Alharmal 15 11 2014 (4) - العدد الرابع من مجلة الحرمل

Page 1

‫‪1‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــاً‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫‪#‬سوريون_على_أبواب_الشتاء‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫‪AL harmal‬‬ ‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪3‬‬

‫ركا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ركا‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫الرقــة‪ ..‬تحــت نيــران النظــام والتحالــف‪ ،‬واألهــداف مختلفــة؟!‬

‫مفتتح الكالم‬

‫أوبامــا‪ :‬أبلغنــا الحكومــة الســورية بوجوب عــدم تهديد طائــرات التحالف‬

‫نبــذ العنــف هــو البدايــة‬ ‫ماجد رشيد العويد‬

‫الرقــة دخلــت التاريــخ العاملــي‬ ‫وعــى أرضهــا ســيصاغ تاريــخ‬ ‫جديــد ســيؤثر عــى ســكان‬ ‫األرض‪.‬‬

‫محمد الحاج صالح‬

‫‪6‬‬

‫الطائفيــة النشــأة‬ ‫واالســتخدام‬ ‫الطائفيــة مصطلــح يكفــي أن‬ ‫يحــر يف حلقــات النقــاش حتــى‬ ‫نــدرك أننــا لســنا بخــر‪..‬‬

‫طيــران األســد يرتكب مجزرة جديدة بحــق المدنيين بالرقة‬

‫اســتهدف طـران نظــام األســد املجــرم تقاطــع شــارع املعتــز و‪23‬‬ ‫شــباط الواقــع يف وســط مدينــة الرقــة‪ ،‬وأوقــع عــددا ً مــن الشــهداء‬ ‫عبدالواحد علواني‬ ‫والجرحــى‪ ،‬أغلبهــم مــن األطفــال والنســاء‪ ،‬وبحســب فــرق اإلســعاف‬ ‫التابعــة ملنظمــة الهــال األحمــر العاملــة بالرقــة أنــه تــم نقــل ‪29‬‬ ‫حالــة متفاوتــة الخطــورة ومــا يقــارب ‪ 10‬وفيــات إىل مشــايف املدينــة‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫وقــد وصلــت الحصيلــة النهائيــة التــي تــم توثيقهــا باألســاء‬ ‫للمجــزرة التــي ارتكبهــا طــران األســد يف املدينــة إىل ‪ 14‬شــهيدا ً‪،‬‬ ‫وأكــر مــن ‪ 50‬جريحــاً‪.‬‬ ‫وكانــت آخــر غــارات طـران النظــام املجــرم عــى مدينــة الرقــة قــد‬ ‫البعــث من الفكــر القومي وقعــت بتاريــخ ‪ 2014-9-6‬وراح ضحيتهــا أكــر مــن ‪ 65‬شــهيدا ً مــن‬ ‫إلــى الفكــر اإلســاموي املدنيــن‪ ،‬ومــع بــدء الرضبــات الجويــة لقــوات التحالــف الــدويل‬ ‫نظام األسد سهل لداعش احتالل عــى ســوريا‪ ،‬توقــف النظــام عــن قصــف محافظــة الرقــة حتــى‬

‫تاريــخ ‪ 2014-11-11‬لريتكــب مجــزرة جديــدة بحــق املدنيــن‪ ،‬وكان‬ ‫مــن نتائجهــا ارتقــاء خمســة شــهداء مــن أرسة واحــدة‪ ،‬وعــددا ً مــن‬ ‫الشــهداء والجرحــى‪ ،‬معظمهــم مــن األطفــال والنســاء‪.‬‬ ‫وفيــا طائ ـرات النظــام األســدي تشــارك التحالــف بغاراتــه الجويــة‬ ‫عــى الرقــة يف محاولــة مكشــوفة لالش ـراك مــع التحالــف يف رضب‬ ‫اإلرهــاب والحصــول عــى املباركــة األمريكيــة‪ ،‬أعلــن اوبامــا أنــه‬ ‫أبلــغ الحكومــة الســورية بوجــوب عــدم تهديــد طائـرات التحالــف‪،‬‬ ‫إال أنــه أضــاف‪ :‬مل تتــم مراجعــة شــاملة لإلس ـراتيجية األمريكيــة يف‬ ‫ســوريا‪ ،‬يف الوقــت الــذي أعلــن فيــه رئيــس هيئــة األركان املشــركة‬ ‫األمريكيــة الجــرال (مارتــن دميبــي) أن الحــرب عــى املتطرفــن‬ ‫بــدأت باتخــاذ منحــى جديــد ‪ ،‬مضيف ـاً أن هــذه الحــرب قــد متتــد‬ ‫لســنوات‪.‬‬

‫الرقة‪ ،‬ومحاولة السيطرة عىل دير‬ ‫الزور وآبار النفط‪..‬‬ ‫تحذيــرات أمميــة مــن تفاقــم أزمــة النازحيــن الســوريين خالل هذا الشــتاء‬

‫بهنان يامين‬

‫حكومــة االئتــاف «أذن من طيــن وأذن من عجين»‪!!..‬‬

‫س��وريون على أبواب الش��تاء‬

‫‪9‬‬

‫أطلــق مجموعــة مــن الناشــطني الســوريني حملــة إعالميــة عــى صفحــات التواصــل‬ ‫االجتامعــي‪ ،‬بعنــوان‪« :‬ســوريون عــى أبــواب الشــتاء»‪ ،‬وتهــدف الحملــة إىل التأكيــد‬ ‫عــى مســاعدة األرس الســورية يف الداخــل الســوري‪ ،‬واملنــايف القرسيــة‪.‬‬ ‫قراءة مكثفة في عوامل وذكــر عبــد الرحمــن الهويــدي‪ ،‬الناشــط الــذي أطلــق الحملــة عــى الصفحــة الخاصــة‬ ‫بهــا‪ ،‬أن الــدفء ســيقتله الــرد‪ ،‬وقليــل منــه ينقــذ إنســاناً‪ ،‬وهــي رصخــة أضــاع‬ ‫انكسار الحراك المدني‬ ‫ربيــع دمشــق أشــبه بالتدريب طفــل يرتجــف بــردا ً علّهــا تطــرق مســامع الحكومــة املؤقتــة‪ ،‬وتجيــب عــى تســاؤالت‬ ‫األويل ملحــاوالت اســتعادة النازحــن يف بــاد اللجــوء‪ ،‬ومــن بقــي منهــم يف الداخــل‪ ،‬وعــن كيفيــة معالجــة حكومــة‬ ‫االئتــاف‪ ،‬وخططهــا الرسيعــة يف معالجــة مســألة النازحــن مــع حلــول الشــتاء‪.‬‬ ‫الحيــاة املدنيــة‪..‬‬

‫راشد الصطوف‬

‫‪10‬‬

‫الشــعر كمعرفــة‬ ‫أخــرى‬ ‫طاملــا هــذب الشــعر ذوق‬ ‫البرشيــة وشــحذ مخيلتهــا وألهــم‬ ‫علامءهــا اللغويــن واللســانيني‬ ‫لدراســة أهــم رشط إنســاين‪.‬‬

‫سعيد السوقايلي‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫‪2‬‬

‫الحكومة المؤقة وغياب الوعي القانوني بأهمية مفهوم الدولة‬

‫وزارة العدل تضرب عرض احلائط بتكليفها توثيق الوقوعات املدنية‬

‫قــرارا ً بتكليــف وزارة العــدل مببــارشة أعــال الســجل املــدين يف‬ ‫كان شعار الثورة السورية وال زال‪ ،‬الدميقراطية وسيادة القانون‪.‬‬ ‫وكان وال زال أكــر مــا تفتقــر إليــه دوائــر االئتــاف والحكومــة الداخــل الســوري ودول الجــوار‪.‬‬ ‫املؤقتــة‪ ،‬الدميقراطيــة‪ ،‬وعــى أقــل تقديــر عــى مســتوى التمثيــل‪ ،‬ورغــم أن وزيــر العــدل يف الحكومــة املؤقتــة فايــز الظاهــر قــد أعلــن‬ ‫وســيادة القانــون‪ ،‬وعــى أبســط مســتوى تنظيــم حيــاة النــاس‪ ،‬يف ‪ 2014/5/6‬أن وزارتــه بــدأت مبــروع التوثيــق الــذي يتضمــن‬ ‫كافــة الوقوعــات املدنيــة (والدة‪ ،‬وفــاة‪ ،‬زواج‪ ،‬طــاق‪.)....‬‬ ‫وتوثيــق وقوعاتهــم املدنيــة‪ ،‬وأحوالهــم الشــخصية‪.‬‬ ‫ورغــم أن الحكومــة الســورية املؤقتــة قــد أصــدرت يف ‪ 19‬آذار ‪2014‬‬

‫‪5‬‬

‫‪11‬‬

‫الفلسطيني أحمد القدومي‬ ‫شاعر األسئلة الكبرى‬

‫عندما يتغنى اآلخرون بشجاعة ال تقاوم‬ ‫وبسالة تفل الحديد‪،‬سيشهر القدومي‬ ‫ضعفه اإلنساين‬

‫د‪ .‬موسى رحوم عباس‬

‫‪12‬‬

‫إذا مــا وضعــت الثــورة الســورية أوزاهــا فــإن إعــادة البنــاء تحتــاج أول‬ ‫مــا تحتــاج إىل بنــاء منظومــة أخالقيــة جديــدة يرتكــز ح ّدهــا األدىن عــى‬ ‫مرحلــة االســتقالل ومــا بنــاه رجالــه‪ ،‬وح ّدهــا األعــى يتطلــع إىل مســتقبل‬ ‫مــرق تســتحقه ســوريا الجديــدة‪.‬‬ ‫فحافــظ األســد مل يعمــل عــى غــر تخريــب الســوريني‪ ،‬وبنــاء الســجون‬ ‫ملــن يســتعيص عــى التخريــب‪ .‬هــدم الســجون يتطلــب بنــاء الســوريني‬ ‫مــن جديــد‪ ،‬وهــذا البنــاء يحتــاج أوالً إىل مــاط جديــد يجمــع بــن املســلم‬ ‫واملســيحي‪ ،‬بــن العــريب والكــردي‪ ،‬بــن الســني والعلــوي والــدرزي‪.‬‬ ‫مــواد هــذا املــاط غــر قابلــة للجبــل مــا مل ندفــن املرحلــة الســوداء مــن‬ ‫تاريــخ ســوريا املعــارصة‪ ،‬وأعنــي بهــا مرحلــة البعــث األســدي‪ ،‬وإذا مــا‬ ‫تســنى لنــا هــذا رشعنــا بدفــن الوجــه غــر املــرق مــن تاريخنــا البعيــد‬ ‫وصــوالً إىل نبــذ العنــف‪.‬‬ ‫ال قيامــة للســوريني بــل وللعــرب واملســلمني إن مل ينبــذوا العنــف‪ ،‬ولــن‬ ‫يكــون لهــم مــن دور مــا دامــوا عــى هــذه الشــدة يف تعاملهــم مــع بعــض‪،‬‬ ‫ومــع العــامل‪ .‬ال ينحــر وجــود العنــف يف حيــاة املســلمني عــى الجانــب‬ ‫العســكري‪ ،‬وإمنــا يتعــداه ليســتقر يف تفاصيــل حياتهــم كلهــا‪ .‬نجــد مثــل‬ ‫هــذا يف املنــزل واملدرســة‪ ،‬يف الشــارع والعمــل‪ .‬ومــن غــر ريــب فــإن هــذا‬ ‫العنــف لــه أســبابه التــي مــن أهمهــا تلــك التاريخيــة التــي متــارس دور‬ ‫الرقيــب عــى الحــارض واملســتقبل‪ ،‬وال تــرك فســحة للتفكــر والتدبــر‪.‬‬ ‫صحيــح أن اإلرهــاب ال ديــن لــه‪ ،‬وصحيــح أنــه مــا مــن أمــة إرهابيــة وأمــة‬ ‫مســاملة‪ ،‬ولكــن صحيــح أيضـاً أن التاريــخ جينــة متغلغلــة يف الــدم ومنحلــة‬ ‫فيه ‪.‬‬ ‫يف تاريخنــا ضيــاء ال حــدود لــه‪ ،‬وفيــه ظــام ككل تاريــخ‪ ،‬ومــا يثــر الريــب‬ ‫هــو اإلرصار عــى إحيــاء املظلــم منــه‪.‬‬ ‫ر املســلمون عــى العيــش يف الدائــرة املغلقــة‪،‬‬ ‫ملــاذا‪ ،‬عــى ســبيل املثــال‪ ،‬يـ ّ‬ ‫دائــرة النواصــب والروافــض؟ لِـ َم يتملّــك الشــيعة وه ـ ُم امتالكهــم الديــن‬ ‫ووراثتــه‪ ،‬وكأن الديــن كان يومـاً ملــكاً للخليفــة الراشــد عــي وألبنائــه مــن‬ ‫بعــده؟ هــذا االعتقــاد الثابــت املكــن مبلكيتهــم للديــن والتاريــخ ســيجعلهم‬ ‫يف عزلتهــم الدامئــة‪ ،‬وجنازيرهــم تدمــي ظهورهــم‪ ،‬وباملقابــل يعيــش الســنة‬ ‫وهـاً بالــغ الخطــورة باســتمرارهم بإقصــاء الشــيعة‪ ،‬وعــدم االعـراف بهــم‪.‬‬ ‫لكــن أيضـاً يصــح القــول إن مــن أســباب اللجــوء إىل العنــف هــو الضعــف‬ ‫غــر املحســوس يف كيــان العنيــف‪ .‬ليــس مــن ضعيــف اليــوم مثل املســلمني‪،‬‬ ‫ولهــذا فــإن العنــف تعويــض عــن هــذا الضعــف وإن كان ســلبياً غــر مجــد‪.‬‬ ‫الهنــد كانــت ضعيفــة عندمــا قادهــا غانــدي باتجــاه اســتقاللها‪ ،‬ومل يتمكــن‬ ‫مــن اإلبقــاء عليهــا موحــدة لعوامــل تاريخيــة ودينيــة واســتعامرية قامــت‬ ‫عــى الضعــف املتأصــل فيهــا‪.‬‬ ‫ومــن أســباب هــذا الضعــف الولــه املريــض باملــايض‪ .‬ال يُتخــذ مــن املــايض‬ ‫قاعــدة انطــاق باتجــاه املســتقبل‪ ،‬وعــى العكــس مــن هــذا نجــد العــرب‬ ‫واملســلمني يربطــون حوارضهــم ويســوقونها باتجــاه املــايض‪.‬‬ ‫أيضــاً‪ ،‬ال يختلــف العنــف اللفظــي عــن العنــف الجســدي‪ ،‬األول يقتــل‬ ‫الــروح‪ ،‬والثــاين يقتــل الجســد‪ .‬االثنــان قاتــان باســم الديــن أو غــره‪.‬‬ ‫لتبــق الثــورة الســورية بعيــدة عــن الوجــه األســود مــن التاريــخ‪ ،‬فبعــض‬ ‫علتهــا اليــوم محاولــة ربطهــا بــه‪.‬‬

‫مطر خريفي على شجر‬ ‫الحديقة‬

‫ما من وردة تهذي عىل الشباك‬ ‫ال مطرا ً خريفي عىل شجر املدينة‬

‫إبراهيم الجرادي‬

‫حــوار مــع رئيــس مجلــس إدارة البــات فــورم‬

‫الســوريون ضيوف وليســوا الجئين‪!..‬‬ ‫يشــكل اتحــاد الجمعيــات الخرييــة يف أورفــا «بــات فــورم» أحــد أهــم‬ ‫التجمعــات األهليــة واملدنيــة الفاعلــة يف مســاعدة الالجئــن الســوريني يف مدينــة‬ ‫شــانيل أورفــا وضواحيهــا‪...‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫‪2‬‬

‫حوار مع رئيس مجلس إدارة البالت فورم‬

‫الســوريون ضيــوف وليســوا الجئيــن‪!..‬‬ ‫(اتحــاد جمعيــات اورفــا) تجربــة رائــدة‪ ..‬ورســالة إنســانية‪!..‬‬

‫يشــكل اتحــاد الجمعيــات الخرييــة يف أورفــا «بــات‬ ‫فــورم» أحــد أهــم التجمعــات األهليــة واملدنيــة الفاعلــة‬ ‫يف مســاعدة الالجئــن الســوريني يف مدينــة شــانيل أورفــا‬ ‫وضواحيهــا‪ ،‬وتســتمد قوتهــا مــن حــب أهلهــا لعمــل الخــر‬ ‫وتعاظــم ثقافــة الــر واإلحســان لديهــم‪ ،‬ومــن الخــرة التــي‬ ‫تراكمــت لديهــم عــر ســنوات طويلــة مــن العمــل الخــري‬ ‫واإلنســاين الــذي اســتهدف العديــد مــن الــدول العربيــة‬ ‫واإلســامية التــي تعرضــت للكــوارث والحــروب‪.‬‬ ‫مــا هــي البــات فــورم‪ ،‬ومــن أيــن تســتمد قوتهــا‪ ،‬ومــا‬ ‫هــي مصــادر متويلهــا‪ ،‬ونطــاق عملهــا‪ ،‬وهــل اســتطاعت‬ ‫اســتهداف الالجئــن الســوريني يف أورفــا؟ وهــل وصلــت‬ ‫إعاناتهــا إىل الداخــل الســوري؟ تســاؤالت عــدة تركــز عــى‬ ‫عمــل اتحــاد الجمعيــات الخرييــة «بــات فــورم» طرحناهــا‬ ‫يف هــذا الحــوار عــى الســيد عثــان غ ـرام رئيــس مجلــس‬ ‫إدارة االتحــاد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫* بدايــة لــو تحدثنــا قليــا عــن اتحــاد الجمعيــات‬ ‫الخيريــة الـ»بــات فــورم»‪ ،‬مراحــل نشــوئها وتطورهــا‬ ‫ونطــاق عملهــا ومصــادر تمويلهــا؟‬ ‫** اندلعــت الثــورة الســورية يف مــارس مــن العــام ‪2011‬‬ ‫ونجــم عنهــا نــزوح عــدد كبــر مــن اإلخــوة الســوريني‬ ‫إىل تركيــا‪ ،‬مــا اســتدعى اجتامعــاً طارئــاً لدراســة اآلليــة‬ ‫املناســبة الســتهداف ضيوفنــا الســوريني يف تركيــا‪ ،‬وســكان‬ ‫املناطــق املحــررة الخاضعــة لقــوى الثــورة واملعارضــة‪،‬‬ ‫وبالتــوازي أوفــدت بلديــة أورفــا الكــرى موفديــن للعمــل‬ ‫مــع الجمعيــات األهليــة الخرييــة يف اإلطــار ذاتــه ملســاعدة‬ ‫إخواننــا الســوريني‪ ،‬فشــكلنا عــى الفــور مجموعــة «بــات‬ ‫فــورم» التــي تضــم ‪ /60/‬جمعيــة أهليــة‪ ،‬واســتطعنا جمــع‬ ‫التربعــات والهبــات مــن فعاليــات املجتمــع املــدين املختلفــة‬ ‫مــن عمــوم الواليــات الرتكيــة الكــرى‪ ،‬وقمنــا بإرســال ‪/173/‬‬ ‫قاطــرة‪ ،‬وزن حمولــة الواحــدة نحــو ‪ /30/‬طن ـاً‪ ،‬وأرســلناها‬ ‫إىل الداخــل الســوري لنحــو ‪ /16/‬منطقــة يف محافظــات‬ ‫حلــب والرقــة وديــر الــزور والحســكة‪ ،‬كذلــك قدمنــا‬ ‫املســاعدات األساســية لألخــوة الســوريني الذيــن اســتقروا‬ ‫يف مدينــة شــانيل أورفــا وضواحيهــا‪ ،‬وقدمنــا لهــم حــوايل‬ ‫‪ /171/‬قاطــرة‪ ,‬وتتضمــن املــواد األساســية التــي يحتاجهــا‬

‫اإلنســان مــن غــذاء وكســاء‪ ،‬إضافــة لحرامــات الصــوف‬ ‫واألرسة والكـرايس املتحركــة واألدويــة واملســتلزمات الطبيــة‪.‬‬ ‫نقــوم بزيــارة الواليــات الرتكيــة ونعمــل عــى جمــع‬ ‫التربعــات والهبــات واإلعانــات مــن خــال التواصــل مــع‬ ‫فعاليــات املجتمــع املــدين التــي توفــر لنــا اإلعانــات الالزمــة‬ ‫لنقــوم بعدهــا بتوزيعهــا عــى األرس الســورية‪ ،‬يســاعدنا‬ ‫بهــذه األعــال الســيد وايل أورفــا‪ ،‬ورئيــس بلديــة أورفــا‬ ‫الكــرى‪ ،‬وعــدد كبــر مــن أهــايل أورفــا الذيــن يهتمــون‬ ‫باألعــال الخرييــة‪ ،‬وجمــع التربعــات مــن املقتدريــن‬ ‫ومحبــي اإلحســان ملســاعدة إخوانهــم الســوريني‪ ،‬ونضــع‬ ‫هــذه املــواد يف منطقتــن بأورفــا وذلــك لســهولة التواصــل‬ ‫مــع إخواننــا الســوريني‪.‬‬ ‫ننطلــق بعملنــا باســتهداف إخواننــا الســوريني مــن إمياننــا‬ ‫أنكــم املهاجــرون ونحــن األنصــار‪ ،‬ومــا يســهل حصولنــا‬ ‫عــى التربعــات واإلعانــات انطالقنــا مــن مفهــوم اإلخــوة‬ ‫اإلســامية‪ ،‬ويعمــل يف اتحادنــا ‪ /35/‬متطوعــاً يف مجــال‬ ‫العمــل اإلغــايث‪ ،‬ومنتلــك‪ /11/‬آليــة لنقــل اإلعانــات وإيصالهــا‬ ‫للمحتاجــن‪.‬‬ ‫* مــا هــي أبــرز األعمــال التــي قمتــم بهــا فــي إطــار‬ ‫إغاثــة اإلخــوة الســوريين‪ ،‬ومــا هــي اســتعداداتكم‬ ‫لفصــل الشــتاء؟‬ ‫** مل يتوقــف العمــل اإلغــايث مــن بدايــة قيــام الثــورة‬ ‫الســورية يف مدينــة أورفــا وضواحيهــا‪ ،‬حيــث تــم اســتهداف‬ ‫أغلــب األرس الســورية مــن خــال تأمــن الغــذاء واللبــاس‬ ‫ووســائل التعليــم والصحــة‪ ،‬إضافــة الفتتــاح مخبــز يوفــر‬ ‫نحــو ‪ /7000/‬رغيــف تــوزع يوميــاً‪ .‬أيضــاً قمنــا بافتتــاح‬ ‫مدرســة لتعليــم األطفــال الســوريني يف العــام ‪ /2013/‬تضــم‬ ‫نحــو ‪ /800/‬تلميــذ مــن املرحلــة االبتدائيــة‪ ،‬وافتتحنــا يف‬ ‫هــذا العــام مدرســتني‪ ،‬ونأمــل أن نفتتــح مدرســة رابعــة يف‬ ‫هــذا العــام‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة ملوســم الشــتاء فقــد افتتحنــا مخزن ـاً لتوزيــع‬ ‫اللبــاس الشــتوي‪ ،‬حيــث نقــوم بتوزيــع اللبــاس لنحــو‬ ‫‪ /300/‬شــخص يوميــاً‪ ،‬حســب القيــاس واللــون والنــوع‪.‬‬ ‫وفيــا يخــص توزيــع مــادة الفحــم‪ ،‬فنحــن ال نختــص‬ ‫بهــذا الجانــب‪ ،‬بــل تختــص البلديــة والواليــة بتوزيــع هــذه‬

‫تجمعنــا معهــم‪ ،‬ودعــم الحكومــة الرتكيــة يســر باتجــاه‬ ‫آخــر ال عالقــة لنــا بــه‪ ،‬نحــن نتوجــه بعملنــا للمجتمــع‬ ‫األهــي املحــي يف عمــوم تركيــا ومنظــات املجتمــع املــدين‬ ‫األوربيــة‪ ،‬وتواصلنــا ينحــر مــع الجمعيــات األهليــة‪،‬‬ ‫واألفـراد الفاعلــن بأعــال الخــر واإلحســان‪ ،‬وال عالقــة لــه‬ ‫بعمــل الحكومــة‪.‬‬ ‫* هــل هنــاك تشــبيك بيــن اتحادكــم والمنظمــات‬ ‫اإلغاثيــة مــن حيــث الدعــم وتبــادل المعلومــات‬ ‫والبيانــات؟‬ ‫** هنــاك تنســيق وتعــاون بــن اتحادنــا ومنظمــة «أفــاد»‬ ‫ومنظمــة الهــال األحمــر الــريك يف مجــال تبــادل املعلومــات‬ ‫وتقديــم البيانــات‪ ،‬للوصــول األمثــل والعــادل لــأرس‬ ‫الســورية‪ ،‬وهنــاك أعــال إغاثيــة مشــركة بيننــا وتنســيق‬ ‫دائــم‪ .‬أمــا فيــا يخــص تواصلنــا مــع املنظــات الدوليــة‪،‬‬ ‫فهــم يأتــون إىل تركيــا ويلتقــون بنــا‪ ،‬وال يقدمــون أي يشء يف‬ ‫إطــار التعــاون املشــرك‪.‬‬

‫املــادة‪ ،‬وتلعــب الـ»بــات فــورم» دور الوســيط لترسيــع‬ ‫توزيعــه عــى اإلخــوة الســوريني‪ ،‬أمــا مدافــئ الحطــب‬ ‫واملدافــئ الكهربائيــة فقــد قمنــا بتوزيــع عــدد كبــر منهــا‬ ‫يف الســنة املاضيــة‪ ،‬ويف هــذه الســنة ال يوجــد يف خططنــا‬ ‫توزيــع للمدافــئ‪ ،‬إال يف حــال توفرهــا وحصولنــا عليهــا مــن‬ ‫الداعمــن يف اســتانبول‪.‬‬ ‫* هــل لديكــم بيانــات بعــدد الالجئيــن فــي أورفــا‬ ‫واحتياجاتهــم‪ ،‬وهــل اســتطعتم اســتهداف جميــع‬ ‫األســر الســورية التــي تســتضيفونها؟‬ ‫** لدينــا بيانــات كاملــة عــن أعــداد الســوريني يف أورفــا‬ ‫وأماكــن توزعهــم‪ ،‬ويف كل حــي لدينــا منــدوب‪ ،‬يراجعــه‬ ‫الضيــوف الســوريني‪ ،‬وتــم اســتهداف نحــو ‪ /9000/‬أرسة‪،‬‬ ‫وارتفــع العــدد إىل الضعــف بعــد تفاقم مشــكلة عــن العرب‬ ‫«كوبــاين»‪ ،‬ونــزوح أهلهــا منهــا باتجــاه تركيــا‪ ،‬ومعــدل‬ ‫األرسة الواحــدة ‪/‬تســعة أشــخاص‪ ،‬ويصــل عــدد الضيــوف‬ ‫الســوريني املســجلني يف أورفــا إىل نحــو ‪ /450/‬ألــف‪ ،‬فيــا‬ ‫يصــل عددهــم يف املخيــات إىل نحــو ‪ /85/‬ألــف يتوزعــون‬ ‫يف مخيــات أقجــة قلعــة وح ـران وجيــان بينــار ووي ـران * هــل تتواصلــون مــع الحكومــة الســورية المؤقتــة‪،‬‬ ‫شــهر‪ ،‬بينــا بُنــي مخيــم مؤقــت يف مدينــة رسوج الســتقبال أو االئتــاف الوطنــي‪ ،‬ومــاذا يقدمــون لكــم؟‬ ‫أهــايل عــن العــرب‪ ،‬والذيــن يســكنون يف املخيــات تقــوم ** انحــرت عالقتنــا بدايــة مــع املجلــس املحــي يف‬

‫الحكومــة الرتكيــة بإيوائهــم وتأمــن مســتلزماتهم كافــة مــن‬ ‫حيــث الغــذاء والكســاء والتعليــم والصحــة‪ ،‬ويقــوم اتحــاد‬ ‫الجمعيــات بتقديــم األقمشــة واأللبســة لســكان املخيــات‪.‬‬ ‫* هــل هنــاك تنســيق بينكــم وبيــن الحكومــة‬ ‫التركيــة‪ ،‬إن كان مــن جهــة تأميــن البيانــات‪،‬‬ ‫وتســهيل عمليــات اســتهداف الالجئيــن أو تقديــم‬ ‫المســاعدات لجمعياتكــم؟‬ ‫** الســيد وايل أورفــا ورئيــس البلديــة يقدمــان الدعــم‬ ‫اللوجســتي والتســهيالت ضمــن العالقــات الشــخصية التــي‬

‫مدينــة تــل أبيــض فقــط‪ ،‬وبالتعــاون معهــم اســتطعنا‬ ‫تأمــن مســتلزمات املحتاجــن مــن كســاء ودواء وغــذاء‪،‬‬ ‫وحرضنــا عــددا ً مــن االجتامعــات مــع االئتــاف‪ ،‬ومل نســمع‬ ‫إالّ األقــوال‪ ،‬ونحــن ننظــر بجديــة إىل كميــة املســاعدات‬ ‫املتوفــرة يف مخازننــا‪ ،‬وال تهمنــا األقاويــل‪ ،‬فنحــن مجتمــع‬ ‫مــدين مــن صفاتــه ربــط األقــوال باألفعــال‪.‬‬ ‫أنــا شــخصياً أعمــل يف مجــال العمــل الخــري منــذ ثالثــن‬ ‫ســنة‪ ،‬وفريــق العمــل الــذي أعمــل معــه جــدي ويهتــم‬ ‫مبســاعدة اآلخريــن يف مجــال األعــال اإلنســانية‪ ،‬حيــث‬ ‫اســتطعنا مســاعدة إخواننــا يف بلــدان أفغانســتان وفلســطني‬ ‫والصومــال والشيشــان والعــراق والبوســنة وســوريا‪.‬‬ ‫* كلمة أخيرة؟‬ ‫** كنــا ســابقاً نقــدم املســاعدات اإلنســانية إلخواننــا يف‬ ‫الشيشــان ويف كلمــة لنائــب الرئيــس جوهــر ديداييــف التــي‬ ‫قالهــا خــال زيارتــه ألورفــا‪« :‬ال تفتخــروا كثـرا ً باملســاعدات‬ ‫واإلعانــات التــي تقدمونهــا إلخوتكــم‪ ،‬يك ال يذهــب األجــر‬ ‫والثــواب»‪.‬‬ ‫نحــن والشــعب الســوري إخــوة وننطلــق مــن هــذه الرؤيــة‪،‬‬ ‫وعليــه فإننــا ننظــر إىل الســوريني كمهاجريــن‪ ،‬ونحــن‬ ‫األنصــار‪ ،‬ونأمــل مــن اللــه أن يكــون بعوننــا نحــن األنصــار‬ ‫ملســاعدة إخواننــا مــن املهاجريــن وتقديــم العــون الــازم‬ ‫لهــم‪ ،‬ونتمنــى أن ينعمــوا بالســام النهــايئ يف بلدهــم قريبـاً‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫‪3‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫رگــا‪ ...‬رگــا‬ ‫محمد الحاج صالح‬ ‫منــذ أن لجــأتُ إىل الرنويــج يف ‪ 2004‬أســكن وعائلتــي‬ ‫مدينــة صغــرة تقــع بــن العاصمــة أوســلو وأكــر مدينــة يف‬ ‫الجنــوب‪ .‬يلقبــون مدينتنــا هنــا بعــروس الرنويــج الصيفيــة‪.‬‬ ‫مــا عــدا هــذا املديــح ال تحــوز املدينــة عــى أي ميــزة‪ .‬حتــى‬ ‫يف نــرة األحــوال الجويــة قلّــا تذكــر مدينتنــا مثلهــا مثــل‬ ‫ال ّرقــة يف نــرة األحــوال الجويــة يف تلفزيــون النظــام أيــام‬ ‫زمــان‪.‬‬ ‫كان األمــر محنقــاً للرقاويــن أن ال يذكــر اســم مدينتهــم‬ ‫إال ملامــاً يف إعــام النظــام عــدا أيــام املســرات‪ .‬واألكــر‬ ‫إثــارة للغيــظ لنــا أننــا أتينــا إىل هــذه املدينــة حيــث ال‬ ‫إخواننــا العــرب املهاجريــن‪ ،‬وال الرنويجيــن بالطبــع كانــوا‬ ‫قــد ســمعوا بالرقــة‪ .‬أمــ ٌر محنــق‪ .‬حتــى القــرى اللبنانيــة‬ ‫والفلســطينية والجزائريــة والعراقيــة يتكلــم أبناؤهــا بفخــر‬ ‫عنهــا كــا لــو أنهــم أتــوا مــن قلــب الحضــارة‪ .‬أ ّمــا نحــن‬ ‫ـن الحزينــة بســوق املدينــة»‪ .‬الرقــة؟ يســألونا‬ ‫فـ»يا َم ـ ْن عـ ّ ْ‬ ‫أهــي قريــة كبــرة؟!‬ ‫ـب جــام غضبنــا عــى مدينتنــا‬ ‫مــن شــدة غيظنــا رحنــا نصـ ّ‬ ‫الرنويجيــة ونشــ ّبه عــدم ذكرهــا يف اإلعــام والنــرات‬ ‫اإلخباريــة مبدينتنــا األم الرقــة‪ .‬الشــوارع أســميناها عــى‬ ‫شــوارع الرقــة‪ .‬الكنيســة املركزيــة ســميناها الجامــع القديــم‪.‬‬ ‫املــدارس صــارت تحــت اســم البحــري والرشــيد وابــن‬

‫خلــدون‪ ،‬وجامعــة املدينــة صــار اســمها جامعــة االتحــاد‪.‬‬ ‫كأننــا كنــا ننتقــم مــن تواضــع مدينتنــا األم باإلمعــان يف‬ ‫الحــ ّط مــن قيمــة مدينتنــا الرنويجيــة‪ .‬مــع أن يف مدينتنــا‬ ‫الرنويجيــة مكاتــب لألمــم املتحــدة‪ ،‬وفيهــا أكــر رشكــة تأمــن‬ ‫بحــري يف العــامل‪ ،‬وفيهــا جامعــة‪ ،‬وفيهــا الجــال الغريــب‬ ‫العجيــب طبيعــة وبــرا ً وعــى وجــه الخصــوص غاباتهــا‬ ‫ونســاؤها‪ .‬ولك ـ ْن عــن الغيــظ رمــدا!‬ ‫قبــل الثــورة ليــس غريبـاً أن يسـ َ‬ ‫ـألك ابــن الشــام هــل الرقــة‬ ‫قبــل أم ديــر الــزور؟‬ ‫وليــس قليـاً أن ُســئلنا هنــا مــن عــرب أح ّقـاً أنتــم ســوريون؟‬ ‫ســئلت هــذا الســؤال‪،‬‬ ‫لهجتكــم تقــول إنكــم عراقيــون!‬ ‫ُ‬ ‫فكتبــت يومهــا يف صفحتــي «آخْ‪ ...‬لــو أن الحجــاج يبعــث‬ ‫مــن جديــد وميــر أوالً بالرمــادي ثــم إىل النجــف والكوفــة‬ ‫ويســتويص لنــا ويكـ ّـر»‪.‬‬ ‫يف ســنوات املحــل هاجــر الرقاويــون الفقـراء أبنــاء العشــائر‬ ‫العربيــة التــي يشــكل الفخــر أحــد ســجاياها أو أمراضهــا‬ ‫إىل الداخــل ولبنــان‪ ،‬فأطلــق ســوريون كثــرون ولبنانيــون‬ ‫أكــر عــى الرقاويــن اســم الغجــر‪ .‬وأسســت صفحــات يف‬ ‫وســائط االتصــال االجتامعــي ملكافحــة الشــوايا‪ .‬واكتســب‬ ‫اســم الشــوايا املزيــد واملزيــد مــن الحمولــة الســلبية‪ .‬وكلّــه‬ ‫مرتبــ ٌط بالرقــة عاصمــة الشــوايا ســابقاً‪ ،‬عاصمــة دولــة‬ ‫الشــوايا اإلســامية حاليـاً‪ ،‬والتــي تتســبب اآلن بحــرب عامليــة‬

‫الرقة ‪ -‬حديقة الرشيد‬ ‫عاليــة التقنيــة عــى التنظيــم‪.‬‬ ‫رن هاتفــي العــام الفائــت يف اليــوم الــذي يُحتفــل فيــه‬ ‫بتوزيــع جائــزة «نوبــل» للســام يف العاصمــة أوســلو‪،‬‬ ‫صديــق نرويجــي أنــه رمبــا رمبــا مــن يغنــي‬ ‫وأعلمنــي‬ ‫ٌ‬ ‫اآلن يف حفــل نوبــل للســام مــن بلــدك‪ .‬وكان فعــاً مــا‬ ‫صــدم عينــي‪« .‬عمــر ســليامن» بلباســه الشــاوي يغنــي‪،‬‬ ‫والصالــة مبجموعهــا تصفــق مــع اإليقــاع وتتاميــل‪ .‬ومــا إن‬ ‫انتهــى حتــى وقــف امللـ ُـك وكبــار املدعويــن احرتامـاً وهــم‬ ‫يصفقــون‪ .‬يــا للمفاجــأة! ال أظــن أن التصفيــق والتــذوق‬ ‫للموســيقى الشــعبية الخليــط مــن املوســيقى العربيــة‬ ‫والرتكيــة والكرديــة كان بســبب أنهــا عظيم ـةٌ‪ ،‬وإمنــا ألنهــا‬ ‫القلــب وال تســتأذن العقــل‪.‬‬ ‫موســيقى شــعوب تدخــل‬ ‫َ‬ ‫ـت مدينتنــا الرنويجيــة هادئــة ومــا ت ـزال‪ ،‬ولكننــا رحنــا‬ ‫ظلـ ْ‬ ‫ننظــر إليهــا بعيــون مختلفــة‪ .‬قبــل شــهرين وفجــأة ارتشــق‬ ‫عــى شاشــة تلفزيوننــا هنــا اســم وشــعار وصــورة‪ ،‬صورتــان‪،‬‬ ‫ثــاث‪ :‬الرقــة تذبــح بصمــت‪ .‬رحــت أتعمــد رؤية الـــ ‪CNN‬‬

‫والـــ‪ BBC‬وغريهــا وأرقــب رغــم األىس مــرورا ً برؤيــة بقعة‬ ‫الــدم واســم الرقــة‪ .‬وقبــل هــذه املفاجــأة األخــرة بأشــهر‬ ‫عديــدة كان اســم الرقــة قــد أصبــح علـاً يف وســائل االعــام‬ ‫الرنويجيــة واألوربيــة‪.‬‬ ‫كان تحريــر الرقــة مفاجئ ـاً وغريب ـاً‪ .‬ورغــم أننــي مل أدبــك‬ ‫بحيــايت دبكــت‪ .‬ومــن يومهــا رشع اســم الرقــة ينمــو وينمو‪.‬‬ ‫إخواننــا العــرب واملســلمون صــاروا يبــدون عالئــم التعاطف‬ ‫ويــرزون أنهــم أصبحــوا يعرفــون عــن الرقــة الكثــر‪ ،‬وحتــى‬ ‫ميكنهــم أن يكذبــوا وي ّدعــوا أنهــم يســاعدون أهــل الرقــة‪.‬‬ ‫والرنويجيــون راحــوا يســتعرضون معرفتهــم أننــي مــن تلــك‬ ‫البــاد‪ُ « :‬موهامـ ْد‪ :‬ركّا ركّا!»‬ ‫أيـاً يكــن‪ .‬الرقـ ُة دخلــت التاريــخ العاملــي‪ .‬قــد يكــون البــاب‬ ‫الــذي دخلــت منــه سـيّئاً‪ ،‬وقــد يكــون هــذا الدخــول ســبباً‬ ‫يف مســارات عظيمــة يف التاريــخ ســلباً أو إيجابــاً‪ .‬لكنهــا‬ ‫دخلــت التاريــخ‪ ،‬وعــى أرضهــا ســيصاغ تاريــ ٌخ جديــد‬ ‫ســيؤث ّر عــى ســكان األرض جميع ـاً‪.‬‬

‫سوريون على أبواب الشتاء‬ ‫الرقة‪ ..‬بين نار األسعار وبرد الشتاء‪..‬‬

‫كثــرة هــي آالم الســوريني بــن قصــف وتدمــر‪ ،‬وتــرد‬ ‫وتهجــر‪ ،‬وبــن صمــود تحــت ظــل ظــروف متتهــن اإلنســانية‬ ‫والكرامــة‪ ،‬ويف شــتاء قــارس بــدأ يقــرع أجراســه مبكــرا ً‪،‬‬ ‫نتســاءل مــا هــي الصــورة الحقيقــة للحيــاة املعيشــية‬ ‫يف محافظــة الرقــة‪ ،‬ومــا يعانيــه أهلنــا هنــاك‪ ،‬ومــا هــي‬ ‫اســتعداداتهم للشــتاء‪ ،‬وكيــف يســتقبلونه؟ وهــل وجــدوا‬ ‫الحلــول املالمئــة ملعاناتهــم املســتمرة؟‬ ‫يف اســتطالعنا هــذا مــن داخــل مدينــة الرقــة تلمســنا بعــض‬ ‫أوجاعهــا‪ ،‬ومعاناتهــا عــى لســان أبنائهــا‪..‬‬ ‫يقــول املواطــن ا‪.‬ش‪ :‬إن ارتفــاع أســعار املحروقــات إىل‬ ‫أعــى املســتويات منــذ تحريــر الرقــة‪ ،‬يعــود إىل رضبــات‬ ‫قــوات التحالــف آلبــار النفــط والغــاز ومحطــات التصفيــة يف‬ ‫بدايــة فصــل الشــتاء‪ ،‬فقــد وصــل ســعر برميــل املــازوت إىل‬ ‫‪ 20000‬ألــف لــرة ســورية‪ ،‬ويتفــاوت هــذا الســعر حســب‬ ‫النوعيــة‪ ،‬حيــث يبــاع الربميــل املصنــع مــن املــادة األســوأ‬ ‫مببلــغ يــراوح بــن (‪ )15000-10000‬لــرة‪ ،‬ووصــل ســعر‬ ‫تعبئــة أســطوانة الغــاز املنــزيل إىل ‪ 7200‬لــرة‪ ،‬ويف ظــل‬ ‫غيــاب الرقابــة التموينيــة‪ ،‬وتحريــر أســعار الســلع ارتفعــت‬ ‫أســعار املــواد التموينيــة إىل حـ ٍـد ال يطــاق‪ ،‬بالتــوازي مــع‬ ‫تنامــي قــدرات تجــار األزمــات‪ ،‬الذيــن اســتثمروا طاقاتهــم‬ ‫وجشــعهم الســتغالل املواطنــن‪.‬‬ ‫أمــا الكهربــاء فهــي ال تــأيت مطلق ـاً يف بعــض املناطــق‪ ،‬أمــا‬ ‫يف مدينــة الرقــة فهــي متوفــرة ملــدة أربــع ســاعات خــال‬ ‫اليــوم‪ ،‬وبالنســبة مليــاه الــرب فهــي غــر صحيــة نهائي ـاً‪،‬‬

‫وذلــك لقلــة أعــال الصيانــة يف محطــة التصفيــة‪ ،‬وعــدم‬ ‫توفــر املــواد التــي تدخــل يف تنقيــة امليــاه كالكلــور‪ ،‬ويظهــر‬ ‫جلي ـاً وجــود الرتســبات الطينيــة‪.‬‬ ‫ويضيــف‪ ،‬قائـاً‪ :‬يقــدم مطبــخ الرقــة اإلغــايث الطعــام لنحــو‬ ‫(‪ )900‬أرسة‪ ،‬وهــذا ال يكفــي األرس الفقــرة‪ ،‬والتــي تزايــد‬ ‫عددهــا يف ظــل تراجــع القــدرة الرشائيــة‪ ،‬وانعــدام فــرص‬ ‫العمــل‪ ،‬وتراجــع إنتــاج قطــاع الزراعــة الــذي يعتــر املصــدر‬ ‫األســايس للــرزق لعمــوم ســكان املحافظــة‪.‬‬ ‫وهنــاك القليــل مــن املدنيــن يحصلــون عــى فــرص العمــل‪،‬‬ ‫أمــا الباقــي فقــد اتجهــوا للســفر إىل خــارج البــاد‪ ،‬وتجاوزت‬ ‫نســبة املوظفــن الذيــن ال‬ ‫يتقاضــون رواتبهــم منــذ‬ ‫أكــر مــن أربعــة أشــهر إىل‬ ‫حــدود ‪ %80‬ويعود الســبب‬ ‫إىل خوفهــم مــن االعتقــال‬ ‫مــن قبــل قــوات النظــام‬ ‫يف حــال ذهابهــم لقبــض‬ ‫رواتبهــم مــن محافظــة دير‬ ‫الــزور ســابقاً‪ ،‬وحاليــاً مــن‬ ‫مدينــة حــاة‪ ،‬أمــا بالنســبة‬ ‫ألســعار األلبســة الشــتوية فهــي غاليــة جــدا ً‪ ،‬بالتــوازي مــع‬ ‫ارتفــاع أســعار األلبســة املســتعملة‪ ،‬التــي شــهدت إقبــاالً‬ ‫واســعاً مــن رشائــح املجتمــع كافــة‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة لألعــال اإلغاثيــة فــإن منظمــة الهــال األحمــر‬ ‫وجمعيــة الــر توزعــان إغاثــة بشــكل بســيط عــى ســكان‬ ‫املدينــة‪ ،‬حيــث يتــم توزيــع أغلــب الدعــم للقــرى املحيطــة‬ ‫باملدينــة رغــم حاجــة املدينــة إىل الكثــر‪ ،‬يف ظــل إغــاق‬ ‫أغلــب الجمعيــات الخرييــة‪.‬‬ ‫وتقــول أ‪.‬ش‪ ،‬املوظفــة ســابقاً‪ :‬مل تتوفــر لدينــا اإلمكانيــة‬ ‫لالســتعداد الــكايف ملواجهــة بــرد الشــتاء‪ ،‬حيــث ال تتوفــر‬ ‫لدينــا أيــة مبالــغ ماديــة تكفــي لـراء املحروقــات أو الغــاز‪،‬‬ ‫يف ظــل توقــف الرواتــب واألعــال لــدى األغلبيــة مــن أهــايل‬

‫املحافظــة‪ ،‬ويتزامــن ذلــك مــع االنقطــاع شــبه الدائــم للتيــار‬ ‫الكهربــايئ‪ ،‬فيــا تتوفــر الكهربــاء عــن طريــق املولــدات‬ ‫الخاصــة‪ ،‬والتــي نشــأت تجارتهــا يف ظــل نــدرة الكهربــاء‪،‬‬ ‫ويتشــارك يف ريعهــا العديــد مــن عنــارص تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســامية‪ ،‬ويصــل ســعر األمبــر الواحــد إىل ‪ 350‬لــرة‬ ‫ســورية يف األســبوع‪ ،‬وكمياتهــا الشــحيحة ال تكفــي إال إلنــارة‬ ‫بعــض مصابيــح توفــر الطاقــة وشــحن الهواتــف‪.‬‬ ‫وشــهد ســوق املــواد والســلع التموينيــة ارتفاعــاً باهظــاً‬ ‫أرهــق كاهــل املواطنــن‪ ،‬حيــث وصــل ســعر كيلــو الــرز ‪250‬‬ ‫لــرة‪ ،‬والســكر ‪ 150‬لــرة‪ ،‬وربطــة الخبــز ‪ 100‬لــرة‪ ،‬والبندورة‬ ‫‪ 170‬لــرة ســورية‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة للمــدارس‬ ‫فهــي مفتوحــة والكتــب‬ ‫محجــوزة لــدى تنظيــم‬ ‫الدولــة اإلســامية‪ ،‬الــذي‬ ‫فــرض رســوماً عــى كل‬ ‫طالــب ‪ 1000‬لــرة ســورية‬ ‫مــا يشــكل ضغطــاً ماديــاً‬ ‫إضافي ـاً عــى األهــايل الذيــن‬ ‫ال ميلكــون أي مصــدر‬ ‫للعمــل أو الــرزق‪.‬‬ ‫ويقــول م‪.‬ص‪ ،‬موظــف ســابق‪ :‬إن أســعار األلبســة غاليــة‬ ‫جــدا ً فســعر الكنــزة الواحــدة مــع البنطــال تتجــاوز (‪)5500‬‬ ‫لــرة‪ ،‬بينــا الجاكيــت املتوســط الجــودة وصــل ســعره إىل‬ ‫(‪ )7000‬لــرة‪ .‬وال يوجــد عمــل ملــن ال ميتهــن مهنــة‪ ،‬وأكــر‬ ‫املترضريــن هــم املوظفــون‪ ،‬وكثــر مــن النــاس تفكــر بــرك‬ ‫املدينــة والســفر إىل تركيــا‪.‬‬ ‫أمــا املــواد الغذائيــة األساســية فهــي بارتفــاع‪ ،‬ووصــل ســعر‬ ‫كيلــو الســمن النبــايت إىل ‪ 350‬لــرة‪ ،‬والزيــت النبــايت ‪260‬‬ ‫لــرة‪ ،‬وزيــت الزيتــون ‪ 600‬وطبــق البيــض ‪ 700‬لــرة‪ ،‬وبلــغ‬ ‫ســعر طــن الحطــب ‪ 10‬آالف لــرة‪ ،‬واألخــر ‪ 7‬آالف‪،‬‬ ‫بينــا ارتفعــت أســعار املدافــئ إىل ‪ 25‬ألــف لــرة‪ ،‬ومدافــئ‬

‫عروة المهاوش‬ ‫الحطــب مــن النــوع الــيء بـــ‪ 5‬آالف لــرة‪.‬‬ ‫ويتابــع قائ ـاً‪ :‬هنــاك بعــض املهــن املزدهــرة‪ ،‬التــي أصبــح‬ ‫أصحابهــا ميلكــون الكثــر مــن املــال‪ ،‬نتيجــة تعامــل‬ ‫املهاجريــن معهــم‪ ،‬مثــل أصحــاب مقاهــي االنرتنــت‪،‬‬ ‫ومحــات بيــع وصيانــة املوبايــات‪ ،‬يليهــم مالكــو املطاعــم‬ ‫ومحــات الحلويــات‪ ،‬والفطائــر‪ ،‬وال بــد مــن اإلشــارة إىل‬ ‫النقــص الكبــر يف األدويــة وقلــة عــدد األطبــاء واملشــايف‪،‬‬ ‫وأكــر الخــوف عــى األطفــال واملســنني‪ ،‬وانتشــار أمــراض‬ ‫الشــتاء‪ ،‬يجعــل تخوفنــا حقيقــة واقعــة‪.‬‬ ‫وأخـراً يطلــق املواطــن ص‪.‬ن نــدا ًء ألبنــاء الرقــة يف الخــارج‪،‬‬ ‫يقــول‪ :‬الشــتاء بــرد وداء وهــو يشــتد وأحــوال الفقــراء‬ ‫والالجئــن مــن أهلنــا وضيوفهــم مــن يسء إىل أســوأ‪ ،‬ندعــو‬ ‫كل مــن هــو قــادر ملســاعدة أهلــه قــدر اإلمــكان‪ ،‬فمئــة‬ ‫دوالر تكفــي لــراء حطــب الشــتاء‪ ،‬أو كميــة املــازوت‪،‬‬ ‫والتــرع بأجــر أربعــة أيــام عمــل واجــب‪ ،‬وميكــن أن يســاعد‬ ‫عائلــة فقــرة‪ ،‬وطريقــة إيصــال املســاعدة ممكنــة وال‬ ‫تحتــاج إىل وســيط‪ .‬فبإمكانكــم تكليــف مــن ينــوب عنكــم‬ ‫مــن أهلكــم وهــم ســيجدون املحتاجــن يف كل مــكان‪ ،‬أو‬ ‫ســتجدون محتاجــن بــن أهلكــم وأقاربكــم أو جريانكــم‪،‬‬ ‫وتذكــروا أنكــم بهــذا املبلــغ البســيط ميكــن أن تســاعدوا‬ ‫أطفــاالً ال يجــدون أصـاً مثــن ربطــة خبــز فكيــف بهــم وهــم‬ ‫يســتقبلون بــرد الشــتاء أيض ـاً‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫‪4‬‬

‫ارفع راســك فوق أنت ســوري حر‬ ‫عندمــا تســتيقظ فجــرا ً يف ليلــة نيســانية مقمــرة عــى‬ ‫صــوت زخ الرصــاص‪ ،‬وتركــض إىل الهاتــف يك تطمــن‬ ‫عــن أهلــك فتجــد االتصــاالت كلهــا مقطوعــة وال كهربــاء‬ ‫وال مــاء‪ ،‬ثــم تركــض إىل الرشفــة لتســتطلع األمــر فتجــد‬ ‫الدبابــات املجنــزرة‪ ،‬واملحاطــة بالعســاكر بالقــرب مــن بــاب‬ ‫بيتــك‪ ،‬عندمــا تــن ذاكرتــك مــن وجــع العجــز يف ذلــك‬ ‫الفجــر حــن ارتفعــت الرصخــات مســتنجدة يف عمــق الليــل‬ ‫وســواده‪ :‬اللــه أكبـــــــــــــــــر‪ ..‬اللــه أكــر‪ .‬وال مــن مجيب‬ ‫إال خفقــان قلبــك‪ ،‬وصــوت الرصــاص‪ ،‬وهسهســات خطــى‬ ‫الجنــدي عــى األرصفــة‪..‬‬ ‫عندهــا ســتدرك بــأن بــادك قــد دخلــت يف منعــرج تاريخــي‬ ‫طويــل ال يعلــم آخــره إال اللــه وحــده‪..‬‬ ‫ولقــد أثبتــت مجريــات الثــورة الســورية منــذ انطالقتهــا‬ ‫يف ربيــع ‪ 2011‬أن ســوريا كانــت ومــا زالــت كعكعــة‬ ‫مشــتهاة يف يــد فقــر‪ ،‬فتصاعــد األحــداث أثبــت أن الثــورة‬ ‫التــي بــدأت برفــع أغصــان الزيتــون واملطالبــة مــن خــال‬ ‫مظاهرتهــا بالحريــة مل تكــن بعيــدة عــن أعــن الــدول‬ ‫املتآمــرة عليهــا‪ ،‬وأن تلــك الــدول كانــت باملرصــاد ترتقــب‬ ‫تلــك اللحظــة التاريخيــة بفــارغ صربهــا‪ ،‬لذلــك مــا إن‬ ‫بــدأت الثــورة بإثبــات ذاتهــا عــى الصعيــد العاملــي حتــى‬

‫بــدأ زرع الفخــاخ لإليقــاع بهــا‪ ،‬وإطالــة عمــر النظــام الــذي‬ ‫راه ّنــا عــى ســقوطه خــال أشــهر قليلــة مــن بدايــة خــروج‬ ‫أول مظاهــرة تطالــب بإســقاط عاطــف نجيــب مديــر‬ ‫فــرع األمــن الســيايس يف درعــا‪ ،‬وبشــاعة النظــام وعهــره‬ ‫يف معالجــة تلــك املطالبــات املحقــة‪ ،‬حيــث أرســل قواتــه‬ ‫ليـاً ظنـاً منــه بأنــه سيســتأصل الثــورة مــن جذورهــا‪ ،‬فقتــل‬ ‫مــن قتــل ودمــر مــا اســتطاعت قواتــه أن تدمــر‪ ،‬وانتهــك‬ ‫حرمــات املســاجد وطهارتهــا تــاركاً خلــف خطــاه الخ ـراب‬ ‫واملــوت والرعــب والــدم املســفوح عــى طــول الطريــق مــن‬ ‫درعــا إىل دمشــق‪.‬‬ ‫عندهــا بــدأت الهتافــات يف درعــا ترتفــع مطالبــة هــذه‬ ‫املــرة بإســقاط النظــام املجــرم‪ ،‬والتهديــد مبحاكمتــه‪ ،‬ولعلّنــا‬ ‫نذكــر بعــض تلــك الهتافــات التــي حركــت الضمــر الجمعــي‬ ‫للشــعب الســوري الــذي فاجأتــه الثــورة بعــد مــا يقــارب‬ ‫نصــف قــرن مــن االســتالب‪:‬‬ ‫من حوران هلّت البشاير لعيونك يا شعب يا ثاير‬ ‫يا بشار صربك صربك بدرعا رح نحفر قربك‬ ‫وكانــت الهتافــات تجيــش الشــارع الــذي بــدأ يتحــرك رويــدا ً‬ ‫رويــدا ً بهتافــات تشــجيعية‪:‬‬ ‫يا حيف درعا يا حيف شعبك واقف عالرصيف‬

‫ماجدوليــن الرفاعــي‬ ‫شدو الهمة يا شباب الحرية صارت عالباب‬ ‫هــذه الهتافــات وغريهــا كانــت تحــرض الخائــف والصامــت‬ ‫عــى الدخــول يف لجــة املظاهــرات املطالبــة واملنــددة‬ ‫بالنظــام الــذي أوغــل يف دم الســوريني الذيــن هبــوا لنــرة‬ ‫درعــا مدينــة مدينــة‪ ،‬حتــى امتــدت الثــورة إىل كافــة أرجــاء‬ ‫ســورية عــر مظاهـرات ســلمية تطالــب بالحريــة‪ ،‬وبإســقاط‬ ‫النظــام الــذي بــدأ حملتــه األمنيــة مــن قتــل واعتقــال‬ ‫وتضييــق‪ ،‬ومل يوقفهــا تحــت أي بنــد بــل ازدادت جرامئــه‬ ‫فظاعــة فاســتخدام الســارين‪ ،‬وقتــل املعتقلــن يف زنازينهــم‬ ‫مــن أشــد الجرائــم فظاعــة‪ ،‬وكانــت تلــك لوحدهــا كافيــة‬ ‫لجــره مــن رقبتــه إىل محكمــة العــدل الدوليــة يف الهــاي‬ ‫لــوال التدخــل الســافر إليــران وحــزب اللــه‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫تدخــل املجتمــع الــدويل الــذي كان باملرصــاد لثــورة الشــعب‬ ‫الســوري العظيمــة‪.‬‬ ‫تلــك التدخــات وغريهــا أطالــت عمــر النظــام مــن خــال‬ ‫ضخهــا لألســلحة الخفيفــة للمعارضــة‪ ،‬وضــخ املــال الســيايس‬ ‫الــذي أفســد الثــورة‪ ،‬ولــوث أهدافهــا‪ ،‬وأشــعلت نــار الفرقــة‬ ‫والخالفــات بــن صفــوف الثــوار وقادتهــم‪ ،‬وســاد التخويــن‬ ‫واالتهــام بالعاملــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬وبدعــم مــن دول‬ ‫عــدة‪ ،‬تــم تشــكيل االئتالف وســفاراته‪ ،‬ثــم الحكومــة املؤقتة‬

‫حكايــة ســورية‬ ‫أحمد جاسم الحسين‬ ‫يتصــارع السياســيون عــى‬ ‫القيــادات والــوالءات واملنافــع‪،‬‬ ‫وينفــذ املقاتلــون أجنداتهــم‪ ،‬تبعــاً‬ ‫لوالءاتهــم وعقائدهــم وســوريّاهم‪ ،‬يف‬ ‫الوقــت نفســه‪ ،‬الكثــر مــن الصحفيني‬ ‫يتابعــون أخبارهــم العاجلــة‪.‬‬ ‫هنــاك‪ ،،،،‬بعيــدا ً عــن أولئــك ســنجد‬ ‫أرسة ســورية‪ ،‬واحــدة فحســب‪،‬‬ ‫ليســت متف ـ ّرد ًة عــن ســواها‪ ،‬مثلهــا‬ ‫مثــل الكثــر مــن األُ َس الســورية‬ ‫مســتها الثــورة يف مختلــف معطيــات‬ ‫َّ‬ ‫حياتهــا‪ ،‬عيِّنــة مركَّــزة مــا حــدث يف‬ ‫ســورية‪.‬‬ ‫أي مســعى‬ ‫ليــس يف تاريــخ األرسة ّ‬ ‫نحــو الســلطة والوجاهــة ومتلــك‬ ‫املــال‪ ،‬أو العمــل الســيايس‪ ،‬أو‬ ‫الرغبــة يف القفــز نحــو األمــام‪ ،‬مثلــا‬ ‫يف تاريخهــا مــن عمــل وقناعــة‬ ‫وبســاطة‪ ....‬وجــدت األرسة نفســها‬ ‫فجــأة يف صلــب الحــدث الســوري‪،‬‬ ‫كانــت البدايــة مــن صحفــي يريــد‬ ‫خــرا ً عاجــاً‪ ،‬يقدمــه للوكالــة التــي‬ ‫يعمــل معهــا وعي ُنــه عــى املئــة‬ ‫ـي بذلــك الفــاح‬ ‫دوالر‪ ،‬اتصــل الصحفـ ُّ‬ ‫الــذي كان يجلــس يف مرشاقــة بيتــه‬ ‫مــع كأس مــن الشــاي يلف ســيكارته‪،‬‬ ‫وســأله‪ :‬مــا رأيــك باســتعادة نفطــك؟‬ ‫وأرضــك ومــا مــدى منعكســات ذلــك‬ ‫عــى وضــع العشــرة؟‬ ‫مل يســتوعب الفــاح هــذا الخطــاب‬ ‫فطلــب مــن الصحفــي أن يحدثــه‬ ‫بلغــة يفهمهــا‪ ،‬اضطــر الصحفــي‬ ‫للطلــب مــن املختــار يك يجعــل‬ ‫الحــوار أقــرب‪ ،‬ودون مقدمــات‬ ‫طويلــة تســاءل الصحفــي‪:‬‬ ‫ماهي خططك للمرحلة القادمة؟‬ ‫كان نــر الخــر يف الوكالــة مــع‬ ‫الصــور‪ ،‬وعــر اإلنرتنــت مدخــاً‬ ‫لحيــاة جديــدة فتَّحــت العيــون‬ ‫عــى هــذا الفــاح الســوري البســيط‪،‬‬

‫الــذي تعامــل مــع املوضــوع بــيء‬ ‫مــن الالمبــاالة‪ ،‬فلــم يخطــر ببالــه‬ ‫أن مثــل هــذا الــكالم أقــرب للواقــع‪،‬‬ ‫منــه إىل خيــال ال يعرفــه‪ ،‬ويومـاً بعــد‬ ‫يــوم دخــل هــذا الفــاح يف لعبــة‬ ‫التغيــرات الســورية!‬ ‫يف منتصــف الليــل اضُ طــر لقطــع‬ ‫نومــه وصنــع القهــوة لضيــوف‬ ‫مســلحني أســمعوه محــارضة حــول‬ ‫رضورة توســيع ســيطرة املعارضــة‬ ‫عــى بقعــة جغرافيــة أكــر ألن‬ ‫النظــام إن بقيــت الرقعــة صغــرة قــد‬ ‫يســتعيدها يف أيــة لحظــة‪ ،‬والبــد أن‬ ‫يشــروا أســلحة‪ ،‬واألســلحة تحتــاج إىل‬ ‫أمــوال‪.‬‬ ‫ممثلــون ألحــزاب كثــرة وكتــل‬ ‫ناشــئة زاروه يف الليــل والنهــار‪،‬‬ ‫يف الصبــاح واملســاء‪ ،‬حدثــوه عــن‬ ‫الثــورات الفاقــدة للرؤيــة‪ ،‬عــن‬ ‫األرضيــة السياســية للعمــل الثــوري‪،‬‬ ‫عــن املقاتلــن الذيــن يعملــون‬ ‫يف الجبهــات والسياســيني الذيــن‬ ‫يكمــن دورهــم يف الوعــي والتوعيــة‪،‬‬ ‫ســمع هــذا الفــاح البســيط كــاً‬ ‫مــن املصطلحــات أكــر مــا ســمع‬ ‫أجــداده الذيــن متــأ أســاؤهم‬ ‫شــجرة العائلــة يف مضافتــه البســيطة‪.‬‬ ‫مل يقتــر األمــر عــى ذلــك‪ ،‬فجــأة‬ ‫عــاد أقرباؤه مــن الخليــج واملغرتبات‪،‬‬ ‫هادريــن بصــوت واحــد‪ :‬نحــن نديــر‬ ‫نفطنــا بيدنــا‪ ،‬مل تكــن تجربــة اإلدارة‬ ‫األجنبيــة ناجحــة يف دول الخليــج‪،‬‬ ‫الــركات االســتثامرية تأخــذ معظــم‬ ‫املنتجــات‪ ،‬اســتعاد هــذا الفخــذ مــن‬ ‫العشــرة مكانتــه املغيبــة‪ ،‬كذلــك‬ ‫اســتعاد بــره مــن نظــام مل يقــدم‬ ‫لهــم غــر الدخــان املنبعــث مــن‬ ‫البــر‪ ،‬وبــدأت خطــوات تنظيــم‬ ‫آليــة إنتــاج النفــط وبنــاء منظومــة‬ ‫العشــرة عــى أســس معــارصة‪،‬‬ ‫توالهــا مثقفــو العشــرة وجمهورهــا‪،‬‬

‫البــد مــن موقــع عــى اإلنرتنــت نعدد‬ ‫فيــه األمجــاد ونذكــر فيــه عــددا ً مــن‬ ‫القصائــد التــي نظمهــا الشــعراء يف‬ ‫أفعــال القبيلــة املتميــزة عــر التاريخ‪،‬‬ ‫وكذلــك تــم إنشــاء مجموعــة عــى‬ ‫الفيــس بــوك وتغريــدات عــى تويــر‬ ‫وحســاب عــى أنســتغرام‪ ،‬واحتياط ـاً‬ ‫مــن املهكّريــن‪ ،‬وتــم تنزيــل عــدد‬ ‫كبــر مــن مقاطــع الفيديــو عــى‬ ‫اليوتيــوب تبــن محاســن العشــرة‬ ‫اس العشــرة كذلــك‬ ‫وبطوالتهــا‪ ،‬أعــر ُ‬ ‫أخــذت طابعــاً مختلفــاً‪ ،‬فعــد ُد‬ ‫الذبائــح والســيارات والطلقــات التــي‬ ‫تطلــق يف كل عــرس صــار مختلفــاً‪،‬‬ ‫كذلــك تــم إنشــاء جمعيــة خرييــة‬ ‫وجامــع كبــر‪...‬‬ ‫كثــرون اســتغربوا صمــت ذلــك‬ ‫الفــاح الطويــل‪ ،‬كان أساســاً قليــل‬ ‫الــكالم‪ ،‬كثــر العمــل‪ ،‬فجــأة وجــد‬ ‫ذلــك الفــاح أن بــر النفــط الــذي‬ ‫يقــع يف أرضــه صار لــه‪ ،‬وعليــه وحده‬ ‫إدارتــه ومتابعــة تفاصيلــه‪ ،‬وإال فــإن‬ ‫ســتنقض عليــه‪،‬‬ ‫القبائــل األخــرى‬ ‫ُّ‬ ‫تذكــر كــم زار العاصمــة ومنــدويب‬ ‫الــركات يبحــث عــن وظيفــة‬ ‫حــارس ألحــد أبنائــه‪ ،‬أراد أن يريــح‬ ‫رأســه فأعطــى بــره ألحــد املتعهديــن‬ ‫مقابــل مبلــغ مــن املــال‪..‬‬ ‫كان األمــر يف البدايــة ال يتعــدى‬ ‫إنتــاج النفــط وبيعــه يف ســيارات‪،‬‬ ‫لكــن أقاربــه قــرروا أن النفــط مــن‬ ‫حقهــم جميعــاً وأن ذلــك املتعهــد‬ ‫يســلبهم حقهــم‪ ،‬ألغــوا االتفــاق‬ ‫معــه‪ ،‬وبــدأوا بــإدارة البــر‪ ،‬وبعــد‬ ‫ذلــك تطــورت الخطــة واشــروا‬ ‫ســيارات ثــم اســتوردوا مصفــاة‪،‬‬ ‫وبعــد ذلــك فتحــوا مراكــز لبيعــه‬ ‫للجمهــور مبــارشة‪ ،‬اعتقــد كثــر‬ ‫مــن أفــراد العشــرة أن نفطهــم لــه‬ ‫ميـزات خاصــة‪ ،‬فصنعــوا لــه (مغــرة)‬ ‫خاصــة أقــرب للتســمية التجاريــة‪...‬‬

‫رغــم كل ذلــك‪ ،‬كان صاحــب البــر‬ ‫أقــل املســتفيدين‪ ،‬وأكرثهــم صمتـاً‪!...‬‬ ‫حــن بــدأت تلــك التفاصيــل تأخــذ‬ ‫مســاراتها‪ ،‬زار العشــرة وفــد مــن‬ ‫الخليفــة حدثهــم عــن أن الــروات‬ ‫الباطنيــة‪ ،‬تحــت األرض‪ ،‬ليســت ملــكاً‬ ‫لصاحــب األرض‪ ،‬فهــي مــا يتشــارك‬ ‫بــه النــاس‪ ،‬ومبــا أنــه ال ســبيل لتحديد‬ ‫ذلــك‪ ،‬فــإن مــن يتــواله هــو ويل األمر‪،‬‬ ‫وويل األمــر هــو الخليفــة الــذي يقــدم‬ ‫الخدمــات للنــاس‪ ،‬ويحميهــم‪ ،‬مل يهــن‬ ‫عــى أبنــاء العشــرة ذلــك‪ ،‬فقاومــوه‪،‬‬ ‫لكــن الخليفــة اعتربهــم عاصــن‬ ‫ألمــره وأمــر اللــه‪ ،‬فــا كان منــه إال‬ ‫أن علــق املشــانق البنــه ولعــدد مــن‬ ‫أقاربــه أمــام عينيــه‪ ،‬خــرج الفــاح‬ ‫عــن صمتــه وحافــظ عــى أرواح‬ ‫أبنائــه وبايــع األمــر‪ ،‬ووهبــه البــر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫عــادل وال يقبــل بذلــك‬ ‫لكــن األمــر‬ ‫فقــد تــرك لــه إدارة البــر مقابــل‬ ‫نســبة مــا‪ ،‬تنفيــذا ً للســنة املباركــة يف‬ ‫كــون أصحــاب األرض أوىل مبنافعهــا‬ ‫مــن غريهــم‪...‬‬ ‫مل يعــد يجــرؤ ذلــك الرجــل عــى‬ ‫الجلــوس يف القريــة بعــد أن فقــد‬ ‫عــددا ً مــن أحبتــه‪ ،‬حمــل مــا‬ ‫يســتطيع وســكن يف خيمــة قــرب‬ ‫بــره‪ ،‬فجــأة جاءتــه طائ ـرات مرعبــة‬ ‫عنــد الفجــر أطلقــت شــظاياها‪،‬‬ ‫فطــار هــو وخيمتــه مســافة كبــرة‪،‬‬ ‫بعيــدا ً عــن البــر‪!....‬‬ ‫يلــف ســيكارته‬ ‫اليــوم‪ ،‬كذلــك‬ ‫ُّ‬ ‫ليدخنهــا مــع كأس مــن الشــاي‪،‬‬ ‫ملتحفــاً بصمتــه‪ ،‬ال يعــرف مــا هــو‬ ‫الذنــب الــذي ارتكبــه حتــى يحــدث‬ ‫معــه الــذي حــدث! فيــا كان‬ ‫الصحفــي نفســه يبحــث عــن رقــم‬ ‫هاتــف ذلــك الفــاح ليســأله عــن‬ ‫رأيــه بالتحالــف الــدويل ومنعكســاته‬ ‫عــى إعــادة رســم خرائط املنطقــة‪!....‬‬

‫ووزاراتهــا‪ ،‬وراحــت تــوزع األلقــاب والرتــب‪ ،‬وراح كل مــن‬ ‫الســادة والســيدات يركــض خلــف مصالحــه الشــخصية‬ ‫ومنافعــه الخاصــة‪ ،‬فتحولــت املؤمتـرات إىل تعهــدات خاصــة‬ ‫تســعى إداراتهــا للربــح مــن خــال التمويــل‪ ،‬فأقيــم العديــد‬ ‫منهــا يف عــدة بلــدان غربيــة ورشقيــة‪ ،‬فانفصلــت الثــورة‬ ‫وانقســمت عــى نفســها‪ ،‬فثــوار الداخــل ال تربطهــم أيــة‬ ‫عالقــة بالتشــكيالت الخارجيــة‪ ،‬وغــر متأثــرة بهــا‪ ،‬وال تأخــذ‬ ‫أوامرهــا منهــا‪ ،‬واســتمر الشــعب الســوري يف معاناتــه‪ ،‬وزاد‬ ‫يأســه بعــد ارتفــاع عــدد الشــهداء‪ ،‬والدمــار الكبــر يف املبــاين‬ ‫والبيــوت‪ ،‬وارتفــاع أســعار الســلع‪ ،‬وخيبتــه الكبــرة بحكومــة‬ ‫جديــدة فرضــت شــخوصها عليــه فرضـاً‪ ،‬حكومــة تفــوح مــن‬ ‫بــن ممراتهــا رائحــة الرسقــات والخيانــات والعاملــة‪ ،‬ثــم‬ ‫جــاء التحالــف الــدويل برضباتــه‪ ،‬وقبلــه داعــش وقطعهــا‬ ‫للــرؤوس‪ ،‬فكانــت كل تلــك العوامــل أســباباً موجبــة لهروبــه‬ ‫مــن بؤســه إىل شــتات املنــايف‪ ،‬أو الغــرق دونهــا تحــت‬ ‫أطــاع تجــار البــر والحــروب‪ ،‬وراحــت الثــورة ترتاقــص‬ ‫ككــرة هالميــة‪ ،‬وراحــت آمــال الشــارع الســوري الــذي‬ ‫ضحــى بالغــايل والنفيــس ألجــل نيــل حريتــه وإســقاط نظــام‬ ‫األســد وتغيــر واقعــه‪ ،‬ولســان حالــه يقــول مبـرارة مخــدرة‪:‬‬ ‫ارفــع راســك فــوق أنــت ســوري حــر‪.‬‬

‫أطفال سورية‬ ‫والتعليــم الطائفــي‪..‬‬ ‫خزامــى الجنــدي‬ ‫مثة غطاء هالمي يغطي العقل‪ ...‬ويحجبه‬ ‫وغباشــة يف األعــن ال تــرى ســوى امللقــن واملعلــن‪ ..‬وهــذا حــال‬ ‫الكثرييــن مــن أبنــاء بلــدي الذيــن اتبعــوا أســيادهم‪ ..‬ســواء كانــوا تحــت‬ ‫الرايــات الســود املتطرفــة‪ ...‬أو تحــت رايــة املوالــن‪ ..‬فهــم يوجهــون‬ ‫دون تفكــر‪ ،‬وال يقــن بالواقــع املريــر الــذي هــم فيــه‪ ...‬والــذي أدى‬ ‫مــن خــال رصاعهــم عــى مــن يســتلم قيــادة القافلــة والقتــل والدمــار‬ ‫الــذي ال يرحــم‪ ..‬أن هنــاك ضحيــة واحــدة وتدمــي بطريقــة ممنهجــة‬ ‫مــن الطرفــن‪ ...‬وهــم األطفــال الذيــن يعانــون أقــى أنــواع عذاباتهــم‬ ‫النفســية والجســدية‪ ..‬مــن قتــل وتهجــر يف املخيــات أو يف شــوارع‬ ‫املنفــى‪ ...‬وقتــل واعتقــال‪ ..‬واألخطــر مــن ذلــك زجهــم يف قضايــا الكبــار‬ ‫كحمــل الســاح وغــر ذلــك‪ ...‬يهــدد مســتقبلهم‪ ..‬ويحرمــوا مــن أبســط‬ ‫حقوقهــم‪ ..‬وهــذا حــق إنســاين وواجــب علينــا املحاربــة مــن أجلهــم‪..‬‬ ‫وحاميتهــم مهــا كلفنــا ذلــك مــن جهــد ومثابــرة‪ ..‬حيــث توجــد ظاهــرة‬ ‫متفشــية وخطــرة جــدا ً‪ ...‬يف خضــم مــا يعانونــه مــن قســوة‪ ...‬ظهــرت‬ ‫حديثــاً وخصوصــاً يف أماكــن تهجريهــم يف املنــايف‪ ..‬حيــث أعــدت لهــم‬ ‫مــدارس لتعليمهــم‪ ...‬هــذه املــدارس بنيــت للقضــاء عــى مــا تبقــى مــن‬ ‫توازنهــم‪ ...‬أال وهــو الرتكيــز عــى تعليمهــم الدينــي (الطائفــي)‪ ...‬بــدالً‬ ‫مــن التعليــم الــذي ينمــي عقولهــم وقدراتهــم التــي ســتكون عــادا ً‬ ‫ملســتقبل البلــد‪ ...‬وهــذه املــدارس ســتحجم عقولهــم وســنكون أمــام‬ ‫منعطــف خطــر‪ ...‬يوجــه البلــد إىل مزيــد مــن التخلــف والـراع الــذي ال‬ ‫تحمــد عقبــاه‪ ...‬ونحــن أمــام مســؤولية كــرى إذا مل ندركهــا اآلن ســنكون‬ ‫رشكاء يف هــذه الجرميــة الــذي يخطــط لهــا كل األطـراف املتناحــرة والــذي‬ ‫يدفــع مــن أجلهــا أمــوال هائلــة مــن قبــل اإلخــوان خاصــة‪ ..‬فعلينــا أن‬ ‫نــدرك متامـاً هــذه املســؤولية لحاميتهــم‪ ..‬وحاميــة مســتقبلهم الــذي هــو‬ ‫مســتقبل بلــد كامــل‪ ..‬وذلــك لحاميتهــم مــن أصحــاب اللحيــة (الطائفيــة)‬ ‫املنتــرة كالطاعــون والرسطــان املزمــن‪ ..‬وأصحــاب الرتــب والنجــوم‪..‬‬ ‫وكفانــا غنمنــة وتعصيــب العيــون والنظــر ألبعــد أبعــد مــن إصبــع اليــد‪..‬‬ ‫املجد لسوريا وألطفالها‪...‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫‪5‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫من المسؤول عن مباشرة أعمال السجل المدني؟!‬

‫الحرملي‬

‫سؤال برسم احلكومة املؤقتة‪ ..‬ووزارة العدل املعطلة‬ ‫كان شعار الثورة السورية وال زال‪ ،‬الدميقراطية وسيادة القانون‪.‬‬ ‫وكان وال زال أكــر مــا تفتقــر إليــه دوائــر االئتــاف والحكومــة املؤقتــة‪،‬‬ ‫الدميقراطيــة وعــى أقــل تقديــر عــى مســتوى التمثيــل‪ ،‬وســيادة القانــون‬ ‫وعــى أبســط مســتوى تنظيــم حيــاة النــاس‪ ،‬وتوثيــق وقوعاتهــم املدنيــة‪،‬‬ ‫وأحوالهــم الشــخصية‪.‬‬ ‫ورغــم أن الحكومــة الســورية املؤقتــة قــد أصــدرت يف ‪ 19‬آذار ‪ 2014‬قـرارا ً‬ ‫بتكليــف وزارة العــدل مببــارشة أعــال الســجل املــدين يف الداخــل الســوري‬ ‫ودول الجــوار‪.‬‬ ‫ورغــم أن وزيــر العــدل يف الحكومــة املؤقتــة فايــز الظاهــر قــد أعلــن‬ ‫يف ‪ 2014/5/6‬أن وزارتــه بــدأت مبــروع التوثيــق الــذي يتضمــن كافــة‬

‫الوقوعــات املدنيــة (والدة‪ ،‬وفــاة‪ ،‬زواج‪ ،‬طــاق‪.)....‬‬ ‫إال أن املواطــن الســوري يف ســورية ودول الجــوار ال زال يعــاين نتيجــة عــدم‬ ‫التـزام الحكومــة بقراراتهــا‪ ،‬ووزارة العــدل مبــا كُلفــت بــه‪ ،‬وأعلنــت عنــه‪.‬‬ ‫وســتتحمل الحكومــة املؤقتــة واالئتــاف عقابيــل هــذا اإلهــال‪ ،‬وعــدم‬ ‫االدراك ملفهــوم دولــة القانــون‪ ،‬الــذي ســينجم عنــه مشــاكل قانونيــة‬ ‫وحياتيــة‪ ،‬تتعلــق بجهالــة النســب‪ ،‬والخالفــات عــى املواريــث‪ ،‬وصحــة‬ ‫وقوعــات الطــاق والــزواج‪ ..‬ومــا لحــق عــى وجــه الخصــوص بأطفــال‬ ‫ســورية ونســائها مــن أرضار يف دول النــزوح وأماكــن اللجــوء‪ ،‬نتيجــة عــدم‬ ‫الرعايــة واملتابعــة ملــا تعرضــوا لــه مــن اعتــداءات باســم القانــون‪ ،‬وباســم‬ ‫الديــن‪.‬‬

‫قــال مديــر إدارة الحاميــة الدوليــة لــدى املفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن‬ ‫التابعــة لألمــم املتحــدة «فولكــر تــورك» إن الكثرييــن مــن األطفــال الالجئــن‬ ‫الســوريني مل يتمكنــوا مــن الحصــول عــى الوثائــق التــي تثبــت كونهــم مواطنــن‬ ‫ســوريني‪.‬‬ ‫وأشــار قائــا «قــد يبقــى هــؤالء األطفــال عدميــي الجنســية إال يف حــال تــم‬ ‫العثــور عــى حــل لهــذه املشــكلة يف وقــت الحــق» وأضــاف أن املفوضيــة‬ ‫أطلقــت حملــة عامليــة تهــدف إىل القضــاء عــى انعــدام الجنســية يف غضــون ‪10‬‬ ‫ســنوات وباإلضافــة إىل تقريــر خــاص حــول هــذه القضيــة‪.‬‬

‫الشيخ السلفي ياسني العجلوني‬ ‫فتوى جبواز اختاذ السوريات ملك اليمني‬

‫أثــارت الفتــوى التــي أطلقهــا الشــيخ‬ ‫الســلفي األردين ياســن العجلــوين والتــي‬ ‫تفيــد بجــواز اتخــاذ الســوريات ملــك‬ ‫اليمــن‪ ،‬جــدالً واســعاً يف األوســاط العامــة‪،‬‬ ‫ويف وســائل االتصــال االجتامعــي‪ ،‬ووســائل‬ ‫اإلعــام املختلفــة‪.‬‬ ‫وأعلــن العجلــوين يف الفتــوى التــي أطلقهــا‬ ‫وتناقلتهــا وســائل اإلعــام أنــه يتحــدث‬ ‫نيابــة عــن علــاء بــاد الشــام‪ .‬وقــال يجــوز‬ ‫للمــرأة الســورية أن تطلــب مــن الرجــل‬ ‫املســلم القــادر عــى رعايتهــا أن يدخلهــا يف‬

‫عقــد ملــك اليمــن‪ ،‬مضيف ـاً أنهــا «الوســيلة‬ ‫الرشعيــة الوحيــدة التــي تضمــن للمــرأة‬ ‫الســورية املهجــرة أال تســتغل جنســياً أو‬ ‫تهــان أو يُتمتــع بهــا بوســائل غــر رشعيــة»‪،‬‬ ‫وتفيــد بــأن الرجــل الواحــد يجــوز لــه‬ ‫امتــاك خمســن امــرأة‪.‬‬ ‫وأعــادت الفتــوى إىل األذهــان قضيــة‬ ‫اســتغالل الســوريات‪ ،‬خاصــة يف األوســاط‬ ‫األردنيــة واللبنانيــة‪ ،‬إثــر نــر إعالنــات‬ ‫بطلــب الســوريات للــزواج أو للعمــل‬ ‫كخادمــات‪.‬‬

‫وكان العجلــوين قــد تلقــى إثــر إطالقــه‬ ‫فتــواه ســيالً مــن الســب والشــتم والقــذف‬ ‫والتقريــع‪ ،‬مــا لبــث أن تراجــع عنهــا‪ ،‬وأطلق‬ ‫نــدا ًء جديــدا ً يطالــب فيــه مقاتــي املعارضــة‬ ‫الســورية بســبي نســاء وأطفــال مقاتــي‬ ‫النظــام الســوري‪ ،‬معلن ـاً عــن تراجعــه عــن‬ ‫فتــواه األوىل التــي تجيــز متلــك النســاء‬ ‫الســوريات‪ .‬وقــال «قدمــت اعتــذاري ألهــي‬ ‫وأقــاريب يف ســورية درءا ً للفتنــة‪ ،‬لكــن عــى‬ ‫األقــل خــذوا مبــا هــو رصيــح ومــا هــو‬ ‫محكــم يف القــرآن الكريــم‪.‬‬

‫تصريح غير معلن‪..‬؟!‬ ‫يوسف دعيس‬ ‫كانــت حكومــة طعمــة األوىل املؤقتــة تتجــه الفتتــاح مكتــب قانــوين لألحوال الشــخصية‬ ‫واملدنيــة‪ ،‬يختــص بتثبيــت وقوعــات الــزواج والطــاق والــوالدات والوفيــات للســوريني‬ ‫املقيمــن يف تركيــا‪ ،‬لكنــه ظـ ّـل وعــدا ً قامئـاً عــى الــورق‪ ،‬وطــي األدراج‪ ،‬دون أن يفكــر‬ ‫أحــد مــن جهابذتهــا بجديــة بافتتــاح هــذا املكتــب الهــام يف مــدن تركيــا الكــرى ليقــدم‬ ‫خدماتــه اليوميــة ألهلنــا يف منافيهــم القرسيــة‪.‬‬ ‫إن افتتــاح مثــل هــذا املكتــب يف مدينــة شــانيل أورفــا يحتــاج أيض ـاً للرتخيــص مــن‬ ‫واليهــا‪ ،‬ورئيــس بلديتهــا‪ ،‬ويبــدأ أوالً بالتواصــل مــا بــن الحكومــة الســورية املؤقتــة‪،‬‬ ‫والحكومــة الرتكيــة لوضــع اس ـراتيجية مناســبة للعمــل‪ ،‬وبحــث إمكانيــة فتــح هــذا‬ ‫املكتــب مــن الوجهــة القانونيــة يف جميــع املــدن الرتكيــة التــي يتواجــد فيها الســوريون‪،‬‬ ‫والحصــول عــى التســهيالت كافــة لتســيري املعامــات الخاصــة بهــذا االتجــاه‪.‬‬ ‫هــل تفكــر حكومــة طعمــة الثانيــة يف افتتــاح هــذا املكتــب القانــوين الــذي يهتــم‬ ‫باألحــوال الشــخصية واملدنيــة للســوريني املقيمــن يف تركيــا؟‪ .‬الوعــود كثــرة أولهــا‬ ‫إنشــاء وزارة للداخليــة‪ ،‬رمبــا يكــون مكتــب األحــوال الشــخصية أحــد أهــم مكاتبهــا‪،‬‬ ‫ورمبــا بإمــكان حكومتنــا إحداثــه واتباعــه لــوزارة العــدل القامئــة‪ ،‬ورمبــا ســرى مــن‬ ‫الحكومــة إبداعــات جديــدة‪ ،‬كــا إبداعاتهــا الســابقة يف إنشــاء مكاتــب يف الهــواء؟!‬ ‫نحــن بانتظــار أن تفــك الحكومــة املوقــرة أوالً الحصــار عــن مبناهــا يف غــازي عنتــاب‪،‬‬ ‫املســيّج باألســوار املنيعــة‪ ،‬وبالحراســة املشــددة‪ ،‬وبأجهــزة الكشــف عــن املعــادن‬ ‫وغريهــا‪ ،‬والتفتيــش الشــخيص لــكل مــن يدخــل إىل عرينهــا‪ ،‬وبعدهــا نأمــل ونرتجــى‬ ‫أن تفكــر جدي ـاً بحــل األمــور العالقــة للســوريني‪ .‬وإذا مــا بقيــت تبنــي رصوح ـاً مــن‬ ‫الوهــم‪ ،‬وتســتورد العفــن والزائــف مــن النظــام البائــد فــا علينــا إال الســام‪ ،‬فــا‬ ‫معنــى أن تدخــل مبنــى مــن مبــاين مؤسســات الثــورة‪ ،‬وينتابــك شــعور طافــح أنــك‬ ‫تدخــل إىل فــرع فلســطني الــيء الصيــت يف دمشــق؟!‬

‫مواليد بال قيود‪ ،‬وزيجات دون عقود‪!..‬‬ ‫عمر قنبر‬ ‫مــا بــن خيــارات الهــدم أو الحــرق أو القتــل أو اللجــوء‬ ‫القــري‪ ،‬ويف ظــل آلــة الحــرب التــي أتــت عــى الحجــر‬ ‫والبــر‪ ،‬وجــد الســوريون أنفســهم ســلعة جديــدة دخلــت‬ ‫أســواق النخاســة والــزواج القــري والســياحي‪.‬‬ ‫فليــس مــن املســتغرب أن تــرى إعالنــات تــوزع بلــؤم‬ ‫وحقــد‪ ،‬أو بقصــد االتجــار مــن مثــل‪ ،‬لدينــا ســوريات‬ ‫للــزواج‪ ،‬أو زواج الســرة‪ ،‬وليــس مــن املفاجــئ أن تطالعــك‬ ‫بعــض الفتــاوى الرشعيــة التــي تعاملــت مــع الالجئــات‬ ‫الســوريات كســبايا وجــوا ٍر وملــك اليمــن‪.‬‬ ‫أرامــل ومطلقــات وعازبــات وقعــن يف رشاك ســارسة‬ ‫التحايــل وتجــار الــزواج‪.‬‬ ‫وثــكاىل ومكلومــات ورشيــدات وقعــن ضحايــا االغتصــاب‬ ‫الرشعــي باســم الديــن‪.‬‬ ‫ومثــة مــن قتلــت نفســها ـ مــع كل التحفــظ ـ بعــد أن‬ ‫منعتهــا كرامتهــا ورشيعتهــا أن تــأكل بثدييهــا‪ ،‬ومل تجــد‬ ‫مــن يحصنهــا مــن هــذا املصــر؟!‬ ‫(ع) فتــاة أخــرى تشــاهد بــأم عينيهــا مقتــل والدهــا‬ ‫وإخوتهــا عــى أحــد الحواجــز‪ ،‬ثــم تفر مــع أمها وشــقيقاتها‬ ‫إىل بلــد غريــب‪ ،‬وتدخــل ملجــأً أو مخيــاً حيــث تجــار‬ ‫الرقيــق األبيــض‪ ،‬وباســم اإلنســانية واملنــارصة يفرشــون‬ ‫لهــا ورود العطــاء والشــفقة‪ ،‬ليتــزوج بهــا متــرع ســتيني‬ ‫العمــر‪ ،‬وهــي مل تبلــغ بعــد الســابعة عــر مــن عمرهــا‪،‬‬ ‫وتحــت ضغــط الحاجــة وافقــت‪ ،‬ثــم حملــت‪ ،‬وبعــد حــن‬ ‫غادرهــا زوجهــا الســعودي إىل غــر رجعــة‪ ،‬وتبقــى هــي‬ ‫حامــاً تنتظــر الــوالدة‪ ،‬وال يشء يثبــت زواجهــا‪ ،‬ونســب‬ ‫الولــد القــادم مــن أبيــه‪.‬‬ ‫متزوجــة ســورية مــن ســوري غــاب عنهــا لصعوبــة الوصول‬ ‫مــدة خمســة أشــهر‪ ،‬انقطعــت أخبــاره‪ ،‬قنصهــا رجــل غــر‬ ‫ســوري‪ ،‬أدخلهــا بيتــه مــع أهلــه‪ ،‬ثــم راودهــا فتزوجهــا‪،‬‬ ‫ويظهــر الــزوج األصــي عــى مــرح الحيــاة بعــد غيابــه‬ ‫القــري‪ ،‬فكانــت املأســاة‪ ،‬بــل األدهــى أن الوحــش الــذي‬

‫سوريات للزواج‪!!..‬‬

‫اغتصبهــا باســم الــزواج الباطــل‪ ،‬هــدد زوجهــا بالقتــل إن‬ ‫مل يطلقهــا‪!!..‬‬ ‫هاربــة مــن البطــش والقتــل والتعذيــب مــع طفلتهــا تقــع‬ ‫يف يــد شــاب‪ ،‬وقــع يف حبهــا وإعجابــه بجاملهــا‪ ،‬وهــو‬ ‫يصغرهــا بعــر ســنوات‪ ،‬أراد الــزواج بهــا‪ ،‬ولــوال خــرة‬ ‫ومعرفــة العاقــد لكانــت الكارثــة‪ ،‬فهــي مقيــدة مــن طــاق‬ ‫رجعــي وال تعــرف إن كان أرجعهــا أو ال‪.‬‬ ‫شــاب يبيــع أختــه بعقــد عــريف «ب ـراين» ليتســنى للــزوج‪،‬‬ ‫وهــو مــن بلــد عــريب شــقيق‪ ،‬أن يرافقهــا إىل اســتنبول ملــدة‬ ‫شــهر‪.‬‬ ‫كل هــذا ومئــات القصــص املدميــة للقلــب‪ ،‬واملامرســات‬ ‫الالإنســانية بحــق أخواتنــا الســوريات‪ ،‬تقــوم عليهــا‬ ‫شــبكات منظمــة إلدارة عمليــة زواج الالجئــات مقابــل‬ ‫الحصــول عــى عمولــة أو ســمرسة‪ ،‬وســوريات يعشــن بــن‬ ‫ن ـران الجــوع والتســول‪ ،‬والعريــس الــذي يطاردهــن عــن‬

‫قاتلــة قامتــة‪ .‬إىل جانــب الجهــل‬ ‫والحاجــة هنــاك صعوبــات ومعوقــات‬ ‫أخــرى لالجئــن تتمثــل يف تثبيــت عقــود‬ ‫الــزواج‪ ،‬فالحصــول عــى أوراق ثبوتيــة‬ ‫مصدقــة مــن خارجيــة النظــام‪ ،‬وأوراق‬ ‫مصدقــة مــن ممثــي القنصلية الســورية‬ ‫يف اســتانبول أمـ ٌر يــكاد يكــون مســتحيالً‬ ‫لكثــر مــن األرس الســورية‪ ،‬والــزواج يف البلــدان التــي لجــأ‬ ‫إليهــا الســوريون بعضهــا يحتــاج إىل توثيــق يف البلديــات‪،‬‬ ‫ألن املحاكــم ال تقبــل أي دعــوى لتثبيــت الــزواج الحق ـاً‪،‬‬ ‫ولــو كان هنــاك حمــل أو أوالد‪.‬‬ ‫العقــد العــريف «الـراين» أصبــح يشــكل خطـراً حقيقيـاً عــى‬ ‫الزوجــات الســوريات‪ ،‬خاصــة يف البــاد التــي ال تســمح‬ ‫بتعــدد الزوجــات‪ ،‬وبالتــايل ال حقــوق لهــن‪ ،‬ناهيــك عــن‬ ‫تزويــج الســورية بعقــد ب ـراين‪ /‬خارجــي‪ /‬عــريف‪ ،‬يعرضهــا‬

‫الحلول‪..‬‬ ‫مســرة صعبــة وطويلــة لتثبيــت الــزواج‪ ..‬اتجــار واســتثامر‬ ‫للجســد الســوري‪ ..‬زواج قــري باســم الســرة والعفــة‪.‬‬ ‫مثــل هــذه القصــص املبكيــة واملؤملــة لبناتنــا وأعراضنــا‬ ‫وأخواتنــا يفــوق حــدّ التصــور‪ ،‬ويطعــن القلــب بســكني‪،‬‬ ‫يســتدعي العمــل عــى‪:‬‬ ‫‪1‬ـ التواصــل مــع الجهــات الحكوميــة املختصــة يف بــاد‬ ‫املهجــر إلنشــاء غرفــة خاصــة للقضــاء الرشعــي املهتــم‬ ‫باألحــوال الشــخصية للســوريني‪.‬‬ ‫‪2‬ـ إحــداث غرفــة رشعيــة أو تعيــن ٍ‬ ‫قــاض رشعــي يف كل‬ ‫بلــدة أو مدينــة يف تركيــا مــع مــأذون رشعــي مختــص‪.‬‬ ‫ملتابعــة وتســجيل حــاالت الــزواج أو وقائــع الطــاق‬ ‫وتثبيــت النســب‪ ،‬وكل مــا يتعلــق بشــؤون األرسة‪.‬‬ ‫‪3‬ـ التواصــل مــع الحكومــات إلزالــة املعوقــات‪ ،‬واالكتفــاء‬ ‫بســجل خــاص وطــارئ للســوريني‪ ،‬يقــوم بــه أكفــاء‬ ‫وعلــاء وخ ـراء رشعيــن‪ ،‬معتمديــن عــى مــا توافــر مــن‬ ‫أدلــة إثبــات وثبوتيــات خاصــة يف عقــود الــزواج مــن‬ ‫للمالحقــة‪ ،‬وخاصــة يف حــال الشــكوى مــن أهــل الــزوج أو‬ ‫ويل وشــاهدين‪ ،‬وإصــدار وثائــق بهــذا الخصــوص لحفــظ‬ ‫أهــل الزوجــة األوىل‪.‬‬ ‫الحقــوق‪.‬‬ ‫وملــا كانــت هــذه العراقيــل واملعوقــات والصعوبــات ه ـاً‬ ‫وهاجسـاً لــكل األرسة‪ ،‬بــدأ الســوريون يبحثــون عــن حلــول‬ ‫وبعــد هــذه ظاهــرة بــدأت تتســع رقعتهــا يف أرض غربتنــا‪،‬‬ ‫رسيعــة‪ ،‬فــكان أمامهــم املواقــع االلكرتونيــة التــي تقــدم‬ ‫اســألوا أهــل الذكــر يف هــذه القضايــا‪ ،‬وإىل أن تتضافــر‬ ‫خدماتهــا بشــكل غــر نظامــي مببالــغ فلكيــة (‪1000-300‬‬ ‫الجهــود يف إحــداث غرفــة رشعيــة وقانونيــة نســأل اللــه لنــا‬ ‫دوالر) للحصــول عــى وثيقــة رســمية ممهــورة بختــم‬ ‫ولكــم الفــرج القريــب‪.‬‬ ‫النظــام مــن متنفعــن داخــل الدوائــر الحكوميــة‪.‬‬

‫سياحي ‪ -‬سترة‬ ‫مسـيار ‪ -‬متعة‬

‫طريــق ســارسة الســرة‪ ،‬فأصبــح جســد األنثــى الســورية‬ ‫مرشوعــاً اســتثامرياً يف ســوق النخاســة يخضــع للعــرض‬ ‫والطلــب‪.‬‬ ‫كل هــذا ولعــدم وجــود نظــم اجتامعيــة ودوائــر إســعافية‬ ‫قــادرة عــى اســتيعاب هــذه الظاهــرة‪ .‬اســتدعى وجــود‬ ‫ّ‬ ‫دل ّلت ومتاجريــن باســم الســرة واملســيار والعفــة‪.‬‬ ‫الــزواج العــريف «الــراين» وإن كان صحيحــاً رشعــاً‪ ،‬لكنــه‬ ‫يســتخدم تجــارة واســتثامراً للســوريات يف ظــل ظــروف‬

‫!‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫عبد الواحد علواني‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫‪6‬‬

‫ا لطا ئفيــة النشــأة واال ســتخدا م‬

‫اللفظــة املميتــة‪ ،‬ليســت مميتــة بحــد ذاتهــا‪ ،‬فاللغــة‬ ‫يفــرض فيهــا الحيــاد‪ ،‬وإن كان لــكل كلمــة فيهــا ذاكــرة‪،‬‬ ‫لكــن الفهــم الــذي ينبنــي عــى اللفظــة أخطــر مــن كل‬ ‫األســلحة‪ ،‬فكــم مــن معنــى دمــر حضــارة‪ ،‬وكــم مــن معنــى‬ ‫بنــى أمــة‪.‬‬ ‫الطائفيــة‪ ،‬مصطلــح يكفــي أن يحــر يف حلقــات النقــاش‬ ‫حتــى نــدرك أننــا لســنا بخــر‪ ،‬وأننــا إمــا يف عيــادة‬ ‫تشــخص بالءنــا‪ ،‬أو مرميــون عــى حافــة طريــق ونحــن‬ ‫نحتــر‪ ،‬هــذه اللفظــة التــي تقتــل دون هــوادة‪ ،‬وتدمــر‬ ‫دون تبــر أو تفكــر‪ ،‬اللفظــة التــي تتعــاىل عــى التنــوع‬ ‫واالختــاف والغنــى الفكــري والفلكلــوري والروحي‪ ،‬لتســتل‬ ‫املجتمعــات مــن واحــة تكاملهــا‪ ،‬إىل مســتنقع تفاضلهــا‪،‬‬ ‫ولــن كانــت الطائفــة مــن الــيء‪ ،‬الجــزء منــه‪ ،‬كــا ورد‬ ‫يف لســان العــرب قدميــاً‪ ،‬نــرى أنــه يف معجــم أحــدث‬ ‫تحــول إىل الفرقــة املســتقلة واملفارقــة‪ ،‬كــا ورد يف املعجــم‬ ‫الوســيط‪ ،‬هــذا التطــور الــداليل بحــد ذاتــه يشــر إىل بــذور‬ ‫الــراع‪ .‬وتحــول الطائفــة إىل كتلــة طائفيــة‪ ،‬حتــى وإن‬ ‫حظــرت اإلشــارة إليهــا أحيانـاً‪ ،‬وغيبــت لفظـاً وليــس ســلوكاً‪،‬‬ ‫وتغييبهــا أخطــر مــن اســتحضارها‪ ،‬إذ تنمــو يف الظــل حتــى‬ ‫تتحــول إىل ثقافــة شــوهاء ال أمــل يف إصالحهــا‪.‬‬ ‫ال شــك أن للطائفيــة بنيــة تاريخيــة‪ ،‬لكنهــا بنيــة مؤولــة‬ ‫ألجــل نــوازع حــارضة‪ ،‬فنحــن نحمــل ثــأر املــايض لنقتــل‬ ‫حارضنــا‪ ،‬ونعبــئ حارضنــا بهــا‪ ،‬ونغفــل أننــا نقتــل أبناءنــا‬ ‫بأنفســنا‪ ،‬ألننــا نقتــل غدهــم‪.‬‬ ‫والطائفيــة بقــدر مــا تشــر إىل امتيــاز فئــة عــى غريهــا‪،‬‬ ‫بقــدر مــا تشــر إىل أن هــذه الفئــة طارئــة‪ ،‬ولعــل هنــا‬ ‫تكمــن عدالــة التســمية‪ ،‬فالطائفــة مــن طــاف يطــوف‪،‬‬ ‫وهــو أمــر طــارئ ال يــدوم‪ ،‬عندمــا ترغــب الجامعــة مــن‬ ‫النــاس أن تتحــد مــع النــاس كلهــم‪ ،‬وأن تســعى إىل العــدل‬ ‫ال االمتيــاز واالســتئثار فإنهــا تــدوم‪ ،‬وإذ تــروم غــر ذلــك‬ ‫تنبــذ وتتعــرض لالنقــراض‪ ،‬فكــم مــن أمــة انحــدرت إىل‬ ‫مســتوى الطائفــة‪ ،‬وكــم مــن طائفــة ارتقــت إىل مســتوى‬ ‫األمــة‪ ،‬والشــعور الطائفــي األقلــوي ليــس شــعورا ً عددي ـاً‪،‬‬ ‫إمنــا هــو اختــزال للــذات وتشــويه لهــا‪ ،‬وانفصــال عــن‬ ‫املجتمــع‪ ،‬وتشــتيت لرغبــة العيــش املشــرك‪.‬‬ ‫والطائفيــة‪ ،‬هــي عصبيــة تســتند إىل وهــم مــا ورايئ يتــم‬ ‫رفــده بأبعــاد وأحــداث أرضيــة‪ ،‬وهــي يف األصــل نســق‬ ‫إميــاين مزعــوم‪ ،‬أمــا يف حقيقتهــا فهــي أســلوب موحــد‬

‫لفئــة مــن الفئــات يف مواجهــة ســلطة أو يف إطــار مامرســة‬ ‫ســلطة‪ .‬رمبــا هــذا التوحيــد يف التعاطــي يكــون عســرا ً‬ ‫يف املجموعــات الكبــرة‪ ،‬إال أنــه يتوفــر بشــكل أو بآخــر‬ ‫وبنســب قــد تصغــر أو تكــر‪.‬‬

‫املجتمعــات العظيمــة فيهــا مذاهــب واتجاهــات فكريــة‬ ‫وبرامــج اجتامعيــة وتنمويــة وجامعــات وطنيــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫ليــس فيهــا طوائــف متعاليــة أو بائســة‪ ،‬فالطائفيــة مل ت ـ ِن‬ ‫حضــارة طــوال التاريــخ‪ ،‬وإذا قرأنــا تاريــخ املجتمعــات‬ ‫اإلســامية ســنجد أن حــاالت التشــظي دامئــا كانــت تنطلــق‬ ‫مــن الخــاف عــى الســلطة‪ ،‬وليــس الخــاف عــى اإلميــان‬ ‫وطبيعتــه‪ ،‬تتطــور فيــا بعــد إىل افــراق إميــاين‪ ،‬فجــذور‬ ‫الخــاف بــن النحــل اإلســامية جــذور ســلطوية‪ ،‬ولذلــك‬

‫مل تحــر املســألة الطائفيــة بقــوة إال يف املراحــل القلقــة‬ ‫واملضطربــة سياســياً‪ ،‬وأوقــات األزمــات‪ ،‬فالســلطة الحاكمــة‬ ‫تنتبــه أنهــا مل تعــدل مبــا يجعلهــا رشعيــة‪ ،‬ولــن تتمكــن مــن‬ ‫تــدارك األمــر‪ ،‬والفئــات املتعرضــة للظلــم تجــد فيهــا فرصــة‬ ‫للقضــاء عــى هــذه الســلطة املتعاليــة‪ ،‬فينتــر العنــف عىل‬ ‫نطــاق واســع‪ ،‬وفجــأة يكتشــف النــاس أن مدنيتهــم مجــرد‬ ‫وهــم‪ ،‬وتحــت غشــائها مثــة دهشــة دمويــة ال حــد لهــا‪.‬‬ ‫باإلمــكان أن نقــرأ التاريــخ ق ـراءة حياديــة لنفهــم وبشــكل‬ ‫مــادي االتجاهــات التاريخيــة‪ ،‬وميكننــا أن نؤولهــا لتصبــح‬ ‫مــادة لالجــرار الخــايف والعنفــي والتخاصمــي‪ ،‬وشــخصياً‬ ‫أعتقــد أن أي قـراءة معتدلــة خاليــة مــن األبعــاد املذهبيــة‬ ‫لخــاف عــي مــع معاويــة تضعنــا يف الســياق الصحيــح‬ ‫لفهــم مســار الدولــة اإلســامية‪ ،‬بــدالً مــن قـراءة األحــداث‬ ‫عــى محمــل مذهبــي‪ ،‬فمعاويــة جــاء يف ســياق التأســيس‬ ‫للدولــة اإلســامية يف مراحلهــا بعيــدا ً عــن جــدل األولويــة‬ ‫بالواليــة‪ ،‬ألنــه مل يكــن يحظــى باألولويــة بــأي مقيــاس‬ ‫كان‪ ،‬املراحــل التــي ميكــن إجاملهــا فيــا يــي‪ :‬أوالً‪ :‬عمليــة‬ ‫الفصــل بــن الرســالة وشــخص النبــي التــي قــام بهــا أبــو‬ ‫بكــر الصديــق‪ ،‬وفكــرة املجلــس االستشــاري يف انتخــاب‬ ‫الخلــف‪ ،‬ثانيـاً‪ :‬بنــاء األســس املؤسســية والقانونيــة يف عهــد‬ ‫عمــر بــن الخطــاب‪ ،‬ثالثـاً‪ :‬بســط نفــوذ الدولــة إىل األمصــار‬ ‫واألقطــار حديثــة االلتحــاق بالدولــة يف عهــد عثــان بــن‬ ‫عفــان‪ ،‬وتجذيــر الطابــع اإلداري‪ ،‬رابع ـاً‪ :‬مبقتــل عثــان ويف‬ ‫هــذه اللحظــة التاريخيــة كانــت واليــة عــي متثــل عــودة إىل‬ ‫ســياق الشخص‪/‬الرســالة‪ ،‬ملــا ميثلــه عــي مــن ثقــل رمــزي‬ ‫ودينــي وروحــي قريــب مــن شــخصية النبــي (ص)‪ .‬ومــع‬ ‫أن املســار الــذي اتســق مــع معاويــة بــن أيب ســفيان طمــر‬ ‫الكثــر مــن البــذور الحضاريــة يف فهــم الســلطة‪ ،‬ومنهــا‬ ‫املجلــس االستشــاري الختيــار الحاكــم وتــداول الســلطة‪ ،‬إال‬ ‫أنــه كان يف ســياق هــذا املســار أكرث مــن عيل بــن ايب طالب‪،‬‬ ‫فمعاويــة عــى عالتــه كان يف إطــار بنــاء الدولــة واملجتمــع‪،‬‬ ‫بينــا كان عــي ال ي ـزال يف دائــرة تعميــق اإلميــان وتأكيــد‬ ‫الرســالة‪ .‬لحظــة االفـراق هــذه ســتمهد للحظــة أخــرى أكــر‬ ‫فجائعيــة وتدم ـرا ً‪ ،‬وهــي لحظــة مقتــل الحســن‪ ،‬فمقتلــه‬ ‫ال ميثــل مجــرد مــرع منافــس عــى الســلطة‪ ،‬إمنــا والدة‬ ‫رمزيــة هائلــة‪ ،‬ســتكون االنقســام األعظــم يف الجســد‬ ‫اإلســامي‪ ،‬وســتمهد ملزيــد مــن التشــظي‪ ،‬مقابــل ســلطة‬ ‫مركزيــة تؤســس لحاكميــة متنــح الحاكــم ســلطة مطلقــة‪.‬‬

‫أثــارت الــروط التــي وضعتهــا الحكومــة الرتكيــة للتدخــل‬ ‫يف الحــرب التــي يشــنها التحالــف الــدويل بقيــادة الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬جــدالً واســعاً داخــل املعارضــة الســورية‪،‬‬ ‫والحقيقــة أن هــذا الجــدل مل يــر إال بعــد الخــاف الــريك‬ ‫األمــريك حــول األســلوب األفضــل لــرب داعــش‪ ،‬وتــرى‬ ‫تركيــا أن مشــاركتها يف رضب داعــش تتطلــب تنفيــذ أربعــة‬ ‫رشوط تتوافــق عليهــا دوليــاً وهــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬فرض منطقه عازلة‬ ‫‪ -2‬فرض حظر جوي يحمي املدنيني‬ ‫‪ -3‬إسقاط النظام القائم‬ ‫‪ -4‬تســليح الجيــش الســوري ليكــون القــوة األساســية‬ ‫للمشــاركة يف دحــر داعــش وليــرف عــى املناطــق املحــررة‬ ‫ويعمــل عــى إســقاط النظــام‪.‬‬ ‫وأعتقــد أن ســبب الحــوار الواســع يعــود لعــدم وجــود‬ ‫برنامــج وطنــي متفــق عليــه يحــدد شــكل وآليــة إســقاط‬ ‫النظــام‪ ،‬يكــون مبثابــة البوصلــة التــي تحــدد موقفنــا مــن‬ ‫أي إجـراء أو برنامــج‪ ،‬ولتحــدد عالقتنــا مــع الخــارج‪ ..‬وهــذه‬ ‫الثغــرة الكبــرة (أي عــدم وجــود برنامج) يف الثورة الســورية‬ ‫هــي التــي تزيــد مــن الخالفــات املوجــودة بــن الفصائــل‬ ‫املكونــة للثــورة وتســمح (لألجنــدات الخارجيــة) بالتدخــل‬ ‫القــوي يف الثــورة الســورية‪ ،‬وهــذا مــا أفقــد الثورة الســورية‬ ‫خصوصيتهــا وتــرك ســوريا ســاحة للرصاعــات الخارجيــة‪.‬‬ ‫أعــود للسياســة األمريكيــة املعلنــة وتأثرياتهــا وللــروط‬ ‫الرتكيــة‪.‬‬ ‫توضحــت اآلن مالمــح توجهــات األمريكية القائــدة للتحالف‬ ‫الــدويل املوجــود والتــي تتلخــص لــرب أو إضعــاف داعــش‬ ‫مســتفيدة مــن كل القــوى التــي تســاعدها يف تنفيــذ‬ ‫جــل اهتاممهــا يف تأمــن أوســع‬ ‫أهدافهــا‪ ،‬وحتــى تركــز ّ‬ ‫تجمــع دويل يشــارك يف رضب داعــش رضخــت للضغــوط‬

‫اإليرانيــة الروســية املطالبــة باالبتعــاد عــن أي عمــل يؤثــر‬ ‫عــى النظــام الســوري قلي ـاً أو كث ـرا ً‪ ،‬مــا ســمح للنظــام‬ ‫الســوري بزيــادة أعاملــه اإلجراميــة املوجهــة ضــد الشــعب‬ ‫باســتخدام كافــة صنــوف األســلحة لــرب املدنيــن‪ ،‬صواريخ‬ ‫ضخمــة‪ ،‬وطائ ـرات ســوخوي‪ ،‬وزيــادة يف عــدد الحوامــات‬ ‫التــي تلقــي ع ـرات براميــل املــوت يومي ـاً‪ ،‬وقتــل تحــت‬ ‫التعذيــب‪ ،‬وتجويــع‪ ،‬وحصــار‪ ،‬وأعتقــد أن املوقــف األمريــي‬ ‫الــذي تــرك النظــام ينفــذ أعاملــه اإلجراميــة‪ ،‬قــد أزال‬ ‫الوهــم املوجــود عنــد البعــض بــأن رضب داعــش يــؤدي إىل‬ ‫إنهــاء النظــام‪ ،‬لذلــك فــإن السياســة األمريكيــة التــي تحدثنــا‬ ‫عنهــا ســتؤثر ســلباً عــى الثــورة الســورية‪ ،‬وتطيــل مــن عمــر‬ ‫النظــام‪ ،‬وســتأيت مراحــل تفــرض عــى الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة التحالــف مــع النظــام‪ ،‬واعتــاده كقــوة مهمــة‬ ‫قــادرة عــى املســاهمة يف رضب داعــش‪.‬‬ ‫ويضــاف إىل ذلــك موقــف الحكومــة األمريكيــة الداعــم‬ ‫للتحــرك الكــردي‪ ،‬وتســليحه للبشــمركة العراقيــة ثــم‬ ‫حــزب الـــ‪ byd‬الســوري واملــوايل للنظــام‪ ،‬والــذي يســمي‬ ‫محافظــة الجزيــرة غــريب كردســتان والــذي حــدد ثــاث‬ ‫مناطــق إلقامــة الحكــم الكــردي يف ســورية‪ ،‬وهــي منطقــة‬ ‫عفريــن والقامشــي وعــن العــرب «كوبــاين»‪ ،‬وأســاها‬ ‫«روج آفــا»‪ ،‬إذ نــرى بوضــوح السياســة األمريكيــة الهادفــة‬ ‫إىل زيــادة التطــرف يف أوســاط إخوتنــا األكــراد بهــدف‬ ‫دفعهــم لسياســات تدفــع املنطقــة واإلقليــم نحــو رصاعــات‬ ‫ال يســتفيد منهــا أحــد‪.‬‬ ‫أمــا الــروط الرتكيــة التــي ذكرناهــا فهــي واضحــة‪،‬‬ ‫وتنســجم مــع مطالــب الثــورة الســورية يف إســقاط النظــام‪،‬‬ ‫وإقامــة حكــم وطنــي دميقراطــي‪ ،‬وأعتقــد أن مــن مصلحــة‬ ‫شــعبنا التأكيــد عــى هــذه الــروط‪ ،‬واملتابــع يــرى أن‬ ‫الغالبيــة املطلقــة مــن قــوى املعارضــة بغــض النظــر عــن‬

‫خالفاتهــا وموقفنــا منهــا أكــدت يف بالغاتهــا وإعالناتهــا‪ ،‬أن‬ ‫رضب داعــش دون العمــل عــى إســقاط النظــام يــؤدي إىل‬ ‫تقويــة النظــام واســتقراره‪ ،‬ويتعــارض مــع هــدف الثــورة يف‬ ‫إســقاط النظــام‪ ،‬ومــع املصالــح الوطنيــة العليــا‪.‬‬ ‫مــن جهــة أخــرى فــإن تــرك النظــام يقتــل الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬واســتمرار موقــف (أصدقــاء ســورية) الصامــت‬ ‫تجــاه مــا يجــري وعجــز املعارضــة عــن التحــرك القــادر‬ ‫عــى إســقاط النظــام‪ ،‬واســتمرار داعــش بالتقــدم‪ ،‬كل ذلــك‬ ‫يشــكل الرتبــة الصالحــة والبيئــة املناســبة النتشــار التأييــد‬ ‫لداعــش‪ ،‬والناجمــة كــا ذكرنــا عــن فقــدان األمــل مــن أي‬ ‫تغــر إال عــن طريــق هــذا التنظيــم املتطــرف‪.‬‬ ‫وأمــام كل هــذه الوقائــع تــأيت املبــادرة الرتكيــة لتشــكل‬ ‫مخرجــاً مقبــوالً للوضــع يف ســورية‪ ،‬يعمــل عــى إســقاط‬ ‫النظــام ومحاربــة داعــش ونــر الدميقراطيــة‪ ،‬ورغــم وضوح‬ ‫كل ذلــك‪ ،‬ورغــم املوقــف الوطنــي الرافــض لــرب داعــش‪،‬‬ ‫وتــرك النظــام يقتــل شــعبه‪ ،‬تظهــر مقــاالت عديــدة يكتبهــا‬ ‫ســوريون أو مهتمــون بالشــأن الســوري‪ ،‬ماركســيون وغــر‬ ‫ماركســيني يحــذرون مــن املوقــف الــريك بحجــج غريبــة‪،‬‬ ‫منهــا أن النظــام الــريك ينتمــي إىل اإلخــوان املســلمون‪،‬‬ ‫وأنــه يف حــال متكنــه مــن إســقاط النظــام سيســلم اإلخــوان‬ ‫املســلمني الحكــم‪ ،‬أو أن هنــاك أطامعـاً تركيــة لضــم حلــب‬ ‫إىل تركيــا‪ ،‬أو أنــه ال توجــد ضامنــات بتحقيــق املطالــب‬ ‫املذكــورة‪.‬‬ ‫نعتقــد أن هنــاك عــدة أســباب تدفــع هــذه األقــام لتقديــم‬ ‫هــذه التحاليــل‪:‬‬ ‫‪ -1‬مــن أجــل اســتالم مخصصاتهــم مــن الصحــف واملواقــع‬ ‫التــي يكتبــون فيهــا‪ ،‬وهــذا ونحــن نتفهــم هــذا الســبب‬ ‫ونأســف لتحــول قســم مــن الكتــاب إىل متكســبني فقــدوا‬ ‫اســتقالليتهم‪ ،‬ووظفــوا أقالمهــم لقــوى معاديــة لشــعبنا‪.‬‬

‫وفــق ق ـراءات مؤولــة‪ .‬هــذه اللحظــة التــي انقلبــت عــى‬ ‫الطيــف الواســع إلهاملهــا الرمزيــة الهائلــة آلل البيــت‪،‬‬ ‫وتــرك هــذه الرمزيــة لفئــة رافضــة للســلطة‪.‬‬ ‫بــات الــراع ســمة تاريخيــة وعامــة ابتــدا ًء مــن هــذه‬ ‫اللحظــة‪ ،‬وأصبــح االســتحواذ عــى الســلطة أهــم مــن‬ ‫وحــدة األمــة‪ ،‬ليمــر العــامل اإلســامي يف رصاعــات داخليــة‬ ‫دمرتــه أكــر مــن تدمــر أعدائــه لــه‪ ،‬وهــو مــا يحــدث حتــى‬ ‫اليــوم‪ .‬والعنــر الرئيــي يف هــذه الرصاعــات البينيــة هــو‬ ‫فهــم طائفــي يتلبــس األقليــة واألكرثيــة بــآن مع ـاً‪.‬‬ ‫علينــا أن نقــر أن الطائفيــة مل تكــن كشــفاً اســتعامرياً‪،‬‬ ‫وال اخرتاع ـاً أســدياً‪ ،‬إمنــا هــي مــرض عضــال نهملــه حين ـاً‬ ‫ونســتثريه حين ـاً بحامقــة‪ ،‬دون أن تراودنــا رغبــة ذكيــة يف‬ ‫طمــره نهائيــاً‪.‬‬ ‫أدرك الغــرب يف وقــت مبكــر أن الطائفيــة أمــى أســلحته يف‬ ‫وجــه الــرق‪ ،‬فهــو قــد ارتــاح منــذ مجــيء اإلســام مــن غزو‬ ‫الفــرس لبيزنطــة ورومــا‪ ،‬لكــن أزمتــه مــع اإلســام الوســيط‬ ‫الحاكــم (الســني) حــدت مــن مطامحــه‪ ،‬وعرضتــه الخرتاقني‬ ‫تاريخيــن كادا أن ميحيــا الغــرب إىل األبــد‪ ،‬فدحــر الصليبيــن‬ ‫بــدأ مــع حطــن‪ ،‬وقبلهــا كان عبدالرحمــن الداخــل قــد‬ ‫اخــرق الغــرب مــن غربــه ووصــل إىل جبــال البريينيــه‪،‬‬ ‫وبعدهــا شــق محمــد الفاتــح العثــاين طريقــه حتــى بــات‬ ‫عــى أبــواب رومــا‪ .‬هــذا التوثــب اإلســامي كان هاجســاً‬ ‫غربيــاً أضيــف إىل أطامعــه االســتعامرية‪ ،‬فشــكل قاعــدة‬ ‫بيانــات اســتعامرية تحــت حقــل مــا يســمى باالســترشاق‪،‬‬ ‫وأدرك الغــرب أن أهــم وأخطــر عيــب ينتــاب هــذا الــرق‬ ‫ويضعفــه هــو البعــد الطائفــي‪ ،‬وهــو مــا تأكــد مــن خــال‬ ‫تجــارب تاريخيــة مــن تعــاون بعــض األقليــات املســلمة مــع‬ ‫الصليبيــن‪ ،‬والصلــة الوثيقــة التــي ربطــت الصفويــن مــع‬ ‫الربتغاليــن يف مطالــع القــرن الســادس عــر‪.‬‬ ‫أدرك املســتعمرون الجــدد وخاصة الربيطانيون والفرنســيون‬ ‫أهميــة العامــل الطائفــي‪ ،‬فاســتخدموه يف التمكــن مــن‬ ‫الســيطرة عــى تركــة الســلطنة العثامنيــة‪ ،‬وإدارة هــذه‬ ‫املجتمعــات بحســب الرغبــة‪ ،‬بــل إنهــم رســموا جغرافيــة‬ ‫مفخخــة‪ ،‬وأفــرزوا أنظمــة حاكمــة إشــكالية‪ ،‬ورســموا قــدرا ً‬ ‫للمنطقــة يتمثــل يف دول هشــة‪ ،‬تحكمهــا أنظمــة قاســية‪،‬‬ ‫تهددهــا عوامــل تفتيــت دينيــة ومذهبيــة وعرقيــة‪ .‬لذلــك‬ ‫حــاول املســتعمرون باســتمرار تعميــق العامــل الطائفــي‬ ‫الــذي يســهل الهيمنــة عليهــا‪.‬‬

‫الموقــف التركــي والمصلحــة الســورية‬

‫منصــور األتاســي‬

‫‪ -2‬قــوى تابعــة للنظــام وتدعــي املعارضــة‪ ،‬وتوظــف كل‬ ‫جهدهــا لخدمــة النظــام‪ ،‬ومنهــا مــن يدعــي الشــيوعية‪،‬‬ ‫وأيضــا فإننــا نعتقــد أنــه مــن املهــم التصــدي لهــا‪ ،‬وكشــفها‬ ‫أمــام الــرأي العــام للتخفيــف مــن خطرهــا‪.‬‬ ‫‪ -3‬قــوى موجــودة بالداخــل‪ ،‬وال تســتطيع اتخــاذ موقــف‬ ‫واضــح مــن أهميــة إســقاط النظــام‪ ،‬فتوظــف جهدهــا يف‬ ‫محاربــة التطــرف‪ ،‬وتوافــق عــى دحــره رغــم أنهــا هــي‬ ‫ذاتهــا كانــت ترفــع شــعارات ضــد التدخــل الخارجــي‪.‬‬ ‫‪ -4‬قــوى تشــارك يف الضغــط عــى تركيــا التــي تقودهــا‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬والهادفــة إىل إرشاك تركيــا‬ ‫دون رشوط يف الحــرب ضــد داعــش أي التخــي عــن‬ ‫رشوطهــا التــي ذكرناهــا‪.‬‬ ‫إننــي إذ أعــرض نتائــج السياســة األمريكيــة والقــوى الرافضة‬ ‫للــروط الرتكيــة‪ ،‬فــإن هــذا ال يعنــي مطلقــا أننــي أروج‬ ‫للسياســة الرتكيــة‪ ،‬ولكننــي أدافــع عــن شــعارات الثــورة‬ ‫الهادفــة إىل إســقاط النظــام ودحــر التطــرف وبنــاء الدولــة‬ ‫املدنيــة الدميقراطيــة‪ .‬هــذا يف ظــل مجمــل التوازنــات‬ ‫السياســية الدوليــة‪ ،‬وواقــع املعارضــة‪ ،‬ونشــاط الجيــش‬ ‫الحــر يتطلــب املوافقــة عــى املبــادرة الرتكيــة وتأييدهــا‬ ‫مــن كافــة قــوى املعارضــة الوطنيــة لتشــكل عامـاً ضاغطـاً‬ ‫عــى التحالــف الــدويل ليســاعد يف دحــر االســتبداد‪ ،‬وليــس‬ ‫تركيــزه وتقويتــه واســتقراره‪.‬‬ ‫وإذا وجــدت بعــض األوهــام أو الشــكوك أو التســاؤالت‬ ‫حــول مجمــل السياســة الرتكيــة‪ ،‬فيجــب علينــا أن نجلــس‬ ‫معهــم ونتحــاور ونطــرح مــا عندنــا ونصــل إىل توافقــات‬ ‫واتفاقــات‪ ،‬بــدل أن نقــف عــى أبــواب اإلدارة األمريكيــة‬ ‫ننتظــر املســاعدة‪ ،‬أو نخضــع البت ـزاز النظــام الــدويل‪ ،‬فلــم‬ ‫نعــد منتلــك الوقــت بعــد مجمــل الويــات التــي يعــاين منهــا‬ ‫شــعبنا‪.‬‬


‫‪7‬‬

‫طارق عبد الغفور‬

‫يف األســاطري اليهوديــة أســطورة قلعــة‬ ‫«املســادا»‪ ،‬التــي تقــول إن اليهــود ملــا حــارص‬ ‫جيــش الرومــان القلعــة التــي تحصنــوا فيهــا‪,‬‬ ‫رفضــوا االستســام وقامــوا بقتــل نســائهم‬ ‫وأطفالهــم ثــم أنفســهم يف انتحــار جامعــي لــي‬ ‫ال يقعــوا يف ذل العبوديــة‪.‬‬ ‫ال يهــم أن يكــون لهــذه األســطورة وجــود يف‬ ‫التاريــخ أو ال يكــون‪ ,‬فاملؤرخــون اإلرسائيليــون‬ ‫أنفســهم يشــككون يف وجودهــا‪ ,‬ولكنهــم‬ ‫يتفقــون عــى أن املنظمــة الصهيونيــة‬ ‫اســتخدمتها إلذكاء الــروح الوطنيــة لــدى‬ ‫اليهــود لدفعهــم إىل الهجــرة إىل فلســطني‪ ,‬إمنــا‬ ‫املهــم فيهــا هــو تربيــر هــذا االنتحــار الجامعــي‪:‬‬ ‫االنتحــار لــي ال يقــع اإلنســان يف ذل العبوديــة‪,‬‬ ‫وهــو األمــر الــذي يثــر اإلعجــاب‪ ،‬بــا شــك‬ ‫ويدفــع إىل احــرام املنتحــر (لنــرك جانبــاً‬ ‫التقييــم الدينــي لالنتحــار)‪.‬‬ ‫تحــر هــذه األســطورة يف الذهــن عندمــا يــرى‬ ‫املــرء حــال ائتــاف قــوى الثــورة واملعارضــة‪,‬‬ ‫فاملفــروض أن هــذا االئتــاف هــو الــذي يحمــل‬ ‫هــم الثــورة واملعارضــة‪ ,‬وهــو املســؤول عــن‬ ‫إيصــال صوتهــا اىل العــامل‪ ,‬وهــو املســؤول عــن‬

‫محمد صبحي‬

‫َمــن ِمــ َن الســوريني ال يعــرف دورة‬ ‫األغـرار؟ ومــن م ّنــا ذهــب إىل خدمــة (العلــم)‬ ‫دون أن يعرتيــه ذلــك الشــعور املســبق‬ ‫بالتملمــل مــن ذلــك الفــأل البائـ ِ‬ ‫ـس‪ ،‬املباغــت‬ ‫ألجمــل املراحــل العمريــة‪ ،‬لذلــك اليافــع‬ ‫أو ذاك الشــاب الســوري‪ ،‬وهــو يســاق إىل‬ ‫خدمــ ٍة (إلزاميــ ٍة) ال تــد ّر ال عليــه وال عــى‬ ‫وطنــه ســوى مــا يتســجل يف ثنايــا الذاكــرة‬ ‫مــن مشــاهد القهــر النفــي ورمبــا االجتامعــي‬ ‫أيضــاً‪.‬‬ ‫إ ًّن ذلــك التطييــف املقيــت للخدمــة‬ ‫اإللزاميــة يف صناعــة الجيــوش‪ ،‬وتحويلهــا بــكل‬ ‫أســاليب اإلهانــة والقســوة عــن موضوعهــا‬ ‫النبيــل (خدمــة الوطــن الســوري) جعــل‬ ‫مــن إحساســنا املرتطــم بجــدار املذلــة يف‬ ‫رضورة التبجيــل للمنظومــة الفئويــة‪ ،‬وللنهــج‬ ‫الفئــوي‪ ،‬وللقــادة الفئويــن‪ ،‬وأنّــه إن أراد أن‬ ‫يكــون (مواطنـاً ســورياً صالحـاً) عليــه أن يت ِّوج‬ ‫ـدي‬ ‫وعيــه وثقافتــه وشــدة بأسـ ِه ومراســه الجنـ ّ‬ ‫والعســكري بياقوتــة الوفــاء للقائــد الرمــز‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واألب املناضــل‪ ،‬وحامــي الحمــى‪ ،‬ومالــئ‬ ‫الدنيــا وشــاغل النــاس رئيــس جمهوريتــه‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫المسادا السورية‬

‫إدارة شــؤونها‪ ,‬وعــن وضعهــا عــى الطريــق‬ ‫الــذي يــؤدي إىل تحقيــق أهدافهــا بــأرسع‬ ‫وقــت وبأقــل الخســائر‪.‬‬ ‫أرسع الوقــت ومــى عليــه أربــع ســنوات‪،‬‬ ‫والخامســة عــى األبــواب‪ ,‬ويبرشنــا أصدقاؤنــا‬ ‫األمريــكان بســنوات أخــرى قادمــة ألن الـراع‬ ‫مــع داعــش طويــل ومعقــد!!‬ ‫وأقــل الخســائر‪ ،‬أكــر مــن ربــع مليــون شــهيد‬ ‫وأضعــاف هــذا الرقــم مــن الجرحــى‪ ,‬وأضعــاف‬ ‫أضعافــه مــن األرامــل واليتامــى‪ ,‬وعــرات‬ ‫آالف املعتقلــن‪ ,‬وماليــن املرشديــن يف الداخــل‬ ‫الســوري ويف الخــارج‪ .‬وميكــن القــول إن أمــر‬ ‫القتــل واالعتقــال والترشيــد يظــل عاديــاً يف‬ ‫ثــورة قامــت عــى نظــام مــن أشــد األنظمــة‬ ‫طغيان ـاً يف العــامل‪ ،‬يقــف عــى رأســه معتــوه ال‬ ‫يبــايل بذبــح مــا يفــرض أنــه شــعبه‪ ,‬عــى يديــه‬ ‫الوطنيتــن‪ ,‬أو عــى أيــاد أخــرى شــقيقة كانــت‬ ‫كلبنانيــة أو عراقيــة‪ ,‬أو اجنبيــة كانــت كفارســية‬ ‫أو روســية أو أفغانيــة أو حتــى كمبوديــة‪ ,‬فــا‬ ‫تهــم جنســيتها‪ .‬أمل يطــرح منــذ البدايــة شــعاره‬ ‫الشــهري‪ :‬األســد أو نحــرق البلــد؟!‬ ‫لكنــه ليــس عادي ـاً مطلق ـاً أن يقــف االئتــاف‬

‫الــذي يحمــل هــم الثــورة متفرجــاً عــى مــا‬ ‫يحــدث‪ ,‬وأقــول متفرجــاً لتخفيــف الوصــف‪,‬‬ ‫فحقيقــة موقفــه أشــد نــكاالً وأكــر انغامسـاً يف‬ ‫وحــول الــذل‪.‬‬ ‫كانــت واضحــة ثــم صــار أكــر وضوحــاً‬ ‫حقيقــة املوقــف األمريــي املهــن مــن الثــورة‬ ‫واالئتــاف‪ ,‬ويقــدم يف كل يــوم دلي ـاً جديــدا ً‪،‬‬ ‫عــى إهانتــه لهــا ولــه‪ ،‬بترصيحــات ذات‬ ‫ســخرية فاقعــة‪ ،‬وعــى ألســنة مســؤويل القمــة‬ ‫فيــه بــدءا ً مــن اوبامــا الــذي مل ي ـ َر يف الثــورة‬ ‫ســوى فانتازيــا يقدمهــا خليــط غــر متجانــس‬ ‫مــن فالحــن وأطبــاء أســنان‪ ،‬ال ميكــن أن‬ ‫يســقطوا نظــام األســد الــذي ال يريــد هــو‬ ‫إســقاطه‪ ,‬ويحــدد هدفــه االسـراتيجي _إمعانـاً‬ ‫يف الســخرية واالذالل_ بزيــادة الضغــط عليــه‬ ‫إلجبــاره عــى التفــاوض مــع املعارضــة للوصــول‬ ‫إىل حــل ســيايس غــر واضحــة معاملــه‪.‬‬ ‫اإلهانــة األمريكيــة لالئتــاف ولدمــاء الســوريني‬ ‫مل تقــف عنــد حــد‪ ،‬واملواقــف املعــرة عنهــا‬ ‫كثــرة عــى مــدار ســنوات الثــورة‪ ,‬خطــوط‬ ‫الكيميــاوي الحمــراء‪ ,‬والتغــايض عــن براميــل‬ ‫املــوت الســوداء‪ ,‬وانتقــاء خمســة آالف مقاتــل‬ ‫لتدريبهــم عــى مــدى شــهور (وكأنــه ليــس‬ ‫لدينــا أضعــاف هــذا العــدد مــن الضبــاط ال‬ ‫الجنــود املتواجديــن يف معســكرات النــزوح‬ ‫والذيــن ال تراهــم العــن األمريكيــة)‪ ،‬والتجاهــل‬ ‫املخــزي لصــور التعذيــب حتــى املــوت التــي‬ ‫قدمهــا «قيــر» يف عقــر الكونغــرس األمريــي‪,‬‬ ‫ومــن أواخــر املواقــف املهينــة مــا جــاءت بــه‬ ‫مجلــة «الفــورن بوليــي» مــن إلغــاء متويــل‬ ‫لجنــة لتقــي جرائــم النظــام داخــل القواعــد‬ ‫العســكرية والســجون‪ ،‬وجمعهــا بغيــة تقديــم‬ ‫رئيــس النظــام إىل املحكمــة الجنائيــة الدوليــة‪,‬‬ ‫ثــم ترصيــح اوبامــا بأنــه يف ســورية ملحاربــة‬ ‫داعــش فقــط‪ ،‬وليــس لــيء آخــر إمعانــاً‬ ‫يف اإلهانــة واإلذالل‪ ,‬وتطــول قامئــة املواقــف‬ ‫املخزيــة لــإدارة األمريكيــة‪..‬‬ ‫وكان واضح ـاً ثــم صــار أكــر وضوح ـاً موقــف‬ ‫أصدقــاء ســورية‪ ،‬الذيــن ســئموا اجتامعــات‬

‫بدأوهــا بوتــرة رسيعــة‪ ،‬وعــى مســتوى وزراء‬ ‫الخارجيــة‪ ،‬وبكامــل هيئــة األصدقــاء‪ ،‬ثــم‬ ‫ســئموا اجتــاع هيئتهــم املصغــرة‪ ،‬وتباعــدت‬ ‫وتريتــه‪ ،‬وتــدىن مســتوى التمثيــل فيــه إىل‬ ‫مســتوى الســفراء‪ ,‬وال يخفــى مــا يف هــذا مــن‬ ‫دليــل عــى مقــدار االهتــام‪.‬‬ ‫ويــأيت موقــف املنظمــة الدوليــة التــي ال ينفــد‬ ‫قلــق أمينهــا العــام مــا يجــري يف ســورية‪,‬‬ ‫وترســل مبعوثــاً لتســويق فكــرة املناطــق‬ ‫املجمــدة (عــى مثــال اللحــوم املجمــدة)‪ ،‬وهــو‬ ‫يتــرف حتــى اآلن متجاهــاً االئتــاف‪ ،‬وكأن‬ ‫لســان حالــه يقــول‪ :‬إنهــم ال ميلكــون مــن األمــر‬ ‫شــيئاً‪ ،‬فلــاذا إضاعــة الوقــت معهــم‪ .‬أهنــاك‬ ‫بعــد هــذا مــن إهانــة وإذالل؟!‬ ‫ثــم تجــيء املواقــف املخزيــة ألشــقائنا العــرب‬ ‫الذيــن خضعــوا بخنــوع مدهــش للضغــط‬ ‫االمريــي لعــدم تســليح الثــوار ‪-‬خشــية وقــوع‬ ‫األســلحة يف األيــدي الخطــأ_ وأظهــروا األســف‬ ‫والحــزن‪ ,‬وأعلنــوا بجــرأة يحســدون عليهــا أنهــم‬ ‫غــر راضــن أبــدا ً عام يجــري يف ســورية‪ ,‬وأعربوا‬ ‫عــن تحديهــم الشــجاع ألمريــكا‪ ،‬فأرســلوا‬ ‫الخيــام والبطانيــات‪ ،‬وســال الغــذاء للنازحــن‬ ‫الســوريني يف مخيامتهــم الصحراويــة الفارهــة‪,‬‬ ‫وأنصتــوا باهتــام بالــغ إىل رصاخ الثــورة‪ ،‬وهــي‬ ‫تغتصــب يف املخيــم املجــاور (رحــم اللــه مظفــر‬ ‫النــواب)‪ ,‬ولعلــه ال يعــد إذالالً‪ ،‬وال إهانــة مــا‬ ‫قامــت بــه الشــقيقة الكــرى مــن فــرض تأشــرة‬ ‫دخــول عــى الســوريني‪ ,‬رمبــا نكايــة باملوقــف‬ ‫الــريك منهــم‪ ,‬كــا ال يعــد إذالالً‪ ،‬وال إهانــة‬ ‫طــرد أحــد أعضــاء وفــد االئتــاف مــن مطــار‬ ‫القاهــرة‪ ،‬وإعادتــه إىل عرينــه يف اســطنبول غــر‬ ‫معــزز وال مكــرم‪.‬‬ ‫وصــارت واضحــة مواقــف أمــراء الحــرب يف‬ ‫الداخــل‪ ،‬الذيــن يقــودون الفيالــق واأللويــة‬ ‫والكتائــب والجبهــات‪ ,‬فقــد نســوا عدوهــم‬ ‫وانخرطــوا‪ ،‬إال قليــاً منهــم ببســالة فائقــة يف‬ ‫قتــال بعضهــم البعــض‪ ,‬وفاحــت رائحــة فســاد‬ ‫الكثرييــن منهــم‪ ,‬وليــس لالئتــاف عندهــم‬ ‫وزن يقيمونــه‪ ,‬واذا مــا صــار توقيــع اتفــاق‬

‫بــن املؤتلفــن‪ ،‬وأم ـراء الحــرب هــؤالء فهــو إىل‬ ‫االســتجداء أقــرب أو هــو االســتجداء عينــه‪.‬‬ ‫وال نتطــرق يف هــذا الســياق إىل مــا يــدور بــن‬ ‫أعضــاء االئتــاف أنفســهم مــن نقــد بعضهــم‬ ‫البعــض «نقــدا ً موضوعيـاً» يعتــر دليـاً ســاطعاً‬ ‫عــى املســتوى العــايل مــن الدميقراطيــة التــي‬ ‫ميارســونها فيــا بينهــم توطئــة لتطبيقهــا‬ ‫عــى الطبيعــة يف ســورية املســتقبل التــي‬ ‫ســيحكمونها‪.‬‬ ‫هــذا كلــه يحــدث يف رابعــة النهــار‪ ,‬وال يجــد‬ ‫الســادة املؤتلفــون‪ ،‬ردا عــى املواقــف املذلــة‬ ‫واملهينــة ســوى إبــداء األســف‪ ،‬ألن أشــقاءنا‬ ‫وأصدقاءنــا ال يقدمــون الدعــم الــكايف‪ ,‬وهــم‬ ‫يف هــذا غــر دقيقــن متام ـاً إذ البــد أن يكــون‬ ‫الدعــم الــدوالري كافيــاً بدليــل إنشــاء لجنــة‬ ‫ائتالفيــة تختــص بشــؤون املوازنــة‪.‬‬ ‫بــدأت الثــورة رائعــة قــام بهــا شــعب واحــد‬ ‫يريــد العــزة والكرامــة‪ ,‬وانتهــت يتيمــة عــى‬ ‫موائــد كل اللئــام املذكوريــن آنفـاً‪ ,‬تــأيت الكرامة‬ ‫يف آخــر اهتاممــات املتطاحنــن فيهــا‪.‬‬ ‫هنــا نســتحرض أســطورة «املســادا» اليهوديــة‬ ‫ونطــرح الســؤال‪ :‬ملــاذا ال يقــدم املؤتلفــون عــى‬ ‫مــا أقــدم عليــه يهــود «املســادا» فيعقــدون‬ ‫مؤمتــرا ً صحفيــاً بكامــل هيئتهــم (فعددهــم‬ ‫قليــل‪ ،‬وميكــن جمعهــم يف قاعــة واحــدة)‬ ‫يعلنــون فيــه رفضهم لــإذالل األمريــي واألوريب‬ ‫والعــريب‪ ،‬ويكشــفون فيــه حقيقــة مواقــف‬ ‫األشــقاء واألصدقــاء املســاهمني بذبــح الثــورة‬ ‫الســورية‪ ،‬والشــعب الســوري‪ ،‬فليــس الذبــح‬ ‫مقتــرا ً عــى داعــش‪ ,‬ويضعــون املنظمــة‬ ‫الدوليــة‪ ،‬والجامعــة العربيــة‪ ،‬واألصدقــاء‬ ‫واألشــقاء وأمــراء الحــرب أمــام مســؤولياتهم‪,‬‬ ‫ويعلنــون انســحابهم مــن العمــل الســيايس‪،‬‬ ‫ومــن اإلمســاك بدفــة الثــورة واملعارضــة (إذا‬ ‫كانــوا يظنــون أنهــم ممســكون بهــا)‪ ،‬فيقدمــون‬ ‫بهــذا عــى االنتحــار _ال جســدياً ال ســمح‬ ‫اللــه فنحــن ضنينــون بهــم_ بــل سياســياً‪,‬‬ ‫ويســتحرضون «املســادا» مــن أعــاق التاريــخ‪,‬‬ ‫ولكنهــا يف هــذه املــرة «مســادا» ســورية‪.‬‬

‫العنف والعنف المقدس‬ ‫وقائــد جيشــه‪ ،‬وعليــه أن يعلــم أنــه دون‬ ‫هــذه (الرتبيــة العقائديــة) لــن يكــون الوطــن‬ ‫مبنــأى عــن اســتقالليته‪ ،‬ومنعتــه‪ ،‬وأنهــا الــدرع‬ ‫الحصــن لســوريا فعليــه أن ميــارس جنديتــه‬ ‫املجهولــة دون تــردد أو كلــل‪.‬‬ ‫بهــذه الصــورة املوغلــة يف األيديولوجيــا‬ ‫والنمطيــة املبتذلــة للعســكر‪ ،‬تــم حــر‬ ‫(الناشــئة الســوريني) وإعدادهــم بإطــار‬ ‫مؤسســات الطالئــع‪ ،‬ثــم الفتــوة‪ ،‬ثــم الشــبيبة‪،‬‬ ‫ثــم اتحــاد الطلبــة‪ ،‬ثــم حزبيــن بعثيــن ‪-‬‬ ‫دومنــا أي إرادة منهــم ‪ -‬إن مل يتــم إلحاقــه‬ ‫مبؤسســة (الجيــش العــريب الســوري)‪ ،‬وهــي‬ ‫املؤسســة التــي تأسســت لتكــون الرافعــة‬ ‫الكاذبــة للمــروع العــرويب والقومــي والعمــد‬ ‫إىل إهــال املكونــات القوميــة األخــرى‪ ،‬إذ تــم‬ ‫الرتكيــز يف بنائهــا عــى األقليــات املذهبيــة دون‬ ‫العرقيــة‪ ،‬فلــم نجــد ضابطـاً من الكــورد يف تلك‬ ‫املؤسســة العســكرية بالرغــم مــن أن الكوردية‬ ‫تشــكل القوميــة الثانيــة يف البــاد‪ ،‬وكان مــن‬ ‫املفــرض أن تشــارك بقــوة يف الجيــش‪ ،‬حتــى‬ ‫ال يتشــظى املفهــوم العــام للوطنيــة الســورية‬ ‫وليبقــى النســيج االجتامعــي الســوري دومنــا‬ ‫أي تهتــك‪ ،‬يف الوقــت الــذي تــم فيــه اســتبعاد‬

‫الكثــر مــن الضبــاط املرموقــن انطالق ـاً مــن‬ ‫تقييمــه عــى أنــه مــن املذهــب السـ ّني‪ ،‬وهــو‬ ‫الســلوك املقيــت الــذي م َّهــ َد لالصطفافــات‬ ‫املذهبيــة عــى حســاب وحــدة (الهويــة‬ ‫الوطنيــة الســورية) الجامعــة واالندماجيــة‬ ‫لــكل الســوريني عــى مختلــف انتامءاتهــم‬ ‫ومشــاربهم‪.‬‬ ‫جملــة هــذا التخريــب النفــي واالجتامعــي‬ ‫والثقــايف يف بنــاء أجيــال متعاقبــة أدمنــت‬ ‫مقولــة‪« :‬الــراع العــريب اإلرسائيــي» وأننــا‬ ‫دولــة املواجهــة األوىل‪ ،‬وأننــا حاملــو لــواء‬ ‫(املقاومــة واملامنعــة) ونعمــل لقضايــا‬ ‫التحريــر العــريب ‪ -‬بالرغــم مــن إجهــاض‬ ‫النظــام الســوري لــكل القضايــا التــي عمــل‬ ‫لهــا ورفعهــا مــن خــال الشــعارات ‪ -‬هــذه‬ ‫الخلطــة غــر املتجانســة واكبــت ســيطرة‬ ‫النظــام الكاملــة عــى املؤسســة الدينيــة‬ ‫أيض ـاً والتــي متثــل ضمــر النــاس ووجدانهــم‬ ‫املــوروث بــكل اختالفاتــه وتلويناتــه‪ ،‬فســخرها‬ ‫وهيمــن عليهــا ووظَّفهــا جيــدا ً يف صناعــة‬ ‫املــوت واإلرهــاب‪ ،‬كل ذلــك جعــل منــه‬ ‫أخطبوط ـاً إقليميــا يف اإلج ـرام وم ـ َّد أذرعــه يف‬

‫كل قضايــا الجــوار وعــزز وجــوده مبيليشــيات‬ ‫مذهبيــة وقوميــة بدعــوى التح ـ ّرر والتحريــر‪،‬‬ ‫وصــارت لديــة قــدرة ال تضاهــى يف صناعــة‬ ‫العنــف وتصديــره مبجــال الــرق األوســط‪،‬‬ ‫فمــن لبنــان إىل العــراق إىل األردن إىل تركيــا‬ ‫وهــي بلــدان تتجــاور معــه لكنهــا يف رصاعــات‬ ‫دامئــة مــع النظــام الســوري‪ ،‬وقــد ضحــى‬ ‫بشــكل مســتمر‪ ،‬بالكثــر مــن املصالــح الوطنية‬ ‫الســورية االقتصاديــة والسياســية منهــا‪ ،‬لتنفيذ‬ ‫مآربــه الفئويــة واملافيويــة الضيقــة‪ ،‬هــذه‬ ‫القــدرات ارتبطــت ارتباط ـاً غــر ذي انفــكاك‬ ‫مــع موجــة اإلرهــاب العاملــي واســتطاع النظام‬ ‫توظيــف هــذه املوجــة الدعائيــة يف أكــر مــن‬ ‫موضــع بتحالــف موضوعــي واضــح ال يخ َفــى‬ ‫إال عــى مــن كان ســاذجاً‪.‬‬ ‫يف املقلــب اآلخــر وكــا يقــال‪ :‬أثخــن النظــام‬ ‫وأمعــن يف اضطهــاد املجاميــع اإلســامية التــي‬ ‫كانــت تشــذ عــن االســتيعاب يف مؤسســته‬ ‫الدينيــة‪ ،‬مــع مالحظــة أنــه كان يدعــم حــزب‬ ‫اللــه وحــاس (حــركات دينيــة مذهبيــة)‬ ‫بالرغــم مــن أنــه النظــام املوســوم بالعلامنيــة‬ ‫يضــاف إليهــا (عنفــه املضــاد) للعنــف الــذي‬

‫اســتخدمه اإلخــوان املســلمون يف محاولتهــم‬ ‫إنهــاء النظــام بالقــوة إبــان الثامنينيــات‪ ،‬كل‬ ‫هــذا جعــل مــن النظــام خبـرا ً بهــذه املجاميــع‬ ‫وعقائدهــا الجهاديــة باإلضافــة إىل إمســاكه‬ ‫باخرتاقــات قويــة لهــذه التنظيــات‪ ،‬فــراه‬ ‫يســجنهم متــى شــاء‪ ،‬ويعفــو عنهــم متــى أراد‪،‬‬ ‫مــع وجــود قــدرة عاليــة لديــة عــى التنبــؤ‬ ‫بســلوك هــذا الجامعــات الجهاديــة‪ ،‬وميلــه إىل‬ ‫تثبيــت عقائــده بــكل الوســائل املحرمــة وهــو‬ ‫مــا نحــاول تســميته اصطالحـاً ظاهــرة (العنف‬ ‫املقــدس) تجــى ذلــك جلي ـاً وواضح ـاً عندمــا‬ ‫حــاول النظــام ركــوب ظهــر الثــورة واملجتمــع‪،‬‬ ‫فركــب املجتمــع وأمســك الســلطة ألكــر مــن‬ ‫أربعــة عقــود عــر التجنيــد االجبــاري ومــارس‬ ‫العنــف يف االعتقــال والعســف والتعذيــب‪،‬‬ ‫حتــى فاجأتــه الثــورة الســورية بشــعارات‬ ‫الحريــة والســلمية‪ ،‬فــأراد أن يقوضهــا بأنيــاب‬ ‫العنــف املقــدس والتوحــش الــذي نجــم عنــه‪،‬‬ ‫تــؤازره يف ذلــك مصالــح دوليــة وإقليميــة‬ ‫تتلطــى وراء مصالــح االقتصــاد والسياســة‪،‬‬ ‫لتنتهــك كل حرمــات الشــعب الســوري بآليــة‬ ‫العنــف املقــدس يقدمــون إلينــا مــن كل فــج‬ ‫عميــق محملــن بالســكاكني واألوزار‪.‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫‪8‬‬

‫البعث من الفكر القومي إلى الفكر اإلسالموي‬ ‫بهنان يامين‬ ‫تأســس حــزب البعــث العــريب عــام ‪ 1947‬غــداة‬ ‫اســتقالل ســورية‪ ،‬بالطبــع كان حــزب البعــث العــريب‬ ‫يحمــل «رســالة قوميــة»‪ ،‬التــي كانــت يف الحقيقــة رســالة‬ ‫قومويــة‪ ،‬ذو بعــد رومانــي‪ ،‬بعيــدة كل البعــد عــن‬ ‫أي فكــر قومــي‪ ،‬لريدفهــا يف بدايــة خمســينات القــرن‬ ‫املنــرم‪ ،‬وإثــر اندماجــه بالحــزب العــريب االشــرايك‪،‬‬ ‫باشــراكية هيوليــة‪ ،‬مل تكــن أيضــاً نتــاج فكــر اشــرايك‬ ‫بــل نتيجــة اش ـراكية شــعبوية‪ ،‬قادهــا أكــرم الحــوراين يف‬ ‫دفاعــه عــن فالحــي حــاة ضــد «االقطــاع»‪ ،‬الــذي تبــن‬ ‫فيــا بعــد بأنــه مل يكــن كذلــك‪ ،‬بــل كانــوا عبــارة عــن‬ ‫مزارعــن ومــايك أراض وعــال زراعــن‪.‬‬ ‫ركــب العســكر البعــث منــذ بداياتــه‪ ،‬فكانــت الكلمــة‬ ‫الفصــل يف البعــث للضبــاط‪ ،‬الذيــن أدانــوا بالــوالء‬ ‫بالدرجــة األوىل ألكــرم الحــوراين أكــر منــه للبعــث‪.‬‬ ‫اســقطت القــوى العســكرية الوحدويــة االنفصــال‪،‬‬ ‫بعــد أن كان الضبــاط البعثيــن يف الع ـراق قــد اســقطوا‬ ‫حكــم عبــد الكريــم قاســم‪ ،‬وانقــض العســكر البعثيــون‬ ‫عــى القــوى الوحدويــة لينفــردوا بالســلطة يف ســورية‬ ‫ايض ـاً‪ ،‬لتكتشــف القــوى البعثيــة املدنيــة بــأن ال برنامــج‬ ‫ســيايس او اقتصــادي لديهــا ملامرســة الحكــم يف كال‬ ‫القطريــن‪ ،‬فتوالــت املؤمتــرات القطريــة يف العــراق اوالً‬ ‫ويف ســورية ثانيــة‪ ،‬ليطلعــوا بربامــج مرحليــة‪ ،‬وصــوالً إىل‬ ‫املؤمتــر القومــي الســادس ذي البعــد الفكــري اليســاري‪،‬‬ ‫ولكــن العســكر انقضــوا عــى مقــررات املؤمتــر القومــي‬ ‫الســادس يف العــراق وســورية‪.‬‬ ‫مــع ســقوط البعــث يف العـراق‪ ،‬بقي البعث يف الســلطة‬ ‫يف ســورية‪ ،‬وعقــد البعثيــون مؤمتـرا ً قوميـاً ســابعاً‪ ،‬أضعف‬ ‫العســكر مبوجبــه قيادتــه القوميــة‪ ،‬وكان هــذا املؤمتــر‬ ‫بدايــة تراجــع البعــد القومــي العــريب للبعــث‪ ،‬لتســقط‬ ‫هــذه القيــادة بالرضبــة القاضيــة يف صبيحــة ‪ 23‬شــباط‬

‫أحمد سليمان‬ ‫قبــل أي يشء ال بــد للعــامل أن يفهــم حقيقــة‬ ‫ثابتــة‪ ،‬تتمثــل بواقــع منظمــة األمــم املتحــدة‪،‬‬ ‫فقــد أثبتــت بأنهــا أصبحــت راعيــة للعدالــة‬ ‫اإلقصائيــة‪ ،‬فحــدث يف كواليســها‪ ،‬وسـ ّنت عــر‬ ‫مواثيقهــا ق ـرارات ســاهمت بتعزيــز وترشيــع‬ ‫الجرائــم التــي يرتكبهــا رؤســاء دول بحــق‬ ‫شــعوبهم‪ ،‬بالتــايل نحــن أمــام عدالــة تحتــاج‬ ‫ملراجعــة وتطويــر‪ ،‬عــى اعتبــار أن هــذه‬ ‫القوانــن أصبحــت بنــوداً قدميــة وفالتــة‪.‬‬ ‫ســنوات والعــامل كلــه يتفــرج عــى مشــاهد‬ ‫دمويــة بــدأت بتونــس ومــر ثــم ليبيــا‬ ‫واليمــن‪ ،‬واســتقرت يف ســوريا منــذ ســنوات‬ ‫بــدأت يف مــارس ‪ 2011‬ثــورة مــن دمشــق‬ ‫ودرعــا وحمــص‪ ،‬ثــم الرســن وديــر الــزور وبعد‬ ‫عــام يف حلــب‪ ،‬ثــم تحــررت الرقــة قبــل عــام‪،‬‬ ‫لتســتلمها قــوى الجهالــة والرببريــة‪ ،‬زرعهــا‬ ‫النظــام قبــل انســحابه التكتيــي مــن املدينــة‪،‬‬ ‫وهكــذا ببســاطة كان مربمج ـاً دخــول داعــش‬ ‫بتغــاض واضــح مــن قبــل النظــام‪ ،‬بعــد‬ ‫اخرتاقهــا مــن هــذا األخــر وتهيئــة الــدور‬ ‫املنــاط بــه‪ ،‬وهــو اســباغ صــورة مشــوهة عــن‬ ‫الثــورة‪ ،‬وايهــام العــامل بــأن مــا يحــدث ليــس‬ ‫بثــورة ‪ ،‬ثــم اإلشــارة مــن خــال ذلــك إىل‬ ‫الســوريني وإيهامهــم ببديــل غــر مأمــول‪.‬‬ ‫كل يشء واضــح وال لُبــس فيــه‪ ،‬أمــا الالفــت‬ ‫اليــوم‪ ،‬مل نقــرأ قــرارا ً دوليــاً حازمــاً‪ ،‬ســوى‬ ‫بعــض إدانــات ال تســتحق حتــى التأمــل فيهــا‪.‬‬ ‫انســحب هــذا القصــور الفظيــع حتــى عــى‬ ‫مســتوى بعــض كتــاب ومفكريــن ومثقفــن‬ ‫ك ّنــا نتوقــع منهــم دورا ً احتجاجي ـاً فاع ـاً‪ ،‬ضــد‬ ‫القتــل والقصــف والتدمــر لإلنســان والوطــن‪.‬‬ ‫مــرت أعــوام كانــت األكــر وحشــية ودمويــة‪،‬‬ ‫تخطــت معايــر الحــروب واالقتتــال منــذ مــا‬

‫‪ ،1966‬ليرتاجــع البعــد القومــي لصالــح البعــد القطــري‪،‬‬ ‫رغــم قيــادة قوميــة هزيلــة‪.‬‬ ‫مــع هــذه الدولــة القطريــة كان هنــاك خطــر جديــد‬ ‫يهــدد الدولــة الســورية‪ ،‬أال وهــو بدايــة املامرســة‬ ‫الطائفيــة يف الحــزب والدولــة واملجتمــع‪ ،‬حيــث كان‬ ‫العســكر املنتمــون إىل الطائفــة العلويــة‪ ،‬وخاصــة اإلخــوة‬ ‫األســد‪ ،‬ميارســون طائفيــة بغيضــة جعلــت باقــي مكونــات‬ ‫الشــعب الســوري تشــمئز مــن هــذه املامرســات‪ .‬بالطبــع‬ ‫البــد مــن التأكيــد بــأن ليــس كل الطائفــة العلويــة كانــت‬ ‫مــع هــذه املامرســات‪ ،‬فقــد رفضهــا املخلصــون منهــم‬ ‫أســوة باملجتمــع الســوري بــكل مكوناتــه‪.‬‬ ‫‪ 1970‬انفــرد حافــظ األســد بالســلطة‪ ،‬ليحــول البعــث‬ ‫إىل كاريكاتــور حــزب قومــي‪ ،‬ولــي يكســب النــاس أعلــن‬ ‫دســتورا ً عــى قياســه‪ ،‬ولكنــه أعلــن إســامية الدولــة‬ ‫الســورية يف املــادة الثالثــة والرابعــة مــن الدســتور‪ ،‬ولــي‬ ‫تنطبــق عليــه املــادة الثالثــة منــه‪ ،‬لجــأ األســد األب إىل‬ ‫اإلمــام مــوىس الصــدر‪ ،‬الــذي أعطــاه شــهادة بأنــه مســلم‪،‬‬ ‫كــون العلويــن شــيعة‪ .‬ومــن يــدري فقــد يكــون الثمــن‬ ‫الــذي قبضــه مــوىس الصــدر هــو ســاح األســد بسياســة‬ ‫التشــيع‪ ،‬التــي كانــت جمعيــة اإلمــام املرتــى بزعامــة‬ ‫جميــل األســد‪ ،‬عتلــة سياســة التشــيع هــذه‪.‬‬ ‫مــارس حافــظ األســد سياســة تقديــم املخلصــن مــن‬ ‫طائفتــه للمراكــز األساســية يف القيادات األمنيــة والقيادات‬ ‫العســكرية‪ ،‬فــكان القـرار دامئـاً يف يــد املســتزملني لــه مــن‬ ‫أبنــاء الطائفــة‪ ،‬وهــذا مــا دفــع األكرثيــة مــن الشــعب‬ ‫الســوري إىل ردة فعــل‪ ،‬ارمتــوا خاللهــا يف أحضــان اإلخــوان‬ ‫املســلمني‪ ،‬أي الهــروب إىل الفكــر الدينــي‪ ،‬عــى حســاب‬ ‫الفكــر الدميوقراطــي الــذي وضــع شــبابه يف ســجون‬ ‫النظــام لســنوات مديــدة بــا محاكــات‪ ،‬وهــم الذيــن‬ ‫كان مــن املفــروض فيهــم التصــدي للفكــر الدينــي‪.‬‬ ‫دخــل األســد يف رصاع مــع القــوى االســامية‪ ،‬وبطــش‬

‫بهــم بطريقــة بربريــة‪ ،‬فشــهدت املــدن الســورية العديــد‬ ‫مــن املجــازر التــي ارتكبهــا النظــام‪ ،‬مل تكــن مجــزرة‬ ‫املشــارقة يف حلــب إال بدايتهــا‪ ،‬تلتهــا مجــزرة ســجن تدمر‬ ‫التــي نفــذت نتيجــة محاولــة اغتيــال حافــظ األســد عــام‬ ‫‪ 1980‬ووصــوالً إىل مجــزرة حــاة الشــهرية عــام ‪1982‬‬ ‫حيــث اســتبيحت املدينــة ودمــر قســمها األكــر‪ ،‬وكل‬ ‫دور العبــادة مــن مســاجد وكنائــس‪ ،‬وال زال الكثــرون‬ ‫يختلفــون حــول عــدد ضحاياهــا الــذي بلــغ عــرات‬ ‫األلــوف مــن البــر‪ ،‬باإلضافــة إىل حــاالت االغتصــاب‬ ‫والرسقــة والنهــب الــذي مارســته رسايــا الدفــاع بقيــادة‬ ‫الســفاح رفعــت األســد‪.‬‬ ‫بعــد اســتتباب األمــور لألســد‪ ،‬مل يكتـ ِ‬ ‫ـف هــذا األخــر‬ ‫بــرب القــوى اإلســامية‪ ،‬بــل رضب كل القــوى املعارضــة‬ ‫لنظامــه أيضــاً‪ ،‬وبعدهــا اتجــه إىل اســرضاء القــوى‬ ‫اإلســامية‪ ،‬لــريض دول الخليــج وعــى رأســها الســعودية‪،‬‬ ‫وذلــك باإلكثــار مــن بنــاء الجوامــع‪ ،‬وترخيــص املــدارس‬ ‫والكليــات الرشعيــة‪ ،‬ودعــم تأســيس القبيســيات‪ ،‬ومكنهــا‬ ‫مــن الســيطرة عــى معظــم املــدارس الخاصــة يف دمشــق‪،‬‬ ‫كــا أن األجهــزة األمنيــة غضــت الطــرف عــن نشــاطها يف‬ ‫البيــوت‪ ،‬حيــث أخــذت تغســل دمــاغ النســوة مــن أمهات‬ ‫وأخــوات وبنــات‪ ،‬لينــروا النقــاب يف املجتمــع الســوري‬ ‫حيــث تراجــع دور املــرأة الســورية مــن امــرأة رائــدة إىل‬ ‫امــرأة مختبئــة وراء ايدولوجيــة دينيــة انغالقيــة‪.‬‬ ‫مــات حافــظ األســد وورثــه ابنــه بشــار‪ ،‬وكان خطــاب‬ ‫قســمه محــط تفــاؤل للمثقفــن‪ ،‬ولكــن مل متــر أشــهر إال‬ ‫وكانــت الســجون تغــص بالقــوى الدميوقراطيــة‪ ،‬لتعــود‬ ‫القبضــة األمنيــة مــن جديــد وبشــكل أكــر فســادا ً وأكــر‬ ‫قمع ـاً مــن عهــد أبيــه‪.‬‬ ‫احتــل االمريكيــون العــراق عــام ‪ ،2003‬وأخــذت‬ ‫األجهــزة األمنيــة الســورية تصــدر «املجاهديــن» إىل‬ ‫العـراق‪ ،‬حيــث لعــب محمــد غــول اغــايص امللقــب بــأيب‬

‫القعقــاع دورا ً بــارزا ً بتدريــب املجاهديــن إلرســالهم إىل‬ ‫العـراق‪ ،‬حيــث دعمــوا هنــاك منظمــة الزرقــاوي التابعــة‬ ‫للقاعــدة‪ ،‬ومــن كان يرتاجــع منهــم كانــت الســجون‬ ‫الســورية تعــج بهــم‪.‬‬ ‫‪ 15‬اذار ‪ 2011‬كانــت بدايــة الثــورة الســورية الســلمية‪،‬‬ ‫أصــم الطاغيــة األســدي أذنيــه عــن مطالــب اإلصــاح‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأصــدر مجموعــة كبــرة مــن مراســيم العفــو العــام‪ ،‬مل‬ ‫يخــرج مبوجبهــا إال املتطرفــن اإلســامويني‪ ،‬ليلعبــوا الــدور‬ ‫املطلــوب منهــم‪ ،‬يف نــر التطــرف اإلســاموي يف كل أنحاء‬ ‫ســورية‪ ،‬حيــث أردفهــم املالــي مبتطرفــن مــن عنــده‪،‬‬ ‫حيــث ســهل هروبهــم مــن الســجون العراقيــة ليأتــوا‬ ‫ويقاتلــوا يف ســورية‪ ،‬حيــث أعلنــوا عــن تأســيس الدولــة‬ ‫اإلســامية يف الع ـراق والشــام واملعروفــة بداعــش‪.‬‬ ‫ســهل نظــام األســد لداعــش احتــال الرقــة‪ ،‬ومحاولــة‬ ‫الســيطرة عــى ديــر الــزور وآبــار النفــط‪ ،‬وعندمــا انقلبت‬ ‫هــذه الدولــة عــى املالــي واحتلــت املوصــل‪ ،‬عــادت‬ ‫إىل ســورية مدججــة بالســاح الثقيــل لتحكــم ســيطرتها‬ ‫بشــكل كامــل عــى محافظــة الرقــة‪ ،‬بإســقاطها الفرقــة‬ ‫الســابعة عــر ومطــار الطبقــة العســكري وآبــار النفــط‬ ‫يف ديــر الــزور الــخ‪ ...‬مــن االنتصــارات عــى جيــش النظــام‬ ‫الســوري‪.‬‬ ‫تكشــف للجميــع بــأن معظــم قيــادات داعــش هــي‬ ‫عراقيــة‪ ،‬وكلهــم مــن كبــار ضبــاط الجيــش العقائــدي‬ ‫للبعــث العراقــي‪ ،‬جيــش صــدام حســن‪ ،‬الذيــن اختفــوا‬ ‫يف ســورية بعــد ســقوط نظــام طاغيتهــم يف بغــداد‪،‬‬ ‫ليتحالفــوا مــع جامعــة الزرقــاوي لتشــكيل قــوة عســكرية‬ ‫إســاموية متطرفــة‪.‬‬ ‫خالصــة القــول تراجــع البعــث مــن العمــق القومــي‬ ‫العــريب إىل العمــق اإلســاموي املتطــرف‪ ،‬الــذي يزيــد‬ ‫الــرخ الطائفــي والعنــري يف كل مــن املجتمعــن‬ ‫العراقــي والســوري‪.‬‬

‫معمودية الدم السوري والعدالة الفالتة‬

‫يزيــد عــن مائــة عــام‪ ،‬الحــرب عــى ســوريا‬ ‫وشــعبها‪ ،‬ليــس مــن قبــل مــن أوهمنــا حافــظ‬ ‫األســد ونظامــه بأنــه عدونــا‪ ،‬بــل يقــود الحــرب‬ ‫يف هــذه املــرة أغبــى مخلــوق عرفتــه البرشيــة‪،‬‬ ‫وهــو أص ـاً يجمــع بــن الحامقــة والتخريــف‬ ‫عــى هيئــة مســخ‪ ،‬ســليل عائلــة مجرمــة مل‬ ‫تنجــب لبالدنــا إال ســموم وويــات ومجــازر‪،‬‬ ‫ابــن و»حافــظ» لنهــج أكــر مــن مجــازر‪ ،‬بــل‬ ‫تدمــر بحــق شــعب وبــاد وهويــة… ابــن‬ ‫ذات العائلــة التــي احتلــت ســوريا‪.‬‬

‫ال يختلــف اثنــان‪ ،‬أن أطرافــاً نشــأت ضمــن‬ ‫الفــوىض التــي عــزز دورهــا النظــام‪ ،‬بهــدف‬ ‫تســفيه الثــورة واخرتاقهــا‪ ،‬كانــت الفــوىض التــي‬ ‫زرعهــا النظــام يف بيئــات معينــة‪ ،‬محــارصة‬ ‫مناطــق‪ ،‬ومنــع امــدادات الطعــام والــراب‬ ‫عنهــا‪ ،‬لتقتحمهــا بأشــكال مختلفــة عــر‬ ‫القصــف بالطائــرات والصواريــخ‪ ،‬يف حــاالت‬ ‫كثــرة تــم اســتخدام قنابــل النابــامل وخزانــات‬ ‫محشــوة مبتفجــرات‪ ،‬وعندمــا يئــس مــن‬ ‫الســيطرة اســتخدم هجومــاً كيميائيــاً واســعاً‬

‫عــى غوطتــي دمشــق‪ ،‬وقبــل ذلــك عــى‬ ‫منطقــة خــان العســل يف حلــب‪.‬‬ ‫اإلشــكالية متثلــت بالعدالــة الدوليــة‪ ،‬وهيئــات‬ ‫أممهــا التــي أثبتــت شــيخوختها أمــام حــل‬ ‫النزاعــات واألزمــات‪ ،‬ليــس يف ســوريا فحســب‪،‬‬ ‫إمنــا يف عــدد مــن دول العــامل‪ ،‬مــع كل‬ ‫هــذا وذاك مــا زلــت مثــل كثرييــن يف ســوريا‬ ‫وخارجهــا‪ ،‬مؤمن ـاً بعدالــة ثورتنــا عــى النظــام‬ ‫الفــايش‪ ،‬يف الوقــت ذاتــه أضــع يف الحســبان‬ ‫أننــا نحــن الســوريني‪ ،‬وقعنــا بفــخ نصبــه لنــا‬ ‫تجــار الحــروب‪ ،‬وأجهــزة املخابــرات‪ ،‬أولئــك‬ ‫الذيــن راحــوا يتقاذفــون بنــا‪ ،‬يف وقــت تــرذم‬ ‫املعارضــة التاريخيــة التــي أنتمــي وأعتــز‬ ‫بثقافتهــا منــذ مــا يزيــد عــن ربــع قــرن‪.‬‬ ‫جحـــــا األســـــد‪:‬‬ ‫بالرغــم مــن احتقــان البالد عــى خلفيــة الرتاكم‬ ‫الفوضــوي الفاجــع واملميــت‪ ،‬كان رهاننــا قامئـاً‬ ‫عــى بنيــة الشــعب الســوري بــكل رشائحــه‬ ‫وأطيافــه‪ ،‬ذلــك أن الفــوىض املريبــة هــي‬ ‫ُمركبــة‪ ،‬نتــاج برمجــة ممنهجــة مــن النظــام‬ ‫ذاتــه الــذي تحــول ملجموعــة عصابــات‪ ،‬هــؤالء‬ ‫يتــم إدارة رؤوســهم مــن قبــل مخابـرات دوليــة‬ ‫أسســت لنفســها بــؤرا ً تتحكــم بطبيعــة الـراع‬ ‫يف ســوريا‪ ،‬وكذلــك تعــرف كــم عــدد الســنوات‬ ‫التــي رســمتها لهــذه الحــرب حينــاً‪ ،‬لتفلتهــا‬ ‫بأحايــن أُخــرى تحــت مســميات تأخــذ مكانهــا‬ ‫بأروقــة أمميــة وعدالــة فالتــة‪ ،‬مــن هــذه‬ ‫الخاصيــة يتــم فهــم انتخابــات املهزلــة التــي‬ ‫تــم اإلعــداد لهــا‪ .‬بشــكل أقــرب إىل الكوميديــة‬ ‫الهزليــة‪.‬‬ ‫هكــذا‪ ،‬بعــد فشــل النظــام الســوري بالرغــم‬ ‫مــن تحصنــه وراء دعــم دويل‪ ،‬والســاح‬ ‫بتدخــل ســافر لــكل مــن روســيا وإيــران‬ ‫وعصابــات «حالــش» واملالــي إىل جانــب‬

‫تحالــف ضمنــي مــع عصابــات «داعــش»‪،‬‬ ‫وخســارته يف جبهــات قتاليــة مبواجهــة قــوى‬ ‫الثــورة (كــا هــو ثابــت للعــامل وللســوريني‬ ‫خصوصــاً) تبــن أن بشــار األســد ليــس ســوى‬ ‫أضحوكــة للتهريــج‪ ،‬وهــو قــد حــاول خــداع‬ ‫الســوريني بانتخابــات ُمبكــرة ليتــه فعلهــا قبــل‬ ‫أعــوام ثالثــة ولبــى مطالبــات الســوريني‪ ،‬أو أنــه‬ ‫اســتمع إلينــا يف يف ‪ 27‬مايــو ‪ 2006‬حــن رشــح‬ ‫نفســه لالنتخابــات‪ ،‬ومنــع أي شــخص منافــس‬ ‫لرتشــيح نفســه‪( ،‬راجــع مــانفيســـــتو ‪ 27‬ماي‪/‬‬ ‫مــن أجــل دحــر أعــرق دكتاتوريــة اغتصبــت‬ ‫الدولـــة) كان قــد ج ّنــب البــاد ويــات أكــر‬ ‫مــن نصــف مليــون بــن شــهيد وفقيــد وســجني‪،‬‬ ‫وأكــر مــن عــرة ماليــن نــازح ومــرد داخــل‬ ‫بلــد تتقاســمه أطــاع محليــة ودوليــة‪ ،‬وقرابــة‬ ‫أربعــة ماليــن ينتــرون يف بلــدان الجــوار‬ ‫والعــامل‪ ،‬بــن الجــئ وهــارب ومجهــول الهــدف‬ ‫واملســتقبل – أنجــز انتخابــات ورأينــا عــى‬ ‫شاشــات التلفــاز وأرشطــة الفيديــو املرسبــة‬ ‫آليــة جمــع الناخبــن‪ ،‬بــل ارغامهــم فيــا كانت‬ ‫طائ ـرات ( ُحــاة الوطــن) تقصــف املدنيــن يف‬ ‫املناطــق املحــررة‪ ،‬انتخابــات بــا شــك‪ ..‬لكنهــا‬ ‫ممرغــة بــدم الســوريني‪ ..‬يف محاولــة غبيــة مل‬ ‫يســبقها مثيــل‪.‬‬ ‫إنــه أكــر مــن منتــر تعــرف فيــه ثلَّــة مــن‬ ‫الحمقــى وعائلتــه‪ ،‬مــع ذلــك أعلــن نتائــج‬ ‫بفــوز كاســح لــه عــى ‪ 24‬مليــون ســوري‪،‬‬ ‫ومــا ال شــك فيــه لــو أنجــزت مؤسســة‬ ‫أبحــاث حياديــة اســتطالعاً ســوف تكتشــف‬ ‫بــأن ‪ 90‬باملائــة يرفضــون اســتمراره كرئيــس‪،‬‬ ‫بــل يطالبــون قــوى العدالــة والحريــة يف العــامل‬ ‫تقدميــه ملحكمــة الجنايــات الدوليــة كمجــرم‬ ‫حــرب‪ ،‬قتــل ورشد وســجن مــن الســوريني مــا‬ ‫مل يحــدث يف حــروب كُــرى‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫‪9‬‬

‫قراءة مكثفة‪..‬‬ ‫في عوامل انكسار الحراك المدني‬

‫راشد صطوف‬

‫مدخل‪:‬‬ ‫مــا ال شــك فيــه أن الحيويــة الفائقــة التــي‬ ‫عــر عنهــا الحـراك املــدين للمجتمــع الســوري يف‬ ‫الســنة األوىل مــن عمر الثــورة‪ ،‬وطبيعــة حوامله‪،‬‬ ‫التــي اســتندت إىل فئــة الشــباب بشــكل رئيــي‪،‬‬ ‫كانــت مفاجئــة لــكل التوقعــات والتصــورات‬ ‫املرتبطــة بالبنــى السياســية والفكريــة التقليديــة‪،‬‬ ‫خصوصــاً وأن ربيــع دمشــق‪ ،‬الــذي كان أشــبه‬ ‫بالتدريــب األويل ملحــاوالت اســتعادة الحيــاة‬ ‫املدنيــة بعــد عقــود طويلــة‪ ،‬مارســت خاللهــا‬ ‫ســلطات االســتبداد كل أشــكال ووســائل الســحق‬ ‫والتذريــر والتدمــر املمنهــج‪ ،‬لــكل أســس‬ ‫ومظاهــر التعبــر عــن الــروح املدنيــة قــد اقترص‪،‬‬ ‫عــى النخبــة السياســية والثقافيــة ومل يتمكــن‪،‬‬ ‫بوجــه عــام‪ ،‬مــن اجتــذاب ودفــع القطاعــات‬ ‫األخــرى إىل ســاحة الفعــل والنشــاط‪ ،‬ألســباب‬ ‫عديــدة‪ .‬لســنا بصددهــا اآلن‪..‬‬ ‫إذا ً‪ ..‬ميكــن القــول إن اســتعادة املجتمــع املــدين‬ ‫لــدوره‪ ،‬كقــوة فاعلــه ومؤثــره ومــن ثــم تراجــع‬ ‫هــذا الــدور‪ ،‬وانحســاره‪ ،‬بــل وغيابــه متامــاً يف‬ ‫بعــض املناطــق‪ ،‬يدلــل عــى الرتابــط العضــوي‬ ‫فيــا بــن الح ـراك املــدين‪ ،‬واملســارات املتعــددة‬ ‫واملتنوعــة التــي اتخذتهــا الثــورة‪ ،‬ففــي حــن‬ ‫ارتبطــت حالــة الصعــود واالســتجابات املبدعــة‬ ‫والعبقريــة‪ ،‬مبرحلــة ســيادة النضــال الســلمي‬ ‫عــى األشــكال األخــرى‪ ،‬بــدا واضح ـاً أن العنــف‬ ‫املنفلــت الــذي مارســته الســلطة منــذ األيــام‬ ‫األوىل النطالقــة الثــورة‪ ،‬وإرغــام قــوى املعارضــة‬ ‫إىل اعتــاد الخيــار املســلح كخيــار رئيــي‪،‬‬ ‫وانحســار التظاهــرات‪ ،‬قــد أرخ لرتاجــع دور‬ ‫املجتمــع املــدين ودوره وتأثــره فيــا بــدا‬ ‫وكأنــه رصاع مســلح منفلــت وخــارج عــن إرادة‬ ‫املجتمــع وخيــارات الثــورة‪..‬‬ ‫لــذا كان مــن الطبيعــي أن يكــون الحـراك املــدين‬ ‫محكومــاً يف نهايــة املطــاف بــكل العوامــل‬ ‫والعنــارص العميقــة واملبــارشة التــي أنتجــت‪،‬‬ ‫وأثــرت يف الســياق العــام للثــورة‪ ،‬ومــن أبــرز‬ ‫هــذه العوامــل وأهمهــا‪:‬‬ ‫‪ _1‬كشــفت الثــورة عــن هشاشــة البنــى‬ ‫العميقــة للمجتمــع الســوري‪ ..‬وافتقــاره للهويــة‬ ‫الوطنيــة الجامعــة‪ ،‬مــا دفــع بالهويــات مــا قبــل‬ ‫الوطنيــة للتعبــر عــن نفســها يف االصطفــاف‪،‬‬ ‫ويف املامرســة‪ ،‬بحيــث طغــت الهويــات العرقيــة‬ ‫والدينيــة واملذهبيــة والحزبيــة الضيقــة‪ ،‬بــل‬

‫علوان زعيتر‬

‫وحتــى الهويــات الفرديــة واألنانيــة عــى املشــهد‬ ‫العــام‪ ،‬ولعبــت دورا ً كابحــاً وحاســاً يف قطــع‬ ‫الطريــق عــى املســار املتصاعــد لبنــاء قواســم‬ ‫ووعــي مشــرك بــن أطيــاف الشــعب الســوري‪،‬‬ ‫يف الســنة األوىل مــن عمــر الثــورة‪.‬‬ ‫‪ -2‬عــدم وجــود طبقــه مــن رجال األعــال تحمل‬ ‫أو تنتمــي إىل مــروع وطنــي‪ ،‬تتبنــى وتدعــم‬ ‫الحـراك املــدين وتعبرياتــه‪ ،‬وتحمــي بالتــايل هــذا‬ ‫الحـراك مــن التدخــات الفاســدة‪ ،‬والتــي كانــت‬ ‫يف جلهــا تدخــات خارجيــة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الغيــاب شــبه الكامــل ألهــم واكــر مدينتــن‬ ‫(دمشــق وحلــب) عــن ســاحة الفعــل‪ ،‬مــا‬ ‫أفقــد الحــراك قاعــدة وإمكانيــات هائلــة ذات‬ ‫بعــد تاريخــي ومبــارش يف آن‪.‬‬ ‫‪ -4‬االنقســام العمــودي يف املجتمــع الســوري يف‬ ‫املوقــف مــن الثــورة‪ ،‬حيــث بــدا واضحـاً االنحياز‬ ‫شــبه الكامــل وغــر املــروط لجامعــات ذات‬ ‫طابــع دينــي ومذهبــي لخنــدق الســلطة يف‬ ‫مواجهتهــا لشــعبها‪ ،‬بحيــث مل يكــن باإلمــكان‪.‬‬ ‫وعــى ســبيل املثــال‪ ،‬ألن يطــور الح ـراك املــدين‬ ‫أشــكال متقدمــة مــن الفعــل‪ ،‬كالعصيــان املــدين‬ ‫العــام‪.‬‬ ‫‪ -5‬العنــف املنفلــت الــذي مارســته الســلطة‬ ‫منــذ اللحظــة األوىل النطــاق االحتجاجــات‪،‬‬ ‫والــذي كان ال بــد وأن يدفــع بقطاعــات مــن‬ ‫املجتمــع للجــوء إىل خيــار التســلح والعنــف‪.‬‬ ‫هــذا الخيــار الــذي تحــول مــن وســيله تكتيكيــه‬ ‫هدفهــا حاميــة التظاه ـرات الســلمية‪ ،‬إىل خيــار‬ ‫اســراتيجي وشــبه وحيــد‪ ،‬أدى مــن بــن مــا‬ ‫أدى إليــه إىل تراجــع دور قطاعــات واســعة مــن‬ ‫املجتمــع وانكفائهــا‪ ،‬مــا أفقــد الح ـراك املــدين‬ ‫قواعــد ارتــكازه وحواضــن الدعــم والتعويــض‬ ‫والحاميــة‪ ،‬بــل وأكــر مــن ذلــك‪ ،‬فقــد بــدأت‬ ‫التشــكيالت املســلحة التــي اتخــذت يف عمومهــا‬ ‫مســارات ال تربــط بشــكل عضــوي بأهــداف‬ ‫الثــورة‪ .‬بــدأت مبحــارصة العمــل املــدين وصــوالً‬ ‫إىل تدمــره وإعادتــه إىل نقطــة الصفــر يف مناطق‬ ‫ســيطرة القــوى املتطرفــة‪ ،‬فأصبــح الحـراك املدين‬ ‫محــارصا ً بــن أكــر مــن مطرقــة وســندان‪..‬‬ ‫‪ -6‬عجــز النخــب السياســية التــي تصــدت لقيادة‬ ‫الثــورة مــن املجلــس الوطنــي إىل االئتــاف‪ ،‬عــن‬ ‫صياغــة مــروع ومامرســة سياســية وطنيــة‬ ‫جامعــة‪ ،‬يكــون مبثابــة الرافعــة والســمت الــذي‬ ‫تلتقــي وتصــب فيــه كافــة الجهــود والطاقــات‪،‬‬ ‫فالخيــارات السياســية الخاطئــة‪ ،‬والتحزبــات‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫نقطة أول السطر‬

‫الضيقــة‪ ،‬ورصاعــات تقاســم الحصــص وتعــدد‬ ‫الــوالءات‪ ،‬لعبــت جميعهــا‪ ،‬ومــا زالــت دورا ً‬ ‫كارثيـاً ومدمـرا ً للزخــم العظيــم الــذي عــر عنــه‬ ‫املجتمــع‪ ،‬والثــورة‪..‬‬ ‫‪ -7‬االنقســام اإليديولوجــي داخــل الثــورة‪،‬‬ ‫واتجــاه هــذه االنقســامات وتعبرياتهــا للعمــل‬ ‫كل لحســابه الخــاص عــى حســاب الرؤيــا‬ ‫واملصلحــة العامــة للمجتمــع‪..‬‬ ‫‪ -8‬الــدور الســلبي للمجتمــع الــدويل والقــوى‬ ‫اإلقليميــة‪ .‬إن كان عــر تخليهــا عــن القيــام‬ ‫بدورهــا اإلنســاين واألخالقــي بالحــد األدىن‪ ،‬أم‬ ‫عــر تدخالتهــا اله َدامــة والتمويــل االستنســايب‬ ‫واملــروط مــن خلــف كواليــس الــراع‪..‬‬ ‫‪ -9‬يف ظــل عــدم وجــود شــخصيات سياســية‬ ‫جامعــة ومؤثــرة يف الوجــدان العــام‪ .‬كان ال بــد‬ ‫للحــراك املــدين أن يفــرز رمــوزه التــي مل تكــن‬ ‫تتمتــع يف أغلبهــا بالخــرة الكافيــة والالزمــة‬ ‫ليكــون دورهــا إيجابيــاً ومؤثــرا ً عــى املــدى‬ ‫البعيــد مــا أفقــد الحـراك أحــد أدواتــه الهامــة‪..‬‬ ‫‪ -10‬اإلفســاد الــذي مــورس بشــكل مــدروس‪،‬‬ ‫أو عرضــاً للعديــد مــن كــوادر الحــراك املــدين‬ ‫الفاعلــة‪ ،‬عــر آليــات متعــددة‪ .‬كانــت دورات‬ ‫التأهيــل الخارجيــة أحــد أدواتهــا األكــر تأثـرا ً يف‬ ‫العديــد مــن الحــاالت‪..‬‬ ‫‪ -11‬عــدم وجــود تجــارب وخ ـرات قريبــة‪ ،‬ويف‬ ‫متنــاول اليــد للثقافــة واملامرســة املدنيــة‪ ،‬للوعــي‬ ‫الجمعــي يف املجتمــع‪..‬‬ ‫‪ -12‬اضط ـرار الح ـراك املــدين يف األغلــب األعــم‬ ‫إىل اعتــاد العمــل الــري‪ ،‬مبــا يتعــارض وكــون‬ ‫الســمة األساســية للعمــل املــدين‪ ،‬ونقطــة قوتــه‬ ‫وفاعليتــه األهــم‪ ،‬هــي العلنيــة‪..‬‬ ‫‪ -13‬أغلــب منظــات الحــراك كانــت تتشــكل‬ ‫كاســتجابة للحاجــات املبــارشة التــي يســتدعيها‬ ‫الواقــع املتحــرك‪ ،‬لكنهــا مل تعمد الحقـاً إىل تطوير‬ ‫هــذه االســتجابة عــر صياغــة رؤى‪ ،‬وأهــداف‪،‬‬ ‫واس ـراتيجيات‪ ،‬وخطــط عمــل ناضجــة‪ ،‬تســمح‬ ‫لهــا بالعمــل كمؤسســة‪ .‬تســاعدها يف مراجعــة‬ ‫أدائهــا‪ ،‬وتطويــره‪..‬‬ ‫‪ -14‬بــروز النزعــة الفرديــة‪ ،‬وطغيانهــا عــى روح‬ ‫الفريــق‪ ،‬مــا لعــب دورا ً يف الكثــر مــن متزقــات‬ ‫وانشــقاقات وتراجــع واضمحــال العديــد مــن‬ ‫تشــكيالت الح ـراك‪..‬‬ ‫‪ -15‬ضعــف األداء اإلعالمــي‪ .‬إن كان يف مســتوى‬ ‫اإلعــام املكتــوب أم املــريئ أم االلكــروين‪..‬‬

‫دي ميســتورا وتجزئــة الحلول‬ ‫الشاوي الضليل‬ ‫(مناطــق مجمــدة) تعبــر ســيايس‪ ،‬أطلقــه دي ميســتورا‪ ،‬بــدا هــذا التعبــر ملتبسـاً‬ ‫ونوعــاً مــن الفانتازيــا السياســية‪ ،‬لكــن خــال أيــام‪ ،‬اتضــح أنــه عنــوان لخطــة‬ ‫مدروســة بدقــة يف تفاصيلهــا‪ ،‬وأن حواملهــا قــد أ ُعــدت بشــكل مســبق‪ ،‬كجــزء‬ ‫تنفيــذي هــام مــن االس ـراتيجية األمريكيــة‪ .‬يف مرحلــة ‪ smart power‬نجحــت يف‬ ‫كثــر مــن مســارات الثــورة الســورية‪ ،‬والتــي اعتمــدت عــى إنتــاج الفــوىض وإدارتهــا‪،‬‬ ‫إذ أن أمريــكا اســتطاعت إنتــاج الفــوىض يف ســورية‪ ،‬لكنهــا تعــرت يف إدارتهــا‬ ‫منفــردة‪ ،‬لذلــك أعلنــت تحالفهــا يف الحــرب ضــد اإلرهــاب‪ ،‬لــي تســتعيد بعــض‬ ‫خيــوط اللعبــة التــي انتقلــت إىل أيــدي العبــن ا ّخريــن‪ ،‬وإدخالهــم كــركاء يف إدارة‬ ‫الفــوىض‪.‬‬ ‫أعتقــد أن خطــة املناطــق املجمــدة هــي استنســاخ مطــور عــن (غــزة اوالً)‪ ،‬وقــد‬ ‫تــم تجريبهــا يف ريــف دمشــق‪ ،‬وحمــص‪ ،‬عــر هــدن قرسيــة بالنســبة للتعب ـرات‬ ‫العســكرية للثــورة يف تلــك املناطــق‪ ،‬وبضامنــة أحــد رشكاء إدارة الفــوىض (إي ـران)‪،‬‬ ‫ومــا ترحيــب نظــام العصابــة بخطــة دي ميســتورا‪ ،‬والبنــاء عــى هــذا الرتحيــب‬ ‫مــن قبــل املبعــوث األممــي‪ ،‬إال تعبــرا عــن الرضــا األمريــي برشاكــة النظــام يف‬ ‫إدارة الفــوىض‪ ،‬ميكــن االعتــاد عليــه وظيفي ـاً‪ ،‬يف تحضــر البيئــات املناســبة لحلــول‬ ‫سياســية جزئيــة‪ ،‬أُعــدت يف مراحــل مبكــرة مــن الثــورة الســورية‪ ،‬وكذلــك تنــدرج‬ ‫خطــوة (الــروس _ معــاذ الخطيــب) كفصــل مــن فصــول تهيئــة البيئــات املمكنــة‬ ‫لحلــول سياســية جزئيــة‪ ،‬واع ـراف أمريــي رصيــح برشاكــة العبــن مهمــن يف إدارة‬ ‫الفــوىض (روســيا‪ -‬تركيــا‪ -‬اي ـران)‪.‬‬ ‫أعتقــد أن تكتيــكات خطــة (تجزئــة الحلــول ضمــن الحــل)‪ ،‬التــي اعتمــدت بعــد‬ ‫الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬كجــزء مــن مــروع مارشــال‪ ،‬قــد نجحــت يف أملانيــا‬ ‫واليابــان‪ ،‬وفــرص نجاحهــا يف ســورية كبــرة ألن خارطــة الحــل يف ســورية معقــدة‬ ‫جــدا ً‪ ،‬واجـراح حــل شــامل هــو تعقيــد إضــايف‪ ،‬وأن تجــزيء الحــل إىل حلــول يســاعد‬ ‫وبفاعليــة‪ ،‬يف إعــادة رســم الخرائــط الجيوسياســية والدميوغرافيــة لــرق أوســط‬ ‫جديــد‪ ،‬يعيــش يف خضــم فــوىض غــر مســبوقة يف التاريــخ منتجــة بفعــل وإدارة‬ ‫أمريكيــة يف معظــم فصولهــا‪ ،‬وبنجاحــات متفاوتــة (يف مرحلــة القــوة الذكيــة)‪ ،‬ومــا‬ ‫االنتقــال إىل (‪ )hard power‬إال تأهيـاً للمنطقــة‪ ،‬والــركاء بالقبــول برؤيتهــا‪ ،‬حــول‬ ‫املنطقــة‪ ،‬ومســتقبلها‪ ،‬وأنهــا ســتفرض يف مرحلــة الحقــة عــر منظومة (تجزئــة الحلول‬ ‫ضمــن الحــل) واقع ـاً جديــدا ً‪ ،‬وعقلنــة بــؤره املتوحشــة‪ ،‬ضمــن منظومــة املصالــح‬ ‫الدوليــة املتبادلــة‪ ،‬والقبــول بدولــة إســامية ســنية متتــد أطرافهــا مــن بغــداد إىل‬ ‫حلــب‪ ،‬وأن القصــف الجــوي غــر مجـ ٍـد‪ ،‬كــا بــدأت تتــرب هــذه املعطيــات مــن‬ ‫مراكــز البحــث االس ـراتيجي األمريكيــة‪.‬‬

‫بين الغربة واالغتراب‪ ..‬على مسافة وطن‪..‬‬

‫تختــزل املواطنــة يف ديكتاتوريــات العــامل الثالــث‪ ،‬بأرقــام‬ ‫متحركــة لتغــدو النســبة حســب االســتيعاب‪ ،‬واالنــكار‪،‬‬ ‫ولرتاكــات تاريخيــة متنوعــة رزحــت ســورية تحــت‬ ‫وطــأة الحكــم الفــردي _أوتوقراطــي_ والــذي ال مثيــل لــه‬ ‫يف العــر الحديــث‪ ،‬حتــى تحولــت لخالفــة أرسة تعتــر‬ ‫الوطــن مجــرد بيــت صغــر تتــرف بــه تبعــاً ملزاجهــا‬ ‫املضطــرب‪ ،‬وبتفــرد يضيــق ليهمــش الفــرد ويتحــول اىل‬ ‫أداة رضيبيــة لهــم ليــس إال‪ ،‬ليجــد املواطــن نفســه أداة‬ ‫إنتــاج لــأرسة الحاكمــة‪ ،‬ونتيجــة هــذا الفصــل يغيــب‬ ‫الشــعور باالنتــاء كــا عرفــه ماركــس (االغــراب عنــد‬ ‫ماركــس حالــة نفســية واجتامعيــة يحــس بهــا العامــل‬ ‫نتيجــة الفصــل القاطــع بينــه وبــن ملكيــة وســائل اإلنتــاج‬ ‫التــي يعمــل بهــا‪ ,‬فهــو ليــس جــزءا ً مــن عمليــة اإلنتــاج‪,‬‬ ‫ولكنــه تــرس يف آلــة اإلنتــاج)‪.‬‬ ‫إن اإلنســان بطبيعتــه ينتمــي ملقومــات رضوريــة لوجــوده‬ ‫النوعــي‪ ،‬وكــم قيــد لتتــاىش كثـرا ً أمــن مقومــات الحيــاة‬ ‫الكرميــة لبــري عاقــل ليتجــه حســب موروثــه البيئــي‬ ‫واملعيــي والتعليمــي والحيــايت ليميــل هنــا أو يرفــض‬

‫هنــاك‪ ...‬مــرة ليتعيــش ويرفــض الظاهــرة وأخــرى‬ ‫ليتســامى بإنســانيته‪ ،‬وينبــذ‪ .‬وهنــا تكمــن علــة التفــكك‪،‬‬ ‫ومــا يتلوهــا مــن انعــدام قيــم مجتمعيــة ‪ ..‬لتتكــون عزلــة‬ ‫نائيــة حتــى بداخــل الفــرد ذاتــه لتبــدو األغلبيــة الشــعبية‬ ‫بغربتهــا داخــل وطنهــا تعــاين التشــتت والضيــاع ألســباب‬ ‫الفقــر واملــرض واالنحســارات املقنعــة لحيــاة ت ـراد‪.‬‬ ‫إن نهضــة الشــعوب العربيــة وإن بــدأت متثاقلــة فهــي‬ ‫الخطــوة االوىل‪ ،‬وإن كانــت الخطــوة متثاقلــة ووئيــدة‬ ‫ومتبعــرة فهــي رضوريــة لبــدء نظــام مؤسســايت‪ ،‬طالــت‬ ‫املطالبــة بــه لعلــل ال تحــى وال تعــد‪ ،‬ولكنهــا خطــت‬ ‫خطوتهــا األوىل‪ .‬وســتدفع األجيــال الحــارضة مثنـاً ال يطــاق‬ ‫وال يحتمــل‪ ،‬ولكــن ال غنــى عنــه قطعـاً‪ ،‬ولــو تأخــر املســر‬ ‫لتأخــر الوصــول وظللنــا بقــاع الكــون وخــارج حــدود‬ ‫املــدارات اإلنســانية املتطــورة‪.‬‬ ‫إن االغــراب حالــة تفرزهــا الظــروف الراهنــة لعوامــل‬ ‫كثــرة أهمهــا املعيشــية أو اعــاء صــوت يخالــف مبجملــه‬ ‫املجموعــات الجديــدة والتــي عــادة يكــون نظامهــا‬ ‫املتعصــب املنغلــق والشــوفونية وهــي عوامــل أوليــة‬

‫ترافــق الثــورة مبســارها حتــى تبــدو‬ ‫الثــوارت يف مرحلــة مــا مرهقــة‬ ‫ليبــدو النظــام عــى خللــه الكبــر‬ ‫أكــر انتظامــا وتقبــا ‪.‬‬ ‫لكــن الحقيقــة بجوهرهــا ليســت‬ ‫كــا تبــدو شــكال فالرتســبات‬ ‫الســلبية وكل مــا ينتــج مــن‬ ‫اشــكاليات يف مهــد الثــورة وقوامهــا‬ ‫هــي صنيعــة النظــام املســتبد أوال‬ ‫لتغييبــه عوامــل متنوعــة ملجتمــع‬ ‫متعلــم منفتــح يســتوعب الجميــع‪.‬‬ ‫وإن وصلنــا إىل واقعنــا الحــارض‬ ‫متجاوزيــن اســقاط الضــوء عــى‬ ‫البــدء لوجدنــا ظاهــرة التكفرييــن‬ ‫والظالميــن هــي األب الرشعــي لنظــام آثــم بتكوينــه‬ ‫وحــن يقطــع الــرأس تكــون نهايتــه حتميــة وغــر بعيــدة‬ ‫بالزمــن حكــا‬ ‫قــد نغــرب ونتغــرب ‪.‬ولكــن بدواخلنــا وطــن ال يفارقنــا‬

‫خــر مــن أن نكــون بوطــن ونكــون غربــاء ومقيديــن‪.‬‬ ‫ســنعود لذاتنــا قريبــا لنتصالــح معهــا اوال ونشــكل املواطنة‬ ‫املثــى لوطــن صحــي والــذي هــو محيــط الجميع ‪..‬‬ ‫عىل مسافة وطن‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫‪10‬‬

‫الشعر كمعرفة أخرى‬ ‫مــا الــذي يجعــل مــن املعرفــة علــا قامئــا‬ ‫بذاتــه ولذاتــه؟ ســؤال كبــر أ ّرق كبــار العلــاء‬ ‫والفالســفة وهــم يضعــون نظرياتهــم وأبحاثهــم‬ ‫عــى محــك الرتصــن والرشعيــة العلميــة‪ ،‬والتي‬ ‫رسعــان مــا تهــب عليهــا ريــاح التقــادم‪ ،‬عبثــا‪،‬‬ ‫يف محاولــة التجديــد واإلضافــة‪.‬‬ ‫ســؤال آخــر‪ ،‬ليــس أقــل شــأنا مــن ســابقه‪ ،‬ولــو‬ ‫توهمنــا أنــه جديــر بالطــرح لــدواع عديــدة‪،‬‬ ‫هــل الشــعر رضب مــن املعرفــة؟ وهــل ميكــن‬ ‫القــول‪ ،‬بصيغــة أخــرى‪ ،‬أنــه معرفــة أخــرى؟ إذا‬ ‫مــا قســناها باملعــارف العلميــة ذات املكانــة‬ ‫التنظرييــة واملنهجيــة واإلجرائيــة ومــا تالهــا‬ ‫مــن محــددات معقولــة متعــارف عليهــا‪.‬‬ ‫بدايــة البــد مــن مقاربــة مختــرة تتغيــا‬ ‫وضــع املعــارف والعلــوم يف إطارهــا العلمــي‬ ‫املوضوعــي‪ ،‬الــذي يتخنــدق يف شــكله النظامــي‬ ‫واملنطقــي‪ ،‬ويف مســعاه األكادميــي‪ ،‬فــكل علــم‪،‬‬ ‫ســواء كان حقــا أو إنســانيا‪ ،‬ينبنــي أساســا عــى‬ ‫مباركــة العقــل واملنطــق‪ ،‬ثم قبــل كل يشء عىل‬ ‫مجموعــة مــن األدوات والوســائل كاألرشــفة‬ ‫واملالحظــة والتجربــة والتحليــل واالســتقراء‬ ‫واالســتنتاج املنطقــي املــرر لــه ســلفا‪ ،‬بغيــة‬ ‫الخــروج بحصيلــة معرفيــة معقولــة‪ ،‬تفــر‬ ‫الظواهــر الطبيعيــة والفيزيائيــة واإلنســانية أو‬ ‫غريهــا تفسـرا منطقيــا‪ ،‬وفق منظومة‪ ،‬مؤســس‬ ‫لهــا‪ ،‬مــن اإلجـراءات واملناهــج واألدوات التي ال‬ ‫يحيــد عنهــا إال جاهــل‪ ،‬وإال اعتــر األمــر‪ ،‬برمته‪،‬‬ ‫رضبــا مــن الخبــط العلمــي الــذي ســيؤدي‪ ،‬ال‬ ‫محالــة‪ ،‬إىل نتائــج مشــكوك فيهــا تضلــل مســرة‬ ‫العلــم‪.‬‬ ‫إذن العلــم هــو مــروع قائــم عــى مجموعــة‬

‫مــن املفاهيــم واألدوات‪ ،‬مختربهــا العقــل أوال‪،‬‬ ‫ثــم املــادة املدروســة ثانيــا‪ ،‬ويف هــذه الحالــة‪،‬‬ ‫هــل ينطبــق األمــر عــى الشــعر؟ منهجيــا‪ ،‬كال‪،‬‬ ‫ألن الشــعر ال يتأســس عــى العقــل واملنطــق؛‬ ‫الشــعر‪ ،‬أيضــا‪ ،‬مــروع شــخيص أو جامعــي‬ ‫(مدرســة أو جيــل شــعري‪ ،)..‬إنــه مــروع نص‪،‬‬ ‫تجربــة إنســانية‪ ،‬تصــور ذايت نفــي‪ ،‬وجــداين‪،‬‬ ‫حلمــي‪ ،‬روحــي‪ ،‬روزنامــة مــن املشــاعر‬ ‫والتصــورات والتأمــات حــول الــذات أو أيــا‬ ‫مــن املواضيــع التــي تتــاس مــع العــامل يف كل‬ ‫تجلياتــه؛ نتســاءل هنــا‪ :‬مــا آليــات توليــده‬ ‫وضبطــه؟ ثــم أخــرا مــاذا يريــد الشــاعر‪ ،‬يف‬ ‫أخــر املطــاف‪ ،‬أن يقــدم لنــا؟‬ ‫الشــعر مــن أولــه إىل أخــره تأمــل وحــدس‬ ‫واســترشاف وفيــض شــعوري باطنــي‪ ،‬ينهــض‬ ‫عــى التأمــل واالســتبطان والخيــال ومحــاكاة‬ ‫الطبيعــة والعــامل‪ ،‬هــو نــوع مــن االجــرار‬ ‫والتداعــي الالواعــي‪ ،‬اســتبصار روحــاين‪ ،‬أداتــه‬ ‫منظــار ال مــريئ‪ ،‬يصوبــه نحــو الــذات أو‬ ‫الخــارج‪ ،‬بغيــة التقــاط لحظــات أو صــور أو‬ ‫مواقــف‪ ،‬ليعيــد تشــكيلها يف عجينــة لغويــة‬ ‫يختمــر فيهــا تصــوره الخــاص وتفســره‬ ‫الغريــب لظاهــرة مــا‪ .‬إنــه ميلــك عينـاً ثالثــة ال‬ ‫ميلكهــا ســواه‪ ،‬وتبقــى هــذه مســميات إلخفــاء‬ ‫طابــع املاديــة وامللموســية لتربيــر أدواتــه مــن‬ ‫وجهــة موضوعيــة تــروم البحــث والتتبــع‪ .‬إنــه‬ ‫يــرى العــامل بنظــرة أخــرى غــر التــي للعــامل‬ ‫املدجــج بــاألدوات العلميــة واألكادمييــة‪.‬‬ ‫إذا كانــت باقــي العلــوم واملعــارف تخضــع‬ ‫لســلطة العقــل واملنطــق‪ ،‬فالشــعر هــو خــاف‬ ‫ذلــك يســتفز العقــل ويخــرق املنطــق واملألوف‪،‬‬

‫ويقلــب املســلامت رأســا عــى عقــب‪ ،‬وعــى‬ ‫الجهــات‪ ،‬ســاحه يف ذلــك املخيلــة التــي تتســع‬ ‫أقــى مــا ميكــن لتخــوم املســتحيل وغــر‬ ‫املمكــن‪ .‬إنهــا تتحــدى قانــون العقــل واملنطــق‬ ‫واملألــوف‪ ،‬متيحــة للشــاعر الســفر الروحــي‬ ‫وكأنــه يــردد «أنــا أتخيــل إذن أنــا موجــود»‬ ‫نحــو مجاهــل مل يصلهــا بعــد العــامل املفكــر‪،‬‬ ‫الشــعر يف هــذه الحالــة‪ ،‬خــرق وانزيــاح وإعادة‬ ‫بنــاء للعــامل وفــق رؤيــا خاصــة‪ ،‬تصــور مغايــر‪،‬‬ ‫وتأويــل خــاص للعقــل وعابــر لــه‪ ،‬الشــعر‬ ‫يخلخــل الحقائــق واملواصفــات تحــت عــرف‬ ‫الالقانــون‪ ،‬ولذلــك اعتــر عصيــا عــى النمذجــة‬ ‫واألجــرأة واللملمــة يف قالــب علمــي موضوعي‪،‬‬ ‫فهــو خــاف ذلــك كلــه‪ ،‬حــن يضعنــا يف مــأزق‬ ‫جــدواه ووظيفتــه واهتــام الــدرس الفلســفي‬ ‫بأســئلته‪ .‬إنــه كائــن موجــود يصــدر عــن ذات‬ ‫اإلنســان‪ ،‬ومــا يصــدر عــن اإلنســان إمنــا هــو‬ ‫إضافــة إىل منجــز البرشيــة‪ ،‬فــا دام الشــاعر‬ ‫قلقــا يطــرح األســئلة‪ ،‬يشــكل صــورا غريبــة‪،‬‬ ‫يســتفز العقــل‪ ،‬يخــرف املألــوف‪ ...‬حــن يــرى‬ ‫مثــا الجــدول ثعبانــا‪ ،‬أو الشــجرة إنســانا حــن‬ ‫تهدهــد رأســها جيئــة وذهابــا ال تنــي متــدح‬ ‫النهــر وتثنــي عليــه‪ ،‬أو حــن تــرب الغزالــة‬ ‫صورتهــا يف النهــر‪ ،‬إمنــا يقــدم الشــاعر تأويــات‬ ‫وتصــورات غــر منطقيــة‪ ،‬إذا متعناهــا وجدنــا‬ ‫أنهــا تلمــح أو تفــر ظاهــرة مــا‪ ،‬رمبــا عجــز‬ ‫عنهــا الفيلســوف أو العــامل‪ ،‬قــد يقــال إن ذلــك‬ ‫كلــه مجــرد مواقــف وتصــورات افرتاضيــة وال‬ ‫تقبــل البتــة بالتجربــة والقيــاس والحســاب‪..‬‬ ‫ونقــول إن ذلــك ليــس بخاصــة الشــعر نفســه‪،‬‬ ‫إنــه يعالــج ‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬تيــات‬

‫وجوديــة هــي عصيــة عــى املالحظــة والتجربــة‬ ‫(الحــب‪ ،‬املــوت‪ ،‬الجــال‪ ،‬القلــق‪ )...‬والتــي‬ ‫هــي أيضــا مــن الحســابات املؤرقــة يف الحقــل‬ ‫الفلســفي‪ ،‬الشــعر‪ ..‬إمنــا يقــدم بطريقتــه مــا‬ ‫يشــكل دامئــا أيضــا أقــدم مــروع إنســاين‪،‬‬ ‫تأمالتــه‪ ،‬اقرتاحاتــه ميكــن نعتهــا داخــل‬ ‫املنتــوج البــري معرفــة أخــرى‪ ،‬عــامل ماكــر‪،‬‬ ‫مزيــف‪ ،‬ســاحر‪ ،‬ســاخر‪ ،‬ورمبــا علــوي خــارج‬ ‫عــن ســيطرة الحــواس الخمــس‪ ،‬عــن العقــل‪،‬‬ ‫معرفــة دون عقــل؟ ومل ال؟ وهــل هنــاك مصــدر‬ ‫خــارق (مــن دون عقــل) لــه القــدرة عــى مدنــا‬ ‫مبعرفــة أخــرى؟ الجــواب طبعــا إذا اســتحرضنا‬ ‫أيضــا ظاهــرة خارقــة أخــرى مــدت اإلنســانية‬ ‫بالكثــر؛ إنهــا الوحــي‪ ،‬الشــعر يشــاطر الوحــي‬ ‫يف تجلياتــه الخارقــة‪ ،‬إرشاق‪ ،‬حــدس‪ ،‬إلهــام‪...،‬‬ ‫والكثــر مــن املصطلحــات التــي اجرترناهــا‬ ‫يف تعريــف الوحــي أو الشــعر أيضــا‪ .‬وهــل‬ ‫بإمــكان العلــم اإلمســاك بالخــوارق وإخضاعهــا‬ ‫لقوانــن‪.‬‬ ‫الشــعر إذن معرفــة أخــرى‪ ،‬ذاتيــة‪ ،‬باطنيــة‪،‬‬ ‫حدســية‪ ،‬روحيــة‪ ،‬اســتبصارية ال تقــاس وال‬ ‫متثــل باملالحظــة أو التجربــة‪ ،‬ألنهــا تنبــع‬ ‫عــن شــبكة نفســية معقــدة حربائيــة‪ ،‬الشــعر‬ ‫رضب مــن الفيزيــاء الســحرية التــي تقــدم‬ ‫(قوانــن) غايــة يف التمويــه والجــال‪ ،‬وهــو‬ ‫كيميــاء ملحاليــل لغويــة وتصويريــة تضاهــي‬ ‫بــل تتجــاوز آخــر صيحــات وتفسـرات املوضــة‬ ‫يف هندســة التصميــم مــن تكنولوجيــا ذكيــة‬ ‫ومعــار ومالبــس وســيارات وصــور يف أبعادهــا‬ ‫املتحركــة‪ ،‬إنــه رضب مــن الترشيــح لتفاصيــل‬ ‫الــذات واإلنســانية والطبيعــة واألشــياء والعــامل‬

‫* سعيد السوقايلي‬ ‫لتقديــم روايــة مغايــرة للعالئــق والتفاعــات‬ ‫بــن تلــك العنــارص وهــو صنــف مــن الفلســفة‪،‬‬ ‫ذات املخــزون العميــق مــن األســئلة الشــائكة‪،‬‬ ‫وهــو رضب مــن التاريــخ الطويــل ملشــاعر‬ ‫اإلنســان وقيمــه ومواقفــه وثرواتــه اإلنســانية‬ ‫وبطوالتــه ونكباتــه‪ ،‬خــزان ال ينضــب مــن‬ ‫اللغــة واملوســيقى والــذوق والبيــان والفصاحــة‪،‬‬ ‫كل يشــيد بتفــوق اإلنســان وعبقريتــه وخالفتــه‬ ‫عــى األرض‪.‬‬ ‫طاملــا هــذب الشــعر ذوق البرشيــة وشــحذ‬ ‫مخيلتهــا وألهــم علامءهــا اللغويــن واللســانيني‬ ‫لدراســة أهــم رشط إنســاين‪ ،‬تلــك اللغــة‬ ‫العجيبــة املتقدمــة‪ ،‬وطاملــا اســتنطقته باقــي‬ ‫املعــارف اإلنســانية واســتفادت مــن معرفتــه‬ ‫غــر املقننــة مــن تاريــخ وفلســفة وعلــم جــال‬ ‫وفــن الديكــور والتصميــم واملوســيقى والغنــاء‬ ‫والخطابــة وفصــل الــكالم‪ ،‬وأجــزم أن الشــعر‬ ‫هــو املعرفــة التــي متكــن باقــي املعارف يف ســر‬ ‫أغــوار املجهــول واملســتحيل والتفــرد والتجديــد‬ ‫لحظــة اإلبــداع أو الصنــع نحــو مجاهــل مل‬ ‫تطأهــا بعــد أقــدام العلــم العقــاين‪ ،‬وكــم هــي‬ ‫قريبــة منــا األســئلة حــول مــا صنعتــه الحضــارة‬ ‫اإلنســانية عــى مــر التاريــخ باإلبــداع والصنــع‬ ‫غايــة يف الشــاعرية‪ ،‬فهــل هــو الشــعر بحــق‬ ‫معرفــة جديــرة باالهتــام واالنتبــاه والدراســة‬ ‫العميقــة بغيــة الخــروج بحلــول جديــدة‬ ‫إلشــكاليات تقــف عليهــا باقــي العلــوم بــن‬ ‫الفينــة واألخــرى‪ ،‬وختامــا يبقــى الشــعر غريبــا‬ ‫نلــوذ بــه كلــا تعبنــا مــن وعثــاء العلــم‪.‬‬ ‫* كاتب من المغرب‬

‫ما الذي نخسره لو اكتشفنا ذاتنا؟!‬ ‫أتقنــت عــى مــدى عــام لعبــة التنكيــش‪ ،‬أن أرمــي روحــي عــى بــاط الغرفــة‬ ‫البــارد ككيــس عــدس‪ ،‬ثــم أبــدأ تلــك اللعبــة حبــة حبــة‪ ،‬مل أكــن مهووسـاً بهــذا‬ ‫القــدر ســابقاً‪ ،‬كان كيــي كيــي‪ ،‬أحملــه مطمئنــاً ومؤجِــاً كل مــرة عمليــة‬ ‫التنقيــة (تهذيــب لكلمــة تنكيــش)‪ ،‬وقــادرا ً عــى ابتــداع مئــات التربيــرات يل‬ ‫ولآلخريــن لجعــل خيــاري آمن ـاً يــوم تحــق املحاكمــة حــول‪ :‬مل تجاهلــت ذلــك‬ ‫كل هــذا الوقــت؟‪.‬‬ ‫ما الذي تغري إذن؟‬ ‫ملــاذا اليــوم كل تربي ـرات األمــس املتقنــة االحرتافيــة مل تعــد بــوارد إقناعــي أن‬ ‫ذلــك مناســب؟‬ ‫هــل نحــن نتغــر فعــا؟ وبالعــودة إىل العنــوان مــا الــذي نخــره لــو اكتشــفنا‬ ‫ذاتنــا؟‬ ‫غربة السوري الطويلة عن صناعة واقعه مل تكن بال منعكسات إضافية‪.‬‬ ‫ليســت عــوارض جانبيــة لبيئــة التهميــش التــي عاشــها‪ ،‬بــل هــي جوهــر املشــكلة‪،‬‬ ‫أنــه باألســاس اغــرب عــن ذاتــه‪ ،‬ه ّمشــها وتواطــأ مــع محيطــه بإتقــان ليســجل‬ ‫الرتاجــع تلــو اآلخــر ويكــون آخــر يف مواجهــة ســؤال عــى حافــة الجنــون‬ ‫مضمونــه‪ :‬مــن أنــا؟‬ ‫هــو ســؤال تبــدى فردي ـاً ذات يــوم‪ ،‬ثــم طــال جامعــات مختلفــة تحــت ضغــط‬ ‫الخــوف والخطــر والتهديــد‪ ،‬ثــم تراجــع ليعــود فردي ـاً وهكــذا وصــوالً إىل لعبــة‬ ‫التنكيــش اآلنفــة الذكــر‪ ،‬وهــي تتســع بقــدر هزميــة املجمــوع عــن ابتــداع‬ ‫شــبكات أمــان‪.‬‬ ‫وال مهرب من تفحص حبات العدس تلك‪ ،‬لصياغة شبكة ممكنة‪.‬‬ ‫كمراجعــة نقديــة نوضــع اليــوم عــى طاولــة الترشيــح كمجتمــع وجامعــات‬ ‫وأفــراد‪ ،‬مل تعــد وجوهنــا بالوضــوح الــكايف وغبــار ســنوات وهبــاب مصانــع‬ ‫وأقنعــة تغطيهــا‪ ،‬ولكــن مثــة متطلبــات تفــرض بيانــات أوضــح‪ ،‬وهــو بالتعبــر‬ ‫الــدارج منظومــة هويــة‪.‬‬ ‫معرفي ـاً‪ :‬ليســت الهويــات طلب ـاً يقــدم لدائــرة النفــوس تحصــل مبوجبــه عــى‬ ‫بطاقــة تعريــف مــع أنــه ميكــن أن يكــون كذلــك ولكنــه صناعــة‪ ،‬وتحمــل الكثــر‬ ‫مــن املراحــل كبســاط آيل متحــرك طويــل‪ ،‬وهنــا ال نقــوم كعــال بتنفيــذ خطــوة‬ ‫واحــدة مــن عمليــات التصنيــع (أزمنــة حديثــة لتشــاريل شــابلن) بــل نتحــرك مــع‬ ‫البســاط ومنــارس عملنــا عليــه صعــودا ً وهبوطـاً ورسعــة وتوقفـاً وانعكاسـاً‪.‬‬ ‫طلبنــا حــول مــن أنــا؟ يقــدم لدائــرة التاريــخ الحضــاري للجغرافيــا وللمســتقبل‬ ‫وهــؤالء املــدراء الثالثــة ســيختمون بطاقتنــا كل مــرة ونحــن نعــر عــى مركــب‬

‫التحــوالت‪.‬‬ ‫وعمليــا فقــدان الــيء واعطــاؤه ذلــك املثــل املثــر للجــدل إذ أن قناعتنا ببســاطة‬ ‫وضوحــه ال تعنــي أننــا نعــي مامرســته‪ ،‬فكثـرا ً مــا بعنــا جلــد الــدب دون أن نــرى‬ ‫يف حياتنــا دبـاً‪ ،‬ألســنا كذلــك؟‬ ‫نعــود إىل فكــرة الهويــة ســيكون صعب ـاً رؤيــة لوحــة البــازل (يحــب الســوريون‬ ‫تعبــر فسيفســاء‪ ،‬وآخــرون ينحــون باتجــاه مدلولهــا الفرنــي موزاييــك) دون‬ ‫قـراءة قطعهــا بعمــق‪ ،‬وســيكون صعبـاً رؤيــة ألــوان القطعــة لتحديــد مجاوراتهــا‬ ‫دون مامرســة لعبتنــا الســابقة يف التنكيــش‪.‬‬ ‫مــع ذلــك ال أظــن ذلــك ممكنــاً عــى كامــل الحركــة‪ ،‬ليــس باســتطاعة أفــراد‬ ‫مجتمــع التهميــش املدجــن ككتلــة أن ميارســوا هــذه اللعبــة يف تنقيــة العــدس‬ ‫وتكــون منتجــة يف النهايــة‪ ،‬لعبــة الزمــن املوازيــة ال تســمح بذلــك ولكــن أن‬ ‫نلعبهــا مبســتويات أعــى مــن الفــردي لهــو أمــر مبتكــر‪.‬‬ ‫شــعوب مــا قبــل وما بعــد األزمــات العاصفة تقــدم إجابــات تنويرية لخــوض ذلك‬ ‫كيــف تحركــت عربــات األفـراد باتســاق‪ ،‬إلنتــاج حافــات مجتمعيــة للجامعــات‪،‬‬ ‫واحرتفــت اإلصــاح مــن خــال الحركــة ولتبــدأ شــبكة األمــان العريضــة بالتشــكل‬ ‫بثبــات ومرونــة وقــوة‪ ،‬لقــد متــت اإلجابــة عــن أســئلة قاســية مــن نــوع مــن أنــا‬ ‫يف ســياق مــؤمل مــن نــوع مــن نحــن وبقــي ذلــك كلــه مفتوح ـاً لــدى كثرييــن‬ ‫تحــت مســمى مل يعــد شــعارا ً بــل مامرســة اســمه‪ :‬الحريــة‪.‬‬ ‫ميتلــك النــص الســابق الكثــر مــن تهوميــات نفســية غــر مختــرة وبــدون‬ ‫مرجعيــات تحقــق‪ ،‬ولكــن أظــن أن واحــدا ً مــن أدق املفاهيــم املطلــوب تفكيــك‬ ‫عراهــا هــو‪ :‬الصحــة النفســية للمجتمــع الســوري‪ ،‬األســاس التقنــي املربــك هنــا‬ ‫متابعــة تصنيــع الهويــة مــع عربــة تعاكــس حركــة املســتقبل‪ ،‬ومائلــة لالنهيــار‬ ‫بشــدة‪ ،‬ال أرى أفقــاً ذو داللــة لعربــات مــن هــذا النــوع وســائقني ومضيفــن‬ ‫مهــرة ميكــن إنتاجهــم ســوى عــر منظومــات العمــل املــدين‪ ،‬فهــي صاحبــة‬ ‫املنطــق العــام املمكــن يف ظــروف مــا يحــدث‪.‬‬ ‫ليــس مــن أســئلة ذكيــة وأســئلة غبيــة طاملــا أن الســؤال يحمــل يف قلبــه رغبــة‬ ‫املعرفــة وعطشـاً لحقيقــة مــا‪ ،‬مهــا كان حجمهــا‪ ،‬الــذكاء والغبــاء متعلــق بزمــن‬ ‫طــرح الســؤال وتوقيتــه وفواتــه واســتعجاله‪ .‬مــا هــو الزم بشــدة اليــوم ســيكون‬ ‫متأخـرا ً آخــر اليــوم‪ ،‬هــذا الفــوات هــو مــا يجعــل لعبــة التنكيــش التــي اقرتحتهــا‬ ‫أوالً جديــة جــدا ً‪ ،‬يف زمــن تكــون الجامعــات التــي جعلهــا الخــوف تنكمــش عــى‬ ‫خرابهــا وعقدهــا مســترصِخة‪:‬‬ ‫نحن نريد أو نحن نرغب أو نحن رصنا‪ :‬غدا ً سيكون متأخرا ً جدا ً‪.‬‬

‫عالء الدين زيات‬


‫حرمل الثقافة‬

‫‪11‬‬

‫الفلسطيني أحمد القدومي‪..‬شاعر األسئلة الكبرى‬

‫د‪ .‬موسى رحوم عباس‬

‫كان ذلــك قبــل خمــس وعرشيــن ســنة‪ ،‬عندمــا‬ ‫التقيــت القدومــي أحمــد يف الريــاض العاصمــة‬ ‫الســعودية‪ ،‬تلــك املدينــة التــي تلتهــب بأحضــان‬ ‫الربــع الخــايل‪ ،‬ورمبــا غــر بعيــد عــن خطــوات‬ ‫امــرئ القيــس ومضــارب كنــدة‪ ،‬أســمعني شــعرا ً‬ ‫وكانــت هــذه طريقتــه يف الضيافــة‪ ،‬أعــرف‬ ‫يف شــهاديت هــذه أين مولــع باألشــخاص غــر‬ ‫النمطيــن‪ ،‬املختلفــن‪ ،‬مــن هــم أصــل‪ ،‬وليــس‬ ‫نســخة كربونيــة عــن آخريــن‪ ،‬وأذكــر وقتهــا أين‬ ‫طربــت حــ َّد النشــوة!‬ ‫إال أن القدومــي الشــاعر اليــوم هــو ليــس‬ ‫القدومــي قبــل ربــع قــرن‪ ،‬وإن كان امتــدادا ً‬ ‫لــه‪ ،‬فبــن «بــا زورق» ديوانــه األول الصــادر يف‬ ‫العــام ‪1984‬م ومجموعتــه «هــي الدنيــا» الصــادرة‬ ‫حديثــاً عــن دار فضــاءات للنــر والتوزيــع يف‬ ‫العاصمــة األردنيــة عــان‪2014 ،‬م‪ ،‬مســرة عمــر‬ ‫وعمــل مضــن‪ ،‬بذلــه القدومــي قــراءة وتجريبــاً‬ ‫وجــرأة‪ ،‬ولكــن الثابــت يف هــذه املســرة تلــك‬ ‫األســئلة الوجوديــة الكــرى‪ ،‬الحيــاة‪ ،‬املــوت‪ ،‬مــن‬ ‫أيــن؟ إىل أيــن؟ إنــه مزيــج الفلســفة والشــعر‪،‬‬ ‫الحــزن واألمــل‪ ،‬القلــق واإلرصار‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫أشتهيك‬ ‫«ما كان يل أن‬ ‫ويف دمي لغتان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وموت‬ ‫صمت‬ ‫من‬ ‫يُنتظ ْر‬ ‫وكأنني السيَّاب يف جيكور‬ ‫يف جيّوس‬ ‫يجمع بني جرحينا القد ْر»‬ ‫إنــه املــوت لعبــةٌ‪ ،‬تجعــل للحيــاة طعــاً آخــر‪،‬‬ ‫ننغمــس يف حياتنــا تحدي ـاً للمــوت‪ ،‬نبــدع تحدي ـاً‬ ‫للمــوت‪ ،‬الشــعر‪ ،‬والنحــت‪ ،‬والتصويــر‪ ،‬والعــارة‬ ‫– كــا أرى عــى األقــل – هــي تجليــات تحدينــا‬ ‫للمــوت!‬ ‫«قد أحيا عىل مويت‬ ‫ولك ِّني وال عجب‬ ‫أعود اليوم‬ ‫من مويت‬ ‫وأحرتف املدى‬ ‫زمنا‬ ‫ليخلد يف املدى‬ ‫صويت‬ ‫سيخلد يف املدى صويت»‬ ‫الفقــد يف شــعر القدومــي معــادل للمــوت‪ ،‬فقــد‬ ‫الوطــن‪ ،‬فقــد األحبــة‪ ،‬الشــعور باالغـراب يف هــذا‬ ‫العــامل‪:‬‬

‫ما أنت يا هذا الزمان زماين‬ ‫كال وال هذا املكان مكاين‬ ‫ارتحلت‪ ،‬حبيبتي‬ ‫هذا أنا منذ‬ ‫ُ‬ ‫أحيا عىل ذكرى الرحيل الثاين‬ ‫االغــراب مطحنــة‪ ،‬تشــبه الرحــى التــي نلقمهــا‬ ‫حيواتنــا‪ ،‬فتحيلهــا أمل ـاً ممض ـاً‪ ،‬ومعانــاة ال تنتهــي‪،‬‬ ‫ولــذا قلــت يف بدايــة حديثــي أننــي مولــع‬ ‫باألشــخاص االســتثنائيني‪ ،‬وأحســب القدومــي‬ ‫أحدهــم‪ ،‬فلســطني تلــك الجنــة املفقــودة يف شــعر‬ ‫القدومــي ال تشــبه نفســها يف أشــعار اآلخريــن‪ ،‬مــع‬ ‫محبتــي لهــم‪ ،‬مل يكتــب شــعرا ً ثوري ـاً مبــارشا ً‪ ،‬وال‬ ‫ــل‬ ‫قصائــد للفدائيــن‪ ،‬أولئــك الرجــال الذيــن ت ُق َّب ُ‬ ‫األرض تحــت نعالهــم‪ ،‬ولكنــه رســم وطنــه بدايــة‬ ‫ُ‬ ‫ألســئلته الكــرى‪ ،‬ليقــول أنــه جــاء مــن هنــاك‪،‬‬ ‫ولــن يذهــب إال إىل هنــاك!‬ ‫«واعذريني يا قصائد‬ ‫ما اشتهيت املوت‬ ‫لكني أغ ِّني‬ ‫للحياة‬ ‫ما زلت فوق الغيم‬ ‫أحمل متعتي‪ ،‬وأسافر‬ ‫األيام‬ ‫أحيك للمدى وجع الرحيل»‬ ‫إنــه ينطلــق مــن الخــاص إىل العــام بطريقــة‬ ‫لولبيــة‪ ،‬إنــه آدم املح َّمــل بالخطايــا‪ ،‬واملكلَّــف‬ ‫بعــارة األرض يف آن‪ ،‬وهــو الفلســطيني املحتلــة‬ ‫أرضــه‪ ،‬واملطــرود مــن فردوســه‪:‬‬ ‫«ارجع إىل لغة الرتاب‬ ‫وخلِّني‬ ‫أحك ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأحك عن بداية‬ ‫فارسٍ‬ ‫ألِ َف املن َّية رحل ًة‬ ‫أبديَّة‬ ‫التَّطواف‬ ‫من إرم وعاد»‬ ‫عندمــا يتغنــى اآلخــرون بشــجاعة ال تقــاوم‪،‬‬ ‫وبســالة تفـ ُّـل الحديــد‪ ،‬سيشــهر القدومــي ضعفــه‬ ‫اإلنســاين‪ ،‬ولكنــه ضعــف ال يدفــع لليــأس‪ ،‬بــل‬ ‫مــادة الشــجاعة ومبتدؤهــا‪ ،‬وظ ِّنــي أنــه تحــدث‬ ‫عــن اإلنســان أكــر مــا تحــدث عــن الــراب‪:‬‬ ‫«من أين أبدأ والدروب مليئة‬ ‫بال ُّرعب واإلنسان‬ ‫والسم ال ُّزعاف‬ ‫ُّ‬ ‫إين أخاف»‬ ‫ليقول أيضاً‪:‬‬

‫«وأنا أفتش عن تباشري البداية‬ ‫يف بحور من قلق»‬ ‫شــعر مســكون بتلــك األســئلة املفتوحــة‪ ،‬أســئلة‬ ‫الالإجابــة‪ ،‬وبتلــك اللغــة الطازجــة‪ ،‬والصــورة‬ ‫املباغتــة‪ ،‬والخيــال الغرائبــي‪ ،‬يســتحق منــا أن‬ ‫نقــف عنــده كثــرا ً‪.‬‬ ‫القدومي وفن الرباعيات‪:‬‬ ‫الرباعيــات فــن فــاريس انتقــل للعربيــة‪ ،‬ويُذكــر‬ ‫عمــر الخيــام كلــا وردت كلمــة «الرباعيــات»‬ ‫أعــاد القدومــي إحيــاء هــذا الفــن بنكهــة معارصة‪،‬‬ ‫وأصــدر مجموعــة شــعرية خاصــة بــه‪ ،‬وتحتــاج‬ ‫لوقفــة خاصــة‪ ،‬رمبــا أعــود إليهــا يف مــرة أخــرى‪.‬‬ ‫ما قبل الختام‬ ‫أخــى أن أكــون قــد خيبــت ظــن الكثرييــن‪،‬‬ ‫فلــم أســتعمل مصطلحــات األلســنية‪ ،‬ومل أتعــرض‬ ‫للمــدارس النقديــة‪ ،‬وهربــت مــن البنيويــة‬ ‫والتفكيكيــة‪ ،‬ومــوت صاحــب النــص‪ ،‬واملضمــر‬ ‫واملعلــن يف الخطــاب الشــعري‪ ،‬تقيــة منــي‪ ،‬حتــى‬ ‫ال ينكشــف جهــي! واكتفيــت بشــهاديت الشــخصية‬ ‫وحســب‪ ،‬وهــي شــهادة تعمقــت أكــر وتلونــت‬ ‫بأكــر مــن لــون‪ ،‬عندمــا أصبحــت الجئـاً أو هاربـاً‬ ‫أو مطــاردا ً‪ ،‬وهــي املشــركات التــي تجمعنــي‬ ‫أكــر بالقدومــي الشــاعر‪ ،‬والقدومــي الفلســطيني‬ ‫الباحــث عــن وطنــه أيضــاً‪.‬‬ ‫كــا أخــى أن نظلــم الشــعر بعامــة والحركــة‬ ‫الشــعرية الفلســطينية بخاصــة‪ ،‬إذا جعلنــا الشــعر‬ ‫يتوقــف عنــد درويــش والقاســم وزيــاد وجيــل‬ ‫الــرواد بعامــة‪ ،‬مــع محبتــي وتقديــري لتاريخهــم‬ ‫املؤثــر كونهــم روادا ً‪ ،‬واعـرايف لهــم بهــذه الريــادة‪،‬‬ ‫لكــن الحيــاة نهــر دافــق بالعطــاء واألصــوات‬ ‫الفــذة يف الشــعر والروايــة والفكــر والنقــد‪ ...‬ومــا‬ ‫قلتــه عــن الشــعر الفلســطيني ميكــن أن ينســحب‬ ‫عــى كل امتــدادات هــذا الوطــن املبتــى بالطغــاة‪.‬‬ ‫‪--------------------------------------‬‬‫* أحمد القدومي شاعر فلسطيني صدر له‪:‬‬ ‫عمن‪.‬‬ ‫• «بال زورق»‪ ،‬ديوان شعر ‪ّ 1984‬‬ ‫• «ذكريــات عــى شــاطئ النســيان»‪ ،‬ديــوان شــعر ‪1989‬‬ ‫«رباعيــات الجــرح النــازف»‪ ،‬ديــوان شــعر ‪« 1993‬شــفاه‬ ‫الفجــر»‪ ،‬ديــوان شــعر ‪ 1995‬القاهــرة‪.‬‬ ‫• «الوتر الحزين»‪ ،‬ديوان شعر ‪ 1997‬القاهرة‪.‬‬ ‫عمن‪.‬‬ ‫• «ويحملني الرثى قمرا ً»‪ ،‬ديوان شعر ‪ّ 2003‬‬ ‫عمن‪.‬‬ ‫• «ال يشء بعدك»‪ ،‬ديوان شعر ‪ّ 2004‬‬ ‫حل وارتحال»‪ ،‬ديوان شعر ‪ 2007‬الرياض‪.‬‬ ‫• «بني ٍّ‬ ‫• «تراتيل السحاب «‪,‬ديوان شعر‪ 2013‬عامن‪.‬‬ ‫• «هي الدنيا»‪ ,‬ديوان شعر‪ ،‬فضاءات‪ ،‬عامن‪2014 ،‬م‬ ‫• «وقالت الشمس»‪ ،‬همسات قصصية ‪ 2007‬الرياض‪.‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫قوس قزح‬ ‫بالونات «مهاتير محمد»‬ ‫أسعد فخري‬ ‫ـاب أحدنــا ُمريعـاً لــو ف ّكــر أن يعيــش وحيــدا ً يف الفــردوس! ال بــل أكــر‬ ‫كــم ســيكون عقـ ُ‬ ‫كل َمــن حولــه‪.‬‬ ‫مــن ذلــك حــن يســتمرئ الحيــاة غـ َر منفـ ٍّـك عــن إقصــاء ّ‬ ‫ذلــك مــا يلهــث خل َفــه الكثـ ُر م ّنــا دون إدر ٍ‬ ‫ـي ملــا يحيــط بــه‪ ،‬منكبّـاً عــى إشــباع‬ ‫اك أو وعـ ٍ‬ ‫رغب ـ ٍة دفينــة اس ـ ُمها (األنانيّــة) مســتطردا ً يف تغذيتهــا ع ـ َر إبعــاد اآلخريــن وإلغائهــم إىل‬ ‫ِ‬ ‫وتهميشــه َديْ َدن‬ ‫ـازي لوجو ِدهــم‪ ،‬وحيواتهــم‪ ،‬وكأ ّن حالـ َة إقصــاء الغري‬ ‫درجــة التمويــت املجـ ّ‬ ‫ســعاد ٍة غامــر ٍة تح ّقــق لــه الّلـذّة كلّــا انــرى لالشــتغال عــى اســتبعاد اآلخريــن وتدمريهــم‪.‬‬ ‫إ ّن نصــف قــرن مــن اإلقصــاء والتهميــش واإللغــاء امل ُ َمنه ـ ِج الــذي ك ّر َس ـتْه مبهــارة عصاب ـ ُة‬ ‫املامنعــة األســديّة‪ ،‬كان كافي ـاً إلنتــاج هكــذا ُمســو ٍخ ثقافيّــة وسياس ـيّة وفكريّــة‪ ،‬طالَـ ِ‬ ‫ـت‬ ‫ـوري يف الداخــل‪ ،‬ويف مهاجــر الـ ّ‬ ‫رد‪،‬‬ ‫الكثـ َر مــن املشــهد «املعا َرضــايتّ» السـ ّ‬ ‫ـذل واملهانــة والتـ ّ‬ ‫ـس املواطَنــة الحقيقيّــة‬ ‫ولنشــه َد بعــد ذلــك بعيــون مفتوحـ ٍة‪ ،‬لشـ ّدة دهشـ ِتها‪ ،‬غيـ َ‬ ‫ـاب حـ ّ‬ ‫التــي جـ ِ‬ ‫كل تلــك الســنوات املنرصمة‬ ‫ـاءت الثــور ُة لتعيـ َد لــه رو َحــه التــي ُسِقــت منــه طيلـ َة ّ‬ ‫ِ‬ ‫ـرة‪ ،‬وزُنــاة امل َذاهــب‪.‬‬ ‫مــن حكــم أوالد ال ِعـ ْ‬ ‫ـح رئيس ـاً لــوزراء‬ ‫مــن املفيــد هنــا تذكّــر حكايــة بالونــات (مهاتــر محمــد) قبــل أن يصبـ َ‬ ‫ماليزيــا‪ ،‬ففــي العــام (‪ )1974‬مــن القــرن املــايض‪ ،‬كان مهاتــر محمــد ضيـ َـف الــرف عــى‬ ‫ـس‬ ‫حفــل كبـرٍ لألنشــطة التعليميّــة يف مــدارس (كوبانــج باســو)‪ ،‬ويف صالــة االســتقبال همـ َ‬ ‫ـب (بالونــات) يســاوي عد ُدهــا‬ ‫مهاتــر يف أذن مديــر املهرجــان قائـاً‪ :‬أريــد عــى الفــور َجلـ َ‬ ‫عــد َد املد ّرســن املدع ّويــن باإلضافــة إىل جوائـ َز مثينـ ٍة تقابـ ُـل العــد َد ذاتَــه‪.‬‬ ‫كل‬ ‫اختُت ـ َم الحفــل بكلمــة مؤثّــرة ألقاهــا مهاتــر محمــد‪ ،‬انتهــت بتوزيــع «بالــون» عــى ّ‬ ‫ـب إليهــم ضيـ ُـف الــرف أن يجتمعــوا يف ســاحة‬ ‫مــد ّرس وســط دهشـ ِة الجميــع حــن طلـ َ‬ ‫كل منهــم بالونَــه ويربطهــا يف قدمــه‪ ،‬وحــن انتهــى الجميـ ُع‬ ‫مســتدير ٍة ومحــدود ٍة‪ ،‬وين ُفــخ ّ‬ ‫ـدي جوائـ ُز مثينـ ٌة لكــم‪ ،‬وســأبدأ بحســاب دقيقـ ٍة واحــدة مــن‬ ‫أردف مهاتــر محمــد يقــول‪ :‬لـ ّ‬ ‫اآلن‪ ،‬حيــث سـ ُ‬ ‫كل مــد ّرس يحتفــظ ببالونــه ســليامً جائــز ًة مثينــة‪.‬‬ ‫ـينال بع َدهــا ّ‬ ‫كل منهــم يريــد تفجـ َر بالــون اآلخــر حتّــى انتهــى‬ ‫هجـ َم الجميــع عــى بعضهــم البعــض‪ٌّ ،‬‬ ‫الوقــت املحـ ّدد‪ ،‬فقــط مــد ّرس واحــد بقــي محافظـاً عــى بالونــه‪ ،‬وذلــك مــا جعــل مهاتــر‬ ‫كل منكم‬ ‫محمــد يقــف بينهــم مســتغرباً وهــو يقــول‪ :‬مل يكــن مــن رشوط الفــوز أن يســار َع ّ‬ ‫لتفجــر بالــون اآلخــر‪ ،‬يف الوقــت الــذي كان الب ـ ّد أن يكــون ق ـرا ُره املحافظ ـ َة عــى بالونــه‬ ‫ـلبي ضـ ّد َمــن‬ ‫دو َن اللجــو ِء إىل تفجــر بالــون اآلخــر‪ ،‬ولــو أ ّن كالً منكــم مل يتّخـ ْذ قـراره السـ ّ‬ ‫حولــه لَنـ َ‬ ‫ـال جائزتَــه‪ ،‬لكـ ّن األنانيّـ َة العميــاء ســيطرت عليكــم جميعـاً‪ ،‬واستســلمتم ُمذعنــن‬ ‫أي منكــم البـ ّد أن يكــو َن عــى حســاب‬ ‫لفكــرة ورثتموهــا يف رؤوســكم‪ ،‬مفا ُدهــا أ ّن نجــاح ّ‬ ‫اآلخــر‪ ،‬تبّـاً لفــوز مــن هــذا القبيــل‪.‬‬ ‫ـاس‬ ‫نعــم تبّـاً لفــوز مــن هــذا القبيــل‪ ،‬تنتفــي فيــه حالــة التشــاركيّة‪ ،‬ويغيــب عنــه اإلحسـ ُ‬ ‫كل م ّنــا عــى اآلخــر‬ ‫باملواطَنــة الحقيقيّــة التــي لــو ُوج ـ َدت يف رؤوس الثائريــن‪ ،‬لَحاف ـ َظ ّ‬ ‫دو َن إقصــاء وتبعيــد‪.‬‬

‫بالغات االعتقال في سجون األسد وتأمالت في الحالة السورية‬ ‫وحدة دارا عبداهلل تدلل ضحاياها‬

‫تتقاطــع تضاريــس تجربــة معتقــي النظــام الســوري‪ ،‬يف مــا‬ ‫قبــل الثــورة وأثنائهــا‪ ،‬عــى مســتويات عــدة‪ ،‬تبــدأ بوعــي‬ ‫لحظــة االعتقــال ويومياتــه‪ ،‬وال تنتهــي بالرضــوض النفســية‬ ‫الــذي قــد يطــول أثرهــا عنــد بعــض املعتقلــن املفــرج عنهــم‪.‬‬ ‫تــدور تجربــة دارا عبداللــه يف كتابــه «الوحــدة تدلــل‬ ‫ضحاياهــا» (مســعى – البحريــن ‪ 72 ،2013‬صفحــة مــن‬ ‫القطــع املتوســط) حــول يوميــات االعتقــال‪ ،‬وتأمــات يف مــا‬ ‫قبـ ُـل ومــا بع ـ ُد‪ ،‬متوس ـاً الحكمــة‪ ،‬أحيان ـاً بالتكثيــف‪ ،‬وأحيان ـاً‬ ‫بـ»بالغــة فيســبوكية» تســرجع الذكريــات كلــزوم ملــا يلــزم‪،‬‬ ‫لغــرض مشــاركة تلــك التجربــة مــع مجايــي وقائــع االعتقــال‬ ‫يف كل زمــان ومــكان يف ســوريا مــا بعــد ‪ 15‬آذار ‪.2011‬‬ ‫تضيــق العبــارات عنــد دارا‪ ،‬أحيانــاً‪ ،‬مســتحيلة إىل مبــارشة‬

‫عموميــة تصلــح نظري ـاً يف كل زمــان ومــكان «الحــروب هــي‬ ‫احتــكاك ميكانيــي بــن جمــوع املحاربــن لرتجمــة رغبــة‬ ‫املجمــوع يف أن تصبــح فــردا ً» ص‪.8‬‬ ‫وتتســع الرؤيــا‪ ،‬أحيانـاً‪ ،‬مــع اتســاع العبــارة يف ترجمــة حرفيــة‬ ‫للهــم اإلنســاين املشــرك يف قلــب العــامل املبتــى بظلــم ذوي‬ ‫القــرىب قبــل األبعديــن «مــن منــا يتذكــر وجــوه القتــى يف‬ ‫اإلبــادات الجامعيــة يف «حلبجــة»‪ ،‬و»كــرم الزيتــون»‪ ،‬و»ص ـرا‬ ‫وشــاتيال»» ص‪.8‬‬ ‫يريــد دارا لتجربتــه القصــرة زمنيـاً‪ ،‬املمتــدة يف زمــان املعتقالت‬ ‫املســتمرة يف ســوريا‪ ،‬والعــامل العــريب‪ ،‬ومــا يجــاوره‪ ،‬أن تكــون‬ ‫«مانيفســتو» املعتقــل يف عــر «الفيســبوك»‪ ،‬و»تويــر»‪ ،‬حيث‬ ‫تعــود البالغــة إىل أصلهــا‪ ،‬حــروف قليلــة تقــول كالم ـاً كث ـرا ً‪،‬‬ ‫لكــن دون أدىن احتــال للتأويــل «نريــد أنواع ـاً جديــدة مــن‬ ‫األطفــال مل يعيشــوا حروبــاً» ص‪« ،10‬أطفــال شــهدوا حروبــاً‬ ‫ســيخوضون حروب ـاً» ص‪.38‬‬ ‫مــن الطبيعــي أن تنتــج تجربــة مؤملــة صــورا ً مؤملــة‪ ،‬وعــى‬ ‫األرجــح أن التعبــر الكتــايب عنهــا‪ ،‬أو التكلــم عليهــا‪ ،‬ال ينقــل‬ ‫كامــل الصــورة التــي عاشــها دارا ورفقــاؤه يف الزنزانــات‪،‬‬ ‫لكــن تداعيــات تلــك التجربــة‪ ،‬بحرارتهــا اآلنيــة‪ ،‬قــد تخــرج‬ ‫«أحكامـاً» تتجــاوز وعــي صاحــب التجربــة‪ ،‬فيُطلــق توصيفــات‬ ‫تعتمــد عــى ظــروف عابــرة يف منطقــة مــا باعتبارهــا قانون ـاً‬ ‫«خلــف كل كلمــة فسيفســاء‪ ،‬أعــرف أن هنالــك حرب ـاً أهليــة‬ ‫قادمــة» ص‪.22‬‬ ‫وقــد فــات دارا أن الجامعــات البرشيــة تتخاصــم وتتحــارب‬

‫عــى أســس ماديــة‪ ،‬مهــا تنوعــت تلــك «املــادة»‪ ،‬مــن‬ ‫املرعــى‪ ،‬إىل الحــدود‪ ،‬إىل اإليديولوجيــات الدينيــة والسياســية‬ ‫املتصادمــة‪ ،‬وأن الفسيفســاء يف البــاد التــي تحتكــم إىل‬ ‫القوانــن تصبــح مصــدر غنــى‪ .‬وقــد أصــاب دارا حــن قــال‬ ‫إن الفسيفســاء املذهبيــة والعرقيــة يف بالدنــا تدخــل يف بــاب‬ ‫املســكوت عنــه يف بــاد يُجــرم ديكتاتورهــا التعريــف بالهويــة‬ ‫املتعــددة ملحكوميــه «االســتبداد منعنــا مــن الــكالم‪ ..‬ال‬ ‫ترغمونــا عليــه» ص‪.33‬‬ ‫ال يــردد دارا يف اســتخراج أفــكار رسياليــة مــن منجــم الزنزانات‬ ‫الجحيميــة «يف الســجن كان معنــا ســائق ســيارة أجــرة مــن‬ ‫الزبــداين يعمــل عــى طريــق بــروت – دمشــق‪ ،‬أقســم يل‬ ‫أنــه يعــرف قطــة يراهــا صباحـاً يف دمشــق ومســاء يف بــروت‪.‬‬ ‫الحيوانــات غــر ملتزمــة بحــدود البــر» ص‪.26‬‬ ‫ترتيــب نصــوص الكتــاب ال يخضــع لضابــط‪ ،‬ورمبــا اكتفــى‬ ‫كاتبــه بانتقــاء النصــوص املنشــورة مــن بــن كثــر كتبــه عــن‬ ‫تلــك الفــرة‪ ،‬فجــاء الرتتيــب هكــذا‪ ،‬إذ يتوتــر نــص بحــدث‪،‬‬ ‫أو بلغــة متدفقــة غضبـاً‪ ،‬أو وصفـاً لحالــة أقــل مــا يقــال فيهــا‬ ‫إنهــا بشــعة أو مؤملــة «عــى عكــس الدخــول‪ ،‬ال يخــرج املــرء‬ ‫مــن الســجن دفعــة واحــدة‪ .‬اإلفـراج النهــايئ يُخــرج أقــل كميــة‬ ‫منــه‪ .‬أول ليلــة يف البيــت مل أتجــرأ عــى التمــدد عــى الرسيــر‪،‬‬ ‫ومل أبـ َـق يف التواليــت أكــر مــن ‪ 30‬ثانيــة‪ ...‬كنــت عــى وشــك‬ ‫أن أجهــش يف البــكاء وأقــول لهــم أن يعيــدوين إىل الســجن‪ .‬مل‬ ‫أعــد أصلــح ســوى أن أكــون ســجيناً» ص‪.59‬‬ ‫وأحيانـاً تســرخي العبــارات والكلــات والجمــل «ثالثــون يومـاً‬

‫* علي العائد‬

‫بســبب «اليــك» لقنــاة الجزيــرة» ص‪.62‬‬ ‫يــأيت غنــى تجربــة دارا مــن قدرتــه عــى البــوح أكــر مــن‬ ‫التنميــق الــذي يتصــف بــه الكاتــب املحــرف‪ ،‬كــا ميكــن‬ ‫رصــد الــذكاء اللغــوي عنــده يف العبــارات اللامحــة التــي‬ ‫تتعــدى مجــرد البالغــة اللفظيــة «حفــر اســمه عــى شــجرة‪،‬‬ ‫ليتذكــره اآلخــرون‪ .‬الحق ـاً‪ ،‬عندمــا مــر بالقــرب مــن الشــجرة‬ ‫تذكــر نفســه» ص‪.71‬‬ ‫أمــا املونولــوغ الطويــل الــذي يقدمــه دارا‪ ،‬وهــو واســطة‬ ‫عقــد كتابــه‪ ،‬وفيــه بورتريــه ترشيحــي ألحــد ســجناء «دومــا»‬ ‫الــذي أُخــرج مــن الزنزانــة املنفــردة إىل املهجــع الجامعــي‪،‬‬ ‫فيشــكل عالمــة فارقــة يف نقــل األمل الــذي يعانيــه الســجناء‪،‬‬ ‫دون انفعــاالت دراماتيكيــة مــع حقائــق مــا يجــري يف ذلــك‬ ‫املســلخ البــري الــذي أنتــج عـرات آالف الجثــث‪ ،‬عــدا عــن‬ ‫املشــوهني جســدياً ونفســياً ممــن يحتســبون عىل األحيــاء دون‬ ‫أن يكونــوا كذلــك متامـاً‪ .‬تخــاف عينــا ســجني «دومــا» الضــوء‪،‬‬ ‫«لســانه نــي املواضــع الفمويــة الضامنــة للتصويــت اللفظــي‬ ‫الصحيــح»‪« ،‬كنــت أراقــب كيــف يراقــب نفســه‪ ،‬وكيــف يعــاين‬ ‫مــن (انعــدام البعــد)‪( ،‬مــن انعــدام خفتــه التــي ال ت ُحتمــل)‪،‬‬ ‫مــن حواســه التــي مل تعــد حواس ـاً» ص ‪.64 – 63‬‬ ‫دارا عبــد اللــه ق ـ َّدم يف «الوحــدة تدلــل ضحاياهــا» مــروع‬ ‫اعتــاده كاتب ـاً‪ ،‬وبــاح ببعــض تجربتــه‪ ،‬لكــن ليــس يف نيتــه‪،‬‬ ‫حتـاً‪ ،‬أن يكــون معتقـاً مــرة أخــرى‪ ،‬فعــن أي فــرح‪ ،‬أو أمل‪ ،‬أو‬ ‫عشــق ســتكون تجربتــه املقبلــة؟‬ ‫*كاتب وصحافي سوري‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫‪12‬‬

‫مط ٌر‬ ‫خريفي على شجر احلديقة‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫األوصاف ‪..‬‬ ‫تتغري‬ ‫ما من ورد ٍة تهذي عىل الشباكِ‬ ‫ال مطرا ً‬ ‫خريفي عىل شج ِر املدين ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ال قصائ َد ُ‬ ‫االبواب كالش ّحاذ‬ ‫تطرق‬ ‫َ‬ ‫ما من غيم ٍة متيش عىل قدمني نحو رسيرة الربدان‬ ‫أصحاب يرتجلو َن أشواقاً ليك يأتوا‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫وال مطرا ً ينثُّ عىل ثياب الليل والعشاق‬ ‫البلدي‬ ‫عابر ٌة عىل طريق امللعب‬ ‫ِّ‬ ‫يبتكرو َن أسباباً ليبتعدوا قليالً عن َمواجعهم‬ ‫سيبيك بعضهم‬ ‫وكأ ّن أمرا ً ما يعذبه‬ ‫مرىض خلف هذا السور‬ ‫ٌ‬ ‫وأطفال عىل بوابة املشفى‬ ‫يدارون الكآبة يف غيابب األهل‬ ‫يخرتعو َن ألعاباً‬ ‫ويبتعدو َن عن بوابة املبنى‬ ‫إذا جاء الخف ُري ُمسلحاً بعبوسه الفردي‬ ‫الرصيف‬ ‫خلف‬ ‫ْ‬ ‫ترتب جورباً َ‬ ‫وعابر ٌة عىل عجلٍ ُ‬ ‫فينظر املارون فيام بعد جوربها‬ ‫لصوصاً‬ ‫أو كذلك ‪..‬‬ ‫يرسقو َن الجم َر من فخذينِ يتّقدانِ بالنريان كالحطب القدي ْم‬

‫سهر ُة ٍ‬ ‫أياس يف حلم‬ ‫األرض تلبَ ُس دمع «أنيك»‬ ‫ُ‬ ‫وهي تبيك‬ ‫الحجاب‬ ‫شق‬ ‫بعد أن َّ‬ ‫ْ‬ ‫مجنون ٌة مثيل‬ ‫ومجنو ٌن‬ ‫أينىس نفح َة اإلخصاب؟‬ ‫يف كِـتْفها‬ ‫رشح من الشهوات‪ ..‬إرذا ُذ ندى‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫من كان معنا؟‪.‬‬ ‫تالفيف‬ ‫ستُها‬ ‫ٌ‬ ‫حيث َ َّ‬ ‫«بعل»؛‬ ‫لوردة ْ‬ ‫ِ‬ ‫أي باب‬ ‫ه‪..‬‬ ‫ل‬ ‫حا‬ ‫بحنني‬ ‫غفا‬ ‫باب من اللحمِ‬ ‫ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫بُ َق ٌع تنشَّ ْت فوق بطن حبيبتي‬ ‫وحليب ت ٍني‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أعصاب‪.‬‬ ‫َّلت‬ ‫من‬ ‫‪...‬‬ ‫ع‬ ‫األصاب‬ ‫قت‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫حيث َّ‬ ‫ْ‬ ‫***‬ ‫«أنيك» و»نِ ْي ْنامخ»‪ ..‬بذا ُر الدهر‪ ،‬نو ٌر‪،‬‬ ‫ظُلم ُة الليلِ‬ ‫الغريق‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫بُ َّح ُة األنهار يف حبْلِ السامء‪،‬‬ ‫الرقيق‪،‬‬ ‫العاشق املط ُر‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ألصبايا إ ْذ تنهدت الصدو ْر‬

‫وبائعة من القوقاز‬ ‫الرصيف‬ ‫تفر ُد ثرو ًة فوق‬ ‫ْ‬ ‫وعابرون عىل طريق الرب ِد‬ ‫يلتحفون بعد اليأس أسامالً عىل قد املكان‬ ‫وسلطة الحاجات‬ ‫باصاتٌ مت ُّر‬ ‫وشاحناتٌ تنهب الطرقاتَ مثل الطري‬ ‫اإلسفلت‬ ‫خافت يف أن ِة‬ ‫رصي ٌر‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫آذا ٌن رخي ٌم ميألُ اآلفاق باسم الله‬ ‫شامل يف الشارع الرشقي‬ ‫هدو ٌء ٌ‬ ‫روس‪ ،‬يرتدو َن الجينز واألديداس‬ ‫ٌ‬ ‫يتّبِعو َن إرشا َد ال َدليل‬ ‫ِ‬ ‫باأللقاب‬ ‫و‬ ‫املحش‬ ‫ع‬ ‫الشار‬ ‫رصيف‬ ‫ويركضو َن عىل‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫والطُر ُاق ميتدحون أرداف السالفيات‬ ‫الغسيل‬ ‫ْ‬ ‫لين ٌة ت ِه ُّز كام تهز الريح أسالك‬ ‫كلب هنا يعوي ‪..‬‬ ‫ال ٌ‬ ‫وال قط ٌط متو ُء ‪..‬‬ ‫مقاولو َن وبائعو لحمٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مامليك ‪..‬‬ ‫برابر ٌة ‪..‬‬ ‫سامرس ٌة و قَ ّوادون‬ ‫خليجيو َن من فرط ال َّرغَائب‬

‫إبراهي��م اجل��رادي‬ ‫ينظمون الوقت يف الشهوات‬ ‫باألمالح‬ ‫يصطدمون‬ ‫ْ‬ ‫يف‬ ‫ذائب الصوتْ‬ ‫ٌ‬ ‫ملح ٌ‬ ‫أسفا ٌر‬ ‫وصفاراتُ انذا ٍر‬ ‫ٌ‬ ‫وإسعاف‬ ‫ومكدودو ْن‬ ‫شعاراتٌ عىل الحيطان‬ ‫تنذر بالعذاب الحلو‬ ‫بالوطن الذي مييش عىل ال ُعكّا ِز يف حقلٍ من اآلثا ْم‬ ‫فاجع ٌة ت ُنئ عىل طريق الشارع الرشقي‬ ‫نائح ٌة كام الشعراء‬ ‫وأشيا ٌء‬ ‫وأشيا ٌء‬ ‫وال يش ٌء سوى اآلذا ْن‬ ‫بلل شارع االميانِ بالتّقوى‬ ‫َ‬ ‫والفت ٌة تش ُري إىل حقوق الطفل واإلنسا ْن‬ ‫واضح لله‬ ‫شك ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫للموىل الذي يحمي البال َد‬ ‫رس رأفت ِه‬ ‫ب ِّ‬ ‫وحكمته‬ ‫كتبت عىل الحيطان كاإلعالن‪.‬‬

‫ُ‬ ‫أياس يف‬ ‫ة‬ ‫سهر‬ ‫ٍ‬

‫ريق‪،‬‬ ‫إ ْذ حال يف الحلق ْ‬ ‫األرض كانت جانبي فوق الرسي ْر‬ ‫ُ‬ ‫عطش ُ‬ ‫َ‬ ‫طيوف خارط ِة ال َن َه ْر‬ ‫تلوك‬ ‫أعشابُها ٌ‬ ‫تاج ال َز َهر‬ ‫ُ‬ ‫بكف الري ِح تسن ُده ح َج ْر‬ ‫يلوي ِّ‬ ‫***‬ ‫األرض تحتي شوقُها يعلو‬ ‫ُ‬ ‫تغطّيني بأوراقٍ ‪..‬‬ ‫وتكتب‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫«كم معيبا أ ْن تنا ْم‬ ‫رش!‪.‬‬ ‫يا أيُّها الط ُني‪ ..‬الب ْ‬ ‫أنت عيني‬ ‫أنت رؤياي وحلمي‬ ‫أنت ث ْديِي املنتظ ْر‪.‬‬ ‫***‬ ‫مدى‬ ‫الكأس ً‬ ‫شوقي ُ‬ ‫َ‬ ‫ْليل» من األعامقِ إحساساً ميور‬ ‫قا َم «إن ُ‬ ‫ٍ‬ ‫إحساس بصوت الالشعور؟‪.‬‬ ‫أي‬ ‫ُّ‬ ‫تا َه ما بني َسـام ٍع وصدى‬ ‫خيم ُة الراعي بأحشايئ تدور‬ ‫لهباً من غ َْييت‬ ‫الخنق حباال من وب ْر‬ ‫تنسج‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫حلم‬

‫ودمو ٍع وسواقٍ ‪ ..‬من إبَ ْر‪.‬‬ ‫***‬ ‫يا إاله اآلخ‬ ‫أبحرتَ عىل حزين‬ ‫وأمواجي زوابع‬ ‫ورشاعايت رصاخاتُ حاممة‬ ‫متألُ الكو َن عىل ُه ْد ُه ِدها‪:‬‬ ‫الب ِك التائ َه مهال‬ ‫_ يا َ‬ ‫سليل ُ َ‬ ‫تعبت أجنحتي‬ ‫ْ‬ ‫هل أنت راج ْع؟‪.‬‬ ‫***‬ ‫القصب‬ ‫عند أغصان‬ ‫ْ‬ ‫عند كو ٍع ينحني صفصافُه‬ ‫لهب‬ ‫حيث أحشايئ ْ‬ ‫عري «نينار»‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ينساب‬ ‫ة‬ ‫ذر‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫د ُم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫مع الدمعِ‬ ‫بغايا ومالحف‪،‬‬ ‫وتنان ُري التي ت ِ‬ ‫ُنض ُج خبز الشهواتْ‬ ‫يف ليايل «أور»‬ ‫تصدا الرغبات‬ ‫يعرج «ماين» مثنويَّاً يف الهيوىل‬ ‫قبل أن َ‬

‫ُســ ِرق َْت ع ُني املهاة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫العراقيّاتُ ميضني إىل النه ِر وسيعات املقَل‬ ‫ناي األغنيات‬ ‫العراق ّياتُ ُ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يت» أسطور ُة خلْقٍ‬ ‫نهد فيه من «لِيلِ َ‬ ‫آي الذك ْر‬ ‫وأج ّناتُ ضلو ٍع ن َ​َسخ ْ‬ ‫َت َ‬ ‫يت»‬ ‫فاشتىك آد ُم من «لِيلِ َ‬ ‫َت ج ّناتُ ُه‬ ‫ُم ِسخ ْ‬ ‫فاستجابت ذلَّ ًة ح ّوا ْء‬ ‫ْ‬ ‫خصفت من ورقٍ فوق الحياء‬ ‫خصفت ما‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫دون ٍ‬ ‫عرس ثُيِّبَ ْت‬ ‫ِ‬ ‫يت» يف الطوفان ُربّا ُن شج ْر‬ ‫بينام «لِيل ُ‬ ‫دنت منها الرياح‬ ‫إن ْ‬ ‫فلها ُ‬ ‫طوق إرادة‬ ‫حيث تطفو بجناح‬ ‫***‬ ‫يت»!‪.‬‬ ‫آه يا «لِيلِ ُ‬ ‫ها ي ْب ُس شفاهي‬ ‫حطب‬ ‫مثل‬ ‫يابس ُ‬ ‫وكالمي ٌ‬ ‫ْ‬ ‫القصب‬ ‫تجاويف‬ ‫فدنت م ّني وه ّزتْ يب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫يف جباب النفس يف مفرقِ حزين ونزيفي‬ ‫ٍ‬ ‫بيد ناريّ ٍة‪..‬‬ ‫قبس إل ِه‬ ‫ُ‬

‫* شاهر خضرة‬ ‫َت حرما َن روحي وخريفي‬ ‫كشف ْ‬ ‫خصب أو مطر‬ ‫ونسا ًء دون‬ ‫ٍ‬ ‫وسوادا فوق روحي‬ ‫روح؟‬ ‫ُ‬ ‫أي ْ‬ ‫ٌ‬ ‫طي جس ْد‪.‬‬ ‫ة‬ ‫أرمل‬ ‫إنها‬ ‫ُّ‬ ‫***‬ ‫يت» طيني مبدد‬ ‫ربتت «لِيلِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ندهت‪ ..‬قالت تعال‬ ‫ْ‬ ‫ُع ْد إ ّْيل‬ ‫ليس من صد ٍر سوى صدري‬ ‫حي‬ ‫رص َك إال ُ‬ ‫طيف ّْ‬ ‫وما ع ُ‬ ‫َ‬ ‫عرس البيادر‬ ‫فأنا «لِيلِ ُ‬ ‫يت» أنثاك أنا ُ‬ ‫ْ‬ ‫فتعال‬ ‫إن يكن قل ُبك قمحا‪..‬‬ ‫إن يكن اسمك شاهر‪.‬‬ ‫***‬ ‫آه يا آله َة األرض التي جاءت‬ ‫بأسامء مطر‬ ‫شاع ٌر ميز ُجها يف مرش ِب ْه‬ ‫عرش وص َور‬ ‫إمنا اس ٌم له يف الروح ٌ‬ ‫بحت بهْ‪.‬‬ ‫سوف ال يغف ُر يل إ ْن ُ‬

‫* شاعر سوري‬

‫هذا العامل املظلم‬ ‫* حممد صاحل البحر‬

‫مل تكن الكهرباء هي التي تسطع يف سامئها‬ ‫وال حتــى «مشــاعل النــار» كــا يف العهــد‬ ‫اآلن يف هذا العامل املظلم‬ ‫القديــم‬ ‫مل تعد األحالم متاحة كام كانت من قبل‬ ‫كانــت تنريهــا القنابــل التــي تســقط عــي‬ ‫ثِقل الظلمة قتل األحالم جميعا‬ ‫مدينتــي‬ ‫ثم جاءت األقنعة الرشيرة لتمثل بالجثث‬ ‫ومدينتــي بــدت مثــل طفلــة ال تعبــأ بخطــورة‬ ‫مل تكن األحالم تعلم‬ ‫أن األقنعــة الرشيــرة هــي األذرع األخطبوطيــة األشــياء املظلمــة‬ ‫ألن العروســة القــاش التــي بيديهــا كانــت‬ ‫للظــام‬ ‫تراوغهــا بأحــام كثــرة‬ ‫فلام داهمتها الحقيقة استسلمت للتمثيل‬ ‫فلام داهمتها الحقيقة فَ َّرتْ إيل الظالم‬ ‫البقع املنرية يف هذا العامل‬

‫متــوت يف الظــام‬ ‫مل تكن عيونهم ثاقبة‬ ‫سقطت عروستها للقنابل‬ ‫ويف عجلة األمر‬ ‫ْ‬ ‫أحالماً جديدة‬ ‫وال سقطت املعجزات بني أياديهم‬ ‫***‬ ‫لكــن األصــوات الزاعقــة لألحــام التــي تقــاوم غبية جدا هذه القنابل!!‬ ‫هكذا بدا الضوء والظالم أمراً واحدا‬ ‫ليس لقدرتها الفائقة عيل إحداث املوت‬ ‫املــوت‬ ‫بطعم املوت‬ ‫والتــي ظلــت تنبعــث مــن الظــام باســتمرار بل لعدم قدرتها عيل تصديق الجملة‬ ‫وادعاء التمثيل‬ ‫«إن األحالم ال متوت»‬ ‫عجيــب‬ ‫والقدرة عىل معاداة األحالم‬ ‫غبي جداً هذا العامل‬ ‫غــر أن األطفــال الذيــن يشــاهدون العــامل عــر امتلكت أيضا القدرة عىل كشف كل األشياء‬ ‫ليس ألنه يُفضل الظالم عيل الحلم‬ ‫وبأكرث مام تكشفه الشاشات الكبرية‬ ‫الشاشــات الكبــرة الكاشــفة‬ ‫ُ‬ ‫بل ألنه ال يقيم اعتبارا لـ»اللغة»‬ ‫هكذا أتيح لهم رؤية العروسة القامش‬ ‫كانوا يرون ما يدور يف الظالم‬ ‫ــت القنابــل‪ ،‬ومتنــح األحــام التــي ومل يعرف بعد أنها أصل األحالم‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫وهــي‬ ‫بأكرث مام يدور يف النور‬ ‫ُ‬ ‫ِّ ْ‬

‫* روائي وشاعر مصري‬


‫‪13‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫امرأة غامضة‬

‫كــدت أختنــق وأنــا أمــي وأتأ ّمــل هــذه الوجــوه‬ ‫ضاعــت مالمحهــا يف ازدحــام‬ ‫البرشيــة‪ ،‬التــي‬ ‫ْ‬ ‫ـت منهــا ألدخــل هــذا املقهــى‪,‬‬ ‫هــذا اليــوم‪ ..‬هربـ ُ‬ ‫ـت مــن النــادل زجاجــة عصــر‪.‬‬ ‫ثــم طلبـ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫لكأســن مــن مــاء وعصــر وأنــا أرمــق ذبابــ ًة‬ ‫كســولة كانــت تتمــى عــى ســطح طاولتــي‪,‬‬ ‫بــدت يل مالمحهــا واضحــة‪.‬‬ ‫شــهقت وأنــا أشــاهد امــرأ ًة جميلــة‪ ،‬تدخــل‬ ‫ُ‬ ‫املقهــى لتجلــس إىل طاولــ ٍة قريبــة‪ ..‬تأملتهــا‬ ‫مذهــوالً‪ ,‬مل يســبق يل أن شــاهدتُ أجمــل‬ ‫منهــا يف حيــايت‪ ,‬جاملهــا نــادر‪ ..‬مــع ابتســامتها‬ ‫الســاحرة والغامضــة‪.‬‬ ‫ـتغربت منهــا‪..‬‬ ‫ـت أن ألفــت انتباههــا‪ ,‬اسـ‬ ‫ُ‬ ‫حاولـ ُ‬ ‫كانــت مشــغولة بالنظــر وبإعجــاب إىل جــاري‬ ‫عــى طاول ـ ٍة عــن يســاري‪.‬‬ ‫كانــت ترمقــه بعينيهــا اللتــن تنضحــان شــهوة‬ ‫وحــب‪.‬‬ ‫مــا الــذي أعجبهــا بهــذا البديــن البشــع؟‪ .‬أمرهــا‬ ‫غامــض هــذه الجميلــة‪ ,‬لنصــف ســاعة وهــي‬ ‫ترمقــه دون أن يكــرث لهــا‪.‬‬ ‫همســت يف رسي‪( :‬أنــا مســتعد ألن أخــر‬ ‫ُ‬ ‫حيــايت مقابــل أن أنــام معهــا ليلــة واحــدة)‪.‬‬ ‫ومشــت نحــو‬ ‫نهضــت عــن كرســيها‬ ‫فجــأةً‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫جــاري البديــن‪ ,‬يــا إلهــي كــم هــي جريئــة!‪.‬‬ ‫تلــك الشــهوة يف عينيهــا كانــت تشــتعل نــارا ً‪,‬‬

‫أتكاثر وجود ّياً‬

‫َتى َ‬ ‫وقال‪ :‬ما ْاس ُم َك؟ قُل ُْت‪:‬‬ ‫تَ َق َّد َم نَ ْحوي ف ً‬ ‫أَنا امل ُْصطَفى من ُساللَ ِة أَ ْر ٍض َسام ِويَّ ٍة‪،‬‬ ‫ْت‪ .‬أَ َ‬ ‫ضاف‪ :‬وأَيْ َن‬ ‫نَ َف َخ الل ُه يف طي ِنها فانْ َبثَق ُ‬ ‫شيَّ ِة كُوخي‪ .‬أَ َ‬ ‫ضاف‪:‬‬ ‫اإلقا َمةُ؟ قُل ُْت‪ :‬فَ ُم ال َب َ ِ‬ ‫ومن أَ ْص ِدقا ُؤ َك؟ قُل ُْت‪ :‬ا ْم ُر ُؤ ال َق ْي ِس‪َ ،‬ع ْمرو‬ ‫بْ ُن كَلْثو َم‪ُ ،‬ع ْر َو ُة ذو امل َ ْك ُر ِ‬ ‫مات‪ ،‬ال ُحطَيْئَةُ‪..‬‬ ‫واملُتَ َنبّي‪ .‬أَ َ‬ ‫َعيش؟ أَ َجبْ ُت‪:‬‬ ‫ضاف‪ :‬وكَيْ َف ت ُ‬ ‫أَصو ُم وتُف ِْط ُر ذايت عىل بَلَ ٍح ُم ْستَ ِح ٍّم بِضَ ْو ِء‬ ‫ال ُوجو ِد‪ .‬تَ َق َّد َم نَ ْحوي وأَ ْخ َر َج ِم ْن ُه ُوجودا ً‬ ‫وأَ ْد َخلَ ُه يف ُوجودي‪ .‬تَضا َء َل حتّى اضْ َم َح َّل‪.‬‬ ‫شَ َع ْرتُ ِبأَ ّن أُضا َع ُف‪ .‬أَنْ و‪ .‬أَص ُري كِيان ْ َِي‬ ‫يف ِ‬ ‫َتى‬ ‫واح ٍد‪ .‬أَتَكاث َ ُر‪ .‬أَ ْسمو‪ .‬أَص ُري أَخريا ً ف ً‬ ‫ِب ُوجو َديْنِ ُمتَّ ِح َديْنِ !‪.‬‬

‫قتـال يف ليـل‬

‫غريب الـــدار‬

‫عليــه اللعنــة‪ ..‬رسيــره ســربحها هــذه الليلــة‪.‬‬ ‫ـت إليــه لتقــرب بوجههــا مــن وجهــه‪ ,‬ثــم‬ ‫انحنـ ْ‬ ‫قبلتــه قبلــة طويلــة‪ ,‬خ ّيــل يل أنــه ســيتحول إىل‬ ‫أمــر‪ ,‬كــا يف تلــك الحكايــة القدميــة التــي تقبــل‬ ‫فيهــا الحســناء ذلــك الوحــش‪.‬‬ ‫مــال جســده عــن كرســيه ليســقط عــى األرض‪..‬‬ ‫معــه حــق‪ ..‬قبلــة عذبــة مثــل هــذه ال يســتطيع‬ ‫أي رجــل يف العــامل أن يحتملهــا‪.‬‬ ‫أرسع إليــه النــادل وصاحــب املقهــى وبعــض‬ ‫الــرواد‪ ,‬بينــا هــي تنســل مــن بينهــم لتمــي‬ ‫بهدوئهــا الغريــب حتــى البــاب‪ ,‬حيث اســتدارتْ‬ ‫ـت‪..‬‬ ‫لتنظــر إىل جــاري وكأنهــا تودعــه‪ ,‬ثــم خرجـ ْ‬ ‫مل أفهــم رس ابتســامتها الغامضــة‪.‬‬ ‫قــال أحــد اللذيــن انحنــوا عــى جســد جــاري‪,‬‬ ‫وهيئتــه تــدل عــى أنــه طبيــب‪:‬‬ ‫ـــــ يبــدو أنــه قــد أصيــب بأزمــة قلبيّــة حــادة‪..‬‬ ‫لقــد مــات‪..‬‬ ‫ـت‬ ‫عــا الــكالم وال ـراخ حــول الجثــان‪ ,‬أرسعـ ُ‬ ‫وأخــرتُ صاحــب املقهــى بأنــه مــن املمكــن أن‬ ‫تكــون تلــك املــرأة قــد قتلتــه‪ .‬قــال يل مندهشـاً‪:‬‬ ‫ـــــ ال يوجــد عــى جســد املتـ ّ‬ ‫ـوف أثــار طعنــة أو‬ ‫طلقــة‪...‬‬ ‫خرجــت مــن املقهــى‪,‬‬ ‫زفــرتُ بحنــق ثــم‬ ‫ُ‬ ‫وظللــت لســاعات أمــي عــى األرصفــة‪ ،‬بــن‬ ‫البــر الذيــن ال مالمــح لهــم‪ ..‬شــعرت بالجــوع‪..‬‬

‫ابن ال ّتـراب‬

‫عاليــك الف ِ‬ ‫ُ‬ ‫ــل‪.‬‬ ‫َطاح ُ‬ ‫الص‬ ‫َعيْنــي َرأَتْ ‪ :‬جــا َء َّ‬ ‫ُعـ ْر َو ُة بْـ ُن الـ َو ْر ِد يَ ْسـك ُ​ُب قَ ْهـ َوةً‪ ،‬والشَّ ـ ْنفَرى‬ ‫والس ـلَيْ ُك يُضيـ ُـف ِقطْ َع ـ َة‬ ‫ـب‪ُّ ،‬‬ ‫يَ ْرعــى الكَواكِـ َ‬ ‫ُسـ َّك ٍر يف الـ َكأْ ِس‪ .‬أَ ْدنــو ِم ْنـهُ‪ُ .‬ص ْعلــوكاً أَخـرا ً‬ ‫صتُ ‪ .‬أَ ْعتَ ِقـ ُـل الطَّريـ َد َة ثُـ َّم أَ ْذبَ ُحهــا وأَ ْح ِمـ ُـل‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُح ْزنَهــا وأ ُ‬ ‫قــول ِشــ ْعرا ً يف الظِّبــا ِء وال أعــو ُد‬ ‫ـت بِحا َج ـ ٍة‬ ‫صتُ ُص ْعلــوكاً فَل َْسـ ُ‬ ‫إِىل امل َدي َن ـ ِة‪ْ ِ .‬‬ ‫أَبَــدا ً إِىل َعطَـ ٍ‬ ‫ـش َجدي ـ ْد‪..‬‬

‫الحاج هاشـم‬

‫ـاج ِ‬ ‫هاش ـ َم َج ـ ّدي يُ ِع ـ ُّد ألَ ْح ِص َن ـ ٍة‬ ‫أَ ْذكُ ـ ُر الحـ َ‬ ‫الســكي َن ِة‪ .‬كا َن‬ ‫َعلَفــاً كا َن يَ ْخلِطُــ ُه بِ ِيــا ِه َّ‬ ‫ــل أَفْــ َر َش َســ ّجا َد ًة يف ال َب ِ‬ ‫ــاط‬ ‫إذا نَــ َز َل اللَّ ْي ُ‬ ‫وأَ ْسـلَ َم يف شَ ـغ ٍ‬ ‫للســا ِء‪ .‬وحـ َن ينــا ُم‬ ‫َف ذاتَـ ُه َّ‬ ‫تَظَـ ُّـل َمنا ِف ـ ُذ ُه ِ‬ ‫الباط ِن َّي ـ ُة تَ ْرنــو إىل ال َملَكـ ِ‬ ‫ـوت‪،‬‬ ‫و ِع ْنــ َد طُلــو ِع األَ ِشــ َّع ِة يو ِقظُــ ُه ال َف ْجــ ُر‪.‬‬ ‫ـت َغ َمـراتُ‬ ‫يَ ْح ِمـ ُـل َسـ ّجا َد ًة ويُـ َذ ِّو ُب مــا ت َ َركَـ ْ‬ ‫ال ُّدجــى مــن ُركامِ ال َجليـ ِـد‪ ،‬ويَ ْســقي الشِّ ــيا َه‬ ‫ويُطْ ِعـ ُم ِخ ْرفانَهــا‪ ،‬ويَعــو ُد إىل البَيْـ ِ‬ ‫ـت يَل َْسـ ُع ُه‬ ‫ـت يف املَــدار ِ‬ ‫ات‬ ‫ـب اليَـ ْومِ ‪َ ،‬حتّــى إذا ا ْرتَ َف َعـ ْ‬ ‫تَ َعـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــب‬ ‫شَ ــ ْم ُس الظَّهــ َرة صا َح ْ‬ ‫ــت نســا ٌء و َه َّ‬ ‫رِجـ ٌ‬ ‫ـت عــى َع َجــلٍ َخيْ َم ـ ٌة لل َع ـزا ْء‪..‬‬ ‫ـال وقا َمـ ْ‬

‫اب امل ُ َوقِّــ ُع أَ ْســ َفلَهُ‪:‬‬ ‫الــر ِ‬ ‫أَنــا ُم ْصطَفــى ابْــ ُن ُّ‬ ‫ــت‬ ‫أَت َ َح َّم ُ‬ ‫ــل ِو ْز َر الــذي يَ ْحــ ُدثُ اآلنَ‪ :‬نا َم ْ‬ ‫ُعيــو ُن ال َّنهــا ِر و َغلَّق ِ‬ ‫َــت ال ِّن ْســ َو ُة الخائِفــاتُ‬ ‫ي ال يَجــي َء ال َقر ِاص َنــ ُة‬ ‫َمشــا ِع َر ُه َّن لِــ ْ‬ ‫ِ‬ ‫العاط ِف ّيــونَ‪ ،‬وا ْختَ َبــأَ ال ُحــ ْز ُن يف َز ْهــ َر ِة‬ ‫ـت بَياض ـاً يَ ُح ـ ُّط عــى َو َرقــي‬ ‫الياســمنيِ‪َ .‬رأَيْـ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْــت‪ُ :‬هجومــاً!‬ ‫‪.‬‬ ‫َريــف‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫ُبــاب‬ ‫كَذ‬ ‫ِ‬ ‫صخ ُ‬ ‫َ​َ‬ ‫ـت امل ُ ْفـ َرداتُ لِ َسـ ْحقِ ال َبياضـ ِ‬ ‫تَأَ َّه َبـ ِ‬ ‫ـات‪َ .‬مـ َّرتْ‬ ‫ثَــوانٍ تَرا َجـ َع َخـ ُّط ال َعـ ُد ِّو إىل ال َخلْـ ِ‬ ‫ـف‪ .‬مــاتَ‬ ‫يصري العـامل أجمل‬ ‫ال َب ُ‬ ‫ــر ًة يف ُم ْنتَ َصـ ِ‬ ‫ـف ال َق ـ ْرنِ ال ِع ْشي ـ َن لِ َم ْولِـ ِـد كَ ْر َم ـ ِة‬ ‫يــاض أَخــرا ً فَ َزغْــ َر َد ِت ال َكلِــاتُ ُم َب ِّ َ‬ ‫َــص عــى َو َرقــي‪..‬‬ ‫بِــوِال َد ِة ن ٍّ‬ ‫ــت التّي َنــ ِة‪ ،‬أَ ْج َمــ ُع ك َُّل‬ ‫ــس تَ ْح َ‬ ‫َجــ ّدي أَ ْجلِ ُ‬ ‫طُيــو ِر ال َق ْريَــ ِة‪ ،‬أَقْــ َرأُ َم ْزمــورا ً مــن كُــ ّرايس‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫آالف مــن أَزْوا ِج‬ ‫(ســيولَ ُد‬ ‫وأُ ُ‬ ‫ضيــف‪َ :‬‬ ‫ضـدّ العطـش‬ ‫ِ‬ ‫يــح كِتــايب‪ ،‬لَ ِكــ َّن‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ْــوي‬ ‫ط‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫)‪.‬‬ ‫قــات‬ ‫الي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ِــس َ َ‬ ‫لَــ ْم أَ ْس ِ‬ ‫ــب جا ِريَــ ًة بِ َ ْع َركَــ ٍة ولَــ ْم أ ْحب ْ‬ ‫ــكوب تَســ ُر َمناقــ ُر األَطْيــا ِر‬ ‫بَرا ِم َكـ َة ال َّرشـ ِ‬ ‫ـر امل َ ْعنــى امل َْس َ‬ ‫ـيد‪ .‬ولَـ ْم أَكُـ ْن يَ ْومـاً َمــاكاً َغـ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ـر‪ .‬أَ ْر َحـ ُـل‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫َش‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫تَ‬ ‫واتٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫أَ ّن لَـ ْم أَكُـ ْن أَيْضـاً َرجيـاً‪ .‬اث ْ َنتــانِ وأ ْربَعــو َن ْ‬ ‫ـح بَ ْع َدئِـ ٍـذ َحطَب ـاً‪ .‬ســيقا ُن‬ ‫ـت كَ ْر َم ـ ُة َج ـ ّدي ت ُْص ِبـ ُ‬ ‫ولَ ـ ْم أَ ِج ـ ْد بَ ْع ـ ُد القَصي ـ َدةَ‪ .‬ك ُُّل مــا َص َن َعـ ْ‬ ‫دات مــن الغُبــارِ‪ .‬الشّ ـ ِ‬ ‫ـوك ت َطـ ُ‬ ‫ـر ٍة ِب ِجــوا ِر ال َق ْريَـ ِة‪ .‬لَ ِكـ َّن‬ ‫يَــدي أَ ّن غ َ​َســل ُْت املُفْــ َر ِ‬ ‫ـول بِ َ ْقـ َ َ‬ ‫الي ِ‬ ‫َ‬ ‫وشنَقَــ ٌة تِلْــ َو‬ ‫قــات ت ُِط ُّ‬ ‫اآلالف مــن َ َ‬ ‫ــل‪ْ َ .‬‬ ‫وستُ يف طُـ ُرقِ ال َحيــا ِة أَ ُجـ ُّر قا ِف َيـ ًة وأَطْـ ُر ُق‬ ‫ِْ‬ ‫ــح األُ ْخــرى تَتَ َمـ َّز ُق‪ .‬ث ُـ َّم تَطـ ُر فَراشــاتٌ فَ َيصـ ُر‬ ‫بــاب يف الجِــوا ِر َعــى يُ ِط ُّ‬ ‫ك َُّل ٍ‬ ‫ــل ُم َوشَّ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ــل‪..‬‬ ‫ـن كَــا العالَــ ُم أ ْج َم ْ‬ ‫أَنْــى ِبـ ِه َو َجـ َع ال َّنهــارِ‪ .‬ومــا َرأَتْ َعـ ْ ٌ‬

‫مصطف��ى مل��ح‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫فدخلــت مطعــاً متواضعــاً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫شــهقت وأنــا أشــاهد املــرأة الجميلــة ذاتهــا‬ ‫ُ‬ ‫تدخــل املطعــم لتجلــس إىل طاولــ ٍة أمامــي‪.‬‬ ‫ابتســمت لهــا بخبــث‬ ‫انتبهــت يل‪,‬‬ ‫هــذه املــرة‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ـمت يل بخبــث‪ ,‬غمزتهــا بلطــف فغمزتنــي‬ ‫فابتسـ ْ‬ ‫ـت شــفتها‬ ‫ـت شــفتي الســفىل فلعقـ ْ‬ ‫بلطــف‪ ,‬لعقـ ُ‬ ‫الســفىل‪.‬‬ ‫مــا أجملهــا!‪ .‬هــذه الليلــة ســوف أربــح رسهــا‬ ‫وأربــح جســدها‪.‬‬ ‫قلت للنادل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ـب زجاجــة نبيــذ مــن النــوع الفاخــر‪..‬‬ ‫ـــــ اجلـ ْ‬ ‫وقدمــه لهــذه الســيدة عــى حســايب‪.‬‬ ‫ـــ عن أي سيدة تتحدث؟‪.‬‬ ‫ـــ هذه السيدة التي تجلس أمامي‪..‬‬ ‫ونظر إىل حيث أرشتُ له بسبابتي‪.‬‬ ‫ـــــ عــى هــذه الطاولــة ال يوجــد أحــد‪ ..‬إنهــا‬ ‫فارغــة يــا ســيدي‪..‬‬ ‫وذهب وهو يهز برأسه مبتسامً‪.‬‬ ‫مل أفهــم شــيئاً‪ ..‬بينــا هــذه املــرأة الجميلــة‬ ‫تنهــض عــن كرســيها لتمــي بهــدوء إ ّيل‪ ,‬ويف‬ ‫عينيهــا شــهوة عارمــة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندئــذ‪ ..‬مثــة ذبابــة كانــت تتمــى عــى‬ ‫طاولتــي‪ ,‬طــارتْ بعيــدا ً عــن هنــا‪.‬‬

‫مصطفى تاج الدين الموسى‬

‫مــا نــزال علــى قيــد الحيــاة‪!..‬‬ ‫إبراهيم العلوش‬ ‫مــا نـزال عــى قيــد الحيــاة… مــا نـزال قيــد التحقيــق‪ ،‬مــا نـزال قيــد التفتيــش‪ ،‬قيــد‬ ‫القصــف‪ ،‬قيــد التكفــر‪ ،‬قيــد‪ ،‬التخويــن‪ ،‬مــا ن ـزال قيــد االنتظــار‪ ،‬قيــد الوقــوف عــى‬ ‫أبــواب اللئــام‪..‬‬ ‫مــا ت ـزال أســاؤنا قيــد الســجالت املدنيــة‪ ،‬التــي ارتــدت زي ـاً عســكرياً ووضعتنــا قيــد‬ ‫التنكيــل!!‬ ‫نحــن املقيديــن مــذ ولدتنــا أمهاتنــا لــدى املخابــرات‪ ،‬ولــدى غــرف التمحيــص التــي‬ ‫يحــق لهــا فتــح جامجمنــا‪ ،‬والتفتيــش فيهــا عــن فكــرة قيــد التشــكل‪ ،‬أو عــن عمــل قيــد‬ ‫التفكــر‪ ،‬أو عــن ابتســامة قيــد اإلطــاق باتجــاه حبيــب ينتظرهــا يف الطــرف املقابــل‬ ‫للرشفــة‪ ،‬أو يف الطــرف املقابــل للحــدود!!‬ ‫مــا تـزال أســاؤنا قيــد الســجالت املاليــة‪ ،‬التــي تزيــد رضائبهــا وتعيــد جدولتهــا كل يــوم‪،‬‬ ‫ريثــا تســتطيع اإلمســاك بنــا مــن جديــد!!‬ ‫مــا نـزال قيــد التســكع يف املقاهــي‪ ،‬والشــوارع‪ ،‬نجــر أفكارنــا املكــرورة‪ ،‬بــا أمــل للخــروج‬ ‫منهــا‪ ،‬والبحــث عــن مخــرج مــن هــذا الجحيم!!‬ ‫مــا نـزال قيــد االنتظــار للطائـرات التــي تقصفنــا‪ ،‬وتتفنــن بتدمــر بيوتنــا‪ ،‬وقيــد االنتظــار‬ ‫للرتحيــل إىل مجاهــل التاريــخ عــر الصحـراء املغــرة واملشمســة‪ ،‬يدفعنــا وقــود التكفــر‪،‬‬ ‫والــرؤوس املقطوعــة‪ ،‬واألحبــة املختطفــن‪ ،‬ليــس لنــا إال العــودة إىل مقابــر الزمــان التــي‬ ‫هجرتهــا األجيــال‪..‬‬ ‫مــا ن ـزال قيــد الخــوف مــن الحواجــز‪ ،‬قيــد الســؤال العابــر‪ ،‬الــذي قــد يــودي بنــا‪ ،‬مــا‬ ‫نـزال قيــد الرعــب عندمــا يُقــرع بــاب املنــزل‪ ،‬حتــى ونحــن يف بلــدان االغـراب‪ ،‬مــا نـزال‬ ‫قيــد الضيــاع‪ ،‬قيــد التــرد‪ ،‬قيــد اإلفــاس‪ ،‬مــن أجــل ماملــك وخالفــات مســتعصية عــى‬ ‫الــوالدة والخــروج مــن بطــون الكتــب القدميــة!‬ ‫مــا ن ـزال قيــد التشــكل مــن جديــد‪ ،‬ســنعود مط ـرا ً غزي ـرا ً‪ ،‬يكنــس كل أوســاخ التاريــخ‪،‬‬ ‫وكل أوســاخ العاملــة الوحشــية‪ ،‬ونعــود إىل بيوتنــا‪ ،‬وإىل شــوارعنا‪ ،‬وإىل جوعنــا البلــدي‪،‬‬ ‫الــذي مــا نـزال قيــد حبــه رغــم البعــد‪ ،‬ورغــم نـرات األخبــار التــي تــر عــى وضعنــا‬ ‫قيــد الغيــاب!!‬ ‫ســنكون قيــد االنبعــاث‪ ،‬قيــد الهجــوم املباغــت‪ ،‬مــن أجــل دمائنــا‪ ،‬مــن أجــل بيوتنــا‪،‬‬ ‫وأرزاقنــا‪ ،‬ومــن أجــل إعــادة الهــواء الــذي يبقينــا عــى قيــد الحيــاة‪ ،‬يف مدننــا‪ ،‬ويف قرانــا‪..‬‬ ‫نحــن رغــم كل مــا يقــال‪ ،‬مــا نـزال قيــد األمــل‪ ،‬قيــد الصبــاح القــادم حتـاً مــن جديــد‪.‬‬

‫ثقي ً‬ ‫ال كان هذا الرشاش على كتفي يا أمي‬

‫جن��اة عب��د الصم��د‬

‫ال كــا النادبــات يف املآتــم كانــت؛ كانــت األم يف‬ ‫احتضــار‪...‬‬ ‫ال كفُهــا الرخــو ُة تنهــض تلطــم وجناتهــا اليابســة‪،‬‬ ‫وال الصــوت يرجــرج حنجرتهــا املدكوكــة بالص ـ ّوان‬ ‫وال الص ُرب يدانيها‪ ،‬وال السلوان قريب‪...‬‬ ‫«خــذوين إليــه حيــث كان‪ ،‬أمللــم دمــه الذي انســاح‬ ‫هنــاك‪ ..‬خــذوين ألســأل‪ :‬ملــاذا قتلوه!‬ ‫خــذوين إليــه‪ ...‬أو أعيــدوا الزمــان ألردفــه خلفــي‬ ‫وأفــدي بصــدري ظه ـ َره الــذي خردقَــه الرصــاص‪...‬‬ ‫غــدا ً ســيصلني نعشــه الــردان‪ :‬دعــوين أشــ ّمه‪،‬‬ ‫وأغســله‪ ،‬وأكفنــه‪،‬‬ ‫كــا كفّنــت يــداي أخــاه األكــر الــذي دهســته‬ ‫قبــل شــهرين ســيارة هوجــاء‪...‬‬ ‫دعــوين أتحــر عــى الســنني التــي تعاطيــت فيهــا‬ ‫حبــوب منــع الحمــل فلــم ألــد عرشيــن ولــدا ً‪...‬‬ ‫رب‬ ‫جازيتني يا ّ‬ ‫ومل تحفظ سوى صغريي الثالث املعاق!‬ ‫ومل أكــن قــد ربّيتهــم للغربــان‪ .‬ربّيتهــم «شــرا ً‬ ‫بنــذر»‪...‬‬ ‫هــذا األوســط ‪ -‬شــهي ُد اليــوم ‪ -‬مل يكــر إالّ بحفنــات‬ ‫الدواء‬ ‫ولدته بقصبات منخورة‪ ،‬س ّمم الرب ُو من ّوه‬ ‫سبقه سعالُه يف كل خطو ٍة من خطاه الواهية‬ ‫كل يــومٍ مــن املدرســة أزرق باكيـاً ليحــرق‬ ‫وأرج َعــه َّ‬ ‫قلبي‬ ‫أ ّملنــي األطبــاء أ ّن ربــوه ســيعفيه مــن الخدمــة‬ ‫العســكرية‬

‫ويــوم وفيــت جميــع نــذوري حــن انسـ ّـل منــه‬ ‫الربــو عىل مشــارف الشــباب‪،‬‬ ‫أىت العسكر واقتادوه إىل «خدمة العلم»‬ ‫كان هذا منذ شهور ثالثة‬ ‫رأينــاه خاللهــا يف زيارتــه اليتيمــة يف الشــهر‬ ‫املــايض‬ ‫وأخربنــا أنــه نُقــل منــذ أســبوع خدمتــه‬ ‫األوىل إىل حاجــز يف حمــص‪...‬‬ ‫سلّموين رشّ اشاً ‪ -‬قال يل‪.‬‬ ‫وقالوا‪ :‬ارضب يا وحش!‬ ‫وأنــا ‪ -‬قــال يل ‪ -‬ال أعــرف بعد‬ ‫كيــف أصري وحشـاً!‬ ‫ـاش‬ ‫ثقيـاً كان هــذا الرشـ ُ‬ ‫عــى كتفــي يــا أمــي ‪ -‬قــال يل‬ ‫كيف يل أن أحمله ‪ -‬قال يل؛‬ ‫أنــا الــذي مل ترتكينــي أحمــل إىل البيــت‬ ‫ربطــة خبــز!‬ ‫ً‬ ‫ومل أحمل كتابا وال معوالً‬ ‫ومل أحمل حتى جسدي‬ ‫ومل تحملني حتى رئتاي‪...‬‬ ‫جئت إىل الدنيا نك َر ًة مريضة‬ ‫ُ‬ ‫وأخرج منها اليوم صفح ًة بيضاء‪...‬‬ ‫مل أقل لك‪ :‬سامحيني‪...‬‬ ‫أروح ويف حلقي اعرت ٌاف وحيد‪:‬‬ ‫مل أرص وحشاً؛‬ ‫ومل يبصق رشايش يف وجه أحد!‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫‪14‬‬

‫الصين في رواية‬

‫بجعــات بريــة‪ ..‬حكايــة وطــن موجــوع‬

‫بجعــات بريــة‪ ،‬روايــة‪ ،‬بيــد أنهــا درامــا صينيــة بامتيــاز‪.‬‬ ‫حكايــة وطــن موجــوع‪ .‬تســلط الروائيــة الضــوء عــى‬ ‫وطنهــا‪ ،‬عــر تناولهــا حيــاة ثالثــة نســاء‪ ،‬واقــع مجتمــع‬ ‫متــاوج‪ ،‬يبحــث عــن موقعــه يف هــذا العــامل‪ ،‬منــذ‬ ‫بدايــة القــرن العرشيــن‪ 1909 ،‬إىل العــام ‪.1978‬‬

‫**‬ ‫وصــف عميــق لريفــه‪ ،‬مدنــه‪ ،‬ناســه‪ ،‬دون حمولــة أدبيــة‬ ‫أو خــروج عــن الذكريــات‪ ،‬بيــد أنــه غنــي جــدا ً بالوقائــع‬ ‫واألحــداث العجيبــة يف صــن مــاو تــي تونــغ‪ ،‬والدخــول يف‬ ‫متاهــات عــوامل جنــون الســلطة‪.‬‬ ‫مجتمــع كبــر‪ ،‬رزح تحــت ظــل اســتبداد طويــل‪ ،‬حيــوات‬ ‫النــاس مكســورة‪ ،‬مهزومــة أمــام االنســداد الســيايس‬ ‫واالجتامعــي‪ ،‬العــادات والتقاليــد القدميــة‪ ،‬املســتمرة منــذ‬ ‫زمــن كونفوشــيوس إىل نهايــة زمــن مــا تــي تونــغ‪ .‬عــن‬ ‫الفالحــن‪ ،‬األرض‪ ،‬تعلقهــم بالعمــل‪ ،‬الليــل بالنهــار‪ ،‬الفقــر‬ ‫الشــديد‪ ،‬األميــة‪ ،‬الجهــل‪ ،‬البخــل الشــديد‪ ،‬الــزواج التقليدي‪،‬‬ ‫الرتاتبيــة االجتامعيــة‪.‬‬ ‫تكشــف الروايــة‪ ،‬فــرة ســقوط اإلمرباطوريــة يف العــام‬ ‫‪ 1911‬وقيــام الجمهوريــة‪ ،‬أســياد الحــرب‪ .‬توحيــد الصــن‪،‬‬ ‫عــر حــزب الكومنتانــغ‪ ،‬بقيــادة شــيان كاي شــيك‪ .‬ســاعدت‬ ‫انتفاضــة الفالحــن‪ ،‬جيــوش هــذا الحــزب عــى تكنيــس‬

‫جيــوش كبــار الج ـراالت والســيطرة عــى املــدن الرئيســية‪،‬‬ ‫بــوادي يانغــزي‪.‬‬ ‫تكتــب عــن الغــزو اليابــاين ملنطقــة جنجــو ويشــيان يف‬ ‫العــام ‪ .1932‬التحالــف بــن الشــيوعيني والكومنتانــغ يف‬ ‫العــام ‪ 1937‬لطردهــم‪ ،‬ثــم استســامهم وخروجهــم مــن‬ ‫الصــن‪ .‬ودخــول الــروس إىل مقاطعــة جنجــو يف العــام ‪1945‬‬ ‫مــع الشــيوعيني والكومنتانــغ‪ ،‬ثــم الحــرب األهليــة بينهــم‪.‬‬ ‫واســتيالء الشــيوعيني عــى سيشــوان‪ ،‬هــروب تشــيان كاي‬ ‫شــيك إىل تايــون‪ .‬ودخــول الصــن الحــرب الكوريــة يف متــوز‬ ‫العــام ‪.1953‬‬ ‫ترســم الكاتبــة تشــانغ يونــغ‪ ،‬الصــن كلوحــة ســوداء اللــون‪،‬‬ ‫بانورامــا حزينــة‪ ،‬تــرزح تحــت ثقــل انتقــاالت عميقــة مــن‬ ‫مرحلــة إىل أخــرى‪ ،‬بالقســوة ذاتهــا‪ ،‬بحيــث‪ ،‬ترتكنــا يف حالــة‬ ‫ذهــول وغرابــة‪ ،‬ملــدى قــدرة العــادات والتقاليــد‪ ،‬والســلطة‪،‬‬ ‫والواقــع االجتامعــي املتخلــف‪ ،‬القــايس عــى ســحق حيــوات‬ ‫النــاس وأمالهــم ومســتقبلهم‪.‬‬ ‫إنــه مجتمــع رشقــي بامتيــاز‪ ،‬يعمــل القســم األكــر مــن‬ ‫ســكانه بــاألرض‪ ،‬فالحــون‪ ،‬يعتمــدون يف عملهــم عــى‬ ‫األدوات القدميــة جــ ًدا يف الزراعــة‪ .‬حتــى يف فــرة الثــورة‬ ‫الثقافيــة التــي بــدأت العــام ‪ ،1965‬املجاعــة التــي رمــت‬ ‫بثقلهــا‪ ،‬املــوت‪ ،‬التعذيــب‪ ،‬تشــويه النــاس‪ ،‬اغتصاب النســاء‪.‬‬ ‫وتؤكــد الكاتبــة كالمهــا عــى ذلــك‪ ،‬أثنــاء تأديتهــا الخدمــة‬ ‫يف العــام ‪ 1966‬يف الحــرس األحمــر‪ ،‬مطالبتهــا رج ـاً عجــوزا ً‬ ‫مغــادرة املقهــى عــام‪ /‬صفحــة ‪:320‬‬ ‫ناشــدته بصــوت خافــت «أرجــوك‪ ،‬هــل ميكــن أن تغــادر»‬ ‫ودون أن ينظــر إيل قــال‪:‬‬ ‫إىل أين؟ أجبت «إىل البيت طبعاً»‬ ‫إىل البيــت؟ أي بيــت؟ إين أشــارك حفيــدي غرفــة صغــرة‪.‬‬ ‫لــدي زاويــة محاطــة بســتارة مــن الخيــزران‪ .‬للرسيــر فقــط‪.‬‬

‫استنشاق رائحة الخبز‪!..‬‬ ‫الحــرب الســورية دخلــت عامهــا الرابــع؛‬ ‫يف زمــن األســد األب تــم قمــع املطالــب‬ ‫بالدميوقراطيــة للشــعب الســوري بالــدم‪،‬‬ ‫وخلّفــت آالف الشــهداء يف عهــد البعــث‪،‬‬ ‫واختفــى آالف الشــباب الســوريني باملعتقــات‬ ‫وخضعــوا للتعذيــب‪.‬‬ ‫مــع الربيــع العــريب‪ ،‬ظــن الشــعب الســوري أن‬ ‫األســد االبــن ســيلبي مطالبــه الدميوقراطيــة‪،‬‬ ‫لكــن ذلــك مل يتحقــق لــه‪ ،‬فقــد تجــاوز االبــن‬ ‫أعــال أبيــه الوحشــية‪ ،‬وقتــل ثالمثائــة ألــف‬ ‫شــهيد‪ ،‬وه ّجــر املاليــن‪ ،‬وتطــورت الحــرب إىل‬ ‫حــرب أهليــة‪ ،‬ومهــا كان ســبب الحــرب فــا‬ ‫ميكــن تأييدهــا‪ ،‬الحــرب دمــار وآالم‪ ،‬ويف الحرب‬ ‫الســورية حدثــت كل هــذه األعــال القاســية‪،‬‬ ‫وقــد تــم تجــاوز كافــة املعايــر الدوليــة‪،‬‬ ‫وحقــوق اإلنســان‪ ،‬وهــذا مثــن كبــر‪ ،‬وخاصــة‬ ‫مــا دفعــه األطفــال والنســاء واملدنيــن‪ ،‬ومــا‬ ‫يــزال الثمــن يــزداد كل يــوم‪.‬‬ ‫وأنــا كصحــايف تابعــت كل ذلــك‪ ،‬مــن البدايــة‬ ‫حتــى اليــوم‪ ،‬وقــد زرت مخيــات الســوريني‬ ‫يف اقجــي قلعــة‪ ،‬وحــران‪ ،‬وجيــان بينــار‪ ،‬ويف‬ ‫مدينــة أورفــا نفســها شــاهدنا األعــداد الكبــرة‬ ‫لالجئــن الذيــن يبحثــون عــن لقمــة الخبــز‪ ،‬ويف‬ ‫األيــام األخــرة شــاهدنا جميعــاً مأســاة عــن‬ ‫العــرب (كوبــاين) القاســية‪.‬‬ ‫والــيء املبــديئ لــدي أننــي إنســان أوالً‪ ،‬ومــن‬ ‫ثــم أنــا صحــايف وقــد شــاهدت أحداث ـاً مؤثــرة‬ ‫ال ميكــن أن ينســاها اإلنســان مهــا عــاش‪،‬‬ ‫الحادثــة األوىل التــي رأيتهــا يف اقجــي قلعــة‬ ‫حيــث ســقطت قذيفــة هــاون عــى عائلــة‬ ‫مؤلفــة مــن أم وأربعــة أطفــال‪ ،‬وقضــوا جميعـاً‪،‬‬ ‫ورأيــت حــذاء الفتــاة الصغــرة عــى مبعــدة‬ ‫مــن مــكان مــوت العائلــة‪ ،‬وكلــا رأيــت أطفــاالً‬ ‫يلعبــون بالشــارع تخطــر ببــايل تلــك الصغــرة‪،‬‬ ‫صاحبــة الحــذاء الــذي ســقط بعيــدا ً‪.‬‬ ‫والحادثــة الثانيــة يف مخيــم حــران حيــث‬ ‫تعرفــت بطفــل يتيــم اســمه ســليامن‪ ،‬رافقنــي‬

‫‪ekmekleri, dökülen yemekleri‬‬ ‫‪gördükçe o kız çocuğu ve‬‬ ‫‪muhacirler geliyor.‬‬

‫‪İshak POLAT‬‬ ‫طــوال يــوم زيــاريت للمخيــم‪ ،‬ومل يقبــل منــي‬ ‫أيــة هديــة‪ ،‬واملســاعدات التــي وصلــت‬ ‫تقاســمها مــع أطفــال املخيــم!!‬ ‫وكلــا رأيــت طفــاً يحتضنــه أبــوه‪ ،‬أتذكــر‬ ‫ســليامن الــذي ال يحتضنــه أحــد!!‬ ‫والحادثــة الثالثــة‪ ،‬عندمــا نزلــت إحــدى عائالت‬ ‫عــن العــرب (كوبــاين) يف مدرســة يف رسوج وقــد‬ ‫مــى عليهــا عــدة أيام مل يــذق أفرادهــا الطعام‪،‬‬ ‫ورأيــت فتــاة صغــرة مــن هــذه العائلــة‪،‬‬ ‫وكانــت تتنــاول الحســاء والخبــز املقــدم لهــم‪،‬‬ ‫كانــت الفتــاة تــرب الحســاء‪ ،‬وتستنشــق‬ ‫رائحــة الخبــز بعمــق قبــل أن تتذوقــه‪ ،‬ظللــت‬ ‫أراقبهــا حتــى انتهــت مــن طعامهــا‪ ..‬مــا أجمــل‬ ‫طريقــة أكلهــا للخبــز!!‬ ‫وكلــا تذكــرت تلــك الطفلــة‪ ،‬أتحــر عــى‬ ‫اإلرساف بالطعــام وبالخبــز مــن قبــل الكثرييــن‬ ‫الذيــن ال يقــدرون قيمتــه‪.‬‬

‫إسحاق بوالت‬

‫ال يشء أكــر‪ .‬وحــن يكــون األوالد يف البيــت آيت إىل هنــا‬ ‫لبعــض الراحــة والهــدوء‪ .‬ملــاذا يجــب أن تحرمينــي مــن‬ ‫ذلــك؟‪.‬‬ ‫ولــدت الكاتبــة يف العــام ‪ ،1952‬وهــي البنــت الثالثــة‬ ‫ألبويــن شــيوعيني‪ ،‬تزوجــا يف العــام ‪ ،1949‬قاتــا يف صفــوف‬ ‫الحــزب ضــد الكومنتانــغ‪.‬‬ ‫يصبــح والدهــا حاكــم مقاطعــة يــي بــن يف العــام ‪،1952‬‬ ‫وأمهــا رئيســة قســم الشــؤون العامــة للمنطقــة الرشقيــة‪،‬‬ ‫ثــم ينتقلــون إىل مقاطعــة سيشــوان‪ ،‬كنائــب رئيــس‬ ‫الشــؤون العامــة فيهــا‪ ،‬هربًــا مــن طلبــات األهــل واملقربــن‪،‬‬ ‫حتــى ال يســتغل منصبــه ومكانتــه للمنفعــة الشــخصية‪.‬‬ ‫وقبولــه مبنصــب أقــل شــأنًا‪ ،‬ليبقــى مخلص ـاً لحزبــه وبلــده‬ ‫ووطنــه وقناعاتــه‪ .‬إنــه ذلــك النــوع‪ ،‬الــذي يفضــل أن يقــف‬ ‫مــع الهــم العــام‪ ،‬عــى الهــم الخــاص‪ .‬ورفضــه أي مكســب‬ ‫شــخيص أو اســتغالل ملنصبــه‬ ‫يف هــذا العمــل نتعــرف عــى الصــن‪ ،‬عــامل الســلطة‪،‬‬ ‫مركزيتهــا‪ ،‬ثقلــه عــى النــاس ونزولــه عليهــم كالصاعقــة‪.‬‬ ‫جغرافيــة الصــن‪ ،‬األحــداث الكــرى التــي وقعــت يف أغلــب‬ ‫مناطقهــا‪ .‬الثــورة الثقافيــة التــي قادهــا مــاو تــي تونــغ‬ ‫ضــد رفاقــه يف الحــزب‪ ،‬وتجريــم الكثــر مــن املخلصــن‬ ‫لوطنهــم‪ .‬وتبــدأ الوشــايات‪ ،‬والدســائس بــن النــاس‪ .‬تتحــول‬ ‫البــاد إىل عصفوريــة‪ ،‬جنــون عــام‪ ،‬تأخــذ الصالــح بالطالــح‪،‬‬ ‫ويضيــع الحــق بالباطــل ويصعــد إىل الســطح‪ ،‬أكــر النــاس‬ ‫انتهازيــة وتســلقاً وكذبــاً‪.‬‬ ‫نكتشــف يف الروايــة انتصــار مــاو اإلمرباطــور‪ ،‬اإللــه‪ ،‬عــى‬ ‫مــاو الشــيوعي‪ .‬القبــض عــى الســلطة واملجتمــع بيــد مــن‬ ‫حديــد‪ ،‬ليتحــول كل يشء يف تلــك البــاد إىل مجــرد أدوات‬ ‫يف يديــه‪ ،‬يحركهــم كالدمــى‪ .‬ال ميكــن ألي إنســان أن يناقــش‬ ‫قراراتــه‪ .‬وتلعــب زوجتــه دورا ً كبـرا ً يف التناقضــات الداخليــة‬

‫* آرام كرابيت‬

‫للســلطة بإشــارات خفيــة منــه‪.‬‬ ‫يف الثــورة الثقافيــة نــرى حــرب اإلخــوة‪ ،‬الشــيوعيني‪،‬‬ ‫الفــوىض‪ ،‬االعتقــاالت‪ ،‬التصفيــات الجســدية دون محاســبة‪.‬‬ ‫يعتقــل أبــو الكاتبــة وأمهــا‪ ،‬تتشــتت األرسة‪ ،‬األطفــال‬ ‫الصغــار‪ ،‬كل واحــد يأخــذ مســارا ً‪ .‬ينهــار األب يف التحقيــق‪،‬‬ ‫يصــاب باالنفصــام‪ ،‬ويتحــول إىل عــبء عليهــم‪ .‬يحولونــه إىل‬ ‫معســكر االعتقــال يف منطقــة أخــرى‪ ،‬مــن يــي‪ ،‬وأمهــا إىل‬ ‫مــكان آخــر‪ .‬بينــا‪ ،‬االنتهازيــون ميســكون مبقاليــد األمــور‪.‬‬ ‫كانــت الصــن تعيــش داخــل ســتار حديــدي معــزول عــن‬ ‫العــامل الخارجــي‪ ،‬ال يدخــل إليهــا األجانــب وال يخــرج منهــا‬ ‫أحــد‪ .‬مل يســمحوا بــأي إذاعــة خارجيــة‪ ،‬تصــل أخبارهــا إىل‬ ‫البــاد‪ ،‬وال يعــرف اإلنســان الصينــي مــا يجــري يف الخــارج‪.‬‬ ‫ال جرائــد تــأيت وال تلفــاز‪ .‬ومل يســمحوا بــأي لغــة أجنبيــة‪.‬‬ ‫وهنــاك اعتــداد بالنهــج الــذي خطــه مــاو‪ .‬ودامئــاً كانــت‬ ‫الكاتبــة تــردد‪:‬‬ ‫كنــا نظــن أننــا نعيــش أجمــل عــر‪ ،‬عــر مــاو‪ ،‬الزمــن‬ ‫الجميــل‪ ،‬ونقــرأ عــن الطبقــة العاملــة املســحوقة يف العــامل‬ ‫الرأســايل‪ .‬كنــا نشــكر عــر مــاو الرائــع‪ ،‬بينــا الطــرف‬ ‫األخــر‪ ،‬محــروم مــن هــذه النعمــة‪.‬‬ ‫لقــد منحــت الســلطة‪ ،‬لليافعــن‪ ،‬الحــرس األحمــر‪ ،‬ســلطة‬ ‫واســعة ج ـ ًدا‪ .‬إحــدى الشــعارات «نســتطيع أن نصعــد إىل‬ ‫الســاء ونشــق األرض‪ ،‬ألن قائدنــا العظيــم هــو الرئيــس‬ ‫مــاو»‬ ‫بعــد مــوت وزيــر الدفــاع لــن بيــاو‪ ،‬تخــف قبضــة الســلطة‪،‬‬ ‫وانحســار قــوة الطبقــة العســكرية التــي كان يتكــئ عليهــا‬ ‫مــاو‪ ،‬بيــد أن االنفـراج األكــر كان مبــوت مــا ووصــول دينــغ‬ ‫شــياو بينــغ إىل قمــة الســلطة‪.‬‬ ‫* كاتب و روائي سوري‬

‫?‪Ekmek böylemi güzel yenilir‬‬

‫‪Gün boyu bana sarılarak‬‬ ‫‪gezen Süleyman kendisine‬‬ ‫‪aldığım yiyecekleri kabul‬‬ ‫‪etmemiş beraberimdekilerin de‬‬ ‫‪üzerine aldığı yiyecekleri hiç‬‬ ‫‪tanımadığı çocuklarla beraber‬‬ ‫‪paylaşmıştı. Bir yetimin baba‬‬ ‫‪hasretini birebir anlamak belki‬‬ ‫‪mümkün değil ama ne zaman‬‬ ‫‪çocuklarıma sarılsam veya‬‬ ‫‪ebevyinine sarılan bir çocuk‬‬ ‫‪görsem aklıma Süleyman gelir‬‬ ‫‪genellikle.‬‬ ‫‪Üçüncüsü ise Kobani‬‬ ‫‪çatışmalarının ilk‬‬ ‫‪günlerindeydi. Çatışmalardan‬‬ ‫‪kaçarak Suruç YİBO’ya sığınan‬‬ ‫‪muhacirlere Büyükşehir‬‬ ‫‪Belediyesi günlük çorba‬‬ ‫‪dağıtırken şahit olmuştum.‬‬ ‫‪Çorbasını alan 10-8 yaşlarında‬‬ ‫‪bir kız çocuğu oturduğu bir‬‬ ‫‪köşede önce ekmeği kokluyor‬‬ ‫‪sonra ısırarak lokmasını‬‬ ‫‪yudumluyordu. Başta bana‬‬ ‫‪tuhaf gelen bu hareketini biraz‬‬ ‫‪dikkatli gözlerle inceleyince‬‬ ‫‪bunun günlerdir aç ve açıkta‬‬ ‫‪kalan bir insanın bir kase‬‬ ‫‪çorbaya ve taze bir ekmeğe‬‬ ‫‪olan hasretin sonucu olduğunu‬‬ ‫‪anladım. O kız çocuğunu,‬‬ ‫‪çorbasını ve ekmeğini‬‬ ‫‪bitirene kadar uzaktan uzağa‬‬ ‫‪öylesine seyrettim. Ama‬‬ ‫‪inanın ne kendimin nede bir‬‬ ‫‪başkasının yemek yemesi o‬‬ ‫‪kız çocuğunun o çorba içmesi,‬‬ ‫‪ekmek yemesi kadar bana‬‬ ‫‪tatlı gelmedi. Aklıma geldikçe‬‬ ‫‪hala kendi kendime soruyorum‬‬ ‫‪bir ekmek bu kadar mı güzel‬‬ ‫?‪yenir‬‬ ‫‪Ve aklıma çöplere atılan‬‬

‫‪ilk mülteciler geldiğinden‬‬ ‫‪beri gazeteci olarak bu‬‬ ‫‪insanların dramına özellikle‬‬ ‫‪tanıklık ettim. Bu vesile ile‬‬ ‫‪Akçakale’ye, Süleymanşah,‬‬ ‫‪Harran ve Ceylanpınar mülteci‬‬ ‫‪kamplarına defalarca gittim.‬‬ ‫‪Şehir içinde hayata tutunmaya‬‬ ‫‪çalışan mültecilerin durumunu‬‬ ‫‪kaç defa bilmem kaç defa‬‬ ‫‪yerinde gördüm. En son‬‬ ‫‪Kobanili Kürtlerin dramına‬‬ ‫‪tanıklık ettim ve etmeye de‬‬ ‫‪devam ediyorum. Yaşanan‬‬ ‫‪bu trajedileri kamuoyuna‬‬ ‫‪yansıtırken mesleki‬‬ ‫‪kaygılarımız olduğu gibi “önce‬‬ ‫”‪insanım sonra gazeteciyim‬‬ ‫‪felsefesine inan birisi olarak‬‬ ‫‪etkilendiğimiz durumlarda çok‬‬ ‫‪oldu.‬‬ ‫‪Bunların içersinde gözümün‬‬ ‫‪önüne gelen veya bir şey‬‬ ‫‪olduğunda o anı hatırlatan‬‬ ‫‪öyle kareler var ki belki‬‬ ‫‪yaşamım boyunca hafızamdan‬‬ ‫‪silinmeyecektir. İlki sınır‬‬ ‫‪ötesinden atılan havan‬‬ ‫‪mermisinin Akçakale’de bir‬‬ ‫‪eve düşmesi sonucunda‬‬ ‫‪5 vatandaşımızın hayatını‬‬ ‫‪kaybetmesi idi. Gözümün‬‬ ‫‪önünde düşen havan mermisi‬‬ ‫‪sonucunda hayatını kaybeden‬‬ ‫‪çocuğun savrulmuş terliklerini‬‬ ‫‪hiçbir zaman unutmayacağım.‬‬ ‫‪Ne zaman sokakta oynayan‬‬ ‫‪çocuklar görsem hayatını‬‬ ‫‪kaybeden o çocuk ve terlikleri‬‬ ‫‪aklıma gelir.‬‬ ‫‪İkincisi Harran Konteynırkente‬‬ ‫‪inceleme yapan bir heyeti‬‬ ‫‪gazetemiz adına takip ederken‬‬ ‫‪peşime takılan Süleyman’dır.‬‬

‫‪Suriye’deki iç savaş 4. yılına‬‬ ‫‪girdi. Baba Esed döneminde‬‬ ‫‪kanla bastırılan demokrasi‬‬ ‫‪talepleri geride on binlerce‬‬ ‫‪ölü bıraktı ve on binlerce kişi‬‬ ‫‪Baas rejiminin zindanlarında‬‬ ‫‪sistematik işkencelerden‬‬ ‫‪geçirildi. Arap Baharı ile‬‬ ‫‪birlikte Suriye’de özgürlükler‬‬ ‫‪ve demokrasi adına bazı‬‬ ‫‪adımların atılması Suriye’de‬‬ ‫‪sevinçle karşılanmış Oğul‬‬ ‫‪Esedin babası gibi diktatör‬‬ ‫‪olmayacağı ve ülkede‬‬ ‫‪adım adım demokrasiyi‬‬ ‫‪yerleştireceği düşünülmüştü.‬‬ ‫‪Ama olmadı. Zulümde‬‬ ‫‪babasına rahmet okutan‬‬ ‫‪Beşar Esed attığı adımları‬‬ ‫‪geril alarak en masum‬‬ ‫‪protestoları kanla bastırmaya‬‬ ‫‪başladı. Sonuç; 300 Bin‬‬ ‫‪civarında ölü, milyonlarca‬‬ ‫‪mülteci, harabeye dönen‬‬ ‫‪şehirler ve kimin kimi niçin‬‬ ‫‪vurduğu ve ne zaman biteceği‬‬ ‫‪belli olmayan bir savaş.‬‬ ‫‪Savaşın sebebi ne olursa‬‬ ‫‪olsun hiçbir şekilde tasvip‬‬ ‫‪edilmesi mümkün değil.‬‬ ‫‪Çünkü savaş yıkım, acı‬‬ ‫‪demektir. Suriye’deki iç‬‬ ‫‪savaşta bu manada maalesef‬‬ ‫‪çık yıkıcı ve acı sonuçlar‬‬ ‫‪ortaya çıkartmıştır. Uluslar‬‬ ‫‪arası hukuka, insanlık‬‬ ‫‪hukukuna aykırı olarak‬‬ ‫‪masum sivil halk hedef‬‬ ‫‪alınmış ve alınmaya devam‬‬ ‫‪etmektedir. Bu savaşta da‬‬ ‫‪yine en ağır bedeli çocuklar,‬‬ ‫‪kadınlar başta olmak üzere‬‬ ‫‪sivil halk ödemiştir ve ödüyor.‬‬ ‫‪Suriye’deki iç savaş başlayıp‬‬


‫حرمل الذكريات‬

‫‪15‬‬

‫الق ّناص!‬

‫نجاتي طيارة‬ ‫عــى عــادة بعــض املعتقلــن يف إخبــاري عــا يهــم‬ ‫حقــوق اإلنســان مــن قصــص االعتقــال املفارقــة‪ ،‬أىت مــن‬ ‫يقــول يل ذات مســاء‪ ،‬ونحــن يف مهجــع القبــو من الســجن‬ ‫املركــزي بحمــص‪ ،‬أوائــل الثــورة‪ ،‬أن هنــاك معتقـاً جديــدا ً‬ ‫قصتــه غريبــة‪ ،‬فذهبــت معــه إىل حيــث املهجــع الثــاين‬ ‫حيــث أدخــل صاحــب القصــة‪ ،‬وهــو كــا بــدا يل شــاباً‬ ‫يف نحــو الثالثــن مــن العمــر‪ ،‬متوســط القامــة‪ ،‬مســتكيناً‬ ‫كأنــه مستســلم لقــدر مفــروض‪ ،‬شــعره وأهدابــه تــكاد‬ ‫تكــون صفـراء فاتحــة أو متيــل إىل البيــاض‪ ،‬كأنــه مصــاب‬ ‫بالــرص!‪.‬‬ ‫بعــد التعــارف‪ ،‬ســألته عــن قصــة اعتقالــه‪ :‬قــال إن اســمه‬ ‫نجيــب‪ ،‬وهــو مــن قريــة تابعــة للمعــرة‪ .‬وإنــه كان خارجـاً‬ ‫مــن بيتــه إىل دكان يعمــل فيهــا كل يــوم‪ ،‬وماشــياً قبيــل‬ ‫الظهــرة إىل ميــن الشــارع كعادتــه‪ ،‬وإذ بســيارة تتوقــف‬ ‫وينــزل منهــا رجــال يدفعونــه ويحملونــه فــورا ً إىل الســيارة‬ ‫رغــم رصاخــه واحتجاجــه وســؤاله عــن الســبب‪ .‬عندمــا‬ ‫وصلــت الســيارة إىل مقرهــا‪ ،‬وضعــت طامشــة عــى‬ ‫عينيــه‪ ،‬و ُربــط كفــاه إىل الخلــف‪ ،‬ثــم دفــع إىل داخــل‬ ‫البنــاء‪ ،‬وبقــي ســاعات واقفـاً‪ ،‬قبــل أن يؤخــذ إىل محقــق‪،‬‬ ‫انهــال عليــه بأســئلة متالحقــة وهــو يرضبــه بكربــاج‬ ‫عــى جســده‪ ،‬أو يصفعــه عــى وجهــه بكلتــا يديــه‪،‬‬

‫مكــررا ً ســؤاله عــن كونــه قناصـاً قتــل العديــد مــن املــارة‬ ‫ورجــال األمــن والرشطــة‪ ،‬أمــا هــو فــكان ينفــي باســتمرار‪،‬‬ ‫ويحلــف أن ال عالقــة لــه بــكل ذلــك‪ ،‬وعمــره مــا قنــص‬ ‫أحــدا ً‪ ،‬وال حمــل بندقيــة‪ ..‬بعــد أن اســتمر املحقــق يف‬ ‫رضبــه وتكذيبــه‪ ،‬وبعــد ســقوطه أرض ـاً م ـرات متعــددة‪،‬‬ ‫وجــد نفســه يــن ويقــول‪« :‬مثــل مــا بــدك ســيدي خلــص‬ ‫أنــا قنــاص‪ ،‬أنــا قنــاص‪ ،‬مثــل مــا برتيــد ســيدي‪ ،‬بــس اللــه‬ ‫يخليــك خلــص‪ ،‬خلــص»‪.‬‬ ‫عنــد ذلــك رفــع املحقــق غطــاء العينــن عنــه‪ ،‬وأجلســه‬ ‫عــى مقعــد صارخــاً‪« :‬اقعــد لكــن‪ ،‬هيــك بنعــرف‬ ‫نتفاهــم»‪ ،‬ثــم خــرج مــن الغرفــة‪ ،‬وإذ بنجيــب يســمع‬ ‫صوتـاً آخــر يقــرب منــه ويــرخ بــه‪« :‬ولــك قنــاص‪ ،‬شــو‬ ‫قنصــت؟»‪ .‬رد نجيــب شــبه بــاك‪« :‬كل يش ســيدي‪ ،‬كل‬ ‫يشء ميــر أمامــي»‪ .‬فــرخ بــه املحقــق الجديــد‪ :‬يعنــي‬ ‫قنصــت ســيارة رشطــة‪ ،‬ســيارة دوريــة‪ ،‬ســيارة مدنيــة‪،‬‬ ‫نــاس كيــف مــا كان؟ هيــك واله‪ ،‬صــح؟ أجابــه نجيــب‬ ‫مرتبــكاً ومبتعــدا ً برأســه إىل الخلــف‪ :‬نعــم ســيدي نعــم‬ ‫نعــم‪ ..‬فســأله املحقــق‪ :‬كــم واحــدا ً تعتقــد أنــك قنصــت‬ ‫إذن‪ ،‬جاوبنــي؟ رد نجيــب وقــد اســتعاد شــيئاً مــن‬ ‫هدوئــه‪ ،‬بعــد مــي فــرة بــا صفعــات وال رضب‪ :‬وال‬ ‫واحــد ســيدي!‪ ..‬فــرخ بــه املحقــق‪« :‬كيــف وال‪ ،‬وال‬ ‫واحــد واله؟»‪.‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫أجــاب نجيــب‪« :‬ســيدي مانــك شــايف أنــا كفيــف ال أرى‬ ‫جيــدا ً‪ ،‬أرى فقــط خيــاالت‪ ،‬كيــف برتيــدين أن أقنــص؟»‪.‬‬ ‫يف هــذه اللحظــة‪ ،‬فوجئــت وأنــا أســتمع لــه‪ ،‬إذ أننــي‬ ‫رأيــت عينيــه املعمشــتني بأهدابهــا الفاتحــة‪ ،‬ومل أتوقــع‬ ‫كونــه كفيفــاً‪ ،‬لــذا لوحــت بكفــي أمــام وجهــه‪ ،‬فلــم‬ ‫تتحــرك عينــاه ابــدأ‪ ،‬فــا كان منــي إال أن قلــت‪ :‬أعــوذ‬

‫باللــه‪ .‬وصلــت لهــذا الحــد!! وملــاذا أنــت هنــا إذن وأتــوا‬ ‫بــك إىل هــذا الســجن؟ رد نجيــب‪ :‬مل يتغــر يشء‪ ،‬فرغــم‬ ‫دهشــة املحقــق الثــاين‪ ،‬جــرت إحالتــي إىل املحكمــة‪،‬‬ ‫وقالــوا إنهــا وحدهــا التــي ميكــن أن تفــرج عنــي‪ ،‬وهــا‬ ‫أنــا هنــا يف ســجن حمــص‪ ،‬محــاالً إىل املحكمــة العســكرية‬ ‫ألنهــا غــر موجــودة يف إدلــب!!‬

‫خواطر للذكرى‬ ‫عزيزة جلود‬

‫(‪)1‬‬

‫عندمــا كنــا نتشــارك الســكن يف أحــد‬ ‫الســجون الكثــرة يف ســوريا أنــا وأحــد‬ ‫مؤســي مجلتكــم مل أفكــر بأفضــل األحــوال‬ ‫تفــاؤالً أننــا ســنكون يف يــوم مــن األيــام‬ ‫أصدقــاء بطريقــة أو بأخــرى كنــت مــن‬ ‫املحافظــات جــدا ً‪ ،‬وأعتــر أي حديــث مــع‬ ‫أي رجــل بــأي صفــة كان هــو خيانــة لدينــي‬ ‫ورشيف وأهــي كنــت املــرأة الوحيــدة يف‬ ‫جنــاح الســجن وكان الســجن يحتضــن‬ ‫كل فكــر ســيايس يف العــامل كان الغالبيــة‬ ‫يســرقون النظــر لــروا تلــك الســجينة كان‬ ‫األمــر يزعجنــي جــدا ً ألين ال أعــرف كيــف‬ ‫ي ـراين كل مــن ينظــر إيل وتفرقنــا وعــاد كل‬ ‫منــا لحياتــه وقامــت الثــورة مل يخطــر ببــايل‬ ‫أن ألتقــي بجـراين يف الســجن عــى صفحات‬ ‫النــت فرحــت بهــم أميــا فــرح وكانــوا أقــرب‬

‫يل مــن الكثرييــن الذيــن كانــوا أصدقــاء‬ ‫األمــس لقــد آخــت الثــورة بيننــا وأصبحــت‬ ‫رابطــة الثــورة تجمعنــا كــا جمعتنــا‬ ‫قضبــان الســجن ألننــا قاومنــا الظلــم ســابقاً‬ ‫والحقـاً واليــوم أخــط تلــك الذكريــات عــى‬ ‫صفحــات جريدتكــم ولتجمعنــا حــروف‬ ‫الحريــة التــي ننشــدها جميع ـاً لتصــل بنــا‬ ‫إىل النــر ونعــود مــن هجرتنــا كــا تعــود‬ ‫طيــور الســنونو إىل موطنهــا‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ســجن حلــب املركــزي «املســلمية»‬ ‫جنــاح األمــن العســكري واألمــن الســيايس‬ ‫املهجــع‪ ،‬أو الغرفــة الثانيــة‪ .‬النــزالء ســجناء‬ ‫مــن قــرى ديــر الــزور والرقــة واملياديــن‪،‬‬ ‫اليــوم موعــد الزيــارات‪ .‬كان نظــام الســجن‬ ‫يقــي أن يخــرج أحــد الســجناء خــارج‬

‫الغرفــة‪ ،‬ويقــوم بالطبــخ ألن «البابــور»‬ ‫ممنــوع وجــوده داخــل املهاجــع‪ .‬خــرج‬ ‫أحــد اإلخــوة وأصــوات البقيــة منهمكــة‬ ‫بالتحضــر‪ ،‬تســاءلت وأنا أتســى بأصواتهم‪:‬‬ ‫مــاذا ســيقومون بطهيــه‪ ،‬وقفــت يف غرفتــي‬ ‫بعيــدة عــن شــبك الحديــد أراقــب األخ‬ ‫الســجني الطبــاخ‪ ،‬وإذ بــه يضــع مــاء‬ ‫البنــدورة وقطــع اللحــم وأنتظرهــا لتنضــج‪،‬‬ ‫ولكــن كان الفضــول يجعلنــي أنتظــر مثلهم‬ ‫مــاذا ســيطهون؟ وإذ بوعــاء مملــوء بحبات‬ ‫الباميــاء وأصابتنــي الصدمــة والخيبــة ألنني‬ ‫أعــرف أن يل نصيبــاً مــن هــذا الطعــام‬ ‫يرســله اإلخــوة يل‪ ،‬معقــول كل هــذا اللحــم‬ ‫مــن أجــل الباميــاء فأنــا ال أحــب الباميــاء‬ ‫وأســتغرب ممــن يحبهــا وقلــت يف رسي‬ ‫حــرام كل هــذه اللحمــة للباميــاء‪ ،‬قــال‬ ‫يل الشــاب القضــايئ الــذي يعمــل بتوزيــع‬ ‫الطعــام‪ ،‬ألن الســجناء السياســيني ممنــوع‬

‫عليهــم الخــروج والتنقــل‪ :‬ال تــأكيل جريانــك‬ ‫سريســلون لــك‪ ،‬قلــت لــه‪ :‬ال أحــب الباميــاء‬ ‫وح ـرام كل هــذه اللحمــة تذهــب ســدى‪.‬‬ ‫ســمع األخ وقــال‪ :‬اآلن يــا أختــي ســتغريي‬ ‫رأيــك فيهــا‪ ،‬فالباميــاء عندنــا مــن أشــهر‬ ‫وأطيــب األكالت‪ ،‬ونقــوم بعمــل والئــم‬ ‫عليهــا‪ .‬وانتهــى األخ مــن الطهــي‪ ،‬ودخــل‬ ‫الغرفــة برفقــة قــدر الباميــاء‪ ،‬وأرســلوا يل‬ ‫صحنــاً منهــا‪ ،‬وتناولــت امللعقــة‪ ،‬وبــدأت‬ ‫بتذوقهــا‪ .‬كانــت لذيــذة جــدا ً‪ ،‬وتختلــف‬ ‫طريقــة طهيهــا عــن طريقتنــا‪ ،‬وأكلــت كل‬

‫ثقافية ـــ سياسية ـــ نصف شهرية ـــ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريين للتواصل عرب فيس بوك‬ ‫اء ُنشرت أم لم تنشر‬ ‫المقاالت التي ترد إلى المجلة ال تُ ّ‬ ‫رد إلى أصحابها سو ً‬ ‫اآلراء التي تنشر بالمجلة تعبر عن رأي أصحابها‪ ،‬وال تمثل بالضرورة رأي المجلة‬

‫‪ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬‬

‫للتواصل عرب تويرت‬ ‫للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬

‫الكميــة املرســلة‪ ،‬ومــن ذاك اليــوم أصبحت‬ ‫حالــة عشــق حقيقيــة بينــي وبــن الباميــاء‪،‬‬ ‫وســألتهم عــن طريقــة طهيهــا‪ ،‬ومــا زلــت‬ ‫إىل اليــوم أطهوهــا بتلــك الطريقــة‪ .‬بــارك‬ ‫اللــه باإلخــوة‪ ،‬وال أعــرف أســاءهم‬ ‫حينهــا‪ ،‬وأمتنــى أن يكــون الجميــع قــد‬ ‫خرجــوا بســام‪ ،‬ورمبــا ألتقــي بأحدهــم‬ ‫ليقــول يل‪ :‬أنــا كنــت مــن جريانــك يف زمــن‬ ‫ـس‬ ‫نســينا العــامل‪ ،‬ولكــن مل ننســاكم‪ ،‬ومل ننـ َ‬ ‫ذكرياتنــا مع ـاً‪ ،‬ولــو أننــا ال نعــرف أســاء‬ ‫كل منــا‪!..‬‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Atatürk Mah7-.sk. NO = 9. ŞanliUrfa MOB: 00905459679973 SAYI:3 YIL: 2014 )1) - İMTİYAZ SAHİBİ : ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: MAJED RASHEED ALOWAYYED‬‬ ‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬


‫‪16‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬

‫زاويـة حـرة‬

‫عدمية الواقع ال تعني نهاية الثورة!‬ ‫بسام البليبل‬

‫انتخاب حممد وليد‬ ‫مراقباً عاماً لـ «إخوان» سوريا‬ ‫انتخــب مجلــس شــورى جامعــة «اإلخــوان‬ ‫املســلمني» يف ســوريا محمــد حكمــت وليــد‬ ‫مراقب ـاً عام ـاً جديــدا ً للجامعــة ملــدة أربــع‬ ‫ســنوات خلفـاً للشــيخ محمــد ريــاض شــقفة‬ ‫إثــر انتخابــات أجريــت يف اســطنبول‪.‬‬ ‫كــا انتخــب املجلــس باإلجــاع املهنــدس‬ ‫حســام غضبــان نائبــاً للمراقــب العــام‪.‬‬ ‫ويشــغل وليــد منصــب رئيــس الحــزب‬ ‫الوطنــي للعدالــة والدســتور «وعــد»‪ ،‬ومــن‬ ‫املتوقــع أن يقــدم اســتقالته مــن رئاســة‬ ‫الحــزب قريبــاً‪.‬‬ ‫وباختيــار وليــد لهــذا املنصــب يكــون‬ ‫بذلــك املراقــب العــام الـــثاين عــر لجامعــة‬ ‫«اإلخــوان املســلمني» يف ســوريا‪.‬‬ ‫يذكــر أن وليــد مــن مواليــد الالذقيــة عــام‬

‫هــل التغيــر يف قيادات اإلخوان املســلمني إشــارة إىل‬ ‫بدء مرحلة سياســية جديدة يف نهج إخوان ســورية؟!‬

‫‪ ،1944‬حصــل عــى الدكتــوراه يف الطــب البــري مــن جامعــة‬ ‫دمشــق عــام ‪ ،1968‬وســافر إىل بريطانيــا للتخصــص يف طــب‬ ‫العيــون‪ .‬عمــل أســتاذا ً مســاعدا ً يف كليــة الطــب بجامعــة امللــك‬ ‫عبدالعزيــز بجــدة حتــى عــام ‪ ،1988‬ثــم استشــارياً ألمــراض‬ ‫العيــون يف مستشــفى بخــش بجــدة‪.‬‬

‫إ ّن الحالــة العدميــة التــي يعيشــها املواطــن الســوري‬ ‫يف الداخــل والشــتات‪ ،‬يف ظــل أزمــة كارثيــة‪ ،‬متشــعبة‬ ‫األهــداف‪ ،‬متعــددة األطــراف‪ ،‬غارقــة يف كل عيــوب‬ ‫الثــورات‪ ،‬وتنــازع املصالــح الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬البــد أن‬ ‫تبعــث يف النفــس كل مــا تحفــل بــه ويكيبيديــا علــم‬ ‫النفــس مــن أمــراض‪.‬‬ ‫فــإذا أخذنــا بعــن االعتبــار ســلبية املوقــف األمريــي‬ ‫مــن الثــورة الســورية‪ ،‬ومــا يخفيــه مــن اســراتيجية‬ ‫ثابتــة مناوئــة للتحــرر العــريب مــن االســتبداد‪ ،‬وعــدم‬ ‫توفــر اإلرادة الحقيقيــة لــدى األوربيــن لنــرة هــذه‬ ‫الثــورة‪ ،‬ورمبــا عــدم امتــاك هــذه اإلرادة بفعــل الســيطرة‬ ‫األمريكيــة‪.‬‬ ‫وإذا أضفنــا إىل ذلــك خــذالن العــرب للثــورة الســورية‪،‬‬ ‫وتشــكيك البعــض بصوابيــة مغامــرة الثــورة أصــاً‪،‬‬ ‫واســتحالة الوصــول إىل النتائــج املرجــوة منهــا‪ ،‬فإننــا ال‬ ‫نتفاجــأ باملشــهد الســوري الحــايل ومــا يشــتمل عليــه‪،‬‬ ‫مــن عــدم وضــوح الرؤيــا‪ ،‬واهتــزاز املواقــف‪ ،‬وتشــتت‬ ‫املعارضــة وفشــلها يف صنــع قيــادات كفــوءة معــرف‬ ‫بهــا‪ ،‬ومتــزق الجيــش الحــر وتحــول بوصلتــه الثوريــة‪،‬‬ ‫وظهــور التطــرف والتعصــب واإللغــاء‪ ،‬وصــوالً إىل الحــرب‬ ‫الداخليــة العبثيــة التــي ســاهم النظــام بالتمهيــد لهــا‪،‬‬ ‫وصنــع أدواتهــا‪ ،‬بــإرشاف إي ـراين‪ ،‬ورضــا أمريــي‪ ،‬وصمــت‬ ‫عــريب غــر مســتغرب‪.‬‬ ‫ويف خضــم هــذا املشــهد العبثــي واملريــع فإنــه البــد مــن‬ ‫مواجهــة هــذا الواقــع مــن خــال مواجهــة رصاعاتنــا‬ ‫النفســية‪ ،‬وقلقنــا املزمــن‪ ،‬وحــس املؤامــرة املســتديم‪،‬‬ ‫ـي منفتــح يــدرك أ ّن الهــروب مــن‬ ‫وذاكرتنــا املتعبــة‪ ،‬بوعـ ٍ‬

‫قلــق االنفتــاح عــى املشــهد واملشــاركة فيــه‪ ،‬إىل أمــان‬ ‫االنعـزال واالنكفــاء عــى الــذات‪ ،‬هــو هــروب نحــو أمــان‬ ‫زائــف‪ ،‬وانســحاب مــن أداء الواجــب الوطنــي الــذي‬ ‫تحتاجــه املرحلــة‪.‬‬ ‫ـي مــن كل يشء‪ ،‬وتحميــل اآلخريــن املســؤولية‪،‬‬ ‫وأ ّن التشـ ّ‬ ‫هــو نــو ٌع مــن الكــذب عــى الــذات‪ ،‬وإيهامهــا بــأداء‬ ‫الواجــب لتربيــر العجــز واإلحبــاط يف داخلنــا‪ ،‬دون إدراك‬ ‫ملــا يف هــذا املوقــف مــن تخذيــلٍ للثــورة‪ ،‬وتوهــن للهمــة‪،‬‬ ‫وإضعـ ٍ‬ ‫ـاف للعزميــة‪.‬‬ ‫وأ ّن املالماتيــة التــي تخفــي حســناتنا‪ ،‬وتظهــر ســوءاتنا‪،‬‬ ‫وحامقــة قرارنــا بإطــاق ثــورة غــر محســوبة العواقــب‪،‬‬ ‫تتناقــض وحقيقــة أ ّن مــا توفــر للثــورة الســورية مــن‬ ‫رشوط موضوعيــة وذاتيــة هــي مــن ســاهمت بإطالقهــا‬ ‫ابتــدا ًء‪ ،‬وليــس نحــن‪ ،‬وأ ّن الثــورة كانــت واقعــاً حتميــاً‬ ‫وفق ـاً لحركــة تحــرر الشــعوب‪ ،‬وحتميــة قانــون التغيــر‪.‬‬ ‫وأ ّن الهروبيــة الرواقيــة‪ ،‬واملشــاعر االنســحابية الطافحــة‬ ‫باالشــمئزاز والنفــور مــن هــذا الواقــع‪ ،‬ليســت االســتجابة‬ ‫املوضوعيــة لهــذا الواقــع‪.‬‬ ‫إ ّن التعامــل بإيجابيــة مــع كل الســلبيات التــي متــأ‬ ‫املشــهد الســوري‪ ،‬والبحــث عــن حلــول لعيــوب الثــورة‬ ‫وانتكاســاتها‪ ،‬هــو الحــل األمثــل لتكريــس وجودنــا األصيــل‬ ‫والثابــت يف عمــق الثــورة‪ ،‬والحامــل الســتمرارها ونجاحهــا‪،‬‬ ‫عــى أن يظــل متذكّــرا ً مــن يقــوم بهــذه الثــورة‪ ،‬ومــن‬ ‫يتقاعــس عنهــا‪ ،‬قــول املتنبــي‪:‬‬ ‫ال افتخــــا ٌر ّإل ملـــن ال يُضــــا ُم‬ ‫ٍ‬ ‫حـــــارب ال ينـــــــا ُم‬ ‫ــــدرك أو ُم‬ ‫ُم‬ ‫ٍ‬ ‫ليـس عزمـاً مــا مــ ّر َض املرء فيـه‬ ‫همً مــا َ‬ ‫عــاق عنـه الظــال ُم‬ ‫ليــس ّ‬

‫رئيــس بلديــة شــانلي أورفــا الكبــرى ‪..‬‬ ‫يلتقــي أســرة الحرمــل وفعاليات ثقافيــة وإجتماعيــة ودينية‬ ‫تركي��ا أنفق��ت أربع��ة ملي��ارات دوالر مس��اعدات للس��وريني‬

‫بدعــوة مــن الســيد جــال الديــن غوينــج رئيــس بلديــة‬ ‫شــانيل أورفــا الكــرى‪ ،‬وبحضــور كتــاب وصحافيــي مجلــة‬ ‫الحرمــل‪ ،‬والســادة أركان ســوزين نائــب رئيــس فــرع حــزب‬ ‫العدالــة والتنميــة يف أورفــا‪ ،‬وعبــد القــادر اقبــال رئيــس‬ ‫جمعيــة الكتــاب واإلعالميــن‪ ،‬وويســل بــوالت رئيــس اتحــاد‬

‫الصحفيــن يف أورفــا‪ ،‬وشــكري كريبوغــا رئيــس جمعيــة عــرب‬ ‫تركيــا‪ ،‬ومصطفــى مســلم وأكــرم دادا ممثــل عــن الرتكــان‪،‬‬ ‫وعــدد مــن الشــخصيات العامــة الســورية والرتكيــة‪ ،‬وكتــاب‬ ‫وصحفيــي جريــدة غــاب غوندامــي‪.‬‬ ‫ألقــى غوينــج كلمــة قــدم فيهــا رشحــاً وافيــاً حــول مــا‬ ‫قدمتــه البلديــة مــن مســاعدات لألخــوة املهاجريــن‬ ‫الســوريني‪ ،‬ومــا ســيقدمونه الحق ـاً‪ .‬واســتهل حديثــه قائ ـاً‪:‬‬ ‫نحــن يف بلديــة أورفــا نراقــب مــا يجــري يف ســوريا منــذ‬ ‫انــدالع الثــورة الســورية‪ ،‬حيــث جــاء إلينــا ‪ 400‬ألــف مهاجر‪،‬‬ ‫قدمنــا لهــم مــا أمكــن مــن مســاعدة‪ ،‬وســنظل نقــدم لهــم‬ ‫مــا يجــب علينــا تقدميــه يف إطــار األخــوة التــي تجمعنــا‪.‬‬ ‫العــامل كلــه يشــاهد ويــرى منــذ أربــع ســنوات مــا يجــري‬

‫يف ســوريا مــن أعــال وحشــية مســتمرة إىل اآلن‪ ،‬حيــث‬ ‫يقتــل األطفــال والنســاء والشــيوخ مــن املســلمني‪ ،‬وأخــرا ً‬ ‫مل يواجــه هــذا العــامل وحشــية األســد بــل نجحــوا بتســليط‬ ‫عصابــة داعــش عــى املنطقــة التــي قامــت بهجــوم طــال‬ ‫معظــم أرايض ســوريا والعــراق‪ ،‬وكانــوا أيضــاً وراء هجــوم‬ ‫كوبــاين‪ ،‬الــذي يريــدون مــن خاللــه رفــع ثقــة مواطنينــا عــن‬ ‫الحكومــة وإشــعال حــرب أهليــة يف تركيــا‪.‬‬ ‫وتابــع قائــاً‪ :‬تركيــا منــذ البدايــة طلبــت الســام وإنهــاء‬ ‫الحــرب واالقتتــال يف ســوريا‪ ،‬ألن القتــل والتدمــر طال جميع‬ ‫أفــراد الشــعب‪ ،‬والقتــل مــازال مســتمرا ً يف حلــب والرقــة‬ ‫وكوبــاين وأربيــل‪ ،‬نعــم هنــاك أنــاس يقتلــون وقلوبنــا تحرتق‬ ‫عليهــم‪ ،‬واليــوم أصبــح عــدد املهاجريــن مــن الســوريني‬

‫يف تركيــا نحــو ‪ 2‬مليــون‪ ،‬عاملناهــم كإخــوة وبحــرارة‪،‬‬ ‫وقاســمناهم ماءنــا وخبزنــا‪ ،‬وسنســتمر مبســاعدتهم‪ ،‬حيــث‬ ‫أنفقنــا ‪ 4‬مليــار دوالر عــى إخوتنــا الســوريني منــذ بدايــة‬ ‫أزمتهــم‪ ،‬وسنســتمر باإلنفــاق عليهــم‪.‬‬ ‫ويــأيت هــذا االجتــاع يف هــذا اليــوم بيننــا نحــن األتــراك‬ ‫والعــرب واألك ـراد والرتكــان ليؤكــد عــى أخوتنــا العميقــة‪،‬‬ ‫فمنــذ دخــول داعــش إىل املنطقــة قدمنــا ‪ 800‬قاطــرة‬ ‫مســاعدات إنســانية‪ ،‬ومنــذ تاريــخ ‪ 19‬أيلــول مــن هــذه‬ ‫الســنة وهجــوم داعــش عــى كوبــاين قدمنــا ‪ 100‬قاطــرة‬ ‫مســاعدات إنســانية‪ ،‬ودخــول ‪ 900‬جريــح للمعالجــة‪،‬‬ ‫ومقــدار مــا أنفقنــاه عــى املهاجريــن مــن كوبــاين ‪ 3‬مليــون‬ ‫لــرة تركيــة‪.‬‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05459679973( :‬أو مراجع��ة مقره��ا الكائ��ن خل��ف بلدي��ة أورف��ا‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع ‪ 15 /‬تشرين الثاني ‪2014‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.