Alharmal (12) 15 3 2015 مجلة الحرمل العدد 12

Page 1

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬ ‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــاً‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫‪1‬‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫‪AL harmal‬‬ ‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫يف الذكرى الرابعة للثورة السورية أطفال يرمسون سوريا احلرة بألوان قوس قزح‬ ‫تركيا ‪ -‬شانلي اورفا‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫إفتتاحية العدد‬ ‫من وقائع الثورة السورية‬ ‫أيام لألمل واالفتخار!‬ ‫بسام البليبل‬

‫تركيا ‪ -‬شانلي اورفا‬

‫تركيا ‪ -‬شانلي اورفا‬

‫تركيا ‪ -‬شانلي اورفا‬

‫رحلة اىل خمي��م جيالن بينار‬

‫أيهــا القــادم إىل مخيــم جيــان بينــار ال تتوقــف‬ ‫عنــد البــاب الخارجــي‪ ,‬وال تحــي العائــات‬ ‫املبعــرة هنــاك‪..‬‬

‫العام اخلامس للث��ورة آفاق وحتديات‬

‫أربــع ســنوات مــرت عــى الثــورة الســورية‪،‬‬ ‫واإلعــام العــريب والعاملــي مل يــزل يتــداول‬ ‫وجوهنــا‪ ،‬ويصــدّ ر أصواتنــا يف كل اتجــاه‪..‬‬

‫اس��تعصاء االنتصار وجذوة األمل‬

‫إذا كانــت الثــورة كتعريــف أو كمصطلــح ســيايس‬ ‫تعنــي التغيــر الشــامل لوضــع عيــاين‪ ،‬مبعنــى‬ ‫التغيــر الكامــل لنظــام الحكــم القائــم‬

‫الث��ورة والنهج األمريكي اجلديد‬

‫بعــد انهيــار املنظومــة االشــراكية يقــوم عــى إدارة‬ ‫العــامل باألزمــات‪ ,‬وهــو عــى خــاف عميــق مــع النهــج‬ ‫القديــم القائــم عــى إدارة أزمــات العــامل‪.‬‬

‫ي��ا أش��راف روما اس�تردوا ش��رفكم املهان!‬

‫يولــد الديكتاتــور وعــى شــفتيه ابتســامة بريئــة‬ ‫كأي طفــل عــادي‪ ..‬ولكــن الديكتاتــور كائــن طفيــي‬ ‫يعتــاش عــى مســاحة هائلــة مــن الخــوف‪..‬‬

‫‪3‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫‪10‬‬

‫‪12‬‬

‫اليوم األول‪:‬‬ ‫كثــر ٌة هــي أيــام اج ـراع األمل يف الثــورة الســورية‪ ،‬ولكــن أكــر منهــا أيــام‬ ‫االفتخــار‪ ،‬غــر أ ّن يــوم ‪ 2012/3/15‬كان يومــاً لــأمل واالفتخــار يف آن‪،‬‬ ‫يــوم أن خرجــت تظاهــرة حاشــدة يف شــارع الكنيســة يف الرقــة‪ ،‬ســقط‬ ‫عــى إثرهــا الشــهيد عــي البابنــي برصــاص األمــن الــذي أراد تفريــق‬ ‫املظاهــرة بالقــوة‪ ،‬وعندمــا حــاول االســتيالء عــى جثامنــه‪ ،‬منعــه أصحابــه‬ ‫ورفــاق دربــه‪ ،‬واســتمروا يف التظاهــر حتــى صبــاح اليــوم التــايل مــع بــث‬ ‫مبــارش لهــذا الحــدث‪ ،‬مســجلني أطــول تظاهــرة وبــث مبــارش يف تاريــخ‬ ‫الثــورة الســورية‪ ،‬ثــم مــا لبثــت جنــازة الشــهيد البابنــي أن كانــت أطــول‬ ‫موكــب دفــن يف تاريــخ الثــورة الســورية أيض ـاً‪ ،‬حيــث بلــغ طولهــا أكــر‬ ‫مــن خمســة كيلومــرات‪ ،‬وبعــد أن تــم الدفــن يف مقــرة تــل البيعــة‪،‬‬ ‫بــدا كــا لــو أ ّن أصحابــه قــد بايعــوه عــى الشــهادة عندمــا نزلــوا إىل‬ ‫ســاحة التحريــر لهــدم الصنــم‪ ،‬فكانــت املجــزرة التــي أودت‪ ،‬بحســب‬ ‫بعــض التقدي ـرات‪ ،‬بأكــر مــن خمســن شــهيدا ً‪ ،‬منهــم‪ :‬محمــد قحطــان‬ ‫الســيد أحمــد الحــاج عبــو‪ ،‬مصطفــى الزنــة‪ ،‬أحمــد الحملــة‪ ،‬حمــد خالــد‬ ‫الجــرداوي‪ ،‬عبــد الســام أدهــم حــاج كــويل‪ ،‬عبــد اللــه أحمــد اليوســف‪،‬‬ ‫قــي ربيــع الصبــار الهنــداوي‪ ،‬قــي ربيــع خليــل الحســن‪ ،‬محمــود‬ ‫الفاضــل‪ ،‬مصطفــى العبــود‪ ،‬محمــد العــي الصالــح‪..‬‬ ‫فكتبت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ِب‬ ‫ُ‬ ‫الغضب وطغى‬ ‫ُ ‬ ‫غضب الفراتُ فأُرع َد‬ ‫املسيل فموجه لج ُ‬ ‫وضياغ ٌم يف السهلِ‬ ‫تصطخب‬ ‫فعىل التال ِع قشاع ٌم شُ ٌ ‬ ‫هب‬ ‫ُ‬ ‫قصوا األردان وانتسبوا‬ ‫يا من رآهم حينام انتفضوا ‬ ‫قد ّ‬ ‫مل ّا عىل لبّاته وثبوا‬ ‫واملوت أجفل من بسالتهم ‬ ‫يلتهب‬ ‫أن يخمدوا الربكان‬ ‫يا ثورة الربكانِ كيف لهم ‬ ‫ُ‬ ‫اليوم الثاني‪:‬‬ ‫تعاهــد الثــوا ُر عــى تحريــر الرقــة‪ ،‬وأقســموا اليمــن عــى عــدم البقــاء فيها‬ ‫بعــد التحريــر‪ ،‬فــا كان ّإل أن ارتفعــت صيحــات التكبــر يف ســاء الرقــة‬ ‫فجــر ‪ 2013/3/4‬معلنـ ًة تحريــر الرقــة‪ ،‬تحــت شــعار «غــارة الجبــار»‪ ،‬التــي‬ ‫كانــت ملحمــة للبطولــة والفــداء‪ ،‬فكانــت هــذه األبيــات‪:‬‬ ‫يا غارة الله هل هذي التباش ُري‬ ‫يف الرقتني عىل اآلفاق تكب ُ ري‬ ‫قذائف املوت تحدوها املقادي ُر‬ ‫إنّا نهضنا إىل ال ُج ّل تخاتلنا ‬ ‫وما اعتذرنا فللجنب املعاذي ُر‬ ‫وما رهبنا ولألهوال رهبتها ‬ ‫شقيق يف مرابعنا وللشهيد أساري ٌر هي النو ُر‬ ‫ومن دمانا ٌ‬ ‫فكانــت الرقــة أول مدينــة ســورية محــررة‪ ،‬ولكــن لألســف ضيّعهــا أهلهــا‪،‬‬ ‫واملعارضــة التــي تركتهــا وحدهــا‪ ،‬فكانــت أكــر أخطــاء االئتــاف والجيــش‬ ‫الحــر‪.‬‬ ‫اليوم الثالث‪:‬‬ ‫صبيحــة ‪ 2013/3/5‬النظــام يشــن غــارات جويــة تســتهدف املدنيــن فيــا‬ ‫بــدا أنهــا عمليــة إبــادة جامعيــة‪ ،‬انتقام ـاً مــن أهــايل الرقــة‪ ،‬أول مدينــة‬ ‫تخــرج عــن ســلطة األســد ونظــام البعــث‪ ،‬مثلــا كانــت عــام ‪ 1920‬أول‬ ‫مدينــة تتمــرد عــى االنتــداب الفرنــي‪ ،‬وتبقــى خــارج حــدود ســلطته‬ ‫يرفــرف عليهــا العلــم العــريب ملــدة ‪ 15‬شــهرا ً‪ ،‬ولكــن طـران النظــام اليــوم‬ ‫أعتــى مــن غــارات الفرنســيني عــام ‪ 1920‬عــى الرقــة‪ ،‬غــر أ ّن هــذه‬ ‫الغــارات مل ترهبنــا‪ ،‬فــكان أول تداعــي لتجمــع مــدين تحــت القصــف‬ ‫الجــوي باســم «ائتــاف أبنــاء الرقــة» الــذي أعقبــه ع ـرات التجمعــات‬ ‫املدنيــة‪.‬‬ ‫وفيــا نكَثــت الكتائــب املقاتلــة بقســمها واستســاغت دعــم الســلطة‪،‬‬ ‫ومضــت يف فــرض ســيطرتها مبواجهــة املــد املــدين‪ ،‬كان اإلرصار مــن‬ ‫التنســيقيات‪ ،‬والتجمعــات املدنيــة‪ ،‬واإلعــام البديــل عــى التحــدي‬ ‫والبقــاء‪ ،‬فكانــت هــذه األبيــات‪:‬‬ ‫الرجل‬ ‫أَ َو لن تغادر أيّها ُ‬ ‫سألت وملء سؤالها الوجلُ ‬ ‫ْ‬ ‫أحتمل‬ ‫ُ‬ ‫يا ويح قلبي كيف‬ ‫هذا الحمى عاث البغاة ب ِ ه‬ ‫والغد ُر شاع وشاعت ال ِغيَ ُل‬ ‫أَ َو ما ترى أرشاكهم ن ْ ‬ ‫ُصبت‬ ‫املقل‬ ‫أوحت بها ُ‬ ‫وبرق ٍة‬ ‫ ‬ ‫فأجابها يف حزم معتزمٍ‬ ‫ْ‬ ‫النجل‬ ‫أريض وهذي األعني ُ‬ ‫ ‬ ‫إين رهني املحبسني هنا‬ ‫ُ‬ ‫ولكــن طغــى املــوج عــى الســابح‪ ،‬وعصفــت اللجــة بالســفني‪ ،‬فــكان‬ ‫النــزوح األول للمــدن املحــررة‪ ،‬وكانــت الحرمــل يف الغربــة – مــع جهــود‬ ‫كل املخلصــن للثــورة ‪ -‬بلســاً لــأمل ومبعثــاً لألمــل‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫الثورة السورية تدخل عامها اخلامس‪..‬‬ ‫حسام عيسى‬

‫الرقة عاصمة التحرير‬

‫أربــع ســنوات انقضــت عــى الثــورة‬ ‫الســورية وهــا هــي تدخــل عامهــا الخامــس‪,‬‬ ‫وأربــع ســنوات مضــت عــى الرقــة التــي‬ ‫تب ّدلــت وتغــرت كث ـرا ً‪ ،‬ودخلــت التاريــخ مــن‬ ‫أوســع أبوابــه وســجلت العديــ َد مــن األرقــام‬ ‫القياســية‪ .‬أربــع ســنوات وال يلــوح يف األفــق‬ ‫أي انف ـراج عــى املشــهد العــام ولكــن هنالــك‬ ‫بالرقــة الصــورة أعقــد وأصعــب واملشــهد‬ ‫ســوداوي أكــر مــن بقيــة املشــاهد‬ ‫ٌ‬ ‫البداية ومرحلة السلمية‪:‬‬ ‫مــع بــدء رشارة الثــورة الســورية‪ ،‬ومــا جــرى‬ ‫يف درعــا‪ ،‬تحركــت مجموعــة مــن املعارضــن‬ ‫السياســيني مــن أجــل القيــام بخطــوة ملواكبــة‬ ‫األحــداث الجاريــة بالبــاد فكانــت الدعــوة‬ ‫ألول مظاهــرة يف محافظــة الرقــة يــوم‬ ‫الجمعــة ‪ 2011/3/25‬حــدد فيهــا املــكان‬ ‫بجامــع الفــردوس بالرقــة‪ ،‬ووصــل الخــر إىل‬ ‫كل املهتمــن باملوضــوع‪ ،‬وحتــى إىل مســامع‬ ‫األمــن واللجــان الحزبيــة‪ .‬ســبق التظاهــرة يــوم‬ ‫الخميــس ‪ 2011/3/24‬مســرة ســيارات ملؤيــدي‬ ‫النظــام تراقصــوا فيهــا عــى قـرار النظــام بزيادة‬ ‫يف الراتــب فكانــت تلــك املســرة عامــل تهييــج‬ ‫وتأليــب لتظاهــرة الجمعــة التــي كان عــدد‬ ‫املشــاركني فيهــا قرابــة ‪ 300‬شــخص‪ ،‬وهتفــت‬ ‫للحريــة ودرعــا لكــن عــدد املوالــن الذيــن‬ ‫قدمــوا مــن األريــاف لعمليــات القمــع كان‬ ‫أكــر مــن عــدد املتظاهريــن مــا أدى إىل‬ ‫تحــول املظاهــرة إىل مســرة مؤيــدة مــن بعــد‬ ‫ســرها أكــر مــن ‪ 600‬مــر حيــث تج ّمــع‬ ‫املؤيــدون والشــبيحة مــن كل حــدب وصــوب‬ ‫وكانــت هنالــك مالحقــات للموجوديــن‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي أفــى إىل اعتقــال ثالثــة أشــخاص‪.‬‬ ‫مل يقــف األمــر عنــد ذلــك بــل اســتمر الح ـراك‬ ‫الســلمي فكانــت هنالــك مظاهــرات أخــرى‪،‬‬ ‫وازداد عــدد نقــاط التظاهــر يوم ـاً بعــد يــوم‪.‬‬ ‫واهــم التظاه ـرات الســلمية هــي‪:‬‬ ‫• مســائية شــارع تــل أبيــض نيســان ‪ 2011‬ثــم‬ ‫مظاهــرة شــارع الــوادي بتاريــخ ‪2011/4/24‬‬ ‫• مظاهــرة املشــلب بتاريــخ ‪ 2011/6/1‬حيــث‬ ‫تــم خاللهــا إطــاق النــار عــى املتظاهريــن‬ ‫وجــرح ‪ 3‬شــبان‪.‬‬ ‫• اعتصــام املحامــن األحــرار بالقــر العــديل‬ ‫بالرقــة ‪ 2011/8/16‬وهــو االعتصــام األول مــن‬ ‫نوعــه عــى مســتوى النقابــات‪ ،‬وتــم عــى إثــره‬ ‫اعتقــال عــدد مــن املحامــن واملحاميــات‪.‬‬ ‫• بــركان الرقــة ‪ 2011/12/15‬وكان تحديــاً‬ ‫لألمــن والشــبيحة‪ .‬خرجــت التظاهــرة رغــاً‬ ‫عنهــم يف شــارع ‪ 23‬شــباط وأمــام أعــن عنــارص‬ ‫األمــن الذيــن حاولــوا قمــع التظاهــرة‪ ،‬واعتقــل‬ ‫خاللهــا العديــد مــن األشــخاص‪.‬‬ ‫• التظاهــرات اليوميــة برمضــان ‪ 2011‬والتــي‬ ‫ســجل بهــا مشــاركة مــا يزيــد عــن ألــف‬ ‫متظاهــر عنــد جامــع الحنــي‪ ،‬وشــارع املنصــور‪،‬‬ ‫والتــي قــام األمــن خاللهــا باســتخدام الشــبيحة‬ ‫وتجنيدهــم بشــكل مبــارش لقمــع التظاه ـرات‬ ‫باألحيــاء‪.‬‬ ‫• زيــارة املراقبــن العــرب ‪ 2012/1/19‬وخــروج‬ ‫أكــر مــن خمــس مظاهـرات باملدينــة‪ ،‬وأكربهــا‬ ‫كانــت أمــام لجنــة املراقبــن العــرب‪ ،‬حيــث تــم‬ ‫اعتقــال وإطــاق الغــازات املســيلة للدمــوع‬ ‫أمــام اللجنــة‪.‬‬ ‫• ذكــرى مجــزرة حــاه ‪ 2012/2/2‬حيــث‬ ‫اســتطاع املتظاهــرون الســيطرة عــى شــارع‬ ‫الــوادي و‪ 23‬شــباط ودوار الدلــة‪ ،‬واســتمر‬ ‫الحــراك حينهــا ‪ 3‬أيــام متتاليــة‪ ،‬وتــم دهــس‬ ‫أحــد األطفــال بســيارة تابعــة لألمــن العســكري‪،‬‬ ‫وتــم تســجيل دخــول العربــات التابعــة للجيــش‬ ‫بــدوار الدلــة‪ ،‬وإطــاق الرصــاص بالهــواء‬

‫إلخافــة املتظاهريــن وترويــع األهــايل‪.‬‬ ‫• ذكــرى قيــام الثــورة الســورية ‪2012/3/15‬‬ ‫حيــث ســجلت املدينــة أكــر مــن ‪ 10‬نقــاط‬ ‫تظاهــر‪ ،‬وتــم خاللهــا إطــاق النــار عــى‬ ‫املتظاهريــن‪ ،‬وســقوط أول شــهداء للثــورة‬ ‫الســورية بالرقــة ‪ 4‬شــهداء‪ ،‬منهــم الشــهيد‬ ‫عــي البابنــي‪ ،‬حيــث تجمــع األهــايل عنــد‬

‫بيــت الشــهيد لحاميــة الجثــان مــن الرسقــة‪،‬‬ ‫ومــن ثــم تشــييعه حيــث ُســجلت بذلــك اليــوم‬ ‫أطــول مظاهــرة ‪ 20‬ســاعة تظاهــر‪ ،‬وبــث‬ ‫تلفزيــوين متواصــل‪ ،‬وخــرج يف التشــييع أغلــب‬ ‫ســكان املدينــة ليصبــح العــدد قرابــة ‪300‬‬ ‫ألــف مشــيع‪ ،‬وعــى إثرهــا تــم ســقوط أعــداد‬ ‫إضافيــة مــن الشــهداء نذكــر منهــم محمــد‬ ‫قحطــان الحــاج عبــو‪ ،‬وأحمــد ومصطفــى الزنــا‪،‬‬ ‫حيــث اســتمر الحـراك ملــدة ‪ 4‬أيــام وعــى إثــره‬ ‫دخــل الجيــش للمدينــة‪ ،‬وقــام بتقطيعهــا مــع‬ ‫حملــة اعتقــاالت كبــرة طالــت ‪ 1000‬شــخص‬ ‫باإلضافــة إىل وقــوع ‪ 63‬شــهيدا ً وأكــر مــن ‪100‬‬ ‫مصــاب برصــاص األمــن والجيــش‪.‬‬ ‫• التظاه ـرات الطالبيــة التــي نشــطت بالعــام‬ ‫الثــاين للثــورة مثــل‪:‬‬ ‫ تظاهرات مدرسة ابن خلدون والرشيد‬‫ تظاهرات مدرسة حميدة وبلقيس للبنات‬‫ تظاهرات كلية الهندسة املدنية بالرقة‬‫ تظاهــرات كليــة اآلداب بالرقــة والهندســة‬‫الزراعيــة‬ ‫ثــم انخفضــت وتــرة الح ـراك الســلمي بالرقــة‬ ‫بســبب قــدوم آالف العائــات النازحــة مــن‬ ‫بقيــة املحافظــات للرقــة حتــى وصــل العــدد‬ ‫برمضــان ‪ 2012‬إىل مــا يقــارب ‪1.250.000‬‬ ‫شــخص قدمــوا للمحافظــة خصوص ـاً مــن بعــد‬ ‫الهجمــة الرشســة للنظــام عــى ديــر الــزور‬ ‫والتــي أدت إىل نــزوح كبــر مــن محافظــة ديــر‬ ‫الــزور للرقــة مــا تســبب بعــبء عــى النشــطاء‬ ‫الذيــن تحولــوا إىل نشــطاء إغاثــة عــى حســاب‬ ‫الحــراك الســلمي وإلشــعار النازحــن باألمــان‪.‬‬ ‫• تســجيل أكــر إرضاب بتاريــخ الثــورة الســورية‬ ‫مبحافظــة الرقــة حيــث بلغــت نســبة املشــاركني‬ ‫بــاإلرضاب ‪ %98‬مــن املدينــة مل يســتطع األمــن‬ ‫وال الشــبيحة كــر هــذا اإلرضاب بتاريــخ‬ ‫‪ 2012/12/29‬يضــاف لهــا تظاهــرات بشــارع‬ ‫تــل أبيــض‪.‬‬

‫• تحريــر مدينــة الطبقــة وريفهــا بالكامــل‬ ‫بتاريــخ ‪2013/2/11‬‬ ‫• تحريــر ســد الرشــيد (الفاتــح) بتاريــخ‬ ‫‪2013 /2 /3‬‬ ‫• تحرير مدينة معدان ‪2013/1/18‬‬ ‫• تحرير مدينة الكرامة ‪2012/11/27‬‬ ‫• محــارصة الســجن املركــز ومــن ثــم إعــان‬ ‫عمليــات تحريــر الرقــة املدينــة مبســمى غــارة‬ ‫الجبــار بتاريــخ ‪ 2013/3/2‬والتــي كانــت‬ ‫ملجــرد رضب املراكــز األمنيــة باملدينــة واملقــار‬ ‫األمنيــة والتــي انتهــت بتحــرر املدينــة بتاريــخ‬ ‫‪ 2013/3/7‬بعــد ســقوط آخــر معاقــل النظــام‬ ‫باملدينــة األمــن العســكري واألمــن الســيايس‬ ‫بشــكل نهــايئ بيــد الفصائــل املشــاركة بعمليــة‬ ‫• تظاهــرة جمعــة (الرقــة األبيــة عــى طريــق التحريــر‪.‬‬ ‫الحريــة) ‪ 2013/2/22‬والتــي ســقط خاللهــا وبذلــك باتــت الرقــة خــارج ســيطرت النظــام‬ ‫شــهيدان وعــدد مــن الجرحــى وكانــت بدايــة بشــكل كامــل مــا عــدا‪:‬‬ ‫تحريــر املدينــة‪.‬‬ ‫ مقر الفرقة ‪17‬‬‫ اللواء ‪93‬‬‫املرحلة املسلحة‪:‬‬ ‫ مطار الطبقة العسكري‬‫تأخــرت محافظــة الرقــة كثــرا ً يف العســكرة‪،‬‬ ‫مرحلة التحرير‪:‬‬ ‫شــهدت مدينــة الرقــة خــال األشــهر األوىل مــن‬ ‫تحريرهــا نشــاطاً مدني ـاً واســعاً حيــث تشــكل‬ ‫يف املحافظــة مــا يزيــد عــن ‪ 40‬تجمــع شــبايب‬ ‫باإلضافــة إىل عــدد مــن املراكــز اإلعالميــة‬ ‫التــي تنقــل الوضــع امليــداين باملحافظــة‪،‬‬ ‫وتوافــد العديــد مــن الصحــف ووكاالت األنبــاء‬ ‫العامليــة‪ ,‬وحاولــت الجهــات املدنيــة بالتعــاون‬ ‫مــع بعــض فصائــل الجيــش الحــر إدارة الحيــاة‬ ‫املدينــة‪ ،‬واســتطاعت أن ترقــى باملدينــة مــن‬ ‫حيــث الخدمــات إىل الــذروة حيــث اســتطاعت‬ ‫املجالــس املحليــة تقديــم الخدمــات بصــورة‬ ‫قياســية باملقارنــة مــع بقيــة املناطــق الســورية‬ ‫ومل يلجــأ إليهــا أهلهــا إال مــن بعــد ســقوط وحتــى التــي الزال قســم منهــا تحــت ســيطرة‬ ‫الشــهداء واليــأس الــذي أصــاب عــددا ً مــن النظــام لكــن كل ذلــك ترافــق مــع انتشــار‬ ‫ناشــطيها‪ ،‬والذيــن عملــوا عــى تشــكيل أوىل الفصائــل املتطرفــة وتغ ّولهــا‪ ،‬وانتــر حينهــا‬ ‫الكتائــب مــن أجــل حاميــة املتظاهريــن مسلســل الخطــف الــذي طــال النشــطاء‬ ‫وحاميــة أنفســهم‪.‬‬ ‫املدنيــن وعمليــات االغتيــال‪ ،‬والتــي تبــن بعــد‬ ‫أوىل األعــال العســكرية كانــت محاولــة فــرة أن تنظيــم الدولــة هــو مــن كان يقــف‬ ‫اســتهداف متثــال املقبــور حافــظ األســد الــذي وراءهــا بهــدف إســكات الشــارع‪.‬‬ ‫تســبب مبقتــل العــرات مــن الشــهداء يف إىل أن كانــت املواجهــة األوىل وبشــكل مبــارش‬ ‫ذكــرى الثــورة الســورية‪ ،‬ومل تنجــح عمليــة بــن فصيــل أحفــاد الرســول وتنظيــم داعــش‬

‫اســتهداف التمثــال بتاريــخ ‪2012/4/9‬‬ ‫• ســجل أول تشــكيل كتيبــة بالرقــة بتاريــخ‬ ‫‪ 2012/3/19‬باســم أحفــاد الرشــيد‪ ،‬وأول‬ ‫العمليــات كانــت لكتيبــة القادســية بريــف‬ ‫مدينــة ســلوك بتاريــخ متــوز ‪ 2012‬حيــث ازداد‬ ‫عــدد حامــي الســاح بالريــف الشــايل رويــدا ً‬ ‫رويــدا ً‪.‬‬ ‫• تحريــر مدينــة تل أبيــض بتاريــخ ‪2012/9/19‬‬ ‫ومعربهــا مــع الجانــب الــريك لتبــدأ عمليــات‬ ‫تحريــر الريــف الشــايل بالكامــل والزحــف‬ ‫باتجــاه املدينــة‪.‬‬

‫بحزي ـران ‪ 2013‬والتــي أدت إىل تفجــر محطــة‬ ‫القطــار بالرقــة بســيارة مفخخــة كانــت يف أحــد‬ ‫مقــار أحفــاد الرســول‪ ،‬ووقــوع العديــد مــن‬ ‫القتــى بصفــوف املدنيــن‪.‬‬ ‫بــدأت حينهــا عمليــات االنقضــاض عــى‬ ‫الفصائــل الصغــرة ومحاولــة الكتائــب التوحــد‬ ‫والتجمــع خوفــاً مــن محــاوالت التنظيــم‬ ‫الســيطرة عــى املشــهد بالكامــل إىل أن وصــل‬ ‫األمــر إىل بقــاء ‪ 3‬فصائــل فقــط هــي‬ ‫ حركة أحرار الشام‬‫‪ -‬جبهة النرصة‬

‫ تنظيم الدولة اإلسالمية «داعش»‬‫ومــع الوقــت ازدادت حالــة التوتــر إىل أن بدأت‬ ‫املعركــة مــا بــن حركــة أح ـرار الشــام وجبهــة‬ ‫النــرة ولــواء ثــوار الرقــة حينهــا مــن جهــة‬ ‫وتنظيــم داعــش مــن جهــة أخــرى وانتهــت‬ ‫املعركــة بســيطرة التنظيــم عــى املحافظــة‬ ‫بســبب انســحاب أح ـرار الشــام منهــا‪ ،‬وكذلــك‬ ‫عــدم وقــوف جبهــة النــرة مــع مقاتليهــا‬ ‫بالرقــة وتــرك لــواء ثــوار الرقــة حينهــا وحيــدا ً‬ ‫باملعركــة‪ .‬ولتجنيــب الخســائر الكبــرة بصفــوف‬ ‫املدنيــن انســحب اللــواء لتصبــح الرقــة هــي‬ ‫املحافظــة الوحيــدة املســيطر عليهــا مــن قبــل‬ ‫أكــر تنظيــم إرهــايب عرفــه التاريــخ‪.‬‬ ‫مرحلة االحتالل من قبل داعش‪:‬‬ ‫منــذ ســيطرة تنظيــم داعــش عــى محافظــة‬ ‫الرقــة بــدأ بتطبيــق مرشوعــه عــى املحافظــة‬ ‫وتحويلهــا إىل مدينــة تعيــش يف القــرن ‪14‬‬ ‫للميــاد حيــث أوقــف التنظيــم التعليــم وأصدر‬ ‫عــدة قــرارات ضيقــت عــى املــرأة‪ ،‬وعــى‬ ‫الطلبــة والحــق خاللهــا النشــطاء ون ـكّل بهــم‬ ‫وأطبــق الحصــار عــى أي معلومــة مــن شــأنها‬ ‫نقــل صــورة مــا يجــري باملحافظــة‪ ،‬وباتــت‬ ‫املحافظــة نقطــة مظلمــة ال أحــد يعلــم مــا‬ ‫يجــري بهــا‪ ،‬وهنــا كانــت بدايــة انطــاق حملــة‬ ‫تعــرف العــامل مبــا يجــري بتلــك البقعــة مــن‬ ‫العــامل وكانــت باســم (حملــة الرقــة تذبــح‬ ‫بصمــت)‪ ،‬وقــد ســاهمت الحملــة يف نقــل كل‬ ‫مــا يجــري عــى األرض بالرقــة مــن انتهــاكات‬ ‫لتنظيــم داعــش والجرائــم املرتكبــة بحــق‬ ‫املدنيــن واإلجــراءات التعســفية والرسقــات‬ ‫ومــا يعيشــه أهــل املدينــة مــن فقــر وضائقــة‬ ‫ماديــة‪ ،‬ومل تتجاهــل الجرائــم املرتكبــة مــن‬ ‫قبــل النظــام بحــق املدنيــن مــن قصــف‬ ‫لطائرتــه واملجــازر التــي تســبب بهــا قصــف‬ ‫النظــام للمدينــة خــال الربــع األخــر للعــام‬ ‫‪ 2014‬والتــي راح ضحيتهــا مــا يقــارب مــن ‪400‬‬ ‫شــهيد ‪.‬‬ ‫أرقام تقريبية‪:‬‬ ‫ بلــغ عــدد املعتقلــن مــن قبــل داعــش‬‫واملغيبــن لديهــا قرابــة ‪ 3000‬شــخص‬ ‫ بلــغ عــدد املعتقلــن مــن قبــل النظــام قرابــة‬‫‪2000‬‬ ‫ بلــغ عــدد املظاه ـرات بالرقــة قبــل التحريــر‬‫‪ 2000‬مظاهــرة‬ ‫ بلغ عدد الشهداء قرابة ‪1500‬‬‫ بلغ عدد الجرحى ‪ 4000‬جريح‬‫ عدد اإلعاقات الدامئة ‪184‬‬‫ عــدد املترضريــن بســبب ظــروف الحــرب‬‫(مــن قطــع رواتبهــم مــن قبــل النظــام – منــع‬ ‫أعــال مــن قبــل داعــش – فقــدان أعاملهــم‬ ‫‪ %85 )....‬مــن إجــايل محافظــة الرقــة‪.‬‬ ‫ بلــغ عــدد املنــازل املدمــرة بســبب القصــف‬‫‪ 200‬دمــار كيل و‪ 1500‬دمــار جــزيئ‪.‬‬ ‫ عــدد صواريــخ الســكود التــي أطلقــت عــى‬‫محافظــة الرقــة قرابــة ‪ 70‬صــاروخ‪.‬‬


‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫‪3‬‬

‫رحلة اىل خميم جيالن بينار‬ ‫ابتسام شاكوش‬ ‫أيهــا القــادم إىل مخيــم جيــان بينــار ال تتوقــف‬ ‫عنــد البــاب الخارجــي‪ ،‬وال تحــي العائــات املبعــرة‬ ‫هنــاك مــزودة بحقائــب وأكيــاس تحتــوي بعــض‬ ‫الثيــاب واألغطيــة واملنتظــرة دورهــا للحصــول عــى‬ ‫خيمــة‪ ،‬فــا زالــت براميــل املــوت ترفــد املخيــات‬ ‫واملقابــر كل يــوم بأرقــام جديــدة‪ ،‬بــل ادخــل إىل‬ ‫داخــل املخيــم وتأمــل‬ ‫يف داخــل املخيــم خليــط مــن كل املحافظــات‬ ‫الســورية وأريافهــا‪ ،‬يعيشــون جنبــاً إىل جنــب‪،‬‬ ‫شــعب يحــب الحيــاة‪ ،‬يتمســك بهــا‪ ،‬يبــدأ مشــوار‬ ‫الزائــر مبنظــر خيــام كبــرة أعــدت ملكاتــب اإلدارة‬ ‫ومكاتــب القبــول حيــث يتــم تســجيل الوافديــن‬ ‫ومنحهــم بطاقــات شــخصية كضيــوف‪ ،‬ويتــم منحهــم‬ ‫بطاقتــن إضافيتــن إحداهــا مــن اآلفــاد والثانيــة‬ ‫مــن الهــال األحمــر الــريك‪ ،‬يحصــل املقيــم مبوجبهــا‬ ‫عــى مبلــغ مــن املــال يــرف بشــكل مــواد غذائيــة‬ ‫ورضوريــات يشــريها مــن «املــول» داخــل املخيــم‪.‬‬ ‫عــى اليســار تجــد إدارة التعليــم الرتكيــة‪ ،‬املســؤولة‬ ‫عــن تأمــن املــواد القرطاســية للمــدارس‪ ،‬تليهــا‬ ‫صــاالت لتعليــم الحالقــة‪ ،‬وصــاالت تســتخدم‬ ‫كريــاض لألطفــال‪ ،‬وصالــة لالنرتنــت‪ .‬وبعدهــا تــرى‬ ‫املستشــفى‪ ،‬أمــام املستشــفى ويف داخلهــا عــرات‬ ‫املنتظريــن‪ ،‬فالــكادر الطبــي والتمريــي ال يكفــي‪،‬‬ ‫وهــذه معانــاة يوميــة يعيشــها املــرىض هنــا‪ ،‬رمبــا‬

‫ابتسام تريسي‬ ‫يحيلنــا العنــوان مبــارشة إىل كتــاب‬ ‫أدونيــس «الثابــت واملتحــ ّول» الــذي أثــار‬ ‫جــدالً كبــرا ً بــن املثقفــن مــن مريــدي‬ ‫مفتــي الشــعر وناقــده الكبــر‪ ،‬ومعارضيــه‪.‬‬ ‫وصفــه ونظّــر لــه أدونيــس‪،‬‬ ‫فالثابــت الــذي ّ‬ ‫وانتقــده‪ ،‬هــو ربــط الدولــة بالديــن‪ ،‬وذلــك‬ ‫يف الجــزء األول املعنــون بـ»األصــول»‪.‬‬ ‫فاملســلمون األوائــل ارتبطــت ســلوكياتهم‬ ‫وأفكارهــم بالديــن كمقيــاس وأســاس‬ ‫للنظــرة إىل الغيــب وإىل الحيــاة اإلنســانية‪،‬‬ ‫وربطــوا بــن الديــن وتنظيــم الحيــاة‪،‬‬ ‫وبــن الديــن واللغــة والشــعر والفكــر‪،‬‬ ‫وهكــذا قرنــوا الفكــر والسياســة بالديــن‪.‬‬ ‫فصحــة موقــف املفكــر والســيايس وحتّــى‬ ‫الشــاعر ترتبــط بصحــة دينــه‪ ..‬ومــن هنــا‬ ‫تجســدت الثقافــة اإلســامية العربيــة عمليـاً‬ ‫يف مؤسســة الخالفــة‪ ،‬أي يف ظــل النظــام أو‬ ‫الدولــة‪ .‬وهــذا مــا سـ ّـاه أدونيــس اصطالحـاً‬ ‫«الثابــت» وأطلــق عــى االتجاهــات التــي‬ ‫تطــرح مفاهيــم أخــرى تســمية «املتحـ ّول»‪.‬‬ ‫مــا قبــل الثــورة الســورية كان أدونيــس‬ ‫واحــدا ً مــن هــؤالء الذيــن نســتطيع أن‬ ‫نطلــق عليهــم لقــب «املتحــ ّول» حســب‬ ‫االصطــاح الــذي اعتمــده يف كتابــه‪ .‬وكان‬ ‫مــن الثائريــن عــى األنظمــة القامعــة‪،‬‬ ‫التــي تحــر الفكــر بهــا‪ ،‬والتــي أخــذت‬ ‫أشــكاالً مختلفــة عــر التاريــخ‪ ،‬مــن الخالفــة‬ ‫إىل الرئاســة أو امللكيــة‪ .‬لكــ ّن املفاجــئ أ ّن‬ ‫أدونيــس املعــارض لألنظمــة الديكتاتوريــة‬ ‫«واملتحــول» ظهــر يف لقــاءات وحــوارات‬ ‫عديــدة يؤكــد فيهــا أ ّن «الثــورات عمومــاً‪،‬‬ ‫والثــورة الســورية خصوصــاً‪ ،‬كلّهــا مفرغــة‬ ‫مــن العلمنــة ومشــحونة بالنفــس الدينــي‪،‬‬

‫يلتقــي الزائــر بســيارة تشــبه ســيارة اإلســعاف تــدور‬ ‫بــن الخيــام لجمــع املــرىض الذيــن يحتاجــون غســيل‬ ‫الــكىل‪ ،‬ونقلهــم إىل مستشــفى أورفــا‪.‬‬ ‫املخيــم مقســم إىل عــرة أحيــاء‪ ،‬يف كل حــي صالتــان‬ ‫للمــدارس وصالتــان للمســاجد‪ ،‬مســجد للرجــال‬ ‫وآخــر للنســاء‪ ،‬تــرى املــدارس دامئــا مشــغولة‬ ‫بتالميذهــا‪ ،‬واملســاجد خاليــا نحــل تــدوي فيهــا‬

‫أصــوات حلقــات حفــظ القــرآن الكريــم إىل جانــب‬ ‫حلقــات محــو األميــة‪ ،‬والــكل يعمــل‪.‬‬ ‫ال تســتغرب أيهــا الزائــر إذا التقيــت يف دربــك‬ ‫بأطفــال حفــاة يرتــدون بيجامــات فصلتهــا أمهــم‬ ‫مــن بقايــا بطانيــة تالفــة‪ ،‬أو التقيــت بامــرأة ترتــدي‬ ‫ثوب ـاً فصلتــه مــن نســيج الخيمــة املهرتئــة‪ ،‬أو فصلتــه‬ ‫مــن نســيج بطانيــات رقيقــة ال تصلــح كأغطيــة‬ ‫يف هــذا الشــتاء الصقيعــي‪ ،‬فهــذا مشــهد عــادي‬ ‫هنــا‪ ،‬الســوريون يعرفــون كيــف يترصفــون باملتــاح‪،‬‬ ‫ليعيشــوا عــى الحــد األدىن مــن الرضــا‪.‬‬ ‫يف الحــي الخامــس‪ ،‬ويف صالــة كبــرة‪ ،‬أقيــم معهــد‬ ‫العلــم للجميــع‪ ،‬الــذي يــدرس العلــوم الرشعيــة‪،‬‬ ‫والعقيــدة اإلســامية الصحيحــة‪ ،‬لعلنــا نحمــي‬ ‫الشــباب املتعطــش لإلســام‪ ،‬مــن االنجــراف يف‬ ‫تيــارات التطــرف‪ ،‬التــي اســتقطبت حــاس الشــباب‪،‬‬ ‫مســتغلة جهلهــم بحقيقــة العقيــدة اإلســامية‪.‬‬ ‫يف الشــارع الرئيــي الفاصــل بــن رتلــن مــن األحيــاء‬ ‫ســتجد ســوقاً كاملــة مــن البســطات‪ ،‬احتــال أصحابهــا‬ ‫عــى املوجــود مــن املــواد فصنعــوا لهــا جدرانــاً‬ ‫وأبوابــاً وأقفــاالً‪ ،‬ســتجدون فيهــا املالبــس الجديــدة‬ ‫واملســتعملة والخضــار والفواكــه‪ ،‬ومطاعــم الفالفــل‬ ‫واللحــوم والحبــوب‪ ،‬وأدوات التجميــل والعطــور‪،‬‬ ‫ومكاتــب الســفر والحــواالت ورصف العمــات‪،‬‬ ‫ســتجدون كل يشء هنــا‪.‬‬ ‫ادخــل أيهــا الزائــر بــن الخيــام‪ ،‬لتجــد كل خيمــة‬

‫محاطــة بأنــواع مــن النباتــات‪ ،‬األزهــار والخضــار‪،‬‬ ‫البقدونــس والنعنــاع‪ ،‬البنــدورة والكوســا واليقطــن‪،‬‬ ‫أكمــل ســرك إىل الخــط الفاصــل بــن الحــي التاســع‬ ‫والعــارش وانظــر إىل ميينــك‪ ،‬ســرى مركــز اإلطفــاء‬ ‫بســياراته الجاهــزة دومــاً‪ ،‬وموظفيــه الذيــن ال‬ ‫يغفلــون‪ ،‬والتفــت إىل اليســار‪ ،‬ســتجد بنــا ًء مســبق‬ ‫الصنــع‪ ،‬يحتــوي املــدارس اإلعداديــة والثانويــة‬ ‫والتومــر‪ ،‬شــعب يتهيــأ ملرحلــة مــا بعــد الثــورة‪،‬‬ ‫وينتظــر بحرقــة‪ ،‬اليــوم الــذي يعــود فيــه إىل الوطــن‪،‬‬ ‫ليعيــد بنــاء مــا هدمتــه يــد الغــدر‪ ،‬يف مراتــع‬ ‫الطفولــة والصبــا‪ ،‬ليعيــد بنــاء وطــن نســتحق أن‬ ‫نعيــش فيــه‪.‬‬

‫ّ‬ ‫واملتحول‬ ‫الثابت‬ ‫واعتــر الثــورة التــي تخــرج مــن الجوامــع‬ ‫ليســت ثــورة‪ ،‬وأ ّن العنــف الــذي طبــع هــذا‬ ‫النــزاع كان ســبباً يف معارضتــه للحــراك‪.‬‬ ‫أي تحــرك يقــوم عــى أســاس‬ ‫فهــو ضــد ّ‬ ‫الديــن‪ ،‬ويتحــدى رمــوز الثــورة أن يتحدثــوا‬ ‫بكلمــة واحــدة عــن العلمنــة وقضايــا املــرأة‬ ‫وإشــكاليات املفاهيــم الدينيــة ذات االمتداد‬ ‫لتســيري الواقــع وتحــري آليــات تدبــر النــاس‬ ‫يف حــال ســقط النظــام»‪.‬‬

‫وينصــب‬ ‫نظريــات ودســاتري‪ ،‬وبيانــات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مــن يدافــع عــن حقــوق املــرأة‪ ،‬ثــم‬ ‫يلتفــت النتشــال الجثــث مــن تحــت‬ ‫أنقــاض براميــل بشــار الكيــاوي وأصدقائــه‬ ‫اإليرانيــن الذيــن احتفــى أدونيــس يف كتابــه‬ ‫ذاك بثورتهــم ‪ .1979‬أخــذه وقتهــا ســحر‬ ‫الجامهــر الهــادرة‪ ،‬وكان يرغــب بانتشــار‬ ‫العــدوى للعــرب! مــع أنّــه انتقــد بعــض‬ ‫أشــكال املامرســات اإليرانيــة السياســية يف‬

‫ليــس غريبـاً عــى مفتــي الشــعر مثــل هــذا‬ ‫الــكالم‪ ،‬وهــو ال يــرى مــن الثــورة الســورية‬ ‫ســوى مــا يــراه النظــام الســوري‪ ،‬كيــف‬ ‫ســيقبل عقلــه فكــرة التحــ ّول تلــك إن مل‬ ‫تكــن علامنيــة بحتــة! كان يجــب عــى‬ ‫الشــعب الســوري الــذي حمــل الســاح‬ ‫دفاعــاً عــن حريتــه وكرامتــه وعرضــه‪ ،‬أن‬ ‫بــأي خطــوة يف ثورتــه‬ ‫يضــع قبــل البــدء ّ‬

‫فصــل «الفقيــه العســكري»‪ .‬لك ّنــه مل يتخــذ‬ ‫هــذا املوقــف الحــامل مــن الثــورات العربيــة‬ ‫فقــد كان موقفــه حاســاً منــذ البدايــة‪،‬‬ ‫وإن أبــدى إعجابـاً عابـرا ً بالثــورة التونســية‪،‬‬ ‫مــا لبــث أن ســحبه حــن الحــت بــوادر‬ ‫وصــول اإلســاميني إىل الســلطة‪ .‬فهــو ض ـ ّد‬ ‫أي‬ ‫أي ثــورة «تخــرج مــن الجوامــع» وض ـ ّد ّ‬ ‫نظــام ســيايس يبنــى عــى الديــن‪ ،‬ويعتــر‬ ‫ٍ‬

‫العلامنيــة أحــد الــروط الرئيســة ألي بنــاء‬ ‫ســيايس ميكــن أن تنتجــه الثــورة يف ســوريا‬ ‫أو غريهــا‪.‬‬ ‫ليــس أدونيــس املثقــف الســوري الوحيــد‬ ‫الــذي وقــف هــذا املوقــف املعــارض للثــورة‬ ‫الســورية فقــط أل ّن صبغتهــا دينيــة‪ ،‬بــل‬ ‫معظــم املثقفــن الذيــن وقفــوا يف وجــه‬ ‫النظــام الســوري قبــل الثــورة الســورية‬ ‫وكانــوا مــن أش ـ ّد املعارضــن لــه «تحولــوا»‬ ‫بعــد الثــورة إىل مؤيديــن ملــا يفعلــه‬ ‫الطاغيــة‪ ،‬بحجــة أنّهــم ال يريــدون نظامــاً‬ ‫سياســياً يقــوم عــى الديــن اإلســامي‪.‬‬ ‫وبشــار األســد ميثــل العلامنيــة بأطيافهــا‬ ‫حتّــى بعــد مــرور أربعــة أعــوام عــى القتــل‬ ‫والترشيــد والتدمــر‪.‬‬ ‫إذن ثورتهــم املزعومــة قبــل أن ينتفــض‬ ‫الشــعب الســوري‪ ،‬كانــت وباملطلــق‬ ‫مــن أجــل تغيــر مــن الداخــل‪ ،‬يعطيهــم‬ ‫بعــض املكتســبات‪ ،‬ويبقــي عامــة‬ ‫الشــعب «الرعــاع» يف القــاع االجتامعــي‪.‬‬ ‫ومــن التحــوالت العجيبــة التــي أفرزتهــا‬ ‫الثــورة‪ ،‬تحــ ّول النابذيــن للطائفيــة إىل‬ ‫طائفيــن حتّــى العظــم‪ .‬وهــم أيضــاً مــن‬ ‫فئــة املثقفــن الذيــن قرأنــا كتبهــم عــن‬ ‫االشـراكية واملاركســية‪ ،‬والتهمنــا ترجامتهــم‬ ‫الصــادرة عــن وزارة الثقافــة واتحــاد الكتــاب‬ ‫ألمهــات الكتــب العامليــة‪ .‬فهــم يدافعــون‬ ‫عــن أنفســهم ض ـ ّد تهمــة الطائفيــة‪ ،‬لك ـ ّن‬ ‫مامرســاتهم الفاضحــة تؤكــد موافقتهــم عىل‬ ‫املامرســات الطائفيــة التــي يقرتفهــا النظــام‬ ‫الســوري‪ ،‬ويبنــي عليهــا دولتــه القادمــة!‬ ‫الثابــت ليــس فكــرا ً دينيــاً قامــت عليــه‬ ‫الدولــة اإلســامية‪ ..‬الثابــت هــو املنظومــة‬ ‫الفكريــة والسياســية التــي حكــم بهــا‬

‫النظــام الســوري الشــعب الحــ ّر عــى‬ ‫مــدى أربعــن عامــاً مــن القمــع والقتــل‬ ‫واالغتيــاالت وانتهــاك الحرمــات‪ ،‬والتغيـرات‬ ‫الدميوغرافيــة للبلــد التــي قضــت عــى‬ ‫الــروة الســمكية يف ســهل الــروج‪ ،‬ومواســم‬ ‫القطــن‪ ،‬والقمــح‪ ،‬وتراجــع اإلنتــاج‪ ،‬وجفــاف‬ ‫األنهــر‪ ..‬وهــدم املــدن القدميــة ومســح‬ ‫مالمحهــا‪ ،‬واســتبدالها بأبنيــة هشــة تنهــار‬ ‫بعــد ســنوات فــوق رؤوس أصحابهــا‪...‬‬ ‫وتدمــر حــاة‪ ،‬وجــر الشــغور‪ ،‬وحــي‬ ‫املشــارقة يف الثامنينــات‪ ..‬والتدمــر الحاصــل‬ ‫اآلن لــكل بلــد خرجــت منــه مظاهــرة‬ ‫تطالــب بالحريــة‪.‬‬ ‫و»املتحــ ّول» هــو إرادة الشــعب الســوري‬ ‫يف امتــاك حريتــه وإســقاط النظــام بغــض‬ ‫النظــر عــن الوســائل التــي يتبعهــا اآلن عــى‬ ‫أرض الواقــع‪ ،‬والتــي كانــت نتيجــة طبيعيــة‬ ‫للضغوطــات الحــادة التــي مورســت عليــه‬ ‫يف التمويــل‪.‬‬ ‫الثابــت‪ ،‬هــو الجــدال العقيــم عــى صفحات‬ ‫التواصــل االجتامعــي بــن منظّــري املعارضــة‬ ‫بتشــكيالتها املختلفــة ومثقفيهــا‪ ،‬الذيــن‬ ‫توقفــوا عنــد خالفاتهــم الجزئيــة حــول‬ ‫دور هيئــة التنســيق واالئتــاف‪ ،‬وأدائهــم‬ ‫التقليــدي املنتمــي إىل ماضيهــم الســيايس‪.‬‬ ‫املتحــ ّول‪ ،‬هــو الشــارع الســوري املحشــور‬ ‫يف ســفينة يقودهــا مئــة ربّــان! والــذي‬ ‫ينتظــر منــه أن يقفــز منهــا‪ ،‬يف اللحظــة‬ ‫وبــكل‬ ‫ّ‬ ‫بــكل املنظّريــن‪،‬‬ ‫املناســبة‪ ،‬مطيحــاً ّ‬ ‫ثابــت يف الثــورة الســورية‪ .‬ابتــدا ًء مــن‬ ‫الفصائــل اإلســامية املســلحة بــإرادات‬ ‫غربيــة وأمريكيــة وعربيــة‪ ،‬وانتهــا ًء مبثقفــن‬ ‫ال يــرون أبعــد مــن مصالحهــم وكراســيهم‪،‬‬ ‫متامــاً كــا يراهــا ســفّاح ســوريا األكــر‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫يف الثورة السورية ومآالتها‬ ‫أمحد اجلربا‬

‫زكريا السقال‬

‫إخــويت يف صحيفــة الحرمــل الغــراء‪ ،‬كــم اعتــز‬ ‫مبشــاركة هــذه الســطور املتواضعــة بــن دفتــي‬ ‫جريدتكــم‪ ،‬التــي أثبتــت أن الصــوت الســوري الحــر‬ ‫وروح الشــباب املتجــددة مل ولــن تغــادر أعظــم ثــورة‬ ‫عرفهــا هــذا الــرق‪ .‬لقــد أثبتــم بتواضــع إمكانياتكــم‬ ‫أن صــوت الحــق يحفــر بإبــرة بوصلتــه أعتــى الجبــال‪،‬‬ ‫ويصــدح أعــى مــن صــوت الجــاد‪ .‬أنتــم يــا أمــل ســوريا‬ ‫تعيــدون بجهدكــم وصربكــم وصالبتكــم تصويــب الثورة‪.‬‬ ‫فهــا هــي شــمس الثــورة الســورية تســطع مــن رشقهــا‪،‬‬ ‫مــن مكانهــا الطبيعــي‪ ،‬مــن حســكة علقــت يف حنجــرة‬ ‫النظــام‪ ،‬ولــن تقــوى عليهــا حناجــر اإلرهــاب املتحالــف‬ ‫مــع النظــام‪ .‬مــن الرقــة الصامــدة‪ ،‬بصمتهــا الــذي ينــذر‬ ‫بعاصفــة جديــدة أقــوى مــن األوىل‪ .‬ومــن الديــر الصابــر‬ ‫املجاهــد الــذي قــدم زهــرة شــبابه يف ســبيل إعــاء شــأن‬ ‫الثــورة الســورية‪.‬‬ ‫أيهــا اإلخــوة ال يخفــى عليكــم وعــى كل ذي بصــرة‪،‬‬ ‫حــال ثورتنــا وأحــوال بالدنــا التــي تنــوء تحــت دولتــي‬ ‫إرهــاب‪ ،‬أســدي داعــي‪ ،‬إضافــة إىل إرهــاب االحتــال‬ ‫اإليــراين املبــارش‪ ،‬الــذي غــزا بالدنــا حامــاً مرتزقتــه‬ ‫مــن كل فــج عميــق‪ ،‬لريمــي بأدرانــه الطائفيــة فــوق‬ ‫صدورنــا‪ .‬مــن هنــا ميكــن القــول إن الشــعب الســوري‬ ‫اليــوم هــو يف مواجهــة أســطورية بــكل مــا تعنيــه‬ ‫الكلمــة‪ .‬نحــن نواجــه هجمــة بربريــة مــن دول‬ ‫وأنظمــة وأحــزاب تحــاول أن تصــادر ثورتنــا إلعــادة‬ ‫مصــادرة حريتنــا وحقوقنــا‪ .‬ونحــن يف هــذه املعركــة‬ ‫أمــام خيــار واحــد ال ثــاين لــه وهــو املواجهــة املفتوحــة‪.‬‬ ‫فــا بديــل لنــا عــن املواجهــة‪ ،‬ألن عدونــا مل يــرك خيــارا ً‬ ‫إال الــذل‪ ،‬وقــد قالهــا الســوريون صوت ـاً واحــدا ً‪ :‬املــوت‬ ‫وال املذلــة‪ .‬مــن هنــا قناعتــي الراســخة بأننــا ســنكمل‬ ‫الــدرب وســننترص‪ .‬فلــم يســجل التاريــخ يومـاً أن ثــورة‬ ‫شــعب أخمــدت مــن طاغيــة أو احتــال‪ ،‬وال صــودرت‬

‫اليــوم وعــى أبــواب العــام الخامــس‪،‬‬ ‫والســاعات متــر بطيئــة متثاقلــة عــى‬ ‫الســوريني الذيــن أصبحــت أحالمهــم‬ ‫وآمالهــم‪ ،‬تتقلــص لتصبــح حلــم العــودة‬ ‫لبيوتهــم ومنازلهــم‪ ،‬والعيــش آمنــن‬ ‫بعــد أن اشــتعلت روحهــم‪ ،‬وهــي تــوزع‬ ‫نفســها عــى حلــم أن يســتعيدوا حريتهم‬ ‫وكرامتهــم وبنــاء دولتهــم الحديثــة‪،‬‬ ‫حيــث العدالــة والقانــون والدســتور‪.‬‬ ‫مل يكــن بذهــن الســوريني أن الكثــر‬ ‫ســيخذلهم بطريقهــم للمســتقبل‪ ،‬حيــث‬ ‫الحريــة والكرامــة‪ ،‬األكــر خيبــة أنهــم مل‬ ‫يجــدوا حاضنــة لهــذه األحــام واآلمــال‪،‬‬ ‫وأصبــح العــامل الــذي يتغنــى بحقــوق‬ ‫اإلنســان ومبــادئ القيــم اإلنســانية يديــر‬ ‫لهــم الظهــر‪.‬‬ ‫اليــوم عــى الســوريني الخــروج مــن‬ ‫وهــم وتوهيــات العقــل الســائد‬ ‫ليتلمــس الخطــر الــذي يحيــط بهــم‬ ‫ويحارصهــم‪ ،‬ويســتعيد صــورة انطالقتــه‬ ‫وثورتــه ويعــي مــا الــذي حصــل ومــن‬ ‫الــذي رسق حلمهــم وثورتهــم وشــوهها‪،‬‬ ‫يك يــدرك ويعــي جبهــة الــراع التــي‬ ‫تلفــه ويتلمــس موقــع أقدامــه ليديــر‬ ‫رصاعــه بشــكل علمــي وواقعــي والخروج‬ ‫مــن مجمــل الشــعارات والخطــاب‬ ‫الــذي أخرجــه مــن دائــرة املواطــن‬ ‫الفاعــل الــذي يتلمــس طريــق تحــرره‬ ‫ومســتقبله‪ ،‬إىل دائــرة ضيقــة تحــره‬ ‫بدوائــر ضيقــة وهويــات مجتزئــة اســمها‬ ‫الطائفيــة والقبليــة وتلغــي كل مــا أنجــز‬

‫أخــرى مــن جامعــة إرهابيــة مهــا عــا شــأنها وبلــغ‬ ‫كيدهــا‪ .‬إننــا اليــوم يف مخــاض عســر‪ ،‬وهــو املدخــل‬ ‫الطبيعــي لــوالدة ســوريا الحــرة‪ ،‬ســوريا املســتقبل واألمل‬ ‫الــذي يولــد مــن رحــم اآلمــال‪ .‬ولنتذكــر مــا قيــل قبــل‬ ‫الثــورة مــن نظــام الطاغيــة ومــن الكثرييــن يف العــامل‪،‬‬ ‫يــوم قالــوا كل الشــعوب تثــور إال الشــعب الســوري‪.‬‬ ‫ويف صبيحــة ذلــك اآلذار فاجأنــا العــامل‪ ،‬ومــا زلنــا نصنــع‬ ‫معجــزة الصمــود يومي ـاً لنكــرس نرصنــا املحتــوم بالــدم‬ ‫القــاين‪ ،‬دم الرقــة والحســكة والديــر إىل درعــا وإدلــب‬ ‫وحلــب وحمــص وحــاة والســاحل والجبــل والجــوالن‪..‬‬ ‫دم دمشــق الــذي تعرفــه إيـران وتعلــم أنــه نــور وحــق‪.‬‬ ‫إن شــعبا يصنــع أطفالــه واقعــة درعــا‪ ،‬ويقــدم كل يــوم‬ ‫مئــة خنســاء‪ ،‬لــن يُخضــع رجالــه كل طغــاة األرض‪ ،‬مبــا‬ ‫فيهــم كــرى العــر‪ ،‬وصبيــه املاكــث يف أقبيــة ضاحيــة‬ ‫بــروت الجنوبيــة‪ ،‬أو صبيــه الثــاين املــزروع يف قــر‬ ‫املهاجريــن‪ .‬ومــن يعــش يــر‪.‬‬ ‫وأختم قويل بقول الشاعر‪:‬‬ ‫أعل ُِّل النفس باآلما ِل أرقُ ُبها‬ ‫العيش لوال فسح ُة األ َملِ‬ ‫َ‬ ‫أضيق‬ ‫ ‬ ‫ما َ‬ ‫رئيس اإلئتالف السوري السابق‬

‫بهــذا الواقــع مــن هويــات جامعــة‪ .‬هــذه‬ ‫الهويــات التــي تشــكل املدخــل األســاس‬ ‫لدخــول الخــارج الــذي يعــي متامــاً‬ ‫مصالحــه بإعــادة إنتــاج بلــدان رخــوة‬ ‫مفككــة وضعيفــة تســهل تحكمــه بهــا‬ ‫ورسقــة ثرواتهــا‪ .‬اليــوم مطالب الســوريني‬ ‫وبشــكل جــاد وملــح إعــادة النظــر بــكل‬ ‫الحامقــات والتداخــات والثقافــة التــي‬ ‫ســادت خــال أربــع ســنوات يك يعــوا‬ ‫املــأزق الــذي يعيشــونه‪ ،‬يك يعملــوا بجــد‬ ‫للخــروج منــه‪ .‬وذلــك مــن خــال‪:‬‬ ‫‪1‬ـ إدراك مجمــل األم ـراض التــي ســادت‬ ‫والتخلــص مــن االدعــاء وعقــده وسياســة‬ ‫االرتجــال‪.‬‬ ‫‪2‬ـ رضورة توحدهــم عــى الوطــن‬ ‫والخــروج مــن هرطقــة الـراث والتاريــخ‬ ‫يك يدركــوا أن الوطــن مجموعــة مكونــات‬ ‫مختلفــة يوحدهــا الوطــن والقانــون‬ ‫والعدالــة والدســتور‪.‬‬ ‫‪3‬ـ رضورة التوحــد عــى حــل وخطــاب‬ ‫ال يســمح لهــذا العــامل البغيــض الدخــول‬ ‫منــه‪ ،‬وبنفــس الوقــت ال يفــرط بأربــع‬ ‫ســنوات مــن التضحيــات الكبــرة مــن‬ ‫أجــل بنــاء هــذا الوطــن‪.‬‬ ‫‪4‬ـ بالوقــت الــذي يناضــل فيه الســوريون‬ ‫يك يبعــدوا الطغــاة واملجرمــن‪ ،‬إال أنهــم‬ ‫يتبنــون حــاً سياســياً ينقلهــم للدولــة‬ ‫واملواطنــة‪ ،‬ويناضلــون إللــزام العــامل‬ ‫بضــان هــذا االنتقــال‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ إن النضــال مــن أجــل بنــاء دولــة‬ ‫املواطنــة‪ ،‬يتطلــب ثقافــة مواطنــة‬ ‫وخطــاب مواطنــة ومحاربــة كل الثقافــة‬ ‫والخطــاب التــي تنحــرف عــن هــذا‬ ‫الطريــق‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد القادر العلي‬

‫التش��كيلي بك��ري عمر اس��كيف‪:‬‬

‫كفــر نبــل األيقونــة عــى‬ ‫مــدى أربعــة أعــوام وبدايــة‬ ‫العــام الخامــس مــن ثــورة‬ ‫شــعبنا‪ ،‬مــا زال املشــهد‬ ‫يأخــذ أبعــاده كلهــا دون‬ ‫اختصــار أو تخفيــف مــن‬ ‫كل مــا ميكــن أن يحــدث يف‬ ‫ظاهــرة اجتامعيــة فريــدة‬ ‫اســمها ثــورة شــعب‪،‬‬ ‫واملشــهد دامئــاً باألحمــر‬ ‫وال ألــوان أخــرى‪ .‬برهنــت‬ ‫األحــداث مبــا ال يــدع مجــاالً‬ ‫للشــك‪ ،‬أن الســنني كانــت‬ ‫كفيلــة بتغيــر التوجهــات‬ ‫والــرؤى واألحــداث‪ ،‬السياســات‬ ‫واملواقــف‪ ،‬اآلمــال والتوقعــات‪،‬‬ ‫حســب تغــر مواقــع الرايــات‬ ‫وألوانهــا‪ ،‬الشــعارات والكتائــب‬ ‫التــي متثلهــا‪ ،‬وتغــرت خرائــط‬ ‫القتــال عــرات املــرات‪ ،‬إن كان‬ ‫بــن ممــن يُحســبون عــى الثــورة‪،‬‬ ‫وبــن أعدائهــا‪ .‬ولكــن دامئ ـاً كانــت‬ ‫هنــاك رايــة تطــل مــن قريــة مل‬ ‫تكــن باملعلومــة جيــدا ً عــى خارطــة‬ ‫الوطــن‪ ،‬ودون إنــذار تظهــر كل‬ ‫مــدة مــن عــى شاشــات التواصــل‬ ‫االجتامعــي يقــف خلفهــا شــبا ٌن‬ ‫وقــد رســموا عــى وجههــا مالمــح‬ ‫ثورتنــا‪ ،‬رصخاتنــا‪ ،‬أحالمنــا وآمالنــا‬ ‫جميعـاً‪ .‬كفــر نبل‪ ،‬شــبابها‪ ،‬وشــيبها‪،‬‬ ‫نســاؤها وأطفالهــا‪ ،‬تجســد مــا‬

‫مضــت بأقــدم شــعب عــى‬ ‫وجــه األرض ســنوات أربــع‬ ‫ُ‬ ‫املطــاف‬ ‫عجــاف‪ ،‬انتهــى‬ ‫بهــم يف مخيــات ال تصلــح‬ ‫للبــر‪ ،‬ركبــوا قــوارب‬ ‫املــوت ليصبحــوا طعامــاً‬ ‫للســمك‪ ,‬الحــدود أغلقــت‬ ‫أمامهــم‪ ,‬انقطعــت بهــم‬ ‫كل الســبل‪ .‬تحيــة إجــال‬ ‫وإكبــار لهــذا الشــعب‪..‬‬ ‫شــعبنا الســوري البطــل‪،‬‬ ‫والرحمــة لشــهداء ثورتنــا‪،‬‬ ‫والشــفاء العاجــل لجرحانــا‬ ‫والحريــة ألرسانــا املعتقلــن‬ ‫يف ســجون االســتبداد‬ ‫وســجون داعــش‪..‬‬ ‫بدايــة‪ ..‬الفــن يف الح ـراك الثــوري لــه أهميــة كبــرة يف لعــب‬ ‫هــذا الــدور‪ ،‬وتــأيت مــن قــدرة الفــن عــى ترجمــة التعقيــدات‬ ‫املوجــودة يف ال ـراع بــن معســكر الثــورة ومعســكر الســلطة‬ ‫االســتبدادية القمعيــة «الظالميــة» ببســاطة وسالســة تجعلنــا‬ ‫نفهــم القضيــة برمتهــا عــن طريــق بيــت مــن الشــعر أو لوحــة‬ ‫تشــكيلية أو أحــد الرســومات الكاريكاتوريــة‪ ،‬والتــي تحــارب‬ ‫يف األيــام األخــرة بشــدة (وهــو مــا يجعلنــا نستشــعر خطــورة‬ ‫الفــن عــى النظــم االســتبدادية الرجعيــة)‪ .‬ولعلنــا نــدرك أن‬ ‫الفــن هــو العامــل األهــم واملقيــاس األدق يف قيــاس تقــدم‬ ‫الشــعوب وقدرتهــا عــى االرتقــاء‪ ،‬ومــن دروس التاريــخ نتعلــم‬ ‫أن الفــن كان املحــرك األســايس ملواجهــة النظــم االســتبدادية‪،‬‬ ‫فتلــك النظــم ال متتلــك ســاح اإلبــداع‪ ،‬والــذي دامئـاً مــا ميتلكــه‬ ‫املعســكر الثــوري‪ ،‬والــذي بواســطته يســتطيع إســقاط أعتــى‬ ‫النظــم االســتبدادية‪ ،‬فاإلبــداع الثــوري يفــوق مخططــات‬ ‫واســتعدادات الــدول االســتبدادية يف قمــع الثــورة‪ ،‬فتكــون‬

‫تبقــى مــن حلمنــا الــوردي الجميــل‬ ‫الــذي ُو ِضعــت دونــه كل دســائس‬ ‫السياســة واملصالــح والحقــد‬ ‫الطائفــي وغــر الطائفــي‪ ،‬ولكنهــا‬ ‫مــا زالــت بالفتاتهــا‪ ،‬كلــا ظهــرت‬ ‫كمنــارة بحريــة يف ليــل عاصــف‪،‬‬ ‫تومــض مــن بعيــد‪ ،‬إن الطريــق مــن‬ ‫هنــاك‪ ،‬وتشــر إىل الوجهــة التــي‬ ‫أضاعهــا كثــرون‪ ،‬وهــي بوصلتــه‬ ‫للمســتقبل‪ .‬مــا هــو ملفــت للنظــر‪،‬‬ ‫إن هــذه القريــة الكبــرة‪ ،‬تعرضــت‬ ‫ملــرور األفــكار والشــعارات والرايات‬ ‫والوجــوه املتنوعــة‪ ،‬وعربتهــا‬ ‫الصواريــخ والرباميــل ومــا زالــت‬ ‫تحافــظ عــى وجههــا األول بعــد أن‬ ‫أصبــح مــن الصعــب الحفــاظ عــى‬ ‫وجــه الثــورة األصــي دون أن يخــط‬ ‫العابــرون عليــه شــيئاً مــن أهوائهم‪.‬‬

‫أثبــت الوعــي الــذي يحملــه أبنــاء‬ ‫كفــر نبــل‪ ،‬أنــه الحصانــة الوحيــدة‬ ‫التــي حمتهــم مــن توغــل الفكــر‬ ‫الدينــي املتطــرف الــذي انخــدع بــه‬ ‫كثــرون‪ ،‬ومل يبدلــوا راياتهــم التــي‬ ‫ترفــرف مــن شــال غــرب الوطــن‪،‬‬ ‫ومــن مــكان مرتفــع‪ ،‬ونأمــل أن‬ ‫تعيــد كفــر نبــل الربيــق الــذي‬ ‫فُ ِقــد يف أماكــن أخــرى مــن القطــر‪،‬‬ ‫ومنهــا محافظــة الرقــة‪ ،‬التــي أظلهــا‬ ‫الســواد وأتعبهــا ظالمــه‪ .‬للــذي مــا‬ ‫زال يرفــع الرايــة التــي استشــهد‬ ‫تحــت ألوانهــا شــبابنا وشــاباتنا‪،‬‬ ‫وش َد أهلنــا وأطفالنــا‪ ،‬بعــد‬ ‫وجــاع ُ ِ‬ ‫هــذه الســنني العجــاف‪ ،‬تحيــة مــن‬ ‫القلــب‪ .‬رحــم اللــه شــهداءنا‪ ،‬وشــاىف‬ ‫جرحانــا‪ ،‬وأعــاد لحمــة األهــل‬ ‫والوطــن بأقــرب وقــت‪.‬‬

‫‪6‬ـ إن التســوية السياســية التــي مــرت‬ ‫بهــا الكثــر مــن شــعوب العــامل ال تعنــي‬ ‫تســوية تبويــس الحــي وتجبــر الخواطــر‬ ‫إال أنهــا تعنــي االنتقــال للمســتقبل وعدم‬ ‫العــودة للــوراء عــى كل املســتويات‪،‬‬ ‫وخاصــة بنــاء الدولــة وتــداول الســلطة‬ ‫وســيادة القانــون وتأمــن الحريــات‪.‬‬ ‫لهــذا مطالــب الشــعب الســوري وخاصــة‬ ‫مــن قــواه املنهكــة والتــي تتقاذفهــا‬ ‫اإلرادات اإلقليميــة والدوليــة أن تخــرج‬ ‫مــن سياســة االرتجــال القامئــة وتعيــد‬ ‫حســاباتها مــن خــال نقــد ســلوكها‬ ‫وخطابهــا ومامرســتها خــال األعــوام‬ ‫الثقيلــة املنرصمــة‪ ،‬وتنفتــح عــى‬ ‫شــعبها وقــواه‪ ،‬وتفتــح ملفــات واقعهــا‬ ‫بطريقــة شــفافة يكــون فيهــا الوطــن‬ ‫وهمــوم املواطــن حــارضة يك يكــون‬ ‫العــام الخامــس‪ ،‬عــام تحريــر وعــودة إىل‬ ‫البيــوت التــي رشد أهلهــا وبنــاء الدولــة‬ ‫الحديثــة‪.‬‬

‫املواجهــة الحتميــة النهائيــة بــن الثــورة والســلطة‪.‬‬ ‫اآلن نحــن نشــهد لحظــات تاريخيــة يف ســوريا ســتجعل منهــا‬ ‫بلــدا ً دميقراطيــاً‪ .‬ثــورة تاريخيــة تشــعرنا بأهميــة عملنــا‪،‬‬ ‫وتقربنــا مــن الحــب‪ ،‬الــذي يشــكل رس اإلبــداع الفنــي الخالــص‬ ‫املنبعــث مــن صــدق وحــب وطاقــة انتــاء‪ ،‬وهــو لســان حــال‬ ‫الشــعوب الثائــرة التــي تعــر عنــه ومتلــؤه حامســة واندفاع ـاً‪،‬‬ ‫ويــرك بصمــة واضحــة املعــامل واآلفــاق‪ ،‬فمنــذ انطالقتهــا كانــت‬ ‫لوحــة األطفــال الجداريــة يف درعــا كفيلــة بــأن يهتــز لهــا عــرش‬ ‫أركان املعتــوه القــارص‪ ,‬كلــات القاشــوش البســيطة كــرت‬ ‫حاجــز الخــوف‪ ،‬رســالتان واضحتــان إلســقاط الظلــم ولنيــل‬ ‫الحريــة‪ ،‬مــدركاً مــن خاللهــا النظــام واألنظمــة االســتبدادية‬ ‫مــدى تأثــر الفــن الثــوري‪ .‬ومــا لــه مــن أثــر بالــغ يف ســر هــذه‬ ‫الثــورات‪ .‬مــن هنــا جــاءت لوحــايت التــي رســمتها مــن عمــق‬ ‫الحــدث املــؤمل‪ ،‬مــن عمــق الجــرح الســوري‪ ،‬وجــرح الوطــن‪،‬‬ ‫فقــد دمــر القــارص املعتــوه الشــجر والبــر والحجــر‪ ،‬وكل‬ ‫مواطــن ســوري عــى موعــد كل لحظــة مــع املــوت‪..‬‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫الفنان عامر السبيعي‪:‬‬

‫يف التاريــخ هــي ثــورة غانــدي ومانديــا‪ ،‬والدمويــة‬ ‫النظيفــة ثــورة البــارزاين األب‪.‬‬ ‫إذا ً توجــد ثــورة ســتغري حكــاً وجــه التاريــخ‪،‬‬ ‫ولكنهــا لــن تكــون ثــورة نظيفــة‪ ،‬والجيــل الشــاب‬ ‫الــذي أوقدهــا يجــب أن يكونــوا قادتهــا ويجــب‬ ‫عــى «االختياريــة» أن يتقاعــدوا‪ ،‬والثــورة تحتــاج‬ ‫ملفكريهــا ومنظريهــا كــا كانــت الثــورة الفرنســية‪.‬‬ ‫أنــا مؤمــن بالثــورة الســورية حلمنــا ومســتقبل‬ ‫األجيــال القادمــة‪.‬‬

‫إبراهيم احلسن‪ :‬الثورة املآالت واحللول‬

‫هــا نحــن عــى أبــواب الســنة الخامســة مــن عمــر‬ ‫هــذه الثــورة املجيــدة املباركــة‪ ،‬وكلــا مضــت‬ ‫األيــام والشــهور والســنني كلــا زاد إمياننــا وإرصارنــا‬ ‫عــى تحقيــق النــر وإحقــاق الحــق ودحــر الغـزاة‬ ‫والنيــل مــن الخونــة‪ ،‬وعــى رأســهم األســد ونظامــه‪،‬‬ ‫وأنــا باســم الشــعب الســوري البطــل أشــد عــى‬ ‫أيــدي أبطــال الجيــش الحــر‪ ،‬وأبــارك لهــم وقفتهــم‬ ‫الشــجاعة‪ ،‬وأقــول باســمهم ال وقــف للقتــال مــا‬ ‫دام هــذا النظــام قابعـاً عــى صدورنــا‪ ،‬ولــن نتخــى‬ ‫عــن نضالنــا إال بتحريــر األرض مــن النظــام األســدي‬ ‫ومــايل طهـران املجــوس وخادمهــم املخلــص حســن‬ ‫نــر الــات‪ ،‬لــن تثنينــا الســنون بــل نحــن ماضــون‬ ‫إمــا الشــهادة أو النــر‪ ..‬وألــف تحيــة ألحــرار‬ ‫الوطــن‪..‬‬

‫التشكيلي خليل حم سورك‪:‬‬

‫بــدءا ً الســام ألرواحكــم أيهــا الشــهداء الراحلــون‪،‬‬ ‫والباقــون عــى قيــد النــزوح يف املخيــات‪ .‬شــخصياً‬ ‫ال أفقــه يف السياســة‪ ،‬ولكنــي دخلــت الســجن يف‬ ‫الثامنينــات حاملــاً بإســقاط النظــام الالوطنــي‪،‬‬ ‫والتغيــر الدميقراطــي يف ســوريا‪ .‬عنــد بــدء‬ ‫الثــورات العربيــة حلمــت أن تصلنــا رشارتهــا‪،‬‬ ‫وقــد تــم‪ ،‬وازدادت ســعاديت أكــر‪ ،‬لكــن الــذي‬ ‫حــدث أن ســوريا هــي بيضــة القبــان يف التغيــر يف‬ ‫الــرق األوســط‪ ،‬وهكــذا تــم اإلجــاع عــى كــر‬ ‫هــذه الثــورة وإفشــالها كتحويــل األمــر إىل حــرب‬ ‫طائفيــة أقواميــة إقليميــة تبقــي عــى األســد‪ ،‬لكــن‬ ‫األمــر األهــم هــو أن هــذه ثــورة شــعب‪ ،‬والثــورة‬ ‫بطبيعتهــا تحتمــل كل يشء من الفــوىض والتدخالت‬ ‫الخارجيــة‪ ،‬واملصالــح الصغــرة منهــا والكبــرة‪ ،‬فلــو‬ ‫عدنــا بذاكرتنــا للخلــف لوجدنــا أن الثورة الفرنســية‬ ‫أنزلــت املقاصــل إىل الشــارع‪ ،‬وســالت دمــاء كثــرة‪،‬‬ ‫ودمــار كبــر‪ ،‬والثــورة الروســية مل تكــن أكــر نظافة‪،‬‬ ‫والحــرب العامليــة األوىل والثانيــة‪ ،‬وثــورة امللــك‬ ‫فيصــل اليتيمــة وأتاتــورك‪ ،‬الثــورة النظيفــة الوحيدة‬

‫الهــن أن تكتــب عــن الثــورة‬ ‫ليــس مــن‬ ‫ّ‬ ‫ومآالتهــا‪ ..‬ولكنــه يُعتــر رضبــاً مــن الشــجاعة‬ ‫أن تفعــل‪ ،‬ســيام وأنــك ســتُتهم بالتنظــر والــدم‬ ‫يُبــذل يف الســاحات‪ ،‬وليــس خافيــاً عــى أحــد أن‬ ‫الثــورة قامــت ألن الكيــل قــد طفــح وأن سياســة‬ ‫االســتبداد والتهميــش والعســف والجــور والجهــل‬ ‫والتجهيــل والفســاد واإلفســاد وكبــت الحريــات‬ ‫امل ُامرســة مــن قبــل النظــام وعــى مــدى مــا يُقــارب‬ ‫النصــف قــرن هــي ســبب هــذه الثــورة‪ ..‬إنهــا ثــورة‬ ‫شــعب طمــح بالخــروج مــن رشنقــة الــذل والخنــوع‬ ‫لينطلــق يف عــامل الحريــة والكرامــة واإلبــداع‪.‬‬ ‫انطلقــت الحناجــر يف الســاحات بشــعارات مــا‬ ‫هــي إالّ رســاالت ســام للعــامل‪ ،‬شــعارات تنــادي‬ ‫بالدولــة املدنيــة الدميقراطيــة والحريــة والعيــش‬ ‫املشــرك واآلمــن‪ ،‬شــعارات تدعــو إىل وحــدة البــاد‬ ‫والعبــاد واملســاواة‪ ،‬نافيــ ًة كل صنــوف التفــرق‬ ‫والتعصــب ســوا ًء القومــي أو الطائفــي أو الدينــي‪،‬‬ ‫شــعارات تؤكــد عــى املحافظــة عــى الفسيفســاء‬ ‫الســوري الجميــل‪ ..‬ثــورة فتحــت أبــواب األمــل‬ ‫عــى مرصاعيــه بالتغيــر والحيــاة الحــرة الكرميــة‪،‬‬ ‫ولكــن ملــاذا آلــت األمــور إىل هــذا الواقــع املريــر؟‬ ‫واقــع التشــظي والتــرذم والتناحــر والتقاتــل‬ ‫وعــدم القبــول باآلخــر والتمــرس والتخنــدق خلــف‬ ‫مشــاريع خاصــة ال عالقــة للســوري بهــا‪ ،‬وال تخــدم‬ ‫آمالــه ومصالحــه‪ ..‬نقولهــا وبــكل أســف أن النظــام‬ ‫بفضــل سياســاته الشــيطانية وحربــه اإلعالميــة‬ ‫والعســكرية اســتطاع أن يجــر الثــورة إىل هــذا‬ ‫الفــخ‪ ،‬ليظهــر أنــه يُواجــه مؤامــرة تريــد النيــل منــه‬ ‫بســبب محاربتــه اإلرهــاب‪ ،‬وأنــه ميــارس املامنعــة‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬ ‫واملقاومــة ضــد إرسائيــل‪ ..‬هــو ذاتــه الخطــاب‬ ‫الخشــبي الــذي مارســه طــوال ســنوات حكمــه‪.‬‬ ‫إن تعــدد مصــادر الدعــم والتمويــل أدت إىل‬ ‫االرتهــان الفكــري والســيايس ملصــدر التمويــل‬ ‫قســم الســاحة الســورية‬ ‫ومشــاريعه وأجندتــه مــا ّ‬ ‫إىل حقــول سياســية يحــرث فيهــا املم ّولــون ليقطفــوا‬ ‫الثــار‪ ،‬ودخلــت مشــاريع الغــر‪ ،‬وتناحــرت‬ ‫وتقاتلــت‪ ،‬وكان الحطــب هــو الســوريون‪ ،‬وأُجــج‬ ‫الـراع القومــي‪ ،‬وحركــت نــار التعصــب والتفاخــر‬ ‫القومــي والدينــي‪ ،‬وغُرســت بــذور انعــدام الثقــة‬ ‫بــن املكونــات مــا أغــرى البعــض أن يُطلــق‬

‫مرشوعــه التقســيمي املبنــي عــى الفكــر القومــي‬ ‫ضاربـاً قرونـاً مــن الحيــاة املشــركة عــرض الحائــط‪،‬‬ ‫أمــا فيــا يخــص الرتكــان فمــن املؤســف أن‬ ‫أتحــدث بهــذه اللغــة والطريقــة‪ ،‬ولكــن واقــع‬ ‫الحــال يفــرض ذلــك فهــم عــى خــاف اآلخريــن‬ ‫ليــس لديهــم أي تعصــب قومــي أو مرشوعهــم‬ ‫الخــاص‪ ،‬بــل يعتــرون أنفســهم جــزءا ً مــن الشــعب‬ ‫الســوري الواحــد‪ ،‬ويرفضــون أي مــروع تقســيمي‬ ‫مــن أيــة جهــة كانــت تركامنيــة أم غــر تركامنيــة‪،‬‬ ‫وهــم يشــعرون أنهــم قــادرون عــى بنــاء جســور‬ ‫الثقــة وتقويــة الوشــائج بــن املكونــات األخــرى‬ ‫ملــا ميلكونــه مــن االح ـرام املتبــادل مــع الجميــع‪،‬‬ ‫وهــم مكــون أســايس وفاعــل مــن مكونــات هــذا‬ ‫الشــعب وهــذه الثــورة العظيمــة‪ ،‬ولقــد قدمــوا‬ ‫املئــات مــن الشــهداء عــى محـراب حريــة الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬وليــس ذلــك م ّنــة منهــم‪ ،‬وإمنــا هــذا‬ ‫واجــب عليهــم كمواطنــن لدولــة ســورية دولــة‬ ‫القانــون والعدالــة واملســاواة الدولــة املتحــدة أرضـاً‬ ‫وشــعباً‪ ،‬أمــا عــن الحــل والخــاص فــا أطرحــه‬ ‫ليــس رضب ـاً مــن خيــال‪ ،‬وإمنــا مســتقى مــن واقــع‬ ‫وتجربــة تاريخيــة‪ ،‬ال خــاص للســوريني إالّ بالكتلــة‬ ‫التاريخيــة التــي نــادى بهــا غرامــي يف إيطاليــا‬ ‫يف ظــروف مشــابهة لظروفنــا فليــس ألي طــرف‬ ‫لوحــده أن يبنــي مجتمع ـاً ودولــة‪ ،‬ليــس لقوميــة‬ ‫لوحدهــا أن تقــوم بذلــك‪ ،‬وليــس لحــزب لوحــده‬ ‫ســواء أكان علامنيــاً أو إســامياً‪ ،‬وليــس لنقابــة‬ ‫لوحدهــا أو هيئــة مجتمــع مــدين أن تقــوم بذلــك‪،‬‬ ‫بــل يجــب أن يجتمــع الجميــع دون إقصــاء ألحــد‬ ‫ضمــن الكتلــة التاريخيــة عــى هــدف آين وترحيــل‬ ‫األهــداف األيديولوجيــة لفــرة تقــر أو تطــول‪..‬‬

‫الحرملي‬

‫‪5‬‬

‫أنسنة الصحافة‬ ‫خالد خليل‬ ‫الحياديــة واملوضوعيــة مــن أكــر األمــور تبنيــاً مــن قبــل املؤسســات‬ ‫الصحفيــة‪ ،‬والوســائل اإلعالميــة عنــد كتابــة العهــد أو «ميثــاق الــرف»‪،‬‬ ‫لكنهــا تأخــذ طابعــاً شــعاراتياً ألنــك مــن الصعــب أن تجــد وســيلة‬ ‫إعالميــة حياديــة وموضوعيــة بالفعــل‪ ،‬ال تخضــع للثالــوث املقــدس يف‬ ‫عــامل صناعــة اإلعــام املتمثــل يف (املحتــوى والجمهــور واملــال)‪ ،‬هــذا‬ ‫الثالــوث الــذي يتحكــم بالعمليــة اإلعالميــة‪ ،‬والسياســة التحريريــة ألي‬ ‫وســيلة إعالميــة‪.‬‬ ‫عــى ســبيل املثــال‪ ..‬طاملــا تشــدق كثــ ٌر مــن الصحفيــن والجمهــور‬ ‫املتلقــي بــأن هيئــة اإلذاعــة الربيطانيــة ‪ BBC‬هــي مــن أكــر الوســائل‬ ‫اإلعالميــة حياديــ ًة وموضوعيــة كونهــا تخلصــت مــن عقــدة (املــال)‬ ‫املشــار إليهــا بالثالــوث الســابق باســتعاضة متويلهــا مــن عائــدات رضائــب‬ ‫جمهورهــا مــن الشــعب الربيطــاين‪ .‬ولكــن مــن يتابــع أداء هــذه املحطــة‬ ‫وكيفيــة تعاطيهــا للوضــع الســوري يــرى بوضــوح محاولتهــا تلميــع‬ ‫صــورة نظــام األســد ال ســيام يف املقابلــة األخــرة التــي أجراهــا محررهــا‬ ‫لشــؤون الــرق األوســط «جريميــي بويــن» مــع بشــار األســد‪ ،‬ومنحــه‬ ‫فرصــة إلنــكار جرامئــه بحــق الشــعب الســوري‪ ،‬ومتريرهــا عــر تســخيفه‬ ‫ســؤال املحــرر عــن الرباميــل املتفجــرة بالــرد هازئ ـاً‪« ،‬أيــة براميــل وأيــة‬ ‫أواين ضغــط منزليــة!»‪ ،‬واكتفــاء املحــرر بهــذه الطريقــة لإلجابــة‪ ،‬وعــدم‬ ‫محاججتــه بتقاريــر املنظــات اإلنســانية‪ ،‬والحقوقيــة الدوليــة‪ ،‬والتقاريــر‬ ‫اإلعالميــة‪ ،‬التــي تثبــت بالصــوت والصــورة اســتخدام الرباميــل التــي‬ ‫تنهمــر يوميــاً فــوق رؤوس املدنيــن‪ .‬كــا يالحــظ املتابــع يف اآلونــة‬ ‫األخــرة تســابق وســائل إعــام غربيــة إلجـراء مقابــات مامثلــة مــع رأس‬ ‫النظــام يف محاولــة إلظهــار وتســويق مــا يحــدث يف ســوريا‪ ،‬إمنــا هــو بــن‬ ‫وسـ ْـق عــى ذلــك‬ ‫رئيــس بربطــة عنــق‪ ،‬وشــعب منكــوش الشــعر واللحيــة‪ُ .‬‬ ‫مــن األمثلــة الكثــرة عــى ضبابيــة معيــاري املوضوعيــة والحياديــة‪.‬‬ ‫يف املقابــل‪ ،‬ولكــر التشــدق بشــعارات املوضوعيــة والحياديــة‪ ،‬طرحــت‬ ‫مؤسســات إعالميــة عريقــة معادلــة أخــرى ألنســنة مهنــة الصحافــة كــون‬ ‫الصحفــي إنســان ال تنــوب عنــه اآللــة بــأي شــكل مــن األشــكال‪ ،‬وكــون‬ ‫رســالتها موجهــة لإلنســان‪ ،‬فهــل رأيتــم مث ـاً صحافــة تخاطــب الطيــور‬ ‫واألشــجار؟!‬ ‫مــن األمثلــة عــى ذلــك طــرح «شــبكة الجزيــزة» معادلــة (الخــر والوعــي‬ ‫والوجــدان) كــون الصحافــة إحــدى العلــوم واملهــارات اإلنســانية –إن‬ ‫جــاز التعبــر‪ -‬ال تنفصــل عــن محيطهــا املجتمعــي‪ ،‬فهــي الناقــل للوعــي‪،‬‬ ‫ومنــر لنــر الثقافــة وتعميمهــا‪.‬‬ ‫املفاجــأة األكــر تحتــدم نقاشــات يف أوســاط الصحفيــن الســوريني حــول‬ ‫إحــدى املؤسســات التــي ولــدت مــن رحــم الثــورة الســورية تدعــى‬ ‫ر عــى حــذف بنــد «إســقاط‬ ‫«رابطــة الصحفيــن الســوريني» والتــي ت ـ ّ‬ ‫النظــام» مــن ميثــاق الــرف الخــاص بهــا عــى الرغــم مــن اعــراض‬ ‫عــدد مــن الصحفيــن األعضــاء فيهــا وغــر األعضــاء‪ .‬ومبــا أن «الرابطــة»‬ ‫هيئــة أفرزتهــا الثــورة‪ ،‬واســتمدت كينونتهــا منهــا‪ ،‬مــن املفــرض أن تتبنــى‬ ‫أهــداف الثــورة وأهمهــا «إســقاط النظــام»‪ ،‬ســواء يف ميثــاق الــرف‪،‬‬ ‫أو يف مدونــة ســلوك‪ ،‬أو يف الدليــل األخالقــي‪ ،‬يتعهــد طالــب االنتســاب‬ ‫االلتـزام بــه‪ ،‬فـ»الرابطــة» ليســت تنظيـاً عامليـاً بــل خاصـاً مبجتمــع معني‬ ‫ذو تطلعــات وطموحــات!‬ ‫كــا رفــض القامئــون عــى الرابطــة رفــع علــم الثــورة يف مؤمترهــا العــام‬ ‫نهايــة العــام املــايض املنعقــد يف مدينــة غــازي عينتــاب الرتكيــة‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي يثــر تســاؤالت‪ ،‬ويضــع اســتفهامات إىل أيــن تســر «الرابطــة»‪.‬‬ ‫وتســوق «الرابطــة» مــررات الحــذف حفاظـاً عــى الحياديــة واملوضوعية‪،‬‬ ‫ولالبتعــاد عــن التجاذبــات السياســية كونهــا ‪-‬الرابطــة‪ -‬هيئــة شــبه‬ ‫نقابيــة‪ ،‬وليســت حزبــاً سياســياً‪ ،‬واســتجدا ًء العــراف االتحــاد الــدويل‬ ‫للصحافيــن‪ ،‬ورمبــا رضوخــاً للممــول‪ ،‬والتبعيــة للــال الســيايس الــذي‬ ‫يفــرض رشوطــه عــى مؤسســة كان عليهــا أن ترقــى بالعمــل الصحــايف‪،‬‬ ‫والنقــايب يف ســوريا‪ ،‬ال ســيام يف هــذه املرحلــة املفصليــة‪.‬‬ ‫هنــا ســؤال‪ :‬هــل تبنــي «إســقاط النظــام» يف ميثــاق الــرف يتعــارض‬ ‫مــع العمــل النقــايب الصحفــي املهنــي أم أنــه مل يعجــب «الرابطــة»؟ وهــل‬ ‫ينكــر أحــد وجــود االنحيــازات الوجدانيــة يف الصحافــة العامليــة برمتهــا‬ ‫تطبيق ـاً ومامرســة؟ والصحافــة ليســت مجــرد نق ـاً للخــر بــل تجميعــه‬ ‫و(تحليلــه)!‬ ‫رمبــا اإلجابــة بــرب األمثلــة أجــدى مــن التنظــر‪ ،‬عــى ســبيل املثــال‬ ‫الصحافــة اإلرسائيليــة ‪-‬املعــرف بهــا مــن جميــع الهيئــات الصحافيــة‬ ‫الدوليــة‪ -‬وبالتحديــد صحيفــة «يرسائيــل هايــوم» مــن أهــم بنودهــا‬ ‫ـس أننــا إرسائيليــون)‬ ‫يف ميثــاق الــرف يقــول بالحــرف (علينــا أن ال ننـ َ‬ ‫وتــورده يف نســخها اليوميــة املطبوعــة وااللكرتونيــة‪ ،‬ومل تقــل علينــا أن‬ ‫ـس أننــا صحافيــون‪ .‬لــذا رمبــا مــن األجــدر التذكــر بأننــا ثــوار يك ال‬ ‫ال ننـ َ‬ ‫ـس إســقاط النظــام‪.‬‬ ‫ننـ َ‬


‫‪6‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫جبر الشوفي‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫الع��ام اخلامس للثورة آف��اق وحتديات‬

‫أربــع ســنوات مــرت عــى الثــورة الســورية‪ ،‬واإلعــام‬ ‫العــريب والعاملــي مل يــزل يتــداول وجوهنــا‪ ،‬ويصــ ّدر‬ ‫أصواتنــا يف كل اتجــاه‪ ،‬ولكــن ضمــن تدويــر أزمتنــا مــع‬ ‫أنفســنا‪ ،‬ومــع مــن حولنــا مــن دول شــقيقة وصديقــة‪،‬‬ ‫ومــع العــامل الخارجــي بقطبيــه الرئيســيني املتالعبــن بنــا‬ ‫بدهــاء وخبــث أو بفجاجــة وغبــاء‪ ،‬مــن دون جــدوى‪.‬‬ ‫فــا الطمــوح إىل التغيــر الســيايس نحــو الحريــة والعدالــة‬ ‫والدميقراطيــة‪ ،‬بعــد أكــر مــن نصــف قــرن عــى حكــم‬ ‫عائلــة األســد‪ ،‬بفســادها واســتبدادها وعنرصيتهــا‪ ،‬حفــز‬ ‫ـس‬ ‫حــاة الدميقراطيــة الدوليــن‪ ،‬وال صحــوة الضمــر والحـ ّ‬ ‫األخالقــي العــايل باملســؤولية‪ ،‬تجــاه شــعب يبــاد ويهجــر‬ ‫وميـ ّوت بــكل أنــواع القتــل والتدمــر‪ ،‬وال حتــى تجــاوز آلــة‬ ‫النظــام الحربيــة لخطــوط الحظــر الحمـراء‪ ،‬كيامويــة وغــر‬ ‫كيامويــة‪ ،‬دفعــت بهــؤالء للمســاهمة يف تخليــص شــعبنا‬ ‫مــن محنتــه‪ ،‬بــل أداروا ظهورهــم ونكثــوا بعهودهــم‬ ‫وتواقيعهــم عــى االتفاقيــات الدوليــة املتعلقــة بحاميــة‬ ‫الشــعب‪ ،‬مــن حكامــه املجرمــن‪.‬‬ ‫حقيقــة األمــر أن أزمــة أخالقيــة عميقــة‪ ،‬يعــاين منهــا هؤالء‬ ‫الــوكالء الحرصيــون الدوليــون‪ ،‬للحريــة والدميقراطيــة‬ ‫وحقــوق اإلنســان‪ ،‬فمنــذ أن أفرغــوا يــد رجــال السياســة‬ ‫عندنــا‪ ،‬ابتــداء مــن املجلــس الوطنــي الســوري‪ ،‬وصــوالً‬ ‫إىل ائتــاف (ال يأتلــف) وكل القــوى السياســية الشــبيهة‬ ‫األخــرى‪ ،‬مــن إمكانيــة تغيــر النظــام عــن طريــق الحلــول‬ ‫السياســية‪ ،‬وأحبطــوا تطلعاتهــم‪ ،‬وآمالهــم املعقــودة عــى‬ ‫املســاعدة يف تحقيــق ذلــك‪ ،‬باتــت السياســة حامــاً بــا‬ ‫محمــول مــدين أو دبلومــايس‪ ،‬وبــات السياســيون بــا‬ ‫ســند‪ ،‬معنــوي ومــادي أي بــا نصــر دويل حقيقــي ‪ -‬وهــم‬

‫مل ميتلكــوا أص ـاً رؤيــة منهجيــة قويــة‪ ،‬وال بنيــة هيكليــة‬ ‫متامســكة‪ -‬يســتندون إليــه يف مواجهــة النظــام مــن جهــة‪،‬‬ ‫ويف مخاطبتهــم للعــامل الخارجــي مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬فراحــوا‬ ‫يــداورون الفـراغ‪ ،‬يف لعبــة أمثــن مــا فيهــا الزمــن‪ ،‬ويراهنون‬ ‫عــى ســاح ينكــرون بانكســاره‪ ،‬وليــس بالــرورة أن‬ ‫ينتــروا بانتصــاره‪ ،‬فاضطــرب خطابهــم‪ ،‬واختلــط يف‬ ‫رهانهــم ويف تقديرهــم‪ ،‬حــن مل مييــزوا بــن مجموعــات‬ ‫شــتى‪ ،‬مــن قــوى املعارضــة املســلحة‪ ،‬املتباينــة االتجاهــات‬ ‫واألجنــدات والــوالءات‪ ،‬وال يجمــع بينهــا‪ ،‬ســوى مســمى‬ ‫واحــد هــو الجيــش الحــر‪.‬‬ ‫يف ظــل ف ـراغ يــد الهيئــات السياســية القياديــة املفرتضــة‪،‬‬ ‫مــن فعاليــات قــوى الثــورة الشــبابية‪ ،‬ومــن مجتمــع مــدين‬ ‫نهــض متغلبــاً عــى هشــيمه‪ ،‬يف هبــات درعــا وحمــص‬ ‫وحــاة والديــر والقامشــي وغريهــا‪ ،‬ويف ظــل فشــلها يف‬ ‫قيــادة الثــورة باتجــاه التغيــر الدميقراطــي‪ ،‬وتحــت ضغــط‬ ‫صيحــات الغضــب والثــأر‪ ،‬مــن قــوى النظــام األمنيــة‬ ‫والعســكرية املجرمــة‪ ،‬باتــت املعركــة بندقيــة مطلقــة بــا‬ ‫ضابــط مــن عقل ســيايس‪ ،‬وعمــل السياســيون عىل تشــكيل‬ ‫غطــاء لــه‪ ،‬مــن دون متييــز أو متحيــص‪ ،‬فــكان ذلــك مــن‬ ‫أخطــر وأســوأ الخيــارات‪ ،‬بوصــف الســاح «يخلــق مــن‬ ‫األرشار أكــر مــا يزيــل» حســب تعبــر (عامنويــل كانــت)‬ ‫وبواســطته‪ ،‬راحــت القــوى املتطرفــة تختطــف الثــورة‪،‬‬ ‫وتخلصهــا مــن بعدهــا الدميقراطــي املــدين‪ ،‬باتجــاه العنــف‬ ‫املطلــق‪ ،‬وتورطــت السياســة يف مباركتــه‪ ،‬باعتبــاره الوســيلة‬ ‫الوحيــدة املتبقيــة‪ ،‬ملواجهــة عنــف النظــام وجرامئــه‪،‬‬ ‫واألســلوب الوحيــد القــادر عــى إســقاطه‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق ويف ظــل مناكفــات وتجاذبــات روســية‬

‫أمريكيــة ودوليــة‪ ،‬وداخليــة ســورية‪ ،‬أُجلــس االئتــاف‬ ‫الوطنــي مــع وفــد النظــام عــى كــريس التفــاوض يف جنيف‪،‬‬ ‫يف ‪ ، 2014 -1 – 22‬ويف يده‪ ،‬القرار ‪ ، 2118‬املتعلق باألسلحة‬ ‫الكيمياويــة‪ ،‬ووثيقــة تديــن النظــام بقتــل أحــد عــر‬ ‫ألــف معتقــل تحــت التعذيــب‪ ،‬ويف حوزتــه تأييــد شــعبي‬ ‫ســوري واســع‪ ،‬وقــوى عســكرية معتدلــة‪ ،‬ال يتناســب مــع‬ ‫الهشاشــة البنيويــة وســوء الســمعة اللتــن الزمتــا مســاره‪،‬‬ ‫رغــم مقاطعــة وغيــاب قــوى عديــدة عنــه‪ ،‬مــا يشــر إىل‬ ‫إرادة حقيقيــة ورغبــة عميقــة‪ ،‬عنــد الســوريني يف الخــاص‪،‬‬ ‫بغــض النظــر عمــن يتفــاوض بالنيابــة عنهــا‪ ،‬ولكــن رسعــان‬ ‫مــا خــاب األمــل‪ ،‬ألن التفــاوض مل يعــد إال بنتيجــة واحــدة‪،‬‬ ‫هــي تثبيــت رفــض النظــام للهيئــة االنتقاليــة‪ ،‬ومطالبتــه‬ ‫بوقاحــة ملســاعدته عــى إعــادة بســط ســيطرته‪ ،‬واستســام‬ ‫املســلحني لســلطته‪ ،‬والعمــل مع ـاً عــى أولويــة محاربــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬تلــك املقولــة املر ّوجــة روســياً‪ ،‬واملمــوه عــى‬ ‫القبــول بهــا غربيــاً‪ ،‬فعــاد النظــام أكــر ثقــة بنفســه‪،‬‬ ‫بعــد أن تأكّــد مــن خلبيــة التهديــدات األمريكيــة‪ ،‬التــي‬ ‫اســتنفذت زخمهــا‪ ،‬يف التــزام األســد الكامــل باالتفــاق‬ ‫الكيــاوي‪ ،‬والقــرار ‪ 2118‬الــذي حــرص النظــام عــى‬ ‫تنفيــذه كامــاً‪ ،‬ليفــرغ الغضــب األمريــي عليــه‪ ،‬مــع‬ ‫حاويــات غــاز الســرين يف عــرض البحــر‪ ،‬ولتنفــرج أســاريره‬ ‫ويتفــرغ النتخاباتــه ومحــاوالت إعــادة تأهيلــه‪ ،‬غــر عابــئ‬ ‫بالهيصــة اإلعالميــة األمريكيــة‪ ،‬بعــد أن ثبــت لــه مــرة بعــد‬ ‫مــرة‪ ،‬أنهــا ليســت أكــر‪ ،‬مــن أصــداء جوقــة تديــر ظهرهــا‬ ‫لنظامــه باإلهــال والالمبــاالة‪ ،‬لكنهــا تعطيــه فرصــة‪ ،‬لــي‬ ‫يخــرج بوهــم انتصــار ولــو شــكيل وعابــر‪ ،‬ليعمــل عــى‬ ‫تســويقه ألنصــاره وأجهزتــه‪ ،‬ويســاعده يف ذلــك التســويق‪،‬‬

‫أم العــروس الصفويــة واملاشــطة الروســية!‪.‬‬ ‫واآلن وبعــد أن ســلّم النظــام يف دمشــق أوراقــه كلهــا‪،‬‬ ‫وأصبــح محميــة إيرانيــة‪ ،‬تتبــع عســكرياً وأمني ـاً وسياســياً‬ ‫لواليــة الفقيــه‪ ،‬وتخضــع لحاميــة رؤوســها األخطبوطيــة‬ ‫الذاهبــة يف كل اتجــاه‪ ،‬نهش ـاً يف الجســد العــريب املتهالــك‬ ‫واملرتاخــي‪ ،‬واملنتظــر ملصــره البائــس‪ ،‬بقليــل مــن الوســائل‬ ‫الرضوريــة للحاميــة والحصانــة‪ ،‬والســيام بعــد أن بــات‬ ‫بــن كامشــة اإلرهابــن‪ ،‬الشــيعي والســني‪ ،‬واإلطبــاق‬ ‫والدعــم الدبلومــايس والعســكري الــرويس‪ ،‬مــاذا يفعــل‬ ‫الســوريون‪ ،‬باملبــادرات املســتندة عــى أولويــة مكافحــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬وإعــادة تأهيــل النظــام ليخــوض معركــة أتقــن‬ ‫تســويقها منــذ بدايــة الثــورة‪ ،‬ومــاذا يفعــل العــرب لحاميــة‬ ‫وجودهــم وكياناتهــم؟‬ ‫القــوة العربيــة املشــركة‪ ،‬باتــت كــا كانــت دامئـاً‪ ،‬رضورة‬ ‫ملحــة‪ ،‬ولكــن مــن يبنــي هــذه القــوة‪ ،‬وممــن‪ ،‬ومــا هــي‬ ‫مهمتهــا‪ ،‬ومــن يقودهــا؟ ومــا مصريهــا فيــا إذا أنهــت‬ ‫مهمتهــا بنجــاح‪ ،‬هــل ســتبقى قــوة دامئــة لحفــظ األمــن‬ ‫وأي أمــن عــريب هــذا؟!‬ ‫العــريب‪ّ ،‬‬ ‫أمــن نظــام الرباميــل الســوري‪ ،‬مــن شــعبه الثائــر‪ ،‬أم أمــن‬ ‫النظــام املــري يف معركتــه الداخليــة‪ ،‬وعــى حــدوده‬ ‫مــع ليبيــا‪ ،‬أم أمــن اليمــن مــن الزحــف الحــويث اإلي ـراين‪،‬‬ ‫أم أمــن الســلطة الطائفيــة التابعــة يف العــراق‪ ،‬لتكمــل‬ ‫املخطــط الصفــوي الدميغـرايف‪ ،‬عــر هــذا الحشــد الشــعبي‬ ‫الشــيعي الطابــع‪ ،‬واملدعــوم مبــارشة مــن قاســم ســليامين؟!‬ ‫أســئلة بعهــدة الســوريني والقوميــن العــرب‪ ،‬وبعهــدة‬ ‫ســلطاتهم‪ ،‬وكل يشــد اللحــاف صوبــه‪ ،‬عــى حــن‪ ،‬قــد‬ ‫نخــرج نحــن الســوريني‪ ،‬بــا لحــاف!!‬

‫يف الذكرى الرابعة للثورة‪:‬‬ ‫موفق نيربية‬

‫آن للثوار أن يعودوا إىل املقدمة!‬

‫ســوف تكــون الثــورة الســورية حدث ـاً فاص ـاً يف تاريــخ‬ ‫املنطقــة كــا كانــت الثــورة الفرنســية كذلــك يف تاريــخ‬ ‫أوروبــا‪ ،‬بغــض النظــر عــا حــدث يف كلتيهــا مــن تدهــور‬ ‫نحــو الفــوىض وســفك مريــع للدمــاء‪ .‬وكــا ظهــر بونابــرت‬ ‫يف ســياق التدهــور بعــد عــر ســنوات مــن انــدالع ثورتهــم‬ ‫هنالــك‪ ،‬كمنقــذ‪ ،‬يحــاول حاملــون بــدور شــبيه‪ -‬ومبضامــن‬ ‫إحيائيــة أيضــاً للــايض‪ -‬يف بالدنــا‪ ،‬أن يجهــزوا ألنفســهم‬ ‫مكانــة أو إمــارة يف املســتقبل‪ .‬هنالــك ظهــرت كلمــة”‬ ‫اإلرهــاب” الفرنســية مــع املقصلــة‪ ..،‬وهنــا يجتمــع إرهــاب‬ ‫العــامل مــع الســيف الخــارج مــن تحــت الرمــاد… ويتكلــم‬ ‫بعضنــا عــن «الزمــن الجميــل» الــذي مــى‪ ،‬ويتحــر عليــه!‬ ‫الزمــن الــذي كانــت ســوريا فيــه مــن غــر دمــاء ســالت‬ ‫مــن مليــون شــهيد وجريــح‪ ،‬ومــن غــر دمــار طــال مدننــا‬ ‫وقرانــا‪ ،‬وجعــل مــن مســاكن الكثرييــن أثـرا ً بعــد عــن‪ ،‬ومــن‬ ‫رد شــمل نصــف ســكان البــاد… يأســف عــى‬ ‫غــر تــ ّ‬ ‫لحظــات كانــت متــر يف أمــن وفــرح! كنــا أحيــاء يف بيوتنــا‪،‬‬ ‫نــأكل ونــرب‪ ،‬ونــرى أحبتنــا وأصدقاءنــا أحيانــاً‪ ،‬ورمبــا‬ ‫نبتســم… لكننــا كنــا نفتقــد الكرامــة‪ ،‬ونتعايــش مــع النفاق‪،‬‬ ‫وبالطبــع مــن دون الحريــة! ال أرى إال قلــة قليلــة تــرىض‬ ‫بالعــودة إىل وراء… فنحــزن لحالنــا‪ ،‬لكننــا لــن نرتاجــع!‬ ‫أربــع ســنوات مــررن كالحلــم والكابــوس معــاً… كانــت‬ ‫ثــورة‪ ،‬غــ ّرت الجميــع‪ ،‬وأرســت معيــارا ً أخالقيــاً جديــدا ً‪.‬‬ ‫ولكــن مــا حــدث بعــد ذلــك مــن عنــف غــر مســبوق‪،‬‬ ‫وخــذالن مــن العــامل‪ ،‬نقلنــا إىل حالــة قحــط وخيبــة‪ ،‬أفرغــت‬ ‫الســاحة مــن أبطالهــا األوائــل‪ ،‬باملــوت والضغــط والتهجــر‬ ‫وبحصــار العدميــة‪ .‬منــذ البدايــة كان هنالــك خطــان‪ ،‬عــى‬ ‫أحدهــا ســار املعارضــون القدامــى الذيــن أنهكهــم النظــام‬ ‫ألربعــن عام ـاً‪ ،‬ونقــل إليهــم أمراضــه وعللــه‪ .‬وعــى الثــاين‬ ‫كان شــباب الثــورة الذيــن خرجــوا مبــارشة عــى رشطهــم‬ ‫الــذي كان يف يــد النظــام‪ ،‬ومتثلــوا العــامل الــذي انفتــح عــى‬ ‫نفســه يف العقديــن الســابقني‪ ،‬وصنعــوا ثــورة ال مثيــل لهــا‪.‬‬ ‫كان هنالــك خطــان‪ ،‬متوازيــان‪ ،‬مل يلتقيــا! فــا اســتطاع‬

‫املعارضــون التقليديــون تقليــد الشــباب الثائــر واالستســام‬ ‫لــروط انطالقتــه وتجديــد سياســتهم العمليــة‪ ،‬وال اســتطاع‬ ‫الشــباب االرتقــاء إىل حقــل السياســة الفاعلــة‪ ،‬بعــد أن‬ ‫ٍ‬ ‫عندئــذ متنافريــن‪،‬‬ ‫فاجأهــم حصــار النــار‪ .‬بقــي الخطــان‬ ‫يقلــد أحدهــا اآلخــر أحيان ـاً‪ ،‬مــن دون أصالــة… وارتــاح‬ ‫الخصــم لذلــك! نحــن اآلن يف إســار املتناقضــات‪ ،‬وهمومنــا‬ ‫اليوميــة‪ ..‬وأيامنــا صــارت تقــارع الدهــور طــوالً‪ ..‬الثــورة‬ ‫تحــت حصــار خانــق يف العامــن األخرييــن خصوص ـاً‪ ،‬مــن‬ ‫الداخــل أوالً‪ ،‬ثــم مــن الخــارج‪ :‬يحارصهــا النظــام بعنفــه‬

‫للميــدان‪ ،‬يســفر الوجــه عــن احتــال زاحــف… ويحارصهــا‬ ‫مــن داخلهــا اندفاعهــا اليائــس واعتصامهــا بالتشــدد وســيل ًة‬ ‫ملواجهــة التطــرف‪ ،‬الــذي اســتجلب لنــا قــوى غريبــة رأت يف‬ ‫بالدنــا ســاحة مرشــحة لتلعــب فيهــا ألعابهــا االنتحاريــة…‬ ‫وتحارصهــا معارضــة غارقــة يف خالفاتهــا وامتناعهــا عــى‬ ‫اإلصــاح والوحــدة‪ ..،‬وجيــش حــر مل ترتفــع عقيدتــه القتاليــة‬ ‫(الوطنيــة) إىل مســتوى القــدرة عــى مقاومــة العقائــد‬ ‫الوافــدة‪ .‬يحارصهــا أخ ـرا ً شــبابها‪ ،‬الــذي يصمــت ويعتــزل‬ ‫أو يكتفــي بالنقــد الســهل والعويــل‪ ..‬وال يفعــل مــا يــوازي‬

‫املجنــون‪ ،‬الــذي فــاق عنــف الطغــاة الذيــن ســبقوه‪ ٫‬فأحــرق‬ ‫البلــد مــن أجــل األســد‪ ،‬ومــا زال مســتمرا ً‪ .‬ويقــف معــه صفاً‬ ‫واحــدا ً ميليشــيات طائفيــة توجههــا ســلطة” الــويل الفقيــه”‬ ‫مــن طهـران‪ ،‬هــي اآلن يف طــور التحــول مــن رشيــك إىل قائد‬

‫قدراتــه وإمكانياتــه الهائلــة! تحارصهــا روســيا وإيـران‪ ،‬وقــد‬ ‫فهمتــا أن امليــدان خــا ٍل لحديــدان‪ .‬ويحارصهــا كل مــن‬ ‫يخــى ســوريا حديثــة تــرق تحــت الشــمس وتنــر املنطقــة‪،‬‬ ‫ويحارصهــا «أصدقاؤهــا» الذيــن ال يتحملــون مســؤوليتهم‬

‫كــا ينبغــي‪ ،‬ويريــدون رشاء راحتهــم واســتقرارهم وحلــول‬ ‫مشــاكلهم الداخليــة مــن دون أداء مــا اســتحق عليهــم‬ ‫دفعــه وأداؤه‪ .‬يحارصهــا اآلن بعــض األقربــن‪ ،‬يريــدون‬ ‫اســتثامر حالــة الحصــار الشــامل هــذا‪ ،‬وتوقنــا إىل وقــف‬ ‫املــوت والدمــار عــر تســوية سياســية تضمــن التغيــر‬ ‫الجــذري يف أوضاعنــا… ويضغطــون بــكل قواهــم مــن أجــل‬ ‫«تعويــم» الثــورة واألســد معـاً‪ .‬وليســت هــذه التســوية اآلن‬ ‫إال مجــرد رساب‪ ،‬مــا دام النظــام يشــعر بأنــه مــا زال حصينـاً‪،‬‬ ‫غــر مضطــر ألي تنــازل حقيقــي‪ .‬ويحارصهــا املفهــوم الــذي‬ ‫يــري يف كل مــكان‪ ،‬يدعــو إىل «داعــش أوالً»‪ ،‬متناســياً جذر‬ ‫اإلرهــاب وأســه و ُمولِّــد حاضنتــه‪ ،‬وداعي ـاً بخفــر‪ -‬وأحيان ـاً‬ ‫مــن دون خفــر‪ -‬إىل اعتبــار النظــام «أهــون الرشيــن»‪.‬‬ ‫يحارصهــا أخــرا ً مــن يخلــط بــن «املعارضــة املعتدلــة»‪،‬‬ ‫والعــداء لإلســام‪ ..‬وقــد تكــون تلــك الطامــة الكــرى! لكننــا‪،‬‬ ‫رغــم الــرد والجــوع والتــرد ونقــص الذخــرة صمدنــا يف‬ ‫ظــروف الحصــار هــذه خــال األشــهر األخــرة‪ ،‬بــل حققنــا‬ ‫شــيئاً مــن االنتصــار هنــا أو هنــاك‪ .‬وأثبتنــا بذلــك حقيقــة‬ ‫ثابتــة‪ ،‬تقــول «مــا ّ‬ ‫حــك جلــدك غــر ظفــرك»! ولعلنــا‬ ‫اســتطعنا صياغــة بعــض معــامل إسـراتيجية سياســية‪ ،‬تعتصم‬ ‫بالرشعيــة الدوليــة‪ ،‬التــي يتملــص مــن إســارها كثــرون‪،‬‬ ‫لنؤكــد أننــا مــع تســوية سياســية عــى أســاس تلــك الرشعية‪،‬‬ ‫وأن الرافــض أبــدا ً هــو النظــام‪ ،‬الــذي يقــوده مــن اســتحقوا‬ ‫املحاكمــة الدوليــة عــى جرائــم الحــرب التــي اقرتفوهــا‪..‬‬ ‫ونحــن ماضــون يف طريــق توســيع أطرنــا املعارضــة والثوريــة‬ ‫عــن طريــق حــوار ســوري‪ -‬ســوري‪ ،‬مــا اســتطعنا إبقــاءه‬ ‫كذلــك‪ .‬لكــن ذلــك كلــه مؤقــت‪ ،‬وقــد يصبــح عابــرا ً‪ .‬مــا‬ ‫دامــت قــوى الثــورة األكــر تعبـرا ً عــن الشــعب ومســتقبله‪،‬‬ ‫مــا زالــت غائبــة! هــذه دعــوة مــن معــارض قديــم‪ ،‬يــرزح‬ ‫تحــت ثقــل تاريخــه وتاريــخ بــاده كلــه‪ ،‬ويعلــو صــوت‬ ‫لهاثــه أعــى فأعــى‪ :‬يــا شــباب الثــورة‪ ،‬ال تضيعــوا مــا قمتــم‬ ‫بــه‪ ،‬وانكبــوا عــى بنــاء أطــر جديــدة لثورتكــم‪ ،‬ثورتنــا‪ .‬ال‬ ‫تلتفتــوا إىل وراء‪ ،‬ال تلتفتــوا إلينــا إال حــن يتعلــق األمــر بكــم‬ ‫ومبتطلبــات عملكــم… نحــن ال نســتحق إال أن نســريح‪،‬‬ ‫وراءكــم!‬


‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫‪7‬‬

‫ه��ل ميك��ن اس�ترداد الث��ورة يف عامه��ا اخلام��س؟‬ ‫جورج كنت‬ ‫بعــد أربــع ســنوات مــن انطــاق الثــورة‬ ‫الشــعبية الســورية غــر املســبوقة يف تاريــخ‬ ‫املنطقــة الحديــث‪ ،‬ال بــد مــن مراجعــة‬ ‫شــاملة ألهــم التطــورات واملراحــل التــي‬ ‫مــرت بهــا يف ظــل هاجــس رئيــي يحــاول‬ ‫اإلجابــة عــى الســؤال امللــح‪:‬‬ ‫ملــاذا فشــلت الثــورة يف إســقاط النظــام‬ ‫االســتبدادي رغــم عظــم التضحيــات التــي‬ ‫قدمهــا الشــعب الســوري؟‬ ‫انتقــال الثــورة مــن املرحلــة الســلمية إىل‬ ‫حمــل الســاح كان تحــوالً ال ميكــن تفاديــه يف‬ ‫مواجهــة وحشــية النظــام باســتخدام أســلحته‬ ‫ضــد املتظاهريــن الســلميني‪ ،‬لكــن عســكرة‬ ‫الثــورة جــرت بشــكل عشــوايئ غــر مرتابــط‬ ‫ال تجمعــه أيــة قيــادة عســكرية أو خطــة‬ ‫إس ـراتيجية موحــدة‪ ،‬وفشــلت كل محــاوالت‬ ‫تشــكيل مثــل هــذه القيــادة‪ ،‬كــا فشــلت‬ ‫املنظــات السياســية املعارضــة يف الداخــل‬ ‫والخــارج باكتســاب ثقــة الكتائــب املســلحة‬ ‫النضوائهــا تحــت قيادتهــا‪ ،‬فقــد تصــارع‬ ‫املعارضــون عــى املراكــز األوىل بــدل التوحــد‬ ‫خلــف هــدف واحــد وتأجيــل اختالفاتهــم‬ ‫الثانويــة ملــا بعــد إســقاط النظــام‪.‬‬ ‫أمــا النخــب الثوريــة الشــعبية التــي انتظمــت‬ ‫يف تنســيقيات ومجالــس محليــة‪ ،‬ولجــان‬ ‫عمــل يف جميــع املجــاالت لتبــر بإمكانيــة‬ ‫إقامــة ســلطة موازيــة للنظــام تكــون بدي ـاً‬

‫لــه عنــد ســقوطه‪ ،‬فقــد أزيحــت ومنعــت‬ ‫مــن لعــب دورهــا يف ضبــط اســتمرار توالــد‬ ‫الكتائــب املســلحة التــي ترتبــط ببعضهــا‬ ‫بروابــط واهيــة‪ ،‬لينتقــل مركــز ثقــل الثــورة‬ ‫مــن الحــراك الشــعبي الــذي تــم تهميشــه‬ ‫بالتدريــج‪ ،‬فيصبــح القـرار بيد حاميل الســاح‪،‬‬ ‫لتنبــع السياســة مــن فوهــة البندقيــة بتوجيــه‬ ‫مــن أمــراء حــرب ال يكرتثــون بالحاضنــة‬ ‫الشــعبية التــي أصبحــت يف مفهومهــم تابعــة‪،‬‬ ‫ويف خدمــة الكتائــب املســلحة بــدل أن‬ ‫يكــون املســلحون يف خدمــة الثــورة الشــعبية‬ ‫ولتحقيــق أهدافهــا‪.‬‬ ‫ومل تتــورع الكتائــب املســلحة املهيمنــة مــن‬ ‫اســتخدام الحاضنــة الشــعبية كدريئــة لحامية‬ ‫املســلحني مــن الهجــات العســكرية لجيــش‬ ‫النظــام‪ .‬فلــو كانــت املصلحــة الشــعبية هــي‬ ‫هــدف املســلحني لكانــوا وجــدوا طريقــة‬ ‫لتجنيــب الشــعب القتــل والتدمــر ملــدن‬ ‫وبلــدات بســبب احتــاء املســلحني بــن‬ ‫منازلهــا‪ ،‬مــا تســبب يف هجــرات مليونيــة‬ ‫لألهــايل‪ .‬مل يفكــر أحــد باالنتقــال لوســائل‬ ‫قتاليــة أخــرى كحــرب عصابــات ضــد جيــش‬ ‫النظــام املتفــوق يف أســلحته ويف قيادتــه‬ ‫وخطتــه املوحــدة‪.‬‬ ‫وبســبب فــوىض الســاح تســللت منظــات‬ ‫تكفرييــة أصوليــة مــن دول الجــوار‪ ،‬وخاصــة‬ ‫العــراق‪ ،‬ثــم مــن كافــة دول العــامل بحجــة‬ ‫أنهــا جــاءت «لنــرة» الشــعب الســوري‪،‬‬ ‫ليتضــح يف مرحلــة الحقــة أن قتالهــا للنظــام‬

‫ليــس لتحقيــق أهــداف ثــورة الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬بــل مــن أجــل أهدافهــا الخاصــة‬ ‫يف إقامــة دولــة دينيــة تكفّــر الدميقراطيــة‬ ‫والحريــة التــي ثــار الشــعب مــن أجلهــا‪،‬‬ ‫تســتبدل اســتبداد النظــام واضطهــاده لشــعبه‬ ‫باســم املقاومــة وشــعارات أخــرى زائفــة‪،‬‬ ‫باضطهــاده وقمعــه باســم الديــن حســب‬ ‫تفســرهم لــه‪.‬‬ ‫كــا بــدأوا بتطبيــق منهجهــم يف املناطــق التي‬ ‫يهيمنــون عليهــا بفــرض مقاييــس متشــددة‬ ‫يف أســاليب الحيــاة‪ ،‬وعقوبــات وحشــية‬ ‫لــكل مــن يخالــف تعليامتهــم املســتقاة‬ ‫مــن مفاهيــم القــرون الوســطى الظالميــة‪.‬‬ ‫وأججــوا ال ـراع الطائفــي بادعائهــم مقاتلــة‬ ‫«الحكــم النصــري» وحولــوا الثــورة مــن أجــل‬ ‫الحريــة إىل حــرب أهليــة طائفيــة‪ .‬وأعطــوا‬ ‫حجــة ملــا ادعــاه النظــام منــذ البدايــة أنــه ال‬ ‫يواجــه ثــورة شــعبية بــل منظــات إرهابيــة‪،‬‬ ‫وبــرروا توظيفــه الطائفــي لحربــه ضــد شــعبه‬ ‫باســتقدامه ميليشــيات شــيعية مــن لبنــان‬ ‫وإيــران والعــراق وبلــدان أخــرى‪.‬‬ ‫باإلضافــة لــكل ذلــك واجهــت الثــورة إهــاالً‬ ‫مــن املجتمــع الــدويل وشــبه المبــاالة بالكارثــة‬ ‫التــي أملــت بالشــعب الســوري فيــا عــدا‬ ‫مســاعدات إنســانية غــر كافيــة‪ ،‬وتــردد يف‬ ‫دعــم ثورتــه مــا مكــن النظــام واملنظــات‬ ‫اإلرهابيــة مــن االســتفراد بــه بحيــث أصبــح‬ ‫بــن مطرقــة النظــام وســندان املنظــات‬ ‫املســلحة اإلرهابيــة‪.‬‬

‫مل يعــد الــراع كــا كان يف بدايــة الثــورة‬ ‫بــن شــعب منتفــض ونظــام اســتبدادي‪ ،‬بــل‬ ‫حــروب ورصاعــات متعــددة بــن داعــش‬ ‫والنــرة والنظــام والكتائــب اإلســامية‬ ‫وامليليشــيات الكرديــة وبقايــا الجيــش الحــر‬ ‫وقــوى إقليميــة إيرانيــة ولبنانيــة وتحالــف‬ ‫دويل‪ -‬عــريب‪ ،‬تتصــارع كلهــا عــى األرض‬ ‫الســورية‪ ،‬فيــا الشــعب صاحــب الثــورة‬ ‫يضطهــد يف مناطــق النظــام‪ ،‬ويف مناطــق‬ ‫هيمنــة الكتائــب املســلحة‪ ،‬ويتحمــل معانــاة‬ ‫غــر مســبوقة مــن قتــل وتهجــر واعتقــال‬ ‫وتعذيــب وتجويــع وتدمــر لوســائل عيشــه‪.‬‬ ‫بعــد كل مــا حصــل فــإن وضــع حــد للكارثــة‬ ‫أصبحــت أولويــة ال بــد مــن العمــل مــن‬ ‫أجلهــا بوقــف القتــال‪ ،‬ومحاولــة التوصــل‬ ‫لحلــول وســط تنقــذ ســوريا والشــعب‬ ‫الســوري مــن املصــر املظلــم الــذي يقــوده له‬ ‫الـراع املتشــعب الراهــن املحكــوم بتــوازن ال‬ ‫يبــر بحســم رسيــع ألي طــرف مــن األطـراف‬ ‫املتصارعــة لتســتمر املقتلــة حتــى القضــاء‬ ‫الكامــل عــى البلــد والشــعب‪.‬‬ ‫أمــا إحيــاء الثــورة واســردادها فأمــر صعــب‬ ‫ولكنــه ليــس مســتحيالً إن توفــرت ظــروف‬ ‫موضوعيــة مناســبة‪ .‬إذ ال بــد لجميــع مــن‬ ‫وقــف ومــا يــزال إىل جانــب ثــورة الشــعب‬ ‫لتحقيــق أهدافــه يف الحريــة مــن إجــراء‬ ‫مراجعــة شــاملة ملــا حــدث حتــى اآلن تعتمــد‬ ‫عــى مســائل عديــدة منهــا‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬التوقــف عــن العيــش يف أجــواء الســنة‬

‫األوىل للثــورة‪ ،‬واالعــراف بالواقــع الجديــد‬ ‫الــذي آلــت إليــه األوضــاع الراهنــة‪.‬‬ ‫ثانيــاً‪ :‬فتــح حــوار واســع وعلنــي ورصيــح‬ ‫ال يخفــي الحقائــق مهــا كانــت مــرة‪،‬‬ ‫يســتخلص الــدروس مــن فشــل الثــورة األوىل‪،‬‬ ‫يقيــم األخطــاء وينتقدهــا ويحــدد الوســائل‬ ‫لتجاوزهــا‪.‬‬ ‫ثالثــاً‪ :‬تحديــد واقعــي للقــوى السياســية‬ ‫والعســكرية التــي تقــف مــع أهــداف الثــورة‪،‬‬ ‫ومــن هــم أعــداء هــذه األهــداف ممــن يقف‬ ‫مــع النظــام أو يف الطــرف املقاتــل لــه‪ ،‬ومــن‬ ‫هــم الحلفــاء الحقيقيــن للشــعب الســوري‬ ‫مــن قــوى محليــة وإقليميــة ودوليــة‪.‬‬ ‫رابع ـاً‪ :‬الفــرز الواضــح للقــوى عــى اختالفهــا‬ ‫للعمــل مــن أجــل كتلــة سياســية عســكرية‬ ‫تاريخيــة‪ ،‬طــرف دميقراطــي ســوري‪ ،‬يتبنــى‬ ‫أهــداف الشــعب الدميقراطيــة ويقاتــل مــن‬ ‫أجلهــا‪ ،‬ويبنــي تحالفاتــه مــع القــوى األخــرى‬ ‫بنــاء عــى مــدى اقرتابهــا أو ابتعادهــا عــن‬ ‫هــذه األهــداف‪ ،‬ليصبــح قــوة يحســب‬ ‫حســابها يف أي حــل ســيايس قــادم‪ .‬فــرز‬ ‫الطــرف الدميقراطي نفســه سياســياً وعســكرياً‬ ‫ميكــن مــن اســتجالب دعــم خارجــي أفضــل‬ ‫بعــد الوثــوق بــأن ســوريا لــن تقــع يف يــد‬ ‫املنظــات اإلرهابيــة بعــد ترحيــل النظــام‪.‬‬ ‫خامســاً‪ :‬الســعي لحــل ســيايس توافقــي‬ ‫يحقــق بعــض أهــداف الثــورة ويوحــد قــوى‬ ‫املجتمــع عــى اختالفهــا ضــد املنظــات‬ ‫اإلرهابيــة وعــى رأســها داعــش والنــرة‪.‬‬

‫الث��ورة عل��ى أعت��اب عامه��ا اخلام��س‬ ‫أنور بدر‬ ‫إذا كانــت الثــورة كتعريــف أو كمصطلــح‬ ‫ســيايس تعنــي التغيــر الشــامل لوضــع عيــاين‪،‬‬ ‫مبعنــى التغيــر الكامــل لنظــام الحكــم القائــم‪،‬‬ ‫ومــا ميثلــه يف جميــع مؤسســات الســلطة‬ ‫السياســية‪ ،‬لتحقيــق مــا تصبــو إليــه اإلنســانية‬ ‫بفطرتهــا مــن حريــة وعدالــة اجتامعيــة‬ ‫وحقــوق متســاوية‪ ،‬فــإن الســوريني قــد‬ ‫اختــروا الشــق األول مــن املعادلــة بشــعار‬ ‫«الشــعب يريــد إســقاط النظــام»‪ ،‬والــذي ال‬ ‫ي ـزال يشــكل الهــدف الرئيــي لــكل نضــاالت‬ ‫قــوى الثــورة ونخبهــا السياســية‪ ،‬كــا اتفقــوا‬ ‫بالنســبة للشــق الثــاين بأنهــا ثــورة حريــة‬ ‫وكرامــة أيضــاً‪.‬‬ ‫ولــو قيــض لهــذه الثــورة أن تنتــر يف زمنهــا‬ ‫الــذي اختطــه الربيــع العــريب بدايــة‪ ،‬ملــا كنــا‬ ‫دخلنــا يف االســتعصاء الراهــن‪ ،‬ونحــن عــى‬ ‫أعتــاب العــام الخامــس لتلــك الثــورة املغــدورة‪،‬‬ ‫بحيــث يتوجــب علينــا االع ـراف بــأن النظــام‬ ‫نجــح يف فــرض خيــارات التطــرف اإلســامي‬ ‫والعســكرة عــى ثــورة بــدأت ســلمية وشــعبية‬ ‫وعفويــة بــكل مــا لهــذه الكلــات مــن معنــى‪،‬‬ ‫إال أن خيــارات النظــام الســابقة‪ ،‬وعجزنــا عــن‬ ‫التحكــم مبســار الثــورة باملعنــى الســيايس‬ ‫والنضــايل‪ ،‬وتقاعــس املجتمــع الــدويل عــن‬ ‫نــرة الســوريني حتــى اآلن‪ ،‬قــاد أصدقــاء‬ ‫الشــعب الســوري إىل خيــارات تبــدو غــر‬ ‫عادلــة راهنــاً‪ ،‬فإمــا أن تــرك ســوريا لقــوى‬ ‫التطــرف الداعــي وأرضابهــا‪ ،‬أو نستســلم‬ ‫لســلطة األســد الــذي جــ ّر العــامل كلــه لبــؤرة‬ ‫محاربــة اإلرهــاب الــذي صنعــه بدعــم إي ـراين‬ ‫بشــكل خــاص‪ ،‬ومتويــل رويس أيضــاً‪.‬‬ ‫ليــس مهــا الحديــث اآلن عــن مســؤولية‬

‫اس��تعصاء االنتص��ار وج��ذوة األم��ل‬

‫املجتمــع الــدويل‪ ،‬وأصدقــاء الشــعب الســوري‬ ‫بشــكل خــاص يف كل ذلــك‪ ،‬لكــن من املســتغرب‬ ‫حقــاً أن يح ّملونــا نحــن مســؤولية تقاعســهم‬ ‫عــن الوفــاء بالتزاماتهــم ومســؤولياتهم‬ ‫اإلنســانية تجــاه شــعب تعــرض إىل أكــر محنــة‬ ‫يف التاريــخ املعــارص‪ ،‬بــل مــا زالــوا يحاولــون‪،‬‬ ‫منــذ ســنوات‪ ،‬دون إســقاط هــذا النظــام‪ ،‬ألن‬ ‫األســد مبعيــار الحــرب عــى اإلرهــاب هــو‬ ‫أفضــل مــن دولــة الخالفــة الداعشــية‪ ،‬فــأي‬ ‫عدالــة يف هــذا الخيــار؟ وأي مكافــأة لتضحيــات‬ ‫الســوريني‪ ،‬وثورتهــم النبيلــة؟‬ ‫يبــدو هــذا الســؤال صعبـاً ملــن راهــن باألســاس‬ ‫عــى التدخــل الخارجــي إلســقاط هــذا النظــام‪،‬‬ ‫مــع يقيننــا أن كل ثــورات العــامل كانــت بحاجــة‬ ‫إىل الكثــر مــن الدعــم الســيايس واللوجســتي‬ ‫لتحقيــق انتصاراتهــا‪ ،‬لكــن األهــم مــن ذلــك‬ ‫الدعــم هــو مــا صنعتــه تلــك الثــورات والنخــب‬ ‫القياديــة فيهــا مــن أجــل انتصارهــا‪.‬‬ ‫إن عقــودا ً مــن اإلفقــار واإلذالل ومصــادرة‬ ‫املجتمــع والدولــة والسياســة والفكــر لصالــح‬ ‫ســلطة القمــع والفســاد‪ ،‬هــي التــي أنتجــت‬ ‫املشــهد املــردي لتفــكك القــوى السياســية‬ ‫وه ـزال تلــك القيــادات التــي وقفــت مــرددة‬ ‫حيــال االنخــراط بالثــورة ومفاعيلهــا‪ ،‬ومــن‬ ‫انخــرط منهــا مــا زال يقاتــل عــى حصــص‪،‬‬ ‫ونســب متثيليــة قــد ال يكــون لهــا أي داللــة يف‬ ‫الواقــع العيــاين‪.‬‬ ‫وإذا كان لنــا أن نتقبــل عجــز أغلــب القــوى‬ ‫اليســارية والقوميــة يف ســوريا عــن اتخــاذ‬ ‫موقــف مــرف وتاريخــي مــن الثــورة‪ ،‬نتيجــة‬ ‫ارتباطهــا العضــوي بالنظــام وأيديولوجيــا‬ ‫املقاومــة واملامنعــة‪ ،‬فإنــه مــن غــر املفهــوم أن‬ ‫أغلــب القــوى اليســارية والقوميــة يف املنطقــة‬ ‫العربيــة ظلــت مؤيــدة بقــوة لنظــام الفســاد‬

‫والديكتاتوريــة‪ ،‬مــع أنهــا بذلــك تخــون كل‬ ‫مبادئهــا وشــعاراتها التي اعتاشــت عليهــا عقودا ً‬ ‫مــن الزمــن‪ ،‬فهــل كنــا بحاجــة ألربــع ســنوات‬ ‫حتــى يبــدأ الحــزب الشــيوعي الفرنــي إعــادة‬ ‫النظــر مبوقفــه مــا يجــري يف ســوريا‪ ،‬وليشــارك‬ ‫أخــرا ً يف نشــاطات الذكــرى الرابعــة النطالقــة‬ ‫الثــورة؟ وكــم تحتــاج األحــزاب الشــيوعية يف‬ ‫ســوريا وباقــي الــدول العربيــة حتــى تعيــد‬ ‫النظــر مبواقفهــا؟‬ ‫وال أعتقــد أن املؤسســة الدينيــة يف ســوريا‬ ‫وتعبرياتهــا السياســية كانــت أنضــج مــن نظريتها‬ ‫القوميــة أو اليســارية‪ ،‬باســتثناء اإلخــوان‬ ‫املســلمني الذيــن أقصتهــم الرصاعــات الســابقة‬ ‫عــن عطــاءات النظــام‪ ،‬دون أن تقصيهــم عــن‬ ‫لعبــة املحاصصــة‪ ،‬والطمــع بكعكــة الثــورة‬ ‫املوعــودة‪ ،‬وأعتقــد أن نوعـاً مــن الفقــر الثقــايف‪،‬‬ ‫واإلفقــار الســيايس الــذي تعيشــه القــوى‬ ‫السياســة العربيــة عمومــاً‪ ،‬يحتــاج إىل ثــورة‬ ‫تُغـ ّـر ليــس النظــام الســيايس لســلطة الدولــة‬ ‫فقــط‪ ،‬بــل لســلطة وأيديولوجيــا تلــك القــوى‬ ‫واملنظــات التــي استســلمت ألردأ الطبعــات‬ ‫األيديولوجيــة يف ثقافتهــا‪ ،‬وإال كيــف لنــا أن‬ ‫نفــر أو نفهــم أن عظمــة اإلســام الــذي غــر‬ ‫التاريــخ والثقافــة منــذ ‪ 14‬قرن ـاً‪ ،‬ينتهــي بنــا يف‬ ‫شــعوذات البغــدادي‪ ،‬ورشعييــه الذيــن يُشــك يف‬ ‫معرفتهــم باإلســام أصــاً؟‬ ‫ميكننــا القــول إن الكثــر مــن القــوى السياســية‬ ‫دخلــت حلبــة الثــورة باعتبارهــا امتــدادا ً‬ ‫للرصاعــات السياســية التــي عاشــتها خــال‬ ‫خمســة عقــود تحــت وطــأة الديكتاتوريــة‪،‬‬ ‫العقليــة التــي تحكــم هــذه القــوى‪ ،‬وتلــك‬ ‫القيــادات ذاتهــا عقليــة املصالــح الضيقــة‬ ‫واألنانيــة التــي ال تــرى أبعــد من أنــف أصحابها‬ ‫الجشــعني‪ ،‬وبالتأكيــد شــكل هــذا عامــل إحبــاط‬

‫شــديد للثــورة الســورية والقــوى الشــعبية‬ ‫التــي انتفضــت بدايــة ضــد اإلذالل والتهميــش‬ ‫والقهــر‪ ،‬والتــي عــرت عنهــا الصيحــات األوىل‬ ‫التــي انطلقــت يف ســاحة الحريقــة‪« :‬الشــعب‬ ‫الســوري مــا بينــذل»‪.‬‬ ‫لذلــك نجــد أن النخــب القياديــة للثــورة‬ ‫الســورية مل ترتــقِ ملســتوى تضحيــات الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬وال ملســتوى املهــام التــي تنطحــت‬ ‫للنهــوض بأعبائهــا‪ ،‬بــل هــي مل تســتطع أن‬ ‫تتوافــق حتــى عــى برامــج الحــد األدىن باملعنــى‬ ‫الســيايس والوطنــي‪ ،‬ومل تعــرف حتــى اآلن‬ ‫تلــك اللحظــة الثوريــة التــي تفــرض بهــا أن‬ ‫تنــزع عباءتهــا التقليديــة‬ ‫باملعنــى الرمــزي للعبــارة‪،‬‬ ‫وترتــدي أشــعة الحريــة‬ ‫التــي تنطلــق بهــا نحــو‬ ‫فضــاءات أوســع مــن‬ ‫مصالحهــا ومــن شــعاراتها‪،‬‬ ‫فالثــورة ليســت مجــرد‬ ‫شــعار نرفعــه متــى شــئنا‪،‬‬ ‫إنهــا عقليــة جديــدة تقــود‬ ‫عمليــة التغيــر والتجديــد‪،‬‬ ‫وتنســف حالــة الركــود‬ ‫التــي وســمت حيواتنــا‬ ‫وثقافتنــا وحتــى مخيالنــا‬ ‫أيضــاً‪ ،‬وهــذه باعتقــادي‬ ‫مســألة صــرورة قــد تنمــو‬ ‫وتتطــور‪ ،‬وقــد ترتكــس‬ ‫وترتاجــع‪ ،‬مســألة صــرورة‬ ‫باملعنــى التاريخــي‪ ،‬أي أنها‬ ‫ليســت عمليــة إرادويــة‬ ‫أبــدا ً‪ ،‬لذلــك نحــن نحتــاج‬ ‫بقــوة الســتعادة تلــك‬ ‫الجــذوة التــي أشــعلت‬

‫فتيــل األمــل يف ســوريا واملنطقــة‪ ،‬األمــل بالثورة‬ ‫وإمكانيــة إســقاط األنظمــة الديكتاتوريــة‪ ،‬رغــم‬ ‫اســتعصاء االنتصــار راهنـاً‪ ،‬علينــا العمــل بــدأب‬ ‫شــديد عــى اســتعادة الوجــه املــدين والحضــاري‬ ‫للثــورة‪ ،‬وتحفيــز روح التمــرد والنقــد واإلبــداع‪.‬‬ ‫أعتقــد أن الســوريني الذيــن قدمــوا أنصــع‬ ‫ملحمــة ثوريــة يف القــرن الجديد‪ ،‬هــم جديرون‬ ‫بحيــاة أفضــل‪ ،‬وهــم جديــرون بالنــر أيض ـاً‪،‬‬ ‫ورغــم اســتعصاء اللحظــة الراهنــة‪ ،‬ليــس‬ ‫أمامنــا إال جــذوة األمــل‪ ،‬ونرباســنا فيــا قالــه‬ ‫طــارق بــن زيــاد‪ :‬العــدو مــن أمامكــم والبحــر‬ ‫مــن خلفكــم‪ ،‬وال ســبيل لنــا إال االنتصــار‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫علي العبداهلل‬

‫واقع الثورة السورية‬

‫مــع دخــول الثــورة الســورية عامهــا الخامــس تثــور‬ ‫بــن الســوريني أســئلة قلقــة حــول املســتقبل واملصــر‬ ‫يف ضــوء الحالــة الســائدة يف البلــد‪ ،‬ومتســك النظــام‬ ‫بالســلطة‪ ،‬ووضــع املعارضــة‪ ،‬بجناحيهــا الســيايس‬ ‫والعســكري‪ ،‬الحــرج ملــا تواجهــه مــن انقســامات وتشــتت‪،‬‬ ‫وفشــلها يف إدارة الــراع‪ ،‬خاصــة بعــد تعــدد ســاحاته‪،‬‬ ‫ودخولهــا‪ ،‬تحــت ضغــوط إقليميــة ودوليــة‪ ،‬يف مواجهــة‬ ‫مــع الجامعــات املتطرفــة‪ ،‬وتجرعهــا هزائــم عســكرية يف‬ ‫معــارك مــع قــوات النظــام وحلفائــه‪ ،‬وخســارتها لحواضــن‬ ‫شــعبية‪ ،‬والمبــاالة املجتمــع الــدويل بالوضــع املأســاوي‬ ‫الــذي يعيشــونه‪.‬‬ ‫أحــدث انفجــار ثــورة الحريــة والكرامــة وانتصــارات‬ ‫الجيــش الســوري الحــر هـزات زلزاليــة وارتــدادات محليــة‬ ‫وإقليميــة ودوليــة رضبــت يف العمــق معــادالت ســائدة‬ ‫اســتثمرت فيهــا دول كثــرة‪ ،‬فأثــارت هواجــس ومخــاوف‬ ‫هــذه الــدول ملــا ميكــن أن يحدثــه العامــل الشــعبي‬ ‫الســوري‪ ،‬الــذي نهــض مطالب ـاً باســتعادة حقوقــه ودوره‪،‬‬ ‫مــن متغــرات محليــة وإقليميــة ودوليــة‪ ،‬مــا دفعهــا‬ ‫للتحــرك لحاميــة اســتثامرها والتحكــم بتطــورات الثــورة‬ ‫وتداعياتهــا‪.‬‬ ‫ردت هــذه الــدول باالنخــراط يف الــراع بأشــكال‬ ‫متعــددة حاميــة ملصالحهــا ومشــاريعها عــر دعــم موقــف‬ ‫أحــد طــريف الــراع سياســياً وعســكرياً وماليــاً وتغذيــة‬ ‫املواجهــة بالتجييــش والتعبئــة السياســية والدينيــة‬ ‫واملذهبيــة‪ ،‬فتعقــدت معادلــة الــراع وتعــددت‬ ‫الخيــارات والتصــورات‪ ،‬وهــذا وضــع ســوريا تحــت قصــف‬ ‫عقائــدي وســيايس وتســليحي‪ ،‬تســعى كل دولــة مــن‬ ‫خاللــه إىل فــرض تصورهــا للحــل‪ ،‬مســتغلة تطــورات‬ ‫الـراع عــى األرض وتــوازن القــوى إلنضــاج رشوط الحــل‬ ‫الــذي يســتجيب ملصالحهــا‪ .‬وهــذا رتــب وجــود رصاعــات‬ ‫متعــددة األطـراف والغايــات واألهــداف‪ :‬رصاع بــن الثــورة‬

‫أنس العباس‬ ‫مــن الصعوبــة مبــكان أن نحــاول اســرجاع‬ ‫وكتابــة انطبــاع حــول الثــورة الســورية يف يــوم‬ ‫عيدهــا‪ .‬ألن مــا حصــل ليــس مجــرد حلــم أو‬ ‫قصيــدة مؤثّــرة عــن الحريــة‪ ،‬وإذا مــا افرتضنــا‬ ‫أنــه كذلــك‪ ،‬فهــو أول أحالمنــا الــذي امتلــك‬ ‫الشــجاعة ونــزل مــن ســامل املجــاز ليعلمنــا‬ ‫أن أي فكــرة وأي عاطفــة‪ ،‬يف لحظــة والدتهــا‬ ‫الحقيقيــة‪ ،‬هــي مــن لحــمٍ ودم وصــوت‪.‬‬ ‫َ‬ ‫«نــزل» ألن‬ ‫أتعمــد ههنــا اســتخدام كلمــة‬ ‫كلمــة نــزول لهــا دالالتهــا وإيحاءاتهــا يف‬ ‫مخيــال شــعوب املنطقــة‪ ،‬إيحــاءات تفــي‬ ‫إىل قداســة مــا‪ .‬فهــا نحــن‪ ،‬الشــعوب التــي‬ ‫ـي جديــد‪،‬‬ ‫أنجبــت األنبيــاء‪ ،‬نشــهد بشــارة نبـ ٍّ‬ ‫هــذا النبــي ليــس فــردا ً‪ ،‬إنــه نحــن جميعــاً‪،‬‬ ‫وصوتــه يتصاعــد مــن حناجرنــا محتشــدين‬ ‫يف الشــوارع هاتفــن باســم الحريــة والكرامــة‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬وســقوط نظــام الطغيــان‪ .‬يــا لهــا‬ ‫نبــي اســمه الشــعب‪ ،‬يســتعري‬ ‫مــن معجــزة‪ٌّ ،‬‬ ‫حناجرنــا ليقــول كلمتــه!‬ ‫رمبــا‪ ،‬ويف كثــر مــن األحيــان‪ ،‬غطَّينــا‪ ،‬بســبب‬ ‫هــذه القداســة بالضبــط‪ ،‬أدوات النقــد‬ ‫والتخطيــط بخــار املعصوميــة‪ ،‬وتداولنــا‬ ‫التربيــرات دامئــاً يف آخــر النهــار عــن كل‬ ‫هفواتنــا وهفــوات مــن يصوغــون أســاء‬ ‫ال ُج َمــع‪ُ ،‬ج َم ِعنــا نحــن‪ .‬ولكــن مــن هــم؟ ومــن‬ ‫أعطاهــم الحــق يف اختيــار أســاء مواليــد‬ ‫حناجرنــا وشــوارعنا وجوامعنــا؟‬ ‫أخــذ علينــا كثــرون أن مظاهراتنــا تخــرج مــن‬ ‫الجوامــع‪ ،‬لكننــا مل نبــا ِل‪ ،‬فنحــن نعرف أنفســنا‪.‬‬ ‫ولكــن إىل أيــة درجــة نحــن نعــرف أنفســنا‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫والنظــام‪ ،‬رصاع بــن معارضــة ســورية وقــوى إســامية‬ ‫متشــددة وافــدة مبشــاريعها السياســية غــر املقبولــة‪،‬‬ ‫رصاع إقليمــي‪ -‬إقليمــي‪ ،‬رصاع دويل – دويل‪ ،‬رصاع دويل ‪-‬‬ ‫إقليمــي عــى مســتقبل اإلقليــم ومآالتــه والــذي ســتلعب‬ ‫طبيعــة الحــل يف ســوريا دورا ً محوريـاً يف تحديــد صورتــه‪.‬‬ ‫وهــي رصاعــات متداخلــة ومتشــابكة ومرتاكبــة‪ ،‬وكل‬ ‫منهــا يتقاطــع ويتعــارض مــع الرصاعــات األخــرى إىل حــد‬ ‫التناقــض‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق جــاء بيــان جنيــف ‪ 2012/6/30‬الــذي‬ ‫عكــس حصــول توافــق دويل عــى حــل ســيايس يُبقــي عــى‬ ‫النظــام مــع إخ ـراج رأســه مــن املعادلــة وإعــادة هيكلــة‬ ‫الجيــش وأجهــزة املخابــرات وتشــكيل هيئــة حاكمــة‬ ‫كاملــة الصالحيــات بال ـرايض بينــه وبــن املعارضــة‪.‬‬ ‫مل تقبــل إيــران بهــذا الحــل ألنــه مل يــراع مصالحهــا‬ ‫فتحركــت لحاميــة النظــام وتعزيــز مواقعــه وتعديــل‬ ‫تــوازن القــوى لصالحــه عــر دعمــه عســكرياً وماليــاً‬ ‫وإرســال مستشــارين عســكريني ومقاتلــن مــن حــزب‬ ‫اللــه اللبنــاين وامليليشــيات الشــيعية العراقيــة‪ ،‬ونجحــت يف‬ ‫إحــداث تعديــل يف تــوازن القــوى‪ ،‬وجــاء انفجــار األزمــة‬ ‫األوكرانيــة واشــتعال ال ـراع عليهــا بــن الغــرب وروســيا‬ ‫ليضــع بيــان جنيــف عــى الــرف وتبــدأ الضغــوط وعــض‬ ‫األصابــع مــن جديــد‪ .‬وقــد زاد يف تعقيــد املشــهد انطــاق‬ ‫املفاوضــات األمريكيــة اإليرانيــة حــول امللــف النــووي يف‬ ‫ضــوء ســعي إي ـران لتعزيــز موقفهــا التفــاويض وتكريــس‬ ‫مكاســبها اإلقليميــة مــن جهــة وحــرص أمريــكا عــى نجــاح‬ ‫املفاوضــات وعــدم مواجهــة التحــرك اإلقليمــي اإليــراين‬ ‫خدمــة لهــذا الهــدف مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬فتوســعت إي ـران‬ ‫يف إرســال املستشــارين وامليليشــيات واألســلحة وتصعيــد‬ ‫املواجهــة والعمــل عــى حســم ال ـراع عســكرياً‪.‬‬ ‫أفــرزت التطــورات امليدانيــة‪ ،‬خاصــة مــع بــروز داعــش‬ ‫ورضبــه للجيــش الســوري الحــر وســيطرته عــى املناطــق‬

‫املحــررة وهجومــه عــى املوصــل واحتــال مســاحات‬ ‫شاســعة مــن أرض العـراق‪ ،‬وإعطــاء األولويــة للحــرب عىل‬ ‫اإلرهــاب والضغــط عــى األطــراف املحليــة واإلقليميــة‬ ‫والدوليــة لتبنــي هــذه األولويــة‪ ،‬حالــة جمــود وتــردد يف‬ ‫التعاطــي مــع امللــف الســوري‪ ،‬مــا فســح املجــال للنظــام‬ ‫وحلفائــه لتصعيــد املواجهــة عــى أمــل تســجيل مكاســب‬ ‫توظّــف عــى طاولــة املفاوضــات‪ ،‬وتحــرك منفــرد بحث ـاً‬ ‫عــن حــل يفرضــه عــى اآلخريــن‪ ،‬فطُ ـرِح تصــور إي ـراين‬ ‫قائــم عــى إرشاك املعارضــة يف حكومــة يقودهــا النظــام‪،‬‬ ‫وعقــدت موســكو عــدة لقــاءات مــع النظــام واملعارضــة‬ ‫متهيــدا ً لعقــد لقــاء بينهــا يف إطــار مــا ســمي «منتــدى‬ ‫موســكو»‪ ،‬كمدخــل لبلــوغ حــل ســوري‪ -‬ســوري تتوحــد‬ ‫فيــه الســلطة واملعارضــة يف مواجهــة داعــش‪.‬‬ ‫انعكســت هــذه التطــورات والتغـرات ســلباً عــى الثــورة‬ ‫عــى الصعيديــن الســيايس والعســكري وعمقــت الضعــف‬ ‫البنيــوي الــذي تعانيــه يف ضــوء فشــل املعارضة يف مأسســة‬ ‫قواهــا يف كيــان موحــد‪ ،‬جبهــة وطنيــة شــاملة‪ ،‬وعقلنــة‬ ‫تحركهــا الســيايس والعســكري بتحويــل الثــورة مــن حالــة‬ ‫العفويــة إىل حالــة منظمــة ومنضبطــة‪ ،‬فاملأسســة التــي‬ ‫حصلــت بتشــكيل التنســيقيات والكتائــب املســلحة جزئية‬ ‫وغــر كافيــة إلدارة ال ـراع بإس ـراتيجية موحــدة وخطــة‬ ‫ميدانيــة واحــدة‪ ،‬فالفشــل يف مأسســة املعارضــة مأسســة‬ ‫شــاملة وتشــكيل جبهــة وطنيــة موحــدة عــى أســاس‬ ‫وطنــي عــام تــرك امليــدان للعفويــة والتشــتت وللعقائــد‬ ‫الخاصــة تفــرض نفســها وتصوراتهــا وقرارهــا عــى املناطــق‬ ‫فتتفتــت القــوى وتنقســم الجبهــات والحواضــن الشــعبية‬ ‫مــا أضعفهــا يف املواجهــة‪ ،‬ويف إقنــاع املجتمــع الــدويل‬ ‫بأهليتهــا إلدارة البــاد بعــد إســقاط النظــام‪ .‬وقــد تجلــت‬ ‫ســلبية هــذا العامــل عندمــا طــرح بيــان جنيــف وعقــد‬ ‫مؤمتــر جنيــف‪ 2‬ومنتــدى موســكو حيــث انعــدم التوافــق‬ ‫وتفاضلــت القــوى بــدل أن تتكامــل‪.‬‬

‫لقــد خــر االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة واملعارضــة‪،‬‬ ‫الــذي أنهكتــه الرصاعــات الداخليــة والتدخــات الخارجية‪،‬‬ ‫فتآكلــت مصداقيتــه وتراجــع دوره‪ ،‬كــا خــرت كتائــب‬ ‫الجيــش الســوري الحــر ثقــة الحواضــن الشــعبية وتأييدهــا‬ ‫نتيجــة الفــوىض واملامرســات غــر املســؤولة وتراجــع‬ ‫الدعــم وفقدانهــا القــدرة عــى التحــرك امليــداين املخطــط‬ ‫واملنســق‪ ،‬مــا أتــاح لجبهــة النــرة مهاجمــة جبهــة ثــوار‬ ‫ســوريا وحركــة حــزم والقضــاء عليهــا والســيطرة عــى‬ ‫ريــف محافظــة إدلــب‪ ،‬وطفــت عىل الســطح‪ ،‬نتيجــة لهذا‬ ‫الوضــع‪ ،‬الخالفــات القوميــة والدينيــة واملذهبيــة وانبعثت‬ ‫الــوالءات مــا دون وطنيــة‪ ،‬وتباينــت الــرؤى والخيــارات‬ ‫الوطنيــة يف املجتمــع والثــورة بــن الفدراليــة والالمركزيــة‬ ‫اإلداريــة ودولــة مركزيــة بخلفيــة إســامية(دولة خالفــة)‬ ‫ومركزيــة تســلطية ودولــة مواطنــة ودميقراطيــة ومســاواة‬ ‫بــن املواطنــن يف الحقــوق والواجبــات‪ .‬وهــذا ادخــل‬ ‫الثــورة يف مــأزق حــاد مــا يســتدعي إعــادة التــوازن‬ ‫للفكــر واملامرســة‪ ،‬وتحمــل املســؤولية بجديــة‪ ،‬وتجنيــب‬ ‫الثــورة مزيــدا ً مــن النكســات والرتاجعــات‪ ،‬ومراعــاة‬ ‫الحالــة اإلنســانية واملعنويــة للمواطنــن الســوريني بعامــة‪،‬‬ ‫وللحواضــن الشــعبية للثــورة بخاصــة‪ ،‬وهــذا يتطلــب‬ ‫أول مــا يتطلبــه مــن قــوى الثــورة‪ ،‬بجناحيهــا الســيايس‬ ‫والعســكري‪ ،‬وحواضنهــا الشــعبية توحيــد الجهــد وتنســيق‬ ‫التحــرك لضــان اســتمرار الثــورة وأهدافهــا واالحتفــاظ‬ ‫مبوقــع رئيــس عــى طاولــة التفــاوض لتحقيــق نســبة‬ ‫معقولــة مــن مطالبهــا‪ ،‬وهــو هــدف متــاح إذا مــا انحــاز‬ ‫الجميــع إىل التفكــر العقــاين والعمــي‪ ،‬واســتبعدوا‬ ‫الرصاعــات الطفوليــة القامئــة عــى إلغــاء اآلخــر وإخراجــه‬ ‫مــن املعادلــة بالكامــل‪ ،‬فالرشاكــة والتوافــق والتمســك‬ ‫بنســبة اســتقاللية معقولــة يف اتخــاذ القـرار كفيلــة بوضــع‬ ‫املعارضــة عــى جــادة الصــواب وفتــح طريــق األمــل‬ ‫واســعاً أمامهــا‪.‬‬

‫عيد الثورة‬ ‫بعــد عقــود كنــا فيهــا بــا مالمــح وال أصــوات؟‬ ‫ونحــن ورثــة تاريــخ مل تقــم فيــه ثــورة‬ ‫حقيقيــة منــذ ثــورة محمــد بــن عبداللــه؟‬ ‫بالتأكيــد ســتخرج مظاهراتنــا مــن الجوامــع‬ ‫إذا أُغلقــت الســاحات بالحواجــز واملصفحــات‬ ‫والقناصــة‪ .‬وإذا قالــوا أننــا «عراعــر» ســنهتف‬ ‫للعرعــور نكايــ ًة بهــم‪ ،‬واثقــن مــن أننــا‬ ‫لســنا بـ»عراعــر»‪ ،‬وإذا خرجنــا يف مظاهــرة‬ ‫حاشــدة يف يــوم «جمعــة ال للحــوار» ســنفرح‬ ‫ونقــول البــد مــن بعــض راديكاليــة الشــعارات‬ ‫والهتافــات أمــام آلــة القمــع والرصــاص‪ ،‬فنحــن‬ ‫ســلميون‪ .‬وإذا ســأل أحدهــم بأيــة حريــة‬

‫مــع مظاهــر متواضعــة لحواجــز ثوريــة تحمــي‬ ‫املظاه ـرات يف األحيــاء مــن أي اقتحــام أمنــي‬ ‫محتمــل‪ .‬بــل إننــا‪ ،‬وبانفعــال وحــزن صادقَــن‬ ‫عــى أصدقــاء أرداهــم رصــاص قــوات األمــن‬ ‫يف مظاهراتنــا الســلمية‪ ،‬هتفنــا حانقــن «مــا‬ ‫عــاد بدنــا ســلمية‪ ،‬بدنــا رصــاص وروســية»‪.‬‬ ‫وكان مــن الســهل أن تســتغل جهــات كثــرة‬ ‫هــذا الحنــق الــذي تراكــم يف نفوســنا مــن‬ ‫وضاعــة النظــام األمنــي الــذي يقــاوم الهتــاف‬ ‫بالرصــاص‪ ،‬لتســاعدنا‪ ،‬مــع ابتســامة صفــراء‬ ‫تشــبه ابتســامة املـرايب‪ ،‬عــى الدخــول يف طــور‬ ‫«الحــرب» والثــورة املســلحة‪.‬‬

‫نطالــب‪ ،‬ومــاذا بعــد ســقوط النظــام‪ ،‬اتهمنــاه‬ ‫بالرجعيــة‪ ،‬فنحــن «فوضويــون» حركتنــا‬ ‫املســتمرة هــي املســتقبل‪ .‬وإذا هتــف كثــر‬ ‫منــا «قائدنــا لألبــد ســيدنا محمــد» قلنــا أننــا‬ ‫مــن مجتمعــات مســلمة وهــذا طبيعــي‪ ،‬بــل‬ ‫إننــا «دميقراطيــون» ونحــرم هــذا الهتــاف‪.‬‬ ‫وكلــا زاد إجــرام النظــام‪ ،‬وهــذا مل يكــن‬ ‫مفاجئــاً‪ ،‬كان مــن الســهل علينــا التعاطــف‬

‫هــذا ببســاطة مــا كان يريــده النظــام‪ ،‬بــل‬ ‫إنــه مل يتــورع عــن مجابهــة الح ـراك الســلمي‬ ‫بارتــكاب مجــازر‪ ،‬ال لكــ ِّم األفــواه وتفريــق‬ ‫الحشــود‪ ،‬بــل الســتفزازها يك تتــورط يف‬ ‫الســاح‪ ،‬فهــذا هــو امليــدان املفضــل بالنســبة‬ ‫لنظــام عســكري مجــرم مــن طــراز النظــام‬ ‫الســوري‪.‬‬ ‫ندخــل اآلن يف الســنة الخامســة عــى والدة‬

‫صوتنــا‪ .‬املشــهد غائــم‪ ،‬وخيبــة األمــل غامــرة‪ .‬أو االستســام‪.‬‬ ‫مئــات اآلالف مــن الضحايــا واملعتقلــن‪،‬‬ ‫وماليــن امله ّجريــن‪ ،‬وخارطــة متداعيــة ولكــن عــى الرغــم مــن الخــراب الحاصــل‪،‬‬ ‫تتقاســمها قــوى ظالميــة‪ .‬حتــى فكــرة الجيــش وشــيئاً فشــيئاً‪ ،‬بــدأ عمــق وخطــورة وتأثــر‬ ‫الحــر تفككــت أمــام قــوة وانضبــاط وعقائديــة الثــورة الســورية يتكشّ ــف‪ .‬فاألحــداث وضعــت‬ ‫التنظيــات اإلســامية‪ .‬معارضــة للداخــل كل القضايــا اإلشــكالية يف تاريخنــا وثقافــة‬ ‫أشــبه مبلحقــات الجبهــة الوطنيــة التقدميــة‪ ،‬مجتمعاتنــا تحــت الضــوء‪ ،‬كــا أن فهمنــا‬ ‫ومعارضــة للخــارج غارقــة يف خالفاتهــا للسياســة الدوليــة بــدأ يتغــر انطالقــاً مــن‬ ‫وانقســاماتها عــى فتــات مــن مصالــح ضيقــة فهــم هــذه الثــورة املركّبــة‪ ،‬وتشــابك املصالــح‬ ‫وبائســة‪ ،‬وبلــد محتــل تتحكــم إيــران مــن اإلســراتيجية والتوازنــات فيهــا‪ ،‬ومــا فرضتــه‬ ‫جهــة بخيــارات نظامــه العســكرية والسياســية مــن متغـرات عــى سياســات جميــع الالعبــن‬ ‫واالقتصاديــة‪ ،‬ومــن الجهــة األخــرى تنظيــات الذيــن يدركــون األثــر البالــغ لنتائــج هــذه‬ ‫متشــددة ذات مرجعيــات ال متــت ألهــداف الثــورة يف تحديــد مواقــع الجميــع‪.‬‬ ‫ثورتنــا مــن حريــة ودميقراطيــة ومواطَنــة‬ ‫ومســاواة وســيادة للقانــون‪ ،‬تنظيــات لهــا ويبــدو أنهــا‪ ،‬أي الثــورة الســورية‪ ،‬تفــرض‬ ‫أجنداتهــا وأهدافهــا واســراتيجيات عملهــا إعــادة قـراءة وتفكيــك تاريــخ املنطقــة‪ ،‬ورصــد‬ ‫عالقاتهــا مــع املحيــط الســيايس والثقــايف‬ ‫الفــوق أو التحــت وطنيــة‪.‬‬ ‫ونحــن‪ ،‬الســوريني املناوئــن للنظــام املجــرم‪ ،‬والجغــرايف واالقتصــادي العاملــي‪ ،‬ومعالجــة‬ ‫بــا قيــادة وال خطــة عمــل قــادرة عــى نصــوص الديــن اإلســامي مبــا يفــي إىل‬ ‫اســتثامر الحــراك الشــعبي سياســياً لتحقيــق إصــاح دينــي حقيقــي يفتتــح عــر أنــوار‪،‬‬ ‫األهــداف‪ .‬ســقوطات أخالقيــة بالجملــة مــن وبنــاء نســق معــريف جديــد وشــامل‪ .‬فــأدوات‬ ‫نخبنــا السياســية والثقافيــة ومــن الســاح املعرفــة القدميــة باتــت قــارصة عــن اكتنــاه‬ ‫الــذي توهمــوا أنــه ســاح الشــعب لنيــل ومعالجــة مــا يجــري‪ ،‬وال بــد مــن اجــراح‬ ‫حقوقــه العســكرية‪ .‬حالــة مــن الخــذالن أدوات خاصــة بهــذه املرحلــة‪ ،‬لفهــم كل يشء‬ ‫الــدويل بعــد أن نجــح نظــام األســد بتحويــل انطالقــاً منهــا‪ ،‬وتجميعــه والبنــاء عليــه‪.‬‬ ‫أنظــار العــامل عنــه إىل محاربــة «اإلرهــاب»‬ ‫الــذي يشــكل خط ـرا ً عــى «الســلم الــدويل»‪ .‬الثــورة الســورية ســتعيد تشــكيل التاريــخ‪ ،‬وإذا‬ ‫بينــا الســوريون يرزحــون تحــت براميــل مــا شــعرنا باإلحبــاط يف بعــض األحيــان فهــذا‬ ‫األســد وســكاكني داعــش‪ ،‬وال أحــد يكــرث طبيعــي بالنســبة إىل أفــراد يعيشــون ضمــن‬ ‫إىل محوهــم بــكل أنــواع األســلحة‪ ،‬مبــا فيهــا مجتمعــات تشــهد تحــوالً تاريخيـاً هائـاً عــى‬ ‫األســلحة الكيامويــة‪ ،‬وســاح حصــار املناطــق كل املســتويات‪ ،‬ومــا يتطلبــه ذلــك مــن وقــت‬ ‫الخارجــة عليــه وتجويــع أهلهــا حتــى املــوت ومخاضــات عســرة‪.‬‬


‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫«األسطورة والعتمة»‬ ‫يف الذكرى الرابعة للثورة السورية‬

‫بشار العيسى‬

‫حــن ه ّبــت رائحــة شــواء لحم التونــي «بوعزيزي» كان‬ ‫الســوريون يف ســبات اله بالشــموع والكلــات‪ ،‬تتصيدهــم‬ ‫ســلطة متفســخة ونخــب ثقافيــة فاســدة للمعارضــة‪.‬‬ ‫كانــت ســوريا األســد والبعــث ‪ :2011‬تفتقــد رشوط‬ ‫ومقومــات دولــة طبيعيــة‪ ،‬تتحكــم فيهــا ســلطة أســرة أرسة‬ ‫تكــر بالفســاد تســود بالقمــع‪.‬‬ ‫«ســلطة» غــدا القضــاء فيهــا الدائــرة األكــر فســادا ً‪ ،‬ورشــوة‬ ‫لصالــح الحاكــم وتغييــب العدالــة‪.‬‬ ‫«ســلطة» اإلعــام فيهــا آلــة تنتــج الكــذب وتشــوه األدمغــة‪،‬‬ ‫تؤدلــج للفتنــة املجتمعيــة‪.‬‬ ‫«فضــاء» اصطناعــي‪ ،‬ميــي االقتصــاد فيــه عــى رأســه‬ ‫بفعــل قوانــن اشـراكية عرفيــة الســتثناءات ليرباليــة لخدمــة‬ ‫الكومســيونات األرسيــة املتنفــذة‪ ،‬وفئــة مــن املتواطئــن مــع‬ ‫األجهــزة األمنيــة‪.‬‬ ‫«كيــان» املدرســة فيهــا تنتــج األميــة وتنــر الكراهيــة وغــدا‬ ‫الطلبــة قطيعــاً مرتزقــاً وأداة شــبه عســكرية يف خدمــة‬ ‫السياســات األمنيــة لالعتــداء‪.‬‬ ‫«كيــان» تحــول فيهــا الدســتور مــن رشعــة حقوقيــة أساســه‬ ‫الفصــل بــن الســلطات واملســاواة بــن املواطنــن بالعدالــة‬ ‫والحريــة‪ ،‬إىل وســيلة احتيــال تتامهــى‪ ،‬وحاجــة شــخص‬ ‫الحاكــم وأرستــه وحزبــه وقوميتــه باالعتــداء عــى رشعــة‬ ‫حقــوق اإلنســان والقيــم الدميقراطيــة‪ ،‬لصالــح ألوهيــة الفــرد‬ ‫الديكتاتــور‪ ،‬والعائلــة املقدســة والحــزب األمــة‪..‬‬ ‫كان غيــاب الدميقراطيــة املزمــن‪ ،‬والشــامل يف ســوريا غــدا‬ ‫مســألة جرميــة بامتيــاز‪ .‬بفعــل تنــوع وتراكــم قوانــن‬ ‫االســتبداد وانتهاكاتــه فيــا ميــس حقــوق األفـراد والجامعــات‬ ‫والرتبــة والغابــات والطــرق والبســاتني والشــوارع وحتــى‬ ‫بيــوت الخــاء‪.‬‬ ‫تص ّحــرت األريــاف وتريّفــت املــدن‪ ،‬وشــاع املــوت‪ ،‬وإىل‬ ‫جانــب اللهــو والســطو خــرج الســوريون للثــورة مــن املــوت‬ ‫البطــيء‪ ،‬إىل حلــم يــراءى كــا يف الصياغــات النصيــة‬ ‫لجهابــذة الترشيــع وحقــوق اإلنســان‪ ،‬حقيقة كان الســوريون‬ ‫يهربــون مــن املــوت املحتــم إىل رمبــا حيــاة مؤملــة‪.‬‬ ‫يف آذار ‪ 2011‬اســتقبل الســوريون ريــاح التغيــر اإلعالميــة‬ ‫باحتفاليــة الرتحيــب بالثــورات العربيــة‪ ،‬وكانــت صدفــة‬ ‫محكمــة أن تالقيهــا الســلطة بالقمــع الشــديد يف جغرافيــا‪،‬‬ ‫رأت أن القمــع فيهــا «درعــا» ســيكون درســاً لــن يــؤدي‬ ‫إىل ردود أفعــال تذكــر‪ ،‬ألنهــا األضعــف واألكــر هامشــية‪،‬‬ ‫والخــزان الــذي تغــرف منــه الســلطة جيشــها األمنــي‬ ‫والدمياغوجــي‪.‬‬ ‫إن ســلطة يقودهــا معتــوه يف صيغــة إلــه‪ ،‬مالئكتــه أوالد‬ ‫خؤولــة وعمومــة وأبنــاء العشــرة يصعــب عليــه أن يحــس‬ ‫بــأن الكرامــة الشــعبية للفقــراء ال تقــاس بالجغرافيــا وال‬ ‫بالــرىش الوظيفيــة‪ ،‬وال برغيــف الخبــز‪ ،‬بــل هــي جرعــة‬ ‫متوارثــة يف جينــات تغــذت بثقافــة التمــرد حتــى املــوت‪.‬‬ ‫خرجــت رصخــة أطفــال درعــا‪ ،‬وانتــرت كرامــة القــوم‪،‬‬ ‫وبلغــت مســامع فقـراء عامــودا‪« :‬بالــدم بالــروح نفديــك يــا‬ ‫درعــا»‪ .‬وشــباب أدمــن الفقــر‪ ،‬ومل تهــن كرامتــه قــط خــال‬ ‫ســنني العبوديــة‪.‬‬ ‫ببســاطة‪ ،‬خــرج» ســبارتاكوس» الســوري بوجــع وقهــر‬ ‫مزمنــن اىل الخــاص «الحريــة او املــوت»‪.‬‬ ‫تتالــت رصخــات املــدن الســورية وأريافهــا وحــواري الفقـراء‬ ‫تزينــت باألغــاين والهتافــات‪ ،‬وســادت شــعارات جديــدة لهــا‬ ‫نكهــة اإلنســان «الشــعب يريــد»‪.‬‬ ‫ألول مــرة اكتشــف الســوريون يف أنفســهم القــدرة عــى‬ ‫صياغــة حلــم بشــعارات بســيطة‪ ،‬وثقافــة أبلــغ مــن الكتــب‬ ‫والبيانــات‪ ،‬والفتــات تغنــي عــن خطــب وأح ـزاب‪.‬‬ ‫أعلــن الســوريون منــذ البدايــة ســلمية حراكهــم وعموميــة‬ ‫شــعاراتهم بتعدديــة وطنيــة القــت رصــاص الحقــد القــادم‬ ‫مــن ســلطة كانــت للبارحــة تعتــر حاميــة لهــم فصــاح‬ ‫الشــعب‪« :‬خائــن مــن يقتــل شــعبه»‪.‬‬ ‫حملــوا جرحاهــم وشــهداءهم‪ ،‬والرصــاص يالحقهــم إىل‬ ‫الحــواري الشــعبية‪ ،‬إىل مقابــر يف الحدائــق املنزليــة‪ ،‬إىل‬ ‫مشــافيه التــي أقيمــت يف املطابــخ واألرصفــة‪ ،‬ومل ينســوا مــن‬ ‫يطلــق عليهــم الرصــاص‪ ،‬حملــوا لــه زجاجــات املــاء وزهــورا‬ ‫ذابلــة علهــم يقيمــون بذلــك ج ـرا ً بــن الشــعب وجيشــه‪،‬‬ ‫هيهــات كان الجيــش قــد غــدا عصابــة جرميــة قاتلــة لحاكــم‬ ‫قاتــل معــاد حاقــد‪.‬‬

‫كان هنــاك «غيــاث مطــر» ذبــح بســكني «جميــل حســن»‬ ‫مــن حنجرتــه‪ ،‬ورميــت جثــة «حمــزة الخطيــب» مقطعــاً‬ ‫عضــوه التناســي‪ ،‬وغيــب «حســن عيســو» الكــردي ألنــه‬ ‫اقتحــم مكتــب النائــب العــام يطالبــه بإطــاق رساح «نشــطاء‬ ‫عــرب» ومــا زال مغيبـاً منــذ أربــع ســنوات‪ ،‬اقتلعــت حنجــرة‬ ‫«القاشــوش»‪ ،‬وتصيــدوا أغــاين «الســاروت»‪ .‬وذبــح أطفــال‬ ‫الحولــة‪ ،‬وأهانــوا تلبيســة وبانيــاس‪ ،‬وحــارصوا بــاب عمــرو‪،‬‬ ‫ودمــروا حمــص‪ ،‬وأحرقــوا الغوطــة بالكيــاوي‪.‬‬ ‫امتــأت الســجون وفاضــت‪ ،‬ففتــح رجال األعامل مســتودعات‬ ‫معاملهــم كمراكــز اعتقــال وقتــل‪ .‬توقفــت القطــارات عــن‬ ‫خدمــة الــركاب‪ ،‬وصــارت تنقــل الدبابــات يف طــول البــاد‬ ‫وعرضهــا لتقتــل أكــر‪ ،‬لتدمــر أـــرع‪ ،‬لتحــارص أشــد‪ ،‬ومل‬ ‫يســتكن شــباب الثــورة‪ ،‬وال هانــت عزميتهــم‪.‬‬ ‫مل تكــن ثــورة حزبيــة‪ ،‬وال نتــاج عقيــدة أو أيديولوجيــا‪ ،‬بــل‬ ‫كانــت حركــة عرصيــة لشــباب عــري‪ ،‬مل تردعــه الفتنــة‪ ،‬وال‬ ‫حجــم القمــع والدمــار‪ ،‬وبــاءت سياســيات التفريــق‪ ،‬ورفعــوا‬ ‫شــعار الجمعــة العظيمــة وجمعــة «آزادي»‪ .‬مل يردعهــم‬ ‫اغتصــاب القــارصات‪ ،‬وال نهــب املنــازل‪ ،‬وال القتــل لحامــل‬ ‫هاتــف يــدوي‪ ،‬أو لخــارج مــن منزلــه نهــار الجمعــة‪.‬‬ ‫لقــد خــرج الشــعب إىل الحريــة وهيهــات أن يعــود قــرا ً‬ ‫إىل العبوديــة!‬ ‫لكن!‬ ‫عــى الهامــش مــن شــارع الثــورة نشــطت نخبــة خارجيــة‬ ‫بغــر خــرة سياســية‪ ،‬وبغــر كبــر معرفــة ميدانيــة باملكــون‬ ‫االجتامعــي والنفــي الســوري لشــباب الثــورة لتأخــذ دورهــا‬ ‫ومكانهــا يف دعــم الثــورة والعمــل من أجــل نرصتهــا‪ ،‬تحالفت‬ ‫هيــاكل حزبيــة وشــخصيات اســمية وثقافيــة مــن الداخــل‬ ‫محاولــة املــرور بــن الثــورة والســلطة لتحافــظ لنفســها عــى‬ ‫مســاحة حضــور ال تلغيهــا الثــورة‪ ،‬وال تســجنها الســلطة‪،‬‬ ‫وبــن هــذه النخــب الضالّــة بفعــل إخصــاء الســنني‪ ،‬حــدث‬ ‫قطيعــة مل يتمكــن أي طــرف مــن وصلــه برؤيــة سياســية‬ ‫بأخــاق وكــرم الشــجاعة ونكــران الــذات مبــا يليــق بهــذه‬ ‫الثــورة النبيلــة‪.‬‬ ‫مــا مل تتفــرغ إلنجــازه بشــكل متــواز مــع أنشــطة ميدانيــة‪،‬‬ ‫هــو الرؤيــة السياســية التــي ظلــت كعــب آخيــل ثورتنــا‪.‬‬ ‫هــذا دون أن نغفــل الرؤيــة السياســية‪.‬‬ ‫لقــد اخطــأ شــعب الثــورة حــن وثــق بغــره مــن بهلوانــات‬ ‫الخــارج فأعطــوه الثقــة بكرتونــة «املجلــس الوطنــي ميثلنــا»‬ ‫برشــوة البعــض‪:‬‬ ‫ليــس مجلســاً وطنيــاً‪ ،‬بــل مجالــس‪ ،‬وإنــه ليــس وطنيــاً‬ ‫بــل عصابــة محاصصــات لقطــع الطريــق عــى النشــطاء‪.‬‬ ‫إن مجلس ـاً بغــر برنامــج ليــس مجلس ـاً‪ .‬وإن مجلس ـاً بغــر‬ ‫هيكليــة مؤسســاتية يبقــى مغــارة «عــي بابــا»‪ .‬وإن مجلسـاً‬ ‫بغــر هيئــة قياديــة جامعيــة مقتــدرة ليــس قــادرا ً عــى أن‬ ‫يقــود نفســه غــر قــادر عــى قيــادة وطــن‪.‬‬ ‫إن مجلســا يــأكل مــن لحــم الثــورة‪ ،‬وال يرفدهــا‪ ،‬وال يدعمهــا‬ ‫يف امليــدان‪ ،‬وال يؤطــر حـراك شــارعها ليــس مبجلــس‪.‬‬ ‫إن مجلســا وائتالفــاً يــرخ ليــل نهــار بأنــه مــع الحاميــة‬ ‫الدوليــة بغــر تدخــل خارجــي‪ ،‬وال يــرح كيــف ســتعمل‬ ‫هــذه الحاميــة الدوليــة بغــر قــوة تحمــي تدخلهــا لهــو‬ ‫مجلــس عاجــز حتــى عــن التفكــر بجديــة‪.‬‬ ‫لقد خان الجميع الثورة‬ ‫خــان الثــورة مــن تصــدى لقيادتهــا‪ ،‬خانهــا بالتهافــت‬ ‫والفوقيــة والجهــل والفســاد واالســتئثار والنهــب والتبعيــة‬ ‫والعاملــة‪ ،‬بعــض للســلطة ورجــال أعاملــه‪ ،‬وبعــض للــدول‪،‬‬ ‫وبعــض لســوء مــا يف نفســه‪.‬‬ ‫خــان الثــورة املجلــس الوطنــي الســوري‪ ،‬أحزابــه وافــراده‬ ‫ومؤمتراتــه وكياناتــه‪ ،‬خــان الثــورة ائتــاف مملــوك وحكومتــه‬ ‫فعــل ســوء برشــوة فاســدة لــدول جــوار‪ .‬خــان الثــورة‬ ‫أصدقاؤهــا خشــية نتائــج انتصارهــا دميقراطيــاً‪ ،‬فضخوهــا‬ ‫بزبانيــة الجهــاد والقتــل واإلجــرام‪ .‬خــان الثــورة نخبهــا‪،‬‬ ‫الثقافيــة والسياســية‪ ،‬ألجــل لقمــة ســكوت بفســاد تعمــم‬ ‫يف صفــوف املعارضــة أكــر مــا يف الســلطة‪ .‬وأهــن الشــعب‬ ‫النــازح‪ ،‬وخــرة عنــارص الجيــش الحــر‪ ،‬وســاد ويســود‬ ‫الصمــت‪ :‬الشــيوعيون واإلخــوان والقوميــون والدميقراطيــون‪:‬‬ ‫غــدوا قطيــع ذئــاب تنهــش مــن جثامــن شــباب الثــورة‬ ‫كأنهــم ضبــاع مروضــة‪ ،‬مل نعــد نفــرق بــن املــوايل واملعــارض‪،‬‬ ‫بــن الثائــر واملنافــق‪ ،‬بــن الرجــل واإلمعــة‪ .‬نعــم لقــد أنجــزوا‬ ‫للســلطة مــا عجــزت عنــه‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫نقطة أول السطر‬

‫حوارات ووطن‬ ‫حبيب صالح‬ ‫أخــي الســوري! اســتأذنك يف رضورة اإلرصار عــى‬ ‫الطابــع والنهــج الوطنــي لــكل أشــكال وصيــغ الحــوارات‬ ‫بــن مكونــات الوطــن! الحــوار الوطنــي مبصطلحاتــه‬ ‫ومفرداتــه وغاياتــه!! الحــوار الوطنــي أشــبه بحــوار عــى‬ ‫طاولــة مســتديرة‪ ,‬الجميــع حولهــا إخــوة وأبنــاء عــم!!‬ ‫الجميــع يدافعــون ويتحــاورون يف قضيــة واحــده هــي‬ ‫الوطــن ومصــره! مــا أديل بــه اآلن‪ ,‬أمامكــم‪ ,‬أرجــو أن‬ ‫ينــرف إىل مواجهــة إشــكالية بنيويــة تراكميــة أنتجــت‬ ‫خصومــات‪ ،‬وأنتجــت حروبـاً واقتتــاالً‪ ,‬ونــأت بالقواســم‬ ‫املشــركة فيــه بعيــدا ً‪ ،‬فلــم يعــد اإلســام وحــده إطــارا ً‬ ‫للتداعــي‪ ,‬وال املرشقيــة الحضاريــة بيئــة تاريخيــة ثقافية‬ ‫حضاريــة تفاعلنــا يف إطارهــا جميع ـاً‪ ,‬فمنــا مــن فعــل‬ ‫ومنــا مــن انفعــل‪ ،‬الفاعلــون بحثــوا عــن املشــركات‪,‬‬ ‫واملنفعلــون انرصفــوا نحــو الكينونــات واملواجهــات‪ .‬يف‬ ‫قضايــا الوطــن هنــاك قواســم جامعــة‪ :‬العيــش الواحــد‪,‬‬ ‫املصــر الواحــد‪ ,‬النســيج والعقــد االجتامعــي الواحــد‪,‬‬ ‫االقتصــاد التكامــي الواحــد‪ ,‬الــروح املرشقيــة املنبثقــة‬ ‫مــن نضــال األجــداد‪ ,‬والتــي نســج فيهــا الجميــع‬ ‫عناوينــه وأحالمــه وعذاباتــه‪ ،‬إذا تحدثنــا يف البنيويــة‪,‬‬ ‫فذلــك منهجــي وحــواري ومصــري‪ ،‬ألننــا بحاجــة ماســة‬ ‫إلعــادة تصويــب وإزالــة الــركام‪ ,‬بعــد كل مــا مــى! أنتم‬ ‫ونحــن ‪-‬دعنــي اســمي هكــذا‪ -‬أنتــم ونحــن تعرضنــا‬ ‫للغــزو واالحتــال‪ ,‬أنتــم ونحــن وهــم‪ ,‬وكلهــم اعتنقنــا‬ ‫دينــاً واحــدا ً‪ ,‬واختلفنــا واجتهدنــا يف إطــاره‪ ,‬نشــأت‬ ‫حــروب بينيــة واقتتــال تاريخــي‪ ..‬أنتــم ونحــن رحنــا‬ ‫نطــارد النصــوص‪ ,‬العقــل والنقــل يف حركيــة صاخبــة‪,‬‬ ‫تــارة اهتدينــا فيهــا‪ ،‬وتــارة تصارعنــا حتــى العظــم‪..‬‬ ‫أخطأنــا يف التاريــخ ألننــا نفينــا كل مــا هــو مخطــوط‪,‬‬ ‫فاقتلعنــا الجــذور‪ ,‬ومل نتمكــن مــن إعــادة بنــاء نســغ‬ ‫الحيــاة يف تربــة غــر تربتنــا املرشقيــة‪ ,‬وخرسنــا الحداثــة‬ ‫والعرصنــة‪ ..‬األكـراد خــرج مــن بينهــم عصــاة ومارقــون‪,‬‬ ‫ولكنهــم ظلوا شــعباً شــامخاً‪ ,‬والعــرب أصابتهــم الصحراء‬ ‫بالتصحــر‪ ,‬فانرصفــوا نحــو الذكــورة والســبي والتســيد‬ ‫البينــي‪ ,‬ولكنهــم اســتمروا أمــة بأحــام وفروســية‬ ‫وشــعر وشــهامة‪ ..‬املســلمون هامــوا بالنصــوص‪ ,‬وضلــت‬ ‫القواميــس واغــرب اإلفتــاء‪ ،‬فنشــأت الباطنيــات عــى‬ ‫هوامــش النصــوص وضــال الفتــوى‪ ,‬الباطنيــات بحث ـاً‬ ‫وهروب ـاً عــن تثاقــل النصــوص وقيودهــا‪ ,‬فــأدى ذلــك‬ ‫إىل الفــن اإلســامية ورصاع الظاهــر والباطــن واألركان‬ ‫والصوفيــة‪ ..‬الكــورد هامــوا يف صحــارى الــرق وخيالئــه‬ ‫وخياالتــه‪ ،‬حاولــوا أن ينشــئوا اختالفـاً يف النــص واإلثنيــة‪,‬‬ ‫فنالــوا نصيبهــم يف رصاع الضيــاع واإلقصــاء‪ ،‬ورثنــا‬ ‫جميع ـاً ثقافــة االســتبداد والنفــي‪ ,‬وتحولــت حواراتنــا‬ ‫إىل مواجهــات‪ ,‬وانتفــت الطاولــة املســتديرة‪ ,‬وراح‬ ‫الجميــع يتشــبث بالكينونــة بديـاً عــن الوطــن الجامــع‬ ‫املوحــد‪ ..‬كل م َّنــا اختــص لنفســه عامــاً يف الــراع‪,‬‬ ‫وراح يرتاشــق فيــه مــع إخــوة البقــاء‪ ,‬إخــوة الصح ـراء‪,‬‬ ‫إخــوة ال ـراب‪ ,‬إخــوة املصــر‪ ..‬أذكــر إذ أدخلــوين أللــج‬ ‫نفــق الباطنيــة‪ ,‬عندمــا علمــوين أن إلهــي هــو عــي‬ ‫بــن أيب طالــب‪ ,‬وأن أعــدايئ هــم الخلفــاء الراشــدون‪،‬‬ ‫وأذكــر يف حــوارات طويلــة كيــف أرص أهــل النــص عــى‬ ‫نفــي اآلخــر غــر الســني وغــر الشــيعي‪ ،‬وكنــت لفــرة‬ ‫طويلــة عضــو املجمعــن «القومــي العــريب» و»القومــي‬ ‫اإلســامي»‪ ،‬وشــهدت مــرة بشــخيص ع ـراكاً بــن راشــد‬ ‫الغنــويش‪ ،‬وبــن الشــيعي محمــد شــمس الديــن‪,‬‬ ‫وصــل ح ـ ّد التامســك باأليــدي‪ ,‬لــوال مســارعة أحدهــم‬ ‫لالعتــذار مــن اآلخــر‪ ،‬ورأيــت بشــخيص مــن يكفــرين‪،‬‬ ‫ويقــول إن كل علــوي هــو مــروع مخــر للنظــام‪،‬‬ ‫وســمعت أســاطري عــن العلويــن مــا مل يصدقــه عقــل‪,‬‬ ‫مــن عبــادة الفــروج‪ ,‬والجــدي األزرق‪ ,‬وصــوالً إىل تأليــه‬ ‫آل األســد‪ ..‬كان كل ذلــك والــرد عليــه عندنــا وعندكــم‬

‫وعندهــم‪ ,‬يف كل املحافــل هــو مرثيــة حــزن‪ ,‬بكائيــة‬ ‫تاريــخ‪ ,‬وفجيعــة أديــان ســاوية‪ ,‬تندثــر ليعلوهــا‬ ‫الــركام‪ .‬مل تهـ ِـد أحــدا ً بــل ضــل عــن وحدانيتهــا الجميــع‬ ‫وانكفــأوا إىل جاهليتهــم‪ ،‬وكنــا جميعـاً فينــا تــوق جينــي‬ ‫وجــودي للهيــام‪ ،‬للتــرد للصحــراء‪ ,‬فتحــول فكرنــا‬ ‫كذلــك‪ ,‬عالقاتنــا عــرت ذلــك‪ ,‬حواراتنــا اليــوم تكتــي‬ ‫حلــة الرمــاد الصح ـراوي‪..‬‬ ‫أيهــا الســيد املحــرم يف ســورية عشــنا خمســن عامــاً‬ ‫تحــت ظــل آل األســد‪ ..‬مل يحاورنــا النظــام لحظــه‪ ..‬مل‬ ‫يــأت مبــروع للحــوار األفقــي وال العمــودي‪ ..‬مل يحــاور‪،‬‬ ‫ومل يســمح بحــوار الكــردي للعــريب‪ ،‬وال الســني للعلــوي‪،‬‬ ‫وال املســيحي للمســلم‪ ،‬وال القومــي للقومــي‪ ,‬وال‬ ‫اإلنســان لإلنســان‪ ..‬كانــت ســورية دائــرة ثقافيــة وطنيــة‬ ‫مغلقــة‪ ..‬مل تكــن هنــاك قوانــن للتواصــل االجتامعــي‪..‬‬ ‫كان الحــرف والكلمــة واملصطلــح والشــعر محرمــاً‪ ..‬مل‬ ‫نعــرف يف ســورية إال املحرمــات‪ ..‬يف تاريخنــا إشــكالية‬ ‫التأليــه‪ ,‬وقــد نوهــت إىل بعــض أشــكالها‪ ,‬وأنــا أذّكــر‬ ‫باملتنبــي الشــاعر األكــر املتضخــم الــذات‪ ,‬بعــده كثريون‬ ‫مــن أدبــاء وسياســيني‪ ,‬أذّكــر بالطريقــة الغجريــة التــي‬ ‫تألــه فيهــا ســليامن املرشــد‪ ،‬وتذكــرت غــورو صاحــب‬ ‫قـرار إنشــاء الدولــة العلويــة عــام ‪ 1922‬وأتذكــر اليــوم‬ ‫الطريقــة الغجريــة العســكرية التــي تألــه فيهــا حافــظ‬ ‫األســد ذاتــه‪ ,‬فأصبــح خليفــة ومرشــدا ً للســوريني‪،‬‬ ‫وأصبــح كالبيــت الهاشــمي‪ ,‬يقتفــي اآلخــرون ســرهم‬ ‫بالبحــث عــن الحســب والنســب وامتشــاق العامئــم‬ ‫الســوداء‪ ..‬راح كل عــريب ومســلم وكــردي يرتــدي حتــى‬ ‫الثيــاب واألزيــاء التــي متايــزه‪ ،‬وتبنــي جــدارا ً بينــه‬ ‫وبــن شــقيقه‪ ,‬فنشــأت الصلبــان والســيوف الفقاريــة‪,‬‬ ‫والعامئــم املســتديرة واملســتطيلة والفضفاضــة‪ ,‬وأمعــن‬ ‫الشــيعة والســنة يف أفانــن الحجــاب‪ ,‬والســودانيون‬ ‫بطــول لفــات الــرأس‪ ,‬التــي بلغــت عــرة إىل عرشيــن‬ ‫مـرا ً‪ ،‬وبعــد ظهــور النفــط أمعــن الخليجيــون يف مننمــة‬ ‫الدشــاديش‪ ،‬واقتتــل األردين مــع الفلســطيني عــى‬ ‫لــون الشــاغ‪ ،‬والعلويــون أمعنــوا بطريقــة غجريــة‬ ‫يف تغليــظ ألفاظهــم املنطوقــة‪ ،‬وتحولــوا إىل طائفــة‬ ‫القــاف والقلقلــة‪ ..‬الــدروز فعلــوا‪ ..‬الكــورد فعلــوا بينيــا‪,‬‬ ‫وبينهــم تســميات كثــرة يتكارهــون بهــا عــى بعضهــم‪،‬‬ ‫ناهيــك عــن املــرق واملغــرب واآلســيوي‪ ,‬واإلفريقــي‪،‬‬ ‫بعــد ذلــك املحافظــات فالدســاكر فالقــرى فالحــارات‪,‬‬ ‫فالعوائــل‪ ..‬أمــة بــكل مكوناتهــا تحتــاج اليــوم للخــروج‬ ‫إىل آفــاق العيــش الواحــد‪ ..‬إىل قيمــة اإلنســان الواحــد‪..‬‬ ‫إىل احـرام الخصوصيــات القوميــة والثقافية والسياســية‪،‬‬ ‫دون الولــوج يف رصاع الديكــة‪ ,‬ونبــاح الــكالب‪ ,‬وركــوب‬ ‫الهــوادج وإطالــة اللحــى والشــوارب‪ ،‬أمــة تخــرج إىل‬ ‫النــور وبنــاء مــا بنــاه غرينــا يف الــرق والغــرب‪.‬‬ ‫األخ الســوري‪ ..‬عــى العــرب بــكل فصائلهــم والكــورد‬ ‫واآلشــوريني والرسيــان واألرمــن والرشكــس‪ ,‬واملوحديــن‬ ‫أتبــاع النصــوص‪ ,‬مــا ذكــرت‪ ,‬أن يدركــوا أنهــم اختلفــوا‬ ‫يف كل يشء‪ ،‬فلــم يوحدهــم ســوى الوطــن‪ ..‬الوطــن‪,‬‬ ‫والعقــد االجتامعــي الواحــد الــذي يفــرق يف الوحــدة‪,‬‬ ‫ويوحــد يف االختــاف‪ ..‬حــق الوطــن وقيــام الوطــن‬ ‫والتوحــد يف الوطــن‪ ,‬هــو حــق الحيــاة‪ :‬الجميــع‬ ‫يولــدون بســنن واحــده وميوتــون وينكحــون ويلــدون‬ ‫ويتغوطــون وينطقــون ويشــعرون بإنســانية واحــدة‪،‬‬ ‫ذلــك الــذي يســقط دونــه خيــارات االنعـزال وااللتحــاق‬ ‫بنظــام قاتــل حاقــد‪ ,‬مجنــون‪ ,‬متــورم‪ ،‬وعــى الجميــع أن‬ ‫يدركــوا أن الوطــن‪ ,‬وليــس النظــام‪ ,‬هــو قــوة ونظــام‪،‬‬ ‫ودرع البقــاء‪ ,‬تعدديـاً‪ ,‬دميقراطيـاً‪ ،‬فليســتعففوا يف هــذا‬ ‫الوطــن‪ ,‬فيبنــوه ثقافيــاً تكامليــاً دميغرافيــاً وسياســياً‬ ‫ويــذودوا عــن دمائــه وبقائــه وليســتديروا ملحــن‬ ‫التاريــخ ومهاناتــه‪ ..‬وليقيمــوا وطنــاً موحــدا ً متكامــاً‪,‬‬ ‫وليقبــل الجميــع بالجميــع‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫تنت��ه‪!..‬‬ ‫قص��ة مل‬ ‫ِ‬

‫عبد الرحمن حالق‬

‫كان مــن املفــرض أن ألقــي هــذه الكلمــة‬ ‫ـ القصــة يف أمســية قصصيــة يف دولــة اإلمــارات‬ ‫وذلــك بعــد التنســيق ألســابيع طويلــة بــن‬ ‫رابطــة الكتــاب الســوريني األحـرار وبــن اتحــاد‬ ‫الكتــاب اإلماراتيــن‪ ،‬لكــن كان لــوزارة الداخليــة‬ ‫يف دولــة اإلمــارات رأي آخــر إذ منعــت ومل‬ ‫تــرح يل بالدخــول وكذلــك مل تــرح للصديــق‬ ‫خطيــب بدلــة‪ .‬وتــم إلغــاء النشــاط الثقــايف‬ ‫املشــرك‪.‬‬ ‫كتــب زكريــا تامــر يف صفحتــه الخاصــة عــى‬ ‫الفيــس بــوك‪:‬‬ ‫ال يســتطيع الكاتــب يف املجتمــع املتخلــف‬ ‫أن ينتــج أدبــاً للمتعــة والتســلية إال إذا كان‬ ‫متحجــر القلــب أو أعمــى ال يبــر مــا حولــه‪،‬‬ ‫وال يســتطيع تجاهــل النــاس الذين يعيشــون يف‬ ‫مــا حولــه أحقــر حيــاة محرومــن مــن الحريــة‬ ‫والكرامــة والعدالــة‪ ،‬كأنهــم ولــدوا ليهانــوا‬ ‫أعوام ـاً ثــم ميوتــون‪.‬‬ ‫القصة‬ ‫القصــة بــدأت‪ ،‬ال أطلــب منكــم صمتــاً‬ ‫فهــذا النــوع مــن القصــص يقتلــه الصمــت‪،‬‬ ‫هــذا النــوع مــن القصــص يحتــاج يك ينمــو‬ ‫ويحقــق الدهشــة املرجــوة؛ يحتــاج ألعــى‬ ‫درجــة ممكنــة مــن الضجيــج‪ ،‬قبــل أســبوع‬ ‫واحــد فقــط مــن بدايــة القصــة دخلــت‬ ‫عــوامل التواصــل االجتامعــي وجلســت أنتظــر‬ ‫البدايــة‪ ،‬ال أخفيكــم رسا ً إن قلــت إين أنتظرهــا‬ ‫منــذ زمــن طويــل‪ ،‬وألنهــا قصــة ليســت ككل‬ ‫القصــص هيــأت نفــي راويـاً مشــاركاً فالـراوي‬ ‫العليــم عــادة يتموضــع خــارج الحــدث‪ ،‬لكنــي‬ ‫ر‬ ‫اكتشــفت أيضــاً أن الــراوي املشــارك أقــ ُ‬ ‫نظــرا ً‪ ،‬تســتهلكه التفاصيــل محكــوم بزاويــة‬ ‫رؤيــة مؤطــرة‪ ،‬بينــا العليــم يطــل عــى‬ ‫املشــهد برؤيــة بانوراميــة جامعــة‪ ،‬لــذا قــررت‬ ‫أن أكتــب القصــة متلبس ـاً الدو َريْــن مع ـاً‪ ،‬هــل‬ ‫قلــت (أكتــب القصــة)؟ كيــف أكتــب القص ـةَ‪،‬‬

‫آرام كربيت‬

‫والقصــ ُة مــا تــزال تحــدث وملــا تنتــه بعــد؟‬ ‫يتصاعــد فيهــا الحــدث‪ ،‬وتتداخــل األدوار‪،‬‬ ‫وتبلــغ ذروتهــا‪.‬‬ ‫يف منطــق الــرد‪ :‬الحكايــة تــرف عــى نهايتها‬ ‫عنــد بلوغهــا الــذروة ـ العقــدة‪ .‬لكــن منــذا‬ ‫الــذي ســيفكك عقــدة الحكايــة؟ وإالم ســتؤول‬ ‫النهايــة؟ واألهــم مــن ذلــك كلــه‪ ،‬كيــف أكتــب‬ ‫قصــة مــا ت ـزال تحــدث؟‬ ‫يحــى أن ســاحرا ً عبثيـاً حاقــدا ً‪ ،‬ال أحــد يعــرف‬ ‫عــن ســحره أو عنــه شــيئاً‪ ،‬كل ما يعــرف عنه أن‬ ‫حافلــة رســمية صعــدت إىل مســكنه يف خــارصة‬ ‫الجبــل ونقلتــه إىل وســط املدينــة‪ ،‬خلــق أتباعـاً‬ ‫ومريديــن‪ ،‬وبواســط ٍة مــا ألقــى كلمــة عــر‬ ‫اإلذاعــة الرســمية والشاشــة الرســمية‪ ،‬بــث‬ ‫فيــه تعويــذة خاصــة أصابــت عقــول البــر‬ ‫بســحر غامــض ومــرض غامــض‪ ،‬فأصبحــوا‬ ‫عبيــدا ً‪ ،‬كان مــن الســهل عليــه بعــد ذلــك‬ ‫أن يقــي عــى الحافلــة مبــن حفلــت‪ ،‬وعــى‬ ‫الواســطة ومــا فعلــت‪ ،‬فبــدا يف عيــون عبيــده‬ ‫فــردا ً أحــدا ً خالــدا ً مخلــدا ً‪ .‬خلــق الســاحر‬ ‫حكايتــه ووصلــت الحكايــة ذروتهــا‪ ،‬متثلــت‬ ‫عقــدة قصتــه يف القضــاء عــى مــن مل يســمع‬ ‫الخطــاب‪ ،‬مل يرهــق فكــره بعنــارص التخييــل‬ ‫الــروايئ فالســاحر دامئـاً ميلــك يف جعبتــه حلــوالً‬ ‫جاهــزة‪ ،‬عــاد إىل خــارصة الجبــل يعجــن مــن‬ ‫قوالــب يجففهــا عــى النــار ويف ّخ ُرهــا‬ ‫طينهــا‬ ‫َ‬ ‫ليبنــي منهــا أســوارا ً يتحصــن خلفهــا تحميــه‬ ‫ٍ‬ ‫ســبارتاكوس ال بــد ســيولد كــا أخربتــه‬ ‫مــن‬ ‫أمــه العرافــة‪.‬‬ ‫تلــك مل تكــن القصــة التــي أود كتابتهــا‪ .‬البطــل‬ ‫يف قصتــي يشــبه هــذا الســبارتاكوس‪ ،‬إال أن‬ ‫الفــارق الجوهــري بينهــا‪ ،‬أن رفاق ســبارتكوس‬ ‫مــن العبيــد كانــوا يشــاركون قائدهــم الحلــم‪.‬‬ ‫مختلــف‪ ،‬فرفاقــه يف‬ ‫بينــا البطــل يف قصتــي‬ ‫ٌ‬ ‫الحلــم قلــة‪ ،‬وكان عليــه أن يحــارب هــؤالء‬ ‫العبيــد أوالً‪ ،‬ثــم يحــارب مــن اســتعبده‪ ،‬نعــم‬ ‫عليــه أن يحــارب العبيــد ألنهــم أول مــن‬

‫تصــدى لرصختــه‪ ،‬فالعبوديــة مــع تقــادم الزمــن‬ ‫عليهــا تتموضــع بــن الجينــات وتغــدو عنــد‬ ‫صاحبهــا طوعيــة تنبثــق عــن موقــف فكــري‬ ‫ومؤدلــج تــرره وتقــدم لــه نخبــة مثقفــة‪.‬‬ ‫مــن حســن حــظ ســبارتاكوس أن أحــدا ً مــن‬ ‫رفاقــه مل يكــن مثقف ـاً‪ ،‬وكذلــك مل يكــن بينهــم‬ ‫مــن تخــرج يف كليــة الرشيعــة اإلســامية يف‬ ‫جامعــة البعــث‪ ،‬والبعــث ليــس حزب ـاً قطري ـاً‬ ‫كــا يتوهــم البعــض‪ .‬البعــث جانــب مــن‬ ‫تعويــذة ذلــك الســاحر تنتقــل بــن األجيــال‬ ‫جينيــاً كــا تنتقــل عــر األثــر‪ .‬لذلــك يبــدو‬ ‫بطــل قصتــي مختلفــاً عــن ذلــك القرطاجــي‬ ‫ُ‬ ‫الــذي أرسه الرومــان وباعــوه عبــدا ً لينتفــض‬ ‫بعــد ذلــك يف ثــورة عارمــة وينــال رشف‬ ‫خلــود االســم‪ .‬أمــا بطــي يف القصــة فسأســميه‬ ‫الســوري‪ .‬الســوري الــذي مل يســمع الخطــاب‬ ‫ورفــض أن يكــون عبــدا ً‪ ،‬الســوري الــذي مــا‬ ‫ي ـزال يعيــش أحــداث القصــة‪ ،‬القصــة التــي مل‬ ‫تنتــه‪ ،‬الســوري الــذي ظــن أن األخــاق ليســت‬ ‫مطيــة‪ ،‬الســوري الــذي ظــن أن األديــان ليســت‬ ‫مطيــة‪ ،‬الســوري الــذي ظــن الخــر يف أهلــه‪،‬‬ ‫وظــن الخــر يف أشــقائه‪ ،‬وظــن الخــر يف عــامل‬ ‫يدعــي منظومــة أخالقيــة مرشقــة‪ ،‬الســوري‬ ‫الــذي مــا يـزال يظــن أن الحكــم رســالة وليــس‬ ‫إدارة‪ ،‬الســوري الــذي بــدأ القصــة فتكالبــت‬ ‫عليــه األمــم‪ .‬تلــك ليســت قصــة أيهــا الســوري‬ ‫إن مل تغــر الحــدث وتنحــو بالحكايــة منحــى‬ ‫آخــر ســنغريه نحــن بالقــوة‪ ،‬بالحيلــة‪ ،‬بإطفــاء‬ ‫مــا أشــعلت مــن نــور‪ ،‬أيهــا الســوري‪ .‬القنديــل‬ ‫الــذي تحــاول إضاءتــه ســيصيب عيونـاً تعــودت‬ ‫العتمــة بالعــاء التــام‪ ،‬أيهــا الســوري مــن‬ ‫أيــن لــدود األرض‪ ،‬القــدرة عــى تحمــل ضــوء‬ ‫الشــمس‪ ،‬أتريــد للخلــد املســريح يف أنفاقــه أن‬ ‫يعيــش عــى ســطح األرض‪ ،‬أيهــا الســوري حــاذر‬ ‫فأنــت تلعــب بنواميــس الطبيعــة وتحــدث‬ ‫خل ـاً بيئي ـاً عظي ـاً‪.‬‬ ‫تلــك ليســت قصــة أيهــا الســوري وســرى أن‬

‫البطــل امللحمــي الــذي تريــد خلقــه قــد دف ّنــاه‬ ‫مــع أول روايــة أنتجتهــا حضارتنــا الصناعيــة‪،‬‬ ‫قــرون عديــدة ونحــن منجــد ونلمــع ذلــك‬ ‫البطــل الفــرد‪ ،‬املهــزوم حين ـاً‪ ،‬واملــأزوم أحيان ـاً‪،‬‬ ‫واملنفصــل عــن الجامعــة طــوال الوقــت‪ ،‬أتريــد‬ ‫العــودة بالتاريــخ إىل الخلــف‪ ،‬لقــد انتهــى زمــن‬ ‫املالحــم‪ .‬لقــد وصلــت متأخ ـرا ً‪.‬‬ ‫ينظــر الســوري حولــه‪ ،‬أنــا لســت معنيــاً‬ ‫مبالحمكــم‪ ،‬لســت معنيـاً بأبطالكــم وقصصكــم‪،‬‬ ‫أنــا إنســان وأطالــب بحياة إنســانية‪ ،‬أنا إنســان‪.‬‬ ‫لكــن ملــوك األرض جميعــاً اجتمعــوا تحــت‬ ‫األرض وقــرروا تحويــل التصاعــد الهارمــوين‬ ‫لألحــداث‪ ،‬أتــوا بطبــول غريبــة بــدأت القــرع‬ ‫عــى إيقاعــات ســحرية خاصــة متوســقت بدايــة‬ ‫مــع اإليقــاع الســوري ومشــت معــه عــى‬ ‫ســلمه املوســيقي ورويــدا ً رويــدا ً بــدأت تلعــب‬ ‫دور املايســرو نقــرة هنــا ونقــرة هنــاك‪ ،‬نقــرة‬ ‫هنــا ونقرتــن هنــاك نقــرة هنــا وثــاث نقـرات‬ ‫هنــا فتغــر مجــرى النهــر وفــاض دمــاً‪ ،‬عــا‬ ‫صــوت الطبــول ورصخــت رصختهــا األخــرة‪،‬‬ ‫نفــث الســاحر الرشيــر همســته الشــهرية‪:‬‬ ‫كــوين داعــش‪ .‬فهلــل امللــوك فــوق األرض‬ ‫هــذه خامتــة القصــة‪ ،‬دارت عدســات اإلعــام‬ ‫دورة عكســية‪ ،‬غــاب الســوري عــن املشــهد‬ ‫وحــرت غيــان األرض‪ ،‬الســوري يــرخ مل‬ ‫تنتــه القصــة فيســيل دمــه يف الشــوارع ويف‬ ‫البيــوت‪ ،‬يــرخ الســوري مل تنتــه القصــة‬ ‫فيمــوت تحــت التعذيــب‪ ،‬يــرخ الســوري مل‬ ‫تنتــه القصــة فتمتصــه البحــار والقــارة العجــوز‪،‬‬ ‫يــرخ الســوري مل تنتــه القصــة فيرصخــون يف‬ ‫وجهــه أنــت إرهــايب‪ .‬القصــة مل تنتــه والســوري‬ ‫الــذي مــازال يــرخ ويســترصخ بــات وحيــدا ً‬ ‫يتســاءل بحرقــة شــديدة ملــاذا يكرهنــا العــامل‬ ‫يجيبــه ســوري آخــر بقصيــدة‪:‬‬ ‫العــامل يكرهنــا‪ -‬نحــن الســوريني‪ -‬ألســباب‬ ‫كثــرة‪..‬‬ ‫أهمها‪ ..‬غناؤنا حتى لحظة النزع األخرية‪..‬‬

‫مــن أخــرج الـراوي العليــم مــن الحكايــة؟ مــن‬ ‫أراد لهــا أن تنحــر يف وجهــة نظــر مؤطــرة؟‬ ‫يتســاءل الســوري ف ُيتهــم بنظريــة املؤامــرة‪،‬‬ ‫يــرخ طفــل تحــت األنقــاض يف وجــه‬ ‫اإلمرباطــور‪ :‬أنــت لــب املؤامــرة ومحركهــا‪.‬‬ ‫تســارع النخــب املثقفــة بإســكات الطفــل إىل‬ ‫األبــد‪ :‬ال تخطــئ يــا صغــري فثيــاب اإلمرباطــور‬ ‫رائعــة‪ ...‬تســتجمع امــرأة أشــاءها املمزقــة‬ ‫بصــاروخ بالســتي وتــرخ يف وجهــه‪ :‬أنــت‬ ‫عــا ٌر‪ .‬يســارع اإلعــام بوضــع لصاقــة عــى فمهــا‬ ‫كتــب عليهــا‪ :‬مجاهــدة برشفهــا‪.‬‬ ‫ملــاذا يريــد العــامل لهــذا الســوري أن يبقــى يف‬ ‫حظــرة الــذل واالســتعباد؟‬ ‫تقفــز يف وجهــي قــردة العــامل أجمــع وتــرخ‪:‬‬ ‫هــذا الســؤال ال عالقــة لــه بالحكايــة‪ ،‬وأنــت‬ ‫مؤلــف غــر دميقراطــي متــارس ديكتاتوريــة‬ ‫قميئــة عــى شــخصيات القصــة‪ ،‬لقــد اتفــق‬ ‫علــاء النقــد األديب يف العــامل أن الروايــة التــي ال‬ ‫تعتمــد تعــدد األصــوات يف حبكتهــا هــي روايــة‬ ‫فاشــلة يكمــن يف قلــب صاحبهــا ديكتاتــور‬ ‫صغــر‪.‬‬ ‫تلــك كانــت القصــة التــي مل أســتطع كتابتهــا‪،‬‬ ‫فقــد امتــأ القلــب قهــرا ً وغضبــاً‪ ،‬ســأترك‬ ‫القصــة بــن أيديكــم‪ ،‬وعليكــم أن تجــدوا‬ ‫الحلــول الناجعــة للــآزق التــي وصــل إليهــا‬ ‫شــخوص الحكايــة بــن أيديكــم اآلن‪:‬‬ ‫الطفــل الــذي تحــت األنقــاض‪ ،‬املــرأة التــي‬ ‫تســتجمع أشــاءها‪ ،‬األشــخاص الذيــن فقــدوا‬ ‫معظــم أعضائهــم‪ ،‬ورمبــا الكثــر مــن لحــوم‬ ‫أجســامهم يف أعــايل البحــار‪ ،‬الســاحر الرشيــر‬ ‫وعصاباتــه‪ ،‬والنخــب التــي كنــا نظنهــا مثقفــة‪.‬‬ ‫ومثــة الكثــر الكثــر مــن الشــخوص مــا يزالــون‬ ‫بانتظــار املــآالت‪.‬‬ ‫هل أعجبتكم الحكاية؟‬ ‫هــل ســيقف أحدكــم بعــد قليــل صارخــاً يف‬ ‫وجهــي‪ :‬أنــت أعمــى ال تريــد أن تــرى كــم هــي‬ ‫جميلــة ثيــاب اإلمرباطــور‪.‬‬

‫الث��ورة والنهج األمريك��ي اجلديد‬

‫النهــج األمريــي الجديــد بعــد انهيــار‬ ‫املنظومــة االشــراكية يقــوم عــى إدارة العــامل‬ ‫باألزمــات‪ ،‬وهــو عــى خــاف عميــق مــع النهــج‬ ‫القديــم القائــم عــى إدارة أزمــات العــامل‪.‬‬ ‫فــإدارة العــامل باألزمــات تعنــي خلــق فــروس‬ ‫محــي‪ ،‬متحــرك‪ ،‬غــر مقيــد وال يرتتــب عليــه‬ ‫مســألة قانونيــة أو حقوقيــة‪ ،‬مدفــوع األجــر‬ ‫مــن الــركات االحتكاريــة‪ ،‬يعمــل وفــق أجنــدة‬ ‫عــى توافــق مــع الســلطة األمريكيــة‪ .‬هــذا‬ ‫الفــروس غــر محــدد مبــكان أو زمــان ينتقــل‬ ‫مــن مــكان آلخــر حســب مــا تقتضيــه املصالــح‬ ‫اآلنيــة واإلســراتيجية للــركات االحتكاريــة‪،‬‬ ‫وتكيــف الســلطة معهــا‪ ،‬ينقــل األمــراض‬ ‫املســتعصية أو املؤقتــة‪ ،‬يعــدي ويخــرب ويدمــر‬ ‫ويــزرع الخــوف وعــدم االســتقرار يف بنــاء‬ ‫العم ـران والعيــش الطبيعــي‪ ،‬وهــذه العــدوى‬ ‫تنتقــل إىل األفــراد والتجمعــات البرشيــة‬ ‫واملجتمعــات القامئــة‪ .‬ميكننــا أن نــرى أعراضــه‬ ‫املرضيــة املســتعصية‪ ،‬الحمــة الدامئــة‪ ،‬الوجــع‬ ‫الدائــم‪ ،‬البقــاء يف حالــة قلــق وترقــب والنــوم‬ ‫يف الرسيــر املــريض وعــدم التقــدم إىل األمــام‪.‬‬ ‫وعــدم القــدرة عــى اإلتيــان بــأي يشء ســوى‬ ‫االنشــغال بذاتــه‪ ،‬بأملــه‪ ،‬ويصاحــب ذلــك حالــة‬ ‫هذيــان‪ ،‬جمــود وخمــول‪ .‬أي نبقــى يف حالــة‬ ‫عطالــة كاملــة‪ ،‬دول ومجتمعــات‪ .‬ويف حالــة‬ ‫ضيــاع وغيــاب عــن القيــام ببنــاء مســتقبل لنــا‬

‫وألطفالنــا‪ ،‬دون إنتــاج أو عطــاء‪.‬‬ ‫إن أغلــب الوظائــف السياســية التــي تريــد‬ ‫الواليــات املتحــدة تنفيذهــا يف املنطقــة تقــوم‬ ‫بهــا تنظيــات مســلحة‪ ،‬مصنعــة عــى مقاســها‬ ‫مبشــاركة رشكاء فاعلــن مهمــن وجاهزيــن‬ ‫عــى تلبيــة الــدور املــوكل لهــم‪ ،‬ومعتمــد‬ ‫عليهــم‪ ،‬للقيــام بالخدمــة كالســلطة الســورية‬ ‫وإيــران وتركيــا والخليــج وغريهــم‪ .‬وجميــع‬ ‫هــذه الســلطات املذكــورة أعــاه‪ ،‬متحالفــن‬ ‫موضوعيــاً مــع بعضهــم‪ ،‬وتربطهــم مصالــح‬ ‫حيويــة وموضوعيــة ودامئــة‪.‬‬ ‫الثــورة كبنيــة سياســية واجتامعيــة وفكريــة هي‬ ‫عــى نقيــض مصالــح هــذه الــدول وحســاباتهم‬ ‫الذيليــة والدونيــة املرتبطــة بالواليــات املتحــدة‬ ‫وإرسائيــل‪ .‬مــن هــذا املنطلــق‪ ،‬علينــا أن ننظــر‬ ‫إىل مصالحنــا كمجتمــع وثــورة‪ ،‬أن نكــون‬ ‫مســتقلني عنهــم بالكامــل‪ ،‬وأن تكــون برامجنــا‬ ‫السياســية والفكريــة مغايــرة للســلطات العربية‬ ‫وطموحاتهــا التــي تصــب يف الطاحونــة املغايــرة‬ ‫ملصالحنــا‪ .‬أن نفكــر بشــكل مســتقل ونرســم‬ ‫سياســات طويلــة األمــد‪ ،‬تُســتمد مــن حاجــات‬ ‫شــعبنا عــر برامــج طموحــة‪ ،‬دون أن ننتظــر‬ ‫مســاعدة أيــة دولــة عربيــة‪ ،‬وإال ســنعيد إنتــاج‬ ‫دولــة ديكتاتوريــة تلتحــم بالنظــم العربيــة‬ ‫وتقــوم ثقافي ـاً عــى أســس اســتبدادية‪.‬‬ ‫الــدول يف البلــدان املركزيــة خادمــة مطيعــة‬ ‫للــركات االحتكاريــة‪ ،‬تنفــذ أجندتهــا‬

‫ومصالحهــا يف ظــل نظــام عوملــي مهــرئ‪.‬‬ ‫التناقــض بــن الدولــة واالقتصــاد وصــل إىل‬ ‫مرحلــة يحتــاج إىل القطــع‪ ،‬للوصــول إىل شــكل‬ ‫أكــر تكيفــا مــع حركــة االقتصــاد املــا بعــد‬ ‫وطنــي أو دويل‪ ،‬وال يوجــد يف األفــق القدرة عىل‬ ‫ذلــك‪ ،‬لهــذا يحــاول كال الطرفــن أن يتكيــف‬ ‫عــى حســاب مصالــح املجتمعــات الضعيفــة‬ ‫والصغــرة وغــر القــادرة عــى حاميــة نفســها‪،‬‬ ‫والعمــل عــى ســحب املكتســبات االجتامعيــة‬ ‫والسياســية مــن دول املركــز‪.‬‬ ‫لقــد اســتطاعت الواليــات املتحــدة األمريكية أن‬ ‫تشــحن النظــام الــدويل بخطــة محكمــة‪ ،‬ظاهره‬ ‫غــر باطنــه‪ ،‬وســلوكه املعلــن غــر مامرســاته‬ ‫الفعليــة‪ .‬نحــن نواجــه نظامــاً غــر أخالقــي‬ ‫وغــر إنســاين‪ ،‬تحالــف قــوى املــال االحتــكاري‬ ‫والصناعــي والبــرودوالر واملجمعــات الصناعيــة‬ ‫العســكرية للســيطرة عــى مقــدرات العــامل‪.‬‬ ‫ومــا هــو معلــن وظاهــر ال نعــرف عنــه إال‬ ‫النــزر اليســر‪.‬‬ ‫لقــد تــم بنــاء الــدول يف العــامل لبنــة لبنــة‪،‬‬ ‫لتنظيــم العالقــة بينهــا ضمــن نظــام ســمي‬ ‫يف يــوم مــن األيــام بالنظــام الــدويل‪ ،‬املجتمــع‬ ‫الــدويل‪ .‬العالقــة بينهــا موضوعيــة اليــوم‪،‬‬ ‫حيويــة‪ ،‬قامئــة عــى تنســيق املصالــح بينهــا‪،‬‬ ‫مســتقلة إىل حــد كبــر عــن مصالــح املجتمعات‪.‬‬ ‫لهــذا ميكننــا القــول‪ ،‬ال ميكــن إســقاط نظــام مــا‪،‬‬ ‫يف بلــد مــا‪ ،‬أو يف أي مــكان مــن هــذا العــامل‪ ،‬إال‬

‫بتوافــق وتنســيق بقيــة الــدول‪.‬‬ ‫العمــل الســيايس يف البلــدان الصغــرة كســورية‬ ‫أو لبنــان أو اليمــن أو غريهــم‪ ،‬يحتــاج يف املقــام‬ ‫األول ملعرفــة إســراتيجية النظــام الــدويل‬ ‫برمتــه‪ ،‬وانعــكاس ذلــك عــى واقعنــا‪ .‬وبرنامــج‬ ‫أي حــزب ســيايس‪ ،‬يجــب أن يضــع يف حســبانه‪،‬‬ ‫حوامــل الخــارج السياســية واإلســراتيجية‬ ‫ضمــن رؤيتــه السياســية‪ .‬مبعنــى‪ ،‬أي حــزب‬ ‫ســيايس‪ ،‬يجــب أن يقــرأ مصالــح الــدول الكــرى‬ ‫يف بلــده‪ ،‬وكيــف ميكــن أن يخفــف وقــع ذلــك‬ ‫عليــه‪ .‬أن تبقــى الثــورة ســلمية‪ .‬وســلمية فقــط‪،‬‬ ‫ألن حمــل الســاح هــو رغبــة النظــام الــدويل‬ ‫والنظــم التابعــة لــه‪ .‬هــذه القــراءة رضوريــة‬ ‫للغايــة‪.‬‬ ‫أغلــب األحـزاب السياســية يف بلداننــا متكلســة‪،‬‬ ‫مــن مخلفــات الحــرب البــاردة‪ .‬ويقــرؤون‬ ‫السياســة مــن منظــور قديــم‪ .‬وعلينــا وعــي‬ ‫ذلــك وإال بقينــا يف مكاننــا‪ ،‬دوغــا‪ ،‬متخلفــن‬ ‫عــن حركــة الواقــع والسياســات التــي تخطهــا‬ ‫بلــدان املركــز‪ .‬وســنحرتق إذا مل نعــرف كيــف‬ ‫نتــرف‪.‬‬ ‫علينــا وضــع برنامــج يكــون مــروع بنــاء دولــة‬ ‫وطــن‪ ،‬هــو حجــر الزاويــة لعملنــا لنصــل إىل‬ ‫تحقيــق أقــل الــروط قســوة يف عــامل اليــوم‬ ‫القــايس‪.‬‬ ‫خطــاب الثــورة أضحــى إســاميا وهــذا مــا‬

‫يريــده النظــام‪ .‬ولهــم أعالمهــم الســوداء‪.‬‬ ‫والجيــش الحــر انضــوى تحــت ألويتهــم‪ ،‬مــرة‬ ‫مــع داعــش ومــرة مــع النــرة‪ ،‬ومــرات مــع‬ ‫غريهــم مــن املنظــات الجهاديــة املســلحة‬ ‫الســوداء التــي ال تعــرف مــا معنــى بنــاء دولــة‬ ‫أو مؤسســات معــارصة‪ .‬وقســم الســوريون‬ ‫أنفســهم إىل جــزر مفككــة وانتــاءات متعــددة‬ ‫دينيــة وطائفيــة وقوميــة لــكل واحــد منهــم لــه‬ ‫علمــه’ شــهداؤه‪ ،‬ندابيــه‪ ،‬ويبكــون عــى أطــال‬ ‫مهرتئــة‪ .‬وبالرغــم مــن الوجــع واألمل الواحــد‬ ‫يعمــل أغلبنــا عــى تقســيمه إىل أجــزاء‬ ‫عــى القــوى الحيــة أخــذ مســافة كبــرة‬ ‫مــن هــذه القــوى واملنظــات اإلســاموية‪،‬‬ ‫وعليهــم مراجعــة خطهــم الســيايس بــن‬ ‫الفــرة واألخــرى ضمــن رؤيــة إســراتيجية‬ ‫شــاملة‪ ،‬وأخــذ مواقفهــم بوضــوح ودون لبــس‪.‬‬ ‫ومراجعــة مــا حــدث منــذ بــدء الثــورة وإىل‬ ‫اليــوم‪ .‬وإدانــة جميــع األعــال اإلجراميــة التــي‬ ‫تقــوم بهــا الســلطة وهــذه املنظــات املنفلتــة‬ ‫مــن عقالهــا مــن قتــل وحــرق وســبي وتهديــم‬ ‫لآلثــار والــراث والحضــارة يف رشقنــا وتاريخــه‬ ‫علينــا التمســك بربنامــج الخــط الثالــث‪ ،‬ال‬ ‫للنظــام وال للمنظــات املســلحة‪ .‬وإن ال‬ ‫نقبــل أن يأخذنــا النظــام وحلفــاؤه يف النظــام‬ ‫الــدويل إىل ســاحتهم‪ .‬وكــا هــو معــروف عــن‬ ‫ذلــك هــو بــارع فيهــا‪ ،‬وهــو الـراع مــع قــوى‬ ‫طائفيــة تكــون عــى مقاســه‪.‬‬


‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫‪11‬‬

‫الث��ورة ذل��ك الطوف��ان ال��ذي جيت��اح الس��دود قوس قزح‬ ‫إسماعيل خليل الحسن‬ ‫تفســد البيضــة إذا عجــز الجنــن‬ ‫املتخلــق فيهــا عــن كــر القــرة ثــم‬ ‫الــوالدة‪ ,‬فتزكــم رائحتهــا األنــوف‪.‬‬ ‫هــذه هــي حــال النظــام البعثــي‬ ‫األســدي‪ ,‬الــذي بــات مصــدرا ثــ ّرا ً‬ ‫للروائــح النتنــة والفضائــح والفســاد‪,‬‬ ‫رش مــن البخــور‬ ‫حيــث يعجــز مــا ّ‬ ‫والعطــور واملســاحيق القوميــة‬ ‫والتقدميــة والعلامنيــة عــن إخفــاء‬ ‫تفســخ الجيفــة ثــم انفضاحهــا إيذانــا‬ ‫بســقوطها ‪.‬‬ ‫الثــورة تقــوم بوصفهــا قطيعــة معرفيــة‪،‬‬ ‫وهــذه القطيعــة كانــت ترتاكــم كلــا‬ ‫ازداد النظــام األقلــوي قمعـاً ثــم اغرتابـاً‬ ‫عــن املجتمــع‪ .‬لقــد كانــت القــرة‬ ‫تفــرض ثقافتهــا الهشــة عــى مجتمــع‬ ‫بــات ينتــج ثقافتــه الجديــدة ببــطء‬ ‫شــديد‪ ،‬بســبب غيــاب القــوى املفكــرة‬ ‫والفاعلــة والعاقلــة‪ ،‬لقــد كان املجتمــع‬ ‫يفكــر لوحــده بــا معلمــن وملقنــن‪.‬‬ ‫كلــا ازدادت ســنوات القمــع وفــرض‬ ‫منذجــة املجتمــع مبــا يوافــق آليــة‬ ‫الفســاد والركــود واالســتنقاع‪ ،‬كلــا‬ ‫تخ ّمــر يف البنيــة الســفىل ميــل نحــو‬ ‫الرفــض واالفــراق والتهيــؤ للنهــوض‪.‬‬ ‫لقــد اســتثمر النظــام يف الخطــاب‬ ‫الســيايس كثــرا ً‪ ،‬وخاصــة يف موضــوع‬ ‫الــراع العــريب الصهيــوين لــي يــرر‬ ‫فرضــه الحجــر عــى الفكــر واالقتصــاد‬ ‫واملذاهــب‪ ،‬هــذا الخطــاب الــذي يــروق‬ ‫تــرداده لحارقــي البخــور مــن القوميــن‬ ‫العــرب‪ ،‬وأخــص اللبنانيــن الذيــن‬ ‫بــروا مــن األيــام األوىل بســحق الثــورة‬ ‫وتــرداد مقولتهــم الســمجة «خلصــت»‬ ‫وصــوالً إىل حمــل الســاح‪ ،‬وارتــكاب‬ ‫املجــازر يف املــدن والبلــدات الســورية‬ ‫دفاعــاً عــن النظــام‪.‬‬ ‫حتــى لــو «خلصــت» افرتاضــاً‪ ،‬بعــد‬ ‫هــذا الدمــار والقتــل وارتــكاب‬ ‫الفظائــع‪ ،‬كيــف ستســتقر الحــال لنظــام‬ ‫فقــد الكثــر مــن مالءتــه الســلطوية‬ ‫عــى كامــل الــراب الســوري‪ ،‬وأصبــح‬ ‫مجــرد فصيــل بــن جملــة فصائــل‬ ‫مقاتلــة يخــر أمامهــا باســتمرار‬ ‫طاقاتــه البرشيــة ومــوارده االقتصاديــة‪،‬‬

‫ومل يعــد رأس النظــام ســوى أحــد أمـراء‬ ‫الحــرب التــي اســتدرج إليهــا قــوى‬ ‫الرفــض مكرهــاً أخــاك ال بطــل‪.‬‬ ‫كان املجتمــع الســوري تواقــاً للثــورة‬ ‫لكنــه مل يعــ ّد لهــا العــ ّدة‪ ،‬كونــه‬ ‫مجتمعــاً بــا رأس يقــوده‪ ،‬ملــا كانــت‬ ‫عليــه قــوى املعارضــة مــن الرشذمــة‬ ‫والهلهلــة بســبب القمــع املنهجــي‬ ‫املــارس ضدهــا‪ ،‬أمــا النظــام فــكان‬ ‫يع ـ ّد الع ـ ّدة ملواجهــة أي ثــورة بجيــش‬ ‫كامــل التســليح ورشطــة ومخابــرات‬ ‫وخطــط وأالعيــب مخابراتيــة‪ ،‬حتــى قـ ّر‬

‫املؤديــة إىل حــل معقــول لتجنيــب‬ ‫البلــد كارثــة ماحقــة ووضــع عليهــا‬ ‫اإلشــارة الحمــراء‪ ،‬لكــن الطريــق‬ ‫الوحيــد الســالك بإشــارة خــراء هــو‬ ‫طريــق الحــرب األهليــة‪ ,‬لقــد مهــد‬ ‫النظــام لذلــك‪ ،‬وســاهم ومــا زال عــن‬ ‫طريــق اإلبــادة الجامعيــة مــن طــرف‬ ‫واحــد للطيــف الســني‪.‬‬ ‫لكــن الحــرب األهليــة تــأىب أن يتحكــم‬ ‫العــب واحــد بهــا‪ ،‬وإذا بــدأت لــن‬ ‫تتوقــف حتــى تقـ ّزم املتض ّخــم وتض ّخــم‬ ‫مــا تق ـ ّزم‪.‬‬

‫يف ذهــن األب املــورث أن املزرعــة التــي‬ ‫يو ّرثهــا ألبنائــه باتــت آمنــة مــن ثــورة‬ ‫العبيــد واألقنــان‪.‬‬ ‫لكــن فيــض الثــورة وإرشاقهــا داهمــه‬ ‫عــى غــر توقــع‪ ،‬وقامــت أرشاط‬ ‫الســاعة‪ ،‬فأخــرج النظــام مــن جعبتــه‬ ‫مــا أعــد مــن خطــط وأالعيــب مناطهــا‬ ‫القتــل والتنكيــل لشــعب ثــار أعــزل إالّ‬ ‫وظــل يقــاوم بصــدره‬ ‫ّ‬ ‫مــن حناجــره‪،‬‬ ‫العــاري يف الســنة األوىل‪.‬‬ ‫تــودد الثــوار يف البدايــة للطائفــة‬ ‫العلويــة‪ ،‬وكانــوا ينعتونهــا بالطائفــة‬ ‫الكرميــة‪ ،‬بــل إنهــم خصصــوا جمعــة‬ ‫باســم صالــح العــي‪ ,‬لكــن العقائديــن‬ ‫مــن الطائفــة ركبــوا رأســهم ورفعــوا‬ ‫شــعار األســد أو يخربــون البلــد‪ ،‬وكان‬ ‫لهــم مــن القــوة التدمرييــة الهائلــة‬ ‫مبســاعدة الــروس واإليرانيــن مــا‬ ‫مكنهــم مــن تدمــر أغلــب املــدن‬ ‫الســورية فــوق ســكانها املدنيــن‬ ‫بظنهــم أنهــم يرضبــون بذلــك الحاضنــة‬ ‫الشــعبية للثــورة‪.‬‬ ‫أغلــق النظــام الفاجــر كل الطــرق‬

‫الحــرب األهليــة تعيــد صياغــة الحجــوم‬ ‫مــن جديــد‪ ،‬فــا يشــغل طــرف أكــر‬ ‫مــن حجمــه‪ ،‬وســيخرس الطــرف الــذي‬ ‫اســتأثر بــكل يشء يف غفلــة تاريخيــة‬ ‫كل يشء‪ ،‬هــي تطهــر ذايت وتقليــع‬ ‫ملقــوالت باليــة ابتليــت بهــا األمــة‪،‬‬ ‫هــي فضــح مســتور هــو مفضــوح‬ ‫أصـاً‪ ،‬ســقوط أقنعــة ونهايــة متثيليــات‪،‬‬ ‫يقــف كل طــرف أمــام اآلخــر عاري ـاً إال‬ ‫مــن حقيقتــه‪ ,‬نهايــة مــوت رسيــري‬ ‫أفقــر النــاس وروعهــم وضيعهــم وأراق‬ ‫دماءهــم‪.‬‬ ‫وإن كانــت الثــورة قــد ابتعــدت‬ ‫عــن شــعاراتها ومنطلقاتهــا األوىل يف‬ ‫التّــوق إىل الحريّــة والعدالــة وتلبّســتها‬ ‫مفاهيــم جديــدة‪ ،‬كان ذلــك بفعــل‬ ‫التدخــات والكامئــن املخابراتيــة‪،‬‬ ‫وأكيــاس املمولــن الذيــن فــاض كرمهــم‬ ‫عــى حامــي الســاح‪ ،‬لكنهــا ســتعود‬ ‫إىل نقطــة البدايــة بوصفهــا قطيعــة‬ ‫معرفيــة وتقليعــاً لســلطة االســتبداد‪،‬‬ ‫وكل اســتبداد‪ ،‬وباعتبارهــا فص ـاً هام ـاً‬ ‫ومفصليــاً يف ثــورات الربيــع العــريب‪،‬‬

‫اليوم كما األمس‪..‬‬ ‫كما غداً‬

‫وهــذا ســبب الحــذر الشــديد منهــا‪،‬‬ ‫وتنصــل وتقاعــس‪ ،‬بــل تآمــر الــرق‬ ‫والغــرب والجنــوب والشــال عليهــا‪.‬‬ ‫وطاملــا ابتعــدت الثــورات واغرتبــت‬ ‫عــن مبادئهــا األصليــة‪ ،‬وقــد يســتمر‬ ‫نجاة عبدالصمد‬ ‫هــذا االبتعــاد عقــودا ً مــن الزمــن‪ ،‬لكــن‬ ‫ننهــض إىل أعاملنــا‪ ،‬نكمــل دربنــا الطويــل العســر‪ ،‬نر ّمــم‬ ‫تعــس تحــت الرمــاد‬ ‫تظــل‬ ‫جذوتهــا ّ‬ ‫ّ‬ ‫حتــى يحــن وقــت انبعاثهــا مــن جديد‪ .‬بيتنــا املــروخ‪ ،‬نحــرس ودائعنــا الباقيــة يف حاراتنــا الشــهمة‪،‬‬ ‫ليســت الثــورة لعبــة سياســية‪ ،‬بــل حاراتنا املخنوقة بالظلم‪ ،‬وبالفقر‪ ،‬وبالنكران‪.‬‬ ‫هــي تأصيــل فكــري ومعــريف وعــودة ‪...‬‬ ‫أبناؤهــا نحــن‪ .‬عالقــون بأرضهــا كــا يتعلّــق طفـ ٌـل بثــوب‬ ‫باملجتمــع إىل منابعــه األوىل‪.‬‬ ‫أمــه‪ ،‬حتــى وإن نهرتــه‪.‬‬ ‫الحــب كــا نتقاســم البطانيــات‪ .‬وفيهــا‬ ‫ليســت الثــورة ســلطة ومناصــب نتقاســم فيهــا‬ ‫ّ‬ ‫ومقاليــد‪ ,‬بــل هــي عــودة إىل العقــد نحــرس وصايــا الشــهداء‪.‬‬ ‫االجتامعــي‪ ،‬بعــد انفراطــه‪ ،‬عــودة ويف زواريبهــا نوقــن أننــا كثــرون‪ ،‬كثــرون‪ ،‬حــ ّد أننــا لــن‬ ‫التعاقــد بــن مكونــات املجتمــع نفنــى ولــن منــوت‪.‬‬ ‫حي‪.‬‬ ‫وأطيافــه املختلفــة واملؤتلفــة يف الوقــت ما زال فينا ألف عرقٍ ّ‬ ‫نفســه‪ ،‬عــى أســس جديــدة ســليمة ال نقولهــا رائقــن‪ .‬نقولهــا كــا يرمــش الجفــن املدلّــل‪ ،‬كــا‬ ‫يســخن الــدم يف القلــب حــن يعشــق‪ ،‬وكــا تلقانــا بوابــة‬ ‫تختــل فيــه املوازيــن‪.‬‬ ‫ينمــو مــع الثــورات الحقيقيــة نقدهــا البيــت مفتوحــة الدرفتــن‪...‬‬ ‫الــذايت‪ ،‬ودونــه ال يســتقيم أمرهــا‪ ،‬مــا بــن حصــار املــوت‪ ،‬وحصــار اإلذالل حتــى اشــتهاء املوت‪،‬‬ ‫حي‪.‬‬ ‫فالنقــد املفتــوح يحص ّنهــا مــن الثــورة سـ ّ‬ ‫ـيظل فينــا ألــف عــرقٍ ّ‬ ‫املضــادة‪ ،‬ويجعلهــا متيّــز بــن الغــثّ ‪...‬‬ ‫ضعف أعصب قلبي بصرب النساء عىل املحن‪.‬‬ ‫والثمــن‪ ،‬وبــن املخلصــن لهــا وبــن وإن أملّ يب ٌ‬ ‫أدعيــاء محبتهــا الذيــن يســعون أعصبــه بقامــات نســاء ســوريا التــي مــا انحنــت مــن ثــكلٍ‬ ‫ومــن فق ـ ٍر ومــن تهجــر‪ .‬ه ّبــت مــن مــآدب املــوت ترعــى‬ ‫لالنقضــاض عليهــا‪.‬‬ ‫تتحــر لزحــف الشــتاء قبــل أن يفــرد‬ ‫ال بــد أن ننحنــي لهــذا الشــباب طقــوس الحيــاة‬ ‫ّ‬ ‫الطافــح باألمــل والحيويــة وحــب مآدبــه‪ ،‬تجمــع ُحــزم الحطــب الثقيــل عــودا ً فــوق آخــر مــن‬ ‫التضحيــة‪ ،‬الــذي انخــرط يف القتــال الـراري الوعــرة‪ .‬مل تقطــع شــجرة‪ ،‬ومل تــرق بيتـاً‪ ،‬ومل تســلم‬ ‫ـرم‬ ‫بعــد أن مــأ صداحــه الســاحات يف أرواحهــا للتعــب‪ ،‬ومل تطلــب األعطيــات مــن أحــد‪ ،‬ومل تـ ِ‬ ‫مواجهــة الرصــاص الحــي‪ ،‬والــذي أحاملهــا ومل تتوقــف يف نصــف الطريــق‪.‬‬ ‫أســقط كركــوزات السياســة وباروناتهــا أعصبــه بعــزم الفتــى الــذي رضبــوه بالعصــا الكهربائيــة‬ ‫واملتطفلــن عليهــا واللقاليــق واملســاخر عــى كليتــه الوحيــدة‪ ،‬وبــال دمـاً‪ ،‬وعــاد وخــرج يف املظاهــرة‬ ‫الذيــن ادعــوا متثيلهــم للثــورة والتكلّــم التاليــة‪.‬‬ ‫باســمها‪ ,‬وإن كان بعــض هــذا الشــباب أعصبــه بثبــات خطــو الطفــل عــى ثلــوج املخيــم بفــردة‬ ‫يفقــد اتجاهــه الصحيــح أحيانــاً فــأن الحــذاء الصغــرة الزرقــاء‪ ،‬والفــردة الكبــرة الســوداء‬ ‫البوصلــة الثوريــة قــد تش ّوشــت وغابت املفتوحــة األصابــع يــرح ويغنــي للفراشــات الســارحة يف‬ ‫معــامل الطريــق بفعــل أالعيب السياســة ســاء مشمســ ٍة ال يراهــا ســواه‪.‬‬ ‫واالنخـراط بالتفاصيــل املبتذلــة‪ ،‬وليــس أعصبــه بجــذور الشــجر الــذي ج ّمــده صقيــع كانــون وأقســم‬ ‫الحــق فأخطــأه كمــن أن ســيورق يف آذار أو نيســان‪.‬‬ ‫مــن طلــب‬ ‫ّ‬ ‫طلــب الباطــل وأصابــه‪ .‬ويقين ـاً ال بــد أعصبــه بصــوت العقــل الــذي مل يطلــه الخ ـراب‪ ،‬بــأوردة مل‬ ‫لهــم مــن عــودة إىل حضــن ثورتهــم ينســفح دمهــا الحــا ّر بعــد عــى طهــر ال ـراب املدلّــل‪.‬‬ ‫لبنــاء ســورية الجديــدة مــن خــال أعصبــه بودائــع الشــهداء وضامئــر األحيــاء‪ ،‬وصــورة الوطــن‬ ‫تأصيــل قيــم الثــورة وغرســها يف أعــاق الحلــو يف عيــون الفقـراء‪.‬‬ ‫أعصبه بذلك النداء األول‪« :‬املوت وال املذلّة‪»...‬‬ ‫الوجــدان االجتامعــي‪..‬‬

‫أوان للطبخ املنزلي‪!..‬‬ ‫براميل متفجرة وليست ٍ‬

‫اســتخدام الرباميــل املتفجــرة مــن قبــل قــوات النظــام منــذ انــدالع الثــورة الســورية حســب الشــبكة الســورية كافــة‪.‬‬ ‫لحقــوق اإلنســان أكــر مــن ‪ 5150‬قنبلــة برميليــة أســفرت عــن مقتــل ال يقــل عــن ‪ 12193‬شــهيدا ً‪ %96 ،‬مــن وال ي ـزال إىل يومنــا هــذا يتعــرض الشــعب الســوري لقصــف ط ـران النظــام بالرباميــل املتفجــرة يف كافــة أرجــاء‬ ‫ســوريا‪.‬‬ ‫املدنيــن‪ ،‬ومــا يقــارب ‪ % 50‬مــن الضحايــا هــم مــن النســاء واألطفــال‪.‬‬ ‫أصــدر مجلــس األمــن الــدويل القــرار رقــم ‪ 2139‬بتاريــخ ‪ 22‬شــباط ‪ 2014‬الــذي أدان فيــه اســتخدام القنابــل‬ ‫الربميليــة توزعــت النســب مــا قبــل صــدور ق ـرار مجلــس األمــن ومــا بعــده كالتــايل‪:‬‬ ‫قبــل صــدور ق ـرار مجلــس األمــن الــدويل‪ :‬أكــر مــن ‪ 3200‬برميــل أدى إىل مقتــل مــا ال يقــل عــن ‪ 5714‬شــخصاً‬ ‫‪ %97‬ضحايــا مدنيــون‪ %3 ،‬مســلحون‪ %21 ،‬مــن الضحايــا هــم مــن النســاء واألطفــال تتــوزع أرقــام الضحايــا‪5543 :‬‬ ‫رج ـاً‪ 171 ،‬مســلحاً‪ 779 ،‬امــرأة‪ 347 ،‬طف ـاً‪.‬‬ ‫بعــد صــدور قـرار مجلــس األمــن الــدويل‪ :‬أكــر مــن ‪ 1950‬برميـاً أســفرت عــن مقتــل مــا ال يقــل عــن ‪ 6479‬شــخصاً‬ ‫‪ %95‬مــن املدنيــن‪ %5 ،‬مــن املســلحني‪ % 50 ،‬مــن الضحايــا نســاء وأطفــال‪.‬‬ ‫تتوزع أرقام الضحايا‪ 6177 :‬من الرجال‪ 302 ،‬من املسلحني‪ 1720 ،‬من النساء‪ 1892 ،‬من األطفال‪.‬‬ ‫وبعــد املقابلــة الصحفيــة التــي أجراهــا الصحفــي الربيطــاين مــع بشــار األســد‪ ،‬والتــي ســخر مــن خاللهــا بالعــامل‬ ‫واســتخف بعقــول مشــاهديه‪ ،‬حيــث قــال‪ :‬عــن أيــة أدوات للطبــخ املنــزيل تتحــدث‪ ،‬وفيهــا أنكــر األســد اســتخدام‬ ‫طريانــه املجــرم قصــف مناطــق املدنيــن بالرباميــل املتفجــرة‪ ،‬والتــي كانــت تســقط عــى رؤوســهم يف أرجــاء ســورية‬


‫‪12‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫قصيدة حلمنتيشية‬

‫يا أش��راف روما اسرتدوا شرفكم املهان!‬

‫عبد الرحمن اإلبراهيم‬

‫شريف صالح‬

‫ثــوري يـعـشــــق معـشــوقـــ ْة‬ ‫ٌّ‬ ‫مــن أهـــل اللــه ومـــــــا لـهـــ ـ ُم‬ ‫الـتـقـــوى مركبـــه األقـــــوى‬ ‫ٌ‬ ‫وســــــواك بعـــض منـافـعـــه‬ ‫ومـــن الـفـ ّجــــار مســ َّد ُســــه‬ ‫ومـــن الـيـابـانـــي تـكـسـتُـــه‬ ‫ومـــن األلـمـانـــي قـبـضـــتُه‬ ‫يـشــيـــل لـنـــا‬ ‫ُ‬ ‫ولـوجـــه اللــه‬ ‫مـــا ًء لـلـقـمـــل بـصـحـبـــته‬ ‫نـتـغـابـــا حـيـــن يُـلَـــح ِّوسنا‬ ‫عـلـفــــــي‬ ‫وبـكـيـلـــو أر ٍز‬ ‫ٍّ‬ ‫ويـحـابـــي بالشـــاي امــرأ ًة‬ ‫ويصـــ ّو ُر أخــرى شــــاكر ًة‬ ‫ٍ‬ ‫بـطـانـيــــــــات‬ ‫ويـصـــ ّو ُر‬ ‫فـيـؤكــــ ُد ُحـســــن أمــــانته‬ ‫قـلـــب مـــم ّوله‬ ‫ويُـطـمـئـــ ُن‬ ‫َ‬ ‫بـقـضـــاء اللــه يـقـايـضـنـــا‬ ‫وســيأخ ُذ – إ ْن فتّــش عبــدا ً ‪-‬‬ ‫فـنـعـــو ُد بـبـطـــنٍ فـــارغ ٍة‬ ‫بـحـــب الهامربكــ ْر‬ ‫وأســـا َء‬ ‫ِّ‬ ‫ــح كعادتـــه‬ ‫يـتـوضَّ ـــا الصبْ َ‬ ‫بطيــب ســــذاجتنا‬ ‫والظهــ َر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ســاوات‬ ‫ويُـغـطــــي ســـب َع‬ ‫ـمس فـه ّددهـــا‬ ‫َ‬ ‫لســــعته الشــ ُ‬ ‫ربـيـــب مـمـانـعــــةٍ‬ ‫ربّــــا ُه‬ ‫ُ‬ ‫لـيـشـــ ّر َق فـيـنـــا تـغـريـــباً‬ ‫نـــصاً ثـوريّــــاً‬ ‫ـــص ّ‬ ‫يـتـقـ ّم ُ‬ ‫يـتـقـ ّحـــ ُم فجـــرا ً يف دومـــا‬ ‫مطـلـــوب ينــى ُء محكمــ ًة‬ ‫ٌ‬ ‫فـقـــى – وأل ّن كـتيبتَـــه‬ ‫ــت‬ ‫قَـلْـــ َع العينــن ملــن ثبتَ ْ‬ ‫ــت عــ ٌن‬ ‫واألعجــب‪ ،‬مــا قُلِ َع ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُطعــت‬ ‫لصــوص قــ ْد ق‬ ‫وأيــادي‬ ‫ْ‬ ‫اض ثــكىل‬ ‫تـتـكـــ ّد ُس أغـــر ٌ‬ ‫بســــطاتُ الثـــورة عامــر ٌة‬ ‫تخــت‪ ..‬بــرا ٌد‬ ‫ســـــ ّجا ٌد‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫أفـــرانٌ‪ ..‬تـلـفـزيـونــــاتٌ‬ ‫وهـدايـــا عــ ٍ‬ ‫ـت‬ ‫ـرس قــد نُكبـ ْ‬ ‫الـــت فـيـــها‬ ‫وثـيـــاب مـــا ز ْ‬ ‫ٌ‬ ‫أحـــا ُم ال ّنــــاس وذاكـــــر ٌة‬ ‫البـــكّجي أصبــــح مختــارا ً‬ ‫ٍ‬ ‫جـنـــات وعـيـونـــاً تجــري‬ ‫ُ‬ ‫تقـــول مداخـــله‪:‬‬ ‫والقصـــ ُر‬ ‫حــــــق‬ ‫الـحـــق لـــه‬ ‫بِـلِـــ َواء‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫الـفـــيلق مرتاحــاً‬ ‫يـتـغـــ ّدى‬ ‫َ‬ ‫أحـــرا ُر الشـــــــام فواكهــه‬ ‫ويض ّحــي الدولــ َة يف األضحــى‬ ‫ٍ‬ ‫األســد‬ ‫وتأ ّمــ َر‪ ،‬ليــس كــا‬ ‫وإليــه الشــــك ُر‪ ..‬أعــا َد لنــا‬ ‫ببحــــور الـ ّديـــن يـفـقّـهـنـــا‬ ‫ولـحـفـــظ الـ ّديـــن يُطَ ِّمشــها‬ ‫ولـوجـــه اللــه يـعـلّـمـنـــــــا‬ ‫وأتـــ َّم بـحـــرق سـجـائـــرنا‬ ‫فـتـو ّحـــ َد غــزوا ً ونضـــاالً‬ ‫كل حواجــزه‬ ‫واســــرج َع َّ‬ ‫طـ ْعـــ ُم اســـــطنبو ٍل أ ّججــه‬ ‫ٍ‬ ‫أســــدي‬ ‫جـيـــش‬ ‫وغـنـائـــ َم‬ ‫ٍّ‬ ‫يف هــذي يــدرس معركــ ًة‬ ‫والـبحـــ ُر يـهـدهـــد ثـالـــث ًة‬ ‫أغَـــ َواتُ الثـــورة يكفيكــــم‬ ‫رق ّْصتُــم كــرى مطروبــاً‬ ‫فبهــا ســــيعو ُد لـيـركـ َبـنـــا‬ ‫ٍ‬ ‫تخصيــص‬ ‫مــت كمضمــر‬ ‫ع ّم ُ‬ ‫ِ‬ ‫مقــت املــوىل‬ ‫وليســــل َم مــن‬

‫فيصـيـــ ُر بعـشــــق املخـلـوقـــ ْة‬ ‫يف ال ّنـــــاس مزايـــا مرموقــــة‬ ‫أي َذقْـــ ٌن جــــ ّدا ً مـطـلـوقــــــــة‬ ‫ْ‬ ‫َســ ُّن األســـنـــان الـمـفـروقــــة‬ ‫ومــن األبـــرار الـبشــنـوقـــة!‬ ‫لــو تعـــرف كــم يـهـــوى الـــنوقا‬ ‫ومـــن األفـغـانـــي الـخـلّـــوقة!‬ ‫يف الـكـرتـونـــات الـــمخزوقة‬ ‫قـنـيـنـ ـ ُة زيــ ٍ‬ ‫ـت تَـلْـحــيــقــــــة‬ ‫بالـبـســــكوتات الـمـدبـوقـــة!‬ ‫نـــرجو لـلـشـــــهم الـتـــوفيقا!‬ ‫ومـــواد غســـيـــلٍ مســــحوقة‬ ‫ّـــت بالـتّـمـــر الـــريـقــــا‬ ‫إ ْذ بل ْ‬ ‫ِ‬ ‫الـخـيـــات املشــقوقة‬ ‫تحـــت‬ ‫رغــم الـخـيـــرات الـــمغدوقة‬ ‫بالصــــورة يُـجـــري التوثيقــا‬ ‫تـفـتـــتح الســـوقا‬ ‫والـحـكـمـــ ُة‬ ‫ُ‬ ‫مــن بـيـــن يـديـــه املشـــدوقة»‬ ‫ويـعـــو ُد بـبـــطنٍ مـزقـوقــــة‬ ‫لـقــريـنـتـــه الـمـعـيـبـيـقــــة‬ ‫ٍ‬ ‫شـهـيـــد مـهـروقـــــة‬ ‫بدمـــاء‬ ‫ر بدمــع املعشـــــوقة‬ ‫والعــ َ‬ ‫بعـــباء ِة قَـــ ْزمٍ مـفـتـوقـــــة!‬ ‫ـب بتـهـمـ ـ ِة زنديقــة!‬ ‫لـتـغـيــ َ‬ ‫فـتـعـلّـــ َم مـنـــه الـفـيـزيـقـــا‬ ‫ويـغـــ ّر َب فـيـنـــا تـشـريـقـــا‬ ‫ويضيـــف إلـيـــه التشــــويقا‬ ‫ُ‬ ‫ويـــراب ُط لـيـــاً‪ ..‬يف موقــا‬ ‫يـتـــول فـيـهـــا الـتـحـقـــيقا!‬ ‫ّ‬ ‫بعــد ّو الـثـــورة مخـروقـــــة‬ ‫فيــه األخبــــار املـوثــوقــــة‬ ‫إال وازدادتْ تـحـديـقــــــا!‬ ‫أيـــادي حـربـوقـــــة‬ ‫فبـــأي‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تعيــش التســويقا؟!‬ ‫ُ‬ ‫يف الســوق‬ ‫ٍ‬ ‫بـيـــوت مصعوقــة‬ ‫بـقـلـــوب‬ ‫كاســاتٌ ‪ ..‬صحــ ٌن‪ ..‬خاشــوقة‬ ‫أبـــواب كانـــت مـغـلـوقــــــة‬ ‫ٌ‬ ‫تـبـكـــي بـدمـــو ٍع مـخـنـــوقة‬ ‫أنـفـــاس الـ ّنـــاس املســـروقة‬ ‫ُ‬ ‫كالضطــة يف الجوقــة‬ ‫ضاعــت ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫واســـتملك باســـم الـمخــــلوقة‬ ‫وقـــدو َد الـحـــور املمشـــوقة‬ ‫ّـــت أيـــــا َم الـزابـوقـــــــــة‬ ‫ول ْ‬ ‫وكتائـــب حـــزمِ الـمـلـحـــوقة‬ ‫ِ‬ ‫ولـــوا َء األ ّمـــة تـرويـقــــــــة‬ ‫وصقــو ُر الشــام‪ ..‬املعجوقــة‬ ‫وتصـيـــ ُر الـجـبـهـــ ُة تعقيقــة‬ ‫بــل بُـويـــ َع مـــن مـوزمـبـــيقا‬ ‫ِ‬ ‫اآليـــات الـمـنـطـوقـــة‬ ‫ُطــق‬ ‫ن َ‬ ‫فـيـ ـ ّد ُق الـمــــا َء الـمـدقـوقـــا‬ ‫َ‬ ‫تـغـريـــك الجربوقـــة‬ ‫حتـــى‬ ‫ِ‬ ‫البيضــات املســلوقة‬ ‫ســــل َْق‬ ‫حــ ْر َق األنفـــاس املحروقــة‬ ‫املجلــس معجوقـــا‬ ‫واجتـــاح‬ ‫َ‬ ‫بـالـــدوالر ِ‬ ‫ات الـمـدفـوقــــة‬ ‫مـعـاقـــل فـيـنـــيقا‬ ‫َ‬ ‫فـاحـتـــل‬ ‫ّ‬ ‫شُ ـقَـقَـــاً لـمـــزاج التطبيقــــة‬ ‫َ‬ ‫وبـتـلـــك يُـن ّجـــ ُر خـازوقـــا‬ ‫لـيـنـــا َم بحضــن املســـفوقة‬ ‫فقعـــت منــه الطقطوقــة‬ ‫مـــا‬ ‫ْ‬ ‫مبعــازف تلــك املوســــيقى‬ ‫ونـعـــو ُد إمـــا ًء ورقـيـقــــــا‬ ‫لـيـفـيـــق الـ َمـ ْعـنـــي ليفيقـــا‬ ‫َ‬ ‫ويُصـــ ِّدق بالـفـعـــل البوقـــا‬

‫يولــد الديكتاتــور وعــى شــفتيه ابتســامة بريئة كأي‬ ‫طفــل عــادي‪ ..‬ولكــن الديكتاتــور كائــن طفيــي يعتاش‬ ‫عــى مســاحة هائلــة مــن الخــوف‪ ..‬ذلــك الخــوف‬ ‫الــذي يــأكل أرواحنــا نحــن‪.‬‬ ‫كائــن مصطنــع‪ ،‬مختلــق‪ ،‬يف جســده الخــرايف ألــف‬ ‫كعــب أخيــل‪ ،‬قابــل للعطــب مــن أي منهــا‪ ..‬يف أي‬ ‫لحظــة‪.‬‬ ‫هــو ال يصنــع نفســه يف حقيقــة األمــر بــل نحــن مــن‬ ‫نصطنعــه ونضخــم فيــه حتــى تطابــق صورتــه صــورة‬ ‫إلــه‪ .‬وكأي إلــه يحيــي ومييــت‪ ..‬يقــرر الــراء لقــوم‬ ‫ويحكــم بالفقــر عــى آخريــن‪« .‬ال يُسـ ُ‬ ‫ـأل عـاَّ يَفعــل‬ ‫و ُهــم يُ ْســألُون»‪.‬‬ ‫وكأي إلــه يعيــش فــوق القانــون والدســتور والشــعب‬ ‫والدولــة ذاتهــا‪ ،‬لكنــه ال ميلــك عشــبة الخلــود‪ ..‬فهــو‬ ‫فــانٍ بائــس مثلــا مــن صنعــوه فانــون بائســون‪.‬‬ ‫وتلــك هــي مفارقتــه الرتاجيديــة التــي قــد تجعلــه‬ ‫أشــد قســوة مــن الشــياطني‪.‬‬ ‫ومــا بــن والدتــه وفنائــه املحتــوم تأخــذ صناعــة‬ ‫الديكتاتــور مســارين‪ :‬مســار صعــود ومســار هبــوط‪.‬‬ ‫فأثنــاء صعــوده يســتمتع بارتجــاف مــن يبــول يف‬ ‫ثيابــه أمامــه‪ ..‬ويبتســم ملــن ينحنــي أمامــه حتــى‬ ‫يلمــس بأنفــه مؤخرتــه‪ ..‬ويطــرب ملــن يســبح بحمــده‬ ‫آنــاء الليــل وأطــراف النهــار‪.‬‬ ‫وشــيئاً فشــيئاً ينضــم آالف املواطنــن ـ خوف ـاً وطمع ـاً‬ ‫ـ لصناعــة وعبــادة الديكتاتــور‪ ..‬فمــن يدبــج الكتــب‬ ‫رب اســمه إىل النشــيد الوطنــي‪..‬‬ ‫واملقــاالت‪ ..‬ومــن يُـ ّ‬ ‫ومــن يتنقــل بــن القنــوات للحديــث عــن حكمتــه‬ ‫التــي ال يأتيهــا الباطــل مــن أمامهــا وال مــن خلفهــا‪..‬‬ ‫و َمــن و َمــن و َمــن!‬ ‫تتســع الجوقــة وتتســع‪ ..‬ويرقــص يف الحلبــة خليــط‬ ‫مــن شــعراء وملحنــن ومطربــن وقواديــن وسمســارة‬ ‫جغرافيــا ومزيفــي تاريــخ ومجانــن عظمــة‪ ..‬جميعهــم‬ ‫يفنــون أعامرهــم ويســتهلكون مواهبهــم يف الغنــاء‬ ‫لديكتاتــور ال يراهــم وال يســمعهم‪..‬‬

‫مــن تــراث وآثــار ونوابــغ‪ ..‬دون حذائــه‪.‬‬ ‫وهكــذا تكتمــل أســطورة صنعناهــا نحــن‪ ..‬بإرادتنــا‬ ‫أو غصبــاً عنــا‪ ..‬أســطورة أفنينــا أعامرنــا ومواهبنــا‬ ‫اســا‬ ‫وثرواتنــا مــن أجــل تثبيتهــا‪ ..‬ثــم نعطيهــا‬ ‫ً‬ ‫فيكــون مــن يكــون‪..‬‬ ‫لكنــه يف األخــر ميــوت ميتــة رشيــرة أو ميتــة هزليــة‪..‬‬ ‫وكأن كل نفاقنــا لــه أقــل مــن أن مينحــه صــك الخلــود‪.‬‬ ‫مــات الديكتاتــور وأصبــح بإمــكان أي كلــب ضــال أن‬ ‫يبــول عــى قــره‪ .‬مــات مــن أمــات وأحيــا‪ .‬لنســتعيد‬ ‫ـ ولــو للحظــات ـ ذلــك االكتشــاف املذهــل بأنــه مل‬ ‫يكــن أكــر مــن شــخص عــادي ال ميلــك لنفســه نفع ـاً‬ ‫وال رضا ً‪.‬‬ ‫لقــد كان إذا ً إلهــاً مزيفــاً‪ .‬ليــس فقــط باملعنــى‬ ‫األخالقــي‪ ،‬بــل بــكل املعــاين املحتملــة للزيــف‪ ،‬فتأليهه‬ ‫ال ينتــج معرفــة وال يحمــي دولــة‪ .‬يف ملــح البــر‬ ‫اختفــى أثــره‪ ،‬ومحــى خلفــه عالمــات وجــوده‪ ،‬وكأن‬ ‫كل هــذه األجيــال أنفقــت أعامرهــا يف لعبــة مزيفــة‬ ‫ال قيمــة لهــا‪ .‬لعبــة انتهــت بانتهــاء صاحبهــا مثــل أي‬ ‫ممثــل يقــف عــى خشــبة املــرح فيتقمــص مــا يشــاء‬ ‫مــن زعــاء وملــوك وحينــا تنطفــئ اإلضــاءة يعــود‬ ‫إىل بيتــه وحيــدا ً بائس ـاً‪.‬‬ ‫وحــن ميــوت الديكتاتــور ـ كأي إنســان عــادي ميــوت‬ ‫ـ نــأكل متاثيلــه‪ ..‬أو نلطمهــا بأحذيتنــا القدميــة‪..‬‬ ‫نخفــي كتبــه وأوراقــه وصحفــه وصــوره ونياشــينه‪،‬‬ ‫ومنحــو أســاءه التــي أطلقهــا عــى ع ـرات املبــاين‪..‬‬ ‫نعيــد اختزالــه إىل بضــع أســطر يف كتــاب التاريــخ! ثــم‬ ‫نشــعر بفــراغ هائــل داخــل مســاحة الخــوف التــي‬ ‫تركهــا يف أرواحنــا‪ ،‬فنعيــد اخــرع ديكتاتــور آخــر‬ ‫باألكاذيــب ذاتهــا‪.‬‬ ‫ونظــل نعــاود الكــرة ونســلم مفاتيــح عبوديتنــا جيـاً‬ ‫وراء جيــل‪ .‬وال نعــرف كيــف نتوقــف أبــدا ً عــن أن‬ ‫نكــون مسمســارا ً صغــرا ً يف تلــك اآللــة الجهنميــة‬ ‫لخلــق أصنــام ننفــخ فيهــا بــكل رعبنــا! كيــف نتحــرر‬ ‫مــن خوفنــا وطمعنــا؟ كيــف نعيــش أح ـرارا ً ال عبيــدا ً‬

‫تتســع جوقــة النفــاق بحجــم الوطــن‪ ..‬بفضــل‬ ‫رســامني ومصوريــن يلتقطــون صــور الديكتاتــور مــن‬ ‫كل زوايــا العظمــة‪ ..‬وزوايــا التواضــع إذا لــزم األمــر‪..‬‬ ‫فهــو العظيــم صاحــب النياشــن وشــهادات الدكتــوراه‬ ‫الفخريــة وهــو األب الرحيــم الــذي يحنــو عــى اليتيــم‬ ‫ويجلــس عــى البســاط األحمــدي‪.‬‬ ‫هــو مــن يلــوح مــن ســيارته الفارهــة لعــال ال عمــل‬ ‫لهــم إال زرع صورتــه فــوق كل عمــود إنــارة‪ ،‬وناصيــة‬ ‫كل شــارع‪ ،‬وكل جــدار حتــى لــو كان يف دورة ميــاه‬ ‫عموميــة‪.‬‬ ‫هــو إن مل يكــن يرانــا فــإن صــوره ترانــا وتراقبنــا يف كل‬ ‫مــكان‪ .‬الوطــن كلــه يــرزح تحــت عينــي الديكتاتــور‬ ‫وآالف اآلذان املتصلــة بأذنيــه‪ .‬عيــون وآذان تنقــل لــه‬ ‫حتــى مــا يختلــج داخــل أرواحنــا‪ ..‬وأجهــزة رسيــة‬ ‫ودبابــات وصواريــخ وطائــرات‪ ،‬مخصصــة كلهــا‬ ‫لحراســته‪ ،‬حتــى لــو كان الوطــن نفســه مســتباحاً!‬ ‫يكفــي الوطــن فخــرا ً أنــه مغطــى بصــور الزعيــم‬ ‫ومتاثيلــه وبالغتــه البليــدة‪ .‬آالف األطنــان مــن الــكالم‬ ‫واألوراق واألحبــار والقــاش واألوســمة والنياشــن‬ ‫واملؤمتــرات‪ ..‬كلهــا مــن أجــل أن يصعــد فوقهــا‬ ‫الديكتاتــور بحذائــه‪ ..‬يصعــد عا ًمــا بعــد عــام‪..‬‬ ‫لتطويبــه إله ـاً ال أقــل‪ ..‬ليصبــح أعظــم مــا يف الوطــن‬

‫لوهــم فــرد‪ ..‬ووهــم أنفســنا؟!‬ ‫تفنــي أعامرنــا وأعــار أوالدنــا‪ ،‬وتضيــع أوطاننــا‪..‬‬ ‫يف أكــر صناعــة تاريخيــة للوهــم‪ ..‬صناعــة باهظــة‬ ‫التكاليــف ال نجنــي مــن ورائهــا إال الخ ـراب املحقــق‪.‬‬ ‫فقــد يطــول تصعيــد الديكتاتــور مــن ســنة إىل أربعــن‬ ‫وخمســن ســنة‪ ..‬لكنــه يف النهايــة مآلــه إىل الحضيــض‬ ‫والخــزي‪ ..‬ولعــل تاريــخ الطغــاة املوثــق يبــدأ ســطره‬ ‫األول بـ»كاليغــوال» الشــاب الــذي أصبــح إمرباطــورا ً يف‬ ‫ســن الخامســة والعرشيــن ويف خــال خمــس ســنوات‬ ‫فقــط حــول رومــا إىل جحيــم‪ ..‬فــكان يعتــر رومــا‬ ‫هــي كاليغــوال‪ ..‬وكاليغــوال هــو رومــا‪ ..‬وأنــه «إلــه عــى‬ ‫األرض»‪ ..‬وجعلــه جــن حاشــيته وهتافهــم لــه أكــر‬ ‫قســوة وجنون ـاً‪ .‬فمــن مأثوراتــه الخالــدة‪« :‬أنــا إذا مل‬ ‫أقتــل أشــعر أننــي وحيــد»‪.‬‬ ‫كــا عـ ّـن حصانــه عضــوا ً يف مجلــس الشــيوخ‪ ،‬فهلــل‬ ‫املنافقــون لق ـراره الحكيــم ورحبــوا بزميلهــم الجديــد‬ ‫مــن ذوي األربــع! وبعدهــا دعــا األعضــاء عــى مأدبــة‬ ‫مــن «التــن والشــعري» نكايــة بهــم! فهللــوا لــه بأفــواه‬ ‫مملــوءة بالتــن! إىل أن ثــار «براكــوس» وصــاح يف‬ ‫أعضــاء مجلــس الشــيوخ‪ :‬إىل متــى يــا أرشاف رومــا‬ ‫نظــل خاضعــن لجــروت كاليغــوال؟! يــا أرشاف رومــا‬ ‫افعلــوا مثــي واســردوا رشفكــم املهــان»‪ ،‬فانتهــوا إىل‬

‫قتــل الطاغيــة‪.‬‬ ‫لكــن رومــا كانــت موعــودة بــوالدة طاغيــة آخــر أشــد‬ ‫فتـكًا‪ ..‬موعــودة باملغرمــن بوضــع التــن يف أفواههــم‪..‬‬ ‫فبعــد ســنوات قليلــة جــاء نــرون وحكــم اثتنــي‬ ‫عــرة ســنة‪ ،‬فقتــل املئــات منهــم‪ .‬أمــه التــي أجلســته‬ ‫عــى العــرش‪ ..‬فــرد جميلهــا بقتلهــا وحــرق جثتهــا!‬ ‫ثــم أعــدم زوجتــه بنــاء عــى وشــاية عشــيقته! ثــم‬ ‫قتــل العشــيقة نفســها وقائــد الجيــش املقــرب منــه‪،‬‬ ‫ومعلمــه الــذي ربــاه وأدبــه‪ ،‬ثــم دخــل يف نوبــة قتــل‬ ‫األصدقــاء واألقــارب‪ ،‬وانتهــى إىل حــرق رومــا كلهــا يك‬ ‫يســتمتع بغنــاء أشــعار هومــروس أمــام منظــر النـران‬ ‫الخــاب!‬ ‫وكأن البــر ال يتعلمــون مــن تجاربهــم‪ ،‬فلــم‬ ‫تســلم رومــا الحديثــة مــن ديكتاتــور جديــد هــو‬ ‫موســوليني ابــن الحــداد الــذي أرعــب العــامل‪ ،‬رغــم‬ ‫أنــه بــدأ حياتــه معارض ـاً للحــرب‪ ،‬لكنــه رسعــان مــا‬ ‫خــدع اإليطاليــن الفق ـراء بشــعاراته القوميــة الرباقــة‬ ‫واســتوىل عــى الحكــم بتأييــد شــعبي لألســف‪،‬‬ ‫ليؤســس حلفــاً فوالذيــاً مــع هتلــر‪ ،‬ويشــعل حربــاً‬ ‫عامليــة أودت بحيــاة مــا يزيــد عــن ســتني مليــون‬ ‫إنســان‪ ،‬وانتهــت بإيطاليــا بلــدا ً عــى حافــة الهاويــة‬ ‫والفقــر‪ ،‬وجيــش مهــزوم‪ ،‬ليشــنق يف النهايــة مقلــوب‬ ‫الرجلــن يف محطــة بنزيــن‪ ..‬بعــد خــراب رومــا!‬ ‫نفــس املعادلــة تكــرر نفســها يف أكــر مــن بلــد عــريب‪،‬‬ ‫ففــي العــراق‪ ،‬قدميــاً‪ ،‬انشــغل الخليفــة املســتعصم‬ ‫بجواريــه وذهبــه‪ ،‬وتــرك شــئون الحكــم لوزيــره ابــن‬ ‫العلقمــي الــذي باعــه بــدوره لهوالكــو بــل وأخــره أنــه‬ ‫لــو استســلم ســوف يُبقــي عليــه هوالكــو يف الحكــم‪.‬‬ ‫وذهــب خليفــة املســلمني خانعــاً ذليــاً يســتعطف‬ ‫املحتــل الــذي حطــم الجســور واألســوار وألقــى مباليني‬ ‫الكتــب يف نهــر دجلــة‪ .‬وبعــد أن انتهــى هوالكــو مــن‬ ‫تدمــر حضــارة كاملــة وقتــل مئــات اآلالف إىل درجــة‬ ‫أن رائحــة الجثــث يف بغــداد شــمها ســكان دمشــق‪،‬‬ ‫تفــرغ للخليفــة فأخــذ منــه صناديــق ذهبــه وجواريــه‬ ‫وعاملــه معاملــة ســيئة فحــ ّرم عليــه الطعــام‪ ،‬فلــا‬ ‫أحــس الخليفــة بالجــوع وطلــب طعام ـاً‪ ،‬قــدم إليــه‬ ‫هوالكــو بنفســه حام ـاً لــه طبق ـاً مملــوءا ً بالذهــب‬ ‫وأمــره أن يــأكل‪ ،‬فقــال الخليفــة‪ :‬كيــف ميكــن أكل‬ ‫الذهــب؟ فــرد عليــه هوالكــو‪ :‬إذا كنــت تعــرف‬ ‫أن الذهــب ال يــؤكل‪ ،‬فلــاذا احتفظــت بــه ومل‬ ‫توزعــه عــى جنــودك يك يصونــوا ملــكك املــوروث‬ ‫مــن هجــات جيــي؟ وملَ مل تحــول تلــك األبــواب‬ ‫الحديديــة يف قصــورك إىل ســهام؟‬ ‫فأجــاب الخليفــة‪ :‬هكــذا كان تقديــر اللــه! فقــال‬ ‫هوالكــو‪ :‬ومــا ســوف يجــري عليــك إمنــا هــو كذلــك‬ ‫تقديــر مــن اللــه‪ ..‬ثــم تركــه أربعــة أيــام دون طعــام‬ ‫إىل أن مــات جوعـاً وعطشـاً‪ ،‬ثــم لُـ ّـف جثامنــه ببســاط‬ ‫وســحق تحــت حوافــر الخيــل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫نهايــة بائســة تليــق بإلــه مزيــف! وال تختلــف عنهــا‬ ‫كثــرا ً نهايــة ديكتاتــور بغــداد يف العــر الحديــث‬ ‫صــدام حســن الــذي عــر عليــه يف حفــرة‪ ،‬وتــم‬ ‫إعدامــه‪ ،‬بعــد أن كبــد الع ـراق يف حــروب متواصلــة‬ ‫باليــن الــدوالرات كانــت تكفــي الوطــن العــريب كلــه‬ ‫ملائــة عــام قــادم!‬ ‫عــرات النــاذج املحفــورة يف كتــب التاريــخ‪،‬‬ ‫تــكاد تكــرر نفســها باآلليــة ذاتهــا‪ .‬قــد يبــدو نســق‬ ‫الصعــود بســيطاً ال يكلــف أكــر مــن تعديــل مــادة يف‬ ‫الدســتور‪ ..‬أو أغنيــة متجــد الديكتاتــور والوطــن معـاً‪..‬‬ ‫أو «مانشــيت» موحــد يف جميــع الصحــف يتغنــى‬ ‫بحكمتــه‪ ..‬أو بضــع ماليــن مــن الــدوالرات لتزيــن‬ ‫املياديــن بصــوره‪.‬‬ ‫أمــا نســق الهبــوط املــروع فيكلــف الشــعوب مصريهــا‬ ‫ومســتقبلها وماليــن الضحايــا‪ ..‬ويجعــل فكــرة الوطــن‬ ‫ذاتهــا يف مهــب الريــح‪ .‬فالتكلفــة املرعبــة ليســت يف‬ ‫صناعــة الديكتاتــور بــل يف إقناعــه أنــه ليــس إلهـاً‪.‬‬ ‫وكل لحظــة متــر ال يســتجيب فيهــا الشــعب لرصخــة‬ ‫براكــوس‪« :‬يــا أرشاف رومــا اســردوا رشفكم املهــان!»‪..‬‬ ‫تعنــى ســقوط آالف الضحايــا وانهيــار مــدن‪ .‬محــو بلد‬ ‫كامــل يف لعبــة مزيفــة ال يصدقهــا إال معتــوه واحــد!‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫ـ‪---------‬ـ الثورة‪ ..‬ووصاياها العشر ـ‪--------‬ـ‬ ‫معـبد الحسون‬ ‫ـب القـ ُ‬ ‫ـول ابتــدا ًء إننــا‪ ،‬كســوريني‪ ،‬نشــه ُد اليــو َم‬ ‫يجـ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫احتــاالت لوطننــا الســوري‪ :‬االحتــال اإليــراين‬ ‫ســبع َة‬ ‫بقــواه العســكرية وميليشــياته‪ ،‬ثــم النظــام‪ ،‬وداعــش‪،‬‬ ‫وجبهــة النــرة‪ ،‬وأحــرار الشــام‪ ،‬وجيــش اإلســام‪،‬‬ ‫وبعــض امليليشــيات والفصائــل الكرديــة الخارجــة عــن‬ ‫إرادة ورؤيــة الثــورة الســورية‪ ،‬والعاملــة ملرشوعهــا‬ ‫الخــاص‪ ..‬وإذا أضفنــا إىل هــؤالء قــوة ثامنــة غــر مرئيــة‪،‬‬ ‫وليســت مشــاهدة بوصفهــا فصي ـاً عســكرياً ذا ســطو ٍة‬ ‫وقـ ٍ‬ ‫ـوات ممســكة بجــزء مــن ق ـرار الوطــن ومصــره‪ ،‬أال‬ ‫وهــي مؤسســات الفســاد وتجــار السياســة‪ ،‬ومنظومــات‬ ‫التكســب والتعيّــش عــى هوامــش الثــورة ومؤسســاتها‬ ‫وزواياهــا املعلومــة واملجهولــة‪ ،‬والتــي أخــذت مواقعهــا‬ ‫وتجــذرت يف أ َمـ ٍـد مبك ـرٍ‪ ،‬واســتطاعت أن تتشــابك مــع‬ ‫القــوى اإلقليميــة والعامليــة بوصفهــا ممثــاً وذراعــاً‬ ‫وناطقــاً وداعــاً‪ ..‬فهــي الواجهــة السياســية التــي‬ ‫أصبحــت غــوالً مفزع ـاً و ُهولَ ـ ًة مرعبــة‪ ،‬مســتفيدة مــن‬ ‫تأجيــل انتصــار الثــورة كحالــة متعيشــة عــى بقــاء‬ ‫الثــورة املضــادة ورســوخ قواهــا ومتــدد أنشــطتها‪ ..‬مــع‬ ‫النــأي بنفســها عــن النــاس ومآســيهم‪ ،‬وعــن كل مــا‬ ‫يحــدثُ عــى األرض مــن كــوارث‪ ،‬بــل مكتفيــة بالجلــوس‬ ‫يف شــتى عواصــم وفنــادق الــدول لتنــوب عــن الشــعب‬ ‫الســوري يف التحــدث عنــه وباســمه‪ ،‬وعــا يريــده ومــا‬ ‫يناســبه‪ ،‬واملفاوضــة واملقاولــة يف كل ملفــات الوطــن‬ ‫بحســبانها أنهــا هــي الثــورة والثــوار‪ ..‬وأنهــا هــي‬ ‫الشــعب أو مــن ميكــن أن ُ َيثِّــل الشــعب الســوري‪..‬‬ ‫إذا أضفنــا هــذه الطغمــ َة الفاســدةَ‪ ،‬بوصفهــا قــوة‬ ‫ناعمــة‪ ،‬وفصيــل ســطو غــر مســلح‪ ،‬مدجــج بعالقاتــه‬ ‫التــي أصبحــت تاريخيــة مــع القــوى العامليــة واإلقليمية‪،‬‬ ‫ذات الشــأن والقـرار‪ ،‬والقــول الفصــل يف كل مــا يتعلــق‬ ‫بالشــأن الســوري‪ ،‬فــإن قــوى االحتــال الثــاين هــذه‬ ‫يجم ُعهــا جميع ـاً جام ـ ٌع واحــد‪ ،‬وقاس ـ ٌم مشـ ٌ‬ ‫ـرك أعظــم‬ ‫الشــعب‬ ‫تعطــي‬ ‫واحــد‪ ،‬وهــي أنهــا‪ ،‬وباملطلــق‪ :‬لــن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الســوري حريتَــه‪ ،‬ولــن تســمح لــه أن يقــرر مصــره‬ ‫َ‬ ‫بنفســه مــا مل ينتــزع هــذه الحريــة مــن جميــع هــذه‬ ‫ٍ‬ ‫تضحيــات وخــوض كفــاح مريــ ٍر ينتهــي‬ ‫القــوى عــر‬ ‫إىل واحــد مــن خياريــن ال ثالــث لهــا‪ :‬إمــا أن ينتــر‬ ‫الشــعب الســوري عليهــا جميعـاً‪ ،‬وإمــا أن تنتــر هــي ـ‬ ‫أو بعضهــا ـ عــى بعضهــا اآلخــر‪ ،‬وعىل الشــعب الســوري‬ ‫مبجموعــه‪ ،‬وتعيــده إىل حظــرة ســجنٍ واســتبداد جديــد‪،‬‬ ‫ومدجنــ ٍة تعيــد إنتــاج التســلط والدكتاتوريــة وحكــم‬ ‫الفــرد أو العائلــة أو الطائفــة أو امليليشــيا‪ ،‬أو شــتى‬ ‫النخــب الدينيــة والدنيويــة املتســلطة‪ ..‬نحــن هنــا أمــام‬ ‫كارثــة وطــن غــر مســبوقة يف التاريــخ بحــق‪ ..‬كارثــة‬ ‫مل يعــد الســوريون يف أول حصــاد نتائجهــا املبــارشة‬ ‫بقادريــن عــى العيــش أو التــرف يف وطنهــم‪ ،‬أو تقريــر‬ ‫أو تحقيــق أي اســتقرار يف بلدهــم‪ ،‬ال عــى مســتوى‬ ‫األفــراد وال الجامعــات‪.‬‬ ‫مــن خــريت املبــارشة التــي تجمعــت منــذ االنطالقــة‬ ‫األوىل للثــورة‪ ،‬أســتطيع أن أثبــت بوثــوقٍ شــديد‪،‬‬ ‫أننــا نحتــاج‪ ،‬نحــن الســوريني‪ ،‬إىل مــروع ســيايس ال‬ ‫ـرب تحريـ ٍر شــاملةً‪ ،‬شــاقة ومريــرة وطويلــة‬ ‫يســتبعد حـ َ‬ ‫األمــد‪ ،‬الســتعادة وطننــا وإرادتنــا الوطنيــة‪ ..‬ليســت‬ ‫الثــورة مــوىس‪ ،‬وال متلــك وصايــا عــرا ً ســحرية‪ ،‬أو‬ ‫ألواح ـاً جامع ـ ًة ومانع ـةً‪ ..‬بيــد أننــي أتوخــى مــن هــذه‬ ‫املالحظــات أن أســجل عــى هوامــش الســنوات األربــع‬ ‫العجــاف التــي مضــت‪ ،‬وفــوق النافــل واملســتكرث مــا‬ ‫قيــل أو ميكــن أن يقــال حــول انطالقــة عمــل الثــورة‬ ‫يف لبوســها الجديــد‪ ،‬وهــو ال غــر َو حاصــل ومتحقــق يف‬ ‫قادمــات األيــام‪ ،‬وتجنبــه بــات غــر ممكــن احتكامـاً إىل‬ ‫منطــق األشــياء وقوانــن حركــة املجتمــع والتاريــخ‪..‬‬ ‫كل انتقــا ٍل تاريخــي كبــر‬ ‫املبــدأ العــام الــذي يحكــم َّ‬ ‫يلتــزم دامئـاً بــأن هنــاك لــكل فعــل إنســاين كبــر خطـ ًة‬ ‫عمــل وغايــةَ‪ ..‬تتفــق فيــا بينهــا عــى أن تتقــارب يف‬ ‫القــوة والحجــم واملصلحــة املتجاذَبــة بــن العمــل‬

‫ٍ‬ ‫وبآليــات مفهومــة‬ ‫وغاياتــه‪ ..‬األمــر الــذي يكفــل‪،‬‬ ‫وكل مــا هــو خــارج عــن‬ ‫ومدروســة‪ ،‬إســقاط الزيــادات َّ‬ ‫الســياق العــام للمصلحــة الوطنيــة عــن أي مصلحــة‬ ‫أخــرى ملتبســة األهــداف‪ ،‬وغامئــة الغايــات‪ ..‬فهــل‬ ‫اتفقــت هــذه الســياقات يف الثــورة الســورية عــى أن‬ ‫تتواشــج وتتقــارب؟‬ ‫ال شــك أن الثــورة هــي ملــك الثــوار العاملــن عليهــا‪،‬‬ ‫وحافــري أهدافهــا وغاياتهــا بأظفارهــم‪ ،‬حتــى وإن‬ ‫يكــن الحفــر يف الصخــور الصلــدة‪ ،‬وال شــك أن هنالــك‬ ‫جمهــورا ً كب ـرا ً مــن املتفرجــن عــى الثــورة واملشــجعني‬ ‫واملتحمســن‪ ..‬مل يجتــازوا حاجــز الحامســة والعواطــف‬ ‫وأصــداء الحناجــر‪ ،‬والحــال تشــبيهاً ال يختلــف عــن‬ ‫العبــن يف امللعــب وجمهورهــم املشــجع املتحمــس‪،‬‬ ‫الصــارخ بــكل مــا يف قلبــه مــن نبــل عاطفــة ودفــع‬ ‫نفــي نحــو انت ـزاع النــر‪ ..‬وبغــض النظــر عــن كرامــة‬ ‫وقــدر ومكانــة كل طــرف مــن الالعبــن واملشــجعني‬ ‫الذيــن هــم الحاضنــة والتعبئــة الشــعبية وأمــل الدعــم‬ ‫اإلنســاين الــذي يشــكل رصخــة الجمهــور الكــرى‪ ..‬إال‬ ‫أ َّن مــا حــدث واقعيــاً خــال األربعــة أعــوام املاضيــة‬ ‫ســجل نــزوالً جامعيــاً غــر متوقــع وغــر مســبوق يف‬ ‫تاريــخ الثــورات التــي عرفهــا تاريــخ البرشيــة‪ ..‬نــزوالً‬ ‫مــن عــى مدرجــات املــرح واختالطـاً عامـاً‪ ..‬عــا فيــه‬ ‫الشَ ــذ ُر عــى املَــذر‪ ،‬واختــص فيــه ـ صوتـاً وإرادة وتأثـرا ً‬ ‫يف الشــأن العــام والقـرار والفعــل العــام للثــورة ـ الحابــل‬ ‫قبــل النابــل‪ ،‬والنابــل قبــل العطــال والبطــال والعاطــل‪..‬‬ ‫فأصبــح املشــهد وكأن الثــورة واملشــهد الثــوري والفعــل‬ ‫الثــوري هــي ملـ ٌـك ملــن ال ميلــك‪ ،‬وتـ ٌ‬ ‫ـرف وقـرار ال بيــد‬ ‫الثــوار‪ ،‬بــل رمبــا بيــد الســابلة وعابــري الســبيل‪ ..‬بــل‬ ‫وملــن ال رغبــة لــه أن ميتلكهــا إال لالســتعامل والرتبــح‬ ‫مــن خاللهــا و َع ـ ْو ِد إنتــاج ظهوراتــه الخاملــة‪ ،‬وفاعليــة‬ ‫مــن ال فعــل لــه‪ ..‬فاتســعت ـ كســوق عــكاظ ـ لينــادي‬ ‫يف نواديهــا كل منــا ٍد‪ ،‬وليتحــدث باســمها ويدعيهــا كل‬ ‫مــن طفــرت عــى نفســه شــهوة الحديــث‪ ،‬ودون أن‬ ‫ُيلز َمــه اح ـرا ُم نفســه أن ُ َي ـ ّوه (وهــو عــامل بأنــه ُ َي ـ ّوه)‬ ‫أن موقــع الثائــر غــر موقــع املتفــرج‪ ،‬مــع الرتحيــب بــه‬ ‫لــو قــرر حس ـ َم خياراتــه واالنغــاس يف خضمهــا‪ ،‬دون‬ ‫أن يكتفــي بــدور املعلــق الريــايض‪ ،‬وأن ُي ِثــل ويتمثّــل‬ ‫فيهــا‪ ،‬ال أن يعلــق فنيـاً مــن خــارج املــرح‪ ..‬وهــو يشء‬ ‫مــن حقــه مــا دام يعتقــد ويقــر باكتفائــه بــدور املعلــق‪،‬‬ ‫ال أن يدعــي وصــل ليــى وهــو مل يــر ليــى ومل يعرفهــا‬ ‫ومل تتعــرف عليــه حتــى اللحظــة‪..‬‬ ‫ينبنــي عــى مــا تقــدم أن أي إســراتيجية مســتقبلية‬ ‫للثــورة تقــوم عــى إرادة جاذبــة للقــوى الثوريــة الفاعلة‬ ‫والحيــة‪ ،‬ومــا الحاضنــة الداعمــة واملــؤازرة إال املســتودع‬ ‫الخلفــي الــذي يجــب أن يُعت َمــد ويُــوك َ​َل إليــه ضــ َّخ‬ ‫الدمــاء والكــوادر الثوريــة املتســمة بوضــوح الهــدف‬ ‫ونقــاء الرؤيــا املســتقبلية‪ ..‬وحتــى نتفــق بداي ـةً‪ ،‬ال بــد‬ ‫مــن التوكيــد بــأن الثــورة هــي يف جانبهــا املعــريف انفجــار‬ ‫واقــع اجتامعــي مرتافــق مــع انفجــار مــا ســلف مــن‬ ‫ذاكــرة جامعيــة كــرى‪ ..‬والذاكــرة ال تعبــأ دامئـاً بحشــمة‬ ‫األخــاق وجاملياتهــا العامــة‪ ،‬وعواطــف القلــب ال تعبــأ‬ ‫بهــا كليهــا‪ :‬ال الذاكــرة وال جامليــات األخــاق‪ ..‬وهــي‬ ‫يف جانبهــا العمــي خــط ومبــدأ ســيايس عــام‪ ،‬تجمعــه‬ ‫وتؤطــره مجموعــة مبــادئ سياســية ضابطــة ومحــددة‪.‬‬ ‫والعمــل العســكري عــى األرض مــا هــو أكــر مــن‬ ‫امتــداد للثــورة مبضمونهــا الســيايس‪ .‬فالثــورة إذن فكــر‬ ‫ســيايس وعمــل ســيايس‪ ،‬وليســت شــيئاً آخــر ميكنهــا أن‬ ‫تُ َع ـ َّر َف بــه يف شــقها العمليــايت‪..‬‬ ‫مــن هــذا املبــدأ ميكــن التوكيــد عــى أن «املنظمــة‬ ‫املدنيــة» و»املنظمــة اإلعالميــة» و»املنظمــة اإلغاثيــة»‬ ‫وغريهــا مــن منظــات‪ ،‬بوصفهــا مؤسســات وظيفيــة‬ ‫وعملهــا إج ـرايئ عــى األرض ـ إمــا دع ـاً للثــورة وإمــا‬ ‫دعــاً ألعدائهــا ـ ‪ ..‬تعمــل عــى دعــم (سياســة مــا)‪،‬‬ ‫أو تقــف عــى تثبيطهــا والهجــوم عليهــا‪ ..‬فاملنظــات‬ ‫املدنيــة هــي جــزء مــن حواضــن الثــورة وجمهورهــا‬

‫وليســت هــي الثــورة‪ ،‬تعريفــاً‪ ،‬وال هــي مــن عــداد‬ ‫فاعليهــا‪ ..‬الثــورة هــي مؤسســة سياســية لهــا خطــة عمل‬ ‫واضحــة وصارمــة‪ ،‬ولهــا‪ ،‬وجوبـاً‪ ،‬قــوى عســكرية نافــذة‬ ‫أو هــي تحــاول أن متســك األرض والقــرار وتتمســك‬ ‫بهــا‪ ،‬وجمهورهــا الداعــم هــو كل تلــك التفرعــات‬ ‫التــي خلصــت لتشــكل صوت ـاً إعالمي ـاً أو وحــدة دعــم‬ ‫وإغاثــة‪ ،‬أو شــتى املنابــر األخــرى واملتجاوبــة الدفــع مــع‬ ‫الخــط الســيايس الواضــح يف وطنيتــه وآليــات عملــه‪،‬‬ ‫مــع إقرارنــا بــأن أفــدح أخطــاء املــايض متثلــت بعــدم‬ ‫اســتيعاب جمهــور الثــورة املهمــش متهيــدا ً إلســقاط‬ ‫حمولتهــا الزائــدة‪..‬‬ ‫‪ ..‬أســوق هــذه البديهيــات ألن هنــاك خلطــاً وتوهــاً‬ ‫بــأن األنشــطة يف املنظــات املدنيــة واإلعالميــة أو‬ ‫التعليــق والكتابــة عــى مواقــع التواصــل االجتامعــي‬ ‫هــو محــض الفعــل الثــوري الســيايس املبــارش‪ ..‬ذلــك‬ ‫أحيان ـاً جــزء مــن تيــه املوقــف‪ ،‬والفــارق الحاســم بــأن‬ ‫حقــل العمــل الســيايس يف الثــورة ليــس انحيــازا ً إىل‬ ‫(فريقــي املفضــل)‪ ..‬والــذي ال يُكلفنــي وال يطالبنــي إال‬ ‫بالرتويــج والتســويق لــه‪..‬‬ ‫أضــف إىل ذلــك أن كــرة التحــدث دون الت ـزام بربنامــج‬ ‫عمــل‪ ،‬وفقــدان املرجعيــة السياســية واألخالقيــة‬ ‫امللزمــة‪ ..‬وعــدم التفريــق بــن الشــخص وفكرتــه أو‬ ‫موقفــه‪ ،‬مــع مــا يُلــزم ذلــك مــن إفــر ٍاط يف شــخصنة‬ ‫القضايــا‪ :‬أي دمــج األفــكار باألشــخاص‪ ،‬والتعامــل معهــا‬ ‫بفكــ ٍر وعاطفــة موحدتــن‪ ،‬باتــت مــن الســاجات‬ ‫املزمنــة التــي مل تعــد املرحلــة تحتملُهــا‪ ..‬فــإذا أضفنــا‬ ‫أن معظــم الناطقــن باســم الثــورة اليــوم‪ ،‬إن كان عــى‬ ‫املســتوى (النخبــوي)‪ ،‬أو كان عــى املســتوى (الشــعبوي)‬ ‫إمنــا هــم متحدثــون بــا اختصــاص يكفــل لهــم صدقيــة‬ ‫مــا يتحدثــون عنــه‪ ،‬فــإن أبــرز أم ـراض الشــخصنة هــو‬ ‫ارتبــاط العمــل الثــوري‪ ،‬أو مــا يبــدو عمــاً ثوريــاً يف‬ ‫ظاهــره‪ ،‬بحــب الظهــور واملجــد الشــخيص‪ ،‬والتطلــع إىل‬ ‫التكســب املــايل باســم الثــورة‪ ،‬ودون أن أنهــي الفكــرة‬ ‫بالتذكــر بــأن (املــال) و(النفــوذ املســتند إىل القــوة) هام‬ ‫خطــة الرحيــل األبــدي ألمـراء الحــرب وكثــر مــن قــادة‬ ‫الكتائــب واأللويــة نحــو نهايــات غــر ثوريــة الســمعة‪،‬‬ ‫أي ـاً تكــن هــذه النهايــات‪..‬‬ ‫ال نشــك بــأن أوجــب واجبــات الســوريني‪ ،‬لينســجموا‬ ‫مــع مــا متليــه عليهــم خلفيتهــم األخالقيــة‪ ،‬وليتمكنــوا‬ ‫مــن تقديــم قضيتهــم لآلخــر يف صورتهــا املثاليــة‪،‬‬ ‫ترتكــز يف اح ـرام الضعــف اإلنســاين مبطلــق مــا تعنيــه‬ ‫العبــارة‪ ،‬والحاجــة والظــرف الشــخيص للســوريني عامــة‪،‬‬ ‫والبأســاء الشــديدة التــي أُســلم إليهــا غالبيـ ُة الســوريني‪،‬‬ ‫مــا أحــدث اختالطــات كثــرة يف املواقــف واألعــال‬ ‫والق ـرارات‪ ..‬فالكثــرون تُركــوا بــا مــوارد رزق‪ ،‬وأجــروا‬ ‫عــى التخــي عــن وظائفهــم ومصــادر عيشــهم اليتيمــة‬ ‫والوحيــدة‪ ،‬وكثــرون ألجأتهــم الظــروف إىل الهجــرة إىل‬ ‫الغــرب‪ ..‬ولكــن كل هــذا ال يُسـ ِّو ُغ تحويــل الضعــف إىل‬ ‫حالــة نواحيــة وانتقاديــة دامئــة‪ ،‬أو حالــة تربيريــة دامئة‪..‬‬ ‫كل ذلــك يثبــت بــأن معطــى التلــذذ باحتقــار اآلخريــن‬ ‫واالســتهانة بهــم‪ ،‬كنــوع مــن نزعــة فردانيــة عدوانيــة‬ ‫تحــت حجــج ومســميات املواقــف السياســية املخالفــة‬ ‫واملناوئــة أصبــح ُخلُقـاً إدمانيـاً فاشــياً‪ ،‬وأصبــح أصحابــه‬ ‫ظاهــرة اجتامعيــة فشــت أخالقهــا عــى الطابــع العــام‬ ‫املشــاهد‪.‬‬ ‫كل فــر ٍد منــا هــو «تاريخــه»‪ ..‬ال مف ـ َّر مــن اإلق ـرار‬ ‫إن َّ‬ ‫بذلــك‪ ..‬قبــل أن يكــون ثوريــاً هــو ذلــك (التاريــخ‬ ‫الشــخيص)‪ ،‬وبعــد أن انحــاز إىل الثــورة وانخــرط يف‬ ‫صفوفهــا‪ ،‬هــو أيضـاً ذلــك (التاريــخ الشــخيص)‪ ..‬فتاريخُه‬ ‫ـب الثــور ُة أقــواالً‬ ‫هــو محصل ـ ُة عطائــه وهويتــه‪ ..‬ال تَ ُجـ ُّ‬ ‫وأفعــاالً‪ ،‬وال تُــ َزكِّ أقــواالً وأفعــاالً أخــرى‪ ،‬ومــا عــى‬ ‫املــرء إذا مــا قــرر أن يختــم تاري َخــه باملوقــف املــرف‬ ‫مــن الوطــن ومــن الثــورة ومــن الحيــاة بالعمــوم‪ ،‬إال أن‬ ‫يؤكـ َد ذلــك التاريــخ الشــخيص أو يُص ِّح َحـهُ‪ ،‬وليــس وراء‬ ‫هذيــن الخياريــن خيــا ٌر ثالــث‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫غريب الدار‬ ‫ثورات وتساؤالت‬ ‫عبد العظيم إسماعيل‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ال زلنــا نعيــش يف مرحلــة انتفاضــات وثــورات يف عــدد مــن‬ ‫الــدول العربيــة بعضهــا اشــتعل‪ ،‬وبعــض منهــا ال يـزال يغيل‪،‬‬ ‫وبعــض منهــا كجمــر تحــت الرمــاد‪ ،‬وكلهــا تريــد أن تنهــي‬ ‫عقــوداً بغيضــة وكريهــة مــن القمــع واالســتبداد لحــكام‬ ‫طغــاة اســتعبدوا الحــرث والنســل‪ ،‬وأداروا البــاد كــا تُــدار‬ ‫امل ـزارع؛ اســتغالالً ونهب ـاً وســلباً بشــتى الوســائل ومختلــف‬ ‫الطــرق والتســميات‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫والتســاؤل‪ ،‬هــل حقّقــت هــذه الثــورات اآلمــال واملطامــح‬ ‫التــي مــن أجلهــا ُقدّ مــت تضحيــات جســيمة مــن مختلــف‬ ‫رشائــح املجتمــع؟ والتســاؤل الــذي يثــر األمل والحــرة‪ ،‬ملــاذا‬ ‫والتمســك بالســلطة إذا كان الثمــن دمــار‬ ‫كل هــذا التع ّنــت‬ ‫ّ‬ ‫البــاد؟ مــا فائــدة الجلــوس عــى كــريس مبنــي مــن جامجــم‬ ‫العبــاد‪ ،‬والعــزف عــى الج ـراح مــع جوقــة القتلــة‪ ،‬وتدمــر‬ ‫الحــارض ومحــو املــايض‪ ،‬والجلــوس كغــراب ينعــق عــى‬ ‫بقايــا مــا يســمى وطــن؟‬ ‫(‪)3‬‬ ‫وهــذه الثــورات ال تــزال تثــر التســاؤالت‪ ،‬فمنهــا مــا‬ ‫اســ ُتغلت دمــاء شــهدائها ليمتطيهــا العبــون وانتهازيــون‬ ‫ويتخذونهــا ســبيالً لســدّ ة الســلطة تحــت مســميات‬ ‫وهويــات وأيدلوجيــات وأجنــدات‪ ،‬ويتنقلــون فيــا بينهــا‬ ‫حســب مــا تقتضيــه الظــروف واملصلحــة‪ .‬ومــن الثــورات مــا‬ ‫بــدأت تــأكل أبناءهــا‪ ،‬وتقــي عــى رموزهــا‪ .‬ومــا يبــدو أن‬ ‫الثــورات تعيــش مرحلــة تخ ّبــط‪ ،‬وتبــدو كالناقــة العميــاء‪،‬‬ ‫وقــد تفشــل يف الوقــت الحــارض عــى األقــل يف إدارة شــؤون‬ ‫بالدهــا وفــق املفاهيــم التــي قدّ مــت مــن أجلهــا التضحيات‪.‬‬ ‫لكــن ال يعنــي هــذا أنهــا مل تحقّــق بعــض املنجــزات مــن‬ ‫إزاحــة بعــض الطغــاة وبعضهــا ال ي ـزال يف عــن العاصفــة‪،‬‬ ‫ومــن املنج ـزات أيض ـاً الكشــف عــن الوجــه البشــع لبعــض‬ ‫القــوى واألحـزاب وتعريتهــا‪ ،‬وخاصــة وأنهــا كانــت تدّ عــي يف‬ ‫العهــود الســابقة بأنهــا تع ّرضــت للقهــر والظلــم واإلقصــاء‪.‬‬ ‫ويبــدو أيضــاً أن الثــورات ال زالــت يف مرحلــة املخــاض‪،‬‬ ‫وال ُيعلــم كــم ستســتمر هــذه املرحلــة‪ ،‬فالطريــق ال ت ـزال‬ ‫طويلــة وشــائكة‪ ،‬والرؤيــة غامئــة‪ ،‬وليســت واضحــة املعــامل‪،‬‬ ‫وإىل أن تتكشّ ــف الرؤيــة كــم ســتحتاج األرض مــن الدمــاء‬ ‫لتنبــت ربيع ـاً أخــر!‬ ‫(‪)4‬‬ ‫كــا أن الـراع بــن أبنــاء الثــورة ليس جديــداً أو مســتحدثاً‪،‬‬ ‫فهــذا مــا حــدث آنفــاً يف الثــورة الفرنســية‪ ،‬ومــن بعدهــا‬ ‫الثــورة البلشــفية والثــورة اإليرانيــة‪ ..‬ورمبــا يصــل األمــر‬ ‫إىل حــرب أهليــة إىل أن تســتقر األمــور أو أن يقفــز ثائــر‬ ‫باســم الثــورة‪ ،‬وليتحـ ّول بالتدريــج فيــا بعــد إىل ديكتاتــور‪.‬‬ ‫(وكأنــك يــا أبــو زيــد مــا غزيــت!)‬ ‫(‪)5‬‬ ‫قيــل‪ :‬الثــورة يخطّــط لهــا املفكــرون‪ ،‬ويقــوم بهــا الشــجعان‪،‬‬ ‫ويجنــي مثارهــا االنتهازيــون‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫د‪ .‬محمد حاج بكري‬ ‫بعــد أربــع ســنوات مــن عمــر الثــورة‬ ‫الســورية املباركــة حققــت الثــورة نرصهــا‬ ‫عــى نفســها عــر وعيهــا الــذي كان معدوم ـاً‬ ‫ومفقــودا ً‪ ،‬وبذلــك اســتكملت رشوط انتصارهــا‬ ‫عــى القمــع والوحشــية والرببريــة‪ ،‬وأضحــى‬ ‫تحقيــق النــر مســألة وقــت وخطــط وتنظيم‬ ‫وصــور القــدرة عــى التضحيــة مــن أجــل‬ ‫الوطــن واضحــة كل يــوم ألن معــامل الوعــي ال‬ ‫تقتــر عــى الفهــم يف حــد ذاتــه بــل عــى‬ ‫رهــن النفــس لتحقيــق األهــداف املنشــودة‪.‬‬ ‫كل مــا جــرى مــن قتــل وتدمــر وتهجــر‬ ‫وإســالة للدمــاء الطاهــرة ليســت إال عنوانــاً‬ ‫براق ـاً النتصــار الشــعب الســوري عــى نفســه‬ ‫واكتســابه الحــس الوطنــي الحقيقــي عــى‬ ‫نطــاق واســع ودليلــه معاناتــه التــي ال توصــف‬ ‫وشــهداء معــارك الحريــة والكرامــة‪ ،‬ومــا نحــن‬ ‫فيــه اآلن مــن تقلبــات وانتكاســات وانتصــارات‬ ‫يعــود ســببه إىل التخطيــط والتنظيــم بســبب‬ ‫الحالــة العفويــة الناجمــة عــن عــدم جمــع‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫هنيئ��ا للث��ورة الس��ورية‬ ‫الوعــي يف ســلة واحــدة وتوســع مســاحة‬ ‫النخــب الثوريــة لتحقيــق األهــداف التــي ثــار‬ ‫الشــعب مــن أجلهــا كونهــا مل تكتســب الخــرة‬ ‫السياســية‪ ،‬وهــو وضــع طبيعــي ملرحلــة‬ ‫شــديدة الحساســية يف املواجهــة مــع القــوى‬ ‫الوحشــية التــي متتلــك أدوات القمــع والقتــل‬ ‫والدمــار ألنهــا مل تســتطع تحقيــق النــر عــى‬ ‫الشــعب‪.‬‬ ‫نحــن نعيــش حالــة جديــدة مــن الوعــي‬ ‫واإلدراك لــن تنتهــي إال بتحقيــق النــر مهــا‬ ‫كانــت التضحيــات التــي قدمــت‪ ،‬والتي ســوف‬ ‫تقــدم‪ ،‬ولــن يســتطيع األســد وشــبيحته وإيران‬ ‫مهــا اســتخدموا مــن أدوات القمــع إخــاد‬ ‫الثــورة أو إعــادة إنتــاج أنفســهم مــرة أخــرى‬ ‫يف صــور خادعــة وكاذبــة‪ .‬وهــم واهمــون ألن‬ ‫درجــة الوعــي يف الثــورة يف حــال تطــور دائــم‪،‬‬ ‫ورؤيتهــا للمســتقبل أكــر رســوخاً ويقينــاً‪.‬‬ ‫وإذا كان جــزء قليــل مــن الشــعب ال يــزال‬ ‫داع ـاً للدكتاتوريــة والتســلط ومتخوف ـاً مــن‬

‫املســتقبل فألنهــم ال يدركــون بــأن الــرط‬ ‫األســايس لنجــاح الثــورة يكمــن يف غلبــة‬ ‫الداعمــن لهــا عــى الرافضــن واملعاديــن لهــا‬ ‫بحكــم املصالــح وت ـزاوج رأس املــال والســلطة‬ ‫أو الخــداع اإلعالمــي أو األبعــاد النفســية‬ ‫املكونــة لإلنســان ومهــا تــم الرتويــج عــن‬ ‫ســلبيات ثــورة الحريــة فهــي تســتهدف إخفــاء‬ ‫حقيقــة أن املعركــة قــد حســمت وأن النــر‬ ‫قــاب قوســن أو أدىن وهــي دعايــات تقــدم‬ ‫شــواهد عــى أن املعركــة مســتمرة وليــس‬ ‫العكــس‪.‬‬ ‫إن تقديرنــا هــذا يتناقــض مــع مــا يــروج لــه‬ ‫مــن ثــورة مضــادة والقــول بانتصــار الثــورات‬ ‫املضــادة اســتنادا ً إىل أعــال القتــل والتهجــر‬ ‫والقمــع والرباميــل املتفجــرة والطـران الحــريب‬ ‫ليــس إال محاولــة إليصــال رســالة عقليــة‬ ‫باالعتــاد عــى التأثــر النفــي‪ ،‬وعــى الخــوف‬ ‫مــن املواجهــة إلخفــاء مــا حــدث مــن تغيــر‬ ‫جوهــري وجــذري للشــعب الســوري وعــى‬

‫اهلزميـــــــــة النفســـيــــــــــــة؟‪.‬‬ ‫أمحد الرمح‬ ‫كل أمــم األرض ُهزمــت عــر تاريخهــا‬ ‫عســكرياً‪ ،‬ولكــن األمــم الحيــة هــي التــي‬ ‫تبحــث يف أســباب وعوامــل هزميتهــا‬ ‫العســكرية؛ وتعمــل عــى تجاوزهــا‪ ،‬حتــى‬ ‫ال تتحــول إىل هزميــة نفســية‪ .‬فالهزميــة‬ ‫العســكرية يتــم تجاوزهــا مــع الزمــن‪،‬‬ ‫ولكــن الهزميــة النفســية تحتــاج إىل أكــر‬ ‫مــن جيــل لتجاوزهــا لكونهــا تؤثــر عــى‬ ‫البنيــة العقليــة والــروح املعنويــة للمجتمع؛‬ ‫وتــرك آثــارا ً نفســية ليــس مــن الســهل‬ ‫تجاوزهــا‪ .‬لذلــك عندمــا وجــد مــوىس بنــي‬ ‫إرسائيــل مهزومــن مــن الداخــل‪ ،‬هزميــة‬ ‫نفســية؛ خــرج بهــم إىل ســيناء‪ ،‬ودخلــوا يف‬ ‫التيــه حتــى انتهــى الجيــل املهــزوم نفســياً‬ ‫وجــاء جيــل جديــد ملــك العزميــة واإلرادة‬ ‫والطمــوح‪.‬‏‪ ..‬إذن‪ :‬الهزميــة النفســية أخطــر‬ ‫مــن الهزميــة العســكرية!‪.‬‬ ‫ملاذا هي أخطر‪:‬‬ ‫إن التاريــخ قــد بــن لنــا أن األمــم التــي‬ ‫ُهزمــت عســكرياً‪ ،‬ثــم تولــد عــن الهزميــة‬ ‫العســكرية هزميــة نفســية ثــم هزميــة‬ ‫ثقافيــة؛ ضاعــت هويتهــا‪ ،‬و ُمســخت‬ ‫شــخصيتها وانتهــت تاريخيـاً‪ ،‬واألمثلــة عــى‬ ‫ذلــك كثــرة؛ ففــارس اإلمرباطوريــة العظيمة‬ ‫عندمــا انهزمــت أمــام دولــة اإلســام‬ ‫عســكرياً؛ ثــم ثقافيــاً‪ ،‬ضاعــت هويتهــا‪،‬‬ ‫واســتبدلتها بهويــة الفاتحــن الجــدد‪،‬‬ ‫وقبلــت ثقافــة املنتــر وأيديولوجيتــه‪.‬‬ ‫أمــا التتــار فرغــم انتصارهــم العســكري‬ ‫إال أنهــم ُهزمــوا أمامنــا ثقافيــاً‪ ،‬ألننــا كنــا‬ ‫أقــوى منهــم يف هــذا املجــال‪ .‬فهــم وإن‬ ‫اســتعمرونا إال أنهــم رسعــان مــا خرجــوا من‬ ‫بالدنــا يحملــون ثقافــة اإلســام وعقيدتــه؛‬ ‫وهــذا حــدث تاريخــي فريــد‪.‬‏‬ ‫ولكن‪:‬‬ ‫هنــاك أمــم كثــرة هزمــت عســكرياً‪،‬‬ ‫ولكنهــا مل تصــل إىل الهزميــة النفســية‪،‬‬ ‫فعــادت مــن جديــد لتقــف عــى قدميهــا‬ ‫أقــوى مــا كانــت‪ .‬فاليابــان هزمــت‬ ‫وضبــت بقنبلتــن ذريتــن‪ ،‬ولكن‬ ‫عســكرياً؛ ُ‬ ‫حكامءهــا تدارســوا أســباب الهزميــة‪ ،‬وبحثوا‬ ‫يف األســباب التــي تجعلهــم ينهضــون مــن‬ ‫جديــد‪ ،‬واللحــاق يف ركاب الــدول املتطــورة‪،‬‬

‫ونجحــوا يف ذلــك؛ وكان أهــم عاملــن يف منع‬ ‫حصــول الهزميــة النفســية لديهــم؛ أنهــم‬ ‫وضعــوا برنامجــاً للتعليــم ينهــض بالجيــل‬ ‫الجديــد؛ وآخــر إلسـراتيجية اقتصاديــة‪ .‬ومــا‬ ‫هــي إال ســنوات وإذا باليابــان تعــود إىل‬ ‫طليعــة الــدول املتطــورة‪.‬‏‬ ‫أمــا أملانيــا التــي لحقــت بهــا أخطــر هزميــة‬ ‫عســكرية؛ بعــد أن كانــت مــن أعظــم‬ ‫الــدول؛ مــرت باملرحلــة ذاتهــا التــي مــرت‬ ‫بهــا اليابــان واهتمــت بالتعليــم؛ وأنشــأت‬ ‫جي ـاً ذا عقليــة جديــدة؛ اهتــم بالتعليــم‪،‬‬ ‫ووضــع علــاء االقتصــاد إســراتيجية‬ ‫جديــدة وعــى رأســهم (جوزيــف شــاخت)‬ ‫حفظهــا مــن الوقــوع يف ثقافــة الهزميــة‪،‬‬ ‫عــى الرغــم مــن أن الحلفــاء قســموها‬ ‫إىل بلديــن‪ ،‬بإيديولوجيتــن متناقضتــن؛ إال‬ ‫أن إميــان الشــعب األملــاين بخصوصيتــه‪،‬‬ ‫وقدرتــه عــى تجــاوز الهزميــة؛ جعلتــه‬ ‫ينهــض مــن جديــد؛ ويقــر كل الهزائــم‬ ‫الســابقة التــي لحقــت بــه؛ ثــم توحــدوا‬ ‫مــن جديــد‪.‬‏‬ ‫ولقــد كان رســولنا العظيــم محمــد حريصـاً‬ ‫عــى هــذا املبــدأ؛ فبعــد حصــول الهزميــة‬ ‫العســكرية يف أحــد رسعــان مــا جمــع‬ ‫املســلمني بعــد عودتهــم مــن (أحــد)‬ ‫ولحــق باملرشكــن إىل (حمـراء األســد) ومنــع‬ ‫حصــول هزميــة نفســية؛ كــا حــرم املرشكــن‬ ‫مــن أن يســتفيدوا سياســياً مــن نرصهــم يف‬ ‫(أحــد) وكانــت تلــك الهزميــة درسـاً وحافـزا ً‬ ‫ملجتمــع الرســالة حتــى ال يقــع يف هزميــة‬ ‫أخــرى‪.‬‏‬ ‫إذا ً‪ :‬نحتــاج ونحــن نعيــش عــر الهزائــم‬ ‫املتالحقــة‪ ،‬وتعــرا ً ثوريــاً خطــرا ً‪ ،‬ومأســاة‬ ‫مل متــر بهــا ســورية يف تاريخهــا املعــارص!‬ ‫أن نحــذر مــن الوقــوع يف دوامــة الهزميــة‬ ‫النفســية‪ ،‬وعلينــا ـ حتــى نتقــي ذلــك ـ أن‬ ‫نفهــم ديننــا فه ـاً صحيح ـاً‪ ،‬يختلــف عــن‬ ‫الفهــم املوجــود اليــوم يف أذهاننــا‪ ،‬وأن‬ ‫نعــود إىل مقاصــده األساســية‪ ،‬التــي تجعــل‬ ‫العــامل ينفتــح علينــا وال يخــاف منــا‪ ،‬إذ لــوال‬ ‫هــذا الديــن الــذي حمــى األمــة قرونـاً رغــم‬ ‫الهزائــم الكثــرة لكانــت هــذه األمــة أث ـرا ً‬ ‫بعــد عــن‪.‬‏‬ ‫إن تحويــل هــذا الديــن العظيــم إىل‬

‫مــروع ســيايس؛ إللغــاء اآلخــر وتكفــره‬ ‫واســتئصاله؛ حتــى يقــول خصومــه‪ :‬يــا‬ ‫لوحشــية دينكــم‪....‬؟؟‪ .‬إســاءة إســراتيجية‬ ‫لديــن الحكمــة والرحمــة والخلــق الحســن!‪.‬‬ ‫دون البحــث والدراســة التحليليــة ألســباب‬ ‫انهيــار األمــم الســابقة التــي تحــدث عنهــا‬ ‫القــرآن الكريــم؛ واســتخالص مــن ذلــك‬ ‫مقدمــات انتصــار املجتمعــات والعمــل‬ ‫عــى تحقيقهــا يف الواقــع؛ والحــذر مــن‬ ‫أســباب انهيــار وانحطــاط املجتمعــات‪،‬‬ ‫ســيجرنا إىل هزميــة يعــد الخــروج منهــا أمـرا ً‬ ‫صعبــاً للغايــة‪.‬‬ ‫مــا نحتاجــه‪ ،‬حتــى ال ننهــزم تجديــد‪،‬‬ ‫يف البنيــة الثقافيــة للخــروج باملجتمــع‬ ‫مــن قابليــة الهزميــة إىل إرادة االنتصــار‬ ‫الحضــاري‪.‬‏ واالهتــام بالرتبيــة املرتافقــة‬ ‫بالعلــوم املعــارصة إليجــاد جيــل يؤمــن‬ ‫بالقــدرة عــى تحقيــق قفــزة حضاريــة‬ ‫ونهضــة علميــة‪ .‬و‏إحيــاء مفهــوم املقاومــة‬ ‫الوطنيــة بــكل أشــكالها‪ ،‬أمــام حالــة طغيــان‬ ‫االســتبداد الــذي يريــد هزميــة املجتمــع‬ ‫نفســياً بعــد أن دمــره وعــاث فيهــا خراب ـاً‪.‬‬ ‫ووضــع إســراتيجية متكاملــة لبنــاء جيــل‬ ‫جديــد عــى أســس علميــة ومعرفيــة‬ ‫وثقافيــة‪.‬‏‬ ‫إن مــن يعتقــد أن رصاعنــا مــع االســتبداد‬ ‫عســكري فقــط؛ فهو واهــم؟ وإن االســتبداد‬ ‫يعمــل عــى هزميتنــا نفســياً‪ ،‬ويعــد ذلــك‬ ‫أكــر أهميــة مــن النــر العســكري؟‪.‬‬ ‫لقــد تحمــل املجتمــع العــريب بثقافتــه‬ ‫اإلســامية يف صــدر تاريخــه أخطــاء‬ ‫وخطايــا‪ ،‬واســتطاع التغلــب عليهــا‪ ،‬والنجــاة‬ ‫مــن غوائلهــا لكنــه اليــوم تتجمــع يف ربوعــه‬ ‫بقايــا شــتى مــن انحرافــات مضــت‪....‬‬ ‫ويجــب أن ال ننــى أن األمــة التــي تنهــزم‬ ‫نفســياً ســيكون مــن الســهل جــدا ً هزميتهــا‬ ‫عســكرياً واقتصادي ـاً وسياســياً‪.‬‬ ‫إن مفهــوم إحيــاء إرادة النــر وعــدم‬ ‫االستســام؛ الخطــوة األوىل باتجــاه النــر‬ ‫ذاتــه؛ وإميانــك بعدالــة قضيتــك؛ يحميــك‬ ‫مــن الوقــوع يف مســتنقع الهزميــة النفســية؛‬ ‫ليجعلــك أكــر وعيــاً؛ فتعــرف طريــق‬ ‫االنتصــار؛ لتســلكه؛ وطريــق الهزميــة‬ ‫لتتجنبــه‪.‬‬

‫كل فاملســتقبل ال يكــون حقيقــة كليــة إال حــن‬ ‫يتحقــق النــر عــى املــايض‪.‬‬ ‫حقيقــة هنــاك بعــض العقــول يف االئتــاف‬ ‫وهيئــة التنســيق ال ت ـزال تائهــة وال تســتطيع‬ ‫اإلمســاك بجوهــر الحقيقــة بســبب هــول‬ ‫األحــداث ومــا ينــزف مــن دمــاء أو نتيجــة‬ ‫العاملــة املبطنــة ألن الشــعب إذا أراد الحيــاة‬ ‫فــا بــد أن يســتجيب القــدر فاألمــر يحتــاج‬ ‫وعيــاً ثاقبــاً مســتقبلياً مليئــاً بالعنفــوان‬ ‫والوطنيــة والفهــم لطبيعــة الشــعب الســوري‬ ‫الــذي أراد التغيــر ألن كل شــعوب األرض مل‬ ‫تــدرك قيمــة مــا حققتــه إال بعــد االنتصــار‬ ‫النهــايئ وكل شــعوب الدنيــا وقفــت يف طوابــر‬ ‫نــر صنعــه املضحــون بــا تــردد فيــا كانــت‬ ‫أدوار الواقفــن يف طوابــر النــر أقــل شــأناً‪.‬‬ ‫حســمت معركــة الشــعب الســوري وعقــول‬ ‫نخبــه الحقيقيــة البعيــدة عــن األضــواء‬ ‫واالئتــاف وهيئــة التنســيق واألحــزاب‬ ‫السياســية التــي مل يســمع بهــا يومـاً فقــد كان‬

‫شــعبنا مغيبـاً ال يــرى رضورة بتقديــم التضحية‬ ‫مــن أجــل حريتــه وكرامتــه عــاش ذلــك لفــرة‬ ‫طويلــة وعندمــا هبــت ريــاح درعــا األبيــة‬ ‫ولبتهــا فــورا ً الالذقيــة معقــل األســد وانتــرت‬ ‫يف كل ســوريا حاملــة الوعــي صنعــت التغيــر‬ ‫وتكالــب علينــا األعــداء ليجعلــوا مــن وعــي‬ ‫النــاس واســتعدادهم للتضحيــات مـ ٍ‬ ‫ـآس حتــى‬ ‫يعــودوا إىل حظائــر التدجــن تحــت مســميات‬ ‫الحــل الســيايس واالجتامعــات والفنــادق‬ ‫واالبتســامات التلفزيونيــة وإدعــاء السياســة‬ ‫والوطنيــة‪.‬‬ ‫يف ثورتنــا ال عنــوان للهزميــة وال املســاومة‪،‬‬ ‫بــل عنــوان ملســتقبل تقــدم كل التضحيــات‬ ‫ألجــل خدمتــه‪ ،‬وهــو يقــف يف انتظارنــا‪ ،‬وكل‬ ‫عناويــن القتــل والجنــون التــي يقــوم بهــا هــذا‬ ‫املعتــوه وشــبيحته ليســت إال تأكيــدا ً عــى‬ ‫اإلفــاس وعــى أن الشــعب الســوري مل ولــن‬ ‫يخضــع‪ ،‬ولــن ينتــر الديكتاتــور وإي ـران‪ ،‬وال‬ ‫الثــورة املضــادة ومــن واالهــم‪.‬‬

‫ملــاذا ثـار الــسوريـون؟‬ ‫أمحد حممد نور ُ‬ ‫العجيلي‬ ‫تقــض مضجــع‬ ‫كثــر ٌة تلــك األســئلة التــي‬ ‫ّ‬ ‫الســوريني طيلــة سـ ٍ‬ ‫ـنوات أربــع مـ ّرت عــى مأســاتهم‬ ‫الكــرى‪ .‬وكثــر ٌة تلــك اإلجابــات التــي يبحثــون عنهــا‪،‬‬ ‫كل ليلــة بــر ٍد يف خيمــ ٍة‬ ‫وتقــض مضجعهــم أنــاء ّ‬ ‫ّ‬ ‫يقضونهــا‪ ،‬أو منــز ٍل متهالــك ينتظــر أزيــز الطائ ـرات‬ ‫فحســب يك يتــوارى كل ّيــاً عــن الوجــود‪ .‬ملــاذا؟‬ ‫ملــاذا انتفــض الســوريون منــذ مــا يقــارب سـ ٍ‬ ‫ـنوات‬ ‫أربــع؟! وهــل كان مــن املمكــن تجنيبهــم كل تلــك‬ ‫الويــات التــي حاقــت بهــم‪ ،‬وبأجيــال قادمــة؟! هــل‬ ‫يســتحق الســوريون مــا جــرى لهــم؟! هــل اقرتفــوا‬ ‫ذاك الذنــب الــذي تو ّعــد بــه اللــه قــوم عــاد ومثــود‬ ‫فأرســل عليهــا ريحــاً رصرصا ً مل تبــق ومل تــذر؟!‬ ‫أم تراهــم حطمــوا أصنــام «عــازر» فأمــر منــرود‬ ‫بحرقهــم عــن بكــرة أبيهــم؟!‬ ‫أم إنهــم تحولــوا فجــأة ويف ملــح البــر إىل مرتزقــة‬ ‫وشــحاذين وعمــاء «للبــرودوالر» فباعــوا بالدهــم‬ ‫كل مــا ج ّرتــه عليهــم‬ ‫وركنــوا للخيانــة رغــم ّ‬ ‫خيانتهــم؟! هــل حق ـاً مل يقبــل أهــايل أطفــال درعــا‬ ‫اعتــذار رئيســهم املبجــل‪ ،‬ومعاقبتــه لقاتــل أطفالهــم‬ ‫ومغتصــب نســائهم؟! وهــل فعـاً كان أهــايل حمــص‬ ‫وإدلــب والغوطــة والرقــة وديــر الــزور مجــرد خونــة‬ ‫اندســوا بــن ثنايــا الشــعب الســوري الجميــل‪،‬‬ ‫وراحــوا يبثــون الفــن يك يدمــروا الجــزء «املفيــد»‬ ‫مــن ســورية؟!‬ ‫يف إحــدى املقابــات التلفزيونيــة لرئيــس الــوزراء‬ ‫الفرنــي «األســبق» (دومنيــك دوفيلبــان) يصــف‬ ‫الرئيــس الــذي يجــب أن يحكــم أي شــعب بأنــه‪( :‬‬ ‫ليــس هــو الرئيــس الــذي يُخيــف‪ ،‬بــل هــو الرئيــس‬ ‫الــذي يخــاف)‪ .‬رمبــا نختلــف قليـاً مــع دولــة رئيــس‬ ‫الــوزراء يف اســتعامل األفعــال ال أكــر؛ ففــي فرنســا‬ ‫يســتعملون الفعــل (خــاف_ يخــاف)‪ ،‬بينــا ال‬ ‫نختلــف عنهــم يف ســورية كثـرا ً ســوى أننــا نســتعمل‬ ‫الصيغــة الرباعيــة مــن الفعــل فنقــول‪ ( :‬أخــاف_‬ ‫يُخيــف)‪.‬‬ ‫نعــم‪ ،‬االختــاف ليــس كبــرا ً‪ .‬فرئيســهم يخــاف أن‬ ‫يحبــط آمــال شــعبه الــذي انتخبــه‪ ،‬يخــاف الفشــل‪،‬‬ ‫وهــول املســؤولية‪ .‬بينــا يف ســورية‪ ،‬فالرئيــس هــو‬ ‫مــن يُخيــف‪ ،‬هــو مــن ال يجــرؤ أحــ ٌد عــى ذكــر‬ ‫اســمه دون مــا يلحقــه مــن صفـ ٍ‬ ‫ـات وأســا ٍء حســنى‬ ‫تــرز امتنــان القائــل لســيادة الرئيــس بتكرمــه عــى‬ ‫الســوريني وموافقتــه عــى أن يحكمهــم‪ ،‬عــى نهــج‬

‫ســلفه الخالــد‪.‬‬ ‫اليــوم‪ ،‬وبعــد مــرور أربــع ســنوات عــى ثــورة‬ ‫الســوريني مل يبــق أمامهــم ســوى مواصلــة طريــق‬ ‫الكفــاح إىل نهايتــه‪ .‬فمــن مل يتــورع عــن تكســر‬ ‫أصابــع أطفــال درعــا يف بدايــة الثــورة‪ ،‬ومــن مل يجــد‬ ‫حرجـاً يف تهجــر أهــايل حمــص والغوطــة‪ ،‬ومــن قــام‬ ‫بفتــح أبــواب دولتــه ملرتزقــة العــامل يعيثــون فيهــا‬ ‫فســادا ً وتدمـرا ً؛ مــن قــام بــكل ذلــك لــن يتــواىن عــن‬ ‫تدمــر مــا تبقــى مــن الشــعب الســوري‪ ،‬ولــن يفهــم‬ ‫ســوى لغــة النــار‪ .‬تلــك اللغــة التــي بدأهــا جيشــه‬ ‫العرمــرم «الباســل»‪ ،‬والتــي ســتحرقه يومــاً كــا‬ ‫أحرقــت قبلــه طغــا ًة كــر م ـ ّروا عــى هــذه األرض‪.‬‬ ‫يُحــى أ ّن أبــا األســود الــدؤيل كان يطــوف يومــاً‬ ‫بالكعبــة وخلفــه زوجتــه‪ ،‬وكانــت كلــا أمتــت شــوطاً‬ ‫يعــرض لهــا الشــاعر عمــر بــن أيب ربيعــة‪ ،‬فحــدث أن‬ ‫أخــرت زوجهــا مبــا يقــوم بــه ذاك املتطفــل؛ واحرتامـاً‬ ‫لقُدسـ ّية موقفهــا حــول الكعبــة عاتبــه أبــو األســود‬ ‫وطلــب منــه أال يعيــد فعلتــه تلــك؛ إال أ ّن الشــاعر‬ ‫املتطفــل مل ميتثــل لرغبــة أيب األســود‪ ،‬فأعــاد الكــرة‬ ‫مــ ّرة أخــرى‪ ،‬وراح يتحــ ّرش باملــرأة كلّــا مــرت‬ ‫بجانبــه‪ ،‬وحــن مل يجــد بــدا ًّ مــن ذلــك‪ ،‬قــام أبــو‬ ‫األســود الــدؤيل بالطــواف ممتشــقاً ســيفه‪ ،‬فــا كان‬ ‫مــن الشــاعر إال أن ابتعــد عنهــا‪ ،‬وف ـ ّر خوف ـاً مــن‬ ‫غضــب زوجهــا‪ .‬فقــال أبــو األســود‪:‬‬ ‫تعــدو الذئــاب عــى مــن ال كالب لــه وتتقــي صولــة‬ ‫املستأســد الحامــي‬ ‫عطفــاً عــى مــا ســبق‪ ،‬فالســوريون مل يقومــوا‬ ‫بثورتهــم رغبــة يف القتــل‪ ،‬أو إرصارا ً منهــم عــى‬ ‫تدمــر بالدهــم‪ ،‬فقــد حاولــوا وبــكل الطــرق‬ ‫الســلمية تج ُّنــب تلــك املحرقــة الكــرى‪ ،‬إال أنهــم‬ ‫مل يجــدوا بصيــص أمــلٍ عنــد قاتــل مجــرم مل يتــورع‬ ‫ٍ‬ ‫عــن إحــراق مــدنٍ‬ ‫وبلــدات بأكملهــا‪.‬‬ ‫ومــن م ّنــا ال يذكــر تلــك الكلــات التــي خطّهــا أهــل‬ ‫«دومــا» يوم ـاً يف بدايــة مظاهراتهــم الســلمية التــي‬ ‫كتبــوا فيهــا اآليــة الكرميــة «ولــن بســطت يــدك‬ ‫لتقتلنــي‪ ،‬فــا أنــا بباسـ ٍ‬ ‫ـط يــدي ألقتلــك»‪ .‬ال ميلــك‬ ‫الســوريون خيــارا ً آخــر حيــال مــا قــام ويقــوم بــه‬ ‫األســد وجيشــه «الباســل» ســوى متابعــة الطريــق‪،‬‬ ‫وال ميلــك الســوريون ســوى خيــار إكــال مــا تبقــى‬ ‫لهــم مــن خطـ ٍ‬ ‫ـوات نحــو الحريــة والعدالــة واملســاواة‬ ‫التــي خرجــوا يوم ـاً ينشــدونها‪ .‬فكــا قيــل ويقــال‪:‬‬ ‫(نصــف ثــورة يعنــي املــوت)‪.‬‬


‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫‪15‬‬

‫العمل املدني يف الثورة السورية‬ ‫عبد الرحمن مطر‬ ‫البــد مــن القــول بوضــوح أن العمــل‬ ‫املــدين‪ ،‬الــذي حــرم منــه الســوريون لزمــن‬ ‫طويــل‪ ،‬قــد ُمنــي بانتكاســة كبــرة‪ ،‬نتيجــة‬ ‫للتحديــات الج ّمــة التــي مــا يــزال يواجههــا‪،‬‬ ‫ودفعــت بــه إىل حافــة الفشــل‪ .‬كان مــن‬ ‫الطبيعــي أن تنشــأ املرشوعــات والتجمعــات‪،‬‬ ‫ومنظــات املجتمــع املــدين يف ســورية‪ ،‬مــا‬ ‫بعــد انتفاضــة الخامــس عــر مــن آذار‪/‬مــارس‪،‬‬ ‫بصــورة رسيعــة وك ـ ّم كبــر للغايــة‪ .‬فالحرمــان‬ ‫مــن أوجــه العمــل املــدين وبالطبــع الســيايس‪،‬‬ ‫كان يجــري عــى الــدوام ضمــن سياســة قمعيــة‬ ‫منظمــة ومدروســة‪ ،‬التزمــت بهــا الزمــر التــي‬ ‫حكمــت ســوريا منــذ آذار عــام ‪ ،1963‬وكان‬ ‫تجميــد عمــل املنظــات‪ /‬الجمعيــات األهليــة‪-‬‬ ‫املدنيــة‪ ،‬ووضعهــا تحــت رقابــة الدولــة‪ ،‬ووقف‬ ‫منــح موافقــات التســجيل‪ ،‬واحــدا ً مــن أشــد‬ ‫القـرارات انعكاسـاً ســلبياً عــى الحيــاة العامــة‬ ‫يف ســورية‪ ،‬التــي عمــل النظــام الســيايس‬ ‫«األمنــي‪ -‬البعثــي» عــى بعرثتهــا‪ ،‬وربطهــا‬ ‫بدوائــره املبــارشة‪.‬‬ ‫جــاءت ثــورة الســوريني ضــد االســتبداد‪ ،‬بفرص‬ ‫كبــرة ســنحت باســتعادة العمــل املــدين‪ ،‬عــى‬ ‫نطــاق واســع‪ ،‬امتــد مــن تشــكيل التنســيقيات‬ ‫واملنظــات‪ ،‬إىل مجالــس اإلدارة املدنيــة‪،‬‬ ‫يف املناطــق غــر الخاضعــة لســلطة النظــام‪.‬‬

‫طارق عبد الغفور‬

‫انتــرت بصــورة ملفتــة لالهتــام والدراســة‬ ‫كظاهــرة جديــدة يف الحيــاة الســورية املتمردة‪،‬‬ ‫وأتيــح ملــن شــاء أن يؤســس فضــاء للعمــل‬ ‫املــدين دون أيــة ضوابــط أو رقابــة‪ ،‬لكــن ذلــك‬ ‫كان لــه انعكاســات عــى مســتوى األداء الــذي‬ ‫شــابه كثــر مــن اإلشــكاليات التــي مل يســتطع‬ ‫تجاوزهــا‪ ،‬فوقــع أس ـرا ً لهــا‪.‬‬ ‫الواقــع‪ ،‬إن العمــل املــدين مل ينقطــع‪ ،‬رغــم‬ ‫كل وســائل وأســاليب القمــع والتعذيــب‬ ‫والرتهيــب التــي مارســها النظــام األمنــي‪ ،‬ضــد‬ ‫نخــب العمــل املــدين الســوري‪ ،‬عــى مــدار‬ ‫خمســن عامــاً‪ .‬كــا أن الثــورة مل تــأت مــن‬ ‫فـراغ‪ ،‬فالعمــل الســيايس والثقــايف واالجتامعــي‪،‬‬ ‫الــذي يهــدف للتغيــر‪ ،‬كان قــد شــكل األرضيــة‬ ‫املالمئــة‪ ،‬والبيئــة املؤاتيــة النطالقــة انتفاضــة‬ ‫مــن أجــل اســتعادة الحريــات والكرامــة‪ .‬غــر‬ ‫أن تســارع األحــداث عــى مســتويات ثــاث‪:‬‬ ‫الربيــع العــريب يف تونــس ومــر وليبيــا‪ ،‬و‬ ‫الشــارع الســوري املنتفــض‪ ،‬عنــف النظــام‬ ‫الســوري‪ ،‬أعــاق العمــل املــدين عــن االرتقــاء‬ ‫أو اللحــاق بهــا‪ ،‬كشــفت قصــوره عجــزه‪،‬‬ ‫فتجاوزتــه‪ .‬لتــأت عمليــة «أســلحة ومــن ثــم‬ ‫أســلمة» الثــورة‪ ،‬لتســتبعده بصــورة تدريجيــة‬ ‫عــن الحــراك الثــوري‪.‬‬ ‫اليــوم‪ ،‬وبعــد أربــع ســنوات‪ ،‬ليســت هنــاك‬ ‫إحصائيــة دقيقــة ملؤسســات العمــل‪ /‬املجتمــع‬ ‫املــدين الســوري‪ .‬ذلــك أن االنقســام الحــا ّد‬

‫يف منتصــف هــذا الشــهر ومــع صــدور عــدد الحرمــل‬ ‫الخــاص بهــا‪ ،‬تكــون الثــورة الســورية قــد أغلقــت البــاب‬ ‫عــى ســنتها الرابعــة‪ ،‬وفتحــت بــاب ســنتها الخامســة‪.‬‬ ‫ويرتافــق ولوجهــا الســنة الخامســة مــع اســتمرار وازديــاد‬ ‫انكفــاء الفعــل الداخــي للمعارضــة‪ ,‬وبــروز ســمة ليســت‬ ‫جديــدة كليــاً تصبــغ الفعــل الخارجــي لهــا‪ .‬واســتمرار‬ ‫انكفــاء الفعــل الداخــي ال تغــره االنتصــارات التــي حققهــا‬ ‫الثــوار عــى األرض يف مرحلــة مــا يف أواخــر الســنة املنرصمــة‬ ‫عــى جبهــة الجنــوب‪ ,‬ويف األســابيع واأليــام األخــرة عــى‬ ‫جبهــة الشــال‪.‬‬ ‫ُولــد مؤمتــر موســكو ميتـاً‪ ,‬واألطـراف البائســة التــي شــاركت‬ ‫فيــه مــن وجــوه الصفــوف الخلفيــة يف املعارضــة ضيّعــت‬ ‫أماكــن جلوســها‪ ,‬وكان ميكــن لهــذه الــوالدة امليتــة أن تدفــع‬ ‫باتجــاه إعــادة تجميـعٍ لقــوى املعارضــة السياســية‪ ,‬أو حتــى‬ ‫باتجــاه التفكــر يف إعــادة هيكلتهــا لــوال أن أصابهــا التعــب‪،‬‬ ‫وكل‬ ‫وهــي التــي تشــكو أساســاً مــن فقــر الــدم والهــزال‪ِّ ،‬‬ ‫أشــكال الضعــف البنيــوي‪ ,‬فر ّحلــت‪ ،‬عــى مــا يبــدو‪ ،‬همــوم‬ ‫إعــادة التجميــع أو إعــادة التشــكيل إىل مؤمتــر القاهــرة يف‬ ‫نيســان املقبــل‪.‬‬ ‫مــا بــن موســكو والقاهــرة أربعــة أشــهر قــد تزيــد أو قــد‬ ‫تنقــص‪ ,‬متــارس املعارضــة فيهــا تــرف االســرخاء وكأنــه ال‬ ‫اميــل تهطــل مــن الســاء‪ ,‬وال تســيل دمــاء‪ ,‬وال يدمــر‬ ‫بر َ‬ ‫بنــاء‪.‬‬ ‫وال ينــى بعــض املعارضــن أن ميارســوا هوايــة إنشــاء كيانات‬ ‫معارِضــة جديــدة‪ ،‬نســأل اللــه أن تكــون «قمحـاً أو شــعريا ً أو‬ ‫عدس ـاً» آخ َرهــا ألنــه مل يبـ َـق محــاتٌ إال إذا بنينــا مالحـ َـق‬ ‫عــى ســطح بنــاء املعارضــة ذي األســاس الضعيــف أصــاً‪,‬‬ ‫وقــد نفعــل‪.‬‬ ‫ـب‬ ‫الحديــث عــن انكفــاء الفعــل الداخــي للمعارضــة ال يع ِّقـ ُ‬ ‫إال ندمـاً وحــرة‪ .‬ســيذهب املعارضــون إىل القاهــرة ليقــدم‬ ‫كل رؤيتــه ‪ ,‬وقــد يخرجــون بورقــة عمــل لــن تختلــف‬ ‫ٌ‬ ‫عــن أوراق العمــل املوجــودة عــى رفوفهــم العاليــة إال مبــا‬ ‫يســتجيب لنصائــح الســفري فــورد‪ .‬أو قــد يخرجــون بخارطــة‬ ‫طريــق ال تدلهــم عــى االتجــاه الصحيــح‪.‬‬ ‫كل عــى‬ ‫يف مقابــل هــذا االنكفــاء يتمــدد العبــو الخــارج ٌ‬

‫الــذي طبــع املعارضــة الســورية مبختلــف‬ ‫تل ّوناتهــا وتياراتهــا‪ ،‬انعكــس عــى العمــل‬ ‫املــدين‪ ،‬الــذي ميكننــا أن نشــر إىل جملــة‬ ‫مــن أســباب هشاشــته وانحســار دوره‪ ،‬وهــي‬ ‫تتصــل‪:‬‬ ‫كان بوســع املجتمــع املــدين الســوري‪ ،‬أن يقــوم‬ ‫بــدور أســايس وف ّعــال يف الحيــاة العامــة‪ ،‬كبديل‬ ‫ملؤسســات النظــام يؤكــد قــدرة الثــورة عــى‬ ‫تــويل زمــام املبــادرة والقيــام مبهــام الدولــة يف‬ ‫املناطــق التــي يتــم «تحريرهــا»‪ ،‬والذهــاب إىل‬ ‫مرحلــة انتقاليــة‪ ،‬تديرهــا كــوادر العمــل املــدين‬ ‫يف الثــورة الســورية‪ .‬مــرت املراحــل األوىل مــن‬ ‫العمــل املــدين بفعاليــة متميــزة‪ ،‬وشــهدنا‬ ‫إدارات انتقاليــة ومجالــس محليــة يف عــدة‬ ‫مناطــق ســورية‪ :‬ريــف ادلــب‪ ،‬وريــف حلــب‬ ‫وتــل أبيــض يف ريــف الرقــة‪ .‬كــا أن تنســيقيات‬ ‫الداخــل‪ :‬دمشــق وريفهــا‪ ،‬عملــت بفعاليــة‬ ‫مؤثــرة‪ ،‬فيــا تولــت مراكــز وجمعيــات أعــاالً‬ ‫حقوقيــة وإنســانية شــكلت عالمــات مهمــة‬ ‫يف مســار الثــورة الســورية‪ ،‬شــكل املثقفــون‬ ‫مبختلــف انشــغاالتهم وانتامءاتهــم مشــهدها‬ ‫الحيــوي املنتــج بجــدارة معرفيــة‪.‬‬ ‫خضــع الشــباب الســوري‪ ،‬لــدورات تدريبيــة يف‬ ‫مختلــف مجــاالت العمــل املــدين‪ /‬الحقوقــي‪،‬‬ ‫ضمــن برامــج تدريــب أوربيــة – أمريكيــة‪،‬‬ ‫وأخــرى أرشفــت عليهــا منظــات إقليميــة‬ ‫ودوليــة‪ .‬املحصلــة بعــد أربــع ســنوات مــن‬

‫الثــورة‪ :‬النتائــج‪ ،‬ذهبــت أدراج الريــاح!‬ ‫مل تلبــث الحالــة الســورية أن شــهدت تألبــاً‬ ‫كبــرا ً‪ ،‬ضــد العمــل املــدين‪ ،‬واملشــتغلني يف‬ ‫إطــاره‪ ،‬مؤسســات وأفـراد‪ .‬ذلــك هــو التحــدي‬ ‫األســايس‪ ،‬الــذي واجهــه النشــطاء‪ ،‬يف مختلــف‬ ‫املناطــق الســوري‪ ،‬وقــد كان النظــام س ـبّاقاً يف‬ ‫اســتهدافهم عــر االعتقــال والقتــل‪ ،‬مســكوناً‬ ‫برعــب ال مثيــل لــه مــا يقــوم بــه الحقوقيــون‬ ‫والكتــاب واإلعالميــون‪ ،‬والعاملــون يف مجــاالت‬ ‫اإلغاثــة اإلنســانية واملشــايف امليدانيــة‪ .‬تعــرض‬ ‫هــؤالء للمالحقــة والقتــل واالختطــاف منــذ‬ ‫اليــوم األول للثــورة الســورية‪.‬‬ ‫ومل يكــن حــال هــذه الرشيحــة مــن الســوريني‪،‬‬ ‫بأفضــل يف املناطــق غــر الخاضعــة لســلطة‬ ‫النظــام‪ ،‬فقــد قامــت قــوى الحــراك املســلح‬ ‫بفــرض ســلطتها‪ ،‬عــر إقصــاء نشــطاء العمــل‬ ‫املــدين‪ ،‬وإتبــاع املجالــس املحلــة لهــا بــدءا ً‪،‬‬ ‫قبــل أن تقــوم بحلهــا‪ ،‬ومــن ثــم مالحقــة‬ ‫النشــطاء واغتيالهــم واعتقالهــم‪ .‬فعلــت ذلــك‬ ‫جميــع التشــكيالت املســلحة دون اســتثناء‪ ،‬يف‬ ‫كل املناطــق التــي باتــت تحكمهــا اإلرادات‬ ‫العســكرية‪.‬‬ ‫يعتقــل النظــام ع ـرات اآلالف مــن النشــطاء‬ ‫الســلميني‪ ،‬دعــاة ورمــوز العمــل املــدين‪ ،‬مثــال‬ ‫فائــق املــر ومــازن درويــش‪ ،‬وعبــد الكريــم‬ ‫الخــر‪ ..‬كتابـاً وفنانــن وصحفيــن آخريــن كــر‪،‬‬ ‫فيــا اختطفــت مجموعــات «أحــرار الشــام‬

‫والنــرة وداعــش» مئــات النشــطاء البارزيــن‪،‬‬ ‫مــن دعــاة الحريــة‪ ،‬الذيــن مل يســتطع النظــام‬ ‫الوصــول إليهــم إلخــاد حركتهــم ‪ :‬إســاعيل‬ ‫الحامــض‪ ،‬عبــد اللــه الخليــل‪ ،‬فــراس الحــاج‬ ‫صالــح‪ ،‬األب باولــو‪ ،‬وإبراهيــم الغــازي‪ ،‬عبــود‬ ‫الحــداد وعبيــدة البطــل‪ ..‬ســمر صالــح وكثريون‬ ‫آخــرون‪ ،‬ال ينســاهم ضمــر الثــورة الســورية‪.‬‬ ‫جامعــة زهـران علــوش‪ ،‬مدانــة – حتــى يثبــت‬ ‫العكــس ‪ -‬باختطــاف ناشــطة مــن أهــم موثقي‬ ‫جرائــم األســد‪ ،‬مديــرة مركــز توثيــق االنتهــاكات‬ ‫يف ســورية املحاميــة رزان زيتونــة‪ ،‬والفريــق‬ ‫املســاند لهــا‪ :‬ســمرية الخليــل ووائــل حــادة‪،‬‬ ‫وناظــم حــادي‬ ‫لقــد تعــرض العمــل املــدين – وال يــزال –‬ ‫لإلقصــاء املمنهــج‪ ،‬والتعتيــم عليــه‪ ،‬وعــدم‬ ‫متويلــه‪ ،‬ومحاولــة تجيــر أعاملــه لصالــح قــوى‬ ‫سياســية‪ ،‬ومل تقــدم مؤسســات املعارضــة‬ ‫الرســمية أي يدعــم ميكنــه مــن القيــام بــدوره‪.‬‬ ‫باملقابــل‪ ،‬مثــة إشــكاليات جوهريــة تتصــل‬ ‫بطبيعــة منظــات املجتمــع املــدين‪ ،‬مــن‬ ‫حيــث التكويــن والتمويــل والتشــبيك‪ ،‬ومــن‬ ‫حيــث أنشــطتها ونتائــج عملهــا‪ ،‬مثــة نجاحــات‬ ‫وضعــت بصمتهــا الحقيقيــة بجديــة العمــل‬ ‫واملثابــرة‪ ،‬ومثــة مــا هــو عــبء قــاد – مــع‬ ‫أســباب أخــرى‪ ،‬للنقمــة العامــة عــى املجتمــع‬ ‫املــدين ففقــد فاعليتــه‪ .‬ميكــن الحديــث عــن‬ ‫ذلــك يف كتابــة منفصلــة‪.‬‬

‫بني االنكفاء والتمدد‬

‫طريقتــه‪ .‬اإليرانيــون ال يخجلــون مــن إطــاق ترصيحــات‬ ‫تحمــل مــن العنجهيــة مــا يصعــب تصــوره‪ ,‬وكأنهــم نســوا‬ ‫متام ـاً مــاذا حــل بهــم يف مثانينــات القــرن املــايض‪ ،‬عــى يــد‬ ‫بعــض العــرب الذيــن يريــد الريجــاين أن يرجعهــم إىل مكــة‬ ‫كــا كانــوا قبــل أن يحطمــوا عــرش كــرى‪ .‬وهــو األمــر‬ ‫الــذي يبــدو أن اإليرانيــن الفــرس مل ينســوه وأنهــم مــا زالــوا‬ ‫يحملــون طعــم مرارتــه عــى ألســنتهم ويريــدون أن يثــأروا‬ ‫لــه‪.‬‬ ‫أحــا ٌم إمرباطوريــة مل يعــد التاريــخ فقــط هو الذي ال يســمح‬ ‫بعودتهــا بــل إن التكويــن اإلي ـراين نفســه ال يســمح بذلــك‪،‬‬ ‫فإي ـران دولــة متهالكــة اقتصادي ـاً واجتامعي ـاً‪ ,‬ولكنهــم مــع‬ ‫ذلــك يحلمــون بإرجاعهــا ولــو عــى شاشــات التلفــزة‪ ,‬بينــا‬ ‫بعــض العــرب الذيــن مـ ّرغ بعضهــم اآلخــر أنـ َ‬ ‫ـوف اإليرانيــن‬ ‫بالــراب يف زمــن ليــس بعيــدا ً‪ ,‬نامئــون ليــس يف العســل‬ ‫بــل يف عكســه‪ ,‬وهــم ال يســتطيعون إال ردا ً خجــوالً عــى‬ ‫ترصيحــات اإليرانيــن مــن قبيــل إننــا ‪ -‬أي بعــض العــرب ‪-‬‬ ‫نرفــض التدخــل اإليـراين يف شــؤوننا الداخليــة‪ ،‬ومــن قبيل إن‬ ‫تلــك الترصيحــات ال تســاعد عــى اســتقرار املنطقــة‪« ..‬ابــر‬ ‫بطــول ســامة يــا مربــع»‪ .‬واألمريكيــون هــم اآلخــرون‪ ،‬ال‬ ‫يخجلــون مــا اعتــادوا عليــه مــن الكــذب ال ـراح‪ ,‬وهــم‬ ‫يطلقــون ترصيحــات «ناريــة» مــن قبيــل‪ :‬إن بعــض الضغــط‬ ‫العســكري قــد يكــون مطلوب ـاً إلحــداث تغيــر عــى األرض‬ ‫يجــر األســد عــى الدخــول يف مفاوضــات مــع املعارضــة‪ .‬وال‬

‫نــدري مــا الــذي كان مينعهــم مــن مامرســته‬ ‫قبــاً‪ ,‬بــل ملــاذا منعــوا أصدقــاءه وأصدقــاء‬ ‫ســوريا املفرتضــن مــن مامرســته؟؟‪.‬‬ ‫ومــن قبيــل إن التمــدد اإليــراين يقلقهــم‬ ‫ويقلــق دول الخليــج‪ .‬مــن قــال إنــه يقلقهــم‬ ‫ويقلقهــا؟ لــو كان األمــر كذلــك ملــا ســمحت‬ ‫أمــركا‪ ،‬وال دول الخليــج إليــران باحتــال‬ ‫الع ـراق‪ ،‬واحتــال ســوريا‪ ،‬وكانــت قب ـاً قــد‬ ‫احتلــت لبنــان‪ ،‬ثــم جــاء دور اليمــن‪ ,‬ولكانــت‬ ‫فعلــت شــيئاً مــن قبيــل مــا تفعلــه إي ـران ال‬ ‫أكــر‪ ,‬وهــو املطلــوب منهــا أن تفعلــه ليــس‬ ‫نــرة لســوريا أو للعــراق أو لليمــن‪ ,‬ولكــن‬ ‫درءا ً للخطــر الداهــم الزاحــف إليهــا عــى‬ ‫رؤوس األشــهاد‪.‬‬ ‫واألمريكيــون عــى لســان الســيد روبــرت فــورد يريــدون‬ ‫مــن املعارضــة الســورية أن ال تضــع رشط رحيــل األســد عــى‬ ‫رأس مطالبهــا‪ ,‬بــل أن تتفاهــم معــه‪ .‬قــد كان ميكــن ذلــك‬ ‫يف متــوز ‪ 2011‬عندمــا مل يتجــاوز عــدد الشــهداء النصــف‬ ‫مليــون‪ ,‬وعندمــا مل يتجــاوز عــدد النازحــن واملهجريــن‬ ‫العــرة ماليــن‪ ,‬وعندمــا مل «يدمــر األســد البلــد»‪ .‬يف تلــك‬ ‫األثنــاء مل يكــن مــا طلبــه فــورد مــن املعارضــة هــو النصائــح‬ ‫األمريكيــة‪ ,‬بــل كانــت تقــرب مــن العكــس‪ ,‬عندمــا تتحــدث‬ ‫عــن رحيــل األســد‪ ،‬وعــن فقدانــه رشعيتَــه‪ ،‬وعــن أنــه ال‬ ‫ميكــن أن يكــون جــزءا ً مــن مســتقبل ســوريا‪.‬‬ ‫هــم يعرفــون أن املعارضــة أرادت ذلــك يف حينــه‪ ,‬ولكنهــا‬ ‫وقعــت بقــر نظرهــا يف فخــاخ‬ ‫األكاذيــب األمريكيــة والغربيــة فاندفعــت ثــم ارتطمــت‬ ‫بحائــط الالمبــاالة والغــدر األمريــي والغــريب‪ ,‬بعــد أن كانــت‬ ‫ســلمت دفـ َة ســفينتها لألمريــكان و»أصدقائهــم»‪ ،‬فلــم تعــد‬ ‫تســتطيع أن تقــول ال‪ .‬وأظــن إن مؤمتــر القاهــرة املقبــل‬ ‫ســيحمل شــيئاً ايجابي ـاً «ألصدقائنــا األمريــكان»‪.‬‬ ‫وال نغــادر هــذا املجــال‪ ,‬فاســتميح قــارئ هــذه الســطور‬ ‫العــذر ألين ال أفهــم رس العالقــة بــن ملــف إي ـران النــووي‬ ‫وامللــف الســوري‪ ,‬وال أفهــم رس الرتامــي األمريــي عــى‬ ‫األقــدام اإليرانيــة‪ ،‬واإلرصار عــى الوصــول مــع نظــام املــايل‬

‫إىل اتفــاق مرحــي أو نهــايئ يجمــد النشــاط النــووي اإليـراين‬ ‫عــر ســنوات‪ ,‬مجازفـاً بانقســام الطبقــة السياســية الحاكمة‬ ‫يف أمريــكا بشــكل مل يســبق لــه مثيــل‪ .‬ثــم مــاذا بعــد هــذه‬ ‫الســنوات العــر‪ .‬ال أفهــم هــذه العالقــة األمريكيــة اإليرانية‬ ‫إال عــى أنهــا ‪ -‬كــا يقولــون عــى رأي فيصــل القاســم‪-‬‬ ‫ـي متعمـ ٌد لحلفــاء أمريــكا العــرب وراء الظهــر‪ ،‬واعتــاد‬ ‫رمـ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ومخطط ـاً‪ ،‬ومتح َّك ـاً يف مصائــر‬ ‫إي ـران ق ّي ـاً عــى املنطقــة‪،‬‬ ‫بلدانهــا وشــعوبها بعــد أن زُرعــت أرايض هــؤالء الحلفــاء‬ ‫ـي‬ ‫قواعـ َد و ُملئــت جنــودا ً‪ ,‬فهــل مل تكــن هــذه القواعــد لتفـ َ‬ ‫بالغــرض أم لعلهــا قواعــد خلبيــة ولــزوم الديكــور فقــط‪.‬‬ ‫العــرب اســتهلكوا أمريكي ـاً‪ ،‬وهــم اآلن ليســوا ســوى مــادة‬ ‫يســتخدمها السياســيون األمريكيــون يف تنفيــذ مخطــط‬ ‫مفكريهــم يف تصنيــع اإلســام‪ ،‬الــذي ســيكون عــدو الحضــارة‬ ‫الغربيــة القــادم بعــد ســقوط الشــيوعية‪ ،‬وهــو الــذي متثلــه‬ ‫داعــش وكل مــن يؤمــن بفكرهــا أو يقــرب منــه‪ ,‬ال اإلســام‬ ‫الحقيقــي الــذي ليــس لــه حتــى اآلن منظــرون يقدمونــه‬ ‫كــا يجــب‪ ،‬ويــذودون عنــه كــا يجــب‪.‬‬ ‫ويف هــذا املجــال تــأيت ترصيحــات الجــرال دميبــي التــي‬ ‫ال تخلــو مــن الخبــث‪ ,‬حــول مــا ســيكون يف املنطقــة بعــد‬ ‫داعــش التــي ال يريــدون القضــاء عليهــا اآلن بــل احتواءهــا‬ ‫ودفعهــا إىل الصحـراء بحيــث يقــل خطرهــا‪ ,‬فهــي مــا زالــت‬ ‫ورقــة لهــا دور يف اللعبــة األمريكيــة‪ ,‬وانــأ أميــل إىل االعتقــاد‬ ‫أن ترصيحــات دميبــي هــذه ال تعــدو كونهــا خارطــة طريــق‬ ‫وتعليــات مبطنــة إىل املســؤولني العراقيــن الطائفيــن مبــن‬ ‫فيهــم مســؤولو الحشــد الشــعبي الطائفــي لتنفيــذ مــا يقــول‬ ‫دمبــي إنــه يخــى منــه‪.‬‬ ‫اإليرانيــون صفيقــون‪ ,‬واألمريكيــون ال يقلــون صفاقــة‪ ,‬وهــم‬ ‫يلتقــون عــى هــدف إنهــاك هــذه األمــة‪ ،‬وتوجيــه رضبــة‬ ‫إليهــا تجعلهــا عاجــزة عــن التأثــر يف مصريهــا نفســه‪،‬‬ ‫ناهيــك عــن التأثــر يف محيطهــا إىل عقــود قادمــة‪.‬‬ ‫الدمــار اآلن يف ســوريا وليبيــا واليمــن‪ ,‬وغــدا ً يف مــكان آخــر‬ ‫إذا كنــت أنــا أســتطيع تخمينــه‪ ,‬فمــن بــاب أوىل أن يعرفــه‬ ‫حــق املعرفــة أولئــك الذيــن يتبلغــون الرســائل مبــارشة‪.‬‬ ‫لكنــي أعجــب ملــا هــم فيــه ســادرون‪ ,‬وأتســاءل‪ :‬أليــس‬ ‫فيهــم رجــل رشــيد؟‪.‬‬


‫‪16‬‬ ‫ابنة سوريا‬ ‫الرقاوية «سعاد نوفل» حتصل على جائزة هومو هوميين‬ ‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫يوسف دعيس‬ ‫منحــت منظمــة (النــاس بحاجــة) التشــيكية جائــزة‬ ‫هومــو هومينــي للناشــطة الســورية‪ ،‬ابنــة الرقــة ســعاد‬ ‫نوفــل‪ ،‬وذلــك يف حفــل افتتــاح مهرجــان األفــام الوثائقيــة‬ ‫(عــامل واحــد) الــذي يقــام ســنوياً يف العاصمــة التشــيكية‬ ‫ب ـراغ‪.‬‬ ‫وبــدأ افتتــاح املهرجــان مبقطــع عــن الدمــار الــذي تشــهده‬ ‫املــدن الســورية‪ ،‬ومظاهــرات مــن الرقــة‪ ،‬تــاه تعريــف‬ ‫بالناشــطة ســعاد نوفــل التــي اســتحقت الجائــزة عــن جدارة‬ ‫واســتحقاق‪ ،‬واإلشــارة إىل مواقفهــا البطوليــة للتصــدي‬ ‫للنظــام األســدي والجامعــات اإلرهابيــة التكفرييــة بالكلمــة‬ ‫والنضــال الســلمي‪ ،‬ثــم قــام وزيــر الثقافــة وحقــوق اإلنســان‬ ‫التشــييك بتســليم الجائــزة للناشــطة نوفــل وســط دمــوع‬ ‫الفــرح والتصفيــق الحــار الســتحقاق إنســاين حــر‪.‬‬ ‫وهومــو هومينــي هــي عبــارة التينيــة‪ ،‬معناهــا (إنســان‬ ‫إلنســان)‪ ،‬ومتنحهــا منظمــة (النــاس بحاجــة) التشــيكية‬ ‫منــذ عــام ‪ 1994‬وتُقــ ّدم ألشــخاص قامــوا بنضــال ســلمي‬ ‫ضــد االســتبداد والظلــم‪ ،‬ويتــم ترشــيح أســاء مــن مختلــف‬ ‫دول العــامل‪ ،‬ويقــوم املجلــس املحــي للمنظمــة بانتخــاب‬ ‫صاحــب االســتحقاق‪ ،‬وقــد تــم اختيــار اســم ســعاد نوفــل‬ ‫لعــام ‪ 2014‬وقــد ق ّدمــت أيضــا يف عــام ‪ 2011‬ملجموعــة‬ ‫أطبــاء مــن مدينــة دمشــق‪ ،‬كانــوا يعالجــون الجرحــى‬ ‫بالــر‪ ،‬أثنــاء املظاه ـرات بدمشــق‪ ،‬والهــدف مــن الجائــزة‬ ‫تقديــر األشــخاص املتفانــن يف العمــل امليــداين اإلنســاين‪،‬‬

‫وتعزيــز حقــوق اإلنســان عــن طريــق الدميقراطيــة‬ ‫والحلــول غــر العنفيــة للرصاعــات السياســية‪.‬‬ ‫وقالــت نوفــل لصحيفــة الحرمــل‪ :‬ألقيــت كلمــة‬ ‫بهــذه املناســبة‪ ،‬وكانــت تعابــر وجــوه الحارضيــن‬ ‫دهشــة مــا أقــول وكأنّهــم ألول م ـ ّرة يســمعون‬ ‫بــأ ّن األســد هــو مــن يقتــل شــعبه‪ ،‬وقــد أدمعــت‬ ‫عيــون الكثــر مــن الحارضيــن‪ ،‬والتــف الكثــر مــن‬ ‫حــويل‪ ،‬معربيــن عــن دهشــتهم مــن امــرأة ســورية‬ ‫تــرح بجــرأة إجــرام النظــام األســدي‪ ،‬علــاً أن‬ ‫معظمهــم‪ ،‬كانــوا يعتقــدون أ ّن األســد يحــارب‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬فيــا اليــوم تقــوم هــذه املــرأة بــرح‬ ‫مجــازر األســد وميلشــياته الطائفيــة‪.‬‬ ‫وتضيــف نوفــل‪ :‬الهــدف مــن ذهــايب إىل بــراغ‬ ‫ليــس اســتالم الجائــزة فحســب‪ ،‬بــل اعتــرت أن‬ ‫الجائــزة هــي ب ّوابــة ومنــر أر ّدت مــن خاللهــا أن‬ ‫أوصــل صــوت الســوريني ممــن ميوتــون يف الداخــل‬ ‫وال أحــد يكــرث بهــم‪ ،‬أر ّدت أن أغـ ّـر ولــو لجــزء‬ ‫مــن النــاس أ ّن األســد هــو اإلرهــايب األول‪ ،‬أر ّدت أن يفهــم‬ ‫العــامل بــأ ّن مــا بــن إرهــاب األســد وإرهــاب الجامعــات‬ ‫املتطرفــة التــي‪ ،‬تســبب بوجودهــا‪ ،‬هنــاك شــعب يُحــرق‬ ‫بالرباميــل ويُذبــح بأيــدي ميليشــيات إي ـران وحــزب اللــه‪،‬‬ ‫وميــوت مــن الجــوع‪ ،‬شــعب يعيــش يف املنــايف والخيــام‬ ‫ويتج ّمــد مــن الــرد والصقيــع‪ ،‬شــعب يغــرق وهــو يهــرب‬ ‫مــن بطــش األســد‪ ،‬أردت أن أكشــف عيــوب العــامل املتخــاذل‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫الــذي يقــف مــع القاتــل بــدل أن يدعــم قضيتنــا‪.‬‬ ‫وتختتــم نوفــل حديثهــا قائلــة‪ :‬باعتقــادي أن الثــورة كشــفت‬ ‫العــدو مــن الصديــق‪ ،‬حتــى الســوريني أنفســهم‪ ،‬ظهــر‬ ‫بشــكل واضــح مــن هــو الســوري الحقيقــي وابــن األرض‪،‬‬ ‫ومــن هو ســوري فقــط بالبطاقــة الشــخصية‪ ،‬الثورة كشــفت‬ ‫معــادن النــاس وخبايــا نفوســهم‪ ،‬وعتبنــا ليــس فقــط عــى‬ ‫تخــاذل العــامل‪ ،‬بــل عتبنــا األكــر ومصيبتنــا هــي مبــن جعــل‬ ‫مــن الثــورة غنيمــة وصيــدا ً مثينـاً ال بــد مــن االســتفادة منــه‪،‬‬

‫ولــو عــى حســاب مــن ضحــوا بدمائهــم ألجــل حريتنــا‪،‬‬ ‫عــى الســوريني أن يقفــوا ويتف ّكــروا بدمــاء خــرة الشــباب‬ ‫الذيــن مــا زالــوا بــن أنيــاب الجــاوزة يف ســجون النظــام‬ ‫والجامعــات املتطرفــة‪ ،‬أن يتف ّكــروا باألطفــال الذيــن فقــدوا‬ ‫أهاليهــم‪ ،‬والكثــر منهــم فقــد قدمــه أو يــده‪ ،‬علينــا جميعـاً‬ ‫أن نعــود بالذاكــرة إىل البدايــات لنكــون قادريــن عــى رســم‬ ‫النهايــة التــي تليــق بتضحيــات الســوريني‪.‬‬

‫العاصمة التشيكية براغ حتتفي‬ ‫كلمة سعاد نوفل يف حفل استالم اجلائزة ‪ 2‬آذار ‪2015‬‬ ‫‪ 1450‬شــهيد‪ ،‬الغالبيــة مــن األطفــال والنســاء‪ ،‬اختناقــاً‬ ‫بالغــازات الســامة‪ ،‬بصواريــخ النظــام‪ ،‬وعــى مــرأى مــن‬ ‫العــامل‪ ،‬آالف مــن املعتقلــن يف أقبيــة األســد‪ ،‬جــرى تعذيبهــم‬ ‫حتــى املــوت‪ ،‬ثــم حرقهــم‪ ،‬أو رميهــم يف األنهــار‪ ،‬ونهــر‬ ‫قويــق يف حلــب‪ ،‬ونهــر العــايص يف حمــص يشــهدان تلــك‬ ‫املجــازر‪ ،‬فيــا ال يســعى العــامل لتخليــص مــن تبقــى مــن‬ ‫املــوت املؤكــد يف ســجون النظــام ويف ســجون الجامعــات‬ ‫املتطرفــة‪ ،‬مئــات املجــازر ارتكبتهــا عصابــات األســد‪ ،‬وقــد‬ ‫نحتــاج إىل ســنة كاملــة إلحصائهــا‪ ،‬أكــر مــن ‪ 500‬ألــف‬ ‫شــهيد‪ ،‬وأكــر مــن تســعة ماليــن مــرد ومهجــر‪ ،‬مــا بــن‬ ‫الداخــل الســوري والخــارج‪ ،‬جيــل مــن األطفــال يحملــون‬ ‫إعاقــات جســدية ونفســية‪.‬‬ ‫منــذ انطالقــة الثــورة خطــت شــبيحة األســد عــى جــدران‬ ‫املــدن الســورية عبــارة «األســد أو نحــرق البلــد»‪ ،‬وفعــاً‬ ‫قامــوا بحرقــه‪ ،‬كل هــذا اإلج ـرام مغيــب متام ـاً عــن العــامل‪،‬‬ ‫واإلعــام يــردد مقولــة األســد يحــارب اإلرهــاب‪ ،‬لــكل مــن‬ ‫يقــول هــذه العبــارة‪ ،‬فليتفضــل إىل ســوريا وســرى بعينــه‬ ‫براميــل املــوت كيــف تســقط عــى رؤوس املدنيــن األبريــاء‪،‬‬ ‫بدايــة اســمحوا يل أن أشــكر منظمــة (النــاس بحاجــة)‬ ‫يف املــدارس‪ ،‬يف املشــايف والتجمعــات الســكنية واألســواق‪،‬‬ ‫تكرميهــم يل بجائــزة هومــو هيومنــي لحقــوق اإلنســان‪،‬‬ ‫وفخــورة أنهــا اختــارت إحــدى النســاء الســوريات‪ ،‬وهــذا‬ ‫رشف أحملــه وســاماً عــى صــدري‪ ،‬اعــذروين لســت‬ ‫بالسياســية‪ ،‬لكننــي امــرأة خرجــت مــن بلــد محــروم مــن‬ ‫أبســط حقوقــه‪ ،‬وهــو حريــة الــرأي‪ ،‬بلــد ثــار يف وجــه جالده‬ ‫الــذي يحتلهــا منــذ أكــر مــن أربعــن عامـاً بسياســة العصــا‬ ‫وكــم األفــواه‪ ،‬هــذا النظــام الديكتاتــوري الــذي اســتباح‬ ‫دمــاء النــاس‪ ،‬ومل يتــوا َن عــن اســتخدام كل أســاليب العنــف‬ ‫والقتــل بســبب مطالبتنــا الرشعيــة لحريتنــا املغتصبــة‪ ،‬مل‬ ‫نطلــب الكثــر فقــط حيــاة كــا اآلخريــن‪ ،‬ســأخاطب العــامل‬ ‫الــذي ينــادي بالدميقراطيــة‪ ،‬وحقــوق اإلنســان‪ ،‬وحريــة‬ ‫الــرأي‪ ،‬ســأتكلم نيابــة عــن كل ســوري‪ ،‬مقهــور ومظلــوم‪،‬‬ ‫مقصــوف ومحــارص‪ ،‬معتقــل ومخطــوف‪.‬‬ ‫منــذ أربــع ســنوات وآلــة اإلج ـرام األســدية مل تتوقــف عــن‬ ‫ســفك دمــاء الســوريني يف القصــر والحولــة والرتميســة وكــرم‬ ‫الزيتــون‪ ،‬الذيــن قضــوا أهلهــا ذبحــاً بســكاكني ميلشــيات‬ ‫األســد‪ ،‬وحــزب الــاة‪ .‬منــذ بدايــة الثــورة‪ ،‬صواريــخ وبراميــل‬ ‫املــوت مل متيــز بــن طفــل وامــرأة‪ ،‬شــاب وعجــوز‪ ،‬يف دومــا‬ ‫وجوبــر وحلــب والشــيخ مســكني‪ ،‬يف الرقــة وريــف إدلــب‪،‬‬ ‫مجــزرة الكيــاوي يف غوطــة دمشــق‪ ،‬قــى فيهــا أكــر مــن‬

‫ســرى كيــف يرمــي القنــاص رصاصــة عــى مــن يخــرج‬ ‫بحث ـاً عــن رغيــف خبــز ألطفالــه‪ ،‬وقــد تطالــك أنــت هــذه‬ ‫الرصاصــة‪ ،‬نحــن الســوريني فقــط مــن يحــق لنــا ترتيــب‬ ‫أعدائنــا ألننــا نحــن مــن وقــع علينــا القتــل والتــرد‪ ،‬فاألســد‬ ‫هــو اإلرهــايب األول‪ ،‬واملجــرم األول‪ ،‬والجامعــات املتطرفــة‬ ‫التــي وجــدت يف ســوريا‪ ،‬هــو مــن تســبب بوجودهــا‪،‬‬ ‫فاملشــهد الحــايل هــو مــن صناعــة هــذا النظــام اإلرهــايب‪،‬‬ ‫فلــكل ســبب نتيجــة‪ ،‬وهــذه الجامعــات هــي نتيجــة إجـرام‬ ‫النظــام األســدي‪ ،‬نحــن ضــد أي تطــرف مــن أيــة جهــة‬ ‫كانــت‪ ،‬مــا نســعى لــه ســوريا حــرة دميقراطيــة‪ ،‬ومل تكــن‬ ‫ثورتنــا إال لذلــك‪.‬‬ ‫صمــت العــامل عــن إجـرام األســد ليــس لــه مــرر وال تفســر‪،‬‬ ‫فالوقــوف مــع القاتــل هــو جرميــة بحــق اإلنســانية‪ ،‬وبحــق‬ ‫شــعب كامــل يُبــاد بيــد مــن يســمي نفســه حاك ـاً‪ ،‬وهــو‬ ‫بالحقيقــة قاتــل‪ ،‬إن كانــت الذريعــة بــأن هنــاك جامعــات‬ ‫متطرفــة‪ .‬علينــا جميعــاً أن نعمــل إلســقاط نظــام األســد‬ ‫ومــع ســقوطه‪ ،‬ستســقط كل قــوى التطــرف األخــرى‪،‬‬ ‫فكالهــا إرهــاب‪.‬‬ ‫كثــر مــن العــامل مل تصلهــم صــور مجــازر النظــام‪ ،‬وهنــا‬

‫عليكــم أن تعــذروا الناشــطني املوجوديــن يف الداخــل‪ ،‬فليــس‬ ‫لديهــم إمكانيــات لتصويــر أفــام هوليوديــة عــن تلــك‬ ‫املجــازر‪ ،‬وكل مــا لديهــم كامــرا موبايــل صغــرة تالحقهــا‬ ‫رصاصــة القنــاص أو الربميــل‪ ،‬قبــل أن تلتقــط صــور أجســاد‬ ‫أطفالنــا وهــي تحــرق‪ ،‬وقبــل أن تدفــن العوائــل تحــت ركام‬ ‫بيوتهــا املقصوفــة‪.‬‬ ‫الســيدات والســادة ال بــد مــن الوقــوف مــع شــعبنا املكلــوم‪،‬‬ ‫لتخليصــه مــن املــوت اليومــي بأيــدي أعتــى نظــام إرهــايب‪،‬‬ ‫وهــو نظــام األســد‪ ،‬وبالنهايــة ثــورات الشــعوب هــي التــي‬ ‫ســتنترص‪ ،‬وهــذا أملنــا‪.‬‬ ‫أود أن أنــوه إىل أمــر‪ ،‬هــذه الجائــزة هــي اســتحقاق‬ ‫لــكل ســوري عــر عــن رأيــه واستشــهد‪ ،‬لــكل مــن دافــع‬ ‫عــن حريتــه وكرامتــه‪ ،‬الجائــزة ملصطفــى الزنــا وباســل‬ ‫شــحاذة وقاشــوش الثــورة‪ ،‬لحمــزة الخطيــب وهاجــر‪ ،‬هــي‬ ‫لــكل معتقــل ومخطــوف يف ســجون األســد أو الجامعــات‬ ‫املتطرفــة‪ ،‬الجائــزة لطبيــب الثــورة إســاعيل الحامــض‪،‬‬ ‫ومــازن درويــش‪ ،‬ومدثــر الحســن‪ ،‬وســمرية الخليــل‪ ،‬ومحمــد‬ ‫نــور مطــر‪ ،‬لــكل مــن هتفــت حنجرتــه يف وجــه القهــر‬ ‫والظلــم‪ ،‬الجائــزة لفـراس الحــاج صالــح ورزان وفائــق املــر‪،‬‬ ‫وملــن تــرد وصمــد‪ ،‬هــي لرســول الثــورة الســورية األب‬ ‫باولــو‪ ،‬جئــت الســتالمها نيابــة عــن أطفــال الصقيــع واملنــايف‪،‬‬ ‫الجائــزة هــي لثــورة الســوريني اليتيمــة‪ ،‬وال بديــل لنــا‬ ‫عــن الحريــة‪ ،‬الشــكر ملنظمــة «بنــاة محتاجــون» والشــكر‬ ‫للحضــور الكريــم‪.‬‬


‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫‪17‬‬

‫سوريون يف كل بلدان العامل حيتفون بالذكرى الرابعة للثورة السورية‬ ‫حلب‬

‫أورفا ‪ -‬تركيا‬

‫اسرتاليا‬ ‫باريس ‪ -‬فرنسا‬

‫النرويج‬

‫النمسا‬

‫اوسلو ‪ -‬النرويج‬

‫عينتاب ‪ -‬تركيا‬


‫‪18‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫مراسـلون بال حدود تكـرم الصحفية السورية “زينة أرحيم”‬ ‫زينــة أرحيــم الصحافيــة الســورية عرفتها‬ ‫املــدن الســورية ومنهــا الرقــة‪ ،‬وعرفهــا‬ ‫أبنــاء الرقــة عندمــا كانــت تــدرب الكــوادر‬ ‫الشــابة عــى العمــل الصحــايف‪ ،‬ومهــارات‬ ‫العمــل التواصــل والنــر‪ ،‬وقــد كانــت‬ ‫موجــودة يف الرقــة‪ ،‬إبــان تحريرهــا‪ ،‬وقبــل‬ ‫تغــول املتطرفــن عــى الرقــة‪ ،‬ابتــداءا مــن‬ ‫خطــف األب باولــو‪ ،‬وغــره مــن الناشــطني‪،‬‬ ‫وقــد كانــت زينــة أرحيــم يف الرقــة حينهــا‬ ‫‪ ،‬حيــث كانــت الرقــة تعــج بالنقاشــات‬ ‫والحــوارات الحــرة‪.‬‬ ‫وقــد ك ّرمــت منظمــة مراســلون بــا حــدود‬ ‫الصحفيــة الســورية زينــة أرحيــم‪ ،‬تقديــرا ً‬ ‫لعملهــا الصحفــي الــذي تقــوم بــه يف‬ ‫املناطــق الخارجــة عــن ســيطرة النظــام‪،‬‬ ‫شــال ســوريا‪ .‬مهت ّمــة بتدريــب املواطنــن‬ ‫الصحفيــن يف املنطقــة‪ ،‬ومواجهــة مصاعــب‬ ‫ومخاطــر كثــرة يف ســياق أدائهــا لنشــاطها‬ ‫املهنــي‪.‬‬ ‫زينــة أرحيــم‪ :‬صحفيــة ومرشفــة عــى‬ ‫التدريــب اإلعالمــي يف شــال ســوريا‬ ‫وجاء يف بيان تكريم الصحفية “أرحيم”‬ ‫ما ييل‪:‬‬ ‫تخرجــت زينــة ارحيــم مــن جامعــة دمشــق‬

‫عــام ‪ ،2007‬لتواصــل دراســتها يف لنــدن‬ ‫إبّــان انــدالع الثــورة الســورية يف ‪.2011‬‬ ‫حينهــا ترســخت يف ذهــن اإلعالميــة الشــابة‬ ‫فكــرة العــودة إىل وطنهــا‪ ،‬حيــث ســافرت‬ ‫إىل ســوريا يف مناســبات عــدة وشــاركت يف‬ ‫تأســيس املكتــب اإلعالمــي للجــان التنســيق‬ ‫املحليــة قبــل أن تنــال شــهادة املاجســتري يف‬ ‫الصحافــة الدوليــة عــام ‪.2012‬‬ ‫وقــال تقريــر مراســلون بــا حــدود‪ ،‬أن‬ ‫زينــة ارحيــم متكنــت مــن التســلل مــرارا ً‬ ‫إىل املناطــق املحــررة تحــت دوي القصــف‪،‬‬ ‫حيــث مــن الســهل “إحصــاء أعداد الشــهداء‬ ‫والرباميــل املتفجــرة“‪ ،‬بينــا يشــكل البقــاء‬ ‫عــى قيــد الحيــاة تحديــاً متواصــاً‪ .‬بيــد‬ ‫أنهــا تحــرص يف املقابــل عــى توثيــق‬ ‫مظاهــر الحيــاة اليوميــة كذلــك‪ ،‬فتجدهــا‬ ‫تنقــل واقــع “التجارالذيــن مازالــوا يبيعــون‬ ‫الفواكــه والخضــار عــى أنقــاض املبــاين التــي‬ ‫هدمتهــا نــران القصــف {…}‪ ،‬أو األطفــال‬ ‫الذيــن يلعبــون وســط املقابــر بعــد الخــروج‬ ‫مــن املدرســة‪”.‬‬ ‫وتؤكــد ارحيــم أنــه مــن الصعــب للغايــة أن‬ ‫ـب أُم عينــك للعــامل حتــى يــرى النــاس‬ ‫“تَ َهـ َ‬ ‫مــا ت ـراه“‪ .‬وألن تحقيــق ذلــك يبقــى أم ـرا ً‬

‫بالــغ التعقيــد وغــر ٍ‬ ‫كاف بتاتـاً‪ ،‬فقــد آثــرت‬ ‫هــذه الصحفيــة الســورية عــى نفســها‬ ‫مســاعدة الفاعلــن اإلعالميــن املعروفــن‬ ‫باســم الصحفيني‪-‬املواطنــن‪ ،‬أي أولئك الذين‬ ‫أصبحــوا يشــكلون تقريب ـاً املصــدر الوحيــد‬ ‫للمعلومــات يف البــاد‪ .‬فــإدراكاً منهــا ملــدى‬ ‫صعوبــة عملهــم‪ ،‬حيــث يعرضــون حياتهــم‬ ‫للخطــر يف ســبيل نقــل األخبــار‪ ،‬أصبحــت‬ ‫تتــوىل مهمــة تدريبهــم منــذ عــام ‪،2013‬‬ ‫حتــى ت ُنــر صورهــم ومقاالتهــم وت ُحمــل‬ ‫عــى محمــل الجــد‪.‬‬ ‫منــذ عامــن‪ ،‬تــدرب ارحيــم الصحفيــن‪-‬‬ ‫املواطنــن يف حلــب والرقــة وديــر الــزور‬ ‫وإدلــب ملســاعدتهم عــى تعلــم كيفيــة‬ ‫صياغــة املــواد اإلعالميــة وبنائهــا ومــن ثــم‬ ‫نرشهــا‪ ،‬حيــث أصبــح “بعضهــم يكتبــون يف‬ ‫وســائل إعــام دوليــة‪ ،‬كــا أنــه مــن املثلــج‬ ‫للصــدر رؤيــة أحــد الناشــطني يحصــل عــى‬ ‫وظيفــة يف إحــدى القنــوات التلفزيونيــة“‪.‬‬ ‫وباإلضافــة إىل تلقينهــم مــا يف جعبتهــا‬ ‫مــن معــارف‪ ،‬فإنهــا تبعــث فيهــم روح‬ ‫الشــغف التــي متيزهــا‪ .‬فسـرا ً عــى خطاهــا‪،‬‬ ‫يعمــل هــؤالء الرجــال والنســاء بكامرياتهــم‬ ‫وأقالمهــم يف ســبيل إماطــة اللثــام عــن‬

‫دوامــة العنــف التــي تهــز وطنهــم‪ ،‬بينــا‬ ‫يحرصــون يف املقابــل عــى تســليط الضــوء‬ ‫عــى الوجــه اآلخــر للبــاد‪ ،‬حيــث ينقلــون‬ ‫أيضــاً صــورة ســوريا التــي “يتحــاب فيهــا‬ ‫النــاس ويتزوجــون ويربطــون عالقــات‬ ‫صداقــة وينجبــون األطفــال‪ }…{ ،‬حيــث‬ ‫يقاتــل شــعب مذهــل يف ســبيل مســتقبله‪”.‬‬ ‫إنهــا صــورة ســوريا امل ُِشـ َّعة يف عينــي زينــة‪.‬‬ ‫وكانــت مراســلون بــا حــدود قــد كرمــت‬ ‫عــر صحفيــات بــارزات حــول العــامل‪،‬‬ ‫مبناســبة يــوم املــرأة العاملــي ‪ 8‬آذار‪ ،‬مــن‬ ‫بينهــ ّن أرحيــم‪ .‬ووصفــت املنظمــة عمــل‬ ‫الصحفيــات يف بيانهــا قائلــة‪“ :‬اختــارت‬ ‫بعــض الصحفيــات االنتقــال إىل املجــال‬

‫االســتقصايئ وفضــح انتهــاكات حقــوق‬ ‫اإلنســان والفســاد أو تخطــي الخطــوط‬ ‫الحمــراء يف مجتمعاتهــن”‪.‬‬ ‫إن فــوز الصحافيــة زينــة أرحيــم مبثــل‬ ‫هــذه الجائــزة العامليــة‪ ،‬يعتــر نـرا للمــرأة‬ ‫الســورية‪ ،‬وحافــزا لألجيــال الجديــدة مــن‬ ‫الناشــطني الســوريني‪ ،‬الخــراق حاجــز‬ ‫الصمــت والتجاهــل الــذي يدفــن ذكــر‬ ‫شــهداء الثــورة الســورية‪ ،‬و يبعــد مطالبــات‬ ‫الثــورة الســورية بالحريــة عــن اإلعــام‬ ‫العاملــي ‪ ،‬وهــو بالتأكيــد والدة لجيــل جديــد‬ ‫مــن اإلعالميــن الســوريني الذيــن ســيبنون‬ ‫ســورية الجديــدة والحــرة‪.‬‬ ‫كلنا شركاء ‪ -‬احلرمل‬

‫«أشجع امرأة» يف العامل هي امرأة سورية‪ ..‬امسها جمد شرجبي‬

‫يف يــوم املــرأة العاملــي تتصــدر املــرأة الســورية الكثــر‬ ‫مــن املنابــر العامليــة اعرتاف ـاً لهــا بشــجاعتها وبقدرتهــا‬ ‫عــى التصــدي للظلــم والقهــر الــذي يحيــق بالشــعب‬ ‫الســوري‪.‬‬ ‫فقــد حــازت الناشــطة الســورية «مجــد عــزت رشبجــي»‬ ‫عــى الجائــزة الدوليــة للمــرأة الشــجاعة‪ ،‬والتــي تقدمهــا‬ ‫وزارة الخارجيــة األمريكيــة كل عــام مبناســبة يــوم املــرأة‬ ‫العاملــي‪ ،‬وقامــت باســتالمها يف العاصمــة األمريكيــة‬ ‫بحضــور نائبــة وزيــر الخارجيــة األمــريك‪.‬‬ ‫وقالــت مجــد رشبجــي لـ»العــريب الجديد»‪« :‬نشــاطي يف‬ ‫الثــورة كان مدني ـاً وســلمياً‪ .‬قبــل اعتقــايل عملنــا عــى‬

‫تنظيــم اعتصامــات مــن أجــل‬ ‫إطــاق رساح املعتقلــن‪ ،‬وبعــد‬ ‫فــرة االعتقــال التــي اســتمرت‬ ‫ســبعة أشــهر تابعــت يف النشــاط‬ ‫نفســه‪ ،‬باإلضافــة إىل العمــل‬ ‫عــى متكــن النســاء الســوريات‬ ‫بعــدة مجــاالت‪ ،‬منهــا االقتصاديــة‬ ‫واالجتامعيــة والسياســية‪ ،‬ألين‬ ‫مؤمنــة متامــاً أن للمــرأة دورا ً‬ ‫كب ـرا ً يف حــل الن ـزاع يف ســورية»‪.‬‬ ‫ومجــد مــن مواليــد داريــا‬ ‫عــام ‪ ،1981‬وهــي أم لثالثــة‬ ‫أطفــال‪ ،‬وواجهــت العديــد مــن‬ ‫التحديــات خــال أربعــة أعــوام‬ ‫مــن عمــر الثــورة الســورية‪ ،‬منهــا‬ ‫التهجــر واالعتقــال والغربــة‪،‬‬ ‫وأخــرا ً استشــهاد زوجهــا تحــت‬ ‫التعذيــب يف أكتوبــر‪ /‬ترشيــن‬ ‫األول مــن العــام املــايض‪ ،‬لكنهــا‬ ‫تؤكــد أن «الصعوبــات التــي‬ ‫مــرت بهــا كانــت الحافــز األكــر لالســتمرار واملتابعــة»‪.‬‬ ‫وتضيــف «عملنــا عــى متكــن األرسة الســورية بشــكل‬ ‫عــام‪ ،‬ألن معظــم مشــاكل الثــورة اليــوم‪ ،‬جــاءت مــن‬ ‫قلــة الوعــي والضغــط الــذي مــورس عليهــا مــن نظــام‬ ‫قمعــي عــى مــدار أكــر مــن ‪ 45‬عام ـاً»‪.‬‬ ‫وتعليقــاً عــى الجائــزة قالــت‪« :‬الجائــزة مبثابــة منــر‬ ‫للكثــر مــن األصــوات املقموعــة‪ ،‬بالتأكيــد هنــاك الكثــر‬ ‫مــن الســوريات الشــجاعات‪ ،‬لكنهــن مل يســتطعن‬ ‫إيصــال أصواتهــن‪ ،‬لكــن يؤملنــي أن أســتلم الجائــزة مــن‬ ‫دولــة تنــادي بحقــوق اإلنســان‪ ،‬ومل تســ َع ملســاعدة‬

‫اإلنســان يف ســورية»‪.‬‬ ‫وتؤكــد أن حلمهــا لــن يكتمــل إال برؤيــة بلدهــا ســورية‬ ‫ح ـرا ً دميقراطي ـاً‪« ،‬بعــد كل هــذه التضحيــات ال ميكــن‬ ‫إال أن نكــون كذلــك‪ ،‬مهــا اســتغرقنا مــن الوقــت لــن‬ ‫نستســلم أو نيــأس‪ .‬لــن ننــى دمــاء الشــهداء وأنــن‬ ‫املعتقلــن»‪.‬‬ ‫يذكــر أن ســوريتني حصدتــا الجائــزة نفســها ســابقا‪ ،‬هــا‬ ‫الراهبــة «مــاري كلــود نــداف» عــام ‪ 2010‬لنشــاطها يف‬ ‫دعــم النســاء املع ّنفــات‪ ،‬والناشــطة الحقوقيــة رزان‬ ‫زيتونــة عــام ‪ ،2013‬التــي اختطفــت وزمالؤهــا يف‬

‫مدينــة دومــا يف ريــف دمشــق‪ ،‬ومــا تــزال مختفيــة‬ ‫حتــى اليــوم‪.‬‬ ‫وبهــذه املناســبة ال بــد مــن توجيــه الشــكر ملجــد‬ ‫رشبجــي ولــكل الناشــطات الســوريات‪ ،‬وملعتقالتنــا‬ ‫الحــرات‪ ،‬ولألمهــات اللــوايت يحملــن عــبء عائالتهــن‬ ‫وإعالتهــا‪ ،‬وينتظــرن أزواجهــن‪ ،‬وبناتهــن‪ ،‬وأبناءهــن‬ ‫املعتقلــن‪ ،‬ولــكل النســاء الســوريات اللــوايت يتحديــن‬ ‫الظلــم والقهــر والتطــرف‪ ،‬ويحلمــن بســورية الجديــدة‬ ‫الخاليــة مــن كل أنــواع القهــر‪ ،‬وأن ســورية القادمــة‬ ‫ســتكون بجهــود بناتهــا وأبنائهــا جنــة للحريــة‪.‬‬


19

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

2015 ‫ آذار‬15 / ‫ العدد الثاني عشر‬/ ‫السنة األولى‬

Bir şehri yazmak Bir şehri yazmak için tarihçi mi yoksa arkeolog mu olmak gerekir? Türkiye Yazarlar Birliğinin geleneksel olarak devem ettirdiği “3.Şehir Tarihi Yazarları Kongresi” bir nevi bu soruya yönelik bir cevaptı. İlkin Ankara’da daha sonra Konya’da ve üçüncüsünü de peygamberler şehri Urfa’da idrak ettiğimiz bu kongre birçok ülkeden şehir tarihi üzerine yazılar yazan tarihçi, akademisyen ve yazarın buluştuğu bir sempozyum niteliğindeydi. Şehirleri yönetenler için bu etkinliklerin önemine binaen şu hatırayı paylaşmak elzem oldu. Bir vakit adını hatırladığım fakat paylaşma ihtiyacını duymadığım bir yazarı bir belediye başkanı davet eder. Belediye başkanı, bu yazardan şehir hakkında bir kitap yazmasını ister ve yazara da kalmak istediğin kadar şehrimde kalabilirsin, der. Otel, ev, araba ne istersen vereyim, der. Ve yazar

sonunda bir kitap yazar. Akıllı adam kendi aklını, daha akıllı adam başkalarının aklını da kullanır. Bu manada Şehir Yazarları Kongresini kendi şehrinde himaye eden şehrin yöneticileri bir değil birçok yazarın fikrinden, aklından ve görüşünden istifade etmiştir. Şehri kurgularken planlamacısı, mimar, inşaat mühendisi yanında bir de şehir tarihi yazarlarından istifade etmesi gerekmez mi. Bizim de ikinci gün tebliğimiz vardı. “Tarihte Şehir ve Nehir” konulu tebliğim, Efsane Nehir Fırat kitabımızdan yola çıkarak diğer nehirlerin de şehirler üzerindeki etkisini hatta şehirlerin nehirler üzerindeki etkisine değindim. Londra’daki Thames nehrinden Tuna nehrine, Tuna Nehrinin Buda ve Peşte diye iki şehri bir araya nasıl getirdiğinden bahsettim. Normal olan şey, nehirler şehirleri tam ortadan ikiye bölerken Budapeşte’de ise bu iki şehir nehir dolayısıyla bir araya geliyor, birleşiyor.

Daha sonra kadim nehirlerimizden Fırat’ın ve Dicle’nin şehirler üzerindeki etkisinden bahsederken benden önceki tebliği sunan zatın tebliğine de katkıda bulunmuştum. Onun tebliği Harput üzerineydi. Ve ona gelen bir soru şöyleydi: “Harput, Urfa ve Kerkük türküleri neden birbirine benzer yapıdadır?” Hocamız benim tebliğime atıfta bulunarak “Şehir ve Nehir” tebliğini dinlediyseniz Fırat Nehrinin havzasında bulunan bu üç şehrin türküleri de benzer olması doğaldır.” demişti.

‫رسالة مدينة‬ Halife Hz. Ömer’e intikal edildikten sonra şöyle bir çözüm geliştirilmiş. Nil nehri kenarında bir tören düzenlenmiş ve burada oyuncak bir bebek ile birlikte Hz. Ömer’in yazdığı bir mektup Nil nehrine atılır. Ve böylece Nil Nehrinin taşması veyahut da taşmaması meselesinden çok coğrafi olay karşısında yapılan çirkin bir davranışın önüne geçilmiş olundu. Bu da Mısır’ın İslam’la şereflenmesinin bir muştusu olsa gerek.

Tebliğim öncesinde Mehmet Doğan hocamızla sohbet ederken onun Buradan yola çıkıp teveccühlerine mazhar Nil nehrinden de oldum ki kendisi “Türk bahsetmiştim. Mısırlıların Kimliğinin Coğrafyaları” ilkel inanışlarından adlı kitabından olan Nil nehrinin bahsetmişti. Kitapta taşması, Amon-ra Köhne Ürgenç Şehrinden diye adlandırdıkları su bahsetmişti. Bu şehir tanrılarının kızgınlığına 1500 yıllarında Ceyhun bağlıyorlardı. Ve (Amuderya) nehrinin bunun için her yıl yatağının değişmesi nehir taştığında ya nedeniyle terk edilir. da kuruduğunda Ve şehir yeni Ürgenç genç bir kızı süsleyip diye bir yerleşim yerine nehre atıyorlardı. Bu taşınırmış. Mehmet ilkel ve çirkin inanış, Doğan Hocanın verdiği tâ İslamiyet’in Mısır’ı bu bilgileri de tebliğimde şereflendirmesine kadar sundum. devam etti. Bu durum

Bunu sunarken Tarihî Harran şehrinin de benzer bir macera yaşadığını tebliğimde sundum. İlginçtir ki Fırat nehrinin Harran’a akan kolları kuruyunca Harran’daki âlimler ve diğer elit tabaka yanı başındaki Urfa’ya değil de o dönem Endülüs Emevilerinin kurduğu Kurtuba’ya gitmişlerdi. Bu arada Harran şehrinin Emevi devletinin son başkenti olduğunu hatırdan çıkarmayalım. Not: Kongreyi icralarından dolayı Şanlıurfa Büyükşehir Belediye Başkanı Celalettin Güvenç beyi tebrik ederim. Ayrıca kongrenin icrasında yer alan Mehmet Doğan, Hicabi Kırlangıç, Ferhat Koç, Cuma Ağaç ve Suphi Çiçek abilerimizi kutlarım. Ayrıca emeği geçen diğer isimsiz kahramanları da kutluyorum.

Eyyup Azlal

‫حقوق اإلنسان السوري يف القانون الرتكي‬ ‫ يف مخيــم أنطاكيــة تــويف شــخصان‬:‫مثــال عــى ذلــك‬ ‫نتيجــة نشــوب حريــق يف املخيــم فألزمــت املحكمــة‬ ‫الجمهوريــة الرتكيــة بالتعويــض لورثــة املتوفــن كــون‬ ‫حاميــة املخيــم يقــع عــى عاتــق اإلدارة الرتكيــة‬ .‫وبحاميــة القانــون والدســتور الــريك‬ ‫ إذا كان إخواننــا الســوريون موجوديــن يف‬:‫وبالنتيجــة‬ ‫تركيــا وبشــكل مؤقــت وضيــوف فهــم بحاميــة القانــون‬ ‫والدســتور الــريك وهــذا نتيجــة لكــون تركيــا دولــة‬ .‫قانــون‬ ‫ أكرم دادا‬: ‫ترمجة‬

.»‫يف ذلــك تطــوره مــن يــوم والدتــه‬ ‫ «أمــن‬:‫ مــن الدســتور الــريك‬19 ‫ كذلــك نــص املــادة‬»‫وحريــة كل شــخص مصانــة ومحميــة‬ ‫ «جميــع‬:‫ مــن الدســتور الــريك‬125 ‫ كذلــك يف املــادة‬‫الطــرق مفتوحــة للتعويــض عــن األرضار الناجمــة عــن‬ .»‫أعــال اإلدارة‬ ً‫ إذا كان املتــرر ســوريا‬:‫ومــن خــال تلــك املبــادئ‬ ‫ وتلتــزم اإلدارة بالتعويــض‬,‫كان لــه الحــق بالتعويــض‬ ‫عــن تلــك األرضار ويســتطيع املتــرر إقامــة الدعــاوى‬ ‫أمــام املحاكــم اإلداريــة والحكــم لــه بالتعويــض وخــر‬

‫للتواصل عرب فيس بوك‬

Facebook.com/AlharmalJournal Twitter.com/AlharmalJournal Alharmal.journal@gmail.com

:‫ ففــي املــادة الثانيــة مــن دســتور الجمهوريــة الرتكيــة‬»‫«الجمهوريــة الرتكيــة دولــة القانــون‬ ‫ وكذلــك ورد باملــادة العــارشة مــن الدســتور عبــارة‬‫ يفيــد ذلــك كل شــخص يقطــن ضمــن‬,»‫«كل شــخص‬ ‫ ســواء كان مــن املواطنــن‬,‫الخريطــة والحــدود الرتكيــة‬ ‫ مجــرد وجودهــم ضمــن‬,‫األتــراك أو غــر األتــراك‬ ‫الحــدود الرتكيــة فهــم متســاوون بالحقوق ويســتفيدون‬ ‫مــن ذلــك‬ : ‫ مــن دســتور الجمهوريــة الرتكيــة ورد‬17 ‫ ويف املــادة‬‫ مبــا‬,‫«إن الوجــود املــادي واملعنــوي لــكل شــخص مصــان‬

‫ كمال آغار‬: ‫احملامي‬

‫كوننــا بــر ومــن دون متييــز اللغــة والديــن والعــرق‬ ‫ ومهــا تكــن حياتنــا الخاصــة‬,‫واملذهــب أو اللــون‬ ‫ ومــن خــال‬.‫الــكل متســاوون وبحاميــة القانــون‬ ‫هــذا املبــدأ الدســتوري وخــال الســنوات األربعــة‬ ‫األخــرة وفــد إلينــا أشــقاؤنا الســوريون هاربــن مــن‬ ‫الحــرب األهليــة هنالــك «ال أقــول إنســاننا ألننــا نعيــش‬ ‫ فــكل إنســان إنســاننا‬.‫بجغرافيــة واحــدة ونتقاســمها‬ ‫«فهــم بحاميــة القانــون الــريك مادامــوا هــم يف تركيــا‬ .‫وحقوقهــم مصانــة‬

‫ثقافي��ة ـ��ـ سياس��ية ـ��ـ نص��ف ش��هرية ـ��ـ تص��در ع��ن مؤسس��ة توت��ول اإلعالمي��ة بالتع��اون م��ع بي��ت الرقة لكل الس��وريني‬

‫ يوس��ف دعيس‬:‫ مدي��ر التحري��ر‬- ‫ ماج��د رش��يد العوي��د‬:‫ رئي��س التحري��ر‬- ‫ بس��ام البليب��ل‬:‫رئي��س جمل��س اإلدارة‬

‫ إياس احملمد للتواصل عرب تويرت‬،‫ حممد صلي�بي‬،‫ ع��روة املهاوش‬،‫ إبراهي��م العلوش‬،‫ أس��عد فخ��ري‬،‫ خل��ف اجلرب��وع‬:‫هيئ��ة التحري��ر‬ ‫ للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete ‫ عبدالرمحن اهلويدي‬،‫ مصطفى س��ليمان‬:‫احملت��وى الف�ني‬

Atatürk Mah7-.sk. NO = 9. ŞanliUrfa MOB:

00905459679973

SAYI:3

YIL: 2014 )1) - İMTİYAZ SAHİBİ: ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: MAJED RASHEED ALOWAYYED

BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33


‫‪20‬‬

‫الذكرى الرابعة للثورة الس��ورية‬

‫كرامة مع خبز‪..‬‬ ‫حرية دون شهداء‪.‬‬ ‫يوسف عبدلكي‬

‫زاويـة حـرة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬

‫حرب شرس��ة الستئصال الثورة السورية‬ ‫د‪ .‬سماح هدايا‬ ‫الحقيقــة ليســت بالــرورة حقيقــة‪ ،‬لكنهــا تصبــح‬ ‫حقيقــة مبــا يصنعــه اإلعــام بهــا بالتحايــل واالدعــاء‬ ‫والتحطيــم‪.‬‬ ‫التاريــخ يف ســوريا عــى مفــرق طريقــن‪ :‬التزويــر‬ ‫والتفكيــك أو التجذيــر والبنــاء‪.‬‬ ‫السياســة العامليــة أدارت باإلعــام خطاب ـاً سياســياً لثــورة‬ ‫ســوريا‪ ،‬ش ـكّل الحقائــق واملفاهيــم للواقــع عــى رغبتــه‪.‬‬ ‫فمتــى تديــر السياســة الوطنيــة الثوريــة خطاب ـاً سياســياً‬ ‫يشــكل الحقائــق الوطنيــة واملفاهيــم؟‪ .‬ومــع أن مشــهد‬ ‫الثــورة حبــل مــن املــآيس ميتــد عــى األرض م ّعلــق عــى‬ ‫مــرأى البــر‪ ،‬فالفعــل الســيايس الوطنــي والــدويل مل يــوا ِز‬ ‫قطعــة أمل واحــدة للســوريني‪.‬‬ ‫الحــرب الفظيعــة هــدت النفــوس يف تيــه املأســاة‪ ،‬عائــات‬ ‫طحنتهــا الحــرب وتاريــخ أمــة قيــد اإلبــادة‪ ،‬لكــن ال‬ ‫جــدوى مــن لــوم العــامل‪ ،‬الــذي يبقــى صاحــب الشــأن يف‬ ‫قولبــة التاريــخ هــو موقــف النــاس والشــعب‪ ،‬فالتاريــخ‬ ‫تصنــع مفاصــل ســره إرادة التغيــر‪ ،‬ومــن أجــل التغيــر ال‬ ‫بــد مــن العمــل يف مســارين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬خدمــة وحلــول تتعاطــى مــع معطيــات الواقــع‬ ‫الحــايل ومتطلباتــه‪.‬‬ ‫الثــاين‪ :‬أفعــال لخدمــة مســتقبلية‪ ،‬وخطــة عمــل قابلــة‬ ‫للتنفيــذ الواقعــي يف املســتقبل‪.‬‬ ‫يجــب العمــل ضمــن هاتــن الرؤيتــن‪ ،‬فالقــادم يتطلــب‬ ‫اســراتيجيات عمــل وتخطيطــاً بعيــد املــدى‪ ،‬والحــايل‬ ‫يتطلــب حلــوالً إســعافية‪ ،‬وخطــة عمــل لإلنقــاذ اإلنســاين‬ ‫والوطنــي‪ ،‬واحتــواء املشــاكل ودعــم الضعفــاء‪.‬‬ ‫تــوازي املســارين مهــم جــدا ً ويتطلــب وعيــاً متطــورا ً‬ ‫وجهــدا ً جديــاً؛ ألن الثــورات تــأيت يف طريــق التغيــر‬ ‫بالكــوارث‪ ،‬ويلزمهــا أقويــاء أحــرار مدركــون لدورهــم‬ ‫التاريخــي‪ ،‬قــادرون عــى العطــاء بســخاء فائــق النظــر‪،‬‬ ‫وعــى تكســر الجانــب املظلــم األنــاين الفوضــوي‪ ،‬مــا‬ ‫وترســخ برتبيــة القهــر واالســتبداد والجهــل‪،‬‬ ‫نشــأ فيهــم ّ‬ ‫وعــى الرغــم مــن االنح ـراف عــن املســار؛ فــإ ّن جهــودا ً‬ ‫عظيمــة تبذلهــا املقاومــة يف ظــل الحــرب والثــورة‪،‬‬ ‫لكــن الــيء الثمــن يتحقــق يف دميومــة الكفــاح بوعــي‬ ‫وتصميــم‪.‬‬ ‫الثــورة التــي تح ّولــت إىل حــرب تفــرض عــى البــر‬ ‫تطويــر التفكــر‪ ،‬والعواطــف الحتــواء املســتجدات‬ ‫والســيطرة عــى الواقــع‪.‬‬ ‫العــامل يتجــه نحــو تقليــص مفهــوم الحريــة إىل مطالــب‬ ‫دنيــا‪ ،‬وخدمــات ضيقــة‪ ،‬ومتديــد العبوديــة‪ ،‬والقوانــن‬ ‫التــي تسـ ّنها الــدول الكــرى ال يبــدو أنّهــا تنصــب يف صالح‬ ‫مســار ثــورة الحريــة‪ ،‬مــا زلنــا ننظــر للمشــاكل كنتائــج‪،‬‬ ‫وال نــأيت للمشــكلة يف أساســها‪ ،‬وهــو الطغيــان‪ ،‬ونظــام‬ ‫االســتبداد والقهــر‪.‬‬ ‫ليــس هنــاك قوانــن تحــدد الغالــب واملغلــوب‪ ،‬بــل هنــاك‬ ‫تجــارب ومعايــر للنجــاح والفشــل‪ ،‬اإلنســان يدخــل‬ ‫التجــارب التــي تصقــل إرادتــه ورؤيتــه‪ .‬وتجربــة الشــعب‬ ‫الســوري صعبــة سياســياً واجتامعي ـاً وإنســانياً وأخالقي ـاً‪،‬‬ ‫فيهــا الصدمــة والرتويــع‪ ،‬لكــن لــوال دخــول الشــعب‬ ‫الســوري يف الثــورة وخوضــه الحــرب الكــرى؛ ملــا كان‬

‫عــرف الحقيقــة‪ ،‬وال كان أســهم يف صناعــة الواقــع‪.‬‬ ‫فهــم الواقــع ومشــاكله كان مغيب ـاً عــى النــاس‪ ،‬إدراكــه‬ ‫مهــا كان مغموســاً بالدمــاء والتضحيــات والتجــارب‬ ‫املؤملــة‪ ،‬ســيضع املســار للحــل الصحيــح‪ .‬التجربــة ال‬ ‫يســتهان فيهــا والتحديــات كبــرة‪ ،‬لكــن بعــد مــرور أربــع‬ ‫ســنوات عــى الثــورة وحربهــا‪ ،‬أســئلة كثــرة تتطلــب‬ ‫إجابــات عــى جميــع األصعــدة‪:‬‬ ‫أيــن هــو الفكــر الــذي يجــب أن يتصــدى للحــرب‬ ‫وملــروع بنــاء الدولــة؟ مــاذا انبثــق عــن مصطلحــات‬ ‫عامــة كالدميقراطيــة والعلامنيــة واملواطنــة؟ أيــن املــروع‬ ‫الفكــري والســيايس؟ مــا الســبيل لتقويــض نظــام الفــوىض‬ ‫والغوغائيــة والجهــل واالنتهازيــة والجشــع يف ظــل والءات‬ ‫للمشــاريع العامليــة املضــادة للحريــات‪ ،‬وتبعيــات تك ـ ّرس‬ ‫التــرذم واالنقســام والتخويــن واالســتغالل؟‪.‬‬ ‫الحــرب الســوريّة أكــر مــن رصاع أهــي‪ ،‬أو مــن ثــورة‬ ‫مضــادة لثــورة‪ ،‬هــي رصاع أممــي يف ســوريا كجــزء‬ ‫جغــرايف وتاريخــي اســراتيجي مؤثــر يف مصــر املنطقــة‪.‬‬ ‫ال أفــق لهــذه املعارضــات‪ ،‬والحــركات ضمــن تنظّمهــا‬ ‫يف أطيــاف وجامعــات متقاتلــة‪ ،‬متضاربــة املصالــح؛ إن‬ ‫مل يصبــح الهــم الوطنــي هــو الجامــع يف إطــار إنســاين‬ ‫وأخالقــي ونهضــوي؛ فالحلــول أشــبه بعبــث ورضب مــن‬ ‫الوهــم‪.‬‬ ‫يجــب عــى السياســيني واملفكريــن وعــى اإلعــام الســوري‬ ‫الجديــد‪ ،‬وعــى املنظــات وأطيــاف املعارضــة ومؤسســاتها‬ ‫وممثليهــا ومعارضيهــا تح ّمــل مســؤولية جامعيــة ملــا‬ ‫يحــدث‪.‬‬ ‫الشــباب الــذي حــرم مــن العدالــة والحريــة‪ ،‬ومل يحــ َظ‬ ‫بقســط مــن الكرامــة قدمــت لــه الدعــوات الدينيــة ســبالً‬ ‫للرضــا واحــرام الــذات ومحاربــة الباغــي واملعتــدي‪.‬‬ ‫وكان قدرهــم أن يغوصــوا يف فكــر ضحــل آســن‪ ،‬فــاذا‬ ‫قــدم اآلخــرون مــن الســلميني واإلســاميني والعلامنيــن‬ ‫واليســاريني والقوميــن والحداثيــن؟ هــل عملــت مختلــف‬ ‫رضوب املعارضــة عــى إيجــاد تيــارات فكريــة وإنســانية‬ ‫جامعــة تســتقطب هــؤالء املضطهديــن الخارجــن مــن‬ ‫ظلمــة وعزلــة طويلتــن ووجــدوا يف الفــوىض والقهــر‬ ‫وأجــواء انتفاضــات جامهرييــة مطالبــة بالحريــة الجــو‬ ‫املناســب لتــارس أصوليــة دينيــة تقودهــا يف ظــروف‬ ‫القهــر إىل العنــف املرشعــن‪ ،‬وميكــن اســتغاللها إقليميــاً‬ ‫ودوليــاً‪ ،‬وتطويعهــا وفــق مــروع مضــاد لحــركات‬ ‫التحــرر الوطنــي‪ ،‬وللحــركات الدينيــة الرشــيدة وللحــركات‬ ‫الوطنيــة الجيــدة‪.‬‬ ‫العــامل يتغــر‪ ،‬وميــر بأزمــات ورصاعــات‪ ،‬وســورية اآلن‬ ‫تدمــر نتيجــة هــذه الرصاعــات الدوليــة‪ ،‬والشــعب‬ ‫الســوري يجــب أن يتوحــد عــى موقــف‪ ،‬ويخلــص للمبــدأ‬ ‫الوطنــي‪ ،‬لكــن ذلــك يتطلــب قيــادة ومرشوعـاً جامعـاً ذا‬ ‫مصداقيــة‪.‬‬ ‫ال ميكــن أن ينجــح يف ســوريا مــروع ســيايس وأخالقــي‬ ‫مــن دون أن يكــون مرتبطـاً باإلنســان والقاعــدة الشــعبية‬ ‫وضمريهــا‪ ،‬الــراع سيســتمر لســنوات‪ ،‬والوضــع خطــر‬ ‫واالســتقطاب يــدور بقــوة وشــدة‪ .‬واألزمــة االقتصاديــة‬ ‫ســتنعكس بـراع أكــر‪ ،‬املعركــة بحاجــة للنــاس العاقلــن‬ ‫ولإلنســانيني لــي يحســنوا الســر والقيــادة‪.‬‬

‫الوكالة الفرنسية للتعاون اإلعالمي‬ ‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05459679973( :‬أو مراجع��ة مقره��ا (أورف��ا ‪ -‬س��احة املدف��ع)‬

‫اآلراء التي تنشر بالمجلة تعبر عن رأي أصحابها‪ ،‬وال تمثل بالضرورة رأي المجلة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الثاني عشر ‪ 15 /‬آذار ‪2015‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.