Alharmal(17) 01 06 2015 العدد السابع عشر من مجلة الحرمل

Page 1

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬ ‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫‪AL harmal‬‬

‫‪1‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــاً‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬ ‫جمزرة حلب‬

‫‪sayı 17‬‬

‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫إفتتاحية العدد‬

‫أردوغان‪ :‬لن أسلم املظلوم لسفاح الشام‬

‫تدمر‪ ..‬هل تقلب املعادلة؟‬ ‫ماجد رشيد العويد‬

‫يف كلمتــه التــي ألقاهــا ضمــن حشــد‬ ‫جامهــري كبــر مــن منارصيــه‪ ،‬الذيــن‬ ‫غصــت بهــم ســاحة طوبجــي ميــدان‬ ‫ّ‬ ‫والشــوارع املحيطــة بهــا‪ ،‬شــكر الرئيــس‬ ‫الــريك رجــب طيــب أردوغــان أهــايل‬ ‫مدينــة شــانيل أورفــا عــى حســن‬ ‫ضيافتهــم إلخوانهــم الســوريني الهاربــن‬ ‫مــن أتــون الحــرب والدمــار‪ .‬وذلــك خالل‬ ‫زيارتــه ملدينــة شــانيل أورفــا يــوم األحــد‬ ‫‪ 2015/5/24‬ضمــن الحملــة االنتخابيــة‬ ‫لحــزب العدالــة والتنميــة التــي ســتجري‬ ‫يف الســابع مــن شــهر حزيــران القــادم‪.‬‬

‫ويف هــذا الســياق انتقــد أردوغــان‬ ‫ترصيحــات رئيــس حــزب الشّ ــعب‬ ‫الجمهــوري الــذي وعــد بإعادة الســوريّني‬ ‫إىل بالدهــم يف حــال فــوزه باالنتخابــات‬ ‫الربملانيــة املقبلــة‪ ،‬مؤكّــدا ً أ ّن الشّ ــعب‬ ‫الــريك ال يقبــل مبثــل هــذه الخطــوة‪.‬‬ ‫الصــدد قــال أردوغــان‪« :‬لقــد‬ ‫ويف هــذا ّ‬ ‫أصبحتــم األنصــار عندمــا اســتقبلتم‬ ‫إخوتكــم املهاجريــن مــن ســوريا‪ .‬وإنّنــي‬ ‫أقــول مــن هنــا بــأ ّن هــذا الشّ ــعب‬ ‫العظيــم لــن ينقــاد وراء نــداءات رئيــس‬ ‫حــزب الشّ ــعب الجمهــوري‪ ،‬ولــن يُس ـلّم‬

‫هــؤالء املظلومــن الذيــن ف ـ ّروا مــن آلــة‬ ‫القتــل األســدية التــي يلــوح بهــا س ـفّاح‬ ‫الشّ ــام»‪..‬‬ ‫كــا انتقــد الرئيــس الــريك مــا يجــري‬ ‫عــى الســاحة املرصيــة مــن انتهــاكات‬ ‫لحقــوق اإلنســان وأحــكام جائــرة بحــق‬ ‫رؤســائها الســابقني كان آخرهــا الحكــم‬ ‫باإلعــدام عــى الرئيــس مــريس يف ظــل‬ ‫صمــت دويل وعــريب‪ ،‬داعيــاً الــدول‬ ‫املعنيــة للقيــام بواجبهــا تجــاه مــا يجــري‬ ‫عــى الســاحة املرصيــة والســورية عــى‬ ‫حــد ســواء‪.‬‬

‫ودشــن «أردوغــان» خــال زيارتــه ملدينــة‬ ‫شــانيل أورفــا العديــد مــن املشــاريع‬ ‫التنمويــة والخدميــة‪ ،‬حيــث افتتــح‬ ‫مشــفى حــران لكليــة الطــب‪ ،‬ومشــفى‬ ‫آخــر يف منطقــة األيوبيــة يتســع لـــ‪800‬‬ ‫رسيــر ومشــفى املدينــة الضخــم يف‬ ‫أقجــة قلعــة الحدوديــة الــذي يضــم‬ ‫العديــد مــن األجنحــة واألقســام بســعة‬ ‫‪ 1800‬رسيــر‪ ،‬كــا افتتــح مركــز معالجــة‬ ‫األســنان مبنطقــة قــره كوبــري إضافــة‬ ‫ملتحــف الفسيفســاء التاريخــي يف وســط‬ ‫املدينــة‪.‬‬

‫جم��زرة مروع��ة يرتكبه��ا ط�يران جمازر وحش��ية يف دي��ر ال��زور والضحايا‬ ‫أكثر من ‪ 78‬شهيداً‬ ‫التحال��ف يف الرق��ة‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫جم��زرة مروعة يف حل��ب‪ ..‬الط�يران املروحي يس��تهدف املدنيني العزل‬

‫‪3‬‬

‫يربــط بــن تحريــر إدلــب ومناطــق أخــرى يف الجنــوب‬ ‫الســوري‪ ،‬وعاصفــة الحــزم خيــط يوصــل الشــعوب العربيــة‬ ‫إىل غاياتهــا يف الخــاص مــن االســتبداد‪ ،‬وإنشــاء النقلــة‬ ‫املرتقبــة نحــو الحريــة والكرامــة‪ ،‬والخــاص أيضـاً مــن إيـران‬ ‫ومالليهــا مــع القضــاء التــام عــى فكــرة التشــييع عــر وهــم‬ ‫تصديــر الثــورة‪ .‬غــر أن أحــداث تدمــر‪ ،‬وتســليم النظــام‬ ‫لهــا وانســحابه منهــا عــى وقــع أغــاين عــي الديــك‪ ،‬كفيلــة‬ ‫بتشــتيت العاصفــة رغــم حزمهــا‪ ،‬وكــرة مالهــا‪.‬‬ ‫وإذا كانــت تدمــر تعنــي «بلــد املقاومــن» باللغــة العمورية‪،‬‬ ‫والتــي «ال تقهــر» باللغــة اآلراميــة الســورية القدميــة‪ ،‬فــإن‬ ‫واقــع الحــال يف الســنوات الخمســن املاضيــة يشــر إىل أن‬ ‫تدمــر يف الزمــن البعثــي باتــت تعنــي بلــد القتــل البطــيء‪،‬‬ ‫واملذلــة العميقــة‪ ،‬وال يــدل تســليمها عــى غــر رغبتــه‬ ‫باســتمرار معانــاة الســوري الــذي ثــار بوجهــه غــر عابــئ‬ ‫ـب فــوق رأســه‪.‬‬ ‫باملــوت الهائــل الــذي ُصـ ّ‬ ‫وألن تدمــر‪ ،‬وســط ســورية‪ ،‬فإنهــا كذلــك الطريــق إىل كل‬ ‫مــن األردن والســعودية‪ ،‬وإذا كانــت الغايــة تفتيــت املنطقــة‬ ‫فــإن الســبيل مــن تدمــر باتجــاه األردن والســعودية عــى‬ ‫يــد الوســيط الداعــي أمــر أشــبه مــا يكــون بالحتمــي‪،‬‬ ‫ولعــل التفجــر األخــر الــذي طــال إحــدى الحســينيات يف‬ ‫املنطقــة الرشقيــة مــن الســعودية خــر دليــل عــى هــذا‪.‬‬ ‫ترت ّــب هــذه العالقــة عــى الســعودية أن تســتمر عــر‬ ‫التحالــف العــريب بحملتهــا ضــد الحوثيــن وجامعــة صالــح‪،‬‬ ‫وأن تؤســس عــر التحالــف ذاتــه‪ ،‬مــع توســعته ليشــمل‬ ‫بشــكل عمــي تركيــا‪ ،‬للقضــاء عــى النظــام الســوري‬ ‫وداعــش يف ســوريا‪ ،‬والســعي باتجــاه توطيــد العالقــة بــن‬ ‫تركيــا ومــر‪ ،‬خصوص ـاً وأن داعــش باتــت يف ســيناء أيض ـاً‪.‬‬ ‫مل يــأت داعــش مــن الفــراغ‪ .‬عندمــا قــررت أمريــكا غــزو‬ ‫العــراق عــام ‪ 2003‬فتــح األخــر حــدوده قبيــل الحــرب‬ ‫للمقاتلــن العــرب واألجانــب‪ ،‬وهــؤالء كانــوا النــواة األوىل‬ ‫ملــا ســمي داعــش الحقــاً‪ .‬كانــت الخطــة خلــق مســتنقع‬ ‫عراقــي عــريب يغــرق األمريــكان والعــرب يف وحولــه‪ .‬إي ـران‬ ‫بدورهــا اســتفادت مــن هــؤالء عــر اخرتاقهــم وتوجيههــم‬ ‫وم ّدهــم بالســاح يف بنــاء إســراتيجيتها القامئــة عــى تصديــر‬ ‫الثــورة‪ ،‬عــر االســتفادة مــن األقليــات الشــيعية العربيــة‪،‬‬ ‫ومــن هنــا فإنهــا تريــد زعزعــة اســتقرار الســعودية مــن‬ ‫خــال تحريــك األقليــة الشــيعية فيهــا‪ .‬فهــل أصبــح الطريــق‬ ‫إىل هــذا ســالكاً؟‬ ‫النظــام الســوري بــدوره ســاهم‪ ،‬مــن خــال عملــه نظام ـاً‬ ‫أمني ـاً مأجــورا ً للــدول الكــرى عــى خلخلــة التــوازن الهــش‬ ‫يف املحيــط العــريب‪ ،‬يف بلــورة تنظيــم الدولــة عــر إخــراج‬ ‫املســاجني املتطرفــن لديــه‪ ،‬وإطالقهــم يف الســاحة الســورية‪،‬‬ ‫وســاعده يف هــذا نظــام املالــي يف العــراق عــر هــروب‬ ‫املســاجني املتطرفــن مــن ســجونه‪ ،‬وتســهيل دخولهــم إىل‬ ‫ســورية‪.‬‬ ‫مــن تدمــر يجــب العمــل عــى عاصفــة جديــدة‪ ،‬وإال فــإن‬ ‫البــاب مفتــوح عــى تهشــيم املنطقــة الهشــة أص ـاً‪ .‬نقطــة‬ ‫البدايــة تكــون بإســقاط النظــام الســوري الفريــد بعاملتــه‬ ‫وإجرامــه فهــل تعــي الســعودية ومــر هــذا؟‬


‫‪2‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫جمزرة مروعة يرتكبها طريان التحالف يف الرقة جمازر وحش��ية يف دير الزور والضحايا أكثر‬ ‫من ‪ 78‬شهيداً‬ ‫عروة المهاوش‬ ‫ارتكــب طــران التحالــف الــدويل يــوم الثالثــاء ‪26‬‬ ‫أيــار مجــزرة جديــدة بحــق املدنيــن مــن أهــايل الريــف‬ ‫الغــريب ملحافظــة الرقــة‪ ،‬حيــث ارتقــى عــر شــهيدات‬ ‫مــن العامــات الزراعيــات جــراء قصــف الطائــرات‬ ‫املقاتلــة ألحــد حواجــز الدولــة اإلســامية (داعــش) عــى‬ ‫طريــق الرقــة _ الطبقــة‪ ،‬وإصابــة العــرات بجــروح‬ ‫خطــرة‪.‬‬ ‫وأكــد ناشــطون مــن مدينــة الرقــة أن طــران التحالــف‬ ‫اســتهدف ســيارة محملــة بع ـرات النســاء العامــات يف‬ ‫األرايض الزراعيــة يف املوقــع املذكــور‪ ،‬إضافــة الســتهدافه‬ ‫عــ ّدة مواقــع يعتقــد أنهــا مقــرات لتنظيــم (الدولــة)‬ ‫عــى أطـراف مدينــة الرقــة «معســكر الطالئــع‪ ،‬واملنطقــة‬

‫الواصلــة بــن الجــر القديــم والجــر الجديــد» بـــسبع‬ ‫غــارات جويــة عنيفــة‪.‬‬ ‫وتجــدر اإلشــارة إىل أن ريــف الرقــة يشــهد يف هــذه‬ ‫األوقــات مــن الســنة موســم حصــاد القمــح‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يتطلــب اآلالف مــن النســاء للعمــل يف األرايض الزراعيــة‪،‬‬ ‫حيــث يتــم نقلهــن بســيارات تحمــل الع ـرات‪ ،‬وذلــك‬ ‫نظــرا ً الرتفــاع كلفــة الحصــاد اآليل‪ ،‬وعــدم توفــر‬ ‫الحصــادات الالزمــة لحصــاد موســم هــذا العــام‪.‬‬ ‫يذكــر أنّ هــذه املجــزرة هــي الثانيــة مــن نوعهــا‪ ،‬والتــي‬ ‫يســتهدف بهــا طــران التحالــف الــدويل املدنيــن خــال‬ ‫شــهر أيــار الحــايل‪ ،‬حيــث اســتهدف قبلهــا قريــة بــر‬ ‫محــي يف ريــف حلــب الشــايل الرشقــي وأوقــع أكــر‬ ‫مــن مثانــن شــهيدا ً مدني ـا ً مــن أبنــاء القريــة‪.‬‬

‫الدمار الذي خلفته براميل االسد‬

‫ارتفــع عــدد شــهداء محافظــة ديــر الــزور خــال‬ ‫خمســة أيــام مــن شــهر أيــار الحــايل إىل نحــو ‪ 78‬شــهيدا ً‬ ‫بحســب مــا ذكــره ناشــطون مــن ديــر الــزور‪ ،‬وذلــك‬ ‫بإحصــاء عــدد الضحايــا الذيــن قتلــوا عــى أيــدي تنظيــم‬ ‫الدولــة اإلســامية ونظــام األســد‪.‬‬ ‫ففــي قصفــه بالطائ ـرات تســبب نظــام األســد بقتــل ‪17‬‬ ‫مدنيـاً يف حــي الحميديــة بديــر الــزور الخاضــع لتنظيــم‬ ‫الدولــة اإلســامية‪ ،‬حيــث اســتهدف منــازل املدنيــن‬ ‫بالرباميــل املتفجــرة التــي أدت إىل ارتفــاع حصيلــة‬ ‫الشــهداء‪ ،‬بينهــم مثانيــة أطفــال فيــا تســبب القصــف‬ ‫أيضـاً بجــرح العـرات مــن املدنيــن‪ ،‬ويف الوقــت الــذي‬ ‫تقــوم بــه وحــدات الدفــاع املــدين بانتشــال الضحايــا‬ ‫واملصابــن مــن تحــت األنقــاض‪ ،‬تابــع ســاح الجــو‬ ‫الســوري قصفــه ملواقــع أخــرى يف املدينــة‪ ،‬بالتزامــن مــع‬ ‫قصــف مدفعــي وصاروخــي ملعظــم أحيــاء املدينــة‪.‬‬ ‫وكان تنظيــم الدولــة قــد نفــذ سلســلة مــن اإلعدامــات‬ ‫امليدانيــة خــال أســبوع واحــد راح ضحيتهــا أكــر مــن‬ ‫‪ 60‬قتيــاً‪ ،‬وتوزعــت تلــك اإلعدامــات بــن مناطــق‬ ‫املدينــة وريــف ديــر الــزور‪ ،‬ويعمــد التنظيــم لقطــع‬ ‫رؤوس املتهمــن وصلــب جثثهــم يف ســاحات ومناطــق‬ ‫ديــر الــزور وســط غضــب محــي ألبنــاء املحافظــة حــول‬ ‫تلــك اإلعدامــات التــي مل تتوقــف بحــق أبنائهــم منــذ‬ ‫خمســة أيــام متواصلــة‪.‬‬

‫حاجز السد‬

‫شاحنة نقل العامالت‬

‫ويف ترصيــح صحفــي أدىل بــه ســامل املســلط‪ ،‬الناطــق‬ ‫الرســمي باســم االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة‬ ‫واملعارضــة الســورية عقــب املجــزرة املروعــة التــي‬ ‫شــهدتها مدينــة ديــر الــزور‪ ،‬أدان بشــدة أفعــال النظــام‬ ‫اإلجراميــة بحــق املدنيــن‪ ،‬مؤكــدا ً أن كل جرميــة تنفذهــا‬ ‫طائ ـرات النظــام هــي نتيجــة مبــارشة للتأخــر يف فــرض‬ ‫منطقــة آمنــة‪ ،‬وقــال‪ :‬الواقــع اإلجرامــي املســتمر للنظــام‬ ‫يفــرض عــى املجتمــع الــدويل مســؤولية حاميــة املدنيــن‬ ‫مــن خــال فــرض منطقــة آمنــة تلجــم نظــام األســد‪،‬‬ ‫مــع ســحب كافــة أنــواع االعــراف القانــوين بنظامــه‪،‬‬ ‫بالتــوازي مــع إعــادة النظــر يف إســراتيجية التحالــف‬ ‫الــدويل‪ ،‬وإصــاح العطــب الجوهــري املتمثــل بعــدم‬ ‫التنســيق مــع الجيــش الســوري الحــر وغيــاب دعمــه‬ ‫يف مواجهــة نظــام األســد وتنظيــم الدولــة‪ ،‬ولــزوم إدراج‬ ‫نظــام األســد عــى رأس أولوياتهــا ألنــه الراعــي واملصــدر‬ ‫الرئيــي لإلرهــاب‪.‬‬ ‫ويف ختــام ترصيحــه‪ ،‬قــال‪ :‬يحيــي االئتــاف الوطنــي‬ ‫صمــود أهــايل ديــر الــزور ويشــد عــى أيديهــم‪ ،‬إن‬ ‫عزاءهــم وعزائــم الثــوار يف ســورية تؤكــد أن الشــعب‬ ‫الســوري لــن يتــواىن عــن التمســك بحقوقــه يف الحريــة‬ ‫والعدالــة والكرامــة‪ ،‬بــل ســيزداد الســوريون إميانــاً‬ ‫بأهدافهــم‪ ،‬مســتلهمني العزميــة ممــن ضحــوا لالســتمرار‬ ‫يف طريــق الثــورة حتــى تحقيــق النــر‪.‬‬

‫تنظي��م الدول��ة اإلس�لامية يس��يطر عل��ى مدين��ة تدم��ر بالكام��ل‬

‫وجيش الفتح حيرر أرحيا آخر معاقل النظام يف إدلب‬ ‫بعــد أن فــرض تنظيــم الدولــة اإلســامية‬ ‫«داعــش» ســيطرته عــى مدينــة تدمــر كليــاً‪،‬‬ ‫وذلــك إثــر معــارك مــع قــوات النظــام الســوري‬ ‫املدعومــة بقــوات الدفــاع املــدين‪ ،‬بــدأ داعــش‬ ‫سلســلة مــن اإلعدامــات بحــق املدنيــن ضمــن‬ ‫سياســته التــي يــزرع فيهــا الخــوف والرعــب يف‬ ‫نفــوس األهــايل‪.‬‬ ‫يف الســاعات األوىل لدخولــه املدينــة أعــدم‬ ‫داعــش العـرات مــن األهــايل دون محاكــات‬ ‫كان مــن نصيــب عشــرة الشــعيطات الهاربــن‬ ‫مــن ريــف ديــر الــزور واملياديــن بعــد ســيطرة‬ ‫األخــرة عــى مدنهــم وقراهــم القســم األكــر‬ ‫مــن اإلعدامــات حيــث أعــدم داعــش ‪13‬‬ ‫منهــم‪ ،‬وتــرك جثثهــم مقطوعــة الــرأس يف‬ ‫شــوارع املدينــة‪.‬‬ ‫يف الســياق ذاتــه ذكــر أحــد شــهود العيــان‬ ‫أن التنظيــم قــام بإعــدام خمــس ممرضــات‬ ‫العامــات يف املشــفى الوطنــي بتدمــر‪ ،‬وكانــت‬ ‫التهمــة التــي وجهــت إليهــن قيامهــن مبعالجــة‬ ‫جرحــى األســد أثنــاء خدمتهــن‪ ،‬وأضــاف أن‬ ‫طائــرات النظــام أغــارت عــى املدينــة عــدة‬ ‫مــرات اســتهدفت املبــاين الســكنية للمدنيــن‬ ‫يف ظــل انقطــاع تــام للكهربــاء واملــاء وخدمــات‬ ‫االتصــال‪.‬‬ ‫ويف وقــت الحــق أعــاد التنظيــم خدمــات‬ ‫الكهربــاء واملــاء للمدينــة ودعــى املدنيــن‬ ‫للعــودة لحياتهــم الطبيعيــة‪ ،‬وفتــح محالهــم‬ ‫التجاريــة‪ ،‬كــا وعــد بالحفــاظ عــى املناطــق‬

‫األثريــة وعــدم االقـراب منهــا‪ ،‬وســمح التنظيــم‬ ‫بالســفر مــن مدينــة تدمــر إىل الرقــة ملــن‬ ‫يرغــب بعــد الحصــول عــى إذن ســفر‪.‬‬ ‫ويبقــى مصري نزالء الســجن العســكري «الشــهري‬ ‫بقســوته» فيهــا مجهــوالً فحســب منظــات‬ ‫حقوقيــة يقــدر عــدد الســجناء بأكــر مــن ‪11‬‬ ‫ألــف ســجني‪ ،‬وكان هــذا الســجن الرهيــب قــد‬ ‫أنشــأه حافــظ األســد بدايــة ســيطرته عــى‬ ‫كــريس الرئاســة إبــان انقالبــه عــى الحكــم‬ ‫مــع مجموعــة مــن الضبــاط عــام ‪ ،1970‬يف‬ ‫حــن شــهد هــذا الســجن أكــر املجــازر دمويــة‬ ‫عــى يــد رفعــت األســد «شــقيق حافــظ» بعــد‬ ‫أحــداث الثامنينــات املســلحة بــن اإلخــوان‬ ‫املســلمني والنظــام الحاكــم وقــد بثــت مواقــع‬ ‫تابعــة للتنظيــم صــورا ً مــن داخــل ســجن تدمــر‬ ‫تنــر للمــرة األوىل ولرمبــا عــى مــدى عقــود‬ ‫مــن الزمــن‪ ،‬وذلــك للرسيــة الكبــرة التــي كان‬ ‫يحظــى بهــا هــذا الســجن‪ ،‬ومــا كان يحــدث‬ ‫داخــل جدرانــه مــن تصفيــات وقتــل لسياســيني‬ ‫بارزيــن ومثقفــن يف املجتمــع الســوري‪.‬‬ ‫وقــد ذكــرت بعــض املصــادر املقربــة مــن‬ ‫التنظيــم أن وائــل قشــعم وامللقــب «بــأيب هيثم‬ ‫ــن واليــاً عــى تدمــر وكان «أيب‬ ‫التدمــري» ُع ّ‬ ‫الهيثــم» قــد التحــق بالتنظيــات الجهاديــة يف‬ ‫العــراق منــذ عــام ‪.2006‬‬ ‫ويف ســياق متصــل شــهدت مدينــة تدمــر‬ ‫ومــا حولهــا عمليــات هجــرة ونــزوح كبــرة‬ ‫باتجــاه مدينــة الرقــة‪ ،‬واملناطــق القريبــة منهــا‬

‫خوفــاً مــن عمليــات القتــل والذبــح‪ ،‬وفــرض‬ ‫العقوبــات الرشعيــة عليهــم يف ظــل عــدم‬ ‫ـرع متفــق عليــه‪ ،‬وغيــاب املحاكــم‬ ‫وجــود مـ ّ‬ ‫اإلســامية العادلــة‪ ،‬وتعــاين مدينــة الرقــة بعــد‬ ‫أن أحكــم «داعــش» ســيطرته عليهــا‪ ،‬حــاالت‬ ‫متفاقمــة مــن الفقــر واملــرض والجــوع‪ ،‬بعــد‬ ‫توقيــف التنظيــم لــكل املؤسســات املدنيــة‬ ‫التــي كانــت تعمــل يف مجــال اإلغاثــة والصحــة‬ ‫والخدمــات العامــة‪ ،‬مــا يزيــد يف أزمــة املدينــة‬ ‫وســكانها‪.‬‬ ‫وتعــد مدينــة تدمــر ومــا يحيــط بهــا مــن‬ ‫الباديــة الســورية منطقــة ذات أهميــة‬ ‫عســكرية كبــرة‪ ،‬حاولــت قــوات النظــام‬ ‫الســوري املحافظــة عليــه كطريــق إمــداد‬ ‫لجنودهــا‪ ،‬عــدا عــن مصــادر الدعــم االقتصــادي‬ ‫التــي كان يعتمــد النظــام عليهــا يف متويلــه مــن‬ ‫مناجــم الفوســفات يف خنيفيــس والفرقلــس‪،‬‬ ‫وحقــول النفــط والغــاز‪ ،‬فيــا أفــادت التقاريــر‬ ‫الــواردة مــن محطــات البــث التلفزيــوين‬ ‫اإلخباريــة بســيطرة «داعــش» عــى معــر‬ ‫التنــف الحــدودي مــع الع ـراق‪ ،‬وبذلــك تكــون‬ ‫قــوات النظــام قــد فقــدت آخــر معابرهــا مــع‬ ‫دولــة الع ـراق املجــاورة‪ ،‬إضافــة لذلــك تعتــر‬ ‫مدينــة تدمــر منطقــة أثريــة مدرجــة ضمــن‬ ‫الئحــة الــراث العاملــي ملــا فيهــا مــن أوابــد‬ ‫تاريخيــة وحضــارات قدميــة‪ ،‬ومتحفهــا الشــهري‬ ‫جــدا ً ملــا يحتويــه مــن آثــار نــادرة‪ ،‬وقلعتهــا‬ ‫الشــهرية‪ ،‬وبهــذا الشــأن ذكــر الناشــط اإلعالمــي‬

‫مــن مدينــة تدمــر «نــارص الثائــر» للقــدس‬ ‫العــريب أن التنظيــم مل يلتــزم بوعــوده بعــدم‬ ‫االق ـراب مــن املتحــف األثــري حيــث اقتحــم‬ ‫عنــارصه املــكان‪ ،‬مشــرا ً إىل أنهــم مل يجــدوا‬ ‫أي قطــع أثريــه فيــه‪ ،‬مــن جهتــه أشــار املديــر‬ ‫العــام لآلثــار واملتاحــف لــدى النظــام الســوري‬ ‫«مأمــون عبــد الكريــم» إىل قيــام النظــام‬ ‫الســوري بنقــل محتويــات املتحــف قبــل فــرة‬ ‫قريبــة‪ ،‬عندمــا أدرك بقــرب فقــد ســيطرته عــى‬ ‫املدينــة‪ ،‬مؤكــدا ً عــى وجــود تلــك اآلثــار بأيــد‬ ‫أمينــة‪.‬‬ ‫ووصــف ناشــطون ســيطرة تنظيــم الدولــة‬ ‫بالعمليــة التــي ميكــن وصفهــا بالتســليم‪،‬‬ ‫فقــد تــم انســحاب قــوات النظــام مــن مدينــة‬ ‫تدمــر ومحيطهــا‪ ،‬وقامــت بعدهــا الطائــرات‬ ‫الحربيــة بقصــف املدينــة‪ ،‬الــذي تركــز عــى‬ ‫األحيــاء املدنيــة والســكان الذيــن يعيشــون‬ ‫حــاالت مــن الرعــب الحقيقــي‪ ،‬غــارات خجولــة‬ ‫لــرد مــاء الوجــه‪ ،‬بينــا ركــز النظــام قصفــه‬ ‫وبقــوة شــديدة عــى جــر الشــغور ومحيــط‬

‫املشــفى الوطنــي فيهــا‪ ،‬محــاوالً فــك الحصــار‬ ‫عــن ضباطــه وعنــارصه املحارصيــن فيهــا‪،‬‬ ‫وقــد ذكــرت وســائل اإلعــام املتنوعــة عــن‬ ‫قيــام النظــام بـــ‪ 52‬غــارة جويــة يف يــوم واحــد‪،‬‬ ‫هــذا وقــد متكــن الجيــش الحــر بعــد أيــام‬ ‫مــن تحريــر املشــفى والســيطرة عليهــا بشــكل‬ ‫كامــل‪ ،‬وأرس مــن بقــي مــن عنــارص النظــام‬ ‫محقق ـاً بذلــك ن ـرا ً كب ـرا ً‪ ،‬وتوالــت عمليــات‬ ‫الهجــوم عــى املناطــق التــي يســيطر عليهــا‬ ‫النظــام مــن قبــل «الحــر» يف مدينــة إدلــب ومــا‬ ‫حولهــا ترافــق مــع انســحاب لقــوات النظــام‬ ‫مــن أغلــب مناطــق إدلــب كان آخرهــا مدينــة‬ ‫أريحــا وبذلــك تكــون مدينــة إدلــب محــررة‬ ‫بالكامــل‪.‬‬ ‫وتســاءل عــدد مــن الناشــطني عــن كيفيــة‬ ‫انســحاب النظــام مــن بعــض املناطــق الخاضعة‬ ‫لســيطرته دون مقاومــة تذكــر مــع تــرك مخــازن‬ ‫األســلحة والذخــرة فيهــا‪ ،‬ليتــم اغتنامهــا مــن‬ ‫قبــل «داعــش»‪ ،‬بينــا يقاتــل برشاســة يف‬ ‫مناطــق أخــرى‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫‪3‬‬

‫جمزرة مروعة يف حلب‪ ..‬الطريان املروحي يستهدف املدنيني العزل‬

‫أكــر مــن ســبعني شــهيدا ً مــن‬ ‫املدنيــن حصيلــة قصــف الطــران‬ ‫األســدي املجــرم عــى مدينــة حلــب‪،‬‬ ‫فقــد اســتيقظت املدينــة عــى قصــف‬ ‫كثيــف مــن الطــران املروحــي التابــع‬ ‫للنظــام األســدي‪ ،‬حيــث ألقــت الطائرات‬ ‫العديــد مــن الرباميــل املتفجــرة عــى‬ ‫األحيــاء الســكنية‪ ،‬موقعــة بذلــك عــددا ً‬ ‫كبــرا ً مــن الشــهداء وع ـرات املصابــن‬ ‫بجــروح وحــروق مختلفــة‪ ،‬أغلبهــا‬ ‫خطــرة‪.‬‬

‫ففــي حــي الشــعار‪ ،‬رشق مدينــة‬ ‫حلــب‪ ،‬تــم اســتهداف حافلتــي نقــل‬ ‫للــركاب راح ضحيتــه اثنــا عــر شــهيدا ً‪،‬‬ ‫تســعة منهــم مــن عائلــة واحــدة‪،‬‬ ‫بالتزامــن مــع قصــف مكثــف عــى‬ ‫مدينــة البــاب «شــال رشق مدينــة‬ ‫حلــب»‪ ،‬راح ضحيتــه أكــر مــن خمســن‬ ‫شــهيدا ً مدنيــا ً‪ ،‬جلهــم مــن األطفــال‬ ‫والنســاء‪ ،‬بينــا قصفــت مروحيــات‬ ‫النظــام‪ ،‬وســط مدينــة البــاب بربميلــن‬ ‫متفجريــن آخريــن‪ ،‬أوقــع دمــارا ً هائالً يف‬

‫املمتلــكات واملبــاين الســكنية‪ ،‬ويوجد يف‬ ‫املشــفى امليــداين مبدينــة البــاب خمــس‬ ‫عــرة جثــة مجهولــة الهويــة‪ ،‬حيــث مل‬ ‫ـق منهــا ســوى أشــاء مقطعــة‪ ،‬وقطع‬ ‫يبـ َ‬ ‫صغــرة‪ ،‬مــا تعــذر معــه التعــرف عــى‬ ‫أصحابهــا‪ ،‬بينــا تــم تســليم ســت جثث‬ ‫إىل ذويهــا‪ ،‬فيــا أطلقــت املشــفى‬ ‫نــداءات اســتغاثة للتــرع بالــدم مــن‬ ‫الزمــر الدمويــة كافــة‪ ،‬ملعالجــة الجرحى‬ ‫البالــغ عددهــم حتــى اللحظــة ‪90‬‬ ‫جريحـا ً‪ ،‬كل ذلــك يف ظـ ِّـل الشــح الكبــر‬

‫بعــدد األطبــاء واملمرضــن‪ ،‬عــدا عــن‬ ‫قلّــة األدويــة العالجيــة ونــدرة بعــض‬ ‫األنــواع الخاصــة‪ ،‬مــا ســبب بارتفــاع‬ ‫عــدد الوفيــات‪.‬‬ ‫وقــد رصح أحــد األطبــاء يف املشــفى أن‬ ‫كادر املشــفى يواجــه صعوبــة كبــرة‬ ‫يف معالجــة الجرحــى نتيجــة اإلصابــات‬ ‫الكبــرة‪ ،‬فالكثــر مــن املصابــن قــد‬ ‫بــرت أطرافهــم‪ ،‬عــدا عــن الشــظايا‬ ‫التــي دخلــت يف أجســادهم‪ ،‬وكذلــك‬ ‫نشــكو مــن قلــة اليــد العاملــة الفنيــة‬

‫واملتخصصــة‪ ،‬وفقــدان األدويــة‪ ،‬إضافــة‬ ‫إىل تواجــد عــدد كبــر مــن األهــايل مــا‬ ‫يســبب لنــا اربــاكا ً يف العمــل‪.‬‬ ‫وأضــاف‪ :‬مل يشــهد التاريــخ أبــدا ً نظام ـا ً‬ ‫مجرمــا ً كهــذا النظــام القاتــل الــذي ال‬ ‫يفــرق بــن مــدين وعســكري‪ ،‬وال بــن‬ ‫طفــلٍ صغــر أو رجــل طاعــن يف الســن‪،‬‬ ‫ونؤكــد عــى أننــا نحتــاج ملوقــف دويل‬ ‫حقيقــي يوقــف هــذه املجــازر التــي‬ ‫يرتكبهــا طــران النظــام يف ظــل صمــت‬ ‫عــريب ودويل مطبــق‪.‬‬

‫دع��وة لكس��ر ج��دار الصم��ت ح��ول حص��ار دي��ر ال��زور اخلان��ق!‬ ‫* الحرمل‬ ‫ديــر الزور عــروس الفـرات تجــوع وتعطش كل‬ ‫يــوم‪ ،‬تجــوع تحــت وطــأة حصــار النظــام الظامل‬ ‫الــذي ســبق وأن نهــب ثرواتهــا‪ ،‬وقمــع أبناءها‪،‬‬ ‫وصــادر الحريــات فيهــا‪ ،‬واعتقــل األلــوف مــن‬ ‫شــبابها ليســوقهم مــع أبنــاء املــدن األخــرى‬ ‫إىل ســجن تدمــر وغــره مــن ســجون الظلــم‬ ‫والقهــر األســدية‪.‬‬ ‫ديــر الــزور يحارصهــا ويذلهــا متطرفــو‬ ‫الدولــة اإلســامية الذيــن يخنقونهــا بصمــت‪،‬‬ ‫ويجوعونهــا بصمــت يشــبه الكفــر أو يزيــد‬ ‫عــى الكفــر نفســه!!‬ ‫نحــاول هنــا رصــد معانــاة أبنــاء ديــر الــزور‬ ‫تحــت وطــأة الحصــار الظــامل والــا إنســاين‬ ‫الــذي يحــاول إركاع أبنــاء ديــر الــزور ويدفعهم‬ ‫إىل االستســام‪ .‬إضافــة إىل مرويــات الفاريــن‬ ‫مــن الحصــار املــؤمل‪:‬‬ ‫يقــول الكاتــب فــؤاد عبــد العزيــز يف تقريــر‬ ‫لــه ملوقــع االقتصــاد‪ :‬الكتابــة عــن ديــر الــزور‬ ‫تشــبه الكتابــة عــن غائــب أو مفقــود انقطعت‬ ‫أخبــاره منــذ فــرة طويلــة‪ ..‬هــي املحافظــة‬ ‫التــي مل يكــف أبنــاء الثــورة‪ ،‬ومنــذ أيامهــا‬ ‫األوىل‪ ،‬عــن القــول إنهــا مظلومــة إعالميــاً‪..‬‬ ‫ولكــن مل يكــن يتوقــع أحــد أن يصــل األمــر إىل‬ ‫حــد نســيانها‪ ..‬مــن جهــة أخــرى‪ ،‬كيــف تجــوع‬ ‫هــذه املحافظــة وهــي تختــزن ثالثــة أربــاع‬ ‫ثــروة ســوريا مــن النفــط والزراعــة‪...‬؟ أيــن‬ ‫تذهــب األمــوال التــي يحصــل عليهــا تنظيــم‬ ‫«الدولــة اإلســامية» مــن تجــارة النفــط؟‬ ‫وملــاذا يقــوم بتجويــع «الديريــن» بينــا ال‬ ‫يفعــل نفــس الــيء يف باقــي املناطــق التــي‬ ‫يســيطر عليهــا‪..‬؟ كيــف تحولــت محافظــة‬ ‫بهــذا الحجــم وبهــذه اإلمكانيــات إىل منطقــة‬ ‫محــارصة مــن كل الجهــات‪ ،‬بينــا ال أحــد‬ ‫يســتطيع نجدتهــا‪..‬؟‬

‫احلصار والصمت‪:‬‬ ‫ورغــم تجاهــل الكثرييــن مــن أبنــاء ديــر الــزور‬ ‫لحصارهــا وكذلــك تجاهــل الكثــر مــن وســائل‬ ‫اإلعــام ملعانــاة الديريــن مــن الجــوع ومــن‬ ‫القهــر‪ ،‬إال أن أســاء كثــرة كتبــت عــن ديــر‬ ‫الــزور ورصــدت معانــاة أهلهــا الصامديــن‬ ‫محاولــن كــر الصمــت والالمبــاالة املقصــودة‬ ‫مــن البعــض وغــر املقصــودة مــن البعــض‬ ‫اآلخــر‪.‬‬ ‫وم��ن أب��رز األمس��اء ال�تي كتب��ت ع��ن‬ ‫حص��ار دي��ر ال��زور هو الروائ��ي والصحايف‬ ‫الس��وري ثائ��ر زك��ي الزع��زوع وه��و م��ن‬ ‫أبن��اء احملافظ��ة املنكوب��ة بصم��ت‪.‬‬ ‫يقــول‪« :‬لقــد ابتليــت ديــر الــزور منــذ بدايــة‬ ‫الثــورة بجــار حــدودي يسء هــو رئيــس الــوزراء‬ ‫العراقــي الســابق نــوري املالــي الــذي وقــف‬ ‫ضــد ثــورة الشــعب الســوري قــوالً وفعــاً‪،‬‬ ‫فــكان أول مــن فــرض الحصــار عــى املحافظــة‬ ‫عندمــا أغلــق وبإحــكام جميــع املنافــذ‬ ‫اإلنســانية أمــام أهــايل الديــر»‪.‬‬ ‫ويتابــع ثائــر‪« :‬أمــا بالنســبة لحــدود املحافظــة‬ ‫مــع الداخــل الســوري فهــي مناطــق صحراويــة‬ ‫ممتــدة عــى مســافات شاســعة ومكشــوفة‬ ‫وخاليــة مــن املــدن‪ ،‬األمــر الــذي ســهل مــن‬ ‫حصارهــا‪ ،‬وصعــب مــن وصــول املســاعدة‬ ‫إليهــا»‪.‬‬ ‫وأمــا مــن الناحيــة الداخليــة‪ ،‬يضيــف ثائــر‪:‬‬ ‫«كتائــب الجيــش الحــر كانــت هــي األقــوى‬ ‫يف املحافظــة لكنهــا أنهكــت بســبب الحصــار‬ ‫الخارجــي»‪ ،‬وهــو مــا ســهل حســب قولــه مــن‬ ‫دخــول تنظيــم الدولــة اإلســامية إىل املحافظــة‬ ‫مســتفيدا ً مــن إنهــاك وتشــتت كتائــب الجيــش‬ ‫الحــر‪.‬‬ ‫وأمــا ســبب قيــام تنظيــم الدولــة بتجويــع‬ ‫«الديريــن» وحصارهــم‪ ،‬بعكــس املناطــق‬

‫األخــرى التــي يســيطر عليهــا‪ ،‬فــرى ثائــر‪ ،‬أن‬ ‫ديــر الــزور املدينــة تحديــدا ً‪ ،‬ترفــض الخضــوع‬ ‫لســيطرة تنظيــم الدولــة‪ ،‬مش ـرا ً إىل أن هنــاك‬ ‫مقاومــة شــديدة مــن قبــل األهــايل ومــا‬ ‫تبقــى مــن الجيــش الحــر لهــذا التنظيــم‪ ..‬بينام‬ ‫يســيطر تنظيــم الدولــة عــى أغلــب املــدن‬ ‫والقــرى يف رشقــي املدينــة وصــوالً إىل البوكــال‬ ‫مــع الحــدود العراقيــة‪.‬‬ ‫ويلخــص ثائــر واقــع املحافظــة حاليــاً عــى‬ ‫الشــكل التــايل‪« :‬النظــام يطوقهــا جــوا ً وتنظيــم‬ ‫«الدولــة» يســتبيحها أرضـاً‪ ،‬وكالهــا يقتســان‬ ‫خرياتهــا ضمــن اتفاقــات رسيــة وعلنيــة‪ ،‬بينــا‬ ‫أهــل املدينــة الذيــن لحــق الدمــار ببيوتهــم‬ ‫وحياتهــم يتضــورون جوعــاً وهــم ال يجــدون‬ ‫مــن يهــب لنجدتهــم»‪.‬‬ ‫ويختــم ثائــر بالقــول‪« :‬إن حكايــة ديــر الــزور‬ ‫ليســت جديــدة مــع اإلهــال والرسقــة‪ .‬فقــد‬ ‫أظهــر تقريــر‪ ،‬نــر عــام ‪ ،2005‬بــإرشاف‬ ‫إحــدى املؤسســات التابعــة للنظــام‪ ،‬أن معــدل‬ ‫التنميــة يف ديــر الــزور ال يتجــاوز ‪ ،4%‬بينــا‬ ‫تنتــج املحافظــة ثالثــة أربــاع النفــط الســوري‬ ‫مــن أراضيهــا‪ ،‬وتشــكل حقولهــا وبســاتينها‬ ‫رافــدا ً أساســياً مــن روافــد االقتصــاد الزراعــي‬ ‫يف البلــد‪ .‬ولكــن أهــل الديــر‪ ،‬كانــوا يتعايشــون‬ ‫مــع ذلــك الواقــع املــؤمل كــا كان يتعايــش‬ ‫باقــي الســوريني»‪.‬‬ ‫مفــردات للمــوت اليومــي بكافــة األشــكال‪..‬‬ ‫األيــام تــرى والحصــار مســتمر‪ ..‬ومشــاهد‬ ‫القتــل تتكــرر بشــكل مرعــب‪..‬‬ ‫يقــول الديريــون لقــد أكَلَنــا القمــل وخنقتنــا‬ ‫األوبئــة أمــا عــن لقمــة الخبــز فهــي صــارت‬ ‫حل ـاً كب ـرا ً‪ ،‬وطبخــة الباميــة الديريــة صــارت‬ ‫رساب ـاً وأمــا مفقــودا ً‪.‬‬ ‫أحــد الكتــاب يف صفحــات الفيــس بــوك كتــب‬ ‫يف ‪ 24‬نيســان املــايض‪« :‬حــوايل ‪ 5‬أشــهر مــن‬

‫الحصــار وحــوايل ‪ 55‬يومــاً دون الكهربــاء‪،‬‬ ‫ونــدرة املــاء وفحــش التجــار والفاســدين‬ ‫ووحشــية التكفرييــن وفاشــيتهم‪ ،‬معانــاة‬ ‫حــوايل ‪ 400‬ألــف مواطــن منهــم ‪ 85‬ألــف‬ ‫طفــل‪.»..‬‬ ‫آخــر كتــب‪« :‬يــا أمــم يــا بــر يــا حجــر‬ ‫أقســم باللــه كهربــا مــا يب مــن ‪ 25‬يــوم‪،‬‬ ‫واملــي يــوم بيــوم ولســاعات بــس‪ ،‬ال فاكــس‬ ‫ال امييــل ال نــرة أخبــار ال راديــو ال جرايــد‪،‬‬ ‫الخضــار حــرة‪ ،‬والفواكــه عــدم‪ ،‬والحلويــات‬ ‫حلــم! حصتنــا‪( :‬عــر رغفــان خبــز فقــط)!‪.‬‬ ‫ال محروقــات‪ ،‬عميــت عيوننــا مــن ريحــة‬ ‫الحطــب والشــحاطات املحروقــة‪ ،‬مــرض‬ ‫وقمــل‪ ،‬جــوع ذل مــوت بطــيء ‪ ! ..‬نحــن يف‬ ‫ديــر الــزور املنطقــة الرشقيــة مــن ســوريا‪،‬‬ ‫نحــن هنــا يــا أحبــة‪ :‬فكــوا الحصــار عنــا‪.»..‬‬ ‫وتحــت عنــوان املــوت فــوالً كتــب أحدهــم‪:‬‬ ‫«صبــاح الخــر مــن الديــر‪ ،‬صبــاح الشــعط‬ ‫واملعــط بشــارع الــوادي‪ ،‬عــراك باأليــادي‪،‬‬ ‫وتهديــد ووعيــد مــن أجــل‪ :‬كيلويــن فــول !‪.‬‬ ‫طوابــر مــن أجــل شــدة بقدونــس‪ ،‬ذل ومهانــة‬ ‫ودفــش مــن أجــل فــول‪ ،‬الــزمل تبهــدل النســوان‬ ‫وبالعكــس مــن أجــل شــوية ثــوم‪ ! ..‬يــا جامعــة‬

‫الخــر‪ ،‬تعالــوا وانظــروا‪ ،‬مــاذا حــل بنــا‪ :‬أيــن‬ ‫أبنــاء الفــرات العظيــم ‪..‬؟! «‪.‬‬ ‫األمــل مــا يــزال حلــم الديريــن رغــم كل‬ ‫املعانــاة والحصــار الخانــق‪ ،‬ومــا ت ـزال الثــورة‬ ‫هــي حلمهــم وغايتهــم كــا يؤكــد الكاتــب‬ ‫ثائــر زيك الزعــزوع أخــرا ً‪ ،‬وتحــت عنــوان‬ ‫«دي��ر ال��زور الذبيح��ة»‪« :‬رغــم هــذا الحصــار‬ ‫الخانــق وتلــك الجرائــم واملجــازر املتالحقــة‪ ،‬إال‬ ‫أن كل ذلــك مل يعطــل األمــل لحظــة واحــدة‪،‬‬ ‫مــا زال الديريــون يحلمــون بالثــورة‪ ،‬ومل ال‪..‬؟ ما‬ ‫زالــت ديــر الــزور كلهــا تبحــث عــن حريتهــا‪.‬‬ ‫قلــت ديــر الــزور الذبيحــة‪ ،‬ألنهــا قربــان حريــة‬ ‫ســوريا‪ ،‬شــأنها شــأن ســواها‪ ،‬وقلــت ديــر الــزور‬ ‫الجريحــة ألن جرحهــا العميــق مــا زال ينــزف‬ ‫يومــاً بعــد يــوم دون أن تجــد مــن يداويهــا‪.‬‬ ‫صــورة رحــاب العــاوي ليســت صــورة عاديــة‪،‬‬ ‫هــي صــورة ديــر الــزور ملقــاة عــى األرض‪،‬‬ ‫وحيــدة تتشــح بالســواد‪ .‬وكــا أن لــكل شــهيد‬ ‫اســاً وذاكــرة فلديــر الــزور‪ ،‬التــي ال تعــرف‬ ‫كيــف متــوت املــدن‪ ،‬ذاكــرة طويلــة متتــد مــن‬ ‫مــاري لتصــل إىل دورا أوربــوس وحلبيــة وزلبية‪.‬‬ ‫وهــي املدينــة التــي تســتطيع أن تنهــض مــن‬ ‫تحــت الرمــاد»‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫االحت��اد األورب��ي مقرتح��ات ترفضه��ا اجتم��اع معارض��ة س��وريا الس��وريون ولغز اجلوازات!!‬ ‫دول بشدة‬ ‫املوسع بالقاهرة يف حزيران‬ ‫وكاالت ‪ -‬كلنا شركاء ‪ -‬الحرمل‬

‫أعلــن املتحــدث الرســمي باســم الخارجيــة املرصيــة أنّ‬ ‫اجتــاع املعارضــة الســورية املزمع عقــده يف القاهــرة املرصية‬ ‫ســيكون يف يومــى ‪ 8‬و ‪ 9‬يونيــو املقبــل الســتضافة املؤمتــر‬ ‫املوســع للمعارضــة والقــوى الوطنيــة الســورية (املتحــدث‬ ‫باســم الخارجيــة املرصيــة)‬ ‫وســيكون هــذا املؤمتــر تحــت رعايــة املجلــس املــري‬ ‫للشــؤون الخارجيــة‪ ،‬عــى غــرار االجتــاع اﻷول الــذي تــم‬ ‫عقــده يف بدايــة العــام بالقاهــرة ايض ـاً وقــد لقــي انتقــادات‬ ‫واســعة مــن الطــرف املعــارض لحضــور عــدد مــن الشــخصيات‬ ‫التــي لهــا اتصــاالت مــع النظــام أو عــى األقــل معــروف‬ ‫موقفهــا غــر الصــادق تجــاه الثــورة الســورية‪.‬‬ ‫هــذا وقــدد دعــت جهــات معارضــة تتمتــع بقبــول لإلخــوان‬ ‫املســلمني عــن نيتهــا مقاطعــة كل االجتامعــات بالقاهــرة‬ ‫بعــد الحكــم عــى محمــد مــريس الرئيــس املــري الســابق‬ ‫باإلعــدام هــو وأعوانــه وبعــض الشــيوخ ممــن ينتمــون‬ ‫لألخــوان املســلمني‪.‬‬

‫نفــى األمــن العــام الســابق لالئتــاف الوطنــي املعــارض بــدر جامــوس‬ ‫أي عالقــة لالئتــاف بإصــدار أو تجديــد جــوازات الســفر للســوريني يف‬ ‫الداخــل الســوري أو تركيــا‪.‬‬ ‫وأكــد جامــوس لـ”مــدار اليــوم” أن االئتــاف ســعى منــذ فــرة للحصــول‬ ‫عــى اعرتافــات دوليــة مــن أجــل اســتصدار جــوازات ســفر للســوريني‪ ،‬إال‬ ‫أنــه فشــل بهــذه املهمــة‪ ،‬مؤكــدا ً عــى أن الهيئــة السياســية يف االئتــاف‬ ‫مل تتخــذ أي قـرار بخصــوص إصــدار أو تجديــد الجــوازات‪.‬‬ ‫وأوضــح جامــوس أن الجــوازات التــي يقــوم الســوريني باســتخراجها‬ ‫يف الداخــل الســوري هــي جــوازات غــر قانونيــة‪ ،‬مش ـرا ً إىل أن نظــام‬ ‫األســد هــو مــن دفــع بالســوريني للبحــث عــن حلــول غــر قانونيــة مــن‬ ‫أجــل حــل مشــاكل أوراقهــم الثبوتيــة التــي حرمهــم منهــا‪.‬‬

‫اجلبه��ة اجلنوبي��ة حتقق مزي��داً م��ن اإلنتصارات‬ ‫رفضــت الحكومــة الربيطانيــة الخطــة التــي‬ ‫تقــدم بهــا االتحــاد األوريب الخاصــة بإعــادة‬ ‫توطــن الالجئــن وفــق نظــام الحصــص‪،‬‬ ‫وبحســب مــا ذكرتــه وكالــة رويــرز نق ـاً عــن‬ ‫وزارة الداخليــة يف بيــان لهــا لــن نكــون جــزءا ً‬ ‫مــن أي قانــون يفــرض نظامــاً ملزمــاً إلعــادة‬ ‫التوطــن‪ ،‬أو إعــادة التوزيــع‪ ،‬وأضــاف البيــان‬ ‫بحســب املصــدر أن للمملكــة املتحــدة تاريــخ‬ ‫طويــل يف تقديــم اللجــوء ملــن هــم يف أمــس‬ ‫الحاجــة إليــه لكننــا نرفــض أي قانــون يلزمنــا‬ ‫بذلــك فيــا رصحــت الحكومــة الربيطانيــة أنهــا‬ ‫تفضــل تركيــز جهودهــا عــى متابعــة املهربــن‬ ‫والحــد مــن نشــاطهم كامــاً‪.‬‬ ‫يف الســياق ذاتــه أعربــت فرنســا عــن رفضهــا‬ ‫التــام ملقرتحــات املفوضيــة األوربيــة بهــذا‬ ‫الشــأن‪ ،‬جــاء ذلــك بترصيــح لرئيــس الــوزراء‬ ‫الفرنــي «مانويــل فالــس» خــال زيارتــه‬ ‫للمنطقــة الحدوديــة مــع إيطاليــا إبــان القبــض‬ ‫عــى مــا يقــرب مــن ألــف مهاجــر غــر رشعــي‬ ‫خــال بضعــة أيــام ماضيــة‪ ،‬ودعــا «فالــس» إىل‬ ‫توزيــع عــادل ومتســا ٍو بــن دول االتحــاد األوريب‬ ‫كام ـاً‪.‬‬ ‫ويف الشــأن ذاتــه رفضــت الحكومــة األردنيــة‬ ‫عرض ـاً مقدم ـاً مــن إحــدى املنظــات املانحــة‬ ‫لالجئــن الســوريني لرتتيــب إقامتهــم ضمــن‬ ‫املــدن األردنيــة حيــث أعلــن وزيــر اإلعــام‬ ‫األردين «محمــد املومنــي» أن بــاده لــن تســمح‬ ‫بتوطــن الالجئــن الســوريني فيــا تســعى‬ ‫حكومتنــا لحــل ســيايس لألزمــة الســورية حتــى‬ ‫يعــود الســوريون لبالدهــم‪ ،‬وبحســب موقــع‬ ‫العــرب اليــوم األردين يوجــد يف األردن مــا يزيــد‬ ‫عــن مليــون وأربعامئــة ألــف الجــئ ســوري‬ ‫منهــم ‪ 750‬الفـاً دخلــوا إىل األردن قبــل انــدالع‬ ‫الحــرب فيهــا‪.‬‬ ‫واليونان تهدد بفتح حدودها األوربية‪..‬‬ ‫بعــد عجزهــا عــن الخــروج مــن أزمتهــا‬ ‫االقتصاديــة وتســديد ديونهــا‪ ،‬هــدد وزيــر‬ ‫الدفــاع اليونــاين «بانــوس كامينــوس» بفتــح‬ ‫أبــواب االتحــاد األوريب أمــام الالجئني الســوريني‬ ‫يف اليونــان مــا مل يتــم التوصــل إىل حلــول مــن‬ ‫شــأنها أن تســاعد بــاده عــى تخطــي أزمتهــا‬ ‫املاليــة‪ ،‬وبحســب مــا ذكرتــه صحيفــة «أكشــام»‬ ‫الرتكيــة إن قامــت حكومــة «جيـراس» يف أثينــا‬ ‫بتنفيــذ هــذا الوعيــد فإنهــا ســتمنح كافــة‬ ‫الســوريني املتواجديــن عــى أراضيهــا فيــزا‬ ‫«شــينغن» التــي تســمح لهــم بالتجــوال ضمــن‬

‫األرايض األوربيــة دون قيــد أو رشط‪ ،‬وذلــك‬ ‫بعــد إمتــام كافــة الفحوصــات الصحيــة والتــي‬ ‫تثبــت خلوهــم مــن األمــراض املعديــة‪.‬‬ ‫فكرة مجنونة‬ ‫ووصــف رئيــس وزراء هنغاريــا «فيكتــور‬ ‫أوربــان» هــذا االقـراح بأنــه فكــرة مجنونــة يف‬ ‫حــال أدخلــت الــدول املهاجريــن إىل أراضيهــا‬ ‫بــدالً مــن أن تدافــع عــن حدودهــا‪ ،‬ثــم تطلــب‬ ‫تلــك الــدول إعــادة التوزيــع عــى دول االتحــاد‬ ‫األوريب‪ ،‬هــذا االق ـراح غــر عــادل وغــر الئــق‬ ‫وبالتــايل ال ميكننــا أن ندعمــه عــى اإلطــاق‪.‬‬ ‫وتدعــم كل مــن النمســا وأملانيــا وإيطاليــا هــذا‬ ‫االق ـراح لتخفيــف الهجــرة الكبــرة عــى باقــي‬ ‫الــدول‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق كشــفت صحيفــة النهــار‬ ‫اللبنانيــة عــن وجــود نيــة لــدى أملانيا الســتقبال‬ ‫عــرات االالف مــن الســوريني املتواجديــن‬ ‫يف لبنــان رشيطــة أن يكونــوا مــن النخــب‬ ‫املتعلمــة‪ ،‬وذلــك خــال الزيــارة التــي قــام بهــا‬ ‫وزيــر الخارجيــة األملــاين للبنــان‪.‬‬ ‫ويف وقــت ســابق طالــب «جــان كلــود»‬ ‫رئيــس املفوضيــة األوربيــة يف أبريــل نيســان‬ ‫املــايض بوضــع نظــام حصــص يتــم مبوجبــه‬ ‫تقاســم املهاجريــن عندمــا يواجــه االتحــاد‬ ‫األوريب موجــات كبــرة مــن تدفــق الالجئــن‪،‬‬ ‫وتحتــاج هــذه االقرتاحــات إىل موافقــة دول‬ ‫االتحــاد األوريب البالــغ عددهــا ‪ 28‬دولــة يك‬ ‫يتــم املصادقــة عــى الخطــة‪ ،‬وقــد ذكــرت وكالة‬ ‫اإلحصــاء األوربيــة «يوروســتات» أن عــدد‬ ‫املتقدمــن للجــوء الســيايس يف االتحــاد األوريب‬ ‫وصــل اىل نحــو ‪ 626‬ألفــاً بنهايــة شــهر آذار‬ ‫املــايض‪ ،‬منهــم ‪ 200‬ألــف إىل أملانيــا ويليهــا‬ ‫الســويد بعــدد ‪ 80‬ألف ـاً بينــا تقــدم نحــو ‪65‬‬ ‫ألفــاً إىل إيطاليــا‪.‬‬ ‫وأضــاف املكتــب أن عــدد الســوريني الذيــن‬ ‫تقدمــوا بطلــب اللجــوء يف دول االتحــاد‬ ‫األوريب قــد وصــل إىل نحــو ‪ 122‬ألفــاً بنهايــة‬ ‫عــام ‪ 2014‬وذكــر املكتــب أن ‪ 60‬باملئــة مــن‬ ‫الطلبــات كانــت الرغبــة فيهــا أملانيــا‪.‬‬ ‫تبقــى تركيــا هــي الدولــة الوحيــدة التــي‬ ‫اســتقبلت الســوريني دون قيــد أو رشط‪ ،‬ومــا‬ ‫زالــت تســتقبل منــذ بــدء الثــورة‪ ،‬وتقــدم كل‬ ‫االمكانــات املتاحــة لهــم ريثــا تنتهــي الحــرب‬ ‫يف بالدهــم‪ ،‬ويبقــى الســوري يبحــث عــن مــاذ‬ ‫آمــن ومســتقبل ألطفالــه حامــاً معــه كل أمل‬ ‫النــزوح والتــرد عــى حــدود الــدول‪.‬‬

‫أعلــن الجيــش األول التابــع لـــ “الجبهــة الجنوبيــة” يف درعــا ‪ ،‬عــن اســتهدافه لحشــود النظــام العســكرية بالصواريخ كانــت تتجمع يف مدينــة “ازرع”‬ ‫بدرعــا‪ ،‬وذلــك بحســب مــا أكــده املكتــب اإلعالمي للجيــش األول‪.‬‬ ‫وقــال املصــدر‪ ،‬إن الجيــش األول اســتهدف حشــود النظــام وآلياتــه براجــات الصواريــخ يف مدينــة ازرع‪ ،‬كــا اســتهدف اللــواء الثــاين عــر بواســطة‬ ‫قذائــف الهــاون‪ ،‬والــذي يعتــر أحــد أكــر معاقــل النظــام يف املدينــة‪.‬‬ ‫وأشــار املكتــب اإلعالمــي يف ترصيحــه لـ“كلنــا رشكاء”‪ ،‬إن االســتهداف تــم عقــب وصــول معلومــات مؤكــدة تفيــد بحشــود عســكرية للنظــام تضــم‬ ‫عربــات محملــة بالصواريــخ‪ ،‬كانــت تتهيــأ للتوجــه نحــو اتوس ـراد درعا‪-‬دمشــق‪.‬‬ ‫وأفــاد ذات املصــدر‪ ،‬أن لــدى “الجيــش األول” قســم تحــت اســم “أمــن املعلومــات”‪ ،‬يُعنــى برصــد تحــركات قــوات النظــام‪ ،‬ويرســل رســائل يوميــة‬ ‫عنهــا لغرفــة عمليــات “الجيــش األول”‪ ،‬وأن مقـرات قــوات النظــام املســتهدفة بعيــدة عــن املدنيــن‪ ،‬وأن الضبــاط املســؤولني عــن القصــف هــم ضبــاط‬ ‫منشــقون عــن قــوات النظــام منــذ أكــر مــن ثــاث ســنوات‪ ،‬ولديهــم الخــرة والدقــة الكافيتــان يف اإلصابــة‪ ،‬ونســبة الخطــأ تــكاد تكــون معدومــة‪.‬‬

‫قوات النظام ختسر املزيد من الشبيحة!‬ ‫اســتقبل مشــفى “املوغامبــو” يف‬ ‫مدينــة حلــب ‪ ،‬جثامــن ســبعة عــر‬ ‫عنــر مــن قــوات النظــام الســوري‪،‬‬ ‫بينهــم ضابــط برتبــة عقيــد‪ ،‬إضافــة‬ ‫إىل عــرات الجرحــى‪ ،‬وجميعهــم‬ ‫قتلــوا خــال املعــارك املندلعــة‬ ‫مبنطقــة الشــيخ نجــار بحلــب بــن‬ ‫قــوات النظــام مــن جهــة وتنظيــم‬ ‫داعــش مــن جهــة أخــرى‪.‬‬ ‫ومــن بــن القتــى والجرحــى قياديًّــا‬ ‫بــارزًا يف قــوات النظــام الســوري‪،‬‬ ‫يدعــى العقيــد “ماهــر رشف الديــن”‬ ‫وهــو القائــد امليــداين يف اللــواء ‪،155‬‬ ‫بحســب مــا أكدتــه “الدرر الشــامية”‪،‬‬ ‫وأضــاف املصــدر انــه مل يتــم التأكــد إن كان قــد قتــل أم مجــرد إصابــة‬ ‫بســبب التشــديد األمنــي الــذي فرضتــه قــوات النظــام داخــل املشــفى‪.‬‬ ‫وأردف املصــدر‪ ،‬ان حالــة ذعــر كبــرة يف صفــوف قــوات النظــام دبــت‬

‫بعــد اســتيالء التنظيــم عــى ثــاث آليــات عســكرية مــع ذخائرهــا‬ ‫وتقدمــه يف املنطقــة الصناعيــة الفئــة الثالثــة‪ ،‬هــذا وقــد اســتدعت‬ ‫جيــش النظــام مــؤازرات جديــدة مــن ميليشــيات الدفــاع الوطنــي مــن‬ ‫ــي جربيــن والســفرية‪.‬‬ ‫قريتَ ْ‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫ٌ‬ ‫معلقة يف اليونان‬ ‫أحال ٌم حبياٍة جديدٍة يف أوربا‬

‫سانا جوكينين‬

‫تــرق شــمس الربيــع زاهيـ ًة يف أثينــا‪ ،‬وعــى الرغــم‬ ‫مــن أن املوســم الســياحي الرئيــي مل يبــدأ بعــد يف‬ ‫العاصمــة اليونانيــة‪ ،‬إال أ ّن جبــل معبــد األكروبوليــس‬ ‫قــد غمــره الســياح املشــغولون بتصويــر معاملــه‬ ‫القدميــة‪.‬‬ ‫مــع ذلــك‪ ،‬ليــس كل مــن وصــل إىل أثينــا جــاء لرؤيــة‬ ‫مشــاهدها الشــهرية‪ .‬عــى أحــد املقاعــد يف ميــدان‬ ‫فيكتوريــا‪ ،‬وبعيــدا ً عــن املناطــق املعروفــة بالســياح‪،‬‬ ‫يجلــس فريــد البالــغ مــن العمــر ‪ 19‬عامــاً ‪ .‬الشــاب‬ ‫األفغــاين وصــل إىل اليونــان بطريقــة غــر رشعيــة ـ أمـاً‬ ‫يف طلــب اللجــوء إىل أوروبــا‪.‬‬ ‫ال يعــرف فريــد كــم كلفــت رحلتــه إىل أوروبــا‪ ،‬ويقــول‬ ‫بــأن ع ّمــه اهتــم بأمــر الدفــع‪ .‬إال أن الشــاب يعتقــد‬ ‫بــأن التكلفــة كانــت مــا بــن ‪ 4000‬و‪ 5000‬دوالر‬ ‫أمريــي‪ .‬ومتكــن مبســاعدة أحــد املهربــن مــن عبــور‬ ‫الحــدود مــن أفغانســتان إىل باكســتان أوالً‪ ،‬ومــن هنــاك‬ ‫اســتمرت رحلتــه إىل إيــران‪ ،‬ومــن ثــم إىل تركيــا‪ .‬أ ّمــا‬ ‫املرحلــة األخــرة مــن الرحلــة‪ ،‬وهــي مــن تركيــا إىل‬ ‫اليونــان‪ ،‬فقــد متــت عــن طريــق القــارب‪.‬‬ ‫يــروي فريــد‪« :‬كانــت الرحلــة البحريــة فظيعــة»‪،‬‬ ‫ويقــول بأنــه انطلــق مــن الســاحل الــريك يف منتصــف‬ ‫الليــل مــع أحــد املهربــن وحــوايل ‪ 15‬شــخصاً آخريــن‪،‬‬ ‫وقبــل أن يتمكــن قاربهــم املتهالــك مــن الوصــول إىل‬ ‫الجــزر اليونانيــة بــدأ بالغــرق‪ .‬يقــول فريــد‪« :‬أولئــك‬ ‫الذيــن متكنــوا مــن الســباحة نجــوا ‪ ،‬أمــا مــن مل يتمكنوا‪،‬‬ ‫وهــم غالبيــة الــركاب‪ ،‬فقــد غرقــوا»‪ .‬ووفق ـاً لــه فــإ ّن‬ ‫أكــر أولئــك الذيــن غرقــوا كانــوا الجئــن ســوريني مــن‬ ‫مختلــف األعــار‪.‬‬ ‫وحتــى بعــد أن وصــل فريــد بنجــاح إىل الـراب اليوناين‪،‬‬ ‫فــإ ّن مشــاكله مل تنتــ ِه بعــد‪ ،‬إذ تــم احتجــاز هــذا‬ ‫الشــاب عندمــا ذهــب إىل الســلطات اليونانيــة مــن‬ ‫أجــل التقــدم بطلــب اللجــوء‪ ،‬وقــى فريــد الثامنيــة‬ ‫عــر شــهرا ً التاليــة يف مركــز اعتقــال‪.‬‬ ‫يقــول فريــد‪« :‬الغــرف التــي تــم وضعنــا فيهــا كانــت‬ ‫مص َّممــة الســتيعاب نحــو أربعــة أشــخاص‪ ،‬ولكنهــا‬ ‫غالب ـاً مــا كانــت تض ـ ّم مــن ‪ 10‬إىل ‪ 12‬شــخصاً‪ ،‬لذلــك‬ ‫مل يكــن هنــاك مــكان للنــوم‪ ،‬وكان علينــا أن نغتســل‬ ‫باملــاء البــارد حتــى يف منتصــف فصــل الشــتاء‪ ،‬ومل نكــن‬ ‫نعطــى مــا يكفــي مــن الطعــام‪ ،‬كــا كان الحــراس‬ ‫يرضبــون النــاس بانتظــام»‪.‬‬

‫الحرملي‬

‫التأثري الصادم للش��عوب‬ ‫احل ّرة‪!..‬‬

‫يوسف دعيس‬

‫وقــد تصــدرت املعاملــة غــر اإلنســانية لالجئــن وطالبي‬ ‫اللجــوء يف اليونــان عناويــن الصحــف لعــدة ســنوات‪،‬‬ ‫ويف عــام ‪ 2011‬أصــدرت املحكمــة األوربيــة لحقــوق‬ ‫اإلنســان حكــاً يف قضيــة (م س س ضــد بلجيــكا‬ ‫واليونــان) مشــر ًة إىل أن طالبــي اللجــوء يف اليونــان مل‬ ‫يكــن لديهــم إمكانيــة القيــام بإج ـراءات لجــو ِء عادل ـ ٍة‬ ‫وبــأن ظــروف االســتقبال يف البــاد كانــت غــر إنســانية‪.‬‬ ‫املهاجــرون عمومـاً هــم أيضـاً عــى علــمٍ بســوء املعاملة‬ ‫التــي يلقاهــا الالجئــون يف اليونــان وكذلــك املشــاكل‬ ‫االقتصاديــة الحــادة التــي تواجههــا البــاد (مــا يقــرب‬ ‫مــن ربــع املواطنــن اليونانيــن عاطلــون عــن العمــل)‬ ‫لهــذا الســبب يتجنــب الكثــرون التقــدم بطلــب‬ ‫للحصــول عــى حــق اللجــوء يف اليونــان‪ ،‬ويختــارون‬ ‫بــدالً مــن ذلــك مواصلــة رحلتهــم إىل شــال أوروبــا‬ ‫يف أقــرب وقــت ممكــن‪ .‬بيــد أن الوصــول إىل شــال‬ ‫أوروبــا ليــس ســهالً دامئ ـاً‪.‬‬ ‫حاولــت أن أتــرك‬ ‫أحمــد مــن ســوريا يقــول‪« :‬لقــد‬ ‫ُ‬ ‫اليونــان ‪ 14‬مــرة يف املجمــوع؛ مرتــان عــن طريــق‬ ‫الطائــرة وذلــك باســتخدام جــواز ســفر مــزور‪ ،‬و‪12‬‬ ‫مــرة سـرا ً عــى األقــدام عــر الحــدود‪ ،‬ولكــن الســلطات‬ ‫ي دامئــاً»‪ .‬يقــول هــذا‬ ‫اليونانيــة كانــت تقبــض عــ ّ‬ ‫الشــاب البالــغ مــن العمــر ‪ 24‬عامـاً والــذي كان يــدرس‬ ‫التجــارة يف جامعــة دمشــق قبــل الحــرب إنــه أنفــق‬ ‫أكــر مــن ‪ 13000‬يــورو مــن أمــوال عائلتــه عــى نفقات‬ ‫املعيشــة يف اليونــان وعــى محــاوالت فاشــلة ملغــادرة‬ ‫البــاد‪ .‬اآلن وقــد ذهــب كل املــال فــإ ّن أحمــد ومعــه‬ ‫عـرات آخــرون يصطفــون خــارج مكتــب «كاريتــاس»‪،‬‬ ‫إذ تقــوم منظمــة اإلغاثــة التابعــة للكنيســة الكاثوليكيــة‬ ‫بتشــغيل مطبــ ٍخ للفقــراء واملرشديــن حيــث ميكــن‬ ‫لالجئــن الحصــول عــى وجبــة واحــدة دافئــة كل يــوم‬

‫مــن أيــام األســبوع‪.‬‬ ‫يف الطابــور املجــاور ألحمــد يقــف محمــد مــن‬ ‫ســوريا أيضــاً‪ .‬كان هنالــك وقــت حــن كان هــذا‬ ‫املصــور املحــرف ميلــك مرســمه الخــاص يف حــي املــزة‬ ‫الدمشــقي الراقــي بالقــرب مــن الســفارات األجنبيــة‪ .‬إال‬ ‫أنــه مثــل أحمــد قــد اســتنفد مدخراتــه يف محــاوالت‬ ‫فاشــلة للســفر إىل شــال أوروبــا مــن أجــل طلــب‬ ‫اللجــوء لنفســه وألرستــه التــي تركهــا وراءه يف دمشــق‪،‬‬ ‫وعــى نفقــات املعيشــة يف أثينــا‪ .‬ويقــول محمــد بأنــه‬ ‫ينــام نومــاً صعبــاً‪ ،‬إ ّمــا يف الشــارع أو يف واحــدة مــن‬ ‫الحدائــق يف أثينــا‪.‬‬ ‫مصــر مامثــل حـ َّـل مبجموعــة رجــا ٍل ســوريني يســتلقون‬ ‫عــى فرشــات قــذرة يف ســاحة أومونيــا يف أثينــا‪ .‬هــم‬ ‫أيضــا مل يخططــوا ق ـ ّط للبقــاء يف اليونــان‪ .‬يحــي أحــد‬ ‫الرجــال‪« :‬عندمــا وصلنــا إىل اليونــان قــام املهــرب الــذي‬ ‫أخــذين أنــا وعـرات آخريــن مــن تركيــا بتقديــم الشــاي‬ ‫دس املخــدر يف الشــاي ومننــا‬ ‫لنــا‪ ،‬ودون علــم م ّنــا َّ‬ ‫جميعــاً‪ .‬عندمــا اســتيقظنا كان املهــرب قــد ذهــب‬ ‫وكذلــك كل أموالنــا»‪.‬‬ ‫ويقــول رجــل ســوري آخــر إنــه متكــن مــن بلــوغ‬ ‫مقدونيــا‪« :‬مبســاعدة املهربــن عربنــا الحــدود إىل‬ ‫مقدونيــا‪ ،‬ولكــن الرشطــة املحليــة هنــاك ألقــت القبــض‬ ‫علينــا»‪ ،‬ويضيــف‪« :‬رسقــت الرشطــة املقدونيــة كل‬ ‫أموالنــا وقالــت لنــا أن نعــود إىل اليونــان»‪.‬‬ ‫«أي نــوع مــن الحيــاة هــو هــذا؟» يســأل شــاب مــن‬ ‫مدينــة الرقــة الســورية يحمــل يف حضنــه طفلــن‬ ‫صغرييــن‪« .‬ال يوجــد عمــل ونحــن نعيــش يف الشــارع‬ ‫حيــث ال ميكننــا الحصــول حتــى عــى املرحــاض‪ .‬حتــى‬ ‫الحيوانــات هنــا متلــك حيــا ًة أفضــل م ّنــا»‪.‬‬ ‫الرتمجة عن اإلنكليزية‪ :‬رزان العقباني‬

‫جن��ون النظ��ام الس��وري وخيانت��ه تدفعان��ه خل��وض مئ��ات املعارك‬ ‫وعلى مئ��ات اجلبهات!‬ ‫الحرمل‪ -‬وكاالت‬

‫غيــاب األمانــة الوطنيــة واإليغــال بالخيانــة تدفعــان‬ ‫جيــش النظــام الخائــن إىل خــوض مئــات املعــارك‪ ،‬وعىل‬ ‫مئــات الجبهــات ويف آن واحــد‪ ،‬مــا دفــع إىل متزيــق‬ ‫البــاد وترشيــد الشــعب الســوري بــكل أطيافــه‪ ،‬مبــا‬ ‫فيهــم الشــبيحة أنفســهم‪ ،‬فغيــاب العقــل الســيايس‬ ‫الوطنــي واألمــن يف صفــوف قادتــه‪ ،‬يدفــع أركان‬ ‫النظــام الفــايش إىل مزيــد مــن الخيــارات االنتحاريــة‬ ‫التــي بــدأت تنعكــس عــى أفــراده‪ ،‬وعــى مؤيديــه‬ ‫بشــكل مبــارش وغــر قابــل لالرتــداد‪.‬‬ ‫وقــد حــدد بشــار الجعفــري منــدوب األســد لــدى األمــم‬ ‫املتحــدة عــدد الجبهــات التــي يقاتــل فيهــا قــوات‬ ‫نظامــه بـــ ‪ 400‬جبهــة‪ ،‬وتواجــه ‪ 2000‬فصيــل «إرهايب»‪،‬‬ ‫مؤكــدا ً‪ ،‬بنــاء عــى تقاريــر وصفهــا بالرســمية‪ ،‬أن‬ ‫«اإلرهابيــن» هــم مــن دمــروا ســوريا‪ ،‬متمســكاً مبقولــة‬ ‫«الســيادة التــي ال تخــرق»‪.‬‬ ‫وقــال الجعفــري يف مقابلــة‪ ،‬بثتهــا قنــاة «روســيا اليوم»‪،‬‬ ‫أن نظامــه لــن يعقــد صفقــات سياســية عــى حســاب‬ ‫ســيادة ســوريا»‪ ،‬مشــرا ً إىل وجــود حــراك ســيايس يف‬ ‫جنيــف وآخــر يف كازاخســتان‪ ،‬وثالــث جــرى يف موســكو‬ ‫وآخــر ســيجري يف القاهــرة يف محاولــة لحــل األزمــة‬ ‫الســورية‪.‬‬ ‫وأضــاف بــأن «قــوى عربيــة ودوليــة تعرقــل التحــركات‬

‫حرمل الصحافة‬

‫‪5‬‬

‫األمميــة‪ ،‬وبعــض هــذه القــوى متورطــة يف ســفك دمــاء‬ ‫الســوريني»‪.‬‬ ‫وتحــدث الجعفــري عــن «محاربــة الجيــش الســوري يف‬ ‫‪ 400‬جبهــة ضــد ‪ 2000‬مــن الجامعــات املســلحة داخــل‬ ‫ســوريا»‪ ،‬طبعـاً هــذه الجامعــات قــد تســلل عــدد كبــر‬

‫منهــا إىل ســوريا مــن دول الجــوار‪.‬‬ ‫وكالعــادة دعــا الجعفــري «املجتمــع الــدويل إىل الضغــط‬ ‫عــى تركيــا ملنــع تســلل اإلرهابيــن إىل ســوريا»‪ ،‬مبينــا‬ ‫أن «تقاريــر أمميــة وغــر حكوميــة تؤكــد تــورط‬ ‫اإلرهابيــن يف تدمــر ســوريا»‪.‬‬

‫أبــدت إيرينــا بوكوفــا‪ ،‬املديــر العــام ملنظمــة اليونســكو‬ ‫اســتياءها مــن تدمــر اآلثــار املمنهــج يف العــراق‪ ،‬الــذي بلــغ‬ ‫مســتوى غــر مســبوق‪ ،‬وأكــدت أن التطهــر الثقــايف ينبغــي أن‬ ‫يتوقــف‪ ،‬كــا أبــدت تخوفهــا مــن قيــام عنــارص الدولة اإلســامية‬ ‫مــن تدمــر آثــار تدمــر‪ ،‬وقالــت قبــل ذلــك إن الشــباب الســوري‬ ‫يف خطــر‪ ،‬ألنــه ال يــرى مســتقبله واضحـاً‪ ،‬بعــد أن دخلــت األزمــة‬ ‫الســورية يف مرحلــة حساســة‪.‬‬ ‫وكان بــان يك مــون‪ ،‬األمــن العــام لألمــم املتحــدة‪ ،‬قــد أبــدى‬ ‫قلقــه عــرات املــرات يف كل مــرة تحــدث مجــزرة يف ســوريا‪،‬‬ ‫أو انتهــاكات بحــق املدنيــن‪ ،‬وركــز أكــر مــن مــرة عــى مقولــة‬ ‫إن الشــعب الســوري فقــد األمــل بعــد أن بــات مســتهدفاً‬ ‫بالقصــف العشــوايئ والرضبــات الجويــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك اســتخدام‬ ‫الرباميــل املتفجــرة مــن قبــل القــوات الحكوميــة‪ ،‬كــا شــاركه‬ ‫القلــق رؤســاء منظــات املؤمتــر اإلســامي‪ ،‬والجامعــة العربيــة‪،‬‬ ‫وحقــوق اإلنســان‪ ،‬واملفوضيــة العليــا لشــؤون الالجئــن‪.‬‬ ‫مــا زالــت املجــازر الوحشــية التــي يرتكبهــا النظــام الســوري‬ ‫بحــق املدنيــن تــرى‪ ،‬واالنتهــاكات التــي ت ُرتكــب بحــق الشــعب‬ ‫الســوري صادمــة ومؤثــرة وموجعــة‪ ،‬لكــن مل نعــد نبــايل بهــذا‬ ‫القلــق وال بحجــم االســتنكار واالســتياء الــذي يبديــه هــؤالء يف‬ ‫ظــل تنامــي القتــل والتدمــر الــذي يتعــرض لــه الســوريون‪،‬‬ ‫وغيــاب أفــق ألي حــل ســيايس مرتقــب للمســألة الســورية‪،‬‬ ‫التــي تعــاور عــى إدارتهــا عتــاة السياســة يف العــامل‪ ،‬الذيــن مل‬ ‫يســتطيعوا هــم وقــوى العــامل مــن إيقــاف نزيــف الدم الســوري‪.‬‬ ‫يف الحديــث عــن املجــازر الوحشــية والتدمــر املمنهــج للثقافــة‬ ‫واآلثــار لدولــة يعتربهــا العــامل أس الحضــارة اإلنســانية‪ ،‬ال بــد‬ ‫مــن العمــل عــى أســس جديــدة تؤكــد عــى خيــار التأثــر‬ ‫الصــادم للشــعوب‪ ،‬فليــس مــن املعقــول أن تظــل هــذه‬ ‫املؤسســات واملنظــات الدوليــة والرؤســاء ووزراء الخارجيــة‬ ‫للــدول الفاعلــة‪ ،‬يبــدون قلقهــم املســتمر واملمــل‪ ،‬دون أن يــرف‬ ‫أبــدا ً جفــن القتلــة ولــو ملــرة واحــدة‪ ،‬ال بــد مــن انتقــال القلــق‬ ‫إىل الشــعوب التــي ســتكون أكــر تأثـرا ً يف دولهــا‪ ،‬ويف املؤسســات‬ ‫واملنظــات الراعيــة لحقــوق اإلنســان‪.‬‬ ‫منــذ انــدالع ثــورة الحريــة والكرامــة‪ ،‬والســوري يتعــرض للقتــل‬ ‫بالســكاكني والرباميــل والصواريــخ والقذائــف بأنواعهــا املختلفــة‪،‬‬ ‫وقــوى الــر املنتجــة لهــذه األســلحة منفرجــة األســارير‪ ،‬تعالــج‬ ‫أزماتهــا االقتصاديــة بــآالت الذبــح التــي تص ّدرهــا للقتلــة الذيــن‬ ‫تناوبــوا عــى قتلنــا‪ ،‬وال يشء يف األفــق ســوى إبــداء القلــق‬ ‫واالســتياء‪ ،‬علــاً أن النظــام العاملــي‪ ،‬الــذي تتزعمــه أمريــكا‪،‬‬ ‫عندمــا ج ـ ّرد النظــام الســوري مــن ســاحه الكيــاوي مل يكلفــه‬ ‫ذلــك عنــا ًء كب ـرا ً‪ ،‬وكان األجــدر بهــم أن يوقفــوا حــام الــدم‪،‬‬ ‫وإطفــاء النــار قبــل أن تشــتعل‪ ،‬وتــأيت عــى األخــر واليابــس‪،‬‬ ‫بالتــوازي مــع تدمــر الكيــاوي‪.‬‬ ‫يــا لبــؤس هــذا العــامل املتحــر‪ ،‬يــا دعــاة الحريــة والســام‬ ‫والدميقراطيــة‪ ،‬وأنتــم تشــاهدون مسلســل القتــل والتدمــر‬ ‫اليومــي املســتمر منــذ أكــر مــن أربــع ســنوات‪ ،‬والــذي يطــال‬ ‫اإلنســان والشــجر والحجــر‪ ،‬وتســتنكرون‪ ،‬وتقلقــون‪ ..‬أمــا آن‬ ‫لكــم أن تســتيقظوا؟!‬


‫‪6‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫د‪ .‬سماح هدايا‬ ‫وزيرة الثقافة وشؤون األسرة‬ ‫مــا يســتدعيه املــال وســلطانه تعمــل‬ ‫السياســة عــى تنفيــذه؛ فالسياســة مأمــورة‬ ‫واملوقــف الحقيقــي لألفعــال مرتبــط باملصالــح‬ ‫واملكتســبات وبالتــايل ال ميكــن ق ـراءة املوقــف‬ ‫األمريــي وخطابــه يف قضايــا العــامل العــريب‬ ‫خــارج هــذا الســياق‪ ،‬فهــو يـراوح بــن مصالحــه‬ ‫املعلنــة ومصالحــة الخف ّيــة وال يــديل بالحقيقــة‬ ‫إال عندمــا ينفعــه اإلدالء‪ ،‬ويلجــأ إىل املنــاورة‬ ‫واملراوغــة عندمــا تحتــاج مصلحتــه ذلــك‪،‬‬ ‫الســيايس للتحكّــم باملــال‬ ‫طبيعــة الــراع ّ‬ ‫والــروات تقــف وراءالترصيــح أو الغمــوض‬ ‫تتأســس املداهنــة‪.‬‬ ‫وعليهــا ّ‬ ‫الحفــاظ عــى الســلطان والقــ ّوة يحكــم‬ ‫السياســية األمريكيــة‪ ،‬وموقفهــا مــن الثــورات‬ ‫العربيــة مرتبــط مبكاســبها وخســائرها؛‬ ‫فســتحاول إجهاضهــا أو تطويقهــا‪ ،‬خوفــاً‬ ‫مــن مــروع نهضــوي عــريب يق ـ ّوض ســيادتها‬ ‫ومبواجهــة ذلــك عــى السياســات العربيــة أن‬ ‫تتغي‬ ‫تكــون مبســتوى االســتحقاق الوطنــي‪ ،‬وأن ّ‬ ‫لتصبــح مؤثــرة وفاعلــة بعــد أن اســتمرت مجرد‬ ‫واجهــات شــكليّة ومتثيــل فخــري يف الق ـرارات‬ ‫السياســية الوطنيــة والعربيــة‪.‬‬ ‫جــزء مــن التغييــر هــو إعــادة النظــر‬ ‫بتحالفاتهــا وخصومهــا‪ ،‬وحشــد قواهــا املختلفــة‬

‫وفــق مصالحهــا الوطنيــة؛ لــي تكــون قــادرة‬ ‫عــى العمــل وفــق الظــروف الجديــدة لتحقيــق‬ ‫مصالــح ومكاســب تنعكــس قــوة عــى املصلحة‬ ‫الوطنيّــة والقوميّــة‪.‬‬ ‫أوبامــا يعمــل مبقتــى سياســات األمــة‬ ‫األمريكيــة التــي صنعتهــا صــرورة الهيمنــة‬ ‫االقتصاديــة ومــا يرتبــط بهــا مــن ســلطات‪،‬‬ ‫وتــدور خطاباتــه يف فلــك هــذه السياســات‪،‬‬ ‫أمــا املراوغــة الواضحــة يف خطابــه؛ فــأداة‬ ‫سياســية لتمريــر مرشوعــه الســيايس‪ ،‬وبهــا‬ ‫يعيــد تك ـرار األدبيّــات الراســخة يف السياســات‬ ‫الغربيــة عمومــاً واألمريكيّــة خصوصــاً‪ ،‬التــي‬ ‫ال تخــرج بعيــدا ً عــن عقليــة الهيمنــة وبســط‬ ‫النفــوذ واالســتقواء‪ ،‬أمــا األخــاق واملبــادئ‬ ‫وحقــوق اإلنســان وحقــوق األقليــات ومكافحــة‬ ‫اإلرهــاب وتطبيــق الدميقراطيــة وبنــاء الســام؛‬ ‫فمجــرد شــعارات وكلــات للتســويق اإلعالمــي‬ ‫والتأثــر بالجامهــر وإجــراءات لتنفيــذ‬ ‫املــآرب السياســية‪ ،‬وعنــد الخطــر يجــري قلبهــا‬ ‫وتســويغ ذلــك؛ كــا حصــل يف مــر وتونــس‬ ‫وغريهــا بــأدوات الثــورات املضــادة‪.‬‬ ‫حــن تعيــش ســوريا يف كارثــة حضاريــة‬ ‫وإنســانية نتيجــة بطــش األســد وإرهابــه‬ ‫بالتعــاون مــع إيــران‪ ،‬وحــن تنهــش إيــران‬ ‫وحلفاؤهــا اإلرهابيــون العـراق بحــرب مخيفــة‪،‬‬ ‫وحــن يتم ـ ّزق اليمــن يف حــرب أهليــة دمويــة‬ ‫بدعــم إيــراين متصاعــد؛ يخــرج أوبامــا‪ ،‬بعــد‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫مشروع أ ّمة‬

‫لقائــه بقــادة الخليــج الذيــن تهــ ّدد إيــران‬ ‫دولهــم ومصالحهــم بلعبــة الحلــول السياســية‬ ‫وقصــة الســام وفــك النزاعــات مــن دون عنــف‪،‬‬ ‫كمواجهــة البندقيــة بــوردة‪ ،‬مــن دون أن يكتب‬ ‫اتفاقـاً لحاميــة أصدقائــه يف الخليــج‪ ،‬ومــن دون‬ ‫أن يديــن إيــران‪.‬‬ ‫ويف الســياق نفســه ال يكــرث أوبامــا بإنقــاذ‬ ‫املدنيــن الســوريني مــن نظــام األســد ومجــازره‪،‬‬ ‫بــل يكــرر أن األســد فقــد رشعيتــه‪ ،‬ولــن يكــون‬ ‫لــه دور يف مســتقبل ســوريا‪ .‬والواقــع يف ســوريا‬ ‫معقــد‪ ،‬أي ال مجــال إلنهــاء حكــم األســد‬ ‫بالتدخــل العســكري‪ ،‬بــل بالحــل الســيايس‪ ،‬وال‬ ‫يوجــد حــل قريــب‪ ،‬وال يجــد أوبامــا حرجــاً‬ ‫يف دفاعــه عــن املوقــف األمريــي تجــاه نظــام‬ ‫األســد بعــدم قصفــه بحجــة أنّــه تخلــص مــن‬ ‫ســاحه الكيــاوي‪.‬‬ ‫الخــوف مــن الثــورات هــو خلفيــة مراوغــة‬ ‫أوبامــا وتضليلــه‪ ،‬جعلــه يخلــط األمــور ويغفــل‬ ‫مســؤولية نظامــه يف مواجهــة إرهــاب رشس‬ ‫لنظــام يشــكل خطــرا ً يهــ ّدد العــامل‪ ،‬تركــت‬ ‫مجــازره مئــات اآلالف مــن الشــعب الســوري‬ ‫ضحايــا عــى مذبــح نظــام األســد ومــا زالــت‬ ‫مســتمرة يوميـاً بالرباميــل والطـران وغــر ذلك‪.‬‬ ‫أمــا خطــاب القيــادة األمريكيــة‪ ،‬بالســعي إىل‬ ‫حــل ســيايس يف ســوريا ينهــي الحــرب‪ ،‬ويؤســس‬ ‫لحكومــة شــاملة تحمــي األقليــات العرق ّيــة‬ ‫والدين ّيــة وتحافــظ عــى املؤسســات؛ فهــو‪،‬‬

‫شــعارات ألحــام مبدينــة فاضلــة‪ ،‬ألن الواقــع‬ ‫غــر ذلــك؛ فعــى مــن يحــب الســام ويدعــو له‬ ‫ويريــد حقــن الدمــاء‪ ،‬إيقــاف الحــرب بإيقــاف‬ ‫الســفاح الــذي يبــث اإلرهــاب ويســفك الدمــاء‪،‬‬ ‫وعليــه تحمــل مســؤولياته األخالقيــة يف ردعــه‬ ‫والتصــدي لعنفــه وإجرامــه‪ ،‬صناعــة الســام ال‬ ‫تكــون بالــكالم وبتج ّنــب التدخــل للقضــاء عــى‬ ‫أســاس اإلرهــاب والعنــف‪.‬‬ ‫الهــدف هــو تحصيــل مكاســب سياســية‬ ‫باالســتنزاف والحــرب التــي هــي معــادل‬ ‫الســام؛ فليقاتــل اإليرانيــون العــرب‪ ،‬ولتتم ـ ّزق‬ ‫املنطقــة بالحــروب والنزاعــات‪ ،‬املهــم الســام‬ ‫لصالــح املصالــح األمريكيــة وتــرك املنطقــة‬ ‫تأكلهــا الكارثــة أفضــل للســام األمريــي‪ .‬وال‬ ‫يعنــي أمريــكا إال الســلم الــدويل بحســب‬ ‫معايريهــا وهــو الحــرب عــى اإلرهــاب‪ ،‬فرتى أن‬ ‫تنظيــم داعــش والجامعــات املتطرفــة كالنــرة‬ ‫يهــدده‪ ،‬بينــا ال يعنيهــا نظــام إي ـران ونظــام‬ ‫األســد وحــزب اللــه الذيــن يســببون الحــرب يف‬ ‫املنطقــة بتدخلهــم يف شــعوب املنطقــة‪.‬‬ ‫سياســة أمريــكا نحــو ســوريا ال تنفصــل عــن‬ ‫مجمــل سياســتها مــع العــرب ومــع مــروع‬ ‫الثــورات الجامهرييــة‪ ،‬تؤسســها دوافــع‬ ‫ســيطرتها‪ ،‬لكــن لــو اســتمر العــرب بالقفــز عــى‬ ‫الحبــال فســوف تســتمر لعبــة تكســر أقدامهم‪،‬‬ ‫الحبــل اإلرسائيــي والحبــل اإليــراين والحبــل‬ ‫الــرويس والحبــل األمريــي وغــر ذلــك‪ ،‬القــدم‬

‫الثابتــة عــى أرضهــا تعجــز عــن كرسهــا الحبــال‬ ‫املتأرجحــة‪.‬‬ ‫مــا يجــب أن يدركــه العــرب أن العــامل يتغــر‪،‬‬ ‫وأن أمريــكا تفقــد بوصلــة ســطوتها القدميــة‪،‬‬ ‫وبــدأت ســيطرتها تتقلّــص‪ ،‬وقوتهــا يف التحكــم‬ ‫العاملــي تضعــف‪ ،‬مل تعــد الدولــة املحوريــة‬ ‫التــي كانتهــا يف زمــن بــوش‪ ،‬وهــو مــا ســيؤثر‬ ‫عــى موقفهــا مــن الخليــج وعــى مواقــف‬ ‫العــرب منهــا‪.‬‬ ‫الحيــاة مصالــح وكل واحــد يبحــث عــن‬ ‫مصلحتــه‪ ،‬واملصالــح تتحكــم بهــا القــوة‪ ،‬ودورة‬ ‫الحيــاة تشــمل األمــم؛ فــا ميكــن تجاهــل‬ ‫منطــق الطبيعــة حتــى لــو حارصتــه أقــى‬ ‫درجــات املدنيــة الحديثــة بقــوة اتصاالتهــا‬ ‫وبرمجياتهــا‪.‬‬ ‫اإلمرباطوريــات يف التاريــخ تنهــار والخارطــة‬ ‫تتغــر‪ ،‬وســتتبلور املصالــح للقــوى الجديــدة‬ ‫وســوف تتغــر الظــروف ومســارات العالقــات‬ ‫الدوليــة‪.‬‬

‫يجــب أن يســتفيد العــرب مــن مفصــل‬ ‫التغيــر الــذي يتمخّــض عنــه تكوينــات‬ ‫سياســية وكيانــات اقتصاديــة جديــدة‪،‬‬ ‫العــامل يتغــر وال أحــد يبقــى شــاباً دامئـاً‪ ،‬وال‬ ‫تبقــى الــدول لألبــد‪ ،‬الثــورات دمويــة لكنهــا‬ ‫مــروع أمــة‪ ،‬والفعــل الــازم ليــس مجــرد‬ ‫ردة فعــل‪ ،.‬بــل رؤيــة مصرييــة اس ـراتيج ّية‪.‬‬

‫تنشر بالتعاون مع موقع مدار اليوم ‪2015/05/26‬‬ ‫‪http://madardaily.com‬‬

‫السوريون يف أوروبا‬ ‫مدار اليوم ‪ -‬فايز سارة‬ ‫هــزت الثــورة الســورية واقــع الســوريني‬ ‫يف أوربــا بعنــف شــديد‪ ،‬فغــرت الكثــر مــن‬ ‫املعطيــات واالهتاممــات والتوجهــات‪ ،‬بــل‬ ‫غــرت يف طبيعتهــم‪ ،‬وواقعهــم ومســتقبلهم‪،‬‬ ‫وكلهــا أمــور‪ ،‬ال تحتــاج إىل نقــاش كبــر‪ ،‬وإن‬ ‫تطلبــت مقاربــة لبعــض جوانبهــا‪ ،‬ورؤيــة مــا‬ ‫ميكــن أن يصــر إليهــا مســتقبل الســوريني‪.‬‬ ‫يعــود الوجــود الســوري يف أوربــا إىل عقــود‬ ‫طويلــة‪ ،‬والجــزء األســايس مــن الســوريني‬ ‫هنــاك‪ ،‬هاجــروا تحــت أســباب متعــددة‬ ‫ومتداخلــة‪ ،‬اختلــط فيهــا االقتصــادي مــع‬ ‫االجتامعــي‪ ،‬والســيايس مــع الثقــايف‪ .‬متامــاً‬ ‫مثــل غريهــم مــن مواطنــي البلــدان العربيــة‪،‬‬ ‫التــي حكمهــا االســتبداد أو عاشــت ظروفــاً‬ ‫سياســية واقتصاديــة واجتامعيــة وأمنيــة‬ ‫صعبــة‪ ،‬دفعــت بعــض مواطنيهــا للبحــث‬ ‫عــن أماكــن أخــرى للعيــش‪ ،‬ويف ســبيل‬ ‫مســتقبل مختلــف لهــم ولعائالتهــم بعيــدا ً‬ ‫عــن مســارات التطــور الصعــب يف بلدانهــم‬ ‫األصليــة‪ ،‬التــي تنــدرج ســوريا يف مقدمتهــا‬ ‫خاصــة بعــد اســتيالء حافــظ األســد عــى‬ ‫الســلطة فيهــا عــام ‪ ،1970‬والتــي وضــع فيهــا‬ ‫أســس الدولــة الشــمولية‪-‬الدكتاتورية معتمــدا ً‬ ‫عــى املؤسســتني األمنيــة والعســكرية‪ ،‬وأطلــق‬ ‫لهــا العنــان يف الســيطرة عــى كل مظاهــر‬ ‫الحيــاة الســورية ومؤسســاتها‪.‬‬ ‫وبطبيعــة الحــال‪ ،‬فقــد امتــد أثــر النظــام‬ ‫الشــمويل – الدكتاتــوري إىل واقــع الجاليــات‬ ‫الســورية‪ ،‬فتــم ربــط أغلبهــا والفعاليــات‬ ‫الرئيســية فيهــا بالنظــام الحاكــم عــر‬ ‫الســفارات الســورية ورجالهــا األمنيــن‪.‬‬ ‫وجــرى غالبـاً االســتجابة للمصالــح املحــدودة‬ ‫لبعــض نخــب الجاليــات مــن جانــب النظــام‪،‬‬ ‫لقــاء دور األخــرة يف تطويــع الجاليــات‬ ‫وربطهــا معــه‪ ،‬وقيامهــا بتأييــده والرتويــج لــه‪،‬‬ ‫واالســتجابة الحتياجاتــه‪ ،‬طاملــا أمكــن تنفيــذ‬

‫تلــك االحتياجــات‪ ،‬وكان ذلــك هــو األســاس‬ ‫الــذي قامــت بــه عالقــة الجاليــات الســورية‬ ‫يف أوربــا وغريهــا مــع نظــام األســد ســواء يف‬ ‫عهــد األب أو يف عهــد خليفتــه االبــن‪.‬‬ ‫غــر أن قيــام الثــورة الســورية يف ‪،2011‬‬ ‫غــرت أســاس تلــك العالقــة‪ ،‬والســبب‬ ‫الرئيــس كان طبيعــة الثــورة‬ ‫الســلمية‪ ،‬وشــعاراتها املطالبــة‬ ‫بالحريــة والتغيــر الســلمي‬ ‫واملشــاركة‪ ،‬وتكــرس ســبب تغيــر‬ ‫العالقــة مــن خــال رد النظــام‬ ‫برفــض أي حــل ســيايس‪ ،‬والذهــاب‬ ‫إىل العمــق يف رد عســكري – أمنــي‬ ‫أساســه القتــل واالعتقــال والتدمــر‬ ‫والتهجــر والــذي تصاعــد بصــورة‬ ‫وحشــية‪ ،‬فأخــذت الجاليــات‬ ‫تتحــرك لنــرة ثــورة الســوريني‬ ‫وتأييــد مطالبهــا‪ ،‬وال شــك أن مواقــف الــدول‬ ‫األوربيــة‪ ،‬ســاهم يف تعزيــز التغيــر يف موقــف‬ ‫الجاليــات‪.‬‬ ‫لعبــت الجاليــات وال ســيام يف بلــدان غــرب‬ ‫أوربــا دورا ً يف تقديــم دعــم إعالمــي وإغــايث‬

‫متعــدد األوجــه للثــورة‪ ،‬وشــارك بعــض‬ ‫شــخصياتها يف الفعاليــات السياســية واملدنيــة‬ ‫للثــورة عــر حركــة املعارضــة السياســية‬ ‫واألنشــطة املدنيــة‪ ،‬قبــل أن تنشــط بعــض‬ ‫أوســاط الجاليــات يف اســتيعاب ومســاعدة‬ ‫املهاجريــن الجــدد الذيــن أخــذوا يتوافــدون‬

‫إىل البلــدان األوربيــة هربــاً مــن الجحيــم‬ ‫الــذي نــره النظــام يف ســوريا وصعوبــات‬ ‫اإلقامــة والعيــش يف بلــدان الجــوار الســوري‪.‬‬ ‫وشــكل الوافــدون الجــدد مــن املهاجريــن‬ ‫الســوريني كـ ّـاً برشيـاً كبـرا ً‪ ،‬ونوعيـاً مختلفـاً‬

‫مــن الفئــات العمريــة الشــابة والخــرات‬ ‫املتعــددة وال ســيام االختصاصيــن مــن‬ ‫أطبــاء ومهندســن وتقنيــن‪ ،‬مــا يعــزز‬ ‫واقــع وحضــور الجاليــات الســورية يف بلــدان‬ ‫أوربــا‪ ،‬رغــم مــا يعانيــه الوافــدون الجــدد‬ ‫مــن مشــاكل تبــدو مؤقتــة‪ ،‬تتعلــق باإلقامــة‬ ‫والعمــل والدراســة‪ ،‬وهــي ســتأخذ‬ ‫طريقهــا للحــل يف ســياق عمليــة‬ ‫اســتقرار الوافديــن واســتيعابهم‬ ‫يف املجتمعــات الجديــدة‪ ،‬يســتقر‬ ‫البعــض بنتيجتهــا‪ ،‬وقــد يكــون‬ ‫بإمــكان البعــض العــودة إىل‬ ‫ســوريا بعــد أن يســتقر وضعهــا‪،‬‬ ‫وتخــرج مــن أوضاعهــا الكارثيــة‪،‬‬ ‫التــي صــارت إليهــا‪.‬‬ ‫التحديــات التــي تواجــه الوافديــن‬ ‫الجــدد والجاليــات الســورية‬ ‫كلهــا‪ ،‬تتجــاوز مشــكلة اســتيعاب الوافديــن‬ ‫وهــي قضيــة معاشــية إىل أمريــن اثنــن مــن‬ ‫طبيعــة سياســية‪ ،‬أولهــا انشــغالهم بأوضــاع‬ ‫بلدهــم‪ ،‬خاصــة وأن أغلبهــم جــاء مــن عمــق‬ ‫الثــورة وفعالياتهــا ومــن دائــرة التعاطــف‬

‫معهــا ودعمهــا بالنســبة ألغلــب املقيمــن‪،‬‬ ‫والثــاين هــو مواجهــة التطــرف الــذي رضب‬ ‫الواقــع الســوري‪ ،‬فولــد تشــكيالت وجامعــات‬ ‫متطرفــة أيديولوجيــاً وعســكرياً وخاصــة‬ ‫تنظيــات «داعــش» و»النــرة» املحســوبة‬ ‫عــى تنظيــم القاعــدة‪.‬‬ ‫ويطــرح التحديــان األخ ـران أعباءهــا عــى‬ ‫الجاليــات الســورية يف محيطهــا األوريب‪ ،‬ليــس‬ ‫فقــط يف إرســال رســائل واضحــة إىل ذلــك‬ ‫املحيــط‪ ،‬تؤكــد رفــض التطــرف واإلرهــاب‬ ‫يف محتوياتــه ومامرســاته‪ ،‬ويف تأكيــد توافقهــا‬ ‫مــع القيــم اإلنســانية العامــة الســائدة يف‬ ‫تلــك املجتمعــات‪ ،‬واســتعدادها عــى العيــش‬ ‫يف ظاللهــا‪ ،‬والتعامــل معهــا بصــورة إيجابيــة‬ ‫ومتفهمــة بالحــد األدىن‪ .‬بــل إن املطلــوب‪،‬‬ ‫يتجــاوز مــا يطرحــه وجودهــا يف تلــك‬ ‫املجتمعــات إىل عالقتهــا بالواقــع الســوري‬ ‫وخاصــة لجهــة تواصــل دعمهــا للثــورة‪،‬‬ ‫وتأكيــد طبيعتهــا باعتبارهــا ثــورة شــعبية‪،‬‬ ‫انطلقــت مــن أجــل قيــم إنســانية أبرزهــا‬ ‫الحريــة والعدالــة واملســاواة‪ ،‬وأنهــا أبعــد مــا‬ ‫تكــون عــن الدكتاتوريــة والسياســة الدمويــة‬ ‫التــي يتبعهــا نظــام األســد‪ ،‬والتــي تشــاركه‬ ‫فيهــا جامعــات التطــرف واإلرهــاب مــن‬ ‫«داعــش» و»النــرة» وغريهــا‪.‬‬ ‫هــذه التحديــات‪ ،‬متثــل تحديــات شــخصية‬ ‫لكثــر مــن الســوريني يف املجتمعــات‬ ‫األوربيــة‪ ،‬لكنهــا متثــل أيض ـاً تحديــات عامــة‬ ‫لــكل الســوريني‪ ،‬ينبغــي االشــتغال فيهــا‬ ‫وعليهــا‪ ،‬وهــذا يطــرح عليهــم مهمــة تنظيــم‬ ‫وجودهــم وجهودهــم مــن أجــل تحقيــق‬ ‫نجــاح جــدي يف مواجهــة هــذه التحديــدات‪،‬‬ ‫وبنــاء مســتقبل ومكانــة أفضــل لهــم ليــس‬ ‫يف مجتمعاتهــم األوربيــة‪ ،‬إمنــا أيضــاً يف‬ ‫عالقاتهــم مــع بلدهــم وشــعبهم مــن أجــل‬ ‫إنهاضــه وتقدمــه الذيــن ســيكون للســوريني‬ ‫يف املهاجــر دور مؤكــد فيهــا‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫‪7‬‬

‫السياس��ة‪ ..‬وصناعة التواس��يم‬ ‫عبد السالم السالمة‬

‫أواخــر الخمســينيات‪ ،‬هــو الــروح الثوريــة‬ ‫يف البداي��ة‪ ،‬ال ب��د ل��ي‪ ،‬م��ن تعري��ف االش ـراكية التــي بــدأت تنتــر يف الكثــر مــن‬ ‫التواس��يم‪ ،‬مل��ن مل يلبس��ها‪ ،‬وتعري��ف دول العــامل العــريب يف تلــك الفــرة‪.‬‬ ‫ومــن ميــزات التاســومة أيضــاً‪ ،‬أن املســتعملة‬ ‫السياس��ة مل��ن مل ميارس��ها‪.‬‬ ‫منهــا أغــى ســعرا ً مــن الجديــدة؛ والســبب يف‬ ‫ذلــك‪ :‬أنهــا تصنــع مــن جلــود البقــر والحمــر‪،‬‬ ‫التواسيم‪:‬‬

‫كلمــة جم ـعٍ‪ ،‬تــدل عــى نــوع مــن األحذيــة‪،‬‬ ‫كان يلبســها الفالحــون‪ ،‬والفقــراء مــن أهــايل‬ ‫املــدن‪ ،‬يف بــاد الشــام‪ ،‬قبــل نصــف قــرن‪.‬‬ ‫والــزوج‪( :‬الفردتــان)‪ ،‬يقــال لهــا‪ :‬تاســومة‪،‬‬ ‫والفــردة الواحــدة‪ ،‬تعــرف بـــ‪( :‬فــردة تاســومة)‪،‬‬ ‫ويوصــف بـ(فــردة تاســومة)‪ ،‬كل ٍ‬ ‫واط نــذل‪،‬‬ ‫مــن الرجــال‪ ،‬أو ســاقط أو دينء أو لــص أو‬ ‫محتــال‪ ،‬أو مــن هــو عــى مثــل هــذا املســتوى‬ ‫مــن األخــاق‪ .‬ورغــم ذلــك‪ ،‬فــإن للتاســومة‬ ‫ميـزات كثــرة‪ ،‬تختلــف فيهــا عــن باقــي أنــواع‬ ‫األحذيــة؛ فهــي صناعــة يدويــة‪ ،‬وهــي مــن‬ ‫الجلــد الطبيعــي مائــة باملائــة‪ ،‬وليــس فيهــا‬ ‫ميــن وشــال‪ ،‬فكلتــا فردتيهــا‪ ،‬ميكــن لبســها‬ ‫بــأي مــن القدمــن‪ ،‬فهــي بيضاويــة الشــكل‪،‬‬ ‫وشســعها مــن أربــع قطــع‪ ،‬أو ســت قطــع‪،‬‬ ‫ونعلهــا قطعــة واحــدة‪ ،‬وليــس لهــا كعــب‪،‬‬ ‫وعقبهــا أقــل عرضــاً مــن مقدمتهــا‪ ،‬وألوانهــا‪،‬‬ ‫التــي رأيناهــا‪ ،‬تــكاد تنحــر باألحمــر القــاين‪،‬‬ ‫أو األحمــر الداكــن أو األســود‪ ،‬وقليلــون مــن‬ ‫كانــوا يلبســون الــزرق الداكنــات‪ .‬واألحمــر‬ ‫القــاين أشــهرها‪ ،‬ولذلــك غلــب عــى تســميتها‪:‬‬ ‫(تاســومة حمـرا)‪ .‬أمــا مــن هــم أكــر منــا ســناً‪،‬‬ ‫فيقولــون‪ :‬إن مــا كان شــائعاً يف الخمســينيات‪،‬‬ ‫مــن القــرن املــايض‪ ،‬هــو اللــون األصفــر الفاقــع‪.‬‬ ‫ر يف التحــول إىل اللــون األحمــر يف‬ ‫ّ‬ ‫ولعــل الــ ّ‬

‫والجديــدة منهــا تكــون صفيقــة غليظــة‬ ‫الحــواف‪ ،‬تحــز ظهــر القــدم‪ ،‬وقــد تج ّرحهــا‪،‬‬ ‫عندمــا تُلبــس ملــدة طويلــة‪.‬‬ ‫أمــا يف املــدن‪ ،‬فــإن لبــس التاســومة الجديــدة‪،‬‬ ‫أشــد خطــورة؛ ألن نعلهــا الناعمــة‪ ،‬قــد تتســبب‬ ‫يف التزحلــق عــى أرض املــدن املبلّطــة‪ ،‬بالزفــت‬ ‫أو اإلســمنت‪ ،‬بخــاف أرايض القــرى والبــوادي‬ ‫الرتابيــة‪ ،‬أو الحصويــة أو الرمليــة‪ ،‬ولهــذا فــإن‬ ‫بائعــي التواســيم‪ ،‬يعرضــون الجديــدات منهــا‪،‬‬ ‫للتأجــر‪ ،‬مقابــل أســعار رمزيــة‪ ،‬أو دون مقابــل؛‬ ‫وذلــك ألن مــن يلبســها‪ ،‬وهــي جديــدة‪ ،‬يتحمل‬ ‫الكثــر مــن العنــت‪ ،‬إىل أن (يعســفها) بعد عدة‬ ‫أيــام‪ ،‬حيــث يلــن الشســع بالدعــك‪ ،‬وتخشــن‬ ‫النعــل باالحتــكاك بــاألرض‪ ،‬ولهــذا يســمى‬ ‫مــن يكــر مــن لبــس التواســيم الجديــدات‪:‬‬ ‫(العس ـاّف)‪ ،‬قياس ـاً عــى مــن يــر ّوض الخيــول‬ ‫العســاف أيض ـاً‪.‬‬ ‫الشُّ ـ ُمس‪ ،‬والــذي كان يســمى ّ‬ ‫عســاف التواســيم‪ ،‬مثنـاً‬ ‫واملقابــل الــذي يكســبه ّ‬ ‫للمشــقة التــي يبذلهــا‪ ،‬هــو أنــه يظــل يتباهــى‬ ‫أمــام النــاس بتاســومته الجديــدة‪ ،‬وقــد يؤجرهــا‬ ‫هــو بــدوره‪ ،‬ملــن يلبســها للذهــاب إىل حفلــة أو‬ ‫(جاهــة)‪ ،‬أو عنــد اســتقبال ضيــوف كبــار‪ ،‬أمــا‬ ‫صناعــة التاســومة فتلــك قصــة أخــرى‪:‬‬ ‫الحملــون يف الحــوارض واملــدن‪ ،‬ينقلــون‬ ‫كان ّ‬ ‫بضائعهــم‪ ،‬وبضائــع غريهــم عــى الحمــر‪ ،‬أما يف‬

‫القــرى واألريــاف‪ ،‬فــإن الفالحــن كانــوا يحرثون‬ ‫عــى الثـران‪ ،‬وينقلــون أدواتهــم‪ ،‬ومحاصيلهــم‪،‬‬ ‫وحطــب أشــجارهم‪ ،‬ونباتاتهــم‪ ،‬عــى الحمــر‪.‬‬ ‫وكان كل هــؤالء مــن أهــل الحــوارض‪ ،‬أو‬ ‫أهــل البــوادي‪ ،‬يكرمــون ثريانهــم وحمريهــم‪،‬‬ ‫ويقدمــون لهــا‪ :‬التــن والــذرة والشــعري‬ ‫والربســيم‪ ،‬ونخالــة الدقيــق‪ ،‬وغريهــا‪ ،‬لتتقــ ّوى‬ ‫عــى القيــام بواجبهــا يف العمــل‪ ،‬حتــى إذا‬ ‫هــرم الحــار أو الثــور‪ ،‬أو مــرض مرضــاً ال‬ ‫حــل بــه مــا مينعــه منعــاً‬ ‫يرجــى شــفاؤه‪ ،‬أو ّ‬ ‫دامئ ـاً مــن القيــام بواجبــه‪ ،‬أخــذه صاحبــه إىل‬ ‫(القُربــاط)‪ ،‬أو (الغَجــر)‪ ،‬وهــا كــا يقــال‪:‬‬ ‫مــن بقايــا حمــات املتســولني‪ ،‬الذيــن وصلــوا‬ ‫إىل بــاد الشــام‪ ،‬وانتــروا فيهــا‪ ،‬قادمــن مــن‬ ‫أوروبــا الرشقيــة‪ ،‬أثنــاء الحكــم العثــاين‪ ،‬وهنــا‬ ‫يقــوم القرباطــي‪ ،‬أو الغجــري‪ ،‬بذبحــه وســلخه‬ ‫ودباغــة جلــده‪ ،‬وصناعــة التواســيم منــه‪.‬‬ ‫قــد يســأل القــارئ‪ :‬هــذا مــع الحــار الــذي‬ ‫ال يــؤكل لحمــه‪ ،‬فــا بــال الثــور؟ والجــواب‬ ‫هــو‪ :‬أن الثــور ال يصــل إىل مثــل هــذه الحالــة‬ ‫عــادة‪ ،‬إال بعــد أن يصبــح لحمــه عصيــاً عــى‬ ‫الطبــخ واألكل‪ ،‬إذ مل يكــن النــاس يف البــوادي‬ ‫واألريــاف‪ ،‬يعرفــون التقطيــع الناعــم للّحــم‪،‬‬ ‫وصناعــة الكبــاب الجاهــز للبلــع بــا مضــغ‪ ،‬ومل‬ ‫تكــن لديهــم قــدور (الربيســتو)‪ ،‬التــي تذيــب‬ ‫اللحــم والعظــم‪.‬‬ ‫هــل عرفــت عزيــزي القــارئ ما هــي التواســيم‪،‬‬ ‫وكيــف تُصنــع؟‪ .‬هنيئــاً لــك‪ ،‬فقــد عرفــت‬ ‫تســعة أعشــار الــازم!!‪ ..‬وإليــك ال ُعــر الباقــي‪.‬‬

‫السياسة‪:‬‬

‫محمــد عبــده‪ ،‬اإلمــام املجاهــد البطــل‪ ،‬والعـاِمل‬ ‫ال َعلــم‪ ،‬والفقيــه املــريب‪ ،‬كان أبــرز أهــل الفكــر‬ ‫والسياســة‪ ،‬الذيــن خططــوا لثــورة أحمــد‬ ‫عــرايب‪ ،‬ضــد قــر الخديــوي الفاســد‪ ،‬فــكان‬ ‫آخــر أمــره بعــد أن ســجن ونفــي وتعــذب‪ ،‬أن‬ ‫تفــرغ لتعليــم النــاس‪ ،‬ومحــو األميــة يف أريــاف‬ ‫مــر‪ ،‬وكان مــن آخــر مــا قالــه هــذا اإلمــام‪،‬‬ ‫قبــل موتــه‪« :‬لعــن اللــه السياســة‪ ،‬ولعــن ســاس‬ ‫يســوس سياســةً»‪.‬‬ ‫ســعيد النــوريس‪ ،‬بديــع الزمــان‪ ،‬الــذي كان‬ ‫قــدوة يف العلــم والزهــد والتقــوى والجهــاد‬ ‫والفكــر والسياســة والدهــاء والصالبــة‪ ،‬فقاتــل‬ ‫جنديـاً يف صفــوف القــوات العثامنيــة‪ ،‬ووقــع يف‬

‫أرس الــروس‪ ،‬وتصــدى ألتاتــورك‪ ،‬فحكــم عليــه‬ ‫باإلعــدام‪ ،‬انشــغل آخــر عمــره يف الرتبيــة‪ ،‬وقــال‬ ‫كلمتــه املشــهورة‪« :‬الســن تلحقهــا الشــن‪،‬‬ ‫والسياســة يلحقهــا الــر»‪.‬‬ ‫عــي عــ َزت بيجوفيتــش‪ ،‬املقاتــل الفــذ‪،‬‬ ‫والســيايس املحنــك‪ ،‬واملــريب األســوة‪ ،‬الــذي‬ ‫كان يفــاوض‪ ،‬لوحــده‪ ،‬األمريــكان واألوروبيــن‬ ‫والــرب والكــروات‪ ،‬مجتمعــن ومتفرقــن‪،‬‬ ‫فــا يلــن أمــام تهديــد‪ ،‬وال يهــدأ أمــام إغ ـراء‪.‬‬ ‫الرجــل الــذي كان يتحــرك يف جولــة واحــدة‪،‬‬ ‫مــن خنــادق القتــال‪ ،‬إىل فنــادق املفاوضــات‪،‬‬ ‫إىل مســتوصفات التمريــض‪ ،‬إىل مقابــر‬ ‫الشــهداء‪ .‬الرجــل الــذي كان مــن أســباب‬ ‫الذبحــة الصدريــة‪ ،‬التــي قتلتــه‪ ،‬حزنــه عــى‬ ‫قتــى املجــازر‪ ،‬التــي ارتكبــت ضــد شــعبه‪،‬‬ ‫إلخضاعــه يف املفاوضــات التــي كانــت تجــري‬ ‫بينــه وبــن األوروبيــن والــرب‪ ،‬والتــي خــرج‬ ‫منهــا كــا يقــول‪« :‬كان اللعــب‪ :‬واحــد مقابــل‬ ‫اثنــن‪ ،‬وكانــت النتيجــة‪ :‬التعــادل»‪ .‬عــي عــزت‬ ‫هــذا‪ ،‬قــال وكتــب‪« :‬قــد تجــد العبقريــة بــن‬ ‫األدبــاء أو الفنانــن أو الشــعراء أو الفالســفة‪،‬‬ ‫ولكنــك لــن تجدهــا بــن السياســيني»‪.‬‬ ‫والعبقريــة‪ ،‬عنــده‪ ،‬هــي‪ :‬عبقريــة (العطــاء)‪،‬‬ ‫التــي يفتقدهــا السياســيون؛ ألنهــم ‪-‬عنــده‬ ‫وعنــد غــره‪ -‬محرتفــو (أخــذ)‪.‬‬ ‫ديغــول‪ ،‬الج ـرال الفرنــي‪ ،‬الــذي قــاد الثــورة‬ ‫ضــد االحتــال األملــاين‪ ،‬وتصــدى ملحــاوالت‬ ‫ترششــل‪ ،‬وقــادة االنكليــز‪ ،‬الذيــن مارســوا عليــه‬ ‫أشــد الضغــوط‪ ،‬مســتغلني حالــة فرنســا‪ ،‬وهــي‬ ‫تحــت االحتــال‪ ،‬ليحركــوه وفــق مصالحهــم‪،‬‬ ‫وتصــدى لروزفيلــت‪ ،‬وقادتــه العســكريني‬ ‫األمريــكان‪ ،‬الذيــن كانــوا ينظرون إىل الفرنســيني‬ ‫بعــن االحتقــار‪ ،‬قبــل عــن الشــفقة‪ ،‬ورفــض‬ ‫أن يرهــن ق ـراره إلرادتهــم‪ .‬ديغــول هــذا‪ ،‬تــرك‬ ‫باريــس بعــد تحريــر فرنســا‪ ،‬عندمــا احتــدم‬ ‫الــراع بــن السياســيني‪ ،‬الذيــن أرادوا أن‬ ‫يحصلــوا عــى مثــن (نضالهــم وتضحياتهــم)‪،‬‬ ‫وذهــب إىل بيتــه الريفــي‪ ،‬ومل يرجــع إىل‬ ‫قــر الرئاســة‪ ،‬إال بعــد أن أوشــكت فرنســا‬ ‫الوليــدة أن تنهــار‪ ،‬نتيجــة رصاعــات السياســيني‬ ‫وخالفاتهــم‪ ،‬وبعــد أن ذهــب كبــار القــادة إىل‬ ‫بيتــه يرجونــه أن يعــود إلنقــاذ فرنســا!!‬ ‫أفالطــون‪ ..‬نعــم أفالطــون‪ ،‬اقتحــم ل ّجــة‬ ‫السياســة وهــو يحســب أنــه‪ ،‬مبنطقــه‪ ،‬ســوف‬

‫يكــون (الســبّاح املنقــذ)‪ ،‬فــا كاد يجتــاز‬ ‫الشــاطئ إىل بدايــة األعــاق‪ ،‬حتــى بــدأت‬ ‫الشــباك التــي نصبهــا لــه خصومــه تلتـ ّـف حــول‬ ‫عنقــه لتشــنقه‪ ،‬فــا اســتطاع التخلّــص منهــا‬ ‫إال مبشـقّة‪ ،‬فعــاد أدراجــه‪ ،‬وغســل رجليــه مــن‬ ‫أوحــال السياســة‪ ،‬وانطلــق إىل عالَــم الرتبيــة‬ ‫والتعليــم‪ ،‬ليبــدع يف املدينــة الفاضلــة التــي مــا‬ ‫يـزال طـاّب العلــوم السياسـيّة يتعلّمــون منهــا‬ ‫أبجديــات السياســة املثاليــة التــي ال وجــود لهــا‬ ‫يف عــامل الواقــع الوحــي!!‬ ‫عزيــزي القــارئ‪ :‬هــل تريــد املزيــد لتعــرف‬ ‫السياســة؟ إذا كنــت تريــد ذلــك‪ ،‬فانظــر إىل‬ ‫الدمــاء الزكيــة‪ ،‬كيــف تســيل يف الشــوارع‬ ‫والســاحات‪ ،‬ثــم انظــر بعدهــا إىل شاشــات‬ ‫الفضائيــات‪ ،‬وصفحــات الفيســبوك‪ ،‬وقــارن مــا‬ ‫يجــري هنــاك وهنــاك‪ !..‬مــن يكتــب خمســة‬ ‫أســطر‪ ،‬فيهــا عــرة أخطــاء‪ ،‬يعــ ّرف بنفســه‬ ‫عــى أنــه‪ :‬منظَــر الثــورة‪ ،...‬ومــن (يتقعمــز)‬ ‫يف لقــاء‪ ،‬دعــي إليــه عــى نفقــة آخريــن‪ ،‬وال‬ ‫يعــرف إن كان مؤمتــرا ً سياســياً‪ ،‬أم مهرجانــاً‬ ‫شــعبياً‪ ،‬يــرى نفســه‪ ،‬ويريــد للعــامل أن يــراه‬ ‫زعيـاً سياســياً‪( ،‬وراءه كتلــة ال ميكــن تجاهلها)‪.‬‬ ‫ومــن يتــاح لــه أن يظهــر عــى شاشــة قنــاة‬ ‫فضائيــة‪ ،‬يقــدم نفســه عــى أنــه‪ :‬املجاهــد‬ ‫املناضــل الثائــر‪ ،‬الــذي يدمــي قلبــه مــا يجــري‬ ‫يف بلــده‪ .‬وكلــا زاد عــدد مـرات حضــوره أمــام‬ ‫الكامــرات الفضائيــة‪ ،‬زاد رصيــده يف العطــاء‬ ‫والتضحيــة‪ ،‬فارتفــع بذلــك ســقف مطالبــه‪،‬‬ ‫التــي ال يريــد مــن ورائهــا إال االطمئنــان عــى‬ ‫مســتقبل شــعبه وبلــده‪.‬‬ ‫عزي��زي الق��ارئ‪ :‬أظ��ن أنن��ا متفق��ان‬ ‫عل��ى أن��ه‪ :‬ال يوج��د إنس��ان واح��د‪ ،‬يصل��ح‬ ‫حلم��ه ل�لأكل‪ :‬كبب��اً وكباب��اً‪ ،‬عن��د أه��ل‬ ‫احلض��ر‪ ،‬أو كرادي��ش ومناس��ف‪ ،‬عن��د‬ ‫أه��ل الق��رى والب��وادي‪ ،‬أو يصل��ح جل��ده‪،‬‬ ‫لصن��ع القبع��ات الفاخ��رة‪ ،‬أو فراش��ات‬ ‫العن��ق األنيق��ة‪ .‬ولكن�ني عل��ى يق�ين‪ ،‬أن‬ ‫أكث��ر السياس��يني‪ ،‬الذي��ن تراه��م عل��ى‬ ‫الفضائي��ات‪ ،‬أو يف ش��بكات االنرتن��ت‪ ،‬ه��م‬ ‫أوط��أ‪ ،‬وأتف��ه‪ ،‬م��ن التواس��يم احلم��ر‪.‬‬ ‫وال ب��د يف النهاي��ة‪ ،‬م��ن االعت��ذار الش��ديد‪،‬‬ ‫من السياسيني املخلصني الصادقني‪ ،‬فهم‬ ‫االس��تثناء ال��ذي يع��زز القاع��دة‪ .‬ولواله��م‪،‬‬ ‫مل��ا كان للكتاب��ة معنى‪.‬‬

‫أودية الظالم‪!..‬‬ ‫عبد الفتاح الراكان‬ ‫يعيــش الشــعب الســوري حالــة مــن الغمــوض‬ ‫الســيايس مــع التخبــط الــذي يهــدد مصــره بالتفتــت‪،‬‬ ‫ويبــدأ باملســر يف أوديــة مــن الظــام‪ ،‬بالرغــم مــن شــدة‬ ‫غليــان األحــداث التــي تكتنــف وطنــي الحبيــب ســوريا‬ ‫عــى جميــع األصعــدة‪.‬‬ ‫ويف أغلــب األحيــان‪ ،‬ال تصــدر أي ترصيحــات عــن أي‬ ‫مســؤول يف االئتــاف أو الحكومــة املؤقتــة‪ ،‬أو أيــة‬ ‫هيئــة مــن ممثــي الشــعب الســوري الحــر‪ ،‬بالرغــم مــن‬ ‫القـرارات والترصيحــات الدوليــة‪ ،‬التــي تصــدر مــن أعــداء‬ ‫الشــعب الســوري وال يســتطيع أحــد تفســرها أو تحليلهــا‬ ‫أو قــراءة معطيــات األحــداث وتأويالتهــا التــي تبعــد‬ ‫الغمــوض واللبــس عــن األحــداث‪.‬‬ ‫يف الفــرة األخــرة‪ ،‬وبــكل أحداثهــا السياســية والعســكرية‬ ‫الســاخنة واملؤملــة ال يوجــد أحــد مســتعد للــكالم‪ ،‬وال‬ ‫يوجــد ناطــق باســم الحكومــة املؤقتــة‪ ،‬وال باســم االئتالف‬ ‫الوطنــي لقــوى الثــورة واملعارضــة الســورية ملخاطبــة‬

‫الشــعب‪ ،‬وطأمنتــه عــن مصــره املجهــول‪ ،‬بالرغــم مــن‬ ‫أنهــم يف بدايــة الثــورة يتكلمــون دون توقــف‪ ،‬ويف كل‬ ‫مناســبة وأحيان ـاً كثــرة دون مناســبة وأكــر مــا ينبغــي‪.‬‬ ‫ملــاذا يــا تــرى؟؟ رمبــا بســبب نصائــح مستشــاريهم الذيــن‬ ‫ال أحــد يعرفهــم‪ ،‬أو تعليــات تصــل إليهــم مــن رؤســائهم‬ ‫بالخارج؟؟‬ ‫ال يوجــد ســوى تفســر واحــد ملــا يحصــل مــن تالعــب‬ ‫بــرأي الشــعب الســوري‪ ،‬صاحــب ثــورة الحريــة والكرامــة‬

‫األســايس والفاعــل‪ ،‬وهــو ابتعادهــم وانســاخهم عــن‬ ‫همــوم النــاس اليوميــة‪ ،‬وانجرارهــم إىل البحــث يف ترتيــب‬ ‫اللقــاءات مــع مــن يلعــب مبصــر شــعبهم‪ ،‬واللهــاث وراء‬ ‫املناصــب‪ ،‬وانحيازهــم إىل املصالــح الشــخصية‪ ،‬وتصيــد‬ ‫النجوميــة بــكل الوســائل املتاحــة‪ ،‬حتــى لــو كانــت‬ ‫الــرب مــن تحــت الحـزام‪ ،‬والتشــكيك يف وطنيــة وانتــاء‬ ‫بعضهــم البعــض‪ ،‬وتــرى يف حديثهــم احتقــارا ً فارغـاً لــكل‬ ‫فــرد مــن أبنــاء الشــعب الســوري‪ ،‬إىل درجــة يخ ّيــل‬

‫إىل مــن يســتمع إليهــم أنهــم ليســوا مــن أبنــاء الرحــم‬ ‫الســوري!‬ ‫هــذا الحــال يؤكــد وجــود غمــوض وضيــاع مــن يتــوىل‬ ‫القيــادة‪ ،‬مــا يعــزز حالــة الضيــاع‪ ،‬ويعطــي االنطبــاع‪،‬‬ ‫والشــعور بالقلــق مــن املســتقبل املجهــول‪ ،‬وكل ذلــك‬ ‫نتيجــة لغيــاب الحــوار الشــفاف‪ ،‬وغيــاب املســؤول الناضج‬ ‫الــذي يحــاور الشــعب‪ ،‬وهــذا إىل حــن مــن الزمــن ليــس‬ ‫أكــر‪ .‬مــن يــا تــرى ســيتكلم مــع هــذا الشــعب املقهــور؟‬


‫‪8‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫الشاوي الضليل‬ ‫أعتقــد أن مشــاورات دي ميســتورا يف‬ ‫جنيــف‪ ،‬مل تكــن مجــرد متضيــة وقــت يف‬ ‫االســتامع إىل آراء شــخصيات تــم اختيارهــا‪ ،‬مــن‬ ‫خــال معايــر غامضــة مل يعلــن عنهــا‪ ،‬بــل هــي‬ ‫نــوع مــن التهويــم النفــي‪ ،‬وإقنــاع مســتمعيه‬ ‫(محاوريــه) بأنــه يحــاول تشــكيل رؤيــة‪ ،‬يبنــي‬ ‫عليهــا خيــارت للحــل الســيايس يف ســورية‪،‬‬ ‫وإن ممثــي الشــعب الســوري – معارضــات‪/‬‬ ‫مــوالة –يشــاركون يف هــذا البنــاء‪ /‬الحــل‪ ،‬يف‬ ‫خضــم بحــر مــن املتغــرات عــى الســاحة‬ ‫العســكرية يف ســورية‪ ،‬مــا يوحــي للمراقــب‬ ‫بــأن املعارضــة الســنيّة براياتهــا املتعــددة‬ ‫تحقــق انتصــارات ميكــن لبعــض محاوريــه‬ ‫الســنة التشــدد‪ ،‬واعتبارهــا أوراق ضغــط‪،‬‬ ‫ورســائل ميكــن للمبعــوث األممــي االعتــداد بهــا‬ ‫أمــام محاوريــه مــن ممثــي النظــام‪ ،‬والطوائــف‬ ‫األخــرى‪ ،‬لتقديــم تنــازالت والقبــول بتطمينــات‬ ‫أطــراف (الســ ّنة) أخــرى تقــرب مــن النــر‪.‬‬ ‫أعتقــد أن الســيد األممــي يخــدع الجميــع‬ ‫النتـزاع تطمينــات‪ ،‬ومواقــف متكنــه مــن دعــم‬ ‫خطتــه يف تجميــد القتــال‪ ،‬وتجزئــة الحلــول‬ ‫ضمــن الحــل الشــامل‪ ،‬التــي طورهــا كثــرا ً‪،‬‬ ‫بعــد أن دفــع جميــع األطــراف إلفشــالها يف‬ ‫بالــون اختبــاره (حلــب أوالً)‪ ،‬وأن النتائــج‬ ‫التــي ترتبــت عــى هــذا الفشــل‪ ،‬ســتزيد مــن‬ ‫ضغــط الشــارع الســوري والــدويل عــى جميــع‬ ‫األط ـراف يك تنصــاع مرغمــة عــى إنجاحهــا يف‬ ‫الشــق األســايس األول‪ ،‬وبقــوة اإلرادة الدوليــة‪،‬‬ ‫وعــر ق ـرار ملــزم يصــدر عــن مجلــس األمــن‬ ‫تحــت البنــد الســابع‪ ،‬يُعــرف فيــه مبســاواة‬ ‫األطــراف املتقاتلــة‪ ،‬ومعــزز بعقوبــات رادعــة‬ ‫للجميــع‪.‬‬ ‫وبعــد اكتــال مشــاورات الســيد األممــي‪،‬‬ ‫ســيقدم تقري ـرا ً مرفق ـاً بخطــة متكاملــة للحــل‬ ‫يف ســورية‪ ،‬نعتقــد أن معظــم فصولهــا قــد تــم‬ ‫التوافــق عليهــا مــع معظــم الالعبــن الدوليــن‬ ‫يف الســاحة الســورية باالشــراك مــع إيــران‬

‫معبد الحسون‬ ‫غالبــاً مــا تكــون فكرتُنــا عــن املــوت‬ ‫مبهم ـ ًة وغ ـ َر مطابقــة لحرفيــة الواقــع‪ ،‬ففــي‬ ‫يتداخــل الشــخيص‬ ‫ُ‬ ‫املــوت وحــ َده وبحضــوره‬ ‫بالعــام‪ ،‬أو غــر الشــخيص‪ ،‬والتجريبــي امللمــوس‬ ‫بامليتافيزيقــي والالشــعوري‪ ..‬إن املــوتَ ‪ ،‬عــى‬ ‫األغلــب‪ ،‬هــو ذلــك الــيء الــذي نتوقــع أن‬ ‫يــأيت فجــأة عــى اآلخريــن األبعديــن وليــس‬ ‫علينــا‪ ..‬إذ ال نتوقــع أن يحــدث لنــا بعــد دقائــق‬ ‫أو ســاعات‪ ..‬إنــه واقعــي دامئ ـاً وممكــن دامئ ـاً‬ ‫وعــادل دامئــاً ـ مهــا كان ميقــات وهيئــة‬ ‫حضــوره ـ لــكل مــن عرفناهــم يف حياتنــا‪،‬‬ ‫لكنــه مســتبع ٌد أميــا اســتبعا ٍد لألنــا الشــخصية‬ ‫لذواتنــا‪ ،‬حتــى لــو كان صاحــب هــذه األنــا‬ ‫متقدمـاً يف العمــر وعــى مشــارفه وحافتــه‪ ،‬بــل‬ ‫وحتــى لــو كان مريض ـاً بعضــا ٍل ميـ ٍ‬ ‫ـؤوس مــن‬ ‫شــفائِ ِه‪ ،‬فاملــوت يف وعيــه ال يبقــى عــادة عــى‬ ‫البــاب إال لينتظــر غــره‪ ،‬مــع ترحيــلٍ وإرجــا ٍء‬ ‫لــدوره املنتظــر إىل أجــل غــر مســمى‪..‬‬ ‫كذلــك يحمــل املــوت صفــة عامتــة املعنــى مــن‬ ‫تطه ـرٍ ال ماه ّيــة لــه‪ ،‬فهــوـ كــا يريــد وع ُينــا‬ ‫املبــارش أن يُف ِه َم َنــا ـ راحـ ٌة بعــد تعــب‪ ،‬واكتفــا ٌء‬ ‫بعــ َد ســغب‪ ،‬ونقــا ٌء بعــد تلــوث‪ ،‬وســفر إىل‬ ‫فــكل ميْ ٍ‬ ‫ــت هو»مرحــو ٌم‬ ‫ُّ‬ ‫الخلــود والجنــة‪،‬‬ ‫ومغفــو ٌر لــه»‪ ،‬وهــو أيضــاً ذلــك الشــخص‬ ‫الــذي مــا إن يُذكــ ْر أو تذكــ ْر ســر ُة وفاتِــ ِه‬ ‫ـص بــه‬ ‫رض أمي ـ َز مــا يختـ ُّ‬ ‫أما َمنــا حتــى نســتح َ‬ ‫ـص‪ ،‬ومــا اعتدنــا أن نَ ُع َّدهــا ذكريـ ٍ‬ ‫ـات‬ ‫مــن خصائـ َ‬ ‫جميلــة ومواقـ َـف نبيلــة وأشــياء تُدخــل البهجــة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫خدعة اليوم التالي‬ ‫وروســيا‪ ،‬ومــا محاورتــه التشــاورية إال إرشاكاً‬ ‫شــكلياً لالعبــن ســوريني كشــهود زور‪.‬‬ ‫وحســب املعطيــات* التــي توفــرت لدينــا‪،‬‬ ‫ميكننــا االعتقــاد أن خطــة الســيد األممــي‪،‬‬ ‫خارطــة طريــق متعــددة املســارات‪ ،‬تشــارك‬ ‫كل األط ـراف الدوليــة واملحليــة مــن معارضــة‬ ‫ونظــام‪ ،‬كل حســب قدراتــه‪ ،‬السياســية‬ ‫والتنفيذيــة يف الواقــع امللمــوس عــى األرض‬ ‫الســورية‪ ،‬وحســب املعطيــات املتوفــرة عــى‬ ‫قلتهــا ميكــن أن نســتنتج أن الخطــة تقســم إىل‬ ‫شــقني ولــكل شــق برنامــج زمنــي‪:‬‬ ‫األول‪ :‬وقــد بًنــي عــى معطيــات األرض‪،‬‬ ‫وقســمت ســورية إىل خمــس مناطــق نفــوذ‬ ‫رئيســة‪:‬‬ ‫‪ _1‬منطقــة الســاحل‪ ،‬والتــي تضــم ريــف‬ ‫حــاه الغــريب والجنــويب إىل حمــص وريفهــا‬ ‫الغــريب والجنــويب وصــوالً للحــدود اللبنانيــة‪،‬‬ ‫وهــي منطقــة تحــت الحاميــة الدوليــة ســترتكز‬ ‫فيهــا معظــم األقليــات الدينيــة‪ ،‬والطوائــف‬ ‫غــر الســنية باســتثناء الــدروز‪ ،‬وســتكون‬ ‫مقــرا ً لألســد وأركانــه والوحــدات العســكرية‬ ‫املنســحبة مــن مناطــق القتــال‪ ،‬واألكــر وال ًء‬ ‫لــه‪ ،‬باعتبــاره رئيســاً دون صالحيــات إال يف‬ ‫منطقتــه اآلمنــة‪.‬‬ ‫‪ _2‬دمشــق الكــرى وتقســم إىل ثــاث مناطــق‬ ‫نفــوذ رئيســة‪:‬‬ ‫أ_ مدينــة دمشــق وســتكون مرك ـزا ً للحكومــة‬ ‫االنتقاليــة املتوافــق عليهــا دوليــاً ومحليــاً‪،‬‬ ‫وتحــت الحاميــة الدوليــة‪ ،‬ومعــززة بوحــدات‬ ‫مختلطــة للحاميــة واألمــن‪ ،‬مــن الجيــش‬ ‫النظامــي مل تشــرك يف الحــرب إىل هذه الســاعة‬ ‫يقودهــا ضبــاط مــن الســنة‪ ،‬ووحــدات مختــارة‬ ‫مــن جيــش زهــران علــوش‪ ،‬وتشــكيالت مــن‬ ‫الجيــش الحــر (تعــد وتــدرب اآلن يف أكــر مــن‬ ‫دولــة)‪ ،‬وتعتــر كل هــذه التشــكيالت املقدمــة‬ ‫إلعــادة هيكلــة وبنــاء جيــش جديــد لســورية‬ ‫الجديــدة‪.‬‬ ‫ب_مــدن ريــف دمشــق وغوطتيــه ومحافظــة‬

‫درعــا‪ ،‬منطقــة تديرهــا إدارة عســكرية‬ ‫ومدنيــة‪ ،‬تعززهــا قــوات زهـران علــوش وبقيــة‬ ‫التشــكيالت املختلفــة العســكرية املعارضــة‪ ،‬يك‬ ‫تغطــي الف ـراغ األمنــي ومنــع فــوىض محتملــة‪،‬‬ ‫بعــد انســحاب معظــم أو كل الوحــدات‬ ‫العســكرية يف هــذه املنطقــة إىل مدينــة دمشــق‬ ‫ومنطقــة الســاحل‪ ،‬وتــردع داعــش وإشــغالها يف‬ ‫معــارك صغــرة اســتنزافية‪.‬‬ ‫ج_ محافظــة الســويداء ونقــاط التــاس‬ ‫الحدوديــة مــع إرسائيــل وصــوالً إىل الحــدود‬ ‫األردنيــة‪ ،‬وهــي تحــت الحاميــة الدوليــة‬ ‫واإلرسائيليــة‪ ،‬وســتحميها وحــدات نخبــة مقاتلة‬ ‫مــن أبنــاء املحافظــة‪ ،‬كان معظــم أفرادهــا قــد‬ ‫تدربــوا يف الجيــش النظامــي‪ ،‬وجهــاز رشطــة‬ ‫يتــم إنشــاؤه مــن أبنــاء املحافظــة‪.‬‬ ‫‪ _3‬محافظــة إدلــب وريــف حلــب الشــايل‬ ‫والجنــويب ومدينــة حــاة وريفهــا الشــايل‬ ‫باإلضافــة إىل مدينــة الســلمية‪ ،‬وتقســم مدينــة‬ ‫حلــب إىل قســمني‪ ،‬األول تحــت نفــوذ جيــش‬ ‫الفتــح والتشــكيالت املتحالفــة معــه‪ ،‬والثــاين‬ ‫تحــت ســيطرة تنظيــم داعــش‪ ،‬وهــي منطقــة‬ ‫قتــال بــن جيــش الفتــح وداعــش ميكــن أن‬ ‫تســاهم يف إضعافــه قبــل املعركــة الكــرى‪،‬‬ ‫وتُــدار هــذه املنطقــة مــن إدارات مدنيــة‬ ‫تحميهــا وتعــزز األمــن فيهــا وحــدات مختلطــة‬ ‫مــن جيــش الفتــح وحلفائــه‪ ،‬ووحــدات رشطــة‬ ‫تــدرب يف تركيــا‪.‬‬ ‫‪ _4‬منطقــة نفــوذ داعــش وهــي األكــر‬ ‫مســاحة‪ ،‬إذ تضــم أج ـزاء واســعة مــن مدينــة‬ ‫حلــب وريــف حلــب الرشقــي وبعــض الشــال‬ ‫باإلضافــة إىل مناطــق مــن ريــف حــاة الرشقــي‬ ‫وريــف حمــص الرشقــي املمتــد يف الباديــة‬ ‫الســورية إىل حــدود األردن والعــراق جنوبــاً‬ ‫ورشقـاً ومحافظتــي الرقــة وديــر الــزور‪ ،‬وأجـزاء‬ ‫واســعة مــن محافظــة الحســكة‪ ،‬وتســمى هــذه‬ ‫املنطقــة بالثقــب األســود الــذي ســتتوجه إليــه‬ ‫كل النــران يف املرحلــة الثانيــة مــن خطــة‬ ‫الســيد األممــي‪.‬‬

‫‪ _5‬مناطــق اإلدارة الذاتيــة الكورديــة‪ ،‬الجزيــرة‬ ‫الســورية (شــال وغــرب الحســكة إىل رأس‬ ‫العــن) وكوبــاين وعفريــن‪ ،‬وتــدار مــن إدارات‬ ‫مدنيــة معــززة بوحــدات كورديــة مختلطــة‪،‬‬ ‫وبعــض التشــكيالت العســكرية العربيــة‬ ‫الضعيفــة‪ ،‬ووحــدات مــن الجيــش النظامــي‬ ‫املنســحبة مــن مدينــة الحســكة إىل القامشــي‬ ‫ومحيطهــا‪ ،‬تقودهــا قيــادة عســكرية واحــدة‬ ‫تتــوىل تركيــا وكوردســتان العــراق تأمــن‬ ‫متطلبــات الحاميــة والدعــم اللوجســتي‪ ،‬وهــي‬ ‫منطقــة اســتنزاف أخــرى لداعــش قبــل املعركــة‬ ‫الكــرى‪.‬‬ ‫إن الربنامــج الزمنــي الكتــال تنفيــذ هــذا‬ ‫القســم مــن الخطــة‪ ،‬يحتــاج إىل أكــر مــن‬ ‫ســنتني‪ ،‬ونجاحــه مرتبــط بنجــاح املرحلــة األوىل‬ ‫مــن خطــة التحالــف الــدويل املعلنــة واملقــدرة‬ ‫بـــ ‪ 36‬شــهرا ً والتــي انقــى منهــا ربعهــا تقريبـاً‪،‬‬ ‫حيــث أنــه تكــون املقدمــات لالنتقــال إىل‬ ‫تنفيــذ القســم الثــاين مــن الخطــة‪ ،‬قــد انُجــزت‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪:‬‬ ‫بعــد انجــاز القســم األول‪ ،‬تكــون اإلرادات‬ ‫املحليــة قــد تهيــأت لإلعــان عــن تحالفهــا‬ ‫مــع القــوى الدوليــة‪ ،‬واندماجهــا مــع املــروع‬ ‫الــدويل يف الحــرب ضــد اإلرهــاب‪ ،‬بجيــش‬ ‫وطنــي جديــد قــد تــم تشــكيله مــن الوحــدات‬

‫العســكرية التــي تــم اختبــار والئهــا للحكومــة‬ ‫االنتقاليــة وقــوات النخبــة مــن التشــكيالت‬ ‫العســكرية املعارضــة (ســابقاً) يكــون رأس‬ ‫الحربــة امليدانيــة يف التوجــه إىل الثقــب‬ ‫األســود يف معركــة كــرى للقضــاء عــى عــش‬ ‫الدبابــر وطــرد مــن تبقــى إىل الجنــوب مــن‬ ‫ســورية‪ ،‬حيــث ســتكون الســعودية بجيشــها يف‬ ‫مواجهتهــم‪.‬‬ ‫وتقــدر الفــرة الزمنيــة إلنجــاز هــذا القســم‬ ‫بســنتني‪ ،‬تج ّهــز خاللهــا األرضيــة املناســبة‪،‬‬ ‫لالنتقــال إىل مرحلــة مــا بعــد األســد‪ ،‬وصياغــة‬ ‫عقــد ســوري جديــد‪ ،‬تكــون الفيدراليــة عنوانــه‬ ‫(حكــم محــي واســع الصالحيــات ومركــز‬ ‫ضعيــف)‪ ،‬يعــاد فيــه االعتبــار للتكوينــات التــي‬ ‫ُهمشــت يف ســورية الحديثــة وخاصــة بعــد‬ ‫انقــاب ‪ ،1963‬وبذلــك يكــون الســيد األممــي‬ ‫قــد اطمــن أنــه قــد نجــح بتفــادي اليــوم التايل‪.‬‬ ‫* املعطيــات التــي اســتطاع الحصــول عليهــا‬ ‫مركــز فـرات للدراســات وأرشــيف الثــورة‪ ،‬التــي‬ ‫أرســلها بعــض الشــخصيات الســورية التــي‬ ‫قابلــت دي ميســتورا يف جنيــف يك تحفــظ‬ ‫كوثائــق وشــهادات‪.‬‬ ‫* اليــوم التــايل تعبــر يســتخدم للداللــة عــى‬ ‫الفوىض غري املسيطر عىل إدارتها‪ .‬‬

‫ُ‬ ‫م��وت الس��وريني‬

‫ويُفَاخَــ ُر بهــا مــا أُثِــر عــن «املرحــوم» أو‬ ‫عرفــت عنــه و ُعهِــدت بــه‪ ،‬وبالطبــع مــع‬ ‫كل الصفــات واملزايــا الســيئة التــي‬ ‫إســقاط ِّ‬ ‫كان يُذكــ ُر بهــا‪ ،‬والتــي كان يتــأذى مــن‬ ‫ِّــق‬ ‫ذكرهــا األدنــون واألبعــدون‪ ،‬فاملــوت يُ َخل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ـتعدادات لــدى األحيــا ِء بالصفــح واملغفــرة‪،‬‬ ‫اسـ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ـص شــخصية وإحيــاء مبالغــات مل‬ ‫ـي خصائـ َ‬ ‫وطـ ِّ‬ ‫يكــن أحدنُــا يلحظُهــا أثنــاء تواجــد «املرحــوم»‬

‫الذيــن ينتمــي إليهــم‪ ،‬ومــا يتعلــق بجثامنــه‬ ‫وقــره هــو شــأ ٌن مــن شــؤونِ األحيــاء (ال مــن‬ ‫شــؤونه هــو)‪ ،‬فهــذه الشــاهدة قــد يراهــا‬ ‫اآلخــرون غــر جميلــة‪ ،‬وهــذه املقــرة قــد تُنتقَد‬ ‫ألســباب وتُ تَــ َد ُح ألســباب‪ ،‬وأنــواع الزهــور‬ ‫ٍ‬ ‫والشــجريات الخـراء التــي نضعهــا عــى القــر‬ ‫قــد تكــو ُن موضــع نقـ ٍـد ومحـ َّط لــومٍ أو امتــدا ٍح‬ ‫مــن ِق َبــلِ فــانٍ وفــانٍ ‪..‬‬

‫بيننــا‪ ،‬لتواضعهــا وعاديتهــا‪.‬‬ ‫كــا أن مــن خاصيــة املــوت املميــزة أنــه يربــط‬ ‫ـواص‬ ‫األحيــاء فــورا ً ـ ومبجــرد اإلعــان عنــه ـ بخـ ّ‬ ‫املتــوىف األقربــن وأحبابــه وذوي الصلــة القويــة‬ ‫ـوكل بقي ـ َة‬ ‫بــه‪ ..‬كأ ّن امليــت حــن يغــاد ُر إمنــا يـ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫واجبــات ألقــرب األقربــن‪،‬‬ ‫مــا عليــه مــن‬ ‫فيغــدو العـزا ُء واجبـاً اجتامعيـاً ال للميــت‪ ،‬بــل‬ ‫وكل قــو ٍل أو ِذكْـ ٍر لــه مرصوفـاً إىل مــن‬ ‫لعائلتــه‪ُّ ،‬‬ ‫يهمــه األمــر مــن ورثتــه وامتداداتــه االجتامعيــة‬ ‫ــل شــخصيتَه يف املجمــوع‬ ‫والعائليــة‪ ..‬إنــه يُ ِح ُّ‬

‫وامتــداح امليــت كأمنــا هــو لــو ٌم وتقريــ ٌع‬ ‫ُ‬ ‫رشيــن لذواتنــا‪( :‬إنــه قــ َّر َر أن ميــوتَ‬ ‫غــر مبا َ‬ ‫وي َرتكنــا وحيديــن‪ ،‬نحــن الســيئني امللوثــن‪..‬‬ ‫لقــد اختــار القــرا َر الشُ ــجا َع والصعــب الــذي‬ ‫ر األحيــاء الجبنــاء‪ ،‬ولــو‬ ‫َجبُ َّنــا عنــه نحــن مع ـ َ‬ ‫كنــا شــجعاناً مبــا فيــه الكفايــة ملــا تخلفنــا عــن‬ ‫ٍ‬ ‫ميــت‬ ‫وكل‬ ‫الرفقــة والســر معــه‪ ..‬إنــه‪ ،‬هــو ُّ‬ ‫ـخاص يســتحقون إعجابنــا‬ ‫معــه باختصــار‪ :‬أشـ ٌ‬ ‫دون أن نفهــم ســبباً ملبعــث هــذا اإلعجــاب)‪..‬‬ ‫مــا ميكــ ُن تســجيلُه ومالحظتُــه يف البنيــة‬

‫املعرفيــة النفســية العامــة عــن املــوت أنهــا‬ ‫انكــرت لــدى الســوريني‪ ،‬أو لــدى كث ـرٍ مــن‬ ‫الســوريني‪ ،‬فلقـ ْد فَ َقـ َد املــوتُ كثـرا ً مــن هيبتــه‬ ‫وســمعته‪ ،‬وأهــدر مــن رصانتــه الــيء الكثــر‬ ‫بســبب هــذا الهولوكســت الســوري واملجــازر‬ ‫الجامعيــة‪ ،‬ولحضــوره اليومــي بالدقائــق‬ ‫ٍ‬ ‫مناســبات رتيبــة و َعــ ْو ٍد‬ ‫والســاعات‪ ..‬ودون‬ ‫كل مــرة‪ ..‬لقــد‬ ‫بطــي ٍء كعادتــه حــن يــزور َّ‬ ‫أصبــح املــوتُ أكــر تواضعــاً وشــعبية‪ ،‬وأقــل‬ ‫نخبويــة وانتــاء إىل دوائــر مقدســة ال تســنح‬ ‫وال تســمح‪ ،‬وإىل عــوامل تطهرييــة وغســيل تعــب‬ ‫الحيــاة وأدرانهــا‪ ..‬ميكننــا القــول إن املــوت قــد‬ ‫تأنس ـ َن وأصبــح جــارا ً وصديق ـاً‪ ،‬ورفيــق ســف ٍر‬ ‫وزميـ َـل مقعـ ِـد دراســة للســوريني‪ ،‬ومل تعــد تلــك‬ ‫الحاجــات املُكْلفــة الســتقباله قامئــة إال نــادرا ً‪،‬‬ ‫وال رضورة لالحتفــاء بواجباتــه ومكانتــه املميــزة‬ ‫وســمعته‪ ،‬بــل وخلــوده األســطوري‪.‬‬ ‫إنــه ليــس أرفــع مكانــة وأعــى مقامــاً مــن‬ ‫صديقنــا الــذي اعتدنــا أن نلعــب معــه (دق‬ ‫طاولــة) يف املقهــى‪ ،‬وليــس أكــر وفــادة‬ ‫مهــرب أو بَ َّحــا ٍر‬ ‫وحضــورا ً ورشف مكانــة مــن‬ ‫ٍ‬ ‫يحملنــا معــه عــر زورقٍ إىل اليونــان‪ ،‬وال‬ ‫يُســتب َع ُد أن يكــون املــوت نفســه يعمــل أجـرا ً‬ ‫خادمـاً عــى ظهــر ذلــك الــزورق‪ ..‬وقــد يكــون‬ ‫ـب املالزمــة اليوميــة مــن كــوة الفــرن الــذي‬ ‫قريـ َ‬ ‫كل صبــا ٍح‪ ،‬ومــا أدرانــا‪..‬‬ ‫نشــري منــه أرغفتنــا َّ‬ ‫صاحــب الفــرن أو أجــره‬ ‫فلعلــه هــو نفســه‬ ‫ُ‬ ‫ونحــن ال نعلــم وال نحتســب‪!..‬؟ إنــه قريــب‬ ‫قريــب‪ ..‬يف البــاص‪ ،‬ويف الشــارع‪ ،‬وعــى مقاعــد‬

‫الدراســة‪ ،‬وعــى الرشيــط الحــدودي الشــائك‪..‬‬ ‫ســام َحنا املــوتُ بكثــرٍ مــن واجبــات العــزاء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وتنــازل عــن حقــه املق ِّيــد بالوقــوف أمامــه‬ ‫دامئـاً دقيقــة صمــت أو هنيهــة لقـراءة الفاتحــة‬ ‫بخشــوع وهيبــة واســتعداد‪ ،‬كــا تنــازل أكــر‬ ‫عــن تــرداد نفــس الكلــات والعبــارات التــي‬ ‫اعتدنــا فيــا مــى أن نرد َّدهــا يف حرضتــه‪،‬‬ ‫كل‬ ‫وأن نقــول فيــه مــا يليــق ومــا ال يليــق‪ُّ ..‬‬ ‫ذلــك أصبــح شــكلياً وال معنــى لــه‪ ..‬لقــد‬ ‫بلــغ بنــا التهــاون يف التعامــل معــه‪ ،‬وبلــغ بــه‬ ‫التنــازل أمــام مــا يجــري مــن حولنــا‪ ،‬أن املــوت‬ ‫لــو اســتحال رجــاً ميــي عــى قدميــه‪ ،‬ومــ َّر‬ ‫بجانــب أي ســوري‪ ،‬طفــاً كان أم كهــاً‪ ،‬ملــا‬ ‫ُهرِعنــا نصافحــه بخشــوع‪ ،‬كــا جــرت عليــه‬ ‫العــادة ســابقاً‪ ..‬بــل لعــل رد التحيــة بهــزة ٍ‬ ‫رأس‬ ‫عابــرة دون أن ننظــ َر ونتفحــص الزائــر الــذي‬ ‫ســلّم‪ ،‬هــو مبلــغ الحفــاوة التــي مــا زلنــا‬ ‫نحتفــظ بهــا مــن وقــار قديــم‪ ،‬وهيبــة راســخة‬ ‫مؤسســة عــى املــايض‪..‬‬ ‫لعــل املــوت لــن يطالبنــا بأكــر مــن ذلــك‪،‬‬ ‫ولعلــه بــدأ هــو اآلخــر يتعايــش معنــا‪ ،‬نحــن‬ ‫الســوريني‪ ،‬ويُقَــ ِّد ُر بحكمتــه وخربتــه القدميــة‬ ‫أســباب برودتنــا الزائــدة و»تطنيشــنا»‬ ‫واســتخفافنا بــه‪ ..‬ولعلــه قــ َّدر أيضــاً أن ال‬ ‫يغضــب أو يزعــل مــن الســوريني‪ ،‬وأن يتعايــش‬ ‫مــع هــذا الواقــع الــذي فرضنــاه عليــه وفرضــه‬ ‫علينــا بعيــدا ً عــن أي بروتوكــول مألــوف مــن‬ ‫بروتوكــوالت املــوت املعهــودة لــدى ســائر‬ ‫البــر‪..‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫‪9‬‬

‫إض��اءة عل��ى لق��اء اجلوالن��ي م��ع قن��اة اجلزي��رة‬

‫نقطة أول السطر‬

‫جمال الفالح‬

‫س��ورية اخلارج��ة م��ن‬ ‫س��جن تدم��ر!‬

‫ترقــب الســوريون كــا غريهــم مــن املهتمــن لقــاء‬ ‫الســيد أحمــد منصــور مذيــع قنــاة الجزيــرة مــع أيب‬ ‫محمــد الجــوالين قائــد جبهــة النــرة يف برنامــج «بــا‬ ‫حــدود» وســط ترسيبــات عــن احتــال اإلعــان عــن‬ ‫انفصــال النــرة عــن القاعــدة‪ ،‬وبعــد إذاعــة اللقــاء‬ ‫ع ّجــت وســائل التواصــل االجتامعــي بــآراء متعــددة حول‬ ‫مضمــون اللقــاء‪ ،‬بــن مؤيــد متام ـاً ملــا طرحــه الجــوالين‪،‬‬ ‫وبــن متحفــظ عــى بعــض مــا ورد يف كالمــه مــن أفــكار‪،‬‬ ‫وســنحاول بعجالــة أن نقــف عــى أهــم مــا ورد يف‬ ‫اللقــاء‪.‬‬ ‫بدايــة ســنقف عــى شــائعة رست قبــل إذاعــة اللقــاء‬ ‫تفيــد بتض ُّمنــه إعــان االنفصــال عــن القاعــدة‪ ،‬وهنــا‬ ‫أعتقــد أن هــذا األمــر يعكــس رأيـاً عامـاً لــدى الســوريني‬ ‫يؤيــد انفصــال النــرة عــن القاعــدة‪ ،‬فالســوريون رغــم‬ ‫إعجابهــم بشــجاعة مقاتــي النــرة‪ ،‬ورغــم إقـرار الكثــر‬ ‫منهــم بــأن النــرة كانــت وال زالــت رأس حربــة يف‬ ‫مواجهــة النظــام واملليشــيات املتحالفــة معــه إال إنهــم‬ ‫يبــدون تخوفهــم مــن مــروع القاعــدة الجهــادي‬ ‫العابــر للحــدود مــع مــا يحملــه هــذا املــروع مــن‬ ‫نُــذر املواجهــة مــع القــوى الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬حيــث‬ ‫ال طاقــة وال رغبــة لهــم بخــوض هكــذا مواجهــة‪ ،‬كــا‬ ‫أن كث ـرا ً مــن الســوريني أصبــح لديهــم تســاؤالت حــول‬ ‫مــروع النــرة بعــد ســقوط النظــام‪ ،‬تســاؤالت مل‬ ‫تحلهــا أجوبــة عامــة مــن قبيــل مرشوعنــا هــو (تحكيــم‬ ‫الرشيعــة)‪ ،‬ولقــد حســم الجــوالين يف لقائــه الجــدل حول‬ ‫مســألة االنفصــال عــن القاعــدة بشــكل واضــح‪ ،‬مبين ـاً‬ ‫التـزام النــرة بخــط القاعــدة وتوجيهــات الدكتــور أميــن‬ ‫الظواهــري فكريــاً ومنهجيــاً وسياســياً‪ ،‬كــا تضمنــت‬ ‫كلمــة الجــوالين أمــرا ً هامــاً جــدا ً‪ ،‬وهــو املوقــف مــن‬ ‫األقليــات حيــث بـ ّـن أن حــرب النــرة األن هــي حــرب‬ ‫دفــع للصائــل‪ ،‬وأنهــم يف هــذه املرحلــة لــن يقاتلــوا إال‬ ‫مــن يقاتلهــم‪ ،‬وهنــا نتســاءل هــل ســيقاتلون يف املراحــل‬ ‫الالحقــة مــن مل يقاتلهــم خاصــة أن املدرســة الســلفية‬ ‫الجهاديــة تتبنــى مــروع الجهــاد العاملــي‪ ،‬وفــق رؤيــة‬ ‫فقهيــة تــرى أن ترشيعــات الجهــاد اســتقرت عــى‬ ‫وجــوب مقاتلــة كل األمــم الخارجــة عــن (ســلطان اللــه)‬ ‫أمــا عــن موقفــه مــن العلويــن‪ ،‬فقــد كان رأيــه واضح ـاً‬ ‫يف تحميلهــم مســؤولية قتــل حــوايل مليــون مســلم‬ ‫بســبب وقوفهــم بشــكل فعــي مــع نظــام بشــار األســد‪،‬‬ ‫وأنــه يشــرط للكــف عنهــم ثالثــة رشوط‪ ،‬األول إلقــاء‬ ‫الســاح‪ ،‬الثــاين الكــف عــن إرســال أبنائهــم إىل الجبهــات‪،‬‬ ‫الثالــث رجوعهــم إىل الديــن‪ ،‬طبعــاً بعــد أن نقــل رأي‬ ‫العلــاء فيهــم أنهــم خرجــوا مــن ديــن اللــه يف عقائدهم‬ ‫وســلوكياتهم‪ ،‬والحقيقــة أن الــرط األول والثــاين مل‬

‫إبراهيم العلوش‬

‫يــر إشــكاالً‪ ،‬بينــا الــرط الثالــث أثــار إشــكاالً مــن‬ ‫طرفــن‪ ،‬طــرف يــرى أن الطلــب منهــم تــرك مذهبهــم‬ ‫والتحــول إىل مذهــب أهــل الســنة اعتــداء فاضــح عــى‬ ‫حريــة العقيــدة والعبــادة‪ ،‬وإكــراه ال ينســجم مــع‬ ‫تطلعــات الســوريني لبنــاء دولــة مدنيــة قامئــة عــى‬ ‫أســاس املواطنــة‪ ،‬أمــا الطــرف اآلخــر فقــد رأى بطــرح‬ ‫الجــوالين تجــاوزا ً عمــن أجــرم بحــق الســوريني وســفك‬ ‫دماءهــم واســتباح حرماتهــم‪ ،‬وهنــا تــرز حراجــة‬ ‫املوقــف الــذي يواجــه الجــوالين وغــره‪ ،‬ويتطلــب رؤيــة‬ ‫متكاملــة وجريئــة للحــل‪ ،‬إذ يواجــه الجــوالين رأيـاً عامـاً‬ ‫مــن بعــض أنصــاره‪ ،‬ومــن بعــض املقاتلــن‪ ،‬وهــم ثقــل‬ ‫عــى األرض‪ ،‬يطالبــه وغــره مــن القــادة باالقتصــاص‬ ‫ممــن يعتقــدون أنهــم قتلــة ومجرمــن‪ ،‬وبــن املوقــف‬ ‫الــذي تتبنــاه مدرســته الفكريــة التــي ينتمــي إليهــا يف‬ ‫التعامــل مــع املنحرفــن عــن العقيــدة الصحيحــة أو‬ ‫املرتديــن‪ ،‬يضــاف إليهــا رأي مــن يؤمــن أن لألقليــات‬ ‫الحــق يف العيــش الكريــم يف ظــل دولــة مدنيــة تكفــل‬ ‫حريــة العقيــدة للجميــع‪ ،‬وال متيِّــز بــن مواطنيهــا‬ ‫عــى أســاس االنتــاء الدينــي أو العرقــي‪ ،‬وهنــا تــرز‬ ‫إشــكالية ومعضلــة كــرى مل يتجاوزهــا الفكــر اإلســامي‬ ‫وال الحــركات اإلســامية بعــد وال بــد مــن حلهــا‪ ،‬وهــي‬ ‫رضورة التمييــز بــن أســس ومتطلبــات العمــل الســيايس‬ ‫وبــن ثوابــت الديــن والعقيــدة‪ ،‬ورضورة فــض االشــتباك‬ ‫والخلــط الجائــر بــن مهــام القائــد الســيايس‪ ،‬وبــن‬ ‫دور عــامل الديــن والداعيــة‪ ،‬فمــن حــق العلويــن عــى‬ ‫الدعــاة والعلــاء أن يدعوهــم ملــا يرونــه الديــن الحــق‪،‬‬ ‫وتحذيرهــم مــن البــدع والضــاالت التــي وقعــوا فيهــا‬ ‫طيلــة انقطاعهــم عــن التواصــل مــع باقــي مكونــات‬ ‫مجتمعهــم‪ ،‬لكــن أظــن أن هــذا يجــب أن يجــري يف‬ ‫أجــواء يســودها األمــن والســام والثقــة وال تشــوبها‬ ‫أيــة شــبهة إكــراه‪ ،‬وال أظــن أن هــذه مهمــة القــوى‬

‫العســكرية‪ ،‬بــل هــي مهمــة الدعــاة واملصلحــن‪ ،‬أمــا‬ ‫الفصائــل العســكرية فيجــب أن تركــز عــى مواجهــة‬ ‫النظــام والقــوى املتحالفــة معــه وتثبيــت األمــن يف‬ ‫املناطــق املحــررة‪ ،‬وأظــن أن مــا طرحــه الجــوالين ملســألة‬ ‫أن النظــام لــن يســقط يف القرداحــة‪ ،‬بــل سيســقط يف‬ ‫دمشــق‪ ،‬وأن اإلعــداد جــار ملعركــة دمشــق‪ ،‬فيعتقــد أنــه‬ ‫يكشــف عــن أحــد أمريــن‪ :‬األول إدراك قيــادة النــرة‬ ‫لحجــم املشــاكل الداخليــة التــي س ـتُثار نتيجــة اقتحــام‬ ‫مناطــق العلويــن أو هــو التـزام بــرأي مجمــوع الفصائــل‬ ‫التــي تــدرك أن اقتحــام مناطــق العلويــن خــط أحمــر‬ ‫عنــد القــوى الدوليــة واإلقليميــة الداعمــة لبعضهــا‪ ،‬ورمبا‬ ‫يكــون األمــر ومــن الناحيــة العســكرية صحيح ـاً‪ ،‬ولكــن‬ ‫يبقــى احتــال تراجــع قــوات النظــام مــن دمشــق إىل‬ ‫الســاحل أمـرا ً مقلقـاً إذ يصبــح التقســيم يف هــذه الحالــة‬ ‫أم ـرا واقعي ـاً!! كــا يســتوقفنا يف لقــاء الجــوالين حديثــه‬ ‫عــن عالقــة النــرة بباقــي الفصائــل وانتقــاده لبعضهــا‬ ‫ممــن يتلقــى الدعــم الخارجــي‪ ،‬وهــذا األمــر رمبــا يبـ ّـن‬ ‫هشاشــة الرؤيــة اإلسـراتيجية التــي تشــكل عــى أساســها‬ ‫جيــش الفتــح‪ ،‬وينــذر بانفـراط عقــده يف مرحلــة قادمــة‬ ‫تتغــر فيهــا املعطيــات إذا مل تســارع جميــع القــوى‬ ‫العســكرية والسياســية والفعاليــة الثوريــة لوضــع قواعــد‬ ‫عمــل ميثاقيــة عــى شــاكلة إعــان مبــادئ تكــون مرجعـاً‬ ‫مرحلي ـاً ومؤقت ـاً لضبــط العمــل الثــوري‪ ،‬رمبــا كان هــذا‬ ‫أهــم مــا ورد يف لقــاء الجــوالين اهتــام النــاس بكلمتــه‬ ‫وردود أفعالهــم تجــاه مضمونهــا يعتــر مــؤرشا ً هامــاً‬ ‫يــدل عــى حالــة التــرذم‪ ،‬ويكشــف عــن العجــز يف‬ ‫صفــوف املعارضــة الســورية بأطيافهــا املختلفــة ســواء‬ ‫عــى مســتوى الخطــاب أو عــى مســتوى اجـراح وســائل‬ ‫فاعلــة ميكنهــا التأثــر يف مســار األحــداث يف بلــد يتعرض‬ ‫ملخاطــر وجوديــة‪ .‬ليــس أقلهــا خطــر التقســيم أو تحــول‬ ‫ال ـراع بشــكل نهــايئ إىل حــرب أهليــة‪.‬‬

‫محاة الديار‬ ‫هائل حلمي سرور‬ ‫الجيــوش العربيــة أيــن هــي مــا يجري يف‬ ‫بلدانهــا؟ أيــن موقعهــا مــا ترتكبــه أنظمتهــا‬ ‫مــن همجيــة ممنهجــة ضــد شــعوبها؟ مــا‬ ‫هــي أوجــه التشــابه فيــا بينهــا؟ هــل أدركنــا‬ ‫نحــن الشــعوب يومــاً أن جيوشــنا كانــت‬ ‫فعليــاً تحمــي الحمــى؟ ومــن هــم حــاة‬ ‫الديــار؟ وهــل مــا زالــت العيــون الســاهرة‬ ‫ترصــد حدودهــا أم الحــدود بــا عيــون؟‬ ‫ســؤال حـ ّـرين وحـ ّـر كل مــدون وكل مثقــف‬ ‫وكل عاقــل‪ ،‬ملــاذا األنظمــة العربيــة بقيــت‬ ‫تحكمنــا الســنوات الطــوال؟ هــل حق ـاً نحــن‬ ‫مــن صنعنــا الطغــاة بأيدينــا عندمــا رضخنــا‬ ‫لحكمهــا؟ مــن يتحمــل املســؤولية‪ ،‬وعــى‬ ‫مــن تقــع الجرميــة التــي اقرتفناهــا دون قصــد‬ ‫ودون رصــد؟‪..‬‬ ‫«خــي الســاح صاحــي‪ ..‬صاحــي‪ ..‬لــو نامــت‬ ‫الدنيــا صحــت مــع ســاحي‪ ..‬ســاحي بأيديــا‬

‫نهــار وليــل صاحــي‪ ..‬ينــادي يــا ثــوار عدونــا‬ ‫غــدار‪ »..‬عشــنا معهــا بــكل عفويــة وتالحــم‬ ‫دعـاً لجيوشــنا وإميانـاً م ّنــا أنّهــا متثلنــا‪ ،‬ولكن‬ ‫هــل الســاح بقــي صاحيـاً؟ وهــل عدونــا هــو‬ ‫فعـاً مــن غــدر بنــا؟ الــذي ظهــر وبــان عــى‬ ‫العلــن أنهــا متثــل أنظمتهــا الديكتاتوريــة‬ ‫بــكل تأكيــد‪ ،‬ومتثــل مصالحهــا الشــخصية‪.‬‬ ‫فهــا هــو جيشــها يطيــح بــاإلرادة الشــعبية‬ ‫لتبقــي عــى زعيمهــا اللــويب‪ ،‬ولــو كلــف األمــر‬ ‫إبــادة الشــعب لفعلــت‪ .‬هــذه هــي األمانــة‬

‫التــي وضعناهــا يف أعناقهــم حاميــة املواطــن‬ ‫قبــل الوطــن‪.‬‬ ‫األمــر الــذي اســتدعاين لكشــف مالبســات‬ ‫تلــك العقــدة املتشــابكة والعامــل املشــرك‪،‬‬ ‫هــو علــم الوراثــة‪ ،‬فقــد أكــد لنــا أن املجــرم‬ ‫حت ـاً ســينجب مجرم ـاً‪ ،‬أي ميكــن أن يتمثــل‬ ‫بالولــد الثــاين‪ ،‬أو رمبــا األول يتطــوع بالجيــش‬ ‫ويحصــل مــا هــو حاصــل دون الرشفــاء‬ ‫لقلتهــم ولندرتهــم‪.‬‬ ‫والغريــب والعجيــب يف األمــر الوقائــع‬

‫لقــد ســقط ســجن تدمــر أخ ـرا ً‪ ،‬وتــم فتــح زنازينــه الســوداء‬ ‫املظلمــة إىل حــد العفــن‪ ،‬لقــد ســقطت قلعــة الظلــم واإلذالل‬ ‫بــا رجعــة‪ ،‬ولــن يجــرؤ أحــد‪ ،‬بعــد اليــوم‪ ،‬عــى إعــادة بنــاء مثــل‬ ‫هــذا املعتقــل الصحــراوي‪ ،‬مهــا امتلــك مــن القســوة‪ ،‬ومهــا‬ ‫امتلــك مــن الظلــم ومــن الجــروت‪ ،‬إن ســقوط ســجن تدمــر‬ ‫حــدث عظيــم يف التاريــخ الســوري املعــارص‪ ،‬ويجــب أن يكــون‬ ‫نهايــة ملرحلــة الظلــم واالســتبداد‪ ،‬التــي طــال جثومهــا عــى أرواح‬ ‫أبنــاء شــعبنا الســوري عقــودا ً طويلــة!‬ ‫عندمــا خــرج صديقــي عدنــان مــن ســجن تدمــر‪ ،‬كان خروجــه‬ ‫حدثـاً عظيـاً لنــا‪ ،‬نحــن أبنــاء حارتــه‪ ،‬فالــكل كان شــبه متأكد من‬ ‫إعدامــه يف ســجن تدمــر‪ ،‬لقــد جــاء عدنــان متفاجئ ـاً بالشــوارع‪،‬‬ ‫وباألشــجار‪ ،‬وبوجــوه النــاس‪ ،‬كان ميــي يف الرقــة‪ ،‬كــا كان ميــي‬ ‫يف ســجن تدمــر‪ ،‬منخفــض الــرأس‪ ،‬ومســتقيم الحركــة‪ ،‬إىل درجــة‬ ‫أننــا كنــا نســاعده يف التهيئــة لدخــول املنعطــف القــادم‪ ،‬ونعــاود‬ ‫تنبيهــه لالنعطــاف‪ ،‬وعــدم البقــاء مســتمرا ً يف االســتقامة الطويلــة‬ ‫للشــارع!‬ ‫فطــوال نصــف قــرن‪ ،‬كان ســجن تدمــر رمــزا ً للظلــم‪ ،‬ومركــزا ً‬ ‫لصناعــة الــذل مــن جانــب‪ ،‬ولصناعــة مجــد املجــرم حافــظ أســد‪،‬‬ ‫ومــن بعــده املعتــوه ابنــه‪ ،‬مــع مختلــف أنــواع الســجون الصغــرة‬ ‫والكبــرة األخــرى‪ ،‬التــي متــأ ســورية إىل اليــوم!‬ ‫اليــوم ســجن تدمــر ســقط عــى أيــدي اإلســاميني‪ ،‬الذيــن كانــوا‬ ‫أكــر مــن ذاق التعذيــب‪ ،‬يف جنباتــه املقيتــة‪ ،‬ولكنهــم مل يكونــوا‬ ‫الوحيديــن فقــد رافقهــم القوميــون‪ ،‬والشــيوعيون‪ ،‬واملســتقلون‪،‬‬ ‫ومختلــف أنــواع االتجاهــات السياســية‪ ،‬ومــن شــتى املنابــت‬ ‫الثقافيــة واملجتمعيــة الســورية‪ ،‬وغــر الســورية‪ ،‬ومل يســت ِنث‬ ‫الســجن املســيحيني‪ ،‬وال املذاهــب اإلســامية املختلفــة مــن‬ ‫غياهبــه الســوداء املعتمــة!‬ ‫البعــض يفكــر بإعــادة تأهيــل معتقــات النظــام الوحــي‪،‬‬ ‫ليســتعملها لنفــس غايــات النظــام الحقــودة واالنتقاميــة‪ ،‬هــؤالء‬ ‫مــرض‪ ،‬ولــن يحلمــوا بالنجــاح الــذي ينشــدونه‬ ‫يف نفوســهم‬ ‫ٌ‬ ‫بإعــادة منظومــة التعذيــب‪ ،‬واالنتقــام‪ ،‬والحقــد‪ ،‬والثــأر الوحــي‪،‬‬ ‫مــن أبنــاء الشــعب الســوري‪ ،‬بحجــة أنهــم مل ينجدوهــم عندمــا‬ ‫كانــوا يف املعتقــات‪ ،‬ومل ينرصوهــم ومل يســاعدوهم‪ ،‬ناســن بــأن‬ ‫الشــعب كلــه‪ ،‬كان مســجوناً يف ســورية‪ ،‬وكانــت بالدنــا عبــارة عــن‬ ‫ســجن كبــر ال ينتهــي قهــره!‬ ‫هــؤالء هــم الذيــن يكفّــرون النــاس‪ ،‬ليســ ّوغوا تعذيبهــم‪،‬‬ ‫وليس ـ ّوغوا ظلمهــم‪ ،‬وليس ـ ّوغوا نهبهــم ملقــدرات البــاد والعبــاد‪،‬‬ ‫بحجــة أن هــذه البــاد كافــرة ومرتــدة‪ ،‬وال تســتحق إال التعذيــب‪،‬‬ ‫والــذل والقهــر‪ ..‬هــؤالء إمنــا يعــاودون مســرة النظــام‪ ،‬ويتبعــون‬ ‫نفــس أســاليبه الغاشــمة‪ ،‬ونفــس حقــده‪ ،‬وإن كان هــذا الحقــد‬ ‫وهــذه األســاليب بألــوان مختلفــة‪ ..‬هــؤالء ســيصلون عاجــاً‪..‬‬ ‫وعاجـاً جــدا ً‪ ،‬إىل نفــس مرتبــة النظــام‪ ،‬وإىل نفــس مصــر النظــام‪،‬‬ ‫ولــن يجــدوا مــن النــاس إال اللعنــة التــي يســتحقونها‪ ...‬وليعلمــوا‬ ‫جيــدا ً بــأن هــذه هــي ســورية الجديــدة‪ ،‬ســورية املتحــررة مــن‬ ‫ســجن تدمــر‪ ،‬والتــي ســتتحرر الحقـاً مــن كل الســجون‪ ،‬ومــن كل‬ ‫املعتقــات‪ ،‬ومــن كل ظــامل أثيــم‪ ،‬مهــا كان لونــه‪ ،‬ومهــا كان‬ ‫حجــم أكاذيبــه وادعاءاتــه‪ ..‬وإن غــدا ً لناظــره قريــب!‬

‫املدفونــة يف ســجالتها‬ ‫تثبــت تورطهــا يف‬ ‫حاميــة حدودهــا‬ ‫لتحمــي عدوهــا‪،‬‬ ‫ولتقبــض مخصصاتهــا‬ ‫منــه مثنــاً بخســاً‬ ‫لهــذا‪ ،‬واملفارقــة‬ ‫املضحكــة تطــرح‬ ‫نفســها ممــن تحمــي عدوهــا مــن دولــة‬ ‫عربيــة محتلــة مــن ذاك العــدو‪.‬‬ ‫«ســوريا يــا حبيبتــي أعيــدي يل كرامتــي‬ ‫أعيــدي يل هويتــي بالحــرب والكفــاح وشــعلة‬ ‫الجــراح تنــر درب ثــوريت»‪ ..‬اللــه‪ ..‬اللــه‬ ‫فهــذا هــو املطلــوب فيــا لــو أســقطناه عــى‬ ‫واقعنــا الثــوري اليــوم‪ .‬أغنيــة تغنــى بهــا‬ ‫الــكل وتفاعــل معهــا الحــس الثــوري ظ ّنـاً م ّنــا‬ ‫أن ت ـراب الوطــن بــا أوغــاد‪ ،‬وســاء الوطــن‬

‫بــا غ ـزاة‪ ،‬ومــاء الوطــن بــا يرقــات قاتلــة‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة لحــرب ترشيــن التحريريــة فــا‬ ‫أعــرف إن كانــت حقيقــة أم متثيــل‪ ،‬دبابــات‬ ‫مــن كرتــون ومدرعــات مــن حديــد مكــرر‪،‬‬ ‫وجنــود مدربــن عــى تحقيــق أعــى نســبة‬ ‫دراميــة متثيليــة لــكال الطرفــن‪ ،‬مــن يبيــع‬ ‫الجــوالن ســهل جــدا ً أن يرفــع مــن ســعر‬ ‫شــباك التذاكــر‪ ،‬أجــل «خــي الســاح صاحي»‬ ‫يف الوقــت الــذي نحتــاج لصحوتــه‪ ..‬أجــل‬ ‫لــو نامــت الدنيــا يجــب أن يبقــى الســاح‬ ‫صاحيــاً‪ ..‬أجــل لدينــا ثــوار‪ ،‬ولكــن عدونــا‬ ‫مل يُبــقِ مــن أجــل ســورية يــا حبيبتــي مــن‬ ‫يغنــي لســوريا‪ ..‬أجــل أعيــدي يل كرامتــي‪..‬‬ ‫أجــل أعيــدي يل حريتــي‪ ..‬أجــل بالحــب‬ ‫والخــاص وتعايــش األديــان تــيء دروب‬ ‫ثــوريت‪ .‬هــذا هــو نشــيدنا الجديــد لجيــش‬ ‫جديــد لســورية الجديــدة‪.‬‬


‫‪10‬‬ ‫رامي أباظة‬

‫حرمل االقتصاد‬

‫العديــد مــن الباحثــن واملفكريــن‬ ‫االقتصاديــن متيقنــون بــأن يكــون لالقتصــاد‬ ‫الكلمــة الفصــل يف حســم الــراع الدائــر‬ ‫يف ســوريا للســنة الرابعــة وإســقاط النظــام‬ ‫اقتصادي ـاً‪ ،‬مخالفــن بذلــك رشكائهــم الباحثــن‬ ‫واملفكريــن السياســيني والعســكريني الذيــن‬ ‫يراهنــون عــى ســقوط النظــام عســكرياً‬ ‫وسياســياً‪ ،‬وخاصــة يف ظــل الواقــع امليــداين‬ ‫والســيايس الــذي ال تبــدو لــه أفــق واضحــة‬ ‫املعــامل حتــى اآلن‪.‬‬ ‫وبالنظــر اآلن إىل الخارطــة الســورية‪ ،‬ومواقــع‬ ‫ســيطرة النظــام عــى مــوارده االقتصاديــة‬ ‫التــي تغــذي االقتصــاد الســوري‪ ،‬وتشــكل‬ ‫الناتــج املحــي اإلجــايل لــه نجــد بــأن‪،‬‬ ‫املنطقــة الشــالية الرشقيــة والتــي هــي س ـلّة‬ ‫ســوريا الغذائيــة والنفطيــة قــد خرجــت‬ ‫مــن يــده وأصبحــت تحــت ســيطرة تنظيــم‬ ‫الدولــة اإلســامية وبعــض الفصائــل املعارضــة‬ ‫يبــق للنظــام مــورد مــن‬ ‫مــا يعنــي بأنــه مل َ‬ ‫قطــاع النفــط والغــاز والــذي يشــكل الكتلــة‬ ‫االقتصاديــة الكــرى يف دعــم االقتصــاد الوطني‪،‬‬ ‫حيــث بلغــت الخســائر الحقيقيــة بهــذا القطاع‬ ‫حــوايل تريليــون دوالر وتصــل حســب بعــض‬ ‫التقديــرات إىل ‪ 1،4‬تريليــون دوالر متضمنــة‬ ‫نهــب املعــدات وأجهــزة االستكشــاف والحفــر‬ ‫وأنابيــب النقــل باإلضافــة إىل النفــط املهــدور‬ ‫والغــاز املحــروق‪ ،‬وتعــرض العديــد مــن اآلبــار‬ ‫لالحــراق‪ ،‬وتوقــف محطــات توليــد الطاقــة‬ ‫الكهربائيــة‪.‬‬ ‫فلقــد كان اإلنتــاج الــكيل للنفــط يف ســوريا‬ ‫عــام ‪ 1996‬بحــده األقــى مبــا يعــادل ‪582‬‬ ‫ألــف برميــل يومي ـاً وتراجــع حتــى عــام ‪2010‬‬ ‫إىل ‪ 386‬ألــف برميــل نفــط يوميــاً‪ .‬ولكــن‬ ‫بعــد انطــاق التحــركات الشــعبية وتفاقــم‬ ‫األزمــة صــدرت ق ـرارات بعقوبــات اقتصاديــة‬ ‫مــن دول االتحــاد األوريب والواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة عــى ســوريا شــملت الحظــر عــى‬ ‫االســتثامرات وعــى الصــادرات الســورية مــن‬ ‫الخــام‪ .‬مــا أدى النســحاب الــركات العاملــة‬ ‫مــن ســوريا‪ ،‬فانســحبت رشكات شــل الهولنديــة‬ ‫وتوتــال الفرنســية ونريوكنــدا الكنديــة وآيتــا‬ ‫الكرواتيــة وأغلقــت بعــض الحقــول‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إىل القصــف املســتمر مــن قبــل قــوات النظــام‬ ‫وتــرر أنابيــب النفــط الخــام‪ ،‬وســيطرة‬ ‫تنظيــم الدولــة اإلســامية عــى معظــم حقــول‬ ‫النفــط يف املنطقــة‪ .‬مــا أدى إىل انخفــاض‬ ‫اإلنتــاج إىل ‪ 15‬ألــف برميــل يوميــاً وذلــك يف‬ ‫بعــض حقــول الرشكــة الســورية للنفــط يف‬ ‫شــال رشق ســوريا‪ ،‬وبالتعــاون والتنســيق مــع‬ ‫بعــض القــوى املتواجــدة يف املنطقــة‪ ،‬وهــي‬ ‫تنتــج وتضــخ النفــط عــر أنابيــب متــر عــى‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫هل سيسقط النظام برصاصة االقتصاد؟‬

‫امتــداد مئــات الكيلومـرات إىل مصفــاة حمــص‬ ‫وبانيــاس وتعــرض هــذه األنابيــب للقصــف‬ ‫والتفجــر والنهــب يف املناطــق التــي متــر بهــا‪،‬‬ ‫وهــذا مــا حصــل تكــرارا ً يف ريــف حمــص‬ ‫مــن االخرتاقــات العديــدة لهــذه األنابيــب‬ ‫وتفجريهــا‪ ،‬مــا يجــزم بــأن مصفــايت حمــص‬ ‫وبانيــاس متوقفتــان عــن العمــل بشــكل شــبه‬ ‫كامــل تقريبــاً‪.‬‬ ‫كافــه هــذه العوامــل أدت إىل تراجــع إنتــاج‬ ‫النفــط بنســبة بلغــت ‪ 96%‬تقريبــاً‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫توقــف املــورد النفطــي للنظــام‪ ،‬والــذي كان‬ ‫يشــكل ربــع الناتــج املحــي الســوري‪.‬‬ ‫ويحــاول النظــام أن يقــوم بتعويــض خســائره‬ ‫مــن النفــط والغــاز باالســترياد مــن الــدول‬ ‫الحليفــة لــه كالعــراق وإيــران‪ ،‬وهــذا لــن‬ ‫يســتمر لفــرة طويلــة‪ ،‬خصوصـاً بعــد األحــداث‬ ‫يف العــراق وســيطرة الدولــة اإلســامية عــى‬ ‫املناطــق النفطيــة يف العــراق‪ ،‬فمصفــاة‬ ‫(بيجــي) خرجــت عــن الخدمــة‪ ،‬وكانــت تــورد‬ ‫املشــتقات النفطيــة إىل ســورية‪ ،‬ومصــايف‬ ‫الشــال كلهــا بيــد األك ـراد‪ ،‬فأوضــاع الع ـراق‬ ‫انعكســت ســلباً عــى النظــام ألنهــا كانــت‬ ‫املســاعد األهــم لســورية‪.‬‬ ‫أمــا مــن ناحيــة إي ـران فهــي غــر قــادرة عــى‬ ‫تغطيــة العجــز العراقــي ألنهــا واقعــة مبشــكلة‬ ‫ماليــة داخليــة بســبب العقوبــات الدوليــة‬ ‫عليهــا وأموالهــا املحتجــزة يف البنــوك الدوليــة‬ ‫مــا أدى إىل تدهــور يف عملتهــا والتضخــم‬ ‫الــذي وصــل إىل ‪ 38%‬حســب اعـراف النظــام‬ ‫اإلي ـراين نفســه‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة لألمــن الغــذايئ يف ســوريا‪ ،‬والــذي‬ ‫كان النظــام يتغنــى دامئـاً برفــع شــعار (ســورية‬ ‫تحقــق األمــن الغــذايئ) فــأول مــرة يف تاريخهــا‬ ‫تســتورد مــادة الدقيــق بكميــة تـراوح مــا بــن‬ ‫‪ 50 – 40‬ألــف طــن مــن الطحــن‪ ،‬وهــي قابلــة‬

‫للزيــادة بشــكل كبــر‪ ،‬واســترياد مــادة الطحــن‬ ‫يعــود إىل عجــز واضــح يف الطاقــة الطحينيــة‬ ‫يف ســوريا بســبب توقــف عــدد كبــر مــن‬ ‫املطاحــن العامــة والخاصــة عــن الخدمــة‪ ،‬ففي‬ ‫حلــب وحدهــا تــم توقــف (‪ )23‬مطحنــة عــن‬ ‫الخدمــة‪ ،‬والســبب الرئيــي تراجــع مخــزون‬ ‫القمــح االسـراتيجي بســبب تقلــص املســاحات‬ ‫الزراعيــة نتيجــة ارتفــاع أســعار املحروقــات‬ ‫وهجــرة اليــد العاملــة‪.‬‬ ‫وأيضــاً ألول مــرة يتــم اتخــاذ قــرارات مــن‬ ‫قبــل النظــام الســترياد البقوليــات‪ ،‬وخاصــة‬ ‫بعــد أن أصبــح هنــاك مشــكلة كبــرة يف نقــل‬ ‫املنتجــات مــن البقوليــات مــن منطقتــي‬ ‫حــوران والســويداء‪ ،‬وهــا املنطقتــان‬ ‫املنتجتــان ملختلــف أنــواع البقوليــات‪ .‬ولكــن‬ ‫كيــف ســيحل النظــام مشــكلة نقــل الكميــات‬ ‫املســتوردة إىل العاصمــة مــن مينــايئ الالذقيــة‬ ‫وطرطــوس‪ .‬هــذا باإلضافــة إىل أن أســعار هــذه‬ ‫املــواد عامليــاً أعــى مــن أســعارها يف ســورية‬ ‫باإلضافــة إىل أجــور النقــل املرتفعــة‪.‬‬ ‫وبالتــايل فــإن القـرارات الصــادرة عــن الحكومة‬ ‫الســورية هــي قــرارات عشــوائية ومتخبطــة‬ ‫الســتدراك العجــز الحاصــل يف االقتصــاد‬ ‫الســوري‪ ،‬ومحاولــة منهــا لطأمنــة الشــعب‬ ‫بــأن ســورية بخــر والحكومــة مــا تـزال متســك‬ ‫بزمــام األمــور‪.‬‬ ‫أ ّمــا الصناعــة فحالهــا ليــس أفضــل مــن حــال‬ ‫الزراعــة والنفــط والغــاز‪ ،‬وخاصــة بعــد تدمــر‬ ‫محافظــة حلــب عاصمــة ســوريا الصناعيــة‪،‬‬ ‫ونهــب معاملهــا وتدمريهــا بســبب الفــوىض‬ ‫األمنيــة حيــث أن هنــاك أكــر مــن ‪ 75%‬مــن‬ ‫املنشــآت الصناعيــة متوقفــة وفــق األرقــام‬ ‫الرســمية للنظــام نفســه‪ ،‬عــاوة عــى حالــة‬ ‫الرتهــل املصابــة بهــا منــذ عقــود وخســائر‬ ‫إجامليــة بلغــت ‪ 2,2‬مليــار دوالر حســب‬

‫ترصيحــات وزارة الصناعــة يف حكومــة النظــام‪.‬‬ ‫باإلضافــة إىل خســائر قطــاع اإلســكان دون‬ ‫حســاب مقتنيــات العائــات وتصــل ألكــر‬ ‫مــن اثنــن وأربعــن مليــار دوالر‪ ،‬والخســائر‬ ‫تتزايــد كل يــوم ألن التدمــر مل يتوقــف ويف‬ ‫تصاعــد مســتمر فأكــر مــن مليــون ونصــف‬ ‫املليــون منــزل يف ســوريا مهــدم وفــق تقديـرات‬ ‫لجنــة األمــم املتحــدة االقتصاديــة واالجتامعيــة‬ ‫لغــرب آســيا (االســكوا)‪ ،‬ومناطــق كاملــة متــت‬ ‫تســويتها بــاألرض‪.‬‬ ‫أمــا التجــارة فقــد توقفــت بالكامــل‪ ،‬خصوص ـاً‬ ‫بعــد أن فقــدت الحكومــة معظــم املعابــر‬ ‫الســورية‪ ،‬وبالتــايل فقــدت إمكانيــة إدارتهــا‬ ‫للتجــارة‪ ،‬وفقــدت إيراداتهــا مــن الجــارك‪،‬‬ ‫فضــاً عــن تقطيــع أوصــال الطــرق بــن‬ ‫املحافظــات‪ ،‬وتهجــر وتقتيــل وتعذيــب اليــد‬ ‫العاملــة التــي بــات معظمهــا إمــا نازحــاً‬ ‫أو مهاجــرا ً أو منخرطــاً يف صفــوف الثــورة‬ ‫العســكرية أو هاربــاً مــن الســلطة األمنيــة‪.‬‬ ‫أمــا قطــاع الخدمــات فالبنــوك ترتنــح بفعــل‬ ‫رضبــات القــروض املعدومــة وتوقــف االقـراض‬ ‫وحركــة الســحوبات ليشــكل ارتفــاع ســعر‬ ‫الــرف أرباحــاً (غــر محققــة)‪.‬‬ ‫وال ميكــن الحديــث عــن قطــاع الســياحة‬ ‫يف بلــد يهجرهــا مواطنوهــا بفعــل اآللــة‬ ‫العســكرية وتعرضــت مواقعهــا الســياحية‬ ‫للتهديــم أو الرسقــة‪.‬‬ ‫اآلن وبعــد هــذا املشــهد االقتصــادي املرعــب‬ ‫وحســب تقريــر التنميــة البرشيــة الصــادر‬ ‫عــن األمــم املتحــدة لعــام ‪ 2014‬الــذي أشــار‬ ‫إىل ارتفــاع معــدالت الفقــر يف ســوريا‪ ،‬مؤكــدا ً‬ ‫أن ثالثــة أربــاع الســوريني تحولــوا إىل فقــراء‬ ‫بســبب تــدين دخــل الفــرد حيــث تقــدر‬ ‫املنظــات الدوليــة أن هنــاك أكــر مــن ‪10‬‬ ‫ماليــن مــن الســوريني يحتاجــون للمســاعدة‬

‫منهــم ‪ 6‬ماليــن قــد نزحــوا داخليــاً وفقــدوا‬ ‫منازلهــم ومصــادر رزقهــم‪ ،‬وتوقــع التقريــر‬ ‫أن يتعمــق الفقــر أكــر خــال العــام القــادم‬ ‫مــع توقعــات بانخفــاض الناتــج املحــي‬ ‫بنســبة ‪ 57%‬إضافــة لألثــر الــذي أحدثتــه‬ ‫الحملــة الحكوميــة برفــع أســعار الســلع‬ ‫الغذائيــة األساســية كالســكر والــرز إضافــة إىل‬ ‫املحروقــات‪.‬‬ ‫وتــم ارتفــاع معــدل البطالــة فــوق الســبعني‬ ‫باملائــة‪ ،‬وهــذا االرتفــاع هــو مــؤرش أيضــاً‬ ‫عــى مــدى انخفــاض اإلنتــاج‪ ،‬وتراجــع عمليــة‬ ‫الصناعــة والزراعــة‪.‬‬ ‫وانخفضــت قيمــة العملــة الســورية ألقــل مــن‬ ‫عرشيــن باملائــة مــن قيمتهــا وإغــاق محــات‬ ‫الرصافــة ومالحقــة معظــم أصحابهــا‪ .‬وارتفــاع‬ ‫مســتوى التضخــم مائتــن باملائــة‪ ،‬حيــث‬ ‫وصــل ارتفــاع بعــض الســلع الغذائيــة أكــر‬ ‫مــن خمســائة باملائــة‪ ،‬وهــذا ال يتناســب مــع‬ ‫مســتوى دخــل الفــرد إذ أن الدخــل الشــهري‬ ‫لقرابــة ‪ 80%‬مــن العاملــن ال يتجــاوز ‪30‬‬ ‫ألــف لــرة شــهرياً‪ ،‬وبالتــايل يحتــاج هــؤالء إىل‬ ‫مضاعفــة رواتبهــم مبقــدار ‪ 6‬أضعــاف ألن الحد‬ ‫األدىن ملعيشــة األرسة الســورية اآلن يجــب أن‬ ‫ال يقــل عــن ‪ 90‬ألــف لــرة ســورية شــهرياً‪،‬‬ ‫وفقـاً لبعــض التقديـرات‪ .‬هــذا إذا فكــر النظــام‬ ‫وحــاول إعــادة الشــعب املنتفــض إىل وصايتــه‬ ‫عــن طريــق رفــع الرواتــب واألجــور‪ ،‬ولكــن‬ ‫ســبق الســيف العــذل‪.‬‬ ‫هنــا ميكــن القــول بــأن الفعــل الرتاكمــي‬ ‫لالقتصــاد ســيكون لــه أثــر ســلبي فإطالــة أمــد‬ ‫العمليــات العســكرية تجعــل النظــام يتــآكل‬ ‫وتتدهــور قوتــه االقتصاديــة‪ ،‬ألن عمــر النظــام‬ ‫يرتبــط مبــدى قدرتــه عــى تأمــن الوقــود آللتــه‬ ‫العســكرية والرواتــب ملوظفيــه وشــبيحته‪،‬‬ ‫وحســب تقديـرات ســابقة فــإن النظــام ينفــق‬ ‫شــهرياً عــى الحــرب مــا يقــارب ‪ 2‬مليــار دوالر‪،‬‬ ‫أمــا أمــوال املركــزي فــاآلن ســيظهر تدهورهــا‬ ‫يف ظــل غيــاب الدعــم العراقــي واإلي ـراين كــا‬ ‫ذكرنــا‪ ،‬والدعــم الــرويس الــذي قــدم لــه ســابقا‬ ‫مــا يقــارب ‪ 5‬مليــارات دوالر‪ ،‬واآلن يحــاول‬ ‫النظــام جاهــدا ً بطلــب املزيــد مــن الدعــم‬ ‫املــايل الــرويس‪ ،‬وال أحــد يتوقــع بــأن يحصــل‬ ‫عــى هــذا الدعــم ألن ليــس هنــاك ضامنــات‬ ‫مســتقبلية بالنســبة للــروس‪.‬‬ ‫كل تلــك املعطيــات والوقائــع والرباهــن تشــر‬ ‫إىل أن اللحظــة األخــرة مــن عمــر النظــام‬ ‫أصبحــت قريبــة جــدا ً فحســب قوانــن‬ ‫الديالكتيــك فــإن التغ ـرات الكميــة بعــد حــد‬ ‫معــن ســتنقلب إىل تغــرات كيفيــة‪ ،‬وهــي‬ ‫االنهيــار والهاويــة‪ ،‬وهنــا نســتطيع القــول ال‬ ‫بــد للنظــام أن يســقط برصاصــة االقتصــاد‪.‬‬

‫الش��ركات القابض��ة اإليراني��ة ه��ل ستس��تولي عل��ى األم�لاك الس��ورية العام��ة؟‬

‫‪ -‬الحرمل‬

‫اإليرانيــة إلدارة أمــاك الدولــة والتحكــم‬ ‫بهــا وبالتــايل الهيمنــة عــى حيــاة النــاس‬ ‫ومقدراتهــم‪ ،‬والنظــام يعمــل جاهــدا عــى‬ ‫تدمــر البنيــة االقتصاديــة الســورية بشــكل‬ ‫كامــل وتحويلهــا إىل منافــع شــخصية‬ ‫لرجاالتــه وللــدول الداعمــة الســتبداده‪.‬‬ ‫فقــد أصــدر رئيــس النظــام الســوري‪ ،‬يف‬ ‫الثالــث مــن أيــار الجــاري‪ ،‬مرســوماً مينــح‬ ‫الــركات الخاصــة الحــق يف إدارة واســتثامر‬ ‫أمــاك تعــود إىل املــدن والبلــدات الســورية‪،‬‬ ‫ساحة األمويني ‪ -‬دمشق‬ ‫ويســمح لهــا بتقديــم خدمــات للمواطنــن‬ ‫يعمــل النظــام الســوري عــى تثبيــت شــبيحته وعــى اســتيالئهم عــى مقــدرات الوطــن كانــت الدولــة حتــى اآلن تحتكــر تقدميهــا‪.‬‬ ‫والتمكــن مــن نهبــه‪ ،‬وبــدأت إجــراءات عمليــة االســتيالء رشكات الشــبيحة‪ ،‬والــركات وقــد جــاءت األخبــار املتعلقــة بهــذا املرســوم‬

‫مفاجئــة نســبياً إذ مل يجــر تــداول مــروع‬ ‫املرســوم أو مناقشــته يف الصحافــة الســورية‬ ‫قبــل إقـراره‪ ،‬كــا جــرت العــادة مــع غالبيــة‬ ‫حــاالت القوانــن التــي تع ّدهــا الحكومــة‪.‬‬ ‫ويقــول نــص املرســوم إنــه يســمح للوحــدات‬ ‫اإلداريــة‪ ،‬أي كل وحــدات اإلدارة املحليــة يف‬ ‫املحافظــة كاملــدن والبلــدات‪ ،‬إنشــاء رشكات‬ ‫قابضــة لــإدارة واالســتثامر يف األمــاك التــي‬ ‫تعــود ملكيتهــا للبلــدة أو املدينــة كامللكيــات‬ ‫العقاريــة واألرايض‪ .‬يف الواقــع‪ ،‬ســتتوىل‬ ‫الــركات القابضــة هــذه عمليــة تأســيس‬ ‫رشكات تابعــة لهــا ســتقوم بــإدارة هــذه‬ ‫األمــاك‪ .‬وســيكون أيضــا يف إمــكان الــركات‬

‫التابعــة للــركات القابضــة إدارة العديــد‬ ‫مــن الخدمــات نيابــة عــن املــدن والبلــدات‬ ‫الســورية‪ ،‬كمنــح تراخيــص البنــاء‪ ،‬وتحصيــل‬ ‫الرســوم والبــدالت والغرامــات‪ ،‬وإنشــاء‬ ‫وإدارة مراكــز خدمــة املواطــن‪ ،‬وتنفيــذ‬ ‫البنــى التحتيــة‪.‬‬ ‫إن هــذه الخطــوة التــي يقــوم بهــا النظــام‬ ‫هــي متهيــد لتملــك الشــبيحة ملقــدرات‬ ‫الوحــدات اإلداريــة والبلديــات وأمالكهــا‬ ‫التــي كانــت تــدر بعــض الدخــل لصالــح‬ ‫املواطنــن لتتحــول إىل جيــوب الــركات‬ ‫التــي يؤسســها الشــبيحة وأزالم االحتــال‬ ‫اإليــراين‪.‬‬


‫حرمل االقتصاد‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫نظرة اقتصادية‬ ‫د‪.‬محمد حاج بكري‬

‫إن أي نهــوض اقتصــادي وإن كان عمليــة‬ ‫فنيــة‪ ،‬لكنــه باملقابــل عمليــة مجتمعيــة‬ ‫تحتــاج إلرادة سياســية واعيــة وحصــول توافــق‬ ‫مجتمعــي بــن القــوى والطبقــات والرشائــح‬ ‫االجتامعيــة الســورية‪.‬‬ ‫أيضــا النهــوض االقتصــادي عمليــة اقتصاديــة‬ ‫اجتامعيــة سياســية ثقافيــة شــاملة لجميــع‬ ‫القطاعــات اإلنتاجيــة والخدميــة‪ ،‬وتطــال‬ ‫جميــع رشائــح املجتمــع‪ ،‬ويتأثــر الجميــع بهــا‪،‬‬ ‫ولــو بشــكل متفــاوت‪ ،‬وإذا مل تكــن الخطــوات‬ ‫مدروســة ومتكاملــة فإنهــا ســتصيب البعــض‬ ‫عــى حســاب البعــض اآلخــر‪ ،‬ومــن هنــا‬ ‫يخلــق تضــارب اآلراء وتعارضهــا‪ ،‬لذلــك يجــب‬

‫م��ا ه��و املطل��وب اقتصادي��ا لس��وريا املس��تقبل؟‬ ‫أن تكــون عمليــة التنميــة االقتصاديــة عمليــة‬ ‫متكاملــة‪.‬‬ ‫ويف هــذا املجــال يجــب اإلقـرار واالنطــاق مــن‬ ‫أن االقتصــاد الســوري شــبه منهــار بالكامــل ويف‬ ‫شــتى املجــاالت واالختــاالت العميقــة التــي‬ ‫خلقتهــا الفــرة املاضيــة والتــي أفرزهــا االحتالل‬ ‫األســدي‪ ،‬وانهيــار مؤسســات الدولــة يســتلزم‬ ‫الــروع بإعــداد الخطــط االقتصاديــة التــي‬ ‫تهــدف إىل توســيع قاعــدة االقتصــاد اإلنتاجيــة‪،‬‬ ‫وتغيــر بنيتــه األحاديــة الجانــب‪ ،‬وطابعــه‬ ‫الريعــي‪ ،‬وتحديثــه‪ ،‬وتأمــن توزيــع عــادل‬ ‫للدخــل والــروة وتنميــة املــوارد البرشيــة‪،‬‬ ‫والعنايــة بالفئــات االجتامعيــة األكــر رضرا ً‬ ‫وتحــدي التدمــر والخــراب والبطالــة‪ ...‬الــخ‬ ‫بالتأكيــد االقتصــاد الســوري بحاجــة إىل تغيــر‬ ‫جــذري‪ ،‬وهــذا التغيــر يجــب أن ال ينطلــق‬ ‫مــن نظــرة إيديولوجيــة مســبقة عنــد تحديــد‬ ‫املوقــف مــن القطاعــات االقتصاديــة املختلفــة‬ ‫بــل مــن تعميــم التجــارب التاريخيــة ومــا‬ ‫تضمنتــه مــن خالصــات ونتائــج ملموســة‬ ‫باإلضافــة إىل خصوصيــة املجتمــع الســوري‬ ‫وميكــن تحديدهــا كاآليت‪:‬‬ ‫ رفــض األحاديــة املطلقــة أو تنــاول القضايــا‬‫مــن معيــار األبيــض واألســود فالعديــد مــن‬ ‫التجــارب تشــر إىل فشــل مــروع التنميــة‬

‫بعد تقدميها ‪ 35‬مليار دوالر لنظام االستبداد‬

‫هل س��تتخلى إيران تدرجيي��ا عن الدعم‬ ‫االقتصادي للنظام!‬

‫وكاالت‪ -‬الحرمل‬ ‫أرهــق دعــم النظــام الســوري إيــران‬ ‫وموازناتهــا االقتصاديــة‪ ،‬وقــد بــات الــرأي‬ ‫العــام اإليـراين يرفــض بشــكل قاطــع االســتمرار‬ ‫بالدعــم الخارجــي عــى حســاب املواطــن‬ ‫اإليــراين‪.‬‬ ‫وحســب تقريــر نرشتــه «رويــرز»‪ ،‬فــإن‬ ‫الحكومــة اإليرانيــة تــدرس بشــكل جــدي إلغــاء‬ ‫دعــم الوقــود ألصحــاب الســيارات‪ ،‬يف خطــوة‬ ‫توقعــت «رويــرز» أن ت ُثــر احتجاجــات يف‬ ‫أوســاط الشــارع اإليــراين‪.‬‬ ‫وتحــاول الحكومــة اإليرانيــة تخفيــض دعــم‬ ‫الوقــود الــذي أدى إىل اإلفــراط يف اســتهالك‬ ‫الطاقــة وزاد الضغــوط عــى املاليــة العامــة‬ ‫التــي تــررت بالفعــل مــن العقوبــات الدوليــة‬ ‫وهبــوط أســعار النفــط العــام املــايض‪.‬‬ ‫ونقلــت وكالــة أنبــاء «تســنيم» اإليرانيــة عــن‬ ‫أكــر نعمــة اللــه مستشــار وزارة النفــط قولــه‬ ‫«قضيــة حصــص الوقــود مل تحســم بعــد ولكــن‬ ‫االحتــال كبــر أال يتحــدد نظــام لحصــص‬ ‫الوقــود وأن تحصــل الســيارات الخاصــة مــن‬ ‫اآلن فصاعــدا ً عــى الوقــود بأســعار الســوق»‪.‬‬ ‫ويف الوقــت الحــايل يحصــل الســائقون املؤهلون‬ ‫عــى ‪ 60‬لــرا ً مــن البنزيــن يف الشــهر بخصــم‬ ‫كبــر مــن أســعار الســوق‪ .‬وكان تطبيــق نظــام‬

‫‪11‬‬

‫بطاقــات دفــع الوقــود يف عــام ‪ 2007‬أدى إىل‬ ‫أعــال شــغب بــن الســائقني الذيــن كانــوا مــن‬ ‫قبــل يســتطيعون رشاء كميــات بــا حــدود مــن‬ ‫الوقــود الرخيــص‪.‬‬ ‫وكان الرئيــس حســن روحــاين الــذي انتخــب‬ ‫يف عــام ‪ 2013‬عــى وعــد بإصــاح اإلدارة‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬قــاد الجهــود الراميــة إىل ترشــيد‬ ‫األســعار ونفــذ زيــادة متواضعــة يف أســعار‬ ‫الوقــود العــام املــايض‪.‬‬ ‫وقــال نعمــة اللــه إن هــذه الخطــوة تســتهدف‬ ‫وقــف االتجــار غــر املــروع يف الوقــود‬ ‫وعمليــات التهريــب مضيف ـاً أن الق ـرار النهــايئ‬ ‫ســيتخذ عــى األرجــح خــال األيــام القادمــة‪.‬‬ ‫وتذهــب تقدي ـرات إىل أن الدعــم املــايل الــذي‬ ‫قدمتــه طه ـران لنظــام األســد خــال الســنوات‬ ‫األربــع املاضيــة تجــاوز الـــ‪ 35‬مليــار دوالر‪ .‬ويف‬ ‫اآلونــة األخــرة‪ ،‬وقّــع مســؤول إيــراين مــع‬ ‫نظــراء لــه بدمشــق عــى اتفاقيــات دعــم‬ ‫مــايل واقتصــادي جديــدة لنظــام األســد‪ ،‬لكــن‬ ‫مراقبــن يعتقــدون أن الدعــم اإلي ـراين بــات يف‬ ‫الفــرة األخــرة ذو مضمــون إعالمــي – ســيايس‪،‬‬ ‫أكــر منــه عمــي‪ ،‬ذلــك أن الوضــع االقتصــادي‬ ‫اإليــراين مل يعــد يســمح باملزيــد مــن الهــدر‬ ‫املــايل لصالــح نظــام األســد‪.‬‬

‫املســتند إىل تنظيــم الحيــاة االقتصاديــة مــن‬ ‫قبــل الدولــة حــرا ً وكذلــك املــروع الــذي‬ ‫يعتمــد عــى قــوى الســوق بشــكل كيل‪.‬‬ ‫ عــدم الرهــان املطلــق عــى آليــة الســوق‬‫كوصفــة ســحرية لحــل املشــاكل االقتصاديــة‬ ‫لكونهــا ال تــؤدي عــى ســبيل املثــال إىل‬ ‫التخصــص األمثــل للمــوارد بــل تقــود إىل‬ ‫منطــق تعظيــم األربــاح وإىل منــو اقتصــادي‬ ‫غــر متكافــئ اجتامعــي إقليمــي قطاعــي وهــذا‬ ‫يســتدعي تدخــل الدولــة‪.‬‬ ‫ النهــوض االقتصــادي يتطلــب إقامــة عالقــة‬‫تكامليــة بــن القطاعــن الخــاص والعــام‬ ‫واملنافســة يف بعــض املجــاالت‪.‬‬ ‫ أن تنطلــق مســرة التنميــة مــن االحتياجــات‬‫الفعليــة املوضوعيــة للمجتمــع الســوري‬ ‫باالســتناد إىل اإلمكانيــات الذاتيــة واملــوارد‬ ‫املتاحــة مــن جهــة مــع الســعي لبنــاء عالقــات‬ ‫متفاعلــة ومتوازنــة ومتكافئــة مــع االقتصــاد‬ ‫العاملــي وخاصــة دول الجــوار‪.‬‬ ‫ تجــاوز الجــدل حــول دور كل مــن القطاعــن‬‫العــام والخــاص مــن خــال التغلــب عــى‬ ‫املفهــوم الســائد بــأن القطــاع العــام يعنــي‬ ‫الخســارة والخــاص الربــح‪ ،‬فهنــاك أمــراض‬ ‫اقتصاديــة يف كال الجانبــن ويتعــن العمــل عــى‬ ‫تجاوزهــا‪.‬‬

‫ الحاجــة إىل تفعيــل التعدديــة االقتصاديــة أي‬‫أن املطلــوب تحســن أداء االقتصــاد الوطنــي‬ ‫بقطاعاتــه املختلفــة انطالقـاً مــن أن لــكل قطاع‬ ‫دوره املرســوم‪ ،‬فالتنميــة تعنــي االســتفادة مــن‬ ‫كافــة القطاعــات وتحقيــق التكامــل بينهــا‪.‬‬ ‫ تجنــب الصيــغ الجاهــزة التــي تعتمــد الحلول‬‫املقطوعــة الجــذور عــن واقــع اقتصادنــا وبيئتنــا‬ ‫ومــن بينهــا وصفــات صنــدوق النقــد الــدويل‬ ‫والبنــك الــدويل‪.‬‬ ‫ توفــر إجــاع مجتمعــي حــول التغيــر‬‫املطلــوب‪ ،‬ولــن يتحقــق ذلــك إال مــن خــال‬ ‫العلنيــة واملشــاركة الفاعلــة مــن مختلــف‬ ‫أوســاط املجتمــع ومفكريــه وخربائــه‪.‬‬ ‫ رضورة توفــر إرادة سياســية حازمــة وقــوى‬‫اجتامعيــة قــادرة عــى وضــع مــروع اقتصادي‬ ‫وتحويــل مفرداتــه إىل واقــع ملمــوس‪.‬‬ ‫ أن تحظــى عمليــة التنميــة االقتصاديــة عــى‬‫املصداقيــة املطلوبــة مــن مختلــف قطاعــات‬ ‫املجتمــع وهــذا يتطلــب أن يرتافــق مــع جهــود‬ ‫مركــزة وحقيقيــة للقضــاء عــى الفســاد وآليــات‬ ‫إنتاجــه وثقافتــه التــي كرســها حافــظ وبعــده‬ ‫بشــار أي خطــوات جديــة للمحاســبة‪.‬‬ ‫ إصــاح النظــام اإلداري واملــايل والنقــدي مبــا‬‫يف ذلــك الرضيبــي‪.‬‬ ‫‪ -‬إن مظلــة اجتامعيــة مطلوبــة يف بالدنــا‬

‫الخارجــة مــن ســنوات القهــر والظلــم والقمــع‬ ‫والدمــار والــذي تــررت منــه كافــة أبنــاء‬ ‫الشــعب الســوري‪ ،‬وينبغــي لهــا أن تتوفــر‬ ‫الــروط الرضوريــة لتجــاوز التهميــش‬ ‫واالنخــراط يف الديناميكيــة االجتامعيــة عــر‬ ‫تأمــن العمــل‪ ،‬ومســتوى مقبــول مــن الدخــل‬ ‫مــع الرتكيــز عــى حزمة السياســات واإلجـراءات‬ ‫والتوجهــات التــي تســاعد عــى دفــع عمليــة‬ ‫النمــو لتحقيــق العدالــة االجتامعيــة‪.‬‬ ‫إن الحاجــة ملحــة اليــوم لتدشــن حــوار وطنــي‬ ‫شــامل يســاعد عــى تحديــد اإلطــار املطلــوب‬ ‫لالقتصــاد الــذي تريــده بالدنــا لبنــاء اقتصــاد‬ ‫وطنــي ذي بنيــة ديناميكيــة قــادرة عــى‬ ‫التكيــف مــع املتغــرات الناشــئة عــى أرض‬ ‫الواقــع الســوري ومــع متطلبــات التحــوالت‬ ‫االقتصاديــة والسياســية العامليــة وتطرحــه‬ ‫مــن اســتحقاقات مــع التأكيــد عــى رضورة‬ ‫الوعــي‪ ،‬فاملرحلــة القادمــة ليســت بحاجــة‬ ‫إىل إعــادة اإلعــار‪ ،‬وتحريــك عجلــة االقتصــاد‬ ‫الوطنــي فحســب‪ ،‬برغــم أهميــة ذلــك‪ ،‬بــل‬ ‫وإىل التجديــد والتحديــث التقنــي والعدالــة‬ ‫االجتامعيــة‪ ،‬والســؤال هــل ســعى أحــد‬ ‫مــن الحكومــة واالئتــاف إىل وضــع الخطــط‬ ‫والربامــج واالســتفادة مــن الخــرات لتأمــن‬ ‫ذلــك؟‬

‫النهب والفس��اد يلتهمان ثلث موازنة نظام األس��د‬ ‫وكاالت‪ -‬العربي الجديد‪ -‬الحرمل‬ ‫يتــواىل انهيــار النظــام معنويــاً‬ ‫وماديـاً بشــكل متتــا ٍل ولعــل مقومــات‬ ‫االنهيــار كامــن يف بنيــة النظــام نفســه‬ ‫التــي يســيطر عليهــا الفســاد بــكل‬ ‫أشــكاله وبــكل معطياتــه وأهمهــا‬ ‫الفســاد االقتصــادي املتمثــل بالنهــب‬ ‫والتحايــل القانــوين وغــر القانــوين‬ ‫لالســتيالء عــى مكونــات الدولــة‬ ‫االقتصاديــة‪.‬‬ ‫وقــد فاجــأ مديــر هيئــة املنافســة‬ ‫ومنــع االحتــكار يف حكومــة بشــار‬ ‫األســد‪ ،‬أنــور عــي‪ ،‬الجميــع بالكشــف‬ ‫عــن فقــدان موازنــة النظــام نحــو‬ ‫‪ 30%‬مــن ميزانيــة الدولــة عــر‬ ‫أقنيــة الفســاد والرشــوة‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫فــره خــراء بأنــه متهيــد لإلطاحــة‬ ‫ّ‬ ‫ببعــض الــوزراء يف الحكومــة ككبــش‬ ‫فــداء وتحميلهــم الفشــل يف الحــد‬ ‫مــن األزمــات االقتصاديــة واملعيشــية‬ ‫التــي تفاقمــت يف املناطــق التــي تقــع‬ ‫تحــت ســيطرة النظــام‪ ،‬وأدت إىل‬ ‫تزايــد الغضــب الشــعبي‪.‬‬ ‫وأوضــح الخبــر االقتصــادي عــاد‬ ‫الديــن املصبــح‪ ،‬لـ»العــريب الجديــد»‪،‬‬ ‫أن هــذه الترصيحــات تــأيت يف إطــار حملــة‬ ‫منظمــة لبعــض املســؤولني يف النظــام‪ ،‬ومنهــا‬ ‫هجــوم ســابق لرئيــس اتحــاد العــال‪ ،‬شــعبان‬ ‫عــزوز‪ ،‬عــى الحكومــة واتهامهــا بالفســاد‪،‬‬ ‫بهــدف تهــ ّرب النظــام مــن مســؤوليته عــن‬ ‫االنهيــار يف امللــف االقتصــادي وتحميلــه لبعــض‬ ‫املســؤولني‪.‬‬ ‫وأشــار املصبــح إىل أن الفســاد متأصــل يف‬ ‫الحكومــات املتعاقبــة منــذ عقــود‪ ،‬وتفاقــم يف‬ ‫اآلونــة األخــرة إثــر تبديــد الــروات وخســارة‬ ‫مــوارد الخزينــة العامــة‪ ،‬ووصــل األمــر‬ ‫الســتجداء إيـران بقــرض مليــار دوالر عــر خــط‬ ‫ائتــان جديــد بعــد انتهــاء الخــط الســابق‬

‫بقيمــة ‪ 3.5‬مليــارات دوالر‪.‬‬ ‫وأضــاف أن ترصيحــات النظــام حــول عمليــات‬ ‫الفســاد التــي تــم الكشــف عنهــا أخــرا ً‬ ‫والتهمــت نحــو ثلــث موازنتــه تتعلــق بفســاد‬ ‫يف املصــارف وعمليــات اســتريادية‪ .‬وتبلــغ‬ ‫موازنــة عــام ‪ 2015‬نحــو ‪ 1554‬مليــار لــرة (‪5.2‬‬ ‫مليــارات دوالر)‪.‬‬ ‫وأكــد املصبــح أن املســؤول بنظــام األســد مل‬ ‫يتطــرق لصفقــات الغــذاء الحرصيــة املمنوحــة‬ ‫آلل األســد وأصدقــاء النظــام‪ ،‬وال حتــى لعقــود‬ ‫بيــع النفــط وتأجــر مقــدرات ســورية أو عقــود‬ ‫رشاء الســاح مــن إيـران وروســيا التــي يقودهــا‬ ‫قلــة عــى رأســهم محمــد مخلــوف خــال بشــار‬ ‫األســد‪.‬‬

‫وكان املديــر العــام لهيئــة املنافســة‬ ‫ومنــع االحتــكار التابــع لنظــام‬ ‫األســد‪ ،‬قــد ادعــى يف ترصيحــات‬ ‫صحافيــة منــذ يومــن‪ ،‬أن مؤسســته‬ ‫بــدأت التع ّمــق يف ملفــات الفســاد‬ ‫للحفــاظ عــى املــال العــام‪.‬‬ ‫وأوضــح أن هيئــة املنافســة ومنــع‬ ‫االحتــكار تعتــر قــرار الســاح‬ ‫لــركات الرصافــة بتمويــل إجــازات‬ ‫االســترياد قــرارا ً خاطئــاً‪ ،‬يف ظــل‬ ‫وجــود جهــات خبــرة كاملصــارف‬ ‫العامــة التــي تخضــع للرقابــة‬ ‫وميكــن متابعــة عملهــا‪ ،‬يف حــن‬ ‫أثبتــت التجــارب الســابقة مــع‬ ‫رشكات الرصافــة أنهــا غــر جديــرة‬ ‫بالثقــة‪ ،‬والدليــل تعــرض العديــد‬ ‫منهــا للمخالفــات‪.‬‬ ‫ويقــول املحلــل املــايل مــن مدينــة‬ ‫إدلــب (شــال ســورية)‪ ،‬إبراهيــم‬ ‫محمــد‪ ،‬إن فســاد النظــام أخــذ‬ ‫أشــكاالً مختلفــة وجديــدة عقــب‬ ‫انــدالع الثــورة منــذ أربعــة أعــوام‪،‬‬ ‫تعــ ّدت الطــرق التقليديــة‪ ،‬مــن‬ ‫التالعــب باملشــريات ومنــح‬ ‫املناقصــات واملزايــدات الحكوميــة‪،‬‬ ‫ليصــل لبيــع أصــول وثــروات ســورية‪ ،‬مبعنــى‬ ‫الكلمــة‪ ،‬ومنهــا بيــوت مهجريــن وثــروات‬ ‫النفــط والغــاز واملعــادن وتجــارة اآلثــار وحتــى‬ ‫األعضــاء البرشيــة‪.‬‬ ‫وقــد وصــل الفســاد إىل أوجــه يف بنيــة النظــام‬ ‫الســوري حيــث ص ّنفــت ســورية ضمــن الــدول‬ ‫األكــر فســادا ً عــى الصعيــد العــريب والعاملــي‪،‬‬ ‫حيــث احتلــت املرتبــة ‪ 159‬عاملي ـاً والخامســة‬ ‫عربيــاً‪ ،‬حســب تقريــر منظمــة الشــفافية‬ ‫العامليــة العــام املــايض‪ ،‬الــذي أكــد عــى أن‬ ‫الفســاد اتخــذ أشــكاالً متعــددة يف ظــل الحــرب‬ ‫الدائــرة يف البــاد وضعــف الرقابــة وانعــدام‬ ‫الشــفافية يف األجهــزة الحكوميــة‪.‬‬


‫‪12‬‬ ‫حمم��د ش��كري‬ ‫يف اخلب��ز احل��ايف‬ ‫حرمل الثقافة‬

‫آرام كربيت‬

‫يف الخبــز الحــايف‪ ،‬الــروايئ محمــد شــكري‪ ،‬يعــري‬ ‫نفســه‪ ،‬يعــري اإلنســان‪ .‬وكــا نقــول دامئــاً الفــن واألدب‬ ‫فعــل تعريــة‪ ،‬كشــف الحجــاب املســتور‪ .‬إنــه الدخــول إىل‬ ‫األماكــن األكــر رسيّــة يف عــامل األبديــة للكــون واإلنســان‪.‬‬ ‫والرغبــة‪ ،‬والجنــس‪.‬‬ ‫يدخــل الــروايئ إىل عــامل الرجــل املخفــي‪ ،‬إىل داخــل الجســد‬ ‫الثائــر‪ ،‬امللتهــب‪ ،‬املتطلــب‪ ،‬الشــهواين الــذي ال يهــدأ وال‬ ‫يــكل‪ .‬الــذي يريــد ويريــد‪ ،‬جميــع النســاء‪ ،‬أجســادهن‪،‬‬ ‫األماكــن األكــر رسيــة منهــن‪ .‬ينطلــق مــن موقــع الرجــل‬ ‫يف عالقتــه بجســده وبجســد املــرأة‪ .‬الرغبــة تعميــه‪ ،‬تأخــذ‬ ‫بلبــه‪ ،‬تغيــب تفكــره منــه‪ ،‬وال يبقــى لــه إال أن يفــرغ هــذه‬ ‫الطاقــة املشــتعلة يف داخــل الكائــن الطبيعــي خاصــة يف‬ ‫فــرة فــوران الجســد‪.‬‬ ‫روايــة الخبــز الحــايف تحلــل بنيــة النظــام األبــوي‪ ،‬تســلط‬ ‫الضــوء عــى تســلط األب‪ ،‬وقســوته‪ ،‬رضبــه لالبــن وألمــه‪.‬‬ ‫كــا ينظــر متامــاً لوجــود االحتــال اإلســباين‪ ،‬كشــكل‬ ‫بطريــريك مكمــل للمجتمعــات البطريركيــة املتخلفــة يف‬ ‫بلداننــا‪ ،‬ورافــد قــوي الســتمرارهام‪ .‬كل منهــم ميــد يــده‬ ‫لألخــر للقبــض عــى الســلطة واملــال والنفــوذ والــروة‪.‬‬ ‫املــرأة‪ ،‬يف الروايــة أم البطــل‪ ،‬والتــي تتعــرض للــرب يف‬ ‫النهــار مــن قبــل األب‪ ،‬تتحــول إىل كتلــة جنــس ملتهبــة يف‬ ‫الليــل بــن يديــه‪ .‬يســمع البطــل صــوت الشــهوة‪ ،‬مواءهــا‪،‬‬ ‫رصاخهــا بيــد جالدهــا‪.‬‬ ‫هنــا يصــور الــروايئ تلــك املــرأة‪ ،‬متواطئــة مــع الرجــل ضــد‬

‫مصطفى تاج الدين الموسى‬ ‫لــدي معانــاة حقيقيــة مــع شــعري عمرهــا‬ ‫عــر ســنوات‪ ،‬أُطيلــه دامئ ـاً ونــادرا ً مــا أقصــه‬ ‫إال بشــكلٍ طفيــف‪ ..‬لكنــه جعــد وأنــا أريــده‬ ‫أن يكــون ناعــاً كالحريــر‪ ،‬وقــد جربــت معــه‬ ‫خــال تلــك الســنوات العديــد مــن الكرميــات‬ ‫ظــل جعــدا ً‪ ،‬وعندمــا أكــون‬ ‫والزيــوت‪ ،‬لكنــه ّ‬ ‫يف الشــارع نســمة هــواء بســيطة تكفــي ألن‬ ‫تحولنــي إىل غــول‪ ،‬فيهــرب األطفــال مــن أمامــي‬ ‫وكأ ّن وجهــي هــو وجــه (ميدوســا) ذو األفاعــي‪،‬‬ ‫آه ٍ مــن شــعري الطويــل أتعبنــي كثــرا ً ومل‬ ‫يصبــح مثلــا أريــد‪.‬‬ ‫اعتقلــوين مســاء البارحــة‪ ،‬رئيــس الدوريــة أمــام‬ ‫بــاب البيــت ر ّحــب يب عــى طريقتــه الخاصــة‪،‬‬ ‫اســتغربت منــه‪ ..‬فبــدالً مــن أن يصافــح يــدي‪،‬‬ ‫صافــح وجهــي بح ـرارة ليطــر س ـ ٌّن مــن فمــي‬ ‫ويســقط عــى الشــارع‪ .‬مث ّــة شــعوب ــــ كــا‬ ‫قــرأتْ ــــ لديهــا عــادات غريبــة باملصافحــة‬ ‫كتقبيــل األنــف‪ ،‬خ َّمنــت يف رسي أن يكــون‬ ‫رئيــس الدوريــة مــن تلــك الشــعوب‪ .‬ثـ َّم ركلنــي‬ ‫مبحبــة إىل الســيارة وذهبنــا إىل فــرع األمــن‪،‬‬ ‫وتخيلــت‬ ‫حزنــت كثــرا ً ألجــل ســ ّني املخلــوع‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كيــف سيدوســه أحــد أطفــال الحــارة فيهرســه‬ ‫وهــو يلعــب بالكــرة‪.‬‬ ‫يف الفــرع رمــوين مبــودة يف زنزانــة ضيقــة‬ ‫اســتطعت بصعوبــة‬ ‫فيهــا عــرات الشــبان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أن أجلــس يف الزاويــة‪ .‬كانــت رصخــات هائلــة‬ ‫تقتحــم جــدران زنزانتنــا مــن كل الجهــات‪،‬‬ ‫حظهــم جميــل نــزالء الزنازيــن املجــاورة‪ ،‬لديهــم‬ ‫تلفزيونــات وهــم اآلن يتابعــون مبــاراة ريــال‬ ‫مدريــد وبرشــلونة ويشــجعون بصخــب‪.‬‬ ‫مــرتْ ســاعة وأنــا أراقــب مــن تلــك الكــوة‬ ‫يف ســقف الزنزانــة‪ ،‬تســلُّل الليــل إىل الفضــاء‪،‬‬ ‫ومثّــة ضــو ٌء طفيــف للقمــر يعــر الكــوة ليتناثــر‬ ‫ملحــت عــى جــدار‬ ‫بــن أجســادنا‪ .‬صدفــةً‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍعــن يســاري عبــارة (أنــا أحبــك يــا لينــا)‪،‬‬ ‫ـت فمــي‬ ‫كلمــة (أحبــك) جعلتنــي أتنهــد‪ ،‬فتحـ ُ‬ ‫والتقطــت منــه ســ ّناً آخــر كان عــى وشــك‬ ‫ُ‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫نفســها‪ .‬مبعنــى أن املــرأة‪ ،‬يف املجتمــع املســتلب تســتمتع‬ ‫بالتعذيــب‪ ،‬بــأدوات النظــام البطريــريك‪ .‬والســلطة‪ .‬كالهــا‪،‬‬ ‫متواطئــان عــى نفســيهام‪ ،‬وعــى املســتقبل‪ .‬ثــم يتوغــل‬ ‫الــروايئ يف عاملــه املتعــدد‪ ،‬املكــون مــن عــوامل عديــدة‬ ‫ومتنوعــة يف عمليــة انكشــافه عــى نفســه وعــى املجتمــع‬ ‫بقيمــه وعاداتــه وتقاليــده‪.‬‬ ‫يف التكويــن النفــي لإلنســان الرشقــي‪ ،‬تناقضاتــه الحياتيــة‪،‬‬ ‫واالنفــات مــن الضوابــط والقوانــن اإللهيــة‪ ،‬والوضعيــة‪،‬‬ ‫يرصــد لنــا الــروايئ محمــد شــكري عــامل املاخــور‪ ،‬ذلــك العــامل‬ ‫املطابــق للمجتمــع‪ ،‬لقاعــه‪ ،‬لحقيقــة الواقــع‪ ،‬الــذي كرســه‬ ‫اإلنســان‪ .‬ويف عمليــة اإلزاحــة‪ ،‬يحــاول أن يتــرأ منــه‪ ،‬أن‬ ‫ينفصــل عنــه‪ ،‬كــيء مخجــل‪ ،‬عــى الرغــم مــن أنــه جــزء‬ ‫مــن حقيقــة واقعيــة متكاملــة يعيشــها‪.‬‬ ‫يف املاخــور‪ ،‬يتحــرر الجســد مــن القيــود‪ .‬ويــرح يف فضــاء‬ ‫الحريــة‪ .‬وينــال مــا يريــد‪ .‬حيــث العاهـرات الجميــات غــر‬ ‫مكرتثــات بقوانــن األرض‪ ،‬ومتحــررات منهــا ومتمــردات‬ ‫عليهــا‪.‬‬ ‫إنــه الوجــه األخــر لوجــه اإلنســان الواقعــي املكمــل لوجوده‪.‬‬ ‫يف هــذا املــكان‪ ،‬يقــف املــرء وجهــا لوجــه أمــام حريتــه‬ ‫ويحلــق بعيــدا ً‪ ،‬يف الفضــاء الواســع‪ ،‬يف محاولــة للطــران‬ ‫والتخلــص مــن ثقــل األرض وقســوة الحيــاة‪ ،‬واالســتغالل‬ ‫والواقــع املــؤمل‪.‬‬ ‫يســلط الــروايئ محمــد شــكري‪ ،‬الضــوء عــى الجنــس‬ ‫الفاضــح‪ ،‬دون توريــة أو إخفــاء أو تعميــة‪ .‬يتعامــل معــه‬ ‫بانكشــاف مذهــل‪ .‬يصــور هــذا النــداء الحــر‪ ،‬الصــارخ‬ ‫الــذي ال يتقيــد بقيــود البــر‪ ،‬املتطلــب‪ ،‬الكائــن املوجــود يف‬ ‫الوجــود‪ ،‬املخفــي واملعلــن‪ ،‬الــري‪ ،‬الــذي يفــرض حضــوره‪.‬‬ ‫إنــه ذلــك الجنــي الــذي يلعــب يف الــذات‪ ،‬ينــط ويرقــص‬ ‫وال يرحــم‪ .‬إنــه كائــن قائــم بذاتــه‪ ،‬كائــن يف ذات اإلنســان‪،‬‬

‫يحرضــه عــى االلتحــام بالوجــود‪ ،‬يحركــه يفتتــه‪ ،‬يدفعــه‬ ‫للخــروج إىل الضــوء والهــواء‪ ،‬إىل البقــاء واســتمرار الحيــاة‪.‬‬ ‫يريــد أن يعلــن عــن نفســه‪ ،‬وجــوده أكــر مــن وجــود‬ ‫اإلنســان ذاتــه‪ .‬هــذا الكائــن القابــع يف خفــاء أنفســنا‪ ،‬إنــه‬ ‫صــوت الحريــة‪ ،‬الــراخ الكــوين‪ ،‬وحقيقتــه‪.‬‬ ‫تتحــول الرغبــة الجنســية يف ســياق الروايــة إىل دودة تعبــث‬ ‫يف رشايــن صاحبهــا‪ ،‬فكلــا أرادت الرغبــة الخــروج إىل‬ ‫الشــمس‪ ،‬قمعــت بالكبــت وحبســت أنفاســها‪ ،‬تقتــل يف‬ ‫العديــد مــن املـرات لكنهــا تســتيقظ مــن جديــد كــا النــور‬ ‫يف داخلــه‪ .‬هــذا التناقــض بــن اإلنســان املســتلب‪ ،‬املــأزوم‬ ‫والعبــد وبــن كيانــه املتمثــل بالجنــس‪ ،‬أحدهــا يخالــف‬ ‫اآلخــر‪ ،‬بــن الوعــي لذاتــه‪ ،‬ووعــي زائــف آخــر مــراوغ‬ ‫وكاذب‪ ،‬القاتــل ملمــرات النــور يف داخلــه‪ .‬هــذا التناقــض‬ ‫بــن اإلنســان وداخلــه‪ ،‬بــن الخــارج املزيــف والداخــل‬ ‫املرتبــط بقوانــن الكــون والحريــة‪ .‬إنهــا العالقــة‪ ،‬التناقــض‪،‬‬ ‫بــن الحريــة والعبوديــة منــذ أن حــاول اإلنســان االنفصــال‬ ‫عــن ذاتــه‪ ،‬الطبيعــة والوجــود‪.‬‬ ‫رمبــا املاخــور يكــون صــورة الهــروب املؤقــت مــن القوانــن‬ ‫التــي أحاطــت ذات اإلنســان وحارصتــه‪ ،‬واملاخــور هنــا هــو‬ ‫األكــر نقــاء وحريــة مــن الرتابــة والحيــاة الروتينيــة‪ ،‬أكــر‬ ‫نقــاء مــن حالــة العبوديــة التــي كبلــت املــرأة والرجــل‪،‬‬ ‫وحولتهــا إىل أدوات أو لرمبــا أشــياء‪ .‬يف عالقــة حقيقيــة‬ ‫بــن الــروايئ واملــرأة‪ ،‬داخــل املاخــور ذاتــه‪ ،‬تظهــر صــورة‬ ‫االنقســام االجتامعــي برتاتبيــة عميقــة‪ ،‬تتســاءل املــرأة‪:‬‬ ‫هــل صاحبــك مســلم؟ يــرد عليهــا بثقــة‪ :‬طبعـاً هــو مســلم‪.‬‬ ‫كالهــا كانــا يف املأخــور‪ ،‬محمــد شــكري وصديقــه القــادم‬ ‫مــن تركيــا إىل املغــرب‪ ،‬قــال كــال الــريك بعربيــة مكــرة‪ :‬ـ‬ ‫أنــا مســلم‪ .‬ســألت خديجــة‪ ،‬كــال الــريك‪ :‬ـ أتعجبــك صفيــة‬ ‫أم نختــار غريهــا؟ هنــاك كثــرات أجمــل منهــا إذا شــئت‪.‬‬

‫يــرد عليهــا‪ :‬ـ إنهــا رائعــة‪ .‬الفتيــات املغربيــات يشــبهن كثـرا ً‬ ‫الفتيــات الرتكيــات‪.‬‬ ‫يصــور الــروايئ هنــا‪ ،‬يف مذكراتــه أو ســرته الذاتيــة‪ ،‬املجتمــع‬ ‫كــا هــو دون تجميــل أو مكيــاج أو توريــة‪ .‬يعريــه‪ ،‬يدخــل‬ ‫القــاع‪ ،‬األماكــن القميئــة واملرشقــة فيــه‪ ،‬بعيــدا ً عــن الزيــف‬ ‫والكــذب والتشــويه‪ .‬ويرصــد عالقــة الســلطة باملجتمــع‬ ‫ومتزيقــه‬ ‫البنيــة العليــا يف املاخــور هــي الســلطة‪ ،‬تغيــب عــن املشــهد‪،‬‬ ‫تتــوارى وتخفــي ذاتهــا‪ ،‬وتــرك الضحايــا ميزقــون بعضهــم‪،‬‬ ‫ويف حالــة هــروب وهــروب إىل األمــام‪ .‬هــذا واضــح وذاك‬ ‫ملتبــس‪ .‬فاملاخــور‪ ،‬يف البنيــة االجتامعيــة‪ ،‬هــو األدىن‪ ،‬هــو‬ ‫عــامل املهمشــن والفق ـراء‪ ،‬ويف داخــل املبغــى الكبــر يســود‬ ‫الجــوع واإلقيــاء والحرمــان والتفســخ‪ .‬واألرس واألغــال‪.‬‬

‫كم هم لطفاء‬ ‫ـت بسـ ّني أســفل تلــك العبــارة‬ ‫الســقوط‪ ،‬ثـ َّم نحـ ُّ‬ ‫مــا يــي‪( :‬هــذا الرجــل يحبــك يــا لينــا‪ ،‬عليــك‬ ‫اللعنــة‪ ،‬يجــب أن تفهمــي هــذه الحقيقــة‪،‬‬ ‫وعليــك اللعنــة أيضـاً يــا ســمرية‪ ..‬ألننــي أحبــك‪،‬‬ ‫ـمت‬ ‫لكنــك تشــبهني لينــا ذلــك الرجــل)‪ .‬ثــم رسـ ُ‬ ‫قلــب حــب ومثــة ســهم غــر مدبــب مغــروس‬ ‫ـت ســني بجيــب قميــي‪.‬‬ ‫ـت فوضعـ ُ‬ ‫بــه‪ ،‬انتهيـ ُ‬ ‫آ ٍه مــن الصبايــا‪ ،‬إنهــ ّن ال يؤمــ ّن أبــدا ً بــأ ّن‬ ‫(الرجــل نصــف املجتمــع)‪ .‬كــدتُ أن أختنــق‬ ‫بســبب صمــت الشــباب‪ ،‬اســتدرتُ إىل ميينــي‬ ‫شــهقت وأنــا أقــول لجــاري‪:‬‬ ‫ثــم‬ ‫ُ‬ ‫ـــ عيل عقلة عرسان‪ !..‬أنت هنا؟!‪ .‬مرحباً‪..‬‬ ‫ـــ يا هال‪ ..‬لكن أنا لست عيل عقلة عرسان‪..‬‬ ‫طبعـاً هــذه حيلــة مــن إبداعــي‪ ،‬كنــت أمارســها‬ ‫دامئـاً يف بــاص (الــدوار الجنــويب) ألفتــح حديــث‬ ‫ٍ‬ ‫عندئــذ فُتــح‬ ‫مــع مــن يجلــس إىل جــواري‪.‬‬ ‫بــاب الزنزانــة ورصخ العنــر باســمي‪ ،‬شــعرتُ‬ ‫ـت وأنــا أمتتــم‪:‬‬ ‫بالســعادة نهضـ ُ‬ ‫ـــ حان موعد العشاء‪..‬‬ ‫ســألت‬ ‫مشــيت نحــو البــاب‪ ،‬وقبــل أن أخــرج‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الشــباب‪:‬‬ ‫ـــ أَ تُوصوين بيشء؟‪.‬‬ ‫خفــت أن يطلــب منــي أحدهــم‬ ‫برصاحــة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كيلــو برتقــال أو كيلــو تفــاح أو كيلــو ميشــيل‪،‬‬ ‫فالســوق قــد أُقفــل منــذ ســاعات‪ .‬مل ينبــس‬ ‫وخرجــت‪.‬‬ ‫َّســت الصعــداء‬ ‫ُ‬ ‫أحــد بحــرف‪ ،‬تنف ُ‬ ‫ي فســقطت‪..‬‬ ‫عندهــا ركلنــي العنــر عــى رج ـ ّ‬ ‫أمســكني هــو مــن رجــل‪ ،‬وزميلــه أمســكني‬ ‫مــن الرجــل الثانيــة ثـ َّم جـ ّراين وبرسعــة يف هــذا‬ ‫املمــر الطويــل واملعتــم‪ .‬كــم هــا لطيفــان‪ ..‬ال‬ ‫ي‪ ،‬فع ـاً‬ ‫يريــدان أن أمــي حتــى ال أتعــب رج ـ ّ‬ ‫أخجلنــي لطفهــا‪.‬‬ ‫ـاب نحيـ ٌـل‬ ‫يف غرفــة املح ّقــق‪ ،‬كان عــى األرض شـ ٌ‬ ‫ومغمــي عليــه‪ ،‬وكان‬ ‫وعــا ٍر مــرج بدمائــه‬ ‫ٌّ‬ ‫املحقــق يصــوره بعدســة جوالــه‪ ،‬عندمــا انتهــى‬ ‫حملــه أحــد العنــارص إىل الخــارج‪ .‬نظــر إ َّيل‬ ‫فابتســمت لــه‪ ،‬صــاح يب‪:‬‬ ‫املحقــق‬ ‫ُ‬ ‫ـــ ملاذا شعرك طويل يا وغد؟‪..‬‬ ‫يــا للــه كــم هــي لطيفــة هــذه الـ(وغــد) كلمــة‬

‫فيهــا موســيقى لبيانــو حنــون‪ ،‬إنهــا الكلمــة‬ ‫املفضّ لــة لــدى زوج خالتــي‪ ،‬يدلعنــي بهــا عندمــا‬ ‫أكــون رشيكــه بلعــب الــورق مــع األصدقــاء‪.‬‬ ‫ـــــ ألن حــاق حارتنــا معــارض‪ ،‬وأنــا أقاطعــه‬ ‫منــذ بدايــة املؤامــرة الكونيــة عــى البلــد‪..‬‬ ‫ـــ معارض؟!‪ ..‬أعطني اسمه وعنوانه‪..‬‬ ‫ـــــ اســمه (تــاج الديــن املــوىس) وهــو يســكن‬ ‫يف القــر الرابــع عــن ميــن شــجرة الزيتــون يف‬ ‫املقــرة الجنوبيــة‪..‬‬ ‫املحقّــق أعطــى العنــوان للعنــارص وأمرهــم‬ ‫ـدي‬ ‫بجلــب املدعــو تــاج حــاالً‪ ،‬فرحـ ُ‬ ‫ـت كثـرا ً‪ ..‬لـ ّ‬ ‫يقــ ٌن بــأ ّن األجهــزة األمن ّيــة وحدهــا فقــط‬ ‫تســتطيع الوصــول للعــامل اآلخــر لتعيــد يل أيب‬ ‫الــذي تــويف منــذ عــام‪.‬‬ ‫ـدي إىل‬ ‫ابتســم املح ّقــق بخبــث وهــو يربــط يـ ّ‬ ‫خلــف ظهــري‪ ،‬ثــم التقــط شــعري الطويــل‬ ‫وجمعــه يف كفــه وربطــه بحبــل ثخــن‪ .‬بعــد‬ ‫ذلــك م ـ َّرر هــذا الحبــل مــن حلقــة معدنيــة يف‬ ‫الســقف‪ ،‬ثـ َّم شـ َّد الحبــل هــو والعنــر فارتفــع‬ ‫جســدي لألعــى ألصــر معلقــاً بالســقف مــن‬ ‫شــعري‪ ..‬وااااااااو‪ ..‬أدهشــتني هــذه الفكــرة‬ ‫الظريفــة وكأننــي أرجوحــة‪ ،‬صــار املحقــق يدفــع‬ ‫جســدي إىل العنــر‪ ،‬والعنــر هــو اآلخــر‬ ‫يدفــع جســدي إىل املحقــق وهــا يضحــكان‬ ‫ضحكــت معهــا أعجبتنــي‬ ‫كطفلــن صغرييــن‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫جــدا ً هــذه اللعبــة‪ ،‬رحــت أغنــي لهــا أغنيــة‬ ‫(يــارا) لكــن‪ ،‬بعــد دقائــق تثــاءب املحقــق ث ـ َّم‬ ‫خــرج هــو والعنــر مــن الغرفــة لينامــا قلي ـاً‪.‬‬ ‫بقيــت وحيــدا ً هنــا معلقــاً بالســقف مــن‬ ‫ُ‬ ‫ـت‪ ،‬ملــاذا مل يبقيــا ليلعبــا معــي؟‪.‬‬ ‫شــعري‪ ،‬حزنـ ُ‬ ‫مــاذا يخـران؟‪ .‬اللعبــة كانــت ممتعــة لنــا نحــن‬ ‫الثالثــة‪ ،‬كــم هــو لطيــف هــذا املحقــق‪ ..‬لكنــه‬ ‫ـ لســوء حظــي ــــ نــي أن يصــورين بعدســة‬ ‫جوالــه‪ ،‬وبهــذا خــرتُ فرصــة نــادرة ال تتكــرر‬ ‫ألصــر مشــهورا ً‪ ،‬تطــاردين نظــرات املعجبــات‬ ‫ذهبــت‪.‬‬ ‫حيثــا‬ ‫ْ‬ ‫بعــد بضــع ســاعات بــدأ دمــي يســيل مــن أعــى‬ ‫ٍ‬ ‫اقرتبــت مــن‬ ‫عندئــذ‪..‬‬ ‫جبينــي عــى وجهــي‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫وحطــت عــى جبينــي‬ ‫ذبابــات‬ ‫وجهــي بضــع‬ ‫ْ‬

‫قصة‬ ‫لتــرب دمــي بنهــم‪ .‬مثّــة ذبابــة منهــن وبعــد‬ ‫ـمت‬ ‫ـت طــارتْ لتحــط عــى أنفــي‪ ،‬ابتسـ ْ‬ ‫أن رشبـ ْ‬ ‫وقالــت يل‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ـــ شكرا ً لك‪ ..‬دمك نبيذ ٌلذيذ‪..‬‬ ‫ـــ تكرم عينك صديقتي‪ ،‬أنا بخدمة الحلوين‪..‬‬ ‫ـــ ممكن سؤال؟‪..‬‬ ‫ـــ تفضيل‪..‬‬ ‫ـــ هل تؤمن بوجود الله؟‪..‬‬ ‫ـــــ ممممــم‪ ..‬برصاحــة‪ ،‬وأنــا معلــق بهذا الشــكل‬ ‫ال أســتطيع أن أؤمــن بــأي يشء‪..‬‬ ‫أنت ملحد‪..‬‬ ‫ـــ يعني َ‬ ‫ـــــ أتذكــر أننــي كنــت مؤمنــاً يــوم الثالثــاء‬ ‫املــايض‪..‬‬ ‫ـت‬ ‫صمتنــا لدقيقــة أنــا وهــي‪ ،‬زفــرتُ ثــم أردفـ ُ‬ ‫لهــا‪:‬‬ ‫ـــــ برصاحــة صديقتــي أنــا ال أحــب اإلميــان مــن‬ ‫طــرف واحــد‪ ،‬أحــب اإلميــان واإلميــان املضــاد‪،‬‬ ‫ومنــذ طفولتــي أشــعر بــأن اللــه ال يؤمــن يب‪..‬‬ ‫ـــ ممممم‪....‬‬ ‫فجــأ ًة دخــل املحقّــق إىل الغرفــة‪ ،‬فطــارتْ‬ ‫الذبابــات عــن وجهــي مذعــورة‪ ،‬تلــك الذبابــة‬ ‫همســت يل وهــي تبتعــد‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ـــ باي حبيبي‪..‬‬ ‫املح ّقــق أمــر العنــر بإنـزايل وإرجاعــي للزنزانة‪،‬‬ ‫كنــت أريــد أن أســأله بخصــوص العشــاء‪،‬‬ ‫ي فســقطت‪،‬‬ ‫لكــن العنــر ركلنــي عــى رجــ ّ‬ ‫ليلتقطهــا عــى عجــل ويج ـ ّرين يف هــذا املمــر‬ ‫الطويــل واملعتــم‪.‬‬ ‫مــن بــاب إحــدى الزنزانــات عــى ط ـ َريف املمــر‪،‬‬ ‫تناهــى ألذين صــوت رصخــات تشــبه صــوت‬ ‫فرحــت جــدا ً‬ ‫ورصخــت عليــه ‪:‬‬ ‫والــدي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـــــ كيفــك بابــا؟‪ ..‬ال تهتــم‪ ،‬الشــباب لطفــاء جدا ً‪،‬‬ ‫اطمــن‪ ..‬بعــد قليــل سريســلوننا إىل تلفزيــون‬ ‫الدنيــا لنتحــدث أمــام الكمــرا عــن تجاربنــا‬ ‫القصصيــة املهمــة‪ ،‬ثــم ســنحصل عــى صــورة‬ ‫تذكاريــة مــع مذيــع فقــرة (التضليــل اإلعالمــي)‬ ‫وبعدهــا ســرجع للبيــت لنــرب عــرق الريــان‪..‬‬ ‫ال تهتــم‪ ،‬أ معــك دخــان؟‪ .‬ســيجارتان فقــط‪،‬‬ ‫برحمــة االتحــاد الســوفييتي‪ ،‬يســر عــى عرضك‪،‬‬

‫خرمــااااااان‪....‬‬ ‫عــى مــا يبــدو أن أيب مل يســمعني بســبب رصاخ‬ ‫مشــجعي ريــال وبرشــلونة‪ ،‬كان العنــر يفتــح‬ ‫بــاب زنزانتــي وأنــا مســتلق ٍعــى األرض أفكــر‬ ‫بعمــق‪:‬‬ ‫ـــــ عمليــة إرجــاع والــدي مــن العــامل اآلخــر عىل‬ ‫يــد األجهــزة األمنيــة ســتضع الفقهــاء مبوقــف‬ ‫محــرج للغايــة أمــام املؤمنــن‪ ،‬أمتنــى أن يلهمهــم‬ ‫اللــه التفســر املناســب‪.‬‬ ‫ثــ َّم حملنــي ذلــك العنــر الرومانــي بــن‬ ‫ذراعيــه كأنَّنــي عشــيقته‪ ،‬ورمــاين بلطــف إىل‬ ‫جــوف الزنزانــة‪.‬‬ ‫عــى ضــوء القمــر الخافــت واملتســلل مــن تلــك‬ ‫ـت أبحــث عــن عــي عقلــة‬ ‫الكــوة باألعــى‪ ،‬رحـ ُ‬ ‫عرســان‪ ،‬لكــن أحــد الشــباب نقــر عــى كتفــي‬ ‫وهــو يهمــس يل‪:‬‬ ‫ـــ هل لديك ثقافة جيدة بالجثث؟‪..‬‬ ‫ـــ نعم‪ ،‬فأغلب أفراد أرسيت ماتوا بني يدي‪..‬‬ ‫ـــــ إذا ســمحت حــاول أن تتأكــد إن كان هــذا‬ ‫الشــاب قــد مــات أم ال‪ ،‬ألن نظــري ضعيــف‪.‬‬ ‫فلمحــت ذلــك‬ ‫نظــرت إىل حيــث أشــار يل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫انحنيــت إليــه‬ ‫الشــاب النحيــل والعــاري‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ـت رأســه وأنــا أرفعــه نحــو ضــوء القمــر‪،‬‬ ‫وحضنـ ُ‬ ‫ـت بوجهــي مــن وجهــه حتــى المــس أنفــي‬ ‫اقرتبـ ُ‬ ‫أنفــه وأنــا أمعــن النظــر يف عينــه‪ ،‬ثــ َّم كان أ ّن‬ ‫شــاهدتُ وجهــي بوضــوح يف عينــه‪.‬‬ ‫ـهقت‪ ..‬شــعري الــذي كان جعــدا ً وكأنــه قــد‬ ‫شـ ُ‬ ‫ً‬ ‫تركــت رأس‬ ‫ق‪،‬‬ ‫د‬ ‫أصــ‬ ‫مل‬ ‫كالحريــر‪.‬‬ ‫ا‬ ‫ناعــ‬ ‫صــار‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـي‪..‬‬ ‫الشــاب ليســقط ثـ َّم تحسسـ ُ‬ ‫ـت شــعري بكفـ َّ‬ ‫عندئـ ٍـذ تأكــدتُ أن شــعري صــار ناعـاً كالحريــر‪.‬‬ ‫فوقفــت يف منتصــف‬ ‫طــار عقــي مــن الفــرح‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الزنزانــة وأنــا أضحــك كمجنــون‪ ،‬ورصتُ أصفــق‬ ‫وأمتايــل بطــرب‪ ،‬الشــباب صفقــوا يل‪ ،‬حتــى لينــا‬ ‫وســمرية ــــ مــن فــوق ذلــك الجــدار ــــ صفقتــا‬ ‫ـت طويـاً بجانــب‬ ‫ألجــل رقصتــي البدائيــة‪ ،‬رقصـ ُ‬ ‫ـت منتشــياً كمهــر ٍج‬ ‫جثــة الشــاب النحيــل‪ ،‬رقصـ ُ‬ ‫مخمــور‪.‬‬ ‫بينــا القمــر‪ ،‬مــن هنــاك‪ ..‬وعــر تلــك الكــوة‬ ‫الضيقــة‪ ،‬راح يبــي علينــا مزيــدا ً مــن ضوئــه‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫الصـرخة‬ ‫قصة ‪ :‬صبحي دسوقي‬ ‫ال أدري إن كانــت الرصخــة قــد خرجــت مــن‬ ‫فمــي‪ ،‬أم ظلــت حبيســة داخلــه مــن رعــب‬ ‫الكارثــة التــي ارتســمت منــذ زمــن طويــل يف‬ ‫مخيلتــي‪ ،‬وهــا أنــذا أراهــا تتجســد عــى أرض‬ ‫صــورا ً‬ ‫قاتلــة‪.‬‬ ‫الواقــع‬ ‫ليســت نبــوءة أو شــعوذة‪ ،‬لكننــي كنــت أراهــا‬ ‫مــلء عينــي تقــع يف اليــوم مئــات املــرات‪،‬‬ ‫وكنــت أســتفيق مــن نومــي‪ ،‬أرصخ مذعــورا ً‬ ‫فأجابــه ببــادة مــن زوجتــي وتذمــر مــن‬ ‫الجــران‪.‬‬ ‫حذرتهــم مـرارا ً‪ ،‬ناشــدتهم العمــل مــن أجــل أال‬ ‫تهــوي لكنهــا‪..‬‬ ‫بنايتنــا تســقط‪ ،‬تهبــط مــن عليائهــا وتضيــع يف‬ ‫باطــن األرض‪ ،‬تغيــب يف املجهــول تاركــة خلفهــا‬ ‫الغبــار وأكــوام الحجــارة وأشــاء الجثــث وال‬ ‫يشء آخــر‪.‬‬ ‫الجثــث تتفســخ‪ ،‬تنــن‪ ،‬أرجــل هنــاك وأيــد هنــا‪،‬‬ ‫شــفاه‪..‬أقدام‪ ،‬دفعــة واحــدة تســقط وتنتهــي‪،‬‬ ‫عظمتهــا الجوفــاء تتــاىش‪ ،‬وبريقهــا املزيــف‬ ‫يخبــو‪ ،‬وال يبقــى إال الغبــار‪.‬‬ ‫البارحــة‪ ،‬والشــهر الــذي قبلــه‪ ،‬وســنوات طويلــة‬ ‫وأنــا أحذرهــم‪:‬‬ ‫ بنايتنا ال أساس لها‪ ..‬ستسقط‪.‬‬‫فينظــرون إ ّيل باســتغراب‪ ،‬ويهــزون رؤوســهم‬ ‫بــا مبــاالة‪ ،‬ويندفعــون إىل الضيــاع يف زحمــة‬ ‫الدنيــا وهمومهــا‪ ،‬متناســن هــول املصيبــة التــي‬ ‫تنتظرهــم‪.‬‬ ‫دققــت األبــواب‪ ،‬النوافــذ‪ ،‬يف الصبــاح واملســاء‪،‬‬

‫يف الظلمــة الحالكــة ويف وضــح النهــار‪ ،‬قلــت‬ ‫لهــم‪:‬‬ ‫ منــذ أيــام ســقط بنــاء يف املدينــة املجــاورة‬‫فلنحافــظ عــى بنائنــا‪.‬‬ ‫فضحكــوا‪ ،‬وضحكــوا‪ ،‬ثــم اســرخوا عــى‬ ‫مقاعدهــم وهــم يحلمــون‬ ‫بعقــد الصفقــات وإح ـراز املزيــد مــن األربــاح‬ ‫متشــاغلني عــن كل يشء‪ ،‬رصاخــي‪ ،‬والبنايــة‪،‬‬ ‫نســائهم وحتــى األطفــال األبريــاء‪.‬‬ ‫قلت لنفيس‪:‬‬ ‫يل أن أحاول إقامة دعائم تسندها‪.‬‬ ‫ع ّ‬‫ووقــف جســدي الضعيــف املحــارص باألم ـراض‬ ‫يف وجهــي ومتتــم بحــزن‪:‬‬ ‫أيها املسكني عبثاً تحاول‪.‬‬ ‫ ‬‫فرتكتــه خلفــي مــع آالمــه وركضــت أناشــد‬ ‫اآلخريــن‪ ،‬أحاورهــم‪ ،‬أســتجديهم التوقــف‬ ‫والتفكــر بالبنــاء ومصــره املنتظــر‪.‬‬ ‫طالبتهــم إقامــة بنــاء بديــل‪ ،‬وعــى أســس متينة‬ ‫وأرض صلبــة‪ ،‬قلــت للمســؤول عــن البناء‪:‬‬ ‫ األرض هشــة وال تحتمــل ضخامــة البنــاء‪ ..‬ثــم‬‫األســاس‪ ..‬أيــن األســاس؟؟‪.‬‬ ‫فدفعني غاضباً‪:‬‬ ‫ إن مل يعجبــك البنــاء فارحــل‪ ..‬هــذا عمــي‬‫وأنــا أعرفــه جيــدا ً‪.‬‬ ‫ويف الليــل أســمع عــوا ًء متقطعــاً‪ ،‬يف كل ليلــة‬ ‫ينبثــق مــن العتمــة‪ ،‬يعــر جــدران البنايــة‪،‬‬ ‫يزحــف يف مســامات جســدي‪ ،‬يختلــط بكريــات‬ ‫دمــي‪ ،‬أرتجــف وأنــا أوقــظ زوجتــي‪:‬‬ ‫ إنه نذير شؤم‪.‬‬‫فتلعــن يف رسهــا اليــوم التــي رأتنــي فيــه‪،‬‬ ‫وتغــادر الغرفــة‪ ،‬ترتكنــي وحيــدا ً مــع العــواء‪.‬‬ ‫أحــد املســؤولني ومــا أكرثهــم اســتدعاين إىل‬ ‫غرفتــه‪ ،‬طلــب إ ّيل الجلــوس‪ ،‬وبقيــت طويــاً‬

‫ُ‬ ‫كتب��ت عل��ى الري��ح‬ ‫صهيب رستناوي‬ ‫ُ‬ ‫ظل ورمبا ال‪..‬؟ يف قلبي الفارغ‬ ‫أعرف أنَّني ٌّ‬ ‫هرب م ّني القمر وعواطفي ٌ‬ ‫سهول جردا ٌء‬ ‫يف ليل ٍة َ‬ ‫ال ينمو فيها إال الغبار‬ ‫أستقيص مفاز َة العدم‬ ‫ست ٌة وثالثو َن شهرا ً‬ ‫حيثُ ال أُرى‬ ‫ُ‬ ‫التعب‬ ‫زلت أقتاتُ‬ ‫وأعرف أ َّن خطاي تاهت وما ُ‬ ‫َ‬ ‫أقتاتُ االنتظا َر‬ ‫التعب‬ ‫يف عراء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫البحث عن األمل‬ ‫يف رحل ِة‬ ‫ظل أنا!‬ ‫ٌ‬ ‫أتخ َّب ُط يف الظالم‬ ‫أبحثُ عن رسي ٍر مض َّمخ‬ ‫ْناي الجحي ُم‬ ‫بالجسد‬ ‫ُسك َ‬ ‫ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫الكلامت أقىس‪..‬‬ ‫وبعض‬ ‫أزل‬ ‫ُ‬ ‫ست ٌة وثالثو َن شهرا ً‬ ‫صامدا ً‬ ‫َ‬ ‫فوق مالي ِني الخطى التائهة والزما ُن بال زمان‬ ‫ُ‬ ‫تحت رحم ِة واملكا ُن بال مكان‬ ‫وأعرف أنَّني َ‬ ‫كلاميت‬ ‫والساحاتُ‬ ‫ُ‬ ‫والقصيدة‬ ‫وأعرف أنَّني ما والشوار ُع‬ ‫أكتب‬ ‫واألرصف ُة‬ ‫ُ‬ ‫زلت ُ‬ ‫ِ‬ ‫تفتقدك‬ ‫أل ِّو ُن حز َن الليايل‬ ‫ست ٌة وثالثو َن شهرا ً‬ ‫وأرس ُم القصيد َة أنثى‬ ‫ٍ‬ ‫زلت أعاي ُن حجار ِة‬ ‫بصيص‬ ‫من‬ ‫وما ْ‬ ‫الطريق‬ ‫من ضو ٍء‬ ‫من أملٍ‬ ‫كل يش ٍء‬ ‫اقب َّ‬ ‫تر ُ‬ ‫ال ُ‬ ‫تقول شيئاً‬ ‫عىل صد ِر السام ِء‬ ‫تح ِّد ُق يف األبد‬ ‫قريباً من شف ِة األرض‬ ‫ترى الخطوات‪ /‬خطوايت‬ ‫حيثُ تُ ْن َح ُر الكلامت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وتفتقدك‬ ‫كل صباح‬ ‫َّ‬ ‫**‬ ‫ست ٌة وثالثو َن شهرا ً‬ ‫**‬ ‫طريق األملْ‬ ‫مل ْ‬ ‫ال أدري‬ ‫أزل أُقَ ِّب ُل َ‬ ‫أفتق ُد شيئاً‬ ‫كل ما أدري ِه‬ ‫لكن ُّ‬

‫أ َّن الحل َم لن ينتهي‬ ‫ولن أهاج َر إىل بال ِد ِ‬ ‫اليأس‬ ‫سأبقى صامدا ً‬ ‫َ‬ ‫الجبال املتساقطة‬ ‫ولن أد َع‬ ‫من أعىل جحيمٍ ِ‬ ‫قلبك‬ ‫تئ ُد حلمي‪ ..‬وسأذك ُر!‬ ‫نعم سأذك ُر أنَّني‬ ‫كنت عتياً فوق نفيس‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫العاتيات‬ ‫كنت الصخو َر‬ ‫ُ‬ ‫كنت أنغا َم الطيو ِر‬ ‫ُ‬ ‫عندما ُ‬ ‫يرشق الحزن‬ ‫وسأذك ُر أنَّني‬ ‫األبيض‬ ‫الفارس‬ ‫كنت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ألحالم فتا ٍة مصطنع ٍة‬ ‫ِ‬ ‫وغضب املنتقم‬ ‫ٍ‬ ‫مضطهد‬ ‫شعب‬ ‫وإرادة ٍ‬ ‫ووفا ُء أتباع اململكة‪.‬‬ ‫وسأذك ُر أنَّني‬ ‫كنت قصيدة‬ ‫كنت كلمةً‪ُ ,‬‬ ‫ُ‬ ‫سحائب شعر‬ ‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫متط ُر باألمل‬ ‫قلب‬ ‫وكان يل ٌ‬ ‫وواحاتُ نخلٍ‬ ‫تحت الظالل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫*مالحظــة‪ :‬مــا ســبق‬ ‫هــو أجــزاء مــن قصيــدة‬ ‫طويلــة بنفــس العنــوان‪.‬‬

‫أنظــر إىل ظهــره وإىل الظــال التــي ترســمها‬ ‫األنــوار عــى تقاطيعــه‪ ،‬وعندمــا هممــت‬ ‫مبغــادرة الغرفــة أوقفنــي باشــمئزاز‪:‬‬ ‫ آخــر إنــذار لــك ‪ ..‬هــذه شــائعات تــر‬‫بالبنايــة وســكانها اآلمنــن ‪..‬‬ ‫وأنا أشعر أنها موجهة ضدنا إنني أحذرك‪.‬‬ ‫حاولــت عبثــاً أن أرشح لــه املوقــف‪ ،‬عرضــت‬ ‫أمامــه الحقائــق التــي بنيــت عليهــا اســتنتاجي‬ ‫للواقعــة التــي ســتحدث‪ ،‬فطــردين بكلــات‬ ‫قاســية‪.‬‬ ‫حتــى األطفــال بــدأوا يســخرون منــي‪ ،‬وكلــا‬ ‫شــاهدوين يتصنعــون االهتــام وهم يتســاءلون‪:‬‬ ‫ متى سيسقط البناء‪..‬؟ ‪.‬‬‫فأتوقــف ألحدثهــم عــن رضورة هــدم البنــاء‬ ‫املتخلخــل‪ ،‬وإشــادة آخــر بديــل عنــه‪ ،‬فتنفجــر‬ ‫ضحكاتهــم وترتفــع لتصاحــب ضحــكات النســاء‬ ‫اللــوايت ينظــرن مــن النوافــذ‪ .‬مئــات املــرات‬ ‫فكــرت بالهــرب مــع أطفــايل لكــن خــويف عــى‬ ‫األطفــال اآلخريــن منعنــي‪ ،‬وصممــت عــى‬ ‫املواجهــة‪.‬‬ ‫ال زال هنــاك أمــل‪ ،‬بصيــص أمــل يومــض مــن‬ ‫بعيــد‪ ،‬قــد يتنبــه اآلخــرون إليــه قبــل فــوات‬ ‫األوان وينهضــون ملجابهــة الخطــر‪.‬‬ ‫لكــن البنايــة تســقط‪ ،‬تســقط حقيقــة‪ ،‬ســقطت‬ ‫يف داخــي عـرات املـرات‪ ،‬وهــا هــي ذي متيــل‬ ‫اآلن بكاملهــا جهــة الجنــوب‪ ،‬ومــن الطــرف‬ ‫اآلخــر بــرزت هــوة ســحيقة ال ق ـرار لهــا‪.‬‬ ‫ـي ثــم فتحتهــا عــى اتســاعهام‬ ‫أغمضــت عينـ ّ‬ ‫فشــملتا املشــهد‪ ،‬ركضــت لكــن قدمــي‬ ‫عجزتــا عــن حمــي ثــم رصخــت‪ ،‬ال أدري إن‬ ‫كان الصــوت قــد خــرج أم ظــل محتبس ـاً مــن‬ ‫الرعــب‪.‬‬ ‫ســقطت عــى األرض‪ ،‬وبــكل قــواي املتبقيــة‬

‫زحفــت‪ ،‬ثــم متكنــت مــن الوقــوف والركــض‬ ‫باتجــاه البنــاء الــذي ينهــار‪ ،‬دققــت األبــواب‪،‬‬ ‫خــرج أحدهــم ومــا أن رآين حتــى أغلــق البــاب‬ ‫وهــو يشــتم‪ ،‬دفعــت البــاب بيــدي‪ ،‬بقدمــي‪،‬‬ ‫بوجهــي‪ ،‬دمــايئ تنتــر عــى األبــواب‪ ،‬تلونهــا‪،‬‬ ‫يفتــح الرجــل البــاب غاضب ـاً فأمســك بــه مــن‬ ‫صــدره‪ ،‬أخرجــه خــارج البنــاء‪ ،‬أدفعــه إىل النظــر‬ ‫إليــه‪ ،‬وأطلــب منــه مســاعديت يف إنقــاذ اآلخرين‬ ‫فيســارع إلخ ـراج أثاثــه‪.‬‬ ‫أركــض باتجــاه آخــر‪ ،‬وثالــث‪ ،‬أدق األبــواب‪،‬‬ ‫أنــادي عــى أطفــايل‪ ،‬أقــول لزوجتــي‪:‬‬ ‫ خذيهم واهريب ‪.‬‬‫وأصعــد الدرجــات الهثــاً‪ ،‬يرتاكــض الجميــع‬ ‫باتجــاه الخــارج‪ ،‬وأواصــل صعــودي املحمــوم‪،‬‬ ‫أقــول بيــأس‪:‬‬ ‫ حلــت النهايــة‪ ..‬ولكــن لتكــن بأقــل مــا ميكــن‬‫مــن الضحايــا‪.‬‬ ‫الكابــوس الــذي الحقنــي طويـاً يتجســد حقيقة‬ ‫مرعبــة‪ ،‬البنــاء يتداعــى‪ ،‬والجثــث تتدافــع أمــام‬ ‫عينــي‪ ،‬تهــرب‪ ،‬تتمــزق‪ ،‬تتطايــر أشــاء‪.‬‬ ‫أغمــض عينــي وأواصــل قــرع األبــواب‪ ،‬الزجــاج‬ ‫يتحطــم‪ ،‬واألثــاث الفاخــر يندفــع مــن النوافــذ‬ ‫ليســقط ويحــدث ارتطامــه بــاألرض صوتـاً يزيــد‬ ‫ضجيــج قلبــي الخائــف‪.‬‬ ‫العــواء املتقطــع يصلنــي مــن بعيــد‪ ،‬مــن‬ ‫األبــواب‪ ،‬مــن النوافــذ‪ ،‬يقــرب منــي‪ ،‬يهبــط إ ّيل‬ ‫مــن الدرجــات التــي أصعدهــا الهث ـاً‪ ،‬أضغــط‬ ‫عــى أذ ّين‪ ،‬فيــزداد الصــوت وضوحــاً‪ ،‬أنــادي‬ ‫بــكل مــا تبقــى مــن صــويت‪:‬‬ ‫ البناء يسقط‪..‬‬‫ويتهــاوى جســدي عــى الســامل‪ ،‬الدمــاء تغطــي‬ ‫درجاتــه‪ ،‬يتدافعــون فوقــي وهــم يقفــزون إىل‬ ‫الخــارج‪ ،‬بعضهــم يســقط يف الحفــرة الهائلــة‬

‫‪13‬‬

‫االتســاع‪ ،‬وآخــرون تحــت أكــوام الحجــارة‬ ‫املتســاقطة‪.‬‬ ‫أحــاول النهــوض والوصــول إىل بوابــة الخــروج‬ ‫فيدفعوننــي إىل الخلــف‪ ،‬وينطلقــون هربـاً مــن‬ ‫الدمــار فأعــاود مــن جديــد وأجــد نفــي عــى‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫الجثــث تنــزف‪ ،‬واأليــدي تتطايــر يف الهــواء‪،‬‬ ‫العيــون‪ ،‬الشــفاه‪ ،‬األحذيــة الثمينــة واألمتعــة‪،‬‬ ‫تختلــط األشــياء‪.‬‬ ‫األجســاد تتكــوم بعضهــا فــوق بعــض‪ ،‬الروائــح‬ ‫النتنــة تحــارصين‪ ،‬والعويــل يتضخــم‪.‬‬ ‫أصــل البــاب فأجــد الحجــارة قــد ســدته‪ ،‬التفت‬ ‫إىل الخلــف‪ ...‬حجــارة‪ ،‬إىل األعــى واليمــن ‪..‬‬ ‫اليســار ‪ ..‬رصخــت‪:‬‬ ‫رصختــي خرجــت قويــة مدويــة‪ ..‬هــزت البنــاء‪،‬‬ ‫غطــت عــى العويــل‪ ،‬رصخــت ‪..‬رصخــت ‪:‬‬ ‫‪ -‬هل سمعتم رصختي‪..‬؟؟ ‪.‬‬

‫البوكر العاملية للرواية العربية‬

‫من نصيب الروائي التونس��ي ش��كري املبخ��وت عن روايته‬ ‫(الطلياني)‬ ‫فــاز الــروايئ التونــي شــكري املبخــوت بجائــزة البوكــر العامليــة‬ ‫للروايــة العربيــة يف دورتهــا الثامنــة للعــام ‪ 2015‬عــن روايتــه‬ ‫(الطليــاين)‪ ،‬وقــد تــم إعــان نتائــج املســابقة وتوزيــع الجوائــز يف‬ ‫حفــل خــاص أقيــم يف العاصمــة اإلماراتيــة أبــو ظبــي مســاء يــوم‬ ‫االربعــاء ‪ 6‬مايــو ‪.2015‬‬ ‫وحصــل املبخــوت عــى جائــزة نقديــة مقدارهــا ‪ 50‬خمســون ألــف‬ ‫دوالر‪ ،‬إضافــة إىل ترجمــة الروايــة إىل اللغــة اإلنكليزيــة‪ ،‬الــذي يتيح‬ ‫للكاتــب حضــورا ً عاملي ـاً‪ ،‬وانتشــارا ً واســعاً لروايتــه‪ ،‬فيــا نــال كل‬ ‫مــن الروائيــن الذيــن متكنــوا مــن الوصــول إىل القامئــة القصــرة‬ ‫عــرة آالف دوالر‪ ،‬وهــم‪ :‬الفلســطيني عاطــف أبــو ســيف‪ ،‬عــن‬ ‫روايتــه «حيــاة معلقــة» واللبنانيــة جنــى نــوار الحســن عــن روايتهــا‬ ‫«طابــق ‪ ،»99‬كذلــك الســورية لينــا هويــان الحســن عــن روايتهــا‬ ‫«أملــاس ونســاء»‪ ،‬والســوداين حمــور زيــادة عــن روايتــه «شــوق‬ ‫الدرويــش» إضافــة إىل املغــريب أحمــد املدينــي عــن روايتــه «ممــر‬ ‫الصفصــاف»‪ ،‬وبلــغ مجمــوع األعــال الروائيــة التــي تقدمــت إىل‬ ‫القامئــة الطويلــة للجائــزة ‪ 180‬عمــاً روائيــاً مــن خمســة عــر‬ ‫بلــدا ً عربي ـاً‪.‬‬ ‫والجديــر بالذكــر أن روايــة «الطليــاين» للمبخــوت قــد فــازت أيضـاً‬ ‫بجائــزة (الكومــار الذهبــي) يف دورتهــا التاســعة عــر للروايــة‬ ‫التونســية يف نيســان املــايض مــن هــذا العــام‪.‬‬ ‫ويف حفــل التكريــم تحــدث الــروايئ املبخــوت عــن الرواية التونســية‬ ‫مؤكــدا ً أنهــا تشــهد نهضــة حقيقيــة قــد تؤهلهــا للرتبــع عــى عــرش‬ ‫الروايــة العربيــة‪ ،‬موضحـاً أن روايتــه «الطلياين» تطرقــت إىل العديد‬ ‫مــن القضايــا الســاخنة التــي تبحــث يف الوجــع اإلنســاين‪ ،‬وتجــرح‬ ‫شــيئاً مــن التاريــخ لرتصــد عــر بطلهــا عبــد النــارص الطليــاين‬ ‫جملــة القضايــا التــي تحــايك أواخــر عهــد الرئيــس الراحــل الحبيــب‬ ‫بورقيبــة‪ ،‬وبدايــة عهــد الرئيــس املخلــوع زيــن العابديــن بــن عــي‪.‬‬ ‫وحــول روايــة الطليــاين‪ ،‬قــال رئيــس لجنــة تحكيــم جائــزة البوكــر‪،‬‬ ‫الشــاعر الفلســطيني مريــد الربغــويث‪ :‬إنهــا رحلــة يف عــوامل الجســد‬

‫والبلــد والرغبــة واملؤسســة واالنتهــاك واالنتهازيــة‪ ،‬لقــد حقــق‬ ‫مــن خاللهــا الــروايئ املبخــوت املعادلــة الصعبــة التــي تدلــل عــى‬ ‫مشــهد ارتبــاك العــامل الصغــر لألفـراد داخــل العــامل الكبــر للبــاد‪،‬‬ ‫مؤكــدا ً أن لجنــة التحكيــم يف تقريرهــا النهــايئ أشــادت بوضــوح‬ ‫أن روايــة الطليــاين اســتطاعت أن تتحصــل مــن خــال رسودهــا‬ ‫عــى اســتحواذ اهتــام القــارئ منــذ ســطرها األول حتــى ســطرها‬ ‫األخــر‪.‬‬ ‫نلفــت هنــا أن الــروايئ شــكري املبخــوت مــن مواليــد عــام ‪1962‬‬ ‫حاصــل عــى شــهادة الدكتــوراه يف اآلداب‪ ،‬ويعمــل حالي ـاً رئيس ـاً‬ ‫لكليــة اآلداب بجامعــة منوبــة‪ ،‬إضافــة إىل مشــاركته يف العديــد‬ ‫مــن هيئــات تحريــر املجــات التونســية املحكمــة‪ ،‬وقــد جــاء مــن‬ ‫النقــد األديب والبحــوث الرتاثيــة إىل عــامل الروايــة‪ ،‬و(الطليــاين) هــي‬ ‫باكــورة أعاملــه الروائيــة مــع العلــم أ ّن لــه العديــد مــن اإلصــدارات‬ ‫النقديــة والبحــوث التــي تعالــج مفاصــل هامــة يف ال ـراث العــريب‬ ‫بشــقيه النقــدي واللغــوي‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫رواية «الطلياني»‬ ‫أسعد فخري‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫احتفاءات اجلسد على أطالل البلد‬

‫يف التعبــر عــن ســياقات تحــوالت املجتمــع‬ ‫ال شــك أن رسديــة «الطليــاين» للــروايئ التونــي‪ ،‬االقتصاديــة االجتامعيــة والسياســية‬ ‫التونــي شــكري املبخــوت‪ ،‬والفائــزة بجائــزة وفــق أبعــاد أخالقيــة أصبحــت املشــكل األهــم‬ ‫«البوكــر» العامليــة للروايــة العربيــة عــن هــذا يف حضورهــا املقــدس‪.‬‬ ‫العــام «‪ »2015‬قــد تصــدت يف رسوداتهــا ملزيــد‬ ‫مــن األســئلة الحائــرة داخــل مشــهد تطلعــات *حفريات العائلة السردية‪:‬‬ ‫ــح ذكــوري يف الشــخصيات داخــل‬ ‫الروايــة العربيــة‪ُ ،‬مؤثــرة أن تكــون رسديــة مثــة شُ ٌ‬ ‫تونســية عــى وجــه الخصــوص‪ .‬بيــد أنهــا مل مكونــات العائلــة الرسديــة للطليــاين فالغلبــة‬ ‫تقــف عنــد هذا الحــد‪ ،‬فراحــت ترصــد تحوالت يف الدوافــع تعــود إىل شــخصية املــرأة التــي‬ ‫املجتمــع التونــي دون غــره مــن املجتمعــات انعكســت أدوارهــا التمثيليــة عــى ســلوكات‬ ‫األخــرى‪ ،‬وهــي ال تخفــي رهانهــا الطمــوح أمــام الرجــال يف العائلــة وكانــت أحــد أبــرز‬ ‫املواجهــات الكبــرة التــي تعصــف بالعديــد مــن املحــركات الترسيديــة لنــاء األحــداث داخــل‬ ‫القضايــا اإلشــكالية‪ ،‬واملركبــة التــي مــرت بهــا ســياقات الحكايــة حيــث تبــدت ظهــورات‬ ‫تونــس مــا بــن مرحلتــن تاريخيتــن ســادهام الشــخصيات مقرونــة مبراتــب هرميــة تؤثــث‬ ‫الكثــر مــن التحــوالت العاصفــة إبــان نهايــات ملفاهيــم خالفيــة تتعلــق بالرؤيــة والنهــج‬ ‫حكــم «الحبيــب بورقيبــة» وبدايــات حكــم السياســيني بصــورة خاصــة حيــث نلحــظ‬ ‫«زيــن العابديــن بــن عــي» لنتحصــل مــن بعــد الحضــور األنثــوي عــر شــخصية «زينــة»‬ ‫ذلــك عــى عمــل روايئ حــاذق يف تصدياتــه‪ ،‬التــي أضفــت عــى الــرود قيمــة فائقــة مــن‬ ‫وتعرضاتــه‪ ،‬املكينــة مــن الناحيــة السياســية خــال حالــة التمــرد والخــروج عــن املألــوف‬ ‫ملرحلــة هامــة وفارقــة داخــل زمــن تونــي التــي قدمــت نفســها عربهــا‪ ،‬فهــي الطالبــة‬ ‫بامتيــاز‪ ،‬شــهد انكســارات صاخبــة رسعــان الجامعيــة املشاكســة واليســارية التــي لفتــت‬ ‫مــا انعكســت عــى مجمــل الحيــاة السياســية االنتبــاه داخــل حــراك االحتجاجــات الطالبيــة‬ ‫دون أن تكــون منتميــة إىل حــزب ســيايس‬ ‫واألخالقيــة لعمــوم املجتمــع التونــي‪.‬‬ ‫بعينــه‪ ،‬كــا أنهــا كانــت تدخــن الســيجارة أمــام‬ ‫الجميــع كــا تصفهــا الروايــة يف الوقــت الــذي‬ ‫*مرياث سرود اخلطيئة‪:‬‬ ‫قامــت روايــة الطليــاين عــى ميثــة حكائيــة‪ ،‬يذهــب الطلبــة اآلخــرون ملامرســة التدخــن‬ ‫تألفــت مــن اثنتــي عــرة محطــة رسديــة‪ ،‬يف حاممــات الجامعــة‪ ،‬كانــت رصيحــة ووقحــة‬ ‫راحــت يف عمومهــا ترصــد حيــوات شــخوص وال تقيــم وزن ـاً لقوانــن متعــارف عليهــا‪ ،‬وإمنــا‬ ‫متنوعــن يف مشــاربهم السياســية‪ ،‬واالقتصاديــة‪ ،‬كانــت تفعــل مــا تؤمــن بــه بعيــدا ً عــن أي قيــد‬ ‫واالجتامعيــة بيــد أنهــا‪ ،‬ومــن خــال فواصلهــا اجتامعــي أو أخالقــي‪ ،‬ومــا انفكــت تجاهــر‬ ‫تلــك أرادت أن تخربنــا مســار حكايــة بدأتهــا برصاعهــا مــع الســلفيني واألحــزاب الشــيوعية‬ ‫مــن آخرهــا لتأخذنــا عــر أســلوب شــيق والفت التقليديــة وتكيــل لهــم الشــتائم والســباب‪،‬‬ ‫إىل أولهــا‪ ،‬ولرمبــا الغايــة مــن اســتخدام تلــك وتؤمــن إميانـاً مطلقـاً بحريــة الجســد‪ ،‬والجنــس‬ ‫اللعبــة الفنيــة مــا يــرر رغبــة الــروايئ يف إحيــاء ومتــارس متعتهــا بحريــة‪.‬‬ ‫الزمــن الفائــت مــن حكايتــه كســياقات يبنــي ذات يــوم اســتدعي والــد «زينــة» إىل املعهــد‬ ‫الــذي تــدرس فيــه ملناقشــته بوضــع ابنتــه‬ ‫عليهــا غايــات الروايــة ومراميهــا‪.‬‬ ‫تبــدأ روايــة الطليــاين أناشــيدها الرسديــة مــن وإخبــاره عــن ترصفاتهــا‪ ،‬فــكان رده حاســاً‬ ‫زقاقهــا األخــر‪ ،‬وهــي تصــف لنــا مراســم دفــن حــن قــال‪« :‬إنــه ال يتحكــم فيهــا فهــي ابنــة‬ ‫الحــاج محمــود‪ ،‬والــد عبــد النــارص امللقــب بورقيبــة الــذي جعــل النســاء متقويــات عــى‬ ‫بالطليــاين‪ ،‬الــذي يــرك حشــد املشــيعني يف الرجــال واآلبــاء واإلخــوة» ص ‪ .47‬كــا مل‬ ‫حــرة مــن أمرهــم حــن يندفــع كممســوس يتحــرج أبــدا ً حــن أوضــح للمديــر «أنــه نفــض‬ ‫تجــاه الشــيخ عاللــة الدرويــش الــذي كان يديــه منهــا ومل تعــد تكلمــه منــذ ســنوات‪ ،‬ال‬ ‫يغــرق وقتهــا يف حفــرة القــر‪ ،‬وهــو منشــغل تعتــره أبــاً لهــا‪ ،‬وأقســمت أمــام العائلــة أن‬ ‫يف تلقــن امليــت العبــارات املعتــادة حســب األم أكــر رجولــة منــه‪ ،‬كانــت تنعتــه بالحقــر‬ ‫طقــوس الدفــن‪ ،‬لينهــال حينهــا عليــه الطليــاين الســكري املتخلــف ولــوال بقيــة حيــاء لطردتــه‬ ‫مــن البيــت» ص‪47‬‬ ‫ركالً ورضبــاً مربحــن حتــى يدميــه‪.‬‬ ‫ولــي نعلــم ملَ أقــدم الطليــاين عــى فعلتــه تلــك هــي الصفــات واملفاعيــل التــي اســتغرقت‬ ‫الصادمــة تلــك ســنحتاج شــوطاً طويــاً مــن شــخصية «زينــة» ومنحتهــا أبعــاد رسديــة‬ ‫الــرود بلغــت خواتيــم الروايــة لنتعــرف مــن خاصــة ومتميــزة انعكســت عــى حــراك‬ ‫بعــد ذلــك عــى أحــد أهــم أرسارهــا حــن الشــخصيات التــي دارت يف فلكهــا الحــكايئ‪.‬‬ ‫يســتقيم حــوار بــن الــراوي العليــم صديــق عــى الجانــب اآلخــر بــدت ظهــورات عبــد‬ ‫عبــد النــارص وبــر أرساره‪ ،‬والطليــاين ذاتــه النــارص «الطليــاين» ال تقــل أهمية عن شــخصية‬ ‫الــذي راح مســتطردا ً يف قــص حكايــة اغتصــاب زينــة فــكل منهــا اســتكمل نشــيد اآلخــر رسدياً‬ ‫الشــيخ عاللــة لــه‪ ،‬وألكــر مــن مــرة حــن كان يف الوقــت الــذي كان عبــد النــارص زعيـاً كبـرا ً‬ ‫وميثــل تيــارا ً سياســياً تحرريــاً يف الجامعــة‪،‬‬ ‫يف ســن اليفاعــة‪.‬‬ ‫تلــك هــي واحــدة مــن سلســلة كبــرة متتاليــة وخطيبــاً بارعــاً‪ ،‬ومقنعــاً يف كلامتــه الصارخــة‬ ‫وممتــدة يخربنــا بهــا الــراوي العليــم عــى كانــت زينــة يف الطــرف اآلخــر تنتقــد وتشــتم‬ ‫الرغــم مــن غمــوض محيــاه وظهوراتــه املواربــة خطاباتــه وتنعتــه باملدعــي‪ ،‬هــو‪ ،‬ومــن معــه‪،‬‬ ‫لنكتشــف مــن خاللــه أن معظــم شــخصيات حتــى وصــل األمــر إىل اتهــام تيــاره الســيايس‬ ‫الطليــاين تعيــش حالــة املــأزق املرتبــط بذاكريــة باملخــادع‪ ،‬واالنتهــازي‪ ،‬وهــذا مــا َص ّعــد املوقف‬ ‫حملــت الكثــر مــن الويــات واالنكســارات بــن زينــة‪ ،‬ومــن ميثلــه الطليــاين إىل درجــة أنــه‬ ‫ورشيــط طويــل مــن الخطيئــة والقليــل مــن تــم التخطيــط الغتيالهــا مــن قبلهــم لشــدة مــا‬ ‫االنتصــارات املنقوصــة وكأن الــروايئ املبخــوت كان لهــا تأثــر عــى خطاباتهــم السياســية‪.‬‬ ‫أراد يف ترسيــده املســهب أن ينبــش ماضويــة وقــد لفــت حــراك زينــة وحيويتهــا وجاملهــا‬ ‫كل شــخصية مــن شــخصيات الروايــة ليبــن األخــاذ عبــد النــارص‪ ،‬الــذي أحــس منــذ أن‬ ‫لنــا مــن خاللهــم جملــة القضايــا التــي تتحكــم رآهــا بجاذبيــة شــخصيتها‪ ،‬وســحر عينيهــا‪،‬‬ ‫مباهيــة املجتمــع التونــي وتحوالتــه عازمــاً وامتشــاق قامتهــا‪ ،‬وقــد اســتيقظت أحاسيســه‬ ‫عــى أن تكــون مجمــوع تلــك الشــخصيات تجاههــا بصخــب مل يســتطع مقاومتــه مــذ‬ ‫عائلــة تونســية مقدســة‪ ،‬فريــدة‪ ،‬والفتــة التقيــا ملناقشــة الطلــب إليهــا يك تخفــف مــن‬

‫انتقاداتهــا القاســية تجــاه التيــار الــذي ينتمــي‬ ‫إليــه‪.‬‬ ‫مــن بعــد ذلــك يلتقيــان كث ـرا ً‪ ،‬ثــم يتزوجــان‬ ‫لتبــدأ رحلتهــا املليئــة بصخــب ال ـراع الــذي‬ ‫أراد الــروايئ املبخــوت أن يبنــي عليــه التاريــخ‬ ‫املضطــرب لحقبــة مــن عمــر تونــس والتحــوالت‬ ‫االحرتابيــة داخــل تياراتهــا السياســية املختلفــة‪.‬‬ ‫* فتوح��ات اجلس��د ش��ياطني تقب��ع يف‬ ‫التفاصي��ل‪:‬‬ ‫مل تدخــر رسديــة الطليــاين جهدا ً يف امتــداح مآثر‬ ‫املثلــث املرعــب «السياســةـ الديــن ـ الجنــس»‪،‬‬ ‫وهــي مــا انفكــت تشــتغل عــى ذاك التابــو‬ ‫بــكل مــا ملكــت مــن لغــة حكائيــة بارعــة يف‬ ‫اختيــار املفــردات الجاذبــة بلغتهــا الدانتيليــة‪،‬‬ ‫وقدرتهــا عــى تأثيــث معادلــة شــد القــارئ‬ ‫نحوهــا‪ ،‬لكــن مــا تحصلنــا عليــه مل يتجــاوز إال‬ ‫مــرورا ً عابــرا ً يف خضــم إشــكالية كبــرة كان ال‬ ‫بــد عــى الــروايئ املبخــوت أن يوليهــا االهتــام‬ ‫الشــديد ملــا لهــا مــن أبعــاد أساســية يف تنظيــم‬ ‫العالقــة بــن تفاصيــل مثلــث‪ :‬الديــن والسياســة‬ ‫والجنــس وانعكاســها عــى حيــوات الشــخصيات‬ ‫الرسديــة داخــل متــون الروايــة‪.‬‬ ‫* لننظ��ر أوال يف ماضوي��ة الش��خصيات‬ ‫داخل رواية الطلياني وفق أبعاد اخلطيئة‬ ‫وانعكاسها‪:‬‬ ‫«عبــد النــارص» لقــب بالطليــاين ألن وســامة‬ ‫وجهــه خليــط مــن الجــال اإليطــايل والــريك‬ ‫تعــرض لالغتصــاب وهــو يف ســن اليفاعــة مــن‬ ‫قبــل الشــيخ عاللــة ولعــدة مــرات‪ ،‬عمــل يف‬ ‫السياســة وحــن أحــس باإلحبــاط واالنكســار‬ ‫تخــى عــن زوجتــه زينــة‪ ،‬وتحــول إىل زيــر‬ ‫نســاء وصيــاد بــارع لهــن‪ ،‬اشــتغل يف صحيفــة‬ ‫تتبــع للســلطة التــي كان يعاديهــا‪ ،‬اتهــم بعالقــة‬ ‫لــواط مــع املديــر العــام للصحيفــة التــي عمــل‬ ‫بهــا مؤخ ـرا ً‪ ،‬أقــام عالقــة جنســية مــع صديقــة‬ ‫زوجتــه «نجــاء» يف الوقــت الــذي مل يوفــر‬ ‫عالقــة أخــرى مــع انجليــكا أخــت زوجــة أخيــه‬ ‫الســويرسية‪ ،‬تحــول بالتدريــج إىل ســكري خــا ٍل‬ ‫مــن االهتاممــات السياســية كل مــا يطمــح لــه‬ ‫املــال وت َ​َص ّيــد النســاء يف وكــر موظفــي الدولــة‬ ‫الكبــار إضافــة إىل طموحاتــه التــي كــرت بعــد‬ ‫أن أصبــح صاحــب رشكــة كبــرة متتــد إىل خــارج‬ ‫البــاد جلبــت لــه األمــوال الطائلــة‪ ،‬ومكنتــه‬ ‫مــن التعــرف عــى رجــال أعــال عــرب وأجانب‬ ‫مــا دفــع اآلخريــن إىل اتهامــه بالعمــل لــدى‬ ‫جهــاز اســتخبارايت عاملــي‪.‬‬ ‫* «زين��ة» ام��رأة مجيلة وس��احرة وذكية‬ ‫متي��زت مبق��درة عجيب��ة يف حم��اورة‬ ‫اآلخري��ن يف كل املع��ارف‪ ،‬واملناح��ي‬ ‫تعرض��ت يف صباه��ا إىل االغتص��اب م��ن‬ ‫قب��ل أح��د أف��راد أس��رتها‪ ،‬تركــت قريــة‬ ‫أهلهــا وعاشــت يف املدينــة يك تتابــع تعليمهــا‬ ‫الجامعــي‪ ،‬متــارس الجنــس مــع من تختــاره دون‬ ‫قيــد حتــى أنهــا ســميت بعاهــرة الربوليتاريــة‪،‬‬ ‫تتــزوج مــن الطليــاين وتتخــى عنــه لتتــزوج‬ ‫برجــل فرنــي كهــل كان لهــا معرفــة ســابقة بــه‬ ‫تشــر العالقــة الحميمــة بينهــا وبــن صديقتهــا‬ ‫نجــاء إىل مــؤرش يــي بفعــل ســحاقي بينهــا‪.‬‬ ‫* جنينــة» ابنــة الشــيخ الشــاذيل الــذي ميلــك‬ ‫املــال والجــاه أقامــت عالقــة حميمــة مــع‬ ‫صــاح الديــن ابــن الحــاج محمــود والــد‬ ‫الطليــاين وبعــد مغــادرة صــاح الديــن للدراســة‬ ‫يف أوربــا تســتمر بعالقتهــا مــع الطليــاين الــذي‬ ‫مل يكــن قــد تجــاوز عمــره الثالثــة عــرة‪،‬‬ ‫يزوجهــا والدهــا مــن املعتــوه الشــيخ عاللــة‬ ‫دون أن يســتطيع هــذا األخــر ملســها ويعيــش‬ ‫يف كنفهــا مــذالً مهانــاً‪.‬‬ ‫* «جن�لاء» صديق��ة زين��ة ومحيمته��ا يف‬ ‫الف��راش تتع��رف على الطلياني من خالل‬

‫زين��ة طلق��ت م��ن زوجه��ا العن�ين‪ ،‬وهــي‬ ‫صديقــة لصاحبــة وكــر ترفيــه املســؤولني الكبار‪،‬‬ ‫وتعمــل موظفــة فيــه بصفــة مســؤولة عالقــات‬ ‫عامــة بيــد أنهــا وبعــد فــرة وجيــزة تحولــت‬ ‫إىل عاهــرة تتنقــل بــن أحضــان كبــار املســؤولني‬ ‫يف الدولــة‪.‬‬ ‫* «وك��ر العالق��ات العام��ة» صالــون‬ ‫لتصفيــف شــعر الســيدات وكانــت املســؤولة‬ ‫عنــه ســيدة تدعــى الحالقــة مل تــرك أثـرا ً لهــا يف‬ ‫الــرود ســوى اإلشــارة املواربــة عــى أنهــا ليــى‬ ‫الطرابلــي التــي وصلــت مــن خــال وكرهــا‬ ‫هــذا إىل تــاج قرطــاج كزوجــة للرئيــس زيــن‬ ‫العابديــن بــن عــي‪.‬‬ ‫* «ريــم» فتــاة يف مقتبــل العمــر توقــع الطلياين‬ ‫يف ســحرها وتجعلــه ألعوبــة لهــا يلتقيهــا وحــن‬ ‫يهــم ملامرســة الجنــس معهــا تديــر عجيزتهــا‬ ‫وهــي تقــول هنــاك ممنــوع مــا يذكره مبشــهد‬ ‫اغتصابــه مــن قبــل الشــيخ عاللــة فيبتعــد عنهــا‬ ‫مغــادرا ً املــكان‪.‬‬ ‫مــا مــن شــك أننــا أمــام ذهــول املفارقــة مــن‬ ‫خــال تقريــات هــذا الحشــد مــن الشــخصيات‬ ‫ووقائهــا والتــي عانــت مــن ماضيهــا املــؤمل‬ ‫وتاريخهــا املثلــوم مــن ســفاح املحــارم إىل‬ ‫الشــذوذ الجنــي مقاربــات ذهبــت بعيــدا ً‪،‬‬ ‫وهــي تحتفــي بالجســد وقرائــن الغرائــز التــي‬ ‫تحولــت عربهــا إىل عائلــة رسديــة توطــدت‬ ‫عالقاتهــا امللتبســة وفــق معادلــة «االيروتيكيــة»‬ ‫التــي كانــت عــاد روايــة الطليــاين ومصــدر‬ ‫جاذبيتهــا ومقتلهــا يف اآلن ذاتــه يف الوقــت‬ ‫الــذي كان عــى روايــة الطليــاين أن تثــر زوابــع‬ ‫األســئلة الكــرى داخــل متونهــا التــي اكتفــت‬ ‫بــرد إخبــاري لحــاالت مرضيــة تــم انتخابهــا‬ ‫بغايــة التعبــر مجازيـاً عــن االنكســار الوجــودي‬ ‫الكبــر الــذي أصــاب البلــد وأخذهــا إىل املتاهــة‬ ‫مابــن مرحلتــن كانتــا مفصـاً حقيقيــا يف حيــاة‬ ‫تونــس عــى كل الصعــد‪.‬‬ ‫رمبــا يكــون الســؤال الكبــر الــذي تطرحــه‬ ‫الروايــة كــا عادتهــا يف األعــال الرسديــة‬ ‫املهمــة واملؤثــرة قــد غــاب عــن رسود الطليــاين‪،‬‬ ‫ومل تخــرج الروايــة عــى الرغــم مــن جاذبيتهــا‬ ‫مــن عنــق زجاجــة الروايــة التقليديــة فهــي‬ ‫مل تحقــق اخرتاقــاً حداثيــاً يف اللعبــة الفنيــة‬ ‫لكتابــة الــرد بيــد أنهــا حاولــت الهثــة تفعيــل‬ ‫حالــة خلخلــة الزمــن الــردي لكنهــا رسعــان‬ ‫مــا كانــت تعــود إىل لغــة اإلخبــار والترسيــد‬ ‫الفائــض هنــا وهنــاك مكتفيــة بالوصــف‬ ‫املشــغول بدربــة الخابــر‪ ،‬وحذاقتــه‪.‬‬ ‫لقــد عانــت بنيــة الشــخصيات الرسديــة داخــل‬ ‫متــون الطليــاين مــن إشــكاليات عديــدة بــدأت‬ ‫بعــوز تأثيــث حضورهــا املنفــرد بذاتــه لتتحــول‬ ‫إىل مفاعيــل رسديــة مســتقلة عــا يحيــط بهــا‬ ‫مــن الشــخصيات األخــرى مبعنى أنهــا مل تتحصل‬ ‫يف بنيــة تأثيثهــا عــى مفاعيــل التكامــل والتأثــر‬ ‫فغــدت كل شــخصيات روايــة الطليــاين أشــبه‬

‫بجــزر معزولــة داخــل الرشيــط الــردي الــذي‬ ‫مــا انفــك يحــاول اســتجامعها عــى هدف ســام‪،‬‬ ‫ومــا اســتطاع والســبب هنــا أن الشــخصيات مل‬ ‫يجمعهــا يف مفاعيلهــا الرسديــة هــدف مشــرك‬ ‫عــى الرغــم مــن زعمهــا الســيايس بإميانهــا‬ ‫بالحريــة‪ ،‬والدولــة املدنيــة ومحاولــة تحقيقهــا‬ ‫لكنهــا ذهبــت إىل التــايش منــذ أول رصاع‬ ‫تعرضــت لــه مــع ح ـراس الطغيــان املمســكني‬ ‫بتالبيــب البــاد والعبــاد‪ ،‬وذلــك مــا كانــت عليه‬ ‫خواتيــم الشــخصيات داخــل متــون الطليــاين‬ ‫إمــا الهجــرة إىل خــارج البــاد أو االنصيــاع‬ ‫لــروط الســلطة واالنضــام إليهــا‪ ،‬وهــذا بُعـ ٌد‬ ‫اســتطاعت الروايــة اإلخبــار عنــه باســتحياء‬ ‫بعيــدا ً عــن تكريســه كحالــة تعبرييــة ال بــد مــن‬ ‫االهتــام بهــا مــن أجــل منــاء الــرد وتفعيــل‬ ‫لغتــه اإلشــارية‪.‬‬ ‫*أفخاخ السرود الفائضة‪:‬‬ ‫مثــة العديــد مــن الهزائــم الرسديــة التــي‬ ‫وقعــت بهــا روايــة الطليــاين وهــي مثــار‬ ‫تســاؤالت عديــدة ومهمــة ســأتعرض للقليــل‬ ‫منهــا عــى ســبيل املثــال مــا حــدث يف الصفحــة‬ ‫رقــم «‪ »40‬حــن يتــم اعتقــال الطليــاين مــن‬ ‫قبــل جهــة أمنيــة حيــث يتــم إســتدعائه مــن‬ ‫الزنزانــة إىل غرفــة رئيــس الفــرع املســؤول‬ ‫وبعــد حديــث مطــول بينهــا يعتــذر املســؤول‬ ‫األمنــي منــه ويغــادر الغرفــة ألمــر طــارئ بعــد‬ ‫أن يغلــق بابهــا باملفتــاح ويرتكــه وحيــدا ً فيهــا‬ ‫يســتغل الفرصــة الطليــاين ويبــدأ رحلــة تفتيــش‬ ‫بــاألوراق واملغلفــات حيــث يعــر عــى بعــض‬ ‫املعلومــات املهمــة التــي تخصــه وتخــص رفــاق‬ ‫لــه بعــد قليــل يعــود املســؤول ويخــي ســبيله‬ ‫مــع زينــة التــي خرجــت قبلــه‪.‬‬ ‫والســؤال الــذي يتبــادر للذهــن كيــف يــرك‬ ‫املســؤول معتقــل عنــده يف غرفتــه مبفــرده‬ ‫واملكتــب يغــص باملعلومــات الرسيــة‪ ،‬مســألة‬ ‫أخــرى لنفــرض أن الغايــة مــن تــرك عبــد‬ ‫النــارص مبفــرده محاولــة مــن املســؤول األمنــي‬ ‫للتجســس عليــه أال يســتدعي ذلــك وجــود‬ ‫كامــرات مراقبــة؟‬ ‫يف الــرود مل نتحصــل عــى مــا يــرر ذلــك‬ ‫االشــتغال الترسيــدي ودن أي غايــة مــن تركــه‬ ‫وحيــدا ً‪.‬‬ ‫كــا حصــل أيضــا عــى الصفحــات مــن ‪163‬‬ ‫ولغايــة الصفحــة ‪ 169‬حيــث تحولــت الــرود‬ ‫إىل دروس يف تعلــم مهنــة الصحافــة مبــا فيهــا‬ ‫طــرق رصــف املــواد ووضعهــا يف مكانهــا‬ ‫املناســب‪.‬‬ ‫لقــد أثقلــت هكــذا مثالــب فنيــة تنقصهــا‬ ‫املوضوعيــة كاهــل الــرود وشــكلت هنــة ال‬ ‫مــرر للوقــوع فيهــا وهــذا مــا يدفعنا للقــول إن‬ ‫روايــة الطليــاين جاهــدت كث ـرا ً لتكــون روايــة‬ ‫تســتطيع اإلضافــة والتجديــد لكنهــا مل تخــرج‬ ‫عــن إطــار مقروئيتهــا كــرد نــال جاذبيتــه مــن‬ ‫خــال لغتــه اإلخباريــة الجميلــة ليــس إال‪.‬‬


‫حرمل املنوعات‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫‪15‬‬

‫ثورة يف ميالنو رواية حلبية بإمتياز‬ ‫مأم��ون الس��ليمان يص��ور تعاي��ش وتناغ��م الطوائ��ف واألع��راق يف حل��ب‬

‫تبــدأ أحــداث الروايــة يف مدينــة حلــب‪،‬‬ ‫املشــهد األول إعتقــال املهنــدس محمــد يف‬ ‫ظــروف غامضــة ومحاولــة جارتــه هــدى‬ ‫معرفــة مكانــه وتخليصــه مــن القيــود‬ ‫مبســاعدة صديــق مقاعــد الدراســة املحامــي‬ ‫عــي‪ ،‬يتخلــل رسد األحــداث تســليط الضــوء‬ ‫ملــا يجــري يف ســوريا مــن بدايــة الثــورة يف‬ ‫درعــا امتــدادا ً إىل حمــص وريفهــا وصــوالً‬ ‫إىل حلــب‪.‬‬ ‫خــروج محمــد مــن الســجن يشــكل نقطــة‬ ‫تحــول يف مســار شــخصيات الروايــة‪ ،‬يجتمع‬ ‫األصدقــاء يف مقهــى ميالنــو يف حلــب‬ ‫ليتناولــوا كل مــا هــو جديــد عــى الســاحة‬ ‫السياســية العســكرية‪ ،‬ومســار ثورتهــم وإىل‬ ‫أيــن تتجــه البوصلــة؟!‬ ‫القــارئ يف بدايــة قراءتــه ســيحس بــأن‬ ‫شــخصية األنثــى «هــدى» كــا جــاءت يف‬ ‫الروايــة هــي البطلــة إال أنــه سيكتشــف‬ ‫بعــد الفصــول األوىل بــأن هــدى وعــي‬ ‫وآزاد وإيــي وليــث وشــهد ومحمــد ومــروى‬ ‫ومليــاء و(‪ ).........‬كلهــم أبطــال‪ ،‬كل حســب‬

‫دوره ومكانــه وزمانــه بطــل متفــرد بحــد‬ ‫ذاتــه وبطــل مــع بطــوالت بقيــة أفــراد‬ ‫الروايــة مجتمعــن‪.‬‬ ‫الروايــة تتنــاول األحــداث يف ســورية‬ ‫منــذ بدايتهــا بطريقــة روائيــة‪ ،‬وتتنــاول‬ ‫املجتمــع الســوري بــكل أطيافــه‪ ،‬وكيــف‬ ‫يعيــش ضمــن هــذه الفــرة‪ ،‬وتنــاول‬ ‫الــراع الســيايس واالجتامعــي يف هــذه‬ ‫الفــرة املهمــة مــن تاريــخ ســورية‪ .‬الروايــة‬ ‫تحــي عــن ســورية بــكل مــا فيهــا‪ ،‬تتنــاول‬ ‫مــا حصــل وال يــزال يف ســورية بطريقــة‬ ‫موضوعيــة بأســلوب أديب يعتمــد أكــر مــن‬ ‫مدرســة عامليــة يف عــامل الروايــة‪ ،‬وليــس‬ ‫فقــط األســلوب العــريب إذ تنهــل أيضــاً‬ ‫مــن األســلوب الــروايئ الــريك واإلســباين‬ ‫والفرنــي‪ ،‬وتقصدنــا يف الروايــة فعــل‬ ‫ذلــك يك ال نبقــي أنفســنا ونبقــي القــارئ‬ ‫العــريب يف تأطــر للــذات يف أســلوب الروايــة‬ ‫العربيــة الشــائع‪ ،‬والــذي ميتــاز بالبســاطة‬ ‫الشــديدة‪ ،‬فهــذه الروايــة ليســت كذلــك‬ ‫كــا أنهــا ليســت معقــدة تعقيــد الــروايئ‬ ‫اإلســباين (عــى ســبيل املثــال)‪.‬‬ ‫الــرد الــروايئ يتخللــه رصاع العاشــقة‬ ‫الثائــرة األم الزوجــة املثقفــة‪ ،‬رصاع االنتظــار‬ ‫واألمــل بغــد ال تعــرف ماهيتــه‪ ،‬رصاع‬ ‫العاشــق الشــاب المــرأة يقــارب عمرهــا‬ ‫عمــر أمــه‪ ،‬الثائــر املعتقــل‪ ،‬رفــاق الشــهداء‪،‬‬ ‫رصاع األطفــال وبحثهــم عــن فهــم مــا‬

‫* مساهمات القراء‬ ‫هنــاك‪ ..‬كان بيتنــا مغمــورا ً بالحــب والرضــا‬ ‫والحبــور‪ .‬ال أذكــر أيب إال مبتس ـاً‪ ..‬وكذلــك أمــي‪.‬‬ ‫نحــن أخــوات ثــاث‪ ..‬كل واحــدة منــا تحســب‬ ‫نفســها األخريــان‪ .‬صديقــة كل واحــدة منــا هــي‬ ‫صديقــة األخريــان‪.‬‬ ‫هنــاك‪ ..‬كان بيتنــا اآلخــر‪ ..‬بيــت جــدي الــذي كان‬ ‫يفيــض بحنانــه علينــا‪ .‬هنــاك‪ ..‬كانــت الســاء‬ ‫دامئــة الزرقــة‪ ،‬دامئــة الصفــاء‪ ،‬تــروح وتغــدو‬ ‫فيهــا أرساب العصافــر تزقــزق جــذىل‪ ،‬ثــم تغــرت‬ ‫األشــياء وتغــرت األلــوان‪ .‬العصافــر هجــرت‬ ‫الســاء‪ ،‬وأخلــت مكانهــا للطائ ـرات والصواريــخ‪.‬‬ ‫مدرســتنا ُدمــرت‪ ..‬ومعلمتنــا قتلهــا صــاروخ‬ ‫أطلقتــه طائــرة كانــت تعربــد يف الســاء بــا رادع‪.‬‬ ‫مل نعــد نذهــب إىل املدرســة‪ ،‬ومل نعــد نــرى‬ ‫صديقاتنــا‪ .‬فارقــت االبتســامة وجــه أيب‪ ،‬ووجــه‬ ‫أمــي‪ ،‬حلّــت أمــارات الخــوف محلهــا‪ ،‬ورصنــا‬ ‫نحــن أيضـا ً نخــاف الخــروج مــن البيــت‪ ،‬والبيــت‬ ‫مل يعــد آمن ـا ً‪ ،‬تخلّعــت أبوابــه ونوافــذه وتحطــم‬ ‫زجاجهــا‪ ،‬فصواريــخ الطائــرة وقذائــف الهــاون ال‬ ‫تعطــي إنــذارا ً بالقــدوم‪.‬‬ ‫كنا نخاف‪ ،‬وصار الخوف رفيقنا الدائم‪.‬‬

‫يحصــل‪ ،‬رصاع أبنــاء كل الطوائــف بــا‬ ‫اســتثناء وبكافــة األعــار‪ ،‬رصاع محــي‬ ‫إقليمــي عــريب دويل‪ ،‬رصاع وطــن ويف وطــن‬ ‫وعــى وطــن‪ ،‬رصاع الوجــود‪.‬‬ ‫يُعلــق الــروايئ مأمــون الســليامن عــن فكــرة‬ ‫الروايــة قائ ـاً‪ :‬ولــد أول حــرف مــن روايــة‬ ‫«ثــورة يف ميالنــو» مــع أول طفــل ســوري‬ ‫فتــح أزرار إزاره ليكشــف عــن صــدره عاريـاً‬ ‫بانتظــار مــن يتصــدى لرصخاتــه وصيحاتــه‪،‬‬ ‫نشــأت الفكــرة وتبلــورت بعــد وقفــات‬ ‫تأمــل طويلــة مــع الحــروف والكلــات‬ ‫والجمــل التــي نــادى بهــا أطفــال ونســاء‬ ‫وشــباب ورجــال وكهــول ســورية بحثـاً عــن‬ ‫الغــد‪ ،‬وانتظــارا ً ملســتقبل ال يريــده األجــداد‬ ‫واآلبــاء ألبنائهــم كــا كان لهــم‪.‬‬ ‫تســلط روايــة «ثــورة يف ميالنــو» الضــوء‬ ‫عــى أهميــة مواقــع التواصــل االجتامعــي‬ ‫كـ(فيــس بــوك) ومــدى تأثريهــا وتأثــر‬ ‫األحــداث بهــا‪ ،‬وكيــف أنــه أصبــح املنــر‬ ‫األول والوســيلة األوحــد للتنســيق لخــروج‬ ‫املظاهــرات ضــد النظــام‪.‬‬ ‫الســليامن ذيــل روايتــه بإهــداء لـ(لــكل‬ ‫قطــرة دم نزفــت عــى تــراب وطنــي‪،‬‬ ‫للــراءة‪ ،‬للطفولــة‪ ،‬للعذريــة‪ ،‬لإلنســان‪،‬‬ ‫للــرف‪ ..‬يرقــد بــن دفتــي الروايــة حمــزة‬ ‫الخطيــب بــراءة طفولتــه وثغــره الباســم‪،‬‬ ‫عبدالقــادر الصالــح يحــرك الكلــات‬ ‫والهمــزة والســكون ليشــكل ويســطر‬

‫ثــورة حلــب‪ ،‬روح الخــال غســان ســلطانة‬ ‫الطاهــرة تتمثــل بــكل صفحــة)‪.‬‬ ‫الجديــر بالذكــر أن روايــة ثــورة يف ميالنــو‬ ‫حــازت جائــزة تيــار الوعــد الســوري‬ ‫للروايــة‪ ،‬لكــن الــروايئ مأمــون الســليامن‬ ‫اعتــذر عــن قبــول الجائــزة قائــاً ببيــان‬ ‫ـكل‬ ‫رفــض الجائــزة (إننــي أديــب ســوري لـ ِّ‬ ‫ســوري‪ ،‬وال يجــوز أن أربــط نتاجــي بحــزب‬ ‫أو هيئــة مــع انحيــازي للثــورة وتطلعــي‬ ‫لســورية املدنيــة التعدديــة الدميقراطيــة‬ ‫ـكل أبنائهــا‪ ،‬لــذا أعلــن اعتــذاري عــن عدم‬ ‫لـ ِّ‬ ‫قبــويل للجائــزة‪ ،‬دون أن يكــون ذلــك قدحـاً‬ ‫يف شــخص أو تيــار يعلــن يف أدبياتــه دعمــه‬ ‫ألهلنــا املطالبــن بكرامتهــم‪ ،‬ودوري كأديــب‬

‫هنا‪ ...‬وهناك؟!‬

‫ال يتطلــب منــي ســر ال َّنوايــا ومعرفتهــا‪،‬‬ ‫وبهــذه املناســبة أعتــذر مــن قـرايئ‪ ،‬وأتفهــم‬ ‫دوافعهــم‪ ،‬أتطلَّــع ألدب يبنــي جســور‬ ‫التَّواصــل مــع أهلنــا الذيــن ن َّدعــي متثيلهــم‪،‬‬ ‫ولفكــر مســؤول وإيجــا ٍّيب)‪.‬‬ ‫تُعــد روايــة «ثــورة يف ميالنــو» الصــادرة‬ ‫عــن (دار فضــاءات للنــر والتوزيــع) يف‬ ‫عــان العاصمــة األردنيــة باكــورة أعــال‬ ‫ّ‬ ‫الكاتــب الســوري مأمــون الســليامن‬ ‫املولــود يف حلــب ‪1987‬م‪ ،‬الحامــل لشــهادة‬ ‫الحقــوق مــن جامعــة حلــب‪ ،‬والعامــل يف‬ ‫مجــال الصحافــة منــذ عــام ‪ 2009‬ولــه عــدة‬ ‫مقــاالت يف عــدد مــن املواقــع اإللكرتونيــة‬ ‫والصحــف‪.‬‬

‫جنى اليوسف‬

‫مــن زميالتنــا يف املدرســة‪ ،‬ويف الحــي مــن قتلــت‪،‬‬ ‫أو قتــل أبوهــا‪ ،‬أو قتلــت أمهــا‪.‬‬ ‫ذات مســاء‪ ..‬قــال أيب‪ :‬يجــب أن نرحــل‪ .‬ويف‬ ‫الصبــاح بدأنــا رحلــة دامــت أكــر مــن عــام‪ .‬وصلنا‬ ‫إىل هنــا‪ ..‬إىل حيــث عــاد إىل األلــوان رونقهــا‪ ..‬صار‬ ‫عندنــا بيــت جديــد آمــن‪ .‬رصنــا ننــام دون أن‬ ‫يقطــع نومنــا انفجــار صــاروخ أو قنبلــة‪ ..‬مل تعــد‬ ‫الكوابيــس توقظنــا يف عتمــة الليــل‪..‬‬ ‫هنــا عدنــا إىل مقاعــد الدراســة يف مدرســة نظيفــة‪،‬‬ ‫وبلغــة أخــرى‪ ،‬معلامتنــا الشــقراوات دامئــات‬ ‫االبتســام‪ ،‬يفضــن علينــا حبــا ً وعاطفــة‪ ..‬هنــا‬ ‫حياتنــا جديــدة ال عالقــة لهــا بحياتنــا القدميــة‪.‬‬ ‫تبدلــت صديقاتنــا‪ ،‬صــار لدينــا صديقــات‬ ‫جديــدات‪ ..‬هنــا‪ ..‬أعــاد لنــا األباعــد مــا ســلبه منــا‬ ‫األقــارب‪.‬‬ ‫ســألت أيب‪ :‬هــل هــذا هــو وطننــا الجديــد؟ وملــاذا‬ ‫مل نكــن نشــعر باألمــان يف الوطــن القديــم؟‬ ‫وسألت أيب أيضا ً‪ :‬هل تتبدل األوطان؟‬ ‫قــال أيب‪ :‬ليــس وطننــا القديــم هــو املســؤول يــا‬ ‫صغــريت‪ ،‬بــل أولئــك الذيــن مل يكونــوا يحكمونــه‪،‬‬ ‫بــل كانــوا يتحكمــون فيــه‪.‬‬

‫ثقافي��ة ـ��ـ سياس��ية ـ��ـ نص��ف ش��هرية ـ��ـ تص��در ع��ن مؤسس��ة توت��ول اإلعالمي��ة بالتع��اون م��ع بي��ت الرق��ة ل��كل الس��وريني‬

‫رئي��س جمل��س اإلدارة‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ -‬رئي��س التحري��ر‪ :‬ماج��د رش��يد العوي��د ‪ -‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعيس للتواصل عرب فيس بوك‬ ‫هيئة التحرير‪ :‬خلف اجلربوع‪ ،‬أسعد فخري‪ ،‬إبراهيم العلوش‪ ،‬عروة املهاوش‬ ‫للتواصل عرب تويرت‬ ‫عالقات عامة‪ :‬حممد صلييب ‪ -‬مصور‪ :‬إياس احملمد احملت��وى الف�ني‪ :‬مصطفى س��ليمان‪ -‬ديزاي��ن‪ :‬عبدالرمحن اهلويدي‬ ‫‪ ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬ ‫‪YIL: 2015 )1) - İMTİYAZ SAHİBİ: ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: MAJED RASHEED ALOWAYYED‬‬

‫‪00905459679973‬‬

‫‪MOB:‬‬

‫‪SAYI:17‬‬

‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Muzaffer kartal bahçelievler- hekŞmler apt no.3 ŞanliUrfa‬‬


‫‪16‬‬ ‫رس��الة إىل أبناء الوطن الواحد‪ ..‬خيارات قد ُتعيد األمل‬

‫زاويـة حـرة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬

‫هادي البحرة‬ ‫األســد‪ ،‬يُســتخدم اآلن كشــاعة ومــرر الســتمرار‬ ‫التدمــر وهــو يقــوم بهــذا الــدور عــن ســابق إرصار‬ ‫وترصــد ومــن واقــع أن مــن يديــره يعلــم بــأن األســد‬ ‫حاليــاً يف موقــع اإلميــان باملثــل «الغريــق يتعلــق‬ ‫بقشــة»‪ .‬لــن أخفــي عليكــم رسا ً إن أعلمتكــم بــأن‬ ‫هنــاك بــركان تحــت الرمــاد‪ ،‬يتأجــج لــدى غالبيــة‬ ‫ممــن انجــروا خلــف األســد مؤمنــن بنظريتــه «إنهــا‬ ‫حــرب بقــاء وليســت حــرب والء» وأن هــذه الثــورة‬ ‫تســتهدفهم كطوائــف وأقليــات قبــل أن تســتهدفه‪،‬‬ ‫وأن ال خيــار لهــم إال بالحــرب مــن أجــل وجودهــم‬ ‫والقبــول بــه «بغــض النظــر عــن رأيهــم فيــه» كقائــد‬ ‫لهم‪.‬‬ ‫مــع مــي األيــام باتــوا عــى درايــة بــأن مــروع‬ ‫األســد‪ ،‬بعيــد كل البعــد عــن الدفــاع عنهــم‪ ،‬بــل‬ ‫إنهــم ال يعــدون عــن كونهــم أدوات تســتهلك‬ ‫إلشــعال ســعري حــرب طائفيــة وإثنيــة أرادهــا‬

‫األســد ومشــغلوه‪ ،‬كجــزء صغــر مــن مخطــط كبــر‬ ‫يشــمل اإلقليــم برمتــه‪ ،‬ليضمــن الهيمنــة اإلقليميــة‬ ‫لقــوى باتــت تعتقــد أنهــا مــن القــوة مبــا يســمح‬ ‫ً‬ ‫لهــا بالخــروج عــن حــدود دولتهــا وإعــادة متوضــع‬ ‫نفوذهــا ليشــمل اإلقليــم كامــاً‪ ،‬كمقدمــة لذلــك‬ ‫كان ال بــد مــن رضب الــدول األساســية التــي تقــف‬ ‫مانعــاً ملرشوعهــا وأهمهــا العــراق وســوريا ومــر‬ ‫واململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬فتوالــت األحــداث‬ ‫مــن الســيطرة عــى القــوى عــى أرض العــراق‬ ‫مــن خــال نظــام حكــم طائفــي وغــر متثيــي‪ ،‬إىل‬ ‫العمــل عــى تدمــر بنيــة النظــام الطائفــي الحاكــم‬ ‫يف ســورية إليصــال قاعدتــه وحاضنتــه االجتامعيــة‬ ‫لدرجــة فقــدان الســيطرة والقبــول بتواجــد قــوى‬ ‫االحتــال املبــارش عــى أرايض ســورية وبالتــايل‬ ‫التخــي عــن الســيادة والنفــوذ والقـرار‪ ،‬مســتخدمني‬ ‫بذلــك فزاعــة «داعــش» التــي بــات ينتــر ويالمــس‬ ‫الحــدود الســعودية وقــام بتنفيــذ عمليتــه اإلجراميــة‬ ‫فيــه منــذ أيــام‪ ،‬ليتكامــل مــع مــا جــرى مــن دفــع‬ ‫للحوثيــن يف اليمــن‪ ،‬إىل تواجــد داعــش يف ســيناء‪.‬‬ ‫إن مــا مررنــا بــه كشــعب ووطــن سيســتمر ألشــهر‬ ‫ٍ‬ ‫لســنوات قادمــة‪ ،‬وســيدفع الثمــن‬ ‫قادمــة ورمبــا‬ ‫الجميــع ومؤكــدا ً أن مــن يقــف مــع مــا تبقــى مــن‬ ‫نظــام األســد اليــوم‪ ،‬ســتكون حصتهــم مــن اآلالم‬ ‫كبــرة فبقــاء األســد بــات يعنــي أنهــم ســرغمون‬ ‫عــى دفــع املزيــد مــن دمائهــم ودمــاء أبنائهــم مــن‬ ‫أجــل بقائــه عــى عــرش الجامجــم واملــوت‪ ،‬كل يــوم‬ ‫يعنــي ســقوط العــرات مــن أبنائهــم والعــرات‬

‫مــن األبريــاء املدنيــن مــن الشــعب الســوري‪ ،‬كل‬ ‫يــوم ميــي ســيعمق الــرخ البنيــوي يف املجتمــع‬ ‫الســوري وســيصعب املقــدرة عــى إعــادة لحمتــه‬ ‫كــا كانــت ويرســخ فكــرة املشــاريع التقســيمية‬ ‫التــي ترفضهــا غالبيــة الشــعب‪.‬‬ ‫ملــاذا اإلرصار عــى البقــاء عــى مــن قــارب بــات‬ ‫غرقــه مؤكــدا ً‪ ،‬ملــاذا جــ ّر خطيئــة البعــض مــن أي‬ ‫طائفــة كانــت عــى كل الطائفــة‪ ،‬لقــد وصلتنــا عــدة‬ ‫رســائل مــن الداخــل ومــن شــخصيات ومجموعــات‬ ‫باتــت ال تقبــل مبــا يحــدث يف ســورية وتــرى أن‬ ‫املصــر الهــاك إن مل يتــم التحــرك الجــاد إليجــاد‬ ‫حلــول رسيعــة‪ ،‬هنــا أقــول «أن تــأيت متأخ ـرا ً خ ـ ٌر‬ ‫مــن أن ال تــأيت أبــدا ً»‪ ،‬إن إعــادة إحيــاء األمــل‬ ‫بعــودة ســورية إىل جذورهــا وأصولهــا مــن تعايــش‬ ‫ســلمي بــن جميــع املكونــات‪ ،‬إىل مــا كانــت عليــه‬ ‫ســورية إبــان الحكــم الوطنــي‪ ،‬أساســه املســاواة يف‬ ‫الحقــوق والواجبــات والعدالــة بــن كل املواطنــن‬ ‫وهــذا يكــون بإحقــاق العدالــة مــن قبــل مــن كان‬ ‫مســؤوالً بشــكل مبــارش عــن حاميــة نظــام اإلجـرام‪،‬‬ ‫عــى هــؤالء القيــام بواجبهــم وتصويــب املســار‪،‬‬ ‫عليهــم تقديــم الدليــل والربهــان عــى اســتعدادهم‬ ‫وعملهــم الجــاد لالنخـراط يف صفــوف الثــورة‪ ،‬عليهم‬ ‫أن يعــوا أنهــم أمــام خياريــن إمــا االســتمرار بالفنــاء‬ ‫مــن أجــل األســد أو التضحيــة بقلــة مــن أجــل بــدء‬ ‫رحلــة العدالــة ومــن ثــم املصالحــة الوطنيــة‪ ،‬وال‬ ‫ميلــك أحــد جعــل إمكانيــة هــذه املصالحــة ممكن ـاً‬ ‫غريهــم‪.‬‬

‫الفنانة يوكس��ال كازانامساز وعش��رة فنانني يف صالة بلدية شانلي أورفا الكربى‬ ‫يف معرضهــا املشــرك‪ ،‬الــذي يقــام يف صالــة املعــارض يف‬ ‫بلديــة شــانيل أورفــا الكــرى‪ ،‬نــرى يف نتــاج الفنانــة الرتكيــة‬ ‫«يوكســال كازاناســاز» تنوعـاً يف تنــاول املوضوعــات وتعــدد‬ ‫أســاليبها الفنيــة‪ ،‬وهــي محــاوالت لتأكيــد قدرتهــا يف تنــاول‬ ‫املوضــوع‪ ،‬فــا بــن التجريــد الهنــديس والواقعيــة‪ ،‬تحــاول‬ ‫أن تقــدم أفكارهــا ببســاطة مطلقــة‪ ،‬أفــكارا ً يغلــب عليهــا‬ ‫الطابــع اإلنســاين‪ ..‬لحظــات عشــق هــادئ كمنظــر «حاملــة‬ ‫املظلــة»‪ ،‬وهــي تشــدنا بــإرصار لنتأمــل وحدتهــا وســكونها‬ ‫الضبــايب‪ ،‬واألشــجار العاريــة‪ ،‬واألفــق املســدود‪ ..‬يف هــذا‬ ‫املشــهد ليــس هنــاك إال األنثــى‪ ..‬واألنثــى يف رسابهــا الــذي‬ ‫أقرتــه الفنانــة للحظــة العشــق بانتظــار يشء مــا‪ ،‬ويف أعاملهــا‬ ‫األخــرى‪ ،‬مثــل «رأس حصــان»‪« ،‬البحــر الهائــج»‪« ،‬الغــروب»‪،‬‬ ‫وحتــى الطبيعــة الصامتــة‪ ،‬هــي لحظــات وتجــارب الفنــان‬ ‫حــن يكــون مســتعدا ً الختبــار قدرتــه يف تنــاول املواضيــع‪،‬‬ ‫وتقدميهــا للجمهــور كوجبــة برصيــة مــن أجــل التــذوق‬ ‫الفنــي الــذي نحتاجــه إىل جانــب القـراءة وســاع املوســيقى‪Yüksel Kazanasmaz .‬‬

‫اهلوي��ة الوطني��ة ودول��ة‬ ‫القانون!‬

‫بسام البليبل‬

‫كث ـرا ً مــا يكــرر املثقفــون واملشــتغلون يف الشــأن الســيايس‬ ‫الســوري مســألة إعــادة بنــاء الهويــة الوطنيــة‪ ،‬كأولويــة يجــب‬ ‫أن تكــون عــى رأس قامئــة اهتاممــات الثــورة الســورية يف‬ ‫املرحلــة املقبلــة‪.‬‬ ‫وال شــك أ ّن رافعــي هــذا الشــعار‪ ،‬وانطالق ـاً مــن نوايــا طيبــة‪،‬‬ ‫يريــدون الــرد عــى الدعــاوة التهويليــة املتباكيــة عىل مســتقبل‬ ‫األقليــات واملكونــات الطائفيــة واإلثنيــة‪ ،‬يف محاولــة لتبديــد‬ ‫القلــق‪ ،‬ونــزع فتيــل الخــوف مــن نفــوس وأذهــان كل فصيــل‬ ‫مــن هــذه الفصائــل عــى حــارضه ومســتقبله وحقوقــه العامــة‬ ‫والخاصــة‪.‬‬ ‫ولكــن مــن نافــل القــول أنّــه ال خــوف عــى الهويــة الوطنيــة‬ ‫الســورية‪ ،‬رغــم كل مــا ســاهم بــه النظــام الســوري‪،‬‬ ‫وأيديولوجيــة حــزب البعــث التعبويــة التعصبيــة‪ ،‬عــى مــدى‬ ‫الســنوات الطويلــة املاضيــة‪ ،‬مــن افتئــات عــى حــق املواطنــة‪،‬‬ ‫واللعــب عــى الورقــة الطائفيــة واألقلويــة‪ ،‬وهــو الهــدف‬ ‫املشــرك مــع مــا تلعــب عليــه أجهــزة املخابــرات األجنبيــة‬ ‫اليــوم‪ ،‬مــن أجــل تعميــق الهــوة التــي تفصــل بــن أبنــاء الوطن‬ ‫الواحــد‪ ،‬واســتغالله الحقـاً‪ ،‬إن أمكــن‪ ،‬يف الدعــوة إىل التقســيم‪،‬‬ ‫أو التدخــل املبــارش لحاميــة هــذا املكــون أو ذاك عــى اعتبــار‬ ‫«أ ّن االضطــراب الدينــي والعرقــي والجيوســيايس يف الــرق‬ ‫األوســط ســيكون مــن أكــر التحديــات األمنيــة العامليــة ألعــوام‬ ‫عديــدة قادمــة»‪ ،‬وفقــاً ملــا يــروج لــه اســراتيجيو النظــام‬ ‫العاملــي‪.‬‬ ‫وعــى ذلــك فــإ ّن مــا نشــاهده مــن اختــال ظاهــري يف بنيــة‬ ‫الهويــة الوطنيــة الســورية مــا هــو إالّ عــرض مــن أعــراض‬ ‫الحكــم االســتبدادي األوليغــاريش‪ ،‬وتجـ ٍّـل طبيعــي للتخوفــات‬ ‫مــن التغيــر واالســتحقاقات األمنيــة يف خضــم الثــورات‪ ،‬وعــر‬ ‫مســارات التحــول الدميقراطــي‪ ،‬حيــث تندفــع إىل الواجهــة‬ ‫نزعتــا الخــوف والطمــع‪ ،‬الخــوف مــن التفــكك العرقــي‬ ‫واملذهبــي‪ ،‬والطمــع يف تحقيــق أكــر قــدر مــن الطموحــات‬ ‫الكامنــة لــدى بعــض القــوى السياســية‪ ،‬واملكونــات اإلثنيــة‬ ‫والطائفيــة‪.‬‬ ‫وإذا أخذنــا بعــن االعتبــار أ ّن األمريكيــن وبعــد كل هــذا‬ ‫اإلنجــاز العظيــم يف بنــاء هويتهــم القوميــة‪ ،‬ال زالــوا يتحدثــون‬ ‫عــن التحديــات التــي تواجههــم بهــذا الخصــوص‪ ،‬كــا يف كتاب‬ ‫هنتنغتــون «مــن نحــن؟ التحديــات للهويــة القوميــة ألمريــكا»‪.‬‬ ‫فيــا ال يــزال الفرنســيون يجــرون اســتطالعاتهم الصحفيــة‪،‬‬ ‫بعــد كل هــذه األعــوام الطويلــة مــن الثــورة الفرنســية‪ ،‬حــول‬ ‫العنــارص املؤسســة للهويــة الفرنســية‪ ،‬واالنقســامات التــي‬ ‫تتعــرض لهــا‪.‬‬ ‫وعــى ذلــك فإنّــه ال ضــر مــن إعــادة التذكــر بحاجــة املجتمــع‬ ‫الســوري لتأكيــد ذاتــه‪ ،‬والتعبــر عــن متســكه بثوابــت هويتــه‬ ‫الوطنيــة التــي تنتمــي لجغرافيــا وتاريــخ ومصالــح مشــركة‪،‬‬ ‫مــع األخــذ بعــن االعتبــار مــا ميكــن أن توصــف بــه الهويــة‬ ‫«كوعــي متحــرك وحيــوي بالصــرورة واملغايــرة واالختــاف»‪.‬‬ ‫غــر أ ّن األســاس الــذي يجعــل االلتفــات إىل هــذه املســألة عــى‬ ‫أنهــا أمــر غــر مقلــق‪ ،‬هــو النظــر إىل كونهــا عرضــاً يــزول‬ ‫بــزوال الســبب (أي بــزوال الحكــم الديكتاتــوري)‪ ،‬وكذلــك‬ ‫الربــط بينهــا وبــن هويــة الدولــة الدميقراطيــة املنشــودة عــر‬ ‫إعــادة بنــاء املجتمــع مــن خــال مســارين‪:‬‬ ‫مســار أســايس يقــوم عــى إعــادة بنــاء الدولــة الدميقراطيــة‬ ‫كدولــة قانــون‪ ،‬وضبــط ســلطتها وتطهريهــا مــن املوروثــات‬ ‫واالســتبداد‪ ،‬حيــث ســيادة القانــون هــي اإلطــار القانــوين‬ ‫والســيايس الــذي مــن خاللــه يخضــع للمســاءلة جميــع‬ ‫األشــخاص واملؤسســات مبــا ذلــك الدولــة ذاتهــا‪.‬‬ ‫إضاف ـ ًة إىل مســار مــوا ٍز يقــوم عــى انتهــاج عمليــة تثقيفيــة‬ ‫شــاملة تأخــذ بعــن االعتبــار متطلبــات مــا بعــد الثــورة مــن‬ ‫أوضــاع جديــدة‪ ،‬وتكريــس ثقافــة التســامح واالنفتــاح وبــث‬ ‫الثقــة بــن كافــة مكونــات املجتمــع الســوري‪ ،‬ومــن خــال‬ ‫ضامنــات دســتورية وقانونيــة شــاملة‪.‬‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05459679973( :‬أو مراجع��ة مقره��ا (أورف��ا ‪ -‬س��احة املدف��ع)‬

‫اآلراء التي تنشر بالمجلة تعبر عن رأي أصحابها‪ ،‬وال تمثل بالضرورة رأي المجلة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السابع عشر ‪ 01 /‬حزيران ‪2015‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.