العدد الأول من مجلة الحرمل - Alharmal 01 10 2014 (1)

Page 1

‫عين العرب (كوباني) في عيون أهلها‬

‫‪1‬‬

‫الحريــة دامئــــاً‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫‪Herdaim Özgürlük‬‬

‫‪AL harmal‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريين‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫مفتتح الكالم‬

‫الجحيم السوري وجنته املرتقبة‬

‫مجزرة شارع تل أبيض‬ ‫شاهد عيان للمجزرة التي ارتكبها طريان النظام يوم السبت يف شارع تل أبيض الرقة‪..‬‬ ‫كنــت أقــف بعــد ســينام الزه ـراء لجهــة الجنــوب فانقــض الطيــار بطائرتــه وأطلــق صاروخــن فانفجــرت يف بنــاء مقابــل فــرن األندلــس‪ ،‬وكان‬ ‫الشــارع يغــص بأهــايل البلــد‪ ،‬بعــد أن انقشــع الغبــار مل أ َر أحــدا ً ميــي أو يزحــف أو حتــى يتحــرك‪ ،‬وأنــا رجــل تجــاوزت الســتني مــن العمــر ال‬ ‫ـض طيــار آخــر وقصــف منطقــة جامــع‬ ‫أســتطيع فعــل يشء فناديــت يــا نــاس يــا عــامل أيــن أهــل املــر ّوة انجــدوا إخوتكــم؟! يف هــذه األثنــاء انقـ ّ‬ ‫الرشاكســة املجــاور‪ .‬اتجــه املئــات مــن أهــل البلــد يلبــون نــداء الواجــب يف محاولــة رفــع األنقــاض وإســعاف الجرحــى‪ ،‬وبعــد الغــارة األوىل مبــدة‬ ‫‪ 12‬دقيقــة متامـاً انقضّ ــت طائــرة ثانيــة أو هــو نفســه وأطلــق صاروخــن عــى نفــس املــكان األول حيــث األهــايل تج ّمعــوا لإلنقــاذ‪ ،‬انقشــع الغبــار‬ ‫مل أ َر أحــدا ً‪ .‬أيــن تب ّخــروا ال أعــرف فيــا أخــي ال تحــاول إقناعــي أ ّن الشــهداء أقــل مــن ‪ 200‬فلــن أصدقــك وأك ـذّب عينــي؟!‬

‫آثار سورية يف مهب الريح‪..‬؟!‬ ‫تعرضــت مواقــع عــدة لقصــف الطـران واملدافــع والصواريــخ أتــت عــى معظــم القــاع األثريــة‪ ،‬والجوامــع والكنائــس‬ ‫القدميــة يف درعــا وحمــص وديــر الــزور والرقــة وحلــب ودمشــق‪ ،‬وكان أبرزهــا الســوق القديــم (ســوق املدينــة)‪،‬‬ ‫ومســجد بنــي أميــة يف حلــب‪ ،‬وقلعــة الحصــن‪ ،‬وقلعــة حمــص القدميــة‪ ،‬وأديــرة معلــوال‪ ،‬واملســجد العمــري يف درعــا‪،‬‬ ‫واملواقــع األثريــة التــي نجــت مــن القصــف تعرضــت لنهــب ممنهــج‪..‬‬

‫ماجد رشيد العويد‬ ‫هــل م ـ ّر ســندباد ألــف ليلــة وليلــة بأهــوال تعــادل أهــوال الســوري‪،‬‬ ‫وهــل مــن روايــة اســتطاع خيــال صاحبهــا تصويــر الجحيــم مبعنــاه الدينــي‬ ‫والدنيــوي؟ بــل كذلــك لــو ذهبنــا إىل الكتــب الســاوية فإنهــا مل تــزد عــى‬ ‫أن قدمــت صــورة للجحيــم اســتطاع العقــل البــري مقاربتهــا‪ ،‬واســتطاع‬ ‫متثــل الهيئــة التــي جــاءت عليهــا وعمــل عــى نفيهــا مــن ســاحة التأثــر‬ ‫عليــه‪.‬‬ ‫بالقطــع واليقــن الراســخ ســيكون الجــواب ال‪ ،‬وهــذه اإلجابــة تجعلنــا‬ ‫نصــدق مــن غــر بحــث ومــن دون تــأن أن الواقــع ليــس فقــط أغــرب مــن‬ ‫الخيــال وإمنــا كذلــك «يجــود» مبــا ال تصدقــه العــن وهــي ت ـراه‪ ،‬وال يعيــه‬ ‫العقــل وال يجــد ســبيالً يف هــذه الدوامــة إىل حــل يرتجــي منــه الوقــوف‬ ‫عــى هــذه املــآالت‪ .‬فمــن املــوت عندمــا كان الحــراك ســلمياً إىل املــوت‬ ‫تحــت التعذيــب‪ ،‬وتلــك الصــور التــي ال يتحملهــا عقــل بــري‪ ،‬إىل املــوت‬ ‫بالطائــرات والصواريــخ والرباميــل املتفجــرة إىل املــوت غرقــاً هربــاً مــن‬ ‫املــوت الــذي ســكن أزقــة وســبل ســوريا كلهــا‪.‬‬ ‫يعيــش الســوري ثــورة مغمســة بدمــه‪ .‬هــذه الثــورة أخــذ بهــا قـرارا ً ال ميلــك‬ ‫أن يرتاجــع عنــه حتــى نوالــه حريتــه وكرامتــه‪.‬‬ ‫ومل يكــن الجحيــم يومـاً عــى غــر الصــورة التــي ســعت األديــان إىل تقدميهــا‬ ‫بقصــد ترهيــب البــر وأخذهــم إىل جــادة الحــق والخــر والجامل املشــتهى‬ ‫إنســانياً‪ ،‬بينــا ظــل الجحيــم الســوري يشــتعل بقصــد إخافــة الســوري‬ ‫وإعادتــه إىل الحظــرة‪ .‬الالفــت هنــا مقــدرة الســوري عــى االســتمرار‬ ‫بالرغــم مــن إطالــة عمــر النزيــف‪ ،‬وأن الثابــت ذهابــه إىل حريتــه وكرامتــه‬ ‫عــر هــذا الثمــن الباهــظ مــن الضحايــا البرشيــة وتدمــر املمتلــكات‪.‬‬ ‫الثابــت اآلخــر أن الطاغيــة املتوســطي والســوري عــى وجــه التحديــد‬ ‫اســتفاد كث ـرا ً مــن األدبيــات التاريخيــة والدينيــة يف تطويــر العقــل النــازع‬ ‫إىل الجرميــة «املثاليــة» إن صــح التعبــر عــر ســلخ الجلــود وقطــع الــرؤوس‬ ‫مســتفيدا ً أو هــو يحــاول أن يســتفيد مــن الرعــب املســتقر يف النفــس‬ ‫البرشيــة عــر الرتبيــة التــي يتلقاهــا يوميــاً عــرات املــرات يف املنــزل‬ ‫واملدرســة‪ ،‬والتاريــخ العــريب حافــل عــر عصــوره كلهــا بصــور دالــة عــى زرع‬ ‫رسبــة عــر مــا يقــرب‬ ‫الرعــب‪ ،‬وليســت الفيديوهــات والصــور املرعبــة امل ّ‬ ‫مــن أربــع ســنوات ســوى النســخة املشــوهة ألصــل يحتفــظ بالرباعــة يف‬ ‫تربيــة الخــوف وتنميتــه ورعايتــه وتح ّولــه إىل رعــب رمبــا غــر قابــل للتكـرار‬ ‫عــى غــر يــدي األســدين‪.‬‬ ‫ونحــن يف الحرمــل نريــد متابعــة ثــورة القــرن التــي مل يشــهد التاريــخ مثلهــا‪،‬‬ ‫وأن نقــف عــى دقائقهــا وتفاصيلهــا ال يشــغلنا عنهــا أمــر مهــا كــر‪ ،‬ولهــذا‬ ‫فــإن سياســة الصحيفــة تقــوم ابتــداء عــى احــرام املكونــات الســورية‬ ‫جميعهــا وتحــاول مخاطبــة الســوريني بــا اســتثناء ومــن خاللهــم مخاطبــة‬ ‫العــامل ومــن قبلــه اإلقليــم‪ ،‬ســاعية إىل دور مســاهم يف إســقاط النظــام‬ ‫الســوري مــرة واحــدة‪ ،‬والــذي بســقوطه ينفتــح البحــر األبيــض املتوســط‬ ‫عــى الحريــة‪ ،‬وهــذا مــا ال تريــده أنظمــة كثــرة‪ ،‬وهــو الســبب األهــم يف‬ ‫اســتمرار النزيــف الســوري‪.‬‬

‫سورية ومنظمات املساعدة الدولية‬

‫أكذوبة الوطن العربي األكرب‬

‫يف أبعاد هجرة ولجوء‬ ‫السوريني‬

‫يف الشــهر األول ‪ 2014‬كان عــدد املنظــات‬ ‫التــي تــدور حــول ســوريا يف دول الجــوار‬ ‫تركيــا ولبنــان واألردن والعـراق ‪ 450‬منظمــة‪ .‬قليـ ٌـل منهــا لــه‬ ‫مشــاريع يف الداخــل‪ ،‬كــا أ ّن فعاليتهــا قليلــة عــى الرغــم مــن‬ ‫كرثتهــا ومــ ْن ميزانياتهــا الكبــرة‪.‬‬

‫ســنوات قليلــة ماضيــة‪ ،‬وقــف‬ ‫املطربــون جنبـاً إىل جنــب ميثلــون‬ ‫أوطانهــم العربيــة‪ ،‬تصــدح‬ ‫أصواتهــم للحلــم العــريب وللوطــن العــريب األكــر‪ .‬الفضائيــات‬ ‫تعيــد وتكــرر األوبريــت ‪...‬‬

‫ليــس مــن بــاب الصدفــة‪ ،‬أن‬ ‫يصــل عــدد الالجئــن الســوريني‬ ‫يف بلــدان الجــوار إىل نحــو خمســة ماليــن نســمة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫األمــر بالنســبة ألعــداد الالجئــن الســوريني يف الــدول‬ ‫األوربيــة‪ ،‬واملقــدر عددهــم بأكــر مــن مائــة ألــف شــخص‪...‬‬

‫للدول والشعوب جميعها أو‬ ‫مبعظمها مراهقة أو اندفاعة‬ ‫شباب تكون فيها ممتلئة بالرغبة يف فعل استثنايئ‪ ،‬رمبا يف‬ ‫قفزة حضارية‪ ،‬ورمبا يف قفزة فكرية لصنع فلسفة تغري رؤية‬ ‫العامل لليوم وللغد‪..‬‬

‫عواملنا وعوامل الغرب‬

‫أمناط الرواية السياسية‬

‫من الشرق إىل الغرب‬

‫يف زيــارة يل إىل رومــا‪ ،‬مبناســبة‬ ‫تدشــن النســخة اإليطاليــة مــن‬ ‫روايتــي صائــد الريقــات‪ ،‬التقيــت بكثرييــن مــن متابعــي الثقافــات‬ ‫املختلفــة‪ ،‬مبــا فيهــا الثقافــة العربيــة‪ ،‬منهــم كاتــب إيطــايل مــن‬ ‫جيــل الشــباب‪ ،‬كان قــد نــر روايتــن مــن قبــل رســختاه كاتب ـاً‬ ‫معروفــاً يف بــاده‬

‫يُفهــم األدب الســيايس يف‬ ‫الغــرب‪ ،‬عــى أنــه ذلــك األدب‬ ‫الــذي يتخــذ مــن جدليــة العالقــة بــن الحاكــم واملحكــوم‬ ‫موضوعــاً لــه‪ ،‬مــع التأكيــد عــى أن هــذه العالقــة تتجــى يف‬ ‫موضوعــات شــتى‪ ،‬تشــتبك بالواقــع الســيايس‪..‬‬

‫‪5‬‬

‫أبو كزلك كعب الفنجان‬ ‫أنــا موجــوع‪ .‬يــدي تُشــوى اآلن فــوق‬ ‫ماســورة الرشــاش‪ .‬ال أســتطيع ســلخها‬ ‫عنــه‪ ،‬ال أعــرف ملــاذا تســخن هــذه‬ ‫املاســورة مثــل قســطل املدخنــة عــى ســطح بيتنــا هنــاك يف‬ ‫ضيعتــي “أم الزيتــون”…‬

‫‪10‬‬

‫‪5‬‬

‫‪12‬‬

‫داعش هل سقطت من السماء؟‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫بالطبــع ميكــن فهــم ملــاذا انتابنــا الغضــب‬ ‫لشــنق صــدام حســن صبيحــة يــوم عيــد‬ ‫األضحــى‪ ،‬والذيــن انتابهــم الغضــب ـ وأنــا منهــم ـ رمبــا مل يفهمــوا‬ ‫أو يستســيغوا ملــاذا كان بعــض العراقيــن ســعداء‪ ،‬بــل ويحتفلــون‬ ‫بهــذه النهايــة‪...‬‬

‫‪14‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫آثار سورية يف مهب الريح‪..‬؟!‬

‫الرقة أمنوذجاً‬

‫أرجــو أخــذ العلــم‪ ..‬أنــا بــدوري ســألتقي مبديــر آثــار محافظــة‬ ‫الرقــة اﻷســبق املوجــود حاليـاً يف أورفــا لتحديــد مصــدر اﻵثــار‪،‬‬ ‫وإىل أي زمــن تعــود وســأعمل بــدوري عــى توثيقهــا‪ ..‬ولــك‬ ‫الشــكر‪.‬‬ ‫وبعد أربع دقائق‪ ،‬جاءين الجواب مقتضباً وقاطعاً‪:‬‬

‫ُقــدر للشــعب الســوري أن يدفــع الثمــن غالي ـاً لقــاء خروجــه طلب ـاً لحريتــه وكرامتــه يف ثورتــه املباركــة‪،‬‬ ‫فدفــع الغــايل والنفيــس‪ ،‬مئــات اآلالف مــن الشــهداء‪ ،‬ومثلهــم مــن املعتقلــن واملغيبــن يف ســجون النظــام‬ ‫األســدي‪ ،‬ومئــات آالف الجرحــى واملعوقــن‪ ،‬وأكــر مــن عــرة ماليــن مهجريــن مــن ديارهــم قه ـراً وق ـراً‬ ‫بــن نــزوح داخــي ولجــوء يف دول الجــوار‪ ،‬وتدمــر نصــف ســوريا‪ ،‬شــمل املبــاين‪ ،‬واملســاكن املدنيــة‪ ،‬والبنــى‬ ‫بمجــرد مشــاهدة الصــور أقــول إنهــا قطــع مزورة‬ ‫التحتيــة يف املــدن واألريــاف‪ ،‬واملشــايف واملعامــل واملــدارس والجوامــع والكنائــس‪ ،‬واملواقــع األثريــة واملتاحــف‬ ‫وليســت أثريــة‪ ،‬هــي حاليـاً منتشــرة برتكيا‪.‬‬ ‫والقــاع‪ ،‬جــاء كل ذلــك تحــت شــعار «األســد أو نحــرق البلــد»‪.‬‬ ‫أتلــق أي رد عليهــا‪،‬‬ ‫وبعدهــا أرســلت رســائل متتابعــة مل‬ ‫َ‬

‫اآلثار شرف وضمري وهوية األمة‪..‬‬

‫بقــدر مــا كان الثمــن باهظـاً وغالياً بالنســبة لحياة النــاس‪ ،‬كان‬ ‫الثمــن عزيـزا ً عــى ســورية بالنســبة للمواقــع واللقــى األثريــة‬ ‫واملتاحــف‪ ،‬فقــد تعرضــت مواقــع عــدة لقصــف الطــران‬ ‫واملدافــع والصواريــخ أتــت عــى معظــم القــاع األثريــة‪،‬‬ ‫والجوامــع والكنائــس القدميــة يف درعــا وحمــص وديــر الــزور‬ ‫والرقــة وحلــب ودمشــق‪ ،‬وكان أبرزهــا الســوق القديــم (ســوق‬ ‫املدينــة)‪ ،‬ومســجد بنــي أميــة يف حلــب‪ ،‬وقلعــة الحصــن‪،‬‬ ‫وقلعــة حمــص القدميــة‪ ،‬وأديــرة معلــوال‪ ،‬واملســجد العمــري‬ ‫يف درعــا‪ ،‬واملواقــع األثريــة التــي نجــت مــن القصــف تعرضــت‬ ‫لنهــب ممنهــج‪ ،‬كــا تعرضــت بعــض التــال واملواقــع األثريــة‬ ‫داخــل وخــارج املــدن للحفــر والتجريــف بواســطة اآلليــات‬ ‫الثقيلــة مــن قبــل لصــوص اآلثــار بحثــاً عــا تكتنــزه األرض‬ ‫مــن لقــى أثريــة‪ ،‬وهــذا شــمل املواقــع التــي يســيطر عليهــا‬ ‫النظــام‪ ،‬واملواقــع التــي تخضــع لســيطرة قــوات املعارضــة‪،‬‬ ‫وأبرزهــا نهــب محتويــات مســتودعات ومتاحــف الرقــة وديــر‬ ‫الــزور ومــاري ودورا أوربــوس وهرقلــة وتوتــول والرحبــة‬ ‫وقرقيســيا وجعــر وزالبــا‪.‬‬ ‫أمــام هــذا التدمــر املمنهــج‪ ،‬والرسقــة والنهــب والحفــر‬ ‫والتنقيــب العشــوايئ‪ ،‬مــا هــو دور النظــام يف تدمــر هــذه‬ ‫املواقــع ونهــب ورسقــة تاريــخ البلــد؟ ومــا هــي أدوار قــوات‬ ‫املعارضــة يف الحفــاظ عــى آثــار ســوريا يف املواقــع الخاضعــة‬ ‫لســيطرتها؟ ومــا هــي التســهيالت التــي قُدمــت لتجــار اآلثــار‬ ‫يف نقــل القطــع واللقــى األثريــة إىل الخــارج وبيعهــا يف أســواق‬ ‫لبنــان وتركيــا وغريهــا مــن الــدول؟ ومــن يتاجــر بآثــار ســوريا‬ ‫ويريــد طمــس هويتهــا وإرثهــا الحضــاري؟ ومــا هــو موقــف‬ ‫منظمــة اليونســكو يف الحفــاظ عــى آثــار ســوريا؟ وأخــرا ً‬ ‫مــا هــو موقــف قــوى املعارضــة الســورية املمثلــة باالئتــاف‬ ‫الوطنــي والحكومــة الســورية املؤقتــة؟ وهــل تداعــى أحــد‬ ‫لوقــف هــذا التدمــر املمنهــج والرسقــة التــي تجــري جهــارا ً‬ ‫نهــارا ً إن كان بالتنديــد أو الشــجب أو تحريــك اليونســكو‬ ‫والرشطــة الدوليــة للقبــض عــى لصــوص وتجــار اآلثــار‬ ‫ومحاســبتهم وإعــادة املرسوقــات؟‬

‫بوابة تهريب اآلثار‪ ..‬من الرقة إىل تركيا‬

‫األخــرى‪.‬‬ ‫إىل أن دانــت عمــوم محافظــة الرقــة لســيطرة الدولة اإلســامية‬ ‫الكاملــة‪ ،‬والتــي ال تعطــي بــاالً ملثــل هــذه املواضيــع‪ ،‬وتجيــز‬ ‫كــا القــوى اإلســامية األخــرى املتاجــرة باللقــى األثريــة‪،‬‬ ‫والبحــث والتنقيــب يف املواقــع املختلفــة واملنتــرة يف كل‬ ‫مــكان‪ ،‬حيــث ال تدخــل أعــال املتاجــرة والحفــر يف بــاب‬ ‫التحريــم مطلقـاً‪ .‬لذلــك نشــطت هــذه األعــال جهــارا ً نهــارا ً‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة للنظــام فقــد قــام بقصــف املــدن بالطائــرات‬ ‫والدبابــات واملدافــع والصواريــخ‪ ،‬ومل يســت ِنث ال البــر وال‬ ‫الحجــر وال النبــات والشــجر‪ ،‬وأخــذ يف طريقــه اآلثــار والتــال‬ ‫والقــاع والحصــون‪ ،‬واغتــال ذاكــرة املــكان‪ ،‬وطمــس كل يشء‬ ‫للحفــاظ عــى ملــك زائــل‪ ،‬وشــارك تجــار اآلثــار مجموعــة مــن‬ ‫املتنفذيــن والضبــاط الذيــن ســهلوا عمليــات تهريــب آثــار‬ ‫ســوريا وبيعهــا يف الخــارج‪.‬‬ ‫يف مدينــة شــانيل أورفــا الرتكيــة‪ ،‬تركــزت معظــم عمليــات بيــع‬ ‫القطــع األثريــة املنهوبــة مــن محافظــات حلــب والرقــة وديــر‬ ‫الــزور والحســكة‪ ،‬ومنــذ نحــو خمســة أشــهر بدأنــا نســمع‬ ‫عــن بيــع رقيــات مســارية‪ ،‬ودمــى‪ ،‬وأختــام‪ ،‬وقطــع خزفيــة‪،‬‬ ‫ومســكوكات ذهبيــة‪ ،‬وحــي ومجوهــرات ذهبيــة وفضيــة‪،‬‬ ‫ومخطوطــات نــادرة لإلنجيــل املقــدس والتــوراة‪ ،‬ولوحــات‬ ‫ذهبيــة‪ ،‬وأيقونــات تعــود ألزمــان موغلــة يف القــدم‪.‬‬ ‫حصلنــا يف بدايــة األمــر عــى صــور فوتوغرافيــة عــدة لقطــع‬ ‫نــادرة‪ ،‬فتوجهنــا بدايــة إىل الســيد هــادي البحــره رئيــس‬ ‫االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة واملعارضــة الســورية عــر‬ ‫االنرتنــت‪ ،‬وعــى صفحتــه الخاصــة‪ ،‬ونقلنــا إليــه همومنــا‬ ‫وهواجســنا يف هــذا الحــوار عــى الخــاص وننقلــه بتفاصيلــه‬ ‫كــا حــدث‪:‬‬ ‫يف متــام الســاعة الخامســة وأربــع دقائــق مــن صبــاح يــوم‬ ‫‪ ،2014/7/31‬بعثــت بالرســالة التاليــة إىل الســيد هــادي البحرة‬ ‫عــر صفحتــه التــي أكــد يل يف حــوار ســابق أنهــا صفحتــه‬ ‫الوحيــدة والتــي يديرهــا ويــرف عليهــا بنفســه‪ ،‬متضمنــة‬ ‫عــددا ً مــن الصــور لقطــع أثريــة مختلفــة‪:‬‬ ‫اﻷستاذ هادي‪..‬‬

‫ســنأيت عــى كل هــذه األســئلة مــن خــال تحقيقنــا ومتابعتنــا‬ ‫ملوضــوع آثــار ســوريا‪ ،‬وســيتم الرتكيــز أكــر حــول آثــار‬ ‫محافظــة الرقــة‪ ،‬كونهــا املحافظــة األوىل التــي جــرى تحريرهــا‬ ‫مــن قبضــة النظــام‪ ،‬وخروجهــا متامــاً عــن ســيطرته‪ ،‬إضافــة‬ ‫لكونهــا أحــد أهــم املم ـرات اآلمنــة باتجــاه تركيــا‪.‬‬ ‫يف بدايــة شــهر آذار مــن العــام ‪ 2013‬خرجــت الرقــة عــن‬ ‫ســيطرة النظــام‪ ،‬وخضعــت لســيطرة قــوى املعارضــة املســلحة‪،‬‬ ‫املتمثلــة باأللويــة والكتائــب األكــر قــوة وهــي حركــة أح ـرار‬ ‫الشــام وجبهــة النــرة ولــواء ثــوار الرقــة وأحفــاد الرســول‬ ‫وأمنــاء الرقــة‪ ،‬وتوزعــت هــذه األلويــة املواقــع الرســمية التــي‬ ‫كان مــن ضمنهــا متحــف الرقــة األثــري‪ ،‬واملــرف املركــزي‬ ‫الــذي كان يتضمــن إضافــة للــال وودائــع القطــع األجنبــي‬ ‫ثالثــة صناديــق تحــوي نحــو ‪ 550‬قطعــة أثريــة هــي مــن أنــدر‬ ‫القطــع واللقــى األثريــة التــي تــم اكتشــافها يف محافظــة الرقــة‪،‬‬ ‫وكان هــذا املــرف مــن نصيــب حركــة أح ـرار الشــام التــي‬ ‫ترصفــت بــكل هــذه املحتويــات دون حســيب أو رقيــب‪.‬‬ ‫يف بدايــة التحريــر كان إلحــاح الناشــطني والح ـراك املــدين يف‬ ‫الســؤال عــن مصــر أمــوال الرقــة وآثارهــا كبـرا ً‪ ،‬وكان الجــواب‬ ‫واضحـاً ورصيحـاً‪ ،‬كلهــا يف أيــا ٍد أمينــة‪ ،‬وال داعــي للقلــق‪ ،‬لكــن‬ ‫هــذا الصــوت واإللحــاف بالســؤال بــدأ يخفــت شــيئاً فشــيئاً‬ ‫أمــام قــوة الســاح‪ ،‬وعمليــات االغتيــال واالعتقــال والخطــف‬ ‫املتكــررة‪ ،‬وبدأنــا نســمع عــن قصــص عــدة لتهريــب اآلثــار إىل‬ ‫الخــارج‪ ،‬ونشــاط لحركــة بيــع القطــع واللقــى األثريــة يف املــدن‬ ‫الرتكيــة خاصــة‪ ،‬ويف أســواق لبنــان وغريهــا مــن دول الجــوار‪ ،‬تحيــة‪ ..‬هــذه صــور لقطــع أثريــة ســورية تبــاع اﻵن يف ســوق‬ ‫وأغلــب القامئــن عــى عمليــات البيــع هــم مــن حملــة الســاح اﻵثــار يف مدينــة شــانيل أورفــا الرتكيــة‪ ..‬القطــع مــن املحتمــل‬ ‫ممــن انضــووا تحــت لــواء الجيــش الحــر‪ ،‬واأللويــة اإلســامية أنهــا مرسوقــة مــن محافظــة ديــر الــزور وتحديــدا ً مــن مــاري‪،‬‬

‫وكانــت يف أغلبهــا محــاول لدفــع الســيد البحــرة إىل االهتــام‬ ‫باملوضــوع أكــر‪.‬‬ ‫الرســالة األوىل‪ :‬اﻹنجيــل املعــروض وصــل ســعره إىل أكــر مــن‬ ‫‪ 600‬ألــف دوﻻر‪ ،‬وعــى كل حــال موجــود يف أورفــا م‪.‬غ وهــو‬ ‫كان يشــغل منصــب مديــر اﻵثــار يف الرقــة‪ ،‬وســأعرض عليــه‬ ‫الصــور للتأكــد فيــا إذا كانــت مــزورة أم صحيحــة‪.‬‬ ‫الثانيــة‪ :‬أســتاذ هــادي‪ ..‬أنــا اشــتغلت مــادة حــول آثــار الرقــة‬ ‫إبــان تحريرهــا‪ ،‬حيــث تــم الســطو عــى ثالثــة صناديــق‬ ‫مودعــة يف البنــك املركــزي‪ ،‬وتحتــوي عــى نحــو ‪ 550‬قطعــة‬ ‫أثريــة وهــي مــن القطــع النــادرة مــن آثــار الرقــة‪ .‬طبعـاً تــم‬ ‫الســطو عــى كامــل محتويــات البنــك املركــزي مــن أمــوال‬ ‫وقطــع أجنبــي وودائــع أخــرى‪.‬‬ ‫الثالثــة‪ :‬لــدي صــور لعــدد أكــر مــن القطــع اﻷثريــة‪ ،‬وأنــا‬ ‫آســف إلزعاجــك‪ ،‬مل أكــن أتصــور أنــك مســتيقظ يف هــذا‬ ‫الوقــت‪ ،‬وأحييــك عــى اهتاممــك ويقظتــك يف هــذا الوقــت‪،‬‬ ‫وهــذا يبعــث الطأمنينــة يف قلبــي‪ ،‬وأعتقــد أننــا مازلنــا بخــر‪.‬‬ ‫لكــن مل ِ‬ ‫يــأت أي رد مطلقــاً‪ ،‬ومل أعــاود االتصــال بالبحــرة‬ ‫مــرة أخــرى‪ ،‬بعــد أن قطــع عــي بإجابتــه األوىل كل الطــرق‬ ‫والســبل‪ ،‬وق ـ ّدرت أن إجابتــه فيهــا إحالــة لثالثــة احتــاالت‪،‬‬ ‫االحتــال األول أنــه خبــر باآلثــار‪ ،‬والثــاين أنــه رشيــك تجــار‬ ‫اآلثــار‪ ،‬والثالــث الالمبــاالة‪ ،‬وأنــا بتقديــري أرجــح احتــال‬ ‫الالمبــاالة وعــدم االكـراث‪ ،‬فالرجــل ال يريــد أن يشــغل بالــه يف‬ ‫التاريــخ واآلثــار‪ ،‬وشــغله الشــاغل اإلنســان قبــل أي يشء آخــر‪،‬‬ ‫ومــآالت ومســارات الثــورة تؤكــد أنــه وســابقيه مل ينجحــوا ال يف‬ ‫الحفــاظ عــى حقــوق النــاس وحياتهــم‪ ،‬فكيــف نريــد منهم أن‬ ‫يحافظــوا عــى تاريــخ وآثــار البلــد؟!!‪ .‬وكان األجدى أن يســتنفر‬ ‫طاقــات مستشــاريه ومســاعديه وتكليــف مختصــن مبتابعــة‬ ‫هــذا الشــأن املتعلــق بتاريــخ وهويــة ســوريا‪ ،‬لكــن بظنــي أن‬ ‫شــيئاً مــن هــذا مل يحــدث‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫إلعادتهــا إىل مكانهــا يف املتحــف‪..‬‬ ‫باملجمــل ممكــن أن تكــون هــذه القطــع نتيجــة أعــال‬ ‫تنقيــب غــر مرشوعــة بالتــال األثريــة وشــكرا ً لــك مــرة ثانيــة‪.‬‬ ‫ويف رســالة ثانيــة‪ ،‬طلبــت منــه كيفيــة رفــع طلــب إىل الرشطــة‬ ‫الدوليــة‪ ،‬ومــا هــي الجهــة التــي نقلــت مقتنيــات متحــف‬ ‫الرقــة إىل مدينــة الطبقــة؟‬ ‫ مــا هــي الطريقــة لرفــع طلــب إىل الرشطــة الدوليــة لحاميــة‬‫اآلثــار؟‪ ..‬نحــن هنــا يف تركيــا نريــد رفــع طلــب بهــذا الخصوص‪.‬‬ ‫يل‪:‬‬ ‫فرد ع ّ‬

‫أســتاذ واللــه نحــن عــن طريــق اليونســكو‪ ،‬ومــا كثــر يــردون‬ ‫أوالد‪ ...‬يريــدوا أن يرسقــون ويبيعــون‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة ملقتنيــات متحــف الرقــة‪ ،‬فقــد نقلتــه إحــدى‬ ‫الكتائــب إىل مدينــة الطبقــة‪ ،‬بواســطة شــخص اســمه «أبــو‬ ‫طــال» وقــد استشــهد فيــا بعــد بالقــرب مــن مطــار الطبقــة‪.‬‬ ‫وأرســلت رســالة إىل أمــن متحــف الرقــة للحصــول عــى إجابــة‬ ‫دقيقــة تؤكــد بحثنــا وتقصينــا يف موضــوع اآلثــار‪.‬‬ ‫األخ‪ ...‬تحية‪..‬‬ ‫‪ -1‬تحديــد عــدد القطــع اﻷثريــة املوجــودة يف متحــف الرقــة‪،‬‬ ‫والتــي تــم نقلهــا إىل مدينــة الطبقــة وتفقدتهــا أنــت واألســتاذ‬ ‫أ‪.‬ف‪ ،‬واســم الكتيبــة التــي عرضــت عليكــم القطــع‪.‬‬ ‫توصيــف القطــع التــي كانــت مودعــة يف البنــك املركــزي‬ ‫وعددهــا‪.‬‬ ‫‪ -2‬الصــور التــي بــن يديــك (املرســلة منــي) إىل أي زمــن تعــود‬ ‫وعائديتهــا إىل أي متحــف أو مســتودع‪.‬‬ ‫‪ -3‬كيــف نســتطيع اســرجاع آثارنــا مــن اللصــوص والتجــار‬ ‫آثار الرقة يف السوق السوداء العاملية‬ ‫ومهمــة منظمــة اليونســكو ومــاذا تفعــل؟‬ ‫‪ -4‬مواقــع الرقــة اﻷثريــة التــي نُهبــت وغريهــا مــن املواقــع‬ ‫التــي تــم التنقيــب فيهــا بشــكل عشــوايئ‪ .‬التخريــب الــذي‬ ‫حصــل باملواقــع اﻷثريــة ومــدى تأثــره التاريخــي‪.‬‬ ‫أي يشء إضايف تحب أن تضيفه‪.‬‬ ‫وتضمن رده اآليت‪:‬‬ ‫أســتاذ‪ ..‬الصــور التــي تتضمــن قطعــاً نقديــة ال تعــود إىل‬ ‫متحــف الرقــة‪ ،‬أمــا إن كانــت أصليــة أو مزيفــة فهــي ال تعــرف‬ ‫عــن طريــق الصــور بــل مالمســة باليــد‪ ،‬أمــا بالنســبة للقطــع‬ ‫األثريــة املحفوظــة يف البنــك املركــزي فعددهــا ‪ /547/‬قطعــة‪،‬‬ ‫ويف نفــس التاريــخ أرســلت رســالة تتضمــن الصــور إىل اآلثــاري وهــي قطــع ذهبيــة وفضيــة وحــي‪ ،‬وأختــام‪ ،‬ورقيــات‬ ‫أ‪.‬ف رئيــس شــعبة التنقيبــات يف دائــرة آثــار الرقــة‪ ،‬ومديرهــا مســارية‪ ،‬وعــدد القطــع املرسوقــة مــن متحــف الرقــة‬ ‫الحقـاً‪:‬‬ ‫بحســب الجــرد مــن القطــع املســجلة وغــر املســجلة فقــد‬ ‫أســتاذ أ‪ ....‬هــذه صــور لقطــع أثريــة ومخطوطــات تبــاع اﻵن تجــاوزت ‪ /1200/‬قطعــة‪.‬‬ ‫يف تركيــا‪ ،‬إذا يف إمكانيــة تقديــر مــدى أثريتهــا وعائديتهــا إىل‬ ‫أي متحــف‪ ،‬وإىل أي زمــن تعــود‪ ،‬وهــل نســتطيع مــن خــال‬ ‫الصــورة تحديــد إن كانــت مزيفــة؟ وبتقديــرك أيــن اســتطاع‬ ‫الذيــن رسقــوا آثــار الرقــة بيعهــا؟ وكيــف نســتطيع إعــادة‬ ‫القطــع األثريــة املنهوبــة إىل ســوريا؟‪ ..‬وأشــكرك جزيل الشــكر‪.‬‬ ‫وجاءين الرد رسيعاً‪:‬‬ ‫أه ـاً أســتاذ‪ ..‬أول يشء شــكرا ً عــى غريتــك عــى آثــار الرقــة‪،‬‬ ‫ألننــي ظننــت أن أهــل الرقــة نســوها‪ ..‬عــى كل أســتاذ‪..‬‬ ‫‪ -1‬آثــار الرقــة أغلبهــا زجــاج وخــزف عبــايس ورقيــات‬ ‫مســارية‪.‬‬ ‫‪ -2‬النقود ذهبية حقيقية عىل األغلب من فرتة جوستنيان‪.‬‬ ‫‪ -3‬اإلنجيــل ظهــر كثــر منــه مبنطقــة تــل مركــدة يف الحســكة‪،‬‬ ‫ويبــدو أنــه أصــي‪.‬‬ ‫‪ -3‬باقي القطع غري أصلية لسوء تصنيعها‪.‬‬ ‫بــن معــك أي يش خــزف أو زجــاج شــفاف أو متاثيــل‬ ‫‪ -4‬إذا َّ‬ ‫طينيــة وليســت حجريــة فهــي حت ـاً مــن الرقــة‪ ،‬ويــا ريــت‬ ‫تعلمنــا مــن أجــل أن نعمــل عــى مراســلة الرشطــة الدوليــة‬


‫حرمل الصحافة‬

‫‪3‬‬

‫ثورة ما ال يريده السوريون‬

‫واقع اآلثار يف الرقة منذ بدء الثورة السورية‪.‬‬ ‫•تعرض متحف قلعة جعرب للرسقة يف بداية األحداث الراهنة التي تعيشها سورية‪.‬‬ ‫• تعرضــت مســتودعات هرقلــة ملحاولــة الرسقــة يف بدايــة تحريــر الرقــة‪ ،‬لكــن بجهــود أهــايل املنطقــة وحـراس‬ ‫املوقــع وبعــض العاملــن يف دائــرة اآلثــار‪ ،‬الذيــن اتصلــوا باملســؤولني (الهيئــة الرشعيــة والكتائــب الثوريــة العاملــة‬ ‫يف الرقــة) تــم منــع التعــدي‪ ،‬لكــن مــن آثــاره العبــث بنتائــج تنقيــب البعثــات األثريــة‪ ،‬وتكســر وتحطيــم عــدد‬ ‫كبــر مــن القطــع الفخاريــة التــي تفيــد البحــث العلمــي‪.‬‬ ‫•تعرضــت بعــض التــال واملواقــع األثريــة داخــل وخــارج مدينــة الرقــة للحفــر والتجريــف بواســطة اآلليــات‬ ‫الثقيلــة مــن قبــل لصــوص اآلثــار‪ ،‬وأبرزهــا تــل زبــن عــى ضفــاف البليــخ‪ ،‬وعــدد مــن التــال املنترشة عــى ضفتي‬ ‫البليــخ والفـرات‪ ،‬وهــذه العمليــات تســهم يف طمــس وتخريــب معــامل هويــة منطقتنــا التاريخيــة والحضاريــة‪.‬‬ ‫•آخــر التعديــات حصلــت عــى موقــع قــر البنــات داخــل مدينــة الرقــة‪ ،‬تــم خاللهــا رسقــة محتويات املســتودع‪،‬‬ ‫وهــي عبــارة عــن عينــات لكــر فخاريــة للدراســة واألبحــاث األثريــة‪ ،‬وبعــد رسقتهــا تــم إرضام النــار باملســتودع‪،‬‬ ‫ورسقــة األبــواب الحديديــة‪ .‬علـاً أن هــذا العمــل غايتــه طمــس هويــة وحضــارة هــذا املعلــم األثــري الهــام الــذي‬ ‫يعــود إىل العــر العبــايس‪.‬‬

‫حوار غري معلن مع أحد تجار اآلثار‬ ‫وخــال عمليــة تقــي ومتابعــة عمليــات بيــع القطــع األثريــة‬ ‫املرسوقــة‪ ،‬تتبعنــا حــوارا ً بــن أحــد تجــار اآلثــار (ط‪.‬ف)‪ ،‬وأحــد‬ ‫ناشــطي الثــورة الســورية (أ‪.‬ع)‪ ،‬الــذي أجــرى االتصــال أمامنــا‬ ‫واســتدرج التاجــر يف هــذا الحــوار‪:‬‬ ‫ط‪.‬ف – تشتغل باألنتيكة (اآلثار)؟‬ ‫أ‪.‬ع – أي كمسيون (وسيط) لكن يف عندك أصيل؟‬ ‫ط‪.‬ف – تجــار اآلثــار األتــراك كذابــن‪ ،‬ويقولــون (صاغــام)‬ ‫أصــي وال يشــرون‪.‬‬ ‫أ‪.‬ع – ماذا عندك؟‬ ‫ط‪.‬ف – عندي لريات ذهبية (قطع نقدية أثرية)‪.‬‬ ‫أ‪.‬ع – الحكــم املضبــوط عنــد تجــار أنقــره‪ ،‬أهــل الرقــة وديــر‬ ‫الــزور مــا خــرج يذهبــون إىل هنــاك‪.‬‬ ‫ط‪.‬ف – نعم‪.‬‬ ‫أ‪.‬ع _ أكرثيــة التجــار يف أورفــا يشــتغلون باملزيــف‪ ،‬انتبــه‬ ‫خــاف تكــون القطــع املوجــودة عنــدك مزيفــة‪..‬‬ ‫ط‪.‬ف – ال «أخوي» أنا عندي أصيل‪.‬‬ ‫أ‪.‬ع – ماذا عندك أيضاً؟‬ ‫ط‪.‬ف – عنــدي كل يشء‪ ،‬تقــدر تجيــب تاجــر إىل الرقــة‪ ،‬أم‬ ‫مــن الــروري نطلــع إىل أورفــا‪ ..‬واللــه قرفنــا أورفــا وكــذب‬ ‫تجارهــا‪.‬‬ ‫أ‪.‬ع – ال رضوري تطلع‪ ،‬وماذا عندك من قطع أخرى؟‬ ‫ط‪.‬ف – عندي لوحات ذهبية‪.‬‬

‫أ‪.‬ع – جديدة أم شغل األولني؟‬ ‫ط‪.‬ف – أشوريات شغل ماري‪.‬‬ ‫أ‪.‬ع – لديك صور لها؟‬ ‫ط‪.‬ف – أخــوك العــامل تفحــص عنــده‪ ،‬هــذه القطــع ليســت‬ ‫شــغل الرقــة‪ ،‬أضــف هــذا الرقــم عــى الواتــس آب‪ ،‬اليــوم‬ ‫وصلــت القطــع إىل أورفــا‪.‬‬ ‫أ‪.‬ع – البضاعة لك؟‬ ‫ط‪.‬ف – نعم يل وقد أخرجتها إىل تركيا‪.‬‬ ‫أ‪.‬ع – عند من هي؟‬ ‫ط‪.‬ف – عنــد م‪.‬ن احـ ِ‬ ‫ـك معــه وقــل لــه أنــا مــن طــرف الخــال‪،‬‬ ‫وخليــه يخربين‪.‬‬ ‫أ‪.‬ع ‪ -‬عندك صور اللوحات‪..‬‬ ‫وانتهــى االتصــال عندهــا‪ ..‬مــع التأكيــد أن الحــوار جــرى‬ ‫بالعاميــة وتــم إعــادة صياغتــه كــا تقــدم‪.‬‬ ‫مــا اســتعرضناه يف تحقيقنــا هــو جــزء يســر مــا جــرى آلثارنــا‪،‬‬ ‫وهــو بــدوره ال يشــكل شــيئاً أمــام مــا تعــرض لــه الســوريون‬ ‫مــن قتــل وتدمــر‪ ،‬ونحــن إذ نســوق هــذه املعلومــات التــي‬ ‫بــن أيدينــا نســعى أوالً إىل وضــع الحكومــة الســورية املؤقتــة‬ ‫واالئتــاف الوطنــي لقــوى املعارضة والثــورة أمام مســؤولياتهم‪،‬‬ ‫ومخاطبــة منظمــة اليونســكو لالضطــاع مبســؤولياتها يف‬ ‫الحفــاظ عــى اإلرث التاريخــي واإلنســاين لســوريا‪ ،‬والعمــل‬ ‫عــى تحريــك الرشطــة الدوليــة للقبــض عــى تجــار اآلثــار‪،‬‬ ‫وإعــادة إرثنــا اإلنســاين والحضــاري إىل موطنــه األصــي‪.‬‬

‫يوسف دعيس‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫عيل العائد‬

‫الســوريون‪ ،‬كمجمــوع‪ ،‬رصخــوا رصختهــم‪ ،‬فكانــت ثــورة‬ ‫عــروا فيهــا عــن رفــض اســتمرار واقــع يغفــل أن الزمــن‬ ‫ســبقهم‪ ،‬ومـ ٍ‬ ‫ـاض أىت عــى أحــام جيــل ونصف منهــم‪ .‬رصخوا‪،‬‬ ‫بحثـاً عــن مســتقبل يعيــد للفــرد واملجتمــع األمــل يف تــدارك‬ ‫مــا ميكــن تداركــه‪.‬‬ ‫هــم يعرفــون ذلــك‪ ،‬وذهبــوا إليــه مبــا ميلكــون مــن أدوات‪،‬‬ ‫بحناجرهــم‪ ،‬وبخوفهــم الــذي بــدأ يتــاىش مــع أول رصخــة‪،‬‬ ‫واســتمر حتــى مــع أول قتيــل‪ ،‬وأول ألــف قتيــل‪ ،‬ومئــة ألــف‪،‬‬ ‫ومئتــي ألــف قتيــل‪ ،‬وأكــر‪.‬‬ ‫اآلن ليــس يف وارد التاريــخ‪ ،‬الــذي دخــل الســوريون يف صلبــه‪،‬‬ ‫العــودة إىل مــا قبــل ‪ 15‬آذار ‪ ،2011‬وليــس يف وارد الســوريني‬ ‫االســتزالم ملانحــي املــال‪ ،‬والحديــث هنــا عــن الســوريني‬ ‫مجهــويل الهويــة الذيــن فجــروا الثــورة‪.‬‬ ‫الســوريون ذهبــوا إىل الثــورة بخوفهــم اإلنســاين‪ ،‬ومازالــوا‬ ‫خائفــن‪ ،‬لكــن ليــس مــن النظــام فقــط هــذه املــرة‪ ،‬وليــس‬ ‫مــن املســتقبل الــذي صــار أشــد غموضــاً بعــد ســنوات‬ ‫التيــه التــي أكلــت مــن عمــر الســوريني مــا ال يقــدر برقــم‪،‬‬ ‫أو بنتيجــة‪ ،‬مهــا بلــغ علــم قائلهــا‪ ،‬إنهــم خائفــون اآلن‬ ‫مــن عــودة املــايض الــذي ثــاروا عليــه‪ ،‬وخائفــون أن تطــول‬ ‫ســنوات املطهــر الــذي ســاروا عــى رصاطــه أكــر‪ ،‬وخائفــون‬ ‫مــن ســوق النخاســة التــي خلطــت حابــل االســتزالم بنابــل‬ ‫الرشفــاء‪.‬‬ ‫عــاىن الســوريون أكــر مــا عانــوا مــن غيــاب األفــق طيلــة‬ ‫حكــم «املستأســ َديْن»‪ ،‬فوقفــوا يف حالــة انتظــار يف أرتــال‬ ‫طويلــة‪ ،‬ماديـاً‪ ،‬عــر أرتــال مثانينيــات القــرن املــايض للحصــول‬ ‫عــى املــواد التموينيــة‪ ،‬وأرتــال أهــايل املعتقلــن أمــام‬ ‫الســجون انتظــارا ً للزيــارة‪ ،‬وأرتــال أهــايل املفقوديــن أمــام‬ ‫فــروع األمــن‪ ،‬ويف التســعينيات أرتــال العاطلــن عــن العمــل‬ ‫وطالبــي الهجــرة أمــام الســفارات‪.‬‬ ‫ويف عهــد األســد الصغــر ال تــزال أرتــال املعارضــن الذيــن‬ ‫ال يعرفــون مــاذا يريــدون تصطــف‪ ،‬وترتاصــف‪ ،‬كجــزء مــن‬ ‫شــعب كبــر جــدا ً ال يعــرف مــاذا يريــد مــن ثورتــه املســتمرة‬ ‫بزخــم يــردد صعــودا ً وهبوط ـاً‪.‬‬ ‫يف الطــرف اآلخــر‪ ،‬نجــد أن كتــل املوالــن للنظــام‪ ،‬ومعهــم‬ ‫املــرددون بــن هــذا وذاك‪ ،‬ال يعرفــون ملــاذا يؤيــدون األســد‪،‬‬ ‫وليــس لديهــم حجــة ســوى أن شــيطاناً تعرفــه خــر مــن‬ ‫شــيطان ال تعرفــه‪.‬‬ ‫بــل إن موقــف الــدول العربيــة‪ ،‬والغربيــة‪ ،‬وإرسائيــل مــن‬ ‫ضمــن األخــرة‪ ،‬هــم كذلــك ال يعرفــون مــاذا يريــدون مــن‬ ‫الثــورة الســورية‪.‬‬ ‫الســوريون ال يريــدون اســتمرار حكــم األســد وعائلتــه‪،‬‬ ‫وتحويــل ســوريا مــن جمهوريــة إىل ملكيــة مطلقــة‬ ‫ومســترتة‪ ،‬وال يريــدون أن تتحكــم قلــة مــن بطانــة األســد‬ ‫يف قرارهــم الســيايس واالقتصــادي‪ ،‬وال يريــدون أن تبقــى‬ ‫«املؤسســة األمنيــة» صاحبــة القــول الفصــل يف لقمة عيشــهم‬

‫وحريتهــم‪ ،‬غــر أن بدائلهــم املؤسســية غــر واضحــة‪ ،‬خاصــة‬ ‫أن قمــع األســد للثــورة وللناشــطني عــى األرض‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫حربــه اإلعالميــة «الناجحــة»‪ ،‬جعلــت كل هــؤالء يف موقــع‬ ‫الدفــاع عــن النفــس‪ ،‬ويف موقــع رد الفعــل الــذي جعلهــم‬ ‫يرتكبــون كــاً ال يُقــ َّدر مــن األخطــاء‪ ،‬مــا أدى إىل ازديــاد‬ ‫كتلــة املرتدديــن يف اإلميــان بالثــورة التــي وقفــوا معهــا يف‬ ‫بداياتهــا‪ ،‬وزاد يف األمــر ســوءا ً مــا أنتجتــه الفصائــل اإلســامية‬ ‫مــن تطــرف خــدم النظــام أكــر مــا متنــاه النظــام‪ ،‬بــل وأكــر‬ ‫مــا ســعى إليــه النظــام باألصالــة عــن نفســه‪ ،‬وبالنيابــة عــن‬ ‫حلفائــه‪ ،‬روســيا‪ ،‬وإي ـران‪ ،‬والصــن‪.‬‬ ‫وهؤالء أيضاً ال يعرفون ماذا يريدون من الثورة السورية‪.‬‬ ‫األمــر األكــر صعوبــة‪ ،‬هنــا‪ ،‬أن مــا يريــده الســوريون ال ميكــن‬ ‫ترجمتــه ببســاطة مبعكــوس مــا ال يريدونه‪.‬‬ ‫وحتــى بعــد أن قطعــت الثــورة مســافة تجعــل العــودة إىل‬ ‫مــا قبلهــا أصعــب منــاالً‪ ،‬وبعــد أن تشــكلت هيئــات سياســية‬ ‫هدفهــا متثيــل الثــوار واملجتمــع املــدين والعســكري املمثــل‬ ‫للثــورة‪ ،‬عانــت تلــك الهيئــات مــن غيــاب الفعــل‪ ،‬بــل ومــن‬ ‫غيــاب الرؤيــا املعــرة عــا يريــده الســوريون‪ ،‬وبالتــايل غــاب‬ ‫الفعــل املرتجــم لتلــك الرؤيــا الغائبــة‪.‬‬ ‫ومــن بــاب تحصيــل الحاصــل‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬غيــاب الكاريزمــا‬ ‫السياســية خــال ‪ 44‬شــهرا ً مــن عمــر الثــورة‪ .‬فالكاريزمــا قــد‬ ‫تقنــع النــاس برؤيــا مــا‪ ،‬حتــى لــو أثبــت االختبــار خطأهــا‪.‬‬ ‫حتــى أضعــف اإلميــان هنــا مفقــود‪.‬‬ ‫هــذا‪ ،‬خــاف أن قــادة هــذه املؤسســات مل يُظهــروا متاســكاً‬ ‫يقنــع املراقــب أنهــا ميكــن أن تكــون بديــاً يعتمــد عليــه‬ ‫النــاس يف محاولــة بلــورة رؤيــا ألهــداف الثــورة ترتجــم عملياً‪،‬‬ ‫فالكرامــة هــدف أكيــد‪ ،‬وال تنــازل عنــه‪ ،‬لكــن كيــف ميكــن‬ ‫ترجمتــه قانونيــاً يف ظــل غيــاب «السياســة»‪ ،‬و»القانــون»‪،‬‬ ‫عــن سياســات االئتــاف الســوري لقــوى الثــورة واملعارضــة‪،‬‬ ‫وانتشــار روائــح التحــزب‪ ،‬واالســتزالم‪ ،‬واملحســوبيات‪،‬‬ ‫والتكســب‪ ،‬والتآمــر‪ ،‬والنميمــة‪ ،‬والترسيبــات‪ ،‬والترصيحــات‬ ‫غــر املســؤولة‪.‬‬ ‫مازلنــا‪ ،‬نحــن الســوريني‪ ،‬نحلــم مبــا هــو أبعــد مــن الكرامــة‬ ‫للســوريني وحدهــم؛ فالكرامــة الســورية وافــرة اآلن مبــا‬ ‫يكفــي املنطقــة العربيــة واملحيــط اإلقليمــي كلــه‪ ،‬بــل‬ ‫والعــامل‪ .‬وبالرغــم مــن كــم األم ـراض التــي أصابــت اإلنســان‬ ‫الســوري‪ ،‬فــإن أصغــر متســول أو متســولة يف شــوارع دولــة‬ ‫عربيــة‪ ،‬أو يف تركيــا‪ ،‬وأكــر غانيــة ســورية يف زوايــا الليــل‪ ،‬هم‬ ‫أوفــر كرامــة مــن كل مــن قــال أنــا أؤيــد الثــورة الســورية‬ ‫مخات ـاً والعب ـاً عــى حبــال الــكالم‪.‬‬ ‫أولئــك مل يتلــوث منهــم ســوى اللحــم الفــاين‪ ،‬وكل حــرف يف‬ ‫قصــة مأســاتهم مطهــر لــكل آثــام تاريخهــم‪ ،‬وتاريــخ العــرب‪،‬‬ ‫ودرس ســرويه كل مــن يعلــم أن التاريــخ ال يعــود إىل الــوراء‪،‬‬ ‫وإن تقــدم ببــطء‪.‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫مواقــع تنظيــم الدولــة‬ ‫تحــت نــران التحالــف‬

‫‪ 55‬رضبة أمريكية يف بداية حملة قوات التحالف‬

‫إســتهدفت الغــارات األوىل لــدول التحالــف مواقــع‬ ‫ومراكــز ومقــرات القيــادة والســيطرة لتنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســامية الواقعــة يف محافظــات الرقــة والحســكة وديــر‬ ‫الــزور وعــددا ً مــن مواقــع جبهــة النــرة يف ريــف إدلــب‪،‬‬ ‫وبلــغ مجموعهــا نحــو ‪ 55‬رضبــة جويــة وصواريــخ‬ ‫موجهــة «توماهــوك» مــن البارجــات األمريكيــة يف البحــر‬ ‫األحمــر والخليــج العــريب‪.‬‬ ‫منهــا ســبع غــارات جويــة يف مدينــة الرقــة تركــزت عــى‬ ‫مبنــى املحافظــة وســط املدينــة حاجــز ومبنــى الفروســية‬ ‫غــريب املدينــة ومعســكر الطالئــع جنوبـاً‪ ،‬ومحيط املشــفى‬ ‫الوطنــي‪ ،‬وخمــس غــارات جويــة اســتهدفت محيــط ســد‬ ‫الف ـرات‪ ،‬وثــاث غــارات جويــة عــى مدينــة تــل ابيــض‪،‬‬ ‫وثــاث غــارات جويــة اســتهدفت اللــواء ‪ 93‬واطرافــة يف‬ ‫بلــدة عــن عيــى يف الريــف الشــايل‪.‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫‪4‬‬

‫طريان التحالف يقصف الرقة جمدداً‬

‫بيان لواء التحرير‬

‫شــن طـران التحالــف الــدويل للمــرة الثانيــة عــى التــوايل غــارات‬ ‫عــى مراكــز تنظيــم الدولــة يف مدينــة الرقــة وريفهــا بالتزامــن‬ ‫مــع قصــف بعضهــا بصواريــخ توماهــوك‪ ،‬حيــث تــم تســجيل ‪31‬‬ ‫نقطــة قصــف حتــى اآلن‪ ،‬تركــزت عــى مطــار الطبقــة ومعســكر‬ ‫الكريــن بريــف الرقــة الغــريب‪ ،‬مــا أدى النقطــاع الكهربــاء عــن‬ ‫مدينــة الطبقــة بالكامــل‪ ،‬واشــتعال النـران داخــل مطــار الطبقــة‪.‬‬ ‫كــا اســتهدف الط ـران الحــريب لــدول التحالــف مبنــى البحــوث‬ ‫الزراعيــة‪ ،‬ومعســكر الطالئــع‪ ،‬وحاجــز املقــص عــى مدخــل‬ ‫املدينــة الجنــويب‪ ،‬ومقــر الفرقــة ‪ 17‬شــال املدينــة‪ ،‬ومشــفى‬ ‫معــدان الوطنــي‪ ،‬إضافــة الســتهداف بلــدة كــرة عفنــان‪ ،‬فيــا‬ ‫أفــاد ناشــطون باســتمرار تحليــق الط ـران يف ســاء مدينــة الرقــة‬ ‫وريفهــا بالكامــل‪ ،‬حيــث ُســمعت أصــوات هديــر الطائــرات يف‬ ‫مدينــة معــدان رشقــي الرقــة‪ ،‬وتــل أبيــض شــاالً‪ ،‬ومدينــة الطبقــة‬ ‫يف الريــف الغــريب‪ .‬وإىل حينــه مل تســجل إصابــات بــن املدنيــن‪،‬‬ ‫مــع اســتمرار انقطــاع الكهربــاء عــن بعــض أحيــاء املدينــة‪،‬‬ ‫ومدينــة الطبقــة‪.‬‬ ‫ويف حملــة جديــدة بــارش طـران التحالــف بالتحليــق يف ســاء مدينــة الرقــة وريفهــا‪ ،‬وقــد نفــذ مايقــارب العــر غــارات عــى‬ ‫الريــف الجنــويب الرشقــي‪ ،‬وشــن طـران التحالــف عــدة غــارات عــى مدينــة تــل أبيــض إســتهدفت مدرســة الزراعــة التــي تعــد‬ ‫مــن أكــر مقـرات التنظيــم يف املدينــة‪ ،‬كــا تــم إســتهداف مصــايف للنفــط أدت لوقــوع عــدد مــن اإلصابــات يف صفــوف املدنيــن‪،‬‬ ‫وحســب شــهود عيــان شــوهدت صواريــخ توماهــوك تعــر بإتجــاه مدينــة الرقــة‪ ،‬ويعتقــد أنهــا ســقطت يف مدينــة تــل أبيــض‬ ‫وســلوك مــع ســاع دوي أربعــة انفجــارات وإشــتعال النـران يف املدينــة‪.‬‬ ‫ويف الرقــة تواصلــت غــارات التحالــف عــى املدينــة منــذ الســاعات األوىل ليــوم األحــد ‪ 2014/9/28‬وتركــز القصــف يف القســم‬ ‫الجنــويب للمدينــة حيــث تــم إســتهداف معمــل بالســتيك يف محيــط كــرة فــرج‪ ،‬أدت لوقــوع شــهيد مــدين‪ ،‬وإســتهداف محيــط‬ ‫األمــن الجنــايئ ســابقاً وامللعــب البلــدي وســط املدينــة‪.‬‬ ‫كام نفذ طريان التحالف عدد من الغارات الحربية عىل ريف مدينة الطبقة ومطار الطبقة العسكري‪.‬‬

‫للطفولة أحالم ضائعة‬ ‫يف الغربــة‪ ،‬مل يكــن رغيــف الخبــز ســبباً للرذيلــة كــا يدعــي‬ ‫أصحابهــا‪ ،‬إمنــا كانــت أخالقهــم التــي يفتقــدون ألدىن مســتوياتها‬ ‫هــي الســبب‪ ،‬هنــا نجــد كل الحقيقــة رغــم محــاوالت البعــض‬ ‫يف تحســن صورتهــم أمــام النــاس بينــا يف الطــرف اآلخــر هنــاك‬ ‫عائــات نضعهــا تيجانــاً للــرف والعــ ّزة ونفتخــر بســوريتها‪.‬‬ ‫إبراهيــم ذو الســنوات العــر التقيتــه يف أحــد الشــوارع القريبــة‬ ‫مــن منطقــة ســكني‪ ،‬يحمــل بيــده صندوق ـاً بالســتيكياً يحتــوي‬ ‫عــى عــدد مــن ربطــات الخبــز الســوري‪ ,‬كانــت درجــة الح ـرارة‬ ‫تتجــاوز الخمســن‪ ،‬اشــريت منــه رغــم أين لســت بحاجــة للخبــز‪.‬‬ ‫بــادرين بالســؤال بلهجتــه الرقيــة‪« :‬عمــو ويــن بيتــك»‪ ،‬مل‬ ‫أكــد أشــر لــه بيــدي حتــى أردف قائــاً‪ :‬عرفــت البيــت‬ ‫عمــو‪ ،‬فقــد أخــرين البقــال أن هــذا البيــت يســكنه‬ ‫ســوريون‪ ،‬واتفقنــا عــى أن يحــر يل ربطتــن يوميــاً‪.‬‬ ‫يف اليــوم التــايل وبعــد الظهــر طــرق البــاب وكان إبراهيــم‬ ‫ذاتــه‪ ،‬أخــذت منــه الخبــز وطلــب مــا ًء بــاردا ً‪ ،‬أعطيتــه مــا‬ ‫طلــب بعبــوة بالســتيكية أيضــاً‪ ،‬حاولــت إعطــاءه مــا يزيــد‬ ‫عــن مثــن ربطــات الخبــز لكنــه رفــض‪ ،‬كــا رفــض اســتكامل‬ ‫الحديــث معــي ملشــغوليته يف العمــل‪ ،‬لكنــه وعــدين يف وقــت الحــق‪.‬‬ ‫كنــت أجمــع منــه مــا أريــد عــن طريــق الســؤال يوميـاً عــن أحوالــه وأحــوال‬ ‫أرستــه‪ ،‬كان يجيبنــي برسعــة وبرصاحــة وصــدق ملســته منــه بحديثــي األول‬ ‫معــه‪ ،‬كان خجـاً مــن بنــايت املتواجــدات معنــا‪ ،‬أرشت لهــن أن دعونــا وحدنــا‪.‬‬ ‫هــو الولــد الســابع مــن حيــث ترتيــب عائلتــه املؤلفــة مــن أربعــة ذكــور أكــر‬ ‫منــه بينهــم أخــوه عــي املصــاب بقصــف طائـرات النظــام عــى املدينــة‪ .‬أخــواه‬ ‫االثنــان يعمــان أيضــاً أحدهــا يف مطعــم واآلخــر يف بســطة متنقلــة لبيــع‬ ‫الخبــز الســوري أيضــا‪ ،‬مــا أذهلنــي يف هــذا الطفــل فعـاً عـ ّزة النفــس والرتفــع‬ ‫عــن مــد اليــد لــكل الجهــات‪ ،‬يعملــون ويأكلــون مــن عــرق الجبني‪ ،‬عــى عكس‬ ‫الكثــر مــن العائــات التــي تقــف عــى أبــواب املنظــات اإلغاثيــة‪ .‬دعــوت لــه‬ ‫وشــكرته ومل أجــرؤ عــى ابــداء أي مســاعدة ماديــة لــه خجـاً من عــرق جبينه‪.‬‬ ‫ســلوى كقمــر يف ليلــة بــدر‪ ،‬شــقراء وكل طفولــة الدنيــا تكمــن يف عينيهــا‪،‬‬ ‫مل تتجــاوز السادســة مــن العمــر بعــد‪ ،‬تضــع ميزانــاً أمــام ســاحة املدفــع‬ ‫أحيانـاً‪ .‬حــاول ابنــي إعطاءهــا عــددا ً مــن اللـرات فرفضــت‪ ،‬ســألها مســتطردا ً‬ ‫بكــم أســتطيع وزن نفــي فأردفــت «ببــاش» إي «ببــاش» أنــا مــا آخــذ مــن‬ ‫الســوريني ألنهــم متلنــا‪ .‬هــي مــن مدينــة حمــص وأخوهــا ليــس ببعيــد عنهــا‬ ‫ويبيــع بعــض البــزر والبســكويت والبطاطــا ضمــن أكيــاس صغــرة‪ ،‬هــؤالء‬ ‫هــم مــن ميثلــون الشــعب الســوري الــذي رصخ يوم ـاً «املــوت وال املذلــة»‪.‬‬

‫أعلــن لــواء التحريــر عــن‬ ‫إنشــائه غرفــة عمليــات مشــركة‬ ‫مــع وحــدات الحاميــة الكرديــة‬ ‫يف منطقــة رأس العــن يف ريــف‬ ‫الحســكة ملحاربــة تنظيــم داعش‪،‬‬ ‫بالتزامــن مــع إصــداره بيان ـاً لطأمنــة املدنيــن يف مناطــق تــل‬ ‫أبيــض وســلوك والرتكــان والقــرى التابعــة لهــا‪ ،‬وذلــك إثــر‬ ‫اســتهداف دول التحالــف ملراكــز ومقــرات تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســامية يف ســوريا‪ ،‬ويتضمــن إرصارهــم عــى متابعــة قتــال‬ ‫داعــش التــي احتلــت محافظــة الرقــة بالكامــل‪ ،‬وجعلــت منهــا‬ ‫قاعــدة للتطــرف واإلرهــاب‪ ،‬وتســهيل عــودة أهلنــا املهجريــن‬ ‫إىل مواطــن ســكنهم ا ّمنــن‪.‬‬ ‫ويتعهــد لــواء التحريــر يف بيانــه ضــان حيــاة املدنيــن مــن‬ ‫أهــايل تــل أبيــض وســلوك والرتكــان والقــرى التابعــة لهــا‪،‬‬ ‫وعــدم التعــدي عــى أي مــدين‪ ،‬وســيتعرض املعتــدي إىل‬ ‫العقوبــة امليدانيــة مهــا علــت مكانتــه‪ ،‬ومــن أي تشــكيل كان‪.‬‬ ‫وأهــاب البيــان باملدنيــن االبتعــاد عــن مقــرات داعــش‪،‬‬ ‫والتزامهــم يف املناطــق اآلمنــة‪ ،‬مطالبــاً العنــارص الذيــن تــم‬ ‫التغريــر بهــم مــن أبنــاء املنطقــة رمــي ســاحهم أو التــزام‬ ‫بيوتهــم وعــدم املشــاركة يف القتــال‪ ،‬وضــان تأمــن حياتهــم‬ ‫وحاميتهــم‪ ،‬وتســوية أوضــاع املقاتلــن يف صفــوف داعــش‬ ‫ســابقاً بعدالــة ورحمــة‪.‬‬ ‫كــا طلــب املســاعدة مــن األهــايل مبكوناتهــم كافــة يف تــويل‬ ‫األمــور يف مناطقهــم وتعزيــز أمنهــا وســامتها‪ ،‬وضــان انتقــال‬ ‫املســؤولية إىل جهــاز مــدين يتــم اختيــاره بــإرادة حــرة مــن‬ ‫أهــايل املنطقــة‪.‬‬

‫يوميات الجئ سوري‬ ‫عروة املهاوش‬

‫يف الطــرف املقابــل أ‪.‬س وأخوهــا ع‪.‬س مــن عائلــة حمصيــة أيض ـاً‪ ،‬تبلــغ مــن‬ ‫العمــر ‪24‬عامـاً‪ ،‬وأخوهــا يزيــد عنهــا ســنتان‪ ،‬تعرفــت عليهام يف ســوق الخضار‪،‬‬ ‫مل يطــل األمــر كثــرا ً حتــى اكتشــفت أنهــا ال يرصفــان قرشــاً واحــدا ً عــى‬ ‫معيشــتهام‪ ،‬فلديهــا عالقــات كثــرة ومعــارف أكــر‪ ،‬وكل أمورهــا بخــر مــن‬ ‫وجهــة نظرهــم‪ ،‬حاولــوا جاهديــن أن يكــون هنــاك زيــارات عائليــة للتعــارف‬ ‫قابلتهــا بالرفــض هــم يبحثــون اآلن عــن غــري ليوقعــوه يف فــخ الرذيلــة‪.‬‬ ‫محمــد ابــن مدينــة «الرقــة» غادرهــا بعــد قصــف منــزل ذويــه الكائــن خلــف‬ ‫مبنــى األمــن الســيايس‪ ،‬مــن قبــل الطـران األســدي بالرغــم مــن صغــر ســنه إال‬ ‫أنــه اختــار أن يكــون مســؤوالً عــن عائلــة كبــرة‪ ،‬مــرض والــده املزمــن وأمــه‬ ‫الخادمــة يف البيــوت وإخــوة صغــار‪ .‬كانــت الوجهــة تركيــا ومل تكــن‪ ،‬حينهــا‪،‬‬ ‫حــركات النــزوح مثلــا اآلن‪ ،‬دعــوات أمــه وأبيــه ونظــرة الــوداع األخــرة‬ ‫مــن أختــه الصغــرة نرسيــن كانــت زوادتــه يف اغرتابــه املبكــر‪ ،‬خمســة عــر‬ ‫عام ـاً قضاهــا محمــد بــن فشــل الدراســة وأكــر مــن مهنــة حــاول العمــل‬ ‫لســد بعــض رمــق الحيــاة‪ .‬كنــت أزور عائلتــه بــن الحــن واآلخــر يف‬ ‫فيهــا‪ّ ،‬‬ ‫يبــق منــه ســوى غرفــة واحــدة تضــم بــن جدرانهــا كتــاً‬ ‫بيتهــم الــذي مل َ‬ ‫مــن الهيــاكل تنتظــر مــا ســوف يرســله إليهــم مــن نقــود بعــد أن وفــق يف‬ ‫عمــل ضمــن مزرعــة‪ ،‬حســب مــا أخــر ذويــه ذات اتصــال‪ ،‬توالــت الشــهور‬ ‫وانقطعــت أخبــاره‪ ،‬وكذلــك بضــع آالف الل ـرات التــي كان يرســلها إىل ذويــه‪.‬‬ ‫مل يطــل بحثــي عنــه طوي ـاً فمدينــة كأورفــا ال يخفــى فيهــا أخبــار الرقّيــن‪،‬‬ ‫التقيتــه يف مقــام النبــي أيــوب بنــا ًء عــى رغبتــه‪ ،‬جــاء مــع ث ُلــة مــن أصحابــه‪،‬‬

‫عرفــت منهــم اثنــن‪ ،‬والثالــث تعرفــت عليــه مــن خاللهــم‪،‬‬ ‫انتابتنــي الشــكوك‪ ،‬والخــوف مــن أصدقائــه الســوريني فــا‬ ‫أعلمــه عنهــم‪ ،‬تعاطــي الحشــيش والســكر والحبــوب املخــدرة‪،‬‬ ‫دعــوت اللــه أن ال يكــون متورطــاً رغــم أين شــعرت بــذاك‬ ‫التــورط‪ ،‬مــن خــال حديثــي معهــم‪ ،‬كان لنــا حديــث جانبــي‬ ‫وحدنــا اتفقنــا عــى لقــاء منفــرد يف املســاء بوســط البلــد‪.‬‬ ‫كان انتظــاري طوي ـاً‪ ،‬مل يـ ِ‬ ‫ـأت‪ ،‬ورقــم الهاتــف الــذي أعطــاين‬ ‫إيــاه مغلــق‪ ،‬مل يــزودين بعنــوان لــه أو ملــن معــه‪ ،‬فهــم‬ ‫ينامــون يف بيــوت اآلخريــن ويف الحدائــق بحســب مــا أخــروين‪.‬‬ ‫غابــت شــموس وأرشقــت شــموس‪ ،‬تخللتهــا محــاوالت منــي‬ ‫مبعرفــة مكانــه أو االتصــال بــه‪ ،‬رســائل ذويــه كانــت تقتلنــي‬ ‫ورســائيل كانــت رصيحــة لهــم مثلــا رأيــت‪ ،‬مل أخـ ِ‬ ‫ـف عنهــم‬ ‫شــيئاً‪ .‬وأعلــم جيــدا ً شــعورهم وهــم يســمعون منــي أخبــار‬ ‫طفلهــم‪ ،‬لكنهــا الحقيقــة املــرة التــي ال يجــب إخفاءهــا رغــم‬ ‫قســوتها‪ ،‬إقناعــه بالعــودة كانــت تلــك الجملــة الوحيــدة‬ ‫األكــر يف رســائلهم‪ ،‬لكــن محمــد كان يعمــل بعــض األيــام‬ ‫ليؤمــن مثــن بعــض الحبــوب املخــدرة أو القليــل مــن‬ ‫الحشــيش‪ ،‬ويعيــش عــامل األحــام كــا يعتقــد‪ ،‬مل يســمع كل نصائحــي‬ ‫باالبتعــاد عــن زمــاء الســوء‪ ،‬أمنــت لــه عمــاً كحــارس دائــم لبنــا ٍء قيــد‬ ‫اإلنشــاء‪ ،‬أخــرين املتعهــد بعــد أيــام أنــه طــرده دون إعطائــه األجــر‪ ،‬ألنــه‬ ‫وجــده ليــاً مــع أصدقــاء لــه يتعاطــون ويرشبــون الخمــر‪ ،‬اعتــذرت مــن‬ ‫املتعهــد ومــن الصديــق الــذي أوصلنــي إليــه‪ .‬شــعوري أين خذلــت صديقــي‬ ‫كان كافيــاً لجعــي آخــذ عــى نفــي عهــدا ً بعــدم التــورط مــرة ثانيــة‪.‬‬ ‫ذات صبــاح جــاءين اتصــال مــن صديــق يفيــد بــأن عائــات ســورية تقيــم‬ ‫يف كــراج البوملــان منــذ عــدة أيــام‪ ،‬اســتطعت تأمــن إقامــة لعائلــة حيــث‬ ‫تــرع أحــد أبنــاء الرقــة بإيوائهــم فــرة مــن الزمــن‪ .‬يف اللحظــة األوىل‬ ‫ـي فهــذا أبــو محمــد وتلــك أمــه وإخوتــه‪ ،‬أيــام تعــد‬ ‫حاولــت تكذيــب عينـ ّ‬ ‫عــى األصابــع ومحمــد ابنهــم زارهــم مــرة واحــدة واســتفاقوا مــن جديــد‬ ‫عــى غيابــه‪ ،‬عــادت العائلــة إىل الرقــة محملــة بأوجــاع كثــرة‪ ،‬واختفــى‬ ‫محمــد يف أزقــة مدينــة كبــرة لكنــه ال يــزال يحلــم أحالمــه الخاصــة‪.‬‬ ‫هــذه منــاذج لبعــض الســوريني يف أماكــن اللجــوء‪ ،‬فيهــم مــن اختــار أن‬ ‫يــأكل مــن عــرق جبينــه‪ ،‬أو مــن امتهــن رخيــص املهــن‪ ،‬بــدءا ً بتجــارة‬ ‫الجســد واملخــدرات تعاطيــاً وبيعــاً‪ ،‬يف ظــل غيــاب شــبه كامــل ملؤسســات‬ ‫الثــورة‪ ،‬املتمثــل باالئتــاف ككيــان ســيايس‪ ،‬والحكومــة الســورية املؤقتــة‬ ‫كراعيــة لشــؤون الســوريني يف الداخــل املحــرر أو يف أماكــن اللجــوء‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫‪5‬‬

‫* انتصار عبد املنعم‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫الحرملي‬

‫أكذوبة الوطن العربي األكرب‬

‫ســنوات قليلــة ماضيــة‪ ،‬وقــف املطربــون جنبــاً إىل جنــب ميثلــون‬ ‫أوطانهــم العربيــة‪ ،‬تصــدح أصواتهــم للحلــم العــريب وللوطــن العــريب‬ ‫األكــر‪ .‬الفضائيــات تعيــد وتكــرر األوبريــت الــذي مــع كل كلمــة فيــه وكل‬ ‫نغمــة‪ ،‬متتلــئ القلــوب محبــة للشــقيق العــريب الــذي أبعدتــه الحــدود‬ ‫الجغرافيــة ولكــن مكانــه قريــب مــن القلــب كــا ينشــد املطربــون‪.‬‬ ‫ويف الربيــع العــريب‪ ،‬يتحــول الحلــم العــريب إىل كابــوس يــأىب أن ينتهــي‪،‬‬ ‫ويظهــر بعــض املطربــن حاملــن الســاح يف ســاحة املعركــة‪ ،‬أو شــاهرين‬ ‫أســلحة التخويــن ضــد شــعوبهم وشــعوب الــدول التــي تغنــوا لهــا مــن‬ ‫قبــل‪ ،‬ومهاجمــن بعضهــم بعضـاً وفقـاً للجانــب الــذي انحــازوا لــه‪ .‬ويعلــو‬ ‫ضجيــج الحــرب عــى موســيقى الحلــم العــريب‪ ،‬ويغيــب صــوت العقــل‪.‬‬ ‫وعــى نفــس الشاشــات التــي تغنــت بأمجــاد العــرب‪ ،‬تظهــر غربــان‬ ‫الف ُـــرقة مــن اإلعالميــن تشــيع أن الالجئــن ينــارصون طرف ـاً دون طــرف‪،‬‬ ‫وتتفــرق الســبل بالالجــئ الســوري الــذي فـ َّر مــن القتــال املجنــون‪ ،‬ولجــأ‬ ‫إىل بلــد عــريب‪ ،‬وقــد ظــن أنــه ســيفتح لــه ذراعيــه مثلــا قــال املطربــون‬ ‫يف الحلــم العــريب‪.‬‬ ‫ظــن الالجــئ الســوري أن الوطــن األكــر حقيقــة عــى األرض‪ ،‬ومــا عليــه‬ ‫إال أن يدخــل مــن أي بــاب شــاء بعــد أن ُســدت كل أبــواب الرحمــة يف‬ ‫وجهــه يف بلــده‪ ،‬وهــو يتلقــى املــوت عــى دفعــات ووفقـاً لــكل املذاهــب‪،‬‬ ‫يتنــزل عليــه مــن الســاء يف برميــات‪ ،‬أو عــى يــد قاتــل بخــل عليــه‬ ‫برصاصــة الرحمــة ليذبحــه بســكني كــا األنعــام دون أن يطــرف للقاتــل‬ ‫جفــن‪ ،‬أو تأخــذه الرحمــة مبخلــوق شــاركه إرث اإلنســانية ونفــس الوطــن‬ ‫أزمنــة بعيــدة قبــل أن تحــط جنــود املــوت مــن الــرق والغــرب يف ســوريا‬ ‫تعيــث بهــا الفســاد متســرة بأكذوبــة الجهــاد وأنهــا تنتمــي إىل اإلســام‬ ‫وهــو منهــا ب ـراء‪.‬‬ ‫يتفاجــأ الالجئــون إىل البلــدان العربيــة‪ ،‬بــأن الوطــن األكــر كان أكذوبــة‬ ‫كبــرة مــن املحيــط إىل الخليــج‪ ،‬وأن الشــعوب العربيــة ال متلــك مــن أمرهــا‬ ‫شــيئا‪ ،‬فحكامهــا يتعاملــون معهــا وفقـاً ملــا متليــه عليهــم املصلحــة الدوليــة‬ ‫أو مصلحتهــم الشــخصية‪ .‬ومل تكــن النكبــة يف الحكومــات فقــط‪ ،‬بــل يف‬ ‫الشــعوب التــي ســاقها حكامهــا بســيف الخــوف عــى حياتهــا مخوفــن‬ ‫مــن اإلرهــاب الــذي يرتبــص بهــم ليــل نهــار‪ ..‬ولكــن أي إرهــاب ميثلــه‬ ‫الجــئ ال ميلــك ســوى روحــه يحملهــا عــى كفــه أينــا ذهــب؟‬ ‫مــر‪ ،‬وطنــي الــذي ال أمتنــى ســواه وطنـاً‪ ،‬مل تعــد أم الدنيــا‪ ،‬وكيــف تكــون‬ ‫كذلــك وقــد تخلــت عــن بعــض أبنائهــا‪ ،‬بعــد أن أصبحــوا الجئــن؟ منــذ‬ ‫فــرة ليســت بالبعيــدة أصبــح تواجــد الســوريني يف كل مــكان يف مــر أمـرا ً‬ ‫طبيعيـاً‪ ،‬نتعامــل معهــم بحــق األخــوة‪ ،‬ال بحــق الضيافــة‪ ،‬وهم يتعايشــون‬ ‫مــع الشــعب املــري‪ ،‬ويعملــون يف مطاعــم تقــدم األكالت الشــامية‪ ،‬أو‬ ‫مــن خــال محــات بيــع املالبــس واملنتجــات الســورية وغريهــا‪ ..‬ولكــن‬ ‫مــاذا يفعــل مــن فــ َّر تــاركاً خلفــه كل يشء وجــاء بــا مــال أو أوراق‬

‫ال أعرف جيش لبنان إال في‪...‬؟!‬

‫ياسني عبد اللطيف‬ ‫ ال أعــرف أحــدا ً مــن جيــش‬‫لبنــان إالّ الرائــد‪ :‬ســعد حــداد‪،‬‬ ‫والجــرال أنطــوان لحــد‬ ‫وارتباطهــا بالرشيــط الحــدودي‬ ‫مــع دولــة إرسائيــل!‬ ‫ال أعــرف إالّ العــاد ميشــيل‬ ‫عــون الــذي كان رئيسـاً لحكومــة‬ ‫لبنــان وقائــدا ً لجيــش لبنــان‬ ‫الــذي هــرب بــذل كاألرنــب‬ ‫والتجــأ إىل الســفارة الفرنســية‬ ‫وتــرك جنــوده يُقتلــون عــى يــد‬ ‫جيــش االحتــال الســوري يف‬ ‫عهــد حافــظ والــد حليفــه الحــايل بشــار األســد!‬ ‫ ال أعــرف مــن جيــش لبنــان إالّ الضبــاط األربعــة الذيــن اتهمــوا باغتيــال رفيــق‬‫الحريــري وتآمــروا عــى لبنــان!‬ ‫ ال أعــرف مــن جيــش لبنــان إال تضييــف الشــاي لضبــاط جيــش العــدو‬‫الصهيــوين عــى أرض لبنــان بيــد ضباطــه وجنــوده إبــان عــدوان (‪ )2006‬عــى‬ ‫لبنــان!‬ ‫وال أعــرف مــن جيــش لبنــان إالّ العميــد فايــز كــرم وعاملتــه إلرسائيــل‪ ،‬ثــم‬‫إخراجــه مــن الســجن كبطــل ألنــه خــان شــعار الجيــش اللبنــاين‪ :‬رشف‪ .‬تضحيــة‪.‬‬ ‫وفــاء!‬ ‫ ال رشف وال وطنيــة وال كرامــة لجيــش «الزعـران» الــذي يعتــدي عــى الالجئــن‬‫بفجــور وإجـرام بــدوا ٍع طائفيــة وعنرصيــة بغيضــة !‬

‫سورية ومنظمات املساعدة الدولية‬ ‫محمد الحاج صالح‬

‫رســمية‪ ،‬متنقــاً مــن دولــة إىل دولــة ومــن خيمــة الجئــن إىل أخــرى؟‬ ‫بالتأكيــد أنــه ســيظل مطــاردا ً مــن قــوات األمــن والهجــرة والجــوازات‪،‬‬ ‫سيشــعر أنــه مطــارد حتــى مــن ظلــه الــذي يتبعــه حتــى املــات‪ ،‬ومــن‬ ‫يســعده الحــظ‪ ،‬ســتدركه مفوضيــة شــؤون الالجئــن بعــد أن يكــون أمــى‬ ‫أســابيع يف ســجون الوطــن العــريب األكــر مــع أطفالــه ونســاء عائلتــه‪..‬‬ ‫يف وطننــا العــريب وحــده‪ ،‬حتــى يف الظلــم والشــتات ال يوجــد عــدل‪،‬‬ ‫وحدهــم مــن ميلكــون املــال يف أي عــر وتحــت أي ظــرف لهــم حــق‬ ‫الحيــاة‪ ..‬أمــا مــن ال ميلــك املــال‪ ،‬فعليــه أن يحــاول الفــرار إىل أي بلــد‬ ‫أورويب لعلــه يعيــش هنــاك يومـاً يشــعره بأنــه عــى قيــد اإلنســانية وعــى‬ ‫قيــد الكرامــة‪ ..‬وهكــذا كل يــوم يُبحــر قــارب يف قلــب الليــل‪ ،‬منطلقـاً مــن‬ ‫اإلســكندرية ومــن تونــس‪ ،‬ومــن غريهــا‪ ،‬عــى أمــل الوصــول إىل إيطاليــا‪،‬‬ ‫ولكــن ال أحــد يصــل إىل شــاطئ إيطاليــا‪ ،‬بــل أكرثهــم يصلــون إىل الشــاطئ‬ ‫اآلخــر عــى الجانــب البعيــد مــن الكــون‪ ،‬ومــن ينجــو مــن الغــرق‪ ،‬يــدرك‬ ‫متأخ ـرا ً أنــه وقــع ضحيــة عمليــة نصــب كــرى مــن األشــقاء العــرب يف‬ ‫الوطــن العــريب األكــر‪...‬‬ ‫* روائية مرصية‬

‫تل أبيض في خط النار‪!..‬‬

‫محمد لطفي‬

‫يف الشــهر األول ‪ 2014‬كان عــدد املنظــات التــي تــدور حــول ســوريا يف دول الجــوار‬ ‫تركيــا ولبنــان واألردن والعـراق ‪ 450‬منظمــة‪ .‬قليـ ٌـل منهــا لــه مشــاريع يف الداخــل‪ ،‬كــا أ ّن‬ ‫فعاليتهــا قليلــة عــى الرغــم مــن كرثتهــا ومـ ْن ميزانياتهــا الكبــرة‪.‬‬ ‫تكم ُن أسباب نقص الفاعلية وفوىض وصول املساعدة ملستحقيها يف عوامل عديدة‪:‬‬ ‫ ســورياً ونتيج ـ ًة للعمــر املديــد لنظــام الطغيــان ميكننــا القــول إنــه ال توجــد منظــات‬‫ســورية مؤهلــة ألن تكــون رشيكــة للمنظــات العامليــة‪ .‬الجميــع يعلمــون أن ال تراخيــص‬ ‫ملنظــات وجمعيــات ســورية منــذ عقــود‪ .‬واملوجــود منهــا إســامي الطابــع أو أهليّــ ُه‬ ‫وبالتــايل هــي غــر مؤهلــة ألن تكــون رشيــكاً‪.‬‬ ‫ إحــدى املشــاكل العويصــة تقــع يف عــدم وجــود حســابات بنكيــة دوليــة أو محليــة‬‫ملنظــات ســورية محرتمــة وفاعلــة‪ .‬حتــى كيــان ســيايس كبــر كاملجلــس الوطنــي احتــاج‬ ‫أمــر تدبــر حســاب لــه أشــهرا ً طويلــة‪.‬‬ ‫ اضطــرت املنظــات وبســبب هــذا الوضــع ألن تعتمــد عــى رشكاء أشــخاص أو عــى‬‫منظــات تأسســت عــى عجــل‪ ،‬األمــر الــذي يفتــح املجــال للفســاد‪ .‬إ ْذ أن األشــخاص الذيــن‬ ‫اســتطاعوا وتدبــروا أمــر التعامــل مــع املنظــات اعتمــدوا يف الغالــب األعــم عــى شــبكاتهم‬ ‫الخاصــة‪ .‬يعنــي أصدقائهــم وأقاربهــم ومــن يعرفونهــم‪.‬‬ ‫ تلجــأ املنظــات الدوليــة وبســبب خطــر الفســاد الــذي وعــر خربتهــا ينتــر ويقــوى‬‫بشــكل غــر مســبوق يف األوضــاع املعقــدة مثلــا يحــدث يف ســورية؛ إىل بريوقراطيــة قاتلــة‪.‬‬ ‫حبّهــا األول واألحــد أور ٌاق وأوراق وأوراق‪ .‬إضافــة إىل أن للــدول خلــف هــذه املنظــات‬ ‫اسـراتيجيات وطرائــق عمــل بعضهــا ال يتناســب أو ال يعــرف كيــف يتناســب مــع الوضــع‬ ‫الســوري‪.‬‬ ‫ موظفــو هــذه املنظــات بريقراطيــون ال يخــرون شــيئاً‪ .‬ينعمــون يف الفنــادق وعيشــهم‬‫رغــد ومهامتهــم ومكاســبهم مســتمرة‪ .‬فلــم العجلــة؟ إذا مل نقــل أكــر مــن هــذا‪.‬‬ ‫ أكــر املنظــات الدوليــة هــي الصليــب األحمــر وميزانيتهــا هائلــة‪ .‬وملــن ال يعــرف‬‫«الصليــب األحمــر والهــال األحمــر هــا منظمــة واحــدة‪ .‬جــرى االتحــاد بينهــا منــذ أكــر‬ ‫مــن ‪ 15‬ســنة»‪ .‬كــا أن الصليــب والهــال ال يقومــان بأنشــطتهام دون موافقــة حكومــة‬ ‫الدولــة املعنيــة واملعــرف بهــا يف األمــم املتحــدة‪ .‬ولذلــك ‪ %80‬مــن مســاعدات الصليــب‬ ‫األحمــر وغــره مــن املنظــات الكــرى وباعرتافهــا ذهبــت إىل مناطــق الســلطة يف ســورية‪.‬‬ ‫وال ‪ %20‬تقاســمه الفســاد وعــدم الكفــاءة ووصــل القليــل القليــل ملســتحقيه‪.‬‬ ‫ يف مثــل وضعنــا تضطــر املنظــات الكــرى أكــر األحيــان أن تــرف عــى مشــاريعها‬‫مبــارشة‪ ،‬ولكنهــا تضطــر أيضـاً إىل البحــث عــن موصلــن ومتعهديــن ومهندســن‪ .‬ومعــروف‬ ‫هــو وضــع الفســاد لدينــا‪ ،‬ومعــروف أن بعضنــا يفســد حتــى املــاء الطهــور‪.‬‬ ‫ اللغــة وحاجزهــا عامــل كبــر‪ ،‬جعــل مــن يعرفهــا ولــو كان «فاســدا ً» أو غــر مؤهــل‬‫رشيــكاً محتم ـاً للمنظــات‪ .‬بينــا اســتبعد مــن ال يعــرف اللغــات وباألخــص االنجليزيــة‬ ‫عــى الرغــم مــن أنــه رمبــا األجــدر واألعــرف بالداخــل الســوري‪.‬‬ ‫ يف الرقــة والطبقــة وتــل أبيــض كان األمــل كبــرا ً يف متويــل مشــاريع مهمــة مــن قبــل‬‫منظــات كبــرة‪ ،‬لكــن الوضــوح املبكــر بــأن مثــرة «التحريــر!» آلــت رسيعــاً إىل أيــدي‬ ‫اإلســاميني املتطرفــن أحــرار الشــام والنــرة والدولــة‪ ،‬أربــك كل يشء ومل ينجــز ســوى‬ ‫القليــل عــى أهميتــه‪ ،‬مثــل مشــفى تــل أبيــض وحفــر أبــار الــرب ومخيــم قصــاص الــذي‬ ‫مل يعمــل‪.‬‬ ‫ غيــاب مــروع وطنــي وفشــل تجربــة املجالــس املحليــة العتيــدة هــا أكــر عائقــان تجاه‬‫االســتفادة القصــوى مــن املســاعدات‪ .‬واملســؤولون املبــارشون عــن الفشــل هــم مــن أجرموا‬ ‫بحــق الثــورة وبحــق الفقـراء واملترضريــن‪ ،‬إنهــم الباحثــون عــن الــوالءات واملتنازلــون عــن‬ ‫املــروع الوطنــي لصالــح مشــاريع أمميــة وهميــة أو مشــاريع محليــة ضيقــة‪.‬‬ ‫ الطريــق الوحيــد نحــو االســتفادة القصــوى مــن املنظــات الدوليــة هــو التنظيــم والرتتيب‬‫وتراكــم الخ ـرات‪ ،‬أي بنــاء منظــات ســورية مســتقرة مضبوطــة مالي ـاً وفيهــا حــد جيّــد‬ ‫مــن التفاعــل واملراقبــة واملحاســبة ودميقراطيــة القـرارات والســلوك‪.‬‬

‫منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬ ‫مدينــة صغــرة كانــت ‪-‬مثلهــا مثــل باقــي مــدن الشــال الســوري‪ -‬تعيــش‬ ‫بهــدوء وتجانــس بــن الكــورد والعــرب قـ ّـل مثيلــه‪.‬‬ ‫تل أبيض اشتُ ِه َرت بأمطارها الوافرة لوقوعها عىل خط العرض العارش‪.‬‬ ‫اليــوم‪ ،‬يكتشــف أوبامــا خطوطـاً جديــد ًة متـ ّر بتــل أبيــض‪ ،‬أســاها خطــو َط‬ ‫إمــدادات د ا ع ش!‬ ‫يقــرر أوبامــا قطــع هــذه الخطــوط‪ ،‬فيقصــف تــل أبيــض‪ ...‬ويتســاقط‬ ‫األبريــاء اليــوم بغــزاره‪..‬‬ ‫الســاء وبارئهــا‪ ،‬فيتســاقط‬ ‫برحمــة‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫موصــو‬ ‫العــارش‬ ‫فيــا يبقــى الخــط‬ ‫ّ‬ ‫املطــر عليهــا اليــوم أيضــاً‪ ،‬ســيوالً‪ ،‬تغســل دمــاء الشــهداء‪..‬‬ ‫ـس الغَطرســة االمربيال ّيــة‪ ،‬وجيفـ ُة النذالــة العربيــة يلطّخــان‬ ‫ولكــن‪ ،‬يبقــى َدنَـ ُ‬ ‫تربــة أوديــة الجـ ّـاب وقرامــوخ والبليــخ‪.‬‬ ‫تــل أبيــض‪ ،‬خطــو ٌط تُقطَــع‪ ،‬ويبقــى خ ـ ّط اللــه موصــوالً بالدراويــش رغــم‬ ‫أنــف الجميــع‪.‬‬

‫هيئــة مدنيــة ســورية غــر حكوميــة وغــر ربحيــة تتمتــع بشــخصية إعتباريــة‬ ‫تأسســت يف مدينــة اورفــا الرتكيــة‬ ‫تعمل املنظمة عىل تحقيق األهداف التالية ‪:‬‬ ‫‪ – 1‬النهوض بالجانب الخدمي وتنظيم آلياته ملحافظة الرقة‪.‬‬ ‫‪ – 2‬تفعيل دور الهيئات واملراكز األهلية املساندة للثورة‪.‬‬ ‫‪ – 3‬بنــاء مؤسســات املجتمــع املــدين للمســاهمة بتطوير العمليــة اإلداريــة والتنموية‬ ‫واملعيشية‪.‬‬ ‫‪ -4‬العمل عىل رفع مستوى األداء السيايس والوطني بني أبناء املحافظة‪.‬‬ ‫‪ -5‬إبراز دور املرأة كـرشيك فاعل ومؤثر يف تطوير وتنمية األرسة واملجتمع‪.‬‬ ‫‪ -6‬الحفــاظ عــى املؤسســات العامــة والــروات الطبيعيــة وصــون البنيــة التحتيــة‬ ‫للبــاد‪.‬‬ ‫‪ -7‬العمــل عــى تفعيــل دور التعليــم الرتبــوي والتوعــوي واإلرشاف عــى العمليــة‬ ‫التعليميــة والرتبويــة مــن خــال تفعيــل جانــب الدعــم النفــي لألطفــال يف مجــاالت‬ ‫الفنــون البرصيــة الســمعية واألنشــطة الرياضيــة واللغــات (العربيــة – الرتكيــة –‬ ‫اإلنكليزيــة)‪.‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫يف أبعاد هجرة ولجوء السوريني‬ ‫فايز سارة‬ ‫ليــس مــن بــاب الصدفــة‪ ،‬أن يصــل عــدد الالجئني الســوريني‬ ‫يف بلــدان الجــوار إىل نحــو خمســة ماليــن نســمة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫األمــر بالنســبة ألعــداد الالجئــن الســوريني يف الــدول األوربيــة‪،‬‬ ‫واملقــدر عددهــم بأكــر مــن مائــة ألــف شــخص‪ ،‬وهــو رقــم‬ ‫قيــايس يف أرقــام اللجــوء األوريب‪ ،‬وكال العدديــن مجــرد مثــال‬ ‫عــى حجــم مغــادرة الســوريني لبلدهــم يف الثــاث ســنوات‬ ‫ونصــف املاضيــة‪ ،‬والتــي أحــد مؤرشاتهــا وجــود نحــو ســتامئة‬ ‫ألــف مقيــم ســوري يف دولــة اإلمــارات العربيــة وحدهــا‪.‬‬ ‫انتقــال الســوريني مــن بلدهــم إىل خارجهــا هــو جــزء رئيــس‬ ‫مــن إســراتيجية نظــام األســد يف مواجهــة ثــورة الســوريني‪،‬‬ ‫وهــو يصــب يف إطــار جهــده لــوأد الثــورة وعــودة النظــام‬ ‫إىل إحــكام قبضتــه عــى البــاد‪ ،‬وتكريــس ســلطة االســتبداد‬ ‫والتفــرد‪ ،‬بعــد إعــادة ســيطرتها عــن طريــق القتــل والتدمــر‬ ‫والتهجــر‪.‬‬ ‫ومنــذ األشــهر األوىل للثــورة‪ ،‬رســم النظــام إســراتيجيته يف‬ ‫مواجهــة الثــورة عــر ثالثــة مســارات‪ ،‬األول هــو التصــدي‬ ‫املبــارش للناشــطني واملعارضــن عــر القتــل واالعتقــال واملطاردة‬ ‫بهــدف إخراجهــم مــن دائــرة الــراع معــه‪ ،‬ومنعهــم مــن‬ ‫تطويــر وقيــادة حركــة شــعبية يف مناطــق التظاهــر واالحتجاج‪،‬‬ ‫والثانيــة قمــع الحواضــن االجتامعيــة لحركــة التظاهــر مــن‬ ‫مــدن وأحيــاء وقــرى‪ ،‬ورفــع كلفــة معارضتهــا للنظــام‪ ،‬ليــس‬ ‫يف اعتقــال وقتــل ومطــاردة أبنائهــا‪ ،‬وإمنــا تحميــل عائالتهــم‬ ‫ومحيطهــم االجتامعــي مســؤولية مــا يقــوم بــه أبناؤهــم مــن‬ ‫نشــاطات معارضــة‪ ،‬وتجســد قمــع الحواضــن باعتقــاالت كيفية‬ ‫وأعــال تخريــب ورسقــة‪ ،‬ثــم تطــور إىل تدمــر شــامل للبيــوت‬ ‫واملحــال وصــوالً إىل تدمــر مؤسســات الخدمــة العامــة قبــل‬

‫محمد صبحي‬

‫ولــوج بوابــة تدمــر كيل لتــك الحواضــن عــى نحــو مــا حــدث‬ ‫يف القصــر وبابــا عمــرو وغريهــا‪ ،‬مــا أدى إىل هجـرات داخليــة‬ ‫واســعة لســكانها باتجــاه مناطــق ســورية أخــرى أقــل ســخونة‪،‬‬ ‫وكان هــذا املســار الثالــث‪.‬‬ ‫وأدت إســراتيجية النظــام يف مواجهــة الثــورة إىل إضعــاف‬ ‫الحركــة الشــعبية وقادتهــا امليدانيــن يف وجــه النظــام‪ ،‬لكنهــا‬ ‫مل تــؤ ِد إىل وقفهــا‪ ،‬األمــر الــذي دفــع النظــام نحــو تطويــر‬ ‫إسـراتيجيته أو اســتكاملها مبســار رابــع‪ ،‬وهــو دفــع الســوريني‬ ‫إىل مغــادرة البــاد‪ ،‬وهكــذا بــدأ خــط انتقــال ولجــوء الســوريني‬ ‫للخــارج‪ ،‬وهــو أمــر مل يكــن بعيــدا ً عــن إجـراءات عمليــة‪ ،‬قــام‬ ‫بهــا النظــام مبــارشة إضافــة إىل مســارات إسـراتيجيته يف القتــل‬ ‫والتدمــر والتهجــر‪ ،‬وكان األبــرز يف هــذه اإلجـراءات االســتمرار‬ ‫يف فتــح الحــدود مــن أجــل تدفــق الســوريني خارج ـاً بغــض‬ ‫النظــر عــن أســباب مغادرتهــم والبلــدان التــي يغــادرون إليهــا‬ ‫مبــا فيهــا دول يصفهــا النظــام باملعاديــة‪ ،‬إضافــة إىل عمليــة‬ ‫تســهيل الحصــول عــى وثائــق الســفر‪ ،‬بــل إنــه شــجع بصــورة‬ ‫مبــارشة وغــر مبــارشة عــى مغــادرة السياســيني واملعارضــن‬ ‫والنشــطاء للخــارج عــى أمــل التخلــص منهــم‪ ،‬بــل وضعهــم يف‬ ‫ســياق أوضــاع جديــدة‪ ،‬تجعلهــم مجربيــن عــى إعــادة ترتيــب‬ ‫أوضاعهــم الشــخصية واالجتامعيــة يف البلــدان التــي حلــوا‬ ‫فيهــا‪ ،‬وهــي أمــور مل تكــن تشــغلهم كثــرا ً عندمــا كانــوا يف‬ ‫ســوريا‪ ،‬وغالب ـاً مل تكــن يف أولويــات اهتامماتهــم‪.‬‬ ‫إن أث ـرا ً آخــر لعمليــة هجــرة ولجــوء الســوريني إىل الخــارج‪،‬‬ ‫ميكــن رؤيتــه فيــا تركــه ذلــك عــى ثالثــة مســتويات ذات‬ ‫عالقــة وثيقــة بالقضيــة الســورية‪ ،‬أول هــذه املســتويات هــي‬ ‫املعارضــة الســورية وقــوى الثــورة‪ ،‬والتــي مفــرض أنهــا‬

‫مالمح التحول يف امللف الكردي‬

‫إذا كان جيــش الخالفــة املقــدس قــد‬ ‫قــرر عــدم الخــوض أو االســتمرار يف‬ ‫الحــرب عــى الكــورد مبناطــق اإلقليــم يف‬ ‫كردســتان العـراق ألســباب تتعلــق بالقرار‬ ‫الــذي اتخــذه الكــورد بالدفــاع عــن مــدن‬ ‫اإلقليــم‪ ،‬فــإن ذلــك قــد جعــل موجــة‬ ‫التطــرف والعنــف ترتــد إىل الشــال‬ ‫الســوري (مناطــق الوجــود الكــردي) أو‬ ‫كــا يحــب أن يســميه الكــرد (روج أفــا)‬ ‫لترتكــز املعــارك بــن الفصائــل الكرديــة‬ ‫املســلحة وبــن تنظيــم دولــة العــراق‬ ‫والشــام يف كوبــاين والقــرى املحيطــة بهــا‬ ‫وتتســبب يف نــزوح أهلهــا إىل الحــدود‬ ‫الرتكيــة‪ ،‬وليســت هــذه هــي املوجــة‬ ‫األوىل مــن التهجــر القــري للكــورد يف‬ ‫محافظــة الرقــة‪ ،‬معقــل الدولة اإلســامية‪،‬‬ ‫والتــي كانــت أوىل هــذه املوجــات تعــود‬ ‫إىل العــام املنــرم (‪ 21‬متــوز مــن العــام‬ ‫‪2013‬م) عندمــا أقدمــت كتائــب إســامية‬ ‫مختلفــة وباغتــت التجمعــات الســكانية‬ ‫للكــورد املدنيــن يف قراهــم بتــل أبيــض‬ ‫ومحيطهــا‪ ،‬وتســببت يف تهجــر مــا يزيــد‬ ‫عــن (‪ )5000‬عائلــة‪ ،‬كــا تــم نهــب‬ ‫الكثــر مــن ممتلكاتهــم الخاصــة‪ ،‬ومــا‬ ‫يالحــظ يف ســلوك الكــورد املســلحني‬ ‫طــوال قتالهــم يف الشــال الســوري أنهــم‬ ‫قــد تجنبــوا التعامــل بــردود األفعــال‬ ‫تجــاه التجمعــات الســكانية للقوميــات‬ ‫األخــرى‪ ،‬وهــم يــرون أن كل مــا يقــع‬ ‫عليهــم مــن معانــاة ونــزوح وتهجــر‬ ‫ال يعطيهــم الحــق أن يــردوا بــذات‬ ‫األســلوب يف تهجــر التجمعــات التــي‬ ‫تحتضــن الفصائــل اإلســامية طوعــاً أو‬ ‫كره ـاً‪ ،‬كــا أن املدنيــن الكــورد يرتكــون‬ ‫لفصائلهــم املســلحة املســؤولية يف‬ ‫التعاطــي مــع هــذا الشــأن بينــا ينــري‬ ‫ناشــطوهم يف توثيــق مــا أمكــن توثيقــه‬ ‫مــن هــذه االنتهــاكات والجرائــم ووضعهــا‬ ‫أمــام الــرأي العــام العاملــي للنظــر يف تلــك‬

‫االنتهــاكات واتخــاذ مــا يلــزم‪ ،‬وتتميــز‬ ‫فصائلهــم املســلحة‪ ،‬بقــدرة عاليــة عــى‬ ‫االنضبــاط العســكري يف عــدم التعــدي‬ ‫عــى مدنيــن انطالق ـاً مــن ردود األفعــال‬ ‫كــا يؤكــد نشــطاؤهم وسياســييهم يف كل‬ ‫مناســبة عــر ترصيحاتهــم الرســمية أن‬ ‫وجــود املســلحني بتشــكيالتهم العســكرية‬ ‫ال يعنــي بالــرورة الرغبــة يف االنفصــال‬ ‫عــن ســوريا‪ ،‬ولكنهــا حاميــة لهــذه‬ ‫املناطــق فقــط‪ .‬هــذا الســلوك املنضبــط‪،‬‬ ‫وهــذه املعانــاة املتصلــة لــدى الكــورد‬ ‫والتــي متتــد بحيثياتهــا إىل ســيطرة حكــم‬ ‫األســد‪ ،‬ومــا كان مــن إجــراءات ظاملــة‬ ‫تتســم بالتعســف الســلطوي كالحــزام‬ ‫العــريب وقانــون منــع البيــع لعقــارات‬ ‫يف مناطــق محاذيــة للحــدود وعــدم‬ ‫منــح الجنســية الســورية للكثرييــن مــن‬ ‫الكــورد وتركهــم مكتومــن يف حكــم‬ ‫البعــث‪ ،‬كل هــذا الســلوك املســتبد‬ ‫راكــم لــدى الكــورد الســوريني شــعورا ً‬ ‫باالنتقــاص مــن مواطنتهــم ومل يجــدوا من‬ ‫يدافــع عــن حقوقهــم لــدى مؤسســات‬ ‫الدولــة الســورية‪ ،‬وأنــه يتوجــب عليهــم‬ ‫االســتفادة مــا أفرزتــه الثــورة الســورية‬ ‫مــن مناخــات للمطالبــة بحقهــم يف تقرير‬ ‫املصــر عــر املنابــر السياســية والحقوقيــة‬ ‫وتعزيــز التســلح لــدى فصائلهــم املقاتلــة‪.‬‬ ‫ســاهمت الكثــر مــن األحــداث‬ ‫والتحــوالت التــي نجمــت عــن الثــورة‬ ‫الســورية يف رســم خارطــة جديــدة‬ ‫ملعطيــات ونضــاالت الكــورد الســوريني‪،‬‬ ‫فقــد تعمــق الخــاف القومــي والدينــي‬ ‫فيــا بينهــم وبــن الفصائــل اإلســامية‬ ‫بســبب االنتهــاكات الرصيحــة لهــذه‬ ‫الفصائــل يف مناطقهــم إىل أن انفــردت‬ ‫دولــة العـراق والشــام بهــذا الــدور كليـاً‪،‬‬ ‫كــا أبــرم الزعيــم عبــد اللــه أوجــان‬ ‫اتفاقــاً مــن داخــل ســجنه يف جزيــرة‬ ‫إميــرايل مــع الحكومــة الرتكيــة يقــي‬ ‫بإصــدار الحكومــة الرتكيــة قانونـاً للحكــم‬ ‫الــذايت اإلقليمــي‪ ،‬وهــي هدنــة تنــوي‬

‫إنهــاء الـراع الــذي اســتمر لثالثــن عامـاً‬ ‫راح ضحيتــه ‪ 40‬ألــف شــخص‪ ،‬مــا يعنــي‬ ‫تركيــز الجهــود والفعاليــات العســكرية‬ ‫لحــزب العــال الكردســتاين يف األرايض‬ ‫الســورية‪ ،‬وبذلــك يتــم التأســيس ل ـراع‬ ‫ال نعــرف رضاوتــه أو مــداه‪ ،‬خصوصـاً أنــه‬ ‫يواجــه رغبــة أكيــده لــدى تنظيــم داعــش‬ ‫يف القضــاء عــى الحركــة الكورديــة يف‬ ‫الشــال الســوري ويســعى التنظيــم‬ ‫الجهــادي (داعــش) يف اآلونــة األخــرة إىل‬ ‫توجيــه الرضبــة املزدوجــة‪ ،‬والتــي تشــمل‬ ‫فصائــل الجيــش الحــر املتبقيــة يف الرقــة‪،‬‬ ‫وأهمهــا لــواء ثــوار الرقــة‪ ،‬وتتحالــف‬ ‫هــذه الفصائــل اآلن مــع قــوات الحاميــة‬ ‫الشــعبية ‪ PYD‬يف كوبــاين‪ ،‬وقــد وضعــت‬ ‫كل إمكانياتهــا لخــوض معركــة التحالــف‬ ‫(بــركان الفــرات) ضــد تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســامية يف العــراق والشــام‪ ،‬ويــرح‬ ‫الكــورد أنــه ال تنــازل عــن حقوقهــم‬ ‫التاريخيــة وأن مــن حقهــم إدارة‬ ‫مناطقهــم التــي يقطنهــا الكــورد باإلضافــة‬ ‫إىل أنهــم أوجــدوا هيــاكل إداريــة لــإدارة‬ ‫الذاتيــة يف هــذه املناطــق‪ ،‬ويطالبــون‬ ‫هيئــات دوليــة وإقليميــة بإنهــاء معاناتهم‬ ‫واعتبارهــم ثــاين أكــر قوميــة يف البــاد‬ ‫تســعى لتأمــن حقوقهــا يف تقريــر املصــر‪.‬‬ ‫وإذا كانــت الفيدراليــة يف العــراق قــد‬ ‫أضافــت للكــورد اســتقرارا ً كبـرا ً وارتفاعـاً‬ ‫ملحوظــاً يف معــدالت التنميــة‪ ،‬فــإن‬ ‫نضاالتهــم يف ســوريا تقــوم عــى هــذه‬ ‫الرائــزة بالــذات‪ ،‬فالشــال الســوري ومــا‬ ‫يتمتــع بــه مــن وجــود للمــوارد والــروات‬ ‫يجعــل مــن اإلدارة الذاتيــة مدخـاً إلنهــاء‬ ‫ظاهــرة عــدم العدالــة وعــدم املســاواة‬ ‫يف التنميــة واإلعــار ملناطــق الشــال‬ ‫وتــكاد تكــون املحــرض األســايس والكبــر‬ ‫للفيدراليــة فضــاً عــن إنهــاء ظاهــرة‬ ‫االضطهــاد للكــورد الســوريني‪ ،‬ومــا ميكــن‬ ‫أن ينبثــق عــن هــذه اإلدارة الذاتيــة مــن‬ ‫حقــوق ثقافيــة ظلــت غائبــة ومحاربــة‬ ‫إبــان فــرة الحكــم الدكتاتــوري يف ســوريا‪.‬‬

‫معنيــة بحــال الســوريني يف الداخــل ويف الخــارج مــن الناحيتــن‬ ‫السياســية واألخالقيــة‪ ،‬ليــس ألنهــا تعتــر مشــكلة أغلــب‬ ‫هــؤالء ناتجــة عــن موقفهــم الســيايس املعــارض للنظــام فقــط‪،‬‬ ‫بــل ألنهــا تطــرح نفســها مســؤولة أخالقيـاً عــن مســاعدتهم يف‬ ‫ظــل محدوديــة قدراتهــا وإمكانياتهــا املاديــة يف وقــت تســتمر‬ ‫فيــه بخــوض رصاع واســع ومتعــدد املجــاالت واملســتويات مــع‬ ‫النظــام يف الداخــل‪ .‬وللحــق فــإن هجــرة ولجــوء الســوريني‪،‬‬ ‫أربكــت املعارضــة وقــوى الثــورة لعــدم قــدرة األخــرة عــى‬ ‫توفــر إمكانيــات عيــش كريــم والئــق ولــو يف أدىن الحــدود‬ ‫اإلنســانية أو املســاعدة يف ذلــك‪.‬‬ ‫واملســتوى الثــاين‪ ،‬متثــل فيــا تركتــه هجــرة ولجــوء الســوريني‬ ‫عــى دول الجــوار‪ ،‬واملعنــي بهــا تركيــا واألردن ولبنــان والعـراق‬ ‫ومــر التــي هــي يف حكــم دول الجــوار‪ .‬ورغــم أن تركيــا هــي‬ ‫أكــر دول الجــوار يف القــدرة واإلمكانيــات عــى اســتيعاب‬

‫‪6‬‬ ‫املهاجريــن والالجئــن مبــا لهــا مــن إمكانيــات وموقــف ســيايس‬ ‫داعــم للســوريني‪ ،‬فإنهــا الشــك عانــت وتعــاين مــن أثــر ذلــك‪،‬‬ ‫فليــس مــن الســهل عــى بلــد أن يجــد نفســه يف مواجهــة‬ ‫أكــر مــن مليــون ونصــف مليــون نســمة مهاجريــن والجئــن‪،‬‬ ‫بينــا األمــر أكــر صعوبــة يف البلــدان األخــرى التــي تعــاين مــن‬ ‫مشــاكل وأزمــات سياســية واقتصاديــة – اجتامعيــة وأمنيــة‪،‬‬ ‫هــي يف موقــف الحــذر مــن تطــورات القضيــة الســورية‬ ‫واحتــاالت انعكاســاتها الســلبية كــا يف النمــوذج اللبنــاين‬ ‫املنقســم عــى نفســه مــن جهــة واملنقســم يف آن معـاً حيــال‬ ‫القضيــة الســورية ذاتهــا‪ ،‬وهــو أمــر بــات يهــدد بانفجــار‬ ‫داخــي‪.‬‬ ‫واملســتوى الثالــث مــن تأثـرات هجــرة ولجــوء الســوريني‪ ،‬كان‬ ‫عــى دول العــامل الغــريب وخاصــة غــرب أوربــا وشــالها‪ ،‬والتــي‬ ‫اســتقبلت عــرات ألــوف الالجئــن‪ ،‬وقدمــت مســاعدات‬ ‫إغاثيــة وإنســانية كثــرة مــن أجــل الالجئــن دون أن يخفــف‬ ‫ذلــك مــن مســؤوليتها السياســية واألخالقيــة عــن فشــلها يف‬ ‫مســاعدة جديــة يف معالجــة القضيــة الســورية أمــام شــعوبها‬ ‫وأمــام العــامل كلــه الــذي بــات مهــددا ً بتداعيــات القضيــة‬ ‫الســورية يف مســتوياتها الداخليــة والخارجيــة‪.‬‬ ‫خالصــة القــول يف هجــرة ولجــوء الســوريني إىل الخــارج‪ ،‬إنهــا‬ ‫نتيجــة إس ـراتيجية وسياســات نظــام األســد ويف إطــار حربــه‬ ‫عــى الســوريني ومحاولــة حــل القضيــة لحســابه بتصفيــة‬ ‫الثــورة وإعــادة إحــكام القبضــة عــى البــاد مجــددا ً‪ ،‬واســتطاع‬ ‫مــن خــال ذلــك تحميــل األطــراف األخــرى نتيجــة أفعالــه‬ ‫اإلجراميــة‪ ،‬وجعلهــا تأخــذ عــى مســؤوليتها دفــع فاتــورة تلــك‬ ‫السياســة التــي مازالــت مســتمرة وتتفاقــم‪ ،‬مــا يجعــل املهمة‬ ‫األساســية لــكل األطــراف املتــررة مــن الســوريني وقــوى‬ ‫املعارضــة والثــورة ودول الجــوار واألبعــد منهــا يف العــامل‬ ‫وقــف هجــرة ولجــوء الســوريني مــن جهــة‪ ،‬وإعادتهــم إىل‬ ‫بلدهــم دون أن يكونــوا عرضــة للقتــل والتدمــر والتهجــر‪ ،‬وأن‬ ‫يعيشــوا يف أمــان وســام رغــم نظــام األســد بوجــوده أو بدونــه‬ ‫عــى الســواء‪.‬‬

‫أمريكا التي نحبّ‪ ،‬أمريكا التي نكره!‬ ‫أحمد مولود الطيار‬ ‫مــع اق ـراب انطــاق الطائ ـرات والصواريــخ األمريكيــة‬ ‫يف عمليــة يُحــر فيهــا لحشــد دويل ملحاربــة «داعــش»‬ ‫والقضــاء عليهــا يف ســوريا والع ـراق‪ ،‬بــدأت تنطلــق مبــوازاة‬ ‫ذلــك تحليــات مــن جهــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى نــدب‬ ‫وعويــل وكلهــا‪ :‬الق ـراءات‪ ،‬تنبــش مــن دفاتــر قدميــة حــول‬ ‫أمريــكا ودورهــا وسياســاتها وأيديولوجيتهــا‪ ،‬مجمعــة تلــك‬ ‫القــراءات عــى شــيطنة الدولــة األعظــم يف العــامل‪ ،‬وأنهــا ال‬ ‫تتحــرك إال مــن أجــل مصالحهــا وخدمــة لسياســاتها! أمــا‬ ‫«النــدب والعويــل»‪ ،‬فينطلــق مــن نظــرة رومانســية وحاملــة‬ ‫إىل العــامل تريــد كل يشء وال تريــد شــيئاً‪ ،‬ومــن املهــم هنــا‬ ‫فيــا يتعلــق بتلــك التحليــات والق ـراءات‪ ،‬جلّهــا إن مل يكــن‬ ‫كلّهــا‪ ،‬ال تنطلــق يف تحليالتهــا مــن معطيــات واضحــة ع ـ ّرت‬ ‫عنهــا ترصيحــات الساســة األمريكيــون‪ ،‬أو اإلحصــاءات التــي‬ ‫تقيــس توجهــات الــرأي العــام يف أمريــكا ‪ ،‬أو مــن الربنامــج‬ ‫االنتخــايب الــذي جــاء بأوبامــا إىل ســدة الحكــم والزاهــد يف‬ ‫التدخــات الخارجيــة‪ ،‬أو حتــى مــن سياســة أمريكيــة أرادت‬ ‫منهــا اســتنزاف خصومهــا وتحويــل ســوريا إىل «فيتنــام»‬ ‫إليــران أو روســيا»‪ ،‬هــي تســتند اىل نظريــة املؤامــرة مــن‬ ‫جهــة أو أيديولوجيــات تصادمــت وتعــادت كثـرا ً مــع أمريــكا‬ ‫أثنــاء الحــرب البــاردة ووجــود القطــب الســوفيتي الــذي‬ ‫اضمحــل وذهــب مــن غــر رجعــة‪ ،‬مبعنــى أن القـراءات تلــك‪،‬‬ ‫دافعهــا «الهــوى» وال تعبــأ بالسياســة وأصولهــا وممكناتهــا‪،‬‬ ‫هــي أمينــة لثوابتهــا التــي تخشــبت ومل تعــد النظــر فيهــا‬ ‫قـراءة ومراجعــة‪ ،‬أمــا أصحــاب املعلقــات الرومانســية الذيــن‬ ‫هربــوا مــن داعــش إىل مــا وراء الحــدود‪ ،‬مل ينفكــوا أبــدا ً يف‬ ‫تحميــل العــامل‪ ،‬وتحديــدا ً أمريــكا‪ ،‬مــا أصابهــم مــن ويــات‬ ‫جـراء داعــش‪ ،‬وعندمــا تحــن لحظــة الحــرب مــع داعــش وأن‬ ‫أمريــكا تتحــر يف حــرب دوليــة شــاملة للقضــاء عليهــا‪ ،‬يُحــار‬ ‫أصحــاب املعلقــات تلــك ويبــدؤون هجومهــم خبــط عشــواء‬ ‫ضــد أمريــكا وداعــش وال يوفــرون النظــام الســوري الــذي كان‬ ‫الســبب يف وجــود داعــش‪.‬‬

‫ال ميكــن دامئـاً تحريــك املجتمــع الــدويل والسياســات الدوليــة‬ ‫جميعهــا تجــاه قضيــة واحــدة مهــا أوتيــت – تلــك القضيــة‬ ‫ مــن القــوة والصالبــة يف عدالــة مطالبهــا املتمثلــة بالحريــة‬‫والكرامــة وهــو الحجــر األســاس الــذي انطلقــت منــه الثــورة‬ ‫الســورية‪ ،‬وهــذا بــدت صعوبتــه يف الســنة األوىل لتلــك الثــورة‬ ‫واألســباب معروفــة ومل تعــد خافيــة عــى أحــد‪ ،‬ازدادت هــذه‬ ‫الصعوبــة حتــى اقرتبــت مــن املســتحيل‪ ،‬وبــدأت الثــورة‬ ‫تخــر حتــى مــن رصيــد أصدقائهــا ومــا يســمى بيئتهــا‬ ‫الحاضنــة‪ ،‬وغــاب علمهــا‪ ،‬وغابــت شــعاراتها‪ ،‬وبــدأ اليــأس‬ ‫ينتــر يف صفــوف أشــد املؤيديــن واملنخرطــن فيهــا‪ .‬الس ـ ّم‬ ‫القاتــل الــذي بــدأ يفتــك بالثــورة‪ ،‬مل يعــد يتمثــل يف النظــام‬ ‫الســوري وحــده‪ ،‬بــرزت داعــش‪ ،‬ذلــك التنظيــم الــذي يتغــذى‬ ‫بالــدم‪ ،‬أكــر الحلفــاء املوضوعيــن للنظــام الســوري‪ ،‬وتالقــى‬ ‫كل لحســاباته وأهدافه الخاصة‪ ،‬يف مصلحة مشــركة‬ ‫الطرفــان‪ٌّ ،‬‬ ‫متثلــت يف القضــاء عــى ثــورة طمحــت أن تهــزم االســتبداد‬ ‫أي كان أصلــه ونوعــه ومنشــئه‪ .‬تقــرر أمريــكا وحلــف دويل‬ ‫ّ‬ ‫يتشــكل اآلن؛ اآلن حانــت اللحظــة لوقــف هــذا املســمى‬ ‫داعــش‪ ،‬أيضــا تقــرر أمريــكا وحلفاؤهــا‪ ،‬رفــض (الدعــوة )‬ ‫املقدمــة مــن وزيــر خارجيــة النظــام الســوري وليــد املعلــم‪،‬‬ ‫(التنســيق يف العــدوان عــى ســوريا) كــا جــاء حرفيـاً يف تلــك‬ ‫الدعــوة عــى لســان الوزيــر املذكــور‪ ،‬اآلن نحتــار و‪( ،‬تزدهــر)‬ ‫الق ـراءات املحنطــة مــن جديــد‪ ،‬و»النــدب والعويــل» يبــدأ‬ ‫بالتالطــم‪ ،‬و»الرومانســيون» يريــدون للطائـرات املهاجمــة أن‬ ‫تحــذر وتنتبــه جيــدا ً يف رضبهــا لقواعــد داعــش ألن البنيــة‬ ‫التحتيــة يف الرقــة التــي شــ ّيدها النظــام طــوال عقــوده‬ ‫الســالفة وأماكــن تواجــد داعــش هشــة ورقيقــة وقلبونــا‬ ‫أيضــا رقيقــة‪ ،‬وأمريــكا التــي نحــب ونكــره‪ ،‬الوصــال معهــا‪،‬‬ ‫لألســف‪ ،‬هــي َمــن تحــدد موعــده ال نحــن‪ .‬داعــش أحــد‬ ‫عدويــن للثــورة الســورية‪ ،‬القضــاء عليهــا أفضــل مــن أن تظــل‬ ‫«تتمــدد وباقيــة»‪ ،‬واألســد نحتــاج إىل تغي ـرات جوهريــة إن‬ ‫أردنــا القضــاء عليــه‪ ،‬رغــم أنــه حتــى ولــو اســتمر زمنـاً‪ ،‬فإنــه‬ ‫غــر قــادر عــى التمــدد والبقــاء‪ .‬أمريــكا ليســت جمعيــة‬ ‫خرييــة‪ ،‬و»ليســت غرفــة لاليجــار»‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫‪7‬‬ ‫خريي الذهبي‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫هذه الداعش هل سقطت علينا من السماء؟‬

‫للــدول والشــعوب جميعهــا أو مبعظمهــا مراهقــة أو اندفاعــة شــباب تكــون‬ ‫فيهــا ممتلئــة بالرغبــة يف فعــل اســتثنايئ‪ ،‬رمبــا يف قفــزة حضاريــة‪ ،‬ورمبــا يف‬ ‫قفــزة فكريــة لصنــع فلســفة تغــر رؤيــة العــامل لليــوم وللغــد‪ ،‬ورمبــا حســب‬ ‫رأي الرائــن إىل األبــد‪.‬‬ ‫أمــم البحــر املتوســط بشــكل عــام أمــم عدوانيــة‪ ،‬عــى خــاف أمــم آســيا‬ ‫العميقــة كالهنــد التــي ال يعــرف عنهــا أنهــا غــزت أمــة أخــرى قــط‪ ،‬بــل عــى‬ ‫العكــس كانــت األمــم األخــرى تغزوهــا طمعـاً يف ثرواتهــا وال تغزوهــم‪ ،‬وكــذا‬ ‫الصــن التــي مــا إن اكتملــت رؤيتهــا لحضارتهــا‪ ،‬وللعــامل الرببــري يف شــالها‬ ‫حتــى بنــت ســورا ً عظيــاً متنــع بــه البــدو مــن مهاجمــة حدودهــا فــكان‬ ‫الســور أيضــا مانع ـاً روحيــا لهــا مــن غــزو العــامل ‪.‬‬

‫أمــا أمــم املتوســط فكانــوا غــر راضــن عــن الجغرافيــا التــي يعيشــون فيهــا‪ ،‬أو‬ ‫غــر راضــن عــن الــروات التــي تهبهــا لهــم هــذه الجغرافيــا‪ ،‬وبــذا يتحولــون‬ ‫إىل صناعــة اإلمرباطوريــة‪ ،‬والتــي تعنــي أول مــا تعنــي االســتيالء عــى ثــروات‬ ‫اآلخــر‪ ..‬بــدءا ً مــن قطعانــه ومــرورا ً بنســائه‪ ،‬وختامـاً بحريــة الشــعوب املهزومة‬ ‫التــي تتحــول بقــوة القهــر إىل عبيــد أو مــا يشــبه العبيــد «رقيــق األرض»‪.‬‬

‫وطبعــاً علينــا أن نذكــر آشــور وكلدانيــا‪ ،‬وأخــرا ً فــارس التــي وصلــت‬ ‫بإمرباطوريتهــا إىل اليونــان‪ ،‬وطبعـاً عــر األناضــول ومــر‪ ،‬أي العــامل املتحــر‬ ‫كــا كانــوا يــرون العــامل‪ ،‬فالهنــد والصــن خــارج هــذا العــامل‪ ،‬وفظعــت فــارس‬ ‫يف طغيانهــا عــى األمــم التــي احتلتهــا عــى طريقــة املنترصيــن اآلســيويني‬ ‫حتــى ثــار اليونــان عــى داريــوس الطاغيــة الفــاريس بقيــادة فيليــب ثــم ابنــه‬ ‫االســكندر الــذي قــى عــى داريــوس‪ ،‬وأمعــن يف مطــاردة جيوشــه حتــى‬ ‫الهنــد‪ ...‬لتدخــل املنطقــة يف طــور املنتــر اليونــاين الــذي كرمتــه األمــم التــي‬ ‫أنقذهــا مــن الطغيــان الفــاريس حتــى قاربــوا بــه مرتبــة األنبيــاء «قلنــا يــا ذا‬ ‫القرنــن» بــل واإللوهيــة يف معبــد آمــون الفرعــوين‪.‬‬ ‫احــرم املشــارقة الذيــن مل يتســموا عربــاً بعــد حكمــه وفيلســوفه املعلــم‬ ‫أرســطو‪ ،‬فجعــل بعضهــم «أرســطو» نبيــا ومــا يزالــون‪ ،‬وكرمــوا االســكندر حتــى‬ ‫إذا مــا جــاء اإلســام رفعــه إىل مرتبــة قريبــة مــن األنبيــاء يف حديثهــم عــن ذي‬ ‫القرنــن الــذي بنــى ســدا ً بــن دول الحضــارة «مــر وبابــل والشــام» وبــن‬ ‫مجتمعــات البــداوة الرببريــة الذيــن ســاهم يأجــوج ومأجــوج «آســيا البدويــة‬ ‫الطورانيــة»‪ .‬والذيــن ســيعودون بــكل عنفهــم وجوعهــم للحضــارة مــع املغــول‬ ‫والجنــس الطــوراين عمومــا‪.‬‬ ‫رومــا قضــت عــى املــد اإلغريقــي واســتوعبته يف جســمها اإلمرباطــوري‬ ‫الجديــد‪ ،‬وفــارس اســتعادت اســتقاللها‪ ،‬وهكــذا وجــد بــداة الجزيــرة العربيــة‬ ‫مــع اســتيقاظهم مــن بداوتهــم الطويلــة‪ ،‬وشــموا رائحــة آباطهــم يف معركــة‬ ‫ذي قــار أنهــم يســتطيعون القضــاء عــى مذلهــم التاريخــي فــارس‪ ،‬وكانــوا قــد‬ ‫جربــوا أكــر مــن طريقــة لدخــول العــر «امللكيــة يف يــرب» عبــد اللــه بــن‬ ‫أيب‪ .‬وحكــم مجلــس الشــيوخ «حلــف الفضــول» الــذي نقلــه عبــد اللــه بــن‬ ‫جدعــان إىل مكــة‪ ،‬والنبــوة يف نبــي الطائــف‪ ،‬والقــوة العســكرية يف معركــة‬ ‫ذي قــار ‪.‬‬ ‫وجــاء محمــد صلعــم ليجمــع كل هــذه اإلنجــازات والطموحــات يف دولــة‬ ‫القانــون الجديــد «الديــن» ويصنــع «املدينــة» قريــة الديــن الجديــد «القانــون‬ ‫اإللهــي» ويبــدأ عــى يــده الكرميــة خــروج العــرب مــن ســجنهم الصح ـراوي‬ ‫إىل اإلمرباطوريــة العربيــة اإلســامية متابعــاً الخــط املتوســطي يف بنــاء‬ ‫اإلمرباطوريــة العربيــة حســب القوميــن مــن بعــث وأشــباهه «‪.............‬أو‬ ‫اإلســامية» حســب السياســيني اإلســاميني‪.‬‬ ‫كان تحــرش العــرب بالفــرس يف القادســية إثباتـاً لهــم أن الفــرس املرعبني ليســوا‬ ‫أكــر مــن منــر مــن ورق‪ ،‬فانقضــوا عليــه‪ ،‬وقضــوا عليــه القضــاء املــرم وغــروا‬ ‫ثقافتــه إىل العربيــة ودينــه إىل اإلســام‪ ،‬وقضــوا عــى اليونــان البيزنطيــن يف كل‬ ‫مســتعمراتها خــارج أوربــا يف مــر وشــال أفريقيــا والشــام ثــم عــى ايبرييــا‪،‬‬ ‫القوطيــة «وهكــذا وجــدوا أنفســهم وقــد صــاروا إمرباطوريــة‪ .‬أو األكــر يف‬ ‫العــامل املتوســطي‪.‬‬ ‫بــدأت الحــرب األهليــة بــن العلويــن «ليســوا العلويــن املعارصيــن‪ ،‬بــا شــيعة‬

‫عــي‪ ،‬وهكــذا كانــوا يســمون‪ ،‬أمــا الحــزب الســيايس الــذي أنشــأه جعفــر‬ ‫الصــادق تحــت اســم شــيعة عــي‪ ،‬فهــذا قــد تأخــر حتــى القــرن الثالــث‬ ‫الهجــري‪ ،‬ومل يفكــر السياســيون املعارضــون لألمويــن بتســمية الهاشــميني‬ ‫لئــا يختلــط األمــر بــن أنصــار عــي وأنصــار بنــي العبــاس‪ ،‬وكان األمويــون قــد‬ ‫أعلنــوا شــعارهم‪ :‬اإلمامــة يف قريــش‪ ....‬موقــف شــديد األرســتقراطية‪ ،‬ولكــن‬ ‫مرشوعيتــه قدمــت مــن مطالبــة الهاشــميني باإلمامــة‪ ،‬ورمبــا كان موقــف‬ ‫األمويــن يف أن اإلمامــة يف قريــش املكيــة هــو موقــف أهــل رومــا يف أن‬ ‫الحكــم ألهــل رومــا فقــط‪ ،‬وهكــذا كان‪ ،‬وبهــذا كانــت حتــى إيطاليــا وأتروريــا‬ ‫محكومتــن بالرومــان أي بأهــل رومــا‪.‬‬ ‫مل تحــاول هــذه اإلمرباطوريــة صــوغ قانــون أريض يحكــم عالقــات شــعوب‬ ‫اإلمرباطوريــة أو يحكــم عالقــة الدولــة الجديــدة بــدول الجــوار‪ ،‬وكانــت‬ ‫املعارضــة الخــوارج والشــيعة «يلحــون عــى أن كل ســلوك إنســاين أريض يجــب‬ ‫االحتــكام فيــه إىل كتــاب اللــه»‪.................‬‬ ‫وهنــا بــدأ الـراع الــذي كان ينبغــي أن يكــون بــن أحـزاب ورؤى سياســية إىل‬ ‫رصاع عــى تفســر الديــن ومقوالتــه‪ ،‬وهنــا أخــذ الـراع الســيايس أصـاً بعــدا ً‬ ‫ميتافيزيقيــا اســتعان الجميــع فيــه بالســاء إلثبــات أحقيتهــم يف حكــم الرعايــا‬ ‫الجــدد‪ ،‬وقفــزت آســيا البدويــة جــدا «الطورانيــة» إىل الســاحة فقســمت‬ ‫البيــدر إىل عــر وتســعة أعشــار‪ ..‬عــر للــرف النبــوي نســل العباســيني‪.‬‬ ‫وتســعة أعشــار لســلطان القــوة العســكر‪.‬‬ ‫حــن خــرج العــرب عــن الرحــم العثامنيــة‪ ،‬والتــي ســبقتها ثــاث مئــة مــن‬ ‫حكــم املامليــك الــرك‪ ،‬خرجــوا والغــرب مينــي الرشيــف حســن بأنهــم‬ ‫ســيعودون أخـرا ً إىل حكــم إمرباطوريتهــم‪ ،‬ولكنهــم مــا إن تعاونــوا مــع الغــرب‬ ‫عــى إســقاط اإلمرباطوريــة الشــيخة حتــى وجــدوا أنفســهم يواجهــون العــامل‬ ‫مجزئــن وجاهلــن بالحكــم وأصولــه وأقــى مــا يف ذواكرهــم طاغيــة مملــويك‬ ‫يســتملكهم باســم الدفــاع عــن بيضــة اإلســام‪ ،‬وأخــذ حلــم الورثــة الضعفــاء‬ ‫باســتعادة عــز األجــداد يتعاظــم فيهــم‪ ،‬وهكــذا تحــول الحلــم إىل حلمــن‪ ،‬حلم‬ ‫لعــرب ال يعرفــون متــى كانــوا عرب ـاً ولكنــه الرابــط الوحيــد املعلــن بينهــم‪،‬‬ ‫وهــذا الحلــم تحــول إىل كابــوس عــى يــد البعثيــن الجاريــن العدويــن حتــى‬ ‫ليكتــب عــى جــواز الســفر أن بلديــن مينــع الســفر إليهــا إرسائيــل ودولــة‬ ‫البعــث الثــاين‪ ،‬أمــا الشــطر الثــاين الســرجاع التاريــخ فقــد حملــه اإلســاميون‬ ‫الذيــن تســموا يف مــر ثــم يف العــامل اإلســامي باســم اإلخــوان املســلمني‪،‬‬ ‫والــذي هــاج ومــاج حتــى وصــل وأوصلنــا إىل الكارثــة الداعشــيىة‪.‬‬ ‫اآلن واملشــارقة العــرب وبــن أيديهــم كارثتــان متســللتان مــن أســت التاريــخ‪...‬‬ ‫الكارثــة البعثيــة وقــد رأينــا مــا فعلتــا يف العـراق ثــم يف ســوريا‪ ............‬والكارثة‬ ‫الداعشــية‪ ...‬الديناصــور الــذي مل يعــرف بتغـرات التاريخ حتــى اليــوم‪............‬‬ ‫تــرى هــل آن للشــاميني والعراقيــن أن يصحــوا مــن الحلــم اإلمرباطــوري وأن‬ ‫ينرصفــوا إىل بنــاء أوطانهــم‪ ،‬فحركــة الحضــارة لــن تغفــر للمتقاعســن‪.‬‬

‫احلرب القادمة على سوريا‪..‬‬

‫غروب إالرهاب شو�وق االنتداب‬ ‫معبد الحسون‬ ‫التحالــف الــدويل ضــد اإلرهــاب يف ســوريا بــات حقيقــة‬ ‫واقعــة ومؤكــدة‪ ،‬ومل يعــد تصديـرا ً إعالميـاً براقـاً أو مرويّــة‬ ‫سياســية مســتنتجة أو مستنســخة أو متوقعــة‪ ،‬يُضــاف‬ ‫إىل هــذه الحقيقــة أنــه بــات يف حكــم املؤكــد بــأن مثــة‬ ‫أربعــن دولــة ستشــارك يف هــذه الحملــة الدوليــة غــر‬ ‫املســبوقة حتــى يف الحشــد الــدويل عــى العــراق إبــان‬ ‫حــرب الخليــج األوىل‪ ،‬ولقــد تــم اإلعــان عــن اســم‬ ‫خمــس وعرشيــن دولــة رســمياً صادقــت عــى موافقتهــا‬ ‫ومشــاركتها يف هــذه الحملــة املعلنــة ظاهريـاً ضــد داعــش‬ ‫وجبهــة النــرة وكل مســميات القاعــدة األقــل شــهرة‪،‬‬ ‫وهــذا إذا أخذنــا األمــور بظواهــر املعلــن فحســب‪ ..‬فضـاً‬ ‫خمــس عــرة دولــة أخــرى فضلــت يف‬ ‫عــن أن هنالــك‬ ‫َ‬ ‫املرحلــة الراهنــة أن تبقــي اســمها مطويـاً عــن الذكــر غــر‬ ‫معلــن‪ ،‬عــى األقــل يف اللحظــة الراهنــة‪..‬‬ ‫ال نحتــاج ألن نوقــف توقعاتنــا عــى أُضمومــة مــن‬ ‫الحقائــق مســتد ٍل عليهــا مبــا يشــبه ثبــات البديهيــة التــي‬

‫تؤكدهــا كل مــا تنطــق بــه وتســفر عنــه الحقائــق شــيئاً‬ ‫فشــيئاً‪ ،‬أن الحملــة التــي مل تتفــق الصدفــة ـ حتــى يف‬ ‫الــدول التــي شــهدت الحربــن العامليتــن ـ عــى اجتــاع‬ ‫كل هــذا العــدد مــن الــدول‪ ..‬ورأس هــذه التوقعــات‬ ‫املســتنتجة أن الحــرب القادمــة لــن تكــون «رضبــات‬ ‫جويــة فحســب» يتبعهــا متشــيط لــأرض ـ شــكيل أو‬ ‫فعــي ـ يقــوم بــه الجيــش الحــر والفصائــل املعتدلــة‪ ..‬وإال‬ ‫لــكان يف الواليــات املتحــدة وعــدد أقــل مــن القليــل مــن‬ ‫رشكائهــا اإلقليميــن أو الدوليــن الكفايــة يف تنفيذهــا‪ ،‬دون‬ ‫اتــكال عــى كل هــذا الحشــد مــن الــدول التــي ت ُعتــر‬ ‫مشــاركتها نافلــة ال لــزوم لهــا‪ ،‬وفضــول فاعليــة ال تســندها‬ ‫أيــة حاجــة عســكرية أو غــرض مــن أغ ـراض املســاندة‪.‬‬ ‫الوقائــع كلهــا تنطــق دون نطــق‪ ،‬وتقــول دون قــول‪ :‬إن‬ ‫ســوريا‪ ،‬بأزماتهــا املســتعصية وكوارثهــا املزمنــة والصــداع‬ ‫الســيايس الــذي بــات فاشــياً يف رأس البرشيــة بســبب‬ ‫التقلبــات والتطــورات الحاصلــة عــى أرضهــا‪ ..‬ســوريا مل‬ ‫يعــد مــن مندوحــة قــو ٍل بأنهــا ســوف تقــع ـ يف جــز ٍء مــن‬ ‫التوافقــات عــى رؤيــا دوليــة نهائيــة ملشــكلتها ـ تحــت‬

‫بنــد انتــداب غــر معلــن رســمياً‪ ..‬انتــداب رمبــا يكــون‬ ‫تحــت إرشاف األمــم املتحــدة أو مجلــس األمــن مــن‬ ‫حيــث الظاهــر‪ ،‬ولكنــه يف باطنــه ســيكون انتداب ـاً يقــوم‬ ‫عــى الرشاكــة بــن جميــع األطــراف الدوليــة املتناحــرة‬ ‫واملتصارعــة عــى األرض الســورية‪ ..‬هــذا االنتــداب (وهــو‬ ‫بــكل تأكيــد ســوف يُعطــى اس ـاً رســمياً وقانوني ـاً دولي ـاً‬ ‫غــر هــذا االســم) هــو يف الحقيقــة وقفــة اسـراحة لجميع‬ ‫األطــراف التــي وهنــت قواهــا عــى األرض واســتُنزِفت‪،‬‬ ‫وتلــك التــي مل تهــن ومل ت ُســتنزف‪ ،‬وهــي وقفــة الــرورة‬ ‫التــي تســعى إىل حــل نهــايئ للمحنــة الســورية‪ ،‬ورمبــا‬ ‫تكــون قبــة األمــم املتحــدة ومجلــس األمــن أوىل بهــا مــن‬ ‫غريهــا يف املرحلــة القادمــة‪.‬‬ ‫ســوف يُســتأصل اإلرهــاب مــن جــذوره‪ ،‬كــا أتوقــع‪.‬‬ ‫ولعــل جمــع كل أســاك األنهــار والبحــرات يف بركــة‬ ‫واحــدة لــه غايــة قصديــة مضمــرة مــن أجــل تكديــس‬ ‫أســاكه امليتــة كلهــا يف شــباك واحــد‪ ،‬ثــم إعــادة النظــر‬ ‫مــن جديــد يف امللفــات الدوليــة العالقــة‪ ،‬والتــي مل يتــم‬ ‫الحســم بشــأنها‪ :‬النظــام – الحالــة الطوائفيــة التــي‬ ‫جاشــت غواربهاــــ الدمــار شــبه الكامل للبلــد – الصفقات‬ ‫الرسيــة الغامضــة بــن إيـران والغــرب بشــأن املوقــف مــن‬ ‫امللــف النــووي – ملــف إعــادة اإلعــار – تركــة القاعــدة‬

‫والنظــام املجتمعيــة والقانونيــة التــي تحتــاج جروحهــا إىل‬ ‫ســنوات لتبلــغ بُ ْرأَهــا‪...‬‬ ‫غــروب اإلرهــاب يف ســورية ســوف يُــ َد َّور فلكيــاً مــع‬ ‫رشوق االنتــداب والوصايــة‪ ،‬وفقــدان جــزء مــن قــرار‬ ‫الســيادة‪ ،‬ورمبــا لفــرة طويلــة مــن الوقــت قــد يدفعنــا‬ ‫اســتنطاق الواقعيــة يف القــول أن نتصــارح بأننــا ســنكون‬ ‫جــزءا ً مــن لعبــة دوليــة مل نعــد منلــك مــن أدواتهــا اسـاً‬ ‫وال رسـاً‪ ،‬ونشــارك يف بازارهــا وليــس يف جيوبنــا رأس مــال‬ ‫املشــارك أو مــال املســاهم‪ ..‬تركــة نظــام األســد وداعــش‬ ‫لــن تــزول بزوالهــا‪ ،‬وال قبــل مــرور أجيــال ســورية‬ ‫عديــدة عــى جــر آالم مــا حــدث ويحــدث‪ ،‬وليــس هــذا‬ ‫ندبــاً أو اســترشافاً تشــاؤمياً تناثــره العواطــف وتلفظــه‬ ‫الرغبــات‪ ،‬بــل إنهــا الحقيقــة التــي ســوف نســتفيق عليهــا‬ ‫ذات فجــر أربــد وصبــاح أســود‪ ،‬لنحــي عــدد شــهدائنا‬ ‫ومفقودينــا وحجــم املشــاكل وضخامــة الرتكــة الفادحــة‬ ‫ونــوازع االنتقــام والجموحــات الثأريــة التــي رشخــت‬ ‫وحــدة اللحمــة العائليــة واملجتمعيــةـ مقاســاً عــى مــا‬ ‫ـجام يف الســابق‪ ،‬ويف قلــب كل خاليــا‬ ‫كانــت عليــه مــن انسـ ٍ‬ ‫املجتمــع التــي تبعــرت وتشــظت رشخــاً لــن تســتقيم‬ ‫وأيــام‬ ‫ألمتــه وتُلحــم ثلمتــه قبــل مــرور ســنني وليــال‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫طــوا ٍل طــوال‪..‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫* بشري هالل‬

‫بعــد ثــاث ســنوات ونصــف مــن بدئهــا وفيــا يبــدو النظــام‬ ‫األســدي مرتنح ـاً ومعتمــدا ً يف بقائــه عــى الخارجــن اإلي ـراين‬ ‫ٍ‬ ‫وقــت مــى‪ ،‬كان ميكــن للثــورة‬ ‫والــرويس أكــر مــن أي‬ ‫الســورية أن تكــون ليــس فقــط بحــا ٍل أحســن ولكــن أيض ـاً‬ ‫أكــر اقرتاب ـاً مــن أفقهــا التاريخــي كحركــة تحريريــة مركزيــة‬ ‫يف الــرق األوســط امللتهــب واملتدافــع «القضايــا»‪ .‬فــأول‬ ‫مــرة تحــر «الفرصــة» أمــام ثــورة دميقراطيــة وطنيــة‬ ‫لتواجــه حربــاً شــاملة مزدوجــة يشــنها بشــكلٍ متزامــن‬ ‫ومتــوا ٍز نظــام ديكتاتــوري بربــري أطــاح خــال أربعــة‬ ‫عقــود بــكل رشوط الدولــة‪ ،‬واســاموي ٍة تشــميلية ُمحدث َــة‬ ‫رس َحــة‬ ‫تتســلح بالتهليــع والتخويــف الجامعيــن مــن خــال م َ‬ ‫دمويتهــا وتعميمهــا‪ .‬لكــن األمــور ال تجــري متام ـاً وفــق هــذا‬ ‫الســياق‪ .‬ففــي هــذه املواجهــة يبــدو آنيـاً عــى األقــل أن قــوى‬ ‫الثــورة الدميوقراطيــة هــي األضعــف بوجــه الطرفــن اللــذان‬ ‫يــكادا يتقاســان الســيطرة العســكرية عــى معظــم ســوريا‬ ‫بعدمــا تــوىل تنظيــم داعــش احتــال كثــر مــن املناطــق غــر‬ ‫الخاضعــة لســيطرة النظــام فيــا تتــوىل بعــض املنظــات‬ ‫اإلســامية األخــرى املدعومــة مــن ممولــن خليجيــن عموميــن‬ ‫وخــواص إخضــاع بقيــة املناطــق وامتصــاص وتشــظية وتقاســم‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫‪8‬‬

‫من ينهي معادلة خسارة النظام وعدم انتصار الثورة؟‬ ‫معظــم مجموعــات «الجيــش الســوري الحــر» الــذي بــدأ‬ ‫أساســاً كمجموعــات انشــقت عــن الجيــش األســدي رفضــاً‬ ‫للخيــار العســكري األمنــي الــذي اعتمــده النظــام كــرد‬ ‫ُحســب عــى «الجيــش‬ ‫حــري ووحيــد عــى الثــورة‪ .‬فــأن ت َ‬ ‫الحــر» مجموعــات إســامية ال تقــر مبدنيــة الدولــة وال بآليــات‬ ‫الدميوقراطيــة ألمــ ٌر يُض ِعــف هويــة هــذا الجيــش ويضــع‬ ‫دوره موضــع تســاؤل يف الـراع املتزامــن الــذي ينفتــح بوجــه‬ ‫النظــام وداعــش‪ .‬وال يغــر مــن هــذا الواقــع أن يكــون هنــاك‬ ‫قاســم مشــرك وحيــد هــو محاربــة النظــام وداعــش لكــن‬ ‫دون أدىن اتفــاق عــى الخطــوط العريضــة ملــا بعــد األســد‬ ‫ووســط غمــوض يشــمل الربامــج العمليــة للتيــارات اإلســامية‬ ‫ويف مقدمتهــا حركــة اإلخــوان املســلمني والَّدتهــا التاريخيــة‬ ‫التــي رفضــت أن تُذكُــر يف وثيقــة املعارضــة يف القاهــرة‬ ‫قبــل عامــن ونيــف صيغــة «الديــن للــه والوطــن للجميــع»‬ ‫ورو َّجــت منــذ بدايــة وجــود مناطــق ُمح ـ َّررة إلقامــة محاكــم‬ ‫رشعيــة وتطبيــق الرشيعــة يف فـ ٍ‬ ‫ـرض اســتباقي لوجهــة نظرهــا‬ ‫ينفــي التزامهــا اللفظــي باالحتــكام إىل صناديــق االقـراع وفــق‬ ‫وثيقتهــا الصــادرة بعنــوان «رؤيــة جامعــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫يف ســورية ‪ -‬املــروع الســيايس لســورية املســتقبل» يف ‪21‬‬ ‫ترشيــن األول ‪ .2012‬وإذا كانــت سياســة الواليــات املتحــدة‬ ‫بوصفهــا القــوة العامليــة األوىل مســؤولة رئيســية يف األصــل‬ ‫عــن إضعــاف اإلمكانيــات االحتامليــة لتطــور الجيــش الحــر‬ ‫بحرمانــه كل تســليح نوعــي وكل متويــل محايــد وغــر تد ُخــي‬ ‫ممــن يُ ْدعــون «أصدقــاء ســوريا» فــإن عــدم وجــود قيــادة‬ ‫سياســية ‪ -‬عســكرية موحــدة وحــارضة ميدانيـاً أدى بــدوره إىل‬ ‫تحــول عفويــة والمركزيــة الح ـراك مــن مصــدر قــوة وشــعبي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫إضعــاف الحــق‪.‬‬ ‫يف بدايتــه إىل مصــدر‬

‫مــا يجــب احتســابه للتقدي ـرات املســتقبلية أن قــوى الثــورة‬ ‫تعمــل يف ظــروف أكــر صعوبــة مبــا ال يقــاس مــن فــرة البــدء‪.‬‬ ‫فمــن جهــة هنــاك تفريــغ دميوغــرايف غــر مســبوق طــال‬ ‫«الحواضــن» الشــعبية للثــورة إذ بلــغ عــدد الالجئني الســوريني‬ ‫إىل الخــارج أكــر مــن ثالثــة ماليــن إضافــة إىل ‪ 6.5‬ماليــن‬ ‫نــازح داخــي‪ .‬وتــم ذلــك بصــورة رئيســية نتيجــة سياســة‬ ‫الحــرب الكليَّــة وأدواتهــا الرتويعيــة والتجويعيــة واإلباديــة‬ ‫التــي انتهجهــا النظــام وتســتكملها اآلن سياســات داعــش‬

‫وفــوىض إدارة ورصاعــات املناطق»املحــ َّر َرة‪ .‬وهنــاك ثانيــاً‬ ‫الرتاكــم الكمــي والنوعــي لنتائــج تفريــغ الثــورة مــن جــزء‬ ‫رئيــي مــن كوادرهــا ونشــطاء لحظاتهــا األوىل باالعتقــاالت‬ ‫والخطــف والقتــل والتهجــر‪ ،‬مــا أضعــف موضوعي ـاً إمكانيــة‬ ‫تأطريهــا وقيادتهــا السياســيني‪ .‬وهنــاك ثالثــاً تعاقُــب فشــل‬ ‫وضعــف فعاليــة ومتثيليــة الهيئــات القياديــة السياســية‬ ‫والعســكرية «املركزيــة» التــي انخفــض مقــدار «ســوريَّة»‬ ‫و»داخليــة» قرارهــا وعملهــا فيــا كانــت الحاجــة تزيــد إىل‬ ‫العكــس‪ .‬هــذا دون نســيان املســألة الكرديــة التــي تشــق‬ ‫طريق ـاً متميــزة ومتعرجــة داخــل وخــارج الثــورة وتســتدعي‬ ‫إضافــة إىل الطائفيــة واملذهبيــة إنتــاج وتعميــم مقاربــات‬ ‫جديــدة‪ .‬مــا يخفــف مــن قتامــة الصــورة اســتنتاج أن النظام ال‬ ‫ميكــن أن يســتمر دون دعــم خارجــي يف وقــت يتضــح فيــه أن‬ ‫هــذا الدعــم ال ينقــذه مــع ذلــك مــن أحــد احتاملـ ْـن‪ :‬الســقوط‬ ‫أو االنكفــاء إىل بنيــة تقســيمية يصعــب الدفــاع عنهــا والتــرس‬ ‫فيهــا‪ .‬كــا أنــه دعـ ٌم يصبــح بذاتــه موضــع معارضــة متزايــدة‬ ‫بعــد التوســع الداعــي واســتنتاج اوبامــا والقــوى الغربيــة‬ ‫أن هزميــة «الدولــة اإلســامية» تحتــاج «إس ـراتيجية إقليميــة‬ ‫خصوصـاً مــع رشكائنــا السـ ّنة»‪ .‬مثــة آفــاقٍ جديــدة تنفتــح مــع‬ ‫إلحــاح النقــاش الــدويل حــول الحاجــة إىل مبــارشة مرحلــة‬ ‫انتقاليــة يف ســوريا انطالقــاً مــن «رضورة بنــاء تحالــف دويل‬ ‫إقليمــي ضــد اإلرهــاب» ومــع إيصــاد األبــواب أمــام إعــادة‬ ‫تأهيــل النظــام يف إطــاره‪ .‬ويف نســبة القــوى الحاليــة فــإن أيــة‬ ‫مرحلــة انتقاليــة لــن تكــون شــيئاً آخــر غــر تجسـ ٍ‬ ‫ـيد ملعادلــة‬ ‫انفـراط قيــادة النظــام دون تغيــره ورضورة اســتكاملها بولــوج‬ ‫مرحلــة جديــدة تنهــي صيغــة خســارة النظــام وعــدم انتصــار‬ ‫الثــورة‪.‬‬ ‫* كاتب لبناين‬

‫هتلر واألسد‪!..‬‬ ‫أحمد محمد نور ال ُعجييل‬

‫هنــا يف «برخســتغادن» يتهافــت الــزوار فــرادى‬ ‫وجامعــات يدفعهــم الشــغف والفضــول لتقليــب صفحــات‬ ‫التاريــخ الحديــث يف أوربــا‪ ،‬يف هــذه املدينــة وعــى تلّــ ٍة‬ ‫شــاهق ٍة يقبــع الكــوخ الــذي كان يومــاً مــا مصيفــاً ألحــد‬ ‫طغــاة التاريــخ «الفوهــرر» (أدولــف هتلــر)‪.‬‬ ‫ال ميكــن للمــرء أن يتكهــن نوعيــة تلــك املشــاعر التــي‬ ‫كل زائـ ٍر لهــذا املــكان‪ .‬فخصوصيــة املــكان وجدليتــه‬ ‫تتملــك ّ‬ ‫نابعــة مــن خصوصيــة صاحــب املــكان‪ ،‬ذاك املجــرم الــذي‬ ‫ـت يف (آيــة‬ ‫أثــار جــدالً كبـرا ً يف حياتــه وبعــد موتــه‪ .‬فلــو كنـ َ‬ ‫صوفيــا) يف اســطنبول مثـاً‪ ،‬ورأيــت ســائحاً إيطاليـاً أو يونانياً‬ ‫أو حتــى فرنســياً‪ ،‬رمبــا تســتطيع اســتبطان مــدى الحــزن‬ ‫عــى آثــار األجــداد التــي بــادت وانتقلــت إىل أيــا ٍد أخــرى‪،‬‬ ‫ورمبــا كانــت ســتظهر مشــاعر الفخــر وعالمــات الزهــو عــى‬ ‫ذلــك الســائح‪ ،‬وهــو ميعــن النظــر بعظمــة البنــاء وروعــة‬ ‫الصنعــة التــي امتلكهــا أســافه‪ ،‬وتركوهــا معل ـاً حضاري ـاً‬ ‫داالً عــى تاريـ ٍخ متألــق قــد مــى‪ .‬كذلــك الحــال لــو كنــت‬ ‫تــزور إســبانيا مثـاً‪ ،‬وتتنقــل بــن غرناطــة وقرطبــة‪ ،‬وتجــول‬ ‫ببــرك بــن «ج ّنــة العريــف» أو قــر «الحم ـراء»‪ ،‬أو لــو‬ ‫وقفــت عــى قمــة «جبــل الحــرات» تســتذكر وقفــة أيب‬ ‫عبــد اللــه الصغــر حــن بــى ملكــه الــذي مل يحافــظ عليــه‬ ‫كالرجــال‪ ،‬رمبــا لــو فعلــت ذلــك كانــت ســتظهر عليــك‬ ‫أيضــاً كثــ ٌر مــن مظاهــر الحــزن عــى ٍ‬ ‫مــاض تليــد؛ وقــد‬ ‫تعرتيــك نشــو ٌة عارم ـ ٌة وأنــت تســرق الســمع بعيــدا ً عــن‬ ‫ضجــة الســائحني فتطــرب إىل ترنيــات «اســحق املوصــي»‬ ‫و»زريــاب»‪ ،‬وتغيــب يف عجلــة الزمــن عــى حــن غفلــة مــن‬ ‫رفاقــك املتجولــن حولــك‪.‬‬ ‫إال أنّــه‪ ،‬يف هــذا املــكان تتداخــل املشــاعر وتختلــط‬ ‫تبعــاً الختــاف جنســيات أولئــك الــزوار املتقاطريــن مــن‬ ‫ـدب وصــوب‪ ،‬وهــم يتج ّولــون يف ردهــات ذاك الكــوخ‬ ‫ّ‬ ‫كل حـ ٍ‬ ‫املتهالــك الــذي غــدا انعكاس ـاً لتهالــك ومتــزق أفــكار ورؤى‬ ‫صاحبــه‪ .‬يف حــن ظل شــبح صاحبــه قابعاً يف ذاكرة الشــعوب‬ ‫األوربيــة‪ ،‬رم ـزا ً للقتــل والعنرصيــة والخ ـراب والدمــار‪ .‬فلــو‬ ‫كان الســائح مــن روســيا فإنــه حتـاً سيشــعر بالعظمــة وهو‬

‫يســرجع جــروت «هتلــر» وقســوته وبطشــه‪ ،‬ليحمــد ربّــه‬ ‫رسا ً عــى قــدرة أجــداده عــى دحــر هــذا املســتعمر الغــازي‬ ‫لبــاده‪ ،‬ويســتذكر مــا قــرأه أو رمبــا عايشــه عــن معركــة‬ ‫«ســتالينغراد» بنشــو ٍة عارمــة‪ .‬أمــا لــو كان الســائح بريطانيـاً‬ ‫قــى جـ ّده وج ّدتــه يف القصــف العنيــف ملدينــة «كوفنرتي»‬ ‫التــي ذاع صيتهــا يف التاريــخ ملــا تكبدتــه مــن خســائر برشية‬ ‫هائلــة نتيجــة القصــف الرببــري لطائ ـرات النازيــة آنــذاك‪.‬‬ ‫فإنــه ســيلعن هتلــر والنازية مـرارا ً وتكـرارا ً طوال فــرة تنقله‬ ‫صل إىل‬ ‫يف أرجــاء املــكان‪ .‬أ ّمــا لــو كان الســائح يهوديـاً فرمبــا ّ‬ ‫جــوار أحــد الجــدران املتصدعــة حمــدا ً لل ـ ّرب عــى خــاص‬ ‫ربــا قفــزت إىل ذهنــه‬ ‫شــعبه مــن قاتــلٍ دمـ ٍ‬ ‫ـوي عنــري‪ ،‬أو ّ‬ ‫فكــر ٌة جهنمي ـ ٌة ليســت ببعيــدة عــن بنــات أفــكار اليهــود‪،‬‬ ‫ف ُيطالــب الســلطات األملانيــة بتخصيــص ريــع الســياحة إىل‬ ‫منــزل «هتلــر»‪ ،‬ودفعــه إىل دولتهــم املزعومــة للتكفــر عــن‬

‫جرائــم النازيــة بحـ ّـق اليهــود يف يــومٍ قــد مــى‪.‬‬ ‫ولكــن الســؤال األصعــب هــا هنــا‪ :‬مــا هــو شــعور‬ ‫الســائح األملــاين إىل مثــل هــذه البقعــة الجغرافيــة مــن‬ ‫بــاده‪ .‬وهــو يراقــب أفــواج الســائحني األجانــب‪ ،‬ويحــاول‬ ‫توقــع مــا تخفيــه رسائرهــم؟!‬ ‫حاولــت التنبّــؤ بــر ّدة فعــل الســائح األملــاين‪ ،‬وأنــا برفقــة‬ ‫ُ‬ ‫معلمــة اللغــة األملانيــة التــي اصطحبتنــا لزيــارة هــذا املكان‪،‬‬ ‫إال أننــي مل أفلــح يف الغــوص إىل أعامقهــا‪ ،‬وق ـراءة أفكارهــا‪،‬‬ ‫ـح‬ ‫فلــم يكــن يل ب ـ ٌد مــن مبادرتهــا بالســؤال الــذي كان يلـ ّ‬ ‫ي طيلــة م ـ ّدة تنقلنــا يف ذاك املنــزل‪:‬‬ ‫عـ ّ‬ ‫ هــل بإمكانــك معرفــة مشــاعر أولئــك الســائحني‪ ،‬وهــم‬‫يتج ّولــون داخــل مصيــف هتلــر؟! ومــا هــو شــعورك أنـ ِ‬ ‫ـت ؟!‬ ‫ هنــا تنهـ ّدت املعلّمــة بحــر ٍة كبــر ٍة‪ ،‬وع ّبــت نفسـاً عميقـاً‬‫مــن ســيجارتها‪ ،‬وقالــت بإنكليزيتهــا الرقيقــة مــا معنــاه‪:‬‬

‫كان جــ ّدي مزارعــاً أملانيــاً وجــ ّديت مــن بولنــدا‪ ،‬مــن‬ ‫مدينــة «فيلــون» أ ّول مدينــة دكّهــا ط ـران النــازي‪ .‬فقــدت‬ ‫جــ ّديت أهلهــا جميعهــم يف القصــف الهمجــي الــذي بــدأ‬ ‫بتلــك املدينــة الصغــرة الواقعــة عــى الحــدود األملانيــة‬ ‫البولنديــة‪ .‬راحــت املعلمــة تــرد قصــص املعانــاة والنــزوح‬ ‫التــي رافقــت تلــك الهجمــة الرشســة‪ ،‬والتــي غـ ّـرت خارطــة‬ ‫العــامل‪ .‬كانــت تــرد الذكريــات والدمــوع متــأ مآقيهــا‪،‬‬ ‫وتنهــدات الحــرة واألمل ال ميكــن لهــا أن تخفيهــا‪ .‬إال أ ّن‬ ‫الحــرة واألمل مل يكونــا عــى مـ ٍ‬ ‫ـاض غاب ـ ٍر يســتدعي فكــرة‬ ‫الفخــر والزهــو؛ لقــد كانــت مشــاعر تنـ ُّم عــى اللــوم والنــدم‬ ‫عــى أشــياء كثــر ٍة قــد حصلــت كان باإلمــكان تفــادي‬ ‫حصولهــا‪.‬‬ ‫فص ـاً عــن مجريــات‬ ‫إال أنهــا وبعــد أن رسدت تقري ـرا ً ُم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ويــات عــى الشــعب األملــاين‬ ‫الحــرب‪ ،‬ومــا ج ّرتــه مــن‬ ‫وباقــي شــعوب املنطقــة‪ .‬اســتعادت ثباتهــا وصالبتهــا‪،‬‬ ‫وقالــت بلهجــة تنبعــث منهــا قــوة اإلرادة والتصميــم التــي‬ ‫عرفهــا العــامل عــن الشــعب األملــاين‪:‬‬ ‫ لقــد دفــع األملــان مثن ـاً باهظ ـاً لعنجهيــة هتلــر‪ ،‬وإجرامــه‬‫وبطشــه‪ ،‬إال أننــا تعلمنــا الــدرس جيــدا ً‪ .‬لذلك مل نعد نســمح‬ ‫لديكتاتــور أن يحكمنــا‪ .‬فم ـ ْن يتس ـلّم س ـ ّدة الحكــم يجــب‬ ‫أن يحكــم باســم الشــعب‪ ،‬وينطلــق مــن إرادة الشــعب‪ ،‬وإال‬ ‫فإننــا ســنعزله ونــأيت بغــره‪ .‬ألننــا وبــكل بســاطة مل نعــد‬ ‫نقــوى عــى دفــع حياتنــا مثنـاً ألحــام األشــخاص‪.‬‬ ‫ألي زائ ـ ٍر أن يتكهــن مبشــاعري‬ ‫هنــا‪ ،‬كان مــن املمكــن ّ‬ ‫ـي نظ ـرات‬ ‫أنــا حــن يعــرف أننــي ســوري؛ كنــت أرى بعينـ ّ‬ ‫زمــاء رحلتــي نحــوي‪ ،‬تلــك النظ ـرات التــي حملــت نوع ـاً‬ ‫مــن التعاطــف املمــزوج بــاألمل عــى أحوالنــا نحن الســوريني‪،‬‬ ‫وال شــعورياً تذكّــرت تلــك اللحظــة التاريخيــة التــي غــرت‬ ‫مســار حياتنــا جميعـاً يف ســورية‪ ،‬حــن تـ ّم تعديــل الدســتور‬ ‫ٍ‬ ‫ـدودات‪ ،‬ولعـ ّـي قــرأت يف نظـرات معلمتــي قولهــا‬ ‫بثــوان معـ‬ ‫يل وللســوريني جميع ـاً‪« :‬يــداك أوكتــا وفــوك نفــخ»‪...‬‬ ‫إال أ ّن املعلمــة األملانيــة تابعــت حديثهــا‪ ،‬واســتدارت نحوي‬ ‫وهــي تربّــت عــى كتفــي‪ ،‬لتقــول هــذه املــ ّرة وبلهجــ ٍة‬ ‫ج ّديــة مفعمــة بالقــوة والثبــات‪ :‬عليكــم أن تتعلمــوا الــدرس‬ ‫جيــدا ً‪...‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫‪9‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫معركة مستقبل سوريا‬ ‫عيل العبد الله‬

‫بإعــان النظــام الســوري «انــه تبلّــغ بالهجوم‬ ‫األمريــي»‪ ،‬وترحيبــه بــه برشطــن «عــدم‬ ‫املــس بالســيادة الوطنيــة وعــدم إلحــاق األذى‬ ‫باملدنيــن»‪ ،‬وحديــث صحافتــه عــن «الخنــدق‬ ‫الواحــد» الــذي جمــع الجيشــن األمريــي‬ ‫والســوري‪ ،‬حــدد موقفــه وموقعــه مــن هجــوم‬ ‫التحالــف الــدويل ضــد تنظيــم داعــش‪ ،‬وجــاء‬ ‫تحركــه العســكري‪ ،‬إن عــر تصعيــد عمليــات‬ ‫القصــف الجــوي عــى مواقــع لداعــش أو‬ ‫الجــوي والــري عــى مواقــع كتائــب املعارضــة‬ ‫األخــرى‪ ،‬ليفــرض نفســه طرفــاً يف التحالــف‪،‬‬ ‫ويجعــل مــن املعارضــة املســلحة طرفــا يف‬ ‫اإلرهــاب‪.‬‬ ‫مل يتأخــر الــرد األمريــي بإعــان واشــنطن «إننــا‬ ‫مل نأخــذ إذنـاً مــن أحــد»‪ .‬فواشــنطن التــي أثــار‬ ‫هواجســها انهيــار القــوات العراقيــة والكرديــة‪،‬‬ ‫ومظاهــر تعاطــف الســنة العــرب مــع داعــش‪،‬‬ ‫وحاجتهــا إىل غطــاء ســني عــريب لعملياتهــا‬ ‫العســكرية‪ ،‬ناهيــك عــن متويــل هــذه‬ ‫العمليــات‪ ،‬ليســت مســتعدة إلثــارة مخــاوف‬ ‫الســنة العــرب‪ ،‬والحلفــاء الخليجيــن‪ ،‬إن‬ ‫بالتنســيق مــع النظــام الســوري أو بالتحالــف‬ ‫مــع إيـران الشــيعية ضــد تنظيــم ســني فتمنــح‬ ‫داعــش فرصــة متثيــل الســنة‪ ،‬لــذا تجاهلــت‬ ‫الطلبــات والرســائل والتلميحــات‪ ،‬كــا عــرت‬ ‫عــن تأييدهــا للرئيــس اليمنــي يف مواجهتــه‬ ‫للحوثيــن‪ .‬وهــذا أربــك النظــام الســوري‪ ،‬الــذي‬ ‫شــكك بالنوايــا األمريكيــة‪ ،‬وتحــدث عــن عــدم‬ ‫جديــة واشــنطن يف مكافحــة اإلرهــاب وعــن‬ ‫ازدواجيــة معايريهــا يف هــذا الخصــوص‪ ،‬ودفــع‬ ‫إيــران إىل التصعيــد يف لهجتهــا‪ ،‬وانتقادهــا‬ ‫للتحالــف‪ ،‬والتشــكيك بــدور الرضبــات‬ ‫العســكرية يف تراجــع داعــش يف بعــض املواقــع‪.‬‬ ‫شــكلت اإلســراتيجية األمريكيــة‪ ،‬والتحالــف‬ ‫الــدويل ضــد اإلرهــاب‪ ،‬وبــدء الرضبــات‬ ‫العســكرية ملواقــع داعــش يف العـراق وســوريا‪،‬‬ ‫فرصــة للنظــام وللمعارضــة لتحقيــق مكاســب‬ ‫نتيجــة إلضعــاف داعــش والقضــاء عــى دولتــه‪،‬‬ ‫وإعــادة معادلــة الــراع إىل ســياقها األصــي‪:‬‬ ‫رصاع نظــام معارضــة‪ ،‬بخلــق تقاطعــات‬ ‫سياســية يف ضــوء التشــابك والتداخــل بــن‬ ‫امللفــات واملصالــح مــن جهــة ومــا يفرضــه‬ ‫تــوازن القــوى عــى أطـراف الـراع املبارشيــن‬

‫مــن رضورة تعزيــز مواقفهــا يف الــراع عــر‬ ‫التحالفــات املصلحيــة‪ ،‬وهــو أمــر مفهــوم‬ ‫ومقبــول يف إدارة الرصاعــات‪ ،‬مــن جهــة ثانيــة‪.‬‬ ‫وإعــادة الـراع إىل ســياقه األصــي‪ ،‬رصاع نظــام‬ ‫معارضــة‪ ،‬ســيفتح عــى البحــث عــن حــل‬ ‫إلنهــاء الــراع‪ ،‬كجــزء مــن حــل يف املنطقــة‪،‬‬ ‫وإخراجــه مــن حالــة االســتعصاء إمــا عــر دفــع‬ ‫الطرفــن إىل العــودة إىل العمليــة السياســية‪،‬‬ ‫وتنفيــذ بنــود بيــان جنيــف‪ 1‬أو بتحريــك‬ ‫التــوازن العســكري عــى األرض لصالــح أحــد‬ ‫طــريف ال ـراع وتوفــر رشوط حســم عســكري‬ ‫لصالحــه‪ .‬ويف ضــوء املعلــن مــن الخطــة‬ ‫األمريكيــة أن يــرب داعــش‪ ،‬مــع منــع النظــام‬ ‫مــن التقــدم إىل املناطــق التــي ســيرتكها‪ ،‬وفــق‬ ‫مضمــون الرســالة التــي نقلهــا مســؤول األمــن‬ ‫الوطنــي العراقــي إىل رئيــس النظــام الســوري‬ ‫حيــث أبلغــه أنــه لــن يُســتهدف مــا مل يتعــرض‬ ‫لطائـرات الحلفــاء أو يتقــدم ملــلء الفـراغ‪ ،‬وأن‬ ‫متــأ املعارضــة املعتدلــة الفـراغ الــذي ســيحصل‬ ‫بهزائــم داعــش‪ ،‬وهــذا ســيخلق تــوازن قــوى‬ ‫عــى األرض يف صالــح املعارضــة‪ ،‬وبعــد هزميــة‬ ‫داعــش يتــم الضغــط عــى النظــام للعــودة‬ ‫إىل جنيــف واالتفــاق عــى مرحلــة انتقاليــة‬ ‫وإال اس ـتُثمر تحســن وضــع املعارضــة ميداني ـاً‪،‬‬ ‫والبــدء بقضــم املناطــق التــي يســيطر عليهــا‬ ‫حتــى يضطــر إىل قبــول حــل ســيايس عــى‬ ‫قاعــدة بيــان جنيــف‪.1‬‬ ‫جــاء موقــف النظــام الســوري عكــس مــا‬ ‫تريــده إيــران فالترصيحــات واملواقــف تــي‬ ‫بتطلعهــا إىل موقــف ســوري أقــوى برفــض‬ ‫التحالــف والهجــوم عــى األرض الســورية يك‬ ‫تســتثمره عــى طاولــة املفاوضــات النوويــة‪ ،‬يف‬ ‫ضــوء مــا أُعلــن عــن اســتعدادها املســاعدة يف‬ ‫الحــرب عــى داعــش مقابــل تخفيــف الــروط‬ ‫الغربيــة يف ملفهــا النــووي‪.‬‬ ‫لقــد بــرز التبايــن بــن املوقفــن عــى خلفيــة‬ ‫تبايــن مصالــح النظامــن اآلنيــة‪ ،‬فالنظــام‬ ‫الســوري يخــى مــن بنــد خفــي يف الخطــة‬ ‫األمريكيــة إلســقاطه‪ ،‬ومــن أن تدفــع إيــران‬ ‫مــن حســابه‪ ،‬والنظــام اإليــراين‪ ،‬الــذي خــر‬ ‫يف العــراق يف لحظــة دقيقــة‪ :‬اقــراب ســاعة‬ ‫الحقيقــة بالنســبة مللفــه النــووي‪ ،‬والباحــث‬ ‫عــن تعزيــز موقفــه عــى طاولــة املفاوضــات‬

‫نقطة أول السطر‬

‫كان يتطلــع إىل موقــف ســوري قــوي ليضيفــه‬ ‫إىل مــا ســبق وأخــذه مــن خطــوات بزيــادة دور‬ ‫الحــرس الثــوري يف العــراق ودفــع الحكومــة‬ ‫العراقيــة التخــاذ مواقــف تقيّــد تحــرك‬ ‫التحالــف مبــا فيهــا أخــذ موافقــة الحكومــة‬ ‫عــى القصــف بذريعــة التنســيق‪ ،‬ورفــض‬ ‫القــوات العراقيــة والحشــد الشــعبي الشــيعي‬ ‫التنســيق مــع القــوات األمريكيــة‪ ،‬وصــوالً إىل‬ ‫اجتيــاح الحوثيــن للعاصمــة اليمنيــة صنعــاء‪،‬‬ ‫يك يعــزز موقفــه التفــاويض‪ .‬والخــاف يصــب‬ ‫يف مصلحــة املعارضــة الســورية ومينحهــا فرصــة‬ ‫إضافيــة لتعزيــز موقفهــا الســيايس وامليــداين يف‬ ‫حــال أحســنت اســتثامرها وتوظيفهــا عمليــاً‪.‬‬ ‫غــر أن املشــكلة الخطــرة هــي يف عــدم تحــرك‬ ‫املعارضــة السياســية‪ ،‬ممثلــة باالئتــاف الوطنــي‬ ‫لقــوى الثــورة واملعارضــة‪ ،‬واملســلحة‪ ،‬ممثلــة‬ ‫ببقايــا الجيــش الســوري الحــر والكتائــب‬ ‫العســكرية األخــرى‪ ،‬ملالقــاة التحــرك الــدويل‬ ‫بإج ـراء تقديــر موقــف دقيــق وتبنــي املوقــف‬ ‫الــذي يجعــل منهــا رشيــكاً يف املعركــة‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫رشيــكاً يف حصــاد املكاســب‪ .‬فالتقاطعــات التــي‬ ‫توفرهــا املصالــح املشــركة محكومــة بقوانــن‬ ‫الــراع‪ ،‬فوفــق صاحــب نظريــة التقاطعــات‪،‬‬ ‫مستشــار األمــن القومــي األمريــي أيــام‬ ‫الرئيــس جيمــي كارتــر زبيغينيــو بريجنســي‪،‬‬ ‫يف كتابــه أمريــكا والعــر التكنــروين (ترجمــه‬ ‫الدكتــور محجــوب عمــر تحــت عنــوان بــن‬ ‫عرصيــن وصــدر عــن دار الطليعــة اللبنانيــة‬ ‫عــام ‪ )1980‬يصــب التقاطــع يف مصلحــة‬ ‫الطــرف األقــوى‪ ،‬مــا يســتدعي جمــع أكــر‬ ‫كميــة مــن أوراق القــوة لتكــون حصتهــا مــن‬ ‫حصــاد ال ـراع معقولــة‪ .‬فالنقطــة املركزيــة يف‬ ‫هــذه اللحظــة السياســية هــي قــدرة املعارضــة‬ ‫بشــقيها الســيايس والعســكري عــى اختيــار‬ ‫املوقــف املناســب والتواجــد عــى الطاولــة‬ ‫واألرض واملســاهمة يف ال ـراع كــركاء وليــس‬ ‫كملحقــن باآلخريــن‪ .‬إذا نجحــت يف تقديــر‬ ‫املوقــف وأخــذت موقع ـاً مناســباً يف املواجهــة‬ ‫فســتكون طرفــاً عــى طاولــة رســم مســتقبل‬ ‫ســوريا وقــادرة عــى تحقيــق بعــض مطالــب‬ ‫الثــورة وشــق طريــق للتغيــر نحــو الحريــة‬ ‫والكرامــة‪.‬‬

‫عصا وظيفية‬ ‫الشاوي الضليل‬ ‫إن اإلسـراتيجية األمريكيــة يف شــقها الســوري‪ ،‬تبــدو أكــر تعقيــدا ً‪ ،‬ألن الغمــوض‬ ‫والترصيحــات املتناقضــة التــي أدىل بهــا (كــري والبنتاغــون) توحــي لنــا أن هنــاك‬ ‫شــقاً غــر معلــن‪ ،‬وقــد يكــون هــو الشــق األهــم‪ ،‬ومبــا أن املعلــن مــن الترصيحات‬ ‫قــد بــدأت قــوات التحالــف الــدويل ضــد اإلرهــاب تنفيــذه ‪ ،‬وبقيــادة أمريكيــة‬ ‫ومشــاركة عربيــة‪ ،‬وذلــك برضبــات جويــة وصاروخيــة ملواقــع قــوى إســامية‬ ‫متطرفــة (الدولــة اإلســامية والنــرة وأحــرار الشــام ‪..‬الــخ)‪ ،‬ورافــق هــذه‬ ‫الرضبــات كــا ســبقها كــم هائــل مــن التحليــات املوجهــة واملحملــة برســائل‬ ‫مفرطــة يف التفــاؤل‪ ،‬وتبــر بانهيــار الدولــة اإلســامية وأخواتهــا وتفككهــا الرسيــع‬ ‫أمــام الرضبــات املوجهــة إىل مراكــز التجمــع والتدريــب واالتصــاالت ومقــرات‬ ‫الســيطرة‪ ،‬وأن ذلــك ســيفقدها حواضــن وبيئــات تتعاطــف معهــا يف الجغرافيــا‬ ‫التــي تتحــرك فيهــا‪.‬‬ ‫أعتقــد أن (داعــش) والقــوى اإلســامية األخــرى املســتهدفة‪ ،‬ستســتغل الثغ ـرات‬ ‫يف اإلس ـراتيجية األمريكيــة‪ ،‬وســتؤكد أن هــذه الحــرب هــي حــرب ضــد اإلســام‪،‬‬ ‫وبذلــك ميكنهــا التجييــش والنفــاذ إىل بيئــات كانــت تعتــر فيهــا (داعــش) ممثلــة‬ ‫للظالميــة باســم اإلســام‪ ،‬ومــن أهــم هــذه الثغ ـرات أن اإلس ـراتيجية األمريكيــة‬ ‫مل تســاوي بــن إرهــاب النظــام وإرهــاب القــوى الجهاديــة املتطرفــة‪ ،‬وأن هــذه‬ ‫الثغــرة تؤســس لتقويــة النظــام عــى حســاب تحجيــم القــوة العســكرية للقــوى‬ ‫اإلســامية املتشــددة‪ ،‬باإلضافــة إىل ثغــرة مهمــة أخــرى وهــي عــدم الجديــة‬ ‫بدعــم تشــكيل عســكري يؤســس عــى أســس الجيــوش الحديثــة‪ ،‬يك يكــون بديـاً‬ ‫للمجاميــع اإلســامية املتشــددة ولجيــش النظــام‪ ،‬وهــذا واضــح مــن خــال اعتــاد‬ ‫األمريــكان عــى مجاميــع عســكرية مــن الجيــش الحــر ســيئة الســمعة‪ ،‬تعمــل‬ ‫منفــذة للخطــط األمريكيــة كقــوات (مرتزقــة) وليــس كبديــل يؤســس عليــه‬ ‫جيــش وطنــي‪.‬‬ ‫وبذلــك تتضــح لنــا معــامل أوليــة إلسـراتيجية غــر معلنــة‪ ،‬تعتمــد عــى اســتخدام‬ ‫العصــا الغليظــة‪ ،‬والتهديــد باســتخدامها بقــوة القـرار الــدويل‪ ،‬يك تعقلــن جمــوح‬ ‫القــوى الراديكاليــة اإلســامية‪ ،‬وتلزمهــا باحـرام قواعــد اللعبــة الدوليــة‪ ،‬وحاميــة‬ ‫املصالــح الدوليــة يف املنطقــة (خاصــة األمريكيــة وحلفائهــا)‪ ،‬ومــن ثــم تدفــع‬ ‫بهــا إىل مواجهــة الحلــول السياســية املطروحــة والتــي ســيكون النظــام (برأســه‬ ‫أو دونــه) أحــد أهــم أركان أي حــل ســيايس قــادم‪ ،‬وهــذا يعنــي أن القــوى التــي‬ ‫صنفهــا املجتمــع الــدويل قــوى إرهابيــة ووجب عليــه محاربتهــا وتفكيكها ســتكون‬ ‫الرشيــك الوظيفــي يف املنطقــة مــن أجــل تنفيــذ الشــق األهــم يف اإلس ـراتيجية‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬والتــي تهــدف إىل إعــادة رســم خارطــة املصالــح يف الــرق األوســط‬ ‫الجديــد وتعديــات عــى الحــدود لبعــض دول املنطقــة‪ ،‬وأن نجــاح أمريــكا يف‬ ‫الوصــول إىل هــذه النتائــج يوجــب عليهــا الجلــوس مــع قــوى (إرهابيــة) وعقــد‬ ‫االتفاقــات معهــا‪ ،‬يك تســتطيع اســتخدام منتجهــا املتطــرف كســاح إلعــادة التوازن‬ ‫يف املنطقــة يف مواجهــة إي ـران وروســيا‪.‬‬

‫احلاكمية‪ ..‬وتكفري اجملتمع‬ ‫عن‬ ‫َّ‬ ‫حمزة رستناوي‬ ‫يف البدايــة أدعــو القــارئ لتأ ّمــل هــذه العبــارات الثالثــة‬ ‫املجتزئــة مــن ســياقها القــرآين‪:‬‬ ‫ َو َمــن لَّـ ْم يَ ْح ُكــم بِ َــا أَنـ َز َل اللَّـ ُه فَأُولَ ِئـ َـك ُهـ ُم الْكَا ِفـ ُرو َن‬‫(املائــدة ‪)44‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ َو َمــن لَّـ ْم يَ ْح ُكــم بِ َــا أنـ َز َل اللَّـ ُه فَأولَ ِئـ َـك ُهـ ُم الظَّالِ ُمــو َن‬‫(املائــدة ‪.)45‬‬ ‫ َو َمــن لَّـ ْم يَ ْح ُكــم بِ َــا أَنـ َز َل اللَّـ ُه فَأُولَ ِئـ َـك ُهـ ُم الْف ِ‬‫َاسـقُو َن‬ ‫(املائــدة ‪)47‬‬ ‫ـت عــى أساســها أح ـزاب‬ ‫فاآليــات الثالثــة الســابقة‪ ،‬بُ ِنيَـ ْ‬ ‫وجامعــات هيمنــت عــى العــامل اإلســامي (تيــار اإلســام‬ ‫الســيايس)‪ ،‬تيــارات تقــوم عــى عقيــدة الحاكم ِّيــة وتكفــر‬ ‫املســلمني للمســلمني‪ ،‬وتســويق العنــف داخــل املجتمــع‪..‬‬ ‫وهــذا مــا دعانــا للوقــوف عندهــا‪.‬‬ ‫واألمــر بغايــة البســاطة ال يحتــاج مــن القــارئ الكريــم‬ ‫ســوى أن يكــون عــى إطــاع باللغــة العربيــة هــو متوفــر‬ ‫لعمــوم النــاس يف مجتمعاتنــا‪ ,‬ويحتــاج ألن نثــق بأنفســنا‬

‫وعقولنــا التــي وهبهــا لنــا اللــه (ســبحانه وتعــاىل)‬ ‫والسؤال الذي سوف ُ‬ ‫أترك إجابت ُه للقارئْ الكريم هو‪:‬‬ ‫ُخاطــب بهــذه العبــاراتْ ‪ ،‬جامعــة‬ ‫َمــنِ املقصــو ْد وامل‬ ‫ْ‬ ‫املســلمني أم جامعــة اليهــود؟ اســتنادا ً للســياق وترتيــب‬ ‫اآليــات القرآنيــة نفســها ال غــر؟!‬ ‫ــف يُ َح ِّك ُمون َ‬ ‫َــك َو ِعن َد ُهــ ُم التَّــ ْو َرا ُة‬ ‫اآليــة رقــم ‪ : 43‬كَ ْي َ‬ ‫ِفي َهــا ُح ْكـ ُم اللَّـ ِه ث ُـ َّم يَتَ َولَّـ ْو َن ِمــن بَ ْعـ ِـد َذلِـ َـك َو َمــا أُ ْولَ ِئـ َـك‬ ‫بِالْ ُم ْؤ ِم ِنــ َن‪.‬‬ ‫اآليــة رقــم ‪ : 44‬إِنَّــا أَن َزلْ َنــا التَّـ ْو َرا َة ِفي َهــا ُهـ ًدى َونُــو ٌر يَ ْح ُك ُم‬ ‫ِب َهــا ال َّن ِبيُّــو َن ال َِّذيــ َن أَ ْســلَ ُموا ْ لِل َِّذيــ َن َهــا ُدوا ْ َوال َّربَّانِيُّــو َن‬ ‫ـاب اللَّ ـ ِه َوكَانُــوا ْ َعلَ ْي ـ ِه‬ ‫َواألَ ْح َبــا ُر بِ َــا ْاس ـتُ ْح ِفظُوا ْ ِمــن كِتَـ ِ‬ ‫ـات‬ ‫ـروا ْ بِآيَـ ِ‬ ‫شُ ـ َه َداء فَ ـاَ تَخْشَ ـ ُوا ْ ال َّنـ َ‬ ‫ـاس َواخْشَ ـ ْونِ َوالَ تَشْ ـ َ ُ‬ ‫ثَ َ ًنــا قَلِي ـاً َو َمــن لَّ ـ ْم يَ ْح ُكــم بِ َــا أَن ـ َز َل اللَّ ـ ُه فَأُولَ ِئـ َـك ُه ـ ُم‬ ‫الْكَا ِف ـ ُرونَ‪.‬‬ ‫ـس بِال َّن ْفـ ِ‬ ‫ـس‬ ‫اآليــة رقــم ‪َ : 45‬وكَتَبْ َنــا َعلَيْ ِه ـ ْم ِفي َهــا أَ َّن ال َّن ْفـ َ‬ ‫نــف بِاألَ ِ‬ ‫الســ َّن‬ ‫ــن بِالْ َع ْ ِ‬ ‫ــن َواألَ َ‬ ‫َوالْ َع ْ َ‬ ‫نــف َواألُ ُذ َن بِــاألُذُنِ َو ِّ‬ ‫ـاص فَ َمــن ت َ​َصـ َّد َق ِبـ ِه فَ ُه َو كَ َّفــا َر ٌة لَّ ُه‬ ‫وح ِق َصـ ٌ‬ ‫ب ِّ‬ ‫ِالسـ ِّن َوالْ ُجـ ُر َ‬ ‫َو َمــن لَّـ ْم يَ ْح ُكــم بِ َــا أَن ـ َز َل اللَّـ ُه فَأُولَ ِئـ َـك ُهـ ُم الظَّالِ ُمــونَ‪.‬‬

‫ـى ابْــنِ َم ْريَـ َم‬ ‫اآليــة رقــم ‪َ : 46‬وقَ َّف ْي َنــا َعـ َـى آث َا ِر ِهــم ِب ِعيـ َ‬ ‫ـن يَ َديْـ ِه ِمـ َن التَّـ ْو َرا ِة َوآت َ ْي َنــا ُه ا ِإلنجِيـ َـل ِفيـ ِه‬ ‫ُم َص ِّدقًــا لِّـ َـا بَـ ْ َ‬ ‫ـن يَ َديْـ ِه ِمـ َن التَّـ ْو َرا ِة َو ُهـ ًدى‬ ‫ُهـ ًدى َونُــو ٌر َو ُم َص ِّدقًــا لِّـ َـا بَـ ْ َ‬ ‫َو َم ْو ِعظَـ ًة �لِّلْ ُمتَّ ِقـ َن‪.‬‬ ‫اآليــة رقــم ‪َ : 47‬ولْيَ ْح ُكـ ْم أَ ْهـ ُـل ا ِإلنجِيــلِ بِ َــا أَنـ َز َل اللَّـ ُه ِفي ِه‬ ‫َو َمــن لَّـ ْم يَ ْح ُكــم بِ َــا أَنـ َز َل اللَّـ ُه فَأُولَ ِئ َك ُهـ ُم الْف ِ‬ ‫َاسـقُونَ‪.‬‬ ‫أربعة تساؤالت إضافية‪:‬‬ ‫يحــق لنــا تعميــم الخطــاب املخصــوص مــن‬ ‫أ ّوالً‪ :‬هــل ُّ‬ ‫دون أدلّــة‪ ،‬وقرائــن رصيحــة مــن داخــل النــص نفس ـ ُه؟!‬ ‫ثاني ـاً‪ :‬الكافــرون والظاملــون والفاســقون هــي توصيفــات‬ ‫وردت عــى لســان «اللــه ســبحانه وتعــاىل» اللــه الــذي‬ ‫خلــق النــاس جميعــاً مبــن فيهــم الكافريــن والظاملــن‬ ‫والفاســقني‪ ،‬ومل يرد يف ســياق العبارات الســابقة أي إشــارة‬ ‫لعقوبــات أو تبعــات دنيويــة لهــذه األفعــال‪ ،‬ســوى رضورة‬ ‫االحتــكام للقانــون الخــاص لــكل فئويــة دينيــة‪ ،‬وركّــز‬ ‫فيهــا عــى جامعــة أهــل التــوراة وأهــل اإلنجيــل‪ .‬ومل تــر‬ ‫اآليــات القرآنيــة الســابقة لتوكيــل إلهــي مخصــوص لفــرد‬ ‫أو جامعــة برشيــة معينــة بــيء‪.‬‬

‫ثالث ـاً‪ :‬تعبــر «مــا أنــزل اللــه» هــو مفهــوم إشــكايل قابــل‬ ‫لفهــوم متع ـ ّددة خاصــة تبع ـاً للفئويــة العقائديــة وتبع ـاً‬ ‫ملحتــوى الرســالة نفســها خاصــة أن القــرآن الكريــم كتــاب‬ ‫عقائــد يف العمــوم يحتــوي عــى مقاصــد وإشــارات وعــر‬ ‫وتأمــات أكــر منــه ككتــاب عقوبــات جزائيــة وقوانــن‬ ‫بالخاصــة‪ ،‬فتحديــد اآليــات التــي تحتــوي عــى أحــكام‬ ‫ّ‬ ‫وعددهــا موضــوع خــاف فمنهــم مــن يجعلهــا ‪500‬‬ ‫كاإلمــام الغ ـزايل‪ ،‬ومنهــم مــن قــال ‪ 200‬آيــة كالصنعــاين‪،‬‬ ‫ومنهــم مــن قــال ‪ 150‬آيــة كابــن القيــم مبــا يتضمــن‬ ‫أحــكام األمــم الســابقة‪ ..‬الــخ‬ ‫رابع ـاً‪ :‬هــل ميكــن الفصــل بــن داللــة العبــارات الســابقة‬ ‫وإمكانيــة اســتخدامها وتســخريها يف الرصاعــات السياســية‬ ‫بــن املســلمني أنفســهم‪ ،‬قبــل غريهــم؟! وهــل علينــا‬ ‫البحــث يف الداللــة املجـ ّردة للنــص القــرآين‪ ،‬أم يف إمكانــات‬ ‫اســتخدام هــذا النــص‪ ،‬وتوظيفــه يف الســياقات االجتامعيــة‬ ‫والسياســية وتقديــر مــدى حيويّــة هــذا االســتخدام‪ ..‬ربطـاً‬ ‫باملقاصــد العامــة‪.‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫أبو كزلك كعب الفنجان‬

‫حرمل الثقافة‬

‫نجاة عبد الصمد‬

‫أنــا موجــوع‪ .‬يــدي تُشــوى اآلن فــوق ماســورة الرشــاش‪ .‬ال أســتطيع ســلخها‬ ‫عنــه‪ ،‬ال أعــرف ملــاذا تســخن هــذه املاســورة مثــل قســطل املدخنــة عــى ســطح بيتنــا‬ ‫هنــاك يف ضيعتــي “أم الزيتــون”…‬ ‫هنــاك‪ ،‬كنــت أحــر جســدي الضئيــل بــن طيــور الحــام املتكومــة حــول املدخنــة‬ ‫أيــام الــرد‪ ،‬أنــر بــن أقدامهــا بقايــا طعامنــا‪ ،‬وأفــرح بوعــد أمــي أن اللــه لــن يحرقنــا‬ ‫ألننــا ال نرمــي بقايــا الطعــام يف الزبالــة‪.‬‬ ‫لك ـ ّن يــدي اآلن تحــرق‪ ،‬وال أعــرف أيــن وقعــت نظّــاريت… نظــاريت التــي أبغــض‪،‬‬ ‫والتــي ال يبتعــد زجاجهــا عــن زجــاج عينــي إال حــن أركنهــا لصــق مخــديت وأنــام‪.‬‬ ‫دخلــت املدرســة‪ ،‬ومــن يومهــا‪،‬‬ ‫اختفــت عينــاي خلــف عدســاتها الســميكة منــذ‬ ‫ُ‬ ‫وبعــد أول عـر ٍ‬ ‫اك يل مــع رفــاق الصــف‪ ،‬صــار لقبــي‪” :‬أبــو كزلــك كعــب الفنجــان”‪.‬‬ ‫نــي رفاقــي اســمي يف قيــد النفــوس‪ ،‬ثــم شــاركهم أخــويت وجرياننــا وأقاربنا نســيانهم‬ ‫البليــغ‪ ،‬وتضامنــوا جميعهــم عــى منــادايت‪ :‬أبــو كزلــك كعــب الفنجــان… يف صفــي‬ ‫الثــاين طبطــب عــى كتفــي أســتاذنا اللطيــف‪ :‬أنــت أغبــى مــن جميــع إخوتــك‪ .‬بــل‬ ‫ـب رأيتــه يف حيــايت‪ .‬صــارت املدرســة نكبــة حيــايت الصغــرة‪ .‬رصت‬ ‫أنــت أغبــى طالـ ٍ‬ ‫أهيــم يف الطرقــات إىل أن أملــح التالميــذ يخرجــون مــن بوابتهــا عنــد الظهــر‪ ،‬فأعــود‬ ‫مثلهــم إىل بيتــي‪ .‬حــن وصــل الخــر إىل أيب أخــذين ألتعلــم عنــد الكومجــي‪ ،‬وعنــد‬ ‫النجــار وعنــد الطيــان‪ ،‬وعنــد الخبــاز؛ وخرجــت مطــرودا ً مــن عندهــم جميعـاً‪ .‬قالــوا‬ ‫أليب‪ :‬أبــو كزلــك كعــب الفنجــان لــن يفلــح يف تعيــر الدواليــب وال يف تصفيــف‬ ‫األخشــاب وال يف حـ ّـف الصــدأ عــن الحديــد‪ ،‬وال يف عـ ّد أرغفــة الخبــز… مل يعــد أمــام‬ ‫أيب ســوى أن يأخــذين إىل أرض كرومنــا البعيــدة‪ .‬رصت أفيــق مــع الفجــر أتل ّمــس‬ ‫نظــاريت‪ ،‬أش ـتُمها ثــم أبوســها وأرفعهــا إىل عينــي‪ ،‬وأمــي لنكــش األرض… أرقــب‬ ‫ـي أو أبعدتهــا عنهــا‪ ،‬أضحــك‬ ‫أصابعــي كيــف تكــر أو تصغــر لــو ق ّربتهــا مــن عينـ ّ‬ ‫قلي ـاً‪ ،‬أفــزع قلي ـاً‪ ،‬ثــم أعــود إىل النكــش‪ ،‬أو أتل ّهــى باس ـراق النظــر إىل الفالّحــة‬ ‫الصغــرة التــي تنكــش األرض مثــي يف الكــرم القريــب‪ ،‬وتتطلــع إ ّيل‪ ،‬وال تبتســم‪.‬‬ ‫صــارت روحــي تزهــر عــى مهلهــا… مـ ّر ًة مــع نظـرات جــاريت‪ ،‬ومــر ًة مــع املواســم‪،‬‬

‫النار‪..‬‬ ‫النــار «يــا روح قــوة النــار اســمعي صــويت‪ :‬مثــة إنســان‬ ‫يحرضــك دون خــوف» مــن أغنيــة لشــعب البانتــو لســت‬ ‫مكتئبـاً عــدت للتــو مــن املكتبــة حيــث تركــت قبــل شــهر‪،‬‬ ‫عــر نســخ مــن ديــواين األخــر‪ ..‬كانــت املقاهــي غاصــة‬ ‫باألجســاد‪ ..‬األعــن معلقــة إىل الشاشــات بحيــث ال تفلــت‬ ‫أيــة ركلــة أو مراوغــة أو هــدف‪ ،‬والحناجــر تتقصــف‬ ‫باآلهــات والهتــاف والشــتيمة‪ .‬وخــارج املقاهي يف الشــوارع‬ ‫والحقــول والبيــوت والحانــات واملعامــل والقطــارات‬ ‫والــركات‪ ...‬نفــس الســحنات املشــدودة إىل رائحــة الخبــز‬ ‫واإلســمنت واألرداف والفلــوس والغــد الــذي ال يطمــن‬ ‫إليــه أحــد‪ .‬ال كتــاب يف‬ ‫األفــق وليــس مــا يب اكتئابـاً‪..‬‬ ‫بــل ســخط ال يحتمــل‪ .‬عــدت‬ ‫للتــو مــن املكتبــة بالنســخ‬ ‫العــر التــي تركــت قبــل‬ ‫شــهر‪ ..‬مل يعــد الشــعر رضورة‬ ‫(يــا ارنســت فيــر)‪ ..‬مل يعــد‬ ‫لوجــودي معنــى‪ ،‬فدعــوين‬ ‫أيهــا املتلصصــون‪ ..‬دعــوين‬ ‫أخطــو رسيع ـاً نحــو املــوت‪.‬‬ ‫********** الح ـزام مشــدود‬ ‫إىل الخــر‪ ..‬القنينــة تحــت‬ ‫الجاكيــت‪ ،‬وعلبــة الســجائر‬ ‫والوالعــة يف الجيــب‪ ..‬جهــز‬ ‫نفســه جيــدا ً‪ ..‬وخــرج‪.‬‬ ‫صــادف متســوالً وعاهــرة‬ ‫وماســح أحذيــة ومقــدم حــي‬ ‫ومجموعــة شــبان ســاخطني‬ ‫وزوجــن ينتميــان إىل القــرن‬ ‫األول‪ ..‬ومل يجــد يف كل‬ ‫ذلــك مــا يغريــه بالبقــاء‪ .‬مل‬ ‫يق ّبــل ابنــه ومل يخــر زوجتــه‬ ‫بــيء‪ ..‬أوىص بهــا نجمــة هاربــة ليلــة أمــس‪ ،‬ودبــج‬ ‫قصيــدة أخــرة بــدت لــه (ضــدا ً عــى أي توقــع) أنشــودة‬ ‫للفــرح (فــرح غــر مــرر طبعــا كــا لــو أنــه نــازح مــن‬ ‫زمــن مــى أو زمــن ســيأيت) كانــت قصيــدة عــن املــوت‬ ‫جداريــة للقــاء الشــاعر باملواطــن العــادي‪ ..‬خليــل حــاوي‬

‫وصارت نظاريت تثخن عىل مهلها بعد كل ٍ‬ ‫طبي‪.‬‬ ‫فحص ّ‬ ‫ـت عامــي الثامــن عــر‪ ،‬ورصت أبــر‪:‬‬ ‫آخــر فحــص يل كان منــذ أيــام‪ ،‬حــن أكملـ ُ‬ ‫ّغــت لاللتحــاق بخدمــة العلــم‪.‬‬ ‫‪ 10/1‬يف عينــي اليمــن‪ ،‬و‪ 10/2‬يف الشــال‪ ،‬وتبل ُ‬ ‫حملــت هويّتــي ووثيقتــي الطبيــة ورحــت إىل شــعبة التجنيــد‪ .‬اســتلمتْها منــي‬ ‫الســيدة (النقيــب يف الجيــش) التــي ترضــع ابنهــا خلــف مكتبهــا العريــض‪ .‬قلــت‬

‫* حسن البقايل‬

‫‪10‬‬ ‫لهــا‪ :‬اعفينــي يــا ســيديت الفاضلــة‪ ،‬مبوجــب هــذه الوثيقــة‪ ،‬مــن خدمــة العلــم‪ .‬قالــت‬ ‫يل‪ :‬أبعــد وجهــك اآلن عــن زجــاج مكتبــي‪ ،‬وخــذ وثيقتــك التــي لــن تنفعــك‪ ،‬واســتلم‬ ‫هويتــك غــدا ً مــن دمشــق‪.‬‬ ‫أنــا مل أســافر يوم ـاً إىل الشــام‪ .‬قضيــت أعوامــي عــى مهــل ليــس يل مــا أســتعجل‬ ‫الوصــول إليــه وال الخــروج منــه؛ يف دمشــق أصعــدوين إىل البــاص املســتعجل إىل‬ ‫إدلــب‪ .‬ويف إدلــب أصعــدوين إىل ســيارة الزيــل املســتعجلة نحــو القــرى التــي مل تعــد‬ ‫خـراء‪ ،‬وأنزلــوين عنــد حاجـ ٍز مــع رشــايش الجديــد‪ ،‬ومتنــوا يل النــر عــى املســلحني‪.‬‬ ‫هنــاك مل ألحــق أن أجــوع أو أبــرد‪ .‬أقمــت يومــن قبــل أن يطـ ّـل املســلحون‪ ،‬وال أعــود‬ ‫أميّــز مــن أيــن يــأيت كل هــذا الرصــاص‪ ،‬وال أعــرف كيــف أتلمــس الزنــاد بســبابتي‬ ‫ـت يــدي اليــرى‪ ،‬بالحركــة التــي فعلتهــا‬ ‫اليمنــى‪ ،‬وال كيــف أصـ ّوب نحوهــم… رفعـ ُ‬ ‫آالف امل ـرات ألضبــط ارتــكاز نظــاريت عــى أنفــي الكبــر؛ فــإذا بهــا ليســت هنــاك‪.‬‬ ‫أنــا ال أذكــر متــى وال كيــف طــارت مــن قاعدتهــا الوحيــدة‪ ،‬كيــف خانتنــي‪ ،‬أو رمبــا‬ ‫دفعتهــا عنــي شــظي ٌة آمثــة… صــار األمــام والخلــف ســواء‪ ،‬والضــوء والدخــان ســواء‪،‬‬ ‫النــور والنــار ســواء…‬ ‫ولســت متأكــدا‬ ‫يــدي تُشــوى اآلن يف حــرارة األنبــوب‪ .‬ال أســتطيع ســلخها عنــه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كنــت أطلقــت رصاصــة أو خمســاً أو أكــر‪ ،‬أو إن كانــت أصبعــي اهتــدت إىل‬ ‫إن‬ ‫ُ‬ ‫ـس وموجــو ٌع ووحيــد‪ :‬كيــف رصتُ‬ ‫الزنــاد أم مل تهتـ ِـد… أعــرف فقــط أننــي اآلن بائـ ٌ‬ ‫هنــا ومل أودع أمــي وال أيب وال إخــويت األربعــة األذىك منــي‪ ،‬وال ســور املدرســة الــذي‬ ‫ظللــت خارجــه ألننــي مل أعــد أطيــق أن أســمع كعــب الفنجــان ألــف مــرة أخــرى…‬ ‫وال األرض التــي أحببتهــا أكــر مــا بغضــت نظــاريت‪ ،‬وال أعــرف إن كان هــذا الحــرق‬ ‫الشــديد األمل يف يــدي جــاءين مــن إخــويت عــى الحاجــز أم مــن أعــدايئ املســلحني‪.‬‬ ‫أذكــر أنهــم يف شــعبة التجنيــد قالــوا يل‪ :‬كلنــا للوطــن‪ ،‬عميان ـاً كنــا أم مبرصيــن…‬ ‫يــدي تحــرق اآلن كرمــى للوطــن‪ ،‬البقعــة الحم ـراء عــى صــدري فــدا ٌء لضيعتــي‬ ‫أم الزيتــون… ووطنــي اآلن‪ ،‬هنــا عــى الحاجــز يف إدلــب‪ ،‬يعفينــي مــن عــذاب‬ ‫كعــب الفنجــان‪ ،‬مــن انتظــار أن تبتســم يل يومـاً مــا تلــك الفالحــة الصغــرة يف الكــرم‬ ‫القريــب‪ ،‬مــن أن يخلــط بــري الضعيــف بــن األخــوة األصدقــاء واألخــوة األعــداء…‬ ‫هيــه… أنــت يــا أخــي القريــب منــي ابحــث معــي عــن نظــاريت‪ .‬لــو لقيتها؛ ســأرفعها‬ ‫إىل عينــي‪ ،‬وأعتــذر منهــا‪ ،‬وأحـ ّدق عربهــا يف صــورة الســاء‪ ،‬يف صــورة أهــي مبلولـ ًة‬ ‫بدمــي يف جيــب قميــي العســكري‪ ،‬ثــم أمــي بســام ألحــق يــدي املشــوية لننــام‬ ‫طويـاً هنــاك وســط الحامئــم قــرب املدخنــة…‬

‫من قتل ماريا؟‬

‫أي رشاكــة ســتجمعنا مــع هــؤالء؟‪ ..‬ســؤال يطرحــ ُه‬ ‫بالبوعزيــزي‪ ..‬لقــاء اللحظــة األخــرة قبــل القفــز إىل نهــر‬ ‫األبديــة‪ .‬أســمى القصيــدة «حيــاة» علقهــا عــى الحائــط شــاه ٌد عــى املجــزرة‪ ..‬سـ ٌ‬ ‫ـؤال وا ٍع يف لحظــة ال وعــي رمبــا‪..‬‬ ‫كوعــد شــعري وملغــوم للعــامل‪ ..‬وجهــز نفســه جيــدا ً إال أن املــوت املتكــرر املختــزن أنتــج ســؤاالً واقعيـاً صادمـاً‪،‬‬ ‫للخــروج‪ ..‬مل يقبــل ابنــه ومل يربــت عــى كتــف زوجتــه فهــو غــر مو ّجــه للعــدو (األســد) بــل ملــن ي ّدعــي الرشاكــة‬ ‫أو يغــرق يف عينيهــا عينيــه خشــية أن تتــدىل إىل الداخــل يف الحيــاة واملســتقبل واملصــر‪..‬‬ ‫وأي ســؤال ميكــن أن يطــرح‬ ‫العميــق وتنكــش الســخط املتفاقــم كريــش أزرق‪ .‬اآلن‪ ..‬مــاذا ســيقول أســعد إذا ً؟‪ّ ..‬‬ ‫وهــو يــرى املتســول والعاهــرة وماســح األحذيــة ومقــدم عندمــا يفيــق مــن موتــه املؤجــل‪ ،‬ليصحــو عــى غيــاب‬ ‫الحــي والشــبان الســاخطني والزوجــن املنتميــن إىل القــرن ماريــا وفــراس‪ ..‬مــاذا تــرك القاتــل ألســعد يك يفــاوض‬ ‫األول والظــال األخــرى للمواطنــن املهدوديــن‪ ،‬تحســس عليــه؟ وكيــف ســيجرؤ منظّــرو «الرشاكــة الوطنيــة» عــى‬ ‫القنينــة الهاجعــة تحــت الجاكيــت‪ ،‬وداخلــه اعتقــاد بــأن مجــرد النظــر يف عينيــه؟‪..‬‬ ‫هــؤالء جميعـاً يحملــون –مثلــه‪ -‬الحــر ُم الجامعــي الــذي اختــار الرجـ ُـل مجاورتــه مــاذا ً يقــي‬ ‫قنينــة تحــت الثيــاب ووالعــة فراخــه غــدر الطائـرات «جامعــة‬ ‫مخبــوءة‪( .‬لــو نتفــق عــى إيبــا يف رساقــب»‪ ،‬مل يكــن كافيـاً‬ ‫لحظــة واحــدة لحظــة واحــدة إلقنــاع القاتــل أ َّن أطفــاالً ميكثــون‬ ‫فتصاعــد النــران هنــا‪ ،‬ال غــر‪ ..‬حصــدت الطائــرة‬ ‫لالشــتعال‪ّ ،‬‬ ‫ورائحــة اللحــم اآلدمــي إىل بهــاء أرواح ماريــا وصديقتهــا‬ ‫الســاء الســابعة كســيمفونية نــور‪ ..‬ولحــق فـراس بأختــه ماريــا‬ ‫حمــراء جميلــة وملهمــة‪ ).‬بعــد ســويعات‪ ..‬الثالثــة لــو‬ ‫توســط الســاحة الصغــرة جمعنــا أعامرهــم لــكان بعمــر‬ ‫مبحــاذاة النافــورة (التــي جفــت وردة‪..‬‬ ‫منــذ زمــن ومل تعــد نافــورة إال وث ّقــت كامــرات الصحفيــن‬ ‫املشــهد‪ ،‬ورصــده «املرصــد‬ ‫عرفــاً)‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫خلــع الجاكيــت‪ ،‬فبــدا الحــزام الســوري»‪ ،‬وألحــق الثالثــة‬ ‫الــذي يشــد الوســط مزدانــاً أرقامــاً يف ســجالت املنظــات‬ ‫بدواوينــه الشــعرية‪ ..‬طبطــب الدوليــة التــي تجهــد نفســها يف‬ ‫عليهــا فيــا يشــبه االعتــذار توثيــق موتنــا‪ ،‬وطالــب االئتـ ُ‬ ‫ـاف‬ ‫وقــال‪ - :‬عــي وعــى شــعري‪ .‬الوطنــي األم ـ َم املتحــد َة مجــددا ً‬ ‫جــوي‪..‬‬ ‫ســكب البنزيــن وقــدح الوالعــة‪ ..‬بفــرض منطقــة حظــر‬ ‫ّ‬ ‫وفيــا كان يجهــش باملــوت كل هــذا ومل يســأل أحــد‬ ‫األليــم وســط الفــزع والذهــول الســؤال الحقيقــي والــازم‪ ،‬إال‬ ‫والصيحــات مقصومــة الظهــر‪ ،‬ذلــك الشــاهد‪ ...‬أي رشاكــة‬ ‫اســتحرض بعضــاً مــن قصيــدة ســتجمعنا ؟ ‪. .‬‬ ‫األمــس‪( :‬مــا الــذي حــكاه البوعزيــزي للنــار حــن شــبت يف الســؤال ينطــوي عــى اتهــامٍ ال مجــال معــه لقبــول رد وال‬ ‫الجســد؟ مــا الــذي حكتــه لــه قبــل أن ينــأى بنفســه بعيــدا ً دفــاع‪ ،‬وال حتــى ســاع مرافعــة‪ ،‬إنــه الســؤال الجــواب‪..‬‬ ‫يك يتوســد ملــح البلــد؟) اضطجــع بعدهــا عــى األرض‪ ،‬واملقصــود بــه رشيحــة معروفــة حــارضة أمــام أعــن كل مــن‬ ‫وتكــوم يف وضــع الجنــن‪ ،‬حتــى مل يعــد يعــرف إن كان يصفعــه الســؤال‪..‬‬ ‫الرشيحــة تضــم عســكريني ومدنيــن‪ ،‬حكام ـاً ومحكومــن‬ ‫يولــد أو ميــوت‪.‬‬ ‫* أديب مغريب‬ ‫وإ ّمعــات ومجربيــن‪ ......‬كلهــم «ســوريون»‪ ،‬وكلهــم قاتــل‪..‬‬

‫يارس األطرش‬

‫وإن صدقــت أرقــام انتخابــات األســد‪ ،‬فــإن عــرة ماليــن‬ ‫ســوري شــاركوا يف قتــل ماريــا ورفاقهــا‪ ..‬وإن مل تصــدق‬ ‫كل إصبــع تلونــت بحــر األســد‪،‬‬ ‫(وهــذا هــو األصــدق) فــإن َّ‬ ‫ـت قتــل ماريــا‪..‬‬ ‫كأنهــا ضغطــت زنــادا ً مــن حقــد‪ ،‬ورشعنـ ْ‬ ‫(إ َّن فرعــون وهامــان وجنودهــا كانــوا خاطئــن)‪ ..‬وهنــا‬ ‫يشــر النــص القــرآين بجــاء إىل أ َّن (الجنــود) متســاوون يف‬ ‫الخطيئــة متامـاً مــع دعــاة القتــل وأربابــه‪ ..‬والذيــن بصمــوا‬ ‫لقاتــل األطفــال إمنــا بصمــوا لــه وعاهــدوه عــى املــي‬ ‫قدمــاً يف انتهــاك دم األطفــال واســتباحته‪ ،‬بــل ورقصــوا‬ ‫عــى أنغــام الســكاكني تعلــن الذبــح موســيقا مل يعــد غريهــا‬ ‫كافي ـاً لهــز خصورهــم‪..‬‬ ‫لــن يُشــفع للموظــف‬ ‫«املجــر»‪ ،‬وال ملســاف ٍر‬ ‫اضطــره جــواز ســفره‪ ،‬وال‬ ‫ملتّــقٍ رشا ً‪..‬‬ ‫يف محكمــة ماريــا ورفاقهــا‬ ‫ســيخجلون مــن دمهــا‬ ‫املــراق عــى وجههــا‬ ‫الطفــل‪ ..‬وهــم كمــن‬ ‫يــرق عمرهــا ليضيفــه‬ ‫إىل أعــار أطفالهــم‪ ،‬كــا‬ ‫رسقــوا مــن قبـ ُـل مدرســتها‬ ‫وكتبهــا ولعبتهــا لحســاب‬ ‫أطفالهــم‪..‬‬ ‫الجــدار أصبــح أعــى وأمن َع‬ ‫مــن أن يُرتقــى‪ ،‬وال تكفــي‬ ‫الفــؤوس التــي هدمــت‬ ‫جــدار برلــن لتنقبــه‪ ،‬إنــه‬ ‫جــدار مــن دم‪ ..‬رفعــه‬ ‫«رشكاء الوطــن» يف وجــه‬ ‫مــ ّد الــراءة القــادم مــن جهــة الحريــة‪..‬‬ ‫شــاهد عيــان عــى أحــداث حــاة يف الثامنينيــات مــن‬ ‫القــرن الفائــت‪ ،‬حــى كيــف أمســك ضابــط طفــاً عــى‬ ‫ضفــة العــايص‪ ،‬وعندمــا أراد جنــدي أن يفلتــه‪ ،‬لــ ّوح بــه‬ ‫الضابــط يف الهــواء ورمــاه يف عــرض النهــر قائــاً‪ :‬عندمــا‬ ‫يكــر ســيكون أنجــس مــن أهلــه‪ ...‬وكذلــك فعــل ذابحــو‬ ‫أطفــال الحولــة‪ ،‬وقتلــة ماريــا ورفاقهــا‪ ..‬وكذلــك يفعلــون‪..‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫‪11‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫غريب الـــدار‬

‫دعوة إىل الحب‬

‫تحيــق بنــا‪ ،‬لكننــي عــى يقــن مطلــق أننــا بالحــب‬ ‫قــد يســتغرب القــارئ هــذا العنــوان ويســتفزه‪،‬‬ ‫نســتطيع أن نعيــد للحيــاة بهجتهــا املفتقــدة‪،‬‬ ‫ويعــف عــن التعامــل بحميميــة معــه وينــرف‬ ‫وبالحــب قــادرون عــى مواجهــة األخطــار ومهــا‬ ‫عنــه إىل مشــاغله وهمومــه اليوميــة التــي تعصــف‬ ‫كانــت جســيمة‪ .‬أنــا هنــا أدعــو إىل التســامح وإىل‬ ‫بكيانــه‪ ،‬وقــد يحــرك شــفتيه اســتهجاناً‪ ،‬متســائالً يف‬ ‫عــدم وأد الــروح‪ ،‬وإفســاح املجــال لهــا يك تواصــل‬ ‫قـرارة ذاتــه عــن جــدوى مثــل هــذه الدعــوة وهــو‬ ‫صبحي دسوقي‬ ‫انطالقهــا ودورهــا يف تلويــن الحيــاة بألــوان فرحــة‬ ‫يلــوب بحثـاً عــن احتياجــات الحيــاة‪ ،‬منكـرا ً أمــام‬ ‫زاهيــة‪ .‬قــد تكــون الحيــاة أكالً ورشابــاً‪ ،‬وهمومــاً‬ ‫وطــأة الظــروف ناســياً كل الرومانســيات التــي‬ ‫الزمتــه يف بدايــة حياتــه‪ .‬وأدرك أننــي كأي إنســان آخــر أقــف معــزوالً ووحيــدا ً معاشــة‪ ،‬لكنهــا أيضـاً ليســت بهــذه القتامــة والســوداوية‪ ،‬وعلينــا أن ننظــر إليهــا‬ ‫أمــام قســوة الحيــاة‪ ،‬شــاهرا ً مــا تبقــى مــن قيــم تربينــا عليهــا‪ ،‬ومــن مشــاعر مجــددا ً بعيــون حانيــة ميلؤهــا الحــب‪ ،‬فــا زالــت العصافــر والطيــور ترســل‬ ‫إنســانية صادقــة أحرقــت أعصابنــا‪ ،‬وهــزت وجداننــا‪ ،‬فاستســلمنا لعذوبتهــا‪ ،‬زقزقتهــا وتغريدهــا‪ ،‬واألرض تتزيــن دامئـاَ بالخــرة‪ ،‬والشــمس تــرق كل صباح‪،‬‬ ‫واندفعنــا مبشــاعر فياضــة نــروم تغيــر وجــه العــامل‪ ،‬وإعــادة اإلرشاق إىل وهنــاك دامئـاً أصدقــاء وأحبــة جــدد باالنتظــار فقــط علينــا أن نتلمــس الطــرق‬ ‫قســاته‪ .‬لقــد تربينــا عــى األخــاق والصــدق واملــروءة والوفــاء‪ ،‬والتعامــل مــع الصحيحــة التــي ســتوصلنا إليهــم وعندهــا ســتصبح الحيــاة أكــر جــاالً مــا‬ ‫اآلخــر بإيجابيــة‪ ،‬وكان الغــدر نــادرا ً تلــك األيــام‪ ،‬وحتــى وإن بــدر مــن أشــخاص نظــن‪ .‬وهنــاك الكثــرون الذيــن ال زالــوا يتمســكون بالقيــم واألخــاق‪ ،‬وميتلكــون‬ ‫فهــم قالئــل‪ ،‬يزدريهــم املجتمــع‪ ،‬ويعــف عــن التعامــل معهــم‪ .‬لقــد افتقدنــا القــدرة يف داخلهــم عــى التعامــل مــع الحيــاة بشــفافية وشــغف‪ ،‬أقصــد مــع‬ ‫البســاطة يف تعاملنــا مــع اآلخــر‪ ،‬وبتنــا نرتقــب حركــة غــدر منــه‪ ،‬وأصبحنــا وجههــا اآلخــر األكــر إرشاقــاً‪ .‬أقــول أخــرا ً‪ ،‬أنــه ال بديــل عــن الحــب‪ ،‬رغــم‬ ‫متأكديــن أننــا أشــبه بدريئــة تنتظــر مــن يصــب ســهامه وحقــده عليهــا‪ ،‬وباتــت انكســاراته وابتعــاد أثــره اإليجــايب يف حياتنــا‪ .‬وأقــول دامئـاً إن الحــب ليــس ثوبـاً‬ ‫لفظــة الحــب مســتهجنة عــى مــن يذكرهــا يف جلســاته مــع اآلخريــن‪ ،‬وينظرون نقلــع عــن ارتدائــه عندمــا نريــد‪.‬‬ ‫إىل مــن يرددهــا ومــن يجاهــر بعشــقه وكأنــه كائــن خ ـرايف قــادم مــن زمــن وأخــرا ً أوجــه دعــويت مجــددا ً إليكــم جميعــاً‪ ،‬مــع أمنيــة صغــرة هــي أن‬ ‫آفــل‪ .‬ومــا عــادت األغــاين الخالــدة تؤجــج املشــاعر‪ ،‬وانتقلــت األحاســيس تتشــبثوا مبــا تبقــى مــن حــب يف دواخلكــم‪ ،‬وأن تطلقــوا أرواحكــم مــن أرسهــا‪،‬‬ ‫العذبــة مــن الــروح إىل األقــدام‪ ،‬وأضحــت أغــاين العــر عــى مقيــاس األحذيــة وأن تتحركــوا باتجــاه تعميــم الحــب‪ ،‬قبــل أن تنجــح الظــروف املحيطــة باغتيــال‬ ‫وألوانهــا‪ ،‬وعــى أحــدث األلبســة الفاضحــة التــي تكشــف أكــر مــا تخفــي‪ .‬مــا تبقــى مــن بريقــه‪.‬‬ ‫أدري أننــا نعيــش ضمــن ظــروف ماديــة قاتلــة‪ ،‬وأعــرف أن الكثــر مــن األخطــار‬

‫‪ .....‬شهـوة املفردات‬ ‫أقاسم الغرباء حرستهم‬ ‫ألقي الكالم‬ ‫عىل القواميس الفقرية‪،‬‬ ‫أس ّور نربيت الخرسا َء‬ ‫مل أجد برهان عشقي يف مدائنها أو صويت العقيم‬ ‫بكل ألواين وحااليت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومل أسعف كالم القلب‬ ‫من ذكر ِ‬ ‫اك‬ ‫وأنحت نظرة‬ ‫أو نظرتني عىل املكان‪،‬‬ ‫ّس يف دمـي !‬ ‫يا وجعاً تنف َ‬ ‫بأي ٍ‬ ‫حرف‬ ‫ألقي الكال َم عىل املعاجم‬ ‫‪ّ ..‬‬ ‫الغريب‬ ‫أبدأ العشق‬ ‫إنها مسؤولة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫تجاهك‪،‬‬ ‫عن كل تقصريي‬ ‫الجريح‬ ‫وأختم القلب‬ ‫َ‬ ‫بأي آالء الكتابة أحتمــي؟!‬ ‫تفــر كنــ َه‬ ‫معنــاي ّ‬ ‫َ‬ ‫ال تؤكّــد أو ّ‬ ‫العميــق‪،‬‬ ‫وشوقي الغايف عىل شفتيك‪،‬‬ ‫ألقي الكالم عىل معاجمــ ِه‬ ‫القلبي‬ ‫وأشحن هاتفي‬ ‫ال تلقي سوى األحزان‬ ‫ّ‬ ‫من رؤيا الحبيبة‪،‬‬ ‫يل‪،‬‬ ‫والذكرى ع ّ‬ ‫ال عالمات القصائد‬ ‫‪ ..‬أنا الغريب !‬

‫منري محمد خلف‬

‫ترمتي يف حضن قافيتي‬ ‫وال التعبري يلزمني‪،‬‬ ‫سأنجز ما حوته الروح‬ ‫يف بضع من النظرات‬ ‫أسكب خافقي‬ ‫يف موجة من مقلتيها‬ ‫‪......................‬‬ ‫أذكر اآلن القصيد َة‬ ‫مل تكن فيها حروف الج ّر‬ ‫رافعة يديهــا‬ ‫يك َ‬ ‫تبارك ُ‬ ‫أحرف الجزم السكين ِة‬ ‫يف ندى اإليقاع‬ ‫الحب‬ ‫أو ترفو غيوم ِّ‬ ‫يف سجن اللغـــــة ‪.‬‬ ‫*******‬

‫غريب يف أورفا‬

‫امتــدت الشــوارع أمامــي مبــارشة‪ ،‬وفجــأة فُرشــت الحدائــق عــن ميــن الشــارع وعــن‬ ‫يســاره‪ ،‬ووجــدت نفــي وحيــدا ً وغريبــاً يف أورفــا!! أمــي بــا هــدف‪ ،‬أنظــر يف كل‬ ‫االتجاهــات‪ ،‬مثــل كل غريــب يف أي بلــد غريــب‪ ،‬وكنــت حزينـاً وضائعـاً‪ ،‬مل أشــأ أن أخــرج‬ ‫دمعتــي أمــام حامئــم أورفــا‪ ،‬حافظــت عــى ات ـزاين قلي ـاً أنــا القــادم مــن بلــد القصــف‬ ‫املدفعــي والقصــف الجــوي‪ ..‬خجلــت أن تدمــع عينــاي أمــام حــام أورفــا!! نــاداين الرصيــف‬ ‫الطويــل بــا نهايــة إىل امتداداتــه البعيــدة‪ ،‬مــررت مــن أمــام محــل فتــح بابــه الزجاجــي‬ ‫األنيــق‪ ،‬فجــأة‪ ،‬فتدفقــت عــي برودتــه‪ ،‬انتعشــت وتنفســت الصعــداء وســط حــر أورفــا‬ ‫التمــوزي الشــديد!! انتبهــت فجــأة إىل أننــي غريــب‪ ،‬وال يجــوز يل االســتمتاع بهــذه الدفقــة‬ ‫الهوائيــة البــاردة التــي خرجــت مــن املحــل‪ ،‬هــذه الدفقــة تنــادي زبائــن املحــل وتغريهــم‬ ‫لينظــروا قليـاً إىل بضائعــه ومعروضاتــه األنيقــة وليســت معنيــة بغريــب ضائــع يف شــوارع‬ ‫أورفــا!! جلســنا يف الرشفــة املطلــة عــى ميــدان املدفــع‪ ،‬كان املــكان عاليـاً يف الطابــق الســابع‬ ‫أو الثامــن أو مــا ال أعــرف رقمــه‪ ،‬وكانــت أخبــار الحــرب تتدفــق مــن تلفزيــون قابــع‬ ‫يف زاويــة الرشفــة‪ ،‬كانــوا يبثــون أســاء الشــهداء الجــدد يف الرقــة‪ ،‬كان مــن املمكــن أن‬ ‫أكــون أحدهــم لــو بقيــت هنــاك‪ ،‬لقــد خرجــت هارب ـاً بجلــدي وثيــايب‪ ،‬كانــوا يحــددون‬ ‫نــوع القصــف الــذي قتــل كل شــهيد‪ ،‬قصــف بالطائـرات الروســية أم بالهــاون أم باملدفعيــة‪،‬‬ ‫كانــت األســاء مفصلــة مــع اســم األب واألم والعمــر واملهنــة والوضــع العائــي‪ ،‬كان املــوت‬ ‫مصحوبـاً بــكل متطلبــات التوثيــق الالزمــة لتجنــب النســيان‪ ،‬النســيان املرتبــص بنــا والــذي‬ ‫يســخر مــن كل وثائقنــا التــي ســيلتهمها بعــد قليــل أو بعــد كثــر مــن الزمــن!! نظــرت إىل‬ ‫بــاط ســاحة املدفــع األصفــر املنــار بألــوان مختلفــة ومتالحقــة التغــر‪ ،‬وددت لــو ألقــي‬ ‫بنفــي مــن الرشفــة العاليــة التــي ال أعــرف رقــم طابقهــا‪ ،‬إىل بــاط ســاحة املدفــع الناعــم‬ ‫الالمــع املمتــد بأناقــة‪ ،‬ســوف اســتمتع بالهــواء املتدفــق وأنــا أســقط إىل األرض‪ ،‬ســوف‬ ‫أتحــرر مــن جاذبيــة هــذه الكــرة األرضيــة التــي تعــذب بالدنــا‪ ،‬وتعــذب أرواحنــا كل يــوم‬ ‫وكل ســاعة وكل لحظــة!! ال فــرق بــن مــوت ومــوت‪ ،‬ال فــرق بــن ضيــاع وضيــاع‪ ،‬فــأن‬ ‫منــوت بالقصــف املدفعــي الثقيــل أو الخفيــف أو أن منــوت بقطــع الــرؤوس يف ســاحة عامة‪،‬‬ ‫ويلعــب األوالد ببقايــا أجســادنا ويتصــور العابــرون قربنــا أو قــرب بقايانــا‪ ..‬ال فــرق‪ ..‬ال‬ ‫فــرق‪ ..‬ال فــرق!!!‬ ‫الســوري اليــوم ال يســتطيع املــوت‪ ،‬فاملــوت فاكهــة لذيــذة ال ميتلكهــا‪ ،‬املــوت اليــوم أمنيــة‬ ‫بعيــدة تنهــي عذاباتــه‪ ،‬وتنهــي آالمــه‪ ،‬الســوري اليــوم يتعــذب يف املعتقــات ويتشــهى‬ ‫فاكهــة املــوت الغاليــة!! الســوري اليــوم يتعــذب يف بيتــه‪ ،‬ويتعــذب يف طــرق ســفره وترشده‪،‬‬ ‫ويتعــذب يف قــوارب املــوت التــي تطعــم أســاك البحــر األبيــض املتوســط شــهي اللحــم‬ ‫الســوري‪ ،‬وشــهي اآلمــال واألحــام الســورية‪ ،‬خــرة شــباب ورجــال ونســاء ســورية يتلــوون‬ ‫أملـاً وظـأً يف عــرض البحــر األســود املتوســط!! الســوري اليــوم ال يســتطيع أن يقــرر موتــه ال‬ ‫يف املعتقــات وال يف الطرقــات املتناثــرة يف الصحــاري ويف الجبــال‪ ..‬وال يف البحــار وال حتــى يف‬ ‫املــدن الغريبــة!! أرشب فنجــان القهــوة وأنــا مــا أزال أطــل عــى ســاحة املدفــع يف أورفــا‪ ،‬ال‬ ‫أســمع أحاديــث األصدقــاء الذيــن جــاؤوا قبــي إىل أورفــا‪ ..‬كنــت مشــغوالً بتقديــر املســافة‬ ‫العموديــة إىل بــاط الســاحة‪ ،‬فقــط كنــت أتخيــل الهــواء الــذي ســيداعب وجهــي وأنــا‬ ‫أتســاقط إىل األرض الغريبــة وترقرقــت دمعتــان يف عينــي حزن ـاً عــى تخيــايت اللذيــذة!!‬ ‫أتنــاول كأس املــاء البــارد وأرشبــه وأنــا أرفــع رأيس إىل الســاء‪ ،‬الســاء الزرقــاء الصافيــة‪..‬‬ ‫كان حــام أورفــا يتــاوج هنــا وهنــاك‪ ،‬حــام أورفــا الــذي كان يرفــرف يف ســاء الرقــة مــذ‬ ‫كنــا صغــارا ً‪ ،‬حــام أورفــا كان يــروح ويجــيء مزينـاً الســاء بنقــوش حركاتــه التــي يطرزهــا‬ ‫فوقنــا وهــو يحــرس ســاء أورفــا املمتــد بــا نهايــة!! كانــت أرساب الحــام تتزاحــم فــوق‬ ‫الســاحة‪ ...‬تقاطــر الحــام فوقنــا مــن كل االتجاهــات‪ ..‬جــاء الحــام فــوق رشفتنــا العاليــة‪،‬‬ ‫تــرك ســباته الليــي وجــاء فزعـاً يــروح ويجــيء فوقنــا‪ ..‬كأنــه يريــد أن يلتقطنــي وأنــا أســقط‬ ‫مــن الرشفــة العاليــة إىل ســاحة املدفــع‪ ..‬إنــه حــام أورفــا تجمــع فوقــي ويتأهــب اللتقاطي‬ ‫إن غــادرت الرشفــة هابطـاً إىل ســاحة املدفــع الرخاميــة الناعمــة‪ ...‬ســيأخذين رسب الحــام‬ ‫معــه‪ ،‬ويطــوف يب الســاء العاليــة املرتاميــة األط ـراف‪ ،‬وســيهبط يب إىل إحــدى الحدائــق‬ ‫الخـراء الجميلــة ألحرســها مــع الســوريني املرشديــن فيهــا حتــى الصبــاح!!!‬

‫على هامش املقربة‬ ‫رفقاً يا وط ُن باأل ّمهات !‬ ‫وهناً عىل وهنٍ حملْ َننا‬ ‫كربنَ يف ظالل النذور‬ ‫الصدر‬ ‫وجف فر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ات ّ‬ ‫مم قد مىض‬ ‫ما عاد يف العمر أكرث ّ‬ ‫وهذا ال ّرحم املقدّ س‬ ‫أنجز الس ّن القانون ّية بفخر األمومة‬ ‫الصرب عىل صدر الجدار‬ ‫عل َّق نياشني ّ‬ ‫ْ‬ ‫استقال‪...‬‬ ‫وما‬ ‫لك ّنه أبداً حزين !‬ ‫رفقاً يا وط ُن باأل ّمهات !‬‫كيف تجمع أبناءكَ إىل وثاقٍ‬ ‫أبناءه َّن !‬ ‫اليدَ فوق اليد‬

‫إبراهيم العلوش‬

‫املغرية اهلويدي‬ ‫الوجهَ قبالة الوجه‬ ‫والرصاص ُة يف الفراغ‪...‬؟‬ ‫ّ‬ ‫تحفر الحفرة يف الهواء‬ ‫صوت الجس ِد يف صمت انتظاره ّن‬ ‫يشيع ُ‬ ‫ويف البكاء‬ ‫ينادين‪...‬‬ ‫وال يجيب !‬

‫أباً يقابل ابنه لحظة املوت‬ ‫وطناً يرتاجع‬ ‫فكرة !‬ ‫يغص الوطن بلقمة‬ ‫ُّ‬ ‫يطلب هوا ًء وكأس ماء‬ ‫ُ‬ ‫ّف ف َمه مبنديل القصيدة‪...‬‬ ‫يجف ُ‬ ‫تنغلق الحفرة !‬ ‫ُ‬

‫تخ ّي ْل !‬ ‫تخ ّي ْل أكرث !‬ ‫د ْع خيالك ّ‬ ‫الفظ يتع ّهر‬ ‫ٍ‬ ‫اض‬ ‫افرت َ‬ ‫حديث جريحٍ‬ ‫دماً يسيل يف الحفرة‬ ‫يختلط يف الهواء‪...‬‬ ‫نظره‬ ‫كلم ًة ال تُقال‬

‫هل فكّرت وأنت تسدّ د فاتورة ال ّرعب‬ ‫كيف تقابل وجه أ ّمك يف الصباح؟‬ ‫كيف تنتظر الدّ عاء ؟‬ ‫األ ُّم هي األ ُّم‬ ‫لك ْن‬ ‫ال يصل الدّ عاء !‬ ‫رفقاً يا وط ُن باأل ّمهات !‬

‫أعدْ أبناءه ّن من الهواء إىل شاهدات املقابر‬ ‫إىل اآلس يف شمس الجنازة‬ ‫«عم» صباح العيد‬ ‫إىل جزء ّ‬ ‫رفقاً‬ ‫وترف ّْق‬ ‫أناديكَ !‬ ‫أعدّ أبناءكَ من ٍ‬ ‫موت عابر‬ ‫تناديكَ القصيدة‬ ‫صوتاً إىل صويت ي ُّنئ‬ ‫انهض إليه َّن‬ ‫ْ‬ ‫أعدْ نا إىل خامتة الحكاية‬ ‫ال تسافر بنا !‬ ‫يخف الحزنُ صدقني‬ ‫ّ‬ ‫يخف كثرياً‬ ‫ّ‬ ‫يف زيارة األ ّمهات للمقابر !‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫عواملنا وعوامل الغرب‬

‫* أمري تاج الرس‬ ‫يف زيــارة يل إىل رومــا‪ ،‬مبناســبة تدشــن النســخة اإليطاليــة مــن روايتــي صائــد‬ ‫الريقــات‪ ،‬التقيــت بكثرييــن مــن متابعــي الثقافــات املختلفــة‪ ،‬مبــا فيهــا الثقافــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬منهــم كاتــب إيطــايل مــن جيــل الشــباب‪ ،‬كان قــد نــر روايتــن مــن‬ ‫قبــل رســختاه كاتب ـاً معروف ـاً يف بــاده إىل حــد مــا‪ .‬أخــرين ذلــك الكاتــب أنــه‬ ‫زار جــزءا ً مــن آســيا‪ ،‬ومل يــزر بــاد العــرب حتــى اآلن‪ ،‬لكــن مــا قــرأه مــن كتــب‬ ‫تراثيــة‪ ،‬وآداب كتبهــا العــرب‪ ،‬ومــا شــاهده مــن فنــون نقشــها فنانــون منهــم‪،‬‬ ‫يف معــارض مختلفــة زارهــا‪ ،‬بهرتــه كث ـرا ً‪ ،‬ويعلــم اآلن أن لدينــا عــوامل ســاحرة‬ ‫ومدهشــة‪ ،‬وميكــن أن نصنــع إمرباطوريــة مــن اإلدهــاش الكتــايب والفنــي‪ ،‬متام ـاً‬ ‫مثلــا حــدث ألمريــكا الالتينيــة‪ ،‬فقــط لــو وســعنا مــن ترجامتنــا‪ ،‬وأوصلنــا مــن‬ ‫يســتحق أن يصــل إىل متذوقــن آخريــن‪ .‬وقــد بــات هــو شــخصياً يحســدنا عــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬ويتمنــى لــو امتلــك تلــك العــوامل التــي كانــت ســتضيف إىل كتابتــه‪.‬‬ ‫مــا قالــه ذلــك الكاتــب يبــدو جيــدا ً بالفعــل‪ ،‬وداع ـاً للــروح املعنويــة بشــكل‬ ‫كبــر‪ ،‬وال بــد أن هنــاك كتابـاً آخريــن مــن عاملــه‪ ،‬يشــاركونه نفــس الــرأي‪ ،‬وهــذا‬ ‫يف رأيــي‪ ،‬بالضبــط مــا نبحــث عنــه حــن نتوجــه لآلخــر البعيــد بآدابنــا وفنوننــا‪،‬‬ ‫عــر ترجمتهــا‪ ،‬بعيــدا ً عــن تقلبــات السياســة‪ ،‬والتعــب االقتصــادي‪ ،‬وأمزجــة‬ ‫األوطــان املتقلبــة يف معظــم األحــوال‪ ،‬وقــد أنفقنــا ســنوات طويلــة‪ ،‬نقلــب يف‬ ‫ثقافــات اآلخريــن‪ ،‬نرتجمهــا إىل لغتنــا‪ ،‬ونختارهــا كلهــا لنقلدهــا أو نحــذو حذوهــا‬ ‫مــن دون تفريــق مبــا يالمئنــا منهــا‪ ،‬ومــا ال يالمئنــا‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن أن الكتابــة بالتحديــد‪ ،‬يف البــاد األوروبيــة وأمريــكا‪ ،‬قالــت كل مــا‬ ‫عندهــا منــذ زمــن طويــل‪ ،‬ومل يعــد مثــة مــا يدهــش فيهــا‪ ،‬إال أنهــا مــا تـزال تــرد‬ ‫يف تعليقــات القـراء عندنــا‪ ،‬يف مواقــع القـراءة املختلفــة عــى اإلنرتنــت‪ ،‬بوصفهــا‬ ‫فتوحــات يعجــز كتابنــا عــن بلوغهــا‪ .‬هذا مــا أســميه االنبهــار الدائم بالغــرب‪ ،‬وأن‬ ‫مــا يصنعــه جديــر باملــرور إىل تذوقنــا بــكل هيبــة وإجــال‪ ،‬وبصفتــي مــن القـراء‬ ‫املواظبــن منــذ زمــن طويــل‪ ،‬اطلعــت عــى معظــم الروايــات التــي اشــتهرت‬ ‫يف الغــرب مؤخ ـرا ً‪ ،‬لســبب أو آلخــر‪ ،‬وكان معظمهــا كتابــات منطيــة‪ ،‬مل تــزد إىل‬ ‫القديــم املرتاكــم يف ذهنــي‪ ،‬شــيئاً جديــدا ً‪ ،‬مثــا ثالثيــة ملينيــوم‪ ،‬للســويدي اســتيغ‬ ‫الرســن‪ ،‬التــي بيــع منهــا ماليــن النســخ‪ ،‬وترجمــت للعربيــة مؤخ ـرا ً‪ ،‬ووجدتهــا‬

‫* رشيف صالح‬

‫يف فيلــم ‪ Bug‬تعــاين «آشــي جــود ـ آجنيــس» مــن ظهــور‬ ‫حــرة صغــرة جــدا ً يف غرفتهــا‪ ،‬فيقنعهــا حبيبهــا «مايــكل‬ ‫شــانون ـ بيــر» بــأن هــذه الحــرة مــا هــي إال أجهــزة‬ ‫لالســتخبارات تطــارده‪ ،‬ويجلبــان عدســة مكــرة الكتشــافها‬ ‫ويغلفــان جميــع أماكــن الغرفــة البائســة بقطــع القصديــر‬ ‫حتــى ال تتمكــن القــوى املعاديــة مــن التقــاط اإلشــارات‬ ‫التــي تبثهــا تلــك الحـرات التــي تتكاثــر برسعــة‪ ،‬بــل وقامــا‬ ‫بتقطيــع أج ـزاء مــن جســمهام حيــث توجــد الح ـرات!‬ ‫ثــم يــأيت طبيــب بالجيــش ويحــاول إقنــاع «آجنيــس» أن‬ ‫«بيــر» مصــاب باضطـراب نفــي يســبب لــه هــذه الحالــة‬ ‫لكنهــا تعتــر أنهــا يف «حــرب طاحنــة مــع الحــرة اللعينــة»‬ ‫وســتنترص عليهــا‪ ،‬ويقتــل «بيــر» الطبيــب يك يثبــت لهــا أنــه‬ ‫مجــرد «آلــة» للســيطرة عليهــم‪ ،‬ثــم يــدور حــوار بينهــا‬ ‫بــأن هنــاك مؤامــرة كــرى تحــاك ضدهــا‪ ،‬وأفضــل الحلــول‬ ‫ملواجهتهــا هــو الدمــار الشــامل وحــرق كل يشء‪.‬‬ ‫لنــرك الجانــب الواقعــي و»األكشــن» للفيلــم‪ ،‬ونفكــر فيــه‬ ‫باعتبــاره معــادالً لفكــرة وجوديــة قــد تلــح عــى معظمنــا‪.‬‬ ‫فنحــن ابتــداء أمــام «فكــرة مثاليــة» باملعنــى األفالطــوين‪ ،‬أي‬ ‫«تصــور متعــال ومثــايل» يؤمــن بــه بطال الفيلــم متامـاً‪ ،‬مثلام‬ ‫كان أفالطــون يؤمــن بعــامل املثــل الــذي تســعى املوجــودات‬ ‫إىل التطابــق معــه‪ .‬لكننــا كمشــاهدين نــدرك بالطبــع أن‬ ‫هــذا التصــور «مشــوه» و»غــر صحيــح» واقعيــاً‪ ،‬ويــدور‬ ‫يف فلــك االضطـراب النفــي‪ ،‬فــا يعقــل أن توظــف أجهــزة‬ ‫االســتخبارات «حــرة بــق» ملراقبــة وتعذيــب رجــل وامــرأة‪.‬‬ ‫لكــن إميــان املــرأة وحبيبهــا بهــذا التصــور‪ ،‬كان جنونيــاً‬ ‫ومطلقـاً‪ ،‬حتــى عندمــا وضــع هــذا اإلميــان عــى أول محــك‬ ‫عقــي‪ ..‬ممثـاً يف ظهــور الطبيــب‪ ،‬تــم قتلــه والتخلــص منــه‬ ‫بطريقــة دمويــة رشســة‪.‬‬ ‫إن البطلــن هنــا ينتميــان إىل تصورهــا الهــويس ال إىل‬ ‫الواقــع‪ ،‬ومســتعدان لقتــل أي شــخص يزعــزع ثقتهــا‬ ‫وإميانهــا‪ .‬أال يســتدعي ذلــك حزمــة مفاهيــم جديــرة‬ ‫بالتأمــل‪ ،‬أولهــا «التعصــب» أي عــدم قبــول الحــق عنــد‬ ‫ظهــور الدليــل‪ ،‬وهــو املفهــوم الــذي يتغــذى دامئــاً عــى‬ ‫نظريــة املؤامــرة (الفيلــم انتهــى بنــا إىل مؤامــرة كونيــة)‪،‬‬ ‫وكل أشــكال التمييــز الدينــي والجنــي والطبقــي والعرقــي‪.‬‬ ‫فــا التعصــب إال ذلــك اإلميــان املطلــق بفكــرة نقيــة تتعلــق‬ ‫بالوطن‪/‬الدين‪/‬املذهب‪/‬القبيلــة‪ ،‬ألن أي تهديــد ألي منهــا‪،‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫‪12‬‬

‫صفحــات طويلــة مــن التداعيــات الداخليــة للشــخوص‪ ،‬كان ميكــن اختصارهــا‬ ‫كث ـرا ً‪ ،‬ثــم ليــأيت هــذا الكاتــب الغــريب ويحدثنــي رصاحــة عــن عــوامل مدهشــة‬ ‫لدينــا‪ ،‬يتمنــى لــو كان ميلكهــا‪ ،‬ليجــدد دمــاء كتابتــه‪.‬‬ ‫وإمعانــاً منــي يف ترســيخ تلــك النظــرة املفرحــة للكاتــب الغــريب‪ ،‬توغلــت يف‬ ‫األســئلة‪ ،‬عمــن قــرأ مــن كتابنــا‪ ،‬ومــا الــذي أدهشــه حقيقــة‪ ،‬واكتشــفت بأنــه قــرأ‬ ‫بالطبــع ألــف ليلــة وليلــة‪ ،‬قــرأ لنجيــب محفــوظ‪ ،‬والطيــب صالــح‪ ،‬وصنــع اللــه‬ ‫إبراهيــم‪ ،‬ويوســف زيــدان ويل شــخصياً‪ ،‬بجانــب عــدد كبــر آخــر مــن الكتــاب‬ ‫العــرب‪ ،‬والــذي أدهشــه‪ ،‬تلــك الحيــاة اليوميــة‪ ،‬التــي نعتربهــا عاديــة لدينــا‪ ،‬ومل‬ ‫يعتربهــا كذلــك‪ ،‬تلــك الفنتازيــا الغريبــة‪ ،‬وال تعــد عندنــا فنتازيــا‪ ،‬وتلــك األمــواج‬ ‫مــن النــاس املطعونــن بالتعــب والعــرق واللهــاث‪ ،‬ويتوســلون الحيــاة‪ ،‬لتعتــدل‪،‬‬ ‫بينــا يراهــا الغــريب زخـاً فــذا ً لكتابــة فــذة‪.‬‬ ‫ويف ســؤايل لــه عــن قارئــه شــخصياً‪ ،‬عرفــت بأنــه غــر راض متام ـاً عــن توزيــع‬ ‫كتبــه‪ ،‬ومل يــزد توزيعهــا عــى ثالثــن أو أربعــن ألــف نســخة‪.‬‬ ‫بالطبــع هــذا رقــم أســطوري يف بالدنــا العربيــة‪ ،‬والكتــاب الــذي يــوزع بتلــك‬ ‫األرقــام‪ ،‬يعتــر ناجح ـاً جــدا ً‪ ،‬وســيموت مؤلفــه مــن الطــرب‪ ،‬ومل يصــل إىل هــذا‬ ‫الرقــم عندنــا إال قالئــل‪ ،‬وألســباب يف معظمهــا ال تتعلــق باإلبــداع‪ ،‬أو اإلجــادة‬ ‫يف الكتابــة‪ ،‬وإمنــا لعوامــل أخــرى مختلفــة‪ ،‬مثــل أن يعلــق رجــل ديــن معــروف‬ ‫عــى روايــة مــا‪ ،‬بوصفهــا تعــدت عــى املقدســات‪ ،‬أو متنــع الرقابــة يف بلــد عــريب‪،‬‬ ‫دخــول كتــاب‪ ،‬ويــرخ املؤلــف يف كل مناســبة‪ ،‬بــأن كتابــه منــع مــن العــرض يف‬ ‫تلــك الدولــة‪ ،‬ويف أحســن األحــوال‪ ،‬تكتــب مقــاالت بــا عــدد عــن روايــة معينــة‪،‬‬ ‫حتــى يختنــق القــارئ بتلــك املقــاالت‪ ،‬ويضطــر للبحــث عــن الروايــة ليعــرف مــا‬ ‫بداخلهــا‪.‬‬ ‫عرفــت أيض ـاً يف حــواري مــع الكاتــب‪ ،‬إن القــارئ الغــريب‪ ،‬وهــو قــارئ متوفــر‬ ‫ومتمــرس إىل حــد مــا‪ ،‬يضــع برنامجـاً صلبـاً لقراءاتــه طــوال العــام‪ ،‬هــذا الربنامــج‬ ‫يشــتمل عــى كتــب ينتقيهــا عشــوائياً‪ ،‬وكتــب ينســاق وراء ســمعتها‪ ،‬أو ســمعة‬ ‫كاتبهــا‪ ،‬أو لكاتــب قــرأ لــه مــن قبــل وأعجبــه أســلوبه‪ ،‬وسيســعى خلــف جديــدة‬ ‫يف كل مــرة‪ ،‬وكان نجــاح األمريــي دان بــراون يف شــيفرة دافنــي دافعــاً كبــرا ً‬

‫ملعظــم الق ـراء أن يســعوا المتــاك رواياتــه الالحقــة‪ ،‬ومــا شــاهدته يف محطــات‬ ‫املــرو‪ ،‬والقطــارات‪ ،‬والكافترييــات‪ ،‬بــأن معظــم مــن كانــوا منكبــن عــى القـراءة‪،‬‬ ‫يف لحظــات االنتظــار‪ ،‬كانــوا يقــرأون روايــة الجحيــم‪ ،‬آخــر روايــات دان بـراون‪ ،‬أو‬ ‫روايــة أخــرى صــدرت حديثـاً لألفغــاين خالــد حســيني‪ ،‬الــذي يكتــب باإلنجليزيــة‪،‬‬ ‫واشــتهر كــا هــو معــروف بروايتــه‪ :‬عــداء الطائــرة الورقيــة‪ .‬خالــد حســيني‬ ‫هنــا ال يكتــب حيــاة الغــرب املعروفــة املكشــوفة‪ ،‬ولكــن يســرجع بذاكرتــه مــا‬ ‫حــدث لبــاده أيــام حكــم الطالبــان‪ ،‬وهــو يكتــب تلــك البهــارات التــي ال تتوفــر‬ ‫إال يف العــامل الثالــث‪ ،‬واعتربهــا الكاتــب اإليطــايل‪ ،‬عــوامل مدهشــة‪ ،‬ويبــدو أن‬ ‫زمــن الطالبــان بالرغــم مــن أنــه شــبه انقــى‪ ،‬وتعيــش أفغانســتان ع ـرا ً آخــر‪،‬‬ ‫محاولــة ترتيــق جراحهــا‪ ،‬إال أنــه مــا زال يغــري بالكتابــة‪ ،‬وأيضــا بالتــذوق لــدى‬ ‫الذهنيــة الغربيــة‪.‬‬ ‫وألننــي أحــب زيــارة املكتبــات‪ ،‬حتــى لــو كانــت تعــرض ســلعاً ال أفهمهــا‪ ،‬عرجــت‬ ‫عــى مكتبــة مانــدادوري شــارع إميانويــي التجــاري‪ ،‬يف مدينــة ميالنــو‪ ،‬أو مركــز‬ ‫مانــدادوري‪ ،‬كــا كتــب عليــه‪ ،‬وذهلــت حــن وجدتنــي أدخــل مــا وصفتــه‬ ‫بالحديقــة‪ ،‬مــن شــدة الجــال والســحر املوجــود فيهــا‪ ،‬الكتــاب كأنــه زهــرة‪ ،‬وقــد‬ ‫رصــت الكتــب يف نظــام بديــع‪ ،‬يتيــح لــكل فــرع مــن فــروع املعرفــة‪ ،‬أن يتنفــس‬ ‫بعمــق‪ ،‬وأن يظهــر وجهــه الســمح لقــارئ رمبــا ينجــذب أو يقــع يف غـرام كتــاب‬ ‫يشــاهده ألول مــرة‪ ،‬وقــد كانــت كتــب األدب تكتــي هــذه الزينــة نفســها‪،‬‬ ‫وتبتســم يف وجــوه الق ـراء‪.‬‬ ‫أخ ـرا ً أود أن أنــوه إىل أن القــارئ العــريب‪ ،‬الــذي كان متوف ـرا ً‪ ،‬إىل عهــد قريــب‪،‬‬ ‫مل يتخفــف مــن غــذاء الق ـراءة باختيــاره‪ ،‬ولكــن عوامــل كثــرة وقاهــرة‪ ،‬هشــته‬ ‫بعيــدا ً‪ ،‬فــا ازدهــار للقـراءة يف زمــن ميتلكــه الفقــر‪ ،‬واللهــاث اليومــي مــن أجــل‬ ‫الحيــاة‪ ،‬وعــدم االســتقرار يف بــاد انتفضــت‪ ،‬ومل تهــدأ انتفاضاتهــا حتــى اآلن‪،‬‬ ‫هنــا مثــة أولويــة‪ ،‬نعتربهــا تعبـاً مزمنـاً‪ ،‬ويعتربهــا الكاتــب الغــريب‪ ،‬عــوامل مبهــرة‪،‬‬ ‫تــؤدي لكتابــة مبهــرة‪.‬‬ ‫* كاتب سوداين‬

‫حنن أنقياء‪ ..‬وسنقوم حبرق كل شيء!‬ ‫هــو تهديــد مبــارش للــذات‪ ،‬وأي انتقــاص منهــا‪ ،‬هــو انتقــاص‬ ‫للــذات‪ ،‬وجرحهــا يف عمــق نرجســيتها‪.‬‬ ‫ولــو وضعنــا‪ ،‬عــى ســبيل االفــراض «حــرة البــق» بــدالً‬ ‫مــن مفاهيــم الوطــن‪ ،‬الديــن‪ ،‬املذهــب‪ ،‬القبيلــة‪ ،‬ســنفاجأ‬ ‫أن معظــم النــاس لــن يترصفــوا بطريقــة أفضــل كث ـرا ً مــن‬ ‫الطريقــة املدمــرة التــي ترصفــت بهــا «آجنيــس» و»بيــر»‪،‬‬ ‫فالجميــع مســتعد لتقطيــع جســده وقتــل أي إنســان‪،‬‬ ‫وحــرق كل يشء‪ ،‬عــى أن يســلم ببداهيــة أن «حــرة البــق‬ ‫مجــرد حــرة بــق»!‬ ‫وإذا كان التعصــب يعنــي ذلــك االنحيــاز املطلــق واألعمــى‪،‬‬ ‫ورفــض أي نقــاش عقــي‪ ،‬فإنــه يتغــذى كذلــك عــى النظريــة‬ ‫«التطهريــة» ‪ Puritan‬التــي راجــت لــدى بعــض أتبــاع‬ ‫املذهــب الربوتســتانتي ودعــت اإلنســان أن يكــون ســلوكه‬ ‫يف الحيــاة مطابقــاً متامــاً ملــا ورد يف الكتــاب املقــدس‪ ،‬وال‬ ‫يقتــر عــى أداء العبــادة يف أيــام معينــة‪ ،‬بــل يجــب عليــه‬ ‫تطبيــق العبــادة يف الحيــاة كلهــا‪ ،‬ويف كل مجاالتهــا‪ .‬هــذه‬ ‫الفكــرة التطهريــة قامئــة لــدى أديــان كثــرة‪ ،‬فهــي تســعى‬ ‫بــا كلــل مــن أجــل أن يكــون اإلنســان مطابقــاً للفكــرة‬ ‫املثاليــة التــي يؤمــن بهــا‪.‬‬ ‫متامــاً مثــل إميــان «آجنيــس» وحبيبهــا‪ ،‬بنظريــة «البــق»‬ ‫التــي اســتحوذت عليهــا بشــكل هــويس‪ .‬بالطبــع‪ ،‬يســهل‬ ‫تفنيــد ســوء الفكــرة الهوســية يف الفيلــم‪ ،‬بينــا يصعــب‬ ‫تفنيــد ســوء الفكــرة التطهريــة بــكل طوباويتهــا‪ ،‬يف الواقــع‪،‬‬ ‫رغــم إدراكنــا عقليـاً باســتحالة تطابــق الســلوك مــع املثــال!‬ ‫إن التــرف الجنــوين املدمــر الــذي لجــأ إليــه بطــا الفيلــم‪،‬‬ ‫بتدمــر غرفتهــا يف الفنــدق‪ ،‬وحرق كل يشء‪ ،‬وقتل الشــخص‬ ‫الوحيــد العاقــل الــذي كان مــن املمكــن أن يخرجهــا مــن‬ ‫تلــك املتاهــة العبثيــة‪ .‬ال يختلــف كثـرا ً عــا تفعلــه داعــش‪،‬‬ ‫أو حتــى هــؤالء املســتميتني يف الدفــاع عــن األســد‪« ..‬البقــة‬ ‫العظمــى» بالنســبة لهــم‪ ..‬حتــى لــو أدى ذلــك يف النهايــة إىل‬ ‫تدمــر البلــد وحرقهــا بالكامــل وتســويتها بــاألرض‪.‬‬ ‫بــل كلــا كانــت الفكــرة «نقيــة» جــدا ً‪ ،‬وغــر قابلــة للنقاش‪،‬‬ ‫طوباويــة‪ ،‬وتطهريــة‪ ،‬فهــي تتشــهى تعصبـاً عنيفـاً ومطلقاً ال‬ ‫يقــل عنهــا «نقــاء»‪ ،‬ومؤامــرة كونيــة «نقيــة» أيضـاً‪ .‬وهكــذا‬ ‫تتجســد الفكــرة يف صــورة «حــرة بــق» خالــدة‪ ،‬ال تفنــى‪،‬‬ ‫وال ميكــن القضــاء عليهــا‪ ،‬ولديهــا مئــات األتبــاع املســتعدين‬ ‫للدفــاع عنهــا حتــى املــوت‪.‬‬

‫مــن ثــم فــإن اإلميــان التطهــري الــذي ن ـراه يف املبالغــة يف‬ ‫ســلوك التديــن‪ ،‬والتشــدد يف اللبــاس والوسوســة القهريــة يف‬ ‫عالقــة الرجــل واملــرأة (ال تختلــف كث ـرا ً عــن عالقــة بطــي‬ ‫الفيلــم) هــو صنــو عبــادة «وثــن» الوطــن‪ ،‬حق ـاً أو إدعــاء‪،‬‬ ‫يف األغــاين والخطــب والشــعارات الرنانــة‪ ،‬وعبــادة «القبيلــة»‬ ‫واالســتامتة يف الدفــاع عنهــا عــى حســاب الدولــة ذاتهــا‪،‬‬ ‫وعبــادة أي «أيديولوجيــا» ال تخضــع ذاتهــا للمراجعــة‬ ‫واملســاءلة والنقــد العقــاين‪.‬‬ ‫قــد ال تبــدو تلــك املقارنــة موفقــة‪ ،‬فإميــان «آجنيــس»‬ ‫و»بيــر» بالبــق‪ ،‬مشــوه وســلبي ومــريض‪ ،‬وهــو يختلــف‬ ‫عــادة عــن إميــان النــاس بالديــن‪ ،‬والوطــن‪ ،‬والقبيلــة‪،‬‬ ‫والزعيــم‪ .‬ألنــه إميــان إيجــايب‪ .‬ولــي أســلم‪ ،‬مبثــل هــذا الفرق‬ ‫الجوهــري‪ ،‬يتطلــب األمــر مراجعــة لذلــك التصــور اإلميــاين‬ ‫وتجلياتــه‪ ،‬فعندمــا ينتهــي تطــور الجامعــات اإلســامية إىل‬ ‫«داعــش» يصبــح ذلــك اإلميــان موضــع مســاءلة جذريــة‪،‬‬ ‫وعندمــا ينتهــي الســوريون إىل تدمــر وطنهــم مــن أجــل‬ ‫«بقــاء الزعيــم» يصبــح ذلــك اإلميــان بالزعيــم‪ ،‬بحاجــة إىل‬ ‫مراجعــة‪.‬‬ ‫وعــى األرجــح فــإن عامــة النــاس‪ ،‬ال يؤسســون قناعاتهــم‬ ‫وإميانهــم‪ ،‬عــى اختيــار حــر‪ ،‬واع‪ ،‬وعقــاين‪ ،‬وال حتــى عــى‬ ‫تعزيــز قيــم إيجابيــة تضمــن الرشاكــة مــع املختلفــن عنهــم‪،‬‬ ‫بــل يســعون بــا كلــل إىل ضــان «النقــاء» املطلــق للفكــرة‬ ‫اإلميانيــة االســتحواذية‪ ،‬والنقــاء املطلــق للمامرســات املرتتبــة‬ ‫عليهــا‪ ،‬كمعــادل لصورتهــم «النقيــة» عــن ذواتهــم‪ .‬فهــل‬ ‫فعلــت «آجنيــس» و»بيــر» غــر ذلــك؟‬ ‫ومــا ال نــود االعــراف بــه‪ ،‬أننــا يف معظــم صــور اإلميــان‪،‬‬ ‫بالدين‪/‬الوطن‪/‬املذهــب‪ /‬القبيلــة‪ ،‬نــر‪ ،‬ضامنــاً لنقــاء‬ ‫الفكــرة‪ ،‬عــى تجــاوز تناقضاتهــا‪ ،‬تناقــض املثــال والتطبيق‪ ،‬أو‬ ‫ذلــك االنشــغال بالجــدل البيزنطــي «البيضــة أم الدجاجــة؟»‬ ‫بينــا الحــرب عــى أشــدها!‬ ‫بــل ويتطلــب منــا هــذا اإلميــان‪ ،‬باســتمرار‪ ،‬خلــق عــدو‪،‬‬ ‫واالســتعداد األزيل ملحاربتــه‪ ،‬عــى طريقــة روايــة دينــو‬ ‫بوتــزايت الرائعــة «صحــراء التتــار» حيــث أفنــى جنــود‬ ‫الحصــن أعامرهــم يف انتظــار عــدو ال يجــيء! مثلــا أفنــى‬ ‫بطــا الفيلــم حياتهــا يف محاربــة الفكــرة «النقيــة» لحــرة‬ ‫«البــق»! هنــا ال فــرق بــن عبثيــة الدفــاع عــن الفكــرة‪،‬‬ ‫ومحاربتهــا!‬

‫فباســتمرار‪ ،‬نحــن نضــع العقــل يف خصومــة وقطيعــة‪ ،‬مــع‬ ‫ذلــك اإلميــان النقــي ـ رغــم أنــه رشطــه الجوهــري ـ حتــى‬ ‫ال يتأثــر نقــاء اإلميــان‪ ،‬بــأي دليــل عقــي يزعزعــه‪ .‬دون أن‬ ‫ننتبــه‪ ،‬إىل أن إخ ـراج العقــل‪ ،‬مــن معادلــة اإلميــان‪ ،‬يحولــه‬ ‫إىل «وســواس قهــري»‪ ،‬فــا الوســواس إال ذلــك اإلميــان‬ ‫بفكــرة معينــة تــازم املريــض وتلــح عليــه وتطــارده‪ ،‬حتــى‬ ‫لــو شــعر بأنهــا «ســخيفة» و»غــر منطقيــة» ال يســتطيع‬ ‫الفــكاك أو تحريــر وعيــه منهــا‪.‬‬ ‫هــل كانــت «آجنيــس» وحبيبهــا‪ ،‬يعانيــان مــن الوســواس‬ ‫القهــري؟ بالتأكيــد! فهــا كان مســتلبان لفكــرة نقيــة‬ ‫ومشــوهة‪ ،‬مثــل معظــم الدواعــش املؤدلجــن حولنــا‪.‬‬ ‫كيــف يكــون اإلميــان بالديــن والوطــن مطابقــاً إلميــان‬ ‫بطــي الفيلــم باملؤامــرة الكونيــة ل «البــق» بينــا نفــس‬ ‫هــذا اإلميــان يف ثقافــات أخــرى‪ ،‬يخلــق مجتمع ـاً متامســكاً‬ ‫وإيجابيــاً؟‬ ‫بالتأكيــد إخـراج العقــل مــن معادلــة اإلميــان‪ ،‬يجعلــه حالــة‬ ‫فاشــية‪ ،‬تطهريــة‪ ،‬وسواســية‪ .‬وأيض ـاً النتائــج املاديــة التــي‬ ‫ترتتــب عــى مامرســاتنا لذلــك اإلميــان تكشــف طبيعتــه‪،‬‬ ‫فإقــدام داعــش عــى ذبــح وتهجــر اآلالف يعنــي أن إميانهــم‬ ‫حالــة مرضيــة‪ ،‬مثلــا إميــان البعــض بالزعيــم حــن يفــي‬ ‫إىل تدمــر تــام للوطــن‪ ،‬هــو حالــة مرضيــة‪ .‬إضافــة إىل‬ ‫ذلــك العجــز عــن مــد جســور تضيــف قــوة وترابطــاً إىل‬ ‫تلــك الدوائــر التــي نتحــرك فيهــا‪ ،‬مثلــا أدرك األوروبيــون‬ ‫ذلــك فأنشــأوا مــن القبائــل املتحاربــة إقطاعيــات ثــم دولــة‬ ‫قوميــة‪ ،‬ثــم اتحــادا ً كبـرا ً‪ ،‬يقنــن الرصاعــات‪ ،‬ويعــزز جســور‬ ‫التامســك‪ ،‬ويحــرم مســاحات االختــاف‪.‬‬ ‫أمــا نحــن‪ ،‬ويف معظــم مامرســتنا‪ ،‬فإننــا نحــول تلــك الدوائــر‬ ‫التــي نوجــد فيهــا‪ ،‬إىل عالقــات رصاعيــة وتدمرييــة‪ ..‬تفــكك‬ ‫كل يشء‪ ..‬إىل متاهــة عبثيــة‪ ،‬وحــرب مدمــرة عــى كل‬ ‫املســتويات‪ ..‬عــداء مطلــق مــع اآلخــر املختلــف معنــا يف‬ ‫املذهــب والعــرق والقبيلــة‪ ..‬وإلحــاح وســوايس تطهــري‬ ‫دائــم عــى «النقــاء» وتأكيــد الفــوارق االســتعالئية بيننــا‬ ‫وبــن ذلــك اآلخــر املختلــف‪.‬‬ ‫وهكــذا نظــل يف رصاع أبــدي دفاعــاً عــن تلــك «البقــة»‬ ‫النقيــة التــي تعشــش يف رؤوســنا‪.‬‬

‫* كاتب مرصي‬


‫حرمل الثقافة‬

‫‪13‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫قوس قزح‬

‫أمناط الرواية السياسية‬

‫بالغة املوت‬

‫* سيد الوكيل‬ ‫«الثوار زحفوا طويالً‪ ،‬زحفوا من الواقع‪،‬‬ ‫مثلام زحفوا من قلب الروايات‪ ،‬ومن كتب التاريخ والفلسفة‪،‬‬ ‫ومن النكات واملُلح‪ ،‬وكتب الفكر والكتب املقدّ سة‪،‬‬ ‫ومثلام زحفوا أيضاً من املقابر والغرز والعشوائ ّيات»(‪.)1‬‬ ‫شهال العجيــيل‬ ‫أكادميية سورية‬ ‫يُفهــم األدب الســيايس يف الغــرب‪ ،‬عــى أنــه ذلــك األدب الــذي يتخــذ‬ ‫مــن جدليــة العالقــة بــن الحاكــم واملحكــوم موضوع ـاً لــه‪ ،‬مــع التأكيــد عــى‬ ‫أن هــذه العالقــة تتجــى يف موضوعــات شــتى‪ ،‬تشــتبك بالواقــع الســيايس‬ ‫مثــل‪ :‬القضايــا التــي تتعلــق بالفســاد الســيايس واملامرســات الحزبيــة‪ ،‬وحقــوق‬ ‫املواطنــة والحــق يف العمــل‪ ،‬وغــر ذلــك مــن املوضوعــات التــي تدخــل يف‬ ‫صميــم العالقــة بــن اإلدارة السياســية للدولــة واملواطــن‪ .‬وهــى بطبيعــة الحال‪،‬‬ ‫قــد قطعــت شــوطاً كبـرا ً يف نظمهــا الدميوقراطيــة‪ ،‬وتعــر عــن نفســها خــال‬ ‫قنــوات قانونيــة مثــل صناديــق االنتخابــات أو مــن خــال برامــج األحــزاب‬ ‫ومنظــات املجتمــع املــدين‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن الحاجــة لــأدب الســيايس‪ ،‬ليســت‬ ‫ملحــة بوصفهــا فن ـاً أدبي ـاً يعــر عــن واقــع مــأزوم سياســياً‪ ،‬بقــدر مــا هــي‬ ‫قنــاة مضافــة للتعبــر عــن الــرأي يف منــط العالقــة بــن الحاكــم واملحكــوم‪ .‬كــا‬ ‫ميكــن تحديــده يف أطــر فنيــة بســيطة عــى نحــو مــا يذهــب الناقــد األمريــي‬ ‫(جوزيــف بلونــر)»*»‪ ،‬حيــث يــرى أن األدب الســيايس البــد أن يتخلــص مــن‬ ‫تقنيــات األقنعــة مثــل‪ :‬الرمــز واإلســقاط‪ ،‬ليكــون أقــرب إىل املبــارشة‪ .‬وتعتــر‬ ‫الســخرية والكشــف عــن املفارقــات الالذعــة رضورات فنيــة تســتهدف القــارئ‬ ‫وتحريضــه‪ .‬بهــذا املعنــى‪ ،‬فــإن األدب الســيايس ـ يف الغــرب ـ يحــدد مالمحــه‬ ‫ويعــرف نفســه عــى نحــو مســتقل‪ ،‬كــا يحــدد وظيفتــه عــى نحــو واضــح‪،‬‬ ‫إنهــا‪ :‬اســتهداف الجمهــور وتحريكــه‪ ،‬مبعنــى أنــه يتجــاوز التحفيــز واســتنهاض‬ ‫الوعــي إىل التحريــك لحيــز الفعــل‪ ..‬إنــه أدب تحريــي بــكل مواصفــات‬ ‫الدعايــة والتحريــض‪.‬‬ ‫غــر أن حــال الواقــع الســيايس ـ العــريب ـ يختلــف اختالفــاً جذريــاً‪ ،‬نظــرا ً‬ ‫لوطــأة طرائــق املراقبــة وأســاليب القمــع فضـاً عــن غيــاب الشــفافية‪ ،‬ونتيجــة‬ ‫لهــذا الوضــع بــدا الحـراك الســيايس ـ نفســه ـ أكــر التباسـاً واشــتباكاً مــع واقــع‬ ‫الحيــاة اليوميــة ومــن ثــم أكــر تعقيــدا ً يف رؤيــة الكاتــب الــروايئ لــه‪ ،‬ســواء من‬ ‫حيــث العالقــة بــن الحاكــم واملحكــوم‪ ،‬أو مــن حيــث تأثــر هــذه العالقــة عــى‬ ‫الحـراك املجتمعــي يف أبســط صــورة اإلنســانية‪ ،‬بــل يف نرثيــات الحيــاة اليوميــة‪.‬‬ ‫حتــى أن العالقــات العاطفيــة تبــدو شــديدة االشــتباك بالواقــع الســيايس عــى‬ ‫نحــو مــا نجــده يف مجمــل كتابــات بهــاء طاهــر فاألنثــى تحــر بوصفهــا رمـزا ً‬ ‫لوطــن مســتحيل‪ ،‬محبــط ومنفــي (قالــت ضحــى ـ الحــب يف املنفــى‪ .)..‬وفشــل‬ ‫العالقــات العاطفيــة واإلخفاقــات الجنســية يتحــوالن ـ يف كثــر مــن األعــال‬ ‫األدبيــة ـ إىل رمــز يعكــس أزمــة املثقــف العــريب واغرتابــه‪ ،‬وقــد جســدت أعامل‬ ‫إبراهيــم صموئيــل هــذا املعنــي كــا نجــد يف قصــة (املقــرة) مــن مجموعــة‬ ‫(رائحــة الخطــو الثقيــل)»‪ ،»2‬فاملناضــل الســيايس مــؤرق مبالحقــات أمنيــة‬ ‫طــوال الوقــت‪ ،‬ولكنــه ـ يف نهايــة األمــر ـ إنســان‪ ،‬لــه احتياجاتــه الطبيعيــة‪،‬‬ ‫وكانــت أزمــة بطــل هــذه القصــة‪ ،‬هــو البحــث عــن مــكان آمــن‪ ،‬يلتقــي فيــه‬ ‫حبيبتــه بعيــدا ً عــن عيــون الرقبــاء‪ ،‬لحظــة يخلــع فيهــا ثــوب املناضــل ليكــون‬ ‫إنســاناً فحســب‪ ،‬فالعســس يف كل مــكان والخــوف ميــأ الشــوارع والبيــوت‪.‬‬ ‫يفكــر يف االختبــاء داخــل مقــرة مــع حبيبتــه‪ ،‬لكــن املقــرة مــكان ال يصلــح‬ ‫إال للمــوت‪ .‬هكــذا تصبــح الحيــاة‪ ..‬مجــرد الحيــاة الطبيعيــة أم ـرا ً مســتحيالً‬ ‫يف وطــن تســتبد بــه طرائــق القمــع الســيايس‪ .‬وهــذا املعنــى يتكــرر يف صــور‬ ‫شــتى‪ ،‬حينــا يصبــح جســد املــرأة مرادف ـاً للوطــن‪ ،‬إنــه الوطــن املســتحيل‬ ‫أحيانـاً‪ ،‬ويف أحيــان أخــرى‪ ،‬هــو الوطــن املغتصــب واملنتهــك‪.‬‬ ‫ميكننــا‪ ،‬يف ســياق املقارنــة بــن األدب الســيايس يف مفهومــه الغــريب‪ ،‬واملامرســة‬ ‫العربيــة لــه‪ ،‬أن نتفهــم وجــه نظــر (آالن روجــرز)»‪ »3‬عــن شــحوب األدب‬ ‫الســيايس يف الثقافــة العربيــة‪ ،‬مف ـرا ً ذلــك بغلبــة أشــكال النفــي والحصــار‬ ‫واملطــاردة‪ ،‬بــل وتقطيــع األرزاق التــي متــارس عــى الكاتــب العــريب‪ ،‬حتــى أن‬ ‫كاتب ـاً مثــل (حنــا مينــا) يضطــر للعمــل مــرة حالق ـاً وأخــرى حــاالً ليتكســب‬ ‫قــوت يومــه‪.‬‬ ‫لقــد تفهــم (روجــرز) أســباب شــحوب األدب الســيايس عــى نحــو مــا يفهمــه‬ ‫ناقــد أمريــي‪ ،‬لكنــه‪ ،‬مل يــدرك حجــم الحضــور املــراوغ وامللتبــس للمعنــى‬ ‫الســيايس يف األدب العــريب‪ .‬حتــى أصبــح حــارضا ً بــن الســطور وبصفــة شــبه‬ ‫دامئــة يف كل نــص‪ .‬وإىل هــذا املعنــى تشــر الناقــدة (فريــدة النقــاش)»‪:»4‬‬ ‫إىل نوعــن مــن الهجــرة ُيدفــع الكاتــب إليهــا ق ـرا ً‪ ،‬الهجــرة خــارج الوطــن‪،‬‬ ‫والهجــرة داخــل الــذات يف آالف مــن األقنعــة ومــن األســاء املســتعارة‪،‬‬ ‫واملخابــئ املجازيــة والعزلــة اإلجباريــة عــن الجامهــر‪ ،‬التــي هــي مبثابــة املنبــع‬ ‫الحقيقــي ملــادة األدب الســيايس‪.‬‬ ‫وقــد حــدد الباحــث الفلســطيني (إبراهيــم طــه) «‪ »5‬أمنــاط الخطــاب‬

‫الســيايس يف ثــاث عالقــات‪ ،‬متثــل كل عالقــة طــريف رصاع عــى النحــو التــايل‪:‬‬ ‫والسلطة)‪.‬‬ ‫‪1‬ـ منط العالقة بني الحاكم واملحكوم (الشّ عب ّ‬ ‫مــن حيــث اهتــام الكاتــب بفضــح أنظمــة الحكــم‪ ،‬ومامرســاتها القمعيــة‬ ‫مــن اعتقــال ونفــي وتعذيــب‪ ،‬ويكفــي اإلشــارة إىل أن شــيوع هــذا النمــط‪،‬‬ ‫أكســب األدب الســيايس تصنيفــات أكــر خصوصيــة مثــل‪ :‬أدب املنــايف وأدب‬ ‫الســجون‪ .‬والروايــة التــي تتعــرض لنمــط العالقــة بــن الحاكــم واملحكــوم‬ ‫تلجــأ عــادة إىل أســاليب وتقنيــات غــر مبــارشة يف ترسيــب خطابهــا إىل‬ ‫القــارئ‪ ،‬فروايــة (الزينــي بــركات) لجــال الغيطــاين‪ ،‬تقــدم نفســها بوصفهــا‬ ‫روايــة تاريخيــة‪ ،‬مســتوحاة مــن وقائــع حقيقيــة جــرت يف الفــرة قبيــل‬ ‫ســقوط دولــة املامليــك يف قبضــة الدولــة العثامنيــة‪ ،‬تلــك التــي تــوىل فيهــا‬ ‫(بــركات بــن مــوىس) منصــب وايل الحســبة‪ .‬تتعــرض الروايــة ألشــكال الفســاد‬ ‫الســيايس يف تلــك الفــرة‪ .‬وعــر اإلســقاط يــدرك القــارئ التنــاص الواضــح بــن‬ ‫الواقعــن‪ :‬التاريخــي واآلين‪.‬‬ ‫‪2‬ـ منط العالقة بني األ ّمة واالستعامر‪.‬‬ ‫حيــث يظهــر موضــوع العالقــة بــن الــرق والغــرب عــى خلفيــة‬ ‫اســتعامرية‪ ،‬لفضــح أطــاع الغــرب وأســاليبه يف االســتحواذ عــى مقــدرات‬ ‫الشــعوب‪ .‬ومتثــل (موســم الهجــرة إىل الشــال) للطيــب صالــح‪ ،‬منعطف ـاً‬ ‫هامـاً يف مســار هــذا النمــط‪ ،‬حتــى أنهــا اعتــرت منوذجـاً عامليـاً لروايــة (مــا‬ ‫بعــد االســتعامر) وأسســت لفــرع جديــد‪ ،‬يف مجــال النقــد الثقــايف‪.‬‬ ‫أمــا روايــة (إمييــات تــايل الليــل) «‪ »6‬وهــى روايــة مشــركة بــن‪ :‬الــروايئ‬ ‫املــري (إبراهيــم جــاد) والكاتبــة العراقيــة (كلشــان البيــايت)‪ ،‬حيــث‬ ‫اســتعارت الروايــة أســلوب املحادثــات يف غــرف الدردشــة عــى صفحــات‬ ‫اإلنرتنــت‪ .‬فالروايــة كلهــا عبــارة مــن محادثــات متبادلــة بــن شــاب مــري‬ ‫(حســن) وفتــاة عراقيــة (منــار) والروايــة عــى هــذا النحــو التفاعــي تنقــل‬ ‫همومهــا وقضاياهــا السياســية إىل الفضــاء الســيايس العــريب كلــه‪ ،‬وإ ْن‬ ‫متركــزت حــول غــزو قــوات التحالــف للعــراق‪ .‬مبــا يعكــس اتســاع وعــي‬ ‫املبــدع العــريب بتعقــد املوضــوع الســيايس‪ ،‬نتيجــة لتعقــد املصالــح السياســية‬ ‫وتشــابكها يف ظــل سياســات العوملــة وأســاليب الهيمنــة الجديــدة التــي مل‬ ‫تعــد تطــال املواطــن العــادي يف منــط معيشــته االقتصاديــة فحســب‪ ،‬وإمنــا‬ ‫أثــرت ـ إىل حــد كبــر ـ يف منــط الثقافــة التــي يعتربهــا املثقــف خطـاً أحمــر‬ ‫وأخ ـرا ً ملقاومــة الهيمنــة االســتعامرية‪ .‬ومــن ثــم ميكــن القــول‪ :‬إن هــذه‬ ‫الروايــة‪ ،‬حققــت تغذيــة جديــدة للروايــة السياســية مســتفيدة مــن النمــط‬ ‫التفاعــي الــذي ميــز برامــج التواصــل االجتامعــي عــى شــبكة اإلنرتنــت‪.‬‬ ‫‪3‬ـ منط العالقة بني الفرد واملجتمع‪.‬‬ ‫وهــو النمــط األكــر شــيوعاً إنــه يعكــس رصاع طبقــات املجتمــع وطوائفــه‪،‬‬ ‫وهيمنــة رأس املــال وانتشــار الفســاد يف مؤسســات الدولــة‪ ،‬وهــذا النمــط‬ ‫يتجــى يف الروايــة االجتامعيــة عــى نحــو بــازغ‪ ،‬ويتداخــل يف مفاصلهــا كافــة‪،‬‬ ‫بحيــث ال ميكــن الفصــل بــن مــا هــو ســيايس ومــا هــو اجتامعــي‬ ‫وتوقفنــا روايــة (حــار بــن األغــاين) «‪ »7‬للكاتــب اليمنــي (وجــدي األهــدل)‬ ‫عــى منــوذج ناضــج لهــذا النمــط‪ .،‬فالكاتــب يــرد لنــا حكايــة لثــاث نســاء‬ ‫(ثائــرة وزينــب وأروى)‪ ،‬وهــن منــاذج مختارة بعنايــة للمرأة اليمنيــة الحديثة‬ ‫التــي امتلكــت وعيهــا بذاتهــا بفضــل التعليــم‪ .‬لكــن هــذا يضعهــا يف مواجهــة‬ ‫عنيفــة مــع األزمــات العتيقــة للمجتمــع‪ .‬ومــن خــال حكايــات النســاء يظهر‬ ‫البعــد الســيايس ألزمــات املجتمــع اليمنــي‪ ،‬متمثلــة يف الرصاعــات الحزبيــة‬ ‫والقبليــة التــي تنتهــي بالحــرب بــن الشــال والجنــوب‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى‬ ‫مبامرســات ســلطوية لرجــال الرشطــة‪ ،‬فضابــط الرشطــة يتعمــد لصــق التهــم‬ ‫باملواطنــن‪ ،‬ويقــوم بإعدامهــم بعــد حبــك ســيناريوهات مضللــة ينرشهــا‬ ‫عــى النــاس‪ ،‬مســتغالً الجهــل والنزعــات الذكوريــة والعصبيــات القبليــة‬ ‫العميــاء للمجتمــع‪ .‬فيــا نكتشــف أن ضابــط الرشطــة متــورط بنفســه يف‬ ‫حــوادث القتــل التــي أقــام الحــدود بشــأنها‪ .‬كــا تعــرض الروايــة ملامرســات‬ ‫التيــارات الظالميــة واملامرســات اإلرهابيــة لإلســام الســيايس‪ ،‬وهكــذا يصبــح‬ ‫اإلســام الســيايس‪ ،‬منطــا جديــدا يف الروايــة السياســية‪ ،‬وميكــن رصــده عــى‬ ‫نحــو أوســع بعــد مــا أطلــق عليــه‪ :‬الربيــع العــريب‪.‬‬ ‫* ناقد وروايئ مرصي‬

‫أسعد فخري‬

‫الغلــوا َء إ ْن ص ّنفْنــا موتَنــا الجليــل يف مقامــه املســعور‪ ،‬وال غلــوا َء أيضـاً إ ْن ع ّم ْدنــا‬ ‫ضامئــر الكــون بدمائنــا‪ ،‬بَ ْيـ َد أ ّن مــا ُحـ ّـق لنــا ال يحـ ّـق لغرينــا‪ ،‬نحــن – الســوريّني ‪-‬‬ ‫أردنــا كرامتنــا‪ ،‬وجلـاً فعلنــا‪ ،‬ومــا زلنــا نقــار ُع املــوت بحلــمٍ جميــل‪.‬‬ ‫ســيكون لنــا َوقْـ َع فَـرادة االصطفــاء‪ ،‬وبهــرج النهــلِ مــن حرائقنــا لســان الريــح‬ ‫حــن تَعصــف أســا ُء الحقائــقِ املوصوفـ ِة بــدمِ األبريــاء والقتــل والترشيــد‪ ،‬غرائـ َز‬ ‫وحشــيّة يف بالغــة املــوت‪ ،‬أرادوهــا فكانــت لهــم الصــو َغ األكــرَ إيالمــاً للحجــر‬ ‫ر الســوريّني‪.‬‬ ‫والب ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫هــم ُرعــا ُة الليــل‪ ،‬خانــوا مــاال يُخــان‪ ،‬وتـ ُ‬ ‫ـرف القتــل بــن أصابعهــم ك ُزنــاة الظلمــة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وخنازيـ ِر الحظــرة الخلفيّــة ملباهـ ِج إرثهــم املعتّــق بخمــرة الحقــد الدفــن‪ ،‬مئــات‬ ‫الســنني م ـ ّرت‪ ،‬والغـ ّـل مثــواه قلوبهــم اآلبقــة‪ ،‬بَي ـ َد أ ّن مــا جــرى ويجــري‪ ،‬فـ َ‬ ‫ـاق‬ ‫الخيــال‪ ،‬وأ ْوغـ َـل يف الحقيقــة حتّــى آخرهــا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الخيــال حقيقــ ًة بعدمــا فعلــوا ويفعلــون‪ ،‬بعدمــا قتلــوا‬ ‫ال ضــ َر إ ْن أصبــح‬ ‫ـت خيــاالتُ الفنــونِ جميعهــا عــن عليّــة ال َحصافـ ِة‬ ‫ويقتلــون‪ ،‬وال ضـ َر أبــدا ً إ ْن تَن ّحـ ْ‬ ‫والبالغــة أمــام الحقيقـ ِة عــى األرض الســوريّة‪ ،‬فــا عـ ِ‬ ‫ـادت ممـ ّراتُ الخيــا ِل الو ِعــر ُة‬ ‫يف الفنــون تَعنينــا بعـ َد اآلن‪ ،‬عــى الرغــم مــن براعـ ِة ُص َورِهــا‪ ،‬وال عــا َد املجــا ُز فيهــا‬ ‫ـت يف الصدمــة َح ـ ّد الذهــول‪.‬‬ ‫يتدبّـ ُر أم ـ َر عقولِنــا التــي غرقـ ْ‬ ‫ـاب عــى مرصاعيــه‬ ‫البـ ّد أ ّن القــاد َم مــن ُســننٍ ومعايـ َر لـ ِ‬ ‫ـأدب والفــن‪ ،‬ســيفتح البـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫خيــاالت أخــرى ومجــا ٍز وتأويــلٍ آخ َريــن غــر الــذي عرفْنــاه يف الروايــة‬ ‫أمــام‬ ‫وكل الفنــون‪ ،‬جميعهــا بــا اســتثنا ٍء‪ ،‬صــار لزوم ـاً عــى الفنــون‬ ‫والقص ـ ِة والشــع ِر ِّ‬ ‫ّ‬ ‫الحريفــة بأبعادهــا اإلنســان ّية أ ْن تبحــثَ عــن مــا ٍذ آمــنٍ لـرا ِع خياالتِهــا وحقائ ِقهــا‪،‬‬ ‫وأ ْن تج ـ ّد َد يف أدواتهــا ومكنــونِ خطاباتهــا‪.‬‬ ‫ـاب‪ ،‬وال يش َء‬ ‫ـواب ُموارِب ـةٌ‪ ،‬بعــد اآلن اليش َء خلـ َـف البـ ِ‬ ‫بعــد الــدمِ السـ ّ‬ ‫ـوري ال أبـ َ‬ ‫تحــت الطاولــة‪ ،‬مــا جــرى مــن تنكيــلٍ ‪ ،‬وإهانـ ٍة‪ ،‬وقتــل‪ ،‬ونهــب‪ ،‬وســلب‪ ،‬وترشيــد‪،‬‬ ‫اض‪ ،‬أجــا َز للحقيقــة أن ت ِ‬ ‫و َهتْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــك أعــر ٍ‬ ‫خيــاالت‬ ‫رضجتــن بدمائنــا‬ ‫ُلحــ َد بيديهــا امل ّ‬ ‫ـرج معانيهــا‪ ،‬وعمـ َـق ُص َورِهــا‪ ،‬و ِفتْن ـ َة ُسو ِدهــا‪.‬‬ ‫الفنــونِ ‪ ،‬وبهـ َ‬ ‫ـول مــا كان مجــازا ً أو خيـ ٍ‬ ‫آ َن لنــا أن نقـ َ‬ ‫ـح الحقيقـ َة‬ ‫ـاالت َعصيّـ ًة أو تأويـاً‪ ،‬قــد أصبـ َ‬ ‫ذاتَهــا‪ ،‬لِــذا البــ ّد مــن معايــ َر جديــد ٍة ت ِ‬ ‫ــات خيــا ٍل مختلِ ٍ‬ ‫ــج آليّ ِ‬ ‫ــف‪ ،‬و َمجــا ٍز‬ ‫ُنض ُ‬ ‫وتأويــلٍ جديديــن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال ُشوحـ ٍ‬ ‫ـات كُــرى‪ ،‬وال رشوحــات ُصغــرى بعــد هــذا الطوفــانِ مــن أفانـ ِن ال َقتْــلِ‬ ‫ـت الــذي صــا َر با ِهتـاً مــوا ُء ِقطـ ِ‬ ‫واملــوت املع ّجــلِ ‪ ،‬يف الوقـ ِ‬ ‫ـط زَنازيــن (عبــد الرحمــن‬ ‫منيــف) يف رشقَيــه‬ ‫املتوســطني‪ ،‬أ ّولِــه وثانيــه‪ ،‬وأ ّن مــا جــرى يف ُمعتقــات النظــامِ‬ ‫ّ‬ ‫ـوري‪ ،‬كان أكـ َر وأقــى بكثـرٍ مــن تَصاويـرِه ووص ِفــه اللَّ ِذ َعــن‪ ،‬وبَراعـ ِة وقْ ِعهام‬ ‫السـ ّ‬ ‫يف العقــل والضمـرِ اإلنســانِيَّني‪.‬‬ ‫وشف) التــي أشــا َعهام (صنــع اللــه إبراهيــم)‬ ‫أيّـاً كان النشــي ُد يف (تلــك الرائحـ ِة ـ َ َ‬ ‫عــن أوكا ِر الســجونِ املرصيّـ ِة‪ ،‬وأرا َدهــا لَ ْمعـاً يَبـر ُِق يف الليــل الحالِـ ِ‬ ‫كل ُســجون‬ ‫ـك يف ّ‬ ‫مــا أجا َزت ْــه ُســجو ُن العصابــ ِة‪،‬‬ ‫الدكتاتوريّــات العرب ّيــة‪ ،‬فإنّهــا ال تســاوي بعضــاً ّ‬ ‫ـت َمفاعيلَــه خمســون ألـ َـف صــور ٍة لِحالـ ِة التّمويـ ِ‬ ‫ـت واالضطهــا ِد التــي القاهــا‬ ‫ووث ّ َقـ ْ‬ ‫ـت كافيـ ًة لِنسـ ِ‬ ‫ـف َمناظــر‬ ‫أحـرا ُر الكرامـ ِة يف ســجونِها و ُمعتقالتِهــا‪ ،‬ال بَـ ْـل إنّهــا كانـ ْ‬ ‫(الســجنِ يف الروايــة العرب ّيـ ِة)‪ ،‬والتنظـر ِ‬ ‫ات البهيجـ ِة التــي اشــتغل َْت عليهــا ال ّنقــو ُد‬ ‫ـف قــرنٍ مــرورا ً بـ(العـ ِن ِ‬ ‫األدب ّيـ ُة طيلـ َة نصـ ِ‬ ‫ذات الجفــنِ املعــد ّين) لرشيــف حتاتــة‬ ‫ـت قُ ّبعتَهــا حانيـ ًة أمــام‬ ‫ـت‪ ،‬ورف َعـ ْ‬ ‫ـري‪ .‬حتّــى (القَوقعــة) ملصطفــى خليفــة تَ َن َّحـ ْ‬ ‫املـ ّ‬ ‫ـب والتمويــت املمنهـ ِج آللــة القتــلِ يف ســجون النظــامِ العاهــر‪.‬‬ ‫أفانـ ِن التعذيـ ِ‬ ‫ـب والقهــر‬ ‫رؤوســنا ببالغـ ِة التعذيـ ِ‬ ‫كثـرا ً مــا كان الوقْـ ُع عــى أشـ ّده حـ َن أثقلْنــا َ‬ ‫ـب يف ترتيلِــه‬ ‫يف حكايــة (بالخــاص يــا شــباب) لياســن الحــاج صالــح‪ ،‬أو مــا ذهـ َ‬ ‫ـدب‪ ،‬حتّــى (العتمــة الباهــرة) للطاهــر بــن‬ ‫املاغــو ُط طويـاً بلســان ُعصفــورِه األحـ ِ‬ ‫جلّــون‪ ،‬وغريِهــا الكثــر مــن األعــال الرسديّــة‪ ،‬مل تَ ُع ـ ْد ت َعنينــي كــا األُخ َريــات‪،‬‬ ‫رســوماً للده ـ ِر وزَلزلَ ـ ًة لضامئ ـ ِر األمــمِ ع ـ َر العصــور‪.‬‬ ‫ــح الضامئــ ِر‬ ‫مــا ك ّر َســتْه الفنــو ُن العربيّــة عــن (الســجن) وأهوالِــه‪ ،‬وعــن شُ ّ‬ ‫اب البُعــد اإلنســا ّين‪ ،‬بــاتَ حفيـ َـف شــجر ٍة وطيئ ـ ٍة‪ ،‬أمــا َم هــو ِل القتــلِ البليــغ‬ ‫وخ ـر ِ‬ ‫ـكل الفنــونِ أ ْن ت ُعيـ َد النظـ َر بأحــوا ِل‬ ‫ـب الكــرى‪ ،‬وصــار مــن األفْـ َو ِد لـ ّ‬ ‫ومـرايث التعذيـ ِ‬ ‫املأســا ِة اإلنســانيّة التــي اشــتغل َْت عليهــا ر ْدحـاً مــن الزمــن‪ ،‬وتنظـ َر بعــن ُمتق ّريـ ٍة‬ ‫ـداح عــى ِ‬ ‫األرضــن كــورد ِة ال ُّنعــانِ بَ ّواح ـ ًة بــأرسا ِر‬ ‫بنـ َـك الــدمِ السـ ّ‬ ‫ـوري الــذي انـ َ‬ ‫الهزي ـعِ األخــر مــن الظلُــات‪.‬‬

‫هوامش‪..‬‬ ‫بجريــدة الثــورة الســوريةـ‬

‫عــدد ‪2011/2/15‬‬

‫‪1‬ـ شــهال العجيــي‪ :‬أطبــاق طائــرة ـ مقــال عــن ثــورة ‪25‬ينايــرـ‬ ‫‪2‬ـ إبراهيم صموئيل‪ :‬رائحة الخطو الثقيل ـ دار الجندي للنرش ـ القدس ـ ‪1988‬‬ ‫‪3‬ـ أالن روجــرز ـ الروايــة العربيــة ـ ترجمــة حصــة إبراهيــم املنيــف ـ املجلــس األعــى للثقافــة ـ القاهــرة ـ ‪.1998‬‬ ‫‪4‬ـ السابق‪.‬‬ ‫ايس‪2010 :‬‬ ‫‪5‬ـ إبراهيــم طــه ـ األدب والسياســة ـ مــا ّدة محــارضات ـ جامعــة حيفــاـ كل ّيــة اآلداب والعلــوم اإلنســان ّيةـ قســم اللغــة العرب ّيــة ـ العام الـ ّدر ّ‬ ‫‪6‬ـ إبراهيــم جــاد اللــه وكلشــان البيــايت‪ :‬إمييــات تــايل الليــل ـ دار إيزيــس لإلبــداع والثقافــة ـ املحلــة ـ ‪2011‬‬ ‫‪7‬ـ وجــدي األهــدل ـ حــار بــن األغــاين ـ سلســلة آفــاق عربيــة‪ ،‬الهيئــة العامــة لقصــور الثقافــة ـ القاهــرة ـ ‪2010‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫‪14‬‬

‫لو حضر العقل‪!..‬‬

‫مازن العليوي‬ ‫يــوم متــرد قائــد رسايــا الدفــاع عــى شــقيقه الرئيــس يف مثانينــات القــرن‬ ‫العرشيــن‪ ،‬مل يتخــذ األخــر قــرارا ً بالحــرب‪ ،‬وآثــر اســتخدام العقــل فتــرف‬ ‫بهــدوء‪ ،‬وأخــرج شــقيقه مــن البــاد مــزودا ً إيــاه مببالــغ طائلــة‪ ،‬ثــم أمــر بتفكيــك‬ ‫رسايــا الدفــاع املواليــة حتــى العظــم لخصمــه الشــقيق‪ ،‬لينقــذ النظــام بذلــك مــن‬ ‫أزمــة كانــت ســوف تطيــح بــه‪ .‬ويــوم أعلنــت تركيــا يف تســعينات القــرن العرشين‬ ‫مــرو َع حــرب عــى بــاده مطالبــة بــرأس زعيــم عرقيــة معارضــة فضّ ــل الرئيــس‬ ‫ذاتــه اســتخدام العقــل بــدل «عنرتيــات» أكــر مــن طاقتــه‪ ،‬فتخــى عــن حاميــة‬ ‫الزعيــم املعــارض بــكل هــدوء ضمــن طريقــة مدروســة يف مقدمتهــا إخراجــه مــن‬ ‫البــاد‪ ،‬ليظهــر كأنــه مل يفعــل ذلــك‪ ،‬فحفــظ مــاء وجهــه أمــام تلــك املعارضــة مــن‬ ‫جهــة‪ ،‬وأنقــذ الشــعب مــن معركــة ال مصلحــة لــه فيهــا مــن جهــة أخــرى‪.‬‬ ‫بعيــدا ً عــن رشعيــة النظــام الحاكــم وطريقــة إدارتــه للدولــة آنــذاك‪ ،‬ففــي املثالــن‬ ‫الســابقني حــر العقــل‪ ،‬لتكــون األولويــة للتهدئــة وليــس العنــف‪ ،‬وحقــن الدمــاء‬ ‫بــدل نزفهــا‪ ،‬وعــدم التوغــل يف متاهــات ال أحــد يعــرف نهايتهــا‪ ..‬والســبب أن رأس‬ ‫النظــام أدرك أن رس معادلــة االســتمرار يتلخــص باالســتقرار وعــدم تــرك مجــال‬ ‫– كيفــا كان ‪ -‬لخلــق بــذرة فــوىض قــد تنمــو وتهــدم نظام ـاً بنــاه عــر عقــود‪..‬‬ ‫وأع ـ ّد ابنــه لوراثتــه فيــه ممهــدا ً لــه مختلــف الســبل و ُمزيح ـاً مــن ميكــن لهــم‬ ‫أن يشــكلوا قــوة مناهضــة للوريــث‪ .‬مشــكلة الوريــث أنــه مل يأخــذ الوقــت الــكايف‬ ‫ليتعلــم رس تلــك املعادلــة مــن والــده‪ ،‬أو أن قدراتــه أقــل مــن فهــم املعادلــة‪ ،‬أو‬ ‫أنــه أضعــف مــن أن يتخــذ قـرارا ً فرديـاً عــى عكــس أبيــه‪ ،‬فيخضــع إلمــاءات مــن‬ ‫أرشفــوا رسا ً عــى ســيناريو تنصيبــه وتالحقــت بذلــك مكاســبهم مــن وجودهــم يف‬ ‫مركــز الق ـرار‪ ..‬ولذلــك مل يحــر العقــل لــدى الرئيــس الوريــث ورجاالتــه عنــد‬ ‫انــدالع الــرارة يف درعــا عــام ‪ ،2011‬فلــم يفطــن – ولعلــه كان عاجــزا ً – إىل‬

‫أنــه لــو صنــع مرسحيــة ف َعــل فيهــا مــع ابــن خالتــه املســؤول األمنــي املتســبب‬ ‫يف األزمــة كــا فعــل أبــوه مــع شــقيقه‪ ،‬ملــا أنهــى األزمــة يف مهدهــا فحســب‪،‬‬ ‫بــل كان ســوف يكســب مزيــدا ً مــن تأييــد الشــعب لحرصــه عــى عــدم املســاس‬ ‫بكرامتــه حتــى لــو كان مــن أقــرب أقاربــه‪ .‬وألن شــيئاً مــن ذلــك مل يحــدث‪ ،‬وألن‬ ‫العقــل مل يحــر‪ ،‬واســتعاض عنــه قــادة البلــد ‪ -‬الذيــن يفــرض أنهــم حكــاء ‪-‬‬ ‫بالفكــر القمعــي محاولــن إقنــاع ذواتهــم بــأن ســورية ال تشــبه تونــس أو ليبيــا‬ ‫أو مــر‪ ..‬مــا يعنــي أنهــم عــى الرغــم مــن كل مــا شــاهدوه مــن أحــداث عربيــة‬ ‫انطلقــت منــذ نهايــة العــام ‪ 2010‬مل يتعظــوا ويأخــذوا العــرة‪ ،‬وإمنــا ظلــوا مرصين‬ ‫عــى أنهــم قــادرون عــى متابعــة الســيطرة عــى الحكــم بالطريقــة القدميــة‬ ‫ذاتهــا‪ ..‬فاتســعت مســاحات االضطرابــات أكــر‪ ،‬وكــا غــاب العقــل يف البدايــة‬ ‫فقــد غــاب هنــا أيضـاً‪ ،‬وبــدأ الفكــر األمنــي البديــل يعــد اخرتاعاتــه ومصطلحاتــه‬ ‫ـاح مــا لــدى النــاس يــرر للنظــام مــا‬ ‫باحث ـاً عــن منافــذ للضغــط يك يظهــر سـ ٌ‬ ‫يفعلــه مــن مامرســات غــر إنســانية‪ ،‬ومــع تزايــد الضغــط ظهــر الســاح فع ـاً‪،‬‬ ‫وظهــرت التنظيــات األصوليــة التــي كان النظــام يتخيلهــا ليخيــف اآلخريــن‬ ‫فصــارت واقعــاً‪ ..‬وضاعــت البلــد وضــاع الشــعب‪ .‬لــو حــر العقــل بعــد كل‬ ‫خطــة فاشــلة الحتــواء األزمــة لتــم التوجــه إىل االحتــواء الحقيقــي‪ ،‬غــر أن العقــل‬ ‫دامئـاً وأبــدا ً كان هــو الغائــب‪ ،‬حتــى عــى املســتوى الخارجــي يلمــس كل مــن يف‬ ‫الغربــة رداءة تعامــل البعثــات الدبلوماســية مــع املواطنــن وتعطيلهــم وتأخــر‬ ‫أو عرقلــة حصــول الكثــر مــن املغرتبــن عــى جــوازات ســفر أو أوراق رســمية‪،‬‬ ‫ولــو حــر العقــل الســتامت النظــام يف التســهيالت يك يكســب القبــول بعــد‬ ‫األحــداث‪ ،‬وألدرك أن منطــق «انظــروا إىل حالكــم مــن دوين» مل يعــد مجديــاً‪،‬‬ ‫وهــو ذاتــه املنطــق الــذي طبقــه يف «الرقــة» حــن مل يدافــع عنهــا وخــرج منهــا‬

‫قدر الغرف املقبضة‬

‫ليرتكهــا نهبـاً ملــن يريــد‪ ،‬ويقدمهــا أمنوذجـاً للمحافظــات األخــرى عــى مــا يحــدث‬ ‫يف األماكــن التــي تخــرج عــن ســيطرته‪ ،‬وكأنــه يقــول لآلخريــن متســكوا يب وإال‬ ‫ســوف ترتحمــون عــى أيامــي‪ .‬وهنــا أيض ـاً غــاب العقــل‪ ،‬فالرســالة لــن تصــل‬ ‫مثلــا يتصــور‪ ،‬ألن القذائــف والصواريــخ ومــا تخلفــه مــن قتــل ودمــار يف األحيــاء‬ ‫الســكنية لــن تجعــل أحــدا ً يتمنــى عودتــه‪ .‬لــو حــر العقــل ملــا صــار مئــات‬ ‫اآلالف مــن الســوريني ضحايــا‪ ،‬واملاليــن منهــم تناثــروا يف الداخــل والخــارج بــن‬ ‫مــرد ومهجــر والجــئ‪ ..‬ولــو حــر العقــل ملــا صــارت الجنســية الســورية عــى‬ ‫الالئحــة الســوداء لــدى معظــم دول العــامل‪ ،‬فــا مينــح حاملهــا تأشــرة ســياحة أو‬ ‫زيــارة مهــا كان وضعــه املهنــي أو الوظيفــي ألنــه صــار باعتقــاد أصحــاب القـرار‬ ‫يف مختلــف الــدول «مــروع الجــئ» هــم يف غنــى عــن التــورط باســتضافته‬ ‫واإلنفــاق عليــه‪ .‬لــو حــر العقــل اليــوم‪ ،‬لعــرف مــن تســبب يف تنامــي الكارثــة –‬ ‫إن كان محبـاً لوطنــه وشــعبه ‪ -‬أن رحيلــه الــذي مل يكــن مطلبـاً يف البدايــة بــات‬ ‫هــو املخــرج الوحيــد إلنقــاذ مــا ميكــن إنقــاذه بعــد ثــاث ســنوات ونصــف الســنة‬ ‫مــن القتــل والتدمــر والتهجــر‪ ،‬ومــن ثــم تبــدأ مرحلــة يتكاتــف فيهــا الجميــع‬ ‫مــن أجــل التضميــد والعــاج والتخلــص مــن الشــوائب التــي اجتاحــت البــاد مــن‬ ‫أقصاهــا إىل أقصاهــا‪ .‬مشــكلة العقــل أنــه غــاب كثـرا ً وحــرت مكانــه املصالــح‬ ‫حتــى لــدى أصحــاب الثقــل يف الق ـرار الــدويل ولــدى مــن يدعــون أنهــم ميثلــون‬ ‫الشــعب مــن هــواة الزعامــة يف الخــارج‪ ..‬وتبقــى الخشــية مــن أن يطــول غيابــه‪،‬‬ ‫فتغيــب معــه كل ومضــات الخــاص‪ ،‬وترتفــع أعــداد املهاجريــن ويصبــح وط ـ ٌن‬ ‫كان جمي ـاً نهب ـاً للغربــاء‪ ،‬ويغــدو أبنــاؤه مــن غــر وطــن‪.‬‬

‫من الشرق إلى الغرب‪ ..‬ال تحزن يا قلب‬

‫عيل سفر‬

‫* محمد عبد الله الهادي‬

‫الثــورة الكامنــة ضــد قبــح أيامنــا‪ ..‬عبــد الحكيــم قاســم روايئ مــري رحــل يف بدايــة التســعينيات مــن القــرن‬ ‫املــايض‪ ،‬بعــد أن قــاوم مــرض الرسطــان طوي ـاً‪ ،‬كتــب العديــد مــن املجموعــات القصصيــة وعــدة روايــات‪ ،‬مــن‬ ‫بينهــا روايــة جميلــة ومحزنــة يف آنٍ معـاً اســمها «قــدر الغــرف املقبضــة»‪ ،‬وبطلهــا هــو عبــد العزيــز الــذي يبحــث‬ ‫عــن مــكان يســتطيع أن يســكنه‪ ،‬ويصــل فيــه إىل الراحــة املســتندة عــى توافــر األساســيات‪ ،‬التــي تجعــل املــكان‬ ‫الئقـاً للحيــاة اإلنســانية‪ !..‬تذكرنــا أيــا ُم القحــط هــذه‪ ،‬بهــذا الــروايئ وبروايتــه‪ ،‬إذ طاملــا كانــت نزعتــه لعــرض القباحة‬ ‫التــي تحتــل حياتنــا‪ ،‬تفســح املجــال للتفكــر بالجــال‪ ،‬جـ ٌ‬ ‫ـال قــد يعنــي يف تفاصيــل أعاملــه رغبتــه بالثــورة عــى كل‬ ‫الكــوارث التــي حــى عنهــا يف أعاملــه‪ .‬روايــة «قــدر الغــرف املقبضــة» مبجملهــا هــي رس ٌد وتوصيــف لألماكــن التــي‬ ‫يعيــش فيهــا عبــد العزيــز‪ ،‬مبــا فيهــا الســجن الــذي احتــواه يف بدايــة الســتينيات حينــا اعتقــل املثقفــون اليســاريون‬ ‫يف مــر آنــذاك‪ !..‬وهــي وصـ ٌـف بالــغ الدقــة للغــرف الكريهــة‪ ،‬التــي تشــبه زرائــب تبنــى وفــق عقليــة اســتهالكية‬ ‫ـس الــذي يراكــم القباحــة يف األمكنــة‪ ،‬نصــل مــع عبــد العزيــز إىل مرحلـ ٍة‬ ‫ال تهتــم بحيــاة البــر‪ .‬وهكــذا‪ ،‬وعــر الحـ ّ‬ ‫يصــاب فيهــا بالرسطــان‪ ،‬فيذهــب إىل أملانيــا للعــاج‪ ،‬وهنــاك يــرى األمكنــة املختلفــة التــي توضــح الفــرق بــن‬ ‫العــامل املتقــدم والعــامل املتخلــف‪ ..‬وليمــوت هنــاك‪ .‬هــذه الروايــة‪ ،‬التــي قيــل إنهــا جــزء مــن رسد الســرة الذاتيــة‪،‬‬ ‫ـح ألن تكــون مثــاال أو وثيق ـ ًة فاضحــة عــن ســوء القضــاء وســوء الحيــاة التــي يعيشــها اإلنســان يف الــرق‪،‬‬ ‫تصلـ ُ‬ ‫وهــي كنايــة عــن ســوء التفكــر‪ ،‬وســوء العقليــات التــي أسســت األمكنــة التــي تحيــط بنــا‪ !..‬فلــو أننــا ق َّررنــا أن‬ ‫نخلــع رداء االعتيــاد‪ ،‬الــذي يجعلنــا نتأقلــم مــع كل مــا يحيــط بنــا‪ ،‬وأن ننظــر إىل الجــدران الكالحــة يف شــوارعنا‬ ‫كل يشء عــادي وممكــن ومحتمــل‪ !..‬يصــاب عبــد العزيــز‬ ‫ويف بيوتنــا؛ فهــل ســتبقى نظرتنــا مســتغرقة يف ق ـرار أن ّ‬ ‫أي مــكان جــاء إليــه الــورم؟ ومــن الخلــف‬ ‫أي غرفــة ويف ّ‬ ‫يف الروايــة بالرسطــان‪ ،‬ويحــاول ذات لحظــة أن يتذكــر يف ّ‬ ‫يتــرب املــرض ويلتــف حــول رقبتــه‪ ،‬ليقــع يف النهايــة فريسـ ًة ســهلةً‪ ..‬متــى أصيــب؟‪ ..‬ومــا جــدوى الســؤال؟ لقــد‬ ‫رصعتــه واحــدة مــن هــذه الغــرف وقــد ســقط بــا أمــل يف النهــوض! البحــث عــن البيــت الالئــق يف هــذه الروايــة‬ ‫هــو بحــث عــن التفاصيــل املطلوبــة يك يصبــح املجتمــع حضاري ـاً ومتطــورا ً وقاب ـاً ألن يســمى مجتمع ـاً إنســانياً‪.‬‬ ‫وهــذا البحــث هــو حديــث يف السياســة ونقــاش حــول الحريــة والدميقراطيــة‪ ،‬وهــو محاولــة لقـراءة األســباب التــي‬ ‫تبقــي مجتمعاتنــا متخلف ـ ًة وغــر قــادرة عــى االرتقــاء بحيــوات أفرادهــا نحــو أحالمهــم‪ .‬فــإذا كان مــوت البطــل‬ ‫هنــا مــؤرشا ً رمزي ـاً عــى فقــدان األمــل‪ ،‬فــإ َّن الحقيقــة تقــول بــأ َّن الواقــع الــذي تطرحــه الروايــة مــازال متأبــدا ً‬ ‫يف تخلفــه‪ ،‬ومــا بــرح يصــدر هــذا التخلــف أمراض ـاً قاتلــة تبيــد مــن يعيشــون فيــه! كــا يصــدر هــذا التخلــف‬ ‫عــى الخــارج عــر أشــخاص يحاولــون فــرض تصوراتهــم القروســطية عــى املجتمــع كلــه وبقــوة العنــف‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫أفســحت ثــورات الربيــع العــريب املجــال لظهــوره بعــد أن خلخلــت أربقــة القــوة الســلطوية التــي حمــت التخلــف‬ ‫وغطتــه بقــوة الفقــر والقهــر‪« !..‬قــدر الغــرف املقبضــة» عنــوان نســتطيع مــن خاللــه تجــاوز حيثيــات الروايــة‪ ،‬لنقرأ‬ ‫ـحق الجامليــات يف حيــاة العــريب تحــت عجــات‬ ‫نوع ـاً مــن البحــث يف عالقــة العــريب بفكــرة الجــال‪ ،‬وكيــف تسـ ّ‬ ‫البشــاعة املحيطــة‪ !..‬فهنــا تعيــش شــعوب مقهــورة ومذلــة‪ ،‬كان كل همهــا أن تحــاول البقــاء‪ ،‬ولعلــه مــن املؤكــد أ َّن‬ ‫الجائــع واملقهــور واملــذل ال يســتطيع أن ينتــج الفـ ّن وال أن يتحسســه‪ ،‬ويف حــاالت أخــرى يصبــح نابــذا ً لــه وطــاردا ً‬ ‫ملــن يقــوم بــه أو يصنعــه‪ .‬فــإذا كانــت البحــوث االجتامعيــة تؤكــد مــا ســبق‪ ،‬وتع ـ ّزز فرضياتــه عــر ق ـراءة واقــع‬ ‫األمكنــة األشــد تخلف ـاً يف العــامل؛ فــإ َّن عــى املهتمــن بالتنميــة املجتمعيــة أن يعيــدوا حســاباتهم حــن يــرون أ َّن‬ ‫التنميــة تبــدأ وتنتهــي عنــد الحــدود االقتصاديــة‪ !..‬فالتنميــة ‪-‬وكــا تؤكدهــا لكــم هــذه الروايــة وكذلــك حيــوات‬ ‫املبدعــن املهــدورة عبثـاً‪ -‬تبــدأ مــن األمكنــة ومــن أمكنــة الطفولــة بالتحديــد؛ فحــن يكــون هــواء الغرفــة عليـاً‪،‬‬ ‫وحــن تكــون أشــعة الشــمس حــارض ًة يف املــكان‪ ،‬البـ َّد ســتحرض العــوامل الورديــة‪ ،‬واألحــام النديــة‪ ،‬والرغبــة يف حيــاة‬ ‫ال تنتهــي عــى رسيــر‪ ،‬يف غرفــة كالحــة الجــدران يف مستشــفى بعــد جلســة عــاج بــا أمــل‪!..‬‬

‫بالطبــع ميكــن فهــم ملــاذا انتابنــا الغضــب لشــنق صــدام حســن صبيحــة يــوم عيــد األضحــى‪ ،‬والذيــن انتابهم‬ ‫الغضــب ـ وأنــا منهــم ـ رمبــا مل يفهمــوا أو يستســيغوا ملــاذا كان بعــض العراقيــن ســعداء‪ ،‬بــل ويحتفلــون بهــذه‬ ‫النهايــة التعســة إلنســان كان حاكمهــم الســابق لثالثــن عامـاً قبــل االحتــال‪.‬‬ ‫ال أذكــر أننــي رأيــت عمليــة إعــدام ـ شــنقاً أو رميــا بالرصــاص ـ يف حيــايت إالَّ يف األفــام الســينامئية‪ ،‬واإلطــار‬ ‫الدرامــي للفيلــم هــو الــذي يحــدد موقفــك وردة فعلــك كإنســان إزاء إنســان آخــر تنتهــي حياتــه عــي هــذه‬ ‫الصــورة البشــعة‪ ،‬مــا بالــك بشــنق رئيــس دولــة كان مــلء الســمع والبــر لســنوات كثــرة مضــت‪ ،‬لكنهــم‬ ‫األمريــكان بفضــل خبــث التكنولوجيــا فعلوهــا‪ ،‬لينتقــل فعــل الشــنق برمتــه ليتــم داخــل كل بيــت عــريب‪،‬‬ ‫غصــة تقــف يف الحلــوق مــع لحــوم األضاحــي‪.‬‬ ‫ويكــون َّ‬ ‫لكــن مــا رأيتــه عــى إحــدى الفضائيــات العراقيــة ـ أيضــا يف العيــد ـ رمبــا يفــر شــيئاً مــن تــرف هــؤالء‬ ‫العراقيــن الســعداء‪ ،‬كانــت هنــاك أم عراقيــة مــن منطقــة الصــدر ببغــداد متشــحة بالســواد ـ ال بــد أنهــا شــيعية‬ ‫ـ تشــر لصــورة طفلهــا « ُخضــر» البالــغ مــن العمــر ‪ 14‬عام ـاً‪ ،‬املعلقــة عــي جــدار فقــر وقــت أن أعدمتــه‬ ‫وغصــة أيضــا تقــف بحلقهــا‪ ،‬إنهــم أخــذوه‬ ‫ســلطات صــدام عــام ‪ ،1982‬قالــت األم والدمــع يرتقــرق بعينيهــا ًّ‬ ‫مــن املدرســة اإلعداديــة مــع مجموعــة مــن ‪ 14‬طفـاً‪ ،‬ذهبــوا بهــم ومل يعــودوا‪ ،‬مل تعــرف تهمتهــم‪ ..‬مــاذا ميكــن‬ ‫أن يفعــل طفــل لنظــام؟ قالــت إنهــا راحــت تبحــث عنــه لــدى كل أجهــزة األمــن وقتئــذ دون جــدوى‪ ،‬بــل‬ ‫إن واحــدا ً منهــم بــا قلــب قــال لهــا ســاخرا ً‪ :‬كان لديــك أربعــة أبنــاء‪ ..‬يكفيــك ثالثــة! ومل تتمكــن أم خضــر‬ ‫مــن معرفــة مصــر ولدهــا‪ ،‬أو أي أحــد مــن زمالئــه إالَّ بعــد الغــزو األمريــي لبالدهــا ‪ ،‬عندمــا وجــدت اســمه‬ ‫يف قوائــم اإلعــدام مــع اآلخريــن‪ ،‬وبــاءت محــاوالت بحثهــا املضنــي عــن املــكان الــذي دفــن فيــه بــأي مقــرة‬ ‫جامعيــة بالفشــل‪.‬‬ ‫كنــت أقــرأ باملصادفــة الســيئة كتــاب «الســجينة» ملليكــة أوفقــر‪ ،‬ابنــة الجـرال محمــد أو فقــر‪ ،‬الرجــل القــوي‬ ‫للملــك الحســن الثــاين ملــك املغــرب وصديقــه الشــخيص املقــرب‪ ،‬والــذي أُعــدم بخمــس رصاصــات عقــب‬ ‫ـت مرغـاً مــن رشق الوطــن لغربــه‪ ،‬مليكــة ـ التــي كانــت للمفارقــة ابنــة متبنــاه‬ ‫محاولــة انقــاب فاشــلة‪ ،‬فانتقلـ ُ‬ ‫للملــك وتعيــش مــع شــقيقته أمينــة ـ تحــي قصــة الســجن الرهيــب الــذي ألقيــت فيــه هــي وأمهــا وإخوتهــا‬ ‫األطفــال ـ دون ذنــب أو تهمــة ـ بأمــر امللــك ملــدة تقــرب مــن العرشيــن عامـاً‪ ،‬القــوا فيهــا شــتى صنــوف العذاب‬ ‫والهــوان والقهــر والنفــي واإلبعــاد‪ ..‬فقــط ألنهــم (أرسة أوفقــر قائــد االنقــاب)‪ ،‬أخوهــا األصغــر كان عمــره ثالثة‬ ‫أعــوام‪ ،‬وعندمــا خــرج مــن الســجن كان عمــره ثالثــة وعرشيــن عام ـاً مل يعــرف فيهــا شــيئاً عــن العــامل خــارج‬ ‫حــدود الســجن‪ ،‬ولــوال محاولــة الهــرب الناجحــة ملليكــة واثنــن مــن إخوتهــا عــر نفــق ظلــوا يحفرونــه ألشــهر‬ ‫مبلعقــة وغطــاء علبــة مــن الصفيــح‪ ،‬ومــن ثــم اتصالهــم بالعــامل الخارجــي‪ ،‬لظلــوا هنــاك حتــى قضــوا نحبهــم‬ ‫واحــدا ً إثــر اآلخــر دون أن يعــرف مصريهــم أحــد‪ ،‬خاصــة وأن أقاربهــم كانــوا قــد أُبلغــوا أنهــم ماتــوا وانتهــوا‬ ‫لألبــد‪.‬‬ ‫رمبــا كان أطفــال أوفقــر (يف الغــرب امللــي) أوفــر حظــاً مــن خضــر وزمالئــه أطفــال بغــداد (يف الــرق‬ ‫الجمهــوري)‪ ،‬فهــم رغــم كل يشء متكنــوا مــن العــودة للحيــاة مبعجــزة‪.‬‬ ‫غصــة يف حلوقنــا تــكاد تخنقنــا‪،‬‬ ‫وتظــل حقيقــة أن كث ـرا ً مــن األحــداث التــي تقــع يف وطننــا العــريب‪ ،‬وتقــف َّ‬ ‫تســتعيص أحيانـاً عــى الفهــم‪ ،‬وال تدخــل بــأي منطــق العقــل الســليم لإلنســان العــريب يف الجمهوريــات التقدمية‬ ‫أو امللكيــات الرجعيــة ‪.‬‬ ‫* روايئ مرصي‬


‫‪15‬‬ ‫زوجان لزوجة واحدة‬ ‫اخــذت شــاحنة الزيــل العســكرية بصندوقهــا الحديــدي طريقهــا مــن أعــى‬ ‫التــل املطــل عــى ســهل صيدنايــا الفســيح حيــث يوجــد ســجن صيدنايــا العســكري‬ ‫«الــيء الســمعة» والــذي يعــد مــن أعظــم انجــازات الطاغيــة «حافــظ األســد»‬ ‫وإحــدى مكرماتــه لشــعبنا الســوري‪.‬‬ ‫كانــت الشــاحنة تتوقــف بــن الفينــة واألخــرى عنــد نقــاط التفتيــش والحواجــز‪،‬‬ ‫وكنــت جالس ـاً يف الصنــدوق الحديــدي برفقــة عنرصيــن مــن الرشطــة العســكرية‬ ‫ويف مقدمــة الشــاحنة كان يجلــس قائــد الدوريــة مــع الســائق وكنــت أقــوم حينهــا‬ ‫بحســاب عــدد نقــاط التفتيــش وكان عددهــا أربعــة نقــاط‪.‬‬ ‫واختلســت النظــر عــر الكــ ّوة ذات القضبــان الحديديــة فعلمــت حينهــا أننــا‬ ‫قــد غادرنــا حــرم الســجن وأصبحنــا عــى الطريــق املــؤدي إىل دمشــق‪ .‬عــرات‬ ‫الكيلومـرات تفصلنــا عــن دمشــق واســتلزم الوقــت منــا أكــر مــن ســاعتني قطعتهــا‬ ‫الشــاحنة العائــدة ملصلحــة الســجون يف «فــرع الرشطــة العســكرية بدمشــق» وذلــك‬ ‫بســبب االزدحــام عــى الطــرق العامــة‪.‬‬ ‫أخــرا ً توقفــت الشــاحنة العســكرية أمــام بوابــة املربــع األمنــي إلدارة املخابــرات‬ ‫العامــة يف «دوار كفــر سوســة» ونزلــت مــن الشــاحنة مقيــد اليديــن‪ ،‬واصطحبنــي‬ ‫قائــد الدوريــة إىل املكتــب الرئيــي ملدخــل املربــع األمنــي حيــث متــت عمليــة‬ ‫التســليم واالســتالم كــا يقــال‪ ،‬مــن ثــم تــم اقتيــادي إىل مبنــى الســجن «فــرع‬ ‫التحقيــق» بــإدارة «أمــن الدولــة»‪ ،‬ومتــت اإلجـراءات املعتــادة لديهــم والتــي انتهــت‬ ‫بإيداعــي يف الســجن الجنــويب –جنــاح املزدوجــات‪ -‬وهــي عبــارة عــن غرفــة كبــرة‬ ‫بداخلهــا أربــع غــرف صغــرة وغرفــة للمغاســل وكنــت قــد أمضيــت فيــه ســابقا مــدة‬ ‫تجــاوزت العامــن‪.‬‬ ‫خمســة عــر عامـاً هــي الزمــن الفاصــل بــن دخــويل األول إىل املربــع األمنــي عــام‬ ‫‪1980‬م ودخــويل الثــاين عــام ‪1995‬م‪.‬‬ ‫مكثــت يف هــذا املــكان أســبوعاً كام ـاً‪ ،‬وعنــد ســؤايل مديــر الســجن عــن موعــد‬ ‫إطــاق رساحــي‪ ،‬يــأيت الجــواب مبهــاً‪« :‬إجــراءات البــد منهــا «‪.‬‬ ‫وأخ ـرا ً‪ ،‬يف الســادس مــن شــهر نيســان عــام ‪1995‬م حــر إ َّيل يف املزدوجــات مديــر‬ ‫الســجن «أبــو أحمــد» وبصحبتــه عنــر مــن طاقــم الســجن وطلــب إ َّيل االســتعداد‬ ‫للخــروج مــن الســجن بنــا ًء عــى ق ـرار رئيــس الفــرع «مــن آل ناصيــف»‪ .‬ارتبكــت‬ ‫كثـرا ً وارتديــت ثيــايب عــى عجــل وتركــت حقيبتــي وأشــيايئ خلفــي لباقــي الســجناء‬ ‫واكتفيــت ببعــض الصــور العائليــة والطبيــة‪.‬‬ ‫تــم اقتيــادي إىل املدخــل الرئيــي حيــث متــت إجــراءات بســيطة وفتــح البــاب‬ ‫الصغــر الفرعــي مــع كلمــة ملديــر الســجن قالهــا يل‪« :‬مــع الســامة» وأغلــق البــاب‪.‬‬ ‫وقفــت مذهــوالً يف «دوار كفــر سوســة» أتطلــع حــويل عــى أن أعــر عــى أحــد مــن‬ ‫أهــي أو زوجتــي عــى األقــل فلــم أجــد أحــدا ً‪.‬‬ ‫أوقفــت عربــة أجــرة وطلبــت إىل الســائق أن يقلنــي إىل املؤسســة التــي تعمــل فيهــا‬

‫حرمل الذكريات‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫حدث يف زمن األسد األول‬ ‫زوجتــي يف أحــد أحيــاء دمشــق الحديثــة‪.‬‬ ‫الوقــت كان ظهـرا ً حركــة املــرور بطيئــة وصعبــة‪ ،‬وجلســت أنظــر عــر نافــذة العربــة‬ ‫أتبــن مالمــح دمشــق القريبــة إىل قلبــي ومــا طــرأ عليهــا مــن متغـرات‪.‬‬ ‫يف الســجن وخصوصــاً يف العامــن األخرييــن‪ ،‬كان أكــر مــا يؤرقنــي ويؤملنــي هــو‬ ‫انقطــاع زوجتــي وأخــي األكــر عــن زيــاريت وهــذا أمــر مل يكــن مألوف ـاً يل ســابقاً‬ ‫‪ ،‬وعنــد االستفســار مــن أخــي األصغــر وعمتــي الكــرى أثنــاء زياراتهــم يل كانــت‬ ‫إجاباتهــم مبهمــة جــدا وغامضــة إىل حــد كبــر‪.‬‬ ‫اعتــدت خــال ســنوات االعتقــال الطويلــة أن ابتعــد عــن التفكــر بأمــور أهــي‬ ‫وعائلتــي وتركــت األمــر للزمــن فهــو كفيــل بتجاوزهــا‪.‬‬ ‫وأخـرا ً توقفــت ســيارة األجــرة أمــام مبنــى املؤسســة حيــث تعمــل زوجتــي وقصــدت‬ ‫غرفــة االســتعالمات خــارج املبنــى وتقدمــت إىل املوظــف مخاطبـاً إيــاه عــر الكـ ّوة‬ ‫الزجاجيــة‪ ،‬وكان يجلــس إىل جــواره شــخص آخــر‪ .‬وســألته عــن إمكانيــة االتصــال‬ ‫«بالســيدة فالنــة» يف املبنــى الرئيــي ‪ ،‬فأجابنــي مــن تكــون؟ فــرددت عليــه بجديــة‬ ‫مبتس ـاً أنــا زوجهــا ! نظــر إيل بدهشــة واســتغراب والتفــت إىل الشــخص الجالــس‬ ‫بجــواره والــذي بــدا مســتغربا أيضـاً ثــم قــام بإجـراء االتصــال بعدهــا أغلــق ســاعة‬ ‫الهاتــف قائ ـاً يل‪« :‬هــي غــر موجــودة يف مكتبهــا»‪ ،‬عندهــا طلبــت منــه االتصــال‬ ‫بإحــدى زميــات زوجتــي يف املؤسســة ومقربــ ٌة منهــا فاســتجاب لطلبــي وأجــرى‬ ‫االتصــال الثــاين ثــم أعطــاين ســاعة الهاتــف فجــاء صوتهــا إ ّيل مرحب ـاً بعــد تقديــم‬ ‫نفــي لهــا‪.‬‬ ‫وعنــد ســؤايل عــن زوجتــي‪ ،‬أجابتنــي بارتبــاك لقــد حصلــت عــى إجــازة هــذا الصباح‬ ‫وغــادرت إىل املنــزل‪ ،‬فشــكرتها بعــد أن طلبــت إليهــا إبالغهــا بحضوري وأننــي موجو ٌد‬ ‫يف منــزل عمــي بجــوار «الربملــان» كــا شــكرت املوظــف وغــادرت مبنــى املؤسســة‪.‬‬ ‫عــدت إىل الشــارع الســتقل ســيارة األجــرة ثانيــة قاصــدا منــزل عمــي‪ .‬ولــدى وصــويل‬ ‫فوجئــت بوجــود عمتــي الكــرى تفتــح يل البــاب‪ ،‬كان املوقــف مؤث ـرا ً ومؤمل ـاُ‪ .‬ثــم‬ ‫توافــد األقــارب للرتحيــب يب وظــل األمــر هكــذا حتــى املســاء‪ ،‬ومل تحــر زوجتــي‬ ‫لرؤيتــي وعنــد اإللحــاح بالســؤال عــى عمتــي كان الجــواب أن هنــاك زعــل وقطيعــة‬ ‫مــع زوجتــي وأهلهــا وليــس هــذا الوقــت مالمئــا ملناقشــة هــذا املوضــوع‪.‬‬ ‫غــادرت وأقــاريب دمشــق صبيحــة اليــوم التــايل باتجــاه مدينتــي «الرقــة» لنصلهــا يف‬ ‫املســاء حيــث كان حاف ـاً بالفــرح والحــزن مــن األهــل واألقــارب واألصدقــاء‪.‬‬ ‫كانــت أوىل الصدمــات بعــد وصــويل إىل الرقــة هــي معرفــة وفــاة شــقيقي األكــر‬ ‫قبــل عــدة أشــهر مــن اإلفـراج عنــي وهــو الــذي اهتــم يب خــال فــرة اعتقــايل مــع‬ ‫زوجتــي وأخــي األصغــر‪ ،‬لقــد كانــت بيننــا عالقــة جميلــة وكنــا أصدقــاء‪.‬‬ ‫أخ ـرا متكنــت وبوســاطة كرميــة مــن ســيدة فاضلــة يف دمشــق تربطنــا بهــا وشــائج‬ ‫قــرىب وصداقــة مــن معرفــة مــا حــدث باختصــار» بعــد اعتقــايل عــام ‪1980‬م قامــت‬ ‫زوجتــي بالتخــي عــن منــزيل يف دمشــق وانتقلــت للعيــش يف مــع عائلتهــا وملــدة‬

‫تزيــد عــن ثالثــة عــر عامـاً‪ .‬خــال هــذه الفــرة ظلــت ترعــاين وتهتــم يب وتالحقنــي‬ ‫حيــث مــا حللــت يف مراكــز التوقيــف أو الســجون‪ ،‬ورغــم حالــة اإلحبــاط التــي مــرت‬ ‫بهــا بعــد اســتدعائها مــن قبــل حاكــم ســورية آنــذاك «حافــظ األســد» عــام ‪1987‬م‬ ‫إىل القــر الجمهــوري ولقائــه بهــا والــذي اســتمر قرابــة ســاعة مــن الزمــن‪ ،‬مل تيــأس‬ ‫وظلــت تعيــش عــى أمــل إطــاق رساحــي حتــى جــاء العــام ‪1990‬م حيــث تــم‬ ‫تقدمينــا إىل (محكمــة أمــن الدولــة العليــا يف دمشــق) واســتمرت املحاكــات ملــدة‬ ‫خمســة أعــوام بــا أفــق منظــور‪.‬‬ ‫معانــاة مؤملــة لهــا وألهلهــا دفعتهــا وتحــت ضغــط األهــل إىل الحصــول عــى الطــاق‬ ‫وبالتــايل الــزواج مــن زميــل لهــا يف العمــل‪ .‬طلبــت مــن قريبتنــا تأمــن لقــاء يجمعنــا‬ ‫يف منزلهــا بدمشــق وبالفعــل تــم اللقــاء بحضــور لفيــف مــن األقــارب‪.‬‬ ‫كان اللقــاء وديــاً وحزينــاً ورصيحــاً‪ ،‬وأخربتنــي عــن املفاجــأة التــي حصلــت لهــا‬ ‫وملوظــف االســتعالمات يف املؤسســة وكانــت كــا يــي [ يف اليــوم ذاتــه صباحــاً‬ ‫حــرت وزوجهــا إىل املؤسســة وهــا مــن املوظفــن القدامــى وقامــا بالتوقيــع‬ ‫عــى دفــر الــدوام اليومــي وبعــد ســاعات حــرت أنــا وقدمــت نفــي ملوظــف‬ ‫االســتعالمات بصفتــي زوجهــا‪ .‬اخربهــا املوظــف بأنــه مل يكــن يصــدق مــا يجــري!!؟؟‬ ‫فهــي حــرت صباحــاً إىل العمــل بصحبــة زوجهــا‪ ،‬فمــن يكــون إذا ً هــذا القــادم‬ ‫الجديــد غــر املألــوف وجهــه لــدي‪ ،‬والــذي يدعــي بأنــه زوجــك وبشــكل جــدي!؟‬ ‫هــل يعقــل أن يكــون هنالــك أكــر مــن زوج لزوجــة واحــدة يف الوقــت نفســه‪،‬‬ ‫وعندمــا رشحــت لــه مالبســات األمــر‪ ،‬صفــق بيديــه قائــا‪ »:‬حســبي اللــه ونعــم‬ ‫الوكيــل‪ ،‬كان الــرب يف عونكــم»‪ .‬وأخربتنــي أيض ـاً أنهــا كانــت موجــودة يف غرفتهــا‬ ‫وهــي مــن تولــت اإلجابــة عــى الهاتــف وهــي منذهلــة مــن هــول الصدمــة وطلبــت‬ ‫مــن موظــف االســتعالمات إبالغــي بعــدم وجودهــا وخرجــت إىل غرفــة صديقتهــا‬ ‫مشــدوهة ال تــدري مــا تفعــل؟‬ ‫وعندمــا تــم االتصــال الثــاين مــع صديقتهــا أجهشــت بالبــكاء وطلبــت إليهــا القــول‬ ‫بأنهــا غــادرت املؤسســة وهكــذا كان األمــر‪].‬‬ ‫ســألتها عــن حالهــا‪ ،‬ورشحــت لهــا بــأن مــا جــرى هــو قدرنــا‪ ،‬هــو رضيبــة االنتــاء‬ ‫لهــذا الوطــن الحزيــن واملقهــور‪.‬‬ ‫قلــت لهــا بأننــي مســتعد لتلبيــة أي مقــرح ت ـراه وكان جوابهــا يل أنــه قــدر‪ ،‬كــا‬ ‫قلــت وأصبــح كل منــا يف طريــق وأن ذكريــات زواجنــا الــذي امتــد لخمســة عــر‬ ‫يومنــا ومــا تالهــا مــن ســنوات االعتقــال هــي أجمــل األيــام هــي أيــام عـ ٍز عشــناها‬ ‫مع ـاً‪.‬‬ ‫ـت وعانيـ ِ‬ ‫قلــت لهــا‪ :‬إننــي مديــن لــك مــدى العمــر‪ ،‬شــكرا ً لــك عــى مــا قدمـ ِ‬ ‫ـت‪.‬‬ ‫وكان هــذا آخــر لقــاء بيننــا لهــا منــي أســمى آيــات التقديــر واالحـرام‪ ،‬لقــد كانــت‬ ‫أهــم عامــل يف صمــودي يف ســجون الطاغيــة لخمســة عــر عامــا مل تهــزين فيــه‬ ‫ســطوة الجــاد‪.‬‬

‫محمد نبيل الفواز‬

‫العرب يف تركيا‬ ‫إن التواجــد التاريخــي للقبائــل والعشــائر‬ ‫التواجد العريب يف تركيا‪:‬‬ ‫واملكونــات العربيــة يحافــظ يف وقتنــا الحــايل‬ ‫عــى اســتمراريته‪ ،‬متمســكاً بأصولــه العربيــة ومعتـزا ً بانتامئــه للجمهوريــة الرتكيــة‪،‬‬ ‫ويف نفــس الوقــت تحــدوه الرغبــة يف تعزيــز التقــارب والتعــاون مــع إخوانهــم يف‬ ‫البلــدان العربيــة‪ ،‬تحــت مظلــة التاريــخ والديــن‪ ،‬وعالقــات الجــوار املبنيــة عــى‬ ‫التفاهــم والدعــم املتبــادل بــن االخــوة وأبنــاء العمومــة العــرب يف كل مــكان‪.‬‬ ‫عــدد ســكان تركيــا يقــرب مــن مثانــن مليــون نســمة‪ ،‬ويشــكل العــرب حــوايل ‪%9‬‬ ‫مــن مجمــوع الســكان‪ ،‬وهــذا يشــكل قــوة انتخابيــة وبرشيــة وسياســية مؤثــرة يف‬ ‫تركيــا‪.‬‬ ‫حســب تقديراتنــا فإنــه يتواجــد يف تركيــا حــوايل ‪ 7‬مليــون مواطــن مــن أصــول‬ ‫عربيــة‪ ،‬يتوزعــون يف كل مــن واليــات‪ :‬ســيريت‪ ،‬بيتليــس‪ ،‬مارديــن‪ ،‬باطــان‪ ،‬مــوش‪،‬‬ ‫دياربكــر‪ ،‬شــانيل أورفــا‪ ،‬كيليــس‪ ،‬غــازي عنتــاب‪ ،‬أنطاكيــا‪ ،‬مرســن‪ ،‬وغريهــا‪ .‬كــا‬ ‫ميتــد التــوزع الدميغـرايف إىل اســتانبول حيــث أثبــت املكــون العــريب وجــوده بنســبة‬ ‫ملحوظــة‪.‬‬ ‫ومــن ضمــن واليــات تركيــا ال ‪ 81‬نجــد كثــرا ً‬ ‫القبائل العربية‪:‬‬ ‫مــن األســاء العربيــة ملــدن وقــرى عديــدة‪ ..‬عــى‬ ‫ســبيل املثــال ال الحــر‪ :‬ديــار بكــر‪ ،‬روحــا‪ ،‬أرض روم‪ ،‬قمــريل‪ ،‬حســن كيــف‪ ،‬بيــت‬ ‫الشــباب‪ .‬ويف لــواء اســكندرونة باملســمى العــريب أي محافظــة هطــاي بالرتكيــة‪ ،‬يــرز‬ ‫النصرييــون أو العلويــون العــرب ويقــدر عددهــم بحــوايل املليــون ونصــف املليــون‬ ‫نســمة‪..‬‬ ‫معظــم عــرب تركيــا تجمعهــم وشــائج القبيلــة وروابطهــا‪ ،‬وخاصــة يف شــانيل أورفــا‬ ‫وغــازي عينتــاب ومارديــن وباطــان ومــوش وســيريت‪ .‬أمــا القبائــل التــي تســكن‬

‫ويف تاريــخ تركيــا الحديــث مــن الجديــر‬ ‫الوضع الحايل للعرب‪:‬‬ ‫بالذكــر أن العــرب قدمــوا حــوايل ‪ 77‬ألــف‬ ‫شــهيد يف الحــرب العامليــة األوىل ويف معــارك جنــاق قلعــة الشــهرية‪ .‬كــا ويتواجــد يف‬ ‫مجلــس األمــة الــريك حــوايل ‪ 30‬نائبـاً منتخبـاً مــن أصــول عربيــة باســتمرار‪ ..‬ومنهــم‬ ‫مــن شــغل مناصــب وزاريــة يف فــرات مختلفــة‪.‬‬ ‫عــرب تركيــا يف الغالــب يســتعملون لهجــات عربيــة متقاربــة يف حياتهــم اليوميــة‪..‬‬ ‫ومــع أن اللغــة العربيــة تعرضــت لكثــر مــن اإلهــال املتعمــد ســابقاً‪ ..‬لكــن خــال‬ ‫الســنوات العــر األخــرة ومتاشــياً مــع سياســة انفتــاح الحكومــة وإطــاق الحريــات‬ ‫العامــة‪ ..‬عــادت لالنتشــار مجــددا ً‪.‬‬ ‫رشق وجنــوب رشق األناضــول فهــي‪« :‬طــي‪ ،‬الجبــور‪ ،‬البوشــعبان‪ ،‬بنــي شــيبان‪ ،‬بنــي‬ ‫هــال‪ ،‬بنــي تغلــب‪ ،‬املســحرة‪ ،‬جمــي‪ ،‬هوبــة‪ ،‬دويجــات‪ ،‬ســيالة‪ ،‬بنــي عجــل‪ ،‬بنــي‬ ‫يوســف‪ ،‬عبــادة‪ ،‬رسامــدة‪ ،‬طــاح‪ ،‬مســيبة‪ ،‬نعيمــي‪ ،‬بنــي أســد‪ ،‬مرابــدة‪ ،‬وبنــي‬ ‫حســن‪ ،‬فيتيــت‪ ،‬بنــي زيــد‪ ،‬عبايــة‪ ،‬رسوفــة‪ ،‬بعيــم‪ ،‬عــدوان‪ ،‬بقــارة‪ ،‬مــردايس‪ ،‬أفضــي‪،‬‬ ‫خميــس‪ ،‬ســاوي‪ ،‬عــاري‪ ،‬عنيــزي‪ ،‬خــايص‪ ،‬عبــايس‪ ،‬قريــي‪ ،‬داوودي‪ ،‬حمــداين‪ ،‬بنــي‬ ‫خطيــب‪ ،‬فــوارة‪ ،‬قــدي جيــي‪ ،‬فــردون‪ ،‬مشــهدي‪ ،‬مجدمــي‪ ،‬محلمــي‪ ،‬بنــي متيــم‪،‬‬ ‫البكــري‪ ،‬الخــرزي والشــيخي‪.‬‬ ‫كل مــا ســبق ذكــره مــن العشــائر لهــا امتــدادات يف الجزيــرة الفراتيــة مــا بــن العراق‬ ‫وســوريا‪ ،‬والتــي بدورهــا تشــكل امتــدادا ً طبيعي ـاً لقبائــل وعشــائر الخليــج العــريب‪،‬‬ ‫وأغلبهــا تعيــش عــى الزراعــة وتربيــة املاشــية ومنهــم مــن عمــل بالتجــارة وأصبــح‬ ‫يف عــداد األثريــاء البارزيــن يف تركيــا‪ .‬لكــن ال يوجــد لهــم متثيــل مبــا يتناســب مــع‬ ‫عددهــم يف األنشــطة واملحافــل السياســية يف تركيــا‪.‬‬

‫تأسيس جمعية عرب تركيا الثقافية التعاونية‬

‫أهدافنا التي نسعى لتحقيقها‪:‬‬ ‫‪ -1‬افتتاح ما أمكن من دورات تعليم اللغة العرببة يف كافة الواليات‪.‬‬ ‫‪ -2‬إيفاد الشباب إىل دول الخليج والدول العربية األخرى للدراسة‪.‬‬ ‫‪ -3‬حث وتشجيع الحكومة املركزية برضورة االستثامر والتنمية يف مناطقنا‪.‬‬ ‫‪ -4‬تأمني وتسهيل زيارة الضيوف القادمني للمؤسسات العربية والرتكية‪.‬‬ ‫‪ -5‬تنظيم وإقامة معارض ومهرجانات مشرتكة‪.‬‬ ‫‪ -6‬تســهيل إش ـراك أكربعــدد ممكــن مــن الــزوار يف االحتفــاالت الدوريــة بســيدنا‬ ‫إبراهيــم عليــه الســام يف مدينــة أورفــا‪.‬‬ ‫‪ -7‬تشكيل منرب للصداقة الرتكية العربية ومقرها تركيا‪.‬‬ ‫‪ -8‬افتتاح قنوات تلفزيونية عربية يف تركيا‪.‬‬ ‫من محفوظات جمعية عرب تركيا الثقافية التعاونية‬

‫مجلة الحرمل‬ ‫ثقافية ـــ سياسية ـــ نصف شهرية ـــ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريين‬

‫للتواصل عبر فيس بوك‬

‫اء ُنشــرت أم لــم تنشــر‪.‬‬ ‫المقــاالت التــي تــرد إلــى المجلــة ال تُ ّ‬ ‫ــرد إلــى أصحابهــا ســو ً‬

‫للتواصل عبر تويتر‬

‫اآلراء التــي تنشــر بالمجلــة تعبــر عــن رأي أصحابهــا‪ ،‬وال تمثــل بالضــرورة رأي المجلــة‪.‬‬

‫للتواصل عبر البريد اإللكتروني مع هيئة التحرير‬

‫‪www.facebook.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪www.twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد األول ‪ 1 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫زاوية حرة‬

‫‪16‬‬

‫قد أضاء الصبح لذي عينني؟!‬ ‫أمريكا وازدواجية املعايري؟!‬

‫عــى مــدى ســبع حــروب عربيــة إرسائيليــة‪ ،‬وانتفاضتــن‬ ‫فلســطينيتني‪ ،‬وسلســلة مــن املجــازر والرصاعــات املســلحة‪ ..‬مل تتغــر‬ ‫املواقــف األمريكيــة الداعمــة للكيــان الصهيــوين‪ ،‬ومل تتغــر السياســة‬ ‫األمريكيــة اتجــاه القضيــة الفلســطينية ومــن ثــم اتجــاه األمــة العربية‪.‬‬ ‫فابتــدا ًء بـ»روزفلــت» أبــرز الرؤســاء األمريكيــن ‪ /1945 - 1922/‬الذي‬ ‫أعلــن يف حملتــه االنتخابيــة تعهــده مبســاعدة اليهــود بإنشــاء كيانهــم‬ ‫يف فلســطني العربيــة‪.‬‬ ‫ومــرورا ً «بهــاري ترومــان» الــذي أعلــن بعــد عــر دقائــق مــن إعــان‬ ‫املجلــس اليهــودي ظهــر يــوم ‪ 14‬أيــار ‪ 1948‬قيــام دولــة إرسائيــل‪،‬‬ ‫االع ـراف بهــذا الكيــان‪.‬‬ ‫والحق ـاً مبــدأ «أيزنهــاور» الــذي ضمــن حاميــة االســتقالل الســيايس‬ ‫إلرسائيــل‪ ،‬وكذلــك «جــون كينيــدي» الــذي ُوصــف بحامــي إرسائيــل‪،‬‬ ‫والــذي كان يؤمــن بــأن الــرب يهــوه هــو الــذي يحمــي أمريــكا‪،‬‬ ‫ويســهر عــى أمنهــا‪ ،‬والــذي اختــر القضيــة الفلســطينية عــى أنهــا‬ ‫مشــكلة الجئــن ال أكــر‪.‬‬ ‫واســتمرارا ً مبوقــف «لينــدون جونســون» الــذي جنــد بــاده لدعــم‬ ‫إرسائيــل يف عــدوان حزيـران ‪ ،1967‬وموقــف «ريتشــارد نيكســون» يف‬ ‫حــرب ترشيــن ‪ 1973‬الــذي أقــام أضخــم جــر جــوي يف التاريــخ لنقل‬ ‫املعــدات العســكرية الفوريــة إلرسائيــل‪ ،‬وصــوالً إىل «رونالــد ريغــان»‬ ‫الــذي اعتــر منظمــة التحريــر إرهابيــة‪« ،‬وجــورج بــوش» الــذي أطلــق‬ ‫الحــرب الصليبيــة الجديــدة يف شــعاره الحــرب ضــد اإلرهــاب‪.‬‬ ‫وانتهــا ًء بـ»بــاراك أوبامــا» صاحــب الحملــة الجديــدة ضــد اإلرهــاب‪،‬‬ ‫والــذي يُعتــر املتملــق األكــر إلرسائيــل‪ ،‬والــذي أعلــن أن إرسائيــل‬ ‫لــن تــزول‪ ،‬ولــن تذهــب إىل أي مــكان طاملــا أن الواليــات املتحــدة‬ ‫موجــودة‪ ،‬والــذي طالــب العــرب باالعـراف بإرسائيــل دولــة يهوديــة‪.‬‬ ‫ورغــم هــذا الســجل الحافــل للرؤســاء األمريكيــن يف أن يكونــوا‬ ‫األوصيــاء عــى الكيــان الصهيــوين العنــري الغاصــب‪ ،‬وهــذه الرصاحة‬ ‫التــي ال يخفونهــا يف ضــان أمــن إرسائيــل وبقائهــا واســتمرارها‪.‬‬

‫عنايت عطار‬

‫تحية إىل الحرمل !‬

‫بسام البليبل‬

‫ظــل العــرب ويف كل مناســبة يناشــدون أمريــكا أن تكــون عادلــة‬ ‫اتجــاه القضيــة الفلســطينية خصوصــاً‪ ،‬وأن تتخــى عــن ازدواجيــة‬ ‫املعايــر يف تعاملهــا مــع القضايــا العربيــة عمومــاً‪.‬‬ ‫فمتــى يــدرك العــرب أن موقــف أمريــكا ليــس موقفـاً ازدواجيـاً‪ ،‬وإمنــا‬ ‫هــو موقـ ٌـف اسـراتيجي‪ ،‬وأ ّن أمريــكا ال تتخــذ قراراتهــا تحــت ضغــط‬ ‫‪ %2‬مــن ســكانها اليهــود‪ ،‬كــا يعتقــد العــرب‪ ،‬وإمنــا هنــاك أشــياء‬ ‫أكــر واقعيــة وماديــة‪ ،‬وهــي أ ّن إرسائيــل يجــب أن تكــون حيــث هــي‬ ‫مصــدر قــوة للواليــات املتحــدة‪ ،‬وأن بقــاء إرسائيــل يســاهم يف بقــاء‬ ‫قــوة أمريــكا‪.‬‬ ‫ومتــى يــدرك العــرب أ ّن الواليــات املتحــدة ال تنفــق ماليــن الــدوالرات‬ ‫عــى املســاعدات العســكرية واالقتصاديــة إلرسائيــل ملجــرد الشــعور‬ ‫بااللتــزام األخالقــي‪ ،‬وإمنــا هــو اســتثامر ملــا تعتــره أمريــكا ثــروة‬ ‫قوميــة كــا يقــول «روبــرت بالكويــل» و»والــر ســلوكومب» يف‬ ‫مقاليهــا‪( :‬إرسائيــل ثــروة اســراتيجية للواليــات املتحــدة)‪.‬‬ ‫وأ ّن أمريــكا ال تخــوض حروبهــا العامليــة الجديــدة ضــد اإلرهــاب ‪-‬‬ ‫الــذي صنعتــه – كــا تزعــم‪ ،‬أو ملصلحــة ســوريا والع ـراق كــا قــد‬ ‫يعتقــد البعــض‪ ،‬وإمنــا يف ســبيل الحفــاظ عــى أمــن الكيــان الصهيــوين‬ ‫الــذي ال يســتقيم إال إذا تحــول جــوار إرسائيــل العــريب املعــادي إىل‬ ‫كيانـ ٍ‬ ‫ـات ضعيفــة فاشــل ٍة هجينــة‪ ،‬وإىل تخــوم متحاربــة‪ ،‬وبــؤر رصاع‬ ‫متفجــرة‪.‬‬ ‫ـي والتظلــم واملناشــدة واالستســام‬ ‫فمتــى ســيتخىل العــرب عــن التشـ ّ‬ ‫للسياســات القدريــة التــي هــي منهــج الضعفــاء‪ ،‬واعتــاد سياســة‬ ‫مواجهــة ملــا يســمى ازدواجيــة املعايــر التــي هي سياســة دوليــة توزن‬ ‫مبكاييــل املصالــح‪ ،‬والعمــل عــى تفكيــك هــذه املعايــر‪ ،‬وتخريب هذا‬ ‫املنطــق‪ ،‬والوقــوف يف وجــه تطبيــق هــذه االزدواجيــة‪ ،‬والعمــل عــى‬ ‫أن تكــون لنــا قــوة قلــب املوازيــن وليــس الخضــوع ملوازيــن القــوى‪.‬‬ ‫فهل أضاء الصبح لذي عينني؟!‬

‫‪al harmal'a merhaba‬‬

‫شكري قريبوغا ‪ -‬األمني العام لجمعية عرب تركيا الثقافية التعاونية‬

‫‪Şükrü Kırboğa‬‬

‫يف بدايــة قــرن جديــد‪ ،‬نجــد أنفســنا وجه ـاً لوجــه مــع آالم القــرن املــايض‪ ،‬ألنــه وبظهــور‬ ‫الحــركات األيديولوجيــة القوميــة واألمميــة ظهــرت فروقــات قاطعــة فيــا بــن الشــعوب‬ ‫املتآخيــة‪ ،‬ومــن ثــم وجــدت نفســها عــى مفــرق طــرق فيــا نحــن شــهود عــى جانــب مــن‬ ‫هــذا التاريــخ‪.‬‬ ‫فــإن لوحظــت عزلــة طويلــة مــن خــال جيلــن أو ثالثــة‪ ،‬فإنــه ومــن خــال التاريــخ مل يالحــظ‬ ‫هــذا األمــر وعــى فــرة طويلــة مــن الزمــن‪ .‬كذلــك الشــعوب التــي مل تفصلهــا يوم ـاً حــدو ٌد‬ ‫شــكلية‪ ،‬فصلتهــا األلغــام واألســاك الشــائكة‪ ،‬وكذلــك فرقــت األقــارب وأفـراد العائلــة الواحــدة‪،‬‬ ‫الذيــن ذهبــوا مغادريــن هــذا العــامل وكلهــم أمل وشــوق‪.‬‬ ‫لكــن هــذه الفــرة التــي عشــناها وعانينــا مــا عانينــا فيهــا مــن األمل واألىس‪ ،‬جعلتنــا نهتــز ومــن أعــاق أعامقنــا‪.‬‬ ‫أراضينــا يف خضــم النــار والدمــاء‪ ،‬عائالتنــا متزقــت‪ ،‬مدننــا أصبحــت أطــاالً‪ ،‬نُهبــت مواردنــا الطبيعيــة وحتــى ثقافتنــا‪،‬‬ ‫إىل أن وصلنــا إىل حالــة مل نعــد نحــس فيهــا بــأي ثقــة بأنفســنا وبالجغرافيــا التــي نحياهــا‪.‬‬ ‫أمــواج الهجــرة جعلتنــا نبتعــد عــن أراضينــا التــي ولدنــا عليهــا وفيهــا ترعرعنــا‪ ،‬كــا جعلتنــا نتمســك بالعيــش بأماكــن‬ ‫جديــدة مــا عرفناهــا مــن قبــل‪.‬‬ ‫هــذه باختصــار حكايــة املهاجريــن املقيمــن القادمــن مــن البــاد األخــرى‪ ،‬مــن ســوريا ومــن العـراق‪ ،‬كل حكايــة فيهــا‬ ‫مــا فيهــا مــا اليحتمــل مــن اآلالم‪.‬‬ ‫يف القــرن األخــر متاثلــت األيديولوجيــات‪ ،‬كثــرة الثقافــات التــي احتــوت عــى مفاهيــم كثــرة عملــت وبــدون رحمــة‬ ‫وبشــكلٍ يس ٍء عــى خلــق الفروقــات‪ ،‬هــذه املفاهيــم خلقــت زعزعــة يف الجــذور لــدى املجتمعــات اإلســامية‪ ،‬مــا‬ ‫يجعلنــا نقــف عنــد هــذا املوضــوع ونفكــر فيــه ملي ـاً‪ ،‬ألنــه ويف زمــن قريــب عشــنا موجــات مــن الهجــرة‪ ،‬شــئنا أم‬ ‫ـباب لنعيــش‬ ‫أبينــا‪ ،‬ومــن جديــد عشــنا حيــاة شــديدة الثقافــة‪ ،‬وبالخصــوص يف بعــض املناطــق كانــت هنــاك أسـ ٌ‬ ‫مشــاكل متفاقمــة‪.‬‬ ‫ـاس ذوي عــادات وأعـراف‬ ‫إنســاننا اآلن أصبــح يتكلــم بلغــات مختلفــة ومنهــا العربيــة والكرديــة‪ ،‬وأصبحنــا نلتقــي بأنـ ٍ‬ ‫مختلفــة يف مثــل هــذه الحالــة فــإنّ املقيمــن والالجئــن‪ ،‬رغـاً عنهــم‪ ،‬واجهتهــم مشــاكل جــاءت مــن هــذا الوضــع‪،‬‬ ‫ـم تناســيها‪.‬‬ ‫هــم مــا تعودوهــا‪ ،‬وباألصــح تـ ّ‬ ‫إنّ الحيــاة عاليــة الثقافــة هــي باألصــل الحقيقــة النابعــة مــن حياتنــا الطبيعيــة الثقافيــة والتاريخيــة‪ ،‬أ ّمــا وقــد وجــب‬ ‫التذكــر بذلــك‪ ،‬فقــد أحسســنا بأننــا مكلفــن بإعــادة تشــكيل الوســط االجتامعــي املطلــوب‪.‬‬ ‫مــاذا ميكــن أن نفعــل يف هــذا املجــال؟ وبنــاء عليــه قمنــا باستشــارات واســعة‪ ،‬ونتيجــة لجهــود واستشــارات وصلــت‬ ‫أليدينــا مجلــة «الحرمــل»‪ .‬مــن أجــل إعــادة الحيــاة ومــن جديــد لوســط األخــوة املنســية بــن الشــعوب‪ ،‬ومــن أجــل‬ ‫جعلهــا صوت ـاً للمظلومــن‪ ،‬ومــن أجــل تقديــم إضافــة لحيــاة ثقافيــة واســعة‪ ،‬أخرجنــا هــذه املجلــة‪ .‬وإن شــاء اللــه‬ ‫نكــون بهــذا قــد وصلنــا للنتيجــة املطلوبــة‪ ،‬ونكــون قــد أدينــا وظيفتنــا‪.‬‬ ‫جزيــل الشــكر ألصدقائنــا وزمالئنــا اللذيــن بذلــوا كل أنــواع الدعــم ســواء ماديـاً أم معنويـاً إلخـراج «الحرمــل» واثقــن‬ ‫بأننــا ســوف نحفــظ لكــم دعمكــم هــذا‪.‬‬

‫ترجمة‪ :‬خليل املصطفى‬

‫‪Yeni bir yüz yılın başında, geçmiş yüz yılın acılarıyla yeniden‬‬ ‫‪yüzleşiyoruz. Milliyetçi ve ulusalcı ideolojik akımların keskin‬‬ ‫‪çizgiler ile biri birinden ayırdığı kardeş halklar yeniden biri‬‬ ‫‪birinin farkına varıyor ve biz bu tarih kesitine şahitlik ediyoruz.‬‬ ‫‪İki veya üç nesil ile ifade edilebilecek bu ayrılık uzun görünse‬‬ ‫‪de tarih süreci içerisinde hiç de uzun olmayan bir zaman kesitini‬‬ ‫‪kapsıyor. Geçmişte hiçbir fiziksel sınırın ayıramadığı halklar ne‬‬ ‫‪yazık ki mayınlarla, tel örgülerle bir birinden ayrıldı. Aynı aile‬‬ ‫‪ferleri bile akrabalarını görememenin verdiği özlem ve acı ile bu‬‬ ‫‪dünyadan göçtü gitti.‬‬ ‫‪Fakat yaşadığımız bu sürecin bu kadar acı ve ızdırabı içinde barındırması‬‬ ‫‪hepimizi derinden sarsıyor. Coğrafyamız kan ve ateş içerisinde. Aileler‬‬ ‫‪parçalanıyor, şehirlerimiz harabeye dönüyor, kültürel ve doğal zenginliklerimiz‬‬ ‫‪olabildiğince yağmalanıyor.‬‬ ‫‪Artık coğrafyamız da kendimizi güvende hissedemez hale geldik, göç‬‬ ‫‪dalgalarıyla hepimiz vatanlarımızdan doğup büyüdüğümüz topraklarımızdan‬‬ ‫‪uzaklaştık, yeni ve tanımadığımız yerlerde yaşama tutunmaya çalışıyoruz.‬‬ ‫‪İşte Suriye’den, Irak’tan ve diğer ülkelerden yaşanan göçlerin kısa hikâyesi bu.‬‬ ‫‪Her hikâye içerisinde dayanılmaz acılar barındırıyor.‬‬ ‫‪Son yüzyılın ideolojileri tek tipleştiren, çok kültürlülüğü kötü gösteren ve‬‬ ‫‪farklılıkları acımasızca yok etmeye çalışan anlayışlarla dolu. Bu anlayışların‬‬ ‫‪İslam toplumlarında kök salması da ayrıca üzerinde durup düşünülmesi‬‬ ‫‪gereken bir konu olmalı. Çünkü yakın zamanda yaşadığımız göç dalgası ile çok‬‬ ‫‪kültürlü yaşam ile ister istemez yeniden karşılaştık ve özellikle bazı bölgelerde‬‬ ‫‪ciddi sorunların yaşanmasına da sebep oluyor.‬‬ ‫‪İnsanımız artık çevresinde Arapça, Kürtçe ve farklı dillerde konuşan; gelenek‬‬ ‫‪görenek ve kültürel farklılıklar gösteren insanlarla karşılaşıyor. Bu durum hem‬‬ ‫‪yerleşimciler hem de zorunlu mülteciler açısından alışık olmadığı daha doğrusu‬‬ ‫‪unutturulduğu bir durum ve problemlerde buradan kaynaklanıyor.‬‬ ‫‪Bizler çok kültürlü yaşamın aslında bizim tarihsel ve kültürel doğal hayatımızın‬‬ ‫‪bir gerçeği olduğunu yeniden hatırlatmak ve istenen diyalog ortamını yeniden‬‬ ‫‪oluşturmak için kendimizi görevli hissettik. Bu konuda ne yapabiliriz diye geniş‬‬ ‫‪istişareler yaptık. İşte elinize ulaşan “Al-Harmal” dergisi bu istişarelerin ve bu‬‬ ‫‪çabanın bir ürünüdür.‬‬ ‫‪Halklar arasında unutulmuş kardeşlik ortamını yeniden diriltmek, mazlumların‬‬ ‫‪sesi olabilmek ve çok kültürlü yaşama katkı sunmak için çıkardığımız bu dergi‬‬ ‫‪ile inşallah istediğimiz sonuca ulaşır ve görevimizi ifa ederiz.‬‬ ‫‪Al-Harmal’ın çıkarılmasında emeği geçen, maddi ve manevi her türlü desteği‬‬ ‫‪veren dost ve arkadaşlarımıza teşekkür ediyor, sizlerinde desteklerinizi‬‬ ‫‪esirgemeyeceğinize inanıyoruz.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.