Alharmal 15 10 2014 (2) - العدد الثاني من مجلة الحرمل

Page 1

‫‪1‬‬

‫الحريــة دامئــــاً‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫‪Herdaim Özgürlük‬‬

‫‪AL Harmal‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريين‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫الجئو سوريا‪..‬‬

‫مفتتــح الكــالم‬

‫من الموت صبر ًا إلى الموت قهر ًا‪!..‬‬

‫خمسون طامحاً إلى رئاسة الحكومة السورية المؤقتة تقدموا بطلبات ترشيحهم؟!‬ ‫فيما ارتفع عدد محتاجي المساعدات الغذائية بنسبة خمسين بالمئة خالل عام واحد؟!‬

‫• وسط انسحابات بالجملة‪ ،‬وبعد أسبوع من المناقشات‪ ،‬الطعمة مجدد ًا رئيس ًا للحكومة المؤقتة‪!...‬‬

‫• هل هو فوز لإلخوان وتيارهم السياسي‪ ،‬أم فشل للديموقراطية ومكونات االئتالف‬ ‫األخرى؟! أم هو فوز المشروطيات السياسية‪ ،‬واالحتضان اإلقليمي والدولي؟!‬

‫عني العرب (كوباني) تنازع املصاحل والتوازنات‬ ‫الرقة وصراع املتماثلني‬

‫األولوية‪ ..‬دحر داعش يف العراق‬

‫االجتار باملعتقلني ما‬ ‫بني النظام وداعش‬

‫احتلــت (الرقــة) مكانتهــا الشــهرية‬ ‫اســتثنائياً‪ ،‬لــدى كل مــن كان‬ ‫يتتبــع أو يشــارك فعاليــات الثــورة‬ ‫الســورية‪ ،‬وقــد بــدأت الحكايــة‬ ‫عندمــا أصبحــت بوابتهــا ومنفذهــا الهــام عــى الجــوار الرتيك‪..‬‬

‫دام يف سوريا‬ ‫جدل ٍ‬

‫أضاحي منطق اجلوهر‬

‫تاريخيـاً‪ ،‬وواقعيـاً يلــزم ســنوات‬ ‫كثــرة بعــد انطــاق الثــورات‬ ‫للبحــث فيــا آلــت إليــه‪،‬‬ ‫والنتائــج التــي توصلــت‪ /‬أو‬ ‫وصلــت إليهــا‪ ،‬إخفاقاتهــا وإنجازاتهــا‪ ...‬كل هــذا ينطلــق مــن‬ ‫مــدى تحقيقهــا لألهــداف التــي خرجــت ألجلهــا‪.‬‬

‫كتــاب (أضاحــي منطــق‬ ‫الجوهــر) هديــة تلقيتهــا من‬ ‫الصديــق حمــزة رســتناوي‪,‬‬ ‫النــاس فيــ ِه‬ ‫يف زمــن بــاتَ‬ ‫ُ‬ ‫يُهــدون بعضهــم الــورود والشــوكوال‪ ..‬كــم هــو جميـ ٌـل أن يُهديـ َـك‬ ‫اآلخــرون‪ :‬معارف َهــ ْم وعصــارة تجاربهــ ْم يف الحيــاة!‬

‫‪10‬‬

‫ماجد رشيد العويد‬ ‫مــن املألــوف أن تجتــذب الثــورات‪ ،‬ومنهــا الثــورة الســورية‪ ،‬النــاس إليهــا‪ ،‬وليــس مــن الــروري أن‬ ‫تكــون هنــاك وحــدة حــال بــن هــؤالء‪ ،‬ألن األصــل يف الجــذب معيــار الظلــم الواقــع عليهــم‪ ،‬وليــس‬ ‫أنــواع النــاس‪ ،‬وثقافاتهــم‪ .‬املوالــون كذلــك‪ ،‬ويف كل بلــد‪ ،‬مظلومــون عــى نحــو مــا ألنهــم يدفعــون‬ ‫مــن كرامتهــم مثنـاً باهظـاً لقــاء منافــع بخســة‪ .‬واألصــل يف نظــام األســد مرجعيــة االســتبداد املســتندة‬ ‫إىل تاريــخ حافــل بأنــواع الظلــم‪ ،‬والســعي الحثيــث إىل إنتــاج امللــك العضــوض‪ .‬ومــا مل يالحظه األســد‪،‬‬ ‫وابتــداء مــن االســم «امل ُلــك العضــوض»‪ ،‬أن الدنيــا متغــرة‪ ،‬وأن مــا كان يصلــح قبــل ألــف عــام ليــس‬ ‫بالــرورة يصلــح اليــوم‪.‬‬ ‫صــار هــذا معلوم ـاً‪ ،‬وصــار معلومــا أن الثــورة التــي وصفــت باليتيمــة قــد متــت خيانتهــا‪ ،‬وجعلهــا‬ ‫أشــبه مــا تكــون بكــرة تتقاذفهــا األرجــل‪.‬‬ ‫غــر أن للثــورة قدرهــا الــذي اســتحق حدوثــه وجريانــه‪ ،‬وأن هذيــن املعلومــن كانــا عــى مــا هــا‬ ‫عليــه بقصــد تنظيــف البلــد مــن وســخ تجــاوز عمــره الخمســن عامـاً‪.‬‬ ‫ميكننــا هنــا الرتكيــز عــى هجــرة الناشــطني‪ ،‬وخديعــة الخــارج للداخــل‪ ،‬ودور اإلســاميني‪ ،‬ودور‬ ‫الجيــش الحــر‪.‬‬ ‫وأمــا بخصــوص الناشــطني فالثابــت أن أغلبهــم هجــر البلــد حفاظ ـاً عــى حياتــه هرب ـاً مــن مــوت‬ ‫محقــق‪ .‬ال يســتطيع أحــد إدانــة مــن يريــد الفـرار بعمــره‪ ،‬وباملقابــل فــإن هــذه الهجــرة تــأذت منهــا‬ ‫الثــورة التــي ســاهم الناشــطون فيهــا بقــدر غــر ضئيــل‪ .‬لــن أغفــل هنــا ســلوك بعضهــم ممــن تــو ّرط‬ ‫مــع «الدولــة اإلســامية»‪ ،‬ويف الوقــت ذاتــه مــع الجيــش الحــر‪ ،‬وهــذا عــاد عــى الثــورة ببعــض‬ ‫اإلربــاك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأمــا بعــض مــن يف الخــارج فســاهم أيضـا يف توريــط البلــد‪ ،‬وإدخالــه يف رصاعــات كان ميكــن تأجيــل‬ ‫بعضهــا‪ ،‬وكان هــذا مــن خــال قنــوات اإلعــام التــي لهــا أجنداتهــا‪ .‬يف هــذا الســياق ميكــن اعتــاد‬ ‫العرعــور عينــة شــديدة الســلبية‪.‬‬ ‫اإلســاميون أيضـاً مل تكــن الثــورة ه ّمهــم األول‪ .‬كانــوا‪ ،‬ابتــداء بتســمية أيــام الجمــع وانتهــاء بتســمية‬ ‫الكتائــب وتســليحها‪ ،‬مييلــون إىل إحيــاء مــا ال ميكــن إحيــاءه‪ ،‬والقصــد اســتالم البلــد وحكمــه‪.‬‬ ‫الجيــش الحــر‪ ،‬كان ميكــن لــه أن يكــون املؤسســة العســكرية الجامعــة لــوال ظــروف النشــأة العجولة‪،‬‬ ‫وتســلل املرتزقــة إىل صفوفــه‪ ،‬واخ ـراق نظــام األســد لــه‪ ،‬والرسقــات التــي متــت يف صفوفــه باســم‬ ‫الثــورة‪ .‬هــذه املثبطــات شـ ّجعت عــى متكــن بشــار مــن شــعار محازبيــه «األســد أو نحــرق البلــد»‪.‬‬ ‫جانــب مــن هــذا الشــعار كان يعنــي تقســيم البلــد‪ ،‬أح ُك ُمــه كلــه أو أجعــل مصــره مجهــوالً‪ ،‬ويكــون‬ ‫تفتيتــه أهــون درجــات هــذا املجهــول‪ .‬هكــذا ســقطت املعابــر بســهولة‪ ،‬وهكــذا تـ ّم تســليم الرقــة‬ ‫وليــس تحريرهــا‪.‬‬ ‫وهــذه الثــورة التــي قامــت مــن أجــل إعــادة ســوريا إىل حقيقتهــا التــي دمرهــا األســد األب واالبــن‬ ‫تحتــاج أن يعــاد النظــر يف املســلامت التــي قامــت عليهــا‪ ،‬فبعــض هــذه املســلامت أســدية يف أعامقها‪،‬‬ ‫مســتبدة يف طرحهــا‪ ،‬فليــس معقــوالً االنتقــال مــن اســتبداد يف إهــاب «علــاين» إىل آخــر يف إهــاب‬ ‫«دينــي»‪ ،‬خصوصـاً ونحــن نعلــم أن ســوريا ال ميكــن لهــا أن تتوحــد يف غــر نظــام مــدين دميقراطــي‪.‬‬ ‫ولعلــه‪ ،‬ختامــاً يصــح القــول إن غطيــط نــوم الســوريني كان قــد وصــل حــ ّد املــوت لــوال ثــورة‬ ‫أيقظــت ســبات الجــاد فــا بالــك بالبــر‪ ،‬وهــذا مــا يؤكــد عــى أن الثــورة ماضيــة يف ســبيل‬ ‫تحقيــق أهدافهــا‪ ،‬ولــن يؤخرهــا رحيــل الناشــطني‪ ،‬وال لعنــة املتاجريــن بهــا‪ ،‬ويصــح القــول هنــا أيضـاً‬ ‫بوجــوب فــك االرتبــاط مــا بــن الواقــع والتمنــي مــن أجــل الذهــاب مبــارشة إىل ســوريا الجديــدة مــا‬ ‫بعــد البعثيــة التــي خ ّربــت البــاد والعبــاد‪.‬‬

‫أطفال سورية‬ ‫يف آتون احلرب‬

‫الكورد‪..‬‬

‫فجــأة تح ّولــت ســوريا إىل ســجن كبــر‬ ‫تتنافــس أطــراف الــراع عــى ملئــه‬ ‫باملعتقلــن مــن أبنائــه‪ .‬قــام االعتقــال‬ ‫يف بدايــة الثــورة عــى أســاس قمــع‬ ‫الحــراك الســلمي‪ ،‬وخلــق رد فعــل مســلح لــدى الكثــر مــن‬ ‫الشــباب‪..‬‬

‫‪6‬‬

‫كلامت يف مسالك «املنتمني» إىل الثورة‬

‫‪7‬‬

‫من داعش إىل «محمد طلب»‬ ‫جــل مــن تتابعهــم كطليعــة‬ ‫ّ‬ ‫مثقفــة يف ســوريا‪ ،‬يقدمــون‬ ‫اليــوم أوراق االعتــاد يف قضيــة‬ ‫الكــورد وحقهــم يف إقامــة وطــن عــى أي أرض كانــت‪ ،‬وليســت‬ ‫هــذه كل املشــكلة‪..‬‬

‫‪8‬‬

‫ّ‬ ‫أقل من تعريف‬

‫‪11‬‬

‫كان أطفال درعا أشجع من كل‬ ‫أهل سورية‪ ،‬وشجاعتهم تجلت‬ ‫بالكتابة عىل جدران مدارسهم‪،‬‬ ‫«الشعب يريد إسقاط النظام»‪ ،‬ولكن براءتهم مل تحسب بأن‬ ‫هناك رجل أمن حقري وتافه اسمه عاطف نجيب‪..‬‬

‫‪8‬‬

‫منضدتان‬

‫قلــم امل ُطلــق يــد ّون الجــال‬ ‫والحريــة واملــوت‪ ،‬ورطــة الحيــاة‬ ‫يف لعبتهــا األزليــة مــع املــوت‪،‬‬ ‫شــهر نيســان فاتحــاً ذراعيــه‬ ‫لغوايــة الصيــف‪ ،‬زبــدة اللغــة‬ ‫بــن يــدي طفــل‪ ،‬نهــار يعــر وحيــدا ً يف خريــف غريــب‪..‬‬

‫‪13‬‬

‫قصة قصرية‬ ‫جميــل أن تكــون الجلســة‬ ‫ جلســتهام مع ـاً ‪ -‬وســط‬‫بســاتني خــراء‪ ،‬رقائــق‬ ‫الغبــار حطــت عــى املنضــدة الصغــرة التــي تفصــل بينهــا‪ .‬يف‬ ‫نفــس الوقــت تجمــع بينهــا حيــث األكــف متحاضنــة‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫‪2‬‬

‫عني العرب (كوباني) تنازع املصاحل والتوازنات‬

‫‪3‬‬ ‫الالجئ السوري يف لبنان‪..‬‬ ‫من املوت إىل املوت‬ ‫إياس املحمد‬

‫رضوان بيزار‬ ‫مــن ‪ 20‬ألــف نــازح‪ ،‬ويشــكل هــذا أقــل مــن نصــف النازحــن املدنيــن املتواجديــن‬ ‫يف املدينــة‪ .‬وإىل جانــب البلديــة‪ ،‬تنشــط العديــد مــن املنظــات والجمعيــات‬ ‫الخرييــة واإلنســانية لتقــدم لهــم اإلغاثــة أيضــاً‪ ،‬كمنظمــة ‪ IHH‬الرتكيــة‪ ،‬الهــال‬ ‫األحمــر الــريك‪ ،‬منظمــة ‪ AFAD‬الرتكيــة‪ ،‬الهــال األحمــر القطــري‪ ،‬وجمعيــة بهــار‬ ‫اإلغاثيــة‪« ،‬إالّ أن طريقــة اإلغاثــة يف املدينــة تفتقــر إىل التنســيق وتوحيــد الجهــود‬ ‫لتــايف األخطــاء الحاصلــة يف توزيــع اإلغاثــة» بحســب تقاريــر إعالميــة محليــة‪.‬‬ ‫وبرغــم كل ذلــك رصــدت كامـرا مجلــة الحرمــل عـرات العوائــل مــا تـزال تفــرش‬ ‫األرصفــة وتنــام بالع ـراء‪ ،‬أو تحــت األشــجار أو يف خيــام ال تقيهــم الــرد واملطــر إال‬ ‫جزئي ـاً‪.‬‬ ‫السلطات الرتكية تحتجز عددا ً من الالجئني بتهمة تأخرهم يف النزوح‪.‬‬

‫دفعــت املعــارك املســتمرة‪ ،‬بعــد أن وصلــت إىل مدينــة كوبــاين مبحافظــة حلــب‬ ‫شــايل ســوريا‪ ،‬ومنــذ أشــهر بــن مقاتــي وحــدات حاميــة الشــعب «‪ »YPG‬وعنــارص‬ ‫مــن الجيــش الســوري الحــر مــن جهــة‪ ،‬وتنظيــم الدولــة اإلســامية مــن جهــة أخــرى‪،‬‬ ‫بــآالف املدنيــن إىل تــرك ديارهــم مرغمــن‪ ،‬تاركــن خلفهــم منازلهــم وأمالكهــم‪،‬‬ ‫وحملــوا معهــم ذاكــرة مــن القهــر والترشيــد تعــج بتفاصيــل الحيــاة والجغرافيــا‬ ‫املمتــدة عــى أكــر مــن ‪ 3000‬كــم‪.2‬‬ ‫وصلــت حصيلــة النــزوح للمدنيــن مــن مدينــة كوبــاين وريفهــا حتــى اليــوم إىل أكــر‬ ‫مــن ‪ 200‬ألــف مــدين يتوزعــون يف واليــة أورفــا وخاصــة يف املخيــات املؤقتــة‪ ،‬التــي‬ ‫نشــأت حديثـاً يف بلــدة رسوج الرتكيــة الحدوديــة املقابلــة لكوبــاين‪ ،‬كانــوا قــد نزحــوا‬ ‫وتوزعــوا فيــا ســبق عــى أكــر مــن ‪ 200‬قريــة ومزرعــة يف رسوج شــملت املســاجد‬ ‫ودور العـزاء واملركــز الثقــايف يف املدينــة وبيــوت األقــارب‪ ،‬والعـراء…‬ ‫تقــدر بلديــة رسوج عــدد مــن تقــدم لهــم املعونــة مــن كــرد كوبــاين النازحــن بأكــر إىل ذلــك تحتجــز الســلطات الرتكيــة أيضــا أكــر مــن ‪ 350‬مدني ـاً عــروا مؤخ ـرا ً مــن‬

‫كوبــاين‪ ،‬بعضهــم مــن املعــر الرئيــي بــإذن مــن تلــك الســلطات‪ ،‬وآخريــن مــن الذين‬ ‫كانــوا عالقــن يف املنطقــة املحرمــة مــع مواشــيهم وســياراتهم‪ ،‬بحســب مــا نقلــت‬ ‫املحاميــة ســفدا كوجــوك اوزبنكــول إحــدى املتطوعــات للدفــاع عــن املحتجزيــن‪،‬‬ ‫وترصيحهــا ذلــك ملجلــة الحرمــل‪.‬‬ ‫وقالــت اوزبنكــول أن مــن بــن املحتجزيــن ‪ 33‬أمــرأة وتســعة أطفال باإلضافــة إىل ‪50‬‬ ‫طفـاً تـراوح أعامرهــم بــن الخامســة عــر والسادســة عــر‪ ،‬إذ يتــم احتجازهــم يف‬ ‫إحــدى صــاالت الرياضــة غــريب بلــدة رسوج دون أي وجــه قانــوين‪ .‬وأضافــت «رغــم‬ ‫كل املحــاوالت لإلفـراج عنهــم إال أن الســلطات املحليــة قالــت إن أمــر األفـراج يعــود‬ ‫إىل الســلطات املختصــة يف العاصمــة الرتكيــة‪.‬‬ ‫وتبقــى املعركــة مفتوحــة يف كوبــاين عــى احتــاالت تتنازعهــا املصالــح والتوازنــات‬ ‫املحليــة واإلقليميــة والدوليــة ألن التحالــف إن يكــن جــادا ً بحربــه عــى اإلرهــاب‬ ‫فســتكون بدايــة لتهديــد إقليمــي ودويل قــد ال تحمــد عقبــاه‪.‬‬

‫الشتات‪ :‬خيار من ال خيار له‪..‬؟!‬ ‫عروة املهاوش‬

‫مجموعــات كبــرة‪ ،‬أغلبهــم مــن األطفــال والنســاء‪ ،‬ال يحملــون معهــم ســوى‬ ‫بعــض الحقائــب املهرتئــة والكثــر مــن األكيــاس البيضــاء كانــوا قــد وضعــوا فيهــا عــى‬ ‫مــا يبــدو بعــض األغطيــة‪ ،‬ينتظــرون تحــت ظــال األشــجار املحيطــة مبخيــم «أقجــة‬ ‫قلعــة» الحــدودي والــذي ال يبعــد ســوى دقائــق عــن الحــدود الســورية الرتكيــة مــن‬ ‫جهــة مدينــة تــل أبيــض‪.‬‬ ‫هــذا املشــهد مألــوف منــذ بدايــة الحــرب يف ســورية‪ ،‬فقــد ســبقت مــدن كثــرة‬ ‫مدينــة الرقــة يف الهجــرة هربــاً مــن املــوت والقصــف والدمــار مــن قبــل قــوات‬ ‫النظــام‪ ،‬لكــن الجديــد يف األمــر هــذه املــرة أن أهــايل مدينــة الرقــة هربــوا مــن‬ ‫القصــف القــادم مــن قــوات التحالــف‪.‬‬ ‫يف داخــل املخيــم‪ ،‬بــدأت مأســاة الشــتاء عــى الخيــم املهرتئــة والتــي ترفــض إدارة‬ ‫املخيــم تجديدهــا أو تبديلهــا‪ ،‬إمنــا قامــت بإعطــاء الالجئــن غطــا ًء مــن «النايلــون»‬ ‫لوضعــه فــوق الخيمــة ليحمــي مــن يف داخلهــا مــن ميــاه األمطــار‪.‬‬ ‫مثــان ســاعات فقــط قضتهــا الطفلــة ذات األربعــة عــر ربيعـاً وهــي تجهــز الخيمــة‬

‫«مخيم أقجة قلعة»‬

‫يل عــدة أشــخاص مقيمــن يف املخيــم منــذ فـرات تـراوح بــن الشــهر والســنة‪ ،‬خزانــة‬ ‫صغــرة‪ ،‬وب ـراد صغــر‪ ،‬وســخان مــن أجــل الطبــخ‪ ،‬ومدفئــة كهربائيــة‪ ،‬حيــث مينــع‬ ‫منعــا بات ـاً اســتعامل الغــاز أو الحطــب خوف ـاً مــن انــدالع أي حريــق‪ ،‬األمــر األشــد‬ ‫صعوبــة مــا يعانيــه هــذا العــدد الكبــر مــن الالجئــن والذيــن يقــدر عددهــم بثالثــن‬ ‫ألــف الجــئ منــذ ســتة وعرشيــن شــهرا ً هــو مســألة الحــام وامليــاه والنظافــة‪ ،‬حيــث‬ ‫يوجــد حاممــات خاصــة للذكــور وأخــرى لإلنــاث‪ ،‬لكنهــا ليســت بالعــدد الــكايف يك‬ ‫تســتوعب العــدد الكبــر منهــم بــآن واحــد‪.‬‬ ‫بــكل بـراءة األطفــال قالــت يل‪ :‬نحــن بأفضــل حــال مــن غرينــا والحمــد للــه‪ ،‬فنحــن‬ ‫هنــا تأوينــا خيمــة تقينــا حــر الشــمس وبــرد الشــتاء‪ ،‬صحيــح يف وقــت املطــر‬ ‫نطــوف‪ ،‬وتتبلــل أمتعتنــا وتتعفــن أحيانـاً‪ ،‬حيــث ننتظــر إرشاقــة شــمس يك نغســلها‬ ‫وننشــفها‪ ،‬لكننــا أفضــل مــن أولئــك الجالســن عــى أبــواب املخيــم ينتظــرون‬ ‫املوافقــة للدخــول‪ ،‬والتــي قــد تســتمر أليــام طويلــة‪ ،‬يف ظــروف ال يقبــل بهــا العقــل‬ ‫مــن ســقفها وحتــى أطرافهــا‪ ،‬بوضــع بعــض ال ـراب حــول الخيمــة بينــا والدتهــا البــري مــن حيــث قــوة التحمــل للمواطــن الســوري‪ ،‬مبواجهــة أســاليب اإلذالل‬ ‫ذهبــت لصنــع الخبــز‪ ،‬حيــث تقــوم إدارة املخيــم عــى إعطائهــم بطاقــات شــهرية التــي مارســتها الكثــر مــن الــدول العربيــة يف مخيــات الــذل ضــد الســوريني ولنــا‬ ‫قيمتهــا مثانــن لــرة تركيــة يشــري بهــا رب العائلــة مــا يحتاجــه أطفالــه‪ ،‬وكــا ذكــر يف مخيــم املــوت «الزعــري» يف األردن خــر مثــال‪ ،‬تــاه مخيــم «عرســال» يف لبنــان‪.‬‬ ‫الكثــرون أن هــذه املنحــة ال تكفيهــم ســوى أيــام معــدودة‪.‬‬ ‫يف املخيــم أيض ـاً يوجــد مدرســة لألطفــال‪ ،‬وروضــة كــا يوجــد فيــه جامــع لتأديــة يقــف أهــايل الرقــة أمــام خياريــن ال ثالــث لهــا‪ ،‬أمــا البقــاء والتعايــش مــع تنظيــم‬ ‫الصلــوات‪ ،‬وقــد ذكــر يل أحــد املقيمــن يف املخيــم أن مســتوى التدريــس يف املدرســة الدولــة رغــم كل الترشيعــات القاســية التــي يفرضهــا التنظيــم عــى أهــايل املدينــة‪،‬‬ ‫جيــد‪ ،‬وفيهــا اهتــام واضــح باملنهــاج الــدرايس وتحســن مســتوى الطالب‪ ،‬ويف الشــهر فمنظــر الــرؤوس املقطوعــة واملعلقــة يف ســاحة النعيــم كانــت كافيــة ألن يقــدم‬ ‫الســادس مــن هــذا العــام قــام الســيد وزيــر الرتبيــة والتعليــم بزيــارة للمخيــم حيــث األهــايل الطاعــة والصمــت للــوايل الجديــد‪ .‬ويف املقابــل ال يقدمــون لهــم أبســط‬ ‫التقــى عــددا ً مــن الطــاب املتفوقــن‪ ،‬والذيــن قــدر عددهــم باملئــة‪ ،‬مــن مختلــف أنــواع الخدمــات‪ ،‬مــا تســبب بزيــادة حــاالت الجــوع والفقــر التــي ال تعــد وال‬ ‫الصفــوف االبتدائيــة‪ ،‬وكذلــك يوجــد اتحــاد نســايئ وورشــة خياطــة لتدريــب النســاء تحــى‪ ،‬أضــف إىل هــذا الوضــع الرضبــات الجويــة لقــوات التحالــف التــي باتــت‬ ‫وتعليمهــن مهنــة تقيهــن رش التســول أو بعــض األعــال التــي تــيء إليهــن‪.‬‬ ‫تشــكل رعب ـاً حقيقي ـاً ألهــايل املدينــة‪ ،‬مــن حيــث قــوة الرضبــات ورسعتهــا وقــوة‬ ‫هــذه الســنة ســمحت إدارة املخيــم لــكل خيمــة ببنــاء ملحــق صغــر للخيمــة لوضــع تدمريهــا‪ ،‬والخيــار اآلخــر الهجــرة نحــو املجهــول ملــن ال ميلــك قــوت يومــه‪ ،‬وتحمــل‬ ‫بعــض األغـراض التــي يقــل اســتخدامها شــتا ًء‪ ،‬حيــث يوجــد يف كل خيمــة كــا ذكــر أعبــاء التــرد والنــوم يف الع ـراء حيــث تبــدأ مأســاة جديــدة يف حياتهــم‪..‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫أبــت الظــروف والجغرافيــا أن يكــون لبنــان مقصــد‬ ‫الســوريني الذيــن متكنــوا مــن الهــروب مــن آلــة املــوت‬ ‫والقتــل والدمــار التــي مارســها النظــام الســوري منــذ اندالع‬ ‫الثــورة الســورية‪ ،‬فــكان الــذل يرتبصهــم هنــاك‪ ،‬إن كان يف‬ ‫العمــل أو التعامــل اليومــي‪ ،‬ويف ظــل تراخــي املؤسســات‬ ‫الرســمية اللبنانيــة يف أداء واجبهــا اإلنســاين‪ ،‬وتعــر عمــل‬ ‫املنظــات الدوليــة وعــى رأســها املفوضيــة العليــا لشــؤون‬ ‫الالجئــن التــي مل تســتطع أن تقــوم بواجبهــا اإلنســاين عــى‬ ‫أكمــل وجــه‪.‬‬ ‫وهنــا متــادى اللبنانيــون يف تعاملهــم مــع الالجئــن‬ ‫الســوريني‪ ،‬حيــث تــواردت األنبــاء عــن حــاالت تحــرش‬ ‫واغتصــاب للســوريات‪ ،‬وتعــرض األطفــال إىل الــرب‬ ‫والتحــرش واالختطــاف والقتــل‪ ،‬ورسقــة األعضــاء‪ ،‬واســتمر‬ ‫هــذا الحــال إىل أن طالــت االعتــداءات مخيــات اللجــوء‪،‬‬ ‫فتعرضــت لهجــوم أهــي منظــم مدعومــاً بقــوات حــزب‬ ‫اللــه‪ ،‬ومبــؤازرة مــن قبــل الجيــش اللبنــاين أيضــاً أدت‬ ‫الحـراق خيمهــم وطــرد مــن فيهــا‪ ،‬وهــذا مــا يؤكــد ليــس‬ ‫فقــط حجــم مأســاة الالجئــن وإمنــا صورتهــم الســلبية‬ ‫تجــاه مــن ال يتوافــق معهــم مذهبيــاً‪.‬‬ ‫ومل يكتفــوا بحــرق مخيامتهــم وطردهــم بــل واعتقالهــم‬ ‫وتعرضهــم للــرب والتنكيــل وحظــر للتجــوال يف أكــر مــن‬ ‫بلــدة لبنانيــة‪ ،‬والحظــر يقتــر عــى الســوريني فقــط مــع‬ ‫نــر لصاقــات عــى الجــدران متنــع تواجــد الســوريني يف‬ ‫بعــض املناطــق وكأن العنرصيــة تفشــت يف لبنــان بشــكل‬ ‫فاضــح‪.‬‬ ‫ومل تقتــر الهجــات التــي اســتهدفت الســوريني عــى‬ ‫أفــراد أو مجموعــات يتــم اختيارهــم بصــورة عشــوائية‪،‬‬ ‫بــل تعدتهــا لتشــمل عمــوم الســوريني‪ ،‬خاصــة الذيــن‬ ‫يقطنــون يف املناطــق ذات األغلبيــة الشــيعية‪ ،‬فمنــذ عــدة‬ ‫أيــام جــرى تــداول صــور عــر مواقــع التواصــل االجتامعــي‬ ‫يظهــر فيهــا ضبــاط مــن الجيــش اللبنــاين يوقفــون أعــدادا ً‬ ‫كبــرة مــن الالجئــن الســوريني املنبطحــن عــى بطونهــم‪،‬‬ ‫ووجوهــم عــى األرض عــى طريــق ت ـرايب‪ ،‬وعــى مقربــة‬ ‫مــن مخيامتهــم املشــتعلة التــي كانــت تأويهــم قبــل حــن‪.‬‬ ‫هــذا النمــط مــن التعامــل مــع الالجئــن الســوريني‪ ،‬كان‬ ‫تحــت عنــوان مكافحــة اإلرهــاب‪.‬‬ ‫ونظـرا ً إىل املــأزق الســيايس الــذي ميــر بــه لبنــان‪ ،‬وســيطرة‬ ‫حــزب اللــه عــى األمــن اللبنــاين والجيــش‪ ،‬وإيغــال هــذه‬ ‫الفئــة الضالــة يف تعطيــل مؤسســات الدولــة اللبنانيــة‬ ‫واســتحقاقاتها الدســتورية‪ ،‬فإنــه يقــع عــى عاتــق اللبنانيــن‬ ‫الرشفــاء مكافحــة هــذه األفــكار الرجعيــة والعنرصيــة التــي‬ ‫متــارس بحــق الالجئــن الســوريني تحــت شــعار مكافحــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬فــا نحــن إال إخــوة وجـران‪ ،‬فكيــف يقتــل األخ‬ ‫أخــاه‪ ،‬ومينــع عنــه املــاء والهــواء‪ ،‬والعيــش بكرامــة بعــد‬ ‫الــذل واالمتهــان الــذي لقيــه مــن نظامــه البائــد‪.‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫ُ‬ ‫مزار املستقبل‬ ‫«اهلوتة»‬ ‫محمد الحاج صالح‬ ‫نســمعه يقــول لصاحبــه باللهجــة املحل ّيــة الشــاويّة‬ ‫العميقــة‪:‬‬ ‫ يَـ ْ‬‫ـوال شــاش َج ْر َجـ ْـق‪« .‬شــاش اســم الصاحــب‪ .‬جرجــق‬ ‫أي اصطــدم‪ .‬والجرجقــة هــي اصطــدام ال ّد َحـ ُـل املقــذوف‬ ‫بالدحــات التــي يجــب أن ال يصطــدم بهــا وإال خــر‬ ‫الالعــب‪ .‬أصــل الكلمــة «تــريك»‬ ‫ُ‬ ‫ثم يقول له ضاحكاً‪:‬‬ ‫ـاكل‬ ‫ يــا ســبحان اللــه‪ .‬يــا ســبحان اللــه الحــام مــا عــا ْد يـ ْ‬‫ـاكل لحــم‪ .‬يــا ســبحان اللــه‪.‬‬ ‫حــب صــار يـ ْ‬ ‫رسبــه تنظيــم‬ ‫هــذا حــوا ٌر نســمعه يف رشيــط فيديــو ّ‬ ‫داعــش مــن «جهاديــن» داعشــيني وهــا يُلقيــان بالجثــث‬ ‫يف ال ُهوتــة قــرب بلــدة «الرتكــان» الرقاويّــة‪ .‬يف الفيديــو‬ ‫ــق عــى الجــدار‬ ‫تصطَ ِف ُ‬ ‫ُ‬ ‫تالحــق الكامــرا الجثــثَ وهــي ْ‬ ‫النــازل بح ـ ّدة إىل قلــب االنهــدام العميــق‪ ،‬والــذي ال أحــد‬ ‫يعـ ُ‬ ‫ـرف عم َقــه‪ .‬هــذا االنهــدام الــذي يشــبه ب ـرا ً وســيعاً ال‬ ‫ق ـرا َر لــه تعيــش فيــه آالف أزواج الحــام‪ ،‬وعندمــا تُلقــى‬ ‫يف الفوهــة املرتاميــة األطـراف جثـ ٌة أو حجـ ٌر يفيـ ُع الحــام‬ ‫مــن األســفل‪ ،‬ويــرى املــر ُء مشــهدا ً مــن مشــاهد غرائــب الطبيعــة‪ .‬غيمــة مــن حــام عــى بعــد‬ ‫ـب يف األجـراف املحيطيــة‬ ‫عـرات األمتــار ال تلبــثُ ـ مــا إ ْن يتخامــد الصــوتُ ـ أ ْن تســكن وتغيـ َ‬ ‫الخفيــة تحــت املشــاهد الواقــف عــى ح ـ ّد الفوهــة‪ .‬مــن هنــا جــاءت العبــار ُة التــي لفظهــا‬ ‫الداعــي بطريقــة ال تخلــو مــن مــرح و َجـذَل‪« :‬يــا ســبحان اللــه‪ .‬يــا ســبحان اللــه الحــام مــا‬ ‫ـب صــار يــاكل لحــم»‬ ‫عــا ْد يـ ْ‬ ‫ـاكل حـ ْ‬ ‫ـحب نــزوالً مــن جــوف الهوتــة إىل‬ ‫يحـ ّ‬ ‫ـس الواقــف عــى حــد فوهــة الهوتــة بــأ ّن الهــوا َء ينسـ ُ‬ ‫أعامقهــا‪ .‬األمــر الــذي يفــره الطبوغرافيــون بــأن نهـرا ً باطنيـاً أو تيــارا ً مــن مــاء يجــري هنــاك‬ ‫يف األســفل‪.‬‬ ‫حتى قبل إعالن الخالفة بزمن طويل‪ ،‬وقبل إعالن الدولة‪ ،‬عندما كانت النرص ُة هي‬

‫عنارص داعش يلقون إحدى الجثث يف الهوتة‬

‫البعب ُع كان أهل «تل أبيض» يتكلمون همساً عن عرشات الجثث التي ألقيت يف الهوتة‪.‬‬ ‫فكيف بها اآلن!‬ ‫الهوتــة انهــدا ٌم جــرى يف حقبــة جيولوجيــة ســحيقة يف ال ِق ـ َدم‪ ،‬وهــي تســتحق دراســة وافيــة‪،‬‬ ‫فلرمبــا ظهــر أن االســتفادة مــن مياههــا أمــر يف متنــاول اليــد‪ ،‬أو ظهــر أنهــا معل ـ ٌم يســتحق‬ ‫الزيــارة الســياحية‪ .‬ويــا لألســف صــارت الهوتــة ق ـرا ً جامعي ـاً‪.‬‬ ‫ال أظــن إال أ ّن ســوريني ك ـرٌ ســيزورون الهوتــة يف املســتقبل م ـرات وم ـرات‪ ،‬ليقــرأوا الفاتحــة‬ ‫عــى أرواح موتاهــم‪ .‬والفاجعــة أ ّن قــاريئ الفاتحــة املســتقبليني بجانــب هــذا الجــوف الهائــل‪،‬‬ ‫لــن يكونــوا عــى يقــن أ ّن رفــات وعظــام أح ّبائهــم ترقــد فعـاً وبشــكل مؤكّــد يف هــذه األعــاق‪.‬‬ ‫ـيظل الشـ ُّـك رفيقهــم مادامــوا أحيــا ًء‪.‬‬ ‫سـ ّ‬

‫قوات النظام ّ‬ ‫تصعد قصفها اجلوي على إيقاع ضربات التحالف‬ ‫مبدينــة حمــص‪ ،‬املحــارص منــذ أكــر مــن مثانيــة أشــهر‪ ،‬بالصواريــخ واملدفعيــة‪،‬‬ ‫الــذي ترافــق مــع قصــف جــوي مكثــف بالرباميــل املتفجــرة‪ ،‬مــا أدى لوقــوع‬ ‫عــدد مــن الشــهداء والجرحــى‪ ،‬واضطــرار القاطنــن إىل الفــرار مــن الحــي‪،‬‬ ‫بالتزامــن مــع قصــف جــوي مكثــف ملدينتــي تلبيســة والرســن يف ريــف‬ ‫حمــص الشــايل‪.‬‬

‫قصف حي الوعر ‪ -‬حمص‬

‫يف الوقــت الــذي أعلنــت فيــه دول التحالــف أن غاراتهــا الجويــة قــد أوقفــت‬ ‫تقــدم قــوات داعــش يف مدينــة كوبــاين‪ ،‬اســتغل النظــام األســدي انشــغال‬ ‫العــامل بقضيــة كوبــاين‪ ،‬وقصــف قــوات التحالــف ملواقــع ومقــرات وطــرق‬ ‫إمــداد تنظيــم الدولــة اإلســامية‪ ،‬حيــث أقــدم عــى اســتهداف حــي الوعــر‬

‫وجــاء هــذا التصعيــد الخطــر واملفاجــئ الــذي متارســه عصابــات النظــام‬ ‫عــى الحــي يف الوقــت الــذي كان يعــد العــدة لعقــد هدنــة مــع األهــايل منــذ‬ ‫شــهرين‪ ،‬حيــث تــم عقــد اللقــاءات واالجتامعــات وصياغــة البنــود‪ ,‬ومحاولــة‬ ‫الوصــول إىل صيغــة توافقيــة تنهــي أزمــة الحصــار الخانــق عــى حــي الوعــر‪.‬‬ ‫وكان النظــام قــد حشــد قواتــه القتحــام حــي جوبــر يف العاصمــة دمشــق الــذي‬ ‫يعتــر مــن أهــم معاقــل املعارضــة الســورية‪ ،‬بدأهــا بالقصــف الصاروخــي‬ ‫واملدفعــي‪ ،‬إضافــة لشــنه عــددا ً مــن الغــارات الجويــة التــي أوقعــت نحــو‬ ‫‪ /13/‬شــهيدا ً مــن املدنيــن‪ ،‬بينهــم ثالثــة أطفــال‪.‬‬

‫طريان النظام يقصف األبنية السكنية ‪ -‬حي الوعر‬


‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫‪4‬‬

‫السوريون يف أورفا‬

‫حرمل الصحافة‬

‫‪5‬‬

‫األولوية‪ :‬دحر داعش يف العراق‬

‫إبراهيم العلوش‬

‫تعــرف الســوري يف شــوارع أورفــا مــن نظرتــه الحائــرة‪ ،‬ومــن طريقــة تفاهمــه مــع‬ ‫األتـراك باإلشــارات‪ ،‬أو بأنصــاف الكلــات‪ ،‬وتعرفــه يف باصــات النقــل الداخــي وهــو‬ ‫يركــض اىل الســائق يســأله التوقــف‪ ،‬ألنــه عــرف موقــف البــاص الــذي كان يجــب أن‬ ‫ينــزل عنــده متأخـرا ً‪ ..‬ويف الحدائــق تـراه وقــد حـ َّـل عليــه التعــب مــن طــول االنتظــار‬ ‫والــرواح واملجــيء‪ ،‬وتكتشــفه وهــو يحــاول أن ميــدد رجليــه املحطمتــن تعب ـاً‪ ،‬أو‬ ‫وهــو يغفــو قلي ـاً بانتظــار مــن واعــده يف الحديقــة أو يف ناصيــة الشــارع القريبــة‬ ‫ومل يـ ِ‬ ‫ـأت‪ ،‬كان مــن املفــرض أن يــأيت مضيفــه ليحقــن تــرده وضياعــه يف الشــوارع‬ ‫والحدائــق‪ ،‬وأمــام واجهــات املحــات التــي حفظــت وجهــه املتعــب‪ ،‬املضيــف أيضـاً‬ ‫يتلــكأ يف املجــيء‪ ،‬فالبيــت الــذي يســتأجره امتــأ بالضيــوف الذيــن رشدتهــم الحــرب‪،‬‬ ‫والذيــن يــرددون دامئـاً بأنهــم ينتظــرون هاتفـاً مــن أحــد أقاربهــم أو أحــد أصدقائهم‬ ‫ليتشــاركوا معــه يف ســكن منفصــل‪ ،‬لكــن الهاتــف يتأخــر كثـرا ً‪ ،‬والحوالــة املاليــة مــن‬ ‫قريــب الضيــف املقيــم يف الخليــج أو يف أحــد املغرتبــات تتأخــر كثـرا ً‪ ،‬كثـرا ً جــدا ً!!‬ ‫يتزاحــم الســوريون يف شــققهم الضيقــة الواقعــة يف األقبيــة‪ ،‬واألبنيــة الخلفيــة ويف‬ ‫املالحــق العاليــة ويف األزقــة القدميــة ويف نهايــات خطــوط النقــل الداخــي‪ ،‬ويتنقلــون‬ ‫بشــكل جامعــات صاخبــة‪ ،‬ويســهرون إىل ســاعات متأخــرة مــن الليــل‪ ،‬ورمبــا حتــى‬ ‫الصبــاح‪ ،‬ويحملــون هواتــف «السامســونغ» الصغــرة ذات الرنــة املوحــدة‪ ،‬وتعــرف‬ ‫بيوتهــم املســتأجرة مــن الجرائــد امللصوقــة عــى النوافــذ بــدالً مــن ال ـرادي‪ ،‬ويف‬ ‫بيوتهــم يفرتشــون االســفنجات املرميــة عــى األرض‪ ،‬وهــي نفســها تســتعمل للجلوس‪،‬‬ ‫والســتقبال الضيــوف‪ ،‬وللنــوم‪ ،‬وتســتعمل أيضـاً كمالعــب لألطفــال الذيــن يشــقلبهم‬ ‫ذووهــم عــى الرشيــط االســفنجي املشــجر كلعبــة مجانيــة تعيــد الحميميــة بــن‬

‫األطفــال الصاخبــن دامئ ـاً‪ ،‬وبــن األهــل الواجمــن دامئ ـاً!!‬ ‫يبحــث الشــبان الســوريون طــوال النهــار عــن عمــل أي عمــل يســد رمقهــم ورمــق‬ ‫أهلهــم املســجونني يف بيوتهــم خشــية املصاريــف التــي تتوعدهــم يف الشــارع ويف‬ ‫املحــل املجــاور‪ ،‬ويف وســائل النقــل‪ ،‬ويف كل صــوب‪ ..‬فالحيــاة يف تركيــا شــديدة الغــاء‬ ‫اعتبــارا ً مــن رغيــف الخبــز مــرورا ً ببــاص النقــل الداخــي وباألثــاث‪ ،‬ومبكاملــات‬ ‫الهاتــف‪ ،‬وبأجــور الصيانــة‪ ،‬وأجــور البيــوت‪ ،‬وليــس انتهــا ًء بثمــن كأس الشــاي !!‬ ‫يعتمــد الســوريون يف أورفــا عــى رشاء األثــاث املســتعمل للعيــش يف شــققهم‬ ‫الخاويــة‪ ،‬فتجــد فــرن الغــاز مائ ـاً‪ ،‬والغســالة تصيــح‪ ،‬وتصــدر رصي ـرا ً‪ ،‬ورمبــا يقــوم‬ ‫أحــد املوجوديــن لســند الغســالة املرتجفــة بصخــب‪ ،‬ريثــا تنتهــي نوبــة الــدوران‬ ‫الشــديد يف مرحلــة التجفيــف‪ ،‬وال ـراد املهــرئ قــد يرمتــي بابــه كلــا خبطــه أحــد‬ ‫الصغــار بشــقاوة‪..‬‬ ‫يدمــن الســوريون عــى االنرتنــت بشــكل كبــر‪ ،‬فهــو وســيلتهم الرخيصــة لالتصــال‬ ‫بذويهــم يف ســورية أو يف املغرتبــات‪ ،‬بواســطة «الفيســبوك» و»الووتــس أب»‪،‬‬ ‫وغريهــا مــن الربامــج الفعالــة يف تقريــب املرشديــن اىل ذويهــم!‬ ‫ويدمنــون الجلــوس يف الحدائــق الكثــرة يف أورفــا وأشــهرها‪ ،‬حديقــة دوار عابدة التي‬ ‫صــارت تســمى بحديقــة الســوريني‪ ،‬إذ تجــد األوالد يتصايحــون يف أنحائهــا ويلعبــون‬ ‫يف ألعابهــا‪ ،‬والشــبان يلتقطــون أنفاســهم مــن التســكع بالتمــدد عــى العشــب قليـاً‪،‬‬ ‫فاملقاعــد يف أغلبهــا مشــغولة أو يــأيت مــن يطالــب مبشــاركتها للجلــوس وليــس‬ ‫للتمــدد!!‬ ‫يتشــكك الســوريون بــكل مــا هــو رســمي‪ ،‬وكذلــك يتشــككون مبؤسســات الدعــم‬ ‫واإلغاثــة فمعظمهــا يحمــل ســمعة غــر حســنة‪ ،‬أو لهــا غايــات حزبيــة أو مخابراتيــة‪،‬‬ ‫أو مجــرد وســيلة للنهــب‪ ،‬والرسقــة‪ ،‬واملتاجــرة بتقديــم أســاء الســوريني للجهــات‬ ‫املانحــة‪ ،‬واالدعــاء بضامنهــم ودعمهــم اجتامعي ـاً‪ ،‬فبمجــرد أن تدخــل اىل مؤسســة‬ ‫دعــم أو ضــان أو إغاثــة يأخــذون هويتــك فــورا ً‪ ،‬ويتعاملــون معــك بحميميــة ريثــا‬ ‫يثبتــون األســاء التــي يأخــذون عليهــا الدعــم عــى االســم‪ ،‬ويوزعــون الدعــم وفــق‬ ‫ضوابطهــم «الشــلليلة» أو الحزبيــة أو املناطقيــة‪ ،‬وال يهــم أن يكــون شــعار املؤسســة‬ ‫ديني ـاً ومزين ـاً بحفــظ القــرآن‪ ،‬أو غــر دينــي‪ ،‬فإنــك ســتجد الشــلل متواجــدة عــى‬ ‫األبــواب ويف الغــرف ويتبادلــون النــوادر والذكريــات كأنهــم يف بيوتهــم الخاصــة!!‬ ‫خمســة عقــود مــن حكــم البعــث‪ ،‬ومــن النهــب الرســمي وغــر الرســمي ملــوارد‬ ‫الدولــة والشــعب الســوري‪ ،‬علّمــت الكثــر مــن الســوريني طــرق التحايــل عــى‬ ‫األنظمــة والقوانــن واالدعــاءات الكاذبــة التــي تخــدع املنظــات الدوليــة والخرييــة‪،‬‬ ‫وعلّمــت هــذه الرشائــح الكبــرة‪ ،‬أيضـاً عــدم االعتــاد عــى العمــل بشــكل أســايس‪،‬‬ ‫وإمنــا عــى الفواتــر والبيانــات والوصفــات الطبيــة الوهميــة باإلضافــة اىل قبــض‬ ‫الرواتــب دون تقديــم أي عمــل‪ ،‬وعلمتهــم أيض ـاً الكســل والســهر الطويــل‪ ،‬والنــوم‬ ‫طــوال النهــار الــذي ينظــر اليــه األتــراك باســتغراب واســتهجان‪ ،‬باإلضافــة اىل‬ ‫هدرهــم الكبــر للميــاه وللكهربــاء بســبب اعتيادهــم عــى الدعــم الحكومــي الــذي‬ ‫كان يســهل حيــاة االعتــاد عــى الدولــة ومؤسســاتها التــي تســتغل هــذا التــواكل‪،‬‬ ‫للتحكــم بالنظــام وبالخيــارات السياســية واالجتامعيــة للســوريني‪ ،‬ففــي أورفــا تجــد‬ ‫بعــض العائــات‪ ،‬تخــرج اىل الحدائــق بعــد العــارشة لي ـاً‪ ،‬يف نفــس الوقــت الــذي‬ ‫يذهــب فيــه األتــراك إىل النــوم بانتظــار يــوم العمــل القــادم‪ ،‬والــذي يطــول يف‬ ‫املعامــل واملشــاغل الرتكيــة ليصــل إىل اثنتــي عــرة ســاعة يومي ـاً‪ ،‬وبــكل األحــوال‬ ‫ال يقــل عــن عــر ســاعات طويلــة وشــاقة‪ ،‬مل تعتدهــا الطبقــة املتوســطة الســورية‬ ‫التــي كانــت مدربــة عــى الســهر والتســلية ومعــارشة األجهــزة االلكرتونيــة طــوال‬ ‫الليــل والنهــار!!‬ ‫ورغــم كل املصاعــب واملشــاق فــإن الســوريني مل يتهاونــوا أبــدا ً يف تعليــم أوالدهــم‪،‬‬ ‫مــا اســتطاعوا اىل ذلــك ســبيالً‪ ،‬إذ يذهــب األطفــال الســوريون إىل مــدارس متعــددة‬ ‫يف أورفــا‪ ،‬وتــراوح جودتهــا بــن الجديــة وااللتــزام‪ ،‬وبــن التســيب والفــوىض‬ ‫والتصيــد للمســاعدات الدوليــة أو تصيــد ذوي الطــاب والتالميــذ بفــرض رســوم يف‬

‫كل مناســبة‪ ،‬وأحيانـاً بــا أيــة مناســبة‪ ،‬ومل تتــورع بعــض إدارات املــدارس‪ ،‬وهــم مــن‬ ‫مدعــي الثــورة أيضـاً‪ ،‬مــن أكل رواتــب املعلمــن أو ابتزازهــم أو مامرســة الضغوطــات‬ ‫عليهــم‪ .‬واملــدارس العربيــة يف أورفــا يغلــب عليهــا الطابــع الحكومــي اإلخــواين‪ ،‬يف‬ ‫اإلدارة والســيطرة والتحــزب الــذي ال يفــرق كثـرا ً‪ ،‬عــن التحــزب البعثــي الــذي دمــر‬ ‫البــاد وأودى بنفــس هــؤالء املتعصبــن إىل هــذا التــرد وهــذا الضيــاع!!‬ ‫تتنــوع األحيــاء التــي تــؤوي الســوريني مــن حــي (حيــايت ح ـران) الفقــر والبعيــد‬ ‫حتــى حــي (قــره كوبــري) الغنــي والبعيــد أيضـاً‪ ،‬مــرورا ً مبركــز املدينــة الــذي يرغــب‬ ‫فيــه الســوريون لالســتغناء عــن دفــع أجــور النقــل الداخــي الغاليــة جــدا ً بالنســبة‬ ‫لســورية!‬ ‫ويقطــن الســوريون يف املناطــق الريفيــة وخاصــة تــل أبيــض تــريك التــي يفضلهــا‬ ‫الكثــرون بســبب معربهــا باتجــاه ســورية واملغلــق حاليـاً بســبب التوتـرات األمنيــة‬ ‫عــى الحــدود!‬ ‫ويتواجــد يف أورفــا خمســة مخيــات لالجئــن الســوريني‪ ،‬واحــد يف تــل أبيــض تــريك‬ ‫والثــاين يف بلــدة حــران؛ واثنــان يف جيــان بينــار‪ ،‬والخامــس يف رسوج‪ ،‬ويعــاين‬ ‫الكثــرون مــن صعوبــة الدخــول إىل هــذه املخيــات بســبب ازدحامهــا وإغالقهــا‬ ‫أمــام الالجئــن الجــدد‪ ،‬حيــث تــرى املنتظريــن يجلســون أمــام املخيــات طــوال‬ ‫أســابيع‪ ،‬ورمبــا طــوال أشــهر‪ ،‬علّهــم يجــدون ملجــأً لهــم يف خيمــة تؤويهــم مــن‬ ‫التــرد والضيــاع‪ ،‬وتــرى املنتظريــن أمــام املخيــم‪ ،‬يف حـ ّر متــوز وآب يجلســون تحــت‬ ‫حصــر قديــم ومشــقق يســتظلون بــه بانتظــار يــوم املنــى وهــو يــوم القبــول يف‬ ‫املخيــم!!!‬ ‫الســوريون يف أورفــا كــا يف كل تركيــا‪ ،‬ويف كل املغرتبــات بحاجــة ماســة اىل التنظيــم‬ ‫والتعــاون‪ ،‬وبحاجــة اىل إعــاء حــس العــدل واإلنصــاف بــدل حــس املناطقيــة‬ ‫واملذهــب والتحــزب‪ ،‬وبحاجــة اىل طــرح قضاياهــم بشــكل أمــن وبعيــدا ً عــن‬ ‫انتهازيــي النظــام الســابق‪ ،‬وبعيــدا ً عــن أخــاق التالعــب التــي جذرهــا النظــام‬ ‫االســتبدادي‪ ،‬الســوريون هــم الوحيــدون املؤهلــون للتخفيــف عــن بعضهــم البعــض‬ ‫ورعايــة بعضهــم البعــض‪ ،‬وجعــل قضيتهــم حيــة ال متــوت بالتقــادم‪ ،‬الســوريون يف‬ ‫أورفــا ينظــرون دامئ ـاً إىل حــدود بالدهــم التــي ســيعربونها ذات صبــاح مــرق إىل‬ ‫بيوتهــم‪.‬‬

‫(‪)1‬‬

‫طاملــا كانــت األســتانة الوجهــة الفضــى للجميــع خــال حقبــة‬ ‫االحتــال العثــاين للمنطقــة‪ ،‬وكان مــا يصــل مــن أخبارهــا‬ ‫وســحرها يثــر مخيلــة الســاعني إىل املجــد والــروة والتقــرب‬ ‫مــن الســاطني والــوﻻة فيهــا‪ ..‬كذلــك غــدت معاملهــا مــرب‬ ‫أمثــال لــدى العــرب مــن قــر «يلــدز» إىل البــاب العــايل‬ ‫إىل الحكايــات األســطورية التــي كانــت تحــاك حــول قصــور‬ ‫نســاء الســلطنة‪ ..‬وخــال مســار مــا بــات يدعــى «الربيــع‬ ‫العــريب» انتهــا ًء بالثــورة الســورية عــادت هــذه املدينــة‬ ‫لتســتعيد بعضــاً مــن أمجادهــا الســابقة‪ ،‬وتكــون مفصليــة‬ ‫يف كثــر مــن األحــداث السياســية ورمبــا العســكرية التــي‬ ‫شــهدتها دول الربيــع‪ ،‬وكان للحالــة الســورية النصيــب األكــر‬ ‫مــن عــودة اســطنبول إىل واجهــة الحــدث كونهــا املدينــة‬ ‫التــي احتضنــت‪ ،‬وﻻزالــت‪ ،‬املعارضــة الســورية بأجســامها‬ ‫السياســية واملدنيــة إضافــة إىل عــدد هائــل مــن الالجئــن‪،‬‬

‫ومــع القـرارات الحكوميــة التــي أحدثتهــا تركيــا فيــا يخــص‬ ‫تواجــد الســوريني عــى أراضيهــا ومعاملتهــم كضيــوف ﻻ‬ ‫يرتتــب عليهــم أيــة تبعــات قانونيــة تخــص إقامتهــم‪ ،‬توافــد‬ ‫إىل اســطنبول الكثــر مــن الســوريني حتــى فــاق عددهــم‬ ‫يف إحصائيــة شــبه رســمية النصــف مليــون ســوري توزعــوا‬ ‫عــى امتــداد املدينــة مــع تواجدهــم بكثافــة يف نقــاط معينــة‬ ‫اشــتهرت نســبة إليهــم‪ ..‬الالفــت يف الحالــة الســورية داخــل‬ ‫اســطنبول قــد يبــدو عاديـاً أو حتــى ﻻ يلقــى بــاالً لــدى أحــد‪..‬‬ ‫لكنــه يف العمــق‬

‫(‪)2‬‬

‫ميثــل واقــع املأســاة الســورية ككل يف تركيــا‪ ..‬فاســطنبول‬ ‫هــي املدينــة الوحيــدة التــي تعقــد فيهــا الصفقــات لتهريــب‬ ‫الســوريني إىل أوروبــا‪ ،‬حيــث دفــع هنــا الكثــر مــن الســوريني‬ ‫مثــن غرقهــم يف البحــر بــن تركيــا واليونــان‪ ..‬وهنــا تنتــر‬

‫بكثافــة ظواهــر مســيئة بحــق اإلنســان الســوري‪ ..‬مــن‬ ‫التســول إىل عاملــة األطفــال إىل الدعــارة الرسيــة‪ ..‬حيــث يف‬ ‫حــاﻻت محــدودة منهــا يتــم تقديــم قــارصات إىل األثريــاء‬ ‫العــرب الذيــن يتوافــدون للســياحة‪ ،‬إضافــة إىل العاملــة‬ ‫الســورية الرخيصــة األجــر والتــي أفــاد منهــا القطــاع الــريك‬ ‫الخــاص بشــكل ملحــوظ إىل حــد أن كث ـرا ً مــن فئــات هــذا‬ ‫القطــاع انتخبــت أردوغــان مؤخــرا ً كرئيــس للجمهوريــة‬ ‫بفعــل هــذه العاملــة‪ ،‬وهنــاك ســبب جوهــري كــا أفــادين‬ ‫أحــد األصدقــاء األتــراك الــذي يعمــل بالتجــارة يتمثّــل يف‬ ‫ضــان بقــاء وجــود العاملــة الســورية ﻷن ذلــك يضمــن‬ ‫لهــم بالــرورة اســتمرار اليــد الســورية العاملــة‪ ،‬وتحقيــق‬ ‫مكاســب وحــاﻻت إثــراء أحيانــاً عــى حســابها‪ ،‬وقــد قــدر‬ ‫حجــم العاملــة هــذه بحــدود ال‪ 95‬ألــف ســوري وســورية‬ ‫يعملــون‪ 12‬ســاعة يوميـاً بأجــر زهيــد ﻻ يتعــدى ال‪800~700‬‬ ‫لــرة تركيــة شــهرياً أي أقــل مــن نصــف مــا يتقاضــاه العامــل‬

‫د‪ .‬أمحد طعمة‬ ‫رئيساً للحكومة جمدداً؟!‬ ‫وافقــت الهيئــة السياســية لالئتــاف الوطنــي الســوري املعــارض عــى‬ ‫ترشــيح ‪ 13‬مرشــحاً ملنصــب رئاســة الحكومــة الســورية املؤقتــة مــن أصــل‬ ‫خمســن شــخصية تقدمــوا بطلبــات ترشــيحهم‪.‬‬ ‫وهــم‪ -1 :‬أحمــد طعمــة ‪ -2-‬إيــاد قــديس ‪ -3-‬محمــد ياســن نجــار ‪-4-‬‬ ‫وليــد الزعبــي ‪ -5-‬محمــد رحــال ‪ -6-‬صفــاء زرزور ‪ -7-‬مليــاء نحــاس‬ ‫‪ -8‬عــي بــدران ‪ -9-‬صبــا حاكيــم ‪ -10-‬عبــد الرحمــن ددم ‪ -11-‬عبــدو‬‫حســام الديــن ‪ -12-‬غســان هيتــو ‪ -13-‬هــاين خبــاز‪.‬‬ ‫ووســط انســحابات بالجملــة عــى رأســها الكتلــة الدميوقراطيــة‪ ،‬ورئيــس‬ ‫االئتــاف هــادي البحــرة‪ ،‬وبعــد أســبوع مــن املناقشــات واالختالفــات‪ ،‬فــاز‬ ‫رئيــس الحكومــة املقــال الدكتــور طعمــة مجــددا ً برئاســة الحكومــة بـــ ‪63‬‬ ‫صوتـاً مــن أصــل ‪ 65‬عضــوا ً شــاركوا يف االنتخابــات‪.‬‬

‫القــاع العالــي‬

‫نزار األحمد‬

‫أشــار مصــدر أمريــي مســؤول أن األولويــة ترتكــز يف دحــر تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســامية «داعــش» يف الع ـراق بالتــوازي مــع عمــل مشــرك لقــوات التحالــف‬ ‫وقــوات محليــة عراقيــة قــادرة عــى القتــال هنــاك‪ ،‬فيــا أكــد مصــدر عســكري‬ ‫أمريــي أن الهــدف مــن الغــارات الجويــة يف ســوريا هــو قطــع خطــوط التمويــن‬ ‫واإلمــداد وزعزعــة مخابــئ املتطرفــن‪.‬‬ ‫وكان الجيــش األمــريك قــد أعلــن أن طائــرات الــدول املشــاركة يف التحالــف‬ ‫نفــذت فقــط ‪ %10‬مــن مجمــوع الغــارات الجويــة عــى مواقــع املتطرفــن يف‬ ‫العــراق وســوريا‪ ،‬بينــا نفــذ الطــران األمــريك ‪ %90‬مــن الغــارات‪ .‬وذكــرت‬ ‫مصــادر يف الجيــش األمــريك أن الطائ ـرات األمريكيــة نفــذت نحــو ‪ 1800‬غــارة‬ ‫جويــة‪ ،‬يف حــن نفــذت طائ ـرات الــدول األوروبيــة والعربيــة نحــو ‪ 200‬غــارة‬ ‫ضــد املتطرفــن يف العــراق وســوريا‪.‬‬

‫الــريك‪ ..‬ومبــوازاة ذلــك هنالــك ظاهــرة ســورية مناقضــة متامـاً‬ ‫أﻻ وهــي رأس املــال الســوري الخــاص الــذي أقــام الكثــر‬ ‫مــن االســتثامرات املتعــددة هنــا مــن مطاعــم إىل محــات‬ ‫ألبســة إىل رشكات ســياحية وتجاريــة‪ .‬املفارقــة املوجعــة والتي‬ ‫ســنلحظها هنــا تحديــدا ً ســوف تجــد أمــام مطعــم ســوري‬ ‫طفــل ســوري يبيــع املحــارم‪ ،‬ســوف تجــد قــرب معــرض‬ ‫ســوري أرملــة ســورية تتســول‪ ،‬ســوف تجــد عنــد بــاب رشكــة‬ ‫ســورية مقاتــل ســوري فقــد إحــدى قدميــه بإحــدى املعــارك‬ ‫يبيــع الســاعات‪ ..‬البــاب العــايل هنــا انحنــى كثــرا ً ليامثــل‬ ‫القــاع الســوري املتناقــض يف اســطنبول‪ ..‬هــذا القــاع الــذي‬ ‫يص ـ ّدر املزيــد مــن الضحايــا للبحــر‪ ،‬واملزيــد مــن الضحايــا‬ ‫لإلنســانية واملزيــد مــن الالإنســان الســوري‪ ..‬الــذي جعــل‬ ‫مــن صاحــب مقهــى تــريك يجيــد العربيــة يقــول لســورية‬ ‫متســولة‪ :‬أبنــاء شــعبك يشــتغلون مبليــارات الــدوﻻرات هنــا‬ ‫اذهبــي إليهــم‪.‬‬

‫كــا أعلنــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة أنهــا اســتخدمت للمــرة األوىل طائـرات‬ ‫مروحيــة يف هجامتهــا ضــد املتطرفــن يف العــراق‪ .‬وقالــت القيــادة املركزيــة‬ ‫للقــوات األمريكيــة يف الــرق األوســط إنهــا اســتخدمت طائـرات هليكوبــر ضــد‬ ‫املتطرفــن ومواقعهــم قــرب الفلوجــة‪ .‬وأضافــت أنهــا املــرة األوىل التــي تســتخدم‬ ‫فيهــا الطائــرات املروحيــة مــن طــراز «أباتــي» لدعــم عمليــات القــوات‬ ‫العراقيــة عــى األرض‪.‬‬ ‫ويف ســياق متصــل قــال أحمــد الجربــا الرئيــس الســابق لالئتــاف الوطنــي لقــوى‬ ‫الثــورة واملعارضــة الســورية لقنــاة العربيــة إن الرضبــات الجويــة لــدول التحالف‬ ‫جــاءت متأخــرة وهــي غــر كافيــة لشــل قــوى اإلرهــاب‪ ،‬ومــا نحتاجــه ق ـرار‬ ‫دوليـاً بترسيــع وتــرة تدريــب الجيــش الحــر يف املرحلــة املقبلــة‪.‬‬ ‫وأشــارت التقاريــر الــواردة مــن محافظــة الرقــة إىل ارتفــاع معــدل النــزوح‬ ‫مــن مدينــة الرقــة واملناطــق الحرضيــة الكــرى نتيجــة ازديــاد عــدد الغــارات‬ ‫الجويــة لــدول التحالــف والتــي كان آخرهــا صبــاح يــوم االثنــن ‪2014/10/13‬‬ ‫واســتهدفت منــذ انطالقتهــا مواقــع ومق ـرات تنظيــم الدولــة الواقعــة ضمــن‬ ‫التجمعــات املدنيــة‪ ،‬مثــل مبنــى املحافظــة‪ ،‬ومركــز الهاتــف القديــم‪ ،‬والقضــاء‬ ‫العســكري‪ ،‬وامللعــب البلــدي‪ ،‬ومحيــط دوار الفروســية‪ ،‬كــا شــهدت أســواق‬ ‫محافظــة الرقــة ارتفاعـاً بأســعار املــواد الغذائيــة‪ ،‬واملشــتقات النفطيــة‪ ،‬والغــاز‬ ‫املنــزيل‪ ،‬حيــث وصــل ســعر أســطوانة الغــاز إىل ‪ 8000‬لــرة ســورية‪ ،‬فيــا وصــل‬ ‫ســعر ربطــة الخبــز إىل ‪ 200‬لــرة‪ ،‬وعـزا كثــر مــن املحللــن أســباب ارتفاع أســعار‬ ‫املشــتقات النفطيــة إىل رضب قــوات التحالــف مصــايف النفــط يف مدينــة تــل‬ ‫أبيــض الحدوديــة‪ ،‬الــذي يــأيت يف إطــار رضب البنــى التحتيــة يف محافظــة الرقــة‪،‬‬ ‫ومحافظــة ديــر الــزور التــي شــهدت قصف ـاً مكثف ـاً ملعمــل الغــاز «كونيكــو»‪،‬‬ ‫ومصــايف البــرول الواقعــة رشق مدينــة املياديــن‪ ،‬وتتبــع هــذه األخــرة مبجملهــا‬ ‫لتنظيــم الدولــة اإلســامية‪.‬‬

‫وطنــي فاقــد للثقــة واملصداقيــة‪ ،‬وأيــة نطفــ ٍة هــذه التــي تخلّقــت يف‬ ‫رحــمٍ يفتقــر إىل النظافــة والطهــارة‪.‬‬ ‫وأيــة قيــاد ٍة‪ ،‬وأيــة زعام ـ ٍة تلــك التــي كان ميارســها االئتــاف عــى مــدى‬ ‫تنطعــه لهــذه املهمــة إذا كانــت عالقتــه مــع النــاس منقطعــة‪ ،‬والثقــة‬ ‫بقيادتــه مفقــودة‪.‬‬ ‫ وعــن أيــة حكومــة نتحــدث‪ ...‬وقــد فشــل االئتــاف والحكومــة الســابقة‬‫يف مــلء الف ـراغ يف املناطــق املحــررة‪ ،‬ويف تنظيــم الجيــش الحــر ودعمــه‪،‬‬ ‫ال بــل وصــل األمــر بالحكومــة الســابقة إىل حــ ّد اإلطاحــة باملجلــس‬ ‫العســكري التابــع للجيــش الســوري الحــر‪ ،‬وإقالــة رئيــس هيئــة األركان يف‬ ‫أحلــك الظــروف السياســية والعســكرية للثــورة الســورية‪ ،‬دون أن تكــون‬ ‫لديــه البدائــل الجاهــزة والكفــوءة؟!‬ ‫ وعــن أيــة حكومــة نتحــدث‪ ...‬إذا كان حفــظ حيــاة النــاس‪« ،‬القانــون‬‫األول للطبيعــة»‪ ،‬هــو آخــر هواجســهم وخــارج برامجهــم االنتخابيــة التــي‬ ‫تهتــم برتشــيد املــوارد املاليــة‪ ،‬واالبتعــاد عــن الهــدر‪ ،‬يف إقــرار ضمنــي‬ ‫منهــم بــأن املرحلــة الســابقة قــد خاضــت بالهــدر إىل ركبهــا‪ ،‬وبالتفريــط‬ ‫إىل مــداه؟!‬ ‫ وعــن أيــة اســراتيجيات تنمويــة تتحــدث‪ ...‬وقــد أكــدت منظمــة‬‫األغذيــة والزراعــة التابعــة لألمــم املتحــدة «فــاو» أ ّن عــدد محتاجــي‬ ‫املســاعدات الغذائيــة يف ســوريا ارتفــع بنســبة خمســن يف املئــة خــال‬ ‫عــام واحــد‪ ،‬وأ ّن ســتة ماليــن ونصــف املليــون ســوري يف حاجــة ماســة‬ ‫وكان مــن أبــرز النقــاط التــي ركــز عليهــا املرشــحون يف برامجهــم‬ ‫للغــذاء؟!‬ ‫االنتخابيــة‪:‬‬ ‫ فهــل هنــاك رضورة إىل حكومــة ســورية مؤقتــة‪ ،‬مل تثبــت يف املــرة‬‫‪ -1‬إعادة الثقة بني الشعب السوري االئتالف‬ ‫الســابقة أنهــا قــادرة عــى عمــل شــئ مــا؟!‬ ‫‪ -2‬تنظيم صفوف الجيش السوري الحر‬ ‫ وهــل يســتطيع االئتــاف أن يجعــل النــاس تســتعيد الثقــة بــدوره‪،‬‬‫‪ -3‬وضع آليات ترشيد املوارد املالية لالئتالف واالبتعاد عن الهدر‬ ‫وهــل يســتطيع البــت يف عالقتــه الناظمــة بالحكومــة وتقنينهــا‪ ،‬ووضــع‬ ‫‪ -4‬وضع اسرتاتيجيات تنموية وإنتاجية‪ .....‬الخ‬ ‫الضوابــط والضامنــات لعمــل كل منهــا؟!‬ ‫ فــإذا كان أول أهدافهــم‪ ،‬وأقــى طموحاتهــم إعــادة الثقــة بــن الشــعب‬‫ وهــل تســتطيع الحكومــة أن تتحمــل مســؤولياتها اإلداريــة والتنفيذيــة‪،‬‬‫الســوري واالئتــاف‪ ،‬فأيــة حكومــة هــذه التــي تولــد مــن رحــم ائتــاف‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫الحرملي‬ ‫أحالم الطفولة الضائعة‪!..‬‬ ‫يوسف دعيس‬

‫تشــكل مدرســة ســليامن شــاه الوليــد للطلبــة الســوريني يف أقجــة قلعــة‪ ،‬حالــة‬ ‫متفــردة‪ ،‬ليــس مــن ناحيــة عــدد طالبهــا الذيــن تجــاوزوا األلــف وســبعامئة طالــب‪،‬‬ ‫واملرشــح لالزديــاد أكــر‪ ،‬وال بعــدد كادرهــا التعليمــي واإلداري الــذي يقــارب الثامنني‪،‬‬ ‫وال مــن ناحيــة البنــاء‪ ،‬وال توفــر املســتلزمات التعليميــة‪ ،‬بــل بــدأب كادرهــا عــى‬ ‫التميــز رغــم كل الصعــاب التــي يواجهونهــا‪ ،‬والتــي تبــدأ بشــح الراتــب الشــهري‪،‬‬ ‫ونــدرة اإلعانــات املتعلقــة مبســتلزمات العمليــة الرتبويــة والتعليميــة‪ ،‬إضافــة لكونهــا‬ ‫مــن املــدارس النموذجيــة يف مجــال االنضبــاط‪ ،‬علـاً أنهــا مــن أكــر املــدارس العربية‬ ‫يف تركيــا‪.‬‬ ‫يقابــل هــذا الســعي إىل التميــز‪ ،‬ثقــة الالجــئ الســوري بهــذه املدرســة املنضبطــة‪،‬‬ ‫التــي تحفــظ أوالده مــن الشــارع‪ ،‬أو انخراطهــم يف ســوق العمــل مبكـرا ً‪ ،‬وحصولــه‬ ‫عــى كامــل حقوقــه بالتعلــم والرتبيــة‪ ،‬كــا تقتــي القوانــن والرشائــع‪.‬‬ ‫تفتقــر مدرســة ســليامن شــاه ملقومــات املدرســة الحقيقيــة التــي ملســناها مبــارشة‬ ‫خــال جولتنــا امليدانيــة عليهــا‪ ،‬ومــن كادرهــا املتطــوع الــذي يعــاين مــن م ـرارة‬ ‫اللجــوء هــو اآلخــر مثــل بقيــة الالجئــن الســوريني‪ ،‬والــذي يقابلــه إرصار وحــرص‬ ‫عــى تقديــم مــا لديهــم مــن معــارف إىل أبنــاء بلدهــم املهجريــن قهــرا ً وصــرا ً‪،‬‬ ‫والحاحهــم يف التواصــل مــع الحكومــة الســورية املؤقتــة‪ ،‬واالئتــاف الوطنــي لقــوى‬ ‫الثــورة واملعارضــة‪ ،‬واملنظــات اإلنســانية العاملــة يف تركيــا‪ ،‬الذيــن مل يتجاوبــوا‬ ‫بشــكل فعــي مــع نــداءات املدرســة وكادرهــا التعليمــي‪ .‬وكان مثــرة تواصلهــم هــذا‬ ‫مــا حصيلتــه ‪ 300‬دوالر لــكل عامــل يف املدرســة جاءتهــم مــن االئتــاف الوطنــي‬ ‫ملــرة واحــدة فقــط‪ ،‬و‪ 600‬لــرة تركيــة مــن منظمــة الهــال األزرق ملــرة واحــدة‬ ‫أيضـاً‪ ،‬رغــم أنهــم بــارشوا عملهــم منــذ أربعــة أشــهر‪ .‬واكتفــت منظمــة افــاد ببنــاء‬ ‫املدرســة مــن الخيــم‪ ،‬وتوفــر املقاعــد والك ـرايس‪ ،‬وتســليم الطلبــة القرطاســية مــن‬ ‫دفاتــر وأقــام وحقائــب‪.‬‬ ‫املدرســة تحتــاج أكــر مــن ذلــك خاصــة ونحــن مقبلــن عــى فصــل الشــتاء‪ ،‬والتالميذ‬ ‫ال ميلكــون مثــن أحذيتهــم‪ ،‬فكيــف هــو حالهــم وهــم ينتظــرون وصــول وســائل‬ ‫التدفئــة أو اإلطعــام أو الوســائل التعليميــة املســاعدة‪ ،‬وســيارات لنقــل التالميــذ‪،‬‬ ‫وغــره مــن املســتلزمات اإلنســانية األخــرى‪ ،‬وحتــى نقطــع الطريــق عــى تجــار‬ ‫األزمــات الذيــن يحــرون أنفســهم بــن املدرســة ومصــادر التمويــل املتعــددة‪ ،‬أوالً‬ ‫يجــب عــى الحكومــة الســورية املؤقتــة أن تأخــذ اإلجـراءات الالزمــة يف اســتهداف‬ ‫املدرســة عــن طريــق وزارة الرتبيــة الغائبــة أصـاً عــن أداء واجبهــا األســايس‪ ،‬وهــي‬ ‫املختصــة بهــذا الشــأن‪ ،‬وثانيـاً أيــن منظمــة اليونيســيف؟ وهــي التــي تُعنــى بشــأن‬ ‫الطفولــة‪ .‬وأيــن املنظــات األخــرى والتــي تجــاوز عددهــا املئــات عــن هــذه‬ ‫املدرســة؟!‪.‬‬ ‫األطفــال هــم أمانــة بأعناقنــا‪ ،‬ألنهــم بنــاة املســتقبل لســوريا حــرة‪ ،‬وهــم أملنــا‬ ‫بحيــاة جديــدة ومختلفــة‪ ،‬وإذا مل نســتطع اســتهدافهم بشــكل صحيــح‪ ،‬وأن نوفــر‬ ‫لهــم أساســيات التعلــم والرتبيــة‪ ،‬وأن نؤمــن ملعلميهــم واإلداريــن مــا يكفيهــم رش‬ ‫الســؤال‪ ،‬فعــى مســتقبل ســوريا الســام‪.‬‬

‫وتلتــزم بأهــداف الثــورة وعــى‬ ‫رأســها الدميوقراطيــة التمثيليــة‪،‬‬ ‫واالبتعــاد عــن الشــللية واملحســوبية‬ ‫والفئويــة واملناطقيــة‪...‬؟!‬ ‫وإىل أن نصــل إىل تحمــل الحكومــة‬ ‫واالئتــاف لدورهــا الســيايس يف‬ ‫هــذه املرحلــة التــي تتضــارب فيهــا‬ ‫املواقــف الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬مــع‬ ‫مــا يلــف الحــل الســيايس مــن‬ ‫غمــوض‪ ،‬والحملــة الدوليــة عــى‬ ‫اإلرهــاب مــن خفايــا ومفاجــآت‬ ‫ودمــار‪ ،‬أخــى أن اليبقــى حجــر‬ ‫عــى حجــر يف ســوريا‪ ،‬وأخــى‬ ‫أن النكــون أحيــا ًء لنشــهد هــذه‬ ‫املرحلــة‪.‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫احتلــت (الرقــة) مكانتهــا الشــهرية اســتثنائياً‪ ،‬لــدى كل مــن كان يتتبــع أو يشــارك تقاســمت أحــرار الشــام إىل جانــب النــرة‪ ،‬نفــوذ اإلدارة ملــوارد املدينــة‪،‬‬ ‫فعاليــات الثــورة الســورية‪ ،‬وقــد بــدأت الحكايــة عندمــا أصبحــت بوابتهــا ومنفذهــا ومتابعــة املرافــق الرشعيــة والخدميــة باعتبارهــا القــوة اإلســامية التــي‬ ‫الهــام عــى الجــوار الــريك محــررا ً‪ ،‬بفعــل معركــة جــرت فعالياتهــا داخــل ذلــك تتامثــل بجوهرهــا العقائــدي ويف مقاصدهــا وسياســاتها الرشعيــة‪.‬‬

‫املعــر‪ ،‬انتهــت بإعــان الجانبــن الــريك وكتائــب الجيــش الحر(املجلــس العســكري‬ ‫ الفــاروق – غربــاء الشــام) تحريــر البوابــة‪ ،‬كان ذاك يف يــوم (‪2012/9/19‬م)‬‫وأصبحــت تــل أبيــض خاليــة مــن املدنيــن نتيجــة املعركــة‪.‬‬ ‫مل تشــارك كتيبــة القادســية يف تلــك الواقعــة‪ ،‬والســبب يعــود يف ذلــك إىل وجــود‬ ‫خليــة تنتســب إىل جبهــة النــرة تقاتــل مــع القــوام العســكري لكتيبــة القادســية‬ ‫يف تــل أبيــض‪ ،‬واكتفــت الكتيبــة بحصــار وتعقــب بعــض نقــاط الســيطرة للنظــام‪،‬‬ ‫خــارج البوابــة (بــر عاشــق‪ ،‬رنــن) إىل أن أعلــن مجاهــدو النــرة تركهــم (القادســية)‬ ‫بعــد املعركــة الفاصلــة يف بــر عاشــق وإعــدام حــوايل (‪ )20‬ممــن استســلموا‪ ،‬تأسيســا‬ ‫لحالــة مــن العنــف الشــديد تجــاه الخصــوم بقصــد الســيطرة وبــث الرعــب تــم‬ ‫عــى إثرهــا اإلعــان عــن تشــكيل أول خليــة مســتقلة للنــرة يف منطقــة تــل أبيــض‪،‬‬ ‫جعلــت مــن نفســها الجهــة الوصائيــة األوىل عــى تشــكيالت الجيــش الحــر‪ ،‬ســلوكاً‬ ‫وتكتيــكاً واسـراتيجياً‪ ،‬وطرحــت شــكالً مــن اإلدارة والتنظيــم املنضبــط‪ ،‬حققــت فيــه‬ ‫حضــورا ً وخشــية غــر معهوديــن لــدى تشــكيالت الجيــش الحــر ولــدى عمــوم النــاس‬ ‫أيضـاً‪.‬‬ ‫يف معــرض التحضــر لدخــول (الرقــة) وتحريرهــا‪ ،‬جــرت محــاوالت اســتعراض للقــوة‪،‬‬ ‫وقــرر (لــواء ثــوار الرقــة) محــارصة الســجن املــدين عــى أطرافهــا‪ ،‬وظهــرت الكثــر‬ ‫مــن الفتــاوى والفتــاوى املضــادة اصطرعــت فيــا بينهــا لتربيــر رضورة التحريــر‪،‬‬ ‫فــررت جبهــة تحريــر الرقــة واملكونــة مــن‪( :‬أحـرار الشــام ‪-‬أحـرار الطبقــة –الفاروق‬ ‫–األحفــاد ‪-‬أمنــاء الرقــة ‪-‬القســام وبعــض الكتائــب األخــرى) إرجــاء معركــة املدينــة‬ ‫تجنبـاً إليــذاء النازحــن‪ ،‬واالقتصــار عــى مهاجمــة األهــداف العســكرية‪.‬‬ ‫انفــردت النــرة بإرصارهــا دخــول املدينــة‪ ،‬ومبحــاوالت عــدة‪ ،‬تســللت لهــا رسا ً‬ ‫ومتكنــت مــن تحريرهــا مبشــاركة مجموعــة مــن القــوى غــر املتامثلــة يف يــوم‬ ‫(‪2013/3/4‬م) وأعلنــت النــرة إمارتهــا اإلســامية عــى الرقــة‪.‬‬

‫أعلنــت بعــض القــوى الدوليــة إدراج النــرة عــى الئحــة اإلرهــاب‪ ،‬دون أحــرار‬ ‫الشــام‪ ،‬وأصبحــت النــرة تجاهــر بــأن برنامجهــا ليــس بربنامــج الثــورة الســورية‬ ‫التحــرري الدميقراطــي‪ ،‬وأن مرجعيتهــا التنظيميــة هــي مرجعيــة القاعــدة وبــدأت‬ ‫مقاومــة املظاهــر املدنيــة للثــورة‪.‬‬ ‫تفــرد أحــرار الشــام بنمــوذج مــن التجنيــد واالســتقطاب‪ ،‬وتــم تعبئــة املدنيــن‬ ‫مبكاتــب إداريــة وتنظيميــة وخدميــة للحركــة تركــزت فعالياتهــا عــى االســتفادة‬ ‫مــن كل مــوارد املدينــة واغتنامهــا دون تقديــم خدمــات للمجتمــع‪( ،‬مكافئــة)‬ ‫لتلــك الغنائــم وظهــر القضــاء الرشعــي بشــكله العاجــز عــن اســتيعاب متطلبــات‬ ‫ومقتضيــات حاجــات املجتمــع إىل التقــايض وأهمــل التعليــم واإلدارات العامــة‬ ‫شــيئاً فشــيئاً‪ ،‬ومل يســجل للمعارضــة إال ذلــك الحضــور الضئيــل جــداً‪ ،‬متثــل‬ ‫مبشــاركة خجولــة للمجالــس املحليــة‪ ،‬ومل تكــن تجربــة العمــل الدميقراطــي ناضجــة‬ ‫واســتمرأت كــوادر املعارضــة والثــورة صعــود الراديكاليــة اإلســامية حتــى وصلــت‬ ‫إىل الشــلل املطلــق‪.‬‬ ‫يف تلــك اآلونــة شــكلت األهــداف العســكرية الرقيــة (عقدة) لــدى تشــكيالت الجيش‬ ‫الحــر وذهبــت النــرة وأحــرار الشــام إىل تنظيــم صفوفهــا وإقامــة املعســكرات‬ ‫التدريبيــة‪ ،‬باســتقطاب واســع للمهاجريــن‪ ،‬حتــى وقــع املجتمــع يف قبضــة التســلط‬ ‫والتشــدد والتطــرف‪ ،‬وظهــر االســتبداد اإلداري والتنظيمــي مــن جديــد‪ ،‬وتــم اإلعــان‬ ‫عــن دولــة العـراق والشــام اإلســامية‪ ،‬كل ذلــك حتــم عــى تنظيــم النــرة االندمــاج‬ ‫يف اإلعــان الجديــد‪ ،‬ومــا هــي إال أيــام حتــى ظهــر «رصاع املتامثلــن» بإعــان تنظيــم‬ ‫النــرة‪ ،‬مرجعيتــة املختلفــة‪ ،‬وانشــقاق قيــادات هامــة فيهــا عــن دولــة العــراق‬ ‫والشــام االســامية‪.‬‬ ‫تعامــل تنظيــم الدولــة مــع خصومــه املتامثلــن معــه يف الربنامــج (خالفــة إســامية)‬ ‫دون املرجعيــات بخشــونه تليــق بفتوتــه واحرتافــه يف تصفيــة الخصــوم‪ ،‬وبــدأ بقضــم‬

‫صراع غلبات‬

‫رمبــا مــن املفيــد أحيانـاً‪( ،‬ونشــدد هنــا عــى كلمتــي‪ :‬رمبــا وأحيانـاً) أن ننظــر إىل األمــور بعــن املراقــب الخارجــي‪ ،‬وقــد تــزداد‬ ‫الفائــدة‪ ،‬إذا وســعنا مجــال تلــك الرؤيــة (باملعنيــن‪ :‬الزمــاين واملــكاين) إىل الحــد األقــى الــذي يســمح بــه مقتــى الحــال؛ فهــل‬ ‫األزمــة طارئــة ومحــدودة؟ أم هــي أصيلــة وعامــة‪.‬‬ ‫منــذ النشــوء األول للدولــة (والــذي يقــدره بعــض الباحثــن باأللــف التاســعة قبــل امليــاد)؛ ورغــم التطــور والتنــوع الــذي‬ ‫طــرأ عــى (أشــكال) تلــك الدولــة؛ إال أن (بنيتهــا العميقــة) مل تشــهد تنوعـاً موازيـاً‪ ،‬بــل تــكاد تكــون ثابتــة‪ ،‬إذ ميكــن حرصهــا‬ ‫يف منطــن ال ثالــث لهــا‪ :‬فإمــا (دولــة غلبــة)؛ أو مــا جــرى التواضــع عليــه –استســهاالً‪ -‬الدولــة القدميــة‪ ،‬وإمــا (دولــة تشــاركية)؛‬ ‫والتــي يطلــق عليهــا باملقابــل‪ ،‬الدولــة الحديثــة‪ .‬نتيجــة صادمــة وال شــك أو ميكــن اعتبارهــا نتيجــة مبهمــة أو متعجلــة‪ ،‬والــذي‬ ‫يشــكل الصدمــة األكــر؛ هــو أن معظــم الــدول (ومــن بينهــا كامــل دول منطقتنــا) مل تشــهد إال الحالــة األوىل أي‪ :‬دولــة الغلبــة؛‬ ‫الدولــة القدميــة‪ ،‬طــوال األحــد عــر ألــف ســنة املاضيــة‪ ،‬ومــن نافــل القــول إن أهــم خصائــص هــذا النمــط‪( :‬االســتبداد)‪،‬‬ ‫فاالســتبداد أصيــل يف بنيــة هــذه الدولــة‪ ،‬ومــازم لهــا‪.‬‬ ‫كل أشــكال الــدول التــي شــهدتها املنطقــة‪ :‬الدينيــة ودويــات الطوائــف والــدول القومية‪-‬العرقيــة والدولــة الفئويــة وكذلــك‬ ‫الدولــة الشــمولية وغريهــا‪ ،‬نقــول كلهــا دولــة غلبــة (دولــة قدميــة)‪ ،‬وإن أخــذت بعض ـاً مــن أشــكال املؤسســات الحديثــة‪،‬‬ ‫فالفــارق مــا بــن دولــة القبيلــة ودولــة الحــزب الواحــد (ســوا ًء أكان يف أقــى اليســار أو اليمــن‪ ،‬أو يف الوســط) هــو فــارق‬ ‫يف الدرجــة ليــس إال‪ ،‬وإذا أضفنــا إىل ذلــك‪ ،‬أن تلــك البنــى املجتمعيــة حينــا رشعــت (باســتبدال) أشــكالها القدميــة‪ ،‬بأشــكال‬ ‫جديــدة‪ ،‬دون أي تغيــر يف البنيــة العميقــة؛ كل ذلــك أدى إىل إعــادة إنتاجهــا لنفســها بــكل خصائصهــا‪ :‬وأهمهــا االســتبداد‪،‬‬ ‫وكذلــك بنفــس آليــات إدارة الـراع‪ ،‬األمــر الــذي أدى بهــا إىل إدارة رصاعاتهــا الناشــئة‪ ،‬بنفــس اآلليــة‪ :‬أي (اإلزاحــة)‪ .‬هــل يلــزم‬ ‫التذكــر هنــا‪ ،‬بــأن حـ ّدة الـراع تختلــف بالدرجــة فقــط‪ ،‬أي أن ال فــارق مــا بــن االســتقرار والتفجــر‪ ،‬إال بالدرجــة‪ ،‬وأن الغايــة‬ ‫الدامئــة للفئــة الغالبــة‪ ،‬هــي إبقــاء غلبتهــا‪ ،‬وأن الفئــات املغلوبــة‪ ،‬تســعى –فقــط‪ -‬إلزاحــة الفئــة الغالبــة‪ ،‬واســتبدالها بنفســها‪.‬‬ ‫النتيجــة دامئ ـاً واحــدة‪ :‬الغلبــة‪.‬‬ ‫ال ـراع بــن أحزابنــا السياســية‪ ،‬ال يختلــف كث ـرا ً عــن ال ـراع بــن قبائلنــا أو طوائفنــا‪ ،‬وهــو كذلــك بــن دول املنطقــة‪ ،‬إذ‬ ‫أنــه يبقــى أبــدا ً (رصاع إزاحــة)؛ عندمــا نعــدد املكونــات املجتمعيــة والفئــات واألحـزاب السياســية وكذلــك الــدول املتصارعــة يف‬ ‫املنطقــة‪ .‬الجميــع يريــد إزاحــة اآلخريــن‪ ،‬وإقامــة غلبتــه البديلــة‪ .‬هنــاك بديــل حقيقــي واحــد‪( :‬التشــاركية)‪ .‬الدولــة الحديثــة‬ ‫تقــوم أساسـاً عــى التشــاركية؛ والتــي هــي البديــل الوحيــد‪ ،‬عــن الغلبــة واإلزاحــة‪.‬‬ ‫مــا ال شــك فيــه‪ ،‬أن الدولــة الحديثــة (التشــاركية) قــد أُنجــزت يف دول كثــرة‪ ،‬وباملصادفــة هــي التــي تقــود العــامل اآلن‪ ،‬وهــي‬ ‫ســيدة القـرار الحاســم يف إدارة الرصاعــات‪ ،‬ومــا ال شــك فيــه أيضـاً‪ ،‬أن الـراع يف املنطقــة قــد تفجــر تحــت ضغــط املكبــوت‬ ‫العميــق واملتعــدد املســتويات البنيويــة‪ :‬التكوينيــة والعرقيــة والدينيــة واملذهبيــة وأخـرا ً السياســية الحديثــة‪ ،‬يضــاف إىل غــر‬ ‫وكل لغاياتــه ومصالحــه‪ ،‬األمــر الــذي يجعلنــا أمــام‬ ‫املشــكوك فيــه؛ اســتثامر هــذه التناقضــات والرصاعــات مــن قبــل الجميــع‪ٌ ،‬‬ ‫رصاع متعــدد األطـراف واملســتويات؛ فهــو رصاع بــن غلبــات متعــددة‪ ،‬وكذلــك هــو رصاع بــن أمنــاط مختلفــة مــن الــدول‪ :‬رصاع‬ ‫بــن الدولــة القدميــة واألخــرى الحديثــة‪.‬‬ ‫مــا هــي النتائــج التــي ميكــن أن ترتتــب عــى كل ذلــك‪ ،‬رمبــا –وهــذا مــا ن ـراه اآلن‪ -‬ســترتك تلــك املكونــات وتلــك الــدول‪،‬‬ ‫يك تخــرج كل مكبوتاتهــا واحتقاناتهــا وتناقضاتهــا‪ ،‬وكذلــك تــرك الرصاعــات فيهــا حتــى تصــل إىل مرحلــة (اإلشــباع العاطفــي)؛‬ ‫إمــا بالوصــول إىل أهدافهــا‪ ،‬أو بالتيقــن باســتحالة الوصــول إليهــا‪ ،‬أو باســتحالة الحفــاظ عــى ذلــك الوصــول إن حــدث ووصــل‬ ‫أحدهــا‪.‬‬ ‫يبقــى أن نضيــف‪ ،‬أن علينــا االقتنــاع رسيعـاً بــأن الغلبــة والغلبــة البديلــة‪ ،‬واســتمرار إدارة الرصعــات بآليــة اإلزاحــة‪ ،‬لــن يفــي‬ ‫بنــا إالّ إىل إعــادة إنتــاج النمــط القديــم‪ ،‬بأشــكال جديــدة‪ .‬إذا أردنــا البــدء ببنــاء بديــل حقيقــي فعلينــا االنتقــال بــأرسع مــا‬ ‫ميكــن إىل الدولــة الحديثــة‪ :‬التشــاركية‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫االجتار باملعتقلني ما بني النظام وداعش‬

‫الرقة وصراع املتماثلني‬

‫محمد صبحي‬

‫قيص الهويدي‬

‫‪6‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫كل التشــكيالت التــي تخلفــت عــن بيعتــه (جيــش حــر‪ -‬جبهــة النــرة ‪ -‬أحــرار‬ ‫الشــام) كان أهــم تلــك التصفيــات تفجــر املقــر الرئيــس (ألحفــاد الرســول) لينتهــي‬ ‫الــراع بانســحاب كيل ألحــرار الشــام مــن الرقــة يف املعركــة الفاصلــة‪ ،‬وتــرذم‬ ‫كامــل لجبهــة النــرة ومغادرتهــا املدينــة‪ ،‬وتفــرد غــر مســبوق يف القــوة والســيطرة‬ ‫لدولــة العـراق والشــام‪ ،‬ماعــدا مقاومــة لــواء ثــوار الرقــة‪ ،‬لكــن دون جــدوى‪ ،‬فاختــار‬ ‫االنضــام إىل الجبهــات الشــالية ومــازال‪.‬‬ ‫تعاظمــت موجــات النــزوح مــن املدينــة‪ ،‬مثلــت هــذه املوجــات يف كل مرة‪ ،‬انعكاسـاً‬ ‫للــرر الناجــم عــن ســيطرة املســلحني عــى الرقــة مــن جهــة‪ ،‬ومحــاوالت النظــام‬ ‫البطــش عــى غــر هــدى وقتــل املدنيــن العــزل بعبــوات وبراميــل متفجــرة‪ ،‬تلقيهــا‬ ‫طائراتــه إمعانـاً يف اإلجـرام والتدمــر املمنهــج‪.‬‬ ‫أُفرغــت مدينــة الرقــة و ُمــورس فيهــا تطبيــق الحــدود والقصــاص عــى مــن تبقــى‬ ‫فيهــا مــن املجتمــع‪ ،‬باإلعــدام امليــداين‪ ،‬أو بالجــز‪ ،‬أو الرجــم‪ ،‬ومنــع كل مــا يــراه‬ ‫منك ـرا ً‪ ،‬وراقــب التنظيــم حالــة النســاء يف الســفر والحركــة ضمــن األســواق وأغلــق‬ ‫املــدارس الرســمية‪ ،‬وعـ َّدل املناهــج‪ ،‬ورصــد كل املخالفــات يف النقــاب حتــى أصبحــت‬ ‫الرقــة مدينــة الخالفــة بامتيــاز‪.‬‬ ‫رصــد اإلعــام الــدويل واملحــي كل مــا يجــري مــن مظاهــر الخالفــة اإلســامية‬ ‫عــى األرض وروج إعالميــو التنظيــم عــر مواقــع التواصــل مامرســاتهم الســلطوية‪،‬‬ ‫ثــم أعلــن التحالــف حربــه عــى اإلرهــاب بعدمــا تجــاوز التنظيــم حــدود ســوريا‬ ‫ودخولــه إىل الع ـراق‪ ،‬عــى إثــر تغلبــه عــى الخصــوم مــن جبهــة النــرة وأح ـرار‬ ‫الشــام يف ديــر الــزور‪ ،‬وارتكابــه املجــازر بحقهــم‪.‬‬ ‫ومــازال التنظيــم يتوســع يف حروبــه ضــد الخصــوم‪ ،‬ولــن يكــون آخرهــا محاولتــه‬ ‫الســيطرة عــى عــن العــرب (كوبــاين)‪ ،‬ومهاجمتــه القــوى الكرديــة املوجــودة يف تلــك‬ ‫املنطقــة ومــا نجــم عــن ذلــك مــن أرضار مــن نــزوح وترشيــد كامــل املدنيــن الكــورد‬ ‫والعــرب يف املدينــة وزجهــم يف معانــاة يوميــة ال حــدود لهــا‪.‬‬

‫إبتسام إبراهيم ترييس‬

‫فجــأة تح ّولــت ســوريا إىل ســجن كبــر تتنافــس أطــراف‬ ‫ال ـراع عــى ملئــه باملعتقلــن مــن أبنائــه‪ .‬قــام االعتقــال يف‬ ‫بدايــة الثــورة عــى أســاس قمــع الحــراك الســلمي‪ ،‬وخلــق‬ ‫رد فعــل مســلح لــدى الكثــر مــن الشــباب الذيــن انشــقوا‬ ‫عــن جيــش النظــام‪ ،‬أو تطوعــوا لحمــل الســاح دفاع ـاً عــن‬ ‫أعراضهــم وبلدانهــم الصغــرة‪ ،‬بــدءا ً مــن الجنــوب وانتهــا ًء‬ ‫بالشــال الســوري‪.‬‬ ‫األعــداد الضخمــة للمعتقلــن‪ ،‬أوجــدت بيئــة مناســبة لتجــارة‬ ‫جديــدة‪ ،‬يســتفيد منهــا األشــخاص أنفســهم الذيــن أثــروا عــى‬ ‫أكتــاف الشــعب املقمــوع منــذ بدايــة الســبعينات‪ .‬وهــي‬ ‫االتجــار باملعتقلــن‪.‬‬ ‫مل تقتــر ظاهــرة التجــارة باملعتقلــن عــى النظــام الســوري‪،‬‬ ‫بــل شــاركته ربيبتــه داعــش يف ذلــك‪..‬‬ ‫مبالــغ طائلــة دفعــت مــن أهــايل املعتقلــن‪ ،‬ملعرفــة مصــر‬ ‫أبنائهــم وأقاربهــم عــى أمــل أن يكونــوا أحيــاء‪ ،‬فتــرد نــار‬ ‫االنتظــار املــؤمل قليــاً‪.‬‬ ‫أســعار وأرقــام مذهلــة اطلعــت عليهــا مــن أهــل بعــض‬ ‫املعتقلــن‪ُ ،‬دفعــت لوســطاء فــروا باملبلــغ‪ ،‬ومل يــ َر األهــل‬ ‫وجههــم بعــد ذلــك‪ .‬منهــا حكايــة املعتقــل محمــد صالــح‬ ‫النائــب «أبــو أنيــس» الــذي اعتقــل بتاريــخ ‪ ،2012/3/27‬ومل‬ ‫يعــرف مصــره إىل اآلن‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫املعتقــل «أبــو أنيــس» اعتقــل بتهمــة متويــل الثــوار‪ ،‬ومل يعــرف‬ ‫عنــه أهلــه خــرا ً خــال ســنتني والنصــف‪ ..‬ووقعــوا يف فــخ‬ ‫وســيط ا ّدعــى أنّــه يســتطيع أن يخربهــم مبكانــه‪ ،‬وأن يحصــل‬ ‫لهــم عــى صــورة أيضـاً‪ ،‬إذا دفعــوا مبلغـاً قــدره ‪ 3‬ماليــن لــرة‬ ‫ســورية‪ .‬زوجتــه وأقاربــه أقدمــوا عــى دفــع املبلــغ‪ ،‬والوســيط‬ ‫أخــذ املــال واختفــى!‬ ‫وســيط آخــر عــرض عليهــم أن يتقــى عنــه‪ ،‬ويخربهــم مبكانــه‬ ‫مقابــل ‪ 20000‬دوالر‪..‬‬

‫مل يبـ َـق مــن أمــوال الرجــل مــا يســتطيع أهلــه دفعــه للوســطاء‬ ‫الذيــن يتصيــدون أمثالهــم‪ ،‬وينصبــون عليهم‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اعتقــل عبــود حــداد يف ‪ 26‬حزيـران ‪ ،2013‬مــى عــى غيابــه‬ ‫ســنة وثالثــة أشــهر وعــرة أيــام‪ ..‬يف الحســاب الفلــي قــد ال‬ ‫تعنــي املــ ّدة شــيئاً‪ ،‬ولعلهــا ال تعــدو عــن أيــام ومــ ّرت مــن‬ ‫عمــر الكــون‪ ..‬لكــن حســاب األمهــات املنتظــرات مختلــف‬ ‫متامـاً‪ .‬بعــد عــدة أشــهر مــن غيابــه كتبــت عــن عبــود حــداد‪،‬‬ ‫وأنــا آمــل مــع أ ّمــه أن أراه حــ ّرا ً‪ ،‬ألتأكــد مــن مالبســات‬ ‫اختطافــه!‬ ‫«عبــود حــداد إعالمــي مســتقل‪ ،‬انشـ ّـق عــن جيــش ال ّنظــام‬ ‫ألنّــه يكــره قتــل أبنــاء بلــده‪ ،‬ويؤمــن بــرورة الحريّــة كــرط‬ ‫أســايس للعيــش‪ .‬حمــل ســاحاً خاصـاً ظـ ّن أنّــه الســاح الوحيد‬ ‫النظيــف يف املعركــة الدائــرة بــن طــريف الــراع يف ســوريا‪،‬‬ ‫الجيــش الحــ ّر‪ ،‬والجيــش النظامــي‪ .‬وألنّــه أدرك أ ّن الــراع‬ ‫يف ســوريا مل يعــد نظيفــاً‪ ،‬ومل يعــد خالصــاً لوجــه الوطــن‪،‬‬ ‫منــذ انضــوت تحــت مس ـ ّمى الجيــش الح ـ ّر كتائــب إســامية‬ ‫مشــكوك يف توجهاتهــا ومصــادر متويلهــا‪.‬‬ ‫أي جهــة‪ ،‬بــل عمــل بشــكل مســتقل‪.‬‬ ‫مل يقبــل أن ينض ـ ّم إىل ّ‬ ‫تنقّــل بــن الحفــة‪ ،‬وريــف إدلــب وجبــل الرتكــان‪ ،‬صــ ّور‬ ‫بحرفيــة عاليــة معــارك كثــرة‪ ،‬واقتنــص لحظــات رائعــة‪،‬‬ ‫ســ ّجلها بالصــورة والتعليــق عــى صفحتــه بالفيــس بــوك‪.‬‬ ‫وربــا كان الســبب األســايس يف اعتقالــه – مــن قبــل كتائــب‬ ‫ّ‬ ‫«إســامية» يف منطقــة آطمــة الحدوديــة وهــو عائــد مــن‬ ‫أي‬ ‫رساقــب – تصويــره ملعــارك الحفــة بـ ّ‬ ‫ـكل مســاوئها‪ ،‬رافض ـاً ّ‬ ‫تدخــل لتلميــع صــورة تلــك الجهــات وإظهارهــا نزيهــة مــن‬ ‫دون عيــوب‪ .‬جميــع الكتائــب يف الداخــل تعــرف يقينــاً مــا‬ ‫يجــري‪ ،‬لكــن ال أحــد يريــد أن يعــرف بالحقيقــة‪ ،‬وال أحــد‬ ‫يرغــب يف وجــود إعــام نزيــه‪».‬‬ ‫غــاب عبــود طويــاً‪ ..‬وأ ّمــه تنتظــر‪ ،‬عاشــت حرقــة انتظــاره‬

‫مصطفى الجرادي‬ ‫قــد يكــون موضــوع اإلرهــاب هــو شــاغل الدنيــا ومالــئ النــاس كــا كان «املتنبــي»‬ ‫شــاعر العــرب األول وفصيحهــا األبلــغ واألكــر تأثـرا ً يف ذهــن املتلّقــي العــريب‪ ،‬لكـ ّن‬ ‫أي إرهــاب نتحـ ّدث؟؟‬ ‫عــن ّ‬ ‫ومــا هــي ماه ّيــة هــذا «املصطلــح الفضفــاض» الــذي تنــري ألجلــه أقــام كثــرة‬ ‫ويســيل الكثــر مــن الحــر للحديــث عــن مدلوالتــه وتفســر كُ ْنهــه امل ُلتَ ِبــس‪ ,‬هــذه‬ ‫الكلمــة أصبحــت األكــر تــداوالً وتك ـرارا ً عــى ألســنة العامــة والخاصــة ســوا ًء مــن‬ ‫قمــة الهــرم الســيايس واملجتمعــي إىل أدنــاه‪.‬‬ ‫ـي ملفهــوم اإلرهــاب تص ـ ّور واحــد معــن‪ ،‬ويتــم وســم اإلرهــاب‬ ‫يف اإلدراك الجمعـ ّ‬ ‫الســني»‪ ،‬وهــذه مغالطــة‬ ‫بالحقــ ٍة واحــدة مكــرور ٍة تالزمــه أال وهــي «اإلرهــاب‬ ‫ّ‬ ‫تاريخيــة تجــايف الواقــع والحقائــق وال تقــ ّدم وصفــاً أمينــاً وكامــاً لهــذا املفهــوم‬ ‫الشــامل الــذي عصــف بالعــامل يف القــرن الســابق وكانــت إحــدى تجلياتــه الب ّينــة‬ ‫أحــداث الحــادي عــر مــن أيلــول «ســبتمرب» التــي قامــت بهــا جامعــة القاعــدة‬ ‫التــي كانــت املمثــل األوحــد لإلرهــاب السـ ّني يف أخطــر صــوره وأكرثهــا تأثـرا َ وبقــا ًء‬ ‫يف الوجــدان العاملــي الــذي ُصعــق حينهــا بهــول الفاجعــة‪.‬‬ ‫لســنا يف معــرض الدفــاع عــن األفـكّار اله ّدامــة التــي تتخذهــا التنظيــات ملتطرفــة‬ ‫«الســنيّة» التــي تنهــل مــن أدبيــات الســلفية الجهاديّــة‪ ،‬لك ـ ّن يف املقلــب اآلخــر ال‬ ‫ـض النظــر عــن تطـ ّرف إســامي آخــر وهــو اإلرهــاب «الشــيعي» الــذي‬ ‫نســتطيع غـ ّ‬ ‫ال يقــل خط ـرا ً وإجرام ـاً عــن نظــره األول تنظيــات متعــددة تعتمــد عــى فتــاوى‬ ‫دينيــة بتصفيــة وقتــل «النواصــب» وهــم أهــل الســنة وتــرر أفعالهــا اإلجرام ّيــة‬ ‫مبظلوميّــات تاريخيّــة تعــود إىل مقتــل الحســن عــى يــدي بنــي أميّــة‪.‬‬ ‫بعــد تسـلّح الثــورة الســوريّة ودخولهــا إىل نفــق الـراع العســكري املفتــوح كانــت‬ ‫الســمة األبــرز لتلــك اآلونــة ظهــور تنظيــات جهاديــة ذات «إيديولوجيــا» ســن ّية‬ ‫متط ّرفــة لتتصــدر املشــهد العســكري بقدراتهــا املاليّــة الالمحــدودة وخرباتهــا‬ ‫العســكريّة املتفوقــة عــى غريهــا مــن‬ ‫التشــكيالت العســكرية املناهضــة للنظــام‪ ،‬صاحبهــا بالطبــع بعــد العجــز العســكري‬ ‫للنظــام عــى جبهــات ع ـ ّدة دخــول املليشــيات الطائفيــة ســوا ًء متثلّــت بالحليــف‬ ‫اللبنــاين لنظــام األســد «حــزب اللــه» أو الكتائــب العراقيــة الطائفيّــة كـــمليشيات‬ ‫«أبــو الفضــل الع ّبــاس» و»عصائــب أهــل الحــق» التــي جــاءت بحجــة حاميــة‬

‫مثــل جميــع األمهــات الســوريات املنتظــرات عــى بــاب‬ ‫ـكل جهدهــا ملعرفــة مــكان وجــوده‬ ‫األمــل‪ .‬وكانــت تســعى بـ ّ‬ ‫واالطمئنــان عليــه‪ .‬أخ ـرا ً التقــت بشــخص طلــب منهــا مبلــغ‬ ‫ســبعة آالف دوالر إلطــاق رساح ابنهــا‪ ،‬وا ّدعــى أنّــه مجــرد‬ ‫وســيط لــدى املحكمــة الرشعيــة بالرقــة‪ ،‬ودوره يقتــر فقــط‬ ‫عــى تقديــم موعــد محاكمتــه‪ ،‬وسيســعى إلطــاق رساحــه‬ ‫خــال أيــام! مل يكــن لــدى أم عبــود املبلــغ املطلــوب‪ ،‬وبعــد أن‬ ‫اســتطاعت تأمــن املبلــغ‪ ،‬كان األمــل يكــر يف قلبهــا‪ ..‬ســافرت‬ ‫مــن انطاكيــة إىل غــازي عنتــاب‪ ،‬وهنــاك اعتــذر الوســيط‬ ‫باملشــاكل الحاصلــة بالرقــة‪ ،‬وأ ّجــل املوعــد‪ ،‬لكنــه أرص عــى أ ّن‬ ‫املحكمــة ســتطلق رساحــه!‬ ‫وعــادت أم عبــود لالنتظــار ثانيــة! كان خــوف أم عبــود مــن‬ ‫تحملهــا مســؤولية مــوت ابنهــا ألنهــا مل تســ َع إىل إطــاق‬ ‫رساحــه الســبب الرئيــس يف إقدامهــا عــى املقامــرة مببلــغ‬ ‫طائــل ال متتلــك نصفــه‪ .‬لك ّنهــا كانــت تقــول‪ ،‬أريــد أن أفعــل‬ ‫أي يشء‪ ،‬حتــى ال يقــول أ ّمــي مل تفعــل شــيئاً ألجــي!‬ ‫وعــى الطريــق إىل غــازي عنتــاب ثانيــة‪ ،‬كانــت متلــك أمــاً‬ ‫بأنهــا ســرى ابنهــا قريب ـاً!‬ ‫قالئــل هــم األهــل الذيــن ال يتورطــون يف دخــول فــخ التجــارة‬ ‫ذاك مــع امتالكهــم لألمــوال التــي يســتطيعون دفعها للوســيط‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ليســت حكايــة الشــابتني االيطاليتــن فانيســيا مارزولــو‬ ‫وغريتــا راميــي هــي األخــرة بــن حكايــات الخطــف واالتجــار‬ ‫باملعتقلــن يف ســوريا ولكنهــا األكــر حضــورا ً وتأثــرا ً يب ألين‬ ‫تع ّرفــت عــى الشــابتني قبــل دخولهــا مــن معــر بــاب الهــوى‬ ‫إىل ســوريا بصحبتــي‪ ،‬كانتــا تضعــان النقــاب وترتديــان العباءة‪.‬‬ ‫وذلــك عــر يــوم األربعــاء ‪ 24‬متــوز ‪ ،2014‬وعــى عكــس مــا‬ ‫تداولتــه وســائل اإلعــام مل يكــن الصحفــي اإليطــايل دانييــل‬ ‫رابــري بصحبــة الفتاتــن‪ ،‬ورمبــا التقتــا بــه يف منطقــة اإلبزمــو‬ ‫حيــث تــم اختطافهــا‪ ،‬وذكــرت وســائل اإلعــام أ ّن املقصــود‬

‫بالخطــف هــو الصحفــي الــذي هــرب وتــرك الفتاتــن‪ ..‬مل‬ ‫تعلــن أي جهــة مســؤوليتها عــن الخطــف يف بدايــة األمــر‪،‬‬ ‫وحاولــت الحكومــة اإليطاليــة التغطيــة عــى القضيــة‪ ،‬والحــد‬ ‫مــن تداولهــا‪..‬‬ ‫ظهــرت ع ـ ّدة جهــات «مل تعلــن انتامءهــا ألي فصيــل مســلح‬ ‫ســواء جبهــة النــرة أو داعــش‪ ،‬وهــا الجهتــان املتهمتــان‬ ‫بعمليــة الخطــف‪ .‬تلــك الجهــات طالبــت مببالــغ طائلــة‬ ‫إلطــاق رساح الفتاتــن وهــددت بذبحهــا إن مل يصلهــا املبلــغ‬ ‫املطلــوب‪.‬‬ ‫كان ضيــق الوقــت وعــدم معرفتــي باللغــة اإليطاليــة‪ ،‬وعــدم‬ ‫إجــاديت لإلنكليزيــة حاجزيــن كافيــن ملنعــي مــن التواصــل‬ ‫مــع الفتاتــن يف الطريــق ومعرفــة أي يشء عــن الجهــة التــي‬ ‫تقصدانهــا‪.‬‬ ‫بعــد أن قطعنــا املعــر الــريك‪ ،‬وعــى األرايض الســورية‪ ،‬كان‬ ‫بانتظارنــا شــابان مــن بلــدة األتــارب‪ ،‬اســتقبال الفتاتــن بطريقة‬ ‫توحــي مبعرفــة قدميــة‪ ،‬وتفاهــا معهــا باإلنكليزيــة‪ ..‬وليــس‬ ‫صحيحـاً مــا ذكــره ناشــطون أ ّن فانيســيا تتقــن العربيــة‪ ..‬ألنهــا‬ ‫ال تعــرف كلمــة واحــدة بالعربيــة‪.‬‬ ‫ســيبقى ملــف االعتقــال واالتجــار باملعتقلــن جرحــاً نازفــاً‬ ‫يضــاف إىل مجمــل الجــروح يف جســد الشــعب الســوري‪ ،‬ولــن‬ ‫يتمكــن أحــد مــن فعــل يشء إن مل يســقط هــذا النظــام الــذي‬ ‫ودب واســتقدم‬ ‫ـب ّ‬ ‫جعــل األرض الســورية مباحــة لــكل مــن هـ ّ‬ ‫إليهــا عتــاة القتــل واإلجــرام مــن مختلــف البلــدان‪ ،‬وكان‬ ‫الســبب الرئيــس يف ظهــور هــذا الكــم الهائــل مــن العصابــات‬ ‫التــي تقتــل وتــرق وتدمــر بدافــع شــخيص تــارة وباســم‬ ‫اإلســام تــارة أخــرى ودفاعــاً عــن ســيدهم األســد تــارات‬ ‫أخــرى‪.‬‬ ‫أيــا كان املختطــف‪ ،‬أو املعتقــل‪ ،‬فهــو إنســان حــر‪ ،‬ال يحــق‬ ‫ألحــد أن يتاجــر بــه‪ .‬وأيــا كانــت الجهــة الخاطفــة أو املعت ِقلــة‪..‬‬ ‫يجــب محاكمتهــا ومحاســبتها عــى جــرم أبشــع مــن القتــل‪.‬‬

‫تنميط اإلرهاب ‪ ..‬عامل ّياً‬

‫املراقــد املق ّدســة وارتكبــت الكثــر مــن املذابــح املقــ ّززة وصــور األطفــال الذيــن‬ ‫نحرتهــم بالســكاكني انتقامـاً مــن قتلــة الحســن كــا ت ّدعــي أو كــا ب ّررتهــا فتــاوى‬ ‫املــوت الخارجــة أيضـاً مــن الحــوزات الطائف ّيــة التــي تــرى يف اآلخــر املختلــف عــدوا ً‬ ‫ينبغــي تصفيتــه وإزالتــه‪ ،‬طبعـاً جــرت هــذه األفعــال بــا ضوضــاء أو جلبـ ٍة ومل يـ َ‬ ‫ـرق‬ ‫مســتوى اإلدانــات والشــجب العاملــي املســتوى ذاتــه أو ر ّد الفعــل عــى الجرائــم التي‬ ‫ارتكبتهــا التنظيــات املتط ّرفــة «الســنيّة» وحتــى املنظــات الحقوقيّــة والجمعيــات‬ ‫الناشــطة بحقــوق اإلنســان مل تتطــرق لتوثيــق انتهاكاتهــا بحــق الســكان املدنيــن‬

‫يف ســورية بالقــدر ذاتــه الــذي حصــل مــع جرائــم ارتكبتهــا جامعــات‬ ‫متط ّرفــة «ســن ّية» كـــداعش والنــرة وغريهــا مــن أخواتهــا املنت ـرات‬ ‫ـوري‪.‬‬ ‫عــى كامــل ال ـراب السـ ّ‬ ‫مل متـ ِ‬ ‫ـض أيــام كثــرة عــى انقــاب أنصــار اللــه «الحوثيــن» وهــم جامعــة‬ ‫مذهبيّــة مرتبطــة بإي ـران حيــث اســتعملت قوتهــا للقفــز فــوق أحــام‬ ‫اليمنيــن ببنــاء دولــة عرصيّــة يكــون فيهــا الــوالء األول للوطــن‪ ،‬بــل‬ ‫ســيطرت هــذه الجامعــة عــى مفاصــل الدولــة وبــدأت باالنتقــام مــن‬ ‫الشــخصيات املعارضــة لهــا والتــي تختلــف معهــا بالعقيــدة واملذهــب‪،‬‬ ‫وطبعـاً مـ ّر هــذا االنقــاب «الطهـراين» املذهبــي مــرور الكـرام ومل تجــد‬ ‫جرامئهــا أي اســتنكار أو شــجب يُذكــر‪.‬‬ ‫مــا أكــ ّد هــذا التصــ ّور النمطــي أو الكيــل مبكيالــن تجــاه مــا يحــدث‬ ‫يف ســوريّة هــو قــرارا مجلــس األمــن األخرييــن املتعلّقــن بالتنظيــات‬ ‫اإلرهابيــة يف ســورية‪ ،‬القـرار األول الصــادر يف ‪« 2014/8/16‬يبــدي قلقــه‬ ‫إزاء «التهديــد املســتمر الــذي يشــكله (هــذان التنظيــان) عــى الســام‬ ‫واألمــن الدوليــن»‪ ،‬بينــا القــرار الثــاين الــذي حمــل الرقــم «‪»2178‬‬ ‫يطالــب الحكومــات «تجنــب ومنــع عمليــات التجنيــد والتنقــل» لألفـراد‬ ‫الذيــن يســعون أو يخططــون لتنفيــذ عمليــات إرهاب ّيــة‪ ،‬كال القراريــن‬ ‫كانــا انتقائيــن ومل يتضمنــا أيّــة إشــارة إىل املليشــيات الشــيعية العراقيّــة‬ ‫الطائف ّيــة مــع حــزب اللــه اللبنــاين اإلرهــايب التــي تقاتــل عــى األرض‬ ‫الســوريّة إىل جانــب النظــام الســوري وملصلحتــه‪.‬‬ ‫تنميـ ُط اإلرهــاب وحــره وتخصيصــه باملجموعــات املتط ّرفــة «الســن ّية»‬ ‫وغــض البــر عــن إرهــاب املجموعــات «الشــيع ّية» يحمـ ُـل غبن ـاً كب ـرا ً‪،‬‬ ‫وال يخــدم بالتــايل إالّ املصالــح التوســعيّة واملطامــح اإليرانيــة الداعمــة الكــرى ألعتــى‬ ‫نظــام إرهــا ّيب «نظــام األســد» واملجاميــع الطائفيــة العراقيــة واللبنانيــة واليمنيــة‬ ‫التــي تعيــثُ فســادا ً يف بلداننــا دون محاربتهــا أو اتخــاذ أيّــة إجــراءات رادعــة‬ ‫كل واحــد متصــل يتــم اجتثاثــه دفع ـ ًة واحــدة‪ ،‬وال فائــدة تُرجــى‬ ‫ـاب ُّ‬ ‫بحقهــا‪ ،‬اإلرهـ ُ‬ ‫مــن حــره مبجموعــة عرقيّــة أو دينيّــة‪ ،‬بــل ت ُس ـ ّعر النــار املخبــوءة يف الصــدور‬ ‫وتُــذيك الحــروب الطائف ّيــة واملذهب ّيــة يف املنطقــة املتف ّجــرة أص ـاً‪.‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫عيل عيد‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫الكورد ‪ ..‬من داعش إىل «محمد طلب»‬

‫جـ ّـل مــن تتابعهــم كطليعــة مثقفــة يف ســوريا‪ ،‬يقدمــون اليــوم أوراق االعتــاد‬ ‫يف قضيــة الكــورد وحقهــم يف إقامــة وطــن عــى أي أرض كانــت‪ ،‬وليســت هــذه كل‬ ‫املشــكلة‪ ،‬فتلــك «الطليعــة» ومعهــا العاملــون يف الشــأن الســيايس ال يتجــرأون عــى‬ ‫اإلفصــاح يف تلــك القضيــة‪ ،‬ولــو مــن بــاب أن تأييــد قيــام كيــان كــوردي يســتلزم‬ ‫ـص متطلبــات وعنــارص نجــاح ذلــك الكيــان‪.‬‬ ‫النصــح فيــا يخـ ّ‬ ‫قضيــة «كوبــاين ‪ -‬عــن العــرب» فتحــت باب ـاً للجــدل ح ـ ّد الشــوفينية‪ ،‬فاملثقفــون‬ ‫الكــورد ‪ -‬وهــو حقهــم كــا يــرى كثــرون ‪ -‬استبســلوا يف الدفــاع عــن القــرة‬ ‫الخارجيــة للقضيــة دون الجوهــر‪ ،‬وآخــرون مــن مثقفــي الشــأن «الــدارج» مــن غــر‬ ‫الكــورد بعضهــم كان ملكيّ ـاً أكــر مــن امللــك‪ ،‬والبعــض اآلخــر اســتنكر مــا اعتــره‬ ‫حالــة «ســعار» شــوفيني» فيــا تعرضــت مناطــق أخــرى يف ســوريا الجتيــاح مــا‬ ‫يعــرف باســم تنظيــم الدولــة اإلســامية يف العــراق والشــام «داعــش» وشــهدت‬ ‫مذابــح مل يرتافــع عنهــا أحــد وآخرهــا ريــف ديــر الــزور الــذي فقــد مئــات الشــباب‬ ‫ذبح ـاً عــى يــد ذلــك التنظيــم‪.‬‬ ‫الكــورد ‪ -‬يف الثــورة الســورية ‪ -‬بــارشوا نشــاطهم األيديولوجــي منــذ مؤمتــر أنطاليــا‬ ‫الرتكيــة يف أيــار ‪ -‬مايــو ‪ ،٢٠١١‬يف حــن مل تكــن القــوى األخــرى قــد نضجــت ظروفهــا‬ ‫إىل مســتوى طــرح القضايــا الكــرى‪ ،‬بــل مل يكــن املنــاخ مالمئـاً لتفجــر املوقــف عــر‬ ‫اإلرصار منــذ البدايــة عــى حســم مســألة اســم ســوريا (الجمهوريــة أو الجمهوريــة‬ ‫العربيــة)‪ ،‬ولعــل أزمــة الثقــة بــدأت منــذ ذلــك الحــن عــى املســتوى الســيايس‪ ،‬فــا‬ ‫الكــوردي ق ـ ّدم مرشوعــه بشــجاعة ودون انتهازيــة‪ ،‬وال الطــرف اآلخــر بتشــكيالته‬ ‫املتنوعــة أيضـاً كان مســتعدا ً‪ ،‬وهــو كذلــك حتــى اللحظــة‪.‬‬ ‫قضيــة «كوبــاين ‪ -‬عــن العــرب» هــي جــزء يف جوهــر الـراع األيديولوجــي‪ ،‬الثقــايف‪،‬‬ ‫الســيايس‪ ،‬االسـراتيجي ليــس يف ســوريا فحســب بــل عــى مســتوى املنطقــة‪ ،‬ولكـ ّن‬ ‫الجميــع مل يتحــدث برصاحــة حتــى اللحظــة‪ ،‬فيــا تحــر إىل الذاكــرة‪ ،‬نتيجــة حالــة‬ ‫التعقيــد والفــوىض‪ ،‬وبشــكل مذهــل‪ ،‬الدراســة القدميــة التــي وضعهــا محمــد طلــب‬ ‫هــال حــول قضيــة الكــورد قبــل نحــو خمســة عقــود‪ ،‬ولعــل يف التاريــخ عــرة‪.‬‬ ‫الدراســة ســيئة الصيــت والتــي قدمهــا هــال عــام ‪ ٦٣‬مــن القــرن املــايض عندمــا‬ ‫كان رئيس ـاً للشــعبة السياســية برتبــة مــازم أول‪ ،‬وإن كان فيهــا مــا يســلط الضــوء‬ ‫عــى تاريــخ الكــورد وقوميتهــم‪ ،‬فإنهــا توضــح حالهــم يف حقبــة البعــث‪ ،‬وتفتــح‬ ‫التســاؤالت يف هــذا الوقــت عــى مســتوى نضــج وأســباب تحالــف الــذراع الضــارب‬

‫للكــورد ممثــا بقــوات «‪ »pkk‬الجنــاح الســوري ومــا يعــرف باســم قــوات الحاميــة‬ ‫الشــعبية مــع النظــام الســوري الــذي مل يغـ ّـر عقيدتــه تجــاه هــذه القضيــة يف عهــد‬ ‫حافــظ األســد ووريثــه بشــار‪.‬‬ ‫لقــد نفــذ نظــام البعــث توصيــات الدراســة وأهمهــا‪ ،‬عــدم منــح الجنســية‪ ،‬والتجهيل‪،‬‬ ‫والحرمــان مــن اللغــة والثقافــة والعمــل‪ ،‬والتهجــر‪ ،‬ورشاء الذمــم‪ ،‬ونفــذ مــروع‬ ‫«الحـزام العــريب» الــذي شــتت مئــات اآلالف مــن العــرب قبــل الكــورد‪ ،‬وتاليـاً عمــد‬ ‫حافــظ األســد عــى دعــم حــزب العــال «‪ »pkk‬وزعيمــه عبــد اللــه أوجــان ضــد‬ ‫تركيــا ليســلمه الحقـاً لألتـراك‪ ،‬وليوقّــع معهــم اتفــاق أضنــة عــام ‪.١٩٩٨‬‬ ‫يتّهــم الكــورد بأنهــم كانــوا طــوال ثالثــة آالف ســنة مخلــب ق ـ ّط أو كتف ـاً للفــرس‬ ‫والــرك يف رصاعهــم الطويــل‪ ،‬وقــد لعــب متركزهــم يف املنطقــة الفاصلــة بــن هاتــن‬ ‫القوتــن عام ـاً يف جعلهــم أداة تســتخدم يف ال ـراع‪ ،‬وامتــد هــذا الــدور يف العــر‬ ‫الحديــث إىل ميــدان الـراع الســيايس كــا هــو الحــال بــن أحـزاب مواليــة للنظــام‬ ‫وأخــرى مناهضــة يف ســوريا‪ ،‬وكذلــك يف ع ـراق ص ـ ّدام‪ ،‬ويف تركيــا‪.‬‬ ‫ال شـ ّـك أن الكــورد مــن القوميــات التــي تعرضــت تاريخيّـاً لظلــم كبــر‪ ،‬لكـ ّن جانبـاً‬ ‫ـول الدفــاع عــن قضيتهــم‪ ،‬ســواء‬ ‫كب ـرا ً مــن هــذا الظلــم يقــع عــى عاتــق مــن يتـ ّ‬ ‫كانــت أحزابـاً أم شــخصيات اجتامعيــة‪ ،‬فأكـراد إيـران ليســوا أقــل شــأناً يف تعرضهــم‬ ‫لالضطهــاد خصوصـاً يف عهــد الخمينــي وبعدهــا‪ ،‬حيــث يصــل عددهــم يف هــذا البلــد‬ ‫بــن نحــو خمســة إىل ســبعة ماليــن‪ ،‬وهــم يعانــون االســتالب منــذ مــا بعــد قيــام أول‬ ‫دولــة كرديــة عــام ‪ ١٩٤٥‬يف إيـران بدعــم ســوڤييتي وهــي جمهوريــة «مهابــاد» التــي‬ ‫مل يكتــب لهــا أن تع ّمــر وتســتمر‪.‬‬ ‫بالعــودة إىل كوبــاين ‪ -‬عــن العــرب‪ ،‬ومبــا أن بــاب الجــدل مفتــوح عــى مرصاعيــه‪،‬‬ ‫ـكل يف إطــار جــزيئ مضطــرب‪ ،‬فقضيّــة‬ ‫يبــدو واضح ـاً أن الكــورد يفصحــون عــن الـ ّ‬ ‫«داعــش» ليســت ســوى إنتــاج رصاع القــوى يف املنطقــة‪ ،‬والثــورة الســوريّة تأصي ـاً‬ ‫وتاريخــاً ليســت جــزءا ً مــن رصاع القوميــات واســراتيجيات ال ّدفــع باألزمــات إىل‬ ‫حــل‬ ‫األمــام‪ ،‬وهنــا ينبغــي أن نفهــم أ ّن إيــران مثــاً ال ميكــن أن تكــون طرفــاً يف ّ‬ ‫القضيّــة الكورديــة كــا هــو حــال تركيــا وكذلــك النظــام الســوري‪.‬‬ ‫وبالنظــر إىل كردســتان العــراق ميكــن القــول إن الكــورد اســتطاعوا أن يكونــوا‬ ‫جــزءا ً فاع ـاً يف هــذا البلــد‪ ،‬بــل إنهــم يشــكلون عامــل ترجيــح يف ال ـراع الداخــي‬ ‫اإلقليمــي‪ ،‬وإن كان دورهــم ناجح ـاً نفعيّ ـاً (براغامتي ـاً)‪ ،‬إال أن تجربتهــم السياســية‬

‫األطفال حيرتقون يف آتون احلرب السورية‬

‫كان أطفــال درعــا أشــجع مــن كل أهل ســورية‪ ،‬وشــجاعتهم‬ ‫تجلــت بالكتابــة عــى جــدران مدارســهم‪« ،‬الشــعب يريــد‬ ‫إســقاط النظــام»‪ ،‬ولكــن براءتهــم مل تحســب بــأن هنــاك رجــل‬ ‫أمــن حقــر وتافــه اســمه عاطــف نجيــب‪ ،‬ســيجلبهم اىل أقبيــة‬ ‫فرعــه‪ ،‬ليتلــذذ يف قلــع أظافرهــم وتعذيبهــم بوحشــية‪ ،‬محتقرا ً‬ ‫كل القيــم األخالقيــة واإلنســانية‪ ،‬يومهــا كانــت عذاباتهــم‬ ‫وأهلهــم الـرارة التــي أشــعلت لهيــب الثــورة الســورية‪ ،‬التــي‬ ‫انطلقــت يف تظاه ـرات ســلمية‪ ،‬عمــت درعــا لتنتقــل بعدهــا‬ ‫إىل كل ركــن مــن أركان ســورية‪ ،‬التواقــة اىل الحريــة والكرامــة‪.‬‬ ‫منــذ ذلــك اليــوم وســورية تحــرق‪ ،‬وأطفالهــا األبريــاء هــم‬ ‫الوقــود الــذي يزيدهــا اشــتعاالً ولهيب ـاً‪ ،‬فــكان مقتــل حمــزة‬ ‫الخطيــب‪ ،‬والتنكيــل بجثتــه‪ ،‬هــو أحــد رمــوز الحراك الســلمي‪،‬‬ ‫ومــع األســف الشــديد كان الكثــر مــن مؤيــدي النظــام‪ ،‬وال‬ ‫زالــوا‪ ،‬يدعــون النظــام إىل املزيــد مــن العنــف وإىل املزيــد مــن‬ ‫قتــل االطفــال‪ ،‬ناســن أو متناســيني مقولــة الســيد املســيح يف‬ ‫يــوم أحــد الشــعانني «دعــوا األطفــال يأتــون إ ّيل» متبنيـاً بذلــك‬ ‫الطفولــة‪ ،‬التــي تخضبــت األرض الســورية بدمــاء األلــوف‬ ‫منهــم‪.‬‬ ‫ومــع التصعيــد الــذي مارســه النظــام القمعــي واإلرهــاب‬ ‫األمنــي‪ ،‬كانــت املدفعيــة الثقيلــة والطـران يقصفــون األفـران‪،‬‬ ‫التــي ذهــب ضحيــة هــذا القصــف‪ ،‬العديــد مــن االطفــال‬ ‫حيــث يندمــج دم األطفــال بخبــز أهلهــم‪ ،‬وكان األطفــال هــم‬ ‫األرسع ســقوطاً كونهــم هــم مــن يبتــاع الخبــز ألهاليهــم كــون‬ ‫هــؤالء يذهبــون إىل العمــل‪.‬‬ ‫مــع لعبــة املــوت التــي انتهجهــا بشــار األســد‪ ،‬أي الرباميــل‬ ‫املتفجــرة‪ ،‬كان أكــر الضحايــا أطفــاالً ألنهــم ال يســتطيعون‬ ‫الدفــاع عــن أنفســهم‪ ،‬ومــع األســف كنــت تــرى عــى صفحات‬ ‫التواصــل االجتامعــي العديــد مــن مؤيــدي النظــام الرببــري‬ ‫والهمجــي‪ ،‬يتشــفون باستشــهاد هــؤالء األطفــال وكأنهــم هــم‬ ‫ســبب القتــل والدمــار وليــس النظــام الديكتاتــوري‪.‬‬ ‫ويف مجــزرة الكيــاوي يف الغوطتــن‪ ،‬كان األطفــال هــم‬ ‫الضحيــة األوىل لهــذه املجــزرة‪ ،‬لتخــرج علينــا تلــك العجــوز‬ ‫الشــمطاء‪ ،‬بثينــة شــعبان بنظريــة طائفيــة ممجوجــة‪ ،‬كــون‬ ‫هــؤالء الضحايــا األبريــاء هــم أطفــال مخطوفــن مــن القــرى‬ ‫العلويــة عــى الســاحل الســوري‪ ،‬والجميــع يعــرف بــأن‬ ‫كالمهــا تخريــف بتخريــف‪ ،‬لتســاندها يف نظريتهــا راهبــة‬

‫‪8‬‬

‫مزيفــة‪ ،‬لــو عــاد املســيح إىل األرض لتــرأ منهــا ومــن أمثالهــا‪،‬‬ ‫الذيــن نســيوا أمثولتــه وفتحــه ذراعيــه قائـاً لتالميــذه «دعــوا‬ ‫األطفــال يأتــون إ ّيل»‪ .‬فأيــن هــي هــذه املزيفــة مــن كالم‬ ‫الســيد املســيح هــذا؟!‬ ‫عندمــا أدخــل النظــام القــوى الطائفيــة‪ ،‬مــن حــزب اللــه‪ ،‬إىل‬ ‫عصائــب الحــق وأبــو الفضــل العبــاس العراقيــة‪ ،‬والحــرس‬

‫إنتصار عبد املنعم‬

‫مل تنضــج إىل مســتوى تشــكيل رافعــة للقضيــة التــي تخــص ‪ ٣٠‬مليــون كــوردي‬ ‫موزّعــون عــى أربــع دول (العــراق‪ ،‬تركيــا‪ ،‬إيــران‪ ،‬ســوريا)‪.‬‬ ‫لعـ ّـل الســلوك االنفعــايل لألح ـزاب والجامعــات الكورديــة‪ ،‬يؤخــر فعلي ـاً اندماجهــم‬ ‫أو انفصالهــم‪ ،‬إذ ال ميكــن لقــوى دوليــة مثــل تركيــا وإي ـران دعــم ســلخ جــزء مــن‬ ‫أراضيهــا ملصلحــة دولــة الكــورد‪ ،‬كــا ال ميكــن للكــورد االنصهــار داخــل مجتمعــات‬ ‫عانــوا ويعانــون فيهــا مــن عقــدة االضطهــاد‪ ،‬وهــو مــا يعنــي أن خيــار العمــل‬ ‫الســيايس الطويــل مل يوضــع ضمــن األولويــات‪ ،‬وأن أمــام تلــك القضيــة وقــت طويــل‪،‬‬ ‫حتــى لــو انتهــزت فرصــة انهيــار النظــام الســوري‪ ،‬وحاولــت إقامــة «كوردســتان‬ ‫الصغــرى»‪ ،‬فهــي ســتعاين رصاعـاً رمبــا يعــود ســلباً عــى الكــورد يف املنطقــة‪ ،‬إذ ال بــد‬ ‫مــن التصالــح مــع الــذات‪ ،‬ودراســة مقومــات نجــاح تلــك التجربــة‪ ،‬وقبولهــا‪ ،‬عل ـاً‬ ‫أنهــا تعنــي قيــام كيــان مختلــط القوميــات يشــكل العــرب مــع بعــض األقليات نســبة‬ ‫قــد تزيــد عــن النصــف مــن عــدد الســكان داخــل املنطقــة الجغرافيــة املســتهدفة‪.‬‬ ‫عــى الكــورد أن يفكــروا بتقديــم مــروع عميــق يقــوم عــى الرشاكــة وفكــرة‬ ‫املدنيــة‪ ،‬وإال فســيظهر بينهــم الحقــاً اإلســاميون الســلفيون‪ ،‬والفيليــون املوالــون‬ ‫لواليــة الفقيــه‪ ،‬والربزانيــون‪ ،‬وأبنــاء العشــائر‪ ،‬واإلقطــاع القديــم‪ ،‬والرديكاليــون‪،‬‬ ‫وهــذا عامــل تفجــرٍ إضــايف بعــد عامــل رصاع القــوى اإلقليميــة‪.‬‬ ‫شــخصيّاً‪ ،‬ال أحــب ســوريا دون كوردهــا‪ ،‬وأعتقــد أن الهويــة الســورية تســتوعب كل‬ ‫مكونــات البلــد‪ ،‬وإال فلينظــر العــرب قبــل الكــورد يف قامئــة الذيــن حكمــوا ســوريا‬ ‫منــذ االســتقالل وحتــى مجــيء البعــث فهنــاك مــن الرؤســاء أربعــة هــم ‪:‬‬ ‫محمد عىل بيك العابد ‪ 1932( :‬إىل ‪.) 1936‬‬ ‫حسني الزعيم ‪ 20( :‬مارس ‪ 1949‬ـ ‪ 14‬أغسطس ‪.) 1949‬‬ ‫فوزي السلو ‪ 1951( :‬وحتى استالم الشيشكيل السلطة ‪.)1953‬‬ ‫أديب الشيشكيل ‪ 1953( :‬ـ ‪ 24‬فرباير ‪.)1954‬‬ ‫عــودوا إىل دفاتــر التاريــخ ســتجدون أن املؤسســة الدينيــة يف ســوريا قــام عــى رأســها‬ ‫الكــورد‪ ،‬وأنهــم مــن خــرة مثقفــي ســوريا وروادهــا وثــوار اســتقاللها مــن عبــد‬ ‫الرحمــن الكواكبــي إىل إبراهيــم هنانــو إىل مشــعل متّــو‪.‬‬ ‫ـب فال ـراع عــى الهويــة ال تحســمه‬ ‫هــذا ملــن يحــب أن يقــرأ كتابــه‪ ،‬وملــن ال يحـ ّ‬ ‫البندقيــة ولــن تحســمه يوم ـاً‪.‬‬

‫الثــوري اإليـراين‪ ،‬وذلــك لدعــم النظــام فــكان‪ ،‬أول ضحاياهــم‬ ‫الذيــن يســقطون هــم األطفــال‪ ،‬والــذي ذبــح العديــد منهــم‪،‬‬ ‫بطريقــة بربريــة‪ ،‬باســم الســيدة زينــب‪ ،‬حيــث ارتكبــت هــذه‬ ‫التنظيــات الشــيعوية أفظــع املجــازر‪ ،‬وخاصــة يف مناطــق‬ ‫القلمــون‪ ،‬بحــق األطفــال مــن أبنائهــم‪ ،‬وذلــك باســم الديــن‬ ‫واملذهبيــة الضيقــة‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫بهنان يامني‬

‫مل تبـ َـق مدينــة أو بلــدة أو قريــة إالّ وســقط منهــا الضحايــا من‬ ‫األطفــال‪ ،‬فمــن مل يقتــل تيتــم‪ ،‬ومــن مل يتيتــم تــرد‪ ،‬والجميــع‬ ‫يعــرف مــا مصــر الطفــل املتــرد‪ ،‬الــذي إن رحــم يجــد عمـاً‪،‬‬ ‫هــذا إذا مل ميــر بحــاالت مــن االغتصــاب الجنــي أو النفــي‪،‬‬ ‫ولنــا يف الفيديــو الــذي نــر للطفــل الســوري الــذي يعنفــه‬ ‫طفــل شــيعي‪ ،‬وكذلــك فيديــو ذاك الرجــل املريــض نفســياً‬ ‫والــذي يدعــو أطفــاالً بعمــر الــورد إىل التســابق للذبــح‪ ،‬إالّ‬ ‫خــر منــوذج ملــا قــد يجــده الطفــل املــرد مــن مـ ٍ‬ ‫ـآس‪ .‬وعوضـاً‬ ‫عــن أن يكــون الطفــل يف مخيــات الالجئــن يف املــدارس نـراه‬ ‫يدخــل مبكــرا ً اىل مدرســة الحيــاة التــي ينــوء تحــت ثقلهــا‬ ‫الكبــار فكيــف بالرباعــم التــي مل تتفتــح‪.‬‬ ‫بالطبــع عــاش الطفــل الســوري‪ ،‬أســوة بأهاليهــم‪ ،‬حــاالت‬ ‫مــن الجــوع يف املناطــق التــي شــهدت حصــارا ً متويني ـاً مــن‬ ‫قبــل النظــام األرعــن‪ ،‬الــذي منــع الخبــز واملــاء والكهربــاء‪،‬‬ ‫عــن أحيــاء ومناطــق عديــدة‪ ،‬منهــا عــى ســبيل املثــال ال‬ ‫الحــر‪ ،‬مخيــم الريمــوك وحمــص القدميــة‪ ،‬التــي مــع قبولهــا‬ ‫باملصالحــة‪ ،‬منــع عنهــا إدخــال املــواد الغذائيــة‪ ،‬ومن املؤســف‬ ‫أن نقــول‪ ،‬مــن قبــل أبنــاء األحيــاء املواليــة للنظــام مثــل حــي‬ ‫عكرمــة والزه ـراء‪.‬‬ ‫شــهدت الســاحة الســورية مجــزرة مجمــل ضحاياهــا‪ ،‬أطفــال‬ ‫بعمــر الــورد‪ ،‬حيــث أســتلبت حيــاة أكــر مــن أربعــن طفــل‬ ‫ســوري‪ ،‬بطريقــة بشــعة‪ ،‬ســيارة مفخخــة ال أحــد يعــرف كيف‬ ‫دخلــت كل تلــك الحواجــز املحيطــة بحــي عكرمــة‪ ،‬والتــي‬ ‫مــن املفــروض أن تكــون محروســة بشــكل جيــد‪ ،‬لتنفجــر‬ ‫بهــؤالء األطفــال وأهاليهــم‪ ،‬والــذي حمــل أهــايل الضحايــا‬ ‫اللجنــة االمنيــة يف حمــص مســؤولية مــا حــدث‪ ،‬والــذي‬ ‫يتحمــل املســؤولية الحقيقيــة لقتــل هــؤالء األطفــال وأمثالهــم‬ ‫رأس النظــام األمنــي يف قمــة قاســيون‪.‬‬ ‫متــى يتوقــف نحــر الطفــل الســوري‪ ،‬بيــد جزاريــه؟ ســؤال‬ ‫يصعــب اإلجابــة عليــه ألنــه مــا دام القتلــة واقفــن عــى‬ ‫أقدامهــم‪ ،‬مــا دام ستســقط الضحايــا‪ ،‬وأول هــذه الضحايــا هم‬ ‫األطفــال الذيــن يحرتقــون يف أتــون هــذه الحــرب‪ ،‬ويتحمــل‬ ‫دم هــذه الضحايــا نظــام طائفــي بغيــض دمــر كل ســورية‪،‬‬ ‫وبتطرفــه وإرهابــه أدخــل إليهــا كل إرهــا ّيب األرض الذيــن هــم‬ ‫أحــد إف ـرازات جرامئــه‪.‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫نقطة أول السطر‬

‫وتبقى الكلمة‬

‫بعــد مــرور مــا يزيــد عــن ثــاث ســنوات مــن بــدء ثــورات الربيــع العــريب املقبــور‪ ،‬تــأيت حقيقــة وحيــدة غــر قابلــة للتشــكيك‪ ،‬وتشــهد عــى صدقهــا دمــاء‬ ‫الشــهداء يف كل مــكان‪ .‬حقيقــة واحــدة تقــول إن أردت أن تهــزم ثــورة عظيمــة يف دولــة مــا‪ ،‬فــارضب أهلهــا بســيف الطائفيــة إن تعــددت فيهــا الطوائــف‪ ،‬أو‬ ‫أجــج فيهــم النعـرات القبليــة لــو كانــت القبليــة قــوام الدولــة‪.‬‬ ‫يف ســوريا‪ ،‬كانــت ثــورة واحــدة ضــد نظــام األســد‪ ،‬يف بدايــة األمــر‪ ،‬مل تظهــر فيهــا النعـرات الطائفيــة رغــم محــاوالت البعــض لتشــويه الثــورة لتبــدو حربــا بــن‬ ‫(الســنة) دون جــدوى‪ .‬ويجتهــد نظــام األســد يف قتــل األطفــال والرجــال والنســاء ال مييــز بــن أحــد‪ ،‬يهــدي الجميــع‬ ‫«الشــيعة» والطائفــة العلويــة منهــا خاصــة‪ ،‬و ُ‬ ‫يف كل مــكان براميــل املــوت‪ .‬ومل يحتــج العــامل‪ ،‬ومل ينتفــض‪ ،‬وقبــع يف مكانــه يراقــب ويتلقــى عــدد املعتقلــن واملفقوديــن‪ ،‬ويحــي عــدد الجثــث التــي قــى‬ ‫أصحابهــا تحــت التعذيــب‪ .‬وتتدخــل إيـران لصالــح نظــام األســد‪ ،‬وأيضــا ال أحــد يعــرض بأنــه تدخــل خارجــي يف شــأن دولــة ذات ســيادة لصالــح فريــق ضــد‬ ‫فريــق مــن نفــس الشــعب‪ .‬ومل يقــل أحــد أن (الشــيعة) يقتلــون (الســنة)‪..‬ولكن ‪ ،‬ومــع بطــوالت الجيــش الحــر‪ ،‬واقـراب النــر للثــورة‪ ،‬كان البــد مــن متزيــق‬ ‫الشــمل وتفريــق الكلمــة‪ .‬وظهــرت قــوات (داعــش) فجــأة وكأن األرض انشــقت عنهــم بأســلحتهم الثقيلــة‪ ،‬ومل تكتشــفها أقــار أمريــكا الصناعيــة التــي كانــوا‬ ‫يتباهــون أنهــم بهــا يســتطيعون معرفــة لــون املالبــس الداخليــة للرئيــس العراقــي املشــنوق صبــاح األضحــى‪ .‬وتظهــر الفيديوهــات فائقــة الجــودة ملشــاهد القتــل‬ ‫وقطــع الــرؤوس التــي ينفذهــا املقاتلــون (الســنة) وهكــذا أصبحــت الحــرب طائفيــة بامتيــاز‪ .‬وترتاجــع الثــورة تحــت رمــاد الطائفيــة التــي اشــتعلت نريانهــا أخـرا‬ ‫بصــورة كاملــة بهــدف واحــد‪ ،‬هــو أن يكــون (الســنة) هــم العــدو الوحيــد للجميــع ســواء العلويــن‪ ،‬األكـراد‪ ،‬األزيديــن‪ ،‬وغريهــا مــن طوائــف كانــت تتعايــش‬ ‫بصــورة طبيعيــة يف وطــن واحــد مــن قبــل‪.‬‬ ‫وألن داعــش ترفــع رايــة تزعــم أنهــا رايــة اإلســام‪ ،‬أصبحــت ممثلــة للديــن‬ ‫اإلســامي‪ ،‬وكأن املذابــح التــي قــام بهــا رجــال الديــن يف محاكــم التفتيــش أو يف‬ ‫الحــروب الصليبيــة‪ ،‬كانــت متثــل الديــن املســيحي؟! وهــذا مــا قصــده املمثــل‬ ‫األمريــي بــن أفليــك يف رده عــى مقــدم الربنامــج املتحيــز ضــد العــرب واإلســام‬ ‫خاصــة‪« :‬مــا الحــل الــذي تطرحــه؟ أن نديــن املســلمني جميعــاً؟ لقــد قتلنــا‬ ‫مســلمني أكــر مــا قتلــوا منــا بترصفاتنــا البشــعة ‪ ..‬اجتحنــا بــادا ً أكــر منهــم‪،‬‬ ‫هــل فعلنــا ذلــك بالصدفــة‪ ،‬لهــذا اجتحنــا الع ـراق»‪.‬‬ ‫نــي العــامل املذابــح وبراميــل املــوت التــي ميطرهــا نظــام األســد عــى األبريــاء‬ ‫يف مدنهــم وقراهــم ليتحــد فجــأة ضــد (داعــش) التــي أصبحــت املمثــل الوحيــد‬ ‫للديــن اإلســامي يف صورتــه العربيــة‪ ،‬ليهاجــم اإلعــام الغــريب والتابــع لــه يف دول‬ ‫الــرق العــريب ( الجنــس العــريب) الهمــج ورثــة بــدو الصح ـراء‪ .‬وذلــك يف‬ ‫مقابــل (اآلخــر) غــر الناطــق بالعربيــة واملنتمــي ألعـراق مختلفــة‪ ،‬لتكــون الحــرب‬ ‫أبديــة طائفيــة وعرقيــة وقبليــة‪ .‬مل يتوقــف أحــد ليســأل مــن أيــن جــاء جنــود‬ ‫داعــش فجــأة‪ ،‬ومــن ميــول هــؤالء ومــن باعهــم الســاح‪ ،‬ومــن جعلهــم أقــوى مــن‬ ‫جيــوش الــدول التــي لجــأت لتتحالــف ضدهــم‪ ،‬زاعمــة البطــوالت؟‬ ‫وألن العــرب تســتهويهم أمــور النســاء‪ ،‬فقــد أعطتهــم قــوات التحالف ما يشــغلهم‬ ‫ليــل نهــار وتــأيت قصــص البطــوالت النســائية ‪ ،‬فــأي يشء يجــذب العــرب أكــر مــن‬ ‫قصــص النســاء؟! ومتطرنــا الصحــف بصــورة يانــغ موليــا‪ ،‬الفتــاة األجنبيــة‪ ،‬وهــي‬ ‫تعانــق زوجهــا مــن تنظيــم «الدولــة اإلســامية» (داعــش)‪ ،‬امل ُقاتــل يف العــراق‬ ‫والشــام‪ ،‬بح ـرارة قبــل أن تقــود عجلــة عســكرية مشــحونة باملتفج ـرات نحــو عمليــة انتحاريــة‪ .‬ومثلهــا قصــص فتيــات فــررن مــن أهلهــن مــن أجــل الــزواج‬ ‫مــن داعــي‪ .‬كذلــك جــاء اســتخدام قــوات التحالــف للنســاء يف قتــال داعــش‪ ،‬وتحقــق الطيــارة اإلماراتيــة مريــم املنصــوري الســبق وتكــون صاحبــة أول رضبــة‬ ‫نســائية‪ ،‬ثــم لحقتهــا زميلتهــا يف ســاح الجــو امللــي الربيطــاين مــازم طيــار جولييــت فليمينــج ‪.‬‬ ‫وهكــذا أصبــح للعــامل مــا يشــغله بعــد أن انتهــى مــن القصــة الكاذبــة عــن أســلحة صــدام حســن التــي كانــت ســببا يف ســقوط العـراق‪ ،‬وقصــة محاربــة اإلرهــاب‬ ‫التــي مــل العــامل مــن ســاعها‪ ،‬واآلن حــان الوقــت لقصــة مليئــة باألكشــن والقتــل والنســاء عــى غـرار أفــام الويســرن‪ ،‬ويظهــر زعــاء داعــش كأنهــم فرســان‬ ‫الكاوبــوي الذيــن يحملــون الســاح بيــد ويطوقــون امــرأة باليــد األخــرى ولكــن يف طبعــة عربيــة ‪ .‬وال أحــد يســأل مــن يلعــب باملنطقــة العربيــة مثــل بيــادق‬ ‫الشــطرنج؟‬

‫سمري الدخيل‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫عني العرب ‪ -‬كوباني‪ -‬عني اإلسالم‬ ‫الشاوي الضليل‬

‫أعتقــد أن تداعيــات معركــة (كوبــاين) ســتكون أكــر بكثــر مــن‬ ‫مجــرد معركــة تنتــر فيهــا داعــش‪ ،‬ألن توافق ـاً أمريكي ـاً‪ /‬تركي ـاً قــد‬ ‫أنجــز‪ ،‬بعــد فشــل مؤمتــر ج ـ ّدة‪ ،‬ويف هــذا التوافــق (االتفــاق) أكــدت‬ ‫تركيــا أنهــا الالعــب الــدويل األبــرز يف ســورية‪ ،‬ومتقدمــة يف ترتيــب‬ ‫مصالحهــا عــى كثــر مــن الالعبــن (وبعضهــم كبــار)‪ ،‬وأن الحلــول‬ ‫ســتمر حت ـاً عــر البوابــات الرتكيــة‪.‬‬ ‫وأعتقــد أن تركيــا قــد بنــت اسـراتيجيتها حــول ســورية‪ ،‬عــى اعتبــارات‬ ‫جيوسياســية وتاريخيــة دينيــة ومصالــح اقتصاديــة (آنيــة ومســتقبلية)‪،‬‬ ‫ومــن خــال عملهــا عــى تنفيــذ هــذه االســراتيجية بنــت رشاكات‪،‬‬ ‫واتفاقــات كثــرة مــن تحــت الطاولــة‪ ،‬مــع معظــم الالعبــن الســوريني‬ ‫الصغــار والكبــار ومنهــم داعــش‪ ،‬لذلــك أجــرت كل الالعبــن الكبــار‬ ‫والصغــار يف ســورية‪ ،‬عــى االعــراف بأنهــا الرقــم الصعــب يف هــذه‬ ‫اللعبــة‪ ،‬لذلــك قــ َّدم الجميــع صاغــرا ً تنــازالت لصالــح تركيــا‪ ،‬ألن‬ ‫إبعــاد تركيــا‪ ،‬أو تحجيــم دورهــا‪ ،‬ســيعيد – أمريكيــاً‪ -‬إنتــاج فشــل‬ ‫االســراتيجية األمريكيــة يف العــراق ‪./2003/‬‬ ‫إن معركــة (كوبــاين) هــي االختبــار الــريك‪ ،‬لتجذيــر التفاهــم الــدويل‬ ‫– الــريك حــول رســم خارطــة املصالــح يف املنطقــة (ســورية والع ـراق‬ ‫بشــكل أخــص)‪ ،‬وأعتقــد أن معركــة (كوبــاين) ســتكون أحــد أهــم‬ ‫الفصــول‪ ،‬إذ أنهــا ســتكرس‪ ،‬وســتعيد رســم (تعديــل) بعــض الخرائــط‬ ‫التــي مل يكــن مســموحاً املســاس فيهــا ســابقاً‪ ،‬وهــذا يقتــي مــن تركيــا‬ ‫العمــل باتجاهــات متعــددة‪:‬‬ ‫‪ -1‬الداخــل الــريك‪ :‬إقنــاع مواطنيهــا بــأن معركــة (كوبــاين) معركــة‬ ‫تركيــة‪.‬‬ ‫‪ -2‬إقنــاع بعــض القــوى اإلقليميــة بــأن مســتقبل وجودهــا (كيانــات)‬ ‫ميــر عــر التفاهــم مــع تركيــا‪.‬‬ ‫‪ -3‬إعــادة هيكليــة وترتيــب القــوى العســكرية الســورية املعارضــة‪،‬‬ ‫مــن أجــل مســاعدتها يف تنفيــذ املرحلــة التاليــة ملعركــة (كوبــاين)‪ ،‬أال‬ ‫وهــي معركــة إنشــاء املنطقــة العازلــة وتأمــن حدودهــا الجنوبيــة‬ ‫(مــع ســورية)‪.‬‬ ‫‪ -4‬دولياً‪ :‬املشاركة وبقوة يف رسم القرارات الدولية حول املنطقة‪.‬‬ ‫مــن كل ذلــك يجــب أال نســتغرب هــذا الضجيــج اإلعالمــي الــدويل‬ ‫واملحــي‪ ،‬حــول معركــة (كوبــاين)‪ ،‬ألنهــا كــا أســلفت‪ ،‬اختبــارا ً تركي ـاً‬ ‫لتأكيــد االتفاقــات والتفاهــات مــع الالعبــن الكبــار حــول ســورية‪،‬‬ ‫ورســم وتنفيــذ وحاميــة املصالــح والنفــوذ فيهــا‪.‬‬

‫كي ال نساهم يف وأد ثورتنا‪..‬‬

‫مضــت أربــع ســنوات تقريب ـاً منــذ بدايــة رشارة الثــورة الســورية‪ ,‬مــع اشــتداد حــدة ال ـراع ليأخــذ أبعــادا ً أكــر‬ ‫تعقيــدا ً وأكــر مأســاوي ًة بإدخــال مطالــب الثــورة الســورية يف الحريّــة والكرامــة بنفــق مظلــم مــيء بالكهــوف والحفــر‬ ‫واملطبّــات‪ ,‬دومنــا أفــق يلــوح بالخــاص‪ .‬وســط هــذه الحالــة مــن التخبــط يف «مســتنقع» كان آســناً لعـرات الســنني‬ ‫ظهــرت كائنــات وقــوى وتيــارات‪ ,‬منهــا مــا أنتجــه رحــم اإلســتبداد األســدي ‪ ,‬ومنهــا مــا هــو عابــر للحــدود والقــارات‬ ‫تعمــل ملصلحــة أجنــدات ومصالــح إقليميــة ودوليــة مختلفــة مــا بــات يهــدد بتفســخ البنيــة االجتامعيــة والكيــان‬ ‫الوطنــي الســوري بر ّمتــه‪ .‬القتــل وال ّدمــار هــو العنــوان اليومــي الرئيــس لحيــاة الســوريني متارســه كل تلــك القــوى التــي‬ ‫شـكّلت مايشــبه «املكنــة» اإليرانيــة ‪ -‬الروســية وبــات نظــام الشــبيحة عبــارة عــن برغــي ليــس إال فيهــا ضمــن املشــهد‬ ‫الــدويل الكبــر‪ ,‬مهمــة هــذه املكنــة الوحيــدة هــي القتــل والتدمــر والفــرم للبــر والحجــر والشــجر‪ .‬كــا ظهــرت‬ ‫وتخلّقــت كيانــات وكتــل سياســية وعســكرية انتــرت كــا الفطــور‪ ,‬ال يشــك بنوايــا بعضهــا الوطنيــة ‪ ,‬لكــن ضعــف‬ ‫إمكاناتهــا ودعمهــا أجربهــا أن ترتهــن ألجنــدات الداعمــن واملمولــن مــا تــرك أث ـرا ً كب ـرا ً عــى نتائــج أدائهــا الــذي‬ ‫كان خــر دليــل عــى افتقارهــا لإلســتقاللية وحتــى الكفــاءة‪ ,‬ناهيــك عــن أن بعضهــا تحــول إىل تــروس يف آلــة القتــل‬ ‫والدمــار العبثــي‪ ,‬وبالتــايل بقيــت دون مســتوى وحجــم الـراع واســتحقاقاته السياســية وغــر السياســية‪ ،‬خاصــة أنّهــا‬ ‫مــا زالــت تتصــادم وتتشــظى وتفــرخ عشــوائياً تشــكيالت وخاليــا وخطوطـاً تتج ّنــب االمســاك بالخيــار الواجــب الــذي‬ ‫تفرضــه أيــة ثــورة شــعبية يف وحــدة الصــف والســلوك الثــوري وفــق رؤيــة ثوريــة ومــروع وطنــي جامــع ومتوافــق‬ ‫عليــه‪ ،‬حيــث مــا انف ّكــت تعمــل بــا تحديــد واضــح للهــدف وآليــات الوصــول إليــه‪ ،‬وبــا دليــل عمــل وطنــي ثــوري‪،‬‬ ‫لهــذا بقيــت عاجــزة عــن اســتثامر التضحيــات الكــرى التــي قدمهــا الشــعب الســوري وتحويلهــا إىل مــروع وطنــي‬

‫شــامل ميثــل الحامــل الحيــوي الطبيعــي الــازم إلنتــاج التاريــخ مبعنــاه اإليجــايب‪ ،‬ويف املقدمــة اســقاط نظــام االســتبداد‬ ‫والفســاد والتبعيــة املأجــورة ‪.‬‬ ‫مبــوازاة ذلــك نــرى خــذالن وتواطــؤ املجتمــع الــدويل ومحاولــة العديــد مــن الــدول اإلقليميــة والدوليــة وأد ثــورة‬ ‫شــعب أراد الحريــة والكرامــة ‪ ,‬فكانــت األجنــدات والتدخــات املبــارشة وغــر املبــارشة ســكاكني نحــر للســوريني وكانت‬ ‫املنــاورات واملامطــات والحجــج والتــذرع املســتمر واملتلـ ّون ‪ -‬ملعظمهــا الفاعــل ‪ -‬بأســباب ومغالطــات شــتى‪ ،‬للتهــرب‬ ‫مــن مســؤولياتها القانونيــة واإلنســانية واألخالقيــة التــي تســتوجب تدخلهــا إلنقــاذ شــعب مؤســس لألمــم املتحــدة‬ ‫مــن إحــدى أكــر املذابــح املســتمرة التــي شــهدها العــر الحديــث‪ ،،‬وخــروج مــن يضــع نفســه يف معســكر أصدقــاء‬ ‫الشــعب الســوري مــن ح ّجــة ضبابيــة املشــهد والربنامــج‪ ،‬وتنامــي ســلوك التطــرف كناتجــن أساســيني عــن دخــول‬ ‫أط ـراف كثــرة مختلفــة ســاحة ال ـراع‪ ،‬وعــن عجــز وضعــف مــن اندفــع أو ُدفــع لتصــدر املشــهد الســيايس ممث ـاً‬ ‫لقــوى الثــورة واملعارضــة الســورية ‪.‬‬ ‫مــا تقــ ّدم يحتــم مراجعــة جديــة وحقيقيــة وصادقــة ملختلــف أوجــه الحالــة الوطنيــة الســورية ومــا آلــت‬ ‫إليــه‪ ،‬تحلي ـاً ونقــدا ً ح ـ ّرا ً وجريئ ـاً ‪ ,‬واســترشاف احتامالتهــا إليجــاد مخــارج وطنيــة وثوريــة جديــة عــى الصعيديــن‬ ‫النظــري والعمــي‪ ،‬تســاهم يف انعتــاق شــعبنا الســوري ووطننــا وتحقيــق طموحاتــه وتطلعاتــه وآمالــه التــي ثــار مــن‬ ‫أجــــــــلها ويف مســرته وتصميمــه عــى االلتحــاق بقطــار التاريــخ والعــر‪ ،‬كشــعب ح ـ ّر متمــدن‪ ،‬ووطــن عزيــز‬ ‫متحــرر ومســتقل‪.‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫‪10‬‬

‫تاريخيـاً‪ ،‬وواقعيـاً يلــزم ســنوات كثــرة بعــد انطــاق الثــورات للبحــث فيــا آلــت‬ ‫إليــه‪ ،‬والنتائــج التــي توصلــت‪ /‬أو وصلــت إليهــا‪ ،‬إخفاقاتهــا وإنجازاتهــا‪ ...‬كل هــذا‬ ‫ينطلــق مــن مــدى تحقيقهــا لألهــداف التــي خرجــت ألجلهــا‪ .‬ذلــك أن الثــورة‪ ،‬يف‬ ‫تعريــف مــن تعريفاتهــا‪ ،‬هــي حالــة فــوىض عارمــة تجتــاح النظــام الســيايس والبنــى‬ ‫االجتامعيــة والثقافيــة الســائدة‪ ،‬تجتــاح املــدن والقــرى والشــوارع وكل يشء‪ ،‬ولتعيــد‬ ‫البنــاء الجديــد لــكل مــا اجتاحتــه يلــزم ســنوات كثــرة‪ .‬إال أن مثــة نتائج فوريــة تظهر‪،‬‬ ‫منهــا مراجعــة بعــض األفــكار واالتجاهــات السياســية والثقافيــة التــي كانــت ســائدة‬ ‫قب ـاً‪ ،‬أو التــي تشــكلت وتــوايل التشــكل خاللهــا‪ .‬يف النمــوذج الســوري بــدا هــذا‬ ‫األمــر كثيفـاً ومتالحقـاً وشــامالً نتيجــة طــول مــدة الثــورة‪ ،‬والعنــف املتطــرف الــذي‬ ‫واجههــا بــه النظــام‪ ،‬وحجــم القتــل الهائــل الــذي تعرض لــه الســوريون‪ ،‬ودمار نســبة‬ ‫تفــوق النصــف مــن املــدن والقــرى‪ ...‬أيض ـاً نتيجــة الطحالــب واإلشــنيات الكثــرة‬ ‫التــي منــت عــى جســد الثــورة والنجاحــات واإلخفاقــات التــي تتعــرض لــه يومي ـاً!‬ ‫كل هــذا ك ـ ّون مكان ـاً مالمئ ـاً‪ ،‬وإن بالصيغــة املأســوية‪ ،‬ليقــوم الســوريون مبراجعــة‬ ‫أفكارهــم‪ ،‬معتقداتهــم‪ ،‬توجهاتهــم‪ ،‬اتجاهاتهــم‪ ،‬انتامءاتهــم الدينيــة واملذهبيــة‬ ‫والثقافيــة واإلثنيــة وغــره‪ ...‬يتجــى ذلــك مــن خــال النقاشــات والجــدل والحــوارات‬ ‫املحتدمــة فعـاً بــن الســوريني‪ ،‬واملقــاالت وحتــى بوســتات وتعليقــات النــاس عــى‬ ‫الفيــس بــوك ومواقــع التواصــل األخــرى‪ ،‬وغالبـاً تتأجــج هــذه الـ(رصاعــات) لــدى أي‬ ‫حــدث إيجــايب أو ســلبي تتعــرض لــه الثــورة عــى األرض‪ ،‬كإعــان مــن جهــة مــا يـراه‬ ‫بعضهــم متطرف ـاً أو ي ـراه بعضهــم اآلخــر ينطــوي عــى (شــبهة) علامنيــة مث ـاً‪ ،‬أو‬ ‫تقــدم الثــوار يف منطقــة وتراجعهــم يف أخــرى‪ ،‬تفجــر مــا‪ ،‬خطــف‪ ،‬اختفــاء‪ ،‬تشــكيل‬

‫كتيبــة ال يــرىض عــن توجهاتهــا أو تســميتها بعضهــم‪ ...‬إىل آخــر مــا هنالــك مــن‬ ‫تعبـرات تظهــر هنــا وهنــاك عــى نحــو متواصــل ويومــي تقريبـاً‪.‬‬ ‫خــال هــذه الفــرة‪ ،‬يبــدو وكأن تيــارات واتجاهــات ثقافيــة وفكريــة مــا قيــد‬ ‫التشــكل‪ ،‬ومــا يغنيهــا‪ ،‬بــرف النظــر عــن النتائــج‪ ،‬هــو هــذه الحــوارات الشــاقة‬ ‫التــي يظهــر عــى الكثــر منهــا نــوع مــن التطــرف وعــدم قبــول الــرأي املخالــف‬ ‫والخالفــات الشــخصية الحــادة‪ ،‬لكــن‪ ،‬عمقي ـاً‪ ،‬تســاهم هــذه الحــوارات يف تعميــق‬ ‫الفكــرة وتخفيــف حدتهــا و(انصياعهــا) لقبــول الــرأي املخالــف واألفــكار األخــرى‬ ‫التــي قــد تنمــو وتخلــق تيــارات أو اتجاهــات ثقافيــة مختلفــة‪ .‬قــد يشــر هــذا األمــر‪،‬‬ ‫ألول وهلــة‪ ،‬إىل تخبــط وضيــاع ومتاهــات كثــرة يصنعهــا الســوريون لبعضهــم‪ .‬لكــن‪،‬‬ ‫بعــد تف ّكــر بهــذا األمــر‪ ،‬وفحــص هــادئ لــه قــد نتوصــل إىل أنــه إيجــايب بكــرة‪ .‬فقــد‬ ‫حــرم الســوريون عــى مــدى مــا يقــرب مــن نصــف قــرن مــن إج ـراء جــدل كهــذا‪،‬‬ ‫وتشــكيل اتجاهــات وتيــارات معرفيــة وانتــاءات وعقائــد مختلفــة‪ ،‬نتيجــة هيمنــة‬ ‫النظــام الســيايس يف ســوريا عــى مفاصــل الحيــاة برمتهــا‪ ،‬ومنهــا الثقافيــة والفكريــة‬ ‫والسياســية وغــره‪ ،‬وفرضــه عــى الجميــع‪ ،‬بقــوة األمــن‪ ،‬رأيـاً وفكـرا ً وتوجهـاً واحــدا ً‪.‬‬ ‫ثــار الســوريون عــى هــذا اإلرث القاتــم‪ ،‬وهــم‪ ،‬يف هــذه الفــرة‪ ،‬يتصارعــون حــول‬ ‫كل يشء‪ :‬بــدءا ً مبفهــوم الديــن والتديــن واإلســام واإلســام الســيايس‪ ،‬مــرورا ً مبفهــوم‬ ‫االنتــاء القومــي واملذهبــي‪ ،‬والعروبــة و(الســورنة) (مــن ســوريا)‪ ،‬وليــس انتهــاء‬ ‫بإعــادة تعريــف املثقــف والشــاعر والفنــان ورجــل الشــارع واملــرأة والجــران‬ ‫والصداقــة والعــداوة والحــب والكراهيــة‪ ...‬الســوريون اآلن يف معمعــة التشــكل مــن‬ ‫نقطــة الصفــر كــا يبــدو‪.‬‬

‫خارج السرب‬ ‫جامل الفالح‬ ‫منــذ انطالقــة الثــورة والشــعب الســوري ينتظــر‬ ‫مــن أشــقائه العــرب‪ ،‬ومــن املجتمــع الــدويل والجوار‬ ‫اإلقليمــي موقفـاً مســاندا ً لثورتــه يف مواجهــة نظــامٍ‬ ‫فــاق يف إجرامــه حــدود التصــور‪ ،‬ومل يكــن يرتجــي‬ ‫مــن األنظمــة العربيــة الغارقــة يف تقليديتهــا موقفـاً‬ ‫مبدئي ـاً تجــاه الثــورة إمنــا التقــاء مصلحــة الشــعب‬ ‫الســوري مــع مصالــح دول املنطقــة يف زوال النظــام‬ ‫األكــر تآم ـرا ً عــى األقــارب قبــل األباعــد‪ ،‬والســيام‬ ‫أنــه مفصــل رئيــي يف قــوس الهــال اإليــراين‬ ‫الــذي يهــدد أمــن واســتقرار املنطقــة‪ ،‬خاصــة‬ ‫دول الخليــج‪ ...‬لكــن الــذي حصــل أن الواليــات‬ ‫املتحــدة وحلفاءهــا العــرب‪ ،‬وخاصــة دول الخليــج‬ ‫كانــوا عــى موعــد مــع فرصــة تاريخيــة لتصفيــة‬ ‫حســاباتهم مــع خطريــن محدقــن‪ ،‬األول‪ ،‬املــروع‬ ‫اإليـراين ومــا يطمــع إليــه بإعــادة إيـران إىل مكانتهــا‬ ‫الســابقة (رشطــي الخليــج)‪ ،‬والثــاين ثــورات الربيــع‬ ‫العــريب إذ بــدأت فيهــا ريــاح التغيــر تهــب لتقتلــع‬ ‫أســس النظــام العــريب التقليــدي وتهــوي بعــروش‬ ‫الدكتاتوريــة والفســاد‪ ،‬وتــرخ يف وجــه التبعيــة‬ ‫السياســية العميــاء إلرادة الــدول الكــرى‪ ,‬وشــكّل‬ ‫هــذان الخطــران‪ ،‬ومــا يســتوجبانه مــن مواجهــة‪،‬‬ ‫أســاس سياســية الواليــات املتحــدة وحلفائهــا تجــاه‬ ‫الثــورة الســورية‪ ،‬حيــث ســاهموا بحــرف مســارها‬ ‫الرامــي لنيــل مطالــب الشــعب الســوري العادلــة‪,‬‬ ‫وهنــا تقاطعــت إرادتهــم مــع إرادة النظــام أكــر‬ ‫مــن تقاطعهــا مــع الثــورة كل ذلــك عــى األرض‬ ‫الســورية‪ ،‬وعــى حســاب عذابــات الســوريني ومــا‬ ‫حــل ببالدهــم مــن دمــار‪ ،‬واســتخدموا لتحقيــق‬ ‫غاياتهــم وســائل وأدوات عــدة‪ ،‬مــن أهمهــا عســكرة‬ ‫الثــورة دون وجــود قيــادة موحــدة واحرتافيــة وال‬ ‫إمكانــات عســكرية‪ ،‬األمــر الــذي أفقــد الثــورة‬ ‫عنــرا ً هامــاً مــن عنــارص قوتهــا وهــو الســلمية‪،‬‬ ‫وأدخلهــا يف مهــاوي االرتهــان للحصــول عــى الدعــم‬ ‫املــايل والعســكري‪ .‬الوســيلة الثانيــة الرتكيــز عــى‬ ‫إظهــار الثــورة بطابــع إســامي متشــدد يســعى‬ ‫لفــرض منــط مــن الفهــم املتخلــف للرشيعــة‪،‬‬ ‫حيــث بــدأ الحاضــن الشــعبي ينفــر مــن كثــر مــن‬ ‫الفصائــل التــي انتهجــت منهــج الشــدة والتكفــر‪.‬‬ ‫الوســيلة الثالثــة تغذيــة أســباب انتشــار الطائفيــة‬

‫يف املجتمــع الســوري وإحــداث انقســامات وجــروح‬ ‫غائــرة يف بنيــة الوطــن‪ ،‬ويف املحصلــة ومــن الجانــب‬ ‫امليــداين والعســكري حــرص هــؤالء األصدقــاء‬ ‫املفرتضــون للشــعب الســوري عــى منــع النظــام‬ ‫مــن االنتصــار والحيلولــة دون انتصــار املعارضــة‬ ‫واالســتثامر يف األزمــة وفــق قواعــد تضمــن‬ ‫اســتمرار هيمنــة أمريــكا السياســية واالقتصاديــة‬ ‫عــى املنطقــة موظف ـ ًة بعــض دول اإلقليــم الكبــرة‬ ‫والصغــرة الحجــم واملنتفخــة الجيــوب والفارغــة‬ ‫مــن ناحيــة الرؤيــة واملــروع‪.‬‬ ‫وقــد وفــر أوبامــا مــن خــال رفضــه للتدخــل‬ ‫العســكري املبــارش عــى بــاده مخاطــر وتكاليــف‬ ‫كبــرة فالحــرب عندهــم مــروع لــه بدايــة ونهايــة‬ ‫وميزانيــة فــكان قرارهــم وعــى لســان أوبامــا ومنــذ‬ ‫وصولــه إىل البيــت األبيــض بأنهــم لــن يتورطــوا يف‬ ‫حــرب خــارج الواليــات املتحــدة لكنهــم وجــدوا‬ ‫ضالتهــم يف توظيــف املقاتلــن بالوكالــة‪ ،‬وخاصــة‬ ‫املتطرفــن الذيــن ينظــرون للحــرب عــى أنهــا‬ ‫عقيــدة وليســت مرشوع ـاً‪ ،‬أمــا امليزانيــة فتكفلــت‬ ‫رصح أمــام أعضاء‬ ‫بهــا دول الخليــج حتــى أن أوبامــا ّ‬ ‫الكونغــرس بــأن الكلفــة املاليــة لرضبــات التحالــف‬ ‫ســتمول مــن أصدقائنــا يف دول الخليــج‪.‬‬ ‫نذكــر كل هــذه الوقائــع لنخلــص إىل نتيجــة مفادها‬ ‫أن الواليــات املتحــدة ليســت معنيــة بإنهــاء األزمــة‬ ‫يف ســوريا‪ ،‬وأن التحالــف الــدويل برضباتــه الجويــة‪،‬‬ ‫والــذي يحتــاج فيهــا لعــدة ســنوات لــن يقــي عــى‬ ‫داعــش‪ ،‬وأنــه فاقــد عــى األقــل يف ظاهــر أمــره‬ ‫لالســراتيجية‪ ،‬إذ أغفــل الحديــث عــن خطتــه يف‬ ‫مواجهــة إجـرام النظــام الــذي نــكل بالســوريني عىل‬ ‫مــدار ثــاث ســنوات‪ ،‬كــا أغفــل البحــث بشــكل‬ ‫جــاد عــن حــل مشــكلة الالجئــن واملهجريــن وســبل‬ ‫تخفيــف معاناتهــم‪ ،‬وتغــاىض عــن أهميــة مســاعدة‬ ‫الســوريني يف توحيــد صفوفهــم ورضورة دعــم‬ ‫الجهــود الراميــة إلصــاح مؤسســات الثــورة‪ ،‬والكــف‬ ‫عــن التدخــل العبثــي يف الق ـرار الســوري‪ .‬لــكل مــا‬ ‫ذكرنــا فــإن الســوريني أمــام ٍ‬ ‫تحــد كبــر يســتلزم‬ ‫منهــم بصــرة سياســية نافــذة ومهــارة يف اســتثامر‬ ‫التناقــض يف مواقــف القــوى الكــرى لصالــح ثورتهــم‬ ‫وترتيــب بيتهــم الداخــي وتحصينــه مــن االخ ـراق‪.‬‬

‫عبد الرحمن حالق‬

‫‪11‬‬

‫نساء‪ ..‬نساء‬

‫دام يف سوريا‬ ‫جدل ٍ‬

‫خرض اآلغـا‬

‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫الثــورات والتحــوالت التاريخيــة الكبــرة تحــدث نوع ـاً مــن القطائــع املعرفيــة مــع‬ ‫املــايض واملــوروث‪ ،‬فالنــاس‪ ،‬خــال هــذه الثــورات والتحــوالت‪ ،‬يرمــون يقينياتهــم‬ ‫جانبــاً ويعملــون عقــل الشّ ــك يف كل يشء‪ .‬نعــرف‪ ،‬عــى ســبيل املثــال‪ ،‬أن أفــكار‬ ‫أس مبــادئ حقــوق اإلنســان املعــارص‪ ،‬تشــكلت‬ ‫الثــورة الفرنســية التــي تشــكل ّ‬ ‫عــى خلفيــة رصاع دام حــول األفــكار‪ ،‬كان مــن نتيجتهــا أن قطــع روبســبري رؤوس‬ ‫أصدقائــه يف الثــورة‪ ،‬ثــم قامــت الثــورة أيض ـاً بقطــع رأســه عــى املقصلــة! بطبيعــة‬ ‫الحــال‪ ،‬هــذه ليســت دعــوة لقطــع الــرؤوس (أصــاً هــي ت ُقطــع يف ســوريا بــا‬ ‫دعــوة) الســتنبات األفــكار‪ ،‬بــل تأكيــد عــى أن هــذا الجــدل الســوري (الدامــي) بــكل‬ ‫جرأتــه وحرارتــه‪ ،‬وصفاقتــه أحيانـاً‪ ،‬هــو مــن صفــات ســوريا الجديــدة التــي يطمــح‬ ‫الســوريون إليهــا‪ ،‬وهــو واحــد مــن أوســع البوابــات التــي عــى الســوريني أن يعربوهــا‬ ‫ألجــل ســوريتهم املشــتهاة‪ ،‬وهــو يحــدث ألول مــرة منــذ وصــول حافــظ األســد إىل‬ ‫الســلطة ‪ !1970‬وقضائــه عــى كل األفــكار والجــدل حولهــا‪.‬‬ ‫ميكــن أيضـاً أن يجــد املتشــامئون الــذي يــرون أن الثــورة خ ّربــت النفــوس والعقــول‪،‬‬ ‫وجعلــت حتــى اإلخــوة يختلفــون ويتناحــرون ويتشــاحنون وصــوالً إىل الخصومــة‬ ‫رمبــا‪ ،‬ميكــن أن يجــدوا يف هــذا أمـرا ً إيجابيـاً سيســفر عــن تفاهــم راقٍ ‪ ،‬وأن هــذا هــو‬ ‫حــال البنــاء الحــر للشــعوب والبلــدان‪ ،‬وليــس البنــاء اإلرغامــي‪ ،‬وأن منــاخ الحــوار‬ ‫والجــدل هــو الــذي يحمــي الجميــع مــن أيــة نــوازع اســتفرادية أو إقصائيــة أو‬ ‫إلغائيــة‪.‬‬

‫فحولــة‪!..‬‬

‫اثنتــان مل يتعــود عليهــا املواطــن العــريب يف بالدنــا‪ ،‬بــل وينظــر إليهــا‬ ‫باســتياء وغضــب أحيانــاً‪ :‬األوىل‪ :‬زيــارة العيــادات النفســية‪ .‬فنحــن‬ ‫شــعوب أصحــاء محصنــون ضــد االضطرابــات النفســية جمعــاء‪.‬‬ ‫الثانيــة‪ :‬قبــول النقــد مــن اآلخريــن‪ .‬فنحــن شــعوب مــن أويل األلبــاب‪،‬‬ ‫اكتملــت عقولنــا ونضجــت‪ ،‬وبفضــل الديــن الحنيــف أصبحنــا خــر أمــة‬ ‫أخرجــت للنــاس‪ .‬وســأضيف الثالثــة تجــاوزا ً وهــي‪ :‬زيــارة العيــادات‬ ‫الجنســية‪ ،‬فنحــن شــعوب تكتمــل رجولتهــا يف الســنة الثانيــة مــن‬ ‫العمــر‪ ،‬كــا أكــد عمــرو بــن كلثــوم‪:‬‬ ‫إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابرة ساجدينا‬ ‫إذا ً‪ ،‬نحــن فحــول العقــل‪ ،‬فحــول اللغــة‪ ،‬فحــول الفعــل‪ ،‬ومــع ذلــك‬ ‫يتســاءل املــرء ـ بــيء مــن املــرارة ـ ملــاذا نحــن يف هــذه الحالــة‬ ‫املزريــة؟ فعــى صعيــد العقــل اســتطعنا لفرتة وجيــزة أن نشــكل الحالة‬ ‫الجنينيــة للعقــل اإلنســاين‪ ،‬إذ مبجــرد والدة هــذا الطفــل (العقــل) ومــع‬ ‫البــوادر األوىل ملظاهــره العلميــة التــي تســتوجب وضــع كل أمــر‪ ،‬وكل‬ ‫منطــق‪ ،‬وكل يشء تحــت عدســة الــدرس والتحليــل‪ ،‬انتبــه لخطورتــه‬ ‫الفقهــاء وعلــاء الديــن‪ ،‬وأربــاب القــوة‪ ،‬وأجمعــوا أن هــذا الوليــد‬ ‫سيشــكل خطـرا ً مســتقبلياً عــى مجمــل املنجـزات الدينيــة فاصطنعــوا‬ ‫لــه أصفــادا ً أســموها «النقــل» فــإذا صــدف أن اختصــم العقــل مــع‬ ‫النقــل فالنقــل أوىل وأعــى رتبــة‪ ،‬وألن العقــل ال يقبــل الخســارة فقــد‬ ‫انتقــل بحكــم تعاقــب الحضــارات إىل أمــم أخــرى وضعتــه يف مقدمــة‬ ‫أولوياتهــا ـ بعــد تحييــد رجــال الديــن فيهــا ـ فمنحهــا العقــل مــا‬ ‫منحهــا مــن تقــدم وقــوة‪ ،‬وبقينــا نحــن العــرب نفاخــر مبــا أنجزنــاه يف‬ ‫املرحلــة الجنينيــة ونتفاخــر مبــا رسق منــا‪.‬‬ ‫وأمــا عــى صعيــد اللغــة نجــد األمــر ال يفــرق كثــرا ً مــن حيــث‬ ‫الســرورة التاريخيــة عــا جــرى للعقــل‪ ،‬فعلامؤنــا األفاضــل ومنــذ‬ ‫مئــات الســنني يفاخــرون مبنتــج عــريب اللســان مــع قناعتهــم التامــة بأن‬ ‫أيـاً مــن العــرب مل يكــن لــه أدىن فضــل فيــه‪ ،‬فهــو كتــاب ربــاين رصف‪،‬‬ ‫مــا زلنــا حتــى يومنــا هــذا نختلــف يف بعــض تفسـراته‪ ،‬ومــع أنهــم ـ أي‬ ‫العلــاء ـ أمضــوا حيواتهــم يف تبيــان بيانــه‪ ،‬وإظهــار مــا جــاء بــه مــن‬ ‫بالغــة وإعجــاز‪ ،‬إال أنهــم مل يســتطيعوا ردم الفجــوة بــن مــا يســمونها‬ ‫فصحــى ومــا يتحــدث بــه النــاس‪ ،‬وعــى العكــس فــإن هــذه الفجــوة‬ ‫تتســع وتــزداد‪ ،‬ذلــك أنهــم قعــدوا اللغــة وأطروهــا عــى أســاس النســق‬ ‫الــذي كان ســائدا ً يف الجاهليــة وصــدر اإلســام‪ ،‬وكلــا تعاقبــت األجيــال‬ ‫ازدادت املســافة بــن لغتهــم واللغــة األم‪ ،‬حتــى غدونــا بحاجــة ماســة‬ ‫لوجــود معجــم تحــت اليــد ونحــن نقــرأ شــعرا ً جاهلي ـاً أو إســامياً أو‬ ‫نصـاً قرآنيـاً‪ ،‬ثــم وبعــد هــذا التقعيــد والتأطــر أعلــن علامؤنــا األفاضــل‬ ‫حكـاً غــر قابــل للطعــن بــأن «النحــو طبخــة واحرتقــت» فــا مجــال‬ ‫لتطويــر أو تحديــث أو تغيــر‪ ،‬ومــا يثــر الدهشــة ـ يف خضــم تباهينــا‬ ‫باللغــة ـ أننــا مل ننجــز منــذ أكــر مــن ألــف عــام نصـاً ميكــن التفاخــر‬ ‫بــه لغويـاً حتــى عــى الصعيــد العــريب فيــا بيننــا عــى األقــل‪.‬‬ ‫أمــا عــى صعيــد الفحولــة‪ ،‬فأعتقــد أنهــا املحصلــة الطبيعيــة ملعادلــة‬ ‫بســيطة هــي (عقــل ‪ +‬لغــة = فحولــة) إذ عندمــا تشــكلت مضغــة‬ ‫العقــل العــريب وبــدأت بامتصــاص األوكســجني النقــي مــن دمــاء‬

‫اللغــة ـ التــي كانــت يف يومهــا ذاك عــى اتســاق وتآلــف مــع اإلنســان‬ ‫ـ اســتطاعوا أن يكونــوا فحــوالً وأن يضعــوا لبنــة يف أســس الحضــارة‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬واســتطاعوا بفحولتهــم تلــك أن ينشــئوا إمرباطوريــة عظيمــة‬ ‫لكــن مــع بــدء تقييــد العقــل واالبتعــاد عــن اللغــة األم بــدأت هــذه‬ ‫اإلمرباطوريــة باالهت ـزاز والســقوط والتــرذم ســاعد عــى ذلــك أيض ـاً‬ ‫عوامــل االنقســامات الداخليــة‪ ،‬فخنســت هــذه الفحولــة وتراجعــت‬ ‫عــى الصعيــد العلمــي واقتــرت مامرســتها ـ داخلي ـاً ـ عــى النســاء‬ ‫واملعارضــة السياســية‪ ،‬وهــا هــو األمــر يبلــغ غايتــه يف وصولهــا إىل‬ ‫التناح ـرات والحــروب البينيــة‪ ،‬إذ يف الوقــت الــذي نجــد فيــه الحبــل‬ ‫يشــد عــى رقابنــا نتمســك بــه ونحــن «نتفاحــل» عــى بعضنــا متناســن‬ ‫متامـاً مــا كنــا قــد عرفنــاه ذات يــوم عــن الخيــل والليــل والبيــداء معـاً‪.‬‬ ‫***‬ ‫ال أتوجــه يف حديثــي هــذا إىل العــامل يك يعيــد لنــا عقلنــا أو لغتنــا‪ ،‬وال‬ ‫حتــى أن يحــرم أي ـاً منهــا فهــذا واقــع يســتفيد منــه ويحــرص عــى‬ ‫تكريســه‪ ،‬ولــن أتوجــه إىل الحــكام أو أويل األمــر يك ينتبهــوا إىل واقــع‬ ‫الحــال فهــم أدرى بــه منــي ورمبــا يكــون معظمهــم يف حالــة تواطــؤ‬ ‫مــع أســباب األزمــة‪.‬‬ ‫أتوجــه يف حديثــي هــذا ملــن يعــدون أنفســهم أصحــاب عقــول وه ـ ّم‬ ‫إنســاين‪ ،‬وملــن يحملــون عــى كواهلهــم ه ـ ّم املعرفــة واالرتقــاء عــى‬ ‫اختــاف الــرؤى الفكريــة‪ ،‬أتوجــه يف حديثــي هــذا إىل الشــعراء واألدبــاء‬ ‫واملفكريــن واملبدعــن عــى اختالفهــم‪ ،‬إلعطــاء العقــل واإلنســان‬ ‫أهميــة فيــا ينجــزون بــدل الســعي املحمــوم إىل الظهــور والشــهرة‬ ‫واملكاســب املاديــة‪ ،‬هــؤالء املبدعــون هــم الوحيــدون فقــط الذيــن‬ ‫يســتطيعون خلــق بنيــة تحتيــة واعيــة‪ ،‬وهــم وحدهــم القــادرون عــى‬ ‫تكريــس الجــال والجــال‪ ،‬وعندمــا يتمكنــون مــن خلــق هكــذا بنيــة‬ ‫تحتيــة ســتكون بــكل تأكيــد قــادرة عــى خلــق البنيــة الفوقيــة القــادرة‬ ‫عــى التغيــر واالنطــاق بثبــات عــى طريــق الحضــارة اإلنســانية‪ ،‬أمــا‬ ‫إذا كنــا ســننتظر هــذه االنطالقــة لتــأيت بقـرار ســيايس‪ ،‬أو برغبــة تاجــر‬ ‫فهــذا بتصــوري هــو الغبــاء بعينــه‪.‬‬ ‫استدراك‪:‬‬ ‫هــذا املقــال متــت كتابتــه قبــل الثــورة بســنتني‪ ،‬كنــت أحلــم وأســترصخ‬ ‫العقــول‪ ،‬مل أكــن نبيـاً ألتنبــأ بالحــال التــي رصنــا إليهــا‪ ،‬لكــن األكيــد أن‬ ‫تغييــب العقــل مل يطــل عــوام املجتمــع ومهمشــيه فقــط وإمنــا طــال‬ ‫هــذا التغييــب مــن كنــا نعتربهــم نخبـاً ثقافيــة‪ ،‬فــا صفعتنــا بــه هــذه‬ ‫الثــورة حقيقــة أن مجتمعاتنــا مل تنتــج منــذ ألــف عــام ذلــك املثقــف‬ ‫الحقيقــي املنتــج للمعرفــة وإمنــا وصلــت حالــة اإلخصــاء للجميــع بــا‬ ‫اســتثناء وأي مثقــف ندعــوه اليــوم بكلمــة مفكــر‪ ،‬مل يكــن يف حقيقــة‬ ‫األمــر أكــر مــن محــاور للمنتــج الثقــايف العاملــي وليــس منتجـاً‪ .‬وعلينــا‬ ‫االعــراف اليــوم بأننــا لســنا أكــر مــن مجموعــات مخصيــة تفاخــر‬ ‫بفحولــة غريهــا‪.‬‬

‫نجاة عبد الصمد‬ ‫كــ ّن مدلّــات‪ ،‬خريجــات جامعــة‪ ،‬موظفــات‪ ،‬ســيدات أعــال‪ ،‬ومهنيــات‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أمــاك ومجوهــرات‪ ...‬مل يخــرن ضنــك الحيــاة‪ ،‬ومل‬ ‫وفنانــات‪ ...‬كانــت لديهــ ّن‬ ‫ينقصهــ ّن املــال يومــاً‪.‬‬ ‫كــ ّن عدميــات الخــرة يف مقارعــة الفقــر‪ ،‬يف حيــل التوفــر‪ ،‬يف االســتعداد‬ ‫ـب‬ ‫ـب عليهــن فجــأة كــا تطـ ّ‬ ‫للكــوارث‪ ...‬مل يــدر يف ذهــن إحداهـ ّن أنهــا قــد تطـ ّ‬ ‫عــى الفقــراء‪..‬‬ ‫نســا ٌء رصن يف الحــرب بــا بيــوت‪ ،‬وبــا أزواج‪ ،‬أو نجــا بعــض رجالهــ ّن بعــد‬ ‫خــران كل مــا بنــوا؛ فه ّبــت عقولهــن تدفعهــا غريــزة الحيــاة‪.‬‬ ‫امــرأة تشــري قمــح املوســم مــن الفــاح عــى البيــدر‪ ،‬تنقلــه تنكــة تنكــة عــى‬ ‫كتفهــا إىل البيــت‪ ،‬تســتعري مــن جريانهــا حلّــة الســلق الضخمــة (الخلقينــة)‪،‬‬ ‫ليمتــص‬ ‫ت ُعلّمهــا جارتهــا كيــف تســلق عرشيــن مــ ّدا ً مــن القمــح‪ ،‬تفرشــه‬ ‫ّ‬ ‫طعــم الشــمس يف فســحة بيــت الج ـران‪ ،‬ثــم تأخــذه إىل املطحنــة تنكــة تنكــة‪،‬‬ ‫وتعيــده منهــا مجروش ـاً‪ .‬تفــرز الربغــل الخشــن وبرغــل الكبــة‪ ،‬وتصنــع الكشــك‬ ‫مــن الربغــل‪ ،‬وتجعــل مــن قشــور القمــح حشــوة للمخــدات‪ ،‬وتضــع منتوجاتهــا‬ ‫الفاخــرة يف أكيــاس تــدور بهــا عــى الدكاكــن حتــى تبيعهــا كلهــا بعــد أن تحتفــظ‬ ‫ألوالدهــا مبؤونــة الشــتاء‪..‬‬ ‫امــرأة تســتدين ل ـر ٍ‬ ‫ات قليلــة‪ ،‬وتتــوكل عــى مدبّــر الكــون‪ ،‬وتســافر إىل الشــام‬ ‫تقصــد العطــار يف الحريقــة‪ ،‬ترجــوه أن يعلمهــا صناعــة الشــامبو واملنظفــات لقــاء‬

‫ـامي ثــم يـ ّ‬ ‫ـرق قلبــه‪ .‬تعــود شــاكر ًة وتفتــح‬ ‫املــال الــذي تســتطيع‪ ...‬مياطــل الشـ ّ‬ ‫مصنعهــا البــدا ّيئ الصغــر يف ملحــقٍ مــن التوتيــاء نصبتــه خلــف غرفتهــا‪ ...‬تخطــئ‬ ‫يف الخلطــات األوىل كثـرا ً‪ ،‬وتتعلــم مــن أخطائهــا‪ ...‬تحــرق يديهــا أكــر مــن مـ ّرة‬ ‫بالقطــرون‪ ،‬تعالــج حروقهــا بالطحــن واملــاء البــارد‪ ،‬وتعــود إىل أعاملهــا يســاعدها‬ ‫أطفالهــا املتــوردون بعــ ّد وتصفيــف القنــاين املل ّونــة‪ ،‬ورصــد عقــرب الســاعة‬ ‫ليخربوهــا متــى يجــب أن تطفــئ النــار تحــت الخلطــة التــي لــن تغفــر الخطــأ يف‬ ‫إعدادهــا مــن جديــد‪.‬‬ ‫امــرأة تــري إىل الربيّــة الكرميــة تقطــف مــن األرض كل نبـ ٍ‬ ‫ـات صالـ ٍح لــأكل‪ .‬يف‬ ‫خيمتهــا تغســله باملــاء البــارد‪ ،‬وتنقيــه وتصففــه تحــت ضــوء الشــمعة‪ ،‬تــداوي‬ ‫خــدوش يديهــا بزيــت املكــدوس القديــم‪ ،‬وتنــام حاملــة بفــرج الصبــح لتــري‬ ‫إىل التاجــر تقايضــه كل مــا ح ّوشــت بالقليــل الــروري الــذي يفتديــه مثــ ُن‬ ‫حشائشــها‪.‬‬ ‫امــرأة تبيــع إســوارتها الوحيــدة وتشــري بهــا ماكينــة خفــق الحمــص وتصنــع‬ ‫املدمــس وتوزعــه يف أكيـ ٍ‬ ‫ـت كيــف تخــرج مــن يديهــا أكــر أناقــة مــن‬ ‫ـاس تعلّمـ ْ‬ ‫تغليــف املعامــل‪.‬‬ ‫مهندس ـ ٌة أو صيدالني ـ ٌة تعمــل أجــر ًة يف ســوبر ماركــت أو ســكرتري ًة يف عيــاد ٍة أو‬ ‫مكتــب بــدوامٍ يهــدر كل وقتهــا ومهاراتهــا‪ ،‬ويكافئهــا بفتــات املــال‪.‬‬ ‫تلف‬ ‫امــرأة تــزرع مســاكب الخــرة عــى أســطح البنايــات املخنوقــة بالحصــار‪ ،‬أو ّ‬

‫ورق العنــب يف بيتهــا للمرتفــن‪ ،‬أو تتقــن تكويــر الكبــة كــا كانــت تتقــن رســم‬ ‫األشــكال عــى الســبورة أمــام تالميذهــا‪ ،‬أو تفــرم البقدونــس أو تحفــر الكوســا‪،‬‬ ‫أو تجفــف األعشــاب العطريــة‪ ،‬أو تكــوي ثيــاب املقتدريــن‪ ،‬وتغريهــم بخدماتهــا‬ ‫األرخــص مــن أجــور املصبغــة‪ ،‬أو تنظــف البيــوت أو تشــطف أدراج املكاتــب‪ ،‬أو‬ ‫تجالــس األطفــال‪ ،‬أو ترعــى العجــزة‪ ،‬أو تذهــب ل ـراء األغ ـراض مــن الســوق‬ ‫ملــن يحتــاج‪ ..‬أو تحــوك الكن ـزات والشــاالت وجرابــات األطفــال والرشاشــف‪ ،‬أو‬ ‫تعلّــم أطفــال الجــران دروس القــراءة والحســاب‪ ،‬وتســتعيد معهــم مــا كادت‬ ‫تنســاه مــن شــغفها بــاألدب اإلنكليــزي أو الفرنــي‪ ..‬أو ترســم مخططــات األبنيــة‬ ‫يف البيــت بالقلــم الرصــاص وبالفرجــار‪ ،‬بــذات الطــرق البدائيــة التــي تعلمتهــا يف‬ ‫الجامعــة قبــل حلــول التقانــات الحــارضة‪.‬‬ ‫امــرأ ٌة يضجــر قلبهــا مــن هــذا الخـراب العميــم‪ ،‬تــدس يف جزدانهــا مــا يتســع مــن‬ ‫قصــص األطفــال‪ ،‬وتــروح إىل أقــرب مخيــم‪.‬‬ ‫امــرأة تغطــي أطفالهــا بجســدها وتؤلّــف لهــم الحكايــات عــن الحيــاة والشــموس‬ ‫واألقــار واألم ـرات‪ ،‬فتجلــب الــدفء والنعــاس إىل عيونهــم التــي ر ّمدهــا الــرد‬ ‫وأصــوات القذائــف ودخانهــا‪.‬‬ ‫هــي الحيــاة‪ ،‬وال ســواها‪ ،‬علــت بهــن إىل غيامتهــا‪ ،‬لريســمنها مــن األعــايل‪،‬‬ ‫كل‬ ‫بعيونهــن هـ ّن ال بالعيــون الحســرة التــي أراد الجـاّد األعــى أن يطمــس بهــا ّ‬ ‫ألــوان الحيــاة يف ســوريا‪...‬‬

‫وقفات عند كتاب‪ :‬أضاحي منطق اجلوهر‬ ‫* د‪ .‬خالد محمد كوكو‬ ‫كتــاب (أضاحــي منطــق الجوهــر) هديــة تلقيتهــا مــن‬ ‫ـاس فيـ ِه يُهــدون‬ ‫الصديــق حمــزة رســتناوي‪ ,‬يف زمــن بــاتَ النـ ُ‬ ‫َ‬ ‫هديــك‬ ‫ٌ‬ ‫بعضهــم الــورود والشــوكوال‪ ..‬كــم هــو‬ ‫جميــل أن يُ‬ ‫اآلخــرون‪ :‬معارف َهــ ْم وعصــارة تجاربهــ ْم يف الحيــاة!‬ ‫جــاء العنــوان «أضاحــي منطــق الجوهــر» غريب ـاً نوع ـاً فقــد‬ ‫اســتدعى إىل ذهنــي عناويــن كتــب التصــوف القدميــة الصفراء‪,‬‬ ‫وعــى كل حــال يتنــاول الكتــاب بالفضــح والتعريــة لنــاذج‬ ‫مــن الخطــاب االســامي املعــارص‪ ,‬الخطــاب الــذي أغــرق عــددا ً‬ ‫كب ـرا ً مــن شــبابنا يف مســتنقع التطــرف والغلــو لدرجــة قتــل‬ ‫النفــس أو اآلخريــن‪ ,‬فاستســهال قتــل اآلخريــن والعمليــات‬ ‫االستشــهادية ‪/‬االنتحاريــة‪ ,‬س ـ ِّمها مــا شــئت حســب موقعــك‪,‬‬ ‫دليــل عــى هــذا الســقوط يف أتــون الخطــاب‪.‬‬ ‫الكتــاب يجعل َ‬ ‫وأنــت تقــرأه تبتســم‬ ‫ُــك ‪ -‬يف أحيــان كثــرة ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫ـت تظ ّنهــا جوهـرا ً‬ ‫لنفســك‪ ,‬باعتبــارك كنــت ضحيــة لفكــرة كنـ َ‬ ‫هــي بــدأت تخبــو أمــام عينيــك‪ ,‬باســتخدام مســاطر‬ ‫فــإذا َ‬ ‫املنطــق الحيــوي‪ .‬واقرتاحــي أ ّن هــذا الكتــاب يحتــاج اىل‬ ‫دارســة ومناظــرة مــع أصحــاب كل منــوذج ِمــ ْن منــاذج‬ ‫ُم َ‬ ‫الخطــاب‪ ,‬وهــو كتــاب قــد يُغنــي كثــرا ً مــن الجمعيــات‬ ‫الرســمية عــن إصــدار الفتــاوى الدينيــة‪ ,‬أو إصــدار الق ـرارات‬ ‫السياســية بتجريــم أو تكفــر فئــة أخــرى‪ ,‬فاإلســاميون يف‬ ‫النهايــة يجــب مناقشــتهم بالحجــة والحــوار‪ ,‬فالقــوة والحلــول‬ ‫األمنيــة ال تخلــق قناعــة خصوص ـاً عنــد َم ـ ْن يعتــرون املــوت‬ ‫جائــزة وهــم يُنشــدون (واملــوتُ يف ســبيلِ اللـ ِه أغــى أمانينــا)!‬ ‫أضاحــي منطــق الجوهــر مــن الكتــب الفلســفية العميقــة‪,‬‬ ‫ـأكتب‬ ‫ربــا يحتــاج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ملختصــن وأكادمييــن لتقييمــه‪ ,‬ولك ّنــي سـ ُ‬ ‫انطباعــي عنــه‪ ,‬فهــو واحــ ٌد مــن الكتــب العظيمــة‪ ,‬يفيــد‬ ‫النــاس يف حــل مشــاكلهم ويحتــوي عــى طــروح تصلــح لوضــع‬ ‫واصــاح مناهــج التعليــم والرتبيــة‪ ,‬ولكـ ّن الكتــاب يف توصيلــه‬ ‫لنظريــة املنطــق الحيــوي ســقط يف بركــة التكــرار والــرح‬ ‫امل ُســهب‪ ,‬بصــورة تجعلــك تســأل عــدة مـرات‪ ,‬هــل أنــا لهــذه‬ ‫الدرجــة مــن ســوء الفهــم؟! والكتــاب بــدوره يعــرض ملســاطر‬ ‫تأخذهــا معـ َـك لقيــاس كل فكــره أو يشء‪ ,‬ولكــن نتســاءل أال‬ ‫ميكــن قيــاس الكتــاب نفســه بهــذه املســاطر ليــرب مــن‬ ‫نفــس الــكأس؟!‬ ‫والكاتــب ضمــن محاولــة ترســيخ فكــرة منطــق الجوهــر‬

‫واالسرتســال يف عرضهــا نجــده يصدمنــا باألســئلة املمنوعــة‬ ‫مثــل‪:‬‬ ‫ «مــا رأيكــم هــل اللــه جوهــر أو طريقــة تشــك ُّْل وشــكل‬‫إلهــي؟»‬ ‫ كذلــك يقفــز علينــا بســؤال آخــر بعــد عــرض اآليــة الكرميــة‬‫(ويســألونك عــن الــروح‪ ,‬قــل الــروح مــن أمــر ريب‪ ,‬ومــا أوتيتــم‬ ‫مــن العلــم إال قليــا) حيــث يقــول‪« :‬قد تتوقع ويســأل شــخص‬ ‫مــن هــو ريب؟ هــل هــو روح أو مــادة‪ ,‬أم هــو مــادة وروح‪..‬‬ ‫الــخ؟» أســئلة يطرحهــا الكتــاب تثــر فينــا الرهبــة وتخــدش‬ ‫جــدار الصمــت‪ ,‬تجعلــك تتعــوذ مــن الشــيطان وتســتغفر اللــه‬ ‫مـرات ومـرات! ولكنهــا مــن جهــة أخــرى‪ ,‬أســئلة قــد تظهــر يف‬ ‫نفســك مــرة ومـرات‪ ,‬وتقهرهــا بالتجاهــل‪.‬‬ ‫املنطــق الحيــوي – وفــق الكتــاب – هــو منطــق متعــدد‬ ‫اللحظــات‪ ,‬يرفــض الثنائيــات‪ ,‬ويســتخدم تقنيــة مربــع املصالح‬ ‫الــذي نجــده متكــرر عــى صفحــات الكتــاب الســتخدامه يف‬ ‫املقايســة‪.‬‬ ‫أحب زيدا ً‪ ..‬أنا أكر ُه زيد‪ :‬هذ ِه قناعتي‬ ‫مثالً‪ :‬أنا ُّ‬ ‫ولكــن عــر مقايســات املنطــق الحيــوي نجــد أربــع خيــارات‬ ‫ملوضــوع القناعــة‪.‬‬ ‫أنــا أحــب زيــد ‪-‬أنــا أميــل أكــر اىل حــب زيــد ‪-‬أنــا أكــره زيــد‪-‬‬ ‫أنــا أميــل أكــر إىل كــره زيــد‪.‬‬ ‫وإذا أدخلنا هذا القياس اىل مفهوم االميان بالله نجد‪:‬‬ ‫أنــا أؤمــن باللــه ‪-‬أنــا أميــل أكــر إىل االميــان بالله‪-‬أنــا ال أؤمــن‬ ‫بالله‪-‬أنــا أميــل أكــر اىل عــدم االميــان باللــه‪.‬‬ ‫وهكــذا دخلنــا يف فلســفة وحفــر لألعــاق واحتامليــة متييــع‬ ‫االجابــات‪ ,‬وخلقنــا حولنــا جدليــات للفهــم والرؤيــة‪ .‬إ ّن هنــاك‬ ‫أشــياء ال تحتمــل خلــق حــاالت مــن الضبابيــة حولهــا‪ ,‬فإ ّمــا أن‬ ‫أكــون أؤمــن باللــه أو ال أؤمــن‪ ,‬إ ّمــا أن أحــب زوجتــي أو ال‬ ‫أحــب زوجتــي‪.‬‬ ‫فالقــول‪ :‬أنــا أميــل أكــر إىل حــب ّزوجتــي‪ ,‬يــزرع الشــك يف‬ ‫وربــا يجعلنــي أبحــث عــن امــرأة أخــرى أحبهــا فقــط‬ ‫قلبــي ّ‬ ‫ـت فقــط مبنطــق الجوهــر‬ ‫بــكل مــا يعنــي الحــب‪ .‬ولــو اكتفيـ ُ‬ ‫ـت لــكل ذلــك‪ ..‬وهكــذا‬ ‫ـت ّ‬ ‫(أن أحــب زوجتــي) ملــا احتجـ ْ‬ ‫الثابـ ْ‬ ‫قناعــة االميــان باللــه‪ ..‬وعليــه قــس‪.‬‬ ‫بهــذا الرفــض ملقايســات املنطــق الحيــوي‪ ,‬قــد يعتــرين الكاتب‬ ‫ضحيــة ملنطــق الجوهــر‪ ,‬ولكــن املنطــق الحيــوي مــا يُر ِعبُ َنــا‬

‫فيــه‪ ,‬إ َّمــا أن نأخــذ ُه كلــه‪ ,‬ونخضــع لــه كل فكــره أو قناعــة أو‬ ‫خطــاب فكــري أو عقائــدي أو حتــى عاطفــي‪ ,‬أو نرتكــه كلــه‬ ‫ربــا كضحايــا حقيقيني‪.‬‬ ‫ومنــي يف استســامنا ملنطــق الجوهــر‪ّ ,‬‬ ‫ولكــن لنســأل أنفســنا والكاتــب ملــاذا ال نجعــل هنــاك جواهــر‬ ‫مطلقــة مق َّدســة ال يأتيهــا القيــاس ومســاطر املنطــق الحيــوي‬ ‫كاإلميــان باللــه ونجعــل املســاطر تجــري عــى مــا دون ذلــك‪.‬‬ ‫حيــث يبقــى االميــان باللــه والديــن حقيقــة وجوهــر ثابــت‬ ‫ال يقبــل الجــدل وال يقبــل املســاطر‪ .‬ولكــن املامرســة لهــذا‬ ‫الديــن هــو مــا يجــب أن يقايســه املنطــق الحيــوي‪ ,‬فاألفعــال‬ ‫التعبديــة لهــذا الديــن والســلوك واملامرســة الحياتيــة لهــذا‬ ‫الديــن تختلــف مــن مجموعــة اىل أخــرى‪..‬‬ ‫فمثــاً‪ :‬تنظيــم القاعــدة لديــ ِه قناعــة تختلــف عــن غــره‬ ‫ويتب ّنــى منطــق القتــل عــى الهويّــة فهــذا صليبــي وهــذا‬ ‫كافــر وهــذا فاســق‪ ..‬يؤمنــون باالستشــهاد أو االنتحــار‬ ‫كوســيلة لنــرة الديــن مثــل أن تفجــر مج َّمعــاً تجاريــاً‬ ‫يذهــب ضحيّتــه األبريــاء نــرة للمســلمني امل ُضطّهديــن يف‬ ‫فلســطني؟! فالديــن هــو جوهــر ســامٍ ال ميكــن مقايســته‪,‬‬ ‫ولكــن مامرســات تنظيــم القاعــدة وأفــكاره هــي التــي ميكــن‬ ‫أن يقايســها املنطــق الحيــوي‪ ,‬فالديــن جوهــر والتديــن شــكل‬ ‫وحالــة تشـكُّل‪ .‬ويبــدو يل أن الكاتــب الرســتناوي نفســه يعــي‬ ‫هــذه االعرتاضــات حيــث يــورد يف ص ‪« 23‬أنــا هنــا ال أقايــس‬ ‫اإلســام كديــن‪ ,‬فــا وجــود إلســام مجــرد» وأكــر مــن ذلـ َـك‬ ‫يــرك لقارئــه الخيــار قائ ـاً‪« :‬هــل تريــد مخــرج الضحايــا أم‬ ‫األضاحــي؟‪ ..‬هــل نحــن ضحايــا‪.»..‬‬ ‫ويف الــرد عــى الكاتــب أقــول‪ :‬إن االســام هــو ديــن لــه أركان‬ ‫وأســس‪ ,‬ولــه قــرآن وأحاديــث ورشيعــة وطقــوس فهــذا هــو‬ ‫االســام‪ ,‬هــذا هــو الجوهــر الــذي ينطلــق منــه الخطــاب‬ ‫اإلســامي املعــارص‪ ,‬فــإذا أراد الكاتــب مثــا مقايســة وتفنيــد‬ ‫خطــاب بــن الدن عــى ســبيل املثــال‪ ,‬يكــون الكاتــب قــد تــرك‬ ‫مقايســة الديــن االســامي كجوهــر‪ ,‬ولجــأ اىل مقايســة الشــكل‬ ‫أو التشــكل والتحــول والصــرورة الحركيــة لإلســام الــذي‬ ‫اعطــاه ابــن الدن‪ ,‬وبالتــايل نحــن لســنا ضحايــا منطــق الجوهــر‬ ‫كــا يزعــم‪ ,‬بــل ضحايــا منطــق العــارِض ومنطــق الشــكل‬ ‫ومنطــق األفــكار التــي تشــخصها ذاتنــا القــارصة والتفاســر‬ ‫لنصــوص الديــن‪.‬‬ ‫الكتــاب يف تناولــه لنــاذج الخطــاب اإلســامي املعــارص كنــت‬

‫أمتنــى أن يتنــاول خطــاب الحركــة اإلســامية يف الســودان‪,‬‬ ‫وشــيخها حســن الـرايب‪ ,‬كتجربــة شــاءت لهــا االقــدار أن تجــد‬ ‫طريقهــا اىل الســلطة لفــرة تقــارب خمســة وعرشيــن عام ـاً‪,‬‬ ‫مارســت فيــه الجهــاد يف جنــوب الســودان‪ ,‬وجعلــت مــن‬ ‫روســيا وأمريــكا أعــداء (أمريــكا وروســيا قــد دنــا عذابهــا)‬ ‫وهــي واحــدة مــن الشــعارات التــي عارصتُهــا وكا َن يُهتــف بهــا‬ ‫يف اللقــاءات العامــة‪ ,‬ولكــن الكتــاب تنــاول بشــكل عابــر يف‬ ‫معــرض صفحاتــه فكــرة الجهــاد يف جنــوب الســودان‪ ,‬والـراع‬ ‫مــع دول الجــوار‪.‬‬ ‫ولكــ ّن أكــر مقايســة لفتــت انتباهــي يف الكتــاب هــي‬ ‫مقايســة خطــاب أســامة بــن الدن‪ ,‬ألنــه شــخصية شــغلت‬ ‫الدنيــا والنــاس‪ ,‬وهتــف لــه النــاس‪ ,‬ووقــف ضــده آخــرون‪..‬‬ ‫فخطابــه عندمــا تقــرأه أو تســمعه قبــل املقايســة يـ َ‬ ‫ـأرسك وقــد‬ ‫تســقط ضحيــة ملنطــق الخطــاب‪ ,‬ولكــن بعـ َد املقايســة تجــد‬ ‫قناعتــك قــد اهتــزت‪ .‬بشــكل عــام ال أســتطيع أن أعاكــس مــا‬ ‫جــاءت بــه نتائــج املقايســات لســببني‪ :‬األول‪ :‬كــوين أقــف مــع‬ ‫الكاتــب يف نتائجــه‪ ,‬والســبب الثــاين أ ّن لــكل خطــاب إســامي‬ ‫منارصيــن‪ ,‬هــم أجــد ُر باملرافعــة عنــه‪.‬‬ ‫*خالصــة القــول‪ :‬الكتــاب ُم ْحكَــ ْم جديــر باالقتنــاء‪ ,‬جــريء‪،‬‬ ‫ســلس اللغــة‪ ،‬ميكــن للقــارئ البســيط التجــاوب معــه‪ ,‬وميكــن‬ ‫للمثقــف العميــق أن يجادلــه ولألكادميــي الضليــع أن يجــد‬ ‫ضالتــه فيــه‪ .‬وهــذا الكتــاب مــن جنــس كتــب التنميــة البرشية‬ ‫مثــل كتــب االســتاذ ابراهيــم الفقــي‪ ,‬فهــو يصلــح لتطويــر‬ ‫القــدرات البرشيــة وتخفيــف مشــكلة ســوء التفاهــم البــري‪,‬‬ ‫خاصــة يف ظــل انتشــار التطــرف حــول العــامل‪ .‬والكاتــب عــى‬ ‫امتــداد صفحاتــه يحــاور منــاذج مــن الخطــاب اإلســامي‬ ‫املعــارص مثــل خطــاب ابــن الدن –القرضاوي‪-‬الخمينــي–‬ ‫التيجــاين الســاوي‪-‬جودت ســعيد‪-‬محمد شــحرور‪ -‬ابــن‬ ‫بــاز‪ -‬فــرج فــودة‪ .‬وقــد يخــرج القــارئ مــن الكتــاب بقناعــة‬ ‫وأفــكار جديــدة‪ ,‬لقــد وفِّــق الكاتــب بكثــر مــن املقايســات‪,‬‬ ‫مبــا يجعلهــا رصاحــة منــاذج يحتــذى بهــا يف محــاورة أي فكــرة‪,‬‬ ‫والوصــول بهــا اىل شــاطئ أمــان‪ ,‬يحــرر معتنقيهــا مــن عبوديــة‬ ‫الفكــرة والتضحيــة بأنفســهم وباآلخريــن‪ .‬وبســطر واحــد‪ :‬هــذا‬ ‫الكتــاب يجعــل القــارئ يتحــرر مــن قيــود‪ ,‬ومــن أي فكــرة‬ ‫مســيطرة عــى ذهنــه‪ ,‬ويبــدأ هــو بالســيطرة عليهــا‪.‬‬ ‫* كاتب سوداين‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫‪12‬‬

‫‪13‬‬

‫نصوص من شظايا احلرب‬ ‫‪)1‬‬ ‫لست قويا مبا يكفي؛ ألسامح أعدايئ‬ ‫لست قويا مبا يكفي؛ ليخجل أعدايئ من أنفسهم‬ ‫لست قويا مبا يكفي؛ ألمحق فكرة العداوة ‪.‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫مل أكن هناك‪ ،‬ولكن دمي سال‬ ‫رسب من أرواح البنات واألوالد م ّر من فوقي‬ ‫لست خفيفاً مثلهم‪ ،‬ألتبعهم إىل البدايات‬ ‫لست ساحرا ً‪ ،‬ألجمعهم بإمياء ٍة‬ ‫ُ‬ ‫وأطلقهم مياماً وعصافري يف هذا الفضاء الذبيح ‪.‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫وإن م ّروا‪ ،‬م ّروا ِخفافا خفافا‬ ‫أخف من ظاللهم تحت النجوم‬ ‫َّ‬ ‫ما كنا لنسمعهم لوال قلوبنا‬ ‫يهب علينا‬ ‫ولوال أن أثرا ً من عطرهم ّ‬ ‫بعض املجاز‪،‬‬ ‫فنستعري‪ ،‬يك ال يفهم األوال ُد‪َ ،‬‬ ‫ونسأل مثلام تُتىل آي ٌة من القرآن ‪:‬‬ ‫ ترى ما الذي يغمره ندى الليل‬‫شيح أم حل ٌم تحمله الظالل؟!‬ ‫ٌ‬ ‫‪)4‬‬ ‫ملْ نو َع ْد بليلٍ كهذا‬ ‫ها نحن نقر ُع األجراس يك تستيقظ الرباري‬ ‫تطلق ُ‬ ‫التالل أشبا َحها‬ ‫يك َ‬ ‫ٍ‬ ‫ها نح ُن نتدافع إىل ساحة عمياء‬ ‫اويش ُمهل َهلون ‪.‬‬ ‫يقودنا در ُ‬ ‫‪)5‬‬ ‫نحن ‪ -‬الطيبني ‪ -‬أردنا أن نكون طيبني أكرث‬ ‫قلنا‪ :‬لنبتسم من ثنايا جراحنا‪،‬‬ ‫لنحمل لهم الورود‪ ،‬ال يأساً وال هوانا‬ ‫ولكن ليك يكونوا طيّبني مثلنا‪،‬‬ ‫فلعلهم يرون غبار هذه الدروب عىل أقدامنا‪،‬‬ ‫لعلهم ينتبهون إىل ما رسقوه من غبارنا‬ ‫لعلهم يخجلون من اختزالنا‪،‬‬ ‫ولعلّهم يبادلوننا الورود بالورود‬ ‫قلنا كالما كثريا ً عن حقنا يف املاء والهواء والرتاب‪،‬‬ ‫فعادوا الختزالنا‪ :‬لكم النار وحدها !‬ ‫لكم النا ُر وحدها !‬ ‫حسناً إذن !‬ ‫ قلنا قابضني عىل الورود ‪-‬‬‫حسناً إذن !‬ ‫سنكون أيضا‪ ،‬كام نريد‪ ،‬أبناء مخلصني لهذه النار !‬

‫‪)6‬‬ ‫أفعانا املق ّدسة ال ت ُرى يا سيدي‬ ‫لكننا نستطيع وصفها بلسان من يرى‬ ‫أي أفعى‬ ‫إنها عظيمةٌ‪ ،‬وال تشبه ّ‬ ‫ناباها‪ :‬واح ٌد للس ّم‪ ،‬وآخ ُر للس ّم‬ ‫س ّم األمين المتحان املؤمنني‬ ‫س ّم األيرس لصعق امل ُنكرين‬ ‫س ّم النابني للذين وقفوا بني الفريقني‬ ‫فال تفكّر يف الحذر يا س ّيدي‬ ‫كل يشء‬ ‫أفعانا املب ّجلة ترسي يف ّ‬ ‫بنفثة من جلدها تثقب الربوج املشّ يدة‬ ‫وبقطرة من س ّمها تصهر الفوالذ ‪.‬‬ ‫‪ )7‬‬ ‫ُ‬ ‫مل أعرف إن كانوا أناساً أم ظالال‬ ‫ِ‬ ‫عىل خط األفق‪ ،‬وراء الشجريات اليتيامت‪ ،‬طارت عيناي‬ ‫وحني عادتا مثل طريين أسودين‬ ‫وحل يف قلبي الظالم ‪.‬‬ ‫تقطّع النو ُر‪ّ ،‬‬ ‫‪)8‬‬ ‫تركوا يل املشهد ناقصاً‬ ‫أظل أعيد ترتيب صفوفهم تحت أنوار الفوانيس‬ ‫تركوه يك ّ‬ ‫عباءاتهم تل ّم الضوء‪ ،‬وتنرثه يف الريح الخفيفة‬ ‫عيونهم تتسلل عند صاحبات املناديل‪ ،‬وال تعود‬ ‫هم هناك اآلن‪،‬‬ ‫وظاللهم تعبث يب‪،‬‬ ‫وبنور الهالل الراعش بني أهدايب ‪ .‬‬ ‫‪)9‬‬ ‫نادي عليه يا أ ّمه‬ ‫سيصحو من نومه العميق‬ ‫سريتعش الزعفران عىل وجهه‬ ‫ّ‬ ‫وترف جفونه‬ ‫وقد تربق‪ ،‬يف جبينه‪ ،‬آية ال ّرىض‬ ‫نادي عليه اآلن‬ ‫يك ال يظ ّن أن َحبْله بنا قد انقطع ‪.‬‬ ‫‪)10‬‬ ‫ست ُة كهوف مرشعات األبواب‪ ،‬وبرئٌ وحيدة‬ ‫ائب للثغاء‪ ،‬وستّ ُة كالب ضد الذئاب‬ ‫ُّ‬ ‫ست زر َ‬ ‫الكالب‪ ،‬منتصف الليل‪ ،‬عىل حليب النجوم‬ ‫نبحت‬ ‫ُ‬ ‫نبحت‪ ،‬يف الهزيع األخري‪ ،‬عىل رائحة الظالل الغريبة‬ ‫الس ُج الوسنى‬ ‫مل‬ ‫ْ‬ ‫تضطرب أنفاس الكهوف‪ ،‬ومل ترتعش ّ ُ‬ ‫وحده الظالم‪ ،‬يف الخارج‪ ،‬ظل يتق ّدم‬ ‫وحده كان يعرف عدد الكالب امل ّيتة‬ ‫وحده تنقّل من كهف إىل كهف المعاً وباردا‬ ‫ووحده أغلق باب البرئ عىل الذين مل يهاجروا‬ ‫ومل يستيقظوا عىل الثغاء تسوقه الذئاب‬

‫‪)11‬‬ ‫ذا جئتنا يف الليل‪ ،‬فاخرت طريق بستان الد ّراق‬ ‫لن ينبح كلبنا عليك‬ ‫ولن تستيقظ أمي‪،‬‬ ‫أو يصيح‪ ،‬كالنذير‪ ،‬جارنا األعمى‬ ‫وال تنس ‪ ،‬ال تنس أبدا‪ ،‬حصتي من الدراق‬ ‫سأقول ألمي يف الصباح ‪:‬‬ ‫إن البد َر‪ ،‬بد َر السامء‪ ،‬كان هنا‬ ‫وإنه أهداين‪ ،‬يف الندى‪ ،‬ثالث دراقات‬ ‫سأقول لها‪ :‬إنني أعطيته رغيف الطابون األخري‬ ‫وإنني‪ ،‬من أجل بندقيته؛ ل ّوحت له يف ثنايا الضباب‬ ‫‪)12‬‬ ‫‪..‬ضحكوا علينا يا أمي‬ ‫لسنا غجرا ً لنحمل املخيّم من أرض إىل أرض‬ ‫انظري إلينا كيف يدفننا املخيم ‪.‬‬ ‫مل يكن معي عصا يا أمي‬ ‫كنت جائعاً‪،‬‬ ‫ذئاب جائعة ‪.‬‬ ‫ومل يكن هناك سوى ٍ‬ ‫‪)13‬‬ ‫خربتُ الربد مذ كنت يف بطن أ ّمي‬ ‫يف سنة قحط حملَت يب‬ ‫يف الكهف الذي كان نائيا بني الجبال‬ ‫وضعتني بال قابلة‬ ‫« الثلج – يقول أيب ‪ -‬قطع أرجل الناس‬ ‫ال أحد عىل امتداد البرص‬ ‫لكن ذئباً ش ّم رائحة الدم «‬ ‫كلم ح ّط الربد‪ ،‬بالذئاب يا أيب؟‬ ‫أبسبب هذا أحلم‪ّ ،‬‬ ‫وأنت تقول يل‪ :‬الربد كافر كالجوع‬ ‫مل منتلك حطبة أو عشبة جافة !‬ ‫‪)14‬‬ ‫ذهبوا مرسعني‪ ،‬مجلّلني بالغبار‬ ‫التل؛‬ ‫وحني غطسوا وراء ّ‬ ‫نصف الغبار‬ ‫انشق ُ‬ ‫ّ‬ ‫وظل عالقاً يف الهواء‬ ‫يدور كمندبة خرساء ‪.‬‬ ‫‪)15‬‬ ‫خ ْذ َ‬ ‫خزيك كلّه معك‬ ‫ال ترتك لنا َ‬ ‫منك ومنه شيئا‬ ‫نحن ضحاياك العاجزون عن النسيان‬ ‫نريد أن ننساك قليال‬ ‫نريد أن ننام ‪...‬‬

‫ه ُن َاك‪..........‬‬ ‫يف ال ّناصي ِة الجنوبي ِة‬ ‫ن َ​َس ْي ُت اسمي‬ ‫َحيثُ ‪...‬‬ ‫كنت ُ‬ ‫تغزل من‬ ‫َ‬ ‫شَ عري‬ ‫ِظالال‬ ‫تت ِك ُئ مفرد ًة‬ ‫َعىل‬ ‫وت ٍر‬ ‫يَ َرتن ُم‬

‫ٍ‬ ‫يف ظلٍ‬ ‫شمس‬ ‫ينطق‬ ‫ُ‬ ‫باسمي‪....‬‬ ‫الصب ِح‬ ‫تَ ْزهو شفا ُه ّ‬ ‫مغمس ًة بندى‬ ‫َ‬ ‫زهرك‬ ‫يعط ُر ُص ْبحي‬ ‫َسيت اسمي‬ ‫ن ُ‬ ‫حروفَ ُه مبعرث ًة‬ ‫ُهنا‪.....‬‬ ‫ُه َ‬ ‫ناك ‪........‬‬ ‫تُلَ ْملِ ُمها رغو ُة ال ّز ِبد‬ ‫يف ع ِني فضا ٍء‬

‫غريب الـــدار‬

‫ّ‬ ‫أقل من تعريف‪..‬‬ ‫عن الشعر الذي ركضت معه إىل النهر‬ ‫‪)16‬‬ ‫كقاتل سأقبض عىل عنق هذا النهار ‪:‬‬ ‫يل يف رقبتك الطويلة هذه ديون مرتاكمة‬ ‫أريدها حاال‬ ‫فال تفكر بأعذارك القدمية‬ ‫حتى لو مات أبوك قبل قليل‬ ‫أو فقدت مع بزوغ الشمس قمرك الوحيد‬ ‫أري ُد حقي كامالً يف رزمة كبرية أفكّها عىل مهيل‬ ‫وليتك تنىس شفقتي القدمية‬ ‫أنا اليوم قاس كال ّرب يوم الحساب‬ ‫لن أستفتي رهافتي‬ ‫قبضتي‬ ‫ولن أرخي‬ ‫ّ‬ ‫حتى لو سقطت عيناك الجاحظتان عىل الرتاب‬ ‫قدمي ككرتني لزجتني ! ‬ ‫حتى لو تقافزتا بني‬ ‫ّ‬ ‫‪)17‬‬ ‫القتيل املغ ّني‬ ‫ُ‬ ‫أنا‬ ‫صدري كمنجة الرياح‬ ‫وضلوعي أوتارها ‪.‬‬ ‫‪)18‬‬ ‫اآلن‪ ،‬ودمي يسيل تحت نعليك‪،‬‬ ‫عيني‪،‬‬ ‫انظر قليالً يف ّ‬ ‫وتذكر عشاءك يف بيتي‬ ‫تذكّر لون الشاي الذي رشبناه ‪.‬‬ ‫‪)19‬‬ ‫مت قبل طفلتي‬ ‫لو ُّ‬ ‫لو مل أر رأسها املقطوع يف يده‬ ‫لتع ّزيت بغدها‬ ‫وألوصيتها أن تبيك بال جز ٍع‬ ‫وأن تحفظ درس الدم الحرام‬ ‫‪)20‬‬ ‫تحت قدم الجبل‬ ‫يف الحفرة التي صنعتها املياه‬ ‫وفوق الصخرة املصقولة بالحىص‬ ‫كان الحصان يتغرغر بزرقة السامء‬ ‫فمن أجل هذه الزرقة ارتقى الق ّمة املسننة‬ ‫من أجلها حمحم‪،‬‬ ‫طار أرسع من شهوة ال َع ْدو يف قوامئه‬ ‫من أجلها هوى‬ ‫نشوا َن بصهيله الح ّر العميق ‪.‬‬

‫خالد الجبور‬ ‫شاعر فلسطيني‬

‫اسمي‬

‫حرمل الثقافة‬

‫ِ‬ ‫يتس ُع لهمهم ِة طريٍ‬ ‫ينطق ‬ ‫ُ‬ ‫باسمي‬ ‫ت َطفو لهف َة شوقي‬ ‫َ‬ ‫لذاك النسي ُم‬ ‫ِ‬ ‫حلقات فَ ْجري‬ ‫يف‬ ‫أصحو ‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫وطيف َُك يَ ْح ِم ُل باق َة‬ ‫ُحرويف‬ ‫يه ِم ُس اسمي‬ ‫أغني ُة ٍ‬ ‫وجد‬ ‫يف أروقَ ِة ُعمري‬ ‫وفاء عيايش بقاعي‬ ‫شاعرة وكاتبة من فلسطني‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫طيور بيضاء متأل السماء‬

‫عيىس الشيخ حسن‬ ‫قلــم امل ُطلــق يــد ّون الجــال والحريــة‬ ‫واملــوت‪ ،‬ورطــة الحيــاة يف لعبتهــا األزليــة مــع‬ ‫املــوت‪ ،‬شــهر نيســان فاتحــاً ذراعيــه لغوايــة‬ ‫الصيــف‪ ،‬زبــدة اللغــة بــن يــدي طفــل‪ ،‬نهــار‬ ‫يعــر وحيــدا ً يف خريــف غريــب‪ .‬الشــعر انهــاك‬ ‫املجــازات يف تجميــل الغامــض‪ ،‬وتوتــر اللغــة‬ ‫يف ترجمــة األمل‪ ،‬الصعوبــة بوصفهــا قنطــرة إىل‬ ‫الواضــح‪ ،‬والغــروب بوصفــه برزخ ـاً بــن لونــن‪،‬‬ ‫و»آخــر دمعــة للكــون»‪ .‬ارتجــاف موجــة يف عــن‬ ‫ســمكة‪ ،‬وموقــد نــار يف شــتاء‪ .‬الشــعر لعبــة‬ ‫ال َولَــه بــن الفضــول واألمل‪ ،‬خيــط اإلبــرة يف ثيــاب‬ ‫وســادة هبطــت للت ـ ّو مــن حبــل الغســيل‪.‬‬ ‫الشــعر؛ العيــد والوعيــد‪ ،‬القمــر والذئــب‪،‬‬ ‫الرغيــف والســوط‪ ،‬دمــوع بطــل مت ـ ّوج يســمع‬ ‫نشــيد بــاده‪ ،‬رحلــة حزمــة حطــب فــوق ظهــر‬ ‫فالحــة‪ ،‬الشــعر آهــة مقــرور‪ ،‬وبهجــة ت ّنــور يف‬ ‫الخامســة صباحـاً‪ ،‬أكـ ّـف الباكســتانيني املغرتبــن‬ ‫يف وجــه هــال أول الشــهر لحظــة الغــروب‬ ‫قارئــن الفاتحــة‪ ،‬الشــعر مــا بقــي مــن ريــش‬ ‫العصفــور الهــارب مــن قبضــة ص ّيــاد‪ ،‬الدينــار‬ ‫الفالــت مــن جيــب مثقــوب يتدحــرج عــى‬ ‫مهــل‪ ،‬الشــعر قــوس احتــاالت اللغــة تتدبّــر‬ ‫خطــاب الطغــاة‪ .‬الشــعر وجــع الســحابة وقــد‬ ‫تالشــت عــى كتــف الجبــل‪ ،‬ذات الجبــل «طامح‬ ‫الذؤابــة» يف دفــر طالــب الثانويــة‪ ،‬ذات الجبــل‬

‫صديــق املطاريــد واملغامريــن يف روايــة فتحــي‬ ‫غانــم‪.‬‬ ‫الشــعر؛ طفولــة الضوء يف حضن العتمــة‪ ،‬إجفالة‬ ‫الظبــي يف فلــم وثائقــي‪ ،‬وردة املوســيقا تتربعــم‬ ‫يف حضــن املشــاهد األخــرة مــن مسلســات‬ ‫عربيــة‪ ،‬الصفحــة األوىل مــن روايــات نجيــب‬ ‫محفــوظ‪ ،‬الضحكــة يف عيــون قــراء روايــات‬ ‫نص ـاً‬ ‫كازانت ـزايك وكوندي ـرا‪ ،‬صــوت مــد ّرس يقــرأ ّ‬ ‫ـص‪.‬‬ ‫للمتن ّبــي وينــى أنــه مــدرس ويتامهــى بالنـ ّ‬ ‫النهايــات تســتح ّم بالذكريــات‪ ،‬النهــر شــاهدا ً‬ ‫تراكــم الحجــارة الهشّ ــة‪ ،‬ســوار امــرأة يغفــو‬ ‫يف يدهــا عــى مــرأى مــن لــص وعاشــق‪،‬‬ ‫عربــات الدرجــة الثالثــة تعانــد املــكان وظــال‬ ‫األنفــاق العابــرة‪ ،‬جمهوريــات األمــل يف حديــث‬ ‫املعارضــن‪ ،‬ولثغــة الحمــل يف كلمــة الديكتاتــور‪،‬‬ ‫الشــعر منظــور هنــديس ال يتقنــه طـاّب كليــات‬ ‫الهندســة‪ ،‬وجــع اســتثنايئ تحذفــه الطبيعــة يف‬ ‫جــوف الــكالم‪ ،‬حــوار بــن عينــن لحظــة وداع‪،‬‬ ‫طيــور القطــا يف أول الصيــف عــى بعــد فــ ّخ‬ ‫وســنبلة‪ ،‬دفــر طفــل أتقــن للتــو كتابــة حــرف‬ ‫األلــف والرقــم‪.1‬‬ ‫الشــعر (فلــر) تعــر مــن خاللــه الزوابــع إىل‬ ‫تكــر‬ ‫الغابــات بوصفهــا نســائم‪ ،‬و(شاشــة)‬ ‫ّ‬ ‫فيهــا الوحــوش كأنهــا غــزالن ترتــع يف فضائيــة‬ ‫ال تعنــى باألخبــار العاجلــة‪ .‬الشــعر فريــق‬

‫الربازيــل عــام ‪ 1982‬بــن يــدي الشــاعر ســانتانا‪،‬‬ ‫معزوفــة برصيــة مذيلــة بتوقيعــات تــذوب عــى‬ ‫شاشــات األســود واألبيــض‪.‬‬ ‫الشــعر؛ نظــرات ماجــدة الص ّباحــي البلهــاء يف‬ ‫أفــام الســتينات‪ ،‬صفحــة وجــه محمــود مــريس‬ ‫يف أدوار البطــل املهــزوم الحزيــن‪ ،‬حــارس‬ ‫الفضيلــة‪ ،‬كلــات الزيــر ســامل عــى لســان‬ ‫ســلوم حــداد‪ ،‬العشــق الفلســطيني الفقــر يف‬ ‫ـدس املرث ّيــة‬ ‫التغريبــة الفلســطينية‪ ،‬الشــعر أن تـ ّ‬ ‫يف أذن أجيــال مل تتقــن الصعــود‪ ،‬وأن تجــ ّر‬ ‫امللحمــة إىل جيــل ال يجيــد الصهيــل‪ ،‬الشــعر أن‬ ‫نــرب ونهــرب ونعــرب ثــم نكتــب عــى مهــل‬ ‫كلمتــن للبنــت التــي عذبــت الولــد‪ ،‬الشــعر‬ ‫ملســة األعمــى لعــكازه‪ ،‬ونظــرة األص ـ ّم ألوالده‪،‬‬ ‫الشــعر طلقــة اليقــن تفلــت مــن بــارودة صيــد‬ ‫فتصيــب غيمــة‪.‬‬ ‫الشــعر؛ الــكالم الــذي أعــوز اليتيــم ليســتعيد‬ ‫أبــاه‪ ،‬والدفــر الــذي نســيه طالــب ســنوات‪،‬‬ ‫ليعــود إليــه مســتعيدا ً عـرات اإلمــاء وأصفــار‬ ‫القواعــد‪ ،‬الشــعر الحــذف بوصفــه تطهــرا ً‪،‬‬ ‫واإلضافــة بوصفهــا غالفــاً‪.‬‬ ‫الشــعر؛ انتظــار اللغــة يف حــرة أوالد مشــاغبني‪،‬‬ ‫وعشــاق ممسوســن‪ ،‬وعابــري طريــق نازحــن‬ ‫إىل الســاء‪.‬‬

‫مـوت وغـربـــــاء‬ ‫عبدالرحمن مطر‬ ‫مــوتٌ محمـ ٌ‬ ‫ـدب‪ ..‬والجفــو ُن اللهفــى ‪ -‬عــى ِّرقتهــا ‪ -‬تحتمــل الهجــر املـ ّر يف فصــول الـراة‪ ..‬مــوتٌ يلـ ّـف ســاقاً عــى‬ ‫ـول يف ال ُهـ ِ‬ ‫ـبي‪ ،‬رعشــت جبــال البــاد وســهولها لهــول الخـراب‪ ،‬ولهــذا النــزوح التــارك خلفــه‬ ‫حرائــق الــروح‪ ،‬واملــدى املمتــد حتــى آخــر سـ ٍّ‬ ‫نهــر األمل‪ ،‬أو صــورة فجيعتــه يحتضنهــا كطفلــة عصيّــة عــى بقــاء حروفهــا معلّقــة يف ســبورة املدرســة‪.‬‬ ‫مل يــك بــن أيدينــا أيــة أوراق نســطرها‪ ،‬فكتبــت أصابعنــا عــى الجــدران‪ ،‬بغبــار الطرقــات آهاتنــا املطلوقــة كســحاب حبيــس‪،‬‬ ‫فاحرتقــت‪ ،‬يك يونــع العشــب بــا مطــر‪ .‬وامتــدت الحقــول فيّاضــة بأمــلٍ خطونــا إليــه يف طــول البــاد وعرضهــا‪ ..‬غــر أننــا وقعنــا‬ ‫يف الطريــق‪ ،‬ومل ينقــذ عرثتنــا أحــد مــن حولنــا‪.‬‬ ‫رس إرباكتنــا‪ ،‬نســي ُجه حنـ ٌن دافـ ٌـق‪ ،‬أقــرب لنشــيج املــدن حــن تفتقــر د ّرايب لياليهــا‪ ..‬وتشــتد فيهــا‬ ‫لهـ ٌـف ميوضـ ُع لغتنــا‪ ،‬ويربــط ّ‬ ‫خطــى امللفعــن بالرمــاد الباهــت‪ ،‬وباألســود الــذي يقمــط يف الضلــوع حــرةً‪ ،‬مل تعــد تعــرف أي ضلـعٍ يطلـ ُـق دخاخــن عرثتهــا‪.‬‬ ‫لهـ ٌـف يبعــر صمتـاً ال يليــق باملــوت الــذي عانــق بعــض مــن كانــوا هنــا‪ ..‬بيننــا ومعنــا‪ ،‬ثــم رحلــوا دون أن يعرفــوا أيــة وجهـ ٍة‬ ‫قــد سـ َر بهــم‪ ،‬يف جنــح الظالميــات‪ .‬وقــد ال تفــي أســئلتنا عمــن أغوتهــم الحوريــات الجميــات املخادعــات عــى الــدرب‪ ..‬نحــو‬ ‫أرض فيليــب العــريب‪ ،‬هنــاك يف لُجــج البحــار‪.‬‬ ‫ضاقــت الســبل‪ ،‬حــن اتســعت الحلــوق بلفــظ عبــارة تحسســت الــروح ســباتها ســنني طــوال‪ ،‬لكــن العيــش ظــل ممكنـاً رغــم‬ ‫اإلغــاق املديــد املتعــدد أشــكال املنــع فيــه‪ ،‬واإلطــاق املحــدود كثقــب إبــرة‪ ،‬ال تس ـ ّد رمــق الحائريــن عطاش ـاً لــوالدة حلــم‬ ‫يســكن الجفــون‪ .‬آلــة القتــل أحكمــت قبضتهــا عــى الريــح والـراب‪ ..‬فــا مــاء وال خبــز وال كأس نبيـ ٍـذ يتفتــق عــن رشــفته وردة‬ ‫يف الســاء البعيــدة‪ ،‬أو رغيــف خبــز‪..‬‬ ‫كان اللحــن عابـرا ً حــن اخرتقــت شــغافه تلــك املارقــات أرس َع مــن صـ ٍ‬ ‫ـكب الــد ُم عــى دندنـ ٍة‬ ‫ـوت‪ ،‬أقتَـ َـل مــن قـ َدر قــذر‪ ..‬فانسـ َ‬ ‫كانــت تنتظــر رغيــف الخبــز وح ّبــة العنــب‪ ..‬أو حصــة يف املدرســة‪ ،‬تأخــرت فيهــا املعلمــة‪ ..‬ثــم مل تـ ِ‬ ‫ـأت ألنهــا تعــرف أبجديــة‬ ‫القــول والبــوح يف مرايــا الخــوف‪.‬‬ ‫كان كل أفــقٍ مســكوناً‪ ،‬مبــا ال يــد ُع للحيــاة موضع ـاً بــأي حـ ْ‬ ‫ـال‪ .‬وكل ركــن حــوى عاشــقني ظللتهــا هــدب الطريــق الوارفــة‪،‬‬ ‫أزاحتــه القبعــات امللوثــة بهــوس التنمــر‪ ،‬وأولئــك الذيــن أوصــدوا طــرق الحريــة يف وجــه أبنائهــا‪ ،‬ووضعــوا سـلّامً عــر برئهــم‪..‬‬ ‫ـض وثائرهــم‪ ،‬كلمـ ُة حــقٍ تديــن ســوء أفعالهــم يف املــدن املنكوبــة‪ ،‬والـراري التــي مل‬ ‫إىل اللــه‪ ،‬وكالء يفتنهــم زخ الرصــاص‪ ،‬وتقـ ّ‬ ‫تحتمــل مراكــب الغــد‪ ..‬فأحرقتهــا‪.‬‬ ‫مل يجــد الســوري أمامــه ســوى دروب الحــى‪ ،‬فتثاقلــت خطــاه فــوق الجمــر‪ ،‬ومــى يف الســديم‪ ،‬يعــر أجــات الـراب‪ ،‬وكلــا‬

‫ذهــب الشــهداء إىل جناتهــم وتركونــا حائريــن‪ ،‬نــرب يف أطــراف‬ ‫األرض‪ ،‬هامئــن عــى وجوهنــا‪ ،‬ذكراهــم تحتــل رؤوســنا ونحملهــا معنــا‬ ‫أينــا ذهبنــا‪ ،‬لقــد أضفــوا عــى حياتنــا معنــى جديــدا ً‪ ،‬وعمقـاً أخرجنــا‬ ‫مــن ضحالــة حياتنــا‪ ،‬أخالقهــم النبيلــة وتضحياتهــم هــزت ضامئرنــا‬ ‫وجعلتنــا نهتــز أمــام هــول املفاجــأة‪ ،‬لقــد غــروا حياتنــا وغــروا نظرتنــا‬ ‫إىل األشــياء وإىل القيــم وجعلــوا التضحيــة عنوانــاً إجباريــاً يف حياتنــا‬ ‫املنغمســة بذاتهــا واملتجاهلــة لغريهــا‪...‬‬ ‫األمهــات تفرغــن للمزيــد مــن الذكريــات والســرجاع لقطــات مضيئــة‬ ‫مــن زمــن مــى‪ ،‬فجــأة تتذكــر األم يــوم والدتهــا للشــهيد‪ ،‬وتتذكــر يــوم‬ ‫أخذهــا إىل الطبيــب‪ ،‬وتتذكــر ضحكاتــه ومســامراته‪ ،‬وتــردد دامئ ـاً بــأن‬ ‫قلبهــا كان ينذرهــا بــيء مــا‪ ،‬يشء كبــر وجليــل ولكنهــا مل تــدرك بــأن‬ ‫ابنهــا ســيكون شــهيدا ً‪..‬‬ ‫ينبغــي أن تغرينــا تضحيــات الشــهداء‪ ،‬ينبغــي أال نبقــى ملتصقــن بقيمنــا‬ ‫الباليــة‪ ،‬دمــاء أبنائنــا هــدرت مــن أجــل حيــاة جديــدة‪ ،‬مــن أجــل‬ ‫مســتقبل آخــر‪ ،‬بعيــد كل البعــد عــن حيــاة الطمــع واألنانيــة والحقد‪ ،‬آن‬ ‫لنــا أن نحاســب أنفســنا أمــام الشــهداء‪ ،‬آن لنــا أن نراجــع حياتنــا تحــت‬ ‫شــمس ابتســامات الشــهداء‪ ،‬آن لنــا أن نكمــل الطريــق نحــو مســتقبل‬ ‫نزيــه وجــذاب‪ ،‬ال أن نظــل حيــث كنــا‪ ،‬ال أن نظــل بعيديــن عــن نبــل‬ ‫الشــهداء وتضحياتهــم‪..‬‬ ‫لقــد تغـ ّـر الكثــرون م َّنــا نحــو األفضــل‪ ،‬ولكــن البعــض مــا يـزال يســتغل‬ ‫دمــاء الشــهداء وتضحياتهــم ليدفــع بنفســه إىل مزيــد مــن الطمــع واىل‬ ‫مزيــد مــن األنانيــة‪ ،‬وإىل مزيــد مــن الالمبــاالة باآلخريــن‪ ،‬بــل إن البعــض‬ ‫ال فــرق لديــه إن تحطــم كل يشء حولــه يف ســبيل أن يعــر بجلــده‪...‬‬ ‫دمــاء الشــهداء ليســت مجــرد ذكــرى‪ ،‬إنهــا ديــن علينــا وحمــل كبــر‬ ‫عــى ضامئرنــا‪ ،‬والبــد مــن الخضــوع للمحاســبة واملراجعــة الدامئــة مــن‬ ‫أجلهــا‪...‬‬ ‫أرواح الشــهداء طيــور بيضــاء متــأ ســاوات ســورية وتعرفنــا جميع ـاً‬ ‫وتراقــب حياتنــا‪ ،‬وال مهــرب لنــا وال مــاذ لنــا بعيــدا ً عــن هذه الســاوات‬ ‫املزينــة بــأرواح بيضــاء جميلــة‪..‬‬ ‫إ‪-‬ع‬

‫لفتــه غيمــة أضــاع بعــض روحــه ودافتــه إىل دوح ـ ٍة مــن أحــام غيمــة أخــرى‪ ،‬ال يقــن فيهــا‪ ..‬لكنــه ميــي إليهــا مدفوع ـاً إىل‬ ‫حبــل خـ ٍ‬ ‫ـاص مــن روحــه التــي أثقلتهــا الحيــاة‪.‬‬ ‫ـاص يَخَالُــه غــر ملتـ ٍّـف حولــه‪ ،‬أو أن صعــوده‪ ،‬خـ ٌ‬ ‫ـوري‬ ‫ـي العابــر بتــؤد ِة املعشــوق‪ ،‬ينســاب يف كربيــا ٍء َج ِه ـ َد السـ ّ‬ ‫كانــت الحــى‪ ،‬ســوى تلــك الالمعــة تحــت صفحــة املــاء النقـ ّ‬ ‫إلبقائــه يف الضلــوع‪ ،‬غــر أن الريــح الحــرى مل تــرك لــه ســوى بعــض كلـ ٍ‬ ‫ـات خبأهــا يف فمــه‪ ،‬وحــن أراد الــكالم ‪ ..‬ســقطت‬ ‫أســنانه! األنهــر املبثوثــة مثــل أوردة يف جســد البــاد‪ ..‬شــابت حصاهــا الطلقــات‪ ،‬وعكــرت صفوهــا التنهــدات األخــرة ألجســاد‬ ‫ارمتــت يف أحضانهــا مدميــة مــا بــن العــايص‪ ..‬والف ـرات‪.‬‬ ‫يتنفــس بعمــق‪ ،‬هــذا الليــل الــذي يشــتد صلبــه يك يطــول‪ ،‬ويف األعــايل يلفــظ فــم النهــار فقاعــات القلــق‪ ،‬يك تســود مشــهدا ً‬ ‫عمي ـاً مــن ارتبــاك الخطــى وتشــابكها مــع املعــاين‪ ،‬وأصــوات طقطقــة التنهيــد يف اح ـراق القلــوب‪ .‬يشء ال يفهــم‪ ،‬غمغمــة‬ ‫مســموع ٌة بصفــاء‪ ..‬لكنهــا مثــل أفعــى شـبّت أمــام الخارجــن مــن كل البيــوت إىل حيــث ال يعلمــون‪ .‬مل تعــد مثــة بيــوت‪ ..‬وال‬ ‫دروب‪ .‬األفعــى تتلــوى داخــل الجمجمــة‪ ..‬تذيــب املـ ّخ وال يســتطيع العقــل أن يبنــي صــورة لوقــت ســيأيت اآلن‪ ..‬فتتلبــد أحــام‬ ‫الوثبــة عــى حجــر العبــور األول فــوق الجــر‪.‬‬ ‫أي املعابــر تراهــا بانتظــاره‪ ..‬أم أنهــا موصــدةٌ‪ ،‬وليــس مثــة ســوى الريــح‪ ،‬منقــادة إىل أقدارهــا الخطى‪..‬ترتنــم بخفــوت أليــم نشــيد‬ ‫الهالك‪..‬كنــت تســتمع إىل صــداه يف الطريــق التــي يعربهــا بــردى‪..‬يف الدفــق لحـ ٌن ال ســحر مياثــل مســا ًء بــاردا ً‪ ،‬يدفــع القتطــاف‬ ‫ـب‬ ‫كــر ٍز الهـ ٍ‬ ‫ـب يف حمــى الغـرام‪ ،‬قبــل أن يقتطــف العســس الرمــادي نشــوة الحركــة التــي جلجــل فيهــا الحــرف يف األفــق‪ ،‬فأغضـ َ‬ ‫وأقلـ َـق حـ ّراس التــال‪ ،‬الذيــن مل يتأخــروا عــن إحـراق كل يشء‪.‬‬ ‫هســيس النــار وفحيحهــا‪ ..‬كمقطوعــة موســيقية تتوالــد يف خضمهــا حكايــات األمل واملـرارة التــي تطفــو عــى واجهــات الــرود‬ ‫الطويــل للمنهكــن مــن عبــور الحواجــز والبوابــات‪ ..‬واألســاك الشــائكة واملــاء الــذي غنــت لــه كل القلــوب فصــار قـرا ً جامعيـاً‬ ‫يف خارصتيــه‪ ،‬كــا الــركام عــى مـ ّد الفجيعــة‪ ،‬يف الخـراب الــذي لـ ّون البــاد وأهلهــا املتيمــون بزهــر الصباحــات‪.‬‬ ‫ال أحــد يبــايل‪ ،‬واالنتظــار مل يعــد لــه أي طعمٍ ‪..‬فاملــوت الــذي يالحــظ ســعينا إليــه لــن يتأخــر‪ ..‬بعــد أن صــار الســوريون غربــاء‬ ‫رسا ً يف قلوبهــم حيثــا كانــت كأس الغيــاب عنيــدة يف‬ ‫رستهــا‪ّ ..‬‬ ‫يف دفاتــر املنــايف‪ ،‬وال يشء ســوى البــاد تعرفهــم‪ ،‬فأبقــت حبــل ّ‬ ‫الجفــاف الــذي طبــع كل يشء‪ ..‬كل يشء‪.‬‬ ‫ـاي‬ ‫متواليــة مــن لحــن بعيــد‪ ،‬كأنــه يقــرب ليعــن نبتــة جديــدة يف مــكان مــا‪ :‬تـراب مــن الشــال‪ ،‬وملسـ ٌة مــن الجنــوب‪ ..‬ونـ ٌ‬ ‫مــن عمــق صحـرا َء‪ ،‬مل تــزل تذكرنــا همسـاً بــكل مــن غــاب‪ ..‬أو حــر!‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫‪14‬‬

‫منضدتان‬ ‫القهــوة املضبــوط‪ .‬كانــت عــى املنضــدة زهرتــان حمــراوان‪ ،‬وبقايــا‬ ‫أغنيــة محمــد فــوزي‪ ،‬وأســاك تســبح يف النهــر القريــب‪ ،‬أمــا دقائــق‬ ‫الغبــار الخفيــف فقــد كانــت تهبــط برفــق لتكســو مــن جديــد ســطح‬ ‫املنضــدة‪.‬‬ ‫مل يكــن معهــا منديــل حريــري آخــر يك متســح بــه الــذرات الرقيقــة التــي‬ ‫ال تــكاد تــرى‪.‬‬

‫* كاتب مرصي‬

‫إىل ذاك املالك الحارس‬ ‫الذي يعانق الزهر يف ملفايت الرسية‬ ‫دعني ارسمك هذا الصباح يف أحداقي‬ ‫فينيقاً ما زال يهذيني عن غزواته الندى‬ ‫وعن أرسار الالفندر املجنون‬ ‫بزوابع النسيم‬ ‫يف عينيه‬ ‫عن رعشة القبلة األوىل‬ ‫عىل ميسم الالزورد شقيق الروح‬

‫أراك تتجول داخيل‬ ‫ببهاء الفجر وما يزيدين تجولك‬ ‫إال لأللوان عىل اللوحة سكباً‬ ‫وما يزيد الحروف أال رشودا‬ ‫يف عروق األحالم‬ ‫املؤجلة‬ ‫فدعني هذا الصباح‬ ‫أغنيك جرحي املفتوح‬ ‫الذي ما عادت صالة القلب ترفع‬

‫إحتفالية احلرمل‬

‫ّ‬ ‫حمط ٌ‬ ‫ات ال ُت ْنسى‬ ‫عبد العظيم إسامعيل‬

‫‪1‬‬ ‫الحيــا ُة رحل ـ ٌة متع ـ ّدد ُة املحطّـ ِ‬ ‫ـب الزم ـ َن قطــارا ً‪ ،‬ال نعـ ُ‬ ‫ـرف متــى‬ ‫ـات‪ ،‬نركـ ُ‬ ‫أي محطّ ـ ٍة ســي ُح ُّط رحال ـ ُه ُمعلِن ـاً نهاي ـ َة الرحل ـ ِة‪ .‬قــد من ـ ُّر‬ ‫يتوقّــف؟ ويف ّ‬ ‫عــى محطّـ ٍ‬ ‫ـات تُسـ ِع ُدنا بحيــث ال نشــع ُر كـ ْم مــن الزمــنِ أمضينــا بهــا‪ ،‬عــى‬ ‫ـس باالختنــاقِ وثقــلِ الزمــنِ وطولـ ِه يف محطّـ ٍ‬ ‫ـات أخــرى‪ ،‬وأحيانـاً‬ ‫حـ ِن ن ُِحـ ّ‬ ‫ّــف اإلجبــاري يف محط ٍ‬ ‫قــد تضطــ ُّر للتوق ِ‬ ‫ّــات مل يُــراو ُد َك مجــ ّر ُد التفكــر‬ ‫ـرض وقائعهــا عليـ َـك وعــى ُمرافقيـ َـك ُمخلِّف ـ ًة جراحـ ٍ‬ ‫ـات‬ ‫للمــرو ِر بهــا لِت ْفـ َ‬ ‫ونُدوب ـاً يف النفـ ِ‬ ‫ـس ال ت ُنــى‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ـوب كــا تتعانـ ُـق األحــا ُم لِتلِـ َد أمـاً ِ‬ ‫يف أوقـ ِ‬ ‫باسـاً‬ ‫ـات املِحــنِ تتعانـ ُـق القلـ ُ‬ ‫ـاحات املـ ِ‬ ‫وس ـ َط ليــلِ الحرائــقِ البهيــمِ ‪ .‬ومــن سـ ِ‬ ‫ـوت ت ُِطـ ُّـل الحيــا ُة برأســها‬ ‫شئِب ـ ِة العنــقِ تتح ـ ّدى جــروتَ الجـ ّـا ِد وســيف ِه امل ُس ـل ِّط عــى األعنــاقِ‬ ‫ُم ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫واملــوت‪ ،‬وحتــى عنــ َد انتصــا ِر‬ ‫بــا وجــلٍ ‪ ..‬مطــارد ٌة أزل ّيــ ٌة بــن الحيــاة‬ ‫املـ ِ‬ ‫ـوت تنبثـ ُـق مــن بــن براثن ـ ِه الحيــا ُة مــن جديـ ٍـد‪ ..‬ومــن بــن مفاصــلِ‬ ‫كام تطـ ُّـل يف والد ٍة تح ـ ٍّد زهــو ُر أمــلٍ لحيــاة متج ـ ّدد ٍة تســمو‬ ‫الدمــا ِر وال ـ ُر ِ‬ ‫عــى الجـرا ِح‬ ‫ـص يف فضائـ ِه فراشــاتُ‬ ‫ِ‬ ‫ـس ملســتقبلٍ واعـ ٍـد ترتاقـ ُ‬ ‫واآلالم لِ ّ‬ ‫تؤسـ َ‬ ‫ـام جوقـ ِة أطفــا ِل الـراء ِة‪ ،‬العازفـ َن عــى أوتــا ِر قلوبِهــم مــا‬ ‫ـب عــى أنغـ ِ‬ ‫الحـ ِّ‬ ‫تجــو ُد بــه أحال ُمهــم مــن أنغــام الحيــا ِة ُمتناسـ َن جراحـ ِ‬ ‫ـات آبائهــم‪ ,‬وعويــلِ‬ ‫أ ّمهاتهــم‪ ،‬وأشــا َء دفاتر ِهــم املم ّزقــ ِة‪ ،‬وبقايــا أقــام التلويــن املحطّمــ ِة‬ ‫ـي مــن أطــا ِل مدرســتهم‪ ،‬وس ـبّورتهم التــي‬ ‫يُ ِشــيحو َن بوجوه ِهــم عـ ّـا بقـ َ‬ ‫ـب ليتّس ـ َع ل ـراء ِة‬ ‫تح ّملــت عنــا َء خربشــاتهِم عــى وجهِهــا إىل فضــاء أرحـ َ‬ ‫ـام طفول ـ ٍة نقي ـ ٍة طاهــر ٍة كطهارت ِهــم‪ ،‬صافي ـ ٍة كصفــا ِء ســا ِء الوطــنِ ‪.‬‬ ‫أحـ ِ‬

‫شح عني زهر املقل ‪..‬‬

‫‪15‬‬

‫قوس قزح‬

‫* سمري الفيل‬ ‫جميــل أن تكــون الجلســة ‪-‬جلســتهام معـاً‪ -‬وســط بســاتني خـراء‪.‬‬ ‫رقائــق الغبــار حطــت عــى املنضــدة الصغــرة التــي تفصــل بينهــا‪ .‬يف‬ ‫نفــس الوقــت تجمــع بينهــا حيــث األكــف متحاضنــة‪.‬‬ ‫األجــواء رماديــة‪ ،‬والــذرات الدقيقــة تهبــط عــى ســطح املنضــدة‬ ‫لتكســوها بطبقــة رقيقــة ال تــكاد تــرى‪ .‬يف كــوب امتــأ نصفــه باملــاء‬ ‫بــرزت زهــرة صفــراء شــاحبة‪.‬‬ ‫لكــم يتــوق الحتضــان جســدها الفائــر‪ ،‬فاألشــهر التــي خطبهــا فيهــا مل‬ ‫متنحــه خاللهــا ســوى عــدة قبــات مرسوقــة مــن الزمــن‪ .‬تجلــس صامتة‪،‬‬ ‫تحــدق يف مــاء النهــر‪ ،‬واألســاك تظهــر عــى هيئــة أرساب‪ ،‬املــاء يبقبــق‪،‬‬ ‫وهــي تضحــك مــن قلبهــا‪ ،‬مــن االندفاعــات الخائفــة لألســاك الصغــرة‬ ‫املتقاربــة يف الحجــم تســبح أفقيـاً وخريــر املــاء يضفــي عــى جلســتهام‬ ‫شــيئاً مــن البهجــة الصامتــة‪.‬‬ ‫عنــد أقــرب منضــدة‪ ،‬جلســت فتــاة متوســطة الجــال وحيــدة‪ ،‬بيدهــا‬ ‫منديــل حريــري متســح بــه الغبــار‪ ،‬ومــن حنجرتهــا يخــرج غنــاء جميــل‪.‬‬ ‫أغنيــة كان يحبهــا يف صغــره‪« :‬متالــى جنبــك يــا حبيبــى‪ .»..‬تســكت‬ ‫مــا بــن الكوبليــه والتــايل‪ ،‬ثــم تندفــع يف الغنــاء‪ ،‬وتهــش بيدهــا ســحاباً‬ ‫رماديـاً متثاقـاً‪ ،‬هــي الوحيــدة التــي تـراه‪ .‬عــى منضدتهــا كــوب وصــل‬ ‫املــاء إىل حافتــه‪ ،‬تــرز منــه وردتــان حم ـراوان منديتــان‪.‬‬ ‫كان يرقبهــا مــن طــرف عينــه‪ ،‬أمــا ثريــا خطيبتــه فتتجاهلهــا متام ـاً‪،‬‬ ‫حيــث راحــت تقــرض أظافرهــا بأســنانها خفيــة‪ .‬كــوب الشــاي يتوســط‬ ‫منضدتهــا‪ ،‬مل تقربــه بعــد؛ فالغنــاء شــغلها عــن كل يشء يف العــامل‪ .‬عــى‬ ‫حــن بغتــة قفــز قــط ضخــم باتجــاه املنضــدة‪ ،‬مصطدمـاً بكــوب الشــاي‬ ‫الســاخن‪ ،‬مــع ارتباكــه كــر الكــوب فتناثــر الزجــاج‪ ،‬وســال الشــاي‬ ‫الســاخن عــى الحافــة الخشــبية للمنضــدة حتــى أنــه بلــل قــاش‬ ‫فســتانها‪ .‬كان عليــه أن يــرع النتشــالها مــن هــول الصدمــة‪ ،‬فقفــزة‬ ‫القــط قــد أربكــت كل يشء‪.‬‬ ‫مــال عليهــا يحميهــا مــن قفــزة محتملــة للقــط الــذي ابتعــد‪ ،‬وإن‬ ‫ظــل يرقــب املوقــف‪ .‬انحنــى يلملــم الشــظايا املتناثــرة‪ ،‬وألنــه فعــل‬ ‫ذلــك برسعــة‪ ،‬فقــد جرحــت شــظية صغــرة إصبعــه البنــر بيــده‬ ‫اليمنــى‪ .‬مــدت يدهــا باملنديــل الحريــري‪ ،‬فضمــد جراحــه البســيطة‪.‬‬ ‫حــن انتهــى‪ ،‬دس املنديــل بتلقائيــة يف جيبــه‪.‬‬ ‫أمــا ثريــا التــي اســتوعبت املوقــف بصعوبــة فقــد قامــت غاضبــة‪،‬‬ ‫واتجهــت إىل بــاب الخــروج‪ ،‬وهــو يتبعهــا متمت ـاً‪ :‬ال يشء جــرى‪.‬‬ ‫قالــت لــه يف ثــورة اندفاعهــا‪ :‬ال يصــح أن ترتكنــي‪ ،‬وتذهــب إليهــا‪ .‬أنــا‬ ‫أجمــل منهــا‪ ،‬لكنــك ال تــرى جيــدا ً‪.‬‬ ‫مل تســعفه الكلــات‪ .‬اســتوقفت ســيارة تاكــي وركبتهــا دونــه‪ ،‬وهــي‬ ‫تنظــر إليــه بلــوم شــديد‪.‬‬ ‫عــاد إىل األخــرى متعلــاً بنســيان نظارتــه الشمســية‪ ،‬وكانــت قــد‬ ‫ســقطت منــه عنــد حافــة املنضــدة الخشــبية املزينــة مبفــرش عليــه‬ ‫نجــوم قرنفليــة متناثــرة فــوق ســاء متيــل للزرقــة‪.‬‬ ‫أشــارت إليــه أن يجلــس ليلتقــط أنفاســه‪ ،‬وطلبــت لــه كــوب مــن‬

‫حرمل الذكريات‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫‪3‬‬ ‫انتشـ ِ‬ ‫ركام مــا كا َن منــزالً‬ ‫ـي مــن صــور ٍة ُم َح َّرق ـ ٍة مــن ب ـ ِن ِ‬ ‫ـلت األ ّم مــا بقـ َ‬ ‫ُزيــل عنهــا آثــا َر دخــانٍ وغبــا ٍر بأصابــ َع ُمرت َ ِجفَــ ٍة ُمح ّولَــ ًة الصــور َة إىل‬ ‫ت ُ‬ ‫صدرِهــا بحركـ ٍة ال إراديّـ ٍة لتزيدهــا قربـاً مــن قلبِهــا وكأنّهــا تريـ ُد أن ت ُعيـ َد‬ ‫الحيــا َة لبقايــا صــور ٍة ورق ّي ـ ٍة محرتِق ـ ٍة بــارد ٍة ُمغ ِمض ـ ًة عينيهــا‪ ،‬وكأنّهــا يف‬ ‫بعــض مــا كانــت تغ ّنيــه عندمــا تريــ ُد أن تالع َبــ ُه أو‬ ‫عــا ٍمل آخــ َر ُمــر ّدد ًة َ‬ ‫ات حــار ٍة تنبعــثُ مــن جـ ٍ‬ ‫ـوت ُمته ـ ّد ٍج‪ ،‬وبزف ـر ٍ‬ ‫تن ّو َم ـ ُه بصـ ٍ‬ ‫ـوف ُمح ـرِقٍ ‪ .‬مل‬ ‫يُ ِع ْدهــا إىل الواقــع ســوى رصا ِخ زوجهــا وهــو يحثّهــا عــى رسعـ ِة املغــادر ِة‬ ‫ِ‬ ‫قــاب‬ ‫ــح‬ ‫للســقوط بأيّــ ِة لحظــ ٍة‪ ،‬واملــوتُ‬ ‫بقــي مــن املنــز ِل مرشّ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ألن مــا َ‬ ‫رسعــاً حركتَهــا‪ ،‬بينــا تتشــ ّبث‬ ‫قوســ ِن أو أدىن‪ ..‬أمســكها مــن يدهــا ُم ِّ‬ ‫أصاب ـ ُع ِيدهــا األخــرى بآخ ـ ِر ذكريـ ِ‬ ‫ـات مـ ٍ‬ ‫ـاض جميــلٍ ‪ ،‬بــه دف ٌء ال يُنــى‬ ‫ـوم ومل يَ ُع ـ ْد‪.‬‬ ‫ملــرو ِع مســتقبلٍ البــنٍ خــرج ذاتَ يـ ٍ‬

‫قت ّلتني بأريجها‬ ‫دون تراتيل أنفاسه يف رئتي‬ ‫مواسم حنني وغزوات صهد‬ ‫فخفف الوطء يف طرقات قلبي‬ ‫عل عواصفه ال تضطرم أكرث‬ ‫َّ‬ ‫وعل اللون يب يكن رحيام‬ ‫َّ‬ ‫حينام تالمسه أهداب فرشايت‬ ‫يا جدي نوح‬ ‫أنا واللون حكاية ضوء سالفة يف عروق‬ ‫الغياب‬

‫وبالقرب والبعد غابة تحرتق‬ ‫وجياد رشد صهيلها الحنني‬ ‫وجراحات الوطن التي تصهل داخلنا‬ ‫بصوت جرح املرايا‬ ‫ال تتكلم كثريا ً هذ الصباح فام زال قلبي‬ ‫فيوضات حب كقلوب األنبياء‬ ‫باسمك تهذي‬ ‫«أنا واللون حكاية ندى»‬

‫رشا السيد أحمد‬

‫بمناســبة صــدور العــدد األول لمجلــة «الحرمــل»‪ ،‬تــم إقامــة حفــل رمــزي مســاء يــوم الخميــس‬ ‫‪ 2014 /10/2‬فــي مكتــب المجلــة بمدينــة شــانلي أورفــا التركيــة‪ ،‬وقــد حضــر هــذا الحفــل لفيــف مــن‬ ‫المعــارف واألصدقــاء والمهتميــن بالشــأن الثقافــي‪ ،‬ومنهــم‪ :‬رئيــس مجلــس جمعيــة عــرب تركيــا الســيد‬ ‫شــكري قيربوغــا‪ ،‬والســيد وليــد العمــري عضــو االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة والمعارضــة الســورية‪،‬‬ ‫الســيد دحــام الســطام ممثـاً لمنتــدى الخابــور‪ ،‬منظمــة نوافــذ‪ ،‬منظمــة كونســيرن الســيد خليــل البــري‪،‬‬ ‫ممثــل المعلميــن‪ ،‬وممثــل الرياضييــن األحـرار‪ ،‬المجلــس الوطنــي الكــوردي ممثـاً بالســيد عــز الديــن‬ ‫المســحاوي‪ ،‬مجلــة الغربــال ممثلــة بالزميليــن محمــد الســلوم و ارمــي ســويد‪.‬‬ ‫وقــد تــم تبــادل الكلمــات واإلشــادة بمجلــة الحرمــل بعددهــا األول‪ ،‬والتأكيــد علــى أهميــة دورهــا المعرفــي‬ ‫والثقافــي فــي المرحلــة القادمــة‪.‬‬

‫وأخــرا ً وليــس آخــر أمتنــى أن أكــون نازحــاً بينكــم‪ ،‬وأن ال‬ ‫أكــون الجئ ـاً خــارج ســوريا‪ ،‬رغــم كل مــا قدمــه لنــا األخــوة‬ ‫األت ـراك مــن حســن ضيافــة واســتقبال‪ ،‬ومنهــم األخ شــكري‬ ‫قريبوغــا رئيــس جمعيــة عــرب تركيــا‪ ،‬وهــم عــى اســتعداد‬ ‫لتقديــم مزيــد مــن العــون واملســاعدة‪.‬‬

‫شكري قريبوغا‪:‬‬

‫كانــت فرصــة عظيمــة لجمعيتنــا «جمعيــة عــرب تركيــا» يف‬ ‫التواصــل مــع مجموعــة مــن املثقفــن والكتــاب لرتخيــص مجلة‬ ‫الحرمــل‪ ،‬التــي أعــادت لنــا األمــل يف التواصــل مــع أهلنــا يف‬ ‫ســوريا الذيــن حلـ ّوا ضيوفـاً عــى تركيــا نتيجــة الدمــار والقتــل‬ ‫الــذي تعرضــوا لــه بعــد انــدالع ثورتهــم التــي كان عنوانهــا‬ ‫األســايس الحريــة والكرامــة‪.‬‬ ‫شــكلت الحــدود التــي تفصــل بــن بلدينــا يف الســابق عائق ـاً‬ ‫كب ـرا ً يف التواصــل مــع أقاربنــا وأهلنــا‪ ،‬وهاهــم اليــوم بيننــا‪،‬‬ ‫يعيــدون لنــا األمــل والتفــاؤل يف التعــارف وصلــة القــرىب‪،‬‬ ‫والتــي تؤســس لعالقــات جديــدة‪ ،‬تســهم يف أفــق جديــد‬ ‫ومتطــور بــن الجانبــن مــن النواحــي الثقافيــة واالقتصاديــة‬ ‫وتبــادل املعــارف األخــرى‪.‬‬ ‫اليــوم إذ تصــدرون مجلتكــم «الحرمــل» فإننــا يف جمعيتنــا‬ ‫نعتربهــا لبنــة أساســية يف بنــاء قويــم للعالقــات الرتكيــة‬ ‫العربيــة الســورية‪ ،‬فعــرب تركيــا لهــم امتداداتهــم التاريخيــة‬ ‫والحضاريــة مــع أهلنــا يف ســورية وباقــي أنحــاء الوطــن‬ ‫العــريب‪ ..‬بوركــت جهودكــم التــي أمثــرت هــذا العمــل الجــاد‬ ‫والهــام‪.‬‬

‫قدومــي إىل أورفــا لزيــارة األصدقــاء‪ ،‬وقــررت الحضــور واللقــاء‬ ‫معكــم‪ ،‬خاصــة وأنكــم تعملــون مبجــال الفكــر واألدب‪ ،‬لقــد‬ ‫تأخــر األدبــاء والشــعراء عــن اللحــاق بركــب الثــورة الســورية‪،‬‬ ‫وكانــت البندقيــة هــي الفصــل بالســاحة‪ ،‬وتحولــت األرض اىل‬ ‫مســتعمرات‪ .‬حــان الوقــت يك تصمــت البندقيــة‪ ،‬وتصــدح‬ ‫الحناجــر بالكلمــة‪ ،‬وجــاء دوركــم لتكتبــوا الكلمــة مبــاء‬ ‫الذهــب‪ ،‬وال تنســوا تاريــخ الرقــة الرشــيد وآثارهــا وقلعــة جعرب حاتم الراوي‪:‬‬ ‫الســام عليكــم‪ :‬أخــويت األعـزاء أبــارك لكــم افتتــاح جريدتكــم‬ ‫التــي جــاءت مل ّبيـ ًة لتطلّعــات الســوريني‪ ،‬وبلسـاً لجراحاتهــم‬ ‫يف محنتهــم‪.‬‬ ‫أبــارك لكــم هــذه الثمــرة التــي أينعــت بعــد تحــ ٍّد كبــر‬ ‫وصعوبـ ٍ‬ ‫ـات ال يقــدر عــى تجاوزهــا إال أصحــاب الهمــم العاليــة‬ ‫واإلرادة الصلبــة‪ ،‬فكنتــم أنتــم أيهــا النشــامى‪.‬‬ ‫نعــم إنهــا جريــدة الحرمــل التــي نعلّــق عليهــا األمــل يف أن‬ ‫تكــون الصــدى الصــادق لهمومنــا وآمالنــا وإيصــال صوتنــا‬

‫والرصافــة‪ ،‬وأخبارهــا وغريهــا مــن آثــار املدينــة املظلومــة التــي‬ ‫ســالت دمــاء أبنائهــا بصمــت‪ ،‬ومل يســ ّوق أحــد ظلمهــا بــل‬ ‫اســتغل النظــام غيــاب أهــل القلــم واإلعــام‪ ،‬وسـ ّوقها عليكــم‬ ‫يف خانــة اإلرهــاب‪ ،‬مســتخدماً ســاح املظلوميــة‪.‬‬ ‫أخــويت‪ :‬عليكــم االســتفادة مــن التجربــة الكورديــة ألنهــا‬ ‫اســتطاعت تســويق نفســها تســويقاً جيــدا ً‪ ،‬وأظهــرت أن هــذا‬ ‫الشــعب مظلــوم‪ ،‬وكذلــك مــن التجربــة الصهيونية يف فلســطني‬ ‫حتــى نتخلــص مــن التســويق الــذي فرضــة النظــام األســدي‬ ‫واإلرهــاب الــدويل بأننــا إرهابيــون‪ ،‬ولنثبــت وتثبتــوا للعــامل‬ ‫أجمــع بأنكــم عشــاق الحيــاة‪ ،‬وأال تنســوا تدويــن تاريــخ الرقــة‬ ‫وآثارهــا وتراثهــا العريــق‪ ،‬وأحســنوا التســويق‪ ،‬واثبتــوا للعــامل‬ ‫أجمــع أن أهــل الرقــة يف املدينــة واألحيــاء والقــرى وامل ـزارع‬ ‫يعشــقون الحيــاة ويحبــون الســام‪ ،‬وأن الرقــة بــكل مكوناتهــا‬ ‫وليد العمري‪:‬‬ ‫ال تــرىض بالــذل‪ ،‬وال مــكان لألســد فيهــا‪ ،‬ولــن تكــون وطنــاً‬ ‫ُ‬ ‫يرشفنــي اللقــاء معكــم يف هــذا الحفــل البســيط‪ ،‬الــذي أعلــن لإلرهــاب‪.‬‬ ‫فيــه عــن افتتــاح جريــدة الحرمــل‪ ،‬والــذي علمــت بــه أثنــاء‬

‫للعــامل وإنعــاش التبــادل الثقــايف العــريب الــريك‪ ،‬يف تركيّــا هــذا‬ ‫البلــد الــذي فتــح لنــا أهلــه قلوبهــم قبــل بيوتهــم‪.‬‬ ‫وفّقكــم اللــه إىل مــا تطمحــون إليــه‪ ،‬فهــو مــا يطمــح إليــه‬ ‫كل الســوريني‪ ،‬وكلنــا ثق ـ ٌة أننــا ســنبارك لكــم يف افتتــاح مقــر‬ ‫ّ‬ ‫جريدتكــم قريب ـاً يف ديارنــا‪ ،‬ديــار العــزة والكرامــة‪ ..‬والســام‬ ‫عليكــم‪.‬‬

‫مجلة الحرمل‬ ‫ثقافية ـــ سياسية ـــ نصف شهرية ـــ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريين‬ ‫اء ُنشرت أم لم تنشر‬ ‫المقاالت التي ترد إلى المجلة ال تُ ّ‬ ‫رد إلى أصحابها سو ً‬

‫دحام السطام‪:‬‬ ‫أيهــا الســادة‪ ..‬مــن صحفيــن وكتــاب ومبدعــن‪ ..‬بــكل فخــر‬ ‫واعتــزاز وفــرح تلقيــت الدعــوة لهــذه االحتفاليــة الجميلــة‬ ‫واملعــرة مبولــد جريدتنــا الرائعــة الحرمــل‪ ،‬الحرمــل هــذا‬ ‫الكائــن الجديــد يريــد منــا الرعايــة واالهتــام الكثــر‪ ،‬الحرمــل‬ ‫التــي تحتفــل اليــوم بطبــع وتوزيــع عددهــا األول مــع باقــة‬ ‫مــن زهــور الكلمــة الحــرة‪ ،‬ورجــاالت الفكــر واالبــداع‪ ،‬الحرمــل‬ ‫التــي طاملــا حلمنــا بهــا مــن قبــل وانتظرناهــا كث ـرا ً‪ ،‬هــا هــو‬ ‫اليــوم الحلــم يتحقــق‪ ،‬هــا هــي الحرمــل التــي نتمنــى لهــا‬ ‫الدميومــة واالســتمرار‪ ..‬نتمنــى أن تكــون لســان حــال كل‬ ‫الســوريني بتعــدد قومياتهــم وأديانهــم وطوائفهــم وأطيافهــم‪،‬‬ ‫وأن تقــف عــى نفــس املســافة مــن جميــع مكونــات الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬بعــد أن حصــل لهــذا الشــعب مــا حصــل مــن تنكيــل‬ ‫ونــزوح وتفتيــت وتشــظي‪ ..‬الشــعب الســوري الــذي جـ ّرب بــه‬ ‫كل يشء إال الكلمــة والفكــر‪..‬‬ ‫الحرمــل الحلــم‪ ،‬نتمنــى لهــا أن تدعــو إىل التشــاركية‬ ‫املجتمعيــة‪ ..‬وأن تكــون جامعــة للشــعب الســوري مبكوناتــه‬ ‫ومكنوناتــه‪..‬‬ ‫باســمي وباســم منتــدى الخابــور املــدين والعاملــن بــه أتقــدم‬ ‫ألرسة تحريــر الحرمــل وإىل بيــت الرقــة‪ ،‬وإىل جمعيــة عــرب‬ ‫تركيــا بالشــكر الجزيــل متمنيـاً للحرمــل نبتــة تكــر وال تنتهــي‬ ‫مهــا كانــت العوامــل والظــروف‪ ..‬وكذلــك أمتنــى أن نتبنــى‬ ‫جميع ـاً حــوارا ً عربي ـاً كوردي ـاً يف منتــدى الخابــور املــدين‪.‬‬

‫اآلراء التي تنشر بالمجلة تعبر عن رأي أصحابها‪ ،‬وال تمثل بالضرورة رأي المجلة‬

‫للتواصل عبر فيس بوك‬ ‫للتواصل عبر تويتر‬

‫‪www.facebook.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪www.twitter.com/AlharmalJournal‬‬

‫للتواصل عبر البريد اإللكتروني مع هيئة التحرير‬

‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬


‫‪16‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني ‪ 15 /‬تشرين األول ‪2014‬‬

‫زاوية حرة‬

‫قد أضاء الصبح لذي عينني (‪)2‬‬

‫الغرب وازدواجية املعايري!‬

‫بسام البليبل‬

‫من غوتنبرغ إلى فتوى شيخ اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫مدخال‪!..‬‬ ‫معرض فرانكفورت للكتاب‬ ‫عــى مســاحة ‪ 171‬ألــف و‪ 790‬مــرا ً مربعــاً‪ ,‬ومبشــاركة ‪7382‬‬ ‫عارضــاً مــن ‪ 106‬دول‪ ,‬وبعــدد زوار يقــدر ب‪ 300‬ألــف زائــر‪,‬‬ ‫وعـرات األلــوف مــن العناويــن ومــن كل الثقافــات‪ ,‬اختتــم معــرض‬ ‫فرانكفــورت للكتــاب أعاملــه يف ‪.2014/10/12‬‬ ‫ويعــد معــرض فرانكفــورت أكــر تظاهــرة دوليــة ثقافيــة تعنــى‬ ‫بالكتــاب واألدب بصفــة عامــة‪ ,‬ويعــد األهــم يف العــامل‪ ,‬ويبلــغ عمــره‬ ‫اآلن أكــر مــن خمســة قــرون‪.‬‬ ‫وقــد ســبقه هــذا العــام تســعة معــارض عربيــة للكتــاب‪ ,‬لســنا يف وارد‬ ‫مقارنتهــا مــع معــرض فرانكفــورت‪ ,‬ومل يكــن اإلقبــال عــى أشــهرها‬ ‫وهــو معــرض القاهــرة للكتــاب باملســتوى املطلــوب‪ ,‬وليــس ذلــك‬ ‫مبســتغرب مــع إحصائيــات مثــل تلــك‬ ‫التــي تتضمنهــا تقاريــر اليونيســكو‪ ,‬ومــن‬ ‫أطــرف اإلحصائيــات – التــي كشــفت‬ ‫عــن فضيحــة القــراءة يف العــامل العــريب‬ ‫– أ ّن اإلرسائيــي يقــرأ يف العــام ‪ 40‬كتاب ـاً‬ ‫واألورويب يقــرأ ‪ 35‬كتابــاً‪ ,‬أمــا يف الــدول‬ ‫العربيــة فــإ ّن كل ‪ 80‬شــخصاً يقــرأون‬ ‫كتابـاً واحــدا ً يف الســنة‪ ,‬وال غرابــة يف ذلــك‬ ‫إذا علمنــا أ ّن الغــرب قــد بــدأ بالطباعــة‬ ‫باخـراع غوتنــرغ للمطبعــة ‪1455‬م‪ ,‬وقــد‬ ‫أدخــل اليهــود مطبعتهــم إىل األســتانة‬

‫‪1494‬م‪ ,‬واحتــاج العــرب إىل‪ 222‬ســنة عــى إدخــال اليهــود املطبعــة‪,‬‬ ‫لــي يبــدأوا بطباعــة كتبهــم بالعربيــة‪ ,‬بعــد أن أفتــى شــيخ اإلســام‬ ‫عبــد اللــه أفنــدي يف عاصمــة الخالفــة اســتنبول ‪ 1716‬بجــواز‬ ‫اســتخدام املطبعــة وهــذا نــص الفتــوى‪:‬‬ ‫«إ ّن زيــدا ً الــذي بــرع يف صناعــة الطبــع‪ ,‬إذا نقــش صحيحــاً عــى‬ ‫الــورق فإنــه يحصــل عــى نســخ كثــرة مــن غــر عنــاء وتعــب‪ ,‬وهــذا‬ ‫مــا يســتوجب رخــص أمثــان الكتــب واملؤلفــات‪ ,‬ومــن ثــم تتداولهــا‬ ‫األيــادي‪ ,‬وبذلــك تعــم الفائــدة‪ ,‬وتشــمل كل طبقــات النــاس‪ ,‬وعليــه‬ ‫يجــوز رشعـاً الطبــع عــى الوجــه املذكــور‪ ,‬ويستحســن تأليــف لجنــة‬ ‫لتصحيــح الكتــب امل ـراد نقشــها واللــه أعلــم»‪.‬‬

‫شك ارً تركيا‬

‫الثــورة الســورية هدمــت الحواجــز‪ ،‬وأعــادت األمــور إىل‬ ‫نصابهــا‪ ,‬وقضــت عــى جمــود قــرن كامــل مــن العالقــة مــع‬ ‫تركيــا‪.‬‬ ‫الثــورة الســورية أعــادت صياغــة مفهــوم الجغرافية السياســية‪،‬‬ ‫وصــارت تركيــا بالنســبة إىل الســوريني رئــة اضافيــة‪ ،‬تســاعدهم‬ ‫عــى مقاومــة االختنــاق‪ ،‬ووجــد الســوريون فيهــا ملجـأً ومــاذا ً‬ ‫مــن قصــف طائــرات النظــام ومدافعــه وصواريخــه‪ ،‬ومــن‬ ‫أحقــاد مخابراتــه التــي دمــرت البــاد‪ ،‬قبــل الدمــار الــذي‬ ‫تقــوم بــه أســلحة شــبيحته ومجرميــه!‬ ‫اســتقبلت تركيــا الالجئــن الســوريني كضيــوف‪ ،‬ومل تســألهم‬ ‫عــن مذهبهــم‪ ،‬وال عــن أموالهــم‪ ،‬وال عــن توجهاتهــم‪ ،‬وال‬ ‫حتــى عــن رأيهــم فيهــا‪ ،‬لقــد كانــت األرايض الرتكيــة مــاذا ً‬ ‫آمن ـاً للســوريني‪ ،‬وكان الشــعب الــريك مرحب ـاً‪ ،‬ومخفف ـاً مــن‬ ‫آالم الالجئــن الســوريني‪ ،‬الذيــن تركــوا بيوتهــم‪ ،‬وأرزاقهــم‪،‬‬ ‫وبالدهــم‪ ،‬ولقــد كان الشــعب الــريك وفيــاً لقيــم الجــوار‪،‬‬ ‫والديــن‪ ،‬واألخــوة اإلنســانية‪..‬‬ ‫وســاعدت تركيــا الســوريني‪ ،‬بإبقــاء شــعار إســقاط النظــام‬ ‫مرفوعــاً وعاليــاً‪ ...‬قبــل أن تتوالــد الشــعارات‪ ،‬واألهــداف‬ ‫الدوليــة‪ ،‬التــي تخــدم مصالــح الــدول‪ ،‬واملحــاور اإلقليميــة‬ ‫وغــر اإلقليميــة‪ ،‬ومــا تــزال تركيــا تشــرط إســقاط النظــام‬ ‫أوالً‪ ،‬وتعتــر إســقاطه هــو املفتــاح الحقيقــي‪ ،‬إلعــادة‬ ‫االســتقرار لســورية‪ ،‬وعــودة الالجئــن واملرشيــن يف مشــارق‬ ‫األرض ومغاربهــا‪ ..‬وهــا هــي جمعيــة (عــرب تركيــا الثقافيــة‬ ‫التعاونيــة) تقــدم ترخيصـاً ملجلــة (الحرمــل) مســاهمة منهــا يف‬ ‫تحفيــز األفــكار الســورية‪ ،‬وتجميعهــا لتكــون يف طليعــة أعــال‬ ‫الثــورة الســورية‪ ،‬وليســت مجــرد تابعــة للســاح ولإلعــام‬

‫إ ّن الوقــوع يف فخــاخ املصطلحــات‪ ,‬والتكـرار الببغــايئ لها‪,‬‬ ‫ك ّبــل حياتنــا االجتامعيــة‪ ,‬والسياســية‪ ,‬والثقافيــة‪ ,‬وزوى‬ ‫الوعــي الجامهــري عــن النظــر إىل مــا خلــف املصطلــح‪,‬‬ ‫وأبعــد املثقــف العــريب عــن حقيقــة دوره النقــدي إزاء‬ ‫الخطــاب الســائد‪ ,‬ومــا تبثــه املاكينــة اإلعالميــة عــى‬ ‫املســتوى الداخــي و الخارجــي مــن مفخخــات إعالميــة‪,‬‬ ‫كان مــن مهــام وواجــب املثقــف العــريب العمــل عــى‬ ‫إبطالهــا‪ ,‬وإفراغهــا مــن مضمونهــا التضليــي‪.‬‬ ‫وحيــث أننــا بصــدد مصطلــح «املعايــر املزدوجــة» الــذي‬ ‫ال ننفــك عــن التلويــح بــه يف وجــه الغــرب كلــا مــارس‬ ‫سياســته املعتــادة باالنحياز إىل إرسائيــل‪ ,‬أو فرس اإلرهاب‬ ‫عــى هــواه ونزعاتــه القوويــة‪ ,‬ونظــر إىل حــق الشــعوب‬ ‫يف تقريــر مصريهــا مــن زاويــة الــوالءات واملصالــح التــي‬ ‫تخدمــه‪ ,‬وإىل حقــوق اإلنســان كــا لــو أنهــا مــن حــق‬ ‫شــعوب الــدول املتقدمــة أو فــوق املتقدمــة فقــط‪...‬‬ ‫وإزاء كل مــا تقــدم كان البــد مــن القــول أ ّن الغــرب ال‬ ‫يخجــل مــن أن نصمــه بهــذه التهمــة‪ ,‬ألنّــه ال ينظــر إىل‬ ‫مفهــوم «ازدواجيــة املعايــر» التــي أطلقهــا عــام ‪,1912‬‬ ‫بصيغتهــا الحديثــة‪ ,‬عــى أنّهــا نــوع مــن التحيــز الظــامل‪,‬‬ ‫كــا نعتقــد نحــن‪ ,‬أو أنهــا انتهــاك ملبــادئ املســاواة‬ ‫والعدالــة التــي يعتمدهــا القانــون الحديــث‪ ,‬ألنّــه يف‬ ‫حقيقــة نفســه ال ميــارس هــذه االزدواجيــة‪ ,‬وإمنــا ميــارس‬ ‫واقعيتــه السياســية التــي تلبــي مصالحــه‪ ,‬وتخــدم أمنــه‬ ‫االقتصــادي والقومــي‪ ,‬وتضمــن دوره الــذي يريــده‬ ‫لنفســه يف املنظومــة العامليــة و مكانتــه فيهــا‪.‬‬ ‫إ ّن اإلرصار عــى متســكنا بــأ ّن مــا يقــوم بــه الغــرب هــو‬ ‫مامرســة ازدواجيــة‪ ,‬والســعي إىل الضغــط عليــه انطالق ـاً‬ ‫مــن هــذه التهمــة لتغيــر مواقفــه السياســية‪ ,‬إمنــا هــو‬ ‫وهــم ومضيعــة للوقــت‪ ,‬كث ـرا ً مــا رصفنــا عــن اختيــار‬ ‫األدوات املناســبة ملقارعــة الغــرب يف ســاحات الــراع‬ ‫التــي يزجنــا فيهــا‪.‬‬ ‫كــا أ ّن متســكنا بــأن مــا يقــوم بــه الغــرب هــو مامرســة‬ ‫ازدواجيــة‪ ,‬إمنــا هــو يف حقيقــة األمــر نــوع مــن التربيــر‬ ‫والتربئــة لهــذه السياســات مــن تهمــة التصميــم املســبق‬ ‫عــى مامرســة هــذا النهــج‪ ,‬يف إطــار سياســة اسـراتيجية‬ ‫واعيــة‪ ,‬طاملــا دأب الغــرب عــى مامرســتها‪ ,‬وطاملــا‬ ‫ترسبــت ذكراهــا مــن ذاكرتنــا املثقوبــة‪ ,‬لنحتــج عليهــا‬ ‫مــن جديــد كــا لــو أنهــا تحــدث ألول مــرة‪.‬‬

‫إ ّن الغــرب الــذي يصنــف نفســه يف دائــرة الــدول فــوق‬ ‫املتقدمــة‪ ,‬ال ميكــن أن يتعامــل معنــا نحــن الذيــن نعيــش‬ ‫يف عــامل القــرن التاســع عــر‪ ,‬باملبــادئ القانونيــة التــي‬ ‫يتمســكون بهــا فيــا بينهــم‪ ,‬كــا يقــول روبــرت كوبــر‬ ‫املستشــار الخــاص للشــؤون الخارجيــة لرئيــس الــوزراء‬ ‫الربيطــاين األســبق «تــوين بلــر»‪ ,‬ويضيــف‪ :‬إ ّن التحديــات‬ ‫التــي تواجــه الــدول مــا بعــد املتقدمــة تجعلهــا تســتعمل‬ ‫فكــرة ازدواجيــة املعايــر‪ ,‬فعندمــا نعمــل يف غابــة علينــا‬ ‫اســتعامل قوانــن الغــاب‪.‬‬ ‫فمتــى نتيقــن أ ّن ازدواجيــة املعايــر هــي جــز ٌء مــن‬ ‫اســراتيجيات السياســة الغربيــة يف تعاملهــا معنــا‪ ,‬وأنهــا‬ ‫ليســت هفــوات سياســية‪ ,‬أو أخطــاء معرفيــة ناجمــة‬ ‫عــن عــدم اإلحاطــة بالوقائــع التــي يتعاملــون معهــا‪.‬‬ ‫ومتــى نتوقــف عــن محاولــة إحــراج الغــرب مبــا ال‬ ‫يخجــل مــن الترصيــح بــه‪ ,‬فاالزدواجيــة تهمــة ال ينكرهــا‪,‬‬ ‫ويعــرف أنهــا ليســت رشفــاً يدعيــه‪ ,‬وإمنــا هــي واقــ ٌع‬ ‫يجــب التعامــل معــه‪ ,‬مثلــا أن الحيــاة غــر عادلــة‪ ,‬كــا‬ ‫يقولــون‪.‬‬ ‫ومتــى يكــون لنــا اســراتيجياتنا العربيــة املضــادة‪,‬‬ ‫ومواقفنــا السياســية املوحــدة عــى مســتوى الجامعــة‬ ‫العربيــة‪ ,‬يف تعاملنــا مــع الغــرب فيــا يتعلــق بحقوقنــا‬ ‫وقضايانــا املصرييــة‪ ,‬ومســتقبلنا يف هــذا العــامل‪.‬‬ ‫مــع إدراكنــا لصعوبــة تحقيــق هــذا املطلــب يف ظــل‬ ‫انهيــار النظــام اإلقليمــي العــريب‪ ,‬ودون إعــادة هيكلــة‬ ‫الجامعــة العربيــة عــى املســتوى الســيايس بشــكل خاص‪,‬‬ ‫لضــان العمــل العــريب املشــرك ‪.‬‬ ‫ومتــى يتجــاوز االئتــاف سياســات الهــواة التجريبيــة‪,‬‬ ‫عــى أنهــم مجموعــة مــن املعارضــن و الثوريــن‪,‬‬ ‫وراكبــي أمــواج السياســة‪ ,‬ويتحمــل مســؤولياته كممثــل‬ ‫وصاحــب مــروع لدولــة مســتقبلية‪ ,‬ويبنــي سياســاته‬ ‫عــى النتائــج املســتخلصة مــن التعامــل العــريب الطويــل‬ ‫مــع السياســات االســراتيجية الغربيــة‪ ,‬ضمــن محــددات‬ ‫وأهــداف اســراتيجية تلبــي طمــوح وأهــداف الثــورة‪,‬‬ ‫وتكــون مســتعدة وقــادرة عــى مواجهــة التطــورات‬ ‫الدوليــة واإلقليميــة‪ ,‬واملخططــات املرســومة للربيــع‬ ‫العــريب‪ ,‬واملشــاريع التجزيئيــة التــي تــكاد أن تكــون‬ ‫قــاب قوســن أو أدىن مــن التنفيــذ‪.‬‬ ‫فهل أضاء الصبح لذي عينني؟‬

‫‪Harmal Dergisinden Türkiye’ye Teşekkürler‬‬

‫التحريــي‪ ،‬اللذيــن تخبطــا كث ـرا ً‪ ،‬طــوال الســنوات الســابقة‬ ‫مــن عمــر الثــورة‪ ..‬شــكرا ً لجمعيــة عــرب تركيــا‪ ،‬عــى هــذه‬ ‫املســاهمة القيمــة‪ ،‬وشــكرا ً عــى كلــات رئيســها الســيد‬ ‫شــكري قريبوغــا وعــى حميميتهــا‪ ،‬وحبهــا للشــعب الســوري‪،‬‬ ‫وتعاطفهــا الكبــر مــع محنتــه‪ ،‬وعــى حامســه الكبــر‪ ،‬وارصاره‬ ‫عــى التقــارب الســوري الــريك وإنهــاء القطيعــة بــن الشــعبني‬ ‫الجاريــن!! شــكرا ً لرتكيــا‪ ..‬التــي احتضنــت الالجئــن الســوريني‪،‬‬ ‫وســاهمت بتخفيــف مأســاتهم ومعاناتهــم‪.‬‬ ‫شــكرا ً للشــعب الــريك‪ ..‬الــذي نتطلــع معــه إىل مســتقبل‬ ‫أجمــل‪ ،‬وأكــر تطــورا ً للوقــوف بوجه االســتبداد وبوجــه الظلم‪،‬‬ ‫وبوجــه إبقــاء املنطقــة رهينــة للدكتاتوريــات‪ ،‬وللتطــرف‪،‬‬ ‫ولإلقصــاء‪ ،‬واالســتبعاد حتــى عــن تقريــر مســتقبلها!! هــذه‬ ‫املنطقــة قــادت العــامل مئــات الســنني‪ ،‬وكان لهــا أدوار فاعلــة‬ ‫عــر التاريــخ‪ ،‬وســتعود إىل االضطــاع بدورهــا كرشيــك فاعــل‪،‬‬ ‫وســيكون للعالقــات الســورية الرتكيــة الــدور األبــرز يف إعــادة‬ ‫املنطقــة إىل دورهــا الفعــال يف العالقــات اإلقليميــة والدوليــة‪،‬‬ ‫وســتكون العالقــات بــن شــعبينا عالقــة تعــاون وثقــة واحـرام‪،‬‬ ‫فالثــورة الســورية ســتعيد إحيــاء املنطقــة‪ ،‬وســتجعل الظلــم‬ ‫والتطــرف مجــرد بقايــا متحجــرة ومهملــة‪ ،‬وســيكون العــدل‬ ‫والتنميــة واملســاواة والتعــاون هــي أهــداف شــعوب املنطقــة‬ ‫التــي عانــت الكثــر مــن التهميــش واالســتبعاد طــوال العقــود‬ ‫املاضيــة!! شــكرا ً لرتكيــا‪ ...‬التــي لــن ينــى شــعبنا الســوري‬ ‫معاملتهــا لــه أبــدا ً‪ ،‬وســيبقى هــذا التعامــل النبيــل حافـزا ً لنــا‪،‬‬ ‫لجعــل العالقــات الســورية الرتكيــة‪ ،‬يف املســتقبل تنمــو عــى‬ ‫أكمــل وجــه يليــق بشــعبينا‪ ،‬وبرتاثنــا‪ ،‬وبتاريخنــا‪ ،‬وقبــل كل‬ ‫يشء مبســتقبل أبنائنــا!!‬

‫مجلة الحرمل‬

‫‪Suriye’deki devrim ile Türkiye ile Suriye arasındaki engelleri kaldırmış oldu. Bu‬‬ ‫‪devrim Türkiye il Suriye arasında yüz yıllardır süregelen küskünlüğü yok etmiştir.‬‬ ‫‪Suriye’deki devrim bize Türkiye ve Suriye arasındaki stratejik bölgenin ne kadar‬‬ ‫‪önemli olduğunu göstermiştir.‬‬ ‫‪Suriye devrimcilerinin rahat bir nefes alabilmesi için , Türkiye adeta ek bir ciğer‬‬ ‫‪oldu.Suriyeliler Türkiye’ye sığınmak için mülteci kampları ve güvenli yerler temin‬‬ ‫‪etmişlerdir.‬‬ ‫‪Esad’ın füzelerinden , Suriye rejiminden , tanklardan, savaş uçaklarından ve kinci‬‬ ‫‪istihbarat militanlarından kaçan Suriyeliler Türkiye’ye sığınmak zorunda kalmışlardır.‬‬ ‫‪Türkiye , Suriyeli mültecileri mezhep farkı gözetmeksizin misafir gibi ağırladı.‬‬ ‫‪Türkiye’nin toprakları Suriyelilere güven verdi.Türk halkı Suriyelilere kardeşçe ve‬‬ ‫‪insanca davrandı.‬‬ ‫‪Türkiye Esad rejiminin devrilmesi için devrimcilere manevi olarak yardımda‬‬ ‫‪bulunmuştur. Türkiye Esad rejimi düşmeden Suriye’deki kargaşanın son bulmayacağını‬‬ ‫‪ve istikrarın sağlanamayacağını savunmuştur ve hala savunmaktadır. Yeryüzünün‬‬ ‫‪doğusundan batısına , kuzeyinden güneyine kadar dağılan Suriyelilerin ülkelerine‬‬ ‫‪dönebilmeleri ve rahata kavuşabilmeleri için Esad rejiminin düşmesi gerekiyor.‬‬ ‫‪Türkiye Arapları Kültür Derneği’ne Harmal Dergisinin faaliyete geçme , ruhsat alma‬‬ ‫‪ve ayına başlama aşamasındaki katkılarından dolayı teşekkürlerimizi sunuyoruz.‬‬ ‫‪ARAPDER Suriye devrimcilerinin fikirlerinin gelişmesinde , bu fikirlerin bir araya‬‬ ‫‪toplanmasında yeni bir ufuk açmıştır.‬‬ ‫‪Ayrıca , Türkiye Arapları Kültür Derneği Başkanı olan Şükrü Kırboğa’ya bu derginin‬‬ ‫‪kurulmasına hevesli ve sıcak baktığı , Suriyelileri sevdiği ve bu dergiye yaptığı her‬‬ ‫‪türlü katkılarından dolayı teşekkür ederiz.‬‬ ‫‪Teşekkürler Türk Halkı….‬‬ ‫‪Suriyelileri kucakladığınız için !....‬‬ ‫‪Yaralarını sardığınız için ! …..‬‬ ‫‪Üzüntülerini paylaştığınız için!....‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.