Alharmal(14) 15 4 2015

Page 1

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬ ‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫‪1‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــاً‬

‫ش��هداء وجرح��ى جله��م م��ن األطف��ال‬ ‫‪ Her Daim Özgürlük‬يف قص��ف ط�يران األس��د ملدين��ة الرقة‬

‫‪AL harmal‬‬ ‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬ ‫حلب ‪ -‬حي الشعار‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫إفتتاحية العدد‬

‫العجيلي‬

‫يف ذكرى رحيله التاسعة‬ ‫ماجد رشيد العويد‬

‫إدلب ‪ -‬املدينة‬

‫الرقة ‪ -‬املدينة‬

‫إدلب ‪ -‬تفتناز‬

‫سورية حتت اإلحتالل اإليراني‬ ‫جمزرة جديدة ترتكتبها قوات ‪#‬النظام بعد كل اجملازر السابقة يف مدن وقرى حمافظة إدلب‬

‫مــرت منــذ أيــام الذكــرى التاســعة لوفــاة األديــب الدكتــور‬ ‫عبــد الســام العجيــي الــذي مــأ الدنيــا أدبـاً وشــغل النــاس به‪ .‬مل‬ ‫يــرك العجيــي‪ ،‬الــذي عــاش تجربتــه السياســية أوائل الســتينيات‬ ‫يف زمــن االنفصــال وزي ـرا للثقافــة واإلعــام والخارجيــة‪ ،‬مرحلــة‬ ‫مــا بعــد االنفصــال‪ ،‬وهــي املرحلــة التــي حكــم بهــا حــزب‬ ‫البعــث ســوريا وقادهــا إىل الجحيــم الــذي تعيشــه اليــوم‪ ،‬دون‬ ‫تســجيل وقائعهــا وبيــان البــون الشاســع بينهــا‪ ،‬وبــن املرحلــة‬ ‫الســابقة وصــوالً إىل مرحلــة االســتقالل‪ .‬ولقــد ميــز بوضــوح‬ ‫الفــارق العميــق بــن دولــة االســتبداد‪ ،‬وبــن دولــة نشــأت عــى‬ ‫حكــم دميقراطــي كان أقــرب إىل العفويــة والبســاطة ولكنــه يف‬ ‫الوقــت ذاتــه كان يؤســس لدولــة راســخة تقــوم عــى احــرام‬ ‫املواطــن‪ ،‬وحقــه يف العيــش الكريــم والحريــة التــي تليــق بــه‪.‬‬ ‫ويف كتابــه ذكريــات أيــام السياســة بـ ّـن الكيفيــة التــي حكــم بهــا‬ ‫حــزب البعــث البــاد مــن خــال الحكايــات والوقائــع الكثــرة‬ ‫الصادمــة التــي أوردهــا‪.‬‬ ‫مل يكــن العجيــي معارضــاً مــن معــاريض اليســار‪ ،‬ومل يكــن‬ ‫محســوباً عــى أيــة جهــة أخــرى‪ ،‬وكان باملقابــل ممــن يحســبون‬ ‫عــى كلمتهــم التــي يقولونهــا ويبنــون عليهــا حياتهــم‪ ،‬ولهــذا‬ ‫فقــد عــاد إىل مدينتــه الرقــة طبيبـاً يعالــج مرضــاه منســجامً مــع‬ ‫عملــه‪ ،‬وراضيـاً بــه إىل جانــب شــغفه التــام بــاألدب الــذي د ّون يف‬ ‫بعـ ٍ‬ ‫ـض منــه تجربتــه يف جيــش اإلنقــاذ‪ ،‬ويف فلســطينياته الكثــرة‬ ‫يلمــس القــارئ خيبتــه الباديــة‪ ،‬ويــدرك حجــم جرائــم القوميــن‬ ‫العــرب‪ ،‬ومــا فعلــوه بقضيــة العــرب األوىل‪.‬‬ ‫وقــد أزعــم هنــا‪ ،‬ومــن خــال حــوارايت التــي أجريتهــا معــه‪،‬‬ ‫وعالقــة الجــوار واملدينــة الواحــدة أين أعــرف العجيــي اإلنســان‬ ‫جيــدا ً‪ ،‬فهــو الطبيــب الــذي عــاش حياتــه الطبيــة مــع مرضــاه‬ ‫بالبســاطة ذاتهــا يف عيشــه مــع محيطــه األديب‪ ،‬ولقــد كتــب‬ ‫الكثــر عــن طبيعــة املــرىض الرقيــن يف من ّوعاتــه الطبيــة‪ ،‬وبـ ّـن‬ ‫حجــم الصــدق والعفويــة التــي تكتنفهــم‪ ،‬وكأنــه كان يســعى‬ ‫إىل بيــان الطبيعــة الرض ّيــة ملدينتــه التــي آوت الحق ـاً أكــر مــن‬ ‫مليــون نــازح ممــن هجرهــم النظــام املجــرم مــن بيوتهــم التــي‬ ‫د ّمرهــا القصــف يف حمــص وحلــب وديــر الــزور وغريهــا‪.‬‬ ‫وال بــد‪ ،‬حتــى تكتمــل اللوحــة‪ ،‬مــن الذهــاب إىل رحالتــه التــي‬ ‫دونهــا يف بعــض كتبــه مــن مثــل دعــوة إىل الســفر‪ ،‬وحكايــات‬ ‫حســه اإلنســاين العــايل‪،‬‬ ‫مــن الرحــات وغريهــا‪ ،‬فقــد ث ّبــت فيهــا ّ‬ ‫وأن اإلنســان واحــد رغــم اختــاف املرجعيــة الثقافيــة‪ ،‬ومل يُعــرف‬ ‫عنــه أنــه قــد ميّــز يف أدبــه بــن رشق وغــرب كــا ظهــر هــذا‬ ‫واضح ـاً يف أدب كثــر مــن الروائيــن العــرب‪ ،‬ومــر ّد هــذا ابتــداء‬ ‫إىل طبيعتــه كفــرد عــاش حياتــه‪ ،‬وقــد وزّعهــا بــن بلدتــه الصغرية‬ ‫وحلــب ودمشــق‪ ،‬وطوافــه يف أرجــاء العــامل غربـاً ورشقـاً ليمتــزج‬ ‫يف روحــه قبــل جســده البــدوي والحــري‪ ،‬وليتشــكل مــن هــذا‬ ‫املــزج إنســان ســمي عبــد الســام‪ ،‬و ُعــرف أديبـاً وترجمــت كتبــه‬ ‫إىل أكــر مــن لغــة‪ .‬رحــم اللــه العجيــي‪.‬‬

‫االحت�لال اإليراني لس��ورية‪ ..‬بوابة تفعيل مش��روع (األفق العش��ريين)‬ ‫اإلمرباطورية اإليرانية (حالل على الشاطر)‬

‫العصر الذهيب للغوغائية واإلنتهازية‬

‫اجللجلة اخلامسة للشعب السوري‪ ،‬السيد املسيح لتالميذه ال ختافوا‪ ..‬فأنا معكم‬


‫‪2‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫طريان النظام يواصل قصفه املناطق السورية احملررة‬ ‫ص ّعــد جيــش النظــام الســوري مــن‬ ‫غاراتــه الجويــة مســتهدفاً مواقــع‬ ‫املدنيــن يف إدلــب والرقــة وحلــب‬ ‫ودرعــا وريــف دمشــق يف خطــوة‬ ‫اســتباقية بالتزامــن مــع املباحثــات‬ ‫التــي يجريهــا مــع بعــض أطــراف‬ ‫املعارضــة الســورية يف موســكو‪ ،‬ففــي‬ ‫يــوم الجمعــة ‪ 2015/4/10‬أقــدم‬ ‫الطــران الســوري عــى قصــف مدينــة‬ ‫الرقــة‪ ،‬مســتهدفاً املدنيــن أثنــاء صــاة‬ ‫الجمعــة‪ ،‬موقع ـاً ســتة شــهداء بينهــم‬ ‫طفلتــان وســيدتان‪ ،‬ومحدثــاً دمــارا ً‬ ‫يف مواقــع حــارة البياطــرة وحــارة‬ ‫البــدو ومســجد العلــو واإلطفائيــة‪.‬‬ ‫ويف حلــب وعــى مــدى ثالثــة أيــام‬ ‫متتاليــة‪ ،‬وإثــر إطــاق مفتــي األســد‬ ‫(أحمــد بــدر الديــن حســون)‪ ،‬فتوتــه‬ ‫الشــهرية بقصــف املناطــق املحــررة‬ ‫الخاضعــة لســيطرة املعارضــة‪ ،‬التــي‬

‫تنطلــق منهــا قذائــف باتجــاه املناطــق‬ ‫الخاضعــة لقــوات النظــام‪ ،‬وإبــادة‬ ‫ســكانها‪ ،‬تــم توثيــق استشــهاد امــرأة‬ ‫وثالثــة أطفــال قضــوا جــراء قصــف‬ ‫جــوي عــى قريــة العوينــة الكبــرة‪،‬‬ ‫يف ريــف حلــب الجنــويب‪ ،‬كــا طــال‬ ‫القصــف عــددا ً مــن أحيــاء املدينــة‪،‬‬ ‫وأوقــع أكــر مــن عــرة شــهداء جـ ّراء‬ ‫قصــف مدرســة ســعد األنصــاري‪،‬‬ ‫جلهــم مــن األطفــال واملعلمــن‪،‬‬ ‫كــا طــال القصــف أحيــاء املعــادي‪،‬‬ ‫واألنصــاري‪ ،‬وصــاح الديــن‪ ،‬وجــب‬ ‫القبــة‪ ،‬والشــعار‪ ،‬وبــاب النــرب‪ ،‬كــا‬ ‫اســتهدف بالرباميــل املتفجــرة جامــع‬ ‫ســكر يف بســتان القــر‪.‬‬ ‫ويف يــوم ‪ 2015/4/13‬تــم توثيــق‬ ‫استشــهاد ثالثــة أشــخاص كحصيلــة‬ ‫أوليــة‪ ،‬وعــرات الجرحــى تحــت‬ ‫األنقــاض عقــب قصــف جــوي عــى‬

‫حــي بســتان القــر‪ ،‬ومجــزرة يف‬ ‫حــي األنصــاري جـ ّراء قصــف الطــران‬ ‫الحــريب‪ ،‬واستشــهاد ثالثــة مدنيــن‬ ‫ووقــوع عــدة جرحــى إثــر غــارة‬ ‫جويــة للطــران الحــريب عــى حــي‬ ‫بــاب النــرب‪ ،‬وأدت الرتقــاء ســبعة‬ ‫شــهداء مــن عائلــة واحــدة‪ ،‬إضافــة‬ ‫لتهــدم منزلــن يف حــي املعــادي‪ ،‬جـراء‬ ‫اســتهدافه بصــاروخ فراغــي مــن قبــل‬ ‫الطــران الحــريب‪.‬‬ ‫ويف مدينــة إدلــب‪ ،‬كثــف طــران‬ ‫النظــام الحــريب واملروحــي مــن‬ ‫طلعاتــه الجويــة‪ ،‬محدث ـاً دمــارا ً كبــرا ً‬ ‫يف عــدد مــن أحيــاء املدينــة‪ ،‬أدت‬ ‫الرتقــاء ‪ /15/‬شــهيدا ً‪ ،‬ووقــوع عـرات‬ ‫الجرحــى‪ ،‬كــا طــال القصــف مــدن‬ ‫وبلــدات وقــرى ريــف املحافظــة‪.‬‬ ‫حيــث نفــذ الطــران الحــريب أكــر مــن‬ ‫‪ 30‬غــارة جويــة ومروحيــة بالرباميــل‬

‫عــى معــرة النعــان وكوريــن وبنــش وقريــة النــرب‬ ‫وقــرى جبــل الزاويــة ومحيــط معســكر املســطومة‬ ‫وجبــل األربعــن‪.‬‬ ‫وتناقلــت مواقــع النظــام ووســائل إعالمــه املختلفــة‪،‬‬ ‫مــا مفــاده أن الطــران الســوري اســتهدف مواقــع‬ ‫اإلرهابيــن يف موقــع عــدة تســيطر عليهــا قــوى الثــورة‬ ‫واملعارضــة‪ ،‬وأوقعــت يف صفوفهــم قتــى وجرحــى‪،‬‬ ‫علـاً أن كل املواقــع التــي طالتهــا آلــة القتــل األســدية‬

‫أدت الستشــهاد املدنيــن وأحدثــت دمــارا ً شــامالً يف‬ ‫مســاكنهم‪.‬‬ ‫وفيــا يخــص قصــف طــران النظــام ملدينــة إدلــب‬ ‫املحــررة‪ ،‬قــال خالــد الخوجــة‪ ،‬رئيــس االئتــاف‬ ‫الوطنــي لقــوى الثــورة واملعارضــة‪ :‬إن ارتفــاع وتــرة‬ ‫القصــف عــى‫إدلــب خطــة مفضوحــة يعتمدهــا‬ ‫األســد بهــدف نــر القتــل والدمــار‪ ،‬ومنــع املدنيــن‬ ‫مــن تنظيــم إدارة مدنيــة إلدارة عجلــة الحيــاة فيهــا‪‬.‬‬

‫رئيس وفد النظام يف موسكو «اجلعفري» االحتالل اإليراني يكشف عن جتنيد‬ ‫يرفض بتعجرف الكشف عن مصري املعتقلني!‬ ‫مراهقني بسورية‬ ‫رغــم الفشــل املتوقــع مــن قبــل كل الجهــات يف موســكو‪ ،‬فــإن‬ ‫وفــد النظــام برئاســة الجعفــري ممثل االحتــال اإليـراين يتبجح‪،‬‬ ‫ويعــاود إنتــاج أدواتــه اإلرهابيــة‪ ،‬ويرفــض الكشــف عــن مصــر‬ ‫بعــض املخطوفــن واملعتقلــن يف غياهــب ســجونه ومعتقالتــه‪،‬‬ ‫مســتفيدا ً مــن الدعــم الــرويس ألعــال اإلرهــاب التــي يقــوم‬ ‫بهــا‪ ،‬مبشــاركة القــوات االيرانيــة املحتلــة لســورية‪.‬‬ ‫قــال ســمري العيطــة املشــارك يف لقــاء «موســكو ‪ 2-‬التشــاوري»‬ ‫ضمــن وفــد املعارضــة «إن رئيــس وفــد النظــام الســفري بشــار‬ ‫الجعفــري‪ ،‬رفــض اســتالم قوائــم منــه‪ ،‬تضــم أســاء ‪8884‬‬ ‫معتقـاً ومفقــودا ً‪ ،‬ومل يأخــذ مســؤولية ذلــك»‪ ،‬مشـرا ً أن ذلــك‬ ‫جــرى خــال اللقــاء األول بــن الوفديــن أمــس األربعــاء‪.‬‬ ‫وأوضــح «العيطــة» أن «االجتــاع انطلــق بشــكل جيــد‪ ،‬وأن‬ ‫خطــاب الجعفــري كان أفضــل مــن الــذي ســبقه‪ ،‬لكــن مجريات‬ ‫االجتامعــات كانــت ســيئة‪ ،‬نتيجــة التعجــرف الواضــح منــه‪،‬‬ ‫حيــث أضــاع األجنــدة ومل يلتــزم بهــا»‪.‬‬ ‫وأضــاف «العيطــة» أنــه «يف جلســة بعــد الظهــر‪ ،‬قــدم‬ ‫للجعفــري ورقــة تضمنــت نقطتــن‪ ،‬منهــا مــا يتعلــق باملعتقلــن‬ ‫واملفقوديــن‪ ،‬حيــث قــدم لــه قوائــم ملعتقلــن مــن عــدة مــدن‪،‬‬ ‫ومختلــف املناطــق تتضمــن ‪ 8884‬معتقــاً ومفقــودا ً بشــكل‬ ‫مفصــل‪ ،‬مــن بينهــم نســاء وغريهــم يف مختلــف املناطــق»‪.‬‬ ‫وبحســب «العيطــة» فــإن الطلــب الــذي وجــه للجعفــري‬ ‫كان املســاعدة عــن كشــف مصــر هــؤالء‪ ،‬إال أنــه رفــض‬ ‫اســتالم القامئــة‪ ،‬وتســاءل «العيطــة»‪« :‬إذا مل يأخــذ الجعفــري‬ ‫مســؤولية ذلــك‪ ،‬فكيــف ميكــن تثبيــت آليــة للتعامــل مــع‬ ‫النظــام‪ ،‬وأن ذلــك أمــر غريــب»‪ ،‬مضيفـاً أن «الجعفــري أهانــه‬ ‫يف الوقــت الــذي كان فيــه يتحــدث معــه بــأدب‪ ،‬مخاطبـاً إيــاه‬ ‫ســيادة الســفري‪ ،‬مبينـاً أنــه حريــص يف كالمــه دومـاً عــى رضورة‬ ‫الحفــاظ عــى الدولــة والجيــش الســوري‪ ،‬والبحــث عــن آليــات‬ ‫حتــى الوصــول إىل يــوم يكافحــون فيــه تنظيــم داعــش «مــا‬ ‫يســمى تنظيــم الدولــة اإلســامية»‪ ،‬مشــددا ً أنــه «توقــع أن‬ ‫يكــون الجعفــري أكــر تهذيبــا»‪.‬‬ ‫وكانــت جلســات لقــاء «موســكو ‪ 2-‬التشــاوري» قــد بــدأت‬ ‫بلقــاء بــن أعضــاء وفــد املعارضــة ‪ -‬يف مبنــى معهــد االســترشاق‬ ‫الــرويس التابــع لــوزارة الخارجيــة الروســية ‪ -‬مبشــاركة ‪33‬‬ ‫شــخصاً‪ ،‬وســط غيــاب كبــر للعديــد مــن شــخصيات املعارضــة‬ ‫الســورية املعروفــة‪ ،‬ومقاطعــة عــدد مــن كياناتهــا وتشــكيالتها‪،‬‬ ‫وبخاصــة االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة واملعارضــة الســورية‬ ‫وكافــة مكوناتــه‪.‬‬ ‫وانســحب «محمــد رحــال» ‪ -‬رئيــس املؤمتــر الوطنــي الســوري‬ ‫األول ‪ -‬مــن اجتامعــات اليــوم األخــر مــن لقــاء «موســكو ‪2-‬‬ ‫التشــاوري»‪ ،‬وذلــك «بعــد لقــاء وفــد املعارضــة مــع وفــد مــن‬ ‫نظــام األســد‪ ،‬معتـرا ً أن متثيــل املعارضــة غــر صحيــح‪ ،‬وأن وفــد‬ ‫النظــام غــر جــاد‪ ،‬ومل يقــدم شــيئاً‪.‬‬

‫وكان رحــال قــد أشــار إىل أن بشــار الجعفــري أظهــر ضمــن‬ ‫األوراق والوثائــق التــي كان يحملهــا؛ صــورة لــه وهــو «يحمــل‬ ‫ســاحاً»‪ .‬كــا أظهــر الجعفــري وثائــق قــال بأنهــا تثبــت تقديــم‬ ‫النظــام أســلحة وأمــواالً لقــوات حــزب االتحــاد الدميقراطــي‬ ‫الكــردي (‪ ،)PYD‬ثــم توجــه إىل أعضــاء وفــد املعارضــة بالقــول‪:‬‬ ‫«بإمكانكــم أن تأخذوهــا وتصوروهــا»‪.‬‬ ‫ويبــدو أن اللقــاءات الجاريــة يف موســكو ســتنتهي بالفشــل‬ ‫كاالجتامعــات التــي عقــدت بــن وفــدي املعارضــة والنظــام يف‬ ‫الفــرة مــن ‪ 26‬إىل ‪ 29‬فرباير‪/‬شــباط املــايض دون أن يتمخــض‬ ‫عنهــا يشء يخــص القضيــة الســورية‪ ،‬حيــث اعتــر بعــض‬ ‫املعارضــن أن اللقــاء هــو بــن وفــد النظــام وبــن شــخصيات‬ ‫معارضــة مــن أجــل النظــام وليــس ضــده‪.‬‬ ‫ويذكــر بــأن موســكو تحــاول املتاجــرة بدمــاء الشــعب الســوري‬ ‫بعقــد مثــل هكــذا مؤمتــرات اســتعراضية ليســتمر ســفك‬ ‫الدمــاء الســورية عــى األرض الســورية مبشــاركة مــن حليفتــه‬ ‫قــوات االحتــال االيرانيــة‪ ،‬وذلــك لتخفيــف الضغــط عليهــا مــن‬ ‫الحصــار األوريب والغــريب ومحاولــة منهــا ملقايضــة املوقــف يف‬ ‫ســورية مبوقــف غــريب تجــاه بوتــن ورشعيتــه املهتــزة نتيجــة‬ ‫تعطشــه للهيمنــة والســيطرة بشــكل صــار يشــكل خطـرا ً كبـرا ً‬ ‫عــى الــدول األخــرى ومنهــا ســورية!‬

‫االحتــال اإلي ـراين لســورية يطــور أدواتــه العدوانيــة‪ ،‬ويعمــل عــى تجنيــد املراهقــن واألطفــال للقتــال يف ســورية‪،‬‬ ‫وتســتغل إي ـران وجــود ع ـرات ألــوف الالجئــن األفغــان واألذربيجــان لتجنيدهــم للقتــال يف ســورية‪ ،‬وتحــت رايــة‬ ‫الحــرس الثــوري اإلي ـراين‪ ،‬والنظــام املتواطــئ‪ ،‬والــذي يحلــم بتحويــل ســورية إىل محميــة إيرانيــة‪ ،‬وقاعــدة متقدمــة‬ ‫لنظــام املــايل الذيــن يعتمــدون سياســات التجييــش باألحقــاد الطائفيــة‪ ،‬لتدمــر املنطقــة العربيــة‪ ،‬وجعلهــا مجــرد‬ ‫تابــع مــن توابــع مــا يدعــى اإلمرباطوريــة الفارســية‪-‬الصفوية‪.‬‬ ‫وكشــف مستشــار القائــد العــام للحــرس الثــوري اإليـراين ونائــب مقــر اإلمــام الحســن‪ ،‬العميــد حســن همــداين‪ ،‬عــن‬ ‫تجنيــد املراهقــن يف ســورية عــر إنشــاء مجموعــات جديــد باســم «كشــاب» التــي تهــدف إىل «التعليــم العقائــدي»‬ ‫للمراهقــن واألطفــال مــن أجــل الجهوزيــة للتضحيــة يف طريــق العقيــدة (الطائفيــة العدوانيــة)‪.‬‬ ‫وأشــار العميــد حســن همــداين املقــرب مــن الرئيــس اإلي ـراين حســن روحــاين‪ ،‬يف حديثــه لوكالــة «دفــاع مقــدس»‬ ‫التابعــة للحــرس الثــوري أمــس‪ ،‬إىل تدابــر الحــرس فيــا أســاها اســتعادة الــروح النضاليــة واملقاومــة يف ســورية‪،‬‬ ‫وقــال إن محاوالتهــم تتمحــور حــول تنشــيط املراكــز الثقافيــة والتجنيــد الشــعبي للنضــال واملقاومــة‪.‬‬ ‫وأكــد العميــد حســن همــداين الــذي يعتــر أحــد أبــرز مرشــحي منصــب قيــادة «فيلــق القــدس» بــدالً مــن قاســم‬ ‫ســليامين‪« ،‬نحــن مل نحــاول هندســة ســلوكيات ومبــادئ الشــعب أو اســتخدام أســاليب التصميــم لهــذا الغــرض‪ ،‬ولكــن‬ ‫اتخذنــا اإلجـراءات الالزمــة لتثبيــت ســلوك الشــعب عــى أســاس الوحــدة والكرامــة والعــزة»‪.‬‬ ‫وأشــار إىل نشــاط الحــرس الثــوري مــن أجــل زيــادة املعنويــة والوحــدة والتامســك يف ســورية‪ ،‬وقــال‪« ،‬تــم تشــكيل‬ ‫مجموعــات باســم «كشــاب للمراهقــن» حتــى نتمكــن مــن نقــل نوايانــا لهــم بشــكل أكــر وضوحـاً‪ .‬ولحســن الحــظ‬ ‫وبعمــل دؤوب وصلنــا اليــوم إىل النقطــة حيــث أصبــح املعمــم الشــاب اإليـراين محــورا ً للنشــاط الثقــايف والعقائــدي‬ ‫يف حلــب»‪.‬‬ ‫واعتــر مستشــار القائــد العــام للحــرس الثــوري تصديــر مــا ســاها «ثقافــة الدفــاع املقــدس» (وهــي إشــارة إىل‬ ‫الحــرب اإليرانيــة والعراقيــة) وإنشــاء الباســيج مــن أهــم انجــازات إي ـران يف ســورية‪ ،‬وقــال إن «املــؤرشات تؤكــد أن‬ ‫ثقافــة الدفــاع املقــدس أصبحــت منوذجـاً ناجحـاً لــدى الشــباب واملراهقــن الســوريني مــن أجــل التضحيــة يف طريــق‬ ‫العقيــدة»‪.‬‬ ‫وتقــدم إيـران الدعــم للنظــام يف ســورية‪ ،‬وذكــر مصــدر يف املعارضــة الســورية أن هنــاك أكــر مــن ‪ 600‬مقاتــل إيـراين‬ ‫يف منطقــة جنــوب ســورية وحدهــا‪ ،‬وأن إيـران مل تعــد تخفــي نشــاطها العســكري يف ســورية‪.‬‬ ‫وفيــا يتعلــق بتزايــد عــدد قتــى أعضــاء الحــرس الثــوري وامليليشــيات الشــيعية األفغانيــة والباكســتانية يف ســورية‪،‬‬ ‫أعلــن موقــع «ديغربــان» املقــرب مــن اإلصالحيــن أمــس أنــه تــم دفــن ‪ 16‬مقاتـاً إيرانيـاً وأفغانيـاً لقــوا حتفهــم يف‬ ‫ســورية خــال األيــام القليلــة املاضيــة‪.‬‬ ‫ويف ســياق التزايــد غــر املســبوق يف الترصيحــات اإلعالميــة بــن املســؤولني اإليرانيــن واألمريكيــن‪ ،‬واملتفقــن عــى‬ ‫إلحــاق املزيــد مــن الدمــار بالعــرب‪ ،‬كتبــت صحيفــة «نيويــورك تاميــز» األمريكيــة أن اسـراتيجية الواليــات املتحــدة يف‬ ‫العـراق أصبحــت تعتمــد عــى إيـران بشــكل متزايــد‪.‬‬ ‫ويف تجاهــل واضــح لــدور الشــعب العراقــي كتبــت الصحيفــة األمريكيــة أن املصممــن الحربيــن األمريكيــن يرصــدون‬ ‫مــن قريــب حــرب إيـران ضــد مــا يســمى تنظيــم «الدولــة اإلســامية» عــر قنــوات مختلفــة‪ ،‬وأن اسـراتيجية أمريــكا‬ ‫بــدأت تنتــر يف العـراق بســبب دعــم إيـران لهــا‪.‬‬ ‫وبــدوره أفــاد موقــع «أتالنتيــك» يف ‪ 2‬مــارس‪ /‬آذار املــايض‪ ،‬أن رئيــس األركان املشــركة للجيــش األمريــي‪ ،‬الج ـرال‬ ‫مارتــن دميبــي‪ ،‬قــال‪« ،‬نحــن نعتقــد أن إي ـران هــي الفاعــل العقــاين»‪.‬‬ ‫الفاعل العقالين طبعا يف تدمري البالد العربية‪ ،‬وبلدنا سورية كام تفعل اآلن يف احتاللها الوحيش لسورية‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫‪3‬‬

‫داعش يصادر بيوت املدنيني يف الرقة‬ ‫ُته��م املص��ادرة‪ :‬ال��ردة ومناص��رة النظ��ام واالنضم��ام للجي��ش احل��ر‬ ‫الرقة تذبح بصمت‬

‫بعــد هجــرة العديــد مــن املقاتلــن مــن جميــع أنحــاء‬ ‫العــامل وانضاممهــم لتنظيــم داعــش بــدأ يعــاين التنظيــم‬ ‫عــدة مشــاكل يف تأمــن منــازل لهــؤالء املهاجريــن الجــدد‪،‬‬ ‫وخصوصــاً يف مراكــز املــدن األساســية بســبب االزدحــام‬ ‫الشــديد الــذي تشــهده‪ ،‬ويف الوقــت الــذي تــرك فيــه أغلــب‬ ‫أهــايل تلــك املــدن بيوتهــم والذوا بالفــرار خــارج مناطــق‬ ‫التنظيــم دفــع هــذا األمــر تنظيــم داعــش إىل مصــادرة‬ ‫بيــوت العديــد منهــم تحــت حجــج واهيــة‪ ،‬منهــا أن‬ ‫صاحــب البيــت كان يــدرس لــدى النظــام الســوري الــذي‬ ‫يعتــر نظامـاً نصرييـاً كافـرا ً‪ ،‬أو أن مالــك البيــت مرتــد كونــه‬ ‫كان مقاتــاً يف صفــوف الجيــش الحــر حتــى لــو اعتــزل‬ ‫القتــال أو كان ميتـاً أو خــارج ســورية‪ .‬ومل يقتــر األمــر عــى‬ ‫هــذا الحــد‪ ،‬فقــد قــام التنظيــم بطــرد العديــد مــن املدنيــن‬ ‫بحجــة أن بيوتهــم قامــوا برشائهــا مــن رواتبهــم التــي كانــوا‬ ‫يتقاضونهــا مــن نظــام األســد‪.‬‬ ‫يعتمــد تنظيــم داعــش خططـاً معينــة يف مرشوعــه الجديــد‬ ‫القائــم عــى احتــال البيــوت‪ ،‬وإســكان عنــارصه فيهــا حيــث‬ ‫تــأيت األوليــة للمقاتلــن األجانــب (املهاجريــن)‪ ،‬وخصوص ـاً‬ ‫مــن الجنســية األمريكيــة والربيطانيــة والفرنســية‪ ،‬ثــم تليهــا‬ ‫باقــي الجنســيات األجنبيــة مــن دول االتحــاد األورويب‬ ‫واس ـراليا واألمريكيتــن‪ ،‬ومــن ثــم املقاتلــن األجانــب مــن‬

‫قــاريت آســيا وأفريقيــا‪ ،‬وباقــي البلــدان‪ ،‬ويــأيت يف املرتبــة‬ ‫األخــرة املقاتلــون املحليــون مــن املحافظــات الســورية‬ ‫املتعــددة‪ ،‬ويذكــر أن التنظيــم قــام مبصــادرة العديــد مــن‬ ‫البيــوت الفخمــة والفيــات‪ ،‬وأغلبهــا ملدنيــن كانــوا أو مــا‬ ‫زالــوا يشــغلون مناصــب يف النظــام الســوري حتــى قبــل‬ ‫انــدالع الثــورة‪ ،‬إضافــة ملصــادرة بيــوت جميــع مــن هــم مــن‬ ‫الطائفــة العلويــة ومــن املســحيني الذيــن مل يقومــوا بدفــع‬ ‫الجزيــة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويف حديــث أجرينــاه مؤخــرا يــروي لنــا محمــد الــذي‬ ‫رفــض اإلفصــاح عــن كنيتــه‪ :‬كان والــدي ضابط ـاً يف الجيــش‬ ‫الســوري‪ ،‬وقــد تقاعــد مــن عملــه‪ ،‬وتــويف قبــل انطــاق‬ ‫الثــورة الســورية لكــن تنظيــم داعــش داهــم املنــزل وقــام‬ ‫بطردنــا‪ ،‬ومل يســمح لنــا بأخــذ أي يشء مــن املنــزل بعــد‬ ‫أن قامــوا باتهــام والــدي بالــردة‪ ،‬ومنــارصة الكفــار عــى‬ ‫املســلمني وهــو تحــت الــراب‪ ،‬لنصبــح أنــا وعائلتــي بــا‬ ‫مــأوى‪.‬‬ ‫ويعتمــد التنظيــم عــدة طــرق يف مصــادرة املنــازل‪ ،‬فالفــارغ‬ ‫منهــا يصــادر بخلــع البــاب واحتاللــه مبــارشةً‪ ،‬واملســكون‬ ‫يقومــون بطــرد ســكانه بعــد تلفيــق التهــم املتعــددة‬ ‫ليقومــوا برميهــم يف الشــارع وإســكان عائلــة مهاجــرة فيــه‪.‬‬ ‫تلــك املصــادرات الجديــدة التــي يقــوم بهــا التنظيــم دفعــت‬ ‫العديــد مــن األم ـراء والعنــارص يف حــال أعجبهــم أي منــزل‬

‫بخلــق األكاذيــب والتهــم الواهيــة ملصادرتهــا واحتاللهــا‪،‬‬ ‫إضافــة لتوظيــف التنظيــم العديــد مــن املدنيــن الذيــن‬ ‫تقتــر مهمتهــم عــى إبــاغ التنظيــم يف حــال تواجــد أي‬ ‫منــزل تنطبــق عليــه مواصفــات االحتــال‪.‬‬ ‫وعنــد ســؤالنا ألحمــد وهــو شــاب مقيــم يف تركيــا عــن‬ ‫املوضــوع ذاتــه أجابنــا قائ ـاً‪ :‬قــام تنظيــم داعــش مبصــادرة‬ ‫بيتنــا أثنــاء تواجــدي أنــا وعائلتــي خــارج ســورية حتــى‬ ‫نقــوم مبراجعتهــم وحــن قــام والــدي مبراجعتهــم أعــادوا‬ ‫املنــزل لكــن وجــده خاليــاً مــن كل األثــاث‪.‬‬ ‫بعــد إصــدار التنظيــم عــدة قــرارات تفــرض عــى بعــض‬ ‫الفئــات مــن املدنيــن الحضــور إىل دور االســتتابة التابعــة‬ ‫للتنظيــم لتقديــم التوبــة‪ ،‬ومــن يتخلــف عنهــا يكــون قــد‬ ‫أقـ ّر بردتــه حســب مزاعمهــم‪ ،‬وأصبــح مالــه وعرضــه حــاالً‬ ‫للتنظيــم‪ ،‬وهــذه وســيلة جديــدة ملصــادرة البيــوت ألن‬ ‫أغلــب املشــمولني بهــذه القــرارات هــم أساســاً مقيمــون‬ ‫خــارج محافظــة الرقــة‪ ،‬وال يســتطيعون العــودة إليهــا‪ ،‬نذكــر‬ ‫منهــم الصيادلــة ‪ -‬املدرســن ‪ -‬بعــض التجــار‪.‬‬ ‫أمــا الفئــة الكبــرة التــي قــام التنظيــم مبصــادرة بيوتهــا‬ ‫فهــي عنــارص الجيــش الحــر الذيــن خرجــوا مــن الرقــة بعــد‬ ‫املعــارك مــع تنظيــم داعــش وســيطرة األخــر عليهــا‪.‬‬ ‫وتعــد هــذه املامرســات احتــاالً واضحـاً للمدينــة‪ ،‬والســعي‬ ‫وراء طمــس الهويــة الســورية‪ ،‬وصبــغ املدينــة بالســواد‬

‫املواطنة الفاعلة ورشة تدريبية يف مدينة شانلي أورفا‬

‫«منصــة تشــارك وتبــادل املــوارد» تلــك هــي رؤيــة‬ ‫«منظمــة درب» مــن خــال الورشــة التــي أقامتهــا بالتعــاون‬ ‫مــع منظمــة «بيــت الرقــة لــكل الســوريني»‪ ،‬والتي اســتمرت‬ ‫عــى مــدار أربعــة أيــام متواصلــة‪ ،‬بحضــور فاعل للمشــاركني‬ ‫مــن الشــباب املتطوعــن‪ ،‬والتــي تهــدف إىل متكــن األف ـراد‬ ‫واملجتمعــات مــن مامرســة دورهــم يف تعميــق الوعــي وبنــاء‬ ‫الجســور‪ ،‬وذلــك ضمــن برنامــج مــدروس بدقــة‪ ،‬ومــوزع‬ ‫عــى ســاعات النهــار بــدءا ً مــن الســاعة الحاديــة عــر‬ ‫وحتــى الخامســة مســا ًء‪.‬‬ ‫الســاعة األوىل يف اليــوم األول كانــت للتعــارف تالهــا رؤيــة‬ ‫منظمــة درب للربنامــج‪ ،‬املواطــن الفاعــل يف املجتمــع‬ ‫وكيفيــة تطويــر دوره لنصــل إىل مجتمــع يتصــف بالحــوار‬ ‫والتعايــش الســلمي‪ ،‬وكيفيــة تطويــر تأثــر هــذه الفاعليــة‬ ‫لتنتقــل مــن التأثــر املحــي إىل العاملــي‪ ،‬التدريبــات العمليــة‬ ‫وإرشاك املتدربــن والناشــطني يف إبــداء تصوراتهــم حــول كل‬ ‫مواضيــع الورشــة كان الســمة األبــرز التــي حــاول الســادة‬ ‫املدربــون الرتكيــز عليهــا مــع إعطــاء الفرصــة الكاملــة لــكل‬ ‫متــدرب إلبــداء مــا يعتقــده صحيحــاً‪ ،‬ليتــم يف النهايــة‬ ‫تجميــع كل اآلراء واملقرتحــات والتصــورات‪ ،‬ومناقشــتها مــع‬ ‫الجميــع‪.‬‬

‫يف اليــوم الثــاين افتتحــت الورشــة بعنــوان «نهــر املواطنــة»‪،‬‬ ‫حيــث ق ُّســم املتدربــون إىل مجموعــات‪ ،‬وكل مجموعــة‬ ‫تشــاركت الــرأي حــول «تحديــد الهويــة – مــن أنــا»‪ ،‬ثــم‬ ‫آليــات الحــوار وأدواتــه للمجموعــة الثانيــة‪ ،‬املواطنــة‬ ‫املحليــة والعامليــة «نحــن» كان مــن نصيــب املجموعــة‬ ‫الثالثــة‪ ،‬واملجموعــة األخــرة كان موضوعهــا «املشــاريع‬ ‫وكيفيــة اســتمرارها»‪ ،‬وتــم مناقشــة اآلراء واملقرتحــات التــي‬ ‫وضعــت مــن قبــل املشــاركني‪ ،‬ووضــع األدوات املســاعدة‬ ‫لتحقيــق تلــك اآلراء عــى قاعــدة تضمــن نجــاح هــذه‬ ‫التصــورات مســتقبالً للنهــوض باملجتمــع املــدين نحــو‬ ‫األفضــل‪ ،‬حــوار ثــري ومثمــر بــن املجموعــات مــن جهــة‪،‬‬ ‫ومــع املدربــن مــن جهــة أخــرى زرع يف النفــوس مبــدأ‬ ‫تقبــل اآلخــر والحــوار معــه‪.‬‬ ‫اليــوم الثالــث كان مميـزا ً مــن حيــث املواضيع التــي طُرحت‪،‬‬ ‫والنشــاطات التشــاركية العمليــة التــي أغنــت الورشــة مبزيــد‬ ‫مــن التفاعــل الهــادف إىل إرشاك كل رشائــح املجتمــع املــدين‬ ‫يف عمليــة بنــاء املجتمــع‪ ،‬فمــن املــرح التفاعــي حيــث‬ ‫شُ ــكلت حلقــة دائريــة مــن املتدربــن شــارك فيهــا الجميــع‬ ‫بقصــة تبــدأ مــن كلمــة ليتابعهــا اآلخــر بجملــة مكملــة يف‬ ‫نهايــة الحلقــة الدائريــة‪ ،‬إضافــة إىل إغنــاء موضــوع أســايس‬

‫وهــو «الهويــة»‪ ،‬والرتكيــز عــى مبــدأ هويتــي هــي مــا‬ ‫مييــزين‪ ،‬مــع الرتكيــز عــى التمســك باالفرتاضــات برفــق كــون‬ ‫املجتمــع يتكــون مــن عدســات عديــدة‪ ،‬حيــث مــا أراه أنــا‬ ‫يختلــف عــا تـراه أنــت‪ ،‬ومــن األمثلــة عــى ذلــك لــو قمنــا‬ ‫اآلن بتشــكيل دائــرة مــن األشــخاص وضعنــا حــرف «‪»W‬‬ ‫يف منتصفهــا ســرى هــذا الحــرف كل شــخص مــن زاويــة‬ ‫رؤيتــه‪ ،‬فهــو رقــم أربعــة بالنســبة يل بينــا للــذي يقابلنــي‬ ‫ي ـراه رقــم ‪ 3‬وكذلــك مــن زاويــة أخــرى‪ ،‬فهــو حــرف ميــم‪،‬‬ ‫وهكــذا‪.‬‬ ‫يف هــذا اليــوم حــر الســيد رئيــس مجلــس إدارة منظمــة‬ ‫بيــت الرقــة لــكل الســوريني‪ ،‬وقـ ّدم للحضــور رشحـاً موجـزا ً‬ ‫عــن بيــت الرقــة‪ ،‬ونشــاطاته خــال تأسيســه‪ ،‬يف اليــوم‬ ‫الرابــع واألخــر طرحــت فكــرة «جــدار العظمــة»‪ ،‬وتعريــف‬ ‫املواطنــة املحليــة والعامليــة‪ ،‬وكيفيــة نقــل تأثريهــا عاملي ـاً‪،‬‬ ‫التفكــر املنظومــي للمجتمــع كان األكــر تشــاركية كخارطــة‬ ‫وطــن‪ ،‬فقــد رســمت كل مجموعــة املدينــة التــي تنتمــي‬ ‫إليهــا بشــوارعها وحواريهــا‪ ،‬وهــي تحفيــز للذاكــرة‪ ،‬لوطــن‬ ‫غادرنــاه ومل يغــادر ذاكرتنــا‪ ،‬يف «املقهــى العاملــي» النشــاط‬ ‫األكــر حركــة وديناميكيــة‪ ،‬حيــث تق ّمــص املدربــون دور‬ ‫صاحــب وعــال املقهــى‪ ،‬وقدمــوا الخدمــات للمجموعــات‬ ‫املوزعــة عــى طاوالتهــم‪ ،‬بينــا وضُ عــت عــى كل طاولــة‬ ‫لوحــة فيهــا ســؤال يتــم اإلجابــة عليــه مــن املجموعــات‬ ‫الخمــس‪ ،‬عــن طريــق التبــادل بــن الطــاوالت يف كل فــرة‬ ‫زمنيــة محــددة‪ ،‬مــا هــو اســم ســوريا الجديــدة‪ ،‬وموضــوع‬ ‫الهجــرة‪ ،‬والشــباب‪ ،‬ومناهــج التعليــم‪ ،‬كل هــذه األســئلة تــم‬ ‫تداولهــا بجــو مــن الحريــة يف التعبــر‪ ،‬واختــاف الــرؤى بــن‬ ‫املشــاركني‪ ،‬لكــن الهــدف قــد تحقــق وهــو جلوســهم عــى‬ ‫طاولــة واحــدة‪ ،‬وطــرح أفكارهــم ومناقشــتها فيــا بينهــم‪،‬‬ ‫رغــم تنــوع اآلراء إال أنهــا تتقاطــع يف نقــاط معينــة نتخذهــا‬ ‫ركيــزة للحــوار‪.‬‬ ‫املوضــوع األخــر كان فكــرة املشــاريع ومناقشــتها مــن‬ ‫حيــث أهميتهــا والهــدف الــذي أحدثــت مــن أجلــه‪ ،‬ومــدى‬ ‫تأثــر هــذه املشــاريع واســتدامتها وتأثريهــا عــى املجتمــع‪،‬‬ ‫ويف الختــام وزعــت الشــهادات عــى املتدربــن كافــة‪.‬‬ ‫توجهنــا بســؤال لبعــض مــن حــروا الورشــة عــن مــدى‬ ‫أهميــة املواضيــع التــي طرحــت‪ ،‬ومــا هــي االســتفادة منهــا‬ ‫مســتقبالً‪ ،‬املتــدرب ن ـزار مصطفــى قــال‪ :‬أعتقــد أن الورشــة‬ ‫كانــت يف غايــة األهميــة مــن خــال تركيزهــا عــى الجانــب‬ ‫العمــي‪ ،‬ليــس كــا أعتدنــا ســابقاً اعتــاد الجوانــب النظرية‬ ‫فقــط‪ ،‬بــل بتواجــد املدربــن الرائعــن‪ ،‬الــذي أفســح لنــا‬ ‫املجــال ملناقشــة أفكارنــا بعيــدا ً عــن الحساســية التــي أعتدنــا‬

‫واإلرهــاب والتكفــر وتهجــر أبنــاء الرقــة األصليــن‪ ،‬وتوطــن‬ ‫العديــد مــن املهاجريــن األجانــب‪ ،‬وتوفــر جميــع جوانــب‬ ‫الرفاهيــة لهــم ليســتمروا يف دعــوة أصدقائهــم وأقربائهــم‬ ‫للهجــرة واالنضــام للتنظيــم‪ .‬هكــذا يبقــى جــرح املدينــة‬ ‫نازف ـاً بعــد ابتعــاد وتهجــر أهلهــا منهــا‪.‬‬

‫عروة المهاوش‬ ‫عليهــا يف الورشــات الســابقة‪ ،‬أشــكر منظمــة بيــت الرقــة‬ ‫لــكل الســوريني التــي قبلــت الجميــع بتنوعهــم‪ ،‬وأمتنــى أن‬ ‫تســتمر عــى هــذا النهــج‪.‬‬ ‫فيــا أفادنــا املتدرب رشــاد‪ ،‬قائـاً‪ :‬طريقة جديــدة للتدريب‪،‬‬ ‫كان التفاعــل فيهــا إيجابي ـاً بــن املتدربــن واملدربــن‪ ،‬رغــم‬ ‫أن هنــاك بعــض الهــدر مــن الوقــت‪ ،‬وكان يجــب إعطــاء‬ ‫بعــض املواضيــع وقتـاً إضافيـاً‪ ،‬هــذا يــدل عــى ســعة صــدر‬ ‫املدربــن أوالً وإعطــاء الفرصــة للجميــع يف ابــداء الــرأي‪،‬‬ ‫أعتقــد أن منظمــة بيــت الرقــة‪ ،‬ورغــم اإلمكانــات املتواضعــة‬ ‫أدت دورهــا بشــكل جيــد‪ ،‬وكنــت أمتنــى أن تكــون القاعــة‬ ‫مــزودة بالوســائل التدريبيــة التقنيــة الحديثــة‪.‬‬ ‫بقــي أن نشــر إىل الخطــوة اإليجابيــة التــي قامــت بهــا مجلة‬ ‫الحرمــل ممثلــة باألديــب بســام البليبــل رئيــس مجلــس‬ ‫اإلدارة‪ ،‬مــن خــال تكريــم الســادة املدربــن بشــهادات‬ ‫شــكر وتقديــر عــى مجهودهــم وتفانيهــم يف العمــل املــوكل‬ ‫اليهــم‪ ،‬ومــا ملســوه مــن أهميــة الورشــة يف وضــع الخطــوات‬ ‫الصحيحــة لبنــاء ســورية التعدديــة الدميقراطيــة‪.‬‬


‫‪4‬‬ ‫فاينانش��ال تاميز‪ :‬من هو قاس��م س��ليماني؟!‬ ‫حرمل الصحافة‬

‫«صــوره تليــق بنجــم ســيناميئ‪ ،‬لكنــه‬ ‫فاعــل يف حــرب تجــري عــى أرض الواقــع‪.‬‬ ‫عينــاه البارزتــان كلهــا تهديــد حينــا يكــون‬ ‫مبيــدان املعركــة‪ ،‬لكــن أســارير وجهــه تــرق‬ ‫حينــا يقــوم بتفقّــد الوحــدات العســكرية»‪،‬‬ ‫بهــذه العبــارات افتتحــت صحيفــة «فاينانشــال‬ ‫تاميــز» مقــاالً لها حــول الجرنال قاســم ســليامين‪،‬‬ ‫الــذي يتزعــم فيلــق القــدس‪ ،‬وهــي فرقــة نخبــة‬ ‫تابعــة لحــرس الثــورة اإلســامية‪ ،‬والــذي يعــد‬ ‫حســب املقــال‪ ،‬أهــم ســاح بيــد الجمهوريــة‬ ‫اإلســامية اإليرانيــة لتوســيع نفوذهــا مبنطقــة‬ ‫الــرق األوســط‪.‬‬ ‫وحســب مقــال «فاينشــال تاميــز»‪ ،‬فــإن‬ ‫ســليامين‪ ،‬الــذي كان يفضّ ــل يف املايض االشــتغال‬ ‫يف الظــل‪ ،‬خــرج أخــرا ً إىل العلــن‪ ،‬مــع مــا‬ ‫حملــه ذلــك مــن انتقــادات ملــدى مقدرتــه‬ ‫عــى تنفيــذ االســراتيجية الخارجيــة إليــران‪.‬‬ ‫هــذا الخــروج للعلــن‪ ،‬شــمل كذلــك وبطريقــة‬ ‫تثــر االســتغراب اســتخدام هــذا األخــر بشــكل‬

‫مكثــف ملوقــع «انســتغرام» لتبــادل الصــور‪،‬‬ ‫وهــو مــا ســ ّهل عــى اإليرانيــن ووكاالت‬ ‫االســتخبارات يف العــامل أجمــع التعــرف عــى‬ ‫األماكــن التــي يــردد إليهــا‪.‬‬ ‫ووصــف املقــال ســليامين بالحليــف املقـ ّرب من‬ ‫آيــة اللــه عــي خامنئــي‪ ،‬وبأنــه يديــر تنظي ـاً‬ ‫يضــم وحــدات مــن القــوات الخاصــة وعمالء يف‬ ‫االســتخبارات‪ ،‬فض ـاً عــن كــون معظــم الــدول‬ ‫املجــاورة إليـران تعتــره الســبب األول وراء كل‬ ‫الويــات التــي يتخ ّبــط فيهــا الــرق األوســط‪.‬‬ ‫ال أحــد يعلــم الســبب وراء خروجــه إىل العلــن‪،‬‬ ‫غــر أن إيــران تســعى مــن خــال تســليط‬ ‫الضــوء عليــه‪ ،‬ودوره يف قيــادة املليشــيات‬ ‫الشــيعية بالعــراق وســورية‪ ،‬إىل التطبيــل‬ ‫والتهليــل لنفوذهــا اإلقليمــي‪.‬‬ ‫كــا توقــف املقــال بشــكل مســتفيض عنــد‬ ‫التحـ ّول الــذي عرفتــه شــخصية ســليامين‪ ،‬بعدما‬ ‫كان يفضّ ــل االشــتغال يف الظــل واالبتعــاد عــن‬ ‫أضــواء وســائل اإلعــام‪ ،‬لينتقــل قبــل عــام‬

‫فقــط إىل الظهــور بشــكل علنــي‪ ،‬بعدمــا‬ ‫أصبحــت صــوره تظهــر بشــكل متــوا ٍل‬ ‫بوســائل اإلعــام اإليرانيــة‪.‬‬ ‫املقــال أوضــح كذلــك أال أحــد يعلــم عــى‬ ‫وجــه التحديــد الســبب وراء خروجــه‬ ‫إىل العلــن‪ ،‬غــر أنــه أشــار إىل أن إيــران‬ ‫تســعى مــن خــال تســليط الضــوء عليــه‪،‬‬ ‫ودوره يف قيــادة املليشــيات الشــيعية‬ ‫بالع ـراق وســورية‪ ،‬إىل التطبيــل والتهليــل‬ ‫لنفوذهــا اإلقليمــي‪ ،‬ال ســيام أن جميــع‬ ‫الخطــوات التــي يقــوم بهــا ســليامين مدروســة‬ ‫بعنايــة شــديدة‪.‬‬ ‫غــر أن هــذا الخــروج إىل العلــن كانــت‬ ‫لــه تداعيــات ســلبية‪ ،‬فبعــد فشــل الحملــة‬ ‫العســكرية التــي تدعمهــا إيـران بالعـراق لطــرد‬ ‫مقاتــي الدولــة اإلســامية‪ ،‬ودخــول القــوات‬ ‫الجويــة األمريكيــة عــى الخــط‪ ،‬اضطــر ســليامين‬ ‫ملغــادرة تكريــت‪ ،‬وو ّجهــت لهــذا األخــر‬ ‫انتقــادات بأنــه مل يكــن قــادرا ً عــى تحريــر‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫املدينــة العراقيــة‪.‬‬ ‫ويف مــا يخــص التدخــل العســكري للتحالــف‬ ‫العــريب لصــد تقــدم الحوثيــن باليمــن‪ ،‬ذكــرت‬ ‫الصحيفــة أنــه قــد متــت الســخرية من ســليامين‬ ‫عــى مواقــع التواصــل االجتامعــي‪ ،‬حيــث جــرى‬ ‫نــر صــورة غــر حقيقيــة لــه بالقــرب مــن‬ ‫رائــد فضــاء‪ ،‬وبالقــرب منهــا التغريــدة التاليــة‪:‬‬ ‫«آخــر مــرة رأينــاه فيهــا كان بالقمــر‪ ،‬وكان‬ ‫متجه ـاً نحــو اليمــن»‪.‬‬ ‫ويذكــر بــأن عاصفــة الحــزم وضعــت حــدا ً‬

‫ألســطورة قاســم ســليامين‪ ،‬وجعلــت صحفــاً‬ ‫كثــرة تتنــاول مهــازل اإلمرباطوريــة الخمينيــة‬ ‫املزعومــة‪ ،‬وســيضع الشــعب الســوري نهايــة‬ ‫أكيــدة للتغلغــل اإليـراين يف املنطقــة‪ ،‬فالشــعب‬ ‫الســوري وثورتــه يرفضــان االحتــال اإليــراين‬ ‫مهــا كانــت مســمياته وتجلياتــه‪ ،‬فالتاريــخ‬ ‫البغيــض للمامرســات اإليرانيــة يف ســورية‪،‬‬ ‫جعلــت الشــعب الســوري يضــع إيــران‬ ‫الخمينيــة‪ ،‬ضمــن قامئــة ألــ ّد أعدائــه‪.‬‬

‫شانلي أورفا حتتفل بذكرى حتريرها من االحتالل الفرنسي‬

‫تتزيــن شــوارع مدينــة أورفــا الرتكيــة‪،‬‬ ‫هــذه األيــام مبظاهــر الفــرح واالبتهــاج‪،‬‬ ‫وت ُرفــع األعــام الرتكيــة عــى حافــات النقــل‪،‬‬ ‫ويف الشــوارع بشــكل كثيــف وســط مظاهــر‬ ‫البهجــة بذكــرى تحريرهــا مــن االحتــال‬ ‫الفرنــي يف ‪ 1920/4/11‬حيــث قــام أهــايل‬ ‫أورفــا بالتصــدي للمســتعمر وبإجبــاره عــى‬ ‫الرحيــل مــن أورفــا‪ ،‬دون أيــة مســاعدات أو‬ ‫دعــم خارجــي‪.‬‬ ‫وكان اإلنكليــز قــد احتلــوا مدينــة أورفــا يف‬ ‫‪ 24‬مــارس ‪ 1919‬بعــد الحــرب العامليــة األوىل‪،‬‬ ‫وبعــد انســحاب اإلنكليــز احتلهــا الفرنســيون‬ ‫يف ‪ 30‬اكتوبــر ‪ ،1919‬وقــد قــاوم شــعبها ذلــك‬ ‫االحتــال‪ ،‬وانســحب املحتلــون مــن أورفــا يف‬ ‫‪ 11‬ابريــل ‪ ،1920‬ويف ‪ 4‬يونيــو ‪ 1920‬كانــت‬ ‫املنطقــة كلهــا فارغــة مــن االحتــال‪.‬‬ ‫وبعــد إعــان الجمهوريــة أصبحــت محافظــة‪،‬‬ ‫وقــد اقــرح نائــب الربملــان عثــان دوغــان‪،‬‬ ‫الــذي أظهــر بطولتــه يف حــرب االســتقالل‪ ،‬و‪17‬‬ ‫مــن األصدقــاء تغيــر اســم أورفــا إىل شــانيل‬ ‫أورفــا‪ ،‬ومتــت املوافقــة عــى الطلــب‪ ،‬وتــم‬ ‫تغيــر االســم قانونيـاً يف ‪ ،1984/6/12‬ونــرت‬ ‫املــادة رقــم ‪ 3020‬التــي تخــص تغيــر اســم‬ ‫أورفــا إىل شــانيل أورفــا يف الجريــدة الرســمية‬ ‫بتاريــخ ‪ 1984/6/22‬عــدد ‪.18439‬‬ ‫وهــي مــن أقــدم مــدن العــامل وتعــد مركــزا ً‬ ‫ألقــدم الثقافــات يف العــامل‪ ،‬وهــي مدينــة‬ ‫الحضــارات‪ ،‬كان فيهــا أول عــارة‪ ،‬وأول‬ ‫زراعــة‪ ،‬ويوجــد فيهــا معابــد الصابئــة‪،‬‬

‫والوثنيــن‪ ،‬وولــد فيهــا النبــي إبراهيــم‪ ،‬وعــاش‬ ‫فيهــا أنبيــاء اللــه مــوىس‪ ،‬شــعيب‪ ،‬يعقــوب‪،‬‬ ‫أيــوب‪ ،‬وإليــاس‪ ،‬وهــي مركــز ســياحي دينــي‬ ‫هــام عــى مســتوى العــامل‪.‬‬ ‫هــي مدينــة حــران شــعيب‪ ،‬وفيهــا أماكــن‬ ‫مثــل ســوجامتار‪ ،‬وهــي مدينــة املتحــف‬ ‫الشــهري الغنيــة بالعــارة التاريخيــة‪ ،‬تشــتهر‬ ‫بالتشــيغ كفتــه اللذيــذة‪ ،‬القهــوة العــريب‪،‬‬ ‫واألطبــاق التقليديــة‪ ،‬وقــد قــدم نبــي اللــه‬ ‫إبراهيــم الضيافــة لضيوفــه فيهــا‪ ،‬ويوجــد‬

‫الشــهري إبراهيــم تاتلســس‪.‬‬ ‫تــم التوصــل مــن نتائج األبحــاث التــي أجريت‬ ‫أن باليقليجــول التــي تقــع يف وســط املدينــة‪،‬‬ ‫بأنهــا قــد ســكنت قدمي ـاً‪ ،‬وقــد واجــه جنــوب‬ ‫رشق األناضــول هجــرة كبــرة لآلراميــن‪ ،‬كــا‬ ‫اســتمر أقــوام الســاميني القادمــن مــن الجنوب‬ ‫يف الهجــرة إليهــا لســنوات طويلــة‪ ،‬وبعــد ذلــك‬ ‫وقعــت يف يــد اآلشــوريني يف أواســط القــرن‬ ‫التاســع قبــل امليــاد‪ ،‬ثــم وقعــت يف يــد الفــرس‬ ‫يف أواســط القــرن الســادس قبــل امليــاد‪.‬‬

‫فيهــا الحــرف اليدويــة التقليديــة‪ ،‬وتشــتهر‬ ‫بجلســات املوســيقى الليليــة‪ ،‬وتفتخــر أورفــا‬ ‫بأبنائهــا املبدعــن وعــى رأســهم الــروايئ‬ ‫واملخــرج الســيناميئ يلــاز غونيــه واملطــرب‬

‫ثــم وقعــت األناضــول بالكامــل تحــت ســيطرة‬ ‫جيــوش االســكندر األكــر يف القــرن الرابــع‬ ‫قبــل امليــاد‪ ،‬ثــم ضــم قائــد رومــا بومبيــوس‬ ‫ســوريا وأورفــا إىل دولــة الــروم يف عــام ‪64‬‬

‫قبــل امليــاد‪ ،‬ولكــن بــن األعــوام ‪ 132‬قبــل‬ ‫امليــاد و‪ 250‬بعــد امليــاد تأسســت أورفــا عــى‬ ‫يــد ســالة األبجــار‪ ،‬وواصلــت تبعيتهــا لرومــا‬ ‫ململكــة أوســهون‪.‬‬ ‫وبعــد انقســام إمرباطوريــة الــروم إىل‬ ‫القســمني الغــريب والرشقــي يف عــام ‪ 395‬بعــد‬ ‫امليــاد‪ ،‬ظلــت أورفــا تابعــة للقســم الرشقــي‬ ‫إلمرباطوريــة الــروم‪ ،‬ويف القــرن الســابع بعــد‬ ‫امليــاد وقعــت املدينــة تحــت ســيطرة القــوات‬ ‫العربيــة‪ ،‬ثــم وقعــت املدينــة تحــت حكــم‬ ‫مختلــف الــدول الرتكيــة يف القــرون الوســطى‪،‬‬ ‫ثــم وقعــت تحــت ســيطرة الصليبيــن‪ ،‬ويف‬ ‫عــام ‪ 1517‬انضمــت للدولــة العثامنيــة‪.‬‬ ‫تقــع محافظــة شــانيل أورفــا يف الجنــوب‬ ‫الرشقــي مــن األناضــول‪ ،‬وتقــع مارديــن يف‬ ‫رشقهــا وغــازي عنتــاب يف غربهــا‪ ،‬ويف الشــال‬ ‫اديامــان‪ ،‬ويف الشــال الغــريب ديــار بكــر‪،‬‬ ‫ويف الجنــوب عــى الحــدود تحيطهــا ســوريا‪،‬‬ ‫وتقــع أورفــا يف وســط الجنــوب الرشقــي مــن‬ ‫األناضــول‪ ،‬ويتشــكل جــزء كبــر منهــا عــى‬ ‫شــكل ســهول ليســت مرتفعــة كثــرا ً‪ ،‬وقــد‬ ‫أخــذت اســمها مــن الســهول التــي يف شــال‬ ‫ســوريا‪ ،‬والســهول التــي توجــد عنــد الذهــاب‬ ‫تدريجيــاً إىل وادي الفــرات‪.‬‬ ‫ويف األســفل نجــد مــروع نهــر الف ـرات عــى‬ ‫ســواحل نهــر الفــرات‪ ،‬والحفريــات التــي‬ ‫تتــم يف ســلطان تبــه وجوبــكيل تبــه وتحــت‬ ‫بحــرات الســد تســلط الضــوء عــى تاريــخ‬ ‫املنطقــة‪ ،‬وبنــاء عــى ذلــك نجــد أنــه قــد ظهــر‬ ‫اســتيطان كثيــف يف العــر الحجــري املبكــر‬

‫(‪ 5500-10000‬قبــل امليــاد) ومــا بعــده‪،‬‬ ‫ووفقـاً لآلثــار اآلشــورية‪ ،‬فإنــه كان يوجــد هنــا‬ ‫اســتيطان‪.‬‬ ‫وقــد اســتقر الحثيــون هنــا بعــد القضــاء عــى‬ ‫مملكــة امليتانيــن‪ ،‬وبعــد القــرن الحــادي‬ ‫عــر قبــل امليــاد اســتقر هنــا اآلراميــون‬ ‫القادمــون مــن بــاد مــا بــن النهريــن‪،‬‬ ‫وتأسســت مملكــة بيــت ادينــي‪ ،‬ومــع هجــوم‬ ‫امليديــن ظلــت تحــت حكــم البابليــن لفــرة‪،‬‬ ‫ويف القــرن الســادس قبــل امليــاد وقعــت تحت‬ ‫ســيطرة الحكــم الفــاريس‪ ،‬وحــدث اهتــام‬ ‫كبــر يف مجــال تطويــر الزراعــة والتجــارة‪ ،‬ويف‬ ‫القــرن الرابــع قبــل امليــاد حكــم االســكندر‬ ‫األكــر األناضــول بعــد القضــاء عــى حكــم‬ ‫الفــرس فيهــا‪ ،‬وبعــد مــوت اإلســكندر حكمهــا‬ ‫السيلوقســيون‪ ،‬وقــد أســس ســيليقوس األول‬ ‫مدينــة اديسســا عــام ‪ 303‬قبــل امليــاد التــي‬ ‫توجــد حاليــا يف اورفــاً‪.‬‬ ‫وبدورنــا نهنــئ أهــايل مدينــة شــانيل أورفــا‬ ‫بعيــد تحريرهــا مــن الفرنســيني‪ ،‬ونشــكرهم‬ ‫عــى مســاعدة الشــعب الســوري يف محنتــه‬ ‫الكبــرة‪ ،‬وتقدميهــم للمســاعدات والدعــم‬ ‫ملختلــف نشــاطات الســوريني اإلغاثيــة‬ ‫والتعليميــة والصحيــة‪ ،‬وقريبــاً عندمــا‬ ‫ســتتحرر ســورية مــن االحتــال اإليـراين‪ ،‬ومــن‬ ‫نظــام االســتبداد الوحــي‪ ،‬ســيحمل الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬أطيــب الذكريــات لشــعب شــانيل‬ ‫أورفــا‪ ،‬ولــكل الشــعب الــريك الــذي اســتقبل‬ ‫الالجئــن الســوريني أطيــب اســتقبال وآواهــم‪،‬‬ ‫ويــر إقامتهــم عــى األرايض الرتكيــة‪.‬‬ ‫ّ‬


‫حرمل الرأي‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫أوباما‪ ..‬أوباما‬ ‫«‪ ..‬أعتقــد أنّــك إذا نظــرت إىل مــا يجــري يف ســورية مثـاً‪،‬‬ ‫فقــد كانــت هنــاك رغبــة كبــرة ألن تتدخــل الواليــات‬ ‫املتحــدة وتفعــل شــيئاً‪ ،‬ولكــن الســؤال‪ :‬ملــاذا ال نجــد‬ ‫العــرب يقاتلــون ضــد االنتهــاكات املريعــة لحقــوق‬ ‫اإلنســان التــي ارتكبــت هنــاك‪ ،‬أو يقاتلــون ضــد مــا‬ ‫يفعلــه األســد‪.»..‬‬ ‫هــذه العبــارات جــاءت عــى لســان أوبامــا يف مقابلته مع‬ ‫تومــاس فريدمــان يف النيويــورك تاميــز‪ ،‬تثــر لــدى قارئهــا‬ ‫الصدمــة والدهشــة‪ ،‬ويجمــع املحللــون السياســيون عــى‬ ‫أنهــا تعطــي الضــوء األخــر لعمــل عســكري عــريب يف‬ ‫ســورية كــا يف اليمــن‪ ،‬فهــل هــي كذلــك؟‬ ‫هنــاك أمــران أو ّد أن أشــر إليهــا يف بدايــة الحديــث‬ ‫عــن هــذه املقابلــة‪ ،‬أو عــن مــا يهمنــا فيهــا‪ .‬األمــر هــو‬ ‫أنــه تلميــذ متميــز يف املدرســة امليكافيليــة‪ .‬واألمــر الثــاين‬ ‫أرشت إليــه يف مقــاالت ســابقة‪ ،‬وهــو أن مــا توصــف‬ ‫بــه سياســته مــن تــردد وعــدم وضــوح اســراتيجي يف‬ ‫مقاربتــه لقضايــا منطقــة الــرق األوســط‪ ،‬غــر صحيــح‪،‬‬ ‫بــل هــو العكــس متام ـاً‪.‬‬ ‫ويجــب أن اعــرف أن هــذه العبــارات قــد أنتجــت شــكاً‬ ‫يف مــا كنــت أومــن بــه‪ ،‬وهــو أن إدارة هــذا الرجــل قــد‬ ‫قــررت اعتــاد إي ـران قــو ًة إقليميــة تلعــب دور رشطــي‬ ‫املنطقــة الــذي كانــت تلعبــه أيــام الشــاه‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫يســتتبع إطــاق يدهــا يف شــؤون املنطقــة‪ ،‬إال أن هــذا‬ ‫الشــك مل يزعــزع ذلــك اإلميــان بعــد‪.‬‬ ‫صحيــح أن االتفــاق النــووي قــد أخــذ مــن إي ـران مــن‬ ‫التنــازالت أكــر مــا أعطاهــا‪ ،‬إال أنــه مــازال يوصــف‬ ‫باإلطــار‪ ،‬وأن أمامــه حتــى نهايــة حزيـران القــادم ليكــون‬ ‫اتفاقــاً نهائيــاً‪ ،‬فلــاذا تســتفز اإلدارة األمريكيــة إيــران‬ ‫مبكــرا ً؟ وهــل أن اإلدارة ال تخــى انقالبــاً عــى هــذا‬ ‫االتفــاق‪ -‬اإلطــار؟‪.‬‬ ‫اإلجابــة عــى هــذه التســاؤالت بالتفصيــل تخــرج بنــا‬ ‫عــن الغايــة مــن كتابــة هــذه الســطور‪ .‬وأكــر مــا يهمنــا‬ ‫منهــا هــو ارتباطهــا مبوقــف أوبامــا الجديــد مــن «مــا‬ ‫يجــري يف ســورية»‪.‬‬ ‫هــل ميكــن القــول أنــه بعــد أن أخــذ أوبامــا مــا يريــد‬ ‫مــن إيـران قلــب لهــا ظهــر املجــن‪ ،‬وكانــت هــذه رســالته‬ ‫إليهــا عــر دعوتــه الرصيحــة إىل أن يثــر العــرب عاصفــة‬ ‫أخــرى ضــد األســد‪ ،‬وقبــل ذلــك موقفــه مــن عاصفــة‬ ‫الحــزم‪ ،‬وإعالنــه عــن االســتعداد للمشــاركة فيهــا عــر‬ ‫الدعــم اللوجســتي واالســتخبارايت؟‬ ‫ومــا معنــى هــذا التســاؤل الخبيــث عــن ملــاذا ال يــرى‬ ‫العــرب يقاتلــون ضــد االنتهــاكات الفظيعــة لحقــوق‬ ‫اإلنســان التــي ترتكــب يف ســورية‪ ،‬والعــرب يعرفــون قبل‬ ‫غريهــم أن هــذا الرجــل وقــف وال ي ـزال يقــف‪ -‬لنقــل‬ ‫حتــى تاريــخ مقابلتــه مــع النيويــورك تاميــز عــى األقــل ‪-‬‬ ‫ضــد الثــورة الســورية وضــد إمدادهــا بالســاح النوعــي‬

‫املطلــوب ملواجهــة تحالــف األســد‪ -‬إيــران املتمثلــة‬ ‫بحــزب اللــه والفصائــل الطائفيــة الشــيعية املرتزقــة‬ ‫األخــرى‪ ،‬بحجــة الخــوف مــن وصولهــا إىل األيــدي غــر‬ ‫املرغــوب بهــا‪ ،‬تلــك الحجــة التــي جعلهــا عميلــه املالــي‬ ‫غــر ذات موضــوع‪ ،‬بعــد أن أمــر جيشــه بالخــروج مــن‬ ‫املوصــل بغــر ســاح‪ ،‬لتأخــذه داعــش‪.‬‬ ‫ملــاذا إذن يتخــذ أوبامــا هــذا املوقــف الجديــد؟ البعــض‬ ‫مــن املحللــن السياســيني يقــول‪ :‬إنــه إعــان مــن اإلدارة‬ ‫األمريكيــة عــن نفــض يدهــا مــن القضيــة الســورية‪،‬‬ ‫ضمــن سياســة تــرك املنطقــة برمتهــا واالتجــاه نحــو‬ ‫الصــن وجنــوب رشق آســيا‪ .‬وأعتقــد أن هــذا التفســر‬ ‫يقــرب مــن الســذاجة كثـرا ً‪ ،‬ذلــك أن الواليــات املتحــدة‬ ‫التــي أعلنــت نفســها قطبــاً وحيــدا ً يف العــامل‪ ،‬بعــد‬ ‫ســقوط االتحــاد الســوفيتي ال ميكــن أن تــرك منطقــة‬ ‫يرتكــز فيهــا عصــب حياتهــا ورشيانهــا‪ ،‬وهــو النفــط‬ ‫لتتجــه رشق ـاً نحــو العــرق األصفــر‪ .‬نعــم هنــاك تخــوف‬ ‫أمــريك‪ ،‬مــن نهضــة صناعيــة تجاريــة تنــازع املصالــح‬ ‫األمريكيــة يف تلــك املنطقــة‪ ،‬إال أن هــذا التخــوف ال يرقــى‬ ‫إىل درجــة إعطائــه األولويــة عــى النفــط‪.‬‬ ‫ملــاذا إذا ً يتخــذ أوبامــا هــذا املوقــف الجديــد؟ هــل هــي‬ ‫صحــوة ضمــر؟ ال أعتقــد ذلــك‪ ،‬إذ أن األخــاق ال تلعــب‬ ‫دورا ً فيــا يقــوم بــه رجــال السياســة يف الــدول ‪ -‬كــرت‬ ‫أو صغــرت‪ ،‬وكــر دورهــا عــى املــرح العاملــي أو ص ُغــر‪-‬‬ ‫أولئــك قليلــون الذيــن تعنــي لهــم األخــاق شــيئاً فيــا‬ ‫يقومــون بــه‪ ،‬وأوبامــا ليــس واحــدا ً منهــم بالقطــع‪ .‬إن‬ ‫أجهــزة مخابراتــه تضعــه يف أدق التفاصيــل اليوميــة عـ ّـا‬ ‫يجــري يف ســورية مدعومــة بالصــور وأرشطــة الفيديــو‬ ‫التــي تســجلها أقــاره الصناعيــة التــي ال تغادرنــا لي ـاً‬ ‫أو نهــارا ً‪ ،‬ولكنــه مل يهتــز ومل يــرف لــه جفــن‪ :‬اقتــل بغــر‬ ‫الكيــاوي‪ ،‬وإن كان اســتعامل القليــل منــه بعــد مجــزرة‬ ‫الغوطــة يقــع تحــت بنــد املســكوت عنــه‪ .‬رســال ًة فهمهــا‬ ‫النظــام متامــاً وأجــاد العمــل بهــا‪ ،‬طــران وصواريــخ‬ ‫وبراميــل و»أدوات مطبــخ» وال بــأس برشــة كيمياويــة‬ ‫بــن الحــن واآلخــر‪.‬‬ ‫ملــاذا إذن يتخــذ أوبامــا هــذا املوقــف الجديــد؟ الــذي‬ ‫يبــدو يل أن هــذا املوقــف ال يعــدو كونــه رســم حــدود‬ ‫يجــب أن يقــف عندهــا معتمــ ُده ورشط ُيــه القديــم‪-‬‬ ‫الجديــد يف املنطقــة‪ .‬هــذه الحــدود يجــب أن ال تصــل‬ ‫إىل حــد إعــان عــودة اإلمرباطوريــة الفارســية بعاصمتهــا‬ ‫بغــداد‪ .‬وال يجــب أن تصــل إىل حــد الدخــول إىل عقــر‬ ‫دار حلفــاء أمــركا القدامــى يف املنطقــة وإيذائهــم هنــاك‪.‬‬ ‫لحلفائهــا القدامــى مكانتُهــم مهــا يكــن األمــر خصوصـاً‬ ‫إذا وصــل التمــدد اإليــراين‪ ،‬والصفاقــة اإليرانيــة يف‬ ‫الصيغــة التــي نشــهدها اليــوم‪ ،‬إىل حــد إهانــة الحلفــاء‬ ‫التقليديــن‪.‬‬ ‫إذا كان األمــر كذلــك فــاذا عــى العــرب حلفائــه‬

‫جــويـل‪!..‬‬ ‫توقــف البــاص لدقائــق عــى الخــط العســكري‪،‬‬ ‫وتبــدأ جلبــة التفتيــش‪ .‬يحافــظ الــركاب عــى صمتهــم‬ ‫الحــذر‪ ،‬وال يرتفــع مــن بينهــم ســوى صــوت الدكتــور‬ ‫أنطــون يســتعجل الجنــود إلنهــاء مهمتهــم‪ ،‬بينــا‬ ‫يــده تداعــب شــعر ابنــه الــذي أفــاق يتل ّفــت حولــه‪،‬‬ ‫فلمعــت مقدمــ ُة رأســه الحليقــة عــى الزيــرو‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ـي حتــى‬ ‫وانســدلت جديلتــه مــن نصــف رأســه الخلفـ ّ‬ ‫خــره النحيــل‪ .‬جديلـ ٌة عم ُرهــا مــن عمــره‪ 12 :‬ســنة!‬ ‫ـ مــا قصــة شَّ ــعرك هــذا يــا جويــل! ـ ميازحــه أحــد‬ ‫الــركاب‪.‬‬ ‫ـ أال تعــرف؟! موديــل النجــم األمريــي‪ :‬ســتيفن‬ ‫ســيغال‪.‬‬ ‫ينطلــق البــاص‪ ،‬يحضــن الدكتــور أنطــون ابنــه‬ ‫يتحــر ‪:‬‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ـ هــؤالء اإلرهابيــون شــوهوا طفولــة أبنائنــا! ليتكــم‬ ‫رأيتــم جويــل كيــف كان يســبح كالدلفــن‪ .‬بعــد‬ ‫إغــاق مدرســة (معــا) للســباحة‪ ،‬رصت أتــرك شــغيل‪،‬‬ ‫وآخــذه إىل املســابح يف مــزارع الضبــاط ليتــد ّرب‪.‬‬

‫هنــاك فقــط آمــن عليــه‪ .‬تصــوروا‪ :‬أمــس قبضنــا قــرب‬ ‫مبنــى املدرســة عــى هــذا (الكـ ّر) مــن جبهــة النــرة‪.‬‬ ‫ي ّدعــي أنــه ســوري يقاتــل مــن أجــل الكرامــة‪ ...‬بســببه‬ ‫وبســبب الحمــر أمثالــه تركــت شــغيل يف الجراحــة‬ ‫وتف ّرغــت لخدمــة الوطــن‪ ...‬رضبتــه ورضبتــه حتــى‬ ‫أدميتــه‪ ،‬حتــى انكــر ظهــره وانســلخت فروتــه‪ ،‬ومل‬ ‫يعــرف هــذا الكلــب مــن هــم جامعتــه‪ .‬أنــا اآلن يف‬ ‫طريقــي لجول ـ ٍة جديــد ٍة معــه‪ .‬إن مل يعــرف ســأريح‬ ‫جنــودي مــن حراســته‪ ،‬وأرتــاح مــن وســاخته‪.‬‬ ‫يعــرف الدكتــور أنطــون أنــه ســيّد املــكان يف هــذا‬ ‫البــاص‪ ،‬ويف كل مــكانٍ خــارج املشــفى‪ .‬وأنــه منــذ‬ ‫بــدء الحــرب و ّدع غــر آسـ ٍ‬ ‫ـف غــرف العمليــات التــي‬ ‫ٍ‬ ‫كوحــش أعمــى طــوال ســنني عملــه‪ .‬هنــاك‬ ‫أرعبتــه‬ ‫حيــث ســخر زمــاؤه األطبــاء طويـاً مــن ســوء كفاءتــه‬ ‫املهنيــة‪ ،‬وداروا ابتســاماتهم املســتنكرة حــن حــاول‬ ‫ٍ‬ ‫بطــوالت جراحيــ ًة قدميــ ًة ال شــهود‬ ‫أن يــرد عليهــم‬ ‫عــى حقيقتهــا‪ .‬هنــا ســيحرتم الجميــع لقبــه الط ّنــان‪:‬‬ ‫«الدكتــور أنطــون»! ولــو أراد أن يخربهــم عــن آالف‬

‫طارق عبدالغفور‬

‫التقليديــن أن يفعلــوا؟ إن عليهــم أن ينهجــوا منهجــاً‬ ‫جديــدا ً «يحكّــون فيــه جلدهــم بأظافرهــم»‪ ،‬وهنــاك‬ ‫حســن االلتفــات‬ ‫مــؤرشان لهــا أهميتهــا املبــارشة يَ ُ‬ ‫إليهــا وأخذهــا يف االعتبــار عنــد التنبــؤ مبــا ميكــن‬ ‫للعــرب أن يفعلــوه‪ .‬األول هــو رد األمــر ســعود الفيصــل‬ ‫عــى رســالة الرئيــس الــرويس بوتــن إىل القمــة العربيــة‬ ‫األخــرة يف رشم الشــيخ‪ ،‬وكان شــجباً واضحــاً للسياســة‬ ‫الروســية يف املنطقــة واملوقــف الــرويس مــن «األزمــة‬ ‫الســورية» كاد يقــرب مــن الخــروج عــى املنهــج‬ ‫الســعودي الرصــن يف التعامــل الســيايس‪ .‬والثــاين هــو‬ ‫الدعــوة إىل تشــكيل قــوة عســكرية عربيــة‪ ،‬اســتنادا ً إىل‬ ‫معاهــدة الدفــاع العــريب املشــرك‪ ،‬واىل ميثــاق الجامعــة‬ ‫العربيــة ملهمــة التدخــل الرسيــع ملواجهــة أزمــات‬ ‫املنطقــة العربيــة‪.‬‬ ‫إذا أخذنــا هذيــن املؤرشيــن يف االعتبــار‪ ،‬فهــل ميكــن‬ ‫القــول إن العــرب قــد بــدأوا الســر عــى هــذا املنهــج‬ ‫الجديــد؟ إن العــرب هــم الطــرف األضعــف يف املعادلــة‬ ‫العربيــة األمريكيــة‪ .‬ويقــول البعــض مــن أنصــار نظريــة‬ ‫املؤامــرة إن عاصفــة الحــزم مل تنطلــق إال بعــد ضــوء‬ ‫أخــر مــن أمــركا‪ ،‬وكــون املوافقــة األمريكيــة عــى‬ ‫إطالقهــا والدعــم األمــريك لهــا أمــ ٌر يف غايــة األهميــة‪،‬‬ ‫ويُكســب قولهــم هــذا بعــض املصداقيــة‪ ،‬مــا دامــت‬ ‫أســلحة كل الــدول املشــركة فيهــا أمريكيــة‪ ،‬وقــدرة أمــركا‬ ‫عــى تعطيلهــا ال تُدافــع‪ ،‬إال أنهــا أعطــت مــؤرشا ً عــى‬ ‫أنــه ميكــن لهــذا الطــرف الضعيــف أن يقــدح زنــادا ً‪ ،‬مــا‬ ‫ُيكّنــه مــن تحقيــق هــدف مــا‪.‬‬ ‫ومهــا كانــت دوافــع أوبامــا إلطــاق هــذا الترصيــح‪،‬‬ ‫ـض يــد‪ ،‬أو صحــو ُة ضمــر أو فركـ ُة أذن‪ ،‬مهــا كانــت‬ ‫نفـ ُ‬ ‫دوافعــه فقــد قالهــا‪ ،‬وعــى العــرب أن يســتثمروها إىل‬ ‫أبعــد الحــدود‪ ،‬وأن يتخــذوا منهــا ســبباً‪ ،‬إن مل يكــن‬ ‫للقيــام بتحــرك عســكري يف ســوريا‪ ،‬مشــابهاً ملــا يحــدث‬ ‫يف اليمــن يُطهــر ســورية مــن كل األرجــاس عــى أرضهــا‪،‬‬ ‫فعــى األقــل إلســقاط الحظــر األمــريك‪ ،‬عــى تزويــد‬ ‫الجيــش الحــر باألســلحة النوعيــة املطلوبــة‪ ،‬بأقــى‬ ‫رسعــة وبأكــر كميــة‪.‬‬ ‫إن تثبيــت الرشعيــة باليمــن وإعــادة االســتقرار إليــه‪،‬‬ ‫وهــو غايــة عاصفــة الحــزم‪ ،‬ليســتا إالّ ظاهــر ًة لحاميــة‬ ‫األمــن القومــي العــريب مــن الخطــر اإلي ـراين‪ ،‬وملــا كان‬ ‫األمــن القومــي العــريب واحــدا ً‪ ،‬فإنــه ال بــد مــن قطــع‬ ‫أذرع األخطبــوط اإليـراين يف أي مــكان تصــل إليــه‪ ،‬وبغــر‬ ‫ذلــك‪ ،‬فــإن الطريــق إىل حــل ســلمي يف ســوريا‪ ،‬يســتند‬ ‫إىل مبــادئ جنيــف ســيكون طوي ـاً‪ ،‬وسيســتمر نزيــف‬ ‫الــدم الســوري فيــه‪ ،‬وســينهار البنــاء الســوري الــذي هــو‬ ‫اآلن شــديد التصــدع‪ .‬فهــل يفعلهــا عــرب الحــزم؟‬

‫نحاة عبد الصمد‬ ‫العمليــات الناجحــة التــي أنجزهــا وحــده‪ ،‬وعــن مئــات‬ ‫األرواح التــي أعــاد إليهــا الحيــاة بيديــه ومرشطــه؛‬ ‫فلــن يجــرؤ أحـ ٌد عــى تكذيبــه‪ .‬وســينظر الجميــع هنــا‬ ‫بانبهــا ٍر إىل الدكتــور أنطــون حــن يرفــع جنــب قميصــه‬ ‫ـدس بهي ـاً‬ ‫األبيــض كالثلــج‪ ،‬وينكشــف مــن تحتــه املسـ ُ‬ ‫كعريــس‪...‬‬ ‫ــــ تطلّعــوا‪ .‬هــل تــرون هــذه الرصاصة يف رأس املشــط‪.‬‬ ‫هــذه رصاصــة ليســت متفجــرة فحســب‪ ،‬لكنهــا أيض ـاً‬ ‫ســا ّمة‪ .‬أقســم بالــرب الرحيــم أننــي أســتكرث عليــه‬ ‫حتــى هــذه الرصاصــة‪.‬‬ ‫ـاب إىل أبيــه‪ ،‬بينــا يريــن الصمــت‬ ‫جويــل ينظــر بإعجـ ٍ‬ ‫يف البــاص الصغــر‪.‬‬ ‫موهــوب يف املوســيقا أيضــاً‪ .‬قــل يل يــا‬ ‫ـ جويــل‬ ‫ٌ‬ ‫جويــل‪ ،‬يــا روح البابــا‪ :‬أي موســيقا أحــى؛ موســيقا‬ ‫عــزف الكــان‪ ،‬أم صليــل جنازيــر الدبابــة فــوق رؤوس‬ ‫اإلرهابيــن؟!‬ ‫ـ يــا بابــا‪ ،‬أجمــل منهــا ت ّكــة رصاصــة القنــاص يف قلــب‬ ‫الهدف!‬

‫الحرملي‬

‫‪5‬‬

‫مفيت الدم والدمار‬ ‫يوسف دعيس‬ ‫تحمــل الفتــوى التــي أطلقهــا مؤخــرا ً مفتــي القتــل‬ ‫والتدمــر أحمــد حســون‪ ،‬رســائل عــ ّدة‪ ،‬أهمهــا أنهــا تدعــو‬ ‫إىل القتــل بــدم بــارد‪ ،‬فيــا يتعــارض مــع رشائــع الســاء‬ ‫واألرض‪ ،‬ودعــوة لتكريــس حضــور الطاغيــة املســتبد الجاثــم‬ ‫عــى صــدور العبــاد‪ ،‬وهــي تأكيــد ملقولــة األســد أو نحــرق‬ ‫البلــد التــي أطلقهــا مؤيــدو األســد منــذ األيــام األوىل النــدالع‬ ‫ثــورة الحريــة والكرامــة‪ ،‬ثــورة الشــعب الســوري الــذي نــادى‬ ‫بإســقاط الطاغيــة‪.‬‬ ‫الفتــوى التــي أتحفنــا بهــا حســون‪ ،‬تنــدرج يف إطــار الرشاكــة‬ ‫الدامئــة بقتــل الســوريني‪ ،‬فهــو يدعــو جهــارا ً نهــارا ً لــرب‬ ‫األحيــاء الخاضعــة لســيطرة قــوى الثــورة واملعارضــة الســورية‬ ‫يف مدينــة حلــب‪ ،‬وإبــادة ســكانها‪ ،‬بذريعــة انطــاق قذائــف‬ ‫صاروخيــة منهــا‪ ،‬ويطالــب الجيــش األســدي أن ينفــذ ذلك دون‬ ‫رحمــة أو شــفقة‪ ،‬ويؤكــد أن هــذا مطلــب الشــعب الســوري‪،‬‬ ‫خصوصـاً أهــايل حلــب‪ ،‬واســتجابة لفتــواه قــام الطريان األســدي‬ ‫املجــرم وعــى مــدار ثالثــة أيــام متتاليــة بقصــف أحيــاء حلــب‪،‬‬ ‫وكان حصيلــة هــذه الغــارات استشــهاد عــرات املدنيــن‪،‬‬ ‫وارتكابــه مجــزرة فظيعــة بحــق مدرســة «ســعد األنصــاري»‪،‬‬ ‫والتــي راح ضحيتهــا أطفــال ومعلــات املدرســة بــن شــهيد‬ ‫وجريــح‪.‬‬ ‫هكــذا يطلــق مفتــي األســد فتــواه الشــيطانية‪ ،‬وهــو يــرى‬ ‫نفســه ممثــاً رشعيــاً لإلســام‪ ،‬وواهــب الحيــاة ملــن يشــاء‬ ‫مــن أتباعــه‪ ..‬هكــذا ببســاطة يربــط األحمــق حياتــه بكائنــات‬ ‫منقرضــة‪ ،‬كُتــب عليهــا أن تنتهــي مبزابــل التاريخ‪ ..‬هكــذا يطلق‬ ‫شــيخ الــدم والقتــل فتــواه دون أن يردعــه ديــن ســمح‪ ،‬ديــن‬ ‫جعــل األخــاق يف أعــى الدرجــات‪ ،‬ووضــع حيــاة النــاس يف‬ ‫ســلم أولوياتــه‪ ،‬وأن أرواحهــم هــي أغــى يشء يف هــذا الوجــود‪،‬‬ ‫لكنــه أىب إال أن يكــون يف موقــع الشــيطان‪ ،‬البعيــد عــن الحــق‪،‬‬ ‫والرشيــك الحقيقــي للظاملــن والطغــاة املســتبدين‪.‬‬ ‫تتقاطــع فتــوى حســون الدمويــة‪ ،‬مــع دعــوات بعــض النبيحــة‬ ‫الذيــن يطالبــون بــرب مدينــة الرقــة‪ ،‬بذريعــة رضب مواقــع‬ ‫داعــش‪ ،‬وكأنهــم يختــرون الرقــة كحاضنــة لإلرهــاب املتمثــل‬ ‫بوجــود داعــش بــن ظهرانيهــا‪ ،‬واملصــدر لــه لــكل أصقــاع‬ ‫األرض‪ ،‬وتحقيقـاً لهــذه النــداءات مــا تعرضــت لــه مدينــة الرقة‬ ‫ـب طـران األســد جــام حقــده‬ ‫يف جمعتهــا الحزينــة‪ ،‬عندمــا صـ ّ‬ ‫عــى املواطنــن العــزل‪ ،‬يف أربــع غــارات متتاليــة أوقعــت ســتة‬ ‫شــهداء مــن بينهــم أربعــة مــن األطفــال والنســاء مــن أرسة‬ ‫واحــدة‪.‬‬ ‫هكــذا يصطــف دعــاة الــدم والقتــل يف خنــدق واحــد مــع‬ ‫املوتوريــن مــن القتلــة املأجوريــن‪ ،‬الذيــن يحملــون رايــات‬ ‫الثــأر لــدم الحســن‪ ،‬ممــن توهمــوا أنهــم بأفعالهــم اإلجراميــة‬ ‫يحمــون العتبــات املقدســة‪ ،‬موجهــن دعواهــم الحاقــدة‬ ‫تجــاه شــعب آمــن بالحريــة والكرامــة‪ ،‬شــعب يُنتظــر منــه أن‬ ‫يلفظهــم إىل مزابــل التاريــخ واحــدا ً إثــر اآلخــر‪.‬‬

‫«يا أ ّيتها النفس املطمئ ّنة ارجعي إىل‬ ‫ربك راضية مرض ّية فادخلي يف عبادي‬ ‫وادخلي جنيت»‪.‬‬ ‫آل البياط��رة وآل احلس��ن ينع��ون‪ ،‬مبزي��د‬ ‫م��ن التس��ليم والرض��ا بقض��اء اهلل وق��دره‪،‬‬ ‫وفاة فقيدهم الش��اب الش��هيد‪:‬‬

‫بدر خطاب املطر‬

‫ال��ذي وافت��ه املن ّي��ة يف مدين��ة مرس�ين‬ ‫الرتكي��ة بتاري��خ ‪ 2015/4/12‬بأي��ادي‬ ‫الغ��در‪.‬‬ ‫رمح��ه اهلل وجع��ل مث��واه اجلن��ة‪ ،‬وأهل��م‬ ‫ذوي��ه الص�بر والس��لوان‪.‬‬

‫«إ ّنا هلل وإ ّنا إليه راجعون»‬


‫‪6‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫اإلمرباطورية اإليرانية‬ ‫حالل على الشاطر!‬ ‫حمزة رستناوي‬ ‫الــدول األيديولوجيــة بشــكل عــام تســعى ملــد نفوذهــا الســيايس والثقــايف‬ ‫عــر تســويق هــذه األيديولوجيــا‪ ،‬ســواء أكانــت أيديولوجيــا دينيــة أو غــر دينيــة‬ ‫ـت‬ ‫ال فــرق‪ ،‬وإ ّن الهيمنــة‬ ‫املتوســطة باأليديولوجيــا تُعطــي هــذه الــدول ميــزة ليسـ ْ‬ ‫ّ‬ ‫بالقليلــة أبــدا ً مقارنــة بالــدول التــي تســعى للهيمنــة مــن دون غطــاء أيديولوجــي‪،‬‬ ‫مبــا يختــر عليهــا الكثــر مــن الخســائر البرشيــة واملاديــة‪ ،‬ففــي الحالــة اإليرانيــة‪،‬‬ ‫وهــي دولــة ذات أيديولوجيــا طائفيــة شــيعية لــن تحتــاج إيـران إىل إرســال جنــود‬ ‫بشــكل مبــارش إال يف الحــدود الدنيــا للقتــال‪ ،‬فهنــاك مــن يس ـخّر نفســه طواع ّيــة‬ ‫لهــذا الغــرض لدوافــع أيديولوجيــة‪ ،‬دفاع ـاً عــن املراقــد املق ّدســة وانتقام ـاً ملقتــل‬ ‫الحســن‪ ..‬زينــب لــن تســبى مرتــن‪ -‬يــا لثــارات الحســن‪ ..‬الــخ‪.‬‬ ‫الــدول القويــة بشــكل عــام تتدخــل يف جوارهــا أينــا وجــدتْ منطقــة ضعــف‬‫ســيايس‪ ،‬وهــذا حــال إيــران فقــد ُوجــدتْ يف جوارهــا العــريب دول ضعيفــة‪،‬‬ ‫ومجتمعــات هشّ ــة مــا أتــاح لهــا إمكانيــة التدخــل واالســتثامر الســيايس فيهــا‪،‬‬ ‫فلــم تجــد قــوة ردع إقليميــة أو دوليــة تقــف يف وجههــا‪ ،‬خاصــة عقــب ســقوط‬ ‫نظــام صــدام حســن يف الع ـراق‪.‬‬ ‫املــروع اإلمرباطــوري اإليــراين الطائفــي يتمــدد يف املــرق العــريب مســتخدماً‬‫ذراعــن‪ ،‬ذراع العــرب الشــيعة‪ ،‬حيــث أن قطاعــات كبــرة منهــم –لألســف‪ -‬تضــع‬ ‫نفســها يف خدمــة هــذا املــروع‪ ،‬انطالقــاً مــن مصالــح عقائديــة وسياســية‬ ‫واقتصاديــة قــارصة‪ ،‬لــن يكونــوا يف نهايتهــا ســوى وكالء لهــذا املــروع‪ ،‬ولــ ْن‬ ‫ربــا‪ -‬غــر تدمــر النســيج االجتامعــي‪ ،‬وخـراب الوطــن الــذي يعيشــون‬‫َ ْي َن ْح ُهــم َّ‬ ‫ربــا قبــل البعيــد‪ ،‬لــن مينح ُه ـ ْم هــذا املــروع ســوى‬ ‫فيــه‪ ،‬يف املســتقبل القريــب ّ‬ ‫كاذب عــى العــرب السـ ّنة أشـقّائهم يف الوطــن‪ ،‬ومــن نافــل‬ ‫لحظــة انتصــار‪ ،‬وزهــو ْ‬ ‫كل مــكان خاطــئ‪ ،‬فاملقصــود مبــا ســبق ُه ـ ْم فق ـ ْط‬ ‫القــول أ ّن التعميــم هنــا ويف ِّ‬ ‫َم ـ ْن يوالــون هــذا املــروع الطائفــي «قــوى الشــخصنة الشــيعية»‪.‬‬ ‫أمــا الــذراع الثــاين لهــذا املــروع اإلمرباطــوري الطائفــي فهــو ذراع العــرب السـ ّنة‪،‬‬ ‫حيــث أن قطاعــات كبــرة منهــم تــوايل أو ال متلــك الحصانــة الكافيــة مــن الوقوع يف‬ ‫فــخ الســلفية الجهاديــة وتنظيــم القاعــدة ومشــتقّاته‪ ،‬مــن حيــث أنّهــا مجموعــات‬ ‫إرهابيــة منبــوذة عامليـاً‪ُ ،‬م َد ِّمــرة للمجتمعــات السـ ّنية التــي تحتضنهــا قبــل غريهــا‪،‬‬ ‫وعمل ّي ـاً تشــتغل وفــق رؤيــة عدميــة‪ :‬الجهــاد ضــد الكفــار! وألنّ ُه ـ ْم ك ّفــار فقــط!‬ ‫والكفــار جنــس ال ولــن ينتهــي إىل آخــر الزمــان!!‬ ‫فمــروع الســلفية الجهاديــة عمليــاً غــر قابــل للتوظيــف يف مــروع ســيايس‬ ‫ذي أفــق جامــع ُمنتــج وحضــاري‪ ،‬وهــو يتنــاىف مــع أي بعــد دميقراطــي وطنــي‪،‬‬ ‫ومــروع الســلفية الجهاديــة بــدوره يُشَ ـ ْـك يف قدرتــه عــى صــد النفــوذ اإلي ـراين‬ ‫ولجمــه بشــكل ف ّعــال وحاســم‪.‬‬ ‫املــروع االمرباطــوري اإليـراين الطائفــي ميثّــل قــوة عاقلــة يُوثــق بهــا عامليـاً‪ ،‬قـ ّوة‬‫تتعامــل مــع الغــرب األمريــي مبنطــق املصالــح وتوازناتهــا‪ ،‬وليــس مــن منطــق‬ ‫أيديولوجــي ضيــق‪ ،‬قــوة عاقلــة ذات تخطيــط اس ـراتيجي بعيــد األمــد‪ ،‬ال تضــع‬ ‫نفســها يف مواجهــات مصرييــة مــع اآلخريــن‪ ،‬وال تدخــل معــارك دومنــا فائــدة‬ ‫ـر) يف‬ ‫ودومنــا أهــداف واقعيــة‪ ،‬قــوة عاقلــة تق ـ ّدم نفســها كوكيــل (للعــامل امل ُتحـ ّ‬ ‫ـت وســاعدت هــي نفســها عــى انتشــاره‪،‬‬ ‫محاربــة اإلرهــاب الســني‪ ،‬الــذي ح ّرضـ ْ‬ ‫ـح قــوة ال ميكــن تجاهلهــا يف املــرق‬ ‫املــروع اإلمرباطــوري اإليـراين الطائفــي أصبـ َ‬ ‫العــريب‪ ،‬وقــوة ال ميكــن للغــرب أو إرسائيــل أو أحــد آخــر التــورط يف حــرب معهــا‬ ‫دون أن يخــر هــو اآلخــر كث ـرا ً مبــا يفــوق الفوائــد املتوقعــة‪.‬‬ ‫مــا مييّــز هــذا املــروع هــو الدهــاء الســيايس ‪ -‬طبعـاً يف ســياق ســلبي ‪ -‬كدهــاء‬‫اللصــوص والقتلــة‪ .‬فقــد اســتفاد مــن الغــزو األمريــي ألفغانســتان‪ ،‬وإزاحــة‬ ‫واســتخدمت املجاميــع الســلفية الجهاديــة الســ ّنية‬ ‫طالبــان والقاعــدة هنــاك‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫يف العــراق لهزميــة االحتــال األمريــي دون أن تســفك قطــرة دم جنــدي إيــراين‬ ‫ـب حليفهــا األســد يف ســوريا الســقوط بفعــل الدعــم غــر‬ ‫واحــد‪ ،‬واســتطا َع ْت تجنيـ ْ‬ ‫املحــدود إضافــة إىل الغبــاء الســيايس للســلفية الجهاديــة وضعــف مناعــة الشــعب‬ ‫الســوري وتــرذم (القــوى الثوريــة)‪ ،‬وحاليــاً يبــدو الغــرب األمريــي يف ورطــة‬ ‫ال يســتطيع أن يتدخّــل بشــكل حاســ ْم ومبــارش‪ ،‬وال يســتطيع الوقــوف متف ّرجــاً‬ ‫عــى املشــهد بعدمــا تكــررتْ صــور نحــر املواطنــن األمريــكان عــى الفضائيــات‪.‬‬ ‫الغــرب األمريــي يحــاول اســتبعاد أو تحييــد إي ـران والنظــام األســدي م ـ ْن حلِفــه‬ ‫املضــاد لإلرهــاب ولك ّنــه ‪ -‬والزمــان قــد يؤكــد ذلــك أو ينفيــه ‪ -‬يقاتــل نيابــة عــن‬ ‫املــروع اإلمرباطــوري اإلي ـراين الطائفــي والنظــام األســدي مــن حيــث ال يــدري‪،‬‬ ‫ـش ِببَــاش‪.‬‬ ‫يعنــي َج َحـ ْ‬ ‫تلـ َـك ق ـراءيت غــر املتفائلــة ملــا يجــري‪ ..‬وآمــل أن أكــون ُمخطئ ـاً‪ ..‬وكــم أشــعر‬‫بالحــزن وأنــا أتكلّــم عــن أبنــاء وطنــي ســوريا بصفت ِهــم‪ :‬شــيعي‪ ..‬سـ ّني‪ ..‬مســيحي‪..‬‬ ‫الــخ ولكــن لألســف هــذا مــا يقتضيــه واقــع الحــال‪!.‬‬ ‫وتبقــى نقطــة أخــرة تتمثّــل يف أن الــدول األيديولوجيــة تبقــى عــى قيــد الحيــاة‬‫ـت تحقــق انتصــارات خارجيــة تغطّــي فيهــا عــى الطبيعــة االســتبدادية‬ ‫مــا دامـ ْ‬ ‫للنظــام الحاكــم‪ ،‬وتعطــي الجامهــر شــعورا ً كاذبـاً بالعظمــة واملجــد‪ ،‬ولكــن نقطــة‬ ‫ضعفهــا القاتلــة هــي الداخــل‪ ،‬لكونهــا بالــرورة دول اســتبدادية ذات إدارة ســيئة‬ ‫تبــدد مواردهــا يف الحــروب الخارجيــة وتــرك شــعبها فقـرا ً معدمـاً منقسـاً عــى‬ ‫نفســه‪ ،‬خائفـاً متوث ّبـاً للتغيــر منتظـرا ً الفرصــة املواتيــة‪.‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫الدسم األمريكي‬ ‫ترقَّــب الجميــع نتائــج املفاوضــات التــي جــرت‬ ‫بــن مجموعــة ‪ 1+5‬وإيــران يف مدينــة لــوزان‬ ‫الســويرسية‪ ،‬وذلــك ملــا يتوقــع لهــا مــن كبــر األثــر‬ ‫عــى مســتقبل الـراع يف املنطقــة وعليهــا‪ ،‬ورغــم‬ ‫أن هــذه املفاوضــات قــد مــرت بعقبــات كبــرة‪،‬‬ ‫وتخطــت املهلــة الزمنيــة النهائيــة املحــددة لهــا‬ ‫للوصــول إىل نتائــج والواقعــة يف (‪ 31‬آذار)‪ ،‬فقــد‬ ‫تــم التوقيــع عــى إطــار اتفــاق يف الثــاين مــن‬ ‫كل مــن وزيــري الخارجيــة‬ ‫نيســان الجــاري‪ ،‬وخــرج ٌ‬ ‫األمريــي واإليــراين ليعلنــا كل منهــا عــى حــدا‬ ‫أنــه حقــق نــرا ً لشــعبه وأمتــه‪ ،‬وأنــه مل يفــرط‬ ‫يف الثوابــت واملصالــح القوميــة لبــاده‪ ...‬وقبــل‬ ‫االنتقــال لذكــر النقــاط األكــر أهميــة يف االتفــاق‬ ‫يحــق لنــا أن نســأل باســتغراب‪ ..‬أيــن موقــع العرب‬ ‫يف كل مــا يجــري عــى تخــوم بلدانهــم؟؟ وإىل متــى‬ ‫ســيبقى العــرب يعيشــون عــى هوامــش مشــاريع‬ ‫األمــم املتصارعــة عــى منطقتهــم وثرواتهــم‪ ،‬وإىل‬ ‫متــى ســيبقى أمنهــم القومــي رهينـاً إلرادة وقــدرة‬ ‫اآلخريــن تعصــف بــه ريــاح الصفقــات الدوليــة‬ ‫التــي تثــر نزاعــات هنــا‪ ،‬وتعقــد مصالحــات هنــاك‬ ‫دون أن يحســب لهــم أي حســاب؟؟؟ وبالعــودة إىل‬ ‫تفاصيــل االتفــاق اإلطــاري تســتوقفنا عــدة نقــاط‪..‬‬ ‫األوىل أن االتفــاق ليــس نهائيــاً‪ ،‬وأن االتفــاق‬ ‫النهــايئ ســيوقع يف ‪ 30‬حزيـران القــادم‪ ،‬وأن مــا تــم‬ ‫التوقيــع عليــه ال يعتــر ملزم ـاً ألي مــن الطرفــن‪،‬‬ ‫وأنــه يتضمــن وألول مــرة منــذ نشــوب أزمــة‬ ‫امللــف النــووي اعرتافــاً بحــق إيــران بتخصيــب‬ ‫اليورانيــوم بنســبة ‪ %3,67‬ومــا يســتلزمه هــذه‬ ‫الحــق مــن االحتفــاظ بكميــات مــن اليورانيــوم‬

‫وعــدد مــن أجهــزة الطــرد املركــزي (‪)5167‬‬ ‫جهــازا ً‪ ،‬كــا يتضمــن رفعــاً تدريجيــاً للعقوبــات‬ ‫االقتصاديــة واملاليــة املفروضــة عــى إيــران‪،‬‬ ‫وتحريــر األرصــدة املجمــدة والبالغــة ‪ 150‬مليــار‬ ‫دوالر‪ ،‬كــا يتضمــن مــن الجانــب اآلخــر خفضـاً يف‬ ‫عــدد أجهــزة الطــرد املركــزي التــي متتلكهــا إي ـران‬ ‫والبالغــة ســابقاً (‪ )19000‬جهــاز‪ ،‬والســاح لفــرق‬ ‫التفتيــش بالدخــول إىل أي مــكان ويف أي زمــان‬ ‫للتأكــد مــن االلتــزام مبضمــون االتفــاق‪ ..‬ومــن‬ ‫خــال التدقيــق بالتفاصيــل يظــن البعــض أن إيـران‬ ‫هــي الرابــح األكــر مــن هــذا االتفــاق (هــذا إن‬ ‫تــم)‪ ،‬فقــد احتفظــت بالبنــى األساســية لربنامجهــا‬ ‫بشــكل ميكنهــا مــن إنتــاج الســاح النووي (حســب‬ ‫الخــراء) إ ْن أرادت‪ ،‬وبنفــس الوقــت حصلــت‬ ‫عــى وعــود برفــع تدريجــي للعقوبــات التــي‬ ‫أنهكــت اقتصادهــا‪ ،‬وخفضــت مــن قدرتهــا عــى‬ ‫تصديــر النفــط مــن ‪ 8‬مليــون برميــل ســابقاً إىل‬ ‫‪ 2.8‬مليــون برميــل حاليـاً‪ ،‬واألهــم هــو أن ترجمــة‬ ‫االتفــاق عــى الصعيــد الجيوســيايس هــي إطــاق‬ ‫يــد إي ـران يف املنطقــة مدعومــة بالكــرم األمريــي‬ ‫(غــر املعتــاد) بشــكل يثــر الريبــة!!؟؟ فــا هــو‬ ‫الــر؟ ومــاذا وراء األكمــة؟! رمبــا ســيكون مــن‬ ‫املفيــد جــدا ً إســاءة الظــن بنوايــا أمريــكا‪ ،‬خصوصـاً‬ ‫أننــا نعلــم متامــاً مــا تســتلزمه االســراتيجية‬ ‫األمريكيــة املبنيــة عــى رؤيــة امربياليــة تعتقــد‬ ‫أن النظــام األمريــي هــو {نهايــة التاريــخ} وأنهــا‬ ‫يجــب أن تحافــظ عــى مكانتهــا كقطــب أوحــد يف‬ ‫العــامل‪ ،‬كــا يجــب أن نتوقــف قليـاً عنــد حقيقــة‬ ‫تراجــع أهميــة نفــط الخليــج بالنســبة ألمريــكا‬

‫جمال الفالح‬ ‫بعــد تزايــد إنتاجهــا مــن النفــط الصخــري لتنتقــل‬ ‫بعــد ســنوات مــن مســتورد للنفــط إىل مصــدر لــه‪،‬‬ ‫وعــى هــذا مــن املتوقــع أن يجــري إغ ـراء إي ـران‬ ‫للذهــاب إىل مزيــد مــن التدخــل بشــؤون املنطقــة‪،‬‬ ‫والغــوص أكــر يف رمالهــا املتحركــة مــع كل مــا‬ ‫يحملــه هــذا التدخــل مــن مخاطــر واســتفزاز‬ ‫للشــعوب العربيــة قبــل األنظمــة‪ ،‬ويف الوقــت‬ ‫نفســه تعمــل أجهــزة إعالميــة‪ ،‬ونخــب فكريــة‬ ‫وسياســية مــن كل األطــراف إلذكاء نــار الــراع‬ ‫والتحضــر لحــرب شــاملة مــع إي ـران رمبــا تكــون‬ ‫رشارتهــا األكــر وضوحــاً قــد بــدأت بالفعــل يف‬ ‫اليمــن (عاصفــة الحــزم) لتضيــف لل ـراع القائــم‬ ‫بــن العــرب وإيـران يف أكــر مــن بلــد عــريب بعــدا ً‬ ‫جديــدا ً‪ ،‬والــذي سيشــكل يف نتائجــه النهائيــة عــى‬ ‫بلــدان وشــعوب املنطقــة مــا يعــادل أثــر حــرب‬ ‫نوويــة‪ ،‬طبعـاً إن ظلــت الحــرب تــدار مــن املطبــخ‬ ‫األمريــي الــذي ال يريــد لهــا نهايــة قبــل تحويــل‬ ‫املنطقــة إىل رمــاد فهــل يعــي املغامــرون اإليرانيــون‬ ‫الذيــن أفقدهــم طغيــان القــوة مــا ينتظــر‬ ‫الجميــع مــن دمــار‪ ،‬إن مل يغــروا مــا بأنفســهم‬ ‫مــن مطامــع قوميــة ونزعــات مذهبيــة‪ ،‬وهــل‬ ‫يســتفيق العــرب مــن غفوتهــم الطويلــة ليقفــوا‬ ‫صفــاً واحــدا ً ويدافعــوا عــن أنفســهم وبلدانهــم‪،‬‬ ‫ويصنعــوا باتحادهــم ســياجاً ودرعــاً يحميهــم‪..‬‬ ‫يــردع املعتديــن ويــرد الطامعــن ويؤســس لبنــاء‬ ‫ســام راســخ عــى أســس تعــادل القــوى قبــل أن‬ ‫تلتهمهــم النــار هــم وبلدانهــم ومــا يعرشــون؟ كل‬ ‫مــن نســتطيع قولــه‪ ...‬مل يعــد هنــاك مزيــد مــن‬ ‫الوقــت‪.‬‬

‫اجللجلة اخلامسة للشعب السوري‬ ‫السيد املسيح لتالميذه ال ختافوا‪ ..‬فأنا معكم‬ ‫«ال تخافوا‪ ..‬فأنا معكم» بهذه الكلامت أوىص الســيد املســيح تالميذه أن ال‬ ‫يخافــوا مــن التجــارب‪ ،‬واملصاعــب‪ ،‬ومقارعــة الــر‪ ،‬والوقــوف مــع الحــق ضــد‬ ‫الباطــل‪ ،‬وذلــك ألنــه معهــم ينــر دربهــم ويســاعدهم عــى تحمــل املصاعــب‪.‬‬ ‫يحتفــل املســيحيون يف مثــل هــذه األيــام بذكــرى آالم الســيد املســيح‪ ،‬وســورية‬ ‫اليــوم وهــي موطنــه متــر بجلجلــة خامســة‪ ،‬يف مواجهــة نظــام اســتبدادي‪،‬‬ ‫قمعــي وإرهــايب‪ ،‬فأيــن مســيحيو اليــوم يف مــرق األرض‪ ،‬وبالتحديــد يف األرض‬ ‫الســورية‪ ،‬مــن كالم الســيد املســيح «ال تخافــوا‪ ..‬فأنــا معكــم» ؟ الحقيقــة‬ ‫املــرة بــأن قلّــة قليلــة مــن املســيحيني يعملــون بوصيــة املســيح ومل يخافــوا‪،‬‬ ‫وهــؤالء القلّــة هــم املســيحيون الحقيقيــون ألنهــم يعملــون بوصيــة الســيد‬ ‫املســيح وإميانــه بالوقــوف مــع الحــق ومقارعــة الباطــل‪ ،‬وموقفهــم هــذا ناجم‬ ‫عــن تنفيــذ وصايــا الســيد املســيح الــذي أكــد عــى أهميــة إحقــاق الحــق‪،‬‬ ‫حيــث كان يبــدأ أغلــب مواعظــه بقولــه «الحــق‪ ،‬الحــق‪ ،‬أقــول لكــم»‪ .‬هــذه‬ ‫القلّــة التــي تقــف اليــوم مــع حقــوق الشــعب الســوري‪ ،‬الثائــر مــن أجــل‬ ‫كرامتــه وحريتــه‪ ،‬وهــي مؤمنــة بــأن نضالهــا إىل جانــب رشكائهــا يف الوطــن‪،‬‬ ‫هــو اهتــداء بوصايــا الســيد املســيح التــي تدعــو إىل تحقيــق إنســانية اإلنســان‬ ‫يف التحــرر مــن العبوديــة واالســتبداد‪ ،‬وهــو مــا ميثلــه اليــوم يف ســورية وجهــا‬ ‫العملــة الواحــدة‪ ،‬النظــام الطاغــي وحلفــاؤه وارهابهــم‪ ،‬والقــوى التكفرييــة‪،‬‬ ‫املســتبدة أيض ـاً بالشــعب الســوري‪ ،‬وهــذه القــوى هــي يف الحقيقــة إف ـراز‬ ‫لألنظمــة الطائفيــة التــي يف الوجــه اآلخــر‪ ،‬أمــا القســم األكــر مــن بقيــة‬ ‫مســيحيي الــرق فهــم خائفــون مــن الوقــوف مــع الحــق يف مواجهــة الباطــل‪،‬‬ ‫فاإلرهــاب الــذي مارســته الســلطة السياســية طــوال نصــف قــرن مــن حكــم‬ ‫البعــث‪ ،‬أرعبهــم إىل درجــة مل يعــودوا يســمعون‪ ،‬ويعــون كالم الســيد املســيح‬ ‫بــر بــه تالميــذه الخائفــن يف بدايــة الحــدث الجلجــي (نســبة اىل‬ ‫الــذي ّ‬ ‫الجلجلــة)‪ ،‬ولكنهــم عــادوا وتغلبــوا عــى خوفهــم بعــد قيامــة الســيد املســيح‬ ‫مــن بــن األمــوات‪ ،‬حيــث انطلقــوا وهــم القلّــة القليلــة التــي أخــذت تدعــو‬ ‫للمســيحية غــر آبهــة باملــوت املرعــب الــذي فرضتــه الســلطات االســتبدادية‬ ‫املدنيــة بالتشــارك مــع الســلطات الدينيــة التــي ســاهمت يف صلــب الســيد‬ ‫املســيح‪ .‬هــل يــام هــؤالء الخائفــون عــى خوفهــم؟ بالطبــع يالمــون‪ ،‬ألنــه كان‬ ‫عليهــم التحــرر مــن الســلطات الكنســية‪ ،‬التــي عوضـاً عــن أن تــزرع يف قلوبهم‬ ‫الشــجاعة للمســاهمة يف الوقــوف مــع الجانــب املــيء للحــق‪ ،‬دفعتهــم إىل‬ ‫االحتــاء بالنظــام االســتبدادي‪ ،‬وهــي املقولــة التــي ثبــت عــدم صدقيتهــا‪.‬‬ ‫تتحمــل الســلطات الكنســية الخائفــة عــى مصالحهــا‪ ،‬وزر الخــوف الــذي‬ ‫يعانيــه الكثــر مــن املســيحيني‪ ،‬فلقــد وقفــت الســلطات الكنســية‪ ،‬باســتثناء‬ ‫القلّــة القليلــة منهــم‪ ،‬إىل جانــب الســلطة اإلرهابيــة للنظــام األســدي‪ ،‬فلقــد‬ ‫هــادن هــؤالء طــوال نصــف قــرن مــن الزمــن النظــام الســيايس االســتبدادي‪،‬‬

‫بهنان يامين‬

‫الــذي ألغــى حقــوق املواطنــن‪ ،‬واكتفــى منهــم بالواجبــات املبالــغ فيهــا‪ ،‬إىل‬ ‫حــد تحــول املواطنــون إىل عبيــد ورعــاع‪ .‬وعوض ـاً عــن أن تقــوم الســلطات‬ ‫الدينيــة هــذه للتصــدي ملنــع إلغــاء الحريــات العامــة‪ ،‬نراهــا تدعــو للســلطات‬ ‫املســتبدة مــن عــى منابرهــا‪ .‬الســلطة الكنســية منعــت بشــكل مبــارش أو غــر‬ ‫مبــارش أتباعهــا مــن العمــل الســيايس‪ ،‬ال بــل أكــر مــن ذلــك‪ ،‬فلقــد كانــت‬ ‫تنظــر للمســيحيني املسيســن نظــرة ريبــة‪ ،‬ومل تكــن لديهــا الشــجاعة للدفــاع‬ ‫عنهــم عنــد اعتقالهــم‪ .‬عــى املســيحي الحقيقــي أن ال يخــاف‪ ،‬وأن يأخــذ‬ ‫أمنوذج ـاً‪ ،‬اآلبــا َء مــن أمثــال األب اليســوعي الشــهيد فرانــس‪ ،‬الــذي يصــادف‬ ‫يتخــل عــن‬ ‫َ‬ ‫يــوم الســابع مــن نيســان الذكــرى األوىل الستشــهاده‪ ،‬الــذي مل‬ ‫واجبــه كمســيحي‪ ،‬فكــا شــارك شــعب حمــص أفراحهــم‪ ،‬شــاركهم جوعهــم‪،‬‬ ‫وعطشــهم‪ ،‬وعــذاب الحصــار الــذي فرضــه الطغــاة عــى حمــص الثائــرة‪،‬‬ ‫فلــم يرحــل ويهــرب مــن حمــص القدميــة‪ ،‬وليستشــهد عــى األرض الســورية‬ ‫مخضبـاً إياهــا بدمــه الطاهــر‪ .‬أمنــوذج آخــر للمســيحي غــر الخائــف هــو األب‬ ‫اليســوعي باولــو داليليــو‪ ،‬الــذي كان مســيحياً حقيقي ـاً‪ ،‬ومل يخــف مــن قــول‬ ‫كلمــة الحــق وجابــه داعــش‪ ،‬ومــن وراء داعــش‪ ،‬إىل أن أرس عــى يــد األخــرة‪.‬‬ ‫األب باولــو مل يعــرف الخــوف ال يف مواجهــة النظــام االســتبدادي‪ ،‬وال يف مقارعة‬ ‫داعــش‪ .‬ومواقــف املط ـران مــار غريغوريــس يوحنــا إبراهيــم‪ ،‬مط ـران حلــب‬ ‫وتوابعهــا للرسيــان األرثوذكــس جعلتــه واحــدا ً مــن فرســان املســيحية‪ ،‬الــذي‬ ‫وقــف وبشــجاعة ضــد مخططــات الســلطة املســتبدة لتســليح املســيحيني‪ ،‬كــا‬ ‫أنــه مل يســكت عــن قــول كلمــة الحــق‪ ،‬طارحـاً‪ ،‬يف مؤمتــر طهـران «التحــاوري»‬ ‫خارطــة طريــق سياســية مــن أربــع نقــاط لــو نفــذت‪ ،‬كان مــن املمكــن أن‬ ‫تكــون حـاً للمســألة الســورية‪ ،‬رافعـاً شــعار املواطنــة كحــل يذيــب الفــوارق‬ ‫الدينيــة واملذهبيــة‪ ،‬وكذلــك يلغــي العنرصيــة‪ .‬ولقــد كان كالمــه يف الـــبي يب‬ ‫يس العربيــة‪ ،‬حيــث حمــل النظــام مســؤولية عــدم تحليــه بالوعــي الــكايف ملنــع‬ ‫تدفــق شــال الــدم الســوري‪ ،‬فخطــف ألنــه مل يخــف وأنــا مقتنــع نتيجــة مــا‬ ‫أعرفــه عنــه‪ ،‬بأنــه وهــو يف األرس ال زال غــر خائــف‪.‬‬ ‫إنــه العــام الخامــس للحــراك الثــوري الســوري‪ ،‬والشــعب الســوري البطــل‬ ‫يعيــش جلجلتــه الخامســة‪ ،‬متأمـاً أن يتحــرر مــن هــذا النظــام الباغــي‪ ،‬الــذي‬ ‫مل يـ َر وســيلة تدمرييــة إال واســتخدمها ضــد الشــعب الســوري‪ .‬وبيــوم الجمعــة‬ ‫العظيمــة الخامســة لجلجلــة شــعبنا الصامــد والبطــل‪ ،‬نقــول للمســيحي‬ ‫الخائــف كالم املســيح «ال تخافــوا فأنــا معكــم‪ »،‬ونضيــف عــى هــذه العــرة‬ ‫القــول‪ ،‬ال تخافــوا وكونــوا كاملطارنــة والكهنــة الذيــن مل يخافــوا يف مواجهــة‬ ‫االســتبداد واســتغالل املســيحيني‪ ،‬فــا تكونــوا فقــط مســيحيني بــل كونــوا‬ ‫مواطنــن ســورين مســيحيني مؤمنــن كــا أرادكــم الســيد املســيح‪ ،‬وكــا‬ ‫أرادكــم املط ـران يوحنــا إبراهيــم‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واالنتهازي��ة‬ ‫للغوغائي��ة‬ ‫العص��ر الذه�بي‬ ‫الغوغائيــة أقــوى ظاهــرة قُوبلــت بهــا الثــورة‬ ‫الســوريّة مــن مختلــف أعدائهــا وأصدقائهــا‪،‬‬ ‫حتــى مــن الذيــن يلبســون لبــوس الثــورة‬ ‫والحريــة والتقدميّــة وينطقــون باســمها‪.‬‬ ‫جــاءت مــع تركيبــة االنتهازيــة والجهــل‬ ‫والفســاد واالســتبداد‪ ،‬وانتعشــت بالعصبويــات‬ ‫والــوالءات ومتويــل التفكيــك الوطنــي‬ ‫واألخالقــي‪.‬‬ ‫خــارج إطــار القصــص التقليديــة لرصاعــات‬ ‫املعارضــة والتحاصــص والــوالءات السياســية‬ ‫التخريب ّيــة‪ ،‬وأبعــد مــن الخطــاب املنســلخ عــن‬ ‫الحــراك الواقعــي واملعنــوي للثــورة والوضــع‬ ‫الســوري؛ فــإن الثــورة تنجــز معــارك تح ّررهــا‬ ‫عــى الرغــم مــن التضييــق والحصــار والقتــل‬ ‫والرتهيــب‪ ،‬ومــن الطبيعــي أن تتجــى أي‬ ‫عمليّــة تحريــر كإنجــاز‪ ،‬وكخطــوة مه ّمــة يف‬ ‫معركــة الحريــة‪ ،‬وكجــزء مــن مســار نــر‪،‬‬ ‫لك ـ ّن التحريــر يبقــى جزئي ـاً إ ْن ظـ ّـل محكوم ـاً‬ ‫بالحصــار والفــراغ والثــأر وغوغائيــة اإلدارة‬ ‫وحكــم الرشعيــات القرسيــة الفوقيــة‪ ،‬خصوصـاً‬ ‫يف ظــل غيــاب مرشوعيــة منهج ّيــة موضوعيــة‬ ‫بديلــة‪ ،‬متفــق عليهــا‪ ،‬ذات مغــزى إنســاين‬ ‫وأخالقــي ووطنــي‪.‬‬ ‫التّحريــر الكامــل يلزمــه حاميــة وأمــن‬ ‫ورؤيــة إنســانية أخالقيّــة وإجــراءات عمليّــة‬ ‫تواكــب املســتجدات‪ ،‬يقــرن بتحريــر عقــل‬ ‫املتكلــم‪ ،‬وعقــل املخاطــب‪ ،‬وعقــل املتلقــي‪،‬‬ ‫الساســة وإراداتهــم‪ ،‬وتعديــل مكونــات‬ ‫وعقــل ّ‬ ‫خطــاب املفكريــن واملثقفــن واإلعالميــن‪.‬‬

‫ويلزمــه خطــة عمــل وطن ّيــة عاجلــة‪ ،‬ببصــرة‬ ‫عاقلــة للواقــع واملســتقبل‪ ،‬قابلــة للتنفيــذ‬ ‫مســتندة إىل منهــج ومعايــر‪ ،‬تقودهــا إرادات‬ ‫قــادرة عــى ملّ الفــوىض املســترشية عــر مــلء‬ ‫الفـراغ مبنظومــة الحقــوق والتوعيــة املعرفيــة‪،‬‬ ‫والتثقيــف التنويــري الرتبــوي للســر املكــن يف‬ ‫مســعى الحريــة واالســتقالل والبنــاء‪.‬‬ ‫الحريــة املنقوصــة أخطــر مــن العبوديــة؛‬ ‫ألنهــا فــوىض تتحــول إىل عبث ّيــة تدمرييّة وســوق‬ ‫مفتوحــة الســتغالل الحقــوق وامتهــان الكرامــة‬ ‫وتبــادل الــوالءات النفع ّيــة عــى حســاب القيــم‪.‬‬ ‫الحريــة املنقوصــة هــي التــي تــأيت دفعــة‬ ‫واحــدة يف عــدمٍ معنــوي قيمــي وبــري‪،‬‬ ‫مــن دون توفــر منــاخ لنمــو معــريف وأخالقــي‬ ‫وموضوعــي‪ ،‬وتــأيت غــر مرتبطــة مبســؤوليات‬ ‫تحقيــق العــدل وحاميــة الكرامــة وصــون‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬وتبقــى رد فعــل انفعــايل‪ ،‬وارتجــال‬ ‫شــعبي عــام ضــد الظلــم والقهــر ومجــرد‬ ‫أصــوات بنــادق ورصــاص وهجــوم وتخويــن‬ ‫وتحقــر وخطابــات ناريّــة أو تنظرييــة تفتقــر‬ ‫للمصداق ّيــة والتجربــة واملمكــن‪.‬‬ ‫أ ّمــا الحريــة كمــروع إنســاين ووطنــي‬ ‫تحـ ّرري‪ ،‬فهــي خطــاب كامــل مضــاد لالســتبداد‬ ‫واالســتئثار والــوالء والتحقــر والرتهيــب‬ ‫والتمييــز‪ ،‬ومضــاد لــكل أشــكال االنحطــاط‬ ‫اإلنســاين واالقتتــال الفوضــوي‪ .‬وعــى رأســه‬ ‫األهــي‪ ،‬تلبيــة لعصبويــة قاهــرة‪ .‬لذلــك‬ ‫فالســؤال الــذي ال مفــر مــن إجابتــه‪ :‬أيــن‬ ‫نحــن‪ ...‬كلنــا‪ ...‬اآلن‪ ،‬مــن مفــردة الحريــة ومــن‬

‫معناهــا اإليجــايب وقيمهــا الصالحــة؟‪.‬‬ ‫اآلن هــو زمــن تاريخــي خطــر‪ ،‬ووقــت‬ ‫إشــكايل‪ ،‬يتطلــب عقـاً جبــارا ً للفهــم والتحليــل‬ ‫ووضــع الحلــول للخــروج مــن الهاويــة‪.‬‬ ‫إن تكســر الصنــم هــو ظاهــرة النقــاب‬ ‫حقيقــي عــى أربــاب االســتعباد؛ لكنــه حتــى‬ ‫يصبــح ثــورة‪ ،‬يجــب أن يكــون مقدمــة لتكســر‬ ‫تحصنهــا‬ ‫أصنــام كثــرة‪ ،‬حتــى تلــك التــي ّ‬ ‫قدسـ ّية خراف ّيــة مــن ثقافيــة وسياســية ودين ّيــة‬ ‫وتاريخ ّيــة‪ ،‬ويتطلــب تفكــرا ً حيويــاً خــارج‬ ‫األقفــاص التقليديــة والنمطيــة الســائدة؛‬ ‫خصوصــاً مــع تفاقــم املتناقضــات وازديــاد‬ ‫اإلخفاقــات النفســيّة واتســاع رقعــة اآلالم‬ ‫وانتشــار ظواهــر الغوغائيــة والفســاد‪.‬‬ ‫التجــارب والخــرات الوطنيــة يجــب أن‬ ‫تنمــو وتتبلــور‪ ،‬وأن تســتمر يف عملهــا لتحقيــق‬ ‫اليقظــة الشــاملة وإعــادة ترميــم األنفــس‬ ‫والعقــول والقلــوب‪ ،‬وذلــك ال ميكــن إنجــازه‬ ‫إال بتقويــم عملنــا‪ ،‬وعمــل مؤسســاتنا كلهــا‪،‬‬ ‫التــي ظهــرت باســم املعارضــة والثــورة والواقــع‬ ‫الجديــد والبديــل‪ ،‬حتــى لــو كان الثمــن نســفها‬ ‫وإعــادة بنائهــا وفــق تجديــد الفكــر والخطــاب‬ ‫والقيــم‪ ،‬أو إنشــاء مؤسســات جديــدة مســتقلة‪،‬‬ ‫لبنــاء خطــة واســعة شــاملة للعمــل ضمــن‬ ‫مســار زمنــي وتبعــاً آلليــات تنفيــذ وتقويــم‬ ‫واقعيــة ومعياريّــة‪.‬‬ ‫صــب املعارضــون غضبهــم عــى النظــام‬ ‫ومل يقدمــوا بديــاً حقيقيــاً ناضجــاً إال يف‬ ‫مســار القتــال يف املعركــة عــر الصمــود يف‬

‫د‪ .‬سماح هدايا‬ ‫وجــه الطاغيــة ومحاربتــه عــى أرض املعركــة‪،‬‬ ‫والقتــال فضيلــة‪ ،‬مــا دام ضــد الظلــم والقهــر‬ ‫واالســتعباد‪ ،‬ومــا دام دفاعــاً عــن النفــس‬ ‫والحــق‪ ،‬لكــن مــاذا قــدم املعارضــون بعــد‬ ‫ذلــك؟ مــاذا قدمــوا معنوي ـاً وسياســياً وفكري ـاً‬ ‫ورمزي ـاً لهــؤالء الذيــن يقاتلــون ويستشــهدون‬ ‫وللذيــن ميوتــون كضحايــا‪ ،‬وللذيــن يقاومــون‬ ‫الظلــم والقتــل؟‪.‬‬ ‫املعارضــات الســورية كثــرة ومتكاثــرة‬ ‫وخلفياتهــا متناقضــة وكلهــا‪ ،‬تعــارض بعضهــا‬ ‫وتشــتم بعضهــا‪ ،‬ثــم تشــتم نفســها عندمــا‬ ‫تنقســم ذاتيـاً‪ ،‬وتتســابق عــى غنائــم افرتاضيــة‬ ‫وعــى والءات‪ ،‬وال تقــدم بدي ـاً ناضج ـاً يــوازي‬ ‫مــا يحصــل يف يوميــات املعركــة‪ ،‬بــل تتفاقــم‬ ‫أخطارهــا بفعــل رصاعاتهــا؛ إذ تعتــر كل جهــة‬ ‫معارضــة أنهــا املرجعيــة وحاميــة الحــق‪ ،‬وذات‬ ‫املصداقيــة وصاحبــة اليــد األنظــف‪ ،‬ويعتــر‬ ‫كل فــرد فيهــا وخارجهــا نفســه زعي ـاً وقائــد‬ ‫ثــورة ويتشــ ّدق بإنجازاتــه‪ ،‬وال يتــورع عــن‬ ‫التشــهري باآلخــر وتحطيمــه وتخوينــه‪ ،‬وتكســر‬ ‫أي بنيــة تعرقــل طريــق مصالحــه‪ ،‬بينــا تــزداد‬ ‫األزمــات‪ ،‬وتتســع املــآيس‪ ،‬وتشــتد الظــروف‬ ‫وطــأة وقهـرا ً وإذالالً‪ ،‬وال يظهــر للعلــن إال حالــة‬ ‫الــردي والســقوط وأمــراض وطنيــة أخالقيّــة‬ ‫وترصفــات رعنــاء‪.‬‬ ‫ســوريا محتــل عقلهــا وإرادتهــا سياســياً‬ ‫ومعنويــاً‪ ،‬تحتــاج شــعباً ناضجــاً يدافــع عنهــا‬ ‫ويح ّررهــا‪ .‬لذلــك ال بــد مــن والدة العقــل‬ ‫الجديــد الــذي يتجــاوز هــذا الـراخ املتخلّــف‪،‬‬

‫عقيدة األسد والشيعة‬ ‫مــن أهــم الظواهــر التــي يتمتــع بهــا األســد وشــبيحته‬ ‫اليــوم‪ ،‬هــي انعــدام التديــن‪ ،‬والتعصــب الطائفــي الــذي‬ ‫يصــل إىل حــد الفاشــية‪ ،‬وهــو مخــزون نفــي واجتامعــي‬ ‫يعــود بأصلــه إىل العقيــدة املتعصبــة‪ ،‬وقــد توافــق هــذا‬ ‫االعتقــاد مــع املصالــح املجوســية اإليرانيــة يف ســوريا‪ ،‬وذلــك‬ ‫مــن مطلــع الثامنينيــات ليمتــد ضمــن اســتحكام حلقــات‬ ‫بنيــة إقليميــة شــيعية مــن طهـران إىل بــروت مــرورا ً ببغــداد‬ ‫ودمشــق‪ ،‬هــذه البنيــة التــي أضحــت متــددا ً إيرانيـاً صفويـاً يف‬ ‫ظــل فـراغ عــريب تحولــت إىل إجــاع مــن األطـراف اإلقليميــة‬ ‫الشــيعية اليــوم عــى االصطفــاف مــع األســد يف فظائعــه‬ ‫ضــد الشــعب الســوري‪ ،‬لقــد وقفــت إيـران بعنجهيــة وعنــاد‬ ‫وطائفيــة بحتــة مــع األســد الــذي اعتربتــه حليفــاً ال ميكــن‬ ‫التفريــط بــه‪ ،‬ومل تــرف أجفــان القــادة اإليرانيــن‪ ،‬وال رقــت‬ ‫قلوبهــم أمــام مشــاهد الشــعب الســوري الــذي تحصــده‬ ‫آلــة املــوت األســدية حصــدا ً بــل شــاركوا بالقتــل املمنهــج‪،‬‬ ‫والتدمــر الشــامل‪ ،‬واعتــروا أن املعركــة معركتهــم وإن‬ ‫دلــت عــى يشء فهــو تخلــف الحــكام اإليرانيــن يف قراءتهــم‬ ‫للمســار التاريخــي الــذي تتجــه إليــه ســوريا اليــوم‪ ،‬وجهلهــم‬ ‫بعواقــب ذلــك عــى دولتهــم‪ ،‬فقــد تحــول حســن نــر‬ ‫الشــيطان إىل بــوق ورشيــك يف القتــل مــع النظــام الدمــوي‬ ‫يف دمشــق‪ ،‬وأصبــح الرجــل وجهـاً باهتـاً مــن حــاة الطغيــان‬ ‫ودعاتــه‪ ،‬فغــدت طالتــه اإلعالميــة تســويقاً للظلــم‪ ،‬وترشيعـاً‬ ‫للقتــل‪ ،‬كــا هــو حــال إيـران‪ ،‬فقــد ركــب حــزب اللــه املهالــك‬ ‫يف وقوفــه إىل جانــب القتلــة‪ ،‬ورجــح مصلحتــه الطائفيــة يف‬ ‫الحلــف مــع بشــار األســد عــى مصلحــة اس ـراتيجية أكــر‪،‬‬ ‫هــي االلتحــاق بعمــق شــعبي ســوري وعــريب توفــره لــه‬ ‫الثــورة‪ ،‬أمــا القــوى الشــيعية يف العـراق‪ ،‬فقــد تــردد موقفهــا‬ ‫بــن الصفاقــة التــي بــرر بهــا مقتــدى الصــدر دمويــة األســد‪،‬‬ ‫واتهــم الثــورة الســورية بالطائفيــة‪ ،‬إىل املوقــف املـراوغ الــذي‬ ‫تبنــاه نــوري املالــي بداعــي التقيــة‪ ،‬فقــد تنــاىس املالــي‬ ‫رصاعــه مــع حــكام ســوريا واتهاماتــه لــه حينــا اصبــح مــا‬ ‫يعتــره مكســباً طائفي ـاً يف خطــر وهــو الحكــم الطائفــي يف‬ ‫ســوريا‪ ،‬وبــدأ يســعى إلنقــاذ هــذا الحكــم املتداعــي بــكل‬ ‫مــا ميلــك مــن قــوة إلســعاف األســد امللطــخ بدمــاء شــعبه‪،‬‬ ‫وســحب شــبيحته إىل حــرب أهليــة مــع الســوريني‪ ،‬والتمــرس‬

‫‪7‬‬

‫وهــذا العجــز الفظيــع‪ ،‬وهــذا الشــلل الفكــري‬ ‫والســيايس واألخالقــي‪ ،‬حتــى يؤســس لبنيــة‬ ‫عمــل وطنــي نافــع‪ .‬ونحــن‪ ،‬اآلن‪ ،‬بأمــس‬ ‫الحاجــة إىل حاميــة مصالحنــا اإلنســانية‬ ‫والوطن ّيــة بإطــاق عمليــة بنــاء العقــل الجديــد‪،‬‬ ‫وتوحيــد الــرؤى يف مســاره واالنفــات الكامــل‬ ‫مــن ســجن العقــل التقليــدي االنتهــازي‬ ‫الرجعــي الراســخ يف الفــوىض والالجــدوى‬ ‫والبعيــد عــن معايــر الشــفافية واملصداقيــة‪،‬‬ ‫واملتمثــل يف جميــع أشــكال املعارضــة‪ ،‬وغــر‬ ‫املعارضــة‪.‬‬ ‫يجــب قلــع هــذه املنظومــة الذهنيــة وزراعــة‬ ‫منظومــة جديــدة صالحــة للحيــاة‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد حاج بكري‬

‫بحلــف إقليمــي مذهبــي ال ميلــك مــن االنتــاء إليــه ســوى‬ ‫االســم واملصلحــة واألنانيــة‪ ،‬ولــن يكــون الــرد املناســب عــى‬ ‫اصطفــاف البنيــة اإلقليميــة الشــيعية وراء مصــايص الدمــاء‬ ‫يف دمشــق هــو اصطفــاف إقليمــي ســني مقابــل‪ ،‬بــل الــرد‬ ‫الحقيقــي هــو مــا رد بــه ثــوار ســوريا مــن نقــد املنطــق‬ ‫الطائفــي والتصميــم عــى تحقيــق دولــة الحريــة والعــدل‬ ‫للجميــع مهــا يكــن الثمــن‪ .‬لقــد ســمعت البرشيــة كلهــا‬ ‫عــر القنــوات الفضائيــة ذلــك الرجــل الســوري‪ ،‬وهــو يــرخ‬ ‫«أنــا إنســان مــاين حيــوان»‪ ،‬وهــذا املدخــل كان يتعــن‬ ‫عــى قــادة الشــيعة أن يتدبــروا بــه أمــر الثــورة الســورية‪،‬‬ ‫أمــا الطائفيــة واألنانيــة السياســية‪ ،‬ومرشوعيــة قتــل الســنة‬ ‫وإبادتهــم‪ ،‬والكيــل مبكيالــن‪ ،‬فهــي أمــور ال تصلــح يف‬ ‫التعاطــي مــع ثــورة شــعب ســقى شــجرة الحريــة كل يــوم‬

‫والقبــح الســيايس واالنحـراف العقائــدي والتيــه النفــي لــدى‬ ‫هــذا املحــور الشــيعي ومواقفــه املؤيــدة لألســد‪ ،‬وإن بــررت‬ ‫إعالميـاً عــى أنهــا مواجهــة املؤامــرة التــي تســتهدف النظــام‬ ‫املامنــع واملقــاوم‪ ،‬إال أنهــا ال تســتطيع اخفــاء طائفيتهــا التــي‬ ‫توجههــا إي ـران خاصــة حــن تربــط مبواقــف نفــس األط ـراف‬ ‫يف البحريــن واليمــن‪ .‬عقالنيــة التحليــل للمواقــف الشــيعية‬ ‫املعاديــة للثــورة الســورية ال ميكــن تفســرها خــارج اإلطــار‬ ‫العقــدي‪ ،‬وإذا حاولنــا اســتبعاد تأثــر األيديولوجيــا‪ ،‬أو‬ ‫العقيــدة الدينيــة يف تفســر أســباب االلتفــاف الشــيعي حــول‬ ‫األســد‪ ،‬فإنــه يصعــب إيجــاد أي مــررات مصلحيــة ســواء‬ ‫كانــت سياســية أو اقتصاديــة أو اســراتيجية تربرهــا‪.‬‬ ‫اليــوم نــر اللــه وإيـران يتباكــون عــى البحريــن والحوثيــن‬ ‫يف اليمــن‪ ،‬وهــي تبعــد عنهــم آالف الكيلــو مــرات‪ ،‬أمــا‬

‫بدمائــه‪ ،‬وإمنــا يصلــح للتعاطــي مــع هــذه الثــورة موقــف‬ ‫أخالقــي ال ازدواجيــة فيــه وال التــواء‪ ،‬موقــف يشــد أزر شــعب‬ ‫يتطلــع إىل املســتقبل‪ ،‬لقــد أمســك الشــعب الســوري بزمــام‬ ‫التاريــخ‪ ،‬وهــو مصمــم عــى التخلــص مــن الظلــم واالســتعباد‬ ‫والتســلط والدكتاتوريــة‪ ،‬إن هــذه الثقافــة الشــيعية التــي‬ ‫نعيشــها اليــوم تكشــف للجميــع عــن العــورة الطائفيــة‬

‫حمــص التــي هــي عــى مرمــى حجــر مــن لبنــان‪ ،‬فــا يجــري‬ ‫فيهــا أمــر عــادي‪ ،‬وال يوجــد أي قتــل أو جرائــم‪ ،‬وحــن يــرى‬ ‫العــامل مدافــع جيــش األســد تــدك أحيــاء املدينــة حي ـاً حي ـاً‪،‬‬ ‫ويعجــز إعالمــه عــن إخفــاء حجــم الدمــار‪ ،‬هــذا املوقــف ال‬ ‫ميكــن تحليلــه وتفســره خــارج اإلطــار العقــدي للحــزب فهــو‬ ‫تطبيــق ملبــدأ التقيــة ال غــر‪.‬‬

‫خالصــة التالحــم الطائفــي الشــيعي عــر الــدول والقــارات‪،‬‬ ‫والــذي اتضحــت معاملــه يف ســوريا‪ ،‬يؤكــد أ ّن موقــف هــذه‬ ‫التجمعــات الصفويــة املتناغمــة مــع املوقــف اإليــراين‪،‬‬ ‫والتــي تجــاوزت كل الحــدود األخالقيــة تؤكــد أنهــا مبنيــة‬ ‫عــى أســس عقديــة‪ ،‬ومواقــف نــر الشــيطان هــي تك ـرار‬ ‫ملواقــف الخمينــي يف مجــزرة حــاة‪ ،‬وجرائــم حركــة أمــل يف‬ ‫املخيــات الفلســطينية‪ ،‬وليــس بالــرورة العــودة إىل التاريــخ‬ ‫القديــم لجرائــم هــذه الطائفــة بحــق األمــة‪ ،‬فيوميــات الثــورة‬ ‫الســورية دليــل حــي ومبــارش لكشــف هــذه الحقائــق‪ ،‬فقــد‬ ‫صبــت قــوات األســد بدعــم إي ـراين جــام غضبهــا يف البدايــة‬ ‫عــى حمــص عاصمــة الثــورة‪ ،‬ودمرتهــا تدمـرا ً شــامالً مبختلف‬ ‫أنــواع األســلحة‪ ،‬ألن يف حمــص مقــرة الكتيــب‪ ،‬وقبــور‬ ‫أربعامئــة مــن أصحــاب الرســول (ص)‪ ،‬وتركــزت رضباتهــا‬ ‫عــى حــي بابــا عمــرو والخالديــة ألنــه بعــد أن تــويف الصحــايب‬ ‫الجليــل عمــر بــن معــدي يكــرب يف حمــص تــم دفنــه يف‬ ‫املنطقــة التــي فيهــا مســجده‪ ،‬وســميت املنطقــة باســمه‪،‬‬ ‫وحــي الخالديــة ســمي نســبة إىل الصحــايب الجليــل ســيف‬ ‫اللــه املســلول خالــد ابــن الوليــد‪ ،‬وفيــه قــره ومســجده‪ ،‬وكثري‬ ‫مــن أوالده وأحفــاده‪ ،‬حيــث كان للصحــايب الجليــل عمــر بــن‬ ‫معــدي يكــرب دورا ً كبـرا ً يف معركــة القادســية‪ ،‬وســيدنا خالــد‬ ‫ابــن الوليــد طــرد جيــش الفــرس مــن جنــوب العـراق‪ ،‬وهــذه‬ ‫أســباب دمــار حمــص‪ ،‬أي أنهــم يريــدون النيــل مــن رمــوز‬ ‫معركــة القادســية‪ ،‬لكــن حمــص مل ولــن تهــزم‪.‬‬ ‫يجــب أن نــدرك كســوريني أن ســقوط بشــار األســد سيشــكل‬ ‫هزميــة كــرى إليــران التــي بذلــت مجهــودات ضخمــة‬ ‫لحاميتــه‪ ،‬والحفــاظ عليــه كرشيــك اسـراتيجي‪ ،‬ودفعــت مثنـاً‬ ‫باهظ ـاً‪ ،‬وهــي غــر مســتعدة للتخــي عنــه‪ ،‬لكنهــا مســتعدة‬ ‫ملواجهــة مــن يســعى إلســقاطه‪ ،‬وحقيقــة أن إي ـران دخلــت‬ ‫املســتنقع الســوري بــكل مــا متلــك مــن قــوة‪ ،‬وأثــرت بــه‪،‬‬ ‫وهــي ال تريــد أن تذكــر أن بشــار وشــبيحته بحكــم املــوت‬ ‫القــادم مــن الثــورة الشــعبية‪ ،‬فمــن يقــرأ التاريــخ يعــرف‬ ‫أن األفــراد يذهبــون‪ ،‬والشــعوب تبقــى‪ ،‬ويف أســوأ األحــوال‬ ‫وإن مل تتبلــور األمــور كــا تأمــل إيـران يف ســوريا‪ ،‬فستســعى‬ ‫إىل إيجــاد دويلــة ذات لــون طائفــي عــى البحــر األبيــض‬ ‫املتوســط‪ ،‬وهــذا آخــر أمــل لهــا‪ ،‬متناســن أن الشــعب‬ ‫الســوري لــن يهــزم عــى أرضــه‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫مراجعات إسالمية ـ ‪ 4‬ـ‬

‫م��ن اخل��وارج إىل داع��ش‪( :‬أو ًال ـ اخل��وارج)‬

‫لــن نغفــر ألنفســنا إذا كنــا ســنقرأ اإلســام‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫خالصــات‬ ‫اســتخالص‬ ‫وتاريخــه مــن أجــل‬ ‫جميل ـ ٍة منــه (كــا يفعــل األصوليــون اليــوم)‬ ‫ٍ‬ ‫خالصــات قبيحــة فيــه (كــا يفعــل‬ ‫أو‬ ‫العلامنيــون اليــوم)‪ ،‬فاملعرفــة اإلنســانية‬ ‫املجــردة واملحايــدة مل يكــن مــن أهدافهــا يومـاً‬ ‫مــا البحــث عــن الجــال والقبــح‪ ،‬إال مبقــدار‬ ‫مــا يتضمنــاه مــن قيمــة نقديــة ت ُعيــد صياغــة‬ ‫العــامل كــا هــو‪ ،‬ال كــا نتمنــى أن نــراه‪ ،‬أو‬ ‫نتظنــن اعتقادي ـاً أننــا هكــذا يجــب أن ن ـراه‪.‬‬ ‫لهــذا وجــب علينــا أن نحــذر كثــرا ً مــن‬ ‫ت َغــو ِل اللغــة املؤدلجــة حــن تســبح ضــد تيــار‬ ‫املعرفــة والعلــم‪ ..‬إن اللغــة وحدهــا القــادرة‬ ‫توســخَها‪.‬‬ ‫عــى أن ت ُ َن ِظ َ‬ ‫ــف أفكارنــا أو ِّ‬ ‫بعــد التمهيــد الســابق عــن الخــوارج ســوف‬ ‫نالحــظ ظاهرتــن ترافقتــا بنيويــاً يف ســرهام‬ ‫الصاعــد والحثيــث‪ :‬اختلفتــا يف املوقــع‬ ‫الســيايس واملعتقــدي شــكالً‪ ،‬واتفقتــا يف‬ ‫تعريفهــا للدولــة مــن منطلــق الفهــم املو َّحــد‬ ‫إللهيــة الخليفــة أو اإلمــام‪ :‬ظاهــرة الخــوارج‬ ‫وظاهــرة الشــيعة‪ ،‬فــوق أن املشــرك بينهــا‬ ‫عــى وجــه الضدية هــو أن الفئــة األوىل رأت يف‬ ‫اإلمــام عــي أكــر الكافريــن لقبولــه بالتحكيــم‪،‬‬ ‫والناقــض األول لدينيــة الخالفــة وألوهيتهــا‪،‬‬ ‫وذلــك ملجــرد شــكه ونزولــه عــى رأي الرجــال‬ ‫يف الفصــل بــن متخال ِفــن‪ .‬بينــا رأت الفئــة‬ ‫ــر ُة اللــه‬ ‫الثانيــة أن عليــاً وأبنــا َء ُه هــم ِخ َ َ‬ ‫مــن بــن خلقــه لإلمامــة وقيــادة الجامعــة‬ ‫اإلســامية‪ ،‬وال يجــوز لنــا بوصفنــا مؤمنــن أن‬ ‫نختــار وأن نقــول برأينــا بعــد اختيــار اللــه لنــا‪،‬‬ ‫فاملســألة ليســت اجتهــادا ً أو وجهــة نظــر‪ ،‬بــل‬ ‫ـن) علينــا أن نق َبلَـ ُه إميانـاً وتســليامً أو‬ ‫هــي ( ِديـ ٌ‬ ‫نجحــده‪ ..‬وال أظــن مــن بــن الفــرق اإلســامية‬ ‫ذات الــوزن التاريخــي والشــوكة املؤثــرة‬ ‫والثبــات عــر تقلــب الزمــن مــن صمــد عــى‬ ‫تخشــب محتــوى فكرتــه البائســة أكــر مــن‬ ‫(الخــوارج والشــيعة)‪.‬‬ ‫ومضطـرا ً ســوف أســتعمل مصطلــح «اإلزائيــة»‬ ‫الــذي يعنــي أن كل تقــدم لفكــرة (األلوهــة‬ ‫يف الخالفــة ـ اإلمامــة) ســوف يقابلــه تقــد ٌم‬ ‫مــوا ٍز يف معالجــة علــاء األصــول يف الــكالم‬ ‫(العقيــدة واإلميانيــات) ويف الترشيــع (الفقــه)‬ ‫وهــم الذيــن احتفظــوا‪ ،‬ولحســن الحــظ‪،‬‬ ‫باألساســات األوىل أو القواعــد األصوليــة التــي‬ ‫ـاس عليهــا‪ ،‬فحجــزوا بــن (املعرفــة)‬ ‫ـس ويقـ ُ‬ ‫تقيـ ُ‬ ‫بوصفهــا القيمــة النهائيــة للنــص‪ ،‬وبــن مــا‬ ‫ميكــن أن تبثَّــ ُه اللغــة مــن انطبــاع أديب أو‬ ‫تــذوق نقــدي أويل ملــا ميكــن أن يكــون فه ـاً‬ ‫وجدانيــاً للمعنــى‪.‬‬ ‫وبســبب فهــم الخــوارج لآليــة القرآنيــة‪{ :‬إن‬ ‫ال ُحكْــ ُم إال للــه} والذيــن ذهبــوا إىل القــول‬ ‫فيهــا بــأ َّن «الحكــم» يف هــذا املوضــع يش ٌء‬ ‫يتصــل بالســلطان وال ُملْــك والدولــة واالرتفــاع‬ ‫إىل موقــع األمــر والنهــي كحاكــم ـ هــو اللــه‬ ‫ـ إزاء محكومــن ـ هــم البــر ـ كان للفقهــاء‬ ‫وعلــاء األصــول أن يتدخلــوا مبــارشة‪ ،‬ال لفــض‬ ‫االشــتباك مبــارشة بــن فــرق الخــاف والفئــات‬ ‫السياســية املتناحــرة عــى الحكــم‪ ،‬بــل إلنقــاذ‬ ‫الديــن كلــه مــن أن يتحــول إىل أقــوال وأفعــال‬ ‫تحكمهــا الذائقــة املزاجيــة التــي تلــوي النــص‬ ‫الدينــي كــا يشــاء لهــا الهــوى حتــى يرضــخ‬ ‫ويســتجيب لعنفــوان الرغبــات التي تســتدعيها‬ ‫النفــوس‪ .‬فجــزء اآليــة القرآنيــة الســابقة منتزع‬ ‫مــن ســياقه العــام‪ ،‬وهــي رسد عــى لســان‬ ‫النبــي يوســف لرفيقــي ســجنه بــأن (ال ُح ْك َم =)‬ ‫هــو القــد ُر النهــا ُّيئ الــذي يقــي بــه اللــه يف‬

‫صاحبــي‬ ‫مخلوقاتــه إن كان خــرا ً أو رشا ً‪{ :‬يــا‬ ‫ْ‬ ‫أأربــاب متفرقــون خــ ٌر‪ ..‬إنِ الحكــ ُم‬ ‫الســجنِ‬ ‫ٌ‬ ‫إال للــ ِه أ َمــ َر أال تعبــدوا إال إياه‪..‬اآليــات}‬ ‫ف ُح ْك ُمــ ُه هنــا جــاء قضــا ًء فاصــاً يف موضــع‬ ‫أحقيــة العبــادة وإســنادها إليــه بالوحدانيــة‬ ‫ُ‬ ‫يقــال يف اآليــات‬ ‫نفســ ُه‬ ‫دون غــره‪ ..‬واألمــر ُ‬ ‫الثــاث املتواتــرة‪ ،‬والتــي ت ُ َذكِــر بنــي إرسائيــل‬ ‫بأحــكام قضاتهــم وأحبارهــم الذيــن نكثــوا بهــا‬ ‫ومل يلزمــوا الحكــم يف قضائهــم كــا أُ ِمــروا‪{ :‬إنــا‬ ‫أنزلنــا التــوراة فيهــا هــدى ونــو ٌر‪« ،‬يحكــم» بها‬ ‫النبيــون الذيــن أســلموا والربانيــون واألحبــار‬ ‫للذيــن هــادوا‪ ..‬وال تشــروا بآيــايت مثن ـاً قلي ـاً‬ ‫ومــن مل «يحكــم» بغــر مــا أنــزل اللــه فأولئــك‬ ‫هــم الكافــرون‪ .‬وكتبنــا عليهــم فيهــا أن النفــس‬ ‫بالنفــس والعــن بالعــن‪ ..‬ومــن مل «يحكــم»‬ ‫بغــر مــا أنــزل اللــه فأولئــك هــم الظاملــون‬ ‫حتــى قولــه‪.. :‬وقفينــا عــى آثارهــم بعيــى‬ ‫بــن مريــم‪ ..‬وليحكــم أهــل اإلنجيــل مبــا أنــزل‬ ‫اللــه فيــه‪ ،‬ومــن مل يحكــم بغــر مــا أنــزل اللــه‬ ‫فأولئــك هــم الفاســقون}‪ ..‬إن الجهــة التــي‬ ‫تخاطبهــا هــذه اآليــات األربــع هــي قضــا ُة‬ ‫بنــي إرسائيــل مــن اليهــود والنصــارى‪ ،‬وهــي‬ ‫تأمرهــم بلهجــة ُملزمــة‪ ،‬وعــى ســبيل التقريــع‬ ‫والتوبيــخ‪ ،‬أن يلزمــوا مــا جــاء يف كتبهــم مــن‬ ‫رشائــع والتزامــات أخالقيــة كانــت صالحــة‬ ‫وملزمــة لهــم يف عصورهــم‪ ،‬ثــم أصبحــت‪ ،‬أو‬ ‫بــات معظمهــا‪ ،‬يف املرحلــة اإلســامية منســوخاً‬ ‫بحكــم األمــر الواقــع‪ ،‬و(ألن رش َع غريِنــا ليــس‬ ‫رشعـاً لنــا)‪ ،‬فأيــن (الدولــة اإلســامية) يف هــذه‬ ‫اآليــات‪ ،‬وملــاذا يت ـ ُّم التدليــس والتلبيــس بهــا‬ ‫دون غريهــا عــى الجمهــور مــن عامــة النــاس‬ ‫والزعــم بأنهــا عنــوا ُن كالم اللــه الناطــقِ ب ُح ِّجية‬ ‫دولــة دينيــة اســمها (دولــة اإلســام)‪.‬؟‪ ..‬إننــا‬ ‫مــا زلنــا نطالــب بقرين ـ ِة دليــلٍ رشعــي عــى‬ ‫ِ‬ ‫تهافــت الفكــرة الدينيــة اإلســامية للدولــة‪،‬‬ ‫كل أثـ ٍر لهــا يف القــرآن والســنة‪،‬‬ ‫ـت بطــا َن ِّ‬ ‫ونُثَ ِبـ ُ‬ ‫ونعيــش عــى أمــلٍ ‪ ،‬ونحــن ننتظــر‪ ،‬أن يُ َقـ ِـد َم‬ ‫لنــا أصحــاب فكــرة اإلســام الســيايس ذلــك‬ ‫الدليــل يوم ـاً مــا‪ ..‬ولــن يتمكنــوا كــا أظــن‪.‬‬ ‫ســوف تتقــدم الفكــرة أكــر عــى يــد اإلمــام‬ ‫عــي‪ ،‬ومــن بعــده األصوليــن الذيــن وضعــوا‬ ‫القواعــد الضابطــة للنــص‪ ،‬فالنــص مــادة مــن‬ ‫عجينــة اللغــة يتشــكل كيفــا شــئت لــه قبــل‬ ‫وبعــد ورغــم مــا يشــاء‪ ،‬وكلــا ســيتاح لألفـراد‬ ‫أو للجامعــات أن يقولــوا بآرائهــم (بوصفهــا‬ ‫وجهــة نظــر الديــن األخــرة) وفــق أهوائهــم‬ ‫وذائقتهــم الخاصــة كلــا انتظمــوا يف منظومــة‬ ‫فســاد دينــي ودنيــوي ســوف تطــال الديــن‬ ‫والدنيــا بــكل يقــن‪ .‬واألشــأمان‪ :‬الثقافــة‬ ‫املتحجــرة والســلطة املتحجــرة‪ ..‬هــا مــن‬ ‫يخطــان الطريقــة التــي درجــت عليهــا الفــرق‬ ‫واألحــزاب اإلســامية إلثبــات وجهــة نظرهــا‬ ‫ورجاحــة رأيهــا‪ ،‬وذلــك عــن طريــق انتــزا ِع‬ ‫يختــص بوجهــة نظرهــا‪،‬‬ ‫جــز ٍء مــن الديــن‬ ‫ُ‬ ‫ثــم تعيــد صياغــة هــذا الجــزء بحيــث يظهــر‬ ‫كإنتــا ٍج مشــبعٍ باإلثــارة التــي تســتدعي أكــر‬ ‫تأييــد وتعاطــف مــن الجمهــور الشــعبي الــذي‬ ‫يصطلحــون عــى تســميته بـ(عامة النــاس)‪ .‬إن‬ ‫تقطي ـ َع الديــن مــن أجــل انت ـزاع أكــر قطع ـ ٍة‬ ‫يف قالــب الكاتــو محــا ٍة بالكرميــا منــه تــكاد‬ ‫تكــون خطــة عامــة لــدى كل تفكــر خروجــي‬ ‫أو فئــوي أو حــزيب ســيايس‪.‬‬ ‫ينــس اإلمــام عــي أن يــزود ابــن عبــاس‬ ‫مل َ‬ ‫بوصيــ ٍة خطــر ٍة قبــل توجهِــ ِه ملحــاورة‬ ‫الخــوارج‪ ،‬وهــو العــارف متامــاً بفحــوى مــا‬ ‫يقــول وخطورتــه‪( :‬ال تجادلهــم بالقــرآن‪ ،‬فــإن‬ ‫حــال أوجــه)‪ ،‬وإلدراكــه عــى وجــه‬ ‫القــرآن َّ‬

‫اليقــن أن إســباغ أيــة جزئيــة مــن الســلطة‬ ‫والحكــم عــى فحــوى دينيــة أو عــى مضمــون‬ ‫دينــي حتــى لــو كانــت هــذه الجزئيــة ال‬ ‫تتجــاوز نســبة ‪ %1‬أو أقــل مــن ذلــك‪ ،‬بغيــة‬ ‫عقــد قـران أو توليــف صداقــة بينهــا مــا هــو‬ ‫يف النهايــة إال محاولــة مــن طــرف الســلطة‬ ‫الســتخدام الديــن واســتثامره‪ ،‬وبالتــايل لتجيــره‬ ‫لصالحهــا‪ ..‬لقــد أوىص أتباعــه حــن حثهــم عىل‬ ‫قتــال الخــوارج بقولــه‪( :‬ليســوا بق ـرا ٍء للقــرآن‬ ‫وال فقهــاء يف الديــن وال علــاء يف التأويــل‬ ‫وال لهــذا األمــر ســابقة يف اإلســام‪ ،‬واللــه لــو‬ ‫ولُّــوا عليكــم لعملــوا فيكــم بأعــال كــرى‬ ‫وهرقــل)‪ ،‬وهــذه الخالصــة ال تنطبــق عــى‬ ‫الخــوارج فحســب‪ ،‬بــل هــي قانــون عــام‬ ‫ينطبــق عــى أيــة ســلطة ت َّدعــي أنهــا دينيــة أو‬ ‫أنهــا تُ َ ِثــل اللــه والديــن جــزءا ً أو كالً‪ ،‬شــكالً أو‬ ‫مضمونـاً‪ ،‬وبغــض النظــر عــن أســلوب خطابهــا‬ ‫أو منهــج عالقاتهــا مــع جمهورهــا إن كانــت‬ ‫ـف الحاشــية أو مبشـ ٍ‬ ‫ـوب رقيــقٍ أليـ ِ‬ ‫ـهد قبيـ ِح‬ ‫بثـ ٍ‬ ‫املطلــع واللســانِ ومتوحـ ِ‬ ‫ـش املنظ ـ ِر واملخ ـرِـ‬ ‫مثــل داعــش ـ ســواء بســواء‪.‬‬ ‫لهــذا كلــه أدرك األصوليــون األوائــل‪ ،‬خاصــة‬ ‫مدرســة اإلمــام محمــد بــن إدريــس الشــافعي‪،‬‬ ‫ومدرســة اإلمــام أيب حنيفــة بوصفهــم أبــرز‬ ‫ممثــي الفقــه الســني وأوثــق مرجعياتــه‬ ‫(يف تأصيــل األصــول الترشيعيــة)‪ ،‬واألشــاعرة‬ ‫واملاتريديــة‪ ،‬بوصفهــم أبــرز ممثــي (تأصيــل‬ ‫األصــول يف العقيــدة الســنية وعلــم الــكالم‬ ‫امل ُ َع ِ‬ ‫ــر عــن وجهــة نظــر أهــل الســنة‬ ‫والجامعــة) أن ضبــط األصــول ال ينطلــق إال‬ ‫مــن ُمعطَــى (الدليــل الرشعــي) كــا تتأســس‬ ‫الدائــرة مــن مركزهــا ال مــن محورهــا‪ ،‬فبــدون‬ ‫الدليــل يســبح الــكالم عــى عواهنــه يف‬ ‫بحــرة األهــداف الخاصــة املفــردة والجامعيــة‪،‬‬ ‫وميــي يف كل االتجاهــات‪ ،‬ومــع كل التيــارات‬ ‫دون محاســبة أو رقيــب‪ ،‬لذلــك كان شــعار‬ ‫املدرســتني‪ ،‬الرشعيــة والعقيديــة‪ ،‬هــو‪( :‬لــوال‬ ‫الدليــل لقــال مــن شــا َء مــا شــاء)‪ ،‬لكــن‬ ‫الدليــل ـ بوصفــه الحكــم النهــايئ يف القــول‬ ‫بــن مــا هــو دينــي (ربــاين)‪ ،‬وبــن مــا هــو‬ ‫دنيــوي (إنســاين) ـ ليــس واحــدا ً‪ ،‬وال لــه‬ ‫قــوة الحجــة امللزمــة كمعطــى إلهــي نهــايئ‪..‬‬ ‫إن الدليــل نفســه ميكــن أن يكــون مرجوعــاً‬ ‫إىل»النــص»ـ القــرآن والســنة ـ كــا ميكــن أن‬ ‫يكــون مرجوعـاً إىل»الــرأي واالجتهــاد» بوصفــه‬ ‫مــا اســتقر عليــه رأي الفقيــه يف الرشائــع‪ ،‬أو‬ ‫رأي األصوليــن يف العقائــد‪ ،‬وهــذان التقســيامن‬ ‫ليســا نهائيــن‪ ،‬فالنــص نفســه لــه درجــات مــن‬ ‫حيــث القــوة والثبوتيــة‪ ،‬والــرأي هــو اآلخــر‬ ‫لــه درجــات مــن حيــث القــوة ومحمــول‬ ‫املحاكمــة النظريــة التــي اســتنبطته‪ .‬ومــا‬ ‫بــن درجــات الدليــل الدينــي بالنــص والدليــل‬ ‫الدينــي بالــرأي ميكــن تضليــل العامــة‬ ‫واســتغالل جهلهــم واســتثامره يف متاهــات‬ ‫وآراء فقهيــة وعقديــة وفكريــة فلســفية‬ ‫تســتخدم حقــل الحــال والح ـرام‪ ،‬ومــا يــريض‬ ‫اللــه ومــاال يرضيــه‪ ،‬ومــا يضمــن لهــم الجنــة‬ ‫أو يُفــي بهــم إىل جهنــم‪ .‬بالطبــع ال يســتطيع‬ ‫املســلم البســيط‪ ،‬غــر املؤهــل واملتخصــص أن‬ ‫يقــاوم تيــارات عريضــة متتلــك وســائل اإلقنــاع‬ ‫واإلعــام والدعايــة والتثقيــف والدعــوة‪ ،‬بــل‬ ‫وأحيانـاً كل هــذه األدوات والوســائل مشــفوعة‬ ‫بــأدوات القــوة واإلرغــام والتهديــد والوعيــد‬ ‫وصــوالً إىل االغتيــال واالســتئصال‪ ،‬وهــو ُم َجابَـ ٌه‬ ‫مــن كل الجهــات وعــى كل الجبهــات‪،‬أن‬ ‫هــذا الــذي يـراد منه»رشـ ٌد وهدايـةٌ»وال يَلـ َز ُم‬ ‫َ‬ ‫إال»الضــال والغوايــةَ»‪.‬‬ ‫رفضُ ــه‬

‫والنــص ـ حســب‬ ‫ورأي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫الدليــل إذن ٌ‬ ‫نــص ٌ‬ ‫األصوليــن ـ لــه أربــع مراتــب يف قــوة الحجــة‪،‬‬ ‫ودرجــة رتبتــه وقوتــه يف مســائل العقيــدة ال‬ ‫تقابــل وتناظــر درجــة رتبتــه وقوتــه يف مســائل‬ ‫الرشيعــة‪ ،‬مبعنــى أنها تحتــاج إىل رشوط ملزمة‬ ‫أشــد تحوطـاً وأقــل تســاهالً يف العقيــدة منهــا‬ ‫يف الفقــه‪ .‬فدليــل حديــث اآلحــاد (الصحيــح)‪،‬‬ ‫مث ـاً‪ ،‬قاطــع يف أصــول الرشيعــة‪ ،‬لكنــه ليــس‬ ‫ـب‬ ‫كذلــك يف أصــول العقيــدة‪ ،‬وهــذا مــا يُ َغيَّـ ُ‬ ‫عــاد ًة عــن مئــات ماليــن املســلمني ممــن‬ ‫ي ُعدهــم منظــرو اإلســام الســيايس «عامــة‬ ‫املســلمني»‪ ،‬والذيــن هــم املــادة املتلقيــة‬ ‫والتــي يتــم خداعهــا والتدليــس عليهــا ليــاً‬ ‫ونهــارا ً‪ ،‬وجيــاً وراء جيــل‪ ،‬بتعميــة وتلبيــس‬ ‫األحــكام والشــعارات واآلراء والفتــاوي‬ ‫بوصفهــا (رأي الديــن وحكمــه)‪ ،‬أي حكـ ُم اللــه‬ ‫ورســولِ ِه يف هــذه القضيــة أو تلــك‪ .‬أمــا مراتــب‬ ‫الدليــل بالنــص فإنهــا تــأيت متسلســلة‪ ،‬حســب‬ ‫قوتهــا‪ ،‬بالتــد ُّرج التــايل‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الدليــل النــي‪ :‬القطعــي الثبــوت‬ ‫والقطعــي الداللــة (ويُالحــظ فيــه ويف باقــي‬ ‫التــدرج تقديــم الثبــوت عــى الداللــة يف ُسـلَّم‬ ‫األولويــات)‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الدليــل النــي‪ :‬القطعــي الثبــوت والظنــي‬ ‫الداللــة‪.‬‬ ‫‪3‬ـ الدليــل النــي‪ :‬الظنــي الثبــوت والقطعــي‬ ‫الداللــة‪.‬‬ ‫‪4‬ـ الدليــل النــي‪ :‬الظنــي الثبــوت والظنــي‬ ‫الداللــة‪.‬‬ ‫ومل يذهــل علــاء األصــول والفقهــاء عــن‬ ‫أنــه إذا كان الدليــل بالنــص يعــود إىل (اللــه‬ ‫ورســوله)‪ ،‬فــإن الدليــل بالــرأي يعــود إىل‬ ‫(الرجــال)‪ ،‬وذلــك مــا كان يعنيــه الشــافعي‬ ‫يف الــرد عــى مــن عارضــه بــرأي غــره مــن‬ ‫الفقهــاء واملجتهديــن‪( :‬هــم يقولــون برأيهــم‬ ‫ونحــن نقــول برأينــا‪ ..‬هــم رجــال ونحــن‬ ‫رجــال)‪.‬‬ ‫ولكــن قــد ال تعلــم الغالبيــة الســاحقة مــن‬ ‫مســلمي العــامل اليــوم‪ ،‬أو أكــر مــن نســبة ‪%99‬‬ ‫منهــم أن الرتبــة األوىل (فقــط) مــن الدليــل‬ ‫النــي ـ رقــم ‪1‬ـ هــي التــي توجــب الحكــم‬ ‫بالحــال والحــرام مطلقــاً‪ ،‬وهــذه اإلطالقيــة‬ ‫مرهونــة هــي األخــرى برشوطهــا امل َقيِّــدة‪،‬‬

‫معبد الحسون‬

‫وال ميكــن التنــازل عــن الــروط أو اخرتاقهــا‬ ‫ـب بهــا‪ ،‬كــا ال تعل ـ ُم هــذه‬ ‫مــا مل يت ـ َّم التالعـ ُ‬ ‫النســبة البالغــة أكــر مــن ‪ %99‬مــن املســلمني‬ ‫اليــوم‪ ،‬وهــم مــا يُ َعــ ُّد مبئــات املاليــن مــن‬ ‫برشيــة اليــوم‪ ،‬أن الرتبــة األوىل (فقــط) مــن‬ ‫توجــب‬ ‫الدليــل النــي ـ رقــم ‪1‬ـ هــي التــي‬ ‫ُ‬ ‫الحكـ َم بالكفــر واإلميــان مطلقـاً‪ ،‬وأيضـاً نقـ ُ‬ ‫ـول‬ ‫بــأن هــذه اإلطالقيــة مرهونــة هــي األخــرى‬ ‫برشوطهــا امل ُ َقيِّــدة والكثــرة بحيــث يصعــب‬ ‫تحقيــق الدليــل القطعــي ـ ثبوتــاً وداللــة ـ‬ ‫مثلــا يصعــب إيجــاد رشوطــه وتحققهــا‪..‬‬ ‫هــذا هــو الســبب الــذي جعــل (الجامعــة)‬ ‫اإلســامية تتعايــش مــع بعضهــا بعضـاً‪ ،‬حيــث‬ ‫تســاكن الســني واملرجــىء‪ ،‬وتجــاور املعتــزيل‬ ‫والجــري‪ ،‬وتحــاور املشــكك والفيلســوف مــع‬ ‫اإلمامــي القائــل بالعصمــة‪ ،‬وتصاهــر الصــويف‬ ‫العرفــاين مــع الســلفي النــي‪ ،‬وتشــارك‬ ‫الحــكام واملحكومــون يف كل قضايــا الدنيــا‬ ‫واآلخــرة رغــم مواقعهــم اإلشــكالية واملختلفة‪..‬‬ ‫يقتــل بعضُ هــم بعضــاً‪ ،‬ومل يُ َه ِّجــ ْر بعضُ هــم‬ ‫ْ‬ ‫مل‬ ‫بعضــاً‪ ،‬وقبلــوا بخالفــة ووزارة املخالــف‬ ‫كبديهيــة ال ترتقــي إىل مصــاف التطاحــن‬ ‫كــا يحــدث يف عــامل املســلمني اليــوم‪ ،‬وأقــروا‬ ‫بالتعايــش مــع غريهــم مــن أهــل األديــان كــا‬ ‫ـح أن‬ ‫تتعايــش أصابــع اليــد مــع بعضهــا‪ ..‬صحيـ ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ـتثناءات جمــة‪،‬‬ ‫التاري ـ َخ يح ِفـ ُـل بحــوادثَ واسـ‬ ‫كل تلــك الحــوادث وكل االســتثناءات‬ ‫بَيْ ـ َد أن َّ‬ ‫ال تخــرج عــن طبائــع عــامل القــرون الوســطى‬ ‫ومزاجــه العــام ومســتوى الوعــي ودرجــة‬ ‫النضــج والتطــور املجتمعــي فيــه‪ ،‬والــذي‬ ‫هــو‪ ،‬وياللخيبــة‪ ،‬يتقــدم عــى مســتوى نضــج‬ ‫مجتمعاتنــا اإلســامية اليــوم ودرجــة مــا آلــت‬ ‫إليــه أمورهــا‪.‬‬ ‫للتوســع يف التفاصيــل التاريخيــة‪ ،‬والدراســات‬ ‫واآلراء التــي رافقــت ظهــور الخــوارج عــر‬ ‫التاريــخ اإلســامي حتــى نهايتهــم‪ ،‬يُنصــح‬ ‫للمهتمــن واملتابعــن مبراجعــة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ كتــاب (ال ِعقْــد الفريــد) البــن عبــد ربــه‬ ‫األندلــي ـ فصــل الخــوارج‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الخــوارج والشــيعة‪ :‬لألملــاين «يوليــوس‬ ‫فلهــاوزن»‪ ،‬ففيهــا اســتفاضة وافيــة‪،‬‬ ‫ومراجعهــا كثــرة ودقيقــة‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫سوريا حتت االحتالالت‬ ‫انتــر إطــاق وصــف احتــاالت عــى الوضــع الراهــن‬ ‫يف ســوريا يف ضــوء حجــم االنخ ـراط الخارجــي يف ال ـراع‬ ‫بــن الثــورة والنظــام االســتبدادي‪ ،‬وعمــق هــذا االنخـراط‬ ‫ومخاطــره‪ ،‬والــذي تطــور مــن الدعــم الســيايس واملــايل‬ ‫والعســكري إىل الحضــور املبــارش إن عــر مستشــارين‬ ‫تقنيــن أو عســكريني أو مقاتلــن مــن قــوات حزبيــة أو‬ ‫رســمية‪ .‬وهــو وصــف ينطــوي عــى كثــر مــن الصدقيــة‪،‬‬ ‫وإن كان ال يســتغرق كل الحــاالت املنخرطــة يف ال ـراع‪.‬‬ ‫نحــن أمــام طيــف واســع مــن الــدول والقــوى املنظمــة‪/‬‬ ‫امليليشــيات التــي انخرطــت يف الـراع إىل جانــب النظــام‬ ‫أو إىل جانــب املعارضــة‪ ،‬أو ضــد النظــام واملعارضــة‬ ‫معــاً‪ ،‬عــى خلفيــة تعــارض الخيــارات واألهــداف‬ ‫السياســية واالجتامعيــة‪ .‬فالنظــام الــذي أطلــق العنــان‬ ‫آللتــه الحربيــة منــذ اليــوم األول النطــاق االحتجاجــات‬ ‫الشــعبية مل يُحســن تقديــر املــزاج الشــعبي‪ ،‬وعمــق‬ ‫االنفصــال النفــي والوجــداين عنــه‪ ،‬واملــدى الــذي ميكــن‬ ‫أن تذهــب فيــه ه ّبــة املواطنــن ضــد الظلــم والقهــر‬ ‫واالذالل‪ ،‬وتح ّمــل كل تبعــات املواجهــة البرشيــة واملاديــة‬ ‫للتحــرر مــن نظامــه والولــوج إىل حيــاة حــرة وكرميــة يف‬ ‫ظــل نظــام عــادل‪ ،‬مل يجــد مــن مخــرج أمــام االنتشــار‬ ‫الواســع لالحتجاجــات‪ ،‬وفشــل آلتــه الحربيــة يف احتوائهــا‬ ‫والســيطرة عــى التطــورات املتســارعة إالّ االســتنجاد‬ ‫بالخــارج لتعويــض خســائره املاديــة‪ :‬الســاح والذخــرة‪،‬‬ ‫واســتجالب الخـرات يف مجــال االنرتنــت‪ ،‬ملراقبــة اتصاالت‬ ‫الناشــطني‪ ،‬والطائـرات دون طيــار ملراقبــة ســاحات القتــال‬ ‫وتوجيــه القصــف‪ ،‬قبــل بــدء املقاتلــن مــن الشــيعة‬ ‫العراقيــن بالتدفــق بذريعــة حاميــة املقامــات املقدســة يف‬ ‫دمشــق‪ .‬وملّــا مل يجــد الدعــم العســكري والبــري املحدود‬ ‫يف تعديــل ميــزان القــوى عــى األرض وكادت قواتــه‬ ‫تنهــار أمــام هجــات الثــوار دخــل حــزب اللــه اللبنــاين‬ ‫عــر إرســال آالف املقاتلــن مــن قــوات النخبــة جيــدة‬ ‫التدريــب‪ ،‬وخاصــة عــى حــرب العصابــات‪ ،‬وكثّفــت إيران‬ ‫إرســال املقاتلــن مــن امليليشــيات الشــيعية العراقيــة‪.‬‬ ‫غــر أن اتســاع ســاحات املواجهــة والزخــم الشــعبي‬ ‫املتصاعــد دفــع النظــام إىل طلــب املزيــد مــن الدعــم‬ ‫البــري فألقــت إيـران بثقلهــا وراء هــذا الطلــب‪ ،‬وبــدأت‬ ‫بتجنيــد الشــيعة مــن الع ـراق إىل افغانســتان وباكســتان‬ ‫مــرورا ً باليمــن بإغرائهــم بالرواتــب العاليــة‪ ،‬وتقديــم‬ ‫الوعــود بحيــاة رغيــدة يف ســوريا عــر تجنســيهم ومتكينهم‬ ‫مادي ـاً‪ .‬وقــد اضطــر قائــد فيلــق القــدس الج ـرال قاســم‬ ‫ســليامين إىل النــزول إىل ميــدان املعركــة يف الجنــوب‬ ‫الســوري والــزج بقــوات مــن الحــرس الثــوري اإليــراين‪،‬‬ ‫حشــد آالف املقاتلــن مــن الحــرس الثــوري يف الســويداء‬

‫وفــق مــا جــاء يف ترصيــح األســتاذ وليــد جنبــاط‪ ،‬ملواجهــة‬ ‫قــوات الثــوار‪ ،‬ومنعهــا مــن التقــدم شــاالً‪ ،‬وااللتحــام‬ ‫بالثــوار يف الغوطــة الرشقيــة‪ ،‬ومحــارصة العاصمــة‬ ‫دمشــق‪ .‬وهــذا أدى إىل تغلغــل إيـران يف البنــى السياســية‬ ‫والعســكرية‪ ،‬ولعــب دور رئيــس يف صنــع الق ـرار فيهــا‪.‬‬ ‫مل تكــن روســيا خــارج العمليــة حيــث تحولــت ليــس‬ ‫كمصــدر شــبه يومــي لألســلحة والذخــرة فقــط‪ ،‬بــل‬ ‫وكمصــدر للنقــد االجنبــي الــذي يســاعد النظــام عــى‬ ‫متويــل حربــه املجنونــة ضــد الثــوار واالنتقــام من الشــعب‬ ‫الــذي أيّــد الثــورة واحتضن الثــوار‪ ،‬وقــد تصاعــد انخراطها‬ ‫يف الــراع إىل حــدود خطــرة بإرســال طياريــن لســد‬ ‫حاجــة النظــام لقيــادة الطائــرات التــي تقصــف املــدن‬ ‫والبلــدات والقــرى «ألنــه ال يثــق يف كثــر مــن طياريــه‬ ‫الذيــن ينتمــون إىل الطائفــة الســنية»‪ ،‬وفــق تقريــر ملجلــة‬ ‫اإليكــو نومســت الربيطانيــة الصــادرة يــوم ‪،2015/4/4‬‬ ‫دون أن ننــى دورهــا الســيايس وحاميــة النظــام مــن‬ ‫العقوبــات يف مجلــس االمــن باســتخدام الفيتــو أربــع‬ ‫م ـرات‪ ،‬ناهيــك عــن ســعيها لــرب املعارضــة‪ ،‬وتعميــق‬ ‫خالفاتهــا عــر رعايــة مفاوضــات عبثيــة بــن بعــض‬ ‫املعارضــة والنظــام فيــا ســمى بـ»منتــدى موســكو»‪ ،‬مــا‬ ‫منحهــا فرصــة التحــول إىل املحــاور الرئيــس مــع املجتمــع‬ ‫الــدويل حــول امللــف الســوري وتوظيــف ذلــك لخدمــة‬ ‫مصالحهــا يف ملفــات أخــرى‪.‬‬ ‫عــى صعيــد متصــل تدفــق إىل ســاحة الــراع آالف‬ ‫املقاتلــن املنتمــن إىل حــركات الســلفية «الجهاديــة»‬ ‫جــاؤوا مــن أكــر مــن مائــة دولــة بخلفياتهــم العقائديــة‬ ‫ومشــاريعهم السياســية وأسســوا تشــكيالتهم املســلحة‬ ‫الخاصــة وبــدأوا يف فــرض حضورهــم يف القتــال‪ ،‬ونجحــوا‬ ‫يف الســيطرة عــى األرض والهيمنــة عــى الســكان عــر‬ ‫فــرض فهمهــم لإلســام ومعاقبــة الرافــض أو املــراوغ‬ ‫بأقــى العقوبــات حيــث قُتــل املواطنــون ألبســط األخطاء‬ ‫وقطعــت أيــادي بتهمــة الرسقــة‪ ،‬ورجمــت نســاء بدعــوى‬ ‫مامرســة الزنــا‪ ،‬قبــل أن يعلــن تنظيــم الدولــة اإلســامية‬ ‫يف العـراق‪ ،‬الــذي تشــكل قبــل ذلــك يف العـراق‪ ،‬مرشوعــه‬ ‫الخــاص عــر إضافــة الشــام إىل تســميته ليصبــح تنظيــم‬ ‫الدولــة اإلســامية يف العـراق والشــام (داعــش)‪ ،‬ويبــدأ يف‬ ‫بســط نفــوذه عــى األرايض‪ ،‬ويوجــه جــل جهــده القتــايل‬ ‫إىل محاربــة قــوات املعارضــة عــى خلفيــة «أولويــة‬ ‫قتــال املرتديــن عــى الكفــار»‪ .‬وقــد نجــح يف اســتقطاب‬ ‫املقاتلــن األجانــب وعـ ّزز مكانتــه بشــن عمليــة عســكرية‬ ‫كبــرة يف ســوريا ســيطر فيهــا عــى مســاحات شاســعة‬ ‫يف محافظــات الرقــة وديــر الــزور والحســكة‪ ،‬وأطلــق‬ ‫معركتــه يف غــرب الع ـراق‪ ،‬وبســط ســيطرته عــى أج ـزاء‬ ‫كبــرة مــن محافظــات نينــوى واألنبــار وصــاح الديــن‪،‬‬

‫علي العبداهلل‬

‫مل يكــن أحـ ٌد مــن أولئك الذيــن اصطفوا‬ ‫عــى طــريف الطريــق املــؤدي إىل مرقــد‬ ‫الصحــايب الجليــل «عــار بــن يــارس» ومقام‬ ‫التابعــي «أويــس القــرين» يــدرك حقيقــة‬ ‫مــا تهــدف إليــه زيــارة املرجــع الشــيعي‬ ‫العراقــي» مقتــدى الصــدر» ملدينتهــم‬ ‫املنســية «الرقــة»؛ حيــث أحيطــت الزيــارة‬ ‫بهالــة كبــرة‪ ،‬وحفــاو ٍة غــر مســبوقة لرجــل‬ ‫ـب ســيايس يف بلــده‪.‬‬ ‫أي منصـ ٍ‬ ‫ديــنٍ ال ميتلــك ّ‬ ‫وكان مــن الطبيعــي أن تــدور أحاديــث‬ ‫العشــيات بــن جمهــور الرقيــن حــول تلــك‬ ‫الزيــارة‪ ،‬وأبعادهــا السياســية والدينيــة‬ ‫والثقافيــة رمبــا‪.‬‬ ‫ومــن بــاب ُحســن النيــة التــي يتعامــل‬ ‫بهــا الســوريون يف مثــل هــذه املواقــف‬ ‫(اســتقبال نازحــي الجنــوب اللبنــاين إثــر‬ ‫مغامــرة حــزب اللــه والتحــرش الشــكالين‬ ‫بالكيــان الصهيــوين‪ -‬عــى ســبيل املثــال) مل‬ ‫ميتعــض الســوريون كثـرا ً مــن تلــك الزيارة‪،‬‬ ‫عــى الرغــم مــن بعــض األصــوات التــي‬ ‫نــددت مبظاهــر الحفــاوة التــي رافقتهــا‬ ‫مشــرين بطــرق غــر مبــارشة إىل مضمونهــا‬ ‫الطائفــي‪ .‬ولكــن رسعــان مــا ذابــت تلــك‬ ‫األصــوات وتالشــت أمــام حامســة كل مــن‬ ‫يؤيــد املقاومــة التــي تص ّدرهــا املرجــع‬ ‫الشــيعي «الصــدر» ض ـ ّد قــوات االحتــال‬ ‫االمريــي ٍ‬ ‫آنئــذ‪.‬‬

‫نقطة أول السطر‬

‫عاصفة احلزم الثانية‬ ‫عبد الفتاح الراكان‬

‫وأزال الحــدود بــن ســوريا والع ـراق وأعلــن إقامــة دولــة‬ ‫الخالفــة عــى هــذه األرايض‪.‬‬ ‫شــكل الحضــور األجنبــي املتعــدد واملتبايــن يف الســاحة‬ ‫الســورية‪ ،‬الــذي انخــرط يف القتــال إىل جانــب النظــام أو‬ ‫إىل جانــب املعارضــة‪ ،‬ناهيــك عــن مــروع الخالفــة الــذي‬ ‫أعلنــه تنظيــم داعــش‪ ،‬واحتــال إعــان جبهــة النــرة‬ ‫ألهــل الشــام إمــارة لهــا عــى أجـزاء مــن األرض الســورية‪،‬‬ ‫يف تعــارض شــامل مــع خيــارات النظــام واملعارضــة‪،‬‬ ‫شــكل احتــاالً كامــل املالمــح واألوصــاف‪ ،‬ليــس لكونــه‬ ‫عنــرا ً غريبــاً‪ ،‬وحســب بــل لكونــه صاحــب مــروع‬ ‫ســيايس يعمــل عــى تســويقه تحــت عناويــن وشــعارات‬ ‫متعــددة ومتعارضــة مــن «حاميــة محــور املامنعــة‬ ‫واملقاومــة» الــذي ترفعــه إيــران وحــزب اللــه اللبنــاين‪،‬‬ ‫إىل التمســك بالقانــون الــدويل ورفــض إســقاط الســلطة‬ ‫الرشعيــة بالقــوة والدعــم الخارجــي الــذي ترفعــه روســيا‪،‬‬ ‫مــرورا ً بإقامــة الخالفــة اإلســامية‪ ،‬وتطبيــق رشع اللــه‬ ‫الــذي يرفعــه تنظيــم داعــش‪ ،‬وســعي كل منهــا إىل‬ ‫فــرض مرشوعــه عــى الســوريني ق ـرا ً وبالقــوة املجــردة‬ ‫والبطــش الوحــي‪ ،‬وقــد زاد يف كارثيــة هــذه االحتــاالت‬ ‫مــا أثارتــه مــن توتــر اجتامعــي ومــن اصطفافــات مذهبية‬ ‫انعكســت ســلباً عــى متاســك املجتمــع الســوري ووحدتــه‬ ‫الداخليــة‪ ،‬وخاصــة مــع ســعي النظــام وحلفائــه إىل تغيــر‬ ‫الرتكيبــة املذهبيــة لبعــض املــدن الرئيســة‪ ،‬ورضب الثــورة‬ ‫التــي أطلقهــا الســوريون مــن أجــل التحــرر والخــاص‬ ‫مــن االســتبداد وتحقيــق الحريــة والكرامــة بإقامــة دولــة‬ ‫دميقراطيــة‪ ،‬دولــة مواطنــة وحريــات عامــة وخاصــة‪ ،‬دولة‬ ‫مســاواة بــن املواطنــن يف الحقــوق والواجبــات بغــض‬ ‫النظــر عــن العــرق أو الجنــس أو الديــن أو املذهــب‪ ،‬دولة‬ ‫عدالــة اجتامعيــة‪ ،‬وتوزيــع االســتثامرات بــن املناطــق‬ ‫دون متييــز مناطقــي‪ ،‬وتطويــر البنــى التحتيــة والخدمــات‬ ‫التعليميــة والصحيــة ومــاء الــرب والكهربــاء واالتصــاالت‬ ‫عــى امتــداد األرض الســورية‪ ،‬وتحقيــق تنميــة مســتدامة‬ ‫بشــكل يحقــق الجــدوى االقتصاديــة واالجتامعيــة‪ ،‬ويزيــد‬ ‫فــرص العمــل‪ ،‬وتحســن مســتوى املعيشــة للمواطنــن مــع‬ ‫عدالــة يف توزيــع الخ ـرات‪.‬‬

‫ورقة التوت الساسانية‬ ‫منــذ مــا يقــارب نصــف قــرنٍ مــن الزمان‬ ‫والعــرب يدركــون متام ـاً أن عدوهــم األول‬ ‫هــو الكيــان الصهيــوين الــذي اغتصــب‬ ‫رشد إخوانهــم‪ .‬وبالتــايل فمــن‬ ‫أرضهــم‪ ،‬و ّ‬ ‫الطبيعــي أن يتلبــس حافــظ االســد ومــن‬ ‫تبعــه مــن أدوات إي ـران يف املنطقــة هــذا‬ ‫الــدور‪ ،‬حتــى وإن كان مامنعــاً و مقاومــاً‬ ‫«بالرثثــرة» عــى حــ ّد تعبــر الشــاعر‬ ‫العراقــي (أحمــد مطــر)‪ .‬وإىل وقـ ٍ‬ ‫ـت قريــب‬ ‫كان الســوريون يرقبــون التمــدد اإليــراين‬ ‫داخــل مدنهــم وبلداتهــم بحــذر‪ ،‬عــى‬ ‫الرغــم مــن الشــعارات التــي تزيــن بهــا‬ ‫إيــران ســاحاتها مــن قبيــل (املــوت‬ ‫إلرسائيــل) والــخ ذلــك مــن الرتّهــات التــي‬ ‫فقــدت فعاليتهــا اليــوم‪ .‬كانــت إيــران‬ ‫تتغلغــل داخــل املجتمــع الســوري دومنــا‬ ‫حســيب أو رقيــب‪ ،‬وبــدأت الحــوزات‬ ‫ٍ‬ ‫والحســينيّات تظهــر بتزايــد يف العقــد‬ ‫األخــر؛ وكان الهاجــس العــام لــدى معظــم‬ ‫الســوريني يشــر إىل حالــة مــن التذمــر‬ ‫وعــدم القبــول بهــذا التغلغــل ‪ ،‬إال أ ّن‬ ‫الشــعور القومــي بدعــم إيــران لقضيــة‬ ‫العــرب الجوهريــة يشــكل عائقــاً لــدى‬ ‫كثــر مــن البســطاء املتوجســن خيفـ ًة مــن‬ ‫التمــدد اإليــراين داخــل بلدهــم‪.‬‬ ‫إىل أن قامــت الثــورة الســورية وانتفــض‬ ‫عمــوم الســوريون يف وجــه االســتبداد‪،‬‬

‫‪9‬‬

‫كان البــ ّد لهــم مــن االنتفــاض أيضــاّ يف‬ ‫وجــه االحتــال اإلي ـراين‪ .‬ومل يـ ِ‬ ‫ـأت موقــف‬ ‫الســوريني مــن إيـران دومنــا ســبب‪ ،‬فبعيــدا ً‬ ‫عــن البعــد الطائفــي واملذهبــي‪ ،‬ومــا‬ ‫يشــكله الخــاف الســني الشــيعي‪ ،‬كانــت‬ ‫إيــران عــدوا ً للشــعب الســوري مثلهــا‬ ‫كمثــل باقــي الــدول التــي اصطفــت إىل‬ ‫جانــب الدكتاتــور‪ .‬حتــى ولــو حــاول‬ ‫البعــض إلبــاس الخــاف اللبــوس املذهبــي‪،‬‬ ‫وإرجاعــه إىل التمــرس الطائفــي فهــذا لــن‬ ‫يجــدي نفعــاً‪.‬‬ ‫ألن الســوريني مل يثــوروا عــى نظــامٍ‬ ‫شــيعي يحكمهــم‪ .‬بــل ثــاروا عــى عصبــة‬ ‫مــن القتلــة تبتزهــم وتســفك دماءهــم؛‬ ‫عصبــة مــن املرتزقــة ض ّمــت (رعــاع الريــف‬ ‫وحثالــة املــدن) مــن كافــة الطوائــف‬ ‫وامللــل التــي ُوجــدت داخــل املجتمــع‬ ‫الســوري‪ .‬أ ّمــا إيــران فقــد كشــفت هــي‬ ‫بذاتهــا عــن وجههــا املتخفــي وراء اللبــوس‬ ‫الطائفــي‪ ،‬هــذه العصابــة املارقــة هــي‬ ‫التــي أسســت‪ ،‬ومبباركــة املســتعمر الغــريب‬ ‫(القديــم) دولــ ًة عــى أســاس مذهبــي‬ ‫يقــي جميــع األطــراف‪ ،‬ويســعى إىل‬ ‫تجيــر الخــاف املذهبــي لصالــح األحــام‬ ‫القدميــة باســتعادة أمجــاد كــرى والدولــة‬ ‫الساســانية التــي هــدم عروشــها العــرب‬ ‫املســلمون يومــاً مــا‪.‬‬

‫العجيلي‬ ‫أحمد محمد نور ُ‬ ‫واملتتبــع لتاريــخ هــذه الدولــة الوليــدة‬ ‫يــدرك متامــاً دور الغــرب يف صناعــة‬ ‫مالليهــم وتدريبهــم يف بلدانهــم‪ ،‬ومــن‬ ‫ث ـ ّم إرســالهم إىل منطقــة الــرق األوســط‬ ‫ليكونــوا أداة متزيــق وتفريــق للعــرب‬ ‫يف وحدتهــم‪ .‬فمــن غــر املعقــول أن‬ ‫يعيــش املؤســس(الخميني) يف باريــس‪،‬‬ ‫وتحــت حاميــة املخابــرات الفرنســية‪،‬‬ ‫وتســمح الواليــات املتحــدة لهــذه الثــورة‬ ‫املســاة (إســامية) أن تهــدم عــرش الشــاه‬ ‫(الرشطــي األمريــي يف املنطقــة) لتســتبدله‬ ‫بدولــة إســامية؟!‬ ‫ومــن ثــ ّم كيــف للمجتمــع الــدويل‬ ‫أن يســمح إليــران بالتمــدد واالســتقواء‬ ‫عــى جريانهــا دون أن يُفكــر بلجمهــا كــا‬ ‫فعــل مــع حليفهــم الســابق صــدام حســن‪.‬‬ ‫يُـراد إلي ـران أن تح ـ ّول ال ـراع يف املنطقــة‬ ‫مــن عــريب – إرسائيــي إىل رصاع عــريب –‬ ‫عــريب‪ .‬يريــدون لهــذه املنطقــة أن تســتمر‬ ‫باالشــتعال عــى حســاب دمــاء العراقيــن‬ ‫والســوريني واليمنيــن والفلســطينيني‬ ‫مــن قبلهــم‪ .‬وكل ذلــك مبســاعدة إيــران‬ ‫وأزالمهــا يف املنطقــة بــدءا ً مــن بشــار األســد‬ ‫مــرورا ً بحــزب اللــه وليــس انتهــا ًء بغالمهــم‬ ‫الحــويث‪ .‬كشــفت الثــورة الســورية الجميــع‪،‬‬ ‫وأســقطت ورقــة التــوت األخــرة التــي‬ ‫ســرت عوراتهــم يوم ـاً‪.‬‬

‫األمــل الكبــر الــذي كنــا ننتظــره ونحلــم بــه ونحــن‬ ‫صغــار‪ ،‬أن يتــم تشــكيل قــوة عربيــة حقيقيــة ملواجهــة‬ ‫إرسائيــل‪ ،‬الرسطــان الــذي بثّتــه القــوى العظمــى يف جســد‬ ‫االمــة العربيــة‪ ،‬ولكــن لألســف اســتيقظنا عــى خيبــات‬ ‫كانــت أكــر مــن أن تحتمــل‪ ،‬حيــث توحــدت القــوة العربيــة‬ ‫بأمــر مــن أعــداء العــرب ضــد الع ـراق بالحملــة العســكرية‬ ‫عاصفــة الصحــراء‪ ،‬ومل تتوحــد ضــد إرسائيــل‪.‬‬ ‫إذا ً هــذا هــو واقــع الحــال العــريب‪ ،‬املتســم كالعــادة‬ ‫بالتــرذم وانعــدام الرؤيــة الواحــدة‪ ،‬وتحديــد العــدو‬ ‫املشــرك‪ ،‬وكان ذلــك جليــاً يف قــرارات وترصيحــات قيلــت‬ ‫عــى هامــش القمــة العربيــة األخــرة‪ ،‬اســتبعدت بالكامــل أن‬ ‫تحــارب القــوة العربيــة املشــركة يف ســوريا أو إرسائيــل‪ ،‬وإمنــا‬ ‫األهــداف املعلنــة إىل حــد اآلن‪ ،‬هــي فقــط محاربــة اإلرهاب‪،‬‬ ‫مــن دون تحديــد مفهــوم واضــح لإلرهــاب املقصــود‪ ،‬هــل‬ ‫هــو إرهــاب إي ـران يف األرض العربيــة‪ ،‬أم إرهــاب الصهاينــة‬ ‫يف فلســطني‪ ،‬أم املقصــود إرهــاب الجامعــات اإلســامية‪،‬‬ ‫والحــركات العربيــة املتمــردة؟!‪.‬‬ ‫حتــى ال أتحــدث عــن «األمــل املســتحيل» مــا زلنــا نتشــبث‬ ‫باألمــل يف أن تتحــول عاصفــة الحــزم يف اليمــن‪ ،‬إىل عاصفــة‬ ‫ســورية تواجــه الغطرســة الصهيوإيرانيــة‪ ،‬ونقول إن اســتغالل‬ ‫هــذه القــوة العربيــة النامئــة مــن زمــن بعيــد‪ ،‬والتــي أكلهــا‬ ‫الصــدأ‪ ،‬رمبــا يتــم اســتغاللها‪ ،‬ولــو ملــرة واحــدة يف املــكان‬ ‫الصحيــح‪ ،‬وندعــو اللــه أن تســتيقظ ضامئــر حــكام العــرب‪،‬‬ ‫كــا اســتيقظت فجــأة لخطــر إيـران جنــوب الخليــج‪ ،‬ليقرروا‬ ‫إنقــاذ مــن تبقــى مــن الســوريني إلنقــاذ أكــر مــن ‪ 20‬مليــون‬ ‫ســوري مــن بطــش إيـران وعميلهــا يف املنطقــة بشــار األســد!‪.‬‬ ‫لكــن هــل تســتجيب عاصفــة الحــزم‪ ،‬لتطلعــات وآمــال‬ ‫الســوريني‪ ،‬علـاً أن مــن قتلــه نظــام املامنعــة يف دمشــق مــن‬ ‫العــرب الســوريني يف خــال أربــع ســنوات فقط‪ ،‬هــو أضعاف‬ ‫أضعــاف مــا قتلتــه إرسائيــل مــن الفلســطينيني والســوريني‬ ‫واملرصيــن يف كل الحــروب العربيــة اإلرسائيليــة عــر تاريــخ‬ ‫هــذا الكيــان‪ ،‬وهــذا مــا يجعــل مــن الحالــة الســورية اليــوم‪،‬‬ ‫أولويــة مطلقــة وعاجلــة‪ ،‬مــن دون إغفــال باقــي مناطــق‬ ‫متــدد الحلــف الخفــي اإليــراين الصهيــوين القتــاع جــذور‬ ‫الحكــم الطائفــي الــذي اختطــف أرض الشــام العربيــة‪،‬‬ ‫وجعلهــا قطعــة مــن اإلمرباطوريــة الفارســية‪ ،‬باعتبــار أن‬ ‫األيــادي اإليرانيــة التــي تعبــث يف اليمــن‪ ،‬هــي نفســها التــي‬ ‫تعبــث بالوضــع الســوري‪ ،‬وتقــف وراء اســتمرارية ســقوط‬ ‫براميــل املــوت فــوق الســوريني بــا رحمــة!‪.‬‬ ‫لقــد آن األوان لتغيــر قواعــد اللعبــة إذا مــا أراد العــرب‪ ،‬أن‬ ‫يظلــوا رق ـاً يف الســاحة الدوليــة‪ ،‬وهــذا الق ـرار ال ميكــن أن‬ ‫يتخــذه إال العــرب أنفســهم‪ ،‬حتــى وإن كانــت الحكومــات‬ ‫الحاليــة يف معظمهــا حكومــات غــر رشعيــة وشــمولية‪ ،‬وهــي‬ ‫التــي قامــت بإجهــاض معظــم ثــورات الربيــع العــريب ووضــع‬ ‫العــرب مجــددا ً يف مواجهــة خطــر التفتيــت عــر اســتغالل‬ ‫األقليــات والحــركات املتمــردة‪.‬‬ ‫وعــى العــرب الذيــن وصفــوا املأســاة الســورية تحديــدا ً‬ ‫بأنهــا وصمــة عــار يف جبــن اإلنســانية‪ ،‬أن ال ينتظــروا‬ ‫اســتيقاظ الضمــر اإلنســاين الغــريب أبــدا ً‪ ،‬ألنــه ببســاطة لــن‬ ‫يســتيقظ وهــو الــذي تتحكــم فيــه املصالــح ال العواطــف‪.‬‬ ‫هكــذا وبــكل وضــوح‪ ،‬عــى مــن أطلقــوا وشــاركوا يف‬ ‫عاصفــة الحــزم يف اليمــن‪ ،‬أن يدركــوا أن يف ســوريا هنــاك‬ ‫ماليــن البــر الذيــن ارتكبــت بحقهــم الجرائــم الرهيبــة‬ ‫التــي ارتكبهــا بشــار األســد‪ ،‬الــذي قتــل مئــات اآلالف وهجــر‬ ‫املاليــن‪ ،‬بــل وحــول الشــعب الســوري العظيــم كلــه تقريبـاً‬ ‫إىل شــعب الجــئ‪ ،‬يتســول عطــف الــدول‪ ،‬بصورة تجــاوزت يف‬ ‫مأســاويتها مــا عاشــه حتــى الشــعب الفلســطيني يف مواجهــة‬ ‫سياســة التهجــر الصهيونيــة!‪ .‬أمــا آن لهــذه العواصــف أن‬ ‫متطــر يف ســوريا؟!‬


‫‪10‬‬ ‫ل��وزان واالحت�لال اإليران��ي يف س��وريا‬ ‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫يضيــف إطــار التفاهــم بشــأن النــووي‬ ‫خاصيــة جديــدة‪ ،‬لطهــران التــي‬ ‫اإليــراين‪ّ ،‬‬ ‫تــرى فيــه مكســباً جديــدا ً ينضــاف اىل ســجلّها‬ ‫القومــي‪ ،‬مــن حيــث إرغــام الغــرب عــى‬ ‫االســتجابة ملطالبهــا‪ ،‬يف مفاوضــات لــوزان‬ ‫األخــرة‪ .‬تتثمثــل هــذه الخاصيــة بــأن االتفــاق‬ ‫املتوقــع إبرامــه يف حزيــران القــادم‪ ،‬مينحهــا‬ ‫وقتـاً مهـاً مــن اجــل إعــادة ترتيــب أولوياتهــا‬ ‫االســراتيجية يف املنطقة‪،‬خاصــة بعــد انطــاق‬ ‫عاصفــة الحــزم قبــل أســابيع‪ ،‬وهــو مــا يعطيهــا‬ ‫قــدرة عــى املالمئــة مابــن التحديــات التــي‬ ‫تواجــه متددهــا يف اليمــن‪ ،‬والحفــاظ عــى‬ ‫مكانتهــا ودورهــا القائــم يف كل مــن ســوريا‬ ‫والعــراق‪.‬‬ ‫مــن شــأن هــذا االتفــاق‪ ،‬أن يكــرس الوجــود‬ ‫االيــراين يف املنطقــة‪ ،‬طاملــا أنــه ليــس مرتبطــاً‬ ‫بأيــة قضايــا أخــرى‪ ،‬خــارج املســألة النوويــة‪.‬‬ ‫والواقــع ان واشــنطن‪ ،‬بدرجــة أساســية ‪-‬عــى‬ ‫خــاف االتحــاد األورويب‪ -‬كانــت تســعى‬ ‫بوضــوح للتوصــل اىل اتفــاق محــدد‪ ،‬يجعــل‬ ‫مــن املســألة النوويــة اإليرانيــة‪ ،‬مــؤرشا ً عــى‬ ‫صوابيــة السياســة الخارجيــة الجديــدة للبيــت‬ ‫وحــل‬ ‫ّ‬ ‫األبيــض‪ ،‬املتمثلــة باحتــواء الخصــوم‪،‬‬ ‫املشــكالت الدوليــة عــر التفــاوض‪ ،‬دون‬

‫أسعد فخري‬

‫اللجــوء اىل الحــرب‪ ،‬أو اســتخدام القــوة‪ ،‬وهــو‬ ‫واحــد مــن أســس اس ـراتيجيات الدميقراطيــن‬ ‫األمريكيــن الذيــن يأخــذون بالدبلوماســية‬ ‫حتــى لحظــة اســتخدام القــوة العســكرية‪،‬‬ ‫بخــاف الجمهوريــن متامــاً‪.‬‬ ‫ويف ســبيل إحــراز تقــدم يُحســب لواشــنطن‪،‬‬ ‫كانــت إيـران عــى اســتعداد للتفــاوض بحيويــة‬ ‫يف مختلــف ملفــات النــووي‪ ،‬سياســياً وتقنيــاً‪،‬‬ ‫غــر أنهــا نجحــت يف إبقــاء القضايــا السياســية‬ ‫واألمنيــة املتعلقــة باســراتيجتها االقليميــة‪،‬‬ ‫وتصديــر الثــورة‪ ،‬وتدخالتهــا الواســعة‪ ،‬بعيــدا ً‬ ‫عــن طاولــة املناقشــات‪ ،‬بــل وخلــف األبــواب‬ ‫املغلقــة‪ ،‬األمــر الــذي منــح كل األطـراف تركيـزا ً‬ ‫يف مســائل نوويــة‪ ،‬وعالقــات ثنائيــة ومصالــح‬ ‫متعــددة إليــران مــع الواليــات املتحــدة‬ ‫واالتحــاد األورويب‪ ،‬يف الوقــت الــذي كانــت‬ ‫تواصــل انتهــاج سياســات أكــر دمويــة وبشــاعة‬ ‫يف الــرق األوســط‪ ،‬خاصــة يف العــراق الــذي‬ ‫تســيطر عــى صناعــة الق ـرار فيــه‪ ،‬ويف ســوريا‬ ‫حيــث تعــزز وجودهــا كقــوة احتــال مبــارش‪.‬‬ ‫املشــهد الســوري اليــوم‪ ،‬مــع حلــول ذكــرى‬ ‫االســتقالل‪ ،‬يوضــح مــدى إهــدار نظــام األســد‬ ‫لقيمــة االســتقالل الوطنــي لســوريا‪ ،‬الــذي‬ ‫تحقــق قبــل ‪ 70‬عامــاً بالتضحيــات الكــرى‪،‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫عبدالرحمن مطر‬

‫وعمــل البعــث وحلفائــه‪ ،‬وســلطته األمنيــة –‬ ‫العســكرية‪ ،‬منــذ ‪ ،1970‬عــى تفتيــت بــذور‬ ‫الدولــة الوطنيــة الســورية‪ ،‬وصــوالً اىل االرمتــاء‬ ‫يف أحضــان الخمينــي وســلطة مــايل قــم‪ ،‬دون‬ ‫أي اعتبــار للســيادة الوطنيــة التــي يتحــدث‬ ‫النظــام عنهــا مــن حــن آلخــر‪.‬‬ ‫االحتــال اإليــراين يف ســوريا‪ ،‬مل يكــن وليــد‬ ‫اللحظــة‪ .‬لقــد اســتجلب النظــام األســدي‬ ‫التدخــل الخارجــي ملواجهــة الثــورة الســورية‪،‬‬ ‫مثلــا فعــل مطلــع الثامنينيــات عندمــا‬ ‫اســتقوى بطهـران يف مواجهــة بغــداد‪ ،‬وأحــداث‬ ‫الثامنينــات يف ســورية‪ ،‬وواصــل طاغيــة دمشــق‬ ‫متكــن ايــران مــن تغلغــل نفوذهــا الثقــايف‬ ‫والدينــي‪ ،‬عــر أكــر مــن عرشيــن عامــاً‪ ،‬إىل‬ ‫أن وضــع األســد اإلبــن كل مقاديــر الدولــة‬ ‫الســورية‪ ،‬مــع تورثــه الســلطة‪ ،‬بــن يــدي مــايل‬ ‫قــم‪ ،‬وأصبحــت إيــران هــي القــوة األساســية‬ ‫الفاعلــة واملحركــة يف ســورية‪ ،‬عــر املؤسســات‬ ‫األمنيــة‪ ،‬وتطــورت الحق ـاً مــع انطالقــة الثــورة‬ ‫الســورية‪ ،‬اىل وضــع يدهــا بصــورة مبــارشة عــى‬ ‫املؤسســة العســكرية‪ ،‬وهــي التــي تقــوم اليــوم‬ ‫عــى وضــع خطــط الحـ ّـل األمنــي والعســكري‪،‬‬ ‫الــذي اختــاره النظــام الســوري منــذ مــارس‪/‬‬ ‫آذار ‪.2011‬‬

‫يبــدو حجــم امليليشــيات اإليرانيــة‪ ،‬والعراقيــة‪،‬‬ ‫التــي تأمتــر بقاســم ســليامين‪ ،‬إضافــة اىل حــزب‬ ‫اللــه اللبنــاين‪ ،‬كبــر جــدا ً‪ ،‬اىل درجــة االنتشــار‬ ‫العســكري‪ ،‬عــى قــوس املنطقــة الحدوديــة مــع‬ ‫ارسائيــل‪ ،‬وصــوالً اىل حــدود شــبعا اللبنانيــة‪ ،‬يف‬ ‫ظــل اس ـراتيجية إيرانيــة لفــرض سياســة األمــر‬ ‫الواقــع يف ســوريا والع ـراق‪.‬‬ ‫مل تكتــف إيــران باحتــال ســوريا‪ ،‬وتســيري‬ ‫الســلطات الحاكمــة يف دمشــق كأتبــا ٍع لهــا‪،‬‬ ‫وتقديــم الدعــم واالســناد العســكري والســيايس‬ ‫الكامــل بالتنســيق مــع موســكو وأطــراف‬ ‫أخــرى‪ ،‬لكنهــا أيضـاً لعبــت دورا ً فعــاالً وكبريا ً يف‬ ‫نشــوء داعــش‪ ،‬والســاح بعبــور املقاتلــن عــر‬ ‫أراضيهــا اىل العــراق وســوريا‪ ،‬والتغــايض عــن‬ ‫املــال والســاح وعمليــات االمــداد اللوجســتي‬ ‫التــي يقــوم بهــا تنظيــم الدولــة االســامية‬ ‫االرهــايب‪ ،‬ومامرســاته التــي تخــدم سياســات‬ ‫إيـران يف التدخــل يف املنطقــة‪ ،‬وســعيها الحثيث‬ ‫لتعويــم نظــام األســد‪.‬‬ ‫طاملــا أن املجتمــع الــدويل يتغــاىض عــن دور‬ ‫إيــران يف ســوريا والعــراق‪ ،‬وال تثــره جرائــم‬ ‫األســد الــذي يذبــح الســوريني بالرباميــل‬ ‫املتفجــرة والغــازات الســامة‪ ،‬والحصــار‬ ‫والتجويــع‪ ،‬فــإن طهـران لــن تتوقف عــن تعزيز‬

‫احتاللهــا لســوريا‪ ،‬خاصــة وأنهــا يف املرحلــة‬ ‫املقبلــة‪ ،‬ســيحقق لهــا االتفــاق النــووي‪ ،‬انفراجـاً‬ ‫اقتصادي ـاً ســينعكس عــى أدائهــا الســيايس يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬مــن خــال إعــادة اندماجهــا وتجديــد‬ ‫عالقاتهــا مــع الغــرب واملجتمــع الــدويل‪،‬‬ ‫وســيمنحها مزيــدا ً مــن القــوة الســتمرار دعــم‬ ‫نظــام األســد‪ ،‬واإلرصار عــى أن تكــون رشيكــة‬ ‫أساســية يف جرائــم اإلبــادة الجامعيــة التــي‬ ‫ينفذهــا يوميــاً بحــق الســوريني‪.‬‬ ‫الثــورة الســورية اليــوم تواجــه عدويــن‬ ‫حليفــن‪ ،‬هــا نظــام االســتبداد األســدي‪،‬‬ ‫واالحتــال اإليـراين‪ ،‬الــذي يدفــع باتجــاه تدمــر‬ ‫ســوريا وإحراقهــا وإغراقهــا بالــدم‪ ،‬يك يســتعيد‬ ‫االمرباطوريــة الساســانية البائــدة‪ ،‬التــي لــن‬ ‫تــرى النــور مجــددا ً‪.‬‬

‫االحتالل اإليراني لسورية‬ ‫بوابة تفعيل مشروع (األفق العشريين)‬

‫مل يعــد خافيـاً عــى أحــد مــن املتابعــن للشــأن الســوري‪،‬‬ ‫الحضــور الطاغــي لألجنــدة اإليرانيــة داخــل الثــورة‬ ‫الســورية‪ ،‬وتحوالتهــا العاصفــة‪ ،‬وكذلــك ليــس بعيــدا ً عــن‬ ‫متنــاول اليــد تلمــس الحقائــق‪ ،‬والرباهــن التــي ال تقبــل‬ ‫الشــك يف الرغبــة اإليرانيــة الجامحــة للعــب دور املنافــس‪،‬‬ ‫داخــل دائــرة املصالــح اإلقليميــة‪ ،‬واألجنــدات العامليــة‪،‬‬ ‫لتتحصــل مــن خاللــه دولــة املــايل عــى حصتهــا مــن‬ ‫الكعكتــن‪ ،‬املســتباحتني‪ ،‬الســورية‪ ،‬والعراقيــة عــر إدارة‬ ‫الرصاعــات الســاخنة فيهــا‪ ،‬ويف الجيــوب الشــيعية األخــرى‬ ‫يف اليمــن‪ ،‬ولبنــان‪ ،‬والبحريــن‪ ،‬وذلــك مــن خــال تحكمهــا‬ ‫بالقــرارات السياســية‪ ،‬والعســكرية يف تلــك الــدول مــن‬ ‫جهــة‪ ،‬والهيمنــة عــى املبــادرات السياســية التــي يُـراد منهــا‬ ‫حــل تلــك النزاعــات بصــورة ســلمية مــن جهــة أخــرى‪.‬‬ ‫رمبــا يكــون امللــف النــووي اإلي ـراين الــذي مل يحســم أمــره‬ ‫بعــد مــع الــدول الكــرى (‪ )1+5‬أحــد أهــم األســباب‬ ‫املبــارشة التــي تدفــع عصابــة املــايل‪ ،‬ومرشوعهــا املذهبــي‬ ‫يف إيــران إىل االكتفــاء مرحليــاً بالتداخــل الناعــم ضمــن‬ ‫تلــك األزمــات‪ ،‬وإبــداء مرونــة براغامتيــة أمــام الــرأي‬ ‫العــام العاملــي مــن خــال الظهــور مبظهــر الرشيــك‬ ‫الفاعــل يف إيجــاد حلــول ســلمية لتلــك األزمــات التــي‬ ‫تعصــف باملنطقــة‪ ،‬دون التخــي يف الخفــاء عــن دعــم‬ ‫مــروع إمرباطوريتهــا املذهبيــة‪ ،‬عســكرياً‪ ،‬وماليــاً مــا‬ ‫يؤكــد ِمضيهــا يف تحقيــق مــروع (األفــق العرشينــي)‬ ‫الــذي ُر ِســمت معاملــه وآفاقــه إبــان فــرة حكــم الرئيــس‬ ‫اإلي ـراين الســابق أحمــدي نجــاد‪ ،‬حيــث تكــون إي ـران مــن‬ ‫خاللــه يف العــام (‪ )2025‬الدولــة األوىل يف االســراتيجيات‬ ‫املختلفــة (النفــط والغــاز‪ ،‬واالقتصــاد الصناعــي‪ ،‬والتقــدم‬ ‫العلمــي‪ ،‬والثقافــة‪ ،‬والفكــر‪ ،‬والبحــوث النوويــة‪ ،‬والتقنيــات‬ ‫املنا ِفســة يف الصناعــات الحربيــة) عــى الصعيــد اإلقليمــي‪،‬‬ ‫وقــد حــدد مــروع األفــق العرشينــي حســب صحيفــة‬ ‫(كيهــان) الناطقــة باســم مرشــد الثــورة اإليرانيــة مفهــوم‬ ‫(اإلقليــم) جغرافي ـاً حــدود ســيطرته (جنــوب غــرب آســيا‬ ‫والتــي تشــمل آســيا الوســطى والقوقــاز وبلــدان الــرق‬ ‫األوســط)‪ ،‬وهــي بذلــك تكــون قــد حققــت حضــورا ً إقليميـاً‬ ‫مهـاً تســتطيع مــن خاللــه تأثيــث حلمهــا اإلمرباطــوري يف‬ ‫تصديــر ثورتهــا املذهبيــة‪ ،‬والتمكــن مــن التواجــد داخــل‬ ‫مفاصــل قــرارات تلــك البلــدان‪ ،‬ضمــن صيــغ عديــدة‪،‬‬

‫أهمهــا االســتفادة مــن الجيــوب الشــيعية املبثوثــة تاريخيـاً‬ ‫يف تلــك الــدول‪ ،‬وهــذا عامــل مهــم ســاعد جمهوريــة املــايل‬ ‫يف إيــران عــى تفعيــل تســلالت متنوعــة‪ ،‬يف طرائقهــا‬ ‫وأســاليبها مــن خــال تلــك الثغــور املذهبيــة‪ ،‬والتأثــر عــى‬ ‫مفاعيــل القـرارات السياســية‪ ،‬واســتخدام أســاليب ضاغطــة‬ ‫عــى تلــك الحكومــات مــن داخلهــا‪ ،‬مــا يحقــق إليــران‬ ‫بعــدا ً اسـراتيجياً‪ ،‬وميكنهــا مــن تحقيــق مرشوعهــا الصفــوي‪،‬‬ ‫ويجعلهــا تتحصــل عــى حضــور ســيايس مؤثــر يســتدعي‬

‫محتلــة لســورية‪ ،‬والتــي تعــد مــن وجهــة نظــر اإليرانيــن‪،‬‬ ‫البوابــة الرئيســة لتفعيــل مــروع (األفــق العرشينــي)‪،‬‬ ‫جغرافيـاً‪ ،‬ومذهبيـاً يف الوقــت الــذي نــدرك فيــه متأخريــن‪،‬‬ ‫دوافــع االتفاقيــة اإلسـراتيجية للدفــاع املشــرك‪ ،‬والتــي تــم‬ ‫التوقيــع عليهــا بــن إي ـران وســورية يف العــام ‪ 2006‬لنتبــن‬ ‫أنهــا‪ ،‬ومــن خــال التداخــل اإلي ـراين يف الشــأن الســوري‪ ،‬مل‬ ‫تكــن للدفــاع عــن ســوريا كبلــد‪ ،‬وشــعب يف حــال تعــرض‬ ‫ســورية لعــدوان خارجــي‪ ،‬بــل هــي للدفــاع عــن عصابــة‬

‫وجودهــا داخــل أيــة مبــادرات سياســية‪ ،‬كــا يعطيهــا‬ ‫الحــق يف انت ـزاع دور إقليمــي يحفــظ حصتهــا مــن خــال‬ ‫التداخــل‪ ،‬والتأثــر يف رســم الخرائــط اإلقليميــة يف املنطقــة‪،‬‬ ‫وتفعيــل تواجدهــا يف تحوالتهــا العاصفــة‪.‬‬ ‫مــن هنــا نلمــس قيمــة‪ ،‬وأثــر التواجــد اإليــراين كقــوة‬

‫قاتلــة اســمها الســلطانية األســدية‪ ،‬كانــت تتحكــم بســوريا‪،‬‬ ‫ومصائرهــا‪ ،‬ومــا زالــت‪.‬‬ ‫إن مــا تتعــرض لــه الثــورة الســورية اليــوم مــن احباطــات‬ ‫متتاليــة يف مشــهدها الســيايس‪ ،‬ويف الح ـراك املتعــر لقــوى‬ ‫املعارضــة يف مواجهــة نظــام القتــل والتدمــر‪ ،‬وتخــاذل‬

‫القــوى الداعمــة لهــا قــد أســهم يف دفــع اإليرانيــن ملتابعــة‬ ‫تعزيــز‪ ،‬وتفعيــل أفقهــم العرشينــي‪ ،‬واملحاولــة مجــددا ً‬ ‫للعــزف عــى الوتر الحــويث يف اليمــن‪ ،‬واإلســهام يف التخطيط‬ ‫لالنقــاب عــى رشعيــة الدولــة اليمنيــة ومؤسســاتها‪ ،‬وهــذا‬ ‫مــؤرش جديــد عــى قــدرة إيـران إليجــاد مــررات موضوعيــة‬ ‫للمحافظــة عــى تواجدهــا املذهبــي داخل األذرع الشــيعية‪،‬‬ ‫خصوصــاً‪ ،‬وأن اليمــن هــي موقــع القــدم البحــري الــذي‬ ‫تريــد مــن خاللــه إيـران التحكــم مبصائــر نســبة كبــرة مــن‬ ‫حركــة التجــارة العامليــة عــر مضيــق بــاب املنــدب‪.‬‬ ‫يف املحصلــة إيــران تريــد كل مــا يخــدم تحقيــق مــروع‬ ‫(األفــق العرشينــي)‪ ،‬وهــي لــن تدخــر جهــدا ً عــر محاوالتها‬ ‫الحثيثــة لرفــع العقوبــات األمميــة عنهــا بعــد التوقيــع‬ ‫النهــايئ عــى االتفــاق النــووي حســب تفاهــات اإلطــار‬ ‫مؤخ ـرا ً يف لــوزان مــع الــدول الكــرى (‪ )1+5‬حيــث جــرى‬ ‫شــكل مــن أشــكال التنــازل مــن قبــل اإليرانيــن مبــا يخــص‬ ‫مقــدار تخصيــب اليورانيــوم‪ ،‬وعــدد أجهــزة الطــرد املركــزي‪،‬‬ ‫وذلــك مــن أجــل الحصــول عــى رفــع العقوبــات‪ ،‬وبذلــك‬ ‫تكــون إيــران قــد حققــت انتــزاع رشعيــة التحــاور معهــا‬ ‫مــن قبــل الــدول الكــرى‪ ،‬وبــدت دولــة قويــة تــم االتفــاق‬ ‫معهــا داخــل لعبــة البــازار النــووي الــذي مل تبــدأ بعــد‬ ‫مناقشــة تفاصيلــه‪ ،‬وتقاطعاتــه التــي ســتكون بالتأكيــد‪،‬‬ ‫محــكاً جوهري ـاً إلي ـران‪ ،‬وللــدول الكــرى يف اآلن ذاتــه‪.‬‬ ‫سيســتيقظ الشــيطان حتـاً يف تفاصيــل االتفــاق النهــايئ يف‬ ‫الوقــت الــذي يتحتــم عــى إيــران مواجهــة العديــد مــن‬ ‫التغــرات التــي اســتجدت يف ســوريا‪ ،‬واليمــن إضافــة إىل‬ ‫تطــور مهــم يف املوقــف العــريب‪ ،‬وظهــور تكتــات عســكرية‬ ‫جديــدة تحــت مــا يدعــى بعاصفــة الحــزم عــى الرغــم‬ ‫مــن دوافعهــا امللتبســة‪ ،‬يف الوقــت الــذي مل يخطــر ببــال‬ ‫جمهوريــة املــايل أن تكــون عــى طاولــة الخيــارات العربيــة‪،‬‬ ‫وهــذا بــدوره ســيدفع إيـران نحــو الســبل الصعبــة‪ ،‬واملؤملــة‬ ‫بالنســبة ملــا كان مــن املقــرر أن تكــون عليــه أجنــدة األفــق‬ ‫العرشينــي العتيــدة‪ ،‬وأن مــا تــم تحقيقــه مــن طموحــات‬ ‫مــروع شــياطني الجعافــرة وأفقهــا العرشينــي ســيذهب‬ ‫أدراج الريــح‪ ،‬ويدفعهــا إىل مواقــف جديــدة تحتــم عليهــا‬ ‫االنصيــاع إىل مبــدأ التحــاور يف املشــكالت اإلقليميــة‬ ‫العالقــة‪ ،‬والقبــول مبــا تــم التحصــل عليــه أو املواجهــة مبــا‬ ‫تحملــه مــن ملــات ســتثري الداخــل اإلي ـراين الــذي بــدأت‬ ‫مــؤرشات ظهــوره بح ـراك العــرب يف األحــواز‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫قب�لات مميت��ة لس��مري الفي��ل‪ :‬بس��اطة اللغ��ة وعم��ق التجرب��ة!‬ ‫حلمي ياسين‬ ‫هــل توجــد قبــات متنــح الحيــاة‬ ‫وأخــرى تــؤدي إىل املــوت؟ رمبــا كان هــذا‬ ‫هــو الســؤال الــذي يواجهنــا فــور قــراءة‬ ‫عنــوان املجموعــة القصصيــة الجديــدة‬ ‫الصــادرة مؤخــرا ً للقــاص والــروايئ ســمري‬ ‫الفيــل بعنــوان «قبــات مميتــة»‪.‬‬ ‫الكاتــب يف مجموعاتــه القصصيــة الســبعة‬ ‫الســابقة يضــع يــده عــى مناطــق معينــة‬ ‫يتعــرف عليهــا ثــم يــروح يحفــر جيولوجيــا‬ ‫يف طبقــات الــرد ليكشــف لنــا عــن حقائق‬ ‫الوجــود وأزمــة اإلنســان يف عــامل متحــول‪،‬‬ ‫متشــظ‪ ،‬ال أمــان لــه‪.‬‬ ‫يف «شــال‪ ..‬ميــن» تنــاول فكــرة القهــر‬ ‫والعســف اليومــي الواقــع عــى عســاكر‬ ‫غالبــة يواجهــون بطــش الفقــر وســطوة‬ ‫األوامــر‪ ،‬وهــم مــع ذلــك مقبلــون عــى‬ ‫الحيــاة يف بهجــة‪ ،‬بــل يســخرون مــن‬ ‫األشــياء التــي تحيــط بهــم‪ ،‬ومــن أنفســهم‪،‬‬ ‫ويطلقــون ضحــكات مــن قلوبهــم؛ ألن‬ ‫الدنيــا لــن تقــف مبوتهــم أو بتعاســتهم‪.‬‬ ‫يف «مكابــدات الطفولــة والصبــا» اســتدعاء‬ ‫حميــم لفــرة الصبــا والبحــث عــن معنــى‬ ‫املــوت وقيمــة الحيــاة‪ ،‬وفيهــا مســاحة‬ ‫لالرتبــاكات اليوميــة والعبــث الوجــودي‬ ‫اللصيــق بالكــون‪ ،‬والــذي يخلــع عنــه‬ ‫الكاتــب قــرة املألوفيــة‪.‬‬ ‫أمــا مجموعــة «صنــدل أحمــر» فتســتعرض‬ ‫مهنــة الولــد فلفــل الــذي يفتــح عينيــه‬ ‫كل يــوم عــى أحــداث جديــدة‪ ،‬فهنــاك‬ ‫املحــارب الــذي فقــد ســاقه‪ ،‬والزوجــة‬ ‫التــي صــارت أرملــة والخيــاط العجــوز‬ ‫الــذي يقــرن بفتــاة شــابة فيختــار لهــا‬ ‫صنــدل أســود مقفــول‪ .‬محــن ونــوازع قهــر‬ ‫وترتيبــات للعجــز املقــرن بانعــدام الفعــل‬ ‫اإلنســاين املتوقــع‪.‬‬ ‫يحــاول الكاتــب يف كل مجموعــة أن يجــرح‬ ‫أفقــاً للــرد حــن يشــتغل فيــه عــى‬ ‫منمنــات الحيــاة بأوجاعهــا وانكســاراتها‬ ‫وأفراحهــا القليلــة‪ ،‬وهــو يســتخدم لذلــك‬ ‫طقسـاً شــعبياً ولغــة بســيطة موحيــة‪ .‬لكــن‬ ‫براعتــه تتــأىت مــن زاويــة التقــاط الحــدث‪،‬‬ ‫والتــي تتيــح لــه رؤيــة غــر مكــررة أو‬ ‫مســبوقة‪.‬‬ ‫فــاذا عــن مجموعــة «قبــات مميتــة»؟‬ ‫هــل هنــاك محاولــة مــا للتنقيــب عــن أرسار‬ ‫حيــوات شــخصيات يعرفهــا وأحــداث مــر‬ ‫بهــا؟‬ ‫هــذا مــا نعــر عليــه بالفعــل‪ ،‬ولكــن‬ ‫التكنيــك هنــا مختلــف‪ .‬فســمري الفيــل‬ ‫قــد اســتفاد مــن تقنيــات الفــن التشــكييل‬ ‫كالكــوالج‪ ،‬ووظــف القطــع واملــزج‬ ‫الســيناميئ يك ينقلنــا لعــوامل تضــج بالحركــة‬ ‫والعنفــوان والعنــف‪ .‬إنــه يقــدم مجموعــة‬ ‫مــن العالمــات التــي قــد متــر علينــا دون أن‬ ‫ننتبــه لهــا فتبــدو مبثابــة «شــواهد»‪ ،‬وهــي‬ ‫عبــارة عــن باقــة رسديــة تبحــث عــن معنــى‬ ‫الفقــد وحضــور اللــون األحمــر يف حركتنــا‬ ‫اليوميــة‪ .‬يبــدأ مــن صافــرات بعيــدة يف‬ ‫مينــاء نابــويل وينتهــي ببقعــة دم عــى‬ ‫مــاءة بيضــاء لفتــاة تكتشــف دخولهــا‬ ‫ســن البلــوغ‪ .‬إن الخطــاب الــردي ميــرر‬ ‫برقــة ورهافــة فــا يتمكــن القــارئ مــن‬ ‫القبــض عــى يقــن مثلــا يفعــل يف قصــة‬ ‫«وديــع» الفتــى املســيحي الــذي ينخــرط‬ ‫يف تنظيــم ثــوري بينــا كان طــوال عمــره‬ ‫عبــدا ً لفكــرة االنغــاق‪ .‬وتبــدو املســاومة‬ ‫مســألة موجــودة بالفعــل‪ ،‬وتنتقــل مــن‬ ‫الســوق وبيــع العقــار إىل مســاحة الــورق يف‬ ‫قصــة ذات دالالت سياســـــية موحيــة‪ ،‬هــي‬

‫«ملــاذا يضحــك السمســار؟»‪ .‬وتبــدو مالمــح‬ ‫الضابــط الصــارم الــذي ميــارس التعذيــب يف‬ ‫أقبيــة الســجون واضحــة كل الوضــوح يف‬ ‫«الزاهــد»‪ ،‬وعنــوان القصــة يعطــي املعنــى‬ ‫النقيــض للكلمــة لكنهــا إحــدى حيــل الفيــل‬ ‫الــذي يجــرب يف كل مــرة شــكالً جديــدا ً‬ ‫للقــص‪.‬‬ ‫وســوف أتوقــف أمــام مجموعــة نصــوص‬ ‫قصــرة باملجموعــة حملــت عنــوان‬ ‫«حكايــات الرسيــر» ألنهــا متثــل منعطفــات‬ ‫حقيقيــة يف تجربــة الكاتــب؛ فهــي تفتــح‬ ‫وعينــا عــى مجموعــة مــن املامرســات‬ ‫الخفيــة االعتياديــة‪ ،‬ليســقط الكاتــب فــرى‬ ‫األرسة البيضــاء وأجســاد املــرىض وزهــور‬ ‫الربيــة النابتــة يف ســطح املستشــفى باقــات‬ ‫رسديــة تشــكل مالمــح الوجــود يف هــذا‬ ‫العــامل املغلــق بأوجاعــه‪ .‬يف « أعوجــاج»‬ ‫يخــر درس التاريــخ املريــض أن يف عائلتــه‬ ‫شــخص لــه اعوجــاج يف الضلــوع فيحــاول‬ ‫أن يعدلــه‪ ،‬ويف «ريشــة» يهبــط عصفــور‬ ‫ويضــع ريشــة مضيئــة عــى الوســادة ثــم مــا‬ ‫يلبــث أن يطــر‪ ،‬ويف « كــوب شــاي» تــأيت‬ ‫امــرأة مــن ســيالن لتمنحــه قدحـاً بــه رشاب‬ ‫الشــاي املفضــل وتغيــب‪ ،‬وعنــد حــدود‬ ‫الواقعيــة الســحرية يعمــل قلــم ســمري‬ ‫الفيــل برشــاقة يف «الزاحــف» و»احتــكاك»‬ ‫و»امللــة»‪ .‬لقطــات تبــدو كالوميــض الــذي‬ ‫يــيء للحظــات ثــم مــا يلبــث أن يختفــي‬ ‫تــاركاً لنــا الدهشــة والحــرة‪.‬‬ ‫يف قصــة «الرابــط واملربــوط» ينتقــل‬ ‫الكاتــب ملســاحة الخرافــة يف حياتنــا‪ ،‬ولكنــه‬ ‫يعالجهــا بحــس ســاخر فــا يظهــر لــك‬ ‫كقــارئ منطقــة الجــد مــن الهــزل‪ .‬إنــه يــرك‬ ‫التعليــق ملــن يقــرأ فهــي حيلــة لتوريــط‬ ‫املتلقــي يف ثنايــا النــص‪.‬‬ ‫يف «الولــد ســيكا‪ /‬درن» حكايــة عــن صعــود‬ ‫طبــال أفـراح لدائــرة األثريــاء حيــث يعمــل‬ ‫بالبورصــة غــر أن هاتفــاً يجيئــه فيــرك‬ ‫الــروة ليعــود للواحــدة والنصــف‪.‬‬ ‫نلمــح يف أغلــب قصــص املجموعــة هــذا‬ ‫الحــس الســاخر الســاخن الــذي يعانــق‬ ‫األضــداد ويكشــف عــن حــاالت الزيــف‬ ‫والفســاد وقلــة القيمــة يف حيــاة أبطالــه‬ ‫الذيــن يحاولــون الهــرب مــن قدرهــم‬ ‫التعــس فــا تزيدهــم املحاولــة إال فقــرا ً‬ ‫وعجــزا ً وتعاســة‪.‬‬ ‫بيــد أن الحيــل الرسديــة التــي يشــتغل‬ ‫عليهــا ســمري الفيــل تبلــغ ذروتهــا يف‬ ‫«قبــات مميتــة» وهــي مجموعــة مــن‬ ‫األقاصيــص التــي تأخــذ شــكل املباغتــة؛‬ ‫تــدور الفتــاة وتدبــدب بقدميهــا الصغريتــن‬ ‫أرض الحجــرة ثــم تشــعر بســاعدين قويــن‬ ‫يطوقانهــا‪« .‬دوران»‪ .‬ال تعــرف كقــارئ هــل‬ ‫هــي أحــداث حقيقيــة أم خيــال جامــح؟‬ ‫ويف «ذوبــان» يعاقــر الشــاب الخمــر رغــم‬ ‫أن «مالــك» قــد نهــى عنهــا‪ ،‬ولدهشــته‬ ‫يجــد فتاتــه التــي هجرتــه جالســة أمامــه‬ ‫تقــرع كأســها بكأســه؟ فهــل هــي أطيــاف‬ ‫خيــال أم تجســيد للــيء املفتقــد‪ .‬يف‬ ‫«ورديــة» يخــرج العامــل مــن مصنعــه‬ ‫ليشــري أقــراص الطعميــة‪ ،‬ويصعــد ســلم‬ ‫بيتــه‪ ،‬ويجدهــا يف ثــوب الشــيفون األحمــر‬ ‫تنتظــره بعطــر فــواح وتكــون قبلتهــا حــارة‬ ‫تأخــذه لدنيــا أخــرى‪ .‬يتغــر الحــال يف‬ ‫«خطــاب» حــن تســتدعي الزوجــة جارهــا‬ ‫ليكتــب رســالة لزوجهــا الغائــب‪ ،‬وحــن‬ ‫يستشــعر الكهــل االقــراب مــن الخطيئــة‬ ‫يــرك املــكان كلــه ويهبــط إىل عزلتــه‪ .‬أمــا‬ ‫«مســار جحــا» فهــي تحــي قصــة الــزوج‬

‫‪11‬‬

‫صرباً دمشق‬

‫د‪ .‬جمال قنبر‬ ‫الــذي رمــى ميــن الطــاق عــى زوجتــه‬ ‫وغــادر البيــت ألنهــا ال تجــوز لــه‪ ،‬ويعــود‬ ‫يف الليــل متســحباً لينتــزع كتاب ـاً مــن عــى‬ ‫أرفــف مكتبتــه وحــن يراهــا منكشــفة ميــد‬ ‫يدهــا ليغطيهــا فتصحــو صارخــة‪ .‬مجموعــة‬ ‫مــن الوقائــع واألحــداث ترصــد ســوء الفهــم‬ ‫وتعاســة البــر وأحزانهــم التــي ال تنتهــي‪،‬‬ ‫يقدمهــا الكاتــب يف رشــاقة‪ ،‬وتكتــم‪ ،‬وبقلــم‬ ‫يخــر أرسار النفــس البرشيــة‪.‬‬ ‫وقــد اقــرب الكاتــب مــن مناطــق الخرافــة‬ ‫والجــن واألرواح والقرائــن يف متتاليــات‬ ‫تجــاوز خاللهــا التقليــدي واتجــه لكشــف‬ ‫التواطــؤ القديــم بــن الجهــل والركــون‬ ‫لألعــراف القدميــة‪ .‬يبســط الكاتــب عــدة‬ ‫حكايــات يســتحرض فيهــا عبــث املــردة‬ ‫واحتكاكهــم باألنــس‪ ،‬وهــو بذلــك يدحــض‬ ‫الــرؤى القدميــة‪ ،‬ويقــدم لنــا قصصــه كملهاة‬ ‫وبنــوع مــن الكشــف والفضــح لــكل هــذا‬ ‫ال ـراث الــذي مــا زال يعرقــل حريــة الفــرد‬ ‫يف الحركــة والفكــر‪.‬‬ ‫هــذا بعينــه مــا نتابعــه يف قصــص منهــا‬ ‫«مللــوم»‪« ،‬الســيدة جليلــة»‪« ،‬امللمــوس»‪،‬‬ ‫ولكنــه يف «هدهــدة» يعــود ملنطقــة الحــي‬ ‫اآلمنــة حــن ينجــح يف رصــد العالقــة بــن‬ ‫الشــيخ يــري البســاطي مــدرس النحــو‬ ‫باملــدارس األزهريــة‪ ،‬وبــن الزوجــة الشــابة‬ ‫التــي اقــرن بهــا حديثــاً فغــرت مســار‬ ‫حياتــه بعــد إنجابهــا الولــد‪.‬‬ ‫نشــعر عنــد ق ـراءة قصــص الفيــل مبتعــة ال‬ ‫توصــف ألنــه يقتنــص الحدوتــة ويشــحنها‬ ‫بــكل الغرائــب واألضــداد‪ ،‬ويســوقها يف‬ ‫قالــب شــعبي موظفــاً املثــل واملوعظــة‬ ‫وإيقــاع املــوال‪ ،‬ونغمــة النــاي‪ ،‬ونزعــة‬ ‫الســخرية‪ ،‬لكنــه يقــدم خطابــه بقــدر كبــر‬ ‫مــن الوضــوح واإلبانــة‪.‬‬ ‫بعــض نصــوص املجموعــة تأخــذ الشــكل‬ ‫الــروايئ بكــرة تفاصيلهــا كــا يف قصــة‬ ‫«الدلــدول»‪ ،‬وهــي كوميديــا إنســانية ال‬ ‫تخلــو مــن مناطــق مظلمــة‪ ،‬وتتميــز القصــة‬ ‫بعنــر التشــويق حــن يقــرن صعــود‬ ‫املوظــف الصغــر بزواجــه مــن املديــرة‬ ‫صاحبــة املكتــب البيضــاوي‪ ،‬وبســبب غلطــة‬ ‫صغــرة حــن يختــي بالشــغالة يكــون‬ ‫طــرده وتشــتيته‪ .‬وقريــب يف التكنيــك قصــة‬ ‫«الباشــا املرمطــون»‪ ،‬وفيهــا حــي شــديد‬ ‫الــراء لطبيعــة املوظــف االنتهــازي يف‬ ‫صعــوده ونفاقــه ولحظــة أفولــه‪.‬‬ ‫يعــود ســمري الفيــل إىل منطقتــه املحببــة‪،‬‬

‫ونقصــد بهــا أدب الحــرب أو حكايــات‬ ‫الجنديــة ولكــن مــن منظــور مختلــف يف‬ ‫قصتــن‪.‬‬ ‫القصــة األوىل «صديــق العصافــر» تحــي‬ ‫قصــة زيــارة الــراوي البنــه يف الثكنــة‬ ‫العســكرية‪ ،‬واكتشــافه أنــه داخــل ســجن‬ ‫الوحــدة لخطــأ ضئيــل فقــد تــرك مــكان‬ ‫الخدمــة ليقــدم رشــفة مــاء لزميــل صائــم‪.‬‬ ‫هنــا يســرجع ال ـراوي حكايتــه حــن دخــل‬ ‫الحــرب وعــرف أن الحيــاة تكــون يف هــذه‬ ‫التجربــة عــى شــفا حفــرة مــن هــاك‬ ‫مؤكــد‪ .‬االبــن واألب يتواجهــان يف لقطــة‬ ‫معــرة‪ ،‬وتزقــزق العصافــر التــي كان‬ ‫يربيهــا الشــاب املجنــد يف طفولتــه ومتــرق‬ ‫مــن أقفاصهــا طلبــاً للحريــة يف معــادل‬ ‫موضوعــي تــم توظيفــه جيــدا ً‪.‬‬ ‫القصــة الثانيــة كتبــت عــى شــكل ســيناريو‬ ‫تتحــدث عــن كلــب كان يف معســكر الخـراء‬ ‫الــروس فــرة حــرب االســتنزاف وفــر إىل‬ ‫ثكنــات عســاكر املشــاة املرصيــن‪ .‬البطــل‬ ‫هــي الحالــة نفســها التــي وجــد عليهــا‬ ‫جنــود املشــاة يف مناوراتهــم وتدريباتهــم‬ ‫وتحركهــم مــن الخطــوط الخلفيــة وصــوالً‬ ‫إىل جبــل عتاقــة‪« .‬الــرويس‪ ..‬ســرة حيــاة‬ ‫كلــب» تجربــة جديــدة يف التكنيــك‬ ‫واملعالجــة حيــث مل يتخلــص الكاتــب مــن‬ ‫لغتــه متامـاً لكنــه شــحنها مبفــردات وعنــارص‬ ‫حقيقيــة يعرفهــا كل مــن عــارص تلــك الفــرة‬ ‫يف جبهــة القتــال‪.‬‬ ‫يف قصــص املجموعــة تجــارب يف تطويــر‬ ‫الشــكل‪ ،‬ومســارات رسديــة تجتهــد يف‬ ‫التخلــص مــن رتابــة الخــط الواحــد‪ ،‬كــا‬ ‫أنهــا تحــوي مســاحات لأللفــة‪ ،‬وأحيانــاً‬ ‫عــدم التوقــع ورمبــا التأكيــد عــى الوجــود‬ ‫امللتبــس للحيــاة التــي تنفلــت مــن كل‬ ‫قبضــة حاكمــة‪ .‬هــذا مــا وعــاه الكاتــب‬ ‫الــذي ينحــاز يف قصصــه جميعـاً للبســاطة يف‬ ‫التنــاول ولعمــق حقيقــي يف اســتيعاب مــا يف‬ ‫الكــون مــن عــوار ونقــص فــادح ال يكتمــل‪.‬‬ ‫دوائــر القصــص يف فيضهــا اإلنســاين تحــاول‬ ‫بــكل الصــدق أن تقــدم تجربــة الحيــاة يف‬ ‫ظــل هــذه النواقــص مــع اإلعــاء مــن قــدر‬ ‫املغامــرة يف الشــكل والتكنيــك‪.‬‬ ‫ســمري الفيــل بعــد مثــاين مجموعــات‬ ‫قصصيــة يرســخ اســمه يف ديــوان الــرد‬ ‫القصــي العــريب املجيــد‪ ،‬فهــو يكتــب‬ ‫بطريقتــه ودون الســر عــى درب أحــد‬ ‫غــره‪.‬‬

‫منتحب ‬ ‫ال تحزين اليوم إن غ ّناك‬ ‫ُ‬ ‫صربا ً دمشق فإ ّن النرص يقرتب‬ ‫اح رافدهـا ‬ ‫قـد تدمع العيــن واألفـر ُ‬ ‫ويضحك الثغ ُر واألحشاء تلتهب‬ ‫ويثمـل النـرجس الفــواح من عبـق ‬ ‫ال وزر يحمل إال السحر والطيب‬ ‫رصح من املجد‪ ،‬زلزال أحاق به ‬ ‫ً‬ ‫ما زُلزل املجد لكن ه ّزه الطـرب‬ ‫د ّون أال أيها التاريــخ فاجعــــــة ‬ ‫ُدكت دمشق وينىس جرها العرب‬ ‫أيـن الوليـد وفرسان تحيـط بــه ‬ ‫الــروم ترهبه والفرس ترتعب‬ ‫قل للرشيد لقد م ّرت سحابتـــه ‬ ‫وليس ينفع بعد ال ّزلــــة العتب‬ ‫يـا رقة الخيـر صربا ً يا حبيبتنا‬ ‫فالفخر الح وليل البغي ينسحب‬ ‫ظ ّن الجهول بأن الشام يرهبها ‬ ‫رقص القرود ولؤم الذئب يضطرب‬ ‫جــنى‬ ‫مهمـا تطـــاول أقـزا ًم لنيــل‬ ‫ً‬ ‫فسوف مينعهم علياؤهــا الرجــب‬ ‫ضاقت صدور بني الشيطان حني بدت‬ ‫من قاسيون شموس العز والنخب‬ ‫إن كان يجمعهم حقد ستجمعهم ‬ ‫أرض الشآم بيوم الحرش يرتقب‬ ‫شُ لَّت يداك أبا جهلٍ ألست ترى ‬ ‫أن الشـآم إذا ّهبـت لهــا غضـب‬ ‫يا منبع الحسن والحسناء يحسدها‬ ‫من غ ّره القبح أو أغرى به العجب‬ ‫فيّاضة أنت يا مجىل بصائرنـــا ‬ ‫والشمس يغبطها األقامر والشهب‬ ‫أي املادحني أنا ‬ ‫يا غوطة الشام َّ‬ ‫إن كان ميدحك القرآن والكتب‬ ‫قويل لزنبقك الشامي ِعش ترف اً‬ ‫فالياسمني يداوي جرحه العنب‬ ‫بوركت أرضاً وجنات ودفق ضيا ‬ ‫والفخر أنا إىل الفيحاء ننتسب‬


‫‪12‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫قص��ة حي��اة جث��ة‬ ‫ال أعــرف كيــف متــت الوفــاة‪ ،‬أو بــاألدق ال أتذكــر‪،‬‬ ‫فالجثــث غالبـاً ال تتمتــع بذاكــرة قويــة‪ ،‬كل مــا شــعرت بــه‬ ‫قشــعريرة بــاردة‪ ،‬بــدأت مــن أطــرايف‪ ،‬ورست يف جســدي‬ ‫كلــه‪ ،‬ونقطــة ضــوء قويــة تجذبنــي إليهــا‪ ،‬وبأننــي أصبحــت‬ ‫خفيف ـاً كطيــف‪ ،‬أرفــرف مــع النســيم‪.‬‬ ‫مل أخــف مــن كــوين ميتـاً أو رصت جثــة‪ ،‬كان خــويف مــن أن‬ ‫يغســلني الشــيخ ســعيد‪ ،‬بلحيتــه الكثــة‪ ،‬وزبيبتــه املســتفزة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أعرفــه جيــدا ً‪ ،‬حــن يجلــس لتنــاول الغــداء يف فنــاء فيــا‬ ‫أرشف كل جمعــة‪ ،‬يتكلــم دون توقــف عــن املــوىت‪ ،‬وعالمــات‬ ‫ســعادتهم يف اآلخــرة أو شــقوتهم فيهــا‪.‬‬ ‫أخــاف جــدا ً مــن لســانه الزالــف‪ ،‬عندمــا يتحــدث عــن‬ ‫جحــوظ العينــن‪ ،‬وتــديل اللســان‪ ،‬وتخشّ ــب الرقبــة‪ ،‬وتصلــب‬ ‫الف ّكــن‪ ،‬كعالمـ ٍ‬ ‫ـات أصيلــة عــن ســوء الخامتــة‪.‬‬ ‫مل أكــن متدينـاً‪ ،‬لكننــي ال أطيــق حديــث الشــيخ ســعيد عــن‬ ‫أرسار الراحلــن‪ ،‬وانتهاكــه لخصوصيــة الجثــث التــي يُغســلها‪،‬‬ ‫لكنــه أرشف ســامحه اللــه يجــد متعــة يف ذلــك‪ ،‬ســألته مــرة‬ ‫عــن رس شــغفه بحكايــات امليتــن‪ ،‬فأخــرين بأنهــا للعظــة‬ ‫واالعتبــار‪ ،‬و(حاجــات كــده مــا يعرفهــاش امللحديــن الــي‬ ‫زيــي)‪.‬‬ ‫يــر أرشف عــى وصفــي بامللحــد‪ ،‬رغــم أين مل أنكــر مــرة‬ ‫وجــود اللــه‪ ،‬أو أتعــرض يف أي حــوار مــع أصدقائــه (الدقون)‬ ‫ملســألة الخلــق والخالــق‪ ،‬لكنــه يجــد ســعادة يف وصــف كل‬ ‫واحــد منــا باســمٍ حــريك‪.‬‬ ‫فأنــا يف نظــره هاشــم امللحــد‪ ،‬الــذي ال يصــي وال يصــوم‪،‬‬ ‫وأنــه عــى اســتعداد لدفــع نصــف مدخراتــه خــال عرشيــن‬ ‫عامـاً يف ديب‪ ،‬لــو دخلــت املســجد حتــى ولــو لقضــاء حاجتي‪.‬‬ ‫أمــا عــادل حصــوة‪ ،‬فهــو (أبخــل مــن كلبــة يزيــد)‪ ،‬وحــن‬ ‫ســألته عــن كلبــة يزيــد‪ ،‬أجــاب‪:‬‬ ‫ دي حاجــات مــا يعرفهــاش امللحديــن الــي زيــك‪ ،‬اســلم‬‫وأنــا أقولــك‪.‬‬ ‫صــارت تلــك العبــارة (لزمــة) عــى لســان أرشف‪ ،‬عندمــا‬ ‫أســأله عــن أي يشء ال يعــرف إجابتــه‪ ،‬أو حــن يحــب أن‬ ‫ي)‪.‬‬ ‫(يُغتــت عــ ّ‬ ‫وبصــدق‪ ،‬فالجثــث ال تعــرف أبــدا ً الكــذب‪ ،‬بحثــت عــن‬ ‫املثــل مــن بــاب الفضــول‪ ،‬وليــس للمعرفــة‪ ،‬فوجــدت أنــه‬ ‫قديــم‪ ،‬ولــه قصــة تحــي عــن رجــلٍ اســمه يزيــد‪ ،‬كان‬ ‫بخي ـاً جــدا ً‪ ،‬وعنــده كلبــة‪ ،‬وحــن ألــح عليــه ســائل ذات‬ ‫يــوم‪ ،‬أعطــاه يزيــد رغيف ـاً‪ ،‬فســار الرجــل مــرورا ً‪ ،‬ومعــه‬ ‫الرغيــف‪ ،‬وتبعتــه الكلبــة‪ ،‬ومــا زالــت بــه حتــى أكلــت منــه‬ ‫الرغيــف كلــه‪.‬‬ ‫وبالصــدق املعهــود عــن الجثــث‪ ،‬وجــدت الكلبــة مظلومــة‬ ‫يف الحكايــة‪ ،‬ومــن حــق ورثتهــا أن يطالبــوا بتعويــض كبــر‪،‬‬ ‫عــا حــاق بجدتهــم املســكينة‪ ،‬فمــن تعاســتها أن صاحبهــا‬ ‫يزيــد بخيــاً و( ِجلْــ َدة)‪ ،‬وبالتأكيــد هــي يف حالــة جــو ٍع‬ ‫دائــم‪ ،‬وبديهــي أن تهــرع الكلبــة خلــف الســائل‪ ،‬لعــل‬ ‫وعــى أن ينفطــر فــؤاده لحالهــا‪ ،‬فيعطيهــا مــا أفــاء اللــه‬ ‫عليــه مــن النعــم‪ ،‬وقــد كان‪ ،‬فــا ذنبهــا إذا ً‪ ،‬لــذا أطالــب‬ ‫الســادة ضــاريب األمثــال‪ ،‬أن يتقــوا اللــه‪ ،‬ويراعــوا الدقــة فيــا‬ ‫بعــد‪.‬‬ ‫فاجــأت أرشف مــرة مبعرفتــي بأصــل املثــل‪ ،‬لدرجة أدهشــته‪،‬‬ ‫وأقنعتــه بوجهــة نظــري يف رد اعتبــار الكلبــة املســكينة‪ ،‬وأن‬ ‫يصبــح صديقنــا عــادل (حصــوة)‪( ،‬أبخــل مــن يزيــد)‪ ،‬بــدالً‬ ‫مــن (كلبــة يزيــد)‪.‬‬ ‫وص ـ ّدق عليهــا‪ ،‬واعتمدهــا يف‬ ‫اقتنــع أرشف بوجهــة نظــري‪َ ،‬‬ ‫قاموســه‪ ،‬ليــس محبــة يف‪ ،‬لكنــه كان يعشــق الحيوانــات‪،‬‬ ‫ولديــه يف الفيــا ثــاث عــرة قطــة‪ ،‬تؤنــس وحدتــه بعــد‬ ‫طالقــه مــن ابنــة خالتــه‪ ،‬التــي عقّدتــه مــن صنــف النســاء‪.‬‬ ‫***‬ ‫عــادل (حصــوة) مهنــدس تنفيــذي يف مــروع مــرو ديب‪ ،‬ال‬ ‫أحــد يعــرف منــذ متــى جــاء لإلمــارات‪ ،‬يتكتــم (حصــوة)‬ ‫ر حــريب‪ ،‬أو معلومــة لوجســتية‪ ،‬ال ينبغــي‬ ‫عــى األمــر ك ـ ٍ‬ ‫ألحــد معرفتهــا‪ ،‬فهــو يخــى عيوننــا (التــي تنــدب فيهــا‬ ‫مرتوليــوس)‪.‬‬ ‫يقســم أرشف أنــه تعــرف عــى (حصــوة) منــذ خمســة‬ ‫عــر عامــاً‪ ،‬وقتهــا كان يعمــل يف إحــدى رشكات البــرول‬ ‫بــأيب ظبــي‪ ،‬ثــم اســتقال منهــا ليعمــل يف منطقــة جبــل عــي‬ ‫بــديب‪ ،‬وأخــرا ً يف مــروع إنشــاء مــرو ديب‪.‬‬ ‫يكــره عــادل تلميحــات أرشف عــن ســنوات غربتــه‪ ،‬وحقيقــة‬ ‫ثروتــه‪ ،‬ويغضــب مــن هــذا الحديــث‪ ،‬ويغــادر املــكان فــورا ً‪،‬‬ ‫يظــل بعدهــا لعــدة أيــام ال يظهــر‪ ،‬وال يــرد عــى هاتــف‪،‬‬ ‫ثــم يعطــي أرشف ( ِم ْســد كــول)‪ ،‬كإشــارة عــى التصالــح‪،‬‬

‫وأنــه عــى اســتعدا ٍد للتعطــف والتكــرم والتنــازل بتلقــي جيبــه دراهــم معدنيــة تشــخلل‪ ،‬وأعطاهــا ألرشف متباهياً‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأحــد أبــدا ً‪ ،‬لدرجــة أن ‪ -‬معي خردة‪.‬‬ ‫اتصاالتنــا‪ ،‬فـ(حصــوة) ال يتصــل‬ ‫ثم التفت بطرف عينه ناحية سوديش‪ ،‬وغمز له‪.‬‬ ‫شــلبي أبــو ال ُع ّريــف علــق عــى األمــر‪:‬‬ ‫ موبايل عادل‪ ،‬استقبال بس‪.‬‬‫وألن (القافيــة) تحكــم‪ ،‬قلــت مســتظرفاً‪ ،‬فالجثــث تتمتــع * * *‬ ‫وحممــان‪ ،‬أهــم مــا فيها‬ ‫أيض ـاً بحــس ال ُدعابــة‪:‬‬ ‫فيــا أرشف خمــس غــرف‪ ،‬ومطبــخ‪ّ ،‬‬ ‫هــو الفنــاء الــذي يحيــط بهــا‪ ،‬ونجلــس فيــه لي ـاً‪ ،‬نتســامر‬ ‫ قصدك استهبال بس‪.‬‬‫عــادة مــا يغضــب (حصــوة) مــن املــزاح حــول بخلــه‪ ،‬أو نلعــب الطاولــة‪ ،‬واألهــم (نش ـيّش)‪ ،‬ال توجــد يف مقاهــي‬ ‫ويعتــره ثقيـاً‪ ،‬ســمجاً‪ ،‬ويلجــأ دامئـاً لحيلــة دفاعيــة نفســية الشــارقة نرجيــات‪ ،‬ومــن يرغــب عليــه الت ّوجــه لعجــان أو‬ ‫قدميــة؛ وهــي التربيــر‪ ،‬فكــرة اســتخدام الهواتــف املحمولــة ديب‪.‬‬ ‫عــال عــى بطّــال)‪ ،‬تســبب وتغلّــب أرشف عــى تلــك املشــكلة العويصــة‪ ،‬بــراء‬ ‫عــى حــد قولــه‪( ،‬يف الرغــي ّ‬ ‫وقســمها لنوعـ ْـن‪،‬‬ ‫معســل‪ّ ،‬‬ ‫رسطــان املــخ و(العيــاذ باللــه)‪ ،‬حســب آخــر الدراســات نرجيــات مــن مــر‪ ،‬وأحجــار ّ‬ ‫العلميــة التــي قرأهــا‪ ،‬ناهيــك عــن إصابتــه بالتهــاب يف األذن األوىل لتعاطــي ِم َعســل التفــاح (للخرونجــات) واملبتدئــن‪،‬‬ ‫ـص (عبــد الغنــي) للمحرتفــن والحشّ اشــن‪،‬‬ ‫الوســطى‪ ،‬مــا يجعلهــا تفــرز شــمعاً‪ ،‬يجعلهــا تنســد‪ ،‬وال والثــاين معســل قـ ّ‬ ‫يســمع بهــا جيــدا ً‪ ،‬خاصــة عنــد طلــب الدفــع أو املحاســبة‪ ،‬واحتفــظ أرشف لخاصــة الخاصــة مبعســل (عــن العفريــت)‪،‬‬ ‫تلــك األمــور تحفــز الغــدة الشــمعية‪ ،‬بفــرز الســائل البنــي وهــو نوعــه املفضّ ــل‪ ،‬صنعــه بنفســه‪ ،‬ال أدري كيــف؟‪ ،‬لكنــه‬ ‫حامــي جــدا ً (يُشَ ـ ْعوِط) الصــدر‪ ،‬ويجعــل العينـ ْـن حمراويْن‪،‬‬ ‫يف أذن حصــوة‪ ،‬فــا يــرد عــى أحــد‪.‬‬ ‫ال يســتطيع عــادل أن يبقــى بعيــدا ً عــن (شــلتنا) ألكــر مــن كعــن العفريــت‪.‬‬ ‫ثالثــة أيــام‪ ،‬ليــس مــن بــاب (ال يحــل ملســلم أن يهجــر أخــاه يســمح أرشف للقاطنــن يف الفيــا بفعــل أي يشء مــا عــدا‬ ‫شــيئي‪ :‬النســوان والخمــور‪ ،‬فــا داعــي أن تحــاول‪ ،‬ألن‬ ‫فــوق ثــاث)‪ ،‬أبــدا ً‪ ..‬فهــو مثــي (ال يركعهــا)‪ ،‬ولكــن مــن‬ ‫ْ‬ ‫ســوديش يبلــغ أرشف بتقاريــر يوميــة دقيقــة عـ ّـا يحــدث‬ ‫بــاب ترشــيد النفقــات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فـ(حصــوة) معنــا ال يدفــع درهــا واحــدا ً‪ ،‬يــأكل وكأنــه يف غيابــه‪.‬‬ ‫(يف آخــر زاده)‪ ،‬ويــرب بــا رحمــة‪ ،‬وكنــا غالبــاً نشــرك تجــرأ مانجســتو وفعلهــا‪ ،‬رمبــا غــاب عقلــه لوهلــة‪ ،‬مــا‬ ‫يف الحســاب‪ ،‬مــا عــدا (حصــوة)‪ ،‬يخــرج مــن جيبــه ورقــة دفعــه الرتــكاب تلــك الحامقــة‪ ،‬أحــر امــرأة فليبنيــة‬ ‫حمـراء بألــف درهــم‪ ،‬يقدمهــا ويؤخرهــا يف ارتعــاش‪ ،‬يُذكّرين تعــ ّرف عليهــا يف أحــد (املــوالت)‪ ،‬كانــت تقطــن كعــادة‬ ‫بالقرابــن اآلدميــة الحيــة‪ ،‬التــي يذبحهــا الكهنــة لآللهــة يف الفلبنيــن مــع عــرة مــن بنــي جلدتهــا (رجــاالً ونســاء) يف‬ ‫شــقة واحــدة‪ُ ،‬مك ّونــة مــن حجرتـ ْـن‪ ،‬فتعـذّر أمــر اصطحابــه‬ ‫معابــد الرومــان القدميــة‪.‬‬ ‫وطبعـاً‪ ،‬يرفــض ســوديش‪ ،‬الفتــى الهنــدي الــذي يخدمنــا يف معهــا لســكنها‪ ،‬فكـ ّر مانجســتو قليـاً وكاد أن يتجــاوز األمــر‬ ‫بعقالنيــة‪ ،‬لكــن تأثــر حبــة الســنايف قــد أتــت مفعولهــا‪،‬‬ ‫الفيــا أخذهــا منــه‪ ،‬قائـاً‪:‬‬ ‫(مــن)‪ ،‬يف الصــور‬ ‫ ما يف خردة‪.‬‬‫ومانجســتو حــن يهيــج‪ ،‬يشــبه اإللــه ِ ْ‬ ‫فيتطـ ّوع أرشف كل مــرة بالدفــع لـ(حصــوة)‪ ،‬الــذي ال يســدد القدميــة عــى الجــدران‪ ،‬يظهــر حام ـاً قضيبــه عــى كتفــه‪،‬‬ ‫كســا ٍح مــاض‪.‬‬ ‫أبــدا ً مــا عليــه مــن الديــون‪.‬‬ ‫مل ينتبــه أحــد منــا لبخــل (حصــوة)‪ ،‬وال الجثــث أيضـاً تلتفت تفتــق ذهــن مانجســتو عــن حيلــة بارعــة‪ ،‬ابتســم يف رضــا‬ ‫ملثــل تلــك الصغائــر‪ ،‬يف بدايــة األمــر كنــا نعتربهــا صدفــة وانتشــاء‪ ،‬فــاق هالوســه الجنســية‪ ،‬اشــرى تريننــج ســيوت‬ ‫محرجــة‪ ،‬تتكــرر مــع صاحبهــا لحظــه العاثــر‪ ،‬لكــن ســوديش واســعاً‪ ،‬وأمــر جيــان (وهــذا اســمها) أن ترتديــه‪ ،‬فبــدت مــع‬ ‫كان أول مــن الحــظ األمــر‪ ،‬بعــد أكلــة ســمك معتــرة‪ ،‬أخربنــا حذائهــا الريــايض كفتــى مراهــق عائــد ت ـ ّوا ً مــن (الجيــم)‪،‬‬ ‫أرشف أن الحســاب مائتــي درهــم‪ ،‬كنــا عــرة أشــخاص‪ ،‬فَ ّكــر مانجســتو يف كيفيــة تجــاوز ســوديش‪ ،‬أمــر جيــان بــأن‬ ‫مبــا يعنــي أن نصيــب كل فــرد عــرون درهــاً‪ ،‬دفعناهــا تنــام يف د ّواســة الســيارة‪ ،‬ثــم ركــن بجــوار البوابــة‪ ،‬وهــو‬ ‫بــكل محبــة ورضــا‪ ،‬وجــاء الــدور عــى (حصــوة)‪ ،‬تلــكأ قليـاً يضغــط عــى آلــة التنبيــه‪ ،‬خــرج ســوديش مرسعـاً‪ ،‬فأعطــاه‬ ‫بحجــة أنــه يريــد غســل يديــه جيــدا ً‪ ،‬ليتخلــص مــن رائحــة مانجســتو مائــة درهــم‪ ،‬وأمــره أن يحــر طبــق شــاورمة‬ ‫الســمك‪ ،‬ثــم أخــرج مــن حافظتــه ورقــة حمــراء جديــدة باللحــم‪ ،‬وفاكـــهة‪ ،‬ولــر ميــاه غازيــة‪ ،‬مل يرتبــك مانجســتو‪،‬‬ ‫مــن فئــة األلــف درهــم‪ ،‬وأبرزهــا مــن بعيــد لســوديش‪ ،‬زفــر وازدادت نشــوته مــن اكتشــافه الفجــايئ لتلــك القــدرات‬ ‫بداخلــه‪ ،‬وبعــد أن تأكــد مــن انطــاء الحيلــة عــى ســوديش‪،‬‬ ‫الفتــى يف ضيــق‪ ،‬وخرجــت (الظربونــة) الهنديــة‪:‬‬ ‫ كل مــرة ســيم ســيم‪ ..‬خ َ َّبتــك مــا يف خــردة‪ ،‬أنــت َريّــال أمــر جيــان أن تخــرج مــن الد ّواســة‪ ،‬فأطلّــت برأســها‪،‬‬‫فضحــك مانجســتو‪ ،‬وهــو يغنــي قائ ـاً‪:‬‬ ‫مــو ســيدا أبــدا ً‪.‬‬ ‫كانــت مفاجــأة لنــا‪ ،‬رغــم أن الجثــث غالبــاً تتخــى عــن ‪ -‬الدار أمان يا جميل‪.‬‬ ‫االندهــاش‪ ،‬رمبــا ألن ســوديش يتمتــع بهــدوء يقــرب مــن وملــا أيقــن أنهــا ال تفهــم كلمــة مــا قالــه‪ ،‬أخربهــا‬ ‫حافــة الــرود‪ ،‬يبتســم دامئــاً يف وجهــك‪ ،‬ويلقــاك محييــاً‪ :‬باإلنجليزيــة‪:‬‬ ‫ هوم إز سافتي ناو‪.‬‬‫ مرحباً‪ ..‬كيفك؟‬‫كانــت تلــك هــي املــرة األوىل التــي ترتســم عــى وجهــه فردت جيان بدالل‪:‬‬ ‫ أوه بابو‪.‬‬‫عالمــات العبــوس‪.‬‬ ‫انتابتنــا حالــة مــن الضحــك الهســتريي‪ ،‬خاصــة ملــا أراد عادل مــر وقــت طويــل مانجســتو وجيــان يف الغرفــة‪ ،‬ميارســان‬ ‫أن يبطــش بســوديش‪ ،‬ويؤدبــه عــى مــا قــال‪ ،‬فانفلــت منــه كل طقــوس الجســد‪ ،‬حــاول أن يتحكــم كاميســرو يف إيقــاع‬ ‫الصــوت‪ ،‬لكــن الحامســة أخذتــه‪ ،‬فخرجــت أصــوات مختلفــة‬ ‫برشــاقة‪ ،‬وهــو يربطــم بعربيــة ركيكــة‪:‬‬ ‫(كريشــندو) و(صولــو) يف (كونشــرتو) شــهواين عجيــب‪،‬‬ ‫ مخ خراب‪ ..‬مسخرة‪ ،‬مو سيدا‪.‬‬‫كانــت لحظــة مدهشــة‪ ،‬حــن تكتشــف شــيئاً مــا ألول مــرة‪ ،‬كانــت جيــان مبالمحهــا الغلامنيــة مثــرة حتــى للجثــث‪،‬‬ ‫مــاءت امللعونــة‪ ،‬وتل ـ ّوت ثــم خمشــت ظهــره مــن اللــذة‪،‬‬ ‫يكــون أمامــك وال تـراه بوضــوح‪ ،‬لتقــرر حقيقــة‪:‬‬ ‫متنــى أن يحتفــظ باللحظــة‪ ،‬أن يظــل وجيــان عــى الرسيــر‬ ‫ املهندس عادل بخيل جدا ً‪.‬‬‫أمــا (حصــوة) فقــد س ـ ّجلها عليــه أرشف‪ ،‬بالتعبــر البالغــي إىل األبــد‪.‬‬ ‫القديــم؛ كنايــة عــن شــدة البخــل‪ ،‬والتقتــر لدرجــة جفــاف فتــح مانجســتو بــاب غرفتــه قاصــدا ً الحـ ّـام‪ ،‬بينــا جيــان‬ ‫ممــدة عــى الرسيــر‪ ،‬مل يكــن يحتــاج إىل ارتــداء مالبســه‪،‬‬ ‫اليــد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غضــب (حصــوة) لعــدة أيــام‪ ،‬ثــم عــاد مــرة أخــرى متناســيا تعــ ّود دامئــا أن يلــف جســده بفوطــة أو بشــكري‪ ،‬بينــا‬ ‫مــا حــدث‪ ،‬وأصبــح ال يتعامــل مطلقـاً مــع ســوديش‪ ،‬وصــار نصفــه األعــى عاري ـاً متام ـاً وقبــل أن يخطــو ثــاين خطواتــه‬ ‫أرشف هــو حلقــة الوصــل فيــا يتعلــق باملعامــات املاديــة للخــارج‪ ،‬فوجــئ بــأرشف واقفـاً أمامــه وعــى رأســه األصلــع‬ ‫للســيد (حصــوة) واخــرع أرشف لــه (لزمــة) طريفــة‪ ،‬يف كل الضخــم قرنـ ْـن ُمثبتـ ْـن ب ِعصاب ـ ٍة ســوداء مــن القــاش‪ ،‬ويف‬ ‫يديــه مناديــل كلينكــس ورقيــة‪.‬‬ ‫مــرة عنــد الحســاب‪ ،‬يســأله متخابثـاً‪:‬‬ ‫ معاك فَكّة‪ ،‬واال أبونيه‪.‬‬‫ضحكنــا جميع ـاً مــن مغــزى كلمــة (أبونيــه)‪ ،‬يف إشــارة إىل * * *‬ ‫األلــف درهــم الحم ـراء‪ ،‬التــي يخرجهــا (حصــوة) كل مــرة مل أتــرك املوضــوع ميــر حتــى أعــرف تفاصيلــه‪ ،‬فالجثــث‬ ‫تتمتــع بفضــول قاتــل‪ ،‬ســألت ســوديش فأجابنــي‪:‬‬ ‫فتعفيــه مــن الدفــع‪.‬‬ ‫ابتســم (حصــوة) للـ(إفيــه) ومل يغضــب كعادتــه‪ ،‬وأخــرج من ‪ -‬مانجستو ملعون‪ ..‬ديل نجس‪.‬‬

‫هشام علوان‬ ‫أرص أرشف عىل أن يغادر مانجستو الفيال فورا ً‪ ،‬وأقسم‪:‬‬ ‫ والله ما هو بايت فيها‪.‬‬‫رغــم وســاطتي‪ ،‬وتدخــات أبــو العريــف‪ ،‬حتــى (حصــوة)‬ ‫يف مفاجــأة نــادرة‪ ،‬عندمــا علــم باملوضــوع‪ ،‬كان يف الــدوام‪،‬‬ ‫أرســل رســالة ألرشف عــى املحمــول‪ ،‬يرجــوه فيهــا أن يعطــي‬ ‫مانجســتو فرصــة أخــرى‪ ،‬لكنــه رفــض بشــدة‪ ،‬وصمــم يف‬ ‫عنــا ٍد غريــب عــى طــرد مانجســتو مــن الفيــا‪.‬‬ ‫ال أحــد يعــرف عــن مانجســتو أكــر مــن أرشف‪ ،‬فهــو أقــدم‬ ‫منــا بكثــر يف الفيــا‪ ،‬ســنوات طويلــة قضاهــا يف اإلمــارات‪،‬‬ ‫ضاعــت كلهــا عــى أفخــاذ النســاء‪ ،‬مل يــرك جنســية إال‬ ‫و(ركبهــا)‪ ،‬يتباهــى مانجســتو بهــذا‪ ،‬وال يجــد أي حــرج يف‬ ‫الحــي عــن تفاصيــل مغامراتــه مــع عاهــرات ديب‪ ،‬ويعــد‬ ‫نفســه خبـرا ً يف السكســيولوجي‪ ،‬يعــرف مناطــق اللبيــدو يف‬ ‫جســم كل امــرأة‪ ،‬وكيــف يصــل بهــا لألورجــازم‪ ،‬وينســب‬ ‫لنفســه اكتشــاف النقطــة جــي‪.‬‬ ‫ال يتحــدث مانجســتو كثـرا ً عــن نفســه‪ ،‬وتع ّودنــا أال نســأل‪،‬‬ ‫نكتفــي بفضفضــات ليليــة حــن يأخذنــا األرق‪ ،‬نرتــاح عندمــا‬ ‫نتحــدث‪ ،‬ننفــض مخاوفنــا‪ ،‬أو نكتمهــا بداخلنــا فتفضحهــا‬ ‫عيوننــا بالدمــوع مــر ًة أو مرتـ ْـن ضبطــت مانجســتو تحــت‬ ‫ٍ‬ ‫بصــوت‬ ‫شــجرة الــرو يف حديقــة الفيــا‪ ،‬كان يبــي‬ ‫مســموع‪ ،‬حــاول أن يخفــي األمــر لكنــه مل يســتطع‪ ،‬وعندمــا‬ ‫ســألته منزعج ـاً عــن الســبب‪ ،‬أجابنــي بأنــه يفتقــد ميــدو‬ ‫ابنــه‪ ،‬ثــم قــام مرسع ـاً إىل غرفتــه‪.‬‬ ‫كنــا نعيــش يف حيــاد تــام‪ ،‬عالقاتنــا بهــا اح ـرام دبلومــايس‪،‬‬ ‫ال أحــد يســمع أحــد أو ينتبــه ألحــد‪ ،‬تحتــاج أحيانــاً ملــن‬ ‫تحدثــه فــا تجــد‪ ،‬كنــت أكلــم نفــي كثــرا ً‪ ،‬مــرات كان‬ ‫صــويت يعلــو فينزعــج ج ـراين‪ ،‬يحدثوننــي يف الصبــاح أننــي‬ ‫أتحــدث بصــوت عــال وأنــا نائــم‪.‬‬ ‫مل أكــن نامئــاً أبــدا ً‪ ،‬مل أعــرف النــوم الطبيعــي لســنوات‬ ‫وشــهور‪ ،‬أقــوم كل صبــاح مكتحلــة عينــي باحمـرا ٍر غريــب‪،‬‬ ‫وصــداع مســتمر ال تنفــع معــه القهــوة العربيــة أو حتــى‬ ‫الرتكيــة‪.‬‬ ‫ألول مــرة يحدثنــي مانجســتو عــن ابنــه‪ ،‬مل أســأله بعدهــا‪،‬‬ ‫لكنــه ارتــاح يل‪ ،‬صــار مانجســتو يبــوح يل ببعــض أرساره‪،‬‬ ‫حــى يل عــن منتهــى أجمــل بنــات قريتــه‪ ،‬ومل يخجــل أن‬ ‫يصفهــا يل بــكل دقــة‪ ،‬لدرجــة أثــارت رغبتــي‪ ،‬وشــعرت بإثــمٍ‬ ‫يحــوك يف صــدري‪ ،‬خاصــة أننــي حلمــت بـــمنتهى يف تلــك‬ ‫الليلــة‪ ،‬وقمــت محتل ـاً‪.‬‬ ‫ســنوات طويلــة مل أقــرب امــرأة‪ ،‬رمبــا تجتاحنــي بعــض‬ ‫الذكريــات عــن فتــاة أحببتهــا يف أول ريعــان الشــباب‪ ،‬ثــم‬ ‫وأدت هــذا الحــب يف بــر عميــق‪ ،‬تع ّرفــت خــال الجامعــة‬ ‫عــى كثــر مــن الفتيــات‪ ،‬لكننــي كنــت أقنــن مشــاعري‪ ،‬وال‬ ‫أســمح ألي عالقــة أن تأخــذ مجراهــا الطبيعــي‪ ،‬ثــم تعرفــت‬ ‫عــى مطلقــات وأرامــل‪ ،‬وســيدات كانــت عالقتنــا يف حــدود‬ ‫الرغبــة فقــط‪ ،‬وقضــاء وقــت جميــل يف الرسيــر‪ ،‬بعدهــا رمبــا‬ ‫ال نتقابــل ثانيــة‪ ،‬باســتثناء أم زيــزو التــي ظللــت عــى عالقــة‬ ‫بهــا لوقــت ليــس بالقصــر‪ ،‬حتــى ســافرت وراح زمانهــا‪،‬‬ ‫وجــاءت مــن بعدهــا بنــات‪ ،‬تشــبه ســيقانهن الســـجائر‬ ‫(الفــرط) يرتديــن (البوديهــات) ويشــبهن (امليداليــات)‬ ‫كأنهــن (تقــاوي ســتات)‪ ،‬عــى رأي أحــد األصدقــاء (لــو‬ ‫الواحــد اتكــرع) يف وجــه إحداهــن لظفــرت بالشــهادة‪.‬‬ ‫ذكّــرين مانجســتو يف حديثــه عــن منتهــى‪ ،‬بـ(صبحية قـ ّدورة)‬ ‫فتــاة لعــوب‪ ،‬تحمــل ذكريــات طفولتــي قصصــاً شــائقة‬ ‫عنهــا‪ ،‬تقــوم صبحيــة‪ ،‬بحمــل (الزلعــة) عــى (حوايــة) قامش‬ ‫فــوق رأســها‪ ،‬متيلهــا يف (أنزحــة) ال تليــق بأبيهــا الخفــر‪ ،‬وال‬ ‫بأمهــا ســنية (الج ّرانــة)‪ ،‬وتتعمــد إســقاط كثــر مــن املــاء‬ ‫عــى صدرهــا‪ ،‬وهــي متــأ جرتهــا مــن (مرشــح امليــاه) فيــرز‬ ‫التصــاق القــاش املبلــول لجلبابهــا (الكســتور) كنــوزا ً تجعلنا‬ ‫نشــهق‪ ،‬تتعمــد إمســاك طــرف الجلبــاب بيدهــا‪ ،‬لتظهــر‬ ‫مرمــر الســيقان يف حيلــة بارعــة‪ ،‬كانــت صبحيــة قــ ّدورة‬ ‫حديقــة مرتعــة بفاكهــة اللــه‪ ،‬لكنهــا محرمــة مل يتمكــن منهــا‬ ‫أحــد‪ ،‬ومل يســتطع حتــى ســمري ابــن العمــدة (بجاللــة قدره)‬ ‫أن يلمــس طــرف جلبابهــا الفقــر‪ ،‬كانــت لديهــا قــدرة رائعــة‬ ‫عــى صــد أي محاولــة غــر رشيفــة تفكــر‪ ،‬يف مجــرد النيــل‬ ‫مــن مثارهــا‪ ،‬تنــزل طــرف الجلبــاب برسعــة‪ ،‬وتــرخ بجديــة‪،‬‬ ‫محــذرة‪ :‬عيــب‪ ..‬ح ـرام‪ ..‬ح أقــول ألبــوك‪.‬‬ ‫كانــت تلــك العبــارات كفيلــة بــردع أي (ســبع برمبــة) يفكــر‬ ‫خيالــه اآلثــم أن ينــال منهــا‪.‬‬ ‫ح ّدثنــي مانجســتو عــن قصــة حبــه‪ ،‬وكيــف حــارب ليظفــر‬ ‫مبحبوبتــه منتهــى‪ ،‬وبعــد عــامٍ جــاء ميــدو ليمــأ عليهــا‬ ‫البيــت فرح ـاً وســعادة‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫خطاب شكر للرواد اخلمسة‬ ‫شريف صالح‬

‫طرقت الباب مل يرد أحد‪.‬‬ ‫وجدتــه مواربــاً فدخلــت بهــدوء وســمعت‬ ‫أصواتهــم تــأيت مــن ناحيــة الصالــة الرئيســية‪ .‬كان‬ ‫البيــت مكونــاً مــن طابقــن عــى طــراز عــريب‬ ‫ومزدحــم بأثــاث ضخــم‪ ،‬ورائحــة عتيقــة‪ .‬تشــبه‬ ‫رائحــة خمــرة الخبــز‪.‬‬ ‫كان الخمســة يف انتظــاري‪ .‬ال يقــل فــارق الســن‬ ‫بينــي وبــن أصغرهــم عــن ثالثــن عام ـاً‪ .‬خمســة‬ ‫مذيعــن مخرضمــن‪ ،‬جميعهــم عــى املعــاش اآلن‪.‬‬ ‫بعدمــا تناولنــا غداءنــا‪ ،‬صينيــة ســمك يف الفــرن‪،‬‬ ‫بصلصــة الطامطــم والبصــل وأرز صياديــة‪ ،‬جلســنا‬ ‫يف ركــن مجــاور ملائــدة الســفرة نــرب الشــاي‬ ‫والقهــوة‪.‬‬ ‫أخــرج زميلهــم القصــر البديــن ورقــة بيضــاء وقلــم‬ ‫حــر‪ ،‬ثــم رفــع نظــارة الق ـراءة املعلقــة بسلســلة‬ ‫ذهبيــة يف رقبتــه‪ ،‬وضبطهــا عــى عينيــه وبــدأ يف‬ ‫تدويــن مالحظــات‪.‬‬ ‫كانــوا متفقــن عــى كتابــة خطــاب شــكر باســمهم‬ ‫جميعــاً‪ ،‬مبناســبة تكرميهــم يف اليوبيــل الذهبــي‬ ‫لتأســيس التلفزيــون‪.‬‬ ‫نظــر صاحــب الســالفني الطويلــن نحــوي نظــرة‬ ‫مواربــة وكان هــو مــن دعــاين إىل هــذا اللقــاء‪ ..‬قال‬ ‫إنــه يريــدين يف أمــر بالــغ األهميــة وعزمنــي عــى‬ ‫أكلــة الســمك الشــهية هــذه‪ .‬وكنــت اســتغربت‬ ‫اتصالــه ألننــا مل نتواصــل منــذ خروجــه عــى‬ ‫املعــاش قبــل خمــس أو ســت ســنوات‪.‬‬ ‫فجــأة قهقــه ضاحــكاً وحمــد اللــه ألن صاحبهــم‬ ‫«عبــد العزيــز» مــات الخميــس املــايض‪ ،‬ولــو كان‬ ‫حيــاً لــن يســمح ألحــد غــره بقــراءة خطــاب‬ ‫الشــكر! بــدوا جميعــاً ممتنــن مثلــه لوفــاة‬ ‫صاحبهــم «عبــد العزيــز» قبــل أيــام قليلــة مــن‬ ‫حفــل التكريــم‪.‬‬ ‫اقــرح زميلهــم األصلــع‪ ،‬وهــو نفســه املضيــف‬ ‫وصاحــب البيــت‪ ،‬توجيــه الشــكر للملــك غــازي‬ ‫الــذي ســبق عــره وأســس التلفزيــون‪ ،‬لكــن‬ ‫زميلهــم البديــن املنهمــك يف تدويــن األفــكار‬ ‫الرئيســية للخطــاب اعــرض ألن امللــك الحــايل ال‬ ‫يطيــق ســرة جــده أساس ـاً وال يجــب أن ننــى أن‬ ‫الحفــل ســيكون بحضــوره وتحــت رعايتــه‪.‬‬ ‫أيضــاً كان هنــاك اقــراح مــن زميلهــم الرابــع‬ ‫الكفيــف والــذي يرتــدي نظــارة ســوداء‪ ،‬بــرورة‬ ‫ذكــر أســاء مجموعــة أخــرى مــن الزمــاء‬ ‫املؤسســن فارقــوا الحيــاة يف الســنوات العــر‬ ‫األخــرة منهــم عبــد العزيــز‪.‬‬ ‫اق ـراح ذكــر الزمــاء األمــوات كان مثــار ســخرية‬ ‫مــن معظمهــم ألن الخطــاب بهــذا الشــكل‬ ‫ســيبدو مرثيــة كئيبــة ال تناســب أجــواء االحتفــال‪،‬‬

‫وقــد يتضايــق منــه امللــك فينــرف قبــل موعــد‬ ‫التكريــم‪ ..‬إضافــة إىل أن مثــل هــذا النــوع مــن‬ ‫املــرايث العشــوائية تتســاوى فيــه رؤوس النبــاء‬ ‫بالحقــراء!‬ ‫قــال املضيــف األصلــع‪ :‬تخيلــوا‪ ..‬نســتذكر املرحــوم‬ ‫فــان‪ ..‬وفضــل املرحــوم فــان‪ ..‬ونديــن جميعــاً‬ ‫الق ـراح املرحــوم عــان‪ ..‬معقــول!‬ ‫ضجــوا بالضحــك يف اللحظــة التــي جــاءت فيهــا‬ ‫الخادمــة الســمراء بصينيــة الحلــوى‪ .‬كانــوا‬ ‫يختلســون النظــر إىل ثدييهــا املكوريــن‪ ..‬يــكادان‬ ‫يقفــزان مــن فتحــة فســتانها كلــا انحنــت‬ ‫ووضعــت طبــق الحلــوى أمــام أحدهــم‪ ..‬وضعــت‬ ‫أطبــاق الحلــوى ثــم عــادت ودارت عليهــم بأكواب‬ ‫الشــاي‪.‬‬ ‫ومــن وراء الجميــع مــرت عجــوز أجنبيــة‪ ،‬خمنــت‬ ‫بســبب طولهــا الفــارع أنهــا ســويدية‪ .‬مجــرد‬ ‫تخمــن ال دليــل عليــه! عــى األرجــح هــي زوجــة‬ ‫املضيــف‪ ،‬الــذي يبــدو أكــر الحارضيــن ســناً‪ .‬وإن‬ ‫كان تخمــن أعــار هــؤالء العجائــز أمــر خــادع‬ ‫جــدا ً‪.‬‬ ‫مــن بعيــد‪ ،‬ابتســمت لنــا العجــوز الســويدية‬ ‫بامتنــان واطأمنــت بعينيهــا عــى ترتيبــات‬ ‫الضيافــة‪ .‬ثــم عــرت الصالــة إىل مــكان مــا يف‬ ‫الخلــف‪ .‬خمنــت أنهــا ســتذهب لالســرخاء تحــت‬ ‫الشــمس يف الحديقــة وتقــرأ مجلــة نســائية أو‬ ‫تنشــغل بتقليــم أظافــر رجليهــا‪.‬‬ ‫أصغــر الخمســة ـ حســب تخمينــايت ـ كان أســمر‬ ‫املالمــح ظــل صامت ـاً معظــم الوقــت‪ .‬بــدا وجهــه‬ ‫ضامــرا ً بقســوة‪ ،‬كأنــه يعــاين مــن مــرض فتــاك‪.‬‬ ‫أخ ـرا ً تكلــم واقــرح عليهــم قبــل كتابــة خطــاب‬ ‫الشــكر أن يقــرأوا أوالً كتــاب «الفتنــة الكــرى»‬ ‫لطــه حســن‪ ،‬و»ملــاذا أنــا ملحــد؟» إلســاعيل‬ ‫أدهــم وكتابــن آخريــن ال أتذكرهــا اآلن‪.‬‬ ‫كل مــا أتذكــره‪ ،‬أنهــا كلهــا كتــب قدميــة مــر‬ ‫عــى صدورهــا أكــر مــن ســتني أو ســبعني ســنة‪.‬‬ ‫رشح لهــم أن قــراءة هــذه الكتــب أفضــل عــاج‬ ‫للبواســر والقضــاء عــى الرصاصــر التــي انتــرت‬ ‫هــذه األيــام يف الشــوارع والصحــف والقنــوات‬ ‫والتلفزيونيــة‪ .‬ثــم شــد جســده بعصبيــة كأنــه‬ ‫يخطــب فيهــم وقــال‪ :‬أقســم لكــم أن قــراءة‬ ‫«قلــب الليــل» أفضــل مــن الجلــوس يف الكــريس‬ ‫يف قاعــة الترشيفــات خمــس ســاعات يف انتظــار‬ ‫وصــول امللــك‪ ،‬يك يتعطــف علينــا بــدرع زجاجــي‬ ‫وهــو بالــكاد ينظــر إلينــا‪.‬‬ ‫هنــا رفــع البديــن رأســه وتوقــف عــن تدويــن‬ ‫املالحظــات وقــال ســاخرا ً‪ :‬فعـاً‪ ..‬ال تنســوا‪ ..‬األمــن‬ ‫الوطنــي لــن يســمح ألحــد بالذهــاب إىل الحــام‬

‫قبــل أن يغــادر امللــك!‬ ‫صاحــب الســالفني الطويلــن قــال دون أن يتخــى‬ ‫عــن نربتــه الســاخرة‪ :‬خمــس ســاعات؟! يخــرب‬ ‫بيــت شــيطانك! ولــو الربوســتاتا انفجــرت!‬ ‫قهقهــوا‪ ..‬وعــاد العجــوز األســمر للــكالم منفع ـاً‪:‬‬ ‫مــن قــال إننــا نســتحق التكريم أيهــا الســادة؟ ماذا‬ ‫فعلنــا للبلــد؟! هــه‪ ..‬أخــروين! مــاذا فعلنــا؟ هــل‬ ‫فعلنــا أكــر مــا يفعلــه أي قــواد يــؤدي عملــه؟‬ ‫انظــروا إىل أحوالنــا‪ ..‬امللــك الحفيــد أســوأ مــن‬ ‫امللــك الجــد! والنــاس اآلن أســوأ مــن النــاس زمان‪..‬‬ ‫والشــوارع أســوأ مــن الشــوارع أيــام االحتــال‪ ..‬لــو‬ ‫كنــا نجحنــا يف إقنــاع النــاس بــأي فكــرة ألصبــح‬ ‫مــن حقنــا التكريــم‪ ..‬انظــروا حولكــم‪ ..‬كل الــدول‬ ‫اآلن مهووســة بالدجــل والشــعوذة‪ ..‬أمريــكا‬ ‫ال تختلــف عــن زامبيــا‪ ..‬وأنظمــة قاتلــة ال أكــر‬ ‫وال أقــل‪ .‬هــل تعتــرون أنفســكم ســاهمتم حق ـاً‬ ‫يف بنــاء دولــة ســعيدة؟ هــل تعرفــون الخرســانة‬ ‫املطلوبــة للدولــة الســعيدة؟‬ ‫ثــم ســكت فجــأة‪ .‬كان مــن الواضــح أنــه مل يكمــل‬ ‫فكرتــه لكــن خيــط الــكالم انقطــع منــه‪.‬‬ ‫ابتســم املضيــف ابتســامة خفيفــة‪ .‬مســح صلعتــه‬ ‫وقــال‪ :‬أعــوذ باللــه مــن أفــكارك يــا شــيخ‪ ..‬أنــت‬ ‫كــا أنــت‪ ..‬شــيوعي ولــن تتغــر! تخيلــوا لــو‬ ‫الجلســة كلهــا كانــت مراقبــة؟!‬ ‫صاحــب الســالفني الطويلــن نبــه زميلهــم البديــن‬ ‫الــذي يــدون قائــاً‪ :‬هــذا الهــراء كلــه خــارج‬ ‫املضبطــة‪ .‬اعتــره كالم «تحــت الهــوا»‪ .‬ثــم أخــرج‬ ‫مــن جيبــه قــادة ذهبيــة تشــبه «الســبحة» وقــال‪:‬‬ ‫انظــروا‪ ..‬هــذه القــادة أهداهــا هــارون الرشــيد‬ ‫لجاريتــه زمــردة‪ ..‬وزمــردة أهدتهــا لعشــيقها‬ ‫الــري‪ ،‬جــدي األول‪ ..‬مــن أكــر مــن ألــف ســنة‬ ‫ونحــن نتوارثهــا يف العائلــة لكــن املشــكلة أننــا‬ ‫اختلفنــا هــل نســميها قــادة هــارون الرشــيد أم‬ ‫نســميها قــادة زمــردة؟!‬ ‫تركتهــم يتحسســون فصــوص القــادة بأصابعهــم‪،‬‬ ‫ونهضــت لجلــب املزيــد مــن الحلــوى والفاكهــة‬ ‫يف طبقــي‪ ،‬وبعدمــا انتهيــت مــن األكل ابتســمت‬ ‫شــاكرا ً لهــم دعــويت عــى الغــداء‪ .‬وقفــوا بتثاقــل‬ ‫وأحاطــوا يب عــدا العجــوز األســمر والكفيــف‪.‬‬ ‫بــدأت يف مصافحتهــم وأنــا أردد عبــارات مجاملــة‪:‬‬ ‫«أنتــم أســاتذتنا الكبــار‪ ..‬أنتــم الــرواد وحملــة‬ ‫مشــاعل التنويــر‪ ..‬نحــن نتعلــم منكــم‪ »..‬إىل آخــر‬ ‫هــذا اله ـراء‪ ،‬وقبــل أن أصــل إىل البــاب الخارجــي‬ ‫نــاداين زميلهــم البديــن فوقفــت يف مــكاين‪ .‬نهــض‬ ‫ورايئ وعنــد البــاب ســلمني الورقــة التــي كتــب‬ ‫فيهــا الخطــاب بخــط منمــق وقــال يل إنهــم اتفقــوا‬ ‫منعــاً ألي حساســية تتعلــق باألقدميــة أن ألقــي‬ ‫خطــاب الشــكر نيابــة عنهــم جميع ـاً‪.‬‬ ‫وملــا جــاء موعــد حفــل التكريــم‪ ،‬ارتديــت بدلــة‬ ‫رماديــة أنيقــة وجلســت وخطــاب الشــكر يف يــدي‪،‬‬ ‫ي مذيعــة الحفــل‪.‬‬ ‫يف انتظــار أن تنــادي ع ـ ّ‬ ‫وأثنــاء الوقــت الطويــل يف انتظــار امللــك بحثــت‬ ‫بطــرف عينــي عــن الــرواد الخمســة يف الصفــوف‬ ‫كلهــا‪ ،‬وعــى الجانبــن‪ ..‬فلــم أر أحــدا ً منهــم‪ .‬فقــط‬ ‫ملحــت زوجــة املضيــف‪ ،‬العجــوز الســويدية‪ ،‬كانت‬ ‫ترتــدي ثــوب حــداد أنيق ـاً وتجلــس عــى الطــرف‬ ‫اآلخــر مــن املــرح وبجوارهــا خادمتهــا الســمراء‪.‬‬ ‫وحــن التقــت نظراتنــا هــزت رأســها يل عــى ســبيل‬ ‫التحيــة وابتســمت وهــي تــداري دموعهــا‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫غريب الدار‬ ‫معلمات حلب وبراميل‬ ‫الطاغية‪!..‬‬

‫إبراهيم العلوش‬

‫يســألني صديقــي الــريك‪ :‬ملــاذا أنتــم الســوريون‪ ،‬ترصفــون الكثــر‬ ‫عــى التعليــم‪ ،‬وتبذلــون جهــودا ً كبــرة مــن أجــل التعليــم؟!‬ ‫عليكم أن تعيشوا أوالً‪ ..‬ومن بعدها اذهبوا إىل املدارس!‪.‬‬ ‫مل يأبــه الســوريون لضيــق العيــش‪ ،‬وال حتــى للمــوت نفســه‪ ،‬وهــم‬ ‫يبحثــون عــن مــدارس ألوالدهــم‪ ،‬التعليــم يف ســورية مــن أكــر‬ ‫همــوم العائلــة الســورية‪ ،‬وترصــد لــه كل مــا ميكنهــا‪ ،‬مــن أجــل‬ ‫نجــاح تعليــم أوالدهــا وفتياتهــا الســوريات‪.‬‬ ‫هــل رأيتــم معلــات حلــب وهــ ّن يذهــن إىل مدارســهن‪ ،‬رغــم‬ ‫الرباميــل‪ ،‬ورغــم القصــف‪ ،‬ورغــم كل مــا يكــون يف حلــب مــن‬ ‫خطــف وتهجــر ومــوت؟‬ ‫هــل رأيتــم املعلمتــن الشــابتني‪ ،‬وهــا مــا تـزاالن يف صفهــا بعــد‬ ‫ســقوط الرباميــل املتفجــرة عليهــا وعــى طالبهــا؟ مل تهربــا‪ ،‬ومل‬ ‫تــركا الطــاب‪ ،‬الغبــار ميــأ الصــف‪ ،‬وهــا مــا تــزاالن جالســتني‬ ‫يف صفهــا‪ ،‬بــكل هــدوء‪ ،‬وبــكل ســكينة‪ ،‬واحــدة منهــا مــا ت ـزال‬ ‫تضــع وردة قامشــية عــى صدرهــا‪ ،‬مــا تــزال الــوردة يف مكانهــا‪،‬‬ ‫تبــدو متفتحــة‪ ،‬رغــم الغبــار الــذي يلــف املعلمــة‪ ،‬التــي ثبتــت‬ ‫الــوردة عــى صدرهــا‪ ..‬ورغــم أن رأســها قــد ضــاع أو تناثــر مــع‬ ‫الغبــار والشــظايا‪ ،‬فــإن الــوردة مــا ت ـزال عــى صدرهــا‪ ..‬املعلمــة‬ ‫األخــرى أيضـاً‪ ،‬فقــدت رأســها‪ ،‬ولكــن جســدها فقــد توازنــه وارمتــى‬ ‫جانب ـاً‪..‬‬ ‫الســوريون يحبــون العلــم ويجلّونــه‪ ،‬ويض ّحــون مــن أجلــه‪ ،‬ومعلمتا‬ ‫مدرســة ســعد األنصــاري يف حلــب‪ ،‬خــر دليــل‪ ،‬وأبلــغ برهــان عــى‬ ‫حــب الســوريني للعلــم‪ ،‬رغــم كل الدمــار واملــوت‪.‬‬ ‫الســوريون قامــوا بثورتهــم مــن أجــل كرامتهــم ومــن أجــل أن‬ ‫تصــل أفكارهــم‪ ،‬وابتكاراتهــم‪ ،‬وعلومهــم‪ ،‬إىل كل العــامل‪ ،‬ومــن أجــل‬ ‫أن يكونــوا عالمــة مميــزة ورائــدة يف كتــب مســتقبل الحيــاة والعلــم‬ ‫واملعرفــة والحريــة!‬

‫حجر الريح‬

‫خالد الجبور‬

‫أرتقي ق ّمة الجبلِ الباردة‬

‫ٍ‬ ‫بلهاث ثقيل أفتش عن حجر كان يل‬ ‫الصقيل‪ ،‬و ُمتّكأيْ ْه‬ ‫َ‬ ‫أتذكّر مسنده‪ ،‬مرتقا ُه‬ ‫رمبا نحتته ي ُد الريح بالرمل واملاء‬ ‫ِ‬ ‫الكهف عرشاً له‬ ‫رجل‬ ‫رمبا كان طيناً‪ ،‬فشكّل ُه ُ‬ ‫للصاعدين هنا‬ ‫رمبا هو أُعطي ُة الله ّ‬ ‫يسرتيحون عليه‪ ،‬مي ّدون أبصارهم يف املدى‬ ‫وميوتو َن في ْه‬ ‫ها أنا أرتقي ال ّد ِ‬ ‫رجات إلي ْه‬ ‫مل ْ‬ ‫رس ُه‬ ‫يزل غامضاً‪ ،‬طاوياً َّ‬ ‫ها أنا أتح ّمم بالريح داخلَ ُه‪:‬‬ ‫املهب‬ ‫مهب لري ٍح كهذا ّْ‬ ‫«ال َّ‬ ‫ال شمي َم كهذا الشّ ميم‬ ‫ال مدى مثل هذا املدى»‬ ‫روح املكان‪،‬‬ ‫ّس َ‬ ‫ها أنا أتنف ُ‬ ‫ّس يب‬ ‫وها حجري يتنف ُ‬ ‫جسدي رئتا ُه‪ ،‬ورؤياي رؤيا ْه‪.‬‬


‫حرمل املنوعات‬

2015 ‫ نيسان‬15 / ‫ العدد الرابع عشر‬/ ‫السنة األولى‬

14

‫ قاسم سليماني عوضًا عن حافظ األسد‬..‫يف ذكرى اجلالء‬ ‫ نــرت مجموعــة‬،‫ولتصويــر االحتــال اإليــراين لســوريا‬ ‫«نامــه شــام» عــى موقعهــا صــورة لعملــة ورقيــة ســورية‬ ‫مع ّدلــة وســاخرة تحمــل صــورة الجـرال قاســم ســليامين إىل‬ ‫جانــب صــورة الرئيــس النظــام الســوري الســابق «حافــظ‬ .»‫األســد‬ ‫ «يف الوقــت الــذي‬:»‫وقــال مديــر الحملــة «فــؤاد حمــدان‬ ً‫ علينــا أن نفكــر أيضــا‬،‫ندعــو فيــه لتظاهــرات ســلمية‬ ‫ الطريقــة الواقعيــة الوحيــدة التــي ميكــن مــن‬،‫بالحلــول‬ ‫خاللهــا إنهــاء االحتــال اإليـراين لســوريا هــي الضغــط عــى‬ ‫الواليــات املتحــدة وحلفائهــا التخــاذ خطــوات ملموســة‬ ‫ وال شـ ّـك أن‬.‫متاشــياً مــع ُعــرف «مســؤولية الحاميــة» الدولية‬ ‫عــى هــذه الخطــوات أن تشــمل فــرض مناطــق حظــر جــوي‬ .»‫لحاميــة املدنيــن مــن جميــع أشــكال القصــف اليومــي‬ ،‫وصحيفــة الحرمــل تدعــو منظــات املجتمــع املــدين‬ ‫ونشــطاء الثــورة املتواجديــن عــر العــامل للمشــاركة يف‬ ،‫ ومبختلــف الوســائل‬،‫هــذا النشــاط ضــد االحتــال اإلي ـراين‬ ‫ ونذكّــر بــان االحتــال‬،‫والســبل املمكنــة وحســب ظروفهــم‬ ‫ كل يــوم مــن أجــل أن‬،‫اإليــراين يســارع يف تدمــر ســورية‬ ‫ الذيــن يرفضــون هــذا‬،‫ وتخلــو مــن أهلهــا‬،‫تصفــو البــاد لــه‬ .‫االحتــال الصفــوي والعنــري والطائفــي‬

‫ كــا يتحكــم قــادة عســكريون إيرانيــون‬.‫النظــام الســوري‬ .»‫بشــكل كامــل بجيــش النظــام وميليشــياته املختلفــة‬ ‫ إن املناطــق الســورية الخاضعــة لســيطرة النظــام‬:‫وأضــاف‬ ‫هــي عمليــاً مناطــق محتلــة مــن قبــل النظــام اإليــراين‬ ‫ قائــد «ســباه‬،‫ والجــرال قاســم ســليامين‬،‫وميليشــياته‬ ‫ هــو الحاكــم الفعــي لســوريا املحتلــة مــن قبــل‬،»‫قــدس‬ ،‫ وبشــار األســد ليــس أكــر مــن دميــة يف يــده‬،‫إيــران‬ .‫بحســب املصــدر‬

‫ وهــو «عيــد الجــاء واالســتقالل‬،‫أبريل‬/‫ نيســان‬17 ‫يف يــوم‬ ‫ وذلــك لالحتجــاج ضــد مــا تصفــه املجموعــة‬،»‫الســوري‬ .»‫بـ»االحتــال اإلي ـراين لســوريا‬ ‫وقــال مديــر فريــق البحــوث واالستشــارات يف املجموعــة‬ ‫ «مل يعــد رسا ً أن التدخــل اإليـراين يف ســوريا‬:»‫«شــيار يوســف‬ ‫ فالجناح‬.‫ كــا يع ّرفــه القانون الــدويل‬،ً‫ميثّــل احتــاالً عســكريا‬ ‫ يتحكــم‬،»‫ «ســباه قــدس‬،‫الخارجــي للحــرس الثــوري اإليـراين‬ ‫بجميــع العمليــات العســكرية الكــرى التــي تُنســب لقــوات‬

‫االحتــال اإلي ـراين لســورية بــدأه املقبــور حافــظ أســد‬ ‫ عندمــا نــارص إيـران الخمينيــة عــى‬،‫منــذ بدايــة الثامنينــات‬ ‫ بعدهــا تســلل النفــوذ‬،‫ وعــى الــدول الخليجيــة‬،‫العــراق‬ ‫ وخاصــة األجهــزة‬،‫اإليـراين ليحتــل مفاصــل الدولــة الســورية‬ ‫األمنيــة التــي تعتــر هــي املســيطرة عــى نظــام الحكــم‬ ‫ وكذلــك عــر البعثــات التبشــرية‬،‫االســتبدادي يف ســورية‬ ‫ وأفــواج الحجــاج اإليرانيــن الذيــن اســتبدلوا‬،‫الطائفيــة‬ ‫ ولكــن معظمهــم كان لــه‬،‫الكعبــة املرشفــة بالســت زينــب‬ ‫دور اســتخبارايت للتغلغــل ضمــن الصفــوف العليــا للحكــم‬ ،‫ وذلــك تحــت ذرائــع املســاعدات‬،‫البعثــي االســتبدادي‬ ‫وتقديــم الخـرات وتنشــيط الســياحة حتــى اكتملــت مالمــح‬ .‫االحتــال القاســية مــع انــدالع الثــورة الســورية‬ ‫ نيســان فــإن الســوريني‬17 ‫ومبناســبة عيــد الجــاء يف‬ ‫ وبحمــات عــر العــامل ضــد االحتــال‬،‫ســيقومون بتجمعــات‬ ،‫اإليــراين لســورية والــذي يتســبب اليــوم بتدمــر ســورية‬ ‫وتهجــر أهلهــا إلحــال اإليرانيــن واألفغــان واألذربيجــان‬ !‫محلهــم عــر ميلشــياتهم الطائفيــة‬ ‫مجموعــة صحفيــن‬- »‫وقــد دعــت حملــة «نامــه شــام‬ ‫ومواطنــن إيرانيــن وســوريني ولبنانيــن إىل تنظيــم تظاهرات‬ ،‫ســلمية أمــام الســفارات اإليرانيــة يف جميــع أنحــاء العــامل‬

Çanakkale’ye gidelim mi? Eyyup Azlal emperyalistlere, kan emicilere karşı bir var olma mücadelesidir. Türk, Arap ve Kürt ve diğer kadim halklar bir bütün olarak mücadele ettiler. Buna inanmayanlar gidip Çanakkale şehitliğine baksınlar Her yıl 18 Mart oldu mu kimler yan yana yatıyor. bütün kamu kurum ve Urfalı, Sivaslı, Maraşlı, kuruluşlarda bir telaş Artvin, Rizeli hep yan başlar. Medyanın da yana yatıyor. Hatta o desteğiyle bir Çanakkale dönem Bize bağlı Halep, Destanı etrafında Gazze, Hama, Kerkük törenler, şölenler, ve Erbil vilayetlerinden eğlenceler düzenlenir. Bu eğlencelerin bir kısmı gelen askerler hep yan yana yatmıyor mu? üzerinde biraz durmak istiyorum. Özellikle çalgılı Burada bir arızadan da bahsedeyim. Suriyeli ve çengili kutlamalar Yazar Hüsnü Mahalli dikkatimi çekti. -Esad’ın dostu olduğunu Zannımca 18 Mart 1915 tarihinde Çanakkale’de ne sonradan öğreniyoruz.olup bittiği unutturulmak Suriye’de iç savaş çıkmadan önceydi. isteniyor. Bilerek Bir program öncesi veya bilmeyerek… kuliste konuşuyorduk. Hamasiyet edebiyatı da Türkiye Genel Kurmay serpiştirilmek suretiyle bu meseleye el atılıyor. Ve başkanlığına bir mektup topluma dizayn veriliyor. yazmış. Mektubunda Çanakkale Cephesinde Bu zafer naralarından ve kaç tane Arap zafer sarhoşluğundan kökenli askerin şehit kurtulmalıyız. Bu tür tören düzenleyenlere ben düştüğünü soruyormuş. kendi yanımda “NADAN” Genelkurmayımızın ona cevap vermeyişine ismini veriyorum. Tarihine yabancı, tarihini epeyce içerlenmiş, dertli dertli konuşuyordu. Ona bilmeyen “NADAN” dedim Hüsnü Bey sizin Çanakkale direnişi, bahsettiğiniz dönemde Anadolu’da yaşayan Devlet-i Ali Osmaniyye kadim halkların

bir ümmet devletiydi. Ve Halep’ten Çanakkale Cephesine gelen askerin Arap mı Kürt mü Çerkez mi olduğunu sorgulamaz. Müslüman ya da gayr-ı Müslüm olduğunu sorgulayabilir. Bunu o dönemin kimliklerine de bakarak öğrenebilirsiniz demiştim. İçlerinde Hüsnü Mahalli gibi ırkçılık problemini aşamamış olan aydınlardan Çanakkale ruhunu öğrenemeyiz. Bunu Türküm, doğruyum, çalışkanım diyen zevat da bize anlatamaz. Bunu ancak İslamî şuur sahibi aydınlar, İslamî tarih bilincine sahip olan aydınlar bize anlatabilir. Bu aydınların başında kıymetli dostum Şair Mehmet Yaşar Genç geliyor. Onun hazırladığı ve Milli Eğitim Bakanlığının destek verdiği “Çanakkale Ruhuyla yeniden Dirilmek” adlı oratoryo (Müzikal) birçok okulda Çanakkale Şehitlerini Anma Haftası nedeniyle sergilendi. Oratoryoyu izleme imkânım olmadı ama senaryosunu okudum. Senaryoda Çanakkale’de şehit askerlerimizin hatırasını

dinî bir vecibe gereği yad etmektir. Nitekim şehitlik mertebesini dinden, İslam’dan uzaklaştırsanız manevî yönü de uzaklaşmış olur. Mehmet Yaşar Genç Bu yüzden Sabah ezanıyla başlatmış oratoryosunu. Ondan sonra Kuran-i Kerim okunuyor. Tabii oratoryonun müellifi Sayın Mehmet Yaşar Genç bir şair edasıyla çalışmayı tanzim etmiş. Hayal gücü de yüksek olunca bunu NADAN anlamamış. Nadan dedim de aslında onlar Din-i Mubin’e de bigâne kalmışlar. Oratoryo açılışının Ezan ve Kur›an tilavetiyle olması da birilerini rahatsız etmiş. İstiyorlar ki gençlik ezandan ve Kuran’dan bihaber Çanakkale’yi tanısın. Bütün Anadolu renkleri mevcut hatta bütün İslam dünyasının Çanakkale›de solan çiçekleri yâd edilmiş bu çalışmada. Bunlar arasında sözde yazarlar da varmış. Oratoryoyu ve Mehmet Yaşar Genç beyi hiç de hak etmediği bir şekilde eleştirmiş. “Okullar Çanakkale’yi Ezan ve

Kur’an’la Diriltecek” diye manşetler atmışlar. Onlar adına üzüldüm. Mehmet Yaşar Genç beye düşman değiller onlar. Onlar İslam’a düşmanlar. Hâlbuki oratoryo tamamen şiirden ve şehitlerimizden oluşmaktadır. Şair Kur’an’dan beslendiği için ürün de böyle ortaya çıkıyor. Nadanlar şimdiye kadar çalgıyla çengiyle Çanakkale’yi yad etti. Çanakkale ne yazık ki bir zafer değil bir direniş ama çok ağır bir direniştir. Şimdiye kadar çalgıyla çengiyle bunu zafer olarak kutlayanlar kutlamaya devam etsinler. Bizler ise aziz şehitlerimizin ruhuna bir fatiha okuyarak ve ezan-ı Muhammedîyle yad edeceğiz. Ayrıca Mehmet Yaşar Genç ağabeyimiz Çanakkale’ye gitmeden bu oratoryoyu hazırlamıştır. Bu ne tevafuk Mehmet Akif Ersoy da Hayfa Limanında iken Çanakkale Şehitlerine adlı şiirini yazmıştı. Allah bize Çanakkale’yi görmeyi ve orada şehitlerimizin başında şairin dediği gibi “Gelsin ey Fatihalar Yasinler!” bulunmamızı nasip eylesin.


‫حرمل املنوعات‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫‪15‬‬

‫حفل ترفيهي لألطفال اليتامى السوريني مع��رض لألعمال اليدوية يف «النادي الثقايف الس��وري»‬ ‫يف ملعب األيوبية مبدينة شانلي أورفا‬ ‫يف أورفا‬

‫مبناســبة يــوم اليتيــم العاملــي أقيــم حفــل ترفيهــي لألطفــال الســوريني بهــدف زرع البســمة عــى‬ ‫وجوههــم وإزالــة آثــار الحــرب‪ ،‬الهيئــة اإلســامية الخرييــة يف دولــة الكويــت تكفلــت بتقديــم‬ ‫دعــم مــادي لعــدد مــن األطفــال الذيــن فقــدوا ذويهــم يف أتــون الحــرب الســورية‪ ،‬وذلــك عــن‬ ‫طريــق هيئــة ســاعد الخرييــة وبالتعــاون مــع منظمــة ‪ IHH‬التــي كانــت ومــا زالــت الداعــم األكــر‬ ‫للشــعوب يف دول العــامل‪ ،‬كــا أفادنــا مديــر املشــاريع يف الهيئــة الســيد خالــد عبــد الرحمــن بــأن‬ ‫الهيئــة الكويتيــة الداعمــة قــد قامــت بكفالــة ‪ 101‬مــن أطفــال ســوريا األيتــام‪ ،‬وقدمــت لهــم‬ ‫مبلغــاً مــن املــال بحــدود ‪ 300‬دوالر أمــريك للطفــل الواحــد‪ ،‬وبعــض الهدايــا العينيــة إضافــة‬ ‫لتقديــم الهدايــا للحضــور مــن األهــايل‪ ،‬والفعاليــات واملنظــات التــي حــر مندوبوهــا هــذا‬ ‫الحفــل الرتفيهــي‪.‬‬ ‫مــن الجديــر بالذكــر أن هيئــة «ســاعد» قــد قامــت بحفــل ومهرجــان «بســمة‪ »1‬يف مدينــة‬ ‫الريحانيــة ومهرجــان «بســمة‪ »2‬الحــايل يف مدينــة أورفــا‪ ،‬كــا تكفــل الهيئــة شــهرياً ‪ 322‬يتيـاً يف‬ ‫الداخــل الســوري‪ ،‬ويف األرايض الرتكيــة‪ ،‬ولدينــا أيضـاً العديــد مــن املشــاريع التعليميــة والتنمويــة‬ ‫والغذائيــة لليتامــى‪ ،‬كــا ســاهمنا يف إنشــاء مشــغل للخياطــة ومعهــد لتحفيــظ القــرآن الكريــم‪،‬‬ ‫تخلــل الحفــل ألعــاب ترفيهيــة شــارك فيهــا األطفــال‪ ،‬وســاهمت يف رســم االبتســامة والفــرح عــى‬ ‫وجوههــم املتعبــة‪.‬‬

‫هــا إبراهيــم باشــا خريجــة كليــة الرتبيــة‪،‬‬ ‫قســم ريــاض أطفــال‪ ،‬مــن مواليــد ‪،1982‬‬ ‫تتميــز مبوهبــة رائعــة‪ ،‬وتحويــل األشــياء‬ ‫البســيطة إىل تشــكيالت فنيــة ذات مســتوى‬ ‫عــال مــن الحرفيــة املهنيــة‪ ،‬وذلــك مــن‬ ‫خــال أعاملهــا املعروضــة يف املعــرض الفنــي‬ ‫للمشــغوالت اليدويــة الــذي أقامتــه يف مقــر‬ ‫النــادي الثقــايف الســوري برعايــة جمعيــة بنيــان‬ ‫لإلغاثــة والتنميــة‪ ،‬وبالتعــاون مــع حملــة الخــر‬ ‫يف أمتــي إىل قيــام الســاعة‪ ،‬واســتمر املعــرض‬ ‫طــوال يومــي الســبت واألحــد ‪،2015/4/12-11‬‬ ‫بحضــور فعاليــات ومهتمــن بالفــن والعديــد‬

‫مــن منظــات املجتمــع املــدين‪.‬‬ ‫وعــن مســرتها الفنيــة تقــول‪ :‬بــدأت أعــايل‬ ‫اليدويــة مــع األطفــال ومبشــاركتهم يف أعــايل‬ ‫اليدويــة‪ ،‬التــي تهــدف إىل تفجــر الطاقــة‬ ‫الداخليــة‪ ،‬وتحويــل الطاقــات الســلبية إىل‬ ‫إيجابيــة إبداعيــة‪ ،‬عــن طريــق تحويــل األشــياء‬ ‫البســيطة إىل تحــف فنيــة‪ ،‬حيــث شــارك‬ ‫األطفــال معــي يف املعــارض اليدويــة يف مدينــة‬ ‫حلــب «روضتــي جيــل الغــد‪ ،‬وشــمس األصيل»‬ ‫يف منظمــة «‪.»Destek Hayata‬‬ ‫وحــول معرضهــا أضافــت‪ :‬يقــام هــذا املعــرض‬ ‫للمــرة األوىل الســتهداف رشيحــة الكبــار‪،‬‬ ‫وتعريفهــم بهــذه املنتجــات التــي تســتفيد مــن‬

‫ممثل��ة تركي��ة تتقمص دور امرأة س��ورية لي��وم واحد‬ ‫رس��الة إنس��انية تكش��ف الغطاء عن معاناة السوريني‬

‫يقــول مثــل تــريك «النــار تحــرق مــن تالمســه فقــط»‪ ..‬مــن‬ ‫هــذا املنطلــق ارتــدت املمثلــة الرتكيــة الشــهرية «ســيدا‬ ‫جــاودر» مالبــس امــرأة ســورية متســولة يف طرقــات‬ ‫إســطنبول‪ ،‬وطرقــت األبــواب مــن أجــل أن تحصــل عــى‬ ‫أبســط رشوط الحيــاة الرشيفــة‪.‬‬ ‫ـص معانــاة الالجئــن‬ ‫قامــت جــاودر التــي اعتزمــت أن ت ُقـ ّ‬ ‫الســوريني بصــدق‪ ،‬بعمــل املكيــاج الــازم مرتديــة املالبــس‬ ‫التــي تجعلهــا ال تختلــف شــيئاً عــن امــرأة ســورية عبســت‬ ‫لهــا الحيــاة‪ ،‬وحملــت يف يدهــا ورقــة كتــب عليهــا «أنــا‬ ‫ســورية» لتخــرج إىل الطريــق حيــث ينتظرهــا مــا ينتظــر‬ ‫الغريــب الــذي ال ميلــك املــال يف شــوارع «أكـراي» والفاتــح‬ ‫املزدحمــة‪.‬‬ ‫وتــروي جــاودر عــن معاناتهــا يف الحصــول عــى عمــل حيــث‬ ‫تشــابهت إجابــات املحــال التجاريــة التــي ســألتها عــن أي‬ ‫عمــل تكســب منــه لقمــة عيشــها لتوصــد األبــواب يف وجهها‬ ‫بقــول‪« :‬صاحــب املحــل ليــس هنــا‪».‬‬ ‫وبعــد أن فقــدت األمــل يف إيجــاد عمــل حتــى لــو ســألت‬ ‫املحــال التجاريــة واحــدا واحــدا عمــدت إىل الســؤال عــن‬ ‫منــزل تســتأجره‪ ،‬فأخــذت ورقــة كتــب عليهــا «أنــا ســورية‬ ‫أريــد منــزال» ودخلــت مكاتــب العقاريــن ليوصــدوا أيضــا‬ ‫األبــواب يف وجههــا قائلــن «هــل مبقــدورك أن تســتأجري‬ ‫بيتــا‪ ».‬وقــال آخــرون‪« :‬ليــس لدينــا وقــت نضيعــه معــك‪».‬‬

‫مخلفــات املجتمــع‪ ،‬وإبــراز قيمتهــا الفنيــة‪،‬‬ ‫ومتيــز هــذا املعــرض بالكثــر مــن األعــال‬ ‫اليدويــة وتشــكيالتها الفنيــة بحرفيــة عاليــة‪.‬‬ ‫ويف ختــام لقاءنــا معهــا توجهــت الفنانــة‬ ‫بالشــكر العميــق للنــادي الثقــايف الســوري‬ ‫عــى اســتضافة املعــرض‪ ،‬وإىل جمعيــة البنيــان‬ ‫التــي دعمــت هــذا املــروع‪ ،‬وبشــكل خــاص‬ ‫«أحمــد النــوري» عــى تعاونــه اإلنســاين‪،‬‬ ‫وقالــت أيض ـاً أهــدي هــذا العمــل إىل أطفــايل‬ ‫(بلند‪-‬حميــد) وهــم الحافــز األكــر لهــذا‬ ‫اإلبــداع‪ ،‬كــا أهديــه لشــخص آخــر وهبنــي‬ ‫الحيــاة وجعــل لهــا معنــى آخــر‪ ،‬وكذلــك‬ ‫ألطفــال ســورية جميعــاً‪.‬‬ ‫ترك برس‬

‫دون أن يكلفــوا أنفســهم عنــاء القيــام مــن الكــريس الــذي‬ ‫يجلســون عليــه‪.‬‬ ‫وقــال آخــرون‪« :‬ليــس لدينــا بيــوت لألجــرة‪ ».‬يف الوقــت‬ ‫الــذي كانــت فيــه إعالنــات منــازل اإليجــار متــأ واجهــات‬ ‫محالتهــم‪».‬‬ ‫وتقــص جــاودر الجــوع الــذي أمل بهــا بعــد هــذا املــي‬ ‫لتكتــب عــى ورقــة «أنــا ســورية ســاعدوين حبــا باللــه فأنــا‬ ‫جائعــة» وتــدق هــذه املــرة أبــواب املطاعــم لتواجههــا‬ ‫عبــارات الصــد املشــابهة‪.‬‬ ‫وبعــد أن فقــدت األمــل بــأن ينظــر أحــد يف وجههــا تختــار‬ ‫جــاودر جامــع الفاتــح لتجلــس عــى بابــه طالبــة العــون‬ ‫وتبيــع مناديــل مــن أجــل أن تكســب بضــع اللــرات‪،‬‬ ‫وتوضــح املمثلــة جــاودر «إن الجامــع بيــت مــن بيــوت‬ ‫اللــه» ال ميكــن أن يُــرد الســائل فيــه لذلــك اختارتــه‪.‬‬ ‫اشــرى البعــض مناديــل يف حــن اكتفــى البعــض بإعطائهــا‬ ‫نقــودا ً دون أخــذ مناديــل‪.‬‬ ‫وتختــم جــاودر حديثهــا عــن تجربتهــا قائلــة‪« :‬لفــت نظــري‬ ‫أن الرجــال كانــوا أكــر شــفقة ورأف ـ ًة مــن الســيدات وهــذا‬ ‫أمــر لفــت نظــري يف حــن أزعجتنــي نظــرة رجــال آخريــن‬ ‫رغــم مظهــري البائــس‪».‬‬ ‫ولخّصــت تجربتهــا يف النهايــة بقولهــا‪« :‬ال تخافــوا مــن أن‬ ‫متتلكــوا قلــوب بــر‪ ،‬فاإلنســانية أجمــل يشء يف العــامل‪».‬‬

‫ثقافي��ة ـ��ـ سياس��ية ـ��ـ نص��ف ش��هرية ـ��ـ تص��در ع��ن مؤسس��ة توت��ول اإلعالمي��ة بالتع��اون م��ع بي��ت الرقة لكل الس��وريني‬

‫رئي��س جمل��س اإلدارة‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ -‬رئي��س التحري��ر‪ :‬ماج��د رش��يد العوي��د ‪ -‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعيس‬

‫للتواصل عرب فيس بوك‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬

‫هيئ��ة التحري��ر‪ :‬خل��ف اجلرب��وع‪ ،‬أس��عد فخ��ري‪ ،‬إبراهي��م العلوش‪ ،‬ع��روة املهاوش‪ ،‬حممد صلي�بي‪ ،‬إياس احملمد للتواصل عرب تويرت‬ ‫احملت��وى الف�ني‪ :‬مصطفى س��ليمان‪ ،‬عبدالرمحن اهلويدي ‪ ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬ ‫‪YIL: 2015 )1) - İMTİYAZ SAHİBİ: ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: MAJED RASHEED ALOWAYYED‬‬

‫‪SAYI:14‬‬

‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬

‫‪00905459679973‬‬

‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Atatürk Mah7-.sk. NO = 9. ŞanliUrfa MOB:‬‬


‫‪16‬‬

‫زاويـة حـرة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬

‫تكريم األستاذ خلف اجلربوع من قبل أسرة احلرمل‬

‫ما بعد العاصفة!‬ ‫بسام البليبل‬

‫يغادرن��ا خل��ف اجلرب��وع «الش��اوي الضلي��ل» م��ع عائلت��ه إىل منف��ى جدي��د يف أملانيا من املنايف القس��رية اليت ُ‬ ‫كتبت على ش��عبنا الس��وري املناضل‬ ‫من أجل حريته وكرامته‪« ..‬الشاوي الضليل»‪ ،‬رئيس القسم السياسي يف صحيفة احلرمل‪ ،‬وعضو جملس إدارة مؤسسة «توتول» اإلعالمية‪،‬‬ ‫عم��ل ضم��ن فري��ق احلرم��ل من��ذ ب��دء تأسيس��ها‪ ،‬وكان نع��م الزمي��ل واألخ والصدي��ق‪ ..‬أس��رة احلرم��ل تتمن��ى ل��ه وألس��رته حياة هانئ��ة‪ ،‬وعودة‬ ‫قريب��ة إىل الدي��ار مكللة بنص��ر ثورتنا العظيمة‪.‬‬

‫يوميات احلرب القائمة جديد الشاعر خلف علي اخللف‬ ‫الربد قارس يف الخارج‬ ‫أصدر الشاعر السوري خلف عيل الخلف ديوانه افتحوا لها يك تتدفأ بنا‬ ‫الشعري الجديد «يوميات الحرب القامئة»‪ ،‬الصادر قدموا لها الدم الساخن يك تهدأ رجفتها‪.‬‬ ‫الحرب مسكينة‬ ‫يف آذار ‪ 2015‬عن دار «لولو برس»‪ .‬وقد كتبت‬ ‫ال تجد ما تأكله‪ ،‬فتأكل الجثث‬ ‫قصائد املجموعة بني عامي ‪ 2012‬و‪ 2014‬يف مرص‬ ‫ال ترتكوها خارجاً يف هذا الزمهرير‬ ‫وتركيا والرقة ومدن أوربية متعددة تتبع مسرية‬ ‫فقد متوت من الربد‬ ‫الهجرة السورية القرسية‪ ،‬وترتاوح أجواء الديوان‬ ‫ويفرح األرشار الذين يكرهونها‪.‬‬ ‫الجديد بني املشاكسة والرثاء ومحاولة وضع سرية‬ ‫للموت القائم‪.‬‬ ‫افتحوا لها بابتسامة‪ ،‬تليق بضيف عزي ٍز‬ ‫ورحبوا بها‬ ‫يذكر بأن ريع الديوان مرصود لتعليم األطفال‬ ‫السوريني الالجئني‪ ،‬وقد أهداه الشاعر إىل الشهداء أهال بك أيتها الحرب تفضيل!‬ ‫البيت بيتك ونحن ِ‬ ‫أهلك‬ ‫واملعتقلني‪ ،‬الذين مل يذكرهم أحد‪.‬‬ ‫وهذا املقطع من أجواء ديوان يوميات الحرب سترشبني ما تشائني من دمنا‪،‬‬ ‫ستأكلني حتى تشبعي من جثثنا‪..‬‬ ‫القامئة‪:‬‬ ‫ِعدينا فقط‪،‬‬ ‫ضيف‬ ‫أنك ستأخذين الطاغية معك يف طريق العودة‪.‬‬ ‫الحرب تطرق الباب‬

‫سراب ّ‬ ‫ٌ‬ ‫بري‬

‫رواية السجن لـألديب والصحايف عبدالرمحن مطر‬

‫بــري» للكاتــب الســوري‬ ‫اب ّ‬ ‫صــدرت روايــة «رس ٌ‬ ‫عبدالرحمــن مطــر‪ ،‬عــن دار جــداول للنــر والرتجمــة‬ ‫والتوزيــع يف بــروت‪ .‬وهــي العمــل الــروايئ األول الــذي‬ ‫يصــدر للمؤلــف الــذي كتبــه داخــل الســجن الســيايس‪،‬‬ ‫وتعتــر عمــاً مضافــاً اىل أدب الســجون يف املكتبــة‬ ‫العربيــة‪.‬‬ ‫تتنــاول الروايــة حيــاة الســجن‪ ،‬بــكل مــا فيهــا مــن‬ ‫مكابــدات ومعانــاة‪ .‬وتركــز عــى أربعــة مســائل أساســية‬ ‫هــي «التعذيــب‪ ،‬القهــر‪ ،‬الحرمــان‪ ،‬انتهــاك حقــوق‬ ‫اإلنســان وحرياتــه»‪ .‬وذلــك عــر تقســيم النــص إىل‬ ‫زمنــن‪ ،‬األول مــن االعتقــال إىل الحكــم‪ ،‬والثــاين فــرة‬ ‫الســجن املؤبــد‪ ،‬يف جزأيــن و‪ 38‬فصــاً‪ ،‬كــا تتنــاول‬ ‫بعــض ملحــات مــن أحــداث الربيــع العــريب‪ ،‬الــذي‬ ‫م ـ ّزق ســطوة الطغــاة‪ ،‬رغــم فداحــة الخ ـراب‪ ،‬وعظمــة‬ ‫التضحيــات‪.‬‬ ‫تــدور أحــداث الروايــة‪ ،‬يف مــكان محــدد هــو الســجن‪،‬‬ ‫وإن تعــددت أماكــن االعتقــال‪ .‬دون أن تغفــل التداعيات‬ ‫املتصلــة بالحيــاة العامــة‪ ،‬واملجتمــع الــذي تتناولــه‪.‬‬ ‫عامــر عبداللــه‪ ،‬كاتــب وصحــايف‪ ،‬يتــم اعتقالــه مــن‬ ‫الشــارع يف وضــح النهــار‪ ،‬ألســباب سياســية‪ ،‬ويتعــرض‬ ‫لشــتى أنــواع التعذيــب والقهــر عــى يــد املحققــن‪،‬‬ ‫ثــم يخضــع ملحاكمــة صوريــة غــر عادلــة‪ ،‬ليجــد نفســه‬

‫وســط املجرمــن الجنائيــن كعقوبــة مضاعفــة‪ ،‬يقضيها يف صدرت له عدة كتب منها‪:‬‬

‫عذابــات الحرمــان مــن الحريــة واألرسة والعدالــة‪ ،‬إضافــة أوراق املط��ر‪ /‬نص��وص ش��عرية ‪ -1998‬دمش��ق‬ ‫إىل أســاليب القهــر املاديــة واملعنويــة‪ ،‬التــي يســتخدمها الرب��اط‪ .‬و ‪ -‬وردة املس��اء‪ /‬نص��وص ش��عرية ‪2000‬‬ ‫الســجان مــن خــال االنتهــاكات البشــعة آلدميــة ‪ -‬دمشق‪/‬الرباط (بالتعاون مع دار تانيت للنشر)‪.‬‬ ‫الســجني‪ ،‬وحــاالت القهــر واالغتصــاب والجنــون‪ ،‬التــي‬ ‫يتعرضــون لهــا يف املعتقــات والســجون‪.‬‬ ‫يظــل عامــر عبداللــه الشــخصية املحوريــة‪ ،‬ويف كل‬ ‫فصــل مثــة شــخصيات يضيفهــا إىل الحــدث الــروايئ‪،‬‬ ‫لتــرد صــورة مــن الحيــاة املـ ّرة واملهينــة التــي يعيشــها‬ ‫الســجني‪ ،‬يف ظــل القهــر واالســتبداد مــن جهــة‪ ،‬والجهــل‬ ‫واملــرض والرذيلــة مــن جهــة ثانيــة‪.‬‬ ‫يــرى املؤلــف هــذا العمــل‪ ،‬شــهادة حيــة عــى تجربــة‬ ‫عاشــها خلــف القضبــان‪ ،‬كتبهــا داخــل األســوار‪ ،‬ونجــح‬ ‫يف تهريبهــا ورقــة ورقــة‪ .‬وهــو أيضــاً شــهادة تفضــح‬ ‫القمــع واالســتبداد الــذي متارســه األنظمــة الديكتاتوريــة‬ ‫خصوص ـاً ســوريا وليبيــا‪.‬‬ ‫يقــع الكتــاب يف ‪ 304‬صفحــة‪ ،‬مــن القطــع الكبــر‪،‬‬ ‫والغــاف لـــ محمــد ج‪.‬ابراهيــم‪.‬‬ ‫يذكــر أن املؤلــف كاتــب ســيايس وشــاعر ســوري‪ ،‬ينــر‬ ‫كتاباتــه يف الصحــف العربيــة واملواقــع الســورية‪ ،‬جاهـ َر‬ ‫مبعارضتــه للنظــام الســوري منــذ أواخــر الســبعينات‪،‬‬ ‫فدفــع مثــن ذلــك فاتــورة باهظــة مــن املالحقــة‬ ‫واالعتقــال والســجن والتــرد‪.‬‬

‫قــال خامنئــي يف كلمــة بثّهــا التلفزيــون اإليـراين‪« :‬عــدوان‬ ‫الســعودية عــى اليمــن‪ ...‬جرميــة وإبــادة جامعيــة‪ ،‬ميكــن أ ْن‬ ‫تنتظرهــا املحاكمــة الدوليــة»؟!‬ ‫وهــذا يعنــي أ ّن إيــران قــد تحولــت مــن االســتعالء إىل‬ ‫االســتجداء للمواقــف الدوليــة الداعمــة لهــا‪ ،‬ومــن الفعــل إىل‬ ‫االنفعــال باملواقــف العربيــة املؤثــرة‪ ،‬ومــن سياســة املبــادرة‬ ‫واالخ ـراق إىل سياســة النكــوص والرتقــب‪ ،‬وهــذا يعنــي أيض ـاً‬ ‫أ ّن العــرب عــى الطريــق الصحيــح يف تحجيــم سياســة التــادي‬ ‫اإليرانيــة‪ ،‬وإلزامهــا حــدود حقيقــة مــا هــي عليــه مــن القــدرة‬ ‫عــى الفعــل‪.‬‬ ‫طبع ـاً لقــد ر ّد املجتمــع الــدويل عــى خامنئــي‪ ،‬وقــال كلمتــه‬ ‫املؤيــدة للموقــف الســعودي يف قــرار مجلــس األمــن رقــم‬ ‫‪ /2216/‬تحــت الفصــل الســابع‪.‬‬ ‫كــا أظهــر املوقــف الــرويس الــذي اكتفــى باالمتنــاع عــن‬ ‫التصويــت‪ ،‬متجنبــاً مــا لــ ّوح بــه مــن اســتخدام الفيتــو‪ ،‬أ ّن‬ ‫لروســيا مثن ـاً ميكــن للعــرب دفعــه عنــد اللــزوم‪ ،‬وأ ّن السياســة‬ ‫الروســية التــي طاملــا ادعــت متســكها بالرشعيــة الدوليــة‬ ‫وحقــوق اإلنســان‪ ،‬إنّ ــا هــي سياســة مخادعــة تتاجــر بــآالم‬ ‫الشــعوب ومصائبهــا‪.‬‬ ‫أ ّمــا النفــاق الســيايس األمريــي الــذي كان قبــل أســابيع قليلــة‬ ‫يدافــع عــن الحوثيــن‪ ،‬ويتســر عــى إيـران ودورهــا اإلجرامــي‬ ‫والتخريبــي يف اليمــن‪ ،‬هــا هــو اليــوم يوجــه انتقــادات‬ ‫حــادة إىل الــدور الــذي تلعبــه إي ـران يف اليمــن‪ ،‬وإىل دعمهــا‬ ‫للمتمرديــن الحوثيــن‪ ،‬ويــرح عــى لســان وزيــر الخارجيــة‬ ‫األمريــي‪« :‬إ ّن أمريــكا تعلــم متامـاً بتســليح إيـران للمتمرديــن‬ ‫الحوثيــن ودعمهــا لهــم»؟!‬ ‫فأيــن كان األمريكيــون قبــل أن تنطلــق عاصفــة الحــزم‪،‬‬ ‫حيــث كان املتمــردون الحوثيــون يحتلــون صنعــاء ويتقدمــون‬ ‫لفــرض ســيطرتهم عــى باقــي املــدن اليمنيــة‪ ،‬وبالتــايل ســيطرة‬ ‫إي ـران عــى كامــل اليمــن‪ ،‬هــذه الســيطرة التــي تتوافــق مــع‬ ‫اس ـراتيجية أمريــكا يف املنطقــة‪ ،‬وسياســة التفكيــك واإلخضــاع‬ ‫التــي كانــت عنوان ـاً لسياســة أوبامــا يف الــرق األوســط عــى‬ ‫مــدى ســنوات واليتــه؟!‬ ‫إ ّن إشــادة نائــب وزيــر الخارجيــة األمريــي «بلينكــن»‬ ‫بالســعودية إلرســالها رســالة قويــة إىل الحوثيــن وحلفائهــم‪،‬‬ ‫بأنّهــم ليــس بإمكانهــم احتــال اليمــن بالقــوة‪.‬‬ ‫وكذلــك ترصيــح «كــري» لشــبكة «يس يب اس» أ ّن عــى إي ـران‬ ‫أن تعــرف أ ّن الواليــات املتحــدة األمريكيــة لــن تقــف مكتوفــة‬ ‫األيــدي فيــا تتــم زعزعــة اســتقرار املنطقــة برمتهــا‪ ،‬ويشــن‬ ‫أشــخاص حرب ـاً مفتوحــة عــر الحــدود الدوليــة لدولــة أخــرى‪،‬‬ ‫إنّ ــا هــو تحــول ـ وإن كان تكتيكي ـاً ـ يف السياســة األمريكيــة‪،‬‬ ‫يوضــح أ ّن التصلــب يف املواقــف العربيــة‪ ،‬واالنتصــار للــذات‬ ‫والكرامــة عــر اســتعراض قــوة العزميــة‪ ،‬كفيــل بتغيــر مــا‬ ‫يعتقــد البعــض أنّهــا سياســات ثابتــة‪ ،‬وتلــك التــي تبــدو أنّهــا‬ ‫مناهضــة‪ ،‬فالقــوة تخلــق قواعدهــا بنفســها‪ ،‬وترســم توازنــات‬ ‫بديلــة‪ ،‬وتفــرض معــادالت جديــدة‪ ،‬مل تكــن التمنيــات واالعتامد‬ ‫عــى الغــر تســمح بوجودهــا‪.‬‬ ‫فهــل نحــن اليــوم أمــام إعــادة متوضــع يف السياســة العربيــة‪،‬‬ ‫مرتكزاتــه األساســية‪ :‬االعتــاد عــى الــذات‪ ،‬واإلمســاك بزمــام‬ ‫املبــادرة‪ ،‬والعمــل عــى القــوة الجامعــة؟!‪.‬‬

‫ترحب احلرمل‬

‫مبساهمات الشباب اإلبداعية يف‬ ‫جمال الشعر والقصة واملقالة‬ ‫وتعتزم نشر هذه االبداعات يف صفحة‬ ‫شهرية خاصة‪.‬‬ ‫ترسل املساهمات إىل مقر الصحيفة أو‬ ‫عرب بريدها اإللكرتوني‪:‬‬

‫‪alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05459679973( :‬أو مراجع��ة مقره��ا (أورف��ا ‪ -‬س��احة املدف��ع)‬

‫اآلراء التي تنشر بالمجلة تعبر عن رأي أصحابها‪ ،‬وال تمثل بالضرورة رأي المجلة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع عشر ‪ 15 /‬نيسان ‪2015‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.