Alharmal (24) 15 09 2015 العدد 24 من مجلة الحرمل

Page 1

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬ ‫الســنة األولــى ‪ /‬العــدد الرابــع والعشــرون ‪ 15 /‬أيلــول ‪2015‬‬

‫‪AL harmal‬‬

‫‪1‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــاً‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫‪sayı 24‬‬

‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫إفتتاحية العدد‬ ‫اهلجرة من االستبداد‬ ‫إىل احلرية‬ ‫ماجد رشيد العويد‬

‫هجرة السوريني ‪ ..‬مآساة العصر‬

‫أزمة ضخ اهلموم واملآسي عوضًا عن ضخ املياه‬

‫درع��ا مه��د الث��ورة‪ ..‬ترت��وي م��ن اآلب��ار الزراعي��ة دون مراقب��ة صحية‬ ‫املفك��ر القل��ق «‪« »2‬تعقيبًا عل��ى حوار املفكر الس��وري د‪ .‬طيب تيزيين»‬

‫حن��ن حباج��ة إىل اإلم��ام الف ّع��ال‪ ..‬ال الق��وّال‬ ‫من أين يأتي النظام بغاز الكلور‪..‬؟!‬

‫حقائق عن استخدام غاز الكلور ضد املدنيني‬

‫ال نبالــغ إذا قلنــا إن كثــرا ً مــن الــروح يتخلــل رحلــة‬ ‫هــؤالء املهاجريــن باملاليــن‪ ،‬وإنهــا يف جانــب مــن‬ ‫جوانبهــا هجــرة مــن الــرك إىل اإلميــان بلغــة ذات‬ ‫طابــع دينــي تاريخــي‪ .‬ميكننــا القــول كذلــك إن‬ ‫االســتبداد الحــايل ســاهم يف إعــادة إنتــاج الحــركات‬ ‫الســفلية املتطرفــة املتحدثــة باســم الديــن‪ ،‬والتــي‬ ‫تعتــر اســتمرارا ً لحــركات مثــل الخــوارج أذاقــت‬ ‫النــاس يف زمنهــا مــا تذيقهــم إيــاه حــركات التطــرف‬ ‫اليــوم‪ ،‬ويف الهيئــة الطائفيــة الرثــة‪ ،‬مــن ويــات ومــآس‪.‬‬ ‫مكمــن الخطــورة هنــا إنتــاج نــوع مــن املصــل القاتــل‬ ‫لتطلعــات الحريــة وحقــوق اإلنســان‪ .‬رأينــا هــذا يف‬ ‫الع ـراق واليمــن‪ ،‬ون ـراه يف صــورة شــديدة القتامــة يف‬ ‫ســورية‪ .‬مثــة أمــر تجــدر اإلشــارة إليــه‪ ،‬فاالســتبداد يف‬ ‫هيئتــه العربيــة ميكــن وصفــه أيض ـا ً ليــس باملتوحــش‬ ‫فحســب‪ ،‬وإمنــا هــو اســتبداد عفــن ال يبنــي دوالً‪،‬‬ ‫وليــس بعــض ه ّمــه منازعــة الــدول القويــة والعريقــة‬ ‫يف إنتاجهــا للحريــة وحقــوق اإلنســان كــا كان الحــال‬ ‫مــع ســتالني عــى ســبيل املثــال‪ .‬هــو بكلمــة‪ :‬اســتبداد‬ ‫يبنــي مجــد فــرد متســلط ميثلــه متثــال مف ـ ّرغ‪ ،‬وعنــد‬ ‫أول احتجــاج يتســاقط مــا ظنــه املجــرم بنــا ًء غــر قابــل‬ ‫للهــدم‪.‬‬ ‫مــن هنــا ميكــن القــول أيضـا ً عــن الهجــرة إنهــا هجــرة‬ ‫مــن التمكــن الطائفــي إىل رحــاب إنســانية مطلقــة‬ ‫تحقــق للمهاجــر برشيتــه وإنســانيته ويعيــش رفاهيتــه‬ ‫ضمــن املتوفــر‪ ،‬وهــي كذلــك خــاص تــام لــه مــن‬ ‫منطــق العبــادة امللــوث إىل إمكانيــة االختيــار الحــر يف‬ ‫أن يعبــد أو ال يعبــد‪ ،‬وبالتأكيــد ســوف يعيــش حريتــه‬ ‫التامــة وإدراكــه التــام يف أن مــن كان يحكمــه مجــرد‬ ‫فــرد مجــرم أحمــق مجنــون‪ ،‬وأن الطاعــة التــي بذلهــا‬ ‫لــه كانــت بفعــل خوفــه العميــق الــذي ســيتحرر منــه‬ ‫أيض ـا ً‪.‬‬ ‫يف الهجــرة مثــة جوانــب أخــرى لــن نغفلهــا مــن مثــل‬ ‫اكتشــاف العــامل املتمــدن والتعــرف عليــه‪ ،‬وعــى نــوع‬ ‫الحيــاة القامئــة بــن ظهرانيــه‪ ،‬واملســاهمة الحقــا ً يف‬ ‫بنائــه‪ ،‬واالندمــاج فيــه وإنتــاج نســل يفيــد مــع األيــام‬ ‫البلــد الطــارد والبلــد املســتقبل‪.‬‬ ‫يف الهجــرة أكــر مــن الخــوف مــن الحــرب‪ ،‬وإن كانــت‬ ‫الحــرب الســبب الرئيــي لهــا‪ ،‬ولكنهــا تغــدو هدفــا ً‬ ‫يخــرج الكامــن يف النفــس إىل العلــن‪ ،‬وأمــا الهــدف‬ ‫فتلــك األرض الثابتــة التــي تخلصــت مــن أمــراض‬ ‫الحــرب بأشــكالها كلهــا مبــا فيهــا ذلــك الشــكل القــذر‬ ‫مــن الحــرب الطائفيــة‪ ،‬هنــا ميكــن تلبيــة الرغبــات‬ ‫املرتاكمــة عنــد املهاجــر‪ ،‬وخصوص ـا ً الســوري يف حيــاة‬ ‫مســتقرة‪.‬‬ ‫ويبقــى الســؤال هــل مــن خــوف عــى البــاد الطــاردة‬ ‫التــي تخــر أبناءهــا؟ ولعــي أجيــب أنــه ال خــوف‬ ‫فتاريــخ العــامل كان ومــا زال وســيبقى قامئـا ً‪ ،‬وفيــه هــذا‬ ‫الرحيــل املســتمر‪ ،‬وتكــون الحــرب‪ ،‬فقــط‪ ،‬أحــد أســبابه‪،‬‬ ‫باتجــاه خلــق اإلنســان الســوي الــذي ي ـراد لــه‪ ،‬ومنــه‬ ‫أن يحكــم العــامل عــى نحــو عــادل‪.‬‬ ‫هــذا هــو حــال األفــكار واملشــاعر واألحاســيس‪ ،‬وهــذا‬ ‫هــو حــال اإلنســان املنتــج لهــا‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫من أين يأتي النظام بغاز الكلور‪..‬؟!‬ ‫يعرب الدايل ‪ -‬الحرمل‬ ‫عــى مـ ّر ســنوات الثــورة الســورية تفنــن‬ ‫نظــام بشــار األســد يف قتــل الســوريني الذيــن‬ ‫خرجــوا ضــده مطالبــن بأبســط حقوقهــم يف‬ ‫الحريــة والعيــش الكريــم وتحقيــق العدالــة‬ ‫االجتامعيــة‪ ،‬واســتعمل ضدهــم مختلــف‬ ‫األســلحة مــن الرصــاص الحــي وحتــى الطائـرات‬ ‫الحربيــة وأيض ـاً األســلحة الكيميائيــة وأبرزهــا‬ ‫غــاز الكلــور الســام الــذي اســتعمله يف أكــر‬ ‫مــن موقــع ضــد الســكان املدنــن أو ضــد الثــوار‬ ‫املســلحني عــى جبهــات القتــال‪.‬‬ ‫غــاز الكلــور ليــس ســاحاً تقليدي ـاً ميكــن ألي‬ ‫دولــة امتالكــه بســهولة‪ ،‬لذلــك بدأنــا نبحــث‬ ‫مــن أيــن يــأيت النظــام الســوري بغــاز الكلــور؟‬ ‫ومــاذا يســبب مــن أذى عنــد اســتعامله؟‬ ‫غــاز الكلــور يتســبب يف خفــض درجــة ح ـرارة‬ ‫صــدر اإلنســان حتــى ‪ 30‬تحــت الصفــر إذا‬ ‫مــا استنشــقه يف حالتــه املركبــة حيــث ينتــر‬ ‫مــع الهــواء عــى شــكل غاممــة صف ـراء اللــون‬ ‫ترتفــع مســافة مــر تقريب ـاً عــن ســطح األرض‬ ‫وتتفــاوت معــدالت االرتفــاع حســب درجــة‬ ‫حــرارة األرض‪ ،‬وإذا المســت املــادة باليــد‬ ‫يبقــى أثــر ســائل عــى يديــك‪ ،‬وميكــن إزالــة‬ ‫آثارهــا مــن جســم اإلنســان مــن خــال رشب‬ ‫مــادة الحليــب‪ ،‬وعندهــا يُفــرغ اإلنســان مــا يف‬ ‫جوفــه‪ ،‬ويــزول مفعــول الغــاز‪,‬‬ ‫بعــد بحــث يف أروقــة ســوريا الصناعيــة وســؤال‬ ‫الكثرييــن مــن عســكريني ومدنيــن وتجــار‬ ‫وسياســيني متكنــا مــن الوصــول إىل أشــخاص‬ ‫يعملــون يف هــذا املجــال ووافونــا بشــهاداتهم‬ ‫حــول هــذا املوضــوع لنضــع اآلن بــن يديكــم‬ ‫مــا وصلنــا إليــه مــن حقائــق‪ ،‬وأيض ـاً لنضعهــا‬ ‫شــهادة حــق بــن يــدي املســؤولني يف دول‬ ‫العــامل‪ ،‬علّهــم يجنبــوا الشــعب الســوري خطــر‬ ‫هــذا الســاح الفتــاك‪.‬‬ ‫محمــود حــاق ابــن مدينــة حلــب خريــج‬ ‫معهــد تجــارة واقتصــاد يعمــل يف قســم التجــارة‬ ‫الخارجيــة يف الرشكــة الســورية الســعودية‬

‫حقائق عن استخدام غاز الكلور ضد املدنيني‬

‫للكيامئيــات (سيســاكو) مقرهــا رشق حلــب‬ ‫شــال ســوريا يف منطقــة كويــرس يف قريــة‬ ‫تعــرف بالوديعــة الواقعــة عــى الطريــق الدويل‬ ‫الــذي يصــل حلــب بالرقــة‪.‬‬ ‫يقــول يف شــهادته حــول املوضــوع‪ :‬أثنــاء عمــي‬ ‫يف الرشكــة الســورية الســعودية للكيميائيــات‬ ‫«سيســاكو» املوجــودة رشق حلــب يف منطقــة‬ ‫كويــرس‪ ،‬والتــي تعتــر األوىل مــن نوعهــا يف‬ ‫ســوريا‪ ،‬والثانيــة يف الــرق األوســط بعــد‬ ‫الرشكــة األملانيــة املوجــودة يف الكويــت‬ ‫واألردن مــن حيــث الصناعــات الكيميائيــة‬ ‫التــي تعتمــد عــى مــادة امللــح يف اســتخراج‬ ‫مركبــات كيميائيــة ومنهــا غــاز الكلــور‪ ،‬وتعــود‬ ‫ملكيــة رشكــة سيســاكو إىل «أبــو عــار الصباغ»‪،‬‬ ‫أحــد أبــرز رجــال األعــال الســوريني يف حلــب‪،‬‬ ‫والدكتــور محمــود فــرزات مــن أغنيــاء حمــص‬ ‫وعمــوم ســوريا باإلضافــة إىل الشــيخ الســهيل‬ ‫مــن املســتثمرين الســعوديني يف ســوريا‪.‬‬ ‫ويتابــع‪ :‬كنــا نســتورد مــادة امللــح مــن األردن‬ ‫أو مــن املالحــات يف تدمــر لنســتخرج منهــا‬ ‫مشــتقات كيميائيــة مــن بينهــا غــاز الكلــور‬ ‫الســام‪ ،‬كانــت القــدرة اإلنتاجيــة للرشكــة‬ ‫تقــدر بــآالف اللي ـرات يوميـاً‪ ،‬وتتفــاوت كميــة‬ ‫اإلنتــاج حســب العــرض والطلــب يف الســوق‪،‬‬ ‫يتــم تعبئتهــا يف أســطوانات خاصــة صفــراء‬ ‫اللــون معــدة لحفظهــا خوف ـاً مــن الترسيــب‪،‬‬ ‫وكانــت أهــم نقــاط التصديــر الحصــول عــى‬ ‫موافقــات أمنيــة ليتــم تصديرهــا وبيعهــا إىل‬ ‫معامــل الدفــاع يف األردن والعـراق وســوريا مــع‬ ‫جهــل املصــدر املرســلة إليــه هــذه املــادة يف‬ ‫الــدول األخــرة‪ ،‬كــون التصديــر يتــم مــن خــال‬ ‫وســائط تجاريــن بصفقــات تبــادل حـرا ً‪ ،‬فيــا‬ ‫كانــت ترســل إىل معامــل الدفــاع والبحــوث‬ ‫يف حــاة ودمشــق مــن خــال وزارة الصناعــة‬ ‫بصفقــات خاصــة ال يتــم اإلعــان عنهــا أبــدا ً‪.‬‬ ‫يســتعمل غــاز الكلــور ألغـراض إنســانية أهمهــا‬ ‫غســيل أنابيــب النفــط الضخمــة واملســابح‬ ‫الكبــرة نظ ـرا ً لقــدرة الغــاز عــى جعــل املــاء‬ ‫يفــور بطريقــة تســاعد عــى إزالــة الشــوائب‪،‬‬

‫ففــي إحــدى امل ـرات رافقــت ســيارات الرشكــة‬ ‫إىل مســبح الباســل يف ديــر الــزور‪ ،‬وقامــوا بوضع‬ ‫عبــوة صغــرة مــن غــاز الكلــور يف املســبح‬ ‫الــذي يتجــاوز طولــه ‪ 200‬مــر‪ ،‬وبعــد ثــوانٍ‬ ‫قليلــة بــدأ املســبح بالغليــان‪ ،‬وكأنــك أوقــدت‬ ‫نــارا ً يف أســفله‪ ،‬وإذا ملســت املــاء وجدتــه بــاردا ً‬ ‫جــدا ً يف صــورة كيميائيــة مذهلــة‪.‬‬ ‫هــذا كان حديــث محمــود حــاق لنــا عــن‬ ‫أحــد مصــادر صناعــة الكلــور يف ســوريا‪ ،‬حيــث‬ ‫يتــم يف رشكــة صناعيــة كانــت قــوات النظــام‬ ‫تســتغلها‪ ،‬أمــا عــن كيفيــة اســتغاللها وأغ ـراض‬ ‫اســتخدامها‪ ،‬فقــد التقينــا محمــد الجابــري‬ ‫وهــو مســتثمر متوســط رأس املــال يعمــل يف‬ ‫التجــارة الحــرة‪ ،‬حيــث كان يشــري البضائــع‬ ‫مــن املعامــل يف حلــب ويبيعهــا إىل مســتهلكني‬ ‫يف عمــوم ســوريا ومــن بــن مــا تاجــر بــه هــو‬ ‫مــادة الكلــور‪ ،‬حيــث أخربنــا بأنــه كان يشــري‬ ‫شــهريا مــن ‪ 20‬إىل ‪ 50‬أســطوانة ينقلهــا مــن‬ ‫حلــب إىل دمشــق‪ ،‬ويبيعهــا إىل املعامــل‬ ‫الضخمــة التــي تســتعمل الكلــور يف تنظيــف‬ ‫األنابيــب الضخمــة مــن خــال إزالــة الشــوائب‬ ‫منهــا‪.‬‬ ‫لكــن خــال دخولــه وخروجــه إىل الرشكــة‬ ‫الســورية الســعودية‪ ،‬وخــال عملــه يف بيــع‬ ‫الكلــور اكتشــف أن قســاً منهــا يذهــب إىل‬ ‫معمــل الدفــاع يف ريــف حــاة الجنــويب‪،‬‬ ‫ومعامــل البحــوث العلميــة العســكرية يف‬ ‫منطقــة الدريــح بدمشــق‪ ،‬وكانــت تنقــل إليــه‬ ‫مــن خــال رشكات نقــل بــري مثــل ســيارت‬ ‫فهــد الفهــد والثــور والســورية للنقــل‪.‬‬ ‫أمــا عــن مصــر غــاز الكلــور عنــد وصولــه إىل‬ ‫القطــع العســكرية الســابقة الذكــر فقــد وصلنــا‬ ‫إىل عســكري مجنــد أنهــى خدمتــه العســكرية‬ ‫يف عــام ‪ 2009‬وكان يخــدم يف منطقــة الدريــج‬ ‫يف دمشــق وأخربنــا عــن مصــر غــاز الكلــور‪،‬‬ ‫قائــاً‪ :‬كان يقــوم باســتالم هــذه املــواد يف‬ ‫منطقــة الدريــج مــازم أول (إبراهيــم بــدور)‪،‬‬ ‫بالرغــم مــن أنــه كان برتبــة مــازم إال أنــه كان‬ ‫يصــول ويجــول أكــر مــن لــواء‪ ،‬خصوص ـاً وأن‬

‫زوجتــه مهندســة كيميائية‬ ‫يف منطقــة الدريج ومقربة‬ ‫مــن الرئيــس الســوري‪،‬‬ ‫وكان يــرف عــى اســتالم‬ ‫الغــاز الــذي يأتينــا يف‬ ‫صفــراء‬ ‫أســطوانات‬ ‫خاصــة‪ ،‬كنــا نقــوم بإدخال‬ ‫األســطوانات حتــى نقطــة‬ ‫معينــة بالقــرب مــن مخــر‬ ‫األبحــاث‪ ،‬وال يســمح‬ ‫لنــا بالدخــول إليــه‪،‬‬ ‫فهــذا املخــر لــه فريــق مختــص مــن الخ ـراء‬ ‫واملختصــن الكيميائيــن‪ ،‬كانــوا يعملــون بشــكل‬ ‫يومــي يف هــذا القســم كموظفــن مدنيــن‪ ،‬وكنــا‬ ‫نــرف عــى نقلهــم مــن املنطقــة إىل منازلهــم‬ ‫وحركتهــم داخــل املبنــى‪ ،‬لكــن ممنــوع علينــا‬ ‫دخــول املخــر‪ .‬إال أننــي كنــت أســمعهم‬ ‫يتحدثــون خــال نقلهــم للمــواد عــن حــاالت‬ ‫اختنــاق بينهــم‪ ،‬أو تــرب للغــاز أثنــاء عملهــم‪،‬‬ ‫أي أنهــم كانــوا ال يســتعملونه مبــارشة وإمنــا‬ ‫يســتغلوه ألمــر آخــر ويقومــون بتطويــره‪.‬‬ ‫هــذه شــهادات جمعناهــا مــن أشــخاص حــول‬ ‫غــاز الكلــور‪ ،‬ومــن أيــن يــأيت وأيــن يذهــب‬ ‫حتــى يصــل إىل النظــام الســوري ومل نتمكــن‬ ‫مــن دخــول املختــرات أو معرفــة مصــر‬ ‫الغــاز بعــد ذالــك لكــن رأينــا مفعولــه عندمــا‬ ‫اســتعمله عــى املدنــن يف صــورة ال تــرئ‬ ‫النظــام أبــدا ً‪.‬‬ ‫طبعــا نحــن أثنــاء تحقيقنــا زرنــا الرشكــة‬ ‫الســورية الســعودية يف حلــب‪ ،‬والرشكــة حالي ـاً‬ ‫تحــت ســيطرة تنظيــم الدولــة اإلســامية‬ ‫«داعــش» وقــت جــاءت يف مطلــع ‪2013‬‬ ‫وفرضــت ســيطرتها عليهــا بعــد طــرد جبهــة‬ ‫النــرة منهــا وفصائــل أخــرى منهــا الفــاروق‬ ‫اإلســامي ولــواء التوحيــد الذيــن كانــوا قــد‬ ‫دخلــوا يف خــاف بينهــم مــن أجــل الســيطرة‬ ‫عــى الرشكــة طمعــاً مبــا تحتويــه وبســبب‬ ‫قربهــا مــن مطــار كويــرس العســكري‪ ،‬وقامــت‬ ‫بطــرد عــال الرشكــة واإلبقــاء عــى أخصــايئ‬

‫قســم الكلــور‪ ،‬نظــرا ً ألهميتهــم يف الحفــاظ‬ ‫عــى املــادة مــن خــال صيانــة القســم وإبقائــه‬ ‫يف حالــة إقــاع دائــم خوفــاً مــن الترسيــب‬ ‫وحــدوث كارثــة بيئيــة‪ ،‬خاصــة وأن خــزان‬ ‫الرشكــة يحتــوي حينهــا ســتة آالف ليــر مــن‬ ‫الغــاز اذا مــا حصــل ترسيــب ينــذر بكارثــة‬ ‫بيئيــة قــد تبيــد كل مــن منطقــة منبــج والبــاب‬ ‫يف شــايل رشق حلــب‪.‬‬ ‫يف الرشكــة التقينــا أحــد عــال قســم الغــاز‬ ‫الذيــن أبقــى التنظيــم عليهــم وأخربنــا أنــه‬ ‫أثنــاء حادثــة خــان العســل املعروفــة والتــي تــم‬ ‫اســتهدافها بغــاز الكلــور قــام التنظيــم بأخــذ‬ ‫كميــات مــن املــادة قبــل العمليــة بأســبوع‪،‬‬ ‫وبعدهــا متــت عمليــة اســتهداف خــان العســل‬ ‫باملــادة‪ ،‬طبعـاً ال أعلــم جازمـاً إذا كان التنظيــم‬ ‫مــن نفــذ العمليــة لكــن ســمعنا أنهــم زودوا‬ ‫صواريــخ غ ـراد بأســطوانات كلــور‪ ،‬واســتهدفوا‬ ‫الحــي بهــا مــن منطقــة جــر النــرب القريــب‬ ‫مــن الرشكــة والحــي مع ـاً‪ ،‬واألمــر كان حينهــا‬ ‫«أبــو القعقــاع التونــي» املعــروف بالســفاح‪،‬‬ ‫والــذي ســبق لــه وأن اســتخدم الكلــور يف‬ ‫حادثــة معروفــة داخــل الرشكــة عندمــا أعــدم‬ ‫عــرة جنــود مــن قــوات النظــام‪ ،‬كان قــد‬ ‫أرسهــم مــن فــرع سياســية ديــر حافــر القريبــة‪،‬‬ ‫وقــام بخنقهــم بغــاز الكلــور داخــل إحــدى‬ ‫الغــرف بالرشكــة‪ ،‬علـاً أنــه عندمــا كان يحــدث‬ ‫ترسيــب ويستنشــق الغــاز أحدهــم نكتفــي‬ ‫بإعطائــه جرعــات مــن الحليــب ليفــرغ مــا يف‬ ‫جوفــه ويــزول مفعــول الغــاز‪.‬‬

‫هج��وم الث��وار عل��ى دمش��ق يفش��ل فك��رة الدويل��ة العلوي��ة ‪ ..‬التدخ��ل الروس��ي احت�لال اس��تعماري جدي��د لس��ورية‬ ‫الحرمل ‪ -‬دمشق‬ ‫تشــهد األوضــاع امليدانيــة يف ســوريا‬ ‫مزيــدا ً مــن التعقيــد‪ ،‬عــى ضــوء دخــول‬ ‫روســيا عــى الخــط بقــوة خاصــة يف منطقــة‬ ‫الســاحل‪ ،‬فيــا تســتمر إيـران يف قيــادة دفــة‬ ‫األمــور ابتــداء مــن العاصمــة دمشــق وصــوالً‬ ‫إىل الحــدود مــع لبنــان‪ ،‬يف توزيــع واضــح‬ ‫لــأدوار بــن الدولتــن بعــد اإلنهــاك الواضــح‬ ‫عــى الجيــش النظامــي وعجــزه عن الســيطرة‬ ‫عــى مجريــات األمــور‪.‬‬ ‫وتشــر كافــة الجهــات املراقبــة إىل تــورط‬ ‫رويس مبــارش يف ســورية بعــد أن كان التــورط‬ ‫ســابقاً مقتــرا ً عــى الدعــم باألســلحة‬ ‫وبالفيتــو والعالقــات الدبلوماســية‪ ،‬مــا‬ ‫يطيــل يف فــرة الــراع الــذي يحصــد أرواح‬ ‫اآلالف مــن الســوريني‪ .‬ولكنــه ســينتهي حتـاً‬ ‫بهزميــة للمحتــل الــرويس كــا املحتــل االيـراين‬ ‫الــذي أرهــق بالحــرب يف ســورية ودمــر‬ ‫حليفــه حــزب اللــه عســكرياً وأخالقيــاً يف‬ ‫تورطــه يف الــدم الســوري‪.‬‬ ‫ودعــا وزيــر الخارجيــة الــرويس ســرغي‬ ‫الفــروف إىل رضورة التنســيق بــن الجيــش‬ ‫الــرويس ووزارة الدفــاع األمريكيــة لتفــادي‬ ‫وقــوع «حــوادث عارضــة» يف ســوريا‪.‬‬ ‫وقــال الفــروف يف مؤمتــر صحفــي عقــب‬ ‫اجتــاع مــع نظــره املنغــويل لونديــج‬ ‫بورفســورين «التنســيق مهــم أيض ـاً لتجنــب‬

‫وقــوع حــوادث غــر مقصــودة‪ ،‬لقــد تحدثنــا‬ ‫عــن ذلــك منــذ بدايــة األعــال التــي‬ ‫يقــوم بهــا هــذا التحالــف بقيــادة زمالئنــا‬ ‫األمريكيــن»‪ ،‬مضيف ـاً «مــا زلنــا نناشــد أعضــاء‬ ‫التحالــف أن يبــدؤوا التعــاون مــع الحكومــة‬ ‫والجيــش الســوري»‪.‬‬ ‫وشــدد عــى أن بــاده ســتواصل تزويــد‬ ‫الرئيــس الســوري بشــار األســد بالســاح‬ ‫ملســاعدة قواتــه املســلحة عــى التصــدي‬ ‫لتنظيــم داعــش‪.‬‬ ‫وتابــع قائـاً يف مؤمتــر صحفــي «فيــا يتعلــق‬ ‫بالتدريبــات يف البحــر األبيــض املتوســط‬ ‫ســأقول مــن البدايــة إن لــدي معلومــات‬ ‫حــول جدولهــا الزمنــي‪ ،‬ولكــن مــن املعــروف‬ ‫جيــدا ً أن قواتنــا البحريــة تقــوم بهــا عــى‬ ‫أســاس منتظــم‪ ،‬وتجــرى هــذه التدريبــات مبــا‬ ‫يتــايش بشــكل كامــل مــع قواعــد القانــون‬ ‫الــدويل»‪.‬‬ ‫وأشــار إىل أن البنتاغــون أوقــف التعــاون يف‬ ‫العمليــات مــع الجيــش الــرويس‪ ،‬لكــن هــذا‬ ‫التعــاون ينبغــي اســتئنافه نظـرا ً ألن الجيشــن‬ ‫األمــريك والــرويس يعمــان يف ســوريا‪.‬‬ ‫وتوجــد يف ســوريا قاعــدة عســكرية للــروس‬ ‫يف طرطــوس املطلــة عــى البحــر املتوســط‪،‬‬ ‫وقــد ســجل يف األشــهر األخــرة تزايــدا ً يف‬ ‫أعــداد الجنــود الــروس يف ســوريا‪ ،‬وخاصــة يف‬ ‫الســاحل‪ ،‬عــى خلفيــة متكــن املعارضــة مــن‬

‫الســيطرة عــى محافظــة إدلــب واقرتابهــم‬ ‫مــن الالذقيــة التــي ترتكــز فيهــا املصالــح‬ ‫االســراتيجية الروســية‪.‬‬ ‫وقــد بــدا واضحــاً ملتتبعــي التطــورات يف‬ ‫ســوريا أن روســيا ورغــم الضغــوط األمريكيــة‬ ‫لــن تقــدم عــى خطــوة التخفيــف مــن‬ ‫حضورهــا هنــاك‪ ،‬عــى العكــس فهنــاك توجــه‬ ‫رويس واضــح لزيــادة عنارصهــم يف هــذا‬ ‫الشــطر إلدراكهــم بعجــز النظــام عــن مجــاراة‬ ‫الحــرب هنــاك والتــي تــكاد تــرف عــى‬ ‫عامهــا الخامــس‪.‬‬ ‫وتعــد هــذه الخطــوة الروســية رضوريــة‬ ‫بالنســبة لهــا ألنــه بســيطرة املعارضــة عــى‬ ‫هــذا الشــطر ينتفــي الوجــود الــرويس عــى‬ ‫البحــر األبيــض املتوســط‪.‬‬ ‫ويقــول خــراء إن التحــرك الــرويس يتــم وفــق‬ ‫خطــط مدروســة مــع إي ـران‪ ،‬حيــث تــرف‬ ‫موســكو عــى منطقــة الســاحل فيــا دمشــق‬ ‫العاصمــة مــرورا ً بحمــص وصــوالً إىل الحــدود‬ ‫اللبنانيــة تكــون بيــد طهــران‪ ،‬التــي كثفــت‬ ‫يف األشــهر األخــرة مــن عملياتهــا املمنهجــة‬ ‫لتهجــر أهــل الســنة يف هــذه املناطــق‪.‬‬ ‫ورصح الصحفــي عمــر الشــيخ إبراهيــم‪،‬‬ ‫عضــو املجلــس الوطنــي الســوري‪« ،‬إن عمليــة‬ ‫التهجــر الطائفــي يف دمشــق عمليــة منظمــة‬ ‫بــدأت منــذ ثــاث ســنوات يف حمــص‪ ،‬امتدت‬ ‫الحق ـاً إىل املناطــق الجنوبيــة»‪.‬‬

‫وبــدأ جيــش اإلســام املتمركــز قــرب دمشــق‬ ‫التحــرك عســكرياً بعــد هــدوء اســتمر ألشــهر‬ ‫يف محاولــة إلســقاط هــذه املخططــات يف‬ ‫دمشــق‪ .‬واقتحــم جيــش اإلســام الجمعــة‪،‬‬ ‫ســجن عــدرا األكــر يف ســوريا والواقــع‬ ‫قــرب دمشــق وســط معــارك عنيفــة‬ ‫مســتمرة مــع قــوات النظــام‪ .‬وحــول هــذه‬ ‫املعركــة وأهميتهــا‪ ،‬يؤكــد الخبــر العســكري‬ ‫واالســراتيجي أحمــد رحــال‪ ،‬أن فصائــل‬ ‫املعارضــة ستكســب كثــرا ً إذا مــا واصلــت‬ ‫تق ّدمهــا‪ ،‬ملخّصـاً ذلــك بثــاث نقــاط رئيســية‪،‬‬ ‫مهــاً‬ ‫أولهــا أن املعارضــة ســتدق مســارا ً‬ ‫ّ‬ ‫يف نعــش الدويلــة العلويــة التــي يجــري‬

‫الحديــث عنهــا‪ ،‬والثانيــة تكمــن يف نجــاح‬ ‫الفصائــل بربــط الغوطــة الرشقيــة بالقلمــون‬ ‫وفــك الحصــار عــن الغوطــة‪ ،‬والثالثــة‬ ‫تتمحــور يف أن هــذه املعركــة ســتخفف‬ ‫الضغــط بــا شــك عــن مدينــة الزبــداين»‪،‬‬ ‫خصوصــاً يف ظــل الحديــث عــن ســحب‬ ‫النظــام لبعــض وحداتــه العســكرية مــن‬ ‫هنــاك نحــو جبهــات الغوطــة‪ .‬ويشــر رحــال‬ ‫إىل أن «قطــع األوتوســراد الــدويل الــذي يصل‬ ‫العاصمــة بحمــص وحــاه والســاحل‪ ،‬يعنــي‬ ‫محــارصة النظــام داخــل دمشــق‪ ،‬التــي ال‬ ‫منفــذ لخارجهــا وفــق الظــروف الحاليــة إال‬ ‫نحــو لبنــان»‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫احصاءات الالجئني الس��وريني‪ ..‬ملن يتعامى‬ ‫عن دعم السوريني وحل أزمتهم اخلانقة‬

‫وكاالت‬ ‫بلــغ إجــايل عــدد الالجئــن الســوريني يف‬ ‫دول الجــوار ‪ 4,088,099‬الجــئ حتــى تاريــخ ‪6‬‬ ‫أيلول\ســبتمرب ‪2015‬‬ ‫تحتــاج األمــم املتحــدة لتغطيــة نفقاتهــم‬ ‫‪ $4,533,248,258‬دوالر يوجــد عجــز بنســبة‬ ‫‪63%‬‬ ‫بلــغ عــدد الالجئــن الســوريني املســجلني‬ ‫رســمياً يف تركيــا ‪ 1,938,999‬الجــئ حتــى تاريــخ‬ ‫‪2015\8\25‬‬ ‫تحتــاج األمــم املتحــدة لتغطيــة نفقاتهــم‬ ‫‪ $624,089,475‬دوالر يوجــد عجــز بنســبة‬ ‫‪70%‬‬ ‫بلــغ عــدد الالجئــن الســوريني املســجلني رســمياً‬ ‫يف لبنــان ‪ 1,113,941‬الجــئ حتــى تاريــخ‬ ‫‪2015\8\25‬‬ ‫تحتــاج األمــم املتحــدة لتغطيــة نفقاتهــم‬ ‫‪ $1,973,915,014‬دوالر يوجــد عجــز بنســبة‬ ‫‪65%‬‬

‫بلــغ عــدد الالجئــن الســوريني املســجلني رســمياً‬ ‫يف األردن ‪ 629,266‬الجــئ حتــى تاريــخ ‪6‬‬ ‫أيلول\ســبتمرب ‪2015‬‬ ‫تحتــاج األمــم املتحــدة لتغطيــة نفقاتهــم‬ ‫‪ $1,191,392,175‬دوالر يوجــد عجــز بنســبة‬ ‫‪61%‬‬ ‫بلــغ عــدد الالجئــن الســوريني املســجلني‬ ‫رســمياً يف العـراق ‪ 249,463‬الجــئ حتــى تاريــخ‬ ‫‪2015\8\29‬‬ ‫تحتــاج األمــم املتحــدة لتغطيــة نفقاتهــم‬ ‫‪ $426,041,332‬دوالر يوجــد عجــز بنســبة‬ ‫‪66%‬‬ ‫بلــغ عــدد الالجئــن الســوريني املســجلني‬ ‫رســمياً يف مــر ‪ 132,375‬الجــئ حتــى تاريــخ‬ ‫‪2015\7\5‬‬ ‫تحتــاج األمــم املتحــدة لتغطيــة نفقاتهــم‬ ‫‪ $189,581,596‬دوالر يوجــد عجــز بنســبة‬ ‫‪77%‬‬

‫شام عبد اهلل‬

‫‪3‬‬

‫جامع اجلسر أيقونة الثورة السلمية‬

‫زلــت أذكــر رقصاتهــم واحتفاالتهــم‬ ‫مــا‬ ‫ُ‬ ‫أمــام ســاحته الكبــرة‪ ،‬وحــول (شــجرة‬ ‫الشــهداء) عنــد اقتحــام الزبــداين يف الـــ ‪..2012‬‬ ‫كان مرادهــم الوصــول إىل هــذه النقطــة‬ ‫التــي قضّ ــت مضاجعهــم وتحــ ّدت طغيانهــم‪،‬‬ ‫وكــرت حاجــز الصمــت‪...‬‬ ‫منــه انطلقــت املظاه ـرات املطالبــة بالحريــة‪،‬‬ ‫منــه زفــت الزبــداين أوائــل شــهداء الكرامــة‬ ‫والســلمية‪ ،‬منــه صدحــت اللــه أكــر عــى‬ ‫الطغــاة يف براعــم الثــورة األوىل‪ ،‬ومــن ال‬ ‫يعرفــه؟!‬ ‫مل ي ّدمــروه عــن عبــث‪ ،‬بــل هــم يعلمــون‬ ‫متــام املعرفــة مــدى رمزيتــه وأهميتــه بالنســبة‬ ‫ألهــايل الزبــداين‪ ،‬ســقطت مئذنــة جامــع‬ ‫الجــر الكبــر شــهيد ًة يف ‪ 2015-8-8‬عــى‬ ‫أيــدي عصابــات األســد وميليشــيا حــزب اللــه‬ ‫اإلرهــايب يف حملــة التطهــر ال ِعرقــي ملدينــة‬ ‫الزبــداين الصامــدة‪ ،‬محاولــن بذلــك طمــس‬ ‫معاملهــا الحضاريــة التــي حامهــا أهلهــا‪ ،‬إســام‬ ‫ومســيحيون عــر قــرون مضــت‪ ،‬ويعتــر هــذا‬ ‫املســجد مــن أهــم املعــامل األثريــة يف املدينــة‪،‬‬ ‫يعــود بنــاؤه إىل مــا قبــل ‪ 500‬عــام حســب‬ ‫تقديـرات كبــار الســن يف املنطقــة‪ ،‬حيــث بُنــي‬ ‫عــى أنقــاض ديــر قديــم يســمى «ديــر مــار‬ ‫اليــاس»‪ ،‬و ُر ّمــم بعدهــا عــدة م ـرات محافظ ـاً‬ ‫عــى شــكله األســايس‪ ،‬وللمســجد أهميــة‬ ‫كبــرة لــدى الســكان لقدمــه ووقوعــه يف وســط‬ ‫املدينــة‪ ،‬وأمامــه ســاحة كبــرة جعلتــه نقطــة‬ ‫عــام‪ ،‬واكتســب أهميــة أكــر بعــد انطــاق‬ ‫أوىل مظاهــرات الزبــداين منــه كــا املســجد‬ ‫العمــري يف درعــا مــع وجــود الشــبه الكبــر‬ ‫بــن املســجدين مــن حيــث البنــاء والقــدم‬ ‫والتصميــم املعــاري‪ .‬أرادوا بتدمــره كــر‬ ‫شــوكتنا‪ ،‬وأرادوا قهرنــا‪ ،‬لك ّنهــم مل يعرفــوا بعــد‬

‫مــا هــي اإلرادة التــي تســكننا‪ ،‬واإلميــان الــذي‬ ‫يحكمنــا‪..‬‬ ‫كث ـ ٌر م ّنــا رثــوه وكأنــه أغــى مــا ملــك يوم ـاً‪،‬‬ ‫وأروع مــا كتــب فيــه كان البــن الزبــداين محمــد‬ ‫التينــاوي قصيــد ًة بســيطة رشح مــدى تعلقنــا‬ ‫بــه وعشــقنا لــه‪ ،‬قصيــدة رشحــت مكانــة هــذا‬ ‫كل م ّنــا قــال فيهــا‪:‬‬ ‫املســجد يف قلــب ٍّ‬ ‫«يا جسر ضيعتنا صمودك زادني‬ ‫قوة وصالبة ومن حجارك شادني‬ ‫حامل عــ كتفك جامع بعمر الوجود‬ ‫عمر سنينو فوق بعضن (مادني)‬ ‫ّ‬ ‫اجلامع استشهد‪ ...‬وابتدا عمر اخللود‬ ‫ويا (مادني) وقعيت بال ما تهادني‬ ‫وضليت يا جسر الوفا تنزف ورود‬ ‫بسمة شهيدك عــ ْ‬ ‫السما تقتادني‬ ‫وعـ رقبتك يا ما مرق سعد السعود‬ ‫حتمم بعطرك من عبريك فادني‬ ‫وحلفت ما يدعس على ضهرك حقود‬

‫عطر الدني من غربة حجار الصمود‬ ‫فاحت بطولة من خطى (لزبادني)»‬ ‫وختامــاً‪ ..‬حتــى وإن ُد ّمــر جامــع الجــر‪،‬‬ ‫وتبعــرت حجــارة مئذنتــه‪ ،‬ســيبقى أيقونــة‬ ‫الثــورة يف الزبــداين‪ ،‬ويف نفــس كل زبــدا ّين ح ـ ّر‬ ‫ســيبقى يصــدح بداخلــه حتــى تتحــرر ســوريا‪،‬‬ ‫وينجــي النهــار‪ ،‬وينهــزم الطغــاة عــن أرضهــا‪،‬‬ ‫ويف كل م ّنــا مئذنتــه الشــامخة محفوظــة‬ ‫توقظنــا إن غفونــا عــن الجهــاد وتذكرنــا «أنــا‬ ‫شــهيدة الزبــداين األبيــة فــا تنســوين»‪.‬‬

‫درعا مهد الثورة‪ ..‬ترتوي من اآلبار الزراعية دون مراقبة صحية م��ارع مـــــــ��دينة الصم��ود‬ ‫درعا ‪ -‬سارة الحوراني‬ ‫تتواصــل أزمــة انقطــاع شــبكة امليــاه‬ ‫الرئيســية عــن األحيــاء الخاضعــة لقــوات‬ ‫املعارضــة يف مدينــة درعــا جنــوب ســوريا‬ ‫«درعــا البلــد وطريــق الســد ومخيــم درعــا»‬ ‫للشــهر الثــاين عــى التــوايل‪ ،‬وتزامــن ذلــك مــع‬ ‫رضب العاصفــة الرمليــة للمنطقــة‪ ،‬وارتفــاع‬ ‫كبــر لدرجــات الحــرارة تجــاوز ‪ 35‬درجــة‬ ‫مئويــة‪ ،‬مــا زاد مــن األعبــاء الصحيــة واملعيشــية‬ ‫عــى األهــايل يف تلــك األحيــاء الذيــن أرهقهــم‬ ‫وشِدت أعــداد كبــرة منهــم‬ ‫القصــف اليومــي ُ‬ ‫إىل الحقــول واملــزارع املجــاورة‪.‬‬ ‫«بــدأت معانــاة األهــايل مــن انقطــاع امليــاه‬ ‫عندمــا اســتهدفت قــوات النظــام بالرباميــل‬ ‫املتفجــرة الطريــق الواصــل بــن منطقــة‬ ‫الضاحيــة وبلــدة اليــادودة‪ ،‬والتــي تعتــر خــط‬ ‫اشــتباك بــن قــوات األســد مــن جهــة وقــوات‬ ‫املعارضــة الســورية مــن جهــة أخــرى‪ ،‬مــا أســفر‬ ‫عــن كــر خــط الدفــع الرئيــي القــادم مــن‬ ‫بحــرة املزيريــب يف ريــف درعــا الغــريب‪ ،‬والذي‬ ‫يقــوم بتغذيــة أحيــاء مدينــة درعــا» وفقــاً‬ ‫للمهنــدس جــال عيــاش مســؤول مديريــة‬ ‫امليــاه لــدى الحكومــة املؤقتــة يف مدينــة درعــا‪.‬‬ ‫وأضــاف العيــاش إنــه «تــم إصــاح األرضار بعــد‬ ‫عمليــة تفــاوض بــن طــريف االقتتــال النظــام‬ ‫الســوري مــن جهــة وفصائــل الجيــش الحــر‬ ‫املرابطــة بالقــرب مــن مــكان العطــل مــن جهــة‬ ‫أخــرى‪ ،‬حيــث أســفرت تلــك املفاوضــات عــن‬ ‫قيــام ورشــة امليــاه املرســلة مــن قبــل النظــام‪،‬‬ ‫بإصــاح الخــط املتــرر ولتعــاد بعدهــا عمليــة‬ ‫الضــخ مــن محطــة ميــاه املزيريــب إىل أحيــاء‬

‫مدينــة درعــا الخاضعــة لســيطرة قــوات األســد‪،‬‬ ‫فيــا بقيــت األحيــاء الخاضعــة لســيطرة قــوات‬ ‫املعارضــة دون ميــاه جــراء انقطــاع التيــار‬ ‫الكهربــايئ وانعــدام مــادة الديــزل لتشــغيل‬ ‫محطــة الضــخ بــدالً عــن التيــار الكهربــايئ‪.‬‬ ‫وأشــار مســؤول امليــاه يف الحكومــة الســورية‬ ‫املؤقتــة إىل أن «املشــكلة األساســية مليــاه‬ ‫الــرب تتمثــل بســببني رئيســيني األول فنــي‬ ‫ويكمــن يف توقــف العديــد مــن مصــادر ميــاه‬ ‫الــرب الرئيســية العائــدة ملؤسســة ميــاه‬ ‫الــرب والــرف الصحــي بدرعــا بشــكل كامــل‬ ‫أو جــزيئ؛ جــراء انقطــاع التيــار الكهربــايئ‬ ‫بشــكل متواصــل ولفــرات طويلــة أحيانــاً‪،‬‬ ‫كذلــك تعطــل أج ـزاء مــن مكونــات منظومــة‬ ‫ميــاه الــرب (خطــوط دفــع أو محطــات ضــخ‬ ‫أو اآلبــار)‪ ،‬وصعوبــة الصيانــة لعــدم وجــود‬ ‫الــكادر والتجهيــزات الالزمــة لذلــك»‪.‬‬ ‫ولفــت إىل أن «صعوبــة وصــول ورشــات‬ ‫الصيانــة ملناطــق العطــل أحيانــاً باإلضافــة إىل‬ ‫التعديــات مــن قبــل بعــض املواطنــن عــى‬ ‫خطــوط ميــاه الــرب وخطــوط نقــل القــدرة‬ ‫الكهربائيــة‪ ،‬يــؤدي إىل فقــدان مشــاريع الــري‬ ‫يف املحافظــة قدرتهــا عــى إيصــال امليــاه إىل‬ ‫املناطــق املخصصــة»‪.‬‬ ‫وأوضــح العيــاش بــأن الســبب الثــاين ملشــكلة‬ ‫ميــاه الــرب بدرعــا إداري ويجــري حاليــاً‬ ‫العمــل عــى معالجتــه مــن خــال تشــكيل‬ ‫مديريــة ميــاه يف املناطــق الخاضعــة لقــوات‬ ‫املعارضــة لــإرشاف بشــكل كامــل عىل مشــاريع‬ ‫امليــاه وإدارتهــا‪ ،‬وتضــم كافــة العاملــن الذيــن‬ ‫تــم فصلهــم مــن وظائفهــم مــن قبــل نظــام‬

‫األســد‪ ،‬باإلضافــة إىل تنفيــذ مــروع إداري‬ ‫يقــوم عــى نظــام الجبايــة املاليــة مقابــل‬ ‫اشــراك بخدمــة امليــاه حيــث ســيؤمن هــذا‬ ‫املــروع وصــول امليــاه الصحيــة واملراقبــة إىل‬ ‫املواطنــن وبتكلفــة معقولــة»‪.‬‬ ‫«يتــم حاليــاً العمــل عــى تحليــل عينــات‬ ‫لبرئيــن جنــوب مدينــة درعــا قامــت مؤسســة‬ ‫امليــاه بحفرهــا يف وقــت ســابق‪ ،‬ويف حــال تبني‬ ‫صالحيتهــا للــرب ســتقوم إحــدى املنظــات‬ ‫بتنفيــذ مــروع اســتثامرهام وربطهــا مــع‬ ‫الخــزان الرئيــي يف درعــا البلــد كحــل بديــل‬ ‫مليــاه املزيريــب يف الحــاالت الطارئــة» وفقـاً لـــ‬ ‫العيــاش‪.‬‬ ‫الدكتــور يعــرب مســؤول الرصــد واإلنــذار املبكر‬ ‫عــن األوبئــة يف املناطقــة الخاضعــة لســيطرة‬ ‫املعارضــة بدرعــا قــال‪« :‬إن اعتــاد األهــايل‬ ‫عــى ميــاه اآلبــار للــرب أدى إىل إصابــة أكــر‬ ‫مــن ‪ 5‬آالف مواطــن بحــاالت االســهال‪ ،‬وهنــاك‬ ‫أرس بكاملهــا أصيبــت باالســهاالت وخاصــة يف‬ ‫األحيــاء الخاضعــة لســيطرة قــوات املعارضــة‬ ‫مبدينــة درعــا‪ ،‬الفتــاً إىل أن أعــراض اإلصابــة‬ ‫شــملت إســهاالت مائيــة عاديــة مرتافقــة مــع‬ ‫ترفــع حــروري بســيط وإقيــاءات غــر معنــدة‬ ‫عــى مضــادات اإلقيــاء‪ ،‬فيــا مل تســجل حــاالت‬ ‫إســهال مــاء الــرز ومل يســجل أي حــاالت إســهال‬ ‫مدمــى حتــى اللحظــة»‪.‬‬ ‫يشــار إىل أن محافظــات املنطقــة الجنوبيــة‬ ‫«درعــا والســويداء والقنيطــرة تعتمــد عــى‬ ‫ميــاه الــرب مــن مــروع الثــورة اإلروايئ يف‬ ‫حــوض الريمــوك بريــف درعــا الغــريب وبحــرة‬ ‫املزيريــب»‪.‬‬

‫حسين الخطاب ‪ -‬حلب‬ ‫يرجــع تاريــخ هــذه املدينــة إىل عهد اإلســكندر‬ ‫املقــدوين‪ ،‬حيــث تــم العثــور عــى لقــى أثريــة‬ ‫تؤكــد ذلــك مــن تلــك الحقبــة أي إىل األلــف‬ ‫الثالــث قبــل امليــاد‪ .‬يف العهـــــد العثــاين تحولت‬ ‫هــذه املدينــة إىل «قامئقاميــة»‪ ،‬وأطلــق عليهــا‬ ‫اســم (دفــر دار) وبعــد خــروج العثامنيــن‪ ،‬احتــل‬ ‫الفرنســيون ســوريا وقامــت ضدهــم حــركات‬ ‫مقاومــة حيــث كانــوا يســمون يف مــارع «الجتــا»‪.‬‬ ‫جــاء اســم «مــــــــارع» مــن كلمــة الســهل‬ ‫املــــمرع‪ ،‬مبعنــى الســهل الــذي تكــر فيــه للطــران الحــرايب أثنــاء اجتــاع للقــادة عــى‬ ‫املراعــي‪ ،‬تقــع يف ريــف حلــب الشاملـــي وتبعــد مســتوى مدينــة حلــب يف ‪ 11‬ترشيــن الثــاين مــن‬ ‫عــن مركــز مــــدينة حلــب نحــو ‪ 35‬كيلوم ـرا ً إىل عــام ‪ ،2013‬ولــن ننــى اإلعالمــي هــام النجــار‬ ‫الشــال‪ ،‬وتبعــد عــن الحــدود الرتكيــة الســورية املعــروف بـــ» أبــو يــزن الحلبــي»‪ ،‬الــذي استشــهد‬ ‫مســافة ‪ 25‬كيلوم ـرا ً‪ .‬بلــغ عــدد ســكان الناحيــة متأثــرا ً بجراحــه بعــد انفجــار ســيارة مفخخــة‬ ‫نحــو ‪ 54000‬نســمة يف عــام ‪.2010‬‬ ‫بالقــرب منــه داخــل مدينــة مــارع‪ ،‬وغريهــم مــن‬ ‫ُعرفــت مدينــة مــارع منــــــ ُذ انــدالع الثــورة الشــهداء الــذي قدمتهــم هــذه املدينــة ليصــل‬ ‫الســورية يف عــام ‪ 2011‬مبعارضتهــا لنظــام بشــار عددهــم مــا بــن عســكري ومــدين إىل ‪ 300‬شــهيد‪.‬‬ ‫األســد‪ ،‬وكـــــانت تتميــز مبظاهراتهــا الليلــة مــارع املديــــنة الوحيــدة يف حلب التي مل يســتطع‬ ‫الحاشــدة واملنظمــة‪ .‬وكانــت مــن أول املــدن التــي تنظيــم الدولــة الدخــول إليهــا قبــل انســحابه مــن‬ ‫حملــت الســاح يف محافظــة حلــب بوجــه النظــام مدينــة حلــب وأريافهــا إىل الرقــة‪ .‬وتشــهد منــذ‬ ‫األســدي املجــرم‪.‬‬ ‫أكــر مــن شــهر حملــة رشســة مــن قبــل عنــارص‬ ‫يف شــهر نيســان مــن عــام ‪ 2012‬كانــت مدينــة تنظيــم الدولــة بهــدف الســيطرة عليهــا ولكنهــا‬ ‫مــارع عــى موعــد مــع اقتحــام قــوات النظــام مــا زلــت تحــت ســيطرة أبنائهــا رغــم اســتهدفها‬ ‫لهــا بعــرات الدبابــات واملدرعــات وشــاحنات بأكــر مــن ‪ 20‬ســيارة مفخخــة خــال شــهر واحــد‬ ‫الدفــع الرباعــي املحملــة بالرشاشــات‪ ،‬لتقــع وأكــر مــن قذيفــة تحــوي عــى غــاز الخــردل‪.‬‬ ‫قــوات النظــام يف الكمــن املشــهور آنــذاك عندمــا أهــايل مدينــة مــارع اشــتهروا بقوتهــم البدنيــة‪،‬‬ ‫قــام صاحــب محــل الحلويــات بوضــع الســم وكانــت تنطبــق عليهــم مقولــة «إذا كان بــدك‬ ‫يف الحلويــات‪ ،‬وتركهــا داخــل محلــه املفتــوح‪ ،‬تصــارع روح عــى مــارع»‪ ،‬جلهــم اليــوم مهجريــن‬ ‫وعندمــا تناولهــا جنــود النظــام أصيــب منهــم مــن بيوتهــم‪ ،‬يقطــن معظمهــم بــن أشــجار‬ ‫العــرات بحــاالت تســمم‪.‬‬ ‫الزيتــون‪ ،‬ملتحفــن الســاء ومفرتشــن الــراب‪،‬‬ ‫املئــات مــن شــباب مــارع حملــوا الســاح وكان تاركــن خلفهــم أوالدهــم يــروون بدمائهــم تـراب‬ ‫مــن أبرزهــم الشــهيد عبــد القــادر الصالــح الــذي مدينتهــم بالدفــاع املتواصــل عنهــا ضــد أي معتـ ٍـد‬ ‫أســس لــواء التوحيــد‪ ،‬والــذي استشــهد بقصــف آثــم‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫رئاس��ة الوزراء الرتكية ختصص بريدا إلكرتونيًا إعادة انتخاب أمحد داوود أوغلو رئيسًا حلزب العدالة‬ ‫السوريني‬ ‫الالجئني‬ ‫استفسارات‬ ‫على‬ ‫للرد‬ ‫والتنمية الرتكي‬

‫وكالة االنباء الفرنسية ا ف ب‬

‫ترك برس‬ ‫أعلنــت رئاســة الــوزراء الرتكيــة عــن تخصيصهــا بريــدا ً إلكرتونيــا للــرد عــى استفســارات اإلخــوة‬ ‫الالجئــن الســوريني عــى أراضيهــا‪.‬‬ ‫وميكــن لالجئــن الســوريني التواصــل مــع رئاســة الــوزراء الرتكيــة مــن خــال الربيــد اإللكــروين‬ ‫‪ MULTECILIK@BASBAKANLIK.GOV.TR‬للتســاؤل حــول أي استفســارات تخصهــم‪.‬‬ ‫يُذكــر أن تركيــا تســتقبل ضمــن حدودهــا أكــر مــن مليــوين الجــئ ســوري‪ ،‬أكرثهــم يقطنــون يف‬ ‫املخيــات التــي افتتحتهــا الحكومــة الرتكيــة‪ ،‬يف املــدن الجنوبيــة القريبــة مــن الحــدود الســورية‪،‬‬ ‫فض ـاً عــن عــدد كبــر مــن الالجئــن يف باقــي املــدن الرتكيــة‪.‬‬ ‫وأفــاد مســؤولون أتـراك يف أكــر مــن مناســبة أن الحكومــة الرتكيــة أنفقــت نحــو ‪ 6‬مليــارات دوالر‬ ‫عــى الالجئــن الســوريني منــذ بــدء الثــورة‪ .‬يف حــن ســاهم املجتمــع الــدويل بـــ‪ 300‬مليــون دوالر‬ ‫فقــط للحكومــة الرتكيــة ملســاعدة الالجئــن عــى أراضيهــا‪.‬‬

‫شــهد املؤمتــر الــدوري الخامــس لـ«حــزب‬ ‫العدالــة والتنميــة»‪ ،‬املنعقــد (الســبت‬ ‫‪ ،)2015/9/12‬يف العاصمــة الرتكيــة أنقــرة‬ ‫انتخــاب أحمــد داود أوغلــو للمــرة الثانيــة‪،‬‬ ‫رئيســاً للحــزب‪.‬‬ ‫ويتــم يف املؤمتــر كذلــك انتخــاب أعضــاء اللجنة‬ ‫املركزيــة للحــزب‪ ،‬ولجنــة القيــادة املركزيــة‪،‬‬ ‫ولجنــة االنضبــاط املركزيــة‪ ،‬والهيئــة املركزيــة‬ ‫العامــة لتحكيــم الدميقراطيــة داخــل الحــزب‪.‬‬ ‫وشــهد املؤمتــر يف وقــت ســابق الســبت‬ ‫‪ ،2015/9/12‬التصويــت باملوافقــة عــى إج ـراء‬ ‫تغيــرات عــى الالئحــة الداخليــة للحــزب‪،‬‬

‫تتضمــن تشــكيل مجلــس جديــد‬ ‫داخــل الحــزب يُدعــى «مجلــس‬ ‫الفضيلــة واألخــاق السياســية»‪،‬‬ ‫واســتحداث منصبــن جديديــن‬ ‫لنــواب رئيــس الحــزب‪ ،‬أحدهــا‬ ‫مســؤول عــن حقــوق اإلنســان‪،‬‬ ‫والثــاين عــن شــؤون املدنيــة‬ ‫والبيئــة والثقافــة‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إىل إجــراء تعديــل عــى قاعــدة‬ ‫عــدم شــغل أعضــاء الحــزب‬ ‫وظيفــة أو مهمــة معينــة ألكــر‬ ‫مــن ثــاث فــرات متتاليــة‪ ،‬إذ تــم اســتثناء‬ ‫الفــرة الربملانيــة األخــرة التــي بــدأت مــع‬ ‫االنتخابــات الربملانيــة التــي أجريــت يف الســابع‬ ‫مــن حزيــران (يونيــو) املــايض‪ ،‬وتنتهــي مــع‬ ‫االنتخابــات املبكــرة املزمعــة يف بدايــة ترشيــن‬ ‫الثــاين (نوفمــر) املقبــل‪ ،‬مــن تلــك القاعــدة‪،‬‬ ‫بســبب قــر مدتهــا‪.‬‬ ‫وقــال أوغلــو عــى هامــش املؤمتــر إن «تركيــا‬ ‫بحاجــة لحكومــة مــن حــزب واحــد ملحاربــة‬ ‫اإلرهــاب» فيــا تســتعد أنقــرة النتخابــات‬ ‫مبكــرة يف ترشيــن الثــاين (نوفمــر) املقبــل‬ ‫والجيــش يخــوض معــارك ضــد املتمرديــن‬ ‫األكــراد‪.‬‬

‫وســعى داود أوغلــو إلثــارة حامســة املوالــن‬ ‫يف مؤمتــر «حــزب العدالــة والتنميــة» بخطــاب‬ ‫قدمــه فيــه عــى أنــه الحــزب املؤهــل لتــويل‬ ‫الســلطة بعدمــا خــر الغالبيــة املطلقــة للمــرة‬ ‫األوىل يف انتخابــات الســابع حزيــران (يونيــو)‬ ‫املــايض‪.‬‬ ‫وقــال أوغلــو‪« :‬ال بــد مــن ضــان حكومــة مــن‬ ‫حــزب واحــد ملحاربــة كل مــن آفــة اإلرهــاب‬ ‫والتحديــات االقتصاديــة»‪.‬‬ ‫وفــاز «العدالــة والتنميــة» يف ثالثــة انتخابــات‬ ‫عامــة حاســمة يف األعــوام ‪ 2002‬و‪2007‬‬ ‫و‪.2011‬‬ ‫غــر أنــه يف انتخابــات حزيـران (يونيــو) املــايض‬ ‫خــر الحــزب غالبيتــه املطلقــة يف الربملــان‬ ‫املؤلــف مــن ‪ 550‬مقعــدا ً للمــرة األوىل منــذ‬ ‫توليــه الحكــم يف العــام ‪ 2002‬رغــم فــوزه‬ ‫بغالبيــة األصــوات‪.‬‬ ‫وقضــت تلــك النتيجــة عــى أحــام الرئيــس‬ ‫رجــب طيــب أردوغــان برئاســة قويــة مــع‬ ‫كامــل الســلطات التنفيذيــة‪ ،‬فيــا حقــق حــزب‬ ‫مؤيــد لألكـراد خرقـاً بفــوزه مبقاعــد يف الربملــان‪.‬‬ ‫ومل يحــر أردوغــان املؤمتــر‪ ،‬لكــن ابنتيــه‬ ‫إرساء وســمية‪ ،‬اللتــن يــزداد ظهورهــا العلنــي‬ ‫أخــرا ً‪ ،‬جلســتا يف املقاعــد األماميــة‪.‬‬

‫األردن على علم وينتظر‪ :‬قوات خاصة روسية يف اجلوار ومالمح «تسوية كربى» وشيكة‬ ‫كلنا رشكاء‪ -‬القدس العريب‪ -‬الحرمل‪ -‬وكاالت‬ ‫التدخــل الــرويس يف ســورية مــا يزال يثري‬ ‫الكثــر مــن القلــق والتخوفــات لــدى دول‬ ‫الجــوار الســوري‪ ،‬والقــوى اإلقليميــة يــا تــرى‬ ‫هــل هــو مجــرد تــورط رويس اســتعرايض أم‬ ‫هــو برضــا أمريــي وضمــن خطــط دوليــة‪،‬‬ ‫أم مجــرد عامــل مــن عوامــل اســتمرار‬ ‫القتــل والتهجــر والتجويــع للســوريني‪ .‬مــا‬ ‫هــو موقــف األردن ومــا هــي تطلعاتــه‬ ‫وتقديراتــه للموقــف املتجــدد يف ســوريا؟‬ ‫هــذه وجهــات نظــر تداولتهــا وكاالت األنبــاء‬ ‫وأقــام املحللــن‪ ،‬ومــن أهمهــم الصحــايف‬ ‫األردين بســام البدريــن‪.‬‬ ‫ال شــك بــأن ظهــور املقاتلــن الــروس مــع‬ ‫أســلحتهم‪ ،‬وبعــض آلياتهــم يف محيــط غوطــة‬ ‫دمشــق حــدث بــارز بالنســبة لــأردن الجــار‬ ‫األقــرب تأثـرا ً مــع تركيــا مبســتجدات املشــهد‬ ‫الســوري‪.‬‬ ‫عمليـاً أملــح العاهــل امللــك عبــد اللــه الثــاين‬ ‫لهــذا املســتجد املهــم بعــد عودتــه مبــارشة‬ ‫مــن زيارتــه األخــرة ملوســكو‪ ،‬وعقــد لقــاء‬ ‫مغلق ـاً مــع الرئيــس فالدميــر بوتــن بوجــود‬ ‫الرئيــس املــري عبــد الفتــاح الســيايس‪.‬‬ ‫وذكــر الصحــايف بســام البدريــن‪ :‬ملــك األردن‬ ‫أبلــغ نخبــة مــن وجهــاء عــان بــأن األســابيع‬ ‫املقبلــة قــد تشــهد نزوعــاً نحــو التســوية‬ ‫السياســية للملــف الســوري دون إشــارة‬ ‫مبــارشة لوجهــة النظــر املركزيــة العميقــة يف‬ ‫األردن‪ ،‬والتــي تــرى باألصــل أن املــي قدمـاً‬ ‫باالتفــاق النــووي اإليـراين األمريــي يعنــي أو‬ ‫ســيعني بالنتيجــة والــرورة تدشــن املالمــح‬ ‫األوىل لصفقــة التســوية الكــرى‪.‬‬ ‫األمــر مل يحتــج إىل أســابيع فخــال أيــام‬ ‫فقــط بعــد لقــاء موســكو الشــهري‪ ،‬والــذي‬ ‫ضــم ويل عهــد أبــو ظبــي محمــد بــن زايــد‬ ‫التقــط املطبــخ الســيايس األردين رســالتني‪.‬‬ ‫األوىل مــن روســيا وتبلــغ ضمني ـاً بســيناريو‬ ‫دخــول قطاعــات منتخبــة مــن القــوات‬ ‫الخاصــة الروســية لــأرض الســورية مبوجــب‬ ‫اتفــاق دفاعــي مــع حكومــة دمشــق لــه‬ ‫عالقــة اقتصاديــة مبلــف الغــاز والنفــط‬

‫وعســكرياً بالعمــل عــى تأســيس قاعــدة‬ ‫عســكرية كبــرة ثانيــة يف األرض الســورية أو‬ ‫عــى الســواحل‪.‬‬ ‫الرســالة الثانيــة مــن القاهــرة وتحديــدا ً مــن‬ ‫أوســاط الرئيــس عبــد الفتــاح الســييس وتفيد‬ ‫بفتــح قنــاة اتصــال مبــارشة بــن القــر‬ ‫الجمهــوري يف دمشــق ونظــره يف القاهــرة‪.‬‬ ‫وتفيــد الرســالة نفســها أيضــا بــأن النظــام‬ ‫الســوري وعندمــا يتعلــق األمــر بالنظــام‬ ‫العــريب ومؤسســات الجامعــة العربيــة قــرر‬ ‫متام ـاً االســتظالل بعبــاءة الرئيــس الســييس‪،‬‬ ‫وتفويضــه بشــكل مبــارش بتمثيــل املوقــف‬ ‫الســوري عندمــا يتعلــق األمــر بالجــزء العريب‬ ‫يف ســياق ترتيبــات التســوية املحتملــة‪.‬‬ ‫الرســالة الثانيــة تقــول بوضــوح للمؤسســة‬ ‫األردنيــة أن الســييس أصبــح مفوضــاً‪.‬‬ ‫بالنســبة لعــان تتحالــف الرســالتان يف‬ ‫نقطــة تــؤرش عــى أن نظــام دمشــق الــذي‬ ‫يتهــم الدولــة األردنيــة‪ ،‬ويرفــض التعامــل‬ ‫والتعــاون معهــا يريــد حــر اتصاالتــه‬

‫مــع األردن أو غــره مــن الــدول العربيــة‬ ‫بالقنــوات املفوضــة للتحــدث باســمه وهــي‬ ‫حرصيـاً اليــوم موســكو يف املســاحة الدوليــة‪،‬‬ ‫والقاهــرة يف البعــد املتعلــق بالنظــام‬ ‫الرســمي العــريب‪.‬‬ ‫هنــا حرصيــاً أدركــت عــان أن إرصار‬ ‫الرئيــس بوتــن عــى إقامــة تحالــف ضــد‬ ‫تنظيــم الدولــة يضــم األردن وســوريا بشــار‬ ‫األســد هــو عبــارة عــن وصفــة محتملــة‬ ‫للحفــاظ عــى نافــذة تواصــل بــن األردن‬ ‫وروســيا متهــد لشــكل مــن أشــكال التطبيــع‬ ‫املتــدرج البطــيء تحــت عنــوان األمــر الواقــع‬ ‫ومكافحــة اإلرهــاب بــن عــان ودمشــق‪.‬‬ ‫وعــان تــدرك يف املقابــل أن وجــود قــوات‬ ‫نخبــة روســية تشــارك يف العمليــات ولــو‬ ‫بدرجــة قليلــة وبــطء يف إدلــب ومحيــط‬ ‫حمــص هــو رســالة عميقــة مــن موســكو‬ ‫ال ميكنهــا أن تنتــج إال يف ظــل مقايضــات‬ ‫مــع واشــنطن أو عــى أقــل تقديــر إال‬ ‫يف ظــل حــراك إقليمــي عســكري منظــم‬

‫ومســتقل ســيقود بالنتيجــة إىل طاولــة‬ ‫التســوية الكــرى التــي يبــدو األردن اليــوم‬ ‫متوثقـاً مــن أنهــا قــد تبــدأ برتتيبــات املشــهد‬ ‫الســوري ومبرحلــة انتقاليــة لكنهــا ســتنتهي‬ ‫يف املحصلــة والنتيجــة بامللــف القديــم يف‬ ‫الــرق األوســط وهــو القضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫عــان سياســياً ال متلــك أوراق خيــارات‬ ‫متعــددة عندمــا يتعلــق األمــر بخـصـومتـهـــا‬ ‫العلـنـيـــة مــع نظــام بشــار األســد خصوص ـاً‬ ‫بعــد التــفــــويض املبـاشــــر للســييس ومنــو‬ ‫االتصــاالت بيـــنه وبــن دمشــــق بالـتــــوازي‬ ‫مــع اهتــام أبــو ظبــي وهــي حليــف أســايس‬ ‫بالبقــاء عــى مســافة آمنــة مــن الالعــب‬ ‫الــرويس‪.‬‬ ‫بالتــوازي أيضـاً مــع محاولــة التفــاوض التــي‬ ‫جــرت بــن نظــام دمشــق والســعودية ســواء‬ ‫يف الريــاض أو يف مســقط وهــي عنارص تحرش‬ ‫الحركــة األردنيــة السياســية يف ســياق القبــول‬ ‫باألمــر الواقــع وإبقــاء البــاب مفتوح ـاً مــع‬ ‫الالعــب الــرويس وانتظــار احتــاالت التفاعل‬ ‫مــع نظــام دمشــق بــأي شــكل مــن األشــكال‪،‬‬ ‫وهــو حـراك يســمح بطبيعــة الحــال بإعــادة‬ ‫إنتــاج املوقــف األردين القديــم والــذي عــر‬ ‫عنــه امللــك عبــد اللــه الثــاين عــدة مــرات‬ ‫عندمــا قــال باســتحالة حــل أزمــة الــراع‬ ‫الســوري إال عــر التفاهــات السياســية‪.‬‬ ‫مبعنــى آخــر تحــاول املؤسســة األردنيــة اليوم‬ ‫االحتيــاط لتحــوالت متســارعة قــد تنتهــي‬ ‫بتفاهــات عــى تفاصيــل جديــدة لهــا عالقة‬ ‫بامللــف الســوري خصوصــاً بعدمــا أظهــرت‬ ‫دول مثــل الســعودية واإلمــارات وقبلهــا‬ ‫مــر مرونــة نســبية ومتدرجــة ومتباينــة يف‬ ‫بعــض املســاحات اإلشــكالية املتعلقــة بالحــل‬ ‫الســيايس أو بــإرصار موســكو عــى التفاهــم‬ ‫مــع نظــام األســد والتواصــل معــه أو حتــى‬ ‫بــأي معالجــات مقرتحــة ملغــادرة عقــدة‬ ‫«بقــاء أو رحيــل الرئيــس األســد»‪.‬‬ ‫األردن يتجهــز سياســياً لهــذه املعطيــات‪..‬‬ ‫ميكــن تلمــس ذلــك مــن خــال التعليقــات‬ ‫العميقــة التــي تصــدر عــن شــخصيات‬

‫بــارزة يف الحـــكم األردين مقربــة مــن القــر‬ ‫امللــي مثل رئيــــس الـــــــوزراء األســـبـــــق‬ ‫مـعـــروف البــــخيت ونظــره رئيــس لجنــة‬ ‫الشـــؤون الـخـــارجية يف مجلــس األعيــان‬ ‫ســمري الرفاعــي‪.‬‬ ‫الرفاعــي كان قــد أعــاد التذكــر بأزمــة‬ ‫الدميوغرافيــا الســورية وتحــدث عــن رضورة‬ ‫املعالجــة سياســياً ووقــف تدخــات الجميــع‬ ‫مقرتحـاً هدنــة كاملــة تحــت مراقبــة مجلــس‬ ‫األمــن الــدويل‪.‬‬ ‫أمــا البخيــت فقــد دعــا علنــا إىل توافقــات‬ ‫كبــرة عــر حكومــة انتقاليــة بصالحيــات‬ ‫واســعة يف دمشــق تبــدأ بوجــود الرئيــس‬ ‫األســد وقــد تنتهــي برحيلــه معيــدا ً التذكــر‬ ‫بــأن الفرصــة ينبغــي أن تكــون ســانحة كــا‬ ‫قــال يف وقــت ســابق لـ»القــدس العــريب»‬ ‫للتواصــل مــع الواقــع املوضوعــي كــا هــو يف‬ ‫امليــدان الســوري وهــو واقــع يقــول بوضــوح‬ ‫بــأن تدشــن حلــول سياســية منطقيــة يف‬ ‫ظــل شــعار رحيــل األســد مســألة تنقصهــا‬ ‫الحكمــة‪.‬‬ ‫عندمــا تعلــق األمــر بأضــواء العــامل الطازجــة‬ ‫عــى اللجــوء الســوري مل تتخــذ الحكومــة‬ ‫األردنيــة مواقــف محــددة والنقاشــات‬ ‫الحيويــة اليــوم خلــف الســتارة‪ ،‬وأمامهــا‬ ‫تحــت عنــوان التســوية الكبــرة يف املنطقــة‬ ‫والتــي تبــدأ بامللــف الســوري هــي نقاشــات‬ ‫ترصدهــا عــان وتتابعهــا بكفــاءة بانتظــار‬ ‫حصتهــا مــن الرتتيبــات ودورهــا وواجباتهــا‪.‬‬ ‫بعــد أزمــة الالجئــن الســوريني الخانقــة متت‬ ‫إعــادة امللــف الســوري مــن جديــد وعــى‬ ‫مســتوى العــامل‪ ،‬ولعــل اجتــاع الجمعيــة‬ ‫العامــة لألمــم املتحــدة يف نيويــورك نهايــة‬ ‫شــهر أيلــول الجــاري ســيكون بدايــة‬ ‫االنطــاق إىل مفصــل جديــد مــن مفاصــل‬ ‫الوضــع الســوري‪ ،‬والــكل بانتظــار تبلــور‬ ‫الحلــول الالزمــة لســورية جديــدة وحــرة‬ ‫وخاليــة مــن العنــف واالنتقــام األعمــى‬ ‫والحقــد‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫أزمة ضخ اهلموم واملآسي عوضًا عن ضخ املياه‬ ‫تقرير وتصوير‪ :‬عمر عرب‬ ‫عايــش أهــايل حلــب املــوت املرتقــب يف كل لحظــة‪،‬‬ ‫ومل يبــق لهــا وألهلهــا أي أزمــة أو مشــكلة إال وكان‬ ‫لهــم منهــا نصيــب‪ ،‬مشــاكل وأزمــات باتــت لهــم رفيــق‬ ‫حياتهــم اليوميــة وباتــت تُضَّ ــخ لهــم كل يــوم‪ ،‬ورمبــا إذا‬ ‫شــاء النظــام كل ســاعة‪ ،‬أزمــة امليــاه املنقطعــة هــي مــن‬ ‫أهــم وأبــرز األزمــات التــي أصبــح أهــايل حلــب يعانــون‬ ‫منهــا منــذ فــرة وذلــك النقطاعهــا عنهــم ألســابيع عــدة‬ ‫مــع العلــم بأهميتهــا البالغــة يف جميــع نواحــي الحيــاة‬ ‫وأنــه ال ميكــن االســتغناء عنهــا‪ ،‬وحتــى عندمــا تــأيت امليــاه‬ ‫يكــون ضخهــا يف أغلــب األوقــات ضعيفــاً وال يســتمر‬ ‫ألكــر مــن يــوم‪ ،‬وانقطــاع امليــاه يف كل مرة يكون لســبب‬ ‫إمــا القصــف العنيــف ملحطــات توليــد الكهربــاء وذلــك‬ ‫مــن قبــل النظــام أو قصــف أنابيــب امليــاه الرئيســية مــا‬ ‫يســبب أهطــال تتطلــب صيانــة‪ ،‬ويف بعــض األوقــات‬ ‫حرمــان محطــات ضــخ امليــاه مــن املحروقــات‪ ،‬كل ذلــك‬ ‫جعلهــم يضطــرون إىل االســتعاضة عنهــا يف تلــك الفــرة‬ ‫ببدائــل علّهــا تســد تلــك الحاجــة املاســة لهــا مــن قبــل‬ ‫النــاس تــأيت يف مقدمتهــا ميــاه اآلبــار الجوفيــة‪ ،‬حتــى‬ ‫أصبــح ُجــل اهتــام النــاس متحــوالً إليهــا وأصبــح مــن‬ ‫لديــه اإلمكانيــة املاديــة يقــوم بحفــر بــر بالقــرب مــن‬ ‫منزلــه‪ ،‬أو رمبــا قــد يشــرك أكــر مــن شــخص يف ذلــك‬ ‫ويتــم توزيــع امليــاه عــى أهــايل ذاك الحــي لتعــم اإلفادة‬ ‫عليهــم‪ ،‬وكــا يقــال «مصائــب قــوم عنــد قــوم فوائــد»‬ ‫إال أنــه كان هنــاك جشــع مــن بعــض األشــخاص ليقومــوا‬ ‫باســتغالل حاجــة النــاس امللحــة للــاء وبيعهــم إياهــا‬ ‫عــر صهاريــج امليــاه مببالــغ مرتفعــة‪ ،‬فهــم يعرفــون حــق‬ ‫املعرفــة أن تلــك األزمــة مازالــت مســتمرة‪ ،‬وهنــاك قــد‬ ‫أصبــح يف حلــب عــدد كبــر مــن الفقـراء ال ميكنهــم رشاء‬ ‫املــاء هكــذا مضطريــن إىل نقــل امليــاه مــن أماكــن أخــرى‬ ‫يتــم توزيــع امليــاه فيهــا باملجــان إىل بيوتهــم‪ .‬وصحيــح‬ ‫أن تلــك امليــاه تســاعد املــاس يف قضــاء حوائجهــم إال‬ ‫أنهــا ســببت للبعــض منهــم مشــاكل صحيــة‪ ،‬فهــي‬

‫الحرملي‬ ‫عاب��رون ال أكث��ر‪!..‬‬ ‫يوسف دعيس‬

‫بالنهايــة ميــاه كلســية ورمبــا يكــون البعــض منهــا قــد‬ ‫تلــوث بســبب طــرق النقــل الخاطئــة لهــا‪.‬‬ ‫أبــو أحمــد مــن حــي الفــردوس يحدثنــا قائـاً‪ :‬إن وضــع‬ ‫امليــاه أصبــح مزريـاً ومل يعــد بإمكاننــا تحمــل مثــل هــذا‬ ‫الوضــع فامليــاه ال تصــل للحــي إىل كل ثــاث أســابيع‬ ‫يــوم واحــد ويكــون الضــخ بطــيء وأكــر النــاس تقــوم‬ ‫باســتجرار امليــاه بنفــس اليــوم ونقلــه إىل الطوابــق‬ ‫العليــا‪.‬‬ ‫أم عامــر مــن حــي املشــهد حدثتنــا قائلــه‪ :‬أنهــا كانــت‬ ‫منــذ أســبوع مبشــفى يف حلــب تعالــج ابنهــا الــذي ال‬ ‫يتجــاوز التســعة ســنوات بعــد رشبــه ميــاه اآلبــار املالحة‬ ‫ومــا زال حتــى اللحظــة يعــاين مــن أمل يف معدتــه‪ ،‬وأنهــا‬ ‫غــر قــادرة عــى رشاء ميــاه صحيــة بســبب وضعهــم‬ ‫املعيــي‪.‬‬ ‫أبــو ســعيد مــن حــي بســتان القــر حدثنــا قائــاً‪:‬‬ ‫انقطــاع امليــاه املتكــرر ســبب لنــا أزمــة كبــرة وكل عمــل‬ ‫أو يشء تريــد القيــام بــه يحتــاج إىل امليــاه‪ ،‬لذلــك قمــت‬ ‫بحفــر بــر يف بالقــرب مــن بيتــي وقمــت مبــد أنابيــب‬

‫ميــاه ووصلهــا بخزانــات موضوعــة عــى الشــارع الرئييس‬ ‫متتلــئ مــن ميــاه البــر‪ ،‬وبهــذه الطريقــة أســتفيد أنــا‬ ‫ويســتفيد النــاس أيض ـاً‪.‬‬ ‫بــرس خبــر اقتصــادي يف حلــب أكــد لنــا عــى‪ :‬الســبب‬ ‫الرئيــي النقطــاع امليــاه كان لعــدة أســباب عــى رأســها‬ ‫الوضــع الكهربــايئ يف محطــات ضــخ الف ـرات وأنــه غــر‬ ‫مســتقر وبســبب انخفــاض اســتجرار التيــار الكهربــايئ‬ ‫يف محطــات الضــخ بنســبة ‪ 40%‬تقريبــاً أي مــن ‪17‬‬ ‫ميغــاواط إىل ‪ 10.5‬ميغــاواط بقصــد التقنــن عــى‬ ‫املحطــات‪ ،‬أيضــاً االنقطاعــات الكهربائيــة املتفرقــة يف‬ ‫محطــات الضــخ والتعقيــم يف ســليامن الحلبــي وبــاب‬ ‫النــرب ومحطــة ضــخ ترشيــن مــا يؤثــر ســلباً يف عمــل‬ ‫مجموعــات الضــخ العاملــة يف هــذه املحطــات ويــؤدي‬ ‫إىل عــدم اســتقرار يف التزويــد عــر الشــبكة‪.‬‬ ‫يف النهايــة ومهــا حــدث ســيبقى أهــايل حلــب صامديــن‬ ‫وقادريــن عــى التعايــش مــع كل الظــروف واملشــاكل‬ ‫التــي متــر بهــم وســتظل عزميتهــم هــي الطاغيــة يف‬ ‫إيجــاد حــل لــكل يشء يقــف يف طريقهــم‪.‬‬

‫العطش لون مأساة جديد يعصف بأهالي الرسنت والبديل صهاريج مرتفعة الثمن‬

‫تعيــش مدينــة الرســن شــايل حمــص ظروفــاً‬ ‫إنســانية ســيئة نتيجــة القصــف اليومــي والحصــار‬ ‫املفــروض عليهــا منــذ تحريرهــا عــى يــد الجيــش‬ ‫الحــر يف عــام ‪ 2012‬وعــى مــر ســنوات الثــورة‬ ‫تلونــت صــور املعانــاة مــن انتشــار أم ـراض وفقــر‬ ‫وجهــل‪ ،‬وتفاصيــل أخــرى تحــت عنــوان عــدم توفــر‬ ‫ســبل الحيــاة‪ ،‬ورمبــا أبســطها وآخرهــا انقطــاع امليــاه‬ ‫عــن املدينــة متامــاً‪ ،‬وعطــش الســكان الــذي بلــغ‬ ‫عددهــم ‪ 12500‬عائلــة‪.‬‬ ‫بحثنــا عــن أســباب انقطــاع امليــاه األخــر‪ ،‬وبحســب‬ ‫مــا تحــدث إلينــا ســكان املدينــة‪ ،‬أنهــم يعيشــون‬ ‫أزمــة حقيقيــة منــذ خروجهــم عــن ســيطرة النظــام‬ ‫الــذي عاقبهــم بقطــع كل يشء عنهــم حتــى امليــاه‪،‬‬ ‫فأصبحــت ال تكفــي احتياجاتهــم‪ ،‬فهــي تصلهــم كل‬ ‫ثالثــة أيــام مــرة واحــدة‪ ،‬وتكــون لســاعات قصــرة‬

‫‪5‬‬

‫ال تكفــي لــي ميــأوا خراناتهــم‪ ،‬وهنــاك أحيــاء‬ ‫بأكملهــا ال تصلهــا امليــاه إطالق ـاً‪ ،‬ويعتمــدون عــى‬ ‫آبــار جوفيــة‪ ،‬يســتخرجون امليــاه منهــا باســتخدام‬ ‫مضخــات تعمــل عــى الديــزل املرتفــع الســعر‪ ،‬مــا‬ ‫يكلفهــم شــهرياً أكــر مــن ‪ 25‬ألــف لــرة ســورية‪،‬‬ ‫وهــم أساس ـاً محــدودو الدخــل‪ ،‬وال يقــدرون عــى‬ ‫هــذا العــبء‪.‬‬ ‫ومؤخـرا ً انقطعــت امليــاه عــن كامــل املدينــة‪ ،‬وبــدأ‬ ‫الواقــع املشــرك للجميــع مــن انقطــاع امليــاه متامـاً‪،‬‬ ‫وبــدأ اللجــوء إىل اآلبــار‪ ،‬ومــن ال ميلــك بــرا ً أو الحــي‬ ‫الــذي ال توجــد فيــه ميــاه جوفيــة ينتظــر ســكانه‬ ‫التعبئــة مــن صهاريــج جوالــة يتــم بيــع املــر املربــع‬ ‫الواحــد مــن املــاء بـــ ‪ 500‬لــرة ســورية‪ ،‬أي أن‬ ‫األرسة بحاجــة إىل ‪ 30‬ألــف شــهرياً اذا مــا اســتمرت‬ ‫األزمــة‪ ،‬وهــذا يفــوق قــدرة الســكان املاليــة يف ظــل‬ ‫الظــروف االقتصاديــة الســيئة مــن غيــاب فــرص‬

‫العمــل ودمــار املحــال واألســواق التجاريــة‪ ،‬وفســاد‬ ‫املحاصيــل الزراعيــة‪ ،‬خاصــة وأن أهــل الرســن‬ ‫أغلبهــم مــن املزارعــن‪ ،‬ويعتمــدون عــى إنتاجهــم‬ ‫الســنوي‪.‬‬ ‫وحــول معرفــة األســباب التفصيليــة النقطــاع امليــاه‪،‬‬ ‫فقــد زرنــا مكتــب الخدمــات يف املجلــس املحــي‪،‬‬ ‫وأخربونــا هنــاك أنــه نتيجــة الحــرب التــي شــهدتها‬ ‫املدينــة‪ ،‬وقــد تــررت شــبكة التغذيــة الرئيســية‪ ،‬ما‬ ‫أدى النقطــاع امليــاه متام ـاً عــن أحيــاء عديــدة مــن‬ ‫املدينــة باإلضافــة إىل أن املجلــس ال ميلــك مــاالً كافياً‬ ‫مــن أجــل تشــغيل املضخــات لســاعات طويلــة‪،‬‬ ‫التــي تؤ ّمــن كميــات أكــر مــن املــاء للســكان‪،‬‬ ‫خاصــة وأن املجلــس قــام ســابقاً بحفــر آبــار جوفيــة‬ ‫عوضــاً عــن ميــاه الضــخ الرئيســية وميكــن تلبيــة‬ ‫احتياجــات الســكان إذا مــا توفــر ســعر ديــزل‬ ‫لتشــغيل املضخــات‬

‫لــن متــر حملــة عابــرون ال أكــر‪ ،‬التــي أطلقهــا ناشــطون‬ ‫ســوريون‪ ،‬مــرور الكــرام‪ ،‬ولــن تكــون مجــرد حملــة عاديــة‬ ‫تزيــن صفحــات التواصــل االجتامعــي ووســائل اإلعــام‪ ،‬بــل‬ ‫ســتكون إضــاءة جديّــة لقضيــة إنســانية شــغلت وتشــغل‬ ‫العــامل منــذ مــا يقــارب الخمســة أعــوام‪ ،‬قضيــة تتعلــق مبــوت‬ ‫الســوريني دون ســابق إنــذار‪ ،‬وميــر أمــام أعــن النــاس دون أن‬ ‫يــرف جفــن أحــد مــن أهــل الغــرب أو الــرق‪.‬‬ ‫حملــة عابــرون ال أكــر هــي إرصار عــى البقــاء‪ ،‬وتحـ ٍـد جديــد‬ ‫آللــة املــوت التــي تحصــد الســوريني بشــكل يومــي‪ ،‬وإن قيّــض‬ ‫لهــا النجــاح‪ ،‬كــا هــو متوقــع‪ ،‬ســتكرس إرادة دول العــامل‪ ،‬التــي‬ ‫مل تســتطع إىل اآلن إيجــاد حــل ألزمــة الســوريني املســتعصية‪،‬‬ ‫وهــي بالدرجــة األوىل مــرآة تكشــف زيــف العــامل الــذي مل‬ ‫يجــد الوســيلة املناســبة للتعامــل مــع تجــار البــر‪ ،‬وهــي‬ ‫فرصــة لغــر القادريــن عــى ركــوب مخاطــر البحــر‪ ،‬واملغامــرة‬ ‫بأرواحهــم وأرواح عيالهــم‪.‬‬ ‫مــن املتوقــع أن يلتحــق بالحملــة أكــر مــن عــرة آالف ســوري‬ ‫ســينطلقون مــن مــكان االعتصــام يف مدينــة أدرنــه الرتكيــة‪،‬‬ ‫املحاذيــة للحــدود اليونانيــة‪ ،‬باتجــاه أوربــا‪ ،‬التــي يعتربهــا‬ ‫الســوريون أرض الخــاص‪ ،‬أو األرض املوعــودة‪ ،‬التــي تنعــم‬ ‫بالســام واألمــان‪.‬‬ ‫لعــل حملــة «عابــرون ال أكــر»‪ ،‬هــي مــن أهــم الحمــات‬ ‫ّ‬ ‫التــي أطلقهــا الناشــطون الســوريون‪ ،‬نظ ـرا ً لتنظيمهــا املحكــم‬ ‫واملــدروس‪ ،‬إضافــة ملواكبــة وســائل اإلعــام املختلفــة لرتتيباتهــا‬ ‫املتواصلــة‪ ،‬والتــي شــهدت تخطيطــاً مســبقاً‪ ،‬وتواصــاً بــن‬ ‫أعضائهــا الذيــن أبــدوا رغبــة يف املشــاركة الفعليــة‪ ،‬والذيــن‬ ‫تجــاوز عددهــم أكــر مــن ثالثــن ألفــاً ممــن يرغبــون يف‬ ‫الهجــرة إىل أوربــا‪ ،‬معظمهــم ال ميلــك اإلمكانيــة املاديــة لدفــع‬ ‫تكاليــف الســفر‪.‬‬ ‫ننتظــر يف القريــب أن تفتــح الســلطات الرتكيــة بوابتهــا لعبــور‬ ‫املعتصمــن إىل اليونــان‪ ،‬وأن تكــون الســلطات اليونانيــة كــا‬ ‫عهدناهــا ســباقة ملســاعدة الالجئــن يف الوصــول إىل مبتغاهــم‪،‬‬ ‫وإن تــم ذلــك‪ ،‬ســتعيد هــذه الحملــة األضــواء عــى القضيــة‬ ‫الســورية مــن جديــد‪ ،‬وتعيــد مأســاتهم إىل الواجهــة‪ ،‬وتدفــع‬ ‫الــرأي العــام العاملــي باتجــاه إيجــاد حلــول عاجلــة للوجــع‬ ‫الســوري‪ ،‬وتكــون أداة ضغــط فعالــة عــى املجتمــع الــدويل‬ ‫بــدءا ً مــن منظمــة األمــم املتحــدة والــدول الصانعــة للق ـرار‪،‬‬ ‫لــي تدفــع بهــم لحــل املســألة الســورية‪ ،‬ونقلهــم مــن موقــع‬ ‫إدارة املســألة الســورية إىل املوقــع الــذي يفــرض الحــل عــى‬ ‫جميــع األط ـراف‪ ،‬فهــل ســتكون األيــام القادمــة مفتــاح حــل‬ ‫مشــكلة الســوريني؟!‬

‫ّإنا هلل ّ‬ ‫وإنا إليه راجعون‬

‫آل العجيل��ي وعم��وم أه��ل الرق��ة يف أورف��ا‬ ‫واملغ�ترب ينع��ون إليك��م وف��اة املغف��ور ل��ه‪:‬‬ ‫خلدون العجيلي «أبو سرور»‪ ،‬الذي وافته‬ ‫املني��ة يف مدين��ة ش��انلي أورف��ا الرتكي��ة‪،‬‬ ‫و ُدف��ن فيه��اـ بعي��داً ع��ن أرض الوط��ن‪.‬‬ ‫أس��رة صحيف��ة احلرمل تتق��دم‪ ..‬خبالص‬ ‫الع��زاء آلل الفقي��د وعم��وم أه��ل الرق��ة‬ ‫يف س��وريا وب�لاد االغ�تراب‪ ،‬س��ائلني املوىل‬ ‫ع� ّ‬ ‫�ز وجل أن يتغم��ده بالرمح��ة واملغفرة‪،‬‬ ‫ويدخل��ه فس��يح جناته‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫حرمل االقتصاد‬

‫يوخنا وديشو دبرزانا‬ ‫نهــر الخابــور يف ســوريا‪ ،‬هــو أحــد روافــد‬ ‫نهــر الف ـرات‪ ،‬تشــكل منابــع رأس العــن ‪75%‬‬ ‫مــن مــورده و‪ 25%‬مــن منابــع تركيــة‪ ،‬رغــم أن‬ ‫مســاحة الحــوض املــايئ يف الجانــب الســوري‬ ‫‪ 19‬ألــف م ـرا مربع ـاً‪ ،‬ويف الجانــب الــريك ‪11‬‬ ‫ألــف مـرا ً مربعـاً‪ .‬تعزى تســميته إىل البيلســان‪،‬‬ ‫وهــذا ليــس دقيق ـاً‪ ،‬فرمبــا التســمية األشــورية‬ ‫هــي األكــر دقــة‪ ،‬ففــي لغتنــا الرسيانيــة ثــاث‬ ‫مرادفــات‪ :‬خابــور النهــر األوحــد‪ ،‬أو خابــورا‪،‬‬ ‫ومعناهــا «الحفــاراي» املخــرق لــأرض‪،‬‬ ‫ومرادفــة أخــرى (خــاورا)‪ ،‬والــواو يف أصــل‬ ‫الكلمــة (بــاء)‪ ،‬تكتــب وتلفــظ واوا ً‪ ،‬وترجمتهــا‬ ‫رفيــق األرض علــاً أن يف الشــال العراقــي‬ ‫خابــورا ً آخــر وهــو أحــد روافــد دجلــة‪ .‬وبحــق‬ ‫كان النهــر رفيق ـاً‪ ،‬وكان رشيــان الحيــاة للنــاس‬ ‫واألرض املمتــدة مــن رأس العــن إىل الصــور‬ ‫حيــث مصبــه ىف نهــر الف ـرات‪.‬‬ ‫أنا والنهر وحكاية عشق‬ ‫يف كتــاب القــراءة واالســتظهار للصــف الثــاين‬ ‫االبتــدايئ يف الســتينيات مــن القــرن املنــرم‬ ‫قصيــدة مطبوعــة يف وجــداين‪ ،‬أبياتهــا تقــول‪:‬‬ ‫أيهــا النهــر ال تــر‪ ..‬انتظــرين ألتبعــك‪ ..‬أنــا‬ ‫اخــرت والــدي‪ ..‬أين ذاهــب معــك‪ .‬وكانــت‬ ‫صــورة طفــل وســفينة ورقيــة يودعهــا يف نهــر‬ ‫أقــراين‪ ،‬عالقتهــم والنهــر ال تتجــاوز حــدود‬ ‫الصيــف والتمتــع بالســباحة نهــارا ً‪ ،‬أمــا أنــا‬ ‫ففــي كل الفصــول وبــدأت تحديــدا ً يف أحــد‬ ‫أيــام الشــتاء القارســة‪ ،‬وكانــت والــديت مريضــة‬ ‫وطلبــت م ّنــا الذهــاب للنهــر لغســل وجوهنــا‬ ‫وجلــب بعــض املــاء قبــل الذهــاب إىل املدرســة‪،‬‬ ‫وكانــت زيــاريت الشــتوية األوىل لضفتــه‪ .‬شــعرنا‬ ‫بالــدفء حــن اقرتبنــا مــن الضفــة وذُهلــت‬ ‫للمنظــر الصفصــاف الرائــع العــاري‪ ،‬والبخــار‬ ‫املتصاعــد‪ ،‬وكأن الصفصــاف أجســاد عاريــة‬ ‫تســتحم بالبخــار‪ ،‬كان املــاء دافئـاً رغــم درجات‬ ‫الحـرارة املتدنيــة‪ ،‬ومــن بعدهــا أصبحــت أتردد‪،‬‬ ‫وأجالســه متأمــاً وداعتــه‪ .‬اختربتــه يف ليلــة‬ ‫صيفيــة مقمــرة وقــد عــدت متأخ ـرا ً مــن لقــاء‬ ‫حبــي األول يف (املناجــر)‪ ،‬والســفينة يف الضفــة‬ ‫ي‬ ‫األخــرى‪ ،‬والضيعــة غارقــة يف النعــاس وعــ ّ‬ ‫إعــادة (البســكليت املــروق) ألخــي األكــر‬ ‫باكـرا ً‪ ،‬ليذهــب إىل مزرعتنــا لتشــغيل مضخــات‬ ‫املــاء‪ ،‬تــرددت بعــض الــيء‪ ،‬ولكــن مل يكــن‬ ‫مــن حيلــة أخــرى‪ ،‬اخرتقــت النهــر ألجلــب‬ ‫الســفينة وأنقــل الدراجــة وألبــس ثيــايب‪ ،‬حينهــا‬ ‫تذكــرت القصيــدة‪ ،‬فســبحت‪ ،‬كنــت خائف ـاً يف‬ ‫البدايــة‪ ،‬وحــن وصــويل إىل منتصــف املســافة‪،‬‬ ‫وتطلعــت إىل كل صــوب‪ ،‬أحسســت بارتيــاح‬ ‫للصمــت املــروخ بنقيــق الضفــادع كان املنظــر‬ ‫وادع ـاً‪ ،‬ومــن بعدهــا أصبحــت زائــره الوحيــد‬ ‫ليــاً‪ ،‬كانــت متعــة ال تضاهــى‪ ..‬إنهــا قصــة‬ ‫عشــق للخابــور الــذي مل أتــردد يف الغــوص‬ ‫فيــه حتــى أيــام غضبــه‪ ،‬وعكــر مزاجــه‪ ،‬أيــام‬ ‫فيضاناتــه يف الربيــع‪ ،‬رغــم بــرودة مائــه نتيجــة‬ ‫الثلــوج الذائبــة املحملــة بالطمــي‪.‬‬ ‫املشروع احليوي‪!..‬‬ ‫إن مــروع تحويــل بعــض مــن مــاء النهــر يعود‬ ‫إىل بدايــة الســتينيات مــن القــرن الفائــت قبــل‬ ‫ثــورة البعــث حيــث كان التدفــق ي ـراوح أيــام‬ ‫الصيــف بــن ‪ 48‬مــرا ً إىل ‪ 55‬مــرا ً يف الثانيــة‪،‬‬ ‫وقــد قــام بدراســة املــروع (طبوغرافيـاً) رشكــة‬ ‫بلغاريــة‪ ،‬واملأخــذ كان مــن املقــرر أن يكــون‬ ‫مــن قريتنــا (تــل طويــل)‪ ،‬أي بعــد ‪ 22‬كــم‬ ‫عــن املنابــع‪ ،‬يك ال تتــأذى املشــاريع الضخمــة‬ ‫املقامــة عــى امتــداد هــذه املســافة بالطــول‬ ‫والعــرض واملقــدرة بــآالف الهكتــارات مــن‬ ‫هــذا التحويــل الــذي قــرر بـــ‪ 14‬مـرا ً يف الثانية‪.‬‬ ‫وبحــق كانــت دراســة ملــروع حيــوي إال أنــه‬ ‫جمــد بعــد ثــورة البعــث‪.‬‬ ‫السرقة الثانوية واملشروع املأساوي‪..‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫اخلابور ذلك النهر املسروق‪!..‬‬

‫بعــد وصــول حافــظ األســد إىل ســدة الحكــم‬ ‫بحركتــه التخريبيــة‪ ،‬التــي خ ّربــت اإلنســان‬ ‫والبنيــان‪ ،‬أُخرجــت دراســة املــروع مــن الدرج‬ ‫للبــدء بتنفيــذ املــروع‪ ،‬حيــث أُهــدرت فيــه‬ ‫ماليــن الــدوالرات دون جــدوى‪ ،‬بعــض هــذه‬ ‫املاليــن طُمــر يف الــراب‪ ،‬والدليــل الســاقية‬ ‫الجنوبيــة التــي مأخذهــا مــن قريتنــا والعابــرة‬ ‫يف أرضنــا إىل الضفــة الجنوبيــة للنهــر عــى‬ ‫امتــداد ‪ 20‬كــم بعمــق مرتيــن وعــرض ثالثــة‬ ‫أمتــار‪ ،‬حيــث نفــذ مرشوعــاً لنهــر مــن دون‬ ‫مــاء‪ ،‬والقســم اآلخــر مــن املاليــن ذهــب‬ ‫لجيــوب املتنفذيــن يف العاصمــة‪ ،‬ويف املحافظــة‪،‬‬ ‫ُــر مأخــذ القنــاة الرئيســية‪ ،‬فبــدل تــل‬ ‫فغ ّ‬ ‫طويــل حســب الدراســة البلغاريــة أخــذ مــن‬ ‫منطقــة ال تبعــد عــن املنابــع أكــر مــن ‪3‬‬ ‫كــم وكانــت الرسقــة الثانويــة للنهــر فبتغيــر‬ ‫املجــرى ُحرمــت عـرات القــرى والبلــدات مــن‬ ‫ميــاه النهــر يف الوقــت الــذي أضحــى تدفــق‬ ‫املــاء يف حــده األقــى ال يتجــاوز ‪ 20‬مـرا ً‪ُ ،‬سق‬ ‫منهــا ‪ 14‬مـرا ً للمــروع‪ ،‬وبالــكاد الســتة أمتــار‬ ‫الباقيــة تصــل إىل بعــض القــرى القريبــة مــن‬ ‫املنبــع‪ ،‬وهــذه امليــاه أضحــت غــر صالحــة‬ ‫للــرب بســبب مجاريــر الــرف الصحــي‬ ‫ملدينــة رأس العــن‪ ،‬وكذلــك لزيــادة كثافــة‬ ‫الكربيــت يف املــاء‪ ،‬فاملعــروف أن ميــاه نبــع تــل‬ ‫حلــف الكربيتيــة أضحــت الرافــد الرئيــي بعــد‬ ‫أن جفــت باقــي املنابــع وحكــم عــى الشــبوط‬ ‫والجــري والصفصــاف باإلعــدام‪..‬‬ ‫السرقة الرئيسية‬ ‫إن املنطقــة الشــالية مــن الجزيــرة الســورية‪،‬‬ ‫واملمتــدة عــى الرشيــط الحــدودي وبعمــق‬ ‫‪ 10‬كــم تعتــر منطقــة االســتقرار األوىل زراعي ـاً‬ ‫لوفــرة امليــاه املوســمية الهاطلــة حتــى يف ســنني‬ ‫الجفــاف ولخصوبــة األرايض‪ ،‬ويف مجملهــا‬ ‫كانــت تــزرع بعلي ـاً‪ ،‬زراعــات شــتوية كالقمــح‬ ‫والعــدس والحمــص أمــا املشــاريع الضخمــة‬ ‫واملــزارع الكبــرة املعتمــدة عــى مــاء النهــر‬ ‫فكانــت للزراعــات الصيفيــة كالقطــن واألحـراج‬ ‫كمــزارع أصفــر ونجــار واســمريان وبيــر‬ ‫معــار بــايش قبــل اســتيالء الدولــة‪ ،‬وتطبيــق‬ ‫قانــون اإلصــاح الزراعــي بعضهــا وزع عــى‬ ‫الفالحــن‪ ،‬وبعضهــا اآلخــر اســتثمر مــن قبــل‬ ‫الدولــة (مشــاريع مــزارع الدولــة)‪ ،‬وشــخصياً‬ ‫قمــت بدراســة اقتصاديــة أكادمييــة فــرة‬ ‫دراســتي الجامعيــة حيــث اخــرت الجمعيــات‬ ‫التعاونيــة وم ـزارع الدولــة يف ســوريا مرشوع ـاً‬ ‫لبحــث اقتصــادي وبتكليــف مــن أســتاذنا يف‬ ‫الجامعــة اللبنانيــة الدكتــور محمــد بيضــون‬ ‫يف الســبعينات مــن القــرن الفائــت‪ ،‬وكانــت‬ ‫مزرعتــا الدولــة يف كل مــن رأس العــن واملناجري‬ ‫موضوع ـاً لدراســتي وســأكتفي بالجانــب املــايئ‬ ‫موضــوع هــذه الكتابــة ومزرعــة أصفــر ونجــار‬ ‫منوذجــاً‪ .‬هــذه املزرعــة تقــع جنــوب مدينــة‬ ‫رأس العــن مســاحتها ‪ 40‬ألــف دونــم‪ ،‬وتــروى‬ ‫بـــ‪ 12‬مضخــة مــن نــوع مــوداك أملانيــة الصنــع‪،‬‬

‫قــوة ســحب كل منهــا ‪ 200‬حصانــاً بخاريــاً‪،‬‬ ‫محــرك آخــر قــوة ‪ 36‬حصانــاً أي أن مجمــل‬ ‫املســاحة تــروى بـــ‪ 2،436‬حصانـاً بخاريـاً‪ .‬بعــد‬ ‫الخســائر الكبــرة نتيجــة الرسقــات للتغطيــة‬ ‫عليهــا‪ ،‬ولفتــح بــاب آخــر للرسقــة‪ ،‬وزعــت‬ ‫تلــك األرايض عــى الفالحــن‪ ،‬ومنحــت تراخيــص‬ ‫لحفــر آبــار جوفيــة يف املنطقــة‪ ،‬ومنحــت‬ ‫الدولــة قروضــاً ســخية للفالحــن مبشــاركة‬ ‫مســؤولني ومتنفذيــن يف الدولــة‪ ،‬وإذا اعتربنــا‬ ‫جــدالً أن معــدل التوزيــع هــو ‪ 150‬دومنــا‬ ‫للعائلــة الواحــدة‪ ،‬واملســاحة املوزعــة هــي ‪30‬‬ ‫ألــف دونــم كــون عــرة آالف دونــم مؤجــرة‬ ‫لرشكــة ليبيــة‪ ،‬أي أن ‪ 200‬بــر محفــورة يف‬ ‫حــوض البحــرة الجوفيــة املغذيــة للينابيــع‪،‬‬ ‫وعــى كل بــر مضخــة قــوة كل منهــا ال تقــل‬ ‫عــن ‪ 80‬حصانــاً بتدفــق ‪ 8-6‬انــش فتكــون‬ ‫بذلــك القــدرة االجامليــة للســحب ‪ 16‬ألــف‬ ‫حصانــاً بخاريــاً إلرواء ‪ 30‬ألــف دونــم‪ .‬وكان‬ ‫عــدد اآلبــار يف موقــع الينابيــع ‪ 232‬ب ـرا ً عــام‬ ‫‪ 1984‬ووصــل العــدد إىل ‪ 2391‬بـرا ً عــام ‪.2006‬‬ ‫وإجــايل اآلبــار املحفــورة عــى حــوض البحــرة‬ ‫الجوفيــة يقــدر بـــ‪ 15‬ألــف بــر منهــا ‪6146‬‬ ‫حســب اعــراف وزارة الــري غــر مرخصــة‪،‬‬ ‫ســوي وضــع ‪ 3587‬منهــا‪ ،‬وأغلبهــا يشــارك‬ ‫ملكيتهــا أهــايل املنطقــة مــع ضبــاط ومتنفذيــن‬ ‫يف الدولــة وأذنابهــا‪ .‬ويف دراســة لــكل مــن‬ ‫الربوفيســور جــورج صومــي والربوفيســور معــن‬ ‫دانيــال األخصائيــن يف العلــوم التقنيــة قدمــت‬ ‫يف نــدوة اقتصاديــة يؤكــد العاملــان أن التســارع‬ ‫الكبــر يف حفــر اآلبــار يف موقــع الينابيــع أثــر‬ ‫ســلباً عــى مخزونهــا‪ ،‬وســاهم يف انخفــاض‬ ‫املناســيب الســاكنة والحركيــة للميــاه الجوفيــة‪،‬‬ ‫وحســب الدراســة فــإن التغــر اإلجــايل يف‬ ‫رصف الينابيــع انخفــض مــن ‪ 45،82‬مــرا ً‬ ‫مكعبــاً يف الثانيــة بــن ‪ 1970–1942‬إىل ‪5،3‬‬ ‫مـرا ً مكعبـاً يف الثانيــة بــن عامــي ‪1999-1984‬‬ ‫(زمــن األب) وإىل (‪ )0‬الصفــر يف الثانيــة عــام‬ ‫‪( 2006‬زمــن االبــن)‪ ،‬وجهــزت الدولــة ‪ 116‬بـرا ً‬ ‫مــع مجموعــات ضــخ كهربائيــة للشــفط مــن‬ ‫الينابيــع لدعــم مجــرى الخابــور‪ ،‬وكانــت باب ـاً‬ ‫آخــر للرسقــات املســتورة واملكشــوفة‪..‬‬ ‫إن هــذا العــدد الهائــل مــن اآلبــار لزمــه‬ ‫تجهيــزات خاصــة مــن مضخــات ومحــركات‬ ‫ديــزل من مختلــف املــاركات العامليــة وجميعها‬ ‫مســتوردة وكــا هــو معــروف ألي متتبــع‬ ‫أن تجــار دمشــق هــم الــوكالء الحرصيــون‬ ‫للــركات الضخمــة الصانعــة للمحــركات‪،‬‬ ‫كــون دمشــق هــي العاصمــة االقتصاديــة أيضـاً‬ ‫لســوريا‪ ،‬وليســت حلــب‪ ،‬كــا يفيــد بعــض‬ ‫ممــن يدعــون املعرفــة رغــم عراقــة التاجــر‬ ‫والصناعــي الحلبــي‪ ،‬إال أن التاجــر الدمشــقي‬ ‫يبقــى املمــول للصناعــي‪ ،‬والتاجــر يف باقــي‬ ‫املحافظــات‪ ،‬وهنــا تلتقــي مصلحــة التاجــر‬ ‫الدمشــقي وضابــط (الجيــش العقائــدي) يف‬ ‫نهــب الوطــن‪ .‬كان للمرحــوم صــاح جديــد‬ ‫مقولــة أن مــن يــريض تجــار دمشــق سيســيطر‬

‫عــى ســوريا‪ ،‬واســتغلها حافــظ األســد بــذكاء‬ ‫وبالتــايل يكــون التاجــر الدمشــقي والضابــط‬ ‫العقائــدي ســارقي نهــر الخابــور بــل ســارقني‬ ‫للحيــاة يف الجزيــرة الخــراء‪ .‬طبعــاً هــذه‬ ‫املضخــات واملحــركات ومــا تحتاجــه مــن قطــع‬ ‫غيــار تســتورد بالعملــة الصعبــة‪ ،‬ناهيــك عــن‬ ‫املحروقــات الالزمــة للتشــغيل‪ .‬ليــس ســحب‬ ‫املــاء وحــده أثــر عــى التدفــق‪ ،‬بــل أيضــاً‬ ‫التنفيــس‪ ،‬فالبحــرة املغذيــة كربيتيــة‪ ،‬والغــاز‬ ‫الكربيتــي يشــكل ضغطــاٌ عــى ســطحها‪.‬‬ ‫قبــل هــذا الحفــر العشــوايئ‪ .‬مل يكــن زائــر رأس‬ ‫العــن يشــم رائحــة هــذا الغــاز قبــل ‪ 3‬كــم مــن‬ ‫املدينــة‪ ،‬أمــا اليــوم فرائحــة الغــاز تشــم مــن‬ ‫مســافة ‪ 30‬كــم‪ .‬ناهيــك عــن التأثـرات البيئيــة‪،‬‬ ‫نتيجــة تدهــور نوعيــة امليــاه كزيــادة امللوحــة‬ ‫وتلوثهــا لعــدم معالجــة ميــاه الــرف الصحــي‪،‬‬ ‫عــاوة عليهــا االنهدامــات األرضيــة وانخفاســها‬ ‫كنتيجــة‪ ،‬وأصبحــت مدينــة رأس العــن مهــددة‬ ‫بشــكل رئيــس‪.‬‬ ‫اآلشوريون والنهر املسروق‬ ‫اآلشــوري عــى الخابــور فــاح بــا أرض‪،‬‬ ‫وبدراســة إحصائيــة دقيقــة اتخــذت ضيعتــي‬ ‫منوذجــاً وجــدت أن حصــة الفــرد ‪ 5‬دومنــات‬ ‫و‪ 200‬مــر مربــع مــن األرايض املرويــة والبعلية‪،‬‬ ‫بينــا قانــون اإلصــاح الزراعــي يف الجزيــرة‬ ‫الســورية اعتــر ‪ 10‬دومنــات مــن األرايض‬ ‫املرويــة حصــة الفــرد‪ ،‬وعــى هــذا األســاس‬ ‫تــم توزيــع األرايض املســتوىل عليهــا‪ ،‬ولألســف‬ ‫مل يســتفد اآلشــوريون مــن هــذا التوزيــع‬ ‫باســتثناء بعــض العائــات‪ ،‬رمبــا ال يتجــاوز‬ ‫عددهــا الخمــس عــرة مــن خــال بعــض‬ ‫املحســوبيات والعالقــات الشــخصية مــع لجــان‬ ‫التوزيــع‪ ،‬وكدليــل عــى كالمــي عقــار ألرسيت يف‬ ‫قريــة أم وغفــة – تــل طويــل كنــا اشــريناه مــن‬ ‫املرحــوم عــزت ســليم بــك بعقــود رشاء رســمية‬ ‫منــذ عــام ‪ 1936‬وحــن تطبيــق قانــون اإلصــاح‬ ‫الزراعــي‪ ،‬وكــون عــزت ســليم بــك مشــموالً‬ ‫(كإقطاعــي) باالســتيالء شــمل ذاك العقــار أيضـاً‬ ‫باالســتيالء ووزعــت مســاحة ‪ 168‬دومنــا ألربــع‬ ‫عائــات (عائلتــان كرديتــان وعائلتــان عــرب)‬ ‫رغــم امتــاك العائــات األربــع عقــارات يف‬ ‫قراهــم األساســية (تــم تقديــم أدلــة إىل لجنــة‬ ‫التوزيــع) ومل يســتفد أي مــن أبنــاء ضيعتــي‬ ‫مــن هــذا التوزيــع‪ ..‬رغــم ذلــك اســتطاع هــذا‬ ‫الفــاح الحضــاري أن يحــول املســافة املمتــدة‬ ‫مــن أم وغفــة – تــل طويــل إىل تــل هرمــز‬ ‫وتــل عربــوش إىل جنــة خــراء آرسة‪ .‬نعــم‬ ‫كل القــرى الواقعــة عــى ضفتــي املجــرى‬ ‫تــأذت باملــروع مــن املنبــع إىل املصــب إال‬ ‫أن ‪ 90%‬ميلكــون عقــارات يف مناطــق أخــرى‬ ‫وهنــاك عائــات عربيــة انتفعــت أكــر مــن‬ ‫مــرة‪ ،‬ويف أكــر مــن موقــع‪ ،‬وبعضهــا انتفــع‬ ‫بأســاء دوابهــا مــن الحمــر واألبقــار كــا‬ ‫حــدث يف منطقــة الشــدادي حيــث اقســم‬ ‫كشــاهد مختــار إحــدى القــرى عــى أن (األرملة‬ ‫خــرة الجحيشــيش وأربعــة مــن أبنائهــا‬

‫وبناتهــا يعيلهــم أحــد أقاربــه‪ ،‬وخــرة مل تكــن‬ ‫إال أتــان الحــار)‪ .‬اضطــر الفــاح اآلشــوري‬ ‫للبحــث عــن بــاب رزق آخــر بعــد أن تحولــت‬ ‫بســاتني التفــاح وكــروم العنــب وحقــول الرمــان‬ ‫إىل حطــب للمواقــد‪ ،‬منهــم انتقــل إىل مــدن‬ ‫الداخــل‪ ،‬وبعضهــم إىل لبنــان‪ ،‬والقســم األكــر‬ ‫مــن الشــبيبة هاجــر بطــرق رشعيــة وغــر‬ ‫رشعيــة متحملــن أعبــاء ومخاطــر التهريــب‬ ‫إىل دول الغــرب‪ ،‬وحســب قــول الربوفيســور‬ ‫جــورج صومــي بعــد أن كانــت الجزيــرة جاذبــة‬ ‫للســكان أصبحــت طــاردة لهــم‪ .‬وشــخصياً‬ ‫ال أجــاري بعــض اآلشــوريني ممــن يعتقــدون‬ ‫أننــا املقصــودون بهــذه الرسقــة لتهجرينــا رغــم‬ ‫التناغــم بــن الوهابيــة وحافــظ األســد‪ ،‬الالعــب‬ ‫مــع الــكل وعــى الــكل‪ ،‬ألن إحــدى الجهــات‬ ‫املمولــة للمــروع أحــد البنــوك اإلســامية يف‬ ‫الكويــت‪.‬‬ ‫املنظمة اآلثورية واملشكلة‪:‬‬ ‫لقــد قــدم بعــض املهندســن وذوي االختصــاص‬ ‫يف املنظمــة دراســات كانــت ســتخفف مــن‬ ‫معانــاة املترضريــن ورفــع كتــاب بهــذا‬ ‫الخصــوص إىل حافــظ األســد بالــذات مــا‬ ‫اعتــره بعــض القــادة األمنيــن يف املحافظــة‬ ‫تجــاوزا ً لهــم‪ ،‬إال أن كل ذلــك ذهــب أدراج‬ ‫الريــاح ولتــايف األم ـراض واألوبئــة ومنع ـاً مــن‬ ‫اســتغالل بعضهــم األزمــة لبيــع املــاء بأســعار‬ ‫غــر معقولــة اســتنجدت املنظمــة ببعــض‬ ‫أعضائهــا يف أمريــكا وتــم جمــع مبلــغ مل يتجــاوز‬ ‫‪ 3000$‬بالــكاد ســدد مثــن أربعــة جــرارات‬ ‫وثــاث مقطــورات ورواتــب الســائقني‪ ،‬وبــدأ‬ ‫توزيــع املــاء عــى القــرى العطــى مجانـاً غــر‬ ‫مفرقــن بــن عــريب وكــردي وآشــوري‪ ،‬فكانــت‬ ‫النتيجــة اعتقــال ثالثــة قياديــن وزجهــم يف‬ ‫الســجون بتهمــة اإلســاءة لســمعة الدولــة‬ ‫وتلقــي أمــواالً مــن الخــارج‪ ،‬بنــاء عــى شــكوى‬ ‫مــن عــى منــر مــا يســمى ظلــاً وعدوانــاً‬ ‫(مجلــس الشــعب)‪ .‬وكانــت املنظمــة تطمــح‬ ‫لــراء عــرة جــرارات‪ ،‬ومقطــورات خاصــة‬ ‫بالــرف الصحــي خدمــة لســكان ضفــاف‬ ‫الخابــور مــن منطلــق وطنــي رصف لتــايف‬ ‫األوبئــة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫رأي اخري‬ ‫إن الزيــادة الســكانية املطــردة والرتاجــع‬ ‫املناخــي خــال العقــود األخــرة يتطلــب إيجــاد‬ ‫مــوارد إضافيــة واســتغالل أكــر للمســاحات‬ ‫واألرايض القابلــة للزراعــة واملفتقــرة للــاء‪،‬‬ ‫لكــن ليــس عــى حســاب املســاحات واملشــاريع‬ ‫القامئــة‪ ،‬كــا حــدث يف مــروع تحويــل مجــرى‬ ‫نهــر الخابــور‪ ،‬الــذي جوعــت فيــه مناطــق دون‬ ‫أن تشــبع األخــرى‪ ،‬فيبســت بســاتني وكــروم يف‬ ‫مناطــق مــن دون التمكــن مــن زراعــة غ ـراس‬ ‫جديــدة‪ .‬هــذا مــن ناحيــة املــروع الغبــي‬ ‫(املأســاة) إن مل نقــل مــروع الخيانــة‪ .‬أمــا‬ ‫مــن ناحيــة اآلبــار العشــوائية فــأي دولــة تحــرم‬ ‫مــا يقــارب مــن ‪ 280‬ألــف مــن مواطنيهــا‬ ‫مــن نعمــة املــاء لتتبــذخ فئــة صغــرة بــذاك‬ ‫النعيــم‪ ،‬ويتقاســم رزقهــا حفنــة مــن األوغــاد‪.‬‬ ‫يف زيــاريت لرئيــس اتحــاد فالحــي محافظــة‬ ‫الحســكة شــعرت أين يف مكتــب رئيــس إحــدى‬ ‫الــدول العظمــى فعــدد خطــوط هواتفــه بلــغ‬ ‫‪ 18‬خطـاً‪ .‬إن التكنولوجيــا الحديثــة والدراســات‬ ‫العلميــة واالســتفادة مــن خــرات وحلــول‬ ‫لــدول أخــرى للمشــلكة ذاتهــا ضامنــة أكيــدة‬ ‫يف حــل مشــكلة الخابــور‪ ،‬وشــح مياهــه‪ ،‬فأيــن‬ ‫اتحــاد فالحــي ســوريا وأيــن اش ـراكيتهم التــي‬ ‫ُصعنــا بهــا أجيــاالً؟! ولألســف هلّــل أهــل‬ ‫الجزيــرة الســورية بخطــة بشــار األســد لســحب‬ ‫املــاء مــن نهــر دجلــة ومــا هــو إال مــروع‬ ‫آخــر لرسقــات أكــر‪ .‬أبطالهــا هــذه املــرة ابــن‬ ‫خالــه (رامــي مخلــوف) ومبشــاركة إيرانيــة هــذا‬ ‫مــا كان رسب قبيــل بدايــة الثــورة‪.‬‬


‫حرمل االقتصاد‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫د‪ .‬محمد حاج بكري‬

‫‪7‬‬

‫احلري��ة االقتصادي��ة واخت�لال النظ��ام يؤدي��ان إىل حكوم��ة دولي��ة‬

‫«الذهــب واملــال الوســيلة الرئيســة‪،‬‬ ‫الســيطرة عــى الصحافــة ووســائل اإلعــام‬ ‫هــي القــوة العظمــى‪ ،‬يجــب أن يكــون‬ ‫اإلداريــون أشــخاصاً غــر مدربــن عــى الحكــم‬ ‫ليكونــوا قطــع شــطرنج بأيدينــا»‪.‬‬ ‫مــ َّر االقتصــاد الســوري مبراحــل متعــددة‬ ‫بعهــد األســد فبدايــة بــدأ منــوذج الرشاكــة‬ ‫(التحاصــص) وتشــكلت الرتويكــة مــن صائــب‬ ‫نحــاس وعثــان العائــدي وعبــد الرحمــن‬ ‫العطــار‪ ،‬وانحــرت فــرص ال ـراء بــن نخبــة‬ ‫الجيــش واألمــن والقيــادة السياســية يف الفــرة‬ ‫األوىل‪ ،‬ثــم توســعت لتشــمل عــددا ً أكــر مــن‬ ‫املنتفعــن‪ ،‬وكانــت كل مرحلــة ترتافــق مــع‬ ‫عمليــة تحريــر ولربلــة جزئيتــن لالقتصــاد‬ ‫الســوري يفتحــان مجــاالت إضافيــة لالســتثامر‬ ‫والربــح‪ ،‬وكان الهــدف األســايس منــذ البدايــة‬ ‫تقويــض هامــش املنــاورة عنــد أصحــاب‬ ‫املــال يك ال يك ّونــوا اســتقاللية عــن األســد قــد‬ ‫تســتخدم يف وقــت مــا لفــرض رأيهــم كــركاء‬ ‫يف القــرار الســيايس واالقتصــادي أو التفكــر‬ ‫بتغيــر الســلطة الحاكمــة‪.‬‬ ‫منــذ منتصــف التســعينات بــدأت هــذه‬ ‫الشــبكات بالضعــف بعــد انحــدار معــدالت‬ ‫النمــو االقتصــادي وتراجــع املســتوى املعيــي‪،‬‬ ‫لذلــك قــرر األســد إنتــاج شــبكة جديــدة‬ ‫أضيــق مــن ســابقاتها ومحصــورة برشكائهــا‪،‬‬ ‫واســتمر هــذا الوضــع حتــى اســتالم بشــار‬ ‫الحكــم وإحــكام قبضتــه نهائيــاً عــى‬ ‫الســلطة وإقصــاء الحــرس القديــم‪ ،‬ورشكائــه‬ ‫االقتصاديــن‪ ،‬وكل مــن مل يخضــع للمعادلــة‬ ‫الجديــدة‪ ،‬وبــرز إىل الســاحة رامــي مخلــوف‬ ‫وشــاليش ورشكائهــم الذيــن أحكمــوا قبضتهــم‬ ‫عــى االقتصــاد الســوري بحيــث عندمــا كان‬ ‫صنــاع الق ـرار يخــرون بــن إحــكام الســيطرة‬ ‫عــى الســلطة‪ ،‬وبــن اتخــاذ ق ـرارات تنمويــة‬ ‫للنهــوض بالوطــن واملواطــن كانــوا يختــارون‬ ‫الســلطة‪ ،‬واســتتبع ذلــك اهــراء تدريجــي‬ ‫للمؤسســات االقتصاديــة حتــى أضحــى الــوالء‬ ‫الســيايس هــو املعيــار الوحيــد للموظــف‬ ‫املعنــي بــأي شــأن مــا أدى إىل اســتفحال‬ ‫الفســاد مــن رأس الهــرم إىل األدىن بشــكل غــر‬ ‫مســبوق‪.‬‬ ‫وهنــا نبــن ملحــة بســيطة عــن آل األســد‬ ‫وعالقتهــم باملــال‪ ،‬فقــد بــدأ انتــاج النفــط‬ ‫يف ســورية عــام ‪ 1968‬ومل يعــرف أحــد‬ ‫أيــن ذهبــت عائــدات النفــط مــن عــام‬ ‫‪ 1970‬وحتــى عــام ‪ 2001‬فحافــظ األســد مل‬ ‫يدخــل قيمــة النفــط املبــاع إىل الخزينــة أو‬ ‫إىل املوازنــة العامــة‪ ،‬بــل إىل جيــوب عائلــة‬ ‫األســد‪ .‬يف عــام ‪ 1980‬أسســت رشكــة الف ـرات‬ ‫للنفــط وكانــت حصــة ســورية ‪ 65%‬وحصــة‬ ‫الــركات األجنبيــة ‪ 35%‬ترأســها رشكــة (شــل)‬ ‫الهولنديــة‪ ،‬ووكيلهــا محمــد مخلــوف يف‬ ‫ســورية‪ ،‬وأسســت يف عــام ‪ 1980‬أيضــا رشكــة‬ ‫نفــط اســمها (ليــدز) مقرهــا يف دمشــق‪ ،‬وهي‬ ‫مناصفــة بــن محمــد مخلــوف وقريبــه ن ـزار‬ ‫أســعد‪ ،‬وتــم الحقــاً ســحب عقــود معظــم‬ ‫الــركات النفطيــة مثــل (توتــال) الفرنســية‪،‬‬ ‫وتوقيــع العقــود حـرا ً مــع رشكــة (برتوكنــدا)‬ ‫ألن وكيلهــا الحــري رامــي مخلــوف‪.‬‬ ‫مــن عــام ‪ 1995‬وحتــى عــام ‪ 2004‬بلــغ إنتــاج‬ ‫النفــط ذروتــه بـــ ‪ 600000‬برميــل يومي ـاً أي‬ ‫ثلــث إنتــاج الكويــت (نــرة األكونوميســت‬ ‫انتاليجانــس بونــت)‪ ،‬وهــذه الكميــة غــر‬ ‫مســجلة يف منظمــة أوبــك يك ال تتــم مالحقــة‬ ‫الكميــات واألســعار‪ ،‬وألن النفــط الســوري‬ ‫يبــاع يف الســوق الســوداء بأقــل مــن ســعره‬ ‫الحقيقــي بــرط الدفــع مقدمــاً بالــدوالر‪،‬‬ ‫وهــذا ال يدخــل امليزانيــة إطالقــا‪ ،‬يف عــام‬ ‫‪ 2001‬قــرر بشــار األســد يف ظــل كذبــة مســرة‬ ‫التحديــث والتطويــر والشــفافية إدخــال قســم‬

‫مــن النفــط املبــاع يف امليزانيــة العامــة للدولــة‪،‬‬ ‫لكــن ذلــك تــم تطبيقــه بشــكل صــوري‪،‬‬ ‫والنهــب والرسقــة ال زاال قامئــن يف صنــدوق‬ ‫األســد ورامــي مخلــوف‪.‬‬ ‫يف عــام ‪ 2004‬وبعــد عرشيــن عامـاً مــن ضــخ‬ ‫رصحــت الحكومــة‬ ‫‪ 600000‬برميــل يوميــاً ّ‬ ‫الســورية بتدهــور كميــة النفــط الســوري‪ ،‬ومل‬ ‫تعــد األرقــام تعكــس الواقــع رغــم أن التقاريــر‬ ‫تبــر مبســتقبل نفطــي واعــد يف ســورية وفــق‬ ‫رشكات عامليــة‪ ،‬والســبب يف ذلــك أن رشكــة‬ ‫رامــي مخلــوف (غالــف ســاندس برتوليــوم)‬ ‫الربيطانيــة دخلــت عــى خــط النهــب للنفــط‬ ‫الســوري‪ ،‬وتــم إبعــاد نــزار أســعد رشيــك‬

‫النفــط مــن املوازنــة العامــة لــرك الســاحة‬ ‫فارغــة لرامــي مخلــوف ورشكتــه (دجلــة‬ ‫للنفــط)‪.‬‬ ‫يف نفــس العــام كانــت املوازنــة العامــة ‪754‬‬ ‫مليــار لــرة أي ‪ 15.08‬مليــار دوالر وإنتــاج‬ ‫النفــط ‪ 128‬مليــون برميــل ســنويا بواقــع ‪350‬‬ ‫ألــف برميــل يوميــاً وســعر الربميــل ‪110$‬‬ ‫حصــة الســوريني ‪ 71.05$‬للربميــل الواحــد‬ ‫بعــد اســتبعاد حصــة آل مخلــوف وبالحســاب‬ ‫‪128‬مليــون×‪ 9.1 =71.05‬مليــار دوالر‬ ‫باإلضافــة إىل غــاز ‪ 8.76‬مليــار مــر مكعــب‬ ‫قيمتهــا ‪ 2.6‬مليــار أي أن مجمــوع إيــرادات‬ ‫النفــط والغــاز ‪ 11.7=9.1+2.6‬مليــار دوالر‪،‬‬

‫التنميــة نهائي ـاً‪.‬‬ ‫فاملعيــار األول هــو الــوالء فقــط وأصبحــت‬ ‫ثنائيــة الفســاد والســلطة الحاكمــة وثيقــة‬ ‫العــرى وااللتصــاق واملجتمــع الســوري كلــه‬ ‫مــدان‪ ،‬وتحــت هيمنــة األجهــزة األمنيــة‬ ‫املراقبــة لــكل صغــرة وكبــرة يف حيــاة‬ ‫املجتمــع ليــزداد خضوعـاً وتبعيــة آلل األســد‪.‬‬ ‫كان ال بــد الكتــال املشــهد بســوريا مــن‬ ‫الســيطرة عــى اإلعــام بأنواعــه املــريئ‬ ‫واملســموع واملقــروء مــن خــال فلســفة‬ ‫تحددهــا منظومــة األســد وشــبكات فســاده‪،‬‬ ‫حيــث يقــوم صنــدوق اإلعــام يف هــذا املقــام‬ ‫كأهــم أدوات التمكــن لهــذه القــوى‪ ،‬التــي‬

‫العائلــة الســابق يف ظــل غيــاب أي رقابــة عــى‬ ‫النفــط ألنهــا غــر مســجلة يف منظمــة أوبــك‪.‬‬ ‫يف عــام ‪ 2004‬كانــت املوازنــة العامــة للدولــة‬ ‫تســاوي ‪ /460/‬مليــار لــرة أي ‪ /9.2/‬مليــار‬ ‫دوالر وإنتــاج النفــط ‪ /219/‬مليــون برميــل‬ ‫ســنوياً أي ‪ /600/‬ألــف برميــل يومي ـاً وســعر‬ ‫برميــل النفــط وقتهــا ‪ /50$/‬وبعــد دفــع‬ ‫حصــة الــركات األجنبيــة ‪ /35%/‬وهــي‬ ‫رشكات آل مخلــوف يبقــى صــايف عائــدات‬ ‫ســورية للربميــل الواحــد ‪ /32.5$/‬وحســابياً‬ ‫‪ 219‬مليــون برميــل×‪ 7.1 =32.5‬مليــار دوالر‬ ‫مل تدخــل يف خزينــة الحكومــة ولــك أن تعــد‬ ‫ســنوات وســنوات مــن هــذا النهــب‪.‬‬ ‫مثــال آخــر يف عــام ‪ 2006‬املوازنــة العامــة‬ ‫‪ 495‬مليــار لــرة أي ‪ 9.9‬مليــار دوالر‪ ،‬وإنتــاج‬ ‫النفــط ‪ 155‬مليــون برميــل ســنوياً‪ ،‬أي مبعــدل‬ ‫‪ 424‬ألــف برميــل يوميــاً حســب ترصيحهــم‬ ‫ووثائقهــم‪ ،‬أي أننــا صدقناهــم فرض ـاً وســعر‬ ‫النفــط العاملــي للربميــل ‪ 75$‬أي أن حصــة‬ ‫ســورية بعــد حســم نســبة رشكات آل‬ ‫مخلــوف ‪ 48.75$‬للربميــل وبحســاب بســيط‬ ‫‪155‬مليــون×‪ 7.556= 48.75‬مليــار دوالر‬ ‫باإلضافــة إىل أن ســورية تنتــج ‪ 8.76‬مليــار‬ ‫مــر مكعــب مــن الغــاز الحــر ســنويا أي ‪24‬‬ ‫مليــون مــر مكعــب يوميــا قيمتهــا ‪8.76‬‬ ‫مليــار×‪ 2.6 = 0.3‬مليــار دوالر ســنوياً أي أن‬ ‫املجمــوع ‪ 10.165 = 7.556+2.6‬مليــار دوالر‬ ‫مقابــل ميزانيــة ‪ 9.9‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫يف عــام ‪ 2010‬صــدرت أوامــر بشــار بإخــراج‬

‫فأيــن ذهبــت‪ ،‬ويف أي بنــك أودعــت هــذه‬ ‫األمــوال؟!‪.‬‬ ‫يف عــام ‪ 2011‬وقبــل انطــاق ثورتنــا املباركــة‬ ‫كانــت املوازنــة العامــة ‪ 835‬مليــار لــرة أي‬ ‫‪ 16.7‬مليــار دوالر وانتــاج النفــط ‪ 141‬مليــون‬ ‫برميــل أي ‪ 387‬ألــف برميــل يوميــاً‪ ،‬حصــة‬ ‫ســورية بعــد اســتبعاد حصــة آل مخلــوف ‪141‬‬ ‫مليــون×‪ 10 = 71.05‬مليــار دوالر باإلضافــة‬ ‫إىل غــاز ‪ 11.3‬مليــار مــر مكعــب قيمتهــا‬ ‫‪ 3.4 = 0.3×11.3‬مليــار دوالر أي أن مجمــوع‬ ‫اإليــرادات = ‪ 13.4‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫وهكــذا نــرى إحــكام قبضــة آل األســد عــى‬ ‫مفاصــل املــال واالقتصــاد يف ســورية باإلضافــة‬ ‫إىل مئــات الــركات والتعهــدات التــي قادتهــا‬ ‫مافيــا الســلطة لتشــيع بالبــاد طــوالً وعرض ـاً‬ ‫فســادا ً مل يعــرف لــه العــامل مثيـاً‪ ،‬وكان ال بــد‬ ‫لهــذا الفســاد مــن مجموعــة مــن املوظفــن‬ ‫الحريصــن عــى اســتمرار وبقــاء الحكــم‬ ‫الرتباطــه مبصالحهــم الشــخصية‪ ،‬فقــد أصبحوا‬ ‫جــزءا ً منــه‪ ،‬وأصبــح جــزءا ً منهــم‪ ،‬فتــم تعيــن‬ ‫جيــوش مــن املوظفــن غــر املؤهلــن وغــر‬ ‫األكفــاء ليشــغلوا مناصــب تــم إيجادهــا قـرا ً‬ ‫ضمــن تســميات متعــددة لرتتفــع تكلفــة‬ ‫هــذه العاملــة مــع تــدين إنتاجيتهــا وعــدم‬ ‫وضــوح أهــداف عملهــا يف ظــل غيــاب معايــر‬ ‫تقييــم األداء إىل جانــب تعقــد اإلجــراءات‬ ‫دون ســبب حقيقــي‪ ،‬وإهــدار حــق الجامهــر‬ ‫يف إدارة الخدمــات والرقابــة لتضيــف قيمــة‬ ‫مضافــة إىل فســاد الســلطة ولتعطــل عمليــة‬

‫اجتمعــت مصالحهــا‪ ،‬ومكّنــت الســلطة‬ ‫وآليــات اســتبدادها من خــال صناعــة الصورة‬ ‫وصناعــة اإلرهــاب وتشــويه الرشفــاء وصناعــة‬ ‫التعبئــة ومجتمــع الفرجــة يف إطــار يســتغل‬ ‫التمكــن لعقليــة الشــعب ليصــل بالتدريــج‬ ‫إىل قناعــة بصناعــة االســتبداد الثقيلــة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫تكريــس مجتمــع الفســاد يف إطــار يقــوم عــى‬ ‫صناعــة كــرى تتولــد عنهــا وتتعلــق بصناعــة‬ ‫مجتمــع العبيــد‪ ،‬أي الســيد والعبــد إلحــكام‬ ‫العالقــة التــي تســمح بشــكل أو بآخــر بــإدارة‬ ‫العبيــد‪ ،‬مســتخدمة يف ذلــك مصانــع الكــذب‬ ‫التــي ميكــن أن تتطلــع بهــا ســاحات اإلعــام‬ ‫وأدواتــه وآلياتــه التــي تســتخدم يف إطــار‬ ‫الصــورة والــرىض والكــذب ومجتمــع اإلذعــان‪.‬‬ ‫مــن الــروري التأكيــد عــى أن هــذه البيئــة‬ ‫التــي صنعهــا اإلعــام لخدمة األســد يف ســورية‬ ‫مبــا تقدمــه مــن رســالة إعالميــة تســيطر‬ ‫عــى كافــة عنارصهــا مــن إرســال واســتقبال‬ ‫ومحتــوى وأدوات وأهــداف وغايــات‪ ،‬وأكــر‬ ‫املســاحات التــي يتعاظــم تأثــره فيهــا هــي‬ ‫مســاحة اإلرســال واملحتــوى والــذي يصنــع بــه‬ ‫املواقــف ويزيّــف بــه الحقائــق‪ ،‬ويقــدم كل‬ ‫مــا ميكــن لرضــاء كاذب أو هندســة اإلذعــان‬ ‫أو إحــكام دخــول النــاس إىل صنــدوق الخــوف‬ ‫والرتويــع‪ ،‬وهكــذا ظهــرت صــورة القائــد‬ ‫الخالــد امللهــم األســد األوحــد الــذي يهابــه‬ ‫الجميــع‪ ،‬وال يــرىض إال أن يكونــوا عبيــدا ً‬ ‫مطيعــن‪ ،‬يدخلــون عــن بكــرة أبيهــم بيــت‬ ‫الطاعــة‪ ،‬تحركهــم عنــارص الخــوف والتضليــل‪.‬‬

‫هــذا اإلعــام رســم ضمــن خريطــة تتعلــق‬ ‫باإلعــام الحكومــي الرســمي‪ ،‬واإلعــام غــر‬ ‫الحكومــي املحــدود جــدا ً‪ ،‬واملســيطر عليــه‬ ‫ملصلحــة اإلعــام الرســمي ليصــل مجتمعنــا‬ ‫إىل مرحلــة النفــاق األســطوري املتنافــس عــى‬ ‫رىض األســد أو إىل نظــرة مــن عينــه بالعطــف‬ ‫والرعايــة‪.‬‬ ‫يرتافــق معهــم إعالميــون ومثقفــون ومفكرون‬ ‫يقومــون بــدور ماســحي األحذيــة يجلســون‬ ‫القرفصــاء عنــد إقــدام ســيدهم يقومــون‬ ‫بــكل مــا مــن شــأنه تلميــع حذائــه‪ ،‬ينتظــرون‬ ‫منــه العطايــا والهبــات‪ ،‬مندفعــن إىل مرحلــة‬ ‫الهــوس يف إثبــات حالــة مــن الــوالء واالنتــاء‪،‬‬ ‫والعمــل عــى خدمتــه‪ ،‬وتوطيــد أركان حكمــه‬ ‫حتــى يكونــوا معــه‪ ،‬وضمــن جوقــة اســتبداده‬ ‫وشــبكات فســاده‪ ،‬هنــاك مجموعــة أخــرى‬ ‫مــن املثقفــن واإلعالميــن الذيــن قامــوا‬ ‫بــدور كلــب الحراســة لألســد‪ ،‬وذلــك بالنبــاح‬ ‫عــى كل مــن يقــرب مــن الهالــة القدســية‬ ‫لــه‪ ،‬وميارســون دور البلطجــة اإلعالميــة‪ ،‬وال‬ ‫بــأس بإهانــة كل معــارض أو شــبه معــارض‬ ‫مهــا كانــت مكانتــه ليشــكلوا مبجموعهــم‬ ‫فرقــة اغتيــال معنويــة لــكل مــن يجــرؤ عــى‬ ‫مخالفتــه أو التقليــل مــن شــأنه أو اتخــاذ‬ ‫مواقــف مضــادة ملامرســاته وسياســاته‪.‬‬ ‫هنــاك مجموعــة أخــرى مــن العلــاء‬ ‫واألكادمييــن كان لهــا دور هــو تربيــر كل مــا‬ ‫يتعلــق باألســد مــن خطابــات وسياســات‪،‬‬ ‫وهــؤالء املدعــن للحكمــة يلعبــون دور‬ ‫املفكريــن واملحللــن واملنظريــن اإلسـراتيجيني‬ ‫لفكــر هــذا األبلــه املعتــوه‪ ،‬ويجتمــع مــع‬ ‫هــؤالء عنــارص إعالميــة يــراوح عملهــا بــن‬ ‫صناعــة الكراهيــة مــع كل طريــق وصياغــة‬ ‫االتهامــات وفربكــة األخبــار‪ ،‬بينــا يقــوم‬ ‫بعــض منهــم بصناعــة التفاهــة يف إطــار لفــت‬ ‫األنظــار وصناعــة اإللهــاء واإلشــغال وتبديــل‬ ‫ســلم األولويــات للشــعب بنــر أخبــار تافهــة‬ ‫تكــون موضــع اهتــام النــاس لتمريــر أمــور‬ ‫تتعلــق بشــؤون عظيمــة وأمــور ميكــن أن تؤثر‬ ‫عــى مســتقبل البلــد الســيايس واالقتصــادي‪،‬‬ ‫كل هــذا يتــم ضمــن مصانــع الكــذب وورش‬ ‫التضليــل اإلعالمــي يف إطــار صناعــة العبــد‬ ‫وســيده‪ ،‬ويف هــذا الســياق يســتغلون كل‬ ‫مــا يتعلــق مبجتمــع الفرجــة والالمبــاالة‪،‬‬ ‫يهمشــون املواطــن ليصــل إىل متواليــة العبــد‬ ‫املطلــق‪ ،‬وبذلــك أصبحــت وســائل اإلعــام‬ ‫بأنواعهــا ال متثــل أطيــاف املجتمــع وال تعــر‬ ‫عــن مشــاكلهم وأوضاعهــم بصــورة فعليــة‪ ،‬وال‬ ‫متثــل إال وجهــة نظــر األســد‪ ،‬التي يتــم تقدميها‬ ‫عــى أنهــا حقائــق مطلقــة ال تقبــل الجــدل‪،‬‬ ‫فهــي الصــواب املعيــاري ومــا دونــه خطــأ أو‬ ‫تحامــل أو تآمــر‪ ،‬لذلــك كانــت وســائل اإلعــام‬ ‫لــدى األســد أحــد أهــم أدوات تكريــس القمــع‬ ‫والفســاد واالســتبداد وأهــم أســباب التخلــف‬ ‫الســيايس والجهــل الكبــر لــدى قطاعــات‬ ‫عريضــة مــن الشــعب‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫معبد الحسون‬ ‫اللجــوء أن تنتقــل مــن دائــرة الحــرب‪ ،‬وكل‬ ‫دوائــر االحتقــان املجتمعــي املنــذر باســتهداف‬ ‫النفــس واملــال والعــرض والحريــة والكرامــة‬ ‫الشــخصية‪ ،‬والتهديــد املؤكــد بــكل أنــواع‬ ‫األخطــار عــى الحيــاة الطبيعيــة إىل مــكان‬ ‫آخــر يوفــر لــك الحــد األدىن مــن األمــان‪..‬‬ ‫وإذا كان اللجــوء خيــارا ً إنســانياً طبيعيــاً‪،‬‬ ‫مثــل خيــار الهــروب مــن غابــة وحــوش بــات‬ ‫مؤكــدا ً أن املفرتســن املطارِديــن فيهــا عــى‬ ‫وشــك االنقضــاض‪ ،‬فــإن اضطــرار النــاس‬ ‫الالجئــن وقرسهــم عــى الطريــق والطريقــة‪،‬‬ ‫ومقايضتهــم وبيعهــم بالجملــة ضمــن صفقــات‬ ‫االرتباطــات الدوليــة‪ ،‬ينقــل معنــى ذلــك‬ ‫يصــح أن يُســمى إلجــا ًء‪..‬‬ ‫اللجــوء‪ ،‬بحيــث‬ ‫ُّ‬ ‫والفــارق أن اإللجــاء هــو اللجــوء نفســه‪،‬‬ ‫ولكــن بعــد أن فقــد طالبــه حــق تقريــر‬ ‫الوســائل ورشوط الضامنــات واختيــار املــكان‪،‬‬ ‫وأن يكــون لــه أي هامــش حريــة يف رشوط‬

‫راشد صطوف‬ ‫ومــن املعتقــد أن األســباب الثالثــة يف‬ ‫املقدمــة والعــرة األخــرى يف تفســر ظاهــرة‬ ‫التطــرف واألســباب األخــرة املذكــورة يف البنــد‬ ‫(‪ )11‬هــذا كفيلــة بتفســر مــا يجــري‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي ال يحوجنــا أبــدا ً إىل االتهامــات التــي‬ ‫ترتاشــقها األطــراف املتصارعــة مــن مثــل‬ ‫املؤامــرة الكونيــة والكفــر والخيانــة والعاملــة‬ ‫وهــي ال تفيــد يف الحقيقــة يف تفســر أي‬ ‫ظاهــرة مبــا يف ذلــك ظاهــرة داعــش وباعتبــار‬ ‫هــذه األخــرة ضلعــاً يف الثالثيــة‪ .‬الســلطة ‪-‬‬ ‫داعــش ‪ -‬املعارضــة فإننــا ســنحاول فيــا يــأيت‬ ‫دحــض بعــض الحجــج والدالئــل التــي يقدمهــا‬ ‫املرتاشــقون بالتهــم‪ ،‬وبخاصــة ألن ظاهــرة‬ ‫داعــش كانــت وال تـزال محــل تجــاذب وتدافــع‬ ‫شــديدين ويف هــذا الســياق نقــول‪:‬‬ ‫‪ 1‬ال معنــى عــى االطــاق العتبــار قــادة‬‫التطــرف يف ســورية والعـراق ومــن بينهــم كــر‬ ‫مــن قــادة القاعــدة وداعــش عمــاء للســلطة‬ ‫يف ســوريا أو العــراق بذريعــة إخــاء ســبيل‬ ‫اإلســاميني يف ســياق الثــورة كــا ذكرنــا مــن‬ ‫قبــل‪ .‬وكل مــا يف األمــر أن الســلطة الســورية‪،‬‬ ‫ودعمتهــا بذلــك ســلطة املالــي‪ ،‬كانــت تريــد‬ ‫االلتفــاف عــى الثــورة الســلمية وطابعهــا‬ ‫الوطنــي عــر أبلســتها وتطييفهــا وإضفــاء‬ ‫الطابــع املتطــرف واملعــومل عليهــا لكســب‬ ‫الــرأي العــام العاملــي واالقليمــي والعــريب‬ ‫واملحــي وكانــت تعــرف جيــدا ً أن االســاميني‬ ‫يف ســجونها والعائديــن مــن القتــال يف الع ـراق‬ ‫وبلــدان أخــرى وآالف غريهــم مــن شــتى بقــاع‬ ‫العــامل ميكــن أن يكونــوا األداة املطلوبــة‪ .‬مــن‬ ‫جهــة أخــرى كان عتــاة اإلســاميني املخــى‬ ‫ســبيلهم وأولئــك القادمــون مــن الخــارج‬ ‫مســتعدين كل االســتعداد وجاهزيــن بطبعهــم‬ ‫وانطالقــاً مــن عقيدتهــم وتاريخهــم القتــايل‬ ‫للذهــاب بالثــورة إىل مذهبهــم الخــاص بــكل‬ ‫طيبــة خاطــر وهــذا مــا حصــل بالفعــل‪.‬‬ ‫ولكــن هــذا ال يعنــي بــأي حــال مــن األحــوال‬ ‫بــأن االســاميني املتطرفــن عمــاء للســلطة أو‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫السوريون‪ ..‬بني اللجوء واإلجلاء‬ ‫لجوئــه أو امتــاك ظــروف اللجــوء‪ ..‬اإللجــاء‬ ‫إذن هــو الهــروب مــن ســجنٍ إىل باحتــه أو‬ ‫إىل زنازينــه األوســع‪ ،‬واألرحــب مكانــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫ال باختيــار الســجني‪ ،‬بــل بتوجيــه الســجانني‬ ‫وإدارة الســجن‪.‬‬ ‫جديــ ٌر بنــا أن نفكــر بالطريقــة التاليــة‪ :‬إذا‬ ‫كانــت املفوضيــة األوربيــة لالجئــن‪ ،‬واالتحــاد‬ ‫االوريب الــذي تعاهــد عــى إيــواء حصــة برشيــة‬ ‫مــن الفاريــن مــن جحيــم الحــرب‪ ،‬ومنحهــم‬ ‫بعــض التســهيالت والضامنــات يف العيــش‪:‬‬ ‫راتــب إعاشــة‪ ،‬رعايــة صحيــة وتعليميــة‪ ،‬وغــر‬ ‫ذلــك‪ ..‬فضــاً عــن أن الســوري ال يصــل إىل‬ ‫أوروبــا إنســاناً‪ ،‬بــل مــادة خــام تشــبه الطــن‬ ‫الــذي ت َ َخلَّــق منــه‪ ،‬وقــد ُج ـ ِّر َد مــن كل قــواه‬ ‫وإرادتــه ورشوط بقائــه اإلنســاين‪ ،‬وأصبــح‬ ‫(شــيئاً) جاهـزا ً لــي ميتثــل ويندمــج ويتامهــى‬ ‫وينحــل يف الوضــع الجديــد الــذي اضطُــ َّر أن‬ ‫َّ‬ ‫ينتقـ َـل إليــه‪ .‬ولقــد كان بإمكان االتحــاد األوريب‬ ‫أن يُ َقـ ِّد َم نفــس هــذه الهِبــات الكرميــة لالجئــن‬

‫الســوريني وهــم عــى األرايض الرتكيــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫عــن طريــق ســفاراته وقنصلياتــه ومنظامتــه‬ ‫املدنيــة ومكاتــب مختصــة بهــذا الشــأن يســهل‬ ‫عليهــا أن ت ُديــ َر أمــ َر مســاعدة الالجــئ وهــو‬ ‫يف «أقجــي قلعــة» مثــاً‪ ،‬دون أن تضطــره إىل‬ ‫عنــاء الكــدح حتــى املــوت بغيــة الوصــول اىل‬ ‫أوســلو واســتوكهومل‪ ..‬فالســوري مكــر ٌه ومضطـ ٌر‬ ‫ـب كل احتــاالت املــوت يف هــذا الســفر‬ ‫أن يركـ َ‬ ‫األســطوري لتأمــن لقمــة عيـ ٍ‬ ‫ـش ال أكــر‪ ،‬حتــى‬ ‫لــو كانــت هــذه املنحــة اإلنســانية الكرميــة‬ ‫مرشوطــة بــأن يتســلَّمها الســوري مــن بــاد‬ ‫قريبــة مــن مركــز الربغــي الــذي ميســك محــور‬ ‫الكــرة األرضيــة الشــايل‪ ،‬وبذلــك يكــون قــد‬ ‫حقــق لهــم ثالثــة أهــداف رئيســية عــى األقــل‪،‬‬ ‫و َج َعلَهــا ميســورة لهــم‪:‬‬ ‫ـ ســيكون قــد وفــر عليهــم عنــاء هــذه‬ ‫الرحــات الجحيميــة والعــذاب الــذي أودى‬ ‫بحيــاة الكثرييــن منهــم‪ ،‬وأدى بهــم إىل الهــاك‬ ‫يف الطريــق أثنــاء التنقــات‪..‬‬

‫ـ ســيوفر عليهــم كل املــال الــذي جمعــوه‬ ‫ِ‬ ‫بشـ ِّـق األنفــس‪ ،‬لدفعــه للمهربــن‪ ،‬ولتبذيــره يف‬ ‫ظــروف رحــات غــر مســبوقة الظــروف بهــذا‬ ‫الحجــم وهــذا العــدد‪..‬‬ ‫ـ لــو أقــدم االتحــاد األوريب عــى مثــل هكــذا‬ ‫خطــوة ملنــح الســوريني فرصــة مثينــة يف أن‬ ‫يظلــوا مالكــن لقضيتهــم الســورية‪ ،‬ومتابعــن‬ ‫لهــا عــى مقربــة مــن الحــدود الرتكيــة التــي‬ ‫ـح القــول فيهــا إنهــا متداخلــة مــع الداخــل‬ ‫يصـ ُّ‬ ‫الســوري إىل حــد التواصــل والتداخــل‪،‬‬ ‫واســتمرار تلــك التبادليــة التعويضيــة بــن‬ ‫ســوريي تركيــا املهجريــن وبــن أهليهــم يف‬ ‫داخــل الحــدود الســورية‪ ..‬أمــا وقــد أصبحــوا‬ ‫بعيديــن جــدا ً عــن أهلهــم وقضيتهــم إال‬ ‫كل‬ ‫باملعنــى الوجــداين والعاطفــي‪ ،‬وفقــدوا َّ‬ ‫أثــ ٍر وتأثــرٍ أن يكونــوا فاعلــن أو مؤثريــن يف‬ ‫قضيتهــم‪ ،‬فــإن األطــراف التــي اضطرتهــم إىل‬ ‫هــذا اإللجــاء هــي أط ـراف كانــت ذات قصـ ٍـد‬ ‫وهـ ٍ‬ ‫ـدف مــن ســحب الوطــن مــن بــن أيديهــم‪،‬‬

‫قراءة يف مقدمات الوضع الراهن ‪- 2-‬‬

‫أن األخــرة عميلــة لهــم بــل هــا عــى العكــس‬ ‫عــى طــريف نقيــض وهــذا مــا يعلمنــا إيــاه‬ ‫التاريــخ إذ يف الكثــر مــن األحــوال يكــون هناك‬ ‫تقاطــع موضوعــي بــن األعــداء التاريخيــن‬ ‫وحتــى بــن الخصــوم املبارشيــن مــا يوحــي‬ ‫بالتواطــؤ أو التحالــف الــذايت أو العاملــة أو‬ ‫أي شــيئ مــن هــذا القبيــل وبخاصــة عندمــا‬ ‫ينجــح الطرفــان أو أحدهــا بتحقيــق كل أو‬ ‫بعــض أهدافــه مــن هــذا التقاطــع وهــو مــا‬ ‫حصــل يف ســورية إىل حــد كبــر حتــى وقــت‬ ‫قريــب‪ .‬حيــث نجحــت الســلطة بطبــع الثــورة‬ ‫بالطابــع املتطــرف عــر األطــراف اإلســامية‬ ‫املذكــورة األمــر الــذي دفــع إىل اإلعتقــاد ‪ -‬وهو‬ ‫اعتقــاد خاطــئ‪ -‬مبفهــوم العاملــة وبخاصــة ألن‬ ‫داعــش قــد وجهــت رأس حربتهــا طيلــة شــهور‬ ‫إن مل نقــل أكــر ضــد الفصائــل املقاتلــة األخــرى‬ ‫متجاهلــة إىل إشــعار آخــر الســلطة الغاشــمة‪.‬‬ ‫ولكــن كان البــد مــن وقــوف الحقائــق عــى‬ ‫قدميهــا يف نهايــة املطــاف وانقــاب الســحر‬ ‫عــى الســاحر كــا حصــل يف أفغانســتان‬ ‫ســابقاً مــع أمريــكا والســعودية وباكســتان‬ ‫حيــث وجــدت الســلطة وداعــش نفســيهام يف‬ ‫املواجهــة مــن جديــد‪ .‬األمــر الــذي جعــل مــن‬ ‫النجــاح النســبي للســلطة يف أبلســة الثــورة‬ ‫واملراهنــة عــى قهرهــا وقهــر داعــش يف النهاية‬

‫بالتعــاون مــع املالــي يف العـراق وعــر تأهيلــه‬ ‫دوليــاً وإقليميــاً وعربيــاً ومحليــاً حديــث‬ ‫خرافــة يــاأم عمــرو‪ .‬ألن نجاحــه النســبي عــر‬ ‫التقاطــع املوضوعــي مــع داعــش وأمثالهــا يف‬ ‫أبلســة الثــورة ويف احتــال األطـراف التكفرييــة‬ ‫موقــع القــوة والصــدارة شــبه املطلقــة يف‬ ‫خنــدق املعارضــة مل يــؤد إىل اســتعادة تأهيلــه‬ ‫عــى الصعــد املذكــورة أعــاه وبــدالً مــن ذلــك‬ ‫فقــد دخــل منــذ بعــض الوقــت يف مواجهــة‬ ‫مــع عــدو رشس هــو داعــش والحق ـاً النــرة‬ ‫التــي تســتعد للحلــول محــل املذكــورة اذا‬ ‫تــم القضــاء عليهــا دوليــاً‪ .‬ويف كل األحــوال‬ ‫فــإن الســلطة اليــوم هــي أبعــد مــن أي يــوم‬ ‫مــى يف تحقيــق حلمهــا يف القضــاء عــى هــذا‬ ‫العــدو‪.‬‬ ‫إن التصــور الســلطوي امليكانيــي الســابق‬ ‫واملســتند يف جــزء منــه عــى الفوبيــا العامليــة‬ ‫مــن التطــرف اإلســامي أثبــت عــى الرغــم‬ ‫مــن منطقيتــه الصوريــة أنــه كان قامئــاً عــى‬ ‫ســوء تقديــر فــادح عمليـاً‪ ..‬األمــر الــذي وضعها‬ ‫وحلفاءهــا يف مــأزق ال تحمــد عقبــاه وبخاصــة‬ ‫ألن اســتعادة التأهيــل تحولــت إىل أضغــاث‬ ‫أحــام إن مل نقــل أكــر وبخاصــة عندمــا نســمع‬ ‫مــن بعــض الــدول صانعــة القــرار يف العــامل‬

‫محلة الرقة تذبح بصمت‬ ‫تف��وز باجلائ��زة الدولي��ة حلرية‬ ‫الصحاف��ة لعام ‪2015‬‬

‫واملنطقــة القــول يف اعتبــار اإلطاحــة بالســلطة‬ ‫األســدية رشط ـاً الزم ـاً ملواجهــة جديــة ناجحــة‬ ‫لإلرهــاب والتطــرف‪ ،‬كل أشــكال اإلرهــاب‬ ‫والتطــرف حتــى لــو مل يقــرن هــذا القــول‬ ‫بالفعــل‪.‬‬ ‫‪ 2‬ال معنــى كذلــك أيضــاً لالســتقواء بــراع‬‫داعــش وخليفتهــا الالحقــة املحتملــة النــرة‪.‬‬ ‫ضــد الفصائــل األخــرى باعتبــار ذلــك عاملــة‬ ‫للســلطة الســورية عــى الرغــم مــن أن هــذا‬ ‫ال ـراع يخدمهــا بالفعــل خدمــة كــرى لكنهــا‬ ‫غــر مضمونــة النتائــج وهــذا مــا حصــل فعـاً‪.‬‬ ‫والصحيــح أننــا لســنا هنــا بحاجــة إىل مفهــوم‬ ‫العاملــة عــى اإلطــاق‪ .‬ألن داعــش وأمثالهــا‬ ‫خــارج املفهــوم املذكــور كليــاً‪ .‬وعــى اعتبــار‬ ‫أنهــا ال تقــرن باملطلــق مبفاهيــم الوطــن‬ ‫والشــعب والثــورة والحريــة والدميقراطيــة‬ ‫والسياســة والحقــوق اإلنســانية غــر قــادرة‬ ‫عــى التعايــش إال مكرهــة مــع أي طــرف لــه‬ ‫عالقــة بهــذه املفاهيــم مدنيـاً كان أم عســكرياً‪.‬‬ ‫ولذلــك فــإن مــن املفهــوم متامــاً أن تعمــد ‪-‬‬ ‫حــن تتمكــن ‪ -‬إىل تصفيــة كل مــن ميــت بصلــة‬ ‫إىل املفاهيــم الســابقة‪ .‬ومــا يزيــد يف حــدة‬ ‫هــذا التوجــه التصفــوي كــون داعــش وأمثالهــا‬ ‫ال تقــر أبــدا ً بــأي وجــود صائــب خارجهــا‪ ،‬ألنهــا‬ ‫تحتكــر الحــق والصــواب واإلميــان واإلســام‪،‬‬ ‫وكل اآلخريــن كفــرة أو مرشكــون أو مرتــدون‬ ‫يجــب قتلهــم وتصفيتهــم رشعــاً‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫حصــل‪ .‬وعندئــذ فــإن مفاهيــم مثــل العاملــة‬ ‫والتصنيــع والتواطــؤ الــذايت واملوضوعــي‪ ،‬تتبخر‬ ‫يف أتــون الحقيقــة وال يبقــى لهــا مــن وجــود إال‬ ‫ذلــك الــذي تســبغه عليهــا الذهنيــة املتخلفــة‬ ‫القامئــة‪ ،‬كــا ذكرنــا عــى الثنائيــة املانويــة‬ ‫ونظريــة املؤامــرة واملنظــور الســلبي ملفهــوم‬ ‫الوطنيــة‪ ،‬والفائــدة العابــرة التــي يجنيهــا‬ ‫هــذا الطــرف أو ذاك مــن التقاطــع املوضوعــي‬ ‫ملصالحهــا‪.‬‬ ‫ليــس هــذا فحســب بــل بوســعنا الذهــاب إىل‬ ‫أبعــد مــن ذلــك بالقــول‪ :‬حتــى لو مل يكــن األمر‬ ‫كــا هــو الحــال فيــا يتعلــق بداعــش وأمثالهــا‬

‫وبالتــايل ســحب قضيتهــم كســوريني منهــم‪.‬‬ ‫ـح أن كل مالبســات هــذا اإللجــاء وهــذا‬ ‫صحيـ ٌ‬ ‫العنــف والقــر عــى الهجــرة قــد تــم ضمــن‬ ‫تفصيــات واتفاقيــات دوليــة‪ ،‬كان مــن عوائدها‬ ‫عــى الســوريني أن ال يُ َقـ ِّد َم اإلخــوة «األنصــار»‬ ‫إلخوتهــم «املهاجريــن» حتــى صندويشــة‬ ‫فالفــل لســد الرمــق‪ ،‬وأن يدفــع الســوري مــن‬ ‫مالــه الخــاص الــذي يتناقــص يوم ـاً بعــد يــوم‪،‬‬ ‫حتــى مثــن تذكــرة بــاص النقــل الداخــي وهــو‬ ‫عــى األرايض الرتكيــة‪ ،‬واألدهــى مــن ذلــك أن‬ ‫هولوكوســت التهجــر يتــم بصمــت وتواطــؤ‬ ‫جعــل مــن قضيــة الطفــل إيــان التي تكشــفت‬ ‫صورتــه للصحافــة بغتــة فيــا يشــبه الصدفــة‬ ‫القدريــة‪ ،‬إحــدى انفجاراتهــا التــي تحــدث‬ ‫يف ظــام التعتيــم‪ ،‬مــا أحــدث هــذا الزلــزال‬ ‫وفجــر فضيحــة إنســانية غــر مســبوقة‪ ..‬شــأنها‬ ‫شــأن كل مــا يجــري عــى األرض الســورية‬ ‫بوصفــه ســابقة إنســانية ال نظائــر لهــا يف كل‬ ‫التاريــخ‪.‬‬

‫ويف عالقتهــا بالفصائــل األخــرى وبالســلطة‪.‬‬ ‫وحتــى لــو كانــت كل الفصائــل غــر متناحــرة‪،‬‬ ‫بــل وحتــى لــو كانــت متقاربــة‪ ،‬فــإن التجربــة‬ ‫التاريخيــة تعلــم أنــه مــن أجــل املواجهــة‬ ‫اإلســراتيجية مــع العــدو ومــع الطــرف اآلخــر‬ ‫البــد للفصائــل املقاتلــة يف امللعــب اآلخــر أن‬ ‫تتحــد أو أن يصفــي بعضهــا بعضــاً وصــوالً‬ ‫إىل وحــدة إســراتيجية عســكرية وسياســية‬ ‫طوعـاً أو كرهـاً‪ .‬وذلــك يف مرحلــة مــن مراحــل‬ ‫ال ـراع إن مل يكــن منــذ بدئــه‪ .‬واألمثلــة عــى‬ ‫ذلــك كثــرة بــدءا ً مــن اليمــن الجنــويب يف‬ ‫املرحلــة األخــرة مــن رصاعــه مــع االســتعامر‬ ‫الربيطــاين وصــوالً إىل أفغانســتان نفســها‪ ،‬إن‬ ‫يكــن قبــل املواجهــة أو بعــد انتصارهــا مــرورا ً‬ ‫مبــا حصــل يف ســياق الحــرب األهليــة يف لبنــان‬ ‫يف بــروت الرشقيــة والجبــل يف متــوز مــن عــام‬ ‫‪1980‬حيــث أجــر بشــر الجميــل قائــد القــوات‬ ‫اللبنانيــة ســائر الفصائــل العســكرية املســيحية‬ ‫عــى االلتحــاق بــه لتوحيــد البندقيــة املســيحية‬ ‫وقــد ذهــب بعيــدا ً يف ذلــك إىل درجــة تصفيــة‬ ‫مــن رفــض‪ .‬وعــى رأســهم قائــد املــردة (طــوين‬ ‫فرنجيــة وعائلتــه) وقــد نجــح إىل حــد كبــر يف‬ ‫تحقيــق الوحــدة املطلوبــة‪ .‬ومثــل هــذا الفعــل‬ ‫حصــل يف التاريــخ وحصــل يف ســوريا وســوف‬ ‫يظــل يحصــل مــا دام هنــاك أوضــاع تســتدعي‬ ‫ذلــك‪ .‬حتــى ولــو كان يف حصولــه خدمــة كــرى‬ ‫موضوعي ـاً وواقعي ـاً للعــدو‪ ،‬للخصــم‪ ،‬للطــرف‬ ‫اآلخــر‪ ،‬ولكنهــا خدمــة حتــى إشــعار آخــر‬ ‫فقــط‪ .‬وهــي بهــذا املعنــى رضيبــة تاريخيــة‬ ‫تتقــدم ظرفي ـاً ويتــم تجاوزهــا الحق ـاً‪ ،‬يف زمــن‬ ‫يقــر أو يطــول حســب الظــروف التاريخيــة‬ ‫امللموســة‪ .‬ويف الغالــب تنعكــس إيجاب ـاً عــى‬ ‫الطــرف الــذي قــدم الرضيبــة‪ ،‬وســلباً عــى‬ ‫الــذي اســتفاد منهــا بشــكل عابــر‪ .‬ومــن هــذا‬ ‫املنطلــق التاريخــي نقــول‪ :‬إن مــا فعلتــه‬ ‫داعــش والنــرة وأمثالهــا ال يعــدو أبــدا ً أن‬ ‫يكــون تجســيدا ً للقاعــدة املذكــورة وال عالقــة‬ ‫لــه عــى اإلطــاق بالعاملــة أو أي يشء مــن‬ ‫هــذا القبيــل‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫الكتابة يف عصر اجلنون‬

‫* عاصف الخالدي‬ ‫أفكــر يف ســفينة الحمقــى التــي تســتمر يف‬ ‫اإلبحــار وال تتوقــف‪ ،‬وأفكــر يف (ميشــيل فوكــو)‬ ‫وهــو يقــوم بترشيحهــا يف حقبــة القرنــن الرابــع‬ ‫عــر والخامــس عــر‪ .‬وســفينة الحمقــى كناية‬ ‫عــن مركــب كانــت املــدن الفرنســية وغريهــا‬ ‫تقــوم بتحميلــه بالحمقــى الهامئــن أو املجانــن‬ ‫وباملجذومــن لتجمعهــم فيــه بعــد كنســهم‬ ‫مــن شــوارعها لدواعــي النظافــة‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫يحملهــم هــذا املركــب بعيــدا ً يف عــرض البحــر‪،‬‬ ‫فإمــا يظــل هامئ ـاً بهــم عــى وجــه املــاء حتــى‬ ‫يفنــى خشــبه ويفنــون‪ ،‬وإمــا يتــم إلقاؤهــم‬ ‫يف جــزر أو بــرا ٍر بعيــدة‪ ،‬يتــم إفالتهــم فيهــا‪،‬‬ ‫وتركهــم للمــوت يفرتســهم بطريقــة أو بأخــرى‪.‬‬ ‫أمــا املشــايف التــي بنيــت ألجــل هــؤالء عمومـاً‪،‬‬ ‫فقــد كانــت فارغــة منهــم تقريب ـاً‪ ،‬كان عزلهــم‬ ‫وإفناؤهــم حــاً مرضيــاً أكــر‪ ،‬أمــا الفائــدة‬ ‫األخــرى فكانــت تكمــن يف جمــع ثرواتهــم كــا‬ ‫فعــل حاكــا فرنســا لويــس وشــارل‪.‬‬ ‫مــن هــم حمقــى هــذا العــر؟‪ .‬هــل هــم‬ ‫السياســيون‪ ،‬أم رجــاالت الطائفيــة والحــرب‪،‬‬ ‫هــل هــم النــاس خاملــن كانــوا أو ثائريــن؟‪.‬‬ ‫أم هــم الكتــاب واملثقفــون؟‪ .‬لــو تطلعنــا إىل‬ ‫اإلنســان العــريب اليــوم مــن فــوق‪ ،‬مــن ارتفــاع‪،‬‬ ‫لــو نظرنــا إىل مدنــه النظيفــة املرتبــة أو تلــك‬ ‫التــي تــم هدمهــا‪ ،‬فصارت بــا مبنــى وال معنى‪.‬‬ ‫النتبهنــا إىل التناقــض الكبــر بــن جغرافيــات‬ ‫متقاربــة وصفــت عــر التاريــخ بوحــدة الحــال‬

‫العجيلي ‪ -‬ألمانيا‬ ‫أحمد ُ‬ ‫خالتــي أنجيــا‪ ...‬أو كــا ســمعت‬ ‫بعــض البــر ينادونــك قبــل أن تتــاىش‬ ‫أصواتهــم بــن أمــواج البحــر‪ ،‬أذكــر أنهم‬ ‫هتفــوا لــك ‪ :‬مامــا مــركل !‬ ‫ال أدري إنْ كانــت لغتــي مفهومــة‬ ‫لديكــم أنتــم معــر البــر‪ ،‬فأنــا مل‬ ‫أتجــاوز بعــد عامــي الثالــث يف عاملكــم‬ ‫هــذا‪ .‬وال تــزال لغتــي البرشيــة أشــبه‬ ‫بلغــة ذاك الالجــئ الــذي وطــئ أرضكــم‬ ‫فرح ـاً ال يتقــن أكــر مــن بضــع كلـ ٍ‬ ‫ـات‬ ‫تعــر عــن مــدى ســعادته مبــا تبثونــه‬ ‫ّ‬ ‫مــن حفــاوة وتكريــم‪.‬‬ ‫جئتكــم ضيفـاً حـ ّـل يف رحــم امــرأ ٍة هــي‬ ‫أساســاً كانــت ت ُعــ ّد نفســها وزوجهــا‬ ‫مجــرد ضيــوف داخــل رحــم أوســع‪،‬‬ ‫فهمــت مــن طريقــة كالمهــا أنّ اســمه‬ ‫كان يوم ـاً مــا «ســوريا»‪ُ .‬ســعدت كثــرا ً‬ ‫بإقامتــي بــن أولئــك البــر الذيــن‬ ‫عاملــوين وكأين قطعــ ٌة مــن أرواحهــم‬ ‫كانــت يومــاً مــا مضغــة زرعوهــا يك‬ ‫تكــر شــيئاً فشــيئا‪ ً،‬وأصبــح رجـاً آدميـاً‬ ‫يشــبههم ويناديهــم ‪ :‬بابــا ‪ ..‬مامــا‪.‬‬ ‫ال أدري كيــف خالجتهــم تلــك املشــاعر‪،‬‬ ‫وســعدوا بوجــودي‬ ‫رمبــا هــم أحبــوين ُ‬ ‫بينهــم‪ .‬فهــم حســب مــا فهمــت منهم مل‬ ‫يعتــادوا عــى هــذا النــوع مــن الضيــوف‬ ‫مــن قبــل‪ .‬كنــت أســرق الســمع ليـاً إىل‬ ‫نقاشــاتهم‪ ،‬وأحــاول ترجمــة كلامتهــم‬ ‫املرســومة عــى شــفاههم؛ كانــوا م ـرارا ً‬ ‫يشــكرون الــرب عــى هــذا الضيــف‬ ‫ـت عــى حـ ّد تعبريهــم مختلفاً‬ ‫(أنــا)‪ ،‬كنـ ُ‬ ‫عمــن ســبقني مــن الضيــوف‪ ،‬ســمعت‬ ‫كل األرمــن والرشكــس‬ ‫أين مختلــف عــن ّ‬ ‫والعراقيــن والكويتيــن واللبنانيــن‬ ‫والفلســطينيني ممــن ســبقوين إىل‬ ‫دارهــم‪ ،‬واســتضافوهم يف بيوتهــم‪ .‬رمبــا‬ ‫ألنهــم أدركــوا مبك ـرا ً حقيقــة ماهيتــي‬

‫‪9‬‬

‫يف اللغــة والديــن وإلــخ‪ .‬ال ميكــن اســتعراض‬ ‫تاريــخ طويــل اآلن‪ ،‬يكفــي النظــر إىل التفــكك‬ ‫القائــم‪ ،‬الــذي يشــكل حالــة غريبــة‪ ،‬تتمثــل يف‬ ‫هــذا االنقطــاع الكبــر عــن املــايض‪ ،‬والقطيعــة‬ ‫املرعبــة مــع حــارض يقــود إىل املســتقبل‪ .‬وال‬ ‫ميثــل التاريــخ الدينــي إن صــح التعبــر مــادة‬ ‫كافيــة ميكــن مــن خاللهــا توثيــق مــايض‬ ‫املنطقــة واالســتناد إليــه كوثيقــة وحيــدة أمنــت‬ ‫املــرور إىل الحــارض‪ .‬لكــن الــذي يحصــل اليــوم‬ ‫يناقــض هــذه الفكــرة‪ ،‬فقــد تــم تضمــن تاريــخ‬ ‫الــرق عموم ـاً يف محتــوى الديــن فقــط‪ ،‬بــل‪،‬‬ ‫وتــم اختـزال أصلــه العتيــق الضــارب يف جــذور‬ ‫األرض إىل ألفــي ســنة أخريتــن‪ .‬أمــا مــا ســبق‬ ‫أو لحــق هــذه املــدة‪ ،‬فإمــا تــم ربطــه بطريقــة‬ ‫أو بأخــرى ليجــد لــه الديــن مســاحة يحتجــزه‬ ‫فيهــا ويفــره مــن خاللهــا فقــط‪ ،‬وإمــا تــم‬ ‫نبــذه واعتبــاره مجــرد خرافــات أو خزعبــات‬ ‫يجــب التخلــص منهــا‪ .‬يحيلنــا هــذا إىل أنــه‬ ‫تــم اســتخدام الديــن وبــدءا ً مــن منتصــف‬ ‫القــرن املــايض تحديــدا ً‪ ،‬كأداة وحيــدة ومطلقــة‬ ‫لقيــاس تراكامتنــا وحضارتنــا تاريخيـاً‪ .‬أدى هــذا‬ ‫بطبيعــة الحــال إىل قــراءات جانبيــة مضــادة‬ ‫ومتعــددة لكتــب اللغــة واألدب العربيــة‬ ‫والتاريخيــة التــي كتبــت يف تلــك الفــرة‪ ،‬والتــي‬ ‫أظهــرت واقعـاً ثقافيـاً وإنســانياً مغايـرا ً ملــا نتــج‬ ‫مــن توثيقــات تاريخيــة يف إطــار دينــي تــر‬ ‫عــى أن التاريــخ العــريب مل يبــدأ مــن منظورهــا‬ ‫إال بعــد تعزيــز مكانــة الديــن نص ـاً ووضع ـاً‪.‬‬

‫تحيلنــا النصــوص الثقافيــة واألدبيــة والــراث‬ ‫اللغــوي واالجتامعــي (الــذي كان يتمثــل بكتــب‬ ‫الحــوادث والطرائــف وغريهــا) يف ذلــك الوقــت‬ ‫إىل محتــوى نــي غنــي يشــر إىل جــذور لغويــة‬ ‫عميقــة فيهــا مــن طاقــات التعبــر واملفاهيــم‬ ‫الحياتيــة والثقافيــة مــا يكفــي ليدلــل عــى‬ ‫وجــود عقــل عــريب إنســاين ذي قيمــة تراكميــة‬ ‫تكفــل لــه إمكانيــة االســتمرار والرتاكــم‬ ‫والتطــور‪ .‬عــدا عــن أن اللغــة العربيــة وحدهــا‬ ‫تتمثــل يف النصــوص كلغــة حضــارة قامئــة منــذ‬ ‫زمــن بعيــد‪ ،‬لغــة تحمــل الجــال والعمــق‬ ‫واملرونــة التــي متكنهــا مــن احتــواء أي مفهــوم‬ ‫أو فكــرة‪ ،‬حتــى إنهــا توضــح حداثتهــا وتفوقهــا‬ ‫يف ذلــك الوقــت‪ ،‬وكأنهــا ال ميكــن أن تتقــدم أو‬ ‫تتطــور ألكــر مــا وصلــت إليــه مــن عظمــة‪.‬‬ ‫ولعــل الشــعر العــريب القديــم خــر دليــل عــى‬ ‫تفــوق اللغــة‪ ،‬التــي باتــت اليــوم أهــم رمبــا مــن‬ ‫حامليهــا والقائلــن فيهــا‪ .‬غــر أن هــذا مل مينــع‬ ‫مــن اختفــاء أســاطري العــرب القدميــة‪ ،‬وال مــن‬ ‫تقليــل مــا أمكــن تقليلــه مــن نصــوص الشــعر‬ ‫العــريب القديــم‪ ،‬وتــرك الضــوء مســلطاً عــى‬ ‫األلفــن األخريتــن‪ ،‬وتقســيمهام بشــكل ســيايس‪،‬‬ ‫يقــرأ مــن خــال فــرات الخالفــة وتبدالتهــا‬ ‫وأحوالهــا‪ ،‬حتــى يبــدو أن املحــرك األســايس‬ ‫للصعــود وتشــكيل البعــد املــدين والحضــاري‬ ‫هــو الديــن فقــط‪ ،‬فيــا تناقــض نصــوص تلــك‬ ‫الفــرة يف أغلبهــا هــذا التوجــه‪ ،‬كان للديــن دور‬ ‫أســايس يف تغيــر الشــكل القبــي‪ ،‬وتأســيس‬

‫ٌ‬ ‫رسالة من زائر‪...‬‬ ‫ـي عنهــم‪،‬‬ ‫املالئكيــة‪ ،‬وإن أخفيــت جناحـ ّ‬ ‫إال أنهــم رمبــا تبيّنــوا أين ال أتقــن لغتهــم‪،‬‬ ‫وأكاد أغــرد بينهــم بكلــات ال تقــوى‬ ‫ســوى املالئكــة عــى اإلتيــان مبثلهــا‪ .‬رمبــا‬ ‫ال أدري!‬ ‫ولكــن مــا أدريــه وأدركــه متامــاً‬ ‫ّ‬ ‫أنهــم كانــوا يشــبهونني إىل حـ ّد مــا‪ ،‬ومــا‬ ‫جعلنــي ُمتيقنــاً مــن مالئكيتهــم هــو‬ ‫براءتهــم التــي تشــبهنا يف عــوامل املالئكــة‬ ‫إىل ح ـ ّد مل ألحظــه بينكــم أنتــم معــر‬ ‫البــر طيلــة مــ ّدة إقامتــي بينكــم‪.‬‬ ‫تخيــي أنهــم لفــرط براءتهــم كانــوا‬ ‫كل يــوم إىل ســفارات‬ ‫يــرددون صبيحــة ّ‬ ‫دولكــم اآلمنــة‪ ،‬زوادتهــم الوحيــدة‬ ‫هــي األمــل يُعللــون أنفســهم بتحقيــق‬ ‫حلمهــم الرسمــدي بتوقيـعٍ مــن موظــف‬ ‫غــر مجــرى تخبطهــم يف هــذا التيــه‬ ‫يُ ّ‬ ‫كل ليل ـ ٍة كنــت‬ ‫الــذي ال نهايــة لــه؛ ويف ّ‬ ‫أتفحــص تلــك التغضنــات التــي أرهقــت‬ ‫جبــن مضيفــي الــذي كنــت أناديــه‬ ‫تحببــاً «بابــا»‪ ،‬أقــرأ يف تلــك التجاعيــد‬ ‫مــا خطتّه الســنون مــن عذابـ ٍ‬ ‫ـات وآالمٍ مل‬ ‫أفهــم منهــا ســوى كلمــة تــرددت كثــرا ً‬ ‫بــن تلــك التجاعيــد «األســد»‪.‬‬ ‫نعــم يــا ســيديت هــم ال يشــبهون‬ ‫عــامل البــر‪ ،‬ال ينتمــون إىل عاملكــم‪،‬‬ ‫أجدهــم لرباءتهــم أقــرب إلينــا معــر‬ ‫املالئكــة منكــم أنتــم البــر‪ ،‬فنحــن‬ ‫املالئكــة مل نتقــن الخــداع أو الكــذب‬ ‫أو القتــل‪ .‬نحــن منثّــل الــراءة النقيّــة‬ ‫التــي أبدعهــا الصانــع‪ ،‬فخلــت مــن‬ ‫كل شــائبة‪ ،‬وإال إنْ مل يكونــوا مالئكــة‬ ‫ّ‬ ‫فكيــف لهــم أن يُص ّدقــوا أنّ هــذا‬ ‫القــارب املطاطــي ميكــن أن يطــر بهــم‬ ‫إىل جنتــك املوعــودة‪ ،‬وهــم يعرفــون‬ ‫متامــاً أنــك ال متلكــن أجنحــ ًة لنقلهــم‪،‬‬ ‫فخالــوا أنفســهم مالئكــة ميكــن أن تطــر‬ ‫فيــا لــو حــاك القــدر لقاربهــم التعيــس‬ ‫مصــر أقرانــه مــن قبــل‪.‬‬

‫أيُعقــل أنّ برشيــاً ميكــن أن يُصــ ّدق‬ ‫أكاذيــب باقــي إخوتــه مــن البــر‪،‬‬ ‫وتنطــي عليــه دمــوع التامســيح التــي‬ ‫عــروا عــن‬ ‫يذرفونهــا حزنــاً عليــه‪ ،‬ل ُي ّ‬ ‫عجزهــم أمــام ذاك الوحــش الهائــج‬ ‫الــذي يقتــل مــا يتســنى لــه مــن‬ ‫الســوريني أنــاء الليــل وأطـراف النهــار؟!‬ ‫أيُعقــل أن يُصــ ّدق «بابــا» أال نهايــة‬ ‫لعذاباتــه ســوى الهــروب نحــو الهاوية؟!‬ ‫مل أدر ماهيــة شــعوره وهــو يــرى‬ ‫خليلتــه يتقاذفهــا مــوج البحــر وهــي‬ ‫حــارسة الــرأس‪ ،‬هــؤالء البــر لديهــم‬ ‫حســابات حتــى يف مثــل هــذه املواقــف‪.‬‬ ‫كــا أننــي ال أعــرف ملــاذا راح يــذرف‬ ‫الدمــوع‪ ،‬وهــو يــرى تلــك املوجــة‬ ‫وقــد حملتنــي عــى كفّهــا بــكل تــؤد ٍة‬ ‫لتوســدين رمــال الشــاطئ الوثــر؟!‬ ‫ّ‬ ‫ســمعت ممــن حملــوين أنهــم يبكــون‬ ‫ألنّ املــوت قــد غ ّيبنــي! يف الحقيقــة‬ ‫كنــت مذهــوالً مــن ر ّدة فعلهــم‪ ،‬فأنــا‬ ‫مل أفهــم بعــد هــذه الكلمــة‪ ،‬أو رمبــا‬ ‫مخــزون املفــردات التــي حفظتهــا مــن‬ ‫لغتكــم أنتــم البــر مل يتضمــن هــذه‬ ‫املفــردة‪ .‬حزنــت ألين ســأترك ُمضيفــي‬ ‫حريانــاً ال يلــوي عــى يشء‪ ،‬يتحــ ّرق‬ ‫لرؤيتــي‪ ،‬وأنــا املســافر الــذي ال ب ـ ّد لــه‬ ‫أن يعــود مــن رحلتــه إىل ذاك العــامل‬ ‫الــذي ال تعرفــون عنــه شــيئاً‪ .‬إال أننــي‬ ‫أدركــت مــن خــال مــا تناقلــوه مــن‬ ‫أحاديــث عــن ماهيــة املــوت الــذي‬ ‫رسي منهــم‬ ‫يقصــدون؛ فضحكــت يف ّ‬ ‫وعليهــم شــفقةً‪ .‬فهــم ال يعرفــون أننــا‬ ‫نحــن معــر املالئكــة ال منــوت‪ ،‬وإمنــا‬ ‫أنتــم مــن متــوت أرواحكــم ومــن قبلهــا‬ ‫ضامئركــم‪ .‬أعتــذر عــى اإلطالــة‪ ،‬قــد‬ ‫أكــون ألهيتكــم عــن الحــزن عىل مــويت‪...‬‬ ‫أنــا غيــان أو إيــان أو اســم اخرتمتــوه‬ ‫أنتــم البــر ملــاك كان ضيفــاً لديكــم‬ ‫يومــاً مــا‪.‬‬

‫شــكل جديــد‪ .‬تــم ربــط كل أمجــاد املــايض‬ ‫بــه فيــا بعــد‪ ،‬وكأن التاريــخ العــريب بوقائعــه‬ ‫ونصوصــه كلهــا يقتــر عــى األلفــن األخريتــن‪.‬‬ ‫إن األخــذ بقيمــة األدب كشــاهد مــوا ٍز عــى‬ ‫أحــداث التاريــخ‪ ،‬واألخــذ بــه كأداة جامليــة‬ ‫ونقديــة تســجل التفاصيــل ولــو الصغــرة منهــا‪،‬‬ ‫إضافــة لكونــه يعطــي تصــورا ً عــن الرتاكــم‬ ‫الحضــاري يف أي بقعــة جغرافيــة يســكنها‬ ‫البــر‪ ،‬هــو أخــذ طبيعــي ورضوري يــؤدي بنــا‬ ‫إىل رؤيــة أوضــح وأكــر بنائيــة يف حــال كنــا‬ ‫ننظــر إليــه مــن مكاننــا الحــايل يف الحــارض‪ .‬لكن‬ ‫الــذي يحصــل اآلن‪ ،‬أننــا ننبــذ غالبيــة كبــرة‬ ‫مــن نصــوص األدب والعلــوم اإلنســانية‪ ،‬بــل‬ ‫ونخضعهــا ملقيــاس واحــد ال ميــت ملحتوياتهــا‬ ‫بصلــة‪ ،‬فهــي إمــا نصــوص محللــة أو محرمــة‪،‬‬ ‫وهــي باملجمــل نصــوص تابعــة غــر ذات‬ ‫أهميــة يف حضــور النــص املقــدس األوحــد!‪.‬‬ ‫ســفينة الحمقــى تعــود مــن بحــر التاريــخ‬ ‫لرتســو مــن جديــد عــى شــاطئ الحــارض‪ ،‬تــم‬ ‫اســتدعاؤها أخــرا ً‪ ،‬لتحمــل أولئــك الخارجــن‬ ‫عــن حــدود املجتمــع وإطــار النــص إن صــح‬ ‫التعبــر‪ ،‬ولتحمــل الحمقــى الذيــن يحللــون‬ ‫ويكتبــون‪ ،‬إذ ال مــكان يف الحــارض لغــر‬ ‫اإلمــاءات الجاهــزة‪ ،‬لتحمــل املجذومــن‪،‬‬ ‫الذيــن يكتبــون عــن اإلنســانية ولهــا دون متييز‪.‬‬ ‫هــذا الزمــن‪ ،‬زمــن املاضويــة التــي تنــزع‬ ‫الحــارض‪ ،‬وتق ـ ّوس الزمــن‪ ،‬وتصنــف النــاس إىل‬ ‫كائنــات دينيــة وغــر دينيــة‪ ،‬أو كــا يقــال‬

‫كائنــات ملتزمــة وغــر ملتزمــة‪ ،‬مبقابــل مســوخ‬ ‫مجذومــة يتــم نفيهــا ألنهــا مصابــة بالثقافــة‬ ‫وكل مــا تحملــه مــن مفاهيــم تقــود إىل‬ ‫املســتقبل‪ .‬أعــود إىل املــدن املتجــاورة‪ ،‬مدينــة‬ ‫مدمــرة وأخــرى قامئــة‪ ،‬ويف املعنــى العميــق‬ ‫بعيــدا ً عــن الشــكل‪ ،‬كلتــا املدينتــن مدمرتــان‪،‬‬ ‫إن املبــاين الشــامخة والشــوارع النظيفــة كلهــا‬ ‫فارغــة وجاهــزة‪ ،‬الســتقبال مســتوردات العــامل‬ ‫العابــرة للقــارات‪ ،‬إمــا دمــار وإمــا معــانٍ بديلــة‬ ‫ال متثــل روح املــكان وال تاريخــه‪ ،‬يف قطيعــة‬ ‫مميــزة تحتمــي باملــايض‪ ،‬الــذي لــن يــرد النهاية‬ ‫املحتمــة التــي ال وضــوح فيهــا ألي مســتقبل‪ .‬إن‬ ‫اللغــة والديــن مــن مكونــات أي حضــارة‪ ،‬وهــا‬ ‫ذراعــان يحمــان البــر إىل أعــى‪ ،‬دون أي‬ ‫تزمــت أو غلــو يطغــى فيــا بينهــا‪ ،‬هــذا وال‬ ‫ننــى أن كالً منهــا ال ميكــن فهمــه أو ضــان‬ ‫اســتمراريته دون اآلخــر‪ .‬فــا الــذي نريــده‬ ‫اليــوم؟‪ .‬باســتدعائنا لســفينة ماضويــة‪ ،‬نتخلــص‬ ‫عــى متنهــا مــن حمولــة اللغــة والنــص‪ ،‬لنحمي‬ ‫نصـاً آخــر هــو فعليـاً ال يحتــاج إىل حاميــة‪ ،‬وال‬ ‫خطــر حقيقي ـاً يحيــق بهــا ســوى ذلــك الــذي‬ ‫نقــوم بــه نحــن‪ ،‬نقتــل النصــوص ومحتواهــا‬ ‫اإلنســاين واللغــوي والتاريخــي‪ ،‬ننفــي الكاتــب‬ ‫الخــارج عــن منظــور النــص الوحيــد‪ ،‬كأن‬ ‫رصخــة تــأيت مــن املــايض الســحيق‪ :‬توقفــوا عــن‬ ‫الكتابــة‪ .‬والتوقــف عــن الكتابــة كنايــة فقــط‬ ‫عــن املــوت‪.‬‬ ‫* روائي أردني‬

‫بوتني يلعب الروليت يف سورية‬

‫الشاوي الضليل‬

‫يبــدو أن ذهنيــة قــادة الكرملــن يف العــر‬ ‫الحديــث‪ ،‬منــذ بطــرس األكــر إىل هــذه اللحظــة‬ ‫واحــدة‪ ،‬ال تأخــذ بعــن االعتبــار‪ ،‬إال تحقيــق‬ ‫الحلــم االســراتيجي مبوطــئ قــدم يف حــوض‬ ‫امليــاه الدافئــة‪ ،‬دون تكييــف هــذا الحلــم مــن‬ ‫خــال معطيــات التاريــخ والجغرافيــا املتغــرة أو‬ ‫املتغـرات السياســية واالقتصاديــة يف عــامل العوملــة‬ ‫املعــارص‪.‬‬ ‫وألن األمريــكان ســبق وحققــوا نــرا ً عــى‬ ‫املنظومــة الســوفيتية (الروســية) عــر قدرتهم عىل‬ ‫فهــم آليــات التفكــر املقامــر عنــد الــروس‪ ،‬فقــد‬ ‫طــوروا اســراتجية لعبــة الشــطرنج الكــرى التــي‬ ‫وضــع أسســهها «بريجنســي» بحيــث تســتوعب‬ ‫اللعــب بشــكل متــوا ٍز مــع كل االحتــاالت‪،‬‬ ‫لذلــك نجــد أن واشــنطن قــد التقطــت املبــادرة‬ ‫الروســية إلنشــاء حلــف مــن النظــام وإيــران‬ ‫ورمبــا دول عربيــة أخــرى‪ ،‬ودعــوة تركيــا وحلفائها‬ ‫الســوريني «الظهــر األمريــي» ألن تكــون جــزءا ً‬ ‫منهــا‪ ،‬لذلــك وبعيــدا ً عــن أضــواء اإلعــام‪ ،‬مــررت‬ ‫أمريــكا قبولهــا بــدور للجيــش الــرويس يف محاربــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬تحــت مســمى حاميــة الحــل الســيايس‬ ‫كبديــل عــن الــدور اإليـراين بعــد اتفاقهــا النــووي‪،‬‬ ‫وبذلــك نجــد واشــنطن تشــجع هــذا االحتــال‬ ‫ألنــه مينحهــا الوقــت الــكايف للتفــرغ الســتحقاقات‬ ‫انتخابيــة‪ ،‬ومتــأ مــا تبقــى مــن وقــت املرحلــة‬ ‫األوىل مــن خطتهــا املعلنــة ملحاربــة اإلرهــاب يف‬ ‫العــراق وســورية‪.‬‬ ‫أعتقــد أن هــذا االحتــال ميكــن الركــون إليــه‬ ‫أمريكيــاً‪ ،‬ألن الجيــش الــرويس امل ُحــدث يجــب‬ ‫اختبــار قدراتــه وتقييمهــا يف معــارك حقيقيــة‪،‬‬ ‫ذات طبيعــة معقــدة تشــرك فيهــا كل أنــواع‬ ‫القتــال وفنونــه وخدعــه‪ ،‬يف منطقــة معقــدة‬ ‫يعتقــد الــروس أنهــم يعرفونهــا جيدا ً‪ ،‬عــر خربتهم‬ ‫وقدراتهــم املاديــة واللوجســتية‪ ،‬والتــي اكتســبوها‬ ‫عــر تواجدهــم عــى األرض الســورية منــذ أكــر‬ ‫مــن ســتني ســنة‪ ،‬مــا يؤهلهــم للعــب دور رأس‬

‫الحربــة القائــد‪ ،‬وهــذا ال يكلــف وال يضيــف‬ ‫بنــودا ً جديــدة عــى موازنــة التحالــف الــدويل‬ ‫ملحاربــة اإلرهــاب‪ ،‬ألن روســيا وبعــض الحلفــاء‬ ‫اإلقليميــن واملحليــن ســينفق عــى ذلــك‪ ،‬تحــت‬ ‫مســمى الدفــاع عــن املصالــح واألمــن القومــي‬ ‫االســراتيجي الــرويس‪ ،‬والدفــاع عــن دور رويس‬ ‫عاملــي وازن يليــق بطموحــات روســيا بوتــن‪.‬‬ ‫أعتقــد أن االمريــكان قــد اســتطاعوا تأهيــل‬ ‫الــروس للعــب الــدور‪ ،‬عــر الســنوات الســورية‬ ‫الخمــس املاضيــة‪ ،‬ووضعــوه أمــام خيــار القبــول‬ ‫مبامرســة لعبــة الروليــت الــرويس املفضلــة لــدى‬ ‫نخبتهــا السياســية عــر التاريــخ الحديــت لروســيا‪،‬‬ ‫وهــذا ســيجعل الــروس ميارســون الــدور بحامســة‬ ‫شــديدة‪ ،‬وهــذه الحامســة يف التنفيــذ تجعــل مــن‬ ‫واشــنطن وحلفائهــا الرابــح يف الحالتــن‪:‬‬ ‫‪ – 1‬يف حالــة نجــاح الــروس يف قيــادة تحالــف‬ ‫أريض وتحقيــق نــر عــى القــوى (الجهاديــة)‬ ‫وتلــك املناهضــة للحــل الســيايس‪ ،‬سيتقاســم‬ ‫الجميــع مثــار هــذا النــر‪ ،‬وســتكون روســيا‬ ‫مجــرد رشيــك مــع رشكاء محليــن وإقليميــن‬ ‫ودوليــن‪ ،‬يف الشــكل النهــايئ لخارطــة املصالــح يف‬ ‫الــرق األوســط الجديــد‪.‬‬ ‫‪ – 2‬يف حالــة الفشــل الــرويس‪ ،‬وهــذا هــو الراجــح‬ ‫والــذي يســعى األمريــكان لــه يف إغ ـراق الجيــش‬ ‫الــرويس يف املســتنقع الســوري‪ ،‬مــن خــال‬ ‫دعــم أطــراف وتشــكيالت عســكرية مناهضــة‬ ‫«لداعــش» وللنظــام عــر قــوى إقليميــة مؤثــرة‬ ‫يف الســاحة الســورية‪ ،‬وبالتــايل ســيقاتل الــروس‬ ‫عــى جبهتــن‪ ،‬وهــذا ســينهك الــروس وحلفاءهــم‬ ‫مــن جهــة أوىل‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى ســينهك‬ ‫القــوى األخــرى‪ ،‬مــا يتيــح لألمريــكان وحلفائهــم‬ ‫التدخــل تحــت إيهــام يبــدو كأنــه ضغــط مــن‬ ‫موســكو عــى واشــنطن مــن أجــل إيجــاد حلــول‬ ‫متنــع بوتــن مــن الضغــط عــى آخــر فرصــة يف‬ ‫زنــاد املســدس املســتخدم يف لعبــة الروليــت‬ ‫الــرويس‪ ،‬ألن مــن رشوطهــا مــوت أحــد الالعبــن‪.‬‬ ‫إن نجــاح األمريــكان بإنجــاح هــذا االحتــال‪،‬‬ ‫يؤكــد أن العنجهيــة الروســية مل تســتفد مــن‬ ‫دروس التاريــخ القريــب‪ ،‬درس كابــول أو غــروزين‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫ديمة محمود‬

‫يف الطريق تدحرجت إىل ســمعه همســاتُ‬ ‫أ ِّمــه وأخـ ِ‬ ‫ـت جدتــه‪ ،‬وقــد باعــت األم ســوارها‬ ‫الذهبــي لتظفــ َر‪ ،‬ولــو بنظــر ٍة لعينيهــا مــع‬ ‫حبيبهــا ووالـ ِـد طفليهــا الــذي ُغ ّيــب عــى حــن‬ ‫غفل ـ ٍة قبــل ســبع ســنني‪.‬‬ ‫ـس يف أذُن أ ّمــه‪« :‬رح‬ ‫تعــاود أخـ ُ‬ ‫ـت جدتــه الهمـ َ‬ ‫حســان إنــو صــار عنــدو صبــي!»‬ ‫يفــرح ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل مــ ّرة تبقــى الهمســات ومــا دونهــا‬ ‫يف ّ‬ ‫ً‬ ‫منقوشــة يف تلــك الــروح الخــراء‪ ،‬التــي ال‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ولجفــاف‬ ‫تــدرك مــا يحــدث حولهــا‪ .‬لكنهــا‬ ‫مــا يف نســيجها مل تــعِ ســببه حينهــا تبتلــ ُع‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫ٌ‬ ‫صديد جيثم يف الذاكرة‬

‫كل الهــام الــذي يحــوم حــول رأســه مــن هنــا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫وتستنشــق كــرات ال بــأس بهــا مــن‬ ‫وهنــاك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫البخــور املتطايــ ِر إليهــا حينــا تقضــ ُم نســا ُء‬ ‫العائلــة شــفا َههن يف جلســاتهن التــي يقضــن‬ ‫معظمهــا همسـاً‪ ،‬وتبتلـ ُع كل ال ّنهـرات املرتبكــة‬ ‫التــي تومــئ لــه باالنــراف مــن حولهــن‬ ‫خشــي َة التقــاط الهمــس‪ .‬لتظـ ّـل هــذه الــروح‬ ‫ـرواح‬ ‫ت ُتجــاذب مــا بــن االخـرار والجفــاف وتـ ُ‬ ‫بينهــا‪.‬‬ ‫ترتطـ ُم عينــاه باملــكان للحظــات‪ :‬املبنــى الكب ُري‬ ‫املثقّــب باألشــباح‪ ،‬وجــو ُم األشــخاص عنــد‬

‫بوابتــه ويف املمـرات وهيئتُهــم الغليظــة‪ ،‬ال يع ُري‬ ‫ـغل بــإرساع خطواتــه مــع‬ ‫اهتاممـاً لذلــك‪ ،‬ينشـ ُ‬ ‫خطــوات أ ِّمــه وأخـ ِ‬ ‫ـت جدتــه اللّتــن متســكان‬ ‫يديــه وأختَــه باتجــاه الغرفــة املنشــودة‪.‬‬ ‫ـي طويــل يدخــل معهــم غرفـ ًة تتّشــح‬ ‫بعــد مـ ٍ‬ ‫بالظلمــة واليبــاب‪ ،‬لتجـ ّر أ ُّمــه آالمهــا وتــذرف‬ ‫دمو َعهــا عندمــا يخربهــا املســؤول العتيـ ُد فيهــا‬ ‫أن زوجهــا ليــس موجــودا ً هنــا ألنــه انتقــل‬ ‫ملــكانٍ آخــر‪ ،‬فيعــودون أدراجهــم يعــ ّدون‬ ‫الخيبــات والســنني‪ ،‬وتقــي األم وأخــت الجــدة‬ ‫ويظــل األب والــزوج‬ ‫ّ‬ ‫طريقهــا باكيتــن‪،‬‬

‫مجهــول املصــر إىل األبــد‪.‬‬ ‫شــخص اليــوم ذاهــاً‬ ‫ُ‬ ‫ابــ ُن الســابعة أمــس يَ‬ ‫بعــد مثانيــة وعرشيــن عامــاً أمــام صــور ِة‬ ‫الغرفــة التــي دخلهــا طفــاً غريــرا ً ليــس لــه‬ ‫ذنــب إال أنــه ابــن رجــلٍ أطبقــت عــى جســده‬ ‫قضبــا ُن هــذا املــكان القمــيء‪..‬‬ ‫تلــك الغرفــة التــي طُبعــت تفاصيلُهــا املع ّممـ ُة‬ ‫بكثــرٍ مــن القبــح والفــزع واألمل يف ذاكرتــه‬ ‫ليصيــح بأعــى صوتــه‪ُ ،‬م ِ‬ ‫قســاً‬ ‫ووجدانــه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ومؤكــدا ً أنهــا الغرفــ ُة ذات ُهــا التــي شــهدت‬ ‫غــرق أ ّمــه يف دمو ِعهــا ويف انكســارها‪ ،‬وأنــه‬

‫ـكري ذو الطابقــن‬ ‫ينقصهــا فقــط الرسيـ ُر العسـ ّ‬ ‫مقابــل املكتــب لتكتمــل هيئتهــا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مــدرك‬ ‫يدخــل ابــ ُن الســابعة الغرفــ َة غــر‬ ‫ُ‬ ‫ـي للمــكان‪ ،‬لكــن مثّــة مــا ُحفــر‬ ‫للقُب ـ ِح األخالقـ ّ‬ ‫يف ذاتــه الطريّــة‪ ،‬وتــرب إليهــا واســتقر رغــم‬ ‫غموضــه‪.‬‬ ‫ـح املعجــون بانكســار أ ّمــه منطبع ـاً‬ ‫ظـ ّـل القُبـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫يف ذاكرتــه رغــم غضاضتهــا ورغــم قلــة إدراكــه‪،‬‬ ‫بــكل تفاصيــل‬ ‫وتكامــل ذلــك مــع إملامــه ِّ‬ ‫َ‬ ‫الصديــ ُد‬ ‫املــكان املاديــة‪ ،‬بــل رمبــا كان ذلــك ّ‬ ‫الثقيــل مــن مزيــج القُبــح واالنكســار هــو‬ ‫ُ‬ ‫الداعــي لبقــاء هــذه التفاصيــلِ يف ذاكرتــه‬ ‫مثانيــ ٍة وعرشيــن عامــاً‪.‬‬ ‫يظــل أمامنــا اآلن بجوهــره‬ ‫القبــح ُّ‬ ‫هــا هــو‬ ‫ُ‬ ‫موجــودا ً كــا هــو يف املــكان‪ ،‬ألنــه هــو‪ ..‬هــو‬ ‫منــذ أربعــن ســنة‪ :‬مل يغــره يشء‪ ،‬مــا حــدث‬ ‫فقــط هــو أنــه ظهــر للســطح بعــد أن كان‬ ‫يف القــاع‪ .‬وأن مــا غلفــه وحجبــه االســتبدا ُد‬ ‫والظلــم ع ـ ّراه وهشّ ــمه الزل ـزال الــذي يــرب‬ ‫جــذور الظلــم ذاتــه ويه ـ ّز أركانــه ويقصمــه‪..‬‬ ‫الغصات‬ ‫بيــد أنــه يخبــئ يف ثنايــاه طوفانـاً مــن ّ‬ ‫والذكريــات النابتــة مــن رحــم الدمــوع والفقــد‬ ‫والحرمــان الخالديــن‪.‬‬ ‫مالحظ��ة‪ :‬الصــورة املرفقــة للغرفــة ليســت‬ ‫تعبرييــة‪ ،‬بــل هــي عينهــا املذكــورة يف النــص‬

‫احلضور العسكري الروسي يف سوريا‬ ‫أحمد الرمح‬ ‫كثـرا ً مــا تحــدث النظــام وإعالمــه وأبواقــه‬ ‫حتــى صــدع رؤوســنا بالســيادة الوطنيــة؛ ليــرر‬ ‫تدمــر الوطــن وقتــل الشــعب للمحافظــة عــى‬ ‫الســيادة املزعومــة؟!‪.‬‬ ‫ولقــد أقنــع النظــام كثــرا ً املجتمــع الــدويل‬ ‫بــأن بقــاءه أفضــل الحلــول الســيئة حتــى‬ ‫التنهــار الدولــة وال يتفــكك الجيــش وال تحــدث‬ ‫عمليــات إبــادة لألقليــات يف حــال رحيلــه‬ ‫عســكرياً؟‪.‬‬ ‫والغــرب ال ميكــن أن يكــرر أخطــاءه يف العـراق؛‬ ‫وليــس مســتعدا ً أن يدخــل يف مغامــرة ســقوط‬ ‫النظــام؛ ولذلــك تجــده يتناغــم مــع هــذا‬ ‫الطــرح األســدي ويقبــل بــه كث ـرا ً؟!‪.‬‬ ‫ولكن‪:‬‬ ‫الســيادة الوطنيــة التــي يتشــدق بهــا النظــام؛‬ ‫تــم رهنهــا إليــران مقابــل الدعــم االقتصــادي‬ ‫وامليليشــاوي والســيايس حتــى غــدت ايــران‬ ‫(تتمتــع) بتلــك الســيادة وتســتفيد منهــا؛ ومل‬ ‫يعــد النظــام إال ميليشــيا مــن مليشــيات القتــل‬ ‫الكثــرة يف ســورية‪ ،‬حتــى فقــد تلــك الســيادة‪.‬‬ ‫كــا أ َّن حجــة النظــام باملحافظــة عــى الدولــة‬ ‫ومؤسســة الجيــش مــن االنهيــار؛ مل تعــد‬ ‫مقنعــة نتيجــة خســائره امليدانيــة املتالحقــة‬ ‫يف كل معركــة يدخلهــا‪ ،‬وبــات االنهيــار للدولــة‬ ‫قــاب قوســن أو أدىن مــن الوقــوع‪.‬‬ ‫مــع كل تلــك األحــداث بــرز مؤخ ـرا ً موضــوع‬ ‫التواجــد العســكري الــرويس بشــكل فاضــح‬ ‫وواضــح عــى األرض الســورية ويف الســاحل‬ ‫تحديــدا ً؛ حتــى بــدت الســيادة الوطنيــة‬ ‫التــي تحــدث النظــام فيهــا مدعــاة للســخرية‬ ‫والضحــك؟!‪ .‬ولكــن ملــاذا تواجــد الــروس عــى‬ ‫األرض الســورية يف هــذا الوقــت بالــذات مــن‬ ‫عمــر الثــورة؟ ومــا االحتــاالت التــي تجعــل‬ ‫بقــاءه مســكوتاً عنــه غربيــاً؟‪:‬‬ ‫هنــاك عــدة قـراءات واحتــاالت تفــر بشــكل‬ ‫مــا هــذا التواجــد منهــا‪:‬‬ ‫االحتمال األول‪:‬‬ ‫التواجــد العســكري اإليــراين عــى األرض‬ ‫الســورية مــن خــال ميليشــيات تابعــة لــه‬ ‫وســيطرتها عــى الق ـرار امليــداين بشــكل كبــر؛‬ ‫يضــع املجتمـ َع الــدويل أثنــاء املفاوضــات التــي‬

‫ذلــك الدعــم للنظــام؛ أن يخرجــوا مــن املولــد‬ ‫الســوري بــا حمــص‪ ،‬خصوصـاً أن هنــاك ديــون‬ ‫لهــم عــى النظــام بلغــت مليــارات؛ وأنهــا قــد‬ ‫تذهــب هبــاء يف حــال التقســيم؛ كــا حــدث‬ ‫للســوفييت بعــد انهيــاره وتقســيمه وذهــاب‬ ‫كثــر مــن ديونــه للــدول التــي كان يدعمهــا‬ ‫عســكرياً؟‪.‬‬ ‫فدمشــق يف حالــة التقســيم باتــت حصــة‬ ‫إيرانيــة؛ وهنــاك احتــال ايــراين لهــا مل يعــد‬ ‫خافي ـاً عــى أحــد؛ ولــن يكــون للــروس حصــة؛‬ ‫مــن هنــا يكــون تواجدهــم العســكري يف‬ ‫الســاحل الضامــن لتلــك الحصــة مــن الكعكــة؛‬ ‫ويجعــل مــن قاعدتهــا العســكرية يف الســاحل‬ ‫ذات أهميــة اســراتيجية كبــرة‪.‬‬ ‫يتــم التحضــر لهــا أمــام إيران مــرة أخــرى؟ بعد‬ ‫أن عــاىن منهــا كثـرا ً عــى طاولــة املفاوضــات يف‬ ‫امللــف النــووي؛ وقــد أثبــت املفــاوض اإلي ـراين‬ ‫قدرتــه عــى املنــاورة وكســب الوقــت‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫فــإن التواجــد الــرويس العســكري؛ مينــع حدوث‬ ‫ذلــك! فــإ ْن حدثــت تســوية سياســية؛ ســيجد‬ ‫املجتمــع الغــريب يف الطــرف املقابــل للطاولــة‬ ‫روســيا بــدالً مــن إي ـران؟‪.‬‬ ‫ماذا يعني هذا؟‪:‬‬ ‫يعنــي أن لغــة التفاهــم بــن روســيا والغــرب‬ ‫ممكنــة ؛ وأن روســيا قــادرة بشــكل مــا عــى‬ ‫تحويــل نتائــج املفوضــات إىل واقــع عــى أرض‬ ‫الــراع؛ وأن التــزام الــروس بتعهداتهــم أكــر‬ ‫مصداقيــة مــن اإليرانيــن الذيــن يتمتعــون‬ ‫بتق ِّيــة سياســة كبــرة؛ وعنــد نضــوج التســوية‬ ‫ســيكون املحــاور الرئيــس عــن النظــام عــى‬ ‫طاولــة التفــاوض الــروس بــدالً مــن إيــران؛‬ ‫وهــذا يــر ِّع يف التســوية كث ـرا ً؛ ليجعــل منهــا‬ ‫اتفاقــاً دوليــاً بــن الكبــار؛ وال يســمح إليــران‬ ‫بامتــاك ورقــة تفاوضيــة مهمــة تســاعدها‬ ‫يف عرقلــة االســتحقاقات التــي ترتبــت عليهــا‬ ‫نتيجــة االتفــاق النــووي؛ وكذلــك يتــم إخراجهــا‬ ‫كالعــب رئيــس مــن املســألة الســورية؛ فيكــون‬ ‫اللعــب بــن الكبــار فقــط؛ وال يُســمح لآلخريــن‬ ‫باقتنــاص يشء مــن الكعكــة الســورية؟‪.‬‬ ‫االحتمال الثاني‪:‬‬ ‫أي مــدى وصــل‬ ‫الــروس يعلمــون جيــدا ً إىل ِّ‬

‫النظــام بتقهقــره وانهيــاره وتراجعــه ميدانيــاً؛‬ ‫ورمبــا ينهــار فجــأة ؟ رغــم أن املجتمــع الــدويل‬ ‫منــذ بدايــة الثــورة؛ رصح م ـرارا ً وتك ـرارا ً بأنــه‬ ‫ال يســمح بذلــك؛ وال يريــد حدوثــه؛ ولكنــه قــد‬ ‫يحــدث كــا رصح الفــرورف يف لقائــه األخــر‬ ‫مــع طريــف؟!‪.‬‬ ‫يف مثــل هــذ االحتــال فــإن دولــة قطــر‬ ‫ســيكون لهــا ســلطة كبــرة عــى أم ـراء الحــرب‬ ‫املتواجديــن يف امليــدان؛ وهــذا قــد يســمح لهــا‬ ‫بتنفيــذ املــروع االقتصــادي الــذي تحدثــت‬ ‫عنــه قبــل انــدالع الثــورة املتمثــل مب ـ ِّد أنابيــب‬ ‫الغــاز إليصالهــا ألوروبــا؟‪ .‬ومثــل هــذا املــروع‬ ‫يكــر ظهــر االقتصــاد الــرويس مــن جهــة؛ \مــن‬ ‫جهــة أخــرى يجردهــا مــن أداة ضغطهــا عــى‬ ‫األوروبيــن؛ وكث ـرا ً مــا هــدد بوتــن يف أزماتــه‬ ‫مــع املجتمــع الــدويل بــرك أوروبــا متــوت مــن‬ ‫الــرد خــال أســبوع عندمــا يوقــف تدفــق‬ ‫الغــاز إليهــا‪.‬‬ ‫مــن هنــا قــد يكــون التواجــد الــرويس‬ ‫العســكري نتيجــة امتــاك الــروس ملعلومــات؛‬ ‫تنــذر بانهيــار مفاجــئ للنظــام؛ وإشــارات ذلــك‬ ‫بــدت يف تغريــدة ضاحــي خلفــان األخــرة؛‬ ‫وبذلــك تكــون ســيطرتها عــى الســاحل‬ ‫الســوري مانعــاً متامــاً لتنفيــذ مــروع الغــاز‬ ‫القطــري الــذي يخنــق روســيا اقتصاديـاً بشــكل‬ ‫مخيــف؛ ويخرجهــا كث ـرا ً كالعــب أســايس مــن‬ ‫القــرار العاملــي؟!‪.‬‬

‫االحتمال الثالث‪:‬‬ ‫التواجــد العســكري الــرويس إشــارة مهمــة‬ ‫القـراب االتفــاق الــدويل عــى تســوية سياســية؛‬ ‫الغالــب وال مغلــوب فيهــا؛ كــا ذكــر ذلــك‬ ‫دميســتورا يف إحاطتــه التــي قدمهــا ملجلــس‬ ‫األمــن؛ ومثــل هــذه التســوية املريــرة تحتــاج‬ ‫إىل رســائل تطمينــات للجهــة التــي وقفــت مــع‬ ‫النظــام ودعمتــه خالل مســرة الثــورة؛ وتحديدا ً‬ ‫طائفتــه؛ ومثــل هــذا التواجــد العســكري؛‬ ‫يجعــل التطمينــات حقيقــة واقعــة ال وعــود‬ ‫ميكــن االنقــاب عليهــا؟ وأفضــل التطمينــات‬ ‫يتمثــل بتواجــد قــوة عســكرية دوليــة للفصــل‬ ‫بــن املتحاربــن تحمــي تلــك الجهــة مــن أي‬ ‫اعتــداء ممكــن أن يقــع لهــا؛ وبذلــك تكــون‬ ‫القــوات العســكرية الروســية نــوا ًة لقــوات‬ ‫دوليــة ســتحرض يف لحظــة مــا لفــرض التســوية‬ ‫التــي ســيتم التوافــق عليهــا بالقــوة العســكرية؛‬ ‫والــروس هــم أكــر َمـ ْن يثــق النظــام بــه لتنفيذ‬ ‫ذلــك؛ وال مــروع آيديولوجــي لديهــم كــا هــو‬ ‫الحــال لــدى إي ـران التــي شــيعت قس ـاً كب ـرا ً‬ ‫ممــن واىل النظــام أثنــاء الثــورة‪.‬‬ ‫االحتمال الرابع‪:‬‬ ‫هنــاك شــعور متزايــد لــدى الــروس بأن تقســيم‬ ‫ســورية؛ ســيحصل عاجـاً أم آجـاً؛ ومثــل هــذا‬ ‫التقســيم إ ْن حصــل يســمح لعديــد القــوى‬ ‫الدوليــة بالحضــور لدعــم هــذا الطــرف أو ذاك‬ ‫ضامن ـاً ملصالحهــا‪ ،‬وال يتصــور الــروس بعــد كل‬

‫االحتمال األخري‪:‬‬ ‫التقاريــر الروســية كــا تحدثــت مؤخـرا ً تقــول‪:‬‬ ‫إن انهيــار النظــام بــات وشــيكاً؛ وهنــاك تحــرك‬ ‫عســكري فرنــي بريطــاين أمريــي؛ بــدى‬ ‫واضحـاً يف الفــرة األخــرة؛ ومــا القـرار الفرنــي‬ ‫والفعــل الربيطــاين والتحــركات األمريكيــة‬ ‫واتفاقهــا مــع بعــض الفصائــل الثوريــة وكذلــك‬ ‫الكــرد إال مرجــح لــه؛ ودخــول هــذه األط ـراف‬ ‫بشــكل عســكري عــى الخــط؛ ســيخرج روســيا‬ ‫خاليــة الوفــاض مــن ســورية؛ لذلــك البــد‬ ‫أن تســتغل تلــك التدخــات لفــرض تواجــد‬ ‫عســكري لهــا عــى األرض يجعــل منهــا العبــاً‬ ‫لــه دوره يف مــا ســيقع مســتقبالً؟‪.‬‬ ‫عمومــاً التجــارب الروســية خــارج حدودهــا‬ ‫بالتدخــل العســكري ذات نتائــج مخيبــة؛ ومل‬ ‫متنــح الــروس إال خيبــات وانتكاســات كانــت‬ ‫ذات تأثــر اسـراتيجي عــى ســمعتها ومكانتهــا؛‬ ‫ومــا الــدرس األفغــاين ببعيــد؟‪.‬‬ ‫ولكــن‪ :‬أيــن الفعــل الســيايس لقــوى الثــورة‬ ‫ر القــوى السياســية‬ ‫مــا يحــدث؛ وملــاذا تــ ُّ‬ ‫التــي متثــل الثــورة عــى لعــب دور املنفعلــة‬ ‫باألحــداث وليــس الفاعلــة؛ ومتــى يســتعيد‬ ‫الســوريون قرارهــم الوطنــي؛ وهــل ســيكون‬ ‫يف املســتقبل تواجــد عســكري لقــوات أخــرى‬ ‫تســاهم يف التقســيم الواقعــي لوطــن تعــب‬ ‫كثـرا ً مــن أخطــاء وخطايــا أبنائه‪....‬إنهــا أســئلة‬ ‫تبحــث عــن إجابــات؟؟؟!!‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫حنن حباجة إىل اإلمام الف ّعال‪ ..‬ال القوّال‬ ‫طارق عبد الغفور‬ ‫الســيد وزيــر الخارجيــة الســعودي عــادل الجبــر‬ ‫يؤكّــد أن ال تغيــر يف املوقــف الســعودي‪ ،‬مــن وجــوب‬ ‫رحيــل بشــار األســد عــن املشــهد الســوري‪ ،‬إن بحـ ٍّـل‬ ‫بحــل عســكري‪ ،‬واإلدارة األمريكيــة تؤكّــد‬ ‫ســيايس أو ٍّ‬ ‫هــي األخــرى مواقفهــا الكالميــة‪ ،‬وتح ّمــل األســد‬ ‫املســؤولية عــن وجــود داعــش يف ســورية‪ .‬وتتهمــه‬ ‫بأنّــه ال يحاربهــا بــل يحــارب شــعبه‪ ،‬وتضــع عليــه وزر‬ ‫اســتمرار املأســاة الســورية‪ ،‬بــان يك مــون يعتــر فشــل‬ ‫املجتمــع الــدويل يف ايجــاد حــلٍ لألزمــة هــو املســؤول‬ ‫عــن اســتمرار املأســاة‪ ،‬ويتخـ ّـى عــن تفــرده بالقلــق‬ ‫ليشــاركه فيــه الســيد أوبامــا وجاللــة امللــك ســلامن‪.‬‬ ‫وإذا كنــا نث ّمــن تأكيــدات الســيد الجبــر‪ ،‬فإننــا‬ ‫ال نتعاطــف مــع موقــف اإلدارة األمريكيــة «العلنــي‬ ‫والواضــح والشــاجب» لــدور األســد يف خلــق داعــش‪،‬‬ ‫ألنــه موقــف كاذب ومنافــق تدحضــه أفعــال هــذه‬ ‫اإلدارة منــذ بدايــة الثــورة الســورية‪ ،‬مــن منـعٍ لتزويــد‬ ‫الجيــش الحــر باألســلحة املطلوبــة‪ ،‬ومــن من ـعِ إقامــة‬ ‫منطقــة حظــ ٍر جــوي تــدرأُ عــن املدنيــن الســوريني‬ ‫جحيــم الرباميــل‪ ،‬ومــن منــع إقامــة مناطــق آمنــة يف‬ ‫أنحــاء مــن ســورية‪ ،‬مــع قناعتنــا بــأن هــذه املناطــق‪،‬‬ ‫وخاصــة يف الشــال ال ت ُســمن‪ ،‬وال ت ُغنــي بالنســبة إىل‬ ‫ماليــن املرشديــن‪ ،‬ومــن الســكوت عــى تجــاوز النظــام‬ ‫املجــرم لخطــوط أوبامــا الحم ـراء‪ ،‬بالنســبة الســتعامل‬ ‫األســلحة الكيميائيــة التــي ثبــت أ ّن النظــام اســتعملها‬ ‫ع ـرات امل ـرات‪.‬‬ ‫ولكــن‪ ،‬وبعيــدا ً عــن الدبلوماســية‪ ،‬إذا كان تقريــر‬ ‫لجنــة التحقيــق الدوليــة التــي شــكلتها األمــم املتحــدة‬ ‫ـوى خارجيــة هــي التــي تديــر‬ ‫يصــل إىل نتيجــة أن قـ ً‬ ‫الــراع يف ســورية‪ ،‬وفقــاً ملصالحهــا الجغرافيــة‬ ‫االســراتيجية‪ ،‬وإىل أن التنافــس عــى النفــوذ بــن‬ ‫القــوى اإلقليميــة– ودامئــاً حســب األمــم املتحــدة‪-‬‬ ‫قــد أســفر عــن تفاقــم يبعــث عــى القلــق‪ -‬الحــظ‬ ‫أن القلــق صــار سياســة تنتهجهــا األمــم املتحــدة‬ ‫متأثــرة بأمينهــا العــام‪ -‬فلــاذا ال يكشــف الســيد يك‬

‫نقطة أول السطر‬ ‫إىل إزمري‪..‬‬ ‫خذوني معكم!‬ ‫إبراهيم العلوش‬

‫مــون هــذه القــوى‪ ،‬ويضعهــا واملجتمــع الــدويل أمــام‬ ‫املســؤولية‪ ،‬ويدفــع باتجــاه إدانــة تدخــل هــذه القــوى‬ ‫يف الــراع يف ســورية؟ أم أن كشــف املســتور ليــس‬ ‫مــن مهــام األمــم املتحــدة ورمبــا كان مخالفـاً للقواعــد‬ ‫الدبلوماســية؟‬ ‫وبعيــدا ً عــن الدبلوماســية أيضــاً‪ ،‬فــإن لنــا عتبــاً‬ ‫عــى الســيد الجبــر‪ ،‬إذا كنــت تؤكــد مواقــف‬ ‫الشــقيقة الســعودية يف كل لقــاء لــك مــع نظرائــك‪،‬‬ ‫وكان أبرزهــم الوزيــر الفــروف‪ ،‬وإذا كان هــذا التأكيــد‬ ‫ال يُثمــر إال ســلباً‪ ،‬وال ّ‬ ‫أدل عــى ذلــك مــن موقــف‬ ‫روســيا األخــر الــذي أعلنــه الفــروف نفســه‪ ،‬يف زيــادة‬ ‫الدعــم العســكري لنظــام األســد‪ ،‬واملوقفــن األخرييــن‬ ‫لربيطانيــا والنمســا مــن القبــول باألســد يف مرحلــة‬ ‫معينــة‪ ،‬ناهيــك عــن أن اإلدارة األمريكيــة غــر عابئــة‬ ‫بإخفــاء حقيقــة موقفهــا املناهــض للثــورة الســورية‪،‬‬ ‫انســجاماً مــع اســراتيجيتها الثابتــة يف الــرق األوســط‬ ‫املبنيــة عــى عموديــن أولهــا‪ ،‬وهــو مــا يهمنــا هنــا‪،‬‬ ‫وهــو الحفــاظ عــى أمــن إرسائيــل الــذي يشــكل‬ ‫إنهــاك ســورية شــعباً ومق ـ ّدر ٍ‬ ‫ات هدف ـاً محوري ـاً لهــا‪،‬‬ ‫واألوربيــون يلعبــون دورا ً قــذرا ً عندمــا يدعون إىل دمج‬ ‫الالجئــن الســوريني يف اقتصــاد بلدانهــم‪ ،‬متجاوزيــن ما‬ ‫تفرضــه عليهــم قواعــد القانــون الــدويل اإلنســاين يف‬

‫تعاملهــم مــع املأســاة اإلنســانية لالجئــن‪ ،‬مســاهمني‬ ‫بإفقــار ســورية القادمــة مــن شــعبها كــروة‪ ،‬فلــاذا‬ ‫تقــع يف فــخ إعــادة التأكيــد؟ وهنــا نهمــس يف أذنــك‪:‬‬ ‫هــل الشــقيقة الســعودية هــي مــن ضمــن القــوى‬ ‫اإلقليميــة التــي أشــار إليهــا التقريــر األممــي التــي‬ ‫تديــر الـراع يف ســورية؟ ظاهــر الحــال يفيــد اإليجاب‬ ‫يــا ســيادة الوزيــر‪ ،‬وإذا كان األمــر كذلــك‪ ،‬فلــاذا‬ ‫تكتفــي اململكــة كغريهــا مــن األغـراب بــإدارة الـراع‬ ‫بــدالً مــن حلّــه؟ وملــاذا ترتــي لنفســها دورا ً كهــذا؟‬ ‫وهــل إطــاق اليــد يف اليمــن مقابــل َغلِّهــا يف ســورية‬ ‫ال ســمح اللــه؟ وإذا مل يكــن‪ ،‬فلــاذا ترتــي الجلــوس‬ ‫كل زُنــاة االرض يفعلــون مــا‬ ‫يف مقاعــد املتفرجــن عــى ّ‬ ‫يفعلــون يف ســورية أرضـاً وشــعباً؟ ‪-‬رحــم اللــه مظفــر‬ ‫ـر‬ ‫النــواب‪ -‬هــا أنــت تــرى أن األمــر يف الحالــن ال يـ ُ ّ‬ ‫الخاطــر فــا العمــل؟‬ ‫يُذكــر يف كتــب التاريــخ أن أحــد الخلفــاء – ورمبــا‬ ‫كان عثــان بــن عفــان ريض اللــه عنــه – عندمــا ُو ّل‬ ‫الخالفــة صعــد املنــر فحمــد اللــه وأثنــى عليــه ثــم‬ ‫قــال‪ :‬أنتــم بحاجــة اىل إمــام ف ّعــال ال إىل إمــام ق ـ ّوال‬ ‫ثــم نــزل‪.‬‬ ‫هــل تكفــي هــذه الخطبــة القصــرة جواب ـاً عــى‬ ‫الســؤال ياســيادة الوزيــر؟‬

‫حتري��م اهلج��رة أم حتري��م التهج�ير‬ ‫جمال الفالح‬ ‫يف اآلونــة األخــرة تزايــد عــدد الســوريني‬ ‫املهاجريــن إىل دول أوربــا وخاصــة أملانيــا هربــاً‬ ‫بأنفســهم وعيالهــم مــن طاحونــة املــوت الدائــرة يف‬ ‫بالدهــم منــذ خمــس ســنوات‪ ،‬حيــث حصــدت آلــة‬ ‫اإلج ـرام األســدية أرواح مئــات اآلالف مــن الشــهداء‪،‬‬ ‫وأكــر مــن ضعــف العــدد مــن الجرحــى واملفقوديــن‪،‬‬ ‫وحــوايل ربــع مليــون معتقــل بعضهــم نســاء وأطفــال‪،‬‬ ‫فض ـاً عــن دمــار شــبه كيل يف غالبيــة املــدن‪ ،‬وشــلل‬ ‫شــبه تــام يف قطاعــي املرافــق والخدمــات‪ ،‬ومــع ذلــك‬ ‫صــر الســوريون يف ســني الحــرب األوىل ونزحــوا‬ ‫داخــل البــاد إىل مناطــق أكــر أمنــاً‪ ،‬وحتــى مــن‬ ‫اضطــر منهــم ملغــادرة البــاد فقــد فضــل الهجــرة‬ ‫إىل دول الجــوار عــى الرغــم مــن ســوء املعاملــة‪،‬‬ ‫وتــدين مســتوى الرعايــة املقدمــة لهــم مــن (األشــقاء)‪،‬‬ ‫وصــروا منتظريــن أي انف ـراج لينهــوا مشــوار الغربــة‬ ‫ويعــودوا إىل بالدهــم‪ ،‬لكــن الــذي دفعهــم للهجــرة‬ ‫البعيــدة‪ ،‬والتــي يخــى مــن طــول أمدهــا هــو عــدة‬ ‫عوامــل‪ ،‬منهــا موقــف القــوى الدوليــة املخــزي إزاء مــا‬ ‫يرتكبــه النظــام بحقهــم مــن فضائــع ومجــازر مل متيــز‬ ‫بــن طفــل صغــر وال أم ضعيفــة وال شــيخ طاعــن‬ ‫يف الســن‪ ،‬حيــث توزعــت مواقــف تلــك القــوى بــن‬ ‫مؤيــد للقاتــل‪ ،‬وداعــم لــه بشــكل رصيــح وفاضــح‬ ‫وبــن متواطــئ عــى الثــورة يف الخفــاء وداعــم لهــا‬ ‫دعــاً أجــوف يف العلــن‪ ،‬أمــا مواقــف األنظمــة‬ ‫العربيــة ودول اإلقليــم مــن الثــورة الســورية‪ ،‬فقــد‬ ‫كانــت يف املحصلــة متناغمــة ومرتبطــة مبواقــف‬ ‫الــدول الكــرى حيــث كان لتلــك املواقــف دور مهــم‬ ‫يف تفاقــم حالــة االحبــاط لــدى الســوريني‪ .‬وال ننــى‬

‫‪11‬‬

‫مــا للمعارضــة الســورية مــن دور يف فـرار كثــر ممــن‬ ‫رأى يف الهجــرة أفضــل الحلــول الســيئة‪ ،‬فقــد فشــلت‬ ‫املعارضــة السياســية واملتمثلــة باالئتــاف والحكومــة‬ ‫املؤقتــة فشــاً ذريعــاً وألســباب ذاتيــة وموضوعيــة‬ ‫يف تقديــم املســاعدة الالزمــة للســوريني املهجريــن‬ ‫والتخفيــف مــن مصابهــم ومعاناتهــم‪ ،‬وينطبــق األمــر‬ ‫ذاتــه عــى فصائــل املعارضــة العســكرية يف الداخــل‪،‬‬ ‫فعــى الرغــم مــن التضحيــات الجســيمة التــي قدمتها‬ ‫تلــك الفصائــل يف مقارعــة النظــام إال أنهــا فشــلت‬ ‫يف بنــاء منظومــة إدارة للمناطــق املحــررة تؤمــن‬ ‫الحــد األدىن مــن متطلبــات العيــش الكريــم خاصــة‬

‫يف مجــايل الخدمــات والحقــوق أمــا داعــش والتــي‬ ‫تســيطر عــى مســاحات واســعة مــن البــاد فقــد كان‬ ‫دورهــا رئيســياً يف دفــع النــاس إىل الهجــرة بســبب‬ ‫أســاليب القمــع والرتهيــب التــي مارســته عــى مــن‬ ‫هــم تحــت ســلطتها‪ ...‬لــكل ذلــك وتعقيبــاً عــى‬ ‫فتــوى بعــض العلــاء بحرمــة الهجــرة نقــول لهــم‬ ‫يــا ســاديت جـ ّـل مــن هاجــر مــن الســوريني مل يخــر‬ ‫الهجــرة إمنــا هــو مهجــر‪ ،‬ليتكــم تفطنتــم عــى مــن‬ ‫ســاهم يف تهجــر الســوريني فدنتــم جرميتــه وأرشتــم‬ ‫إىل تقصــره بــدل أن تصوبــوا ســهام فتاواكــم عــى‬ ‫الضحايــا فــا عــاد يف أجســادهم مرمــى لنبالكــم‪.‬‬

‫إىل إزمــر وبيــدروم يتقاطــر شــباب ســورية وشــيبها‪ ،‬باتجــاه‬ ‫أوروبــا‪ ،‬يركبــون البحــر ويعــرون الغابــات باتجــاه الخــاص‬ ‫مــن القصــف ومــن االعتقــال ومــن التكفــر‪..‬‬ ‫كلــا ســألت عــن أحــد مــن معارفــك تجــده قــد ســافر أو‬ ‫عــى وشــك الســفر‪ ،‬تســأل عــن أســتاذ الجامعــة فيأتيــك الخــر‬ ‫بركوبــه البحــر ليلــة البارحــة‪ ،‬ومــن املمكــن أن يعــاود االتصــال‬ ‫مســاء اليــوم‪ ،‬أو تبــدأ موجــة بحــث محمومــة ملعرفــة أخبــاره‬ ‫والنهايــة التــي وصــل إليهــا‪ ..‬تســأل عــن الناشــطني‪ ،‬وعــن‬ ‫عمــاء النظــام وعــن جنــوده الهاربــن‪ ،‬وعــن رشعيــي بعــض‬ ‫التنظيــات املتشــددة‪ ،‬فتجدهــم قــد ركبــوا البحــر‪ ،‬أو غاصــوا‬ ‫يف الغابــات‪ ،‬أو وصلــوا إىل اليونــان‪ ،‬أو مــا يزالــون يف مقدونيــا‬ ‫أو عــروا البارحــة رصبيــا باتجــاه هنغاريــة التــي تشــمر عــن‬ ‫كراهيتهــا وعنرصيتهــا وتلذذهــا بتعذيــب املهاجريــن‪..‬‬ ‫شــعب يغــادر وطنــه ويرتكــه للمخابـرات‪ ،‬وألجهــزة التعذيــب‪،‬‬ ‫وللرباميــل التــي لــن تجــد مــن تقصفهــم فيصيبهــا الحنــن إىل‬ ‫أيــام القتــل املجــاين الوفــر!!‬ ‫ذهــب الشــعب وبقــي الديكتاتــور مثــل طاعــون عــي عــى‬ ‫االجتثــاث‪ ،‬ذهــب املؤمنــون وبقــي الدعــاة والشــيوخ الذيــن‬ ‫احتكــروا كلمــة اللــه‪ ،‬واعتــروا أنفســهم وكالء حرصيــن‬ ‫للعنايــة االلهيــة يتلهــون بتوزيــع التكفــر واملــوت‪ ،‬وميارســون‬ ‫التعذيــب انتقامـاً مــن أيــام اعتقالهــم لــدى النظام‪ ،‬ويتشــفون‬ ‫بعــذاب النــاس‪ ،‬ألنهــم حســبوا أنفســهم آلهــة جديــدة‪ ،‬ال تُــرد‬ ‫كلمتهــم وال ت ُناقــش‪ ..‬بــل ال يُســمح أبــدا ً بالنظــر إىل وجوههــم‬ ‫التــي تختــزل حقــد العــامل وكراهيتــه منقوعــة بــكل أحقــاد‬ ‫التاريــخ‪ ،‬وثريــد لحــم ضحايــاه املتكــوم كجبــال راســخة!!‬ ‫بلــد يضــع عجــات وينتقــل‪ ،‬انتقلــت الجبــال والســهول‬ ‫والصحــاري هاربــة مــن وحشــية الهــوام التــي تســكنها‪ ،‬وتبيــح‬ ‫ألنفســها‪ ،‬كل هــذا القتــل‪ ،‬وكل هــذا التكفــر وكل هــذه‬ ‫األحقــاد املزمنــة!!‬ ‫الطفــل إيــان مل يكــن وحيــدا ً يف البحــر الــذي خطــف أنفاســه‪،‬‬ ‫وال كانــت أمــه الوحيــدة التــي هبطــت إىل قــاع البحــر‪ ،‬كانــت‬ ‫العائــات الســورية أكــر مــن أن ت ُ َعــ ّد‪ ،‬ومــن أن تالحقهــا‬ ‫الكام ـرات‪ ،‬أو أخبــار صفحــات التواصــل االجتامعــي‪.‬‬ ‫بــن إزمــر واليونــان وطــن جديــد للســوريني يف قــاع البحــر‪،‬‬ ‫وطــن للســوريني املجهولــن الذيــن خذلتهــم قواربهــم‬ ‫البدائيــة‪ ،‬وراحــوا ضحايــا املهربــن‪ ،‬والســارسة وظلــوا يف‬ ‫البحــر يتفقــدون ســجالت التاريــخ بــن أثينــا وطــروادة‪ ،‬ظلــوا‬ ‫مســافرين بــا مواعيــد للوصــول‪ ،‬وبــا هواتــف لالتصــال‪،‬‬ ‫وظــل حلمهــم بالخــاص والســام والحريــة محلقــاً فــوق‬ ‫البحــر الــذي ابتلعهــم‪ ،‬مثــل عاصفــة مــن نــوارس بيضــاء‬ ‫ضاعــت بوصلــة توجههــا وظلــت تتخبــط يف فضــاء املــكان!‬ ‫مــن يعيــد الســوريني إىل قراهــم‪ ،‬وإىل مدنهــم وإىل بالدهــم‪،‬‬ ‫التــي تنــأى عنهــم يوم ـاً بعــد يــوم؟‪ ..‬مــن يعيدنــا إىل حلــم‬ ‫الحريــة التــي كنــا نطالــب بهــا يف بالدنــا‪ ،‬وليــس يف بــاد‬ ‫اآلخريــن؟‪ ...‬لقــد تحــول الســوريون إىل حلــم‪ ،‬وإىل تــوق‬ ‫عاصــف للحريــة‪ ،‬لكنهــم فقــدوا البــاد التــي ســينصبون‬ ‫عليهــا مرســاة أحالمهــم‪ ..‬لقــد ذهبــوا يف ديــار اللــه الواســعة‪،‬‬ ‫ولــن تعيدهــم إىل األرض التــي أحبوهــا إال معجــزة كبــرة مــن‬ ‫معجـزات الزمــن الضائــع‪ ...‬لقــد تناثــروا مثــل ريــش أبيــض يف‬ ‫يــوم عاصــف فمــن يتكفــل بجمعهــم‪ ..‬مــن يعيــد النــاس إىل‬ ‫ديارهــم‪...‬؟‬ ‫نســلم عليكــم فنحــن ذاهبــون‬ ‫التلفونــات ت ـ ّرن مــن جديــد ّ‬ ‫إىل إزمــر ‪ ..‬نطمئ ّنكــم لقــد وصلنــا إىل أثينــا ‪ ..‬ابــن خالتــي‬ ‫وصــل إىل برلــن‪ ...‬جارتنــا وصلــت إىل هنغاريــا‪ ،‬وضاعــت مــع‬ ‫نســلم عليكــم‪ ..‬فقــد فشــلنا يف‬ ‫عائلتهــا يف غابــة مجهولــة‪ّ ...‬‬ ‫الوصــول إىل النمســا‪ ،‬ومننــا ليلــة تحــت املطــر‪ ..‬ولكننــا ســنصل‬ ‫حت ـاً بعــد يومــن إىل فيينــا‪ ...‬لقــد وصلنــا إىل ميونــخ‪ ،‬لقــد‬ ‫وصلنــا إىل فرانكفــورت‪ ،‬لقــد وصلنــا إىل امســردام‪ ،‬لقــد‬ ‫وصلنــا إىل اســتكهومل‪ ،‬إىل الرنويــج‪ ..‬إىل الدامنــارك‪ ..‬إىل القطــب‬ ‫الشــايل باتجــاه أوســلو‪ ..‬لقــد وصلنــا بعيــدا ً‪ ..‬بعيــدا ً جــدا ً عــن‬ ‫ســورية!!!!‬


‫‪12‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫نزوح عاب ٌر للدول‬ ‫نجاة عبد الصمد‬ ‫أنــا الصبيــة الســعيدة الحظ ما تـزال أنفايس‬ ‫تعلــو تهبــط‪ ،‬وقلبــي مــا يـزال يخفــق بانتظــام‪.‬‬ ‫وأمــي كذلــك‪ ،‬إال أ ّن خفــق قلبهــا صــار ينتظــم‬ ‫حينـاً‪ ،‬وأحيانـاً يتقطّــع‪ .‬لذلــك فأنــا منــذ اليــوم‬ ‫ربّــة مــن بقــي مــن العائلــة بلفــور أصــل علّتنــا‬ ‫ـت إىل الدنيــا حــن أنجــزتْ‬ ‫املزمنــة‪ .‬مل أكــن جئـ ُ‬ ‫عائلتنــا نزوحهــا األول مــن فلســطني إىل األردن‬ ‫إثــر وعــده ذائــع الصيــت‪ .‬ثــم حمــل جــدي‬ ‫مــن اســتطاع مــن عائلتــه‪ ،‬وجــاء بهــا إىل مخيم‬ ‫الريمــوك‪ .‬طاردتنــا رشور بلفــور حتــى بعــد‬ ‫اهـراء عظامــه بوقـ ٍ‬ ‫ـت طويــل‪ ،‬لتبتلينــا بنــزو ٍح‬ ‫ٍ‬ ‫جديــد مــن ســوريا إىل لبنــان إثــر (مؤامــرة‬ ‫الكــون) عــى ســوريا‪ .‬مل ننــزح إىل لبنــان بغربـ ٍة‬ ‫كل ّيــة؛ أل ّن أحــد معــارف أيب تـ ّرع باســتضافتنا‪.‬‬ ‫أســكننا يف بيتــه املتواضــع يف ضاحيــة بــروت‬ ‫الجنوبيــة‪ .‬مل يكــن مضيفنــا الكريــم قريب ـاً لنــا‬ ‫برابطــة الــدم‪ ،‬هــو صديــق أيب الــذي اشــتغل‬ ‫كل‬ ‫معــه يف الكويــت يف الثامنينــات‪ ،‬وعــادا ّ‬ ‫إىل بلــده بعــد حــرب الخليــج الثانيــة‪ .‬مل نهنــأ‬ ‫يف أمــان بيتــه أكــر مــن أســبوعني‪ .‬تج ّمــع‬ ‫الجــران يف بيــت الضاحيــة وأجــروا مضيفنــا‬ ‫عــى طردنــا‪ .‬هــم يعرفــون أ ّن أســاف عائلتنــا‬ ‫قــد نــارصوا معاويــة‪ ،‬ومل يغيثــوا أبنــاء اإلمــام‬ ‫ي يــوم وقعــة كربــاء‪ .‬لكــ ّن حامســهم مل‬ ‫عــ ّ‬

‫«دوما»‪..‬‬ ‫محاسن سبع العرب‬ ‫صباح الخري يا «دوما»‪..‬‬ ‫صباح أسود أغرب‪..‬‬ ‫صباح يبرت األعضاء‪..‬‬ ‫ويدفن بعضهم أحياء‪..‬‬ ‫ويقتل كل من كرب‪..‬‬ ‫صباح آخر دموي‪..‬‬ ‫تلون فيه شارعنا‪..‬‬ ‫بلون الحرب‪ ..‬باألحمر‪..‬‬ ‫صباح الخري‪..‬‬ ‫عىل أجساد من رحلوا‪..‬‬ ‫هي األيام يا «دوما»‪..‬‬ ‫تعيد املوت‪..‬‬ ‫ونحن كام عهدتينا‪..‬‬ ‫نيام منذ أعوام‪..‬‬ ‫غفونا بعد «نكبتنا»‪..‬‬ ‫وما زلنا‪..‬‬ ‫كأن النوم يعشقنا‪ ..‬فيسكننا وﻻ يضجر‪..‬‬ ‫صباح األرز والزيتون والنارنج والزعرت‪..‬‬ ‫صباح مثل أحالمي‪..‬‬ ‫تضيق عيل إذ أكرب‪..‬‬ ‫هم اﻷطفال يا وطني‪..‬‬ ‫هم األطفال‪..‬‬ ‫من يغفون بني بنادق العسكر‪..‬‬ ‫وقد ضموا أصابعهم‪..‬‬ ‫عىل قطع من السكر‪..‬‬ ‫وبني شفاههم تلهو‪..‬‬ ‫أغان للغد املزهر‪..‬‬ ‫ويف أحالمهم رسموا‪..‬‬ ‫القرى والسهل والبيدر‪..‬‬ ‫مساء الخري يا «دوما»‪..‬‬ ‫فمن خجيل‪ ..‬صباحي مل يعد يذكر‪..‬‬

‫يفــض إال بعــد خطــاب الســيّد يســتحثهم‬ ‫عــى نــرة الســيدة زينــب‪ ،‬املســتغيثة بهــم‬ ‫مــن مرقدهــا يف الشــام‪ .‬نزوحنــا مــن الضاحيــة‬ ‫كان األصعــب‪ .‬فبعــد أن كنــا املشــاهدين؛‬ ‫رصنــا نحــن تلــك الصــور (الحرصيــة) التــي‬ ‫تبثهــا شاشــات الفضائيــات املواكبــة للحــدث‪:‬‬ ‫رصنــا نحــن الوجــوه املذعــورة التــي تتطلّــع‬ ‫حولهــا يف شــوارع بــروت الغريبــة‪ .‬رصنــا نحــن‬ ‫األيــادي املثقلــة بالــرر الخفيفــةٌ‪ ،‬واألرجــل‬ ‫الرخــو ٌة التــي متــي إىل ال هــدف‪ ،‬وتســريح‬ ‫تحــت ظــال الشــجر‪ ،‬وتعــر عــى كــرا ٍج‬ ‫مهجــو ٍر يصلــح للمبيــت‪ .‬تظــ ّن مقامهــا فيــه‬ ‫قصــر‪ ،‬وإذا بــه ال ينتهــي بعثنــا إىل إخــوة أيب‬ ‫يف الربازيــل ويف كنــدا‪ ،‬لعلهــم يجــدون ســبيالً‬ ‫لعوننــا وظـ ّـل أيب وإخــويت الثالثــة يبحثــون عــن‬ ‫عمــل‪ .‬اشــتغل أيب وأخــي األكــر يف مصبغــة يف‬ ‫قلــب بــروت‪ .‬يعمــان معـاً بأجــر عامــلٍ لبناين‬ ‫واحــد‪ ،‬وبــدوامٍ أطــول مــن دوامــه بســاعتني‪ .‬يف‬ ‫ذلــك املســاء اشــتعل الرصــاص يف الســاحة أمــام‬ ‫املصبغــة بــن لبنانيــن منقســمني إىل أنصــار‬ ‫املامنعــة وأنصــار أعدائهــا‪ .‬واســتقوى الفريقــان‬ ‫برشيعــة النــار‪ ،‬ومتطّــت شــظايا ســخية مــن‬ ‫الفريقــن عــى امتــداد جســد أيب وأقــل ســخاء‬ ‫منهــا يف بطــن أخــي‪ .‬اسـراح أخــي األكــر مــن‬ ‫طحالــه ومرارتــه وثالثــة اربــاع كبــده‪ .‬انتزعهــا‬ ‫الطبيــب منــه مــع الشــظايا التــي آخــت‬

‫عصام حقي‬

‫ـب يف بــروت‪.‬‬ ‫أحشــاءه بوفــا ٍء قـ ّـل نظــره لغريـ ٍ‬ ‫ومــا يـزال أخــي يف املشــفى‪ .‬ال يريــد أن ميــوت‪.‬‬ ‫ال ألن الحيــاة حلــوةٌ‪ ،‬لكــن ألنــه ال يريــد مصــر‬ ‫أبينــا‪ .‬احتــر والدنــا يف إحــدى مشــايف بــروت‬ ‫أيامـاً عــرة‪ ،‬كنــا خاللهــا ممنوعــن مــن زيارته‬ ‫يف قســم العنايــة املركّــزة ريثــا ندفــع أجــور‬ ‫رقــاده هنــاك‪ ،‬وأجــور األطبــاء‪ ،‬وكلفــة األنابيب‬ ‫املوصولــة إىل جســده املثقّــب بالشــظايا‬ ‫وبالنــزوح وبالفقــر الطــارئ‪ .‬رمبــا‪ ،‬يف احتضــاره‬ ‫الطويــل‪ ،‬آنســته تذكاراتــه التــي مل يلحــق أن‬ ‫يجلبهــا مــن بيــت املخيــم‪ :‬صــو ٌر كثــرة ألركان‬ ‫عائلتنــا املوزّع ـ ًة بــن القــارات الخمــس‪ ،‬علــب‬ ‫دواء الســكر والجلطــات عــى الطاولــة أمــام‬ ‫ّــق‬ ‫الصــور‪ ،‬مفتــاح بيــت يافــا الصــدئ‪ ،‬املعل ٌ‬ ‫عــى الجــدار خلــف الطاولــة‪ .‬أيب يحتــر يف‬ ‫املشــفى‪ ،‬وأمــي التــي واضبــت عــى الركــوع‬ ‫أمــام إدارة املشــفى أيامـاً عــرة‪ ،‬مل يشــفع لهــا‪،‬‬ ‫ال اســرحامها وال احــراق عينيهــا وال انفــراط‬ ‫كل يــومٍ أكــر ذالًّ‪،‬‬ ‫قلبهــا‪ .‬تعــود مــن هنــاك ّ‬ ‫وتــرف وقتهــا الثقيــل بالطــواف حــول جدران‬ ‫الك ـراج‪ ،‬تصـ ّـي لــي يعــود أخــواي الصغ ـران‬ ‫مــن دمشــق‪ .‬كانــت أرســلتهام فــور دخــول أيب‬ ‫إىل املشــفى‪ ،‬ليأتيــا باملــال مــن أختــي املقيمــة‬ ‫ّ‬ ‫ســيفك‬ ‫مــع زوجهــا يف دمشــق‪ ،‬املــال الــذي‬ ‫رصت أن يســافرا معـاً‬ ‫الرهــن عــن احتضــار أيب أ ّ‬ ‫ليكــون واحدهــا عونـاً ألخيــه‪ .‬فأخــي األصغــر‬

‫مريــض بالســكر الشــبا ّيب‪ ،‬وعليــه أن يــزور‬ ‫ٌ‬ ‫طبيبــه يف الشــام‪ .‬ماتــزال الشــام الجريحــة‬ ‫أرأف بأهلهــا مــن ســعري بــروت‪ .‬ومــات أيب‪.‬‬ ‫مــات ولســنا حولــه لنقــول لــه‪ :‬نح ّبــك يــا أيب‪،‬‬ ‫وال َمــن يقــرأ الفاتحــة عــى روحــه‪ ،‬أو يُس ـبِل‬ ‫عينيــه عــى حياتــه الرخيصــة اآلفلــة‪ ،‬أو يلقــح‬ ‫بطاني ـ ًة تســر عريــه وجروحــه الســائلة قيح ـاً‬ ‫وذعـرا ً مــن شــدة وحدتــه رمــاه عــال املشــفى‬ ‫يف ردهــة املرشحــة رحمــ ًة بأرستــه مــن أن‬ ‫تضــاف إىل فاتورتهــا تكلفــ ُة التربيــد داخــل‬ ‫املرشحــة‪ .‬مــى أســبو ٌع عــى حجــز الجثــة يف‬ ‫الردهــة الضيقــة‪ .‬وطافــت رائحتهــا يف حنايــا‬ ‫املرشحــة لتبعــث مراســيل احتجاجهــا‪ :‬ملــاذا‬ ‫بادرهــا الســيد بلفــور أوالً‪ ،‬وبعــده العصابــات‬ ‫الكونيــة‪ ،‬بهــذه اإلســاءة الثقيلــة‪ ،‬أو لتســتفرس‬ ‫مــن ج ّدهــا معاويــة عــن الشــعرة املعيــذة‬ ‫مــن أهــوال الحــروب‪ ،‬أو لتســأل مــايك‬ ‫املــوت أن يرســاها إىل تــراب فلســطني‪ ،‬أو‬ ‫إىل تــراب ريــف الشــام‪ ،‬أو إىل الخــاص يف‬ ‫أي تــراب‪ .‬ومل يعــد أخــواي‪.‬‬ ‫رحمــة الــراب‪ّ ،‬‬ ‫ومل يكونــا وصــا إىل دمشــق‪ .‬ومل يلتقيــا أختنــا‬ ‫فيهــا‪ .‬احتجزهــا الحــراس الســوريون عــى‬ ‫الحــدود اللبنانيــة بتهمــة أنهــا فلســطينيان‪.‬‬ ‫يســتطيع الفلســطيني أن ينــزح مــن ســوريا‬ ‫متــى شــاء‪ ،‬أو متــى نفــد صــره مــن الخــوف‬ ‫أو مــن الجــوع‪ .‬ولــو نــزح‪ ،‬فليــس لــه أن يعــود‬

‫احلج��اج والص��ورة املش��وَّهة للتاري��خ‬

‫مســتهل ســبعينات القــرن املــايض‪ ،‬ويف‬ ‫ّ‬ ‫يف‬ ‫املهرجــان األول للشــعراء الشــباب‪ ،‬الــذي أقيــم‬ ‫عــى املــدرج الكبــر لجامعــة دمشــق‪ ،‬ألقيــت‬ ‫مندوبـاً عــن الرقــة ‪ -‬قصيــدة مســتوحاة مــن‬‫جــراح نكســة حزيــران وآثارهــا العميقــة يف‬ ‫نفــوس الشــاب العــريب‪.‬‬ ‫وقــد نالــت القصيــدة استحســاناً كب ـرا ً لــدى‬ ‫الجمهــور‪ ،‬كــا القــت كثــرا ً مــن الشــجب‬ ‫واالســتنكار عــى املســتوى الرســمي‪ ،‬يف‬ ‫صــورة احتجــاج عــى اســتعاريت مــن التاريــخ‪،‬‬ ‫شــخصية الحجــاج الصارمــة‪ ،‬وتوظيفــه يف‬ ‫مقطــع منهــا كمنقــذ للوطــن وملــا تبقــى مــن‬ ‫ســمعته وكرامتــه الغارقــة يف خضــم الظلمــة‬ ‫الحالكــة التــي كان تائهــاً فيهــا‪ ،‬ومــا جــاء‬ ‫فيــه‪:‬‬ ‫أيا حجاج‪ ..‬يا حجاج‬ ‫يابن جال‬ ‫هاتيك الثن ّي ِ‬ ‫َ‬ ‫ات‪..‬‬ ‫طلع‬ ‫ويا ّ‬ ‫متى تضع العامم َة‬ ‫الخيل قد ف ّرت من امليدانِ‬ ‫إن هذي َ‬ ‫ﻻ تلوي عىل خجلِ‬ ‫فيا حجاج‪ ،‬أنقذنا‬ ‫وعلّقنا عىل اﻷعواد‪ ...‬علّقنا‬ ‫نخجل‬ ‫ْ‬ ‫ليك‬ ‫ليك نسمو إىل األعىل‬ ‫ِ‬ ‫الخيانات‪!...‬‬ ‫عىل جثث‬ ‫والحقيقــة أننــي كنــت ات ّــكأت يف هــذا‬ ‫اإلســقاط عــى الوجــه اإليجــايب للحجــاج يف‬ ‫التاريــخ‪ ،‬ألن لــه فيــه وجهــن متناقضــن متامـاً‪.‬‬ ‫أحدهــا إيجــايب يظهــره قائــدا ً عســكرياً‬ ‫وسياســياً كبــرا ً‪ ،‬وإنســاناً عربيــاً ومســلامً‬ ‫مؤمنــاً ملتزمــاً عقيدتــه منافحــاً عنهــا‪.‬‬ ‫وثانيهــا يظهــره مبــرا ً (مهلــكاً) ســفاحاً‪،‬‬ ‫مكروهـاً وخاصــة مــن الشــيعة لعــدم احرتامــه‬ ‫آل البيــت (كــا يزعمــون)‪ ،‬حتــى إنهــم‬ ‫كــا تقــول املصــادر‪ -‬صــوروه شــيطاناً‪ ،‬بــل‬‫ادعــوا أنــه كان مكروه ـاً حتــى مــن األمويــن‪،‬‬ ‫والخــوارج لحربــه لهــم‪.‬‬ ‫لقــد وقــع الحجــاج بــن وجهتــي نظــر‬

‫تاريخيتــن متناقضتــن‪ ،‬متوازيتــن مــع‬ ‫التناقــض يف املجتمــع نفســه ورصاعــه الطائفي‬ ‫واملذهبــي وغريهــا‪.‬‬ ‫وال بــد ‪ -‬والحالــة هــذه ‪ -‬مــن ق ـراءة متأنيــة‬ ‫قبــل اعتــاد املقارنــة بينهــا والحكــم فيهــا‪:‬‬ ‫فابــن تيميــة مث ـاً يدفــع عــن الحجــاج تهمــة‬ ‫هــدم الكعبــة املرشفــة‪ ،‬يف قولــه‪:‬‬ ‫كان الحجــاج بــن يوســف معظـاً للكعبــة‪ ،‬ومل‬ ‫يكــن عــدوا ً لهــا‪ ،‬وال أراد هدمهــا بوجــه مــن‬ ‫الوجــوه‪ ،‬وال رماهــا مبنجنيــق أص ـاً‪ ،‬ويواصــل‬ ‫ابــن تيميــة رسد الواقعــة مؤكّــدا ً حــرص‬ ‫الحجــاج عليهــا‪ ،‬وحقيقــة محارصتهــا وأســبابها‪.‬‬ ‫أمــا ابــن كثــر فقــد قــال‪ :‬كان يف الحجــاج‬ ‫شــهامة عظيمــة ويف ســيفه رهــق‪ ،‬يغضــب‬ ‫غضــب امللــوك‪ ،‬وكان جبــارا ً عنيــدا ً‪ ،‬مقدامــاً‬ ‫عــى ســفك الدمــاء بــأدىن شــبهة‪.‬‬ ‫ويواصــل قائـاً فيــه‪ :‬كان الحجــاج يكــر تــاوة‬ ‫القــرآن‪ ،‬ويتجنــب املحارم‪.‬‬ ‫فالحجــاج تعلــم القــرآن والحديــث‪ ،‬وعلمــه‪،‬‬ ‫وأمــر (نــر بــن عاصــم) بتنقيــط حروفــه‪،‬‬ ‫وتقســيمه إىل أجــزاء وأحــزاب وأربــاع كــا‬ ‫هــو اليــوم‪.‬‬ ‫ومــن جهــة أخــرى فهــو أول مــن ّ‬ ‫صــك‬ ‫العملــة اإلســامية‪ ،‬ونقــش الشــهادتني عليهــا‪،‬‬ ‫كــا عــ ّرب الدواويــن‪ ،‬وفتــح الهنــد والســند‬ ‫وخــوارزم‪ ،‬بــل هــو مــن بــدأ فكــرة الفتوحــات‬ ‫األندلســية‪ ،‬ولــه كثــر مــن اإلصالحــات‬ ‫االقتصاديــة واالجتامعيــة مـ ّـا ال يتســع املجــال‬ ‫لذكرهــا هنــا‪.‬‬ ‫ولكــن ال بــد مــن التنويــه بأنــه كان موضــع‬ ‫ثقــة الخليفــة األمــوي عبــد امللــك بــن مــروان‪،‬‬ ‫وابنــه الوليــد مــن بعــده‪ ،‬فقــد واله عبــد‬ ‫امللــك قيــادة الجيــش‪ ،‬كــا واله مكــة واملدينــة‬ ‫والطائــف‪ ،‬ثــم الع ـراق لقمــع مت ـ ّرد فيــه‪.‬‬ ‫وقــد أقــ ّره الوليــد عــى كل مــا أقــ ّره عليــه‬ ‫أبــوه عبــد امللــك‪ ،‬وق ّربــه إليــه أكــر‪ ،‬واعتمــد‬ ‫عليــه‪.‬‬ ‫كــا كان أهــل الشــام أكــر محبــة للحجــاج‪،‬‬ ‫ونــرة لــه‪ ،‬وهــو كان بــدوره يحبهــم ويشــيد‬ ‫بهــم دامئ ـاً‪ ،‬ومعظــم جيشــه منهــم‪.‬‬

‫فهــل تتناســب هــذه املكانــة العســكرية‬ ‫والسياســية والدينيــة مــع روايــات أعدائــه‬ ‫الســلبية الكثــرة كروايــة (نعــم ونعمــة)‪،‬‬ ‫و(روايــة الحجــاج وغــام بنــي هاشــم)‬ ‫وغريهــا؟!‬ ‫ولنســتعرض أشــهر تلــك الروايــات‪ ،‬أال وهــي‬ ‫قصــة زوجتــه هنــد بنــت النعــان‪ ،‬والتــي‬ ‫جــاء فيهــا مــا يدفــع إىل التهكــم والســخرية‬ ‫والتعجــب!‬ ‫حيــث يقــ ّدم أحــد الــرواة القصــة تقدميــاً‬ ‫ســاخرا ً فيجعــل هنــدا ً تجــرئ عليــه‪ ،‬وتصفــه‬ ‫بالكلــب‪ ،‬وتبــدي فرح ـاً كب ـرا ً بتطليقهــا منــه‪،‬‬ ‫وتنشــد البيتــن األكــر شــهرة فيــه‪:‬‬ ‫وما هند إال مهرة عربية‬ ‫بغل‬ ‫سليلة أفراس تحللها ُ‬ ‫فإن ولدت مهرا ً فلّله د ّرها‬ ‫بغل‬ ‫وإن ولدت بغالً فقد جاء به ُ‬ ‫وقــد اشــتهرت هــذه القصــة يف شــكل حكايــة‬ ‫شــعبية‪ ،‬للســخرية منــه‪ ،‬والتهكــم عليه بلســان‬ ‫الكثرييــن مــن خصومــه‪ ،‬وإمعانـاً بالتنكيــل بــه‬ ‫فقــد اســتكملوا ذلــك بحكايــة زواجهــا مــن‬ ‫الخليفــة عبــد امللــك بــن مــروان‪ ،‬واش ـراطها‬ ‫للقبــول بــه زوج ـاً أن يقــود الحجــاج جملهــا‬ ‫مــن معــرة النعــان إىل دمشــق سـرا ً بقدمــن‬ ‫حافيتــن‪ ،‬وملســافة ال تقــل عــن ثالمثئــة كيلــو‬ ‫م ـرا ً باملقاييــس الحديثــة!‬ ‫وقــد ع ّقــب أحــد النقــاد عــى هــذه الحكايــة‬ ‫بقولــه‪:‬‬ ‫بقــدر مــا تبــدو الروايــة ســخيفة‪ ،‬فاقــدة‬ ‫ألبســط القيــم اإلنســانية والجامليــة‪ ،‬يبــدو‬ ‫يف قبــول الخليفــة بــروط هنــد امتهان ـاً لــه‬ ‫شــخصياً قبــل امتهــان الحجــاج‪.‬‬ ‫لقــد تعــرض الحجــاج للتجريــح كثــرا ً يف‬ ‫حياتــه‪ ،‬وبعــد وفاتــه‪ ،‬مثلــه يف ذلــك مثــل‬ ‫معظــم الرمــوز التــي كُتبــت يف الصفحــات‬ ‫املش ـ ّوهة‪ ،‬وباألصابــع الخفيــة لكتبــة التاريــخ‪.‬‬ ‫وال بــد ‪-‬والحالــة هــذه‪ -‬مــن إعــادة قــراءة‬ ‫التاريــخ قـراءة صحيحــة متأنيــة‪ ،‬تعيــد الحــق‬ ‫إىل نصابــه وتهــوي بالباطــل إىل مهاويــه‬ ‫الطبيعيــة‪ ،‬التــي يجــب أن يكــون فيهــا‪.‬‬

‫أخــوي مضاعفــ ًة ألنهــا‬ ‫إليهــا‪ .‬كانــت تهمــة‬ ‫ّ‬ ‫فلســطينيان أوالً‪ ،‬وألنهــا يحمــان وثيقــة ســفر‬ ‫لالجئــن الفلســطينيني صــادرة عــن الحكومــة‬ ‫األردنيــة‪ .‬تصــادف عبورهــا للحــدود مــع‬ ‫طــرد الســفري الســوري مــن األردن بعــد‬ ‫بحــق الحكومــة‬ ‫ترصيحاتــه غــر الالئقــة‬ ‫ّ‬ ‫األردنيــة‪ .‬ولــن تســكت الحكومــة الســورية‬ ‫عــى اإلهانــة الشــنيعة‪ ،‬وســتبعث أوىل طالئــع‬ ‫أخــوي‪ .‬ج ّردهــا حــرس الحــدود‬ ‫ر ّدهــا عــر‬ ‫ّ‬ ‫مــن هاتفيهــا الجوالــن‪ ،‬ومــن هديتهــا‬ ‫الصغــرة ألختهــا‪ ،‬ومــن ســرتيهام الجلديتــن‪،‬‬ ‫ومــن املــال القليــل الــذي كان معهــا‪،‬‬ ‫ي والبنطــال إىل‬ ‫ور ّحالهــا بالقميــص الداخــ ّ‬ ‫أقــرب ســجنٍ يودعانهــا فيــه ريثــا تكتمــل‬ ‫قافلــة فلســطينيني مثلهــم‪ ،‬تر ّحلهــا الحكومــة‬ ‫الســورية عــى نفقتهــا لرتميهــا‪ ،‬هديّــ ًة‬ ‫ملغومــةً‪ ،‬عــى الحــدود األردنيــة‪ .‬عرفنــا‬ ‫مصريهــا متأخريــن‪ .‬كنــا انطفأنــا متام ـاً بعــد‬ ‫اختفائهــا‪ ،‬ومل يوقظنــا مــن مواتنــا البطــيء‬ ‫ســوى نــداء الرائحــة مــن ردهــة املرشحــة‪.‬‬ ‫طفــت مــع أمــي نطــرق أبــواب الطيبــن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫نشــحذ فــكاك الرهــن عــن جثــة أيب‪ ،‬ونحظــى‬ ‫أخ ـرا ً بدفنــه يف مقــرة الغربــاء‪ ،‬وأعــود منهــا‬ ‫أنــا وأمــي إىل خيمتنــا لصــق الكــراج‪ ،‬نحــن‬ ‫(النازحتــان) اللتــان ســيصبح اســمنا بعــد يــوم‬ ‫الدفــن‪ :‬يتيم ـ ًة وأرملــة‬

‫أيام الدرويش ّ‬ ‫الستة‬ ‫خالد الجبور‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بعض األيام تتأخر يف الحضور‬ ‫يف انتظارها أُط ِع ُم شغفي للضجر‬ ‫أهدهده طويال لينام‬ ‫أم ّنيه مبا يل وله يف حقائب الغياب‬ ‫عيني‬ ‫لكنه ميوتُ أمام ّ‬ ‫فأنىس‪ ،‬يف الخواء‪ ،‬جثته‬ ‫وأتركها لأليام التي ال تجيء‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫أيامي البعيدة املبعرثة كأوراق الخريف‬ ‫تنكرين وأنكرها‬ ‫فام الذي يجمعها لتدق بايب يف الليايل الباردة؟!‬ ‫ال حطب يف قلبي ألشعله لها‬ ‫وليس يف كأيس قطرة من الحنني‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫بعض األيام مت ّر من بعيد‬ ‫تسري يف طريقها املستقيم الطويل‬ ‫هي ذاهبة إىل غايتها‬ ‫وأنا ذاهل عنها وع ّني‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫األيام اليتيمة يف حيايت‬ ‫األيام التي ال أعلم أين هاجرت‬ ‫أظ ّنها شابت هي األخرى‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫بعض األيام أنا أصنعها‬ ‫قليل ٌة لكنها طويلة املقام‬ ‫بسببها فقط متتلئ روحي باالمتنان‬ ‫حتى أنني أدين النجوم وأرفعها‬ ‫ّ‬ ‫أفك ألغاز الليل‪ ،‬وأنرشها‬ ‫أجمع ضوء النهار يف سلة‬ ‫وأهديه إىل الحياة‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫بني األيام أيا ٌم تأكلني‬ ‫إنها تلك التي أسقط يف قعرها‬ ‫جس الظالم‬ ‫ال طاقة يل فيها حتى عىل ّ‬ ‫ال حاجة يل فيها إىل الهواء‬ ‫ولوال أنني أعرف رائحة الربد‬ ‫لظننتها من هبوب رميمي‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫آرام كربيت‬

‫وداعا يا نهر اخلابور ـ ‪ 2‬ـ‬ ‫ً‬

‫وقــف ينظــر إ ّيل‪ ،‬وعينــاه تــكادان تطــران يف‬ ‫الهــواء مــن شــدة االســتغراب‪ .‬تلعثــم‪ ،‬نظــر إىل ضيــاء‬ ‫مســتغرباً‪ ،‬ثــم التفــت إ ّيل مــرة أخــرى‪ ،‬وكأنــه أمــام‬ ‫وبــاء‬ ‫ـ سجني سابق؟‬ ‫ـ ومــاذا بــه الســجني الســيايس؟ إنــه إنســان مثلــك‪ .‬مــا‬ ‫الــذي يخيفــك منــه؟‬ ‫ـ أنــا ال أخــاف منــه‪ ،‬مســتغرب أن هنــاك مــن يســتطيع‬ ‫أن يكــون ســجيناً يف مثــل هــذه األيــام؟‬ ‫كان شــهر آب منتصب ـاً‪ ،‬يبــث حرارتــه يف األرض‪ ،‬يلهــب‬ ‫الطــرق والجســور والســاحات بنريانــه وشمســه الحــادة‪.‬‬ ‫كان لــدى أهــي مكيــف عــى املــاء يرطــب الغرفــة‬ ‫يف بيتنــا‪ .‬جــاءت أختــي صونيــا وســيلفا مــن الســويد‬ ‫للرتحيــب يب‪ ،‬ودعمــي‪ ،‬كــا جــاء أيب وأمــي‪ .‬رأيتهــا‪،‬‬ ‫كأين مل أغادرهــا أبــدا ً‪ .‬مل أســتطع أن أفــرح بهــا‪ ،‬كام مل‬ ‫أســتطع أن أحــزن‪ ،‬كنــت حياديـاً يف مشــاعري‪ .‬مل أتدخل‬ ‫يف محاولــة معرفــة ســبب نكــوص حالتــي‪ ،‬وســبب‬ ‫هــذه الســلبية الغريبــة‪ ،‬وهــذه القيــم الالمباليــة التــي‬ ‫أحملهــا‪ ،‬الــا إحســاس باتجــاه كل مــا يــدور حــويل‪.‬‬ ‫كنــت مثــل واحــد تعــرض لصدمــة يف الحــواس وخـراب‬ ‫يف املشــاعر والعواطــف‪ .‬مل أكــن مــن قــرر هــذه الحالــة‪،‬‬ ‫العــوم فــوق الواقــع واالنفصــال عنــه وعــن النــاس‬ ‫واملجتمــع والزمــن‪ .‬قبلــت الجميــع كــا قبلــوين كعــادة‬ ‫مكــررة‪ ،‬كــيء تلقــايئ‪ ،‬يحــدث يومي ـاً‪.‬‬ ‫ذبحــت والــديت خاروفــاً بالرغــم مــن رفــي لهــذه‬ ‫التمثيليــة البائســة كفــرح لخروجــي مــن الســجن‪ .‬كنت‬ ‫مــع النــاس‪ ،‬بينهــم‪ ،‬بيــد أن املســافة بيننــا كانــت كبــرة‬ ‫وواســعة‪ ،‬ال ميكــن أن يرممهــا الزمــن وتكـرار األحجيــات‬ ‫اليوميــة‪ .‬رأيــت الكثــر مــن األصدقــاء الجــدد يحاولــون‬ ‫كســب ودي‪ ،‬التقــرب منــي‪ ،‬حاولــوا بــكل صــدق أن‬ ‫يكونــوا إىل جانبــي يف هــذه األوقــات‪ .‬مــدوا يل يــد‬ ‫العــون‪ ،‬الخــر واملســاعدة كأنهــم أخــوايت وأهــي أو‬ ‫كأنهــم بعــي‪ .‬الكثــر تعاطــف معــي والكثــر قــال‬ ‫عنــي إننــي مجنــون‪ ،‬ألننــي تركــت الحيــاة‪ ،‬جاملهــا‪،‬‬ ‫رحابــة املــكان فيهــا‪ ،‬ســعتها واخــرت املكــوث يف‬ ‫الســجن‪ ،‬والعيــش يف حيــز ضيــق‪ ،‬ويف مــكان مضطــر‬ ‫ٍ‬ ‫وقــاس‪ ،‬فيــه حرمــان مــن أبســط قواعــد العيــش‬ ‫والحيــاة‪ .‬مل يتجــرأ الكثــر مــن أبنــاء بلــدي‪ ،‬تحميــل‬ ‫الطغمــة الحاكمــة مســؤولية محنــة الوطــن‪ ،‬حملوهــا‬ ‫للضحايــا‪.‬‬ ‫أغلبنــا ال يعــرف حقيقــة ثقافــة االســبتداد‪ ،‬مل نتغلغــل‬ ‫فيهــا‪ ،‬مل نحفــر يف عمــق تكويننــا الثقــايف والنفــي‪.‬‬

‫س��وري طف��ران يف ب�يروت‬ ‫شاهر خضرة‬

‫مل نعــرف حقيقــة تفكــر اإلنســان البســيط يف بلدنــا‪.‬‬ ‫تناولنــا القضايــا املعقــدة بعقليــة ســطحية وتحليــل‬ ‫بســيط‪ .‬مل نحلــل‪ ،‬مل نحــاول أن نعــرف‪ ،‬ملــاذا األهــل‬ ‫ال يقبلــون زواج ابنتهــم مــن شــاب مســتوى معيشــته‬ ‫متواضــع‪ ،‬اكتفينــا بالقــول أن الســبب هــو املــال‪ ،‬ب ّيــد‬ ‫أننــا مل ندخــل إىل أعــاق العقــل‪ ،‬كيــف تكــون‪ ،‬وكيــف‬ ‫يفكــر أو يبنــي ثقافتــه وتكوينــه النفــي والعقــي‪،‬‬ ‫وكيــف الخــروج مــن هــذه الــذات املتمحــورة حــول‬ ‫نفســها‪ .‬ملــاذا يعشــق املســتبد املتمثــل بالحاكــم‪ ،‬ملــاذا‬ ‫يخــر أمامــه ســاجدا ً كعبــد ذليــل‪ .‬وملــاذا يســتمتع‬ ‫بهــذا الــدور؟ وملــاذا يشــعر باألمــان بوجــود املســتبد‪،‬‬ ‫وبالحاميــة أيضــاً‪.‬‬ ‫عندمــا كان يهــل الليــل وتنــام الشــمس وراء األفــق‬ ‫ويغيــب النــاس‪ ،‬وأيب وأمــي‪ ،‬كنــت أتســلل مــن البيــت‬ ‫ألذهــب إىل الخابــور‪ .‬أجلــس وحيــدا ً‪ ،‬أنظــر إىل الخــاء‬ ‫والصمــت‪ .‬يف هــذه اللحظــة الحميميــة عندمــا تبتعــد‬ ‫الــذات عــن الخريــن تبــدأ يف نســج عالقــة حقيقيــة‬ ‫مــع الــذات‪ ،‬عالقــة متفــردة‪ ،‬لــذات الــذات‪ ،‬لوحدهــا‪،‬‬ ‫عالقــة وشــيجة بــن الغربــة والحــزن والجفــاف وغيــاب‬ ‫أو انزيــاح الجــال والفــرح أو هروبهــم مــن األرض‬ ‫والســاء واملــكان‪.‬‬ ‫أغيــب‪ ،‬أذهــب إىل البعيــد‪ ،‬إىل خبــز التنــور‪ .‬كنــت أرى‬ ‫وجــه أمــي الجميــل‪ ،‬عندمــا كانــت تقــف أمــام التنــور‪،‬‬ ‫احمــرار وجههــا‪ ،‬عالمــات التعــب والكــد يف عينيهــا‪،‬‬ ‫ب ـراءة ذلــك الزمــن املنــرم‪ ،‬حيويــة والــدي‪ ،‬اندفاعــه‬ ‫نحــو األمــل‪ ،‬بغــد أجمــل‪ .‬أعقــد مقارنــة بــن األمــس‬

‫واليــوم‪ ،‬بــن زمنــن‪ ،‬كلهــا زمــن اإلنســان املهــزوم‪ .‬مل‬ ‫يكــن هنــاك مــاء أو شــجر أو لــون الحيــاة عــى ضفــاف‬ ‫الخابــور‪ .‬كان جافــاً‪ .‬أجلــس يف هــدأة الليــل الحنــون‬ ‫عــى الضفــة الحزينــة أتامــل هــذه الــذات‪ ،‬النهــر‬ ‫امليــت‪ ،‬أحدثــه واألمل يعتــر قلبــي‪:‬‬ ‫ـ ملــاذا مــت أيهــا الرهــوان الجميــل؟ مــا زلــت شــاباً‪ ،‬يف‬ ‫أنفاســك روح الوجــود؟ أذكــرك عندمــا كنــت صغــرا ً‪،‬‬ ‫كنــت أخــر‪ ،‬حنون ـاً‪ ،‬مــأت حيــايت باألمــل‪ ،‬باخ ـرار‬ ‫الزمــن والحيــاة‪ .‬آه يــا نهــر‪ ،‬يــا وجــع الطبيعــة والبقــاء‪،‬‬ ‫كــم أحــن إىل زمنــك الدافــق‪ ،‬زمــن توحــدي بــك‪،‬‬ ‫بجــال وجــودك بيننــا‪ .‬أنظــر إىل الصمــت‪ ،‬الفــراغ‪،‬‬ ‫الجفــاف انفصــال الكائــن عــن الكــون‪ .‬هــذه العزلــة‬ ‫بالقــرب مــن رحابــك‪ ،‬موتــك‪ ،‬هــو أنــا‪ ،‬أنــت‪.‬‬ ‫أشــاهد‪ ،‬الطبيعــة الحيــة امليتــة‪ ،‬وجفــاف املــكان‬ ‫وقــدرة النــاس عــى هضــم الخــراب والتعامــل معــه‬ ‫بــرودة أعصــاب أو ال مبــاالة‪ .‬أســمع هسهســة الوجــود‪،‬‬ ‫الخــاء اململــوء بالصمــت‪ .‬هــذا الفـراغ الطاغــي فــرض‬ ‫نفســه عــي مثلــا فــرض الزمــن قدرتــه عــي‪ ،‬عــى‬ ‫عــدم التصالــح مــع مــا كان ومــا هــو كائــن‪ .‬قلــت‪،‬‬ ‫بينــا عينــاي ترســم الدوائــر وتلــون األبعــاد‪:‬‬ ‫ـ هنــا كنــا نســبح‪ ،‬منــي‪ ،‬ونقــي األوقــات الحنونــة‬ ‫بصحبــة األصدقــاء‪ ،‬الحبيبــة‪ .‬نصيــد الســمك‪ ،‬ونتأمــل‬ ‫أو نــرك خيالنــا يــرح حــول الدفــق القــادم مــع نهــر‬ ‫الخابــور‪ ،‬وبقائــه بيننــا كقــدر جميــل‪ ،‬كلوحــة فنــان‬ ‫خطهــا بريشــته البارعــة أو قصيــدة شــاعر يغــازل‬ ‫حبيبتــه أثنــاء الولــه بهــا‪.‬‬

‫فنان الثورة السورية مالك جندلي‬ ‫ولــد يف أملانيــا عــام ‪ 1972‬مــن أصــول‬ ‫ســورية مــن مدينــة حمــص‪ ،‬ويقيــم يف‬ ‫أمريــكا‪ .‬بــدأ بتلقّــي علــوم املوســيقى يف‬ ‫الرابعــة مــن عمــره‪ ،‬وكان أول حفــل بيانــو‬ ‫لــه عــى خشــبة املــرح يف الثامنــة مــن‬ ‫عمــره‪ .‬التحــق باملعهــد العــريب ثــم باملعهــد‬ ‫العــايل للموســيقى يف دمشــق‪ ،‬وتتلمــذ‬ ‫عــى يــد الربوفســور فيكتــور بونــن مــن‬ ‫كونرسفتــوار تشايكوفســي‪ .‬مــن أهــم‬ ‫عــازيف البيانــو‪ ،‬قـ ّدم أعاملــه برفقــة العديــد‬ ‫مــن الفــرق الســمفونية العامليــة عــى‬ ‫أهــم املســارح يف الــرق األوســط وأوروبــا‬ ‫والواليــات املتحــدة وســورية‪ ،‬وهــو عضــو يف‬ ‫الجمعيــة األمريكيــة للمؤلفــن املوســيقيني‪.‬‬ ‫أول مؤلــف ســوري وموســيقي عــريب قــام بتوزيــع‬ ‫أقــدم تدويــن موســيقي يف العــامل اكتُشــف يف مدينــة‬ ‫أوغاريــت رأس شــمرا ‪ -‬ســورية عــى لوحــات مســارية‬ ‫تعــود للقــرن الرابــع قبــل امليــاد‪ .‬أضــاف إليهــا اإليقــاع‬ ‫والهارمــوين‪ ،‬وعزفهــا عــى البيانــو برفقــة فرق موســيقية‬ ‫عامليــة‪ ،‬شــكلت لوحــة فنيــة رائعــة‪ ،‬عمــاً موســيقياً‬ ‫فريــدا ً أطلــق عليــه اســم «أصــداء مــن أوغاريــت»‪.‬‬ ‫حصــل عــى جائــزة حريــة التعبــر لعــام ‪ ٢٠١١‬يف‬ ‫مدينــة لــوس أنجلــس ألغنيتــه الشــهرية «وطنــي أنــا»‬ ‫ومواقفــه اإلنســانية املســاندة للربيــع العــريب و الثــورة‬

‫‪13‬‬

‫الســورية دفاع ـاً عــن الدميقراطيــة والحريــة وحقــوق‬ ‫اإلنســان‪.‬‬ ‫كُــرم بجائــزة اإلبــداع الثقــايف يف مدينــة نيويــورك يف‬ ‫عــام ‪ ٢٠١٢‬تقدي ـرا ً لفنــه وجهــده الــذي أثــرى ســاحة‬ ‫املوســيقى العربيــة‪.‬‬ ‫حملتــه املوســيقى‪ ،‬التــي تعلمهــا يف أملانيــا وســوريا‪،‬‬ ‫إىل أن نــال الجائــزة األوىل يف املســابقة الدوليــة‬ ‫للموســيقيني الشــباب يف عــام ‪ ،1988‬وهــو مل يكمــل‬ ‫بعــد ســنه القانونيــة‪ ،‬فأخذتــه بعيــدا ً جــدا ً‪ ،‬ونقلتــه‪،‬‬ ‫مبنحــة دراســية إلمتــام دراســته املوســيقية عــام ‪،1995‬‬ ‫إىل معهــد الفنــون لواليــة كارولينــا الشــالية يف أمريــكا‬ ‫حيــث حصــل عــى العديــد مــن الجوائــز خالل دراســته‬

‫مــع الربوفســور إريــك الرســن‪.‬‬ ‫حصــل عــى جائــزة أفضــل عــازف بيانــو‬ ‫مــن جامعــة كوينــز األمريكيــة تحــت‬ ‫إرشاف بــول نيتــش وتخــرج منهــا بدرجــة‬ ‫امتيــاز عــام ‪ .1997‬كــا نــال الجائــزة األوىل‬ ‫يف مجــال التأليــف املوســيقي مــن هيئــة‬ ‫املؤلفــن يف واليــة جورجيــا عــام ‪.2003‬‬ ‫تابــع دراســة التأليــف والتوزيــع‬ ‫املوســيقي خــال فــرة تحصيلــه لشــهادة‬ ‫املاجســتري يف إدارة األعــال وتخـ ّرج بدرجــة‬ ‫رشف مــن جامعــة شــال كارولينــا عــام‬ ‫‪.2004‬‬ ‫حصــل عــى جوائــز عربيــة وعامليــة‬ ‫عديــدة وهــو عضــو تحكيــم دويل يف مســابقات العــزف‬ ‫عــى البيانــو بــد ًءا مــن عــام ‪.2005‬‬ ‫منحتــه مؤسســة كارنيغــي األمريكيــة لقــب «املهاجــر‬ ‫العظيــم» لعــام ‪ 2015‬ملــا يبذلــه مــن أجــل العطــاء‬ ‫الفنــي يف إغنــاء الثقافــة األمريكيــة ومســاهمته يف‬ ‫تطويــر املجتمــع‪ .‬وضمــت الئحــة الفائزيــن لهــذا العــام‬ ‫‪ 38‬شــخصية أمريكيــة مهاجــرة مــن ‪ 30‬جنســية عامليــة‪.‬‬ ‫ويف مؤمتــر صحفــي عقــده الفنــان يف مدينــة نيويــورك‬ ‫أهــدى جنــديل هــذه الجائــزة ألطفــال ســوريا والعــامل‬ ‫أجمــع‪ ،‬خاصــة الالجئــن واملهجريــن الذيــن يطالبــون‬ ‫بالســام والعدالــة وحقــوق اإلنســان‪.‬‬

‫‪1‬‬‫يف شــارع الحمــرا أبــو الح ّنــاء‬ ‫كان يســ ُر تحــت الشــمس‬ ‫كنــت أســ ُر كاملنبــوذ خلــف‬ ‫ُ‬ ‫خطــاه‬ ‫يدخل ظلُّه ِعـ َرب الزجاج‬ ‫ُ‬ ‫أراه منصهرا مع األلوان‬ ‫الص ِّم‬ ‫ملتبساً بأزياء النساء ُ‬ ‫يشــدو تــار ًة بــن التنانــر‬ ‫ا لشــفيف ِة‬ ‫تتأرجــح الخيطــا ُن يف‬ ‫تــار ًة‬ ‫ُ‬ ‫عينيــه‬ ‫يخل ُع ريشَ ُه ويط ُري يف املرآة‬ ‫يخجل‬ ‫ُ‬ ‫تدل أخرضا‬ ‫إذ يرى خيطاً ّ‬ ‫مــن لــون ذاكــر ٍة ‪ ،‬كشــهوة‬ ‫عينــه يف ليلــة ليــا ْء ‪.‬‬ ‫ظلً للرسير‬ ‫تتح َّو ُل املرآ ُة ّ‬ ‫يص ُري صوتاً يف قفص ‪.‬‬ ‫ميــي أبــو الح ّنــا ِء يف البوتيــك‬ ‫ـس‬ ‫يخل ـ ُع ثــم يلبـ ُ‬ ‫يحمل ريشه ويط ُري‬ ‫ثم ُ‬ ‫ظل‬ ‫ال يبقى سوى ّ‬ ‫استفقت ‪...‬‬ ‫الذي آن‬ ‫ُ‬ ‫أظ ُّنــه مــا زال ميــي تائهــا يف‬ ‫شــارع الحمــراء ‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪2‬‬‫تص‬ ‫سيجاريت تُ ُّ‬ ‫طاولتــي بــا جــدوى تذكِّــ ُرين‬ ‫بأثــداء الرجــا ِل‬ ‫وقهويت ب َردَتْ‬ ‫ويف بــروتَ ميكــ ُن النتظــا ٍر أن‬ ‫يص ـ َر ســال ًة‬ ‫بني الكؤوس‬ ‫وأن يصــ َر الدهــ َر يف العمــر‬ ‫العقيــ ْم ‪.‬‬ ‫جئت ّإل النتظا ٍر‬ ‫لكنني ما ُ‬ ‫رمبا تأيت ‪...‬‬ ‫تفاجئني ‪...‬‬ ‫ففــي بــروتَ قــد تــأيت النســا ُء‬ ‫بــدون وعــد‬ ‫مثلام‬ ‫ُ‬ ‫األكواب ‪،‬‬ ‫أتناول‬ ‫َ‬ ‫أرشب قهو ًة‬ ‫ُ‬ ‫أتل َّم ُظ الفنجا َن بري َة‬ ‫عباب بح ٍر‬ ‫َ‬ ‫والزجاج َ‬ ‫رمبا تأيت ‪...‬‬ ‫محــض‬ ‫ولكــ ّن انتظــاري دامئــا‬ ‫ُ‬ ‫انتظــا ٍر‬ ‫دمشق‬ ‫قلت يف بريوتَ ليس‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ستدخل ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫مث َّت من‬ ‫ها هام شفتان بينهام سوا ٌد‬ ‫كان أصبعها يُش ُري عليهام‬ ‫كانــت‬ ‫ســيفرض أنهــا‬ ‫مــن ذا‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫تشــ ُر إ ّيل‬ ‫أو كانت تُش ُري إىل خيا ِل ‪.‬؟‬ ‫***‬ ‫‪3‬‬‫ال مــال يف جيبــي صبــاح اليــوم‬

‫يف بــروت‬ ‫ٍ‬ ‫ـت أنــا ُم يف ســيارة مــن دون‬ ‫كنـ ُ‬ ‫ـواب‬ ‫أبـ ٍ‬ ‫صحوتُ‬ ‫شممت ريحة قهو ٍة‬ ‫ُ‬ ‫من بيت جارتنا (بربزةَ)‬ ‫آه يا سلمى ‪...‬‬ ‫خرجت إىل الطريق‬ ‫ُ‬ ‫دققت باباً‬ ‫ُ‬ ‫ثم باباً‬ ‫ثم نافذتني‬ ‫املالمح‬ ‫تطردين‬ ‫ُ‬ ‫م ّر يب رجالن يف سيارة‬ ‫نظرا بلؤمِ شامت ٍة لهويّتي‬ ‫لك ـ َّن خــاد َم يف الطريــق بكــت‬ ‫بأعينهــا الغريبــة‬ ‫ثم م ّدت يل ببعض سجائ ٍر‬ ‫لتختبــئ‬ ‫أشــعلت واحــد ًة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الدمــو ُع وراءهــا‬ ‫وشتمت يف رسي‬ ‫ُ‬ ‫بقايــا مــا تب ّقــى مــن (ســعادةَ)‬ ‫داخــي‬ ‫ـت ســالف كذبــة االتاريــخ‬ ‫ولعنـ ُ‬ ‫والجغرافيــا ‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪4‬‬‫هــا رصتُ كالشــ ّحاذ يف املــدن‬ ‫الشــقيقة‬ ‫هكذا يا أمتي ؟‬ ‫إسـ ُم ابنتــي يف مكتــب التزويــج‬ ‫؟‬ ‫شكرا ً أخويت‬ ‫والخبــز ُمـــ ٌّر مثــل طعــم‬ ‫كرامتــي ‪.‬‬ ‫أَ َوهكذا يا انتاميئ ؟‬ ‫هكذا يا ثوريت ؟‬ ‫***‬ ‫‪5‬‬‫خ َّبأتُ إمياين ألخفي ما أنا‬ ‫ألدو َر بــن الطــاوالت فلــم أذق‬ ‫خل ـ َط الطعــامِ مــن (األحــد)‬ ‫يل الطاوالتُ مب ّن ٍة‬ ‫ح ّنت ع ّ‬ ‫م َّوتُّ سمعي‬ ‫يك يخض ُن بسرييت ‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪6‬‬‫تلفنت هذا اليو َم‬ ‫ُ‬ ‫قالت ال تتلف ْن مر ًة أخرى‬ ‫ْ‬ ‫ـألت ذاكــريت فلــم تســعفني‬ ‫فسـ ُ‬ ‫يف ذكــرى‬ ‫ووجدتُ يف نفيس لها عذرا‬ ‫***‬ ‫‪7‬‬‫كل يف مقــرة‬ ‫يف املــوت يدفــ ُن ٌّ‬ ‫طائفتــه !‪.‬‬ ‫أيــن يُدف ـ ُن الســوري العلــا ُّين‬ ‫يف بــروت ؟‬ ‫***‬


‫‪14‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫املفكر القلق «‪»2‬‬

‫أسعد فخري‬ ‫لعلــه مــن غــر اليســر اإلحاطــة بغوايــة‬ ‫التوظيــف الــذي لهــث خلفــه «املفكــر‬ ‫طيــب تيزينــي»‪ ،‬ويف ظنــه تقديــم رسدياتــه‬ ‫التاريخيــة‪ ،‬والسياســية‪ ،‬وفــق منظــور‬ ‫«العقــل األدايت» الــذي ميتلــك التوصيــف‬ ‫واالســتقراء‪ ،‬ومــن ثــم االســتنتاج كمعيــار‬ ‫أســايس يتــم التصــدي مــن خاللــه لألســئلة‬ ‫الكــرى التــي تطــال تحــوالت أنســاق تاريــخ‬ ‫الشــعوب‪ ،‬ومفاهيــم أخاديــع حكامهــا‪،‬‬ ‫وســاطينها يف الوقــت الــذي راحــت تتدافــع‬ ‫أفــكار «تيزينــي» وتأمالتــه االســتنتاجية‬ ‫املقاربــة‪ ،‬وفــق إيقــاع رتيــب‪ ،‬تداخلــت فيــه‬ ‫شــواهد الوقائــع السياســية بصــورة ال تقبــل‬ ‫الشــك عــى تعجلهــا‪ ،‬وافتقادهــا ملقــدرة‬ ‫الرتيــث أمــام مفاصــل شــديدة األهميــة‪،‬‬ ‫والوقــع مــا جعلهــا فريســة لحالــة مــن‬ ‫التشــظي‪ ،‬والتفتيــت‪ ،‬والبعــرة بيــد أنــه كان‬ ‫مــن األحــرص عــى «املفكــر تيزينــي» بــذل‬ ‫املزيــد مــن التفكــر‪ ،‬والتأمــل للخــروج مــن‬ ‫مــأزق محاكمــة الظاهــر عــى حســاب باطــن‬ ‫عمــق املشــكلة‪ ،‬ومتوالياتهــا التاريخيــة‪،‬‬ ‫وهــذا كان ســبباً مبــارشا ً‪ ،‬وأساســياً لغيــاب‬ ‫اســتاملة األدوات والكواشــف اللتــان متثــان‬ ‫البعــد األكــر حيويــة يف إزالــة اللبــس الــذي‬ ‫يطــوق إجرائيــة أدوات التفكــر مــن خــال‬ ‫إيجــاد معايــر كاشــفة تســتطيع مالمســة‬ ‫جوهــر املشــكلة‪ ،‬وبالتــايل تقــري أبعادهــا‪،‬‬ ‫وانعكاســها عــى موازيــن القــوى األكــر‬ ‫رضاوة يف الـراع الــذي يــدور داخــل متــون‬ ‫الثــورة الســورية‪ ،‬ومتواليــات التصعيــد فيهــا‪.‬‬

‫‪2‬ـ استيقاظ التوحش يف اإلسالم‪:‬‬

‫ميكننــا ابتــدا ًء تســليط الضــوء عــى آليــات‬ ‫التقــي داخــل حفريــات املكاشــفتني‪،‬‬ ‫الفكريــة‪ ،‬والسياســية عنــد «املفكــر تيزيني»‪،‬‬ ‫وذلــك بالعــودة إىل مقاربــة فهمــه الســتيقاظ‬ ‫التوحــش اإلســامي داخــل احرتابــات الثــورة‬ ‫الســورية عــى حــد تعبــره‪« :‬لقــد وجدنــا‬ ‫أنفســنا أمــام داعــش‪ ،‬وأمــام العــودة إىل‬ ‫مــا قبــل التاريــخ اإلنســاين العاقــل» ص‪.56‬‬ ‫حيــث املباغتــة الكــرى لظهــورات املتوحــش‪،‬‬ ‫واإلفــراط يف اســتخدامه مــن قبــل داعــش‪،‬‬ ‫وأخواتهــا كمحصلــة لتطبيــق رشائــع إســامية‬ ‫ناظــرا ً « ُمفكرنــا» إىل األمــر دون غــره‬ ‫مــن الديانــات األخــرى مغف ـاً يف اآلن ذاتــه‬ ‫تقــري التوحشــات التــي اســتيقظت داخــل‬ ‫احرتابــات عديــدة عــر التاريــخ واألمثلــة‬ ‫كثــرة‪ ،‬وعديــدة مــا دام الهــدف مــن تفعيــل‬ ‫هــذا املنحــى مــن وجهــة نظــر «تيزينــي»‬ ‫سياســياً بحتــاً‪ ،‬ويخــدم فكــرة تقــوم عــى‬ ‫معايــر وجوديــة‪ ،‬وأيديولوجيــة تســتلهامن‬ ‫فعلهــا مــن القتــل بذاتــه كحالــة قصديــه‬ ‫تعــود يف حضورهــا إىل املتبقيــات النامئــة مــن‬ ‫الوحشــية داخــل اإلنســان عــى مــر العصــور‪،‬‬

‫«تعقيبًا على حوار املفكر السوري د‪ .‬طيب تيزيين»‬ ‫والتــي خضعــت ملعــرك كبــر مــن «الكبــت»‬ ‫عــر التاريــخ الــذي ســادت فيــه قيــم األنــا‬ ‫األعــى والتحــوالت الحضاريــة‪ ،‬واملعايــر‬ ‫االجتامعيــة الواعيــة‪ ،‬واملعرفيــة‪.‬‬ ‫فيقظــة املتوحــش هنــا ليســت حك ـرا ً عــى‬ ‫ديــن أو مذهــب بعينــه كــا أراد اإلشــارة‬ ‫إليــه «طيــب تيزينــي»‪ ،‬وهنــا ال بــد مــن‬ ‫إضافــة مســألة لهــا مــن األهميــة مبــكان‪،‬‬ ‫فالحــروب الصليبيــة‪ ،‬ومــا جــرى فيهــا مــن‬ ‫تغــول دمــوي كبــر اعتمــدت مبــدأ الذبــح‪،‬‬ ‫وتقطيــع الــرؤوس‪ ،‬وترشيــح أجســاد األرسى‪،‬‬ ‫وهــم أحيــاء كوســيلة لتطهــر النفــس‪،‬‬ ‫والحصــول عــى الســام األزيل حيــث كانــوا‬ ‫يســارعون إىل قطع رؤوس أرساهم املســلمني‪،‬‬ ‫والقــذف بهــا بواســطة املنجنيــق عــى أســوار‬ ‫املــدن التــي كانــوا يحارصونهــا يف الوقــت‬ ‫الــذي مل يتــوانَ املســلمون أيضــاً يف قطــع‬ ‫رؤوس أرساهــم مــن الصليبــن وتعليقهــا‬ ‫عــى األســوار‪.‬‬ ‫مــن هنــا نــدرك أن التوحــش حالــة كامنــة‬ ‫يف النفــس البرشيــة‪ ،‬وليســت نتــاج غائيــة‬ ‫الهوتيــه بعينهــا‪ ،‬وأن مــا تقــوم بــه داعــش‬ ‫ليــس أقــل دمويــة‪ ،‬وعنفــاً مــا يقــوم بــه‬ ‫النظــام األســدي الوجــه اآلخــر للقتــل‬ ‫بصورتــه الجامعيــة‪.‬‬ ‫قــد يكــون اإلســام بحلتــه «الجهاديــة»‬ ‫داخــل أتــون الثــورة الســورية قيمــة تعتمــد‬ ‫عــى معايــر الغلــو الدينــي‪ ،‬واالجتهــاد‬ ‫الدمــوي العنيــف‪ ،‬وهــذا مــا ميكــن أن‬ ‫يحقــق لنــا رؤيــة أكــر‪ ،‬وضوح ـاً والحــؤول‪،‬‬ ‫واالبتعــاد عــن الفهــم القــارص ملاهيــة‬ ‫املناظــر التــي تبــر األمــور مــن جهــة‬ ‫واحــدة دون إدراك أبعــاد املشــهد املفحــوص‬

‫يف تنــاوالت متعــددة‪ ،‬ومتنوعــة نتحصــل مــن‬ ‫خاللهــا عــى تفكيــك املــروع اإلســامي‬ ‫املتشــدد‪ ،‬والنظــر إىل ســياقاته التاريخيــة‬ ‫بصــورة أكــر جــا ًء‪ ،‬وشــفافية بعيــدا ً عــن‬ ‫تفتيــت منظوماتــه وبعرثتهــا بصــورة ليســت‬ ‫مــن الدقــة مبــكان‪.‬‬

‫‪3‬ـ قانون االستبداد الرباعي‪:‬‬

‫عــى نح ـ ٍو هزيــل يتصــدى املفكــر «طيــب‬ ‫تيزينــي» لإلجابــة عــن الســؤال املتعلــق‬ ‫مباهيــة‪ ،‬وبنيــة الحامــل االجتامعي الســوري‪،‬‬ ‫والخروقــات التــي تعــرض لهــا املجتمــع مــا‬ ‫بعــد االســتقالل‪ ،‬وخــروج الفرنســيني‪ ،‬ومــن‬ ‫ثــم صعــود الربجوازيــة الوطنيــة‪ ،‬وانكفائهــا‬ ‫الرسيــع تحــت وابــل ظهــورات األحــزاب‬ ‫الجديــدة والتكتــات القومجيــة املختلفــة‪،‬‬ ‫واملتنوعــة بانيـاً رصوح معايــره الجدليــة مبــا‬ ‫يتفــق‪ ،‬وترشيــح جثــة الســلطانية األســدية‬ ‫املؤلفــة مــن األب واالبــن دفعــة واحــدة‬ ‫مــن خــال قانــون االســتبداد الرباعــي الــذي‬ ‫مــا زال «تيزينــي» منكبـاً عــى اإلمســاك‪ ،‬بــه‬ ‫والتغنــي مبعايــره الحاذقــة والســحرية قائالً‪:‬‬ ‫«وهــذا يظهــر لنــا بحســب الرؤيــة املنهجيــة‬ ‫التــي منتلكهــا ونتمــرس بهــا‪ ،‬أي التــي‬

‫نــرى أنهــا تحقــق رشائــط البحــث العلمــي‬ ‫السوســيوـ تاريخــي» ص‪.48‬‬ ‫إن العــودة املتأنيــة والحصيفــة ملكونــات‬ ‫قانــون االســتبداد الرباعــي «التيزينــي»‬ ‫الــذي ت َكــ ّون مــن االســتئثار بالســلطة‪،‬‬ ‫وشَ ــغَل تطلعــات «مفكرنــا» يف محاوالتــه‬ ‫املتعــددة لحــل لغــز «الدولــة األمنيــة»‬ ‫ومتواليــات حضورهــا الفــظ داخــل ســياق‬ ‫تاريــخ الدولــة الســورية الــذي امتــد قرابــة‬ ‫نصــف قــرن مــن الزمــان تحــت حكــم‬ ‫الســلطانية األســدية فإنــه مل يحقــق أبعــاده‬ ‫املنهجيــة ومصداقيتهــا تحــت مــا يســمى‬ ‫«القرائــن العلميــة والجدليــة» داخــل معايــر‬ ‫السوســيوـ تاريخــي ملكونــات الســلطة‬ ‫وأدوات حضورهــا وأن مــا اعتقــد بــه «طيــب‬ ‫تيزينــي» واعتــره كافيــاً‪ ،‬وشــافيا‪ ً،‬ووافيــاً‬ ‫داخــل أضــاع مربعــه االســتبدادي كمعيــار‬ ‫وصفــي للســلطة بغيــة الوقــوف عــى مالمــح‬ ‫حضورهــا‪ ،‬ليــس أكــر مــن تك ـرار ملنتميــات‬ ‫هــي يف خالصاتهــا االســتنتاجية تعــود إىل‬ ‫املشــرط التفكيــي األول مــن منظومتهــا‬ ‫ليــس إال‪.‬‬ ‫لننظــر هنــا كيــف يســوق «تيزينــي» ســيولة‬ ‫معايرتــه التفكيكيــة‪ ،‬ويصفهــا باملربــع‬ ‫االســتبدادي‪1« :‬ـ االســتئثار املطلــق بالســلطة‬ ‫‪2‬ـ املــال ‪3‬ـ اإلعــام ‪4‬ـ املرجعيــة»‪ ،‬والســؤال‬ ‫هنــا كيــف ميكننــا فهــم االســتئثار املطلــق‬ ‫بالســلطة دون هيمنتــه عــى املــال‪ ،‬واإلعــام‪،‬‬ ‫واملرجعيــة؟ وهــذا مــا يزيــد األمــر اشــتباكاً‪،‬‬ ‫ويدفــع بالقانــون إىل تغيــب فاضــح ألسســه‬ ‫املوضوعيــة‪ ،‬وأبعــاد مقاربتــه العلميــة‪ ،‬لــذا‬ ‫نجــد أن الرسديــة املعياريــة للقانــون تحولت‬ ‫مــن مفاعيــل تفكيكيــة كأداة معياريــة إىل‬ ‫حالــة مــن التشــظي والتفتيــت تســوقان‬ ‫أنســاقاً مغلق ـ ًة نتحصــل منهــا عــى معايــر‬ ‫مرتهلــة ومكــرورة بصيغــة أو بأخــرى‪.‬‬ ‫كــا هــي الحــال أيض ـاً مــع مقاربتــه ثالثيــة‬ ‫األبعــاد‪ ،‬إذ ال أدري كيــف أمكــن للمفكــر‬ ‫«تيزينــي» صياغــة األوجــه الثالثــة لرشائــط‬ ‫أدواتــه البحثيــة التــي كان قــد أطلقهــا إبــان‬ ‫حكــم «حافــظ األســد» كتوصيــف معيــاري‬ ‫ومنهجــي لتفكيك «الدكتاتوريــات» والوقوف‬ ‫عــى ماهيــة بنيتهــا متامـاً كــا أوردهــا داخل‬ ‫حــواره مــع مجلــة الجديــد التــي نحــن‬ ‫بصــدد الحــوار املنشــور عــى صفحاتهــا‬

‫ليعيــد تأكيــد ذات الرشائــط الســابقة‪،‬‬ ‫ويرســم مناظــره وفــق تفكيكيــة املســتويات‬ ‫الثالثــة الســابقة ذاتهــا‪1« :‬ـ البنيــة البســيطة‬ ‫أو املركبــة للســلطة ‪2‬ـ ســياقها التاريخــي‬ ‫املفتــوح يف ســابقه والحقــه ‪3‬ـ وظائفهــا‬ ‫املنكشــفة والخبيئــة» ص‪.48‬‬ ‫وبتقديــري أن مثــة التبــاس داخــل أدوات‬ ‫رشائــط «تيزينــي» البحثيــة‪ ،‬وأقصــد هنــا‬ ‫بالتحديــد املــروط األول‪ .‬إذ ليــس مــن‬ ‫الدقــة مبــكان أن يتســاوى يف املفاعيــل‬ ‫التفكيكيــة مــا هــو بســيط كــا هــو املركــب‪،‬‬ ‫فالبســيط حالــة التوصيــف التــي يعتمدهــا‬ ‫منهــج البحــث العلمــي لتخصيــص صــورة‬ ‫اإلشــكالية أي أبعادهــا الخارجيــة‪ ،‬أمــا‬ ‫املركــب فهــو مــا ميكــن أن نســميه األبعــاد‬ ‫التحليليــة‪ ،‬والعميقة للمشــكل أو اإلشــكالية‪،‬‬ ‫وتحصيالتهــا االســتنتاجية‪ ،‬هــذا مــن جهــة‪،‬‬ ‫أمــا مــن الجهــة األخــرى فــإن مــا يقدمانــه‬ ‫األخريــن مــن مرشوطيــة «تيزينــي» كأداة‬ ‫تفكيكيــة ال يتعديــان حالــة وصــف ليــس إال‬ ‫لجملــة حقائــق تاريخيــة تتحــول بالــرورة‬ ‫إىل أنســاق مغلقــة حــن ال يتــم تفعيــل‬ ‫مضامــن أدواتهــا البحثيــة‪.‬‬ ‫ذلــك مــا يجعــل أهميــة رشائــط البحــث‬ ‫معايــره مســتنبطة مــن قوانــن املشــكلة أو‬ ‫املعضلــة‪ ،‬وهــذا كــا أظــن كان ســبباً كافي ـاً‬ ‫لنكتشــف ماهيــة التفريــق بــن مرحلتــن‬ ‫مختلفتــن يف أدائهام وطغيانهــا وحضورهام‬ ‫عــى أصعــد مختلفــة مــن نشــاط املاهيــة‬ ‫الرتكيبيــة للســلطة ومتواليــات حضورهــا‪.‬‬ ‫بيــد أن التفريــق أو االختــاف بــن مرحلتــن‬ ‫مــن حكــم آل األســد‪ ،‬وقــد جــاء ذلــك عــى‬ ‫لســان «طيــب تيزينــي» نفســه فهــو يذهــب‬ ‫إىل الظــن أن مرحلــة بشــار األســد مختلفة يف‬ ‫جوهرهــا عــن مرحلــة أبيــه الطاغيــة األكــر‬ ‫لدرجــة أن مفكرنــا الكبــر «طيــب تيزينــي»‬ ‫يؤكــد جوهــر االختــاف بــن األب‪ ،‬واالبــن يف‬ ‫حــوار أجرتــه معــه صحيفــة الــرأي الكويتيــة‬ ‫يف ‪ /21‬مايــو ‪ 2011‬أي يف األشــهر األوىل‬ ‫النــدالع الثــورة الســورية قائــاً‪« :‬نعلــم أن‬ ‫الرئيــس بشــار األســد قــدم رزمــة مــن الوعود‬ ‫اإلصالحيــة عنــد تســلمه ســدة الرئاســة‪،‬‬ ‫ولكــن يــا لألســف مل يتحقــق التوافــق بــن‬ ‫الوعــود‪ ،‬ومــا هــو قائــم عــى أرض الواقــع‪،‬‬ ‫ويف وقــت كان الرئيــس يطبــق اإلصالحــات‬

‫ســعى الطــرف الثالــث إىل إفشــال هــذه‬ ‫التجربــة»‪ ،‬ويف مــكان آخــر مــن ذلــك‬ ‫الحــوار ينــري «مفكرنــا الكبــر» لتأكيــد‬ ‫مصداقيــة الرئيــس الشــاب‪ ،‬ورضاوة الهجمــة‬ ‫الرشســة عــى تطلعاتــه مــن قبــل الطــرف‬ ‫الثالــث عــى حــد تعبــر «تيزينــي» الــذي‬ ‫يســهب قائـاً‪« :‬خطــاب الرئيــس األســد عــام‬ ‫‪ 2005‬جــاء عــى مســتوى اإلصــاح الوطنــي‪،‬‬ ‫وتطــرق إىل مســائل لهــا أهميــة كــرى لكــن‬ ‫تدخــل الطــرف الثالــث عرقــل العمليــة‬ ‫اإلصالحيــة»‪ ،‬ولــي ال يســتغرقنا االنتظــار راح‬ ‫«املفكــر الكبــر» يكشــف لنــا الــر املكنــون‬ ‫ويعرفنــا عــى الطــرف الثالــث اللغــز قائ ـاً‪:‬‬ ‫«وهــذا الطــرف الثالــث هــو مجموعــات‬ ‫مــن الفئــات الفاســدة‪ .‬يف ســورية رصاع بــن‬ ‫القديــم‪ ،‬والجديــد‪ ،‬وهــذا ال ـراع يف شــكل‬ ‫الفــت اليــوم‪ ،‬فالطــرف القديــم مــا زال‬ ‫شــديد التمســك بأجندتــه»‪.‬‬ ‫مل يعــد خافيـاً القلــق الــذي يســتغرق مفكـرا ً‬ ‫بحجــم «طيــب تيزينــي» فالرجــل حســم‬ ‫أمــره مصدقــاً مــا كانــت تشــيعه األجهــزة‬ ‫األمنيــة إبــان ربيــع دمشــق‪ ،‬وهــي محاولــة‬ ‫أمثــرت مناخــاً مــن الخديعــة لتربئــة بشــار‬ ‫األســد يف نكوصــه عــن وعــوده املخادعــة‪،‬‬ ‫وتصويــر املشــهد الســيايس يف ســورية عــى‬ ‫هيئــة حــرس قديــم‪ ،‬وحــرس جديــد‪ ،‬وأن‬ ‫لــكل منهــا أجندتــه‪ ،‬وتطلعاتــه‪ ،‬وأن مــا‬ ‫يجــري يف الكواليــس هــو حالــة احــراب‬ ‫خفــي بينهــا‪.‬‬ ‫والالفــت يف األمــر هنــا أن ترصيحــاً مــن‬ ‫هــذا الط ـراز جــاء يف وقــت كانــت شــوارع‬ ‫املحافظــات الســورية محتشــدة باملتظاهرين‬ ‫املطالبــن بالحريــة والكرامــة‪.‬‬ ‫هنــا تــأيت املفارقــة يف التحصيــات التــي بنــى‬ ‫عليهــا تيزينــي مرشوطيتــه ذات الــرؤوس‬ ‫الثالثــة لتكــون أشــبه مبفتــاح لــكل األقفــال‬ ‫مــا أفقدهــا خصوصيتهــا ومتيزهــا عــن‬ ‫املناظــر األخــرى التــي عكفــت عــى تفكيــك‬ ‫الدكتاتوريــات العربيــة‪ ،‬وفــق منهــج البحــث‬ ‫العلمــي الــذي يســتمد قوانينــه الوضعيــة‬ ‫مــن معــرك املشــكلة‪ ،‬ومعانيهــا اإلنســانية‬ ‫داخــل ســياق أنســاق مفتوحــة التطلعــات‬ ‫واملقاربــات‪ ،‬ودون اصطفــاف قلــق تــاىش‬ ‫يف يأســه‪ ،‬وكان لقمــة ســائغة للغيــاب‪،‬‬ ‫واالندثــار‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫ّ‬ ‫تدخل جراحي‬

‫عبد اهلل القصير‬ ‫أدرك الســوريون قبــل غريهــم مــن‬ ‫الشــعوب أن تغيــر القناعــات أمــر نــادر‬ ‫الحــدوث ورمبــا معــدوم أيضــاً‪ ،‬خاصــة إذا‬ ‫جــرت كمحــاوالت عــن طريــق اإلقنــاع‬ ‫والحــوار وتقديــم الرباهــن واألدلــة‬ ‫واالســتنتاجات واالســتقراءات السياســية‬ ‫واإلنســانية واألخالقيــة والدينيــة‪ ،‬وتوصلــوا‬ ‫إىل حقيقــة علميــة تنفــي أي نجــاح يف تغيــر‬ ‫قناعــة أي شــخص إن مل يتــم ذلــك بتدخــل‬ ‫جراحــي يف املــخ أو باســتخدام أشــعة الليزر‪،‬‬ ‫هــذا الكشــف الطبــي نــال بســببه أحــد‬ ‫الجراحــن الســوريني عــدة ب ـراءات اخ ـراع‬ ‫وجوائــز عامليــة‪ ،‬بعــد أن أجــرى الكثــر مــن‬ ‫التجــارب واملقارنــات بــن تالفيــف املــخ يف‬ ‫رؤوس العديــد مــن الضحايــا والقتــى ممــن‬ ‫ســقطوا يف مختلــف الجبهــات واملواقــع‪،‬‬ ‫واســتحدث طريقــة يقــوم مــن خاللهــا‬ ‫بتعديــات معينــة يف تلــك التالفيــف‪ ،‬وعــى‬ ‫أثرهــا يتخلــص اإلنســان مــن قناعـ ٍ‬ ‫ـات كان‬ ‫قابعـاً فيهــا كالســجني‪ ،‬ليبــدأ مرحلــة جديدة‬ ‫بقناعــات يختارهــا مــن «الكتالــوغ» الذيــن‬ ‫يطلعــه عليــه الطبيــب قبــل العمليــة‪.‬‬ ‫يف أحــد البلــدان املجــاورة لســوريا‪ -‬حيــث‬ ‫تقــع‪ -‬شــهدتْ عيــادة هــذا الطبيــب‬ ‫إقبــاالً غــر مســبوق‪ ،‬آالف الســوريني وغــر‬ ‫الســوريني حجــزوا مواعيــد عنــده‪ ،‬وأنــا‬ ‫واحــد منهــم‪ ،‬عندمــا وصلــت إىل غرفــة‬ ‫االنتظــار كان قــد مــى عــى حجــز موعــدي‬ ‫ســتة أشــهر‪ ،‬غرفــة كبــرة فيهــا ســكرترية‬ ‫جميلــة‪ ،‬وتســعة مقاعــد مشــغولة بطالبــي‬ ‫التغيــر‪ ،‬ومثــل أي مريــض ينتابنــي قلــق‬ ‫ـت للمريض‬ ‫كبــر مــن فشــل العمليــة‪ ،‬أصغيـ ُ‬ ‫الــذي يجلــس بجانبــي وهــو يح ـ ّدث جــاره‬ ‫يف املقعــد‪:‬‬ ‫ ابــن عمــي و ّدع أهلــه بعــد أن قــرر القتــال‬‫يف صفــوف داعــش‪ ،‬ومل تنجــح كل مســاعي‬ ‫عمــي يف إقناعــه بالبقــاء‪ ،‬إىل أن وضــع لــه‬ ‫حبــة منــ ّوم يف كأس الشــاي‪ ،‬واعتقلــه يف‬ ‫غرفــة مظلمــة‪ ،‬إىل أن جــاء دوره إلجــراء‬ ‫العمليــة هنــا‪.‬‬ ‫ إي‪ ،‬وهل نجحت؟‬‫ هــو هــووووو‪ ..‬ذهبــت لزيارتــه فوجدتــه‬‫منكبــاً يف كتابــة بحــث عــن منعكســات‬ ‫إطــاق الحريــات يف الــرق األوســط‪ ،‬ووجد‬ ‫لنفســه مكانـاً مرموقـاً يف تيــار ســيايس فتحه‬ ‫أحــد األثريــاء‪.‬‬ ‫مل يكــن ذلــك الحديــث الوحيــد الــذي‬ ‫ســمعته يف تلــك اللحظــات‪ ،‬أحدهــم يريــد‬ ‫أن ينــزع فكــرة متجيــده املســتمر للجيــش‬ ‫الســوري «بطعمــة وبــا طعمــة» بعــد أن‬ ‫رفــض االلتحــاق بــه عندمــا وصلــه تبليــغ‬ ‫الخدمــة االحتياطيــة مــن شــعبة التجنيــد‪،‬‬ ‫مــا اضطــره للهــرب خــارج البــاد دون‬ ‫أن يقلــع عــن متجيــد «رجــال اللــه عــى‬ ‫األرض»‪ ،‬بينــا اآلخــر يعــاين مــن متالزمــة‬ ‫«هــذه ليســت ثــورة» منــذ أن انطلقــت‬

‫يف آذار ‪ ،2011‬هــو اآلن ال يريــد أن يغــر‬ ‫قناعتــه لتصبــح «هــذه ثــورة و‪ 600‬ثــورة»‪،‬‬ ‫بــل كان يريــد أن ينســف هــذه الحالــة‬ ‫الببغائيــة مــن جذورهــا‪ ،‬فكلــا دار حديــث‬ ‫بينــه وبــن أحــد مــا يقــول‪« :‬أنــا معــارض‬ ‫للنظــام ولكــن يــا عمــي مــو هيــك الثــورة‬ ‫بتصــر؟» معظــم مــا كتبــه عــى صفحتــه‬ ‫يف فيــس بــوك كان يتمحــور عــن هــذه‬ ‫النقطــة بالتحديــد‪ ،‬يف الفــرة األخــرة أدرك‬ ‫أن مثــة يشء مــا يف مخــه بحاجــة للتغيــر‪،‬‬ ‫بعــد أن ضايقتــه بعــض ردود األصدقــاء‬ ‫واســتهزاءاتهم املتكــررة‪.‬‬ ‫امــرأة شــابة جلســت يف الطــرف املقابــل‪،‬‬ ‫قالــت للســكرترية إنهــا تريــد أن تغــر نظرتها‬ ‫للنظــام الســوري‪ ،‬وبحســب وشوشــاتها‬ ‫فهــي مل تــرك مســرة مؤيــدة دون أن‬ ‫تكــون حــارضة يف قلبهــا وعــى األكتــاف‬ ‫أيضـاً‪ ،‬رافعــة صــورة الرئيــس‪ ،‬وهاتفـ ًة حتــى‬ ‫تج ّرحــت حبالهــا الصوتيــة‪« :‬اللــه‪ ..‬ســوريا‪..‬‬ ‫بشــار وبــس»‪ ،‬ســألتها الســكرترية عــن‬ ‫دوافعهــا لتغيــر اتجاههــا هــذا‪ ،‬فقالــت لهــا‪:‬‬

‫«هــذا النظــام ألقــى براميــل عــى مدينتنــا‬ ‫بعــدد الذيــن كانــوا يخرجــون يف املسـرات‪،‬‬ ‫أحــد الرباميــل قتــل زوجــي وابنــي الصغــر‪،‬‬ ‫بينــا نجــوت بأعجوبــة‪ ،‬ومــع ذلــك مــا‬ ‫زلــت غــر قــادرة عــى منــع نفــي عــن‬ ‫حــب ذلــك الرئيــس الشــاب‪ ،‬الطبيــب‬ ‫املتعلــم يف بريطانيــا‪« ،‬بحبّــه مــو بإيــدي يــا‬ ‫أختــي‪ ،‬لذلــك جئــت إىل هنــا»‬ ‫عندمــا رن الجــرس عنــد الســكرترية نظــرت‬ ‫ـت‬ ‫إ ّيل وقالــت‪« :‬تفضــل جــاء دورك»‪ ،‬دخلـ ُ‬ ‫إىل ذلــك الطبيــب املعجــزة خائف ـاً وخج ـاً‬ ‫ومــرددا ً‪ ،‬جلســت عــى الكــريس بعــد إشــارة‬ ‫لطيفــة منــه‪ ،‬وســألني عــى الفــور‪« :‬مــا‬ ‫الــذي تريــد أن نفعلــه بأفــكارك وقناعاتــك‬ ‫يــا عبــد اللــه؟»‬ ‫ أريد‪ ..‬أريد أن أغري قناعايت السياسية‬‫ أكيــد‪ ..‬أنــت هنــا مــن أجــل هــذا‪ ،‬حدثنــي‬‫عــن قناعاتــك الحالية‬ ‫ طيب‪ ..‬أنا معارض للنظام‬‫ متــام‪ ..‬ولكــن هــذا ال يكفــي‪ ،‬املعارضــون‬‫أنــواع‬

‫صحيفة احلرمل‪ :‬ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريني‬

‫ أنــا أعتــر أن مــا حدث هــو ثــورة‪ ،‬ووقفت‬‫معهــا ألننــي عــى قناعــة تامــة أننــا نحتــاج‬ ‫لعــدة ثــورات وليــس ثــورة واحــدة‪ ..‬حتــى‬ ‫نتحــول إىل دولــة يعيــش فيهــا مواطنوهــا‬ ‫ي يــا‬ ‫باحــرام‪ ،‬هــذه الفكــرة تســيطر عــ ّ‬ ‫دكتــور‪ ،‬ال أســتطيع أن أقبــل مــا فعلــه‬ ‫الجيــش واملخابــرات بالنــاس‪ ،‬منــذ األيــام‬ ‫األوىل‪ ،‬أقـ ُ‬ ‫ـرف مــن كل شــخص حدثنــي عــن‬ ‫نســاء الضبــاط اللــوايت كان ينــوي حمــزة‬ ‫الخطيــب اغتصابهــن‪ ،‬أنــا اآلن يــا دكتــور‬ ‫إذا قــررت اغتصــاب نســاء الضبــاط‪ ،‬إىل‬ ‫أيــن أذهــب؟ هــل هــ ّن مســتلقيات يف‬ ‫الشــارع عاريــات ويرفعــن أرجلهــن للســاء‪،‬‬ ‫بانتظــار حمــزة أو غــره مــن املغتصبــن؟؟‬ ‫ال أســتطيع أن أحاكــم معادلــة ال ـراع اآلن‬ ‫عــى أنهــا حــرب بــن تنظيــات إرهابيــة‬ ‫ونظــام مجــرم‪ ،‬دون أن أقــف مطــوالً عــن‬ ‫الخطــة األمنيــة التــي شــاءت أن توصــل‬ ‫البــاد إىل مــا وصلــت إليــه‪ ،‬أنــا مقتنــع أن‬ ‫بالدنــا ذاهبــة ال محالــة إىل هــذا املصــر‬ ‫الــذي وصلنــا لــه‪ ،‬لــو مل يكــن عــام ‪2011‬‬ ‫لــكان ‪ 2020‬مث ـاً‪ ،‬ألن املقدمــات املنطقيــة‬ ‫متوفــرة بكــرة عندنــا‪ ،‬البــاد التــي يحكمهــا‬ ‫ديكتاتــور هــي بــاد بــا مناعــة وال حصانــة‪.‬‬ ‫ طيــب طيــب‪ ..‬فهمــت عليــك‪ ،‬خــذ‬‫هــذا الكتالــوغ‪ ،‬تصفحــه برسعــة‪ ،‬وحــدد‬ ‫القناعــات التــي تريدهــا‬ ‫أخــذت الكتالــوغ مــن يــده وبــدأت‬ ‫أتصفحــه‪ ،‬قــرأت «مســاطر» كثــرة موجــودة‬ ‫وخيــارات متنوعــة وضعــت لهــا رشوحــات‬ ‫بســيطة تحــت عناويــن عامــة‪ ،‬منهــا‪:‬‬ ‫(بوصلــة حســن نــر اللــه – شــعب مــا‬ ‫بيمــي إال بالرصمايــة – إبــادة العلويــن‬ ‫– مســح الســنة – محــارق األقليــات – ال‬ ‫مــع هــدول وال مــع هــدول – بيعجبنــي‬ ‫كالم هيثــم منــاع – ضــد الديــن وبتشــتغل‬ ‫مــع اإلخــوان املســلمني – ضــد النظــام‬ ‫والفســاد وأشــهد أن فــراس طــاس طلــع‬ ‫بتيابــه – داعــي – جبهــة نــرة – ضــد‬ ‫اإلســام باســتثناء طائفتــك – ضــد طائفتــك‬ ‫ومــ ّداح للســ ّنة – مــا بتعــرف شــو بــدك‬ ‫– مؤيــد للعضــم – مــع الثــورة املســلحة‬ ‫وبــدك متــارس اللواطــة مــع املتظاهريــن‬ ‫الســلميني – مــع الثــورة الســلمية حتــى لــو‬ ‫انقتلــوا كل جريانــك إال أهلــك‪ -‬أردوغــان‬ ‫وبــس – العلامنيــة اخ ـراع إســامي – ألنــو‬ ‫مــا منحــب بعــض – انتهــت الثــورة – شــاعر‬ ‫غــزيل وال كأنــو صايــر يش – بكــدايش مــع‬ ‫حــزب اللــه – ماركــي مــع داعــش‪ ،‬مــن‬ ‫جامعــة الداخــل الــي بيســبوا عالــي طلعــوا‬ ‫– مــن جامعــة الخــارج الــي عــم يســبوا‬ ‫عالــي بالداخــل‪).....‬‬ ‫وغريهــا الكثــر مــن العناويــن التــي‬ ‫تســتحرض قراءتهــا شــعورا ً قويــاً بالــدوار‪،‬‬ ‫قــال الطبيــب‪:‬‬ ‫ ماذا قررت؟‬‫‪ -‬امممممممــم برصاحــة محتــار‪ ..‬ولكــن‬

‫‪YIL: 2015 )1) - İMTİYAZ SAHİBİ: ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: MAJED RASHEED ALOWAYYED‬‬

‫‪00905393102133‬‬

‫‪MOB:‬‬

‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬

‫أريــد «مؤيــد للعضــم»‬ ‫ شو السبب؟‬‫ واللــه يــا دكتــور لعــدة أســباب‪ ..‬هــي‬‫نــوع مــن التحــدي والفضــول وراحــة البــال‬ ‫أيضــاً‪ ..‬التحــدي هــو معــك‪ ،‬ال أظــن أنــك‬ ‫ســتنجح أن تجعلنــي مؤيــدا ً‪ ،‬إن اعتمــدتُ يف‬ ‫تفكــري عــى البديهيــات فقــط‪ ،‬فلــن أكــون‬ ‫مؤيــدا ً‪ ،‬أمــا الفضــول فأريــد أن أعــرف – يف‬ ‫حــال نجحــت العمليــة كيــف يفكــر هــؤالء‪،‬‬ ‫أمــا راحــة البــال فهــي متأتيــة ‪ -‬برأيــي ‪ -‬عن‬ ‫عــدم التفكــر يف حــال نجحــت العمليــة‬ ‫أيض ـاً‪.‬‬ ‫كتــب الطبيــب وصــاً‪ ،‬حــدد فيــه موعــد‬ ‫العمليــة بعــد أســبوع‪ ،‬أســبوع مــى برسعة‬ ‫ومــى بعــده وبعــد العمليــة ثالثــة أشــهر‪،‬‬ ‫بالفعــل كان الطبيــب صادقــاً ومحرتفــاً‪،‬‬ ‫عندمــا رأيــت صــورة حمــزة الخطيــب قلت‪:‬‬ ‫«بيســتاهل ألنــه كان يريــد اغتصــاب نســاء‬ ‫ضبــاط جيشــنا الباســل»‪ ،‬يف األول مــن شــهر‬ ‫آب كتبــت يف عيــد الجيــش «وطــن رشف‬ ‫إخــاص‪ ..‬واللــه محيــي الجيــش اللــه محيــي‬ ‫الجيــش»‪ ،‬يف الفيديــو الــذي يطلــب فيــه‬ ‫عنــر األمــن مــن امــرأة وزوجهــا تقليــد‬ ‫تعاطفــت مــع العنــر‪،‬‬ ‫صــوت الحــار‬ ‫ُ‬ ‫وقلــت‪« :‬عراعــر كالب بيســتاهلوا»‪ ،‬عندمــا‬ ‫شــاهدت ســيادة الرئيــس عــى التلفــاز‬ ‫يقــول‪« :‬نحــن مل نســتخدم الرباميــل مطلقـاً»‬ ‫قلــت‪« :‬الكيــاوي يليــق بكــم»‪ ،‬وملــا قــال‬ ‫حســن نــر اللــه‪« :‬طريــق القــدس ميــر‬ ‫مــن الحســكة» قلــت‪« :‬املــوت إلرسائيــل‬ ‫املــوت إلرسائيــل»‪ ..‬حــن قــرأت اســم «زيك‬ ‫كورديللــو» بصقــت عــى شاشــة الالبتــوب‪،‬‬ ‫ومســحتها بعــد قليــل بصــدري بعــد أن‬ ‫عانقــت الشاشــة لحظــ َة رأيــت صــورة‬ ‫الفنانــة «رغــدة» إذ باغتتهــا استشــاطتها‬ ‫الشــهرية‪.‬‬ ‫يــا إلهــي‪ ،‬نجحــت العمليــة!!! خــرت‬ ‫التحــدي وأصبحــت مؤيــدا ً‪ ،‬مل يكــن فضــوالً‬ ‫كانــت خيانــة‪ ..‬خيانــة لنفيس أوالً‪ ،‬ومل أشــعر‬ ‫براحــة البــال أبــدا ً‪ ،‬مل يكــن األمــر دعابــة‬ ‫أو مزحــة‪ ،‬مل تكــن تجربــة مــن تجــارب‬ ‫الكامــرا الخفيــة‪.‬‬ ‫عــدت إىل عيــادة الطبيــب مرسع ـاً‪ ،‬دخلــت‬ ‫إليــه دون موعــد ودون الوقــوف يف الطابــور‬ ‫ودون إذن مــن الســكرترية‪.‬‬ ‫ أرجــوك يــا دكتــور‪ ،‬أريــد أن أعــود كــا‬‫كنــت‬ ‫ كيف؟‬‫ تقول كيف؟ بعملية ثانية‪ ،‬أنا نادم‬‫ لألسف‪ ،‬ال أستطيع‬‫ ال تستطيع؟؟ ملاذا؟؟‬‫ أنــا مل أجــرك عــى اختيــار قناعاتــك‬‫الجديــدة‪ ،‬أنــت اخرتتهــا‪ ،‬وكل مــن يقــع‬ ‫اختيــاره عــى «مؤيــد للعضــم» نســتأصل‬ ‫لــه كل مراكــز التفكــر يف املــخ ومل يتوصــل‬ ‫العلــم بعــد إىل طريقــة لزراعتهــا بشــكل‬ ‫ناجــح‪.‬‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫رئي��س جمل��س اإلدارة‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ -‬رئي��س التحري��ر‪ :‬ماج��د رش��يد العوي��د ‪ -‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعيس للتواصل عرب فيس بوك‬ ‫هيئة التحرير‪ :‬حممد احلاج صاحل‪ ،‬خلف اجلربوع‪ ،‬أسعد فخري‪ ،‬إبراهيم العلوش‪ ،‬عروة املهاوش‬ ‫عالقات عامة‪ :‬حممد صلييب ‪ -‬مصور‪ :‬إياس احملمد احملت��وى الف�ني‪ :‬مصطفى س��ليمان‪ -‬ديزاي��ن‪ :‬عبدالرمحن اهلويدي للتواصل عرب تويرت‬ ‫‪ ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬ ‫‪SAYI:24‬‬

‫‪15‬‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬

‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Muzaffer kartal bahçelievler- hekŞmler apt no.3 ŞanliUrfa‬‬


‫‪16‬‬

‫زاويـة حـرة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫حرب املئة عام‬ ‫من التخطيط إىل التنفيذ‬ ‫بسام البليبل‬

‫رحيل الفنان السوري محود الصطاف‬ ‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫مل يتســ َن ملدينــة الرقــة أن تــودع ابنهــا الفنــان‬ ‫«حمــود الصطــاف» الــذي غ ّيبــه املــوت يف مدينــة‬ ‫الالذقيــة بعــد معانــاة طويلــة مــع املــرض‪ ،‬ومل يتكفــل‬ ‫أبنــاء الرقــة بوداعــه األخــر‪ ،‬هكــذا رحــل فنــان الرقــة‬ ‫املرسحــي بصمــت ودون ضجيــج‪ ،‬وبــا كلــات تشــيد‬ ‫مبناقبــه ومآثــره تُتــى يف يــوم رحيلــه‪.‬‬ ‫بــدأ الفنــان الراحــل حمــود الصطــاف مشــواره الفنــي يف‬ ‫عــام ‪ /1957/‬مــن خــال عــرض مرسحيــات مقتبســة مــن‬ ‫واقــع الرقــة‪ ،‬تم تقدميهــا يف املناســبات الوطنيــة والقومية‪،‬‬ ‫وعرضــت أمــام مقهــى «الرسايــا القدميــة»‪ ،‬منهــا مرسحيــة‬ ‫«مهــازل محاكــم املهــداوي»‪ ،‬وكانــت مــن تأليــف وإخـراج‬ ‫األســتاذ «إســاعيل الحمــود»‪ ،‬ومنهــا أيضــاً مرسحيــة‬ ‫«‪ /23/‬متــوز االنقــاب عــى امللك فــاروق»‪ ،‬والتــي عرضت‬ ‫يف عــام ‪ /1958/‬وكان مــن أبطالهــا «محمــد إبراهيــم‬ ‫الخــر» و»عبــد الغفــور العجيــي» و»طــه النــارص‬ ‫املهــاوش»‪ .‬كــا شــارك يف افتتــاح نــادي «الرشــيد الريــايض‬ ‫الثقــايف الفنــي»‪ ،‬الــذي كان يعتــر آنــذاك نقلــة نوعيــة يف‬ ‫مجــال الثقافــة‪ ،‬والنشــاطات األدبيــة املتنوعــة‪ ،‬فلقــد كان‬ ‫لهــذا النــادي العديــد مــن املشــاركات الرياضيــة‪ ،‬ورعايــة‬

‫املوهوبــن ثقافيــاً وفنيــاً‪ ،‬وعــرض فيــه العديــد مــن‬ ‫املرسحيــات املقتبســة مــن واقــع «الرقــة» املعــاش آنــذاك‪،‬‬ ‫ومنهــا‪« :‬الخانجــي»‪« ،‬طبيــب يف العيــادة»‪« ،‬بــدوي يف‬ ‫دمشــق»‪ ،‬مرسحيــة «الكســيح»‪ ،.‬كــا شــارك الصطــاف يف‬ ‫بطولــة عــدد كبــر مــن األفــام الســينامئية واملسلســات‬

‫التلفزيونيــة‪.‬‬ ‫يذكــر أن الفنــان «حمــود الصطــاف» مــن مواليــد مدينــة‬ ‫«الرقــة» عــام ‪ ،/1937/‬وهــو عضــو يف مؤسســة «الرقــة»‬ ‫لإلنتــاج الســيناميئ والتلفزيــوين واإلذاعــي والتوزيــع‪ ،‬وهــو‬ ‫متــزوج ولديــه ولديــن‪ ،‬وثــاث بنــات‪.‬‬

‫اجملتمع املدني‬ ‫وفاء شهاب الدين‬

‫صــدر حديثــاً عــن مجموعــة‬ ‫النيــل العربيــة للنــر والتوزيــع‬ ‫بالقاهــرة كتــاب «املجتمــع‬ ‫املــدين‪ ..‬املخاطــر واآلمال» لألســتاذ‬ ‫الدكتــور أبــو بكــر الهــوش‪.‬‬ ‫ليــس املجتمــع املــدين نقيضــاً‬ ‫للدولــة أو معاديـاً لهــا‪ ،‬بـ ْـل يصــب‬ ‫يف مجراهــا ويدعمهــا‪ ،‬فــإذا كانــت‬ ‫دولــة دميقراطيــة تتمتع بالشــفافية‬ ‫واحــرام القانــون واملؤسســات‬ ‫الدســتورية قــام التعــاون بينهــا‬ ‫وبــن قــوى املجتمــع املــدين‪ .‬أ َّمــا‬ ‫فــت‬ ‫إنْ كانــت اســتبدادية ضَ ُع ْ‬ ‫أركان املجتمــع وتالشــت‪.‬‬ ‫بهــذا املفهــوم‪ ،‬بــدا واضحـاً أهميــة‬

‫الــدور الــذي تضطلــع بــه منظامت‬ ‫املجتمــع املــدين‪ ،‬ومســاهمتها يف‬ ‫حــل بعــض األزمــات االجتامعيــة‪،‬‬ ‫وانتــزاع بعــض حقــوق اإلنســان‬ ‫التــي رشعتها الرســاالت الســاوية‪،‬‬ ‫وأقرتهــا املواثيــق الدوليــة‪.‬‬ ‫وهــذا البحــث العلمــي‪ ،‬يتنــاول‬ ‫قضايــا املجتمــع املــدين‪ ..‬نشــأته‪،‬‬ ‫وتطــوره‪ ،‬وجــذوره ومظاهــره يف‬ ‫التاريــخ اإلســامي‪ ،‬ودور املجتمــع‬ ‫املــدين يف اإلصــاح االجتامعــي‪،‬‬ ‫ودوره يف التنميــة‪ ،‬ودوره يف‬ ‫دعــم مســرة الدميقراطيــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬والعالقــة بــن (الدولــة)‬ ‫و(املجتمــع املــدين)! ودور األمــم‬

‫مــا زال شــعار املرحلــة ـ يف الع ـراق وســوريا عــى أقــل تقديــر‬ ‫ـ تقســيم املقســم وتجــزيء املجــزأ‪ ،‬وإن تعزيــز الوجــود‬ ‫العســكري الــرويس يف ســوريا ـ مــع األخــذ بعــن االعتبــار أنــه‬ ‫تحــرك اســتباقي لتأمــن املصالــح الروســية ـ إمنــا يصــب يف هــذا‬ ‫الهــدف‪ ،‬ويســعى إىل منــع حــدوث تغـرات جوهريــة يف قواعــد‬ ‫رع يف إســقاط نظــام األســد‪ ،‬وتبــدد آخــر أحالمــه يف‬ ‫الـراع تـ ّ‬ ‫دولــة الســاحل التــي ال زال قــادرا ً عــى إقامتهــا‪.‬‬ ‫وإن شــجب الرئيــس أوبامــا لهــذه السياســة الروســية‪ ،‬ووصفهــا‬ ‫باإلسـراتيجية الفاشــلة‪ ،‬إمنــا هــو نــوع مــن ذر الرمــاد يف العيون‪،‬‬ ‫واللعــب عــى سياســة النكــوص يف حــال تغــرت السياســة‬ ‫األمريكيــة عــى ضــوء املفاجــآت غــر املتوقعــة‪ ،‬واملتغــرات‬ ‫السياســية الدوليــة‪ ،‬ذلــك أن أوبامــا قــد كــ ّرس خــال فــريت‬ ‫واليتيــه الرئاســية أن خطابــة ال يتســاوق مــع الواقــع دامئــاً‪،‬‬ ‫وأنــه يتهــرب مــن اتخــاذ القـرارات الصعبــة إىل تنفيــذ املشــاريع‬ ‫السياســية املســبقة التــي توافــق عليهــا صانعــو االس ـراتيجيات‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬حيــث أن مــا يشــهده الوطــن العــريب اليــوم إمنــا‬ ‫هــو تنفيــذ دقيــق ملــروع برنــارد لويــس التفكيــي والــذي‬ ‫وافــق عليــه الكونغــرس األمريــي باإلجــاع يف جلســة رسيــة‬ ‫عــام ‪ 1983‬والهــادف إىل تفكيــك الوحــدة الدســتورية لجميــع‬ ‫الــدول العربيــة واإلســامية‪ ،‬وتفتيــت كل منهــا إىل مجموعــة‬ ‫مــن الكانتونــات والدويــات العرقيــة والدينيــة واملذهبيــة‬ ‫والطائفيــة‪.‬‬ ‫كث ـرا ً مــا أثــار دهشــتنا ترصيــح بعــض السياســيني األمريكيــن‬ ‫القائــل بــأن الحــرب مــع داعــش طويلــة األمــد‪ ،‬وأنهــا قــد‬ ‫تســتمر لثالثــة عقــود‪ ،‬ولكــن هــذا ليــس كالمــاً‬ ‫ملقــى عــى‬ ‫ً‬ ‫عواهنــه أو نوع ـاً مــن التمنيــات األمريكيــة‪ ،‬وإمنــا هــو هــدف‬ ‫قــد عملــت عليــه القــوى الغربيــة‪ ،‬ويدخــل يف شــمول إثــارة‬ ‫النزاعــات العرقيــة والدينيــة واملذهبيــة والطائفيــة‪ ،‬ونظريــة‬ ‫هــري كيســنجر يف حــرب املئــة عــام بــن الســنة والشــيعة التــي‬ ‫مــى منهــا خمســة وثالثــون عامـاً منــذ أن بــدأت مــع الحــرب‬ ‫العراقيــة اإليرانيــة يف مطلــع الثامنينــات مــن القــرن املــايض‪،‬‬ ‫والقامئــة عــى تأجيــج الخــاف العقائــدي بــن الســنة والشــيعة‪،‬‬ ‫وهــذا مــا ميكّــن أمريــكا وإرسائيــل مــن أن تفــرض هيمنتهــا‬ ‫عــى منطقــة مجــزأة ومشــتعلة بالحــروب املذهبيــة والطائفيــة‬ ‫واإلثنيــة‪.‬‬ ‫إن مقاومــة هــذا املــروع واملشــاريع التفكيكية األخــرى يحتاج‬ ‫إىل أكــر مــن عاصفــة حــزم‪ ،‬وإىل التعامــل الواعــي واملــدرك‬ ‫ألهــداف القــوى الغربيــة‪ ،‬وإىل تعزيــز اللحمــة املصلحيــة أكــر‬ ‫مــن اللحمــة القوميــة للقــوى العربيــة التــي يجــب أن تــدرك‬ ‫أن الوطــن العــريب برمتــه هــو الهــدف لهــذا املــروع‪ ،‬وليــس‬ ‫ســوريا والع ـراق فحســب‪.‬‬

‫ّإنا هلل ّ‬ ‫وإنا إليه راجعون‬

‫املتحــدة يف دعــم املجتمــع املــدين‪،‬‬ ‫ومكانــة املــرأة يف املجتمــع املــدين‪،‬‬ ‫وأهــداف منظــات املجتمــع‬ ‫املــدين للطفولــة‪ ،‬كــا يناقــش‬ ‫العقبــات واملعوقــات التــي تواجــه‬ ‫العمــل األهــي‪ ،‬واملخاطــر الناجمة‬ ‫عــن ســوء اســتغالل املنظــات‬ ‫األهليــة‪ ،‬ومســتقبل املجتمــع‬ ‫املــدين يف ظــل ثــورة االتصــاالت‪،‬‬ ‫والعوملــة‪ ،‬والفضائيــات‪ ،‬واألفــق‬ ‫املفتــوح عــى مرصاعيــه‪ ،‬ووســائل‬ ‫التواصــل االجتامعــي كــ(الفيــس‬ ‫بــوك)‪ ،‬و(التويــر)‪ ،‬وغريهــا‪،‬‬ ‫والتــي لعبــت ـ ومــا زالــت تلعــب‬ ‫ــق‬ ‫ـ دورا ً كبــرا ً يف إطــار مــا أُطْلِ َ‬ ‫عليــه «ربيــع الثــورات العربيــة»!‬

‫آل احلمي��دي وعم��وم أه��ل الرق��ة يف‬ ‫أورف��ا واملغ�ترب ينع��ون إليك��م وف��اة‬ ‫املغف��ور ل��ه‪:‬‬ ‫االس��تاذ عل��ي احلمي��دي «أب��و حمم��د»‪،‬‬ ‫ال��ذي وافت��ه املني��ة يف مدين��ة ش��انلي‬ ‫أورف��ا الرتكي��ة‪ ،‬ونقل جثمانه الطاهر‬ ‫إىل ت��ل أبي��ض الس��ورية‬

‫أس��رة صحيفة احلرم��ل تتقدم خبال��ص العزاء‬ ‫آلل الفقي��د وعموم أهل الرقة يف س��وريا وبالد‬ ‫االغ�تراب‪ ،‬س��ائلني امل��وىل ع� ّ‬ ‫�ز وج��ل أن يتغمده‬ ‫بالرمحة واملغف��رة‪ ،‬ويدخله فس��يح جناته‪.‬‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05393102133( :‬أو مراجع��ة مقره��ا (أورف��ا ‪ -‬س��احة املدف��ع)‬

‫اآلراء اليت تنشر باجمللة تعرب عن رأي أصحابها‪ ،‬وال متثل بالضرورة رأي اجمللة‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد الرابع والعشرون ‪ 15 /‬أيلول ‪2015‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.