد الذي تقوم ال�سيا�سات التوزيعية على �ضمان و�صوله �إىل أ�كرب عدد من النا�س. ويعني هذا أ�ن املطلوب هو اجلمع بني نوعني من ال�سيا�سات: أ الول هدفه �إيجاد الرثوة والثاين ح�سن توزيعها. ولكن ذلك اليعني وجود فجوة زمنية بني تنفيذ ال�سيا�ستني الجتماعية الناجحة أ�ن فقد أ�و�ضحت جتارب التنمية إ كليهما مرتبط آ بالخر ،و أ�ن هدف التوزيع ينبغي أ�ن يكون القت�صادي. عن�صر ًا يف تخطيط �سيا�سات النمو إ النتباه �إىل نوع النمو ولكي يتحقق ذلك، فمن ال�ضروري إ الذي يتحقق وطبيعة القطاعات االقت�صادية التي يتم فيها النمو ،وكذلك توازن توزيع اال�ستثمارات �ضمن املناطق اجلغرافية. وتتطلب �سيا�سات التطوير االجتماعي الرتكيز على القطاعات التي توجد فر�ص عمل وت ؤ�من ت�شغيل أ�كرب عدد ممكن من الكفاءات العلمية واملهنية ،دون أ�ن ي ؤ�دي لل�ستثمارات بني املحافظات ذلك �إىل خلل التوزيع العادل إ المناء املتوازن. و�إفتقاد إ الق�ضية الثانية :هي عدالة توزيع اخلدمات أ ال�سا�سية و�إتاحتها للمواطنني، بغ�ض النظر عن م�ستوي دخلهم ومناطق �إقامتهم، ف�سيا�سات اخلدمات أ ال�سا�سية والعناية الولية هي �إحدى آ الليات أ ال�صحية أ ال�سا�سية لتحقيق التطوير.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
67
وتك�شف الدرا�سات التي تتعلق بق�ضايا الفقر عن فجوات وتفاوتات كبرية بني املناطق يف لبنان .و أ��سا�س هذا التفاوت يقوم على عدم امل�ساواة يف احل�صول على اخلدمات أ ال�سا�سية وفر�ص احلياة والعمل خ�صو�ص ًا بني املدينة
املرتكز الثاين :هو ن�شر العلم والق�ضاء على أ المية وتهيئة و�سائل التعلم والتعليم يف مراحله كافة ،وتهيئة الفر�ص ال�ضرورية لهم يف ذلك ،ويجب ان يكون التعليم جماني ًا، ألن العلم نور والثقافة ح�ضارة وتقدم.
والريف. الق�ضية الثالثة :تتعلق ب�سيا�سات الت أ�مني ال�صحي الجتماعية للفئات الفقرية ،التي ت�شمل نظم واحلماية إ الجتماعي ،ونظم الت أ�مني املعا�شات والت أ�مينات وال�ضمان إ ال�ست�شفائي .وتهدف هذه ال�سيا�سات �إىل ال�صحي والدعم إ م�ساعدة الفقراء والفئات أ الكرث احتياج ًا ومتكينهم يف الجتماعية املتكاملة التي �إطار منظومة من ال�سيا�سات إ ت�ستهدف فئات ومناطق جغرافية دون غريها. الق�ضية الرابعة :تتعلق بعدالة توزيع أ العباء وتوفري املوارد املالية التي يتطلبها تنفيذ �سيا�سات التطوير الجتماعي. إ وهنا بيت الق�صيد� ..إذ بدون موارد مالية حقيقية ف�إن الجتماعي �سوف ت�صبح هدف ًا نبي ًال ولكنه أ�هداف التطوير إ �صعب املنال. ال�شك أ�ن ذلك �سيتطلب حتقيق أ�مور عدة أ�همها� :إعادة النظر يف ت�سعري اخلدمات وال�سلع التي ي�ستخدمها وي�ستهلكها أ الغنياء. وبذلك ي�شارك أ الغنياء من خالل ال�ضرائب بن�سبة كربى الجور واملداخيل أ تتنا�سب مع أ والرباح التي يح�صلون عليها ،وحتقق الدول ذلك عادة من خالل نظم لل�ضرائب الت�صاعدية. الجتماعي مرتكزات حتقيق �سيا�سة التطوير إ املرتكز االول :هو الق�ضاء على عوامل الفقر أ�و ًال وقبل كل �شيء ،بتوفري فر�ص العمل للمواطنني القادرين على النتاجية والعمرانية والثقافية، العمل ب�إقامة امل�شاريع إ كامل�صانع واملزارع ،وبذلك ميكن الق�ضاء على البطالة، وت�شجيع أ��صحاب ر ؤ�و�س أ الموال وحثهم على ا�ستخدام النتاجية التي حتتاج �إليها أ�موالهم يف �إقامة امل�شاريع إ البالد.
املرتكز الثالث :هو ال�ضمان ال�صحي ال�شامل للمواطنني وال�ست�شفائي، الذي يقوم على أ��سا�س جمانية العالج الطبي إ عرب توفري امل ؤ��س�سات ال�صحية والو�سائل العالجية ملختلف أ المرا�ض .ويدخل �ضمن مفهوم ال�ضمان ال�صحي ال�شامل
68
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الجتماعية لل�شيوخ والعاجزين واملعوقني، كذلك الرعاية إ وذلك بتوفري أ�ماكن الراحة لهم ،مع العناية ال�صحية والرتفيهية والتثقيفية خ�صو�ص ًا عند الكرب أ�و عند العجز عن العمل. املرتكز الرابع :هو �ضمان حقوق العمال و�إن�صافهم ،بتحديد �ساعات العمل اليومي ،و أ�يام العطل أ ال�سبوعية وال�سنوية و�ضمان حق التقاعد واملعا�ش التقاعدي املنا�سب. الجتماعي يقود �إىل �إن ال�شعور بعدم امل�ساواة والتهمي�ش إ خمتلف أ��شكال الت�شدد يف الفكر ويف ال�سلوك ،ويف أ�غلب أ والنحراف الحيان ،ف�إنه يوفر املناخ امل ؤ�اتي للف�ساد إ الداري واحلكومي ،لذلك ف�إن �سيا�سات التطوير إ الجتماعي غالب ًا ما ترتبط ب�سيا�سات حماربة الف�ساد. إ بتحقيق هذه الق�ضايا واملرتكزات ،يتحقق التطوير الجتماعي الذي يتطلب ت�ضافر اجلهود اخلال�صة من إ كل أ�طراف املجتمع� .إال أ�ن �ضمان �إ�ستمرار هذه الهيكلية القت�صادية وتطورها يتطلب توافر احلريات الفكرية إ العامة يف البالد ،حرية الر أ�ي وحرية القول ،وحرية املعتقد ...وبفقدان أ�ي واحدة من هذه احلريات ،يفقد الجتماعي م�صداقيته. التطوير إ ومن هنا ف�إنه من خالل �إحرتام احلريات العامة ،و�إحرتام �سيادة القانون وحتقيق العدل وامل�ساواة ،و�إعتماد مبد أ� املواطنة والت�سامح والو�سطية وعدم رف�ض آ الخر و�إتباع �سيا�سة االنفتاح ،واملبادئ ال�سامية امل�ستمدة من مفاهيم الجتماعية يتحقق مبد أ� التطوير الدميقراطية إ الجتماعي. إ
وسطيتنا
العوامل اإلعالمية المعيقة في تعزيز ثقافة الوسطية إعداد /أ.د محمد الخطيب
الـمـقـدمـة
رب العاملني ال�صالة وال�سالم على �سيد املر�سلني احلمد هلل ّ وعلى آ�له و�صحبه ومن تبعه �إىل يوم الدين،،، مل تعد احلاجة �إىل ت أ�كيد أ الهمية البالغة واملكانة العالم يف املجتمع املعا�صر ،بعد الكبرية التي يحتلها إ العالمي جزء ًا رئي�س ًا من احلياة يف أ�ن أ��صبح الن�شاط إ املجتمع الب�شري. الت�صال مع غريه فلم يعد املرء ي�ستطيع احلياة دون إ من النا�س ،خا�صة �إذا عرفنا أ�ن احلوار احل�ضاري ،أ�و العالم ،و�سالحه أ الول ال�صراع احل�ضاري ،أ��صبح ميدانه إ العالم ،الذي بد أ� يحتل ال�سماء أ والر�ض ،وير�سل �شبكته إ بالن�سان وحتا�صره من (النرتنت) لتحيط إ العنكبوتية إ كل جانب. العالم قوة ت أ�ثري كبرية يف الع�صر لذا فقد أ��صبح لو�سائل إ الن�سان يف كل يوم ،ويف كل مكان� ،سواء احلديث ،و أ��صبح إ يف العمل أ�م يف املنزل أ�م يف ال�شارع ،يعتمد عليها كم�صادر رئي�سة للح�صول على املعلومات. العالمية الت�صال املعا�صرة الو�سائل إ لقد مكنت ثورة إ من الو�صول �إىل ماليني النا�س يف اللحظة الواحدة، و أ��صبح اخلرب يطوف املعمورة كلها يف الوقت نف�سه ،ومل العالم يقت�صر على فئة معينة ،أ�و ينحو �إىل تقدمي يعد إ معلومات خا�صة ،ولكنه أ��صبح قادر ًا على التوجه �إىل الن�سان أ�ي ًا كان وحيث يكون. إ ويف الوقت الذي ك�شفت فيه البحوث والدرا�سات املختلفة ب أ�ن هذه الو�سائل أ��صبحت من أ�قوى أ��سلحة الع�صر ،وتتفوق على كل روافد الفكر وم�صادر املعرفة ،ف�إنه البد من �إ�ستك�شاف كيفية �إ�ستثمار معطيات هذه الو�سائل ،وتاليف
ال�سلبيات التي تنجم عنها والتي قد ت�ضعف من �إيجابيتها الرادة العالم �إىل و�سيلة ل�سلب إ خا�صة� ،إذا حتول إ العالمية والثقافية ،فتقود والدخول يف لون من اجلربية إ الن�سان من عاطفته أ�و �شهوته أ�و غريزته. إ �إن امل�شكلة أ العالم يف ال�سا�سية تكمن يف أ�ن بع�ض و�سائل إ وال�سالمي ،حتولت �إىل و�سائل بع�ض بلدان العامل العربي إ لهز الثوابت وتوهني القيم ،وك�سر املوازين ،و�إغتيال مواثيق أ والعتداء على حرماتها وتقاليدها المة و أ�عرا�ضها ،إ با�سم حرية الر أ�ي. النحراف املغايل ميين ًا أ�و �شما ًال وهذا بال �شك قد أ�دى �إىل إ عند ال�شباب العربي ،حيث أ�و�صلهم �إىل الفكر املغايل والن�سياق وراء ال�شهوات املتطرف ،أ�و التفريط بكل القيم ،إ والغرائز. العالم يف دول العامل ومن هنا البد أ�ن متار�س و�سائل إ وال�سالمي يف ر�سالتها التح�صن الثقايف والوعي العربي إ احل�ضاري ،وتقدم النماذج التي تبني ال�شخ�صية وحتمل الر�سالة ،وت�شعر أ المة بالتحدي الذي يجمع طاقاتها، ويب�صرها بطريقها وي�ساهم ب�صمودها. العالمية التي وهذه الدرا�سة حماولة لتحديد املعيقات إ تقف أ�مام ن�شر الفكر الو�سطي؛ ألن الو�سطية يف الفكر واملمار�سة ال ميكن أ�ن جتد طريقها بني ال�شباب �إال �إذا العالمية ،لتقوم و�سائل �إجتزنا هذه املعيقات يف الو�سائل إ العالم مبهمتها اخلطرية يف حت�صني ال�شباب و�إبعادهم عن إ الفراط والتفريط. إ راجي ًا اهلل أ�ن تكون هذه الدرا�سة �شمعة ت�ضيء بداية العالم ووجوب العمل الطريق يف ت أ�كيد خطورة و�سائل إ الدائب لتكون �سالح ًا فعا ًال للدفاع عن أ المة وقيمها. العالمية العربية يجد أ�ن هناك عوامل �إن املتتبع للو�سائل إ العتدال يف املجتمعات العربية �إعالمية معيقة أ�مام ن�شر إ ب�شكل عام ،ويف فكر ال�شباب العربي ب�شكل خا�ص. العالم العربي وهذه املعيقات عندما ينظر الباحث يف إ يجدها كثرية جد ًا ولكني حاولت أ�ن أ�خل�صها يف النقاط التالية: السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
69
.1أ�زمة الهوية ،و�إختالل القيم واملعايري يف و�سائل العالم. إ العالم ي ؤ�كد �إن متابعة دقيقة ملا ن�سمعه ونراه يف و�سائل إ حقيقة ال لب�س فيها وال غمو�ض وهي طم�س الهوية وهدم القيم يف الكثري مما يبث يف هذه الو�سائل. العالمية �صارت ت�صور املجتمع و أ�عني أ�ن بع�ض الو�سائل إ مفتقر ًا �إىل القيم واملعايري الوا�ضحة وال�ضرورية يف بقائه و�إ�ستمراره ،وهذا ما جعلها تو�صل امل�ستمع أ�و امل�شاهد �إىل الالمباالة وال�سلبية حيال كل م�شكالت أ المة واملجتمع. العالم �إن التكاثر والتنوع الكثيف واملفاجئ لو�سائل إ العربي املختلفة ال �سيما القنوات الف�ضائية وما ترتب على ذلك من تخبط �إعالمي وا�ضح ،ف�شل يف جانب كبري منه يف احلفاظ على هويتنا ،ال �سيما اخلطاب املوجه �إىل ال�شباب العربي ،كونه ال�شريحة أ الكرث ت أ�ثر ًا بهذا العالم العربي يف مواجهة بال�ضافة �إىل ف�شل إ اخلطاب ،إ العالمي املناق�ض لهويتنا وم�صاحلنا ،كل ذلك اخلطاب إ ّ ت�شكل معامل أ�زمة هوية ُنعانيها. أ�دى �إىل ومبا أ�ن الغرائز وامل�شاعر ،ال �سيما غريزة اجلن�س هي من أ�هم ال�ضغوط التي يعانيها ال�شباب املراهق ،ف�إن و�سائل العالم �ساهمت م�ساهمة فعالة يف �إثارة ذلك عن طريق إ أ الغراء ،وعن طريق الق�ص�ص الفالم وال�صور التي جت�سد إ الغرامية أ والدب والثقافة ،كما �ساهمت أ�فالم الع�صابات والجرام يف �إنحراف الكثري من املراهقني وتدريبهم على إ �إقرتاف اجلرمية. وقد جتاوزت بع�ض الف�ضائيات مبادئ هويتنا العربية وال�سالمية ،و أ�رتكبت الكثري من ال�سلبيات ،التي تهدد إ وال�سالمية ،فبع�ضها يبث الهوية واحل�ضارة العربية إ أ الغاين ملدة (� )24ساعة ،أ�و يبث برامج بعيدة عن قيم جمتمعنا ،أ�و يتناول ق�ضايا ال�شباب أ وال�سرة العربية مبفهوم �سطحي غري هادف ،ف أ��صبح ال�شباب العربي يعي�ش هموم ًا ،وحياة منافية متام ًا للواقع العربي ،لتوجد �إزدواجية فكرية و�شعورية بني عاداته وقيمه وم�ضامني العالمي. اخلطاب إ 70
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ومل تراع بع�ض القنوات الف�ضائية ح�صانة ال�شباب العربي امل�سلم وال خ�صو�صيتة ،ومل ت أ�به مبا لديه من قيم و أ�خالق ومبادئ و�سلوكيات ،حتى أ��صبح ال�شباب العربي تائه ًا بني تلك القنوات ،و�صار بع�ض ه ؤ�الء يفقد هويته احل�ضارية، والكثري من القيم أ والخالقيات الفا�ضلة التي تربوا عليها. بل �إن الكثري من هذه القنوات �صارت ت�سعى �سعي ًا الفت ًا للنظر �إىل �إدخال ثقافات جديدة �إىل جمتمعنا وزرعها يف نفو�س أ�بنائنا بكل الو�سائل والطرق. ومما ال �شك فيه أ�ن هذه الربامج أ والفالم التي تبث �سوف ت ؤ�ثر على نف�سية اجلماهري و�شخ�صياتهم من خالل �إنت�شار الجتماعية وال�سلوكية الغريبة ،و�سيكون هذا املفاهيم إ الت أ�ثري كبري ًا على أ الطفال وال�شباب ال�صغار املراهقني. وال�سالمية مل و أ��ستطيع هنا أ�ن أ� ؤ�كد أ�ن الدول العربية إ تنجح حتى آ الن يف و�ضع �سيا�سة �إعالمية ترتجم هويتنا الثقافية ،ومعطياتنا احل�ضارية ،وتوجهاتنا الرتبوية، على أ��س�س من عقيدتنا وقيمنا و أ�مالنا. العالم ومفهموم أ المن، وهذا يقودنا �إىل احلديث عن إ أ فالمن يف املجتمعات احلديثة مل يعد ق�ضية �شرط ّية يف املقام أ العالم الول ،ولكنه أ��صبح ق�ضية مت�شابكة يتبو أ� إ أ�برز ركائزها. �إن مواجهة أ�زمة الهوية لن يكتب لها النجاح �إال خالل حت�صني اجلماهري �ضد هذا الغزوالذي يهدد الهوية، وال�سالمي، العالم يف العامل العربي إ و�إ�صالح أ�جهزة إ لتكون يف الو�ضع الذي ميكنها من الوقوف يف مواجهة البهار واجلذب ال�شديد ايل متار�سه قنوات البث عمليات إ الف�ضائية. العالم. .2غياب أ�جندة مدرو�سة موحدة لو�سائل إ العالم العربي يف غياب أ الجندة املدرو�سة تكمن �إ�شكالية إ النطالق التي ت ؤ�دي �إىل أ�ر�ضية منطقية مو�ضوعية ميكن إ الجراءات والت�صورات جمرد منها والتي بدونها تغدو كل إ متنيات وديباجات. العالم العربية أ�دى بتلك �إن غياب التن�سيق بني و�سائل إ
العالمية الغربية، الو�سائل �إىل جمرد تابع ومقلد للو�سائل إ ونا�شرة للثقافة الغربية يف امل أ�كل وامللب�س ال�سلوك ،بل أ�دى ببع�ضها �إىل تبني الكثري من وجهات نظر آ الخر يف الكثري وال�سالمي، من الق�ضايا امل�صريية بالن�سبة لعاملنا العربي إ و�صاغتها يف قالب عربي ال�شكل واملظهر لتمررها �إلينا من جديد. لقد أ�دى هذا الق�صور يف أ الجندة املدرو�سة �إىل حتويل العالم العالمية �إىل ن�سخة م�شوهة من إ بع�ض أ�جهزتنا إ الغربي بكل ما فيه �سموم و�إجتاهات م�شبوهة ،دون أ الخذ العتبار م�س ؤ�ولية التفريق بني ظروف املجتمعات بعني إ الغربية وعاداتها وتقاليدها و�إختالفها عن ظروف وال�سالمية وعاداتها وتقاليدها. جمتمعاتنا العربية إ العالمية العالم العربي يف �شكل التغطيات إ �إن تذبذب إ و أ��سلوبه دليل وا�ضح عل غياب أ الجندة املدرو�سة الهادفة، العالمية العالم ما زال يت�شرب خال�صات امل ؤ��س�سات إ فهذا إ الكربى ،وما زال ب�صفة خا�صة منقاد ًا �إىل تغطياتها واجد ًا نف�سه يف م أ�زق. العالم العربي �صار وغري بعيد عن هذا الذي قلناه ،ف�إن إ العالمي الغربي بكل ما يحمله من �سموم ي�ستخدم امل�صطلح إ وت�شويهات ،ومن ذلك على �سبيل املثال ت�سمية العمليات القتالية أ�مام أ العداء أ�نها �إنتحارية أ�و �إرهابية. العالم العربي أ��صبحت بوق ًا يردد �إن بع�ض و�سائل إ فالعالم العالم العربي ،إ كالببغاء ما ين�شره ويب ّثه �إلينا إ الغربي مث ًال يعلق على أ�ي عمل �إرهابي متطرف �صفة (ال�سالمي) ويجعلها ألزمة يف كل أ�خباره وتعليقاته ،وبكل إ العالم العربي يردد هذه الت�سمية ،حتى ر�سخ أ��سف ف�إن إ يف أ الذهان حتى العربية وامل�سلمة أ�ن كل ما هو �إ�سالمي �إرهابي ومتوح�ش يقتل النا�س ويدمرهم ويرهبهم. المر أ�ي�ض ًا على ت�سميات أ�خرى مثل أ ونطبق أ ال�صولية العالم العربي ال�سالمي ،وعندما ي�ستخدم إ والتطرف إ وال�سالمي نف�س أ ال�سلوب ال ي�س أ�ل أ�حد نف�سه عن الفرق إ بال�سالم. بني هذه الت�سميات وخطر ربطها إ العالمية. .3ظاهرة النفاق يف بع�ض الو�سائل إ
�إن من أ��سباب تقدم العامل الغربي تلك احلرية املعطاة العالم يف نقد جميع أ��سباب الظلم والقهر، لو�سائل إ وقد أ�دى هذا �إىل خوف احلكام وامل�س ؤ�ولني من الو�سيلة العالمية. إ العالمية التي العالم العربي كان نقي�ض ًا للر�سالة إ ولكن إ ت�سعت ّيجب أ�ن يحملها� ،إذ أ��صبح بوق ًا لل�سلطة أ�و امل�س ؤ�ول ف أ� ّ العالمية العربية. ظاهرة النفاق يف الو�سائل إ و�إذا كانت آ�فة النفاق متثل خطر ًا حقيقي ًا على حا�ضر أ المة وم�ستقبلها ،ف�إن خطرها ميتد ،و�سلبيتها تتفاقم، ومردودها يت�ضاعف �إذا �إ�ست�شرب يف أ�جهزة �صناع الفكر العالم ،ف�إن والر أ�ي ،وحني ي�سيطر املنافقون على أ�جهزة إ هذه أ الجهزة ال ت�ستطيع أ�ن ت�ضطلع باملهمة التي قامت من أ�جلها ،وهي التعبري احلقيقي عن �إرادة اجلماهري ومعاجلة م�شاكلهم ،وتناول ق�ضاياهم ،وترجمة أ�حا�سي�سهم و آ�المهم، بل على العك�س من ذلك ،ف�إنها تعمل على ت�ضليل هذه اجلماهري وخداعهم لقبول أ المر الواقع. العالم ب�سبب �إنت�شارها وت أ�تي خطورة النفاق يف و�سائل إ الوا�سع ،وت أ�ثريها الهائل على الغالبية العظمى من النا�س، نظر ًا ألن هذه الو�سائل أ��صبحت متلك آ الن من قوة اجلذب الغراء ما ميكنها من غر�س مفاهيم خاطئة وعوامل إ و أ�فكار م�شوهة يف أ�ذهان النا�س. � .4إلتبا�س الفهم يف تف�سري الو�سطية. و�سبب �إلتبا�س الفهم هو يف تف�سري الو�سطية (مب�سك الع�صا من الو�سط) مع أ�ن مفهوم الو�سطية هي اخلريية ،وهي حما�سن أ المور. العالمية ت أ�كيد أ�ن (الو�سطية) هي �إن على الو�سائل إ اخلريية دائم ًا ،و أ�ن الو�سطية يف أ الخالق مث ًال هي خري أ الخالق. فالعالم معني ب أ�ن يجعل من الو�سطية ممار�سة �سهلة وفق إ أ�طر مفتوحة وب أ�بعاد كثرية. والعالم حينما ي�صحح مفاهيم الو�سطية البد أ�ن يدر�س إ اجلمهور املخاطب ،وكيف يفهم الو�سطية. �إننا يجب أ�ن ندرك أ�ن الو�سطية هي تغيري لعادات و�سلوك السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
71
فالعالم الناجح ي ؤ�دي ر�سالته و أ�فكار ،تتم مبرحلة بطيئة ،إ ب�شكل �صحيح �إذا در�س املجتمع املخاطب وعرف بيئته كي ينطلق من مفردات املجتمع ومن قوا�سمه امل�شرتكة. العالمية إلقناع اجلمهور بالو�سطية ال تكون فاحلملة إ �ضخ أ�كرب معلومات عن الو�سطية ،و أ�كرب قدر ممكن من �شتم التطرف واملتطرفني� ،إمنا احلملة هي ر�سائل مدرو�سة ومعدة من قبل متخ�ص�صني ي�سعون نحو أ�هداف معلومة املراحل ،وينظرون �إىل ظاهرة املغاالة والتطرف نظرة �شمولية. العالم. الفتقار �إىل النموذج القدوة يف إ .5إ تكمن فاعلية القدوة يف أ�نها تقوم على غريزة التقليد واملحاكاة ،وهي من أ�قوى الغرائز الب�شرية؛ ألنها تر�سخ امل�ضمون أ�و الفكرة امل�ستهدفة أ�و ال�سلوك املطلوب يف عقول العالمية اجلماهري ونفو�سهم ،من خالل �صياغة الر�سالة إ بالفعال ولي�س أ �صياغة عملية مدعومة أ بالقوال وحدها، َّا�س ِبا ْلبرِ ِّ َو َتن َْ�س ْونَ ويف ذلك قوله تعاىل ( َأ� َت ْأ� ُم ُرونَ الن َ اب َأ�فَلاَ َت ْع ِق ُلونَ ) َأ� ْنف َُ�س ُك ْم َو َأ� ْن ُت ْم َت ْت ُلونَ ا ْل ِك َت َ (�سورة البقرة.)44: العالم، ومن هنا ي�صبح على كل من يت�صدى للعمل يف حقل إ أ�ن يدرك أ�ن عدم �إن�سجام القبول مع العمل ينذر بردود فعل عك�سية ،وب�آثار �سلبية. فالكثري من أ الفالم وامل�سل�سالت يفتقر �إىل املثال القدوة الذي نرجو من �شبابنا أ�ن يقلدوه ،و�إحرتام ال�شباب من اجلن�سني و�إحتار أ الطفال ،فمن القدوة الذي ميكن أ�ن يعجبوا به ويتطلعوا �إليه؟ هل هو تاجر املخدرات؟ هل هو املزور؟ هل هو املرت�شي؟ هل هي الراق�صة اللعوب؟ هل هي املر أ�ة �صائدة الرجال؟ ت�سا ؤ�الت عديدة تفر�ض نف�سها على ال�شباب وهم يتابعون ما ي�سمعونه وما ي�شاهدونه ،يف مناخ فيه متجيد ملهن وممار�سات منحرفة ،وحتقري ملهن �شريفة؟! فمث ًال� ،إن كثري ًا مما يعر�ض يف ال�سينما والتلفزيون يقوم على مهاجمة ال�سلوك الديني وال�سخرية من علماء الدين، فمن �سخرية لالب�س العمامة كامل أ�ذون ال�شرعي ،أ�و �سخرية 72
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
من مدر�س اللغة العربية. فهما يقدمان ب�صورة غري جيدة ،كحركة يف اجل�سم والوجه، أ�و ال�شراهة بالطعام أ�و يف حب الن�ساء ،أ�و خادم ًا للبا�شا أ�و القطاعي يعاونه على الظلم ،أ�و أ�نه منافق يظهر غري ما إ (الرهاب والكباب) خري يبطن� ..إىل غري ذلك ،ولعل فيلم إ مثال على ذلك. �إن هذه ال�سخرية يف بع�ض امل�سل�سالت أ والفالم جعلت الطفل أ�و ال�شاب ي�شمئز من كل ما له عالقة بالدين ،بل يعترب هذه املهنة مثار �إ�ستنكار بالن�سبة �إليه. العالم العربي بحاجة �إىل أ�ن يت�سلح ب�صفات �إذن ،ف�إن إ والهاجة الثارة إ علمية وعملية و أ�خالقية ،ب أ�ن يتجنب إ وال�ساءة ،و أ�ن يعالج ق�ضايا املجتمع يف هدوء و�إتزان ودون إ �إ�ساءة �إىل أ�ي فئة من فئات املجتمع. العالميةاملوجهة�ضدالعربوامل�سلمني. .6احلربالنف�سية إ الجراءات تعرف احلرب النف�سية ب أ�نها :ن�سيج من إ والتداخالت ت�صب يف �شيء حمدد ،وهو �إي�صال اخل�صم ال�ست�سالم والي أ��س والقنوط. �إىل حالة من إ واحلرب النف�سية هي أ�خطر أ�نواع احلروب املعا�صرة ،ألنها تزلزل العقول ،وتبلبل أ الفكار ،فهي حرب أ�ع�صاب ،تقوم على ت�شويه احلقائق ،واملبالغة يف القول ،من أ�جل حتطيم الروح املعنوية ،عن طريق غزو أ الفكار ،وتغيري ال�سلوك، الرادة ،وزرع الهزمية. و�إغت�صاب العقول ،و�شل إ ومن أ�هم أ��ساليب احلرب النف�سية :ن�شر ال�شائعات ،و�إثارة القلق ،وبث الفنت ،والرعب والهلع يف �صفوف اجلماهري، و�إفتعال أ الزمات ،لتفتيت وحدة املجتمع ،والت�شكيك يف �صالحية أ المة وقدراتها ،والعمل على ك�سب العنا�صر النهزامية منها ،بهدف زرع الي أ��س من الن�صر عن طريق إ املبالغة يف و�صف الهزائم ،والتلويح بالتفوق العلمي والع�سكري ،حتى ت�شعر امل�ستهدف أ�نه أ�مام قوة ال تقهر. ومع أ العالم العربي ال�سف ال�شديد ف�إن بع�ض و�سائل إ وقعت يف فخ احلرب النف�سية التي يطلقها أ�عداء أ المة، ف�صاروا أ�بواق ًا لكل ما يقال عن قوة أ�مريكا أ�و قوة �إ�سرئيل التي ال تقهر وغري ذلك.
العالم الواعي الوطني أ�ن يتحمل م�س ؤ�ولية لذا ف�إن على إ �ضد احلرب النف�سية. ولن تتحقق له القدرة على املواجهة �إال بالعمل على تاليف العالم ،والتخطيط ال�سلبيات ،و أ�والها �إطالق حرية إ العلمي الهادف �إىل الوقوف أ�مام هذه الهجمة ،وال ميكن أ�ن ال�ستفادة من يتّم ذلك �إال بالعمل الذي ي أ�خذ يف �إعتباره إ كل معطيات الع�صر ،و�إ�ستثمار متغريات احلياة احلديثة يف هذا ال�صدد. .7ربط الفكر املتطرف مبفكرين كبار. ومن اخلط أ� اجل�سيم أ�ن يتم ربط الفكر املتطرف مبفكرين متميزين ،و�إن خالفناهم ،ف أ�ي هدية أ�عظم من أ�ن ُيهدى التطرف أ�ر�ضية فكرية حينما يعزى فكرهم �إىل فكر (�سيد قطب) أ�و ( أ�بو أ العلى املودودى). العالم ،يوحي �إن هذا الربط الذي جنده يف بع�ض و�سائل إ أ�ن التطرف واملغاالة له قراءة فكرية فاح�صة ،وينطلق من أ��س�س مرجعية ،أ� ّما واقع املغالني فهو �شباب �ضعيف التعليم �صغري ال�سن ،لو قر أ� �صفحة من كتاب (معامل يف الطريق) ال�سالم) ما �إ�ستطاع أ�ن ينطق كلماتها ب�شكل أ�و (مبادئ إ �صحيح ،ف�ض ًال عن فهمها أ�و ت�شربها والعمل مبوجبها. العالم للر أ�ي آ الخر. .8عدم �إف�ساح املجال يف و�سائل إ العالم تقت�ضي �إف�ساح املجال لعر�ض خمتلف �إن و�سطية إ العالم وجهة نظر والجتهادات ،فحني يتبنى إ الر ؤ�ى إ واحدة ،أ�و يكون منري ًا لتوجه �سيا�سي أ�و فكري بذاته ،ف�إن العالمية �شرط احلياء والنزاهة. ذلك يفقد الو�سيلة إ العالم أ�ن تتيح فر�صة احلوار لذا يتعني على و�سائل إ بني خمتلف آ الراء ،أ المر الذي ي�سهم يف تنوير الر أ�ي العام و�إغنّاء �إدراك امل�شاهد ،ف�ض ًال عن أ�ن �إ�ستمرار ذلك احلوار من � أش�نه أ�ن يعلم النا�س كيف يتحاورون باحلجة ،ولي�س بالرتا�شق أ�و ال�سالح. العالم وتقت�ضي تلك الو�سطية أ�ي�ض ًا أ�ن تتبنى و�سائل إ موقع ًا متوازن ًا يف دوائر �إنتماء اجلماهري ،فال يغذى �إنتماء على ح�ساب آ�خر ،وال حتر�ض دائرة على أ�خرى ،و�إمنا تتوازى تلك الدوائر على نحو ي�سهم يف تكوين ال�شخ�صية
العربية ال�سوية. العالمية الغراق يف مواجهة التطرف بالو�سائل إ .9إ بتطرف آ�خر. الغراق يف مواجهة التطرف أ�دى بالكثري من الو�سائل �إن إ العالمية �إىل عدم التوازن ،وهذا أ�دى �إىل نتائج إ عك�سية. العالم يف هذه أ الرهاب اليام حرب ًا على إ فعندما ي�ضخ إ والتطرف ،ف�إنه يف أ�غلب أ الحيان ال يكون متوازن ًا ،فهو يلوذ النحالل أ الخالقي والتطرف الفكري يف بال�صمت حيال إ التبعية للغرب ،بل يحاول أ�ن يطم�س وي�شوه مفهوم القوة واحلرب والعدو واملقاومة ،التي ت�شكل أ��صو ًال يف أ�ي ح�ضارة أ�و دولة� ،إذ حتتاج أ المم دوم ًا لروح التحدي واملقاومة، ولكن وفق أ��س�س ونظام وقانون. العالمي النا �ضج ال ت�ستغرقه اللحظة �إن الفكر إ الزمانية ،و�إمنا يعالج الق�ضايا بتوازن وب أ�بعاد زمانية ومكانية مدرو�سة. � .10إ�شكالية العلمانية والتغريب. وال�سالمية املعا�صرة عدد ًا من أ�فرزت ال�ساحة العربية إ الذين تعلموا يف اخلارج ،وانبهروا بالنمط الغربي يف أ��سلوب العمل واحلياة ،وبد ًال من أ�ن يعملوا على م�ساعدة بالدهم وحتديث احلياة فيها ،وينه�ضوا باملجتمعات التي علمتهم و أ�نفقت عليهم ،نراهم قد متلكهم الغرور ،وارتدوا قبعات الغرب ،ولب�سوا أ�قنعته ،وتعالوا على أ�هلهم وذويهم. ومل يكتف ه ؤ�الء بالتعايل ،بل �سولت لهم أ�نف�سهم التطاول على ثوابت الدين والعقيدة ،وراحوا ينادون عرب و�سائل العالم بتطويرها كي تتوافق مع متغريات الع�صر، إ ويطالبون بع�صرنة الدين ،وتهمي�ش علومه باملدار�س واملعاهد واجلامعات. العالم، وقد فتحت لبع�ض ه ؤ�الء الكثري من و�سائل إ و أ��صبحوا حمور الكثري من الندوات واملحاورات يف الف�ضائيات ،وهذا كله أ�دى ببع�ض ال�شباب �إىل التطرف واملغاالة يف الر أ�ي رد ًا على هذا الفكر الذي تتاح له و�سائل العالم وال يتاح لغريه. إ السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
73
العالم ملتطرفني ي�ستغلون الو�سطية لبث � .11إقتحام إ تطرفهم. العالم يف هذه أ اليام متطرفون ي�ستغلون الو�سطية يقتحم إ العالمي، لبث تطرفهم م�ستفيدين من حالة عدم التوازن إ واملتطرف القومي وال�شعوبي والعلماين هو متطرف ال ميكن أ�ن ي�سهم يف �صناعة الو�سطية ،وال م�صلحة البتة يف العالم لرجل متطرف ،لكي ن أ�تي به للرد على �إ�ستخدام إ تطرف آ�خر ،معطني بذلك اجلمهور م�س ّوغ ًا للتطرف. .12عر�ض الو�سطية بطريقة باهتة بدائية. ومما ي�ضر بالو�سطية عر�ضها بطريقة بدائية باهته، �إذ جتد أ�ن بع�ض املتطرفني يعر�ض فكره بالرباهني والدالئل. العالم ال ي ؤ�ثر حتى ي أ�خذ معطيات التطرف بكل جد �إن إ و�إهتمام ،فالو�سطية أ�حوج ما تكون �إىل عر�ضها بو�سطية و�إعتدال ومنطق ،و أ�ن تكون الر�سالة غري متوترة وال منحازة ،و أ�ال يعالج التطرف بتطرف مثله. �إن بناء الو�سطية يف املجتمع هو بناء أ�فكار ور ؤ�ى البناء العالم ميثل الو�سطية لذوات أ��شخا�ص ،ألنه عندما ي�صري إ بذوات ،ف�إن فكر الو�سطية ي�صبح جم�سد ًا بذوات فقط، وهذا �سي ؤ�دي �إىل عدم الت أ�ثري ؛ ألن املواقف من أ ال�شخا�ص متذبذبة ،أ�ما أ الفكار فمعاملها واحدة. ال�شارة يف هذا املقام �إىل أ�همية الذوات ولكن ال بد من إ أ وال�شخا�ص الذين يحملون الفكر الو�سطي ،لذا يجب �إختيارهم بعناية لكي مي ّثلوا الو�سطية يف الو�سائل العالمية� ،إذ لي�س من املنا�سب أ�ن ت�سند ملفات الو�سطية يف إ العالم أل�شخا�ص عرفوا بال�سرية ال�سيئة ،أ�و أ�ن تاريخهم إ مليئ بال�صفحات ال�سوداء. �إن الو�سطية م�صطلح جذاب وهو حق وعدل ،ومن الظلم أ�ن ن�ضع بني يدي هذا احلق ذوات ًا ال متثله. ال�سالم بطريقة تقليدية. العالم مع إ .13تعامل و�سائل إ ال�سالم وفق أ��ساليب تقليدية العالم يتعامل مع إ ما زال إ قدمية ،أ�و ملجرد (حت�صيل حا�صل) أ�و (�سد خانة أ�و فراغ) أ�و رمبا كو�سيلة (رفع العتب) و�إ�ست�سهال أ المور ما دمنا نبد أ� 74
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ونختم ب�آيات بينات من القر آ�ن الكرمي ،ونخ�ص�ص �صفحات دينية ليوم اجلمعة ،وننقل وقائع �صالة اجلمعة أ والعياد، ون�شري �إىل مواعيد أ الذان ،ونقدم أ�حاديث دينية يومية ما زالت تتبع أ ال�سلوب اخلطابي القدمي. والبداع والتجديد البتكار إ ولكن روح الع�صر تفر�ض علينا إ و�إيجاد و�سائل الت�شويق وجذب امل�شاهدين وامل�ستمعني ،وال النطالق �إىل الف�ضاء أ �سيما أ الرحب الطفال وال�شباب ،ثم إ لل�سالم ،ولو إلي�صال ال�صورة احلقيقية ،والوجه ال�سمح إ ب�شكل غري مبا�شر. وبكل أ��سف ف�إن عدد أ العمال العربية ال�ضخمة التي حققت الهدف ال�سامي ال يتجاوز أ��صابع اليدين ،أ�ذكر منها على �سبيل املثال فيلم الر�سالة للمخرج العربي (م�صطفى العقاد) .رحمه اهلل ولو ركز العرب على مثل هذه أ العالم العمال يف جماالت إ المكانات والطاقات يف مناف�سات من كافة ،بد ًال من هدر إ أ�جل الك�سب الرخي�ص ال�ضيق والنقل أ العمى ملا ينتجه العالم الغربي. إ العالم. .14م�شاهد العنف يف و�سائل إ العالم �إ�ست أ�ثرت الدرا�سات عن ت أ�ثري العنف يف و�سائل إ على اجلمهور على حيز كبري من �إهتمام الباحثني يف جمال العالم واملجتمع. و�سائل إ وترى هذه الدرا�سات أ�ن تنامي ظاهرة العنف وال�سلوك العالم ،وبخا�صة أ الطفال العدواين بني جمهور و�سائل إ يرجع ب�شكل أ��سا�سي �إىل تعر�ض ذلك اجلمهور �إىل و�سائل �إعالمية تت�ضمن كثري ًا من العنف اللفظي واجل�سدي ،وهذه العالم، الدرا�سات خرجت بنتائج عن العنف يف و�سائل إ خال�صتها: أ� .أ�ن أ الطفال يتعلمون العنف من خالل مالحظة أ��شخا�ص العالم. يقومون بالعنف يف و�سائل إ العالم غالب ًا ب .أ�ن اجلمهور الذي يتعر�ض لو�سائل إ ما يقلدون العنف الواقعي ولي�س العنف اخليايل ،وهو الذي ميكن أ�ن يقع يف حياة النا�س اليومية (كامل�شاجرات و�إ�ستخدام أ ال�سلحة.)...
العالم ،لكنه ال يعمد ج .أ�ن الفرد يتعلم العنف من و�سائل إ الحباط النف�سي، �إىل حماكاته وتقليده �إال يف حاالت إ وحينما ت�ستثار عواطفه وم�شاعر ال�سخط والغ�ضب لديه. العالم د .أ�ن تكرار التعر�ض مل�شاهد العنف يف و�سائل إ ي ؤ�دي �إىل تبلد أ�حا�سي�س النا�س جتاه العنف وال�سلوك الح�سا�س. العدواين وعدم املباالة و�إنعدام إ .15الهم التجاري والك�سب املادي. العالمية مراكز جتارية أ�كرث أ��صبحت بع�ض امل ؤ��س�سات إ منها �صاحبة ر�سالة: العالمية الق�ضية فقد غلبت على بع�ض امل ؤ��س�سات إ التجارية ،ف أ�ختفى الهدف الر�سايل يف هذه امل ؤ��س�سات، و أ��صبح هدف الربح املادي هو الغالب عليها ،بل و�صارت ت�س ّوغ لنف�سها �إبتعادها عن القيم والثوابت ب أ�ن اجلمهور يريد ذلك. العالم تهتم بالرتويح والت�سلية وهذا ما جعل و�سائل إ الغاين والتمثيليات حتظى بالن�صيب أ و�صارت أ الوفى، الغاين الهابطة أ خا�صة تلك أ والفالم والتمثيليات التي تثري الغرائز. ومما ال �شك فيه أ�ن هذا قد جعل بع�ض النا�س ي�ستغل العالمية لي�شكك يف وطنيتها �إجتاه بع�ض امل ؤ��س�سات إ ور�سالتها ،وهذا ما أ�بعد جمهور ًا عري�ض ًا من ال�شباب عنها وعن م�شاهدتها ،و أ�دى �إىل زيادة املغاالة والت�شدد عند ه ؤ�الء.
أالمة /قطر. نحو م�شروع جملة رائدة أ للطفال /د .مالك �إبراهيم أالحمد /كتاب أالمة /قطر. التعددية الفكرية واحلوار يف املجتمع امل�سلم /د .حممد عبد الغفار �شريف /املركز العاملي للو�سطية /الكويت. ا إلعالم و أ�ثره يف ن�شر القيم ا إل�سالمية /د .حممد �إبراهيم ن�صر/ دار اللواء /الريا�ض. ر ؤ�ية �إ�سالمية يف ق�ضايا معا�صرة /د .عماد الدين خليل /كتاب أالمة/ قطر. ا إلعالم وثقافة الو�سطية /فهمي الهويدي /املركز العاملي للو�سطية/ الكويت. جتديد اخلطاب الديني /ناجح �إبراهيم عبد اهلل /مكتبة العبيكان/ الريا�ض. حرية الر أ�ي يف ا إل�سالم /د .حممد عبد الفتاح اخلطيب /كتاب أالمة /قطر. مدخل �إىل ا إلعالم ا إل�سالمي /د� .سعيد �صيني /دار احلقيقة/ القاهرة. ا إلعالم ا إل�سالمي (الواقع والتحديات) /عبد املجيد �شكري /العربي للن�شر والتوزيع /القاهرة. أ��صول ا إلعالم ا إل�سالمي /د� .إبراهيم �إمام /دار الفكر العربي/ القاهرة. مقال بعنوان (ا إلعالم وثقافة الو�سطية) /عادل املاجد.
الـمـراجـع والـمـ�صـادر كيف ت ؤ�ثر و�سائل ا إلعالم /مكتبة عبد الرحمن احلظيف /مكتبة العبيكان /الريا�ض. ا إلعالم احلديث وال�شباب يف العامل العربي /د .مو�سى �شتيوي، د�.إبت�سام العطيات /املركز أالردين للبحوث ا إلجتماعية. ا إلعالم وا إل�سالم /عرفان نظام الدين /بيت القر�آن /البحرين. �إ�شكاليات العمل ا إلعالمي /د .حميي الدين عبد احلليم /كتاب السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
75
وسطيتنا
أدلة الوسطية في القرآن والسنة للدكتور /محمد بن عمر بازمول
مقدمة
�إن احلمد هلل ،نحمده ،ون�ستعينه ،ون�ستغفره ،ونعوذ باهلل من �شرور أ�نف�سنا ،ومن �سيئات أ�عمالنا ،من يهده اهلل فال م�ضل له ،ومن ي�ضلل فال هادي له. و أ��شهد أ�ن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له .و أ��شهد أ�ن حممدا عبده ور�سوله . َ للهَّ ( َيا َأ� ُّي َها ا َّل ِذينَ آ� َمنُوا ا َّتقُوا ا َحقَّ ُت َقا ِت ِه َو اَل تمَ ُ و ُت َّن ِ�إ اَّل َو َأ� ْن ُت ْم ُم ْ�س ِل ُمونَ ) (�()1سورة آ�ل عمران.)102 : احدَ ٍة ْ�س َو ِ َّا�س ا َّتقُوا َر َّب ُك ُم ا َّل ِذي َخ َل َق ُك ْم ِم ْن َنف ٍ ( يا َأ� ُّي َها الن ُ اء َوا َّتقُوا اللهَّ َ َو َخ َل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّث ِم ْن ُه َما ِر َج اًال َك ِث ً ريا َو ِن َ�س ً اء ُلونَ ِب ِه َو ْ َأ ال ْر َحا َم �إِنَّ اللهَّ َ َكانَ َع َل ْي ُك ْم َر ِقي ًبا)()2 ا َّل ِذي َت َ�س َ ( �سورة الن�ساء.)1 : ( َيا َأ� ُّي َها ا َّل ِذينَ آ� َمنُوا ا َّتقُوا اللهَّ َ َو ُقو ُلوا َق ْو اًل َ�س ِديدً ا * ُي�ص ِل ْح َل ُك ْم أ� ْع َما َل ُك ْم َو َي ْغ ِفر َل ُك ْم ُذ ُنو َب ُك ْم َو َم ْن ُي ِطع اللهَّ َ ْ ْ ِ َو َر ُ�سو َلهُ َف َق ْد َفا َز َف ْو ًزا َع ِظي ًما ) ()3 (�سورة أ الحزاب.)71 -70 :
أ�ما بعد:
ف�إن أ��صدق الكالم كالم اهلل ،وخري الهدي هدي حممد ،و�شر أ المور حمدثاتها ،وكل حمدثة بدعة ،وكل بدعة �ضاللة، وكل �ضاللة يف النار. أ�ما بعد :فهذه ورقات أ�فردتها يف تقرير بع�ض من أ�دلة الو�سطية من القر آ�ن العظيم وال�سنة النبوية ،أ�تقدم بها يف ندوة « أ�ثر القر آ�ن الكرمي يف حتقيق الو�سطية ودفع الغلو « ،التي �ستنعقد يف مكة املكرمة� ،ضمن فعاليات م�سابقة امللك عبد العزيز الدولية حلفظ القر آ�ن الكرمي وتالوته، وتف�سريه يف 1424 / 8 / 11 - 3هـ. �سائال اهلل املزيد من التوفيق والهدى والر�شاد للقائمني على هذه الندوة ،و أ�ن يجعل �سبحانه وتعاىل جهودهم يف موازين ح�سناتهم� ،إنه �سميع جميب. 76
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ال�سالم و�سط بني أ الديان مدخل :إ ال�سالم الو�سطية والتوازن (.)4 من خ�صائ�ص إ ال�سالم ابن تيمية (ت 728هـ) رحمه اهلل: يقول �شيخ إ « قد خ�ص اهلل تبارك وتعاىل حممدا (�ص) بخ�صائ�ص ميزه اهلل بها على جميع أ النبياء واملر�سلني ،وجعل له �شرعة ومنهاجا أ�ف�ضل �شرعة ،و أ�كمل منهاج مبني. كما جعل أ�مته خري أ�مة أ�خرجت للنا�س؛ فهم يوفون �سبعني أ�مة هم خريها ،و أ�كرمها على اهلل من جميع أ الجنا�س. هداهم اهلل بكتابه ور�سوله ملا اختلفوا فيه من احلق قبلهم .وجعلهم و�سطا عدال خيارا؛ فهم و�سط يف توحيد الميان بر�سله ،وكتبه ،و�شرائع اهلل و أ��سمائه و�صفاته ،ويف إ دينه من أ المر والنهي واحلالل واحلرام. ف أ�مرهم باملعروف ،ونهاهم عن املنكر ،و أ�حل لهم الطيبات، وحرم عليهم اخلبائث ،مل يحرم عليهم �شيئا من الطيبات كما حرم على اليهود ،ومل يحل لهم �شيئا من اخلبائث كما ا�ستحلتها الن�صارى. ومل ي�ضيق عليهم باب الطهارة والنجا�سة كما �ضيق على اليهود ،ومل يرفع عنهم طهارة احلدث واخلبث كما رفعته الن�صارى ،فال يوجبون الطهارة من اجلنابة ،وال الو�ضوء لل�صالة ،وال اجتناب النجا�سة يف ال�صالة ،بل يعد كثري من عبادهم مبا�شرة النجا�سات من أ�نواع القرب والطاعات، حتى يقال يف ف�ضائل الراهب « :له أ�ربعون �سنة ما م�س املاء! « ولهذا تركوا اخلتان ،مع أ�نه �شرع �إبراهيم اخلليل عليه ال�سالم و أ�تباعه. واليهود �إذا حا�ضت املر أ�ة عندهم ،ال ي ؤ�اكلونها وال ي�شاربونها ،وال يقعدون معها يف بيت واحد ،والن�صارى ال يحرمون وطء احلائ�ض ،وكان اليهود ال يرون �إزالة النجا�سة ،بل �إذا أ��صاب ثوب أ�حدهم قر�ضه باملقرا�ض، والن�صارى لي�س عندهم �شيء جن�س يحرم أ�كله ،أ�و حترم ال�صالة معه. وكذلك امل�سلمون و�سط يف ال�شريعة فلم يجحدوا �شرعه النا�سخ ألجل �شرعه املن�سوخ ،كما فعلت اليهود .وال غريوا �شيئا من �شرعه املحكم وال ابتدعوا �شرعا مل ي أ�ذن به اهلل، كما فعلت الن�صارى. وال غلوا يف أ النبياء وال�صاحلني كغلو الن�صارى ،وال بخ�سوهم حقوقهم كفعل اليهود.
وال جعلوا اخلالق �سبحانه مت�صفا بخ�صائ�ص املخلوق، ونقائ�صه ،ومعايبه من الفقر والبخل والعجز كفعل اليهود، وال املخلوق مت�صفا بخ�صائ�ص اخلالق �سبحانه التي لي�س كمثله فيها �شيء كفعل الن�صارى. ومل ي�ستكربوا عن عبادته كفعل اليهود. وال أ��شركوا بعبادته أ�حدا كفعل الن�صارى. ال�سالم يف أ�هل ال�سالم ك أ�هل إ و أ�هل ال�سنة واجلماعة يف إ امللل ،فهم و�سط يف باب �صفات اهلل ( بني أ�هل اجلحد والتعطيل ،وبني أ�هل الت�شبيه والتمثيل ،ي�صفون اهلل مبا و�صف به نف�سه ومبا و�صفه به ر�سله من غري تعطيل وال متثيل� ،إثباتا ل�صفات الكمال ،وتنزيها له عن أ�ن يكون له فيها أ�نداد و أ�مثال� ،إثبات ًا بال متثيل ،وتنزيه ًا بال تعطيل، كما قال تعاىلَ ( :ل ْي َ�س َك ِم ْث ِل ِه َ�ش ْي ٌء )()5 (�سورة ال�شورى].)11 : ري ) ()6 ال�سم ُ ِيع ا ْل َب ِ�ص ُ رد على املمثلةَ ( ،وهُ َو َّ (�سورة ال�شورى ،)11 :رد على املعطلة. ال�ص َمدُ -لمَ ْ َي ِل ْد َولمَ ْ وقال تعاىلُ ( :قلْ هُ َو اللهَّ ُ َأ� َحدٌ -اللهَّ ُ َّ ُيو َل ْد َ -ولمَ ْ َي ُك ْن َلهُ ُكفُ ًوا َأ� َحدٌ ) ()7 الخال�ص.)4 - 1 : (�سورة إ فال�صمد :ال�سيد امل�ستوجب ل�صفات الكمال. أ والحد :الذي لي�س له كف ؤ� وال مثال. وهم و�سط يف باب أ�فعال اهلل بني املعتزلة املكذبني للقدر، واجلربية النافني حلكمة اهلل ورحمته وعدله ،واملعار�ضني بالقدر أ�مر اهلل ونهيه وثوابه وعقابه. ويف باب الوعد والوعيد ،بني الوعيدية الذين يقولون بتخليد ع�صاة امل�سلمني يف النار ،وبني املرجئة الذين يجحدون بع�ض الوعيد وما ف�ضل اهلل به أ البرار على الفجار. وهم و�سط يف أ��صحاب ر�سول اهلل (�ص) بني الغايل يف بع�ضهم الذي يقول فيه ب�إلهية أ�و نبوة أ�و ع�صمة ،واجلايف فيهم الذي يكفر بع�ضهم أ�و يف�سقه وهم خيار هذه أ المة « اهـ(.)8 وقال -رحمه اهلل « :-وكذلك يف �سائر أ�بواب ال�سنة ،هم و�سط؛ ألنهم متم�سكون بكتاب اهلل و�سنة ر�سوله (�ص) الولون من املهاجرين أ وما اتفق عليه ال�سابقون أ والن�صار، والذين اتبعوهم ب�إح�سان « اهـ (.)9
أ�دلة الو�سطية من القر آ�ن العظيم وال�سنة النبوية أ ال�سالم فال �إفراط وال تفريط ،ال الدلة على و�سطية أ�مة إ غلو وال جفاء ،كثرية من القر آ�ن العظيم ،وال�سنة النبوية، أ�ذكر منها أ الدلة التالية: أ�وال :أ الدلة من القر آ�ن العظيم: ال�ص َر َ يم - ( )1قول اهلل تبارك وتعاىلْ ( : اط المْ ُ ْ�س َت ِق َ اه ِد َنا ِّ ِ�ص َر َ وب َع َل ْيه ِْم َو اَل َّ ال�ضا ِّلنيَ) اط ا َّل ِذينَ َأ� ْن َع ْمتَ َع َل ْيه ِْم َغيرْ ِ المْ َغ ُْ�ض ِ (( )10الفاحتة.)7 - 6 : ووجه داللة آ الية :أ�نه �سبحانه و�صف ال�صراط امل�ستقيم ب أ�نه غري �صراط املغ�ضوب عليهم ،وهم اليهود أ�هل الغلو يف الدين ،وغري �صراط الن�صارى ،وهم أ�هل الغلو يف الرهبانية والتعبد ،حتى خرجوا عن حدود ال�شرع ،لي�س فقط يف العبادة بل حتى يف االعتقاد ،يقول تبارك وتعاىل: للهَّ اب ال َت ْغ ُلوا فيِ ِدي ِن ُك ْم َوال َتقُو ُلوا َع َلى ا ِ ِ�إال ( َيا َأ� ْه َل ا ْل ِك َت ِ ي�سى ا ْبنُ َم ْريمَ َ َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َو َك ِل َم ُتهُ َأ� ْل َقاهَ ا الحْ َ قَّ ِ�إنمَّ َ ا المْ َ ِ�س ُ يح ِع َ وح ِمنْهُ َف�آ ِمنُوا ِباللهَّ ِ َو ُر ُ�س ِل ِه َوال َتقُو ُلوا َثال َث ٌة ِ�إلىَ َم ْريمَ َ َو ُر ٌ ُ للهَّ احدٌ ُ�س ْب َحا َنهُ َأ� ْن َي ُكونَ َلهُ ا ْن َت ُهوا َخيرْ ً ا َل ُك ْم ِ�إنمَّ َ ا ا ِ�إ َلهٌ َو ِ للهَّ ات َو َما فيِ َأ �ض َو َك َفى ِبا ِ َو ِكيال ) ال�س َما َو ِ ال ْر ِ َو َلدٌ َلهُ َما فيِ َّ (( )11الن�ساء.)171 : ف�إذا كان ال�صراط امل�ستقيم غري �صراط اليهود والن�صارى، وكان �صراط اليهود والن�صارى �صراط غلو يف الدين ،دل ذلك على أ�ن ال�صراط امل�ستقيم �صراط ال غلو فيه ،فهو بني طرفني� :إفراط وتفريط ،وهذا هو معنى الو�سطية التي ال�سالمي. هي منهاج الدين إ احدَ ًة َّا�س ُأ� َّم ًة َو ِ ( )2قال اهلل تبارك وتعاىلَ ( :كانَ الن ُ َف َب َع َث اللهَّ ُ ال َّن ِب ِّي َ اب ني ُم َب ِّ�ش ِرينَ َو ُمن ِْذ ِرينَ َو َأ�ن َْز َل َم َع ُه ُم ا ْل ِك َت َ يه َو َما اخْ َت َل َف َّا�س ِفي َما اخْ َت َلفُ وا ِف ِ ِبالحْ َ قِّ ِل َي ْح ُك َم بَينْ َ الن ِ اء ْت ُه ُم ا ْل َب ِّي َن ُ ات َب ْغ ًيا ِف ِ يه ِ�إ اَّل ا َّل ِذينَ أ�ُو ُتو ُه ِم ْن َب ْع ِد َما َج َ ُ للهَّ يه مِنَ الحْ َ قِّ َب ْي َن ُه ْم َف َهدَ ى ا ا َّل ِذينَ آ� َمنُوا لمِ َا اخْ َت َلفُ وا ِف ِ يم ) ()12 اء ِ�إلىَ ِ�ص َر ٍ اط ُم ْ�س َت ِق ٍ ِب ِ�إ ْذ ِن ِه َواللهَّ ُ َي ْه ِدي َم ْن َي َ�ش ُ (�سورة البقرة.)213 : مينت اهلل �سبحانه على عباده امل ؤ�منني أ�ن هداهم �إىل ال�صراط امل�ستقيم ،الذي هو �سبيل الر�سول (�ص) ومن اطي ُم ْ�س َت ِقي ًما َفا َّت ِب ُعو ُه يتبعه ،قال تعاىلَ ( :و َأ�نَّ هَ َذا ِ�ص َر ِ ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َع ْن َ�س ِبي ِل ِه َذ ِل ُك ْم َو َّ�ص ُاك ْم ِب ِه َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ َل َعلَّ ُك ْم َت َّت ُقونَ ) ( �( )13سورة أ النعام.)153 : السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
77
وللغواية وال�ضالل �سبل ،كما قال تبارك وتعاىلَ ( :و اَل الل َم ْن وعدُ ونَ َو َت ُ�ص ُّدونَ َع ْن َ�س ِب ِ يل هَّ ِ اط ُت ِ َت ْق ُعدُ وا ِب ُك ِّل ِ�ص َر ٍ آ� َمنَ ِب ِه َو َت ْب ُغو َن َها ِع َو ًجا َواذ ُْك ُروا ِ�إ ْذ ُك ْن ُت ْم َق ِل اً يل َف َك رََّ ث ُك ْم اق َب ُة المْ ُف ِْ�س ِدينَ ) ()14 َوان ُْظ ُروا َك ْي َف َكانَ َع ِ (�سورة أ العراف.)86 : وكل �سبيل غري �سبيل احلق فهو معوج ،كما قال تعاىل: اب مَِ الل َم ْن آ� َمنَ ل َت ُ�ص ُّدونَ َع ْن َ�س ِب ِ يل هَّ ِ ( ُقلْ َيا َأ� ْه َل ا ْل ِك َت ِ اء َو َما هَّ ُ الل ِب َغا ِف ٍل َع َّما َت ْع َم ُلونَ ) َت ْب ُغو َن َها ِع َو ًجا و َأَ� ْن ُت ْم ُ�ش َهدَ ُ (�( )15سورة آ�ل عمران ،)99 :وقال تعاىل ( :ا َّل ِذينَ الل َو َي ْب ُغو َن َها ِع َو ًجا َوهُ ْم ِب ْ آ ال ِخ َر ِة َي ُ�ص ُّدونَ َع ْن َ�س ِب ِ يل هَّ ِ َكا ِف ُرونَ ) (�( )16سورة أ العراف.)45 : و�سبيل احلق هو �سبيل الر�شد ،وهو ال�صراط امل�ستقيم ،كما بونَ يِف ْ َأ �ض ال ْر ِ قال تعاىل� ( :س َأَ� ْ�ص ِر ُف َع ْن آ� َيا ِت َي ا َّل ِذينَ َي َت َك رَّ ُ ِبغَيرْ ِ الحَْ قِّ و َِ�إ ْن َي َر ْوا ُك َّل آ� َي ٍة اَل ُي ْ ؤ� ِمنُوا ِب َها و َِ�إ ْن َي َر ْوا َ�س ِب َ يل الر ْ�ش ِد اَل َيت َِّخ ُذو ُه َ�س ِب اً يل و َِ�إ ْن َي َر ْوا َ�س ِب َ يل ا ْل َغ ِّي َيت َِّخ ُذو ُه ُّ آ َ�س ِب اً يل َذ ِل َك ِب َأ� َّن ُه ْم َك َّذ ُبوا ِب� َيا ِت َنا َو َكا ُنوا َع ْن َها َغا ِف ِل َ ني ) (�() 17سورة أ العراف ،)146 :وقال تعاىلَ ( :و َق َ ال ا َّل ِذي آ� َمنَ َيا َق ْو ِم ا َّت ِب ُعونِ َأ� ْه ِد ُك ْم َ�س ِب َ يل ال َّر�شَ ا ِد ) ()18 (�سورة غافر.)38 : فال�صراط امل�ستقيم و�سط بني ال�سبل ،التي أ��شارت �إليها آ المة و�سط بني أ اليات ال�سابقات ،وعليه ف�إن هذه أ المم. فو�صف أ المة بكونها هديت �إىل �صراط م�ستقيم ،و أ�نها على �صراط م�ستقيم ،و�صف يقت�ضي الو�سطية لها يف دينها ،بني ال�سبل املعوجة ،ذات اليمني وذات ال�شمال. ( )3قال اهلل تبارك وتعاىلَ ( :و َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم ُأ� َّم ًة َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم اء َع َلى الن ِ َو َ�س ًطا ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ �شَ هِيدً ا ) (�( )19سورة البقرة.)143 : وقد تتابعت كلمة املف�سرين يف أ�ن و�صف أ المة بالو�سط، يراد به كونهم عدوال خيارا ،ويدل عليه أ المور التالية: - 1أ�ن اهلل �سبحانه وتعاىل و�صف هذه أ المة يف مو�ضع آ�خر باخلريية ،فقال تعاىلُ (:ك ْن ُت ْم خَيرَْ ُأ� َّم ٍة أ�ُخْ ِر َجتْ وف َو َت ْن َه ْونَ َع ِن المْ ُ ْن َك ِر َو ُت ْ ؤ� ِمنُونَ َّا�س ت ْأَ� ُم ُرونَ ِبالمَْ ْع ُر ِ ِللن ِ آ أ اب َل َكانَ خَيرًْ ا َل ُه ْم ِم ْن ُه ُم المْ ُ ْ ؤ� ِمنُونَ ِب هَّ ِ الل َو َل ْو � َمنَ َ� ْه ُل ا ْل ِك َت ِ و َأَ� ْك رَ ُ ا�س ُقونَ ) (�( ) 20سورة آ�ل عمران.)110 : ثهُ ُم ا ْل َف ِ - 2أ�ن هذا التف�سري جاء فيه حديث �صحيح مرفوع عن ر�سول اهلل (�ص) عن أ�بي �سعيد اخلدري قالَ :ق َ ال َر ُ�س ُ ول ُوح َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِةَ ،ف ُي َق ُ ال َلهُ :هَ لْ َبلَّغْتَ ؟ هَّ ِ الل ُ « 0ي َج ُ اء ِبن ٍ 78
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
َف َيق ُ ُولَ :ن َع ْم َيا َر ِّبَ .ف ُت ْ�س َأ� ُل ُأ� َّم ُتهُ :هَ لْ َبلَّ َغ ُك ْم؟ َف َيقُو ُلونَ : ُولَ :م ْن ُ�ش ُهو ُد َك؟ َف َيق ُ يرَ .ف َيق ُ م َّمدٌ اء َنا ِم ْن َن ِذ ٍ ُول :حَُ َما َج َ هَّ اء ِب ُك ْم َف َت ْ�ش َهدُ ونَ ُ ،ث َّم َقر َأَ� َر ُ�س ُ الل ( َو َك َذ ِل َك ول ِ و ُأَ� َّم ُتهُ َ ،ف ُي َج ُ اء َج َع ْل َن ُاك ْم ُأ� َّم ًة َو َ�س ًطا) ( )21قال :عدال ( ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم �شَ هِيدً ا ) ( . » )22 َع َلى الن ِ - 3أ�ن هذا التف�سري هو الذي يطابق ال�سياق ،ف�إن اهلل َّا�س ) (،) 23 اء َع َلى الن ِ تعاىل يقولِ ( :ل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ فاملنا�سب لكونهم �شهداء على النا�س أ�ن يثبت لهم و�صف اخلريية والعدالة. ال�سالم جعلت أ�مة و�سطا :عدال خيارا؛ والعدل اخليار ف أ�مة إ الفراط والتفريط. يت�ضمن الداللة على كونهم بني إ قال الطربي (ت 310هـ) رحمه اهلل « :و أ�رى أ�ن اهلل تبارك وتعاىل �إمنا و�صفهم ب أ�نهم و�سط؛ لتو�سطهم يف الدين فال هم أ�هل غلو فيه -غلو الن�صارى الذين غلوا بالرتهب ،وقيلهم يف عي�سى ما قالوا فيه -وال هم أ�هل تق�صري فيه -تق�صري اليهود الذين بدلوا كتاب اهلل ،وقتلوا أ�نبياءهم ،وكذبوا على ربهم ،وكفروا به -ولكنهم أ�هل تو�سط واعتدال فيه، فو�صفهم اهلل بذلك� ،إذ كان أ�حب أ المور �إىل اهلل أ�و�سطها « اهـ ( .)24 واملعنيان متداخالن ،وال متانع بينهما ،فال مغايرة بني احلديث وبني ما دل عليه معنى آ الية ()25؛ وذلك أ�ن الو�سط يف أ ال�صل ا�سم ملا ت�ستوي ن�سبة اجلوانب �إليه كمركز الدائرة ،ثم ا�ستعري للخ�صال املحمودة الب�شرية ،لكن ال والعواز أ ألن أ والو�ساط الطراف يت�سارع �إليها اخللل إ حممية حموطة؛ ف�إن تلك العالقة مبعزل من االعتبار يف هذا املقام� ،إذ ال مالب�سة بينها وبني أ�هلية ال�شهادة التي جعلت غاية للجعل املذكور ،بل لكون تلك اخل�صال الفراط أ�و�ساطا للخ�صال الذميمة املكتنفة بها من طريف إ والتفريط؛ كالعفة التي طرفاها الفجور واخلمود. وكال�شجاعة التي طرفاها الظهور واجلنب ،وكاحلكمة التي طرفاها اجلربزة( )26والبالدة .وكالعدالة التي هي كيفية مت�شابهة حا�صلة من اجتماع تلك أ الو�ساط املحفوفة ب أ�طرافها ،ثم أ�طلق على املت�صف بها مبالغة ك أ�نه نف�سها ،و�سوى فيه بني املفرد واجلمع ،واملذكر وا ؤ مل�نث رعاية ال�صل كد أ�ب �سائر أ جلانب أ ال�سماء التي يو�صف بها. وقد روعيت هاهنا نكتة رائقة :هي أ�ن اجلعل امل�شار �إليه
عبارة عما تقدم ذكره من هدايته تعاىل �إىل احلق الذي عرب عنه بال�صراط امل�ستقيم ،والذي هو الطريق ال�سوي الواقع يف و�سط الطرق اجلائرة عن الق�صد �إىل اجلوانب، ف�إنا �إذا فر�ضنا خطوطا كثرية وا�صلة بني نقطتني متقابلتني ،فاخلط امل�ستقيم �إمنا هو اخلط الواقع يف و�سط تلك اخلطوط املنحنية. ومن �ضرورة كونه و�سطا بني الطرق اجلائرة كون أ المة املهدية �إليه أ�مة و�سطا بني أ المم ال�سالكة �إىل تلك الطرق الزائغة أ�ي مت�صفة باخل�صال احلميدة خيارا وعدوال مزكني بالعلم والعمل ( .)27واهلل أ�علم . ومن فوائد هذه آ الر�شاد �إىل أ�ن كل خري ينفع النا�س، الية إ فقد أ�مر اهلل به ،ودعا �إليه ،وكل �شر وف�ساد فقد نهى اهلل عنه و أ�مر برتكه ،وهذا �ضرورة كون هذه أ المة مو�صوفة باخلريية ،و أ�نها هديت �إىل ال�صراط امل�ستقيم. وهذا الو�صف بالو�سطية ثبت يف ن�صو�ص عديدة ،ت ؤ�كد معنى التو�سط وعدم الغلو يف مظاهر الدين ،من ذلك: ( )4نهيه عن الغلو يف احلكم بني النا�س ،حيث أ�مر بالعدل، والظلم خالف العدل ،وهو ميل �إىل أ�حد الطرفني على ح�ساب آ الخر ،قال اهلل تبارك وتعاىل� ( :إِنَّ اللهَّ َ َي ْأ� ُم ُر ُك ْم َأ� ْن ُت َ ؤ� ُّدوا ْ َأ َّا�س ال َما َن ِ ات ِ�إلىَ َأ� ْه ِل َها َو ِ�إ َذا َح َك ْم ُت ْم بَينْ َ الن ِ َأ� ْن تحَ ْ ُك ُموا ِبا ْل َع ْد ِل �إِنَّ اللهَّ َ ِن ِع َّما َي ِع ُظ ُك ْم ِب ِه �إِنَّ اللهَّ َ َكانَ ريا ) (�( )28سورة الن�ساء ،)58 :وقوله تبارك َ�سمِي ًعا َب ِ�ص ً وتعاىل: ( َيا َأ� ُّي َها ا َّل ِذينَ آ� َمنُوا ُكو ُنوا َق َّوا ِم َ اء ِبا ْل ِق ْ�س ِط ني للِهَّ ِ ُ�ش َهدَ َ اع ِد ُلوا هُ َو َأ� ْق َر ُب َو اَل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن�آنُ َق ْو ٍم َع َلى َأ� اَّل َت ْع ِد ُلوا ْ ري بمِ َ ا َت ْع َم ُلونَ ) ( )29 ِلل َّت ْق َوى َوا َّتقُوا اللهَّ َ �إِنَّ اللهَّ َ َخ ِب ٌ (�سورة املائدة.)8 : آ واليتان دليل على أ�مر اهلل تبارك وتعاىل مبا هو مقت�ض خلريية هذه أ المة ،وكون أ�هلها عدوال؛ ف أ�مر باحلكم بالعدل؛ لي�س فقط يف حكمهم بع�ضهم على بع�ض ،بل حتى يف حكمهم على أ�عدائهم. والعدل يف احلكم مع أ العداء من مظاهر هذه اخلريية التي خ�ص اهلل بها هذه أ المة. ( )5نهيه عن الغلو يف دعاء اهلل و « « الدعاء هو العبادة » ( ،) 30حيث أ�مر بالتو�سط فيه دون اجلهر وفوق املخافتة، فقال اهلل تبارك وتعاىلُ ( :ق ِل ا ْد ُعوا اللهَّ َ َأ� ِو ا ْد ُعوا
ال َّر ْح َمنَ َأ� ًّيا َما َت ْد ُعوا َف َلهُ ْ َأ اء الحْ ُ ْ�س َنى َو اَل تجَ ْ َه ْر ال ْ�س َم ُ ِب َ�صلاَ ِت َك َو اَل ُت َخافِتْ ِب َها َوا ْب َت ِغ بَينْ َ َذ ِل َك َ�س ِبيلاً )() 31 ال�سراء.)110 : (�سورة إ أ والمر بابتغاء ال�سبيل بني ذلك يعني أ�ن يكون الدعاء ت�ضرعا دون اجلهر وفوق ال�سر ،فهذا مظهر من مظاهر أ المر بالتو�سط يف العبادة ،التي هي الدعاء. ( )6نهيه عن الغلو يف طلب الدنيا ،فلم ي أ�مر برتك الدنيا، واخلروج �إىل الفيايف ،كما مل ي أ�مر باال�ستغراق فيها، الن�سان ال حمل له �إال هذه احلياة الدنيا� ،إمنا أ�مر وك أ�ن إ الن�سان آ للخرة ،ي أ�خذ بالتو�سط ،فالدنيا بلغة يتبلغ بها إ منها مبا أ�حله اهلل �سبحانه وتعاىل ،ويعي�ش فيها فيما أ�باحه اهلل �سبحانه وتعاىل ،وي�ستعد بذلك آ للخرة ،قال اك اللهَّ ُ الدَّ ا َر ْ آ اهلل تبارك وتعاىلَ ( :وا ْب َت ِغ ِفي َما آ� َت َ ال ِخ َر َة الد ْن َيا ۖ َو َأ� ْح ِ�س ْن َك َما َأ� ْح َ�سنَ اللهَّ ُ ِ�إ َل ْي َك ْ�س َن ِ�صي َب َك مِنَ ُّ ۖ َو اَل َتن َ ۖ َو اَل َت ْب ِغ ا ْل َف َ�سا َد فيِ ْ َأ �ض ۖ �إِنَّ اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب المْ ُف ِْ�س ِدينَ ) ال ْر ِ ( �( )32سورة الق�ص�ص.)77 : وهذه آ الية فيها دليل على أ�ن ترك التو�سط واالعتدال ف�ساد يف أ الر�ض ،أ�ال تراه يقولَ ( :و َأ� ْح ِ�س ْن َك َما َأ� ْح َ�سنَ اهلل ِ�إ َل ْي َك َو اَل َت ْب ِغ ا ْل َف َ�سا َد فيِ ْ َأ �ض �إِنَّ اللهَّ َ اَل ُي ِح ُّب ال ْر ِ المْ ُف ِْ�س ِدينَ )( ،)33ف�إذا كان العمل يف الدنيا وترك ال�سعي آ للخرة ف�سادا يف أ الر�ض ،فمن باب أ�وىل ترك أ�مور ال�صراط امل�ستقيم -وعنوانها متام �صالح أ الخالق -ف�ساد يف أ الر�ض. ( )7نهيه عن الغلو يف النفقة باملال ،حيث يقول تبارك وتعاىلَ ( :وا َّل ِذينَ ِ�إ َذا َأ� ْن َفقُوا لمَ ْ ُي ْ�س ِر ُفوا َولمَ ْ َي ْقترُ ُ وا َو َكانَ بَينْ َ َذ ِل َك َق َوا ًما) (�( )34سورة الفرقان ،)67:وقوله تبارك وتعاىلَ ( :و اَل تجَ ْ َعلْ َيدَ َك َم ْغ ُلو َل ًة ِ�إلىَ ُع ُن ِق َك َو اَل َت ْب ُ�سطْ َها ُك َّل ا ْل َب ْ�س ِط َف َت ْق ُعدَ َم ُلو ًما محَ ْ ُ�سو ًرا ) ()35 ال�سراء.)29 : (�سورة إ قال ابن قيم اجلوزية (ت 751هـ) رحمه اهلل « :والفرق بني االقت�صاد والتق�صري أ�ن االقت�صاد هو التو�سط بني الفراط والتفريط. طريف إ وله طرفان هما �ضدان له :تق�صري وجماوزة. فاملقت�صد قد أ�خذ بالو�سط وعدل عن الطرفني ،قال تعاىل: ( َوا َّل ِذينَ ِ�إ َذا َأ� ْن َفقُوا لمَ ْ ُي ْ�س ِر ُفوا َولمَ ْ َي ْقترُ ُ وا َو َكانَ بَينْ َ َذ ِل َك َق َوا ًما ) (�()36سورة الفرقان ،)67 :وقال تعاىل: السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
79
( َو اَل تجَ ْ َعلْ َيدَ َك َم ْغ ُلو َل ًة ِ�إلىَ ُع ُن ِق َك َو اَل َت ْب ُ�سطْ َها ُك َّل (�سورةال�سراء ،)29 :وقال تعاىل: ا ْل َب ْ�س ِط)()37 إ ( َو ُك ُلوا َو ْ ا�ش َر ُبوا َو اَل ُت ْ�س ِر ُفوا ) (.)38 (�سورة أ العراف ،)31 :والدين كله بني هذين الطرفني. ال�سالم ق�صد بني امللل. بل إ وال�سنة ق�صد بني البدع. ودين اهلل بني الغايل فيه واجلايف عنه. وكذلك االجتهاد هو بذل اجلهد يف موافقة أ المر ،والغلو جماوزته وتعديه. وما أ�مر اهلل ب أ�مر �إال ولل�شيطان فيه نزغتان: ف�إما �إىل غلو وجماوزة. و�إما �إىل تفريط وتق�صري. وهما آ�فتان ال يخل�ص منهما يف االعتقاد والق�صد والعمل �إال من م�شى خلف ر�سول اهلل وترك أ�قوال النا�س و آ�راءهم ملا جاء به ،ال من ترك ما جاء به ألقوالهم و آ�رائهم. وهذان املر�ضان اخلطران قد ا�ستوليا على أ�كرث بني آ�دم، ولهذا حذر ال�سلف منهما أ��شد التحذير ،وخوفوا من بلي ب أ�حدهما بالهالك. وقد يجتمعان يف ال�شخ�ص الواحد ،كما هو حال أ�كرث اخللق� ،إذ يكون مق�صرا مفرطا يف بع�ض دينه غاليا متجاوزا يف بع�ضه .واملهدي من هداه اهلل « اهـ ( .)39 نهيه عن حترمي الطيبات. ال�سراف ،وهو من الغلو وهو من الغلو يف التزهد ،ونهيه عن إ يف اال�ستغراق يف الدنيا وملذاتها ،وال�صراط امل�ستقيم بينهما ،يقول تبارك وتعاىلَ ( :يا َب ِني آ� َد َم ُخ ُذوا ِزي َن َت ُك ْم ِعنْدَ ُك ِّل َم ْ�س ِج ٍد َو ُك ُلوا َو ْ ا�ش َر ُبوا َو اَل ُت ْ�س ِر ُفوا ِ�إنَّهُ اَل ُي ِح ُّب للهَّ المْ ُ ْ�س ِر ِف َ ني * ُقلْ َم ْن َح َّر َم ِزي َن َة ا ِ ا َّل ِتي أ�َخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َو َّ الد ْن َيا الرز ِْق ُقلْ ِه َي ِللَّ ِذينَ آ� َمنُوا فيِ الحْ َ َيا ِة ُّ الط ِّي َب ِ ات مِنَ ِّ آ ات ِل َق ْو ٍم َي ْع َل ُمونَ * َخا ِل َ�ص ًة َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َك َذ ِل َك ُن َف ِّ�ص ُل ْال َي ِ ال ْث َم ُقلْ ِ�إنمَّ َ ا َح َّر َم َر ِّب َي ا ْل َف َو ِ اح َ�ش َما َظ َه َر ِم ْن َها َو َما َب َطنَ َو ْ ِ إ للهَّ َوا ْل َبغ َْي ِب َغيرْ ِ الحْ َ قِّ َو َأ� ْن ُت ْ�ش ِر ُكوا ِبا ِ َما لمَ ْ ُينَزِّ لْ ِب ِه ُ�سل َْطا ًنا َو َأ� ْن َتقُو ُلوا َع َلى اللهَّ ِ َما اَل َت ْع َل ُمونَ )( )40 (�سورة أ العراف.)33 - 31 : ومن أ الدلة على و�سطية الدين و�سماحته ،قوله تبارك وتعاىلَ ( :ما ُي ِريدُ اهلل ِل َي ْج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِم ْن َح َر ٍج َو َل ِك ْن ُي ِريدُ ِل ُي َط ِّه َر ُك ْم َو ِل ُي ِت َّم ِن ْع َم َتهُ َع َل ْي ُك ْم َل َعلَّ ُك ْم َت ْ�ش ُك ُرونَ )()42 (�سورة املائدة ،)6 :ويقول تعاىلُ ( :ي ِريدُ ُ اهلل ِب ُك ُم ا ْل ُي ْ�س َر َو اَل ُي ِريدُ ِب ُك ُم ا ْل ُع ْ�س َر ) (�()43سورة البقرة من آ الية )185 ،ويقول تعاىلُ ( :ي ِريدُ اللهَّ ُ َأ� ْن ُي َخف َ ِّف َع ْن ُك ْم ) ( )44 (�سورة الن�ساء من آ الية .)28 80
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
هلل َحقَّ ِج َها ِد ِه هُ َو اهدُ وا فيِ ا ِ ويقول تبارك وتعاىلَ ( :و َج ِ ين ِم ْن َح َر ٍج ِملَّ َة َأ� ِبي ُك ْم اج َت َب ُاك ْم َو َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فيِ الدِّ ِ ْ ني ِم ْن َق ْب ُل وَفيِ هَ َذا ِل َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ يم هُ َو َ�س َّم ُاك ُم المْ ُ ْ�س ِل ِم َ ول ِ�إ ْب َر ِ اه َ ال�صلاَ َة اء َع َلى الن ِ َ�شهِيدً ا َع َل ْي ُك ْم َو َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ َّا�س َف َأ� ِق ُ يموا َّ اع َت ِ�ص ُموا ِباللهَّ ِ هُ َو َم ْو اَل ُك ْم َف ِن ْع َم المْ َ ْولىَ َو ِن ْع َم َو آ� ُتوا ال َّز َكا َة َو ْ ري ) (�( ) 45سورة احلج.)78 : الن َِّ�ص ُ ووجه الداللة :أ�ن و�صف اهلل �سبحانه وتعاىل الدين ب أ�نه ي�سر ،وب أ�ن اهلل ما جعل علينا فيه من حرج ،و أ�ن اهلل يريد أ�ن يخفف عنا ،كل هذا يدل على أ�ن الغلو يف الدين غري مطلوب ،بل لي�س هو من الدين ،و أ�ن التو�سط هو �سمة الدين ومنهاجه ،والو�سطية بني طرفني :ت�شدد وت�ساهل. وهل ي ؤ�خذ عند االختالف ب أ�خف القولني أ�و ب أ�ثقلهما؟ (.) 46 ذهب بع�ض النا�س �إىل أ الخذ ب أ�خف القولني و أ�ي�سرهما ا�ستدالال بهذه أ الدلة. الخذ أ وذهب آ�خرون �إىل أ بال�شد. والذي يظهر أ�ن املراد بهذه الن�صو�ص هو أ�ن الدين ي�سر، أ�ي :ما جاء وثبت يف ال�شرع ،فهو ي�سر ،ولي�س املراد أ�ن الي�سر هو الدين. و أ�ن �سماحة ال�شريعة وي�سرها �إمنا جاءت مقيدة مبا هو جار على أ��صولها ،والقول باتباع أ الي�سر مطلقا �إمنا هو اتباع هوى النف�س وما ت�شتهيه ،دون الرجوع �إىل الدليل، وذلك ينايف أ��صول ال�شريعة ( .) 47وهو م ؤ�د �إىل �إ�سقاط التكاليف جملة؛ ألن التكاليف كلها فيها ما ي�شق على النف�س ،ف�إذا كانت امل�شقة حيث حلقت يف التكليف تقت�ضي الرفع بهذه أ الدلة؛ لزم ذلك يف جميع التكاليف ،فلم يبق للعبد تكليف ،وهذا حمال ،فما أ�دى �إليه مثله ،ف�إن رفع ال�شريعة مع فر�ض و�ضعها حمال ( .)48 بال�شد؛ ذهبوا �إليه ألنه أ والذين قالوا :ن أ�خذ أ الحوط، وه ؤ�الء خالفوا أ�دلة أ��صحاب القول أ الول ،ثم االحتياط هو « :اال�ستق�صاء واملبالغة يف اتباع ال�سنة ،وما كان عليه ر�سول اهلل و أ��صحابه ،من غري غلو وجماوزة ،وال تق�صري وال تفريط ،فهذا هو االحتياط الذي ير�ضاه اهلل ور�سوله « ( .)49 وعليه ف�إن االحتياط هو الرتجيح عند االختالف، فاملجتهد واملتبع والعامي ي�سلكون م�سلك الرتجيح عند
االختالف لكل واحد منهم بح�سبه ،فال يرجح أ الي�سر ،وال يرجح أ الثقل ،و�إمنا يرجح ما جاء به الدليل ،ف�إن مل يتبني الدليل رجعوا جميعا �إىل ا�ستفتاء النف�س والقلب (.) 50 ثانيا :أ الدلة من ال�سنة: ود َق َ الَ « :خ َّط َل َنا َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َخ ًّطا َع ْن َع ْب ِد اللهَّ ِ ْب ِن َم ْ�س ُع ٍ يل اللهَّ ِ ُ .ث َّم َخ َّط ُخ ُط ً ُث َّم َق َ ال :هَ َذا َ�س ِب ُ وطا َع ْن يمَ ِ ي ِن ِه َو َع ْن ِ�ش َما ِل ِهُ ،ث َّم َق َ يل ِم ْن َها ال :هَ ِذ ِه ُ�س ُب ٌل ُم َت َف ِّر َق ٌة َع َلى ُك ِّل َ�س ِب ٍ اطي ُم ْ�س َت ِقي ًما َ�ش ْي َطانٌ َي ْد ُعو ِ�إ َل ْي ِهُ ،ث َّم َق َر َأ�َ ( :و َأ�نَّ هَ َذا ِ�ص َر ِ ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َع ْن َ�س ِبي ِل ِه ) () 51 َفا َّت ِب ُعو ُه َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ (�سورة أ النعام.)153 : وتقدم تقرير داللة و�صف ما كان عليه ب أ�نه ال�صراط امل�ستقيم ،و أ�نه يقت�ضي معنى الو�سطية واخلريية ،التي بني والفراط. طريف التفريط إ قال ابن تيمية رحمه اهلل « :أ��صل الدين أ�ن احلالل ما أ�حله اهلل ور�سوله ،واحلرام ما حرمه اهلل ور�سوله ،والدين ما �شرعه اهلل ور�سوله ،لي�س ألحد أ�ن يخرج عن ال�صراط امل�ستقيم ،الذي بعث اهلل به ر�سوله ،قال اهلل تعاىلَ ( :و َأ�نَّ ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق هَ َذا ِ�ص َر ِ اطي ُم ْ�س َت ِقي ًما َفا َّت ِب ُعو ُه َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ ِب ُك ْم َع ْن َ�س ِبي ِل ِه َذ ِل ُك ْم َو َّ�ص ُاك ْم ِب ِه َل َعلَّ ُك ْم َت َّت ُقونَ )()52 (�سورة أ النعام ،)153 :ويف حديث عبد اهلل بن م�سعود عن النبي أ�نه خط خطا وخط خطوطا عن ميينه و�شماله، ثم قال :هذه �سبيل اهلل ،وهذه �سبل على كل �سبيل منها اطي ُم ْ�س َت ِقي ًما �شيطان يدعو �إليه ،ثم قر أ�َ ( :و َأ�نَّ هَ َذا ِ�ص َر ِ ال�س ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َع ْن َ�س ِبي ِل ِه ) (.)53 َفا َّت ِب ُعو ُه َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ النعام أ وقد ذكر اهلل تعاىل يف �سورة أ والعراف وغريهما ما ذم به امل�شركني ،حيث حرموا ما مل يحرمه اهلل تعاىل كالبحرية وال�سائبة ،وا�ستحلوا ما حرمه اهلل كقتل أ�والدهم و�شرعوا دينا مل ي أ�ذن به اهلل ،فقال تعاىل: ين َما لمَ ْ َي ْأ� َذ ْن ِب ِه ُ اهلل) اء َ�ش َر ُعوا َل ُه ْم مِنَ الدِّ ِ ( َأ� ْم َل ُه ْم ُ�ش َر َك ُ (�()54سورة ال�شورى :من آ الية ،)21ومنه أ��شياء حمرمة جعلوها عبادات كال�شرك والفواح�ش مثل الطواف بالبيت عراة وغري ذلك « .اهـ (.) 55 للهَّ الَ :ق َ َع ْن َأ� ِبي هُ َر ْي َر َة َق َ ال َر ُ�س ُ ول ا ِ « ِ�إنمَّ َ ا ُب ِعثْتُ ِ ُألتمَ ِّ َم َ�صا ِل َح ْ َأ الخْ لاَ ِق » ( . )56 ووجه الداللة يف هذا احلديث :أ�ن الو�سطية هي اخلريية، وحما�سن أ الخالق ومكارمها هي الو�سط بني طرفني؛
وكل ما يدعو �إليه الدين هو من مكارم أ الخالق التي هي الفراط أ�و�ساط للخ�صال الذميمة املكتنفة بها من طريف إ والتفريط (.)57 وال ينازع يف أ�ن الغلو خلق لي�س من مكارم أ الخالق ،ف�صح أ�ن الدين مل ي أ�ت به ،ألنه �إمنا جاء ل�صالح أ الخالق ومكارمها. َع ْن َأ� َن ِ�س ْب ِن َما ِل ٍك َيق ُ وت اء ثَلاَ َث ُة َر ْه ٍط ِ�إلىَ ُب ُي ِ ُول «َ :ج َ اج ال َّن ِب ِّي َي ْ�س َأ� ُلونَ َع ْن ِع َبا َد ِة ال َّن ِب ِّي َف َل َّما أ�ُخْ برِ ُ وا َك َأ� َّن ُه ْم َأ� ْز َو ِ َت َقا ُّلوهَ اَ .ف َقا ُلواَ :و َأ� ْينَ َن ْحنُ مِنَ ال َّن ِب ِّي َق ْد ُغ ِف َر َلهُ َما َت َقدَّ َم ِم ْن َذ ْن ِب ِه َو َما َت َأ�خَّ َر. َق َ ال َأ� َحدُ هُ ْمَ :أ� َّما َأ� َنا َف ِ�إنيِّ أ� َُ�ص ِّلي اللَّ ْي َل َأ� َبدً ا. َو َق َ الد ْه َر َو اَل ُأ� ْف ِط ُر. ال آ� َخ ُرَ :أ� َنا َأ� ُ�صو ُم ُّ َو َق َ اء فَلاَ َأ� َت َز َّو ُج َأ� َبدً ا. ال آ� َخ ُرَ :أ� َنا َأ� ْع َت ِز ُل الن َِّ�س َ ول اللهَّ ِ ِ�إ َل ْي ِه ْمَ ،ف َق َ اء َر ُ�س ُ الَ :أ� ْن ُت ُم ا َّل ِذينَ ُق ْل ُت ْم َك َذا َو َك َذا، َف َج َ َأ� َما َواللهَّ ِ ِ�إنيِّ َ َألخْ َ�ش ُاك ْم للِهَّ ِ َو َأ� ْت َق ُاك ْم َلهُ َ ،ل ِكنِّي َأ� ُ�صو ُم َو ُأ� ْف ِط ُر اءَ ،ف َم ْن َر ِغ َب َع ْن ُ�س َّن ِتي َف َل ْي َ�س َو أ� َُ�ص ِّلي َو َأ� ْر ُقدُ َو َأ� َت َز َّو ُج الن َِّ�س َ ِمنِّي » (.)58 ووجه الداللة :أ�ن الر�سول بني أ�ن الت�شدد يف العبادة لي�س من �سنته؛ ف�إذا كان الت�شدد يف العبادة لي�س من �سنته ،فمن المور أ باب أ�وىل الت�شدد واملبالغة والغلو يف أ الخرى. قال ابن حجر الع�سقالين (ت 852هـ) رحمه اهلل« : َق ْو ُلهُ َ « :ف َم ْن َر ِغ َب َع ْن ُ�س َّن ِتي َف َل ْي َ�س ِمنِّي » ( )59املراد بال�سنة :الطريقة ،ال التي تقابل الفر�ض .والرغبة عن العرا�ض عنه �إىل غريه. ال�شيء إ واملراد :من ترك طريقتي و أ�خذ بطريقة غريي فلي�س مني ،وملح بذلك �إىل طريق الرهبانية ف�إنهم الذين ابتدعوا الت�شديد كما و�صفهم اهلل تعاىل ،وقد عابهم ب أ�نهم ما وفوه مبا التزموه ،وطريقة النبي احلنيفية ال�سمحة ،فيفطر ليتقوى على ال�صوم ،وينام ليتقوى على القيام ،ويتزوج لك�سر ال�شهوة و�إعفاف النف�س وتكثري الن�سل. وقولهَ « :ف َل ْي َ�س ِمنِّي « �إن كانت الرغبة ب�ضرب من الت أ�ويل يعذر �صاحبه فيه ،فمعنىَ « :ف َل ْي َ�س ِمنِّي « أ�ي :على طريقتي ،وال يلزم أ�ن يخرج عن امللة ،و�إن كان �إعرا�ضا وتنطعا يف�ضي �إىل اعتقاد أ�رجحية عمله ،فمعنىَ « :ف َل ْي َ�س ِمنِّي « :لي�س على ملتي؛ ألن اعتقاد ذلك نوع من الكفر. وقال الطربي :فيه الرد على من منع ا�ستعمال احلالل من السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
81
أ الطعمة واملالب�س ،و�إثاره غليظ الثياب وخ�شن امل أ�كل. قال عيا�ض :هذا مما اختلف فيه ال�سلف :فمنهم من نحا �إىل ما قال الطربي ،ومنهم من عك�س واحتج بقوله تعاىل: الد ْن َيا )()60 ( َأ� ْذهَ ْب ُت ْم َط ِّي َبا ِت ُك ْم فيِ َح َيا ِت ُك ُم ُّ (�سورة أ الحقاف.)20 : قال :واحلق أ�ن هذه آ الية يف الكفار ،وقد أ�خذ النبي أ بالمرين. قلت :ال يدل ذلك ألحد الفريقني �إن كان املراد املداومة على �إحدى ال�صفتني ،واحلق أ�ن مالزمة ا�ستعمال الطيبات تف�ضي �إىل الترّ ف والبطر ،وال ي أ�من من الوقوع يف ال�شبهات؛ ألن من اعتاد ذلك قد ال يجده أ�حيانا ،فال ي�ستطيع االنتقال عنه فيقع يف املحظور كما أ�ن منع تناول ذلك أ�حيانا يف�ضي �إىل التنطع املنهي عنه ،ويرد عليه �صريح قوله تعاىل ( ُقلْ َم ْن َح َّر َم ِزي َن َة اللهَّ ِ ا َّل ِتي أ�َخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َو َّ ات مِنَ الط ِّي َب ِ الرز ِْق ) (�( ) 61سورة أ العراف.)32 : ِّ أ أ كما �ن الخذ بالت�شديد يف العبادة يف�ضي �إىل امللل القاطع أل�صلها ،ومالزمة االقت�صار على الفرائ�ض مثال ،وترك التنفل يف�ضي �إىل �إيثار البطالة وعدم الن�شاط �إىل العبادة وخري أ المور الو�سط «.اهـ ( .)62 الَ :ق َ ود َق َ ال َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ « هَ َل َك َع ْن َع ْب ِد ا ِ هلل ْب ِن َم ْ�س ُع ٍ المْ ُ َت َن ِّط ُعونَ .هَ َل َك المْ ُ َت َن ِّط ُعونَ .هَ َل َك المْ ُ َت َن ِّط ُعونَ » ( . )63 واملتنطعون هم -كما قال �شراح احلديث -املتعمقون الغالون املجاوزون احلدود يف أ�قوالهم و أ�فعالهم. واحلديث ظاهره خرب عن حال املتنطعني� ،إال أ�نه يف معنى النهي عن التنطع وهو دليل على أ�ن التو�سط واالعتدال يف أ المور هو �سبيل النجاة من الهالك؛ ف�إنه �إذ ذم التنطع القوال أ وهو املغاالة واملجافاة وجتاوز احلد يف أ والفعال، فقد دل على أ�ن املطلوب هو التو�سط ،وذلك مت�صور يف الطرفني؛ فمثال � أش�ن الدنيا من ت�شدد يف طلبه وال�سعي وراءه دون آ الخرة ،فقد تنطع يف طلبها ،وهلك ،ومن ت�شدد يف جمافاتها والغلو يف تركها والبعد عنها ،فقد تنطع، وهلك ،والتو�سط بينهما هو املطلوب. وذكر أ�ن الغلو يف التعبد من �سمات طائفة مترق من الدين كما ميرق ال�سهم من الرمية. يد الخْ ُ ْد ِر ِّي َق َ ال َ « :ب ْي َن َما َن ْحنُ ِعنْدَ َر ُ�س ِ ول اللهَّ ِ َع ْن َأ� ِبي َ�س ِع ٍ 82
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
َوهُ َو َيق ِْ�س ُم َق ْ�س ًما َأ� َتا ُه ُذو الخْ ُ َو ْي ِ�ص َر ِة َوهُ َو َر ُج ٌل ِم ْن َب ِني الَ :يا َر ُ�س َ ِيمَ ،ف َق َ اع ِدلْ ! ول اللهَّ ِ ْ تمَ ٍ َف َق َ الَ :و ْي َل َك َو َم ْن َي ْع ِد ُل ِ�إ َذا لمَ ْ َأ� ْع ِدلْ َ ،ق ْد ِخ ْبتُ َو َخ ِ�س ْر ُت ِ�إ ْن لمَ ْ َأ� ُك ْن َأ� ْع ِد ُل. ال ُع َم ُرَ :يا َر ُ�س َ َف َق َ يه َف َأ� ْ�ض ِر َب ُع ُن َقهُ ! ول اللهَّ ِ ائ َْذ ْن ليِ ِف ِ َف َق َ الَ :د ْعهُ َف�إِنَّ َلهُ َأ� ْ�ص َحا ًبا َي ْح ِق ُر َأ� َحدُ ُك ْم َ�صلاَ َتهُ َم َع َ�صلاَ ِت ِه ْمَ ،و ِ�ص َيا َمهُ َم َع ِ�ص َيا ِم ِه ْمَ ،يق َْر ُءونَ ا ْلق ُْر آ�نَ اَل ُي َجا ِو ُز ال�س ْه ُم مِنَ ال َّر ِم َّي ِة، َت َر ِ اق َي ُه ْم ،يمَ ْ ُر ُقونَ مِنَ الدِّ ِ ين َك َما يمَ ْ ُرقُ َّ يه َ�ش ْي ٌءُ ،ث َّم ُين َْظ ُر ِ�إلىَ ِر َ�صا ِف ِه وجدُ ِف ِ ُين َْظ ُر ِ�إلىَ َن ْ�ص ِل ِه فَلاَ ُي َ يه َ�ش ْي ٌءُ ،ث َّم ُين َْظ ُر ِ�إلىَ َن ِ�ض ِّي ِه َوهُ َو ِق ْد ُحهُ فَلاَ وجدُ ِف ِ َف َما ُي َ يه َ�ش ْي ٌء، وجدُ ِف ِ وجدُ ِف ِ يه َ�ش ْي ٌءُ ،ث َّم ُين َْظ ُر ِ�إلىَ ُق َذ ِذ ِه فَلاَ ُي َ ُي َ َق ْد َ�س َب َق ا ْل َف ْر َث َوالدَّ َم ،آ� َي ُت ُه ْم َر ُج ٌل َأ� ْ�س َو ُد ِ�إ ْحدَ ى َع ُ�ضدَ ْي ِه ِم ْث ُل َث ْد ِي المْ َ ْر َأ� ِة َأ� ْو ِم ْث ُل ا ْل َب ْ�ض َع ِة َتدَ ْر َد ُرَ ،و َيخْ ُر ُجونَ َع َلى َّا�س ». ني ُف ْر َق ٍة مِنَ الن ِ ِح ِ يدَ :ف َأ� ْ�ش َهدُ َأ�نيِّ َ�س ِم ْعتُ هَ َذا الحْ َ ِد َ َق َ ول يث ِم ْن َر ُ�س ِ ال َأ� ُبو َ�س ِع ٍ اللهَّ ِ َو َأ� ْ�ش َهدُ َأ�نَّ َع ِل َّي ْبنَ َأ� ِبي َطا ِل ٍب َقا َت َل ُه ْمَ ،و َأ� َنا َم َعهُ َف َأ� َم َر ِ�سَ ،ف ُأ� ِت َي ِب ِه َحتَّى َن َظ ْر ُت ِ�إ َل ْي ِه َع َلى َن ْع ِت ِب َذ ِل َك ال َّر ُج ِل َفا ْل ُتم َ ال َّن ِب ِّي ا َّل ِذي َن َع َتهُ (.)64 فه ؤ�الء غلوا يف العبادات -والعبادات الدينية أ��صولها ال�صالة وال�صيام والقراءة -بال فقه؛ ف�آل أ المر بهم �إىل ال�س ْه ُم ال ْ�سلاَ ِم َك َما يمَ ْ ُرقُ َّ البدعة ،فقال « :يمَ ْ ُر ُقونَ مِنَ ْ ِ إ مِنَ ال َّر ِم َّي ِة » ( ،)65و أ�مر بقتلهم ،ف�إنهم قد ا�ستحلوا دماء امل�سلمني وكفروا من خالفهم ،وجاءت فيهم أ الحاديث ال�صحيحة ( .)67 (َ )6ع ْن َأ� ِبي هُ َر ْي َر َة َع ِن ال َّن ِب ِّي َق َ ال� « :إِنَّ الدِّ ينَ ُي ْ�س ٌر َو َل ْن ُي َ�شا َّد الدِّ ينَ َأ� َحدٌ ِ�إ اَّل َغ َل َبهُ َ ،ف َ�سدِّ ُدواَ ،و َقا ِر ُبوا َو َأ� ْب ِ�ش ُروا، الدلجْ َ ِة » (.) 68 ا�س َت ِعينُوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِةَ ،و َ�ش ْيءٍ مِنَ ُّ َو ْ واملُ َ�شا َّد ُة بالت�شديد :املغالبة ،يقال�َ :شا َّد ُه ُي َ�شا ُّد ُه ُم َ�شا َّد ًة �إذا َقا َوا ُه ،واملعنى ال يتعمق أ�حد يف أ العمال الدينية ويرتك الرفق �إال عجز وانقطع فيغلب. قولهَ « :ف َ�سدِّ ُدوا « أ�ي :الزموا ال�سداد ،وهو ال�صواب من غري �إفراط ،وال تفريط ،قال أ�هل اللغة :ال�سداد التو�سط يف العمل. الخذ أ قولهَ « :و َقا ِر ُبوا « أ�ي� :إن مل ت�ستطيعوا أ بالكمل فاعملوا مبا يقرب منه. قولهَ « :و َأ� ْب ِ�ش ُروا « أ�ي :بالثواب على العمل الدائم و�إن قل،
واملراد :تب�شري من عجز عن العمل أ بالكمل ،ألن العجز �إذا مل يكن من �صنيعه ال ي�ستلزم نق�ص أ�جره ،و أ�بهم المْ ُ َب َّ�ش َر به تعظيما له وتفخيما. ا�س َت ِعينُوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة « أ�ي :ا�ستعينوا على مداومة قولهَ « :و ْ العبادة إليقاعها يف أ الوقات املن�شطة. َوا ْل َغ ْد َو ُة بالفتح� :سري أ�ول النهار ،وقال اجلوهري :ما بني �صالة الغداة ،وطلوع ال�شم�س. َوال َّر ْو َح ُة بالفتح :ال�سري بعد الزوال. الدلجْ َ ُة :ب�ضم أ�وله وفتحه و�إ�سكان الالم� :سري آ�خر َو ُّ الليل ،وقيل� :سري الليل كله ،ولهذا عرب فيه بالتبعي�ض؛ ولن عمل الليل أ��شق من عمل النهار .وهذه أ أ الوقات أ�طيب أ�وقات امل�سافر ،وك أ�نه خاطب م�سافرا �إىل مق�صد فنبهه على أ�وقات ن�شاطه ،ألن امل�سافر �إذا �سافر الليل والنهار جميعا عجز وانقطع ،و�إذا حترى ال�سري يف هذه أ الوقات املن�شطة أ�مكنته املداومة من غري م�شقة .وح�سن هذه اال�ستعارة أ�ن الدنيا يف احلقيقة دار نقلة �إىل آ الخرة ،و أ�ن هذه أ الوقات بخ�صو�صها أ�روح ما يكون فيها البدن للعبادة(.)69 واحلديث ن�ص أ�ن الدين ي�سر ،و أ�ن الدين ق�صد و أ�خذ أ بالمر الو�سط ،فال يفرط املرء على نف�سه ،وال يفرط. ول اللهَّ ِ َأ� ُّي ْ َأ ال ِ « :ق َ ا�س َق َ ال ْديَانِ َأ� َح ُّب يل ِل َر ُ�س ِ َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ ِ�إلىَ اللهَّ ِ ؟ َق َ ال�س ْم َح ُة » (.)70 ال :الحْ َ ِني ِف َّي ُة َّ ال�سالم حنيفية �سمحة ،وال�سماحة واحلديث ن�ص أ�ن إ تتنافى مع الغلو والت�شدد فيه. َع ْن َأ� َن ِ�س ْب ِن َما ِل ٍك َع ِن ال َّن ِب ِّي َق َ الَ « :ي ِّ�س ُروا َو اَل ُت َع ِّ�س ُروا َو َب ِّ�ش ُروا َو اَل ُت َنف ُِّروا ِ�إنمَّ َ ا ُب ِع ْث ُت ْم ُم َي ِّ�س ِرينَ َولمَ ْ ُت ْب َع ُثوا ُم َع ِّ�س ِرينَ » (. ) 71 واحلديث ي أ�مر بالتي�سري وترك التنفري والتع�سري، وي�ستلزم ترك الغلو وطلب الو�سط� ،إذ الي�سر هو ال�سماحة وترك الت�شدد ،وخري أ المور الو�سط .وقد بوب البخاري على احلديث يف كتاب أ الدب « باب قول النبي « ي�سروا وال تع�سروا» ( ،)72وكان يحب التخفيف والي�سر على النا�س«. وقد أ�خذ العلماء بهذا أ المر ،فقعدوا قاعدة فقهية هي من قواعد الفقه الكربى ( )73والتي عليها مدار الفقه ال�سالمي ،وهي قاعدة « :امل�شقة جتلب التي�سري ،ومن إ فروعها:
« ال�ضرورة تبيح املحظورة « « ،الر�ضى ب أ�هون ال�ضررين لدفع أ�عالهما �إذا مل يكن من أ�حدهما بد « ( .)74 الَ :ق َ ا�س َق َ ال ليِ َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َغدَ ا َة ا ْل َع َق َب ِة (َ )9ع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ اح َل ِت ِه « :هَ ِات ا ْلق ْ ات هُ َّن َوهُ َو َع َلى َر ِ ُط ليِ َ ،ف َلقَطْ تُ َلهُ َح َ�ص َي ٍ َح َ�صى الخْ َ ذْ ِفَ ،ف َل َّما َو َ�ض ْع ُت ُه َّن فيِ َي ِد ِه َق َ ال هَ ُ ؤ� اَلءِ الِ :ب َأ� ْم َث ِ ينَ ،ف ِ�إنمَّ َ ا َأ� ْه َل َك َم ْن َكانَ َق ْب َل ُك ُم ا ْل ُغ ُل ُّو فيِ َو ِ�إ َّي ُاك ْم َوا ْل ُغ ُل َّو فيِ الدِّ ِ ين » (. )75 الدِّ ِ ا ْل ُغ ُل ُّو هُ َو المْ ُ َبا َل َغ ُة فيِ َّ يه ِب َت َجا ُو ِز الحْ َ دِّ ، ال�ش ْيءِ َوالت َّْ�ش ِديدُ ِف ِ يه َم ْع َنى ال َّت َع ُّم ِق ( )76يقالَ :غلاَ فيِ َّ ال�ش ْيءِ َي ْغ ُلو ُغ ُل ًّوا، َو ِف ِ ال�س ْه ُم َي ْغ ُلو َغ ْل ًوا، ال�س ْع ُر َي ْغ ُلو َغلاَ ًء ِ�إ َذا َجا َو َز ا ْل َعا َد َةَ ،و َّ َو َغلاَ ِّ ِب َفت ٍْح ُث َّم ُ�س ُكونٍ �ِ ،إ َذا َب َل َغ َغا َي َة َما ُي ْر َمى. واحلديث ن�ص �صريح يف النهي عن الغلو يف الدين ،فمنهاج الدين و�سبيله ال�سماحة والتي�سري وترك الت�شدد يف حدود ما جاء يف ال�شرع. ومن فوائد احلديث تنبيهه على ق�ضية خطرية جدا ،وهي أ�ن الغلو يف الدين من أ��سباب هالك أ المم قبلنا ،فالق�صد الق�صد. وتعظيم أ المر والنهي من الدين ،ومن التعظيم لهما ترك الغلو فيهما. قال �صاحب منازل ال�سائرين رحمه اهلل :تعظيم أ المر والنهي :وهو أ� اّل يعار�ضا برتخ�ص جاف ،وال يعر�ضا لت�شدد غال ،وال يحمال على علة توهن االنقياد «. قال ابن قيم اجلوزية رحمه اهلل « :هاهنا ثالثة أ��شياء تنايف تعظيم أ المر والنهي: أ�حدها :الرتخ�ص الذي يجفو ب�صاحبه عن كمال االمتثال. والثاين :الغلو الذي يتجاوز ب�صاحبه حدود أ المر والنهي. أ فالول تفريط والثاين �إفراط. ومن عالمات تعظيم أ المر والنهي أ� اّل ي�سرت�سل مع الرخ�صة �إىل حد يكون �صاحبه جافيا غري م�ستقيم على املنهج الو�سط. بالبراد بالظهر يف �شدة احلر، مثال ذلك :أ�ن ال�سنة وردت إ فالرتخي�ص اجلايف أ�ن يربد �إىل فوات الوقت أ�و مقاربة خروجه فيكون مرتخ�صا جافيا ،وحكمة هذه الرخ�صة أ�ن ال�صالة يف �شدة احلر متنع �صاحبها من اخل�شوع واحل�ضور السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
83
ويفعل العبادة بتكره و�ضجر ،فمن حكمة ال�شارع أ�ن أ�مرهم بت أ�خريها حتى ينك�سر احلر في�صلي العبد بقلب حا�ضر والقبال على اهلل ويح�صل له مق�صود ال�صالة من اخل�شوع إ تعاىل. ومن هذا نهيه أ�ن ي�صلي بح�ضرة الطعام أ�و عند مدافعة البول والغائط ،لتعلق قلبه من ذلك مبا ي�شو�ش عليه مق�صود ال�صالة ،وال يح�صل املراد منها ،فمن فقه الرجل يف عبادته أ�ن يقبل على �شغله فيعمله ثم يفرغ قلبه لل�صالة، فيقوم فيها وقد فرغ قلبه هلل تعاىل ون�صب وجهه له و أ�قبل بكليته عليه ،فركعتان من هذه ال�صالة يغفر للم�صلي بهما ما تقدم من ذنبه. واملق�صود أ� اّل يرتخ�ص ترخ�صا جافيا. ومن ذلك أ�نه أ�رخ�ص للم�سافر اجلمع بني ال�صالتني عند العذر ،وتعذر فعل كل �صالة يف وقتها ملوا�صلة ال�سري وتعذر النزول أ�و تع�سريه عليه ،ف�إذا أ�قام يف املنزل اليومني والثالثة أ�و أ�قام اليوم فجمعه بني ال�صالتني ال موجب له لتمكنه من فعل كل �صالة يف وقتها من غري م�شقة ،فاجلمع لي�س �سنة راتبة كما يعتقد أ�كرث امل�سافرين أ�ن �سنة ال�سفر اجلمع �سواء أ�وجد عذر أ�م مل يوجد ،بل اجلمع رخ�صة، والق�صر �سنة راتبة ،ف�سنة امل�سافر ق�صر الرباعية� ،سواء أ�كان له عذر أ�م مل يكن ،و أ�ما جمعه بني ال�صالتني فحاجة ورخ�صة ،فهذا لون وهذا لون. ومن هذا أ�ن ال�شبع يف أ الكل رخ�صة غري حمرمة ،فال ينبغي أ�ن يجفو العبد فيها حتى ي�صل به ال�شبع �إىل حد التخمة واالمتالء ،فيتطلب ما ي�صرف به الطعام فيكون همه بطنه قبل أ الكل وبعده ،بل ينبغي للعبد أ�ن يجوع وي�شبع ويدع الطعام وهو ي�شتهيه ،وميزان ذلك قول النبي (�ص) « ُث ُل ٌث ِل َط َعا ِم ِه َو ُث ُل ٌث ِل َ�ش َرا ِب ِه َو ُث ُل ٌث ِل َن َف ِ�س ِه » ( )77وال يجعل الثالثة أ الثالث كلها للطعام وحده. و أ�ما تعري�ض أ المر والنهي للت�شديد الغايل؛ فهو كمن يتو�سو�س الو�ضوء متغاليا فيه حتى يفوت الوقت أ�و يردد المام قراءة الفاحتة الحرام �إىل أ�ن تفوته مع إ تكبرية إ أ�و يكاد تفوته الركعة .أ�و يت�شدد يف الورع حتى ال ي أ�كل �شيئا من طعام عامة امل�سلمني خ�شية دخول ال�شبهات عليه، ولقد دخل هذا الورع الفا�سد على بع�ض العباد الذين نق�ص حظهم من العلم حتى امتنع أ�ن ي أ�كل �شيئا من بالد 84
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ال�سالم ،وكان يتقوت مبا يحمل �إليه من بالد الن�صارى، إ أ ويبعث بالق�صد لتح�صيل ذلك ف�وقعه اجلهل املفرط والغلو الزائد يف �إ�ساءة الظن بامل�سلمني ،وح�سن الظن بالن�صارى، نعوذ باهلل من اخلذالن. فحقيقة التعظيم أ للمر والنهي أ� اّل يعار�ضا برتخ�ص جاف، وال يعر�ضا لت�شديد غال ،ف�إن املق�صود هو ال�صراط امل�ستقيم املو�صل �إىل اهلل ب�سالكه(.)78 وما أ�مر اهلل ب أ�مر �إال ولل�شيطان فيه نزغتان: �إما �إىل تفريط و�إ�ضاعة. و�إما �إىل �إفراط وغلو. فال يبايل مبا ظفر من العبد من اخلطيئتني؛ ف�إنه ي أ�تي �إىل قلب العبد في�ستامه ،ف�إن وجد فيه فتورا وتوانيا وترخي�صا أ�خذه من هذه اخلطة فثبطه و أ�قعده و�ضربه بالك�سل والتواين والفتور وفتح له باب الت أ�ويالت والرجاء وغري ذلك ،حتى رمبا ترك العبد امل أ�مور جملة. و�إن وجد عنده حذرا وجدا وت�شمريا ونه�ضة و أ�ي�س أ�ن ي أ�خذه من هذا الباب أ�مره باالجتهاد الزائد و�سول له: �إن هذا ال يكفيك وهمتك فوق هذا ،وينبغي لك أ�ن تزيد على العاملني ،و أ� اّل ترقد �إذا رقدوا ،وال تفطر �إذا أ�فطروا، و أ� اّل تفرت �إذا فرتوا ،و�إذا غ�سل أ�حدهم يديه ووجهه ثالث مرات فاغ�سل أ�نت �سبعا ،و�إذا تو� أض� لل�صالة فاغت�سل أ�نت الفراط والتعدي ،فيحمله على الغلو لها ،ونحو ذلك من إ واملجاوزة وتعدي ال�صراط امل�ستقيم كما يحمل أ الول على التق�صري دونه ،و أ� اّل يقربه ،ومق�صوده من الرجلني �إخراجهما عن ال�صراط امل�ستقيم هذا ب أ� اّل يقربه ،وال يدنو منه ،وهذا ب أ�ن يجاوزه ويتعداه. وقد فنت بهذا أ�كرث اخللق ،وال ينجو من ذلك �إال علم را�سخ و�إميان وقوة على حماربته ولزوم الو�سط ،واهلل امل�ستعان(.)79 ودين اهلل و�سط بني اجلايف عنه والغايل فيه ،كالوادي بني جبلني ،والهدى بني �ضاللتني ،والو�سط بني طرفني ذميمني، فكما أ�ن اجلايف عن أ المر م�ضيع له ،فالغايل فيه م�ضيع له؛ هذا بتق�صريه عن احلد ،وهذا بتجاوزه احلد. اب اَل وقد نهى اهلل عن الغلو بقولهُ ( :قلْ َيا َأ� ْه َل ا ْل ِك َت ِ َت ْغ ُلوا فيِ ِدي ِن ُك ْم َغيرْ َ الحْ َ قِّ )()80 (�سورة املائدة :من آ الية .)77
والغلو نوعان: نوع يخرجه عن كونه مطيعا ،كمن زاد يف ال�صالة ركعة أ�و �صام الدهر مع أ�يام النهي أ�و رمى اجلمرات بال�صخرات الكبار التي يرمى بها يف املنجنيق أ�و �سعى بني ال�صفا واملروة ع�شرا أ�و نحو ذلك عمدا. وغلو يخاف منه االنقطاع واال�ستح�سار ،كقيام الليل كله، و�صيام الدهر أ�جمع دون �صوم أ�يام النهي ،واجلور على النفو�س يف العبادات أ والوراد الذي قال فيه النبي « �إِنَّ هَ َذا الدِّ ينَ ُي ْ�س ٌر َو َل ْن ُي َ�شا َّد الدِّ ينَ َأ� َحدٌ ِ�إ اَّل َغ َل َبهُ َف َ�سدِّ ُدوا ا�س َت ِعينُوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة َو َ�ش ْيءٍ مِنَ َو َقا ِر ُبوا َو َأ� ْب ِ�ش ُروا َو ْ الدلجْ َ ِة » ( . )81 ُّ أ أ يعني ا�ستعينوا على طاعة اهلل بالعمال يف هذه الوقات الثالثة ،ف�إن امل�سافر ي�ستعني على قطع م�سافة ال�سفر بال�سري فيها. وقالِ « :ل ُي َ�ص ِّل َأ� َحدُ ُك ْم َن َ�ش َ اطهُ َف ِ�إ َذا فَترَ َ َف ْل َي ْق ُع ْد » ( ) 82رواهما البخاري. ويف �صحيح م�سلم عنه أ�نه قال « :هَ َل َك المْ ُ َت َن ِّط ُعونَ َقا َل َها ثَلاَ ًثا» ( )83وهم املتعمقون املت�شددون. ويف �صحيح البخاري عنهَ « :ع َل ْي ُك ْم مِنَ ْ َأ ال َما ُت ِطي ُقونَ ، ال ْع َم ِ َف َواللهَّ ِ اَل يمَ َ ُّل اللهَّ ُ َحتَّى تمَ َ ُّلوا » (.)84 ويف ال�سنن عنه أ�نه قال� « :إِنَّ هَ َذا الدِّ ينَ َم ِت ٌ يه ني َف َأ� ْو ِغلْ ِف ِ ِب ِر ْف ٍق َو اَل ُت َب ِّغ َ�ض َّن ِ�إلىَ َنف ِْ�س َك ِع َبا َد َة اللهَّ ِ » ()85 أ�و كما قال. وهنُ اِال ْن ِق َيا َد. وقولهَ :و اَل ُي ْح َملاَ َع َلى ِعلَّ ٍة ُت ِ يريد :أ� اّل يت أ�ول يف أ المر والنهي علة تعود عليهما بالبطال ،كما ت أ�ول بع�ضهم حترمي اخلمر ب أ�نه معلل إ ب�إيقاع العداوة والبغ�ضاء والتعر�ض للف�ساد ف�إذا أ�من من هذا املحذور منه جاز �شربه. وقد بلغ هذا ب أ�قوام �إىل االن�سالخ من الدين جملة. وقد حمل طائفة من العلماء أ�ن جعلوا حترمي ما عدا بال�سكار ،فله أ�ن ي�شرب منه ما �شراب خمر العنب معلال إ �شاء ما مل ي�سكر. ومن العلل التي توهن االنقياد :أ�ن يعلل احلكم بعلة �ضعيفة مل تكن هي الباعثة عليه يف نف�س أ المر؛ في�ضعف انقياد العبد �إذا قام عنده أ�ن هذه هي علة احلكم ،ولهذا كانت طريقة القوم عدم التعر�ض لعلل التكاليف خ�شية
هذا املحذور. ويف بع�ض آ الثار القدميةَ « « :يا َب ِني ِ�إ ْ�س َرا ِئ َ يل اَل َتقُو ُلوا: ب َأ� َم َر َر ُّب َنا؟ ». لمِ َ َأ� َم َر َر ُّب َنا؟ َو َل ِك ْن ُقو ُلوا :مِ َ و أ�ي�ضا ف�إنه �إذا مل ميتثل أ المر حتى تظهر له علته مل يكن منقادا أ للمر ،و أ�قل درجاته أ�ن ي�ضعف انقياده له. و أ�ي�ضا ف�إنه �إذا نظر �إىل حكم العبادات والتكاليف مثال، والقبال به على اهلل وجعل العلة فيها هي جمعية القلب إ فقال :أ�نا أ��شتغل باملق�صود عن الو�سيلة ،فا�شتغل بجمعيته وخلوته عن أ�وراد العبادات فعطلها ،وترك االنقياد بحمله أ المر على العلة التي أ�ذهبت انقياده. وكل هذا من ترك تعظيم أ المر والنهي ،وقد دخل من هذا الف�ساد على كثري من الطوائف ما ال يعلمه �إال اهلل ،فما يدري ما أ�وهنت العلل الفا�سدة من االنقياد �إال اهلل ،فكم عطلت هلل من أ�مر ،و أ�باحت من نهي ،وحرمت من مباح ،وهي التي اتفقت كلمة ال�سلف على ذمها « اهـ (.)86
اخلامتة
�إن كل أ�مور ال�شرع تدل بو�ضوح أ�نه دين احلنيفية ال�سمحة، دين الي�سر؛ فال غلو يف الدين. �إال أ�ن هاهنا ق�ضية مهمة يح�سن أ�ن أ�ذكر بها يف ختام هذه الر�سالة ،وهي :أ�ن هذه أ الدلة تقرر �سماحة الدين وي�سره وو�سطيته ،و أ�نه دين ينايف الغلو والت�شدد ،مبعنى أ�ن ما ثبت كونه من الدين فهذه �صفته ،ال مبعنى أ�ن ي أ�تي �شخ�ص ما بعقله وتفكريه فما ر آ�ه و�سطا قال :هو الدين ! فالو�سطية يف الدين ،أ�ي ما ثبت أ�نه دين فهو ي�سر. ينَ ،ف ِ�إنمَّ َ ا َأ� ْه َل َك َم ْن والر�سول يقول�ِ « :إ َّي ُاك ْم َوا ْل ُغ ُل َّو فيِ الدِّ ِ ين » ( ،)87فما ثبت أ�نه من الدين َكانَ َق ْب َل ُك ُم ا ْل ُغ ُل ُّو فيِ الدِّ ِ فهو الي�سر وهو احلنيفية ال�سمحة ،وهو الذي ال ت�شدد يف أ�خذه ،وال غلو فيه ،وال ع�سر فيه. وقال « �إِنَّ الدِّ ينَ ُي ْ�س ٌر َو َل ْن ُي َ�شا َّد الدِّ ينَ َأ� َحدٌ ِ�إ اَّل َغ َل َبهُ ا�س َت ِعينُوا ِبا َل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة َف َ�سدِّ ُدوا َو َقا ِر ُبوا َو َأ� ْب ِ�ش ُروا َو ْ الدلجْ َ ِة » ( ،)88فقال :الدِّ ينُ ُي ْ�س ٌر فما ثبت أ�نه َو َ�ش ْيءٍ مِنَ ُّ من الدين فهو ي�سر. و�صل اللهم على حممد وعلى آ�ل حممد ،وبارك على حممد وعلى آ�ل حممد ،كما �صليت وباركت على �إبراهيم وعلى آ�ل �إبراهيم� ،إنك حميد جميد.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
85
الهوام�ش (� )1سورة �آل عمران �آية.102 : ( � )2سورة الن�ساء �آية.1 : (� ) 3سورة أالحزاب ا آليتان .71 ، 70 : ( ) 4انظر :ا إل�سالم مقا�صده وخ�صائ�صه د .حممد العقلة �ص .50 ( � )5سورة ال�شورى �آية.11 : (� ) 6سورة ال�شورى �آية.11 : (� ) 7سورة ا إلخال�ص كاملة . ( ) 8اجلواب ال�صحيح (.)8 - 6 / 1 ( ) 9جمموع الفتاوى (.)375 / 3 (� ) 10سورة الفاحتة ا آليتان .7 ،6 : (� ) 11سورة الن�ساء �آية.171 : (� ) 12سورة البقرة �آية.213 : (� ) 13سورة أالنعام �آية.153 : (� ) 14سورة أالعراف �آية.86 :
( � )32سورة املائدة �آية.8 : ( )33الرتمذي تف�سري القر�آن ( ، )2969ابن ماجه الدعاء (.)3828 ( � )34سورة ا إل�سراء �آية.110 : ( � )35سورة الق�ص�ص �آية.77 : ( � )36سورة الق�ص�ص �آية.77 : ( � )37سورة الفرقان �آية.67 : ( � )38سورة ا إل�سراء �آية.29 : ( � )39سورة الفرقان �آية.67 : ( � )40سورة ا إل�سراء �آية.29 : ( � )41سورة أالعراف �آية.31 : ( )42الروح �ص .347 ( � )43سورة أالعراف ا آليات.33 -31 : ( � )44سورة املائدة �آية.6 : ( � )45سورة البقرة �آية.185 : ( � )46سورة الن�ساء �آية.28 :
(� ) 15سورة �آل عمران �آية.99 :
( � )47سورة احلج �آية.78 :
(� ) 16سورة أالعراف �آية.45 :
( )48املوافقات لل�شاطبي (.)148 / 4
(� ) 17سورة أالعراف �آية.146 :
( )49املوافقات (.)134 - 131 ، 133 / 4
(� ) 18سورة غافر �آية.38 :
( )50املوافقات ( ، )193 / 4وانظر منه (.)134 ، 141 / 4
(� ) 19سورة البقرة �آية.143 :
( )51الروح البن القيم �ص ، 346وانظر �إغاثة اللهفان (.)163 - 162 / 1
(� ) 20سورة �آل عمران �آية.110 :
( )52االختالف وما �إليه ملحمد بازمول �ص .104 - 103
( ) 21أ��ضواء البيان املدين (.)75 / 1 (� ) 22سورة البقرة �آية.143 : (� ) 23سورة البقرة �آية.143 :
( � )53سورة أالنعام �آية.153 : ( )54أ�خرجه أ�حمد يف امل�سند ( ، )435 ، 465 / 1و أ�خرجه الدارمي يف �سننه يف املقدمة ،باب يف كراهة أ�خذ الر أ�ي ،وابن أ�بي عا�صم يف كتاب ال�سنة ( ، )13 / 1وابن حبان (ا إلح�سان) / 1
( ) 24أ�خرجه البخاري يف كتاب االعت�صام بالكتاب وال�سنة ،باب (وكذلك جعلناكم أ�مة و�سطا)
181 - 180حتت رقم ( ، )7 - 6واحلاكم يف امل�ستدرك ( .)318 / 2و أ�خرجه عن جابر بن عبد
،احلديث رقم (.)7349
اهلل ر�ضي اهلل عنهما ،ابن ماجة يف املقدمة ،باب اتباع �سنة ر�سول اهلل احلديث ( ، )11وابن
( � )25سورة البقرة �آية.143 : ( )26تف�سري الطربي هجر (.)627 - 626 / 3 ( )27وهذا ما قرره ابن حجر يف فتح الباري ،ال�سلفية (.)173 / 8 ( )28اخلبث واملكر. ( )29من كالم أ�بي ال�سعود ،يف تف�سريه �إر�شاد العقل ال�سليم دار �إحياء الرتاث (.)172 / 1 ( )30وبالتقرير ال�سابق تعلم أ�ن اال�ست�شهاد ب آ�ية (وكذلك جعلناكم أ�مة و�سطا) على معنى و�سطية ا إل�سالم ،ا�ستدالل �صحيح ،خالفا ملن منع اال�ستدالل بها على معنى و�سطية ا إل�سالم. انظر أ�حكام القر�آن البن العربي ( ، )50 / 1وتابعه �صاحب ر�سالة و�سطية ا إل�سالم لعبد الرحمن حبنكة امليداين م ؤ��س�سة الريان �ص .10 - 9 ( � )31سورة الن�ساء �آية.58 :
86
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
أ�بي عا�صم يف كتاب ال�سنة ( .)13 / 1واحلديث �صححه ابن حبان ،واحلاكم ،وح�سن �إ�سناده حمقق ا إلح�سان ،و�صححه لغريه أاللباين يف ظالل اجلنة (.)13 / 1 ( � )55سورة أالنعام �آية.153 : ( � )56سورة أالنعام �آية.153 : ( � )57سورة ال�شورى �آية.21 : ( )58جمموع الفتاوى (.)389- 388 / 10 ( )59أ�حمد (.)381/2 ( )60أ�خرجه أ�حمد (الر�سالة ، 513 - 512 / 14حتت رقم ، )8952والبخاري يف أالدب املفرد (�صحيح أالدب املفرد ، 118حتت رقم ، )273 / 207والبيهقي يف ال�سنن الكربى (10 ، )192 - 191 /واحلاكم ( .)613 / 2واحلديث �صححه احلاكم ،وحمققو م�سند أ�حمد ، أ واللباين يف �صحيح أالدب املفرد ،ويف �سل�سلة أالحاديث ال�صحيحة احلديث (.)45
( )61وقد تو�سع ابن قيم اجلوزية يف كتاب الروح دار الفكر -أالردن �ص � 314إىل �آخر الكتاب
( )78انظر :أال�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ، 76الوجيز يف �إي�ضاح قواعد الفقه الكلية �ص
،يف بيان جملة من الفروق بني أالمور ،يتبني الناظر فيها حقيقة كون احلق واخلري بني طرفني
، 157القواعد الفقهية اخلم�س الكربى ،والقواعد املندرجة حتتها ،من جمموع الفتاوى ل�شيخ
�إفراط وتفريط.
ا إل�سالم ابن تيمية �ص .239 - 233
( )62أ�خرجه البخاري يف كتاب النكاح ،باب الرتغيب يف النكاح ،احلديث ( ، )5063وم�سلم
( )79فتح الباري ( .)525 / 10وهذه القاعدة الفرعية معدودة يف كتب القواعد الفقهية �ضمن
يف كتاب النكاح ،باب ا�ستحباب النكاح ملن تاقت نف�سه �إليه ،احلديث (.)1401
فروع قاعدة :ال �ضرر وال �ضرار ،أ�و ال�ضرر يزال ،وال متانع فهي تدخل حتت القاعدتني ،ف�إن
( )63البخاري النكاح ( ، )4776م�سلم النكاح ( ، )1401الن�سائي النكاح ( ، )3217أ�حمد
من التي�سري الر�ضى ب أ�هون ال�ضررين �إذا مل يكن من �إحداهما بد ،ومن ال�ضرر الذي يزال :دفع
(.)285/3
ال�ضرر أالعلى أ بالدنى ،ويدل على ما ذكرت أ�نه جاء يف احلديث الذي أ�خرجه البخاري يف كتاب
(� ) 64سورة أالحقاف �آية.20 :
الو�ضوء ،باب �صب املاء على البول ،احلديث ( ، )220عن أ�بي هريرة قال :قام أ�عرابي فبال يف
(� ) 65سورة أالعراف �آية.32 :
امل�سجد فتناوله النا�س ،فقال لهم النبي دعوه وهريقوا على بوله �سجال من ماء ،أ�و ذنوبا من ماء
( ) 66فتح الباري (.)106 - 105 / 9
،ف�إمنا بعثتم مي�سرين ومل تبعثوا مع�سرين ،وقد أ��شار �إىل ذلك ابن حجر .واهلل املوفق.
( ) 67م�سلم العلم ( ، )2670أ�بو داود ال�سنة ( ، )4608أ�حمد (.)386/1
( )80الن�سائي منا�سك احلج (.)3057
( ) 68أ�خرجه م�سلم يف كتاب العلم ،باب هلك املتنطعون ،حديث رقم (.)2670
( )81أ�خرجه أ�حمد يف امل�سند (الر�سالة ، 351 / 3حتت رقم ، )1851والن�سائي يف كتاب
( ) 69أ�خرجه البخاري يف كتاب املناقب ،باب عالمات النبوة ،حديث رقم ( ، )3610وم�سلم
منا�سك احلج ،باب التقاط احل�صى ،احلديث ( ، )3057وابن ماجه يف كتاب املنا�سك ،باب
يف كتاب الزكاة ،باب ذكر اخلوارج و�صفاتهم ،احلديث (.)1064
قدر ح�صى الرمي ،احلديث ( ، )3029وابن خزمية ( ، 274 / 4حتت رقم ، )2867وابن
( )70البخاري املناقب ( ، )3415م�سلم الزكاة ( ، )1066الن�سائي حترمي الدم ( ، )4102أ�بو
حبان (ا إلح�سان ( ، 183 / 9حتت رقم ، )3871واحلاكم ( .)466 / 1واحلديث �صححه ابن
داود ال�سنة ( ، )4767أ�حمد (.)88/1
خزمية وابن حبان واحلاكم ،و�صحح �إ�سناده حمققو م�سند أ�حمد ،وحمقق ا إلح�سان.
( )71انظر جمموع الفتاوى (.)393 - 392 / 10
( )82التعمق هو باملهملة وبت�شديد امليم ثم قاف ،ومعناه :الت�شديد يف أالمر حتى يتجاوز احلد
( )72البخاري ا إلميان ( ، )39الن�سائي ا إلميان و�شرائعه (.)5034
فيه .فتح الباري (.)278 / 13
( )73أ�خرجه البخاري يف كتاب ا إلميان ،باب الدين ي�سر ،احلديث ( ، )39وم�سلم يف كتاب
( )83الرتمذي الزهد ( ، )2380ابن ماجه أالطعمة ( ، )3349أ�حمد (.)132/4
�صفة القيامة واجلنة والنار ،احلديث (.)2816
( )84أ�خرجه الرتمذي يف كتاب الزهد ،باب ما جاء يف كراهية كرثة أالكل ،احلديث ()2380
( )74من فتح الباري ( ، )95 - 94 / 1وفيه :قال ابن املنري :يف هذا احلديث علم من أ�عالم
،وابن ماجه يف كتاب أالطعمة ،باب االقت�صاد يف أالكل وكراهة ال�شبع ،احلديث (.)3392 الل َي ُق ُ ولفظ احلديث عند الرتمذيَ « :عنْ مِ ْقدَ ِام ْب ِن َم ْعدِ ي َك ِر َب َق َال�َ :سمِ ْعتُ َر ُ�س َ ولَ :ما َم َ َأل ول هَّ ِ �آدَمِ ٌّي ِو َعا ًء َ�ش ًّرا مِ نْ َب ْط ٍن ِب َح ْ�س ِب ا ْب ِن �آد ََم َأ�كَلاَ تٌ ُي ِق ْمنَ ُ�ص ْل َب ُه َف�إِنْ َكانَ لاَ محَ َ ا َل َة َف ُث ُلثٌ ل َِطعَامِ ِه
التطوع املف�ضي �إىل ترك أالف�ضل ،أ�و �إخراج الفر�ض عن وقته كمن بات ي�صلي الليل كله ويغالب
َو ُث ُلثٌ ل َِ�ش َرا ِب ِه َو ُث ُلثٌ ِل َن َف�سِ ِه « .قال أ�بو عي�سى الرتمذي :هدا حديث ح�سن �صحيح اهـ.
النوم �إىل أ�ن غلبته عيناه يف �آخر الليل فنام عن �صالة ال�صبح يف اجلماعة ،أ�و �إىل أ�ن خرج
( )85ما بني معقوفتني من كالم ابن القيم يف كتابه الوابل ال�صيب �ص .24 - 22
الوقت املختار ،أ�و �إىل أ�ن طلعت ال�شم�س فخرج وقت الفري�ضة « اهـ. ( )75أ�خرجه أ�حمد يف امل�سند (الر�سالة ، 17 / 4حتت رقم ، )2107والبخاري يف أالدب
( )86ما بني معقوفتني من كالم ابن القيم يف كتابه الوابل ال�صيب �ص .25 ( � )87سورة املائدة �آية.77 :
املفرد (�صحيح أالدب املفرد �ص ، 122حتت رقم ، )287 / 220وعبد بن حميد يف م�سنده
( )88البخاري ا إلميان ( ، )39الن�سائي ا إلميان و�شرائعه (.)5034
النبوة ،فقد ر أ�ينا ور أ�ى النا�س قبلنا أ�ن كل متنطع يف الدين ينقطع .ولي�س املراد منها طلب أالكمل يف العبادة ،ف�إنه من أالمور املحمودة ،بل منع ا إلفراط امل ؤ�دي �إىل املالل ،أ�و املبالغة يف
(املنتخب ، 497 / 1حتت رقم ، )567وعلقه البخاري يف كتاب ا إلميان ،باب الدين ي�سر وقول النبي « أ�حب الدين �إىل اهلل احلنيفية ال�سمحة « ..واحلديث ح�سن �إ�سناده ابن حجر يف فتح الباري ( ، )94 / 1وح�سنه لغريه أاللباين يف �صحيح أالدب املفرد ،وكذا يف �سل�سلة أالحاديث ال�صحيحة احلديث ( ، )881وكذا حمقق املنتخب ،و�صححه لغريه حمققو امل�سند. ( )75البخاري العلم ( ، )69م�سلم اجلهاد وال�سري ( ، )1734أ�حمد (.)209/3 ( )76أ�خرجه البخاري يف كتاب العلم ،باب ما كان النبي يتخولهم ،احلديث ( ، )69وم�سلم يف كتاب اجلهاد وال�سري ،باب يف أالمر بالتي�سري وترك التنفري ،احلديث (.)1734 ( )77البخاري العلم ( ، )69م�سلم اجلهاد وال�سري ( ، )1734أ�حمد (.)209/3
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
87
ﻣﻠـﻒ ﺍﻟـﻌـﺪﺩ ﺭﺅﻳﺔ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺣﻮﻝ ﺇﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺳﻴﺪﺍﻭ ﺇﻋﺪﺍﺩ :ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
ملف العدد
رؤية منتدى الوسطية للفكر العدد ملف حول إتفاقية سيداو والثقافة إعداد :منتدى الوسطية للفكر والثقافة
�إ�شتدت ال�ضغوط يف آ الونة أ الخرية على البالد العربية وال�سالمية لرفع حتفظاتها التي أ�خذتها على بع�ض بنود إ ال�سالمية، اتفاقية �سيداو ،ملخالفتها إلحكام ال�شريعة إ ال�سالمية ،أ ولنها تعرب وللتقاليد الرا�سخة يف املجتمعات إ فقط عن قيم ومبادئ وا�ضعي هذه االتفاقية ،ممن يريدون فر�ضها على العامل ،لتعميم ر ؤ�يتهم الثقافية ،و أ�منوذجهم احل�ضاري ،دون مراعاة خل�صو�صيات آ الخرين ،واختالف ثقافاتهم . ولتو�ضيح هذه االتفاقية ومراميها ومقا�صدها و أ�خطارها على أ ال�سالمية ،بل والب�شرية، ال�سرة وعلى املجتمعات إ نقدم هذه الدرا�سة املوجزة. أ�وال :ملاذا هذه االتفاقية ؟ لقد عانت املر أ�ة يف الغرب عقود ًا طويلة من الظلم واال�ضطهاد واالزدراء ،وحرمت من أ�كرث حقوقها االجتماعية وال�سيا�سية واملالية ،ونظر �إليها يف كثري من أ الحيان نظرة غري �سوية ،نالت من كرامتها وحطت من الن�سانية قدرها و�إن�سانيتها ،فلم ينظر �إليها ك�إن�سان كامل إ ،بل جمرد متاع وتابع للرجل . وقد تعاقبت ال�سنوات على املر أ�ة وهي يف ذلك احلال املزري ،حاولت خاللها جاهدة كي حت�صل ولو على أ�قل الن�ساين ،وخا�ضت �صراعا القليل من حقوقها واعتبارها إ �شديدا لنيل حقوقها . لقد بد أ�ت هيئة أ المم املتحدة يف القرن املا�ضي ت�سعى إلر�ساء وتعميم قواعد دولية تنظم ال�سلوك الب�شري من وجهة نظر وا�ضعيها ،ومبا يتفق مع ثقافاتهم وم�صاحلهم ،وتعمل على فر�ضها على كافة ال�شعوب والدول با�سم القانون الدويل ،من غري اكرتاث لتعار�ض ذلك مع اخل�صو�صيات الدينية أ�و الثقافية أ�و االجتماعية للمجتمعات الب�شرية. ومن �ضمن هذه االتفاقيات التي قامت أ المم املتحدة ب�سنها 90
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
االتفاقية التي عرفت بـ(اتفاقية �إلغاء كافة أ��شكال التمييز �ضد املر أ�ة) وهي ما ي�سمى اخت�صارا بـ(�سيداو) ( ، )CEDAWوطلبت من جميع الدول أ الع�ضاء يف المم املتحدة التوقيع عليها وتنفيذ بنودها دون أ أ الخذ بعني االعتبار مدى مالءمتها وتوافقها مع مبادئ الدول وحاجاتها . ثانيا :تعريف باتفاقية �سيداو: تعترب االتفاقية بيان ًا عاملي ًا بحقوق املر أ�ة ،أ�قرتها أ المم املتحدة عام ، 1980وتتكون من ثالثني مادة ،وهي تدعو �إىل امل�ساواة املطلقة بني املر أ�ة والرجل يف جميع امليادين ،مع ت أ�كيدها على مبد أ� الفردية ،مبعنى النظر �إىل املر أ�ة كفرد ولي�س كع�ضو يف أ��سرة ،وبغ�ض النظر عن حالتها االجتماعية �سواء كانت عزباء أ�و متزوجة أ�و مطلقة أ�و أ�رملة ،و�إلغاء مفهوم التمييز وما ت�سميه االتفاقية أ بالدوار النمطية للجن�سني أ�و (اجلندر) ،مع الدعوة �إىل تغيري معنى أ ال�سرة (القائم على الزوج والزوجة) إلعطاء ال�شرعية لتقنني أ��سر ال�شاذين وال�شاذات جن�سي ًا ،و�إ�سباغ ال�شرعية على أ ال�سر غري ال�شرعية ،القائمة على االلتقاء احلر بني الذكر أ والنثى بعيد ًا عن الزواج ال�شرعي. وت ؤ�كد االتفاقية كذلك على توفري �سبل الرعاية ال�صحية مع الرتكيز على ال�صحة اجلن�سية من املنظور الغربي ، املتمثلة بتوفري الرفاهية اجلن�سية امل أ�مونة أ للفراد ،ولي�س ال�شرعية ،واعتماد تدري�س مناهج الثقافة اجلن�سية، الجها�ض ،وتعميم ا�ستخدام و�سائل منع احلمل. و�إباحة إ كما تتعر�ض االتفاقية لقوانني أ الحوال ال�شخ�صية، القامة وال�سفر وتغيري مكان خا�صة فيما يتعلق بحرية إ ال�سكن والزواج وغري ذلك. وقد وقعت على االتفاقية ثمانية ع�شرة دولة عربية مع بع�ض التحفظات التي �سجلتها عليها ،والتي تركزت على املواد( )29 ،16 ،15 ،9 ،2 ثالثا :أ�هم مواد االتفاقية التي تتعار�ض مع أ�حكام ال�شريعة: املادة : 1 حيث و�ضحت مفهوم التمييز �ضد املر أ�ة ب أ�نه « أ�ي تفرقة أ�و ا�ستبعاد أ�و تقييد يتم على أ��سا�س اجلن�س
ويكون من آ�ثاره أ�و أ�غرا�ضه النيل من االعرتاف للمر أ�ة الن�سان على أ��سا�س ت�ساوي الرجل واملر أ�ة بحقوق إ واحلريات أ ال�سا�سية يف امليادين ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية واملدنية أ�و يف أ�ي ميدان آ�خر أ�و �إبطال االعرتاف للمر أ�ة بهذه احلقوق بغ�ض النظر عن حالتها الزوجية « �إن هذه املادة حتدد أ ال�سا�س الذي تنطلق منه االتفاقية وهو امل�ساواة التامة بني الرجل واملر أ�ة ،دون نظر للفروق البيولوجية بينهما ،ودون نظر للت�شريعات الدينية ،وهي فكرة مرفو�ضة من حيث أ ال�سالمي الذي ال�صل يف الت�صور إ ينطلق من فكرة التكامل يف أ الدوار بني الطرفني ،ولي�س امل�ساواة ،فلكل منهما أ�دوا ًرا معينة عليه القيام بها ،دون أ�ف�ضلية ألحد على أ�حد . ال�سالم يقرر للمر أ�ة حقوقا لي�ست للرجل ومن هنا وجدنا إ مثل حق النفقة وح�ضانة ال�صغار واملهر ،ويقرر للرجل حقوقا لي�ست للمر أ�ة مثل القوامة والطالق والتعدد. ال�سالمية أ�ن تعيد ويف �ضوء هذه املادة يجب على الدول إ �صياغة قوانني أ الحوال ال�شخ�صية ،وتعديل كل بند فيها يت�ضمن متييزا بني اجلن�سني كحق الطالق أ�و ال�سكنى أ�و الوالية ،أ�و عدم جواز زواج امل�سلمة من غري امل�سلم ،أ�و التعدد ،أ�و اختالف ح�صة الزوجة عن الزوج يف املرياث ، وح�صة الذكر عن أ النثى ،وغريها . وهذه املادة خطرية ،وهي ن�سف لكل املبادئ ال�شرعية املتفق عليها لدى امل�سلمني. فالروح التي ت�ستقي منها �إتفاقية �سيداو وفل�سفتها تقوم ّ ال�سالمية، على مبادئ و أ� ّ�س�س مناق�ضة متام ًا للت�شريعات إ وتهدف �إىل عوملة أ ال�سرة و�إبعداها عن هويتها وح�ضارتها لتدور يف فكر وثقافة الغرب ،وهذا وا�ضح يف املادة أ الوىل التفاقية . من إ وهذة املادة ،ت ؤ�كد تناق�ض هذة الفل�سفة وما تقوم عليها �تفاقية �سيداو مع قوله تعاىل َ (:و اَل َت َت َم َّن ْوا َما َف َّ�ض َل هَّ ُ الل إ ما ا ْك َت َ�س ُبوا ۖ َو ِلل ِن َّ�ساءِ �ض ِل ِّلر َج ِ ِب ِه َب ْع َ�ض ُك ْم َع َلى َب ْع ٍ يب مِ َّ ال َن ِ�ص ٌ الل ِم ْن َف ْ�ض ِل ِه ِ� َّن هَّ َ ما ا ْك َت َ�سبنْ َ َوا�س َأ� ُلوا هَّ َ الل َكانَ ِب ُك ِّل يب مِ َّ َن ِ�ص ٌ ْ إ َ�ش ْيءٍ َع ِلي ًما )(�سورة الن�ساء)32: نهي م ّلزم من اهلل عز وجل لكل أ�مرئ أ�ن يتمنى ما وهذا ّ كان يف يد غريه أ�و ما كان عند غريه مما اخت�صه اهلل عز
وجل به. فالرجل واملر أ�ة عن�صران أ��سا�س ّيان ،فالرجل بن�ص هذه آ الية يف�ضل املر أ�ة يف أ��شياء ،واملر أ�ة أ�ي�ضا تف�ضل الرجل يف أ��شياء،واهلل ي أ�مرنا ب أ�ن نقتنع مبا ّ ف�ضل اهلل به بع�ضنا على بع�ض. فمع أ�ن أ ال�سالم هو مبد أ� ال�صل العام الذي ينطلق منه إ امل�ساواة يف احلقوق والواجبات بني الرجل واملر أ�ة ولكن التفاقية وهو التماثل ،ففكرة لي�س باملعنى الذي أ�رادته إ امل�ساواة مرفو�ضة باملعنى الذي أ�رادته �إتفاقية �سيداو، العرتاف بالفروق البيولوجية والتي تهدف �إىل عدم إ بني املر أ�ة والرجل ،بل ت ؤ�كد على أ�ن هذا أ المر �إمنا هو من أ المور املنطقية يف املجتمعات ميكن تغيريها وتبديلها ،بحيث يكون للرجل أ�ن ي أ�خذ دور املر أ�ة ،وللمر أ�ة أ�ن ت أ�خذ دور الرجل. املادة :2 حيث أ�كدت على أ�ن من واجب الدول « �شجب جميع أ��شكال التمييز �ضد املر أ�ة ،وتوافق على أ�ن تنتهج بكل الو�سائل املنا�سبة ودون �إبطاء �سيا�سة الق�ضاء على التمييز �ضد املر أ�ة. ثم ذكرت املادة أ�مورا عدة يجب على الدول املوقعة أ�ن تتعهد القيام بها وهي : البند أ� « :جت�سيد مبد أ� امل�ساواة بني الرجل واملر أ�ةيف د�ساتريها الوطنية أ�و ت�شريعاتها املنا�سبة أ الخرى، وكفالة التحقيق العملي لهذا املبد أ� من خالل القانون والو�سائل املنا�سبة أ الخرى «. وهذا دعوة �صريحة إللغاء كافة الت�شريعات مبا فيها قانون أ الحوال ال�شخ�صية مما فيه متييز بني الرجل واملر أ�ة. البند ب « :اتخاذ املنا�سب من التدابري الت�شريعيةوغريها مبا يف ذلك ما يقت�ضيه أ المر من جزاءات حلظر كل متييز �ضد املر أ�ة « . البند ج� « :إقرار احلماية القانونية حلقوق املر أ�ة علىقدم امل�ساواة مع الرجل ،و�ضمان احلماية الفعالة للمر أ�ة عن طريق املحاكم الوطنية ذات االخت�صا�ص وامل ؤ��س�سات العامة أ الخرى من أ�ي عمل متييزي « البند د « :االمتناع عن اال�ضطالع ب أ�ي عمل أ�و ممار�سةمتييزية �ضد املر أ�ة وكفالة ت�صرف ال�سلطات وامل ؤ��س�سات السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
91
العامة مبا يتفق مع هذا االلتزام « . البند ه « :اتخاذ جميع التدابري املنا�سبة للق�ضاء علىالتمييز �ضد املر أ�ة من جانب أ�ي �شخ�ص أ�و منظمة أ�و م ؤ��س�سة« البند و « :اتخاذ جميع التدابري املنا�سبة مبا يف ذلكوالنظمة أ الت�شريع لتعديل أ�و �إلغاء القوانني أ والعراف واملمار�سات القائمة التي ت�شكل متييزا �ضد املر أ�ة « . البند ز� « :إلغاء جميع أ�حكام العقوبات الوطنية التيت�شكل متييزا �ضد املر أ�ة «. وهي متعلقة بالتفريق الذي ت ّبديه بع�ض قوانني العقوبات بني الرجل واملر أ�ة يف ما ي�سمى بجرائم ال�شرف. وهذه املادة م ؤ�كدة ملا ورد يف املادة ال�سابقة من الدعوة لتعديل كافة الت�شريعات التي ت�شكل متييزا بني الرجل واملر أ�ة ،و�سن ت�شريعات ت�سوي بينهما يف كافة أ المور . املادة : 5حيث جاء فيها أ�ن على الدول أ�ن تتخذ جميع التدابري املنا�سبة لتحقيق تعديل أ المناط االجتماعية والثقافية بهدف الق�ضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل املمار�سات القائمة على أ�دوار منطية للرجل واملر أ�ة . وهذه املادة ت ؤ�كد على أ�ن كال من الرجل واملر أ�ة يجب أ�ن الدوار أ يقوما بنف�س أ والعمال دون مراعاة ألية فوارق بيولوجية أ�و ف�سيولوجية بينهما ،وهي دعوة �صريحة لرف�ض قيام املر أ�ة بدور أ المومة والرتبية باعتبارها أ�دوارا منطية أ�ملتها أ العراف ،ولي�ست مرتبطة بجن�س . املادة : 10حيث جاء يف البند ج منها أ�ن على الدول العمل على « الق�ضاء على أ�ي مفهوم منطي عن دور الرجل واملر أ�ة على جميع م�ستويات التعليم ويف جميع أ��شكاله عن طريق ت�شجيع التعليم املختلط وغريه من أ�نواع التعليم التي ت�ساعد على حتقيق هذا الهدف وال�سيما عن طريق تنقيح كتب الدرا�سة والربامج الدرا�سية « . العرتاف بالفوارق البيولوجية وكذلك وهي دعوة لعدم إ دعوة للتعليم املختلط وما يجره ذلك من مفا�سد وفنت على أ الجيال . املادة : 15حيث جاء يف البند 3منها « توافق الدول أ الطراف على اعتبار جميع العقود و�سائر أ�نواع ال�صكوك اخلا�صة التي لها أ�ثر قانوين ي�ستهدف تقييد أ الهلية القانونية للمر أ�ة باطلة والغيه . 92
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
أ�ما البند 4فقد جاء فيه « متنح الدول أ الطراف الرجل واملر أ�ة نف�س احلقوق فيما يتعلق بالقانون املت�صل بحركة أ ال�شخا�ص وحرية اختيار حمل �سكناهم و�إقامتهم « ويالحظ على هذين البندين ما يلي : – 1البند 3يتعار�ض مع قوانني أ الحوال ال�شخ�صية التي ت�شرتط موافقة الويل ل�صحة زواج املر أ�ة خ�صو�صا البكر ،وال تعرتف مب�شروعية الزواج الذي يتم دون موافقته ، وكذلك ما تقرره هذه القوانني من حق الويل يف املطالبة بف�سخ عقد الزواج �إذا تزوجت املر أ�ة بغري كفء لها . أ�ما البند 4ففيه داللة على أ�ن: أ� -للمر أ�ة اختيار حمل �سكنها �سواء كانت متزوجة أ�م غري متزوجة. القامة فيه �سواء ب -للمر أ�ة أ�ن تقيم يف أ�ي بلد ترغب يف إ أ�كانت متزوجة أ�م غري متزوجة. ت -للمر أ�ة أ�ن تنتقل وت�سافر دون �إذن من أ�ب أ�و أ�خ أ�و زوج. وهذه املادة عليها املالحظات ال�شرعية التالية: � )1إن خروج املر أ�ة املتزوجة و�سفرها وتنقلها دون �إذن زوجها يتنافى مع مق�صد �شرعي يف الزواج وهو حتقيق ال�سكن واملودة والرحمة ،فكيف تتحقق املودة ويتحقق ال�سكن واحلياة أ ال�سرية الطيبة �إذا خرجت املر أ�ة دون �إذن زوجها وعلمه ،ف�ض ًال عما �إذا كان ذلك رغم ًا عنه ،مع مالحظة أ�ن ال�شرع ي�سمى ذلك ن�شوز ًا!؟ � )2إن ا�ستقالل املر أ�ة ا�ستقال ًال تام ًا باخلروج وال�سفر والرتحال دون �إذن ذويها �إن كانت غري متزوجة ،أ�و دون �إذن زوجها �إن كانت متزوجة ،خمالف للن�صو�ص ال�شرعية. � )3إن حمل �سكن املر أ�ة املتزوجة حمدد �شرعا مبحل �سكن الزوج ،قال تعاىلَ (:أ� ْ�س ِك ُنوهُ َّن ِم ْن َح ْي ُث َ�س َك ْن ُت ْم ِم ْن ُو ْج ِد ُك ْم)(الطالق ،)9:آ فالية تخاطب أ الزواج بوجوب توفري ال�سكن للزوجة ،وهو حق ي ؤ�ديه الرجل للمر أ�ة، ف�إذا �صار للمر أ�ة حق يف ال�سكن حيث تريد ،أ�دى هذا �إىل انهيار منظومة العالقة االجتماعية وال�شرعية التي تربط الرجل باملر أ�ة يف عقد الزواج املقد�س ،و�إىل انحالل يف العالقات االجتماعية بال�ضرورة. �إن هذه املادة م�آلها �إلغاء قوامة الرجل على املر أ�ة ،مما يعني هدم ًا للن�صو�ص ال�شرعية الواردة يف مو�ضوع القوامة ،قال
ال َق َّوا ُمونَ َع َلى ال ِن َّ�ساءِ بمِ َ ا َف َّ�ض َل هَّ ُ (الر َج ُ الل َب ْع َ�ض ُه ْم تعاىلِّ : �ض وَبمِ َ ا َأ� ْن َفقُوا ِم ْن َأ� ْم َوا ِل ِه ْم ) (الن�ساء .)34 َع َلى َب ْع ٍ ومن جهة أ�خرى ف�إن املادة تعار�ض قانون أ الحوال ال�شخ�صية أ الردين يف مادته( )36التي تن�ص «يهيئ الزوج امل�سكن املحتوي على اللوازم ال�شرعية ح�سب حاله القامة ويف حمل �إقامته وعمله� ,إن ا�ستقالل املر أ�ة مبكان إ والتنقل حيث ت�شاء ،بعيد ًا عن مظلة أ الهل والزوج فيه ف�ساد للمجتمع وانهيار أ لل�سرة. � )4إن اختيار املر أ�ة مكان ال�سكن يجب أ�ن يكون يف حالة ال�ضرار بها أ�و بزوجها، التوافق بني املر أ�ة وزوجها ،من غري إ و�إذا وافق الزوج ابتداء على �شرطها وجب عليه احرتامه، فللمر أ�ة مبوجب ذلك أ�ن ت�شرتط على الزوج ما تراه من �شروط تتعلق مبكان �سكنها أ�و بهيئته أ�و مبكوناته. والقامة حيث ت�شاء املر أ�ة من غري � )5إن ال�سكن والتنقل إ موافقة �شريكها الزوج ،جترد العالقة الزوجية أ وال�سرية من مبد أ� الت�شارك �إىل طبيعة الت�شابك والت�صادم بني وال�سالم يجعل هذه أ المور حق ًا م�شرتك ًا الرجل واملر أ�ة ،إ بني املر أ�ة وذويها رعاية ورحمه وقوامة ،أ�ما من ناحية أ ال�ضرار النف�سية واالجتماعية التي تعود على املر أ�ة أ وال�سرة ففيما يلي ا�ستعرا�ض ألهمها: وفق املراجعة ملطالب النمو يف مرحلتي املراهقة والر�شد، �سنجد أ�ن أ ال�سرة ت�شكل للمر أ�ة عام ًال أ��سا�سي ًا يف احلفاظ على توازنها النف�سي و�شعورها أ بالمن ،فمن خالل عالقة الهل والزوج أ املر أ�ة ب أ�فراد أ��سرتها أ والبناء ت�شعر باحلب واالهتمام واالنتماء ومتار�س العطاء والتفاعل ،وكل هذا ال يتحقق �إال باحل�ضور الفعلي والقرب احلقيقي الذي ي�ضمنه �إطار أ ال�سرة الواحدة والبيت الواحد. يحتج كثري من م ؤ�يدي هذه الفقرة ب أ�ن ال�سماح للمر أ�ة بحرية التنقل وال�سكن مينحها ثقة بنف�سها ويزيد �شعورها باال�ستقاللية ،وهذه الفقرة جذابة يف مظهرها فهي تعطي والم�ساك بزمام حياتها، املر أ�ة �شعور ًا زائف ًا باحلرية إ لكنها يف واقع أ المر وعلى املدى البعيد �ستوجد جمتمع ًا من الن�ساء الوحيدات املثقالت أ بالعباء العاجزات عن ال�شعور بال�سعادة والر�ضا أ�و ال�شعور ب أ�ن حلياتهن معنى أ�و امتداد. الناظر �إىل واقع الن�ساء الالئي ي�سكن وحدهن يف الغرب ني من خمتلف امل�شكالت والهموم ،بل ومن يدرك ما بعان ّ
أ المرا�ض النف�سية التي تبد أ� بالقلق ومتر باالكتئاب، ورمبا تنتهي �إىل االنتحار ،وتواجه كثري من ه ؤ�الء الن�سوة اعتداءات عليهن بالقتل واالغت�صاب وال�سطو على منازلهن ني من عدم ا�ستقرار يف أ�و االغت�صاب� ،إىل جانب ما بعان ّ حياتهن العاطفية و�شعورهن بالف�شل يف تكوين عالقات ناجحة �سليمة م�ستقرة� ،إننا يجب أ�ن ال نغفل ما نراه من �سعي املر أ�ة والرجل يف الغرب وب�شكل حمموم لتكوين عالقة تبعد عن كل منهما �شبح الوحدة. املادة 16ومما جاء فيها : .1تتخذ الدول أ الطراف جميع التدابري املنا�سبة للق�ضاء على التمييز �ضد املر أ�ة يف كافة أ المور املتعلقة بالزواج والعالقات أ ال�سرية ،وبوجه خا�ص ت�ضمن ،على أ��سا�س ت�ساوي الرجل واملر أ�ة. أ� .نف�س احلق يف عقد الزواج. ب .نف�س احلق يف حرية اختيار الزوج. ج .نف�س احلقوق وامل�س ؤ�وليات أ�ثناء الزواج وعند ف�سخه. د .نف�س احلقوق وامل�س ؤ�وليات كوالدة ،بغ�ض النظر عن حالتها الزوجية يف أ المور املتعلقة ب أ�طفالها، و .نف�س احلقوق وامل�س ؤ�وليات فيما يتعلق بالوالية والقوامة والو�صاية على أ الطفال وتبنيهم .أ�و ما �شابه ذلك من أ النظمة امل ؤ��س�سية االجتماعية حني توجد هذه املفاهيم يف الت�شريع الوطني. مالحظات على هذه املادة: هذه املادة خا�صة أ بال�سرة وهي من أ�خطر مواد االتفاقية الطالق .فهي متثل حزمة بنود تعمل على هدم قانون على إ أ الحوال ال�شخ�صية ب أ�هم فقراته من زواج وطالق وقوامة وو�صاية ووالية وحقوق وواجبات الزوجني أ والبناء. باخت�صار ف�إن هذه املادة مت�س بقوة كل ما مي�س أ ال�سرة كم ؤ��س�سة ونظام وقيم وهي متثل منط احلياة الغربية. وتتجاهل معتقداتنا وقيمنا� .إنها تتجاهل وتدعو بكل �صراحة و�صرامة �إىل جتاوز �شرع اهلل فيما يخت�ص بحدود حقوق الرجل وواجباته .وحقوق املر أ�ة ونظام الطالق ،والقوامة ،والوالية على أ البناء� .إنها تدعو �إىل أ�ن نتجاوز ديننا و�إبداله ب أ�نظمة خربت فعلي ًا حياة الغرب و أ��سره لنطبقها نحن بدورنا لنخرب حياتنا و أ�نظمتنا. ويالحظ على هذه املادة ما يلي: السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
93
� -1إن مقدمة املادة تطلب من الدول أ الطراف اتخاذ جميع التدابري للق�ضاء على التمييز �ضد املر أ�ة يف كافة المور املتعلقة بالزواج والعالقات أ أ ال�سرية ،ومن املعلوم بداهة لكل م�سلم أ�ن احلقوق والواجبات املرتتبة على عقد ال�سالمية الزواج خمتلفة بني الرجل واملر أ�ة يف ال�شريعة إ ،لي�س على أ��سا�س متييزي ،و�إمنا على أ��سا�س تكامل أ الدوار وامل�س ؤ�وليات ،فمن واجبات الزوجة أ�ن تطيع زوجها باملعروف ،و أ�ن ال تخرج من بيت الزوجية �إال ب�إذنه ،و أ�ن حت�ضن أ�طفالها ،ومن واجبات الزوج أ�ن ينفق على الزوجة، و أ�ن يقدم لها مهرا ،و أ�ن ي ؤ�من لها م�سكنا . � -2إن البند ( أ�) من املادة يتجاهل م�سالة الوالية على املر أ�ة التي مل ي�سبق لها زواج ،مع أ�ن جمهور علماء امل�سلمني ي�شرتطون موافقة الويل لزواج البكر التي مل ي�سبق لها الزواج بناء على قول النبي « :الزواج �إال بويل و�شاهدي عدل» حتى يكون �شرعي ًا �صحيح ًا. -3البند (ب) تبع ًا للبند ال�سابق يطلق حرية املر أ�ة يف اختيار من تر�ضاه من أ الزواج من غري �إ�شراك وليها يف تلك امل�س ؤ�ولية .وعلى ما يبدو ف�إن االتفاقية ومن و�ضعها مل يفهم دور الويل يف زواج املر أ�ة من أ�نه يقوم على مبد أ� حمايتها والدفاع عنها يف حال ح�صول جور أ�و ظلم عليها من زوجها� .إن هذه املادة توكل املر أ�ة �إىل نف�سها .وتقطعها من �سند وليها .وحترمها من وقوفه �إىل جانبها عندما حتتاجه .فالزواج يف ديننا حم�صلة توافق ر أ�ي املر أ�ة مع ال�سالمية تفرق بني البكر والثيب وليها .كما �إن الر ؤ�ية إ يف م�س ؤ�ولية اختيار الزوج وعقد الزواج. فالثيب التي �سبق أ�ن تزوجت ثم أ�رادت أ�ن تتزوج من جديد منحها ال�شرع حق تزويج نف�سها مرة أ�خرى من غري موافقة وليها ملا حت�صل عندها من خربة ودراية يف � ؤ ش�ونها .و أ�ما البكر ف�إنها ما زالت بحاجة �إىل من يرعى � أش�نها ويدبر أ�مرها ويعينها عليه خ�صو�ص ًا و أ�نها تخو�ض جتربة الزواج للمرة أ الوىل ،وهذه املادة تبيح للمر أ�ة امل�سلمة أ�ن تتزوج من غري م�سلم وهذا خمالف للن�ص القر آ�ين الوا�ضح. ال�سالم موافقة ويل زواجها عون ًا لها ولذلك ا�شرتط إ وم�شاركة لها يف حتمل نتائج هذا الزواج على أ�ن تزويجها ال ي�صح �إال مبوافقتها أ�ي�ض ًا ،فقد قال النبي « :ال تنكح البكر حتى ت�ست أ�ذن». 94
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ال�سالم على الزوج من -4البند (ج) ي�سقط ما يفر�ضه إ عدل» حتى يكون �شرعي ًا �صحيح ًا. -3البند (ب) تبع ًا للبند ال�سابق يطلق حرية املر أ�ة يف اختيار من تر�ضاه من أ الزواج من غري �إ�شراك وليها يف تلك امل�س ؤ�ولية .وعلى ما يبدو ف�إن االتفاقية ومن و�ضعها مل يفهم دور الويل يف زواج املر أ�ة من أ�نه يقوم على مبد أ� حمايتها والدفاع عنها يف حال ح�صول جور أ�و ظلم عليها من زوجها� .إن هذه املادة توكل املر أ�ة �إىل نف�سها .وتقطعها من �سند وليها .وحترمها من وقوفه �إىل جانبها عندما حتتاجه .فالزواج يف ديننا حم�صلة توافق ر أ�ي املر أ�ة مع ال�سالمية تفرق بني البكر والثيب وليها .كما �إن الر ؤ�ية إ يف م�س ؤ�ولية اختيار الزوج وعقد الزواج. فالثيب التي �سبق أ�ن تزوجت ثم أ�رادت أ�ن تتزوج من جديد منحها ال�شرع حق تزويج نف�سها مرة أ�خرى من غري موافقة وليها ملا حت�صل عندها من خربة ودراية يف � ؤ ش�ونها .و أ�ما البكر ف�إنها ما زالت بحاجة �إىل من يرعى � أش�نها ويدبر أ�مرها ويعينها عليه خ�صو�ص ًا و أ�نها تخو�ض جتربة الزواج للمرة أ الوىل ،وهذه املادة تبيح للمر أ�ة امل�سلمة أ�ن تتزوج من غري م�سلم وهذا خمالف للن�ص القر آ�ين الوا�ضح. ال�سالم موافقة ويل زواجها عون ًا لها ولذلك ا�شرتط إ وم�شاركة لها يف حتمل نتائج هذا الزواج على أ�ن تزويجها ال ي�صح �إال مبوافقتها أ�ي�ض ًا ،فقد قال النبي « :ال تنكح البكر حتى ت�ست أ�ذن». ال�سالم على الزوج من -4البند (ج) ي�سقط ما يفر�ضه إ حقوق للمر أ�ة ،وهي ما تتمثل باملهر ،وجتهيز م�سكن يليق النفاق بها ،وت أ�ثيثه ،وتوفري خادمة لها أ�ن ا�ستطاع ،وكذلك إ عليها يف ما حتتاجه يف حياتها ،فاملادة مل حتل ذلك �إىل الزوج ،بل جعلته أ�مر ًا م�ستوي ًا بينهما ،وهو ما ي ؤ�دي �إىل جعل املر أ�ة كالرجل يف توفري احتياجاتها ونفقاتها ،ومبا يجربها على اخلروج �إىل �سوق العمل من أ�جل ك�سب املال للوفاء باحتياجاتها وذلك ومبا ال �شك فيه �سي ؤ�دي �إىل حتميل املر أ�ة أ�حما ًال زائدة فوق أ�حمالها ،ويجعل العمل ال�سالمي ،و�إذا واجب ًا عليها ال حق ًا لها كما هو يف الت�صور إ النفاق أ والمور املالية التفاقية أ�ن جتعل إ ا�ستطاعت هذه إ أ�مر ًا مت�ساوي ًا بني الرجل واملر أ�ة فكيف �ستجعل احلمل والر�ضاع أ�مر ًا م�ستوي ًا ،أ�لي�س يف هذا �إجحاف والوالدة إ
وظلم مغلف بدعوة احلق والن�صرة! -5البند د فهو ي�شجع على العالقات غري امل�شروعة عندما يتحدث عن حق املر أ�ة كوالدة بغ�ض النظر عن حالتها الزوجية -6البند و الذي يطالب ب�إعطاء نف�س احلقوق والواجبات يف الوالية والقوامة ،ومعروف أ�ن القوامة يف الفقه ال�سالمي هي للرجل ،بعيدا عن ال�صراع بني الزوجني ، إ ش�ون أ و�إمنا ل�ضبط � ؤ ال�سرة قال تعاىل « الرجال قوامون على الن�ساء « املادة : 28حيث جاء يف البند 2منها « ال يجوز �إبداء أ�ي حتفظ يكون منافيا ملو�ضوع االتفاقية وغر�ضها . وعليه ف أ�ي حتفظ يكون فيه متييز بني الرجل واملر أ�ة ال يعتد به ويكون الغيا ،وبالتايل فالتحفظ ال قيمة له. موقفنا من االتفاقية : ال�سالم بامل�ساواة بني الرجل واملر أ�ة يف التكاليف لقد جاء إ من اعتقاد وعمل و آ�داب ومعامالت ،قال تعاىلَ ( :م ْن َعم َِل َ�صالحِ ً ا ِم ْن َذ َك ٍر َأ� ْو ُأ� ْن َثى َوهُ َو ُم ْ ؤ� ِمنٌ َف َلن ُْح ِي َي َنّهُ َح َيا ًة َط ِّي َب ًة ۖ َو َل َن ْج ِز َي َّن ُه ْم َأ� ْج َرهُ ْم ِب َأ� ْح َ�س ِن َما َكا ُنوا َي ْع َم ُلونَ ) (النحل.)97: وكذلك يف احلقوق والواجبات ب�شكل عام . ال�سالم يف الوقت نف�سه أ�كد على الفروق البيولوجية ولكن إ ال�سرة تكتمل أ والنثى ،والتي من خالل أ بني الذكر أ الدوار فيما بينهما ،فالذكر لي�س أ كالنثى وكذلك العك�س ،وهذا يعني أ�ن مفهوم امل�ساواة املطلقة التي تنادي به هذه ال�سالم ،وباملقابل ينادي ب أ�ن لكل من االتفاقية يرف�ضه إ الرجل واملر أ�ة حقوقا وواجبات متكاملة. �إن املوافقة على هذه االتفاقية بكل بنودها دون حتفظ ، �سي ؤ�دي �إىل تفكيك أ ال�سرة واعتماد الفردية البعيدة عن ال�سالم يف بناء املجتمعات ،ألن الفردية التي تنطلق روح إ منها االتفاقية ،هي اللبنة أ ال�سا�سية يف بناء املجتمع الغربي ولي�ست أ ال�سرة ،وقد ولد هذا املفهوم يف املجتمع ال�سرة الغربية ،ألن أ الغربي آ�ثار ًا مدمرة على أ ال�سرة الغربية �صارت تدار بر أ��سني ال بر أ��س واحد ،وهو �سي ؤ�دي حتم ًا �إىل القبول ب أ��سرة تتكون من رجلني أ�و �إمر أ�تني . �إن أ ال�سرة احلقيقية التي ت ؤ�دي �إىل بناء املجتمع هي التي ت�شرتط مبد أ� الزوجية أ�ي ح�ضور املر أ�ة والرجل وبينهما
رابطة �شرعية -ل�ضمان النظام الالزم لتدفق احلياة والن�شاط. �إن امل�ساواة يف نظام أ ال�سرة تعبري ي ؤ�دي �إىل الفردية واال�ستقاللية ،و�شعار التكامل املتبادل بني الرجل واملر أ�ة، هو التعبري ال�صحيح عن مبد أ� الزوجية والتكامل بني الرجل واملر أ�ة يف نظام أ ال�سالمية. ال�سرة بال�شريعة إ �إن تطبيق هذه البنود التي حتفّظت عليها الدول والرغام الذي الجبار إ ال�سالمية �سيكون نوع ًا من أ�نواع إ إ ال�سالمية ،من أ�جل �إرغامها ميار�سه الغرب على الدول إ على اعتماد النموذج أ ال�سري الغربي كبديل عن النموذج أ ال�سالمي. ال�سري إ معنى م�صطلح اجلندر: الجنليزية» ،»Genderوتعرف أ��صل امل�صطلح هو الكلمة إ املو�سوعة الربيطانية الهوية اجلندرية «Identity الن�سان بنف�سه كذكر أ�و أ�نثى، »Genderب أ�نها� :شعور إ العم أ ويف أ الغلب ف�إن الهوية اجلندرية تطابق اخل�صائ�ص الن�سان الع�ضوية ،لكن هناك حاالت ال يرتبط فيها �شعور إ بخ�صائ�صه الع�ضوية ،وال يكون هناك توافق بني ال�صفات الع�ضوية وهويته اجلندرية ( أ�ي �شعوره ال�شخ�صي بالذكورة أ والنوثة) ...وتوا�صل التعريف بقولها� « :إن الهوية اجلندرية لي�ست ثابتة بالوالدة_ ذكر أ�و أ�نثى_ بل ت ؤ�ثر فيه العوامل النف�سية واالجتماعية بت�شكيل نواة الهوية اجلندرية ،وهي تتغري وتتو�سع بت أ�ثري العوامل االجتماعية كلما منا الطفل. هذا يعني أ�ن الفرد من الذكور �إذا ت أ�ثر يف ن� أش�ته ب أ�حد ال�شواذ جن�سي ًا ف�إنه قد مييل �إىل جن�س الذكور الناث ،لي�س على أ��سا�س ع�ضوي لتكوين أ��سرة بعيد ًا عن إ ف�سيولوجي ،و�إمنا على أ��سا�س التطور االجتماعي لدوره اجلن�سي واالجتماعي ،وكذلك أ المر بالن�سبة للفرد من الناث؟! إ وتوا�صل املو�سوعة الربيطانية تعريفها للجندر « :كما أ�نه من املمكن أ�ن تتكون هوية جندرية الحقة أ�و ثانوية لتتطور وتطغى على الهوية اجلندرية أ ال�سا�سية_ الذكورة أ�و أ النوثة_ حيث يتم اكت�ساب أ�مناط من ال�سلوك اجلن�سي يف وقت الحق من احلياة� ،إذ �إن أ�مناط ال�سلوك اجلن�سي وغري النمطية منها أ�ي�ض ًا تتطور الحق ًا السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
95
حتى بني اجلن�سني» !!. أ�ما منظمة « ال�صحة العاملية» فتعرفه ب أ�نه « :امل�صطلح الذي يفيد ا�ستعماله و�صف اخل�صائ�ص التي يحملها الرجل واملر أ�ة ك�صفات مركبة اجتماعية ،ال عالقة لها باالختالفات الع�ضوية» ،مبعنى أ�ن كونك ذكر ًا أ�و أ�نثى ع�ضوي ًا لي�س له عالقة باختيارك ألي ن�شاط جن�سي قد متار�سه ،فاملر أ�ة لي�ست امر أ�ة �إال ألن املجتمع أ�عطاها ذلك الدور ،وميكن ح�سب هذا التعريف أ�ن يكون الرجل امر أ�ة.. و أ�ن تكون املر أ�ة زوج ًا تتزوج امر أ�ة من نف�س جن�سها ،وبهذا تكون قد غريت �صفاتها االجتماعية وهذا أ المر ينطبق على الرجل أ�ي�ض ًا. أ�ين هذا التعريف مما يقدمه لنا دعاة اجلندرة؟! �إنهم يقدمون امل�صطلح مبعنى حترير املر أ�ة وترقية دورها يف التنمية ،ومبعنى ال�سعي ألجل �إدخال �إ�صالحات لزيادة م�ساهمة املر أ�ة يف العمل وزيادة دخلها ،ونحو ذلك ،وان الن�صاف عرفوا امل�صطلح تعريف ًا غام�ض ًا مبت�سر ًا، زادوا يف إ وذلك بقولهم( ...م�صطلح اجلندر يعني الفروق بني اجلن�سني على أ��س�س ثقافية واجتماعية ،ولي�س على أ��سا�س بيولوجي ف�سيولوجي )..وترجمة امل�صطلح للعربية تختلف من مكان آلخر ،فبع�ضهم برتجمة بـ» النوع االجتماعي» والبع�ض آ الخر يجعله مرادف ًا لكلمة sex والغلب أ أ�ي :جن�س ،أ العم يكتفي من ترجمة الكلمة الحرف أ بتحويل أ الجنليزية �إىل مقابالتها البجدية إ يف العربية! هذا الغمو�ض لرتجمة م�صطلح اجلندر للغة العربية كان وا�ضح ًا يف كل وثائق م ؤ�مترات أ المم املتحدة واملنظمات الجنليزية مل ؤ�متر بكني الدويل التابعة لها ،بل �إن الن�سخة إ ذكرت امل�صطلح 254مرة دون أ�ن تعرفه!! وحتت �ضغط الدول املحافظة مت ت�شكيل فريق عمل لتعريفه وخرجت جلنة التعريف بعدم تعريف امل�صطلح! والدعوة بعد مطروحة لدعاة اجلندرة لدعاة أ�ن يعرفوها لنا �إن كان لهم تعريف يخالف ما ذكرته املو�سوعات اللغوية واملنظمات ال�صحية. ال�سالمي ،أ�دركوا أ�م مل يدركوا، �إن دعاة اجلندرة يف عاملنا إ يروجون ألفكار خطرية أ�همها: أ�و ًال :رف�ض ان اختالف الذكر أ والنثى هو من �صنع اهلل 96
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الذ َك َر َو ْ ُأ الز ْو َجينْ ِ َّ ( َو َأ� َنّهُ َخ َل َق َّ ال ْن َثى* ِم ْن نُطْ َف ٍة ِ�إ َذا تمُ ْ َنى) (�سورة النجم.)45: الن�سان يف تغيري هويته اجلن�سيه ثاني ًا :فر�ض فكرة حق إ و أ�دواره املرتتبة عليها. ثالث ًا :العمل على �إ�ضعاف أ ال�سرة ال�شرعية التي هي لبنة بناء املجتمع ال�سليم املرتابط وحم�صن الرتبية ال�صاحلة ومركز القوة الروحية ومفخرة ال�شعوب امل�سلمة يف ع�صر االنحطاط املادي. التفاقية يف اجلريدة الر�سمية ال و أ�خري ًا ف�إ َّن -ن�شر إ اللزام ،وم�صادقة ال�سلطة التنفيذية على يعطيها �صفة إ املعاهدات الدولية ال يعني �إلزام ال�سلطة الق�ضائية بها، بد من �إ�صدار قانون للم�صادقة على هذه االتفاقية، وال َّ وهذا ما مل يح�صل بالن�سبة التفاقية �سيداو. �إنّ هذه االتفاقية مل ي�صادق عليها جمل�س أالمة ،وهذه خمالفة �صريحة للبند ( )2من املادة ( )33من د�ستور اململكة أ الردنية الها�شمية. املادة ( )33د�ستور اململكة أ الردنية الها�شمية -1امللك هو الذي يعلن احلرب ويعقد ال�صلح ويربم املعاهدات واالتفاقات. -2املعاهدات واالتفاقات التي يرتتب عليها حتميل خزانة الدولة �شيئا من النفقات أ�و م�سا�س ًا يف حقوق أ الردنيني العامة أ�و اخلا�صة ال تكون نافذة �إال �إذا وافق عليها جمل�س أ المة ،وال يجوز يف أ�ي حال أ�ن تكون ال�شروط ال�سرية يف معاهدة أ�و اتفاق ما مناق�ضة لل�شروط العلنية . م�سا�س بحقوق أ الردنيني ال يجوز التفاقية ّ وهذه إ امل�صادقة عليها �إال بعد �إقرارها بال�سلطة الت�شريعية .
ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ » ﺩﻭﺭ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ« /٢١-٢٠ﺷﺒﺎﻁ٢٠٠٩/ﻡ
مؤتمر العدد المؤتمر الدولي الثاني « دور اإلعالم في الثقافة الوسطية» /21-20شباط2009/م
نظم «منتدى الو�سطية يف لبنان» امل ؤ�متر الدويل الثاين العالم يف تعزيز للو�سطية يف لبنان بعنوان« :دور و�سائل إ ثقافة الو�سطية» يف طرابل�س ،برعاية رئي�س الوزراء ال�سبق أ اللبناين أ ال�ستاذ جنيب ميقاتي ،وبح�ضور ر�سمي العالمية والنقابية أ والهلية وح�شد من ال�شخ�صيات إ واالقت�صادية واالجتماعية والرتبوية والدينية وفاعليات �شمالية. دعا الرئي�س جنيب ميقاتي �إىل «تعزيز �إعالم املواطنة، ألننا نرى يف �إعالم الطوائف واملذاهب خطر ًا على هذه الطوائف وتلك املذاهب ،ال ت�ست�سيغ الغالبية الكربى من أ�هله التطرف ،بل تدعو اىل احرتام االقتناعات واخليارات ومناق�شتها باحلجج واملنطق واملو�ضوعية» .ور أ�ى يف «»تعزيز العالمية وحمايتها، ثقافة الو�سطية تعزيز ًا للحرية إ و�صون ًا للدميوقراطية والتعددية ،وحفظ ًا للتوازن يف املمار�سة والتعبري». الله ميقاتي كلمة با�سم املنتدى و أ�لقى الدكتور عبد إ العالم الو�سطي جامعة ،ألنها لغة قال فيها �إن «لغة إ احلوار الهادئ واملناق�شة املتزنة ،وهي لغة وا�سعة تتحمل االختالف ،ألن االختالف يف الر أ�ي ال يف�سد للود ق�ضية. العيان أ وقالت ع�ضو جمل�س أ الردين ليلى �شرف �إننا نحتاج اليوم �إىل حركة تنموية نه�ضوية �شاملة ملجتمعاتنا العربية ،حركة �إ�صالحية جذرية متعددة اجلوانب، قوامها الو�سطية يف الفكر والعمل والتعامل مع مرجعياتنا احل�ضارية». العالم امل�صري ال�سابق الدكتور ومن جهته اعترب وزير إ أ�حمد أ�بو املجد أ�ن «الو�سطية نهج فكري وعلمي تعالج ال�سالمي والعربي ،وهي ظاهرة مع�ضلة ال يتفرد بها عاملنا إ أ الحادية والظهور يف املواجهات والغلو التي أ�خذت ت�شكل خطر ًا على جمتمعاتنا». اجلل�سة أ الوىل 98
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الول من امل ؤ�متر �شهد جل�ستني ،أ وكان اليوم أ الوىل بعنوان: العالم يف فكر الو�سطية» ،وتر أ��ستها وزيرة االعالم «موقع إ أ الردنية ال�سابقة ليلى عبد احلميد �شرف ،وتكلم فيها رئي�س النوار» البنانية أ حترير جريدة « أ ال�ستاذ رفيق خوري «العالميني العالم» .ور أ�ى ان إ على «املو�ضوعية و�شخ�صنة إ جزء من حيوية املجتمع .و�إذا فقد أ الخري حيويته ،فهذا العالم �سيعاين �ضيق أ�فق». يعني أ�ن إ وتطرق أ ال�ستاذ يف اجلامعة اللبنانية الدكتور �سا�سني «العالم وثقافة التغيري» ،فحذر من أ�ن «احلرية ع�ساف �إىل إ العالمية يف أ النظمة الدميوقراطية قد ت�ستغل أ�حيان ًا إ لتكون غالف ًا ملا يناق�ض جوهرها ووظيفتها التغيريية عرب العالن فيها». حتكم ر أ��س املال او إ وتناول أ ال�ستاذ رمزي النجار( لبنان ) « مو�ضوع «من هو جمهور الو�سطية؟ وما هي حاجاته الفكرية؟» ،معترب ًا أ�ن «الو�سطية املتحررة من قيود امل�صطلح الظامل تعاين �إلقاء التهم عليها جزاف ًا. و أ�نهى نا�شر جريدة «التمدن» أ ال�ستاذ فايز ال�سنكري العالم ك�سلطة رابعة يف تعزيز اجلل�سة باحلديث عن «دور إ ثقافة الو�سطية» .وقال« :على رغم التداعي الكبري الذي أ��صاب هيكل الدولة يف مراحل حرجة عدة ،مل ي�سقط العالم الو�سطي يف فخ �إثارة الغرائز ،وبقي ع�صي ًا على إ التطويع ،و أ�ن «الو�سطية ال تعني عدم االنحياز �إىل احلق، أ�خالقي ًا و�إن�ساني ًا. اجلل�سة الثانية وكانت اجلل�سة الثانية بعنوان «املفاهيم والدالالت املعززة لثقافة الو�سطية» ،وتر أ��سها رئي�س حترير جريدة «اللواء» اللبنانية أ ال�ستاذ �صالح �سالم الذي ر أ�ى أ�ن « فكر الو�سطية قادر على التعاي�ش والتفاعل مع ما يحيطه من تنوع ثقايف وديني وح�ضاري بي�سر وايجابية ال تتوافر عند أ�هل التطرف يف طروحاتهم ،وال عند أ�هل التع�صب يف ممار�ساتهم». وتناول رئي�س حترير جملة « التبيان» الدكتورعبد احلليم عوي�س ( م�صر) أ العالمية املعززة «ال�س�س واملفاهيم إ لثقافة الو�سطية» ،فقال �إن «املنهزم واليائ�س ال ميكن أ�ن ال�سالمي ي�صنع ح�ضارة أ�و و�سطية» .و أ�ن «خ�صي�صة املنهج إ ال�سالمي هي خ�صي�صة الو�سطية التي ت�شكل والعالم إ إ
الن�سان». الطريق الوا�ضح الفطري املنقذ حل�ضارة إ وناق�ش رئي�س حترير جملة «الكلمة» املفكر زكي امليالد ال�سالمي ( ال�سعودية ) «جتدد مفهوم الو�سطية يف اخلطاب إ بالطار املعا�صر» ،م�شري ًا �إىل ارتباطه «بثالث م�سائل مت�صلة إ ال�سالمي املعا�صر ،أ الوىل تتعلق بتطور اخلطاب املعا�صر إ ال�سالمي حول مفهوم الو�سطية ،...والثانية داخل التيار إ تتعلق بالتطور احلا�صل يف مفهوم النظر �إىل الو�سطية من خالل التخاطب مع الذات .اما امل�س أ�لة الثالثة ،فتتعلق بفح�ص مفهوم الو�سطية لتحديده وك�شف أ�بعاده وتبيان معامله و�إزالة ما ي�شوبه من �ضبابية وغمو�ض. أ (الردن) «العوامل وعالج الدكتور حممد اخلطيب العالمية املعيقة يف تعزيز ثقافة الو�سطية» ،جمم ًال �إياها إ «مبعوقات رئي�سية ال ميكن العمل على ن�شر الو�سطية من دون اجتيازها ،ومنها أ�زمة الهوية واختالل القيم واملعايري العالم التي عملت على طم�س الهوية يف العديد من و�سائل إ وهدم القيم يف الكثري مما تبث. وتناول الدكتور هايل داود أ العالمية (الردن) «العوامل إ «العالم امل�ساعدة يف تعزيز ثقافة الو�سطية» ،فاعترب أ�ن إ ميار�س دور ًا حيويا يف �صياغة العقول والر أ�ي العام والتحوالت ال�سيا�سية واالجتماعية ،وخ�صو�ص ًا بعد انت�شار العالم ي�ستخدم يف الدعوة والنرتنت ،علما ان إ الف�ضائيات إ ال�سالمية ،مما يجعل أ ال�سالمية أ�مة �إعالمية يف المة إ إ أ��صلها». واختتم الدكتور عبد احلميد أ الن�صاري (قطر) اجلل�سة العالمي للو�سطية :كيف يجب أ�ن بتناول «اخلطاب إ يكون؟» ،فقال« :نواجه حتدي ًا خارجي ًا متمث ًال يف العدو ال�صهيوين ،وحتدي ًا داخلي ًا متمث ًال يف التخلف» .ودعا �إىل «التمييز بني الو�سطية كفكر ومبد أ� وقيمة من جهة ،وبني ممار�سات و�سلوك وخطاب يروج له يف ال�ساحة على أ�نه خطاب و�سطي». اليوم الثاين وت�ضمن اليوم الثاين من امل ؤ�متر جل�ستني ،حملت أ الوىل عنوان « تطوير خطاب الو�سطية يف مواجهة التحديات امل�ستقبلية « ،ورئ�سها املهند�س مروان فاعوري أ المني العام للمنتدى العاملي للو�سطية ورئي�س منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يف أ الردن ،و أ�لقيت فيها خم�س أ�وراق ،تقدمتهم
ورقة املفكر حممد طالبي ( املغرب) حتت عنوان« :قيم ال�سرتاتيجية أ والهداف» ،أ� ّكد من خاللها الو�سطية :إ أ�نّ الو�سطية �ستبقى �س ؤ�ا ًال و�ست�ستمر ،لكننا نريدها أ�ن تكون أ��سلوب حياة ،الفت ًا �إىل أ�نّ منهج الو�سطية كطريقة من طرائق التفكري تعمل على حتديد مفاهيم الرتكيب، والزوجية ،واملقدار. ثم أ�لقى املهند�س أ�بو العال ما�ضي (م�صر) ورقته عن «تطوير اخلطاب ال�سيا�سي لفكر الو�سطية» ،م ؤ�كد ًا أ�نّ مفهوم ٌ را�سخ ، الو�سطية لي�ست أ�مر ًا طارئ ًا يف حد ذاته ،بل ٌ تنعك�س يف أ��شكال عديدة ال ميكن احتكارها أ�و ح�صرها من قبل أ��شخا�ص أ�و جمموعة أ�و حتى حزب. ثم تناول الدكتور جا�سم �سلطان (قطر) يف ورقته «تطوير البعد النه�ضوي خلطاب الو�سطية» متحدث ًا عن حتديات النه�ضة املعا�صر ،داعي ًا �إىل ا�ستعادة الثقة بالقدرة الذاتية البداع ،والق�ضاء على أ الفكار االنق�سامية من وحترير إ جذورها ،م ؤ�كد ًا أ�نّ م�شروع النه�ضة والو�سطية لن يظل يف ف�ضائه النظري وهو انتقل فعلي ًا �إىل املجال العملي. ّ وحتدث الدكتور عمرو ال�شوبكي (م�صر) يف ورقته عن «التحول ال�سيا�سي يف فكر الو�سطية :كيف ُي�صنع �إعالمي ًا؟» م ؤ�كد ًا أ�ن تكون الو�سطية مرجعية ن�ستمد من خاللها القوة وامل�صداقية ،وتكون التجربة حمكومة على أ�دائنا ولي�س على فكر الو�سطية ،من ّوها باخلربة الرتكية ذات التوجه الو�سطي. واختتمت اجلل�سة بورقة للدكتور �سعد الدين عثماين (املغرب) ،تناول فيها «م�ستقبل فكر الو�سطية يف منظومة أ معرف ًا الو�سطية على أ�نها لي�ست مذهب ًا أ�و الفكار العاملية»ّ ، طائفة ،فهي منهج وتوجه را�سخ وثابت لدى أ المة ،م�شري ًا �إىل أ�نّ من �سمات الو�سطية االعرتاف آ بالخر واالعتدال واال�ستفادة من الغري والتفاعل امل�ستمر واحلوار املفتوح مع احل�ضارات والثقافات والديانات املختلفة. أ� ّما اجلل�سة الرابعة أ والخرية من امل ؤ�متر فقد حملت العالم و�سيط ًا؟» ورئ�سها أ ال�ستاذ عنوان «كيف يكون إ طالل �سلمان نا�شر ورئي�س حترير جريدة ال�سفري اللبنانية تقدمتهم ورقة أ الب طوين ،و أ�لقيت فيها خم�س أ�وراقّ ، خ�ضرة (لبنان) ،حتت عنوان «العامل ال�سيا�سي يف اخلطاب الديني :امل�شكالت واحللول» ،معترب ًا أ�نّ الو�سطية مبفهومها السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
99
هي التو�سط إليجاد م�ساحة من احلوار ولي�س للتقريب بني احلق والباطل ،فالو�سطية لي�ست التقاء بني طرفني متطرفني. العالمية مارلني خليفة (لبنان) عن «املعاجلة وحتدثت إ العالمية للتطرف والعنف ال�سيا�سي» ،م�شرية �إىل أ�نّ إ العالم خيار ونهج و�سلوك يبتعد عن التحري�ض الو�سطية يف إ ويحلل أ المور بهدوء وروية ور�صانة. ثم دعت الدكتورة مرمي آ�ية أ�حمد (املغرب) يف ورقتها �إىل �ضرورة أ الخذ ب�سبل بناء الثقافة الو�سطية ،و�إعادة بناء موقع الو�سطية بن ًاء حقيقي ًا عملي ًا وتفاعلي ًا بحيث حتدث منعطف ًا حقيقي ًا يف واقع امل�سلمني ،و أ�ن نر ّكز على ما نريد أ�ن نكون عليه ون�صري �إليه». تو�صيات امل ؤ�متر الدويل الثاين للو�سطية يف لبنان وبعد أ�ن تداول امل ؤ�مترون حماور امل ؤ�متر ،اتفقوا على �إ�صدار التو�صيات التالية: -1توجيه ال�شكر �إىل منتدى الو�سطية يف لبنان و�إىل راعي امل ؤ�متر دولة الرئي�س أ ال�ستاذ جنيب ميقاتي على اجلهود التي بذلت من أ�جل انعقاد امل ؤ�متر و�إجناح أ�عماله، واعتبار كلمة راعي امل ؤ�متر جزءا ال يتجز أ� من التو�صيات، ال �سيما منها ما يتعلق ب�ضرورة �إيالء هموم النا�س احلياتية والن�سانية والرتبوية والثقافية والبيئية واالجتماعية إ وال�صحية ،أ العالم الهمية التي ت�ستحقها يف و�سائل إ كافة؛ ألن ثقافة الو�سطية تفر�ض مقاربة حاجات النا�س ب�شكل دائم. -2ت أ�كيد أ�نّ مفهوم «الو�سطية» هو امل�سار الطبيعي الذي ال بديل منه حلماية كيان الوطن. العالم عموم ًا اعتبار امل�سائل -3الطلب �إىل و�سائل إ املرتبطة بـ «الو�سطية» أ�ولوية ثقافية ينبغي تعميمها من خالل تنظيم ندوات تلفزيونية و�صحافية من جانب والعالم وطرح مناق�شة فكرة جمموعة من رجاالت الفكر إ الو�سطية. -4تكليف منتدى الو�سطية يف لبنان على التعاونَ مع املنتديات أ الخرى للو�سطية يف العامل العربي �إعداد دليل العالمية املعربة عن» ثقافة الو�سطية» يف للم�صطلحات إ مواجهة امل�صطلحات املبتورة التي ال تعك�س حقيقة الواقع الو�سطي وماهيته . 100
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
العالم كافة ،مبا متثله من دور يف – 5دعوة و�سائل إ املجتمع� ،إىل تغليب امل�صلحة الوطنية العليا على امل�صالح الفئوية ال�ضيقة واحل�سابات ال�سيا�سية آ النية واملذهبية، وتعزيز �إعالم املواطنة عرب ت�سليط ال�ضوء على أ�همية املواطنة يف املجتمع من دون �إغفال القيمة امل�ضافة التي متيز لبنان ك أ�ر�ض لتفاعل احل�ضارات والثقافات. العالم العالمية �إىل �إر�ساء مفهوم إ – 6دعوة الو�سائل إ الذي يهتم بق�ضايا املجتمع واملمار�سات الدميوقراطية ومفهوم احلرية بكل أ�بعادها والدفاع عن امل�صلحة العامة حلماية الر أ�ي العام ورف�ض حتول و�سائل االعالم �إىل جمرد و�سيلة تركز فقط على الرتفيه والت�سويق االعالمي ،أ�و تنزلق �إىل التجيي�ش الطائفي واملذهبي الذي يرتك مفاعيل �سلبية على نهج االعتدال الذي ي�شكل �سمة اخليارات الو�سطية. -7دعوة أ العالمية �إىل ميثاق الو�ساط املعنية وامل ؤ��س�سات إ �شرف �إعالمي مهني منبثق من منهج الو�سطية العقالين وغري متطرف يهدف �إىل نقل الواقع بكل حرية و أ�مانة ً حماولة ر�صينة من أ�جل �إر�ساء ميثاق �شرعة وجترد ،ليكون العالمية. �إعالمية و�سطية ،كرافد ايجابي للثقافة إ -8دعوة امل ؤ��س�سات الو�سطية �إىل �إن�شاء مراكز بحثية العالمية ت ؤ�من االت�صال مع و�سائل متخ�ص�صة للدرا�سات إ العالم كافة و ترفدها بامل�ستلزمات ال�ضرورية لن�شر إ ثقافة الو�سطية ،ويكون من �ضمن مهمات هذا املركز �إنتاج برامج ووثائقيات داعمة لتوجه « فكر الو�سطية» وتذليل العقبات التي تعيق ذلك. � -9إطالق جائزة �صحافية خا�صة متنح �سنويا ألف�ضل أ العمال املكتوبة وامل�سموعة واملرئية يف لبنان والعامل العربي التي تربز قيم الو�سطية وتعمل على تر�سيخ فكرها و ثقافتها. -10ت أ�كيد تو�صيات امل ؤ�متر أ الول يف جعل هذا املتلقى حدثا �سنويا يقام يف مدينة االعتدال يف لبنان ،طرابل�س الفيحاء ،ويلتقي فيه املفكرون والباحثون ملناق�شة «فكر الو�سطية» ،وتعميمه وت أ��صيله يف نفو�س النا�س على أ ال�صعدة وامل�ستويات كافة.
ﺑﻴــﺎﻧـﺎﺕ ﺍﻟﻤـﻨﺘـﺪﻯ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻓﻲ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻘﻤﺔ ﺍﻟﺪﻭﺣﺔ ﻡ .ﻣﺮﻭﺍﻥ ﺍﻟﻔﺎﻋﻮﺭﻱ /ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ /ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ
ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺘﺤﻔﻈﺎﺕ ﺍﻷﺭﺩﻧﻴﺔ ﻋﻦ ﻣﺎﺩﺓ ) (١٦ﻣﻦ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺳﻴﺪﺍﻭ.
بيانات المنتدى رسالة إلى حكام العرب في مؤتمر القمة /الدوحة م .مروان الفاعوري /األمين العام اإلمام الصادق المهدي /رئيس المنتدى
م�شروع ًا نه�ضوي ًا ألمتنا ننطلق منه للم�ساهمة يف حل أ�زمة عاملنا فنحن ال نعي�ش يف جزيرة معزولة بل ن ؤ�ثر يف عاملنا ونت أ�ثر به. ونحن نعي جيدا أ�ن العامل العربي عا�ش م�شروعات نه�ضوية متعددة ،ولكن تلك امل�شروعات أ�خفقت يف �إ�شباع
أ��صحاب الفخامة واجلاللة وال�سيادة وال�سمو ،ملوك مراءها الدول العربية، �ساءها و أ� َ ور ؤ� َ
تطلعات ال�شعوب ،بل أ�خفقت يف أ�هم مطالب التعبري عن الهوية ،و�إدارة ال� أش�ن العام بالدرجة املطلوبة من
ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته وبعد،
امل�شاركة ،وحتقيق التنمية مبا يوفر حاجات املعي�شة
لقد تابعنا باهتمام بالغ اجلهود التي بذلت خالل ال�شهور املن�صرمة من العام احلايل لتنقية أ الجواء بني العوا�صم
ويكفل العدالة االجتماعية يف توزيع ثمار التنمية، المن القومي وحماية أ كما أ�خفقت يف حتقيق أ الر�ض
العربية يف خطوة نتطلع أ�ن تتوج مب�صاحلة حقيقة بني المة نتجاوز فيها التحديات التي تواجه أ أ�قطار أ المة
والعر�ض ،وجتلى ذلك يف العدوان على غزة واحتالل
مع تنامي املخاطر املحيطة بنا منذ انهيار منظومة
العراق والتدخل يف � ؤ ش�ون ال�سودان الداخلية . �إنَّ �إخفاق أ ال�سالمي ال�صولية العلمانية ،واالنكفاء إ امل�ستند �إىل حالة مذهبية دالئل قاطعة على أ�ن احلاجة املو�ضوعية هي الت أ��صيل بال انكفاء ،والتحديث
التوازن الدويل . أ ولنَّ أ�متنا تواجه اليوم أ�زمة متعددة اجلوانب يف عامل م أ�زوم حتى النخاع ،وانطالق ًا من واجبنا يف امل�صارحة واملكا�شفة وامل�شاركة مع زعماء أ المة يف حل
بال ا�ستالب ،يف م�شروع نه�ضوي ي ؤ�دي لبناء نه�ضة أ المة على أ��سا�س يوفق توفيق ًا مثمر ًا بني الت أ��صيل والتحديث،
أ�زماتناوق�ضايانا ومواجهة أ�زمات العامل ،ف�إننا ندعوكم �إىل بلورة ر ؤ�ية حقيقية تخرج أ المة من حالة الوهن
هذا هو املطلب امللح الذي ي ؤ�دي القعود عنه �إىل خلق فراغ �سوف تهب مللئه تيارات الغلو الديني املتحفزة ،أ�و
التي تعي�شها و�صياغة م�سار جديد للعالقات بني أ�قطار النظام العربي يجعل يف مقدمة أ الولويات �إجناز ت�ضامن
م�شروعات الهيمنة أ الجنبية املرتب�صة ،فكالهما م�ستعد الختطاف م�صري أ المة نحو ا�ستالب وافد من املا�ضي ،أ�و
حقيقي يرتجم طموحات اجلماهري العربية يف وقف
ا�ستالب وافد من اخلارج.
حالة الرتاجع التي و�صلت بنا �إىل مرحلة نكون فيها
ال�سالمي هذا هو احل�صن احل�صني امل�شروع النه�ضوي إ
لقمة �سائغة يف املعادالت الدولية . و�إدراكا من املنتدى العاملي للو�سطيةبج�سامة التحديات،
للوقاية من م�شروعات الهيمنة الدولية املختلفة ،وهو وحده الرتياق الواقي من أ�جندة الغالة .والفهم القا�صر
نقدم بني يدي م ؤ�متر القمة العربي املنعقد يف الدوحة
لل�سالم الذي ينطلق من الن�صو�ص وحدها ويعتمد إ
102
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
على املنطق ال�صوري من قيا�س و�إجماع هو الذي حب�س
اال�ضطهاد للمر أ�ة وي�ستوعب ال�شباب يف ال� أش�ن العام مبا يحقق توا�صل أ الجيال.
وو�ضعت الدين يف مواجهة مع حركة الفكر واملجتمع ال�سالم يقيم وزن ًا لرباهني وتنوع الزمان واملكان ،مع أ�ن إ
• �إ�صالح يف نهج العالقات اخلارجية مبا يحقق الت�ضامن
احلا�ضر وامل�ستقبل يف املا�ضي ..ذهنية �ضيقت وا�سع ًا
العقل ،ومقت�ضيات امل�صلحة ،ومقايي�س املقا�صد ،وتدابري اللهام ،و�ضرورات ال�سيا�سة احلكمة ،و�إ�شراقات إ ال�شرعية. لل�صالح، دولنا العربية لقد أ��ضحت يف حاجة ما�سة إ ألن تيارات كثرية غري حكومية �صارت تتحداها بو�سائل عنيفة وو�سائل مدنية ،أ ولن امل�شاكل �صارت أ�كرب من قدراتها أ بال�صالح �صارت ولن أ��صوات املطالبة إ عاليةوتتقاطع مع مناخات دولية لها أ�جندتها مبا
وال�سالمي يف جماالت االنتماء امل�شرتك العربي إ والفريقي آ وال�سيوي واملتو�سطي ،والتعامل الندي مع إ
القوى الدولية أ الخرى بال تبعية وال عداء� ،إال رد ًا للعدوان وكف ًا للهيمنة. • �صياغة قراءة واقعية مل�سار ال�سالم مع الكيان
ال�صهيوين وا�ستنباط الدرو�س والعرب . • جت�سري الفجوة بني احلاكمني واملحكومني و�إجناز م�صاحلة تاريخية بني أ النظمة وال�شعوب . • اتخاذ موقف عربي موحد يف مواجهة أ الزمة
يدفع بحتمية االنطالق نحو خيار اال�صالح بعيدا عن
العاملية الراهنة ،واعتماد طريق اقت�صاد عربي م�ستقل
اال�ستحقاقات الدولية ال�صالح املطلوب �صارت وا�ضحة لكل من أ�لقى أ�جندة إ
ومت�ضامن ومتكامل وتعاون اقت�صادي �إ�سالمي للخروج من هيمنة العوملة الكارثية.
ال�سمع وهو �شهيد ،تقوم على:
هذا امل�شروع النه�ضوي ال يرجى جناحه �إال �إذا تبنته
• �إ�صالح فكري ثقايف يوفق بني الت أ��صيل والتحديث. • �إ�صالح �سيا�سي يحقق مقت�ضيات احلكم الرا�شد من م�شاركة وم�ساءلة و�شفافية و�سيادة حكم القانون. • �إ�صالح اقت�صادي يحقق التنمية ويوزع عائدها بالعدل االجتماعي. • �إ�صالح ع�سكري عقيدة ور ؤ�ية و أ�هداف ًا دون فر�ض الو�صاية على املجتمع. • �إ�صالح أ�مني يوفر أ�من املواطن والوطن ويحد من تغول ال�سلطات الن�سان ويزيل عوامل • �إ�صالح اجتماعي يوفر حقوق إ
قوى اجتماعية فاعلة وقادرة على التحرك والت�ضحية من أ�جله ،حترك ًا يرجى جناحه �إذا واكب قدراته الذاتية مناخ دويل م�ستنري. وختاما نتطلع أ�ن تخرج قمة الدوحة بقرارات تواكب أ الحداث وتعمق الفهم الر�سمي وال�شعبي على قاعدة امل�صالح وحقوق االمة ودورها املن�شود ،وفق مقاربة �صحيحة بعيدة عن االنخراط يف أ الحالف واملحاور التي متزق طموحات أ المة وجتعل من احل�سابات القطرية ّ بغ�ض النظر عن الثمن الذي تدفعه أ�ولوية مطلقة، �شعوب أ المة حا�ضرا وم�ستقبال .
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
103
بيانات المنتدى
رفع التحفظات األردنية عن مادة ( )16من اتفاقية سيداو. الردن يف آ الونة أ ا�شتدت ال�ضغوط على أ الخرية من أ�جل رفع التحفظات على �إتفاقية �سيداو ،وهي التحفظات التي أ�خذها أ ال�سالمية ،والقوانني ال�سارية، التفاقية يف بع�ض بنودها التي تتعار�ض مع أ�حكام ال�شريعة إ الردن على هذه إ والعراف التي ي ؤ�من بها ال�شعب أ والقيم والتقاليد أ الردين. �إننا ن�ساء أ الردن ن ؤ�من بحقوق املر أ�ة ،والعمل على أ�ن ت أ�خذ املر أ�ة مكانها ال�صحيح يف املجتمع ،و أ�خذها لدورها احلقيقي والقت�صادية ،و أ�ن والجتماعية إ وال�صالح ،و أ�ن متار�س حقها يف العمل يف كافة املجاالت ال�سيا�سية إ يف العمل والبناء إ فال�سالم ال ي ؤ�من مببد أ� ال�صراع بني الرجال والن�ساء، ت أ�خذ حقوقها ال�صحية والتعليمية� ،سواء ب�سواء مع الرجل ،إ و�إمنا التعاون والتكامل دون أ�ف�ضلية ألحد على أ�حد ،يقول تعاىل� ( :إن أ�كرمكم عند اهلل أ�تقاكم). �إن هذا البلد العربي الها�شمي �سيكون ب�إذن اهلل مع دين اهلل وثوابت هذه الدين وقيم أ المة ،لن يحيد عنها ،و�إننا الردنية وجمل�س أ ندعو احلكومة أ التفاقية فنحن أ�مة لها المة �إىل عدم املوافقة على رفع التحفظات على هذه إ خ�صو�صية ،وال نقبل أ�ن جنري وراء أ�قوام يجرون وراء الغرب وقيمه ولو خالفت قيمنا وديننا.
104
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ﺍﻟﻠــﻘـﺎﺀﺍﺕ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻬــﺮﻓــﻲ /ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺟﺎﺳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ /ﻗﻄﺮ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﻤﺮﻭ ﺧﺎﻟﺪ /ﻣﺼﺮ
اللـقـــاءات
الدكتور محمد علي الهــرفــي السعودية ما تعريف الو�سطية؟ وهل يتغري هذا التعريف بتغري الزمان؟ الو�سطية يف الغالب ت أ�خذ عدة معانٍ ،لكن يف املفهوم ال�سالمي وكما وردت يف القر آ�ن الكرمي هي أ الف�ضلية ،قال إ تعاىل« :وكذلك جعلناكم أ�مة و�سطا» أ�ي من أ�ف�ضل أ المم، فهي اختيار ال�شيء أ الف�ضل با�ستمرار. هل يتغري هذا املعنى من وقت آلخر؟ نعم قد يتغري ،ما هو ال�شيء أ الف�ضل يف هذا الوقت؟ لكن الذي ال يتغري هو أ�ن الو�سطية هي أ الف�ضل با�ستمرار. هل ن�ستطيع �إن نقول أ�ن الو�سطية لي�ست معن ًا �إ�سالمي ًا بحت ًا
و أ�نها ت أ�خذ منحى �إن�ساني ًا؟
بدون �شك ،فالو�سطية مطلوبة يف كل املجاالت االقت�صادية واالجتماعية ...واملطلوب أ�ن نختار أ الف�ضل يف كل هذه ال�سالم ال تقت�صر على العبادات فهي الق�ضايا ،فدائرة إ ت�شمل كل جماالت احلياة.
أ�ين نحن من م�شروع النه�ضة؟ ،وكيف يكون الطريق �إىل هذا امل�شروع؟
أ لل�سف نحن مت أ�خرون جد ًا يف م�شروعات النه�ضة ،وال أ�ريد أ�ن أ�حتدث عن املا�ضي فنحن نتكلم على الوقت الذي نعي�شه آ ون�ساء الن ،لكن ما يفرحنا أ�حيان ًا ظهور جمموعات رجا ًال ً مقتنعة ب�ضرورة التغيري ،و أ�نا أ�عتقد أ�ننا �إذا �شعرنا أ�ن هنالك م�شكلة ف�سنبد أ� بالتحرك� ،إذ �إننا م�ضت علينا �سنوات طويلة
فالح�سا�س بامل�شكلة يدفعنا �إىل الح�سا�س ،إ دون وجود هذا إ التغيري ،والتغيري هو بداية الطريق. وامل�س أ�لة طويلة بالن�سبة لنا يف املجتمعات العربية ب�سبب أ�ن معظم القيادات العربية غري حكيمة وغري ر�شيدة ،و�إال ما كانت مقاومة للتغيري ،فنحن لدينا الكثري يف اجلانب املايل 106
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
ويف اجلانب العقلي ويف اجلانب الب�شري ،ف أ��س�س احل�ضارة موجودة لدينا ،فالذي ينق�صنا هو القرار ال�سيا�سي.
هل ترى أ�ن التغيري يبد أ� من املجتمع نف�سه؟ أ�و أ�ننا بحاجة �إىل تغيري القيادة؟
أ�نا عندي قناعة أ�نه من أ الف�ضل أ�ن يبد أ� التغيري من القواعد ل�سبب ب�سيط أ�ن القيادة ي�صعب أ�ن تتغري ب�سبب امل�صالح ،ف�إذا بد أ� التغيري من القواعد وبد أ� ينمو ويزيد ،ف�إنه بدون �شك �سي�شكل �ضغوط ًا قوية جد ًا على القيادات «كيفما تكونوا ُي َو َّل عليكم» ف أ�هداف احلاكم أ�ن يبقى حاكم ًا ،ف�إذا �شعر أ�ن القاعدة العري�ضة من النا�س تريد التغيري لوجد أ�ن هذا من م�صلحته ،فهدفنا أ�ن نبث الفكر اخليرّ النيرّ يف نفو�س النا�س.
ال�سالمية؟ أ�و أ�نها هل تعترب العوملة معيقة للنه�ضة إ تخدم هذه النه�ضة؟
تعترب العوملة معيقة من الناحية ال�سيا�سية ،كذلك أ المر بالن�سبة للف�ساد أ الخالقي وانت�شاره ،أ�ما اجلانب املفيد فهو انت�شار الثقافة بني ال�شعوب ،ف أ�نا �إذا ا�ستوعبت ثقافة العوملة علي من الناحية الفكرية ب�سبب وجود ح�صانة ومل ت�سيطر ّ لدي ،ف�س أ�خذ منها ما يفيدين و أ�ترك �سواه. اليجابيات أ�ن احلكام آ الن ال ي�ستطيعون �إخفاء كذلك من إ الكثري من أ المور على �شعوبهم فهو �صريح جمرب ًا ،و أ�قول �إننا بثقافتنا ن�ستطيع أ�ن نواجه العوملة.
هل امل�ستوى الثقايف احلايل ي�ستطيع أ�ن يواجه العوملة؟
هنالك �شباب مثقف ،لكنهم ال يزالون أ�قلية بالن�سبة للعموم.
اللـقـــاءات
الدكتور جاسم السلطان قـطـــر ماذا بعد م ؤ�متر الو�سطية ؟
أ الفكار والت�صورات توحي أ�ن هناك ع�صر ًا جديد ًا بد أ�
امل ؤ�مترات هي ملتقيات أ�كرث منها برناجم ًا عملي ًا ،امل ؤ�مترات
ينفتح ،و أ�ن النا�س بد أ�ت تتقبل أ�نه لي�س بال�ضرورة أ�ن
تفتح موا�ضيع لكنها غالب ًا تنتهي بتو�صيات جلهات أ�خرى
يكون �شخ�ص ما معي أ�و �ضدي ،و أ�ن النا�س املوجودين يف
لتنفيذها ،فهي ال متتلك قدرة حتويل امل�شاريع �إىل وقائع
ف�ضاء واحد ولديهم هموم م�شرتكة ميكن أ�ن يلتقوا دون
و أ�نا يف تقدريري بـ «ماذا بعد» ميكن أ�ن حتدث أ��شياء
ان يكونوا جزء ًا من حزب أ�و تنظيم أ�و م ؤ� ّ�س�سي واحدة،
كثرية يف امل�ستقبل تغطي جوانب مهمة من تلك التي
هذا تطور مهم واملهم يعك�س هذا ب�شكل جيد.
مت احلديث عنها ،فهل �ستتم مثال بتخطيط مركزي من
�إذن ما مفهوم النه�ضة والو�سطية بر أ�يك ؟
منتدى الو�سطية أ�و النا�س املوجودين ب�سبب هذا املنتدى
كل النا�س الذي يتكلمون على النه�ضة ميكن أ�ن يتكلموا
واالت�صال فيما بينهم �سيحدث هناك م�شاريع ،فالبد أ�نّه
عنها بتعريف حدي مثلما يقولون ،و أ�نا لن أ�تكلم عليها
�سينتج �شيء لكن لي�س بال�ضروروة أ�ن يكون �شيئ ًا خمططا
بتعريف حدي ،النه�ضة بر أ�يي يكون لها �صورة أ�و حالة،
له عرب تخطيط مركزي بقولنا �سنفعل هذه ال�سنة كذا
وحالة املجتمع الذي ي�شهد نه�ضة أ�ن عنده أ�ربعة
وال�سنة التي بعدها كذا لن�صل �إىل النتيجة ،ال لي�س هو
مكت�سبات ،املكت�سب أ الول جانب الهوية الوا�ضحة،
هكذا.
واملكت�سب الثاين جوانب العمران يف ال�سيا�سة واالقت�صاد
أ�عتقد أ�ننا يجب أ�ن نغري منظرونا لفكرة النه�ضة ،فهي
واالجتماع واملباين وال�شوارع وغريه ،والثالث املعرفة
لن يحدثها جماعة وال حزب وال غريه ،فهي عبارة ،عن
واملحافظة عليها ،واملعرفة لي�ست عابرة له بل ت�ستقر فيه
جمموعة جهود كبرية جدا و�سي�سهم فيها أ�طراف كثرية
وتولد نتائج ،مبعنى أ�ننا �سننتج العلم ولن ن�ستهلكه فقط،
جد ًا و�سينتج نهر النه�ضة هذا ..الذي ن�سميه التحول
واملكت�سب الرابع هو أ�ننا مهمومون بكيفية املحافظة على
املطلوب ،وهذا امل ؤ�متر واملنتدى هو حمطة وم�ساهمة يف
هذه املكت�سبات وامتالك القوة للدفاع عنها.
هذا امل�شروع الكبري ،وتقابلها م�ساهمات �ضخمة جدا من
واملجتمعات التي ت�شهد هذه املكت�سبات أ الربعة جمتمعات
أ�فراد وم ؤ��س�سات ودول.
فيها معامل نه�ضة ،وتلك التي تقل فيها هذه الظواهر أ�و
لكن نوعية املبادرة نف�سها التي هي جمع أ�نا�س من خمتلف
�إحداها ينق�صها النه�ضة. السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
107
أ�ما م�صطلح الو�سطية �إن �صح التعبري فهو ف�ضفا�ض ،فهي
وقوانني ،م�شكلتنا أ�ن القيم تظل قيم ًا وال تتحول �إىل �إجراءات وحتديدات ،فممكن أ�ن يطلقها أ�ي �إن�سان على
باخلريية ،ف أ�و�سط حبة يف العقد هي اف�ضل حبة فيه،
نف�سه :ويقول عن نف�سه أ�نا و�سطي .ولذلك ،نحن يف
ووا�سطة اجلبل أ�على جزء فيه ،وهذا املفهوم املتداول
حاجة اىل حتديدات أ�كرث ،ويف ر أ�يي أ�نّ جملة ال�شريعة
لغة ،ويف ع�صرنا بد أ�ت تتم ترجمة امل�صطلح أ�نه
ال�سالمية وما و�ضعته من �ضوابط مثل «�إن اهلل ي أ�مر إ
موقف من ق�ضايا ال يت�سم بالغلو وال بالتفريط ،وحتى
والح�سان و�إيتان ذي القربى وينهى عن الفح�شاء بالعدل إ
هذا التعريف مراوغ ألن من �سيقول �إن هذا تفريط أ�و هذا غلو؟ هل هو املنطق العادي أ�و أ�ن هناك حدود
واملنكر البغي » فالق�ضايا الكربى التي حتددها ال�شريعة ال�سالمية هي التي حتدد معنى الو�سطية وتعطيها املعنى إ
للمو�ضوع؟.
وامل�ضمون ،واملجتمعات التي تو�صف ب أ�نها عادلة ورحيمة
ولذلك �سننتقل لتعريف آ�خر /فرب أ�يي الو�سطية هي :
ومن�صفة هي جمتمعات و�سطية ،والعك�س املجتمعات التي
العمل مبقت�ضى احلكمة ،يعني و�ضع ال�شيء يف مو�ضعه،
الن�سان أ�نه مظلوم ومقهور وحقوقه م�ستلبة يح�س فيها إ
فعندما يتعلق املو�ضوع أ�ن نقاتل ...نقاتل ،وعندما ميد
هي جمتمعات متطرفة ،فمفهوم الو�سطية ال يتحدد
أ�حد يده لنا لن�صافح ن�صافحه ،و�إذا كانت م�صلحتنا أ�ن
بحد ذاته ويظل قاب ًال لتف�سريات متعددة ،لكن �إذا �ضبط
نبيع ..نبيع ..وهكذا ..أ�و ن�شرتي ن�شرتي� ،إذن هو موقف
ال�سالمية وما تفرت�ضه ي�صبح له بجملة الت�شريعات إ
يت�سم باحلكمة.
معنى حمدد وهناك �شيء معياري نحتكم �إليه.
يف التعريف امل�شهور تاريخيا اخلريية وجمتمع يت�صف
�إذن أ�ين ت أ�تي الو�سطية من عالقتنا آ بالخر بعد هذا
ما ر أ�يك بامل ؤ�متر وما طرح فيه؟
التعريف؟
جممل أ الفكار التي طرحت كانت جيدة ،وطرحت
ال�سالمية مك ّلفون بالعدل ،ف�إذن ماذا نحن يف ال�شريعة إ يعني العدل مع آ الخرين ؟ ،فهو أ�ي�ضا العمل مبقت�ضى
ق�ضية املواطنة وباعتقادي هي من أ�هم الق�ضايا التي
احلكمة.
ال�سالمي ،كما حتتاج للبحث والتطوير خا�صة يف الفكر إ طرحت ق�ضية العالقة مع آ الخر ومع العامل ،لكن ألن
فالعدل أ�نهم �إن كانوا ي أ��سرون أ�فرادا من عندنا يكون
الوقت �ضيق فلم ي�سمح بعطاء أ المور حقها وبالتايل
العدل باملجازاة باملثل ،ولو كان القانون الدويل يحمي
و�صلنا �إىل عناوين أ�كرث مما و�صلنا �إىل لباب موا�ضيع،
أ ال�سرى من الرق ونحن موقعون عليه ،فنحن ملزمون
وهاتان الق�ض ّيتان من أ�برز ما جذبني.
مبا اتفقنا عليه ،فالعدل يف أ�ي ق�ضية من الق�ضايا هو هذا ال�سلوك الذي يت�سم بالو�سطية ،ألن الو�سطية بحد ذاتها ال تعني كثري ًا �إال �إذا بد أ�نا نحولها �إىل �إجراءات 108
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
اللـقـــاءات
الدكتور عمــرو خـالــد مـصــر ما دور ال�شباب يف م�شروع النه�ضة؟ نحن جئنا لنعر�ض م�شاريع عملية ولي�س جمرد كالم ،م�شاريع عملية يف توجيه ال�شباب مل�شروعات تنموية تخدم فكرة النه�ضة ،على �سبيل املثال :م�شروعات عن كيفية �إعانة أ ال�سر الفقرية عن طريق عمل م�شروعات �صغرية لهم، كيف ن�ساعد يف م�شكلة الت�سرب من التعليم وي�شارك ال�شباب يف حل مثل هذه امل�شاكل؟ كيف ن�ستطيع أ�ن نثبت أ�ن ال�شباب العربي لو أ�تيحت له الفر�صة من تدريب و�إمكانيات مادية ي�ستطيع أ�ن ي�ساهم يف �إزالة وجه الب ؤ��س عن العامل العربي ،من خالل م�شاريع تنموية نه�ضوية بحق ولي�س جمرد كلمات تلقى أ�و جمرد أ�فكار تلقى ،لكن؛ م�شروعات عملية ولي�س م�شروعات خريية أ�و دينية ،بل م�شروعات دينية نه�ضوية؟
بالميان؟ ما تعريفك مل�صطلح التنمية إ الميان دافع �إىل الميان �إذا مل يوجه إل�صالح حياة النا�س نخ�شى أ�ن يوجه النا�س �إىل التطرف ،فما نقوله هو أ�ن إ إ الميان دافع �إىل م�شروعات تنموية ،أ�حاديث الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم والقر آ�ن الميان دافع �إىل تنمية ،إ النجاح ،إ الكرمي تدفع النا�س دفع ًا �شديد ًا للنجاح ،على �سبيل املثال « :من م�شى يف حاجة أ�خيه خري له من أ�ن يعتكف يف م�سجدي هذا أ�ربعني يوم ًا « .ماذا يعني من م�شى يف حاجة أ�خيه؟ يعني عمل م�شروع �صغري ،ويعني م�ساعدة أ�والدة، ويعني تعلم أ��سرة فقرية لت أ�كل وتعي�ش. بالميان ،نريد تنمية لهذه املنطقة من العامل ،والدافع واحلافز هو �إمياننا. هذا هو مفهومنا لق�ضية التنمية إ
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
109
ﻧﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻋﻦ ﻣﺤﺎﺿﺮﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺤﻤﺪ ﺭﺍﺗﺐ ﺍﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺩﻥ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﺍﻟﻘﺎﺩﻡ »ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ« ﻭﻓﻠﺴﻔﺘﺔ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻋﻦ ﺇﻧﺠﺎﺯﺍﺕ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻋﻦ ﺷﻬﺮ ﺷﺒﺎﻁ ٢٠٠٩
نشاطات المنتدى
تقرير عن محاضرات الداعية الدكتور محمد راتب النابلسي في األردن
حما�ضرة اربد:
بدعوة من املنتدى العاملي للو�سطية أ�لقى الداعية الدكتور حممد راتب النابل�سي حما�ضرة يف حمافظة �إربد بعنوان «ال�شباب ودورهم يف النه�ضة» �ضمن �سل�سلة املحا�ضرات التي يلقيها الداعية النابل�سي يف حمافظات اململكة يوم أ الربعاء املوافق 2009/4/8م يف مدينة احل�سن لل�شباب. ويف بداية االحتفال رحب الدكتور حممد الق�ضاة ب�ضيف أ الردن منوه ًا بدوره الكبري يف ن�شر مفاهيم الو�سطية واالعتدال ،عرب ر�سائله املتوا�صلة يف الف�ضائيات ال�سالمية. إ أ ً مبينا دور املنتدى العاملي للو�سطية و�إميانه ب�همية تالقي أ�بناء أ المة على كلمة �سواء ،ونبذ كل مظاهر التطرف والفراط والتفريط ،و أ�ن املنتدى يحر�ص على والغلو إ أ حتقيق امل�صاحلة ال�شاملة بني مكونات المة ،ويحمل على عاتقه امل�ساهمة الفاعلة يف �صياغة �إجابات را�شدة ملواجهة التحديات احل�ضارية املعا�صرة. ؤ ال�س ّيد عبد الر�وف التل وقد رحب رئي�س بلدية اربد ّ أ و�سعادة النائب ر�سمي املالح ب�ضيف الردن. وبد أ� العالمة الداعية حما�ضرته بتوجيه ال�شكر �إىل اململكة أ وخ�ص بال�شكر الردنية الها�شمية قيادة و�شعب ًا، ّ القائمني على املنتدى العاملي للو�سطية ،منوه ًا بدوره الكبري يف م�سرية نه�ضة أ المة املعا�صرة ،ون�شر مفاهيم 112
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الو�سطية واالعتدال بني أ�بناء أ ً تقوية ال�سالمية المة إ لتيار الو�سطية كتيا ٍر ثابت يف أ المة. وقال الدكتور النابل�سي �إنَّ اهلل عز وجل يف آ�يات كثرية جد ًا نهانا عن املع�صية ،وعن التق�صري ،والك�سل وحب الدنيا ،لكن يف آ�يات أ�خرى نهانا عن الغلو يف الدين ،ومعنى (ال�سالم و�سطي) أ�ي يبتعد عن التطرف ،ال ذلك أ�ن :إ الفراط ،وال �إىل اليمني ،وال �إىل الي�سار ،ال �إىل جهة إ الميان و�سطي ،يعتمد على التوازن �إىل جهة التفريط ،إ الن�سان له جانب ج�سمي ،فالعناية الن�سان ،إ بني جوانب إ باجل�سم ،والعناية بال�صحة ،واالنتباه ملا يدخل يف الفم هذا من الدين. أ ولن ج�سدك يحمل نف�سك ،وهذا اجل�سد ،وهذه النف�س تعي�ش يف الدنيا ملهمة خطرية ،ف أ��سا�س الدين التوازن من الناحية اجل�سمية ،والعقلية ،والنف�سية ،فكما أ�ن العقل غذا ؤ�ه العلم ،فالقلب غذا ؤ�ه احلب� ،إن�سان ال ي�شعر بحاجة �إىل أ�ن يكون حمبوب ًا! وال ي�شعر بحاجة �إىل أ�ن يحب اهلل عز وجل! فهو �إن�سان ال ينتمي �إىل جن�س الب�شرية ،فال بدَّ من التوازن بني مطالب اجل�سم ،ومطالب ال�سالم و�سطي ،فقد وازن بني مطالب الروح ،والعقل ... .إ اجل�سد ،ومطالب النف�س ،ومطالب العقل ،فالعقل غذا ؤ�ه العلم ،والقلب والنف�س غذا ؤ�هما احلب والقيم ،واجل�سد غذا ؤ�ه الطعام وال�شراب. وبينّ الداعية النابل�سي أ�نَّ أ��شد أ�نواع الغلو ،أ�ن ت أ�خذ
كلية من كليات الدين ،وجتعلها الدين كله ،هذا غلو ال �شك فيه ،أ�ما أ�ن ت أ�خذ فرع ًا �صغري ًا من فروع الدين، وجتعله الدين كله فهذا غلو ،و أ� ُّي غلو ،نحن مطلوب منا التوازن ،عندما ترجح جانب ًا على جانب ،وت�ضخم جانب ًا، وت�صغر جانب ًا فقد وقعت يف الغلو ،و أ�نت ال تدري. ونوه النابل�سي ب أ�هم ّية دور ال�شباب يف نه�ضة أ المة ،فهم امل�ستقبل الذي تنتظره أ المة ،م�صداق ًا للهدي النبوي ال�شريف الذي ب�شر بال�شباب ،و أ�نَّ الن�صر والتغيري يقع على عاتقهم ،وه ؤ�الء ال�شباب طالئع أ المة يجب حت�صينهم ال�سالم و�سماحتة من الغلو والتطرف عرب غر�س قيم إ يف عقولهم وقلوبهم ،فالو�سطية واالعتدال هما ال�ضمان الكيد للقيام بواجب نه�ضة أ أ المة وتقدمها. وبي النابل�سي يف جزء من حما�ضرته وجوه ًا متعددة من نّ آ العجاز العلمي يف القر�ن الكرمي. إ أ قدر بـ وبلغ عدد احل�ضور من �بناء حمافظة �إربد ما ُي ّ ( ،)7000وكان من بني احل�ضور كبار م� ؤ س�ويل املحافظة على ر أ��سهم حمافظ �إربد ومدير �شرطتها ،وعدد من نواب املحافظة و أ�عيانها ومن الوزراء ال�سابقني ،ووجهاء املحافظة ،وال�شخ�صيات الفكرية و أ��ساتذة اجلامعات.
القطاع الن�سائي:
لقاء خا�ص ًا مع الدكتور حممد وقد نظم القطاع الن�سائي ً راتب النابل�سي يوم اخلمي�س املوافق 209/4/9م يف مقر املنتدى على هام�ش زيارته أ للردن بدعوة من املنتدى العاملي للو�سطية ،و يف �إطار حر�ص القطاع الن�سائي على المة أ االلتقاء بعلماء أ الجالء ملحاورتهم يف � ؤ ش�ون املر أ�ة ال�سالم الو�سطية للمر أ�ة من من أ�جل تعزيز و نظرة إ حيث مكانتها و دورها. و أ�كد النابل�سي أ�ن دور الرجل و املر أ�ة مرتبط بخ�صائ�ص كل منهما البيولوجية و النف�سية و االجتماعية بحيث ٍ أ فال�سالم دين العدالة لن من يحقق التكامل املطلق ،إ ال�سالم بالتطرف و التمييز ،اتهامه باطل ،حيث يتهم إ أ �إن ديننا احلنيف �ساوى بني الرجل و املر�ة يف ثالثة أ��شياء:الت�شريف و التكليف و امل� ؤ س�ولية ،و أ�و�ضح الدكتور قد�سية العالقة الزوجية و أ�نها آ�ية من آ�يات اهلل كما أ�ن خلق ال�سماوات و أ الر�ض آ�ية من آ�ياته ،فمن ال�ضروري أ�ن يقوم كل فرد من أ�فراد أ ال�سرة بواجبه بحيث �إن هذا الواجب ال ينتق�ص منه �شيئا بل هو عبادة يتقرب بها هلل �سبحانه و تعاىل. وتناول النابل�سي مو�ضوع امل�ساواة بني الرجل واملر أ�ة َحيث �إن املهمة العظيمة للمر أ�ة تكمن يف تربية أ�والدها واحلفاظ على البيت كمكان �سكن للزوج أ والوالد ،و أ�نه ال حرج من م�ساعدة الرجل للمر أ�ة يف البيت ،م� ؤ س�ولية
البيت م� ؤ س�ولية م�شرتكة. و أ�دارت احلوار رئي�سة القطاع الن�سائي ال�سيدة �سو�سن املومني وح�ضره جمموعة من �سيدات املجتمع النا�شطات يف جمال املر أ�ة واجلامعات ونقابيات وداعيات و طالبات جامعيات.
حما�ضرة عمان:
و أ�لقى الداعية الدكتور حممد راتب النابل�سي حما�ضرة جماهريية يف حمافظة العا�صمة بعنوان» الو�سطية واالعتدال منهج أ المة»� ،ضمن �سل�سلة املحا�ضرات التي يلقيها الداعية النابل�سي يف حمافظات اململكة. ويف بداية االحتفال رحب �سعادة املهند�س مروان الفاعوري أ المني العام للمنتدى بال�ضيف الكرمي منوه ًا بدوره الكبري يف ن�شر مفاهيم الو�سطية واالعتدال، وربط ذلك بدور العلماء امل�سلمني يف �سورية خا�صة وبالد ال�شام عامة. أ و أ�كد ال�سيد الفاعوري �ننا يف املنتدى العاملي للو�سطية نلتقي مع �سماحة ال�شيخ الدكتور يف حمل املنهج الو�سطي روح ًا وفكر ًا ومنهج ًا. وبني الداعية النابل�سي أ�ن الو�سطية واالعتدال منهج حياة ،وهي بذلك منهج أ�مة ،و أ�كد أ�همية العلم وطالب بن�شر املنهج الو�سطي وبعثه يف نفو�س امل�سلمني. وبني أ�ن التطور والتجديد ال يعنيان �إ�ضافة �شيء �إىل الدين أ�و حذف �شيء منه ،ولكن التجديد يف الدين يعني أ�ن ننزع عن الدين كل ما علق به ،فهو دين احلق ال ي أ�تيه الباطل من بني يديه وال من خلفه ،وحيثما أ��ضيف عليه ما لي�س منه اختلفنا وتقاتلنا ،وحينما حذفنا ما كان منه �ضعفنا ،فالتجديد هو العودة �إىل روح الدين و �صفائه ،قال تعال(:ا ْل َي ْو َم َأ� ْك َملْتُ َل ُك ْم ِدي َن ُك ْم َو َأ� مْ َ ت ْمتُ ال ْ�سلاَ َم ِدي ًنا). َع َل ْي ُك ْم ِن ْع َم ِتي َو َر ِ�ضيتُ َل ُك ُم ْ ِ إ و أ��ضاف أ�ن امل�شكلة أ�ننا ابتدعنا يف الدين وقلدنا يف الدنيا ،أ وال�صل أ�ن نقلد يف الدين ونبتدع يف الدنيا. و أ�كد أ�ن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لطاملا حذر وقال: �إياكم والغلو يف الدين والغلو هو جماوزة الن�ص ال�شرعي، والتعدي �إىل أ الحاديث املو�ضوعة واملكذوبة أ�و االخذ بظاهر الن�ص بعيد ًا عن روحه ،و أ�ن ت أ�خذ فرع ًا من فروع الدين وجتعله الدين كله ،فهذا غلو اعتقادي يف الدين ،وقال� :إن كنت ناق ًال فال�صحة ،و�إن كنت مدعي ًا فالدليل ،فما أ�هلك أ المة �إال الغلو ،وقال :الو�سطية تعني االعتدال ،العدل ،القوة ،الو�سط. العجاز العلمي يف عدد من الظواهر وبني أ�مثلة من إ الطبيعية يف هذا الكون مثل الهالل الذي له دور نفعي ودور �إر�شادي ،ومن خالل هذا الكون العظيم ن�ستدل على عظمة اخلالق. السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
113
وزاد عدد احل�ضور على( )7000من أ�بناء املنتدى حما�ضرة العقبة:
وجماهري خمتلفة من النا�س.
حما�ضرة ال�سلط:
ثم أ�لقى الداعية الدكتور حممد راتب النابل�سي حما�ضرة يف مدينة ال�سلط بعنوان «املبعوث رحمة للعاملني» �ضمن جمموعة املحا�ضرات التي أ�لقاها يف حمافظات اململكة بدعوة من املنتدى العاملي للو�سطية يوم اخلمي�س 209/4/9م يف مركز ال�سلط الثقايف. ويف بداية احلفل رحب الدكتور هايل داود بال�ضيف وبي دوره الرائد يف ن�شر الكلمة الطيبة عرب الكبري نّ ر�سائله وحما�ضراته املتوا�صلة على م�ستوى بالد ال�شام والعامل العربي. وبد أ� العالمة الكبري بتوجيه ال�شكر العميق للقائمني على أ�عمال املنتدى العاملي للو�سطية. وبي الدكتور يف حما�ضرته أ�ن اهلل عز وجل ق�ص علينا نّ أ ق�ص�ص النبياء واملر�سلني جميع ًا ،وخ�ص باحلديث ق�صة �سيد الب�شر وخامت املر�سلني �سيدنا حممد ًا ،حيث حتدث يف �سريته وحياته وت�صرفاته و أ�عماله ودعوته لهداية بني الب�شر. العجاز العلمي الذي بينه اهلل وتطرق متحدث ًا عن إ آ �سبحانه وتعاىل يف مواطن كثرية من القر�ن الكرمي وهي معجزة �سيدنا حممد . وبي كذلك أ�همية التعرف على �سرية الر�سول الكرمي نّ أ أ لالقتداء بها كمنهج حياة؛ لنّ يف اتباعها �صالح ًا للمة و�صالح ًا ألهلها ،والبعد عنها هالك هذه أ المة وهالك أ�هلها. و أ�كد النابل�سي يف حما�ضرته �ضرورة االعتناء واالهتمام باملر أ�ة حيث أ�و�صانا بها اهلل جل وعال يف مواطن كثرية، وكذلك النبي الذي أ�و�صانا ب�ضرورة التعامل معها باملعروف واللني من أ�جل �إ�صالحها باعتبارها اللبنة ال�سا�سية يف هذه أ أ وبي يف جزء من حديثه واقع المة ،نّ تعامل الر�سول مع امل�سلمني عامة وتعامله مع أ�مهات امل ؤ�منني خا�صة بالرحمة وال�صرب. العجاز العلمي احلا�صل يف كما و�ضح الدكتور النابل�سي إ ج�سم الكائنات احلية وخملوقات هذا الكون كدليل على قدرة اخلالق �سبحانه وتعاىل. ويف نهاية املحا�ضرة �شكر النابل�سي احل�ضور والقائمني على املنتدى على احلفاوة التي حظي بها يف أ�ثناء زيارته ملدينة ال�سلط العريقة و أ�هلها.
114
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
و �ضمن �سل�سلة املحا�ضرات التي يلقيها الداعية النابل�سي يف حمافظات اململكة ،بدعوة من املنتدى العاملي للو�سطية. أ�لقى ف�ضيلة الدكتور حممد راتب النابل�سي حما�ضرة يف نادي أ المري را�شد البحري يف مدينة العقبة بعنوان» االعتدال طريق النه�ضة» يوم اجلمعة املوافق جمع غفري من أ�هايل 2009/4/10م ،حيث ح�ضر اللقاء ٌ حمافظات اجلنوب و�سائر حمافظات اململكة. ويف بداية االحتفال أ�لقى ال�سيد عبد اهلل ال�شهبان كلمة ترحيبية عرب فيها عن ال�سرور الكبري بزيارة ال�ضيف الكرمي �إىل العقبة ،ورحب به بني أ�هله ويف وطنه. ال�سالم الو�سطي ي�سهم يف ثم بني الدكتور النابل�سي أ�ن إ ال�سالمية ،وكي ينجح يف �إ�سهامه أ بناء أ للمة يجب المة إ الن�ساين والرباين ،و أ�نه واقعي أ�ن يكون وفق ًا للمنهج إ يعالج كل واقعيات احلياة. ال�سالم ال �إفراط فيه وال تفريط و أ�نه و�سطي وبني أ�ن إ بني املادية املقيتة والروحانية احلاكمة ،لقوله تعاىل: (وجعلناكم أ�مة و�سطا ،)...وبني أ�ن الدين الو�سطي املعتدل ي�سهم يف بناء أ المة وقوتها. بي الدكتور النابل�سي حقوق املر أ�ة والرجل ثم نّ ال�سالم ،و أ��شار �إىل أ�همية تكامل أ الدوار وواجباتهما يف إ بينهما من أ�جل بناء أ��سرة قوية متما�سكة أ�مام الهجمات ال�سالم. ال�شر�سة �ضد إ و أ��ضاف الدكتور النابل�سي أ�ن العبادات تق�سم �إىل أ�ق�سام خم�سة وهي :عبادة ال�شعائر من ال�صالة وال�صيام والزكاة ،وعبادة أ العمال ،وهي املتعلقة باملعامالت بني النا�س و أ��ضاف أ�ن عبادة ال�شعائر ال تقبل بدون أ العمال. والق�سم الثالث عبادة الهوية ،وهي التي تتعلق بعمل الن�سان ووظيفته ،ف�إن كان طبيب ًا فيجب أ�ن يكون إ خمل�ص ًا مبدع ًا يف مهنته ،و�إن كان مهند�س ًا فهو كذلك خمل�ص مبد ٌع. أ�ما الق�سم الرابع فهو عبادة الظرف ،واملتعلقة بالظرف بالن�سان ،والعبادة الزماين واملكاين الذي يحيط إ اخلام�سة العبادة املتعلقة بالواقع ،وهي املرتبطة بالواقع واملتغريات التي تقع فيه. ويف نهاية املحا�ضرة قدم املهند�س مروان الفاعوري كلمة ختامية حتدث فيها عن منتدى الو�سطية وم�ساهمته يف �إ�صالح أ المة ،وقدم ال�سيد عبد اهلل ال�شهبان �شكره للدكتور حممد راتب النابل�سي على ح�ضوره و�إلقائه هذه املحا�ضرة التي أ�فادت حمافظات اململكة عامة وثغر أ الردن (العقبة) خا�صة.
نشاطات المنتدى
رؤية المؤتمر الدولي الخامس القادم وفلسفتة
«قضايا المرأة في المجتمعات اإلسالمية والتحديات المعاصرة» �ضمن �سل�سة امل ؤ�مترات الدولية التي يقيمها املنتدى العاملي للو�سطية �س ُي ْع َقدُ ب�إذن اهلل م ؤ�متر دويل عنوانه ال�سالمية والتحديات املعا�صرة» ،بني 2009/7/26-25وي أ�تي هذا امل ؤ�متر لي ؤ�كد أ�همية «ق�ضايا املر أ�ة يف املجتمعات إ الن�سان (رج ًال وامر أ�ة) من كل قيود اال�ستبداد واجلهل من عادات وتقاليد أ�بعدته ال�سالم ليحرر إ املر أ�ة ،فقد جاء إ عن �إن�سانيته. الن�سان ذكر ًا كان أ�م أ�نثى ((يا أ�يها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر فكان ثورة عن تلك العادات والتقاليد ليعلن �إن�سانية إ و أ�نثى وجعلناكم �شعوب ًا وقبائل لتعارفوا �إن أ�كرمكم عند اهلل أ�تقاكم)) ،وي ؤ�كد م�ساواة املر أ�ة بالرجل ((�إين ال أ��ضيع ال�سالمية يف ذلك عمل عامل منكم من ذكر أ�و أ�نثى بع�ضكم من بع�ض)) ((الن�ساء �شقائق الرجال)) وت�ستند الر ؤ�ية إ �إىل قراءة و�سطية تقوم على رف�ض الظلم للمر أ�ة وتهمي�شها ومعاملتها بالدونية ،والتننقي�ص ،ورف�ض حتويلها �إىل ال�سالمية املختلفة والثارة .يف �إطار بناء منوذج �إ�سالمي للمر أ�ة املعا�صرة مماثل ملا كان يف الع�صور إ للغراء إ �صورة إ ال�سالمية. من ن�ساء �ضاهني الرجال يف فكرهن وفقههن وجهادهن يف �سبيل اهلل ،وكان لهن دور ريادي يف املجتمعات إ ولكن امل�سلمني يف الع�صور أ الخرية ت�سربت �إىل عقولهم أ�فكار قامتة عن املر أ�ة أ��صبحت فيما بعد عادات وتقاليد أ�ل�صقت بالدين من خالل فهم خاطئ لبع�ض الن�صو�ص ،أ�و اعتماد ًا على أ�حاديث من�سوبة �إىل النبي ال أ��صل لها ،أ�و يف أ�طار أ�فهام وت أ�ويالت ال حتتملها آ اليات أ والحاديث الكرمية. ويف ظل الظروف الدقيقة التي متر بها أ�متنا ،خا�صة بعد امل ؤ�مترات العاملية اخلا�صة باملر أ�ة ،التي ت�ستهدف املر أ�ة أ وال�سرة ،كان البد من مراجعة �شاملة لر ؤ�يتنا فيما يتعلق باملر أ�ة تقوم على �إعادة قراءة الن�صو�ص وتو�ضيحها وجتديد فقه املر أ�ة ح�سب �شروط االجتهاد و�ضوابطه. ال�سالمية وحتديات الع�صر» لكل هذا فقد ر أ�ى املنتدى عقد م ؤ�متر خا�ص باملر أ�ة عنوانه «ق�ضايا املر أ�ة يف املجتمعات إ ويهدف �إىل أ�ن يكون: ال�سالمية املتعلقة باملر أ�ة. .1ر�سالة امل�سلمني ب أ�ن يتعرفوا أ�حكام ال�شريعة إ .2التفريق بني أ الحكام ال�شرعية املتعلقة باملر أ�ة وما ت�ضمنته من عدل وم�ساواة وبني ممار�سات امل�سلمني يف حق املر أ�ة. ال�سالمية. .3الوقوف على القوانني والت�شريعات العاملية اخلا�صة باملر أ�ة وميزانها من خالل أ�حكام ال�شريعة إ .4ر�سم معامل دور املر أ�ة يف النهو�ض باملجتمع.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
115
نشاطات المنتدى
تقرير عن إنجازات منتدى الوسطية في شهر شباط 2009 نشاطات:
ا�ست�ضاف املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع منتدى الو�سطية للفكر والثقافة الدكتور �سليم احل�ص رئي�س وزراء لبنان أ ال�سبق ورئي�س اللجنة العربية لرفع احل�صار عن غزة يف �سياق براجمه لدعم أ الهل يف غزة ال�صمود إللقاء حما�ضرة يوم أ الحد 2009/2/8م م�ساء يف قاعة املركز الثقايف امللكي يف ال�ساعة ال�ساد�سة ً ع ّمان. ؤ وقد ح�ضر املحا�ضرة عدد من ر��ساء الوزارات ال�سابقني والوزراء أ والعيان وال�شخ�صيات ال�سيا�سية والنيابية والنقابية واحلزبية وامل�س ؤ�ولني واملهتمني ،الذين أ�غنوا احلوار. و يف احتفال جرى يوم أ الحد 2009/2/8م� ،س ّلم املهند�س مروان الفاعوري أ المني العام للمنتدى العاملي للو�سطية عطوفة ال�سيد حممد ماجد العيطان رئي�س هيئة الغاثة الها�شمية مفاتيح �سيارتي �إ�سعاف جمهزتني إ أ ً ً جتهيزا كامال باللوازم الطبية ،وي�تي هذا التربع ح�صيلة حملة املنتدى التي قام بها يف احلقبة املا�ضية خالل العدوان الغا�شم على أ�هلنا يف غزة مل�ساندتهم و أ�غاثتهم ،وقد ح�ضر االحتفال عدد من ر ؤ��ساء الوزراء ال�سابقني وجمع غفري من املواطنني و�سيتم �إر�سال هاتني الغاثة الها�شمية �إىل قطاع ال�سيارتني من خالل هيئة إ غزة يف أ اليام القادمة. وقد �شارك املنتدى يف الندوة التي عقدها مركز الر أ�ي ال�صالح ال�سيا�سي للدرا�سات عن «�إ�شكاليات منهاجية يف إ أ الردين» ،يوم ال�سبت 2009/2/7م يف قاعة مركز الر أ�ي للدرا�سات /جريدة الر أ�ي. وعقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع �إربد دورة الن�سان ألع�ضاء املنتدى من تثقيفية يف جمال حقوق إ تاريخ 2009/2/24-22م ،يف مقر املنتدى بالتعاون مع الن�سان . مركز عمان لدرا�سات حقوق إ 116
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
و أ�قام منتدى الو�سطية فرع جر�ش احتفا ًال بذكرى املولد النبوي ال�شريف يوم ال�سبت 2009/3/27م بح�ضور م�ساعد حمافظ جر�ش وحتدث يف اللقاء ف�ضيلة ال�شيخ حممد العيا�صرة وال�شيخ جمال ال�سفرتي ،بعد ذلك جرى تكرمي عدد من ال�شخ�صيات الداعمة للمنتدى، وح�ضر احلفل أ�ع�ضاء املنتدى و أ�هايل مدينة جر�ش. وعقد منتدى الو�سطية فرع ال�سلط احتفا ًال مبنا�سبة ذكرى املولد النبوي ال�شريف ،حتدث يف االحتفال الدكتور عبد الكرمي الوريكات والدكتورة مناء البنا وح�ضر اللقاء عدد كبري من أ�بناء مدينة ال�سلط. و أ�قام منتدى الو�سطية فرع الكرك احتفا ًال بذكرى املولد النبوي ال�شريف يوم ال�سبت 2009/3/14م، وحتدث يف اللقاء الدكتور حممد الروا�شدة املدر�س يف كلية ال�شريعة – جامعة م ؤ�تة وال�شيخ جمال ال�سفرتي ع�ضو املنتدى /فرع عمان والدكتور ر�شاد الكيالين ع�ضو املنتدى /فرع عمان والدكتور يا�سني املقو�سي /جامعة ال�سالمية العاملية. العلوم إ و أ�قام منتدى الو�سطية فرع مادبا حما�ضرة بعنوان «حتديات أ ال�سالمية يف ذكرى املولد النبوي» المة إ ،أ�لقاها الدكتور هايل عبد احلفيظ يوم اخلمي�س 2009/3/12م. برعاية عطوفة ال�سيد �صالح الق�ضاة مت�صرف لواء ذيبان و�سعادة العني حممد أ�بو ربيحة أ�قام منتدى الو�سطية فرع مادبا ندوة بعنوان «املخدرات و آ�ثارها على التفكك أ ال�سري» يف قاعة بلدية ذيبان يوم االثنني 2009/3/23م حتدث فيها الدكتور حممد امل�ساندة وال�سيد حكمت احلالملة وال�شيخ جمال ال�سفرتي وال�سيد �سامل الهواو�شة ،وح�ضر الندوة عدد كبري من أ�هايل حمافظة مادبا.
و أ�قام املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع جمعية �صناع احلياة ,حف ًال �إن�شاديا مبنا�سبة ذكرى املولد النبوي ال�شريف يف حمافظة الزرقاء يوم الثالثاء ال�سالمية ،وقد ,2009/3/17قدمته فرقة الرباءة إ تخلل احلفل الذي أ�قيم يف جممع النقابات املهنية ,كلمة للنائب يف الربملان أ الردين د.حممد احلاج (ع�ضو املنتّدى العاملي للو�سطية) ,ود.هايل داود أ��ستاذ كلية ال�شريعة (ع�ضو املنتّدى العاملي للو�سطية)
عميدة كلية توليدو اجلامعية يف �إربد عن م ؤ�متر بكني وحتدثت عن أ ال�سباب التي دعت �إىل عقد امل ؤ�مترات الن�سائية يف العامل ،ودار النقا�ش حول بع�ض القرارات التي حتفظت عليها بع�ض الدول كاجلندر أ وال�سرة والجها�ض وامل�ساواة الريا�ضية الجناب ّية إ والثقافة إ بني الرجل واملر أ�ة واملرياث وغريها ،و أ�قر احل�ضور ب�نأ الوثيقة ال تخلو من �صياغات جيدة عاجلت هموم املر أ�ة ال�سالمي وم�شكالتها يف جميع أ�نحاء العامل ومنها العامل إ جراء املمار�سات اخلاطئة لتطبيق تعاليمه يف بع�ض اجلوانب االجتماعية. يف �إطار االهتمام باملر أ�ة واحلر�ص على رفع م�ستوى الوعي عندها وامل�ساهمة يف تعزيز املفهوم الو�سطي لل�سالم يف الق�ضايا التي تتعلق بها ،نظم القطاع الن�سائي إ يف منتدى الو�سطية ندوة عن «تفنيد �شبهات حول املر أ�ة ال�سالم» يف مقر املنتدى حا�ضر فيها ف�ضيلة أ ال�ستاذ يف إ أ الدكتور حممود ال�سرطاوي ��ستاذ الفقه يف كلية ال�شريعة /اجلامعة أ الردنية وعميد كلية ال�شريعة ال�سبق ،وف�ضيلة أ أ ال�ستاذ الدكتور حممد عقلة أ��ستاذ الفقه يف كلية ال�شريعة يف جامعة الريموك عميد كلية ال�شريعة يف جامعة الريموك �سابق ًَا يوم ال�سبت املوافق 2009/3/28م.
و�شارك أ المني العام للمنتدى العاملي للو�سطية ,املهند�س مروان الفاعوري بامل ؤ�متر الدويل الثاين لكلية ال�شريعة الذي عقدته جامعة م ؤ�تة ,بعنوان (( املواطنة ال�صاحلة بني الواقع والطموح ودورها يف نه�ضة أ المة)) ,وذلك من ,2009/4/16-14و أ�لقى أ المني العام ورقة بعنوان ( املواطنة ال�صاحلة ودورها يف نه�ضة أ المة).
مبنا�سبة االحتفاالت بيوم املر أ�ة العاملي ,وانطالقا من خطة أ الن�شطة ال�سنوية لقطاع املر أ�ة يف املنتدى العاملي للو�سطية ،عقد يف مقر املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان يوم الثالثاء 2009/3/10حما�ضرة بعنوان (الرجل ال�سالمية) ,و أ�لقى املحا�ضرة الدكتور واملر أ�ة يف ال�شريعة إ (ال�ستاذ يف اجلامعة أ عودة أ�بو عودة أ الردنية) ،وحتدث الدكتور أ�بو عودة يف بداية املحا�ضرة عن م�صطلح الرجل ال�سالمي ,وملاذا خلق كل منهم؟ وما واملر أ�ة يف املفهوم إ حقيقة العالقة بينهما ,وما يرتتب على هذه العالقة من مناهج و أ��ساليب للتفكري واحلياة ،وانتقد الدكتور أ�بو عودة بع�ض الذين يتحدثون عن الرجل واملر أ�ة, ويتجاوزون املنهج ال�صحيح يف تناول هذا املو�ضوع، وتناول الدكتور أ�بو عودة العديد من آ اليات القر آ�نية التي ذكرت هذا املو�ضوع ب�شكل لغوي ,وا�ستنتج منها مبد أ� العالقة احلقيقية بني الرجل واملر أ�ة يف ظل القران الكرمي ,وهي العالقة التي تقوم على مبد أ� الزوجية التي تنظم الوجود كله ,والعالقة املتكاملة املرتابطة, وقد ح�ضر املحا�ضرة عدد من املثقفني واملثقفات املهتمني بال�ضافة �إىل أ�ع�ضاء مبو�ضوع املر أ�ة وق�ضاياها املعا�صرة إ املنتدى العاملي للو�سطية.
مشاركات:
�شارك وفد من املنتدى العاملي للو�سطية برئا�سة املهند�س مروان الفاعوري أ المني العام للمنتدى والدكتور حممد اخلطيب والدكتور هايل داود يف أ�عمال م ؤ�متر بعنوان العالم يف تعزيز ثقافة الو�سطية» الذي «دور و�سائل إ عقدت أ�عماله يف مدينة طرابل�س يف لبنان. و�شارك املنتدى يف امللتقى الرابع الذي عقده مركز احل�ضارة للدرا�سات ال�سيا�سية عن (القيم وال�سيا�سات العامة) وحتدثت فيه الدكتورة ب�سمة عبد الغفار ال�سالمية أ��ستاذة ال�سيا�سات العامة بكلية الدرا�سات إ – قطر يوم أ الربعاء 2009/3/25م.
و�شارك املهند�س مروان الفاعوري أ المني العام للمنتدى العاملي للو�سطية ,والدكتور هايل داوود ( ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية) يف امل ؤ�متر الذي نظمه املجل�س أ العلى لل�شباب يوم ,2009/3/22 - 21بعنوان ((امل ؤ�متر الوطني الثاين لت أ��صيل الفكر التنويري عند ال�شباب الردين :ال�شباب واحلوار مع آ أ الخر»)). و�شارك املنتدى يف أ�عمال م ؤ�متر الدميقراطية املحلية الردن الذي عقده مركز أ يف أ الردن اجلديد للدرا�سات، 2009/3/11م يف فندق هوليدي �إن – عمان.
نشاطات لجنة المرأة:
نظم القطاع الن�سائي يف منتدى الو�سطية ور�شة عمل بعنوان (قراءة يف م ؤ�متر بكني و مابعده) يوم ال�سبت املوافق 2009/2/14حا�ضرت فيها الدكتورة نوال �شرار
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
117
ﺇﺻﺪﺍﺭﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠـﺎﻝ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴـﺔ /ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺳﻌﺎﺩ ﻳﻠﺪﺭﻡ
ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﻨﻬﻀﻮﻱ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺳﻬﻴﺮ ﻋﺒﺪﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﺤﻤﺪ ﻳﻮﺳﻒ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﺎﺋﻘ ًﺎ ﻟﻠﻨﻬﻀﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ /ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ ﺍﻟﻨﺠﺎﺭ
ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺰﺋﺔ ﺇﺣﺪﻯ ﻣﻌﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻨﻬﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻭﻫﺒﺔ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺍﻟﺰﺣﻴﻠﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻭﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ /ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻠﻴﻢ ﻋﻮﻳﺲ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ...ﻭﻧﻔﺴﻴﺔ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ /ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺳﻌﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ َّ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺷﺮﺍﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻬﺎﻡ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ )ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ( ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺤﺎﺝ /ﺭﺋﻴﺲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻟﻺﺑﺪﺍﻉ -ﻣﺎﻟﻴﺰﻳﺎ
إصدارات المنتدى
التجربة التركية في مجـال الوسطيـة األستاذ الدكتور سعاد يلدرم
تناول هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ(التجربة الرتكية يف جمال الو�سطية) أ لل�ستاذ الدكتور �سعاد يلدرم ،احلركة التاريخية أ للتراك منذ دخولهم يف دين اهلل أ�فواج ًا وعن طواعية، بال�سالم ب�صدق و�إخال�ص ،حيث انت�شر بينهم ب�سرعة وكيف مت�سكوا إ �إىل درجة مل يبق معها يف ربع القرن الذي يلي عام (924م) �إال عدد قليل من أ التراك ينت�سب �إىل دين غري �إ�سالمي ،ثم تطرق الباحث �إىل جتربة أ التراك االجتماعية وال�سيا�سية يف عهد اجلمهورية الرتكية وما تعر�ضت له من �شدائد وحمن كانت ال تزيدها �إال �صالبة و�إ�صرار ًا على امل�ضي يف حمل هذه الر�سالة. و�سعى الكتاب �إىل تبيان املراحل أ الوىل ملحاولة �إن�شاء أ�ول حزب �إ�سالمي وما رافق ذلك من عقبات وعرثات. وختم البحث باحلديث عن جتربة أ ويبني الكتاب التجربة الرائعة أ للتراك يف �ساحة التعليم والرتبيةُ ، التراك املتميزة يف احلوار مع آ الخر. وقد ت�ضمن الكتاب املو�ضوعات التالية: مكانة أال�سالمي. التراك يف التاريخ إ جتربة أالتراك االجتماعية وال�سيا�سية يف عهد اجلمهورية الرتكية. جتربة أالتراك يف �ساحة التعليم والرتبية. جتربة أالتراك يف احلوار.
120
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
إصدارات المنتدى
دور المرأة في المشروع النهضوي اإلسالمي األستاذ الدكتور سهير عبدالعزيز محمد يوسف
ال�سالمي) أ لل�ستاذة الدكتورة �سهري عبد العزيز جاء هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ (دور املر أ�ة يف امل�شروع النه�ضوي إ حممد يو�سف ،مديرة املركز الدويل لدرا�سات أ ال�سرة والتنمية -جامعة أ للن�سان ت�شرتك فيه الزهر ،انطالق ًا من حقيقة أ�ن تكرمي إ ال�سالم إ املر أ�ه والرجل على حد �سواء ،فهما أ�مام أ�حكام اهلل يف هذه الدنيا �سواء، كما أ�نهما أ�مام ثوابه وجزائه يف الدار آ الخره �سواء. ال�سالمي، ويركز الكتاب على الدور الفعال للمر أ�ه يف امل�شروع النه�ضوي إ ال�سالم املجال أ�مامها لت ؤ�دي دورها على أ�كمل وجه ،كما وكيف ف�سح إ حاول الكتاب أ�ن يبني املعوقات التي حرمت املر أ�ه أ�داء دورها النه�ضوي من خالل انحراف بع�ض امل�سلمني عن تعاليم دينهم يف معاملة الن�ساء، حيث �شاعت بينهم روايات مظلمة انتهت باملر أ�ة امل�سلمة �إىل اجلهل الطام�س و�إىل العزلة. ال�سالمية و أ�كد الكتاب أ�ن معرفة املر أ�ة حلقوقها التي كفلتها لها ال�شريعة إ ال�سهام الكامل يف تنمية والتي كفلتها لها الت�شريعاتُ ،يعني املر أ�ه على إ جمتمعها و أ�داء دورها بكل كفاية وجناح. ال�سالم، ال�سالم ،والثوابت من ق�ضايا املر أ�ة و أ�حكامها يف إ وتناولت الكاتبة حمددات الثابت واملتغري يف ق�ضايا املر أ�ة يف إ ال�سالم ،وتطرق الكتاب �إىل قبول آ الخر من حيث الن�سانية حقيقية وواقعية كما �شرعها إ وف�صلت مو�ضوع امل�ساواة إ ال�شكاليات ال�سالم و أ�دا ؤ�ها ألدوارها ،واملعوقات التي حرمت املر أ�ة من أ�داء دورها النه�ضوي .وبحث الكتاب إ املر أ�ة يف إ املثارة حول genderواحلركة الن�سوية. وقد ت�ضمن الكتاب املو�ضوعات التالية: ال�سالم حمددات الثابت واملتغري يف ق�ضايا املر أ�ة يف إال�سالم الثوابت من ق�ضايا و أ�حكام املر أ�ة يف إالن�سانية حقيقية وواقعية امل�ساواة إ قبول آال�سالم و أ�دا ؤ�ها ألدوارها الخر :املر أ�ة يف إ املعوقات التي حرمت املر أ�ة من أ�داء دورها النه�ضوي– ... genderواحلركة الن�سوية أالم – الطفل – قاعدة االنطالق السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
121
إصدارات المنتدى
الهيمنة الثقافية عائقاً للنهضة اإلسالمية األستاذ الدكتور عبد المجيد النجار
ال�سالمية) أ لل�ستاذ الدكتور عبد املجيد النجار جاء هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ(الهيمنة الثقافية عائق ًا للنه�ضة إ المني العام امل�ساعد للمجل�س أأ للفتاء والبحوث ،لدرا�سة الوروبي إ حالة االنحدار احل�ضاري الطويل املدى ،وبعد أ�ن فاقت أ ال�سالمية ال ّمة إ ّ حتتل منذ ما يقارب قرنني على و�ضع عاملي جديد ،وجدت نف�سها فيه ّ التح�ضر� ،سواء من حيث التعمري يف موقع ًا يف آ�خر الدرجات على �س ّلم أ الن�سان فرد ًا وجمتمع ًا ،كما وجدت نف�سها الر�ض ،أ�م من حيث ترقية إ ب�سبب ذلك عر�ضة للنهب من أ القوياء على أ��صعدة خمتلفة ،اقت�صادية وثقافية واجتماعية ،ومبا أ�نّ ج�سمها احل�ضاري كان علي ًال ،وجهاز املناعة فيه كان كلي ًال ف�إنّ م�ساعي النهب من أ�ولئك أ القوياء كان لها أ�ثر املد اال�ستعماري املبا�شر الذي دام زمن ًا ف أ�رهق بالغ فيها ،مت ّثل يف ذلك ّ أ ال ّمة مب�صادرة �إرادتها وهي مرهقة أ��ص ًال ب�سبب تخلفها. وتناول الكتاب مفهوم الهيمنة الغربية ،و أ��سبابها املتعددة :التاريخية وال�سيا�سية واالقت�صادية والثقافية ،ومن خالل جملة من املظاهر واحلقائق تو�صل الكاتب �إىل أ�نَّ الهيمنة الثقافية عائق خطري أ�مام ال�سالمي املعا�صر؛ ألنَّ الهيمنة الثقافية تعني أ�ن امل�شروع النه�ضوي إ تت�س ّلط أ�مة من أ المم على أ�خرى من أ�جل أ�ن ُتغيرّ ما ا�ستقرت عليه من منهجية يف الفكر وال�سلوك ل ُت ّ حل حم ّلها منهجيتها هي ،مع ما يتبع ذلك من تغيري يف ال�سبب ال�صانع للثقافة متمث ًال يف املعتقدات املوجهة ،من خالل مظاهر الهيمنة الثقافية ب�صورتيها العلمنة والعوملة. أ ولنّ ثقافة العلمانية التي �صيغت بها م�شاريع النه�ضة مل يكن لها يف النفو�س قبول ،ومل يكن لها بها انفعال يف�ضي �إىل ال�سالمية ال�شاملة ،فكان حتريك �إرادتها للفعل احل�ضاري ،فهي م�صوغة �صياغة ثقافية �شاذة عن �صياغة الثقافة إ موقف النفو�س من هذه امل�شاريع النه�ضوية العلمانية موقف امل�ستهرت بها أ�حيان ًا ،واملناه�ض لها مناه�ضة �صامتة أ�و �صاخبة أ�حيان ًا أ�خرى ،فكانت هذه الثقافة الوافدة عائق ًا دون النّه�ضة من حيث أ�ُريد أ�ن تكون دافع ًا من دوافعها. وقد ت�ضمن الكتاب املو�ضوعات التالية: - 1الهيمنة الغربية :املفهوم أ وال�سباب �سبب تاريخي. �سبب �سيا�سي. �سبب اقت�صادي. �سبب ثقايف.ال�سالمية - 2الهيمنة الثقافية عائق ًا للنه�ضة إ أ� -مظاهر الهيمنة الثقافية ب -الهيمنة الثقافية عائق ًا للنه�ضة 122
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
إصدارات المنتدى
الفرقة والتجزئة إحدى معوقات النهوض في العالم اإلسالمي والعربي األستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
ال�سالمي والعربي ) لف�ضيلة جاء هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ ( الفرقة والتجزئة �إحدى معوقات النهو�ض يف العامل إ أ ال�ستاذ الدكتور وهبة م�صطفى الزحيلي -عميد كلية ال�شريعة بجامعة ال�صحيح يف مفهوم احل�ضارة الميان ّ دم�شق �سابق ًا -مبين ًا حقيقة إ ال�سالم ّية ،فهو ا ّلذي يحمي أ ال ّمة من االنق�سام والتفرقة ،وهو ا ّلذي إ يق ِّوم االعوجاج واالنحراف يف ّ كل �شيء ،وهو ا ّلذي ي�صحح م�سرية الرديئة، ال�سالم ّية ،ومي ّيز عنا�صرها ّ احل�ضارة إ ال�صاحلة من عنا�صرها ّ وينفخ فيها احلياة القو ّية ،ويهبها من ذاتية املجد ،ويرعاها �صغرية يف بداية النّم ّو ،ويراقبها كبرية ذات ظالل وارفة ،ويدفع عنها ّ كل عوامل ال�ضعف ّ ّ وال�شيخوخة واالنحطاط ،ويحميها من غوائل الهدم والتّخ ّلف ّ وال�ضياع. أ ال�سالمي والعربي يعاين تخلف ًا عن مواكبة ركب العامل ولن العامل إ املعا�صر يف النه�ضة والتقدم وبناء حياة قوية متطورة� ،إذا قورن ذلك مبا ن�شاهده يف دول الغرب وال�شرق املعا�صرة ،التي تتجه اجتاه ًا قوي ًا وحيوي ًا نحو حتقيق متطلبات النه�ضة منذ القرن ال�ساد�س ع�شر ،ثم التفوق يف القرنني التا�سع ع�شر والع�شرين، والو�صول �إىل القمة يف الن�صف الثاين من القرن الع�شرين و�إىل وقتنا احلا�ضر ،و�إح�سا�س ًا منهم ب�ضرورات التفوق العلمي النظري والتطبيقي ،و أ�داته ما يعرف بالتقنية أ�و التكنولوجيا ،كان جدير ًا بنا أ�ن نكون �س َّباقني �إىل هذا التطور يف جميع جماالت احلياة ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية أ والعالمية. والمنية والع�سكرية إ وجاء هذا الكتاب �إجابة حلالة الت�سا ؤ�ل امل�ستمر� ،إذ �إننا ما زلنا بعيدين عن التقدم والنه�ضة يف أ ال�صول الكربى، ال�سالمي املقررة يف أ��صول القر آ�ن الكرمي وال�سنة فينبغي معرفة أ��سباب التخلف والنه�ضة من خالل أ��س�س الت�شريع إ النبوية ال�صحيحة ،ور�صد كل املعوقات الداخلية واخلارجية ملعرفة الداء وو�صف الدواء ،ومن أ�همها ظاهرة الفرقة والتجزئة الفعلية املريرة واخلطرية ،وذلك من خالل املحاور آ التية: -1الفرقة والتجزئة العقائدية ( العقدية ). -2الفرقة والتجزئة القطرية. -3الفرقة والتجزئة االثنية والعرقية.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
123
إصدارات المنتدى
التراث والمرجعية اإلسالمية بين النقل والعقل األستاذ الدكتور عبد الحليم عويس
ال�سالمية بني النقل والعقل ) أ لل�ستاذ الدكتور عبد احلليم جاء هذا الكتاب القيم املو�سوم بـ ( الرتاث واملرجعية إ ال�سالمية ورئي�س حترير جملة التبيان/م�صر -انطالق ًا من واجب أ تعرف عوي�س -أ��ستاذ التاريخ واحل�ضارة إ المة يف ّ تراثها ،و أ�ن تغو�ص يف أ�عماقه ،لتكت�شف آ�فاقه ،ولتتعرف ذاتها من خالله ،و أ�ي�ض ًا لكي ُتق ِّوم هذا الرتاث؛ فت أ�خذ ما فيه من �إيجابيات تن�سجها مع خيوط واقعها وم�ستقبلها يف ظل ما حتمله من أ�عباء وما تواجهه من حتديات . �إن الرتاث هو الوعاء الذي ي�ضم جوانب م�سريتنا الفكرية ،وحركتنا العملية التي تت�ضمن فعلنا احل�ضاري و�إبداعاتنا الفكرية والفنية والتطبيقية .وتراث أ المة هو جمموعة املاديات والروحانيات التي المة على مدار تاريخها ،ومن املعلوم أ�ن أ ت�صاحب أ المة قد تقوم نف�سها بغربلة بع�ض معتقداتها أ�و عاداتها وفق ًا لقاعدة «البقاء أ لل�صلح» ومل�ستوى تطورها ورقيها الفكري ..لكن هذه الغربلة املعقولة التي تنطلق من داخل أ المة وتطورها التلقائي والذاتي ،لي�ست هي ما يريده بع�ض ال�ضافة دائم ًا، النا�س من �ضرورة تنحية الرتاث ..والرتاث احلي يقبل إ ال�ضافة للرتاث ال تكون �إال باقتالع جذور وما يزعمه بع�ضهم من أ�ن إ الرتاث� ،إمنا يعك�س عجزهم وق�صورهم ال�شخ�صي ,ورغبتهم ال�ساذجة اليجابي ال�صعب. يف العمل �إىل جانب الهدم ال�سهل ،بدل البناء إ ال�سالمي ،وتناول بالبحث العلمي وبد أ� الكاتب مبدخل عن م�صادر تراثنا ( وحي ًا وعق ًال) َّ ، ثم مفهوم الرتاث والرتاث إ ال�سالمي وق�ضية النزاع بني الوحي والعلم ،وتراثنا ال�سالمي من الرتاث ،و�إ�شكالية تراثنا إ منوذجية موقفنا إ آ ال�سالمية و أ�عباء امل�ستقبل. والخرّ ، ال�سالمي والتحديات املعا�صرة ،ومرجعيتنا إ ثم م�ستقبل الرتاث إ وقد ت�ضمن الكتاب املو�ضوعات التالية: مدخل :حول م�صادر تراثنا ( وحي ًا وعق ًال ). مفهوم الرتاث.ال�سالمي. مفهوم الرتاث إال�سالمي من الرتاث. منوذجية موقفنا إ تراثنا وق�ضية النزاع بني الوحي والعلم. تراثنا آوالخر. نحن والرتاث والتحديات. لكن ما ّاحلل ..لهذا التطور الفقهي ال�سلبي؟ ال�سالمية و أ�عباء امل�ستقبل. مرجعيتنا إ124
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
إصدارات المنتدى
قضية المرأة ...ونفسية االستبداد الدكتور سعد الدين العثماني الملخص :
جاء هذا الكتاب القيم « ق�ضية املر أ�ة ونف�سية اال�ستبداد « أ لل�ستاذ الدكتور �سعد الدين العثماين. ألنَّ االهتمام مب�س أ�لة النظرة �إىل املر أ�ة ودورها يف جمتمعنا ،ومواجهة العوائق النف�سية والثقافية واالجتماعية التي حتول دون تزايد ذلك الدور ،مهمة يجب أ�ن ي�ضطلع بها اجلميع ،وتعب أ� لها اجلهود ،واملو�ضوع ح�سا�س ،يحتاج �إىل أ�ن ُيبنى على ر ؤ�ية �إ�سالمية ح�ضارية خمل�صة من �شوائب القرون ،ومن �إباحية التغريب� ،إن أ المر جد؛ ألنه يتعلق بن�صف املجتمع ،فبدون حياته فال حياة للمجتمع ،وبدون حيويته فال حيوية يف املجتمع. وجاءت احل�ضارة املادية احلديثة للتنتقل باملر أ�ة من مادية �إىل مادية، ومن ا�ستغالل �إىل ا�ستغالل ومل تخرج مع أ ال�سف ال�شديد يف �سلوكها العام عن الرتكيز على ج�سد املر أ�ة ومفاتنها ،لكن بوجه أ�ب�شع و أ�ف�ضع ،ول�سنا ننكر أ�ن املر أ�ة ا�ستفادت من هذه احل�ضارة التي تعي�شها الب�شرية اليوم، ح�ضور ًا يف �ساحات املجتمع أ�كرب مما حتقق من قبل ،لكن وقع يف املقابل ا�ستغالل ج�سد املر أ�ة ألهداف عدة ب�صورة مل ي�شهد لها التاريخ مثي ًال. ال�سالمي و�سط بني الطرفني :رف�ض لظلم املر أ�ة وتهمي�شها ومعاملتها بالدونية والتنقي�ص ،ورف�ض لتحويلها والطرح إ والثارة� .إنه بتعبري القر آ�ن «تكرمي» بكل ما حتمله الكلمة من معنى: للغراء إ �إىل م�شروع جن�س و�صورة إ
(ال�سراء.) 70: ( َو َل َق ْد َك َّر ْم َنا َب ِني آ� َد َم ) إ وتناول الكاتب دور املر أ�ة بني الت�شدد والت�شييء ،وموقف احل�ضارة املادية احلديثة من املر أ�ة من ت�شييء �إىل ت�شييء، ال�سالم أ�عظم حركة حترير ال�سالمية ال�صافية من امل�صادر ،و أ�ن إ وق�ضية املر أ�ة بني اخل�صو�صية والكونية ،والر ؤ�ية إ ودفاع عن املر أ�ة يف تاريخ الب�شرية ،ي�شهد لذلك أ�ن أ�غلب آ�يات القر آ�ن و أ�حاديث الر�سول �-صلى اهلل وعليه و�سلم- املتحدثة عن املر أ�ة �إمنا أ�تت رافعة للظلم عنها وملغية لكثري من أ العراف.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
125
إصدارات المنتدى
َّ الوسطية وإعادة بناء الفكر الديني في سياق البحث عن شراكة في اإلسهام الحضاري (مقاربة نقدية) عبد الرحمن الحاج /رئيس تحرير الملتقى الفكري لإلبداع -ماليزيا
الملخص: يتناول هذا الكتاب احلركة التاريخية ملحاوالت �إعادة بناء الفكر الديني وظروفها التاريخية ،وعالقتها مب�ساعي النهو�ض و أ��سئلتها ،وكيف ولد من هذه املحاوالت النهج الو�سطي ،وي ؤ�كد الكتاب أ�ن الفكر الو�سطي هو وليد جمموعة من املبادئ التي آ�من بها امل�صلحون� ،إال أ�ن عدم و�ضوح بع�ض تلك املبادئ أ�دى �إىل انق�سام تيار الو�سطية بني نزعة ميينية �سلفية و أ�خرى حتديثية ،ومع تطورات أ الحداث ف�إن تيار الو�سطية بد أ� أ�هميته تنتقل من العمل الفكري (ال�سالمي) �إىل العمل االجتماعي وحماولة �إعادة بناء الفكر الديني إ ال�سالمية من التطرف ،مع موجة العنف التي وحماية املجتمعات إ جتتاح املنطقة بعد أ�حداث أ�يلول �سبتمرب وما �سمي أ�مريكي ًا باحلرب الرهاب. على إ كما حاول الكتاب نقد بنية الفكر الو�سطي ،وبيان حدود الرهان عليه ال�سالمي ،و أ�ن الفكر الو�سطي ميثل يف حتقيق النه�ضة املزمنة للعامل إ قنطرة عبور لوالدة تيارات واجتاهات فكرية فل�سفية تقوم تلك بدورها بعد ذلك ب�إعادة البناء وبناء أ�ن�ساق فكرية جديدة ميكن أ�ن نعقد عليها آ وال�سهام احل�ضاري الحق ًا. المال يف النهو�ض إ ويركز الكتاب أ�ي�ض ًا على أ�ن بقاء الو�سطية بعيد ًا عن املعرفة الغربية احلديثة وفل�سفتها يقلل �إمكاناتها على اخللق والبداع ،و أ�ن احل�سا�سية من الغرب ال�سيا�سي والع�سكري املتفوق عدة وعتاد ًا يجب أ� اّل متنعنا من ا�ستثمار معارفه إ الن�سانية أ�و ًال ،والتكنولوجية بحجة احلفاظ على الهوية؛ ألن بوابة الدخول �إىل الع�صر هي املعرفة ،واملعرفة إ
ثاني ًا. �إن حماية الهوية ـ كما ينتهي �إليه الكتاب ـ نقت�ضي الدخول مع الع�صر واال�شتباك مبعارفه واالنفتاح عليه يف �إطار قيم �إ�سالمية وا�ضحة ،ودون ذلك ف�إن حماية الهوية واخلوف الذي ي�صل �إىل حد الو�سوا�س القهري �سيجعل من خطاب الهوية (احلفاظ على الهوية) عائق ًا أ�مام نهو�ضنا. 126
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
قواعد و�شروط الن�شر يف جملة الو�سطية ي�سر أ��سرة حترير جملة الو�سطية والتي ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية أ�ن ت�ستقبل م�ساهمات أ��صحاب القلم ُ أ والجتماعية وال�سيا�سية والفكرية الن�سانية إ ال�سالمي والعلوم إ من ال ُكتاب واملثقفني والباحثني يف �ق�سام الفكر إ ال�سالمي الراهن ،وكل ما له �صلة بق�ضايا و� ؤ ش�ون ال�ساحة والرتبوية ،واملو�ضوعات ذات ال�صلة بامل�شروع احل�ضاري إ ال�سالمية املعا�صرة على وجه العموم... الثقافية إ وترى أ��سرة التحرير أ�ن تكون املواد املر�سلة وفق ال�شروط التالية: تراعى يف املادة املر�سلة القواعد املتعارفة يف البحث العلمي من نواحي توثيق امل�صادر واملراجع والن�صو�ص ،واملو�ضوعية والبتعاد عن أ ال�سلوب اخلطابي. واملنهجية يف الكتابة ،إ اللتزام بالبحث املو�ضوعي احلر والهادئ ،البعيد عن كل أ��شكال التهجم أ�و امل�سا�س بال�شخ�صيات. ت ؤ�كد املجلة على إ �ضرورة و�ضوح لغة البحث وجتنب اتباع أ واللتزام بعمق املعنى ،مع مراعاة ال�سلوب املعقد وامل�صطلحات الغام�ضة إ اجلوانب أ الدبية واجلمالية يف الكتابة. تقرتح املجلة أ�ن تدور الكتابات والبحوث حول املحاور التالية: والرهاب ،العنف والالعنف ،احرتام الر أ�ي آ الن�سان، الخر ،حقوق إ والعتدال ،التطرف إ درا�سات �إ�سالمية ،الو�سطية إ ال�سالم وال�سيا�سة..... ال�سالم ،علوم قر آ�نية ،إ العالم يف إ ال�سالمي ،إ العوملة ،الفكر والفكر إ
آ الراء الواردة يف املجلة متثل وجهة نظر أ��صحابها ،وال تعرب بال�ضرورة عن ر أ�ي هيئة التحرير. تر�سل أ العمال �إىل امل�شرف العام على املجلة على العنوان التايل: أ الردن ـ عمان ـ �شارع اجلمعية العلمية امللكية ـ تلفون 5356329ـ فاك�س +962 – 6 – 5356349 �ص ب 2149رمز بريدي 11941 Fax- 5356349- jordan tel-+962-6-5356329- .o.box: 11941- 2149 E-mail: mod.inter@yahoo.com info@wasatyea.org moderation_assembly@yahoo.com www.wasatyea.org:website
ترحب املجلة مب�ساهمات وم�شاركات أ الخوة الكتاب والعلماء واملفكرين. ما ين�شر يف هذا العدد يعرب عن آ�راء الكتاب أ�نف�سهم وال يعك�س بال�ضرورة آ�راء هيئة التحرير أ�و �سيا�سة املنتدى. ت�صدر مبوجب املادة ال�ساد�سة من النظام أ ال�سا�سي للمنتدى العاملي للو�سطية.
السنة الثانية -العدد الثاني -جمادى األولى / 1430أيار 2009م
127