Alharmal(13) 01 4 2015 العدد الثالث عشر من الحرمل

Page 1

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬ ‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫‪1‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــاً‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫‪AL harmal‬‬ ‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫إفتتاحية العدد‬ ‫ب��دء التقهقر اإليراني‬ ‫ماجد رشيد العويد‬

‫إدل��ب اخلض��راء حم��ررة‬

‫‪ 2‬اجليش احلر حيرر بصرى الشام ويطرد ميليشيات االحتالل اإليراني‬

‫‪ 3‬عاصفة احلزم‪ :‬السوريون يتطلعون للخالص من االحتالل اإليراني‬

‫‪4‬‬

‫الطفيلي ينتقد خطاب حسن نصر اهلل وحيمل النظام السوري مسؤولية تأسيس تنظيم الدولة‬

‫‪ 6‬االقتصاد السوري ونظرة للمستقبل‬

‫يتطلــب االنطــاق نحــو املســتقبل رؤيــة شــاملة ومرنــة‪ ،‬تأخــذ‬ ‫يف االعتبــار دروس املــايض‪ ،‬ومتطلبــات الحــارض والعــر‪ ،‬وآمــال‬ ‫الشــباب واألجيــال القادمــة يف مســتقبل زاهــر‪..‬‬

‫‪ 8‬ش��اه الف��رات ق��د تك��ون البداي��ة‬

‫مــا يهمنــا مــن عمليــة شــاه الفـرات هــو داللتهــا عــى احتــال‬ ‫اتســاع مشــاركة تركيــا يف الحــرب عــى تنظيــم الدولة باالشـراك‬ ‫مــع قــوات التحالف‬

‫‪ 14‬الرتكمان يف الرقة‬

‫ينتمــي أغلــب تركــان الرقــة إىل قبيلــة بجــديل أو بيــديل األوغوزيــة نســبة إىل جدهــم‬ ‫بجــدال بــن يلــدز بــن أوغــور خــان واألخــر هــو مؤســس اإلمرباطوريــة األوغوزيــة‪..‬‬

‫هزميــة النظــام يف بــرى الشــام هزميــة إليــران ومنطقهــا‬ ‫واحتاللهــا القائــم عــى اســتغالل البــؤر الشــيعية التــي تواليهــا‪،‬‬ ‫ولعــل يف‬ ‫ّ‬ ‫وتدعــم تدخلهــا يف شــؤون الــدول التــي تنتمــي إليهــا‪،‬‬ ‫هــذا اإلطــار ميكننــا الحديــث عــن ترصيــح وزيــر اإلعــام األردين‬ ‫املتمثــل بتدريــب القــوات الســورية املعارضــة وعملهــا عــى إســقاط‬ ‫نظــام األســد‪ ،‬ووزيــر الخارجيــة الســعودي القــايض بعــدم الســاح‬ ‫باســتمرار نظــام األســد عــى قيــد الحيــاة‪ ،‬وصــوالً إىل الحلــف العــريب‬ ‫الباكســتاين مشــفوعاً بدعــم دويل واضــح للحــرب يف اليمــن ضــد‬ ‫الحوثيــن ذراع الفــرس فيهــا‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق ميكــن لنــا أن نفهــم الخرافــة اإليرانيــة املزدوجــة‬ ‫والتــي حملــت قــادة طه ـران عــى الترصيــح مؤخ ـرا ً بأنهــا قــادرة‬ ‫عــى اللعــب يف األردن‪ ،‬وزعزعــة اســتقراره‪.‬‬ ‫جــاءت هزميــة إيـران والنظــام يف بــرى الشــام‪ ،‬والهزميــة يف إدلــب‬ ‫متزامنــة مــع الحــرب يف اليمــن‪ ،‬فهــل ميكننــا اســتنتاج أن العــرب‬ ‫يريــدون إعــادة االعتبــار لكيانهــم الذائــب لصالــح قــوى إقليميــة‬ ‫صاعــدة؟‬ ‫ُعرفــت السياســة الســعودية التــي خطهــا املؤســس امللــك عبــد‬ ‫العزيــز بالذهــاب يف االعتــدال إىل نهايتــه‪ ،‬وهــذا مــا يلمــس يف كثــر‬ ‫مــن املواقــف التــي تعرضــت لهــا اململكــة‪ .‬غــر أن الــذي يجــري‬ ‫اليــوم عــى حدودهــا بــات يهــدد وجودهــا‪ ،‬وعليــه ميكــن القــول إن‬ ‫مثــة مرحلــة جديــدة قــد بــدأت‪ ،‬وســتضع حــدا ً للعنجهيــة اإليرانيــة‬ ‫التــي مارســت احتاللهــا عــر األذنــاب الشــيعية العربيــة يف لبنــان‬ ‫والعـراق وســوريا‪ .‬وهــذا اســتدعى أيضـاً أن يكــون للحــرب يف اليمــن‬ ‫وجــه آخــر فــا مفــر مــن االعــراف بــأن إيــران تذهــب يف بنــاء‬ ‫حلمهــا اإلمرباطــوري بغطــاء شــيعي مفضــوح فــا مفــر إذا ً مــن الــرد‬ ‫عليهــا بغطــاء ســني مثّلتــه القوتــان اإلقليميتــان تركيا وباكســتان‪ ،‬إىل‬ ‫جانــب القــوة العربيــة ممثلــة ابتــداء مبــر التــي وضعــت قوتهــا‬ ‫الجويــة والبحريــة تحــت تــرف اململكــة‪.‬‬ ‫مل تكــن سياســة االعتــدال الســعودية‪ ،‬وعــدم التدخــل يف الشــؤون‬ ‫الخارجيــة للــدول املجــاورة وغــر املجــاورة التــي خطهــا امللــك عبــد‬ ‫العزيــز لتغفــل العبــث اإليـراين لــذا فقــد ســاهمت مســاهمة كــرى‬ ‫بالتعــاون مــع األمريــكان بسياســة اســتنزاف القــوة اإليرانيــة يف لبنان‬ ‫وســوريا والعـراق واليمــن أيضـاً‪ ،‬فتدفــق األســلحة واملــال إىل هــذه‬ ‫الــدول مــارس دورا ً مه ـاً يف تعطيــل عجلــة االقتصــاد اإلي ـراين ويف‬ ‫هــذا الســياق أيض ـاً ميكــن إدراج تحــرك بعــض املكونــات اإليرانيــة‬ ‫ضــد الحكومــة املركزيــة‪.‬‬ ‫الحلــم اإلمرباطــوري الفــاريس بالغطــاء الشــيعي خرافــة مزدوجــة‬ ‫عاشــتها إيــران وســتدفع مثنهــا‪ ،‬فالعــامل اليــوم ال يســمح بوجــود‬ ‫كيانــات تاريخيــة يســتبد بهــا الوهــم‪ ،‬وال هــو يف وارد القبــول‬ ‫برغبــات دول دينيــة‪ ،‬وإذا مــا صحــت األنبــاء التــي نقلتهــا وكالــة‬ ‫الخليــج فــإن تدخــاً بريــاً وشــيكاً تركيــاً وســعودياً يف ســوريا يف‬ ‫حزيــران القــادم ســيعمل عــى إنهــاء تنظيــم الدولــة والنظــام‬ ‫الســوري يف آن معــاً‪.‬‬ ‫ال ميكــن عــزل مــا يجــري يف اليمــن عــن الــذي يجــري يف ســوريا‪،‬‬ ‫خصوصـاً وأن إيـران تحتـ ّـل البلديــن بشــكل أو بآخــر‪ ،‬وال بــد للحــد‬ ‫مــن النفــوذ اإليــراين يف املنطقــة بعــد تعطيــل عجلــة اقتصــاده‬ ‫واالســتنزاف الكبــر لــه مــن البــدء بتكســر قوامئــه‪ ،‬وهــذا مــا بــدأ‬ ‫العمــل عليــه‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫إدل��ب اخلض��راء حم��ررة‬ ‫متكنــت الفصائــل الثوريــة املنضويــة تحــت‬ ‫رايــة «غرفــة عمليــات جيــش الفتــح» مــن‬ ‫تحريــر مدينــة إدلــب كاملــة‪ ،‬بعــد أيــام قليلــة‬ ‫مــن انطــاق معركــة تحريرهــا الكــرى‪ ،‬التــي‬ ‫اســتمرت أربعــة أيــام متواصلــة‪ ،‬انتهــت يف‬ ‫يــوم ‪ 2015/3/28‬والتــي شــارك فيهــا عــدد مــن‬ ‫الفصائــل واأللويــة املرابطــة يف محيــط املدينــة‪.‬‬ ‫ويف بدايــة املعركــة متكــن الثــوار مــن تنفيــذ‬ ‫خطــة محكمــة لــرب خطــوط دفــاع النظــام‬ ‫املتمركــزة يف محيــط املدينــة‪ ،‬وهــو مــا ســهل‬ ‫املعركــة بشــكل كبــر‪ ،‬والتــي بــدأت بتمهيــد‬ ‫مدفعــي وقصــف صاروخــي وبقذائــف الهــاون‬ ‫اســتهدف املواقــع التــي تتمركــز فيهــا قــوات‬ ‫النظــام وامليليشــيات الطائفيــة املســاندة لــه‪،‬‬ ‫وترافقــت مــع اشــتباكات عنيفــة ومبــارشة‪،‬‬ ‫أدت لكــر الخطــوط الدفاعيــة األوىل وفــرار‬ ‫قــوات النظــام إىل معســكر املســطومة‪ ،‬الواقــع‬ ‫جنــوب إدلــب مبســافة ‪ 5‬كــم‪ ،‬وتابــع الثــوار‬ ‫معاركهــم باتجــاه تــل املســطومة‪ ،‬حيــث‬ ‫متكنــوا مــن تحريــر حواجــز الطرشــة ودريــم‬ ‫النــد والقبــب واألشــقر عــى طريــق إدلــب‬ ‫– املســطومة‪ ،‬وتابعــوا قصفهــم معســكر‬ ‫املســطومة بكافــة أنــوع األســلحة‪ ،‬واســتهداف‬ ‫أرتــال قــوات النظــام املتحركــة عــى الطريــق‬ ‫الواصــل بــن مدينتــي أريحــا وجــر الشــغور‪،‬‬ ‫التــي كانــت تهــدف لتأمــن عمليــة انســحاب‬ ‫عنــارص النظــام مــن داخــل املدينــة‪.‬‬ ‫واســتطاع الثــوار خــال هــذه املعــارك الضاريــة‬ ‫مــن قتــل وجــرح املئــات مــن جنــود األســد‬ ‫وشــبيحته وعنــارص امليلشــيات املســاندة‬ ‫لــه‪ ،‬وحققــت الفصائــل مكاســب مــن خــال‬ ‫اغتنامهــا اآلليــات الثقيلــة وأنــواع مختلفــة مــن‬

‫وبلــدات رسمــن وبنــش ورساقــب وقمينــاس‬ ‫املحــررة‪ ،‬وأفــاد ناشــطون أن ســاح الجــو‬ ‫الســوري اســتخدم الســاح الكيــاوي مرتــن‬ ‫بقصــف رسمــن وبنــش برباميــل تحمــل غــاز‬ ‫الكلــور‪ ،‬مــا أدى لوقــوع العديــد مــن اإلصابــات‬ ‫بحــاالت االختنــاق‪ ،‬حيــث تــم نقلهــم إىل‬ ‫املشــايف امليدانيــة القريبــة‪ ،‬فيــا تــم نقــل‬ ‫الحــاالت الخطــرة إىل املشــايف الرتكيــة عــر‬ ‫بوابــة بــاب الهــوى‪.‬‬

‫األســلحة‪ ،‬وكميــات كبــرة مــن الذخــرة‪.‬‬ ‫وإثــر إعــان التحريــر صدحــت مــآذن املســاجد‬ ‫يف مدينــة إدلــب وريفهــا املحــرر بالتكب ـرات‪،‬‬ ‫التــي ترافقــت مــع فرحــة عارمــة لجميــع‬ ‫املدنيــن بهــذا االنتصــار‪ ،‬فيــا ارتفعــت‬ ‫التكبـرات يف مســاجد مدينــة حلــب‪ ،‬وحريتــان‬ ‫وحيــان بالتزامــن مــع احتفــاالت أهــايل أحيــاء‬ ‫‫الشــعار‬ و‫‏طريــق البــاب‬ بهــذه املناســبة‪،‬‬ ‫وخــروج مظاهــرة خاطفــة خلــف جامــع‬ ‫النــور يف حــي حلــب الجديــدة الــذي يقــع‬ ‫تحــت ســيطرة قــوات األســد‪ ،‬تحيــي انتصــارات‬ ‫الثــوار يف إدلــب‪ ،‬كــا ع ّمــت الفرحــة مخيــات‬ ‫الالجئــن الســوريني‬‬ يف تركيــا ودول الجــوار‬ ‫والشــال الســوري‪.‬‬ ‫ولتغطيــة عمليــة فــرار قــوات النظــام‪ ،‬ويف‬

‫ويف البيــان الصــادر عــن االئتــاف الوطنــي‬ ‫لقــوى الثــورة واملعارضــة‪ ،‬جــاء فيــه‪ :‬إن‬ ‫«تحريــر مدينــة إدلــب ميثــل انتصــارا ً هامــاً‬ ‫عــى طريــق تحريــر كامــل الــراب الســوري‬ ‫مــن نظــام األســد وأعوانــه‪ ،‬وهــو مــا يشــكل‬

‫خطــوة انتقاميــة لهزميــة قواتــه‪ ،‬أقدمــت‬ ‫طائــرات النظــام عــى قصــف أحيــاء املدينــة‬ ‫وريفهــا بالصواريــخ الفراغيــة وبراميــل املــوت‪،‬‬ ‫وكث ـرا ً مــا أخطــأت أهدافهــا وأصابــت مواقــع‬ ‫النظــام‪ ،‬وأوقعــت الكثــر مــن القتــى يف‬ ‫صفوفــه‪ ،‬فيــا تركــز قصفهــا عــى مــدن‬

‫حصــول انعطافــة حقيقيــة يف مســتوى الدعــم‬ ‫والتنســيق املقــدم لقــوى الثــورة الســورية‪،‬‬ ‫مــن خــال توفــر حاميــة نهائيــة وحاســمة‬ ‫مــن اعتــداءات النظــام باســتخدام الطائــرات‬ ‫واملروحيــات والصواريــخ‪ ،‬وســحب كل أنــواع‬ ‫االعــراف القانــوين بنظــام األســد‪ ،‬مبــا ميهــد‬

‫حتطيم متثال األسد األب يف مدينة إدلب احملررة‬

‫النتقــال ســيايس كامــل‪ ،‬ومــن ثــم إعــادة بنــاء‬ ‫ســورية دولــة مدنيــة تحقــق تطلعــات أبنائهــا‬ ‫جميعــاً»‪.‬‬ ‫وجــدد االئتــاف ثبــات موقفــه الســيايس‬ ‫املتمســك مببــادئ الثــورة حتــى إســقاط النظــام‪،‬‬ ‫وطالــب عــى نحــو عاجــل بــرورة «دعــم‬ ‫فصائــل الثــورة الســورية بــكل مــا تحتاجــه‬ ‫للدفــاع عــن املدنيــن‪ ،‬ودعــم اإلدارة املدنيــة‬ ‫التــي بــارشت عملهــا يف تقديــم الخدمــات‬ ‫للمواطنــن»‪.‬‬ ‫وقــال خالــد خوجــة‪ ،‬رئيــس االئتــاف الوطنــي‬ ‫لقــوى الثــورة واملعارضــة الســورية يف ترصيــح‬ ‫صحفــي‪ :‬إن تحريــر مدينــة ‏إدلــب‪ ،‬يفــرض‬‬ ‫واقعـاً جديــدا ً يســتوجب موقفـاً دوليـاً مختلفـاً‪.‬‬ ‫يف إشــارة إىل إمكانيــة فــرض منطقــة حــر‬ ‫جــوي يف شــال ســوريا‪ ،‬ودعــم الحــل الســيايس‬ ‫عــى خلفيــة اتفاقيــة جنيــف‪.‬‬ ‫وبــث ناشــطون مقطــع فيديــو يظهــر قيــام‬ ‫الثــوار بتحطيــم متثــال الديكتاتــور حافظ األســد‬ ‫القابــع يف ســاحة أمــام قــر املحافــظ وســط‬ ‫مدينــة إدلــب‪ ،‬يف مشــهد مهيــب يعيــد إىل‬ ‫األذهــان صــور تحطيــم متاثيــل األســد ورمــوزه‬ ‫يف املــدن الســورية‪.‬‬

‫ويف الوقــت الــذي أعلــن فيــه جيــش الفتــح‬ ‫ســيطرته الكاملــة عــى مدينــة إدلــب‪ ،‬قامــت‬ ‫الفصائــل الثوريــة املقاتلــة بعمليــة متشــيط‬ ‫واســعة شــملت أحيــاء املدينــة كافــة‪ ،‬بحثــاً‬ ‫عــن فلــول قــوات النظــام املهزومــة‪ ،‬فيــا‬ ‫أرشف عنــارص مــن الثــوار عــى إجــاء بعــض‬ ‫العائــات مــن املناطــق املتــررة مــن القصــف‬ ‫واالشــتباكات‪ ،‬وتأمــن حاميتهــم يف أماكــن أكــر‬ ‫أمنــاً واســتقرارا ً‪.‬‬ ‫وكانــت قــوات األســد قــد ارتكبــت قبــل فرارهــا‬ ‫مــن مدينــة إدلــب مجــزرة مروعــة يف فــرع‬ ‫األمــن العســكري‪ ،‬وأكــد ناشــطون بــأن قــوات‬ ‫األســد أعدمــت ‪ 15‬معتقــاً مدنيــاً بينهــم‬ ‫امــرأة‪ ،‬داخــل مبنــى الفــرع يف املربــع األمنــي‬ ‫ملدينــة إدلــب‪.‬‬ ‫ويف خطــوة انتقاميــة أخــرى بعــد تحريــر‬ ‫إدلــب‪ ،‬أقدمــت قــوات النظــام املتمركــزة يف‬ ‫مدينــة أريحــا عــى قصــف مركــز املدينــة‬ ‫بالصواريــخ وقذائــف الهــاون‪ ،‬وتشــر األخبــار‬ ‫الــواردة لتعــرض مستشــفى الهــال األحمــر‬ ‫الســوري يف إدلــب بأحــد هــذه الصواريــخ‪،‬‬ ‫مــا أدى لوقــوع عــدد مــن اإلصابــات‪ ،‬وتعــرض‬ ‫املشــفى ألرضار ماديــة‪.‬‬

‫اجلي��ش احلر حيرر بصرى الش��ام ويطرد ميليش��يات االحت�لال اإليراني‬ ‫يف هجــوم منســق ومباغــت عــى قــوات‬ ‫االحتــال اإليــراين‪ ،‬متكــن الجيــش الحــر مــن‬ ‫تحريــر بــرى الشــام مــن قــوات الحــرس‬ ‫الثــوري اإليــراين وأعوانــه‪ ،‬مــا يعــد رضبــة‬ ‫قاســية ألعــوان إيــران‪ ،‬وللنظــام الــذي ســلّم‬ ‫ســورية للحــرس الثــوري اإليــراين‪ ،‬وقــد جــاء‬ ‫هــذا النــر قبــل أيــام قليلــة مــن انطــاق‬ ‫عاصفــة الحــزم‪ ،‬التــي يشــنها التحالــف العــريب‬ ‫والــدويل ضــد النفــوذ اإليــراين يف اليمــن‪.‬‬ ‫ويذكــر أن الجيــش الســوري الحــر قــد ســيطر‬ ‫عــى مدينــة بــرى الشــام بريــف درعــا‪،‬‬ ‫إثــر معــارك عنيفــة‪ ،‬أدت إىل طــرد قــوات‬ ‫الحــرس الثــوري اإلي ـراين واملليشــيات الطائفيــة‬ ‫وميليشــيا الدفــاع الوطنــي التابعــة لنظــام‬ ‫األســد مــن داخــل املدينــة‪ ،‬وذلــك بعــد قطــع‬ ‫خــط اإلمــداد املتصــل مبحافظــة الســويداء‪.‬‬ ‫وأكّــد الناشــط اإلعالمــي‪ ،‬عــاد الحــوراين‪،‬‬ ‫لـ»العــريب الجديــد»‪« ،‬انســحاب مــا تبقــى مــن‬ ‫عنــارص قــوات النظــام ومليشــياتها مــن بــرى‬ ‫الشــام إىل محافظــة الســويداء املجــاورة‪،‬‬ ‫وذلــك بعــد مقتــل العــرات منهــم‪ ،‬ومــن‬ ‫بينهــم ضابــط برتبــة عقيــد للنظــام‪ ،‬وضبــاط‬ ‫إيرانيــون‪ ،‬وكبــر الشــبيحة املدعــو بـ(الشــيخ‬ ‫مــوس)»‪ ،‬مش ـرا ً إىل أ ّن «الث ـ ّوار متكّنــوا خــال‬ ‫املعركــة أيضـاً مــن أرس أكــر مــن أربعــة عنــارص‬ ‫لـ(حــزب اللــه) اللبنــاين‪ ،‬بينــا قُتــل لهــم قرابــة‬ ‫‪ 17‬مقاتــاً»‪.‬‬ ‫وقــد أعلــن الجيــش الســوري الحــر عــن بــدء‬ ‫معركــة التحريــر‪ ،‬وخــاض معــارك عنيفــة‬ ‫لتحريرهــا‪ ،‬باســم «قادســية بــرى الشــام» مبــا‬ ‫يحمــل االســم مــن ثقــل تاريخــي‪ ،‬ويعيــد إىل‬ ‫األذهــان ذكــرى معركــة القادســية التــي أمثــرت‬

‫عــن فتــح بــاد الفــرس وإنهــاء اإلمرباطوريــة‬ ‫الفارســية‪.‬‬ ‫مــن جهتــه‪ ،‬أشــاد الناطــق الرســمي باســم‬ ‫االئتــاف الوطنــي الســوري ســامل املســلط‬ ‫بـ»االنتصــارات املتالحقــة التــي يحققهــا الجيش‬ ‫الســوري الحــر بعــد تحريــر مدينــة بــرى‬ ‫الشــام بريــف درعــا وعــدد مــن النقــاط الهامــة‬ ‫داخــل مدينــة إدلــب‪ ،‬وذلــك رغــم الدعــم‬ ‫الالمحــدود الــذي يتلقــاه نظــام األســد مــن‬ ‫الحــرس الثــوري اإلي ـراين وميليشــيا حــزب اللــه‬ ‫اإلرهــايب اللّذيــن يقــودان املعــارك عــى كافــة‬ ‫الجبهــات»‪.‬‬ ‫وميكــن القــول إن املعارضــة الســورية املســلحة‬ ‫متكنــت‪ ،‬مــن خــال حســم معركــة بــرى‬ ‫الشــام يف ريــف درعــا‪ ،‬مــن تحقيــق أبــرز‬ ‫انتصــار عســكري‪ ،‬حتــى اآلن‪ ،‬عــى القيــادة‬ ‫اإليرانيــة العســكرية التــي تحــارب يف الجبهــة‬ ‫الســورية‪ ،‬فقــد أخــذت معــارك هــذه الجبهــة‬ ‫طابعــاً مختلفــاً بعــض الــيء عــن املــدن‬ ‫األخــرى‪ ،‬بعدمــا قــررت إي ـران قيــادة املعركــة‬ ‫هنــاك‪ ،‬يف ســعي منهــا لتقويــض أحــام املعارضة‬ ‫الســورية يف الدخــول إىل دمشــق عــر الخــارصة‬ ‫الجنوبيــة والغربيــة للعاصمــة‪ ،‬وإنتــاج منطقــة‬ ‫جغرافيــة أقــرب للجنــوب اللبنــاين مــن حيــث‬ ‫الرتكيبــة الطائفيــة والحزبيــة املســلحة بشــعار‬

‫املقاومــة‪.‬‬ ‫عــى ضــوء ذلــك‪ ،‬وبعــد سلســلة مــن املعــارك‬ ‫املتواصلــة بــن فصائــل املعارضــة وقــوات‬ ‫النظــام‪ ،‬املدعومــة بقــوات مــن «حــزب اللــه»‬ ‫اللبنــاين والحــرس الثــوري اإلي ـراين ومليشــيات‬ ‫أفغانيــة وعراقيــة‪ ،‬يف املناطــق الواصلــة بــن‬ ‫درعــا والقنيطــرة وريــف دمشــق‪ ،‬وأبرزهــا بلدة‬ ‫حمريــت‪ ،‬أرادت قــوات املعارضــة‬ ‫قلــب املعطيــات عــى إيـران‪ ،‬فبــدأت‬ ‫مــن أهــم معاقــل جيــش النظــام‬ ‫وحلفائــه يف درعــا‪ ،‬والخ ـزان البــري‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬واملتمثــل يف مدينــة‬ ‫بــرى الشــام‪ ،‬يف ريــف درعــا‬ ‫الرشقــي‪ ،‬قــرب محافظــة الســويداء‪.‬‬ ‫يف هــذه األثنــاء‪ ،‬حــاول النظــام‬ ‫الســوري‪ ،‬إحــداث فتنــة بــن‬ ‫الســويداء ودرعــا‪ ،‬عــر االدعــاء‬ ‫بــأن أهــايل درعــا يريــدون الدخــول‬ ‫إىل الســويداء‪ ،‬إال أن املعارضــة كانــت واعيــة‬ ‫ومدركــة لذلــك‪ ،‬وأصــدرت «غرفــة اإلعــام‬ ‫العســكري» يف الجبهــة الجنوبيــة بيانــاً‬ ‫أوضحــت فيــه أن «قــوات املعارضــة مل ولــن‬ ‫تســعى إىل دخــول مناطــق الســويداء‪ ،‬ولكــن‬ ‫كان املطلــوب قطــع اإلمــداد مــن قريتــي بــكا‬ ‫وذيبــن‪ ،‬ومــا االشــتباكات التــي حصلــت إال رد‬

‫فعــل عــى بعــض الذيــن حاولــوا االصطيــاد‬ ‫باملــاء العكــر»‪.‬‬ ‫ورسعــان مــا بــدأت حواجــز قــوات النظــام‬ ‫تتهــاوى أمــام هجــوم املعارضــة عــى املدينــة‪،‬‬ ‫بعــد ثالثــة أيــام مــن إطــاق معركــة تحــت‬ ‫شــعار «قادســية بــرى»‪ ،‬يف إشــارة إىل املعركــة‬ ‫الشــهرية بــن العــرب والفــرس يف العـراق التــي‬ ‫وقعــت يف عــام ‪ 636‬ميــادي‪ ،‬وانتهــت بانتصــار‬ ‫حاســم للعــرب‪ .‬ومتكنــت املعارضــة املســلحة‬ ‫مــن الســيطرة عــى القلعــة األثريــة وحاجــز‬ ‫بــرد العســكري واملستشــفى الوطنــي‪ ،‬وأعلنــت‬ ‫الســيطرة عــى املدينــة بشــكل كامــل‪ ،‬خاليــة‬ ‫مــن قــوات النظــام و»حــزب اللــه» والحــرس‬ ‫الثــوري اإليــراين‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق‪ ،‬يؤكــد املتحــدث الرســمي‬

‫باســم «الفيلــق األول» التابــع لـ»الجيــش‬ ‫الســوري الحــر» إبراهيــم نــور الديــن‪ ،‬أن‬ ‫«أهميــة الســيطرة عــى مدينــة بــرى الشــام‬ ‫معنويــة؛ كونهــا تضــم أكــر معاقــل النظــام‬ ‫وتجمعــات للحــرس الثــوري اإليــراين وعنــارص‬ ‫حــزب اللــه‪ ،‬وشــكلت رضبــة قاصمــة للنظــام‬

‫ولحلفائــه»‪.‬‬ ‫ويوضــح نــور الديــن‪ ،‬يف ترصيحــات لـ»العــريب‬ ‫الجديــد»‪ ،‬أن» الســيطرة عــى املدينــة كانــت‬ ‫أيضــاً بهــدف فــك الحصــار الــذي يعــاين‬ ‫منــه مدنيــو الجــزء الغــريب والرشقــي مــن‬ ‫املدينــة‪ ،‬باإلضافــة لكــون املدينــة آخــر تواجــد‬ ‫للمليشــيات وللنظــام بــن محافظتــي الســويداء‬ ‫ودرعــا‪ ،‬مــا يســهل وصــول الثــوار إىل الطريــق‬ ‫العســكري القديــم الــذي يصــل بــن الســويداء‬ ‫ومعــر نصيــب‪ ،‬عــى امتــداد الحــدود األردنيــة؛‬ ‫وهــذا يــؤدي لقطــع طــرق إمــداد النظــام مــن‬ ‫محافظــة الســويداء»‪.‬‬ ‫وتقــع مدينــة بــرى الشــام التاريخيــة عــى‬ ‫بعــد ‪ 40‬كيلومــرا ً عــن مركــز مدينــة درعــا‪،‬‬ ‫ونحــو ‪ 140‬كيلومـرا ً عــن دمشــق‪ ،‬وترتفــع عــن‬ ‫ســطح البحــر نحــو ‪ 850‬مـرا ً‪ ،‬وتعتــر‬ ‫مــن املــدن التاريخيــة ذات األهميــة‪،‬‬ ‫حيــث كانــت عاصمــة دينيــة ومرك ـزا ً‬ ‫تجاريــاً هامــاً وممــرا ً عــى طريــق‬ ‫الحريــر الــذي ميتــد إىل الصــن‪ ،‬وهــي‬ ‫املدينــة األوىل التــي زارهــا النبــي‬ ‫محمــد (ص) يف زيارتــه إىل بــاد الشــام‬ ‫قبــل تلقيــه الرســالة‪.‬‬ ‫إن الســيطرة عــى مدينــة بــرى‬ ‫الشــام كانــت نقطــة البدايــة‪ ،‬بعــد‬ ‫ارتفــاع املعنويــات يف صفــوف‬ ‫املعارضــة واســتعادة املبــادرة‪ ،‬ضــد‬ ‫النظــام وضــد قــوات االحتــال اإليراين لســورية‪،‬‬ ‫إذ أصــدرت الجبهــة الجنوبيــة بيانـاً أعلــن فيــه‬ ‫الجيــش األول والفصائــل املشــاركة مــن الجبهــة‬ ‫الجنوبيــة‪ ،‬بــدء معركــة جديــة غــرب مدينــة‬ ‫الصنمــن يف الريــف الشــايل الغــريب ملحافظــة‬ ‫درعــا‪ .‬وكذلــك باتجــاه العاصمــة دمشــق‪.‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫عاصفة احلزم‪:‬‬

‫‪3‬‬

‫الس��وريون يتطلعون للخالص م��ن االحتالل اإليراني‬

‫تلقــى الســوريون أنبــاء التحالــف العــريب‪،‬‬ ‫والغــريب ضــد العصابــات اإليرانيــة‪ ،‬والحوثيــة‬ ‫يف اليمــن بأمــل كبــر يف أن تعينهــم الــدول‬ ‫العربيــة‪ ،‬والــدول الصديقــة يف الخــاص مــن‬ ‫قــوات االحتــال اإليـراين لبالدهــم الــذي يقــوم‬ ‫بــه الحــرس الثــوري اإليــراين‪ ،‬وقائــده قاســم‬ ‫ســليامين‪ ،‬صاحــب القــرارات النهائيــة يف إدارة‬ ‫املــوت يف ســورية‪ ،‬مــع أعوانــه مــن جامعــات‬ ‫نــر اللــه اإلجراميــة‪ ،‬والعصابــات العراقيــة‬ ‫الطائفيــة‪ ،‬التــي باتــت تحتــل أحيــا ًء يف دمشــق‬ ‫وتســتعرض قواتهــا‪ ،‬وأناشــيدها يف مختلــف‬ ‫األحيــاء الدمشــقية يف تحــد طائفــي ومذهبــي‬ ‫كريــه‪ ،‬تحــاول فيــه تحويــل ثــورة الكرامــة‬ ‫والحريــة الســورية إىل مجــرد حــرب أهليــة‬ ‫طائفيــة‪ ،‬ليــس لهــا مــن األهــداف إال الحقــد‬ ‫واســرجاع قطاعــات مهرتئــة مــن التاريــخ‪،‬‬ ‫الــذي كان يجــب أن يبقــى يف بطــون الكتــب‪،‬‬ ‫وتحــت أتربــة الزمــن باعتبــاره تجــارب فاشــلة‪،‬‬ ‫ويجــب عــدم تكرارهــا‪.‬‬ ‫وال شــك أن إيــران وغطرســتها تدخــل اليــوم‪،‬‬ ‫وبعــد عاصفــة الحــزم يف طــور جديــد‪ ،‬يحــد‬ ‫مــن اســتفزازاتها العنرصيــة‪ ،‬والطائفيــة وتضــع‬ ‫حــدا ً للفــوىض التــي تحــاول جاهــدة نرشهــا‪،‬‬ ‫يف مختلــف البلــدان العربيــة‪ ،‬وعــى رأســها‬ ‫ســورية‪ ،‬كــا فعلــت يف العــراق‪ ،‬والحقــاً يف‬ ‫اليمــن‪.‬‬ ‫وبعــد عاصفــة الحــزم‪ ،‬واالنتصــار املــرف‬ ‫لقــوات الجيــش الحــر يف بــرى الشــام ضــد‬ ‫العصابــات اإليرانيــة وأعوانهــا‪ ،‬يجــب أن تعــي‬ ‫إي ـران ومرتزقتهــا‪ ،‬بــأن الشــعب الســوري لــن‬ ‫يتســامح أبــدا ً مــع كل مــن تــورط يف دمــاء‬ ‫أبنائــه وتهجــر الســكان مــن قراهــم ومدنهــم‬ ‫بشــكل وحــي‪ ،‬وأن يــوم الحســاب ال بــد أن‬ ‫يكــون قريب ـاً وحاس ـاً‪ ،‬وال يقبــل أي نــوع مــن‬ ‫أنــواع املســاومات‪ ،‬التــي تجــري يف مؤمتــرات‬ ‫هزليــة‪ ،‬ويف تجمعــات شــكلية ال غايــة لهــا‬ ‫إال تربيــر هــدر املزيــد مــن الدمــاء الســورية‪،‬‬ ‫ومكافــأة املجرمــن الذيــن قامــوا بهندســة كل‬

‫هــذا الخـراب‪ ،‬الــذي يحــل يف بالدنــا الســورية‪،‬‬ ‫وينتــر يف معظــم املــدن والقــرى الســورية‪،‬‬ ‫ناهيــك عــن األذى املــادي والنفــي الجســيم‬ ‫الــذي يلحــق كل يــوم بالســوريني كبــارا ً‬ ‫وصغــارا ً‪.‬‬ ‫وقدمــت وكالــة األناضــول الرتكيــة معلومــات‬ ‫مفصلــة عــن الــدول املشــاركة يف عاصفــة‬ ‫الحــزم‪ ،‬والقــوات املشــركة يف هــذه العمليــة‬ ‫النوعيــة التــي ســتعصف بالنفــوذ اإليــراين يف‬ ‫املنطقــة‪ .‬وتحــت عنــوان‪:‬‬ ‫«عاصف��ة احلزم» الدول املش��اركة‬ ‫والداعمة وحجم القوات‬ ‫بــدأت العمليــة العســكرية «عاصفــة الحــزم»‬ ‫بالرضبــات الجويــة األوىل التــي وجهتهــا‬ ‫الطائ ـرات الســعودية ملعاقــل جامعــة الحــويث‬ ‫باليمــن‪ ،‬وتشــارك دول الخليــج العــريب مــا‬ ‫عــدا ُعــان يف عمليــات القصــف‪ ،‬كــا تحــر‬ ‫دول أخــرى يف العمليــة التــي مــن املنتظــر أن‬ ‫يزيــد حجــم القــوات والــدول املشــاركة مــع‬ ‫اســتمرارها‪.‬‬ ‫وبلــغ إجــايل املشــا َركة املعلنــة يف العمليــة‬ ‫حتــى اآلن ‪ 185‬طائــرة مقاتلــة‪ ،‬بينهــا مائــة‬ ‫مــن الســعودية التــي تحشــد أيضــا ‪ 150‬ألــف‬ ‫مقاتــل ووحــدات بحريــة عــى اســتعداد‬ ‫للمشــاركة إذا تطــورت العمليــة العســكرية‪.‬‬ ‫وشــاركت باملوجــة األوىل مــن الهجــوم ‪-‬إضافــة‬ ‫إىل الســعودية‪ -‬كل مــن اإلمــارات بثالثــن‬ ‫مقاتلــة‪ ،‬والكويــت بـــ‪ 15‬والبحريــن بـــ‪ ،15‬بينام‬ ‫شــاركت قطــر بعــر طائ ـرات‪ ،‬واألردن بســت‬ ‫طائــرات‪ ،‬وكذلــك املغــرب بســت طائــرات‪،‬‬ ‫والســودان بثــاث طائــرات‪.‬‬ ‫وأكــدت مــر واألردن وباكســتان والســودان‬ ‫مشــاركتها يف العمليــة الربيــة ضمــن «عاصفــة‬ ‫الحــزم» إذا تــم املــرور إىل هــذا الخيــار‪ ،‬بينــا‬ ‫أعلنــت الواليــات املتحــدة عــن اســتعدادها‬ ‫لتقديــم دعــم لوجســتي واســتخبارايت للتحــرك‬ ‫العســكري الخليجــي باليمــن‪.‬‬ ‫وأعلنــت الخارجيــة املرصيــة يف بيــان «تعلــن‬

‫جمهوريــة مــر العربيــة دعمهــا الســيايس الس��عودية تش��ارك بالق��وة األك�بر يف‬ ‫والعســكري للخطــوة التــي اتخذهــا ائتــاف التحال��ف ض��د احلوثي�ين‪..‬‬ ‫الــدول الداعمــة للحكومــة الرشعيــة يف‬ ‫اليمــن اســتجابة لطلبهــا‪ ،‬وذلــك انطالق ـاً مــن ويف تقريــر لوكالــة رويــرز حــول آخــر‬ ‫مســؤوليتها التاريخيــة تجــاه األمــن القومــي املســتجدات واالنجــازات لعاصفــة الجــزم وأهم‬ ‫املواقــع الحوثيــة واإليرانيــة التــي تــم قصفهــا يف‬ ‫العــريب وأمــن منطقــة الخليــج العــريب»‪.‬‬ ‫وتابــع البيــان أن «التنســيق جــار حاليــاً مــع اليمــن‪ ،‬بينــت‪:‬‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية ودول الخليــج قــال مســؤول دبلومــايس خليجــي‪ :‬إن‬ ‫الشــقيقة بشــأن ترتيبــات املشــاركة بقــوة «التحالــف العــريب الــذي يهاجــم الحوثيــن يف‬ ‫جويــة وبحريــة مرصيــة‪ ،‬وقــوة بريــة إذا لــزم اليمــن كان يخطــط يف بــادئ األمــر لحملــة‬ ‫تســتمر شــهراً‪ ،‬لكــن العمليــة قــد تســتغرق مــا‬ ‫األمــر‪ ،‬يف إطــار عمــل االئتــاف»‪.‬‬ ‫ويف عـ ّـان‪ ،‬أكــد مصــدر رســمي أردين املشــاركة بــن خمســة وســتة أشــهر»‪.‬‬ ‫يف العمليــة‪ ،‬وقــال إن هــذا يــأيت متســقاً مــع وأضــاف أن «إيـران الحليــف الرئيــي للحوثيــن‬ ‫دعــم الرشعيــة باليمــن وأمنــه واســتقراره ســرد عــى األرجــح بشــكل غــر مبــارش مــن‬ ‫وتجســيدا ً للعالقــات التاريخيــة بــن األردن خــال تشــجيع ناشــطني شــيعة موالــن إلي ـران‬ ‫والســعودية ودول الخليــج التــي «نعتــر أمنهــا عــى تنفيــذ هجــات مســلحة يف البحريــن‬ ‫ولبنــان ورشق الســعودية»‪ ،‬ويف حــن‪ ،‬تنفــي‬ ‫واســتقرارها مصلحــة إســراتيجية عليــا»‪.‬‬ ‫وأضــاف أن األردن يدعــم الرشعيــة يف اليمــن إيــران دعــم الحوثيــن عســكرياً وانتقــدت‬ ‫والعمليــة السياســية التــي تجمــع كافــة أطـراف التحــرك العســكري لــدول الخليــج العربيــة‪.‬‬ ‫املعادلــة اليمنيــة‪ .‬ورفــض املصــدر التعليــق عىل ويواصــل الحوثيــون الســاعون لإلطاحــة‬ ‫مشــاركات بريــة‪ ،‬مش ـرا ً إىل أن هــذا الحديــث بالرئيــس اليمنــي عبــد ربــه منصــور هــادي‪،‬‬ ‫تحقيــق مكاســب عــى األرض منــذ أن بــدأ‬ ‫يــأيت مــن قبيــل التخمينــات اإلعالميــة‪.‬‬ ‫ومــن جانبهــا‪ ،‬أكــدت واشــنطن تأســيس خليــة التحالــف بقيــادة الســعودية اســتهدافهم‬ ‫تخطيــط مشــركة مــع الســعودية لتنســيق برضبــات جويــة صبــاح الخميــس املــايض‪.‬‬ ‫الدعــم العســكري واالســتخبارايت يف مــا يتعلــق لكــن املســؤول الــذي رفــض نــر اســمه قــال‪:‬‬ ‫بالعمليــة العســكرية‪.‬‬ ‫أمــا الهــدف املعلــن مــن العمليــة فهــو‪ ،‬كــا‬ ‫جــاء يف بيــان ملجلــس التعــاون الخليجــي‪ ،‬يــأيت‬ ‫تلبيــة لطلــب مــن الرئيــس اليمنــي و»حاميــة‬ ‫اليمــن وشــعبه مــن العــدوان الحــويث املســتمر‬ ‫وردع الهجــوم املتوقــع حدوثــه يف أي ســاعة‬ ‫عــى مدينــة عــدن وبقيــة مناطــق الجنــوب‪،‬‬ ‫ومســاعدة اليمــن يف مواجهــة القاعــدة‬ ‫وداعــش»‪.‬‬ ‫ومــن املنتظــر أن تســتمر العمليــة عــدة أيــام‪،‬‬ ‫حيــث أعلنــت اململكــة الســعودية اســتمرارها‬ ‫حتــى تحقيــق أهدافهــا‪.‬‬ ‫ووفقــا لعمليــة القصــف األوىل‪ ،‬فقــد تــم‬ ‫اســتهداف قاعــدة الديلمــي والرشطــة‬ ‫العســكرية والقــر الرئــايس والفرقــة املدرعــة إن «الهجــات ســتتواصل إىل أن يتمكــن اليمــن‬ ‫األوىل والقــوات الخاصــة وقيــادة قــوات مــن اســتئناف عمليــة االنتقــال الســيايس‬ ‫االحتيــاط يف صنعــاء‪ ،‬وقاعــدة العنــد الجويــة املدعومــة مــن األمــم املتحــدة والتــي توقفــت‬ ‫يف لحــج جنــويب اليمــن‪ ،‬ومواقــع عســكرية يف نتيجــة ســيطرة الحوثيــن عــى صنعــاء يف‬ ‫ســبتمرب‪ /‬أيلــول»‪.‬‬ ‫صعــدة (معقــل الحوثيــن شــاالً)‪.‬‬ ‫ومــن املنتظــر أن يتــم الرتكيــز عــى مواقــع‬ ‫أخــرى يســيطر عليهــا الحوثيــون‪ ،‬وعــى مواقــع وأضــاف أن قلــق دول الخليــج مــن نفــوذ‬ ‫الدعــم اللوجســتي وخطــوط الربــط واالتصــال‪ ،‬الحوثيــن يف اليمــن تزايــد يف ينايــر‪ /‬كانــون‬ ‫مــن أجــل تدمــر قــدرة مســلحي الحــويث عــى الثــاين بعدمــا أظهــرت صــور لألقــار الصناعيــة‬ ‫تشــكيل أي تهديــد عــى مؤسســات الدولــة‪ .‬نــر قــوات الحــويث صواريــخ ســكود طويلــة‬ ‫مس��ؤول خليج��ي‪ :‬عملي��ات املــدى يف املناطــق الشــالية‪ ،‬وأصبحــت‬ ‫التحال��ف العرب��ي يف اليم��ن الصواريــخ التــي يــراوح مداهــا بــن ‪250‬‬ ‫ً‬ ‫كيلوم ـرا ً و‪ 650‬كيلوم ـرا ً موجهــة شــاالً نحــو‬ ‫ش��هورا‪..‬‬ ‫ستس��تغرق‬

‫األرايض الســعودية‪.‬‬ ‫وقــال‪ :‬إن «الجيــش اليمنــي كان ميتلــك نحــو‬ ‫‪ 300‬صــاروخ ســكود ويعتقــد أن الجــزء األكــر‬ ‫منهــا تحــت ســيطرة الحوثيــن والوحــدات‬ ‫العســكرية املتحالفــة معهــم واملواليــة للرئيــس‬ ‫الســابق عــي عبــد اللــه صالــح‪ ،‬أن الحملــة‬ ‫العســكرية دمــرت ‪ 21‬منهــا حتــى اآلن»‪.‬‬ ‫وقــال املســؤول الدبلومــايس الخليجــي‪ :‬إن‬ ‫«التحالــف لــن يقبــل بنجــاح انقــاب الحوثيــن‬ ‫ويرغــب يف أن يســتأنف اليمنيــون العمليــة‬ ‫املدعومــة مــن األمــم املتحــدة»‪.‬‬ ‫وتابــع إن «الحملــة قــد تســتغرق بــن خمســة‬ ‫وســتة أشــهر لتحقيــق أهدافهــا لكنــه أشــار‬ ‫إىل وجــود مجــال للجميــع مبــن فيهــم جامعــة‬ ‫الحــويث للدخــول يف تلــك العمليــة الراميــة إىل‬ ‫وضــع دســتور جديــد للبــاد»‪.‬‬ ‫وأضــاف املســؤول أن «قــوات الحــويث تتلقــى‬ ‫التدريــب والدعــم عــى األرض مــن نحــو‬ ‫‪ 5000‬خبــر مــن إي ـران وحلفائهــا اإلقليميــن‪،‬‬ ‫وهــم جامعــة حــزب اللــه يف لبنــان وجامعــات‬ ‫شــيعية عراقيــة‪».‬‬ ‫وأشــار إىل أن الحوثيــن ميثلــون حركــة «قبليــة‬ ‫مينيــة عــى نحــو جوهــري»‪ ،‬ولكنهــم قــد‬ ‫يصبحــون بعــد بضــع ســنوات مــن التدريــب‬ ‫اإليــراين قــوة مرهوبــة الجانــب‪.‬‬

‫وأضــاف‪ :‬مــن املعــرف بــه عــى نطــاق واســع‬ ‫أن «هــادي» يفتقــر لقاعــدة نفــوذ كبــرة‪،‬‬ ‫لكــن الــدول العربيــة تدعمــه كرئيــس رشعــي‬ ‫لليمــن ودوره كشــخصية انتقاليــة تقــود عمليــة‬ ‫اإلصــاح املدعومــة مــن األمــم املتحــدة‪ ،‬والتــي‬ ‫تهــدف إىل إرســاء االســتقرار يف اليمــن بعــد‬ ‫عقــود مــن الحكــم املطلــق‪ ،‬الــذي أفــى إىل‬ ‫اضطرابــات سياســية‪.‬‬ ‫ويكافــح اليمــن الســتعادة االســتقرار منــذ أن‬ ‫أطاحــت احتجاجــات حاشــدة يف عــام ‪2011‬‬ ‫بنظــام الرئيــس عــي عبداللــه صالــح بعــد أن‬ ‫ظــل يف الســلطة ‪ 33‬عامــا‪ً.‬‬


‫‪4‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫دور امل��رأة الس��ورية يف الث��ورة‬

‫الطفيلي ينتقد خطاب حسن نصر اهلل‬ ‫وحيمل النظام السوري مسؤولية تأسيس تنظيم الدولة‬

‫أشــادت الســيدة فلــك الحســن‪ ،‬رئيســة تجمــع «نســاء‬ ‫ســوريا مــن أجــل الســام» بصمــود املعتقــات يف الســجون‬ ‫الســورية‪ ،‬ونضالهــن ضــد الظلــم والقهــر والطغيــان‪ ،‬وذلك‬ ‫يف محــارضة عــن دور املــرأة يف الثــورة الســورية‪ ،‬ألقتهــا يف‬ ‫مقــر الحــزب الوطنــي للعدالــة والدســتور فــرع أورفــا‪.‬‬ ‫وأضافــت قائلــة‪ :‬مل تكــن املــرأة الســورية بعيــدة عــن‬ ‫الرجــل يف الثــورة الســورية‪ ،‬فقــد كانــت رصخاتهــا‬ ‫تشــق عنــان ســاء الحريــة‪ ،‬منــددة مبامرســات النظــام‬ ‫التعســفية‪ ،‬ورافعــة شــعارات تنــادي بالحريــة‪ ،‬وإنهــاء‬ ‫حــاالت التعذيــب التــي طالــت أطفــال درعــا‪ ،‬ومــن‬ ‫هــذه الشــعارات‪ :‬ال تقتــل أطفــايل وال تنــزع أظافرهــم‬ ‫وال تعذبهــم‪ ،‬فهــم مجــرد أطفــال‪ ،‬وعباراتهــم الثوريــة‬ ‫ليســت ســوى كلــات عــى حائــط أرادوا بهــا صحوتكــم‬ ‫وعودتكــم إىل املســار الصحيــح‪ ،‬لكــن قاموســكم هــو القتل‬ ‫والتعذيــب‪ ،‬هــذا القامــوس مل يخــف نســاء ســوريا أبــدا ً‬ ‫فكانــت يف املقدمــة دومـاً‪ ،‬ويف كل شــر مــن أرض الوطــن‪،‬‬ ‫فهــي املتظاهــرة واملســعفة‪ ،‬وهــي اإلعالميــة واإلغاثيــة‬ ‫والطبيبــة‪ ،‬وحتــى يف ســاحات الجهــاد‪ ،‬فهــي الجريحــة‬ ‫والشــهيدة‪ ،‬ونســجت أعــام الحريــة بأزهــى ألوانهــا‪ ،‬وبــرز‬ ‫دور املــرأة يف تهريــب الناشــطني إىل خــارج البــاد‪ ،‬مخاطرة‬ ‫بذلــك بحياتهــا يف ســبيل الوطــن والحريــة‪.‬‬ ‫وأشــارت الحســن يف محارضتهــا إىل دور املــرأة الكبــر يف‬

‫نــر اعتــداءات وتجــاوزات النظام بحق الشــعب الســوري‬ ‫يف املحافــل الدوليــة‪ ،‬وعــر وســائل اإلعــام املختلفــة كــا‬ ‫خــرت املــرأة بيتهــا الصغــر الدافــئ‪ ،‬والــزوج واالبــن‬ ‫واألخ‪ ،‬وقــد اختــارت املــرأة طريقهــا يف الثــورة وحملــت‬ ‫الســاح أيضــاً‪ ،‬لتــذود بــه عــن رشفهــا وبيتهــا‪ ،‬حــن‬ ‫يهاجمهــا الظاملــون القتلــة‪ ،‬وال ننــى دورهــا الكبــر يف‬ ‫املناطــق املحــارصة‪ ،‬ومــا تعانيــه‪ ،‬وهــي تحــاول تأمــن‬ ‫الطعــام ألطفالهــا قبــل موتهــم جوعـاً‪ ،‬وليــس أقــى عــى‬ ‫األم مــن هــذا األمــر‪.‬‬ ‫وأكــدت الحســن أن معانــاة املــرأة الســورية كبــرة‬ ‫جــدا ً‪ ،‬وخاصــة يف ســجون النظــام‪ ،‬فهــي تتعــرض إضافــة‬ ‫للتعذيــب الجســدي والنفــي إىل االغتصــاب مــرارا ً‬ ‫وتك ـرارا ً مــن قبــل عنــارص النظــام‪ ،‬موضحــة أنــه حســب‬ ‫تقريــر منظمــة حرائــر ســوريا الصــادر يف ‪ 2014/3/8‬هنــاك‬ ‫‪ 7500‬امــرأة معنفــة جنســياً بينهــن ‪ 200‬تحــت الســن‬ ‫القانــوين الثامنــة عــر‪ .‬وهنــاك أكــر مــن خمســة عــر‬ ‫ألــف امــرأة شــهيدة‪ ،‬بينهــن أربعــة آالف طفلــة‪ ،‬وهنــاك‬ ‫مليــوين امــرأة الجئــة يف دول الجــوار‪ ،‬وال بــد لنــا كنســاء‬ ‫ســوريات مــن متابعــة الطريــق الــذي بدأنــاه برصختنــا‬ ‫األوىل التــي تنــادي بالحريــة والكرامــة‪ ،‬ولــن نكــون إال يف‬ ‫مقدمــة الصفــوف‪ ،‬فتضحيــات املــرأة الســورية ال تنضــب‬ ‫أبــدا ً‪ ،‬ولــن تركــع أبــدا ً للظلــم مهــا طــال الزمــن‪ ،‬وســوف‬ ‫تنتــر الثــورة الســورية‪.‬‬

‫انتقــد مؤســس حــزب اللــه وأمينــه العــام األســبق‬ ‫الشــيخ صبحــي الطفيــي‪ ،‬خطــاب األمــن العــام الحــايل‬ ‫للحــزب حســن نــر اللــه‪ ،‬الــذي هاجــم فيــه اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية وعمليــة «عاصفــة الحــزم» يف اليمــن‪.‬‬ ‫واســتغرب الطفيــي يف مقابلــة لــه مــع وكالــة األناضــول‬ ‫هجــوم نــر اللــه عــى الســعودية‪ ،‬خصوصــاً يف ظــل‬ ‫مشــاركة حــزب اللــه يف القتــال إىل جانــب قــوات النظــام‬ ‫الســوري‪ ،‬وتوجــه إىل نــر اللــه بقولــه «أنــت حزمــت‬ ‫قبــل أن يحزمــوا‪ ،‬وأنــت عصفــت قبــل أن يعصفــوا‪،‬‬ ‫والــكالم الــذي وجهتــه نحوهــم ســهامه تصيبــك»‪.‬‬ ‫وتوقــع أن ال تقــوم دول الخليــج بــردة فعــل ضــد اللبنانيني‬ ‫العاملــن فيهــا أو ضــد لبنــان بســبب كالم نــر الله‪.‬‬ ‫وانتقــد األمــن العــام الســابق لحــزب اللــه اجتيــاح جامعــة‬ ‫الحــويث للمــدن اليمنيــة «بــدل توجههــم لالنتخابــات»‪،‬‬

‫معتــرا أنــه «ال أحــد اليــوم يُغلّــب مصلحــة الشــعب‬ ‫اليمنــي»‪.‬‬ ‫وكشــف الطفيــي أن التملمــل بــدأ يظهــر يف قاعــدة حــزب‬ ‫اللــه‪« ،‬الــذي ال ميكنــه أن يتحمــل األعبــاء الكبــرة والهائلــة‬ ‫يف ســوريا»‪ ،‬مشـرا إىل أن الحــزب يحــاول أن يخفــف مــن‬ ‫مشــاركة شــبابه اللبنانيــن يف هــذه الحــرب‪ ،‬مــن خــال‬ ‫تجنيــد شــباب آخريــن‪.‬‬ ‫وشــدد أن الحــزب يتخــذ حاليــاً مــن تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســامية ذريعــة لالســتمرار بالتعبئــة يف قاعدته الشــعبية‪.‬‬ ‫ورأى الطفيــي أن مــن أســس تنظيــم الدولــة هــو النظــام‬ ‫الســوري‪ ،‬مشــرا ً إىل أن الحكومــة العراقيــة فيــا مــى‬ ‫اتهمــت النظــام الســوري بالوقــوف خلــف تدريــب‬ ‫وتجهيــز االنتحاريــن الذيــن كانــوا يفجــرون املســاجد‬ ‫واألســواق يف بغــداد وغريهــا‪« ..‬هــؤالء أنفســهم ح ّولهــم‬ ‫النظــام الســوري إىل داعــش»‪.‬‬

‫ن��دوة حواري��ة ح��ول املن��ح الدراس��ية للس��وريني يف تركي��ا‬ ‫عروة المهاوش‬ ‫اســتضافت منظمــة بيــت الرقــة لــكل الســوريني‪،‬‬ ‫وبالتعــاون مــع منظمــة «درب»‪ ،‬ولجنــة تســيري أعــال‬ ‫املجلــس املحــي ملحافظــة الرقــة‪ ،‬يف صالتهــا عــددا ً كبــرا ً‬ ‫مــن الطلبــة الجامعيــن للتعريــف بكيفيــة اســتفادة الطلبــة‬ ‫الســوريني مــن املنــح الدراســية الرتكيــة‪.‬‬ ‫وقــدم املحــارضان شــادي حــاج حســن وعــي البــكار‪ ،‬تعريفاً‬ ‫باملنــح الدراســية‪ ،‬وكيفيــة التســجيل يف الجامعــات الرتكيــة‪،‬‬ ‫واالســتفادة الكاملــة مــن املنــح التــي تقدمهــا الحكومــة‬ ‫الرتكيــة للطــاب الســوريني الراغبــن يف متابعــة تحصيلهــم‬ ‫العلمــي ضمــن الجامعــات الرتكيــة‪.،‬‬ ‫وقــال شــادي حــاج حســن‪ :‬إن تركيــا تعتــر مــن أكــر الــدول‬ ‫التــي تقــدم املنــح الجامعيــة يف العــامل‪ ،‬حيــث قدمــت يف‬ ‫عــام ‪ 2014‬أربعــة آالف مقعــد ملرحلــة البكالوريــوس فقــط‪،‬‬ ‫وهــذا الرقــم يعتــر كبــرا ً جــدا ً‪ ،‬حيــث حصــل الطــاب‬ ‫الســوريون عــى ‪ 1200‬مقعــد مــن هــذه املنحــة‪ ،‬ويتجــاوز‬ ‫عــدد املقاعــد يف املنــح للمراحــل كافــة ‪ 12‬ألــف مقعــد‬ ‫ســنوياً‪.‬‬ ‫موضحــاً أن أنــواع املنــح الرتكيــة هــي‪ :‬أوالً منحــة حــران‪،‬‬ ‫وهــي موجهــة لبــاد الشــام بشــكل عــام‪ ،‬وتضــم كل‬ ‫األقســام الجامعيــة باســتثناء الطبيــة‪ ،‬املنحــة الثانيــة هــي‬ ‫منحــة ابــن ســينا للعلــوم الطبيــة (املاســر‪ -‬دكتــوراه‪-‬‬ ‫أبحــاث‪ -‬ليســانس)‪ ،‬املنحــة الثالثــة هــي منحــة يونــس اميـرا‬

‫لتعليــم اللغــة الرتكيــة (بكالوريــوس‪ -‬ماجســتري‪ -‬دكتــوراه)‪،‬‬ ‫وكذلــك اللغــة العثامنيــة القدميــة‪ ،‬أمــا األخــرة فهــي منحــة‬ ‫ابــن خلــدون (ماجســتري ‪ -‬دكتــوراه) لدراســة العلــوم‬ ‫االجتامعيــة‪ ،‬ثــم تــم رشح كيفيــة التســجيل مــع األوراق‬ ‫املطلوبــة وعمليــة الدخــول إىل املوقــع اإللكــروين‪ ،‬والطريقة‬ ‫الصحيحــة مللــئ البيانــات بحيــث ال يكــون هنــاك أي خطــأ‬ ‫يف كتابــة البيانــات‪ ،‬ألن الخطــأ يفـ ّوت عــى الطالــب فرصــة‬ ‫االســتفادة مــن املنحــة‪.‬‬ ‫وقــ ّدم عــي البــكار رشحــاً مطــوالً ومفصــاً عــن كيفيــة‬ ‫الدخــول إىل املوقــع اإللكــروين الخــاص بالتســجيل للمنــح‪،‬‬ ‫وكيفيــة مــلء البيانــات بدقــة متناهيــة‪ ،‬ثــم أجــاب عــن‬ ‫كافــة التســاؤالت التــي طُرحــت مــن قبــل الطــاب أو‬ ‫ذويهــم حــول كل األمــور املتعلقــة بالتســجيل وكيفيتــه‪.‬‬ ‫يف نهايــة املحــارضة كان لنــا لقــاء مــع بعــض الطلبــة حــول‬ ‫مــدى فائــدة هــذه املحــارضة وإمكانيــة االســتفادة منهــا‪،‬‬ ‫الطالــب أحمــد ســليامن‪ ،‬قــال‪ :‬اســتفدنا الكثــر جــدا ً مــن‬ ‫هــذه املعلومــات‪ ،‬والتــي بــا شــك تهــم جميــع الطلبــة‬ ‫الســوريني يف تركيــا‪ ،‬وهــي مهمــة جــدا ً‪ ،‬واســتطعنا مــن‬ ‫خــال هــذه النــدوة معالجــة الكثــر مــن املشــاكل التــي‬ ‫كانــت تعرتضنــا دون إيجــاد إجابــة لهــا ســابقاً‪ ،‬بينــا اليــوم‬ ‫هنــاك مــن يجيــب عــى كافــة تســاؤالتنا حــول الطــرق الطالبــة فاطمــة العــي كانــت إجابتهــا مقتضبــة‪ ،‬وقالــت‪ :‬لعــدم خربتنــا‪ ،‬بينــا اليــوم‪ ،‬ومــن خــال هــذه املعلومــات‬ ‫املثــى للتســجيل‪ ،‬واالســتفادة مــن املنحــة الرتكيــة‪ ،‬نصائــح إن املعلومــات التــي قدمــت لنــا هــذا اليــوم كانــت عكــس نســتطيع التســجيل‪ ،‬وإفــادة غرينــا مــن الطلبــة عــى تقديــم‬ ‫قيمــة جــدا ً‪ ،‬وهــذا مــا كنــا نحتاجــه منــذ زمــن بعيــد‪.‬‬ ‫مــا كنــا نفكــر بــه‪ ،‬فطرقنــا بالتســجيل كانــت خاطئــة نتيجــة النصــح لهــم للتســجيل بالطريقــة الصحيحــة‪.‬‬


‫حرمل الرأي‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫طارق عبد الغفور‬

‫احلزم يا عاصفة احلزم‬

‫فوجــئ الكثــرون بقيــام اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫ قائــدة للتحالــف العــريب ‪ -‬بعمليــة عاصفــة الحــزم‬‫العســكرية‪ ،‬بهــدف ردع ميلشــيا الجامعــة الحوثيــة‬ ‫وميليشــيا عــي عبــد اللــه صالــح املتحالفــة معهــا‪،‬‬ ‫ومنعهــا مــن تحقيــق أهــداف التمــرد الــذي تقــوم بــه‬ ‫بقــوة الســاح‪.‬‬ ‫مــن حيــث املبــدأ‪ ،‬فــإن رفــض الحــوار ســبيالً وحيــدا ً‬ ‫للوصــول إىل حلــول لالختالفــات الفكريــة عــى املســتوى‬ ‫األيديولوجــي أو للرصاعــات والنزاعــات عــى املســتوى‬ ‫العمــي بــن األحــزاب واألطــراف السياســية املختلفــة‬ ‫الرؤيــة‪ ،‬هــو أمــر غــر مقبــول وال ميكــن تربيــره مطلق ـاً‪.‬‬ ‫وتبــدو هــذه العمليــة تأكيــدا ً ملــا يصــف بــه املحللــون‬ ‫املتابعــون للمواقــف الســعودية السياســية والدبلوماســية‬ ‫اململكــ َة بالبــطء يف اتخــاذ قراراتهــا بشــأن أي مــن‬ ‫امللفــات التــي تتعامــل معهــا‪ ،‬إال أنهــا تخــرج يف النهايــة‬ ‫بالقــرار الصائــب‪.‬‬ ‫ومبــا أن مــايل إيــران وساســتها صفيقــون وال يخجلــون‬ ‫مــن إظهــار صفاقتهــم‪ ،‬بــل إنهــم يتباهــون بهــا وباإلعــان‬ ‫عــن نوايــا إيـران يف الســيطرة عــى املنطقــة بترصيحــات‬ ‫مســؤوليهم التــي وصلــت إىل درجــة جعلــت مــن بغــداد‬ ‫مرك ـزا ً لإلمرباطوريــة الفارســية التــي عــادت كــا كانــت‬ ‫عــى حــد قــول مستشــار الرئيــس اإليـراين‪.‬‬ ‫وال يقــف هــذا الصلــف اإليـراين عنــد حــدود األقــوال‪ ،‬بــل‬ ‫يتجــاوزه إىل األفعــال‪ ،‬ففــي لبنــان حــزب اللــه وســيطرته‬ ‫عــى الحيــاة السياســية اللبنانيــة‪ ،‬وتعطيلــه ألهــم‬ ‫املؤسســات الدســتورية فيــه وهــي مؤسســة الرئاســة‪ ،‬ويف‬ ‫ســورية يســتلم الحــرس الثــوري اإلي ـراين عالني ـ ًة مهمــة‬ ‫تخطيــط وتنفيــذ العمليــات العســكرية ضــد الثــورة‬ ‫الســورية‪ ،‬واألمــر كذلــك يف العــراق‪ ،‬ويف اليمــن تعقــد‬ ‫إيــران اتفاقيــات ذوات صفــة ســيادية مــع املتمرديــن‬ ‫الحوثيــن‪.‬‬ ‫ومبــا أنهــا إيـران‪ ،‬ســواء كانــت بثــوب الحــويث‪ ،‬أو بثــوب‬ ‫حــزب اللــه‪ ،‬أو بثــوب امليليشــيات الطائفيــة العراقيــة‪،‬‬ ‫فــإن القــول بــأن عمليــة عاصفــة الحــزم ال تســتهدف‬ ‫ميليشــيا الجامعــة الحوثيــة وميليشــيا صالــح بقــدر مــا‬ ‫تســتهدف التحــرك اإلي ـراين يف املنطقــة الــذي يســتخدم‬ ‫هــذه امليليشــيات أدوات لــه‪ ،‬ليــس مجانب ـاً للصــواب‪.‬‬ ‫وعاصفــة الحــزم تثــر مالحظــات ال تقلــل مــن أهميتهــا‬ ‫وال تنــال مــن رضورتهــا‪:‬‬ ‫أوىل هــذه املالحظــات‪ ،‬هــي أن الظــروف التــي أدت إىل‬ ‫قيــام الحـراك الثــوري يف اليمــن تــكاد تتطابــق مــع تلــك‬ ‫التــي أدت إىل قيامــه يف ســورية‪ ،‬وأهمهــا الديكتاتوريــة‬ ‫العائليــة املســتمرة لعقــود‪ ،‬ونهــب البــاد وإفقارهــا‪،‬‬

‫والفســاد املســترشي فيهــا‪ ،‬فلــاذا لجــأت الســعودية إىل‬ ‫القــوة والحــزم يف التعامــل مــع األحــداث هنــاك‪ ،‬فيــا‬ ‫ســلكت مســلكاً آخ ـ َر مختلف ـاً عنــه هنــا؟‬ ‫إذا كان تربيــر ذلــك بــأن اليمــن هــو جــار الســعودية‬ ‫الجنــب‪ ،‬وأن أمــن الســعودية مرتبــط ارتباط ـاً وثيق ـاً مبــا‬ ‫يجــري يف اليمــن‪ ،‬وأن ذلــك مــا أدى إىل الــرد الســعودي‬ ‫الحــازم‪ ،‬فهــذا تربيــر مقبــول‪ ،‬إال أن هنــاك حقيقــة ال‬ ‫ينكرهــا أحــد‪ ،‬هــي أن األمــن القومــي العــريب واحــد‪،‬‬ ‫وتتأثــر أيــة دولــة عربيــة مبــا يجــري يف أيــة دولــة‬ ‫عربيــة أخــرى وإن اختلفــت درجــة التأثــر ببعدهــا أو‬ ‫قربهــا جغرافيــاً مــن مــرح األحــداث‪ ،‬إال أنــه يظــل‬ ‫موجــودا ً‪ ،‬ومل ّــا ســبق وقلنــا إنهــا إيــران أيّــاً مــا كان‬ ‫الثــوب الــذي ترتديــه‪ ،‬فــإن عاصفــة الحــزم يجــب أالّ‬ ‫تقتــر عــى اليمــن فقــط ‪ ،‬بــل يجــب أن ميتــد مرسحهــا‬ ‫ليشــمل ســورية والعــراق‪ ،‬وكل مــكان تبجــح املــايل‬ ‫الفــرس بأنهــم وصلــوا إليــه ليفهمــوا أن العــرب الذيــن‬ ‫حطمــوا دولتهــم الفارســية قدميــاً‪ ،‬ومرغــوا أنوفهــم يف‬ ‫الــراب حديثــاً‪ ،‬لــن يســمحوا لهــم بالتــادي عليهــم‪،‬‬

‫وأنهــم عــى ذلــك قــادرون‪ .‬ألنــه إذا اقتــر الــرد العــريب‬ ‫عــى التهديــد الفــاريس يف الســاحة اليمنيــة فقــط فإننــا‬ ‫نكــون كمــن قطــع ذنــب األفعــى وأرســلها‪ ،‬وإذا نجحــت‬ ‫عاصفــة الحــزم ‪ -‬وواضــح أن هنــاك عزمــا عــى أن‬ ‫تنجــح ‪ -‬كاســتمرار للمبــادرة الخليجيــة بشــأن القضيــة‬ ‫اليمنيــة يف الوصــول إىل تنفيــذ بنودهــا وإىل منــع اليمــن‬ ‫مــن الســقوط يف أيــدي ميليشــيات تضــع مصلحــة الوطن‬ ‫يف مؤخــرة اهتامماتهــا‪ ،‬إذا نجحــت يف ذلــك نكــون قــد‬ ‫أضعنــا ثــاث ســنوات عــى األقــل يف معالجــة خاطئــة‬ ‫لـ»األزمــة الســورية» متوســلني املســاعي الدوليــة عــر‬ ‫مبعوثــن ثالثهــا دميســتورا‪ ،‬واملســاعي العربيــة عــر‬ ‫«دابّــة» مل تنجــح إال يف إطالــة عمــر «األزمــة» وســقوط‬ ‫مئــات اآلالف مــن الســوريني بــن شــهيد وجريــح ومعتقل‬ ‫ومعــاق‪ ،‬واملاليــن منهــم بــن نــازح والجــئ‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫مل يشــهد لــه العــامل مثي ـاً منــذ الحــرب العامليــة الثانيــة‬

‫بشــهادة األمــم املتحــدة نفســها‪ .‬وعلينــا أالّ نضيــع املزيــد‬ ‫مــن الوقــت‪ ،‬وأالّ نهــدر املزيــد مــن دمائنــا‪ ،‬وأن عــى‬ ‫عاصفــة الحــزم أن تكمــل مهمتهــا يف ســحق رأس األفعــى‬ ‫ورأســها موجــود يف ســورية‪.‬‬ ‫مالحظــة أخــرى تثريهــا عاصفــة الحــزم تتعلــق مبوقــف‬ ‫الغــرب وأمريــكا بخاصــة منهــا‪ .‬فأمريــكا تؤيــد عاصفــة‬ ‫الحــزم وتقــف بحــزم إىل جانــب اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية يف عمليتهــا العســكرية ضــد امليليشــيا‬ ‫الحوثيــة‪ ،‬دون التفــات إىل إيــران‪ ،‬وإىل انزعاجهــا مــن‬ ‫موقــف كهــذا‪ ،‬وإىل تأثــر ذلــك عــى مفاوضــات امللــف‬ ‫النــووي اإليــراين‪ ،‬وهــو األمــر الــذي تصدعــت رؤوســنا‬ ‫ونحــن نســمع املحللــن السياســيني يربطــون املوقــف‬ ‫األمــريك الســلبي بــل املعــادي للثــورة الســورية واملغازلــة‬ ‫األمريكيــة للنظــام يف ســوريا باملوقــف اإليـراين مــن هــذا‬ ‫امللــف‪ ،‬وحــرص إدارة أوبامــا عــى مــا يشــبه املقايضــة‬ ‫بــن إرضــاء اإليرانيــن يف ســوريا والحصــول منهــم عــى‬ ‫مــا يريــدون يف امللــف النــووي‪.‬‬ ‫ال يثــر هــذا املوقــف األمريــي ســوى االســتهجان‪ .‬اإلدارة‬ ‫األمريكيــة متــارس بصفاقــة تقــرب مــن الصفاقــة اإليرانية‬ ‫سياســة الكيــل بأكــر مــن مكيــال‪ .‬وليــس صحيح ـاً ‪ -‬يف‬ ‫مــا أعتقــد ‪ -‬وصــف سياســة اإلدارة األوباميــة بالــردد‬ ‫والتخبــط وعــدم الوضــوح االســراتيجي يف مــا يتعلــق‬ ‫بقضايــا املنطقــة‪ ،‬بــل إننــي أعتقــد العكــس‪.‬‬ ‫إنهــا سياســة لهــا أهــداف واضحــة ومحــددة متامــاً‪،‬‬ ‫تتلخــص يف تحطيــم دول املنطقــة ومتزيقهــا مــن الداخــل‬ ‫والعــودة إىل تكليــف إيــران بــدور رشطــي املنطقــة‬ ‫كــا كانــت يف عهــد الشــاه‪ ،‬عــى أن ال يكلــف تنفيــذ‬ ‫هــذه األهــداف الخزانــة األمريكيــة شــيئاً‪ ،‬وأن تســتمر‬ ‫الســيطرة عــى النفــط وهــو مــا يحــدث اآلن‪ .‬التكلفــة‬ ‫والتكاليــف تدفعهــا دول املنطقــة مــن دمــاء أبنائهــا‬ ‫وأموالهــم‪ ،‬والنفــط تحــت الســيطرة‪ ،‬والخزانــة األمريكيــة‬ ‫تــزداد ثــرا ًء مــن بيــع أدوات املــوت‪.‬‬ ‫هــذا املوقــف األمريــي املخــزي والــا أخالقــي ال بــد وأن‬ ‫يكــون معروفــاً لدوائــر صنــع القــرار يف دول املنطقــة‪،‬‬ ‫وعاصفــة الحــزم ال بــد وأن تضــع مصلحــة شــعوب هــذه‬ ‫الــدول يف مقدمــة أولوياتهــا‪ ،‬وإن تعارضــت مــع أهــداف‬ ‫السياســة األمريكيــة‪ .‬وعــى ذلــك فــإن عــى عاصفــة‬ ‫الحــزم ‪ -‬مبــا هــي عاصفــة ‪ -‬أالّ تتوقــف إال بعــد أن تقتلــع‬ ‫كل الــرور التــي تنبــع مــن مــكان واحــد هــو طه ـران‬ ‫ثــم تنتــر لتعبــث بشــعوب املنطقــة ودولهــا‪ ،‬فــإن‬ ‫هــي فعلــت ذلــك‪ ،‬أعــادت إىل املنطقــة اســتقرارها ثــم‬ ‫ازدهارهــا‪ ،‬وغســلت وجههــا الــذي وســخته الشــعارات‬ ‫واملامرســات الطائفيــة املقيتــة‪ ،‬وقطعــت رأس األفعــى ال‬ ‫ذنبهــا‪.‬‬

‫فلكلور عربي‪!..‬‬ ‫عبد الفتاح الراكان‬ ‫حــال العــرب اآلن أســوأ مــن أي‬ ‫وقــت مــى‪ ،‬وحــن كانــت العالقــات‬ ‫طيبــة وطبيعيــة بينهــم كانــت القمــم‬ ‫العربيــة تخــرج بقــرارات وتوصيــات ال‬ ‫تنفــذ‪ ،‬خصوصــاً يف شــأن قضايــا تتحكــم‬ ‫قــوى أخــرى فيهــا‪ ،‬فضـاً عــن كونهــا قمــم‬ ‫مناســبة فقــط ملصالحــات بــن الرؤســاء‬ ‫والزعــاء لحــل خالفاتهــم الشــخصية‬ ‫ضاربــن بعــرض الحائــط مصالــح بلدانهــم‬ ‫ومســتهرتين بحقــوق شــعوبهم‪ ،‬فــا‬ ‫بالــك اآلن والعــرب منقســمون‪ ،‬بــل‬ ‫وبعــض دولهــم مقســم‪ .‬إذا ً فــا جــدوى‬ ‫القمــة العربيــة يف مــر؟‬ ‫خصوص ـاً والنظــام العــريب ال يعــاين فقــط‬ ‫تناقضــات جوهريــة يف أهــداف عنــارصه‬ ‫وسياســات أعضائــه‪ ،‬وإمنــا وصــل إىل‬ ‫حــد أنــه أصبــح تابعــاً ألنظمــة تحقــق‬ ‫مصالحهــا وغاياتهــا‪.‬‬

‫يف هــذه القمــة ال مجــال فيهــا ملصالحــات‪،‬‬ ‫ألن الخــاف ليــس شــخصياً بــن زعيمــن‪،‬‬ ‫أو مصالحيــاً بــن دولتــن‪ ،‬وإمنــا لألســف‬ ‫أصبــح وكأنــه رصاع وجــود بــن نظامــن‬ ‫شــقيقني كــا هــو واضــح مــن اســم‬ ‫القمــة‪ ،‬ويجــب أن ال ننــى أن دوالً‬ ‫عربيــة صــارت متهمــة بالتواطــؤ مــع‬ ‫رسطــان اإلرهــاب بدعمــه أو التربيــر لــه‪،‬‬ ‫أو صناعــة املنــاخ الــذي يســاعده‪ ،‬أو‬ ‫التغــايض عــن مالحقــة القامئــن عليــه‪.‬‬ ‫التناقضــات العربيــة صــارت أكــر مــن‬ ‫أي وقــت مــى‪ ،‬ومل تعــد أي قمــة قــادرة‬ ‫عــى تجاوزهــا أو حلهــا أو حتــى تهدئتهــا‪.‬‬ ‫‪ 65‬عام ـاً مــن القمــم‪ ،‬لذلــك ال تتفاءلــوا‬ ‫كثــرا ً بجــدول أعــال القمــة الــذي‬ ‫يتضمــن ملفــات بالفعــل مهمــة كالقضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬التــي هــي دامئــاً بنــد‬ ‫رئيــي يف كل القمــم العربيــة‪ ،‬واألوضــاع‬ ‫يف العــراق واليمــن وليبيــا‪ ،‬إضافــة إىل‬

‫امللفــات األخــرى التــي ســوف يناقشــها‬ ‫الزعــاء العــرب وسيســعون إىل وضــع‬ ‫حلــول لهــا كقضيــة اإلرهــاب‪.‬‬ ‫ليــس رسا ً وكلكــم بــات يعــي أن غالبيــة‬ ‫املشــاكل مل يعــد للعــرب قــدرة عــى حلها‪،‬‬ ‫وأن حلولهــا ليســت يف أيــدي العــرب‪،‬‬ ‫هــل ميكــن أن تحــل مشــكلة العـراق مــن‬ ‫دون ضــوء أخــر مــن إيـران؟ هــل تجــد‬ ‫املأســاة الســورية نهايــة مــن دون موقــف‬ ‫ألمــركا خصوصــاً‪ ،‬والعــرب والغــرب‬ ‫عمومــاً إضافــة إىل تركيــا وإيــران؟ هــل‬ ‫تقــوم الدولــة الليبيــة الجديــدة مــن دون‬ ‫موقــف ألوروبــا؟‬ ‫ســابقاً كانــت الخالفــات تتعلــق غالبــاً‬ ‫باملصالــح‪ ،‬أو العالقــات مــع القــوى‬ ‫الكــرى‪ ،‬أو حتــى النزاعــات الحدوديــة‪،‬‬ ‫واآلن صــارت أيضـاً أيديولوجيــة ليــس بــن‬ ‫كالســنة والشــيعة‪ ،‬كــا‬ ‫املذاهــب فقــط ُ‬ ‫الحــال يف ســوريا والعـراق واليمــن‪ ،‬منــاذج‬

‫حيــة يف دول تحكمهــا عصابــات وتســكنها‬ ‫شــعوب ينتظــرون إبادتهــم‪.‬‬ ‫حتــى التحالفــات اإلقليميــة داخــل‬ ‫النظــام العــريب أصبحــت أيضــاً مهــددة‬ ‫بفعــل املواقــف املتناقضــة والسياســات‬ ‫املتعارضــة‪ ،‬عــى ذلــك ال تتوقعــوا أن‬ ‫تخــرج القمــة بحلــول لقضايــا تتجــاوز‬ ‫قدراتهــا عــى حلهــا‪ ،‬وأقــى مــا ميكــن أن‬ ‫تحققــه هــو أن ت ُرســخ مواقــف أطــراف‬ ‫عربيــة مقتنعــة بــرورة وجــود النظــام‬ ‫العــريب ذاتــه مقابــل أطــراف أخــرى مل‬ ‫تعــد تــرى يف العــرب أم ـاً‪ ،‬أو يف النظــام‬ ‫العــريب فائــدة‪ ،‬أو يف الجامعــة العربيــة‬ ‫ســوى كونهــا فلكلــور عــريب‪.‬‬ ‫ســتنهار األنظمــة العربيــة طاملــا بقيــت‬ ‫ممتلــكات شــخصية يديرهــا موظفــون‬ ‫برتبــة رئيــس إىل أن تتبــدل الظــروف‬ ‫الداخليــة واألوضــاع اإلقليميــة واملصالــح‬ ‫الدوليــة‪ ،‬أو إبــادة الشــعوب‪.‬‬

‫الحرملي‬

‫‪5‬‬

‫رسائل النهر‬ ‫يوسف دعيس‬

‫عندمــا خرجــت مدينــة الرقــة عــن ســيطرة النظــام األســدي‬ ‫املجــرم‪ ،‬وتــم إعالنهــا بتاريــخ ‪ 2013/3/4‬أول مدينــة ســورية‬ ‫محــررة‪ ،‬تداعــى ط ـران النظــام مــن كل حــدب وصــوب‪ ،‬ملقي ـاً‬ ‫صواريخــه وبراميلــه املتفجــرة عــى رؤوس املدنيــن العــزل‪ ،‬وهــو‬ ‫يجســد حالــة هســتريية انتقاميــة مل يشــهد التاريــخ مثلهــا‪ ،‬جيــش‬ ‫ينتقــم مــن أهلــه‪ ،‬نظام يقتــل شــعبه‪ ،‬دون أن يردعــه رادع‪ .‬تتالت‬ ‫األيــام‪ ،‬وتابــع قصفــه مســتهدفاً املدنيــن العــزل مبختلــف أنــواع‬ ‫الطائ ـرات‪ ،‬إضافــة إىل متواليــة مــن قذائــف راجــات الصواريــخ‬ ‫واملدفعيــة مــن مقــر الفرقــة ‪ 17‬الواقعــة شــال املدينــة بنحــو‬ ‫خمســة كيلوم ـرات‪.‬‬ ‫نــر النظــام مــن خــال أعوانــه وخاليــاه النامئــة أســطورة الرتــل‪،‬‬ ‫التــي كانــت تــردد عــى ألســنة األهــايل‪ ،‬وتثــر يف قلوبهــم الرعــب‬ ‫والفــزع والخــوف‪ ،‬إىل أن انتهــت أســاطريه املخادعــة‪.‬‬ ‫مــن الصــور املؤملــة التــي شــهدتها مدينــة الرقــة املحــررة‪ ،‬ســيطرة‬ ‫القــوى املســلحة عــى مقــدرات البلــد دون ضابــط‪ ،‬فتــم نهــب‬ ‫محتويــات املــرف املركــزي مــن أمــوال وودائــع‪ ،‬ومتحــف الرقــة‪،‬‬ ‫ومســتوعبات وصوامــع وصوميعــات الحبــوب‪ ،‬وتفكيــك املعامــل‬ ‫(معمــل الســكر‪ ،‬معمــل مســبق الصنــع‪ ،‬محلــج القطــن‪ ،‬مجفــف‬ ‫الــذرة)‪ ،‬وبيعهــا مــع اآلليــات الثقيلــة‪ ،‬والســيارات‪ ،‬والشــاحنات‪،‬‬ ‫واملحــركات واملولــدات التابعــة ملؤسســات عمالقــة كمؤسســات‬ ‫حــوض الفــرات واســتصالح األرايض‪ ،‬وامليــاه والــرف الصحــي‪،‬‬ ‫واملشــاريع املائيــة‪ ،‬والبلديــات‪ ،‬والــركات واملديريــات بأنواعهــا‬ ‫كافــة‪ ،‬رغــم وقــوف الناشــطني والحــراك املــدين بوجــه هــذه‬ ‫العمليــات غــر املرشوعــة التــي طالــت مقــدرات البلــد‪ ،‬ثــم بــدأ‬ ‫شــيئاً فشــيئاً تغييــب الــدور املــدين‪ ،‬وتصفيــة بعــض الناشــطني‪،‬‬ ‫وخطــف واعتقــال آخريــن تحــت ذرائــع ومســوغات ال يقبلهــا‬ ‫العقــل أو املنطــق‪ ،‬وانتهــت أخــرا ً بســيطرة تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســامية (داعــش) عــى عمــوم محافظــة الرقــة‪ ،‬ومــن نتائجــه‬ ‫إقصــاء أي نشــاط مــدين‪ ،‬الــذي نجــم عنــه خــروج الناشــطني‬ ‫والسياســيني واإلعالميــن واإلغاثيــن واملثقفــن واألدبــاء والفنانــن‬ ‫مــن املحافظــة‪.‬‬ ‫اليــوم نشــهد أوىل الخطــوات التــي تلــت تحريــر مدينــة إدلــب‪،‬‬ ‫وهــي تتقاطــع مــع مشــاهد جــرت يف الرقــة إبــان تحريرهــا‪ ،‬فقــد‬ ‫أعــاد إىل األذهــان منظــر تحطيــم متثــال املقبــور حافــظ األســد يف‬ ‫إدلــب‪ ،‬املنظــر ذاتــه لتحطيــم متثالــه يف الرقــة‪ ،‬ومنظــر إخ ـراج‬ ‫املعتقلــن مــن ســجون الفــروع األمنيــة‪ ،‬الــذي يشــبه منظــر‬ ‫خــروج معتقــي الرقــة‪ ،‬بينــا انفــردت مدينــة الرقــة بشــخصية‬ ‫الناشــط «أبــو طــه» الــذي تبــول عــى التمثــال يف منظــر حــري‬ ‫لــن يتكــرر مــرة ثانيــة‪.‬‬ ‫تجربــة تحريــر مدينــة الرقــة‪ ،‬يجــب أن تكــون درســاً لــكل‬ ‫الفصائــل الثوريــة التــي اشــركت بتحريــر إدلــب‪ ،‬وإذ نبــارك للثوار‬ ‫وأهــايل إدلــب تحريرهــم الظافــر‪ ،‬نتمنــى عليهــم أن ال يعيــدوا‬ ‫الفصــول القاســية التــي عاشــها أهــل الرقــة‪ ،‬وأن يرتكــوا شــؤون‬ ‫إدارة املدينــة وريفهــا للمدنيــن‪ ،‬وأن يحافظــوا عــى املؤسســات‬ ‫العامــة‪ ،‬وأن يقومــوا بتفعيــل القضــاء املــدين‪ ،‬ويبــارشوا العمــل‬ ‫لفــرض منطقــة حظــر جــوي للشــال الســوري‪ ،‬وأن يعملــوا عــى‬ ‫أن تكــون إدلــب عاصمــة مؤقتــة لســوريا‪ ،‬تســتقطب املعارضــن‬ ‫والناشــطني‪ ،‬وتؤمــن الظــروف املالمئــة لعــودة الالجئــن واملهجرين‬ ‫إىل ديارهــم‪ ،‬وتنطلــق منهــا أوىل الخطــوات املظفــرة لتحريــر كل‬ ‫ســوريا‪ ،‬فهــل هــم فاعلــون‪ ،‬أم ســيعيدون تجربــة الرقــة املريــرة؟!‬ ‫يف الجانــب اآلخــر‪ ،‬األخبــار الــواردة والعاجلــة تنبئنــا أن الحكومــة‬ ‫الســورية املؤقتــة تتجــه لدخــول إدلــب وافتتــاح مكاتبهــا هنــاك‬ ‫إلدارة شــؤون املناطــق املحــررة‪ ،‬فهــل تُقــدم عــى هــذه الخطــوة‬ ‫التــي متنحهــا رشعيــة دوليــة‪ ،‬خاصــة مــن دول أصدقــاء الشــعب‬ ‫الســوري؟!‬

‫ملحق إجتماعي إعالني‬ ‫يصدر كل يوم مجعة‬


‫‪6‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫د‪ .‬محمد حاج بكري‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫االقتصاد السوري ونظرة للمستقبل‬

‫مــن املهــم جــدا ً أن تكــون األولويــة بعــد‬ ‫نجــاح الثــورة لبنــاء الدولــة الجديــدة يف ســوريا‬ ‫الحريــة لألمــور األمنيــة والسياســية كبســط‬ ‫األمــن‪ ،‬وترتيــب شــؤون بنــاء هيــاكل الدولــة‬ ‫الترشيعيــة والتنفيذيــة‪ ،‬ومــا يلــزم ذلــك مــن‬ ‫قوانــن وترتيبــات‪ ،‬ويف البدايــة أشــر إىل مــا أراه‬ ‫خط ـرا ً عــى وحــدة الوطــن وســامته‪ ،‬هــو إذا‬ ‫أرص قــادة بعــض التكتــات واألفـراد عــى عــدم‬ ‫تســليم الســاح‪ ،‬وبالتــايل الوقــوف ســلبياً أمــام‬ ‫دعــم بنــاء الجيــش وجهــاز األمــن الوطنيــن‪ ،‬إ ّن‬ ‫هــذه األوضــاع ال تهــدد األمــن فقــط‪ ،‬بــل تهــدد‬ ‫كيــان الدولــة ووحدتهــا واســتقرارها‪ ،‬إ ّن مــن‬ ‫يفعــل ذلــك يــرب الوطــن يف مقتــل‪ ،‬ويــرب‬ ‫أيضـاً الثــورة وانجازاتهــا يف الصميــم‪ ،‬فالثــورة مل‬ ‫تتــم لتحويــل ســوريا إىل النمــوذج الصومــايل‪،‬‬ ‫إن أعداءنــا يتمنــون ذلــك‪ ،‬فهــل نقــدم لهــم مــا‬ ‫يتمنــون؟‬ ‫ســوريا جميلــة برشقهــا وغربهــا وجنوبهــا‬ ‫وشــالها وبإســامها وبعروبتهــا‪ ،‬وكل أطيافهــا‪،‬‬ ‫أنــا شــخصياً تأثــرت بالــغ األثــر عندمــا انطلقــت‬ ‫املظاهــرات يف الالذقيــة يف األيــام األوىل مــن‬ ‫الثــورة‪ ،‬وهــي تهتــف بالــروح والــدم نفديــك‬ ‫يــا درعــا‪ ،‬وعندمــا نــودي يف إدلــب يــا حمــص‬ ‫نحــن معــاك للمــوت‪ ،‬وعندمــا خرجــت ســوريا‬ ‫إثــر أول معركــة يف الثــورة معركــة الكبينــة‬ ‫يف جبــل األكــراد يف الالذقيــة‪ ،‬وهــي تهتــف‬ ‫جبــل األكــراد اللــه محييــك‪ ،‬ثــم تنــادت كل‬ ‫املحافظــات تشــد أزر بعضهــا البعــض‪ ،‬وقلــت‬ ‫اللهــم أدم علينــا هــذه النعمــة‪.‬‬ ‫إن موضــوع هــذا املقــال يتعلــق باألصــل‬ ‫بالجانــب االقتصــادي‪ ،‬ولكــن الــرورة أجربتنــي‬ ‫كثائــر ســوري أن أعــرج يف املقدمــة عــى أمــور‬ ‫ملحــة تفــرض نفســها‪ ،‬وأناشــد الســوريني‪،‬‬ ‫التمســك بوحــدة الوطــن وســامته ورقيــه‬ ‫وتقدمــه‪ ،‬والعمــل معــاً لبنــاء ســوريا الحــرة‪.‬‬ ‫اســتهل حديثــي عــن االقتصــاد الســوري‪ ،‬وأهــم‬ ‫محــاور التحــول نحــو مســتقبل أفضــل لــه‬ ‫بالقــول بأننــي متفائــل رغــم ثقــل االســتنزاف‬ ‫الــذي حــل باالقتصــاد‪ ،‬وذلــك إن آمــن‬ ‫الســوريون بأهميــة الرقــي مبســتقبل بلدهــم‪،‬‬ ‫ورفعــة شــأنه وتطــوره‪ ،‬والتزمــوا وعملــوا‬ ‫لتحقيــق ذلــك‪.‬‬ ‫يتنــاول حديثــي عــن االقتصــاد الســوري‬ ‫باختصــار‪ ،‬موضوعــات املــوارد البرشيــة‬ ‫والطبيعيــة‪ ،‬وتنــوع اإلنتــاج وإدارة االقتصــاد‪،‬‬ ‫والبعــد االجتامعــي‪ ،‬وأهــم املحــاور لالنطــاق‬ ‫نحــو مســتقبل أفضــل لالقتصــاد الســوري‪.‬‬

‫املوارد البشرية‪:‬‬

‫بقــدر مــا هــو واقــع عشــناه‪ ،‬ولــه جــذوره‬ ‫التاريخيــة مــن مثابــرة ومقاومــة أجدادنــا‪ ،‬ومل‬ ‫يكــن للنظــام األســدي فضــل بــه‪ ،‬وإال ملــاذا‬ ‫نجحــت الثــورة والثــوار؟‬ ‫إن بنــاء اإلنســان قضيــة هامــة يجــب أن تحظى‬ ‫بأولويــة ترتجــم يف بحــوث‪ ،‬وخطــط علميــة عىل‬ ‫جميــع املســتويات مــن األرسة واملدرســة‪ ،‬ويف‬ ‫جميــع املراحــل‪ ،‬وكذلــك مــن أجهــزة اإلعــام‪،‬‬ ‫فيتعــن أن نبنــي إنســاناً مؤمنــاً باللــه ودينــه‬ ‫ووطنــه‪ ،‬وبقيــم العمــل واإلنســانية‪ ،‬ويكــون‬ ‫والؤه للــه وللوطــن‪ ،‬وليــس ألشــخاص‪ ،‬إننــي‬ ‫أتطلــع أن تــأيت أجيــال جديــدة متعلمــة‬ ‫ومثقفــة‪ ،‬كلهــا شــجاعة وإميــان وتفــاؤل لبنــاء‬ ‫وطنهــا‪ ،‬ومنفتحــة عــى العــامل بــأرسه‪ ،‬وتجاربــه‬ ‫وثقافاتــه وعلومــه‪.‬‬

‫املوارد الطبيعية‪:‬‬

‫وهــب اللــه ســوريا مــوارد هامــة جــدا ً‪ ،‬وإن‬ ‫كان يتبــادر إىل الذهــن النفــط الخــام والغــاز‪،‬‬ ‫كأحــد أهــم هــذه املــوارد‪ ،‬إالّ أننــي أرى أ ّن‬ ‫لســوريا مــوارد أخــرى هامــة‪ ،‬وبخــاف املــوارد‬ ‫البرشيــة‪ ،‬التــي هــي عــى رأس تلــك املــوارد‪،‬‬ ‫وهــذه ليســت فلســفة‪ ،‬فبــدون اإلنســان ال‬ ‫يكــون هنــاك قيمــة ألي مــورد آخــر‪ ،‬كــا أن‬ ‫الــدول بنــت تقدمهــا وثرواتهــا معتمــدة عــى‬ ‫اإلنســان ومهاراتــه وكفاءاتــه يف اإلنتــاج واإلدارة‪،‬‬ ‫والبحــث العلمــي‪ .‬ســوريا لديهــا الطبيعــة‬ ‫والجــال والغابــات والواحــات‪ ،‬ولديهــا‬ ‫معــادن وزراعــة وثــروات باطنيــة متعــددة‪،‬‬ ‫وشــواطئ بكــر جميلــة مبــا تحويــه مــن ثــروة‬ ‫ســمكية وســياحية كامنــة‪ ،‬مل تســتغل بكفــاءة‪،‬‬ ‫وعنــد تعرضنــا للمــوارد فإننــا نكــون يف قلــب‬ ‫عمليــة التنميــة‪ ،‬وينبغــي أن نحلــل الوضــع‬ ‫القائــم لنســتطيع أن نبنــي عليــه بنــاءا ً ســليامً‬ ‫للمســتقبل‪ ،‬لقــد فشــلت اإلدارة الســابقة‬ ‫للدولــة يف تحقيــق التنــوع الهيــكيل لالقتصــاد‬ ‫الســوري‪ ،‬رغــم تنــوع مصــادر الدخــل‪ ،‬الــذي‬ ‫كان عنــوان كل الخطــط التنمويــة‪ ،‬ومل تســتطع‬ ‫تلــك الخطــط ومشــاريعها الفاشــلة‪ ،‬أغلبهــا أن‬ ‫تنشــئ قطاعــات ناجحــة بديلــة للنفــط عــى‬ ‫املــدى البعيــد‪ ،‬ولســت بحاجــة للتدليــل عــى‬ ‫ذلــك باســتعراض الصناعــات‪ ،‬التــي أغفلــت أو‬ ‫أغلقــت أو املشــاريع الزراعيــة‪ ،‬التــي صفيــت‪،‬‬ ‫وكذلــك الســياحية ألنهــا افتقــدت جميعهــا‬ ‫للجــدوى الفنيــة واالقتصاديــة الحقيقيــة‪،‬‬ ‫والنتيجــة كانــت معروفــة‪ ،‬رصفــت املليــارات‬ ‫يف مشــاريع‪ ،‬مل ينتــج عنهــا عائــد ملمــوس‬ ‫للمجتمــع‪ ،‬وهــذا طبيعــي عندمــا يكــون القـرار‬ ‫فرديــاً ومزاجيــاً وأمنيــاً‪.‬‬

‫مــن أهــم مــا تــم تدمــره يف البــاد اإلنســان‪ ،‬تنويع اإلنتاج‪:‬‬

‫وهــذه الخســارة الكــرى‪ ،‬فالتشــويه املتعمــد‬ ‫ألفــكاره‪ ،‬ومعلوماتــه وثقافتــه‪ ،‬فــاذا ننتظــر‬ ‫مــن شــباب نشــأ ووجــد دولتــه تحلــل اغتصــاب‬ ‫مــال الغــر‪ ،‬وتشــجعه عــى ذلــك‪ ،‬بــدالً مــن‬ ‫أن تعلمــه الفضائــل؟ وقــد عــاىن الشــعب‬ ‫الســوري مــن ضغــوط شــديدة مــن فســاد‬ ‫القيــم واألخــاق‪ ،‬التــي عاشــها مــع األســد‬ ‫وحــزب البعــث‪ ،‬وال بــد يل أن أشــيد بالســوريني‬ ‫الرشفــاء‪ ،‬الذيــن قاومــوا ذلــك‪ ،‬مدني ـاً وســلبياً‪،‬‬ ‫قاومــوا تدهــور األخــاق‪ ،‬ونــر الفســاد‬ ‫وللشــباب الســوري بالجديــة‪ ،‬فعندمــا ســدت‬ ‫أمامهــم أبــواب العمــل‪ ،‬وتفشــت البطالــة‬ ‫نتيجــة لضعــف االســتثامر الناجــح‪ ،‬وفشــل‬ ‫الغالبيــة العظمــة مــن مشــاريع القطــاع العــام‬ ‫شــقوا طريقهــم بإيجــاد أعاملهــم الخاصــة‪،‬‬ ‫ومشــاريعهم الصغــرة التــي ســاهمت يف‬ ‫ســد حاجتهــم‪ ،‬وحاجــة أرسهــم باإلضافــة إىل‬ ‫تغربهــم يف بلــدان العــامل‪.‬‬ ‫إ ّن مدحــي للســوريني ليــس اعتــزازا ً بالنفــس‬

‫يظهــر التوزيــع القطاعــي لتقديــرات الناتــج‬ ‫املحــي أ ّن هنــاك حصــة لقطــاع الزراعــة‬ ‫والقطاعــات االســتخراجية‪ ،‬نفــط خــام وغــاز‪،‬‬ ‫وبعــض الصناعــات التحويليــة‪ ،‬وحصــص أخــرى‪،‬‬ ‫إال أ ّن مســاهمتها ضعيفــة‪ ،‬مقارنــة بالنفــط‬ ‫مــن إجــايل الناتــج املحــي‪ ،‬وبــدل مــن توســع‬ ‫الزراعــة‪ ،‬فــإ ّن هــذا القطــاع تراجــع‪ ،‬وتناقــص‬ ‫عــدد ســكان الريــف‪ ،‬وبطبيعــة الحــال‪ ،‬فــإ ّن‬ ‫الصــادرات الزراعيــة ال تــكاد تذكــر‪ ،‬واســتمرت‬ ‫هيمنــة قطــاع النفــط‪ ،‬وفشــلت سياســة التنويع‬ ‫االقتصــادي يف تحقيــق أهدافهــا‪ ،‬وســاهم يف‬ ‫ذلــك ســيطرة القطــاع العــام عــى مقــدرات‬ ‫االقتصــاد مبــا يف ذلــك التجــارة الداخليــة‬ ‫والخارجيــة‪ ،‬ولعــب ســوء اإلدارة والفســاد دورا ً‬ ‫رئيســياً يف تــدين أداء االقتصــاد الوطنــي‪.‬‬ ‫ومــع تراجــع اإلنتــاج الوطنــي مــن الســلع‬ ‫والخدمــات‪ ،‬وصلــت فاتــورة االســترياد إىل‬ ‫مبالــغ هائلــة‪ ،‬وتفشــت البطالــة بســبب‬ ‫ســوء اإلدارة االقتصاديــة‪ ،‬وإن فــرص العمــل‬

‫املتاحــة (العــرض)‪ ،‬هــي أقــل مــن التدفــق‬ ‫الســنوي للقــوى العاملــة (الطلــب)‪ ،‬أي أ ّن‬ ‫االســتثامرات الجديــدة واملضافــة‪ ،‬معظمهــا‬ ‫وهمــي‪ ،‬ال توفــر فــرص عمــل كافيــة‪ ،‬إضافــة‬ ‫إىل حصــة قطــاع الزراعــة مــن القــوى العاملــة‬ ‫ضئيلــة جــدا ً‪ ،‬وكذلــك الصناعــة االســتخراجية‬ ‫والتحويليــة‪ ،‬وأيضــاً قطاعــات الخدمــات‬ ‫املختلفــة‪ ،‬وهــذا أيضــا يشــر إىل أهميــة العمــل‬ ‫عــى تحقيــق قــدر مناســب مــن التــوازن‬ ‫والتنويــع بــن القطاعــات‪ ،‬خاصــة اإلنتاجيــة‬ ‫غــر االســتخراجية‪ ،‬وهنــاك مــؤرشات إىل وجــود‬ ‫إمكانيــات كبــرة لزيــادة اإلنتــاج‪ ،‬وفــرص‬ ‫العمــل‪ ،‬وعــى ســبيل املثــال إ ّن حجــم إنتــاج‬ ‫الصيــد البحــري متــدنٍ جــدا ً‪ ،‬مقارنــة مــع‬ ‫الشــواطئ‪ ،‬ومــع إنتــاج بعــض الــدول‪ ،‬فاإلنتــاج‬ ‫الســوري يبــدو محــدودا ً‪ ،‬وهنــاك إمكانيــة‬ ‫لتطويــره‪ ،‬مــن تدريــب للكــوادر‪ ،‬وتطويــر‬ ‫ملرافــق الصيــد والبنيــة األساســية لهــذا القطــاع‬ ‫باإلضافــة إىل م ـزارع تربيــة األســاك يف البحــر‬ ‫واالســتفادة مــن التجربــة الرتكيــة‪.‬‬ ‫إن جهــود االستكشــاف للمــوارد الطبيعيــة‪،‬‬ ‫يجــب أن تكثــف‪ ،‬وتكــون مســتمرة‪ ،‬ســواء‬ ‫للنفــط الخــام أو الغــاز أو لغريهــا مــن املــوارد‬ ‫الطبيعيــة واملعــادن‪ ،‬إن ذلــك يعنــي العمــل‬ ‫للغــد ولألجيــال القادمــة‪ ،‬واســتدامة التنميــة‪،‬‬ ‫إضافــة إىل ترشــيد اإلنفــاق‪ ،‬واملحافظــة عــى‬ ‫الــروة للحــارض وللمســتقبل‪ ،‬وإن املــال العــام‬ ‫لــه قدســية‪ ،‬ويتعــن التخطيــط الســتثامره‬ ‫وإنفاقــه يف مشــاريع ذات جــدوى‪.‬‬

‫إدارة االقتصاد‪:‬‬

‫إن مــوارد ســوريا كافــة‪ ،‬ميكــن اســتغاللها‪،‬‬ ‫ودمجهــا واســتثامرها وتشــغيلها بواســطة مــا‬ ‫ميكــن تســميته إدارة املــوارد‪ ،‬فــاإلدارة الجيــدة‪،‬‬ ‫هــي التــي تحصــل عىل أكــر ناتــج ودخــل بأقل‬ ‫تكاليــف ممكنــة‪ ،‬وهــذا امــر اقتصــادي هــام‪،‬‬ ‫فالنــدرة التــي هــي محــرك االقتصــاد‪ ،‬وحكمــة‬ ‫مــن حكــم الخالــق‪ ،‬فالحاجــات ال حــدود لهــا‪،‬‬ ‫واملــوارد دامئــاً محــدودة‪ ،‬مهــا بلغــت‪ ،‬وإن‬ ‫درجــة النــدرة هــي التــي تفــر الثمــن‪ ،‬وليــس‬ ‫املنفعــة‪ ،‬فالهــواء أكــر نافــع لإلنســان‪ ،‬ولكــن‬ ‫ألنــه متوفــر‪ ،‬وال يوجــد لــه نــدرة‪ ،‬فليــس لــه‬ ‫مثــن يف حــن أن اللحــم والخبــز لــه مثــن ألن لــه‬ ‫عــرض بكميــات معينــة‪.‬‬ ‫إ ّن إدارة االقتصــاد‪ ،‬هــي العنــر الهــام الحاكــم‬ ‫يف قــوة إدارة االقتصــاد‪ ،‬فكنــا نــرى دوالً أقــل‬ ‫مــوارد‪ ،‬لكنهــا أكــر تنظي ـاً وتصدي ـرا ً بســبب‬ ‫اإلدارة الجيــدة لالقتصــاد‪ ،‬فالقــرار االقتصــادي‬ ‫العلمــي املخطــط املؤســي‪ ،‬وليــس املزاجــي‬ ‫الفــردي رضوري وهــام لنمــو االقتصــاد‪ ،‬فكلهــا‬ ‫عوامــل متكاملــة‪ ،‬وهــو أن يبنــى االقتصــاد‬ ‫عــى املؤسســات‪ ،‬عامــة أو خاصــة‪ ،‬وعــى‬ ‫الترشيعــات التــي تحقــق املســاواة‪ ،‬وعــى‬ ‫الحاكميــة والشــفافية واملحاســبة‪ ،‬ووضــوح‬ ‫الــرؤى‪ ،‬والسياســات العامــة‪ ،‬إن حســن اختيــار‬ ‫املســؤولني واملديريــن وإعطائهــم الفرصــة‬ ‫والثقــة‪ ،‬هــي عوامــل مهمــة لنجــاح إدارة‬ ‫االقتصــاد‪ ،‬كــا أن موضــوع الالمركزيــة يف‬ ‫التنفيــذ‪ ،‬وإعطــاء الصالحيــات يســهل العمــل‪،‬‬ ‫ويزيــد الثقــة يف االقتصــاد مــع مركزيــة‬ ‫التخطيــط والسياســة العامــة واملتابعــة‪.‬‬

‫البعد االجتماعي‪:‬‬

‫يجــب أن نأخــذ يف االعتبــار البعــد االجتامعــي‬ ‫ملرشوعاتنــا وقوانيننــا‪ ،‬واألهــم يف ذلــك‪،‬‬ ‫الفئــات األقــل دخـاً‪ ،‬وأهــايل القــرى واملناطــق‬ ‫النائيــة‪ ،‬وتحســن أوضاعهــم‪ ،‬وتقديــم خدمــات‬ ‫الصحــة والتعليــم والنقــل والثقافــة‪ ،‬وأن يكــون‬ ‫األســاس عوامــل الجــدوى الفنيــة واالقتصاديــة‬ ‫للمرشوعــات‪.‬‬ ‫إن البعــد االجتامعــي رضورة مــن رضورات‬

‫التــوازن يف املجتمعــات‪ ،‬باإلضافــة إىل أنــه‬ ‫مــن خطــوات معالجــة الخلــل يف أي تطبيــق‬ ‫للسياســات االقتصاديــة واالجتامعيــة عــى‬ ‫تبايــن فلســفاتها ومذاهبهــا‪.‬‬

‫نظرة مستقبلية‪:‬‬

‫يتطلــب االنطــاق نحــو املســتقبل رؤيــة شــاملة‬ ‫ومرنــة‪ ،‬تأخــذ يف االعتبــار دروس املــايض‪،‬‬ ‫ومتطلبــات الحــارض والعــر‪ ،‬وآمــال الشــباب‬ ‫واألجيــال القادمــة يف مســتقبل زاهــر‪.‬‬ ‫تعــرض االقتصــاد الســوري لالســتنزاف واإلنهــاك‬ ‫والتخريــب‪ ،‬فتخصيــص املــوارد مل يكــن رشــيدا ً‬ ‫عــى االطــاق‪ ،‬بــل كان عشــوائياً‪ ،‬ورصفــت‬ ‫األمــوال يف مجــاالت ليــس لهــا لــزوم‪ ،‬ناهيــك‬ ‫عــن الرسقــات الهائلــة‪ ،‬كــا أ ّن اختيــار معظــم‬ ‫املشــاريع مل يكــن يخضــع للتدقيــق الفنــي‬ ‫واالقتصــادي واملــايل الــروري‪ ،‬ثــم كانــت‬ ‫بعــض إدارات هــذه املشــاريع دون املســتوى‪،‬‬ ‫فكانــت الخســائر املتتاليــة لهــا‪ ،‬واالعتــاد‬ ‫عــى الدعــم مــن امليزانيــة العامــة‪ ،‬وبــدالً مــن‬ ‫أن تضيــف تلــك املشــاريع القتصــاد البلــد‪،‬‬ ‫أصبحــت عبئــاً عليــه‪ ،‬وكان تأمــن الــركات‪،‬‬ ‫وإلغــاء األنشــطة االقتصاديــة الخاصــة رضبــة‬ ‫قاســية لالســتثامر والنمــو‪ ،‬وحتــى عندمــا تــم‬ ‫الرتاجــع عــن هــذه الخطــوات غــر املدروســة‬ ‫اســتمرت آثــار عــدم الثقــة يف السياســات‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬محليـاً وعامليـاً حتــى قيــام الثــورة‪.‬‬ ‫كان مــن نتيجــة هــذه العوامــل وغريهــا‪،‬‬ ‫تدهــور قيمــة اللــرة الســورية‪ ،‬وزيــادة‬ ‫التضخــم‪ ،‬وظهــور البطالــة‪ ،‬وتراكــم مشــاكل‬ ‫الســكن‪ ،‬وضعــف البنيــة األساســية‪ ،‬وتراجــع‬ ‫الخدمــات األساســية كالصحــة والتعليــم‪.‬‬ ‫إن األمــل يف املســتقبل هــو الــذي يجــب أن‬ ‫يحفزنــا للتفكــر يف املســتقبل االقتصــادي‬ ‫واالجتامعــي لبلدنــا‪ ،‬وهنــاك عنــارص ايجابيــة‬ ‫عديــدة‪ ،‬أهمهــا الشــباب الســوري املتنــور‪،‬‬ ‫الــذي أثــق بقدراتــه عــى العمــل واإلبــداع يف‬ ‫جميــع املجــاالت‪ ،‬إضافــة إىل مــا يتوفــر لســوريا‬ ‫مــن مــوارد طبيعيــة ســبق اإلشــارة إليهــا‪ ،‬وال‬ ‫يفوتنــي أن أضيــف عامـاً هامـاً‪ ،‬هــو أن ســوريا‬ ‫اليــوم بعــد الثــورة يجــب أن تكــون منفتحــة‬ ‫عــى العــامل‪ ،‬وأن تكــون مصــدر ثقته لالســتفادة‬ ‫مــن التعــاون مــع الــدول الصناعيــة املتقدمــة‬ ‫يف مجــاالت التعليــم والتدريــب والتكنولوجيــا‪،‬‬ ‫وتطويــر نظــم إدارة بلدنــا ومرافقهــا‪ ،‬وعنــد‬ ‫معالجــة املشــاكل الكــرى ال يكــون هنــاك‬ ‫حــل واحــد‪ ،‬بــل مجموعــة مــن السياســات‬ ‫والربامــج يجــري تطبيقهــا ومتابعتهــا‪ ،‬بالتــوازي‬ ‫مــع تصحيحهــا مــن وقــت إىل آخــر بحيــث يتــم‬ ‫التأكــد مــن اســتمرار عنــارص التنســيق فيــا‬ ‫بينهــا مبــا يخــدم األهــداف املحــددة‪.‬‬ ‫أن أهــم محــاور التنميــة الشــاملة طويلــة‬ ‫األجــل وكخطــوط عريضــة تشــمل اآليت‪:‬‬ ‫‪ _1‬تطويــر الرتبيــة والتعليــم‪ ،‬وتشــمل التنشــئة‬ ‫الثقافــة والديــن واألخــاق واملناهــج واملعلــم‪،‬‬ ‫ونوعيــة التعليــم وأدواتــه‪ ،‬وربــط التعليــم‬ ‫بالتقــدم يف العــامل واحتياجــات املجتمــع‪،‬‬ ‫إضافــة إىل أن التعليــم مــن الحاجــات األساســية‬ ‫لإلنســان‪ ،‬فــإن دول عــدة تســتفيد مــن تصديــر‬ ‫الخــرات‪ ،‬حيــث ال فــرق اقتصاديــاً بــن أن‬ ‫تصــدر النفــط أو الفوســفات‪ ،‬وأن تصــدر‬ ‫خــرات وتقنيــات تحصــل منهــا البلــد عــل‬ ‫عوائــد‪ ،‬فالتعليــم هــو اســتثامر مســتقبيل‪.‬‬ ‫‪ _2‬نظــام صحــي جديــد شــامل‪ :‬مــن األهميــة‬ ‫مبكانــة التخطيــط لنظــام صحــي جديــد لــأرسة‬ ‫الســورية ضمــن إطــار العنايــة باإلنســان صحــة‬ ‫وعلــاً وتثقيفــاً‪ ،‬واالســتفادة مــن تجــارب‬ ‫الــدول املتقدمــة‪ ،‬وتطويــر القطــاع الصحــي‪،‬‬ ‫واالهتــام باألطبــاء وتخصصهــم ودراســاتهم‬ ‫العليــا‪ ،‬وتطويــر التمريــض‪ ،‬وتوفــر املبــاين‬ ‫واألجهــزة واملعــدات الطبيــة‪.‬‬

‫‪ _3‬تطويــر املــوارد الطبيعيــة‪ :‬وضــع سياســات‬ ‫طويلــة األجــل‪ ،‬وتحديــد مخصصــات لالهتــام‬ ‫باالستكشــاف كسياســة دامئــة‪ ،‬وتطويرهــا‬ ‫مبــا يضمــن تنامــي املــوارد حجــاً ونوعــاً‪،‬‬ ‫واســتثامرها االســتثامر املالئــم‪ ،‬وزيــادة‬ ‫الصــادرات منهــا ودعــم اإلنتــاج القائــم عليهــا‪.‬‬ ‫‪ _4‬تنويــع مصــادر الدخــل وتطويــر اإلنتــاج‪:‬‬ ‫وهــو أهــم املحــاور‪ ،‬ويشــمل السياســات‬ ‫والربامــج الالزمــة لتطويــر مصــادر امليــاه‬ ‫واســتخداماتها‪ ،‬وزيــادة اإلنتــاج الحيــواين‬ ‫والزراعــي‪ ،‬ويتــم مــن خــال وضــع سياســات‬ ‫زراعيــة محفــزة للمحافظــة عــى األرايض‬ ‫الزراعيــة وتنميتهــا وتوســعها‪ ،‬ووضــع حوافــز‬ ‫للمزارعــن ومــريب الحيوانــات‪ ،‬وإعــادة هيكلــة‬ ‫املــرف الزراعــي‪ ،‬والتســهيالت التــي يقدمهــا‬ ‫مــن قــروض قصــرة ومتوســطة وطويلــة األجــل‪،‬‬ ‫وكافــة أشــكال الدعــم لألســمدة والبــذور‬ ‫واملبيــدات‪ ،‬واملهــم أن يصــل الدعــم ملســتحقيه‪،‬‬ ‫ويســتثمر مبــا يفيــد القطــاع‪ ،‬ويحتــاج النهــوض‬ ‫بقطــاع الصناعــة التحويليــة إىل تشــجيع القطاع‬ ‫الخــاص عــى الريــادة والرشاكــة‪ ،‬واســتغالل‬ ‫املــوارد املحليــة وإقامــة صناعــات تصديريــة‪،‬‬ ‫وتوفــر مــا يلــزم مــن وســائل دعــم وتشــجيع‪،‬‬ ‫وإيجــاد قنــوات متويليــة وترشيعــات كتقديــم‬ ‫القــروض واإلعفــاء مــن الرضائــب لفــرات‬ ‫محــددة‪ ،‬واملســاعدة يف إعــداد وتنفيــذ برامــج‬ ‫التدريــب‪ ،‬ويتعــن الربــط بــن تلك السياســات‪،‬‬ ‫وسياســة التشــغيل ومكافحــة البطالــة‪ ،‬فزيــادة‬ ‫االســتثامر ترتبــط طــردا ً مــع زيــادة فــرص‬ ‫العمــل‪ ،‬واالهتــام بربنامــج خــاص لتشــجيع‬ ‫املشــاريع الصغــرة واملتوســطة اإلنتاجيــة‬ ‫والخدميــة عــى نطــاق واســع‪ ،‬ومبوجــب قواعد‬ ‫جديــدة‪ ،‬ويلعــب التطبيــق وأســاليبه‪ ،‬ومــدى‬ ‫جديتــه ورسعتــه ودقتــه دورا ً هامــاً يف نجــاح‬ ‫تلــك السياســات‪.‬‬ ‫‪ _5‬تنســيق وضبــط السياســات املاليــة‬ ‫(اإلي ـرادات العامــة واإلنفــاق العــام)‪ ،‬وتحريــر‬ ‫السياســة النقديــة بالتــدرج يف جوانبهــا‬ ‫املختلفــة مبــا يخــدم أهــداف السياســة‬ ‫االقتصاديــة العامــة‪ ،‬وكبــح جــاح التضخــم‪،‬‬ ‫وتطويــر القطــاع املــريف‪ ،‬وخدماتــه لرتقــى إىل‬ ‫املســتوى الــدويل‪.‬‬ ‫‪ _6‬إعــادة تنظيــم قطــاع التجــارة بشــقيه‬ ‫(التجــارة الخارجيــة والداخليــة) يف إطــار‬ ‫تحريــر التجــارة بضوابــط منســقة مــع‬ ‫سياســات تشــجيع اإلنتــاج واالنفتــاح عــى‬ ‫التجــارة الخارجيــة العربيــة والدوليــة مــن‬ ‫خــال االتفاقيــات الجامعيــة يف إطــار جهــود‬ ‫منســقة بــن كل القطاعــات يف الدولــة‪ ،‬وبتــدرج‬ ‫معقــول‪ ،‬ووضــع قواعــد صارمــة للــروط‬ ‫الصحيــة والبيئيــة ومراقبــة األســعار‪.‬‬ ‫‪ _7‬مكافحــة البطالــة‪ :‬إن الجهــود املختلفــة‬ ‫يف القطاعــات يجــب أن تعطــي األولويــة‬ ‫ملعالجــة البطالــة مــن خــال اســتحداث مواقــع‬ ‫عمــل حقيقيــة جديــدة‪ ،‬فاإلســهام يف معالجــة‬ ‫البطالــة‪ ،‬وتشــجيع ودعــم املشــاريع الصغــرة‪،‬‬ ‫وبخاصــة يف املــدن الصغــرة والقــرى واملناطــق‬ ‫النائيــة‪ ،‬وأخــذ البعــد االجتامعــي دامئــاً‬ ‫بالحســبان بتحســن دخــول الفئــات محــدودة‬ ‫الدخــل‪ ،‬وتحقيــق العدالــة يف الفــرص‪ ،‬كل ذلــك‬ ‫يــؤدي إىل زيــادة الرفاهــة يف املجتمــع‪ ،‬ويســهم‬ ‫يف تحقيــق التــوازن االقتصــادي والســلم‬ ‫االجتامعــي‪.‬‬ ‫ختامــاً قــد يكــون مــن املناســب النظــر يف‬ ‫تشــكيل مجموعــة اقتصاديــة تســاعد الحكومــة‬ ‫عــى تنســيق السياســات االقتصاديــة (قضايــا‬ ‫االقتصــاد الــكيل) يف ضــوء التطــورات املاليــة‬ ‫واالقتصاديــة الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬ومتابعــة‬ ‫تطبيقهــا‪ ،‬وتحليــل نتائجهــا‪ ،‬واقـراح التعديــات‬ ‫الالزمــة عليهــا‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫‪7‬‬

‫العالق��ة ب�ين اجملتمع املدن��ي والدولة‬ ‫أحمد الرمح‬

‫وقــع خــاف كبــر بــن منظــري ومفكــري املجتمــع املدين‬ ‫الغربيــن؛ وكذلــك بعــض املثقفــن العــرب حــول طبيعــة‬ ‫العالقــة بــن الدولــة ومؤسســات املجتمــع املــدين‪ ،‬فهنــاك‬ ‫مــن أراد ملؤسســات املجتمــع املــدين أن تكــون تحــت‬ ‫ســيطرة الدولــة وتتحــرك ضمــن (أجندتهــا)؛ يف حــن ذهــب‬ ‫فريــق آخــر إىل أن مؤسســات املجتمــع املــدين يجــب أن‬ ‫تتمتــع باســتقاللية عــن هيمنــة الدولــة؛ حتــى تســتطيع أن‬ ‫تقــوم بوظيفتهــا‪.‬‬ ‫وإننــا نــرى أن املحــدد الرئيــس لشــكل العالقــة بــن الدولــة‬ ‫واملجتمــع املــدين هــو الدولــة ذاتهــا‪ ،‬فــإذا كانــت الدولــة‬ ‫تقــوم يف سياســتها عــى نظــام مؤســي وشــكل دميقراطــي؛‬ ‫فــإن مؤسســات املجتمــع املــدين هــي داعمــة ومســاعدة‬ ‫للدولــة نفســها‪ ،‬وصلــة الوصــل بينهــا وبــن املجتمــع‪ ،‬أمــا‬ ‫إذا كانــت الدولــة ذات نظــام شــمويل دكتاتــوري‪ ،‬يصــادر‬ ‫حــق الجميــع ويغيِّــب دور املجتمــع‪ ،‬ويوجهــه باتجــاه‬ ‫فكــري واحــد‪ ،‬هنــا تغــدو مؤسســات املجتمــع املــدين يف‬ ‫موقــع املعــارض الدميقراطــي‪ ،‬الــذي يحــق لــه اســتخدام‬ ‫كل األســاليب الســلمية للحصــول عــى حقوقــه‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫فــإن الدولــة مبامرســتها هــي التــي تحــدد عالقتهــا مــع‬ ‫مؤسســات املجتمــع املــدين‪.‬‬ ‫إذا ً ليــس مــن الــروري أن يكــون املجتمــع املــدين هــو‬ ‫تكتــل معارضــة ضــد الحكومــة وسياســتها‪ ،‬وكلــا نحــت‬ ‫الدولــة باتجــاه سياســة االســتبداد والشــمولية كلــا دفعــت‬ ‫مؤسســات املجتمــع للســر عكــس تيارهــا؛ مــع العلــم أن‬ ‫تغييــب مؤسســات املجتمــع املــدين هــو إضعــاف للدولــة‬ ‫ذاتهــا‪ ،‬وإنقــاص لرشعيتهــا‪ ،‬وهــذا يعنــي أن املجتمــع‬ ‫كلــا كان قوي ـاً كلــا كانــت الدولــة كذلــك أمــام التحــدي‬ ‫الخارجــي ومرشوعاتــه‪ ،‬والعكــس صحيــح‪.‬‬ ‫وإن مــن األســباب التــي دعــت مؤسســات املجتمــع املــدين‬ ‫لتنبعــث مــن جديــد ـ يف منطقتنــا العربيــة ـ هــو ســيطرة‬

‫األنظمــة الشــمولية عــى كل شــؤون املجتمــع لتشــكله‬ ‫حســب أيديولوجيتهــا الحزبيــة‪ ،‬بحيــث قامــت بإنشــاء‬ ‫املؤسســات التــي تحتــاج إليهــا فقــط؛ وغذتهــا ووجهتهــا‬ ‫حســب (أجندتهــا) حتــى أصبحــت وســيلة لتحقيــق‬ ‫أهدافهــا ال أهــداف املجتمــع‪ ،‬فانقرضــت املامرســة‬ ‫الدميقراطيــة رغــم رفعهــا كشــعار‪ ،‬وماتــت الحريــة رغــم‬ ‫االدعــاء بحياتهــا‪.‬‬

‫إن الحقيقــة الواضحــة تتمثــل بــأن األنظمــة الشــمولية‬ ‫ســاهمت يف تغييــب املجتمــع عــن القيــام بــدوره الحقيقــي‬ ‫الــذي يســاعد أيــة حكومــة بإنجــاح برامجهــا‪ ،‬كــا حولــت‬ ‫أفـراده إىل أبــواق تــردد مــا تريــده دون أن ينمــو ويتقــدم‬ ‫سياســياً أو اجتامعي ـاً أو ثقافي ـاً؟!‪.‬‬ ‫((أصبحــت الدولــة مؤسســة خاصــة توظــف ســيطرتها‬ ‫املطلقــة‪ ،‬وتغلغلهــا يف كل ثنايــا املجتمــع مــن أجــل خدمــة‬ ‫مصالــح الفئــة الحاكمــة‪ ،‬وليــس مــن أجــل املصالــح العامــة‪،‬‬ ‫وأصبحــت تنظــر إىل كل حركــة أو إشــارة مــن املجتمــع‬ ‫املــدين عــى أنهــا معارضــة سياســية؛ ورفــض لســلطة‬ ‫الدولــة‪ ..‬وبالتــايل خصصــت القســم األكــر مــن مواردهــا ال‬ ‫لتوفــر حاجــات املجتمــع؛ وإمنــا لتعظيــم وســائل القضــاء‬ ‫عليــه))‪.‬‬ ‫وإىل املذهــب ذاتــه ذهــب األســتاذ عبــد اللــه ســاعف إذ‬ ‫اعتــر الدولــة هــي مــن قامــت بتهميــش دور مؤسســات‬ ‫املجتمــع املــدين العــريب؛ لبســط ســيطرتها حتــى ال تتقلــص‬ ‫ســلطاتها حتــى قــال‪:‬‬ ‫إن جوهــر مشــكلة املجتمــع املــدين العــريب ترتكــز يف انتشــار‬ ‫ســلطة الدولــة يف كل مجــاالت الحيــاة االجتامعيــة‪ ،‬مــا‬ ‫يجعــل مــن هــذه الســلطة أداة مراقبــة مســتمرة وعائق ـاً‬ ‫أمــام إمكانيــة تحــرر األفــراد واســتقالل املؤسســات‬ ‫االجتامعيــة‪ .‬فالدولــة العربيــة تكتســح كل مجــاالت‬ ‫الحيــاة املجتمعيــة يف إطــار مــروع شــمويل (لدولنــة)‬ ‫املجتمــع‪ ،‬ومنــع قيــام أي حركــة تجنيــد اجتامعيــة تحــد‬ ‫مــن ســلطاتها‪ .‬والحقيقــة أن ذلــك ال يعنــي يف التحليــل‬ ‫النهــايئ تقويــة الدولــة‪ ،‬فالصالحيــات الواســعة التــي تتمتــع‬ ‫بهــا‪ ،‬واملجــاالت واالختصاصــات التــي متتلكهــا‪ ،‬وطموحاتهــا‬ ‫الزائــدة الحتــال كل املواقــع‪ ،‬إضافــة إىل أجهزتهــا وآلياتهــا‬ ‫املتنوعــة‪ ،‬قــد تخفــي ضعفــاً جوهريــاً‪ ،‬ووجــودا ً هشــاً‬ ‫للســلطة‪ .‬ففــي وســط متخلــف مــن املســتبعد أن يعنــي‬ ‫وجــود الدولــة يف كل مــكان‪ ،‬أنهــا بالفعــل قــوة حقيقيــة‪.‬‬

‫ومــن خــال كالم األســتاذ ســاعف نســتنتج أن الدولــة‬ ‫عندمــا تتغلغــل يف كل ثنايــا املجتمــع لبســط ســيطرتها‬ ‫وفــرض سياســتها ســيتولد عــن ذلــك أمــران‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ضعــف الدولــة ذاتهــا‪ ،‬وفقــدان النظــام الحاكــم‬ ‫فيهــا لرشعيتــه ألن عمليــة إحــكام الســيطرة عــى كل زوايــا‬ ‫املجتمــع ســرهقها كثــرا ً وســتبدد الكثــر مــن طاقاتهــا‬ ‫التــي كان مــن الواجــب رصفهــا وتوجيههــا باتجــاه التنميــة‬ ‫ورفاهيــة املواطــن‪.‬‬ ‫والثــاين‪ :‬ضعــف وتــايش املجتمــع نفســه الــذي تحكمــه‬ ‫الدولــة‪ ،‬حيــث ســيعيش حالــة تبلــد ولــن يتحــرك ليصبــح‬ ‫مجتمع ـاً مبدع ـاً؛ مــا يــؤدي عاج ـاً أم آج ـاً إىل إصابتــه‬ ‫بحالــة تكلــس ينتــج عنهــا إفــرازات سياســية واجتامعيــة‬ ‫واقتصاديــة كثــرة وخطــرة؛ تهــدد الدولــة عينهــا‪.‬‬ ‫وبينــت الباحثــة الدكتــورة ثنــاء فــؤاد عبــد اللــه النتائــج‬ ‫الخطــرة التــي نتجــت عــن ســيطرة الدولــة عــى مؤسســات‬ ‫املجتمــع املــدين العــريب فقالــت‪ :‬إن اإلســراتيجية التــي‬ ‫اتبعتهــا الدولــة مــن أجــل فــرض ســيطرتها عــى املجتمــع‬ ‫ســارت يف ثالثــة مســارات‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬القضاء عىل املعارضة السياسية أو إضعافها‪.‬‬ ‫ثاني ـاً‪ :‬إخضــاع املؤسســات االجتامعيــة مــن أجــل خدمــة‬ ‫مصالــح الدولــة‪.‬‬ ‫ثالثــاً‪ :‬القضــاء عــى األســس املاديــة ملؤسســات املجتمــع‬ ‫املــدين الحديــث؛ كالنقابــات املهنيــة والعامليــة واألح ـزاب‬ ‫السياســية والتنظيــات السياســية واالجتامعيــة ومؤسســات‬ ‫الرتبيــة والديــن ووســائل اإلعــام‪.‬‬ ‫وبذلــك نســتنتج أن العالقــة مــا بــن املجتمــع املــدين‬ ‫والدولــة؛ ليســت طرديــة عــى طــول الخــط‪ ،‬وال‬ ‫عكســية دامئــاً‪ ،‬إمنــا هــي عالقــة تكامليــة يف الدولــة‬ ‫املدنيــة الدميقراطيــة؛ ومعارضاتيــة يف الدولــة الشــمولية‬ ‫االســتبدادية؛ كــا أنــه (املجتمــع املــدين) يتمتــع بــدور‬ ‫رائــد ومهــم يف الحــروب األهليــة‪.‬‬

‫جولة ساحقة لألصوليني يف زمن «الصرب االسرتاتيجي»‬ ‫رعد الالذقاني‬ ‫يجــد الشــيعة العــرب‪ ،‬والســنة العــرب‪،‬‬ ‫يف هــذه األيــام‪ ،‬أنفســهم أمــام صعــود كبــر‬ ‫لألصوليــة الفارســية الشــيعية عــى حســاب‬ ‫حــزب البعــث األصــويل يف الع ـراق أوالً‪ ،‬وعــى‬ ‫حســاب العراقيــن ثانيــاً‪ .‬وكذلــك الســوريون‪،‬‬ ‫فقــد باتــت أجـزاء كبــرة مــن دمشــق القدميــة‬ ‫مرتعـاً لألصوليــن الفــرس عــى حســاب العــرب‬ ‫املســيحيني والعــرب الســنة‪ ،‬هنالــك حيــث‬ ‫تنشــئ ميليشــيات إيــران قواعــد انطــاق‬ ‫لعملياتهــا العســكرية ضــد قــوى االعتــدال‬ ‫الســوري املعارضــة‪ .‬ال شــك لــدي بــأن األســد‬ ‫كان م ـرا ً دامئ ـاً عــى انتصــار أصولي ـ ٍة مؤقــت‬ ‫يف مــكان مــا مــن بــاده لرشعنــة أصوليــة‬ ‫نظــام حكمــه‪ .‬غــر أنــه واملالــي‪ ،‬ومنظومــ ٌة‬ ‫دولي ـ ٌة تســاندهام‪ ،‬عملــوا عــى انتصــار دائــم‬ ‫لألصوليــة متمثــل بـــ «داعــش» يف شــال‬ ‫ورشق ســوريا‪ ،‬وشــال وغــرب العــراق‪ ،‬يك‬ ‫يثبتــا أركان رشعيتهــا الدوليــة املنهــارة أمــام‬ ‫كــرت اللعبــة‬ ‫رضبــات الثــورات الشــعبية‪ُ .‬‬ ‫عــى رؤوس التاب َعــن‪ ،‬فجــاء زعيــم الحــرس‬ ‫الثــوري اإليـراين ‪-‬أكــر تنظيــم عســكري أصــويل‬ ‫يف املنطقــة‪ -‬وبــدأ يقــود جيــش االحتــال‬ ‫بنفســه ضــد الثورتــن الســورية والعراقيــة‪،‬‬ ‫واليمنيــة فيــا بعــد‪ ،‬مدعيــاً ‪-‬كاذبــاً‪ -‬بأنــه‬ ‫يقــود هــذه املعركــة ضــد «التكفرييــن»‪ ،‬وكأن‬ ‫التكفرييــن _املدعومــن يف الغالــب مــن قبــل‬ ‫إيـران_ قــد عرفــوا طريقـاً إىل بوابــات عواصــم‬ ‫تلــك الــدول قبــل تدخــل إيـران املبــارش‪ !.‬مــاذا‬ ‫يعنــي شــطب وكالــة االســتخبارات الوطنيــة‬ ‫األمريكيــة اســم إيـران واســم ميليشــيا «حــزب‬ ‫اللــه» عــن قوائــم «التحديــات اإلرهابيــة»‬

‫التــي تواجههــا الواليــات املتحــدة يف عــام‬ ‫‪ 2015‬غــر تلطيــف األجــواء األمريكيــة ‪-‬‬ ‫اإليرانيــة عــى أمــل اختتــام مفاوضــات النــووي‬ ‫اإليـراين باتفــاق مــا‪.‬؟ إنــه يعنــي رهانـاً جديــدا ً‬ ‫حــرب طويلــة ضــد‬ ‫عــى قــدرات إيــران يف‬ ‫ٍ‬ ‫فاشــل ســيؤدي إىل‬ ‫ٌ‬ ‫«داعــش»‪ !.‬ولكنــه رهــا ٌن‬ ‫نتائــج عكســية عــى املــدى املتوســط‪ ،‬فليــس‬ ‫مــن مصلحــة إيــران إســقاط هــذا التنظيــم‬ ‫رشع أفعالهــا وأفعــال أتباعهــا‬ ‫الــذي ســي ّ‬ ‫مــن أمثــال «الحشــد الشــعبي» املتطــرف‪،‬‬

‫تنشــد «داعــش» وقوتهــا يف العــراق وســوريا‪،‬‬ ‫يك تتصــدر الــر والبحــر يف املنطقــة نياب ـ ًة عــن‬ ‫العــامل‪ ،‬عــى أمــل أن يشــاركها التحالــف بعــد‬ ‫أن قاســمها العــداء ‪36‬عام ـاً‪ .‬تنتــر األصوليــة‬ ‫الســنية بقيــادة تنظيــم (داعــش) يف بضــعٍ‬ ‫مــن جغرافيــا العــراق وســوريا‪ ،‬كــا تنتــر‬ ‫األصوليــة الشــيعية بقيــادة نظــام الحكــم‬ ‫اإليــراين وأذرعــه عــى الشــعب اإليــراين‪ ،‬ثــم‬ ‫يف بضـعٍ مــن العـراق وســوريا واليمــن ولبنــان‪.‬‬ ‫وهــذه بالطبــع ليســت صحــو ًة إســامية‬

‫ونظــام بشــار األســد‪ ،‬وميليشــيا حــزب اللــه يف‬ ‫مواجهــة الشــعوب املنتفضــة‪ ،‬وأثنــاء تصفيــة‬ ‫املعتدلــن مــن معــاريض أنظمتهــا الحليفــة‪.‬‬ ‫إنهــا تنشــد القاعــدة وقوتهــا يف اليمــن‪ ،‬كــا‬

‫(شــيعي ًة كانــت أم ســنية)‪ ،‬بــل هــي صحــو ٌة‬ ‫أصوليــة عــى مســتوى شــعوب العــامل باملعنــى‬ ‫العريــض للكلمــة‪ ،‬تلــك الشــعوب التــي أنفــت‬ ‫الحــروب العامليــة منــذ ســبعة عقــود‪ ،‬رمبــا قــد‬

‫تعــود‪ .‬يف الربملــان األورويب تذهــب الكثــر مــن‬ ‫األصــوات لصالــح أحــزاب اليمــن املتطــرف‪،‬‬ ‫تلــك األح ـزاب التــي تعــادي االتحــاد األورويب‬ ‫وتقــف موقف ـاً حــادا ً مــن األجانــب املهاجريــن‬ ‫إىل بالدهــم‪ ،‬ويرفضــون العملــة املوحــدة‪ .‬ففــي‬ ‫فرنســا عــى ســبيل املثــال يحــل حــزب الجبهــة‬ ‫الوطنيــة أوالً‪ ،‬ويف الربتغــال شــهد الحــزب‬ ‫الحاكــم تراجعـاً واضحـاً‪ ،‬وكذلــك تصــدر حــزب‬ ‫االســتقالل املشــهد يف بريطانيــا‪ .‬وبغــض النظــر‬ ‫عــن أن هــذه النتائــج مل تؤثــر يف الرتتيبــة‬ ‫القدميــة للربملــان األورويب‪ّ ،‬إل أنهــا تعطــي‬ ‫دالالت خطــرة عــن وجــود تحــوالت جذريــة يف‬ ‫أذواق الناخبــن‪ ،‬هــل يــأيت اليــوم الــذي يقلــب‬ ‫فيــه األورويب الجيــد صوتــه مــن صنــدوق‬ ‫حــزب «الخــر» املحــب للطبيعــة إىل صناديــق‬ ‫اليمــن املتطــرف املعــادي للســامية‪.‬؟ هنــاك‬ ‫يف بورمــا حيــث يقتــل املســلمون عــى أيــدي‬ ‫األصوليــن البوذيــن ال يقــل األمــر ســوءا ً‪ ،‬يف‬ ‫تكـرار ســيناريو اعتــداءات األصوليــن الهنــدوس‬ ‫عــى مســلمي «هنــد ســتان»‪ ،‬مــا مهــد لنشــوء‬ ‫دولــة باكســتان فيــا بعــد‪ .‬وليــس ببعيـ ٍـد عــن‬ ‫اســتعصاء منطقتنــا‪ ،‬صعــود اليمــن يف إرسائيــل‬ ‫وكل األحــزاب فيهــا ميــن‪ -‬ســدة الحكــم يف‬‫البــاد بزعامــة حــزب الليكــود الــذي يرتأســه‬ ‫بنيامــن نتينياهــو قاتــل أطفــال غــزة‪ ،‬وزميــل‬ ‫إرهــاب بشــار الكيــاوي ونــوري املالــي‪.‬‬ ‫ســتختلف أســباب صعــود اليمــن املتطــرف يف‬ ‫أوروبــا عــن أســباب صعــود تيــارات األصوليــة‬ ‫يف آســيا واملــرق العــريب‪ ،‬ولكــن املؤكــد أن‬ ‫اليمينــي الغائــب عــن انتخابــات الربملــان‬ ‫األوريب ســيلتحق بصفــوف «داعــش» أو الحشــد‬ ‫الشــعبي املتطــرف‪ ،‬باحث ـاً عــن ســا ٍح مــروع‬

‫وميـزات اقتصاديــة أكــر وفــرة‪ ،‬وعــن عملــة لها‬ ‫وزن وقيمــة تعلــو اليــورو املوحــد «البغيــض»‬ ‫يف أوروبــا‪ .‬لقــد توجــه الرئيــس األمريــي بــاراك‬ ‫أوبامــا يف إســراتيجية األمــن القومــي لبــاده‬ ‫خــال ســنة ‪ 2012‬نحــو املحيــط الهــادي‪،‬‬ ‫لتعزيــز مكاســب أمريــكا وحاميــة مصالحهــا‬ ‫هنــاك‪ ،‬ولكنــه يعــود يف عــام ‪ 2015‬بقــوة‬ ‫إىل املــرق العــريب وشــال إفريقيــا ورشق‬ ‫أوروبــا بعــد ظهــور تنظيــم الدولــة اإلســامية‬ ‫«داعــش» وقيــام روســيا بضــم شــبه جزيــرة‬ ‫القــرم األوكرانيــة ودعــم انفصاليــن بــرق‬ ‫البــاد بعــد خلــع الرئيــس األوك ـراين «فيكتــور‬ ‫يانوكوفيتــش» املــوايل لروســيا‪ ،‬واســتمرار‬ ‫العنــف املــروع يف ســوريا بفعــل الســلطة‪،‬‬ ‫وعــودة االضطرابــات إىل بقيــة بلــدان الربيــع‬ ‫العــريب‪ .‬هــذه اإلســراتيجية أطلــق عليهــا‬ ‫اســم «الصــر االســراتيجي» التــي ســيكون‬ ‫القضــاء عــى «داعــش» مــن أوىل أولوياتهــا‬ ‫خــال الشــهور املقبلــة‪ ،‬كــا كان الحــال‬ ‫مــع إســراتيجية عــام ‪ 2010‬التــي توعــدت‬ ‫بالقضــاء عــى تنظيــم القاعــدة اعتــادا ً عــى‬ ‫الحلفــاء يف «الجبهــة األماميــة»‪ .‬ولكــن مــاذا‬ ‫عــن األصوليــة التــي تحملهــا إي ـران إىل العــامل‬ ‫بــأرسه‪ .‬هــل يســتحق االتفــاق النــووي اإليـراين‬ ‫كل هــذا الصــر مــن أمريــكا عــى جرائــم إيـران‬ ‫وميليشــياتها بحــق العــرب الســنة واحتاللهــا‬ ‫ألرضهــم‪..‬؟ أي إمرباطوريــة توســعية تلــك‬ ‫التــي ســتتخىل عــن احتــال مضيقــي (بــاب‬ ‫املنــدب وبــاب الســام)‪ ،‬وعــن احتــال أربــع‬ ‫عواصــم عربيــة مقابــل متســكها بربنامــج نــووي‬ ‫حــريب غــر ذي جــدوى اقتصادي ـاً ودبلوماســياً‬ ‫وعســكرياً‪.‬؟‬


‫‪8‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫عمر شحرور‬

‫األزمة األساسية يف الثورة السورية‬

‫تتحــدد مشــكلة الثــورة الســورية يف قضيــة أساســية‪ ،‬وهــي‬ ‫أزمتهــا البنيويــة – املعرفيــة‪ ,‬وعــن هــذه األزمــة تتفــرع‬ ‫معضــات ملحقــة تؤثــر بالقضيــة األساســية‪ ،‬وتتأثــر بهــا‬ ‫ضمــن عالقــات مرتابطــة معقــدة‪ ..‬هــذه األزمــة البنيويــة –‬ ‫املعرفيــة طبعــت معظــم قــوى الثــورة مدنيــة وعســكرية‬ ‫يف الداخــل والخــارج‪ ،‬وكانــت وال تــزال ســمة مرافقــة‬ ‫لجميعهــا‪ ،‬وخاصــة عــى مســتوى قيــادات الثــورة الســورية‬ ‫عموم ـاً بــكل مــا تعنــي هاتــن الكلمتــن مــن أبعــاد‪ ،‬هــذا‬ ‫مــن حيــث املبــدأ‪ ..‬كــا أنهــا أزمــة تتعلــق بالــراع يف‬ ‫املنطقــة بــن دولــه‪ ،‬وتشــابك مصالحهــا ورصاعهــا‪ ،‬وآليــات‬ ‫هــذا ال ـراع وموازينــه‪ ,‬مــع األخــذ بعــن االعتبــار الدولــة‬ ‫األقــوى فيهــا إرسائيــل النوويــة واملتخمــة بالتســلح‪ ،‬والتــي‬ ‫تشــكل الحاميــة لحــكام املنطقــة الطغــاة‪ ،‬ومنهــم حكــم‬ ‫آل اســد – مخلــوف‪ ،‬كــا أشــار يف بدايــة الثــورة رامــي‬ ‫مخلــوف الرجــل األقــوى يف ســوريا‪ ,‬كــا أن حكــم األســد‬ ‫ميلــك تحالفــات قويــة يف املنطقــة مــن إيــران وحــزب‬ ‫اللــه وقــوى طائفيــة يف العــراق‪ ،‬إضافــة إىل دعــم مــن‬ ‫كل القــوى الفاســدة والديكتاتوريــة يف املنطقــة والعــامل‪،‬‬ ‫والــذي يقــوده حاكــم روســيا املســتبد فالدميــر بوتــن‪,‬‬ ‫وأيضــاً ال ننــى ســوريا بلــد تتقاطــع فيــه مصالــح دول‬ ‫مختلفــة التوجهــات واملواقــف‪ ،‬مثــل تركيــا والســعودية‬ ‫ودول الخليــج ومــر‪ ،‬وأيض ـاً أوربــا والغــرب عموم ـاً‪ ,‬لــذا‬ ‫أي تحليــل أو توصيــف للمســألة الســورية وثورتهــا ال بــد‬ ‫أن يأخــذ هــذه املســائل جميعهــا يف تفاعالتهــا وتعقيداتهــا‬ ‫بعــن االعتبــار دون اإلغــراق يف التفاصيــل‪ ،‬حيــث تشــكل‬ ‫الرؤيــة العامــة جوهــر ال ـراع يف ســوريا‪ ،‬وإىل أيــن يتجــه‪،‬‬ ‫ومــن هــي القــوى األساســية التــي تحــدد تحركــه وتســوقه‬ ‫يف هــذا االتجــاه أو ذاك؟‪ .‬مــا يهــم مواطننــا الســوري معرفــة‬ ‫واقــع ثورتــه‪ ..‬مــا هــي إخفاقاتهــا وانتصاراتهــا‪ ,‬أيــن تقدمــت‬ ‫وأيــن تراجعــت ومــا هــي الحلــول العمليــة للخــروج مــن‬ ‫هــذه الحــرب الرهيبــة التــي يشــنها علينــا مجــرم مل يعــرف‬ ‫التاريــخ مثلــه إال قليــاً؟ هــذا يتحتــم علينــا أوالً وضعــه‬ ‫يف صــورة الثــورة الســورية الصامــدة‪ ،‬والتــي تقــاوم حتــى‬ ‫تحقيــق نــر اللــه القــادم‪ ,‬هــذا النــر ال يتحقــق إال‬ ‫بتحقيــق أســبابه ومقوماتــه‪ ,‬وأهمهــا دعــم املجاهديــن‬ ‫مــن فصائــل إســامية وجيــش حــر‪ ،‬وتقديــم ســبل الصمــود‬ ‫لهــم‪ ,‬وهــذا النــر الــذي نعمــل عليــه ال يتــأىت ويتحقــق إال‬ ‫بوحــدة جميــع القــوى حــول برنامــج وطنــي واســع وعريــض‬ ‫بــن قــوى الثــورة يف الداخــل والخــارج‪ ،‬ومتكــن شــعبنا يف‬ ‫الداخــل والخــارج مــن الصمــود بتقديــم العــون املــادي‬ ‫واملعنــوي ألهالينــا يف الداخــل‪ ،‬خاصــة يف مناطــق الحــرب‬ ‫والتــاس‪ ،‬ونازحــي الداخــل‪ ،‬واالهتــام مبســألة التعليــم‬ ‫بكافــة أشــكاله ومراحلــه‪ ،‬وإعطــاء الجرحــى واملعاقــن وأرس‬

‫جمال الفالح‬ ‫لقــد مــرت عالقــة تركيــا بالواليــات املتحــدة‬ ‫بأطــوار مختلفــة‪ ،‬فمــن بعــد الحــرب العامليــة‬ ‫الثانيــة‪ ،‬ويف مرحلــة الحــرب البــاردة اتســمت‬ ‫عالقــة تركيــا بأمريــكا بالتبعيــة‪ ،‬والتوظيــف‬ ‫ضمــن املنظومــة الدفاعيــة للناتــو كقاعــدة‬ ‫متقدمــة للحلــف‪ ،‬ومل يكــن هنــاك املزيــد مــن‬ ‫الخيــارات املتاحــة لألتــراك يف تلــك املرحلــة‪،‬‬ ‫ثــم اتجهــت هــذه العالقــة مــن بعــد ســقوط‬ ‫االتحــاد الســوفيتي الســابق‪ ،‬وبشــكل تدريجــي‬ ‫نحــو عالقــة رشاكــة وتنســيق الســيام بعــد تــويل‬ ‫حــزب العدالــة والتنميــة ملقاليــد الســلطة‪،‬‬ ‫ومل يكــن خافيــاً عــى الواليــات املتحــدة‬ ‫رغبــة األتــراك املتناميــة بالوصــول ملزيــد‬ ‫مــن اســتقاللية القــرار الســيايس‪ ،‬ولعــب دور‬ ‫إقليمــي يتناســب مــع حجــم وتاريــخ الدولــة‬ ‫الرتكيــة‪ ،‬ولقــد رأى األتــراك يف ثــورات الربيــع‬ ‫العــريب فرصــة لتوســيع نفوذهــم اإلقليمــي‪،‬‬ ‫ومتتــن قواعــد األمــن القومــي الــريك مــا‬ ‫دعاهــم للوقــوف إىل جانــب هــذه الثــورات‬ ‫الســيام الثــورة الســورية‪ ،‬لكــن موقــف القــوى‬ ‫الدوليــة املتســم بالتخــوف والحــذر مــن‬ ‫مســتقبل ثــورات الربيــع العــريب قــد خلــق‬ ‫إربــاكاً للسياســة الرتكيــة‪ ،‬وأوقعهــم يف تحديــات‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫الشــهداء اهتاممـاً خاصـاً يليــق مبــا قدمــوه لشــعبنا وثورتنــا‪.‬‬ ‫نبــدأ مــن املعضلــة الكــرى لثورتنــا – كــا أرشنــا يف البدايــة‬ ‫ والتــي انبثقــت عنهــا صعوبــات وأزمــات كبــرة (وتتلخــص‬‫بــأن شــعب عظيــم كان يحتــاج ويســتحق قيــادة عظيمــة‪..‬‬ ‫مل توجــد بعــد) هــي يف تكويــن جســم قيــادة الثــورة‬ ‫واملعارضــة (أجســامها)‪ ,‬ويف رؤيتهــا السياســية للوصــول يف‬ ‫ســوريا الشــعب إىل الحريــة مــن حكــم الطغــاة مــن آل أســد‬ ‫– مخلــوف‪ ..‬وثــم إقامــة حكــم مــدين عــادل يعمــل عــى‬ ‫إعــادة إعامرهــا‪ ..‬هــذه األزمــة املعرفيــة ‪ -‬البنيويــة ميكــن‬ ‫توصيفهــا يف مســارات عــدة تعــود إىل عوامــل منهــا‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬عــدم وجــود تحليــل علمــي معــريف – تاريخــي رصــن‬ ‫لطبيعــة الحكــم القائــم‪ ,‬وبالتــايل معرفــة القــوى األساســية‬ ‫والثانويــة يف قلــب الحكــم ومصالحهــا وتصارعهــا‪ ،‬وأيــن‬ ‫مواقعهــا اآلن‪ ،‬وحركتهــا عــى ضــوء تغــر املواقــع عــى‬ ‫األرض‪ ,‬وطبيعــة مؤسســات الدولــة ودورهــا‪ ،‬وخاصــة‬ ‫الجيــش واألمــن‪ ،‬وموقــف الفعاليــات االقتصاديــة والنخــب‬ ‫الدينيــة والعلميــة واألدبيــة واإلعــام مــع أو ضــد الثــورة‬ ‫وغــر ذلــك‪ ..‬مــن هنــا تبــدأ القضيــة‪.‬‬ ‫ثانيــاً‪ :‬أن املعارضــة بكافــة أطيافهــا مل تنضــج تجربتهــا‬ ‫السياســية وخربتهــا رغــم مــرور أربــع أعــوام عــى انطالقــة‬ ‫الثــورة الســورية‪ ..‬هــذا القصــور يف النضــج املعــريف يعــود‬ ‫ألســباب تاريخيــة منهــا غيــاب املامرســة للحياة السياســية يف‬ ‫البــاد منــذ ‪ ,1963‬وأيضـاً عــدم وجــود انســجام بــن فصائــل‬ ‫الثــورة الســورية يف الداخــل والخــارج وبالتــايل مل تســتطع‬ ‫صياغــة الربنامــج الســيايس الوطنــي الواســع والعريــض الــذي‬ ‫أدى إىل هشاشــة القواســم املشــركة األساســية فيــا بينهــا‬ ‫‪ ,‬وأيضــاً ســهل االخرتاقــات لهــذه املعارضــة الهشــة مــن‬ ‫قبــل حكــم بوليــي يف غيــاب اليقظــة الثوريــة ومنظومتهــا‬ ‫األمنيــة املحكمــة الــذي جعــل مــن مهمــة صياغــة برنامــج‬ ‫ثــوري حقيقــي وتنفيــذه مســتحيالً‪ .‬هــذه اإلشــكاالت خلقت‬ ‫معضلــة كبــرة يف مســرة الثــورة الســورية وفصائلهــا كافــة‬ ‫يف الداخــل والخــارج وأدى إىل عــدم اســتطاعتها صياغــة‬ ‫سياســة داخليــة وخارجيــة متناســبة مــع تطــورات الوضــع‬ ‫الســوري والــذي كانــت ‪ -‬املعارضــة ‪ -‬تركــض للحــاق بــه ومل‬ ‫تســتطع إىل اآلن‪ ,‬هــذا القصــور الفكــري – العمــي أدى إىل‬ ‫فقــدان قيــادة الثــورة التــي اتخــذت مــن خــارج البــاد مقـرا ً‬ ‫لهــا‪ ..‬هــذه القيــادة فقــدت الكثــر مــن رشعيتهــا الثوريــة‬ ‫املســتمدة مــن تواصلهــا مــع شــعبها وبالتــايل تــم تجاوزهــا‬ ‫مــن قبــل الشــارع الســلمي والعســكري وســمح بدخــول‬ ‫قــوى عــى خــط الثــورة الســورية مل تكــن محســوبة عليــه‬ ‫كتنظيــم دولــة العـراق والشــام‪ ..‬هــذا بــدوره أدى إىل غيــاب‬ ‫الــروط األساســية لنجــاح أي ثــورة يف العــر الحديث وهو‬ ‫بنــاء سياســة تحالفــات مرحليــة وإســراتيجية تســاعدها‬

‫عــى النــر مــن خــال إنشــاء خطــوط خلفيــة للثــورة‬ ‫الســورية مــن حاضنــة شــعبية متامســكة ومســتقرة‪ ،‬ومــن‬ ‫وجــود دولــة تتشــابك مصالحهــا مــع املصالــح الحقيقيــة‬ ‫للشــعب الســوري‪ ،‬وثورتــه يف تحريــر البــاد‪ ،‬وإقامــة حكــم‬ ‫مــدين‪ ,‬وأيضــاً مــا أضعــف الثــورة وقضيتهــا هــو ارتهــان‬ ‫قــوى كثــرة منهــا سياســية عــى التمويــل الخارجــي عــريب‬ ‫أم عاملــي وشــكل مــا عــرف باملــال الســيايس أو األجنــدات‬ ‫يف الثــورة الســورية‪ ..‬هــذا مل يؤثــر كث ـرا ً عــى قــوى الثــورة‬ ‫الداخليــة إال قلي ـاً العتامدهــا عــى مــوارد ذات مرجعيــات‬ ‫إســامية بينــا قســم قيــادات الخــارج بشــكل كبــر ظهــرت‬ ‫عــى العلــن نتائجــه يف الرصاعــات العلنيــة داخــل قيــادة‬ ‫االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة واملعارضــة الســورية‬ ‫وغريهــا مــن القــوى السياســية التــي بــدأت ظواهــر‬ ‫انقســاماتها وترشذمهــا تظهــر يف تجليــات كثــرة‪ ..‬كــا أن‬ ‫أمريــكا والغــرب محكمــون مبصالــح مل تســتطع (املعارضــة)‬ ‫مقاربتهــا مــع واقــع الثــورة الســورية أو مــع آفــاق تطورهــا‪..‬‬ ‫عــى ســبيل املثــال عــى غيــاب الرؤيــة العلميــة مثـاً الشــيخ‬ ‫معــاذ الخطيــب عــى رأس االئتــاف الوطنــي كان ســيذهب‬ ‫للحــوار مــع الحكــم املجــرم تحــت ســقف الحصــول عــى‬ ‫جــوازات ســفر وإفـراج عــن معتقلــن!!! يف وقــت يســتخدم‬ ‫فيــه الحكــم املجــرم صواريــخ ســكود وكيــاوي!!! ومثــال‬ ‫آخــر عــى تخبــط قــادة االئتــاف د‪ .‬برهــان غليــون بعــد‬ ‫توقيعــه مــع هيثــم منــاع يف القاهــرة عــى وثيقــة تتضمــن‬ ‫أســس ورشوط الحــوار مــع الحكــم والعــودة إىل ســليمة‬ ‫الثــورة (كان هــذا انتكاســة عــن مــا وصلــت إليــه حركــة‬ ‫الشــارع) ذلــك مل يكــن مناســباً للثــورة وغــر مفيــد لهــا‬ ‫بــل مــر‪ ,‬تــم نفيــه التوقيــع بدايــة وبعــد يومــن تراجــع‬ ‫عنــه‪ ,‬وهــذا صحيــح ألننــا ســندفع الثمــن غاليــاً لتحريــر‬ ‫ســوريا مــن محتــل مجــرم مــارس إجرامـاً عنيفـاً منــذ ‪1963‬‬ ‫وإىل اآلن‪ .‬إن إحــدى أهــم اإلشــكاالت املعرفيــة يف هيكليــة‬ ‫املعارضــة الخارجيــة والعاملــن يف مؤسســاتها هــو أنهــم مل‬ ‫يــروا (معظمهــم ينتســبون إىل اليســار املتشــعب ‪ -‬املتخلــف‬ ‫ التابــع) يف حــروب الحكــم (الكافــر – املجــرم – الفاســد –‬‫املفســد) ضــد اإلســاميني (يف ســبعينات ومطلــع الثامنينــات‬ ‫مــن القــرن املــايض ضــد حركــة اإلخــوان املســلمني وجناحهــا‬ ‫العســكري الطليعــة املقاتلــة وحــزب التحريــر اإلســامي‬ ‫ومســتقلني وبعــض مــن ينتمــون إىل فصائل الجهاد اإلســامي‬ ‫ومنهــم مــن ينتمــون إىل منظمــة القاعــدة)‪ ,‬مل يــروا غــر‬ ‫انتصــارات للتقــدم واالش ـراكية ضــد الرجعيــة والعصابــات‬ ‫الحاقــدة اإلرهابيــة اإلجراميــة العميلــة لإلمربياليــة العامليــة‬ ‫وعــى رأســها اإلمربياليــة األمريكيــة والتــي ســوقها إعــام‬ ‫الحكــم وحليفــه االتحــاد الســوفييتي الســابق واألنظمــة‬ ‫الديكتاتوريــة العربيــة حليفــة آل أســد‪ ,‬ولألســف مل‬

‫يتجــاوز هــذه الرؤيــة بعــض الكبــار مــن قــادة املعارضــة‬ ‫اليــوم الذيــن يتهمــون اإلســاميون باختطــاف ثــورة الحريــة‬ ‫يف الوقــت الذيــن غابــوا هــم وفصائلهــم وأنصارهــم عــن‬ ‫املشــاركة يف املعركــة العســكرية ضــد الحكــم الــذي أعلنهــا‬ ‫الحكــم وعممهــا منــذ نيســان ‪2011‬م عندما أرســل الدبابات‬ ‫والطائـرات إىل درعــا إلخــاد االنتفاضــة التــي بــدأت ســلمية‬ ‫(وهــذا طبيعــي)‪ ،‬ولكــن تطورهــا وتغــر طبيعتهــا وأدواتهــا‬ ‫وقواهــا يتعلــق مبوازيــن الــراع يف الداخــل الســوري‬ ‫ويف املنطقــة ويف العــامل حيــث تشــكل املنطقــة (وســوريا‬ ‫القلــب منهــا) منطقــة رصاعــات دوليــة منــذ قــرون ملوقعهــا‬ ‫االسـراتيجي ومواردهــا وأهمهــا النفــط والغــاز (تشــكل ‪%65‬‬ ‫مــن املــوارد العامليــة)‪.‬‬ ‫القضيــة الثالثــة وهــي األهــم‪ :‬أن املعارضــة ال تعيــش مــع‬ ‫شــعبها ال يف الحلــم وال يف الواقــع‪ ..‬ال يف املــأكل وال يف املرشب‬ ‫وال يف املنــام (معارضــة الفنــادق) ومل تضــع سياســة عســكرية‬ ‫ثوريــة متناســبة مــع مــا فعلــه الحكــم منــذ األيــام األوىل‬ ‫للثــورة‪ ,‬فالحكــم قــد زج يف معركتــه الوجوديــة الطائ ـرات‬ ‫والدبابــات أي الجيــش بــكل قوتــه ومتاســكه ورعبــه وجعــل‬ ‫شــعاره كل يشء للمعركــة‪ ..‬مــاذا فعلــت املعارضــة الســورية‬ ‫التــي عاشــت حياتهــا يف كنــف هــذا الحكــم وبعضهــا تعــرض‬ ‫للتنكيــل واالعتقــال لفـرات طويلــة؟ مل تفعــل ســوى إصــدار‬ ‫البيانــات وحضــور املؤمتــرات التــي دعــا لهــا الحكــم يف‬ ‫املحافظــات (كانــت مصيــدة مــن الحكــم)‪ ،‬وكان آخرهــا‬ ‫وأكربهــا يف دمشــق برئاســة الــرع ومعــه بثينــة شــعبان‬ ‫التــي بــرت بالحــرب الطائفيــة منــذ األيــام األوىل للثــورة ‪..‬‬ ‫لقــد كشــف شــعبنا املهزلــة هــذه وأرشنــا يف بيانــات كثــرة‬ ‫أنهــا مضيعــة للجهــد وكســب للوقــت مــن قبــل الحكــم‬ ‫وأنــه لــن ينفــذ أيــة إصالحــات وأيــة وعــود بــل لقــد وضــع‬ ‫تحــت اإلقامــة الجربيــة مــن أرشف عليهــا (نائــب الرئيــس‬ ‫فــاروق الــرع)‪ ،‬واعتقــل كثرييــن مــن الذيــن شــاركوا فيهــا‪،‬‬ ‫وكثرييــن مــن الداعــن للحــل الســلمي ولربامــج إصالحيــة‬ ‫بعــد كل هــذا الدمــار‪ ،‬ومنهــم عبــد العزيــز الخــر والنــارص‬ ‫ولــؤي حســن أخ ـرا ً‪ .‬هــذه أهــم مالمــح األزمــة يف ثورتنــا‬ ‫الســورية‪ ,‬وال شــك مــن الصعوبــة مبــكان تجاوزهــا ألن هــذا‬ ‫يحتــاج إىل نضــوج عوامــل داخليــة كثــرة يف ثورتنــا ‪ ,‬وأيضـاً‬ ‫تغيــر مســاهمة تأثــر العوامــل الخارجيــة مــن الســلبي‬ ‫واالنقســامي إىل الجمعــي الوطنــي وهــذا لــن تفعلــه القــوى‬ ‫الخارجيــة إطالق ـاً بــل تفعلــه القــوى الوطنيــة يف مرشوعهــا‬ ‫الوطنــي الواســع الــذي يســتطيع اســتقبال تلــك التداخــات‬ ‫بكافــة أشــكالها دون أن يكــون لهــا ارتــدادات كارثيــة‬ ‫عــى ثورتنــا‪ ,‬هــذا مــا يجــب أن تلتــزم بــه جميــع القــوى‬ ‫املتشــاركة واملشــاركة يف املــروع الوطنــي وأن تلتــزم بــه‬ ‫تنفيذي ـاً‪.‬‬

‫شاه الفرات قد تكون البداية‬ ‫ال يســتهان بهــا‪ ،‬ليــس أقلهــا تحمــل أعبــاء‬ ‫نــزوح عــدد كبــر مــن الســوريني إىل األريض‬ ‫الرتكيــة دون تقديــم مســاعدة فعالــة مــن‬ ‫املجتمــع الــدويل لألت ـراك يف هــذا الشــأن‪ ،‬كــا‬ ‫مل يتــم تقديــم دعــم جــدي للمعارضــة بالســاح‬ ‫النوعــي بحيــث يجــر النظــام للقبــول بالحــل‬ ‫الســيايس املتمثــل بتســليم الســلطة لحكومــة‬ ‫انتقاليــة‪ ،‬ثــم تــا ذلــك ظهــور تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســامية‪ ،‬وتنامــي خطورتــه عــى دول الجــوار‪،‬‬ ‫وعــى العــامل‪ ،‬ومحاولــة الواليــات املتحــدة جــر‬ ‫تركيــا إىل الرمــال الســورية املتحركــة مــن خــال‬ ‫دعوتهــا للمشــاركة يف التحالــف الــدويل ملحاربة‬ ‫التنظيــم دون أي ضامنــات لحــل األزمــة برمتها‪،‬‬ ‫والتــي أصبحــت عامـاً يهــدد االســتقرار واألمــن‬ ‫الرتكيــن‪ ،‬ويف ظــل الــردد الــريك باملشــاركة‬ ‫تعرضــت تركيــا لضغــوط شــديدة متثلــت‬ ‫بالتلويــح باســتخدام الورقــة الكرديــة‪ ،‬وتهيئــة‬ ‫الظــروف لألكـراد لبــدء التمــدد مــن جهــة عــن‬ ‫العــرب يف الغــرب‪ ،‬ومــن جهــة القامشــي يف‬ ‫الــرق لتكــون مدينــة تــل أبيــض الحدوديــة‬ ‫امللتقــى مــا ســيخلق تحديــاً أمنيــاً كبــرا ً‬ ‫لألتــراك‪ ،‬هــذا التحــدي الــذي أجــر األتــراك‬ ‫عــى قبــول التفــاوض مــع الواليــات املتحــدة‬ ‫للحفــاظ عــى الحــد األدىن مــن مصالحهــم‪،‬‬

‫فليــس لديهــم يف الوقــت الراهــن تــرف يف‬ ‫الخيــارات‪ ،‬وكان املــؤرش عــى وصــول الطرفــن‬ ‫إىل اتفــاق مشــرك قيــام الجيــش الــريك‬ ‫بعمليــة شــاه الفـرات كإجـراء احـرازي يســبق‬ ‫أي عمــل جــدي ضــد تنظيــم الدولــة‪ ،‬ففــي‬ ‫املعلومــات التــي ترسبــت مــن بعــض املصــادر‬ ‫تشــر إىل أن عمليــة شــاه الفــرات التــي تــم‬ ‫خاللهــا نقــل رفــات ســليامن شــاه إىل األرايض‬ ‫الرتكيــة‪ ،‬وتأمــن انســحاب الجنــود الذيــن كانــوا‬ ‫يحرســون الرضيــح قــد جــرى اإلعــداد لهــا قبــل‬ ‫شــهرين مــن بدئهــا يف ظــروف بالغــة الرسيــة‪،‬‬ ‫حيــث تــم حجــب املعلومــات حتــى عــن كبــار‬ ‫ضبــاط األركان لضــان عــدم انتقــال معلومــات‬ ‫لتنظيــم الدولــة الــذي كان ســيقدم عــى‬ ‫احتجــاز الجنــود يف حــال علمــه بالعمليــة‪ ،‬ومــا‬ ‫يهمنــا مــن عمليــة شــاه الف ـرات هــو داللتهــا‬ ‫عــى احتــال اتســاع مشــاركة تركيــا يف الحــرب‬ ‫عــى تنظيــم الدولــة باالشــراك مــع قــوات‬ ‫التحالــف األمــر الــذي يتطلــب جهوزيــة وحــذر‬ ‫تامــن‪ ،‬خاصــة أن كثــرا ً مــن الدالئــل تشــر‬ ‫لقــرب انطــاق عمليــة واســعة ضــد تنظيــم‬ ‫الدولــة انطالق ـاً مــن الع ـراق‪ ،‬ورمبــا ستشــمل‬ ‫مســتقبالً األرايض الســورية بعــد االنتهــاء مــن‬ ‫تدريــب عنــارص املعارضــة وفــق االتفــاق‬

‫الــذي أبرمــه األمريكيــون مــع األتــراك بهــذا‬ ‫الصــدد‪ ،‬ولقــد بــدأت أوىل الخطــوات العمليــة‬ ‫الشــراك األتــراك بعمليــة املوصــل بوصــول‬ ‫طائــريت شــحن إىل مطــار بغــداد محملتــن‬ ‫مبعــدات عســكرية ووصــول وزيــر الدفــاع‬ ‫الــريك عصمــت يلــاز إىل العـراق لبحــث ســبل‬ ‫وآفــاق التعــاون العســكري الــريك مــع بغــداد‬ ‫يف ســعيها الســتعادة املوصــل مــن قبضــة‬ ‫تنظيــم الدولــة‪ ،‬وقــد رافقــت الزيــارة عــدة‬ ‫ترصيحــات ملســؤولني أت ـراك كبــار أكــدوا فيهــا‬ ‫بــأن تركيــا معنيــة بــأن تســر عمليــة املوصــل‬ ‫وفــق معايــر معينــة منهــا اشــرك كل املكونــات‬ ‫العراقيــة املذهبيــة العرقيــة بالعمليــة وعــدم‬ ‫اســتفراد جهــة معينــة بالدخــول للمدينــة‬ ‫األمــر اآلخــر حــر القــوات التــي ســتبقى‬ ‫باملدينــة بعــد طــرد التنظيــم باملكــون الســني‬ ‫تخوفــاً مــن الــراع الطائفــي‪ ،‬األمــر الثالــث‬ ‫رضورة تجنــب اإلرضار باملدنيــن والتحضــر‬ ‫الســتقبال النازحــن داخــل األرايض العراقيــة‬ ‫مــن أجــل الحيلولــة دون وصولهــم إىل تركيــا‬ ‫التــي تحملــت أعبــاء لجــوء قرابــة مليــوين‬ ‫ســوري إىل أراضيهــا‪ ،‬ويف التفاصيــل التــي تــم‬ ‫رصدهــا مــن مصــادر متقاطعــة يتوقــع انطــاق‬ ‫عمليــة تحريــر املوصــل يف منتصــف شــهر‬

‫نيســان املقبــل مبشــاركة قرابــة ‪ 25‬ألــف جنــدي‬ ‫عراقــي مدعومــة مبليشــيات الحشــد الشــعبي‪،‬‬ ‫وغطــاء جــوي مــن ط ـران التحالــف أمــا عــن‬ ‫مســتوى مشــاركة األتــراك يف العمليــة فيبــدو‬ ‫أنــه ســيقترص عــى تقديــم دعــم لوجســتي‬ ‫واســتخبارايت‪ ،‬ومســاعدات إنســانية للنازحــن‪،‬‬ ‫وعــى األغلــب ســيتم تجهيــز مخيــات لالجئــن‬ ‫داخــل األرايض العراقيــة مبســاعدة تركيــة‪ ،‬ولــن‬ ‫تتدخــل القــوات الربيــة الرتكيــة إال إذا اقتضــت‬ ‫مصلحــة األمــن القومــي الــريك ذلــك‪ ،‬ونعتقــد‬ ‫أن عــى األتــراك أن يكونــوا حذريــن يف هــذه‬ ‫املرحلــة الحرجــة مــن الــراع عــى املنطقــة‬ ‫فحجــم املخاطــر واأللغــام املزروعــة لهــم أكــر‬ ‫مــن أي وقــت مــى فاألمريكيــون يريــدون‬ ‫القضــاء عــى تنظيــم الدولــة دون تدخــل بــري‬ ‫مــن طرفهــم‪ ،‬وبنفــس الوقــت يتخوفــون مــن‬ ‫متــدد النفــوذ اإليــراين يف العــراق دون وجــود‬ ‫رادع لذلــك‪ ،‬هــم حريصــون أشــد الحــرص‬ ‫عــى إرشاك (املعــادل الطائفــي) بالعمليــة‪،‬‬ ‫وهنــا تــكاد تكــون تركيــا هــي املرشــح الوحيــد‬ ‫لكــن عــى األتــراك أن يحــذروا مــن االنــزالق‬ ‫يف رصاع طويــل األمــد مــع اإليرانيــن عــى‬ ‫املــرح العراقــي والســوري تكــون أمريــكا هــي‬ ‫املســتفيد األكــر منــه‪.‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫مراجعات إسالمية ـ ‪ 3‬ـ‬ ‫ً‬ ‫من اخل��وارج إىل داعش‪( :‬أوال ـ اخلوارج )‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫معبد الحسون‬

‫كيــف ظهــر الخــوارج عــى مــرح التاريــخ؟ ومــا‬ ‫هــو املحتــوى واملعنــى العميــق لهــذا الظهــور؟ هــل‬ ‫كان الخــوارج ـ كــا يُــر َد ُد دامئ ـاً يف ســائر مقــاالت مــن‬ ‫كتبــوا عنهــم ـ ظاهــر ًة سياســي ًة وحزبـاً سياســياً اختلــف‬ ‫ـرف أو أطـر ٍ‬ ‫مــع طـ ٍ‬ ‫اف سياســية أخــرى؟ وكيــف لظاهــرة‬ ‫سياســية أن متتــ َّد يف التاريــخ لــرد ٍح طويــل يقــارب‬ ‫القرنــن ونصــف؟ أمل تتغــر ظــروف الواقــع الســيايس‬ ‫كل تلــك‬ ‫الــذي ســاهم يف إنتاجهــم وظهورهــم خــال ِّ‬ ‫املــدة الطويلــة التــي عــروا مــرح التاريــخ فيهــا دون‬ ‫أن تلــن لهــم شــوكة أو تفــر لهــم عزميــة؟ وملــاذا توقــف‬ ‫املســلمون عنــد مبــدأ «تفســيقهم» دون أن يتجــرأوا‬ ‫عــى الحكــم عليهــم بـ»الكفــر»‪..‬؟‬ ‫بدايـ ًة ال بــد أن نثبــت يف هــذا املحــور مــن البحــث أربــع‬ ‫حقائــق غــر ســجالية‪ ،‬وال نظـ ُن بــأن أحــدا ً يجـ ُ‬ ‫ـادل اليــوم‬ ‫بأنهــا محــو ُر اتفــاقٍ لــدى الجميع‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ إن الخــوارج يف بــادئ ظهورهــم وانشــقاقهم عــن‬ ‫(الجامعــة) مل يكونــوا حزبــاً سياســياً‪ ،‬وال كان لهــم أي‬ ‫مطلــب‬ ‫مطلــب ال ســيايس وال رشعــي‪ ،‬بــل كان لهــم‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ـدي) واحـ ٌد ووحيــد‪ ،‬وهــو أن يُقـ َّر الطـ ُ‬ ‫ـرف الــذي‬ ‫(معتقـ ٌ‬ ‫انشــقوا عنــه (الخليفــة الرابــع عــي بــن أيب طالــب)‪ ،‬بــأن‬ ‫الحاكميــة‪ ،‬حاكميــة املســلمني (أي مــا نســميه اليــوم‬ ‫الســلطة املســلمة أو الدولــة املســلمة أو مــن يقــف‬ ‫عــى رأس ق ـرار األمــر والنهــي يف هــذه الســلطة) هــو‬ ‫ـض مــن اللــه‪ ..‬واملرجـ ُع فيــه هــو اللــه‬ ‫ـي وتفويـ ٌ‬ ‫شــأ ٌن دينـ ٌ‬ ‫وحــده ـ نصـاً‪..‬ال اجتهــادا ً وال تأويـاً ـ فــإذا كان اللـ ُه هــو‬ ‫الحــق‪ ،‬فــإن ســلطة اللــه هــي أيضــاً‬ ‫الحــق‪ ،‬وإذا كان‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الحـ ُـق (املطلـ ُـق) صف ـ ًة مــن صفــات اللــه‪ ،‬فــإن الحـ َّـق‬ ‫(املطلــق) هــو أيضــاً صفــ ٌة مــن صفــات مــن َخ َّولَــ ُه‬ ‫َ‬ ‫اللـ ُه عــى األرض بسياســة البــر‪ ،‬أي خليفــة املســلمني‪..‬‬ ‫ـاك فيهــا شـ ٌّ‬ ‫وصفــة الحــق ال تتبضــع وال تتجــزأ‪ ،‬والشـ ُّ‬ ‫ـاك‬ ‫يف اللــه نفس ـ ِه‪ ،‬وبالتــايل هــو خــارج عــن امللــة اعتقــادا ً‬ ‫وكفــرا ً‪ ،‬ال ألنــه شــك يف الســلطة بوصفهــا أداة حكــم‬ ‫دنيويــة‪ ،‬بــل ألنــه شـ َّـك يف إحــدى الصفــات الثابتــة للــه‬ ‫ي لــو تورط‬ ‫مــن الديــن بالــرورة‪ ..‬ويقينــي أن اإلمــام عـ ّ‬ ‫يف مســايرتهم وإجابتهــم إىل هــذا املطلــب الوحيــد لعادوا‬ ‫مطلــب آخــ ُر‬ ‫إىل القتــال يف صفــه‪ ،‬ومل يكــن لهــم مثــة‬ ‫ٌ‬ ‫غــر هــذا‪ .‬يبــن ذلــك اعرتاضُ هــم عــى مبــدأ التحكيــم‬ ‫يف الخــاف الناشــب بــن عــي ومعاويــة‪ ،‬وإســناد ذلــك‬ ‫التحكيــم إىل رجلــن مــن الصحابــة يف القتــال الدائــر‬ ‫بــن طائفتــن مــن املســلمني ليقــوال فيــه باجتهادهــا‬ ‫ورأيهــا‪ ،‬فالتحكيــم إذن‪ ،‬مــن وجهــة نظــر الخــوارج‪،‬‬ ‫ـرج القضيــة مــن إطارهــا املعتقــدي ليهب ـ َط بهــا إىل‬ ‫يُخـ ُ‬ ‫مســتوى (سياســة رشعيــة) يتســاوى فيهــا مبــدأ التحكيــم‬ ‫عــى خالفــة املســلمني‪ ،‬مــع مبــدأ الخــاف بــن رجــل‬ ‫وزوجتــه اختلفــا فيــا بينهــا وافرتقــا‪{ :‬وإن خفتــم‬ ‫شـ َ‬ ‫ـقاق بَيْ ِن ِهــا فابعثــوا حك ـاً مــن أهلــه وحك ـاً مــن‬ ‫أهلهــا‪ ،‬إن يريــدا إصالحـاً‪ ..‬اآليــة ‪ .}..‬إذن فالســلطان هــو‬ ‫أصــل مــن‬ ‫حاكميــة اللــه عــى األرض واختيــاره‪ ،‬فهــو ٌ‬ ‫أصــول املعتقــد الدينــي‪ ،‬وقبــول تحكيــم رجلــن مــن‬ ‫ُ‬ ‫يعــادل قبــول املســلمني يف تحكيــم‬ ‫النــاس يف املســألة‬ ‫الرجــال يف الجــواب عــى أســئلة مــن رصيــح اإلميــان‪،‬‬ ‫مثــل‪ :‬هــل اإلميــان باللــه واملالئكــة مــن أركان اإلميــان‪،‬‬ ‫وهــل هــو فريضــة واجبــة عــى املســلمني؟ وهــل‬ ‫الكعبــة والحــج شــعرية دينيــة‪..‬؟ وبالتــايل تغــدو املســألة‬ ‫وكأنهــا هبــوط بركــن مــن أركان العقيــدة التــي ال تقــوم‬ ‫إال بــه إىل مســتوى فــرع خــايف مــن فــروع الرشيعــة‪،‬‬ ‫وهــو األمــر الــذي رفضــه الخــوارج بشــدة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ مــن البديهــي أن قضيــة الخــوارج إذن واضحــة‬ ‫وضــوح الشــمس‪ ،‬ال لبــس فيهــا‪ ،‬ولكــن هــل كانــت‬ ‫قضيــة الطــرف اآلخــر‪ ،‬أهــل الســنة والجامعــة ممثلــن‬ ‫باإلمــام عــي والصحابــة وعلــاء وجمهــور املســلمني‪..‬‬ ‫هــل كانــت قضيتهــم يف مثــل وضــوح قضيــة الخــوارج‬ ‫وكــا يــرون بديهيتهــا‪..‬؟ صحيــح أن االعرتاضــات عــى‬ ‫الخــوارج كانــت ترتكــز‪ ،‬عــر التاريــخ حتــى يومنــا هــذا‪،‬‬ ‫عــى انتقــاد ســلوكهم العنيــف ضــد املســلمني‪ ،‬وأنهــم‬ ‫يفــرون القــرآن عــى ظاهــ ِر ِه دون معرفــة قواعــد‬ ‫التفســر الضابطــة وال الســنة الشــارحة‪ ..‬فضــاً عــن‬ ‫انتقادهــم يف تكفــر املســلمني وغــر ذلــك‪ ..‬هــذا كلــه‬

‫‪9‬‬

‫نقطة أول السطر‬

‫إمارة وخالفة‬ ‫الشاوي الضليل‬

‫نقــد يف الشــكل ويف الفــروع‪ ،‬ومل يتــم رشح قضيتهــم‬ ‫اإلشــكالية والــرد عليهــا حتــى مــن قبــل علــاء الــكالم‪،‬‬ ‫أصحــاب القــول الفصــل يف إشــكالهم العقيــدي‪ .‬وظــل‬ ‫ثلبهــم وانتقاصهــم ـ حتــى يومنــا هــذا ـ يــدور حــول‬ ‫مامرســاتهم وعنفهــم وســذاجة طرحهــم الدينــي‪.‬‬ ‫‪3‬ـ هنــا ال بــد أن تخامرنــا مســاحة الريــب واالستفســار‬ ‫عــن نقطــة ضبابيــة غامئــة‪ ،‬ولكنهــا حاســمة يف موضوعنا‪،‬‬ ‫وهــي‪ :‬ملــاذا مل يســايرهم اإلمــام عــي‪ ،‬ومل يعمــل عــى‬ ‫تكتيــك ســيايس يســتوعب قلــة فهمهــم‪..‬؟ (هــذا إذا‬ ‫ســلمنا بالبديهيــة املتداولــة عــر التاريــخ حتــى يومنــا‬ ‫هــذا بأنهــم حــزب ســيايس ال غــر)‪ ،‬ال ســيام وأن وزنَهــم‬ ‫ال يُســتهان بــه‪ ،‬فلقــد كانــت أعدا ُدهــم بــاآلالف‪ ..‬وهــذا‬ ‫يُ َسـ ِّو ُغ للخليفــة رشعـاً وقانونـاً أن يُطامـ َن لهــم ولغبائهم‬ ‫قليـاً‪ ،‬بــل ومــن حقــه حتــى أن يداهـ َن باألقــوال معهــم‪،‬‬ ‫وأن يُقـ ّر بأنــه كان عــى خطــأ يف قبولــه مببــدأ التحكيــم‪.‬‬ ‫إن التحكيــم نفســه كان آنــذاك قــد انتهــى وأصبــح‬ ‫مــن املــايض‪ ،‬ومل يعــ ْد يُ َعــ ّو ُل عليــه وال عــى نتائجــه‬ ‫السياســية‪ ،‬فــا املانــع يف أن يقــول لهــم بوصفــه قائــدا ً‬ ‫وسياســياً وفقيه ـاً يــدرك املصالــح واملفاســد التــي ميكــن‬ ‫أن تعــود عــى الجامعــة املســلمة كلهــا‪ :‬إنــه أخطــأ‬ ‫يف قضيــة التحكيــم‪..‬؟ ولــن يضــره أبــدا ً أن يســتجيب‬ ‫َّمــت‬ ‫لرغبتهــم بقولــه‪ :‬نعــم لقــد أخطــأتُ حــن َحك ُ‬ ‫الرجــال يف (أصــل مــن أصــول الديــن ) كــا تقولــون‪..‬‬ ‫ر أُخطــى ُء وأصيــب‪ ،‬والتحكيــم كان خطـأً رشعيـاً‬ ‫وأنــا بـ ٌ‬ ‫فادحـاً وأنــا أعتــذ ُر عــا حصــل‪ ..‬ومــا الــذي كان ســيعيبه‬ ‫النــاس عليــه لــو أخــذ بشــعارهم الجديــد الــذي اتخــذوه‬ ‫(ال ُحكْــ َم إال للــه)‪..‬؟ ومــا الخطــأ الســيايس والرشعــي‬ ‫يف رفضــه‪..‬؟ وملــاذا رد عليهــم هــذا الــرد الفــادح يف‬ ‫قســاوته وعــدم مهادنتــه‪( :‬نعــم‪ ..‬الحكــم للــه‪ ،‬ولكنهــا‬ ‫كلمــة حــق أريــد بهــا باطــل)‪ .‬مل يجــب التاريخانيــون‪،‬‬ ‫وال أصحــاب املذاهــب التجديديــة اإلســامية يف العصــور‬ ‫الحديثــة عــى هــذا الســؤال رغــم خطورتــه‪ .‬ويف الحــق‬ ‫إن اإلمــام عليــاً كان واعيــاً لخطــورة املدخــل الوعــر‬ ‫الــذي أقحمــوه فيــه عنــوة‪ ،‬فلــو داهــن يف املســألة‬ ‫وأقرهــم عــى مــا أرادوا لــكان قــد أدخــل يف أصــول‬ ‫الديــن الثابتــة بالــرورة‪ ،‬والتــي ال ميكــن عقيديـاً أن يُزا َد‬ ‫فيهــا وأن ينقــص منهــا‪ ،‬أص ـاً جديــدا ً‪ ..‬أي‪ ،‬وباملختــر‪،‬‬ ‫لــكان قــد ابتــدع يف الديــن «دين ـاً جديــدا ً»‪ ،‬دين ـاً يقــوم‬ ‫عــى التفويــض اإللهــي للخليفــة املســلم‪ ،‬أو للحاكــم‬ ‫املســلم أيــاً كانــت تســميته‪ ،‬وبالتــايل عــى التفويــض‬ ‫اإللهــي للدولــة املســلمة ـ هــذا إن كان مصطلــح الدولــة‬ ‫املســلمة صحيحـاً ولــه مدلــول دينــي أو معنــى إســامي‬ ‫أي‬ ‫ـ وهــو أمــر مل يجــرؤ عــى القــول بــه حتــى اليــوم ٌّ‬ ‫مــن علــاء األصــول‪ ،‬ال يف العقيــدة وال يف الرشيعــة‪،‬‬ ‫األمــر الــذي مل يكــن خافيـاً‪ ،‬عــر التاريــخ اإلســامي كلــه‪،‬‬ ‫عــى أهــل األصــول الرشعيــة‪ ..‬ولــكان األمــر ـ لــو هــادن‬ ‫الخــوارج فيــه ـ ســيصمه مــدى الدهــر‬ ‫اإلمــام عــي‬ ‫َ‬ ‫بـ(البدعــة العقيديــة)‪ ..‬لقد كان بوســع الخليفــة الرابع أن‬ ‫يتحمــل كل ســهام النقــد السياســية‪ ،‬بــل وحتــى األخطــاء‬ ‫الرشعيــة واالجتهاديــة‪ ،‬لكنــه مل يكــن مســتعدا ً أن يقــف‬ ‫موقفـاً ال يُحسـ ُد عليــه يكــون مدخـاً لزيــادة أصــلٍ مــن‬ ‫أصــول الديــن‪ ،‬وأن يُدخــل عــى عقائــد املســلمني أم ـرا ً‬ ‫ليــس منهــا وفيهــا‪ ،‬بغيــة أن يقــره الخــوارج عــى ذلــك‬ ‫مهــا كانــت مكاســ ُبه عظيمــة‪ ..‬لقــد حســم خياراتِــ ِه‬

‫حسـاً مطلقـاً‪ :‬حتــى لــو تزعــزع ســلطانه وكلفــه قتــال‬ ‫الخــوارج آالف األرواح مــن الطرفــن املتقاتلــن‪ ،‬فإنــه لــن‬ ‫يدخــل هــذا املدخــل الخطــر‪ ،‬والــذي‪ ،‬باملناســبة‪ ،‬قامــت‬ ‫وتوطــدت عــى أساســاته كل دعــاوى اإلســام الســيايس‬ ‫املعــارص‪ ،‬والقائــل بدينيــة الدولــة وإســاميتها‪..‬‬ ‫‪4‬ـ أكــر أهميــة مــن كل ذلــك هــو الحــوار واملســاجلة‬ ‫الطويلــة التــي نقلتهــا معظــم مصــادر الكتــب التاريخيــة‬ ‫بــن اإلمــام عــي والخــوارج‪ ..‬فالرجــل مل يبدأهــم بقتــال‬ ‫قبــل أن يحيــط ويتحــوط ـ ويحــوط املســلمني معــه ـ‬ ‫مــن جوهــر دعواهــم واألصــل العقيــدي الجديــد الــذي‬ ‫والــذب عنــه وإشــهار‬ ‫اســتفاض نشــاطهم يف تأصيلــه‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الســيف يف وجــه مخالفيهــم مــن أجلــه‪ ..‬حــرص اإلمــام‬ ‫عــي عــى أن يكــون رســولُه الســيايس والفقهــي‪ ،‬وامل ُحاور‬ ‫يف توصيــل حجتــه‪ :‬عبــد اللــه ابــن عبــاس‪ ،‬ال لقرابتــه‬ ‫مــن بيــت النبــوة ومــن عــي شــخصياً‪ ،‬ولكــن ألن ابــن‬ ‫عبــاس كان أعلــم وأوثــق رأي ـاً وأكــر بديهــة مــن جمــع‬ ‫الصحابــة‪ ،‬وألن الرجــل كان يف ميـزان (الجامعــة) واألمــة‬ ‫اإلســامية يف ذلــك العهــد‪ ،‬صاحــب رأيهــا وجامــع حجتهــا‬ ‫يف القــرآن والســنة عــى حــد ســواء‪ ..‬فــإذا بلــغ الظــن‬ ‫مســتواه بأنــه ميكــن أن يوجــد مــن ســيغامر بالخــروج‬ ‫عــى اإلمــام عــي سياســياً يف أمــر الخالفــة‪ ،‬فلــن يصــل‬ ‫الظــن إىل حــد أن يكــون مثــة مــن يخــرج عليــه معتقدياً‪..‬‬ ‫وابــن عبــاس ليــس يعســوب الفصاحــة والــذكاء والحجــة‬ ‫واملحتــد الهاشــمي فحســب‪ ،‬بــل األهــم واألوىل يف هــذا‬ ‫ـر األمــة وجامــع كل أرسار علمهــا املتــوازع‬ ‫املقــام أنــه َحـ ْ ُ‬ ‫عــى القــرآن والســنة والســرة‪ ،‬وحجــة التوثيــق التــي‬ ‫يُر َجــع إليهــا يف الروايــة والدرايــة‪ ..‬ســألهم ابــن عبــاس‪:‬‬ ‫هــل هــذا الــذي جئتــم بــه يشء يف كتــاب اللــه‪.‬؟ قالــوا‪:‬‬ ‫ال‪ .‬قــال‪ :‬وهــل هــو يشء جــاءت بــه ســنة النبــي ترصيحـاً‬ ‫أو تلميحــاً‪ ،‬نصــاً أو اجتهــادا ً‪..‬؟ قالــوا‪ :‬ال‪ .‬إذن خطــط‬ ‫ابــن عبــاس منــذ بدايــة الحــوار معهــم عــى أن يعزلهــم‬ ‫عــن (النــص الدينــي)‪ ،‬وأن يــرك مســاحة الحــوار معهــم‬ ‫يف حقــل الــرأي واالجتهــاد والخــاف‪ ..‬بذلــك نــزع مــن‬ ‫أيديهــم أحقيــة (األصــل العقيــدي )‪ .‬قــال‪ :‬إن اللــه تعــاىل‬ ‫فصــل بــن املســلمني يف أهــون الشــؤون‪ ،‬حتــى أن اآليــات‬ ‫القرآنيــة نزلــت يف االختــاف عــى صيــد أرنــب أو غـزال‬ ‫أو طائــر يف الحــرم‪ ..‬يشــر بذلــك إىل اآليــة القرآنيــة‪{ :‬يــا‬ ‫أيهــا الذيــن آمنــوا ال تقتلــوا الصيــد وأنتــم حــرم ومــن‬ ‫قتلــه منكــم متعمــدا ً فجـزاء مثــل مــا قتــل مــن النعــم‪..‬‬ ‫حتــى قولــه‪ :‬إليــه تحــرون}‪ ،‬فأيهــا كان األوىل بالتذكــر‬ ‫والفصــل فيــه‪ ،‬شــأن حاكميــة اللــه عــى املســلمني‪ ،‬وهــو‬ ‫شــأن ال ذكــر لــه يف كتــاب اللــه تعــاىل‪ ،‬مقابَـاً مــع آيــة‬ ‫مفصلــة يف خمســة أســطر تختــص بصيــد حيــوان يف حــرم‬ ‫الكعبــة‪.‬؟‬ ‫التاريــخ يذكــر لنــا يف شــبه تأكيــد‪ ،‬أن ثلــث الخــوارج‬ ‫قــد تركــوا صفوفهــم بعــد هــذه املحــاورة‪ ،‬وعــادوا‬ ‫إىل صــف (الجامعــة)‪ ،‬أمــا اآلخــرون‪ ،‬الرافضــون لــكلِ‬ ‫ُحجــة يف هــذا الصــدد‪ ،‬فقــد اختــاروا رج ـاً مــن عامــة‬ ‫النــاس اســمه «عبــد اللــه بــن وهــب الراســبي»‪ ،‬وقــرروا‬ ‫أن ي ُخطُّــوا مســرتهم التاليــة بعــد ذلــك‪ ،‬مبعــز ٍل عــن‬ ‫الجامعــة واألمــة املســلمة‪ ،‬فبــدؤوا مســر ًة عقيديــة‬ ‫وترشيعيــة وسياســية مخالفــة‪ ،‬مــا تـزال آثا ُرهــا ونتائ ُجهــا‬ ‫تفعــل مفاعيلُهــا عــى األرض‪ ،‬وداخــل حــدود وجغرافيــا‬ ‫املســلمني حتــى اليــوم‪.‬‬

‫الرقة أو ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫متــوز‪ 2013‬بدايــة اإلعــان عــن بــؤرة التوحــش األوىل يف ســورية‪،‬‬ ‫أعلنــت يف الخــارصة الرخــوة (محافظــة الرقــة)‪ ،‬مــن خــال‬ ‫أيديولوجيــا تكفريية‪/‬جهاديــة‪ ،‬بعــد أن اســتوىل تنظيــم داعــش‬ ‫عــى مقــدرات النــرة املاديــة والعســكرية أوالً‪ ،‬ومــن ثــم متــدد‬ ‫بعــد أن قــى عــى معظــم كتائــب (الحــر‪ ،‬مبــا فيهــا تلــك التــي‬ ‫تحمــل أســاء ذات دالالت إســامية)‪ ،‬واســتطاع القضــاء عــى‬ ‫كل أشــكال العمــل املــدين والســيايس‪ ،‬إمــا اغتيــاالً أو خطفــاً‪،‬‬ ‫ومبســاعدة ال ميكــن إنكارهــا مــن القــوة األكــر يف املحافظــة‬ ‫(أحــرار الشــام) وكتائــب حذيفــة بــن اليــان التــي كانــت‬ ‫تتمتــع بقبــول شــعبي‪ ،‬مــا ســهل لــه قضــم الجميــع‪ ،‬وتحقيــق‬ ‫نجاحــات كبــرة‪ ،‬وهــذه النجاحــات واكبهــا إعــام محــي‪ ،‬كـ ّرس‬ ‫لــدى العامــة أن النــر قريــب ألنــه تــم القضــاء عــى معظــم‬ ‫القــوى التــي تعيــق تحقيــق النــر الكبــر‪ ،‬لذلــك انهزمــت‬ ‫هــذه القــوى العســكرية واملدنيــة‪ ،‬ألنهــا فقــدت حواملهــا‬ ‫الشــعبية‪ ،‬وبيئتهــا الحاضنــة بســبب مخالفــات كان احتواؤهــا‬ ‫ممكنـاً‪ ،‬مــا ســهل لداعــش الحقـاً إجبــار آخــر تشــكيالت الحــر‬ ‫(لــواء ثــوار الرقــة) عــى االنســحاب إىل خــارج حــدود املحافظــة‪،‬‬ ‫ومــرة أخــرى ومبســاعدة ال تُنكــر مــن حلفــاء باطنيــن (أح ـرار‬ ‫الشــام)‪ ،‬وخــذالن تنظيــم النــرة لــه‪ ،‬ومــع تباشــر العــام ‪2014‬‬ ‫اســتطاع داعــش فــرض ســيطرة شــبه مطلقــة عــى محافظــة‬ ‫الرقــة‪ ،‬ليعلــن بعدهــا عــن دولــة الخالفــة‪ ،‬وتســمية البغــدادي‬ ‫خليفــة عــى املؤمنــن‪.‬‬ ‫أعتقــد أن داعــش قــد أنجــز أهــم وظائفــه‪ ،‬بــأن أســس لبلــورة‬ ‫اإلقليــم الســوري األول وهــو ســني بامتيــاز‪ ،‬بعــد أن ُهجــرت‬ ‫األقليــات الدينيــة والطائفيــة منــه‪.‬‬ ‫إدلب ومشال حلب ثانياً‪:‬‬ ‫يف نهايــة آذار ‪ 2015‬متكنــت جبهــة النــرة‪ ،‬التــي قــادت جيــش‬ ‫الفتــح مــن الســيطرة عــى معظــم محافظــة إدلــب‪ ،‬مبــا فيهــا‬ ‫املركــز‪ ،‬وهــذا التمكــن حــاول تجــاوز تكتيــكات تنظيــم داعــش‬ ‫يف التمكــن شــكالً‪ ،‬لكــن حقــق النتيجــة ذاتهــا‪ ،‬هــذا التكتيــك‬ ‫ومبســاعدة حلفــاء داعــش الباطنيــن (حركــة أحــرار الشــام)‬ ‫وكتائــب إســامية أخــرى‪ ،‬مــن القضــاء عــى مجمــوع جــال‬ ‫معــروف وحركــة حــزم (جيــش حــر) وقضــم فلولهــم واالســتيالء‬ ‫عــى مقدراتهــم املاديــة والعســكرية‪ ،‬وهــذه مكنته مــن االنتقال‬ ‫برسعــة إىل مرحلــة النجوميــة إثــر االنتصــارات الباهــرة يف تحرير‬ ‫وادي الضيــف‪ ،‬أو يف القضــاء عــى تقــدم النظــام الــذي حــاول‬ ‫فــك الحصــار عــن نبــل والزهـراء الشــيعيتني‪ ،‬هــذه االنتصــارات‬ ‫حققــت دويـاً إعالميـاً‪ ،‬وارتياحـاً لــدى األوســاط الشــعبية‪ ،‬وعنــد‬ ‫بعــض الكتــل السياســية كاإلخــوان املســلمني‪ ،‬مــا حــدا ببعــض‬ ‫شــخصيات املعارضــة مطالبــة أمريــكا وحلفائهــا برفــع اســم‬ ‫جبهــة النــرة مــن القامئــة الســوداء اإلرهابيــة‪.‬‬ ‫أعتقــد أن تحريــر إدلــب هــو املقدمــة األوىل إلعــان اإلقليــم‬ ‫الســني الثــاين (إمــارة الشــام اإلســامية)‪ ،‬ولــن يتكــرر الخطــأ‬ ‫الوظيفــي األول بتغــول تنظيــم واحــد كــا حــدث يف الرقــة‪ ،‬بــل‬ ‫بتغــول تحالــف تقــوده جبهــة النــرة‪.‬‬ ‫أعتقــد أيضـاً أن هــذه اإلمــارة ســتكون مميــزة ومقبولــة دوليـاً‪،‬‬ ‫إذا اســتطاع الفريــق الــريك داخــل هــذا التحالــف‪ ،‬ومبســاعدة‬ ‫اإلخــوان املســلمني مــن إقنــاع قــادة النــرة الســوريني مــن‬ ‫فــك االرتبــاط بالقاعــدة (الظواهــري)‪ ،‬وهــذا األمــر متــاح يف‬ ‫املســتقبل القريــب كــا أعتقــد‪ ،‬ألنــه ســتبدأ املعــارك قريبـاً بــن‬ ‫جيــش الفتــح ودولــة الخالفــة لرتســيم حــدود النفــوذ الجغـرايف‬ ‫بــن اإلقليمــن مــن جهــة‪ ،‬وبــن جيــش الفتــح وأنصــار النظــام‬ ‫عــى تخــوم حــاة‪ ،‬والتــي ســتكون إحــدى أوراق اإلخــوان‬ ‫املســلمني يف مؤمتــر القاهــرة لفــرض رشاكتهــم كأهــم جهــة‬ ‫سياســية قــادرة عــى تنفيــذ التســوية مــع النظــام عــر أداتهــا‬ ‫العســكرية جيــش الفتــح (بقيــادة النــرة) يف املناطــق الخارجــة‬ ‫عــن ســيطرة النظــام وداعــش يف املرحلــة األوىل‪ ،‬مــا يؤهــل‬ ‫اإلخــوان وجناحــه العســكري جيــش الفتــح بالفــوز بالتســمية‬ ‫الدوليــة الشــائعة كمعارضــة معتدلــة تقابــل قــوى التوحــش‬ ‫واإلرهــاب‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫السرود البصرية يف رواية (احلارس)‬ ‫أسعد فخري‬ ‫آثــرت رسودات الروايــة العربيــة منــذ‬ ‫أن التفتــت يف تعرضاتهــا العديــدة إىل‬ ‫حكايــة الديكتاتــور‪ ،‬وحراســه‪ ،‬تقديــم تلــك‬ ‫الشــخصيات‪ ،‬مقرونــة بأمنــاط لهــا إيقاعهــا‬ ‫الرتيــب‪ ،‬والــذي تب ـ ّدى يف الكثــر مــن األعــال‬ ‫الروائيــة غــر منفــك عــن تقديــم إحاطــات‬ ‫رسديــة يغلــب عليهــا طابــع االنتــاء الســيايس‪،‬‬ ‫والتبشــر األيدلوجــي‪ ،‬تكريسـاً ملعــادل افتضــاح‬ ‫آليــة ســلب الحريــة وتغييبهــا‪ .‬الســيام مــا‬ ‫تعلــق منهــا مبفهومــات باتــت تهيمــن عــى‬ ‫مشــهد إجرائيــة التَفَكــر الــداليل للنــص الــروايئ‬ ‫وإشــارية مداليلــه‪ ،‬والتــي ظلّــت تعــاين أيض ـاً‬ ‫مــن رؤيــة أحاديــة غــاب عــن مفاعيلهــا تجديــد‬ ‫بنــى تلــك الشــخصيات‪ ،‬وتنميــة تعــدد زوايــا‬ ‫الرؤيــة نحوهــا‪ ،‬مــا جعلهــا رصيعــة مشــهد‬ ‫يجــر مــن ذاتــه صــورا ً تشــبهه إىل حــد التطابــق‬ ‫يف الثيمــة‪ ،‬ومتوالياتهــا التعبرييــة إضافــة إىل‬ ‫مثابــرة جـ ّـل رسود املشــهد الروايئ التــي تتعقب‬ ‫حـراك الدكتاتــور وح ّراســه لنتحصــل مــن جـراء‬ ‫ذلــك عــى شــخصية الدكتاتــور مقرونــة ببنيتهــا‬ ‫الناجــزة‪ ،‬والتــي ال تنفــك عــن تقديــم دورهــا‬ ‫يف اللعبــة الرسديــة دون اشــتغال مــن النــص‬ ‫الــروايئ عــى مباعثهــا‪ ،‬ودوافعهــا‪ ،‬ورحلتهــا‬ ‫الســرية‪ ،‬مبعنــى أن الــرود الروائيــة قدمــت‬ ‫أمنوذجــاً متغــرا ً يف شــكله االشــتغايل بعيــدا ً‬ ‫عــن تقدميــه وفــق مفاعيــل داخليــة جوانيــة‪،‬‬ ‫وذلــك مــا أبقــى شــخصية الدكتاتــور وحراســه‬ ‫رهنــا َء ملعنــى مغلــق‪ ،‬وإضافــة َمواتِ ّيــة يف بنيــة‬ ‫املشــهد الــروايئ العــريب‪.‬‬ ‫وعــى الرغــم مــن االنعــكاس اإلشــاري‪ ،‬والبعــد‬ ‫الرمــزي اللذيــن ســاعدا عــى تأثيــث حضــور‬ ‫تلــك الشــخصيات ومتوالياتهــا يف أنســاق‬ ‫رسودهــا الروائيــة‪ ،‬إال أنهــا مل ت ُحــدث جل ـاً يف‬ ‫ماهيــة الرتكيــب البنيــوي لخصوصيــة النســيج‬ ‫ــل ظهــورات الدكتاتــور‬ ‫املــكاين الــذي يُ َف ِع ُ‬ ‫وحراســه‪.‬‬ ‫لعــل تعرضنــا الشــتغاالت (عــزت القمحــاوي)‬ ‫ّ‬ ‫يف روايتــه (الحــارس) الصــادرة عــن دار العــن‬ ‫ط‪ /1‬عــام ‪ .2007‬محاولــة لتقديــم منــوذج‬ ‫مختلــف لحكايــة الدكتاتــور وحراســه‪ ،‬وهــي‬ ‫منــوذج يســترسد حدوثتــه مــن خــال رؤيــة‬ ‫مختلفــة كل االختــاف عمــن تعــرض مــن‬ ‫الروائيــن لحكايــة أمــن الطغــاة وحراســهم يف‬ ‫املشــهد الــروايئ العــريب‪.‬‬ ‫لكــن ولتعــدد اللوافــت اإلشــارية يف روايــة‬ ‫(الحــارس)‪ ،‬ومــا أحدثتــه التعبــرات الرمزيــة‬ ‫املختلفــة مــن تأهيــل جديــد ملفهومــة (حـراس‬ ‫فــوق العــادة)‪ ،‬فقــد آثرنــا رؤيتهــا وفــق منــا ٍح‬ ‫مختلفــة ومتباينــة تســتند يف ماهيتهــا إىل‬ ‫البعــد الرمــزي لشــخصية الحــارس وتنامــي‬ ‫عالقتــه القرسيــة بذاتــه‪ ،‬واحتكامــه إىل ثنائيــة‬ ‫(الرتهيــب والرتغيــب)‪ ،‬اللتــن شــكلتا بنيــة‬ ‫رشبتــه‬ ‫الهــاوس أمــام تأديــة الواجــب الــذي ت ّ‬ ‫شــخصية املــازم (وحيــد) يف كثــر مــن الرصامــة‬ ‫والقســوة إىل درجــة جعلــت مــن ذلــك‬ ‫النســق اإلشــاري بعــدا ً هذياني ـاً واضح ـاً يقــوم‬ ‫عــى مرجعيــة (الخــوف والحــذر)‪ ،‬اللذيــن‬ ‫بدورهــا شـكّال للمــازم (وحيــد) لــذة يشــوبها‬ ‫اإلحســاس بالتخــي عــن قيمــة مــا‪ ،‬واســتبدالها‬ ‫بقيمــة أخــرى تخالــف طبائعــه وســلوكاته التــي‬ ‫اســتقام عليهــا‪.‬‬ ‫ولــي نحــدد معــامل روايــة (الحــارس)‪ ،‬وأبعــاد‬ ‫مفاصــل االشــتغال عليهــا‪ ،‬نؤثــر أن نلفــت يف‬ ‫البدايــة إىل مقروئيتهــا الســطحية كخطــاب‬ ‫روايئ اســتطرد يف التعبــر‪ ،‬وهــي يقــص علينــا‬ ‫ســرة الضابــط (وحيــد) يف الحــرس الرئــايس‪،‬‬ ‫وهــو الشــخصية الرئيســة يف الروايــة‪ ،‬والتــي‬ ‫تبــ ّدت شــخصية مركبــة تركيبــاً صارمــاً يف‬

‫مســتويات النظــر إليهــا‪ ،‬إن كان يف ســطوحها‪،‬‬ ‫أو أعامقهــا‪ ،‬حيــث تجلّــت أنســاق الــدالالت‬ ‫األوليــة لشــخصية (وحيــد) خاضعــة لســيطرة‬ ‫نظــام مــن الوصايــا والواجبــات‪ ،‬فهــو الضابــط‬ ‫الــذي تــم اختيــاره للعمــل يف فرقــة الحــرس‬ ‫الرئــايس مــن بــن مجموعــة كبــرة مــن الضبــاط‬ ‫الذيــن تخرجــوا مــن الكليــة العســكرية‪.‬‬ ‫تبــدأ رحلــة املــازم (وحيــد) يف معســكر الحرس‬ ‫الرئــايس كأحــد الخيالــة املرافقــن ملوكــب‬ ‫الرئيــس يف خروجــه وعودتــه‪ ،‬وتلــك مهمــة‬ ‫تســتلزم الدقــة والنباهــة‪ ،‬وكذلــك التضحيــة‬ ‫إن لــزم األمــر‪ ،‬ذلــك هــو التأثيــث األويل ملــا‬ ‫تــم تلقينــه للمــازم (وحيــد) مــن قبــل قائــد‬ ‫فــوج الخيالــة‪ ،‬ومــن خــال تعليــات (التــام)‬ ‫التــي أصبحــت هاجســاً يثابــر عــى حصــار‬ ‫ســلوكات املــازم وحيــد‪ ،‬وحركاتــه وســكناته‪،‬‬ ‫وعــى ماهيــة تفكــره إىل درجــة أنــه َصــ ّدق‬ ‫ـي الدمــاغ) التــي أيقــن مــن خاللهــا‬ ‫حكايــة (فـ ّ‬ ‫أن انقســام الدمــاغ إىل قســمني مســألة لهــا‬ ‫مكانتهــا يف تأديــة واجبــه تجــاه موكــب الرئاســة‬ ‫والرئيــس‪ ،‬وأن أحــد فصــوص دماغــه قــد غــدا‬ ‫مخصصـاً لحاميــة الرئيــس‪ ،‬والفــص اآلخــر صــار‬ ‫ملعبـاً حـرا ً لتســكعات املــازم وحيــد الخاصــة‪.‬‬ ‫يســتمر (وحيــد) يف قبــول اللعبــة‪ ،‬ويظهــر‬ ‫بــن زمالئــه عــى أنــه الضبــاط الجــاد الــذي‬ ‫يتحمــل مســؤولية الحاميــة بــكل صــدق وقــوة‬ ‫يف الوقــت الــذي تتجـ ّـى لعبــة أخــرى تشــتغل‬

‫ظــل‬ ‫وعــى الرغــم مــن كل تلــك الرتقيــات ّ‬ ‫(الرائــد وحيــد) ذلــك املتســائل الــذي يرتهــن‬ ‫إىل أنســاق هذيانيــة يغلــب عليهــا طابــع‬ ‫الوســواس القابــع يف أعامقــه‪ ،‬الحــرة والشــك‬ ‫هــا اللتــان غطّتــا مســاحة كبــرة مــن الترسيــد‬ ‫يف روايــة (الحــارس)‪ ،‬وشــكلتا أيضــاً مفصــل‬ ‫الرغبــة يف رؤيــة الرئيــس مــن جهــة‪ ،‬والدخــول‬ ‫إىل مكتبــة املعســكر مــن جهــة أخــرى‪.‬‬ ‫تنتهــي الروايــة دون أن يحقــق (وحيــد)‬ ‫رغبتــه يف رؤيــة الرئيــس‪ ،‬ويكتشــف أنــه كان‬ ‫يحــرس وه ـاً ثقي ـاً‪ ،‬وبــن الحقيقــة والحلــم‬ ‫يزور(وحيــد) مكتبــة املعســكر ويف أعامقــه‬ ‫تشــتعل رغبــة أخــرى التقــل أهميــة عــن رؤيــة‬ ‫الرئيــس‪ ،‬وهــي حلمــه يف تغيــر نظــام الحراســة‬ ‫الرئاســية وتطويــر أســاليبها إىل أن ينتهــي بــه‬ ‫األمــر لرتقيــة جديــدة يصبــح فيهــا نائبـاً لقائــد‬ ‫الفــوج حيــث يصــاب وحيــد إثــر تلــك الرتقيــة‬ ‫مبــرض يدفــع قائــد الفــوج للطلــب مــن بعــض‬ ‫الجنــود حملــه عــى ِم َحفــة‪ ،‬يســر املوكــب‬ ‫خلــف قائــد الفــوج (أمــام أول بــرج مراقبــة‬ ‫عــى الســور توقــف املوكــب‪ .‬كانــت هنــاك‬ ‫رافعــة مــن تلــك التــي تســتخدم يف نقــل بــاالت‬ ‫التــن والربســيم املجفــف وجــواالت الشــعري‬ ‫للجيــاد‪.‬‬ ‫تســلق العقيــد الســلم‪ ،‬وعندمــا وصــل إىل‬ ‫القمــة كان الجنــود قــد وضعــوا مح ّفــة النائــب‬ ‫عــى الرافعــة التــي بــدأت بالتحــرك ألعــى‬

‫عــى الرتقيــات العســكرية حيــث تلــد النجمــة‬ ‫التــي عــى كتــف (وحيــد) نجمــة أخــرى‬ ‫فيصبــح (مــازم أول) مكافــأة لــه عــى إطالقــه‬ ‫النــار عــى طائــرة ورقيــة أفلتــت مــن يــد طفــل‬ ‫كان يلعــب خــارج املعســكر‪ ،‬ثــم إىل رتبــة‬ ‫(نقيــب) بإضافــة نجمــة أخــرى عــى كتفــه‬ ‫بعــد أن أطلــق النــار عــى مقنعتــن هاجمتــا‬ ‫موكــب الرئيــس فيصبــح مــن بعــد ذلــك‬ ‫(نقيــب الشــجاعة) مــن خــال وســام يعلــق‬ ‫عــى صــدره‪.‬‬ ‫لكــن (وحيــد) يف قبولــه للعبــة الرتقيــات‬ ‫الرسيعــة‪ ،‬وتصديقــه أيضــاً حكايــة الجهــد‬ ‫والتضحيــة اللذيــن يبذلهــا لقــاء ذلــك رسعــان‬ ‫مــا يضفــي الوهــم عــى الــرود الحكائيــة‬ ‫ليتبــن لنــا بعــد حــن أن نقيــب الشــجاعة‬ ‫قــد رقّــي مــرة أخــرى إىل رتبــة (رائــد) جــراء‬ ‫ترقيــات جامعيــة لفــوج الخيالــة املســؤول‬ ‫عــن حاميــة الرئيــس‪ ،‬ونتيجــة لتطويــر جهــاز‬ ‫الحراســة الرئاســية‪ ،‬حيــث تغيــب النجــوم عــن‬ ‫كتفيــه العريضتــن‪ ،‬ويحــط بــدالً منهــا نرسيــن‬ ‫جارحــن‪ ،‬فيغــدو عــى إثرهــا الرائــد وحيــد‬ ‫أهــم ضابــط يف فــوج الخيالــة دون منــازع وال‬ ‫منافــس‪.‬‬

‫حتــى صــارت يف محــاذاة عتبــة الــرج‪.‬‬ ‫تخلــص النائــب مــن الغطــاء بوهــن واســتدعى‬ ‫كل طاقتــه وقــام متشــبثاً بيــد القائــد املمــدودة‬ ‫إليــه‪ .‬وضعــا نظــاريت الرؤيــة عــى عيونهــا ثــم‬ ‫وقفــا ينظـران مــن إحــدى الكــوى‪.‬‬ ‫تذكــر النائــب ليلتــه األوىل يف الحراســة‪ ،‬تداعــت‬ ‫املشــاهد عــى رأســه صافيــة كذكريــات‬ ‫الطفولــة‪ :‬املــاءات املهتــزة فــوق أشــباح‪،‬‬ ‫العبــو الــورق‪ ،‬ومشــاهدو التلفزيــون‪ ،‬وحلقــات‬ ‫الرثثــرة‪ ،‬وصبــي الطائــرة الورقيــة الــذي أثــار‬ ‫ذعــره وع ّرضــه للمحنــة األوىل يف خدمتــه‪ .‬اآلن‬ ‫ال يشء مــن هــذا ميكــن أن يــرى عــى األســطح‬ ‫ذاتهــا‪ ،‬اليشء باملــرة ســوى النفايــات التــي‬ ‫كانــت هنــاك دامئــاً)‪ .‬ص‪207‬‬ ‫تلــك هــي خواتيــم (وحيــد) الــذي بقــي حــارس‬ ‫أوهــام كثــرة ظللــت أســئلته‪ ،‬وفاقمــت مــن‬ ‫وســواس البحــث عــن أجوبــة ال قــرار لهــا‪،‬‬ ‫فتبــدى الحــارس مــن خــال (وحيــد) حقيقــة‬ ‫لوهــم مــا انفــك يســتغرق عمــره الــذي ذهــب‬ ‫هبــاء بــن عــد الزلــط وتفريــق أنثــاه عــن ذكــره‬ ‫وقيــاس العنــر باإلبــرة واالســتعداد الدائــم‬ ‫ملرافقــة موكــب الرئيــس‪.‬‬ ‫ذلكــم هــو حــارس (القمحــاوي) يف مقروئيــة‬

‫ســطوح الــرودات‪ ،‬والتــي آثــرت أن ال تختتــم‬ ‫أناشــيدها بقفلــة معتــادة‪ ،‬بــل تع ّمــدت أن‬ ‫تــرك نافــذة النــص مفتوحــة‪ ،‬وإىل مــا ال نهايــة‬ ‫عــى العديــد مــن املعــاين والــدالالت‪ ،‬وذلــك مــا‬ ‫جعــل مــن نــص الحــارس نص ـاً قاب ـاً لق ـراءات‬ ‫ــت منــه فــاق مــا قيــل يف‬ ‫متعــددة‪ ،‬مــا َص َم َ‬ ‫أنســاقه‪ ،‬ليظــل البحــث عــا أخفــاه النــص‬ ‫هاجســاً‪ ،‬ودافعــاً لرؤيــة مختلفــة يف النســق‬ ‫املعــريف للقــراءات املتعــددة‪ ،‬وأ ّن االحتفــاء‬ ‫بتعــدد الق ـراءات هــو احتفــاء بتعــدد وتنــوع‬ ‫مناظــر الرؤيــة فيــه قبــل أي مســألة أخــرى‪.‬‬ ‫إن أوىل املفارقــات الالفتــة يف حــارس‬ ‫القمحــاوي كنــص روايئ‪ ،‬ووفقــاً ملقروئيتــه‬ ‫املتعــددة‪ ،‬هــي مفارقتــه وتبعيــده (للحــي)‬ ‫التقليــدي يف الــرد الــروايئ‪ ،‬مبعنــى أن النــص‬ ‫اعتمــد يف حكايتــه عــى املشــاهدة البرصيــة‪،‬‬ ‫والتلصــص واإلنصــات‪ ،‬وتلــك خصائــص مغايــرة‬ ‫ملــا ســاد يف نســق الكثــر مــن األعــال الروائيــة‬ ‫العربيــة التــي اتفقــت طرائــق القــص ومرجعية‬ ‫البنيــة الحكائيــة فيهــا إىل (ألــف ليلــة وليلــة)‪،‬‬ ‫والتــي تعــد حجـرا ً أساســياً يف الترسيــد الــروايئ‬ ‫العــريب‪ ،‬حديثــه وقدميــه مــن حيــث التأثيــث‬ ‫ومتظهراتــه الحكائيــة‪.‬‬ ‫واألهميــة هنــا أن نــص الحــارس مــن خــال‬ ‫اشــتغاله عــى الحكايــة البرصيــة يف الــرود‬ ‫داخــل النــص الحــكايئ‪ ،‬متظهــر وفــق آليــة‬ ‫تفــارق يف اشــتغالها أدوات البنيــة الحكائيــة‬ ‫لــرود (الليــايل العربيــة يف ألــف ليلــة وليلــة)‬ ‫التــي اعتمــدت اســتمرار (الحــي) مــن أجــل أن‬ ‫تســتمر الحكايــة‪ ،‬والتــي يف اســتمرارها تســتمر‬ ‫حيــاة شــهرزاد‪.‬‬ ‫ذلــك مــا تحقــق فعــاً يف نــص (الحــارس)‪،‬‬ ‫ولكــن بشــكله املختلــف‪ ،‬والــذي اعتمــد عــى‬ ‫املشــاهدة البرصيــة والتلصــص واإلنصــات مــن‬ ‫أجــل أن تســتمر حيــاة (وحيــد) ليــس ألنــه‬ ‫أحــد رجــاالت الحــرس الرئــايس وحســب‪ ،‬وإمنــا‬ ‫ألنــه غــدا شــخصية تأسيســية لبنيــة جديــدة‬ ‫يف معادلتــي املــوت والحيــاة داخــل مفهــوم‬ ‫حراســة الرئيــس واملحافظــة عــى حياتــه‪،‬‬ ‫والتــي يتحقــق مــن خاللهــا لوحيــد االســتمرار‬ ‫يف حياتــه أيضـاً‪ .‬فــإذا كانــت شــهرزاد يف الليــايل‬ ‫العربيــة تقــاوم املــوت املحتــوم (بالحــي)‪ ،‬فــإن‬ ‫(وحيــد) يف روايــة الحــارس كان يقــاوم ويبعــد‬ ‫املــوت عنــه باملشــاهدة البرصيــة والتلصــص‬ ‫واإلنصــات‪ ،‬وذلــك مــا جعــل منــه شــخصية‬ ‫منســجمة‪ ،‬ومقومــات البنيــة النصيــة لروايــة‬ ‫تقــوم عــى املشــاهدة‪ ،‬واملراقبــة‪ ،‬والحــذر‪،‬‬ ‫والتَق ُيــد وااللتـزام الصــارم‪ ،‬وذلــك يؤكــد الــدور‬ ‫الجديــد لألبعــاد البرصيــة‪ ،‬ويؤثــث املعــادل‬ ‫املفــارق‪ ،‬واملختلــف أيضــاً لألمنــاط الحكائيــة‬ ‫يف مشــهد الروايــة العربيــة مــن خــال إيجــاد‬ ‫وتأســيس مناظــر برصيــة للحكايــة وحدوثتهــا‬ ‫يف آن معــاً‪.‬‬ ‫مثــة شــواهد ال تعــ ّد وال تحــى عــن ماهيــة‬ ‫الرتكيــب البــري لــرود روايــة (الحــارس)‬ ‫لكــن املســألة التــي شــكلت يف أبعادهــا‬ ‫القواســم املشــركة‪ ،‬وكانــت املعــادل القيمــي‬ ‫لبنــاء الشــخصية البرصيــة ومرجعيتهــا يعــود يف‬ ‫جـ ِّـل مفاصلــه إىل املنظومــة اإلشــارية‪ ،‬وإيقاعهــا‬ ‫الــداليل‪ ،‬وكذلــك إىل بنيــة الرتكيــب االشــتغايل‬ ‫للمفــردة البرصيــة التــي ســاهمت يف تكويــن‬ ‫وتنامــي شــخصية الحــارس (وحيــد)‪ ،‬وأغدقــت‬ ‫عليــه فتوحــات املغايــرة واالختــاف‪ ،‬وذلــك مــا‬ ‫دفــع مفاعيــل تنميتهــا مــن الداخــل والجــواين‪،‬‬ ‫إضافــة إىل أبعادهــا الســطحية التــي اكتفــت‬ ‫رشعـاً‬ ‫بقــص الحدوثــة البرصيــة تاركــة البــاب م ّ‬ ‫لتأويــات عديــدة ومختلفــة‪ ،‬منهــا مــا يتعلــق‬ ‫مباهيــة الوجــود والعــدم بالنســبة لشــخصية‬ ‫(وحيــد)‪ ،‬ومــا تبــن أيضــاً مــن خــال البعــد‬ ‫الفلســفي لصــرورة الحضــور والغيــاب اللذيــن‬

‫عزت القمحاوي‬

‫كانــا املشــكلني األساســيني يف حراســة الوهــم‪،‬‬ ‫والهروبــات الالفتــة لشــخصية وحيــد نحــو‬ ‫األمــام كحــارس للوهــم ومتوالياتــه‪ ،‬والــذي كان‬ ‫يف أبعــاده الج ّوانيــة‪ ،‬مبعــث ســياقات قلقــة لهــا‬ ‫وسواســها الخــاص‪ ،‬وكذلــك يف مشــهد هروبهــا‬ ‫إىل الخلــف كمفاعيــل تكوينيــة لبنيــة الحضــور‬ ‫امليثــي ألنظمــة كهانــة الحراســة يف الديانــات‬ ‫الفرعونيــة القدميــة‪.‬‬ ‫تلــك هــي التأثيثــات األوليــة للكشــف عــن‬ ‫ماهيــة الحــارس كشــخصية اســتمدت وجوداتها‬ ‫مــن مفاعيــل مختلفــة‪ ،‬منهــا مــا يتعلــق‬ ‫بالبعديــن األســطوري والالهــويت‪ ،‬وكذلــك مــن‬ ‫(ميكانيزمــات) تنامــي األبعــاد الســيكولوجية‪،‬‬ ‫ومرجعياتهــا فــــي الالشــعور الجمعــي مبــا‬ ‫ـص الصــور العتيقــة النامئــة‪ ،‬ومســائل أخــرى‬ ‫يخـ ّ‬ ‫النــص‪ ،‬واملثــرات والدوافــع‬ ‫تتعلــق بثيمــة‬ ‫ّ‬ ‫التــي ســاهمت يف وجــوده‪.‬‬ ‫إن الصفــات املتعــددة للرئيــس (الحــارض‬ ‫الغائــب) ومفهوميــة ظهوراتهــا‪ ،‬وكذلــك‬ ‫القيمــة الدالليــة لفحــوات مراميزهــا‪ ،‬تعــ ّد‬ ‫مبعــث اشــتغال يتطلــب الكثــر مــن الدقــة‪،‬‬ ‫وااللتفــات نحــو مفاصــل لهــا أهميتها يف ســياق‬ ‫تفنيــذ الــرود الروائيــة‪ ،‬وفــك مغاليقهــا‪،‬‬ ‫فمعــاديل (الحضــور والغيــاب) يف روايــة‬ ‫الحــارس وحقيقــة وجــود الرئيــس املحــروس‬ ‫والشــكوك املتواليــة بعــدم وجــوده مــن قبــل‬ ‫الحــراس‪ ،‬أضفــى معــادالً جديــدا ً عــى بنيــة‬ ‫الروايــة ومعايــر عامرتهــا‪ ،‬وأقــام عالئــق الفتــة‬ ‫عــى صعيــد متكــن طغيــان مــا هــو حــي‬ ‫عــى مــا هــو ملمــوس ومــادي طبقـاً لواقعــة أو‬ ‫حادثــة مــا‪ .‬مــا يؤكــد مناظرينــا نحــو الروايــة‬ ‫يف اعتامدهــا عــى الجهــاز البــري يف تأثيــث‬ ‫وجودهــا‪ ،‬ومكانتهــا ضمــن ســياقات الــرود‬ ‫البرصيــة املختلفــة عــن الــرود التقليديــة‬ ‫للروايــة العربيــة‪.‬‬ ‫ففــي روايــة (الحــارس) كل يشء حــارض وغائــب‬ ‫يف اآلن ذاتــه‪ ،‬ومــا مــن يشء يســكت إال ليتكلــم‬ ‫بالنيابــة عنــه حضــور يشــبهه‪ ،‬أو أنــه مــن نســل‬ ‫ســالته التــي ال تنفــك عــن الحضــور بواحداتــه‬ ‫املتعددة‪.‬‬ ‫والحقيقــة أن روايــة (الحــارس) قامــت عــى‬ ‫نظــام إشــاري غايــة يف التعقيــد والتشــابك مــن‬ ‫ناحيــة االعتــاد عــى العينــن‪ ،‬فهــي أعــادت‬ ‫مــن خــال رسودهــا فحــص العالقــة الغامضــة‬ ‫مــا بــن (الحــارس واملحــروس) كم ـراث رمــزي‬ ‫مغــرق يف التاريــخ‪ ،‬ووفــق انبنــا ٍء لــه صورتــه‬ ‫ال ُعتاقيــة‪ ،‬كاشــفة عــن فحــوات لهــا أبعادهــا‬ ‫التــي طالــت الكثــر مــن الــدالالت املتحولــة‬ ‫يف عالقــة الرمــوز الدينيــة بالســلطة ووشــائج‬ ‫تلــك الرمــوز مــن الناحيــة التاريخيــة التــي‬ ‫قامــت عــى حاميــة اإللــه أو الزعيــم أو‬ ‫الرئيــس عــر التاريــخ‪ ،‬وتأثيــث (تابــوات) نُظــم‬ ‫أمانــه لنتحصــل عــى قيمــة جديــدة أرادت‬ ‫روايــة الحــارس تقدميهــا بصــورة اســتطاعت من‬ ‫خاللهــا أن تلفــت إىل معيــار جديــد يســتلهم‬ ‫مــراث حراســة الفرعــون‪ ،‬واجــراح املــايض‬ ‫الســحيق‪ ،‬ورأســاله الرمــزي يف لعبــة محكمــة‬ ‫يف انفتاحهــا عــى املــوروث الفرعــوين وفحــص‬ ‫عالقــة الطغــاة كطواطــم وتابــوات‪ ،‬وتتبــع‬ ‫حضورهــم املســتمر‪ ،‬والدائــم عــر التاريــخ مــن‬ ‫خــال إضفــاء معنــى ســامياً عــى العــودات‬ ‫الالشــعورية لحراســة الوهــم ومتوالياتــه‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫خواطر يف رواية «األبله»‬ ‫للروائي الروسي العظيم دوستويفسكي‬ ‫قــرأت مــرة أن دوستويفســي أعظــم‬ ‫روايئ يف كل العصــور وأنــا ﻻ أعطــي‬ ‫مثــل هــذا التعميــم باملطلــق ﻷننــي‬ ‫قــرأت روايــات عديــدة لروائيــن عظــاء‬ ‫يحملــون صفــة العظمــة فيــا تركــوه لنــا‬ ‫مــن روايــات كــرى‪ .‬ولــو أين أقــول عــى‬ ‫منهــج نقادنــا العــرب يف تعريــف الشــعر‬ ‫لوجــدت مــدرءا ً مــن التعميــم حــن قالــوا‪:‬‬ ‫الشــعر مــن أنــت يف شــعره حتــى تنتقــل‬ ‫إىل غــره إلــخ‪...‬‬ ‫فهــل الروايــة أيضــا مــن أنــت يف راويهــا‬ ‫حتــى تنتقــل إىل غــره؟‪.‬‬ ‫إن دوستويفســي مبــا تركــه للبرشيــة مــن‬ ‫إرث عظيــم يف فــرة القــرن التاســع عــر‬ ‫ومــا لــه ومــا فيــه روســياً وأوربيــاً يــكاد‬ ‫يكــون أنــه مل يــرك لغــره مــا يقولــه‪.‬‬ ‫فــن الروايــة عنــد دستويفســي ليــس فنـاً‬ ‫إنشــائياً وﻻ فن ـاً زخرفي ـاً مطع ـاً بالشــعر‬ ‫صــورا ً وخيــاالت كــا يفعــل البعــض ممــن‬ ‫يتبارعــون بتطعيــم الروايــة بفــن الشــعر‬ ‫الزخــريف صــورا ً واســتعارات وغريهــا مــن‬ ‫أالعيــب اللفــظ التــي تخلــب متوســطي‬ ‫الثقافــة مــن الق ـراء ويعدونهــا إبداعــات‬ ‫توافــق أذواقهــم الشــعرية مبعنــى أن‬ ‫الروايــة جنــس أديب يشــمل الشــعر فيــا‬ ‫يشــمله مــن أجنــاس‪.‬‬ ‫عكفــت مــن ثالثــة أيــام عــى روايــة‬ ‫اﻷبلــه وهــي مــن ســتامئة صفحــة أنهيتهــا‬ ‫للتــو‪ ..‬تلــك الروايــة التــي ال تحمــل يف‬ ‫ســطورها أداة تشــبيه وﻻ اســتعارات وال‬ ‫صــورا ً باملعنــى الشــعري وحتــى ال أكــون‬ ‫ظاملـاً أقــول لقــد مــررت بأقــل مــن عــرة‬ ‫تشــبيهات خــال ســتامئة صفحــة ومل‬ ‫تكــن مقصــودة بهــدف املنهــج الشــعري‬ ‫فقــد جــاءت عرضــاً يف ســياق الــكالم‬ ‫البعيــد عــن تلــك التطعيــات التــي باتــت‬ ‫معروفــة يف بعــض الروايــات العربيــة التــي‬ ‫يطنطنــون لهــا بخاصــة‪.‬‬ ‫دوستويفســي مبتــدع الروايــة الحداثيــة‬ ‫يف عــره مبــا يتوالــف مــع الفكــر الــرويس‬ ‫والشــخصية الروســية أيض ـاً جعــل الفكــر‬ ‫بعمقــه والفلســفة بتجريدهــا وعلــم‬ ‫االجتــاع والتاريــخ وغريهــم يجــرون يف‬ ‫نهــر حــكايئ بقــدر مــا فيــه مــن السالســة‬ ‫واالنســياب بقــدر مــا فيــه مــن الغــزارة‬ ‫والعمــق‪ .‬وعــى كل ألســن شــخصيات‬ ‫رواياتــه ولعــي أســمي روايــة «اﻷبلــه» هنا‬ ‫كــوين أنهيــت قراءتهــا للتــو‪ .‬فــا عرفــت‬ ‫شــخصية مــن شــخصياتها ال تجيــد أعمــق‬ ‫الحــوار يف املســائل النفســية وتحليــل‬ ‫الشــخصيات يف أعــاق تركيباتهــا‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫كل مــا يصــدر عنهــا نابــع مــن تلــك الذات‬ ‫ومخزوناتهــا وطباعهــا النفســية‪ ،‬ســواء‬ ‫كان ذلــك مــن ابتداعــات دوستويفســي‬ ‫وآرائــه الخاصــة‪ ،‬أو مــا قــرأ يف هــذا‬ ‫الجانــب مــن العلــم وناقشــه وفنــده أو‬ ‫قبلــه وأضــاف عليــه‪ ..‬ولقــد حــق لــه أن‬ ‫يكــون ســبق فرويــد يف فلســفته يف علــم‬ ‫النفــس التحليــي حتــى لقــد قيــل إن‬ ‫فرويــد أقــر لدوستويفســي بذلك الســبق‪،‬‬ ‫بــل واعتمــد عــى شــخصياته الروائيــة يف‬ ‫العديــد مــن نظرياتــه‪.‬‬ ‫(إن زوجتــه آنــا غريغورفنــا تســمي زوجهــا‬ ‫‹بالعــامل›‪ ،‬وكونهــا عاشــت معــه‪ ،‬وعرفــت‬ ‫ســعة اطالعــه وثقافتــه وآراءه ونظرتــه‬ ‫للحيــاة)‪ .‬وكل مــن قــرأ دوستويفســي‪،‬‬ ‫وكان لــه املســتوى الجيــد يف املعرفــة ليقــر‬

‫امللحديــن والعدميــن وغريهــم‪.‬‬ ‫«آجاليــا» الشــابة الجميلــة والبنــت‬ ‫االرســتقراطية مــن أب غنــي وأم مــن‬ ‫ســالة اﻷم ـراء أيض ـاً‪ ،‬تنازعتهــا العواطــف‬ ‫بــن الرجــال مــن مختلــف املســتويات‪،‬‬ ‫وظلــت تائهــة املشــاعر يف االختيــار‪ ،‬فــا‬ ‫أن متيــل لشــخص حتــى متيــل آلخــر‪،‬‬ ‫وتعطــي االنطبــاع بأنهــا ترغــب بالــكل‬ ‫أو بــكل منهــم مبيــزة مــن ميزاتــه‪ ،‬وهــم‬ ‫يهيمــون بهــا‪ ،‬ولكنهــا ال تســلم قيــاد قلبهــا‬ ‫ﻷحــد أو ال تســتقر‪ ..‬فهــل هــذا الــردد‬ ‫والقلــق‪ ،‬فضـاً عــن اﻷبعــاد النفســية التــي‬ ‫بــرع فيهــا دوستويفســي مجــرد نظريــات‬ ‫تــدرس الحــاالت النفســية لــكل شــخص‬ ‫بعينــه مــن شــخوص املجتمــع وأســبابها‬ ‫وانعكاســاتها‪ ،‬أم هــي أيضــاً إســقاطات‬ ‫عــى واقــع التمــزق للشــعب الــرويس‬ ‫يف تلــك املرحلــة‪ ،‬وقــد تنســحب عــى‬ ‫جميــع اﻷمــم التــي مــرت ومتــر مبــا يشــابه‬ ‫مــا مــرت بــه روســيا مــن أزمــات عــى‬ ‫اختــاف املجتمعــات واﻷزمــات والعصــور‪.‬‬ ‫ومتــي الروايــة يف تســاؤالت ونقاشــات‬ ‫واتهامــات لــكل صنــف مــن أصنــاف‬ ‫املجتمــع اﻹنســاين‪ ،‬وتعــرض ﻷفــكار‬ ‫الحيــاة برمتهــا مــن الديــن إىل العدالــة إىل‬ ‫القوانــن ومحــور الروايــة (األمــر اﻷبلــه)‪،‬‬ ‫أو آخــر أمــر مــن ســالة منقرضــة بــدأ‬ ‫حياتــه يتيــاً مريضــاً بالبلــه‪ ،‬ويعــود إىل‬ ‫روســيا بعــد خمــس ســنوات مــن العــاج‬ ‫يف ســويرسا‪ ،‬ولكنــه يظــل يوصــف باﻷبلــه‬ ‫رغــم شــفائه‪ ،‬ﻷن أفــكاره تظــل تنــم عــن‬ ‫طيــب غريــب عــا تســر فيــه حيــاة‬ ‫املجتمــع‪.‬‬ ‫ومــن اﻹبــداع غــر املتوقع يف نهايــة الرواية‬ ‫أن دوستويفســي مل ينـ ِه أيــة حكايــة مــن‬ ‫حكايــات الغ ـرام بالــزواج‪ ،‬ومل يضــع ح ـاً‬ ‫نهائيـاً ﻷيــة مشــكلة طرحهــا فــرك القضايــا‬ ‫كــا ســاقها عــى كل صفحــات الروايــة‪،‬‬ ‫مشــبعاً النقاشــات فيهــا مــن شــتى‬ ‫وجهــات النظــر‪ ،‬وكأين بــه يريــد أن يبقــى‬ ‫الحــوار مفتوحــاً عــى مصاريعــه‪ ،‬وعــى‬ ‫تعــدد مشــاربه‪ ،‬وال حــل أحــادي‪ ،‬وال غلبــة‬ ‫لوجهــة عــى أخــرى‪ ،‬وبهــذا وحــده يكــون‬ ‫الخــاص للمجتمــع والشــعب متعــدد‬ ‫الثقافــات واألفــكار ووجهــات النظــر‪.‬‬ ‫لرتتقــي اﻷمــم بالحــوار والدميوقراطيــة‪،‬‬ ‫وقبــول كل باﻵخــر عــى مبــدأ أســاس‬ ‫وهــو حيــاة روســيا (أي الوطــن) وخريهــا‬ ‫وتقدمهــا‪.‬‬ ‫وال أمتحــل عــى الروايــة يف رأيــي‪ ،‬فهــي‬ ‫قــراءيت الخاصــة واســتنتاجي معــان قــد‬ ‫تكــون جــدا ً قليلــة يف اســتخالص روايــة‬ ‫عظيمــة مــن روايــات الكاتــب العظيــم‬ ‫دوستويفســي‪ ..‬ولكنــي كقــارئ ال أقــرأ‬ ‫روايــة هامــة أو بهــذه اﻷهميــة العظمــى‪،‬‬ ‫وأدعهــا متــر‪ ،‬كــا لــو أين قــرأت قصائــد‬ ‫عموديــة يف ديــوان صــادر يف القــرن‬ ‫الواحــد والعرشيــن‪ ..‬أو قــرأت روايــة‬ ‫تشــبه حكايــا العجائــز املحليــة‪ ..‬أو روايــة‬ ‫زخرفيــة الصــور الشــعرية كثــوب مزركــش‬ ‫ال يحتــوي داخلــه أي جســد يليــق‬ ‫باالكتشــاف‪.‬‬

‫بأنــه يقــرأ روايــة عــامل فيلســوف بلغــة‬ ‫أديــب جــاوز مبــا كتــب حــدود املعــروف‬ ‫قبلــه‪ ،‬ورمبــا ال مبالغــة بالقــول إنــه مل‬ ‫ِ‬ ‫يــأت مــن يتجــاوزه يف طريقتــه وتدفقــه‬ ‫وأســلوبه‪ ،‬وسالســة الســياق الجــذاب‬ ‫للفــن الــروايئ الحــكايئ‪.‬‬ ‫ومــن يقــرأ رواياتــه ويربــط يف ذهنــه‬ ‫أعظــم املسلســات الدراميــة التــي‬ ‫اشــتهرت يف األعــال املعــارصة ليجــد أن‬ ‫الرجــل ســبق عرصنــا بعــرات الســنني‬ ‫يف فــن الحــوارات‪ ،‬وتصويــر الشــخصيات‬ ‫يف الظاهــر والباطــن معــاً‪ ،‬ويف كتابــة‬ ‫الســيناريوهات أيضــاً‪.‬‬ ‫لقــد كنــت أقــرأ روايــة اﻷبلــه‪ ،‬وأشــاهدها‬ ‫بعينــي خيــايل اﻷمكنــة‪ ،‬وأقــرأ مــا يــدور‬ ‫بــن الشــخصيات مــن حــوار أي حــوار‬ ‫مهــا كان موضوعــه ومســتواه‪ ..‬وبخاصــة‬ ‫وهــو يرســم بفنيــة عاليــة ورمزيــة ﻷعظــم‬

‫وحبــكات روائيــة‪ ،‬ومشــاكل الفقــر‬ ‫والغنــى‪ ،‬ومــا إليــه مــن مرابــن ومرشديــن‪،‬‬ ‫وحــب وفروســية‪ ،‬ومواقــف عــز وانهيــار‬ ‫قيــم وســقوط و‪ ....‬و‪ ...‬فلــم تــرك الروايــة‬ ‫مرضــاً إال وناقشــته يف أمــراض املجتمــع‬ ‫الــرويس أيــام تلــك‪ .‬وقــد شــدين الحــب‬ ‫املطــروح يف مســتوياته كلهــا‪ ،‬فلــم يــرك‬ ‫حقيقــة خفيــة لخلجــات النفــس وتقلباتهــا‬ ‫إالّ وجــاء عــى ذكرهــا‪ ..‬فكنــت مثـاً أقــرأ‬ ‫عــن تلــك املــرأة الفاتنــة جــاالً وجاذبيــة‪،‬‬ ‫وهــي شــخصية محوريــة يف الروايــة‬ ‫«ناستاســيا فيليبوفنــا» لقــد عشــقها‬ ‫معظــم أبطــال الروايــة وتقربــوا إليهــا‬ ‫بــكل مــا ميكــن ﻷحدهــم‪ ،‬وكانــت تــكاد‬ ‫تعشــق الجميــع‪ ..‬جـرال يقــدم لهــا عقــدا ً‬ ‫مــن لؤلــؤ وأملــاس‪ ،‬وآخــر يســتدين بفائــدة‬ ‫باهظــة مائــة ألــف روبــل ليقدمهــا لهــا‪،‬‬ ‫وثالــث بــكل ثروتــه‪ ،‬ومــن ثــم أمــر‬

‫قضايــا املجتمــع‪ ،‬ويضــع يــده عــى مــا‬ ‫فيــه مــن علــل وأم ـراض‪ ،‬يحللهــا ويســر‬ ‫أعامقهــا وأســبابها ويناقــش حلولهــا‬ ‫مبختلــف اﻵراء‪ ،‬ومــن مختلــف الوجهــات‬ ‫حســب املســتويات االجتامعيــة‪.‬‬ ‫ومــن الغريــب أن كثـرا ً مــن نقــاد عــره‬ ‫الــروس بخاصــة مــا تقبلــوا منهجــه يف‬ ‫الفــن الــروايئ وعــدوه غريبــاً‪ ،‬ومنهــم‬ ‫مــن جعلــه محصــورا ً يف اﻷدب الواقعــي‬ ‫ملجتمــع خيــايل‪ ،‬ومنهــم مــن قــره‬ ‫عــى أنــه ال يكتــب إال عــن «املذلــون‬ ‫املهانــون»‪ ،‬وبالتــايل ولرمبــا كان ذلــك‬ ‫بأيــد خفيــة مــن الســلطات التــي مل‬ ‫تكــن راضيــة عــن دوستويفســي ككاتــب‬ ‫تقدمــي لــه آراء ﻻ تــرىض عنهــا العقليــة‬ ‫القيرصيــة‪ ،‬وﻻ املحافظــون ممــن يوالونهــا‬ ‫باملعنــى الوطنــي أو الكنــي التابعــة‬ ‫عــادة للســلطات القامئــة‪.‬‬ ‫روايــة اﻷبلــه ومــا فيهــا مــن تعقيــدات‪،‬‬

‫باســمه ومكانتــه ومــا ســرث‪ ،‬وهــي‬ ‫تقبــل مــن الجميــع‪ ،‬ثــم تجمعهــم مع ـاً‪،‬‬ ‫وتــرد هديــة الج ـرال باحتقــار‪ ،‬وتلقــي يف‬ ‫النــار املائــة ألــف‪ ،‬وترفــض اﻷمــر وهــو‬ ‫«اﻷبلــه»‪ ،‬وتختــار العاشــق الشــاب املتهور‬ ‫الــذي اســتدان بالربــا لتتزوجــه‪ ،‬ولكنهــا‬ ‫ترفضــه‪ ،‬وتهــرب ثــم تقبــل بــه‪ ،‬وعنــد‬ ‫وصــول اللقمــة للفــم تهــرب منــه ثانيــة‪،‬‬ ‫وتقــول لــه أنــا امــرأة حــرة واختيــاري مــا‬ ‫يـزال يف يــدي‪ ..‬وتعيــش الشــتات والهروب‬ ‫والعشــاق مــن حولهــا كالذبــاب عــى‬ ‫صحــن الحــاوة‪ .‬ويف النهايــة مل تتــزوج‬ ‫أحــدا ً!‪..‬‬ ‫هــل هــي روســيا يف تلــك املرحلــة؟‪.‬‬ ‫تتلقفهــا االتجاهــات‪ ،‬وكل يريدهــا لنفســه * رواية األبله لدوستويفسكي من‬ ‫واتجاهاتــه‪ ،‬وبالتــايل مل تكــن راضيــة ترمجة الدكتور سامي الدروبي‬ ‫عــن أي مــن تلــك الطــرق‪ ،‬واختــارت أن‬ ‫ال تتــزوج أحــدا ً مــن عشــاقها األغنيــاء‬ ‫شاهر خضرة‬ ‫أو الفقــراء أو حتــى ذوي اﻷفــكار مــن‬

‫‪11‬‬

‫قوس قزح‬

‫فلسفة الفن املعاصر‬ ‫(‪)3‬‬

‫ التذوق الفين ‪-‬‬‫فهد الحسن‬

‫منــذ ســنوات شــدين مشــهد‪ ،‬وأنــا أشــاهد طوابــر طويلــة‬ ‫مــن النــاس‪ ،‬تصــل إىل أكــر مــن ثالثــة كيلوم ـرات يف مدريــد‬ ‫بإســبانيا‪ ،‬وحملــت يل دالالت خاصــة ومؤثــرة‪ .‬كان الحــدث‬ ‫افتتــاح متحــف ســلفادور دايل يف عاصمــة بــاده بعــد رحيلــه‪،‬‬ ‫ذلــك الفنــان العمــاق الــذي أثــار جــدالً واســعاً يف حياتــه‬ ‫وأعاملــه الفنيــة‪.‬‬ ‫أســوق هــذا املثــال ﻷدلــل مــن خاللــه عــى قيمــة عليــا‪،‬‬ ‫وأساســية يف نســيج العمليــة اإلبداعيــة‪ ،‬ونحــن اليــوم نختــص‬ ‫بجانــب منهــا ‪-‬الفــن التشــكييل‪ -‬دون غــره مــن الفنــون‪ ،‬أي‬ ‫نتنــاول بعــدا ً برصيــاً يشــمل ثالوثــاً متكامــاً هــو (الفنــان ‪-‬‬ ‫اللوحــة ‪ -‬املتلقــي)‪ ،‬هــذا الثالــوث تحكمــه عالقــة رياضيــة‬ ‫محكمــة يف رأي كثــر مــن النقــاد‪ ،‬فــا تفاعـاً فنيـاً يتــم إن غاب‬ ‫أحــد هــذه العنــارص‪ ،‬فالفنــان هــو مبــدع هــذا البعــد البــري‪،‬‬ ‫واللوحــة أداتــه والجمهــور هــو املتلقــي الــذي ســيتفاعل مــع‬ ‫تلــك األداة‪ ،‬وهــو الــذي ســيخلق تناغ ـاً يــري هــذه العالقــة‬ ‫ومينحهــا ألقهــا ودميومتهــا‪ ،‬وهــذا يتطلــب اشــتغاالً دؤوبـاً مــن‬ ‫قبــل مؤسســات حكوميــة‪ ،‬وأف ـراد وجامعــات‪ ،‬وبيئــة حاضنــة‪،‬‬ ‫ومنــط تربيــة‪ ،‬وأســاليب تعليــم‪ ،‬ودور هــام ملؤسســات إعالميــة‬ ‫وثقافــة مجتمعيــة عميقــة‪ ،‬تضــع ﻷفرادهــا مســارات تؤهلهــم‬ ‫ليكــون لهــم دور مهــم وفعــال يف تنميــة الحــس الجــايل‪،‬‬ ‫واالرتقــاء بــه إىل مرتبــة تهذيــب األخــاق والقيــم‪ ،‬ومــا تزرعــه‬ ‫فيهــا مــن نبــل خــاص‪ ،‬وراق يف التعاطــي مــع حــس بــري‬ ‫رفيــع املســتوى‪ ،‬وهــذا يســاعد عــى اكتشــاف عــامل الفنــان‬ ‫وســر أغــوار تجربتــه الفنيــة وتقييمهــا‪ ،‬والتفاعــل معهــا‪ ،‬ليصب‬ ‫ذلــك كلــه يف تنميــة املجتمــع‪ ،‬واالرتقــاء بــه إىل مرتبــة عاليــة‬ ‫تهــذب الــذوق العــام نحــو األفضــل‪ ،‬وهنــا ميكننــا أن نشــر إىل‬ ‫أن التفاعــل مــع الفــن ليــس ترفـاً‪ ،‬وال يدخــل يف بــاب التســلية‬ ‫أو اللهــو‪ ،‬ﻷنــه يحمــل يف مدلوالتــه وظيفــة اجتامعيــة عليــا‬ ‫ذات بعــد تربــوي وتثويــري‪ ،‬وكل هــذا يعنــي أن مثــة تنشــئة‬ ‫ســليمة ﻷفـراد هــذا املجتمــع‪ ،‬ومــا يعقبــه مــن أجيــال متعاقبــة‪،‬‬ ‫يكــون لهــا الــدور املؤثــر يف بنــاء األوطــان‪ ،‬بنــاء يرقــى بهــا نحــو‬ ‫ســدة الرقــي والتميــز‪ ،‬وتب ـ ّوء املكانــة الرفيعــة لهــا بــن األمــم‬ ‫األخــرى‪ .‬وهــذا كلــه ال يتــأىت مــن اآلمــال والرغبــات فحســب‪،‬‬ ‫بــل يؤســس عــى برامــج قيميــة تســعى إىل تفتيــت وردم الهــوة‬ ‫بــن املبــدع واملتلقــي‪ ،‬وإيجــاد جســور مــن التواصــل املبنــي‬ ‫عــى الثقــة والرغبــة الحقيقيــة يف اكتشــاف أثــر الفــن‪ ،‬ودوره‬ ‫الخــاق يف حياتــه‪ ،‬وهــذا الــدور ينمــو وفــق خطــط مربمجــة‬ ‫ومتكاملــة يف مجتمــع ال يغفــل شــيئاً يف حيــاة أفـراده‪ ،‬فالذائقــة‬ ‫الفنيــة تنمــو حينــا يكــون هنــاك شــفافية سياســية‪ ،‬وحريــات‬ ‫وازدهــار اقتصــادي‪ ،‬ووعــي معــريف مرتبــط بنمــط التعليــم‬ ‫وبرامجــه وأدواتــه‪ ،‬ويف االســتقرار الذهنــي الــذي يســمح بعبــور‬ ‫األفــكار وتالقحهــا‪ ،‬والــذي يتيــح للنــاس فرصــاً متســاوية يف‬ ‫املعرفــة مبــا يحقــق مبــدأ املســاواة وتكافــؤ الفــرص للجميــع‪،‬‬ ‫ومــن ثــم التفاعــل مــع أدوات الفــن عــر منظومــة كبــرة تبــدأ‬ ‫مــن املتحــف‪ ،‬وصالــة العــرض وتنتهــي باإلصــدارات الدامئــة‬ ‫التــي تعــرف بالفــن ومذاهبــه وتياراتــه ومبدعيــه‪ ،‬وهــذا كلــه‬ ‫يشــكل عالقــة جدليــة هامــة‪ ،‬ويذلــل أيــة صعوبــات قــد تعيــق‬ ‫هــذا الربنامــج‪ ،‬ويحــد مــن تأثرياتهــا الســلبية عليــه‪ ،‬وهنــا ال‬ ‫نغفــل دور اﻷرسة كخليــة أساســية يف بنــاء املجتمــع‪ ،‬فوجــود‬ ‫أرسة متعلمــة‪ ،‬تحمــل فك ـرا ً وثقافــة متطــورة مــن شــأنه بنــاء‬ ‫ذائقــة متميــزة لــدى أفرادهــا‪ ،‬وهــذا مرتبــط بــدوره بنمــط‬ ‫االســتقرار االجتامعــي والكفايــة الحياتيــة التــي تفتــح آفاقهــم‬ ‫عــى مهــارات غنيــة كالفــن واألدب واملوســيقا والرياضــة‪ ،‬وقــد‬ ‫حســمت الكثــر مــن الــدول الراقيــة هــذا يف حيــاة أفرادهــا‪،‬‬ ‫وبــات لهــا نظمهــا الواضحــة يف تفعيــل تلــك الربامــج‪ ،‬يف حــن‬ ‫أخفقــت باقــي الــدول يف ذلــك البتعادهــا عــن تلــك الربامــج‬ ‫فابتعــد النــاس عــن الفنــون عمومـاً‪ ،‬وســاهم هــذا يف التخلــف‬ ‫عــن ركــب التحــر البــري‪ ،‬ووجــدت هــوة كبــرة فصلــت‬ ‫عــامل الفنــان عــن املتلقــي‪ ،‬وهــذا يقــع عــى عاتــق حكومــات مل‬ ‫تحســم بعــد مشــكلة تأمــن رغيــف الخبــز ﻷفرادهــا‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫محمد إبراهيم الحريري‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫ً‬ ‫حزنا على رحاب عالوي‬

‫سؤال برسم الريح أم كل صورة‬ ‫لديها جواب كالح اللون أزرق؟‬ ‫وتلك عالمات تكذب شاهدا‬ ‫بتابوته األمواج باتت تصدق‬ ‫هنا الصمت أدرى بالتي قاومت به‬ ‫جدارا‪ ،‬وكان الجرح بالصرب يغلق‬ ‫لها بني تأويل الردى وارتجالها‬ ‫لحلم نها ٌر خلفه الفجر يرشق‬ ‫أقيمي عزاء مالحا‪ ،‬بني صورة‬ ‫وأخرى برسم املوت ‪ -‬يا شام ‪ -‬نعلق‬ ‫وال تخلفي صمت القناديل فالدجى‬ ‫رصيح بأفواه الخرافات ينطق‬

‫بناء عىل تهريب جسمي بوصفه‬ ‫بقايا رساب لن يُدا َن املحقق‬ ‫وهذا بعرف البحر عقد تآكلت‬ ‫مراسيه حتى شك باملاء منطق‬ ‫أرى الحلم معقودا ً ب َِساقَي سحابةٍ‬ ‫فال هو يغفو‪ ،‬أو بها النوم يلحق‬ ‫وهل باخرتاق العجز برشى ملقعد‬ ‫وليس لذي الساقني درب محقق‬ ‫وكل اعتبار للبطاقات عاجز‬ ‫الطفل حل ُم ُم َع َّوق ُ‬ ‫َ‬ ‫ألن يسرتد‬ ‫وما زال إرصاري عىل النوم غامئا‬ ‫وحلمي بأرساب األماين يحلق‬ ‫وريح عقيم أنجبت من دفاتري‬ ‫رسوما‪ ،‬بها املمحاة ال بد تحدق‬ ‫أفتش عن شمس تخطى كتابها‬ ‫مدى رصخة والباب بالعرب مغلق‬ ‫عىل ضفة املأساة تطفو خريطة‬

‫بألوانها كانت (رحاب) تدقق‬ ‫رأت يف إطار املوت للرسم هامشا‬ ‫ويف كفها رسبا حامم وبريق‬ ‫عىل شالها حطت نجوم وطارحت‬ ‫يديها حديثاً بالعذارى يطوق‬ ‫وكل املزايا أصبحت يف ميينها‬ ‫سوارا إذا ما مسه الطهر يربق‬ ‫أرى من خالل النهر عيني شهيدة‬ ‫وروحا بها رسب الحامم يزقزق‬ ‫تصيل عىل سجادة الغيم روحها‬ ‫قياما‪ ،‬ومازلنا ركوعا نصفق‬ ‫الكويت‪٢٠١٥/٣/١٨ :‬‬ ‫حزنــا عــى رحــاب عــاوي مهندســة مــن قريــة‬ ‫املوحســن ديــر الــزور‬ ‫عرضــت صورتهــا بــن آالف الصــور التــي تظهــر‬ ‫وحشــية الشــبيحة يف قتــل الحرائــر خلــف‬ ‫جــدران الظــام ‪.‬‬

‫تهاويم مالح وموج يحدق‬ ‫مبرساة حزين كلام الح زورق‬ ‫هنا البحر ال يحتاج عذرا يقيمه‬ ‫عىل مركب فيه الرشاع ممزق‬ ‫بعيني (رحاب) مر نهر مسجل‬ ‫لديها بأوصاف عىل املاء تطلق‬ ‫عىل وجهه عرشون ذكرى تجعدت‬ ‫وملا يجد ذكرى بها الطني يلصق‬ ‫وكم نال منها مسحة فوق خده‬ ‫ومازال من همس األغاين يصفق‬ ‫إذا غالبته الجري عادت تحثه‬ ‫بلحن ساموي به الناي يغرق‬ ‫أمتّت نسيج الفأل من دفء صوتها‬ ‫بآياتها والنور بالفجر يسبق‬ ‫ويل بعد تأبني الحكايات دمعة‬ ‫أراها بسطر فوقه الحرب يشهق‬

‫ولو نال مني امللح أو كاد؛ فالصدى‬ ‫حري بصوت خلفه البعد يعرق‬ ‫فهل يستطيع الطني تقديم نفسه‬ ‫بديال عن الشكل الذي فيه نسحق؟‬

‫من بني الحكايا‬ ‫ترسبت الشفاه‬ ‫وسيقان متعبة ألعشاب تبادلت الصمت‬ ‫ات َّـكأتُ عىل كاهل غيمة‬ ‫وأوغلت يف الصمت‬ ‫ُ‬ ‫وحيث انتظرتك‪ ..‬تبادلنا النظر‬ ‫********‬ ‫بقعة ضوء‬ ‫بقيت طليقة‪ ..‬ومل تدر كم هي مرتفة‬ ‫مد الطاغوت يده إليها‬ ‫فانزلقت‬ ‫وظلت تنزلق‬ ‫***‬ ‫تحت جفنيك‬ ‫دع شيئا ما يتحرك‬ ‫الحكاية ال ميلكها أحد‬ ‫(وأنت أطول‪ ...‬مام يحتمل الطاغية)‬ ‫***‬ ‫مددت يدي إىل الربودة‬ ‫مددت يدي إىل الرطوبة‬ ‫مددت يدي إىل الظلمة هنا مكامن الثورة‬ ‫*****‬ ‫يف األقبية‬ ‫الحقني الطغاة‬ ‫الحقني الطغاة من قرية إىل قرية‬ ‫***‬ ‫فوق ذرانا‪ .....‬ال أحد ال أحد‬

‫‪ ..‬والحكايا‬ ‫ونلتقطهم‬ ‫باعد بني ساقيه‬ ‫حني سقطت عيل البحار شهقت‬ ‫‪ :‬تعالوا‪ ..‬خاليا خاليا خاليا خاليا‬ ‫نعم‪ ..‬أبناء الثورة‪ ..‬تعمدوا‬ ‫مل ي َر السفن‬ ‫ثم خلعت ثيايب ونزلت‪ ..‬نزلت‬ ‫اخرجوا جهارا ً‬ ‫وفاح عطر اليانسون‬ ‫عىل الحافة‬ ‫نزلت يا الله يا الله يا الله يا الله‬ ‫‪ ..‬من القمقم‪ ..‬من بني الشجر‬ ‫***‬ ‫مل ي َر الكأل‪ ..‬فقط رصخ أنا مع الثورة‬ ‫ماذا يوجد يف دمنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬ ‫كــم مــن الشــعراء!! كــم مــن املغنــن!! هنــاك هذه لحظة الجهر‬ ‫***‬ ‫***‬ ‫***‬ ‫قوائــم‪ ..‬تكــر قوائــم قوائــم قوائــم‬ ‫ال تكن عصياً‪ ..‬دع الجموع تعرب‬ ‫منت عىل سيفي‬ ‫من بني الحكايا‪..‬‬ ‫ومتســك يب هــذه آخــر الجنــة‪ ..‬ومتســك يب‪ ..‬عىل الحواجز واملتاريس‬ ‫ومل أعرف املهالك‬ ‫ترسبت الشفاه‬ ‫أغانيهم األخرية‬ ‫متســك يب‪ ..‬متســك يب‬ ‫من أين تصب‬ ‫يف حضن الفجر كانت حمص ت ُّ‬ ‫وسيقان متعبة ألعشاب تبادلت الصمت‪..‬‬ ‫يا للحناجر!!‬ ‫***‬ ‫ُدك‬ ‫اتـَّكأتُ عىل كاهل غيمة‬ ‫تحت الشمس تحت الشجر‬ ‫انتصب‪:‬‬ ‫ينشق‬ ‫والغيم ُّ‬ ‫وأوغلت يف الصمت‬ ‫تحطم الصنم‬ ‫والتوابيــت ترتاقــص يف األفــق‪ ..‬ارقصــوا ارقصــوا هذا مخدع الحكايا‬ ‫ُ‬ ‫مع فنجان القهوة ال تكن حزيناً‬ ‫وحيث انتظرتك‪ ..‬تبادلنا النظر‬ ‫***‬ ‫أيهــا الشــهداء‬ ‫وال تكن يابساً‬ ‫***‬ ‫أما املارد الذي رشب الحليب‬ ‫***‬ ‫مسحة كف‬ ‫أصبح ناصعا ناصعا ناصعا ناصعا‬ ‫دع الحلم يبيت يف جنبيك‬ ‫تخفيت‪ ..‬وكلام اقرتبوا‪ ..‬تخفيت‬ ‫أيقظتك‬ ‫‪ ....‬حرر الثلج من بني أصابعه‬ ‫والنشيد يغيل‬ ‫ثم خرجت‬ ‫اآلن ماج فيك الرحيق‬ ‫ارفــض االنحنــاء‪ ...‬ارفــض االنحنــاء‪ ..‬ارفــض وتقاتلت األشباح من حوله‬ ‫وخرجت‪ ..‬وأصبحت أخرج كل يوم‬ ‫والصبح‬ ‫وتحرر املارقون‬ ‫االنحنــاء‬ ‫***‬ ‫حقل من هذا؟‬ ‫***‬ ‫***‬ ‫ هل من مارق؟‬‫****‬ ‫متسك‬ ‫ باركــه أيهــا الــرب‪ ..‬ولتعــر الجــرار دارنــا‪ ..‬جال بنا البرص‬‫هيه‪َّ ..‬‬ ‫أين يبيت الصرب‬ ‫يف أرضك واحة‬ ‫ومد جموحه‬ ‫واألباريــق‬ ‫هنالــك بــن النخــل‪ ...‬مــا أكــر ظلــك‪ ..‬مــا أكــر تطري مني النوافذ‬ ‫هناك‪ ..‬حيث الفنت‬ ‫ليعرب الفرح‪ ..‬لتعرب البساتني‬ ‫دعني أغرف منك صباحاً‬ ‫ظلــك‬ ‫تكرث‪ ..‬الحكايا الصغرية‬ ‫***‬ ‫يف ربعك‬ ‫‪ ..‬ما أكرب ظلك‬ ‫والعطىش‬ ‫هذا شاعر خرف‬ ‫تهاوى املدمنون‬ ‫(أنت أطول مام يحتمل الطاغية)‬ ‫***‬ ‫يحمل عصاه‪ ..‬من زمن إىل زمن‬ ‫املدمنون‬ ‫***‬ ‫إنها تربق‬ ‫من زمن إىل زمن‪ ..‬من زمن إىل زمن‬ ‫كفي مخمورة‪ ..‬كفي مالت كفى أيها الحب‬ ‫بني الخامئل‬ ‫يف مكان ما‬ ‫كم سقط من الحليب واألرجل؟‬ ‫حقل من هذا؟‬ ‫بني الخامئل نبتت األرجوحة‬ ‫يتساقط املحبون‬ ‫***‬

‫ليس هناك حد‬

‫وشَــايَـة‪!!..‬‬

‫ناشط ميداني‬ ‫يف نفس الشار ْع‬ ‫يف فعلٍ‬ ‫عفوي ومضار ْع‬ ‫ٍّ‬ ‫طفل راج ْع‬ ‫يتغ ّدى ٌ‬ ‫من فرن العبد املعطي املان ْع‬ ‫شق يف كيس الخبز الجائ ْع‬ ‫من ٍّ‬ ‫يف نفس الشار ْع‬ ‫ٍ‬ ‫يف فعلٍ‬ ‫مكشوف ومضارع‬ ‫يتشاط ُر ختيا ٌر عاب ْر‬ ‫يحيك لآلخر منفعالً‪..‬‬ ‫ومبكرٍ‪ ،‬عن وضع الجام ْع‬ ‫يف نفس الشار ْع‬ ‫يف فعلٍ محزونٍ ومضار ْع‬ ‫ٍ‬ ‫ببيضات ملحاً‬ ‫ُحبْىل‪ ..‬تبتا ُع‬ ‫سألتْها أرمل ُة همساً‪»..... :‬‬

‫تتو ّجه بالوجه ال ّدام ْع‬ ‫تتنه ُد جمرا ً‪ ..‬وتجاوب‪:‬‬ ‫«يو َم استشهاد أبي ْه‬ ‫أكملت الشه َر الراب ْع»‬ ‫ُ‬

‫عدنان الصباح المقداد‬

‫مزدهياً بطقوس النخو ْة‬ ‫يعطي للرشقي بيدوناً‪ ..‬قرض ْة‬ ‫عبّاها يف الوقت الضائ ْع‬

‫يف نفس املطرح والشار ْع‬ ‫يف فعلٍ‬ ‫الفاعل‬ ‫ْ‬ ‫يتغي يف الفعل‬ ‫مشبوب ومضار ْع‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫حل ٌق يقر ُع مغتبطاً‬ ‫تتب ّد ُل ذراتُ املشه ْد‬ ‫ّ‬ ‫أشخاص امل ْنشَ ِط وال ّناش ْط‬ ‫ويعو ُد لعقرب ساع ِته‬ ‫ُ‬ ‫نُصبوا يف فعلٍ ٍ‬ ‫ماض ومامن ْع‬ ‫يتأ ّم ُل يف الوقت الرائ ْع‬ ‫السادس‬ ‫بني الربميل‬ ‫يتصف ُّح وج َه خطيبَته‬ ‫ْ‬ ‫يتــذ ّو ُق مــن خلــف البــاب وجحيم املرفوع الساب ْع!!!‬ ‫ا ملو صــ ْد‬ ‫تحمل يف الصوت الخاش ْع‬ ‫ما ُ‬ ‫يف نفس الشار ْع‬ ‫ٍ‬ ‫يف فعلٍ‬ ‫مبشوش ومضار ْع‬ ‫بيّا ُع املازوت الغريب‬ ‫عبد الرحمن اإلبراهيم‬

‫َز َمنـاً م َن البلـَّ ْو ِر خـُضْ نـَا ُه‪..‬‬ ‫ِيق‬ ‫س البـَر ْ‬ ‫َ‬ ‫فم انـْكـَ َ َ‬ ‫َز َمنـاً َمضَ يـْنـَا ِف انـْ ِطفـَا ِء‬ ‫ال ُّرو ِح‪..‬‬ ‫ِيق‬ ‫ي َـش ْـغ َـل ُـن َـا ال َحر ْ‬ ‫اي‪..‬‬ ‫أن َـا ال أخ ُـون ُـ َك ي َـا ِص َب َ‬ ‫ِيق‬ ‫إنـَّم خ َـا َن الط َّـر ْ‬ ‫َو َ‬ ‫ِيق وش َـايَة ً‬ ‫كا َن الط َّـر ُ‬ ‫لل َبح ْـرِ‪..‬‬ ‫بئ ع َـ ْن َد ِمي‪..‬‬ ‫ي ُـن ْـ ُ‬ ‫اب‬ ‫َو َد ِمي يُع َـب ِّـئ ُـ ُه الغـِ َي ْ‬ ‫َما بَي ْـ َن َما ٍء وان ِته َـا ٍء ص َـا َغ‬ ‫َمه ْـ ِدي‪،‬‬ ‫كنـْ ُت بينـَ ُهمـَا املـُعـَمـَّ َد‬ ‫اب‬ ‫بالتـُّر ْ‬ ‫اصطـَفـَا ُه امل َا ُء‬ ‫كيـْ َف ْ‬

‫ُمـتـَّكأ ًلِحـَيـْ َر ِة َدربـِ ِه‪..‬‬ ‫ِح َني انـْ ِف ِ‬ ‫الت األ ْر ِض‪..‬‬ ‫اب؟‬ ‫ِم ْن َر ِحمِ السـَّ َر ْ‬ ‫يح فَ ْو َق‬ ‫لِ َم أ ْر َسلـَتـْ ِني ال ِّر ُ‬ ‫الغـَيـْمِ ‪..‬‬ ‫اب؟‬ ‫ُ‬ ‫ألتحف الضَّ ب َـ ْ‬ ‫عيناي َ‬ ‫تلك خ َـ ِطيئ َـ ِتاي‪..‬‬ ‫َ‬ ‫َو َما اق ْـت َـ َرف ْـ ُت س َوى‬ ‫الح َـي َـا ْه‬ ‫اي؛‬ ‫أن َـا ملْ أك ُـ ْن أب َـدا ً ِس َو َ‬ ‫الذَّن ْـ ُب ذَن ْـ ُب الن َّـاز ِ​ِح َني‬ ‫اب‬ ‫إل َـى الخ َـ َر ْ‬ ‫لب ِف اك ِت َم ِل‬ ‫َها نَ ْح ُن ن ُـ ْص ُ‬ ‫القـَلـْ ِب‬ ‫فَ ْو َق َسحـَابـَتيـْ ْن‬ ‫ِ‬ ‫اآل َن نـَ ْصعـَ ُد ِف الـْت َم ِع‬

‫ال ُّرو ِح‪..‬‬ ‫نـَقـْ ِط ُف َج ْم َرتـَيـْ ْن‬ ‫نـَ ْرتـَ ُّد مـِ ْن َو َه ٍج إلـَى‬ ‫َو َه ٍج‪..‬‬ ‫فـَنـَسـْقـُط ُ َمـ َّرتيـْنِ‬ ‫فَ َمـ َّرتي ْـ ْن!‬ ‫ي َـا بـِئ ْـ َس َما غ َـن َّـ ْت بِال ٌد‪..‬‬ ‫َو ْه َي ب َـي ْـ َن َمذَل َّـت َـي ْـ ْن!‬ ‫الط ِّي ُبو َن م ِعي‪..‬‬ ‫يُ ِع ُّدو َن امل ِ‬ ‫حيل‬ ‫َواس َم لل َّر ْ‬ ‫فـ ُي َه ِّيئو َن الن َّـه ْـ َر لل َوهْمِ‬ ‫امل ُق َـ َّد ِس‪..‬‬ ‫وان ِك َسار ِ‬ ‫ات ال َّن ِخ ْيل‬ ‫هناك‪ ..‬عىل ِضف ِ‬ ‫وأب َ‬ ‫َاف‬ ‫ِ‬ ‫الهـَ ِّم‪..‬‬ ‫يَغـْز ُِل حـُزنَ َنا‪..‬‬

‫َويُغـَاز ُِل ال ِّرز َْق البَ ِخ ْيل‬ ‫نيل ك ْم ظـَ َ ٍ‬ ‫م لنـَا‪..‬‬ ‫يا ُ‬ ‫يف ضفـَّتَيـْ َك‪..‬‬ ‫وما َ‬ ‫لنيلك م ْن سب ِْيل‬ ‫َصا َر امل َ َدى شـَجـَرا ً بـِل ْونِ‬ ‫الصب ْـرِ‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫ي ُـوق َـ ُد ِم ْن غَضَ ْب‬ ‫ع َـ َّل ال َّـ ِذي ِف األف ْـقِ‬ ‫ه َـا َم ُمـش َـ َّردا ً‬ ‫يَجـِ ُد ال َّدلـِ ْيل!‬

‫*تقى المرسي‬ ‫*شاعرة مصرية‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫رغد‬ ‫نجاة عبد الصمد‬

‫نحيلــة القــ ّد رغــد‪ .‬كالغرفــة التــي‬ ‫صــارت بيتـاً لهــا‪ ،‬وألمهــا‪ ،‬وأخوتهــا الســتة‬ ‫وبيــت خالهــا‪.‬‬ ‫كشــتلة الحبــق النمنــام التــي حملتهــا‬ ‫معهــا إىل املخيــم‪.‬‬ ‫صاحــت بهــا أمهــا‪ :‬ال مــكان للشــتلة‬ ‫معنــا‪ .‬دعيهــا‪.‬‬ ‫مل تــر ّد (بتمــوت بغيابنــا ميّــا‪ )...‬حملتهــا‬ ‫ٍ‬ ‫بيــد واحــدة‪ ،‬وبالثانيــة كيــس أغراضهــا‬ ‫الــذي مل تثقلــه األلعــاب‪.‬‬ ‫مل متشّ ط شعرها اليوم‪ .‬كانت حزينة‪.‬‬ ‫فاحـ ٌم شــع ُرها‪ ،‬و‪ -‬مثلهــا ‪ -‬حزيــن‪ .‬يــداين‬ ‫كتفهــا وال يغطّــي خرصهــاـ خرصهــا‬ ‫املخمــوص كعنــق ســاعة رمليــة‪.‬‬ ‫باستثناء عينيها كل ما فيها صغري‪.‬‬ ‫قالت لها أمها‪ :‬سيأتينا ضيوف‪.‬‬ ‫رشدت قبــل أن تختفــي خلــف الســتارة‪،‬‬ ‫تلبــس بأنــا ٍة احتياطيّهــا الكامــل مــن‬ ‫هنــدام االســتقبال‪ :‬بيجامتهــا الزرقــاء‬ ‫الجديــدة‪ ،‬وقرطهــا األصفــر املشنشــل‪،‬‬ ‫وشــحاطة أختهــا‪ .‬بعدهــا تــروح إىل‬ ‫زاويــة الغرفــة تغمــس يديهــا يف وريقــات‬ ‫الحبــق‪ ،‬وتعــود لتصافحنــا بنديّــة‪.‬‬ ‫يدهــا بــاردة‪ ،‬وعيناهــا الجوزيتــان‬ ‫رع للوســاوس‪.‬‬ ‫مربِكتــان كحلــم ُمــ َ‬ ‫لهــا لــون الحصــرة البن ّيــة عــى أرضيــة‬ ‫الغرفــة‪ .‬وفيهــا عشــق املضــارب‬

‫املحمــوم‪ .‬مضــارب رمبــا يف حيــاة مــا‬ ‫ســابقة كانــت دنياهــا كلهــا‪.‬‬ ‫جلست أمامنا تح ّدق فينا وترسح‪.‬‬ ‫ص ّورتْهــا الصب ّيــة الضيفــة مــن عنــارص‬ ‫اإلغاثــة‪ .‬مل تعــرض‪ .‬كانــت قــد اتخــذت‬ ‫وضعيتهــا قبالــة الضــوء الخاطــف‪.‬‬ ‫مل تحــرك ســاكناً‪ .‬بالــكاد همســت‬ ‫للصبيّــة‪ :‬ســلميني الهاتــف املحمــول‬ ‫شــويّة‪ .‬سأملســه فقــط‪ .‬مــا راح أخربــه‪.‬‬ ‫صورينــي وهــو بإيــدي وأرجعلــك ايــاه‬ ‫عــى طــول‪.‬‬ ‫خجلَت أ ُّمها‪.‬‬ ‫من أين للبن ّية بهذه األفكار؟!‬ ‫(كنــا يف بيتنــا نجلــس إىل طبقنــا الوحيــد‬ ‫عــى األرض نــأكل منــه جميعــاً‪ .‬تقــوم‬ ‫رغــد إىل املطبــخ وتــأيت بصحــنٍ مــن طقــمٍ‬ ‫ال أســتخدمه إال حــن يأتينــا ضيــوف‪،‬‬ ‫وبشــوكة وســكني‪ ،‬تســكب لنفســها‪،‬‬ ‫تقســم لقيامتهــا‪ ،‬متضــغ بشــهية وال‬ ‫تلتفــت إىل الــرر يف عينــي أبيهــا‪.‬‬ ‫أجلــب بــذور البطيــخ املحمصــة ألوالدي‪.‬‬ ‫تأخــذ رغــد حصتهــا‪ ،‬تفصفصهــا عــى‬ ‫مهــل وتضعهــا يف الصحــن قبــل أن تبــدأ‬ ‫باصطيــاد كل بــذرة بالشــوكة‪ ،‬تدنيهــا‬ ‫إىل فمهــا‪ ،‬ومتســح طــرف شــفتيها اللتــن‬ ‫مل يعلــق بهــا أث ـ ٌر مــن طعــام‪ .‬ال متـ ّـل‪.‬‬ ‫معذبيتنــي واللــه!‬ ‫والدهــا ليــس معنــا اليــوم لتخشــاه‪ .‬غيّبــه‬ ‫األمــن منــذ شــهور‪ .‬منــذ أن آوى «الثـ ّوار»‬ ‫يف بيتنــا‪ .‬ال نعــرف عنــه خـرا ً‪.‬‬ ‫رصنــا هنــا الجئــن‪ .‬ال تعــر رغــد عــى‬ ‫صحــن يخصهــا وحدهــا‪ ،‬وال تعــر عــى‬ ‫أبيهــا‪ .‬صــار حزنهــا حزنــن‪ .‬مل تعــد تــأكل)‬

‫قصة قصرية‪:‬‬ ‫اقرتبــت الزيــارة واملــاء بــن أحيــاء املدينــة‬ ‫قســمة ليــل أو نهــار فنهــار أو ليــل‪ ،‬واإلنــارة‬ ‫قســمة ليــل وليــل‪ ،‬الوقــود‪ ،‬الطحــن مناصفــة‪.‬‬ ‫تقــرب الزيــارة املــاء ســاعة مــن ليــل أو نهــار‬ ‫يــروي أحيــاء املدينــة‪ ،‬واإلنــارة ســاعة مــن ليــل‪.‬‬ ‫دنــت الزيــارة‪ ،‬املــاء بــه تُســقى أحيــاء مدينتهم‬ ‫ســاعة مــن أســبوع وتضــاء من األســبوع ســاعة‪.‬‬ ‫يف انتظــار الزيــارة هــم‪ ،‬مــن الشــهر ســاعة‬ ‫تــرب املدينــة وتلمــع أنوارهــا ســاعة‪.‬‬ ‫املدينــة ُصبغــت تغتســل تتعطــر وتحتشــد‬ ‫ناظــرة صــوب الســاء إىل املطــار الجديــد‬ ‫تهــرول بغتــة تغــر اتجاههــا إىل املينــاء بعــد‬ ‫شــائعة تقــول الزعيــم ســركب البحــر‪ ،‬بعدهــا‬ ‫تحــط الجمــوع حــول املــرىس بعــد أن ســمعوا‬ ‫أن النهــر ســيحمل الزعيــم‪.‬‬ ‫قال قائل‪:‬‬ ‫«برا ً سيأيت الزعيم»‬ ‫فتوزعــت املدينــة عــى الطرقــات قبــل أن‬ ‫يتحولــوا ثانيــة ويكــون املطــار هدفهــم عــى‬ ‫رؤيــة تســاقط العصافــر والفراشــات‪.‬‬ ‫تعــود املدينــة ليـاً إىل مســاكنها حزينــة دامعــة‬ ‫فلــم يطــل الزعيــم‪.‬‬ ‫يف اليــوم الخامــس واملدينــة منقســمة بــن‬ ‫املينــاء‪ ،‬املــرىس‪ ،‬املطــار‪ ،‬الطــرق‪ .‬ســمعوا‬

‫قصة قصرية‪:‬‬

‫زنبيل الزعيم‬

‫غريب الدار‬ ‫الرقة ‪ -‬إدلب‬ ‫إبراهيم العلوش‬ ‫بعــد تحريــر الرقــة يف آذار ‪2013‬م ع ّمــت الفرحــة أهــايل الرقــة‪،‬‬ ‫وكل املــدن الســورية‪ ،‬وعاشــت الرقــة فرحتهــا وربيعهــا‪ ،‬ورغــم‬ ‫النواقــص الكثــرة‪ ،‬فقــد صــدر فيهــا خــال ســتة أشــهر صحفــاً‬ ‫ومجــات‪ ،‬أكــر مــن كل الصحــف التــي أصدرهــا نظــام البعــث‬ ‫خــال نصــف قــرن‪ ،‬و ُعقــدت فيهــا مناقشــات حــرة ومفتوحــة‪،‬‬ ‫وتفــاءل النــاس كثــرا ً رغــم قصــف النظــام الوحــي لهــا‪ ،‬ورغــم‬ ‫الحصــار الــذي فــرض عليهــا‪...‬‬ ‫لكــن الرقــة صحــت يومـاً لتجد أربــاب التكفــر يتوســعون‪ ،‬وينرشون‬ ‫الحقــد‪ ،‬واالنتقــام‪ ،‬ويبــرون بغلبتهــم‪ ،‬وبإرغامهــم للنــاس عــى‬ ‫الخضــوع‪ ،‬بحجــة أنهــم كانــوا خاضعــن ســابقاً للمســتبد الكافــر‪ ،‬وال‬ ‫يهمهــم رضــا النــاس‪ ،‬وال اختياراتهــم‪ ،‬وال حتــى كفاءاتهــم وخرباتهــم‪،‬‬ ‫وهكــذا أفرغــوا املدينــة مــن أهلهــا‪ ،‬واســتقدموا كل أفّــاق أثيــم‪،‬‬ ‫وكل مطلــوب جنــايئ يف العــامل‪ ،‬لتحطيــم كرامــة النــاس‪ ،‬ونهــب‬ ‫بيوتهــم وأثاثهــم وأموالهــم التــي قضــوا أعامرهــم بتحصيلهــا‪ ،‬وقامــوا‬ ‫باالعتــداء عليهــم‪ ،‬وتحقــر نســائهم‪ ،‬بحجــة أن كل مــن ال يبايعهــم‪،‬‬ ‫فهــو مرتــد أو كافــر‪ ،‬واحتكــروا الديــن وتفســر الديــن‪ ،‬واســتخدموه‬ ‫مــن أجــل تفريــغ أحقادهــم املراهقــة‪ ،‬والتــي تقــارب الجنــون‪...‬‬ ‫والديــن منهــم ومــن أحقادهــم ب ـراء‪.‬‬ ‫أهــل إدلــب اليــوم يعيشــون لحظــات الحريــة التــي تذوقناهــا يف‬ ‫الرقــة قبــل عامــن‪ ،‬ونأمــل أال يجــدوا أنفســهم إال رابحــن وغــر‬ ‫ُمســتلبني‪ ،‬وأال يعيــدوا نهايــة التجربــة الســوداء التــي انتهــت إليهــا‬ ‫الرقــة‪..‬‬ ‫مــروك إلدلــب تحريرهــا مــن بــن أيــادي االحتــال اإليـراين وأعوانــه‪،‬‬ ‫ونتمنــى أن تبــدأ مؤسســات الثــورة التواجــد يف إدلــب‪ ،‬وفــرض‬ ‫دولــة القانــون‪ ،‬ومنــع الفــوىض‪ ،‬ووضــع األســس الالزمــة لبنــاء ســورة‬ ‫الحريــة والكرامــة‪ ،‬والتــي تقبــل الســوريني‪ ،‬كل الســوريني بــن‬ ‫جنباتهــا‪.‬‬

‫نــداءات»‬ ‫«إىل الزعيم‪ ..‬إىل الزعيم»‬ ‫فمن نفق أنشئ رسا ً جاء الزعيم‪.‬‬ ‫يف الجموع وقف كبري وزرائه يخاطبهم‪:‬‬ ‫«لكــم مــا ســألتم فالزعيــم جرابــه ممتلــئ‬ ‫جعبتــه عامــرة زنبيلــه بالخــر يفيــض‪».‬‬ ‫ـ املاء‪ ...‬املاء‬ ‫قالت املدينة‪.‬‬ ‫وأجابهم الزعيم‪:‬‬ ‫ـ مــن األســبوع ســاعة املــاء يجــري يف عــروق‬ ‫املدينــة‪.‬‬ ‫ـ الظالم‪ ...‬الظالم‬ ‫أمر الزعيم‪:‬‬ ‫ـ ميحو ظالم املدينة من اليوم ساعة‪.‬‬ ‫هللت املدينة‪ ...‬صفقت‪ ...‬هتفت وسألت‪:‬‬ ‫ـ الوقود‪ ...‬الوقود‪.‬‬ ‫بعــد كلــات مــن الزعيــم تهلــل تصفــق تهتــف‬ ‫مــن جديــد تســأل‪:‬‬ ‫ـ الدواء‪ ...‬الدواء‪.‬‬ ‫قبيــل أن يختتــم زيارتــه‪ ،‬بــكل مــا هــم مقــدس‬ ‫أقســمت املدينــة وتوســلت لزعيمهــا أن يكــون‬ ‫معهــا العــام القــادم‪.‬‬ ‫قبــل ان ـرام العــام جمــع الزعيــم خ ـراءه‪،‬‬ ‫كبــار وزراءه وعلــاءه لإلجابــة عــى ســؤال‪:‬‬ ‫«ماذا نقدم لتلك املدينة؟‪».‬‬

‫استهل الزعيم االجتامع‪ ...‬يسألهم‪:‬‬ ‫ـ ما هو أغىل ما ميلك إنسان؟‪.‬‬ ‫بلسان رجل واحد ردد الجمع‪:‬‬ ‫ـ العني‪.‬‬ ‫بضحكة مل يبدها الزعيم ضحك‪.‬‬ ‫يف اليــوم التــايل عــى مكتبــه وضعــت خطــة‬ ‫العمــل قــرأ فيهــا‪:‬‬ ‫«قبــل أو مــع كل مســاء يــرش بعــوض املدينــة‬ ‫ويخلــط الدخــان بتلــك املــادة املســببة لعمــى‬ ‫مؤقــت ال يزيــد عــن ليــل واحــد و نهــار تعــود‬ ‫بعــده الرؤيــة‪ ،‬يســتمر نفــث الدخــان ليتوقــف‬ ‫يــوم زيــارة الزعيــم‪ ،‬يف زيــارة الزعيــم يحمــل‬ ‫معــه أقــراص هــي خليــط مــن كل أو بعــض‬ ‫الــردة‪ ،‬العســل‪ ،‬الدقيــق‪ ،‬الزعــر‪ ,‬أو أي‬ ‫مكونــات أخــرى‪.‬‬ ‫إىل اجتــاع آخــر التــأم ثانيــة شــمل كل‬ ‫مستشــاريه‪ ،‬كــرر ســؤاله‪:‬‬ ‫ـ ما هو أغىل ما ميلك إنسان؟‪.‬‬ ‫مبقولة رجل واحد رددوا‪:‬‬ ‫ـ العني‪.‬‬ ‫بضحكة أبداها ضحك‪ ،‬وقهقه يقول‪:‬‬ ‫ـ العــن‪ ،‬أليــس هنــاك مــا هــو أغــى مــن‬ ‫العــن؟‪.‬‬ ‫حائرون رددوا‪:‬‬ ‫ـ مــا هــو أغــى مــن العــن!! مــا هــو أغــى مــن‬

‫العني!!‬ ‫وصعــق‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫منه‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫أغ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫مب‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫الزعي‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫إليه‬ ‫أرس‬ ‫ُ‬ ‫الجمــع‪ ...‬تركهــم الزعيــم حتــى يفيقــوا مــن‬ ‫ذهولهــم‪ .‬بعدهــا قــال‪:‬‬ ‫ـ خطــة العمــل وضعــت مل يتبــق غــر التعديــل‬ ‫الطفيف‪.‬‬ ‫أدرك الجمــع أن تلــك الفكــرة حتـاً مــن بنــات‬ ‫أفــكار إبليــس املدينــة لكنهــم أثنــوا عــى‬ ‫عبقريــة الزعيــم وخيالــه الالمحــدود‪.‬‬ ‫الحــت طائــرة الزعيــم مــع هبوطهــا حملتهــا‬ ‫أذرع املدينــة‪ ،‬برفــق حثيــث حــازم أبعدتهــم‬ ‫أيــدي األمــن والحـراس‪ ،‬ترجــل الزعيــم وامتطى‬ ‫فرســه‪ ،‬يف امليــدان الكبــر صــاح كبــر وزرائــه‪:‬‬ ‫ـ لكــم مــا ســألتم فالزعيــم جرابــه ممتلــئ‪،‬‬ ‫جعبتــه عامــرة‪ ،‬زنبيلــه بالخــر يفيــض‪.‬‬ ‫توجه الزعيم نحو الرجال يسأل‪:‬‬ ‫ـ لكم ما سألتم‪.‬‬ ‫مل يجــن ســوى الصمــت فالرجــال دلوا رؤوســهم‬ ‫أنظارهــم تخرتق األرض‪.‬‬ ‫فاستدار الزعيم صوب النساء يكلمهن‪:‬‬ ‫ـ لكم ما سألنت‪.‬‬ ‫الصمــت جوابهــن أنظارهــن تــدور حولهــن كل‬ ‫امــرأة تنظــر لجارتهــا‪.‬‬ ‫توجه نحو األطفال يداعبهم‪:‬‬ ‫ـ ماذا تريدون؟‪.‬‬

‫تطلــع الرجــل الحائــر لألفــق‬ ‫األرجــواين وراح يــودع الشــمس‬ ‫الغاربــة‪ ،‬كانــت أجنحــة الطيــور تتقلَّـــب يف‬ ‫الفضــاء‪ ،‬مخالبهــا مقوســة ومناقريهــا حــا َّدة‬ ‫وأعينهــا صقريــة‪ ،‬وهــي تحــوم يف العلـــو‬ ‫الشــاهق ببـــطء ويف دوائـــر متقاطعــة‪ ..‬مل يكن‬ ‫إدراكــه قاطـــعاً بأنهــا جارحــة‪ ،..‬لكــن الرجــل‬ ‫الحائــر ســـأل نفســه‪ :‬إيل أي الطــرق ميــي؟‬ ‫طــرق الســامة أم طــرق الندامــة أم طــرق‬ ‫الذيــن يذهبــون بــا عــودة؟‬ ‫مل يكن مثة دليل‪ ،‬أين الدليل؟‪.‬‬

‫انتبــه للصنــدوق ومــى صوبــه‪ ،‬مــال عــي‬ ‫حافتــه وأخــرج شــيئاً‪:‬‬ ‫كان قدمـاً بحــذاء ضخــم أســود‪ ..‬وأخــرج قدمـاً‬ ‫أخــرى مشــابهة‪.‬‬ ‫أخــرج ساعـــدا ً تضــوي عليــه نجوم ونياشـــن ثم‬ ‫آخـر‪.‬‬ ‫أخــرج بطنــاً يــرز لــه كــرش‪ ،‬وصــدرا ً بســرة‬ ‫ذات أزرار المعــة‪ ،‬ونطاقــاً جلديــاً عريضــاً‪.‬‬ ‫أخــرج رأســاً كرويــاً ضخــاً منتفــخ األوداج؛‬ ‫رأســا يعلـــوه «كاب أمــري» يلمــع عــي‬ ‫ً‬ ‫مقدمتــه طـــر جــارح‪ ،‬تذكــر أنــه رأى مثيلــه بني‬

‫الطيــور املحلقــة يف الفضــاء أمامــه‪.‬‬ ‫كان يكتــم أنفـــه ويحــول بينــه وبــن رائحــة‬ ‫العفـــن القـــديم وهـــو يحــاول تجميــع األجـزاء‬ ‫ورصهــا بحــرص شـــديد‪ ،‬مييــل عليهــا‪ ،‬يرتبهــا يف‬ ‫ّ‬ ‫مواضعهــا الطبيعيــة األصليــة‪.‬‬ ‫انتفضت‪،‬‬ ‫ـت‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫إذ باألعضــاء املنفصلــة وقـــد التأمـ ْ‬ ‫ـت جرم ـاً ضخ ـاً منتشــياً‪ ،‬وقــف الجـــرم‬ ‫تخلقـ ْ‬ ‫دب قـــدمه يف األرض‪ ،‬رصخ يف الرجــل‬ ‫أمامــه‪َّ ،‬‬ ‫الحائــر‪ ،‬أشــار بأناملــه وأمــره بالســر‪ ،‬ازدادتْ‬ ‫حـــرة الرجـــل وهـــو ميــي صامـــتاً عــى أحـــد‬ ‫الطـرق‪.‬‬

‫الغــروب‬

‫الرجــل الواقــف عنــد مفــرق الطــرق كان حائرا ً‬ ‫ومتســائالً‪ ،‬الطــرق تتقاطــع ومتتــد موغلــة عــي‬ ‫مــدد البــر حتــى تتــاىش كال ـراب‪ ،‬يتلفــت‬ ‫باحثًــا عــن عالمــة تُرشــد‪ ،‬أو رمــز يُحـــدد‪ ..‬دون‬ ‫جــدوى‪ ،‬إيل أي الطــرق ميــي؟ الطــرق‪ ،‬ألول‬ ‫ـت‬ ‫وهلــة‪ ،‬تبـــدو متشــابهة‪ ،‬يريــن عليهــا صمـ ٌ‬ ‫بــا حـــدود‪ ،‬مثــة صنــدوق مبركزهــا ونقطــة‬ ‫تالقيهــا‪ ،‬كان مهمــاً وقميئــاً‪ ،‬الذبابــات تطــن‬ ‫بإلحــاح‪.‬‬ ‫حولــه‬

‫ترتكنــا رغــد يف الغرفــة‪ .‬تحمــل شــتلة‬ ‫وتنســل صــوب ســيارتنا‪ .‬تتأمــل‬ ‫ّ‬ ‫الحبــق‬ ‫الســيارة بوجــل وبرفــق وبحنــن‪ .‬تــري‬ ‫ي ُدهــا عــى حديدهــا تتل ّمســه بحــذر‬ ‫ِ‬ ‫املستكشــف‪ .‬تفتــح بابهــا الخلفــي‪ ،‬تنظــر‬ ‫متســده بحنــانٍ قبــل‬ ‫إىل املقعــد الجلـ ّ‬ ‫ـدي‪ّ ،‬‬ ‫أن ترخــي عليــه مقعدهــا الصغــر‪ ،‬ترفــع‬ ‫انهدلــت عــى جبينهــا‬ ‫خصلــة شــعر‬ ‫ْ‬ ‫البــض‪ .‬وكــا ترمــق نجمــ ٌة هوليوديــة‬ ‫ّ‬ ‫عدســات التصويــر؛ متنحنــا رغــد طــرف‬ ‫عينهــا قبــل أن تغمضهــا وتحلــم‪ ...‬ال‬ ‫تــدري مبــاذا تحلــم‪ ...‬حــن يســتوي الحلم‬ ‫تفتحهــا‪ ،‬تركــن الشــتلة أمــام املقعــد‬ ‫وتخــرج‪ .‬تغلــق البــاب خلفهــا بأناقــة‬ ‫مثلــا فتحتــه!‬ ‫تقــول لنــا‪ :‬اســقوها كل يــوم‪ ...‬ال‬ ‫تنســو ها !‬ ‫يف صحيفــة رغــد ســنوات ثــاث‪ .‬مل تكمــل‬ ‫الرابعــة بعــد‪ .‬صحيف ـ ٌة صغــر ُة مل تزيّ ْنهــا‬ ‫روضـ ُة األطفــال وهجــاء الحــروف ورســم‬ ‫األرنــب الــذي يبــدأ بحــرف األلــف‪،‬‬ ‫وتشــكيل الفراشــات باملعجــون امللــون‪،‬‬ ‫ونجمــة أو اثنتــن تطبعهــا املعلمــة عــى‬ ‫دفرتهــا األول‪...‬‬ ‫لكنها موشومة بحبها األول!‬ ‫ســيف‪ ...‬عاشــقها الناضــج‪ .‬ابــن خالهــا‬ ‫الــذي يســبقها رصي ـ ُد صحيفتــه بســنتني‪.‬‬ ‫ســيف مل يعــد هنــا‪ .‬ســحبتْه قذيفـ ٌة عــن‬ ‫هــذي البســيطة الفســيحة كلهــا منــذ‬ ‫أســبوعني‪ ،‬فصــارت أحــزان رغــد ثالثــةً‪،‬‬ ‫قبــل حزنهــا الرابــع‪ :‬املنفــى الجديــد!‬ ‫قبــل نزوحهــم‪ ،‬وقبــل أن يســافر ســيف‬ ‫إىل الغيــوم‪ ،‬ترافقــا إىل عــرس قريبهــم‪.‬‬

‫كثــرون أقاربهــم‪ ،‬لكنهــم بــدؤوا‬ ‫يتناقصــون‪.‬‬ ‫يف ســاحة العــرس يف ذلــك اليــوم ظــاّ‬ ‫يرقصــان مع ـاً طوي ـاً طوي ـاً‪ ...‬مل ينتبهــا‬ ‫إىل انفضــاض الدبّيكــة مــن الســاحة حــن‬ ‫داهمهــم نبــأ استشــهاد أخ العريــس‪ ،‬ثـ ّم‬ ‫انقطــاع الكهربــاء بعــد ذلــك بقليــل‪.‬‬ ‫صــن‬ ‫خلــت الســاحة إالّ مــن الرا ِق ْ‬ ‫الصغرييــن‪ .‬مل يلحظهــا أحــد‪ .‬ومل يلحظــا‬ ‫أحــدا ً‪ ،‬ومل يســمعا النبــأ ومل تصــل إليهــا‬ ‫العتمــة‪.‬‬ ‫ســيف ميســك بيدهــا‪ ،‬يســند خرصهــا‪.‬‬ ‫يدلّعهــا «آه يــا رغيــده‪ »...‬يتابــع تعليمهــا‬ ‫خبطــة القــدم بعــد شــقلة الخــر‪:‬‬ ‫ رغيــده!‪ ..‬ارقــي هيــش (هكــذا)‪...‬‬‫رغيــده‪ ...‬دقــي إجــرش (رجلــك)!‪ ...‬ياللــه‬ ‫رغيــده ياللــه‪ ...‬ياللــه‪ ...‬مــن األول‪...‬‬ ‫عــى األرض يف ســاحة العــرس دقّيهــا!‬ ‫بخبطــة داويــة دقيّهــا‪ ...‬دعيهــا تُفــزع‬ ‫هــوام هــذي األرض وديدانهــا الالطيــة‪...‬‬ ‫يف رحلــة النــزوح دقيهــا‪ .‬لتوقــظ‪ ،‬عــى‬ ‫وقــع الخطــى‪ ،‬هــذي الوجــوه الصفــر‬ ‫الالطيــة ‪ -‬هــي األخــرى ‪ -‬خلــف شــبابيك‬ ‫صمتهــا وخوفهــا‪...‬‬ ‫وعــودي ودقيهــا هنــا يف مخيمــك‬ ‫الجديــد‪ ،‬ل ّعــل املخ ّيمــن ال يســأمون‬ ‫مــن اجــرار حكاياهــم‪ ،‬وال ميلــون مــن‬ ‫انتظــار معتقليهــم‪ ،‬وال يكفــون عــن حلــم‬ ‫العــودة إىل مصطبــة البيــت‪...‬‬ ‫دقيهــا بعــزم ليســمع ســيف مــن فــوق‬ ‫الغيــوم ويفــرح بأمثــار دروســه ويطبــع‬ ‫لنفســه نجمــة يف دفــره ‪ -‬أ ّول دفــر ‪ -‬كان‬ ‫ســيقتنيه يف أيلــول‪ /‬ســبتمرب القــادم‪...‬‬

‫‪13‬‬

‫وحيــث هذبــت املدينــة أطفالهــا فــكان‬ ‫جوابهــم الشــكر أعقبــه الصمــت‪.‬‬ ‫أمــر الزعيــم لهــم بال ُدمــى‪ ،‬يســألهم ثانيــة‬ ‫متشــاغالً بهــم ميلــئ الوقــت غــر املعلــن‬ ‫املمنــوح للنســاء فالنســاء تفهــم النســاء‬ ‫وبالنظـرات تحــاورن واتفقــن أن حمــل الحيــاء‬ ‫قطعــاً تنــوء بــه واحــدة‪ ،‬فقطعــن حديــث‬ ‫الزعيــم مــع األطفــال بهديرهــن‪:‬‬ ‫ـ رجالنا يا زعيم‪ ...‬رجالنا يا زعيم‪.‬‬ ‫التفت إليهن الزعيم فكررن‪:‬‬ ‫ـ البعول‪ ...‬البعول‪.‬‬ ‫مــن حقائبهــن أخرجــن بيــارق منكســة‬ ‫ووضعنهــا أمامهــن‪ ،‬التقــط الزعيــم اإلشــارة‬ ‫فأشــار فأحــر الزنبيــل‪ ،‬أمــر لــكل بعــل بقرص‪.‬‬ ‫قبــل أن يختتــم الزيــارة بــكل مــا هــو مقــدس‬ ‫أقســمت املدينــة وتوســلت لزعيمهــا أن يبيــت‬ ‫ليلتــه‪.‬‬ ‫أســف وفــرح الزعيــم عــى املوافقــة فلــم‬ ‫تكــن جفونــه تلتصــق حتــى انفرجــت وظلــت‬ ‫منفرجــة طــوال الليــل لزغاريــد بــدأت منفصلــة‬ ‫فمتصلــة‪.‬‬

‫* هشام عبدالصمد‬ ‫* كاتب مصري‬

‫ظــل الرجــل الــذي ازدادتْ حريتــه ميضـــي‬ ‫وميضـــي ويســر ويبتعـــد عــي الطـــريق‪.‬‬ ‫قبل أن يغيـــب عن البصـــر ويتالىش كالســراب‪،‬‬ ‫انقضــت عليــه الطيـــور الجارحــة تهاجمـــه‬ ‫ْ‬ ‫بعـــنف‪ ،‬تنهشــه بالهــوادة‪ ،‬وعندمــا ســقط‬ ‫مفـــزعاً ومرضجـاً يف الدمــاء‪ ،‬كان قرص الشــمس‬ ‫وهبطــت عليــه الظلمــة مــن بعيـــد‬ ‫يغيــب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫تلفــه وتـــدثره بعباءتهــا الســـوداء‪.‬‬ ‫وكان الجـــرم الضخــم مــا زال يقهقــه ضاحــكاً‪،‬‬ ‫والصــدى األجــوف يــردد يف جنبـــات الكـــون‪.‬‬

‫محمد عبد اهلل الهادي ‪ -‬كاتب مصري‬


‫‪14‬‬ ‫مفاهي��م رقمي��ة جدي��دة يف العل��م والثقاف��ة‪ ..‬كي��ف نس��تفيد منه��ا؟‬ ‫حرمل الثقافة‬

‫تدخــل اإلنســانية طــورا ً جديــدا ً مــن‬ ‫التبــادل العلمــي والثقــايف وعلينــا نحــن‬ ‫العــرب أن نفهــم العــر الجديــد وأال نبقــى‬ ‫متمرتســن يف غياهــب املــايض التليــد!‬ ‫لنبــدأ ببعــض التفاصيــل الصغــرة‪ ،‬رغــم‬ ‫أنهــا ليســت صغــرة باملـ ّرة! مــا هــي كم ّيــة‬ ‫املعلومــات التــي يقـ ّدر أنهــا تتوافــر للبــر‬ ‫اآلن؟ إذا ُو ِض َعــت هــذه املعلومــات عــى‬ ‫أســطوانات رقميّــة مد َم َجــة «يس دي»‪،‬‬ ‫ثــم ُج ِعلَــت يف صفــوف مرتاصــة‪ ،‬لصنعــت‬ ‫األســطوانات امل ُد َم َجــة خمســة طــرق بــن‬ ‫األرض والقمــر‪ ،‬مــع مالحظــة أن املســافة‬ ‫بــن األرض والقمــر هــي قرابــة ‪ 384.4‬ألــف‬ ‫كيلومــر‪ ،‬مــا يعنــي أن معلومــات البــر‬ ‫تســاوي قرابــة ‪ 1.9‬مليــون كيلومــر مــن‬ ‫األســطوانات الرقميــة امل ُد َم َجــة‪ .‬لنلجــأ إىل‬ ‫حصــة‬ ‫حيلــة أخــرى‪ .‬كــم يبلــغ متوســط ّ‬ ‫الفــرد مــن هــذه املعلومــات؟ عندمــا‬ ‫كانــت «مكتبــة اإلســكندرية» هــي مخــزن‬ ‫معلومــات البــر‪ ،‬بــل املــكان الــذي كان‬ ‫أســطورة يف ضخامــة مــا يحتويــه مــن‬ ‫املعلومــات املؤرشــفة يف وثائــق مكتوبــة‪ ،‬مل‬ ‫يكــن مــا تحتويــه يزيــد عــن ‪« 1200‬إك ـزا‬ ‫بايــت» ‪ ،Exabyte‬مــع مالحظــة أن كل‬ ‫«إكزابايــت» تســاوي بليــون غيغابايــت‪.‬‬ ‫لنعــد إىل الفــرد العــادي يف القــرن الـــ‪.21‬‬ ‫حصتــه مــن املعلومــات؟ إنهــا‬ ‫مــا هــي ّ‬ ‫‪« 320‬مكتبــة إســكندرية» يف عـ ّز ازدهارهــا‬ ‫وذروة تألّقهــا أيــام الرومــان‪ .‬لــو ُوزّعــت‬ ‫املعلومــات عــى البــر‪ ،‬لنــال كل شــخص‬ ‫يعيــش اآلن أكــر مــا احتوتــه «مكتبــة‬ ‫اإلســكندريّة» عندمــا كانــت معقـاً ومخزنـاً‬ ‫للفكــر البــري‪ ،‬مبــا يزيــد عــن ‪ 320‬ضعفـاً‪.‬‬ ‫لنتابــع مــع لعبــة األرقــام قلي ـاً‪ .‬مــن املثــر‬ ‫أيض ـاً أن كث ـرا ً مــن هــذه املعلومــات بــات‬ ‫مكتوبــاً بلغــة واحــدة‪ :‬لغــة الكومبيوتــر‪.‬‬ ‫بقــول آخــر‪ ،‬يتوافــر قســم كبــر مــن هــذه‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫املعلومــات عــى هيئــة ملفــات إلكرتونيّــة‬ ‫رقم ّيــة مكتوبــة عــى الكومبيوتــر‪ ،‬تشــمل‬ ‫الكتــب والنصــوص والجرائــد واملجــات‬ ‫واملنشــورات والدراســات والصــور والخرائــط‬ ‫والرســومات واألفــام واألغــاين واملوســيقى‬ ‫والرســائل ومــا يكتــب يومي ـاً عــى مواقــع‬ ‫شــبكات التواصــل االجتامعــي ورســائل‬ ‫الخليــوي‪ .‬بــات كل يشء يكتــب ويوضــع‬ ‫عــى الكومبيوتــر‪ ،‬فيصبــح جــزءا ً مــن ملفات‬ ‫رقميّــة مكتوبــة بلغــة اإللكرتونــات التــي‬ ‫تتألــف مــن عدديــن هــا صفــر وواحــد!‬ ‫لنتأ ّمــل ثانيــة‪ .‬صــارت كل املعلومــات قابلــة‬ ‫ألن توصــف وتخــ ّزن وتُص ّنــف وتبحــث‬ ‫وترصــف‪ ،‬عــر أداة واحدة هــي اإللكرتونات‬ ‫وملفاتهــا الرقميّــة‪ .‬يطلَــق عــى هــذا األمــر‬ ‫تســمية «الرق َم َنــة» ‪ ،Digitization‬وهــي‬ ‫مــن املالمــح األبــرز لزمــن البيانــات الكبــرة‪.‬‬ ‫مل تعــش البرشيــة شــيئاً كهــذا مــن قبــل‪،‬‬ ‫وهــو أمــر يجــدر تذكّــره كثـرا ً عنــد التفكــر‬ ‫يف البُعــد املختلــف ملســألة البيانــات الكبــرة‬ ‫يف عــر املعلوماتيــة‪.‬‬ ‫أزمان بال قداسة!‬ ‫إذا ً‪ ،‬مــا هــي الخالصــة التــي ينصحنــا بهــا‬ ‫علــاء عــوامل املعلوماتيــة وتق ّدمهــا‪ ،‬عــى‬ ‫غــرار مــا ورد يف كتــاب صــدر أخــرا ً يف‬ ‫أمــركا بعنــوان «البيانــات الكبــرة‪ :‬ثــورة‬ ‫تغــر طريقــة عيشــنا وعملنــا وتفكرينــا»‬ ‫ّ‬ ‫‪Big Data: A revolution that would‬‬ ‫& ‪Change the Way we Live, Work‬‬ ‫‪ Think‬للربوفســور كينيــث كروكــر؟ مــا هــو‬ ‫الــيء الــذي يــرون أن الفكــر البــري اآلن‬ ‫يكســبه مــن االنتقــال إىل «عــر البيانــات‬ ‫الكبــرة»‪ ،‬مبعنــى مــا هــو األثــر املســتفاد‬ ‫مــن هــذا التدفّــق الهائــل يف املعلومــات؟ ال‬ ‫تتــرع يف اإلجابــة‪ ،‬ألنهــا رمبــا تحمــل كثـرا ً‬ ‫مــن الصدمــة‪ .‬مثــة ثالثــة مســارات أساســية‬ ‫(مهــارات‪ ،‬طــرق يف التفكــر‪ ،‬أســاليب يف‬

‫ينتمــي أغلــب تركــان الرقــة إىل قبيلــة بجــديل أو بيــديل األوغوزيــة نســبة‬ ‫إىل جدهــم بجــدال بــن يلــدز بــن أوغــور خــان واألخــر هــو مؤســس‬ ‫اإلمرباطوريــة األوغوزيــة (‪ 200‬قبــل امليــاد)‪ .‬وهــو النســب ذاتــه الــذي‬ ‫يرتقــي إليــه العثامنيــون أبنــاء قايــي بــن يلــدز بــن أوغــوز خــان الــذي‬ ‫وحــد القبائــل الهونيــة وامتــدت رقعــة دولتــه حتــى منتصــف أوروبــا‪ .‬وقــد‬ ‫أنجــب أربعــة وعرشيــن ســبطاً هــم مجمــوع القبائــل الرتكامنيــة املنتــرة‬ ‫يف بقــاع العــامل‪.‬‬ ‫أمــا عــن حقيقــة قدومهــم مــن خراســان إىل بــاد الشــام‪ ,‬فيعــود إىل مــا بعد‬ ‫‪ 1230‬بعــد امليــاد بقيــادة ســليامن شــاه بــن قلتمــش ف ـرارا مــن اجتيــاح‬ ‫املغــول بقيــادة جنكيــز خــان‪ ,‬ميممــن شــطر فلســطني‪ ,‬لكنهــم اصطدمــوا‬ ‫بنهــر الفـرات حاجـزا ً طبيعيـاً يحــول بينهــم وبــن بغيتهــم‪.‬‬ ‫غــرق ســليامن شــاه يف جعــر غــرب الرقــة ودفــن فيهــا (‪1236‬م) فانــرف‬ ‫ه ـ ّم أبنائــه عــن الرحلــة وتفرقــت بهــم الســبل لكــن ابنــه أرطغــرل عــاد‬ ‫ليؤســس الدولــة العثامنيــة‪.‬‬ ‫اســتوطن الرتكــان يف منطقــة مــرج دابــق شــال رشق حلــب ميارســون‬ ‫عاداتهــم يف الرعــي وصناعــة الســجاد والغــزو وقامــوا بعــدة عصيانــات عــى‬ ‫الدولــة العثامنيــة فصــدر فرمــان عثــاين (‪ )1696‬بإســكانهم عــى وادي‬ ‫البليــخ مــن حـ ّران حنــوب الرهــا حتــى مص ّبــه يف نهــر الفـرات رشق الرقــة‪.‬‬ ‫مل يتوقــف الرتكــان عــن العصيــان فكانــت الدولــة العثامنيــة تهيــئ لهــم‬ ‫حمــات تأديبيــة فيلــوذون بالفــرار حتــى تفرقــوا يف أنحــاء املعمــورة ومل‬ ‫يتبــق منهــم اليــوم ســوى أرس عديــدة اســتوطنت عــى الشــكل التــايل‪:‬‬ ‫حــام الرتكــان والزيبقيــة واملنــارة‬ ‫حــام الرتكــان‪ :‬وفيهــا قريــة ّ‬ ‫قــرى ّ‬ ‫والدامشــلية والعزيزيــة وقــرى صغــرة أخــرى متناثــرة وتعــد ‪ 1500‬بيــت‬

‫التدبــر‪ :‬س ـ ّمها مــا شــئت) هــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬رضورة هجـران الدقّــة ملصلحــة التشــديد‬ ‫عــى أهميــة الخطــأ ووجــوده ‪Get Rid of‬‬ ‫‪ .Accuracy‬ال نكــران للخطــأ‪ ،‬بــل األهــم‬ ‫وضعــه دامئــاً يف االعتبــار والتفكــر بأنــه‬ ‫موجــود فعليّ ـاً‪.‬‬

‫‪ -2‬وضــع الجهــد باتجــاه تجميــع املعلومــات‬ ‫واملزيــد منهــا‪ ،‬ووضــع املعلومــات املرتاكمــة‬ ‫موضــع االســتخدام اليومــي واملســتمر‪،‬‬ ‫‪ ،Collect & Use a Lot of Data‬خصوص ـاً‬ ‫مــع تفتّــح آفــاق واســعة يف الحصــول عــى‬ ‫املعلومــات وتنويعهــا وتجميعهــا وتخزينهــا‪،‬‬ ‫وبكلفــة تتــدىن باســتمرار‪.‬‬ ‫‪ -3‬الرتكيــز عــى فهــم العالقــات والروابــط‬ ‫وامليــول بــدل التشــديد عــى البحــث عــن‬ ‫األســباب والعلــل ‪Give Up On Causes-‬‬ ‫‪ !Accept Correlations‬رمبــا ال يعجــب‬ ‫كثــرا ً مــن العقــول يف عــوامل العــرب هــذا‬ ‫الــكالم يف هــذا الكتــاب الــذي تجــدر‬ ‫ترجمتــه إىل اللغــة العرب ّيــة‪ ،‬ألنــه ينطــق‬

‫عــن لحظــة العيــش الحــارض مــع تل ّمــس‬ ‫جــريء للمســتقبل‪ .‬رمبــا بــدا غريبــاً‬ ‫لكثرييــن أن يتّخــذ التقــ ّدم األكــر قــ ّوة يف‬ ‫العلــم‪ ،‬بــل دقّــة أيضــاً‪ ،‬مدخــاً للمنــاداة‬ ‫بالقــول بــرورة هجــران الدقّــة‪ .‬لعــل‬ ‫الــكالم يبــدو مؤملـاً ملــن يتخــذ العلــم مــاذا ً‬

‫ومهربــاً‪ ،‬وليــس ملــن ينظــر إليــه باعتبــاره‬ ‫تجربــة فـ ّوارة وتحديـاً دامئـاً ومتـ ّردا ً ال يهــدأ‪.‬‬ ‫لنــرك جانب ـاً أولئــك الذيــن دأبــوا عــى أن‬ ‫يكونــوا «مأخوذيــن» بالعلــم (عــى طريقــة‬ ‫ـي‪ ،‬وهــو أمــر‬ ‫تذكّــر االنجــذاب الصــويف التقـ ّ‬ ‫مفهــوم دينيــاً)‪ ،‬مبعنــى أن ينظــروا إليــه‬ ‫بوصفــه شــيئاً ُمطلقــاً ومتعاليــاً ومتســامياً‬ ‫وغريهــا مــن األلفــاظ التــي تــي بنــوع‬ ‫مــن إســقاط مطلقــات دينيــة عــى العلــوم‪،‬‬ ‫بــدل اح ـرام وقوفهــا ضمــن حــدود العقــل‬ ‫اإلنســاين‪ ،‬وعــدم ادعائهــا أنهــا مق ّدســة وال‬ ‫ُمطلقــة‪.‬‬ ‫يف أحضان األخطاء!‬ ‫تغــر‬ ‫يف كتــاب «البيانــات الكبــرة‪ :‬ثــورة ّ‬

‫الرتكمان يف الرقة‬

‫طريقــة عيشــنا وعملنــا وتفكرينــا»‪ ،‬يذكّــر‬ ‫مختــي املعلومات ّيــة يف أمــركا‪ ،‬بــأن‬ ‫كبــار‬ ‫ّ‬ ‫امللمــح املهــم يف عــر البيانــات الكبــرة‪،‬‬ ‫يتمثّــل يف أن هــذه املعلومــات باتــت كلهــا‬ ‫تُكتــب بلغــة واحــدة‪ ،‬هــي لغــة الكومبيوتــر‬ ‫الرقميّــة املؤلّفــة مــن ثنــايئ صفــر وواحــد‪.‬‬ ‫تكتــب بلغــة الكومبيوتــر الرقم ّيــة‬ ‫اإللكرتون ّيــة األشــياء كلهــا‪ :‬الكتــب والنصوص‬ ‫واألفــام والفيديــو واألغــاين واملوســيقى‬ ‫والخرائــط واملكاملــات واملحادثــات والربيــد‬ ‫ومحتويــات شــبكات االتصــاالت‪ ،‬ومــا يكتبــه‬ ‫النــاس عــى شــبكات التواصــل االجتامعــي‬ ‫وغريهــا‪ .‬إذا ً‪ ،‬مــا هــو مــكان الخطــأ يف‬ ‫هــذه الصــورة؟ هــل ميكــن تج ّنبــه؟ األرجــح‬ ‫أنــه ال‪ .‬مل يعــد وجــود الخطــأ هــو املهــم‪،‬‬ ‫بــل صــار متوقّعــاً أن يكــون موجــودا ً يف‬ ‫عــوامل معرفــة متح ّركــة باســتمرار‪ ،‬وتــأيت‬ ‫مــن مصــادر فائقــة التن ـ ّوع‪ ،‬وهــذه أشــياء‬ ‫التحســب‬ ‫تضمــن ثراءهــا‪ .‬املهــم هــو‬ ‫ّ‬ ‫لئــا يفســد الخطــأ املنظومــة الكبــرة مــن‬ ‫املعلومــات‪ .‬ويحــرص الكتــاب عــى تحريــض‬ ‫العقــول عــى هجــر تقاليــد اإلحصــاءات‬ ‫الدقيقــة املهجوســة بشــغف التخلّــص مــن‬ ‫مصــادر الخطــأ‪ ،‬ملصلحــة عــدم الخــوف‬ ‫مــن الخطــأ‪ ،‬بــل الرتكيــز عــى أوســع تنـ ّوع‬ ‫مــن املعلومــات‪ ،‬وأقــى درجــات التع ـ ّدد‪،‬‬ ‫والحــرص عــى الحصــول عــى الــراء يف‬ ‫املعلومــات‪ ،‬والبحــث عــن األصــوات كافــة‪.‬‬ ‫ويربــط الكتــاب بــن هــذا األمــر وإمــاءات‬ ‫رمبــا ال يصعــب التفكــر بهــا‪ ،‬كالتحفيــز‬ ‫عــى التفكــر بالروابــط بــن األشــياء‪ ،‬وهــو‬ ‫أمــر متواضــع وممكــن‪ ،‬بــدل محاولــة‬ ‫الوصــول إىل «تفســر شــامل» لألمــور بعللهــا‬ ‫وأســبابها ومنشــأتها‪ .‬املهــم هــو الروابــط‬ ‫واالتجاهــات العامــة لألشــياء والعالقــات‬ ‫بــن الظواهــر التــي تتوافــر كميــات كبــرة‬ ‫مــن البيانــات الضخمــة عنهــا‪.‬‬

‫إمساعيل اخلليل‬

‫تركمان الرقة‪:‬‬

‫تعمــل بزراعــة املحاصيــل الشــتوية والصيفيــة‪ .‬وهــذه موزعــة عــى عائــات‪:‬‬ ‫الطوبــال وفيهــم مشــيخة الرتكــان – الباك ـرات – املــاوايل – الخواجــة – عائالت‪ :‬التوية – الجاويش – الجوخدار‬ ‫القرقــر – الدامشــي – الدامــات‪.‬‬ ‫أغلــب هــذه العائــات ال تتكلــم الرتكيــة وفيهــا مــن بــرز يف كتابــة الشــعر‬ ‫واألدب العــريب وتــاوة القــرآن والخــط العــريب ومييلــون إىل التحــر عــى‬ ‫تركمان تل أبيض‪:‬‬ ‫تخــوم الباديــة‪.‬‬ ‫عائالت‪ :‬الكجل – الدوري ‪ -‬الدادا‬


‫حرمل املنوعات‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫‪15‬‬

‫مع��رض ف�ني لفنان��ي أورف��ا يف النيفال��ي‬

‫مع��رض الفن��ان التش��كيلي زول كاف بيه��ان‬ ‫افتتــح الســيد فــوزي دامــر قــول رئيــس بلديــة‬ ‫الخليليــة معــرض الفنــان التشــكييل زول كاف‬ ‫بيهــان يف صالــة بلديــة شــانيل أورفــا الكــرى‪،‬‬ ‫وذلــك بحضــور حشــد مــن املهتمــن والفنانــن‬ ‫التشــكيلني األورفليــن‪ ،‬وقــد ضــم املعــرض‬ ‫العديــد مــن اللوحــات التشــكيلة الهامــة‬ ‫يف تنــوع أســاليبها واتجاهاتهــا‪ ،‬ومتيــزت‬ ‫معظــم اللوحــات بنــزوع الفنــان إىل الطبيعــة‬ ‫واالنحيــاز ملفرداتهــا الخاصــة بذاكــرة املــكان‬ ‫األورفــي‪ ،‬إضافــة إىل العديــد مــن اللوحــات‬ ‫التجريديــة والســوريالية‪ ،‬التــي تتقاطــع مــع‬ ‫جامليــات اإلحســاس اللــوين بالقيــم اإلنســانية‪،‬‬ ‫حيــث ظهــرت مالمــح اشــتغال الفنــان بيهــان‬ ‫عــى أنســنة األشــكال وأبعادهــا التناظريــة‪،‬‬ ‫مبــا ينســجم ومعادلــة الشــكل واملضمــون‪.‬‬ ‫يذكــر أن هــذا املعــرض يشــكل إضافــة جــادة‬ ‫يف الحيــاة الفنيــة والثقافيــة ملدينــة شــانيل‬ ‫أورفــا‪ ،‬ويؤســس لذاكــرة فنيــة لهــا حضورهــا‬ ‫املتميــز يف املشــهد الثقــايف والفنــي الــريك‪.‬‬

‫معــرض للفــن التشــكييل األورفــي هــذه األيــام يزيــن ربيــع مدينــة شــانيل أورفــا‪ ،‬ويجعلهــا أكــر‬ ‫تألقــا‪ ،‬رذاذ املطــر يزيــد شــوارع املدينــة ســحرا ً وجاذبيــة‪ ،‬ويف غفلــة مــن توقــف املطــر وســطوع‬ ‫شــمس عابــرة‪ ،‬عربنــا الشــارع الرئيــي إىل أحــد أشــهر فنــادق املدينــة (فنــدق النيفــايل) يف دوار‬ ‫عابــدة حيــث يجتمــع جــال املــكان مــع هدوئــه‪ ،‬مــع لوحــات إبداعيــة مــن الفــن التشــكييل‬ ‫األورفــي والــريك‪ ..‬تتنــوع اللوحــات يف املعــرض بــن الفــن الكالســييك التصويــري امليــارش للحيــاة‪،‬‬ ‫وبــن االنطباعــي املبتهــج باأللــوان وباألشــكال املحليــة‪ ،‬يف محاولــة لالرتقــاء مــن واقــع الحيــاة ذي‬ ‫االيقــاع البطــيء‪ ،‬إىل حركــة الريشــة املبتهجــة بألوانهــا وبخفــة أجنحــة فنانيهــا‪ .‬وقفنــا حائريــن‬ ‫أمــام اللوحــات‪ ،‬فاللغــة كانــت حاج ـزا ً بيننــا وبــن الفنانــن‪ ،‬وســرهم ومعرفــة تجاربهــم‪ ،‬ولكــن‬ ‫األلــوان‪ ،‬واألشــكال‪ ،‬وحركــة الريشــة‪ ،‬وموســيقى الوجــود كانــت جســورنا للدخــول يف عــوامل الفــن‬ ‫التشــكييل األورفــي‪ ،‬الــذي اســتمتعنا بتأمــل لوحاتــه وألوانــه‪ ،‬ووجــوه أناســه القادمــن مــن‬ ‫البعيــد ليصلــوا إىل قلوبنــا الغريبــة‪ ..‬واملنتظــرة لألمــل وللخــاص‪.‬‬

‫جرائم اخلامنئي وافالس اإلقتصاد جتعل إيران يف مهب اجملهول!‬ ‫بعــد الجرائــم املروعــة ضــد االنســانية التــي‬ ‫يقــوم بهــا نظــام املــايل يف إيــران وخاصــة‬ ‫الجرائــم يف ســورية‪ ،‬والحشــود الطائفيــة‬ ‫املتوحشــة التــي تســاند نظــام القاتــل بشــار‬ ‫األســد‪ ،‬هــا هــي إيـران تقــع يف إفــاس يجعلهــا‬ ‫عــى مفــرق طــرق قــد يعصــف بنظــام‬ ‫املــايل النــازي واملتعطــش للدمــاء‪ .‬وقــد أكــد‬ ‫خ ـراء كــر أن الوضــع اإلي ـراين الداخــي مــيء‬ ‫باملفاجــآت الكبــرة‪.‬‬ ‫الخبــر الســعودي يف الشــأن اإليــراين‪ ،‬عمــر‬ ‫الزيــد‪ ،‬يعتقــد أن خــرا ً هامــاً ســيقع هنــاك‬ ‫قريبــاً‪ ،‬ســيقلب األمــور رأســاً عــى عقــب‪،‬‬ ‫فــا يعرفــه الزيــد وكثــر مــن املهتمــن بالشــأن‬ ‫اإليـراين‪ ،‬ولكــن ال يعرفــه كثــرون داخــل إيـران‬ ‫نفســها‪ ،‬أن املرشــد األعــى للثــورة اإلســامية‪،‬‬ ‫الــويل الفقيــه‪ ،‬عــي خامنئــي‪ ،‬يحتــر‪ ،‬ألنــه‬ ‫مصــاب برسطــان الربوســتاتا يف املرحلــة‬ ‫الرابعــة‪ ،‬ويعتقــد الخــراء أن أمامــه أشــهرا ً‬ ‫قليلــة ليعيشــها‪ ،‬وهــو أمــر قــد يُدخــل إي ـران‬ ‫يف أزمــة حقيقيــة‪.‬‬ ‫يقــول الزيــد لـ»العــريب الجديــد»‪« :‬الوضــع يف‬ ‫إي ـران ملتهــب‪ ،‬فبعــد هبــوط أســعار النفــط‪،‬‬ ‫بــدأت التيــارات اإلصالحيــة مــن داخــل إيـران‪،‬‬ ‫تطالــب بالتغيــر»‪ ،‬ويتابــع‪« :‬الفئــات املهمشــة‬ ‫تطالــب اآلن بحقوقهــا وبــدأ اإليرانيــون‬

‫يتململــون‪ ،‬حركــة األحــواز تتحــرك وقــد تكــون‬ ‫مقدمــة لثــورة عارمــة‪ ،‬الحركــة البلوشــية هــي‬ ‫األخــرى أظهــرت بعــض التحــركات العســكرية‪،‬‬ ‫واألكـراد بــدأوا يرفضــون التهميــش أيضـاً‪ ،‬هــذه‬ ‫الظــروف تقــول إن إيــران مقبلــة بعــد وفــاة‬ ‫املرشــد عــى مشــاكل كبــرة‪ ،‬وقــد تكــون عــى‬ ‫فوهــة بــركان يــؤدي لتفــكك الدولــة»‪.‬‬ ‫يف الســياق نفســه يقــول الخبــر الســعودي‬ ‫يف الشــأن اإليــراين عــي البلــوي إن الوضــع‬ ‫الســيايس يف إي ـران مضطــرب بشــدة‪ ،‬ويوضــح‬ ‫لـ»العــريب الجديــد»‪« :‬أن الجميــع مستســلم‬

‫هــذه املــرة لســلطة الحــرس الثــوري ودوره يف‬ ‫السياســة اإليرانيــة»‪ ،‬ويطــرح البلــوي ســؤاالً‬ ‫مهـاً‪ ،‬قائـاً‪ ،‬يف حالــة ســيطرة الحــرس الثــوري‬ ‫عــى الســلطة السياســية وعــى مركــز القــرار‬ ‫اإليــراين‪ ،‬هــل ستشــهد إيــران احتجاجــات‬ ‫داخليــة رافضــة اغتصــاب الســلطة‪ ،‬والعــودة‬ ‫إىل ســلطة املليشــيات‪ ،‬أم أن الحــرس الثــوري يف‬ ‫هــذه الفــرة يشــكل بالنســبة للنظــام الســيايس‬ ‫الضامــن الدائــم لوجــوده؟»‪.‬‬ ‫يجيــب الزيــد عــن هــذا التســاؤل‪« :‬هنــاك‬ ‫فئــات مــن الشــعب بــدأت تعلــن عــن مطالبهــا‬

‫ثقافي��ة ـ��ـ سياس��ية ـ��ـ نص��ف ش��هرية ـ��ـ تص��در ع��ن مؤسس��ة توت��ول اإلعالمي��ة بالتع��اون م��ع بي��ت الرقة لكل الس��وريني‬

‫رئي��س جمل��س اإلدارة‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ -‬رئي��س التحري��ر‪ :‬ماج��د رش��يد العوي��د ‪ -‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعيس‬

‫وترفــض الوضــع القائــم‪ ،‬وإذا اســتمر الوضــع‬ ‫عــى مــا هــو عليــه فســتتأثر»‪ ،‬ويضيــف‪:‬‬ ‫«بســبب حروبهــا الخارجيــة يف ســورية والعراق‬ ‫واليمــن وحصارهــا االقتصــادي وهبــوط أســعار‬ ‫النفــط فــإن كل هــذه أمــور أثــرت عــى الوضــع‬ ‫الداخــي يف إيــران‪ ،‬وباتــت مرشــحة لربيــع‬ ‫فــاريس يغــر النظــام»‪ ،‬وبحســب الزيــد مل تبــدأ‬ ‫رشارة الثــورة بعــد‪ ،‬ولكــن لــو اســتمرت األمــور‬ ‫عــى مــا هــي عليــه فقــد يحــدث ذلــك قريبـاً‪،‬‬ ‫بعــد مــا أظهــرت بعــض الفئــات اإليرانيــة‬ ‫ســخطها‪ ،‬وعــى رأســهم املعلمــون الذيــن‬

‫للتواصل عرب فيس بوك‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬

‫هيئ��ة التحري��ر‪ :‬خل��ف اجلرب��وع‪ ،‬أس��عد فخ��ري‪ ،‬إبراهي��م العلوش‪ ،‬ع��روة املهاوش‪ ،‬حممد صلي�بي‪ ،‬إياس احملمد للتواصل عرب تويرت‬ ‫احملت��وى الف�ني‪ :‬مصطفى س��ليمان‪ ،‬عبدالرمحن اهلويدي ‪ ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬ ‫‪YIL: 2014 )1) - İMTİYAZ SAHİBİ: ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: MAJED RASHEED ALOWAYYED‬‬

‫‪SAYI:3‬‬

‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬

‫‪00905459679973‬‬

‫نظمــوا احتجاجــات كبــرة‪.‬‬ ‫وضع خامنئي ال يحسد عليه‬ ‫بحســب الخـراء فــإن خامنئــي املريــض يف وضع‬ ‫ال يحســد عليــه‪ ،‬فاالقتصــاد اإليــراين يتهــاوى‪،‬‬ ‫والبطالــة تطــال مســاحة واســعة مــن املجتمــع‬ ‫اإلي ـراين وتصــل إىل ‪« ،%40‬وهــو مــا يــؤرش إىل‬ ‫أن الثــورة اإليرانيــة مل تعــد حلــم اإليرانيــن‪،‬‬ ‫وأصبحــت تطلعاتهــم نحــو االنفتــاح الســيايس‬ ‫أكــر»‪ ،‬يضيــف البلــوي‪« :‬مــا يقــف أمــام كل‬ ‫ذلــك‪ ،‬أن اإلدارة السياســية اإليرانيــة‪ ،‬كانــت‬ ‫تعتمــد التعبئــة الدامئــة التــي تج ّيــش الجمهــور‬ ‫اإليــراين خلــف خطــاب أيديولوجــي دعــايئ‬ ‫فقــد بريقــه‪ ،‬مثــل عناويــن الثــورة اإليرانيــة‪،‬‬ ‫والصحــوة اإلســامية‪ ،‬وتصديــر الثــورة‪،‬‬ ‫وأصبحــت إيــران أمــام اســتحقاقات داخليــة‪،‬‬ ‫يتهــرب منهــا النظــام بخلــق أزمــات سياســية‬ ‫يف محيطــه‪ ،‬متالعبــاً بالعناويــن السياســية‪،‬‬ ‫كالشــيطان األكــر واألصغــر‪ ،‬وبعامــل الطائفــي‬ ‫واإلرهــاب‪.‬‬ ‫إن إي ـران العنرصيــة والطائفيــة‪ ،‬لــن تجــد لهــا‬ ‫مكانــاً يف العــامل العــريب الجديــد‪ ،‬رغــم كل‬ ‫املعــارك واالنتصــارات الوهميــة التــي تحصدها‪،‬‬ ‫هنــا وهنــاك‪ ..‬لكــن الســوريني أعــرف النــاس‬ ‫بنوايــا إيـران الطائفيــة‪ ،‬والقوميــة النازيــة‪ ،‬ولــن‬ ‫ينســوا ترصفــات ميليشــياتها التــي يســرها‬ ‫الحقــد الدفــن ضــد العــامل العــريب وضــد‬ ‫الســوريني خاصــة‪.‬‬

‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Atatürk Mah7-.sk. NO = 9. ŞanliUrfa MOB:‬‬


‫‪16‬‬

‫زاويـة حـرة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫سياسة األنف الدامي!‬ ‫بسام البليبل‬

‫محاي��ة بيت املب��دع الراحل عب��د الرمحن منيف من النهب يف دمش��ق‬ ‫نداء يطلقه الش��اعر إبراهيم اجلرادي‬ ‫إىل من يهمهم األمر‪:‬‬

‫ومنهــم‪ :‬أهــل الثقافــة والفكــر واإلبــداع‬ ‫والــرف‪ ،‬منظــات املجتمــع املــدين‪،‬‬ ‫املؤسســات والتجمعــات الثقافيــة‬ ‫واإلبداعيــة‪ ،‬اتحــادات الكتــاب واألدبــاء‬ ‫العــرب‪ ،‬وزارة الثقافــة الســورية‪.‬‬ ‫وكل مــن تهمــة قضيــة العدالــة والــرف‬ ‫والحــق‪.‬‬ ‫بنــاء عــى نــداء الكاتبــة واملرتجمــة‬ ‫املعروفــة‪ ،‬الســيدة ســعاد قــوادري‬ ‫منيــف‪ ،‬حــرم الكاتــب والــروايئ‬ ‫العــريب الكبــر الراحــل الدكتــور عبــد‬ ‫الرحمــن منيــف‪ ،‬واملتضمــن تعــرض‬ ‫بيتــه‪ ،‬ومكتبتــه‪ ،‬ومخطوطاتــه‪ ،‬ورســائله‪،‬‬ ‫ولوحاتــه‪ ،‬ومقتنياتــه الشــخصية‪ ،‬إىل‬ ‫عمليــة نهــب منظــم‪ ،‬قــام بــه مــن كان‬ ‫يفــرض أن يكــون مؤمتنــاً وأمينــاً‪ ،‬عــى‬ ‫البيــت الــذي قــد قــدم لــه‪ ،‬ســكناً ومقاماً‪،‬‬

‫ح ـاً إنســانياً‪ ،‬ألزمتــه اإلنســانية‪ ،‬بســبب‬ ‫مــن تعــرض ســكناه لإلصابــة نتيجــة‬ ‫املواجهــات‪ ،‬القامئــة حيــث يســكن‪ ،‬وهــو‬ ‫يف هــذه الحالــة املدعــو ســامي حمــزة‬ ‫برقــاوي‪ ،‬وزوجتــه رنــده عبــد الكريــم‪،‬‬ ‫ووالــده حمــزة برقــاوي (وهــو محســوب‬ ‫عــى الكتــاب الفلســطينيني يف ســورية‪،‬‬ ‫وأحــد أعضــاء إدارة اتحادهــم فيهــا)‪،‬‬ ‫وزوجتــه ماجــدة شــاكر‪ ،‬كــا ورد يف نــداء‬ ‫الســيدة منيــف‪ ،‬التــي أكــدت الســطو‬ ‫عــى مكتبــة الراحــل عبــد الرحمــن‬ ‫منيــف الثمينــة وكامــل تراثــه‪ ،‬يف ســلوك‪،‬‬ ‫أقــل مــا يقــال فيــه‪ ،‬مهــا كان حجــم‬ ‫الســطو والعبــث أنــه يفتقــد إىل أبســط‬ ‫قيــم الشــهامة‪ ،‬واألخــاق ورد الجميــل‪.‬‬ ‫وألننــا معنيــون‪ ،‬مثلنــا مثــل الكثرييــن‬ ‫غرينــا‪ ،‬بــإرث الراحــل الكبــر وحرمــة‬ ‫بيتــه‪ ،‬نطالــب بالعمــل‪ ،‬فــورا ً‪ ،‬عــى‪:‬‬

‫_ استعادة ما نهب‪ ،‬صغريه وكبريه‪.‬‬ ‫_ محاكمــة ومحاســبة‪ ،‬مــن قامــوا‬ ‫بهــذا العمــل املشــن‪ ،‬والتشــهري بهــم‬ ‫وبفعلتهــم الشــائنة‪.‬‬ ‫_ العمــل عــى حاميــة إرث الراحــل‬ ‫الكبــر‪ ،‬يف هــذه الظــروف املضطربــة‪،‬‬ ‫والســعي لتحويــل بيتــه‪ ،‬يف مســعى‬ ‫عــريب عــام إىل بيــت للثقافــة عــام (حــال‬ ‫موافقــة أصحــاب الشــأن) يحفــظ إبداعــه‬ ‫وذكــراه‪.‬‬ ‫لقــد تواصلنــا مــع عــدد مــن املفكريــن‬

‫والكتــاب واملبدعني‪،‬عــى مســاحة الوطــن‬ ‫الكبــر‪ ،‬يف شــأن هــذا النــداء‪ ،‬ووجدنــا‬ ‫تجاوبــاً حــارا ً‪ ،‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬أن‬ ‫القضيــة متــس رشف الكلمــة واإلنســان‪،‬‬ ‫األمــر الــذي يعنــي كل إنســان حــر‬ ‫ورشيــف‪ ،‬ولذلــك مؤزارتنــا بإطــاق هــذا‬ ‫البيــان وتعميمــه يعتــر مــن الواجــب‬ ‫األخالقــي واإلنســاين للدفــاع عــن إرث‬ ‫عظيــم‪ ،‬لرجــل ثقافــة عظيــم‪ ،‬كــرس‬ ‫حياتــه‪ ،‬كاتبــاً وإنســانا‪ ،‬ولنــرة قيــم‬ ‫العدالــة والحريــة والجــال‪.‬‬

‫بــن امليثولوجيــا والواقــع يعيــش اإليرانيــون أوهــام القــوة‬ ‫ونزعــة الســيطرة‪ ،‬منــذ أن رســمت أســطورة «الن ّبــال آراش» أوىل‬ ‫معتقداتهــم القوويــة‪ ،‬يــوم أن أرســل ســهمه لريســم الحــدود‬ ‫اإليرانيــة مبواجهــة الطورانيــن‪ ،‬حيــث ظــل ســهمه املنطلــق مــن‬ ‫قمــة جبــال «ألــرز» يشــق عبــاب الســاء منــذ مطلــع الفجــر‬ ‫حتــى غــروب الشــمس‪ ،‬يك يهبــط وينبــت يف شــجرة جــوز بالقــرب‬ ‫مــن نهــر جيحــون‪.‬‬ ‫وقــد تكــرس هــذا املفهــوم التوســعي االســتعاليئ عــر اإلمرباطوريــة‬ ‫األخمينيــة والساســانية‪ ،‬وصــوالً إىل الثــورة الخمينيــة‪ ،‬حيــث ظــل‬ ‫التوســع اإلي ـراين عقيــدة فارســية متجــددة‪ ،‬وظــل ساســة إي ـران‬ ‫يف مراحــل نجاحاتهــم وإخفاقاتهــم يســعون إىل تكريــس هــذه‬ ‫األطــاع عــى األرض‪.‬‬ ‫ففــي العــر الحديــث بــات الوجــود اإلي ـراين يف البــاد العربيــة‬ ‫ظاهــرة سياســية‪ ،‬تزدهــر يف حــاالت الفــراغ الســيايس والفــوىض‬ ‫أينــا وجــدا‪ ،‬وباتــت الحــروب اإليرانيــة عقائديــة ومذهبيــة‬ ‫وليســت جيوسياســية فحســب‪.‬‬ ‫وبإلقــاء نظــرة رسيعــة عــى خارطــة الوجــود اإلي ـراين يف املنطقــة‬ ‫العربيــة منــذ العهــد امللــي‪ ،‬واالحتــال اإلي ـراين للجــزر اإلماراتيــة‬ ‫الثــاث عــام ‪( 1971‬طنــب الصغــرى‪ ،‬طنــب الكــرى‪ ،‬أبــو مــوىس)‪،‬‬ ‫ومــرورا ً بسياســة تصديــر الثــورة‪ ،‬ومخطــط الهــال الشــيعي‪،‬‬ ‫وانتهــا ًء بالوقــت الحــايل‪ ،‬نجــد أ ّن إيـران تحتــل العديــد مــن الــدول‬ ‫العربيــة ســواء بالوجــود املبــارش أو بالوكالــة‪:‬‬ ‫فحــزب اللــه يف لبنــان‪ ،‬وحركــة حــاس يف فلســطني‪ ،‬ودعــم النظــام‬ ‫الطائفــي يف ســوريا‪ ،‬والحــرس الثــوري ومليشــيات الحشــد يف‬ ‫العـراق‪ ،‬وجامعــة الحــويث يف اليمــن‪ ..‬ومل يخــف الساســة اإليرانيون‬ ‫أطامعهــم هــذه يوم ـاً‪ ،‬فقــد رصحــوا بذلــك منــذ انطــاق الثــورة‬ ‫اإليرانيــة بقيــادة الخمينــي‪ ،‬حيــث رصح «أبــو الحســن بنــي صدر»‬ ‫أول رئيــس لجمهوريــة إيــران‪ ،‬عــن إقامــة حــزام شــيعي يضــم‬ ‫الع ـراق وســوريا ولبنــان‪.‬‬ ‫كــا رصح وزيــر الخارجيــة اإليـراين آنــذاك‪« ،‬صــادق قطــب زادة»‪،‬‬ ‫أ ّن العـراق جــزء من إيـران تاريخيـاً‪ ،‬وأن البحرين محافظــة إيرانية‪.‬‬ ‫وقــد زادت ترصيحاتهــم صلفـاً وحــد ًة بعــد أن حصلــت إيـران عــى‬ ‫موافقــة ضمنيــة مــن أمريــكا‪ ،‬مــن خــال اللعــب عــى تخديــم‬ ‫املخطــط األمريــي الحــايل لتقســيم الــرق األوســط‪ ،‬واملســاومات‬ ‫املتبادلــة عــى امللــف النــووي‪ ،‬وبعــد أن استشــعرت إيـران الضعف‬ ‫واالســتخذاء العــريب املســتمر‪ ،‬ليخــرج «عــي يونــي» مستشــار‬ ‫الرئيــس اإليـراين حســن روحــاين ليقــول‪« :‬إ ّن إيـران اليــوم أصبحــت‬ ‫إمرباطوريــة كــا كانــت عــر التاريــخ وعاصمتهــا بغــداد» وأ ّن «كل‬ ‫منطقــة الــرق األوســط إيرانيــة»‪ ،‬وبذلــك تتحقــق مقولــة «وارن‬ ‫كريســتوفر» وزيــر الخارجيــة األمريــي يف عهــد الرئيــس كلينتــون‪:‬‬ ‫«انظــر حيــث تشــاء ســتجد إيـران الرشيــرة يف املنطقــة»‪.‬‬ ‫فــاذا أعــد العــرب املســلمون الســنة ملواجهــة إيــران وحلفهــا‬ ‫الشــيعي‪ ،‬وحروبهــا العقائديــة املذهبيــة وهــي التــي كانــت تنظــر‬ ‫إىل شــيوخ الخليــج عــى أنهــم ليســوا ســوى مســؤولني محليــن‪ ،‬أو‬ ‫رؤســاء بلديــات‪ ،‬كــا نــرت صحيفــة «جهــان إســام» اإليرانيــة يف‬ ‫عددهــا الصــادر يــوم الثالثــاء ‪ ،1992/9/15‬بــل أكــر مــن ذلــك بات‬ ‫اليــوم وكالء إيــران‪ ،‬وزعــاء أذرعهــا العســكرية يتطاولــون عــى‬ ‫الزعــاء العــرب ويتعاملــون معهــم بنديــة ‪.‬‬ ‫فهــل عاصفــة الحــزم ومــن قبلهــا دخــول درع الخليــج إىل البحريــن‬ ‫بدايــة االنتفاضــة العربيــة الســنية يف وجــه التمــدد الفــاريس‬ ‫الشــيعي؟!‬ ‫وهــل ســيكون عهــد امللــك ســلامن بــن عبــد العزيــز مرحلــة‬ ‫االنتقــال مــن سياســة التعايــش الســلمي إىل التعايــش النــدي‪،‬‬ ‫ومــن سياســة تبويــس الذقــون إىل إدمــاء األنــوف؟! ومــن اإلغضــاء‬ ‫عــن االندمــاج اإلي ـراين يف املخططــات واملؤام ـرات الدوليــة التــي‬ ‫تســتهدف منطقــة الخليــج واملنطقــة العربيــة عمومـاً‪ ،‬إىل املواجهــة‬ ‫والتحــدي والعمــل عــى إفشــال هــذه املؤم ـرات‪ ،‬كــا يف عاصفــة‬ ‫الحــزم التــي أرغمــت العــامل عــى تأييــد اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية‪ ،‬وألزمــت اإليرانيــن جحورهــم؟!‬ ‫وإذا اســتمرت انتفاضــة الصح ـراء العربيــة بهــذا الحــزم‪ ،‬سينشــد‬ ‫العــرب جميع ـاً لهــم‪:‬‬ ‫حبــذا الكـثبان لـم متــنح زهــورا ً وغـالال‬ ‫نحن نهواها عىل ال َج ْد ِب إذا أعطت رجاال‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05459679973( :‬أو مراجع��ة مقره��ا (أورف��ا ‪ -‬س��احة املدف��ع)‬

‫اآلراء التي تنشر بالمجلة تعبر عن رأي أصحابها‪ ،‬وال تمثل بالضرورة رأي المجلة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثالث عشر ‪ 1 /‬نيسان ‪2015‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.